والحديث أورده بتمامه وفيه الزيادة التي عند أبي داود صاحب " منتخب كنز
العمال (2 / 207) وقال:
رواه ابن أبي شيبة وأبو سعيد النقاش في " القضاة ".
وللحديث شاهد مرفوع بلفظ:
" إنما أنا بشر، فما حدثتكم من الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي،
فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 27) : حدثنا إسماعيل بن عبد الله الأصبهاني
حدثنا حسين بن حفص حدثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة عن أبيه عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس قال:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في النخل بالمدينة، فجعل الناس
يقولون: فيها وسق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيها كذا وكذا،
فقالوا: صدق الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.
وقال البزار: " لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد ".
قال الهيثمي " إسناده حسن إلا أن شيخ البزار لم أر من ترجمه.
قال الحافظ: " قلت: هو الحافظ الشهير سمويه ترجمه أبو نعيم في " تاريخه "،
ووثقه ابن منده وأبو الشيخ وأبو نعيم وغيرهم ".
456 - " خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر ".
أخرجه الدولابي (1 / 173) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (7 / 113 / 2)
من طريقين عن صفوان بن عمرو عن يزيد بن أيهم أبي رواحة عن عمرو بن حبيب أنه
قال لسعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال:(1/818)
فذكره.
وهذا سند حسن يزيد بن أيهم روى عنه جماعة من الثقات منهم صفوان هذا، ومحمد
بن حميد وإسماعيل بن عياش، وقد وثقه ابن حبان.
وفي " الجامع ": " رواه الدولابي في " الكنى " وأبو نعيم في " المعرفة "
وابن عساكر عن عمرو بن حبيب ".
ولم يتكلم عليه الشارح بشيء غير أنه زاد في الرواة: الديلمي.
457 - " ألا إني أوشك أن أدعى فأجيب، فيليكم عمال من بعدي، يقولون ما يعلمون
ويعملون بما يعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك دهرا، ثم يليكم
عمال من بعدهم يقولون ما لا يعلمون، ويعملون ما لا يعرفون فمن ناصحهم
ووازرهم وشد على أعضادهم فأولئك قد هلكوا وأهلكوا خالطوهم بأجسادكم
وزايلوهم بأعمالكم واشهدوا على المحسن بأنه محسن وعلى المسيء بأنه مسيء ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 196 / 2) والبيهقي في " الزهد الكبير "
(22 / 1) والسياق له عن حاتم بن يوسف حدثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي -
قاضي مرو - قال: سمعت عبد الله بن بريدة يحدث عن يحيى بن يعمر عن أبي سعيد
الخدري قال:
" قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا، فكان من خطبته أن قال "،
فذكره.
وقال الطبراني:
" لم يروه عن يحيى إلا ابن بريدة، ولا عنه إلا عبد المؤمن تفرد به حاتم ".(1/819)
قلت: وهو ثقة، وكذلك من فوقه، فالسند صحيح.
458 - " خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم عليه السلام مما
قد وصف لكم ".
رواه مسلم (8 / 226) وابن منده في " التوحيد " (32 / 1) والسهمي في
" تاريخ جرجان " (62) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 277 - هند)
وابن عساكر (2 / 310 / 1) عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة مرفوعا.
قلت: وفيه إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: " أول ما خلق
الله نور نبيك يا جابر ". ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه صلى الله عليه
وسلم خلق من نور، فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين
خلقوا من نور، دون آدم وبنيه، فتنبه ولا تكن من الغافلين.
وأما ما رواه عبد الله بن أحمد في " السنة " (ص 151) عن عكرمة قال:
" خلقت الملائكة من نور العزة، وخلق إبليس من نار العزة ".
وعن عبد الله بن عمرو قال:
" خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر ".
قلت: فهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها، لأنها لم ترد عن
الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
459 - " الخلافة ثلاثون سنة، ثم تكون بعد ذلك ملكا ".
أخرجه أبو داود (4646، 4647) والترمذي (2 / 35) والطحاوي في " مشكل
الآثار " (4 / 313) وابن حبان في " صحيحه " (1534، 1535 - موارد)(1/820)
وابن
أبي عاصم في " السنة " (ق 114 / 2) والحاكم (3 / 71، 145) وأحمد في
" المسند " (5 / 220، 221) والروياني في " مسنده " (25 / 136 / 1)
وأبو يعلى الموصلي في " المفاريد " (3 / 15 / 2) وأبو حفص الصيرفي في
" حديثه " (ق 261 / 1) وخيثمة بن سليمان في " فضائل الصحابة " (3 / 108 -
109) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 8 / 1) وأبو نعيم في " فضائل
الصحابة " (2 / 261 / 2) والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 2) من طرق عن
سعيد بن جمهان عن سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره مرفوعا.
ولفظ أبي داود:
" خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء ".
وزاد هو والترمذي وابن أبي عاصم وأحمد وغيرهم:
" قال سفينة: أمسك خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين، وخلافة عمر رضي الله
عنه عشر سنين، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثني عشر سنة، وخلافة على رضي
الله عنه ست سنين ".
وزاد الترمذي:
" قال سعيد: فقلت له: إن بنى أمية يزعمون أن الخلافة فيهم، قال: كذبوا بنو
الزرقاء، بل هم ملوك من شر الملوك ".
قلت: وهذه الزيادة تفرد بها حشرج بن نباتة عن سعيد بن جمهان، فهي ضعيفة لأن
حشرجا هذا فيه ضعف، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال:
" قال النسائي: ليس بالقوي ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ".
قلت: وأما أصل الحديث فثابت.
قال الترمذي: " وهذا حديث حسن، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان، ولا
نعرفه إلا(1/821)
من حديث سعيد بن جمهان ".
وقال ابن أبي عاصم: " حديث ثابت من جهة النقل، سعيد بن جمهان روى عنه حماد
بن سلمة والعوام بن حوشب وحشرج ".
قلت: وقد وثقه جماعة من الأئمة منهم أحمد وابن معين وأبو داود.
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أفراد ":
قلت: ولذلك قوي حديثه هذا من سبق ذكره، ومنهم الحاكم صحح إسناده هنا، كما
صححه في حديث آخر (3 / 606) قرنه أحمد بهذا الحديث، ووافقه الذهبي. وأشار
إلى مثل هذا التصحيح الحافظ في " الفتح " (13 / 182) فقال موافقا:
" وصححه ابن حبان وغيره ".
واحتج به الإمام ابن جرير الطبري في جزئه في " الاعتقاد " (ص 7) .
وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية في " قاعدة " له في هذا الحديث محفوظة في المكتبة
الظاهرية بخطه في " مسودته " (ق 81 / 2 - 84 / 2) قال في مطلعها:
" وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام ابن
حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أهل
السنن كأبي داود وغيره، واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة
الخلفاء الراشدين الأربعة، وثبته أحمد، واستدل به على من توقف في خلافة على
من أجل افتراق الناس عليه، حتى قال أحمد: " من لم يربع بعلى في الخلافة فهو
أضل من حمار أهله ". ونهى عن مناكحته، وهو متفق عليه بين الفقهاء، وعلماء
السنة.... ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى
عشرة هجرية، وإلى(1/822)
عام ثلاثين سنة كان إصلاح ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحسن بن على السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام واحد وأربعين
في شهر جمادى الآخرة، وسمي عام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية، وهو أول
الملوك، وفي الحديث الذي رواه مسلم: " سيكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون
ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض " ... ".
وقد وجدت للحديثين شاهدين:
الأول: عن أبي بكرة الثقفي.
أخرجه البيهقي في " الدلائل " من طريق على بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن
أبيه به نحوه.
والآخر: عن جابر بن عبد الله الأنصاري.
أخرجه الواحدى في " الوسيط " (3 / 126 / 2) عن شافع بن محمد حدثنا ابن الوشاء
بن إسماعيل البغدادي: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا هشيم بن بشير عن أبي الزبير
عنه به نحوه.
وفي الأول علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف الحفظ، فهو صالح للاستشهاد به.
وفي الآخر شافع بن محمد حدثنا ابن الوشاء بن إسماعيل البغدادي، ولم أعرفهما
ولعل في النسخة تحريفا.
وجملة القول أن الحديث حسن من طريق سعيد بن جمهان، صحيح بهذين(1/823)
الشاهدين،
لاسيما وقد قواه من سبق ذكرهم، وهاك أسماءهم:
1 - الإمام أحمد
2 - الترمذي
3 - ابن جرير الطبري
4 - ابن أبي عاصم
5 - ابن حبان
6 - الحاكم
7 - ابن تيمية
8 - الذهبي
9 - العسقلاني
أقول: لقد أفضت في بيان صحة هذا الحديث على النهج العلمي الصحيح وذكر من صححه
من أهل العلم العارفين به، لأني رأيت بعض المتأخرين ممن ليس له قدم راسخة فيه
ذهب إلى تضعيفه، منهم ابن خلدون المؤرخ الشهير، فقال في " تاريخه " (2 / 458
طبع فاس بتعليق شكيب أرسلان) ما نصه:
" وقد كان ينبغي أن نلحق دولة معاوية وأخباره بدول الخلفاء وأخبارهم، فهو
تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة، ولا ينظر في ذلك إلى حديث (الخلافة
ثلاثون سنة) فإنه لم يصح، والحقيقة أن معاوية في عداد الخلفاء ... ".
وتبعه على ذلك العلامة أبو بكر بن العربي، فقال في " العواصم من القواصم "
(ص 201) :
" وهذا حديث لا يصح "!
هكذا أطلق الكلام في تضعيفه، دون أن يذكر علته، وليس ذلك من الأسلوب العلمي
في شيء، لاسيما وقد صححه من عرفت من أهل العلم قبله، ولقد حاول صديقنا
الأستاذ محب الدين الخطيب أن يتدارك الأمر ببيان العلة فجاء بشيء لو كان كما
ذكره، لوافقناه على التضعيف المذكور، فقال في تعليقه عليه:
" لأن راويه عن سفينة سعيد بن جمهان (الأصل: جهمان) . وقد اختلفوا فيه،(1/824)
قال بعضهم لا بأس به. ووثقه بعضهم، وقال فيه الإمام أبو حاتم: " شيخ لا
يحتج به ".
وفي سنده حشرج بن نباته الواسطي وثقه بعضهم. وقال فيه النسائي: ليس بالقوي
وعبد الله بن أحمد بن حنبل يروى هذا الخبر عن سويد الطحان قال فيه الحافظ ابن
حجر في " تقريب التهذيب ": لين الحديث ".
قلت: فقد أعله بثلاث علل، فنحن نجيب عنها بما يكشف لك الحقيقة إن شاء الله
تعالى:
الأولى: الاختلاف في سعيد بن جمهان. والجواب أنه ليس كل اختلاف في الراوي
يضر، بل لابد من النظر والترجيح، وقد ذكرنا فيما تقدم أسماء بعض الأئمة
الذين وثقوه وهم أحمد وابن معين وأبو داود، ويضاف إليهم هنا ابن حبان فإنه
ذكره في " الثقات " والنسائي فإنه هو الذي قال: " ليس به بأس ".
وعارض هؤلاء قول البخاري: " في حديثه عجائب ".
وقول الساجى: " لا يتابع على حديثه ".
قلت: فهذا جرح مبهم غير مفسر، فلا يصح الأخذ به في مقابلة توثيق من وثقه كما
هو مقرر في " المصطلح "، زد على ذلك أن الموثقين جمع، ويزداد عددهم إذا ضم
إليهم من صحح حديثه، باعتبار أن التصحيح يستلزم التوثيق كما هو ظاهر.
وأيضا فإن ابن جمهان لم يتفرد بهذا الحديث، فقد ذكرنا له شاهدين كما سبق.
الثانية: أن في سنده حشرج بن نباتة ...(1/825)
وأقول: هذا يوهم أنه تفرد به، وليس كذلك، فقد تابعه جماعة من الثقات كما
سبقت الإشارة إلى ذلك في مطلع هذا التخريج وتقدم ذكرهم من قبل ابن تيمية رحمه
الله، وهم حماد بن سلمة وعبد الوارث ابن سعيد والعوام بن حوشب، ثلاثتهم قد
وافق حشرجا على أصل الحديث، فلا يجوز إعلال الحديث به، كما لا يخفى على
المبتدىء في هذا العلم، فضلا عن المبرز فيه. ولعل الأستاذ الخطيب لم يتنبه
لهذه المتابعات القوية ظنا منه أن الترمذي ما دام أنه رواه من طريق حشرج فكذلك
رواه الآخرون، ولكن كيف خفي عليه قول الترمذي عقب الحديث كما تقدم نقله عنه:
" وقد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان "؟ !
الثالثة: أن عبد الله بن أحمد رواه من طريق سويد الطحان وهو لين الحديث.
فأقول: ذلك مما لا يضر الحديث إطلاقا، لأن من سبق عزو الحديث إليهم وهم جم
غفير قد رووه من طرق كثيرة وصحيحة عن سعيد بن جمهان، ليس فيها سويد هذا! فهل
يضر الثقات أن يشاركهم في الرواية أحد الضعفاء؟ !
فقد تبين بوضوح سلامة الحديث من علة قادحة في سنده، وأنه صحيح محتج به.
وبالله التوفيق.
وقد أعله الأستاذ الخطيب أيضا بعلة أخرى في متنه فقال:
" وهذا الحديث المهلهل يعارضه ذلك الحديث الصحيح الصريح الفصيح في كتاب
" الإمارة " من " صحيح مسلم " ... عن جابر بن سمرة قال:
" دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا
ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ... كلهم من قريش ". وهذه المعارضة
مردودة، لأن من القواعد المقررة في علم المصطلح أنه لا يجوز رد الحديث الصحيح
بمعارضته لما هو أصح منه، بل يجب الجمع والتوفيق(1/826)
بينهما، وهذا ما صنعه أهل
العلم هنا، فقد أشار الحافظ في " الفتح " (13 / 182) نقلا عن القاضي عياض
إلى المعارضة المذكورة ثم أجاب أنه أراد في " حديث سفينة خلافة النبوة ولم
يقيد في حديث جابر بن سمرة بذلك ".
قلت: وهذا الجمع قوي جدا، ويؤيده لفظ أبي داود:
" خلافة النبوة ثلاثون سنة ... ".
فلا ينافي مجىء خلفاء آخرين من بعدهم لأنهم ليسوا خلفاء النبوة، فهؤلاء هم
المعنيون في الحديث لا غيرهم، كما هو واضح.
ويزيده وضوحا قول شيخ الإسلام في رسالته السابقة:
" ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء وإن كانوا ملوكا، ولم يكونوا
خلفاء الأنبياء بدليل ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " عن أبي هريرة رضي
الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي
بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول
فالأول، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ".
فقوله: " فتكثر " دليل على من سوى الراشدين فإنهم لم يكونوا كثيرا.
وأيضا قوله " فوا ببيعة الأول فالأول " دل على أنهم يختلفون، " والراشدون لم
يختلفوا ".
460 - " جريه شبرا، فقالت (أم سلمة) إذا تنكشف القدمان، قال: فجريه ذراعا ".
أخرجه أبو يعلى في " سنده " (325 / 1) حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا حماد عن
أيوب عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال في جر الذيل ما قال، قالت: قلت: يا
رسول الله(1/827)
فكيف بنا؟ فقال ... " فذكره.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير إبراهيم بن الحجاج وهو ثقة.
ثم رواه هو (329 / 1) وأحمد (6 / 295، 309) من طريق محمد بن إسحاق عن
نافع، بلفظ:
" فذراع لا يزدن عليه ".
وكذلك رواه عبد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عنها.
أخرجه أحمد (6 / 293) . ثم رواه (6 / 315) عن عبيد الله عن نافع به.
قلت: وفي الحديث دليل على أن قدمي المرأة عورة، وأن ذلك كان أمرا معروفا
عند النساء في عهد النبوة، فإنه لما قال صلى الله عليه وسلم: " جريه شبرا،
قالت أم سلمة: " إذن تنكشف القدمان " مما يشعر بأنها كانت تعلم أن القدمين
عورة لا يجوز كشفهما، ولذلك أمرها صلى الله عليه وسلم أن تجره ذراعا.
وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذه الحقيقة، وذلك في قوله تعالى: (ولا
يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) .
وراجع لهذا كتابنا " حجاب المرأة المسلمة "، (ص 36 - 37 - طبع المكتب
الإسلامي) .
461 - " جزى الله الأنصار عنا خيرا، ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد
بن عبادة ".
رواه أبو يعلى في " مسنده " (ق 116 / 1) : حدثنا ابن أبي سمينة حدثنا إبراهيم
بن حبيب بن الشهيد قال: قال أبي: عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله
قال:(1/828)
" أمر أبي بخريزة فصنعت، ثم أمرني فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
فأتيته وهو في منزله، قال: فقال لي: ماذا معك يا جابر؟ ألحم ذا؟ قال:
قلت: لا، قال: فأتيت أبي، فقال لي: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
؟ قلت: نعم، قال: فهلا سمعته يقول شيئا؟ قال: قلت: نعم، قال لي: ماذا
معك يا جابر؟ ألحم ذا؟ قال: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اشتهى
فأمر بشاة داجن فذبحت، ثم أمر بها فشويت، ثم أمرني فأتيت بها النبي صلى الله
عليه وسلم، فقال لي: ماذا معك يا جابر؟ فأخبرته فقال " فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير ابن سمينة ولم أعرفه الآن. ثم رأيت ابن
السني أخرج الحديث في " عمل اليوم والليلة " (271) فقال: أخبرنا أبو يعلى
حدثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة. فعرفناه وهو صدوق كما في " التقريب " فثبت
الإسناد والحمد لله. وقد توبع، فقال أبو يعلى عقبه: حدثنا أحمد بن الدورقي
حدثنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد به نحوه.
والدورقي هذا - بفتح الدال - أحمد بن إبراهيم النكري البغدادي ثقة حافظ من
شيوخ مسلم، فصح الحديث والحمد لله. وقد رواه النسائي كما في ترجمة إبراهيم
من " التهذيب ".
وتابعه محمد بن عمر بن علي بن مقدم حدثنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد به.
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 285) عن عبد الله بن أحمد ابن سوادة
عنه.
وهذه متابعة قوية فإن ابن مقدم - بالتشديد - صدوق من رجال " السنن ".
وابن سوادة صدوق أيضا كما في " تاريخ بغداد " (9 / 373) .
ثم رأيته في " مستدرك الحاكم " (4 / 111 - 112) من طريق النسائي وغيره عن
إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد حدثنا أبي به، وسقط من إسناده ذكر جده(1/829)
حبيب بن الشهيد، وقال:
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
462 - " جرح رجل فيمن كان قبلكم جراحا، فجزع منه، فأخذ سكينا فخز بها يده، فما رقى
الدم عنه حتى مات، فقال الله عز وجل: عبدي بادرني نفسه حرمت عليه الجنة ".
رواه الطبراني (1 / 175 - 176) : حدثنا علي بن عبد العزيز أنبأنا حجاج
ابن منهال حدثنا جرير بن حازم:
أنبأنا الحسن حدثنا جندب بن عبد الله البجلي مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح متصل. وقد أخرجه البخاري في " صحيحه " (2 / 373) :
حدثنا محمد قال: حدثنا حجاج قال جرير عن الحسن به نحوه.
463 - " اجعلوا مكان الدم خلوقا. يعني في رأس الصبي يوم الذبح عنه ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1057) : أخبرنا محمد بن المنذر بن سعيد:
حدثنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج: أخبرني يحيى بن سعيد عن عمرة
عن عائشة قالت:
" كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا
رأس الصبي، وضعوها على رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير شيخ ابن حبان
محمد بن المنذر بن سعيد وهو أبو عبد الرحمن الهروي ثقة حافظ له(1/830)
ترجمة في
" تذكرة الحفاظ " (2 / 284) و " الشذرات " (2 / 242) .
وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (9 / 303) من طريق عبد المجيد ابن
عبد العزيز عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري به. وصححه ابن السكن كما
في " التلخيص " رقم (1983) ، وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 58) :
" رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخه إسحاق فإني لم أعرفه ".
قلت: إسناد أبي يعلى في " مسنده " (3 / 1114 مصورة المكتب الإسلامي) هكذا:
حدثنا إسحاق أنبأنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد به.
وإسحاق هذا الذي لم يعرفه الهيثمي هو إسحاق بن أبي إسرائيل كما في حديث آخر
عند أبي يعلى قبل هذا الحديث، واسم أبيه إبراهيم بن كامجرا أبو يعقوب المروزي
وهو من شيوخ البخاري في " الأدب المفرد " وأبي داود وغيرهما، وهو ثقة كما
قال ابن معين وغيره مات سنة (240) .
464 - " كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: (آمين) ".
أخرجه ابن حبان (462) والدارقطني (127) والحاكم (1 / 223) والبيهقي
(2 / 58) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي:
حدثنا عمرو بن الحارث حدثنا عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: أخبرني محمد بن
مسلم عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم ...
وقال الدارقطني:(1/831)
" هذا إسناد حسن ". وأقره البيهقي.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!
قلت: وهذا عجب منهم جميعا، لاسيما الذهبي منهم، فإنه نفسه أورد إسحاق
ابن إبراهيم هذا في " الضعفاء " وقال:
" كذبه محمد بن عوف، وقال أبو داود: ليس بشيء ".
وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق يهم كثيرا، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب ".
ثم هو ليس من رجال الشيخين كما زعم الذهبي تبعا للحاكم!!
وعبد الله بن سالم هو الأشعري الوحاظي الحمصي ولم يخرج له مسلم! وهو ثقة،
وكذلك سائر الرواة ثقات وهم من رجال الشيخين، فالعلة من إسحاق بن إبراهيم.
لكنه لم يتفرد بهذا الحديث، فإن له طريقا آخر، يرويه بشر بن رافع عن أبي
عبد الله بن عم أبي هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا
(غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: آمين حتى يسمع من يليه من الصف
الأول ".
زاد في رواية: " فيرتج بها المسجد ".
أخرجه أبو داود (934) وابن ماجه (853) والزيادة له.(1/832)
قلت: وهذا إسناد ضعيف بينه البوصيري في " الزوائد " (56 / 1) بقوله:
" هذا إسناد ضعيف، أبو عبد الله، لا يعرف حاله، وبشر ضعفه أحمد،
وقال ابن حبان: يروي الموضوعات ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " بشر بن رافع، فقيه، ضعيف الحديث ".
ومما يقوي الحديث ويشهد لصحته حديث وائل بن حجر قال: فذكره بمعناه.
أخرجه أبو داود (932) والترمذي (2 / 27) وحسنه من طريق سفيان عن سلمة
ابن كهيل عن حجر بن عنبس عنه.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله رجال الشيخين غير حجر بن عنبس وهو صدوق كما في
" التقريب ".
وسفيان هو ابن سعيد الثوري، وتابعه علي بن صالح عن سلمة بن كهيل به ولفظه:
" أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهر بآمين، وسلم عن يمينه،
وعن شماله، حتى رأيت بياض خده ".
أخرجه أبو داود (933) .
وإسناده جيد أيضا.
وفي الحديث مشروعية رفع الإمام صوته بالتأمين، وبه يقول الشافعي وأحمد
وإسحاق وغيرهم من الأئمة، خلافا للإمام أبي حنيفة وأتباعه، ولا حجة عندهم
سوى التمسك بالعمومات القاضية بأن الأصل في الذكر خفض الصوت فيه. وهذا مما لا
يفيد في مقابلة مثل هذا الحديث الخاص في بابه، كما لا يخفى على أهل العلم(1/833)
الذين أنقذهم الله تبارك وتعالى من الجمود العقلي والتعصب المذهبي!
وأما جهر المقتدين بالتأمين وراء الإمام، فلا نعلم فيه حديثا مرفوعا صحيحا
يجب المصير إليه، ولذلك بقينا فيه على الأصل الذي سبقت الإشارة إليه.
وهذا هو مذهب الإمام الشافعي في " الأم " أن الإمام يجهر بالتأمين دون
المأمومين وهو أوسط المذاهب في المسألة وأعدلها.
وإني لألاحظ أن الصحابة رضي الله عنهم لو كانوا يجهرون بالتأمين خلف النبي صلى
الله عليه وسلم لنقله وائل بن حجر وغيره ممن نقل جهره صلى الله عليه وسلم به،
فدل ذلك على أن الإسرار به من المؤتمين هو السنة، فتأمل.
465 - " عليكم بالنسلان ".
رواه الحاكم (1 / 443، 2 / 101) وأبو نعيم في " الطب " (2 / 8 / 1)
عن روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر
قال: " شكا ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم المشي فدعا بهم فقال: (فذكره)
فنسلنا فوجدناه أخف علينا ".
وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
وله شاهد مرسل أخرجه ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 127 / 1) :(1/834)
حدثني أبي حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق عن ابن عيينة
عن رجل أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأصحابه وهم يمشون فشكوا الإعياء
فأمرهم أن ينسلوا.
قلت: وهذا مرسل لأن ابن عيينة واسمه الحكم أبو محمد الكندي مولاهم تابعي روى
عن أبي جحيفة وغيره. ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير والد ابن قتيبة
واسمه مسلم بن قتيبة فلم أجد له ترجمة، ويبدو أنه مجهول لا يعرف، فقد ترجم
الخطيب (10 / 170) وغيره لابنه عبد الله بن مسلم بن قتيبة، فلم يذكروا في
شيوخه والده هذا!
(النسلان) بفتح النون والسين المهملة - الإسراع في المشي.
466 - " اركع ركعتين ولا تعودون لمثل هذا. يعني الإبطاء عن الخطبة. قاله لسليك
الغطفاني ".
أخرجه ابن حبان (569) والدارقطني (169) من طريق يعقوب بن إبراهيم حدثنا
أبي عن ابن إسحاق حدثني أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال:
" دخل سليك الغطفاني المسجد يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب
الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.
وقال ابن حبان: " أراد الإبطاء ".
قلت: وإسناده حسن قد صرح عنده ابن إسحاق بالتحديث بخلاف(1/835)
الدارقطني، وهي
فائدة من أجلها خرجت الحديث هنا، وقد أورده عبد الحق الإشبيلي في " أحكامه "
(رقم 1753 - بتحقيقي) من طريق الدارقطني وسكت عليه مشيرا بذلك إلى صحته!
467 - " أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله، قبل أن يحال بينكم وبينها ولقنوها
موتاكم ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1460 - مصورة المكتب) وابن عدي في
" الكامل " (ق 204 / 2) عنه وعن غيره، وابن حمصة في " جزء البطاقة "
(ق 69 / 1) والخطيب في " تاريخ بغداد " (3 / 38) وابن عساكر في " تاريخ
دمشق " (17 / 207 / 2) من طرق عن ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن
أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، ضمام بن إسماعيل قال الذهبي في " الميزان ":
" صالح الحديث لينه بعضهم بلا حجة ... أورده ابن عدي في " كامله "، وسرد له
أحاديث حسنة ".
قلت: ثم ساق الذهبي قسما من تلك الأحاديث الحسنة، هذا أحدها.
وقد أشار إلى تحسينه أيضا الحافظ عبد الحق الإشبيلي بقوله في " أحكامه "
(رقم 1774) بعد أن ذكره من رواية ابن عدي:
" ضمام هذا، كان متعبدا، صدوقا، صالح الحديث ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما أخطأ ".
وكذا قال في شيخه موسى بن وردان.
والحديث عزاه في " الجامع الصغير " لأبي يعلى وابن عدي، ورمز له بالضعف!
وتعقبه المناوي فقال في شرحه:(1/836)
" رمز المصنف لضعفه، وتقدمه الحافظ العراقي
مبينا لعلته فقال: فيه موسى ابن وردان مختلف فيه. انتهى.
ولعله بالنسبة لطريق ابن عدي، أما طريق أبي يعلى.
فقد قال الحافظ الهيثمي:
رجاله رجال الصحيح غير ضمام بن إسماعيل وهو ثقة. انتهى.
وبذلك يعرف أن إطلاق رمز المصنف لضعفه غير جيد ".
قلت: وفي هذا الكلام نظر من وجوه:
أولا: أن قول العراقي في ابن وردان: " مختلف فيه " ليس نصا في تضعيفه، بل هو
إلى تقويته أقرب منه إلى تضعيفه، لأن المعهود في استعمالهم لهذه العبارة "
مختلف فيه " أنهم لا يريدون به التضعيف، بل يشيرون بذلك إلى أن حديثه حسن،
أو على الأقل قريب من الحسن، ولا يريدون تضعيفه مطلقا، لأن من طبيعة الحديث
الحسن أن يكون في رواية اختلاف، وإلا كان صحيحا. فتأمل.
ثانيا: قول الهيثمي " رجاله رجال الصحيح ... " ليس بصحيح، فإن موسى بن وردان
لم يخرج له البخاري ومسلم في " صحيحيهما "، وإنما أخرج له الأول في " الأدب
المفرد "!
ثالثا: ميل المناوي إلى أن طريق أبي يعلى ليس فيها موسى المذكور ليس بصواب كما
يدلك عليه تخريجنا المذكور في أول هذا التحقيق، فاغتنمه فإنه عزيز نفيس.
والحديث في " صحيح مسلم " وغيره من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا
بلفظ: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ".
من فقه الحديث:
فيه مشروعية تلقين المحتضر شهادة التوحيد، رجاء أن يقولها فيفلح.
والمراد(1/837)
بـ (موتاكم) من حضره الموت، لأنه لا يزال في دار التكليف، ومن
الممكن أن يستفيد من تلقينه فيتذكر الشهادة ويقولها، فيكون من أهل الجنة.
وأما تلقينه بعد الموت، فمع أنه بدعة لم ترد في السنة فلا فائدة منه لأنه
خرج من دار التكليف إلى دار الجزاء، ولأنه غير قابل للتذكر، (لتنذر من كان
حيا) .
وصورة التلقين أن يؤمر بالشهادة، وما يذكر في بعض الكتب أنها تذكر عنده ولا
يؤمر بها خلاف سنه النبي صلى الله عليه وسلم كما حققته في " كتاب الجنائز "
(ص 10 - 11) فراجعه.
468 - " إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة، فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره ".
أخرجه أبو داود (1119) والترمذي (2 / 404) وابن حبان (571) والحاكم
(1 / 291) والبيهقي (3 / 237) وأحمد (2 / 22، 32) وأبو نعيم في
" أخبار أصبهان " (2 / 186) من طرق عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "!
وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
كذا قالا! وابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه في جميع الطرق عنه،
وكأنه لذلك قال البيهقي عقبه:(1/838)
" ولا يتثبت رفع هذا الحديث، والمشهور عن ابن عمر من قوله ".
ثم ساقه من طريق عمرو بن دينار عنه نحوه.
قلت: وإسناده صحيح. لكن يتقوى المرفوع بأن له طريقا أخرى، وشاهدا.
أما الطريق، فهو عند البيهقي عن أحمد بن عمر الوكيعي حدثنا عبد الرحمن بن محمد
المحاربي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع به بلفظ:
" إذا نعس أحدكم في الصلاة في المسجد يوم الجمعة ... " وقال:
" والمراد بالصلاة موضع الصلاة، ولا يثبت رفع هذا الحديث ... ".
قلت: ورجال هذه الطريق رجال مسلم، إلا أن المحاربي وصفه أحمد بأنه كان يدلس
وكأنه لذلك لم يثبت البيهقي حديثه، ولولا ذلك لكان السند صحيحا، فلا أقل من
أن يصلح للاستشهاد به.
وأما الشاهد، فيرويه إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره وزاد في روايته:
" قيل لإسماعيل: والإمام يخطب؟ قال: نعم ".
أخرجه البيهقي (3 / 237 - 238) وقال: " إسماعيل بن مسلم هذا غير قوي ".
قلت: ومن طريقه رواه البزار (ص 70 - زوائده) والطبراني في " الكبير " كما
في " مجمع الزوائد " للهيثمي (2 / 180) وقال: " وهو ضعيف ".(1/839)
قلت: لكن حديثه يتقوى بما قبله. والله أعلم.
469 - " إذا حكمتم فاعدلوا وإذا قتلتم فأحسنوا، فإن الله محسن يحب المحسنين ".
أخرجه ابن أبي عاصم في " الديات " (ص 56) وابن عدي في " الكامل "
(328 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 113) من طرق عن محمد
ابن بلال حدثنا عمران عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون غير محمد بن بلال وهو البصري الكندي
قال ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس به ".
وقال الحافظ: " صدوق يغرب ".
470 - " صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي، إمام ظلوم غشوم، وكل غال مارق ".
أخرجه أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 120 / 2) والجرجاني في
" الفوائد " (112 / 1) وابن أبي الحديد السلمي في " حديث أبي الفضل السلمي "
(2 / 1) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (360 / 2) من طرق عن
المعلى ابن زياد عن أبي(1/840)
غالب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير أبي غالب وهو صاحب
أبي أمامة، وهو حسن الحديث. وفي " التقريب ": " صدوق يخطىء ".
والحديث قال المنذري في " الترغيب " (3 / 144) :
" رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات ".
وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 235) : " رواه الطبراني في " الكبير "
و" الأوسط "، ورجال الكبير ثقات ".
وفيه إشعار بأن إسناد الأوسط ليس كذلك، فإنه عنده (1 / 197 / 2) من طريق
العلاء بن سليمان عن الخليل بن مرة عن أبي غالب به، وقال: " لم يروه عن
الخليل إلا العلاء ".
قلت: وكلاهما ضعيف.
والحديث أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (4 / 1) وابن سمعون الواعظ في
" المجلس الخامس عشر " (53 - 54) من طريق موسى بن خلف العمي حدثنا المعلى
ابن زياد عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار مرفوعا به.
ورجاله ثقات غير أن العمي هذا صدوق له أوهام كما في " التقريب "، فأخشى أن
يكون قد وهم في إسناده على المعلى، لكن رواه ابن أبي عاصم أيضا من طريق ابن
المبارك حدثني منيع حدثني معاوية ابن قرة به.
غير أني لم أعرف منيعا هذا. والله أعلم.(1/841)
471 - " إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي منكم بما تحقرون ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 368) : حدثنا معاوية: حدثنا أبو إسحاق عن الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأبو إسحاق هو الفزاري.
ومعاوية هو ابن عمرو بن المهلب الأزدي الكوفي البغدادي، ومن طريقه أخرجه
أبو نعيم في " الحلية " (8 / 256) وقال: " صحيح ثابت، رواه عن الأعمش
الناس جميعا ".
قلت: منهم الثوري عند أبي نعيم (7 / 86) .
وللحديث شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف، وأخرجه
أحمد (1 / 402 - 403) مختصرا بسند آخر فيه مجهول هو عبد ربه بن أبي يزيد،
وقول الهيثمي في " المجمع " (10 / 189) :
" رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " ورجالهما رجال الصحيح، غير عمران
ابن داود القطان، وقد وثق ".
فهو خطأ، لأن عبد ربه هذا لم يخرج له البخاري ومسلم شيئا.
وكذلك قول المنذري في " الترغيب " (3 / 145) : " ... بإسناد حسن " فغير حسن
لجهالة المذكور.
وفي المحقرات من الذنوب حديث آخر صحيح مضى برقم (384) .(1/842)
472 - " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ".
أخرجه مسلم (7 / 18 - 19) وأحمد (3 / 382) والخرائطي في " مكارم الأخلاق
" (ص 90) من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
يقول: " أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في رقية الحية لبني عمرو.
قال أبو الزبير: سمعت جابر بن عبد الله يقول:
" لدغت رجلا منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل:
يا رسول الله أرقي؟ قال.... " فذكره.
وتابعه ليث بن سعد عن أبي الزبير.
رواه أحمد (3 / 334) .
وفي رواية لمسلم وأحمد (3 / 302 - 315) من طريق أبي سفيان عن جابر قال:
" كان لي خال يرقي من العقرب، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى،
قال: فأتاه فقال: يا رسول الله إنك قد نهيت عن الرقى، وأنا أرقي من العقرب
؟ فقال: فذكر الحديث.
وفي رواية أخرى من هذا الوجه:
" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها
من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأسا،
من استطاع ... ".
وأخرجه ابن ماجه (3515) بنحوه وقال:
" فقال لهم: اعرضوا علي، فعرضوها عليه، فقال: لا بأس بهذه، هذه مواثيق ".(1/843)
وليس عنده قوله في آخره: " من استطاع ... " خلافا لما فعل السيوطي في
" الجامع الصغير " فإنه عزاه لأحمد ومسلم وابن ماجه! وكذلك صنع في
" الكبير " (2 / 217 / 2) وزاد في التخريج: عبد بن حميد وابن حبان وابن
عساكر.
وعزاه قبل ذلك بأحاديث للخرائطي في مكارم الأخلاق عن الحسن مرسلا!
وقد أخرجه عن جابر موصولا كما رأيت.
وفي الحديث استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى، وذلك
ما كان معناه مفهوما مشروعا، وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ فغير
جائز. قال المناوي:
" وقد تمسك ناس بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها، وإن لم يعقل
معناها، لكن دل حديث عوف الماضي أن ما يؤدي إلى شرك يمنع، وما لا يعرف معناه
لا يؤمن أن يؤدي إليه، فيمنع احتياطا ".
قلت: ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمح لآل عمرو بن حزم بأن
يرقي إلا بعد أن اطلع على صفة الرقية، ورآها مما لا بأس به. بل إن الحديث
بروايته الثانية من طريق أبي سفيان نص في المنع مما لا يعرف من الرقى، لأنه
صلى الله عليه وسلم نهى نهيا عاما أول الأمر، ثم رخص فيما تبين أنه لا بأس به
من الرقى، وما لا يعقل معناه منها لا سبيل إلى الحكم عليها بأنه لا بأس بها،
فتبقى في عموم المنع. فتأمل.
وأما الاسترقاء، وهو طلب الرقية من الغير، فهو وإن كان جائزا، فهو مكروه
كما يدل عليه حديث " هم الذين لا يسترقون ... ولا يكتوون، ولا يتطيرون،
وعلى ربهم يتوكلون " متفق عليه.
وأما ما وقع من الزيادة في رواية لمسلم:
" هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ... "
فهي زيادة شاذة، ولا مجال لتفصيل القول في ذلك الآن من الناحية الحديثية،
وحسبك أنها تنافي ما دل عليه هذا الحديث من استحباب الترقية.
وبالله التوفيق.(1/844)
473 - " كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ويقول:
ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة ".
أخرجه مالك في " الموطأ " (2 / 956 / 2) وعند الحاكم (4 / 390 - 391) من
طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة عن أبيه عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ...
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا.
والشطر الثاني منه أخرجه البخاري (4 / 349) من طريق سعيد بن المسيب أن أبا
هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لم يبق من النبوة إلا
المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال الرؤيا الصالحة ".
وللحديث شواهد كثيرة خرجتها في " إرواء الغليل " رقم (2539) .
والحديث نص في أنه لا نبوة ولا وحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم
إلا المبشرات:
الرؤيا الصالحة، وهي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة. ولقد ضلت طائفة
زعمت بقاء النبوة واستمرارها بعده صلى الله عليه وسلم، وتأولوا بل عطلوا
معنى هذا الحديث، ونحوه مما في الباب، وكذلك حرفوا قول الله تعالى:
(ولكن رسول الله وخاتم النبيين) بمثل قولهم:
أي زينة النبيين! وتارة يقولون: هو آخر الأنبياء المشرعين، ويقولون ببقاء
النبوة غير التشريعية،(1/845)
ومن المؤسف أن بعضهم كان استخرج كلمات الشيخ محي الدين
ابن عربي (النكرة) الدالة على بقاء هذه النبوة المزعومة من كتابه " الفتوحات
المكية " في كراس نشره على الناس، ثم لم يستطع أحد من المشايخ أن يرد عليهم.
وكانوا من قبل قد ألفوا بعض الرسائل في الرد عليهم، وإنما أمسكوا عن الرد
على هذا الكراس، لأن من مكر جامعه أنه لم يضع فيه من عند نفسه شيئا سوى أنه
ذكر فيه كلمات الشيخ المؤيدة لضلالهم في زعمهم المذكور، فلو ردوا عليه لكان
الرد متوجها إلى الشيخ الأكبر، وذلك مما لا يجرؤ أحد منهم عليه، هذا إن لم
يروه زندقة! فكأنهم يعتقدون أن الباطل إنما هو باعتبار المحل، فإذا قام فيمن
يعتقدونه كافرا، فهو باطل، وأما إذا قام فيمن يعتقدونه مسلما بل وليا، فهو
حق!! والله المستعان.
474 - " أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب ".
أخرجه أحمد (6 / 52) عن يحيى وهو ابن سعيد، و (6 / 97) عن شعبة،
وأبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 78 / 1) عن عبدة، وابن حبان
في " صحيحه " (1831 - موارد) عن وكيع وعلي بن مسهر وابن عدي في " الكامل "
(ق 223 / 2) عن ابن فضيل، والحاكم (3 / 120) عن يعلى بن عبيد، كلهم عن
إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت
نباح الكلاب، فقالت:
" ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (فذكره)
. فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس ".(1/846)
هذا لفظ شعبة. ومثله لفظ يعلى بن عبيد.
ولفظ يحيى قال: " لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب،
قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة،
فقال بعض من كان معها، بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم،
قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم:
كيف بإحداكن تنبح ... ".
قلت: وإسناده صحيح جدا، رجاله ثقات أثبات من رجال الستة: الشيخين
والأربعة رواه السبعة من الثقات عن إسماعيل بن أبي خالد وهو ثقة ثبت كما في
" التقريب ". وقيس بن أبي حازم مثله، إلا أنه قد ذكر بعضهم فيه كلاما يفيد
ظاهره أنه مجروح، فقال الذهبي في " الميزان ":
" ثقة حجة كاد أن يكون صحابيا، وثقه ابن معين والناس.
وقال علي ابن عبد الله عن يحيى بن سعيد منكر الحديث، ثم سمى له أحاديث
استنكرها، فلم يصنع شيئا، بل هي ثابتة، لا ينكر له التفرد في سعة ما روى،
من ذلك حديث كلاب الحوأب، وقال يعقوب السدوسي: تكلم فيه أصحابنا، فمنهم من
حمل عليه، وقال: له مناكير، والذين أطروه عدوها غرائب، وقيل: كان يحمل
على علي رضي الله عنه. إلى أن قال يعقوب: والمشهور أنه كان يقدم عثمان،
ومنهم من جعل الحديث عنه من أصح الأسانيد. وقال إسماعيل بن أبي خالد:
كان ثبتا، قال: وقد كبر حتى جاوز المائة وخرف.
قلت: أجمعوا على الإحتجاج به، ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه، نسأل الله
العافية وترك الهوى، فقد قال معاوية بن صالح عن ابن معين: كان قيس أوثق
من الزهري ".
قلت: وقد تأول الحافظ في " التهذيب " قول يحيى بن سعيد وهو القطان:
" منكر الحديث " بأن مراده الفرد المطلق.(1/847)
قلت: فإن صح هذا التأويل فيه، وإلا فهو مردود لأنه جرح غير مفسر، لاسيما
وهو معارض لإطباق الجميع على توثيقه والإحتجاج به، وفي مقدمتهم صاحبه
إسماعيل بن أبي خالد، فقد وصفه بأنه ثبت كما تقدم ولا يضره وصفه إياه بأنه
خرف، لأن الظاهر أنه لم يحدث في هذه الحالة، ولذلك احتجوا به مطلقا، ولئن
كان حدث فيها، فإسماعيل أعرف الناس به، فلا يروي عنه والحالة هذه، وعلى
هذا فالحديث من أصح الأحاديث، ولذلك تتابع الأئمة على تصحيحه قديما وحديثا.
الأول: ابن حبان فقد أخرجه في صحيحه كما سبق.
الثاني: الحاكم بإخراجه إياه في " المستدرك " كما تقدم ولم يقع في المطبوع
منه التصريح بالتصحيح منه، ولا من الذهبي، فالظاهر أنه سقط من الطابع
أو الناسخ، فقد نقل الحافظ في " الفتح " (13 / 45) عن الحاكم أنه صححه،
وهو اللائق به لوضوح صحته.
الثالث: الذهبي فقد قال في ترجمة السيدة عائشة من كتابه العظيم " سير النبلاء
" (ص 60 بتعليق الأستاذ الأفغاني) :
" هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجوه ".
الرابع: الحافظ ابن كثير، فقال في " البداية " بعد أن عزاه كالذهبي لأحمد في
" المسند ": " وهذا إسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجوه ".
الخامس: الحافظ ابن حجر فقد قال في " الفتح " بعد أن عزاه لأحمد وأبي يعلى
والبزار: " وصححه ابن حبان والحاكم، وسنده على شرط الصحيح ".(1/848)
فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث صرحوا بصحة هذا الحديث، وذلك ما يدل عليه
النقد العلمي الحديثي كما سبق تحقيقه، ولا أعلم أحدا خالفهم ممن يعتد بعلمهم
ومعرفتهم في هذا الميدان سوى يحيى بن سعيد القطان في كلمته المتقدمة، وقد
عرفت جواب الحافظين الذهبي والعسقلاني عليه، فلا نعيده.
إلا أن العلامة القاضي أبا بكر بن العربي رحمه الله تعالى جاء في كتابه
" العواصم من القواصم "، كلام قد يدل ظاهره أنه يذهب إلى إنكار هذا الحديث
ويبالغ في ذلك أشد المبالغة، فقال في " عاصمة " (ص 161) :
" وأما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب، فقد بؤتم في ذكرها بأعظم حرب،
ما كان شيء مما ذكرتم، ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث، ولا
جرى ذلك الكلام، ولا شهد أحد بشهادتهم، وقد كتبت شهادتهم بهذا الباطل،
وسوف تسألون ".
ويشير بقوله " الشهادة " إلى ما كان ذكره من قبل في " قاصمة " (ص 148) :
" فجاؤا إلى ماء الحوأب، ونبحت كلابه، فسألت عائشة؟ فقيل لها: هذا ماء
الحوأب، فردت خطامها عنه، وذلك لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" أيتكن صاحبة الجمل الأدبب التي تنبحها كلاب الحوأب، فشهد طلحة والزبير أنه
ليس هذا ماء الحوأب، وخمسون رجلا إليهم، وكانت أول شهادة زور دارت في
الإسلام ".
قلت: ونحن وإن كنا نوافقه على إنكار ثبوت تلك الشهادة، فإنها مما صان الله
تبارك وتعالى أصحابه صلى الله عليه وسلم منها، لاسيما من كان منهم من العشرة
المبشرين بالجنة كطلحة والزبير، فإننا ننكر عليه قوله " ولا قال النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك الحديث "! كيف وهو قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالسند
الصحيح في عدة مصادر من كتب السنة المعروفة عند أهل العلم؟ !(1/849)
ولعل عذره في ذلك أنه حين قال ذلك لم يكن مستحضرا للحديث أنه وارد في شيء من
المصادر، بل لعله لم يكن قد اطلع عليها أصلا، فقد ثبت عن غير واحد من العلماء
المغاربة أنه لم يكن عندهم علم ببعض الأصول الهامة من تأليف المشارقة، فهذا
ابن حزم مثلا لا يعرف الترمذي وابن ماجه ولا كتابيهما! وقد تبين لي أن
الحافظ عبد الحق الإشبيلي مثله في ذلك، فإنه لا علم عنده أيضا بسنن ابن ماجه،
ولا بمسند الإمام أحمد، فقد رأيته يكثر العزو لأبي يعلى والبزار، ولا يعزو
لأحمد وابن ماجه إطلاقا. وذلك في كتابه " الأحكام الكبرى " الذي أنا في صدد
تحقيقه بإذن الله تعالى.
فليس من البعيد أن أبا بكر بن العربي مثلهما في ذلك، وإن كان رحل إلى الشرق،
والله أعلم.
ولكن إذا كان ما ذكرته من العذر محتملا بالنسبة إلى أبي بكر بن العربي فما
هو عذر الكاتب الإسلامي الكبير الأستاذ محب الدين الخطيب الذي علق على كلمة
ابن العربي في " العاصمة " بقوله:
" ... وأن الكلام الذي نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزعموا أن عائشة
ذكرته عند وصولهم إلى ذلك الماء - ليس له موضع في دواوين السنة المعتبرة ... "
!
كذا قال: وكأنه عفى الله عنا وعنه، لم يتعب نفسه في البحث عن الحديث في
دواوين السنة المعتبرة، بل وفي بعض كتب التاريخ المعتمدة مثل " البداية "
لابن كثير، لو أنه فعل هذا على الأقل، لعرف موضع الحديث في تلك الدواوين
المعتبرة أو بعضها على الأقل، ولكنه أخذ يحسن الظن بابن العربي ويقلده،
فوقع في إنكار هذا الحديث الصحيح وذلك من شؤم التقليد بغير حجة ولا برهان.
بيد أن هذا مع بعده عن الصواب، والإنحراف عن التحقيق العلمي الصحيح، فإنه
هين بجانب قول صديقنا الأستاذ سعيد الأفغاني في تعليقه على قول الحافظ الذهبي
المتقدم في " سير النبلاء ": " هذا حديث صحيح الإسناد ":
" في النفس من صحة هذا الحديث شيء، ولأمر ما أهمله أصحاب الصحاح،(1/850)
وفي
" معجم البلدان " مادة (حوءب) أن صاحبة الخطاب سلمى بنت مالك الفزارية
وكانت سبية وهبت لعائشة، وهي المقصودة بخطاب الرسول الذي زعموه،
وقد ارتدت مع طلحة، وقتلت في حروب الردة، ومن العجيب أن يصرف بعض الناس
هذه القصة إلى السيدة عائشة إرضاء لبعض الأهواء العصبية ".
وفي هذا الكلام مؤاخذات:
الأولى: يظن الأستاذ الصديق أن إهمال أصحاب (الصحاح) لحديث ما إنما هو
لعلة فيه. وهذا خطأ بين عند كل من قرأ شيئا من علم المصطلح، وتراجم أصحاب
(الصحاح) ، فإنهم لم يتعمدوا جمع كل ما صح عندهم، في " صحاحهم "، والإمام
مسلم منهم قد صرح بذلك في " صحيحه "، (كتاب الصلاة) ، وما أكثر الأحاديث
التي ينص الإمام البخاري على صحتها أو حسنها مما يذكره الترمذي عنه في " سننه "
وهو لم يخرجها في " صحيحه ".
الثانية: هذا إن كان يعني بـ (الصحاح) الكتب الستة، لكن هذا الإطلاق غير
صحيح، لأن السنن الأربعة من الكتب الستة ليست من (الصحاح) لا استصطلاحا،
ولا واقعا، فإن فيها أحاديث كثيرة ضعيفة والترمذي ينبه على ضعفها في غالب
الأحيان.
وإن كان يعني ما هو أعم من ذلك فليس بصحيح، فقد عرفت من تخريجنا المتقدم أن
ابن حبان أخرجه في " صحيحه "، والحاكم في " المستدرك على الصحيحين ".
الثالثة: وثوقه بما جاء في " معجم البلدان " بدون إسناد، ومؤلفه ليس من أهل
العلم بالحديث، وعدم وثوقه بمسند الإمام أحمد، وقد ساق الحديث بالسند
الصحيح، ولا بتصحيح الحافظ النقاد الذهبي له!!
الرابعة: جزمه أن صاحبة الخطاب سلمى بنت مالك ... بدون حجة ولا برهان سوى
الثقة العمياء بمؤلف " المعجم "، وقد أشرنا إلى حاله في هذا الميدان،(1/851)
وبمثل
هذه الثقة لا يجوز أن يقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمى بنت مالك
كذا وكذا!!
الخامسة: إن الخبر الذي ذكره ووثق به لا يصح من قبل إسناده بل واه جدا،
فقد قال الأستاذ الخطيب بعد الذي نقلناه عنه آنفا من الكلام على هذا الحديث.
" ولو كنا نستجيز نقل الأخبار الواهية لنقلنا في معارضة هذا الخبر خبرا آخر
نقله ياقوت في " معجم البلدان " (مادة حوأب) عن سيف بن عمر التميمي أن
المنبوحة من كلاب الحوأب هي أم زمل سلمى ... وهذا الخبر ضعيف، والخبر الذي
أوردوه عن عائشة أو هى منه ".
كذا قال! (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم) .
السادسة: قوله: " إرضاء لبعض الأهواء ".
وكأنه يشير بذلك إلى الشيعة الذين يبغضون السيدة عائشة رضي الله عنها
ويفسقونها إن لم يكفروها بسبب خروجها يوم الجمل، ولكن من هم الذين أشار
إليهم بقوله " بعض الناس "،؟ أهو الإمام أحمد الذي وقف الأستاذ على إسناده
للحديث؟ أم الذهبي الذي صححه أم هو يحيى بن سعيد القطان شيخ الإمام أحمد
وهو من الثقات الأثبات، لاسيما وقد تابعه ستة آخرون من الثقات كما تقدم؟
أم إسماعيل بن أبي خالد وهو مثله كما عرفت، أم شيخه قيس بن أبي حازم وهو
مثله في الثقة والضبط، غير أنه قيل: إنه كان يحمل على علي رضي الله عنه.
فهو إذن من شيعة عائشة رضي الله عنها، فلا يعقل أن يروي عنها ما لا أصل له
مما فيه ارضاء لمن أشار إليهم الأستاذ!
وللحديث شاهد يزداد به قوة، وهو من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم لنسائه:(1/852)
" ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فينبحها كلاب الحوأب، يقتل عن
يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت ".
رواه البزار ورجاله " ثقات ".
كذا قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 234) والحافظ في " فتح البارى "
(13 / 45) . لكن أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 426) من طريق الأشج
عن عقبة بن خالد عن ابن قدامة - يعني عصام! - عن عكرمة عن ابن عباس به.
وقال: " قال أبي: لم يرو هذا الحديث غير عصام، وهو حديث منكر لا يروى من
طريق غيره ".
قلت: عصام هذا قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 25) عن
أبيه " كوفي لا بأس به ". وكذا قال أبو زرعة وأبو داود.
وقال ابن معين " صالح ". وقال النسائي: " ثقة ".
وذكره ابن حبان في " الثقات ".
قلت: ولم يضعفه أحد، فمثله حجة، وسائر الرواة ثقات أيضا، وذلك ما صرح به
الهيثمي والحافظ فالسند صحيح، فلا وجه عندي لقول أبي حاتم " حديث منكر "،
إلا إن كان يعني به أنه حديث(1/853)
غريب فرد، ويؤيده قوله عقبه:
" لا يروى من طريق غيره ". فإن كان أراد هذا فلا إشكال، وإن أراد التضعيف
فلا وجه له، لاسيما وهو موافق لحديث عائشة الصحيح، فأين النكارة؟ !
وجملة القول أن الحديث صحيح الإسناد، ولا إشكال في متنه خلافا لظن الأستاذ
الأفغاني، فإن غاية ما فيه أن عائشة رضي الله عنها لما علمت بالحوأب كان عليها
أن ترجع، والحديث يدل أنها لم ترجع! وهذا مما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين.
وجوابنا على ذلك أنه ليس كل ما يقع من الكمل يكون لائقا بهم، إذ لا عصمة إلا
لله وحده.
والسني لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصاف الأئمة الشيعة
المعصومين! ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله ولذلك همت بالرجوع
حين علمت بتحقق نبؤة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب، ولكن الزبير رضي
الله عنه أقنعها بترك الرجوع بقوله " عسى الله أن يصلح بك بين الناس " ولا نشك
أنه كان مخطئا في ذلك أيضا.
والعقل يقطع بأنه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين
وقع فيهما مئات القتلى ولا شك أن عائشة رضي الله عنها المخطئة لأسباب كثيرة
وأدلة واضحة، ومنها ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها،
وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور بل المأجور.
قال الإمام الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 69 - 70) :
" وقد أظهرت عائشة الندم، كما أخرجه ابن عبد البر في " كتاب الإستيعاب "
عن ابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال:
قالت عائشة لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال:
رأيت رجلا غلب عليك - يعني ابن الزبير - فقالت: أما والله لو نهيتني ما خرجت
انتهى ".(1/854)
ولهذا الأثر طريق أخرى، فقال الذهبي في " سير النبلاء " (78 - 79) :
" وروى إسماعيل بن علية عن أبي سفيان بن العلاء المازني عن ابن أبي عتيق قال:
قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرنيه، فلما مر بها قيل لها: هذا ابن عمر،
فقالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلا قد
غلب عليك. يعني ابن الزبير ".
وقال أيضا:
" إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: قالت عائشة وكانت تحدث نفسها أن تدفن في
بيتها، فقالت: إني أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثا، ادفنوني
مع أزواجه، فدفنت بالبقيع رضي الله عنها.
قلت: تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة كلية، وتابت من ذلك.
على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبد الله
والزبير بن العوام وجماعة من الكبار رضي الله عن الجميع ".
وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي وائل قال:
ولما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال: إني لأعلم
أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها ".
يعني عائشة.
وكانت خطبته قبل وقعة الجمل ليكفهم عن الخروج معها رضي الله عنها.
475 - " لا تأكل الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ".
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 320) : حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا
شبابة بن سوار قال: حدثنا أبو زيد عبد الله بن العلاء قال: حدثنا مسلم
ابن مشكم كاتب أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني
يقول:(1/855)
" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله حدثني ما يحل لي
مما يحرم علي، فقال: " فذكره.
وأخرجه في " مشكل الآثار " (4 / 375) بهذا الإسناد دون سبب الحديث.
قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب ".
وهو في " الصحيحين " و " السنن " وغيرها من طريق أخرى بلفظ: " نهى عن أكل
كل ذي ناب من السباع ".
وهو مخرج في " الارواء " (2552) .
وله شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ: " كل ذي ناب من السباع فأكله حرام ".
476 - " كل ذي ناب من السباع فأكله حرام ".
أخرجه مسلم ومالك والشافعي وأحمد والطحاوي والبيهقي من طريق عبيدة
ابن سفيان عنه.
وله طريق أخرى عن أبي هريرة بمعناه.
وإسناده جيد، خرجته في المصدر السابق (2553) .
فقه الحديث
فيه دليل على أن الحمار الأهلي وكل ذي ناب من الوحوش حرام أكله وليس مكروها
فقط، كما زعم بعض المفسرين في هذا العصر وتأول النهي على أنه للتنزيه.
ولما رأى التصريح بالتحريم في حديث أبي هريرة زعم أنه رواية بالمعنى، ويدفعه
أنه إن كانت الرواية بالمعنى من الصحابي وهو أبو هريرة فهو أدرى به ممن بعده،
وإن كان يعني أنه من بعض من بعده فيرده مجيئه بلفظ التحريم من الطريق الأخرى.
ويؤكده أن أبا ثعلبة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يحل له وما يحرم؟
فأجابه بقوله: " لا تأكل ... " فهذا نص في أن النهي للتحريم لأنه هو الذى سأل
عنه أبو ثعلبة، ولا(1/856)
يصح في النظر السليم أن يكون الجواب عليه " لا تأكل ... "
وهو يعني يجوز الأكل مع الكراهة!
477 - " البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم ألف ملك، ثم لا يعودون إليه
حتى تقوم الساعة ".
أخرجه أحمد (3 / 153) وابن جرير (27 / 11) والحاكم (2 / 468)
وعبد ابن حميد في " المنتخب " (ق 132 / 2) وتمام في " الفوائد "
(ج 1 رقم 67) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقال الحاكم: " على شرط الشيخين "
ووافقه الذهبي، وهو وهم. فإن حمادا لم يخرج له البخاري شيئا.
وتابعه سليمان وهو ابن المغيرة عن ثابت به نحوه.
أخرجه ابن جرير حدثنا محمد بن سنان القزاز قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال:
حدثنا سليمان.
قلت: وهذا سند رجاله ثقات رجال الشيخين غير القزاز وهو ضعيف.
وله طريق أخرى عند البخاري (3 / 30 - 32) ومسلم (1 / 103 - 104)
وابن جرير من طريق قتادة عن أنس بحديث الإسراء الطويل وفيه:
" ثم رفع لي البيت المعمور، فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت
المعمور، يدخله ... ".
وله شاهد من حديث أبي هريرة نحوه إلا أنه قال: " السماء الدنيا ".(1/857)
أخرجه الحسن بن رشيق في " المنتقى من الأمالي " (ق 44 / 2) والواحدي
(4 / 92 / 1) عن روح بن جناح عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
وقد عزاه ابن كثير في " تفسيره " (8 / 76 - منار) لابن أبي حاتم من هذا
الوجه بزيادة " بحيال الكعبة ". وقال:
" هذا حديث غريب جدا، تفرد به روح بن جناح هذا وهو القرشي الأموي مولاهم
أبو سعيد الدمشقي، وقد أنكر عليه هذا الحديث جماعة من الحفاظ منهم الجوزجاني
والعقيلي والحاكم وغيرهم. وقال الحاكم: لا أصل له من حديث أبي هريرة،
ولا سعيد ولا الزهري ".
قلت: ووقع في رواية ابن أبي حاتم: " السماء السابعة ".
فلا أدري أهكذا روايته، أم هو تحريف من الناسخ أو الطابع.
وله طريق أخرى عن أبي هريرة، فقال ابن الأعرابي في " المعجم " (10 / 2) :
أخبرنا ابن الجنيد أنبأنا عمرو بن عاصم أنبأنا همام أنبأنا قتادة أنبأنا الحسن
عنه مرفوعا به دون ذكر السماء.
والحسن هو البصري، وهو مدلس، ورجاله ثقات.
وله شاهد آخر من حديث ابن عباس نحوه وفيه: " وهو مثل بيت الحرام حياله،
لو سقط لسقط عليه ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 150 / 2) من طريق إسحاق ابن بشر
أبي حذيفه والواحدي في " تفسيره " (4 / 92 / 1) عن سعيد بن سالم كلاهما عن
ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل عنعنة ابن جريج، وضعف سعيد بن سالم، وأما
إسحاق بن بشر فكذاب، فلا يستشهد به ولا كرامة.
وفي " الدر المنثور " (6 / 117) :(1/858)
" أخرجه الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف ".
وأخرج ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة: " أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه:
ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء يقال له الضراح وهو بحيال الكعبة من
فوقها، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا
من الملائكة، ولا يعودون فيه أبدا ".
ورجاله ثقات غير خالد بن عرعرة وهو مستور.
قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 343) :
" روى عن علي، وعنه سماك والقاسم بن عوف الشيباني ".
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
وكذلك أورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 37) .
وقد تابعه أبو الطفيل قال: " سأل ابن الكواء عليا عن البيت المعمور؟ ... ".
أخرجه ابن جرير أيضا: حدثنا ابن حميد ... عن أبي الطفيل.
وابن حميد اسمه محمد، وهو ضعيف جدا.
ولهذه الزيادة شاهد مرسل من رواية قتادة قال:
" ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه: هل تدرون ما
البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه مسجد في السماء، تحته
الكعبة، لو خر لخر عليها ... ".
أخرجه ابن جرير: حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة.
قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير بشر وهو
ابن هلال الصواف فمن رجال مسلم وحده.(1/859)
وجملة القول: أن هذه الزيادة " حيال الكعبة " ثابتة بمجموع طرقها، وأصل
الحديث أصح. والله أعلم.
478 - " قال الله عز وجل: لا يأتي النذر على ابن آدم بشيء لم أقدره عليه، ولكنه
شيء أستخرج به من البخيل يؤتيني عليه ما لا يؤتيني على البخل. وفي رواية: ما
لم يكن آتاني من قبل ".
أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (2 / 242) : حدثنا سفيان عن أبي الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه في " صحيحيهما "
وأبو داود وغيرهم من طرق أخرى عن أبي الزناد به، إلا أنهم لم يجعلوه حديثا
قدسيا، وقد ذكرت لفظه ومن خرجه وطرقه في " إرواء الغليل " (2650) .
ورواه النسائي (2 / 142) من طريق أخرى عن سفيان به مختصرا.
وتابعه همام بن منبه عن أبي هريرة به.
أخرجه ابن الجارود في " المنتقى " (932) وأحمد (2 / 314) بإسناد صحيح على
شرطهما، ولم يخرجاه من هذا الطريق، ولا بلفظ الحديث القدسي.
وللحديث طريق ثالث بلفظ:
" لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا وإنما يستخرج به من البخيل ".
أخرجه مسلم وصححه الترمذي.
من فقه الحديث:
دل الحديث بمجموع ألفاظه أن النذر لا يشرع عقده، بل هو مكروه، وظاهر النهي
في بعض طرقه أنه حرام، وقد قال به قوم. إلا أن قوله تعالى: " أستخرج به من(1/860)
البخيل " يشعر أن الكراهة أو الحرمة خاص بنذر المجازاة أو المعاوضة، دون نذر
الابتداء والتبرر، فهو قربة محضة، لأن للناذر فيه غرضا صحيحا وهو أن يثاب
عليه ثواب الواجب، وهو فوق ثواب التطوع. وهذا النذر هو المراد - والله
أعلم - بقوله تعالى (يوفون بالنذر) دون الأول.
قال الحافظ في " الفتح " (11 / 500) :
" وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى (يوفون بالنذر) قال:
كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة ومما
افترض عليهم فسماهم الله أبرارا، وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر
المجازاة ".
وقال قبل ذلك: " وجزم القرطبي في " المفهم " بحمل ما ورد في الأحاديث من
النهي، على نذر المجازاة، فقال:
هذا النهي محله أن يقول مثلا: إن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا.
ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكورة على حصول الغرض المذكور ظهر
أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما صدر منه، بل سلك فيه مسلك
المعاوضة، ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه
حالة البخيل، فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا
وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث بقوله:
" وإنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه ". وقد ينضم إلى هذا
اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض
لأجل ذلك النذر، وإليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضا " فإن النذر لا يرد من
قدر الله شيئا ". والحالة الأولى تقارب الكفر، والثانية خطأ صريح ".
قال الحافظ:(1/861)
قلت: بل تقرب من الكفر أيضا.
ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال:
" الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد،
فيكون إقدامه على ذلك محرما، والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك ".
وهو تفصيل حسن، ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها
في نذر المجازاة.
قلت: يريد بالقصة ما أخرجه الحاكم (4 / 304) من طريق فليح بن سليمان عن سعيد
بن الحارث أنه سمع عبد الله بن عمر وسأله رجل من بني كعب يقال له مسعود بن
عمرو: يا أبا عبد الرحمن إن ابني كان بأرض فارس فيمن كان عند عمر بن عبيد الله
وإنه وقع بالبصرة طاعون شديد فلما بلغ ذلك نذرت: إن الله جاء بابني أن أمشي
إلى الكعبة، فجاء مريضا، فمات، فما ترى؟ فقال ابن عمر: (أو لم تنهوا عن
النذر؟ ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " النذر لا يقدم شيئا، ولا
يؤخره، فإنما يستخرج به من البخيل "، أوف بنذرك) .
وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو عند البخاري دون القصة من هذا الوجه، وفليح يقول الحافظ في
" التقريب " عنه: " صدوق كثير الخطأ ".
قلت: فلا ضير على أصل حديثه ما دام أنه لم يتفرد به. والله أعلم.
وبالجملة ففي الحديث تحذير للمسلم أن يقدم على نذر المجازاة، فعلى الناس أن
يعرفوا ذلك حتى لا يقعوا في النهي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!(1/862)
479 - " النذر نذران، فما كان لله فكفارته الوفاء، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه
وعليه كفارة يمين ".
أخرجه ابن الجارود في " المنتقى " (935) وعنه البيهقي (10 / 72) :
حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن موسى بن أعين قال حدثنا خطاب: حدثنا
عبد الكريم عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى
الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير خطاب وهو ابن القاسم
الحراني وهو ثقة كما قال ابن معين وأبو زرعة في رواية عنه.
وقال البرذعي عنه: " منكر الحديث، يقال: إنه اختلط قبل موته ".
وذكره ابن حبان في " الثقات ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة اختلط قبل موته ".
قلت: جزمه باختلاطه غير جيد، ولم يذكره أحد به غير أبي زرعة كما سبق،
ولكنه لم يجزم به بل أشار إلى عدم ثبوت ذلك فيه بقوله: " يقال ... " فإنه من
صيغ التمريض كما هو معلوم.
ثم إن الحديث له شواهد من حديث عائشة وغيرها، وقد خرجتها في " الإرواء "
فراجع الأحاديث (2653، 2654، 2656، 2657) .
وفي الحديث دليل على أمرين اثنين:
الأول: أن النذر إذا كان طاعة لله، وجب الوفاء به وأن ذلك كفارته، وقد صح
عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن
يعصي الله فلا يعصه ".(1/863)
متفق عليه.
والآخر: أن من نذر نذرا فيه عصيان للرحمن، وإطاعة للشيطان، فلا يجوز
الوفاء به، وعليه الكفارة كفارة اليمين، وإذا كان النذر مكروها أو مباحا
فعليه الكفارة من باب أولى، ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام: " كفارة
النذر كفارة اليمين ".
أخرجه مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وهو مخرج في
" الإرواء " (2653) .
وما ذكرنا من الأمر الأول والثاني متفق عليه بين العلماء، إلا في وجوب
الكفارة في المعصية ونحوها، فالقول به مذهب الإمام أحمد وإسحاق كما قال
الترمذي (1 / 288) ، وهو مذهب الحنفية أيضا، وهو الصواب لهذا الحديث
وما في معناه مما أشرنا إليه.
480 - " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ".
أخرجه مالك (1 / 44 ـ 45) عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل بني الأزرق
عن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أنه سمع أبا هريرة يقول:
" جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا نركب
البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ به؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.
ومن طريق مالك أخرجه أصحاب السنن وغيرهم وصححه الترمذي وجماعة من المتقدمين
والمتأخرين ذكرت أسماءهم في " صحيح أبي داود " (76) .
وهذا إسناد رجاله ثقات غير سعيد بن سلمة، وقد ادعى بعضهم أنه مجهول لم يرو
عنه غير صفوان، ومع ذلك وثقه النسائي وابن حبان، لكن قيل: إنه روى عنه
أيضا الجلاح أبو كثير، وفيه نظر عندي يأتي بيانه.
قال الحافظ في " التلخيص " (1 / 10) :(1/864)
" وأما سعيد بن سلمة، فقد تابع صفوان بن سليم على روايته له عند الجلاح
أبو كثير، رواه عنه الليث بن سعيد، وعمرو بن الحارث وغيرهما، ومن طريق
الليث رواه أحمد والحاكم والبيهقي عنه ".
قلت: يعني أن الجلاح هذا رواه أيضا عن سعيد بن سلمة، فيكون له راويان صفوان
والجلاح.
وحينئذ فعزو هذه المتابعة لأحمد فيه نظر، لأن السند عنده (2 / 378) هكذا:
" حدثنا قتيبة بن سعيد عن ليث عن الجلاح أبي كثير عن المغيرة بن أبي بردة عن
أبي هريرة ... ".
فالجلاح في هذا السياق متابع لسعيد بن سلمة، لا لصفوان كما أدعى الحافظ
رحمه الله، نعم إنما تصح دعواه بالنظر إلى سياق الحاكم لإسناده (1 / 141)
وعنه تلقاه البيهقي (1 / 3) ، رواه من طريق عبيد بن عبد الواحد بن شريك
حدثنا يحيى بن بكير: حدثني الليث عن يزيد بن أبي حبيب حدثني الجلاح (أبو)
كثير أن ابن سلمة المخزومي حدثه أن المغيرة بن أبي بردة أخبره به.
فهذا السياق مخالف لسياق أحمد في موضعين:
الأول: أنه أدخل بين الليث والجلاح يزيد بن أبي حبيب، والأول أسقطه من
بينهما.
والآخر: أنه أدخل بين الجلاح وبين المغيرة بن سلمة المخزومي وهو سعيد ابن
سلمة، والآخر أسقطه.
وهذا الاختلاف كما يبدو لأول وهلة إنما هو بين قتيبة بن سعيد ويحيى بن بكير،
ولو ثبتت هذه المخالفة عن يحيى لكانت مرجوحة لأنه دون قتيبة في الحفظ(1/865)
والضبط
فقد أطلق النسائي فيه الضعف، وتكلم فيه غيره، لكن قال ابن عدي:
هو أثبت الناس في الليث. وهذا القول اعتمده الحافظ في " التقريب " فقال:
" ثقة في الليث ". وقال في قتيبة: " ثقة ثبت ".
وإذا تبين الفرق بين الرجلين، فالنفس تطمئن لرواية قتيبة المتفق على ثقته
وضبطه، أكثر من رواية يحيى بن بكير المختلف فيه، ولو أن عبارة ابن عدي تعطي
بإطلاقها ترجيح روايته عن الليث خاصة على رواية غيره عنه.
ومع ذلك فإن في ثبوت هذا السياق عن يحيى نظر، لأن الراوي عنه عبيد ابن
عبد الواحد بن شريك فيه كلام أيضا. وإليك ما جاء في ترجمته عند الخطيب في
" تاريخ بغداد " (11 / 99) :
" قال الدارقطني: صدوق. وقال أبو مزاحم موسى بن عبيد الله: كان أحد الثقات
ولم أكتب عنه في تغيره شيئا. وقال ابن المنادي (يعني في تاريخه) :
أكثر الناس عنه، ثم أصابه أذى فغيره في آخر أيامه، وكان على ذلك صدوقا.
وقال الخطبي: لم أكتب عنه شيئا ".
ويتلخص مما سبق أن سياق أحمد عن الليث عن الجلاح أبي كثير عن المغيرة ابن أبي
بردة عن أبي هريرة، هو الصحيح عن الليث والجلاح.
وإذا تبين هذا، فالسند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير المغيرة وهو ثقة
كما قال النسائي، وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 218 - 219) وروى عنه
جماعة.
ولتمام الفائدة يحسن أن أسوق الآن لفظ هذا الإسناد فإنه أتم، قال أبو هريرة(1/866)
رضي الله عنه:
" أن ناسا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نبعد في البحر، ولا
نحمل من الماء إلا الإداوة والإداوتين، لأنا لا نجد الصيد حتى نبعد، أفنتوضأ
بماء البحر؟ قال: نعم فإنه الحل ميتته، الطهور ماؤه ".
من فقه الحديث:
وفي الحديث فائدة هامة وهي حل كل ما مات في البحر مما كان يحيى فيه، ولو
كان طافيا على الماء، وما أحسن ما روي عن ابن عمر أنه سئل: آكل ما طفا على
الماء؟ قال: إن طافيه ميتته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن ماءه طهور، وميته حل.
رواه الدارقطني (538) . وحديث النهي عن أكل ما طفا منه على الماء لا يصح كما
هو مبين في موضع آخر.
481 - " لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير، قلت: إن ذلك لكائن؟
قال: نعم ليكونن ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 238 - مصورة المكتب) : حدثنا محمد
ابن عبد الرحيم حدثنا عفان، وابن حبان في " صحيحه " (1889 - موارد) :
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا إبراهيم بن حجاج السامي قالا حدثنا
عبد الواحد ابن زياد: حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف
عن عبد الله ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال البزار: " لا نعلمه من وجه يصح إلا من هذا الوجه ".(1/867)
قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم غير أحمد بن علي وهو
أبو يعلى الموصلي الحافظ صاحب " المسند " وهو ثقة حافظ.
وللحديث طريق أخرى، أخرجه الحاكم (4 / 457) من طريق قتادة عن أبي مجلز عن
قيس بن عباد عن عبد الله بن عمرو قال: فذكره نحوه مطولا موقوفا.
وهو في حكم المرفوع وقال:
" صحيح الإسناد على شرطهما، موقوف ". ووافقه الذهبي.
وله عنده (4 / 455 - 456) طريق أخرى عنه موقوفا أيضا.
وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا:
" والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في
الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 291 / 2) عن خلف بن خليفة حدثنا يزيد ابن
كيسان عن أبي حازم عنه.
قلت: ورجال إسناده ثقات رجال مسلم، إلا أن خلفا هذا كان اختلط في الآخر،
وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي فأنكر عليه ذلك ابن عيينة وأحمد كما في
" التقريب ".
وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 331) :
" رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح "!
وله طريق أخرى عن أبي هريرة، بإسناده واه وزيادة في آخره:
" فذاك فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم ".(1/868)
ومن أجلها أوردته في " الضعيفة " (1254) .
وله شاهد آخر من حديث النواس بن سمعان في حديثه الطويل في الدجال ويأجوج
ومأجوج، وفي آخره:
" فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن
وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم
الساعة ".
أخرجه أحمد (4 / 181 - 182) ومسلم (8 / 197 - 198) والحاكم (4 / 492 -
494) وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي!
فوهما في استدراكه على مسلم.
(يتهارجون) أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير ولا يكترثون
كذلك. و (الهرج) بإسكان الراء الجماع، يقال: هرج زوجته أي جامعها. نووي.
قلت: وبمعناه تماما (يتسافدون) .
وله شاهد ثالث من حديث أبي ذر نحو حديث أبي هريرة.
أخرجه الحاكم (3 / 343) من طريق سيف بن مسكين الأسواري حدثنا المبارك
ابن فضالة عن المنتصر بن عمارة بن أبي ذر الغفاري عن أبيه عن جده عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم به. وقال: " تفرد به سيف بن مسكين ".
قال الذهبي: " هو واه، ومنتصر وأبوه مجهولان ".(1/869)
482 - " ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم وويل لأقماع القول وويل للمصرين
الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ".
رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 380) وأحمد (2 / 165، 219)
وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (42 / 1) عن حريز بن عثمان حدثنا
حبان بن زيد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. وقال المنذري في " الترغيب "
(3 / 155) : " رواه أحمد بإسناد جيد ".
وكذلك قال العراقي كما في " فيض القدير " للمناوي، وفيه:
" وقال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير حبان بن زيد الشرعبي وثقه ابن حبان
ورواه الطبراني كذلك. انتهى والمصنف رمز لصحته، وفيه ما ترى ".
وأقول: ليس فيه ما ينافي الصحة، فإن الجودة قد تجامعها، وقد تنافيها حينما
يراد بها ما دونها وهو الحسن. وليس هو المتحتم هنا.
وحبان بن زيد وثقه أبو داود أيضا بقوله:
" شيوخ حريز كلهم ثقات ".
ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " ثقة من الثالثة، أخطأ من زعم أن له صحبة
".(1/870)
(الأقماع) بفتح الهمزة جمع (قمع) بكسر القاف وفتح الميم وتسكن: الإناء
الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع. شبه استماع الذين يستمعون القول ولا
يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئا مما يفرغ فيها، فكأنه يمر
عليها مجتازا كما يمر الشراب في القمع.
كذلك قال الزمخشري: من المجاز " ويل لأقماع القول " وهم الذين يستمعون ولا
يعون.
483 - " من لا يرحم لا يرحم، ومن لا يغفر لا يغفر له، ومن لا يتب لا يتب عليه ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 180 / 1) وأبو الحسن الحربي في
" الفوائد المنتقاة " (3 / 155 / 1) عن هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثني
أبي أنبأنا المفضل بن صدقة أبو حماد الكوفي عن زياد (بن علاقة) قال سمعت
جريرا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير المفضل بن صدقة فهو مختلف فيه
فقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: ليس بقوى يكتب حديثه.(1/871)
وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.
وقال النسائي: متروك.
وقال ابن عدي: ما أرى بحديثه بأسا، وكان أحمد بن محمد بن شعيب يثني
عليه ثناء تاما.
وقال الأهوازي: كان عطاء بن مسلم يوثقه.
وقال البغوي: صالح الحديث.
قلت: فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى، وقد تابعه ثلاثة:
الأول: قيس بن الربيع عن زياد بن علاقة به. أخرجه الطبراني.
وقيس هذا ضعيف أيضا لسوء حفظه فيستشهد به.
الثاني: سليمان بن أرقم عن زياد بن علاقة به دون الجملة الثالثة.
أخرجه أحمد (4 / 365) . وسليمان أيضا ضعيف كسابقيه.
الثالث: الوليد بن أبي ثور عن زياد به كالذي قبله. أخرجه الطبراني.
والوليد ضعيف أيضا،(1/872)
لكن اجتماع هؤلاء الأربعة على روايته عن زياد مما يدل
على صحة الحديث، لأنهم غير متهمين في صدقهم، وليس فيهم من كان يسرق الحديث،
فيبعد عادة أن يتفقوا على الخطأ. والله أعلم.
والجملة الأولى من الحديث أخرجها الشيخان في " صحيحيهما " وأحمد والطبراني
وغيرهم من طرق عن جرير. وقد خرجته في " مشكلة الفقر " (108) .
والجملة الثانية يشهد لها الحديث الذي قبله.
484 - " أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد، فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 182) حدثنا هشيم أخبرنا حجاج حدثنا عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده.
" أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن هشام ابن العاص
نحر حصته خمسين بدنة، وأن عمرا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟
فقال " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات على الخلاف المعروف في عمرو ابن شعيب
عن أبيه عن جده. وهشيم والحجاج كلاهما مدلس، ولكنهما قد صرحا بالتحديث،
فزالت شبهة تدليسهما. ومن هنا تعلم أن قول الهيثمي في " مجمع الزوائد "
(4 / 192) :
" رواه أحمد، وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس ".
فليس دقيقا، فإنه يوهم أنه قد عنعنه، وليس كذلك كما ترى.
والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد
موتهما إذا كانا مسلمين ويصل إليهما ثوابها، بدون وصية منهما. ولما كان
الولد من(1/873)
سعي الوالدين، فهو داخل في عموم قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا
ما سعى) فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب،
مما أورده المجد ابن تيمية في " المنتقى " كما فعل البعض.
واعلم أن كل الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد،
فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن
تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى " غير صحيح لأن الدعوى
أعم من الدليل، ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم
أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء، اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها
الشوكاني في " نيل الأوطار " (4 / 78 - 80) ، ثم الكاتب في كتابه
" أحكام الجنائز وبدعها " يسر الله إتمام طبعه، من ذلك الدعاء للموتى فإنه
ينفعهم إذا استجابه الله تبارك وتعالى. فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط
في هذه المسألة، وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ
القرآن عن والديه لأنه من سعيهما، وليس له ذلك عن غيرهما إلا ما خصه الدليل
مما سبقت الإشارة إليه. والله أعلم.
485 - " ما لبعيرك يشكوك؟ زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد أن تنحره (لا تنحروه
واجعلوه في الإبل يكون معها) ".
أخرجه الإمام أحمد (4 / 173) حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر بن عياش عن
حبيب بن أبي عمرة عن المنهال بن عمرو عن يعلى قال:
" ما أظن أن أحدا من الناس رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا دون ما
رأيت - فذكر أمر(1/874)
الصبي، والنخلتين، وأمر البعير، إلا أنه قال - " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير أسود بن عامر فمن أفراد
مسلم.
ثم استدركت فقلت: إنه منقطع كما يأتي.
وقد أخرجه الحاكم (2 / 617 - 618) من طريق يونس بن بكير عن الأعمش عن
المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه قال:
" سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا، نزلا منزلا
فقال: انطلق إلى هاتين الشجرتين فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
لكما أن تجتمعا، فانطلقت فقلت لهما ذلك، فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها،
فمرت كل واحدة إلى صاحبتها، فالتقيا جميعا، فقضى رسول الله صلى الله عليه
وسلم حاجته من ورائهما، ثم قال: انطلق فقل لهما لتعود كل واحدة إلى مكانها،
فأتيتهما، فقلت ذلك لهما، فعادت كل واحدة إلى مكانها.
وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه كل يوم مرتين،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدنيه، فأدنته منه، فتفل في فيه وقال:
اخرج عدو الله أنا رسول الله، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
رجعنا فأعلمينا ما صنع. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبلته
ومعها كبشان وأقط وسمن، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ هذا
الكبش، فاتخذ منه ما أردت، فقالت: والذي أكرمك ما رأينا به شيئا منذ
فارقتنا.
ثم أتاه بعير فقام بين يديه، فرأى عينيه تدمعان، فبعث إلى أصحابه، فقال:
ما لبعيركم هذا يشكوكم؟ فقالوا: كنا نعمل عليه، فلما كبر وذهب عمله تواعدنا
عليه لننحره غدا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنحروه واجعلوه في الإبل يكون معها.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".(1/875)
ووافقه الذهبي.
قلت: وقوله في السند " عن أبيه " وهم كما صرح الحافظ في " التهذيب " لكنه
قال في الرواة عن يعلى:
" منهم من أرسل عنه كعطاء بن السائب والمنهال بن عمرو ".
وذكر نحوه في ترجمة المنهال أنه أرسل عن يعلى بن مرة.
وعلى هذا فالإسناد منقطع.
وأخرجه أحمد (4 / 171، 172) من طريق وكيع حدثنا الأعمش به دون قصة الجمل
إلا أنه لم يقل مرة عن أبيه.
وأخرجه (4 / 170) من طريق عثمان بن حكيم قال:
أخبرني عبد الرحمن ابن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال:
" لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلي ... ".
فذكرها.
وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 158) :
" وإسناده جيد ".
كذا قال، وعبد الرحمن هذا أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ولم
يحك فيه جرحا ولا تعديلا، وقال الحسيني: " ليس بالمشهور ".
وبقية رجاله ثقات رجال مسلم.
وقد تابعه عبد الله بن حفص عن يعلى بن مرة الثقفي به نحوه.
أخرجه أحمد (4 / 173) من طريق عطاء بن السائب عنه.
وعطاء كان اختلط.
وعبد الله بن حفص مجهول كما قال الحافظ وغيره.(1/876)
وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد. والله أعلم.
486 - " كان في بني إسرائيل امرأة قصيرة، فصنعت رجلين من خشب، فكانت تسير بين
امرأتين قصيرتين واتخذت خاتما من ذهب وحشت تحت فصه أطيب الطيب: المسك فكانت
إذا مرت بالمجلس حركته فنفنخ ريحه (وفي رواية) : وجعلت له غلقا فإذا مرت
بالملأ أو بالمجلس قالت به ففتحته، ففاح ريحه ".
أخرجه أحمد في " المسند " (3 / 40) : حدثنا عثمان بن عمرو حدثنا المستمر
ابن الريان حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره.
ثم قال (3 / 46) : حدثنا عبد الصمد حدثنا المستمر بن الريان به وزاد في
أوله:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدنيا فقال: إن الدنيا خضرة حلوة،
فاتقوها واتقوا النساء. ثم ذكر نسوة ثلاثا من بني إسرائيل امرأيتن طويلتين
تعرفان، وامرأة قصيرة لا تعرف فاتخذت رجلين من خشب ... " الحديث نحوه وفيه
الرواية الأخرى.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في " صحيحه " (7 / 48) من
طريق شعبة عن خليد بن جعفر والمستمر قالا: سمعنا أبا نضرة به مختصرا.
ومن طريقه عن خليد وحده به نحو رواية عبد الصمد دون الزيادة في أوله.
(فنفخ) كذا الأصل بالخاء المعجمة أي فاح كما في الرواية الأخرى.(1/877)
وكنت أظن
أن الصواب (فنفح) بالحاء المهملة، ففي القاموس: " نفح الطيب كمنع فاح ...
" حتى رأيت في " النهاية " في مادة " نفخ ": " ... من نفخت الريح إذا جاءت
بغتة " فظننت أنها صحيحة. والله أعلم.
487 - " إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ".
أخرجه أبو داود (2675) : حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق
الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن سعد - قال غير أبي صالح عن الحسن بن سعد
عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال:
" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة
معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله
عليه وسلم فقال:
من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال:
من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محبوب بن موسى،
وهو ثقة. وعبد الرحمن بن عبد الله وهو ابن مسعود قد سمع من أبيه على الراجح
عندنا كما سبق بيانه عند الحديث (197) .
وقد تابعه المسعودي عن الحسن بن سعد به. دون قصة النمل. أخرجه أحمد (1 /
404) .(1/878)
وفي رواية له عن المسعودي عن القاسم والحسن بن سعد به.
وقد سبق ذكر الحديث برقم (25) من أجل فقرة أخرى، وقدر إعادته هنا لشيء من
الزيادة في التخريج، ولنسوق له شاهدا بلفظ:
" لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل ".
أخرجه أحمد (1 / 219 - 220) حدثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس:
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في " صحيحه " (4 / 329)
والترمذي (1 / 275) والنسائي (2 / 170) وأحمد أيضا (1 / 217، 282)
وعنه أبو داود (4351) والدارقطني (334) من طرق أخرى عن أيوب عن عكرمة:
" أن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا
لقتلتهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه. ولم أكن
لأحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا بعذاب الله. فبلغ ذلك
عليا فقال: صدق ابن عباس.
والسياق للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ".
وليس عند البخاري قوله " لا تعذبوا بعذاب الله " وإنما لفظه:
" ... لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقتلتهم ...
".
وفي رواية لأحمد وهي رواية الدارقطني وقال: " ثابت صحيح ":
" فقال: ويح ابن أم عباس " مكان " صدق ابن عباس ".
ولا منافاة بين الروايتين، فإن " ويح " كلمة ترحم وتوجع، وقد تقال بمعنى
المدح والتعجب. كما في " النهاية " فهي هنا بالمعنى الآخر كما هو ظاهر.(1/879)
(تنبيه)
عزا الحديث بلفظ الترجمة في " الفتح الكبير " لمسلم عن كعب ابن مالك، ولم
أره فيه. والله أعلم.
وسيأتي للحديث شاهدان آخران من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي وأبي هريرة تحت رقم
(1565) .
488 - " اعفوا عنه (يعني الخادم) في كل يوم سبعين مرة ".
أخرجه أبو داود (5164) من طريق ابن وهب قال: أخبرني أبو هانئ الخولاني
عن العباس بن جليد الحجري قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول:
" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كم نعفو عن
الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال "
فذكره.
وأخرجه الترمذي (1 / 353 - 354) من هذا الوجه ولكنه لم يسق لفظه،
وإنما أحال على لفظ رشدين بن سعد عن أبي هانىء الخولاني به نحوه. وقال:
" حديث حسن غريب ".
قلت: وإسناده صحيح. وأبو هانىء اسمه حميد بن هانىء وهو ثقة، ومثله
العباس بن جليد الحجري. فالسند صحيح. وقول أبي حاتم: " لا أعلم سمع عباس
ابن جليد من عبد الله بن عمرو " يرده تصريحه بالسماع منه في هذا السند.
وتابعه ابن لهيعة عن حميد بن هانىء به.
أخرجه أحمد (2 / 111) .
وتابعه سعيد بن أبي أيوب حدثنا أبو هانىء عن عباس الحجري عن عبد الله بن عمر
ابن الخطاب:
" أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي خادما
يسيء ويظلم(1/880)
أفأضربه؟ قال: تعفو عنه ... " الحديث.
أخرجه أحمد (2 / 90) : حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد
يعني ابن أبي أيوب.
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا. وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 163) :
" ورواه أبو يعلى بإسناد جيد عنه، وهو رواية للترمذي ".
قلت: ليس هو عند الترمذي بهذا اللفظ، فاعلمه.
ثم قال: " وفي بعض نسخ أبي داود " عبد الله بن عمرو ".
وقد أخرجه البخاري في " تاريخه " من حديث عباس بن جليد عن عبد الله بن عمرو
بن العاصى. ومن حديثه أيضا عن عبد الله بن عمر.
وقال الترمذي: روى بعضهم هذا الحديث بهذا الإسناد وقال: عن عبد الله
ابن عمرو. وذكر الأمير أبو نصر أن عباس بن جليد يروي عنهما كما ذكره البخاري
ولم يذكر ابن يونس في " تاريخ مصر "، ولا ابن أبي حاتم روايته عن عبد الله
بن عمرو بن العاصى. والله أعلم ".
قلت: قد صرحت رواية سعيد بن أبي أيوب المتقدمة أنه عبد الله بن عمر ابن الخطاب
وسعيد ثقة ثبت. فعلى روايته المعتمد. والله أعلم.
489 - " من ولى منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن
ذكر أعانه ".
أخرجه النسائي (2 / 187) عن بقية قال: حدثنا ابن المبارك عن ابن أبي حسين
عن القاسم بن محمد قال: سمعت عمتي تقول: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وقد صرح بقية بالتحديث فأمنا(1/881)
بذلك شر
تدليسه. وابن أبي حسين اسمه عمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي المكي.
وله طريق أخرى عن القاسم، يرويه الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد عن
عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم:
" إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه
وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم
يعنه ".
أخرجه أبو داود (2932) وابن حبان في " صحيحه " (1551 - موارد) من طريقين
عن الوليد به. ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أن زهير بن محمد وهو أبو المنذر
الخراساني ضعيف من قبل حفظه.
قال الحافظ: " رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها.
قال البخاري عن أحمد: كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر.
وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه ".
قلت: لكنه في هذا الحديث قد حفظ أو كاد، فإنه لم يخرج فيه عن معنى حديث
بقية. والله أعلم.
490 - " يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 192 - طبع بيروت) : أخبرنا وكيع
ابن الجراح: أخبرنا الأعمش عن أبي صالح قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل.
وكذلك أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " المعجم " (ق 106 / 2) قال: أنبأنا
إبراهيم أنبأنا وكيع به.(1/882)
وإبراهيم هذا هو ابن عبد الله أبو إسحاق العبسي كما
في إسناد حديث قبل هذا عنده. وهو إبراهيم بن عبد الله بن بكير بن الحارث
العبسي، وهو آخر أصحاب وكيع وفاة، توفي سنة تسع وسبعين ومائتين كما في
" الشذرات " (2 / 174) . وله جزء من حديث وكيع بن الجراح، يرويه أبو عمرو
الحسن بن علي بن الحسن العطار عنه عن وكيع.
وقد أخرج هذا الحديث فيه (ق 134 / 1) عن وكيع به إلا أنه وصله فقال:
" عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله
وسلم ".
وقد وجدت له متابعين عن وكيع:
الأول: عبد الله بن أبي عرابة الشاشي قال حدثنا وكيع به.
أخرجه أبو الحسن علي بن عمر الحربي السكري في " الفوائد المنتقاة "
(157 / 2) : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال: حدثنا حاتم بن منصور
الشاشي أبو سعيد قال: حدثنا عبد الله بن أبي عرابة الشاشي.
وعبد الله هذا أورده السمعاني في " الشاشي " فقال:
" هذه النسبة إلى مدينة وراء نهر سيحون يقال: لها (الشاش) ، وهي من ثغور
الترك، خرج منها جماعة كثيرة من أئمة المسلمين منهم عبد الله بن أبي عرابة
الشاشي، رحل إلى مرو والعراق، وسمع علي بن حجر وأحمد بن حنبل، روى عنه
أهل بلده، ومات سنة (286) ".
لكن الراوي عنه حاتم بن منصور لم أجد له الآن ترجمة.(1/883)
والآخر: عبد الله بن نصر: حدثنا وكيع به.
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 223 / 1) : حدثنا عمر بن سنان المنبجي حدثنا
عبد الله بن نصر به. وقال:
" وهذا غير محفوظ عن وكيع عن الأعمش، إنما يرويه مالك بن سعير عن الأعمش ".
يعني أنه غير محفوظ عن وكيع عن الأعمش هكذا موصولا، وإنما يرويه مالك بن سعير
عن الأعمش به موصولا.
لكن مجيئه من الطريقين السابقين عن وكيع موصولا مما يقوي رواية ابن نصر هذا.
وعليه فيكون مالك بن سعير قد تابعه على وصله، وتكون روايته مرجحة لرواية
الوصل عن وكيع على رواية الإرسال عنه، والله أعلم.
وقد أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " (247 / 2) وأبو عروبة الحراني في
" حديثه " (ق 98 / 1) وابن الحمامي في " جزء منتخب من مسموعاته "
(ق 35 / 1) والرامهرمزي في " الأمثال " (ق 21 / 1) والحاكم في
" المستدرك " والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 96 / 1) وابن عساكر في
" تاريخ دمشق " (2 / 97 / 1) من طريق أبي الخطاب زياد بن يحيى الحساني حدثنا
مالك بن سعير حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به.
وقال ابن الحمامي: " تفرد به مجودا مرفوعا مالك بن سعير عن الأعمش، ورواه
وكيع عن الأعمش عن أبي صالح موقوفا ".
كذا قال، وهو إنما يعني مرسلا كما تقدم في رواية ابن سعد، وأيضا فالوقف في
مثل هذا الحديث لا يعقل، كما هو ظاهر.(1/884)
وقال الحاكم: " صحيح على شرطهما، فقد احتجا جميعا بمالك بن سعير، والتفرد
من الثقات مقبول ". ووافقه الذهبي.
وأقول: مالك بن سعير صدوق كما قال أبو زرعة وأبو حاتم، لكن البخاري لم يحتج
به، وإنما أخرج له متابعة، ومسلم إنما روى له في " المقدمة "، فمثله يحتج
به إذا تفرد ولم يخالف، فإن رجحنا رواية وكيع المرسلة، فيكون مالك قد خالفه
فتكون روايته شاذة، ورواية وكيع المرسلة هي المحفوظة، وإن رجحنا رواية وكيع
الموصولة فتتفق الروايتان، ويكون كل منهما شاهدا للآخر، وهذا هو الأرجح
عندي، لأن اتفاق ثلاثة من الرواة على روايته عن وكيع موصولا، يبعد في العادة
أن يتفقوا على الخطأ، ولو كان في بعضهم ضعف بدون تهمة، أو في بعض الرواة عنه
فإذا انضم إلى ذلك رواية مالك بن سعير قوي الحديث وارتقى إلى درجة الحسن
أو الصحة، والله أعلم.
(فائدة)
قال الرامهرمزي عقب الحديث: " واتفقت ألفاظهم (يعني الرواة عن أبي الخطاب)
في ضم الميم من قوله:
" مهداة " إلا أن البرتي قال: " مهداة " بكسر الميم من الهداية، وكان ضابطا
فهما متفوقا في الفقه واللغة، والذي قاله أجود في الاعتبار لأنه بعث صلى
الله عليه وسلم هاديا كما قال عز وجل (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ،
وكما قال جل وعز (إنا أنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس) و (لتخرجهم من
الظلمات إلى النور) وأشباه ذلك. ومن رواه بضم الميم إنما أراد أن الله
أهداه إلى الناس. وهو قريب ".(1/885)
ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث جبير بن مطعم مرفوعا بلفظ:
" والذي نفسي بيده، لأقتلنهم، ولأصلبنهم، ولأهدينهم وهم كارهون، إني
رحمة بعثني الله عز وجل، ولا يتوفاني حتى يظهر الله دينه، لي خمسة أسماء
... ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 76 / 2) عن أحمد بن صالح قال:
وجدت في كتاب بالمدينة: عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي وإبراهيم بن محمد
ابن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن صالح التمار عن
ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال:
" قال أبو جهل بن هشام حين قدم مكة منصرفه عن حمزة: يا معشر قريش إن محمدا قد
نزل يثرب، وأرسل طلائعه، وإنما يريد أن يصيب منكم شيئا فاحذروا ... فبلغ
ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "، فذكره وقال:
" قال أحمد بن صالح: أرجو أن يكون الحديث صحيحا ".
قلت: محمد بن صالح التمار صدوق يخطىء كما في " التقريب ". ثم هو وجادة عن
كتاب مجهول، فمثله لا يحتج به اتفاقا، فالصحة من أين؟ !
491 - " أفضل الجهاد كلمة عدل (وفي رواية: حق) عند سلطان جائر ".
ورد من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي أمامة، وطارق بن شهاب، وجابر
ابن عبد الله، والزهري مرسلا.
1 - حديث أبي سعيد، وله عنه طريقان:
الأولى: عن عطية العوفي عنه مرفوعا بالرواية الأولى.(1/886)
أخرجه أبو داود (4344) والترمذي (2 / 26) وابن ماجه (4011)
وقال الترمذي: " حسن غريب من هذا الوجه ".
قلت: عطية ضعيف، لكن يقوي حديثه هنا الطريق الآتية، وهي:
الثانية: عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عنه مرفوعا.
أخرجه الحاكم (4 / 505 - 506) والحميدي في " مسنده " (752) وأحمد
(3 / 19، 61) بالروايتين وللحاكم الأخرى وقال:
" تفرد به ابن جدعان، ولم يحتج به الشيخان ".
قال الذهبي في " تلخيصه ": " قلت: هو صالح الحديث ".
وقال في " الضعفاء " " حسن الحديث، صاحب غرائب، احتج به بعضهم ".
وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال أحمد: ليس بشيء.
وأقول: هو حسن الحديث عند المتابعة كما هنا. والله أعلم.
2 - حديث أبي أمامة يرويه صاحبه أبو غالب عنه قال:
" عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال:
يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه، فلما رمى الجمرة الثانية سأله،
فسكت عنه، فلما رمى جمرة العقبة وضع رجله في الغرز ليركب، قال: أين السائل؟
قال: أنا يا رسول الله، قال: كلمة حق عند ذي سلطان جائر ".
أخرجه ابن ماجه (4012) وأحمد (5 / 251، 256) والمخلص في " بعض الخامس من
الفوائد " (ق 260 / 1) والروياني في " مسنده " (30 / 215 / 2)(1/887)
وأبو بكر بن سلمان الفقيه في " المنتقى من حديثه " (ق 96 / 1) وأبو القاسم
السمرقندي في جزء من " الفوائد المنتقاة " (ق 112 / 1) وابن عدي (112 / 2)
والبيهقي في " الشعب " (2 / 438 / 1) من طرق عن حماد بن سلمة عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن، وفي أبي غالب خلاف لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن،
وحديثه هذا صحيح بشاهده المتقدم والآتي.
3 - حديث طارق بن شهاب رضي الله عنه:
وهو صحابي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، كما قال أبو داود
أخرجه النسائي (2 / 187) وأحمد (4 / 315) والبيهقي والضياء المقدسي في
" الأحاديث المختارة " (ق 21 / 2) .
قلت: وإسناده " صحيح " ومراسيل الصحابة حجة.
(تنبيه)
أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن ماجه عن أبي سعيد. وأحمد
وابن ماجه والطبراني في " الكبير " والبيهقي في " الشعب " عن أبي أمامة.
وأحمد والنسائي والبيهقي أيضا عن طارق.
فقال المناوي في " شرحه ": " وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله،
ولا كذلك، بل تمامه عند مخرجه ابن ماجه كأبي داود: أو أمير جائر ".
فأقول: هذه الزيادة ليست عند ابن ماجه أصلا. ثم هي ليست من صلب الحديث، بل
شك من بعض رواة أبي داود بدليل عدم ورودها عند غيره من حديث أبي سعيد ولا عن
غيره ممن ذكرنا، فلا طائل إذن في استدراكها على السيوطي، نعم هي عند الخطيب
في " التاريخ " (7 / 239) من طريق عطية عن أبي سعيد. فهي ضعيفة منكرة لتفرد
عطية بها.
4 - حديث جابر:
أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (321) من طريق عمار بن(1/888)
إسحاق أخي محمد بن إسحاق
عن محمد بن المنكدر عنه مثل حديث أبي أمامة وقال:
" عمار بن إسحاق لا يتابع على حديثه، وليس بمشهور بالنقل، وآخر الحديث قد
روي بإسناد أصلح من هذا في أفضل العمل كلمة حق عند إمام جائر ".
5 - الزهري.
قال المناوي قال البيهقي:
" وله شاهد مرسل بإسناد جيد، ثم ساقه عن الزهري بلفظ: أفضل الجهاد كلمة عدل
عند إمام جائر ".
قلت: ولم أره عند البيهقي في " الشعب " من مرسل الزهري، وإنما من مرسل طارق
بن شهاب المتقدمة.
6 - ثم وجدته من حديثه بكر بن خنيس عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن جده
مرفوعا أخرجه الحاكم (3 / 626) وسكت عليه، وضعفه الذهبي، وعلته بكر هذا
فإنه ضعيف.
492 - " من علق تميمة فقد أشرك ".
أخرجه الإمام أحمد (4 / 156) والحارث بن أبي أسامة في " مسنده "
(155 من زوائده) ومن طريقه أبو الحسن محمد بن محمد البزاز البغدادي في
" جزء من حديثه " (171 - 172) عن عبد العزيز بن منصور حدثنا يزيد بن أبي
منصور عن دخين الحجري عن عقبة بن عامر الجهني:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط، فبايع تسعة، وأمسك عن
واحد، فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وتركت هذا؟ قال: إن عليه تميمة،
فأدخل يده فقطعها، فبايعه وقال ". فذكره.(1/889)
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير دخين وهو ابن عامر الحجري
أبو ليلى المصري وثقه يعقوب بن سفيان وابن حبان وصحح له الحاكم (4 / 384) ،
وقد أخرجه (4 / 219) من طريق أخرى عن يزيد بن أبي منصور.
وللحديث طريق أخرى، يرويه مشرح بن هاعان عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول:
" من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة، فلا ودع الله له ".
ولكن إسناده إلى مشرح ضعيف فيه جهالة، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر
(1266) .
(فائدة)
التميمة: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم
فأبطلها الإسلام كما في " النهاية " لابن الأثير.
قلت: ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاحين وبعض المدنيين
ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على
المرآة!
وبعضهم يعلق نعلا في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها! وغيرهم يعلقون نعل فرس
في واجهة الدار أو الدكان! كل ذلك لدفع العين زعموا، وغير ذلك مما عم وطم
بسبب الجهل بالتوحيد، وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل
وأنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها، فإلى الله المشتكى من جهل
المسلمين اليوم، وبعدهم عن الدين.
ولم يقف الأمر ببعضهم عند مجرد المخالفة، بل تعداه إلى التقرب بها إلى الله
تعالى! فهذا الشيخ الجزولي صاحب " دلائل الخيرات " يقول في الحزب السابع في
يوم الأحد (ص 111 طبع بولاق) :
" اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ما سجعت الحمائم، وحمت(1/890)
الحوائم وسرحت
البهائم، ونفعت التمائم "!
وتأويل الشارح لـ " الدلائل " بأن " التمائم جمع تميمة وهي الورقة التي يكتب
فيها شيء من الأسماء أو الآيات وتعلق على الرأس مثلا للتبرك ".
فما لا يصح لأن التمائم عند الإطلاق إنما هي الخرزات كما سبق عن ابن الأثير،
على أنه لو سلم بهذا التأويل فلا دليل في الشرع على أن التميمة بهذا المعنى
تنفع، ولذلك جاء عن بعض السلف كراهة ذلك كما بينته في تعليقي على " الكلم
الطيب " (ص 44 - 45 طبع المكتب الإسلامي) .
493 - " أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟! ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة فقال:
أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟! ".
رواه أبو داود (رقم 4062) والنسائي (2 / 292) الشطر الأول منه وأحمد
(3 / 357) ودحيم في " الأمالي " (25 / 2) وأبو يعلى في " مسنده "
(ق 114 / 1) وابن حبان (1438) والحاكم (4 / 186) وأبو نعيم في
" الحلية " (6 / 78) عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد بن المنكدر عن
جابر بن عبد الله قال:
" أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم (زائرا في منزلنا) فرأى رجلا شعثا قد
تفرق شعره فقال ... " فذكره.
والسياق لأبي داود والزيادة لأحمد.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي.
والحديث أورده الغزالي في " الإحياء " (1 / 122) بلفظ:
" دخل عليه صلى الله عليه وسلم رجل ثائر الرأس، أشعث اللحية، فقال: أما كان
لهذا دهن يسكن به شعره؟ ! ثم قال: يدخل أحدكم كأنه شيطان؟ ! ".(1/891)
فقال الحافظ العراقي في " تخريجه ":
" رواه أبو داود والترمذي وابن حبان من حديث جابر بإسناد جيد ".
قلت: عزوه للترمذي خطأ، ولعله جاء من قبل الناسخ أو الطابع فهو قد عزاه إلى
المخرجين بطريقة الرمز، فرمز إلى الترمذي منهم بحرف (ت) فتصحف على الناسخ
أو غيره من (ن) وهو النسائي، وقد علمت أنه أخرجه مختصرا.
ثم إنه ليس في حديث جابر عند أحد من مخرجيه ذكر للحية أصلا، ولا قوله:
" يدخل أحدكم كأنه شيطان ".
وإنما ورد ذلك في حديث عطاء بن يسار قال:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية
فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده: أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر
رأسه ولحيته، ففعل الرجل، ثم رجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا
خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان ".
أخرجه مالك في " الموطأ " (2 / 949 / 7) بسند صحيح، ولكنه مرسل.
494 - " إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم
قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم ".
أخرجه ابن نصر في " السنة " (ص 9) من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن
عتبة ابن غزوان أخي بني مازن بن صعصعة وكان من الصحابة - أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات لولا أن إبراهيم بن أبي عبلة عن عتبة
ابن غزوان مرسل كما في " التهذيب ".(1/892)
لكن له شاهد من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا به.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 76 / 1) من طريقين عن أحمد
ابن عثمان بن حكيم الأودي أنبأنا سهل بن عثمان البجلي أنبأنا عبد الله بن نمير
عن الأعمش عن زيد بن وهب عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
وله شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا به.
أخرجه أبو داود (4341) والترمذي (2 / 177) وابن ماجه (4014) وابن حبان
(1850) وابن أبي الدنيا في " الصبر " (ق 42 / 1)
وقال الترمذي: " حديث حسن ".
495 - " الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في
النار ".
أخرجه الترمذي (1 / 361) وابن حبان (1929) والحاكم (1 / 52 - 53)
وعبد الله بن وهب في " الجامع " (ص 73) وأحمد (2 / 501) ومحمد بن مخلد
العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 19 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(4 / 335 / 1) من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
وقال الترمذي:(1/893)
حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي!
ومحمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم متابعة. نعم تابعه سعيد بن أبي هلال عند
ابن حبان (1930) فبه صح والحمد لله.
وله شاهد من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1314) وابن ماجه (4184) والطحاوي في
" المشكل " (4 / 238) والحاكم من طريق هشيم عن منصور بن زاذان عن الحسن عنه
وقال الحاكم: " صحيح على شرطهما ". ووافقه الذهبي.
وعزاه البوصيري في " الزوائد " لابن حبان أيضا في " صحيحه "، ولم يورده
الهيثمي في " زوائده " إلا من حديث أبي هريرة كما تقدم.
ثم قال البوصيرى:
" فإن اعترض معترض على ابن حبان والحاكم في تصحيحه بقول الدارقطني: إن الحسن
لم يسمع من أبي بكرة. قلت: احتج البخاري في " صحيحه " برواية الحسن عن أبي
بكرة في أربعة أحاديث، وفي " مسند أحمد " و " المعجم الكبير " للطبراني
التصريح بسماعه من أبي بكرة في عدة أحاديث، منها " إن ابني هذا سيد " والمثبت
مقدم على النافي ".
قلت: وهذا جواب صحيح، لكن الحسن - وهو البصري - مدلس معروف بذلك، فلا يكفي
إثبات سماعه من أبي بكرة في الجملة، بل لابد من معرفة سماعه لهذا الحديث منه
وهذا مما لم نره في شيء من الروايات، فالاعتراض بهذا الاعتبار لا يزال قائما
لكن الحديث شاهد لا بأس به لحديث أبي سلمة عن أبي هريرة. والله أعلم.(1/894)
496 - " لو أقررت الشيخ (يعني أبا قحافة) لأتيناه مكرمة لأبي بكر. قاله لأبي بكر ".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 160) : حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن هشام عن محمد
بن سيرين قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن شاب إلا يسيرا، ولكن أبا
بكر وعمر بعده خضبا بالحناء والكتم. قال: وجاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يحمله. حتى وضعه بين يدي رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر
(فذكره) ، فأسلم ولحيته ورأسه كالثغامة بياضا فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: غيروهما وجنبوه السواد ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وهشام هو ابن حسان القردوسي ثقة من
أثبت الناس في ابن سيرين، وصححه ابن حبان (1476) عن ابن سلمة وكذا الحاكم
(3 / 244) ووافقه الذهبي.
وللحديث شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر بقصة أبي قحافة دون قوله " وجنبوه
السواد ".
أخرجه الإمام أحمد (6 / 349) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني يحيى ابن عباد
ابن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر.
قلت: وهذا إسناد حسن، وصححه ابن حبان (1700) من هذا الوجه.
وللقصة شاهد آخر من حديث جابر بن عبد الله وفيه الزيادة.
أخرجه مسلم وغيره من أصحاب " السنن " وهو مخرج في " تخريج الحلال والحرام "
برقم (106) .(1/895)
وله شاهد مرسل مختصر بلفظ: " غيروا رأس الشيخ بحناء ".
أخرجه ابن سعد (5 / 452) .
497 - " إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنه التسبيح وإذا استؤذن على المرأة وهي
تصلي فإذنها التصفيق ".
أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (2 / 247) من طرق عن حفص ابن عبد الله
حدثني إبراهيم بن طهمان عن سليمان الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة
والترمذي من طرق أخرى عن الأعمش به مختصرا بلفظ.
" التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء ".
وقال الترمذي " حسن صحيح ".
وكذلك أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا.
وهو في " صحيح أبي داود " برقم (867) .
وإنما خرجته باللفظ الأول لأنه مفصل، ولبيان صحة إسناده.
وقد أخرج أحمد في " مسنده " (2 / 290) حدثنا مروان بن معاوية الفزاري أن
يزيد بن كيسان استأذن على سالم بن أبي الجعد وهو يصلي، فسبح لي فلما سلم
قال: إن إذن الرجل إذا كان في الصلاة يسبح، وإن إذن المرأة أن تصفق، حدثنا
مروان أنبأنا عوف عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. حدثنا مروان
أخبرني عوف عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
قلت: وهذه أسانيد ثلاثة، وكلها صحيحة إلا أن الأول موقوف على سالم ابن(1/896)
أبي
الجعد وهو تابعي ثقة. والثاني عن الحسن وهو البصري مرسل. والثالث مرفوع،
وهو على شرط الشيخين، فهو شاهد قوي لرواية إبراهيم بن طهمان السابقة. وفيها
رد على قول الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (15 / 13) :
" والحديث مثل أثر سالم بن أبي الجعد، والظاهر أنه مثله معنى لا لفظا، فإني
لأم أجده بهذا اللفظ قط، إلا في هذا الموضع بهذا الإجمال ".
قلت: فقد وجدناه بهذا اللفظ المفصل من رواية إبراهيم بن طهمان كما رأيت، وهي
تدل على أن قوله في رواية ابن سيرين " مثله " إنما أراد به لفظا، وليس معنى
فقط. لاسيما وهو المراد اصطلاحا من كلمة " مثله "، ولو أراد المعنى فقط
لقال: " نحوه " كما جروا عليه في استعمالهم، ونصوا عليه في " المصطلح ".
والله ولي التوفيق.
وفي الحديث إشارة إلى ضعف الحديث الذي يورده الحنفية بلفظ:
" من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه، فليعد صلاته ".
فإن هذا الحديث الصحيح صريح في جواز الإشارة بالإذن بلفظ التسبيح، فكيف لا
يجوز ذلك بالإشارة باليد أو الرأس؟ ! لاسيما وقد جاءت أحاديث كثيرة بجواز
ذلك وقد خرجت بعضها في " صحيح أبي داود " رقم (858، 859، 860، 870) .
وبينت علة الحديث المذكور في الإشارة المفهمة في " الأحاديث الضعيفة "
(1104) ثم في " ضعيف أبي داود " رقم (169) .
498 - " لا جناح عليك. يعني في الكذب على الزوجة تطييبا لنفسها ".
أخرجه الحميدي في " مسنده " (رقم 329) : حدثنا سفيان قال: حدثني صفوان
ابن سليم عن عطاء بن يسار قال:
" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل علي جناح أن
أكذب(1/897)
أهلي؟ قال: لا، فلا يحب الله الكذب، قال: يا رسول الله استصلحها
واستطيب نفسها، قال: لا جناح عليك ".
هكذا وقع فيه عن عطاء بن يسار مرسلا، وهو قد أورده تحت " أحاديث أم كلثوم بنت
عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها "، فلا أدري أسقط اسمها من السند، أو الناسخ
أم الرواية عند الحميدي هكذا مرسلا.
والسند صحيح إلى عطاء بن يسار، وقد جاء موصولا من طريق أخرى عنها.
أخرجه مسلم (8 / 28) وأحمد (6 / 403، 404) من طريق ابن شهاب عن حميد
ابن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة قالت: ما سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم رخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول القول يريد به
الإصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث
زوجها.
وله شاهد من حديث أسماء بنت يزيد نحوه.
أخرجه الترمذي (1 / 352) وأحمد (6 / 454، 459، 460) من طريق شهر
ابن حوشب عنها.
وقال الترمذي: " حديث حسن ".
وقوله " والرجل يحدث امرأته ... " قال القاضي عياض:
" يحتمل أن يكون فيما يخبر به كل منهما كما له فيه من المحبة والاغتباط، وإن
كان كذبا لما فيه من الاصلاح ودوام الألفة ".
قلت: وليس من الكذب المباح أن يعدها بشيء لا يريد أن يفي به لها، أو يخبرها
بأنه اشترى لها الحاجة الفلانية بسعر كذا، يعني أكثر من الواقع ترضية لها،
لأن ذلك قد ينكشف لها فيكون سببا لكي تسيء ظنها بزوجها، وذلك من الفساد لا
الإصلاح.(1/898)
499 - " من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في
وجهه. قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهما، أو قيمتها من
الذهب ".
أخرجه أبو داود (1626) والنسائي (1 / 363) والترمذي (1 / 126)
والدارمي (1 / 386) وابن ماجه (1840) والطحاوي (1 / 306) والحاكم
(407) وأحمد (1 / 388، 441) وابن عدي (69 / 1، 73 / 2) من طريق حكيم
بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
والسياق لابن ماجه وزاد هو وغيره:
" فقال رجل لسفيان: إن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: قد حدثناه
زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ".
قلت: حكيم بن جبير ضعيف، لكن متابعة زبيد وهو ابن الحارث الكوفي تقوي الحديث
فإنه ثقة ثبت، وكذلك سائر الرواة ثقات، فالإسناد صحيح من طريق زبيد.
قال الترمذي " حديث حسن ".
500 - " من كان له شعر فيلكرمه ".
أخرجه أبو داود (4163) والطحاوي في " المشكل " (4 / 321) والبيهقي في
" الشعب " (2 / 265 / 2) وأبو محمد العدل في " الفوائد " (3 / 1 / 2) من
طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في " الفتح " (10 / 310) ، وهو عندي(1/899)
صحيح،
لأن ابن أبي الزناد - وهو صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد - قد وجدت له متابعا
قويا، فقال أبو نعيم في " تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور
عاليا " (ق 209 / 1) : وروى عنه أيضا إسماعيل بن عبد الله العبدي. حدثنا
عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله أنبأنا سعيد بن منصور أنبأنا ابن
أبي ذئب عن سهيل به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير العبدي هذا وهو ثقة صدوق كما
قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 182) وعبد الله بن جعفر هو عبد الله ابن محمد بن
جعفر بن حبان المعروف بأبي الشيخ وهو ثقة حافظ له ترجمة في " تذكرة الحفاظ "
(3 / 147 - 149) .
وللحديث شاهدان:
الأول: عن عائشة.
أخرجه الطحاوي وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (7 / 80 / 2) وعنه
عبد العزيز الكتاني في " حديثه " (236 / 1) والبيهقي أيضا وابن حيويه في
" حديثه " (3 / 4 / 2) عن ابن إسحاق عن عمارة بن غزية عن القاسم عن عائشة به
مرفوعا. قال الحافظ " وسنده حسن أيضا ".
وهذا تساهل منه فإن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه من الطريقين عنه. إلا إن كان
يعني أنه حسن لغيره، فهو صواب..
والشاهد الآخر: عن ابن عباس.
أخرجه الخطيب في " الموضح " (2 / 67) عن سليمان بن أرقم عن عطاء بن أبي رباح
عنه وسليمان بن أرقم ضعيف.
(تنبيه)
عزى السيوطي في " الجامع الكبير " (2 / 286 / 2) الحديث لأبي داود والبيهقي
في " الشعب " عن أبي هريرة بهذا اللفظ. ثم ذكره بزيادة:
" قيل: يا(1/900)
رسول الله وما كرامته؟ قال: بدهنه وبمشطه كل يوم ".
وقال: " رواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " وابن عساكر عن ابن عمر، وفيه
إسحاق ابن إسماعيل الرملي، قال أبو نعيم: حدث بأحاديث من حفظه فأخطأ فيها.
وقال النسائي: صالح ".
قلت: وهذه الزيادة مع ضعف سندها منكرة لأنها تخالف الحديث الآتي:
" نهى صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا ".(1/901)
الاستدراكات
1- آخر الحديث (32) ، وآخر الفائدة الثانية:
ثمَّ رأيتُ بحثًا جيدًا لأَحدِ إِخواننا في مكّة المكرمة -بارك الله فيه- انتصرَ فيه لهذه السنة الظاهرة في رسالتِه التي أَهداها إِلي: "التتمات لبعض مسائل الصلاة" (ص 41-42) ، فراجعه تزدد به علمًا وفائدةً إِن شاءَ الله تعالى.
2- آخر الحديث (36) :
ثمَّ تبيّن لي أنَّ تصحيح ابن القطان للحديث من الطريق الأُولى عن ابن عباس معلولٌ بالشذوذ، ومثلها الطريقُ الثالثة عنه، فإنّ ذكرَ جملة الأُذنين فيه شاذّة أَيضًا، وقد استفدتُ هذا كلّه من تحقيقٍ قام به الأَخ الفاضل مشهور حسن في تعليقه على كتاب "الخلافيات" للبيهقي (1/366-393) ، يسَّرَ الله له تمامَ إِخراجِه، ونفعَ اللهُ به قرّاءه بمنّه وكرمِه.
لكنّي كنتُ أَودُّ من الأَخِ الفاضلِ أن يزوِّدَ قرّاءَه بخلاصةٍ نافعةٍ بعد ذلك الجهد الجهيد، والتعبِ الشديدِ في تتبعِ طرقِ الحديث، وهي بيان مرتبةِ الحديث، لأنّها بيتُ القصيدِ من التخريجِ، فإنّ من المقررِ في علمِ المصطلحِ أنَّ الحديثَ الضعيفَ يتقوى بكثرةِ الطرقِ بالشرطِ المعروفِ هناك، فالسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه الآن -كما يقالُ في هذا الزمانِ-: هل يبقى الحديثُ على ضعفِه كما تَدلُّ عليه مفرداتُ طرقه، ويشيرُ إِليه صنيعُ الإِمامِ الدارقطنيّ والبيهقيّ، أَم إِنَّ مجموعَ طرقه يخرجه من الضعفِ، ويرقى به إِلى مرتبةِ الاحتجاجِ به، ولو في رتبةِ الحديثِ الحسن لغيره على الأَقلّ؟(1/903)
وجوابًا عليه أَقولُ: إِنَّ هذا الحديثَ مثالٌ صالحٌ للحديثِ الضعيفِ الّذي يتقوَّى بكثرةِ الطرقِ وبغيرِها؛ وهاك البيان:
أَوّلًا - إِنَّ كثيرًا من طرقِه ليسَ شديدَ الضعفِ، إنما ضعفها سوءُ حفظٍ في بعضِ رواتِها، كما هو حالُ الطريقِ الأُولى في الحديثِ رقم (1) ، ولذلك حسّنه جمعٌ من الحفّاظِ -كما تقدّمَ منّي هناك- وفيهم المنذري، وابن دقيق العيد -وهما من الشافعيّةِ- وأَخذَ به الإِمامُ أَحمدُ.
ومثلُ طريق إِسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد في الحديثِ الثالثِ عن ابن عمر، فإن إِسماعيلَ ثقةٌ ضُعِّفَ في غيرِ الشاميين، وقد قال الحاكمُ فيه:
"إِسماعيلُ بن عياش -على جلالتِه- إِذا انفردَ بحديث، لم يقبل منه، لسوء حفظِه".
قلت: فهو حجّة مقبول الحديث هنا؛ لأنّه قد توبعَ -كما ترى-.
ومثلُ طريقِ سويد بن سعيد في الحديث (9) ، فإِنّه ثقة من شيوخِ مسلمٍ ولكنّه كانَ اختلطَ.
فهذه الطرقُ الثلاثُ ممّا يتقوى الحديثُ بها لانتفاءِ شدّةِ الضعف عنها، والطرقُ الأُخرى إِن لم تزدها قوّةً فلا تضرها كما لا يخفى.
ثانيًا - لقد صوّبَ الدارقطنيُّ -كما تقدّم- مرسلَ سليمان بن موسى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو تابعيٌّ حسنُ الحديثِ، والسندُ إِليه صحيح، فهو مرسلٌ قويٌّ، يحتجُّ به مطلقًا عند كثيرٍ من الفقهاءِ، وعند المحدثين -ومنهم الإِمامُ الشافعيُّ- إِذا جاءَ موصولًا من طريقٍ أُخرى، فكيفَ وقد جاءَ كذلك من طرقٍ كما تقدّمَ؟
ثالثًا - قد قال به بعضُ رواتِه من الصحابةِ؛ كابن عمر رضي الله عنه، فقد(1/904)
صحَّ عنه أنّه قال: "الأُذنانِ من الرأس". أَخرجه الدارقطنيُّ (1/98/5) ، وكذا عبد الرزاق (1/11) .
رابعًا - قد قال به أكَثرُ العلماءِ، كما في "المجموعِ" للنووي (1/413) ،
وذلك مما يتقوى به الحديثُ الضعيفُ عند الإِمامِ الشافعيّ وغيره. انظر "جلباب المرأةِ المسلمة" (ص 13، 59-60) .
خامسًا - قد صحَّ عملُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - به من حديث المقدامِ بن معد يكرب، وابن عباس، أنّه مسحَ رأسَه وأُذنيه، ظاهرهما وباطنهما، رواهما أبو داود وغيره، وهما مخرّجانِ في "صحيح أَبي داود" (112-114 و126) ، فلم يأَخذ لهما ماءً جديدًا، وأَمّا حديثُ عبد الله بن زيد المازنيّ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخذَ لأُذنيه ماءً خلافَ الماءِ الّذي أَخذَ لرأسِه، فهو حديثٌ شاذٌّ لا يصحُّ، والمحفوظُ -كما قالَ الحافظُ- بلفظ: "مسح برأسِه بماءٍ غير فضل يديه". رواه مسلم وغيره، وهو مخرّجٌ في "صحيح أَبي داود" برقم (111) ، وقد فصلتُ القولَ في الشذوذِ المذكورِ في المجلدِ الثاني من "الضعيفة" تحت الحديث (995) .
فأَقولُ: بعضُ هذه الوجوهِ لو توفرت في الحديثِ المرسلِ، لكانت كافيةً لتقويته، ورفعه إِلى مرتبةِ الاحتجاجِ به، فكيفَ بها مجتمعةً؟ وهو اختيارُ الصنعانيّ.
وثمّةَ وجهٌ آخر يمكنُ به تقويتُه من طريقِ النظر، وهو ما أَفادَه الإِمامُ أَبو جعفر الطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/20) ، وهو: أنّهم أَجمعوا على أنَّ المرأةَ المحرمةَ لا يجبُ عليها أَن تغطيَ وجهها، وعليها أن تغطيَ رأسها وأُذنيها ظاهرهما وباطنهما، فدلّ ذلك على أنّ حكمَهما حكمُ الرأسِ في المسحِ، لا حكم الوجه، والله أَعلم.
وبعد كتابةِ ما تقدّمَ، رأيتُ الحافظَ ابن حجرٍ في "النكت على كتابِ ابن(1/905)
الصلاحِ" قد تكلمَ على بعض هذه الطرق وبيّن عللها، ولكنّه ختمَ ذلك بخلاصةٍ جيدة وفقَ ما انتهيتُ إِليه -والحمدُ للهِ- فقال:
"وإِذا نظرَ المنصفُ إِلى مجموعِ هذه الطرقِ، علمَ أنَّ للحديثِ أَصلاً، وأنّه ليسَ مما يطرحُ، وقد حسّنوا أَحاديث كثيرةً باعتبارِ طرقٍ لها دون هذه، والله أَعلمُ".
"النكت" (1/415) .
3- آخر الحديث (91) وهو في تحريم (العازف) وآلات الطرب:
ثمَّ وقفتُ على مقالٍ في جريدةِ (الرباط) الأُردنيّة الأُسبوعيّة بقلم المدعو (حسان عبد المنان) ، ذهب فيه إِلى تضعيفِ هذا الحديثِ المتفق على صحتِه عند الأَئمةِ، والحفّاظِ المشهودِ لهم بالعلمِ والمعرفةِ لدى علماءِ الأُمّةِ كافّة، الذين لا يتفقونَ على ضلالةٍ، فجاءَ هذا (!) ليشذَّ عنهم ويخالفَ سبيلَهم، وقد كنتُ سميتُ منهم جماعةً في مقدمةِ كتابي الجديدِ "ضعيف الأَدبِ المفرد" (ص 14-15) في كلمةٍ قصيرةٍ كنتُ رددتُ بها عليه، وهم -بعد البخاريّ وابن حبان-:
1- ابن الصلاح 2- النووي 3- ابن تيميّة
4- ابن قيم الجوزيّة 5- ابن كثير الدمشقيّ 6- ابن حجر العسقلانيّ
7- السخاويّ 8- ابن الوزير اليماني 9- محمد بن إِسماعيل
الصنعانيّ.
ونقلتُ هناك عبارةَ النوويّ والعسقلانيّ في الرَّدِّ على ابن حزم تضعيفَه إِيّاه، وغير هؤلاءِ كثيرٌ ممّن سلكوا سبيلَهم -لم أَذكرهم هناك- ممّن لا يصحُّ في عقل عاقلٍ أن يُقرنَ مع أَحدِهم هذا الشاذُّ عنهم، فكيفَ يُقرن معهم جميعهم، ومنهم الشوكانيُّ، وأَخيرًا أُستاذه وشيخه -كما يزعمُ- الشيخ شعيب الأَرناؤوط؟!(1/906)
لقد ذكَّرته هناك بهذه المخالفةِ الجسيمة الّتي لا أظنُّ أَنَّ مسلمًا يعترفُ بعلمِ هؤلاءِ الأَئمةِ وفضلهم يتجرّأُ على مخالفتهم، وإِضافةً إِلى ذلك بيّنتُ له وهاءَ ما تشبَّثَ به في تضعيفِ الحديث، فلمّا اطلعَ على ذلك عاند، واستكبرَ -كعادته- وركبَ رأسَه، فكتبَ ردًّا طويلًا مجموعًا فى خمسِ صفحات، ليس فيها شيءٌ من العلمِ، سوى آرائه الشحصيّة التي هي {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً} ، فهو بحقٍّ رجلٌ (مَلِصٌ) ، كلما جوبه بدليلٍ لا مردَّ له تملّصَ بتأويلٍ له من عنده.
خذ مثلًا (عطة بن قيس) التابعيّ الإِمام -كما وصفه الذهبيُّ- لماّ رددنا عليه قولَه فيه: " مجهول الحال " بأنَّ مسلمًا وثَّقه واحتجَّ به فى "صحيحه"، وبتوثيقِ الحافظ إِياه، تحذلقَ فقال: " لم يوثِّقه مسلم، وإِنّما ذكره فىِ الشواهدِ "، ثمَّ أَشارَ إِلى الحديثِ الذي يعْنيه أنّه فى " مسلم " برقم (477) .
وهذا ممّا لم يقله قبله أَحد، وهو خلافُ ما عليه الحفاظُ الّذينَ ترجموا للرَّجلِ كالمزيِّ والذهبيِّ والعسقلانيِّ وغيرِهم، أَطلقوا عزوَه لمسلمٍ، ولم يقولوا: "في الشواهدِ"! بينما لمّا عزوه إِلى "البخاريِّ"، قيدوه فقالوا بالرمزِ: "تعليقًا"، وهذا من دقَّتهم -رضي الله عنهم- الّتي يغفلُ عنها المذكورُ، أَو يتغافلُ عنها؛ لأنّه لا يثقُ بعلمِهم! بل صرّحَ بذلك المزيُّ فقال في آخرِ ترجمتِه:
"استشهدَ له البخاريُّ (يعني تعليقًا) بحديثٍ واحدٍ (يعني هذا) ، وروى له الباقون".
وإنَّ ممّا يؤكّدُ هذا الحديثَ الذي أَشارَ إِليه؛ فإِنّه عند مسلمٍ حديثٌ بين حديثين فيما يقولُه المصلي إِذا رفعَ رأسَه من الرُّكوعِ، وثلاثتها أحاديث صحيحة، ليس في واحدٍ منها من لم يحتجَّ به مسلم.
وما مثله فيما ادعاه إِلاّ كمثلِ من لو عارضَه معارضٌ فقال في راوي الحديث(1/907)
الثالثِ - واسمه (قيس بن سعد، وليس رجال البخاري) :
لم يوثقه مسلم، وإِنّما ذكره في الشواهدِ!! هكذا فليكن الاجتهادُ والتحقيقُ يا محققَ "الرباط"!
وأمّا تحذلقه في موقفِه من توثيقِ الحافظ فهو أَعجبُ، فقد قال:
"لا قيمةَ لأَحكامِ ابن حجر إِن لم تستند إِلى دليلٍ واضحٍ.." يعنى عند غير العالم! وأَما هو فلحكمِه بالجهالةِ قيمةٌ -وأَية قيمة- ولو لم يستند إِلى دليلٍ! نعوذُ بالله من زمان يتكلمُ فيه (الرويبضةُ) !
ونحوُ ذلك سائرُ أَجوبتِه وردودِه (عظمٌ بدونِ لحمٍ) ! والكلامُ في ذلك يطولُ، والمجالُ والوقتُ أَضيقُ وأَعزُّ من تتبعها، فأختمها بموقفِه تجاه قول ابن سعدٍ في (عطية) : "كانَ معروفًا"، فإِنّه قال:
"ليس هذا بتوثيقٍ، وإنّما هو ضد مجهولٍ، ولا علاقةَ له بمجهولِ الحالِ الّتي ذكرتها فيه"!
نقول له: أَينَ الدليلُ؟! هو يطالبُ أَميرَ المؤمنين في الحديثِ بالدليلِ على التوثيقِ، أَفلا يحقُّ لنا أَن نطالبَه بالدليلِ على ما يقولُ، وهو نفسُه في هذا العلمِ مجهول؟!
إِلاّ أَنني أَرى أنَّ قولَه: "كانَ معروفًا" مطلقٌ، والمطقُ ينصرفُ إِلى الكمالِ كما يقولُ العلماءُ، فهو كما قالَ: "ضد مجهول"، ولكن خفيَ عليه أنّه حجّةٌ عليه، لأنّه كما يفهمُ من هذا اللفظِ "مجهول" الإِطلاق والشمول، فهو يشملُ مجهولَ العينِ ومجهولَ الحالِ، فكذلك ضده "معروف"؛ يشملُ معروفَ العين ومعروفَ الحالِ، فسقطَ ما زعم وقال!(1/908)
ثمَّ وجدتُ للحافظِ كلامًا يؤيّدُ ما ذكرتُ، فانظر "مقدمة الفتح" (384) .
وختامًا أَقولُ: قد تبيّنَ تكلُّفُه الإِجابةَ عن ردّي على ما كانَ تشبَّثَ به في تضعيفِ هذا الحديثِ الصحيح، بما كشفَ للقرّاءِ أنّه مبتدعٌ غيرُ متبعٍ، وإِنّ ممّا يؤكدُ ذلك صمتَه تجاه ما كنت أَدنته به من مخالفتِه لاجماعِ الأَئمةِ المُصحِّحين للحديثِ، فإِنّه لم يُجب عن ذلك ولو بحرفٍ واحدٍ، فحسبُه هذا إِدانةً له، واللهُ حسيبُه.
وبقي هناك أَشياءُ كثيرةٌ في ردِّه، مجالُ ردي عليها واسعٌ جدًّا، ولكنَّ الوقتَ أَضيقُ وأَعزُّ من إِضاعتِه بالرّدِّ عليه، فإنَّ الرَّجلَ كثيرُ الكلامِ، ومن كثر كلامُه كثر سقطُه.. إلاّ أنّه لا بدَّ من بيان بعض النقاط الهامة منه:
أَولاً - إِنّه يصورُ للناسِ أنَّ الخلافَ بيني وبينه خلافٌ شخصيٌّ لمجرّدِ اختلافٍ في الرأي، وهذا خلافُ الواقعِ، وإنّما هو خلافٌ منهجيٌّ؛ هو يهاجمُ السنّةَ الصحيحةَ، وأَنا أَدافعُ عنها؛ هو يضعّفُ الأَحاديثَ الصحيحة بناءً على آراءٍ وأَفكارٍ له خاصّة، وأَنا أُدافعُ عنها، وأَردُّ عليه متَّبعًا في ذلك قواعدَ العلماءِ وأحكامَهم، وهذا هو المثالُ بين يديك، وتأتي أَمثلةٌ أُخرى إِن شاءَ اللهُ تعالى، فانظر الاستدراك رقم: 13
ثانيًا - يطلبُ منّي الرفقَ واللينَ في الرَّدِّ عليه، وأنْ لا أَجرحَه -جاءَ ذلك في كلامٍ طويلٍ له- فأَقولُ:
أَبشِرْ بكلِّ خيرٍ، ورفقٍ، ولينٍ يومَ تترفَّقُ أَنتَ بسنّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأَحاديثه الصحيحةِ، ولا تنتهك حرمتها، وترفعُ معولَ الهدمِ عليها، وتتبعُ سبيلَ علماءِ المسلمين، وتخالفُ طريق الجهلةِ المفُسدين، وباركَ اللهُ لك في خلافٍ تخالفني فيه في رأيٍ يحتملُ الخطأَ والصوابَ.(1/909)
وأظنُّك تعلمُ موقفَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصارمَ إِذا انتُهكت محارمُ اللهِ، وأنَّ اللينَ والشدّةَ لكلٍّ منهما مكانُه اللائقُ به، بنصِّ الكتابِ والسنّةِ، وتعلم يقينًا قول الشاعر:
ووضعُ الندى في موضعِ السيف بالعُلى ... مُضرٌّ كوضعِ السيفِ في موضعِ الندى!
ولكن أَينَ كنتَ من هذا المطلبِ حين ألّفتَ رسالةً خاصةً في الرَّدِّ على المتمسكينَ بالسنّةِ سميتها "مناقشة الأَلبانيّين.."؛ فلقَّبتهم بغيرِ لقبِهم؟! وإِذا كانَ هذا هو العنوان، فكيفَ يكونُ حالُ المُعَنْوَن؟! لقد حشوتَه غمزًا ولمزًا، وظهرَ فيه ما تُكنّهُ في نفسِكَ من الأدبِ واللينِ الجمّ! ومع هذا، فكلُّ ذلك يهونُ تجاه محاربتِك لسنّةِ التراصِّ بالأَقدامِ والمناكبِ في الصفّ، وتجويزِكَ فيها الصلاةَ بين السواري لغير حاجة، وتضعيفِك لثلاثةِ أحاديث صحيحة بأَساليبِك الخاصةِ الملتوية كما يأتي بيانُه إِن شاءَ اللهُ في الاستدراك رقم: 13.
ثالثًا - إِنَّه أخذَ عليَّ ثلاثةَ أُمور، أَوهمَ القرّاءَ أَنّي اعتديتُ عليه فيها، ولا شيءَ من ذلك والحمدُ للهِ:
1- نفى ما كنتُ نسبتُه اِليه من أنّه تشبثَ بعلّةِ الانقطاعِ تقليدًا لابن حزمٍ فقال:
"لم أَتعرّضْ لحجّةِ ابن حزمٍ، ولا ذكرتُ ابن حزم..".
فأَقولُ: هذا من تملُّصِه الّذي وصفتُه به فيما سبقَ؛ لأنَّ الذي نَسَبْتُه إليه هو الانقطاعُ وليسَ الحجّة؛ لأنَّ حجّةَ ابنِ حزمٍ من مجموعِ أَمرين: الانقطاعُ، وترددُ الراوي في اسمِ صحابيّ الحديثِ؛ هل هو (أبو عامر، أَم أبو مالك الأَشعريّ) ؟ فهو لم يتعرض لهذه الحجّةِ، ولكنّه تعرّضَ للانقطاعِ في أَوّلِ كلامِه على الحديثِ في(1/910)
جريدةِ (الرباط) بقولِه: "فهذا الحديثِ معلقٌ" أَي: منقطع، كما شرحه هو بعد.
فليتأمّل القارئ كيفَ نفى ما لم أَنسب إِليه، وهي الحجّة، ولم ينفِ ما نسبتُه إِليه وهو الانقطاعُ، موهمًا القرّاءَ أنّني قلتُ عليه ما لم يقل! فماذا يسمِّي القرّاءُ هذا الفعلَ منه؟! إِنّه -بلا شكّ- نوعٌ من التدليسِ، شاءَ أَم أَبى، إِلاّ أَن يكونَ عييًّا عاجزًا عن بيانِ مرادِه!
2- نفى قولي فيه: إِنّه "زادَ على ابن حزمٍ أنَّه لا مصححَ له غيرُ البخاريِّ وابن حبّانَ" فقال مستنكرًا: "أَينَ قلتُ أَنا ذلك في مقالي، بل أَينَ ما يفهمُ منه هذا؟! ".
فأَقولُ: لم أَقل عنك أنّك قلتَ ذلك، وإنّما قلتُ: " زاد.. " إلخ العبارةِ المذكورةِ، فلا يجوزُ لكَ أن تنسبَ إِليَّ القولَ بذلك، ويبدو لي أنّك شعرتَ في قرارةِ نفسِك بخطئكَ فيما نسبت، ولذلك أَضربتَ عنها بقولِك: " بل أَين ما يفهمُ منه هذا في ذلك المقال؟!! ".
والجوابُ فهمتُه من لسانِ حالِك، وأُسلوبك في مقالِك، والعلماءُ يقولون:
"لسانُ الحالِ أَنطقُ من لسانِ المقالِ"، فأَنا على يقينٍ أنّك تعلمُ أن كثيرًا من الأَئمةِ -غير البخاريِّ وابن حبّانَ- قد صححوا الحديثَ، ومع ذلك؛ فإِنّك لم تذكر غيرَهما، فمن مجموعِ ما ذكرتَ، وما لم تذكر قلتُ ما ذكرتُه آنفًا، ولا سيّما وأنتَ معروف بكتمانِ ما هو عليكَ من أقوالِ العلماءِ، وسيأتي بعضُ الأَمثلةِ على ذلك إِن شاءَ اللهُ تعالى.
ثم ليتَ شعري، لماذا اهتممتَ بما ظننتَه خطأً أَنّي نسبتُ إِليك ما لم تقل، -وظنّكَ لو كانَ ظنَّ المؤمنين، يضرّني ولا يضرُّك- ولم تهتم بما نسبتُ إِليكَ يقينًا، وهو مخالفتُك لإِجماعِ الأَئمةِ فيِ تصحيحهم لهذا الحديثِ، وقد نقلتَه عنّي في ردّك، ولم تتعرّض للجوابِ عنه ألبتّة، مع أنَّ هذه النسبةَ اليقينيّةَ تضرُّك ولا(1/911)
تضرّني، أَليس هذا يعني أنَّ همَّكَ أن تتبعَ عثراتِ غيرِك، وتنسى نفسَك، غير آبهٍ بالحكمةِ القائلةِ: "يبصرُ أَحدُكم القذاةَ في عين أَخيه، ولا يرى الجذعَ في عينه"؟!
3- قال: "ادعيتَ عليَّ بالكذبِ لمسألةٍ، مع أنَّ الكذبَ المعروفَ لا يدخلُ في نحوِ هذه المسائلِ، فلو كانَ كلُّ مخطئٍ في مسألةٍ كاذبًا، لما سلم أَحدٌ، ولا أَنتَ؛ لأَنَّ مدارَ هذه المسائلِ العلم".
فأَقولُ: نعم، الكليّة لا يقولُ بها أَحدٌ، حتّى ولا أَنتَ، ولكن لماذا المغالطةُ والتملصُ والتعمية، لماذا قلت: "لمسألةٍ" نكّرتها ولم تبيّنها، وذهبتَ تسوّدُ ما لا علاقةَ له بالمسألةِ! لقد قلتَ في مقالِك: "فيه عطية بن قيس الحمصيّ؛ فإِنّه ليس معروفًا بالضبطِ والإِتقانِ، لم يوثقه غير ابن حبان"، فهنا قلتُ لك: " وهذا كذبٌ، فقد وثقه الإِمامُ مسلمٌ.." إِلخ.
وأَنا في هذا القولِ لم أُخالف شرعًا ولا لغةً، بل اتبعتُ فيه أَفصحَ من نطقَ بالضاد، في قولِه - صلى الله عليه وسلم - لمن خطؤه أَيسرُ من خطئِك بكثيرٍ، لأنّه اعتمدَ على نصٍّ عامٍّ من القرآنِ، لم يبلغْه تخصيصُه من السنّةِ: "كذبَ أَبو السنابل" (1) ، فأينَ خطؤكَ منه، ولم تستند فيه ولا إِلى قولِ عالمٍ يجبُ عليك اتباعُه؟! بل خالفتَ فيه كلَّ العلماءِ، واتبعتَ غيرَ سبيلهم! واللهُ المُستعانُ.
4- ولعلّه ختامًا، أَخذَ عليّ شيئًا آخر، فقال:
"4- ثمَّ قلت: "إِلى غيرِ ذلك من التلبيساتِ والخطيئات (لا الأَخطاء) .."
أقول: لماذا هذا الإِجمالُ أَيّها الشيخُ، هلاّ ذكرتَ لي شيئًا منها".
هذا كلامُه، وفي الرَّدِّ عليه أَقول:
أَمّا الإجمالُ، فأَنتَ تعرفُ سببَه، ولكنّك تتجاهله، فإنَّ ردي عليك في
__________
(1) وهو مخرّجٌ في "الصحيحة" (3274) ، وانظر تعليق الحافظ عليه في " الفتح " (9/475) ، ولا أَستبعدُ من المومأِ إِليه أَن يختلقَ له علّة من علله الكثيرة؛ فيضعفه ليبطلَ حجته عليه!(1/912)
مقدمةِ "ضعيف الأدب" لم يكن وحيدًا، بل كانَ فيها ردودٌ أُخرى على أَمثالِك ممن يضعِّفونَ الأحاديثَ الصحيحةَ، وغيرِهم من يصحِّحونَ الأحاديثَ الضعيفة بغيرِ علمٍ، وفيهم من هو كثيرُ النقلِ عنّي والاستفادة من كتبي، والإشادة بها والإِحالة عليها، فيمِا يشعرُ أنّه من المقدِّرين والمحبين، ومع ذلك فقد شملتُه معك في الرَّدِّ؛ لتعلمَ أنّي أردُّ للعلمِ والانتصارِ للسنّةِ المظلومةِ من مدعي العلمِ، لا بخصومةٍ شخصيّةٍ كما تحاولُ أنْ تتأوّلَه بغيًا وعدوانًا، والمقصودُ أنَّ الرَّدَّ عليك كانَ في جملةِ ردودٍ أُخرى، وباختصارٍ شديدٍ في أَقلَّ من (16) صفحة، فلو أنّني أَفردتُ في الرَّدِّ عليك وحدَك مفصلاً لكانَ منه كتاب آخرُ أكَبرُ من الذي أُقدّمُ له: "ضعيف الأَدب المفرد"، وهذا غير مناسب كما لا يخفى عليك.
وما دمتَ تحضُّني على أَن أَذكرَ لكَ شيئًا من تلك "التلبيسات والخطيئات" نعم "الخطئات" (لا الأخطاء) ، فها أَنا فاعلٌ ذلك إِن شاءَ اللهُ، لا من أَجلِك، فأَنتَ على علمٍ بما صدرَ منك! ولكن من أَجلِ بعض القرّاءِ الّذين لا ينتبهونَ لها، ولا يزالونَ يحسنونَ الظنَّ بقائلِها:
أَوّلاً - قلت -بعد أنْ ذكرتَ أَنَّ الحديثَ معلقٌ عند البخاريّ، لم يصرّح بالسماعِ فهو منقطعٌ-:
"واختلف في "قال لي"، والأَرجحُ أنّه تعليقٌ أَيضًا؛ لأَسبابٍ لا يتسعُ المقامُ لذكرِها".!
فأَقولُ: فيه ما يأتي من التلبيسِ وغيرِه:
1- ليس هناك أَيُّ اختلافٍ في اتصالِ إِسنادٍ قال فيه البخاريُّ: "قال لي فلان"، وإنّما هناك مغربيٌّ غيرُ معروفٍ قال: "إِنَّه إِسنادٌ لا يذكرُه البخاريُّ للاحتجاجِ(1/913)
به، وإنّما للاستشهادِ"، حكاه ابن الصّلاحِ في "المقدمة" (ص 75-76-الحلبيّة) ثم ردّه، وبيّن ذاك الحافظُ ابن حجر في "نكته عليه" فقال (2/601) :
" قلت: لم يصب هذا المغربيُّ في التسويةِ بين قولِه: "قال فلان" وبين قولِه:
"قال لي فلان"، فإنَّ الفرقَ بينهما ظاهرٌ لا يحتاجُ إِلى دليل، فإنَّ " قال لي " مثلُ التصريحِ في السماعِ، و" قال " المجرّدة ليست صريحةً أَصلاً ".
ثمَّ أَفادَ -رحمه الله- فائدةً تقصمُ ظهرَ هذا الملبّسِ فقال:
"فقد رأيتُ في " الصحيح " عدّةَ أحاديث قال فيها: "قال لنا فلان"، وأَوردها في تصانيفِه خارج "الجامع" بلفظ " حدّثنا "، ووجدتُ في " الصحيح " عكسَ ذلك، وفيه دليلٌ على أنّهما مترادفان ".
2- قوله: "والأَرجحُ أنّه تعليقٌ أيضًا".
فأقولُ: فيه تلبيسٌ ظاهرٌ، فقد عرفتَ أنّه لا خلافَ هناك، وبالتالي فليس ثمّةَ راجحٌ ومرجوحٌ، وعلى افتراضِ وجودِه، فيكونُ الأَرجحَ لديه، فكانَ عليه أَن يقيِّدَه فيقول: والأَرجحُ عندي، وهو لو قالَ ذلك يكون مبطلاً مسيئًا إِلى الإِمامِ البخاريِّ؛ لأنّه يكونُ قد نسبَ إِليه ما لا يجوزُ من القولِ، كما هو ظاهرٌ لا يحتاجُ إِلى دليلٍ، فإِن أَبيتَ، نسبتُها إِليك أنّك تجوّزُ لنفسِك أَن تقولَ: "قال لي فلان" وأَنتَ تعني أنّه ما قالَ لك؟!
وقد يكونُ فى قوله المتقدّمِ: "والأَرجح أنّه تعليقٌ أيضًا" تلبيسٌ آخرُ، وهو أنّه لا يعني ظاهرَه! وإنّما بتقديرِ مضافٍ محذوفٍ، أَي: في حكمِ التعليق، أَي: كما قال ذاك المغربيُّ، فإِن كانَ هذا مرادَه، فلم التلبيسُ؟ إِلاّ أنَّ مرادَه باطلٌ أيضًا كما تقدّمَ.(1/914)
3- قوله: "لا يتسعُ المقامُ لذكرِها"!
فأَقولُ: وهذه خطيئةٌ أُخرى؛ لأنّه لا يُتصورُ أنّه يوجدُ سببٌ واحدٌ -بَلْهَ أَسباب- تثبتُ أنَّ البخاريَّ يقول فيما لم يسمعْه من فلان: "قال لي فلان"؛ لأنّه الكذبُ بعينِه.
ثانيًا - قلتَ في هشام بن عمّار: "لم يحتجَّ به البخاريُّ في صحيحه".
قلتُ: هذا تلبيسٌ على القرّاءِ، وقلبٌ للحقائقِ العلميّةِ، فالرَّجلُ كلُّ من ترجمَ له كالحافظِ المزيِّ وغيرِه رمزوا له بحرف (خ) إِشارةً إِلى أنّه محتجٌّ به عند البخاريِّ، ولم يذكروا أنّه لم يروِ عنه احتجاجًا، وإِنَّما متابعةً، بل صرّح بما رمزوا أَعرفُ الناسِ به، أَلا وهو الحافظُ ابن حجر العسقلانيّ، فقد ذكرَ في "مقدمةِ الفتح" (ص 448-449) ثلاثةَ أَحاديث لهشمام: الأوّل والثاني منها موصولان، والثالث حديث المعازفِ هذا المعلّق، ثمَّ قال عقبَ ذلك:
"وهذا جميعُ ما له في كتابِه ممّا تبيَّن لي أنّه احتجَّ به".
والحديثُ الثاني الموصولُ هو في مناقبِ أَبي بكر رضي اللهُ عنه، ورقمه (3661) ، فخالفتَ قولَ الحافظِ أنّه ممّا احتجَّ به؛ بادعائك أنّه توبعَ عند البخاري برقم (4640) ، ففيه تلبيسٌ شديدٌ، إِذ إِنَّ هناك فرقًا بيّنًا بين أَن يتابَعَ الثقة من غيرِه -وهذا يقعُ كثيرًا جدًّا- وبين أَن يسوقَ البخاريُّ حديثَ مَنْ فيه ضعفٌ، ثمَّ يتبعُه بإسنادٍ آخرَ فيه متابعٌ تقويةً له، ففي مثل هذا ونحوه يقال: روى له البخاريُّ متابعةً، أمّا والحديثُ في موضعين متباعدين في البخاريِّ عن شيخين له فتدّعي أَنَّ أَحدَهما لم يحتجَّ به البخاريُّ؛ لأنّه روى له متابعًا في الموضعِ الآخرِ، فهذا في غايةِ التلبيسِ مع ما في ذلك من المخالفةِ للحفاظِ كما تقدّمَ، نعوذُ باللهِ من الخذلان.
ومن الفائدةِ أَن أَستدرك عليك حديثًا آخرَ لهشامٍ معلقًا عند البخاريّ، في(1/915)
مبايعةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ الحديبية برقم (4187) ، وصله الحافظُ (7/456) ، وذكرَ أنّه وقعَ في بعضِ النسخِ: "وقال لي" فهو بهذا الاعتبارِ موصولٌ، فكأنّه لذلك صححه الحافظُ.
لم ينتهِ -مع الأسف- تلبيسُك على القرّاء بما تقدّمَ، فقد أَتبعتَ الأحاديثَ الّتي ذكرتها، وزعمتَ أنَّ البخاريَّ لم يحتجّ بها - إِذ قلتَ:
"ليس في أَحاديثه الأَربعةِ حديثٌ واحدٌ احتجَّ به البخاريُّ في "صحيحه"، وإِنّما ذكرها متابعةً وتعليقًا وفي الشواهدِ، ومثل هذا معروف عند عارفي "صحيح البخاريّ" أنّه ليسَ على شرطِه".
فأَقولُ -والله المسُتعانُ-: لو أنَّه وقفَ عندَ قولِه: "وفي الشواهدِ"، لقلنا: هذا رأيه، إِلاّ أنّه باطلٌ كما سبقَ بيانُه، وأَمّا أَن يتابعَ كلامَه فينسبَ ذلك إِلى عارفي "صحيح البخاريّ"، فهو أَبطلُ وأَبطلُ، وتلبيسٌ على القرّاءِ يصعبُ على عامتِهم اكتشافُه إلاّ بالرجوعِ إِلى ما نقلتُه آنفًا عن الحفّاظِ، وبخاصةٍ منهم الحافظَ ابن حجرٍ الََّذي هو ليس فقط من "عارفي "صحيح البخاري""، بل هو أَعرفُهم به، وقد رأيت تصريحَه بخلافِ ما نسبَ إِليه هذا، فماذا أَقولُ؟ عاملَه اللهُ بما يستحقُّ.
ثالثًا - بعدَ أَن سوّدَ من الجريدةِ عمودًا ونصفًا، وعرفتَ ما فيه، جاء بباقعةٍ أُخرى (ضِغثًا على إِبّالة) ، فأَخرجَ من روايةِ البيهقيِّ وابن حجر في "التغليق" متابعةَ بشر بن بكر لهشام بن عمّار، ولم يعزُها لابن عساكر -وهو أَقدمُ بقرونٍ من ابن حجر كما هو معلوم- تدليسًا وتلبيسًا من تلك التلبيساتِ الّتي حضَّني على أَن أَذكرَ له شيئًا منها! فقال عقب المتابعة المذكورة:
"وهذه على أنّا سلّمنا أنّها متابعةٌ قويّةٌ لحديث هشام، ليس فيها نصٌّ صريحٌ على (المعازفِ) ؛ لأنّها رويت عند البيهقيّ وابن حجر ضمنَ روايةِ هشام بن عمّارٍ(1/916)
المتقدمة، فذِكرُ (المعازفِ) معروفٌ في روايةِ هشام، ولم يصرِّح بها في روايةِ (بشر بن بكر) ، فلمّا امتزجت الروايتان ذكرت (المعازف) وكأنّها لهما". كذا قال -هداه الله- وفيه ما يأتي: لكنّي قبل ذلك أريدُ أن أَلفتَ النَّظرَ الى أنَّ قولَه: "وهذه على أًنَّا سلّمنا أنّها متابعةٌ قويّة لحديث هشام ... " فيه ركّة وغمغمةٌ، وعدمُ الإِفصاحِ عن مرادِه؛ فإِنّها تحتملُ التسليمَ بقوّةِ هذه المتابعةِ حقًّا، كِما تحتملُ التسليمَ بها افتراضًا، ولستُ أَدري هل كانَ هذا التعبيرُ المغمغمُ مقصودًا، أم هو خطأٌ قلميٌّ أو طبعيٌّ؟! وسواءٌ كانَ هذا أَم ذاك، فالمهمُّ الآن ما في تمامِ كلامِه من التلبيسِ والمكابرةِ، والإِنكارِ للحقائقِ العلميّةِ، وذلك قولُه: "لم يصرّح بـ (المعازف) في روايةِ (بشر بن بكر) ".
فأَقولُ: هذا كذبٌ -شئتَ أم أَبيتَ- بل هو كذبٌ له قرونٌ، وبيانُه من وجوه:
الأَوّلُ - أنَّ لفظه ثابتٌ صراحةً في رواِيةِ البيهقيِّ في الجزءِ وِالصفحة الّتي ذكرتَ أَنتَ (3/272) ! أَخرجه من طريق أبي بكر الإِسماعيليِّ: أخبرني الحسنُ ابن سفيانَ: ثنا هشامُ بن عمّارٍ.. (قلت: فساقَ إسنادَه ومتنَه كما تقدّمَ، ثمَّ قال:) قال (يعني أَبا بكر الأِسماعيليَّ) : وأَخبرني الحسن أَيضًا: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيمَ: ثنا بشر -يعني ابن بكر-: ثنا ابن جابر عن عطية بن قيس قال:
قام ربيعةُ الجرشيُّ في الناسِ -فذكرَ حديثاً فيه طول، قال: - فإِذا عبد الرحمن ابن غنم الأَشعريّ، قلت: يمينٌ حلفتُ عليها؟ قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالكٍ.. أًنّه سمعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ:
"ليكوننَّ في أُمتي أَقوامٌ يستحلّونَ -قال في حديث هشام: الخمر والحرير، وفي حديث (دحيم) : الخزَّ والحريرَ والخمرَ والمعازف، ولينزلنَّ(1/917)
أَقوامٌ ... " الحديث.
قلتُ: فأَنتَ ترى في هذه الروايةِ تكذيبَ الرَّجلِ في قولِه: إِنَّ رواية (بشر) رويت عند البيهقيّ ضمنَ روايةِ هشام، والواقعُ عكسُه تمامًا، فالسياقُ لرواية عبد الرحمن بن إِبراهيم - وهو (دحيم) ، وفي ضمنها وقعت روايةُ هشام، إلاّ أنَّ الخطبَ في هذا سهلٌ، والمهم أنَّ فيه التصريح بأنَّ في روايةِ (دحيم) ذكرَ المعازفِ، ولا ضرورةَ للتذكيرِ بأنَّ روايةَ (دحيم) هي عن بشر، وهذا هي الكذبةُ الكُبرى! واللهُ المسُتعانُ.
الوجهُ الثاني - أنَّ ذلكَ كلَّه ثابتٌ أيضًا في روايةِ ابن حجرٍ في "تغليق التعليق" بنفس المكان الّذي عزاه إِليه جزءًا وصفحة (5/19) ! أَخرجه من طريقٍ أُخرى عن الإِسماعيليِّ، عن شيخِه الحسن بن سفيان، عن شيخِه هشامِ بن عمّارٍ وبشرِ بن بكرٍ كما تقدّمَ عندَ البيهقي، إلاّ أنَّ الحافظَ قال عقبَه:
"لفظ الحسنِ بن سفيان عن هشام بن عمّار، ولفظُ (دحيم) مثلُه".
فإِذن؛ لا فرقَ بين رواية هشامٍ وبشرٍ، ففي كليهما لفظُ (المعازفِ) ، فبطل كلامُ المنكِرِ!
وقد يقولُ من لم يتتبع تلبيساتِ الرَّجل: لعلّه لم يتنبّه لهذا الّذي بيَّنته، وهو واضحٌ جدًّا.
فأَقولُ: ذلكَ ممكنٌ بالنسبةِ لغيرِه من أَمثالِه المبتدئين في هذا العلمِ، أَمّا هو فلا!
فإِن قيل: لم؟ قلت: لكثرةِ ما أَخذنا عليه من التلبيساتِ، وتجاهلِه للنصوصِ الّتي تخالفُ هواه، وفيما سبقَ كفايةٌ لكلِّ ناشدٍ للحقِّ منصفٍ، والحبلُ جرّارٌ، كما سترى في بعضِ الاستدراكاتِ الأُخرى.(1/918)
هذا أوّلاً.
وثانيًا - لأنّه رأى في "فتح الباري" (10/54) رواية دحيم هذه بارزةً شاخصةً مختصرةً ليس فيها القصّة، وإِنّ جملةَ (المعازفِ) -الّتي لا يمكنُ أَن تخفى على أَحدٍ- ساقها الحافظُ ليبيّنَ ما سقطَ من روايةٍ أبي داود الختصرة، وقد ذكرها الرَّجلُ في العمود الثاني من مقالِه محتجَّا بها أنّه ليسَ فيها ذكرُ (المعازفِ) ، أَخذها من "الفتح" معرضًا عن قولِ الحافظِ عقبها:
"نعم، ساقَ الإِسماعيليُّ الحديثَ من هذا الوجه من روايةِ (دُحيم) عن بشرِ ابن بكر بهذا الإِسنادِ فقال: "يستحلُّونَ الحرَ والحريرَ والخمرَ والمعازفَ" الحديث".
فإِن قيلَ: من أَينَ لك أنّه رآها؟
قلت: من علمي اليقيني أنّه قرأَ شرحَ الحافظِ للحديثِ، وردّه على ابن حزمٍ تضعيفَه إِيّاه، ومن ردّه هو على ابن حجرٍ في العمودِ الثالثِ دفاعًا عن تضعيفِه لعطية ابن قيس فقال:
"لذا فقولُ ابن حجر في "الفتح" (10/54) : قوّاه أبو حاتمٍ - ليس بدقيقٍ"! (1)
فأَنتَ ترى أنَّه نقلَه من نفسِ الصفحةِ الّتيِ نقلتُ منها آنفًا قولَ الحافظِ في روايةِ الإِسماعيليّ، فهل بعد هذا كلِّه ترك مجالاً لأحدٍ أن يحسنَ الظنَّ به؟!
وليس هذا فقط، فانظر التالي:
__________
(1) كذا قالَ، ثمَ ردّ على الحافظِ لأنّه فهمَ من قولِ الحافظِ في (عطية) : "صالح الحديث" تقويتَه، ويرى (المضعّفُ) أنَّه جرحٌ، مخالفًا في ذلك الذهبيَّ أيضًا فإنّه صرّحَ بأنّه تعديلٌ، كما سيأتي نقلُه عنه في الاستدراك (14) ، فالرَّجلُ ديدنه المخالفة! ولم لا؟ (خالِفْ تُعرف) ، وفعلاً قد عُرف!! ولكن بماذا؟!(1/919)
الوجه الثالث - أَخرجه الحافظُ ابن عساكر في "تاريخ دمشق"
(19/155) من طريق الهيثم بن كليب الشاشي: نا عيسى بن أَحمدَ العسقلانيُّ: نا بشرُ بن بكر به مطولاً أَتم من روايةِ (دحيم) ، ومن نافلةِ القولِ أَن أَذكر أَنَّ فيه لفظَ (المعازفِ) .
وما قلتُه في موقفِ الرَّجلِ من روايةِ الإِسماعيليّ وتجاهلِه إِيّاها، بل نفيه ما فيها: يمكنُ أَن أَقولَه في موقفِه من هذه من حيثُ علمُه بها وكتمانُه إِيّاها، كما أَشرتُ إِلى ذلك فيما تقدّمَ.
نعم؛ يمكنُ أَن يقالَ: يحتملُ أنّه لم يتيسر له الرُّجوعُ إِليها؛ لأنّها في مصدرٍ غيرِ مطبوعٍ.
فأَقولُ: هذا محتملٌ، وإِن كنتُ أَستبعدُه، ومع التسليمِ به فذلك ممّا لا يجوِّزُ له أَن ينكرَ ما لم يحط به علمُه.
لقد طالُ الكلامُ جدًّا في هذا الاستدراك فوقَ ما كنتُ أَردتُ وأَتصوّرُ، وأَخذَ من وقتي الشيءَ الكثير، وذلك من شؤمِ هؤلاءِ الّذين (تزببوا قبل أَن يتحصرموا) ، وبخاصةٍ منهم هذا الّذي تميّزَ من بينهم بتضعيفِ الأَحاديثِ الصحيحةِ والطعن في رواتِها، واختلاقِ العلل لها، مع المخُالفةِ لأَئمةِ الحديثِ وحفّاظِها، لا يرقبُ فيهم إِلاًّ ولا ذمّة، ولكنّي أَتذكّرُ قولَ اللهِ تبارك وتعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ، محتسبًا في ذلك الأَجرَ عندَ اللهِ تبارك وتعالى.
ولعلَّ من الفائدةِ أَن أُلخِّصَ للقرّاءِ الكرامِ المخالفاتِ التي وقع فيها؛ تذكرةً له، وعبرةً لكلِّ من يريدُ أَن يعتبرَ:
1- خالفَ في تضعيفه لهذا الحديث الصحيح أَكثرَ من عشرة من حفّاظِ(1/920)
الحديثِ ونقّادِه، على مرِّ العصورِ والسنينِ إِلى يومنا هذا، كالبخاريِّ وابن الصلاح وابن تيميّة ... وهلمّ جرَّا.
2- ضعّفَ راويهَ عطية بن قيسٍ الّذي لم يضعفه أَحدٌ -حتّى ابن حزم! - وشكك في توثيقِ مسلم إِيّاه، وابن حبّان، ورفض توثيقَ ابن حجرٍ له، مع توثيق الذين صححوا حديثَه!
3- زعمه أنَّ مسلمًا أَخرجَ له حديثًا في الشواهدِ، وهذا خلاف قول الّذين ترجموا له.
4- قوله: لا قيمةَ لأَحكامِ ابن حجر.. إِلخ.
5- زعمُه أَنَّ قولَ ابن سعدِ في الرّاوي: "كانَ معروفًا" ليس توثيقًا!
6- تضعيفُه لثلاثةِ أَحاديثَ صحيحةٍ في النهي عن الصلاةِ بين السواري، وقطعِ الصفِّ، ويأتي الرَّدُّ عليه مفصّلاً في الاستدراك رقم (13) .
7- تحريفه لكلامي؛ فيضعُ هو لفظ "الحجّة" مكان " الانقطاع "، لينسبَ لي ما لم أَقل، وما نسبتُه أَنا إِليه -بحقّ- لا ينفيه!!
8- حكى الخلافَ في قولِ البخاريِّ: "قال لي" هل هو تعليقٌ كقولِه: " قال " دون زيادة (لي) ولا خلافَ! والأَنكى أنّه قال من عنده: إِنَّ الأَرجحَ سواء!!
9- زعم أنَّ البخاريَّ لم يحتجَّ بهشامِ بن عمّارٍ! خلافًا لجميعِ الحفّاظِ المترجمين له، وخلافًا لتصريح الحافظِ.
10- زعمَ أنَّ ما أَسندَه له البخاريُّ من الحديث هو عنده متابعة!
11- نسبَ إِلى عارفي "صحيح البخاري" -ومنهم ابن حجر- زعمَه(1/921)
المذكور.
12- أَنكرَ وجودَ لفظ (المعازف) في روايةِ البيهقيّ، وابن حجر، مع أنّه موجودٌ فيها، وفي غيرِها أَيضًا!
ولتمامِ الفائدةِ أُلخّصُ أَيضًا ردِّي عليه في بعضِ الاستدراكاتِ الآتية فأَقولُ:
13- في الاستدراك (8) سرقَ تخريجي للحديث (266) وذكرتُ الدليلَ القاطعَ، وكتمَ حقيقةَ راويهِ (عبد الرحمن بن إِسحاق القرشيّ) ، فحذفَ نسبة (القرشيّ) من السندِ؛ لأنّه ثقة، ليلبسَ على القرّاءِ أنَّه (عبد الرحمن بن إِسحاق الواسطي) المجمعُ على ضعفِه! كما كتمَ عنهم تقوية ثمانية من الحفّاظِ للحديثِ؛ منهم الذهبيّ والعسقلانيّ!!
14- ضعّفَ ثلاثةَ أَحاديث صحيحة عند جمعٍ من الحفّاظِ في تسويةِ الصفوف، كما سيأتي في الاستدراك (13) مفصّلاً، وسبقت الإِشارةُ إِلى ذلك.
15- نسبني -كما سترى هناك- مع غيري إِلى تقليدِ المنُاويّ في قولِنا في حديثٍ من تلك الأَحاديث الثلاثة صححه الحاكمُ: "ووافقه الذهبيُّ"، وهو في ذلك مفترٍ، وسترى هناك صورةَ الموافقةِ مصورةً عن "مستدركِ الحاكم" و"تلخيص الذهبي".
16- أَمثلةٌ أُخرى من تملصِه، بالمكابرةِ والمجادلةِ بالباطلِ من أقوالِ الحفّاظِ الموثِّقين للراوي الذي ضعفه هو بالجهالةِ، فقال عن ابن حبّان: متساهلٌ، وعن النسائي: إِنّه أحيانًا يوثِّقُ المجاهيل! وأمّا الإِمام الدارقطنيّ فقال في توثيقه: "موضع نظر"!!
17- كتمَ هناكَ توثيقَ الذهبيّ والعسقلانيّ! ولو ذكره، فلا نستبعدُ منه أَنْ(1/922)
يقول: "إِنَّهما مقلدان"! فكم من مرّة خالفهما! وما العهدُ عنك ببعيدٍ، ويأتي.
18- خالفَ ستةً من الحفّاظِ أَجمعوا على تصحيحِ حديث: "من قطعَ صفًّا قطعَه الله"، أَعلّه بالإِرسالِ وقد صحَّ مسندًا، ثمَّ حاولَ تضعيفَ المرسلِ أيضًا براوي المُسنَد والمرسل (معاوية بن صالح) -وقد احتجَّ به مسلمٌ- فقال فيه: "وسط، أَو أَقلُّ من الوسطِ".
19- نقلَ عن الحافظِ قولَ الإِشبيلي في (عبد الحميد) : "لا يحتجُّ به"، ولم ينقل ردَّ الحافظِ إِيّاه بما تعقبَه به ابن القطّان!
25- نقلَ عن "الفتح" قولَ القرطبيّ في سببِ كراهيةِ الصلاةِ بين السواري: إِنُّه مصلّى الجنِّ! ولا أَصل له في السنّة، فسارعَ إِلى ردّه، ولكنّه لم ينقل عن "الفتح" السببَ الثابتَ في السنّةِ، ليوهمَ القرّاءَ أنّه ليسَ هناك سببٌ مشروعٌ ومنقولٌ، فقال الحافظُ: "ورد النهيُ الخاص عن الصلاةِ بين السواري بإِسنادٍ صحيح".
21- نسبَ إِلى ابن قدامة: "لم يصحَّ عند المجوّزِين دليلُ المانعين"، وهذا افتراءٌ عليه نشأَ من تحريفِه إِيّاه في النقل، وبيانه هناك.
22- كان قد أَبقى على الحديثِ المشارِ إِليه آنفًا: "من قطعَ صفًّا.." في طبعته لـ: "رياض الصالحين" مشيرًا بذلك إِلى صحتِه، ثمَّ ضعفَه مخالفًا ستةً من الحفّاظِ كما تقدّمَ -نكايةً بمن سمّاهم- زورًا- بـ (الأَلبانيّين) !
23- حذفَ من طبعتِه المذكورةِ حديثَ البخاريِّ المسند غير المعلق (!) في لصق المصلى قدمه بقدمِ المصلي بجانبِه، حذفه دون أَن يُشعرَ القرّاء به في التعليق! ولا أَورده -والحمد لله- في "ضعيفتِه"، وما أَظنُّ أنَّه يعملُ به إِذا وقفَ في الصفِّ؛ لإِنّه يراه تنطُّعًا في الدينِ، ولو كانَ من عمل السلف! وإِلاّ لما ضعفه!
24- ينبز السلفيّين بالتقليدِ، جاهلاً الفرقَ بين الاتباعِ والتقليدِ!(1/923)
وختامًا أقولُ:
مع كلِّ هذه المشُاكساتِ، والمعانداتِ، والمُكابراتِ للحقائقِ العلميّةِ، والمخالفاتِ لحفّاظِ السنّةِ المحمديّةِ، وغيرها ممّا سيأتي بيانُه في المجلدِ الثاني وغيرِه إِن شاءَ اللهُ تعالى، مع ذلك كلِّه يتظاهرُ الرَّجلُ في رَدِّه عليّ بأنَّ الخلافَ بيني وبينه شخصيٌّ فقط، فيقول فيه:
"لماذا لا تحتملُ خلافي، وأنا عليَّ أن أحتملَ خلافَك؟! "!
ثمَّ يتباكى فيسألُ مستنكرًا:
"كيفَ علمتَ أًنّي وغيري نكتبُ لأَهوائِنا، أطَّلعتَ على قلوبِنا..؟ "!
أقولُ: قبلَ الجوابِ أتساءلُ: من تعني بقولِك: "وغيري"؟ (آلسقاف) عدوُّ السلفِ، والسنّةِ، وحفّاظِ الأُمّةِ، أَم غيره من المعتزلةِ والجهلةِ، وما أكَثرَهم في هذا الزمانِ الّذي يتكلّمُ فيه (الرويبضةُ) ! فإِنَّ قولَك هذا يشعرني بصفة أُخرى فيك ما كنّا نعلمها، وهي أنّك لا تحكمُ على أحدٍ بأنّه من (أهلِ الأَهواءِ) مهما كانَ انحرافُه عن أهلِ السنّةِ وعلمائِها، بل ولا على أحدٍ من الكفّارِ بالكفرِ، ولا.. ولا.. مهما قالوا وفعلوا؛ لأنّه لا يمكنُ الاطلاعُ على القلوبِ! فإِن كنتَ ترى هذا، فهذه باقعةٌ ومصيبةٌ أُخرى تخالفُ فيها الكتابَ والسنّةَ وإِجماعَ الأُمّة مخالفةً لا تحتاجُ إِلى بحثٍ ودليل.
أقولُ: هذا لازمُ قولِك المذكورِ، ولكن لمّا كانَ من المعروفِ عند العلماءِ أنَّ لازمَ المذهبِ ليس بمذهبِ، فاٍنّي لا أدينُك به، إلاّ إِن صرّحتَ بالتزامِه، وإِلاّ فصرِّح بإنكارِه، ولعلّك تفعلُ، فإِنّه بحسبِك ما فعلتَ.
والآن إِليكَ الجواب:(1/924)
وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ ... إِذا احتاجَ النّهارُ إِلى دليل
إِذا لم يكن مثلك -وقد فعلتَ بالسنّةِ الصحيحةِ ما فعلت، وخالفتَ أَئمة الحديثِ المتقدمين منهم والمتأخرينِ- من (أَهلِ الأهواء) ، فليسَ في الدنيا أحدٌ يصحُّ أن يقالَ فيه: إِنّه من (أهل الأهواءِ) ، ويكونُ السلفُ الصالحُ قد أخطأوا -في رأيك- حين أَطلقوا هذه الكلمةَ على المبتدعةِ المخالفين للسنّةِ، وعليه يجبُ بزعمِك أن تُرفعَ هذه الكلمةُ من قاموسِ العلماءِ؛ بسبب أنّه لا يمكنُ الاطلاعُ علِى ما في القلوبِ كما قلتَ! وقد تجاهلتَ الحكمةَ القائلةَ: "ما أَسرَّ عبدٌ سريرةً إلاّ ألبسَه اللهُ رداءَها، إِنْ خيرًا فخيرٌ، وإِنْ شرًّا فشرٌ"، ونسبه بعضُ الضعفاءِ إِلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصحُّ، كما كنتُ بينتُه في "الضعيفة" (237) ، ومن ذلك قولُ الشاعر:
ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ ... وإِن خالها تخفى على النَّاس تُعلمِ
هذه سنّةُ الله في خلقِه، ولولا ذلك لفسدتِ الأرض وما عليها، ولما أمكنَ معرفةُ المؤمنِ من الكافرِ، والصالحِ من الطالحِ، ولم يكن هناك شيءٌ معروفٌ في الشرعِ اسمه (الحبّ في الله، والبغض في الله) وما يترتبُ من وراءِ ذلك من الأحكامِ المعروفةِ لدى المسلمين كافّة، وهذا ظاهرٌ لا يمكنُ أن يخفى على عاقل، إِلاّ أن يكونَ مكابرًا من (أَهلِ الأهواءِ) ! والله المسُتعان، ولا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللهِ.
هذا، وللأخِ محمد سعيد عمر إِدريس ملحقٌ بكتاب الآجرّي "تحريم النرد والشطرنج والملاهي" في تحقيقِ أَحاديث الملاهي، ومنها حديثُ المعازفِ هذا، ردَّ فيه تضعيفَ ابن حزمٍ فأَحسنَ، وشرحَ غريبَه، فراجعه؛ فإنّه مفيد (ص 276-298) .
4- آخر الحديث (122) :
وقد صرَّحَ القاسمُ بن الفضل بالتحديثِ أيضًا عند الحاكمِ والترمذيّ، وأمّا ابن حبّان؛ فأَدخلَ بينَه وبين أبي نضرة (الجريريَّ) من روايةِ هدبة بن خالد القيسي، وهي روايةٌ شاذةٌ، فقد أَخرجه أَبو نعيم في "دلائلِ النبوّةِ" (ص 318) من طريق(1/925)
هدبةَ أيضًا في آخرين قالوا: ثنا القاسمُ به -لم يذكروا الجريري- وقال البزار عقب الحديث:
"لا نعلمُ رواه هكذا إلاّ القاسم، وهو بصريٌّ مشهورٌ، وقد رواه عن أبي سعيد شهر بن حوشبٍ، وزادَ فيه على أَبي نضرة".
5- آخر الحديث (132) :
(فائدة) : وأمّا ما رُوي عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنّها أسقطت من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سِقطًا فسمّاه عبد الله، وكناها به، فهو باطلٌ سندًا ومتنًا، وبيانه في المجلدِ التاسعِ من "الضعيفةِ" رقم (4137) .
6- آخر الحديث (176) قبل السطرين الأَخيرين:
وأَخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبرى" (7/282) من طريق عبد الرزاق أَيضًا بالوجهين المتقدمين، لكنّه لم يذكر الرَّجلَ بين الزهريّ وأبي هريرة، ثمَّ رواه هو والبزّارُ (3/342-343) من طريق زهير بن محمد البغدادي: ثنا عبد الرزّاق: ثنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أَبي هريرة مرفوعًا به.
قلت: وهذا إِسنادٌ صحيحٌ أَيضًا.
7- آخر الحديث (230) :
ثمَّ وجدتُ ما يؤيدُ هذه الترجمةَ من قولِ راوي الحديث نفسه؛ أَبي بكرة الثقفيّ رضى الله عنه، كما يؤكّدُ أَنّ النهي فيه: "لا تعد" لا يعني الركوع دون الصفِّ، والمشي إِليه، ولا يشملُ الاعتدادَ بالركعةِ؛ فقد روى علي بن حجر في "حديثه" (1/17/1) : حدّثنا إِسماعيلُ بن جعفر المدني: حدثنا حميدٌ، عن القاسمِ بن ربيعةَ، عن أَبي بكرةَ -رجل كانت له صحبةٌ- أنّه كانَ يخرجُ من بيتِه فيجدُ الناسَ قد ركعوا، فيركعُ معهم، ثمَّ يدرجُ راكعًا حتّى يدخلَ في الصفِّ، ثمَّ يعتدُّ بها.(1/926)
قلت: وهذا إِسنادٌ صحيح، رجاله كلُّهم ثقات، وفيه حجّةٌ قويّةٌ أَنَّ المقصودَ بالنهي إِنّما هو الإِسراعُ في المشي؛ لأنّ راوي الحديثِ أَدرى بمرويِّه من غيرِه، ولا سيما إِذا كانَ هو المخاطبَ بالنهي، فخذها؛ فإِنّها عزيزةٌ قد لا تجدها في المطولاتِ من كتبِ الحديثِ والتخريج، وبالله التوفيق.
8- آخر الحديث (266) :
(تنبيه) : من غرائبِ التتابعِ في الخطأ، ومخالفةِ النقدِ العلميّ الصحيح، وتتابعِ العلماءِ الحفّاظِ على تقويةِ هذا الحديث - ما وقعَ فيه مَنْ جاءَ بعدَ المبُاركفوريِّ من المخرِّجين، وهم جمع:
الأَوّل - المبُاركفوريّ، وقد سبقَ بيانُ سببِ خطئِه مفصلاً.
الثاني - الشيخ أَحمد شاكر رحمه الله في تعليقِه على "المسند" (2/332) ، ويغلبُ على ظنّي أنَّ سببَ خطئِه - مع وقوعِ نسبةِ (القرشيّ) في "المسندِ" أنَّ الحديثَ وقعَ فيه بين حديثين لعبد الرحمن بن إِسحاقَ، عن النعمان بن سعد، عن علي، وهو فيهما الواسطيّ يقينًا، فانتقلَ بصرُه أو وَهْلُه إِليه، ولم ينتبه لنسبةِ (القرشيّ) في حديثنا.
ومثل هذا الانتقال لا عيبَ فيه؛ لأنّه لا ينجو منه كاتبٌ أَو مؤلفٌ، وإِنّما العيبُ على الذين جاؤوا من بعدِه فقلدوه، وتجاهلوا النسبةَ المذكورةَ، أَو وهّموا راويَها بغير حجّةٍ أَو برهانٍ، وهم:
الثالث - الشيخ شعيب الأَرناؤوط، وبقية الستة المشاركونَ له في التحقيقِ (!) في التعليقِ على "المسندِ" أيضًا (2/438 - طبع المؤسسة) ، فقد تجرّأَ -أَو تجرؤوا جميعًا- على تخطئةِ الرواةِ بمجرّدِ الدعوى فقالوا:
"وقولُ أَحدِ الرواةِ في هذا الحديثِ في نسب (عبد الرحمن) : "القرشيّ"(1/927)
وَهَمٌ؛ فإنَّ عبدَ الرحمن بن إِسحاق القرشيّ لا يروي عن سيار أبي الحكم، ولا يروي عنه كذلك أبو معاويةَ محمد بن حازم الضرير".
فأَقولُ: هذه مكابرةٌ ما بعدها مكابرة، وجحدٌ للحقائقِ العلميّةِ ما مثله جحودٌ، وبيان ذلك في أُمورٍ:
1- لم ينفِ أحدٌ من أهلِ العلمِ نفيَهم هذا -فيما علمت- فهو مردودٌ عليهم؛ لأنّهم لا يعتقدون في أنفسِهم أنّهم من أَهلِ الاستقراءِ والاستدراكِ على أهلِ الاختصاصِ من العلماءِ، هذا ما نظنّه بهم، فلا يجوزُ لهم -إِذن- أن ينفوا (ما لم يحيطوا بعلمِه) !
2- قد أثبتَ ما نَفَوا الحافظُ أبو محمدٍ ابن أبي حاتمٍ كما كنّا ذكرنا هناك، فتجاهلوه كاشفين بذلك عن مكابرتِهم، وقول الحافظِ موجودٌ في كتابه "الجرح والتعديل" (2/2/212) الّذي هو تحت أيديهم.
3- قد أثبتَ تلك النسبةَ (القرشيّ) ثقتانِ هما: (أَبو عبد الرحمن عبد الله ابن عمر) في "المسند" وهو الملقب بـ (مشكدانه) ، وهو ثقةٌ من شيوخِ مسلم، والآخرُ (يحيى بن يحيى) عند الحاكم وهو أبو زكريّا النيسابوريّ، وهو ثقةٌ ثبتٌ من شيوخِ البخاريِّ ومسلمٍ.
وقد يقولُ قائلٌ: لعلّهم لم يقفوا على روايةِ الحاكمِ هذه؟
فأَقول: ذلك ممكن، وإِن كانوا عزوه إِليه (ص 185) ؛ لأنّه ثبتَ عندي يقينًا أنَّ بعضَ المخرِّجين يسرقون العزوَ من بعضِ كتبي، يجدونه لقمةً سائغةً، والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ، وأَظهرُ ما يتجلى ذلك حينما يكونُ في عزوي شيءٌ من الخطأِ الّذي لا يخلو منه بشرٌ، وقد يكونُ خطأً مطبعيًّا، فينقلُه السارقُ فينفضحُ، ويأتي قريبًا مثالٌ ممّا وقعَ فيه المدعو (حسان عبد المنان) ، أقولُ: فيمكنُ أن يكونَ عزوُهم من هذا القبيلِ،(1/928)
اعتمدوا على عزوي للحاكمِ بالجزء والصفحةِ دون أن يرجعوا إِلى كتابِه مباشرةً، ولو فعلوا لرأوا (القرشيّ) !
فثبتَ يقينًا بطلان دعواهم أنَّ راوي الحديثِ هو عبد الرحمنِ الواسطيّ الضعيف، وبالتالي يثبت بطلان دعوى أنَّ الحديثَ ضعيفٌ.
ولا يشكلُ على هذا ما ذكروا من روايةِ هذا الضعيفِ عن (سيار) ، وعنه (أَبو معاوية) كما كنتُ ذكرتُ هناك، وذلك لسببين:
أَحدهما - أنَّه من المقررِ عند العلماءِ "أنَّ ذكرَك الشيءَ لا ينفي ما عداه"؛ ولغفلتِهم عن هذه الحقيقةِ العلميّةِ جزموا بالنفي!
والآخر - أنّه لا مانعَ أَن يشتركَ الراويانِ المسمَّيانِ باسمٍ واحدٍ عن شيخٍ واحدٍ أَو أَكثر، وعنهما كذلك شيخٌ واحدٌ أَو أَكثر.
ومن الأَمثلةِ المعروفةِ في ذلك (عبد الكريم بن مالك الجزري الحرّاني) ، وهو ثقة، و (عبد الكريم بن أَبي المخارق البصري) ، وهو ضعيف، وقد اشتركا في الرواية عن بعضِ الشيوخِ، مثل: سعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء بن أَبي رَباح، ونحوِهم من الأَكابرِ، واشتركَ في الروايةِ عن كلٍّ منهما إِسرائيلُ بن يونس والسفيانانِ وغيرُهم من الثقاتِ، ولهذا قالَ الحافظُ في "التقريب/ترجمة عبد الكريم البصري":
"وقد شاركَ الجزريّ في بعضِ المشايخِ، فربما التبسَ به على من لا فهمَ له"!
فإِذا جاءَ (عبد الكريم) هكذا غير منسوبٍ في سندٍ من تلك الأَسانيدِ المشتركةِ، وجاءَ في رواية أُخرى (عبد الكريم الجزري) هكذا منسوبًا، لم يجزْ بداهةً ادّعاءُ أنّه البصريُّ! هذا حالُ أُولئك المكابرين تمامًا، ولذلك فقد أَصابَهم شيءٌ من رشاشِ كلامِ الحافظِ المتقدم.(1/929)
وقد يجادلُ بعضُهم فيقول: المثالُ مختلفٌ؟ فنقولُ سلفًا: لا اختلافَ إِلاّ بالنسبةِ لِنَفْيِكم، وهو باطلٌ لا قيمةَ له كما تقدّمَ تحقيقُه.
وأوَضّحُ ذلك للقرّاءِ الكرامِ فأَقول:
لقد اشترك (عبد الرحمن بن إِسحاقَ القرشيّ) مع (عبد الرحمن بن إِسحاق الواسطيّ) في الروايةِ عن (سيار أبي الحكم) ، وروى عن كلٍِّ منهما أَبو معاويةَ الضرير، فوقعَ (عبد الرحمن بن إِسحاق) -هكذا غير منسوبٍ- عند بعض المخرّجين للحديثِ، ووقعَ عند غيرِهم (عبد الرحمن بن إسحاقَ القرشيّ) هكذا منسوبًا، فكيفَ جازَ لهم ادّعاءُ أنّه (الواسطيّ) مع أنّه لم يُنسب في السند، وإِنكارُ أنّه القرشيُّ، وقد جاءَ منسوبًا فيه؟ فقد ظهرَ جليًّا أنَّ المثالَ مطابقٌ تمامًا للمُمَثّلِ له.
وأَمّا مضعّفُ الأحاديثِ المصححةِ (حسان عبد المنان) الّذي سبقت الإِشارةُ إِليه، فقد شارك المذكورين في الخطأ والمكابرةِ استقلالاً أو تقليدًا -لا أَدري، وأَحلاهما مُرٌّ- فإِنّه اقتبسَ تخريجَه للحديثِ من تخريجي إِيّاه في الطبعاتِ السابقةِ، فقال (ص 552) من " ضعيفته ":
"أَخرجه الترمذيُّ (3558) ، وأَحمدُ (1/153) ، والحاكم (1/538) من طريق عبد الرحمن بن إِسحاق عن سيار. قلت: وعبد الرحمن بن إِسحاق هذا مجمعٌ على ضعفِه، وهو منكر الحديث. [وافقني على تضعيفِه الشيخ شعيب] ".
فليتأمل القرّاء في هذا التخريج، يجد فيه على اختصارِه آفاتٍ:
الأُولى - سرقة التخريج كما أَشرتُ آنفًا، والدليلُ أنَّهِ قلدني في عزوي إِيّاه لأَحمد سابقًا في الجزء والصفحة، والصواب "عبد الله بن أْحمد" كما تقدّم.(1/930)
الثانية - التدليسُ باختصارِه من الإِسنادِ نسبة (القرشيّ) الثابتة في تخريجي؛ ليمهِّدَ بذلك تضعيفَه للحديث بالواسطيّ!
الثالثة - تجاهلُه -مع الذين سبقتِ الإِشارةُ إِليهم- ثبوتَ نسبةِ (القرشيّ) في "المسند" و"المستدرك"، لكن يردُ هنا الاحتمالُ الّذي ذكرته هناك، وهو الاتكالُ في التخريجِ على عزوِ غيرِهم، وعدمُ الرُّجرعِ إِلى "المستدركِ" مباشرةَ، وهذا هو الأَقربُ بالنسبةِ لـ (حسان) للدليلِ المذكورِ في الآفةِ (الأُولى) ، وسواءٌ كانَ هذا أَم ذاك فأَحلاهما مُرّ.
وهناك ناسٌ آخرونَ تتابعوا، منهم الدكتور محمد سعيد البخاري، ولقد كانَ جريئًا في التوهيم -مثل شعيب وأَعوانِه- فإِنّه علقَ على الحديثِ في "كتابِ الدعاءِ" للطبرانيِّ مضعِّفًا له بالواسطيّ! ذلك أنّه بعد أَن نقلَ تحسينَه عن الحافظِ ابن حجر، وتصحيحَه من الحاكمِ، والذهبيِّ، عقّبَ عليه بقولِه (2/1283) :
"قلت: ولعلّه اشتبه عليهما عبد الرحمنِ بن إِسحاقَ الواسطيّ بعبد الرحمنِ بن إِسحاقَ القرشيّ، وهو صدوق، ولا يروي عن سيار أبي الحكم".
فيا للعجبِ من هذا الدكتورِ وتعقيبه عليهما، كيفَ ينسبُ الوهمَ إِليهما وفي إِسنادِهما أنّه (القرشيّ) ؟! والله، إِنَّ تتابعَ هؤلاءِ على هذا التضعيفِ، والتوهيمِ، والمكابرةِ لإِحدى الكُبَر!
ولقد كانَ يكفي هؤلاءِ رادعًا عن مضيِّهم في تتابعِهم أن يتذكروا -مع علمِهم باتفاقِ العلماءِ على تضعيفِ الواسطيّ- حقيقة أُخرى، وهي اتفاقُ كلِّ من أَخرجَ الحديث أَو نقلَه مسلّمين بصحتِه وحسنِه، وفيهم من ضعفَ الواسطيّ، وهم:
1- الترمذي 2- الحاكم 3- المنذري 4- النووي
5- ابن تيميّة 6- الذهبيّ 7- العراقيّ 8- العسقلانيّ.(1/931)
وأَصحابُ الأَرقام (1 و3 و6 و8) ممّن ضعّفَ الواسطيّ، فيبعد والحالةُ هذه -إِن لم أقل: يستحيلُ- أَن يتفقَ مثلُ هؤلاءِ الحفّاظِ على تقويةِ الحديثِ وفيه (الواسطيّ) المتفق على تضعيفِه، وفيهم من صرّحَ بتضعيفِه كما بينتُ، ثمَّ يأتي بعضُ الناشئين ممّن لا علمَ عندهم -كعلمِهم على الأَقلِّ- فيخالفونهم بمجرّدِ الدعوى والجهلِ والتوهيم للثقاتِ! وليس هذا فقط، بل ويخالفونَ ثمانيةً من الحفّاظِ تتابعوا على تقويةِ الحديثِ على مرِّ القرونِ دون أَن يُعْرفَ أيُّ مخالفٍ لهم، إلاّ من هؤلاءِ الخلفِ بدونِ حجّةٍ أَو برهانٍ، والله المسُتعانُ".
9- آخر الحديث (270)
وأمّا ما أَثارَه في هذه الأَيّامِ أحدُ إِخواننا الدعاةِ من التفريقِ بين (الطائفةِ المنصورةِ) و (الفرقة الناجية) ، فهو رأيٌ له، لا أَراه بعيدًا عن الصوابِ، فقد تقدّمَ هناك النقلُ عن أئمةِ الحديثِ في تفسيرِ الطائفةِ المنصورةِ أنّهم أهلُ العلمِ بالحديثِ وأَصحابُ الآثارِ، وبالضرورةِ تعلمُ أنّه ليس كلُّ من كانَ من الفرقةِ الناجيةِ هو من أهلِ العلمِ بعامّةِ، بله من أَهلِ العلمِ بالحديثِ بخاصةِ، أَلا ترى أن أَصحابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هم الذين يمثلونَ الفرقةَ الناجيةَ، ولذلك أُمرنا بأن نتمسّكَ بما كانوا عليه، ومع ذلك فلم يكونوا جميعًا علماء، بل كان جمهورُهم تابعًا لعلمائهم؟ فبين (الطائفةِ) و (الفرقة) عمومٌ وخصوصٌ ظاهران، ولكنّي مع ذلك لا أَرى كبيرَ فائدةٍ من الأَخذِ والرَّدِّ في هذه القضيةِ حرصًا على الدعوةِ، ووحدةِ الكلمةِ.
10- آخر الحديث (278)
ثمَّ رأيتُ في ترجمةِ (خلف بن أَيوب) في "سير أعلامِ النبلاءِ" للحافظِ الذهبيِّ ما يؤيدُ رأيي الّذي كنتُ انتهيتُ إِليه هناك، وهو أنّه وسط، فقد وصفَه الذهبيُّ بـ "الإِمام المحدّث الفقيه" ثمَّ قال (9/541) :(1/932)
"وقد ليَّنه من جهةِ إِتقانِه يحيى بن معين".
فأَشارَ الذهبيُّ إِلى أنَّ تضعيفَ ابن معين المطلق الّذي كنتُ نقلتُه عنه هناك ليسَ على إِطلاقِه، وإِنّما هو "من جهةِ إِتقانِه"، فمثله يكونُ حسنَ الحديثِ، والله أَعلمُ.
11- الحديث (302) بعد السطر (13)
وتابع الوليدَ بن مسلمٍ بشرُ بن بكرٍ أيضًا عن الأَوزاعيِّ مثل لفظِ الوليدِ، أَخرجه البغويّ في "شرح السنّة" (13/194/3613) .
(تنبيه) من أَوهامِ المعلِّقِ على "مسندِ أبي يعلى" قوله (3/470) في تعليقِه على هذا الحديث:
"إِسناده صحيح، الوليد بن مسلم صرّح بالتحديثِ عندَ البغويِّ"!
وفيه ثلاثة أَخطاء:
الأَوّل - أن البغويَّ لم وروهِ عن الوليدِ وإِنَّما عن بشر كما رأيت، فلعلّه سبق قلم.
الثاني - أنَّ تصريحَه بالتحديث إِنّما هو عند مسلم، وكذلك هو عند ابن حبّان في "صحيحه" (8/47/209 و6441 - الإحسان) .
الثالث - أَنَّ قولَه المذكور يشعر العارف بهذا العلم الشريفِ أنّه لا يعلمُ أَنَّ تدليسَ الوليد بن مسلم من النوعِ الذي لا يفيد تصريحُه بالسماعِ من شيخِه فقط؛ لأنّه كانَ يدلِّسُ تدليس التسوية، أي يسقطُ الرّاوي بين شيخِه وشيخِ شيخِه، كما هو مشروحٌ في ترجمته، وقولُه هذا لولا أنّه تكررَ منه كثيرًا في أحاديث الوليدِ بن مسلم لاعتبرته سهوًا قَلَميًّا لا ينجو منه كاتب، ولكن تكراره إِيّاه أنبأني بأنّه خطأٌ علميٌّ فكريٌّ، فانظر مثلاً الأَحاديث (41 و559) من المجلد الأَوّل والثاني من(1/933)
"الإِحسان" طبع المؤسسه اللذين يحيلُ إِليهما كثيرًا في تعليقِه على "موارد الظمآن"، مدعيًا أنّهما من تحقيقِه، والحديث (6489) من "الضعيفة"، فهو في هذه الأَمثلة وغيرِها مثلما تقدمَ عنه، ويكفي أَنَّ الوليد عنعنَ بين الشيخين ولم يصرِّح بالتحديث، وهذا إِنْ دلَّ على شيءٍ -كما يقالُ اليوم- فإِنَّما يدلُّ على الحداثة!
12- آخر الحديث (332)
ثمَّ رأيتُ الحديثَ في "مسندِ أبي يعلى" المطبوعِ بتعليقِ وتخريجِ الأَخ (حسين سليم) الدارانيّ الدمشقيّ، فرأيتُه قد وقعَ في خطأٍ فاحشٍ، فوجبَ التنبيهُ عليه حتّى لا يغترَّ من لا علمَ عنده، فقد عزاه (7/467) لمالكٍ والشيخين وأَبي داودَ وأحمدَ! ولا أَصلَ للحديثِ عندهم، ومنشأُ هذا إنّما هو الاهتمامُ بالتخريجِ دونَ فقهِ الحديثِ المخرَّج أَو الانتباه له، ذلك أنَّ الحديثَ عند "أبي يعلى" له تتمةٌ في أَوله بلفظ:
"لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النساءِ ما نرى، لمنعهنَّ من المساجدِ؛ كما منعت بنو إِسرائيل نساءها، لقد رأَيتنا نصلي ... " الحديث.
فهذا الطرفُ الأَوّلُ من الحديثِ هو الّذي ينصبُّ عليه تخريجه المذكور، وأمّا طرفهُ الآخر الّذي عزوته لأَبي يعلى فقط، فلم يروِه أَحدٌ منهم مطقًا في المواضعِ الَّتي أَشارَ إِليها! وإنّما أَخرجوه هم وبقيّةُ الستةِ مختصرًا نحوه بلفظ:
" ... ما يعرفن من الغلسِ" ليس فيه ذكر "وجوه بعض".
وهو مخرّجٌ في "صحيح أَبي داود" (رقم 450) و"الإِرواءِ" (1/278) .
قلت: فوقعَ في خطأينِ متعاكسين؛ عزا إِليهم ما ليسَ عندهم، ولم يعزُ إِليهم ما عندَهم!! فهكذا فليكن التخريج! فيا ترى كيفَ يكونُ عندَه التحقيقُ؟!(1/934)
13- الحديث (333)
كنت ذكرت له هناك ثلاثة طرق عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أَبي هريرة.
ثمَّ وجدث له طريقًا رابعًا، يرويه عيسى بن يُونسَ -وهو ابن أبي إِسحاقَ السبيعيّ- عن ثور بن يزيد به.
أَخرجه ابن السُّنّي في "عمل اليومِ والليلةِ" (56/157) من طريق سليمان ابن عمر بن خالد، والطبراني في "مسند الشاميّين" (1/241) (رقم: 429) من طريق عمرو بن خالد الحرّانيّ، قالا: حدثنا عيسى بن يونس به.
وهذا إِسنادٌ صحيح.
(فائدة) : قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ذكرَ بعد الإِيمانِ بالله أَسهمًا من الإِسلامِ كالصلاةِ والزكاةِ:
" فمن تركَ من ذلكَ شيئًا، فقد تركَ سهمًا من الإِسلامِ، ومن تركهنَّ كلَّهنَّ فقد ولّى الإِسلامَ ظهرَه".
أَقولُ: فهذا نصٌّ صريحٌ في أنَّ المسلمَ لا يخرجُ من الأِسلامِ بتركِ شيءٍ من أَسهمِه ومنها الصلاة، فحسبُ التاركِ أنّه فاسق لا تقبلُ له شهادة، ويُخشى عليه سوءُ الخاتمةِ، وقد تقدّمَ في بحثٍ مفصلٍ في حكمِ تاركِ الصلاةِ تحت الحديثِ (87) ، وهو من الأَدلةِ القاطعةِ على ما ذكرنا، ولذلك حاولَ بعضُهم أَن يَتنصلَ من دلالتِه بمحاولةِ تضعيفِه، وهيهات، فقد رددنا عليه ذلك بالحجّةِ والبرهانِ، وبيانِ من صححه من علماءِ الإِسلامِ، فراجعه.(1/935)
14- آخر الحديث (335)
لقد ضعّفَ هذا الحديثَ وشاهدَه من حديث أَنس في جملةِ ما ضعّفَ من الأَحاديثِ الصحيحةِ الكثيرةِ - المدعو (حسان عبد المنان) في رسالةٍ له أسماها "مناقشة الأَلبانييّن في مسألةِ الصلاةِ بين السواري"، ذهبَ فيها تقليدًا منه لغيرِه إِلى جوازِ الصلاةِ بينها لغيرِ عذرٍ، قياسًا على الإِمامِ والمنفردِ! وهذا من أَبطلِ قياسٍ على وجه الأَرضِ، كما هو ظاهرٌ بداهةً لكلِّ ذي لُبٍّ، فإِنّه من بابِ قياس غير المعذور على المعذور -هذا لو لم يعارض السنّةَ- كيفَ لا؛ والقطعُ الذي يحصلُ بصلاةِ الجماعةِ بين السواري، لا يحصلُ بصلاةِ المنفردِ بينها؟!
ليس غرضي الآن الردَّ عليه مفصلاً من الناحيةِ الحديثيّةِ فضلاً عن الناحيةِ الفقهيّةِ، فإِنَّ المجالَ ضيقٌ -كما ترى- والوقتُ أَضيقُ، إلاّ بمقدارِ ما لا بدَّ منه من الدفاعِ عن حديثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
لقد تشبثَ المذكورُ في تضعيفِ الحديثِ بقولِ أبي حاتمٍ في راويةِ (هارون بن مسلم) : "مجهول"، وقول الحافظِ ابن حجر: "مستور"! معارضًا بهما توثيقَ من وثقه وصححَ حديثَه كابن حبّان، وابن خزيمةَ، والحاكمِ، والذهبيِّ! ويجيبُ على ذلك بأنَّ هؤلاءِ من المتُساهلين، وأَمّا الذهبيُّ فمتناقض!
والجوابُ بأَوجزِ ما يمكنُ من العبارةِ:
لا يمكنُ لأَيِّ عالمٍ -بحكمِ ارتفاعِ العصمةِ- إلاّ أَن يقعَ منه الخطأُ كما صحَّ عن الإِمامِ مالك، سواءٌ كانَ الخطأُ من بابِ التساهلِ أَم التشكك، أَم التعارضِ، أَم خطأً محضًا، وعليه فلا يجوزُ ردُّ قولِ العالمِ بمجرّدِ القولِ بأنّه متساهلٌ أَو متناقض، وهذا ما وقع فيه المدعي!
أوّلاً - أَمّا الذهبيُّ، فقد تعقبَ في "الميزانِ" قول أبي حاتم في "هارون":(1/936)
"مجهول" بقولِه (4/286) :
"قلت: روى عنه أَبو داود الطيالسيُّ، ومسلمُ بن قتيبة، وعمر بن سفيان".
فأَين التناقضُ المزعومُ؟ ولو افترضنا أنَّ هناكَ تناقضًا، فلا بدَّ في هذه الحالةِ من الترجيحِ، وليس هو إلاّ التصحيحُ لما يأتي.
ثانيًا - أَمّا ردّه التوثيقَ والتصحيحَ بدعوى التساهلِ فهو معارَضٌ بأنَّ الجهالةَ الّتي اعتمدَ عليها إِنّما هي من معروفٍ بالتشددِ وهو أَبو حاتمٍ رحمه الله، قال الحافظُ الذهبيُّ في ترجمتِه من "السير" (13/260) :
"إِذا وثّقَ أَبو حاتمٍ رجلاً، فتمسّكْ بقولِه؛ فإِنّه لا يُوثِّقُ إلاّ رجلاً صحيحَ الحديثِ، وإِذا ليّنَ رجلاً أَو قال فيه: "لا يحتجُّ به"؛ فتوقّفْ حتّى ترى ما قالَ غيرُه فيه، فإِن وثَّقه أَحد، فلا تَبْنِ على تجريح أبي حاتم؛ فإِنّه متعنّتٌ في الرِّجالِ، فقد قالَ في طائفة من رجال (الصحاح) : ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك".
وقد وصفه بالتعنتِ الحافظُ ابن حجر أيضًا في "مقدمةِ الفتح" (ص 441) ، فراجعه إِن شئتَ.
ثالثًا - أَمّا استشهادُ مدعي التضعيف بقول الحافظِ في هارون: "مستور"، وقوله في "مقدمته":
"من روى عنه أكثر من واحدٍ ولم يوثَّق، وإِليه الإِشارةُ بلفظ: مستور أَو مجهول الحال".
فأَقول: مجهول الحال خيرٌ من مجهولِ العين، ولذلك فرَّقَ بينهما الحافظُ في المرتبة، وفي التعريف، ففي الأَوّل قال: "السابعة: من روى..". وفي الآخر(1/937)
قال: "التاسعة من لم يروِ عنه غير واحدٍ ولم يُوَثّق، وإِليه الإِشارةُ بلفظِ: مجهول".
إِلاّ أنّني أُلاحظُ أنَّ قولَه في المرتبةِ السابعةِ: "ولم يوثَّق" لا ينطبق على (هارون) هذا؛ لأنّه قد وثقه ابن حبّان صراحةً، والذين صححوا حديثَه ضمنًا، ولهذا كنتُ ذهبتُ إِلى تحسينِ إِسنادِه فيما تقدّم.
وبما تقدّمَ يسقطُ في الهاوية ما تشبثَ به مدعي التضعيفِ، ويترجحُ ثبوتُ الحديثِ بمرتبةِ الحسنِ على الأَقلِّ من هذا الإِسناد.
وأمّا جعجعته فىِ أَربعِ صفحات (18-21) سوّدها ممّا أَملاه عليه عُجبُه وغرورُه، فهي ممّا لا يستحقُّ الردَّ ولو كانَ في الوقتِ فراغٌ! لأنّه لا يخرجُ عمّا كانَ تشبَّثَ به من قولِ أَبي حاتمٍ: "مجهول"، وقول الحافظ: "مجهول الحال"، وقد سبقَ الجوابُ والحمدُ للهِ.
نعم، في (ص 18) ما لا بدَّ من عرضِه على القرّاءِ، فإِنّه سيكشف عن طبيعةِ هذا المضعف للأَحاديثِ الصحيحةِ، وهي أنّه يخطئُ -على الأَقل- في رؤيةِ الماديات التي يشتركُ في رؤيتها الصالح والطالحِ، فكيفَ تكونُ رؤيتُه للمعنويّاتِ الّتي لا تُرى إلاّ بالبصيرةِ القلبيّةِ التي ينفردُ بها المؤمنونَ الصادقون؟ لقد زعمَ أَنّني أَخطأتُ أَنا وغيري في قولي المتقدّمِ في تصحيحِ الحاكمِ: "ووافقه الذهبيُّ"، فقال هداه الله:
"هذا وهمٌ عظيمٌ، قلدوا فيه المناوي في "فيض القدير"، زعموا أنَّ الحديثَ الّذي سكتَ عنة الذهبيُّ فقد وافقَ فيه الحاكمَ"!
وإِلى القرّاءِ الكرامِ صورة الحديثِ من "المستدرك"، وتصحيحِ الحاكمِ إِيّاه مع موافقةِ الذهبيِّ محاطة بدائرةٍ في أسفل الصفحة؛ ليعلموا من يستحقُّ الوصفَ بأنّه "ذو وهمٍ عظيمٍ"؟(1/938)
قالوا حدثنا سفيان ثنا يحيى بن هاني عن عبد الحميد بن محمود قال كنت مع أنس بن مالك أصلي قال بين السواري قال فتأخر أنس فلما صلينا قال إنا كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم*
{حدثنا} أبو بكر بن إسحاق أنبأ عبيد بن محمد بن خلف ثنا عقبة بن مكرم ثنا مسلم بن قتيبة عن هارون بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال كنا ننهي عن الصلوة بين السواري ونطرد عنها طردا * كلا الإسنادين صحيحان ولم يخرجا في هذا الباب شيئًا.
{حدثنا} أبو بكر بن إسحاق أنبأ أبو المثنى ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه * هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
{وله شاهد} صحيح في الأخذ عنه (حدثنا) أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أسيد بن عاصم ثنا الحسين بن جعفر عن سفيان
وتكتب له اليمنى حسنة حتى يدخل المسجد * صحيح *
{شداد أبو طلحة الراسبي} سمعت معاوية بن قرة عن أنس قال من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى * على شرط (م) *
{زائدة} عن المختار بن فلفل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم حضهم على الصلاة ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة * على شرط (م) *
{قال} أنس كنا نتقي الصلاة بين السواري * مر باسناده *
{هارون} بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة عن أبيه كنا ننهي عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها طردا * صحيح *
{يزيد بن زريع} عن حميد عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه * على شرطهما *
ولننظر الآن كيفَ ضعّفَ حديثَ أَنسٍ الشاهد المتقدم، وكيفَ خالفَ المتقدمين والمتأخرين من الحفّاظ المتقنين ممّن وثّقَ راويه عبد الحميد بن محمود، وصحح حديثَه، ووهَّم ابن حبّان والدارقطنيّ والذهبيّ والعسقلانيّ، وغيرهم ممّن صححَ الحديثَ، كالترمذيّ وابن خزيمة وابن حبّان أيضًا، والحاكم والذهبيّ، هؤلاءِ الأَئمةُ كلّهم مخطئونَ عند (حسان) الّذين لم يتّبعهم (بإحسان) ، فزعمَ أنَّ (عبد الحميد) هذا مجهولٌ! واتكأَ على قولِ أبي حاتمٍ فيه: (شيخ) ، وهذا لا يعني عنده أنّه مجهولٌ كما يأتي، وعلى قولِ عبد الحقِّ فيه: "لا يحتجُّ به"، وعزاه لـ "التهذيبِ"، ويأتي بيانُ ما فيه ممّا يخلُّ بالأَمانةِ العلميّةِ.
أمّا قولُ عبد الحقِّ المذكور، فلأنّ عدمَ الاحتجاجِ بالشخصِ له أسبابٌ كثيرةٌ(1/939)
معروفةٌ عند العلماءِ غير الجهالةِ، كسوءِ الحفظِ مثلاً، وكذلكَ قولُ أبي حاتمٍ، فقد نقلَ هو نفسُه (ص 22) عنه أنّه قال:
"وإِذا قيلَ: (شيخ) فهو بالمنزلةِ الثالثةِ؛ يُكتبُ حديثُه وينظرُ فيه، إلاّ أنّه دون الثانية"، وفسَّره (المضعِّف) بقولِه:
"يريدُ دون مرتبةِ الصدوق ونحوه".
وهذا حجّةٌ علية؛ لأنّه ليس بمعنى "مجهول" أَولاً، ولأنّه قالَ في كلٍّ من المرتبتين: الثانية والثالثة: "فهو ممّن يكتبُ حديثه، وينظرُ فيه"، فهذا القولُ من أَبي حاتمٍ أقربُ إِلى التعديلِ منه إِلى التجريح، ولذلك قال الحافظُ الذهبيُّ في مقدمةِ "المغني":
"لم أذكر فيه من قيل فيه: (محلّه الصدقُ) ، ولا من قيل فيه: (يكتبُ حديثه) ، ولا: (لا بأسَ به) ، ولا من قيلَ فيه: (شيخ) أو (صالح الحديث) ؛ فإِن هذا باب تعديلٍ".
ويبدو لي أنَّ (المُضعِّفَ) قد شعرَ أنَّ كلامَ أبي حاتمٍ عليه، لا له، ولذلك لجأَ إِلى الخلاصِ منه بتحريفِ كلامِه في نفسِ الصفحةِ فقال: الصحيح أنّه قال: "مجهول"، مكان "شيخ"! وهذا قولٌ باطلٌ مخالفٌ لما أَثبته فيِ الكتابِ محققه المعلميُّ اليمانيُّ رحمه الله، ولنقلِ الحافظِ المزيّ في "التهذيبِ" أنَّ أَبا حاتمٍ قال: "شيخ"، وهذا نوعٌ جديدٌ منه في مخالفتِه المعروف الثابت عند العلماءِ. هداهِ الله.
وانظروا الآنَ كيفَ تنصّل من مخالفة الحُفَّاظِ الّذين وثقوا الرَّجلَ: أمّا ابن حبّان؛ فدفعه بدعوى تساهله، وسبقَ الجوابُ عنه، وأَمّا النَّسائي؛ فقال فيه: "إِنَّه أَحيانًا يوثقُ المجاهيلَ، وهذا منها"! وأَمّا الدارقطنيّ، فلما لم يجد في توثيقِه مغمزًا قال: "فموضعُ نظر"!! أَمّا جهلُه وتجاهلُه ومكابرتُه وخوضُه في علمٍ لا يحسنُه فليس موضعَ نظرٍ! وصدق رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذ قال:(1/940)
"إِذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".
وأمّا توثيقُ الحافظِ الذهبيّ والعسقلانيّ، فقد كتمهما عن القرّاءِ؛ لأَنّه لا جوابَ لديه إلاّ أَن يقول فيهما: إِنّهما مقلدان! واللهُ المسُتعانُ.
ولم يكتفِ الرَّجلُ بتضعيفِ الحديثين السابقين، بل أَلحقَ بهما حديثًا ثالثًا صحيحًا وقفَ في طريق هواه، وهو قول النبىّ - صلى الله عليه وسلم -:
" ... ومن قطع صفَّا قطعه الله"، وإِسناده صحيحٌ كما ذكرتُ هناك، وقد صححه جمعٌ كابن خزيمةَ والحاكمِ والمنذريّ والنوويّ والذهبيِّ والعسقلانيِّ، وأَعلّه ذاك العليلُ بإرسالِ الليثِ بنِ سعدٍ إِيّاه، وعدمِ ذكرِه في آخرِ الحديثِ جملةَ القطعِ هذه، مع أنَّ ابن وهبٍ قد أَسنده من حديثِ ابن عمر بالزيادةِ، وزيادةُ الثقةِ على الثقةِ مقبولةٌ اتفاقًا، ولم يخالف في ذلك إلاّ هذا الخالف! ثمَّ حاولَ النيلَ من إِسنادِه، وتضعيفَه مسندًا ومرسلاً بمعاويِةَ بن صالحٍ، فقال: "وقد اختلف فيه، والذي يظهرُ من أَقوالِ الأَئمةِ أَنّه وسط، أو أَقل من الوسطِ..".
فليتأمل القرّاءُ كيفَ لا يستقرُّ على حُكمٍ: "وسط، أَو أَقل من الوسط" توصلاً منه إِلى تضعيفِ الحديث من أَصلِه، مع أنَّ معاويةَ احتجَّ به مسلم، وعليه استقرَّ رأيُ كافّة الحفّاظِ المتأخرين الذين هم أَعلمُ بالخلافِ الّذي حكاه، ولذلك تتابعوا على تصحيح حديثِه، وقال الحافظُ الذهبيُّ في ترجمتِه من "السير" (7/158) :
"الإِمامُ الحافظُ الثقةُ قاضى الأَندلس.. وكانَ من أَوعيةِ العلمِ".
كناطحٍ صخرةً يومًا ليوهنَها ... فلم يَضِرْها وأَوهى قرنَه الوعلُ
وبالجملةِ؛ لقد تيقنتُ من متابعتي لتضعيفاتِه الظالمةِ للأَحاديثِ الصحيحةِ الثابتةِ عند حفّاظِ الأُمّةِ - أَنَّ الرَّجل مغرمٌ بالمخُالفةِ والمشاكسةِ، وعدمِ الاعتدادِ بقواعدِهم وأَحكامِهم، مُتشبِّثًا بأَوهى العللِ، ولو كانت كخيوطِ القمرِ!(1/941)
ولو لم يكن هناك إلاّ طريقته في تضعيف هذه الأَحاديثِ الثلاثة لكفى دلالةً على ما ذكرتُ، فكيفَ وهناكَ العشراتُ -إِن لم أَقل: المئات- التي أَعمَلَ فيها معولَ الهدمِ، على طريقةِ أهلِ الأَهواءِ قديمًا وحديثًا، ومنهم الإِباضيّة الذين يمجّد بهم السقافُ، ويعتمدُ على "مسندِ ربيعِهم"؟!
وقد رأيتُ لأَحدِ المعاصرين منهم "رسالة في الرفعِ والضمِّ في الصلاةِ" ذهبَ فيها إِلى تضعيفِ أَحاديث رفعِ اليدين في الصلاةِ، وهي متواترةٌ تواترًا معنويًّا، وأحاديث وضعِ اليمنى على اليسرى في القيامِ، وهي مشهورةٌ في "الصحيحين"، و"السنن" وغيرِها، بنفسِ أُسلوبِ ذاك الخالف، أكَتفي بذكرِ مثالين فقط:
ضعَّف حديث ابن عمر المتفق عليه في الرفعِ، بأنّه من روايةِ ابن شهاب الزهريّ؛ فقال (ص 18) :
"قال فيه الحافظُ الذهبيّ في الميزانِ: إِنّه كانَ يدلّسُ"!
ومع أنَّ الزهريَّ صرّحَ بالتحديثِ فِي بعضِ الرواياتِ، فقد دلّسَ الإِباضيُّ على القرّاءِ -كما يفعلُ أمثالُه من أَهلِ الأهواءِ- فأَسقطَ تمامَ كلامِ الذهبيّ: "في النادر"، وهذا ليس بجرحٍ كما هو معروف في علم المصطلح.
ثمَّ ضعّفَ حديثَ وائل بن حجر في وضعِ اليدين عند مسلم وغيرِه بقولِه (ص 28) : إِنّه من روايةِ علقمةَ بن وائلٍ عن أبيه، قال ابن حجر في "التهذيب": علقمة لم يسمع من أبيه!
أَقولُ: ومع أنَّ هذا ليسَ من قولِ ابن حجر فيه، وإِنَّما هو نقلٌ منه لحكايةِ أَحدِهم ذلك عن ابن معين، وهي مقطوعةٌ، ومع ذلك فقد صرّحَ علقمةُ بالتحديثِ عن أَبيه في روايةِ النسائي، كما كنت بينتُه في "الصحيحة" تحت الحديثِ (3176) .(1/942)
ومن الغرائبِ -بل اللطائفِ- أنَّ هذا الحديثَ المشارَ إِليه كنتُ خرّجتُه لإِعلالِ الخالفِ إِيّاه في تعليقه على طبعتهِ لـ "رياض الصالحين" بقولِه (ص 220) : "في إِسنادِه نظر"!
هكذا قال، عمّاه ولِم يبينه، وفي ظنّي أنّه يلتقي مع الإِباضيِّ في إِعلالِه بالانقطاعِ! لأنَّه في مسلمٍ أيضًا من روايةِ علقمةَ عن أَبيه!
أَعتقدُ أنَّ في هذين المثالين ما يقنعُ كلَّ عاقلٍ منصفٍ أنَّ هذا الخالفَ يُقلِّد مذهب أَهل الأهواءِ في اختلاقِ العللِ للطعنِ في الأحاديثِ الصحيحةِ، بقصدٍ أَو بغيرِ قصدٍ -فالله حسيبُه-.
ولكنّي أَقول ناصحًا لكلِّ من يقبلُ النصيحةَ: {انتهوا خيرًا لكم} .
وبعد، فقد بقي شيءٌ، وهو الإِتيانُ بالدليلِ على أنّه أخلَّ بالأَمانةِ العلميّةِ، فلْأَقتصر على أَقلِّ ما يمكنُ من الأَمثلةِ، فقد طالَ الحديثُ أكثرَ مما كنتُ أُريدُ بأكثرَ ممّا يستحقُّ، والله المُستعانُ:
1- نقل عن "التهذيبِ" -كما تقدّمَ- قولَ عبد الحقِّ في (عبد الحميد) : "لا يحتجُّ به" فلم ينقل تمامَه وهو قول الحافظِ:
"فردَّ عليه ابن القطّانِ وقال: لَم أَرَ أحدًا ذكرَه في (الضعفاءِ) ".
2- نقل (ص 15) عن "الفتح" قولَ القرطبيّ في سببِ كراهةِ الصلاةِ بين السواري، أنّه مصلَّى الجنِّ! ثمَّ تعقبَه، ولم ينقل عن الحافظِ السببَ الصحيحَ الّذي ذكره الحافظُ في الصفحةِ المقابلةِ لقولِ القرطبيِّ وهو قولُه: "ورودُ النهيِ الخاص عن الصلاةِ بين السواري كما رواه الحاكمُ من حديثِ أَنسٍ بإِسنادٍ صحيح".
3- قال (ص 18) معللاً تساهلَ الحاكمِ في تصحيحِ حديثِ قُرّةَ:(1/943)
"لهذا كلِّه لم يلتفت ابنُ حجرٍ إِلى.. تقويةِ ابن خزيمةَ والحاكمِ له"!
فأَقولُ: ولكنّه التفتَ إِلى تصحيحِ الحاكم لحديثِ أنس، وصرّحَ بصحةِ إِسنادِه كما ذكرتُ آنفًا، فَلِمَ تذكر ما لك، وتكتمُ ما عليك؟ وصنيعُ مَنْ هذا؟!
4- نسبَ (ص 16، 26) إِلى ابن قدامةَ أنّه قالَ: "لم يصحَّ عند المجوِّزين دليلُ المانعين".
وفي هذا تقويلٌ لابنِ قدامةَ ما لم يقل؛ لأنّه يشيرُ بذلك إِلى عبارته الّتي نقلها (ص 15) عنه، ونصّها: "لا دليلَ على المنعِ عندَهم"، فهذا في وادٍ، وما تقوّله في وادٍ آخر، لأنّ من أَول أَسبابِ اختلافِ الأَئمةِ أنْ لا يكونَ الحديثُ قد بلغَه -كما قال ابن تيميّة- فمن الممكنِ أَن يكونَ السببُ عدمَ وصولِ الحديث إِليهم، أو وصلَهم وتأوّلوه، أو لم يصحَّ عندهم، كلُّ هذا ممكنٌ، فلا يجوزُ حملُ كلامِ ابن قدامةَ على إِثباتِ الوصولِ مع نفي الصحةِ كما هو ظاهرٌ جدًّا، فابن قدامةَ قال: "لا دليلَ"، فهو أعمُّ من كونِه وصل أَو لم يصل، ولم يقل: "لم يصحَّ" كما زعمَ، وقال: "دليل على المنع" ولم يقل: دليل المانعين، لينصبَّ على الحديث!
فهل كانَ هذا التقويلُ عن غفلةٍ عن الفرقِ المذكورِ، أم عن تغافلٍ؟ أحلاهما مرُّ!
وهناك أمورٌ أُخرى تعرّضَ لي فيها بباطلٍ، لا مناسبةَ لبيانِها الآن، والله المُستعان.
ولكن لا بدَّ لي أَخيرًا من التنبيهِ على أمرٍ هامٍّ يتعلّقُ بموقفِ (المُضعّفِ) سابقًا من الحديثِ الثالثِ وغيرِه، ممّا يحققُ الوصفَ المذكورَ فيه.
لقد كانَ الحديثُ من أَحاديث "رياض الصالحين" الّتي أَبقاها (المضعّفُ) في طبعتِه لـ "الرياض" رقم (839) ، مقرًّا للنوويِّ على تصحيحه إِيّاه، فكيفَ هذا وقد ضعفَه في "مناقشتهِ الأَلبانيّين"؟ كما عرفَ من الرَّدِّ عليه في هذا الاستدراك.(1/944)
والجواب: لم يتنبّه حين صححه أنّه من حججِ أَنصارِ السّنةِ هنا الذين لقّبهم -بغيًا وحسدًا وعدوانًا- بـ (الأَلبانييّن) ، وإِلاّ لاختلقَ له علّةً كما فعلَ في "المناقشةِ"، ولأَوردَه في "ضعيفتِه" الّتي ذيّلَ بها "رياضَه"، أَو اكتفى بحذفِه كما فعلَ ببعضِ الأَحاديثِ الصحيحةِ لتعارضِها مع هواه حين لا يجدُ له علّةَ يمكنُ أَن يتظاهرَ بها، والأَمثلةُ كثيرةٌ، وحسبُنا الآنَ مثالٌ واحدٌ يناسبُ المقامَ:
أَوردَ النوويُّ رحمه الله (رقم 1094) حديثَ أَنسٍ مرفوعًا: "أَقيموا صفوفَكم وتراصّوا.." الحديث، وقال:
"رواه البخاريُّ بلفظه (1) ، ومسلمٌ بمعناه، وفي رواية للبخاريِّ: وكانَ أَحدُنا يلزقُ منكبَه بمنكبِ صاحبِه، وقدمَه بقدمِه".
فحذفَ (المضعّفُ) من "رياضِه" (رقم 837) روايةَ البخاريّ هذه لضعفِها عنده كما نصَّ على ذلك في "المقدمة" (ص 15) لا لضعفٍ في سندِها، وإلاّ لما أَبقى الروايةَ الأُولى، وإنّما لأنّها تؤيّدُ من حيث المعنى ما ضعفَه من الأحاديثِ الثلاثةِ كما هو ظاهرٌ، لأنّ اللزقَ المذكورَ فيها لا يمكنُ تحقيقُه مع تفريقِ الساريةِ بين المرءِ وأَخيه!
وهذا السنّةُ لا يحافظُ عليها إلاّ أَنصارُ الحديثِ والسنّةِ في كلِّ بلادِ الدنيا، ولا أَظنُّ المذكورَ يشاركُهم في العملِ بها، ويلزقُ قدمَه بقدمِ صاحبِه إِذا صلّى مع الجماعةِ، كيفَ وهو يحاربُها ويؤلفُ رسالةً للرَّدِّ على المتمسكين بها، ويتهمهم فيها (ص 13) بأنّهم "خرجوا من تقليدِ الأَئمة إِلى تقليد من لا يذكرُ أَمامَهم"؟! فأَقولُ: نعم، إِنّي أَرى أَن لا أُذكرَ معهم، للفرقِ الشاسعِ بيني وبينهم،
__________
(1) عزاه (المضعف) إِلى (خ 718) ، وهو خطأ، فإنّه فيه مختصرٌ، وليس فيه "تراصّوا"، وإنّما هو (719) ، فأخشى أَن كونَ هذا اللفظُ عندَه غيرَ صحيح أيضًا؛ لأنّه في المعنى مثلُ الروايةِ الأُخرى الّتي حذفها مضعفًا! أَسالُ اللهَ أَن يلهمَه العملَ بما يحملُنا على حسنِ الظنِّ به!(1/945)
وحسبي أَن أَكونَ تابعًا لهم في علمِهم وقواعدِهم وهديهم، وداعيًا بدعوتِهم، ولكن أَينَ أَنتَ منهم، وقد خالفتهم في ذلك كلِّه؟ وها هو مثالٌ واحدٌ من عشراتِ الأَمثلةِ؛ تبيّنُ لكلِّ ذي عينٍ أنّك تنهجُ نهجًا خاصًّا في نقدِ الحديثِ، تقلِّدُ فيه أَهلَ البدعِ والأَهواءِ، ثمَّ تبني عليه فقهًا مضطربًا هزيلاً.
وأَمّا اتهامكُ لإِخواننا بالتقليدِ فهو (شِنْشِنَةٌ نعرفها من أَخزم) لجهلك بالفرقِ بين الاتباعِ على بصيرةٍ، والتقليدِ الأعمى (1) ، والمثالُ أَمامَك الآن أَيضًا، فإِذا أَنا بيّنتُ للناسِ هذه السنّةَ الّتي تُنكرها بالأَحاديثِ الصحيحةِ الّتي أَنت تضعفها، ووافقتُ أَئمةَ الحديثِ في تصحيحها، أَفيكونون مقلدين لي أَم متبعين للسنّةِ؟
وليتَ شعري إِذا كانَ هؤلاءِ من المقلدين عندك؛ فماذا تسمي من يغترُّ بشقشقتِك، ويفتتنُ بكثرةِ كلامِك، ويمشي وراءَ سرابِك؟ - ولا بدَّ من وجود أَمثالِ هؤلاءِ المغترِّين من باب (لكلِّ ساقطةٍ في الحيِّ لاقطة) ! وصدقَ الله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .
وختامًا أَقولُ:
إِنَّ تضعيفَ هذا الرَّجلِ لعشراتِ الأَحاديثِ الصحيحةِ -والّتي لا خلافَ في صحتِها لدى المحدثين- من أكبرِ الأدلةِ على أنّه وضعَ لنفسِه قواعدَ غيرَ قواعدِهم، ولذلك تختلفُ أحكامُه عن أَحكامِهم، فالخلافُ بيننا وبينه أُصولي جذري، ليسَ فرعيًّا كما قد يتوهمُ بعضُ طيبي القلوبِ، ولذلك فلا يمكنُ التفاهمُ معه -لو افترضنا فيه الإخلاص- إلاّ بعدَ اتفاقه معنا على القواعدِ والأُصولِ (2) ، شأنُه في ذلك شأنُ
__________
(1) انظر الفرق بين الاتباع والتقليد من كلام ابن عبد البر في "سلسلة الأَحاديث الضعيفة" (2/18) .
(2) وهي المعروفةُ في "علم المصطلح".(1/946)
كلّ الفرقِ الضالةِ قديمًا وحديثًا -وهيهات هيهات- والله المُستعانُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاّ بالله.
15- آخر الحديث (417) .
ثمَّ تبيّنَ لي أنّه لا وجه لتضعيفِ المناوي لروايةِ البيهقي في "الشعبِ" بـ (عبد الله بن أَبي مرّة) المجهول؛ لأنّه قائمٌ على وهم وقعَ له في اسمِ هذا التابعيّ، فقد وقفتُ على إِسنادِه في "الشعبِ" -وقد طبع أَخيرًا- فإِذا هو عنده (6/489/9010) من طريقِ منصور عن عبد الله بن مرّةَ عن عبد الله بن عمر مرفوعًا بلفظ حديثِ الترجمةِ دون قوله: "أنّه يحبّه"، وزاد:
"فإِنّه يجد له مثل الّذي عنده".
واِسناده صحيحٌ، فإِنَّ (عبد الله بن مرّةَ) هذا -هو الهمدانيُّ الخارفيّ- ثقةٌ بلا خلافٍ، ومن رجالِ الشيخين، وهو غيرُ عبد الله بن أبي مرّةَ المجهول، ومن هذا الوجه أَخرجه ابن أبي الدنيا أَيضًا في كتابِ "الإخوان" (141/74) كما أَملاه عليَّ هاتفيًّا أَحدُ الإِخوانِ، جزاه الله خيرًا.
16- آخر الحديث (419) :
ثمَّ وجدتُ له شاهدًا عن عبد الله بن مسعودٍ قال:
"ليأتينَّ على الناسِ زمانٌ يأكلونَ فيه بألسنتِهم.." الحديث.
أَخرجه البيهقيُّ في "شعبِ الإيمان" (4/252/4977) بإسنادٍ صحيحٍ، وهو موقوفٌ في حكمِ المرفوعِ؛ لأنّه من أُمورِ الغيبِ الّتي لا تقالُ بالرأي، وأَخرجَ قُبيله حديثَ الترجمةِ من طريق (يعلى) فقط.(1/947)
17- الحديث (455) :
أَوّلاً - يضافُ إِلى مصادرِ التخريجِ: وعليّ بن الجعدِ في "مسنده" (2/1124-1125) ، ومن طريقِه أبو يعلى في "مسندِه" (6/143) (رقم: 3419) ، وعنه الخطيبُ (11/341) ، والبزّارُ (4/231/3600 - كشف الأَستار) عن مبارك بن فضالةَ به.
وقال الحافظُ في "مختصر زوائد البزّار" (2/2309) :
"هذا إِسنادٌ حسن"!
كذا قال؛ مع أنَّ المبارَكَ مدلسٌ تدليسَ التسويةِ عنده، كما كنتُ نقلتُه عنه هناك، وسأذكرُ تحقيق القول فيه.
ولفظُ روايةِ البزارِ هذه: "اثنان" مكان "رجلان"، وقد كنتُ نبّهتُ تحتَه أَنّي لم أَجده في شيءٍ من المصادرِ المذكووةِ هناك، فهذه فائدةٌ جديدةٌ، ولكن ليس لها قيمةٌ تذكرُ؛ لأنّها شاذّةٌ مخالفةٌ لروايةِ الثقاتِ عن المبارك، ولمتابعيه أيضًا كما يأتي، نعم قيمتُها بيانُ أَنَّ الغزاليَّ لم يبتدئ ذاك اللفظَ، وإِنّما نقله.
ثانيًا - كنتُ خرّجتُ هناك متابعًا قويًا للمباركِ بن فضالةَ، وهو حمّادُ بن سلمةَ، وأَجبتُ عن توهيمِ الخطيبِ إِيّاه، ثمَّ وجدتُ له متابعًا ثانيًا، فقال الطبرانيُّ في "المعجمِ الأَوسطِ" (1/163/1/3045) : حدثنا إِبراهيمُ قال: ثنا نصر قال: ثنا عبد الله بن الزبيرِ اليحمديّ قال: ثنا ثابتٌ البُنانيّ به، وقال:
"لم يروه عن ثابتٍ إلاّ عبد الله بن الزبير".
كذا قال، وهو متعقبٌ بما سبقَ.
وعبد الله بن الزبير اليحمديّ، هكذا وقعَ منسوبًا في "المعجم"، وكذلك هو(1/948)
في "مجمعِ البحرين" (8/217/4996) ، ولم أَجد من نسبَه هذه النسبةَ، فإِنَّه مترجمٌ في "تهذيبِ الكمالِ" وفروعه بغيرِ هذه النسبةِ:
(عبد الله بن الزبير بن معبد الباهليّ أَبو الزبيرِ، ويقالُ: أَبو معبدٍ البصريّ، روى عن ثابتٍ البنانيّ.. وعنه عمّار بن طالوت وزيد بن الحريش ونصر بن عليّ الجهضميِّ. قال أبو حاتمٍ: "لا يعرف") .
وزادَ الحافظُ:
"قلتُ: وذكرَه ابن حبّان في "الثقات"، وقال الدارقطنيّ: بصريّ صالح".
وأَقولُ: عَزْوُهُ لـ "الثقات" وهمٌ تبعَه عليه المعلّقُ على "مجمع البحرين" اشتبه عليه بـ (عبد الله بن الزبير الأَسدي الكوفي والد أبي أَحمد الزبيري"، ذكره ابن حبّان في "ثقاتِه" (8/345) ، وهو من تساهلاتِه، فقد ضعفَه أَبو نُعيمٍ، وأَبو زرعةَ، وأَبو حاتمٍ في "الجرح والتعديل"، وهكذا هو في "لسان الميزان"، وهو متأخرٌ عن الباهليّ: هذا روى عن ثابتٍ -كما ترى- فهو تابعُ تابعيٍّ، والأَسديُّ ذكره ابنُ حبّانَ في الطبقةِ الرّابعةِ، أي: في تبعِ أَتباعِ التابعين.
والباهليُّ لم يضعفْه أَحدٌ، بل قالَ فيه الدارقطنيُّ: "صالح" كما تقدّم، وقال الذهبيُّ في "الكاشف":
"ليس بالحافظِ".
ففيه إِشارةٌ إِلى أنّه وسطٌ، ويؤيدُه قولُه في "المغني":
"حسن الحديث".
وأَمّا الحافظُ فقال:(1/949)
"مقبول".
وسائرُ رجالِ الاٍسنادِ ثقاتٌ من رجالِ "التهذيبِ" غيرُ شيخِ الطبرانيّ (إِبراهيم) -وهو ابن هاشمٍ البغويّ- وهو ثقةٌ، فالمتابعةُ لا بأسَ بها، والاٍسنادُ حسن، واللهُ أَعلمُ.
ثالثًا - كنتُ نقلتُ هناك قولَ الحافظِ في (المبُاركِ) : إِنّه يدلِّسُ ويسوِّي، وأَشرتُ إِليه آنفًا، فالّذي أُريدُ تحقيقَه الآن إِنّما هو أنَّ قولَه فيه: "ويسوّي" خطأٌ -لعلّه سبقُ قلمٍ- والصوابُ الاقتصارُ على قولِه فيه: "يدلسُ" وذلك لأَمرين:
الأَوّل - أنَّ هذا هو الّذي اتفقَ عليه الحفّاظُ الّذين رموه بالتدليسِ، مثلُ يحيى ابن سعيدٍ، وأَحمدَ بن حنبلٍ، وأَبي داود، وأَبي زرعةَ وغيرِهم، وكلّهم قالوا: "إِذا قالَ: "حدّثنا" فهو ثبتٌ، أَو ثقةٌ".
وقال يحيى، وعبد الرحمن بن مهدي -واللفظُ له-:
"لم نكتب لـ (المبارك) شيئًا، إلاّ شيئًا يقول فيه: سمعتُ الحسنُ".
وقد ذكرت بعضَ أَقوالِهم هناك، وهذا التدليسُ هو الّذي يسميه الحافظُ في "طبقاتِ المدلسين" بتدليس الاٍسنادِ، وهو المُرادُ عندهم عند الإِطلاقِ، وهو أَن يسقطَ منه شيخه.
وأَمّا تدليسُ التسويةِ فهو أَن يصنعَ ذلك لشيخِه -كما في "الطبقاتِ"- ُمُسْقِطًا شيخَ شيخِه، وقد اشتهرَ بهذا النوعِ من التدليسِ الوليدُ بن مسليم تلميذُ الإِمامِ الأَوزاعيّ، فكانَ يسقطُ من إِسنادِه شيخَ الأَوزاعيّ، وقد يغفلُ عن هذا النوعِ من التدليسِ بعضُ المعاصرين فيمشّي حديثَه إِذا صرّحَ بالتحديثِ عن شيخِه! وضربت عليه مثلاً في الاستدراك المتقدّم برقم (10) ، فراجعه، ونبّهتُ على تدليسِ الوليدِ(1/950)
هذا في أكَثرَ من حديث تقدّمَ (256، 265، 302) .
والمقصودُ أنَّ هذا النوعَ من التدليسِ لم أر أحدًا من المتقدمين رمى به (المبارك) .
وأَمّا قولُ الإِمامِ أحمد فيه:
"يقولُ في غير حديثٍ عن الحسن: حدثنا عمران بن حصين".
وأصحابُ الحسنِ لا يقولونَ ذلك كما في "الميزانِ"، قال الحافظُ في "التهذيب": "يعني أنّه يصرّحُ بسماعِ الحسنِ من هؤلاءِ (يعني عمران وغيره) ، وأَصحابُ الحسنِ يذكرونَه بالعنعنة".
هذا كلُّ ما جاءَ في ترجمةِ (المبُارك) ممّا يمكنُ أَن يكونَ مستندَ الحافظِ في رميه إِيّاه بتدليسِ التسويةِ، وهو -كما ترى- لا صلةَ له به مطلقًا، بل هو نقيضُه تمامًا؛ فإِنَّ الحسنَ -وهو البصريُّ- معروفٌ بالتدليسِ، فإذا عنعنَ عن عمران أَو غيرِه، احتملَ أن يكونَ بينهما راوٍ أسقطَه الحسن، فإِذا صرّحَ (المبُارك) بتحديثِ الحسن فيكونُ قد أَوصله، فهذا نقيضُ تدليسِ التسويةِ تمامًا كما هو ظاهرٌ جليٌّ.
وغايةُ ما يستفادُ من قولِ أَحمدَ هذا رميُ (المبُاركِ) بالخطأِ في تصريحِه بالتحديثِ بين الحسن وعمران مخالفًا في ذلك الثقاتِ، وإِنَّ ممّا لا شكَّ فيه أَنَّ (المباركَ) في حفظِه ضعفٌ، ولذلك نزلَ حديثُه من مرتبةِ الصحيحِ إِلى مرتبةِ الحسن، بشرطِ التصريحِ بالتحديثِ طبعًا، ولذلك قال الذهبيُّ في "تذكرةِ الحفّاظ":
"لم يبلغ حديثه درجةَ الصحة".
وقال في "سير أَعلامِ النبلاءِ" (7/284) :(1/951)
"قلت: هو حسنُ الحديثِ، ولم يذكره ابن حبّان في "الضعفاءِ"، وكانَ من أَوعيةِ العلم".
والخلاصةُ: أنَّ الحافظَ وَهِمَ في وصفِ (المبارك) بتدليس التسوية، وأنَّ الرَّجلَ إِذا صرّحَ بالتحديثِ عن شيخِه فهو حسنُ الحديثِ، والله أَعلمُ.
18- آخر الحديث (489) .
وتابعَ بقيةَ مسلمُ بن خالدٍ عن عبد الرحمنِ بن أبي بكر قال: أَخبرني القاسمُ به.
أَخرجه أحمدُ (6/70) .
وهذا إِسنادٌ جيدٌ في المتابعاتِ، مسلم بن خالد -وهو الزنجيّ- قال الذهبيُّ في "المغني":
"صدوق يهم..".
وقال الحافظُ:
"صدوق كثيرُ الأَوهامِ".
وعبد الرحمنِ بن أَبي بكر، أَظنّه عبد الرحمن بن القاسمِ، نسبه الزنجيُّ إِلى جدّه أَبي بكر الصديق.
ثمَّ وجدتُ للحديثِ طريقًا أُخرى من روايةِ عمرةَ عن عائشةَ مثل حديث الترجمةِ.
أَخرجه البزّارُ (2/234/1592) بسندٍ جيدٍ، وقال الهيثميُّ (5/210) :
".. ورجالُه رجالُ الصحيح".(1/952)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة الطبعة الجديدة
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالنِا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (1) .
أما بعد؛ فهذه طبعة جديدة للمجلد الثاني من "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، منقحة ومزيدة، ومضاف إليها فوائد جديدة؛ توفرت لدي في برهة هذه السنوات العديدة التي مضت دون أن أتمكن من إعادة طبعه على هذه الصورة الجميلة المرضية، لانقطاع علاقتي الطباعية مع ناشره الأول صاحب المكتب الإِسلامي، بسبب هجرتي من دمشق إلى عمان الشامية أولاً، ثم قطعت كل علاقاتي الأخوية التي كانت قائمة بيني وبينه بعد أن تبين لي من طرق عديدة أنه كان يستغل ثقتي به، وسكني إليه، وانكبابي على العلم، فتصرف بتصرفات منافية للثقة والأمانة المنوطة به، والتي كنت أظن أنها متحققة فيه، غير أن واقعه المؤسف العلمي، فضلاً عن المادي، حملني حملاً على إعلاني مقاطعتي إياه، وقد كنت كشفت عن بعض أفاعيله في بعض مقدماتي، مثل مقدمة "آداب الزفاف" نشر المكتبة الإِسلامية بعمان، و"مختصر البخاري" المجلد الثاني نشر دار ابن القيم في الدمام. و"مختصر
__________
(1) هذه هي خطبة الحاجة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلّمها أصحابه، وإني لأحمد الله تعالى أن وفقني لإحيائها، وأنه استجاب الكثيرون من محبي السنة للعمل بها، بعد أن كانوا في غفلة عنها، ولكني لاحظت أن بعضهم قد يزيد عليها بعض الكلمات، أو ينقص منها، فأرجو منهم أن يلتزموها كما جاءت عنه - صلى الله عليه وسلم - دون أي زيادة أو نقص. وليراجع من شاء رسالتي فيها.(2/3)
مسلم للمندري"، و"صفة الصلاة" وكلاهما نشر مكتبة المعارف في الرياض، وماذا عسى أَن يقول القراء المنصفون إذا علموا أنه مع مقاطعتي المذكورة لا يزال متسلطاً على كتبي، يطبعها كيف يشاء، وبالعدد الذي يشاء كأنه المالك لها؛ مع إنذاري إياه مراراً وتكراراً بعدم رغبتي في ذلك؟! ولكن لا.. ولم يقف جنفه عليّ وحدي، بل تعداه إلى الإِخوة الذين بدأت أتعامل معهم وأتنازل لهم عن بعض كتبي، بعد أن كنت عرضت ذلك عليه قبل سنوات، فأبى ذلك، واستكبر عليّ واستعلى، وعندي خطابه إلي بما ذكرتُ عنه! فهو لا يزال يطبع الكتب الأربعة المذكورة آنفاً، مع علمه بأنها صارت ملكاً لهم، كما يطبع غيرها مع تزوير له في بعضها كما فعل في كتاب "التنكيل"، فمن شاء قابل بين طبعة مكتبة المعارف، وطبعة المكتب الإِسلامي، فإنه سيرى العجب العجاب، وبخاصة إذا قرأ مقدمتي لطبعة المعارف، ومع ذلك فهو مستمر في طبع ما ذكرنا دون أي حق شرعي، ويُعلن ذلك في فهارِسه دون أي رادع أو وازع، فإنك لو فتحت على أول كتاب في فهرسه الأخير لعامِ (1991 م) فإنك ستجد كتابي "آداب الزفاف" الذي كنت بينت في مقدمة طبعة "صفة الصلاة" المشار إليها آنفاً ما يكفي لردعه عن استمراره في نشره، لأنه صار ملكاً لصاحب المكتبة الإِسلامية، وقد اعترف هو بذلك لبعضهم، ولكنه الكيد والبغي والجشع والطمع. وإن مما يؤكد لك هذا أنه لما حذف منه مقدمتي البالغ عدد صفحاتها (72) صفحة، لم يعد القارىء يستفيد من الأرقام التي تشير إلى نص متقدم أو متأخر، لأنها تشير إلى صفحات الطبعة الشرعية، وبعضها إلى نص في المقدمة المحذوفة!!
فيا معشر القراء! هل ترون من يفعل هذا بالمؤلف وقرائه يكون صادقاً حين يعلن في مقدمة "فهرسه" الآنف الذكر؛ أنه يتعامل معهم بموجب النصح والإِخلاص! أم الأمر كما قال تعالى: {إنها كلمة هو قائلها} ؟!(2/4)
وأما حقوقي المتراكمة لديه منذ بضع سنين، وأشياء أخرى هو يعلمها؛ ما كنت أحاسبه عليها لثقتي السابقة به، فإني أرجو من الله تعالى أن يعوضني بديلها من حسناته، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} ، يوم لا درهم فيه ولا دينار، وإنما هي الحسنات والسيئات، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مَظْلَمتِه، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئاتِ صاحِبه فحُمل عليه".
رواه البخاري، وذلك هو المفلس حقاً، كما جاء في الحديث الآتي في الكتاب برقم (847) . نسأل الله السلامة، ومعذرة إلى القراء، فإني مصدور!
***
هذا، ولعله مما يحسن ذكره في هذه المقدمة، ولفت أنظار القراء إليه، الأمور التالية:
1- سيرى القراء تحت الحديث الآتي:
503- (طُوبى للشامِ، إن ملائكةَ الرحمن باسطةٌ أجنحتَها عليه) .
رداً رصيناً هادئاً في تسع صفحات على تعقيب لأحد الفضلاء من المشايخ المكيين (1) -وقد توفي رحمه الله منذ بضع سنين- ذهب فيه إلى تضعيف الحديث المذكور في خطاب كان أرسله إلي، وقد نشطت للرد عليه لفضله وسلوكه طريق النقد النزيه، الذي لا يظهر منه أنه يَردُّ حباً في الظهور خلافاً لكثير من الناشئين، والصبيان المغرورين، الذين همهم المسارعة إلى الرد على الألباني، لا بياناً للحق، لأنهم يعلمون في قرارة نفوسهم، أنهم ليسوا أهلاً لذلك، لا لأن الألباني لا يخطىء، حاشا لله، فلا معصومَ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنا بفضل الله أرجع إلى الحق إذا بدا لي من غيري، مهما كان شأنه، وكتبي، وتراجعي عما تبين لي من خطئي أكبرُ شاهد على ما
__________
(1) هو الشيخ عبد الرحيم صديق، كاتب العدل بمكة سابقاً، رحمه الله تعالى.(2/5)
أقول، حتى اتخذ ذلك بعض الصبيان الشانئين الجاهلين غرضاً لينسبني إلى ما لا يليق إلا به وبأمثاله من الزائغين الضالين.
من أجل هذا الفرق بين هؤلاء والشيخ الفاضل، كنت نشطت في الرد عليه، وبيان وجهة نظري فيما ذهب إليه، ولعله كان اقتنع بصواب ما كتبت، لأنه لم يرسل إليّ بعد ذلك تعقيباً آخر.
ويمكن تلخيص كلامه في أمرين اثنين:
الأول: تضعيفه للراوي يحيى بن أيوب الغافقي، وزعمه أن الأئمة على تضعيف أحاديثه.
والآخر: تضعيفه لابن لهيعة تضعيفاً مطلقاً، وكذا تضعيفه للحارث بن أبي أسامة.
وقد بينت خطأه في ذلك بياناً شافياً هناك اعتماداً على أقوال الأئمة النقاد، ويرجع ذلك إلى ما يأتي ملخصاً:
أولاً: قدم الجرح على التعديل مطلقاً، والصواب: أنه يقدَّم إذا كان سبب الجرح مبيَّناً، وكان في نفسه جرحاً مؤثراً، والواقع هنا على خلاف ذلك.
أما الغافقي، فلأنه ثقة في نفسه، لكن في حفظه ضعف يسير لا ينزل به حديثه عن مرتبة الاحتجاج به، وعلى هذا جرى الأئمة المخرجين لأحاديثه، فقد احتج به مسلم، وصحح حديثه هذا الأئمة من قبلي، كالترمذي وابن حبان والحاكم والمنذري والذهبي، وذلك مقتضى قول الحافظ فيه:
"صدوق ربما وهم".(2/6)
فكيف يصح مع هذا قول الشيخ: "إن الأئمة ما زالوا يضعفون أحاديث الغافقي"؟!
وأما ابن لهيعة، فقد أجمل الكلام فيه ولم يفصِّل، فأوهم القراء أنه لا يحتج بحديثه مطلقاً، وليس كذلك، فقد صرحوا بصحه حديثه إذا روى عنه أحد العبادلة، فكان على الشيخ أن يُقيد ولا يطلِق، وأن يتتبع طرق الحديث في مكتبته العامرة لعله يجد له طريقاً من رواية أحدهم، وقد وفقني الله تعالى فأوقفني على رواية ابن وهب عنه. أخرجه الفَسَوي في "التاريخ والمعرفة" (2/301) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/114 طبع دمشق) . فصح الحديث والحمد لله من هذه الطريق وحدها، فكيف وقد تابعه الغافقي، وهو ثقة حسن الحديث كما تقدم، فكيف وقد تابعهما عمرو بن الحارث الحافظ الثقة الفقيه كما سيأتي بيانه هناك.
ثانياً: تغافل الشيخ رحمه الله أو غفل عن قاعدة تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد، وهذا مما يقع فيه كثير من الناشئين الناقدين مع الأسف، فإن ابن لهيعة ممن يستشهد به عند العلماء، ومن الغرائب أن الشيخ نفسه ذكر أن مسلماً أخرج له مقروناً، فلم يشعر رحمه الله أنه ينقل ما هو حجة عليه!
ثالثاً وأخيراً: ومن عجائبه أنه أعل الحديث أيضاً بأن في سند الحاكم الحارث بن أبي أسامة، ومع أنه وهم في تضعيفه كما أثبت هناك، فقد غفل أيضاً عن كون الحاكم قرنه مع ثقتين آخرين، فلو أنه كان ضعيفاً -كما زعم- لم يضر في صحة الحديث، فإنه متابع منهما ومن غيرهما كما بينت هناك.
وهناك أمور أخرى من الأخطاء والأوهام ستمر بالقارىء إن شاء الله تعالى، وإنما اقتصرت على ذكر ما يتعلق بتضعيفه للحديث، دفاعاً عن حَمَلة الحديث وتصحيحاً له، وتذكيراً بأن الكتابة في هذا العلم الشريف تصحيحاً(2/7)
وتضعيفاً لا يُحسنه مَنْ تعلّق به في تأخرٍ من السنِّ، أو حداثةٍ فيه، وإنما يُحسِنه أهل الاختصاص فيه الذين أفنوا حياتهم وشاخوا فيه، حتى جرى الحديث النبوي الصحيح في عروقهم، وصار جزءاً لا يتجزأ من حياتهم، أما من لم يكن كذلك فلا شك أنه سيقع في شؤم رد الأحاديث الصحيحة وتضعيفها، أو العكس، كما هو شان أهل الأهواء والبدع. نسأل الله السلامة.
وتقريباً للموضوع إلى أذهان القراء لا بد من إخراج الحديث من الطرق الثلاث التي ضعفها الشيخ الفاضل، لتتمثل لهم الحقيقة بأجلى صورة؛ ذلك لأني كنت أخرجته يومئذ مختصراً ومعزواً لبعض كتبي، دون أن أسوق طرقه، فأقول:
الأولى: عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن زيد بن ثابت.
أخرجه الترمذي (3949) وأحمد (5/185) وابن أبي شيبة (5/325) ، والحاكم (2/229) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/175-176) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/112-113 طبع دمشق) من طريق يحيى بن إسحاق السيلحيني وجرير بن حازم كلاهما عن يحيى بن أيوب به.
الثانية: عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبة به.
أخرجه أحمد (5/324) والفَسَوي في "المعرفة" (2/301) والطبراني (5/176/4934) وابن عساكر أيضاً (1/114 و115) من طرق منها عبد الله بن وهب عنه. وقرن الفَسَوي وابن عساكر مع ابن لهيعة عمرَو بن الحارث، وأشار إلى ذلك ابن حبان في روايته الآتية.
الثالثة: عمرو بن الحارث -وذكر ابن سلم آخر معه- عن يزيد بن أبي حبيبة به.(2/8)
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1/574/2311- موارد) من طريق ابن وهب أيضاً: أخبرني عمرو بن الحارث..
وابن سلم هو عبد الله بن محمد المقدسي، شيخ ابن حبان في هذا الحديث، وهو ثقة، والآخر الذي يشير إليه هو ابن لهيعة كما صرحت بذلك رواية الفسوي وابن عساكر المذكورة قبله. وقد أخرجه الطبراني (رقم 4925) وابن عساكر عن عمرو بن الحارث وحده.
فأنت ترى -أيها القارىء الكريم- أنه لقد اتفق هؤلاء الثلاثة: يحيى بن أيوب، وعبد الله بن لهيعة وعمرو بن الحارث على رواية الحديث عن يزيد بن أبي حبيب بسنده الصحيج الذي لا خلاف فيه، فلو فرض أنهم جميعًا ضعفاء في الحفظ لما تردد من شم رائحة هذا العلم الشريف في تصحيح حديثهم إعمالاً لقاعدة تقوية الحديث بالمتابعات والطرق، فكيف وثلاثتهم ثقات على التفصيل المتقدم؟! فكيف وقد صححه من تقدم ذكرهم من الأئمة؟!
فأرجو مخلصًا أن يعتبر بهذا البحث والتحقيق أولئك الناشئون المتهافتون على الرد عليّ لخطأ يبدو لهم، ويسودون في ذلك الصفحات، ويؤلفون الرسائل، ويطلعون على الناس بردود فجة لا علم فيها، والمثال قريب بين يديك.
وإذا كان هذا حال هذا الشيخ الفاضل، فكيف يكون حال سبطه المسمى بـ "خالد المؤذن" في مؤلفه الذي أسماه بـ "إقامة البرهان على ضعف حديث (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان) ، وفيه الرد على العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني"؟! وقد ذكر في مقدمته (ص 17) أنه عرضه على جمع سماهم، أشهرهم أحسن ما يقال فيه أنه لم يُعرف، ولم يشتهر بهذا العلم، ومنهم الشيخ الفاضل، وذكر أنه جده من جهة أمه، وقال عنه:(2/9)
"فلما نظر فيه استحسنه، وشجعني على نشره"!
فما قيمة استحسانه رحمه الله، وقد عرفتَ مبلغه من العلم؟! بل إن
العاقل اللبيب ليستشعر معي مبلغ قيمة هذا المستحسَن من هذا
المستحسِن!!
وليس غرضي الآن الرد على هذا السِّبط في "إقامته" وبيان ما فيه من الجهل بهذا العلم، وتناقضه في الحكم، واتباعه للهوى، فذلك له مكان آخر إن شاء الله تعالى. وإنما أريد أن ألفت النظر إلى الفرق بين الجد والسبط من الناحية الأخلاقية، فالجد -رحمه الله- قنع بالرد علي كتابةً مع الثناء البالغِ كما سترى فيما يأتي تحت الحديث: (طوبى..) ، لم يُرِدْ بذلك تظاهرًا وشهرة بالرد على الألباني، وأما السبط فسلك غير سبيل جده، حبًا في الظهور، وقديمًا قالوا: حب الظهور يقصم الظهور، فلم يراسلني ويطلعني على وجهة نظره، بل سألني هاتفيًا عدة أسئلة أجبته عليها بكل صراحة، كما حكى ذلك هو نفسه في "الإِقامة" (ص 11-13) ، ثم نشره على الناس بذلك العنوان الضخم: ".. وفيه الرد على العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني"!
ويصفه (ص 11) بأنه "محدث العصر"! فإذا كان صادقًا مع نفسه في هذا القول كما هو الظاهر، فمن الظاهر أيضًا أنه يوحي بذلك العنوان أن الراد على الألباني لا بد أن يكون "محدث العصور"! وكتابه يطفح بالأنانية والعجب والغرور، نسأل الله تعالى لنا وله السلامة من كل الآفات في الدنيا والآخرة.
2- مثال ثان لتجرؤ بعض الطلبة على تضعيف الحديث الآتي:
613- (لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه..) الحديث.
خرّجتُ الحديث هناك من رواية حذيفة، وحسنه الترمذي وبينت علته.
لكني قويته بشاهد من حديث ابن عمر، وقد ترددت في أحد رواته، هل هو(2/10)
اللؤلؤي الفقيه الحافظ، فذكر ذلك الطالب أنه ليس به، وأنه المدائني الضرير، وأنه غير معروف، فتأكدت من كونه المدائني، بإخراجي من غير مصدر واحد عنه، وخطأتُ جزمَه بأنه مجهول، لرواية جماعة من الحفاظ عنه، وكأنه لا يعلم أن مثله يحتج به العلماء كما قرره الذهبي في "الميزان"، ونقله عنه اللكنوي في "الرفع والتكميل"، ولذلك أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة"، وجوّد إسناده العراقي والهيثمي، كما سترى هناك، فكان على ذلك الطالب أن يتحرى، وأن يبحث، ولا يقف عند رأيه الشخصي، فإنه يبدو أنه لا معرفة له بهذا العلم، وإلا كان يكفيه تحسين الترمذي إياه من الطريق الأولى، ويعتبر الطريق الآخر شاهدًا له، لأنه ليس شديد الضعف على الأقل!
3- مثال ثالث، لشاب مصري سمى نفسه فيصل عبد الحليم ذكر أنه في الثانية والعشرين من عمرِه! كان أرسل إلي خطابًا منذ بضع سنين بغير تاريخ وتوقيع، يثني علي كثيرًا، ويذكر أنه اطلع على مؤلفاتي (!) وأنه عكف عليها، وجعلها غايته..، وأنه يود أن يتتلمذ علي.. ومع ذلك فقد قرن مع خطابه رسالة ينتقد فيها خمسة أحاديث من هذا المجلد ويضعفها بجرأة عجيبة، وجهل بالغ، يكفي العاقل أن يتصور ذلك من عمره المذكور، فمتى تعلّم؟ ومتى تمكّن أن يصير نقّادًا لمن يتمنى أن يكون له تلميذًا.. وإليك أيها القارىء الكريم مثالًا واحدًا من نقده، تتأكد منه ما وصفتُه به، وتقيس عليه باقي الأمثلة:
لقد أنكر عليّ تقويتي للحديث الآتي:
619- (ثلاثٌ لا تردُّ: الوسائدُ..) الحديث.
وحجته في ذلك أن راويه عن ابن عمر مسلم بن جندب؛ لم يوثقه أحد سوى العجلي وابن حبان، ويقول: إنهما متساهلان! وهذا مما يضحك الثكلى، لأن ما ذكره من التساهل فمن كتبي ومؤلفاتي وتعليقاتي وردودي(2/11)
عرف ذلك، فأنا الذي أشعتُ ذلك في العصر الحاضر، والفضل لله وحده أولًا وآخرًا، وهذا مما يقع فيه كثير من الناقدين المُحْدَثين، وذلك لجهلهم أن ذلك ليس على إطلاقه كما يظن هذا المنكِر وغيره من الناشئين، كما نبهت عليه مرارًا في مناسباتٍ كثيرة، ومن ذلك أن لا يتفرد المتساهل بالتوثيق، وهذا موجود هنا، فقد وثقه الحافظ ابن حجر، وكذا الذهبي، ثم هو إلى ذلك من أفاضل التابعين، وكان يقضي بغير رزق، وقال ابن مجاهد:
"كان من فصحاء الناس، وكان معلم عمر بن عبد العزيز، وكان عمر يثني عليه وعلى فصاحته بالقرآن".
وقد روى عنه جماعة من فضلاء التابعين كزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم.
فلا جرم أن وثقه من ذكرنا من الأئمة، فماذا عسى يمكن أن يقول القائل فيمن يضعف حديث هذا الفاضل، وتوثيق الحفاظ إياه؟! لا شك أنه الجهل أو التجاهل، وأحلاهما مر.
4- لا يزال بعض المحققين والمعلقين يتعقبونني بغير علم، فيخطئون في حق هذا العلم الشريف، بعضهم بحقد دفين يكادُ يلمسُ باليد، وبعضهم بسبب انتقال العدوى إليهم، أو ربما بقصد بيان الحق -إن شاء الله- وأنا أذكر هنا مثالًا واحدًا، ثم أدع الحكم للقراء فيه، وبيان رأيهم في الحامل عليه:
سيأتي تحت الحديث (759) أن عمران القطان؛ وفي حفظه ضعف، قد خالف ثقتين في إسناد هذا الحديث، فقد روياه عن قتادة عن الحسن عن زياد بن رباح عن أبي هريرة. فقال عمران: عن قتادة عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة. فأسقط الحسن بين قتادة وابن رباح، وجعل عبد الله مكان زياد! قلت: وهذه مخالفة مكشوفة لا تخفى على المبتدئين في هذا العلم،(2/12)
ومع ذلك لم يقدر المعلق على "مسند أبي يعلى" إلا أن يتعقبني بقوله بعد أن ذكر أن عمران هذا حسن الحديث:
"وقد اتهمه الشيخ ناصر الدين الألباني في "الصحيحة" بأنه أسقط من الإِسناد الحسن، وقلب زياد بن رباح إلى عبد الله بن رباح، ولا أظنه أصاب في اتهامه هذا"!
كذا قال -أصلحه الله- فإنه لا يجوز النقد بالظن المجرد عن الدليل، لأن الظن لا يغني من الحق شيئًا، ولأنه أكذب الحديث كما قال - صلى الله عليه وسلم -. هذا أولًا.
وثانيًا: ألا يعلم أن من أنواع علوم الحديث: الحديث الشاذ، وأنه ما رواه الثقة مخالفًا لمن هو أوثق منه، أو أكثر عددًا، والمخالف هنا هو أقل عددًا وحفظًا، فإنه حسن الحديث باعتراف المعلق، فإذا لم يكن هذا شاذًا عنده، فمعنى ذلك أحد أمرين: إما أنه لا يعرف الحديث الشاذ، أو أنه يخالف قواعد علماء الحديث، وأحلاهما مر.
5- وهناك كتيب صغير بعنوان "بذل الجهد في تحقيق حديثي السوق والزهد" بقلم أبي عبد الله عادل بن عبد الله السعيدان، وتقديم الشيخ الفاضل مقبل بن هادي اليماني، في (63) صفحة صغيرة بالمرة، ذهب فيها إلى تضعيف الحديثين المشار إليهما، أما حديث السوق فسيأتي الرد عليه إن شاء الله تعالى في المجلد السابع من هذه "السلسلة" برقم (3139) .
وأما حديث الزهد فهو الآتي في هذا المجلد برقم (944) ، والذي
يمكن ذكره هنا أن الرجل غير منصف معي، بل ولا مع بعض رواة الحديث، وإليك البيان:
1- أما الأول فإن كل من يقابل تخريجي هناك وكلامي على الرواة بكل(2/13)
تجرد وإنصاف، مع تخريجه وكلامه هو على الحديث والرواة يجد أنه لم يبذل أي جهد في التحقيق الذي زعمه في عنوان الرسالة، وغاية ما فعل أنه عاكسني في اعتدادي ببعض الرواة والطرق، واستشهادي بها، بل سوّى بين الطرق التي فيها كذاب، وبعض الطرق النظيفة منه، فانظر إلى الخلاصة التي قدمها للحديث من أربع طرق، ففي الأولى كذاب، وكذلك في الثالثة. وأما الثانية فهي سالمة من الضعف الشديد لأنها من رواية زافر بن سليمان عن محمد بن عيينة، وهما صدوقان، في حفظهما ضعف كما نقلته عن الحافظ هناك، يصلحان للاستشهاد كما هو معلوم في "المصطلح".
وأما الرابعة، فهي مرسلة، ورجالها ثقات، ولذلك جوّدت إسنادها هناك.
فماذا فعل الباحث المحترم؟! إنه
أولًا: لقد صرح عند تخريجه للطريق الأولى التي فيها الكذاب: أنه نقل ذلك عني، ولكنه دلس على القراء، فلم يذكر أنني بينت أن فيه الكذاب! فيتبادر إلى أذهانهم أنني استشهدت به على الأقل! وهذا زور ينبغي أن يترفع عنه الباحث المخلص.
ثانيًا: وكذلك لما ذكر (ص 48) قوله:
"وللحديث شاهد مرسل بلفظ..".
أوهمهم أنه من بحثه وكده! والواقع أنه مما استفاده مني، فقد قلت هناك:
"وقد وجدت له شاهدًا مرسلًا بإسناد جيد بلفظ.."!
وإنما فعل ذلك لأمرين:
أحدهما: أن يتشبع بما لم يعطَ، فهو كما في الحديث الصحيح:(2/14)
"كلابس ثوبي زور"!
والآخر: أنه لو نقله عني لوجب عليه أن ينقله كما هو عندي، فقد كنت صرحت هناك قائلًا: "بإسناد جيد" كما رأيت!
فتعمد كتم ذلك عن قرائه، لأنه لا يريد أن يلقي في أذهانهم وقلوبهم أنه مرسل جيد! لأن ذلك يتنافى مع الخط الذي خطه لنفسه، وهو تضعيفه للحديث!
وهنا لا بد لي من وقفة معه عند هذا المرسل وما فعل به من محاولة إسقاط الاستشهاد به بادعاء الاضطراب في إسناده، فإنه يعلم، أو لعله يعلم أن الحديث المرسل إذا جاء مسندًا من طريق أخرى ولو ضعيفة أنه يتقوى بمجموعهما عند الإِمام الشافعي وابن تيمية وغيرهما (1) ، فلكي لا يرد عليه أنه يتقوى هذا المرسل بمسند زافر بن سليمان اتخذ لنفسه خط الرجعة، فذهب يُحوِّش من هنا وهناك عدة روايات معلقات في بعضها ذكر ربعي بن حراش مكان مجاهد -وهذا هو المحفوظ- وفي بعضها: ربعي بن حراش عن الربيع ابن خُثيم، (ووقع عنده في أكثر من موضع: خيثم!) لم يجاوز إبراهيم، إلى غير ذلك من الروايات التي لا سنام لها ولا خطام، ثم خلص إلى القول (ص 50) :
"بهذه الطرق يتبين أن هذا المرسل فيه اضطراب واضح، وهذا مما يقدح في صحة هذا الطريق"!
كذا قال هداه الله. وهذا وحده كاف ليدل على أن الرجل ليس أهلًا للبحث في هذا العلم؛ فضلًا عن أن يتولى الرد على من لا يدانيه فيه! ذلك لأن الحديث المضطرب عند أهل العلم هو الذي جاء على وجوه مختلفة
__________
(1) كالحافظ ابن جر، فانظر كلامه في "النكت على ابن الصلاح" (2/566-567) .(2/15)
متعادلة القوة والصحة، لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، وهذا يوجب عليه -لو كان منصفًا- أن يخرج تلك الطرق، ويتكلم عليها طريقًا طريقًا، فما ضعف منها طُرح، وما صح منها وجب التوفيق بينها، وإلا قيل إنه مضطرب، فهل بذل شيئًا من الجهد، ولا أقول: "بذل الجهد" كله ليكون صادقًا مع عنوان رسالته؟! لا شيء من ذلك مع الأسف، وإنما هو مجرد تحويش وادعاء لا يعجز عن مثله أعداء السنة، وما أحسن ما قيل:
والدعاوي ما لم تقيموا عليها ... بينات أبناؤها أدعياء
وإذا كان الأمر كذلك، فلقد كان من الواجب عليه أن يقنع بقول أبي نعيم الذي نقله (ص 48) :
"رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع، فلم يجاوزوا فيه مجاهدًا".
فإن فيه إشارة قوية أنهم اختلفوا على الحسن بن الربيع، ومن ذلك أن بعضهم رواه عن مجاهد عن أنس، فجعله مسندًا، لكن الأثبات لم يتعدوا به مجاهدًا، وهو المحفوظ كما سبق.
وجملة القول: إن هذا المرسل الصحيح، ومسند زافر عن محمد بن عيينة عن أبي حازم عن سهل، إذا ضُم أحدهما إلى الآخر، صار الحديث بذلك قويًا، فإذا ضُم إليهما رواية محمد بن كثير عن سفيان الثوري عن أبي حازم به، فإنها إن لم تزده قوة لم تضره، كما هو ظاهر.
2- وأما أنه غير منصف مع الرواة أيضًا، فقد تبين ذلك مما ذكرته آنفًا، فإنه سوّى بين الكذابين، وبين الصدوقين في عدم الاستشهاد بهم، وهذا خلاف ما عليه العلماء في الحديث الحسن أو الصحيح لغيره فلا داعي للإِعادة.(2/16)
وبهذه المناسبة ألفت نظر القراء إلى رسالة "وقفات مع (النظرات) " تأليف الأخ الفاضل سمير أمين الزهيري، يرد ردًا موجزًا نافعًا بإذن الله على (نظرات) المؤذن وصاحبه العدوى الطائشة الجائرة التي طعنت في صحة أحاديث في المجلد الأول من هذه السلسلة الصحيحة، وصرح -جزاه الله خيرًا- أنهما ما أصابا ولا في حديث واحد! وضرب على ذلك بعض الأمثلة، ونماذج من مناقشاتهما الفاشلة. ثم نصحهما أن يشتغلا بكتبهما وتنقيحها، ففيها الكثير مما يحتاج إلى إعادة النظر قبل الاشتغال بكتب غيرهما.
وقد ذكر في مقدمة الرسالة الأسباب التي تحملهم على الرد عليَّ، وحصرها في أربعة:
1- الحداثة.
2- ضحالة العلم.
3- الأهواء.
4- حب الظهور.
ثم تكلم على كل سبب منها بشيء من التفصيل، فأحيل القراء إليها والاستفادة منها، فإنها نادرة في بابها.
وأضيف أنا إلى ما ذكر: الشيخوخة! فقد تنبه بعضهم لأهمية هذا العلم في سن متأخرة، فأخذوا يصححون ويضعفون فيخطئون كثيرًا.
6- وأخيرًا أرى أن ألفت النظر إلى ما ذكرته تحت الحديث (516) ، وهو أنني كنت واهمًا مع الحاكم والذهبي في قولهما: إن عطاء والد يعلى على شرط مسلم. والحقيقة أنه ليس على شرطه، بل ولا يعرف إلا برواية ابنه عنه. فَجلَّ من لا ينسى. ومن الغرائب أنه كان قد قلدني في خطئي هذا بعض(2/17)
من يدعي التحقيق، فلعله يعود فيقلدني في الرجوع إلى الصواب، فهذا أولى به من ذاك التقليد!
على أن الحديث لا ينزل بذلك عن مرتبة الحسن لما ذكرت له من الطرق هناك، فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضلِه.
وهذا آخر ما يسر الله لي كَتْبه في هذه المقدمة لهذه الطبعة الجديدة، سائلًا المولى سبحانه وتعالى أن ينفع بها أكثر مما نفع بسابقاتها، وأن يكفينا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع مجيب.
"وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك".
عمّان/الجمعة 3 ربيع الآخر سنة 1412 هـ
وكتب
محمد ناصر الدين الألباني(2/18)
501 - " نهى صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا ".
أخرجه أبو داود (4159) والنسائي (2 / 276) والترمذي (1 / 326) وابن
حبان (1480) وأحمد (4 / 86) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 79 / 2)
والكشي في " جزء الأنصاري " (ق 11 / 1) وعنه أبو نعيم (6 / 276) وابن
عدي في " الكامل " (ق 8 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 212 / 1) من
طرق عن هشام بن حسان قال: سمعت الحسن عن عبد الله بن مغفل به.
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، لكن الحسن البصري مدلس وقد عنعنه في جميع
الطرق المشار إليها لكن له شاهدان يتقوى بهما.
الأول: عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (398) عن محمد
بن موسى الحريري حدثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر وقال: " محمد بن
موسى لا يتابع عليه وقد روي هذا من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا ".
قلت: وكأن العقيلي يشير بذلك إلى حديث الحسن الذي قبله.
والشاهد الآخر هو: " كان ينهانا عن الإرفاه، قلنا: وما الإرفاه؟ قال:
الترجل كل يوم ".
502 - " كان ينهانا عن الإرفاه، قلنا: وما الإرفاه؟ قال: الترجل كل يوم ".
أخرجه النسائي (2 / 276 - 277) أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا خالد بن
الحارث عن كهمس عن عبد الله بن شقيق قال:(2/19)
" كان رجل من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم عاملا بمصر، فأتاه رجل من أصحابه، فإذا هو شعيث الرأس مشعان
قال: ما لي أراك مشعانا وأنت أمير؟ قال " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن مسعود وهو أبو مسعود
الجحدري وهو ثقة. وله طريق أخرى، يرويه الجريري عن عبد الله بن بريدة.
أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر
فقدم عليه وهو يمد ناقة له. فقال: إنى لم آتك زائرا وإنما أتيتك لحديث
بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم فرآه شعثا
فقال: ما لي أراك شعثا وأنت أمير البلد قال: قال إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه. ورآه حافيا، فقال: ما لي أراك حافيا
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحتفي أحيانا ".
أخرجه أحمد (6 / 22) : حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرني الجريري به.
وأخرجه أبو داود (4160) والنسائي (2 / 292 - 293) .
قلت: هذا إسناد صحيح أيضا على شرط الشيخين وليس عند النسائي الأمر بالاحتفاء
وزاد: " سئل ابن بريدة عن الإرفاه؟ قال: الترجل ".(2/20)
غريب الحديث:
1 - الإرفاه. قال في " النهاية ": هو كثرة التدهن والتنعم وقيل: التوسع في
المشرب والمطعم أراد ترك التنعم والدعة ولين العيش لأنه من زي العجم وأرباب
الدنيا ".
قلت: والحديث يرد ذلك التفسير ولهذا قال أبو الحسن السندي في حاشيته على
النسائي: " وتفسير الصحابي يغني عما ذكروا، فهو أعلم بالمراد ".
قلت: ومثله تفسير عبد الله بن بريدة في رواية النسائي، والظاهر أنه تلقاه
عن الصحابي. والله أعلم.
2 - (الترجل) هو تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه.
3 - (غبا) بكسر المعجمة وتشديد الباء: أن يفعل يوما ويترك يوما والمراد
كراهة المداومة عليه وخصوصية الفعل يوما والترك يوما غير مراد. قاله السندي
4 - (شعث الرأس) أي متفرق الشعر.
5 - (مشعان) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وعين مهملة وآخره نون مشددة هو
المنتفش الشعر الثائر الرأس.
6 - (يمد ناقة) أي يسقيها مديدا من الماء.
503 - " طوبى للشام إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه ".
قلت: هو حديث صحيح أخرجه الترمذي (2 / 33) طبع بولاق وقال: حديث حسن وزاد
في بعض النسخ: صحيح والحاكم في " المستدرك " (2 / 229) وأحمد (5 / 184)
وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا وقال
المنذري في " الترغيب " (4 / 63) : ورواه ابن حبان في(2/21)
" صحيحه " والطبراني
بإسناد صحيح. هذا ما قلته في " تخريج فضائل الشام " (ص 91) . فتعقبني بعض
الفضلاء المكيين من كتاب العدل في رسالة كتبها إلي بتاريخ 29 / 4 / 90 دلت على
علم وفضل فرأيت العناية بها وكتابة هذا الجواب، قال حفظه الله:
1 - إن الترمذي والحاكم أخرجاه من طريق يحيى بن أيوب الغافقي وابن أيوب وإن
احتجا به إلا أن أئمة الجرح والتعديل لازالوا يضعفون الأحاديث الواردة من
طريقه كما سيأتي.
2 - إن الإمام أحمد أخرجه عن ابن لهيعة، وعبد الله بن لهيعة لا يخفى الكلام
عليه وإن أخرج له مسلم مقرونا.
3 - أما قول الحاكم: على شرط خ م وموافقة الذهبي له، فالذهبي رحمه الله له
أوهام وتناقضات في تلخيصه قد لا تخفى، فمنها أن في سند الحاكم أيضا الحارث بن
أبي أسامة وغفل الذهبي رحمه الله عنه فقد غمزه في " تلخيص المستدرك " صفحة
(158 / 1) فقد صحح الحاكم حديثه على شرط خ م، فقال الذهبي: قلت: خبر منكر
والحارث ليس بعمدة وقد ذكره الذهبي أيضا في " الضعفاء والمتروكين " وقال:
إنه ضعيف كما جاء في فيض المناوي صحيفة (7 / 6) وقد ترجم له في تذكرة الحفاظ
4 - وأما يحيى بن أيوب فقد أخرج له الحاكم حديثا في المستدرك ص (201 / 2)
وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فتعقبه الذهبي بقوله: " يحيى بن
أيوب فيه كلام ".
5 - وأخرج الحاكم أيضا في مستدركه ص (97 / 3) له حديثا قال فيه: إنه على(2/22)
شرط الشيخين فتعقبه الذهبي بقوله: " يحيى وإن كان، ثقة فقد ضعف، ولا يصح
بوجه " أي الحديث.
6 - وأخرج الحاكم أيضا في مستدركه ص (44 / 4) له حديثا قال فيه: إنه على
شرط الشيخين فرد عليه الذهبي بقوله: هو خبر منكر ويحيى ليس بالقوي.
7 - وأخرج الحاكم أيضا في مستدركه ص (243 / 4) له حديثا قال إنه على شرط
الشيخين، فرد عليه الذهبي بقوله: " قلت: هذا من مناكير يحيى ".
8، 9، 10 - أحال الكاتب الفاضل على أحاديث ليحيى في " الجوهر النقي "
والمناوي انتقداها عليه بنحو ما ذكر.
11 - وقال الحافظ في " التلخيص الحبير " (ص 118) : فيه (أي يحيى) مقال
ولكنه صدوق. وهكذا قال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، قلت: ولعله قلد شيخه
الحافظ العراقي، فقد جاء عنه في تخريج أحاديث الإحياء ص (355 / 3) قوله:
" تفرد به يحيى بن أيوب وفيه مقال ولكنه صدوق ".
12 - لم أحتج إلى نقل كلام أهل العلم في ابن لهيعة وتساهل ابن حبان والترمذي
في التصحيح فهذا معلوم لدى المشتغلين بهذا الشأن.
13 - فإذا كان الحديث مداره على هذين الرجلين ابن لهيعة وابن أيوب الغافقيين
وقد سلف كلام أئمة هذا الشأن فيهما فأنى له الصحة. والله أعلم.
وجوابا عليه أقول مراعيا ترتيبه:
1 - لا تخلوا هذه الفقرة من مبالغة مباينة للواقع وهي قوله:
" إلا أن أئمة الجرح والتعديل لازالوا يضعفون ... " فكيف يصح هذا الكلام
والحافظ العراقي والعسقلاني يقويان حديثه كما نقله الكاتب الفاضل نفسه عنهما
فيما تقدم فالحق أن يقال: إن الأئمة مختلفون في الاحتجاج بحديثه. وحين يكون
الأمر كذلك فالفصل في هذا الاختلاف إنما يكون بالرجوع إلى قواعد هذا العلم(2/23)
ومصطلحه.
2 - لي على هذه الفقرة ملاحظتان:
الأولى: أنها توهم أن أحمد لم يخرجه من طريق ابن أيوب والواقع خلافه، فهو في
الصفحة التي أشرت إليها في " تخرج الفضائل " أخرجه عن ابن أيوب، نعم هو أخرجه
في الصفحة التي قبلها عن ابن لهيعة أيضا. والأخرى. نعم ابن لهيعة فيه كلام
لا يخفى والأحاديث التي نوردها في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " من روايته أكثر
من أن تحصر. بيد أن هذا الكلام فيه ليس على إطلاقه، فإن رواية العبادلة
الثلاثة عنه صحيحة وهم عبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب وعبد الله
ابن يزيد المقريء فإنهم رووا عنه قبل احتراق كتبه، كما هو مشروح في ترجمته من
" التهذيب ". وثمة ملاحظة ثالثة وهي أن ضعف ابن لهيعة إنما هو من سوء حفظه
فمثله يتقوى حديثه بمجيئه من وجه آخر ولو كان مثله في الضعف ما لم يشتد ضعفه
وهذا بين في كتب " المصطلح " كالتقريب للنووى وغيره.
3 - لا شك أن الذهبي له أوهام وتناقضات كثيرة في " تلخيصه على المستدرك "
وأنا بفضل الله من أعرف الناس بذلك وأكثرهم تعقبا وتنبيها عليه إلا أن موقفه
تجاه هذا الحديث بالذات سليم، لأنه أقر الحاكم (2 / 229) على قوله فيه:
" صحيح على شرط الشيخين " ولا شك أنه على شرطهما ولكن يجوز لغيرهما أن
يناقشهما في صحته كما فعل الذهبي في غير هذا الحديث وضرب الكاتب الفاضل على
ذلك بعض الأمثلة. ثم قد تكون المناقشة مسلمة أو مردودة كما ستراه مفصلا.
ولكننا نأخذ على الكاتب هنا أمورا.
الأول: إعلاله سند الحاكم بأن فيه الحارث بن أبي أسامة، فإنه يفيد بظاهره أن
الحاكم لم يروه إلا من طريقه وإلا لم يجز إعلاله به وهذا غريب جدا من الكاتب
لأن(2/24)
الحاكم أخرجه من طريق عثمان بن سعيد الدارمي وبشر بن موسى الأسدي والحارث
بن أبي أسامة التميمي كلهم قالوا: حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا يحيى
بن أيوب ... ثم قال الحاكم: " رواه جرير بن حازم عن يحيى بن أيوب ".
ثم ساق سنده إليه به. فهؤلاء ثلاثة من الثقات تابعوا الحارث على هذا الحديث!
وليس من طريقة أهل العلم إعلال الحديث بالطعن في فرد من أفراد الجماعة
المتفقين على رواية الحديث. وقد تابعه أحمد أيضا فقال (5 / 185) : حدثنا
يحيى بن إسحاق به!
الثاني: أن الذهبي لم يغفل هنا ولكنه لما رأى الجماعة قد تابعوا الحارث لم ير
من الجائز في هذا العلم غمزه لأنه لا يفيد شيئا كما هو ظاهر فالغفلة من غيره لا
منه! !
الثالث: أن الحديث الذي أشار إليه الكاتب ونقل عن الذهبي أنه استنكره وقال
عنه: " والحارث ليس بعمدة ". إنما علته من شيخ شيخ الحارث وهو أبو عامر
الخزاز واسمه صالح بن رستم ففيه ضعف من قبل حفظه كما يشير إلى ذلك قول الحافظ
في " التقريب ". " صدوق كثير الخطأ ". ثم هو ممن لم يحتج به البخاري وإنما
روى له تعليقا، فلو أن الكاتب نسب الغفلة إلى الذهبي هنا لكان أصاب.
الرابع: أن ما نقله عن الذهبي في " الضعفاء والمتروكين " بواسطة المناوي أنه
قال فيه: ضعيف. فليس بصحيح وذلك من شؤم الواسطة! فلو أن الكاتب تجاوزها
وراجع ديوان " الضعفاء والمتروكين " بنفسه لوجد فيه عكس ما نقله المناوي فقد
قال في ترجمة الحارث منه (ق 152 / 1) . " صاحب المسند، صدوق، لينه بعضهم "(2/25)
قلت: والتليين المشار إليه مع أنه من غير الذهبي فهو مما لا يعتد به كما يأتي
الخامس: أن قوله " وقد ترجم له في تذكرة الحفاظ " فما لا طائل تحته، لأنه لم
يبين بماذا ترجم له، أبالتوثيق أم بالتضعيف على أن الثاني أقرب إلى أن يتبادر
إلى ذهن القارىء، لأنه لم ينقل ذلك إلا في صدد الكلام على تضعيف الرجل، فكيف
والواقع أن ترجمته له في " التذكرة " يؤخذ منها التوثيق لا التضعيف وإليك نص
كلامه. قال (2 / 619) : " وثقه إبراهيم الحربي مع علمه بأنه يأخذ الدراهم
(يعنى على التحديث) وأبو حاتم بن حبان، وقال الدارقطني: صدوق، وأما أخذ
الدراهم على الرواية فكان فقيرا كثير البنات. وقال أبو الفتح الأزدي وابن
حزم: ضعيف ". ومن عرف حال أبي الفتح الأزدي وما فيه من الضعف المذكور في
ترجمته في " الميزان " وغيره وعرف شذوذ ابن حزم في علم الجرح عن الجماعة كمثل
خروجه عنهم في الفقه لم يعتد بخلافهما لمن هم الأئمة الموثوق بهم في هذا العلم
ولذلك قال الذهبي في ترجمة الحارث هذا من " الميزان ":
" وكان حافظا عارفا بالحديث عالي الإسناد بالمرة تكلم فيه بلا حجة ":
فقد أشار بهذا إلى رد تضعيف أبي الفتح وابن حزم إياه. وممن وثقه أحمد
ابن كامل وأبو العباس النباتي ولما نقل الحافظ في " اللسان " قول الذهبي
المتقدم " ليس بعمدة " تعقبه بقوله: " مع أنه في " الميزان " كتب مقابله صحيح
واصطلاحه أن العمل على توثيقه ".
وجملة القول أن الحارث بن أبي أسامة ثقة حافظ وأن من تكلم فيه لا يعتد بكلامه
وأن الذهبي تناقض قوله فيه والراجح منه ما ذكره في " الميزان " و " الضعفاء "
أنه ثقة صدوق وأن قوله في " التلخيص ": " ليس بعمدة " هو الذي ليس بعمدة لأنه
قاله من ذاكرته والذاكرة قد تخون وما ذكره في المصدرين المشار إليهما إنما
ذكره بعد(2/26)
دراسة لترجمته وتمحيص لما جاء فيها كما هو ظاهر لا يخفى على طالب
العلم إن شاء الله تعالى.
5 - قلت: قول الذهبي " يحيى وإن كان ثقة، فقد ضعف " لا يساوي أنه ضعيف، بل
هو ظاهر في أنه عنده ثقة مع ضعف فيه فهو على هذا لا ينافي موافقته الحاكم على
تصحيح هذا الحديث الذي نحن في صدد الدفاع عنه ولا ينافي قوله عقب الحديث الآخر
: " ولا يصح بوجه " لأنه ذكر له قبل ذلك علة أخرى كان يحسن بالكاتب الفاضل أن
يذكرها، ونص كلام الذهبي: " قلت: أحمد منكر الحديث وهو ممن نقم على مسلم
إخراجه في " الصحيح " ويحيى وإن كان ثقة فقد ضعف ".
وأحمد هذا هو ابن عبد الرحمن بن وهب فيه كلام كثير حتى إن الذهبي أورده في
" الضعفاء " (2 / 2) وقال: " قال ابن عدي: رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه
حدث بما لا أصل له " وذكر له في " الميزان " حديثا من روايته عن عمه عبد الله
ابن وهب بسنده الصحيح عن ابن عمر مرفوعا وقال: " فهذا موضوع على ابن وهب ".
وذكر له حديثا آخر عن عمه أيضا بسنده الصحيح عن أنس مرفوعا " كان يجهر بـ
(بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة " ولا يصح في الجهر حديث، وإنما أتى
من اختلاطه، ولذلك قال الحافظ: " صدوق تغير بآخره ".
قلت: فهو آفة الحديث الذي قال الذهبي فيه " ولا يصح بوجه " وليس يحيى ابن
أيوب.
وجملة القول: أن قول الذهبي: " وإن كان ثقة فقد ضعف " إنما يعني أنه ثقة(2/27)
من
الدرجة الوسطى لا العليا لأن فيه ضعفا، فهو في زمرة الذين يحتج بحديثهم في
مرتبة الحسن ما لم يخالف أو يتبين خطؤه وهذا هو معنى قوله فيه في " الضعفاء "
(218 / 2) : " ثقة قال النسائي: ليس بذلك القوي، وقال أبو حاتم: لا يحتج
به ". وقوله في " التذكرة " (1 / 228) بعد أن حكى بعض أقوال الموثقين
والمضعفين. " قلت: حديثه في الكتب الستة وحديثه فيه مناكير ".
ولا يخفى على طالب العلم أن قوله: " فيه مناكير " ليس بمعنى منكر الحديث فإن
الأول معناه أنه يقع أحيانا في حديثه مناكير والآخر معناه أنه كثير المناكير
فهذا لا يحتج به، بخلاف الأول فهو حجة عند عدم المخالفة كما ذكرنا ولذلك احتج
به مسلم وأما البخاري، فإنما روى له استشهادا ومتابعة كما أفاده الحافظ في
" مقدمة الفتح " (ص 451) . وإذا عرفت هذا سهل عليك أن تفهم على الصواب قول
الذهبي الذي نقله الكاتب في الفقرة 6 -: " هو خبر منكر ويحيى ليس بالقوي ".
فإن ثمة فرقا أيضا بين قول الحافظ " ليس بالقوي " وقوله " ليس بقوي " فإن هذا
ينفي عنه مطلق القوة فهو يساوي قوله " ضعيف " وليس كذلك قوله الأول: " ليس
بالقوي " فإنه ينفي نوعا خاصا من القوة وهي قوة الحفاظ الأثبات وعليه فلا
منافاة بين قوله هذا وقوله المتقدم " يحيى وإن كان ثقة ففيه ضعف " وأما قوله
" هو خبر منكر " فلم يظهر لي وجه نكارته والله أعلم إلا إن كان يعني تفرد يحيى
به، فهو غير ضار حينئذ على أنه لم يتفرد به كما مضى ويأتي فلا وجه لقوله
" منكر " والله أعلم.
7 - قول الذهبي " قلت: هذا من مناكير يحيى ". أي من مفاريده كما تقدم(2/28)
قبله
فليس فيه تضعيف مطلق ليحيى.
8 - 10 - يجاب عن هذه الأمثلة التي أشار إليها الكاتب بنحو ما سبق.
11 - قلت: ما جاء في هذه الفقرة عن الحافظين العراقي والعسقلاني يؤيد ما
ذهبنا إليه من بيان حال يحيى بن أيوب، فإن قولهما " فيه مقال ولكنه صدوق "
وقول الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما أخطأ " صريح في أن خطأه قليل ومن
ثبتت عدالته وثقته، فلا يسقط حديثه لمجرد أن أخطأ في أحاديث.
وخلاصة القول في يحيى أن الأئمة اختلفوا فيه، فمنهم الموثق مطلقا ومنهم من
قال فيه: ثقة حافظ ومنهم من قال: لا يحتج به ومنهم من قال: سيء الحفظ
ومنهم من قال: ربما أخل في حفظه ولم أر من أطلق فيه الضعف، فمن كان في هذه
الحالة، فلا يجوز أن يميل طالب العلم إلى تجريحه مطلقا أو تعديله مطلقا إلا
ساهيا، بل لابد من التوفيق بين هذه الأقوال المتعارضة إذا أمكن وإلا فتقديم
الجرح على التعديل وهذا الأخير هو ما فعله الكاتب الفاضل والأول هو الذي ذهب
إليه الحافظ الذهبي والعراقي والعسقلاني وهو الذي أختاره وهو أنه حسن
الحديث لا صحيحه ولا ضعيفه إلا إذا تبين خطؤه وهو هنا قد تأكدنا من صوابه
بمتابعة ابن لهيعة له كما تقدم ومتابعة غيره كما يأتي.
12 - قلت: في ابن لهيعة تفصيل سبقت الإشارة إليه في الجواب عن الفقرة الثانية
فلا نعيد الكلام فيه.
13 - فإذا كان الحديث مداره على هذين الرجلين ... فأنى له الصحة!
قلت: قد أثبتنا أن ابن أيوب حسن الحديث، فإذا كان كذلك فحديثه بدون شك يرتقي
بمتابعة ابن لهيعة إلى مرتبة الصحة. وهب أنه ضعيف الحديث كابن لهيعة فالحديث
بمجموع روايتهما إياه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره كما سبقت الإشارة إليه في أول
هذه المقالة. على أن الحديث صحيح كما كنت قلته في " تخريج الفضائل " فإنه قد
تابعهما(2/29)
عمرو ابن الحارث وهو ثقة فقيه حافظ كما قال الحافظ في " التقريب ".
وروايته عند ابن حبان في " صحيحه " (2311 - زوائده) وهو مطبوع. فكان من
الواجب على حضرة الكاتب أن يرجع إليه وهو من المصادر التي نسبت الحديث إليها
في " التخريج " المذكور فهو على علم به، فعدم رجوعه إليه والنظر في إسناده
مما لا يغتفر لمن أراد التحقيق في حديث ما لاسيما إذا كان تحقيقه في سبيل الرد
على من صححه من المتقدمين كالحافظ المنذري والمتأخرين مثلي.
وأزيد هنا فأقول: قد أخرجه أيضا ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 29 / 2)
من الطريقين السابقين ومن طريق الطبراني عن أحمد بن رشدين المصري أنبأنا حرملة
بن يحيى أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث بإسناده مرفوعا بلفظ:
" طوبى للشام إن الرحمن لباسط رحمته عليه ".
لكن أحمد هذا هو ابن محمد بن الحجاج بن رشدين أبو جعفر المصري.
قال في " الميزان ": " قال ابن عدي: كذبوه وأنكرت عليه أشياء ". ثم ذكر له
حديثا من أباطيله. وأرى أن الحديث بهذا اللفظ من أباطيله أيضا لتفرده به دون
كل من روى هذا الحديث من الثقات وغيرهم، فوجب التنبيه عليه لاسيما وظاهر
كلام المنذري أنه صحيح بهذا اللفظ، فإنه قال بعد أن ذكره بلفظ الترجمة:
" رواه الترمذي وصححه وابن حبان في " صحيحه " والطبراني بإسناد صحيح ولفظه
.... " فذكره بهذا اللفظ المنكر. وأصرح منه في إيهام التصحيح صنيع الهيثمي
فإنه أورده في " المجمع " (10 / 60) بهذا اللفظ وقال: " رواه الطبراني
ورجاله رجال الصحيح "! وحق العبارة أن تتبع بقوله:(2/30)
" غير أحمد بن رشدين
.... " فإنه ليس من رجال الصحيح بل هو من شيوخ الطبراني الضعفاء! وكثيرا ما
يصنع الهيثمي مثل هذا التعميم المخل فكن منه على ذكر تنج إن شاء الله تعالى من
الخطأ.
504 - " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في
حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر
مسلما ستره الله يوم القيامة ".
أخرجه البخاري (2 / 98) وأبو داود (4893) والترمذي (1 / 268)
وأحمد (2 / 91) عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن سالما أخبره أن عبد
الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
والسياق للبخاري وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
والجملة الأولى منه عند مسلم (8 / 10 - 11) والترمذي (1 / 350) وحسنه من
حديث أبي هريرة وكذلك عند أبي داود (4918) لكن بلفظ " المؤمن أخو المؤمن "
وعنده أيضا (3356) من حديث سويد بن حنظلة باللفظ الأول والترمذي (2 / 183
) وغيره من حديث عمرو بن الأحوص وأحمد (5 / 24 / 71) من حديث رجل من بني
سليط.
(تنبيه) أورد المنذري هذا الحديث في " الترغيب " من رواية أبي داود والترمذي
فقط عن ابن عمر وهذا قصور فاحش إذ فاته أنه في. صحيح البخاري ". وأفحش منه
أن السيوطي أود الجملة الأولى منه من رواية أبي داود عن سويد بن حنظلة! ففاته
أنه عند الشيخين وغيرهما ممن ذكرنا عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم فاقتضى التنبيه.(2/31)
505 - " لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا
فيجعلها الله هباء منثورا. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن
لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من
الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم الله انتهكوها ".
أخرجه ابن ماجه (4245) : حدثنا عيسى بن يونس الرملي حدثنا عقبة بن علقمة بن
خديج المعافري عن أرطاة بن المنذر عن أبي عامر الألهاني عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وقال المنذري (3 / 178) : " رواه ابن
ماجه ورواته ثقات ".
وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 262 / 1) : " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
وأبو عامر الألهاني اسمه عبد الله بن غابر ".
506 - " لا تكثروا الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ".
أخرجه ابن ماجه (4193) من طريق عبد الحميد بن جعفر عن إبراهيم بن عبد الله بن
حنين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات غير عبد الحميد بن جعفر، قال الحافظ في
" التقريب ": " صدوق وربما وهم ".
وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 258 / 1) :(2/32)
" هذا إسناد صحيح وأبو بكر
الحنفي اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد البصري ". قلت: وله طريق أخرى عن
أبي هريرة أخرجه الترمذي (2 / 50) وأحمد (2 / 31) وابن عساكر في " تاريخ
دمشق " (9 / 247 / 1) من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عنه.
وقال الترمذي: " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان والحسن
لم يسمع من أبي هريرة شيئا. وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله
ولم يذكر فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
قلت: وأبو طارق هذا هو السعدي وهو مجهول كما في " التقريب ".
وله عنه طريق ثالث أخرجه ابن ماجه (4217) من طريق أبي رجاء عن برد بن سنان
عن مكحول عن واثلة بن الأسقع عنه.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن مكحولا وأبا رجاء واسمه محرز بن عبد
الله الجزري مدلسان وقد عنعنا ومنه تعلم أن قول البوصيري في " الزوائد "
(ق 260 / 1) : " هذا إسناد حسن " فغير حسن!
507 - " ما ضرب صلى الله عليه وسلم بيده خادما قط ولا امرأة، ولا ضرب رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين
أمرين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما فإذا كان إثما كان أبعد
الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله عز
وجل فيكون هو ينتقم لله عز وجل ".(2/33)
أخرجه أحمد (6 / 232) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن
عائشة قالت: ذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وتابعه هشام بن عروة فقال أحمد
(6 / 229) : حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه به نحوه.
وهو عند مسلم (7 / 80) من هذا الوجه دون التخيير وعند البخاري (2 / 394)
من الوجه الأول دون الضرب.
508 - " يا نعايا العرب! يا نعايا العرب! ثلاثا، إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء
والشهوة الخفية ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " وابن عدي في " الكامل " (ق 220 / 2)
وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 122) و " أخبار أصبهان " (2 / 66) والبيهقي
في " الزهد " (2 / 37 / 2) من طريق عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي عن
الزهري عن عباد بن تميم عن عمه مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله ابن بديل هذا فقال
ابن عدي " له أشياء تنكر عليه من الزيادة في متن أو في إسناد ولم أر للمتقدمين
فيه كلاما فأذكره ".
قلت: روى ابن أبي حاتم (2 / 2 / 15) عن ابن معين أنه قال فيه " صالح ".
وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء "
. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (6 / 655) :(2/34)
" رواه الطبراني بإسنادين
رجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الله بن بديل بن ورقاء وهو ثقة ".
وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 190) : " رواه الطبراني بإسنادين أحدهما
صحيح ".
تنبيه: (الرياء) بالراء. ووقع في " الترغيب " و " المجمع ".
(الزنا) بالزاي. وقال المنذري: " وقد قيده بعض الحفاظ (الرياء) بالراء
والياء ".
قلت وكذلك هو في كل المصادر المخطوطة وغيرها التي عزونا الحديث إليها وكذلك
أورده ابن الأثير في " النهاية " وقال: " وفي رواية: " يا نعيان العرب ".
يقال: نعى الميت ينعاه نعيا: إذا أذاع موته وأخبر به وإذا ندبه.
قال الزمخشري: في (نعايا) ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون جمع (نعي) وهو
المصدر كصفي وصفايا والثاني أن يكون اسم جمع كما جاء في أخية أخايا.
والثالث: أن يكون جمع نعاء التي هي اسم الفعل. والمعنى: يا نعايا العرب
جئن فهذا وقتكن وزمانكن يريد أن العرب قد هلكت. والنعيان مصدر بمعنى النعي
وقيل إنه جمع ناع، كراع ورعيان. والمشهور في العربية أن العرب كانوا إذا
مات منهم شريف أو قتل بعثوا راكبا إلى القبائل ينعاه إليهم، يقول: نعاء فلانا
أو يا نعاء العرب أي: هلك فلان، أو هلكت العرب بموت فلان. فنعاء من نعيت مثل
نظار ودراك. فقوله: نعاء فلانا معناه: انع فلانا كما تقول: دراك فلانا أي
: أدركه، فأما قوله " يا نعاء العرب " مع حرف النداء، فالمنادى محذوف تقديره
يا هذا انع العرب، أو يا هؤلاء انعوا العرب بموت فلان، كقوله(2/35)
تعالى:
* (ألا يا اسجدوا) * أي يا هؤلاء اسجدوا، فيمن قرأ بتخفيف ألا.
509 - " إذا زنى العبد خرج منه الإيمان وكان كالظلة، فإذا انقلع منها رجع إليه
الإيمان ".
أخرجه أبو داود (4690) والحاكم (1 / 22) من طريق سعيد ابن أبي مريم أنبأنا
نافع بن يزيد حدثنا ابن الهاد أن سعيد بن أبي سعيد حدثنا أنه سمع أبا هريرة
يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا إلا في
نافع فإنما أخرج له البخاري تعليقا، فهو على شرط مسلم وحده.
ثم أخرجه الحاكم من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: " من زنى أو شرب الخمر نزع
الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ". لكن إسناده ضعيف وبيانه
في " السلسلة الضعيفة (1274) . والحديث عزاه المنذري في " الترغيب " (3 /
191) للترمذي أيضا. وذلك من تساهله، فإنه عند الترمذي (2 / 104) معلق
بدون سند.
510 - " من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة ".
أخرجه الترمذي (2 / 66) من طريق ابن عجلان عن أبي حازم عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال: " هذا حديث حسن غريب وأبو حازم اسمه سلمان مولى عزة الأشجعية ".
قلت: وهو ثقة محتج به في " الصحيحين " وكذلك سائر الرواة إلا ابن عجلان(2/36)
واسمه محمد فأخرج له مسلم في " الشواهد " وهو حسن الحديث. وللحديث شاهد
يرويه تميم بن يزيد مولى بني زمعة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم قال: فذكر نحوه.
أخرجه أحمد (5 / 362) عن عثمان يعني ابن حكيم عنه ورجاله ثقات رجال مسلم غير
تميم هذا وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه (1 / 1 / 442) بهذه الطريق ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وذكره كذلك ابن حبان في " الثقات " (1 / 5) لكنه
ذكر أنس بن مالك بدل رجل له صحبة.
ثم رأيت الحديث قد أخرجه الحاكم (4 / 357) من الطريق الأولى عن أبي هريرة
ومن طريق أبي واقد عن إسحاق مولى زائدة عن محمد ابن عبد الرحمن بن ثوبان عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حفظ ما بين لحييه ورجليه
دخل الجنة ". وقال: " صحيح الإسناد وأبو واقد هو صالح بن محمد ". ووافقه
الذهبي.
قلت: صالح هذا قال الذهبي في " الميزان ": مقارب الحال، ثم ذكر أقوال الأئمة
فيه وكلها متفقة على تضعيفه إلا قول أحمد الآتي وقد أورده في " الضعفاء "
وقال: " قال أحمد: ما أرى به بأسا، وقال الدارقطني وجماعة ضعيف ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ".
قلت: فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى.(2/37)
511 - " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا ".
أخرجه أبو داود (4270) وابن حبان (51) والحاكم (4 / 351) وابن عساكر
في " تاريخ دمشق " (5 / 209 / 2) من طريق خالد بن دهقان قال:
كنا في غزوة القسطنطينية بـ (ذلقية) فأقبل رجل من أهل فلسطين من أشرافهم
وخيارهم يعرفون ذلك له يقال له هانئ بن كلثوم بن شريك الكناني فسلم على عبد
الله بن أبي زكريا وكان يعرف له حقه قال لنا خالد: فحدثنا عبد الله ابن أبي
زكريا قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
والسياق لأبي داود وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي وهو كما
قالا، فإن رجاله كلهم ثقات وقول الحافظ في خالد هذا: " مقبول " قصور منه
فإنه ثقة وثقه ابن معين وغيره كما ذكر هو نفسه في " التهذيب ".
وللحديث شاهد من حديث معاوية بن أبي سفيان مرفوعا به.
أخرجه النسائي (2 / 163) والحاكم وأحمد (4 / 99) من طريق ثور عن أبي عون
عن أبي إدريس قال: سمعت معاوية يخطب فذكره.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: أبو عون هذا لم يوثقه غير ابن حبان وقد ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 414 -
415) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.(2/38)
والحديث في ظاهره مخالف لقوله تعالى:
* (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * لأن القتل دون
الشرك قطعا فكيف لا يغفره الله وقد وفق المناوي تبعا لغيره بحمل الحديث على ما
إذا استحل وإلا فهو تهويل وتغليظ. وخير منه قول السندي في حاشيته على
النسائي: " وكأن المراد كل ذنب ترجى مغفرته ابتداء إلا قتل المؤمن، فإنه لا
يغفر بلا سبق عقوبة وإلا الكفر، فإنه لا يغفر أصلا ولو حمل على القتل مستحلا
لا يبقى المقابلة بينه وبين الكفر (يعني لأن الاستحلال كفر ولا فرق بين
استحلال القتل أو غيره من الذنوب، إذ كل ذلك كفر) . ثم لابد من حمله على ما
إذا لم يتب وإلا فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له كيف وقد يدخل القاتل
والمقتول الجنة معا كما إذا قتله وهو كافر ثم آمن وقتل ".
512 - " يخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان
ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله إلها آخر
وبالمصورين ".
أخرجه الترمذي (2 / 95) وأحمد (2 / 336) من طريق عبد العزيز ابن مسلم عن
الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الترمذي: " حديث حسن غريب صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين
. ثم قال الترمذي: " وقد رواه بعضهم عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد عن النبي
صلى الله عليه وسلم نحو هذا. وروى أشعث بن سوار عن عطية عن أبي سعيد الخدري
عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ".
قلت: قد رواه فراس أيضا عن عطية عن أبي سعيد مثله إلا أنه قال: " وبمن قتل(2/39)
نفسه بغير نفس " مكان " " وبالمصورين " وزاد: " فينطوي عليهم فيقذفهم في
غمرات جهنم ". أخرجه أحمد (3 / 40) والبزار نحوه وقال: " فتنطلق بهم قبل
سائر الناس بخمسمائة عام " مكان زيادة أحمد كما في " الترغيب " (3 / 204)
وقال: " وفي إسناديهما عطية العوفي ورواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما
رواة الصحيح وقد روي عن أبي سعيد من قوله موقوفا عليه ".
قلت: وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها يرويه ابن لهيعة عن خالد بن أبي
عمران عن القاسم بن محمد عنها مرفوعا نحوه إلا أنه قال: " ووكلت بمن لا يؤمن
بيوم الحساب ". وزاد: " قال: فينطوي عليهم ويرمي بهم في غمرات جهنم ".
أخرجه أحمد (6 / 110) . وابن لهيعة ضعيف.
513 - " يا عائشة إياك ومحقرات الأعمال (وفي لفظ: الذنوب) فإن لها من الله
طالبا ".
أخرجه الدارمي (2 / 303) وابن ماجه (4243) وابن حبان (2497) وأحمد (6
/ 70، 151) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (7 / 176 / 1) من طريق سعيد بن
مسلم بن بانك قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني عوف بن
الحارث بن الطفيل عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير ابن بانك بموحدة ونون
مفتوحة وهو ثقة كما في " التقريب ".
والحديث عزاه المنذري (3 / 212) للنسائي والظاهر أنه يعني السنن الكبرى له
وإلا فلم أره في " المجتبى " له وهي الصغرى.(2/40)
514 - " لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثيرا ".
أخرجه أحمد (6 / 441) : حدثنا هيثم بن خارجة قال: أنبأنا أبو الربيع سليمان
بن عتبة السلمي عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس عن أبي الدرداء عن
النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات معرفون غير سليمان بن عتبة وهو الدمشقي
الداراني مختلف فيه، فقال أحمد: لا أعرفه وقال ابن معين: لا شيء، وقال
دحيم: ثقة، ووثقه أيضا أبو مسهر والهيثم ابن خارجة وهشام بن عمار وابن
حبان ومع أن الموثقين أكثر، فإنهم دمشقيون مثل المترجم فهم أعرف به من غيرهم
من الغرباء، والله أعلم.
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له غرائب ". وقال عبد الله بن أحمد في
زوائده على " المسند " (6 / 442) حدثني الهيثم بن خارجة عن أبي الربيع بهذه
الأحاديث كلها إلا أنه أوقف منها حديث " لو غفر لكم ما تأتون ... " وقد حدثناه
أبي عنه مرفوعا ".
قلت: الأب أجل من الولد وأحفظ والكل حجة ولا بعد أن ينشط تارة فيرفع الحديث
ولا ينشط أخرى فيوقفه. فالظاهر أن الهيثم حدث به أحمد مرفوعا(2/41)
وحدث ابنه
موقوفا، فحفظ كل ما سمع. فالحديث ثابت مرفوعا وموقوفا والرفع زيادة فهو
المعتمد وهذا في رأيي خير من قول المنذري في " الترغيب " (3 / 212) :
" رواه أحمد والبيهقي مرفوعا هكذا ورواه عبد الله في زياداته موقوفا على أبي
الدرداء وإسناده أصح وهو أشبه ". كذا قال وهو من الغرائب، فإن إسناد
الموقوف هو عين إسناد المرفوع وإنما الخلاف بين أحمد وابنه، فإذا كان لابد
من الترجيح بين روايتيهما، فإن مما لا شك فيه أن رواية أحمد أرجح لأنه أحفظ
كما سبق ولكني أرى أن لا مبرر لذلك مع إمكان الجمع الذي ذكرته. ومن العجيب
أن المناوي نقل عن الهيثمي مثلما قال المنذري من الترجيح فكأنه قلده في ذلك.
والله أعلم. ثم وجدت متابعا لأحمد أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 95 / 2)
من طريق عباس بن محمد الدوري حدثنا الهيثم بن خارجة به مرفوعا.
515 - " من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه ".
أخرجه الإمام أحمد (4 / 344، 5 / 29) عن شعبة عن قتادة قال: سمعت زرارة
ابن أوفى يحدث عن أبي بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره
وأخرجه الطيالسي (1321) : حدثنا شعبة به دون قوله: " وأسحقه ".
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بن مالك وهو صحابي
عداده في أهل البصرة وقد اختلف في اسمه على أقوال رجح الحافظ هذا الذي في
رواية قتادة هذه وقد خالفه ابن جدعان، فقال الطيالسي أيضا (1322) :
حدثنا شعبة عن علي بن زيد أن زرارة يحدث عن رجل من قومه يقال له: مالك أو أبو
مالك أو ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بزيادة فيه دون الزيادة
المتقدمة.(2/42)
وكذلك رواه حماد ابن سلمة أنبأنا علي بن زيد عن زرارة إلا أنه قال
: عن مالك بن عمرو القشيري. جزم بذلك ولم يشك. وابن جدعان ضعيف، فلا يحتج
به لاسيما مع مخالفته لمثل قتادة وهو ثقة محتج به في " الصحيحين ".
516 - " رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد ".
أخرجه الترمذي (1 / 346) وابن حبان (2026) والحسن بن سفيان في " الأربعين
" (ق 69 / 2) من طريق خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن
عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم به. ثم أخرجه الترمذي من
طريق محمد بن جعفر والبخاري في " الأدب المفرد " رقم (2) عن شعبة به موقوفا
على ابن عمرو ولم يرفعه. وقال الترمذي: " وهذا أصح وهكذا روى أصحاب شعبة
عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو موقوفا ولا نعلم أحدا
رفعه غير خالد بن الحارث عن شعبة وخالد بن الحارث ثقة مأمون ".
قلت: وقد احتج به الشيخان وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة ثبت " وقد
وجدت له متابعين على رفعه: الأول: عبد الرحمن حدثنا شعبة به مرفوعا، أخرجه
الحاكم (4 / 151 - 152) من طريقين عنه وقال: " صحيح على شرط مسلم ".
ووافقه الذهبي وهو كما قالا وعبد الرحمن هو ابن مهدي وهو من هو في الثقة
والحفظ والضبط. وأحد طريقيه عند الحاكم من رواية عبد الله بن أحمد عن أبيه
عنه ولم أره في مسند أحمد. والله أعلم.(2/43)
والآخر أبو إسحاق الفزازي عن شعبة به، أخرجه أبو الشيخ في " الفوائد " (ق 81
/ 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 76 / 1) .
وأبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن محمد بن الحارث وهو إمام ثقة حافظ محتج به في
" الصحيحين " أيضا.
قلت: فهؤلاء ثلاثة من الثقات الأثبات اتفقوا على رواية الحديث عن شعبة مرفوعا
فثبت الحديث بذلك وأن قول الترمذي: إن الموقوف أصح إنما هو باعتبار أنه لم
يعلم أحدا رفعه غير خالد بن الحارث أما وقد وجدنا غيره قد رفعه، فالرفع أصح
وذلك كله مصداق لقول من قال: كم ترك الأول للآخر.
وله طريق أخرى عن يعلى بن عطاء. عند أبي نعيم في " الحلية " (6 / 215)
ولكن لا أدري إذا كان وقع في إسناده تحريف أم لا.(2/44)
517 - " سبحان الله! وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 371) : حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن
هلال بن يساف عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال: " عاد رسول الله صلى الله
عليه وسلم رجلا به جرح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا له طبيب
بني فلان قال: فدعوه فجاء فقال: يا رسول الله ويغني الدواء شيئا؟ فقال ...
". فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم غير الرجل
الأنصاري وهو صحابي كما هو الظاهر وجهالة الصحابي لا تضر، لاسيما وأصل
الحديث مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عنه جماعة من الصحابة منهم أنس
ابن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر وأسامة بن شريك وعبد الله بن
مسعود وصفوان ابن عسال وقد خرجت أحاديثهم وتكلمت على أسانيدها وجلها صحيح
في " تخريج أحاديث الحلال والحرام " رقم (290) . وإنما أوردت هذا هنا لهذه
الفائدة التي تفرد بها من بيان سبب ورود الحديث. والحمد لله على توفيقه.
518 - " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم، فعليكم بألبان
البقر، فإنها ترم من كل الشجر ".
أخرجه الطيالسي (368) : حدثنا المسعودي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن
عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (1 /
197) . ورجاله ثقات غير أن المسعودي كان اختلط قبل موته واسمه عبد الرحمن بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي لكنه قد توبع، فأخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (3 / 49 / 1) من طريق زفر بن الهذيل عن أبي حنيفة عن قيس بن مسلم به
. وهذه متابعة لا بأس بها وخالفهما يزيد بن أبي خالد فقال: عن قيس بن مسلم
عن طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. لم يذكر فيه عبد
الله وهو ابن مسعود.(2/45)
أخرجه أحمد (4 / 315) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي
خالد به. ويزيد هذا هو ابن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني قال الحافظ: " صدوق
يخطىء كثيرا وكان يدلس ". قلت فمثله لا يعارض روايتي المسعودي وأبي حنيفة
فروايتهما أرجح ويؤيده ما أخرجه الحاكم (4 / 196) من طريق أبي قلابة عبد
الملك بن محمد الرقاشي حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع حدثنا شعبة عن الركين بن
الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله مرفوعا بلفظ: " ما أنزل
الله من داء إلا وقد أنزل له شفاء وفي ألبان البقر شفاء من كل داء ".
وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وفيما قالاه نظر، فإن رجاله على شرط مسلم غير الرقاشي. ثم هو ضعيف الحفظ قال
الحافظ: " صدوق يخطىء تغير حفظه ".
قلت: فمثله يحتج به فيما وافق غيره أما فيما خالف أو تفرد فلا وقد تفرد هنا
بقوله: " شفاء من كل داء. وقد رواه الربيع بن الركين عن إبراهيم بن مهاجر عن
قيس بن مسلم به ولفظه: " تداووا بألبان البقر فإني أرجو أن يجعل الله فيها
شفاء فإنها تأكل من الشجر ". أخرجه الطبراني (3 / 49 / 1) .
والربيع بن الركين هو الربيع بن سهل بن الركين بن الربيع ابن عميلة الفزاري
وهو ضعيف اتفاقا وهو حفيد الركين بن الربيع الذي في سند الحاكم وهو على(2/46)
ضعفه
فلفظ روايته أقرب إلى معنى لفظ المسعودي من تابعه الدالاني في رواية الرقاشي.
وجملة القول: أن الصواب في إسناد الحديث أنه من مسند ابن مسعود لاتفاق الجميع
عليه خلافا لأبي خالد الدالاني وفي متنه لفظ المسعودي لمتابعة من ذكرنا له
خلافا للرقاشي. والله أعلم.
ثم وجدت للمسعودي متابعا آخر فقال البغوي في حديث علي ابن الجعد (ق 97 / 1) :
حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا أبو وكيع الجراح ابن مليح عن قيس بن مسلم به
سندا ومتنا. وهذا سند جيد رجاله ثقات رجال مسلم وفي أبي وكيع ضعف يسير في
حفظه، وقال الحافظ فيه: " صدوق يهم ".
وأخرجه من طريق قيس عن قيس بن مسلم به مرسلا لم يذكر ابن مسعود وذكر فيه تلك
الزيادة بلفظ: " هو دواء من كل داء ".
وقيس هو ابن الربيع الأسدي وهو ضعيف أيضا لسوء حفظه.
ثم أخرجه من طريق حجاج بن نصير حدثنا شعبة عن الربيع بن الركين ابن الربيع عن
قيس بن مسلم مثل رواية الرقاشي سندا ومتنا وحجاج ابن نصير ضعيف.(2/47)
519 - " إنه من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة وصلة الرحم
وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار ".
أخرجه أحمد (6 / 159) : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا محمد بن مهزم عن
عبد الرحمن بن القاسم حدثنا القاسم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لها ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن مهزم وقد وثقه
ابن معين وقال أبو حاتم: ليس به بأس وذكره ابن حبان في " الثقات ".
وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 224) وتبعه الهيثمي في " المجمع "
(8 / 153) : " رواه أحمد ورواته ثقات إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع
من عائشة "! كذا قال وكأنه سقط من نسختهما من " المسند " قوله: " حدثنا
القاسم " وهو ثابت في النسخة المطبوعة وهو صحيح فقد تابعه عبد الرحمن بن
أبي بكر عن القاسم بن محمد به أخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 434 - نسخة
المكتب) وضعفه بعبد الرحمن هذا. لكن عبد الرحمن بن القاسم ثقة فمتابعته إياه
تنفع ولا تضر وقد رأيت الحديث في " جزء " من رواية محمد بن محمد بن سليمان
الباغندي قال (مجموع 107 - ظاهرية) : حدثنا إسحاق بن إبراهيم وأحمد الدورقي
قالا: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ... فساقه مثل أحمد تماما إلا أنه لم يسق
من متنه إلا الجملة الأخيرة منه بلفظ: " حسن الخلق وحسن الجوار وصلة الرحم
يزدن في الأعمار ويعمرن الديار ".(2/48)
وللشطر الأول من الحديث شاهد من طريق ابن أبي مليكة عن يعلى ابن مملك عن
أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أعطي حظه
من الرفق فقد أعطي حظه من الخير ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير "
. أخرجه أحمد (6 / 451) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 352 - طبع
الهند) والترمذي (1 / 362) وقال: " حديث حسن صحيح ". كذا قال. ويعلى
بن مملك قال الذهبي: " ما روى عنه سوى ابن أبي مليكة ". ومعنى هذا أنه مجهول
ونحوه قول الحافظ: " مقبول ". ثم رأيت الحديث من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر
أنه سمع القاسم بن محمد بن (أبي) بكر يقول: سمعت عمتي عائشة تقول ... الحديث
دون قوله " وصلة الرحم ... " وزاد: " ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من خيري
الدنيا والآخرة ". أخرجه أبو نعيم (9 / 159) وإسناده ضعيف من أجل عبد
الرحمن هذا ولكن لعله لا بأس به في المتابعات، فقد قال الساجي: " صدوق فيه
ضعف يحتمل ".
520 - " قال الله: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها
وصلته ومن قطعها بتته ".
أخرجه أبو داود (1694) والترمذي (1 / 348) من طريق سفيان ابن عيينة عن
الزهري عن أبي سلمة قال:(2/49)
" اشتكى أبو الرداد الليثي، فعاده عبد الرحمن بن
عوف فقال: خيرهم وأوصلهم وما علمت أبا محمد؟ فقال عبد الرحمن: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره. ثم أخرجاه من طريق معمر عن الزهري
حدثني أبو سلمة أن الرداد الليثي أخبره عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمعناه. وأخرجه أحمد (1 / 194) من هذه الطريق بلفظ
سفيان وابن حبان (2033) بنحوه. وقال الترمذي: " حديث سفيان عن الزهري
حديث صحيح ومعمر كذا يقول قال محمد: وحديث معمر خطأ ". وتعقبه المنذري
بقوله (3 / 225) : " وفي تصحيح الترمذي له نظر، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن
لم يسمع من أبيه شيئا، قاله يحيى بن معين وغيره ".
قلت: الذي يبدو لي أن الترمذي لا يعني أن الحديث صحيح بالنظر إلى نسبته إلى
النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بالنسبة للزهري فقط يعني أن ما نسبه سفيان
إليه من الحديث بالسند المذكور صحيح النسبة إليه بخلاف ما نسبه إليه معمر فهو
خطأ، هذا الذي يتبادر إلى الذهن من النظر إلى جملة كلامه وذلك لا يعطي أن
الحديث عنده صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
هذا أقوله تخريجا وتوجيها لكلام الترمذي. وإلا فالحديث صحيح عندي ولم يخطىء
فيه معمر، بل إن سفيان هو الذي قصر في إسناده فصيره منقطعا. والدليل على ذلك
أن معمرا قد توبع عليه، فقال الإمام أحمد عقب روايته السابقة وكأنه أشار إلى
تقويتها: حدثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة حدثني أبي عن الزهري حدثني أبو سلمة
ابن عبد الرحمن أن أبا الرداد الليثي أخبره عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. فهذه متابعة قوية لمعمر من شعيب بن أبي
حمزة فإنه ثقة واحتج به(2/50)
الشيخان بل هو من أثبت الناس في الزهري كما قال الحافظ
في " التقريب ". ولذلك جزم في " التهذيب " بأن حديث معمر هو الصواب. ويؤيده
أنه قد تابعه أيضا محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب به.
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (53) . ومحمد هذا هو ابن عبد الله بن أبي
عتيق: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وهو حسن الحديث عن الزهري كما
قال الذهلي.
قلت: فهذان متابعان قويان لمعمر تشهدان لحديثه بالصحة، فكيف يصح الحكم عليه
بالخطأ ولو من إمام المحدثين؟ ورحم الله مالكا إذ قال: " ما منا من أحد إلا
رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر ". يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
والخلاصة أن الصحيح في إسناد هذا الحديث أنه من رواية أبي سلمة أن الرداد
أخبره عن عبد الرحمن بن عوف. فهو إسناد متصل غير منقطع.
ولكن ذلك لا يجعله صحيحا لأن أبا الرداد هذا لا يعرف إلا بهذا الإسناد ولم
يوثقه غير ابن حبان ولهذا قال الحافظ: " مقبول ". يعني عند المتابعة وإلا
فلين الحديث. ولكنه قد توبع، فقال الإمام أحمد (1 / 191) : " حدثنا يزيد
ابن هارون: أخبرنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله
ابن قارظ أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض، فقال له عبد
الرحمن: وصلتك رحم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فذكره.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن قارظ والد إبراهيم، فلم أجد
من ترجمه ولا ذكروه في شيوخ ابنه إبراهيم فكأنه غير مشهور وفي كلام ابن حجر
ما يشعر بذلك، فإنه قال بعد أن صوب رواية معمر المتقدمة: " وللمتن متابع
رواه أبو يعلى بسند صحيح من طريق عبد الله ابن قارظ عن عبد الرحمن بن عوف من
غير ذكر أبي الرداد فيه ". وفاته أن هذه الطريق في مسند أحمد أيضا.
وقد وجدت للحديث شاهدا قويا فقال الإمام أحمد (2 / 498) : حدثنا يزيد قال:
وأنبأنا محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.(2/51)
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنهما إنما أخرجا لمحمد
وهو ابن عمرو بن علقمة الليثي المدني - متابعة وهو حسن الحديث كما قال
الذهبي. وبذلك صح الحديث والحمد لله. وهو يدل على أن أبا سلمة كان له فيه
إسنادان: الأول عن أبي الرداد عن عبد الرحمن كما تقدم والآخر هذا كما أن يزيد
بن هارون له فيه إسنادان: أحدهما إسناده المتقدم عن الدستوائي عن ... عن ابن
قارظ والآخر هذا. وهو من الأحاديث التي فاتت الحافظ الهيثمي فلم يورده في
كتابه " مجمع الزوائد " مع أنه على شرطه لتفرد أحمد به عن الستة بهذا اللفظ من
حديث أبي هريرة.
وأما ما أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 118 / 2) من طريق محمد بن يزيد
البكري الجوزجاني أنبأنا أبو مطيع البلخي الحكم بن عبد الله أنبأنا شعبة عن
سليمان الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير مرفوعا بلفظ: " إن الله كتب في أم الكتاب
قبل أن يخلق السماوات والأرض: أنا الرحمن الرحيم خلقت الرحم وشققت لها اسما
من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ".
قلت: فهذا ضعيف جدا من أجل البلخي، فقد ضعفوه واتهمه بعضهم بالكذب والوضع.
والبكري هذا لم أعرفه.
521 - " انطلقوا بنا إلى البصير الذي في بني واقف نعوده. قال: وكان رجلا أعمى ".
أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (ق 133 / 1) أنبأنا ابن عفان أنبأنا
حسين الجعفي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن عفان هذا وهو
الحسن بن علي بن عفان العامري كما في موضع آخر من " المعجم " (135 / 2) وهو
صدوق كما قال الحافظ في " التقريب " وقد توبع فأخرجه السلفي في " الطيوريات "
(ق 174 / 1) من طريقين آخرين عن حسين بن علي الجعفي به. وقال:(2/52)
" قال ابن
صاعد: وقوله: عن جابر بن عبد الله وهم والصحيح عن محمد بن جبير بن مطعم ".
ثم رواه السلفي من طريق ابن صاعد عن سعيد ابن عبد الرحمن وعبد الجبار بن
العلاء: أنبأنا سفيان عن عمرو عن محمد بن جبير مرسلا به.
قلت: وقال ابن وهب في " الجامع " (38) : وسمعت سفيان بن عيينة يحدث عن
عمرو به.
ثم رواه السلفي من طريق إبراهيم بن بشار أنبأنا سفيان بن عيينة أنبأنا عمرو بن
دينار عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه مرفوعا. فزاد في السند: " عن أبيه "
فصيره مسندا عن جبير بن مطعم. وإبراهيم بن بشار هو الرمادي وهو ثقة حافظ
وله أوهام كما في " التقريب " وقد تابعه محمد بن يونس الجمال كما في تاريخ
بغداد (7 / 431) للخطيب وقال: " والمحفوظ عن محمد بن جبير فقط ".
قلت: الأرجح عندي أنه عن جابر كما رواه الجعفي وهو ثقة محتج به في
" الصحيحين ". ولم يتفرد به حتى يحكم عليه بالوهم، فقد أخرجه الخطيب من طريق
الدارقطني: حدثنا محمد بن مخلد - ولم نسمعه إلا منه - حدثنا ابن علويه الصوفي
الحسن بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة به وقال الدارقطني: تفرد به ابن مخلد عن
ابن علويه عن ابن عيينة وهو معروف برواية حسين الجعفي عن ابن عيينة ".
قلت: وهذا إسناد صحيح كسابقه، الحسن بن منصور من شيوخ البخاري في " صحيحه "
وابن مخلد وهو العطاء الدوري ثقة حافظ. فهي متابعة قوية لرواية الجعفي من
الحسن بن منصور وإذا كان قد خالفهما سعيد بن عبد الرحمن وهو ابن حسان وعبد
الجبار بن العلاء كما تقدم، فإن معهما من المرجحات ما ليس مع(2/53)
مخالفيهما من ذلك
أنهما من رجال " الصحيح " والآخران ليسا كذلك ومنه أن معهما زيادة وهي الوصل
والزيادة من الثقة مقبولة فكيف من ثقتين؟
فإن قيل: فهلا رجحت بهذه الطريقة نفسها رواية إبراهيم بن بشار التي أسندها عن
جبير بن مطعم؟ أقول: كنت أفعل ذلك لو أن الذي تابعه وهو محمد بن يونس الجمال
كان ثقة أما وهو ضعيف كما في التقريب فتبقى روايته مرجوحة لتجردها عن المتابع
القوي. ومع ذلك فإنه يمكن اعتبار روايته مرجحا آخر لرواية الجعفي والحسن بن
منصور على ما خالفهما بجامع الاشتراك في إسناد الحديث ومخالفة من أرسله غاية
ما في الأمر أنه وقع في روايته أن صحابي الحديث جبير بن مطعم وفي روايتهما:
جابر بن عبد الله " فترجح روايتهما على روايته بالكثرة والثقة. والله أعلم.
والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (3 / 240) من رواية جبير ابن مطعم
وقال: " رواه البزار بإسناد جيد "!
وقد عرفت أن الأرجح من حديث جابر بن عبد الله.
522 - " إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله عز وجل لكرم ضريبته
وحسن خلقه ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 220) : حدثنا علي بن إسحاق حدثنا عبد الله أنبأنا بن
لهيعة أخبرني الحارث بن يزيد عن ابن حجيرة الأكبر عن عبد الله ابن عمرو
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
ثم أخرجه (2 / 177) من طريقين آخرين صحيحين عن ابن لهيعة به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات وابن لهيعة واسمه عبد الله وإن كان
قد ساء حفظه إلا أن عبد الله هذا وهو ابن المبارك صحيح الحديث عنه لأنه(2/54)
سمع
منه قديما كما نبه على ذلك الحافظ عبد الغني ابن سعيد وغيره.
ولم يتنبه لهذا المنذري في " الترغيب " (3 / 257) ثم الهيثمي في " المجمع "
(8 / 22) فأعلاه بابن لهيعة!
وعزاه الثاني منهما للطبراني أيضا في " الكبير " و " الأوسط " وقال:
" وبقية رجاله رجال الصحيح ".
والحديث أخرجه أيضا الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 9 / 60) عن ابن لهيعة
. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقه
درجة الصوم والصلاة ". أخرجه الحاكم (1 / 60) وقال: " صحيح على شرط مسلم
". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وأخرجه هو وغيره من حديث عائشة مرفوعا
نحوه بلفظ: " درجات قائم الليل صائم النهار ". وقال أيضا: " صحيح على شرط
مسلم " ووافقه الذهبي وصححه ابن حبان (1927) .
523 - " يا عائشة ارفقي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على باب الرفق ".
أخرجه أحمد (6 / 104) حدثنا أبو سعيد قال: حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن
شريك يعني ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن عائشة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال لها:
قلت: وهذا إسناد على شرط البخاري وفي شريك وهو ابن عبد الله ابن أبي نمر(2/55)
كلام من قبل حفظه لكنه لم يتفرد بالحديث، فقال أحمد أيضا (6 / 71) :
حدثنا هيثم بن خارجة قال: حدثنا حفص بن ميسرة عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره إلا أنه قال: " أدخل
عليهم الرفق ". وبهذا اللفظ أورده المنذري (3 / 262) من حديث عائشة وقال:
" رواه أحمد والبزار من حديث جابر ورواتهما رواة الصحيح ".
ونحوه في " مجمع الزوائد " (8 / 19) للهيثمي وإسناد أحمد الثاني صحيح على
شرط البخاري.
وسبب الحديث ما روى المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله عنها
عن البداوة فقالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع
وإنه أراد البداوة مرة، فأرسل إلى ناقة مرحمة من إبل الصدقة فقال لي: يا
عائشة ارفقي، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا
شانه ".
524 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع وإنه أراد البداوة
مرة، فأرسل إلى ناقة محرمة من إبل الصدقة فقال لي: يا عائشة ارفقي، فإن
الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه ".
أخرجه أبو داود (2478) والسياق له وأحمد (6 / 58 / 222) من طريق شريك عن
المقدام. وشريك سيء الحفظ لكن تابعه شعبة عند مسلم (8 / 22 - 23)
والبخاري في " الأدب المفرد " (469 / 475) وأحمد (6 / 125 / 171)
وإسرائيل عند أحمد (6 / 112 / 206) .
525 - " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ".
أخرجه أبو داود (5212) والترمذي (2 / 121) وابن ماجه (3703) وأحمد
(4 / 289 / 303) وابن عدي (31 / 1) من طريق الأجلح عن أبي إسحاق عن
البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال
الترمذي:(2/56)
" حديث حسن غريب من حديث أبي إسحاق عن البراء وقد روي عن البراء من
غير وجه والأجلح هو ابن عبد الله بن حجية بن عدي الكندي ".
قلت: وهو مختلف فيه وهو حسن الحديث إن شاء الله لكن شيخه أبا إسحاق وهو
عمرو بن عبد الله السبيعي كان اختلط ولا أدري سمع منه قبل الاختلاط أم بعده
ثم هو إلى ذلك مدلس وقد عنعنه.
ومن طرقه التي أشار إليها الترمذي ما أخرجه أحمد (4 / 289) من طريق مالك عن
أبي داود قال: " لقيت البراء بن عازب فسلم علي وأخذ بيدي وضحك في وجهي قال:
تدري لم فعلت هذا بك؟ قال: قلت: لا أدري ولكن لا أراك فعلته إلا لخير قال:
إنه لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل بي مثل الذي فعلت بك فسألني؟
فقلت مثل الذي قلت لي، فقال: ما من مسلمين يلتقيان فيسلم أحدهما على صاحبه
ويأخذ بيده لا يأخذه إلا لله عز وجل لا يتفرقان حتى يغفر لهما ".
ولكنه إسناد واه جدا أبو داود وهو الأعمى يسمى نفيع متروك كما قال الحافظ في
" التقريب " وبه أعله المنذري في " الترغيب " (3 / 270) ثم الهيثمي في
" المجمع " (8 / 37) وعزواه للطبراني فقط في " الأوسط "!
ومنها ما عند أحمد (4 / 293) من طريق زهير عن أبي بلج يحيى ابن أبي سليم
قال: حدثنا أبو الحكم على البصري عن أبي بحر عن البراء أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " أيما مسلمين التقيا، فأخذ أحدهما بيد صاحبه، ثم حمد الله
تفرقا ليس بينهما خطيئة ".
قال ابن أبي حاتم عن أبيه (2 / 274) :(2/57)
" قد جود زهير هذا الحديث ولا أعلم
أحدا جوده كتجويد هذا. قلت لأبي: هو محفوظ؟ قال: زهير ثقة ".
قلت: وزهير هو ابن معاوية وقد خولف في إسناده، فرواه هشيم عن أبي بلج عن
زيد أبي الحكم العنزي عن البراء به نحوه. أخرجه أبو داود (5311) .
ورجح الحافظ في " التعجيل " (ص 292 - 293) رواية هشيم لمتابعة أبي عوانة له
ولم يذكر مصدرها. وعلى ذلك فعلة هذا الإسناد زيد هذا وهو ابن أبي الشعثاء
أبو الحكم العنزي قال الذهبي: لا يعرف.
وللحديث شاهد من حديث أنس مرفوعا بلفظ: " ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما
بيد صاحبه إلا كان حقا على الله أن يحضر دعاءهما ولا يفرق بين أيديهما حتى
يغفر لهما ". أخرجه أحمد (3 / 142) : حدثنا محمد بن بكر حدثنا ميمون المرائي
حدثنا ميمون بن سياه عن أنس بن مالك.
وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 270) : " رواه أحمد والبزار وأبو يعلى
ورواة أحمد كلهم ثقات إلا ميمون المرائي وهذا الحديث مما أنكر عليه ".
قلت: هو مترجم في " التهذيب " باسم " ميمون بن موسى المرئي وذكر في شيوخه
ميمون بن سياه وفي الرواة عنه البرساني وهو محمد بن بكر لكن أخرجه الضياء في
" المختارة " (ق 240 / 1 - 2) من طريق أحمد هكذا ومن طريق أبي يعلى ومحمد
ابن إبراهيم الفسوي عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة حدثنا يوسف بن يعقوب السدوسي
حدثنا ميمون بن عجلان عن ميمون بن سياه به. فسمى والد ميمون عجلان ولذلك قال
الهيثمي في " المجمع " (8 / 36) :(2/58)
" رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال
أحمد رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان، وثقه ابن حبان ولم يضعفه أحد ".
قلت: وهذا اختلاف مشكل لم يتبين لي الراجح منه فإن الطريق إلى ميمون المرائي
صحيح وكذلك إلى ميمون بن عجلان وقد ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل
" (4 / 1 / 239) ولم يذكر فيه أكثر مما يستفاد من إسناد أبي يعلى وقال
" وسئل أبي عنه؟ فقال: شيخ ". فالله أعلم بالصواب من الروايتين.
وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه وشاهده صحيح أو على الأقل حسن كما قال الترمذي.
526 - " إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما
يتناثر ورق الشجر ".
ذكره المنذري في " الترغيب " (3 / 270) ثم الهيثمي في " المجمع " (8 / 36)
من رواية الطبراني في " الأوسط " عن حذيفة، فقال الأول منهما: " ورواته
لا أعلم فيهم مجروحا ". وقال الآخر: " ويعقوب بن محمد بن الطحلاء روى عنه
غير واحد ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات ".
قلت: وفي هذا الكلام غرابة، فإنه إنما يقال في الراوي: " روى عنه غير واحد
ولم يضعفه أحد "، إذا كان مستورا غير معروف بتوثيق. وليس كذلك ابن طحلاء
فقد وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم واحتج به مسلم ولذلك فإني أخشى
أن يكون يعقوب بن محمد هذا هو غير ابن الطحلاء. والله اعلم.
وقد وجدت للحديث طريقا أخرى يتقوى بها، فقال عبد الله بن وهب في " الجامع "(2/59)
(38 - 39) أخبرني ابن لهيعة عن الوليد ابن أبي الوليد عن العلاء بن عبد
الرحمن عن أبيه أنه سمع حذيفة بن اليمان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقيه فقال: يا حذيفة ناولني يدك فقبض يده، ثم الثانية، ثم الثالثة، فقال:
ما يمنعك؟ فقال: إني جنب، فقال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أنه إنما أخرج لابن لهيعة
- واسمه عبد الله - مقرونا بغيره وهو صحيح الحديث إذا كان من رواية العبادلة
عنه، كهذا على ما هو مقرر في ترجمته والوليد بن أبي الوليد هو أبو عثمان
المدني مولى ابن عمر ويقال: مولى لآل عثمان قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 20)
: " جعله البخاري اسمين، قال أبي: هو واحد. سئل أبو زرعة عنه؟ فقال ثقة "
قلت: وهذا التوثيق مما فات الحافظ ابن حجر، فلم يذكره في ترجمة الوليد هذا
من " التهذيب " ولم يحك فيه توثيقا سوى ابن حبان الذي أورده في " الثقات "
(1 / 246) وهو متساهل في التوثيق معروف بذلك ولذلك لا يعتمده المحققون من
العلماء وعلى هذا جرى الحافظ في " التقريب " فقال فيه: " لين الحديث ".
وظني أنه لو وقف على توثيق أبي زرعة إياه لوثقه ولم يلينه. والله أعلم.
والحديث أخرجه ابن شاهين أيضا في " الترغيب " (ق 310 / 2) عن الوليد بن أبي
الوليد المديني عن يعقوب الحرقي عن حذيفة به. هكذا في مسودتي ليس فيها بيان
الراوي عن الوليد هل هو ثقة أم لا وإن كان المفروض أن حذفه أو عدم ذكره يكون
عادة لكونه ثقة وليس الأصل تحت يدي الآن، فإنه في المدينة المنورة وأنا أكتب
هذا في دمشق (3 / 4 / 1387) ولذلك فإني لا أستطيع المقابلة بين هذا الإسناد
وبين إسناد ابن وهب والترجيح بينهما.
وللحديث طريق أخرى في " الجامع " ولكنها واهية، فقال (27) : أخبرني ابن(2/60)
سمعان عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة بن
اليمان به نحوه. ورجاله ثقات غير ابن سمعان واسمه عبد الله بن زياد قال مالك
وابن معين وغيرهما: كذاب. فالعمدة على الطريق الأولى وإنما ذكرت هذه للكشف
عن حالها. وله شاهد من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة
فأراد أن يصافحه فتنحى حذيفة ... الحديث نحوه. قال الهيثمي: " رواه البزار
وفيه مصعب بن ثابت، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور ".
527 - " قد أقبل أهل اليمن وهم أرق قلوبا منكم (قال أنس) : وهم أول من جاء
بالمصافحة ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (967) وأحمد (3 / 212 - 251) من طرق عن
حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك قال: " لما جاء أهل اليمن قال النبي
صلى الله عليه وسلم ... ". والسياق للبخاري دون الزيادة وظاهره أن قوله:
" وهم ... " من تمام الحديث المرفوع وعلى ذلك جرى الحافظ في " الفتح " (11 /
46) فقال بعد أن عزاه للبخاري: " بسند صحيح من طريق حميد ... " وفي " جامع
ابن وهب من هذا الوجه: وكانوا أول من أظهر المصافحة ".(2/61)
ثم لم ينبه على أن
هذه الزيادة مدرجة فيه وأنها من قول أنس رضي الله عنه كما تدل عليه الزيادة
بين المعكوفتين وهي عند أحمد في رواية: حدثنا عفان حدثنا حماد به. والسند
صحيح على شرط مسلم وحميد قد صرح بالتحديث في رواية يحيى بن أيوب عنه قال:
سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقدم عليكم غدا
أقوام هم أرق قلوبا للإسلام منكم ". قال: فقدم الأشعريون، فيهم أبو موسى
الأشعري، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون:
غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه.
فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة " أخرجه أحمد (3 /
155، 223) . قلت: وإسناده صحيح أيضا على شرط مسلم.
528 - " لا تلعن الريح فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة
عليه ".
أخرجه أبو داود (4708) : حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان الحديث وحدثنا
زيد بن أخزم الطائي حدثنا بشر بن عمر حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثنا قتادة عن
أبي العالية - قال زيد: عن ابن عباس - " أن رجلا نازعته الريح رداءه على
عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... "
فذكره. وأخرجه الترمذي (1 / 357) حدثنا زيد بن أخزم الطائي البصري به
وأخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 175 - 176) من طريق أخرى عن يزيد به
وأخرجه ابن حبان (1988) والبيهقي في " الشعب " (2 / 102 / 1) من طريق أبي(2/62)
قدامة حدثنا بشر بن عمر به. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعلم أحدا
أسنده غير بشر بن عمر ".
قال المنذري عقبه في " الترغيب " (3 / 288 - 289) : " وبشر هذا ثقة احتج به
البخاري ومسلم وغيرهما ولا أعلم فيه جرحا ".
وأخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (59 / 200 / 1) .
529 - " إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ".
أخرجه مالك (2 / 982 / 2) وعند النسائي في " عشرة النساء " من " السنن
الكبرى " له (2 / 93 / 2) وكذا ابن حبان (14) وأحمد (6 / 357) عن محمد
ابن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: " أتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم في نسوة نبايعه على الإسلام، فقلن: يا رسول الله نبايعك على أن لا
نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان
نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من
أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وأخرجه النسائي في " المجتبى " (2 / 184) والترمذي (1 / 302) وابن ماجه
(2874) وأحمد والحميدي في مسنده (341) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن
المنكدر به إلا أن الحميدي والترمذي اختصراه وزاد هذا بعد قوله: " هلم
نبايعك ": " قال سفيان: تعني صافحنا ". وهي عند أحمد بلفظ: " قلنا يا رسول
الله ألا تصافحنا؟ ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".(2/63)
قلت: وإسناده صحيح. وتابعهما محمد بن إسحاق: حدثني محمد ابن المنكدر به
وزاد في آخره: " قالت: ولم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا امرأة "
. أخرجه أحمد والحاكم (4 / 71) بسند حسن.
وله شاهد من حديث أسماء بنت يزيد مثله مختصرا. أخرجه الحميدي (368) وأحمد
(6 / 454، 459) والدولابي في " الكنى " (2 / 128) وابن عبد البر في
" التمهيد " (3 / 24 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 293) من
طريق شهر بن حوشب عنها. وفيه عند أحمد: " فقالت له أسماء: ألا تحسر لنا عن
يدك يا رسول الله؟ فقال لها إني لست أصافح النساء ". وشهر ضعيف من قبل حفظه
وهذه الزيادة تشعر بأن النساء كن يأخذن بيده صلى الله عليه وسلم عند المبايعة
من فوق ثوبه صلى الله عليه وسلم، وقد روي في ذلك بعض الروايات الأخرى ولكنها
مراسيل كلها ذكرها الحافظ في " الفتح " (8 / 488) ، فلا يحتج بشيء منها
لاسيما وقد خالفت ما هو أصح منها كذا الحديث والآتي بعده وكحديث عائشة في
مبايعته صلى الله عليه وسلم للنساء قالت: " ولا والله ما مست يده صلى الله
عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك "
. أخرجه البخاري. وأما قول أم عطية رضي الله عنها:(2/64)
" بايعنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة، فقبضت
امرأة يدها، فقالت: أسعدتني فلانة.... ". الحديث أخرجه البخاري فليس صريحا
في أن النساء كن يصافحنه صلى الله عليه وسلم فلا يرد بمثله النص الصريح من قوله
صلى الله عليه وسلم هذا وفعله أيضا الذي روته أميمة بنت رقيقة وعائشة وابن
عمر كما يأتي. قال الحافظ: " وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن
أم عطية، فعند ابن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق
إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة، قال: فمد يده من
خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم أشهد. وكذا الحديث
الذي بعده حيث قالت فيه " قبضت منا امرأة يدها، فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه
بأيديهن. ويمكن الجواب عن الأول بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع
المبايعة وإن لم تقع مصافحة. وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن
القبول، أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في " المراسيل " عن
الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على
يده وقال: لا أصافح النساء.... ". ثم ذكر بقية الأحاديث بمعناه وكلها
مراسيل لا تقوم الحجة بها. وما ذكره من الجواب عن حديثي أم عطية هو العمدة
على أن حديثها من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن ليس بالقوي لأن إسماعيل هذا ليس
بالمشهور وإنما يستشهد به كما بينته في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 26 طبع
المكتب الإسلامي) . وجملة القول أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صافح
امرأة قط حتى ولا في المبايعة فضلا عن المصافحة عند الملاقاة، فاحتجاج البعض
لجوازها بحديث أم عطية الذي ذكرته مع أن المصافحة لم تذكر فيه وإعراضه عن
الأحاديث الصريحة في تنزهه صلى الله عليه وسلم عن المصافحة لأمر لا يصدر من
مؤمن مخلص، لاسيما
وهناك الوعيد الشديد فيمن(2/65)
يمس امرأة لا تحل له كما تقدم في الحديث (229) .
ويشهد لحديث أميمة بنت رقيقة الحديث الآتي. وبعد كتابة ما تقدم رأيت إسحاق
بن منصور المروزي قال في " مسائل أحمد وإسحاق " (211 / 1) : " قلت (يعني
لأحمد) : تكره مصافحة النساء قال: أكرهه. قال إسحاق: كما قال، عجوز كانت
أو غير عجوز إنما بايعهن النبي صلى الله عليه وسلم على يده الثوب ".
ثم رأيت في " المستدرك " (2 / 486) من طريق إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن
سليمان بن بلال عن ابن عجلان عن أبيه عن فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس.
" أن أبا حذيفة بن عتبة رضي الله عنه أتى بها وبهند بنت عتبة رسول الله صلى
الله عليه وسلم تبايعه، فقالت: أخذ علينا، فشرط علينا، قالت: قلت له: يا
ابن عم هل علمت في قومك من هذه العاهات أو الهنات شيئا؟ قال أبو حذيفة: إيها
فبايعنه، فإن بهذا يبايع، وهكذا يشترط. فقالت: هند: لا أبايعك على السرقة
إني أسرق من مال زوجي فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده وكفت يدها حتى أرسل
إلى أبي سفيان، فتحلل لها منه، فقال أبو سفيان: أما الرطب فنعم وأما اليابس
فلا ولا نعمة! قالت: فبايعناه ثم قالت فاطمة: ما كانت قبة أبغض إلي من قبتك
ولا أحب أن يبيحها الله وما فيها وو الله ما من قبة أحب إلي أن يعمرها الله
يبارك وفيها من قبتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضا والله لا
يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده ".
قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وإسناده حسن وفي محمد بن عجلان وإسماعيل بن أبي أويس كلام لا يضر إن
شاء الله تعالى.(2/66)
وهذا الحديث يؤيد أن المبايعة كانت تقع بينه صلى الله عليه
وسلم وبين النساء بمد الأيدي كما تقدم عن الحافظ لا بالمصافحة، إذ لو وقعت
لذكرها الراوي كما هو ظاهر. فلا اختلاف بينه أيضا وبين حديث الباب والحديث
الآتي.
530 - " كان لا يصافح النساء في البيعة ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 213) حدثنا عتاب بن زياد أنبأنا عبد الله أنبأنا
أسامة بن زيد حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان....
قلت: وهذا إسناد حسن على ما تقرر عند العلماء من الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده كأحمد والحميدي والبخاري والترمذي وغيرهم ومن دونه ثقات.
وعبد الله هو ابن المبارك.
531 - " قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر (وفي رواية: يسب
الدهر) فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر: أقلب ليله ونهاره
فإذا شئت قبضتهما ".
أخرجه البخاري (3 / 330، 4 / 478) ومسلم (7 / 45) والسياق له وأبو داود
(5274) وأحمد (2 / 138، 272، 275) من طرق عن الزهري عن ابن المسيب عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. واستدركه
الحاكم (2 / 453) من هذا الوجه واللفظ وقال: " صحيح على شرطهما ولم
يخرجاه هكذا ". ووافقه الذهبي، فوهما في الاستدراك على مسلم وقد أخرجه كما
ترى واغتر به المنذري فأورده في " الترغيب " بهذا اللفظ وقال (3 / 290) :
" رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ".(2/67)
وفي هذا الكلام على قلته ثلاث مؤاخذات:
الأولى: لم يعزه لمسلم وهو عنده بهذا التمام كما رأيت.
الثانية: عزاه لأبي داود وهو عنده مختصر ليس فيه " يقول يا خيبة الدهر "
وإنما عنده الرواية الأخرى وهي رواية للشيخين وكذا ليس عنده " فلا يقولن
أحدكم يا خيبة الدهر ".
الثالثة: أنه قال: إن الحاكم صححه على شرط مسلم والواقع أنه إنما صححه على
شرط الشيخين. وهو الصواب الموافق لحال الإسناد.
معنى الحديث:
قال المنذري: " ومعنى الحديث أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة وأصابته
مصيبة أو مكروه يسب الدهر اعتقادا منهم أن الذي أصابه فعل الدهر كما كانت العرب
تستمطر بالأنواء وتقول: مطرنا بنوء كذا اعتقادا أن ذلك فعل الأنواء، فكان
هذا كاللاعن للفاعل ولا فاعل لكل شيء إلا الله تعالى خالق كل شيء وفاعله
فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وكان (محمد) ابن داود ينكر رواية أهل الحديث " وأنا الدهر " بضم الراء
ويقول: لو كان كذلك كان الدهر اسما من أسماء الله عز وجل وكان يرويه " وأنا
الدهر أقلب الليل والنهار "، بفتح راء الدهر على النظر في معناه: أنا طول
الدهر والزمان أقلب الليل والنهار. ورجح هذا بعضهم ورواية من قال: " فإن
الله هو الدهر " يرد هذا. والجمهور(2/68)
على ضم الراء. والله أعلم ".
وللحديث طريق أخرى بلفظ آخر وهو: " لا تسبوا الدهر، فإن الله عز وجل قال:
أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك ".
532 - " لا تسبوا الدهر، فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر: الأيام والليالي لي
أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 496) : حدثنا ابن نمير حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن
أسلم عن ذكوان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد جيد وهو على شرط مسلم وفي هشام ابن سعد كلام لا يضر.
والحديث عزاه المنذري (3 / 290) للبيهقي وحده فقصر!
وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 71) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ".
533 - " لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم
فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في
أعراضهم ".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 224) : حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني راشد بن
سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم. فذكره. وأخرجه أبو داود (4878) : حدثنا ابن المصفى حدثنا بقية
وأبو المغيرة قالا: حدثنا صفوان به. قال أبو داود حدثناه يحيى بن عثمان عن
بقية ليس فيه أنس. حدثنا عيسى بن أبي عيسى السليحيني عن أبي المغيرة كما قال
ابن المصفى.
قلت: والموصول من طريق بقية هو الصواب لأنه رواية الأكثر عنه ولأنه الموافق
لرواية أبي المغيرة وهو أوثق منه واسمه عبد القدوس ابن الحجاج الخولاني(2/69)
الحمصي ثقة من رجال الشيخين ومن فوقه ثقات من رجال مسلم خلا راشد بن سعد ومع
كونه ليس من رجال مسلم - على ثقته - فهو متابع فالسند من طريق عبد الرحمن بن
جبير - وهو ابن نفير - صحيح على شرط مسلم. والداعي إلى تحرير هذا أنني رأيت
المنذري قال في تخريجه للحديث من كتابه " الترغيب " (3 / 300) :
" رواه أبو داود وذكر أن بعضهم رواه مرسلا ".
فخشيت أن يتوهم من لا علم عنده بإسناد هذا الحديث، أن رواية البعض إياه مرسلا
مما يعل به الحديث، فأحببت الكشف عن أن هذا البعض إنما هو بقية وأنه لم يتفق
الرواة عنه على روايته مرسلا بل الأكثر عنه على وصله وأنه هو الصواب لموافقته
لرواية أبي المغيرة التي لم يختلف عليه فيها. والله الموفق. ثم الحديث أخرجه
ابن أبي الدنيا في " الصمت " (4 / 34 / 1) : حدثنا حسين بن مهدي حدثنا عبد
القدوس أبو المغيرة به.
534 - " أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ".
أخرجه الطبراني (3 / 78 / 1 - 2) وأبو الشيخ في " أحاديثه " (10 / 2)
وابن عساكر (15 / 389 / 1) من طريق أبي بكر النهشلي عن الأعمش عن شقيق قال:
" لبى عبد الله رضي الله عنه على الصفا، ثم قال: يا لسان قل خيرا تغنم
اسكت تسلم من قبل أن تندم قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذا شيء أنت تقوله أم
سمعته؟ قال: لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد وهو على شرط مسلم. وقال المنذري في " الترغيب "
(4 / 8) : " رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح وأبو الشيخ في " الثواب "
والبيهقي بإسناد حسن ".(2/70)
535 - " ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1 / 4) وابن السني في " عمل اليوم والليلة "
(7) وابن أبي الدنيا في " الورع " (ق 165 / 2) وأبو بكر ابن النقور في
الجزء الأول من " الفوائد الحسان " (133 / 1) وأبو نعيم في " الرواة عن سعيد
ابن منصور " (209 / 1 - 2) والبيهقي في " الشعب " (9 / 65 / 2) عن عبد
العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه.
" أن عمر بن الخطاب اطلع على أبي بكر رضي الله عنهما وهو يمد لسانه، فقال
: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ فقال: هذا أوردني الموارد إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال ". فذكره. وقال ابن النقور: " تفرد بهذا الحديث أبو
أسامة زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب، مخرج عنه في " الصحيحين "، رواه عن
أبيه أبي خالد أسلم وهو من سبي اليمن يقال: كان بجاويا حديثه عند البخاري
وحده واختلف عن زيد فرواه هشام بن سعد ومحمد بن عجلان وداود بن قيس وعبد
الله بن عمر العمري كرواية عبد العزيز التي رويناها ورواه سفيان الثوري عن زيد
بن أسلم عن أبيه عن أبي بكر وقال فيه: " إن أسلم قال: رأيت أبا بكر ".
وقيل: إن هذا وهم من الثوري ورواه سعيد بن الخميس عن زيد عن عمر عن أبي بكر
لم يذكر فيه أسلم، والصحيح من ذلك رواية عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد
الدراوردي ومن تابعه عن زيد عن أبيه عن عمر عن أبي بكر كما أوردناه.
والله أعلم ".
قلت: فالحديث صحيح الإسناد على شرط البخاري، فإن الدراوردي ثقة وإن كان من
أفراد مسلم فقد تابعه الجماعة الذين ذكرهم ابن النقور، فالحديث عن زيد بن أسلم
صحيح مشهور. وقد تابعه أيضا مالك، فأخرجه في " الموطأ " (2 / 988 / 12) عن
زيد بن أسلم به دون الحديث المرفوع(2/71)
والحديث نقل السيوطي في " الجامع الكبير "
(2 / 527 / 2 - مصورة المكتب) عن الحافظ ابن كثير أنه قال: " إسناده جيد ".
536 - " من صمت نجا ".
أخرجه الترمذي (2 / 82) والدارمي (2 / 299) وأحمد (2 / 159، 177)
والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 26 / 2) من طرق عن ابن لهيعة عن يزيد بن
عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه إلا
من حديث ابن لهيعة ".
قلت: يعني أنه حديث ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة الذي عرف به لكن رواه عنه بعض
العبادلة الذين حديثهم عنه صحيح عند المحققين من أهل العلم منهم عبد الله بن
المبارك فقال في " كتاب الزهد " (ق 172 / 1 كواكب 575 ورقم 5، 38 - طبع
الهند) : أنبأنا عبد الله بن لهيعة به. ومنهم عبد الله بن وهب، فرواه في
" الجامع " (49) عنه. وأخرجه ابن شاهين في " الترغيب " (ق 107 / 1) من
طريق ابن وهب عنه به لكنه قرن معه عمرو بن الحارث وهو ثقة ولعل الطبراني
أخرجه من هذه الطريق فقد قال المنذري (4 / 9) : " رواه الترمذي وقال: حديث
غريب والطبراني ورواته ثقات ". ونقل المناوي عن الزين العراقي أنه قال:
" سند الترمذي ضعيف وهو عند الطبراني بسند جيد ".(2/72)
537 - " يا عائشة إياك والفحش إياك والفحش، فإن الفحش لو كان رجلا لكان رجل سوء ".
رواه العقيلي في " الضعفاء " (259) عن عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن
أبي مليكة يقول: قالت عائشة: فذكره مرفوعا.
وقال: " عبد الجبار قال البخاري: يخالف في بعض حديثه "، وقد روى هذا بغير
هذا الإسناد بأصلح من هذا وبألفاظ مختلفة في معنى الفحش ".
قلت: وقول البخاري هذا جرح لين لا ينهض عندي لاسقاط حديث عبد الجبار هذا فقد
وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود وغيرهم وقال ابن عدي: " لا بأس
به يكتب حديثه "، وقال السلمي عن الدارقطني: " لين ".
قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن وبقية رجال الإسناد ثقات فالحديث
عندي ثابت حسن على أقل الدرجات.(2/73)
538 - " ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته
وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 182 / 1) من طريق سلام أبي المنذر
عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير علي بن زيد وهو ابن جدعان وفيه ضعف من قبل
حفظه وبعضهم يجود حديثه أو يحسنه. فقد أخرج له الحاكم (2 / 591) حديثا آخر
بهذا السند ساكتا عليه، وقال الذهبي: " إسناده جيد "! وقال الهيثمي في
" المجمع " (8 / 82) وقد ذكره عن ابن عباس: " رواه الطبراني وإسناده حسن "
. وقال المنذري في " الترغيب " (4 / 16) : " رواه الطبراني والبزار بنحوه
من حديث أبي هريرة وإسنادهما حسن "! كذا قال وفيه نظر يعرف بعضه مما سبق
وحديث ابن عباس خير إسنادا من حديث أبي هريرة فإن مدارهما على ابن جدعان غير أن
الأول يرويه عنه سلام أبو المنذر وأما الآخر فرواه المنهال بن خليفة عنه عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (427)
وابن عدي في " الكامل " (322 / 2) والضياء في " المنتقى " من مسموعاته بمرو
" (ق 142 / 1) وقال العقيلي:(2/74)
" منهال بن خليفة قال يحيى: ضعيف وقال
البخاري: " فيه نظر " ولا يتابع عليه إلا من طريق تقاربه وإنما يروى هذا
مرسلا ".
قلت: وكأنه يشير إلى الطريق الأولى وهي خير من هذه كما ترى، فإن سلاما موثق
عند جماعة وهو حسن الحديث بخلاف المنهال، فإن الجمهور على تضعيفه بل البخاري
ضعفه جدا بقوله المتقدم.
وأما المرسل الذي أشار إليه، فلم أقف عليه وإنما وجدت له شاهدا موصولا من
حديث أنس وله عنه طريقان: الأول: عن علي بن الحسن الشامي عن خليد بن دعلج
عن قتادة عن أنس مرفوعا. أخرجه ابن عساكر في " مدح التواضع " (ق 89 / 1 / 2)
وقال: هذا حديث حسن غريب تفرد به علي بن الحسن عن خليد بن دعلج وقد روى عن
أنس من وجه آخر ".
قلت: أنى له الحسن وعلي بن الحسن هذا متهم، قال ابن حبان: " لا يحل كتب
حديثه إلا على جهة التعجب " وقال ابن عدي بعد أن أورد له عدة أحاديث: " كلها
ليست محفوظة وهي بواطيل هي وجميع حديثه هو ضعيف جدا ". وقال الدارقطني:
" يكذب يروي عن الثقات بواطيل " وقال الحاكم: " روى أحاديث موضوعة ".
قلت: فمثله لا يستشهد بحديثه فضلا عن أن يحتج به أو يحسن حديثه.
ثم ساق ابن عساكر من الوجه الآخر وهو من طريق الزبير بن بكار: حدثنا أبو(2/75)
ضمرة
- يعني أنس بن عياض الليثي حدثنا عبيد الله بن عمر عن واقد بن سلامة عن الرقاشي
يزيد عن أنس مرفوعا نحوه. وأخرجه الدامغاني الفقيه في " الأحاديث والأخبار "
(1 / 111 / 2) من طريق أخرى عن أبي ضمرة به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، يزيد وهو ابن أبان ضعيف ووافد ابن سلامة أورده
البخاري والعقيلي وابن الجارود في " الضعفاء " وقال أبو محمد بن أبي حاتم عن
أبيه (4 / 2 / 50) : " هو يروي عن الرقاشي فما يقال فيه؟ ! قال أبو محمد:
يعني أن الرقاشي ليس بقوي، فما وجد في حديثه من الإنكار يحتمل أن يكون من يزيد
الرقاشي ".
قلت: هو رجل صالح متعبد وقد بين الساجي سبب تضعيفه فقال: كان يهم ولا يحفظ
ويحمل حديثه لصدقه وصلاحه. وقال ابن عدي له: أحاديث صالحة عن أنس وغيره
وأرجو أنه لا بأس به لرواية الثقات عنه.
قلت: فمثله قد يستشهد به، فإذا انضم إليه المرسل الذي أشار إليه العقيلي صلحا
للاستشهاد بهما وبذلك يرتقي الحديث إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى.
539 - " إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصح لك جسمك وأروك
من الماء البارد؟ ".
أخرجه الترمذي (2 / 240) وابن حبان (2585) والحاكم (4 / 138) وفي
" علوم الحديث " (187) وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 31) وابن
معين في " التاريخ والعلل " (4 / 2) والخرائطي في " فضيلة الشكر " (ق 132
/ 2) وتمام في(2/76)
" الفوائد " (36 / 1) وابن بشران في " الأمالي " (18 / 5 /
1) وابن شاذان الأزجي في " الفوائد " (2 / 102 / 1) والرامهرمزي في
" الفاصل " (ص 137) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 20 / 1، 8 / 203 /
1) والضياء في " المنتقى من مسموعاته " (ق 59 / 1) وكذا أبو القاسم بن أبي
القعنب في " حديث القاسم بن الأشيب " (ق 7 / 2) كلهم من طريق عبد الله بن
العلاء بن زبر قال: سمعت الضحاك بن عرزب يحدث عن أبي هريرة مرفوعا به.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأما الترمذي فقال: "
حديث غريب. والضحاك هو ابن عبد الرحمن بن عرزب ويقال ابن عرزم أصح ".
ولا أدري لماذا استغربه الترمذي واستغرابه يعني التضعيف غالبا مع أن رجاله
كلهم ثقات، فالسند صحيح كما قال الذهبي تبعا للحاكم.
540 - " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين
المشرق والمغرب ".
أخرجه أحمد (2 / 378 - 379) : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر بن مضر عن يزيد
ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (8 /
223 - 224) بهذا الإسناد إلا أنه قال: " عيسى ابن طلحة " مكان " أبي سلمة ".
ولعله أصح فقد تابعه ابن أبي حازم عن يزيد عنه به. أخرجه البخاري (4 / 255)
والزيادة له(2/77)
وتابعه أيضا الدراوردي عنه به أخرجه مسلم وتابعه محمد بن إسحاق
: حدثني محمد ابن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبي سلمة به. ولفظه:
" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار ".
أخرجه أحمد (2 / 236) والترمذي (2 / 51) وقال: " حديث حسن غريب من هذا
الوجه ". وله شاهد من طريق أخرى أخرجه أحمد (2 / 355 / 533) من طريق جرير
بن حازم قال: سمعت الحسن يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الرجل ليتكلم بالكلمة وما يرى أنها تبلغ حيث بلغت يهوي بها في النار
سبعين خريفا ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن الحسن مدلس وقد
قيل: إنه لم يسمع من أبي هريرة. وأخرجه أحمد أيضا (2 / 402) من طريق
الزبير بن سعيد قال: وحدث صفوان بن سليم أيضا عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بنحوه إلا أنه قال: "....
بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا ". والزبير هذا لين
الحديث كما في " التقريب ". وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة وفي أوله زيادة
إلا أن في سندها ضعفا.
والصواب فيها الوقف كما حققته في الكتاب الآخر (1299) .(2/78)
541 - " قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعزة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما
ألقيه في النار ".
أخرجه أحمد (2 / 248) : حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن الأغر عن
أبي هريرة - قال سفيان أول مرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم
أعاده فقال: الأغر عن أبي هريرة - قال ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح وسفيان هو ابن عيينة وهو وإن كان
سمع من عطاء بعد اختلاطه، فقد تابعه سفيان الثوري وقد سمع منه قبل الاختلاط
فقال أحمد أيضا (2 / 376) : حدثنا عبد الرزاق: أنبأنا سفيان عن عطاء بن
السائب به. إلا أنه قال: " والعظمة " بدل " والعزة ". وكذلك أخرجه أبو
داود (4090) وابن ماجه (4174) وأحمد أيضا (2 / 414، 427، 442)
والضياء في " المختارة " (61 / 246 / 1) من طرق أخرى عن عطاء به. وأخرجه
ابن حبان في " صحيحه " (49 - موارد) وابن ماجه أيضا (4175) والواحدي في
" تفسيره " (4 / 61 / 2) من طريقين آخرين عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس مرفوعا به. فهذا إسناد آخر لعطاء ولعله من تخاليطه. ويرجح
اللفظ الأول أمران: الأول: أن أبا إسحاق - وهو السبيعي - رواه عن أبي مسلم
الأغر حدثه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن نازعني بشيء منهما عذبته ". أخرجه
مسلم في " صحيحه " (8 / 35 - 36) والبخاري في " الأدب المفرد " (552)
واللفظ له.(2/79)
والآخر: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: " فإن رداءه
الكبرياء وإزاره العزة ... ". أخرجه أحمد وغيره في حديث لفضالة بن عبيد،
وهو الآتي بعد هذا.
(تنبيه) أورد المنذري هذا الحديث في " الترغيب " (4 / 16) من رواية مسلم عن
أبي سعيد وأبي هريرة بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله
عز وجل: العز إزاري والكبرياء ردائي ... وهذا مخالف لما في " مسلم " وكذا
البخاري كما ترى، ثم قال: " ورواه البرقاني في " مستخرجه " من الطريق الذي
أخرجه مسلم ولفظه ... فذكره باللفظ الذي عزاه لمسلم إلا أن تمامه بلفظ البخاري
، ولفظ مسلم مختصر: " فمن ينازعني عذبته ". وبلفظ البرقاني أورده السيوطي
في " الجامع الصغير " وعزاه لسمويه. وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل قال: " الكبرياء ردائي،
فمن نازعني ردائي قصمته ". أخرجه الحاكم (1 / 61) من طريق سهل بن بكار حدثنا
حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عنه وقال: " صحيح على شرط مسلم "،
ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.(2/80)
542 - " ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو
عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده، فلا
تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله عز وجل رداءه، فإن رداءه
الكبرياء وإزاره العزة، ورجل شك في أمر الله والقنوط من رحمة الله ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (590) وابن حبان (50) والحاكم (1 /
119) - دون الشطر الثاني - وأحمد (6 / 19) وابن أبي عاصم في " السنة "
(رقم 89) وابن عساكر في " مدح التواضع وذم الكبر " (5 / 88 / 1) من طريق
حيوة بن شريح: حدثني أبو هاني أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي حدثه عن فضالة
ابن عبيد مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا
بجميع رواته ولم يخرجاه ولا أعرف له علة "، ووافقه الذهبي!
قلت: وقد وهما في بعض ما قالا، فإن أبا علي الجنبي لم يخرج له الشيخان في
" صحيحيهما " وأبو هاني واسمه حميد بن هاني لم يخرج له البخاري.
وقال ابن عساكر: " حديث حسن غريب تفرد به أبو هاني ورجال إسناده ثقات ".
543 - " من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (549) والحاكم (1 / 60) وأحمد (2 /
118) من طرق عن يونس بن القاسم أبي عمر اليمامي قال: حدثنا عكرمة بن خالد(2/81)
قال: سمعت ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووقع في " التلخيص ": " على شرط
مسلم " وكذا نقل المنذري في " الترغيب " (4 / 20) عن الحاكم وكل ذلك وهم
فإنه على شرط البخاري فقط لأن يونس بن القاسم لم يخرج له مسلم.
والحديث قال المنذري: " رواه الطبراني في " الكبير " ورواته محتج بهم في
(الصحيح) ".
544 - " آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ".
رواه البغوي في " شرح السنة " (3 / 187 / 2) من طريق أبي الشيخ عن عبيد الله
ابن الوليد عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: قلت: يا رسول
الله كل جعلني الله فداك متكئا فإنه أهون عليك، فأحنى رأسه حتى كاد أن تصيب
جبهته الأرض وقال: بل آكل ...
قلت: وهذا إسناد ضعيف عبيد الله بن الوليد وهو الوصافي قال الحافظ في
" التقريب ": " ضعيف لكنه قد توبع، فأخرجه ابن سعد (1 / 1 / 281) من طريق
أبي معشر عن سعيد المقبري عنها مرفوعا به في حديث خرجته في " الضعيفة "
(2045) . وأبو معشر اسمه نجيح وهو ضعيف أيضا.
والحديث قال الهيثمي (9 / 19) : " رواه أبو يعلى وإسناده حسن ".
وله شاهد معضل أخرجه ابن سعد (1 / 371) عن يحيى بن أبي كثير مرفوعا به.
ورجاله ثقات. ورواه البيهقي أيضا كما في " الفيض " للمناوي وقال:(2/82)
" ورواه هناد عن عمرو بن مرة ... ولتعدد هذه الطرق رمز المؤلف لحسنه ".
قلت: بل هو صحيح. فإن له شاهدا مرسلا صحيحا أخرجه أحمد في " الزهد "
(ص 5 - 6) من طريق جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: " كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أمر به فألقي على الأرض وقال " فذكره ...
وإسناده مرسل صحيح. وأخرج الطرف الأول منه المروزي في " زوائد الزهد "
(995) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن به. وأخرجه أحمد أيضا (ص 5) من
طريق عبدة بن أيمن عن عطاء بن أبي رباح به نحوه مرسلا. ورجاله ثقات غير عبدة
بن أيمن فلم أعرفه. وأخرجه البزار ومن طريقه أبو نعيم في " أخبار أصبهان "
(2 / 273) من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا به، دون الشطر الثاني.
545 - " رخص النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في ثلاث: في الحرب وفي الإصلاح بين
الناس وقول الرجل لامرأته. (وفي رواية) : وحديث الرجل امرأته وحديث
المرأة زوجها ".
أخرجه الإمام أحمد (6 / 404) : حدثنا حجاج قال: حدثنا ابن جريج عن ابن شهاب
عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة أنها قالت: فذكره
. قلت: وهذا إسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه وإنما من وجه
آخر عن الزهري كما يأتي. ثم قال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا
ليث يعني بن سعد عن يزيد يعني بن الهاد عن عبد الوهاب عن ابن شهاب به.(2/83)
وأخرجه
أبو داود (2 / 304) والطبراني في " الصغير " (ص 37) من طريقين آخرين عن
ابن الهاد به. وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الوهاب وهو
ابن أبي بكر: رفيع المدني وكيل الزهري. قال أبو حاتم: ثقة صحيح الحديث ما به
بأس من قدماء أصحاب الزهري. وقال النسائي: ثقة. وقد توبع، فقال أحمد:
حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي عن صالح بن كيسان قال: حدثنا محمد بن مسلم بن
عبيد الله بن شهاب به بلفظ: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا أو يقول خيرا. وقالت: لم
أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث ... " فذكره بالرواية الثانية.
وكذا أخرجه مسلم (8 / 28) عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد به وأخرجه البخاري
(5 / 328 - 329 فتح) من طريق عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد به
. دون قوله " وقالت: لم أسمعه ... ".
وأخرجه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب بتمامه إلا أنه جعل هذه الزيادة التي من
قولها من قول ابن شهاب فقال: " قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء ... ".
وعلى هذه الرواية تكون الزيادة غير مرفوعة وإنما من قول الزهري ولهذا قال
الحافظ في " الفتح ": " وهذه الزيادة مدرجة بين ذلك مسلم في روايته من طريق
يونس عن الزهري فذكر الحديث، قال: وقال الزهري. وكذا أخرجها النسائي مفردة
من رواية يونس(2/84)
وقال: يونس أثبت في الزهري من غيره. وجزم موسى بن هارون
وغيره بإدراجها. ورويناه في " فوائد بن أبي ميسرة " من طريق عبد الوهاب بن
رفيع عن ابن شهاب. فساقه بسنده مقتصرا على الزيادة وهو وهم شديد ".
وأقول: لا وهم منه البتة، فإنه ثقة صحيح الحديث كما تقدم وقد تابعه ثقتان
ابن جريج وصالح بن كيسان واقتصر الأول منهما على الزيادة أيضا كما سبق بيانه
فهؤلاء ثلاثة من الثقات الأثبات اتفقوا على رفع هذه الزيادة، فصلها اثنان
منهما عن أول الحديث ووصلها به الآخر وهو صالح، فاتفاقهم حجة وذلك يدل على
أنها مرفوعة ثابتة وأنها ليست مدرجة كما زعم الحافظ ويتعجب منه كيف خفيت عليه
رواية ابن جريج فلم يذكرها أصلا وكيف اقتصر في عزوه رواية ابن رفيع على
" فوائد ابن أبي ميسرة " وهي في " السنن " و " المسند "؟ !
ويشهد لها ما أخرجه الحميدي في " مسنده " (329) حدثنا سفيان قال حدثني صفوان
ابن سليم عن عطاء بن يسار قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله: هل علي جناح أن أكذب على أهلي؟ قال: لا، فلا يحب الله الكذب
قال: يا رسول الله استصلحها وأستطيب نفسها! قال: لا جناح عليك ".
قلت: وهذا إسناد صحيح ولكنه مرسل وليس هو على شرط " مسنده " وقد أورده في
" أحاديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها " منه وكأنه أشار بذلك
إلى أن الحديث وإن كان وقع له هكذا مرسلا، فهو يرجح إلى أنه من مسندها ولذلك
أورده فيه. والله أعلم.
ويشهد لها أيضا حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: " لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: كذب الرجل مع امرأته لترضى عنه
أو كذب في الحرب، فإن الحرب خدعة أو كذب في إصلاح بين الناس ". أخرجه أحمد
(6 / 459، 461) والترمذي (3 / 127 - تحفة) وقال: " حديث حسن ".(2/85)
فقه الحديث:
بعد أن فرغنا من تحقيق القول في صحة الحديث ودفع إعلاله بالإدراج أنقل إلى
القارىء الكريم ما ذكره النووي رحمه الله في شرح الحديث: " قال القاضي لا خلاف
في جواز الكذب في هذه الصور واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؟
فقالت طائفة: هو على إطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضيع للمصلحة
وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه
وسلم: * (بل فعله كبيرهم) * و * (إني سقيم) * وقوله " إنها أختي "، وقول
منادي يوسف صلى الله عليه وسلم * (أيتها العير إنكم لسارقون) *. قالوا: ولا
خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين
هو. وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلا، قالوا: وما جاء
من الإباحة في هذا المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب مثل أن
يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا وينوي: إن قدر الله ذلك.
وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه وإذا سعى في
الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى،
وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه: مات إمامكم الأعظم وينوي إمامهم في الأزمان
الماضية أو غدا يأتينا مدد. أي طعام ونحوه، هذا من المعاريض المباحة، فكل
هذا جائز. وتأولوا في قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض.
والله أعلم ".
قلت: ولا يخفى على البصير أن قول الطائفة الأولى هو الأرجح والأليق بظواهر
هذه الأحاديث وتأويلها بما تأولته الطائفة الأخرى من حملها على المعاريض مما
لا يخفى بعده، لاسيما في الكذب في الحرب.
فإنه أوضح من أن يحتاج إلى التدليل على جوازه ولذلك قال الحافظ في " الفتح "
(6 / 119) : " قال النووي: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن
التعريض أولى. وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص
رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل
ما(2/86)
انقلب حلالا انتهى. ويقويه ما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث أنس في قصة
الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم في استئذانه النبي صلى الله
عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وإذن النبي
صلى الله عليه وسلم وإخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين وغير ذلك
مما هو مشهور فيه ".
546 - " لا نعلم شيئا خيرا من مائة مثله إلا الرجل المؤمن ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 109) : حدثنا هارون حدثنا ابن وهب حدثني أسامة عن
محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه الطبراني في
" المعجم الصغير " (ص 82) : حدثنا حسنون بن أحمد المصري حدثنا أحمد بن صالح
حدثنا عبد الله بن وهب إلا أنه قال: " ألف " مكان " مائة " وأسقط من الإسناد
محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وقال الطبراني عقبه: " لم يروه عن عبد
الله بن دينار إلا أسامة تفرد به ابن وهب ولا يروى إلا بهذا الإسناد ".
قلت: ورواية أحمد أصح سندا ومتنا لأن شيخ الطبراني حسنون هذا لا أعرفه.
وإسناد أحمد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن عبد الله بن عمرو وهو سبط
الحسن الملقب بـ (الديباج) وهو مختلف فيه، وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق ".(2/87)
وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 64) : " رواه أحمد
والطبراني في الأوسط والصغير إلا أن الطبراني قال في الحديث ... من ألف مثله
. ومداره على أسامة ابن زيد بن أسلم وهو ضعيف جدا ". كذا قال.
والراجح عندنا أنه ليس ابن زيد بن أسلم وهو العدوي وإنما هو أسامة ابن زيد
الليثي وهو من رجال مسلم وأما العدوي فضعيف. وكان من الصعب بل من المستحيل
تعيين المراد منهما في هذا الحديث على رواية الطبراني لأن كلا منهما روى عنه
عبد الله بن وهب. ولم يذكرا في الرواة عن عبد الله بن دينار وإنما أمكن
التعيين برواية أحمد التي فيها أن شيخ أسامة هو " الديباج " وقد ذكر في ترجمته
من " التهذيب " أن أسامة بن زيد الليثي هو الذي روى عنه. وبذلك زال إعلال
الهيثمي للحديث بابن أسلم. والله أعلم.
547 - " لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره، فاقتلوها في الحل والحرم ".
رواه ابن ماجه (1246) وابن عدي (68 / 1) عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة
عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: لدغ النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو
يصلي فقال: فذكره. وقال ابن عدي: " لا أعرفه إلا من حديث الحكم عن قتادة،
قال ابن معين ضعيف ".
قلت: لكن لم ينفرد به الحكم فقد رواه ابن خزيمة في " صحيحه " عن محمد بن بشار
عن محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة به.
وللحديث شاهد قوي من حديث علي رضي الله عنه، وفيه بيان سبب وروده وهو:
" لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره. ثم دعا بماء وملح وجعل يمسح
عليها ويقرأ بـ * (قل يا أيها الكافرون) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل
أعوذ برب الناس) * ".(2/88)
548 - " لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره. ثم دعا بماء وملح وجعل يمسح
عليها ويقرأ بـ * (قل يا أيها الكافرون) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل
أعوذ برب الناس) * ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 117) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان "
(2 / 223) وأبو محمد الخلال في " فضائل قل هو الله أحد " (ق 202 / 1) من
طرق عن محمد بن فضيل عن مطرف عن المنهال بن عمرو عن محمد بن الحنفية عن على
قال: " لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يصلي، فلما فرغ قال ... ".
فذكره وقال الطبراني: " لم يروه عن مطرف إلا ابن فضيل ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه إلا أن المنهال لم يخرج له مسلم
. وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 152 / 2) : أنبأنا عبد الرحيم بن
سليمان عن مطرف به إلا أنه لم يذكر عليا في إسناده ولا يضر الموصول لما تقرر
أن زيادة الثقة مقبولة، لاسيما وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن مسعود نحوه
وفيه: " ثم أمر بملح فألقي في ماء فجعل يده فيه، فجعل يقلبها حيث لدغته
ويقرأ ... ". ولكنه لم يذكر * (قل يا أيها الكافرون) *.
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 83 / 1) بسند ضعيف.
549 - " ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والمسلم من سلم
الناس من لسانه ويده والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر
الخطايا والذنوب ".
أخرجه الإمام أحمد (6 / 21) : حدثنا علي بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله قال:
أنبأنا ليث(2/89)
قال: أخبرني أبو هانىء الخولاني عن عمرو بن مالك الجنبي قال:
حدثني فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، ثم أخرجه (6 / 22) عن رشدين بن سعد
عن حميد أبي هانىء الخولاني به. وأخرج ابن ماجه (3934) من طريق عبد الله بن
وهب عن أبي هانىء به القضية الأولى والأخيرة. وأخرجه ابن حبان (25) من
طريق أخرى عن الليث بن سعد به وأخرجه الحاكم (1 / 10 - 11) من طريقين آخرين
عن الليث به وأخرجا له شاهدا من حديث أنس مرفوعا نحوه إلا أنه لم يذكر القضية
الثالثة وقال في الأولى: والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره
بوائقه. أخرجه ابن حبان (26) والحاكم (1 / 11) من طريق حماد بن سلمة عن
يونس بن عبيد وحميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره. وقال الحاكم: " على شرط مسلم ". وأقره الذهبي، وهو كما قالا.
وهو عند مسلم في " صحيحه " (1 / 49) من حديث أبي هريرة مرفوعا به دون قوله
" والذي نفسي بيده " ولذلك خرجته. وعلقه البخاري (4 / 118) عنه ولكنه لم
يسق لفظه ووصله من حديث أبي شريح مرفوعا بلفظ: " والله لا يؤمن والله لا
يؤمن والله لا يؤمن قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه
".(2/90)
550 - " إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن ".
أخرجه أحمد (5 / 251، 252، 256) وابن حبان (103) والحاكم (1 / 14)
من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن
أبي أمامة قال: " قال رجل: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: فذكره.
قال: يا رسول الله فما الإثم؟ قال: إذا حاك في صدرك شيء فدعه ". وقال
الحاكم ووافقه الذهبي: " صحيح متصل على شرط الشيخين ". وأقول: إنما هو على
شرط مسلم وحده، فإن زيد بن سلام وجده ممطورا لم يخرج لهما البخاري في " صحيحه
"، وإنما في " الأدب المفرد ".
551 - " أفضل الساعات جوف الليل الآخر ".
أخرجه أحمد (5 / 385) عن محمد بن ذكوان عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة
قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله من تبعك على
هذا الأمر؟ قال: حر وعبد، قلت: ما الإسلام؟ قال: طيب الكلام وإطعام
الطعام، قلت: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة، قال: قلت: أي الإسلام
أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، قال: قلت: أي الإيمان أفضل؟
قال: خلق حسن، قال: قلت: أي الصلاة أفضل، قال: طول القنوت، قال: قلت:
أي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربك(2/91)
عز وجل، قال: قلت: أي الجهاد
أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه، قال: قلت: أي الساعات أفضل، قال:
جوف الليل الآخر ... ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف محمد بن ذكوان وهو الطاحي وشهر ضعيفان لكن الحديث ثبت
غالبه من طرق أخرى.
أولا: الفقرة الأخيرة منه أخرجها أحمد (5 / 187) من طريق أبي بكر بن عبد
الله عن حبيب بن عبيد عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
ورجاله ثقات غير أبي بكر وهو ابن أبي مريم فإنه سيء الحفظ. وأخرج هو (5 /
111 - 113 - 114) وابن ماجه (1364) من طريق يزيد بن طلق عن عبد الرحمن
البيلماني، عن عمرو بن عبسة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت:
يا رسول الله من أسلم؟ قال: حر وعبد. قال: فقلت: وهل من ساعة أقرب إلى
الله تعالى من أخرى؟ قال: جوف الليل الآخر " وقال ابن ماجه " الليل الأوسط "
وهو شاذ.
قلت: وابن البيلماني ضعيف وابن طلق مجهول. لكن لهذه الفقرة طريق أخرى صحيحة
عن عمرو بن عبسة تجد الكلام عليها في " صحيح أبي داود " (1198) .
ثانيا: فقرة " أي الجهاد أفضل؟ "، فقد أخرج أحمد (4 / 114) من طريق أبي
قلابة عن عمرو بن عبسة قال: قال رجل يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: أن يسلم
قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك قال: فأي الإسلام أفضل؟
قال: الإيمان قال: وما الإيمان؟ قال: تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
والبعث بعد الموت قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال الهجرة قال: فما الهجرة؟ قال
: أن تهجر السوء. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد.
قال: وما الجهاد؟ قال: أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم.(2/92)
قال: فأي الجهاد
أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما حجة مبرورة أو عمرة.
قلت: ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان أبو قلابة - واسمه
عبد الله بن زيد - سمعه من عمرو فإنه مدلس وعلى كل حال فهذه الفقرة ثابتة
بمجموع الطريقين والله أعلم.
ثالثا: فقرة " أي الهجرة أفضل؟ ". قد جاءت في الطريق الآنفة الذكر، فهي
حسنة أيضا.
رابعا: فقرة أي الصلاة أفضل. هذه صحيحة لأن لها شواهد منها عند مسلم وغيره
من حديث جابر " أفضل الصلاة طول القنوت ".
خامسا: فقرة " الصبر والسماحة ". لها شاهد من حديث جابر وله عنه طريقان.
الأولى: عن الحسن عنه أنه قال: " قيل يا رسول الله أي الإيمان أفضل؟ قال:
الصبر والسماحة ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (ق 184 / 2) ورجاله
ثقات رجال الشيخين إلا أن الحسن وهو البصري مدلس ولم يصرح بالسماع.
الثانية: عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر. أخرجه ابن أبي الدنيا
في " الصبر " (43 / 2) وابن عدي في " الكامل " من طريق أبي يعلى.
قلت: ويوسف هذا ضعيف لكن الحديث قوي بمجموع طرقه الثلاث.
سادسا: فقرة " حر وعبد ". أخرجها مسلم في " صحيحه " (2 / 208 - 209) من
طريق أخرى عن عمرو بن عبسة.(2/93)
552 - " أفضل الجهاد من عقر جواده وأهريق دمه ".
أخرجه أحمد من طريقين عن عمرو بن عبسة مرفوعا في أثناء حديث تقدم ذكره
وتخريجه في الذي قبله، فهذا القدر منه حسن بمجموع الطريقين.
553 - " أفضل الهجرة أن تهجر ما كره ربك عز وجل ".
أخرجه أحمد من طريقين عن عمرو بن عبسة مرفوعا في أثناء حديث تقدم ذكره
وتخريجه قبل حديث، فهذا القدر منه حسن بمجموع الطريقين أيضا.
554 - " الإيمان الصبر والسماحة ".
أخرجه أحمد من حديث أبي أمامة، وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وغيرهما
من طريقين عن جابر كما تقدم بيانه قبل حديثين.
555 - " أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس كل شيء وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام
وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض ".
أخرجه أحمد (3 / 82) حدثنا حسين حدثنا ابن عياش يعني إسماعيل عن الحجاج بن
مروان الكلاعي وعقيل بن مدرك السلمي عن أبي سعيد الخدري أن رجلا جاءه
فقال: أوصني فقال: سألت عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك:
فذكره.
قلت: ورجاله ثقات غير الحجاج بن مروان الكلاعي قال في " التعجيل ": " ليس
بالمشهور " قلت: وهو مقرون بعقيل بن مدرك السلمي وقد روى عنه ثلاثة من
الثقات وذكره ابن حبان في " الثقات " لكن يؤخذ من ترجمته منه (2 / 233) ومن
" التهذيب " أنه من أتباع التابعين، فقد قال فيه بعد أن ذكر جماعة من التابعين
روى عنهم: " وأرسل عن أبي عبد الله الصنابحي ".(2/94)
وعليه فهو منقطع بينه وبين أبي سعيد ولا أدري إذا كان الأمر كذلك بين قرينه
الحجاج الكلاعي وأبي سعيد وقد وجدت للحديث طريقا أخرى أخرجه الطبراني في
" المعجم الصغير " (ص 197) والخطيب (7 / 392) وكذا أبو بكر الشافعي في
(الفوائد) (73 / 256 / 1 - 2) وأبو محمد الجوهري في " الفوائد المنتقاة "
(4 / 2) والواحدي في " الوسيط " (1 / 126 / 2) من طريق ليث عن مجاهد عن
أبي سعيد بلفظ: " فإنه نور لك في الأرض وذكر في السماء ".
به نحوه، وقال الطبراني: " لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وفاته إسناد أحمد والحديث بمجموع الطريقين عندي حسن.
وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 215) : " رواه أحمد وأبو يعلى ... ورجال
أحمد ثقات وفي إسناد أبي يعلى ليث بن أبي سليم وهو مدلس ".
قلت: لا أعرف أحدا رماه بالتدليس وإنما هو ضعيف لاختلاطه وكثرة خطئه.
ولبعضه شاهد من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي رهبانية
ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله ". أخرجه أحمد (3 / 266) عن زيد
العمي عن أبي إياس عنه.
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل زيد وهو ابن أبي الحواري وهو ضعيف كما في
" التقريب "، وقد قال فيه الدارقطني وغيره " صالح " فمثله يستشهد به.(2/95)
ثم وجدت للحديث شاهدا آخر من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا به بلفظ:
" فإن ذلك لك نور في السماوات ونور في الأرض ". أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (1 / 82 / 2) عن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني حدثني أبي عن جدي
عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر. لكن إبراهيم هذا ضعيف بل اتهمه بعضهم.
556 - " إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول: (رب اغفر لي
وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة) ".
أخرجه أحمد (2 / 21) حدثنا ابن نمير عن مالك يعني ابن مغول عن محمد بن سوقة
عن نافع عن ابن عمر: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولكن الرواة اختلفوا على مالك في قوله
" الغفور ". فذكر عنه ابن نمير هذا الحرف وتابعه المحاربي عند الترمذي (2 /
254) وخالفه عند ابن السني (364) فقال: " الرحيم " مكان " الغفور ".
وكذلك قال أبو أسامة عن مالك عند أبي داود (1516) وابن ماجه (3814) وقرن
هذا مع أبي أسامة المحاربي، فقد اختلف عليه أيضا في هذا الحرف. وكذلك قال
سفيان عن مالك عند ابن حبان (2459) وروايته عند الترمذي أيضا ولكنه لم يسق
لفظه وإنما أحال فيه على رواية المحاربي قائلا: " نحوه بمعناه " فلا أدري كيف
وقع هذا الحرف عند الترمذي عن سفيان هل هو " الغفور " أم " الرحيم ". وعلى كل
حال، فهذا اضطراب شديد فيه لم يترجح عندي منه شيء. لأن اللفظ الأول اتفق عليه
ابن نمير والمحاربي واللفظ الآخر اتفق عليه أبو أسامة وسفيان.(2/96)
نعم قد يمكن
ترجيح لفظهما على لفظ الأولين لأن أحدهما وهو المحاربي قد اختلف عليه كما سبق
فروايته الموافقة لروايتهما مما يرجحها على روايته الأخرى الموافقة لابن نمير
وحده! ولكن سيأتي ما يدعم هذه الرواية ويرجحها رواية ودراية.
وقد وجدت للحديث طريقا أخرى كان يمكن الترجيح بها لولا أن الراوي تردد في هذا
الحرف نفسه! فأخرجه أحمد (2 / 67) من طريق زهير حدثنا أبو إسحاق عن مجاهد عن
ابن عمر قال: " كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته استغفر مائة
مرة، ثم يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وتب علي إنك أنت التواب الرحيم أو إنك
تواب غفور ".
قلت: وأبو إسحاق هو السبيعي وهو ثقة ولكنه مدلس وهو إلى ذلك كان اختلط
وقد روى عنه زهير وهو ابن معاوية بن حديج بعد اختلاطه. فهو الذي تردد في هذا
الحرف وزاد على ذلك أن جعل الاستغفار مطلقا مائة مرة والاستغفار بهذا الدعاء
مرة واحدة! !
ووجدت للحديث طريقا ثالثا أخرجه أحمد أيضا (2 / 84) عن يونس بن خباب حدثنا
أبو الفضل أو بن الفضل عن ابن عمر " أنه كان قاعدا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: " اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور " حتى عد العاد
بيده مائة مرة ".
قلت: وهذا سند ضعيف يونس هذا قال الحافظ " صدوق يخطىء ورمي بالرفض "
و" أبو الفضل أو ابن الفضل مجهول ".
قلت: وهذا الإسناد وإن كان ضعيفا، فهو شاهد لا بأس به كمرجح لرواية(2/97)
" الغفور " ويؤيده ملاحظة المعنى فإن قوله: " رب اغفر لي " يناسب قوله
" الغفور "، أكثر من قوله " الرحيم " هذا ما بدا لي من التحقيق في هذا الحرف
ولم أقف على أحد كتب فيه، فإن أصبت، فمن الله وله الحمد وهو وليي وإن
كانت الأخرى فأستغفره من ذنبي خطئي وعمدي وكل ذلك عندي.
ثم إن الحديث قال الترمذي عقبه: " حديث حسن صحيح غريب ". وعزاه الحاكم (1 /
511) لمسلم فوهم.
557 - " أبشر إن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا ليكون حظه من
النار في الآخرة ".
أخرجه أحمد (2 / 440) وابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 229 / 2) قالا:
حدثنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن
أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
" أنه عاد مريضا ومعه أبو هريرة من وعك كان به فقال (له) رسول الله صلى الله
عليه وسلم ... " فذكره. ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن ماجه (3470)
والحاكم (1 / 345) وكذا ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (159 / 1
- 2) من طريق أخرى عن أبي أسامة به. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه
الذهبي. وهو كما قالا ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الأشعري هذا قال أبو
حاتم: لا بأس به. وروى عنه جماعة من الثقات ولذلك جزم الذهبي في " الميزان
" بأنه ثقة.(2/98)
وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول "!
والحديث أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 40 / 1) من طريق عبد
الرحمن بن يزيد بن تميم حدثني إسماعيل بن عبيد الله به. إلا أنه زاد فيه فقال
: " خرج النبي صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعلي وأنا معه، فقبض
على يده، فوضع يده على جبهته وكان يرى ذلك من تمام عيادة المريض، ثم قال ...
" فذكره دون قوله " أبشر " في أوله، وقوله " في الآخرة " في آخره.
قلت: وهذه زيادة منكرة لتفرد ابن تميم بها وهو ضعيف مخالفا ابن جابر وهو
ثقة.
558 - " يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع ويفر منه صاحبه ويطلبه ويقول:
أنا كنزك، قال: والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه ".
أخرجه أحمد في " المسند " (2 / 312، 316) : حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا
معمر عن همام بن منبه قال: حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكر أحاديث هذا أحدها.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وله طريق ثانية.
قال أحمد (2 / 379) : حدثنا قتيبة حدثنا ليث بن سعد عن ابن عجلان عن القعقاع
عن أبي صالح عن أبي هريرة به نحوه وقال: " أقرع ذا زبيبتين ".
وإسناده جيد. وله طريق ثالثة أخرجه (2 / 489) من طريق الحسن عن أبي هريرة
نحوه وقال:(2/99)
" له زبيبتان ". وزاد في آخره: " ثم يتبعه بسائر جسده ".
وإسناده صحيح إن كان الحسن وهو البصري سمعه من أبي هريرة ورجاله كلهم ثقات
رجال الشيخين. وله طريق رابعة. أخرجه (2 / 530) قال: حدثنا علي بن حفص
أنبأنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحوه.
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن علي بن حفص هو المدائني لم
يخرج له البخاري، فهو على شرط مسلم وقد أخرجه (3 / 73) من حديث جابر بن عبد
الله الأنصاري مرفوعا نحوه وقال: " فإذا أتاه فر منه، فيناديه: خذ كنزك
الذي خبأته، فأنا عنه غني، فإذا رأى أن لابد منه سلك يده في فيه فيقضمها قضم
الفحل ".
559 - " ما بلغ أن تؤدى زكاته، فزكي فليس بكنز ".
أخرجه أبو داود (1564) من طريق عتاب بن بشير عن ثابت ابن عجلان عن عطاء عن
أم سلمة قالت: " كنت ألبس أوضاحا من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟
فقال ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، فيه ثلاث علل: الأولى: الانقطاع بين عطاء - وهو
ابن أبي رباح - وأم سلمة، فإنه لم يسمع منها كما قال أحمد وابن المديني.
الثانية: ثابت بن عجلان فإنه مختلف فيه وقد أورده العقيلي في " الضعفاء "
(ص 63) وقال: " حدثنا عبد الله بن أحمد قال: سألت أبي عن ثابت بن عجلان؟
قال: كان يكون(2/100)
بالباب والأبواب. قلت: هو ثقة؟ فسكت كأنه حسن أمره ".
وقال الذهبي في " الميزان ": " وثقه ابن معين وقال أحمد: أنا متوقف فيه.
وقال أبو حاتم: صالح وذكره ابن عدي (ق 46 / 2) وساق له ثلاثة أحاديث
غريبة. وذكره العقيلي في " الضعفاء " وقال: " لا يتابع في حديثه ". فمما
أنكر عليه حديث عتاب بن بشير ... (قلت: فذكره) . قال الحافظ عبد الحق: ثابت
لا يحتج به، فناقشه على قوله أبو الحسن ابن القطان وقال: قول العقيلي أيضا
فيه تحامل عليه، فقال: إنما يمر (!) بهذا من لا يعرف بالثقة مطلقا، فأما
من عرف بها فانفراده لا يضره إلا أن كثر ذلك منه. قلت: أما من عرف بأنه ثقة
فنعم وأما من وثق (و) مثل الإمام أحمد يتوقف فيه وسئل أبو حاتم؟ فقال:
صالح الحديث فلا نرقيه إلى رتبة الثقة، فتفرد هذا يعد منكرا، فرجح قول
العقيلي وعبد الحق ".
قلت: هذا رأي الذهبي في الخلاف المذكور وخالفه الحافظ ابن حجر فانتصر لابن
القطان، فقال في " التهذيب ": " وصدق فإن مثل هذا لا يضره إلا مخالفة الثقات
لا غير، فيكون حديثه حينئذ شاذا ".
قلت: وأنا أرى أن الصواب مع الحافظ رحمه الله لأن توقف أحمد في ثابت ليس
مثلما لو كان ضعفه، فلو أنه ضعفه لم يضر فيه مع توثيق من وثقه لأنه جرح غير
مفسر، فهو غير معتبر فكيف وهو لم يصرح بتضعيفه وكأنه لهذا رمز السيوطي لحسنه
في " الجامع الصغير " وقال شارحه المناوي: " قال ابن عبد البر: في سنده مقال
قال الزين العراقي في " شرح الترمذي ": إسناده جيد رجاله رجال البخاري وفيه
ثابت ابن عجلان ... وقد أحسن المصنف حيث اقتصر على تحسينه قال ابن القطان:
وللحديث إسناد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح.(2/101)
قلت: وقد صرفهم جميعا الاختلاف في ثابت عن الانتباه للعلة الحقيقية في
الإسناد ألا وهي الانقطاع.
الثالثة على أني أرى أنه لو ذهب ذاهب إلى إعلاله بعتاب بن بشير بدل ثابت بن
عجلان لم يكن قد أبعد عن الصواب، فإنه دونه في الثقة كما يتبين ذلك بالرجوع
إلى ترجمتيهما من " التهذيب ". وحسبك دليلا على ذلك قول الحافظ في عتاب:
" صدوق يخطىء " وفي ثابت: " صدوق "!
وجملة القول أن هذا الإسناد ضعيف لانقطاعه وسوء حفظ عتاب. إلا أن المرفوع
منه يشهد له حديث خالد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: " خرجت مع عبد الله بن
عمر فلحقه أعرابي فقال له: قول الله: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا
ينفقونها في سبيل الله) *؟ قال له ابن عمر: من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له
إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها الله طهورا للأموال. ثم
التفت، فقال: ما أبالي لو كان لي أحد ذهبا أعلم عدده وأزكيه وأعمل فيه
بطاعة الله عز وجل ". أخرجه ابن ماجه (1787) والبيهقي (4 / 82) من طريق
ابن شهاب حدثني خالد بن أسلم به. وعلقه البخاري (3 / 250) مختصرا.
وإسناده صحيح. وهو وإن كان موقوفا فهو في حكم المرفوع لأنه في أسباب النزول
وذلك لا يكون إلا بتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عمر هذا هام
جدا في تفسير آية الإنفاق هذه فإن ظاهرها وجوب إنفاق جميع ما عند المسلم من
الذهب والفضة وقد أخذ بهذا الظاهر بعض الأحزاب الإسلامية في العصر الحاضر
ولم يلتفتوا إلى هذا الحديث المبين للمراد منها وأنها كانت قبل فرض الزكاة
المطهرة للأموال، فلما نزلت قيدت الآية وبينت أن المقصود منها إنفاق الجزء
المفروض على الأموال من الزكاة
وعلى ذلك دلت سائر الأحاديث التي وردت في الترهيب من منع الزكاة وكذلك سيرة
السلف الصالح فإن(2/102)
من المقطوع به أن عثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما من
أغنياء الصحابة لم ينفقوا أموالهم كلها بل ماتوا وقد خلفوا لورثتهم أموالا
طائلة كما هو مذكور في كتب السيرة والتراجم.
وجملة القول أن الحديث بهذا الشاهد حسن أو صحيح. والله أعلم.
وقد روى مالك (1 / 256 / 1) عن عبد الله بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله
بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: " هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة
". وإسناده صحيح غاية.
560 - " شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع ".
أخرجه أبو داود (3511) وابن حبان (808) وأحمد (2 / 302 / 320) وعنه
أبو نعيم في " الحلية " (9 / 50) من طريق موسى بن علي سمعت أبي يحدث عن عبد
العزيز بن مروان بن الحكم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد العزيز ابن مروان بن
الحكم وهو والد عمر بن عبد العزيز - وهو ثقة.
561 - " الناس يومئذ على جسر جهنم ".
أخرجه أحمد (6 / 116 - 117) من طريق عبد الله بن عنبسة بن سعيد عن حبيب بن
أبي عمرة عن مجاهد قال: قال ابن عباس: " أتدري ما سعة جهنم؟ قلت: لا قال:
أجل والله ما تدري إن بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفا تجري
فيها أودية القيح والدم. قلت: أنهارا؟ قال: لا بل أودية، ثم قال: أتدرون
ما سعة جهنم؟ قلت: لا قال: أجل والله ما(2/103)
تدري حدثتني عائشة أنها سألت
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة
والسماوات مطويات بيمينه) * فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: هم على جسر
جهنم ".
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عنبسه ابن سعيد وهو ابن
الضريس الأسدي وهو ثقة بلا خلاف.
562 - " نعم سحور المؤمن التمر ".
أخرجه ابن حبان (883) والبيهقي (4 / 236 - 237) عن محمد ابن أبي بكر
المقدمي حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير حدثنا محمد بن موسى المدني عن المقبري
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح. وله طريق أخرى عن أبي
هريرة مرفوعا عند أبي عوانة في " صحيحه " وفي متنه زيادة وإسناده واه جدا
ولذلك أوردته من أجلها في السلسلة الأخرى (1326) .
وله شاهد من حديث جابر وله عنه طريقان: الأولى: عن زمعة بن صالح عن عمرو
ابن دينار عنه مرفوعا به. أخرجه ابن عدي (ق 150 / 2) أبو نعيم في " الحلية "
(3 / 350) والخطيب (2 / 286 - 12 / 438) والسلفي في أواخر مجلس من
" أمالي أبي مطيع المصري "(2/104)
(ق 64 / 2) من طريق الطبراني وقال أبو نعيم:
" تفرد به زمعة ".
قلت: وهو ضعيف. والأخرى: عن محمد بن عمرو الواقفي عن أبي الزبير عنه به.
أخرجه المحاملي في الثالث من " الأمالي " (ق 33 / 1) . والواقفي هذا ضعيف
كما في " التقريب ". وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه. لكن قال الهيثمي (3 /
151) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ". فلعله عند البزار من غير هذين
الطريقين. ثم تبين لي أنه من الطريق الأولى من " زوائد البزار " (ص 106)
وله شاهد ثان من حديث عقبة بن عامر. أخرجه أبو الحسن بن عبد كويه في " ثلاثة
مجالس " (ق 10 / 2) من طريق الطبراني وابن عدي (58 / 1) عن ابن لهيعة عن
يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عنه. وابن لهيعة ضعيف لسوء حفظه، فهو ممن
يستشهد به.
وشاهد ثالث مرسل. أخرجه الخطيب في " التلخيص " (ق 108 / 2) من طريق إسماعيل
ابن عياش عن إبراهيم بن شعيث عن سعيد بن عبد الله ابن أبي هند.
وإبراهيم هذا ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 105) ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا.(2/105)
تنبيه: عزى الحديث المنذري في " الترغيب " (2 / 94) وتبعه عليه الخطيب
التبريزي في " المشكاة " (1998) إلى أبي داود وذلك وهم لا أدري من أين
جاءهما!
563 - " من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء
والأرض ".
أخرجه الترمذي في " سننه " (11 / 32 / 2) وأبو حزم بن يعقوب الحنبلي في
" كتاب الفروسية " (1 / 7 / 2) كلاهما من طريق الوليد ابن جميل عن القاسم
أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب من حديث أبي أمامة ".
قلت: وهو كما قال وفي الوليد وشيخه كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن،
لاسيما وللحديث شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعا به.
أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " و " الأوسط " (1 / 107 / 1) من طريق عبد
الله بن الوليد العدني حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن بشر بن عطية عن شهر بن
حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء.
وقال: " لم يروه عن سفيان إلا عبد الله بن الوليد ".
قلت: وهو صدوق ربما أخطأ كما قال الحافظ لكن شهر بن حوشب فيه ضعف لسوء حفظه
فيستشهد به. فقول المنذري في " الترغيب " (2 / 62) وتبعه الهيثمي
(3 / 194) : " رواه الطبراني في " الأوسط والصغير " بإسناد حسن " ليس بحسن
إلا إن أراد أنه حسن لغيره فنعم.(2/106)
وله شاهد آخر من حديث جابر مرفوعا به.
أخرجه الطبراني أيضا في " الأوسط " وفيه أبو ظبية واسمه عيسى ابن سليمان ضعفه
ابن معين. وساق له ابن عدي عدة مناكير. وذكره ابن حبان في " الثقات ".
(تنبيه) وقع آخر الحديث في النسخة المطبوعة من " السنن " (1 / 306 - طبع
بولاق) " كما بين المشرق والمغرب " والذي أثبتناه أصح من وجوه.
أولا: أنه الثابت في نسخة مصححه مخطوطة من " السنن " ولذلك عزوت إليها ومن
صحتها أنه كتب على هامشها أن في نسخة " المشرق والمغرب ".
ثانيا: أنه الذي نقله عن " السنن " المنذري في " الترغيب " والتبريزي في
" المشكاة " (2064) والسيوطي في " الجامع ".
ثالثا: أنه الموافق لرواية أبي حزم من الوجه الذي هو في " السنن ".
رابعا: أنه المطابق لرواية حديث أبي الدرداء وجابر. والله أعلم.
564 - " إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا ".
أخرجه البخاري (7 / 79، 10 / 350 - فتح) والترمذي (4 / 369 - 370) وأحمد
(2 / 92، 114) عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن بن أبي نعم أن رجلا سأل
ابن عمر (وأنا جالس) عن دم البعوض يصيب الثوب؟ (فقال له: ممن أنت؟
قال: من أهل العراق) ، فقال ابن عمر: (ها) انظروا إلى هذا! يسأل عن
دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم! ! سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. والزيادات لأحمد والسياق للترمذي وقال:
" هذا حديث حسن صحيح ".(2/107)
565 - " أحصوا هلال شعبان لرمضان ولا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان
يصومه أحدكم وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فإنها ليست تغمى
عليكم العدة ".
أخرجه الدارقطني (ص 230) والحاكم (1 / 425) وعنهما البيهقي (4 / 206)
والبغوي في " شرح السنة " (2 / 182 / 1 - 2) من طريق أبي معاوية عن محمد بن
عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وأقول: إنما هو حسن فقط للخلاف في محمد بن عمرو ولأن مسلما لم يحتج به
وإنما روى له متابعة. ثم إن الحديث بهذا التمام للدارقطني وحده وليس عند
البغوي قوله: " وصوموا لرؤيته ... " الخ. وعند الحاكم الفقرة الأولى منه
فقط. وكذلك أخرجه الترمذي (1 / 133) وأعله بقوله: " لا نعرفه مثل هذا إلا
من حديث أبي معاوية والصحيح ما روي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقدموا شهر رمضان بيوم أو يومين ".
وهكذا روي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم نحو حديث محمد بن عمرو الليثي ".
قلت: لما لم يقع للترمذي من الحديث إلا طرفه الأول كما أشرنا قام في نفسه أن
أبا معاوية وهم فيه فقال: " احصوا هلال شعبان لرمضان " مكان قوله: " لا
تقدموا ... " الخ. ولذلك حكم عليه بالوهم ولست أرى ذلك لأن رواية الدارقطني
قد جمعت بين(2/108)
الفقرتين غاية ما في الأمر أنه وقع فيها " ولا تخلطوا برمضان "
بدل قوله " لا تقدموا شهر رمضان بيوم أو يومين " ولا يخفى أن المعنى واحد،
لاسيما ولفظه عند البغوي: " ولا تصلوا رمضان بشيء إلا أن يوافق ... " الخ.
وكأنه لما ذكرنا سكت البيهقي عن الحديث فلم يعله بشيء. على أني قد وجدت لأبي
معاوية متابعا أخرجه الضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (ق 97 /
1) من طريق يحيى بن راشد حدثنا محمد بن عمرو به. ويحيى بن راشد هو المازني
البراء وهو ضعيف يصلح للاعتبار والاستشهاد، فثبت أن الحديث حسن. والله
أعلم. وقد روى له الدارقطني شاهدا من حديث رافع بن خديج مرفوعا نحوه. إلا أن
في إسناده الواقدي، وهو متروك لا يصلح للاستشهاد. فأنما أوردته تنبيها. ثم
رأيت ابن أبي حاتم قد ساق الحديث في " العلل " (1 / 245) من طريق يحيى بن
راشد قال: حدثنا محمد بن عمرو به وقال: " قال أبي: ليس هذا الحديث بمحفوظ
". فكأنه لم يقع له من طريق أبي معاوية كما لم تقع للترمذي هذه الطريق
وبالجمع بينهما ينجو الحديث من الشذوذ والمخالفة. والله أعلم.
566 - " أفضل الصدقة جهد المقل وابدأ بمن تعول ".
أخرجه البغوي في " حديث أبي الجهم العلاء بن موسى " (2 / 2) حدثنا الليث بن
سعد عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط مسلم غير أبي الجهم هذا. وقد ترجمه
الخطيب (12 / 240 - 241) وقال: " وكان صدوقا توفي في أول سنة ثمان وعشرين
ومائتين ".(2/109)
وللحديث شاهد بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعا وهو مخرج في
" الإرواء " (826) ولأوله شاهدان آخران عن أبي أمامة وأبي ذر. مخرجان فيه
(889) . وشاهد آخر من حديث عبد الله بن حبشي مرفوعا. أخرجه أحمد (3 / 411
- 412) وإسناده صحيح على شرط مسلم.
567 - " ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة
الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده. قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن كانت إبلا فبعيرين
وإن كانت بقرا فبقرتين ".
أخرجه النسائي (2 / 66) والدارمي (1 / 204) وابن حبان (1649 - 1652)
والحاكم (2 / 86) وأحمد (5 / 151، 153، 159، 164) من طرق عن الحسن عن
صعصعة بن معاوية قال: " لقيت أبا ذر قال: قلت: حدثني، قال: نعم قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. والسياق للنسائي وزاد أحمد وابن
حبان: " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما
الله الجنة بفضل رحمته إياهم ". وقد أخرجها النسائي في " الجنائز " (1 / 256
) ، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا لولا أن فيه عنعنة الحسن البصري لكنه قد صرح بالتحديث عند
أحمد من طريقين عنه فهو على شرط الشيخين، وصعصعة من الصحابة رضي الله عنهم.(2/110)
568 - " من أحيا أرضا ميتة له بها أجر وما أكلت منه العافية فله به أجر ".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 313) قال: حدثنا يحيى عن هشام بن سعيد يعني ابن عروة
أخبرني عبيد الله بن عبد الرحمن الأنصاري قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول
فذكره مرفوعا. ثم قال (3 / 326 - 327) : حدثنا أبو النضر: حدثنا أبو عقيل -
قال عبد الله: قال أبي: أبو عقيل اسمه عبد الله بن عقيل -: حدثنا هشام بن
عروة: حدثني عبيد الله ابن عبد الرحمن ابن رافع عن جابر بن عبد الله به.
قلت: فهذا يبين أن في الطريق الأولى تحريفا وتقديما وتأخيرا والصواب فيها:
" يحيى بن سعيد عن هشام يعني ابن عروة " فأخطأ الطابع والناسخ فنقل: " ابن
سعيد " من بعد " يحيى " وجعله بين " هشام " و " يعني ابن عروة ". وهذا إسناد
رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري فهو
مجهول. وهو راوي حديث بئر بضاعة. لكن للحديث طريقان آخران أحدهما من طريق
هشام بن عروة نفسه بإسناد آخر وهو ما أخرجه أحمد (3 / 304) قال: حدثنا عباد
بن عباد المهلبي عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله مرفوعا
به بلفظ: " من أحيا أرضا ميتة فله منها يعني أجرا وما أكلت العوافي منها فهو
له صدقة ". وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.(2/111)
والطريق الآخر الثالث ما عند أحمد (3 / 356) حدثنا: يونس ويحيى ابن أبي
بكير قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر به إلا أن يونس قال:
" فله فيها أجر " وقال ابن أبي بكير: " فهي له " وقالا: " العافية ".
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم فقد أخرج بهذا الإسناد غير ما حديث إلا أن أبا
الزبير مدلس وقد عنعنه ولكنه متابع كما مر. هذا وقد اختلف في هذه اللفظة من
الحديث: " فله فيها أجر " أو " فهي له " في الفقرة الأولى منه. فرواية يحيى
بن سعيد عن هشام ابن عروة عن عبيد الله بن عبد الرحمن ورواية عباد بن عباد
المهلبي مثل الرواية الأولى وهي رواية يونس وهي رواية ثقتين آخرين عن هشام
بالإسنادين خالفا فيهما يحيى بن سعيد وعابد بن عباد وهما حماد بن أسامة
وحماد بن زيد أما الأول فأخرج حديثه أحمد (3 / 381) قال: حدثنا حماد بن
أسامة حدثني هشام بن عروة: حدثني عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع به بلفظ:
(من أحيا أرضا ميتة فهي له وما أكلت العافية منه له به صدقة) . وأما ابن
زيد فقال أحمد (3 / 338) : حدثنا يونس: حدثنا حماد يعني ابن زيد: حدثنا
هشام بن عروة عن وهيب بن كيسان عن جابر به إلا أنه قال: فهو له صدقة. فقال
رجل: يا أبا المنذر - قال أبو عبد الرحمن: أبو المنذر هشام بن عروة - ما
العافية؟ ما أعتافها من شيء ". ولم يتبين لي الآن الرواية الصحيحة منهما
وعسى أن نقف بعد على ما يرجح إحداهما على الأخرى فنبينه في مناسبة أخرى إن شاء
الله تعالى. ثم رأيت الحديث في " غريب الحديث " لأبي عبيد (ق 52 / 1) :
حدثنا معاوية عن(2/112)
هشام بن عروة عن عبيد الله بن عبد الرحمن به باللفظ الثاني:
" فهي له ". وأخرجه الدارمي (2 / 267) من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة
به باللفظ الأول " فله فيها أجر ". فتأكدت بذلك من التصويب الذي قدمته لرواية
المسند ولكني لا أزال مترددا في الأرجح من اللفظين وإن كان يمكن القول
بصحتهما معا أي فهي له ملكا وله أجرا. والله أعلم.
569 - " يا أيها الناس! أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل
والناس نيام تدخلو الجنة بسلام ".
أخرجه الترمذي (2 / 79) والدارمي (1 / 340) وابن ماجه (رقم 1335، 3251
) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 17) والحاكم (3 / 13) وأحمد (5 / 451
) وابن سعد في " الطبقات " (4 / 235) والضياء في " المختارة " (58 / 176 /
1 - 2) من طرق عن عوف بن أبي جميلة عن زرارة بن أبي أوفى: حدثني عبد الله
بن سلام قال: " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله
وقيل: قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قدم رسول الله قد قدم رسول
الله (ثلاثا) ، فجثت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه
كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال ... " فذكره. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " قلت: ووافقه
الذهبي وهو كما قالا.
570 - " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد
".(2/113)
أخرجه مسلم (8 / 160) وابن ماجه (2 / 545) وأبو نعيم في " الحلية "
(2 / 17) من طريق مطر الوراق حدثني قتادة عن مطرف ابن عبد الله بن الشخير عن
عياض ابن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطبهم فقال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات ولكن له علتان: عنعنة قتادة وسوء حفظ مطر
الوراق ولم يسمع قتادة هذا الحديث من مطرف كما حققته فيما علقته على كتابي
" مختصر صحيح مسلم " وهو على وشك التمام أنظر الحديث (3906 منه) . ومن
هاتين العلتين توجهت الهمة إلى تتبع طرق الحديث لعل فيها ما يشد من عضده فوجدته
في " سنن أبي داود " (2 / 300) من طريق الحجاج عن قتادة عن يزيد بن عبد الله
عن عياض به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضا لأن الحجاج وهو ابن أرطاة مدلس أيضا، ثم هو
منقطع بين يزيد بن عبد الله وعياض بينهما أخوه مطرف بن عبد الله كما رواه أحمد
بالسند الصحيح عن قتادة به، فذكر الخطبة ولكن ليس فيها هذا الحديث إلا من
طريق مطر الوراق السابقة وهو مذكور في التعليق المشار إليه. ووجدت للحديث
شاهدا، أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (426) وابن ماجه (4214) من
طريق يزيد بن أبي حبيب عن سنان ابن سعد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: " إن الله عز وجل أوحى إلي أن تواضعوا ولا يبغ بعضكم على بعض ".
قلت: وإسناده خير من إسناد حديث عياض رجاله ثقات رجال الشيخين غير(2/114)
سنان بن
سعد وقيل: سعد بن سنان وهو مختلف فيه، فمنهم من وثقه ومنهم من ضعفه وتجد
تفصيل ذلك في " التهذيب ". وابن أبي حاتم لما ترجمه (2 / 1 / 251) لم يذكر
فيه غير توثيق ابن معين، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أفراد ".
قلت: فهو حسن الحديث. وبحديث عياض يرتقي إلى درجة الصحيح والله أعلم.
571 - " اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (981) والترمذي (2 / 340) والدارمي
(2 / 109) وابن ماجه (3694) وابن حبان (1360) وأحمد (2 / 170 و 196)
وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 287) من طرق عن عطاء بن السائب عن أبيه عن
عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: هو كما قال ورجاله ثقات وعطاء بن السائب إنما يخشى من اختلاطه وما دام
أنه لم يتفرد بالحديث فقد أمناه، فقد مضى الحديث قريبا (569) عن عبد الله بن
سلام دون الفقرة الأولى منه وهي في غنية عن الاستشهاد لها لكثرة النصوص من
الآيات والأحاديث التي وردت بلفظها ومعناها. وليس لابن ماجه من الحديث إلا
هذه الفقرة وفقرة الإفشاء.(2/115)
(تنبيه) عزا السيوطي هذا الحديث في " الجامع الصغير " للترمذي من حديث أبي
هريرة! وإنما هو عنده كما عند غيره من حديث ابن عمرو وأما حديث أبي هريرة
عنده، فهو بغير هذا السياق وفيه زيادة: " واضربوا الهام " وهي زيادة منكرة
بإسناد ضعيف ولذلك أوردته في " السلسلة الأخرى " (1324) وانطلى الأمر على
المناوي فإنه بعد أن نقل تصحيح الترمذي إياه وأقره! قال بعد قوله (عن أبي
هريرة) : " قال: قلت: يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي ... " فأوهم أن هذا
عند الترمذي وإنما هو عند أحمد ومن طريق أخرى غير الطريق التي صححها الترمذي
على أنهما في الضعف سواء كما بينته هناك.
572 - " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك
الرجل في أرض الضلال لك صدقة وبصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة وإماطتك الحجر
والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة ".
أخرجه الترمذي (1 / 354) والسياق له والبخاري في " الأدب المفرد " (128)
وابن حبان (864) عن عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل عن مالك بن مرثد عن أبيه
عن أبي ذر مرفوعا. وقال الترمذي: " حسن غريب وأبو زميل اسمه سماك بن
الوليد الحنفي ".
قلت: وهو ثقة كسائر الرواة غير مرثد وهو ابن عبد الله الزماني قال الذهبي:
" ليس بمعروف ما روى عنه سوى ولده مالك ". وفي التقريب: هو مقبول.
قلت: ولعل ابن حبان أورده في " ثقاته " على قاعدته المعروفة وهو المناسب(2/116)
لإخراجه حديثه في " صحيحه "، وهو لا يستحق ذلك وغايته أن يكون حسنا لغيره
فإن له طريقا أخرى بنحوه يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
573 - " على كل مسلم صدقة قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعتمل بيديه فينفع نفسه
ويتصدق قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قيل: أرأيت
إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال:
يمسك عن الشر فإنها صدقة ".
أخرجه البخاري (2 / 121) وفي " الأدب المفرد " (35 - 46) ومسلم
(3 / 83) والسياق له والنسائي (1 / 351) والطيالسي (ص 67 رقم 495)
وأحمد (4 / 395، 411) من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا وكذلك رواه
الدارمي (2 / 309) . وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث أبي موسى يأتي في
التخريج قريبا.
574 - " على كل عضو من أعضاء بني آدم صدقة ".
أخرجه أحمد (2 / 395) : حدثنا هوذة حدثنا عوف عن خلاس عن أبي هريرة
مرفوعا. وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة غير هوذة وهو ابن خليفة وهو ثقة.
وهو مختصر: " كل سلامى من الناس عليه صدقة " ويأتي.
575 - " على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه قلت: يا رسول الله
من أين أتصدق وليس لنا أموال؟ قال: لأن من أبواب الصدقة التكبير وسبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله وأستغفر الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن
المنكر وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظمة والحجر وتهدي الأعمى وتسمع
الأصم والأبكم حتى يفقه(2/117)
وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها وتسعى بشدة
ساقيك إلى اللهفان المستغيث وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف كل ذلك من أبواب
الصدقة منك على نفسك ولك في جماعك زوجتك أجر قال أبو ذر: كيف يكون لي أجر في
شهوتي؟ فقال: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره، فمات أكنت تحتسبه؟
قلت: نعم قال: فأنت خلقته؟ قال: بل الله خلقه قال: فأنت هديته؟ قال: بل
الله هداه قال: فأنت ترزقه؟ قال: بل الله كان يرزقه قال: كذلك فضعه في
حلاله وجنبه حرامه، فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 168) : حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا علي يعني ابن
مبارك عن يحيى عن زيد بن سلام عن أبي سلام قال أبو ذر: على كل نفس الخ.
كذا الأصل لم يرفعه والظاهر أنه سقط من الناسخ بدليل السياق. وهذا سند صحيح
رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ورواه ابن حبان والنسائي كما رمز له في المنتخب
(2 / 535) والله أعلم. وله طريق أخرى أخصر منه بلفظ: " تبسمك في وجه أخيك
صدقة ". وقد مر وله حديث آخر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي
العمل أفضل؟ قال: " إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال
: أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو
تصنع لأخرق قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها
على نفسك ". أخرجه البخاري (3 / 117) وفي " الأدب المفرد " (34، 46)
ومسلم (1 / 62) وأحمد (5 / 150، 171) عن أبي مراوح عنه. وعند النسائي
ولبعضه (2 / 57) منه الجملة الأولى.(2/118)
ولبعضه شاهد مختصر بلفظ: " على كل
سلامى من بني آدم فهي في كل يوم صدقة ويجزي من ذلك كله ركعتا الضحى ".
أخرجه الطبراني في الصغير ص (133) : حدثنا عبد الله بن محمد ابن سختان
الشيرازي حدثنا علي بن محمد الزياداباذي حدثنا سالم بن نوح عن هشام بن حسان عن
قيس بن سعد عن طاووس عن ابن عباس رفعه. وقال: تفرد به علي بن محمد.
قلت: ذكره السمعاني بغير جرح أو تعديل. وشيخه عبد الله بن محمد لم أره
وبقية رجاله ثقات رجال البخاري. وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 237) :
" رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه من لم أجد من ترجمه ".
قلت: وله طريق أخرى عن طاووس بلفظ أتم وهو.
" في ابن آدم ستون وثلاثمائة سلامى أو عظم أو مفصل على كل واحد في كل يوم
صدقة كل كلمة طيبة صدقة وعون الرجل أخاه صدقة والشربة من الماء تسقيها صدقة
وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ".
576 - " في ابن آدم ستون وثلاثمائة سلامى أو عظم أو مفصل على كل واحد في كل يوم
صدقة كل كلمة طيبة صدقة وعون الرجل أخاه صدقة والشربة من الماء تسقيها صدقة
وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (62) من طريق ليث عن طاووس عن
ابن عباس أظنه رفعه، شك ليث. قلت: وهو ابن أبي سليم وهو صدوق إلا أنه
كان اختلط لكن تابعه قيس بن سعد عند الطبراني كما مر في " على كل سلامى "
فيتقوى به وبقية رجاله ثقات رجال الصحيحين. فالحديث حسن إن شاء الله تعالى.
وله طريق أخرى بلفظ عن أبي ذر أيضا وهو: " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة
، فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر
بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى "(2/119)
577 - " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل
تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة،
ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ".
أخرجه مسلم (2 / 158) وأبو داود (2 / 249) وأحمد (5 / 167، 168) عن
أبي الأسود الديلي عن أبي ذر مرفوعا. وراجع ما سبق " أو ليس قد جعل الله
لكم " وله شاهد بلفظ: " في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل " وقد سبق أيضا.
وآخر بلفظ: " على كل ميسم من الانسان صلاة (وفي رواية: يصبح على كل ميسم
من ابن آدم كل يوم صدقة) فقال رجل من القوم: ومن يطيق هذا؟ فقال: أمر
بالمعروف ونهي عن المنكر صلاة وإن حملا عن الضعيف صلاة وإن كل خطوة يخطوها
أحدكم إلى صلاة صلاة ". قال في " المجمع " (3 / 104) : " رواه أبو يعلى
والبزار والطبراني في الكبير والصغير بنحوه من حديث ابن عباس وزاد في
الصغير: ويجزىء من ذلك كله ركعتا الضحى. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ".
قلت: وهو في " مسند أبي يعلى " (2 / 640 - 641) باللفظ الأول وفيه الوليد
بن أبي ثور ضعيف. ثم رواه باللفظ الآخر بسند صحيح. ورواية " الصغير " مضت
بلفظ: (على كل سلامى) .(2/120)
578 - " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه ما به
حب لقاء الله عز وجل ".
أخرجه أحمد (2 / 530) : حدثنا علي أنبأنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه كما يأتي وعلي هذا هو ابن حفص
المدائني أبو الحسن البغدادي وهو ثقة. والحديث أخرجه مالك في " الموطأ " (1
/ 239) وعنه البخاري (13 / 63) ومسلم (8 / 182) وأحمد (2 / 236) عن
أبي الزناد به دون قوله: " ما به حب لقاء الله عز وجل ". ومن أجل هذه
الزيادة خرجته هنا. ويشهد لها ما رواه أبو حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه بلفظ: " يا ليتني كنت مكان صاحب هذا
القبر وليس به الدين، إلا البلاء ". أخرجه مسلم وابن ماجه (2 / 494) .
ومعنى الحديث أنه لا يتمنى الموت تدينا وتقربا إلى الله وحبا في لقائه
وإنما لما نزل به من البلاء والمحن في أمور دنياه. ففيه إشارة إلى جواز تمني
الموت تدينا. ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يتمنين أحدكم الموت
لضر نزل به ... " لأنه خاص بما إذا كان التمني لأمر دنيوي كما هو ظاهر.
قال الحافظ: " ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف
. قال النووي: لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم عمر ابن الخطاب
و ... ".(2/121)
579 - " يبايع لرجل ما بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه
فلا يسأل عن هلكة العرب، ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا
وهم الذين يستخرجون كنزه ".
أخرجه أحمد (2 / 291، 312، 328، 351) من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن
سمعان قال: سمعت أبا هريرة يخبر أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن سمعان وهو ثقة.
ولذلك سكت الحافظ في " الفتح " (3 / 362) عليه، بعد ما عزاه لأحمد.
580 - " كان لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر ".
أخرجه النسائي في سننه (1 / 321) : أخبرنا القاسم بن زكريا قال: حدثنا عبيد
الله قال: حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد عن ابن عباس قال: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير يعقوب وجعفر الراوي عن
سعيد وهو ابن جبير. أما الأول فهو يعقوب بن عبد الله بن سعد القمي وأما
الآخر فهو جعفر بن أبي المغيرة القمي، قال الحافظ في كل منهما: " صدوق يهم "
وقال الذهبي في الآخر منهما: " صدوق ". وفي الأول: " عالم أهل (قم) قال
النسائي وغيره: ليس به بأس. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. قلت: خرج له
البخاري تعليقا ". وأخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " (59 / 212 / 1)
من طريق أخرى عنه.(2/122)
581 - " يقول الله عز وجل: من عمل حسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ومن عمل سيئة
فجزاؤها مثلها أو أغفر ومن عمل قراب الأرض خطيئة، ثم لقيني لا يشرك بي شيئا
جعلت له مثلها مغفرة ومن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا ومن اقترب إلي
ذراعا اقتربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ".
أخرجه مسلم (8 / 67) وابن ماجه (1 / 382) وأحمد (5 / 153) واللفظ له
والطيالسي (ص 62 رقم 464) من طريقين عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وإسناده صحيح على شرط الستة.
ورواه الحاكم (4 / 241) من طريق ثالث عن المعرور به ببعض اختصار وقال:
صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.
582 - " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ".
أخرجه الإمام أحمد (6 / 449) حدثنا روح حدثنا سعيد عن قتادة حدثنا سالم ابن
أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح متصل رجاله رجال الشيخين غير أن البخاري لم يخرج لمعدان
هذا. وقد أخرجه مسلم كما يأتي. وسعيد هو ابن أبي عروبة. وقد تابعه جماعة
. فقال أحمد: حدثنا حسين في " تفسير شيبان ": عن قتادة حدثنا سالم بن أبي
الجعد به. وشيبان هذا هو ابن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية النحوي، ثم
قال: حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: حدثنا همام - قال عفان في حديثه: حدثنا
همام قال: كان قتادة يقص به علينا - قال حدثنا سالم بن أبي الجعد به.(2/123)
ثم رجع
إلى حديث عبد الصمد قال: حدثنا همام حدثنا قتادة به إلا أنه قال: " من حفظ
عشر آيات من سورة الكهف ".
قلت: ومعنى هذا - والله أعلم - أن عبد الصمد وعفانا اختلفا على همام في هذا
الحرف من الحديث، فقال عبد الصمد: " من سورة الكهف " لم يذكر فيه " أول "
وقال عفان: " من أول سورة الكهف " كما قال الجماعة عن قتادة ولا شك أن هذا
هو الصواب لأن الجماعة أحفظ، لاسيما ومعهم زيادة ويؤكد ذلك أن عفانا قد توبع
فقال الإمام أحمد (5 / 196) : حدثنا يزيد أنبأنا همام بن يحيى عن قتادة به
وقال أبو داود في " سننه " (4323) : حدثنا حفص ابن عمر حدثنا همام حدثنا
قتادة به. وقال: " وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: " من
حفظ من خواتيم سورة الكهف ". وقال شعبة عن قتادة: " من آخر الكهف ".
قلت: رواية هشام أخرجها مسلم (2 / 199) : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ
ابن هشام حدثني أبي فذكره مثل رواية الجماعة. فلا أدري أوهم أبو داود فيما عزى
إلى هشام أم أن هذا اختلف عليه الرواة على نحو ما سبق من الخلاف على همام.
وهذا أقرب. وأما رواية شعبة فهي كما ذكر أبو داود. وقد وصلها أحمد (6 /
446) والداني في " الفتن " (132 / 2) ومسلم وقال عقبها: " وقال همام:
" من أول الكهف " كما قال هشام ". يشير بذلك إلى ترجيح روايتهما على رواية
شعبة وهو كذلك لو كانا وحيدين(2/124)
فكيف ومعهما رواية سعيد بن أبي عروبة وشيبان
بن عبد الرحمن كما سبق. بل إن شعبة قد وافقهم عليها في رواية عنه أخرجها
الترمذي وصححها ولكنه شذ عنهم جميعا في لفظ آخر فقال: " ثلاث " مكان " عشر "
وبيان ذلك في السلسلة الأخرى (1336) . ثم رأيت شعبة قد روى ذلك الحرف على
وجه آخر بلفظ " من سورة الكهف ". لم يقل " أول " ولا " آخر "، وكأنه لتردده
بينهما. أخرجه عنه هكذا الخطيب في " تاريخه " (1 / 290) .
فائدة: قد جاء في حديث آخر بيان المراد من الحفظ والعصمة المذكورين في هذا
الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال: " فمن أدركه منكم فليقرأ
عليه فواتح سورة الكهف، فإنها جواركم من فتنه ". أخرجه أبو داود (4321)
بسند صحيح وأصله عند مسلم (8 / 197) دون قوله " فإنها ... ".
583 - " يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا
رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ".
أخرجه البخاري (8 / 538 - فتح) : حدثنا آدم حدثنا الليث عن خالد ابن يزيد عن
سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: هكذا ساقه البخاري في " التفسير " وهو قطعة من حديث أبي سعيد الطويل في
رؤية الله في الآخرة ساقه بتمامه في " التوحيد " (13 / 362 - 364) : حدثنا
يحيى بن بكير: حدثنا الليث به، بلفظ:(2/125)
" فيقول - يعني الرب تبارك وتعالى
للمؤمنين - هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق فيكشف عن ساقه فيسجد
... " وأخرجه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 344) بسنده عن يحيى بن
بكير به وقال: " رواه البخاري في " الصحيح " عن ابن بكير ورواه عن آدم ابن
أبي إياس عن الليث مختصرا وقال في هذا الحديث: يكشف ربنا عن ساقه. ورواه
مسلم عن عيسى بن حماد عن الليث كما رواه ابن بكير. وروي ذلك أيضا عن عبد الله
بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
قلت: أخرجه مسلم في " الإيمان " من " صحيحه " (1 / 114 - 117) : حدثني سويد
ابن سعيد قال: حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم به. إلا أنه قال: " ...
فيقولون نعم، فكشف عن ساق ... " ثم ساقه عن عيسى بن حماد عن الليث به نحوه لم
يسق لفظه. ومن طريق هشام بن سعد: حدثنا زيد بن أسلم به نحوه لم يسق لفظه
أيضا وإنما أحال فيهما على لفظ حديث حفص. وقد أخرج حديث هشام ابن خزيمة في
" التوحيد " (ص 113) وكذا الحاكم (4 / 582 - 584) وقال: " صحيح الإسناد
". ووافقه الذهبي وفيه عنده: " نعم، الساق، فيكشف عن ساق ". وأخرجه ابن
خزيمة وأحمد أيضا (3 / 16 - 17) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق حدثنا زيد بن
أسلم به بلفظ " قال: فيكشف عن ساق ". ولفظ ابن بكير عند البخاري " هل بينكم
وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق ". وهو لفظ مسلم عن سعيد بن(2/126)
سويد إلا
أنه قال: " نعم " مكان " الساق ". وجمع بينهما هشام بن سعد عند الحاكم كما
رأيت وهي عند مسلم ولكنه لم يسق لفظه كما سبق.
وجملة القول: أن الحديث صحيح مستفيض عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
سعيد. وقد غمزه الكوثري - كما هي عادته في أحاديث الصفات - فقال في تعليقه
على " الأسماء " (ص 345) : " ففي سند البخاري ابن بكير وابن أبي هلال وفي
سند مسلم سويد بن سعيد ". قلت: وإذا أنت ألقيت نظرة منصفة على التخريج
السابق تعلم ما في كلام الكوثري هذا من البعد عن النقد العلم النزيه، فإن ابن
بكير لم يتفرد به عن الليث بل تابعه آدم عند البخاري كما رأيت في تخريجنا وفي
كلام البيهقي الذي تجاهله الكوثري لغاية في نفسه وتابعه أيضا عيسى ابن حماد
عند مسلم على أن ابن بكير وإن تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، فذلك في غير
روايته عن الليث، فقال ابن عدي: " كان جار الليث بن سعد وهو أثبت الناس فيه
". وأما سويد بن سعيد، فهو وإن كان فيه ضعف من قبل حفظه فلا يضره ذلك هنا
لأنه متابع من طرق أخرى عن زيد كما سمعت ورأيت. ومثل ذلك يقال عن سعيد بن
أبي هلال، فقد تابعه حفص بن ميسرة وهشام بن سعد وعبد الرحمن بن إسحاق،
فاتفاق هؤلاء الثلاثة على الحديث يجعله في منجاة من النقد عند من ينصف. نعم
لقد اختلف في حرف منه، فقال الأول: " عن ساقه " وقال الآخرون: " عن ساق ".
والنفس إلى رواية هؤلاء أميل ولذلك قال الحافظ في " الفتح " (8 / 539) بعد
أن ذكره باللفظ الأول: " فأخرجها الإسماعيلي كذلك. ثم قال: في قوله " عن
ساقه " نكرة. ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم بلفظ: يكشف عن
ساق. قال الإسماعيلي: هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة لا يظن أن الله
ذو أعضاء(2/127)
وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين، تعالى الله عن ذلك ليس
كمثله شيء ".
قلت: نعم ليس كمثله شيء ولكن لا يلزم من إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات
شيء من التشبيه أصلا كما لا يلزم من إثبات ذاته تعالى التشبيه، فكما أن ذاته
تعالى لا تشبه الذوات وهي حق ثابت، فكذلك صفاته تعالى لا تشبه الصفات وهي
أيضا حقائق ثابتة تتناسب مع جلال الله وعظمته وتنزيهه، فلا محذور من نسبة
الساق إلى الله تعالى إذا ثبت ذلك في الشرع وأنا وإن كنت أرى من حيث الرواية
أن لفظ " ساق " أصح من لفظ " ساقه " فإنه لا فرق بينهما عندي من حيث الدراية
لأن سياق الحديث يدل على أن المعنى هو ساق الله تبارك وتعالى وأصرح الروايات
في ذلك رواية هشام عند الحاكم بلفظ: " هل بينكم وبين الله من آية تعرفونها؟
فيقولون: نعم الساق، فيكشف عن ساق ... ".
قلت: فهذا صريح أو كالصريح بأن المعنى إنما هو ساق ذي الجلالة تبارك وتعالى.
فالظاهر أن سعيد بن أبي هلال كان يرويه تارة بالمعنى حين كان يقول: " عن ساقه
". ولا بأس عليه من ذلك ما دام أنه أصاب الحق. وأن مما يؤكد صحة الحديث في
الجملة ذلك الشاهد عن ابن مسعود الذي ذكره البيهقي مرفوعا وإن لم أكن وقفت
عليه الآن مرفوعا وقد أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 115) من طريق أبي
الزعراء قال: " ذكروا الدجال عند عبد الله، قال: تقترفون أيها الناس عند
خروجه ثلاث فرق ... فذكر الحديث بطوله: وقال: ثم يتمثل الله للخلق، فيقول:
هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه فعند ذلك يكشف عن ساق
، فلا يبقى مؤمن ولا مؤمنة إلا خر لله ساجدا ".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الزعراء واسمه عبد الله ابن هانىء(2/128)
الأزدي وقد وثقه ابن سعد وابن حبان والعجلي ولم يرو عنه غير ابن أخته سلمة
ابن كهيل. ووجدت للحديث شاهدا آخر مرفوعا وهو نص في الخلاف السابق في
" الساق " وإسناده قوي، فأحببت أن أسوقه إلى القراء لعزته وصراحته وهو:
" إذا جمع الله العباد بصعيد واحد نادى مناد: يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون
ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ههنا؟
فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه
فيكشف لهم عن ساقه، فيقعون سجدا وذلك قول الله تعالى: * (يوم يكشف عن ساق
ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) * ويبقى كل منافق، فلا يستطيع أن يسجد،
ثم يقودهم إلى الجنة) ".
584 - " إذا جمع الله العباد بصعيد واحد نادى مناد: يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون
ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ههنا؟
فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه
فيكشف لهم عن ساقه، فيقعون سجدا وذلك قول الله تعالى: * (يوم يكشف عن ساق
ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) * ويبقى كل منافق، فلا يستطيع أن يسجد، ثم
يقودهم إلى الجنة ".
أخرجه الدارمي في " سننه " (2 / 326) : أخبرنا محمد بن يزيد البزاز عن يونس
ابن بكير قال: أخبرني ابن إسحاق قال: أخبرني سعيد بن يسار قال: سمعت أبا
هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الصحيح، إلا أن ابن إسحاق إنما أخرج له
مسلم متابعة.(2/129)
585 - " كان لا ينام حتى يقرأ * (ألم، تنزيل) * السجدة و * (تبارك الذي بيده
الملك) * ".
صحيح. أخرجه الترمذي (2 / 146) والدارمي (2 / 455) وأحمد (3 / 340)
والبغوي في " تفسيره " (6 / 496) عن ليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا.
وقال الترمذي: " هذا حديث رواه غير واحد عن ليث بن أبي سليم مثل هذا. ورواه
مغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا.
وروى زهير قال: قلت لأبي الزبير: سمعت من جابر (فذكر هذا الحديث) ؟ فقال
أبو الزبير: إنما أخبرنيه صفوان أو ابن صفوان. وكأن زهيرا أنكر أن يكون هذا
الحديث عن أبي الزبير عن جابر ".
قلت: وهذا التعليق وصله البغوي في " الجعديات " (ق 117 / 2) وعنه ابن
عساكر في " تاريخ دمشق " (6 / 54 / 2) فقال: حدثنا علي أخبرنا زهير قال:
قلت ... الخ.
قلت: فعلة الحديث هو صفوان أو ابن صفوان، لم ينسب لكني رأيت الحافظ ابن حجر
قد أورده في " باب من نسب إلى أبيه أو جده ... " بأنه " صفوان بن عبد الله بن
صفوان، نسب لجده " فإذا كان كذلك فهو صفوان وابن صفوان وهو ثقة من رجال
مسلم. وكذلك سائر رجاله عند البغوي وزهير هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة
فالسند صحيح، والله ولى التوفيق. وأما رواية المغيرة بن مسلم، فقد وصلها
الثعلبي في " تفسيره " (3 / 84 / 1) والواحدي في " الوسيط " (3 / 199 / 1)
بإسنادهما عنه عن أبي الزبير عن جابر به وزاد: " ويقول: هما يفضلان كل سورة
في القرآن بسبعين سنة، ومن قرأهما كتبت له سبعون حسنة ومحي عنه سبعون سيئة
ورفع له سبعون درجة ".(2/130)
والمغيرة هذا صدوق كما قال الحافظ، ولكني في شك من
ثبوت هذه الزيادة عنه وليس في متناول يدي الآن إسناد الحديث إليه لأعيد النظر
فيه، ولما كنت نقلته من المصدرين المذكورين لم أنقل منه إلا قسمه الأعلى
المذكور هنا، وإني لأخشى أن تكون هذه الزيادة مدرجة في الحديث، فقد روى
الدارمي (2 / 455) حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا أبو الزبير عن عبد
الله بن ضمرة عن كعب قال: " من قرأ تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك كتب
له سبعون حسنة وحط عنه بها سبعون سيئة ورفع له بها سبعون درجة ".
قلت: وهذا إسناد مقطوع حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن ضمرة، وثقه
العجلي وابن حبان، وروى عنه جمع من الثقات. والبحث في هذه الزيادة يحتاج
إلى مزيد من التحقيق، فعسى أن ييسر لي ذلك قريبا.
586 - " * (قل يا أيها الكافرون) * تعدل ربع القرآن ".
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 55 / 1) والحاكم (1 / 566 - تلخيص)
من طريق غسان بن الربيع حدثنا جعفر بن ميسرة الأشجعي عن أبيه عن نافع عن
ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: بل جعفر بن ميسرة منكر
الحديث جدا. قاله أبو حاتم، وغسان ضعفه الدارقطني ".(2/131)
قلت: هذا قد وثق، فالعلة من جعفر، فقد ضعفه البخاري جدا بقوله: " منكر
الحديث " لكنه لم يتفرد به، فقد جاء من طريق أخرى عن ابن عمر، أخرجه الطبراني
في " المعجم الكبير " (3 / 203 / 2) من طريقين عن سعيد بن أبي مريم أنبأنا
يحيى ابن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عنه مرفوعا
به. ورجاله ثقات غير ابن زحر وابن أبي سليم، فإنهما ضعيفان من قبل حفظهما.
فيتقوى حديثهما بما روى سلمة بن وردان قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وزاد: " وإذا زلزت ربع القرآن وإذا جاء
نصر الله ربع القرآن ". أخرجه أحمد (3 / 146 - 147) والخطيب في " تاريخ
بغداد " (11 / 380) والترمذي (2 / 147) وقال: " حديث حسن ". ورجاله
ثقات غير سلمة فإنه ضعيف لسوء حفظه أيضا، فالحديث حسن بمجموع الطرق، لاسيما
وله طريق أخرى عن أنس، وشاهد آخر عن ابن عباس وهما مخرجان في " السلسلة
الأخرى " (1342) وله شاهد ثالث من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا أخرجه
الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 32) وعنه أبو نعيم في " أخبار أصبهان "
(1 / 105) وقال الطبراني: " تفرد به زكريا بن عطية ".
قلت: وهو مجهول. والحديث ذكره الحافظ في " نتائج الأفكار " من طريق
الطبراني هذه وأعله بالجهالة ثم قال:(2/132)
" وللحديث شواهد مرسلة "! ثم ساق
شاهدين اثنين مقطوعين! ! ففاتته هذه الشواهد الكثيرة الموصولة. والموفق الله
تبارك وتعالى.
587 - " كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب
على سبعة أحرف: زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا
حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا
بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: * (آمنا به كل من عند
ربنا) * ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 184 - 185) والحاكم (1 / 553)
وابن حبان (1782) والهروي في " ذم الكلام " (ق 62 / 2) من طرق عن حيوة
ابن شريح عن عقيل بن خالد عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن
ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد قال الحاكم " صحيح "! ووافقه الذهبي ورجاله ثقات رجال
الشيخين غير سلمة هذا، فقد ترجمه ابن أبي حاتم وروى عن أبيه أنه قال: " لا
بأس به ". لكن أعله الطحاوي بالانقطاع، فإنه ساقه بعده من طريق عبد الله بن
صالح قال: حدثني الليث بن سعد قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب قال:
أخبرني سلمة بن أبي سلمة (عن أبيه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر
هذا الحديث ولم يذكر فيه عبد الله بن مسعود. ثم قال الطحاوي: " فاختلف حيوة
والليث عن عقيل في إسناده، فرواه كل واحد منهما على ما ذكرناه في روايته إياه
عنه وكان أهل العلم بالأسانيد يدفعون هذا الإسناد بانقطاعه في إسناده،(2/133)
لأن
أبا سلمة لا يتهيأ في سنه لقاء عبد الله بن مسعود ولا أخذه إياه عنه ".
وأقول في إسناد طريق الليث عبد الله بن صالح وفيه ضعف من قبل حفظه ولذلك
فرواية حيوة أصح، لكنها منقطعة لما ذكره الطحاوي من عدم سماع أبي سلمة من ابن
مسعود، فقد مات هذا سنة (32) وهي السنة التي مات فيها عبد الرحمن بن عوف
والد أبي سلمة وقد ذكروا أنه لم يسمع من أبيه لصغره. فهذه هي علة الحديث:
الانقطاع وقد وجدت له طريقا أخرى موصولة يرويها عثمان بن حيان العامري عن
فلفلة الحنفي قال: " فزعت فيمن فزع إلى عبد الله - يعني ابن مسعود - في
المصاحف فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا
حين راعنا هذا الخبر، قال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة
أحرف وإن الكتاب الأول كان ينزل من باب واحد، على حرف واحد ". أخرجه الطحاوي
(4 / 182) وأحمد (1 / 445) .
قلت: وهذا إسناد جيد موصول، رجاله كلهم ثقات معرفون غير فلفلة هذا واسم
أبيه عبد الله أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 92 - 93) ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (1 / 185) وروى عنه
جماعة من الثقات كما في " التهذيب "، ويمكن أن يكون فلفلة هذا هو الواسطة في
رواية هذا الحديث بين أبي سلمة وابن مسعود. وبالجملة فالحديث حسن عندي بهذه
الطريق. والله أعلم. وقد روي من حديث أبي هريرة غير أن إسناده واه جدا فلا
يصلح للاستشهاد وفي أوله زيادة، أوردته من أجلها في الكتاب الآخر (1346) .(2/134)
588 - " إن لكل شيء سناما وسنام القرآن سورة البقرة، وإن الشيطان إذا سمع سورة
البقرة تقرأ، خرج من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ".
أخرجه الحاكم (1 / 561) من طريق عمرو بن أبي قيس عن عاصم ابن أبي النجود
عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود موقوفا ومرفوعا. وقال: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو عندي حسن لأن في عاصم هذا بعض الضعف من قبل حفظه. ولنصفه الآخر
طريق أخرى عنده عن عاصم به نحوه. والنصف الأول أخرجه الدارمي (2 / 447)
من طريق حماد بن سلمة عن عاصم به موقوفا على ابن مسعود وزاد: " وإن لكل شيء
لبابا وإن لباب القرآن المفصل ". قلت: وإسناده حسن.
وللحديث شاهد من حديث سهل بن سعد مرفوعا نحوه وآخر من حديث أبي هريرة نحوه
وهما مخرجان في الكتاب الآخر (1348 و 1349) ولطرفه الأول منه شاهد آخر من
حديث معقل بن يسار مرفوعا بلفظ: " البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية
منها ثمانون ملكا واستخرجت * (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) * من تحت العرش
فوصلت بها ... ". أخرجه أحمد (5 / 26) عن رجل عن أبيه عنه.
قلت: وهذا إسناد ظاهر الضعف وقد سمي الرجل الأول في بعض الطرق بأبي عثمان
وصرح فيها بأنه ليس النهدي، فهو مجهول على كل حال.(2/135)
589 - " من قرأ * (قل هو الله أحد) * حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة
".
أخرجه أحمد (5 / 437) والعقيلي في " الضعفاء " (147) من طريق ابن لهيعة
ورشدين بن سعد قالا: حدثنا زبان بن فائد (الحمراوي) عن سهل بن معاذ بن أنس
الجهني عن أبيه معاذ بن أنس الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد: " فقال عمر: إذن نستكثر قصورا
يا رسول الله! فقال: الله أكثر وأطيب ". وأخرجه ابن السني (687) عن ابن
لهيعة وحده، دون الزيادة.
قلت: وهذا إسناد لين من أجل زبان، قال الحافظ: " ضعيف الحديث مع صلاحه
وعبادته ". وقال الهيثمي في " المجمع " (7 / 145) : " رواه الطبراني
وأحمد وفي إسنادهما رشدين بن سعد وزبان. وكلاهما ضعيف وفيهما توثيق لين "
. قلت: رشدين قد تابعه ابن لهيعة عند أحمد وذلك مما يقويه ويبعد العلة عنه
وزبان غير متهم، فحديثه مما يستشهد به. وقد وجدت له شاهدا موصولا وآخر
مرسلا، أما الأول فأخرجه الطبراني في " الأوسط " عن أبي هريرة مرفوعا به دون
الزيادة وزاد: " ومن قرأها عشرين مرة بنى له قصران ومن قرأها ثلاثين مرة
بنى له ثلاث ". قال الهيثمي: " وفيه هانىء بن المتوكل وهو ضعيف ".
وأما الآخر، فقال الدارمي في " سننه " (2 / 459) : حدثنا عبد الله ابن يزيد
حدثنا حيوة قال: أخبرني أبو عقيل أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن نبي الله
صلى الله عليه وسلم قال: فذكر الحديث مثل حديث معاذ بن أنس بتمامه وفيه
الزيادة الثانية التي في الشاهد الأول.(2/136)
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي عقيل واسمه زهرة
بن معبد فهو من رجال البخاري وحده، فإذا ضم إلى هذا المرسل الصحيح الموصولان
من حديث معاذ وأبي هريرة، تقوى الحديث، وبلغ رتبة الحسن على أقل الدرجات.
590 - " سيليكم أمراء بعدي يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك
ذلك منكم، فلا طاعة لمن عصى الله ".
أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (225) والحاكم (3 / 356) من طريق عبد الله
بن واقد عن أبي الزبير عن جابر عن عبادة بن الصامت مرفوعا به. وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: تفرد به عبد الله بن
واقد وهو ضعيف ". فقال المناوي عقبه: " وبه يعلم أن رمز المصنف لحسنه غير
حسن ". وقال العقيلي: " وقد روي في هذا رواية من غير هذا الوجه أصلح من هذه
الرواية بخلاف هذا اللفظ ". والحديث عزاه السيوطي للطبراني أيضا في الكبير.
ولم أره في " المجمع " ولعل رمزه عليه بالحسن باعتبار أن له طريقا أخرى عن
عبادة فيها زيادة لم ترد في هذه الطريق ولذلك أوردتها في " السلسلة الأخرى "
(1353) ، وأما هذه فقد استخرت الله تعالى، فأوردتها هنا لتقويها بمجموع
الطريقين. والله الهادي إلى سواء السبيل.
ثم وجدت له شاهدا من حديث ابن مسعود مرفوعا بلفظ:(2/137)
" سيلي أموركم بعدي رجال
يطفئون السنة ويعملون بالبدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. فقلت: يا رسول
الله! إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لا طاعة
لمن عصى الله ". أخرجه أحمد وابنه (1 / 339 - 400) وابن ماجه (2865)
والسياق له والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 74 / 2) من طرق عن عبد
الله بن عثمان بن خثيم عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه
عن جده عبد الله بن مسعود به. ولفظ الطبراني: " سيكون عليكم أمراء يؤخرون
الصلاة عن مواقيتها، ويحدثون البدع ... " الحديث.
قلت: وإسناده جيد على شرط مسلم.
591 - " إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ
أو قال: من الصيغة ما تكلف امرأة الغني، فذكر امرأة من بني إسرائيل كانت
قصيرة واتخذت رجلين من خشب وخاتما له غلق وطبق وحشته مسكا وخرجت بين
امرأتين طويلتين أو جسيمتين، فبعثوا إنسانا يتبعهم، فعرف الطويلتين ولم
يعرف صاحبة الرجلين من خشب ".
أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 208) : حدثنا محمد بن عبد الأعلى
الصنعاني قال: حدثنا المعتمر عن أبيه قال: حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد
أو جابر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبة فأطالها، وذكر فيها أمر
الدنيا والآخرة، فذكر أن أول ما هلك ... الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرج في صحيحه (7 / 47 - 48) من
طرق عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا قصة المرأة القصيرة فقط ولذلك خرجته.(2/138)
وكذلك أخرجه أحمد (3 / 46) من طريق المستمر بن الريان الإيادي حدثنا أبو
نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري به، إلا أنه زاد في أوله فقال: " إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدنيا فقال. إن الدنيا خضرة حلوة، فاتقوها
واتقوا النساء. ثم ذكر نسوة ثلاثا من بني إسرائيل ... " الحديث نحوه.
وسنده صحيح أيضا.
592 - " إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال ".
أخرجه الترمذي (2 / 54) والبخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 222)
وابن حبان (2470) والحاكم (4 / 318) وأحمد (4 / 160) والقضاعي في
" مسند الشهاب " (ق 86 / 1) من طرق عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن عبد
الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن كعب بن عياض قال: سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالوا، بل هو عندي على شرط مسلم. وقد أعل بما لا يقدح كما
يأتي. وروي من حديث أبي هريرة. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (299) عن علي
بن قتيبة حدثنا مالك عن موسى الأحمر عنه مرفوعا به. وقال: " ليس له أصل من
حديث مالك ولا من وجه يثبت وعلي ابن قتيبة الرفاعي بصري لين الحديث، عن
" الثقات " بالبواطيل وما لا أصل له ".(2/139)
وقوله " ولا من وجه يثبت " مردود
بحديث كعب بن عياض، فإنه لا علة له وقد صححه من ذكرنا وخرجه ابن عبد البر
وصححه أيضا كما في " الفيض ".
593 - " من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء ".
رواه الترمذي (2 / 244) وابن عدي (255 / 1) وعبد الغني المقدسي في
" الدعاء " (144 - 145) وكذا ابن عساكر (3 / 183 / 1) عن عبيد بن واقد
حدثنا سعيد بن عطية عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعا. وقال ابن عدي:
" وعبيد بن واقد عامة ما يرويه لا يتابع عليه ".
قلت: وأشار الترمذي إلى تضعيفه بقوله: " غريب ". وله طريق أخرى عند الحاكم
(1 / 544) ومن طريقه ابن النجار في " الذيل " (10 / 107 / 1) وعند
المقدسي عن عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح عن أبي عامر الألهاني عن أبي
هريرة. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " احتج البخاري بابن صالح وأبو عامر
الآلهاني أظنه الهوزني وهو صدوق ". ووافقه الذهبي.(2/140)
قلت: وفيه نظر فإن ابن صالح فيه ضعف من قبل حفظه. وأبو عامر الهوزني اسمه
عبد الله بن لحي وهو ثقة ولكن يبدو أنه غير الألهاني فإن هذا أورده ابن أبي
حاتم في " الكنى " (4 / 2 / 411) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وكذلك
أورده في الكنى ابن حبان في " الثقات " (1 / 271 - 272) وأما عبد الله بن
لحي فقد أورداه في " الأسماء " فهذا دليل على التفريق وإن كان صنيع الحافظ ابن
حجر يدل على خلاف ذلك، فإنه أورد أبا عامر الألهاني في الكنى وقال " اسمه عبد
الله بن عامر " تقدم. فرجعنا إلى الأسماء فلم نجد فيها من اسمه عبد الله بن
عامر وكنيته أبو عامر من هذه الطبقة " ولكن وجدناه يقول: " عبد الله بن عامر
بن لحي في ترجمة عبد الله بن لحي. ففيه إشارة إلى أن عبد الله بن عامر المكنى
بأبي عامر الألهاني هو عنده عبد الله بن عامر ابن لحي المكنى بأبي عامر الهوزني
ويناقضه أنه فرق في الكنى بينهما. وهو الصواب. والله أعلم.
والحديث عزاه المنذري في " الترغيب " (2 / 271) للحاكم من حديث سلمان أيضا
فلينظر فإني لم أجده في " الذكر والدعاء " من " مستدركه ".
594 - " ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء
من قلب غافل لاهي ".
رواه الترمذي (2 / 261) والحاكم (1 / 493) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح
معاني الآثار " (6 - 7) وابن عساكر (5 / 61 / 1) عن صالح المري عن هاشم بن
حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب
لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". وقال الحاكم: " حديث مستقيم الإسناد، تفرد به
صالح المري وهو أحد زهاد أهل البصرة ".(2/141)
وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: صالح
متروك ". وسبقه إلى نحو ذلك المنذري فقال في " الترغيب " (2 / 277) متعقبا
على الحاكم: " لا شك في زهده، لكن تركه أبو داود والنسائي ". لكن روي له
شاهد بسند ضعيف، رواه أحمد (2 / 177) عن ابن عمرو نحوه. وفيه ابن لهيعة
وهو ضعيف وفي أول حديثه زيادة: " القلوب أوعية بعضها أوعى من بعض فإذا سألتم
الله ... ".
595 - " إذا سألتم الله، فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها ".
أخرجه أبو داود (1486) وكذا البغوي وابن أبي عاصم وابن السكن والمعمري
في " اليوم والليله " وابن قانع كما في " الإصابة " وابن عساكر (12 / 230 -
231) من طريق ضمضم عن شريح حدثنا أبو ظبية أن أبا بحرية السكوني حدثه عن
مالك بن يسار السكوني ثم العوفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، ضمضم هذا هو ابن زرعة وثقه جماعة منهم ابن معين وضعفه
أبو حاتم وقال الحافظ: " صدوق يهم " وسائرهم ثقات، وقول الحافظ في أبي
ظبية: " مقبول " غير مقبول بل هو قصور، فإن الرجل قد وثقه جماعة من المتقدمين
منهم ابن معين وقال الدارقطني " ليس به بأس ".(2/142)
وقد روى عنه جماعة من الثقات
. والحديث صحيح، فإن له شواهد، منها عن أبي بكرة مرفوعا به، أخرجه أبو نعيم
في " أخبار أصبهان " (2 / 224) من طريق أبي جعفر الأخرم حدثنا عمار بن خالد
حدثنا القاسم بن مالك المزني عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه
. وهذا رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمار بن خالد وهو ثقة، وكذا من دونه.
وقد قال الهيثمي (10 / 169) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عمار
بن خالد الواسطي وهو ثقة. وقد صح عن خالد بإسناد آخر له مرسلا، فقال ابن
أبي شيبة في " المصنف " (12 / 21 / 1) : أنبأنا حفص بن غياث عن خالد عن أبي
قلابة عن ابن محيريز مرفوعا به. وهذا سند مرسل صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين
واسم ابن محيريز عبد الله. لكن أخرجه يعقوب بن أحمد الصيرفي في " المنتقى من
فوائده " (257 / 2) من طريق أبي نعيم حدثنا سفيان عن خالد عن أبي قلابة عن
عبد الرحمن بن محيريز به. ولعل هذا أصح، فقد ذكره ابن أبي حاتم (2 / 206)
من رواية بشر بن المفضل عن خالد الحذاء به. وقال: " قال أبي: يقال: هو عبد
الله بن محيريز، الصحيح. وكذلك قال خالد عن أبي قلابة ".
قلت: فإن كان هو عبد الله فالسند صحيح وإن كان عبد الرحمن، فمحتمل للصحة
لأنه قد أورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 129) وقد روى عنه جماعة. فهو
صالح للاستشهاد به.(2/143)
وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " لا
تستروا الجدر ... سلوا الله ببطون أكفكم ... "، الحديث وزاد في آخره: فإذا
فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ". أخرجه أبو داود (1485) من طريق عبد الله بن
يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي حدثني عبد الله بن عباس. وقال
: " روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها
وهو ضعيف أيضا ".
قلت: وعلته الرجل الذي لم يسم وقد سماه ابن ماجه وغيره صالح ابن حسان كما
بينته في تعليقي على " المشكاة " (2243) وهو ضعيف جدا وعلى ذلك فهذه
الزيادة منكرة. ولم أجد لها حتى الآن شاهدا. وكأنه لذلك قال العز ابن عبد
السلام " لا يمسح وجهه إلا جاهل ". فاعتراض المناوي عليه ليس في محله، كيف
وهذه الزيادة لو كانت ضعيفة السند لم يجز العمل بها لأنها تضمنت حكما شرعيا
وهو استحباب المسح المذكور، فكيف وهي ضعيفة جدا؟ !
(تنبيه) لا يصلح شاهدا للزيادة حديث ابن عمر مرفوعا: " كان إذا رفع يديه في
الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه ". لأن فيه متهما بالوضع، وقال أبو
زرعة: " حديث منكر أخاف أن لا يكون له أصل ". كما بينته في التعليق على
" المشكاة " (2245) . ولا حديث السائب بن يزيد عن أبيه نحوه. أخرجه أبو
داود (1492) . لأن فيه ابن لهيعة وهو ضعيف عن حفص بن هاشم(2/144)
بن عتبة بن أبي
وقاص وهو مجهول كما قال الحافظ. وقال الذهبي: " روى عنه ابن لهيعة وحده لا
يدرى من هو؟ ".
596 - " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة
المظلوم ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (32، 481) وأبو داود (1536) والترمذي
(2 / 256) وابن ماجه (3862) وابن حبان (2406) والطيالسي (2517)
وأحمد (2 / 258، 348، 478، 517، 523) وابن ماسي في " فوائده - آخر جزء
الأنصاري " (ق 9 / 2) والبرزالي في " جزء فيه أحاديث منتخبة من جزء الأنصاري
" رقم الحديث (15 - وهو الأخير) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (9 / 211 /
2) من طرق عدة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره وقال الترمذي: " حديث حسن، وأبو جعفر الرازي
هذا الذي روى عنه يحيى بن أبي كثير، يقال له أبو جعفر المؤذن وقد روى عنه
يحيى بن أبي كثير غير حديث ".
قلت: لم أر في شيء من الطرق تقييد أبي جعفر بأنه الرازي وهو مع كونه ضعيفا من
قبل حفظه، فلم يدرك أبا هريرة ولم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة، بل هو
غيره قطعا فقد صرح بسماعه من أبي هريرة في رواية البخاري وكذا أحمد في روايته
بل إن ابن ماسي في روايته قد سماه فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن علي
عن(2/145)
أبي هريرة. لكن هذه الرواية كأنها شاذة وهي تشهد لقول ابن حبان في
" صحيحه " في أبي جعفر هذا أنه محمد بن علي بن الحسين فتعقبه الحافظ بعد أن ساق
الرواية المذكورة: " وليس هذا بمستقيم، لأن محمد بن علي لم يكن مؤذنا ولأن
أبا جعفر هذا قد صرح بسماعه من أبي هريرة في عدة أحاديث، وأما محمد بن علي بن
الحسين فلم يدرك أبا هريرة فتعين أنه غيره. والله تعالى أعلم ".
وفي " الميزان ": " أبو جعفر الحنفي اليمامي: عن أبي هريرة وعنه عثمان بن
أبي العاتكة مجهول. أبو جعفر عن أبي هريرة. أراه الذي قبله. روى عنه يحيى
ابن أبي كثير وحده، فقيل الأنصاري المؤذن، له حديث النزول وحديث ثلاث دعوات
ويقال مدني فلعله محمد بن علي بن الحسين وروايته عن أبي هريرة وعن أم سلمة
فيها إرسال، لم يلحقهما أصلا ".
قلت: وجملة القول أن أبا جعفر هذا إن كان هو المؤذن الأنصاري أو الحنفي
اليمامي، فهو مجهول وإن كان هو أبا جعفر الرازي، فهو ضعيف منقطع وإن كان
محمد بن علي بن الحسين فهو مرسل. إلا أن الحديث، مع ضعف إسناده، فهو حسن
لغيره كما قال الترمذي وذلك لأني وجدت له شاهدا من حديث عقبه بن عامر الجهني
مرفوعا بنحوه وهو بلفظ: " ثلاثة تستجاب دعوتهم: الوالد والمسافر والمظلوم
". أخرجه أحمد (4 / 154) والخطيب (12 / 380 - 381) من طريق زيد بن سلام
عن عبد الله بن زيد الأزرق عن عقبه بن عامر الجهني قال: قال النبي صلى الله
عليه وسلم....
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن الأزرق أورده ابن أبي
حاتم (2 / 2 / 58) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده
في " الثقات " (1 / 148) على قاعدته المعروفة.(2/146)
597 - " إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإن لم يقم به نسيه ".
أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 73) : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرني
أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه
وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.
598 - " ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل ورجل
خرج غازيا في سبيل الله ورجل خرج حاجا ".
أخرجه الحميدي في " مسنده " (1190) : حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ومن طريق
الحميدي رواه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 251) ، وإليها فقط عزاه السيوطي
في " الجامع "! وبيض له المناوي!
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو نعيم (3 / 13 - 14) من
طريق أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا نحوه إلا أنه قال " والمعتمر "
مكان " رجل خرج إلى المسجد ". وفي سنده الحكم بن عبدة البصري وهو مستور كما
في " التقريب ".(2/147)
599 - " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".
أخرجه أبو داود (4291) وأبو عمرو الداني في " الفتن " (45 / 1) والحاكم
(4 / 522) والبيهقي في " معرفة السنن والآثار " (ص 52) والخطيب في
" التاريخ " (2 / 61) والهروي في " ذم الكلام " (ق 111 / 2) من طرق عن
ابن وهب: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن شراحيل بن يزيد المعافري عن أبي علقمة عن
أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وسكت عليه الحاكم والذهبي، وأما المناوي فنقل عنه أنه صححه، فلعله
سقط ذلك من النسخة المطبوعة من " المستدرك "، والسند صحيح رجاله ثقات رجال
مسلم. ووقع عند الحاكم والهروي مكان " شراحيل ": " شرحبيل " ولا أراه
محفوظا وقد أشار إلى ذلك الحافظ في ترجمة " شرحبيل بن شريك " من " التهذيب ".
والله أعلم.
ولا يعلل الحديث قول أبي داود عقبه: " رواه عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني
لم يجز به شراحيل ". وذلك لأن سعيد بن أبي أيوب ثقة ثبت كما في " التقريب "
وقد وصله وأسنده، فهي زيادة من ثقة يجب قبولها.(2/148)
600 - " أخرجوا العواتق وذوات الخدور، فليشهدن العيد ودعوة المسلمين وليعتزل
الحيض مصلى المسلمين ".
أخرجه الحميدي في " مسنده " رقم (362) : حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب عن
حفصة قالت: فسألنا أم عطية هل سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقالت: نعم بأبا، وكانت إذا حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:
بأبا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه بنحوه، وزادا في رواية
لهما: " قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها
من جلبابها ". وهي عند الحميدي أيضا (361) . وزاد مسلم في رواية أخرى:
" قالت: الحيض يخرجن فيكن خلف الناس، يكبرن مع الناس ". وزاد البخاري في
رواية له: " فقلت لها: آلحيض؟ قالت: نعم، أليس الحائض تشهد عرفات وتشهد
كذا وتشهد كذا؟ ".(2/149)
601 - " أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام ".
رواه عبد الغني المقدسي في " كتاب الدعاء " (141 / 2) من طريق أبي يعلى
والطبراني من طريقين عن مسروق بن المرزبان حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول
عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير مسروق وهو صدوق له
أوهام، كما قال الحافظ، فمثله حسن الحديث فلا يرتقي حديثه إلى درجة الصحيح
وقد أحسن السيوطي صنعا حين رمز لحسنه في " الجامع الصغير "، وأما تعقب
المناوي له بقوله: " قال المنذري: وهو إسناد جيد قوي، وقال الهيثمي:
رجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثقة وبه يعرف أن رمز المصنف
لحسنه تقصير، وحقه الرمز لصحته ".
فتعقب لا وجه له وهو إنما اغتر بقول الهيثمي في ابن المرزبان أنه ثقة.
وهذا توثيق مجمل بعد أن عرفت ما فيه من الضعف اليسير.
نعم الحديث صحيح، فقد أورد له المقدسي شاهدا من طرق عن زيد ابن الحريش حدثنا
عمر بن الهيثم حدثنا عوف عن الحسن عن عبد الله بن مغفل مرفوعا. ورجاله موثقون
غير عمر هذا فإنه مجهول كما في " التقريب ". والحسن مدلس وقد عنعنه.(2/150)
ثم رأيت الحديث أخرجه ابن حبان (1939) من طريق أبي يعلى: حدثنا محمد بن بكار
حدثنا إسماعيل بن زكريا حدثنا عاصم الأحول به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وابن بكار هو العيشي البصري فصح الحديث
بذلك والحمد لله.
602 - " من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير
ممن خلق تفضيلا. لم يصبه ذلك البلاء ".
أخرجه الترمذي (2 / 253) من طريق عبد الله بن عمر العمري عن سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال: " حديث (حسن) غريب من هذا الوجه ".
قلت: ورجاله ثقات غير العمري فإنه ضعيف لسوء حفظه. وقد وجدت له طريقا أخرى
خيرا من هذه يرويه مروان بن محمد الطاطري حدثنا الوليد ابن عتبة حدثنا محمد بن
سوقة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 13)
وفي " أخبار أصبهان " (1 / 271) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15 /
255 / 2) من طرق عن مروان به. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث محمد، تفرد
به مروان عن الوليد ".(2/151)
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير الوليد بن عتبة فقال البخاري في
" تاريخه ": " معروف الحديث ". وأما أبو حاتم فقال: " مجهول ".
قلت: قد عرفه البخاري، ومن عرف حجة على من لم يعرف. لاسيما إذا كان العارف
مثل البخاري أمير المؤمنين في الحديث. فالحديث إن لم يكن حسنا لذاته من هذه
الطريق، فلا أقل من أن يكون حسنا لغيره بالطريق التي قبله. لاسيما وله طريق
أخرى عن ابن عمر، يرويه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله
بن عمر عن ابن عمر عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه
وزاد في آخره: " كائنا ما كان، ما عاش ". أخرجه الترمذي وأبو نعيم في
" الحلية " (6 / 265) وقال الترمذي: " حديث غريب، وعمرو بن دينار قهرمان
آل الزبير، شيخ بصري وليس هو بالقوي في الحديث وقد تفرد بأحاديث عن سالم بن
عبد الله ".
قلت: ومما يدل على ضعفه اضطرابه في إسناد هذا الحديث، فرواه مرة هكذا ومرة
قال: عن سالم عن ابن عمر مرفوعا. لم يذكر عمر في سنده. أخرجه ابن ماجه
(3892) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (6 / 2) وابن الأعرابي في
" المعجم " (ق 238 / 2) والخرائطي في " فضيلة الشكر " (1 / 2) وتمام
الرازي في " الفوائد " (ق 117 / 1) والحنائي في " الفوائد " (3 / 258 / 2)
والبغوي في " شرح السنة " (1 / 149 / 2) من طرق عنه به. وقال الحنائي:(2/152)
" غريب، لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير مولاهم
واختلف عليه فيه، فرواه عنه ابن عليه كما أخرجناه، ورواه عنه حماد بن سلمة
عن عمرو بن دينار قال: سمعت سالم بن عبد الله ابن عمر يقول: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فلم يسنده، بل أرسله. قال: وقد رواه أحمد بن منصور
الرمادي عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سالم بن عبد الله قال: كان يقال:
من رأى مبتلى. الحديث. وهذا أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى وإنما تفرد
عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بذكر النبي صلى الله عليه وسلم على
الاختلاف الذي ذكرناه عليه فيه وعمرو بن دينار هذا فيه نظر وهو غير عمرو بن
دينار المكي مولى ابن باذان صاحب جابر ذاك ثقة جليل حافظ ".
قلت: ومن وجوه الاختلاف على عمرو هذا ما أخرجه ابن عدي في " الكامل " (66 /
2) من طريق الحكم بن سنان حدثنا عمرو بن دينار عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.
وقال: " إنما يرويه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله عن
أبيه عن جده، ومن قال: عن عمرو بن دينار عن نافع عن ابن عمر، فقد أخطأ ".
قلت: قد تابعه محمد بن سوقه عن نافع به كما تقدم، فلعل هذا هو أصل الحديث عن
عمرو بن دينار، فرواه مرة هكذا على الصواب وسمعه منه الحكم بن سنان على ضعفه
، ثم اضطرب في روايته على ما سبق شرحه. وعلى كل حال فالحديث قوي بمجموع
الطريقين الأولين. والله أعلم.
603 - " ذراري المسلمين في الجنة تكفلهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم ".
رواه أحمد (2 / 326) وابن حبان (1826) وأبو محمد المخلدي في " الفوائد "
(289 / 1) والحاكم (2 / 370) وابن(2/153)
عساكر (11 / 328 / 2) عن عبد الرحمن
بن ثابت بن ثوبان حدثني عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة
مرفوعا. أورده في ترجمة عطاء هذا وروي عن علي وهو ابن المديني أنه قال:
" لا أعرفه " وعن أبي زرعة أنه قال: " كان من خيار عباد الله ".
وذكره ابن حبان في " الثقات " وحسن له الترمذي، وفي " التقريب أنه صدوق ".
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط.
604 - " كان إذا أراد أن يسجد كبر ثم يسجد وإذا قام من القعدة كبر ثم قام ".(2/154)
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (284 / 2) حدثنا كامل بن طلحة حدثنا حماد بن
سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " وفي كامل
وابن عمرو كلام لا يضر. والحديث نص صريح في أن السنة التكبير ثم السجود
وأنه يكبر وهو قاعد ثم ينهض. ففيه إبطال لما يفعله بعض المقلدين من مد
التكبير من القعود إلى القيام!(2/155)
605 - " ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير ".
أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (ق 88 / 1) : حدثني يحيى بن معين قال:
حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: إنه أخبره
عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان عن ابن عباس
مرفوعا به، وقال: " لم يسند هذا الحديث إلا هشام بن يوسف ولا رواه إلا يحيى
ابن معين ". كذا قال. وذلك على ما أحاط به علمه، وإلا فقد توبع ابن معين
فقال أبو داود في " سننه " (1985) : حدثنا أبو يعقوب البغدادي - ثقة - حدثنا
هشام بن يوسف به. وأبو يعقوب هذا هو إسحاق بن أبي إسرائيل: إبراهيم بن
كامجرا المروزي وهو ثقة كما قال أبو داود وغيره وقد تكلم فيه بعضهم لوقفه في
القرآن، وذلك لا يضره في روايته كما تقرر في " المصطلح " خلافا لما نقله
الزيلعي عن ابن القطان فيه لاسيما وقد تابعه ابن معين كما رأيت. ومن هذا
الوجه أخرجه المخلص في " جزء منتقى من الجزء الرابع من حديثه " (88 / 1) :
حدثنا عبد الله - هو البغوي - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثني هشام بن يوسف
به إلا أنه قال: عن ابن جريج أخبرني عبد الحميد بن جبير به. فصرح ابن جريج
بالتحديث عنده. وهذه فائدة هامة. وقد توبع عليها كما يأتي وكذلك أخرجه
الدارقطني في " سننه " (ص 277) بإسناد المخلص وسياقه. وأخرجه الدارمي في
" سنه " فقال (2 / 64) : أخبرنا علي بن عبد الله المديني حدثنا هشام بن يوسف
مصرحا فيه ابن جريج بالتحديث.(2/157)
وأخرجه الدارقطني أيضا عن أبي بكر بن عياش عن
ابن عطاء يعني يعقوب عن صفية بنت شيبة به. ويعقوب هذا ضعيف، لكنه من الطريق
الأولى صحيح لولا أن أم عثمان بنت أبي سفيان قال ابن القطان: " لا يعرف حالها
" كما نقله الزيلعي عنه، وبها ضعفا الحديث. لكن قال الحافظ في " التقريب ":
" أم عثمان بنت سفيان أو أبي سفيان، وهي أم ولد شيبة بن عثمان لها صحبة
وحديث ". وأوردها ابن عبد البر في " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " وقال:
" كانت من المبايعات، روت عنها صفية بنت شيبة وروى عبد الله ابن مسافع عن أمه
عنها ".
قلت: فإذا ثبتت صحبتها، فقد زالت جهالتها، لأن الصحابة كلهم عدول كما هو
مقرر في " علم الأصول ". وبذلك صح الحديث والحمد لله الذي به تتم الصالحات.
606 - " ما شأني أجعلك حذائي (يعني في الصلاة) فتخنس؟ ".
أخرجه أحمد (1 / 330) : حدثنا عبد الله بن بكر حدثنا حاتم بن أبي صغيرة أبو
يونس عن عمرو بن دينار أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال: " أتيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فصليت خلفه، فأخذ بيدي، فجرني، فجعلني
حذاءه، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست، فصلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لي: فذكره، فقلت: يا رسول الله
أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت(2/158)
رسول الله الذي أعطاك الله؟ قال: فأعجبته
، فدعا الله لي أن يزيدني علما وفهما. قال: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم نام حتى سمعته بنفخ، ثم أتاه بلال، فقال: يا رسول الله الصلاة، فقام
فصلى ما أعاد وضوأ ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه الضياء في " المختارة "
(67 / 118 / 2) من طريق الإمام أحمد ثم قال: " قد روي في " الصحيحين " ذكر
صلاة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق، لكن فيما رويناه من
ذكر الانخناس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وجواب النبي صلى الله عليه
وسلم لم يذكراه في (الصحيح) ".
وفي الحديث من الفقه أن السنة أن الرجل الواحد، إذا اقتدى بالإمام وقف حذاءه
عن يمينه لا يتقدم عنه ولا يتأخر وهو مذهب الحنابلة كما في " منار السبيل "
(1 / 128) .
607 - " أطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور ".
صحيح. وله طريقان: الأول عن رافع بن خديج، رواه أحمد (4 / 141)
والطبراني في " الأوسط " (1 / 135 / 1) والحاكم (2 / 10) عن المسعودي عن
وائل بن داود عن عباية بن رفاعة عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل ... وقال الطبراني: " لم يروه عن وائل إلا
المسعودي ".(2/159)
قلت: وهو ثقة لكنه كان قد اختلط وقد خالفه الثوري فقال: عن وائل بن داود
عن سعيد بن عمير عن عمه. أخرجه الحاكم وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه
الذهبي.
الثاني عن ابن عمر، رواه الطبراني في " الأوسط " عن الحسن بن عرفة حدثنا
قدامة بن شهاب المازني حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن
عمر مرفوعا به وقال: " لم يروه عن إسماعيل إلا قدامة تفرد به الحسن بن عرفة "
. قلت: وهو لا بأس به وبقية رجاله ثقات، فالسند صحيح إن شاء الله.
وقال المنذري (3 / 3) وتبعه الهيثمي (4 / 61) : " رواه الطبراني في
" الكبير " و " الأوسط "، ورجاله ثقات ". وقد رواه شريك عن وائل بن داود عن
جميع بن عمير عن خاله أبي بردة مرفوعا به. أخرجه أحمد (3 / 466) والحاكم
أيضا وهذا خلاف آخر على وائل وقال الحاكم: " وإذا اختلف الثوري وشريك
فالحكم للثوري ".
قلت: وهذا مما لا ريب فيه، فإن شريكا سيء الحفظ، والثوري ثقة حافظ إمام
ولذلك فلا يضره مخالفة غير شريك إياه، فقد قال أبو عبيد في " غريب الحديث "
(ق 121 / 2) : حدثنا أبو معاوية ومروان بن معاوية كلاهما عن وائل بن داود عن
سعيد بن عمير قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره مرسلا لم يذكر في
إسناده " عن عمه " وهي زيادة صحيحة لرواية الثوري لها وإن خطأها البيهقي كما
نقله المنذري عنه. والله أعلم. ثم رأيت في " العلل " لابن أبي حاتم قال (2
/ 443) :(2/160)
" سألت أبي عن حديث رواه أبو إسماعيل المؤدب عن وائل بن داود عن سعيد
بن عمير بن أخي البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل ... (الحديث) قال
أبي: وحدثني أيضا الحسن بن شاذان عن ابن نمير هكذا متصلا عن البراء، وأما
الثقات: الثوري وجماعته فرووا عن وائل بن داود عن سعيد بن عمير أن النبي صلى
الله عليه وسلم. والمرسل أشبه ".
قلت: فهذا يدل أن الرواة اختلفوا على الثوري في إسناده، فالحاكم رواه عنه
موصولا كما تقدم وأبو حاتم يذكر أنه رواه مرسلا.
ويتلخص مما سبق أن جماعة رووه عن وائل مرسلا وآخرون رووه عنه موصولا ولا شك
أن الحكم لمن وصل لأن معهم زيادة علم، ومن علم حجة على من لم يعلم، والذين
وصلوه ثقات: ابن نمير وأبو سعيد المؤدب وسفيان الثوري في إحدى الروايتين عنه
وكذلك شريك ثقة وإن كان سيء الحفظ فيحتج به فيما وافق الثقات كما هو الشأن
هنا ولا يحتج به فيما خالفهم كما فعل هنا أيضا فإنه وافقهم في الوصل وخالفهم
في اسم الصحابي فقال: عن خاله أبي بردة. وقالوا: عن عمه. وقال بعضهم: عن
البراء. فقد اتفقوا على وصله واختلفوا في صحابيه، وذلك مما لا يضر فيه لأن
الصحابة كلهم عدول. والله أعلم.
608 - " إن هذا لا يصلح. يعني اشتراط المرأة لزوجها أن لا تتزوج بعده ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 238) من طريق نعيم بن حماد حدثنا عبد
الله بن إدريس عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر الأنصارية:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت: إني
اشترطت لزوجي أن لا أتزوج بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... ". فذكره
. وقال الطبراني: " تفرد به نعيم ".(2/161)
قلت: وهو ضعيف وأما قول الهيثمي في " المجمع " (4 / 255) : " رواه
الطبراني في " الكبير " و " الصغير " ورجاله رجال الصحيح ". فهو وهم أو تساهل
منه، فإن نعيما هذا - وقد تفرد به - إنما أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم في
مقدمة " صحيحه ". فلا ينبغي إطلاق عزو حديثه إليهما، لأنه يوهم أنه محتج به
عندهما! وقوله " بنت البراء ... " لعله خطأ مطبعي، والصواب: " امرأة
البراء " وذلك لوجهين: الأول: أنه كذلك وقع في " المجمع " ولفظه: " عن أم
مبشر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب امرأة البراء بن معرور ... ".
والظاهر أن هذا السياق لكبير الطبراني.
والآخر: أني وجدت للحديث شاهدا قويا مفصلا ولذلك خرجته في هذا الكتاب وإلا
فنعيم من حق الكتاب الآخر فقال البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 285)
: قال لنا الجعفي أنبأنا زيد بن الحباب قال: أنبأنا يحيى بن عبد الله بن أبي
قتادة عن محمد بن عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم مبشر الأنصارية عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال لها وهي في بعض حالاتها - وكانت امرأة البراء بن
معرور فتوفي عنها فقال: - إن زيد ابن حارثة قد مات أهله، ولن آلو أن أختار
له امرأة، فقد اخترتك له، فقالت: يا رسول الله إني حلفت للبراء أن لا أتزوج
بعده رجلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترغبين عنه؟ قالت: أفأرغب
عنه وقد أنزله الله بالمنزلة منك؟ إنما هي غيرة، قالت: فالأمر إليك، قال:
فزوجها من زيد بن حارثة ونقلها إلى نسائه، فكانت اللقاح تجيء فتحلب فيناولها
الحلاب فتشرب، ثم يناوله من أراد من نسائه. قالت: فدخل علي وأنا عند عائشة
فوضع يده على ركبتها وأسر إليها شيئا دوني، فقالت بيدها في صدر رسول الله صلى
الله عليه وسلم(2/162)
تدفعه عن نفسها، فقلت: مالك تصنعين هذا برسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ ! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم: دعيها، فإنها تصنع هذا، وأشد من هذا ".
قلت: ورجال إسناده ثقات رجال " الصحيح "، غير يحيى بن عبد الله ومحمد بن
عبد الرحمن، وقد وثقهما ابن حبان (2 / 301، 1 / 209) والأول منهما روى
عنه جماعة من الثقات كما في " الجرح " (4 / 2 / 161) وقال ابن حبان: " روى
عنه أهل المدينة، كنيته أبو عبد الله مات سنة ثنتين وسبعين ومائة ".
فالحديث بهذا الشاهد حسن. والله أعلم.
609 - " إذا كان الذي ابتاعها (يعني السرقة) من الذي سرقها غير متهم يخير سيدها،
فإن شاء أخذ الذي سرق منه بثمنها وإن شاء اتبع سارقه ".(2/163)
أخرجه النسائي (2 / 233) والحاكم (2 / 36) وأحمد (4 / 226) عن ابن جريج
قال: ولقد أخبرني عكرمة بن خالد أن أسيد بن حضير الأنصاري - ثم أحد بني
حارثة - أخبره: " أنه كان عاملا على اليمامة، وأن مروان كتب إليه أن معاوية
كتب إليه أن أيما رجل سرق منه فهو أحق بها حيث وجدها، ثم كتب بذلك مروان إلي
وكتبت إلى مروان أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأنه إذا كان ... ثم قضى
بذلك أبو بكر وعمر وعثمان. فبعث مروان بكتابي إلى معاوية وكتب معاوية إلى
مروان: إنك لست أنت ولا أسيد تقضيان علي، ولكني أقضي فيما وليت عليكما،
فانفذ لما أمرتك به، فبعث مروان بكتاب معاوية، فقلت: لا أقضي به ما وليت بما
قال معاوية ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". وتعقبه الذهبي
بقوله: " قلت: أسيد هذا مات زمن عمر، ولم يلقه عكرمة ولا بقي إلى أيام
معاوية، فتحقق هذا ".
قلت: التحقيق أن قوله: " ابن حضير " وهم من بعض رواته والصواب " ابن ظهير "
. قال الحافظ المزي في ترجمة ابن حضير بعد أن ساق الحديث من طريق هارون بن عبد
الله عن حماد بن مسعدة عن ابن جريج: " فإنه وهم. قال هارون: قال أحمد: هو
في كتاب ابن جريج " أسيد بن ظهير، ولكن كذا حدثهم بالبصرة. ورواه عبد
الرزاق وغيره عن ابن جريج عن عكرمة عن أسيد بن ظهير، وهو الصواب ".
أقول: رواية عبد الرزاق عند النسائي قال: أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا
سعيد بن ذؤيب قال: حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج: ولقد أخبرني ... إلى آخر
السياق المذكور في مطلع التخريج. وأنت ترى أنه وقع فيه " أسيد بن حضير ".
وهذا خلاف ما عزاه المزي لرواية عبد الرزاق، فهل روايته في " النسائي "
مخالفة لروايته عند(2/164)
غيره ممن نقلها المزي عنه؟ أم أن نسختنا منه وقع فيها خطأ
من الطابع أو الناسخ؟ كل من الأمرين محتمل في الظاهر ولكن مما يرجح الاحتمال
الثاني: أن الحافظ المزي أورد الحديث في " تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف "
(1 / 75) وتبعه النابلسي في " الذخائر " (1 / 17) من طريق النسائي عن عمرو
بن منصور به ... فذكره كما ذكره في " التهذيب " على الصواب.
وقال عقبه: " وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق وقيل عن أسيد بن
حضير وهو وهم ". فتبين أن الذي في نسختنا من " النسائي " خطأ من الناسخ أو
الطابع. وإذا كان الأمر كذلك: فابن ظهير صحابي وقد استصغر يوم أحد وروى
عنه غير عكرمة ابنه رافع ومجاهد. فثبت الحديث وزال الوهم. والموفق الله.
وفي الحديث فائدتان هامتان:
الأولى: أن من وجد ماله المسروق عند رجل غير متهم اشتراها من الغاصب أو السارق
، فليس له أن يأخذه إلا بالثمن وإن شاء لاحق المعتدي عند الحاكم. وأما حديث
سمرة المخالف لهذا بلفظ: " من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيع
من باعه " فهو حديث معلول كما بينته في التعليق على " المشكاة " (2949) فلا
يصلح لمعارضة هذا الحديث الصحيح، لاسيما وقد قضى به الخلفاء الراشدون.
والأخرى: أن القاضي لا يجب عليه في القضاء أن يتبنى رأى الخليفة إذا ظهر له
أنه مخالف للسنة، ألا ترى إلى أسيد بن ظهير كيف امتنع عن الحكم بما أمر به
معاوية وقال: " لا أقضي ما وليت بما قال معاوية ".
ففيه رد صريح على من يذهب اليوم من الأحزاب الإسلامية إلى وجوب طاعة الخليفة
الصالح فيما تبناه من أحكام ولو خالف النص في وجهة نظر المأمور وزعمهم أن
العمل جرى على ذلك من المسلمين الأولين وهو زعم باطل لا سبيل لهم إلى إثباته،(2/165)
كيف وهو منقوض بعشرات النصوص هذا واحد منها، ومنها مخالفة علي رضي الله عنه
في متعة الحج لعثمان بن عفان في خلافته، فلم يطعه، بل خالفه مخالفة صريحة كما
في " صحيح مسلم " (4 / 46) عن سعيد بن المسيب قال: " اجتمع علي وعثمان رضي
الله عنهما بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي: ما تريد
إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه؟ ! فقال عثمان: دعنا منك
! فقال: إني لا أستطيع أن أدعك. فلما أن رأى علي ذلك أهل بهما جميعا ".
610 - " ألا إن العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 293) : حدثنا علي بن إسحاق أنبأنا ابن المبارك حدثنا
عبد الرحمن بن يزيد بن (في الأصل: عن) جابر قال: حدثني سعيد ابن أبي سعيد
عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير علي ابن إسحاق وهو
السلمي وهو ثقة اتفاقا وجهالة الصحابي لا تضر. وقال الهيثمي (4 / 145) :
" ورجاله ثقات ". وللحديث شاهد من طريق إسماعيل بن عياش حدثنا شرحبيل بن
مسلم الخولاني قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكره. أخرجه أحمد (5 / 267) وأصحاب السنن إلا النسائي وقال
الترمذي (2 / 252 - تحفة) : " حديث حسن وفي الباب عن سمرة وصفوان بن أمية
وأنس وقد روي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من غير هذا
الوجه ".(2/166)
قلت: وعلى هذا فاقتصاره على تحسين الحديث مع هذه الشواهد والطرق قصور بين،
لاسيما والطريق الأولى عند أحمد صحيحة لذاتها كما عرفت. ومن طرقه وألفاظه
الحديث الآتي بعده. وقد خولف ابن المبارك في إسناده، فقال ابن ماجه (2 / 72
) : حدثنا هشام بن عمار وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقيان قالا: حدثنا محمد
بن شعيب عن عبد الرحمن بن يزيد عن سعيد بن أبي سعيد عن أنس مرفوعا به.
قال في " الزوائد ": " وهذا إسناد صحيح، وعبد الرحمن بن يزيد هو ابن جابر
ثقة. وسعيد بن أبي سعيد هو المقبري ".
قلت: ومحمد بن شعيب هو ابن شابور وهو ثقة اتفاقا، وقد زاد على ابن المبارك
فسمى الصحابي أنسا، فهي زيادة مقبولة وليست مخالفة لرواية ابن المبارك كما هو
ظاهر. ولقد أبعد الزيلعي النجعة، فنسب الحديث في " نصب الراية " (4 / 58)
للطبراني وحده في " مسند الشاميين " من طريق هشام بن عمار حدثنا محمد بن شعيب
به. وتبعه على ذلك الحافظ في " الدراية " (ص 290) ! !
611 - " العارية مؤداة والمنحة مرودة ومن وجد لقطة مصراة، فلا يحل له صرارها حتى
يريها ".
رواه ابن حبان في صحيحه (1174) : أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي
حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا الجراح بن مليح البهراني حدثنا حاتم بن حريث
الطائي قال: سمعت أبا أمامة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره.
قلت: وهذا سند حسن، حاتم هذا، روى عنه سوى الجراح هذا معاوية بن صالح قال
ابن أبي حاتم (1 / 2 / 257) :(2/167)
" قال ابن معين: لا أعرفه، وسألت أبي عنه؟
فقال: شيخ ". قال الحافظ في " التهذيب ": " قلت: وذكره ابن حبان في
" الثقات "، وقال عثمان بن سعيد الدارمي: ثقة. قال ابن عدي: لعزة حديثه لم
يعرفه ابن معين وأرجو أنه لا بأس به ".
قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى وبقية رجاله رجال الصحيح غير أحمد
بن الحسن الصيرفي وهو ثقة وثقه الدارقطني والخطيب كما في " تاريخه " (4 / 82
- 84) . والحديث أشار إليه الحافظ في " التلخيص " وقال (ص - 25) :
" وصححه ابن حبان من طريق حاتم هذه، وقد وثقه عثمان الدارمي ". والحديث
رواه النسائي من هذا الوجه فقال: أنبأنا عمرو بن منصور أنبأنا الهيثم بن خارجة
به. ذكره ابن حزم (9 / 172) وأعله بقوله: " حاتم بن حريث مجهول ". كذا
قال، وكأنه لم يقف على توثيق الدارمي له أو لم يعتد به، فلا أدري ما وجهه
حينئذ مع قول ابن عدي: " لا بأس به ". واعلم أن الطرف الأول من الحديث "
العارية مؤداة " قد روي من طريق أخرى عن أبي أمامة، ومن طرق أخرى عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذكرها ابن حزم وضعفها كلها وفاته الطريق الأولى
باللفظ الأول عند أحمد وهي صحيحة عندنا كما علمت وإن كان المعروف عن ابن حزم
أنه لا يحتج برواية من لم يسم من الصحابة خلافا للجمهور. ومما لا يرتاب فيه
عاقل أن هذه الطرق ولو قيل بأن مفرداتها لا تخلو من ضعف فإن مجموعها مما يدل
على أن للحديث أصلا أصيلا، فكيف والطريق(2/168)
الأولى صحيحة وهذه حسنة؟ فكيف وله
شاهد بلفظ: " بل عارية مؤداة " كما سيأتي (631) .(2/169)
612 - " كان قائما يصلي في بيته، فجاء رجل فاطلع في بيته، فأخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم سهما من كنانته، فسدده نحو عينيه حتى انصرف ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1069) وأحمد (3 / 191) وأبو القاسم
البغوي في " حديث هدبة " (رقم 80) من طريق حماد بن سلمة أنبأنا إسحاق بن عبد
الله بن طلحة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ...
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه البخاري في " الديات "
وأحمد أيضا (3 / 125 / 178) من طريق حميد عن أنس مختصرا نحوه وفيه عند أحمد
- وإسناده ثلاثي: " فأخرج الرجل رأسه " وأخرجه مسلم (6 / 181) وغيره من
طريق أخرى عن أنس نحوه، وليس عنده وكذا البخاري ذكر الصلاة، خلافا لما
يوهمه كلام المعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي وكذلك كلام شارحه الفاضل.
613 - " لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من
البلاء ما لا يطيق ".
رواه الترمذي (2 / 41 - بولاق) وابن ماجه (4016) وأحمد (5 / 405) عن
علي بن زيد عن الحسن عن جندب عن حذيفة مرفوعا. وقال: " حديث حسن غريب "
. قلت: علي بن زيد هو ابن جدعان وهو ضعيف، والحسن هو البصري وهو مدلس وقد
عنعنه. وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 138) عن أبيه:(2/170)
" هذا حديث
منكر ". وذكره في موضع آخر (2 / 306) من طريق عمرو بن عاصم الكلابي عن حماد
بن سلمة عن علي بن زيد به. فقال: " قال أبي: قد زاد في الإسناد جندبا وليس
بمحفوظ، حدثنا أبو سلمة عن حماد، وليس فيه جندب ".
قلت: وهو عندهم جميعا من طريق عمرو بن عاصم، فكأن أبا حاتم يشير إلى إعلال
الحديث بالانقطاع بين الحسن وحذيفة وهو على كل حال منقطع، لما ذكر من
التدليس. ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث ابن عمر مرفوعا. أخرجه الطبراني في
" المعجم الكبير " (3 / 204 / 1) : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة أنبأنا
زكريا بن يحيى المدائني أنبأنا شبابة بن سوار أنبأنا ورقاء ابن عمر عن ابن أبي
نجيح عن مجاهد عنه به.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان زكريا بن يحيى هو أبو يحيى اللؤلؤي الفقيه
الحافظ وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن أبي خيثمة وهو ثقة حافظ له
ترجمة في " تذكرة الحفاظ " (2 / 278) وغيره.(2/171)
614 - " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار (يعني من سدر الحرم) ".
أخرجه أبو داود (5239) والنسائي في " السير " (2 / 43 / 2) والطحاوي في
" مشكل الآثار " (4 / 119، 120) والطبراني في " الأوسط " (1 / 123 / 1)
وعنه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (56 / 136 / 3) والبيهقي في
" السنن الكبرى " (6 / 139) من طرق عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن
سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله ابن حبشي قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال الطبراني - والزيادة له -: " لا يروى عن
عبد الله بن حبشي إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن جريج ".
قلت: ورجاله ثقات، والإسناد جيد لولا أن فيه عنعنة ابن جريج وقد صرح
بالتحديث عن عثمان بن أبي سليمان هذا في حديث آخر له أخرجه أحمد (3 / 411 / -
412) والضياء، فالله أعلم. وقد خالفه في إسناده معمر فقال: عن عثمان بن
أبي سليمان عن رجل من ثقيف عن عروة بن الزبير يرفع الحديث إلى النبي صلى الله
عليه وسلم نحوه. أخرجه أبو داود (5240) والبيهقي (6 / 139 - 140) .(2/173)
وابن جريج أحفظ من معمر، فالموصول أولى لولا أن فيه العنعنة لكن الحديث صحيح
بما له من الشواهد، فمنها عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رؤوسهم صبا ".
أخرجه الطحاوي (4 / 117) والخطيب في " الموضح " (1 / 38 - 39) والبيهقي
(6 / 140) من طريقين عن وكيع بن الجراح قال: حدثنا محمد بن شريك عن عمرو بن
دينار عن عمرو بن أوس عن عروة بن الزبير عنها.
قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن شريك وهو ثقة وأما
إعلال البيهقي نقلا عن أبي علي الحافظ بقوله: " ما أراه حفظه عن وكيع، وقد
تكلموا فيه يعني القاسم بن محمد بن أبي شيبة والمحفوظ رواية أبي أحمد الزبيري
ومن تبعه على روايته عن محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا ".
قلت: فهذا الإعلال غير قادح لأن القاسم هذا لم يتفرد به عن وكيع بل قد تابعه
مليح بن وكيع بن الجراح كما أشرنا إليه وهو ثقة. ولذلك قال الخطيب بعد ما
روى قول الدارقطني: تفرد به وكيع عن محمد بن شريك وتفرد به عنه مليح:
" قلت: وهكذا رواه القاسم بن محمد بن أبي شيبة عن وكيع ".
وقال الخطيب عقبه. " ورواه أبو معاوية عن أبي عثمان محمد بن شريك فأرسله
ولم يذكر فيه عائشة. أخبرناه.... ".
قلت: فيبدو مما ذكرنا أن الأصح عن محمد بن شريك مرسل، ولكنه مرسل صحيح
الإسناد، فهو على كل حال شاهد قوي لحديث الباب، لاسيما وقد توبع ابن شريك
على وصله،(2/174)
أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " من طريق إسماعيل بن عبد الله بن
زرارة حدثنا حماد أبو بشر العبدي والأشعث بن سعيد عن عمرو بن دينار به. لكن
الأشعث هذا متروك، وإن قرن به حماد أبو بشر العبدي، فإني لم أعرفه. فإن وثق
فالسند جيد. وله شاهد جيد وهو: " قاطع السدر، يصوب الله رأسه في النار ".
615 - " قاطع السدر، يصوب الله رأسه في النار ".
أخرجه البيهقي (6 / 141) من طريق عبد القاهر بن شعيب عن بهز بن حكيم عن
أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، كما هو المعروف في إسناد بهز بن حكيم عن أبيه عن جده.
وعبد القاهر بن شعيب قال صالح جزرة: لا بأس به. وذكره ابن حبان في
" الثقات ". وتابعه يحيى بن الحارث عن أخيه مخارق بن الحارث عن بهز بن حكيم
به بلفظ: " من الله لا من رسوله لعن الله عاضد السدر ". ورجاله ثقات غير
مخارق هذا فلم أجد من ترجمه، وقد ذكره الحافظ في شيوخ يحيى بن الحارث.(2/175)
وله شاهد ضعيف، يرويه إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن جعفر بن محمد بن
علي عن أبيه عن جده عن علي مرفوعا بلفظ: " اخرج فأذن في الناس من الله لا من
رسوله لعن الله قاطع السدرة ". أخرجه البيهقي، والطحاوي (4 / 119) نحوه.
وإبراهيم هذا وهو الخوزي متروك، وقد اضطرب في إسناده كما بينه البيهقي،
فالاعتماد على ما قبله. والله أعلم.(2/176)
إذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أشكل على بعض العلماء،
فتأوله أبو داود بقوله: " هذا الحديث مختصر، يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل
بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها، صوب الله رأسه في
النار ". وذهب الطحاوي إلى أنه منسوخ، واحتج بأن عروة بن الزبير - وهو أحد
رواة الحديث قد ورد عنه أنه قطع السدر. ثم روى ذلك بإسناده عنه. وأخرجه أبو
داود (5241) بأتم منه من طريق حسان بن إبراهيم قال: سألت هشام بن عروة عن
قطع السدر؟ وهو مستند إلى قصر عروة فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع؟
إنما هي من سدر عروة، كان عروة يقطعه من أرضه، وقال: لا بأس به. زاد في
روايته: فقال: هي يا عراقي جئتني ببدعة! قال: قلت: إنما البدعة من قبلكم،
سمعت من يقول بمكة: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع السدر.
قلت: وإسناده جيد. وهو صريح في أن عروة كان يرى جواز قطع السدر.
قال الطحاوي: " لأن عروة مع عدالته وعلمه وجلالة منزلته في العلم لا يدع
شيئا قد ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضده إلا لما يوجب ذلك له،
فثبت بما ذكرنا نسخ الحديث ".
قلت: وأولى من ذلك كله عندي أن الحديث محمول على قطع سدر الحرم، كما أفادته
زيادة الطبراني في حديث عبد الله بن حبشي، وبذلك يزول الإشكال. والحمد لله
الذي بنعمته تتم الصالحات.(2/177)
616 - " ابنوه عريشا كعريش موسى. يعني مسجد المدينة ".
روي مرسلا عن الحسن البصري وسالم بن عطية والزهري وراشد بن سعد وموصولا
عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت.
1 - عن الحسن. أخرجه ابن أبي الدنيا في " قصر الأمل " (3 / 25 / 2) من طريق
إسماعيل بن مسلم عنه قال: " لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد
أعانه عليه أصحابه وهو يتناول اللبن حتى اغبر صدره، فقال ... ". فذكره. قال
ابن كثير في " البداية " (3 / 215) : " وهذا مرسل ".
قلت: ورجاله ثقات كلهم إن كان إسماعيل هذا هو العبدي القاضي، وإن كان هو
المكي البصري فهو ضعيف، وكلاهما روى عن الحسن. وقد توبع، فأخرجه ابن أبي
شيبة في " المصنف " (1 / 100 / 2) وعنه ابن عساكر (12 / 317 / 2) من طريق
أيوب عن الحسن به. وإسناده صحيح مرسل.
2 - عن سالم بن عطية - أخرجه البيهقي في " سننه " (2 / 439) عن ليث عنه.
وليث هو ابن أبي سليم ضعيف وشيخه سالم لم أجد له ترجمة.(2/178)
3 - عن الزهري. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 239 - 240) : أخبرنا محمد
بن عمر قال: حدثني معمر بن راشد عنه قال: فذكره في أثناء حديث طويل في بناء
المسجد.
قلت: وهذا إسناد واه جدا محمد بن عمر هو الواقدي وهو متروك، فلا يصلح
للشواهد والمتابعات.
4 - عن راشد بن سعد. قال المفضل الجندي في " كتاب فضل المدينة " (رقم 47 -
منسوختي) : حدثنا ابن أبي عمر وسعيد قالا: حدثنا سفيان عن ثور بن يزيد عنه
قال: " وجه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وأصحابا له معهم
قصبة أو جريدة وهم يمسحون بها المسجد، فقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله
لو بنينا مسجدنا هذا على بناء مسجد الشام فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم
الجريدة أو القصبة وهجل بها - يعني رمى بها - وقال: خشيبات وثمام وعريش
كعريش موسى، والأمر أعجل من ذلك ".
قلت: وهذا إسناد مرسل أيضا صحيح رجاله كلهم ثقات.
وقد روى موصولا، وهو:
5 - عن أبي الدرداء. قال أبو حامد الحضرمي الثقة في " حديثه " (ق / 2 / 2)
أنبأنا زيد بن سعيد الواسطي: حدثنا بشر بن السري حدثنا سفيان الثوري عن ثور عن
خالد بن معدان عن أبي الدرداء قال: فذكره مثل الذي قبله مع اختصاره في قول
الصحابي. ورواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 193 / 1) : حدثنا محمد
بن هارون حدثنا زيد بن سعيد الواسطي به. والضياء المقدسي في " الأحاديث
المختارة " (7 / 117 / 1) من طريق البغوي عن زيد الواسطي به.(2/179)
قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري غير زيد هذا، أورده الذهبي في " الميزان "
فقال: " عن أبي إسحاق بخبر باطل متنه: " من أدخل على مؤمن سرورا لم تمسه
النار ". وقال الحافظ في " اللسان ": " وساق المؤلف في " معجمه " من وجه
آخر عن أبي حامد (عنه) وقال: هذا خبر منكر ورواته أعلام ثقات، فالآفة زيد
هذا ولم أجد أحدا ذكره بجرح ولا تعديل ".
6 - عن عبادة. أخرجه ابن أبي الدنيا من طريق أبي سنان عن يعلى ابن شداد بن أوس
عنه. " أن الأنصار جمعوا مالا، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:
يا رسول الله ابن هذا المسجد وزينه، إلى متى تصلي تحت هذا الجريد؟ فقال:
" ما بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى ". وهذا الحديث غريب من هذا
الوجه. كذا قال الحافظ ابن كثير في " البداية " (3 / 215) . وأبو سنان هذا
اسمه عيسى بن سنان الحنفي، وهو لين الحديث كما في " التقريب ".
وجملة القول: أن الحديث بمجموع المرسلين الصحيحين وهذا الموصول يرتقي إلى
درجة الحسن إن شاء الله تعالى. ثم وجدت له شاهدا آخر مرسل، رواه نعيم بن حماد
في " زوائد زهد ابن المبارك " (رقم 198) قال: أنبأنا ابن عيينة عن عمرو بن
دينار عن أبي جعفر قال: قالوا: يا رسول الله هده، يعنون المسجد، يقولون:
طينه، قال:(2/180)
لا بل عرش كعرش موسى. يعني العريش. ورجاله ثقات. غير أن ابن
حماد نفسه ضعيف.
617 - " من أعطي عطاء فوجد فليجز به ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر ومن
كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور ".
أخرجه أبو داود (4813) من طريق بشر حدثنا عمارة بن غزية قال: حدثني رجل من
قومي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
وقال: " رواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل عن جابر ".
قلت: وصله البخاري في " الأدب المفرد " (215) : حدثنا سعيد بن عفير قال:
حدثني يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل مولى الأنصار عن جابر به.
وأورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 318) من طريق بشر وقال: " قال أبي
: هذا الرجل هو شرحبيل بن سعد ".
قلت: وقد خالف بشرا إسماعيل بن عياش، فقال عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير
عن جابر به. أخرجه الترمذي (1 / 365) وقال: " حديث حسن غريب. ومعنى قوله
: " ومن كتم فقد كفر " يقول: قد كفر تلك النعمة ".
قلت: إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها، لاسيما وقد
خالفه بشر وهو ابن المفضل وهو ثقة، فالصواب أن تابعي الحديث إنما هو(2/181)
شرحبيل
بن سعد، كما جزم به أبو داود وأبو حاتم وهو رواية البخاري ويؤيده ذلك أن
زيد بن أبي أنيسة رواه أيضا عن شرحبيل الأنصاري عن جابر به. أخرجه ابن حبان (
2073) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 41 / 2) وإذ قد دار السند على
شرحبيل بن سعد، فهو إسناد ضعيف، لأن شرحبيل هذا يكاد يكون متفقا على تضعيفه،
فلم يوثقه غير ابن حبان وشيخه ابن خزيمة، فأخرجا له في " الصحيح ". وذلك من
تساهلهما الذي عرفا به. نعم للحديث طريق أخرى عن جابر يتقوى بها أخرجه ابن عدي
في " الكامل " (ق 20 / 2) من طريق أيوب بن سويد عن الأوزاعي عن محمد بن
المنكدر عن جابر يرفعه.
قلت: وأيوب هذا صدوق يخطىء كما في " التقريب " فهو شاهد جيد. وقد صح الحديث
من طريق أخرى مختصرا بلفظ: " من أبلي بلاء فذكره، فقد شكره وإن كتمه فقد
كفره ".
618 - " من أبلي بلاء فذكره، فقد شكره وإن كتمه فقد كفره ".
أخرجه أبو داود (4814) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 259) من طريق
جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا به
نحوه. أخرجه ابن عساكر (16 / 302 / 1) وفيه عثمان بن فائد وهو ضعيف وقد
وقع بياض في النسخة، فلم يتبين سنده كاملا.(2/182)
619 - " ثلاث لا ترد: الوسائد والدهن واللبن ".
أخرجه الترمذي (2 / 130) وعنه البغوي في " شرح السنة " (3 / 112 / 2)
وأبو الشيخ في " طبقات المحدثين " (ص 185) وبشر بن مطر في " حديثه " (3 /
89 / 1) وابن حبان في " الثقات " (1 / 10) والطبراني في " المعجم الكبير "
(3 / 196 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 99) من طريق عبد الله
بن مسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب، وعبد الله هو ابن مسلم بن جندب وهو
مدني ".
قلت: وكأنه قد خفي حاله على الترمذي ولذلك استغرب حديثه، وقد عرفه غيره،
فقال ابن أبي حاتم في كتابه (2 / 2 / 165) : " سئل أبو زرعة عنه؟ فقال:
مديني لا بأس به ". وكذا قال الحافظ في " التقريب ". وذكره ابن حبان في
" الثقات " (2 / 159) وقال العجلي: " مدني ثقة ". وقال الذهبي:
" مقل ما علمت لأحد فيه مغمزا ". وأما أبوه هو أشهر منه قال ابن حبان في
" الثقات " (1 / 213) : " يروي عن ابن عمر، وكان قاضي المدينة، روى عنه
يحيى بن سعيد الأنصاري و ... و ... مات سنة ست ومائة ". وقال العجلي:(2/183)
" تابعي ثقة ". وكذا قال الحافظ إنه ثقة.
قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون فالإسناد جيد لا علة فيه، فقول ابن
أبي حاتم في " العلل " (2 / 308) عن أبيه: " هذا حديث منكر " مردود. ومثله
ما نقله المناوي عن ابن القيم أنه قال: " حديث معلول، رواه الترمذي وذكر
علته، ولا أحفظ الآن ما قيل فيه إلا أنه من رواية عبد الله بن مسلم بن جندب
عن أبيه عن ابن عمر ".
قلت: فهذا مردود أيضا لأنه مجرد دعوة، ثم قال المناوي: " وقال ابن حبان:
إسناده حسن، لكنه ليس على شرط البخاري ".
(تنبيه) سقط من رواية ابن حبان اسم عبد الله هذا، ووقع عنده: " مسلم بن
جندب عن أبيه عن ابن عمر ... ". وليس السقط من الناسخ، بل الرواية عنده هكذا
وقعت له، فإنه أورده في ترجمة " جندب بن سلامة " وقال: " ويقال ابن سلام
المدني يروي عن ابن عمر، روى عنه مسلم بن جندب ". ثم ساق الحديث. ولا شك أن
هذه الرواية شاذة، لمخالفتها للروايات الأخرى المطبقة على أنها من رواية عبد
الله بن مسلم عن أبيه عن ابن عمر، وأنه لا ذكر لجندب فيها. والله أعلم.
وقد وجدت للحديث طريقا أخرى عن ابن عمر، فقال الروياني في " مسنده " (ق 249
/ 2) : أنبأنا العباس بن محمد أنبأنا أبو الربيع سليمان بن داود بن رشيد
أنبأنا خالد بن زياد الدمشقي عن زهير بن محمد المكي عن نافع عنه به.
ورجاله ثقات غير خالد هذا فمجهول، وزهير بن محمد هو أبو المنذر التميمي
الخراساني، قال الحافظ:(2/184)
" رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها ".
ومن هذه الطريق أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5 / 213 / 2) وقال:
" لا أعرف أبا الربيع هذا ولا خالدا إلا من هذا الوجه ". فتعقبه الحافظ في
" اللسان " بقوله: " أما أبو الربيع فهو الختلي بلا شك ".
قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، مترجم في " التهذيب " وغيره.
(فائدة) قال الترمذي: " الدهن يعني به الطيب ".
620 - " ضالة المسلم حرق النار ".
أخرجه أحمد (5 / 80) والدارمي (2 / 266) والطبراني في " المعجم الصغير "
(ص 174) و " الكبير " (1 / 102 / 2) من طريق سعيد الجريري عن أبي العلاء بن
الشخير عن مطرف حدثنا أبو مسلم الجذمي - جذيمة عبد القيس - حدثنا الجارود
مرفوعا به. وزاد أحمد والطبراني: وقال في اللقطة الضالة تجدها فانشدها
ولا تكتم ولا تغيب فإن عرفت فأدها، وإلا فمال الله يؤتيه من يشاء.
قلت: وأبو العلاء هذا اسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة لكن اختلفوا
عليه في إسناده، فرواه هكذا سعيد الجريري وتابعه قتادة وخالد الحذاء عند
أحمد والدارمي وفي رواية لأحمد عن الحذاء به إلا أنه أسقط من الإسناد أبا
مسلم الجذمي. والصواب(2/185)
الأول لأنه قد تابعهم أيوب عن أبي العلاء به. لكن
خالفه الحسن - وهو البصري - فقال: عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه
مرفوعا به. أخرجه أحمد (4 / 25) وعنه الضياء في " المختارة " (58 / 182 /
2) وابن ماجه (2502) وابن حبان (1171) وابن سعد (7 / 34) وأبو عبيد
في " غريب الحديث " (5 / 1) والبيهقي (6 / 191) والضياء أيضا من طريق
حميد الطويل عنه.
وتابعه قتادة عن مطرف به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 33) والضياء
. ولعل هذه الرواية عن مطرف عن أبيه أرجح من رواية مطرف عن أبي مسلم الجذمي عن
الجارود لاتفاق ثقتين عليها وهما الحسن وقتادة بخلاف تلك، فقد تفرد بها أبو
العلاء كما رأيت. فإن كان كذلك، فالإسناد صحيح وأما طريق أبي مسلم فإنه ليس
بالمشهور. لكنه لم يتفرد به، فأخرجه الطبراني (3 / 102 / 1 - 2) من طريق
أبي معشر البراء، أنبأنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن عبد الله بن بابي عن عبد
الله بن عمرو أن الجارود أبا المنذر أخبره به.
قلت: فهذه متابعة قوية والسند جيد وهو على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث
عصمة مرفوعا به وزاد:(2/186)
" ثلاث مرات ". رواه الطبراني في " الكبير " وفيه
أحمد بن راشد وهو ضعيف. كذا في " مجمع الزوائد " (4 / 167) .
621 - " الأنبياء - صلوات الله عليهم - أحياء في قبورهم يصلون ".
أخرجه البزار في " مسنده " (256) وتمام الرازي في " الفوائد " (رقم 56 -
نسختي) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 285 / 2) وابن عدي في
" الكامل " (ق 90 / 2) والبيهقي في " حياة الأنبياء " (ص 3) من طريق الحسن
بن قتيبة المدائني حدثنا المستلم بن سعيد الثقفي عن الحجاج بن الأسود عن ثابت
البناني عن أنس مرفوعا به. وقال البيهقي: " يعد في أفراد الحسن بن قتيبة
". وقال ابن عدي: " وله أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنه لا بأس به ". كذا
قال، ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل هو هالك، قال الدارقطني في رواية
البرقاني عنه " متروك الحديث ". وقال أبو حاتم: " ضعيف ". وقال الأزدي:
" واهي الحديث ". وقال العقيلي: كثير الوهم ".
قلت: وأقره الحافظ في " اللسان "، وبقية رجال الإسناد ثقات ليس فيهم من
ينظر فيه غير الحجاج بن الأسود،(2/187)
فقد أورده الذهبي في " الميزان " وقال:
" نكرة، ما روى عنه - فيما أعلم - سوى مستلم بن سعيد فأتى بخبر منكر عنه عن
أنس في أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. رواه البيهقي ". لكن تعقبه الحافظ
في " اللسان "، فقال عقبه: " وإنما هو حجاج بن أبي زياد الأسود يعرف بـ " زق
العسل " وهو بصري كان ينزل القسامل. روى عن ثابت وجابر بن زيد وأبي نضرة
وجماعة. وعنه جرير بن حازم وحماد بن سلمة وروح بن عبادة وآخرون. قال
أحمد: ثقة، ورجل صالح، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح
الحديث، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث وذكره ابن حبان
في " الثقات " فقال: " حجاج ابن أبي زياد الأسود من أهل البصرة ... وهو الذي
يحدث عنه حماد بن سلمة فيقول: حدثني حجاج بن الأسود ".
قلت: ويتلخص منه أن حجاجا هذا ثقة بلا خلاف وأن الذهبي توهم أنه غيره فلم
يعرفه ولذلك استنكر حديثه، ويبدو أنه عرفه فيما بعد، فقد أخرج له الحاكم في
" المستدرك " (4 / 332) حديثا آخر، فقال الذهبي في " تلخيصه ":
" قلت: حجاج ثقة ". وكأنه لذلك لم يورده في كتابه " الضعفاء " ولا في
" ذيله ". والله أعلم.
وجملة القول: أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وأن علته إنما هي من الحسن بن
قتيبة المدائني ولكنه لم يتفرد به، خلافا لما سبق ذكره عن البيهقي، فقال أبو
يعلى الموصلي في " مسنده " (ق 168 / 1) حدثنا أبو الجهم الأزرق بن علي حدثنا
يحيى بن أبي بكير حدثنا المستلم بن سعيد به.(2/188)
ومن طرق أبي يعلى أخرجه البيهقي
قال: أخبرنا الثقة من أهل العلم قال: أنبأنا أبو عمرو بن حمدان قال: أنبأنا
أبو يعلى الموصلي ...
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، غير الأزرق هذا قال الحافظ في
" التقريب ": " صدوق يغرب ". ولم يتفرد به، فقد أخرجه أبو نعيم في " أخبار
أصبهان " (2 / 83) من طريق عبد الله بن إبراهيم بن الصباح عن عبد الله بن
محمد بن يحيى بن أبي بكير حدثنا يحيى بن أبي بكير به. أورده في ترجمة ابن
الصباح هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وعبد الله بن محمد بن يحيى بن
أبي بكير، فترجمه الخطيب (10 / 8) وقال: " سمع جده يحيى بن أبي بكير قاضي
كرمان ... وكان ثقة ". فهذه متابعة قوية للأزرق، تدل على أنه قد حفظ ولم
يغرب. وكأنه لذلك قال المناوي في " فيض القدير " بعد ما عزاه أصله لأبي يعلى
: " وهو حديث صحيح ". ولكنه لم يبين وجهه، وقد كفيناك مؤنته، والحمد لله
الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.(2/189)
هذا. وقد كنت برهة من الدهر أرى أن هذا الحديث ضعيف لظني أنه مما تفرد به
ابن قتيبة - كما قال البيهقي - ولم أكن قد وقفت عليه في " مسند أبي يعلى "
و" أخبار أصبهان ". فلما وقفت على إسناده فيهما تبين لي أنه إسناد قوي وأن
التفرد المذكور غير صحيح، ولذلك بادرت إلى إخراجه في هذا الكتاب تبرئة للذمة
وأداء للأمانة العلمية ولو أن ذلك قد يفتح الطريق لجاهل أو حاقد إلى الطعن
والغمز واللمز، فلست أبالي بذلك ما دمت أني أقوم بواجب ديني أرجو ثوابه من
الله تعالى وحده. فإذا رأيت أيها القارىء الكريم في شيء من تآليفي خلاف هذا
التحقيق، فأضرب عليه واعتمد هذا وعض عليه بالنواجذ، فإني لا أظن أنه يتيسر
لك الوقوف على مثله. والله ولى التوفيق.
ثم اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام،
إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها
دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة
الدنيا. هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما
جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء كما يفعل أهل البدع الذين
وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته صلى الله عليه وسلم في قبره حياة حقيقية!
قال: يأكل ويشرب ويجامع نساءه! ! . وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها
إلا الله سبحانه وتعالى.
622 - " من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء ".
أخرجه أبو داود (2 / 151) وعنه البيهقي (9 / 340) :(2/190)
حدثنا أبو توبة الربيع
بن نافع حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة
مرفوعا. وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم وفي سعيد بن عبد الرحمن كلام
لا يضر إن شاء الله تعالى. قال الحافظ في " الفتح " (10 / 122) : وثقه
الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه. وقال في " التقريب ": " صدوق له أوهام
وأفرط ابن حبان في تضعيفه ". وقد أخرج الحديث مختصرا أبو محمد المخلدي العدل
في " الفوائد " (3 / 224 / 1) والحاكم (4 / 210) من هذا الوجه وقال:
صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وتعقبه المناوي بقوله: " لكن ضعفه ابن
القطان بأنه من رواية سعيد الجمحي عن سهل عن أبيه وسهل وأبوه مجهولان. اهـ
. لكن ذكر جدي في تذكرته أن شيخه الحافظ العراقي أفتى بأن إسناده صحيح على شرط
مسلم ".
قلت: وهذا هو الصواب أنه على شرط مسلم فإن رجاله كلهم رجال صحيحه وما منعنا
أن نحكم نحن بصحته إلا ما في سعيد بن عبد الرحمن من ضعف في حفظه، وأما تضعيف
ابن القطان له فهو بناء منه على أن شيخ سعيد هذا هو سهل وليس كذلك بل هو سهيل
- بالتصغير - ابن أبي صالح كما جاء منسوبا في " المستدرك "، وهو وأبوه ثقتان
معروفان من رجال مسلم أيضا.
وللحديث شواهد من فعله عليه السلام ومن قوله فانظر: (خير يوم تحتجمون فيه)
و (كان يحتجم) .(2/191)
623 - " عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير ".
أخرجه ابن ماجه (1861) : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن طلحة
التيمي حدثني عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري عن أبيه
عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان: الأولى: الجهالة: فإن عبد الرحمن بن
سالم بن عتبة، لم يذكروا عنه راويا غير محمد بن طلحة هذا. ولذا قال الحافظ
في " التقريب ": " مجهول ".
قلت: ومثله أبوه سالم بن عتبة، فليس له راو غير ابنه عبد الرحمن هذا.
والأخرى: الاضطراب في إسناده، فرواه الحزامي عن محمد بن طلحة هكذا، وخالفه
فيض بن وثيق فقال عنه: أخبرني عبد الرحمن بن سالم ابن عبد الرحمن بن عويم بن
ساعدة عن أبيه عن جده به. أخرجه المقابري في " حديثه " (ق 87 / 1) ، وتمام
الرازي في " الفوائد " (113 / 2) والبيهقي (7 / 81) . وخالفه أيضا عبد
الرحمن بن إبراهيم الدمشقي أنبأنا محمد بن طلحة التيمي به. أخرجه ابن قتيبة في
" غريب الحديث " (1 / 36 / 1) .(2/192)
وخالفه كذلك إبراهيم بن حمزة الزبيري عن
محمد بن طلحة به. أخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 3 / 1) وقال:
" وعبد الرحمن بن عويم ليست له صحبة ". وكذلك قال البيهقي بعد أن رواه من
طريق عبد الله بن الزبير الحميدي حدثنا محمد بن طلحة به.
قلت: فهو مرسل، على رواية الجماعة عن محمد بن طلحة، وأما على رواية إبراهيم
الحزامي عنه فهو موصول لأنه قال: " عتبة بن عويم " مكان " عبد الرحمن بن
عويم ". وعتبة له صحبة كأبيه، لكن الصواب رواية الجماعة. ومن هذا تعلم أن
قول صاحب " المشكاة " (3092) : " رواه ابن ماجه مرسلا ". خطأ، فإنما هو
موصولا، ورواه البغوي وغيره مرسلا، كما شرحنا. وله شاهد من حديث جابر
مرفوعا به وزاد: " وأقل حبا ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 163 / 1
) : حدثنا محمد بن موسى الإصطخري أنبأنا عصمة بن المتوكل عن بحر السقا عن أبي
الزبير عنه. وقال: " لم يروه عن بحر إلا عصمة ".
قلت: وهو إسناد واه مسلسل بالعلل:
الأولى: عنعنة أبي الزبير، فإنه كان مدلسا.
الثانية: بحر السقاء فإنه ضعيف كما في " التقريب ":
الثالثة: عصمة بن المتوكل، قال العقيلي في " الضعفاء " (325) :(2/193)
" قليل الضبط للحديث، يهم وهما. قال أبو عبد الله - يعني الإمام أحمد -: لا
أعرفه ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 259) : " رواه الطبراني وفيه
أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني ". كذا قال، وليس في إسناد الأوسط أبو بلال
هذا، فلا أدري أسقط من نسخة " زوائد المعجمين "، أم وقع في " المجمع " خطأ من
الناسخ أو الطابع، فقد جاء فيه عقب هذا: " وعن عبد الله بن مسعود قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق
أرحاما وأرضى باليسير. رواه الطبراني وفيه أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني
". فهذا التخريج مثل تخريج حديث جابر تماما، ومثله غير معتاد، فمن الجائز
أن يكون نظر الناسخ أو الطابع انتقل من تخريج الأول إلى هذا فكتب أو طبع مرتين
في الحديثين، فذهب تخريج الحديث الأول! ثم تأكدت من هذا الاحتمال حين رأيت
المناوي نقل عن الهيثمي أنه قال: " فيه بحر بن كنيز - في الأصل: يحيى بن كثير
، وهو خطأ مطبعي - السقاء وهو متروك ".(2/194)
شاهد ثان: عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه الحافظ ابن المظفر في " حديث حاجب بن
أركين " (1 / 254 / 2) عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عنه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، عبد الرحمن بن زيد هذا متهم وقد مضى له أحاديث.
وقد أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 72 / 1) بسند صحيح عن عاصم قال:
قال عمر، فذكره موقوفا عليه، ولعله الصواب.
شاهد ثالث: عن بشر بن عاصم عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ: " عليكم بشواب النساء
، فإنهن أطيب أفواها وأنتق بطونا وأسخن أقبالا ". أخرجه الشيرازي في
" الألقاب " كما في " الجامع الصغير "، ولم يتكلم المناوي في شرحه على إسناده
بشيء! سوى أنه ذكر أنه وقع في بعض النسخ " يسير " بمثناة تحتية مضمومة فمهملة
مصغر، وفي بعضها " بشر " بالباء الموحدة كما ذكرنا وهو الصواب لأنه المذكور
في كتب الرجال، وهو ثقة كأبيه، فإن صح السند إليه، فهو إسناد جيد، وما
أراه يصح. لكن من الممكن أن يقال: بأن الحديث حسن بمجموع هذه الطرق، فإن
بعضها ليس شديد الضعف. والله أعلم. ثم جزمت بذلك حين رأيت الحديث في " كتاب
السنن " لسعيد بن منصور (512، 513، 514) عن عمرو بن عثمان ومكحول مرسلا.(2/195)
(تنبيه) قوله في حديث جابر " خبأ " هو بالخاء المكسورة أي خداعا كما في
" الفيض ".
624 - " لم ير للمتحابين مثل النكاح ".
أخرجه ابن ماجه (1847) والحاكم (2 / 160) والبيهقي (7 / 78) والطبراني
(3 / 106 / 1) وتمام في " الفوائد " (130 / 1) والعقيلي في " الضعفاء "
(398) والمقدسي في " المختارة " (62 / 281 / 2) من طريق محمد بن مسلم
الطائفي حدثنا إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم، ولم
يخرجاه لأن سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد أوقفاه عن إبراهيم بن ميسرة على ابن
عباس ". ووافقه الذهبي.
قلت: لكن الطائفي هذا مع كونه من رجال مسلم في حفظه ضعف أشار إلى ذلك الحافظ
بقوله في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". فلا يحتج به، لاسيما مع المخالفة
التي أشار إليها الحاكم. فقد أخرجه العقيلي من طريق الحميدي: حدثنا سفيان عن
إبراهيم به مرسلا. وقال: " هذا أولى ".(2/196)
وتابعه ابن جريج عن إبراهيم به.
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 2 / 1) . وسفيان هو ابن عيينة. وقد
روي عنه موصولا بإسناد آخر له، فقال ابن شاذان في " المشيخة الصغرى " (رقم 60
- نسختي) : حدثني أبو الفوارس أحمد بن علي بن عبد الله - محتسب المصيصة من
حفظه - أنبأنا أبو بشر حيان بن بشر - قاضي المصيصة - أنبأنا أحمد بن حرب الطائي
أنبأنا سفيان ابن عيينة أنبأنا عمرو بن دينار به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون من الطائي فصاعدا. وأما حيان بن بشر،
فذكره أبي حاتم (1 / 248) من رواية عمر بن شبة النميري عنه، ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا. وأما أحمد بن علي أبو الفوارس فلم أجد له ترجمة فيما لدي
من المراجع، وأغلب الظن أنه في " تاريخ ابن عساكر " ولست أطوله الآن.
ولم يتفرد به ابن عيينة، فقد رواه إبراهيم بن يزيد عن سليمان الأحول وعمرو
بن دينار عن طاووس عن ابن عباس قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: إن عندنا يتيمة وقد خطبها رجل معدم ورجل موسر وهي تهوى المعدم ونحن
نهوى الموسر، فقال صلى الله عليه وسلم ... ) فذكره. أخرجه أبو عبد الله بن
منده في " الأمالي " (ق 46 / 1) هكذا، والطبراني في(2/197)
" المعجم الكبير "
(3 / 102 / 1) المرفوع منه فقط. لكن إبراهيم هذا وهو الخوزي متروك ولم
يعرفه ابن عدي، فقال: " مجهول ". فراجع " اللسان " (1 / 125) .
وروي عن إبراهيم بن ميسرة من طريق أخرى عنه موصولا، فقال: عبد الصمد بن حسان
حدثنا سفيان الثوري عن إبراهيم بن ميسرة به. أخرجه أبو القاسم المهرواني في
" الفوائد المنتخبة " (55 / 1) وقال: " لم يروه هكذا موصولا عن الثوري إلا
عبد الصمد بن حسان، وتابعه مؤمل بن إسماعيل. ورواه غيرهما عن سفيان مرسلا
لم يذكر ابن عباس في إسناده، وهو الصواب ".
قلت: لم أره عن الثوري مرسلا، وإنما عن ابن عيينة كما تقدم، فرواية عبد
الصمد هذه جيدة لأنه صدوق كما قال الذهبي، ولم يرو ما شذ به عن الثقات بخلاف
الطائفي وغيره كما رأيت، بل قد تابعه مؤمل ابن إسماعيل كما ذكر المهرواني فهو
متابع لا بأس به لعبد الصمد. فإذا ضم إلى هذا الموصول طريق ابن عيينة الأخرى
الموصولة عن عمرو بن دينار أخذ الحديث قوة، وارتقى إلى درجة الصحة إن شاء
الله تعالى.
(تنبيه) قال المناوي في " الفيض ": " وفيه عند ابن ماجه سعيد بن سليمان قال
في " الكاشف ": (قال) أحمد: كان يصحف ".
قلت: هذا الإعلال ليس بشيء، فقد رواه غيره من الثقات عند الحاكم وغيره.(2/198)
625 - " إذا تزوج العبد، فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله فيما بقي ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 162 / 1) من طريق عصمة بن المتوكل
أنبأنا زافر بن سليمان عن إسرائيل بن يونس عن جابر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن
مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: " لم يروه عن
زافر إلا عصمة ".
قلت: وكلاهما ضعيف، وفوقهما ضعيفان آخران: وهما جابر وهو ابن يزيد
الجعفي، ويزيد الرقاشي، وجابر أشد ضعفا منه، لكنه لم يتفرد به عنه، فقد
أخرجه الطبراني أيضا من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الحسن بن خليل بن مرة عن
أبيه عن يزيد الرقاشي به.
قلت: وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء:
1 - عبد الله بن صالح هو كاتب الليث المصري فيه ضعف وغفلة.
2 - الحسن بن الخليل بن مرة لم أجد له ترجمة، وقد ذكر في ترجمة أبيه من
" التهذيب " أنه روى عنه ابنه علي بن الخليل بن مرة، ولم أجد له ترجمة أيضا.
3 - الخليل بن مرة ضعيف كما في " التقريب ".
4 - يزيد الرقاشي وهو ابن أبان ضعيف أيضا. وقد روي عنه من طريق أخرى خير من
هذه عن الخليل. أخرجه الخطيب في " الموضح " (2 / 84) عن يعقوب بن إسحاق
الحضرمي حدثنا الخليل بن مرة به.
قلت: فقد صح الإسناد إلى الخليل وهو وإن كان ضعيفا كما ذكرنا، فليس ذلك(2/199)
لتهمة في صدقه وإنما لضعف في حفظه وكذلك شيخه يزيد ابن أبان الرقاشي وقد قال
فيه ابن عدي: " له أحاديث صالحة عن أنس وغيره وأرجو أنه لا بأس به لرواية
الثقات عنه ". وقال في الخليل: " لم أر في حديثه حديثا منكرا قد جاوز الحد
وهو في جملة من يكتب حديثه، وليس هو متروك الحديث ".
قلت: فمثلهما، وإن كان لا يحتج بحديثهما ولكن يستشهد به وقد جاء من طريق
أخرى عن أنس هي خير من هذه فمجموعها يقوي الحديث ويرتقي إلى درجة الحسن ولفظه
: (من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر
الثاني) . أخرجه الطبراني في " الأوسط " (3 / 161 / 1) والحاكم (2 / 161)
عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي حدثنا زهير بن محمد: أخبرني عبد الرحمن - زاد
الحاكم: ابن زيد - عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وعبد الرحمن هذا هو ابن زيد بن عقبة
الأزرق مدني ثقة مأمون ".
ووافقه الذهبي. كذا قال: وزهير بن محمد هو أبو المنذر الخراساني الشامي
أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " ثقة فيه لين ". وفي " التقريب ":
" رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد(2/200)
كأن
زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر، وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه، فكثر
غلطه ".
قلت: وهذا من رواية التنيسي عنه وهو شامي، ولذلك فالإسناد عندي ضعيف.
وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 272) : " رواه الطبراني في " الأوسط "
وفيه عبد الرحمن عن أنس وعنه زهير بن محمد ولم أعرفه إلا أن يكون عبد الرحمن
بن زيد بن أسلم، فيكون إسناده منقطعا وإن كان غيره، فلم أعرفه.
والله أعلم ".
قلت: بينت رواية الحاكم أنه عبد الرحمن بن زيد، ثم ذكر أنه ابن عقبة وقد
ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 2 / 233) وقال: " يعد في أهل المدينة، روى عن أنس
بن مالك، روى عنه عمرو بن يحيى وسألت أبي عنه؟ فقال: ما بحديثه بأس ".
وأورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 125) .
(تنبيه) ذكرت آنفا أن الذهبي أقر الحاكم على تصحيحه، وهو الذي وقع في
النسخة المطبوعة من " التلخيص ". ثم رأيت المناوي يقول في " الفيض ":
" قال الحاكم: صحيح، فتعقبه الذهبي بأن زهيرا وثق، لكن له مناكير،. اهـ.
وقال ابن حجر: سنده ضعيف ". ونقل المنذري في " الترغيب " (3 / 68) تصحيح
الحاكم إياه، وأقره أيضا! وكذلك صنع الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (
4 / 99) ولكنه ذكر أن ابن الجوزي رواه في " العلل " من حديث أنس بسند ضعيف،
وهو عند الطبراني في " الأوسط ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 252) :(2/201)
" رواه الطبراني في " الأوسط " بإسنادين وفيهما يزيد الرقاشي وجابر الجعفي
وكلاهما ضعيف، وقد وثقا ".
قلت: التوثيق المذكور مما لا يعتد به لاسيما في الجعفي، فقد اتهمه بعضهم لكنه
ليس في الطريق الأخرى عند الطبراني، وقد تابعه الخليل بن مرة وهو خير منه
كما سبق تحقيقه. فإذا ضمت هذه الطريق إلى طريق عبد الرحمن بن زيد أخذ الحديث
بهما قوة. والله تعالى أعلم.
626 - " المتباريان لا يجابان ولا يؤكل طعامهما ".
هكذا أورده الخطيب التبريزي في " المشكاة " (3226) ثم السيوطي في " الجامع
الصغير " من رواية البيهقي في " شعب الإيمان " عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال المناوي: " ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي ".
هكذا قال، ولم يتكلم على إسناده بشيء وقد وقفت عليه، فقال ابن السماك في
جزء من " حديثه " (ق 64 / 1) : حدثنا سعيد بن عثمان الأهوازي أنبأنا معاذ بن
أسد أنبأنا علي بن الحسن الضرير عن أبي حمزة السكري عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة به إلا أنه قال: " المترائيان ". وعليه حرف (صـ) إشارة إلى أنه
كذلك هو في الأصل، والنسخة جيدة، فإنها بخط الحافظ ابن عساكر مؤرخ دمشق
وسماعه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري، غير سعيد بن عثمان
الأهوازي ترجمه الخطيب وقال (9 / 97) :(2/202)
" وكان ثقة، وقال الدارقطني:
صدوق، حدث ببغداد ".
قلت: وعلي بن الحسن الضرير هو علي بن الحسن بن شقيق العبدي مولاهم المروزي:
فقد ذكروا في شيوخه أبا حمزة السكري، شيخه في هذا الحديث، ولكني لم أر من
وصفه بـ (الضرير) . والله أعلم.
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس. " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام
المتبارين أن يؤكل ". أخرجه أبو داود (3754) وغيره بإسناد رجاله ثقات لكنهم
صححوا أنه مرسل كما بينته في التعليق على " المشكاة "، وهو مرسل صحيح الإسناد
، فهو شاهد قوي، لاسيما وقد أودعه الضياء المقدسي في " المختارة " (64 / 41
/ 1) ، وأشار إلى الخلاف في وصله وإرساله.
627 - " إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم، فأطعمه من طعامه، فليأكل ولا يسأله عنه
وإن سقاه من شرابه، فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه ".
أخرجه الحاكم (4 / 126) وأحمد (2 / 399) والخطيب (3 / 87(2/203)
- 88)
والديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 113 - مختصره) من طريق مسلم بن خالد
عن زيد بن أسلم عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وله شاهد صحيح على
شرط مسلم حدثناه ... ". ثم ساقه من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة رواية
قال: فذكره. ووافقه الذهبي. وقوله: " إنه على شرط مسلم " فيه تساهل لأنه
إنما روى لابن عجلان متابعة، فالحديث بمجموع الطريقين صحيح. وقوله " رواية "
هو بمعنى مرفوعا كما هو مقرر في علم المصطلح. فلا ينبغي أن يعل الإسناد الأول
بهذا، بل هذا شاهد قوي له، كما ذكر الحاكم. والله أعلم.
628 - " عليكم بالرمي فإنه خير لعبكم ".
رواه أبو حفص المؤدب في " المنتقى من حديث ابن مخلد وغيره " (225 / 2)
والخطيب في " الموضح " (2 / 30) عن حاتم بن الليث حدثنا يحيى بن حماد حدثنا
أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا.
قلت: وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير حاتم بن الليث
فقال الخطيب (8 / 245) : " كان ثقة ثبتا متقنا حافظا ". وبقية رجاله رجال
الشيخين ولولا أن عبد الملك بن عمير كان تغير حفظه في آخر(2/204)
عمره لجزمت بصحة هذا
السند. والحديث قال المنذري في " الترغيب " (2 / 170) : " رواه البزار
والطبراني في الأوسط وإسنادهما جيد قوي ". وقال الهيثمي (6 / 269) :
" رواه الطبراني في الأوسط والكبير والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا
عبد الوهاب بن بخت وهو ثقة ".
629 - " ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب
السماء دون خلته وحاجته ومسكنته ".
أخرجه الترمذي (1 / 249) والحاكم (4 / 94) وأحمد (4 / 231) من طريق علي
بن الحكم قال: حدثني أبو حسن عن عمرو بن مرة قال: قلت: لمعاوية بن أبي
سفيان إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قال: فجعل معاوية رجلا
على حوائج الناس. وقال الحاكم: إسناده صحيح ووافقه الذهبي! وذلك من
أوهامها، فإن أبا الحسن هذا هو الجزري وقد قال الذهبي نفسه في ترجمته من
الميزان: " تفرد عنه علي بن الحكم " وقال الحافظ في التقريب " مجهول ". لكن
الحديث له إسناد آخر صحيح بلفظ: " من ولاه الله عز وجل شيئا من أمر المسلمين،
فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره ".
أخرجه أبو داود (2948) والترمذي ولم يسق لفظه(2/205)
والحاكم وابن عساكر في
" تاريخ دمشق " (19 / 84 / 1 - 2) من طريق القاسم بن مخيمرة أن أبا مريم
الأزدي أخبره قال: " دخلت على معاوية فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان! وهي
كلمة تقولها العرب، فقلت: حديثا سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " وإسناده شامي صحيح ".
ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وله شاهد من حديث معاذ مرفوعا به نحوه.
أخرجه أحمد (5 / 238) بإسناد قال المنذري (3 / 141) : " جيد " وإنما هو
حسن في الشواهد، لأن فيه شريكا القاضي وهو سيء الحفظ. وقال الهيثمي في
" المجمع " (5 / 210) : " رواه أحمد والطبراني. ورجال أحمد ثقات "!
630 - " بل عارية مؤداة ".
أخرجه أبو داود (2 / 266) والنسائي كما في " المحلى " (9 / 173)
وابن حبان في " صحيحه " (1173) وأحمد (4 / 222) عن حبان بن هلال أنبأنا
همام بن يحيى أنبأنا قتادة عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى ابن أمية عن
أبيه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أتتك رسلي فأعطهم
ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا. فقلت: يا رسول الله أعارية مضمونة أم عارية
مؤداة؟ قال ... " فذكره. وقال ابن حزم:(2/206)
" حديث حسن، ليس في شيء مما يروى
في العارية خبر يصح غيره ". كذا قال: وفي الباب حديثان آخران ثابتان
سأذكرهما بعد هذا. وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات وقد قال الحافظ في " بلوغ
المرام ": " رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان ".
قلت: وليس هو عند النسائي في " المجتبى " فالظاهر أنه في سننه الكبرى!
وفي الحديث دلالة على وجوب أداء العارية ما بقيت عينها، فإذا تلفت في يد
المستعير لم يجب عليه الضمان، لأنه فرق فيه بين الضمان والأداء، فأوجب
الأداء دون الضمان. وهذا مذهب أبي حنيفة وابن حزم واختاره الصنعاني فقال:
" والحديث دليل لمن ذهب إلى أنها لا تضمن العارية، إلا بالتضمين وهو أوضح
الأقوال ". ويدل للاستثناء المذكور، حديث صفوان بن أمية الآتي وهو:
" لا بل عارية مضمونة ".
631 - " لا بل عارية مضمونة ".
أخرجه أبو داود (2 / 265) والبيهقي (6 / 89) وأحمد (6 / 465) عن شريك
عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين، فقال: أغصب يا محمد؟ . فقال:
فذكره.(2/207)
قلت: وهذا سند ضعيف، وله علتان:
الأولى: جهالة أمية هذا، لم يورده ابن أبي حاتم ولا وثقه أحد ولهذا قال
الحافظ " مقبول ". لكنه لم يتفرد به كما يأتي.
الثانية: شريك وهو ابن عبد الله القاضي وهو سيء الحفظ، وقد تابعه قيس بن
الربيع، ولكنه خالفه في إسناده، فأدخل بين عبد العزيز وأمية بن صفوان ابن
أبي مليكة. علقه البيهقي. وتابعه أيضا جرير لكنه قال: عن عبد العزيز عن
أناس من آل عبد الله بن صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا صفوان
هل عندك من سلاح، قال: عارية أم غصبا، قال: لا بل عارية، فأعاره ما بين
الثلاثين إلى الأربعين درعا ... الحديث. أخرجه أبو داود وعنه البيهقي. ثم
أخرجه هذا من طريق أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمد عن أبيه. أن صفوان أعار
رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحا هي ثمانون درعا فقال له أعارية،(2/208)
مضمونة أم
غصبا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ثم قال: " وبعض هذه
الأخبار وإن كان مرسلا فإنه يقوى بشواهده مع ما تقدم من الموصول ". ويشير
بقوله " بشواهده " إلى حديث جابر بن عبد الله وحديث ابن عباس. أما حديث جابر
، فأخرجه الحاكم (3 / 48 - 49) . وعنه البيهقي (6 / 89) من طريق ابن إسحاق
حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى حنين - فذكر الحديث وفيه - ثم بعث
رسول الله إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعا عنده مائة درع وما يصلحها من عدتها
، فقال أغصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة، حتى نؤديها عليك. ثم خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي.
قلت: وإنما هو حسن فقط للكلام المعروف في ابن إسحاق، والمتقرر أنه حسن
الحديث إذا صرح بالتحديث، كما في هذا. وأما حديث ابن عباس، فأخرجه البيهقي
(6 / 88) عن الحاكم عن إسحاق بن عبد الواحد القرشي، حدثنا خالد بن عبد الله
عن خالد الحذاء عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية
أدراعا وسلاحا في غزوة حنين، فقال: يا رسول الله أعارية مؤداة؟ قال: عارية
مؤداة.
قلت: وهذا سند ضعيف علته إسحاق هذا قال أبو علي الحافظ: متروك الحديث.
وقال الخطيب:(2/209)
" لا بأس به ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل هو واه ".
ولهذا قال الحافظ في بلوغ المرام عقب حديث صفوان هذا: " وصححه الحاكم،
وأخرج له شاهدا ضعيفا عن ابن عباس ".
وفي الحديث دليل على أن العارية تضمن ولا خلاف بينه وبين الحديث الذي قبله
لأنه يدل على الضمان إذا تعهد بذلك المستعير، والحديث المشار إليه محمول على
ما إذا لم يتعهد، فلا تعارض. أي أن الأصل في العارية إذا تلفت أن لا تضمن،
إلا بالتعهد. قال الصنعاني: " الحديث دليل على تضمين العارية، فإن وصفها
بـ " مضمونه " يحتمل أنها صفة موضحة، وأن المراد من شأنها الضمان، فيدل على
ضمانها مطلقا. ويحتمل أنها صفة للتقييد، وهو الأظهر، لأنها تأسيس ولأنها
كثيرة. ثم ظاهره أن المراد عارية قد ضمناها لك وحينئذ يحتمل أنه يلزم ويحتمل
أنه غير لازم، كالوعد وهو بعيد. فيتم الدليل بالحديث للقائل أنها تضمن وهو
الأظهر بالتضمين، إما بطلب صاحبها له، أو بتبرع المستعير ".
632 - " المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ".
أخرجه النسائي (2 / 104) والبيهقي (7 / 316) وأحمد (2 / 414) من طريق
أيوب عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره
قال النسائي: " قال الحسن: لم أسمعه من غير أبي هريرة ".
قلت: وهذا نص صريح منه أنه سمعه من أبي هريرة، وهو ثقة صادق فلا أدري وجه
جزم النسائي رحمه الله تعالى بنفي سماعه منه! مع أن السند إليه صحيح على شرط(2/210)
مسلم، وقد قال الحافظ في " التهذيب " بعد أن ساقه في ترجمة الحسن:
" وهذا إسناد لا مطعن في أحد من رواته وهو يؤيد أنه سمع من أبي هريرة في
الجملة، وقصته في هذا شبيهة بقصته في سمرة سواء ".
قلت: يعني أن الذي تحرر في اختلاف العلماء في سماع الحسن من سمرة أنه سمع شيئا
قليلا، فكذلك سماعه من أبي هريرة ثابت، ولكنه قليل أيضا بدلالة هذا الحديث.
والله أعلم.
وبالجملة فهذا الإسناد متصل صحيح، فلا يتلفت إلى إعلال النسائي بالانقطاع،
لأنه يلزم منه أحد أمرين: إما تكذيب الحسن البصري في قوله المذكور، وإما
توهيم أحد الرواة الذين رووا ذلك عنه. وكل منهما مما لا سبيل إليه، أما
الأول فواضح، وأما الآخر، فلأنه لا يجوز توهيم الثقات بدون حجة أو بينة
وهذا واضح بين. ثم إن للحديث شواهد: الأول: عن أنس بن مالك مرفوعا مثله.
أخرجه المخلص في " العاشر من حديثه " (214 / 2) عن أبي سحيم حدثنا عبد العزيز
بن صهيب عنه. وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو سحيم - واسمه المبارك بن سحيم - قال
الحافظ في " التقريب ": " متروك ".
الثاني: عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره إلا
أنه قال: " والمتبرجات " " مكان والمنتزعات ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية
" (8 / 376) والخطيب في " التاريخ " (3 / 358) من طريق محمد بن هارون
الحضرمي حدثنا الحسين بن علي بن الأسود العجلي حدثنا وكيع(2/211)
حدثنا سفيان الثوري
عن الأعمش عن أبي وائل عنه. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث الأعمش والثوري
تفرد به وكيع ".
قلت: هو ثقة حجة وكذلك من فوقه، فالسند صحيح إن سلم ممن دونه وهو الذي يدل
عليه قول أبي نعيم " تفرد به وكيع " فإن مفهومه أن من دونه لم يتفرد به، وهذا
خلاف ما رواه الخطيب عن الدارقطني أنه قال: " ما حدث به غير أبي حامد ".
قلت: يعني الحضرمي هذا وهو ثقة أيضا، لكن شيخه العجلي متكلم فيه، قال أبو
حاتم: " صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: ربما أخطأ، وقال
أحمد: لا أعرفه. وقال ابن عدي: " يسرق الحديث وأحاديثه لا يتابع عليها ".
قلت: فإن كان قد توبع عليه كما يفيده مفهوم كلام أبي نعيم المتقدم فالإسناد
صحيح، وذلك ما أستبعده لما سبق ذكره عن الدارقطني، ولأن العجلي قد خولف في
إسناده! فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 141 / 1) : أنبأنا وكيع قال:
أنبأنا أبو الأشهب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ
العجلي. فهذا هو الصحيح عن وكيع، وهو إسناد صحيح مرسل، فهو على كل حال شاهد(2/212)
قوي للحديث. والله أعلم.
الثالث: عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره دون قوله:
" والمنتزعات ". أخرجه الترمذي (1 / 323) وابن عدي والحربي في " غريب
الحديث " (5 / 185 / 1) عن ليث عن أبي الخطاب عن زرعة عن أبي إدريس عنه.
وقال الترمذي: " هذا حديث غريب، وليس إسناده بالقوي ".
قلت: وعلته ليث وهو ابن أبي سليم ضعيف، وشيخه أبو الخطاب مجهول، كما قال
الحافظ. وله علة أخرى، فقد ذكره ابن أبي حاتم (1 / 304 - 305) من طريق أبي
بكر بن عياش عن ليث به إلا أنه لم يذكر في إسناده أبا إدريس وقال: " وهذا
الصحيح، قد وصلوه، زادوا فيه رجلا ".
قلت: لكن الحديث صحيح يشهد له ما قبله من الطرق.
الرابع: عقبة بن عامر الجهني بلفظ: " إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات "
. رواه الطبري (ج 4 رقم 4842 صفحة 568) قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا حفص بن
بشر قال حدثنا قيس بن الربيع عن أشعث بن سوار عن الحسن عن ثابت بن يزيد عن عقبة
بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل أشعث بن سوار، فإنه ضعيف كما في " التقريب ".
ومثله قيس بن الربيع وبه وحده أعله الهيثمي (5 / 5) بعد أن عزاه للطبراني
وقال:(2/213)
" وبقية رجاله رجال الصحيح "! كذا قال ولا أدري إذا كان شيخ قيس في
رواية الطبراني هو غير أشعث بن سوار.
633 - " كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات واليسرى مرتين ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 484) عن عبد الحميد ابن جعفر عن عمران
بن أبي أنس قال: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد مرسل قوي، عمران تابعي، مات سنة (117) .
ثم أوقفني الأستاذ شعيب الأرناؤط على وصله في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي الشيخ (ص 183) من هذا الوجه عن عمران عن أنس مرفوعا به. ورجاله ثقات،
فثبت موصولا والحمد لله.
وقد روي له شاهد من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري أنبأنا عقبة بن علي عن عبد
الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " كان إذا اكتحل جعل في العين
اليمنى ثلاثا وفي اليسرى مرودين، فجعلها وترا ". أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " (3 / 199 / 1) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن عمر وهو العمري المكبر ضعيف. وعقبة بن
علي ليس بالمشهور، قال العقيلي في " الضعفاء ":(2/214)
" لا يتابع على حديثه وربما
حدث بالمنكر عن الثقات ". وعتيق بن يعقوب فيه ضعف يسير كما بينه في " اللسان
"، فالعلة ممن فوقه عبد الله أو عقبة. ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الأوسط
" أيضا والبزار كما في " مجمع الزوائد " (5 / 96) وقال: " وهو ضعيف ".
قلت: ولم أره في " الطب " من " زوائد البزار ". والله أعلم.
وإنما فيه (ص 166) من طريق الوضاح بن يحيى حدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن أنس
مرفوعا بلفظ: " كان يكتحل وترا ". وقال الهيثمي: " والوضاح بن يحيى ضعيف "
. قلت: ولفظه مجمل، يحتمل أنه عنى وترا في عين واحدة دون الأخرى، أي فهو
وتر بالنسبة إليهما معا وهو الأظهر. ويحتمل أنه عنى وترا بالنسبة لكل واحدة
منهما، يعني ثلاثا في كل عين، وهذا روي صريحا في حديث ابن عباس، من طريق
عباد بن منصور عن عكرمة عنه. لكنه إسناد لا تقوم به حجة، لأن عباد بن منصور
كان تغير في آخره، مع كونه مدلسا، كما كنت بينته في تخريج حديثه هذا في
" إرواء الغليل " رقم (75) ، وأن بينه وبين عكرمة رجلين أسقطهما هو،
أحدهما وهو إبراهيم ابن أبي يحيى الأسلمي كذاب، والآخر ضعيف.
وأشرت هناك إلى تخطئة العلامة الشيخ أحمد شاكر لتصحيحه إسناد هذا(2/215)
الحديث في
تعليقه على " المسند " (3318) . والآن قد بدا لي أنه لابد من توضيح ما أشرنا
إليه هناك لأن بعض الأساتذة المشتغلين بالتحقيق لما اطلع عليه أشكل عليه الأمر
، فأقول: إن العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى بنى تصحيحه المذكور على أمور
هامة: الأول: أن عباد بن منصور ثقة (ج 4 / 6، 5 / 108) .
الثاني: أنه لم يكن مدلسا أصلا.
الثالث: شكه في ثبوته الكلمات التي وردت عن بعض أئمة الحديث الدالة على أن
عبادا كان مدلسا، وشكه في دلالتها إن صحت!
الرابع: أن ابن أبي يحيى الذي دلسه عباد ليس هو إبراهيم ابن أبي يحيى الكذاب،
وإنما هو محمد بن أبي يحيى الثقة! هذه هي الدعائم التي بنى عليها الشيخ
المومى إليه صحة الحديث. وجوابا على ذلك أقول، وبالله التوفيق:
أولا: لا نعلم أحدا من الأئمة المتقدمين، ولا من الحفاظ المتأخرين أطلق
التوثيق على عباد بن منصور كما فعل الشيخ رحمه الله تعالى، اللهم إلا رواية عن
يحيى بن سعيد هي معارضة بأقوى منها. وقبل الشروع في بيان ذلك أسرد لك أقوال
الأئمة التي ذكرها الحافظ في " التهذيب " في ترجمة عباد هذا:
1 - قال علي بن المديني: قلت: ليحيى بن سعيد: عباد بن منصور كان قد تغير؟
قال: لا أدري، إلا أنا حين رأيناه نحن كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه.
(الجرح والتعديل 3 / 1 / 86) ، ابن عدي (ق 238 / 1) .
2 - وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد: قال جدي: عباد ثقة، لا ينبغي أن(2/216)
يترك حديثه لرأي أخطأ فيه. يعني القدر.
3 - وقال الدوري: عن ابن معين: ليس بشيء، وكان يرمى بالقدر.
4 - وقال أبو زرعة: لين. (الجرح 3 / 1 / 86) .
5 - وقال أبو حاتم: كان ضعيف الحديث، يكتب حديثه ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث
عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة. (الجرح 3 / 1 / 86) دون
التصريح باسم " إبراهيم ".
6 - وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد: قلت: لعباد بن منصور: سمعت
حديث. " مررت بملأ من الملائكة ... " و " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يكتحل ... " يعني من عكرمة؟ فقال: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة.
7 - وقال أبو داود: ليس بذاك.
8 - وقال النسائي: ليس بحجة، وفي موضع آخر: ليس بالقوي.
9 - وقال ابن عدي كما تقدم في الحديث الذي قبله: هو في جملة من يكتب حديثه.
10 - وقال ابن حبان: كل ما روي عن عكرمة سمعه من إبراهيم ابن أبي يحيى عن
داود بن الحصين عنه، فدلسها عن عكرمة.
11 - وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
12 - وقال أحمد: كانت أحاديثه منكرة، وكان قدريا، وكان يدلس.(2/217)
13 - وقال ابن أبي شيبة: روى عن أيوب وعكرمة أحاديث مناكير.
14 - وقال أبو بكر البزار: روى عن عكرمة أحاديث، ولم يسمع منه.
15 - وقال العجلي: لا بأس به يكتب حديثه، وقال مرة: جائز الحديث.
16 - وقال ابن سعد: وهو ضعيف عندهم، وله أحاديث منكرة.
17 - وقال الجوزجاني: كان يرمى برأيهم، وكان سييء الحفظ، وتغير أخيرا.
قلت: بعد هذا السرد لما قيل في عباد، يتبين لك أن كل هؤلاء الأئمة اتفقت
أقوالهم على تضعيفه، إلا ما في الرواية رقم (2) عن يحيى بن سعيد، فسيأتي
بيان ما يعارضها، وإلا قول العجلي (15) : " لا بأس به يكتب حديثه. وقال
مرة: جائز الحديث ". وهذا كما ترى ليس صريحا في التوثيق، بل إن كل من كان
على علم بأقوال الأئمة في الرجال وتعابيرهم في التعديل والتجريح ليشعر معي أن
هذا القول من العجلي ليشير إلى أن في الرجل ضعفا ولو يسيرا، وحينئذ فلا يجوز
الاعتماد عليه في توثيق عباد توثيقا مطلقا لأمرين:
الأول: أنه ليس صريحا في ذلك كما ذكرنا.
والآخر: أنه لو كان صريحا، فالعجلي معروف بالتساهل في التوثيق كابن حبان
تماما، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم. على أنه
يمكن بشيء من التسامح أن يحمل كلامه على موافقة كلماتهم، لأنه ليس صريحا في
التوثيق كما ذكرنا.
وأما قول يحيى بن سعيد في الرواية الثانية عنه: ثقة. فالجواب من وجهين:
الأول: معارضته بما في الرواية الأولى عنه وترجيحها عليه بأمرين:
1 - أنها أصح، لأنها من رواية علي بن المديني الإمام الثبت، وتلك من رواية(2/218)
أحمد بن يحيى بن سعيد الذي لم يزد الحافظ في ترجمته على قوله فيه " صدوق "!
2 - أنها تضمنت جرحا مفسرا، والجرح المفسر مقدم على التعديل عند التعارض كما
هو معلوم في " المصطلح ".
وثمة وجه آخر: معارضته بأقوال الأئمة الآخرين، فإنها متفقة على تضعيف الرجل
مع بيان سبب التضعيف في كثير منها مثل قول ابن سعيد نفسه إنه لا يحفظ ومثله
وأصرح منه قول الجوزجاني أنه كان سيء الحفظ، وأنه تغير أخيرا. ومثل قول
أبي داود أن عنده أحاديث فيها نكارة.
وكأنه تلقى ذلك من قول شيخه أحمد: أحاديثه منكرة. ونحوه قول ابن سعد: له
أحاديث منكرة. وبعضهم رماه بالتدليس، وعبارة أحمد أعم وأشمل من عبارة ابن
حبان التي توحي بأن تدليسه خاص بما رواه عن عكرمة.
قلت: فالأخذ بأقوال هؤلاء الأئمة الجارحة لعباد خير من الأخذ بقول يحيى بن
سعيد الموثق له، لاسيما وقوله الأول موافقه لهم، كما هو بين ظاهر، والحمد
لله تعالى.
قلت: فإذا عرفت هذا فانظر إلى ما صنع العلامة أحمد شاكر، لقد ذكر قول النسائي
وابن سعد المضعفين له ثم قال عقبه مباشرة (4 / 6) : " وكلامهم فيه يرجع إلى
رأيه في القدر، وإلى أنه يدلس، فيروي أحاديث عن عكرمة لم يسمعها منه، ولم
يطعن أحد في صدقه ".
قلت: كذا قال، وهو من الغرائب، إذ كيف يسوغ أن يوجه كلامهم المضعف له بخلاف
ما نص جمهورهم على سبب التضعيف. فهذا النسائي نفسه أطلق التضعيف، ولم يرمه
بالقدر، بل أضاف إلى ذلك أنه كان تغير! وكذلك نسبه إلى التغير الجوزجاني كما
في الفقرة (17) ، وزاد على ذلك أنه كان سيء الحفظ. ونحوه قول يحيى بن سعيد
رقم (1) : كان لا يحفظ.(2/219)
وهذا ابن سعد بعد أن عزا تضعيفه إلى أئمة الحديث
أتبعه بقوله: " وله أحاديث منكرة ". ومثله قول ابن أبي شيبة رقم (13)
وأعم منه قول أحمد (رقم 12) : " كانت أحاديثه منكرة ".
فهذه الأقوال علاوة على أنها جرح واضح فهي تضمن في نفس الوقت بيان سبب الجرح
وهو أنه يتفرد بأحاديث لا يتابعه عليها الثقات.
وذلك يلتقى مع أقوال الذين وصفوه بسوء الحفظ وبالتغير، وذلك جرح مفسر فكيف
يصح مع هذا كله أن يقال: " وكلامهم فيه يرجع إلى رأيه في القدر "! ؟
والحقيقة أنه لو ثبتت ثقة عباد وحفظه وعدم تدليسه، لم يضر في روايته رأيه
في القدر لأن العمدة فيها إنما هو العدالة والضبط والسلامة من العلة القادحة
كالتدليس، وهذا مفقود هنا، أما الضبط فلما سبق بيانه من أقوال الأئمة أنه
كان لا يحفظ. ومنه تعلم أنه لا ينافي ذلك قول الشيخ أحمد: " ولم يطعن أحد
في صدقه ". لأنه ليكون ثقة لابد مع ذلك أن لا يطعن أحد في حفظه أيضا، وهذا
غير متحقق هنا كما سلف.
وأما التدليس، فهذا قد جزم بنفيه الشيخ أحمد، والرد عليه فيما يأتي، وهنا
ينتهي الكلام عليه في قوله: إنه ثقة، ويتبين أنه ضعيف سيء الحفظ.
الثاني: قوله: أنه لم يكن مدلسا أصلا.
ويكفي في الرد على هذا قول الإمام أحمد (فقرة 12) :(2/220)
وكان يدلس. وقول ابن
حبان (فقرة 10) : " كل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود
بن الحصين عنه، فدلسها عن عكرمة ".
ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه كان يدلس فقال: " صدوق، رمي بالقدر
وكان يدلس، وتغير بآخره ".
قلت: فهذه نصوص صريحة في أن عبادا كان مدلسا. فبماذا رد ذلك الشيخ أحمد؟ لقد
قال (5 / 109) : " هي تهمة نسبت إليه لكلمات نقلت، لا نراها تصح أو تستقيم "
! ثم ساق قول أبي حاتم المتقدم في (الفقرة 5) : " نرى أنه أخذ هذه الأحاديث
عن ابن أبي يحيى ... ". ثم قول يحيى بن سعيد: قلت لعباد: سمعت حديث ... فقال
عباد: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة. قال الشيخ أحمد:
" فهذه كلمات توهم التدليس (!) وقد أوقعت في وهم كثير من المحدثين أنه أخذ
هذه الأحاديث من إبراهيم بن أبي يحيى، حتى أن بعضهم حين نقل شيئا من هذه
الكلمات كالميزان والتهذيب لم يقل: " ابن أبي يحيى " بل قال: " إبراهيم بن
أبي يحيى " وإبراهيم ضعيف جدا عندهم. فأخطؤوا خطأ فاحشا، ونسبوا الرجل إلى
تدليس عن راو ضعيف هو منه براء، وهو تدليس بعيد أن يكون، إن لم يكن غير
معقول، فإنهم زعموا أنه يدلس اسم راو متأخر مات سنة 184 فكيف يدلس عباد راويا
لا يزال حيا وهو أصغر من بعض تلاميذه! ! ".(2/221)
قلت: الجواب عن هذا سهل جدا - ولا أدرى كيف خفي ذلك على الشيخ الفاضل؟ - فإن
من المعلوم في الأسباب التي تحمل المدلس على التدليس أن تكون روايته عمن هو
أصغر سنا - من باب رواية الأكابر عن الأصاغر - فيسقطه حبا في العلو بالإسناد
أو لعلمه بأنه غير مقبول الرواية عند المحدثين، وهذان الأمران متحققان في ابن
أبي يحيى فما وجه استغراب بل استنكار الشيخ لتدليس عباد إياه، ثم لشيخه داود
وهو ضعيف أيضا؟ ! أفمثل هذا يرد اتهام الأئمة إياه بالتدليس، بل وينسبون
إلى الخطأ الفاحش، ويتلقى ذلك الخلف عن السلف، حتى جاء الشيخ يتهمهم بذلك
بدون حجة؟ ! بل باستنكار ما هو واقع في عديد من الروايات من رواية الأكابر عن
الأصاغر، ومن إسقاط الشيخ تلميذه الذي هو شيخه في حديث ما كما هو الواقع هنا
على ما بينا.
وأما قوله: " فهذه كلمات توهم التدليس ". فالجواب: من وجهين:
الأولى: أن من كلمات التدليس كلمة الإمام أحمد: " وكان يدلس ".
فهي كما ترى صريحة في التدليس، فلا جرم أن الشيخ لم يتعرض لذكرها، فضلا
للجواب عنها!
والآخر: أن ما ذكره الشيخ عن أبي حاتم ظاهر في اتهامه لعباد بالتدليس وهو
قوله: " نرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن ابن أبي يحى ... ". فإن كان الشيخ يرد
لذلك من قبل أن أبا حاتم لم يجزم بذلك لقوله " نرى " فالجواب: أنه لا فرق بين
قوله هذا، وبين قوله الشيخ أحمد نفسه قبله بكلمات: " لا نراها تصح "! كما
تقدم نقله عنه! وجوابنا القاطع أن رأي العالم المختص في علمه حجة على غير
المختص، لا يجوز رده إلا بحجة أقوى فأين هي؟ !
ونحو قول أبي حاتم قول يحيى بن سعيد: قلت لعباد: سمعت حديث ... من(2/222)
عكرمة؟
فقال: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة. فإنه ظاهر في أن يحيى كان عنده
شك - على الأقل في سماع عباد للأحاديث المذكورة من عكرمة، ولذلك سأله هل
سمعها منه؟ فلم يجبه عباد بجواب يزيل الشك، بل أجاب بما يؤكده، وهو قوله:
حدثهن إبراهيم ... ، فلم يقل حدثنيهن وبهذا يثبت أن عبادا مدلس، وإلا فما
الذي منعه من التصريح بأنه سمع، ولو بلفظ " نعم " إلى القول بما يشبه كلام
السياسيين الذي لا يكون صريحا في الجواب، ويحتمل وجوها من المعاني؟ ! وهذا
مما تورط به - في نقدي - العلامة أحمد شاكر نفسه فقال في آخر كلامه:
" فلو صحت هذه الأسئلة (يعني من يحيى لعباد) وهذه الجوابات من عباد لكان
الأقرب إلى الصواب أن يكون قال: حدثهن ابن أبي يحيى وداود بن الحصين عن عكرمة
، يريد تقوية روايته بأن داود بن الحصين ومحمد بن أبي يحيى رويا هذه الأحاديث
أيضا عن عكرمة كما رواها، لا أنه يريد أن يثبت على نفسه تدليسا لا حاجة له به
"!
قلت: نعم لو كان له اختيار في ذلك يسعه أن لا يثبت على نفسه التدليس لما فعل.
أما وقد سئل من الإمام يحيى بن سعيد هل سمع؟ والمفروض أنه سمع كما يزعم
الشيخ فما الذي منعه من التصريح بذلك جوابا على سؤال الإمام؟ إلى القول بأنه
تابعه على روايته عن عكرمة ابن أبي يحيى وداود! فيا عجبا كيف يرضى الشيخ
تفسيره ذاك وهو أبعد ما يكون عن إجابة السؤال، لاسيما وهو به قد خرج عن نص
الرواية فإنها تقول: " حدثهن ابن أبي يحيى عن داود "، والشيخ يقول: " ابن
أبي يحيى وداود "؟ ! نعم، قد يقال إن الشيخ استجاز مثل هذا القول المخالف
للرواية لأنه في شك من صحتها كما أشار إلى ذلك بقوله السابق " فلو صحت هذه
الأسئلة ... " ومثله قوله السابق أيضا " لا نراها تصح "! وسيأتي الجواب عنه
في الفقرة التالية.
وهذا كله على فرض أن الرواية بلفظ " حدثهن " كما رجحه الشيخ، وأما على
الرواية الأخرى: " حدثني " فهي نص لا يحتمل المعنى الذي ذكره الشيخ إطلاقا.
فثبت أن عبادا مدلس، وأن نفي الشيخ له مما لا وجه له.(2/223)
الثالث: شك الشيخ في صحة سؤال يحيى بن سعيد لعباد هل سمع تلك الأحاديث عن
عكرمة؟ ولم يحمله على الشك في صحته ضعف في إسناده وقف عليه، وإنما هو
اضطراب وقع - في زعمه - في متنه! فقد ذكر أنه وقع في " الميزان " بلفظ: "
حدثني ابن أبي يحيى " بدل " حدثهن ابن أبي يحيى " الذي سبق نقله عن " التهذيب ".
أقول: ومع أن مثل هذا الاختلاف لا يعتبر اضطرابا قادحا في الصحة - لدي
العارفين بهذا العلم، لإمكان حمل الرواية الأولى - إن قيل إنها مبهمة - على
الأولى، لأنها مفصلة كما هو واضح. ومع ذلك فاللفظ الأول هو الأرجح، بل
الراجح عندي لثبوته في كتاب " الضعفاء " للعقيلي، وإسناده هكذا (ص 273) :
حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن سليمان قال: سمعت أحمد بن داود الحداد
يقول: سمعت علي بن المديني يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: فذكره،
ورواه الحافظ المزي في " التهذيب " من طريق العقيلي.
قلت: وهذا إسناد جيد، الحداد هذا ثقة مترجم في " تاريخ بغداد (4 / 183 -
140) ، مات سنة إحدى أو اثنتين ومائتين.
ومحمد بن سليمان هو أبو جعفر المصيصي المعروف بلوين، فيما يظهر، وهو ثقة من
رجال " التهذيب " مات سنة (240) .
ومحمد بن موسى هو أبو عبد الله المعروف بالنهرتيري، وهو ثقة جليل مترجم أيضا
في " التاريخ " (3 / 241 - 242) ، مات سنة (289) .
قلت: فقد بان بهذا التخريج أن المسألة صحيحة ثابتة عن يحيى بن سعيد القطان
وباللفظ الذي يبطل تفسير الشيخ أحمد لها كما تقدم، ويثبت اعتراف عباد بأنه
لم يسمع تلك الأحاديث من عكرمة، وإنما تلقاها عن إبراهيم - وهو ضعيف جدا كما
اعترف الشيخ به - عن داود وهو ضعيف في عكرمة خاصة.
الرابع: وأما زعم الشيخ أن ابن أبي يحيى ليس هو إبراهيم، وإنما هو محمد ابن أبي(2/224)
يحيى وهذا ثقة، فمردود بأنه قول محدث، لم يقله أحد قبله فيما أعلمه، بل
هو مخالف لتصريح ابن حبان المتقدم في الفقرة (10) .
" كل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى ... ". وعليه جرى من بعده
من الحفاظ المتأخرين، فقد قال الحافظ المزي في " التهذيب " " روى عن إبراهيم
بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي - وهو أكبر منه - ".
ولم أر أحدا ذكر أنه روى عن محمد بن أبي يحيى والد إبراهيم.
وأما تصريح عباد بن منصور بسماعه لهذا الحديث عند الترمذي، فهو إن كان محفوظا
عنه غير شاذ - مما لا يفرح به، لأن تصريح المدلس بالتحديث إنما ينفع إذا كان
حافظا ضابطا، وعباد ليس كذلك، فلعله وهم فيه بسبب سوء حفظه، أو تغيره في
آخر أمره.
وجملة القول أن حديث ابن عباس هذا لا يصلح شاهدا لحديث الترجمة لشدة ضعف
إسناده، ولأن لفظه مخالف للفظه في العين الأخرى فبقي على ضعفه.
نعم من الممكن أن يقال: إن حديث ابن عمر عند الطبراني يصلح شاهدا له، لأنه في
المعنى مثله، وإسناده ليس شديد الضعف، وهذا الذي أنا إليه أميل، فالحديث
صحيح. والله أعلم.
634 - " لك بها سبعمائة ناقة مخطومة في الجنة ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 116) من طرق عن فضيل بن عياض عن سليمان بن
مهران عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود قال: " جاء رجل بناقة مخطومة،
فقال: يا رسول الله هذه الناقة في سبيل الله، قال ... " فذكره. وقال:(2/225)
" مشهور من حديث الأعمش، ثابت، حدث به عن الفضيل جماعة من المتقدمين ".
قلت: والشيباني اسمه سعد بن إياس. وقد تابعه جرير عن الأعمش به. أخرجه
الحاكم (2 / 90) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو
كما قالا.
635 - " من تطبب ولا يعلم منه طب، فهو ضامن ".
أخرجه أبو داود (4586) والنسائي (2 / 250) وابن ماجه (3466)
والدارقطني (ص 370) والحاكم (4 / 212) والبيهقي (141) من طريق الوليد
بن مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره. وقال أبو داود: " لم يروه إلا الوليد، لا ندري هو
صحيح أم لا؟ ". وأما الحاكم فقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي!
قلت: وهو بعيد، فإن ابن جريج والوليد مدلسان وقد عنعناه، إلا عند
الدارقطني والحاكم فقد وقع فيه تصريح الوليد بالتحديث. فقد انحصرت العلة في
عنعنة شيخه ابن جريج.(2/226)
وأعله البيهقي بعلة أخرى فقال: " ورواه محمود بن خالد
عن الوليد، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم،
لم يذكر أباه ". كذا قال، ولعلها رواية وقعت له، وإلا فقد رواه النسائي
عنه مثل رواية الجماعة عن الوليد، فقال عقبها: " أخبرنا محمود بن خالد قال:
حدثنا الوليد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله سواء ".
وأما الدارقطني فأعله بعلة أخرى، فقال: " لم يسنده عن ابن جريج غير الوليد
بن مسلم، وغيره يرويه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلا عن النبي صلى الله
عليه وسلم ".
قلت: وذا لا يضر فإن الوليد ثقة حافظ، وإنما العلة العنعنة كما بينا.
وللحديث شاهد من رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: حدثني بعض الوفد
الذين قدموا على أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك، فأعنت، فهو ضامن ".
قال عبد العزيز: أما إنه ليس بالعنت إنما هو قطع العروق والبط والكي.
قلت: وإسناده حسن لولا أنه مرسل مع جهالة المرسل، لكن الحديث حسن بمجموع
الطريقين. والله أعلم.
636 - " أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين
وتفارق المشرك ".
أخرجه النسائي (2 / 183) والبيهقي (9 / 13) وأحمد (4 / 365)(2/227)
من طريق
أبي وائل عن أبي نخيلة البجلي قال: قال جرير: " أتيت النبي صلى الله عليه
وسلم وهو يبايع فقلت: يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك، واشترط علي فأنت
أعلم، قال ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، وأبو نخيلة بالخاء المعجمة، وقيل بالمهملة وبه
جزم إبراهيم الحربي وقال: هو رجل صالح. وقد جزم غير واحد بصحبته كما بينه
الحافظ في " الإصابة ". ولهذا الحديث شاهد من حديث أعرابي، ويأتي بلفظ:
" إنكم إن شهدتم ... ". والحديث أخرجه الطبراني أيضا في " المعجم الكبير "
(ج 1 ورقه 111 وجه 1) من طريق أبي وائل به. وقد رويت الجملة الأخيرة منه
من طريق أخرى عن جرير بلفظ: " أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين،
قالوا: يا رسول الله: ولم؟ قال: لا تراءى نارهما ".
أخرجه الترمذي (2 / 397) : حدثنا هناد: حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي
خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله: أن رسول الله بعث سرية إلى خثعم
، فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم
، فأمر لهم بنصف العقل وقال ... " فذكره.
ثم قال الترمذي: حدثنا هناد: حدثنا عبدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن(2/228)
أبي حازم مثل حديث أبي معاوية ولم يذكر فيه عن جرير، وهذا أصح. وفي الباب
عن سمرة، وأكثر أصحاب إسماعيل قالوا: عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ولم يذكروا فيه عن جرير، وروى حماد بن
سلمه عن الحجاج بن أرطاة عن إسماعيل بن أبي خالد عن جرير مثل حديث أبي معاوية،
وسمعت محمدا يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وروى
سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تساكنوا المشركين ولا
تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم ".
قلت: إسناد الحديث الأول الموصول رجاله ثقات رجال مسلم، لكن أعله الترمذي
تبعا للبخاري وغيره بالإرسال، ولولا أن في أبي معاوية - واسمه محمد بن خازم
بمعجمتين - شيئا من الضعف من قبل حفظه لقلت " إنه زاد الوصل، والزيادة من
الثقة مقبولة، على أنه قد تابعه في وصله الحجاج بن أرطاة كما ذكر الترمذي وقد
وصله البيهقي (9 / 12 - 13) مختصرا بلفظ: " من أقام مع المشركين فقد برئت
منه الذمة " ويأتي، لكن الحجاج مدلس وقد عنعنه. ثم أن الحديث أورده الهيثمي
(5 / 253) عن قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد. أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى ناس من خثعم الحديث وقال: " رواه الطبراني
ورجاله ثقات ". ثم رأيت الحديث قد أخرجه الحافظ في " تخريج الكشاف " (4 / 55
رقم 457) فقال: رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث جابر.... وصله
أبو معاوية عن(2/229)
إسماعيل عن قيس عنه، وأرسله غيره من أصحاب إسماعيل كعبدة بن
سليمان ووكيع وهشيم ومروان، وتابعه حجاج بن أرطاة، عن إسماعيل موصولا
وحجاج ضعيف، ورجح البخاري وغيره المرسل، وخالف الجميع حفص بن غياث فرواه عن
إسماعيل عن قيس، عن خالد بن الوليد: خرجه الطبراني ".
وهو عند أبي داود في " الجهاد " وأخرجه الطبراني أيضا في " المعجم الكبير "
(ج 1 ورقة 109 وجه 1) مخطوط المكتبة الظاهرية (رقم 282 حديث) عن أبي معاوية
به. وفي معناه حديث: " لا يقبل الله من مشرك بعد ما أسلم عملا أو يفارق
المشركين إلى المسلمين ". وقد ذكر في محله.
637 - " ما تواد اثنان في الله عز وجل، أو في الإسلام، فيفرق بينهما إلا ذنب يحدثه
أحدهما ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (401) من طريق سنان بن سعد عن أنس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير سنان ابن سعد، ويقال:
سعد بن سنان، قال الحافظ: " صدوق له أفراد ".
قلت: وهذا مما لم يتفرد به، فقد رواه جماعة عن غير أنس من الصحابة، فمنهم
عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: فذكره في حديث.
أخرجه أحمد (2 / 68) من طريق ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن نافع، عن
ابن عمر. ورجاله ثقات، إلا أن ابن لهيعة سيء الحفظ، فحديثه مما يستشهد به.(2/230)
ومنهم أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه أبو نعيم في
" الحلية " (5 / 202) عن إسحاق بن راهويه حدثنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة
حدثنا عطاء بن ميسرة عنه.
قلت: وهذا إسناد منقطع ضعيف، عطاء بن ميسرة هو ابن أبي مسلم الخراساني ولم
يسمع من أحد من الصحابة. وكلثوم هذا قال أبو حاتم: يتكلمون فيه. ومنهم رجل
من بني سليط قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكر حديثا فيه هذا.
يرويه علي بن زيد عن الحسن حدثني رجل من بني سليط. أخرجه أحمد (5 / 71) .
وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، وحسنه الهيثمي (10 / 275) ، رجاله ثقات
غير علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف الحفظ.
وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح. وبالله التوفيق.
638 - " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ".
أخرجه أبو داود (4375) والطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 129) وأحمد
(6 / 181) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 43) وابن عدي في " الكامل "
(306 / 1) والحافظ ابن المظفر في " الفوائد المنتقاة " (2 / 214 / 2)
والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (ق 48 / 1) وكذا البيهقي
(8 / 334) من طرق عن عبد الملك بن زيد عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.(2/231)
أورده ابن عدي في
ترجمة عبد الملك هذا مع حديث آخر له، وقال: " وهذان الحديثان منكران بهذا
الإسناد، لم يروهما غير عبد الملك ابن زيد ".
قلت: قد وثقه ابن حبان، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن الجنيد:
ضعيف الحديث. فمثله حسن الحديث، وهو ما يعطيه قول النسائي المذكور، وقد
اعتمده الحافظ في " التقريب ". ومثله يحتج بحديثه في مرتبة الحسن، إلا أن
يتبين خطؤه، وهذا غير موجود في هذا الحديث، وكأنه لذلك قوى الطحاوي حديثه
هذا، بل قد جاء ما يؤيد حفظه إياه سندا ومتنا، فقد تابعه أبو بكر بن نافع
العمري عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة به. أخرجه البخاري
في " الأدب المفرد " (465) والطحاوي، وابن حبان في " صحيحه " (1520)
وكذا أبو يعلى في " مسنده " (237 / 2) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد "
(73 / 255 / 1) وابن المظفر في " الفوائد " والبيهقي كلهم من طرق عن العمري
به لم يذكروا في إسناده " عن أبيه " غير ابن المظفر في إحدى روايتيه.
لكن أبو بكر هذا - وهو مولى زيد بن الخطاب كما وقع صريحا في " فوائد الشافعي "
ورواية للطحاوي - قال ابن معين: ليس بشيء.(2/232)
وقال أبو داود: لم يكن عنده إلا
حديث واحد. ثم ذكر هذا. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. وقال
الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". وتابعه أيضا عبد الرحمن بن محمد بن أبي
بكر بن حمد بن عمرو ابن حزم عن أبيه عن عمرة به. دون قوله " إلا الحدود ".
أخرجه الطحاوي (3 / 128) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 236) وقال: " وقد
روي بغير هذا الإسناد، وفيه أيضا لين وليس فيه شيء ثابت ". أورده في ترجمة
عبد الرحمن هذا، وروى عن البخاري أنه قال: " روى عنه الواقدي عجائب ".
قلت: الواقدي متهم، فلا يغمز في شيخه بما روى من العجائب عنه، والأصل براءة
الذمة، فلا ينقل عنها إلا بحجة، وكأنه لذلك قال الحافظ فيه: " مقبول ".
يعني عند المتابعة، وقد توبع كما عرفت فيكون حديثه مقبولا. وقد توبع أيضا
مع شيء من المخالفة لا تضر إن شاء الله تعالى. فقال الخلال في " الأمر
بالمعروف " (ق 5 / 2) : أنبأنا أحمد بن الفرج أبو عتبة الحمصي قال: حدثنا
ابن أبي فديك حدثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن جده عن عمر
مرفوعا به.(2/233)
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، رجال الشيخين، غير أحمد بن الفرج،
فهو ضعيف من قبل حفظه، غير متهم في صدقه، قال ابن عدي: " لا يحتج به، هو
وسط ". وقال ابن أبي حاتم: " محله الصدق ".
قلت: فمثله يستشهد به ولا يحتج به، خصوصا فيما خالف فيه الثقات كقوله في هذا
الإسناد: " عن أبيه عن جده عن عمر " فهو من أخطائه، لا ممن فوقه، فإنهم ثقات
والصواب: " عن أبيه عن عمرة عن عائشة " كما تقدم في رواية الجماعة.
وعلى كل حال فاتفاق هؤلاء الأربعة على رواية هذا الحديث عن محمد بن أبي بكر
دليل قاطع على أن له أصلا عنه لأنه يبعد عادة تواطؤهم على الخطأ، فإذا اختلفوا
عليه، فالعبرة بما عليه رواية الجماعة وقد عرفتها. وقد تابعهم عبد العزيز
بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب. عند الطحاوي (3 / 129) .
وعبد العزيز هذا ثقة، وكذلك من دونه، فهو إسناد صحيح.
وقد وجدت له طريقا أخرى عن عائشة رضي الله عنها، فقال الطبراني في " المعجم
الأوسط " (1 / 185 / 1) : أنبأنا محمد بن عبد الله الحضرمي: أنبأنا إسحاق بن
زيد الخطابي أنبأنا محمد بن سليمان بن (أبي) داود أنبأنا المثنى أبو حاتم
العطار: أنبأنا عبيد الله بن عيزار عن القاسم بن محمد عنها أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره دون الزيادة. وقال: " لم يروه عن عبيد الله إلا
المثنى، ولا عنه إلا محمد، وريحان بن سعيد ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف المثنى هذا وهو ابن بكر البصري قال العقيلي (ص 429)
: " لا يتابع على حديثه ".(2/234)
وقال الدارقطني: " متروك ". وعبيد الله بن
عيزار ثقة كما في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 330) . وسائر الرواة ثقات
معروفون، غير إسحاق بن زيد الخطابي ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح "،
والسمعاني في " الأنساب "، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ولعله في
" الثقات " لابن حبان. وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود. قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ الترجمة إلا أنه قال: " زلاتهم " دون
الحدود. أخرجه الطبراني في " الأوسط " وعنه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " (2
/ 234) والخطيب في " تاريخه " (10 / 85 - 86) من طريقين عن عبد الله بن
محمد بن يزيد الرفاعي حدثني أبي أنبأنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عنه.
وقال الطبراني: " لا يروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله
ابن يزيد ".
قلت: وهو ثقة كما قال الخطيب وكناه بأبي محمد الحنفي المروزي وفي ترجمته
أورد الحديث. وذكر أنه مات سنة (275) . وسائر رواته موثوقون، حديثهم حسن
غير محمد بن يزيد الرفاعي، فقد اختلفوا فيه، وقال الحافظ في " التقريب ":
" ليس بالقوي ".
قلت: فمثله لا أقل من أن يكون حسن الحديث لغيره، فالحديث شاهد حسن لحديث
عائشة. والله أعلم.(2/235)
وقال الهيثمي في " المجمع " (6 / 282) : " رواه
الطبراني عن محمد بن عاصم عن عبد الله بن محمد بن يزيد الرفاعي، ولم أعرفهما
، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
قلت: عبد الله قد عرفنا أنه ثقة. وأما محمد بن عاصم، فهو متابع من محمد بن
مخلد وهو ثقة، فجهالته لا تضر. وعاصم وهو ابن بهدلة لم يحتج به الشيخان.
وله طريق أخرى يرويه إبراهيم بن حماد الأزدي حدثنا عبد الرحمن ابن حماد البصري
قال: حدثنا الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله مرفوعا بلفظ: " تجافوا عن ذنب
السخي، فإن الله آخذ بيده كلما عثر ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 /
108) وقال: " غريب ".
قلت وإبراهيم بن حماد الأزدي الظاهر أنه الزهري الضرير ضعفه الدارقطني. ثم
رواه (5 / 58 - 59) من طريق الطبراني عن بشر بن عبيد الله الدارسي قال:
حدثنا محمد بن حميد العتكي، عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة. عن عبد الله
بلفظ: " تجاوزوا.... ". وبشر هذا قال ابن عدي:(2/236)
بين الضعف جدا. وله شاهد
آخر من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " تجاوزا في عقوبة ذوي الهيئات ". أخرجه
ابن الأعرابي في " معجمه " (ق 33 / 1) : أنبأنا تمتام (محمد بن غالب)
أنبأنا عبد الصمد بن النعمان أنبأنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن
دينار عنه. وأخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (122) من هذا الوجه.
قلت: وهذا إسناد جيد عبد العزيز وهو الماجشون وابن دينار ثقتان من رجال
الشيخين، وعبد الصمد بن النعمان قال الذهبي: " وثقه يحيى بن معين وغيره
وقال الدارقطني والنسائي: ليس بالقوي " ووثقه ابن حبان أيضا والعجلي، كما
في " اللسان "، فهو حسن الحديث على أقل الأحوال.
وتمتام ثقة مأمون كما قال الدارقطني. فثبت هذا الإسناد. والحمد لله.
وروى الطحاوي (3 / 130) عن محمد بن عبد العزيز بن عبد الله ابن عمر، عن
أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تجافوا عن عقوبة ذوي
المروءة، وهم ذوو الصلاح ". لكن محمد هذا، قال الذهبي في " الضعفاء ":
" ضعفوه ". وللشطر الأول منه، شاهد من حديث زيد بن ثابت مرفوعا وزاد:
" إلا في حد من حدود الله تعالى ".
لكن إسناده ضعيف جدا كما بينته في " ترتيب المعجم الصغير " رقم (314) . ووقع
في " الجامع الصغير " و " الفتح الكبير " مرموزا له بـ (طس) أي الطبراني في(2/237)
" المعجم الأوسط "، وهو وهم، فإن الهيثمي لم يعزه إلا إلى " الصغير "
وقال: " وفيه محمد بن كثير بن مروان الفهري وهو ضعيف ".
قلت: بل هو ضعيف جدا كما بينته هناك. وله شاهد عن الحسن البصري مرسلا.
أخرجه ابن المرزبان في " كتاب المروءة " (1 / 2) عن علي بن محمد القرشي،
حدثنا علي بن سليمان عن الفضل بن روح عنه. وهذا إسناد مظلم، من دون الحسن لم
أعرفهم. والقرشي يحتمل أن يكون أبا الحسن المدائني الأخباري صاحب التصانيف،
وفيه كلام. ثم رواه من طريق إبراهيم بن الفضل عن جعفر بن محمد عليه السلام
مرفوعا بلفظ: " تجاوزوا لذي المروءة عن عثراتهم، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم
ليعثر وإن يده لفي يد الله عز وجل ". وهذا ضعيف جدا، فإنه مع إعضاله فيه
إبراهيم بن الفضل متروك. وفيما تقدم من الطرق والشواهد كفاية. والله أعلم
. وأما ما روى عبد العزيز بن عبد الله أبو عمر الرملي، حدثنا ذو النون ابن
إبراهيم الزاهد المصري حدثنا فضيل بن عياض الزاهد حدثنا ليث عن مجاهد، عن ابن
عباس مرفوعا بلفظ: " تجاوزوا عن ذنب السخي، وزلة العالم، وسطوة السلطان
العادل فإن الله تعالى آخذ بأيديهم كلما عثر عاثر منهم ".(2/238)
أخرجه الخطيب في
" التاريخ " (14 / 98) .
قلت: فهذا ضعيف لا يصح ليث وهو ابن أبي سليم كان اختلط. وذو النون ضعفه
الدارقطني والجوزقاني. وأبو عمر الرملي لم أعرفه. وتابعه أحمد بن صليح
الفيومي حدثنا أبو الفيض ذو النون به مختصرا دون ذكر زلة العالم وسطوة السلطان
العادل. أخرجه أبو نعيم (10 / 4) ثم أخرجه من طريق محمد بن عقبة المكي عن
فضيل بن عياض مثله.
(فائدة) روى البيهقي عن الشافعي رحمه الله أنه قال: " وذوو الهيئات الذين
يقالون عثراتهم: الذين ليسوا يعرفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة ".
639 - " كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " رقم (620) : أنبأنا محمد بن محمد بن مرزوق
الباهلي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة،
عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد وهو على شرط مسلم وفي ابن مرزوق كلام لا يسقط(2/239)
حديثه عن
مرتبة الاحتجاج به، لاسيما وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة. " أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد، أو يدعو على أحد ". أخرجه ابن
خزيمة أيضا من طريق أبي داود: حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد وأبي
سلمة عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
640 - " أيما ضيف نزل بقوم، فأصبح الضيف محروما، فله أن يأخذ بقدر قراه، ولا حرج
عليه ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 40) وأحمد (2 / 380) من طريق
معاوية بن صالح عن أبي طلحة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي طلحة واسمه نعيم بن
زياد، وهو ثقة.
641 - " كان لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل ".
أخرجه الترمذي (4 / 232 - تحفة) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 126 / 2)
وابن نصر في " قيام الليل " (ص 69) والحاكم (2 / 434) وأحمد (6 / 68 /
122) من طرق عن حماد بن زيد عن أبي لبابة قال: قالت عائشة: فذكره مرفوعا
. قلت: وهذا إسناد جيد سكت عليه الحاكم والذهبي ورجاله ثقات وقال الترمذي
:(2/240)
" أخبرني محمد بن إسماعيل (يعني البخاري) قال: أبو لبابة هذا اسمه مروان
مولى عبد الرحمن بن زياد، وسمع من عائشة، سمع منه حماد ابن زيد ".
قلت: وقال ابن معين: " ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات " ولم يعرفه
ابن خزيمة فقال مترجما عن الحديث: " باب استحباب قراءة بني إسرائيل ... إن كان
أبو لبابة هذا يجوز الاحتجاج بخبره، فإني لا أعرفه بعدالة ولا بحرج ".
قلت: قد عرفه البخاري ومن وثقه، ومن عرف حجة على من لم يعرف.
642 - " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين
ومن قرأ بألف آية كتب من المقنطرين ".
أخرجه أبو داود (1 / 221 - التازية) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 125)
وابن حبان (662) وابن السني (697) عن أبي سوية أنه سمع ابن حجيرة يخبر عن
عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
فذكره. وقال: " إن صح الخبر فإني لا أعرف أبا سوية بعدالة ولا جرح ".
قلت: هو صدوق كما في " التقريب " واسمه عبيد بن سوية، وقال ابن يونس وابن
ماكولا: " كان فاضلا ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جماعة.
وابن حجيرة اسمه عبد الرحمن، ثقة من رجال مسلم. فالإسناد جيد. وله شاهد عن
ابن عمر قال: فذكره مثله، إلا أنه قال في الجملة الأخيرة: " ومن قرأ بمائتي
آية كتب من الفائزين ".(2/241)
أخرجه الدارمي (2 / 465) من طريق أبي إسحاق عن
المغيرة بن عبد الله الجدلي عنه. ورجاله ثقات غير المغيرة بن عبد الله الجدلي
، فلم أعرفه، وفي طبقته المغيرة بن عبد الله اليشكري الكوفي، روى عنه جماعة
منهم أبو إسحاق السبيعي فلعله هذا.
وهذه الجملة وإن كانت موقوفة فلها حكم المرفوع. والله أعلم.
وقد روي الحديث عن أبي هريرة مرفوعا بالجملة الأولى منه بلفظ: " من قرأ عشر
آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ". رواه الحاكم (1 / 555) : أخبرنا عبد
الرحمن بن حمدان الجلاب - بهمدان - حدثنا محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري حدثنا
موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
مرفوعا به. ورواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (696) : حدثني محمد
بن حفص البعلبكي حدثنا محمد بن إبراهيم الصوري حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا
حماد بن سلمة به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وأقول: هو كما قالا، إن صح السند به إلى ابن إسماعيل وكان هو موسى، لا
مؤمل، وفي كل من الأمرين نظر!
أما الأول، فإن مدار السند - كما رأيت - على محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري،
وقد أورده الذهبي في " الميزان " وكناه أبا الحسن وقال: " روى عن الفريابي
ومؤمل بن إسماعيل، روى عن رواد بن الجراح خبرا باطلا أو منكرا في ذكر المهدي
، وكان غاليا في التشيع ".(2/242)
وأما ابن حبان فذكره في " الثقات ". وترجم له
ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (14 / 381 / 2) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا
، فهو في عداد المجهولين إن لم يكن من المجروحين!
وأما الآخر، فلا تطمئن النفس إلى أن ابن إسماعيل هو موسى وذلك لأمرين:
أولا: أن كتاب الحاكم فيه كثير من التصحيفات في رجال كتابه كما هو معروف عند
الخبيرين به، فخلافه مرجوح عند التعارض، كما هو الواقع هنا، ففي رواية ابن
السني أنه مؤمل بن إسماعيل، لا موسى بن إسماعيل.
ثانيا: أنهم لم يذكروا في شيوخ الصوري هذا موسى بن إسماعيل بل مؤمل بن إسماعيل
، كما رأيت في كلام الذهبي ومثله في " لسان العسقلاني ".
ومما سبق يتبين أن السند ليس على شرط مسلم، لأن مؤمل بن إسماعيل ليس من رجاله
ولا هو صحيح، لأن مؤملا سيىء الحفظ كما في " التقريب "، وأيضا فقد عرفت حال
الصوري.
وقد روي الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: " من صلى في ليلة بمائة آية
لم يكتب من الغافلين، ومن صلى في ليلة بمائتي آية فإنه يكتب من القانتين
المخلصين ". أخرجه الحاكم (1 / 308 - 309) عن سعد بن عبد الحميد بن جعفر
حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن عبيد الله بن سلمان عن أبيه
أبي عبد الله سلمان الأغر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: فذكره. وقال: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي؟
وأقول: وقد وهما، فإن ابن أبي الزناد لم يحتج به مسلم، وإنما روى له شيئا
في المقدمة، ثم هو إلى ذلك فيه ضعف قال الحافظ: " صدوق تغير حفظه لما قدم
بغداد، وكان فقيها ".(2/243)
والراوي عنه سعد، لم يخرج له مسلم أصلا، وفيه ضعف
أيضا، أورده الذهبي نفسه في " الضعفاء " وقال: " قال ابن حبان: كان ممن فحش
خطؤه، وقال ابن معين: لا بأس به ". وقال الحافظ: " صدوق، له أغاليط ".
قلت: فمثل هذا الإسناد مما لا يطمئن القلب لثبوته، لاسيما والمحفوظ في
الحديث " عشر آيات " بدل " مائة " كما سبق. والله أعلم.
643 - " من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين، أو كتب من القانتين ".
أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 66) وابن خزيمة في " صحيحه "
(1 / 124 / 2) كلاهما بإسناد واحد، فقال: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا
علي بن الحسن بن شقيق أخبرنا أبو حمزة (السكري) عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد صحيح على
شرط الشيخين. وقوله: " أو كتب من القانتين ". شك من بعض رواته، وهو مما
لا ينبغي الشك فيه عندي وذلك لأمرين: الأول: أن قوله: " لم يكتب من
الغافلين "، قد ثبت فيمن قام بعشر آيات، كما تقدم في الحديث الآنف الذكر.
والآخر: أن قوله " كتب من القانتين "، ثبت فيمن قام بمائة آية.
فقد روى عبد الله بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(2/244)
" من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من
الغافلين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ". أخرجه الحاكم (1 / 555 -
556) شاهدا، وقال الذهبي: " قلت: إسناده واه ".
وأقول عبد الله هذا الظاهر أنه ابن سمعان المخزومي المدني وهو متهم.
ولكن قد جاء معناه في أحاديث أخرى، فشطره الأول ثبت من حديث ابن عمرو كما
تقدم، وشطره الآخر ثبت نحوه من حديث تميم الداري وهو الآتي بعده، بل صح ذلك
من طريق أخرى عن أبي حمزة، كما يأتي برقم (757) .
644 - " من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة ".
أخرجه الدارمي (2 / 464) : حدثنا يحيى بن بسطام، حدثنا يحيى ابن حمزة حدثني
زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى عن كثير بن مرة عن تميم الداري أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات معروفون غير يحيى بن بسطام، قال ابن أبي
حاتم (4 / 2 / 132) : " سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ صدوق، ما بحديثه بأس،
قدري، أدخله البخاري في " كتاب الضعفاء "، فيحول من هناك ". ثم رأيته في
" المسند " (4 / 103) من طريق الهيثم بن حميد عن زيد بن واقد به، فصح الحديث
والحمد لله.
645 - " اقرءوا المعوذات في دبر كل صلاة ".
أخرجه النسائي (1 / 196) وابن خزيمة في " صحيحه " (755) عن ليث عن حنين
بن أبي حكيم عن علي بن(2/245)
رباح عن عقبة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير حنين ابن أبي حكيم، فهو
صدوق.
646 - " نعمت السورتان يقرأ بهما في ركعتين قبل الفجر * (قل هو الله أحد) * و * (قل
يا أيها الكافرون) * ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 121 / 2) : حدثنا بندار، أنبأنا إسحاق بن
يوسف الأزرق، حدثنا الجريري، عن عبد الله بن شفيق عن عائشة قالت:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل العصر
لا يدعهما، قالت: وكان يقول.... ". فذكره. وأخرجه ابن حبان (610) من
طريق يزيد بن هارون عن سعيد الجريري به، دون قوله في أوله: " كان.... ".
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم، غير أن الجريري كان اختلط قليلا
قبل موته بثلاث سنوات.
647 - " إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على
التجارة وقطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق وظهور القلم ".
أخرجه أحمد (1 / 407 - 408) : حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا بشير ابن سلمان
عن سيار، عن طارق بن شهاب قال:(2/246)
" كنا عند عبد الله جلوسا، فجاء رجل فقال
: قد أقيمت الصلاة، فقام، وقمنا معه، فلما دخلنا المسجد، رأينا الناس
ركوعا في مقدم المسجد، فكبر، وركع، وركعنا، ثم مشينا، وصنعنا مثل الذي
صنع، فمر رجل يسرع فقال: عليك السلام يا أبا عبد الرحمن، فقال: صدق الله،
ورسوله، فلما صلينا ورجعنا، دخل إلى أهله، جلسنا، فقال بعضنا لبعض: أما
سمعتم رده على الرجل: صدق الله، وبلغت رسله، أيكم يسأله؟ فقال طارق: أنا
أسأله، فسأله حين خرج، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ثم قال أحمد (1 / 419 - 420) : حدثنا
يحيى بن آدم أنبأنا بشير أبو إسماعيل به دون قوله: " وشهادة الزور..... "،
ودون قصة الركوع والمشي. وإسناده صحيح أيضا.
وخالفهما أبو نعيم حدثنا بشير بن سلمان به مثل رواية الزبيري، إلا أنه لم
يذكر: " وقطع الأرحام.... ". وقال بدلها: " وحتى يخرج الرجل بماله إلى
أطراف الأرض فيرجع فيقول: لم أربح شيئا ". أخرجه الحاكم (4 / 445 - 446) من
طريق السري بن خزيمة، حدثنا أبو نعيم. وسكت عليه هو والذهبي. وأبو نعيم
ثقة حجة وهو الفضل بن دكين. لكن الراوي عنه السري بن خزيمة لم أجد له ترجمة.(2/247)
وقد وجدت لآخر الحديث شاهدا من حديث عمرو بن تغلب: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: ".... وإن من أشراط الساعة أن يكثر التجار، ويظهر القلم "
. أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1171) : حدثنا ابن فضالة عن الحسن قال: قال
عمرو بن تغلب به. ومن طريق الطيالسي أخرجه ابن منده في " المعرفة " (2 / 59
/ 2) .
قلت: وابن فضالة - واسمه مبارك - صدوق، ولكنه يدلس، وكذلك الحسن وهو
البصري، لكن هذا قد صرح بالتحديث عن عمرو في " مسند أحمد " (5 / 69) وقد
أخرج الطرف الأول من الحديث.
648 - " إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة. وفي رواية: أن يسلم
الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة ".
أخرجه أحمد (1 / 387) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 36 / 2) من
طريق مجالد عن عامر، عن الأسود بن يزيد قال:(2/248)
" أقيمت الصلاة في المسجد،
فجئنا نمشي مع عبد الله بن مسعود فلما ركع الناس، ركع عبد الله وركعنا
معه ونحن نمشي، فمر رجل بين يديه، فقال: السلام عليك يا أبا عبد الرحمن،
فقال عبد الله وهو راكع: صدق الله ورسوله، فلما انصرف سأله بعض القوم لم
قلت: حين سلم عليك الرجل: صدق الله ورسوله؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول " فذكره بالرواية الأولى.
قلت: ورجاله ثقات كلهم غير مجالد، وهو ابن سعيد وليس بالقوي، لكن يقويه
الرواية الأخرى، فقد روى شريك، عن عياش العامري عن الأسود بن هلال، عن بن
مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بالرواية الأخرى.
أخرجه أحمد (1 / 405 - 406) . وهذا إسناد جيد في الشواهد والمتابعات،
رجاله كلاهم ثقات غير شريك وهو ابن عبد الله القاضي، فإنه سيء الحفظ، لكن
مجيء الحديث من الطريق السابقة يجعلنا نطمئن لثبوته، وأنه قد حفظه.
ويزيده قوة أن له طريقا ثالثة عن ابن مسعود مرفوعا بمعناه. وقد خرجته قبيل
هذا.
649 - " إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد لا يصلي فيه ركعتين ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " وغيره من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا.
وفي إسناده ضعف بينته في الكتاب الآخر (1530) .
لكن الحديث له طريق أخرى عن ابن مسعود يتقوى بها، لأنه لا علة فيه سوى الجهالة
كما بينته هناك (1531) . وله شاهد مرسل يرويه شريك عن العباس بن ذريح عن
عامر رفعه. أخرجه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (10 / 107 / 1) .(2/249)
وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير شريك وهو ابن عبد الله
القاضي، فإنه سيء الحفظ، لكنه ثقة في نفسه، غير متهم في صدقه، فحديثه صحيح
إذا توبع عليه. والله أعلم.
650 - " ثلاثة لا يقبل منهم صلاة ولا تصعد إلى السماء ولا تجاوز رءوسهم: رجل أم
قوما وهم له كارهون، ورجل صلى على جنازة ولم يؤمر، وامرأة دعاها زوجها من
الليل فأبت عليه ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (161 / 1) من طريق عطاء بن دينار الهذلي
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ... فذكره. ومن طريق عمرو بن الوليد عن
أنس بن مالك يرفعه. يعني مثل هذا. وقال: " أمليت الخبر الأول، وهو مرسل،
لأن حديث أنس الذي بعده مثله، لولا هذا لما كنت أخرج الخبر المرسل في هذا
الكتاب ".
قلت: الخبر الأول رجاله ثقات، لكنه معضل، لأن عطاء بن دينار الهذلي لم يلق
أحدا من الصحابة، وإنما يروي عن التابعين. والخبر الآخر رجاله ثقات أيضا
وهو موصول، إلا أن عمرو بن الوليد قال الذهبي: " ما روى عنه سوى يزيد بن أبي
حبيب ". لكن يبدو من ترجمته أنه كان فاضلا معروفا، فقال ابن يونس:(2/250)
كان من
أهل الفضل والفقه. وذكره يعقوب بن سفيان في " ثقات أهل مصر ". وكذلك ذكره
ابن حبان في " الثقات ". وقضية إخراج ابن خزيمة لحديثه في " الصحيح " أنه ثقة
عنده وهذا هو الذي ترجح لي، فالحديث جيد. والله أعلم.
651 - " الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 95 - 96) : حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم:
حدثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس أنه حدثه قال: سمعت معاوية بن
أبي سفيان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره.
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، غير مروان بن جناح، وهو " لا بأس به " كما في
التقريب تبعا للدارقطني. ورواه ابن حبان في " صحيحه " من طريق هشام بن عمار
بإسناده ومتنه سواء كما في " موارد الظمآن " (82) ، وكذلك أخرجه ابن عدي في
" الكامل " (135 / 2) في ترجمة روح بن جناح وهو أخو مروان بن جناح، لكن وقع
عنده " روح بن جناح " مكان " مروان بن جناح " فلا أدري أهو سهو من الرواة، أم
أن الوليد بن مسلم رواه عن الأخوين معا، وعنه هشام، فكان يرويه عن هذا تارة
وعن هذا تارة. والله أعلم. ورواه الضياء في " موافقات هشام بن عمار " (58
/ 2) . وأخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (3 / 1) من طريق عمرو بن عثمان
قال: أنبأنا الوليد بن مسلم عن مروان بن جناح به. وأخرجه عبد الغني المقدسي
في " العلم " (5 / 2) ،(2/251)
وأخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 345) من
طريق أخرى عن الوليد به دون الفقرة الثانية منه.
652 - " نهى عن أن تكلم النساء (يعني في بيوتهن) إلا بإذن أزواجهن ".
أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (8 / 230 / 2) عن قيس بن الربيع عن ابن
أبي ليلى عن الحكم عن أبي جعفر مولى بني هاشم عن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قال: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل قيس وشيخه، فإنهما ضعيفان من قبل الحفظ.
لكن ذكر له الخرائطي شاهدا عن تميم بن سلمة قال: " أقبل عمرو بن العاص إلى بيت
علي بن أبي طالب في حاجة، فلم يجد عليا، فرجع ثم عاد فلم يجده، مرتين أو
ثلاثا، فجاء علي فقال له: أما استطعت إذ كانت حاجتك إليها أن تدخل؟ قال:
" نهينا أن ندخل عليهن إلا بإذن أزواجهن ".
قلت: وإسناده صحيح. وقد عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني في " الكبير "
من حديث عمرو بلفظ الترجمة. وقال المناوي:(2/252)
" رمز المصنف لحسن، وعدل عن
عزوه للدارقطني، لكونه غير موصول الإسناد عنده ".
653 - " عمرو بن العاص من صالحي قريش ".
أخرجه الترمذي (2 / 316) وأحمد (1 / 161) عن ابن أبي مليكة قال: قال
طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وقال الترمذي: " ليس إسناده بمتصل، ابن أبي مليكة لم يدرك طلحة ".
قلت: ورجال إسناده ثقات أثبات، وقد روي موصولا من طريق سليمان بن أيوب بن
سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة
عن طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.(2/253)
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 13 / 1) وعنه الضياء المقدسي في
" المختارة " (1 / 285) وإسناده ضعيف كما بينته في الكتاب الآخر (1537) .
لكن له شاهد بلفظ: " أسلم الناس وآمن عمرو العاص "، وآخر بلفظ: " ابنا
العاص مؤمنان هشام وعمرو ". وقد مضيا (155، 156) .
654 - " ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام، لتسبيحه وتكبيره وتهليله
".
أخرجه أحمد (1 / 163) وعنه الضياء في " المختارة " (1 / 283) من طريق طلحة
بن يحيى بن طلحة عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عبد الله بن شداد.
" أن نفرا من بني عذرة ثلاثة، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، قال:
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يكفينيهم؟ قال طلحة: أنا، قال: فكانوا
عند طلحة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا، فخرج فيه أحدهم، فاستشهد،
قال: ثم بعث بعثا، فخرج فيهم آخر، فاستشهد، قال: ثم مات الثالث على فراشه
، قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة، فرأيت الميت على
فراشه أمامهم، ورأيت الذي استشهد أخيرا يليه، ورأيت الذي استشهد أولهم
آخرهم؟ قال: فدخلني من ذلك، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت
ذلك له، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أنكرت من ذلك؟ ليس
أحد ... الحديث.
قلت: وهذا إسناد حسن، وهو صحيح على شرط مسلم، وفي طلحة ابن يحيى كلام من
قبل حفظه، لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى. وعبد الله بن
شداد تابعي كبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يقال إنه مرسل.
فأقول: بل الظاهر أنه مسند تلقاه من طلحة نفسه، لقوله: في أثناء الحديث:
" قال طلحة ". والله أعلم.(2/254)
655 - " الطاعم الشاكر، بمنزلة الصائم الصابر ".
أخرجه الترمذي (2 / 79) حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا محمد بن معن
المدني الغفاري، حدثني أبي عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره وقال: " هذا حديث حسن غريب ".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، مع أن معنا والد محمد لم يوثقه غير ابن حبان
وأما ابنه فقد وثقه ابن معين أيضا. ولكنه قد خولف في إسناده، فقال عمر بن
علي المقدمي: سمعت معن بن محمد يحدث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: " كنت
أنا وحنظلة بالبقيع مع أبي هريرة رضي الله عنه، فحدثنا أبو هريرة بالبقيع عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " فذكره. أخرجه الحاكم (4 / 136)
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
قلت: فقد خالفه المقدمي، فجعل تابعيه سعيد بن أبي سعيد، وليس أبا سعيد وهو
الراجح عندي، لأنه أوثق من محمد بن معن الغفاري، وقد توبع، فقال أحمد (2 /
283) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن رجل من بني غفار أنه سمع
سعيد المقبري يحدث عن أبي هريرة به.(2/255)
وأخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 /
315 - نسخة محمد عبد اللطيف) عن عبد الرزاق به. وهذا إسناد صحيح إلى الرجل
الغفاري ومن الظاهر أنه معن والد محمد، فإنه غفاري كما صرحت به رواية الترمذي
المتقدمة، فهذا يؤكد أرجحية رواية المقدمي على رواية محمد بن معن.
وأخرجه ابن حبان (952) من طريق معتمر بن سليمان عن معمر بن راشد عن سعيد
المقبري عن أبي هريرة به. هكذا وقع في " موارد الظمآن ": معمر عن سعيد.
وأنا أخشى أن يكون منقطعا، أو وقع في سنده سقط، فإن بين معمر وسعيد المقبري
واسطتين، كما يدل عليه رواية أحمد عن عبد الرزاق عنه.
ثم رأيت الحافظ يقول في " الفتح " (9 / 504) : " لكن في هذه الرواية انقطاع
خفي على ابن حبان، فقد رويناه في " مسند مسدد " عن معتمر عن معمر عن رجل من
بني غفار عن المقبري، وكذلك أخرجه عبد الرزاق في " جامعه " عن معمر. وهذا
الرجل هو معن بن محمد الغفاري فيما أظن لاشتهار الحديث من طريقه ".
قلت: عبد الرزاق إنما رواه عن معمر عن الزهري عن الرجل، فروايته مخالفة
لرواية مسدد عن معتمر. وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة، فقال أحمد (2 / 289
) : حدثنا عبيد بن(2/256)
أبي قرة حدثنا سليمان بن بلال: حدثني محمد بن عبد الله بن
أبي حرة عن عمه حكيم بن حرة عن سليمان الأغر عنه به.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، وفي عبيد بن أبي قرة كلام لا يضر.
وسليمان بن بلال ثقة من رجال الشيخين، وقد خولف فقال عبد العزيز ابن محمد
الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن أبي حرة عن عمه حكيم بن أبي حرة عن سنان بن
سنة الأسلمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكر نحوه. أخرجه الدارمي (2 / 95) وابن ماجه (1765) وأحمد (4 /
343) وكذا ابنه عبد الله والقضاعي في " مسند الشهاب " (17 / 1) من طرق عن
عبد العزيز به. وقال البوصيري في " زوائد ابن ماجه ": " إسناده صحيح ".
قلت: وهو كما قال لولا المخالفة المذكورة، وسليمان أحفظ من عبد العزيز،
فروايته أصح إن كان أبي قرة قد حفظها عنه. ولكن الحديث على كل حال صحيح، لأن
الاختلاف في اسم صحابي الحديث لا يضر كما هو ظاهر، وقد زاد الدارمي في إسناده
" عن أبيه "، فصار الحديث عنده من رواية " سنة " والد سنان، وهي منكرة لأنه
تفرد بها نعيم بن حماد وهو ضعيف، لاسيما وقد خالفه من سبقت الإشارة إليه،
وقد عزى هذه الرواية صاحب " المشكاة " (4206) إلى ابن ماجه أيضا وذلك وهم
. والله تعالى أعلم.
ثم رأيت الحديث قد أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 142 - 143)
من الوجهين: عن سليمان بن بلال وعبد العزيز بن محمد، وذكرهما ابن أبي حاتم
في " العلل " (2 / 13 - 14) وقال: " فقيل لأبي زرعة أيهما أصح؟ قال: حديث
الدراوردي أشبه ". كذا قال، والله أعلم.(2/257)
ثم رأيت للحديث طريقا أخرى عن أبي هريرة، ولكنها مما لا يفرح به وإنما
أذكرها للمعرفة، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 142) من طريق إسحاق بن
العنبري حدثنا يعلى بن عبيد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة به. وقال: " غريب
من حديث الثوري تفرد به إسحاق عن يعلى ".
قلت: يعلى ومن فوقه ثقات من رجال مسلم، وإنما الآفة من إسحاق هذا فقد أورده
الذهبي في " الضعفاء والمتروكين " وقال: " كذاب "!
والحديث علقه البخاري في " صحيحه " بصيغة الجزم فقال (2 / 510) " باب الطاعم
الشاكر مثل الصائم الصابر، فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
وقد خولف إسحاق بن موسى الأنصاري في إسناده من قبل يعقوب بن حميد بن كاسب:
حدثنا محمد بن معن عن أبيه عن عبد الله بن عبد الله الأموي عن معن بن محمد عن
حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة به. ويعقوب هذا فيه ضعف، فرواية الأنصاري
مقدمة على روايته لأنه أوثق منه، لاسيما ويشهد له رواية عبد الرزاق المتقدمة
. والله أعلم.
656 - " آمروا اليتيمة في نفسها وإذنها صماتها ".
هكذا أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 3 / 2) من رواية الطبراني في
" المعجم الكبير " عن أبي موسى الأشعري وتبعه صاحب " الفتح الكبير في ضم
الزيادة إلى الجامع الصغير " ولكنه لم يرمز له بأنه من (الزيادة) فلعله سقط
ذلك من الناسخ أو الطابع، فإني لم أره في " الجامع الصغير " الذي عليه شرح
المناوي، ولم يذكره الهيثمي بهذا اللفظ وإنما بلفظ:(2/258)
" تستأمر اليتيمة في
نفسها، فإن سكتت، فقد أذنت وإذا أبت لم تكره ". وقال: " رواه أحمد وأبو
يعلى والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ".
قلت: وهو في " المسند " (4 / 394 / 408) وكذا " سنن الدارمي " (2 / 138)
من طريقين عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى به.
قلت: وهذا سند صحيح على شرطهما. وله شواهد مخرجة في " الإرواء " (1828) .
657 - " من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ومن قرأ في ليلة
مائة آية كتب من القانتين ".
أخرجه الحاكم (1 / 308) من طريق عبدان أنبأنا أبو حمزة عن الأعمش عن أبي صالح
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال:
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
658 - " لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم أكثر من ذلك: العجب ".
أخرجه العقيلي (171) وابن عدي (164 / 1)(2/259)
والقضاعي في " مسند الشهاب "
(117 / 1) عن سلام بن أبي الصهباء عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: ورجاله ثقات غير سلام هذا وهو مختلف فيه، فقال ابن عدي في آخر ترجمته
: " وأرجو أنه لا بأس به ". وروى عن البخاري أنه قال فيه: " منكر الحديث "
. وقال الذهبي: " ضعفه يحيى، وقال أحمد: حسن الحديث. وقال ابن حبان: لا
يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ". ثم ساق له حديثين هذا أحدهما، وقال: " ما
أحسنه من حديث لو صح ".
قلت: هو حسن على الأقل بشاهده الآتي وغيره، فقد أخرجه أبو الحسن القزويني في
" الأمالي " (12 / 1) عن كثير بن يحيى قال: حدثنا أبي عن الجريري عن أبي
نضرة عن أبي سعيد مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير يحيى والد كثير وهو
يحيى بن كثير أبو النضر صاحب البصري، قال الحافظ: " ضعيف ".(2/260)
وابنه كثير ثقة، فقد روى عنه أبو زرعة، وقد علم عنه أنه لا يروي إلا عن ثقة
بل سئل عنه فقال: " صدوق ". وقال أبو حاتم: " محله الصدق وكان يتشيع " كما
ذكره ابنه في " الجرح والتعديل ".
قلت: ولا أدري إذا كان العقيلي عنى هذا الإسناد أو غيره بقوله عقب حديث ابن
أبي الصهباء: " لا يتابع عليه عن ثابت، وقد روي بغير هذا الإسناد بإسناد
صالح ". ونقل المناوي عن الحافظ العراقي أنه قال: " وطرقه كلها ضعيفة ".
ثم قال المناوي: " وكان ينبغي للمصنف تقويتها بتعددها الذي رقاه إلى رتبة
الحسن ولهذا قال في " المنار ": هو حسن بها. بل قال المنذري: رواه البزار
بإسناد جيد ".
(تنبيه) لقد جرى الجمهور على التفريق بين سلام بن أبي الصهباء هذا، وبين
سلام بن سليمان المزني أبي المنذر الكوفي أصله من البصرة، الذي روى له النسائي
عن ثابت عن أنس مرفوعا " حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعل قرة عيني في
الصلاة. ومنهم ابن أبي حاتم فقال في الأول منهما (2 / 1 / 257) عن أبيه:
" شيخ ". وقال عن الآخر (2 / 1 / 259) : " قال أبي: صدوق صالح الحديث ".(2/261)
وأما ابن عدي فجعلهما واحدا، فإنه لم يترجم للمزني هذا وساق حديثه الذي عند
النسائي في ترجمة ابن أبي الصهباء، وهو أمر محتمل جدا فقد اشتركا في ثلاثة
أشياء، فكل منهما بصري ويكنى بأبي المنذر ويروي عن ثابت ويعد عادة مثل هذا
الاتفاق، في الراويين المختلفين. والله أعلم.
659 - " إنه أعظم للبركة. يعني الطعام الذي ذهب فوره ودخانه ".
أخرجه الدارمي (2 / 100) وابن حبان في " صحيحه " (1344) والحاكم (4 /
118) والبيهقي (7 / 280) عن قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عروة بن
الزبير عن أسماء بنت أبي بكر: " أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا حتى يذهب
فوره ودخانه، ثم تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره
. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم في الشواهد ". ووافقه الذهبي، وهو
كما قالا. وقد تابعه عقيل بن خالد عن ابن شهاب به. أخرجه أحمد (6 / 350)
وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 177) من طريق عبد الله ابن المبارك حدثنا ابن
لهيعة حدثني عقيل به. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث ابن المبارك عن ابن
لهيعة ".
قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات، فإن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه
العبادلة ومنهم ابن المبارك هذا. والحديث قال الهيثمي (5 / 19) : " رواه
أحمد بإسنادين أحدهما منقطع، وفي الآخر ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف،
ورواه الطبراني وفيه قرة بن عبد الرحمن، وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين
وغيره وبقية رجالهما رجال الصحيح ".(2/262)
قلت: وكأنه لم يتنبه أن حديث ابن لهيعة من رواية ابن المبارك عنه. وإلا لما
ضعفه. والله أعلم.
660 - " اقرءوا القرآن، فإنكم تؤجرون عليه أما إني لا أقول: * (ألم) * حرف ولكن
ألف عشر ولام عشر وميم عشر، فتلك ثلاثون ".
أخرجه الخطيب في " التاريخ " (1 / 285) والديلمي (1 / 1 / 13) من طريق
محمد بن أحمد بن الجنيد قال: أنبأنا أبو عاصم عن سفيان عن عطاء بن السائب عن
أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الصحيح غير ابن الجنيد، ترجمه الخطيب وقال:
" وهو شيخ صدوق ". ووثقه غيره. وقد خولف في رفعه، فقال الدارمي في " سننه
" (2 / 429) حدثنا أبو عامر قبيصة أنبأنا سفيان به نحوه إلا أنه أوقفه.
ويرجح الرفع أن الترمذي أخرجه (4 / 53) من طريق محمد بن كعب القرظي فقال:
سمعت عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفا
من كتاب الله فله ... " الحديث نحوه وقال: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وإسناده جيد أيضا وقد خرجته في تعليقي على " الطحاوية " (ص 201 -
الطبعة الرابعة، طبع المكتب الإسلامي) و " المشكاة " (2137) .(2/263)
ثم رأيت
الحافظ ضياء الدين المقدسي قد أخرج الحديث في " جزء فيه أحاديث وحكايات
وأشعار " (9 / 1) من طريق الخطيب به وقال: " عطاء بن السائب ثقة إلا أنه
اختلط في آخر عمره، فإذا روى عنه مثل سفيان وشعبة وحماد بن سلمة، فإنهم
سمعوا منه قبل الاختلاط وحديثهم عنه صحيح، ومحمد بن الجنيد وثقه أحمد بن
إسحاق بن البهلول ".
وأقول: قرن حماد مع سفيان وشعبة فيه عندي نظر، لأنه قد سمع من عطاء بعد
الاختلاط أيضا كما حققه الحافظ في " التهذيب "، فينبغي التوقف عن تصحيح حديثه
عنه، حتى يتبين أنه سمعه منه قبل الاختلاط خلافا لبعض فضلاء المعاصرين وقد
ألحق الحافظ في " نتائج الأفكار " بسفيان وشعبة الأعمش لعلو طبقته وهذه فائدة
لم أجد أحدا نبه عليها غيره، فجزاه الله خيرا.
(تنبيه) في النسخة المطبوعة من " تاريخ الخطيب " بعد قوله " تؤجرون "، زيادة
" وكل حرف عشر حسنات " وضعها الطابع بين المعكوفتين وكأنه أخذها من بعض نسخ
" التاريخ " ولكني لما وجدتها مباينة للسياق، ولم ترد في " الجامع الصغير "
وكذا " الكبير " للسيوطي لم أطمئن لثبوتها فلم استدركها. ثم تأكدت من ذلك حين
رأيت الضياء قد رواه عن الخطيب بدونها، وكذلك هو عند الديلمي.
والحمد لله على توفيقه وأسأله المزيد من فضله.
ثم وجدت لعطاء بن السائب متابعا، فقال ابن نصر في " قيام الليل " (70) حدثنا
يحيى أخبرنا أبو معاوية عن الهجري عن أبي الأحوص به بلفظ أتم منه ونصه:
" إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم وإن هذا القرآن هو
حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع عصمة من تمسك به ونجاة من تبعه لا
يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد،
اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول بـ * (ألم
) * ولكن بألف عشرا وبالام عشرا وبالميم عشرا ".(2/264)
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير الهجري
واسمه إبراهيم بن مسلم وهو لين الحديث. ومن طريقه أخرجه الحاكم (1 / 555)
وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " إبراهيم ضعيف ".
وله متابع آخر أخرجه الحاكم (1 / 566) عن عاصم بن أبي النجود عن أبي الأحوص
به نحو حديث عطاء وقال: " صحيح الإسناد " وأقره الذهبي.
وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (808) موقوفا: أخبرنا شريك عن أبي إسحاق
عن أبي الأحوص به. وشريك سيء الحفظ.
661 - " أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول:
انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى ".
أخرجه ابن ماجه (801) وأحمد (2 / 186) عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي
أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "
المغرب، فرجع من رجع وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا
قد حفزه النفس وقد حسر عن ركبتيه فقال.... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وأبو أيوب، هو المراغي الأزدي البصري.
وقال البوصيري في " الزوائد " (54 / 1) :(2/265)
" هذا إسناد رجاله ثقات ".
وكذا قال المنذري في " الترغيب " (1 / 160) ولكنه أعله بالانقطاع بين أبي
أيوب وابن عمرو ولا وجه له. والله أعلم.
وله طريق أخرى أخرجه أحمد (2 / 208) عن علي بن زيد عن مطرف بن عبد الله بن
الشخير عن عبد الله بن عمرو به. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله
كلهم ثقات غير علي بن زيد وهو ابن جدعان، ففيه ضعف من قبل حفظه.
662 - " ذهب أهل الهجرة بما فيها ".
أخرج الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 252) والحاكم (3 / 316) من طريقين
عن زهير بن معاوية حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي حدثنا مجاشع بن
مسعود قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " بأخي مجالد بعد الفتح،
فقلت: يا رسول الله جئتك بأخي مجالد لتبايعه على الهجرة، فقال: (فذكره) ،
فقلت: فعلى أي شيء تبايعه يا رسول الله؟ قال: أبايعه على الإسلام والإيمان
والجهاد ". والسياق للحاكم وسكت عليه هو والذهبي، وزاد الطحاوي:
" قال: فلقيت معبدا بعد - وكان أكبرهما - فسألته، فقال: صدق مجاشع ".
قلت: وإسناده صحيح.(2/266)
663 - " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله
عز وجل، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله ".
رواه أبو عبد الله القطان في حديثه (56 / 1) : وعنه البيهقي (8 / 330) :
حدثنا حفص بن عمرو الربالي قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: سمعت يحيى بن
سعيد الأنصاري يقول: حدثني عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعد أن رجم الأسلمي قال: فذكره. ورواه العقيلي (203)
من طريق الثقفي ومن طريق آخر عن يحيى بن سعيد به، وزاد في رواية ما بين
المعكوفتين. وسندها حسن، والأصل صحيح.
وأخرجه أبو القاسم الحنائي في " المنتقى من حديث الجصاص وأبي بكر الحنائي "
(160 / 2) وابن سمعون في الأمالي " (2 / 183 / 2) من طرق أخرى عن الريالي
به. وتابعه أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد به، وفيه الزيادة. أخرجه الطحاوي
في " المشكل " (1 / 20) والبيهقي والحاكم(2/267)
(4 / 244) وقال: " صحيح على
شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وقد وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه الديلمي في " مسنده "
(1 / 1 / 40 - مختصره) عن يحيى بن أبي سليمان عن زيد أبي عتاب عنه. وهذا
إسناد لا بأس به في الشواهد، زيد هذا - وهو ابن أبي عتاب وثقه ابن معين.
ويحيى بن أبي سليمان قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ليس بالقوي.
وقال البخاري: منكر الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات ".
664 - " اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله تعالى عليه يبارك لكم فيه ".
أخرجه أبو داود (2 / 139) وابن ماجه (2 / 307) وابن حبان (1345)
والحاكم (2 / 103) وأحمد (3 / 501) من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثني
وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده. " أن رجلا قال: يا رسول الله إنا
نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تأكلون متفرقين؟ اجتمعوا.... " الخ.(2/268)
أورده الحاكم شاهدا ولم يصححه هو ولا الذهبي، وأما الحافظ العراقي فقال في
تخريج الإحياء (2 / 4) . " إسناده حسن ".
قلت: وليس بحسن، فإن وحشي بن حرب بن وحشي قال صالح جزرة: " لا يشتغل به
ولا بأبيه " كما في " الميزان ". وقال في ترجمة أبيه حرب: " ما روى عنه سوى
ابنه وحشي الحمصي ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " مستور " وقال في
أبيه " مقبول ". وفي " فيض القدير ": " ووحشي هذا قال فيه المزني والذهبي
: فيه لين. وقصارى أمر الحديث ما قاله الحافظ العراقي أن إسناده حسن، وقال
ابن حجر: في صحته نظر، فإن وحشي الأعلى هو قاتل حمزة، وثبت أنه لما أسلم
قال له المصطفى: غيب وجهك عني، فيبعد سماعه منه بعد ذلك إلا أن يكون أرسل
وقول ابن عساكر: إن صحابي هذا الحديث غير قاتل حمزة يرده ورود التصريح بأنه
قاتله في عدة طرق للطبراني وغيره ".
أقول: وبالجملة فالإسناد ضعيف لما ذكرناه، وأما ما نظر فيه ابن حجر فلا
طائل تحته فإن غاية ما فيه أن وحشيا أرسله ومرسل الصحابي حجة كما تقرر في
المصطلح على أنه لا تلازم عندي بين قوله عليه السلام: " غيب وجهك عني " وبين
عدم سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
لكن الحديث حسن لغيره لأن له شواهد في معناه فانظر:(2/269)
" إن الله يحب كثرة الأيدي
في الطعام ". و " إن أحب الطعام.... " و " كلوا جميعا ".
ولعله لذلك أقر الحافظ المنذري في " الترغيب " (3 / 121) ابن حبان على
تصحيحه إياه ولم يشر إلى تضعيفه له بتصديره إياه " بقوله: " وروي.... " كما
هي عادته واصطلاحه. والله أعلم.
665 - " عليكم بالإثمد فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر ".
رواه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 412) والطبراني (1 / 12 / 1) :
عن أبي جعفر النفيلي أنبأنا يونس بن راشد عن عون بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن
جده علي بن أبي طالب مرفوعا. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 178)
من طرق عن الفريابي به. وقال: " حديث غريب من حديث ابن الحنفية، لم يروه
عنه إلا ابنه عون، ولا عنه إلا يونس ".
قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات معروفون غير عون هذا فأورده ابن حبان في
" الثقات " (2 / 228) وقال: " يروي عن أبيه عن جده، روى عنه عبد الملك بن
أبي عياش ".
قلت فقد روى عنه يونس بن راشد أيضا وزاد في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 386
) محمد بن موسى، فالسند حسن كما قال " المنذري في " الترغيب " (3 / 115) .
666 - " أكرموا الشعر ".
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 113 - 114)(2/270)
وأبو نعيم في " أخبار أصبهان "
(2 / 214) والديلمي (1 / 1 / 34) من طريق خالد بن إلياس عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وقال ابن عدي: " وهذا يرويه عن هشام بن عروة خالد بن إلياس ".
يعني أنه تفرد به، وهو ضعيف جدا، ومن طريقه أخرجه البزار كما في " المجمع "
للهيثمي وقال (5 / 164) : " وهو متروك ".
وقال الحافظ في " مختصر الديلمي ": " ضعيف ".
قلت: لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه إسماعيل بن عياش، لكنه خالفه في إسناده
فقال: عن هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: " كانت لأبي قتادة
جمة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكرمها. فكان يرجلها غبا ".
أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 265 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(8 / 509 / 1) وكذا الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " وقال:
" رواه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهي ضعيفة، وبقية رجاله ثقات
". لكن الحديث له شواهد كثيرة تدل على صحته، وقد مضى ذكرها تحت الحديث (500
- من كان له شعر فليكرمه) . ومما يشهد له ما أخرجه البيهقي أيضا من طريق أحمد
بن منصور حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجرشي عن أشياخهم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي قتادة: " إن اتخذت (شعرا) فأكرمه ".(2/271)
قال: فكان أبو قتادة - حسبت - يرجله كل يوم مرتين. والجرشي هذا لم أعرفه
وكذا الأشياخ! ثم رواه من طريقين عن محمد بن المنكدر به مرسلا وقال:
" وهو أصح، ووصله ضعيف ".
667 - " الجماعة رحمة والفرقة عذاب ".
أخرجه أحمد (4 / 278) وهو وابنه عبد الله في " الزوائد " (4 / 375)
والقضاعي (3 / 1) عن أبي وكيع الجراح بن مليح عن أبي عبد الرحمن عن الشعبي
عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي أبي عبد الرحمن واسمه القاسم بن
عبد الرحمن كلام لا ينزل حديثه من رتبة الحسن، وكذلك الجراح بن مليح.
والحديث عزاه السيوطي لعبد الله والقضاعي فقط، وهو قصور. واعلم أن الحديث
عند أحمد وابنه قطعة من حديث نصه بتمامه: " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير
، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر،
والجماعة ... ". وقد أورده السيوطي بتمامه من رواية البيهقي فقط في " شعب
الإيمان "! بتقديم جملة " التحدث بنعمة الله شكر ".
668 - " آية الإيمان حب الأنصار وآية المنافق بغض الأنصار ".
أخرجه البخاري (1 / 10 / 4 / 223) ومسلم (1 / 60) والنسائي (2 / 271)(2/272)
والطيالسي (ص 281 رقم 1101) وأحمد (3 / 130 / 134 / 249) من حديث أنس
رضي الله عنه مرفوعا. ولفظه عند مسلم والنسائي على القلب: " حب الأنصار آية
الإيمان، وبغض الأنصار آية النفاق ".
669 - " كان يأخذ الوبرة من قصة من فيء الله عز وجل فيقول: مالي من هذا إلا مثل
ما لأحدكم، إلا الخمس وهو مردود فيكم، فأدوا الخيط والمخيط، فما فوقها
وإياكم الغلول، فإنه عار وشنار على صاحبه يوم القيامة ".
أخرجه أحمد (4 / 127 - 128) حدثنا أبو عاصم حدثنا وهب أبو خالد قال: حدثتني
أم حبيبة بنت العرباض عن أبيها مرفوعا. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، غير
أم حبيبة هذه قال الذهبي: " تفرد عنها وهب أبو خالد ". وفي " التقريب ":
" مقبولة ". وقال الهيثمي (5 / 337) : " رواه أحمد والبزار والطبراني
وفيه أم حبيبة بنت العرباض ولم أجد من وثقها، ولا جرحها، وبقية رجاله
ثقات ".
قلت: وقال الذهبي أيضا: " وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها ".
قلت: وعليه فحديثها حسن، لأن له شاهدا من حديث عبادة بن الصامت بلفظ:
" كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم، فيقول: ما لي فيه إلا مثل ما
لأحدكم منه، إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدوا
الخيط والمخيط، وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله تعالى القريب والبعيد
، في الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، إنه لينجي الله تبارك
وتعالى به من الهم والغم وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا يأخذكم
في الله لومة لائم ".(2/273)
670 - " كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم، فيقول: ما لي فيه إلا مثل ما
لأحدكم منه، إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدوا
الخيط والمخيط، وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله تعالى القريب والبعيد
، في الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، إنه لينجي الله تبارك
وتعالى به من الهم والغم وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا يأخذكم
في الله لومة لائم ".
أخرجه عبد الله بن أحمد (4 / 330) قال: حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي
المفلوج - وكان ثقة - حدثنا عبيدة بن الأسود عن القاسم بن الوليد عن أبي صادق
عن ربيعة بن ناجد عن عبادة بن الصامت مرفوعا. وهذا إسناد رجاله ثقات غير
ربيعة بن ناجد قال في الخلاصة: " روى عنه أبو صادق الأزدى فقط ".
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقال الذهبي في " الميزان ": " لا يكاد
يعرف ". وأما الحافظ فقال في التقريب: " إنه ثقة ". وما أدري عمدته في ذلك
وما أراه إلا وهما منه رحمه الله تعالى. ثم الحديث روى ابن ماجه (2 / 111 -
112) منه قوله: " أقيموا حدود الله " الخ. بإسناد عبد الله بن أحمد. وقال
في " الزوائد ":(2/274)
" هذا إسناد صحيح على شرط ابن حبان، فقد ذكر جميع رواته في
ثقاته ".
قلت: وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تساهل كثير، فإنه يوثق المجاهيل مثل
ربيعة بن ناجد هذا الذي لم يرو عنه غير أبي صادق. ورواه الضياء المقدسي في
" الأحاديث المختارة " (ق 67 / 1) من الوجه المذكور بتمامه.
وأخرجه أحمد (5 / 216 / 226) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 / 428 / 1)
من طريقين آخرين عن المقدام بن معدي كرب عن عبادة ابن الصامت به نحوه.
فالحديث بمجموع طرقه صحيح إن شاء الله تعالى. ثم رأيت ابن أبي حاتم قد أورده
(1 / 453) من طريق أخرى عن عبادة به مثل رواية ابن ماجه وقال: " قال أبي:
هذا حديث حسن إن كان محفوظا ". وأقول: هو بلا شك محفوظ بمجموع هذه الطرق.
671 - " كان بشرا من البشر: يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ".
أخرجه الإمام أحمد (6 / 256) : حدثنا حماد بن خالد قال: حدثنا ليث بن سعد عن
معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة، قال: " سئلت: ما
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت.... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد خالفه عبد الله بن صالح فقال:
حدثني معاوية بن صالح به إلا أنه قال: " عروة " مكان " القاسم ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (541) وعنه الترمذي في " الشمائل "(2/275)
(2 /
185 - طبع المطبعة الأدبية) .
قلت: وعبد الله بن صالح فيه ضعف من قبل حفظه فلا يعتد بمخالفته وخالفه أيضا
عبد الله بن وهب عن معاوية فقال: " عمرة " بدل " القاسم ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2136) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 331) من
طريقين عنه به. وقال أبو نعيم: " روى الليث بن سعد عن معاوية مثله ".
قلت: في روايته " القاسم " بدل " عمرة " كما سبق، فلعل ما ذكره أبو نعيم،
رواية وقعت له عن الليث. ثم قال: " واختلف على يحيى بن سعيد، فرواه يحيى بن
أيوب عن يحيى بن سعيد عن حميد بن قيس عن مجاهد عن عائشة. ورواه ابن جريج عن
يحيى بن سعيد عن مجاهد عن عائشة رضي الله تعالى عنها، من دون حميد ".
قلت: وأصح الروايات عندي رواية الليث وابن وهب لأنهما من الثقات الحفاظ ولم
يترجح عندي أي روايتيهما أصح، اللهم إلا إذا ثبت أن الليث قد رواه مرة مثل
رواية ابن وهب عن عمرة كما ذكر أبو نعيم، فحينئذ فهذه الرواية أصح لاتفاقهما
عليها وعلى كل حال، فهذا الاختلاف لا يخدج في صحة الحديث لأن كلا من القاسم
أو عمرة ثقة، فهو انتقال من ثقة إلى آخر. فالاختلاف في ذلك ليس مما يضر في
صحة الحديث. والله أعلم.
672 - " ولد الزنا شر الثلاثة ".
أخرجه أبو داود (3963) والطحاوي في " المشكل " (1 / 391) والحاكم (2 /
214) والبيهقي (10 / 57، 59) وأحمد (2 / 311)(2/276)
من طرق عن سهيل بن أبي
صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وزاد البيهقي في رواية: " قال سفيان: يعني إذا عمل بعمل أبويه ".
وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
وتابعه عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة به. أخرجه الحاكم وعنه البيهقي
. قلت: وإسناده حسن في المتابعات والشواهد.
وتفسير سفيان المذكور قد روي مرفوعا من حديث عبد الله بن عباس، وعائشة.
أما حديث ابن عباس فيرويه ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولد الزنا شر الثلاثة، إذا عمل بعمل أبويه "
. أخرجه ابن عدي (127 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 92 / 2)
و" الأوسط " (1 / 183 / 2) وقال: " لم يروه عن داود إلا ابن أبي ليلى ".
قلت: واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف لسوء حفظه.(2/277)
وأما
حديث عائشة، فيرويه إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن قيس عنها به. أخرجه هكذا ابن
الأعرابي في " المعجم " (8 / 1 - 2) من طريق إسحاق بن منصور أنبأنا إسرائيل
عنه. وخالفه أسود بن عامر فقال: حدثنا إسرائيل قال: حدثنا إبراهيم ابن
إسحاق عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عنها، به. أخرجه أحمد (6 / 109) .
قلت: وهذا الاضطراب من إبراهيم بن إسحاق، وهو إبراهيم ابن الفضل المخزومي
المترجم في " التهذيب "، وهو متروك كما في " التقريب " وسائر الرواة ثقات.
وهذا التفسير، وإن لم يثبت رفعه، فالأخذ به لا مناص منه، كي لا يتعارض
الحديث مع النصوص القاطعة في الكتاب والسنة أن الإنسان لا يؤاخذ بجرم غيره.
وراجع لهذا المعنى الحديث (1287) من الكتاب الآخر.
وقد روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها على وجه آخر، لو صح إسناده لكان قاطعا
للإشكال، ورافعا للنزاع، وهو ما روى سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن الزهري
عن عروة قال: " بلغ عائشة رضي الله عنها أن أبا هريرة يقول: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ولد الزنا شر الثلاثة. فقالت: (يرحم الله أبا هريرة)
أساء سمعا، فأساء إجابة لم يكن الحديث على هذا إنما كان رجل (من المنافقين)
يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يعذرني من فلان؟ قيل يا رسول
الله إنه مع ما به ولد زنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" هو شر الثلاثة " والله عز وجل يقول: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ".(2/278)
أخرجه الطحاوي والحاكم وعنه البيهقي وضعفه بقوله: " سلمة بن الفضل الأبرش
يروي مناكير ".
قلت: وقال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". وفيه علة أخرى وهي عنعنة ابن
إسحاق فإنه مدلس، ومع ذلك فقد قال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ".!
ورده الذهبي بقوله: " كذا قال، وسلمة لم يحتج به (م) وقد وثق، وضعفه
ابن راهويه ".
قلت: وكذلك ابن إسحاق لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة على أنه مدلس
وقد عنعنه. قال الإمام الطحاوي عقبه: " فبان لنا بحديث عائشة رضي الله عنها أن
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره عنه أبو هريرة: " ولد الزنا شر
الثلاثة " إنما كان لإنسان بعينه كان منه من الأذى لرسول الله صلى الله عليه
وسلم ما كان منه مما صار به كافرا شرا من أمه، ومن الزاني الذي كان حملها به
منه. والله تعالى نسأله التوفيق.
قلت: ولكن في إسناد حديثها ما علمت من الضعف وذلك يمنع من تفسير الحديث به.
فالأولى تفسيره بقول سفيان المؤيد بحديثين مرفوعين، ولو كانا ضعيفين إلا أن
يبدو لأحد ما هو أقوى منه، فيصار حينئذ إليه. ويبدو من كلام ابن القيم رحمه
الله في رسالته " المنار "، أنه جنح إلى هذا التفسير، لأن مؤداه إلى أن
الحديث ليس على عمومه، فقد ذكر حديث " لا يدخل الجنة ولد زنا "، وحكى قول
ابن الجوزي أنه معارض لآية * (ولا تزر وازرة ... ) *(2/279)
فقال: " قلت: ليس معارضا
لها إن صح، فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه، بل إن النطفة الخبيثة لا يتخلق
منها طيب في الغالب، ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإن كانت في هذا الجنس
طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص.
وقد ورد في ذمه " أنه شر الثلاثة "، وهو حديث حسن، ومعناه صحيح بهذا
الاعتبار، فإن شر الأبوين عارض وهذا نطفته خبيثة وشره من أصله وشر الأبوين
من فعلهما ".
673 - " لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا ولد زنية ".
أخرجه الدارمي (2 / 112) وكذا النسائي (2 / 332) والبخاري في " التاريخ
الصغير " (124) وعبد الرزاق في " المصنف " (2 / 205) وابن خزيمة في
" التوحيد " (ص 236) وابن حبان (1382، 1383) والطحاوي في " المشكل "
(1 / 395) وأحمد (2 / 201، 203) من طريق سالم بن أبي الجعد عن جابان عن
عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وليس للبخاري منه إلا
الزيادة وقال:(2/280)
" لا يعلم لجابان سماع من عبد الله، ولا لسالم سماع من جابان
ويروى عن علي بن زيد عن عيسى بن حطان عن عبد الله بن عمرو رفعه في أولاد الزنا
ولا يصح ". وقال ابن خزيمة: " ليس هذا الخبر من شرطنا لأن جابان مجهول ".
ورواه محمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 15 / 1) من طريق
عبد الله بن مرة عن جابان عن عبد الله بن عمرو به.
قلت: وعلة هذا الإسناد، جابان هذا، فإنه لا يدرى من هو كما قال الذهبي،
وإن وثقه ابن حبان على قاعدته. والزيادة التي في آخره منكرة لأنها بظاهرها
تخالف النصوص القاطعة بأن أحدا لا يحمل وزر أحد وأنه لا يجني أحد على أحد وفي
ذلك غير الآية أحاديث كثيرة، خرجتها في " الإرواء " (2362) ولذلك أنكرتها
السيدة عائشة رضي الله عنها فقد روى عبد الرزاق عنها أنها كانت تعيب ذلك وتقول
: " ما عليه من وزر أبويه، قال الله تعالى * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ".
وإسناده صحيح. وقد رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 183 - 184) عنها
مرفوعا. وفي إسناده من لم أعرفه. وكذا قال الهيثمي (6 / 257) . وقال
البيهقي (10 / 58) عقب الموقوف: " رفعه بعض الضعفاء، والصحيح موقوف ".
ومن هذا تعلم أن قول السخاوي فيما نقله ابن عراق عنه (2 / 228) : " أخرجه
الطبراني من حديث عائشة، وسنده جيد ". فهو غير جيد.(2/281)
وقد وجدت للحديث شواهد يتقوى بها، فقال الطحاوي (1 / 395) : حدثنا أبو أمية
حدثنا محمد بن سابق حدثنا إسرائيل (في الأصل: أبو إسرائيل) عن منصور عن أبي
الحجاج عن مولى لأبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بتمامه.
قلت: وهذا شاهد قوي رجاله كلهم ثقات غير مولى أبي قتادة، فلم أعرفه لكنه إن
كان صحابيا، فلا تضر الجهالة به لأن الصحابة كلهم عدول كما هو معلوم ومن
المحتمل أن يكون منهم لأن الراوي عنه أبا الحجاج هو مجاهد بن جبر التابعي
المشهور. وقد ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 31) من طريق عبيد بن
إسحاق عن مسكين بن دينار التيمي عن مجاهد: حدثني زيد الجرشي قال: سمعت النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وقال: " قال أبي: هذا حديث منكر ".
قلت: وعلته عبيد هذا وهو العطار ضعفه الجمهور. وقد اختلف على مجاهد في
إسناده هذا الحديث اختلافا كبيرا، استوعب أبو نعيم في " الحلية " (3 / 307 -
309) طرقه. وقد جاء الحديث في بعضها بتمامه منها طريق عبيد هذه وغيرها
وبعضها في " المسند " (3 / 28، 44) ولم يرد في بعضها الآخر إلا الزيادة
التي في آخره وقد أخرجها الطحاوي (1 / 393 - 394) . وقد رويت هذه الزيادة
من حديث أبي هريرة ولكنها غير محفوظة عنه كما بينته في الكتاب الآخر (1462)
. وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق والشواهد لا ينزل عن درجة الحسن.(2/282)
والله
أعلم. وقوله " لا يدخل الجنة ولد زنية "، ليس على ظاهره بل المراد به من
تحقق بالزنا حتى صار غالبا عليه، فاستحق بذلك أن يكون منسوبا إليه، فيقال:
هو ابن له، كما ينسب المتحققون بالدنيا إليها، فيقال لهم: بنو الدنيا بعلمهم
وتحققهم بها، وكما قيل للمسافر ابن السبيل، فمثل ذلك ولد زنية وابن زنية،
قيل لمن تحقق بالزنا، حتى صار تحققه منسوبا إليه، وصار الزنا غالبا عليه،
فهو المراد بقوله " لا يدخل الجنة " ولم يرد به المولود من الزنا ولم يكن هو
من ذوي الزنا، لما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله. وهذا المعنى استفدته من
كلام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله وشرحه لهذا الحديث. والله أعلم.
ثم وجدت للحديث شاهدا آخر دون الزيادة، ولفظه: " لا يلج حائط القدس: مدمن
خمر ولا العاق لوالديه ولا المنان عطاءه ". أخرجه أحمد (3 / 226) قال:
حدثنا هشيم حدثنا محمد بن عبد الله العمي عن علي بن زيد عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف. ومحمد بن عبد الله العمي أورده
السمعاني في " الأنساب " من روايته عن ثابت البناني، ورواية أبي النضر وغيره
عنه، فهو مستور.
وبالجملة فهو شاهد لا بأس به. ويقويه ما أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد "
(ص 237) من طريقين عن خالد بن الحارث قال: حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن
نافع عن عروة بن مسعود عن عبد الله بن عمرو أنه قال: " لا يدخل حظيرة القدس
سكير ولا عاق ولا منان ".(2/283)
وإسناده صحيح، وهو موقوف في حكم المرفوع، فهو
شاهد قوي لحديث أنس هذا. ومما يشهد له الحديث الآتي:
" ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة
المترجلة والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والمدمن الخمر
والمنان بما أعطى ".
674 - " ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة
المترجلة والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والمدمن الخمر
والمنان بما أعطى ".
أخرجه النسائي (1 / 357) وأحمد (2 / 134) وابن خزيمة في " التوحيد "
(235) وابن حبان (56) عن عمر بن محمد يعني ابن زيد ابن عبد الله بن عمر
بن الخطاب عن عبد الله بن يسار مولى ابن عمر قال: أشهد لسمعت سالما يقول: قال
عبد الله رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وسياق المتن للنسائي.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن يسار وقد
روى عنه جماعة من الثقات ووثقه ابن حبان، فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى،
ثم رواه أحمد (2 / 69، 128) عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع عمن حدثه عن
سالم بن عبد الله به مختصرا بلفظ: " ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن
الخمر والعاق والديوث الذي يقر في أهله الخبث ". وقطن هذا ثقة من رجال مسلم
، لكن شيخه لم يسم فهو مجهول.(2/284)
675 - " لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر ".
أخرجه أحمد (6 / 441) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 32 / 2) :
حدثنا أبو جعفر السويدي قال: حدثنا أبو الربيع: سليمان بن عتبة الدمشقي قال:
سمعت يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عائذ الله عن أبي الدرداء عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. وروى منه ابن ماجه (3376) القضية الوسطى منه
من طريق أخرى عن سليمان بن عتبة به. قال البوصيري في " الزوائد ": " إسناده
حسن، وسليمان بن عتبة مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات ".
قلت: وهو كما قال.
676 - " كفاك الحية ضربة بالسوط أصبتها أم أخطأتها ".
أخرجه أبو العباس الأصم في " حديثه " (رقم 150 - نسختي) والدارقطني في
" الأفراد " (ج 3 رقم 48 نسختي) من طريق إسماعيل بن مسلمة بن قعنب حدثنا حميد
بن الأسود عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " حديث غريب من حديث محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة، تفرد به أبو الأسود حميد بن الأسود عنه، ولا نعلم حدث به
غير إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عنه ".(2/285)
قلت: وإسماعيل هذا صدوق كما قال أبو حاتم وهو أخو الإمام عبد الله بن مسلمة
. وقال الذهبي: " ما علمت به بأسا إلا أنه ليس في الثقة كأخيه ".
قلت: ثم ذكر له حديثا أخطأ في رفعه، وذلك مما لا يخدج فيه لأن الخطأ لا يسلم
منه بشر، وقد وثقه ابن حبان والحاكم، فالحديث حسن الإسناد، فإن من فوقه من
الثقات المعروفين على خلاف مشهور في محمد بن عمرو لا يضره ولا يمنع من
الاحتجاج بحديثه.
والحديث أخرجه البيهقي في " السنن " (2 / 266) من هذا الوجه، وقال:
" وهذا إن صح، فإنما أراد - والله أعلم - وقوع الكفاية بها في الإتيان
بالمأمور، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتلها، وأراد - والله أعلم - إذا
امتنعت بنفسها عند الخطأ ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ".
والحديث لم يتكلم عليه المناوي بشيء، فكأنه لم يقف على سنده.(2/286)
677 - " مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن ".
أخرجه أحمد (1 / 272) : حدثنا أسود بن عامر حدثنا الحسن يعني ابن صالح عن
محمد بن المنكدر قال: حدثت عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. ورواه عبد بن حميد في " المنتخب " (80 / 1) والخلعي في
" الفوائد " (105 / 1) عن الحسن بن صالح به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير شيخ ابن المنكدر فهو مجهول لم يسم
وقد جاء مسمى في بعض الطرق، فأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1379) وعنه
الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (154 / 1) وابن عدي في " الكامل "
(220 / 1) عن عبد الله بن خراش حدثنا العوام بن حوشب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس به نحوه. وقال ابن عدي: " عبد الله بن خراش منكر الحديث ".
قلت: ولم يتفرد به، فقد رواه إسرائيل: أنبأنا حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير
به. أخرجه ابن أبي حاتم (2 / 26) والسلفي في " الطيوريات " (198 / 1)
وكذا أبو نعيم في " الحلية " (9 / 253) من طرق عن إسرائيل به.
قال ابن أبي حاتم: " ورواه أحمد بن يونس فقال: عن إسرائيل عن ثوير عن سعيد
ابن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبي: حديث حكيم عندي
أصح. قلت لأبي: فحكيم بن جبير أحب إليك أو ثوير؟ فقال: ما فيهما إلا ضعيف
غال في التشيع. قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: هما متقاربان ".
وقد أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 161 / 2) وابن بشران في " الأمالي "
(25 / 87 / 2) عن ثوير بن أبي فاختة به.(2/287)
ثم روى ابن أبي حاتم عن أبي زرعة
أنه رجح أيضا حديث حكيم.
قلت: وهو ضعيف كما في " التقريب "، وكذلك ثوير. ثم قال ابن أبي حاتم (2 /
37) : " سألت أبي عن حديث رواه المؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن محمد بن المنكدر
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
سمعت أبي يقول: هذا خطأ، إنما هو كما رواه حسن بن صالح عن محمد بن المنكدر
قال: حدثت عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
قلت: وقد أخرجه من حديث ابن عمرو أبو الحسن الحربي في " الفوائد المنتقاة "
(3 / 155 / 2) من طريق المؤمل به. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا
مختصرا بلفظ: " مدمن الخمر كعابد وثن ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير "
(1 / 1 / 386) وابن ماجه (3375) وأبو بكر الملحمي في " مجلسين من الأمالي
" (1 / 2) وأبو الحسين الآبنوسي في " الفوائد " (3 / 2) والواحدي في
" الوسيط " (1 / 255) والضياء المقدسي في " المنتقى من الأحاديث الصحاح
والحسان " (278 / 2) من طرق عن محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن سهيل بن أبي
صالح عن أبيه عن أبي هريرة. وقال الآبنوسي: " قال الدارقطني: تفرد به محمد
بن سليمان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ".
قلت: وفي رواية للبخاري عن سليمان عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن عبد الله
عن أبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره وقال: " ولا يصح حديث أبي
هريرة في هذا ".
قلت: وأكثر الرواة عن محمد بن سليمان أوصلوه، وهو الأرجح عندي.(2/288)
ومحمد بن سليمان قال الذهبي في " الضعفاء ": " صدوق، قال أبو حاتم: لا يحتج
به ". وقال الحافظ في " التقريب ". " صدوق يخطىء ".
قلت: فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. والله أعلم.
(فائدة) : ذكر الضياء عن ابن حبان أنه قال: " يشبه أن يكون معنى الخبر: من
لقي الله مدمن خمر مستحلا لشربه لقيه كعابد وثن، لاستوائهما في حالة الكفر ".
678 - " لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا مؤمن بسحر ولا قاطع رحم ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1381) من طريق أبي حريز عن أبي بردة عن أبي
موسى الأشعري قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: ورجال إسناده ثقات غير أبي حريز، ففيه ضعف، وقد صحح هذا الحديث
الحاكم والذهبي، وبينت خطأهما في ذلك في الكتاب الآخر (1463) ، وذكرت له
هناك شاهدا من حديث أبي سعيد الخدري، فالحديث بمجموع الطريقين حسن. والله
أعلم.
679 - " تكون النسم طيرا تعلق بالشجر، حتى إذا كانوا يوم القيامة دخلت كل نفس في
جسدها ".
أخرجه أحمد (6 / 424 - 425) والطبراني في " الكبير " كما في " الحاوي "
(2 / 361) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 77) من طريق ابن لهيعة:
حدثنا أبو الأسود(2/289)
محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أنه سمع درة بنت معاذ تحدث عن
أم هانىء: " أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتزاور إذا متنا
ويرى بعضنا بعضا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ، فقول السيوطي:
" أخرجه أحمد والطبراني في " الكبير " بسند حسن " غير حسن، إلا إن كان يعني
أنه حسن لغيره، فنعم. ودرة بنت معاذ، قال الحافظ في " التعجيل ": " قلت:
هي معدودة في " الصحابة "، روى عنها أيضا ابن المنكدر، وزيد بن أسلم ".
قلت: ومع ذلك فلم يوردها في " الإصابة "! وكذا ابن عبد البر، لم يذكرها في
" الاستيعاب ". والله أعلم. وللحديث شاهد قوي من حديث كعب بن مالك مرفوعا
به نحوه. أخرجه مالك وغيره بسند صحيح، وسيأتي برقم (995) .
680 - " سيصيب أمتي داء الأمم، فقالوا: يا رسول الله وما داء الأمم؟ قال: الأشر
والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ".
أخرجه الحاكم (4 / 168) من طريق أبي هانىء حميد بن هانىء الخولاني حدثني أبو
سعيد الغفاري أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.(2/290)
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي
. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير أبي سعيد هذا، أورده الحافظ في " التعجيل
" عن الهيثمي، وقال: " ذكره ابن حبان في " الثقات ". فأفاد الحافظ " أنه في
نسخة " الثقات " بخط الحافظ أبي علي البكري (أبو سعد) بسكون العين وقال:
مولى بني غفار. وكذا هو في " الكنى " لأبي أحمد. ثم وجدته في " تاريخ ابن
يونس " فقال: مولى بني غفار. روى عنه أبو هانىء وخلاد بن سليمان الحضرمي،
فأفاد عنه راويا آخر ".
قلت: وكذلك أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 379 / 1) ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وشذ الدولابي فأورده في فصل المعروفين بالكنى من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتابه " الكنى " (1 / 33) فقال:
" وأبو سعيد الغفاري ". ولم يزد! وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 /
340) : " سألت أبي عن حديث ... ابن وهب عن أبي هانىء حميد بن هانىء الخولاني
عن أبي سعيد الغفاري ... (فذكره) فقال أبي: إنما هو أبو سعيد الغفاري. ثم
ذكرته لعلي بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا أحمد بن صالح عن ابن وهب، فقال:
أبو سعيد الغفاري ".
قلت: كذا في المواضع الثلاثة " سعيد "، ولا يستقيم المعنى به، فلعل الصواب
في الأخيرين منها " سعد ". والله أعلم.(2/291)
وقال المناوي في " الفيض ": " ورواه أيضا الطبراني. قال الهيثمي: وفيه
أبو سعيد الغفاري، لم يرو عنه غير حميد بن هانىء، ورجاله وثقوا، ورواه عنه
ابن أبي الدنيا في " ذم الحسد " قال الحافظ العراقي: وسنده جيد ".
قلت: قد روى عنه خلاد بن سليمان أيضا كما تقدم، فقد ارتفعت عنه جهالة العين،
ثم هو تابعي، فمثله يحسن حديثه جماعة من الحفاظ، فلا جرم جود إسناده الحافظ
العراقي، وهو الذي انشرح له صدري، واطمأنت إليه نفسي، فالحديث علم من
أعلام نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
681 - " عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ".
أخرجه أبو داود (2571) والحاكم (2 / 114) وعنه البيهقي (5 / 256) من
طريق خالد بن يزيد حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع ابن أنس قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره. ذكره الحاكم شاهدا للطريق الآتية وقال: " إن
سلم من خالد بن يزيد العمري ". وأقره الذهبي.
قلت: كذا وقع عنده " العمري "، ولم يقع ذلك عند أبي داود وما أراه محفوظا
فإن العمري لم يخرج له أبو داود ولا غيره من الستة شيئا وهو متهم بالكذب
وإنما هو خالد بن يزيد الأزدي العتكي ويقال الهدادي وهو صدوق يهم كما في
" التقريب ". وأبو جعفر الرازي ضعيف لسوء حفظه.(2/292)
لكن الحديث له طريق أخرى يتقوى بها، يرويه قبيصة بن عقبة حدثنا الليث بن سعد
عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (9 /
250) والحاكم (1 / 445) من طريق محمد بن أسلم العابد حدثنا قبيصة بن عقبة
به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي.
قلت: محمد بن أسلم لم يخرجا له، لكن تابعه عند الحاكم رويم ابن يزيد، وهو
ثقة كما قال الخطيب (8 / 429) وكذلك محمد بن أسلم، فقد وثقه أبو حاتم وأبو
زرعة كما في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 201) فالسند صحيح وإن كان بعضهم
أعله بالإرسال، فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 254) : " سمعت أحمد بن
سلمة النيسابوري يقول: ذاكرت أبا زرعة بحديث رواه قبيصة بن عقبة عن الليث عن
عقيل عن الزهري عن أنس قال.. (فذكره) فقال: أعرفه من حديث رويم بن يزيد عن
الليث هكذا، فمن رواه عن قبيصة؟ فقلت: حدثني محمد بن أسلم عن قبيصة هكذا.
فقال: محمد بن أسلم ثقة، فذاكرت به مسلم بن الحجاج، فقال: أخرج إلي عبد
الملك بن شعيب كتاب جده فرأيت في كتاب الليث على ما رواه قتيبة، قال أبو الفضل
: حدثنا قتيبة عن عقيل عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عليكم بالدلجة. الحديث ".
قلت: فقد أعله مسلم بالارسال، وتابعه الدارقطني فقال: " المحفوظ عن ليث
مرسل ". رواه الخطيب عنه. لكن اتفاق قبيصة ورويم على وصله عن الليث، لا
يجعلنا نطمئن لهذا الإعلال، لأنهما ثقتان، وزيادة الثقة مقبولة. والله
تعالى أعلم،(2/293)
لاسيما وقد رواه رويم في آخر حديث له مصرحا بتحديث الزهري عن أنس
بلفظ: " إذا أخصبت الأرض فانزلوا عن ظهركم وأعطوا حقه من الكلأ وإذا أجدبت
الأرض فامضوا عليها وعليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ".
682 - " إذا أخصبت الأرض فانزلوا عن ظهركم وأعطوا حقه من الكلأ وإذا أجدبت الأرض
فامضوا عليها وعليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ".
أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 31) والخطيب (8 / 429) والبيهقي
(5 / 256) من طريقين عن رويم بن يزيد حدثني الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب
أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير رويم هذا وهو ثقة كما تقدم
في الحديث السابق. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 257) : " رواه
الطبراني ورجاله ثقات ". وقال في مكان آخر (3 / 213) : " رواه أبو يعلى
وفيه حميد بن الربيع وثقه أحمد والدارقطني وضعفه جماعة، ورواه البزار
ورجاله رجال الصحيح خلا رويم المعولي وهو ثقة ".
قلت: حميد بن الربيع عند أبي يعلى في " مسنده " (913) إنما هو متابع لغيره،
فلا يضره الضعف الذي فيه. وللحديث شواهد كثيرة، منها عن عبد الله بن مغفل
مرفوعا نحوه. قال الهيثمي (3 / 313) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات ".
ومنها عن خالد بن معدان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد في
أوله:(2/294)
" إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف،
فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فنزلوها منازلها، فإن أجدبت الأرض ... " الحديث.
" رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ". ومنها عن الحسن عن جابر مرفوعا نحوه
وفيه زيادة: " وإذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان ". وفيه انقطاع ولذلك
مع عدم وجود الشاهد المعتبر له أوردته في الكتاب الآخر (1140) .
683 - " يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها الا العوافي (يريد عوافي السباع
والطير) ، وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما،
فيجدانها وحشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما ".
أخرجه البخاري (4 / 72 - فتح) ومسلم (4 / 123) وأحمد (2 / 234) من طرق
عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرج الحاكم (4 / 565)
الشطر الثاني منه، واستدركه على الشيخين ووافقه الذهبي، فلم يصيبا.
684 - " آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت ".
أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " من حديث أبي مسعود البدري. قال(2/295)
المناوي
في " فيض القدير ": وإسناده ضعيف لضعف فتح المصري، لكن يشهد له ما رواه
البيهقي في " الشعب " عن أبي مسعود المذكور بلفظ: " إن آخر ما بقي من النبوة
الأولى ... " والباقي سواء، بل رواه البخاري عن أبي مسعود بلفظ:
" إن مما أدرك الناس ... " إلى آخر ما هنا.
قلت: أخرجه في " الأنبياء " (2 / 379) وفي " الأدب " (4 / 140) و " الأدب
المفرد " (597، 1316) وكذا أبو داود (4797) وابن ماجه (4183) من طريق
منصور قال: سمعت ربعي بن حراش يحدث عن أبي مسعود به.
وخالفه في إسناده أبو مالك الأشجعي فقال: حدثني ربعي بن حراش عن حذيفة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ: " إن آخر ما تعلق به أهل
الجاهلية من كلام النبوة إذا لم ... ". أخرجه أحمد (5 / 405) : حدثنا يزيد
بن هارون أنبأنا أبو مالك به. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 371)
والخطيب في " التاريخ " (12 / 135 - 136) من طرق أخرى عن يزيد بن هارون به
وزاد أحمد والخطيب في أوله: " المعروف كله صدقة، وإن ... ".
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وأبو مالك اسمه سعد بن طارق ولا يعل برواية
منصور المتقدمة لأنه - كما قال الحافظ في " الفتح " (6 / 280) : ليس ببعيد
أن يكون ربعي سمعه من أبي مسعود ومن حذيفة جميعا، يعني فحدث به عن هذا تارة
وعن هذا تارة ومثل هذا الجمع لابد منه، لأن توهيم الثقة لا يجوز بغير حجه
كما هو(2/296)
معروف في علم المصطلح. وعلى هذا فحديث حذيفة شاهد قوي لرواية ابن
عساكر هذه وبالله التوفيق. ثم رأيت الحديث عند الأخميمي في " حديثه عن شيوخه
" (2 / 2 / 1) : حدثنا محمد (يعني ابن عبد الله بن سعيد المهراني) حدثنا
محمد بن بشار، حدثنا يحيى ابن سعيد عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش به
مرفوعا بلفظ: " آخر ما تعلق به الناس من كلام النبوة ... " الحديث. وهذا
رجاله ثقات رجال الشيخين غير المهراني هذا فلم أجد له ترجمة. لكن أخرجه أبو
نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 78) من طريق الحسن بن عبيد الله عن ربعي بن
حراش به نحوه. فهذه متابعات قوية لأبي مالك الأشجعي تدل على أنه قد حفظ.(2/297)
685 - " آمركم بثلاث وأنهاكم عن ثلاث، آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا
وتعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وتطيعوا لمن ولاه الله عليكم أمركم.
وأنهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ".
أخرجه ابن حبان (1543) من طريق عمرو بن الحارث أن بكيرا حدثه أن سهيل بن
ذكوان حدثه أن أباه حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه (5 / 130) وكذا أحمد (2 /
327، 360، 367) من طرق أخرى عن سهيل به نحوه. والحديث عزاه في " الجامع
الكبير " (1 / 3 / 2) لأبي نعيم أيضا في " الحلية "، ولم أره في فهرسها.
والله أعلم،(2/298)
ولم يذكره في " الجامع الصغير " من نسخة المناوي، وأورده في
" الفتح الكبير " من رواية " الحلية " فقط! دون قوله في أوله " آمركم بثلاث
وأنهاكم عن ثلاث "، ولم يرمز له بحرف (ز) إشارة إلى أنه من " زوائد الجامع
الصغير "، فلعله سقط من الطابع. والله أعلم.
686 - " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء ".
روي من حديث سهل بن سعد وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس
وجماعة من الصحابة والحسن وعمرو بن مرة مرسلا.
1 - أما حديث سهل، فيرويه عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه الترمذي (2 / 52) وابن عدي
(249 / 1) وأبو نعيم (3 / 253) والعقيلي في " الضعفاء " (250) وقال:
" عبد الحميد بن سليمان أخو فليح، قال ابن معين: ليس بشيء وتابعه زكريا بن
منظور وهو دونه ".
قلت: وهما ضعيفان كما في " التقريب ". فقول الترمذي عقبه: " حديث صحيح غريب
من هذا الوجه " مما لا وجه له لأن عبد الحميد هذا لم يوثقه أحد بل هو شبه متفق
على تضعيفه. نعم لو أنه صححه أو على الأقل حسنه للمتابعة التي أشار إليها
العقيلي، والشواهد الآتي بيانها لكان صوابا.(2/299)
والمتابعة المذكورة أخرجها ابن ماجه (4110) من طرق عن أبي يحيى زكريا بن
منظور حدثنا أبو حازم به. وزكريا هذا لم يتهم بالكذب، فيمكن الاستشهاد به،
لاسيما وقد وثقه بعضهم وقال ابن عدي: يكتب حديثه.
2 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه محمد بن عمار عن صالح مولى التوأمة عنه.
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (306 / 2) . وصالح هذا ضعيف لاختلاطه، فهو غير
متهم.
3 - وأما حديث ابن عمر، فيرويه أبو مصعب عن مالك عن نافع عنه مرفوعا.
أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (116 / 1) .
4 - وأما حديث ابن عباس، فيرويه الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عنه به.
أخرجه أبو نعيم (3 / 304، 8 / 290) وقال: " غريب من حديث الحكم، لم نكتبه
إلا من حديث الحسن عنه ".
قلت: والحسن هذا متروك شديد الضعف فلا يستشهد به.
6 - وأما حديث الجماعة من الصحابة، فيرويه ابن المبارك في " الزهد " (178 /
2 كواكب 575) : أنبأنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني عثمان ابن عبيد الله بن
(أبي) رافع أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثوه مرفوعا به.(2/300)
وهذا إسناد رجاله ثقات غير عثمان هذا فأورده ابن أبي حاتم (3 / 1 / 156) من
رواية ابن أبي ذئب فقط عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر أنه مولى
سعيد بن العاص المديني، وعليه يكون الحديث من رواية ابن عياش عن أهل المدينة
وهي ضعيفة، لكن يستشهد بها.
7 - وأما رواية الحسن، فقال ابن المبارك أيضا: أنبأنا حريث ابن السائب
الأسدي قال: حدثنا الحسن مرفوعا به.
وهذا مرسل لا بأس به في الشواهد، الحريث هذا قال الحافظ: " صدوق يخطىء ".
8 - وأما حديث عمرو بن مرة فقال السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 3 / 1) :
" رواه هناد عنه مرسلا ".
وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب. والله أعلم.
687 - " ائت حرثك أنى شئت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه
ولا تضرب ".
أخرجه أبو داود (1 / 334) وأحمد (5 / 3، 5) عن بهز بن حكيم حدثني أبي
عن جدي قال: " قلت: يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر؟ قال ... "
فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في بهز بن حكيم، وهو صدوق كما(2/301)
في
" التقريب ". وأما أبوه حكيم وهو ابن معاوية بن حيدة فروى عنه جمع من الثقات
ووثقه ابن حبان (1 / 24) .
688 - " أالفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبا حتى لا يزيغ قلب
أحدكم إزاغة إلا هيه، وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها
سواء ".
أخرجه ابن ماجه (رقم 5) حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا محمد بن عيسى بن
سميع حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير
بن نفير عن أبي الدرداء قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال (فذكره) قال أبو الدرداء: صدق - والله -
رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا - والله - على مثل البيضاء ليلها ونهارها
سواء ".
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات وفي هشام بن عمار وإبراهيم الأفطس
كلام لا ينزل الحديث عما ذكرنا وقد بيض له البوصيري في " زوائد ابن ماجه "
(1 / 2) .(2/302)
689 - " أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة ".
أخرجه محمد بن حمزة الفقيه في " أحاديثه " (ق 215 / 2) والواحدي في " الوسيط
" (1 / 180 / 2) والضياء في " المختارة " (127 / 1) من طريقين عن سويد بن
نصر حدثنا ابن المبارك عن سليمان التيمي (زاد الأولان: عن حميد) عن أنس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح وسليمان التيمي سمع من أنس، فهو متصل سواء ثبتت
الزيادة أو لم تثبت ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
والحديث عزاه في " الجامعين " للطبراني أيضا في " المعجم الكبير "، ولم أره
في ترجمة أنس منه، فالله أعلم وفي " الفيض ": " قال في " الفردوس ": صحيح.
ورواه جمع عن عقبة بن مالك الليثي، وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
سرية، فأغاروا على قوم، فشذ رجل منهم فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه فقال:
إني مسلم، فقتله، فنهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قولا شديدا، ثم
ذكره ".
قلت: حديث عقبة أخرجه النسائي في " السير " (1 / 39 / 1) وأحمد (4 / 110،
5 / 288 - 289) من طريق حميد بن هلال عن بشر بن عاصم عنه ولفظه: " إن الله
عز وجل أبي على من قتل مؤمنا، قالها ثلاث مرات ". ورجاله ثقات غير بشر هذا
وهو الليثي، أورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 360) ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا. وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " (7 / 48 - 49) والحاكم (1 / 18 -
19) من هذا الوجه إلا أنهما قالا: " نصر بن عاصم الليثي " وقال الحاكم:(2/303)
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا إن كان قوله " نصر " محفوظا. والله أعلم.
690 - " أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر ".
أخرجه أحمد (6 / 47) والحسن بن عرفة في " جزئه " (2 / 2) ومن طريقه ابن
بلبان في " تحفة الصديق، في فضائل أبي بكر الصديق " (50 / 1) من طريق عبد
الرحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: " لما ثقل رسول
الله صلى الله عليه وسلم، قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى
أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال ... ".
فذكره. وقال ابن بلبان: " تفرد به ابن أبي مليكة أبو محمد ويقال له: أبو
بكر القرشي ".
قلت: وهو ضعيف لكنه لم يتفرد به، فقال أحمد (6 / 106) : حدثنا مؤمل قال:
حدثنا نافع يعني ابن عمر حدثنا ابن أبي مليكة به نحوه. وهذا إسناد جيد في
المتابعات، نافع هذا ثقة ثبت ومؤمل هو ابن إسماعيل وهو صدوق سيء الحفظ كما
في " التقريب ". وله طريق أخرى من رواية عروة عن عائشة قالت: قال لي رسول
الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: " ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا
فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا
أبا بكر ". أخرجه مسلم (7 / 110) وأحمد (6 / 144) .
وله طريق ثالث يرويه القاسم بن محمد عنها نحوه ولفظه: " لقد هممت أو أردت أن
أرسل إلى أبي بكر وابنه، وأعهده أن يقول القائلون أو(2/304)
يتمنى المتمنون، ثم
قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون ". أخرجه
البخاري (4 / 46 - 47، 405 - 406) .
طريق رابع. يرويه عبيد الله بن عبد الله عنها قالت: " لما مرض رسول الله صلى
الله عليه وسلم في بيت ميمونة ... فقال - وهو في بيت ميمونة لعبد الله بن زمعة
: مر الناس فليصلوا، فلقي عمر بن الخطاب فقال: يا عمر صل بالناس. فصلى بهم،
فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فعرفه وكان جهير الصوت، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أليس هذا صوت عمر؟ قالوا بلى، قال: يأبى الله
عز وجل ذلك والمؤمنون، مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت عائشة: يا رسول
الله إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمعه ... " الحديث. أخرجه أحمد (6 / 34)
من طريق معمر عن الزهري عنه. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
وخالفه عبد الرحمن بن إسحاق فقال: عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر. أخرجه أبو داود (4661) . فجعله
من مسند ابن زمعة ولعله الصواب فقد قال ابن إسحاق: حدثني الزهري حدثني عبد
الملك بن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن
زمعة قال: فذكر نحوه وزاد بعد قوله: " يأبى الله ذلك والمسلمون ":
" فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس ".
أخرجه أبو داود (4660) والسياق له وأحمد (4 / 322) . وهذا سند جيد.(2/305)
691 - " إن اليهود قوم حسد وإنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى
(آمين) ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 73 / 2) : حدثنا أبو بشر الواسطي أنبأنا
خالد يعني ابن عبد الله عن سهيل - وهو ابن أبي صالح - عن أبيه عن عائشة
قالت: " دخل يهودي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: السام عليك يا
محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك، فقالت عائشة: فهممت أن أتكلم،
فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، فسكت. ثم دخل آخر، فقال:
السام عليك فقال: عليك، فهممت أن أتكلم، فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه
وسلم لذلك، ثم دخل الثالث فقال. السام عليك، فلم أصبر حتى قلت: وعليك
السام وغضب الله ولعنته إخوان القردة والخنازير! أتحيون رسول الله بما لم
يحيه الله؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يحب الفحش ولا
التفحش، قالوا قولا فرددنا عليهم، إن اليهود ... ". ورواه أبو نعيم أيضا.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وأبو بشر الواسطي اسمه
إسحاق بن شاهين وهو من شيوخ البخاري. والحديث أخرجه ابن ماجه (1 / 281) من
طريق حماد بن سلمة حدثنا سهيل بن أبي صالح به مقتصرا على الجملة المذكورة أعلاه
بنحوه. وقال البوصيري في " الزوائد ": " هذا إسناد صحيح، احتج مسلم بجميع
رواته ". وللحديث طريق أخرى، يرويه حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن قيس عن
محمد بن الأشعث عن عائشة قالت: " بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ
استأذن رجل من اليهود ... " الحديث بتمامه نحوه وأتم منه إلا أن لم يذكر الحسد
على السلام ولفظه: " لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي
هدانا الله وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى
قولنا خلف الإمام: آمين ".(2/306)
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن
الأشعث وقد وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة وهو تابعي كبير.
وللترجمة شاهد من حديث أنس بلفظ:
" إن اليهود ليحسدونكم على السلام والتأمين ".
692 - " إن اليهود ليحسدونكم على السلام والتأمين ".
أخرجه أبو نعيم في " أحاديث مشايخ أبي القاسم الأصم " (35 / 1) والخطيب في
" التاريخ " (11 / 43) والضياء المقدسي في " المختارة " (ق 45 / 1) من
طريق إبراهيم بن إسحاق الحربي: حدثنا أبو ظفر حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وقال المقدسي: " أبو ظفر اسمه عبد السلام بن مطهر بن حسام بن مصك بن ظالم بن
شيطان الأزدي البصري، روى عنه البخاري وأبو داود ".
قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات، فهو صحيح.
693 - " الفجر فجران فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة وفجر تحرم فيه الصلاة
ويحل فيه الطعام ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 52 / 2) وعنه الحاكم (1 / 425) من طريق
أبي أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال ابن خزيمة:(2/307)
" (لم) يرفعه في
الدنيا غير أبي أحمد الزبيري ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه
الذهبي.
من فقه الحديث:
قال ابن خزيمة: " في هذا الخبر دلالة على أن صلاة الفرض لا يجوز أداؤها قبل
دخول وقتها ". وقال: " (فجر يحرم فيه الطعام) يريد على الصائم. (ويحل
فيه الصلاة) يريد صلاة الصبح. (وفجر يحرم فيه الصلاة) يريد صلاة الصبح،
إذا طلع الفجر الأول لم يحل أن يصلي في ذلك الوقت صلاة الصبح، لأن الفجر الأول
يكون بالليل، ولم يرد أنه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد الفجر الأول. وقوله
(ويحل فيه الطعام) يريد لمن يريد الصيام ".(2/308)
694 - " التيمم ضربة للوجه والكفين ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (38 / 2) وأحمد (4 / 263) عن سعيد بن عبد
الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال في التيمم ضربة ...
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، ومعناه في " الصحيحين " وأبي داود
وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (343 - 362) .
695 - " إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ".
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (61) وعنه أبو عمرو الداني في " الفتن "
(62 / 2) واللالكائي في " شرح أصول السنة " (230 / 1 - كواكب 576) وكذا
الطبراني في " الكبير " وعنه الحافظ عبد الغني المقدسي في " العلم " (ق 16 /
2) وابن منده في " المعرفة " (2 / 220 / 1) عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن
بكر بن سوادة عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره. وزاد الأول: " قال ابن المبارك: الأصاغر: أهل البدع ".
قلت: وهذا إسناد جيد لأن حديث ابن لهيعة صحيح إذا كان من رواية أحد العبادلة
عنه وابن المبارك منهم. فما نقله المناوي عن الهيثمي أنه أعله بقوله: فيه
ابن لهيعة ضعيف ليس بجيد ولذلك قال الحافظ المقدسي عقبه: " وإسناده حسن ".
ورواه الهروي في " ذم الكلام " (ق 137 / 2) من هذا الوجه مرفوعا وعن ابن
مسعود موقوفا عليه.(2/309)
وكذا رواه اللالكائي عنه.
وهو شاهد قوي لأنه لا يقال بالرأي.
696 - " تنام عيناي ولا ينام قلبي ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 9 / 2) من طريق يحيى بن سعيد عن ابن عجلان
قال: سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره
. قلت: وهذا إسناد جيد. وله عنده شاهد صحيح من حديث عائشة قالت: " فقلت:
يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام
قلبي ". وقد رواه الشيخان في " صحيحيهما " وغيرهما، وهو مخرج في " صحيح
أبي داود " (1212) . وله شاهد ثالث من حديث أبي بكرة مرفوعا. أخرجه أحمد
(5 / 40، 49، 51 - 52) . وعن ابن عباس في أثناء حديث. أخرجه أبو نعيم
(4 / 304 - 305) .
697 - " نعم الميتة أن يموت الرجل دون حقه ".
أخرجه أحمد (1 / 184) وعنه أبو عمرو الداني في " الفتن " (148 / 1) وأبو
نعيم في " الحلية " (8 / 290) من طريق إبراهيم بن المهاجر عن أبي بكر بن
حفص(2/310)
- فذكر قصة - قال: سمعت أبي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره. وقال أبو نعيم: " وأبو بكر اسمه عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن
أبي وقاص ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين. وإبراهيم بن المهاجر وهو البجلي مختلف فيه
، فقال أحمد: لا بأس به وقال يحيى القطان: لم يكن بقوي، وفي " التقريب ":
" صدوق لين الحفظ ".
قلت: فهو حسن الحديث أن شاء الله تعالى.
698 - " خير الناس في الفتن رجل آخذ بعنان فرسه أو قال برسن فرسه خلف أعداء الله
يخيفهم ويخيفونه، أو رجل معتزل في باديته يؤدي حق الله الذي عليه ".
أخرجه الحاكم (4 / 446) من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عبد الله بن طاووس
عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا. وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه
الذهبي، وهو كما قالا إذا كان الراوي له عن عبد الرزاق وهو إسحاق بن إبراهيم
- وهو الدبري - لم يتفرد به.(2/311)
وله طريق أخرى عنه بلفظ: " ألا أخبركم بخير الناس منزلة "، وقد سبق. ثم
رأيته في المستدرك (4 / 464) من طريق يحيى بن جعفر حدثنا عبد الرزاق به فقال
: أيضا: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا فقد توبع عليه الدبري. ثم رأيت في " الفتن "، لأبي عمرو الداني
(ق 153 / 1) من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر به. فصح الحديث يقينا
والحمد لله. وله شاهد من حديث أم مالك البهزية. أخرجه الترمذي وحسنه،
" راجع المشكاة " (5400) .
699 - " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يتسمنون:
يحبون السمن ينطقون الشهادة قبل أن يسألوها ".
أخرجه الترمذي (2 / 35، 49) وابن حبان (2285) والحاكم (3 / 471)
وأحمد (4 / 426) عن وكيع حدثنا الأعمش حدثنا هلال بن يساف عن عمران بن
حصين مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقول الحاكم: " على شرط الشيخين
" وهم وإن وافقه الذهبي لأن هلالا إنما أخرج له خ تعليقا. وقد أخرجه الترمذي
أيضا من طريق محمد بن الفضيل عن الأعمش عن علي بن مدرك عن هلال بن يساف به.
فادخل علي بن مدرك بين الأعمش وهلال. قال الترمذي: هكذا روى محمد بن فضيل
هذا الحديث عن الأعمش عن علي بن مدرك عن هلال بن يساف، وروى غير واحد من
الحفاظ هذا الحديث عن الأعمش عن هلال بن يساف ولم يذكروا فيه علي بن مدرك. ثم
ساق إسناده المذكور ثم قال:(2/312)
" وهذا أصح من حديث محمد بن فضيل ". وللحديث
طريقان آخران سبق ذكرهما في " خير أمتي " وله شاهد بلفظ:
" خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق
شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ".
700 - " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق
شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ".
أخرجه البخاري (5 / 199، 7 / 6، 11 / 460) ومسلم (7 / 184 - 185) وابن
ماجه (2 / 63 - 64) والطيالسي (ص 39 رقم 299) وأحمد (1 / 378، 417،
434، 438، 442) والخطيب في تاريخه (12 / 53) من طريق إبراهيم عن عبيدة
السلماني عن عبد الله بن مسعود مرفوعا.
وزاد الشيخان وغيرهما: " قال إبراهيم: وكان أصحابنا ينهوننا ونحن غلمان
أن نحلف بالشهادة والعهد ".
وله شاهد من حديث النعمان بن بشير بهذا اللفظ إلا أنه قال ثلاث مرات " ثم
الذين يلونهم " فأثبت القرن الرابع.
أخرجه أحمد (4 / 267، 276، 277) من طريق عاصم عن خيثمة بن عبد الرحمن عنه.
وهذا سند حسن، وقال في " المجمع " (10 / 19) : " رواه أحمد والبزار
والطبراني في الكبير والأوسط وفي طرقهم عاصم ابن بهدلة وهو حسن الحديث
وبقية رجال أحمد رجال الصحيح ".
وثبت ذلك في الحديث الآتي. وفي ثبوت هذه الزيادة عندي نظر لأنها لم تأت من
طريق صحيحة وعاصم بن بهدلة في حفظه شيء فلا يحتج بما تفرد به دون الثقات.(2/313)
701 - " قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا ".
أخرجه أبو داود (1 / 416) من طريق عمر بن المرقع بن صيفي حدثني أبي عن جده
رباح بن ربيع قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى
الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا فقال: انظر علام اجتمع هؤلاء؟ فجاء، فقال
: امرأة قتيل، فقال: ما كانت هذه لتقاتل! قال: وعلى المقدمة خالد بن
الوليد فبعث رجلا فقال ... " فذكره.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات وقد رواه أبو الزناد عن المرقع أتم منه
وهذا لفظه: " الحق خالدا فقل: لا تقتلن ذرية ولا عسيفا ".
أخرجه الطحاوي (2 / 127) والحاكم (2 / 122) وأحمد (3 / 488) عن أبي
الزناد قال: حدثني المرقع بن صيفي عن جده رياح بن الربيع أخي حنظلة الكاتب أنه
أخبره: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمتها
خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة
مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، ويتعجبون من خلقها، حتى
لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف عليها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما كانت هذه لتقاتل، فقال لأحدهم ...
فذكره. ورواه ابن ماجه (2 / 195) من هذا الوجه وقال الحاكم: " صحيح على
شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
وأقول: كلا بل هو صحيح فقط، المرقع بن صيفي لم يرو له الشيخان شيئا، وهو
ثقة.(2/314)
ثم إن الحديث في سنده اختلاف على أبي الزناد، فرواه عنه هكذا ابنه عبد
الرحمن، وهي رواية الحاكم، ورواية لأحمد (4 / 178 - 179) . وتابعه
المغيرة بن عبد الرحمن وهو ابن عبد الله الحزامي وهي رواية أحمد وابن ماجه
والطحاوي. وابن جريج قال: أخبرت عن أبي الزناد به. أخرجه أحمد.
وخالفهم سفيان الثوري فقال عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي، عن حنظلة الكاتب
قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمررنا على امرأة مقتولة الحديث نحوه
بلفظ: " انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
يأمرك أن لا تقتل ذرية ولا عسيفا ". أخرجه أحمد والطحاوي وابن ماجه وقال
بعد أن ساق بعد هذه الرواية، الرواية الأولى: " قال أبو بكر بن أبي شيبة:
يخطىء الثوري فيه ". فأشار إلى أن الرواية الأولى هي الصواب، وهو الحق،
لاتفاق من ذكرنا من الثقات عليها، ويقوي ذلك أن عمر بن المرقع بن صيفي رواه
عن أبيه مثل رواية الثقات عن أبي الزناد كما تقدم، والابن أدرى برواية أبيه
وجده عادة. وللحديث شاهد بلفظ: " ما بال أقوام جاوزهم " وقد مضى (401) .
ثم الحديث عزاه الحافظ في " الفتح " (6 / 111) للنسائي وابن حبان من حديث
رباح بن الربيع وهو بكسر الراء والتحتانيه.
702 - " إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في
نفسك الآن فارجع ".(2/315)
أخرجه أبو داود (1 / 433 - 434) والنسائي في " السير " (2 / 48 / 1) وابن
حبان في " صحيحه " (1630 - موارد) والحاكم (3 / 598) وأحمد (6 / 8) من
طريق ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن الحسن بن علي بن أبي
رافع أن أبا رافع أخبره قال: " بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت يا
رسول الله إني والله لا أرجع إليهم أبدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: إني ... " الحديث قال: " فذهبت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت ".
سكت عليه الحاكم والذهبي وهو إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير
الحسن بن علي بن أبي رافع وهو ثقة كما في " التقريب ".
703 - " لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب وهي صلاة الأوابين ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 133 / 1) والحاكم (1 / 314) من طريق
إسماعيل بن عبيد الله بن زرارة الرقي حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا محمد بن
عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وقال ابن خزيمة: " لم يتابع هذا الشيخ إسماعيل بن عبد الله على إيصال هذا
الخبر، رواه الدراوردي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا، ورواه حماد بن
سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قوله ".
قلت: إسماعيل بن عبد الله هذا صدوق كما في " التقريب "، وقد وصله مرفوعا
وهي زيادة فيجب قبولها لكنه ليس على شرط مسلم، فإنه لم يخرج لإسماعيل شيئا(2/316)
ولا لابن عمرو إلا متابعة. والإسناد حسن.(2/317)
704 - " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروهم
إلى أضيقه ".
أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " وأحمد وغيرهم من حديث أبي هريرة
مرفوعا وهو مخرج في " إرواء الغليل " (1271) . والغرض من إيراده هنا أنه
جمعنا مجلس فيه طائفة من أصحابنا أهل الحديث فورد سؤال عن جواز بدء غير المسلم
بالسلام، فأجبت بالنفي محتجا بهذا الحديث، فأبدى أحدهم فهما للحديث مؤداه أن
النهي الذي فيه إنما هو إذا لقيه في الطريق وأما إذا أتاه في حانوته أو منزله
فلا مانع من بدئه بالسلام! ثم جرى النقاش حوله طويلا. وكل يدلي بما عنده من
رأي، وكان من قولي يومئذ: أن قوله: لا تبدؤوا مطلق، ليس مقيدا بالطريق
وأن قوله: " وإذا لقيتم أحدهم في طريق ... " لا يقيده، فإنه من عطف الجملة
على الجملة، ودعمت ذلك بالمعنى الذي تضمنته هذه الجملة، وهو أن اضطرارهم
إلى أضيق الطرق إنما هو إشارة إلى ترك إكرامهم لكفرهم، فناسب أن لا يبادؤوا من
أجل ذلك بالسلام لهذا المعنى، وذلك يقتضي تعميم الحكم.
هذا ما ذكرته يومئذ، ثم وجدت ما يقويه ويشهد له في عدة روايات:
الأولى: قول راوي الحديث سهيل بن أبي صالح: " خرجت مع أبي إلى الشام، فكان
أهل الشام يمرون بأهل الصوامع فيسلمون عليهم، فسمعت أبي يقول: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره. أخرجه أحمد (2 / 346) وأبو داود بسند
صحيح على شرط مسلم. فهذا نص من راوي الحديث - وهو أبو صالح واسمه ذكوان
تابعي ثقة، أن النهي يشمل الكتابي ولو كان في منزله ولم يكن في الطريق.
وراوي الحديث أدرى بمرويه من غيره، فلا أقل من أن يصلح للاستعانة به على
الترجيح.(2/318)
ولا يشكل على هذا لفظ الحديث عند البخاري في " أدبه " (1111)
وأحمد في " مسنده " (2 / 444) : " إذا لقيتم المشركين في الطريق، فلا
تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها ". فإنه شاذ بهذا اللفظ، فقد أخرجه
البخاري أيضا (1103) ومسلم وأحمد (2 / 266، 459) وغيرهما من طرق عن
سهيل بن أبي صالح باللفظ المذكور أعلاه.
الثانية: عن أبي عثمان النهدي قال: " كتب أبو موسى إلى رهبان يسلم عليه في
كتابه، فقيل له: أتسلم عليه وهو كافر؟ ! قال: إنه كتب إلي، فسلم علي
ورددت عليه ". أخرجه البخاري في " أدبه " (1101) بسند جيد.
ووجه الاستدلال به، أن قول القائل " أتسلم عليه وهو كافر " يشعر بأن بدأ
الكافر بالسلام كان معروفا عندهم أنه لا يجوز على وجه العموم وليس خاص بلقائه
في الطريق، ولذلك استنكر ذلك السائل على أبي موسى وأقره هذا عليه ولم ينكره
بل اعتذر بأنه فعل ذلك ردا عليه لا مبتدئا به، فثبت المراد.
الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إلى هرقل ملك الروم وهو في
الشام لم يبدأه بالسلام، وإنما قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد
بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى ...
أخرجه البخاري ومسلم وهو في " الأدب المفرد " (1109) . فلو كان النهي
المذكور خاصا بالطريق لبادأه عليه السلام بالسلام الإسلامي، ولم يقل له:
" سلام على من اتبع الهدى ".(2/319)
الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد الغلام اليهودي قال له: أسلم
... الحديث، فلم يبدأه بالسلام. وهو حديث صحيح رواه البخاري وغيره وهو
مخرج في " الإرواء " (1272) . فلو كان البدء الممنوع إنما هو إذا لقيه في
الطريق لبدأه عليه السلام بالسلام لأنه ليس في الطريق كما هو ظاهر. ومثله.
الخامسة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء عمه أبا طالب في مرض موته لم
يبدأه أيضا بالسلام، وإنما قال له: " يا عم قل لا إله إلا الله " ...
الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (1273) .
فثبت من هذه الروايات أن بدأ الكتابي بالسلام لا يجوز مطلقا سواء كان في الطريق
أو في المنزل أو غيره.
فإن قيل: فهل يجوز أن يبدأه بغير السلام من مثل قوله: كيف أصبحت أو أمسيت أو
كيف حالك ونحو ذلك؟ فأقول: الذي يبدو لي والله أعلم الجواز، لأن النهي
المذكور في الحديث إنما هو عن السلام وهو عند الإطلاق إنما يراد به السلام
الإسلامي المتضمن لاسم الله عز وجل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:
" السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينهم ". أخرجه البخاري في
" الأدب المفرد " (989) وسيأتي (1894) .
ومما يؤيد ما ذكرته قول علقمة: " إنما سلم عبد الله (يعني ابن مسعود) على
الدهاقين إشارة ". أخرجه البخاري (1104) مترجما له بقوله: " من سلم على
الذمي إشارة ". وسنده صحيح.(2/320)
فأجاز ابن مسعود ابتداءهم في السلام بالإشارة
لأنه ليس السلام الخاص بالمسلمين، فكذلك يقال في السلام عليهم بنحو ما ذكرنا
من الألفاظ.
وأما ما جاء في بعض كتب الحنابلة مثل " الدليل " أنه يحرم بداءتهم أيضا بـ
" كيف أصبحت أو أمسيت؟ " أو " كيف أنت أو حالك؟ " فلا أعلم له دليلا من السنة
بل قد صرح في شرحه " منار السبيل " أنه قيس على السلام! أقول: ولا يخفى أنه
قياس مع الفارق، لما في السلام من الفضائل التي لم ترد في غيره من الألفاظ
المذكورة. والله أعلم.
مسألة أخرى جرى البحث فيها في المجلس المشار إليه، وهي: هل يجوز أن يقال في
رد السلام على غير المسلم: وعليكم السلام؟ فأجبت بالجواز بشرط أن يكون سلامه
فصيحا بينا لا يلوي فيه لسانه، كما كان اليهود يفعلونه مع النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه بقولهم: السام عليكم. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم
بإجابابتهم بـ " وعليكم " فقط، كما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من حديث
عائشة. قلت: فالنظر في سبب هذا التشريع، يقتضي جواز الرد بالمثل عند تحقق
الشرط المذكور، وأيدت ذلك بأمرين اثنين:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: " إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول
: السام عليك، فقولوا: وعليك " أخرجه الشيخان، والبخاري أيضا في " الأدب
المفرد " (1106) . فقد علل النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " فقولوا:
وعليك " بأنهم يقولون: السام عليك، فهذا التعليل يعطي أنهم إذا قالوا:
" السلام عليك " أن يرد عليهم بالمثل: " وعليك السلام "، ويؤيده الأمر
الآتي وهو: الثاني: عموم قوله تعالى * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها
أو ردوها) * فإنها بعمومها تشمل غير المسلمين أيضا.(2/321)
هذا ما قلته في ذلك المجلس. وأزيد الآن فأقول: ويؤيد أن الآية على عمومها
أمران: الأول: ما أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1107) والسياق له
وابن جرير الطبري في " التفسير " (10039) من طريقين عن سماك عن عكرمة عن ابن
عباس قال: " ردوا السلام على من كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ذلك بأن الله
يقول: * (وإذا حييتم بتحية ... ) * الآية ".
قلت: وسنده صحيح لولا أنه من رواية سماك عن عكرمة وروايته عنه خاصة مضطربة
ولعل ذلك إذا كانت مرفوعة وهذه موقوفة كما ترى، ويقويها ما روى سعيد بن
جبير عن ابن عباس قال: لو قال لي فرعون: " بارك الله فيك " قلت: وفيك.
وفرعون قد مات. أخرجه البخاري في " أدبه " (113) ، وسنده صحيح على شرط
مسلم.
والآخر: قول الله تبارك وتعالى: * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في
الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين
) *. فهذه الآية صريحة بالأمر بالإحسان إلى الكفار المواطنين الذين يسالمون
المؤمنين ولا يؤذونهم والعدل معهم ومما لا ريب فيه أن أحدهم إذا سلم قائلا
بصراحة: " السلام عليكم "، فرددناه عليه باقتضاب: " وعليك " أنه ليس من
العدل في شيء بله البر لأننا في هذه الحالة نسوي بينه وبين من قد يقول منهم
" السام عليكم "، وهذا ظلم ظاهر. والله أعلم.
705 - " كان إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا ".
أخرجه أبو داود (3851) وابن حبان (1351) وابن السني في " عمل اليوم
والليلة " (464) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 204 / 2) عن ابن
وهب: أخبرني(2/322)
سعيد بن أيوب عن أبي عقيل زهرة بن معبد القرشي عن أبي عبد الرحمن
الحبلي عن أبي أيوب الأنصاري قال: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه رشدين بن سعد عن زهرة بن
معبد به. أخرجه الطبراني. ورشدين ضعيف من قبل حفظه مع صلاحه وعبادته.
706 - " إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة
أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها ألوانهم
كالثلج بياضا وريحهم تسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان
ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 182 / 1) والحاكم (1 / 277) من طريقين
عن الهيثم بن حميد أخبرني أبو معبد - وهو حفص بن غيلان - عن طاووس عن أبي
موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات. وقال الحاكم: " هذا حديث شاذ، صحيح
الإسناد، فإن أبا معبد من ثقات الشاميين الذين يجمع حديثهم والهيثم بن حميد
من أعيان أهل الشام ". ووافقه الذهبي.
وأقول: وصف هذا الحديث الصحيح الإسناد بأنه شاذ، إنما هو اصطلاح تفرد به(2/323)
الحاكم دون الجمهور، فقد نقلوا عنه أنه قال في " الشاذ ": " هو الذي يتفرد به
الثقة، وليس له متابع ". وهذا خلاف قول الإمام الشافعي: " هو أن يروي
الثقة حديثا يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره ".
وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين، وخلافه هو الشاذ
ومن الغريب أن تعريف الحاكم للشاذ بما سبق يلزم منه رد مئات الأحاديث الصحيحة
، لاسيما ما كان منها في كتابه هو نفسه " المستدرك "!
707 - " كان داود أعبد البشر ".
أخرجه الترمذي (2 / 262) والحاكم (2 / 433) من طريق عبد الله ابن ربيعة
الدمشقي: حدثني عائذ الله أبو إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حسن غريب ".
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل عبد الله
هذا قال أحمد: أحاديثه موضوعة ".
قلت هو عبد الله بن ربيعة بن يزيد، ووقع في " المستدرك ": " عبد الله ابن
يزيد " نسب إلى جده وانقلب على بعضهم فقال: " عبد الله بن يزيد بن ربيعة ".
وهو مجهول كما قال الحافظ في " التقريب " ولم أر أحدا ذكر قول أحمد المذكور
في ترجمته، حتى ولا الذهبي وإنما أورده في " الميزان " في ترجمة عبد الله بن
يزيد بن آدم الدمشقي روى عن واثلة وأبي أمامة. وهذا كما ترى غير المترجم،
فإنه أعلى طبقة منه، هذا(2/324)
تابعي وذاك من أتباع التابعين مع اختلاف اسم جدهما
والله أعلم.
وبالجملة، فالإسناد ضعيف لجهالة عبد الله بن ربيعة هذا، لكني وجدت للحديث
شاهدا يتقوى به، يرويه عكرمة بن عمار حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة
بن عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " أرسل إلي رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال: ألم أخبر أنك تقوم الليل، وتصوم النهار؟ - وذكر
الحديث بطوله - وقال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صم صوم داود، فإنه
كان أعبد الناس كان يصوم يوما ويفطر يوما إنك لا تدري لعله أن يطول بك العمر "
. أخرجه مسلم (3 / 162 - 163) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 217 / 1)
والسياق له. وله شاهد آخر عن أنس مرفوعا.
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 267) . وعن ابن جدعان عن عطاء
مرسلا. أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (8 / 1) .
وعن عبد الله بن يزيد بن ربيعة الدمشقي حدثنا أبو إدريس الخولاني عن أبي
الدرداء مرفوعا. أخرجه البخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 229) .
708 - " قال إبليس: كل خلقك بينت رزقه، ففيما رزقي؟ قال: فيما لم يذكر اسمي عليه
".
أخرجه أبو الشيخ في " كتاب العظمة " (12 / 128 / 1) وأبو نعيم في " الحلية "(2/325)
(8 / 126) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (257 / 2) من طرق عن
الهيثم بن أيوب الطالقاني حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن مسلم البطين عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث منصور
وفضيل لم يروه عنه متصلا إلا الهيثم ".
قلت: وهو ثقة نبيل ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالحديث صحيح الإسناد.
709 - " لا يشرب الخمر رجل من أمتي فتقبل له صلاة أربعين صباحا ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 103 / 2) من طريق عبد الله بن يوسف حدثنا
محمد بن المهاجر عن عروة بن رويم عن ابن الديلمي - الذي كان يسكن بيت المقدس -
أنه مكث في طلب عبد الله بن عمرو بن العاص بالمدينة، فسأل عنه قالوا: قد سافر
إلى مكة، فاتبعه فوجده قد سار إلى الطائف، فاتبعه، فوجده في مزرعة يمشي
مخاصرا رجلا من قريش، والقرشي يزن بالخمر، فلما لقيته سلمت عليه وسلم علي،
قال: ما غدا بك اليوم، ومن أين أقبلت؟ فأخبرته، ثم سألته: هل سمعت يا
عبد الله بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر شراب الخمر بشيء.؟ !
قال: نعم، فانتزع القرشي يده ثم ذهب، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (1 / 257
- 258) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!
قلت: وابن المهاجر هذا وهو الأنصاري الشامي لم يخرج له البخاري إلا في
" الأدب المفرد ".(2/326)
وقد تابعه عثمان بن حصين بن علان الدمشقي عن عروة به دون
القصة وقال: " يوما " بدل " صباحا ". أخرجه النسائي (2 / 230) وسنده صحيح
أيضا.
710 - " أبشر عمار، تقتلك الفئة الباغية ".
أخرجه الترمذي (2 / 310) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال: " حديث حسن
صحيح ".
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 185، 186)
وأحمد (5 / 306، 306 - 307) من حديث أبي سعيد الخدري قال: أخبرني من هو
خير مني (أبو قتادة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين جعل يحفر
الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: " بؤس ابن سمية، تقتلك ... " الحديث.
وأخرجه البخاري (1 / 124، 2 / 205) وأحمد (3 / 5، 22، 28، 91) من
طريق أخرى عن أبي سعيد في قصة بناء المسجد، قال: " فرآه النبي صلى الله عليه
وسلم، فجعل ينفض التراب عنه ويقول: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم
إلى الجنة ويدعونه إلى النار " قال عمار: أعوذ بالله من الفتن. وقد ورد
الحديث عن جماعة آخرين من الصحابة عند مسلم وأحمد (2 / 161، 164، 206، 4 /
197، 179، 5 / 215، 6 / 289، 300، 311، 315) وابن سعد في " الطبقات "
(1 / 2 / 3، 3 / 1 / 177، 180، 181، 185) وأبي نعيم في " الحلية " (4 /
361، 7 / 198) والحاكم في " المستدرك " (3 / 386 - 387)(2/327)
والخطيب في
" التاريخ " (11 / 218) .
711 - " يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال
صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانيا، يعني حجة ".
أخرجه الحاكم (4 / 557 - 558) من طريق سعيد بن مسعود حدثنا النضر بن شميل
حدثنا سليمان بن عبيد حدثنا أبو الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات وسليمان بن عبيد هو السلمي قال ابن معين:
ثقة: وقال أبو حاتم: صدوق. كما في " الجرح والتعديل: (2 / 1 / 95) .
وسعيد بن مسعود، كذا وقع في " المستدرك " (سعيد) والصواب " سعد " وهو ابن
مسعود المروزي، قال ابن حاتم (2 / 1 / 95) : " روى عن إسحاق بن منصور
السلولي وروح بن عبادة وخلف بن تميم ومحمد بن مصعب القرقساني، كتب إلى أبي
وأبي زرعة وإلى ببعض حديثه وهو صدوق ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي.(2/328)
وقد رواه بعض المجهولين عن أبي الصديق مطولا، فهو من حصة
الكتاب الآخر (1588) .
712 - أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقا دخل الجنة ".
أخرجه أحمد (4 / 402، 411) من طريقين عن حماد بن سلمة حدثنا أبو عمران
الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: " أتيت النبي صلى الله عليه
وسلم ومعي نفر من قومي، فقال: (فذكره) فخرجنا من عند النبي صلى الله عليه
وسلم نبشر الناس، فاستقبلنا عمر بن الخطاب فرجع بنا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقال (رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ردكم؟ قالوا: عمر،
قال: لم رددتهم يا عمر) فقال عمر: إذا يتكل الناس، قال: فسكت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأبو عمران الجوني اسمه عبد الملك بن
حبيب الأزدي. وأما أبو بكر بن أبي موسى، فلم يذكروا له اسما.
وروى النسائي - ولعله في الكبرى - عن سهل بن حنيف وعن زيد بن خالد الجهني
مرفوعا بلفظ " بشر الناس أنه من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له وجبت له
الجنة ". وذكره في " المجمع " (1 / 18) من رواية الطبراني في " الكبير " عن
زيد بن خالد وقال: " ورجاله موثقون ".(2/329)
713 - " أبشروا أبشروا أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: نعم
، قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم
لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا ".
رواه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (58 / 1) : حدثنا ابن أبي شيبة
حدثنا أبو خالد الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي
شريح الخزاعي قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ": فذكره
، ثم رأيته في " المصنف " لابن أبي شيبة (12 / 165) بهذا السند، وأخرجه ابن
نصر في " قيام الليل " (74) من طريق أخرى عن أبي خالد الأحمر به.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. وله شاهد مرسل أخرجه أبو الحسين الكلابي
في " حديثه " (240 / 1) عن الليث بن سعد عن سعيد (يعني المقبري) عن نافع بن
جبير به مرسلا.
قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد وهو أصح من الموصول. وقد وصله الطبراني في
" المعجم الكبير " (1 / 77 / 1) من طريق أبي عبادة الزرقي الأنصاري أنبأنا
الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالجحفة فخرج علينا فقال ... " فذكره لكن أبو عبادة هذا متروك واسمه
عيسى بن عبد الرحمن بن فروة.(2/330)
714 - " أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث
الذهب والفضة ".
أخرجه أبو داود (3092) : حدثنا سهل بن بكار عن أبي عوانة عن عبد الملك بن
عمير عن أم العلاء قالت: " عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا
مريضة، فقال ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات رجال البخاري وفي بعضهم كلام لا يضر.
(تنبيه) : أورد السيوطي هذا الحديث في " الجامع الكبير " (1 / 6 / 2) من
رواية الطبراني فقط عن أبي العلاء! ولم يورده الهيثمي في " المجمع؟ لأنه في
" السنن "، فليس على شرطه.
وللحديث طريق أخرى عن أم العلاء بلفظ: " اصبري، فإنه (يعني وجع الحمى)
يذهب خبث المؤمن كما تذهب النار خبث الحديد ". أخرجه ابن السكن وابن منده من
طريق الزبيدي عن يونس بن سيف أن حرام بن حكيم أخبره عن عمته أم العلاء. " أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم عادها من حمى، فرآها تضور من شدة الوجع فقال لها
... ". الحديث. كذا في " الإصابة " لابن حجر.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات فهو إسناد جيد(2/331)
وله شاهد من طريق فاطمة الخزاعية
قالت: " عاد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار وهي وجعة، فقال لها
: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إلا أن أم ملدم قد برحت بي، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم " اصبري فإنها ... " الحديث. قال الهيثمي (2 / 307) : " رواه
الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح ". وله شاهد آخر من حديث خالد بن
يزيد عن أبي الزبير عن جابر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد امرأة من
الأنصار، فقال لها: أهي أم ملدم؟ قالت: نعم، فلعنها الله، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: لا تسبيها، فإنها تغسل ذنوب العبد كما يذهب الكير خبث
الحديد ". أخرجه الحاكم (1 / 346) وقال: " صحيح على شرط مسلم وإنما أخرجه
بغير هذا اللفظ من حديث حجاج ابن أبي عثمان عن أبي الزبير " ووافقه الذهبي.
قلت: حديث حجاج يأتي بعده. وخالد بن يزيد هو الجمحي المصري وهو ثقة محتج به
في " الصحيحين ".(2/332)
715 - " لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ".
أخرجه مسلم (8 / 16) والبخاري في " الأدب المفرد " (516) والبيهقي (3 /
377) من طريق أبي الزبير، حدثنا جابر بن عبد الله: " أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب، فقال: مالك يا أم السائب أو
يا أم المسيب تزفزفين؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: ... " فذكره.
ورواه ابن ماجه (2 / 348) من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه دون القصة.
وفيه موسى بن عبيدة ضعيف.
716 - " المسجد بيت كل تقي ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 176) والقضاعي في " مسند الشهاب " (1 /
140 / 2) من طريقين عن عبد الله بن معاوية الجمحي حدثنا صالح بن بشير المري عن
الجريري عن أبي عثمان قال:
" كتب سلمان إلى أبي الدرداء: يا أخي عليك بالمسجد فالزمه، فإني سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول ... ". فذكره، وقال أبو نعيم: " غريب من
حديث صالح، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
قلت: وصالح ضعيف.
وله طريق أخرى، أخرجه القضاعي أيضا (8 / 2 - النسخة المغربية) وابن عساكر
(13 / 378 / 1) من طريق الربيع بن ثعلب قال: أنبأنا إسماعيل بن عياش عن مطعم
بن المقدام وغيره عن محمد بن واسع قال:(2/333)
" كتب أبو الدرداء إلى سلمان: أما
بعد يا أخي، فاغتنم صحتك قبل سقمك، وفراغك قبل أن ينزل من البلاء ما لا
يستطيع أحد من الناس رده، ويا أخي اغتنم دعوة المؤمن المبتلى، ويا أخي ليكن
المسجد بيتك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، فهو جيد لولا الانقطاع بين الربيع وأبي
الدرداء، فإنه لم يسمع منه ولا من غيره من الصحابة، لكن إذا ضم إليه الطريق
الأولى الموصولة أخذ الحديث قوة، وارتقى إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى.
وقد أخرجه ابن الجوزي في " صفوة الصفوة " (1 / 198 / 1) من طريق عبد الرزاق
حدثنا معمر عن صاحب له أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان به. وهذا منقطع أيضا.
717 - " كان إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه ".
أخرجه الترمذي (1 / 323) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 246) من طريق يحيى بن
محمد الجاري عن عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن ابن عمر مرفوعا
. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب ".
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير الجاري، فإنه قد ضعف فقال البخاري " يتكلمون
فيه ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " يغرب "، وقال ابن عدي:(2/334)
" ليس بحديثه بأس ". وأورده الذهبي في " الضعفاء " مع قول البخاري فيه.
وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ".
قلت: ومثله مما يتردد النظر في الحكم على حديثه بين الحسن والضعف، لكن قال
العقيلي: " إن هذا الحديث ذكر للإمام أحمد فأنكره، وقال: إنما هذا موقوف "
. ذكره في ترجمة عبد العزيز بن محمد وهو الدراوردي، ولعل إعلاله بالراوي عنه
وهو الجاري أولى. نعم إنه لم يتفرد به، فقد قال ابن سعد في " الطبقات " (1
/ 456 - طبع بيروت) : أخبرنا محمد بن سليم العبدي حدثني الدراوردي به.
قلت: لكن محمد بن سليم هذا ممن لا يفرح بمتابعته، لشدة ضعفه فقد قال ابن معين
: " ليس بثقة، يكذب في الحديث "، وضعفه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 275) عن
أبيه. وللحديث شاهد يرويه أبو شيبة الواسطي عن طريف بن شهاب عن الحسن قال:
فذكره مرفوعا. أخرجه ابن سعد. وهذا مع إرساله، فإن أبا شيبة الواسطي واسمه
عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف كما جزم به الحافظ في " التقريب "(2/335)
وقال الذهبي في
" الضعفاء والمتروكين ": " ضعفوه ": قلت: وقد ضعفه البخاري جدا فقال:
" فيه نظر " ولذلك فلا يصلح شاهدا لحديث ابن عمر، وعليه لم تطب نفسي لإيراده
في " الصحيحة " فأوردته هنا، فإن وجدت له فيما بعد شاهدا معتبرا نقلته إليها.
والله أعلم. ثم رأيت ما يوجب نقله إليها، فقد أخرجه الخطيب (11 / 293) من
طريق عثمان بن نصر البغدادي حدثنا الوليد بن شجاع حدثنا عبد العزيز ابن محمد
الدراوردي به.
وهذه متابعة قوية للجاري، فإن ابن شجاع هذا ثقة من رجال مسلم، لكن عثمان بن
نصر هذا لم يزد الخطيب في ترجمته على قوله: " وقع حديثه إلى الغرباء "!
ثم ساق له هذا الحديث، ولم يذكر له وفاة، ولا جرحا أو تعديلا.
لكن له طريق أخرى، فقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 120) : " وعن أبي عبد
السلام قال: قلت لابن عمر: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتم؟ قال
: كان يدور كور عمامته على رأسه، ويغرزها من ورائه، ويرسلها بين كتفيه.
رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح خلا أبا عبد السلام وهو ثقة
". وقال: " وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه، ومن خلفه. رواه الطبراني في
" الأوسط " وفيه الحجاج بن رشدين وهو ضعيف ".
وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح. والله أعلم.(2/336)
ومما يشهد له حديث عمرو بن حريث قال: " كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم على المنبر، وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها (وفي رواية:
طرفها) بين كتفيه ". أخرجه مسلم (4 / 112) وأبو داود (4077) والنسائي (
2 / 300) - والرواية الأخرى لهما - وابن ماجه (3587) .
ومن ذلك حديث عائشة: " أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم
على برذون، وعليه عمامة طرفها بين كتفيه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؟
فقال: رأيته؟ ذاك جبريل عليه السلام ". أخرجه أحمد (6 / 148، 152)
والحاكم (4 / 193 - 194) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وقد وهما، فإن فيه عبد الله بن عمر العمري المكبر وهو ضعيف.
718 - " من ترك اللباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس
الخلائق حتى يخير من أي حلل الإيمان شاء يلبسها ".
أخرجه الترمذي (2 / 79) والحاكم (4 / 183) وأحمد (3 / 439) وأبو نعيم
في " الحلية " (8 / 48)(2/337)
من طريق أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن
معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
. وقال الترمذي: " حديث حسن، ومعنى قوله (حلل الإيمان) يعني ما يعطى أهل
الإيمان من حلل الجنة ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: والأقرب إلى الصواب أنه حسن كما قال الترمذي، فإن في أبي مرحوم بعض
الكلام، لكنه لا يضر في حديثه كما بينته في " الإرواء " (1989) . لاسيما
ولم يتفرد به، بل تابعه زبان بن فائد عن سهل بن معاذ به.
أخرجه أحمد (3 / 438) وأبو نعيم والحاكم أيضا (1 / 61) ذكره شاهدا وقال
: " يتفرد به زبان "! كذا قال، وكأنه نسي طريق أبي مرحوم المتقدمة.
وزبان فيه ضعف من قبل حفظه. وتابعه محمد بن عجلان عن سهل بن معاذ به.
أخرجه أبو نعيم (8 / 47) من طريق بقية بن الوليد عن إبراهيم بن أدهم عن محمد
بن عجلان. وبقية مدلس وقد عنعنه. وتابعه خير بن نعيم عن سهل بن معاذ به.
أخرجه أبو نعيم أيضا من طريق ابن لهيعة عنه.(2/338)
وابن لهيعة ضعيف.
وبالجملة فالحديث صحيح بهذه المتابعات.
719 - " نهى أن ينتعل الرجل قائما ".
ورد عن جمع من الصحابة، منهم أبو هريرة وعبد الله بن عمر وأنس وجابر.
1 - أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق أربعة:
الأولى: عند ابن ماجه (2 / 380) : حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية عن
الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن محمد وهو ابن إسحاق الطنافسي
وهو ثقة، فهو إسناد صحيح إن كان الأعمش سمعه من أبي صالح، فقد وصف بالتدليس
، ومع ذلك أخرج له الشيخان في " الصحيحين " بالعنعنة كثيرا من الأحاديث بهذا
الإسناد!
الثانية: رواه الترمذي (1 / 328) والعقيلي في " الضعفاء " (78) عن الحارث
بن نبهان عن معمر عن عمار بن أبي عمار عنه به. وقال الترمذي:(2/339)
" هذا حديث غريب، وروى عبد الله بن عمرو الرقي هذا الحديث عن معمر عن قتادة
عن أنس، وكلا الحديثين لا يصح عند أهل الحديث، والحارث بن نبهان ليس عندهم
بالحافظ، ولا نعرف لحديث قتادة عن أنس أصلا ".
وقال العقيلي بعد أن ساق عدة أحاديث للحارث هذا: " كل هذه الأحاديث لا يتابع
عليها، أسانيدها مناكير والمتون معروفة بغير هذه الأسانيد ".
قلت: والحارث هذا متروك وقد خالفه الرقي كما تقدم في كلام الترمذي، وهو
ثقة فروايته عن معمر هي الصواب، ويأتي الكلام عليها.
الثالثة: عن سلمة بن حبيب عن عروة بن علي السهمي عنه.
أخرجه ابن مخلد في " المنتقى من أحاديثه " (82 / 1) والعقيلي في " الضعفاء "
(331) وقال: " عروة مجهول بالنقل، وسلمة نحوه ". وكذا قال الذهبي.
الرابعة: عن سعيد بن بشير عن عمر بن دارم عن سيف بن كريب عنه مرفوعا.
أخرجه ابن الأعرابي في " المعجم " (18 / 1) .
وهذا إسناد ضعيف، سعيد بن بشير ضعيف، ومن فوقه لم أعرفهما.
2 - أما حديث ابن عمر، فقال ابن ماجه: حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان
عن عبد الله بن دينار عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير علي بن محمد وهو
ابن أبي الخصيب، وهو صدوق ربما أخطأ كما قال الحافظ.
3 - وأما حديث أنس، فيرويه سليمان بن عبيد الله الرقي حدثنا عبيد الله بن
عمرو(2/340)
عن قتادة عنه به مرفوعا.
أخرجه الترمذي وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 769) وعنه الضياء المقدسي في
" المختارة " (205 / 1) ، والروياني في " مسنده " (240 / 2) وقال الترمذي
: " هذا حديث غريب، قال محمد بن إسماعيل: ولا يصح هذا الحديث، ولا حديث
معمر عن عمار أبي عمار عن أبي هريرة ".
قلت: ورجال هذا ثقات رجال الشيخين غير سليمان الرقي فهو صدوق ليس بالقوي كما
في " التقريب "، فمثله يصلح للاستشهاد به، لاسيما وقد روي من غير طريقه عن
أنس، فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 139) وقال:
" رواه البزار، وفيه عنبسة بن سالم، قال البزار: " لا نعلمه توبع على هذا
" وضعفه أبو داود ".
قلت: وعنبسة هذا ليس في الطريق الأولى، فلعله رواه بإسناد آخر عن أنس.
والله أعلم. ثم تحقق ما رجوته، فقد رأيته في " زوائد البزار " (ص 171) من
طريق عنبسة هذا عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس. وسائر رجاله ثقات.
4 - وأما حديث جابر، فأخرجه أبو داود (2 / 187) من طريق أبي الزبير عنه
مرفوعا.
ورجاله ثقات فهو صحيح لولا عنعنة أبي الزبير، على أن مسلما قد أخرج عشرات
الأحاديث من روايته عن جابر معنعنا من غير طريق الليث عنه، فهو على كل حال
شاهد جيد، لاسيما وقد قال النووي في " رياضه ": إسناده حسن. كما نقله
المناوي في " الفيض ": وخلاصة القول: أن الحديث بمجموع طرقه صحيح بلا ريب،
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.(2/341)
(تنبيه) قال المناوي: " والأمر في الحديث للإرشاد، لأن لبسها قاعدا أسهل
وأمكن، ومنه أخذ الطيبي وغيره تخصيص النهي بما في لبسه قائما تعب،
كالتاسومة والخف، لا كقبقاب وسرموزة ". والله تعالى أعلم بحكم تشريعه
ونواهيه.
720 - " كان يكثر دهن رأسه ويسرح لحيته بالماء ".
رواه ابن الأعرابي في " المعجم " (59 / 1) أنبأنا محمد (يعني ابن هارون)
أنبأنا مسلم بن إبراهيم أنبأنا مبشر بن مكسر عن أبي حازم عن سهل بن سعد
مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير محمد بن هارون وهو ابن عيسى
أبو بكر الأزدي الرزاز، ترجمه الخطيب (3 / 354) وقال: " روى عنه أبو
العباس بن عقدة، و ... و ... أحاديث مستقيمة وقال الدارقطني: ليس بالقوي ".
ومبشر بن مكسر، قال ابن معين: صويلح. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا بأس
به. وبقية رجاله رجال الشيخين.
والحديث عزاه في " الجامع الصغير " للبيهقي في " شعب الإيمان " عن سهل بن سعد
. وقال المناوي: " وكذا الترمذي في الشمائل ".
قلت: وهو وهم، فليس هو في " الشمائل " من حديث سهل، وإنما من حديث أنس بن
مالك كما خرجته على " المشكاة " (4445) وبينت هناك أن إسناده ضعيف،(2/342)
فهو
شاهد لا بأس به لهذا، والله أعلم.
721 - " الدينار كنز والدرهم كنز والقيراط كنز، قالوا: يا رسول الله أما الدينار
والدرهم فقد عرفناهما، فما القيراط؟ قال: نصف درهم، نصف درهم، نصف درهم ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 107) من طريق أبي عبد الرحمن المقرىء
: حدثنا ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات، وابن لهيعة إنما يتقى حديثه إذا كان
من رواية غير العبادلة عنه، فإن حديثهم عنه صحيح، كما نص عليه أهل العلم في
ترجمته، وهذا من رواية أحدهم عنه، وهو أبو عبد الرحمن فإنه عبد الله بن
يزيد المقرىء، وتابعه ثانيهم عبد الله بن وهب، ذكره من طريقه ابن أبي حاتم
في " العلل " (1 / 219 - 220) وقال: " قال أبي: هذا حديث منكر "!
ولا وجه لهذا عندي، وكأنه جرى على الجادة في حديث ابن لهيعة، والصواب
التفصيل الذي ذكرته، وهو التفريق بين حديث العامة عنه وحديث العبادلة.
والله أعلم. ومن هذا التفصيل يتبين لك وجه قول المناوي في شرح قول السيوطي
في " الجامع الصغير ": " رواه ابن مردويه عن أبي هريرة " قال:
" بإسناد ضعيف، ورواه عنه في " الفردوس " وبيض لسنده ".
ووجهه أنه يحتمل أن يكون عند ابن مردويه من طريق غير العبادلة عن ابن لهيعة أو
من طريق غيره من الضعفاء. والله أعلم.(2/343)
722 - " إذا خفضت فأشمى ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى للزوج ".
رواه الدولابي (2 / 122) والخطيب في " التاريخ " (5 / 327) عن محمد بن
سلام الجمحي مولى قدامة بن مظعون قال: حدثنا زائدة بن أبي الرقاد أبو معاذ عن
ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم عطية:
فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير زائدة بن أبي الرقاد فإنه منكر الحديث
كما قال الحافظ في " التقريب ". وأما قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 /
172) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وإسناده حسن ". فإن كان من غير هذا
الوجه فمحتمل وإن كان منه فلا وما أراه إلا منه، فقد رأيت ابن عدي قد أخرجه
في " الكامل " (150 / 2) وقال: " هذا يرويه عن ثابت زائدة بن أبي الرقاد
ولا أعلم يرويه غيره، وزائدة له أحاديث حسان، وفي بعض أحاديثه ما ينكر ".
قلت: وروى الخطيب عن القواريري أنه أنكر هذا الحديث.
قلت: لكن للحديث طريق أخرى عن أنس أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 /
245) عن إسماعيل بن أبي أمية حدثنا أبو هلال الراسبي: سمعت الحسن: حدثنا أنس
قال: " كانت ختانة بالمدينة يقال لها: أم أيمن، فقال: لها النبي صلى الله
عليه وسلم ... " فذكره.
قلت: ورجاله موثقون غير إسماعيل هذا والظاهر أنه الذي في " الميزان "
و" اللسان ":(2/344)
" إسماعيل بن أمية، ويقال: ابن أبي أمية حدث عن أبي الأشهب
العطاردي تركه الدارقطني ".
وله شاهد من حديث علي قال: " كانت خفاضة بالمدينة، فأرسل إليها رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. أخرجه الخطيب (12 / 291) من طريق عوف بن
محمد أبي غسان حدثنا أبو تغلب عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري حدثنا
مسعر عن عروة بن مرة عن أبي البختري عنه. ذكره في ترجمة عوف هذا وقال عن ابن
منده: " روى عنه عمرو بن علي وبندار "، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
وأبو تغلب هذا لم أجد له ترجمة.
وبقية رجاله معروفون ثقات من رجال " التهذيب " لكن أبا البختري لم يسمع من علي
شيئا واسمه سعيد بن فيروز.
وله شاهد آخر، عن الضحاك بن قيس قال: " كانت أم عطية خافضة في المدينة،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8
/ 206 / 1) عن أبي أمية الطرسوسي أنبأنا منصور بن صقير أنبأنا عبيد الله بن
عمرو عن عبد الملك بن عمير عنه. وقال: " ذكر أبو الطيب أن الضحاك بن قيس هذا
آخر غير الفهيري ".
قلت: وهو الذي جزم به غير واحد وحكاه في " التهذيب " عن ابن معين والخطيب.(2/345)
قال المفضل الغلابي في " أسئلة ابن معين ": " وسألته عن حديث حدثنيه عبد الله
بن جعفر - هو الرقي - عن عبيد الله بن عمرو - هو الرقي - قال: حدثني رجل من
أهل الكوفة (عن عبد الملك بن عمير) عن الضحاك بن قيس قال: (قلت: فذكره)
فقال: الضحاك بن قيس ليس بالفهري ".
قلت: ورواية ابن جعفر هذه تدل على أنه سقط من إسناد ابن عساكر الرجل الكوفي
ولعل ذلك من منصور بن صقير، فإنه ضعيف، ومن طريقه أخرجه ابن منده كما في
" التهذيب ". وقد جاءت رواية فيها تسمية الرجل الكوفي، أخرجها أبو داود
(5271) من طريق مروان حدثنا محمد بن حسان الكوفي، عن عبد الملك بن عمير عن
أم عطية الأنصارية: " أن امرأة كانت تختن في المدينة، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم ... " فذكره بنحوه. وقال: " روي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد
الملك بمعناه وإسناده، قال أبو داود: ليس هو بالقوي وقد روي مرسلا، ومحمد
بن حسان مجهول وهذا الحديث ضعيف ". قلت: وسبب الضعف الجهالة والاضطراب في
إسناده كما ترى، وقد قال الحافظ عقب رواية ابن صقير عند ابن منده: " وقد
أدخل عبد الله بن جعفر الرقي، وهو أوثق من منصور بين عبيد الله وعبد الملك
الرجل الكوفي الذي لم يسمه، فيظهر من رواية مروان بن معاوية أنه محمد بن حسان
الكوفي فهو الذي تفرد به وهو مجهول. ويحصل من هذا أنه اختلف(2/346)
على عبد الملك
بن عمير هل رواه عن أم عطية بواسطة أو لا؟ وهل رواه الضحاك عن النبي صلى الله
عليه وسلم وسمعه منه أو أرسله؟ أو أخذه عن أم عطية؟ أو أرسله عنها؟ كل ذلك
محتمل ".
وأقول: لكن مجيء الحديث من طرق متعددة ومخارج متباينة لا يبعد أن يعطي ذلك
للحديث قوة يرتقي بها إلى درجة الحسن، لاسيما وقد حسن الطريق الأولى الهيثمي
كما سبق، والله أعلم.
ثم وجدت للكوفي متابعا، أخرجه الحاكم (3 / 525) من طريق هلال بن العلاء
الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الملك بن عمير عن
الضحاك ابن قيس، قال: " كانت بالمدينة امرأة تخفض ... " الحديث.
وسكت عليه الحاكم والذهبي، ورجاله ثقات، غير العلاء بن هلال الرقي والد
هلال، قال الحافظ: فيه لين. وزيد بن أبي أنيسة حراني، فلم يتفرد به محمد
بن حسان الكوفي. والله أعلم. والضحاك بن قيس صحابي ثبت سماعه في غير ما
حديث واحد، وسيأتي أحدها برقم (1189) .
ووجدت له شاهدا آخر يرويه مندل بن علي عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن نافع
عن ابن عمر قال: " دخل على النبي صلى الله عليه وسلم " نسوة من الأنصار فقال:
يا نساء الأنصار اخضبن غمسا واخفضن ولا تنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن وإياكن
وكفر المنعمين ". قال: مندل: يعني الزوج ".(2/347)
أخرجه البزار (175) وقال:
" مندل ضعيف ". وكذا قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 171 - 172) وزاد:
" وثق، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح. والله أعلم.
وأعلم أن ختن النساء كان معروفا عند السلف خلافا لما يظنه من لا علم عنده،
فإليك بعض الآثار في ذلك:
1 - عن الحسن قال: " دعي عثمان بن أبي العاص إلى طعامه، فقيل: هل تدري ما
هذا؟ هذا ختان جارية! فقال: هذا شيء ما كنا نراه على عهد رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأبى أن يأكل ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 7 / 2)
من طريق أبي حمزة العطار عنه.
قلت: وأبو حمزة اسمه إسحاق بن الربيع حسن الحديث كما قال أبو حاتم، وسائر
رواته موثقون، فإن كان الحسن سمعه من عثمان فهو سند حسن. وقد رواه محمد بن
إسحاق عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن الحسن به دون ذكر " جارية ".
أخرجه الطبراني أيضا وأحمد (4 / 217) ، وإسناده جيد لولا عنعنة ابن إسحاق،
فإنه مدلس، وبه أعله الهيثمي (4 / 60) .
2 - عن أم المهاجر قالت: " سبيت وجواري من الروم، فعرض علينا عثمان الإسلام
، فلم يسلم منا غيري وغير أخرى فقال: اخفضوهما وطهروهما، فكنت أخدم عثمان "
.(2/348)
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1245، 1246) .
3 - عن أم علقمة " أن بنات أخي عائشة ختن، فقيل لعائشة: ألا ندعو لهن من
يليهن؟ قالت: بلى، فأرسلت إلى عدي، فأتاهن، فمرت عائشة في البيت، فرأته
يتغنى، ويحرك رأسه طربا - وكان ذا شعر كثير - فقالت: أف، شيطان! أخرجوه،
أخرجوه ". أخرجه البخاري في " الأدب " (1247) .
قلت: وإسناده محتمل للتحسين، رجاله ثقات، غير أم علقمة هذه واسمها مرجانة
وثقها العجلي وابن حبان، وروى عنها ثقتان.
723 - " اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا. قاله للمطلقة ثلاثا وهي
في عدتها ".
أخرجه مسلم (4 / 200) وأبو داود (1 / 525 - طبعة الحلبي) والدارمي (2 /
168) وابن ماجه (1 / 627) والحاكم (2 / 207) وأحمد (3 / 321) من طرق
عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: " طلقت خالتي ثلاثا، فخرجت تجد
نخلا لها، فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له،
فقال لها "، فذكره. اللفظ لأبي داود والدارمي والحاكم وقال: " صحيح على
شرط مسلم " ووافقه الذهبي. وهو كما قالوا والعهدة عليهم.
قلت: ولعله إنما استدركه على مسلم لمغايرة يسيرة في اللفظ، لأنه قال:
" بلى فجدي ... " وقال: " معروفا " بدل " خيرا ". وهو لفظ أحمد وابن ماجه.(2/349)
724 - " عليكم بالإثمد عند النوم، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر ".
أخرجه ابن ماجه (3496) والقاضي الخلعي في " الفوائد " (20 / 50 / 1) من
طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وإسماعيل هذا ضعيف، لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه محمد بن إسحاق عن
محمد بن المنكدر به. أخرجه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 4 / 2)
والبغوي في " شرح السنة " (3 / 357) . لكن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه.
إلا أنه لم يتفرد به، فقد أخرجه المخلص وابن عدي في " الكامل " (143 / 2)
من طريق زياد بن الربيع قال: حدثنا هشام بن حسان عن محمد ابن المنكدر به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. وقد أعل بما لا يقدح، فقد ذكره ابن
أبي حاتم في " العلل " (2 / 260) من هذه الطريق، وأنه سأل عنه أباه،
فأجابه بقوله: " حديث منكر، لم يروه عن محمد إلا الصعقل (!) إسماعيل بن
مسلم ونحوه ولعل هشام بن حسان أخذه من إسماعيل بن مسلم، فإنه كان يدلس ".
قلت: لم أر من رماه بالتدليس مطلقا وإنما تكلموا في روايته عن الحسن وعطاء
خاصة لأنه كان يرسل عنهما كما قال أبو داود، ولذلك قال الحافظ: " ثقة من
أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال، لأنه قيل: كان
يرسل عنهما ".(2/350)
وهذا الحديث من روايته عن محمد بن المنكدر، فلا مجال لإعلاله
، لاسيما وللحديث شاهد بنحوه من حديث ابن عباس عند الترمذي وحسنه وقد خرجته
في " المشكاة " (4472) وليس لديه " عند النوم " لكنها عند أحمد (1 / 274)
وابن حبان (1440) من طريق أخرى عنه نحوه.
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وللزيادة شاهد آخر من حديث أبي النعمان
معبد بن هوذة الأنصاري مرفوعا بلفظ: " اكتحلوا بالإثمد المروح، فإنه يجلو
البصر وينبت الشعر ". أخرجه أحمد (3 / 476، 499 - 500) وأبو داود (2377
) وقال: " قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر ".
قلت: وعلته أنه من رواية النعمان بن معبد بن هوذة وهو مجهول كما في
" التقريب ". والحديث أخرجه ابن ماجه (3495) والحاكم (4 / 207) من حديث
جابر مرفوعا به دون الزيادة، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".
وأقول: فيه عثمان بن عبد الملك، وهو لين الحديث كما قال الحافظ في
" التقريب ".
725 - " كان أول من ضيف الضيف إبراهيم، وهو أول من اختتن على رأس ثمانين سنة
واختتن بالقدوم ".
رواه ابن عساكر (2 / 167 / 1) : أخبرنا أبو المعالي محمد بن إسماعيل ابن(2/351)
محمد
بن إسماعيل بن محمد بن الحسين أنبأنا أبو حامد أحمد بن الحسن ابن محمد الأزهري
أنبأنا أبو محمد المخلدي أنبأنا أبو العباس السراج أنبأنا محمد بن عثمان ابن
كرمة العجلي أنبأنا أبو أسامة: حدثني محمد بن عمرو، أنبأنا أبو سلمة بن عبد
الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات معرفون، وأبو المعالي هو الفارسي ثم
النيسابوري راوي " السنن الكبرى " للبيهقي، وراوي " البخاري " عن العيار كما
في " شذرات الذهب " (4 / 124 - 125) . وأبو حامد الأزهري هو النيسابوري
الشروطي الثقة كما في " الشذرات " أيضا (3 / 311) . وأبو محمد المخلدي اسمه
الحسن بن أحمد بن الحسن من أهل نيسابور، قال السمعاني في " الأنساب " (514 /
2) : " روى عنه الحاكم ووثقه وجماعة سواه، توفي سنة 339 ".
قلت: وقد فات هذا صاحب " الشذرات " فلم يورده في وفيات هذه السنة.
وأبو العباس السراج هو الحافظ الثقة صاحب " المسند " المعروف به.
وبقية رجال الإسناد معرفون من رجال " التهذيب ".
والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من حديث أبي هريرة دون الشطر
الثاني منه من رواية ابن أبي الدنيا في " قرى الضيف "، وبيض له المناوي، فلم
يتكلم عليه بشيء.(2/352)
726 - " أخذنا فألك من فيك ".
أخرجه أبو داود (2 / 158 - 159) وأحمد (2 / 388) وابن السني (رقم 286)
والحسن بن علي الجوهري (ق 28 / 1) من طريق وهيب عن سهيل بن أبي صالح عن رجل
عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته، فقال "
. فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح لولا الرجل الذي لم يسم. لكنه قد جاء، مسمى
، فأخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 270) من طريقين
آخرين عن وهيب به إلا أنه قال: " عن أبيه " وأبوه هو أبو صالح واسمه ذكوان
ثقة من رجال الشيخين، فصح الحديث والحمد لله.
وله شاهد من حديث كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده به. أخرجه أبو
الشيخ وابن السني (285) وابن عدي في " الكامل " (274 / 2) وقال:
" كثير عامة أحاديثه لا يتابع عليه ".
ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، قال الهيثمي في
" المجمع " (5 / 106) : " وكثير بن عبد الله ضعيف جدا، وقد حسن الترمذي
حديثه وبقية رجاله ثقات ".
وله شاهد آخر، من حديث ابن عمر به نحوه. أخرجه أبو الشيخ عن حفص بن عمار
أنبأنا مبارك بن فضالة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه.
وهذا سند ضعيف، المبارك ضعيف وحفص بن عمار مجهول.(2/353)
ورواه الديلمي في " مسند
الفردوس " (1 / 1 / 87) من طريق البزار عن حفص.
ومن شواهده ما رواه العسكري في الأمثال، والخلعي في " فوائده " عن سمرة بن
جندب. قال المناوي: " ورمز السيوطي للحديث بالحسن، ولعله لاعتضاده ".
قلت: وكأنهما لم يقفا على الطريق الصحيحة عند أبي الشيخ عن أبي هريرة،
فالحمد لله على توفيقه.
727 - " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله يطعمهم ويسقيهم ".
روي من حديث عقبة بن عامر الجهني وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر
وجابر بن عبد الله.
1 - أما حديث عقبة، فيرويه بكر بن يونس بن بكير عن موسى بن علي عن أبيه عنه
به. أخرجه الترمذي (2 / 3) وابن ماجه (3444) والروياني في " مسنده " (9
/ 49 / 1) وابن أبي حاتم (2 / 242) وابن عدي في " الكامل " (36 / 2)
وقال: " ليس يرويه عن موسى بن علي غير بكر بن يونس وعامة ما يرويه لا يتابعونه
عليه، وقال البخاري: منكر الحديث ". وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: " هذا
حديث باطل، وبكر هذا منكر الحديث ".(2/354)
كذا قال " باطل "! ولا يخلو من مبالغة
، فإن بكرا لم يجمع على ضعفه فضلا عن تركه فقد قال العجلي فيه: " لا بأس به "
. وذكره ابن حبان في " الثقات " وإن كان الجمهور على تضعيفه، فالحق أن حديثه
ضعيف إذا لم يوجد ما يشهد له ويقويه وليس الأمر كذلك هنا لما يأتي له من
الشواهد، ولعله لذلك قال الترمذي عقبه: " حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من
هذا الوجه ".
2 - أما حديث عبد الرحمن بن عوف، فيرويه إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد
بن العلاء الثقفي حدثني خالي الوليد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه الحاكم (4 / 410) وقال:
" صحيح الإسناد، رواته كلهم مدنيون وعندنا فيه حديث مالك عن نافع الذي تفرد
به محمد بن محمد بن الوليد اليشكري عنه ".
قلت: كذا قال! ووافقه الذهبي وهو عجب منهما، فإن ما بين عبد الرحمن بن عوف
والحزامي لم أجد من ترجمهم، وقوله: " الوليد بن عبد الرحمن بن عوف " كأنه
نسب إلى جده ولم أدر اسم والد الوليد، وقد ذكر الحافظ في ترجمة عبد الرحمن
بن عوف أنه روى عنه أولاده: إبراهيم وحميد وعمر ومصعب وأبو سلمة ".
وقد راجعت ترجمة الوليد منسوبا إلى كل من هؤلاء الخمسة في " الجرح والتعديل "
وغيره فلم أعثر عليه. والله أعلم.(2/355)
وأما قوله: " وعندنا فيه ... " الخ. فيعني الحديث الآتي، ومما سترى في
تخريجه يتبين لك أن قوله: " تفرد به اليشكري " إنما هو على مبلغ علمه وإلا
فقد تابعه جمع كما يأتي.
3 - أما حديث ابن عمر، فأخرجه العقيلي في " الضعفاء " (257) والدارقطني في
" غرائب مالك " من طريق عبد الوهاب بن نافع العامري قال: حدثنا مالك عن نافع
عن ابن عمر مرفوعا به، وقال العقيلي: " عبد الوهاب منكر الحديث لا يقيمه ".
وقال الدارقطني: " عبد الوهاب واه جدا ". ثم قال العقيلي: " ليس له أصل من
حديث مالك ولا رواه ثقة عنه وله رواية من غير هذا الوجه فيه لين أيضا ".
وقال الحافظ في " اللسان " عقب الحديث: " ثم أخرجه (الدارقطني) من خمسة
أوجه عن مالك، وقال: كل من رواه عن مالك ضعيف ".
قلت: لعل من هذه الأوجه رواية اليشكري التي أشار إليها الحاكم فيما تقدم من
كلامه، وقد أخرجها الخطيب في " الفوائد الصحاح الغرائب " (ج 1 رقم 17 -
منسوختي) من طريق محمد بن غالب بن حرب قال: حدثنا محمد بن الوليد اليشكري قال
: حدثنا مالك بن أنس به وقال: " هذا حديث غريب من حديث مالك بن أنس عن نافع
عن ابن عمر. تفرد بروايته محمد بن الوليد اليشكري، وتابعه علي بن قتيبة
الرفاعي عن مالك، وليس بثابت من حديثه ".(2/356)
قلت: واليشكري كذبه الأزدي وهو محمد بن عمر بن الوليد بن لاحق نسب إلى جده.
قال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه. وقال أبو حاتم: أرى أمره مضطربا.
4 - وأما حديث جابر، فيرويه محمد بن ثابت عن شريك بن عبد الله عن الأعمش عن
أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 50 - 51 / 221) وابن عساكر في " تاريخ
دمشق " (11 / 309 / 1) .
قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير شريك بن عبد الله وهو
القاضي، وهو صدوق سيء الحفظ.
ومحمد بن ثابت، هو أخو علي بن ثابت قال ابن معين: ثقة مأمون.
وقال ابن أبي حاتم (2 / 3 / 216) عن أبيه: " ليس به بأس ".
وجملة القول أن الحديث بهذا الشاهد حسن كما قال الترمذي، والله تعالى أعلم.(2/357)
(تنبيه) عزا السيوطي الحديث للترمذي وابن ماجه والحاكم عن عقبة، وأعله
المناوي ببكر بن يونس، وعزاه إلى " طب والمستدرك " ولم أره فيه إلا من حديث
عبد الرحمن بن عوف كما تقدم. والله أعلم.
728 - " إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران ".
أخرجه مسلم (5 / 94 - 95) وأحمد (2 / 252) من طريق أبي معاوية عن الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به، فحدثتها كعبا فقال كعب: ليس عليه
حساب ولا على مؤمن مزهد. وقد رواه غير أبي معاوية بلفظ: " نعما لأحدهم يحسن
عبادة ربه وينصح لسيده ". أخرجه البخاري (5 / 134) من طريق أبي أسامة عن
الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي هريرة مرفوعا. وأخرجه أحمد (2 / 390) من طريق
إسرائيل عن الأعمش به بلفظ: " نعما للمملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه "
وزاد: قال كعب: صدق الله ورسوله لا حساب عليه ولا على مؤمن مزهد. وله
طريق أخرى بلفظ: " نعما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله وصحابة سيده نعما
له ". أخرجه مسلم (5 / 95) من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام ابن منبه
عنه. وكذلك أخرجه أحمد (318) .(2/358)
729 - " إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة ".
أخرجه البخاري (1 / 20) والنسائي (1 / 353) والطيالسي (ص 86 رقم 615)
والسياق له من حديث أبي مسعود البدري مرفوعا.
وفي رواية للبخاري (6 / 189) : " المسلم " بدل " الرجل ".
730 - " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها
أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا ".
رواه البخاري (2 / 117، 119، 120) ومسلم (3 / 90) وأبو داود (1 / 267
) والنسائي (1 / 351 - 352) والترمذي (1 / 130) وصححه وابن ماجه (2 /
44) وأحمد (6 / 44، 99، 278) من حديث عائشة مرفوعا.
ولطرفه الأول شاهد بلفظ:
" إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف أجره ".
731 - " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف أجره ".
أخرجه البخاري (3 / 8 و 6 / 292) واللفظ له ومسلم (3 / 91) وأبو داود
(1 / 267) وأحمد (2 / 316) من حديث أبي هريرة، إلا أن أبا داود قال:
" فلها نصف أجره ".(2/359)
732 - " إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه
منكم قريب، فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه
أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه ".
رواه ابن سعد (1 / 387 - 388) : أخبرنا عبد الملك بن مسلمة ابن قعنب قال:
أخبرنا سليمان بن بلال عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد أو أبي
أسيد مرفوعا.
قلت: وهذا سند حسن، وهو على شرط مسلم، ورواه عبد الغنى المقدسي في "
العلم " (2 / 43 / 2) من طريق أخرى عن سليمان بن بلال به.
ورواه ابن وهب في " المسند " (8 / 164 / 2) أخبرني القاسم بن عبد الله عن
ربيعة بن أبي عبد الرحمن به. وابن حبان (92) والبزار كما في " الأحكام
الكبرى " رقم (101) ، وبينت في تعليقى عليه وجه كونه حسنا ومن صححه، وأن
الحديث خاص بطبقة معينة من أهل العلم.
وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 434) من طريق ابن أبي ذئب عن
سعيد المقبري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال يحيى عن أبي هريرة وهو
وهم ليس فيه أبو هريرة، إنما هو سعيد بن كيسان. قلت: فهو شاهد مرسل قوي.(2/360)
733 - " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، حفظ أمانة وصدق حديث وحسن
خليقة وعفة طعمة ".
رواه ابن وهب في " الجامع " (84) : أخبرني ابن لهيعة عن الحارث ابن يزيد عن
عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا. ورواه أحمد (2 / 177) : حدثنا حسن
حدثنا ابن لهيعة به وقال: الحارث ابن يزيد الحضرمي. وأخرجه الخرائطي في
" مكارم الأخلاق " (ص 6، 27، 52) والحاكم (4 / 314) وعنه البيهقي في
" الشعب " (2 / 104 / 1) من طرق عن ابن لهيعة به. وسكت الحاكم عليه وكذا
الذهبي.
قلت: وهذا سند حسن، بل صحيح، فإن ابن لهيعة وإن كان ضعيفا، فإنه من رواية
عبد الله بن وهب عنه، وهي صحيحة.
وله طريق أخرى، فقال ابن وهب وابن المبارك في " الزهد " (1204) :
أخبرنا موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص
، قال: فذكره موقوفا.
قلت: وهذا سند صحيح، فهو ثابت مرفوعا وموقوفا، ولا منافاة بينهما، فإن
الراوي قد لا ينشط أحيانا فيوقفه، كما يعلم ذلك العارفون بهذا العلم الشريف.(2/361)
734 - " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في
الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة ".
أخرجه مسلم (3 / 45) وأحمد (5 / 342، 343، 344) عن يحيى بن أبي كثير أن
زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه أن أبا مالك الأشعري حدثه به مرفوعا.
واستدركه الحاكم (1 / 383) فقال: " صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه مسلم
مختصرا ". كذا قال، وهو عنده بهذا اللفظ إلا أنه قال في أوله:
" إن في أمتي أربعا من أمر الجاهلية ليسوا بتاركيهن الفخر ... " الحديث.
وله شاهد بلفظ:
" أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس: النياحة والطعن في الأحساب
والعدوى: أجرب بعير فأجرب مائة بعير، من أجرب البعير الأول؟ ! والأنواء:
مطرنا بنوء كذا وكذا ".
735 - " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس: النياحة والطعن في الأحساب
والعدوى: أجرب بعير فأجرب مائة بعير، من أجرب البعير الأول؟! والأنواء:
مطرنا بنوء كذا وكذا ".
أخرجه الترمذي (1 / 186 طبع بولاق) والطحاوي (2 / 378) والطيالسي (رقم
2395) وأحمد (2 / 291، 414، 415، 455، 526، 531) عن علقمة بن مرثد عن
أبي الربيع المدني عن أبي هريرة به. وقال الترمذي: " حديث حسن ".
وأبو الربيع هذا كأنه مجهول وقال أبو حاتم: " صالح الحديث " وفي التقريب:
إنه مقبول. ورواه البزار بلفظ:(2/362)
" أربع في أمتي ليس هم بتاركيها: الفخر في
الأحساب والطعن في الأنساب، والنياحة، تبعث يوم القيامة النائحة إذا لم تتب
عليها درع من قطران ".
هكذا أورده الهيثمي في " المجمع " (3 / 13) وقال: رواه البزار وإسناده
" حسن ". ولم تذكر فيه الخصلة الرابعة، فلا أدري أسقطت من الراوي أم من
الناسخ، وهذه الزيادة: " النائحة إذا لم تتب " الخ صحت من حديث أبي مالك
الأشعري كما سيأتي في " النائحة ... " رقم (1952) .
وللحديث شواهد بألفاظ " اثنتان في الناس ". وهو مخرج في " شرح الطحاوية "
(ص 298) " ثلاث من عمل ". " ثلاثة من الكفر " وسيأتيان (1801) . " شعبتان
من الكفر " وسيأتي (1896) . (ثلاث لا يتركن) .
736 - " أرحامكم أرحامكم ".
رواه ابن حبان (2037) والحافظ العراقي في " المجلس 86 من الأمالي " عن الحسن
بن سفيان حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبير حدثنا سفيان عن سليمان
التيمي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في
مرضه ... فذكره وقال: " هذا حديث صحيح، أخرجه بن حبان في صحيحه هكذا وقد
رواه الرافعي في " أماليه " من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ:
" صلوا أرحامكم، فإنه أبقى لكم في الدنيا والآخرة ". ولم يقل: " في مرضه ".
737 - " استعيذوا بالله تعالى من العين فإن العين حق ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 356) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (89 - 90)(2/363)
والديلمي (1 / 1 / 48 - 49) والحاكم (4 / 215) من طريق وهيب عن أبي واقد
الليثي قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن عائشة رضي الله عنها به
مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما
قالا.
738 - " أسرع قبائل العرب فناء قريش، ويوشك أن تمر المرأة بالنعل، فتقول: إن هذا
نعل قرشي ".
أخرجه أحمد (2 / 336) حدثنا عمر بن سعد: حدثنا يحيى - يعني - ابن زكريا بن
أبي زائدة عن سعد بن طارق عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وفي " المجمع " (10 / 28) :
" رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ببعضه والطبراني في " الأوسط " وقال:
" هذه " بدل " هذا " ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح ".
وللحديث شاهد من رواية عائشة بلفظ: " يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقا ".
ويأتي إن شاء الله تعالى برقم (1953) .
739 - " من لائمكم من خدمكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ومن لا
يلائمكم من خدمكم فبيعوا ولا تعذبوا خلق الله عز وجل ".(2/364)
أخرجه أحمد (5 / 168، 173) وكذا أبو داود (2 / 337) عن منصور عن مجاهد عن
مورق عن أبي ذر مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين وله شاهد بلفظ:
" أرقاءكم، أرقاءكم، أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون، فإن جاؤوا
بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم ".
740 - " أرقاءكم، أرقاءكم، أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون، فإن جاءوا
بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم ".
قال في " المجمع " (4 / 236) : " رواه أحمد والطبراني عن يزيد بن جارية،
وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف ".
قلت: هو في المسند (4 / 35 - 36) عن سفيان عن عاصم يعني ابن عبيد الله عن
عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه مرفوعا.
وكذا رواه ابن سعد في " الطبقات " (2 / 185) لكن وقع فيه عبد الرحمن بن زيد
بن الخطاب عن أبيه، فجعله من مسند زيد بن الخطاب، وكل من عبد الرحمن بن يزيد
بن جارية، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قد روى عنه عاصم بن عبيد الله،
فلعله اختلط الأمر عليه، فكان تارة يرويه عن هذا، وتارة عن هذا.
ورجاله ثقات رجال البخاري غير عاصم هذا فهو كما قال الهيثمي ضعيف، وتبعه
الحافظ في " التقريب ". لكن الحديث له شاهد بلفظ:(2/365)
" كان يوصي بالمملوكين خيرا
ويقول: أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم من لبوسكم ولا تعذبوا خلق الله عز وجل
". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد (29) حدثنا شعبة بن سليمان قال: حدثنا
مروان بن معاوية قال: حدثنا الفضل بن مبشر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول:
فذكره. وهذا سند ضعيف الفضل بن مبشر فيه لين كما في " التقريب ".
وشعبة بن سليمان لم أعرفه، وأخشى أن يكون وقع فيه تحريف من النساخ وأما
مروان بن معاوية فثقة حافظ من رجال الستة.
ثم رأيت البخاري أخرجه في مكان آخر ص (30 - 31) فقال: حدثنا عبد الله بن
مسلمة قال حدثنا مروان بن معاوية به.
741 - " أوصيك أن تستحي من الله عز وجل كما تستحي رجلا من صالحي قومك ".
أخرجه أحمد في " الزهد " (ص 46) وأبو عروبة الحراني في " الطبقات " (2 / 10
/ 1 - المنتقى منه) والسلمي في " آداب الصحبة " (ق 12 / 1) والبيهقي في
" الشعب " (2 / 462 / 2) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 50) من طريقين
عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد سمع سعيد بن يزيد
الأنصاري: " أن رجلا قال: يا رسول الله أوصني، قال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، على خلاف في صحبة سعيد ابن يزيد
وهو ابن الأزور وقد أثبتها له أبو الخير هذا كما في بعض طرق هذا الحديث وهو
أدرى بها من غيره، وقال المناوي في " الفيض ": " قال الذهبي: روى عنه أبو
الخير اليزني وزعم أن له صحبة. اهـ.
قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. فذكره. قال الهيثمي: رجاله
وثقوا على ضعف فيهم ".(2/366)
وقد روي الحديث عن أبي أمامة، غير أن إسناده فيه متهم
، فلم أستجز الاستشهاد به، فأوردته في السلسلة الأخرى (1637) .
742 - " قال الله عز وجل: وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في
الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه
عبادي ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 98) من طريقين عن محمد بن يعلى حدثنا عمر
بن صبح عن ثور عن مكحول عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد واه بالمرة، عمر بن صبح قال ابن حبان وغيره: " يضع الحديث
". لكن له طريق آخر أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " برقم (157) :
أخبرنا عوف عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه.
وهذا إسناد صحيح، لكنه مرسل. وقد وصله يحيى بن صاعد في " زوائد الزهد "
(158) قال: حدثنا محمد بن يحيى بن ميمون بالبصرة قال: أخبرنا عبد الوهاب بن
عطاء قال: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم نحوه. وتابعه البزار عن ابن ميمون هذا، فقد أورده الهيثمي في
" المجمع " (10 / 308) من الوجهين المرسل عن الحسن والموصول عن أبي هريرة
وقال: " رواهما البزار عن شيخه محمد بن يحيى بن ميمون ولم أعرفه وبقية رجال
المرسل رجال الصحيح وكذلك رجال المسند غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن
الحديث ".(2/367)
قلت: فالمسند ضعيف لجهالة محمد بن يحيى بن ميمون، ولكنه يتقوى بمرسل الحسن
البصري لأنه من غير طريقه، فيرتقي إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى.
743 - " أقيموا الصفوف، فإنما تصفون كصفوف الملائكة حاذوا بين المناكب وسدوا الخلل
ولا تذروا فرجات الشيطان، ومن وصل صفا وصله الله ".
رواه الدولابي في " الكنى " (1 / 39) عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة مرفوعا
. قلت: وسنده صحيح ولكنه مرسل لأن أبا شجرة واسمه كثير بن مرة الحضرمي
تابعي ثقة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا كما في " التهذيب " ولكنه
قد ثبت عنه موصولا بذكر عبد الله بن عمر فيه، فصح الحديث والحمد لله، ولذلك
خرجته في " صحيح أبي داود " (672) .
744 - " إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا، اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا
ومال الله عز وجل دولا ".
ورد من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأبي ذر الغفاري ومعاوية بن أبي
سفيان.
1 - أما حديث أبي هريرة، فيرويه سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن
أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه تمام في " الفوائد " (59 / 2) والبيهقي
في " دلائل النبوة " (ج 2) .(2/368)
وتابعه إسماعيل بن جعفر المدائني حدثنا العلاء
به. إلا أنه أوقفه على أبي هريرة، ولكنه في حكم المرفوع كما هو ظاهر.
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (305 / 2) وابن خزيمة في " حديث علي بن حجر "
(ج 3 رقم 15 - نسختي) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 176 / 2) .
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد سرد أبو يعلى بهذا الإسناد أحاديث
كثيرة جلها في " صحيح مسلم ".
2 - أما حديث أبي سعيد، فيرويه عطية عنه. أخرجه أحمد (3 / 80) والطبراني
في " المعجم الأوسط " (1 / 191 - 192) وتمام أيضا والبيهقي وابن عساكر
والحاكم (4 / 480) شاهدا للحديث الآتي.
3 - أما حديث أبي ذر، فيرويه شريك بن عبد الله عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن
حلام بن جذل الغفاري قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري يقول: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. أخرجه الحاكم (4 / 479 - 480)
وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وأقول: شريك سيء الحفظ ولم يحتج به مسلم. وحلام بن جذل، وفي " الجرح
والتعديل " (1 / 2 / 308) : " جزل " بالزاي ولعله الصواب وقال: " روى عنه
أبو الطفيل ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
قلت: فالرجل مجهول، وليس من رجال مسلم.(2/369)
4 - أما حديث معاوية فيرويه مصعب بن عبد الله حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى
بن عروة بن الزبير أو غيره قال: " اشتكى عمرو بن عثمان، فكان العواد يدخلون
عليه، فيخرجون ويتخلف عنده مروان، فيطيل، فأنكرت ذلك رملة بنت معاوية....
فلما خرج عمرو إلى الحج، خرجت رملة إلى أبيها، فقدمت عليه الشام، فأخبرته
(فقال) : أشهد يا مروان لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ".
أخرجه ابن عساكر (13 / 294 / 1) .
قلت: مصعب هذا صدوق عالم بالنسب، فإن كان حفظ اسم شيخه وأنه عبد الله بن
محمد.... فالإسناد واه جدا، لأن عبد الله متروك الحديث كما قال أبو حاتم
ولكنه لم يجزم بأنه هو، بل تردد بين أن يكون هو أو غيره.
وبالجملة، فالعمدة في إثبات صحة الحديث إنما هو الطريق الأولى والثانية
والثالثة شاهدان جيدان له. والله أعلم.
745 - " أسامة أحب الناس، ما حاشا فاطمة ولا غيرها ".
رواه الحاكم (3 / 596) وأحمد (2 / 96) وأبو أمية الطرسوسي " في مسند ابن
عمر " (210 / 1) والطبراني في " الكبير " (1 / 21 / 1) وابن عساكر (2 /
343 / 1) من طرق عن حماد بن سلمة عن موسى ابن عقبة عن سالم عن ابن عمر
مرفوعا به، وليس عند الحاكم الاستثناء المذكور، وقال:(2/370)
" صحيح على شرط مسلم
" ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
ثم أخرجه أحمد (2 / 89، 106) من طرق أخرى عن موسى به دون الاستثناء. وله
عنده (2 / 110) طريق ثانية: حدثنا سليمان أنبأنا إسماعيل أخبرني ابن دينار
عن ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد
، فطعن بعض الناس في إمرته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، وايم الله إن كان
لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده "
. وهذا إسناد صحيح، سليمان هو ابن داود الهاشمي وهو ثقة جليل فقيه وإسماعيل
هو ابن جعفر الأنصاري القاري ثقة ثبت. ومثله ابن دينار وهو عبد الله.
وأخرجه البخاري ومسلم.
746 - " اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث: في البقرة وآل عمران وطه ".
أخرجه ابن معين في " التاريخ والعلل " (10 / 152 / 2) وابن ماجه (3856)
وللطحاوي " مشكل الآثار " (1 / 63) والفريابي في " فضائل القرآن " (184 /
1) وتمام في " الفوائد " (36 / 2) وأبو عبد الله بن مروان القرشي في
" الفوائد " (25 / 110 / 2) والسياق له، والحاكم (1 / 506) من طريق عبد
الله بن العلاء قال: سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يخبر عن أبي أمامة مرفوعا
به. قال القاسم أبو عبد الرحمن: " فالتمست في البقرة، فإذا هو في آية الكرسي
* (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) * وفي آل عمران، فاتحتها * (الله لا إله
إلا هو الحي القيوم) * وفي طه: * (وعنت الوجوه للحي القيوم) * ".(2/371)
قلت: وهذا إسناد حسن، لأن القاسم ثقة لكن في حفظه شيء. وعبد الله بن
العلاء هو ابن زبر، وهو ثقة. وقد تابعه غيلان بن أنس وهو مقبول عند ابن
حجر. أخرجه ابن ماجه (3856) والطحاوي والفريابي.
والحديث قال المناوي بعد ما عزاه أصله لابن ماجه والطبراني والحاكم:
" وفيه هشام بن عماره مختلف فيه ".
قلت: هذا لا وجود له عند ابن ماجه والحاكم، فيحتمل أن يكون في طريق الطبراني
ولا يضر حديثه لأنه متابع عند الآخرين، فالحديث ثابت. والله أعلم.
747 - " أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس. (يعني بالعين
) ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1760) وعنه الطحاوي في " المشكل " (4 / 77)
: حدثنا طالب حبيب بن عمرو بن سهل - ضجيع حمزة - قال: حدثني عبد الرحمن بن
جابر عن أبيه.(2/372)
قلت: وهذا إسناد حسن. ابن جابر ثقة محتج به في " الصحيحين "، وطالب بن
حبيب صدوق يهم كما في " التقريب ". ومن طريقه رواه ابن أبي عاصم في " السنة "
(ق 24 / 2) والعقيلي (196) وابن عدي (208 / 1) وقال في طالب: " أرجو
أنه لا بأس به ". والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 106) : " رواه
البزار، ورجاله رجال الصحيح، خلا طالب بن حبيب بن عمرو وهو ثقة ". وقال
الحافظ في " الفتح " (10 / 167) : " وسنده حسن ". وقال السخاوي في
" المقاصد ": " ورجاله ثقات ".
748 - " أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة ".
أخرجه أبو داود (2 / 313) وأحمد (3 / 447) والضياء المقدسي في " المختارة
" (58 / 184 / 1) والخرائطي أيضا في " مكارم الأخلاق " (ص 33) عن الليث عن
ابن عجلان أن رجلا من موالي عبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي حدثه عن
عبد الله بن عامر أنه قال: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا
وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطيك،
فقال رسول الله: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرا قال: فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم " فذكره. ورجاله ثقات غير المولى الذي لم يسم، ومن
طريقه رواه البيهقي أيضا، ورواه ابن أبي الدنيا فسماه زيادا قاله في(2/373)
" الترغيب " (3 / 30) .
قلت: وكذلك سماه الضياء. وزياد هذا لم أعرفه، قال العراقي (3 / 117) :
" وله شاهد من حديث أبي هريرة وابن مسعود، ورجالهما ثقات إلا أن الزهري لم
يسمع من أبي هريرة ".
أقول: أما حديث ابن مسعود فلم أعرفه الآن، وأما حديث أبي هريرة فهو بلفظ:
" من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه شيئا، فهي كذبة ".
رواه ابن وهب في " الجامع " (80) بسند صحيح عن ابن شهاب عن أبي هريرة مرفوعا
، وأخرجه أحمد (2 / 452) .
وهذا سند رجاله ثقات، لكنه منقطع بين ابن شهاب وأبي هريرة، فإنه لم يسمع
منه كما قال الحافظ المنذري (3 / 29) والعراقي.
749 - " أما إنك لا تجني عليه، ولا يجني عليك ".
أخرجه النسائي (2 / 251) وأحمد (2 / 226 - 228 و 4 / 163) والدولابي في
" الكنى " (1 / 29) من طريق إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال: " أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم مع أبي فقال: من هذا معك؟ قال: ابني، أشهد به، قال "
فذكره.(2/374)
وهذا سند صحيح. وزاد أحمد في رواية: " وقرأ رسول الله صلى الله
عليه وسلم: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ". ثم أخرجه ابنه عبد الله من طريق
أخرى عن أبي رمثة وفيه الزيادة. وفيه ثابت بن منقذ وليس بالمشهور كما في
" التعجيل ". ثم الحديث رواه أبو داود والبغوي والباوردي وابن قانع
والطبراني في " الكبير " والحاكم والبيهقي في " السنن " عن أبي رمثة كما في
" المنتخب " (6 / 126) . وأقول: إنما رواه أبو داود (2 / 195) بدون
الجملة الثانية.
750 - " أكثر منافقي أمتي قراؤها ".
ورد من حديث عبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعبد الله بن عباس وعصمة بن
مالك.
1 - أما حديث ابن عمرو، فله عنه طريقان:
الأولى: عن محمد بن هدية الصدفي عنه. أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد "
(451) ومن طريقه أحمد (2 / 175) وعنه ابن بطة في " الإبانة " (5 / 48 /
2) والبخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 257 / 822) والفريابي في "
صفة النفاق " (ص 53 - 54) : حدثنا عبد الرحمن بن شريح المعافري: حدثني
شراحيل بن يزيد عنه به. وقال بعضهم: شرحبيل بن يزيد، وشراحيل أصح كما قال
البخاري وابن أبي حاتم (4 / 1 / 115) عن أبيه.(2/375)
وأخرجه أحمد أيضا
والفريابي (ص 54) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن شريح به. قلت: وهذا إسناد
رجاله ثقات غير محمد بن هدية، فلم أر من وثقه.
الثانية: يرويه ابن لهيعة حدثنا دراج عن عبد الرحمن بن جبير عنه.
أخرجه أحمد وابن بطه.
وإسناده حسن في المتابعات، فإن دراجا فيه ضعف، ومثله ابن لهيعة، لكن
الراوي عنه عند ابن بطه عبد الله بن وهب، وهو صحيح الحديث عنه، لأنه سمع منه
قديما، وكذلك عبد الله بن المبارك وعبد الله ابن يزيد المقري.
2 - وأما حديث عقبة، فيرويه عنه مشرح بن هاعان، وله عنه طريقان:
الأولى: عن ابن لهيعة حدثنا مشرح به.
أخرجه أحمد (4 / 151، 154 - 155) والفريابي وابن بطة وابن قتيبة في "
غريب الحديث " (1 / 105 / 1) وابن عدي في " الكامل (211 / 1) والخطيب في
" تاريخ بغداد " (1 / 56 / 6) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10 / 19 / 1)
من طرق عنه.
وهذا إسناد حسن، مشرح ثقة، وفيه كلام يسير من قبل حفظه، لا يضر، وابن
لهيعة ثقة إذا روى عنه أحد العبادلة، وهذا قد رواه عنه العبادلة الثلاثة:
عبد الله بن يزيد عند أحمد، وابن المبارك عند الفريابي، وابن وهب عند ابن
بطة، لاسيما وقد توبع، وهو فيما يأتي.
والأخرى: قال أحمد: حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا الوليد بن المغيرة حدثنا
مشرح بن هاعان به.(2/376)
وأخرجه الفريابي (53) من هذا الوجه.
قلت: وهذا إسناد جيد، الوليد بن المغيرة ثقة.
وأبو سلمة الخزاعي - واسمه منصور بن سلمة - ثقة ثبت كما في " التقريب ".
ومشرح عرفت حاله وصدقه.
3 - أما حديث ابن عباس، فيرويه حفص بن عمر العدني قال: حدثنا الحكم بن أبان
عن عكرمة عنه. أخرجه العقيلي في ترجمة العدني هذا وقال (99) :
" لا يتابع عليه من حديث ابن عباس، وقد روي هذا عن عبد الله بن عمرو عن النبي
صلى الله عليه وسلم بإسناد صالح ".
4 - وأما حديث عصمة بن مالك، فيرويه الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب
عنه. أخرجه ابن عدي في ترجمة الفضل هذا وقال في آخرها (324 / 1) :
" عامة حديثه مما لا يتابع عليه، إما سندا، وإما متنا ".
وقال أبو حاتم: " أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل ". ومن طريقه رواه
الطبراني كما في " فيض القدير " للمناوي وقال: " وهو ضعيف ".
قلت: وبالجملة فالحديث صحيح بالطرق التي قبل هذه. والله أعلم.(2/377)
751 - " أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون
ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ".
أخرجه الطبراني في " معجمه الصغير " (ص 125) ومن طريقه أبو نعيم في " أخبار
أصبهان " (2 / 67) حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني حدثنا عبد الرحمن بن
عبد الله بن الحكم حدثنا يعقوب بن أبي عباد القلزمي حدثنا محمد بن عيينة عن
محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري
مرفوعا به. وقال: " لم يروه عن محمد بن عيينة - أخي سفيان - إلا يعقوب ".
قلت: ولم أجد له ترجمة وبقية رجاله موثوقون كلهم.
وفي " المجمع " (8 / 21) . " رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه يعقوب
بن أبي عباد القلزمي ولم أعرفه ".
قلت: ثم عرفته وهو يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد، نسب إلى جده. قال ابن أبي
حاتم (4 / 203) " محله الصدق، لا بأس به " ووثقه السمعاني، فثبت الإسناد
والحمد لله.
وقد جاء مجموع الحديث في أحاديث متفرقة، فانظر الحديث المتقدم برقم (284) .
ومن شواهده الحديث الآتي بلفظ:
" إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن
أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء العنت ".(2/378)
أخرجه الطبراني في " الصغير " (172) من طريق صالح المري عن سعيد الجريري عن
أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الطبراني: " لم يروه عن الجريري
إلا صالح المري ".
قلت: وهو ضعيف كما في " التقريب "، ولذلك أشار المنذري (3 / 260) إلى ضعف
الحديث. وقال الهيثمي (8 / 21) : " رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه
صالح بن بشير المري، " وهو ضعيف ". وقال شيخه العراقي (2 / 141) :
" سنده ضعيف "، ورواه الخطيب (5 / 563) عن الطبراني.
قلت: لكن الحديث له شواهد كثيرة يرقى بها إلى درجة الحسن، منها:
" إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة محاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي
وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقا، الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ".
أخرجه أحمد (4 / 193، 194) من طريق داود عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني
مرفوعا. وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وقال الهيثمي (8 / 21) :
" رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ". وكذا قال المنذري (3 /
261) ، وذكر أن ابن حبان أخرجه أيضا في " صحيحه ".
قلت: غير أن الحديث منقطع فإن مكحولا لم يسمع من أبي ثعلبة كما في " التهذيب "
، لكن هذا الانقطاع ينجبر بمجيء الحديث من طرق أخرى، منها ما سيأتي(2/379)
عن جابر
برقم (791) ومنها بلفظ: " إن أحبكم إلي يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن
أبغضكم إلي يوم القيامة المتشدقون المتفيهقون ".
رواه الطبراني عن ابن مسعود رفعه. قال الهيثمي (8 / 21) : " وفيه عبد الله
الرمادي ولم أعرفه ". ورواه البزار بلفظ: " ألا أنبئكم بخياركم ".
وله شواهد تقويه انظر الحديثين قبله.
752 - " طاعة الإمام حق على المرء المسلم ما لم يأمر بمعصية الله عز وجل، فإذا أمر
بمعصية الله، فلا طاعة له ".
أخرجه تمام في " الفوائد " (10 / 1) : أخبرنا الحسن بن حبيب حدثنا بدر ابن
الهيثم الدمشقي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا عبد الرحمن بن المغراء عن
عبيد الله بن عمر(2/380)
عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير عبد الرحمن بن المغراء وهو صدوق تكلم
في حديثه عن الأعمش، كما في " التقريب "، وهذا من روايته عن غيره كما ترى،
فالحديث جيد، لاسيما وفي معناه أحاديث كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما.
وبدر بن الهيثم، هو أبو القاسم اللخمي القاضي الكوفي نزيل بغداد ترجمه الخطيب
(7 / 107 - 108) وقال: " وكان ثقة، من المعمرين، مات سنة 317 ". وسقطت
ترجمته من " تاريخ دمشق " لابن عساكر، نسخة المكتبة الظاهرية، فيها بياض مكان
الترجمة. والحسن بن حبيب، هو أبو علي الفقيه الشافعي المعروف بـ (الخضايري
) ترجمه ابن عساكر (4 / 213 / 2) ترجمة جيدة وقال: " أحد الثقات الأثبات،
ولد سنة (242) ومات سنة (338) ".
والحديث عزاه في " الجامع الصغير " للبيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة. وبيض
له المناوي، فلم يتكلم على إسناده بشيء. فالحمد لله على توفيقه.
753 - " كان يحتجم في رأسه، ويسميه أم مغيث ".
أخرجه تمام في " الفوائد " (20 / 2) والخطيب في " تاريخ بغداد " (13 / 95)
من طريق زكريا بن يحيى الواسطي - رحمويه - حدثنا بشر بن عبد الله بن عمر بن عبد
العزيز أخبرني عبد العزيز بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: فذكره مرفوعا.(2/381)
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير بشر بن عبد الله هذا، ترجمه ابن أبي
حاتم (1 / 1 / 361) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن يروي عنه جماعة من
الثقات، وهو على شرط ابن حبان، فلعله في كتابه " الثقات ".
وعبد العزيز بن عمر، مع كونه من رجال الشيخين فقد تكلم فيه، فأورده الذهبي
في " الضعفاء " وقال: " ثقة، ضعفه أبو مسهر ". وقال الحافظ في " التقريب "
: " صدوق يخطىء ". والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للخطيب وحده فقصر!
754 - " أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، أطعموها الأسارى ".
أخرجه ابن منده في " المعرفة " (2 / 275 / 1) أنبأنا أبو بكر بن خلاد أنبأنا
الحارث بن أبي أسامة أنبأنا معاوية بن زائدة أنبأنا عاصم بن كليب الجرمي
حدثني أبي أن رجلا من الأنصار أخبره قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في جنازة، قال: وأنا غلام مع أبي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم على حفيرة القبر جالسا قال: فأخذ من حفيرة القبر فرمى للحافر قال: يقول
:(2/382)
أوسع من قبل رأسه، وأوسع من قبل رجليه، رب عدق له في الجنة ".
قلت: وهذا سند صحيح.
وأخرجه هو وأبو داود (3332) من طريقين آخرين عن عاصم بن كليب عن أبيه عن
رجل من الأنصار قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من
الأنصار، فلما انصرفنا لقينا داعي امرأة من قريش فقال: إن فلانة تدعوك ومن
معك على طعام، فانصرف، وجلس وجلسنا معه، وجيء بالطعام، فوضع النبي صلى
الله عليه وسلم يده ووضع القوم أيديهم، فنظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فإذا أكلته في فيه لا يسيغها، فكفوا أيديهم لينظروا ما يصنع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأخذ لقمته فلفظها، وقال: أجد ... " الحديث.
755 - " يتجلى لنا ربنا عز وجل يوم القيامة ضاحكا ".
أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (153) والطبراني في " المعجم الكبير "
وتمام في " الفوائد " (83 / 2) وأحمد (4 / 407 - 408) من طريق حماد بن
سلمة: حدثنا علي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
ولفظ أحمد وهو رواية لابن خزيمة: " يجمع الله عز وجل الأمم في صعيد يوم
القيامة، فإذا بدا لله أن يصدع بين خلقه، مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون،
فيتبعونهم حتى يقحمونهم في النار، ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن على مكان رفيع
، فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون. فيقول: ما تنتظرون، فيقولون:
ننتظر ربنا عز وجل، قال: فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟(2/383)
فيقولون: نعم،
فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: إنه لا عدل له، فيتجلى لنا ضاحكا،
فيقول: أبشروا أيها المسلمون، فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت مكانه في النار
يهوديا أو نصراينا ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عمارة هذا لم أعرفه، وقوله " بدا لله " منكر.
وعلي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف الحفظ، لكن الحديث صحيح في الجملة، فإن له
شاهدا من حديث جابر بن عبد الله من رواية أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله
يسأل عن الورود؟ فقال: " نجيء نحن يوم القيامة - عن كذا وكذا، انظر أي ذلك
فوق الناس، قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم
يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا عز وجل، فيقول
: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك ... " الحديث.
أخرجه مسلم (1 / 122) وأحمد (3 / 383) ، وله عنده (3 / 345) طريق أخرى
عن أبي الزبير به نحوه مرفوعا.
قلت: فهذا يدل على أن ابن جدعان قد حفظ الحديث، وأما بقية الحديث عند أحمد،
فقد أخرجه هو (4 / 391، 402، 410) ومسلم (8 / 104) من طرق أخرى عن أبي
بردة نحوه. وللحديث شاهد من رواية أبي هريرة مرفوعا بلفظ:
" إذا جمع الله الأولى والأخرى يوم القيامة، جاء الرب تبارك وتعالى إلى
المؤمنين، فوقف عليهم والمؤمنون على كوم (فقالوا لعقبة: ما الكوم؟ قال:
مكان مرتفع) فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: إن عرفنا نفسه عرفناه، ثم
يقول لهم الثانية، فيضحك في وجوههم، فيخرون له سجدا "
756 - " إذا جمع الله الأولى والأخرى يوم القيامة، جاء الرب تبارك وتعالى إلى
المؤمنين، فوقف عليهم، والمؤمنون على كوم (فقالوا لعقبة: ما الكوم؟ قال:
مكان مرتفع) فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: إن عرفنا نفسه عرفناه، ثم
يقول لهم الثانية، فيضحك في وجوههم، فيخرون له سجدا ".(2/384)
أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 153) من طريق فرقد بن الحجاج قال: سمعت
عقبة ابن أبي الحسناء قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير عقبة هذا فهو مجهول
وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " لكن يشهد له حديث جابر المتقدم.
واعلم أن هذا الحديث كغيره من أحاديث الصفات يجب إمراره على على ظاهره، دون
تعطيل أو تشبيه كما هو مذهب السلف، وليس مذهبهم التفويض كما يزعم الكوثري
وأمثاله من المعطلة، كما شرحه ابن تيمية في رسالته " التدمرية " وغيرها
والتفويض بزعمهم إمرار النصوص بدون فهم، مع الإيمان بألفاظها! ولازم ذلك
نسبة الجهل إلى السلف بأعز شيء لديهم وأقدسه عندهم وهو أسماء الله وصفاته.
ومن عرف هذا علم خطورة ما ينسبونه إليهم. والله المستعان. وراجع لهذا
مقدمتي لكتابي " مختصر العلو للذهبي "، يسر الله طبعه.
757 - " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك ".
رواه الترمذي (2 / 272) وابن ماجه (4236) وابن حبان في صحيحه (96 / 2)
في (النوع السبعون من قطعة منه محفوظة في الظاهرية) والثعلبي (3 / 158 / 2
) والقضاعي (5 / 2) والحاكم (2 / 427) والخطيب (6 / 397، 12 / 42) عن
الحسن بن عرفة أنبأنا المحاربي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
مرفوعا. قال ابن عرفة " وأنا من الأقل ". ورواه ابن منده في " التوحيد "
(38 / 2) عن يوسف بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي وقال:(2/385)
" هذا إسناد حسن مشهور عن المحاربي ". وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا
نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد روي عن أبي هريرة من غير هذا الوجه "! وقال
الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: والصواب أنه حسن لذاته، صحيح لغيره، فقد أخرجه أبو يعلى (311 / 1 وص
1571 - مصورة المكتب) عن محمد بن ربيعة عن كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي
هريرة بلفظ: " عمر أمتي ما بين الستين سنة إلى السبعين ".
قلت: وهذا إسناد حسن أيضا رجاله موثقون رجال مسلم، غير محمد بن ربيعة وهو
الكلابي، وهو صدوق كما في " التقريب ".
758 - " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو
يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا ".
أخرجه مسلم (1 / 76) والترمذي (3 / 220 - 221 بشرح التحفة) وصححه، وكذا
ابن حبان (1868) وأحمد (2 / 304 - 523) والفريابي في " صفة المنافق "
(ص 65 من " دفائن الكنوز ") من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن
أبي هريرة مرفوعا. وله شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعا به دون المبادرة(2/386)
(810) أخرجه الحاكم (4 / 438 - 439) عن سنان بن سعد عنه.
قلت: وإسناده حسن.
759 - " بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها والدجال والدخان ودابة الأرض
وخويصة أحدكم وأمر العامة ".
أخرجه مسلم (8 / 208) وأحمد (2 / 324، 407) من طريق شعبة وهمام عن قتادة
عن الحسن عن زياد بن رباح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وخالفهما عمران القطان فقال: عن قتادة عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة.
أخرجه الطيالسي (2770 - ترتيبه) وعنه أحمد (2 / 511) والحاكم (4 / 516)
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي!
وأقول: كلا، فإن القطان هذا في حفظه ضعف، وهو حسن الحديث إذا لم يخالف
وقد خالف هنا في الإسناد، وإن كان حفظ المتن، فإنه قال: عبد الله بن رباح
، مكان زياد بن رباح وأسقط منه الحسن وهو البصري!
وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة به. أخرجه مسلم وأحمد (2 / 337، 372) .(2/387)
760 - " إن كان في شيء مما تداوون به خير ففي الحجامة ".
أخرجه أبو داود (2 / 151) وابن ماجه (2 / 350) والحاكم (4 / 410)
وأحمد (2 / 342، 423) عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن
أبي هريرة مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي.
قلت: وفيه نظر، فإن محمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم متابعة وهو حسن الحديث
. وللحديث طريق أخرى بلفظ: " إن الحجامة أفضل ما تداوى به الناس) "، وهو
مخرج في الكتاب الآخر (3900) ويأتي، وله شاهد مضى برقم (245) .
761 - " أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى
الشام والطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجسا على الكافرين ".
رواه أحمد (5 / 81) وابن حبان في ترجمة أبي نصير مسلم بن عبيد من " الثقات "
(1 / 215) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 341 - 342) عن يزيد بن هارون
حدثنا أبو نصير مسلم بن عبيد سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح، أبو نصير هذا، وثقه ابن حبان كما عرفت، وسئل أحمد
عنه فقال: ثقة،(2/388)
وقال ابن معين: صالح.
762 - " كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح
به ورؤي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل
قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها، فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه وإن كره
اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه ".
أخرجه أبو داود (2 / 859) وابن حبان (1430) وتمام في " الفوائد " (109 /
2) وأحمد (5 / 347 - 348) وابن عساكر (2 / 136 / 1) عن هشام عن قتادة عن
عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا.
وليس عند ابن حبان قضية العامل، وهي عند تمام دون قضية القرية.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه ابن عدي (28 / 2) من طريق
أوس بن عبد الله بن بريدة عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير، ولكن يتفاءل. فذكر قصة إسلام
بريدة. الحديث ". وأوس هذا ضعيف جدا، لكن تفاؤله صلى الله عليه وسلم ثابت
عنه في غير ما حديث، وما قبله صحيح بمتابعة قتادة. والله أعلم.
والحديث عزاه في " الجامع " للحكيم والبغوي عن بريدة. قال المناوي:
" ورواه عنه أيضا قاسم بن أصبغ وسكت عليه عبد الحق مصححا له. قال ابن(2/389)
القطان
: وما مثله يصح. فإن فيه أوس بن ... منكر الحديث. وروى أبو داود عنه قوله:
" كان لا يتطير " قال: وإسناده صحيح. "
قلت: الصواب تصحيح عبد الحق، وليس هو تصحيحا لذاته حتى يرد عليه ما تعقبه
ابن القطان، وإنما هو على التفصيل الذي ذكرته.
فتنبه ولا تكن من الغافلين. ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث ابن عباس رضي الله
عنهما مرفوعا بلفظ " كان يتفاءل ولا يتطير ". ويأتي تخريجه قريبا إن شاء
الله تعالى رقم (778) .
763 - " إن أعظم الناس جرما إنسان شاعر يهجو القبيلة من أسرها ورجل تنفى من أبيه ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (126) : حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الأعمش
عن عمرو بن مرة عن يوسف بن ماهك عن عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعا. قال
الحافظ في " الفتح " (10 / 443) : " وسنده حسن ".
قلت: وهذا في رأيي قصور، بل هو صحيح، فإن رجاله كلهم ثقات أثبات، من رجال
الستة. وقد أخرجه ابن ماجه (2 / 411) من طريق شيبان عن الأعمش به بلفظ:
" إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من
أبيه، وزنى أمه ". قال في الزوائد (227 / 1) :(2/390)
" هذا إسناد صحيح رجاله
ثقات (قال) : وفي الإسناد أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض ".
قلت: وصححه ابن حبان أيضا رقم (2014) .
764 - " إن آل أبى فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين ".
أخرجه البخاري (10 / 344 - 345) وأحمد (4 / 203) وعنه مسلم (1 / 136)
عن محمد بن جعفر: حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن
عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول
: فذكره. ثم قال البخاري: زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس به:
" ولكن لهم رحم أبلها ببلالها " يعني أصلها بصلتها. قال الحافظ: وقد وصله
البخاري في " كتاب البر والصلة " فقال: حدثنا محمد بن عبد الواحد بن عنبسة
حدثنا جدي فذكره. وأخرجه الإسماعيلي من رواية نهد بن سليمان عن محمد بن عبد
الواحد المذكور به نحوه ".
قلت: ومحمد هذا لم أجد له ترجمة في شيء من الكتب التي عندي، وقد تابعه على
هذه الزيادة الفضل بن موفق لكنه ضعيف بلفظ آخر خرجته في " الضعيفة " (1679) .
765 - " إن أوليائي يوم القيامة المتقون، وإن كان نسب أقرب من نسب، فلا يأتيني
الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم، فتقولون: يا محمد!
فأقول هكذا وهكذا: لا وأعرض في كلا عطفيه ".(2/391)
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 129) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن.
766 - " الحجامة على الريق أمثل وفيه شفاء وبركة وتزيد في العقل وفي الحفظ،
فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة
والسبت ويوم الأحد تحريا، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنه اليوم
الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء وضربه بالبلاء يوم الأربعاء، فإنه لا يبدو
جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء ".
أخرجه ابن ماجه (3487) وابن عدي (87 / 1) والخطيب في " الفقيه والمتفقه
" (224 / 2) بطرفه الأول من طريق عثمان بن مطر عن الحسن بن أبي جعفر عن محمد
بن جحادة عن نافع عن ابن عمر قال: " يا نافع قد تبيغ بي الدم، فالتمس لي
حجاما، واجعله رفيقا إن استطعت ولا تجعله شيخا كبيرا ولا صبيا صغيرا، فإن
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره. وقال ابن عدي: " لعل
البلاء من عثمان بن مطر، لا من الحسن، فإنه يرويه عنه غيره ".
قلت: والحسن هذا ضعيف الحديث مع عبادته وفضله كما قال الحافظ في " التقريب "
. وقال الذهبي في " الضعفاء ": " ضعفه جماعة ". وعثمان بن مطر ضعيف أيضا.
لكن الحسن قد توبع كما تقدم عن ابن عدي.(2/392)
وقد وجدت له متابعين آخرين:
الأول: أبو علي عثمان بن جعفر: حدثنا محمد بن جحادة به. مع تقديم وتأخير.
أخرجه الحاكم (4 / 409) وقال: " رواته كلهم ثقات، غير عثمان بن جعفر هذا
فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح ".
قلت: وأورده الحافظ في " اللسان " بهذا الحديث وقول الحاكم فيه، ولم يزد
عليه سوى أنه قال: إنه حديث منكر.
وأما الذهبي فلم يورده في " الميزان " وأما في " التلخيص " فقال: " قلت:
هو هذا، وهو واه ".
ويعني به المتابعة التالية: الثاني: غزال بن محمد عن محمد بن جحادة به
باختصار اليوم الذي عوفي فيه أيوب واليوم الذي أصابه البلاء، والباقي مثله
سواء. أخرجه ابن عساكر في " جزء أخبار القرآن " (ق 5 / 1) والحاكم (4 /
211) من طرق عن أبي الخطاب زياد بن يحيى الحساني حدثنا غزال بن محمد به.
وقال: " رواته كلهم ثقات إلا غزال بن محمد فإنه مجهول لا أعرفه بعدالة ولا
جرح ". وأقره الذهبي. وقال في " الميزان ": " لا يعرف وخبره منكر في
الحجامة ". ووجدت لابن جحادة متابعين:(2/393)
الأول: عطاف بن خالد عن نافع به مع تقديم وتأخير.
أخرجه الحاكم (4 / 211 - 212) والخطيب (10 / 39) طرفه الأول من طريق عبد
الله بن صالح المصري حدثنا عطاف بن خالد به.
قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، وهو إسناد حسن في المتابعات، فإن رجاله رجال
البخاري غير عطاف بن خالد وهو صدوق يهم كما في " التقريب " وابن صالح فيه ضعف
أيضا.
والآخر: سعيد بن ميمون عن نافع به، دون ذكر اليوم الذي عوفي فيه أيوب.
أخرجه ابن ماجه (3488) من طريق عثمان بن عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن عصمة
عن سعيد بن ميمون.
قلت: وهؤلاء الثلاثة كلهم مجهولون. وروي من طريق أخرى مختصرا موقوفا مع
اختلاف في بعض العبارات. أخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن هشام الدستوائي
حدثني أبي عن أيوب عن نافع قال: قال لي ابن عمر: " يا نافع اذهب فأتني بحجام
، ولا تأتني بشيخ كبير ولا غلام صغير، وقال: احتجموا يوم السبت واحتجموا
يوم الأحد والاثنين والثلاثاء ولا تحتجموا يوم الأربعاء ".
وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: عبد الله متروك ".
قلت: وروايته لهذا الحديث على هذه المخالفة مما يشهد لضعفه، فإنه جعل(2/394)
السبت
والأحد من الأيام المأمور بالحجامة فيها، وهي في كل الروايات المتقدمة من
الأيام المنهي عنها!
وبالجملة فالحديث عندي حسن بمجموع هذه الروايات. والله أعلم.
767 - " اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا، فإنه ليس دونها حجاب ".
رواه أحمد (3 / 153) والضياء في " المختارة " (249 / 2) من طريق أحمد
وأبي يعلى عن يحيى بن إسحاق السيلحيني أخبرني يحيى بن أيوب حدثني أبو عبد الله
الأسدي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا.
قلت: ورجاله ثقات غير أبي عبد الله الأسدي فلم أعرفه ولم يورده ابن حبان في
" الثقات ". ثم راجعت " الكنى " من " تعجيل المنفعة " للحافظ ابن حجر، فإذا
به يقول: " هو عبد الرحمن بن عيسى، تقدم في الأسماء ". فلما رجعت إلى
الأسماء لم أجده!
وسيأتي في الحديث الذي بعده أن الذي يسمى بهذا الاسم هو أبو عبد الغفار.
لكذا الحديث له شاهد يأتي بعده فهو به حسن، وأصله في " الصحيحين " من حديث
ابن عباس، دون لفظة " كافر ".
(دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا، ففجوره على نفسه) . أخرجه الطيالسي
في " مسنده " (1266 - ترتيبه) : حدثنا أبو معشر عن سعيد عن(2/395)
أبي هريرة قال:
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه أحمد (2 / 367) وابن أبي
شيبة في " المصنف " (12 / 18 / 2) والقضاعي (14 / 1) والخطيب في " تاريخه
" (2 / 271 - 272) من طرق أخرى عن أبي معشر به.
قلت: وهذا إسناد فيه ضعف لسوء حفظ أبي معشر وقول الحافظ في " الفتح " (3 /
281) : " وإسناده حسن ". وكذا قال شيخه الهيثمي في " المجمع " (10 / 151)
لعلهما أرادا لاعتضاده وإلا فالحافظ نفسه قد جرم بضعف أبي معشر في " التقريب "
. وله شاهد من حديث أبي عبد الغفار عبد الرحمن بن عيسى - بصري - سماه ابنه
بمصر عند ابن عفير - قال: سمعت أنس بن مالك يقول مرفوعا بلفظ: " إياكم ودعوة
المظلوم، وإن كافرا، فإنه ليس لها حجاب دون الله ". أخرجه ابن معين في
" التاريخ (10 / 157 / 1) وعنه الدولابي في " الكنى " (2 / 73) والقضاعي
في " مسند الشهاب " (ق 81 / 2) .
قلت: ورجاله ثقات غير أبي عبد الغفار هذا فإنه مجهول كما في كنى " الميزان "
و" اللسان " ولم يسمياه مطلقا، فخذها فائدة: أنه عبد الرحمن بن عيسى،
وسلفهما في ذلك أبو حاتم كما في كتاب ابنه (4 / 2 / 406) . وقد قال في قسم
الأسماء (2 / 2 / 272) : " عبد الرحمن بن عيسى، روى عن الزهري. روى سعيد بن
أبي أيوب عن عمران بن سليم عنه. سألت أبي عنه؟ فقال. مجهول ".(2/396)
فلعله هذا، ولا يبعد أن يكون له رواية عن الزهري أيضا من باب رواية الأقران.
والله أعلم.
(تنبيه) أورده الصغاني في " مشارق الأنوار " (2 / 145) من حديث أنس رضي
الله عنه عازيا للبخاري رامزا، وصرح بذلك الشارح ابن الملك وقال المعلق عليه
: " لم نجده في صحيح البخاري فليراجع ". ولسنا نشك أن عزوه للبخاري خطأ وذلك
لأمور: الأول: أننا لم نجده في " صحيحه " وإنما عنده حديث ابن عباس: " اتق
دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب " ويأتي (772) ، فالظاهر أنه
اشتبه عليه هذا بذاك.
الثاني: أن الشيخ النابلسي لم يورده البتة في " الذخائر ".
الثالث: أن الحافظ ابن حجر قال في شرح حديث ابن عباس (3 / 281) .
" قوله (حجاب) وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا:
دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه. وإسناده حسن ".
قلت: فلو كان الحديث في " صحيح البخاري " لكان أشار إليه في الشرح، واستغنى
به عن النقل من مسند أحمد لأنه دون البخاري في الصحة بدرجات وهذا أمر بين لا
يخفى على من له مطالعة في شرح الحافظ، فإن من عادته حين الشرح أن يشير إلى طرق
الحديث وشواهده التي في " الصحيح " قبل كل شيء. وحديث أبي هريرة مضى قبله.(2/397)
الرابع: أن السيوطي أورده في " الجامع الصغير " من حديث أنس بلفظ:
(إياكم ودعوة المظلوم وإن كانت من كافر فإنه ليس لها حجاب دون الله عز وجل)
. وقال: " رواه سمويه عن أنس ".
فكل ما تقدم وغيره مما لم يذكر يدل على وهم نسبة الحديث للبخاري.
768 - " برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في بلادهم ".
رواه محمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 15 / 1) عن عمران
القطان عن الحجاج عن إسماعيل بن خالد عن قيس عن جرير بن بجيلة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم به.
قلت: وهذا سند حسن لولا عنعنة الحجاج وهو ابن أرطاة، لكنه لم يتفرد به كما
حققته فيما تقدم (636) ، وفي " الإرواء " (1193) .
والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني فقط عن جرير، فقال المناوي:
" وظاهر صنيع المصنف، أنه لم يوجد مخرجا لأحد من الستة، لكن رأيته في
" الفردوس " رمز للترمذي وأبي داود، فلينظر ".
قلت: نظرنا فوجدناه عندهما بلفظ آخر وقد أورده السيوطي من روايتهما بلفظ:
" أنا بريء ممن ... " وهو مخرج في المصدرين السابقين.
769 - " بطحان على ترعة من ترع الجنة ".
رواه ابن حيويه في " حديثه " (3 / 8 / 1) والديلمي (2 / 1 / 16) عن يعقوب
بن كاسب أنبأنا المغيرة بن عبد الرحمن حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن عن الأحنف بن
قيس عن عروة عن عائشة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير يعقوب وهو ابن(2/398)
حميد
بن كاسب، فإنما أخرج له البخاري في " خلق أفعال العباد "، وهو صدوق ربما وهم
، كما في " التقريب " وفي المغيرة بن عبد الرحمن وهو ابن الحارث بن عبد الله
بن عياش كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن.
والحديث أورده السيوطي في " الجامع " بلفظ: " بطحان على بركة من برك الجنة "
. برواية البزار عن عائشة. وقال المناوي: " قال الهيثمي: فيه راو له يسم "
. قلت: روايتنا هذه سالمة منه. والحمد لله على توفيقه.
770 - " اتق الله عز وجل ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء
المستسقي وإياك والمخيلة فإن الله تبارك وتعالى لا يحب المخيلة وإن امرؤ
شتمك وعيرك بأمر يعلمه فيك، فلا تعيره بأمر تعلمه فيه، فيكون لك أجره وعليه
إثمه ولا تشتمن أحدا ".
أخرجه أحمد (5 / 63) : حدثنا هشيم حدثنا يونس بن عبيد عن عبد ربه الهجيمي عن
جابر بن سليم أو سليم قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس
مع أصحابه، فقلت: أيكم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فإما أن يكون أومأ
إلى نفسه، وإما أن يكون أشار إليه القوم، قال: فإذا هو محتب ببردة، قد وقع
هدبها على قدميه، قال: فقلت: يا رسول الله أجفو عن أشياء فعلمني، قال "
فذكره. وهكذا رواه المروزي في " زوائد الزهد " (1017) .(2/399)
وهذا رجاله ثقات رجال الستة، غير عبد ربه الهجيمي. قال الحسيني: مجهول.
وتعقبه الحافظ في " التعجيل " فقال: قلت: هذا غلط نشأ عن تصحيف وإنما هو
عبيدة الهجيمي كذا هو في أصل " المسند " عن هشيم عن يونس بن عبيد عن عبيدة
الهجيمي عن جابر بن سليم، وعن عفان عن حماد عن يونس عن عبيدة الهجيمي عن أبي
تميمة الهجيمي عن جابر بن سليم.
وقد بين المزي في " التهذيب " في ترجمته هذا الاختلاف، وليس هو بمجهول فقد
أخرج له أبو داود والنسائي، وروى عنه أيضا عبد السلام أبو الخليل ".
أقول: ولم يصنع الحافظ شيئا في رفع الجهالة عن الهجيمي هذا، فإن مجرد رواية
أبي داود والنسائي له لا يخرجه من عداد المجهولين كما لا يخفى ولعل الحافظ
أراد أنه ليس مجهول العين لرواية اثنين عنه. وحمل كلامه على هذا المعنى ضروري
لكي لا يتعارض مع قوله عنه في " التقريب ": إنه " مجهول " أي مجهول العدالة.
والله أعلم.
فهذا الإسناد ضعيف لجهالة الهجيمي هذا ولانقطاعه بينه وبين جابر بن سليم كما
بينته رواية حماد عن يونس التي جاء ذكرها في كلام الحافظ وستأتي في " لا تحقرن
من المعروف شيئا ". على أن ما ادعاه من التصحيف، ينافيه أن رواية المروزي
موافقة لما في " المسند ".
والحديث قال العراقي (3 / 105) : " رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد ". كذا
قال. وانظر " عليك بتقوى الله ". قلت:(2/400)
ورواه الطيالسي (ص 767 رقم 1208)
من طريق أخرى فقال: حدثنا قرة بن خالد حدثنا قرة بن موسى عن جابر بن سليم
مرفوعا به وعنده زيادات. وهذا ضعيف أيضا ومنقطع، قرة بن موسى هو أبو
الهيثم الهجيمي وثقه ابن حبان وفي " التقريب ": " مجهول من السادسة " يعني
أنه لم يثبت له لقاء أحد من الصحابة.
وبالجملة فالحديث من هذين الوجهين المنقطعين ضعيف وهو صحيح من وجوه أخرى بدون
قوله: اتق الله. وسيأتي فيما مرت الإشارة إليه.
771 - " زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ".
أخرجه تمام في " الفوائد " (159 / 2) والحاكم (1 / 575) من طريق صدقة بن
أبي عمران عن علقمة بن مرثد عن زاذان عن البراء رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، وإسناده جيد على شرط مسلم.
وفي صدقة كلام لا يضر، وقد قال الذهبي فيه وكذا الحافظ: " صدوق ".
وللشطر الأول منه طرق أخرى عن البراء، خرجتها في " صحيح أبي داود " (1320)
وذكرت له هناك شواهد من حديث أبي هريرة وعائشة وأزيد هنا شاهدا آخر من حديث
ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " حسن الصوت تزيين للقرآن ".
رواه ابن سعد (6 / 90) وابن نصر (ص 54) عن سعيد بن زربي قال: حدثنا(2/401)
حماد
عن إبراهيم عن علقمة بن قيس قال: " كنت رجلا قد أعطاني الله حسن صوت في القرآن
، فكان عبد الله يستقرئني ويقول: اقرأ فداك أبي وأمي، فإني سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول ": فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير سعيد بن زربي وهو منكر الحديث كما قال
الحافظ في " التقريب ".
772 - " اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من
الحبشة ".
رواه أبو داود (2 / 212) وعنه الخطيب في " التاريخ " (12 / 403) والحاكم
(4 / 453) وأحمد (5 / 371) من طريق زهير بن محمد عن موسى ابن جبير عن أبي
أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
قلت: وقد وهما، فإن زهيرا هذا فيه ضعف كما يأتي.
وعزاه عبد الحق في " الأحكام الكبرى " (110 / 1) لابن أبي شيبة ثم قال:
" زهير بن محمد سيء الحفظ، لا يحتج به ".
قلت: وموسى بن جبير فيه جهالة. قال ابن القطان: " لا تعرف حاله ". وقال
ابن حبان في " الثقات ": " كان يخطىء ويخالف "! وقال الحافظ: " مستور ".(2/402)
والشطر الأول رواه ابن عدي (274 / 2) عن عبد الله بن نافع عن كثير بن عبد
الله المزني عن أبيه عن جده مرفوعا قال: " كثير هذا عامة أحاديثه لا يتابع
عليه ". لكن له شاهد خير من هذا، وهو بلفظ: " دعوا الحبشة ما ودعوكم
واتركوا الترك ما تركوكم ". أخرجه أبو داود (2 / 210) من طريق السيباني عن
أبي سكينة، رجل من المحررين عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره، وأخرجه النسائي (2 / 64 - 65)
في حديث طويل.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله كلهم ثقات غير أبي سكينة هذا
قال الحافظ في " التقريب ": " قيل اسمه محلم، مختلف في صحبته ".
قلت: إذا لم تثبت صحبته، فهو تابعي مستور روى عنه ثلاثة، فالحديث شاهد حسن
للشطر الأول من حديث الترجمة، والشطر الثاني منه له شاهد بلفظ.
" يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ". أخرجه الشيخان وأحمد (2 / 310،
317) من طرق عن أبي هريرة مرفوعا. وله طريق أخرى عنه في " المستدرك " (4 /
452 - 453) . وشاهد من حديث ابن عمر مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (2 / 220) .(2/403)
773 - " اتخذوا الغنم، فإن فيها بركة ".
رواه أبو بكر المقرىء في " الفوائد " (1 / 113 / 1) والخطيب (7 / 11) من
طريقين عن هشام عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأم
هانىء: فذكره. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
ورواه ابن ماجه (2304) من طريق ثالثة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانىء
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " اتخذي غنما فإن فيها بركة ".
قال في " الزوائد " (ق 142 / 1) : " وإسناده صحيح، ورجاله ثقات ".
قلت: وهو كما قال. وله طريق رابعة عند الخطيب (8 / 202) عن حفص بن عمر -
ويعرف بالكفر - حدثنا هشام بن عروة، ولفظه: " يا أم هانىء اتخذي غنما،
فإنها تغدو وتروح بخير ". أوده في ترجمة حفص هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، لكن له في المسند (6 / 343) طريق آخر عن أم هانىء نفسها، بلفظ حفص
المذكور. وفيه موسى أو فلان بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة لم يوثقه أحد.
وفي " المجمع " (4 / 66) : " رواه أحمد، وفيه موسى بن عبد الرحمن بن أبي
ربيعة، ولم أعرفه ".(2/404)
774 - " آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد
، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ".
أخرجه مسلم في " صحيحه (1 / 130) وأحمد (3 / 136) من طريق هاشم بن القاسم
حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو على شرط البخاري، ولكنه لم يخرجه، وذلك مما
يؤكد، أنه لم يخرج كل ما كان على شرطه.
775 - " ليس للمرأة أن تنتهك شيئا من مالها إلا بأذن زوجها ".
أخرجه تمام في " الفوائد " (10 / 182 / 2) من طريق عنبسة بن سعيد، عن حماد
مولى بني أمية عن جناح مولى الوليد عن واثلة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، حماد مولى بني أمية كأنه مجهول، لم يذكروا فيه شيئا
سوى أن الأزدي تركه. وقد ذكر تمام أن اسم أبيه صالح، وهذه فائدة لم يذكروها
في ترجمته. وكذلك لم يذكروا اسم والد شيخه جناح، وقد سماه تمام عبادا،
وترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 537) برواية جماعة من الثقات عنه.
وأورده ابن حبان في " الثقات ". وعنبسة بن سعيد، الظاهر أنه ابن أبان بن
سعيد بن العاص أبو خالد الأموي، وثقه الدارقطني.(2/405)
والحديث عزاه السيوطي
للطبراني في " الكبير "، وقال المناوي: " قال الهيثمي: وفيه جماعة لم
أعرفهم ".
قلت: لكن للحديث شواهد تدل على أنه ثابت، وبعضها حسن لذاته، وهو من حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وصححه الحاكم والذهبي، وروي من حديث عبد
الله بن يحيى الأنصاري عن أبيه عن جده مرفوعا. رواه الطحاوي (2 / 403) .
ومن حديث عبادة بن الصامت. أخرجه أحمد (5 / 327) .
وسيأتي تخريج حديث ابن عمرو وحديث الأنصاري برقم (825) .
قلت: وهذا الحديث وما أشرنا إليه مما في معناه يدل على أن المرأة لا يجوز
لها أن تتصرف بمالها الخاص بها إلا بإذن زوجها، وذلك من تمام القوامة التي
جعلها ربنا تبارك وتعالى له عليها، ولكن لا ينبغي للزوج - إذا كان مسلما
صادقا - أن يستغل هذا الحكم، فيتجبر على زوجته، ويمنعها من التصرف في مالها
فيما لا ضير عليهما منه، وما أشبه هذا الحق بحق ولي البنت التي لا يجوز لها
أن تزوج نفسها بدون إذن وليها، فإذا أعضلها رفعت الأمر إلى القاضي الشرعي
لينصفها، وكذلك الحكم في مال المرأة إذا جار عليها زوجها، فمنعها من التصرف
المشروع في مالها. فالقاضي ينصفها أيضا. فلا إشكال على الحكم نفسه، وإنما
الإشكال في سوء التصرف به. فتأمل.(2/406)
776 - " ابن اخت القوم منهم ".
أخرجه البخاري (6 / 431، 12 / 39) والنسائي (1 / 366) والدارمي (2 /
243) من طريق شعبة: حدثنا معاوية بن قرة وقتادة عن أنس قال:
" دعا النبي صلى الله عليه وسلم " الأنصار فقال: هل فيكم أحد غيركم قالوا: لا
إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره والسياق للبخاري
وكذلك أخرجه مسلم أيضا (2 / 106) والترمذي (2 / 324 طبع بولاق) . وله
طريقان آخران: الأول: عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس.
والآخر: عن حماد بن سلمة قال: أنبأنا ثابت عنه. أخرجهما أحمد (4 / 201،
246) وكلاهما صحيح على شرط مسلم وللحديث شواهد عن جمع من الصحابة منهم أبو
موسى الأشعري. أخرجه أبو داود (2 / 332 - 433) وأحمد (4 / 396) عن عوف عن
زياد بن مخراق عن أبي كنانة به مرفوعا. وأبو كنانة مجهول ويقال: هو معاوية
بن مرة ولم يثبت كما قال في " التقريب "، وبقية رجاله ثقات. ومنهم جبير بن
مطعم. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 39 / 1) .
777 - " كان يتفاءل ولا يتطير ويعجبه الاسم الحسن ".
أخرجه أحمد (1 / 257، 303، 304، 319)(2/407)
عن ليث بن أبي سليم عن عبد الملك بن
سعيد بن جبير عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.
ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود الطيالسي (رقم 2690) إلا أنه قال: عن عبد
الملك، قال أبو داود: أظنه ابن أبي بشير. وأخرجه البغوي في " شرح السنة "
(3 / 369 - نسخة المكتب) لكن لم يذكر في السند عبد الملك هذا.
وهذا إسناد ضعيف من أجل ليث وهو ابن أبي سليم، لكنه لم ينفرد به. فأخرجه
الضياء المقدسي في " المختارة " (65 / 65 / 1) من طريق ابن حبان عن جرير بن
عبد الحميد عن عبد الملك بن سعيد بن جبير به.
قلت: فصح الحديث بذلك، والحمد لله. وقد ذكر الضياء أن ابن حبان أخرجه في
كتابه يعني " الصحيح "، ولم أره في " موارد الظمآن ". فالله أعلم.
778 - " أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية
ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه ".
أخرجه البخاري في " صحيحه " (9 / 6 - النهضة) والطبراني في " المعجم الكبير
" (3 / 96 / 1) من طريق نافع بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره.
779 - " ابغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ".
أخرجه أبو داود (1 / 405 - التازية) والنسائي (2 / 65) والترمذي (3 / 32
) التحفة) وابن حبان (1620) الحاكم (2 / 106، 145) وأحمد (5 / 198)
من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن
أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وقال الترمذي:(2/408)
" حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، ولم
يخرجاه "، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالوا. وقد عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لمسلم أيضا
وهو وهم، فليس هو فيه ومداره على زيد بن أرطاة وليس هو على شرطه وإن كان
ثقة، ولذلك جزم الحاكم والذهبي بأنهما لم يخرجاه، وكذلك النابلسي في
" الذخائر " (3 / 158) لم يعزه إلا لأصحاب السنن الثلاثة! ووقع معزوا
للبخاري في " الأدب المفرد " في " الفتح الكبير "، ولعله سهو من بعض النساخ.
واعلم أنه قد جاء تفسير النصر المذكور في الحديث، وأنه ليس نصرا بذوات
الصالحين، وإنما هو بدعائهم وإخلاصهم وذلك في الحديث الآتي: " إنما ينصر
الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ". أخرجه النسائي (2 /
65) وتمام في " الفوائد " (ق 105 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 26)
من طرق عن طلحة بن مصرف عن مصعب بن سعد عن أبيه. " أنه ظن أن له فضلا على من
دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... "
: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (4 / 30 -
النهضة) من طريق أخرى عن مصعب به دون التفسير المذكور. وكذلك أخرجه أحمد (1
/ 163) من طريق أخرى عن سعد.(2/409)
780 - " لا عدوى ولا هامة ولا صفر، واتقوا المجذوم كما يتقى الأسد ".
رواه ابن وهب (106) . حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال:
حدثني رجال أهل رضا وقناعة من أبناء الصحابة وأولية الناس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا سند حسن، ولكنه مرسل وقد صح موصولا، فقال البخاري في " التاريخ
الكبير " (1 / 1 / 155 - 460) : " روى إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي عن محمد
بن أبي الزناد - وقال إبراهيم: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد كان يطلب
مع أبيه - عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
اتقوا المجذوم ". ورواه الخطيب في " التاريخ " من طريق البخاري، ثم قال (2
- 307) : " وفي موضعين من هذا الحديث خطأ ".
1 - (الأول) رواية الدراوردي عن أبي الزناد.
2 - والثاني: رواية محمد بن عبد الرحمن عن جده أبي الزناد. وقد ذكر أن
محمدا لم يروه عن جده، وأن الواقدي انفرد بالرواية عن محمد.
وقد روى حديث الدراوردي هذا غير البخاري على الصواب، أخبرناه (ثم ساق إسناده
إلى إسماعيل بن إسحاق حدثنا إبراهيم بن حمزة، ومن طريق يحيى بن محمد الحارثي
قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان
عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
فذكر الحديث بتمامه. ثم رواه من طريق أبي يعلى الموصلي حدثنا عبد الرحمن بن
سلام حدثنا عبد العزيز بن محمد به ثم قال:(2/410)
" فاتفق علي بن المديني (لم يسبق
له ذكر) ويحيى بن محمد الحارثي وعبد الرحمن بن سلام الجمحي وإسماعيل بن
إسحاق عن إبراهيم بن حمزة على أن الحديث عن الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن
عمرو بن عثمان - وهو المعروف بالديباج - عن أبي الزناد وهو الصحيح ".
قلت: وإذا تحرر هذا، فالديباج صدوق، وإنما سمى به لحسنه، وبقية رجال
الإسناد ثقات رجال مسلم، فالإسناد جيد. ويزداد قوة برواية عبد الرحمن بن أبي
الزناد عن أبيه عن الرجال من أبناء الصحابة مرسلا كما ذكرنا، وبأن له طريقا
أخرى عن أبي هريرة به. كما يأتي (784) .
ولشطره الثاني طريق ثالث أخرجه أحمد (2 / 443) : حدثنا وكيع قال: حدثنا
النهاس عن شيخ بمكة عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند ضعيف لجهالة الشيخ المكي،
والراوي عنه ضعيف. والعمدة فيما تقدم، وفيه الكفاية.
والحديث بيض له المناوي فلم يتكلم على إسناده بشيء، ولم يعزه السيوطي إلا
" للتاريخ الكبير "! ثم وجدت له - أعني الشطر الثاني - طريقا أخرى أخرجه ابن
عدي في " الكامل " (326 / 2) عن يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا المغيرة بن
عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين، وفي المغيرة هذا وهو
الحزامي المدني كلام لا يضر.
781 - " لا عدوى ولا طيرة والعين حق ".
أخرجه أحمد (2 / 420) من طريق ابن وهب قال: حدثنا معروف بن سويد الجذامي أنه
سمع علي بن رباح يقول سمعت أبا هريرة يقول مرفوعا به.(2/411)
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير معروف هذا وقد وثقه ابن حبان وحده، وروى
عنه ابن لهيعة أيضا وفي " التقريب ": " إنه مقبول ".
قلت: فالحديث حسن إن شاء الله، فإن له طريقا أخرى بلفظ: " لا عدوى ولا هامة
وخير الطير الفأل والعين حق ". أخرجه أحمد (2 / 477) من طريق سعيد الجريري
عن مضارب بن حزن عن أبي هريرة مرفوعا.
وروى منه ابن ماجه الجملة الأخيرة فقط من هذا الوجه. وهي متفق عليها من طريق
أخرى عنه، فانظرها فيما سيأتي إن شاء الله (1248) . وهذا إسناد رجاله ثقات
أيضا رجال الشيخين غير مضارب هذا وقد وثقه العجلي وروى عنه قتادة أيضا، وفي
" التقريب " إنه مقبول، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى بالذي قبله، وروي
الحديث بلفظ: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا حسد والعين حق ". أخرجه
أحمد (2 / 222) من طريق رشدين بن سعد عن الحسن بن ثوبان عن هشام بن أبي رقية
عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل رشدين هذا فإنه ضعيف كما في " التقريب " وبقية
رجاله ثقات.
782 - " لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي: ما بال الإبل تكون في
الرمل كأنها الظباء فيخالطها بعير أجرب فيجربها؟ قال: فمن أعدى الأول؟ ".(2/412)
أخرجه البخاري (10 / 139، 197 - 198) ومسلم (7 / 31) وأبو داود (2 /
158) وأحمد (2 / 267) من طريق ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن
أبي هريرة به مرفوعا. وكذلك أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 378
) . وله طريق أخرى رواه أبو صالح عنه. أخرجه البخاري (10 / 176) والطحاوي
دون قول الأعرابي وجوابه. ورواه كذلك العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه.
أخرجه أبو داود (2 / 158) وأحمد (2 / 397) . وسنده صحيح على شرط مسلم
وفيه: " نوء " بدل: " طيرة " وقد أخرجه مسلم أيضا (7 / 32) .
وله شاهد من حديث ابن عمر بنحو حديث أبي سلمة. أخرجه ابن ماجه (1 / 44، 2 /
363) وأحمد (2 / 24 - 25) من طريق وكيع حدثنا أبو جناب عن أبيه عن ابن عمر
مرفوعا. وهذا سند ضعيف، أبو جناب اسمه يحيى بن أبي حية ضعيف وولده مجهول.
ولابن عمرو حديث آخر مختصرا ويأتي قريبا برقم (788) .
وشاهد آخر من حديث ابن عباس. أخرجه الطحاوي (2 / 277 - 278) وأحمد (1 /
269، 328) من طريق سماك عن عكرمة عنه. وإسناده صحيح على شرط مسلم.(2/413)
ورواه ابن ماجه دون قول الأعرابي.
وشاهد ثالث عن ابن مسعود يأتي (1152) بلفظ: " لا يعدي شيء شيئا " وورد من
حديث أبي هريرة أيضا. وهو: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من
المجذوم كما تفر من الأسد ".
783 - " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد ".
أخرجه البخاري معلقا (10 / 129) فقال: وقال عفان: حدثنا سليم بن حيان:
حدثنا سعيد بن ميناء قال: سمعت أبا هريرة يقول مرفوعا به. وقد وصله أبو
نعيم من طريق أبي داود الطيالسي وسلم بن قتيبة كلاهما عن سليم بن حيان شيخ
عفان فيه. فالسند صحيح، ووصله ابن خزيمة أيضا كما في " الفتح ".
وأخرج ابن خزيمة له شاهدا من حديث عائشة ولفظه: " لا عدوى، وإذا رأيت
المجذوم ففر منه كما تفر من الأسد ". وقال الحافظ في شرح قوله: وفر من
المجذوم، من الحديث الذي قبله: " لم أقف عليه من حديث أبي هريرة إلا من هذا
الوجه ومن وجه آخر عند أبي نعيم في " الطب " لكنه معلول ".
قلت: وقد رواه أحمد أيضا من وجه آخر معلول ولعله الذي أشار إليه الحافظ،
فانظر الحديث المتقدم (781) ، وقد قال البغوي في " شرح السنة " (3 / 367
نسخة المكتب الإسلامي) بعد ما رواه عن البخاري: " هذا حديث صحيح ".(2/414)
784 - " لا عدوى ولا طيرة ولا غول ".
أخرجه مسلم (7 / 32) وأحمد (3 / 293، 312) من طرق عن أبي الزبير عن
جابر به. وقد رواه ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد
الله به إلا أنه قال: ولا صفر بدل: " ولا طيرة ".
أخرجه مسلم أيضا والطحاوي (2 / 378) وأحمد (3 / 381) .
785 - " لا عدوى ولا صفر ولا هامة ".
أخرجه مسلم (7 - 31) والطحاوي (2 - 378) وأحمد (3 / 449 - 450) عن
الزهري قال: حدثني السائب بن يزيد بن أخت نمر مرفوعا به.
786 - " لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح، الكلمة الحسنة ".
أخرجه البخاري (10 / 175) ومسلم (7 / 33) وأبو داود (2 / 158)
والترمذي (1 / 305) صححه والطحاوي (2 / 378) والطيالسي (رقم 1961)
وأحمد (3 / 130، 154، 173، 178، 276) وكذا ابن ماجه (2 / 362) من طرق
عن قتادة عن أنس به. وقد صرح قتادة بالسماع في رواية عند أحمد.
وله شاهد من حديث أبي هريرة بنحوه. أخرجه الشيخان وأحمد (2 - 266) من طريق
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عنه. وله طريق أخرى بلفظ:
" لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح ".(2/415)
787 - " لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح ".
أخرجه مسلم (7 / 33) وأحمد (2 / 507) عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة.
788 - " لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار ".
أخرجه البخاري (10 / 174 - 175، 199 - 200) ومسلم (7 / 34) وأحمد (2 /
153) عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر مرفوعا به. وانظر الحديث
الآتي (799) والماضي (442) والذي بعد هذا.
789 - " لا عدوى ولا طيرة ولا هام إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار
، وإذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تهبطوا، وإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تفروا
منه ".
أخرجه هكذا أحمد (1 / 180) من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن
الحضرمي بن لاحق عن سعيد بن المسيب قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن الطيرة
فانتهرني وقال: من حدثك؟ ! فكرهت أن أحدثه من حدثني، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فذكره.
وقد أخرجه أبو داود (2 / 159) والطحاوي (2 / 377، 381) من طرق أخرى عن
يحيى به دون قوله: " وإذا سمعتم ... " الخ. وهو رواية لأحمد (1 / 174) .
وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحضرمي بن لاحق وقد قال ابن معين
: ليس به بأس.(2/416)
واعتمده الحافظ في " التقريب ".
وللحديث شاهدان: الأول: عن أنس بن مالك مرفوعا مثله. أخرجه الطحاوي من طريق
عتبة بن حميد قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عنه. وهذا إسناد حسن، عتبة بن
حميد صدوق له أوهام وبقية رجاله ثقات.
والآخر عن أبي سعيد الخدري مرفوعا مثله دون لفظة " ولا هام ". أخرجه الطحاوي
أيضا من طريق ابن أبي ليلى عن عطية عنه. وهذا إسناد حسن في الشواهد. وله
شواهد أخرى فانظر الحديث الآتي بلفظ: " إن كان الشؤم ... " رقم (799) .
790 - " ذروهما ذميمة ".
هو من حديث أنس قال: قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها
عددنا وكثير فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى، فقل فيها عددنا وقلت فيها
أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه البخاري في
" الأدب المفرد " (132) وأبو داود (2 - 159) من طريق بشر بن عمر الزهراني
عن عكرمة بن عمار، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه. وقال البخاري:(2/417)
" في إسناده نظر ".
قلت: ووجهه أن عكرمة بن عمار قد تكلم فيه بعض المتقدمين من قبل حفظه، وقد
وثقه جمع واحتج به مسلم في " صحيحه "، وقال الحافظ في التقريب " صدوق يغلط
وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب " قلت: وهذه ليس منها، فالحديث على
أقل الدرجات حسن الإسناد، فإن بقية رجاله ثقات أثبات، لاسيما وقد روي من طرق
أخرى، فقد أخرجه الإمام مالك (3 - 140) عن يحيى بن سعيد أنه قال: " جاءت
امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله دار سكناها
والعدد كثير والمال وافر، فقل العدد وذهب المال، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: دعوها ذميمة ". وهذا معضل، لكن قال ابن عبد البر: " هذا حديث
محفوظ من وجوه من حديث أنس وغيره ". ثم الحديث أخرجه الضياء المقدسي في
" المختارة " (1 / 482) عن موسى بن مسعود أبي حذيفة حدثنا عكرمة به.
791 - " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم
إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون،
قالوا: قد علمنا " الثرثارون والمتشدقون " فما " المتفيهقون؟ " قال:
المتكبرون ".
أخرجه الترمذي (1 / 363) والخطيب في " التاريخ " (4 / 63) عن مبارك بن(2/418)
فضالة حدثني عبد ربه بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا. وقال
الترمذي: " وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وروى
بعضهم هذا الحديث عن المبارك بن فضالة عن محمد بن المنكدر عن جابر ولم يذكر
فيه عبد ربه بن سعيد، وهذا أصح ".
قلت: ومداره في الحالين على ابن فضالة وهو صدوق يدلس وقد صرح بالتحديث كما
ترى، فهو حسن الإسناد. وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي هو بلفظ:
شرار أمتي " وسيأتي، ومضى بعضه تحت الحديث (751) .
وللحديث هناك شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني وهو مخرج في " المشكاة " (4797
) . وآخر من حديث ابن عباس مختصرا نحوه بلفظ: خياركم أحاسنكم أخلاقا ... ".
رواه البيهقي في " الشعب " كما في " الجامع ".
792 - " إن من أحبكم إلي أحسنكم خلقا ".
أخرجه أحمد (2 / 189) من طريق شعبة عن سليمان سمعت أبا وائل يحدث عن مسروق عن
عبد الله بن عمرو مرفوعا.
وهذا سند صحيح على شرط الستة وقد أخرجه البخاري (2 / 445) بلفظ(2/419)
" أخلاقا ".
793 - " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر ".
رواه أبو داود (3905) وابن ماجه (3726) وأحمد (1 / 227، 311) والحربي
في " الغريب " (5 / 195 / 1) عن عبيد الله بن الأخنس عن الوليد بن عبد الله
عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، وعبيد الله بن الأخنس وثقه أحمد
وابن معين وأبو داود والنسائي وابن حبان إلا أنه قال " يخطىء كثيرا "! فما
أرى أن يعتد بقوله هذا كثيرا!
794 - " إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الساهر بالليل الظامئ بالهواجر ".
أخرجه تمام في " الفوائد " (13 / 234 / 1 - 2) من طريق عفير بن معدان عن سليم
بن عامر عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عفير هذا قال الحافظ وغيره: " ضعيف ". وقال غيره
" ضعيف جدا ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " كما في جزء
الظاهرية (ق 24 / 1 مجموع 6) وفي " الجامع الصغير " وشرحه للمناوي وزاد
فقال: " ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة، وقال على شرطهما وأقره الذهبي.
فلو آثره المصنف لصحته كان أولى من إيثاره هذا لضعفه ".(2/420)
قلت: ولم أره عند الحاكم بهذا اللفظ، وأخرجه قريبا منه الخرائطي في " مكارم
الأخلاق " (ص 9) من طريق فضيل بن سليمان النميري عن صالح بن خوات عن محمد بن
يحيى بن حبان عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجات الصائم القائم الظمآن في الهواجر ".
قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين - على ضعف في النميري - غير صالح
بن خوات، وقد روى عنه جماعة وذكره ابن حبان في " الثقات " وأخرجه البخاري
في " المفرد " (284) عنه بنحوه. وأما الحاكم فلفظه: " إن الله ليبلغ العبد
بحسن خلقه درجة الصوم والصلاة ". أخرجه (1 / 60) من طريق إبراهيم بن
المستمر العروقي حدثنا حبان بن هلال حدثنا حماد بن سلمة عن بديل عن عطاء عن أبي
هريرة. وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وأقول: العروقي ليس من رجاله، فهو صحيح فقط.
795 - " إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار ".
أخرجه أبو داود (4798) وابن حبان (1927) والحاكم (1 / 60) من طريق عمرو
بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه الذهبي.(2/421)
قلت: وهو كما قالا لولا أنه اختلف في سماع المطلب من عائشة فقال أبو حاتم:
" روايته عنها مرسلة ولم يدركها ". وقال أبو زرعة: " نرجو أن يكون سمع منها
". لكن الحديث على كل حال صحيح بما تقدم وقد وجدت له طريقا أخرى عنها موصولة
، أخرجه ابن عدي في " الكامل " (149 / 1) عن اليمان بن عدي حدثنا زهير بن
محمد عن يحيى بن سعيد عن القاسم عنها به. وقال: " لا أعلم يرويه عن زهير غير
يمان ".
قلت: وفيهما ضعف غير شديد، فحديثهما في الشواهد لا بأس به.
(تنبيه) عزى السيوطي الحديث في " زوائد الجامع الصغير " وفي " الجامع الكبير
" (2 / 167 / 1) لأحمد والحاكم، ولم أره في " المسند " فأخشى أن يكون تحرف
(حم) من (د) فإنه لم يعزه إليه. والله أعلم.
وللحديث شواهد منها ما أخرجه محمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2
/ 8 / 1) من طريق أبي بكر النهشلي عن عبد الملك بن عمار عن ابن عمر عن النبي
صلى الله عليه وسلم به.
قلت: وعبد الملك ابن عمار لم أعرفه ويحتمل أن ابن عمار أصله ابن عمير،
فتحرف على الناسخ، فإن ابن عمير كوفي وكذلك الراوي عنه أبو بكر النهشلي وهما
ثقتان.(2/422)
796 - " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ".
ورد من حديث أبي سعيد الخدري وحذيفة ابن اليمان وعلي بن أبي طالب وعمر بن
الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر والبراء بن عازب وأبي هريرة
وجابر بن عبد الله وقرة بن إياس.
1 - أما حديث أبي سعيد، فيرويه عبد الرحمن بن أبي نعم عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه الترمذي (4 / 339) والحاكم (3 / 166 -
167) والطبراني (1 / 123 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 71)
والخطيب في " التاريخ " (4 / 207 و 11 / 90) وأحمد (3 / 3، 62، 64، 80
، 82) وابن عساكر (18 - 47 - 1) من طرق عنه، وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح ".
قلت: وهو كما قال، فإن ابن أبي نعم ثقة احتج به الشيخان.
وزاد أحمد في روايته: " وفاطمة سيدة نسائهم إلا ما كان لمريم بنت عمران ".
وفي سنده يزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي مولاهم الكوفي، قال الحافظ:
" ضعيف، كبر فتغير صار يتلقن وكان شيعيا ".(2/423)
وزاد الحاكم وكذا الطبراني وأبو نعيم والخطيب في رواية لهم: " إلا ابني
الخالة: عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ".
وقال الحاكم: " حديث قد صح من أوجه كثيرة وأنا أتعجب أنهما لم يخرجاه ".
وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: الحكم فيه لين ". يعني الحكم به عبد الرحمن بن
أبي نعم. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق سيء الحفظ ".
قلت: والحديث أورده الهيثمي في " المجمع: (9 - 201) بالزيادة الأولى وقال
: " رواه الترمذي غير ذكر فاطمة ومريم - رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال
الصحيح "! كذا قال وفيه نظر من وجهين:
الأول: أنه يوهم أن رجالهما محتج بهم في " الصحيح " وليس كذلك فإن يزيد بن
أبي زياد الذي سبق بيان ضعفه لم يحتج به في " الصحيح " أي صحيح مسلم، بل إنما
أخرج له مقرونا بغيره، كما صرح بذلك الذهبي في آخر ترجمته.
والآخر: أنه يوهم أن يزيد هذا حجة في نفسه وليس كذلك كما تقدم بيانه.
وللحديث طريق أخرى يرويه عطية عن أبي سعيد به. دون الزيادة. أخرجه الطبراني
والخطيب (9 - 232) .(2/424)
(تنبيه) أورد السيوطي حديث أبي سعيد هذا في " الجامع الصغير " بالزيادتين من
رواية أحمد وأبي يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم!
ولا يخفى ما في ذلك من الإخلال والإيهام، فإن أحدا من هؤلاء لم يخرجه كما
أورده، اللهم إلا أن يكون أبا يعلى والطبراني وذلك ما استبعده جدا، ثم إن
الزيادة الأولى لم يروها غير أحمد وأبي يعلى والحاكم، والزيادة الأخرى لم
يروها إلا الحاكم! ! وبيض المناوي للحديث ولم يتنبه لهذا الخلط الذي وقع
للسيوطي! وله طريق ثالث عن أبي سعيد. أخرجه الطبراني (1 / 123 / 1)
وإسناده حسن، رجاله ثقات غير حرب بن حسن الطحان، قال الأزدي: ليس حديثه بذاك
. وذكره ابن حبان في " الثقات ".
2 - وأما حديث حذيفة، فله عنه ثلاثة طرق:
الأولى: عن إسرائيل عن ميسرة النهدي عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عنه قال
: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فصليت معه المغرب، ثم قام يصلي حتى صلى
العشاء (الأصل: الغداة!) ثم خرج، فاتبعته، فقال: عرض لي ملك استأذن ربه
أن يسلم علي ويبشرني في أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ".
أخرجه الترمذي (2 / 307) وابن حبان (2229) وأحمد (5 / 391) والطبراني
(1 / 123 / 1) والخطيب (6 / 372) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 255
/ 2) من طريقين عن إسرائيل به وزاد الترمذي وأحمد:(2/425)
" وأن فاطمة سيدة نساء
أهل الجنة " وقال الترمذي: " حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير ميسرة وهو ابن حبيب
وهو ثقة وصحح الزيادة الحاكم (3 - 151) ووافقه الذهبي.
الثانية: قال أحمد (5 / 392) : حدثنا أسود بن عامر: حدثنا إسرائيل عن ابن
أبي السفر عن الشعبي عنه قال: فذكره نحوه: دون الزيادة وقال: " قال: فقال
حذيفة: فاستغفر لي ولأمي، قال: غفر الله لك يا حذيفة ولأمك ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، واسم ابن أبي السفر عبد الله. وقد
أخرجه ابن عساكر أيضا من طريق أحمد.
الثالثة: عن المسيب بن واضح أنبأنا عطاء بن مسلم الخفاف أبو محمد الحلبي عن
أبي عمرو الأشجعي عن سالم بن أبي الجعد عن قيس بن أبي حازم عنه به نحوه. وزاد
: " قال عطاء: وحدثونا أنه قال: وأبوهما خير منهما ".
أخرجه الطبراني وابن عساكر. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد والمتابعات،
المسيب بن واضح سيء الحفظ، ومثله شيخه الخفاف، لكن أبو عمرو الأشجعي لم أجد
من ترجمه ومن طريقه رواه الطبراني في " الأوسط " أيضا كما في " المجمع " (9 /
183) وقال: " ولم أعرفه " وأخرجه في " الكبير " (1 / 123 / 1) من طريق
آخر عن عطاء.
3 - وأما حديث علي فله عنه ثلاث طرق:(2/426)
الأولى: عن علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح قال: حدثنا أبي عن
أبيه عن معاوية بن ميسرة بن شريح عن ميسرة عن شريح عنه مرفوعا به. وفيه قصة.
أخرجه أبو نعيم (4 / 140) والخطيب (12 / 4) ، ذكره في ترجمة علي هذا وروى
له بهذا الإسناد عن ميسرة بن شريح قال: " تقدمت إلى شريح امرأة، فقالت: إن
لي إحليلا وإن لي فرجا ... (وساق الحديث وفيه) أنه أمر بعد أضلاعها وقال
: إن عدد أضلاع الرجل من الجانب الأيمن ثمانية عشر ضلعا، ومن الجانب الأيسر
سبعة عشر ضلعا. فقال ابن أبي حاتم الرازي في كتاب " الجرح والتعديل " (3 / 1
/ 193) : سمعت أبي يقول: كتبت هذا الحديث لأسمعه من علي بن عبد الله، فلما
تدبرته، فإذا هو شبيه الموضوع، فلم أسمعه على العمد ". ومن فوقه من آبائه
فلم أعرفهم.
الثانية: عن الحارث عنه مرفوعا به. أخرجه الطبراني (1 / 122 / 2) وابن
عساكر (4 / 256 / 1) . قال الهيثمي (9 / 182) : " والحارث الأعور ضعيف ".
الثالثة: عن أبي حفص الأعشى عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر عن علي بن الحسين عن
الحسين بن علي عنه به وزاد: " وأبوهما خير منهما ". أخرجه الخطيب (1 / 140
) وعنه ابن عساكر (4 / 256 / 1) . وأبو حفص هذا لم أعرفه.(2/427)
الرابعة: عن أبي جناب عن الشعبي عن زيد بن يثيع عنه به. أخرجه الخطيب (2 /
185) وكذا الطبراني. وأبو جناب اسمه يحيى بن أبي حية ضعفوه لكثرة تدليسه.
4 - وأما حديث عمر بن الخطاب، فيرويه أحمد بن المقدام حدثنا حكيم بن حزام أبو
سمير حدثنا الأعمش عن إبراهيم بن يزيد التميمي عن أبيه قال: " وجد علي بن أبي
طالب درعا له عند يهودي التقطها فعرفها ( ... القصة) فقال علي: ثكلتك أمك أما
سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحسن والحسين
سيدا شباب أهل الجنة.. " الخ القصة. أخرجه الطبراني (1 / 122 / 2) وأبو
نعيم (4 / 139 - 140) وقال: " غريب من حديث الأعمش عن إبراهيم، تفرد به
حكيم ". قلت: وهو متروك الحديث كما قال أبو حاتم.
5 - وأما حديث ابن مسعود، فله عنه طريقان.
الأولى: عن علي بن صالح عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وفيه الزيادة: " وأبوهما خير
منهما ". أخرجه الحاكم (3 / 167) وقال: " صحيح بهذه الزيادة ". ووافقه
الذهبي. وأقول: إنما هو حسن للخلاف المعروف في عاصم وهو ابن بهدلة.
الثانية: عن عبد الحميد بن بحر عن أبي سعيد الكوفي قال: حدثنا منصور ابن أبي(2/428)
الأسود عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره بدون الزيادة. أخرجه أبو نعيم (5 / 58) .
وعبد الحميد هذا قال ابن عدي وابن حبان: كان يسرق الحديث.
6 - وأما حديث عبد الله بن عمر، فيرويه المعلى بن عبد الرحمن حدثنا ابن أبي
ذئب عن نافع عنه به وفيه الزيادة: وزاد ابن عساكر في أوله " ابناي هذان ".
أخرجه الحاكم (3 / 167) وابن عساكر (4 / 256 / 1) . ذكره الحاكم شاهدا
لحديث ابن مسعود ولا يصلح لذلك، فإنه شديد الضعف ولهذا تعقبه الذهبي بقوله:
" قلت: معلى متروك ".
7 - وأما حديث البراء، فقال الهيثمي (9 / 184) : " رواه الطبراني وإسناده
حسن ". ولم أره في " معجمه الكبير " لا في " مسند البراء " منه، ولا في
ترجمة الحسن ابن علي رضي الله عنه وفيها ساق الأحاديث المتقدمة، وقد أخرجه
ابن عساكر (4 / 256 / 1) وفيه محمد بن حميد وهو الرازي وهو ضعيف كما في
" التقريب ".
8 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه محمد بن مروان الذهلي حدثني أبو حازم حدثني
أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وفي أوله زيادة:
" إن ملكا من السماء لم يكن زارني، فاستأذن الله عز وجل في زيارتي، فبشرني أن(2/429)
الحسن ... ". أخرجه الطبراني (1 / 123 / 1) .
وهذا إسناد حسن رجاله ثقات كلهم غير الذهلي هذا، قال الحافظ في " التقريب ":
" مقبول ". وسقط من نسخة الهيثمي من " المعجم " اسم " محمد بن " فلم يعرفه
فقال (9 / 183) : " رواه الطبراني، وفيه مروان الذهلي ولم أعرفه وبقية
رجاله رجال الصحيح ".
ثم أخرجه الطبراني من طريق سيف بن محمد أنبأنا سفيان عن أبي الجحاف وحبيب بن
أبي ثابت عن أبي حازم به دون الزيادة. لكن سيف هذا كذبوه فلا يستشهد به.
9 - وأما حديث جابر، فيرويه جابر - وهو الجعفي - عن عبد الرحمن ابن سابط عنه
قال: قال صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه الطبراني وابن عساكر (4 / 256
/ 1) . قال الهيثمي: " وجابر الجعفي ضعيف ".
قلت: لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه الربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط به
لكن لفظه: " من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا. يعني
الحسن. وفي رواية: الحسين ". أخرجه ابن حبان (2236) وابن عساكر، وقال
:(2/430)
الصواب الرواية الأخرى.
قلت: وهكذا على الصواب ذكره الذهبي في " الميزان " من رواية ابن حبان، وهي
عنده عن أبي يعلى، وكذلك أورده الهيثمي في " المجمع " (9 / 187) وقال:
" رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعد وقيل ابن سعيد وهو
ثقة ".
قلت: إنما وثقه ابن حبان فقط، قال الذهبي: " لا يكاد يعرف ".
10 - وأما حديث قرة بن إياس، فيرويه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن معاوية بن
قرة عن أبيه مرفوعا به وفيه زيادة: " وأبوهما خير منهما ". أخرجه الطبراني
(1 / 123 / 2) . وابن زياد ضعيف. وأما قول الهيثمي (9 / 183) :
" وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وفيه خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح ".
قلت: فهذا الاطلاق فيه نظر لأن شيخ الطبراني وهو محمد بن عثمان بن أبي شيبة
ليس من رجال " الصحيح " ثم هو متكلم فيه. وفي الباب عند ابن عساكر عن أنس
وجهم. وبالجملة فالحديث صحيح بلا ريب بل هو متواتر كما نقله المناوي وكذلك(2/431)
الزيادات التي سبق تخريجها، فهي صحيحة ثابتة.
797 - " إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله، فليخبره بأنه يحبه لله عز وجل ".
رواه ابن المبارك في " الزهد " (188 / 1 من الكواكب 575 ورقم 712 - طبع الهند
) : حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب أن أبا سالم الجيشاني أتى إلى أبي
أمية في منزله فقال: إني سمعت أبا ذر يقول: فذكره مرفوعا وزاد في آخره:
" فقد جئتك في منزلك ".
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات وابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه
أحد العبادلة وابن المبارك أحدهم. وقد رواه عنه عبد الله بن وهب أيضا في
" الجامع " (ص 36) .
798 - " إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان ".
هو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ورد عنه من طرق منقطعة وبعضها
مرسلة وبعضها موصول قوي.(2/432)
فأخرجه أبو داود (2 / 106) والدارمي (2 / 250) وابن ماجه (2 / 16)
والدارقطني (297) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد
الرحمن عن أبيه عنه به. وابن أبي ليلى سيىء الحفظ لكن تابعه عمر بن قيس
الماصر وهو ثقة. رواه عنه الدارقطني بإسناد صحيح لكن خالفهما جمع، فرووه عن
القاسم عن ابن مسعود ليس فيه: " عن أبيه ". أخرجه الدارقطني عن أبي العميس
وهو عتبة بن عبد الله بن مسعود والطيالسي (رقم 399) وأحمد (1 / 466) عن
المسعودي وأحمد عن معن وهو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ثلاثتهم عن
القاسم به. فهو على هذا منقطع وقال الترمذي (1 / 240) إنه مرسل. لكن قد
يقال: إن من وصله ثقة، وهي زيادة يجب قولها. والله أعلم.
طريق ثان: أخرجه النسائي (2 / 230) والدارقطني وأحمد من طريق أبي عبيدة بن
عبد الله بن مسعود عن أبيه. وهو منقطع أيضا.
طريق ثالث: أخرجه الترمذي وأحمد من طريق ابن عجلان عن عون بن عبد الله عنه.
وقال الترمذي: " حديث مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود ".
طريق رابع، وهو موصول أخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني عن عبد الرحمن بن
قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده عنه. وهذا إسناد حسن لولا أن عبد
الرحمن بن قيس هذا مجهول الحال كما في " التقريب ". وأما قول من قال إنه
منقطع فلا وجه له. وقد أخرجه الحاكم (2 / 45) من هذا الوجه وقال:(2/433)
" صحيح
الإسناد " ووافقه الذهبي. كذا قالا.
طريق خامس موصول أيضا، أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن عبيد ابن عبد أنبأنا
أحمد بن مسيح الجمال أنبأنا عصمة بن عبد الله أنبأنا إسرائيل عن الأعمش عن أبي
وائل عنه. وعصمة بن عبد الله فمن دونه لم أجد من ترجمهم.
وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح لاختلاف مخارجها وقد جزم به شيخ
الإسلام ابن تيمية في كتابه " قاعدة العقود ".
799 - " ان كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس ".
أخرجه البخاري (9 / 112) من طريق يزيد بن زريع: حدثنا عمر بن محمد العسقلاني
عن أبيه عن ابن عمر قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال
: فذكره. وقد تابعه شعبة عن عمر بلفظ (إن يك) وخلا في (442) .
ومحمد هذا هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر المدني وهو ثقة حجة، وقد أجاد حفظ
الحديث ورواه غيره عن ابن عمر بلفظ: (الشؤم في) كما يأتي برقم (1897)
والراجح عندي رواية محمد هذه لأن لها شواهد صحيحة، وقد تابعه عليها حمزة بن
عبد الله بن عمر عند مسلم (7 / 34) والطحاوي (2 / 381) .
فمن شواهده عن سهل بن سعد بهذا اللفظ. أخرجه مالك (3 / 140) وعنه البخاري
في " صحيحه " وفي " الأدب المفرد " (132) ومسلم (7 / 34 - 35) وابن ماجه
(2 / 615) والطحاوي (2 / 381) وأحمد (5 / 335، 338) كلهم عن مالك عن
أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد مرفوعا به.(2/434)
وقد تابعه هشام بن سعد عن أبي
حازم. أخرجه مسلم. ومنها عن جابر مرفوعا بنحوه. أخرجه مسلم أيضا والنسائي
(2 / 150) عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا به. وكذلك أخرجه
الطحاوي. وله شواهد أخرى فانظر " (لا عدوى..) الحديث وقد مضى (789) .
800 - " أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما
قليلا ".
أخرجه البخاري في " صحيحه " (7 / 76) وفي " الأدب المفرد " (ص 22) وأبو
داود (2 / 336) والترمذي (1 / 349) وأحمد (5 / 333) والسياق له من
حديث سهل بن سعد. وله شاهد من حديث أبي هريرة خرجته في الكتاب الآخر (
1637) لكن صح بلفظ آخر وهو: " كافل اليتيم "، ويأتي برقم (960) .
وشاهد آخر من حديث أم سعيد ابنة مرة الفهري عن أبيها مرفوعا نحوه.
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد ". وسنده مقبول، رجاله كلهم رجال الشيخين
غير أم سعيد هذه وهي مقبولة غير أن الرواية عنها وهي أنيسة لا تعرف كما في
" التقريب ".
801 - " اهج المشركين، فإن جبريل معك ".
أخرجه البخاري (5 / 51) تعليقا وأحمد (4 / 286، 303) موصولا وكذا الخطيب
(14 / 31) عن الشيباني سليمان بن أبي سليمان عن عدي بن ثابت عن البراء بن
عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان ابن ثابت:
فذكره.(2/435)
قلت: وسنده صحيح على شرط الشيخين. وقال الحافظ في " شرح البخاري ": " وصله
النسائي وإسناده على شرط البخاري ". وأخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 22)
عن عمران بن ظبيان عن عدي به. وليس عنده وكذا أحمد قوله: " يوم قريظة ".
ثم أخرجه البخاري (4 / 79 - 80، 5 / 51، 7 / 109) ومسلم (7 / 163)
والطيالسي (ص 99 رقم 730) وأحمد (4 / 299، 302) عن شعبة عن عدي به إلا
أنه شك فقال: اهجهم أو قال هاجهم. وأخرجه الحاكم (3 / 487) عن عيسى بن عبد
الرحمن حدثني عدي بن ثابت به بلفظ. قال لحسان بن ثابت: إن روح القدس معك ما
هاجيتهم. وله عنده طريق أخرى مطولا وسيأتي (1970) بلفظ: " اذهب إلى أبي
بكر ... ". وفي المسند (4 / 298، 301) و " المعجم الصغير " (ص 207) طريق
ثان وهو عن أبي إسحاق عن البراء. وسنده صحيح على شرطهما. وله شاهد بلفظ:
" اهجوا بالشعر إن المؤمن يجاهد بنفسه وماله والذي نفس محمد بيده كأنما
تنضحوهم بالنبل ".
802 - " اهجوا بالشعر إن المؤمن يجاهد بنفسه وماله، والذي نفس محمد بيده كأنما
تنضحوهم بالنبل ".
أخرجه أحمد (3 / 460) : حدثنا علي بن بحر حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي
عن محمد بن عبد الله بن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن
كعب عن كعب بن مالك مرفوعا به. وهذا سند حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين
غير علي بن بحر وهو ثقة(2/436)
فاضل. وفي ابن أخي ابن شهاب كلام من قبل حفظه وفي
التقريب: " صدوق له أوهام ".
قلت: لكنه قد توبع كما ذكرته في: " إن المؤمن يجاهد ... ". وسيأتي بإذن
الله (1631) .
803 - " لا يقولن أحدكم عبدي، فكلكم عبيد الله ولكن ليقل: فتاي ولا يقل العبد ربي
ولكن ليقل: سيدي ".
أخرجه مسلم (7 / 46 - 47) عن جرير وأحمد (2 / 496) حدثنا ابن نمير حدثنا
الأعمش ويعلى - ثلاثتهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به.
ثم ساقه مسلم من طريق أبي معاوية الحديث. وحدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع
كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد وفي حديثهما زيادة بلفظ: " ولا يقل العبد
لسيده مولاي ". وزاد أبو معاوية على وكيع: " فإن مولاكم الله عز وجل ".
وفي ثبوت هذه الزيادة وما قبلها نظر بينه الحافظ في " الفتح " بقوله:
" بين مسلم الاختلاف في ذلك على الأعمش وأن منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم
من حذفها. وقال عياض: حذفها أصح. وقال القرطبي: المشهور حذفها. قال:
وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ. انتهى
ومقتضى ظاهر هذه الزيادة أن إطلاق السيد أسهل من إطلاق المولى، وهو خلاف
المتعارف، فإن المولى يطلق على أوجه متعددة منها الأسفل والأعلى والسيد لا
يطلق إلا على الأعلى، فكان إطلاق " المولى " أسهل وأقرب إلى عدم الكراهية.
والله أعلم ".
وأقول: لا مجال للطعن في رواة هذه الزيادة عن الأعمش وهما أبو معاوية(2/437)
واسمه
محمد بن خازم - وأبو سعيد الأشج، واسمه عبد الله بن سعيد، فإن كليهما ثقة
من رجال الشيخين لا مطعن فيهما، لكن قد خالفهما كما سبق جرير وهو ابن عبد
الحميد وابن نمير واسمه عبد الله ويعلى وهو ابن عبيد الطنافسي وثلاثتهم
ثقة محتج بهم عند الشيخين أيضا، فيتردد النظر بين ترجيح روايتهم على رواية
الثقتين لكونهم أكثر وبين ترجيح روايتهما على روايتهم لأن معهما زيادة وزيادة
الثقة مقبولة وكان اللائق بالناظر أن يقف عند هذا دون أي تردد لولا ثلاثة أمور
: الأول: أن الحديث رواه أحمد (2 / 444) : أنبأنا وكيع عن الأعمش به دون
الزيادة. فقد خالف الإمام أبا سعيد الأشج، وهو أحفظ منه.
الثاني: أن الحديث أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " (209 و 210)
وأحمد (2 / 423 و 444 و 463 و 484 و 491 و 508) وغيرهم من طرق أخرى عن أبي
هريرة دون الزيادة ويأتي ذكر بعض ألفاظهم.
الثالث: أن همام بن منبه قال حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " لا يقل أحدكم اسق ربك أطعم ربك وضىء ربك ولا يقل أحدكم ربي وليقل
سيدي، مولاي ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل: فتاي، فتاتي، غلامي ".
أخرجه البخاري (3 / 124) ومسلم وأحمد (2 / 316) . فزاد في هذه الرواية
" مولاي "، ولفظ أحمد: " ومولاي " وهذه الزيادة تخالف الزيادة الأولى
مخالفة لا يمكن التوفيق بينهما إلا بالترجيح كما سبق عن القرطبي وهذه أرجح
لعدم المعارض.
الرابع: أنه ثبت في الحديث: " السيد الله " ولم يثبت في الحديث المرفوع أن(2/438)
" المولى " هو الله، فإذا جاز اطلاق لفظ " السيد " على سيد العبد، فمن باب
أولى أن يجوز إطلاق لفظ " المولى " عليه، لاسيما وهو يطلق على الأدنى أيضا
كما تقدم في كلام الحافظ، فهذا النظر الصحيح مع الأمور الثلاثة التي قبلها
تجعلنا نرجح رواية الثلاثة الثقات على رواية الثقتين اللذين تفردا بهذه الزيادة
، فكان لابد من الترجيح ومما لا شك فيه أن اجتماع هذه الأمور الأربعة مما لا
يفسح المجال للتردد المذكور بل نقطع بها أن الزيادة التي تفرد بها الثقتان شاذة
فلا تثبت. والله أعلم.
ومن ألفاظ الحديث في بعض طرقه المشار إليها آنفا: " لا يقولن أحدكم عبدي
وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ولكن ليقل: غلامي وجاريتي
وفتاي وفتاتي ". أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " وأحمد (2 / 462
، 484) . ومنها بلفظ: " لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولا يقولن المملوك ربي
وربتي وليقل المالك: فتاي وفتاتي وليقل المملوك سيدي وسيدتي، فإنكم
المملوكون والرب الله عز وجل ". أخرجه في " الأدب المفرد " وأبو داود (4975
) وأحمد (2 / 423) بسند صحيح على شرط مسلم.
804 - " كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 491) والطبراني في " المعجم الكبير "
(3 / 181 / 1) والبيهقي في " السنن الكبرى " (5 / 146) من طرق عن إبراهيم
بن محمد بن عرعرة قال: دفع إلينا معاذ بن هشام كتابا (ولم أسمعه) وقال:
سمعته من أبي ولم يقرأه، قال: فكان فيه: عن قتادة عن أبي حسان عن ابن
عباس مرفوعا به. هكذا وقع عندهم - والزيادة للطحاوي - غير الطبراني، فقال
: حدثنا الحسن بن علي المعمري. أنبأنا(2/439)
إبراهيم بن محمد بن عرعرة: أنبأنا معاذ
بن هشام قال: وجدت في كتاب أبي ... الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم. وأبو حسان هو الأعرج البصري
مشهور بكنيته واسمه مسلم بن عبد الله. وقد أعل الحديث بما لا يقدح، فقد روى
الخطيب في " التاريخ " (6 / 149) عن الأثرم قال: قلت: لأبي عبد الله - يعني
أحمد بن حنبل - تحفظ عن قتادة عن أبي حسان ... (فذكر الحديث) . فقال: كتبوه
من كتاب معاذ ولم يسمعوه.
قلت: ها هنا إنسان يزعم أنه قد سمعه من معاذ، فأنكر ذلك، قال: من هو؟ قلت
: إبراهيم بن عرعرة. فتغير وجهه ونفض يده وقال: كذب وزور، سبحان الله!
ما سمعوه منه إنما قال فلان: كتبناه من كتابه ولم يسمعه منه، سبحان الله!
واستعظم ذلك منه. ولعل الإمام أحمد يشير بقوله " فلان ... " إلى علي بن
المديني، فقد أخرجه الخطيب من طريق إسماعيل القاضي عنه قال: روى قتادة حديثا
غريبا لا يحفظ عن أحد من أصحاب قتادة إلا من حديث هشام، فنسخته من كتاب ابنه
معاذ بن هشام وهو حاضر لم أسمعه منه عن قتادة، وقال لي معاذ: هاته حتى
أقرأه، قلت: دعه اليوم - قال: حدثنا أبو حسان (فذكره) قال علي بن المديني
: هكذا هو في الكتاب. وعقب الخطيب على ذلك بقوله: " وما الذي يمنع أن يكون
إبراهيم بن محمد بن عرعرة سمع هذا الحديث من معاذ مع سماعه منه غيره، وقد قال
ابن أبي حاتم الرازي في كتاب " الجرح والتعديل ": سئل أبي عن إبراهيم بن
عرعرة؟ فقال: " صدوق ". ثم روى الخطيب عن ابن معين أنه قال: ثقة معروف
بالحديث كان يحيى بن سعيد يكرمه مشهور بالطلب، كيس الكتاب ولكنه يفسد نفسه
يدخل في كل(2/440)
شيء. وعن إبراهيم بن خرزاذ: احفظ من رأيت أربعة ... فذكر فيهم
إبراهيم بن عرعرة.
قلت: ووثقه أبو زرعة أيضا بروايته عنه. وقال الحاكم: هو إمام من حفاظ
الحديث. وقال الخليلي: حافظ كبير ثقة متفق عليه. ووثقه غير هؤلاء أيضا.
قلت: ويشكل على ما رجحه الخطيب من سماع ابن عرعرة لهذا الحديث من معاذ تصريحه
بأن معاذا دفع إليه كتاب أبيه، فكان فيه هذا ... فهذا معناه أنه لم يسمع منه
وذلك ما صرحت به زيادة الطحاوي المتقدمة: " ولم أسمعه منه ". ومعنى ذلك أن
روايته وجادة وليست سماعا. ويمكن الخلاص من الإشكال بأن يقال: لا ينافي
عدم سماعه للكتاب من معاذ أن لا يكون سمع منه هذا الحديث خاصة، فإن الطبراني
قد صرح بسماعه الحديث منه والسند إليه بذلك صحيح، فإن المعمري وإن تكلم فيه
بعضهم، فقد استقر الحال آخرا على توثيقه كما قال الحافظ ويشهد له ما تقدم من
قول الأثرم " أن إبراهيم بن عرعرة يزعم أنه قد سمعه من معاذ " فإنه يشعرنا بأن
سماعه منه كان معروفا عندهم ولولا ذلك(2/441)
كان يسع الإمام أحمد أن يرد ذلك بعدم
ثبوت رواية من روى عن ابن عرعرة السماع منه ولم يكن به حاجة إلى التصريح
بالتكذيب. فتأمل.
وجملة القول أن الحديث صحيح على كل حال سواء ثبت سماع ابن عرعرة إياه من معاذ
أم لا أما الأول فواضح لثقة ابن عرعرة وحفظه وأما على الآخر فغايته أن يكون
روايته وجادة في كتاب معاذ، وقد ناوله هذا إياه، فهي وجادة صحيحة من أقوى
الوجادات مقرونة بمناولة الشيخ. وبالله التوفيق.
ومما يقوي الحديث أن له شاهدا مرسلا قويا، فقد قال البيهقي عقبه مشيرا إلى
تقوية الحديث به: " وروى الثوري في " الجامع " عن ابن طاووس عن طاووس: أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة يعني ليالي منى ".
805 - " كنا نتزود لحوم الهدي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 309) : حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن جابر:
فذكره. وبهذا الإسناد أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (4 / 57) ومن
طريقه مسلم في " صحيحه " (6 / 81) . وأخرجه البخاري (6 / 239 - استانبول)
البيهقي (9 / 291) من طرق أخرى عن سفيان بن عيينة به. وتابعه شعبة عن عمرو
بن دينار به. أخرجه الدارمى (2 / 80) وأحمد (3 / 368) .
وتابع عمرا ابن جريج فقال: حدثنا عطاء به ولفظه: " كنا لا نأكل من لحوم
بدننا فوق ثلاث منى، فأرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كلوا
وتزودوا. قلت: لعطاء: قال جابر: حتى جئنا المدينة؟ قال: نعم ".(2/442)
هكذا أخرجه مسلم من طريق محمد بن حاتم حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج به.
وخالفه الإمام أحمد فقال (3 / 317) : حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه قال:
" لا " مكان " نعم ". وكذلك أخرجه البخاري والبيهقي عن مسدد حدثنا يحيى به.
وتابعه عمرو بن علي عند النسائي كما في " الفتح " (9 / 455) .
فهؤلاء ثلاثة من الثقات الحفاظ أحمد ومسدد وعمرو بن علي خالفوا محمد بن حاتم
فقالوا " لا " مكان " نعم "، ولا شك أن روايتهم أرجح وهو الذي جزم به الحافظ
فقال: " والذي وقع في البخاري هو المعتمد، وقد نبه على اختلاف البخاري
ومسلم في هذه اللفظة الحمدي في " جمعه " وتبعه عياض ولم يذكرا ترجيحا وأغفل
ذلك شراح البخاري أصلا، فبما وقفت عليه ".
وأقول: لكن الحديث قد جاء من طريق غير يحيى عن ابن جريج، وهي طريق عمرو بن
دينار عن عطاء بمعنى لفظ حديث محمد بن حاتم كما رأيت. وعلى ذلك فيكون هناك
خلاف أقدم حول هذه اللفظة بين عمرو بن دينار من جهة وابن جريج من جهة أخرى
وكلاهما ثقة حافظ فلابد من التوفيق بين روايتيهما أو الترجيح والمصير إلى
الأول هو الأصل، وقد حاول ذلك الحافظ ابن حجر فقال عقب ترجيحه السابق لرواية
البخاري النافيه على رواية مسلم المثبتة: " ثم ليس المراد بقوله " لا " نفي
الحكم بل مراده أن جابرا لم يصرح باستمرار ذلك منهم حتى قدموا، فيكون على هذا
معنى قوله: في رواية عمرو بن دينار. " كنا نتزود لحوم الهدي إلى المدينة " أي
لتوجهنا إلى المدينة ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتى يصلوا المدينة. والله
أعلم ".(2/443)
قلت: لكن هناك طرق أخرى عن عطاء تبطل هذا التأويل مع مخالفته للظاهر، منها ما
عند ابن أبي شيبة: أنبأنا علي بن مسهر عن عبد الملك عن عطاء به بلفظ: " كنا
نبلغ المدينة بلحوم الأضاحي ". وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وتابعه أبو الزبير عن جابر قال: " أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحوم الأضاحي وتزودنا حتى بلغنا بها المدينة ". أخرجه أحمد (3 / 386) من
طريق زهير والطحاوي (2 / 308) من طريقين أخريين ثلاثتهم عن أبي الزبير به.
وهو على شرط مسلم، مع عنعنه أبي الزبير، لكنه يتقوى برواية عبد الملك وهو
ابن أبي سليمان وهو ثقة. ومما يشهد لروايتهما رواية شعبة عن عمرو بن دينار
عند الدارمي بلفظ: " إن كنا لنتزود من مكة إلى المدينة على عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم لحوم الأضاحي ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
قلت: فهذا اللفظ عن عمرو بن دينار ومتابعة عبد الملك وأبو الزبير على معناه
المصرحة بأنهم بلغوا بما تزودوا به من الأضاحي أو الهدي إلى المدينة يبطل بكل
وضوح ذلك المعنى الذي تقدم ذكره عن الحافظ في سبيل التوفيق بين رواية البخاري
النافية وروايته الأخرى عن عمرو المثبتة، فتعين أنه لابد من الترجيح ولا يشك
أي باحث ذي نظر ثاقب أن رواية عمرو هي الراجحة لما لها من الشواهد التي ذكرنا
ولأنها مثبتة، ومن المعلوم في الأصول أن المثبت مقدم على النافي، لاسيما
وأن للحديث شواهد عن غير جابر من الصحابة ولعلي إذا نشطت ذكرت ما تيسر لي
منها. وتبين بهذا التخريج أن رواية ابن جريج غير محفوظة وهو ما أشار إليه
الإمام(2/444)
البيهقي بقوله عقب رواية عمرو: " فالتزود إلى المدينة حفظه عمرو بن
دينار عن عطاء (أي ولم يحفظه ابن جريج عنه) وحفظه أيضا عبد الملك بن أبي
سليمان عن عطاء، وحفظه زهير بن معاوية (قلت: وغيره كما تقدمت الإشارة إليه
) عن أبي الزبير عن جابر ". وقد روى التزود المذكور من الصحابة غير جابر.
1 - ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه مسلم والدارمي والبيهقي.
2 - وأبو سعيد الخدري: " كنا نتزود من وشيق الحج حتى يكاد يحول عليه الحول "
. أخرجه أحمد (3 / 85) بسند حسن.
(تنبيه) لقد شاع بين الناس الذين يعودون من الحج التذمر البالغ مما يرونه من
ذهاب الهدايا والضحايا في منى طعما للطيور وسباع الوحوش، أو لقما للخنادق
الضخمة التي تحفرها الجرارات الآلية ثم تقبرها فيها حتى لقد حمل ذلك بعض
المفتين الرسميين على إفتاء بعض الناس بجواز بل وجوب صرف أثمان الضحايا
والهدايا في منى إلى الفقراء، أو يشترى بها بديلها في بلاد المكلفين بها،
ولست الآن بصدد بيان ما في مثل هذه الفتوى من الجور ومخالفة النصوص الموجبة
لما استيسر من الهدي دون القيمة وإنما غرضي أن أنبه أن التذمر المذكور يجب أن
يعلم أن المسؤول عنه إنما هم المسلمون أنفسهم لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن
، وإنما أذكر هنا سببا واحدا منها وهو عدم اقتدائهم بالسلف الصالح رضي الله
عنهم في الانتفاع من الهدايا(2/445)
بذبحها وسلخها وتقطيعها وتقديمها قطعا إلى
الفقراء والأكل منها ثم إصلاحها بطريقة فطرية، كتشريقه وتقديده تحت أشعة
الشمس بعد تمليحه أو طبخه مع التمليح الزائد ليصلح للادخار، أو بطريقة أخرى
علمية فنية إن تيسرت لو أن المسلمين صنعوا في الهدايا هذا وغيره مما يمكن
استعماله من الأسباب والوسائل لزالت الشكوى بإذن الله، ولكن إلى الله
المشتكى من غالب المسلمين الذين يحجون إلى تلك البلاد المقدسة وهو في غاية من
الجهل بأحكام المناسك الواجبة، فضلا عن غيرها من الآداب والثقافة الإسلامية
العامة. والله المستعان.
806 - " العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عم الرجل صنو أبيه ".
(عن أبي هريرة وعمر بن الخطاب والحسن بن مسلم وعلي وعبد المطلب ربيعة بن
الحارث) .
صحيح، وله طرق: الأول: عن أبي هريرة. رواه الترمذي (2 / 305) وأبو بكر
الشافعي في " الفوائد " (3 / 21 / 1 - 2) عن الأعرج عنه. وإسناده صحيح
وأصله عند مسلم (3 / 68) وأحمد (2 / 322) وغيرهما.
الثاني: عن عمر بن الخطاب. رواه أبو بكر أيضا: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن
عمر الثقفي أنبأنا أبي أنبأنا حصين بن المخارق عن الأعمش عن أبي رزين عنه
مرفوعا. لكن الحصين هذا ضعيف جدا.
الثالث: عن الحسن بن مسلم المكي مرفوعا. وإسناده صحيح إلى الحسن وهو تابعي
ثقة.
الرابع: عن علي مرفوعا بلفظ. " أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ".(2/446)
أخرجه أحمد
(1 / 94) بسند صحيح.
الخامس: عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث مرفوعا بلفظ: " يا أيها الناس! من
آذى العباس فقد آذاني، إنما عم الرجل صنو أبيه ". أخرجه أحمد (4 / 165) من
طريق يزيد بن عطاء عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل حدثني
عبد المطلب بن ربيعة ...
قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل يزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي مولاهم فهو سيء
الحفظ. ونحوه يزيد بن عطاء.
لكن ذكرت له شاهدا في " المشكاة " (3156) يتقوى به.
807 - " ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه ".
أخرجه النسائي (2 / 269 - 270) والحاكم (3 / 392 - 393) من طرق عن عبد
الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل
عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي عمار واسمه عريب بن
حميد الهمداني وهو ثقة، وجهالة الصحابي لا تضر على أنه قد سماه محمد بن أبي
يعقوب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي به فقال: " عبد الله " يعني ابن مسعود. أخرجه
الحاكم وقال: " صحيح على شرط الشيخين إن كان محمد بن أبي يعقوب حفظ عن عبد
الرحمن بن مهدي! ووافقه الذهبي!
قلت: ابن أبي يعقوب هذا ثقة من شيوخ البخاري، واسمه أبيه إسحاق فإذا(2/447)
كان قد
حفظه، فلا يزيد على كونه صحيحا لأن أبا عمار ليس من رجال الشيخين كما ذكر آنفا
. وله طريق أخرى، يرويه عثام بن علي عن الأعمش عن أبي إسحاق عن هانىء بن
هانىء قال: " دخل عمار على علي، فقال: مرحبا بالطيب المطيب، سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره. أخرجه ابن ماجه (147) وأبو نعيم في
" الحلية " (1 / 139) .
قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري غير هانىء بن هانىء وهو مستور كما في
" التقريب ". وله شاهد يرويه محمد بن حميد حدثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق
عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " من قرنه إلى قدمه
. يعني مشاشه ". أخرجه أبو نعيم.
قلت: وإسناده ضعيف مسلسل بالضعفاء، وهم من دون سعيد بن جبير.
808 - " بعثت في نسم الساعة ".
رواه الدولابي في " الكنى (1 / 23) وابن منده في " المعرفة " (2 / 234 / 2
) عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن
أبي جبيرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات وفي صحبة أبي جبيرة خلاف، ورجح
الحافظ في " التقريب " أن له صحبة وذكر في " الإصابه " أنه روى عن النبي صلى
الله عليه وسلم عدة أحاديث، وهذا هو الصواب خلافا لقول العجلي في الثقات ":(2/448)
" ليس له إلا حديث واحد ".
قلت: يشير إلى ما رواه الشعبي قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال:
" فينا نزلت في بني سلمة * (ولا تنابزوا بالألقاب) * قال: قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم المدينة وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعي
أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا: قال:
فنزلت * (ولا تنابزوا بالألقاب) * ". أخرجه أحمد (4 / 260) وغيره وصححه
الترمذي (4 / 187) والحاكم (2 / 463) والذهبي. وفي ذلك كله إشارة إلى
أن الراجح عندهم صحبة أبي جبيرة، وهو ظاهر قوله " فينا نزلت ". والله أعلم
. والحديث رواه الحاكم أيضا في " الكنى " كما في " الفتح الكبير " ولم يعزه
لغيره! قوله: (نسم الساعة) . في " النهاية ": " هو من النسيم أول هبوب
الريح الضعيفة، أي: بعثت في أول أشراط الساعة وضعف مجيئها. وقيل: هو جمع
نسمة، أي: بعثت في ذوي أرواح خلقهم الله تعالى قبل اقتراب الساعة كأنه قال:
في آخر النشو من بني آدم ".
قلت: فهو بمعنى الحديث الأخر " بعثت بين يدي الساعة ".
809 - " بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه ".
رواه البخاري (4 / 151 - النهضة) وأحمد (2 / 373 و 417) وابن سعد(2/449)
(1 /
25) وابن عساكر (12 / 240 / 1) عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن سعيد
يعني المقبري عن أبي هريرة مرفوعا.
810 - " تكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي
كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض الدنيا ".
أخرجه الترمذي (3 / 221 بشرح التحفة) وابن أبي شيبة في " الإيمان " (رقم 64
) والحاكم (4 / 438 - 439) والفريابي في " صفة المنافق " (ص 66 من " دفائن
الكنوز ") من طرق عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك
مرفوعا به. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب من هذا الوجه ". قال الشارح:
" لم يحسنه الترمذي والظاهر أنه حسن ". وهو كما قال، فإن سعد بن سنان وثقه
ابن معين وحسبك به. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ: " بادروا " وقد
تقدم. وآخر من حديث ابن عمر يأتي بلفظ: " ليغشين " رقم (1267) .
811 - " الحسن مني والحسين من علي ".
أخرجه أبو داود (2 / 186) وأحمد (4 / 132) وابن عساكر (4 / 258 / 2) من
طريق بقية حدثنا بجير بن سعد عن خالد بن معدان قال: " وفد المقدام بن معدي
كرب وعمرو بن الأسود إلى معاوية، فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن
علي توفي؟ فرجع المقدام، فقال له معاوية: أتراها مصيبة؟ فقال: ولم لا
أراها مصيبة، وقد وضعه رسول الله في حجره وقال ... " فذكره.(2/450)
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وقال المناوي: " قال الحافظ العراقي:
وسنده جيد، وقال غيره: فيه بقية صدوق له مناكير وغرائب وعجائب ".
قلت: ولا منافاة بين القولين، فإن بقية إنما يخشى من تدليسه وهنا قد صرح
بالتحديث كما رأيت وهو في رواية أحمد.
812 - " خير التابعين رجل من قرن يقال له أويس ".
رواه مسلم (7 / 189) وابن سعد (6 / 113) والعقيلي في " الضعفاء " (50)
والحاكم (3 - 404) عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أسير بن جابر:
أن عمر بن الخطاب قال لأويس القرني: استغفر لي قال: أنت أحق أن تستغفر لي
، إنك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: فذكره. ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر (3 - 98 - 2) .
ثم روى عن ابن صاعد أنه قال: " أسانيد أحاديث أويس صحاح، رواها الثقات وهذا
الحديث منها وهذا يسميه أهل البصرة يسير بن جابر ويسميه أهل الكوفة يسير بن
عمرو، وله صحبة ".
وله شاهد من حديث علي يرويه يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى
قال: " لما كان يوم صفين، نادى مناد من أصحاب معاوية وأصحاب علي: أفيكم
أويس القرني، قالوا: نعم، فضرب دابته، حتى دخل معهم، ثم قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير التابعين أويس القرني ". أخرجه الحاكم (3
- 402) عن شريك عن يزيد بن أبي زياد.
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل شريك ويزيد، فإنهما ضعيفان من قبل حفظهما،
فحديثه حسن في الشواهد.(2/451)
813 - " اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت والموت خير للمؤمن من الفتنة ويكره
قلة المال وقلة المال أقل للحساب ".
رواه أحمد (5 / 427، 427 - 428، 428) وأبو عمرو الداني في " الفتن " (179
/ 1) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 559 مخطوطة المكتب الإسلامي) عن عمرو
بن أبي عمرو عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين. ومحمود بن لبيد صحابي صغير
وجل روايته عن الصحابة كما قال الحافظ في " التقريب " ومراسيل الصحابة حجة
كما هو مقرر في علم المصطلح ولذلك رمز له السيوطي بالصحة في " الجامع الصغير "
وصرح بذلك في " الكبير " (1 / 19 / 2) فقال: " وصحح ".
814 - " هذان السمع والبصر. يعني أبا بكر وعمر ".
أخرجه الترمذي (4 / 311) : حدثنا قتيبة أنبأنا ابن أبي فديك عن عبد العزيز بن
المطلب عن أبيه عن جده - عبد الله بن حنطب. " أن النبي صلى الله عليه وسلم
رأى أبا بكر وعمر، فقال " فذكره وقال: " وفي الباب عن عبد الله بن عمر،
هذا حديث مرسل وعبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ".
قلت: رجاله ثقات، لكن وقع اختلاف في موضعين من إسناده:
الأول: في رواية ابن أبي فديك عن عبد العزيز هل بينهما واسطة أم لا؟ فرواه
قتيبة عنه هكذا بدون الواسطة، وتابعه موسى بن أيوب فقال: عن ابن أبي فديك عن
عبد العزيز. أخرجه ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 385) عن أبيه: حدثنا
موسى ابن أيوب به. وقال عنه: " وهذا أشبه ". يعني من الوجه الآتي:(2/452)
وخالفهما آدم بن أبي إياس العسقلاني، فقال: حدثني محمد بن إسماعيل ابن أبي
فديك المدني عن الحسن بن عبد الله بن عطية السعدي عن عبد العزيز بن المطلب بن
عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده عبد الله بن حنطب قال: " كنت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أبي بكر وعمر، فقال " الحديث. أخرجه الحاكم (3
/ 69) وقال: " صحيح الإسناد ". وقال الذهبي: " قلت: حسن ":
قلت: ولعله يعني حسن لغيره وإلا فإن الحسن بن عبد الله بن عطية السعدي لم
أجد له ترجمة، لكنه قد توبع كما يأتي، فقد قال ابن أبي حاتم: " سألت أبي عن
حديث رواه ابن أبي فديك قال حدثني غير واحد عن عبد العزيز بن المطلب به ".
وقد وصله ابن منده من طريق دحيم عن ابن أبي فديك به، كما في " الإصابة "
للحافظ ابن حجر وقال: " وكذا هو عند البغوي، وسمى منهم عمرو بن أبي عمرو
وعلي بن عبد الرحمن ابن عثمان، فهذا يدل على أن ابن أبي فديك لم يسمعه من عبد
العزيز، وقد رواه أحمد بن صالح المصري وآخرون عن ابن أبي فديك هكذا وسموا
المبهمين علي بن عبد الرحمن، وعمرو بن أبي عمرو. ورواه جعفر بن مسافر عن
ابن أبي فديك فقال: عن المغيرة بن عبد الرحمن عن المطلب بن عبد الله بن حنطب
عن أبيه عن جده قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. فهذا اختلاف آخر، يقتضي أن يكون
الحديث من رواية حنطب والد عبد الله، وقد قيل في المطلب بن عبد الله بن حنطب
: إنه المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب، فإن ثبت، فالصحبة للمطلب بن
حنطب. والله أعلم ".(2/453)
قلت: ويتضح من هذا التحقيق أن أكثر الرواة على إثبات الواسطة بين ابن أبي
فديك وعبد العزيز بن المطلب، ولذلك فقول أبي حاتم في الوجه الأول: " إنه
أشبه "، ليس بالمقبول، وقد أشار الحافظ إلى رده بقوله في " التهذيب ":
" وقد سقط بين ابن أبي فديك وبين عبد العزيز واسطة ".
والموضع الآخر: الاختلاف في مسند الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل هو
عبد الله بن حنطب أم أبوه حنطب؟ فقال ابن أبي فديك في جميع الروايات عنه: إنه
عبد الله، وقال جعفر بن مسافر عنه عن المغيرة بن عبد الرحمن: إنه حنطب، كما
تقدم في كلام الحافظ. ولا شك عندي أن الأول أرجح، لأنه رواية الأكثر،
فمخالفة جعفر بن مسافر، لا يعتد بها، لاسيما وقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه
، كما يشير إلى ذلك قول الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما أخطأ ".
وقد خالفهم في موضع آخر من السند، وهو أنه جعل شيخ ابن أبي فديك المغيرة بن
عبد الرحمن، وذلك مما لم يذكره أحد منهم، لكن الخطب في هذه المخالفة سهل،
لأنه يمكن أن يكون المغيرة هذا من جملة أولئك الشيوخ الذين أشار إليهم دحيم في
روايته عن ابن أبي فديك.
ثم وجدت لجعفر متابعا عند ابن عبد البر في " الاستيعاب " (1 / 401 - النهضة)
وقال: " والمغيرة بن عبد الرحمن هذا هو الحزامي ضعيف، وليس بالمخزومي
الفقيه صاحب الرأي، وذلك ثقة ".
فإذا ترجح أن الحديث من مسند عبد الله بن حنطب، فهل هو صحابي أم لا؟ اختلفوا
في ذلك، وقد جزم بصحبته ابن عبد البر وهو مقتضى قوله في رواية الحاكم.(2/454)
" كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "، ومثلها رواية ابن أبي حاتم عن ابن
أبي فديك عن غير واحد، ففيها قوله: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم ". وكذلك رواية موسى بن أيوب عن ابن أبي فديك، كما في " الإصابة "
وقال عقبها: " فهذا يقتضي ثبوت صحبته ".
قلت: وهو الذي نرجحه. وإذا عرفت ذلك، فالإسناد عندي صحيح كما قال الحاكم،
لأن السعدي لم يتفرد به، بل تابعه جماعة منهم عمرو بن أبي عمرو وهو ثقة.
والله أعلم.
والحديث أورده السيوطي في " الجامع " بهذا اللفظ من رواية الترمذي والحاكم،
وبلفظ: " أبو بكر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس ".
برواية أبي يعلى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده، قال ابن عبد
البر: وما له غيره، (حل) عن ابن عباس. (خط) عن جابر.(2/455)
قلت: وهو بهذا اللفظ شاذ عندي أو منكر، لمخالفته لرواية الجماعة عن ابن أبي
فديك في لفظه المتقدم الذي فيه قرن عمر مع أبي بكر، خلافا لهذا، ولم أقف على
إسناده إلى المطلب لننظر هل هو شاذ أم منكر. وأما حديث (حل) فلم أره في
" فهرس الحلية "، لكن ذكر المناوي أن في إسناده الوليد بن الفضل، وقد قال
الذهبي في " الميزان ": " قال ابن حبان: يروي الموضوعات "، ثم ذكر له حديثا
قال: إنه باطل. وفي " اللسان ": " وقال الحاكم وأبو نعيم وأبو سعيد
النقاش: روى عن الكوفيين الموضوعات ".(2/456)
وأما حديث (خط) عن جابر، فهو صحيح، وإسناده حسن، لكنه يختلف في متنه عن
هذا بعض الشيء ولذلك رأيت أن أفرده بالتخريج، وهو الآتي.
815 - " أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس ".
أخرجه الطبراني والخطيب في " تاريخ بغداد " (8 / 459 - 460) من طريق عبد
الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات وفي ابن عقيل كلام من قبل حفظه لا
ينزل به حديثه عن هذه المرتبة التي ذكرنا. وأخرجه ابن شاهين في " فضائل
العشرة المبشرين بالجنة " من " السنة " له (رقم 70 - نسختي) من طريقين عن
الحكم بن مروان حدثنا فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر.
" أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعث رجلا في حاجة مهمة وأبو بكر عن
يمينه وعمر عن يساره، فقال له علي بن أبي طالب: ألا تبعث أحد هذين؟ فقال
.... " فذكره. لكن الفرات هذا متروك، فلا يستشهد به.
وله شاهدان آخران من حديث عمرو بن العاص وحذيفة بن اليمان، أخرجهما الهيثمي
في " مجمع الزائد " (9 / 52 - 53) .(2/457)
816 - " السلام قبل السؤال، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه ".
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (303 / 2) من طريق السري ابن عاصم حدثنا حفص بن
عمر الأيلي حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أورده في ترجمة ابن أبي رواد وقال فيه
: " وفي بعض رواياته ما لا يتابع عليه ".
قلت: وهذا جرح لين وقد وثقه جماعة واحتج به مسلم، فلو أن الإسناد لم يكن
فيه غيره لكان جيدا ولكن العلة فيمن دونه، فإن حفص بن عمر قال فيه ابن عدي
نفسه: " أحاديثه كلها إما منكرة المتن أو السند وهو إلى الضعف أقرب ".
وقال أبو حاتم: " كان شيخا كذابا ".
والسري بن عاصم وهاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث، وكذبه ابن خراش.
وساق له الذهبي بعض الأحاديث المنكرة، وقال: " إنها من بلاياه ومصائبه ".
قلت: فلو أن ابن عدي ساق الحديث في ترجمة أحدهما لكان أقرب إلى الصواب.(2/458)
ويمكن أن يقال: لعل ابن عدي إنما أورده في ترجمة ابن أبي رواد لأن الحديث
معروف به، قد رواه عنه غير هذين، فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 331)
: " سئل أو زرعة عن حديث رواه أبو تقي قال: حدثني بقية قال: حدثني عبد العزيز
بن أبي رواد به ... فذكره بلفظ: (لا تبدأوا بالكلام قبل السلام، فمن بدأ
بالكلام قبل السلام، فلا تجيبوه) قال أبو زرعة: هذا حديث ليس له أصل، لم
يسمع بقية هذا الحديث من عبد العزيز إنما هو عن أهل حمص وأهل حمص لا يميزون
هذا ".
قلت: أبو تقي اسمه هشام بن عبد الملك ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في " الحلية "
(8 / 199) وقال: " غريب من حديث عبد العزيز لم نكتبه إلا من حديث بقية ".
قلت: ولم يصرح عنده بالتحديث، لكن قد صرح به في رواية أخرى، فقال ابن السني
في " عمل اليوم والليلة " (210) : أخبرنا العباس ابن أحمد الحمصي: حدثنا
كثير بن عبيد حدثنا بقية بن الوليد حدثنا ابن أبي رواد به مختصرا بلفظ:
" من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ". وكثير بن عبيد هذا حمصي ثقة ومن
الصعب الاقتناع بأن مجرد كونه حمصيا - مع كونه ثقة - لا يميز بين قول بقية " عن
" وبين قوله " حدثنا "! ولذلك فإني أذهب إلى أن الحديث بهذا الإسناد حسن على
أقل الدرجات. والعباس بن أحمد الحمصي له ترجمة في " تاريخ ابن عساكر " (8 /
444 / 2) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا لكن روى عنه جمع.
وقد روي من طرق أخرى عن نافع به ولكنها واهية.
فأخرجه الطبراني في " الأوسط " من طريق هارون بن محمد أبي الطيب عن عبد الله
العمري عنه. قال الهيثمي (8 / 32) : " وهارون بن محمد كذاب ".(2/459)
قلت: وساقه هكذا ابن أبي حاتم (1 / 332) وقال: " قال أبو زرعة: هذا حديث
ليس له أصل ". وأخرجه السلفي في " الطيوريات " (ق 252 / 1) من طريق الواقدي
أنبأنا هارون السرخسي عن عبيد الله عن نافع به. والواقدي متهم واسمه محمد بن
عمر بن واقد الأسلمي.
817 - " لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام ".
رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 357) : حدثنا أبو أحمد عمر بن عبيد
الله بن إبراهيم الوراق ـ إمام الجامع ـ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز
حدثنا سريج بن يونس حدثنا علي بن هاشم عن إبراهيم عن أبي الزبير عن جابر
مرفوعا. أورده في ترجمة عمر هذا وقال: " توفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة "
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وبقية رجاله ثقات كلهم غير أن أبا الزبير مدلس
وقد عنعنه. وإبراهيم هو ابن طهمان ثقة من رجال الشيخين.
وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز هو أبو القاسم البغوي الحافظ الصدوق.
والحديث قال الهيثمي (8 / 32) : " رواه أبو يعلى، وفيه من لم أعرفه "!
وللحديث شاهد يرويه عبد الملك بن عطاء عن أبي هريرة ـ أشك في رفعه ـ قال:
" لا يؤذن للمستأذن حتى يبدأ بالسلام ".
قال الهيثمي:(2/460)
" رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات إلا أن عبد الملك لم
أجد له سماعا من أبي هريرة، قال ابن حبان: روى عن يزيد بن الأصم ".
وله شاهد آخر بمعناه يرويه عمرو بن أبي سفيان أن عمرو بن عبد الله بن صفوان
أخبره أن كلدة بن حنبل أخبره: أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأ وضغابيس إلى
النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال:
فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" ارجع، فقل: السلام عليكم أأدخل؟ ".
818 - " ارجع، فقل: السلام عليكم أأدخل؟ ".
وذلك بعد ما أسلم صفوان. قال عمرو: وأخبرني بهذا الحديث أمية بن صفوان ولم
يقل سمعه من كلدة. أخرجه أحمد (3 / 414) وأبو داود (5176) والترمذي (2
/ 118 ـ 119) وقال: " حديث حسن غريب ".
قلت: وإسناده صحيح. وأخرج أبو داود (5177) من طريق ربعي قال: حدثنا رجل
من بني عامر. أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال:
ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
" أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم أأدخل؟ ".
819 - " اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم أأدخل؟ ".
فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم
، فدخل ".
قلت: وإسناد صحيح أيضا وجهالة الصحابي لا تضر على أنه يحتمل أن يكون هو
صفوان بن أمية الذي في الحديث المتقدم.(2/461)
وجملة القول: أن الحديث عن جابر صحيح بهذه الشواهد الصحيحة. والحمد لله على
توفيقه. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في "
الشعب " والضياء في " المختارة " عن جابر. وأعله المناوي بقول الهيثمي
المتقدم: " وفيه من لم أعرفهم ". ولا يخفاك إن هذا قاله في طريق أبي يعلى
ولا يلزم أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لطريق البيهقي والضياء بدليل رواية أبي
نعيم، فإنها خالية ممن لا يعرف كما تقدم. ثم وقعت على إسناد أبي يعلى فقال في
" مسنده " (2 / 499) : حدثنا عبد الأعلى أنبأنا معتمر أنبأنا أبو إسماعيل عن
أبي الزبير والوليد بن عبد الله بن أبي مغيث عن جابر مرفوعا بلفظ أبي نعيم.
وليس في هذا الإسناد من لا يعرف عندي، ورجاله ثقات كلهم غير أبي إسماعيل هذا
وهو إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك. وأبو الزبير سبق. والوليد بن عبد
الله بن أبي مغيث يروي عن التابعين وعنه جماعة منهم الخوزي أبو إسماعيل هذا.
والراوي عنه معتمر هو ابن سليمان بن طرخان من رجال الشيخين. وعبد الأعلى شيخ
أبي يعلى هو ابن حماد المعروف بالنرسي من شيوخ البخاري ومسلم، فلا أدري كيف
لم يعرف الهيثمي بعض هؤلاء؟ ! .(2/462)
فائدة: (اللبأ) هو أول ما يحلب عند الولادة.
و (الضغابيس) هي صغار القثاء، واحدها ضغبوس.
وقيل هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون، يسلق بالخل والزيت ويؤكل.
820 - " أبو سفيان بن الحارث خير أهلي ".
أخرجه الطبراني والحاكم (3 / 255) من طريق عمرو بن عاصم الكلابي حدثنا حماد
بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي حبة البدري رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح على شرط مسلم ".
وأقره الذهبي. وهو كما قال، غير أن في الكلابي ضعفا في حفظه، ولذلك قال
الحافظ في " التقريب ": " صدوق في حفظه شيء ".
والحديث أورده في " المجمع " (9 / 274) بهذا اللفظ وزيادة: " أو من خير
أهلي " وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " وإسناده حسن ".(2/463)
(تنبيه) : ذكر المناوي الحديث بلفظ " خير أهل الجنة " من رواية الطبراني
والحاكم وهو وهم نشأ من التلفيق بين هذا الحديث وبين حديث آخر مرسل بلفظ:
" أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة ".
821 - " أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام، فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا (يعني
الحسين) ، فقلت: هذا؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء ".(2/464)
أخرجه الحاكم (3 / 176 - 177) عن محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار
شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث. " أنها دخلت على رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال:
وما هو؟ قالت: إنه شديد، قال: وما هو؟ قالت رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت
ووضعت في حجري، فقال: رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في
حجرك، فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فدخلت يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم حانت
مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان من الدموع، قالت
فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك؟ ... " فذكره وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك
أم الفضل ومحمد بن مصعب ضعيف ". قلت: لكن له شواهد عديدة تشهد لصحته، منها
ما عند أحمد (6 / 294) حدثنا وكيع قال: حدثني عبد الله بن سعيد عن أبيه عن
عائشة أو أم سلمة قال وكيع: شك هو يعني عبد الله بن سعيد - أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لأحدهما: " لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي
: إن ابنك هذا: حسين مقتول وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ".
822 - " لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا: حسين
مقتول وإن شئت أريتك من تربتة الأرض التي يقتل بها ".
قال " فأخرج تربة حمراء ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال
الهيثمي (9 / 187) :(2/465)
" رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ". وله شاهد آخر من
حديث أنس نحوه. أخرجه أحمد (3 / 242، 265) عن عمارة بن زاذان حدثنا ثابت
عنه. وعمارة هذا " صدوق كثير الخطأ ". كما في " التقريب ".
وشاهد آخر من حديث عبد الله بن نجي عن أبيه سار مع علي، فلما حاذى (نينوى)
... قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان ... "
الحديث نحو حديث أم الفضل. أخرجه أحمد (1 / 85) .
قلت: ورجاله ثقات غير نجي، قال الحافظ: " مقبول " يعني عند المتابعة وقد
توبع، فقد قال الهيثمي (7 / 187) : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار
والطبراني، ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا ". ثم ذكره من حديث أم سلمة
وأبي الطفيل وإسناده حسن.
823 - " إياكن وكفر المنعمين، فقلت: يا رسول الله وما كفر المنعمين؟ قال: لعل
إحداكن تطول أيمتها من أبويها، ثم يرزقها الله زوجا ويرزقها منه ولدا، فتغضب
الغضبة فتكفر فتقول: ما رأيت منك خيرا قط ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1048) : حدثنا مخلد قال: حدثنا مبشر
ابن إسماعيل عن ابن أبي غنية عن محمد بن مهاجر عن أبيه عن أسماء ابنة زيد
الأنصارية: " مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في جوار أتراب لي، فسلم
علينا، وقال.... ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح " غير مهاجر وهو(2/466)
ابن
أبي مسلم روى عنه جماعة من الثقات غير ابنه محمد هذا، وذكره ابن حبان في
" الثقات ". وقد تابعه عبد الحميد بن بهرام حدثني شهر قال: سمعت أسماء بنت
يزيد الأنصارية تحدث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما
... " الحديث نحوه. أخرجه أحمد (6 / 452 - 453 - 453، 457 - 458) والبخاري
(1047) . ولأبي داود (5204) منه قصة السلام فقط، وكذلك أخرجه الترمذي
(2 / 117) والدارمي (2 / 277) وابن ماجه (7701) ، وقال الترمذي:
" هذا حديث حسن، قال أحمد بن حنبل: لا بأس بحديث عبد الحميد ابن بهرام عن شهر
بن حوشب ... ". ولهما شاهد من حديث جرير بن عبد الله. أخرجه البغوي في " شرح
السنة " (3 / 392 - نسخة المكتب) .
824 - " أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ".
روي عن جمع من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وأنس بن مالك وأبو جحيفة
وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري.
1 - أما حديث علي، فله عنه طرق: الأولى: عن الحارث عنه به وزاد:
" لا تخبرهما يا علي ". أخرجه الترمذي (4 / 310) وابن ماجه (1 / 49)
وابن عدي (214 / 2) والخطيب(2/467)
وابن شاهين في " السنة " (رقم 67 نسختي)
والخطيب في " تاريخ بغداد " (10 / 192) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (9 /
307 / 2) . قلت: سكت عنه الترمذي، والحارث ضعيف، وأسقطه بعض الرواة من
السند عند ابن عساكر في بعض رواياته. وجعل بعضهم مكانه زيد بن يثيع وهو ثقة
. لكن الراوي عن الشعبي ضعيف.
الثانية: عن زر بن حبيش عنه. أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 99) وابن
عدي (100 / 2) وعبد الغني المقدسي في " الإكمال " (1 / 14 / 2) وابن
عساكر (9 / 310 / 1) من طرق عن عاصم بن بهدلة عنه. وقال المقدسي: " هذا
حديث مشهور، له طرق جمة، روي عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ".
قلت: وهذا إسناد حسن، معروف الحسن، فإن زرا هذا ثقة من رجال الشيخين،
وعاصم، أخرجا له مقرونا، قال الحافظ: " صدوق له أوهام، حجة في القراءة ".
الثالثة: قال عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (1 / 80) :
حدثني وهب بن بقية الواسطي حدثنا عمر (في الأصل: عمرو) بن يونس اليمامي عن
عبد الله بن عمر اليمامي عن الحسن بن زيد بن حسن حدثني أبي عن أبيه عن علي رضي
الله عنه قال: " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر وعمر رضي
الله عنهما، فقال: " يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين
والمرسلين ". قلت: وهذا سند حسن، رجاله كلهم ثقات معروفون، غير الحسن بن
زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان، وقال
ابن معين: ضعيف،(2/468)
وقال ابن عدي: أحاديثه عن أبيه أنكر مما روى عن عكرمة.
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، يهم، وكان فاضلا ".
وبقية الرجال مترجمون في " التهذيب " غير عمر بن يونس اليمامي، فترجمه ابن
أبي حاتم (3 / 1 / 142 - 143) وروى عن أحمد وابن معين أنهما قالا: ثقة.
وأخرجه ابن عساكر (9 / 307 / 1) من طريق ابن أحمد وغيره عن وهب به.
وتابعه عنده إبراهيم بن مرزوق أنبأنا عمر بن يونس به.
الرابعة: عن الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن علي بن الحسين ... (كذا
الأصل إشارة إلى أن مكان النقط سقط) عن علي بن أبي طالب به.
أخرجه الترمذي (4 / 310) وقال: " حديث غريب من هذا الوجه ".
قلت: والوليد هذا متروك متهم بالكذب. وأخرجه ابن عساكر (13 / 1) عنه،
ومن طريق عصمة بن محمد الأنصاري أنبأنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب
عن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب به.
قلت: وهذا إسناد متصل ولكن عصمة بن محمد كذاب يضع الحديث كما قال ابن معين.
2 - وأما حديث أنس، فله عنه طريقان:(2/469)
الأولى: يرويه قتادة عنه به، وفيه
الزيادة. أخرجه الترمذي (4 / 310) والضياء المقدسي في " المختارة " (197 -
198) وابن عساكر (2 / 250 / 1، 9 / 311 / 1، 13 / 24 / 1) من طريق محمد
بن كثير قال: حدثنا الأوزاعي عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب من هذا
الوجه ".
قلت: رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن كثير وهو الصنعاني المصيصي قال
الحافظ: " صدوق كثير الغلط ".
قلت: ويبدو أن بعضهم توهم أنه محمد بن كثير العبدي البصري، وهو من رجال
الشيخين أيضا. فقال المناوي: " قال الصدر المناوي: سنده سند البخاري "!
فالتبس عليه الصنعاني المضعف بالبصري الثقة!
وقد خولف في إسناده كما يأتي وأشار ابن أبي حاتم (2 / 390) إلى أنه منكر.
الثانية: أخرجه ابن عساكر (9 / 310 / 2) والضياء (145 / 2) من طريق أبي
يعلى الموصلي: حدثنا سهل بن زنجلة الرازي حدثنا عبد الرحمن بن عمر حدثنا عبد
الله بن يزيد العبدي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد لم أعرف منه غير سهل هذا، وهو ثقة.
3 - وأما حديث أبو جحيفة، فيرويه خنيس بن بكر بن خنيس حدثنا مالك بن مغول عن
عون بن أبي جحيفة عن أبيه به. أخرجه ابن حبان (2192) وكذا ابن ماجه (1 /
51) والدولابي في " الكنى " (1 / 120) من طرق عنه.(2/470)
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير خنيس هذا، قال صالح جزرة: " ضعيف ".
وذكره ابن حبان في " الثقات ". وسكت عليه البوصيري في " الزوائد " (8 / 1) ،
لكنه نص في " المقدمة " أن ما سكت عليه، ففيه نظر.
4 - وأما حديث جابر، فرواه الطبراني في " الأوسط " عن شيخه المقدام بن داود،
وقد قال ابن دقيق العيد: إنه وثق، وضعفه النسائي وغيره، وبقية رجاله
رجال الصحيح كما قال الهيثمي (9 / 53) ، ومن هذا الوجه أخرجه ابن عساكر (13
/ 24 / 1) .
5 - وأما حديث أبي سعيد، فرواه البزار والطبراني في " الأوسط "، وفيه علي
بن عابس وهو ضعيف.
6 - وأما حديث ابن عمر، فيرويه داود بن مهران الدباغ أبو سليمان: حدثنا عبد
الرحمن بن مالك بن مغول عن عبيد الله عن نافع عنه. أخرجه السهمي في " تاريخ
جرجان " (77) وابن عساكر (13 / 23 / 2) ، وقال ابن أبي حاتم (2 / 389)
عن أبيه: " هذا حديث باطل، يعني بهذا الإسناد، وامتنع أن يحدثنا، وقال:
اضربوا عليه ".
قلت: ورجاله ثقات غير عبد الرحمن بن مالك بن مغول، وهو كذاب كما قال أبو
داود، وقال الدارقطني: متروك، فهو آفة هذا الإسناد، وإنما ذكرته لبيان
حاله. وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه صحيح بلا ريب، لأن بعض طرقه حسن
لذاته كما رأيت، وبعضه يستشهد به، والبعض الآخر مما اشتد ضعفه فنحن بما(2/471)
تقدم في غنى عنه، وكأنه لذلك رمز السيوطي له بالصحة.
(تنبيه) لقد أوقفني بعض الإخوان المجدين في الدراسة وطلب العلم على هذا
الحديث في كتاب " أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب " للشيخ محمد بن درويش
الحوت البيروتي (ص 13 - طبعة الحلبي 1346) قال فيه: " رواه الشيخان وغيرهما
عن علي وغيره ". وهذا خطأ محض فلم يروه الشيخان أصلا. كما يتبين من هذا
التخريج فاقتضى التنبيه.
825 - " لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها ".
أخرجه أبو داود (2 / 110) والنسائي (1 / 352) وأحمد (2 / 179، 184،
202) عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو مرفوعا.
قلت: هذا سند حسن. وورد بلفظ: " لا يجوز لامرأة هبة في مالها إذا ملك
عصمتها ". أخرجه أبو داود أيضا والنسائي (2 / 137) واللفظ له وابن ماجه
(2 / 70) والحاكم (2 / 47) عن عمرو به وزاد ابن ماجه: " إلا بإذن زوجها
". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وإنما هو حسن للخلاف المشهور في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وله
شاهد بلفظ: " لا يجوز للمرأة في مالها أمر إلا بإذن زوجها ".(2/472)
أخرجه ابن ماجه
(2 / 70) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 403) وابن منده في " المعرفة
(2 / 323 / 1) من طريق الليث بن سعد عن عبد الله بن يحيى الأنصاري ـ رجل من
ولد كعب بن مالك ـ عن أبيه عن جده. أن جدته خيرة امرأة كعب بن مالك أتت رسول
الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها فقالت: إني تصدقت بهذا، فقال لها رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " فذكره ". فهل استأذنت كعبا؟ قالت: نعم، فبعث رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك، فقال: هل أذنت لخيرة أن تتصدق
بحليها؟ فقال: نعم، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ". قال
الطحاوي: " حديث شاذ لا يثبت " وقال ابن عبد البر: " إسناده ضعيف لا تقوم به
الحجة ".
قلت: وعلته عبد الله بن يحيى الأنصاري ووالده، فإنهما مجهولان كما في
" التقريب ". وله شاهد آخر من حديث واثلة، وقد مضى برقم (776) ، وأجبت
هناك عن إشكال يورده البعض على الحديث فيما إذا كان الزوج مستبدا في ولايته على
زوجته، فراجعه.
826 - " ذاك جبريل عرض لي في جانب الحرة، فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله
شيئا دخل الجنة. فقلت: يا جبريل وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم، قال: قلت:
وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم
وإن شرب الخمر ".(2/473)
أخرجه البخاري (8 / 79 ـ نهضة) وفي " الأدب المفرد " (803) ومسلم
(3 / 76) والترمذي (3 / 269) وأحمد (5 / 152) من طريق زيد بن وهب عن
أبي ذر قال: " خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يمشي وحده ليس معه إنسان، قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت
أمشي في ظل القمر، قال: فالتفت فرآني، فقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذر جعلني
الله فداءك، قال: يا أبا ذر تعاله، قال: فمشيت معه ساعة، فقال: " إن
المكثيرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح فيه بيمينه
وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا ". قال: فمشيت معه ساعة، فقال:
اجلس ها هنا، فقال: فأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: اجلس ها هنا حتى
أرجع إليك. قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه، فلبث عني، فأطال اللبث، ثم
إني سمعته وهو مقبل يقول: وإن سرق وإن زنى! قال: فلما جاء لم أصبر، فقلت
: يا نبي الله جعلني الله فداءك من تكلم في جانب الحرة؟ ما سمعت أحدا يرجع
إليك شيئا، قال ... " فذكره. وليس عند الترمذي منه سوى قوله: " أتاني
جبرئيل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن
سرق؟ قال: نعم ". وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي الدرداء.
قلت: وأخرجه هكذا مختصرا مثل الترمذي، البخاري أيضا (4 / 90) ومسلم من
هذا الوجه. وتابعه المعرور بن سويد عن أبي ذر به.(2/474)
أخرجه البخاري (2 / 63)
ومسلم (1 / 66) وأحمد (5 / 152، 159، 161) .
وحديث أبي الدرداء وصله ابن حبان (10) من طريق هشام بن عمار حدثنا عيسى بن
يونس حدثنا الأعمش عن أبي صالح عنه. وهشام فيه ضعف، وكأنه لذلك قال البخاري
عقب حديث زيد بن وهب: " مرسل لا يصح، والصحيح حديث أبي ذر ".
والحديث أورده السيوطي في " الجامع " بلفظ: " أتاني جبريل، فقال: بشر أمتك
... " الحديث بتمامه، قال: " رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن
أبي ذر ". ولم أره بهذا اللفظ عند أحد من هؤلاء ولا أخرجه النسائي وأما ابن
حبان فلم أره في " موارد الظمآن " إلا من حديث أبي الدرداء كما تقدم، وليس
لفظه بهذا اللفظ الذي ساقه السيوطي ولا بتمامه. ثم ذكره السيوطي بلفظ الترمذي
المتقدم، وقال: رواه الشيخان. ولم يعزه إلى الترمذي! فتأمل كم في صنيعه
من خلل.(2/475)
827 - " كان إذا جلس احتبى بيديه ".
أخرجه أبو داود (4846) والترمذي في " الشمائل " (1 / 221 ـ 222) وابن عدي
في " الكامل " (140 / 2) وعنه البيهقي في " السنن " (3 / 236) من طريق عبد
الله بن إبراهيم المدني قال: حدثني إسحاق بن محمد الأنصاري عن ربيح بن عبد
الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده أبي سعيد الخدري مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، وفيه علل: الأولى: ربيح هذا مختلف فيه، فقال
البخاري: منكر الحديث، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
الثانية: إسحاق بن محمد الأنصاري. قال الحافظ: " مجهول تفرد عنه الغفاري ".
الثالثة: عبد الله بن إبراهيم المدني متروك واتهمه ابن حبان وغيره بالوضع
وبه أعله أبو داود، فقال عقب الحديث: " شيخ منكر الحديث ".
وقال المناوي بعد أن ذكر العلة الأولى والثالثة: " ومن ثم جزم الحافظ
العراقي بضعف إسناده وبه تبين أن رمز المصنف لحسنه غير حسن بل وإن لم يحسنه،
فاقتصاره على عزوه لمخرجه (يعني أبا داود) مع سكوته عما عقبه به من بيان
القادح من سوء التصرف ".(2/476)
وأقول: لكن الحديث صحيح لغيره، فإن له شواهد كثيرة تؤيده:
الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا ". أخرجه البخاري (4 / 179) والبيهقي (3 /
235) وزاد: " وشبك أبو حاتم بيديه ". وراجع " الفتح " (11 / 56) .
الثاني: عن ابن عباس قال: " بت ليلة عند خالتي ميمونة.. (فذكر صلاته صلى
الله عليه وسلم في الليل) قال: فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم احتبى حتى إني لأسمع
نفسه راقدا، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين ". أخرجه مسلم (1 / 528
/ 185 ـ بتحقيق عبد الباقي) .
الثالث: عن جابر بن سليم قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب
بشملة، قد وقع هدبها على قدميه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1182
) وأبو داود (4075) والبيهقي (3 / 236) وأحمد (5 / 63) بإسنادين عنه.
الرابع: عن أبي هريرة. " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما، فوجدني في
المسجد، فأخذ بيدي، فانطلقت معه حتى جئنا سوق بني قينقاع ... ثم انصرف وأنا
معه حتى جئنا المسجد، فجلس فاحتبى.... " الحديث. أخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (1183) وأحمد (2 / 532) وإسناده حسن.(2/477)
وهو في " البخاري " (2
/ 21) ومسلم (4 / 1882 / 57) من طريق أخرى عن أبي هريرة لكن ليس فيه موضع
الشاهد. ويشهد له.
الخامس: عن رجل من بني سليط: " أنه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
قاعد على باب مسجده محتب وعليه ثوب قطر.... ". أخرجه أحمد (4 / 69 ـ 5 / 24
ـ 381) ، قلت: وإسناده صحيح.
السادس: عن علي يرويه حنش بن المعتمر: " أن عليا رضي الله عنه: كان باليمن
فاحتفروا زبية للأسد، فجاء حتى وقع فيها رجل وتعلق بآخر ... (الحديث) قال:
فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان متكئا فاحتبى ... ".
رواه أحمد (1 / 152) وسنده حسن.
السابع: وفي حديث التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا ... "
. أخرجه أحمد (3 / 441 ـ 442) . وإسناده حسن في الشواهد.
وبالجملة فالحديث صحيح ولا يضر أن راويه متهم، فقد يصدق الكذوب وأي دليل
على صدقه هنا أكبر من هذه الشواهد؟(2/478)
828 - " من بات فوق بيت ليس له إجار فوقع فمات فبرئت منه الذمة، ومن ركب البحر عند
ارتجاجه فمات، فقد برئت منه الذمة ".
أخرجه أحمد (4 / 79) من طريق محمد بن ثابت عن أبي عمران الجوني قال: حدثني
بعض أصحاب محمد - وغزونا نحو فارس - فقال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل محمد بن ثابت وهو العبدي البصري صدوق لين
الحديث كما في " التقريب ". وقد خالفه عباد بن عباد فقال: عن أبي عمران
الجوني عن زهير بن عبد الله يرفعه. أخرجه أبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 47
/ 2) : حدثني عباد ابن عباد به. وعباد هذا هو أبو معاوية الأزدي البصري،
قال الحافظ: " ثقة ربما وهم ".
وإسناده هذا كأنه مرسل، فقد قال أحمد: حدثنا أزهر حدثنا هشام - يعني -
الدستوائي عن أبي عمران الجوني قال: " كنا بفارس وعلينا أمير يقال له: زهير
بن عبد الله، فقال: حدثني رجل أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
ثم قال أحمد (5 / 271) : حدثنا عبد الصمد حدثنا أبان حدثنا أبو عمران حدثنا
زهير بن عبد الله - وكان عاملا على (توج) - وأثنى عليه خيرا - عن بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم به.
قلت: فقد بينت رواية الدستوائي وأبان أن رواية محمد بن ثابت وعباد فيها
إرسال وأن الصواب أن الحديث من رواية زهير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم.(2/479)
وقد تابعهما الحارث بن عمير في " أدب البخاري " (1194) وفي
" تاريخه الكبير " (2 / 1 / 389) . وزهير هذا ذكره جماعة في الصحابة وجزم
ابن أبي حاتم عن أبيه بأن حديثه مرسل وكذا ذكره ابن حبان في " ثقات التابعين "
. قلت: وعلى كل حال فالحديث صحيح متصل الإسناد وجهالة الصحابي لا تضر.
ولشطره الأول شاهد من حديث علي بن شيبان به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد
" (1192) وأبو داود (5041) من طريق عمر بن جابر الجعفي عن وعلة بن عبد
الرحمن بن وثاب عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه به. وهذا إسناد لا بأس
به في الشواهد، عبد الرحمن بن علي ثقة ومن دونه من المقبولين عند الحافظ بن
حجر. وله شاهد آخر من حديث ابن عباس مرفوعا. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (
ق 82 / 2، 83 / 2) . لكن إسناده واه، فيه الحسن بن عمارة وهو متروك.
وفي معناه ما رواه عبد الجبار بن عمر عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: " نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينام على سطح ليس بمحجور عليه ".
أخرجه الترمذي (2 / 139) وقال: " حديث غريب لا نعرفه من حديث محمد بن
المنكدر عن جابر إلا من هذا الوجه وعبد الجبار بن عمر يضعف ".(2/480)
829 - " إنه أتاني ملك، فقال: يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلي
عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه
عشرا؟ قال: بلى ".
أخرجه النسائي (1 / 191) والدارمي (2 / 317) وابن حبان (2391) والحاكم
(2 / 420) وأحمد (4 / 30) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن سليمان مولى
الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه: " أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه، فقالوا: يا رسول الله إنا لنرى
السرور في وجهك فقال ... ": فذكره. والسياق لأحمد وفي رواية ابن حبان:
" قلت: بلى أي رب ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
كذا قال! . وسليمان هذا قال الذهبي نفسه في " الميزان ": " ما روى عنه سوى
ثابت البناني، قال النسائي: ليس بالمشهور ". لكن الحديث صحيح، فإن له طريقا
أخرى يرويه أبو معشر عن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبي طلحة الأنصاري به نحوه.
أخرجه أحمد (4 / 29) . وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ أبي معشر، وإسحاق بن كعب
مجهول الحال. فهو إسناد لا بأس به في الشواهد والمتابعات.
وله شاهد من حديث سلمة بن وردان قال: سمعت أنسا ومالك بن أوس بن الحدثان.(2/481)
أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يتبرز، فلم يجد أحدا يتبعه، فخرج عمر،
فاتبعه بفخارة أو مطهرة، فوجده ساجدا في مسرب، فتنحى، فجلس وراءه حتى رفع
النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: " أحسنت يا عمر! حين وجدتني ساجدا
فتنحيت عني إن جبريل جاءني فقال: من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشرا ورفع
له عشر درجات ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (642) . وسلمة بن وردان
ضعيف بغير تهمة، فيصلح للاستشهاد به. وللحديث شاهد آخر من حديث عبد الرحمن
بن عوف وقد خرجته في " الإرواء " (467) . والحديث أورده في " الفتح الكبير
" بلفظ: " أتاني جبريل فقال: يا محمد أما يرضيك ... " الخ. ولم أره عند أحد
هكذا، وهو في " الجامع الكبير " (1 / 11 / 1) بلفظ " أتاني الملك فقال ...
" الخ. نعم لفظ النسائي: " جاءني جبريل ... ".
830 - " أتاني جبريل، فقال: يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها
من شعائر الحج ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 216 - 217) وابن حبان (974) والحاكم (1 / 450)
وأحمد (5 / 192) من طريق سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد
الله بن حنطب عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد الجهني عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. واللفظ لابن حبان، وقال الآخرون: " جاءني
جبريل.. " والباقي مثله سواء، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".(2/482)
قلت: وهو كما قال وإن خولف ابن لبيد في إسناده على ما حققته في " الإرواء "
. وسفيان هو الثوري وقد خالفه أسامة بن زيد في إسناده فقال: " حدثني عبد
الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: سمعت أبا هريرة يقول قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرني جبريل برفع الصوت في الإهلال، فإنه من
شعائر الحج ". أخرجه أحمد (2 / 325) .
وأسامة بن زيد هو الليثي مولاهم وفيه كلام من قبل حفظه والمتقرر أنه حسن
الحديث إذا لم يخالف وأما مع المخالفة - كما هنا - فليس بحجة.
(تنبيه) أورد السيوطي الحديث من رواية الأربعة الذين ذكرنا بلفظ: " أتاني
جبريل فقال لي إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا ... ".
ولم يروه أحد منهم بهذا اللفظ وإنما باللفظ المذكور أعلاه. فلا أدري من أين
جاء به السيوطي!
831 - " أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت، فإنك
مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه
استغناؤه عن الناس ".
روي من حديث سهل بن سعد وجابر بن عبد الله وعلي بن أبي طالب.
1 - أما حديث علي، فيرويه زافر بن سليمان عن محمد بن عينية عن أبي حازم عنه
مرفوعا. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 61 / 2 - من الجمع بينه وبين
" الصغير ") والسهمي في " تاريخ جرجان " (62) وأبو نعيم في " الحلية "
(3 / 253) والحاكم (4 / 324 - 325)(2/483)
وقال: " صحيح الإسناد "!
ووافقه الذهبي!
قلت: وهو من تساهلهما وخاصة الذهبي! فإنه أورد زافرا هذا في " الضعفاء "
وقال: " قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه ". وقال الحافظ: " صدوق كثير
الأوهام ".
2 - وأما حديث جابر، فيرويه الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عنه.
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1755) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان ".
قلت: وهذا سند ضعيف وله علتان:
الأولى عنعنة أبي الزبير، فإنه كان مدلسا.
والأخرى: ضعف الحسن بن أبي جعفر. قال الحافظ: " ضعيف الحديث مع عبادته
وفضله ".
3 - وأما حديث علي، فيرويه علي بن حفص بن عمر حدثنا الحسن بن الحسين عن زيد
بن علي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عنه.
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 202) وقال: " غريب من حديث جعفر عن
أسلافه متصلا لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
قلت: وهو ضعيف، علي بن حفص والحسن بن الحسين لم أعرفهما. وزيد بن علي هو
ابن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين أبو الحسين حفيد(2/484)
زيد بن علي الذي ينسب إليه
الزيدية مستور لم يوثقه أحد، وقال الحافظ: " مقبول ". ومن فوقه ثقات من
رجال مسلم. والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (2 / 11) من حديث سهل
وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " " بإسناد حسن ".
قال المناوي عن الحافظ ابن حجر: " وقد اختلف فيه نظر حافظين، فسلكا طريقين
متناقضين، فصححه الحاكم ووهاه ابن الجوزي والصواب أنه لا يحكم عليه بصحة
ولا وضع ولو توبع زافر لكان حسنا لكن جزم العراقي في " الرد على الصغاني
والمنذري في " ترغيبه " بحسنه ".
قلت: وهو الصواب الذي يدل عليه مجموع هذه الطرق والله أعلم.
832 - " خير المجالس أوسعها ".
رواه البخاري في " المفرد " (1136) وأبو داود (4820) والحاكم (4 / 269)
وأحمد (3 / 18 / 69) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (108 / 1)
والقضاعي (100 / 1) من طريق عبد الرحمن بن أبي الموال عن عبد الرحمن بن أبي
عمرة الأنصاري قال: أذن أبو سعيد بجنازة في قومه، فكأنه تخلف حتى أخذ
الناس مجالسهم، ثم جاء فلما رآه القوم تشذبوا عنه، وقام بعضهم ليجلس في
مجلسه، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، ثم
تنحى فجلس في مكان واسع.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري كما قال الحاكم، وفي عبد الرحمن هذا
كلام لا يضر، قال الحافظ:(2/485)
" صدوق ربما أخطأ ".
وله شاهد من حديث أنس. رواه البغوي في " حديث مصعب الزبيري " (49 / 1)
وأبو محمد المخلدي في " الفوائد " (290 / 1) والحاكم عن الدراوردي عن مصعب
بن ثابت عن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك مرفوعا.
قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير مصعب ابن ثابت وهو
الأسدي الزبيري ضعيف من قبل حفظه قال الحافظ: " لين الحديث وكان عابدا ".
وأما قول الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي.
فهو وهم لأن مصعبا هذا مع ضعفه المذكور لم يخرج مسلم شيئا.
833 - " تحول إلى الظل ".
أخرجه الحاكم (4 / 271) من طريق منجاب بن الحارث حدثنا علي بن مسهر عن
إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبيه قال: " رآني النبي صلى
الله عليه وسلم وأنا قاعد في الشمس، فقال ... " فذكره. وزاد: " فإنه مبارك
" وقال: " صحيح الإسناد وإن أرسله شعبة، فإن منجاب بن الحارث وعلي ابن
مسهر ثقتان ".
قلت: والمرسل أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (1298) حدثنا شعبة عن
إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال:(2/486)
" كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب، فرأى أبي في الشمس، فأمره أو أومى إليه أن ادن إلى الظل "، فذكره
دون الزيادة. وكذا أخرجه أحمد (3 / 426) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة
به. وأخرجه الحاكم من طريق الطيالسي به إلا أن فيه الزيادة. وهي عندي شاذة
عن شعبة وعن إسماعيل ابن أبي خالد.
أما الأول، فواضح من تفرد رواية الحاكم بها عن الطيالسي مع مخالفته لرواية
" مسنده " ولرواية محمد بن جعفر عند أحمد.
وأما الآخر، فلأنه قد رواه جماعة عن إسماعيل دون قوله: " فإنه مبارك ".
منهم يحيى بن سعيد وهريم ووكيع كلهم لم يذكروا هذه الزيادة فهي شاذة. أخرجه
عنهم أحمد (3 / 426 - 427، 4 / 262) وأخرجه ابن حبان (1958) عن يحيى بن
سعيد.
834 - " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال: على طهارة ".
أخرجه أبو داود (1 / 4) والنسائي (1 / 16) والدارمي (2 / 287) وابن
ماجه(2/487)
(1 / 145) والحاكم (1 / 167) وعنه البيهقي (1 / 90) وأحمد (5 /
80) عن قتادة عن الحسن عن حضين بن المنذر أبي ساسان عن المهاجر بن قنفذ.
" أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى
توضأ، ثم اعتذر إليه فقال.... " فذكره. وليس عند النسائي والدارمي المتن
المذكور أعلاه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي.
كذا قال، مع أنه قال في " الميزان ": " كان الحسن البصري كثير التدليس، فإذا
قال في حديث: " عن فلان " ضعف احتجاجه، ولاسيما عمن قيل: إنه لم يسمع منهم
كأبي هريرة ونحوه، فعدوا ما كان له عن أبي هريرة في جملة المنقطع ".
لكن الظاهر أن المراد من تدليسه إنما هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم
لأن الحافظ في " التهذيب " أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم
يلقهم وكلهم من الصحابة، فلم يذكروا ولا رجلا واحدا من التابعين روى عنه
الحسن ولم يلقه ويشهد لذلك إطباق العلماء جميعا على الاحتجاج برواية الحسن عن
غيره من التابعين بحيث أني لا أذكر أن أحدا أعل حديثا ما من روايته عن تابعي لم
يصرح بسماعه منه. هذا ما ظهر لي في هذا المقام. والله سبحانه أعلم.
على أن لحديثه هذا شاهدا من حديث ابن عمر عند أبي داود (1 / 54 - 55)
والطيالسي (رقم 1851) عن محمد ثابت العبدي عن نافع عن ابن عمر به نحوه.
وهذا إسناد حسن في الشواهد إلا أن فيه مستنكرة أنكرت عليه في مسح(2/488)
الذراعين في
التيمم ولذلك أوردته في كتابي: " ضعيف سنن أبي داود " (رقم 58) .
(فائدة) لما كان " السلام " اسما من أسماء الله تعالى كما سيأتي في الحديث
(1894) كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكره إلا على طهارة، فدل ذلك على
أن تلاوة القرآن بغير طهارة مكروه من باب أولى، فلا ينبغي إطلاق القول بجواز
قراءته للمحدث كما يفعل بعض إخواننا من أهل الحديث.
835 - " ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما ".
أخرجه الترمذي (4 / 345) وابن ماجه (1 / 66) والحاكم (3 / 388)
والخطيب (11 / 288) من طريق عبد العزيز بن سياه عن حبيب ابن أبي ثابت عن
عطاء بن يسار عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد العزيز بن سياه وهو
شيخ كوفي وقد روى عنه الناس ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين ولم يتفرد به، فقال الإمام أحمد (6 / 113)
: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عبد الله بن حبيب عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن
يسار قال: " جاء رجل فوقع في علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة،
فقالت: أما علي فلست قائلة فيه شيئا وأما عمار، فإني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم: يقول: (لا يخير بين أمرين....) ".
قلت: وعبد الله هذا هو ابن حبيب بن أبي ثابت وهو ثقة أيضا من رجال مسلم،
فالإسناد صحيح لولا عنعنة حبيب، فقد رمي بالتدليس ولكنه صحيح قطعا بما بعده.
فقد أخرجه الحاكم (3 / 388) وأحمد (1 / 389 و 445) عن عمار بن معاوية
الدهني عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " ابن سمية ما عرض عليه أمران قط إلا اختار الأرشد منهما
" وقال:(2/489)
" صحيح على شرط الشيخين إن كان سالم بن أبي الجعد سمع من عبد الله
ابن مسعود ". ووافقه الذهبي.
قلت: عمار لم يخرج له البخاري والإسناد منقطع، قال علي بن المديني: " سالم
بن أبي الجعد لم يلق ابن مسعود ". لكن الحديث صحيح يشهد له ما قبله.
836 - " غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود والنصارى ".
رواه أحمد (2 / 261، 499) وابن سعد (1 / 439) عن محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وإسناده حسن.
وتابعه عمر بن أبي سلمة عن أبيه به دون ذكر النصارى. أخرجه الترمذي (1 / 325
) وقال: " حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ". ثم رواه هو
والنسائي (2 / 278) وأحمد (1 / 165) وابن عساكر (11 / 68 / 2) حدثنا
محمد بن كناسة الأسدي أخبرنا هشام بن عروة عن عثمان بن عروة عن أبيه عن الزبير
مرفوعا دون قوله: " والنصارى ".
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن كناسة هذا، فهو صدوق.(2/490)
وقد خالفه عيسى بن يونس، فقال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا
به. أخرجه النسائي وقال: " كلاهما غير محفوظ " والله أعلم.
ثم رواه ابن سعد (9 / 191) عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن
جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، قال: فصبغ أبو
بكر بالحناء والكتم وصبغ عمر فاشتد صبغه وصفر عثمان بن عفان قال: فقيل
لنافع بن جبير: فالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان يمس الدر.
ومن الطرق التي أشار إليها الترمذي عن أبي هريرة ما عند الشيخين وغيرهما عنه
مرفوعا بلفظ. " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ".
وقد خرجته في " تخريج الحلال والحرام " (105) .
837 - " إذا كان أحدكم في الفيء، فقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل
فليقم ".
أخرجه أبو داود (4822) والحميدي في " المسند " (1138) من طريق سفيان قال:
حدثنا محمد بن المنكدر ـ وهو متكئ على يدي في الطواف ـ قال: أخبرني من سمع
أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح لولا الرجل الذي لم يسم وقد أسقطه بعض الرواة عن ابن
المنكدر، فقال الإمام أحمد (2 / 383) : حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا
محمد بن المنكدر عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد على شرط الشيخين وعبد الوارث هو ابن سعيد أبو عبيدة(2/491)
البصري
أحد الأعلام. وتابعه معمر عن ابن المنكدر عن أبي هريرة به نحوه إلا أنه أوقفه
. أخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 400 مخطوطة المكتب الإسلامي) .
قلت: ورواية عبد الوارث أصح الروايات عندي لأنه مع كونه ثقة ثبتا كما في
" التقريب " فقد تابعه سفيان ـ وهو ابن عيينة ـ على رفعه وتابعه معمر ـ وهو
ابن راشد ـ على إسقاط الرجل الذي لم يسم ـ من إسناده ومن المعلوم أن ابن
المنكدر قد سمع من أبي هريرة، فاتصل السند وثبت الحديث والحمد لله الذي
بنعمته تتم الصالحات.
838 - " نهى أن يجلس بين الضح والظل، وقال: مجلس الشيطان ".
أخرجه أحمد (3 / 413) : حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا همام قال عفان في
حديثه: حدثنا قتادة عن كثير عن أبي عياض عن رجل من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم نهى ...
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير كثير وهو ابن أبي كثير
البصري كما قال العجلي وابن حبان وقد روى عنه جماعة من الثقات.
وأبو عياض اسمه عمرو بن الأسود العنسي. وقد تابعهما عبد الله بن رجاء فقال:
حدثنا همام به إلا أنه سمى الصحابي أبا هريرة. أخرجه الحاكم (4 / 271) وقال
: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: عبد الله بن رجاء هو الغداني صدوق يهم قليلا كما قال الحافز وأخشى أن
يكون قد وهم في تسمية الصحابي أبا هريرة لمخالفته لشيخي أحمد: بهز(2/492)
وعفان،
لاسيما وقد تابعهما محمد بن كثير حدثنا همام به. أخرجه أبو بكر الشافعي في
" حديثه " (ق 4 / 2) . وتابعه شعبة عن قتادة به وقال: " مقعد الشيطان ".
أخرجه الشافعي. والحديث صححه أحمد وابن راهويه، فقال المروزي في " مسائله
عنهما " (ص 223) : " قلت: يكره أن يجلس الرجل بين الظل والشمس؟ قال:
(يعني أحمد) هذا مكروه أليس قد نهى عن ذا؟ قال إسحاق: قد صح النهي فيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم ". وللحديث شاهد يرويه مقدام بن داود حدثنا عبد
الله بن محمد بن المغيرة حدثنا سفيان الثوري حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر
مرفوعا به. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (221 / 2) وقال: " لا أعلمه يرويه
عن الثوري غير عبد الله بن محمد وأحاديثه عامتها مما لا يتابع عليه ومع ضعفه
يكتب حديثه ".
قلت: هو متهم بالوضع، فلا يفرح بشهادته! على أن الراوي عنه المقدام بن داود
ضعيف جدا. وله شاهد أحسن حالا منه يرويه أبو المنيب عن ابن بريدة عن أبيه
مرفوعا به دون قوله: " مقعد الشيطان ". أخرجه ابن ماجه (3722) .
قلت: وإسناده حسن كما قال البوصيري في " الزوائد (ق 249 / 1 ـ 2) .(2/493)
839 - " أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها
وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومستقيها ".
أخرجه أحمد (1 / 316) والحاكم (4 / 145) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان
" (2 / 150) عن مالك بن خير الزيادي أن مالك بن سعد التجيبي حدثه أنه سمع
ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وقال:
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، فإن التجيبي هذا ترجمه ابن أبي حاتم وقال (4 / 1 / 109
) عن أبي زرعة: " مصري لا بأس به ". والزيادي ترجمه ابن أبي حاتم أيضا (4 /
1 / 208) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا
لكن روى عنه جماعة من الثقات، وثقه ابن حبان ولذلك قال الذهبي في " الميزان "
: " محله الصدق، قال ابن القطان: هو ممن لم تثبت عدالته. يريد أنه ما نص أحد
على أنه ثقة وفي رواة " الصحيحين " عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم
والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه
أن حديثه صحيح ". وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين.
والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 73) : " رواه أحمد والطبراني
ورجاله ثقات ".(2/494)
وعزاه في " الجامع الكبير " (1 / 11 / 2) للطبراني
والحاكم والبيهقي في " الشعب " والضياء المقدسي في " المختارة ". ولم أجده
عند هذا الأخير، ومن عادته أن يرتب أحاديث الصحابي الواحد على ترتيب أسماء
الرواة عنه، فلم أره ذكر مالك بن سعد هذا في الرواة عنه أصلا، فلا أدري أوهم
السيوطي أم الحديث عند الضياء من طريق أخرى غير طريق مالك هذا. والله أعلم.
قوله " ومعتصرها " أي لنفسه. قال في " الصحاح ": اعتصرت عصيرا اتخذته. قال
الأشرفي: قد يكون عصيره لغيره، و " المعتصر " من يعتصر لنفسه نحو " كال "
و" اكتال " و " قصد " و " اقتصد ".
840 - " أتاني جبريل، فقال: يا محمد! قل، قلت: وما أقول؟ قال: قل: أعوذ
بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ
ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وبرأ
ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا
يطرق بخير، يا رحمن! ".
عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 11 / 2) لأحمد والطبراني في
" الكبير " وابن السني في " عمل اليوم والليلة " عن عبد الرحمن بن خنبش.
وهو عند أحمد (3 / 319) وابن السني (631) عن جعفر بن سليمان الضبعي حدثنا
أبو التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنبش التميمي ـ وكان شيخا كبيرا ـ أدركت
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين؟ فقال: " إن الشياطين تحدرت تلك الليلة
على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشعاب وفيهم شيطان بيده شعلة
من نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهبط إليه جبريل
عليه السلام فقال: يا محمد.... " الحديث وزاد في آخره:(2/495)
" قال: فطفئت نارهم
وهزمهم الله تبارك وتعالى ". هكذا أخرجاه ليس عندهما من قوله صلى الله عليه
وسلم: " أتاني جبريل " فلعله في رواية الطبراني ويحتمل أن يكون من تصرف
السيوطي رواه بالمعنى ليتمكن من إيراده في محله المناسب من كتاب " الجامع "!
والإسناد صحيح، رجاله إلى ابن خنبش على شرط مسلم وقد اختلفوا في صحبته وقد
اختار الحافظ في " الإصابة " قول من جزم بأن له صحبة وهذا الحديث يشهد لذلك.
فإنه قد صرح فيه أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
841 - " أتاه جبريل عليه السلام في أول ما أوحي إليه، فعلمه الوضوء والصلاة، فلما
فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 172 ـ 173) والدارقطني (ص 41) والحاكم (3 / 217)
والبيهقي (1 / 161) وأحمد (4 / 161) من طريق ابن لهيعة عن عقيل بن خالد
عن ابن شهاب عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة عن النبي صلى
الله عليه وسلم به.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن لهيعة، فهو ضعيف لسوء
حفظه، لكن تابعه رشدين عند أحمد وابنه (5 / 203) والدارقطني وهو ابن سعد
وهو في الضعف مثل ابن لهيعة، فأحدهما يقوي الآخر. لاسيما وله شاهد من حديث
أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " جاءني جبريل، فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضخ ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 173) مختصرا والترمذي (1 / 71) وهذا لفظه وقال:
" حديث غريب وسمعت محمدا يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث ".(2/496)
وفي " التقريب " أنه ضعيف. وله شواهد أخرى في النضح من فعله صلى الله عليه
وسلم، خرجت بعضها في " صحيح أبي داود " (159) .
" تنبيه " أورد السيوطي الحديث في " الجامع " بلفظ: " أتاني جبريل في أول ما
أوحي إلي ... " من رواية أحمد والدارقطني والحاكم، هكذا جعله من قوله صلى
الله عليه وسلم وهو عندهم من قول الصحابي وكذلك هو عند البيهقي! نعم هو عند
ابن ماجه ـ ولم يعزه إليه ـ من قوله صلى الله عليه وسلم بلفظ: " علمني
جبرائيل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء ".
842 - " أتاني جبريل عليه السلام من عند الله تبارك وتعالى، فقال: يا محمد إن
الله عز وجل قال لك: إني قد فرضت على أمتك خمس صلوات، من وافاهن على وضوئهن
ومواقيتهن وسجودهن، فإن له عندي بهن عهد أن أدخله بهن الجنة ومن لقيني قد
أنقص من ذلك شيئا ـ أو كلمة تشبهها ـ فليس له عندي عهد إن شئت عذبته وإن شئت
رحمته ".
أخرجه الطيالسي في " المسند " (1 / 66 / 251 ـ ترتيبه) : حدثنا زمعة عن
الزهري عن أبي إدريس الخولاني قال: كنت في مجلس من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم فيهم عبادة بن الصامت، فذكروا الوتر، فقال بعضهم: واجب، وقال بعضهم
سنة، فقال عبادة بن الصامت: أما أنا فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره. ومن طريق الطيالسي رواه أبو نعيم في " الحلية " (5
/ 126 ـ 127) وقال:(2/497)
غريب من حديث الزهري لم يروه عنه بهذا اللفظ إلا زمعة
وإنما يعرف من حديث ابن محيريز عن المخدجي عن عبادة.
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أن زمعة بن صالح إنما أخرج له مقرونا
وهو ضعيف كما في " التقريب ". لكن الحديث صحيح، فإن له طريقين آخرين عن
عبادة أحدهما طريق المخدجي التي أشار إليها أبو نعيم، والأخرى عن الصنابحي
عنه. أخرجه أبو داود وغيره وهو مخرج في " صحيح أبو داود " (451، 1276) .
وقد وجدت له شاهدا من حديث إسحاق بن كعب بن عجرة الأنصاري عن أبيه كعب بن عجرة
قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد سبعة، ثلاثة
من عربنا وأربعة من موالينا، فقال: ما يجلبكم ههنا؟ قلنا إنا ننتظر الصلاة
، قال فيكت بأصبعه الأرض، ثم نكس ساعة، ثم رفع إلينا رأسه قال: أتدرون ما
يقول ربكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: إنه يقول: من صلى الصلوات
لوقتها وأقام حقها كان له على الله عهد ... ". الحديث نحوه. أخرجه الطحاوي
في " مشكل الآثار " (4 / 225 ـ 225) ورجاله ثقات غير إسحاق هذا، فإنه مجهول
الحال. لكنه لم يتفرد به فقد رواه عيسى بن المسيب البجلي عن الشعبي عن كعب بن
عجرة به. أخرجه أحمد (4 / 244) .
ورجاله ثقات غير عيسى هذا، فإنه ضعيف وقد وثق، فالسند بمجموع الطريقين(2/498)
حسن
، فإذا ضم إلى طريق زمعة صار الحديث بمجموع ذلك صحيحا إن شاء الله تعالى.
843 - " أتاني جبرئيل وميكائيل، فجلس جبرئيل عن يميني وجلس ميكائيل عن يساري،
فقال: اقرأ على حرف، فقال: ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ القرآن على حرفين
، (قال: استزده) حتى بلغ سبعة أحرف، (قال:) وكل كاف شاف ".
أخرجه النسائي (1 / 50) والطحاوي في " المشكل " (4 / 189) وأحمد (5 /
114، 122) من طريق حميد الطويل عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب قال:
" ما حك في نفسي شيء منذ أسلمت إلا أني قرأت آية، وقرأها آخر غير قراءتي،
فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال صاحبي: أقرأينها رسول
الله صلى الله عليه وسلم. فأتيناه، فقلت: يا رسول الله أقرأتني آية كذا؟
قال: نعم، وقال صاحبي: أقرأتينها كذا؟ قال: نعم، أتاني جبرئيل ... "
الحديث.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقد أدخل بعض الرواة عبادة بن الصمت
بين أنس وأبي. وله طرق أخرى عن أبي. فرواه سليمان بن صرد الخزاعي عنه به
نحوه، وزاد في آخره: " إن قلت: (غفورا رحيما) أو قلت: (سميعا عليما)
أو (عليما سميعا) ، فالله كذلك ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب
". أخرجه أبو داود في " سننه " (1 / 232) والطحاوي وأحمد (5 / 125) .
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا، والخزاعي هذا صحابي معروف، فهو من رواية
الصحابي عن الصحابي، كالذى قبله.(2/499)
وقد رواه ابن عباس أيضا عن أبي. أخرجه
النسائي.
قلت: وإسناده حسن. وله شاهد من حديث أبي بكرة الثقفي نحوه. أخرجه أحمد (5/ 41، 51) وابن أبي شيبة (12 / 68 / 1) . وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو
ضعيف. وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث ابن مسعود بلفظ: (أمرت أن أقرأ
القرآن على سبعة أحرف. كل كاف شاف) . رواه الطبري (ج 1 رقم 43 صفحة 45) .
قال حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن أبي عيسى بن عبد
الله بن مسعود عن أبيه عن جده عبد الله بن مسعود. أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: " فذكره ".
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي عيسى بن عبد الله بن مسعود فلم أعرفه
وهو إسناد مشكل حقا كما قال المحقق أحمد شاكر في تعليقه على الطبري، فإن قوله
" عن جده " معناه أن راوي الحديث هو مسعود والد عبد الله وليس عبد الله بن
مسعود وهذا مما لا وجود له في كتب السنة، فالظاهر أن أبا عيسى فيه نسب إلى
جده عبد الله بن مسعود وهذا أمر معروف أن ينسب الراوي إلى جده ولكن من هو
والد أبي عيسى هذا؟ بل من هو أبو عيسى نفسه؟ هذا ما لم يتبين لنا. ومن
المحتمل أن يكون هو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أو أخاه معن ابن
عبد الرحمن، فإن كلا منهما يروي عن أبيه عن جده ولكن يبعد هذا الاحتمال أن
الأول كنيته أبو عبد الرحمن، والآخر كنيته أبو القاسم، فالله أعلم.(2/500)
844 - " أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا: اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن
عبادتك ".
أخرجه أحمد (2 / 299) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 223) بإسناد صحيح
عن أبي قرة موسى بن طارق عن موسى بن عقبة عن أبي صالح السمان وعطاء بن يسار -
أو أحدهما - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره.
وقال: " غريب من حديث موسى بن عقبة، تفرد به أبو قرة موسى ابن طارق ".
قلت. وهو ثقة ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد صحيح. وقد أخرجه
الحاكم (1 / 499) من طريق خارجة بن مصعب عن موسى بن عقبة به، وقال:
" صحيح الإسناد، فإن خارجة لم ينقم عليه إلا روايته عن المجهولين، وإذا روى
عن الثقات الأثبات فروايته مقبولة ".
قلت: ووافقه الذهبي وهذا مردود عليهما لاسيما الذهبي، فإنه أورد خارجة هذا
في " الضعفاء " وقال: " ضعفه الدارقطني وغيره ".
وقول الحاكم: " لم ينقم عليه إلا روايته عن المجهولين " مما لم أره لغيره من
الحفاظ النقاد وإنما اتهموه بالكذب كما في رواية عن ابن معين ورمي أيضا
بالتدليس، فقال يحيى بن يحيى - وهو راوي هذا الحديث عنه -: كان يدلس عن غياث
بن إبراهيم وغياث ذهب حديثه ولا يعرف صحيح حديثه من غيره ".(2/501)
ولذلك قال
الحافظ في " التقريب ": " متروك، وكان يدلس عن الكذابين ويقال: إن ابن
معين كذبه ".
وبالجملة، فالعمدة في صحة هذا الحديث على رواية أبي قرة. والله أعلم.
845 - " أتدرون ما العضه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: نقل الحديث من بعض
الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (425) والطحاوي في " المشكل " (3 / 139
) والبيهقي في " السنن " (10 / 246 - 247) من طريق يزيد ابن أبي حبيب عن
سنان بن سعد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات، وفي سنان بن سعد - ويقال: سعد بن
سنان - خلاف وقد قال الحافظ: " صدوق، له أفراد ".
قلت: ويشهد له الحديث الآتي:
" ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس، وفي رواية: النميمة
التي تفسد بين الناس ".
846 - " ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس، وفي رواية: النميمة
التي تفسد بين الناس ".
أخرجه مسلم (8 / 28) والدارمي (2 / 300) والطحاوي في " المشكل " (3 /
138) والبيهقي (10 / 246) وأحمد (1 / 437) من طرق عن أبي إسحاق قال:
سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن محمد
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والرواية الأخرى للدارمي.
وقد تابعه زيد بن أبي أنيسة عن أبي الأحوص به. أخرجه الطحاوي بسند جيد.(2/502)
847 - " أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن
المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا
وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من
حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه،
ثم طرح في النار ".
أخرجه مسلم (8 / 18) والترمذي (3 / 291 ـ 292) وأحمد (2 / 303، 334،
372) عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وعلق البخاري في " صحيحه " (8 / 35) بعض طرفه الأول بلفظ:
" إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة ".
848 - " أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله، إلا أن تخبرنا، فقال
للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء
آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا،
ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار وأسماء
آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم، فقال
أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سددوا
وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب
النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل. ثم قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم بيديه فنبذهما، ثم قال: فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق
في السعير ".(2/503)
أخرجه الترمذي (3 / 199 ـ 200) وأحمد (2 / 167) وابن أبي عاصم في
" السنة " (348) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 168 ـ 169) من طرق عن أبي
قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو قال: " خرج علينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال " فذكره، وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح غريب، وأبو قبيل اسمه حيي بن هانىء ".
قلت: وهو حسن الحديث، وثقه أحمد وجماعة، وقال ابن حبان في " الثقات ":
" يخطىء ". وفي " التقريب ": " صدوق يهم ". وشفي ـ وهو ابن ماتع ـ ثقة،
فالإسناد حسن.
" تنبيه " عزى العلامة الشنقيطي هذا الحديث في " زاد المسلم فيما اتفق عليه
البخاري ومسلم " لرواية مسلم وهو وهم محض لا أدري كيف وقع له ذلك ووقع في
" الفتح الكبير " معزوا لـ (حم، ق، ن) ، وأظن أن (ق) محرف من (ت) .
والله أعلم. وأما في " الجامع الكبير " (1 / 14 / 2) فعزاه لـ (حم، ت)
فقط، وعزاه في " تحفة الأحوذي " للنسائي ولعله يعني " الكبرى " له، فإني لم
أره في " سننه الصغرى ".
849 - " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم، فقال: أترضون أن تكونوا ثلث
أهل الجنة؟ فقلنا: نعم، فقال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قلنا: نعم
، قال: والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن
الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في
جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر ".(2/504)
أخرجه البخاري (8 / 93 ـ نهضة) ومسلم (1 / 139) والترمذي (3 / 330 ـ 331
) وابن ماجه (2 / 573) والطحاوي في " المشكل " (1 / 154 ـ 156) وأحمد (
1 / 386، 437 ـ 438، 445) وأبو نعيم (4 / 152) من طريق أبي إسحاق عن عمرو
بن ميمون عن عبد الله قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة،
فقال ... " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
(تنبيه) عزاه السيوطي في " زيادات الجامع الصغير " لأحمد والترمذي وابن
ماجه فقط، وهذا تقصير فاحش! وكذلك هو في " الجامع الكبير " (1 / 15 / 2) .
850 - " اتركوني ما تركتكم، فإذا حدثتكم فخذوا عني، فإنما هلك من كان قبلكم، بكثرة
سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ".
أخرجه الترمذي (3 / 379) وابن ماجه (1 / 4 ـ 5) وأحمد (2 / 495) من طرق
عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره. واللفظ للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وإسناده على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (9 / 77 ـ نهضة) ومسلم
(4 / 102) والنسائي (2 / 2) وأحمد (2 / 247، 258، 313، 428، 447 ـ
448، 457، 467، 482، 495، 503، 508، 517) من طرق عديدة عن أبي هريرة به
نحوه وهو مخرج في " الإرواء " (155، 313) .
851 - " أتزعمون أني من آخركم وفاة ألا إني من أولكم وفاة وتتبعوني أفنادا يهلك
بعضكم بعضا ".(2/505)
أخرجه أحمد فى " المسند " (4 / 106) : حدثنا أبو المغيرة قال: سمعت الأوزاعي
قال: حدثني ربيعة بن يزيد قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: خرج علينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال....." فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، متصل بالسماع. وله شاهد من حديث
سلمة بن نفيل السكوني مرفوعا نحوه. أخرجه الدارمي (1 / 29) وأحمد (4 / 104
) من طريق أرطاة بن المنذر حدثنا ضمرة بن حبيب قال: حدثنا سلمة بن نفيل به.
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا متصل.
(أفنادا) أي جماعات متفرقين قوما بعد قوم، واحدهم (فند) .
852 - " أتسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط السماء
وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 43) والطبراني في " المعجم الكبير "
(1 / 153 / 1) من طريق عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة
عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه
وسلم في أصحابه إذ قال لهم.... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وفي ابن عطاء كلام لا يضر. وله شاهد من
حديث أنس بن مالك مرفوعا بلفظ:(2/506)
" أطت السماء وحق لها أن تئط ... " الحديث
مثله. أخرجه أبو نعيم فى " الحلية " (6 / 269) من طريق زائدة بن أبي الرقاد
حدثنا زياد النميري عنه. وهذا إسناد ضعيف.
853 - " أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم، فقال:
المهاجرون يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة:
أو قد حوسبتم؟ فيقولون: بأي شيء نحاسب وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في
سبيل الله حتى متنا على ذلك؟ قال: فيفتح لهم، فيقيلون فيه أربعين عاما قبل
أن يدخلها الناس ".
أخرجه الحاكم (2 / 70) من طريق عياش بن عباس عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن
عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي.
وأقول: إنما هو على شرط مسلم فقط، فإن عياشا هذا إنما أخرج له البخاري في
" جزء القراءة ".
854 - " إن أردت تليين قلبك، فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم ".
أخرجه أحمد (2 / 263) : حدثنا أبو كامل حدثنا حماد عن أبي عمران الجوني عن
رجل عن أبي هريرة. " أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة
قلبه، فقال له " فذكره. وتابعه سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة به.(2/507)
أخرجه
الطبراني في " مختصر مكارم الأخلاق " (1 / 120 / 1) .
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل الذي لم يسم، وقد أسقطه
بعضهم، فقال أحمد (2 / 387) حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران عن
أبي هريرة. " أن رجلا شكا ... " الحديث دون قوله: " إن أردت تليين قلبك ".
قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة لكن الإسناد الأول يعله ويكشف أن بين أبي عمران
وأبي هريرة الرجل الذي لم يسم، وكأن الهيثمي لم يقف على الإسناد الأول، فقد
ذكره بلفظ الإسناد الآخر وقال (8 / 160) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح
! " وفهم منه المناري أنه يعني صحيح الإسناد، فقال: " وروى أحمد بسند قال
الهيثمي ـ تبعا لشيخه الزين العراقي ـ: صحيح ... " فذكره باللفظ الثاني.
قلت: وهذا الفهم غير صحيح لأن قوله: " ورجاله رجال الصحيح " لا يعني أكثر
من توفر شرط واحد من شروط الصحة وهو ثقة الرجال وأنهم من رجال الصحيح وأما
سلامته من العلة القادحة كالانقطاع مثلا، فهذا القول لا ينفيه. فتنبه.
نعم للحديث شاهد يمكن أن يرتقي به إلى درجة الحسن وهو ما روى الطبراني في
" الكبير " عن أبي الدرداء قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة
قلبه، قال: أتحب أن يلين قلبك؟ وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه
وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك ". قال الهيثمي عقبه:(2/508)
" وفي
إسناده من لم يسم وبقية مدلس ". ونحوه في " الترغيب " (3 / 231) .
قلت: قد أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 214) من طريق معمر عن صاحب له أن
أبا الدرداء.... فذكر الحديث، فهذا سالم من بقية لكنه مع جهالة صاحب معمر ما
أظن أن هذا الصاحب قد أدرك أبا الدرداء، والله أعلم.
وأخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 75) : حدثنا أبو الحارث محمد بن
مصعب الدمشقي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد
بن جابر عن محمد بن واسع الأزدي أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: يا أخي أدن
اليتيم وامسح برأسه وأطعمه من طعامك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: وأتاه رجل يشكو إليه قسوة القلب فقال: أدن اليتيم وامسح برأسه
وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتقدر على حاجتك. وهذا إسناد رجاله ثقات غير
أبي الحارث هذا ترجمه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15 / 521 / 2 / 522 / 2)
وذكر له بعض الأحاديث ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا. ومحمد بن واسع قال ابن
المديني: ما أعلمه سمع من أحد من الصحابة.
وحديث الخرائطي هذا أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 30 / 1) بزيادة
" وألطفه " وقال: " رواه الضياء والبيهقي والخرائطي وابن عساكر عن أبي
الدرداء ".(2/509)
قلت: وأخرجه الخرائطي (ص 74) من طريق سيار بن حاتم حدثنا جعفر بن سليمان
الضبعي عن أبي عمران الجوني قال: قال رجل يا رسول الله أشكو إليك قسوة قلبي،
قال: أدن منك اليتيم الحديث دون قوله " وألطفه ".
وإسناده مرسل حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير سيار بن حاتم قال الحافظ:
" صدوق له أوهام ".
855 - " رحم الله عبدا قال فغنم، أو سكت فسلم ".
أخرجه البغوي في " حديث كامل بن طلحة " (3 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب "
(47 / 2) من طريقين عن الحسن مرفوعا مرسلا.
وأخرجه ابن المبارك " الزهد " (380) : أخبرنا ابن لهيعة قال: حدثني خالد بن
أبي عمران. " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك لسانه طويلا، ثم أرسله، ثم
قال أتخوف عليكم هذا، رحم الله عبدا قال خيرا وغنم، أو سكت عن سوء فسلم ".
ورجاله ثقات ولكنه مرسل بل معضل، فإن خالدا هذا إنما يروي عن عروة وطبقته
مات سنة (139) .
وقد روي موصولا، فذكره السيوطي في " الجامع " من رواية أبي أمامة مرفوعا
وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 95) : " رواه ابن أبي الدنيا
في " الصمت " والبيهقي في " الشعب " من حديث أنس بسند فيه ضعف، فإنه من رواية
إسماعيل بن عياش عن الحجازيين ".(2/510)
قلت: فالحديث عندي حسن بمجموع هذه الطرق. والله أعلم.
856 - " ليس للنساء وسط الطريق ".
رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 5 / 2) وابن حبان في " صحيحه "
(1969 - موارد) وابن عدي (192 / 1) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 475
/ 2) عن مسلم بن خالد الزنجي أنبأنا شريك بن أبي نمر عن أبي سلمة عن أبي
هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا سند حسن بما بعده. فقد رواه الدولابي (1 / 45) والبيهقي في "
شعب الإيمان " (2 / 475 / 1) عن الحارث بن الحكم عن أبي عمرو بن حماس مرفوعا
به إلا أنه قال: " سراة الطريق ".
قلت: وهذا مرسل أبو عمرو بن حماس، قال الحافظ: " مقبول، من السادسة مات
سنة تسع وثلاثين " يعني ومائة. والحارث بن الحكم ترجمه ابن أبي حاتم في
" الجرح والتعديل " (1 / 2 / 73) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد
خالفه شداد بن أبي عمرو ابن حماس فقال: عن أبيه عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري
عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد،
فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء:(2/511)
" استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق ".
فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. أخرجه
أبو داود (5272) والهيثم بن كليب في " مسنده " (ق 190 / 1) والبيهقي في
" الشعب " لكن شداد هذا مجهول، كما قال الحافظ في " التقريب ".
وبالجملة فالحديث حسن بمجموع الطريقين والله أعلم.
857 - " اتق يا أبا الوليد أن تأتي يوم القيامة ببعير تحمله على رقبتك له رغاء أو
بقرة لها خوار أو شاة لها ثؤاج ".
أخرجه الحميدي في " مسنده " (895) قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا ابن طاووس
عن أبيه قال: " استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت على
الصدقة، ثم قال له " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح لولا أنه مرسل لكن قد وصله البيهقي في " السنن " (4 /
158) من طريق ابن أبي عمر حدثنا سفيان به إلا أنه قال: عن أبيه عن عبادة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على الصدقة ... الحديث. فهذا إسناد صحيح
على شرط مسلم، وابن أبي عمر اسمه محمد بن يحيى وهو ثقة من شيوخ مسلم وكان
لازم سفيان بن عيينة. وهكذا موصولا أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " كما
في " المجمع " (3 / 86) وقال: " ورجاله رجال الصحيح ".(2/512)
858 - " اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك
من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ".
أخرجه مسلم (8 / 18) والبخاري في " الأدب المفرد " (483) وأحمد (3 / 323
) عن داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وطرفه الأول ورد من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ: " أيها الناس اتقوا
الظلم، فإنه ظلمات يوم القيامة ". أخرجه أحمد (2 / 92، 106، 136) من طريق
عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر به. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال
البخاري لكن عطاء كان اختلط. وله طريق أخرى عنه مختصر بلفظ: " الظلم ظلمات
يوم القيامة ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (3 / 113) وفي " الأدب المفرد "
(475) ومسلم وأحمد (2 / 137، 146) عن عبد الله بن دينار عنه.
وله شاهد بتمامه دون قوله " اتقوا الظلم " من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص
مرفوعا به ولفظه: " الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش، فإن الله لا
يحب الفحش ولا التفحش وإياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم
بالقطيعة فقطعوا(2/513)
وأمرهم بالبخل فبخلو وأمرهم بالفجور ففجروا ". أخرجه أحمد
(2 / 159) وإسناده صحيح. وأخرج الدارمي (2 / 240) منه أوله بلفظ: "
إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ". وأخرج منه " إياكم والشح
... " أبو داود (1 / 268) والحاكم (1 / 415) وقال: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد (2 / 195) أيضا مثل رواية الدارمي مع اللفظ
الذي قبله. وله بهذا التمام طريق أخرى عن ابن عمرو، فقال الحسن بن عرفة في "
جزئه " (رقم 91 - منسوختي) : أنبأنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الأبار عن
محمد بن جحادة عن بكر بن عبد الله المزني عنه به.
قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير الأبار هذا، وهو ثقة.
وله بهذا التمام شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه أحمد (2 / 331)
من طريقين عن سعيد بن أبي سعيد عنه.
قلت: وإحداهما صحيح الإسناد على شرط الشيخين، والأخرى جيدة. وقد أخرجها
ابن حبان (1566) .
859 - " في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ".
أخرجه البخاري (10 / 118 - 119) ومسلم (7 / 25) وابن ماجه (2 / 342)(2/514)
عن
الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة وسعيد بن المسيب أن
أبا هريرة أخبرهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وأخرجه الترمذي (2 / 3 طبع بولاق) وأحمد (2 / 241) عن سفيان بن عيينة عن
الزهري عن أبي سلمة وحده به. وقال الترمذي: " حديث صحيح والحبة السوداء:
هي الشونيز ". وكذلك رواه مسلم أيضا عن ابن عيينة، ثم أخرجه هو وأحمد (2 /
268، 343) عن معمر وهو عن شعيب كلهم عن الزهري عن أبي سلمة وحده، ثم أخرجه
هو وأحمد أيضا (2 / 510) من طريقين آخرين عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب
وحده عن أبي هريرة بلفظ: " عليكم هذه الحبة السوداء ". ويأتي برقم (863) .
وتابعه عن أبي سلمة محمد بن عمرو بلفظ: " في الحبة السوداء شفاء من كل داء
إلا السام، قالوا: يا رسول الله وما السام؟ قال: الموت ".
أخرجه أحمد (2 / 261 و 423 و 429 و 504) من طرق عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن. وللحديث طرق أخرى عن أبي هريرة وشواهد بلفظ: " إن
هذه الحبة "، " ما من داء إلا في ... " ومن شواهده ما أخرجه أحمد (6 / 146)
من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي عن داود بن الحصين عن القاسم
بن محمد عن عائشة مرفوعا بهذا اللفظ تماما. ورجاله ثقات رجال الستة غير
إبراهيم بن إسماعيل هذا فهو ضعيف.(2/515)
ولحديثها طريقان آخران فراجع ما سبقت
الإشارة إليه من الشواهد، وسيأتي برقم (1819) بلفظ: (الحبة السوداء) .
860 - " الطير تجري بقدر. وكان يعجبه الفأل الحسن ".
أخرجه الحاكم (1 / 32) وأحمد (6 / 129 - 130) وابن أبي عاصم في " السنة "
(254) والبزار (131) وابن عدي (99 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (
357) عن سعيد بن مسروق عن يوسف ابن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي بردة قال:
أتيت عائشة فقلت: يا أماه حدثيني بشيء سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قالت: فذكرته مرفوعا. وقال الحاكم: احتج الشيخان برواة هذا الحديث
عن آخرهم غير يوسف بن أبي بردة ولم يهملاه لجرح ولا لضعف بل لقلة حديثه،
فإنه عزيز الحديث جدا. ووافقه الذهبي.
ويوسف هذا قد روى عنه إسرائيل أيضا ووثقه ابن حبان، فالحديث محتمل للتحسين،
لاسيما وأن شطره الأخير له شاهد من حديث أبي هريرة وسيأتي.
والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (7 / 209) وقال: " رواه البزار وقال
: لا يروى إلا بهذا الإسناد، ورجاله رجال الصحيح غير يوسف بن أبي بردة وثقه
ابن حبان ".
وقد فاته أنه في " المسند " فاقتصر على عزوه للبزار وهو قصور.
وللحديث طريق أخرى عند الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 342) عن يحيى بن
مسلمة (الأصل: سلمة) ابن قعنب حدثنا حسان بن إبراهيم عن سعد بن إبراهيم عن
سفيان الثوري عن أبي بردة به إلا أنه قال: " كل شيء بقدر.... ".
ورجاله ثقات غير يحيى هذا، قال العقيلي: " حدث بمناكير "(2/516)
ويشهد للحديث ما
يأتي بعده.
861 - " كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، أو العجز والكيس ".
أخرجه مالك (3 / 93) وعنه مسلم في " صحيحه " (8 / 51) والبخاري في
" أفعال العباد " (ص 73) وأحمد في " المسند " (2 / 110) وفي " السنة "
أيضا (ص 121) كلهم عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاووس اليماني
أنه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء
بقدر، قال طاووس: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: فذكره مرفوعا.
وله شاهد بلفظ: " كل شيء بقضاء وقدر ولو هذه وضرب بإصبعه السبابة على حبل
ذراعه الآخر ". وهو من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: تماروا بين يدي
النبي صلى الله عليه وسلم في القدر فكرهه كراهية شديدة حتى كأنما فقئ في وجهه
حب الرمان، فقال: فيم أنتم! قالوا تمارينا في القدر يا رسول الله فقال:
فذكره. قال الهيثمي (7 / 208) : " رواه الطبراني في الأوسط وفي جماعة لم
أعرفهم ".
(تنبيه) أورد صاحب " التاج الجامع للأصول الخمسة " حديث ابن عمر المذكور بلفظ
: " كل شيء بقضاء وقدر ... " وقال (1 / 29) : " رواه الشيخان ومالك ".(2/517)
فزاد في متنه لفظة " القضاء ". ولا أصل لها لا عند من ذكرهم ولا عند غيرهم
ممن ذكرتهم. على أن قوله: " رواه الشيخان " يوهم أن الحديث عند البخاري في
" صحيحه "، لأنه المراد عند إطلاق العزو إليه، لاسيما إذا قرن مع صاحبه مسلم
فقيل: " الشيخان " وإنما أخرجه في " أفعال العباد " كما سبق. وكم له من مثل
هذا الإيهام وغيره مما دفعني منذ ربع قرن من الزمان إلى تعقبه في " الجزء
الأول " منه، وكنت نشرت طرفا منه في بعض المجلات الإسلامية.
862 - " إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته ".
أخرجه أحمد (2 / 244) : حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وإنما
أخرج مسلم منه الشطر الأول بلفظ: " إذا قاتل أحدكم أخاه ... ". وأخرجه
بتمامه الآجري في " الشريعة " (ص 314) والبيهقي في " الأسماء " (ص 290) من
طرق عن سفيان به. ثم أخرجه من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة به.
وسنده حسن. وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 27) عن ابن عجلان قال:
أخبرني أبي وسعيد عن أبي هريرة مرفوعا دون الشطر الثاني.
وهو حسن أيضا. وكذلك أخرجه البخاري في صحيحه (5 / 138) من وجه آخر ضعيف عن(2/518)
سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه أحمد عن ابن عجلان بلفظ: " إذا
ضرب أحدكم فليجنب الوجه ولا تقل قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، فإن
الله تعالى خلق آدم على صورته ". قال أحمد (2 / 251 و 434) : حدثنا يحيى عن
ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند حسن.
وأخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 26) والبيهقي في " الأسماء والصفات "
(ص 291) وقال البخاري في " الأدب المفرد " حدثنا عبد الله بن محمد قال:
حدثنا ابن عينية عن ابن عجلان به إلا أنه أوقفه على أبي هريرة به، وعلقه
الآجري ورواه البخاري من طريق أخرى عن ابن عينية به مرفوعا مقتصرا على قوله:
" لا تقولوا قبح الله وجهه " فالظاهر أن ابن عجلان كان تارة يرفعه، وأخرى
يوقفه، والحديث مرفوع بلا شك. وأخرج الشطر الأول منه أبو داود (2 / 243)
من طريق عمر يعني ابن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وسنده حسن في
المتابعات.
863 - " عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء، إلا السام ".
أخرجه الترمذي (2 / 3) وأحمد (2 / 241) عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن
أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي:(2/519)
" حديث حسن صحيح ".
قلت: وهو على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم عن سفيان غير أنه لم يسق لفظه بل
أحال على لفظ عقيل عن ابن شهاب وقد مضى قريبا بلفظ: " في الحبة السوداء ... "
رقم (859) . ثم أخرجه أحمد (2 / 268) وكذا مسلم عن معمر عن الزهري به.
وللزهرى فيه إسناد آخر رواه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بهذا اللفظ.
أخرجه مسلم وأحمد (2 / 510) . وله شاهد من حديث عائشة بهذا اللفظ. أخرجه
أحمد (6 / 138) : حدثنا وكيع قال: حدثني أبو عقيل عن بهية عنها. وأبو عقيل
اسمه يحيى بن المتوكل المدني وهو ضعيف، وبهية لا تعرف. وله شاهد آخر من
حديث ابن عمر بهذا اللفظ. أخرجه ابن ماجه (2 / 342) من طريق عثمان بن عبد
الملك قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره. وعثمان هذا لين الحديث، وبقية رجاله ثقات رجال مسلم.
وله شاهد ثالث بلفظ: " عليكم بهذه الحبة السوداء وهي الشونيز، فإن فيها
شفاء ". أخرجه أحمد (5 / 354) : حدثنا زيد: حدثني حسين حدثني عبد الله قال
: سمعت أبي(2/520)
بريدة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. زيد هو ابن الحباب، وحسين هو ابن واقد.
وله طريق أخرى عن عبد الله بن بريدة بلفظ: " الكماة دواء العين وإن العجوة
من فاكهة الجنة وإن هذه الحبة السوداء يعني الشونيز - الذي يكون في الملح دواء
من كل داء إلا الموت ". أخرجه أحمد (5 / 346) حدثنا أسود بن عامر: حدثنا
زهير عن واصل بن حبان البجلي حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى
الله عليه وسلم. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الستة غير أن له علة دقيقة
وهي أن زهير وهو ابن معاوية أخطأ في قوله: واصل بن حيان وإنما هو صالح بن
حيان وهذا ضعيف. قال أحمد في صالح هذا: " انقلب على زهير اسمه ".
وقال أبو داود: وغلط فيه زهير، وقال ابن معين: " زهير عن صالح بن حيان
وواصل بن حبان فجعلهما واصل بن حيان " كما في " تهذيب التهذيب ".
قلت: وقد رواه على الجادة محمد بن عبيد فقال: حدثنا صالح يعني ابن حيان عن
ابن بريدة به أتم منه فانظر: " إن الجنة عرضت علي " في الكتاب الآخر رقم
(3899) .(2/521)
864 - " إن فيه (يعني الحجامة) شفاء ".
أخرجه البخاري (10 / 124) ومسلم (7 / 21) والحاكم (4 / 208 و 409)
وأحمد (3 / 335) من طريق عمرو بن الحارث أن بكيرا حدثه أن عاصم بن عمر بن
قتادة حدثه أن جابر بن عبد الله عاد المقنع، ثم قال: لا أبرح حتى تحتجم،
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقد استدركه الحاكم
على الشيخين فوهم.
865 - " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم
شيئا ".
رواه مسلم (8 / 62) وأبو داود (2 / 262) والترمذي (2 / 112) والدارمي
(1 / 126 - 127) وابن ماجه (1 / 91) وأحمد (2 / 397) من حديث
أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
866 - " بئس مطية الرجل زعموا ".
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (رقم 377) : أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي قلابة عن أبي مسعود قال: قيل له: ما سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول في " زعموا "؟ قال: فذكره. وهكذا أخرجه البخاري في
" الأدب المفرد " (762) وأبو داود (4972)(2/522)
والطحاوي في " المشكل " (1 /
68) من طرق عن الأوزاعي به إلا أنهم قالوا: " عن أبي قلابة قال: قال أبو
مسعود لأبي عبد الله، أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود: ما سمعت ... " الخ.
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين وأبو قلابة قد صرح بالتحديث في
رواية الوليد بن مسلم قال: أنبأنا الأوزاعي أنبأنا يحيى بن أبي كثير أنبأنا
أبو قلابة أنبأنا أبو عبد الله مرفوعا به. أخرجه الطحاوي وابن منده في "
المعرفة " (2 / 251 / 2) .
قلت: وهذا إسناد صحيح متصل بالتحديث، وقال أبو داود: " أبو عبد الله هذا
حذيفة ".
قلت: وقد جاء ذلك مفسرا في إسناد أحمد: " أو قال أبو مسعود لأبي عبد الله
يعني حذيفة ". ولذلك أورده في " مسند حذيفة ". وخالفهم جميعا يحيى بن عبد
العزيز فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب أن عبد الله بن
عامر قال يا أبا مسعود ما سمعت ... الخ. وهذه رواية شاذة بل منكرة، فإن يحيى
هذا ليس بالمشهور بالحفظ والضبط ولهذا قال الحافظ: " مقبول ". يعني عند
المتابعة وإلا فلين عند التفرد كما هو اصطلاحه، فكيف وقد خالف؟ .
قلت: وفي الحديث ذم استعمال هذه الكلمة " زعموا " وإن كانت في اللغة قد تأتي
بمعنى قال كما هو معلوم ولذلك لم تأت في القرآن إلا في الإخبار عن المذمومين
بأشياء مذمومة كانت منهم مثل قوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا) *
ثم أتبع(2/523)
ذلك بقوله * (بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم) * ونحو ذلك من
الآيات، قال الطحاوي رحمه الله تعالى بعد أن ساق بعضها: " وكل هذه الأشياء
فإخبار من الله بها عن قوم مذمومين في أحوال لهم مذمومة وبأقوال كانت منهم،
كانوا فيها كاذبين، فكان مكروها لأحد من الناس لزوم أخلاق المذمومين في
أخلاقهم، الكافرين في أديانهم، الكاذبين في أقوالهم. وكان الأولى بأهل
الإيمان لزوم أخلاق المؤمنين الذين سبقوهم بالإيمان وما كانوا عليه من المذاهب
المحمودة والأقوال الصادقة التي حمدهم الله تعالى عليها، رضوان الله عليهم
ورحمته، وبالله التوفيق ".
وقال البغوي في " شرح السنة " (3 / 413) نسخة المكتب: " إنما ذم هذه اللفظة
لأنها تستعمل غالبا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه إنما هو شيء يحكي على
الألسن، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ليتوصل به
إلى حاجته من قولهم: زعموا، بالمطية التي يتوصل بها الرجل إلى مقصده الذي
يؤمه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتثبت فيما يحكيه والاحتياط فيما
يرويه، فلا يروي حديثا حتى يكون مرويا عن ثقة، فقد روي عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع "، وقال عليه السلام:
" من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ".
867 - " اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا
ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم ".
أخرجه الترمذي (2 / 516) وابن حبان (795) والحاكم (1 / 9، 389) وأحمد
(5 / 251، 262) من طريق معاوية بن صالح حدثني سليم بن عامر قال: سمعت
أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع
فقال: فذكره. واللفظ للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ".
ولفظ أحمد والحاكم:(2/524)
" اعبدوا الله "، وقال: " صحيح على شرط مسلم ".
ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. ولفظ ابن حبان: " أطيعوا ربكم ".
868 - " اتقوا الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم ".
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (10 / 169) من طريق عمر بن حفص السدوسي
حدثنا عبد الله بن المبارك البغدادي - مولى العباس سنة تسع عشرة - حدثنا همام
بن يحيى عن قتادة عن أبي الخليل صالح عن أم سلمة. " أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان يقول في مرضه ... " فذكره، وزاد: " وجعل يكررها ".
أورده في ترجمة عبد الله هذا وليس هو ابن المبارك الإمام المشهور ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا. وسائر رواته ثقات رجال الشيخين غير السدوسي هذا وهو
ثقة كما قال الخطيب في ترجمته (11 / 216) . والحديث أخرجه الطحاوي في
" مشكل الآثار (4 / 235 - 236) من طريق أبي عوانة عن قتادة عن سفينة مولى أم
سلمة عن أم سلمة قالت: " كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغر بها في صدره وما يفيض بها
لسانه ". وإسناده صحيح إن كان قتادة سمعه من سفينة.
لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث أنس عند الطحاوي وغيره، وصححه
الحاكم والذهبي وآخر من حديث علي أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (158)
وأبو داود وغيره وهو مخرج في " الإرواء " (2178) .(2/525)
869 - " اتقوا الله وصلوا أرحامكم ".
رواه ابن عساكر (16 / 74 / 2) عن الفضل بن موفق عن المسعودي عن سماك بن حرب
عن عبد الرحمن يعني عبد الله بن مسعود رفعه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، المسعودي كان اختلط. والفضل ضعفه أبو حاتم ولذلك
جزم المناوي بضعف إسناده لكنه قواه ببعض الشواهد فقال: " ورواه الطبراني
باللفظ المذكور عن جابر، وزاد: فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة الرحم. ورواه
ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة وزاد: فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في
الآخرة. وبذلك يصير حسنا ".
قلت: لكن في إسناد الطبراني محمد بن كثير عن جابر الجعفي، قال الهيثمي (8 /
149) : " وكلاهما ضعيف جدا ".
وأما رواية ابن جرير - وهي في تفسيره (7 / 521 / 8422، 8427) فهي بإسنادين
له عن قتادة مرسلا، فهو شاهد قوي لموصول ابن مسعود، والله أعلم.
والحديث كالتفسير لقوله تعالى في سورة النساء * (واتقوا الله الذي تساءلون به
والأرحام) * لأن المعنى: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن
تقطعوها وهو المعنى الذي اختاره ابن جرير من حيث الأسلوب العربي، فراجعه.
870 - " اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام، يقول الله جل جلاله:
وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ".
رواه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 186) والدولابي (2 / 123)(2/526)
والطبراني (1 / 186 / 1) من طريقين عن سعد بن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري
أنبأنا عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله
رحمه الله حدثني خزيمة بن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن جده عن
خزيمة بن ثابت مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه علل:
الأولى: محمد بن عمارة هذا في عداد المجهولين أورده البخاري في " التاريخ " ثم
ابن أبي حاتم (4 / 1 / 44) من رواية ابنه خزيمة فقط عنه ولم يذكرا فيه جرحا
ولا تعديلا.
الثانية: ابنه خزيمة أورده البخاري أيضا (2 / 1 / 190) وابن أبي حاتم (1 /
2 / 382) من رواية عبد الله بن محمد هذا ولم يذكرا فيه شيئا.
الثالثة: عبد الله بن محمد بن عمران لم أجد له ترجمة.
وبالجملة فالإسناد مظلم مجهول. لكن الحديث حسن على أقل الدرجات، فقد أخرج
ابن حبان (2409) طرفه الأول من حديث أبي هريرة مرفوعا: " اتقوا دعوة المظلوم
". وسنده صحيح. وورد من حديث أنس أيضا بزيادة فيه، وقد سبق تخريجه برقم
(767) . وأخرج ابن حبان أيضا (2408) والترمذي (2 / 280) وابن ماجه
(1752) وأحمد (2 / 305، 445) من طريق أبي مدلة عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم. " ثلاثة لا ترد دعوتهم ... ودعوة المظلوم
يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك
ولو بعد حين ".(2/527)
وقال الترمذي: " حديث حسن ". وله عنده (2 / 86) طريق
أخرى، أعلها بالانقطاع.
871 - " اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار ".
أخرجه الحاكم (1 / 29) عن أبي كريب حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عاصم بن
كليب عن محارب بن دثار عن ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكره. وقال: " احتج مسلم بعاصم بن كليب، والباقون متفق على الاحتجاج
بهم ". ووافقه الذهبي. وقال في " العلو " (رقم 13 - مختصره) : " غريب،
وإسناده جيد ". قلت: فهو صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الديلمي في " المسند "
(1 / 1 / 42 - 43) من طريق أحمد بن إسماعيل بن الحارث حدثنا عمرو بن مرزوق
أخبرنا زائدة عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار به. وعطاء بن السائب كان
اختلط، لكن عمرو بن مرزوق ثقة له أوهام. وأحمد إسماعيل بن الحارث لم أجد له
ترجمة.
872 - " أتموا الوضوء، ويل للأعقاب من النار ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 170) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا شيبة بن الأحنف عن
أبي سلام الأسود عن أبي صالح الأشعري حدثني أبو عبد الله الأشعري عن خالد بن
الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة وعمرو بن العاص، كل هؤلاء
سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.(2/528)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير شيبة بن الأحنف، فقال دحيم:
" كان الوليد يروي عنه، ما سمعت أحدا يعرفه " وذكره أبو زرعة الدمشقي في نفر
ذوي أسنان وعلم. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات ".
وعلى ذلك قال البوصيري في الزوائد " (ق 34 / 2) : " هذا إسناد حسن، ما علمت
في رجاله ضعفا ". قلت: وهو كما قال، لولا أن الوليد بن مسلم كان يدلس تدليس
التسوية! ولم يصرح بالتحديث عن شيخه، ومن فوقه. نعم الحديث صحيح لغيره،
فقد ثبت مرفوعا بلفظ: " أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار ". أخرجه أحمد
(2 / 164 و 193 و 201) ومسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " وغيرهم من طرق عن
منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو قال: " أبصر رسول الله
صلى الله عليه وسلم قوما يتوضؤون لم يتموا الوضوء، فقال: " فذكره. والسياق
لأحمد. وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (87) .
873 - " إتيان النساء في أدبارهن حرام ".
أخرجه النسائي في " العشرة " من " السنن الكبرى " (1 / 77 / 2) عن عبد الله
بن شداد الأعرج عن رجل عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
قلت: ورجاله ثقات غير هذا الرجل لم يسم لكن الحديث صحيح، فقد جاء من طرق
أخرى عن خزيمة وغيره بألفاظ متقاربة، وقد ذكرت بعضها في " آداب الزفاف "
(ص 29 - 30 طبع المكتب الإسلامي ".(2/529)
874 - " أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل يضع حافره عند منتهى طرفة، فلم نزايل
ظهره أنا وجبريل حتى أتيت بيت المقدس، ففتحت لنا أبواب السماء ورأيت الجنة
والنار ".
أخرجه أحمد (5 / 392 و 394) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن
حبيش عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره،
قال حذيفة بن اليمان: " ولم يصل في بيت المقدس، قال زر: فقلت له: بلى قد
صلى، قال حذيفة: ما اسمك يا أصلع، فإني أعرف وجهك ولا أعرف اسمك! فقلت:
أنا زر بن حبيش، قال: وما يدريك أنه قد صلى، قال: فقلت: يقول الله عز وجل
: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي
باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) * قال: فهل تجده صلى؟ لو
صلى لصليتم فيه كما تصلون في المسجد الحرام. قال زر: وربط الدابة بالحلقة
التي يربط بها الأنبياء عليهم السلام. قال حذيفة: أو كان يخاف أن تذهب منه
وقد أتاه الله بها؟ ! ". وأخرجه الترمذي (4 / 139) والحاكم (2 / 359)
من طرق أخرى عن عاصم به نحوه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
وأقول: إنما هو حسن فقط للخلاف المعروف في عاصم بن بهدلة.
875 - " اثبت حراء، فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ".
ورد من حديث سعيد بن زيد وعثمان بن عفان وأنس بن مالك وبريدة بن الحصيب
وأبي هريرة.(2/530)
1 - أما حديث سعيد بن زيد، فيرويه عبد الله بن ظالم المازني عنه قال: " أشهد
على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم، قيل: وكيف ذاك، قال
: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء، فقال: (فذكره) ، قيل: ومن
هم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة
والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف، قيل: فمن العاشر؟ قال: أنا ". أخرجه
أبو داود (2 / 264) والترمذي (4 / 336) وابن ماجه (1 / 61) والحاكم (
3 / 450) وأحمد (1 / 187، 188، 189) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "،
وصححه ابن حبان (2198) . قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير
المازني هذا، فقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جماعة وتابعه أبو
إسحاق عند أبي نعيم (4 / 341) .
2 - وأما حديث عثمان، فيرويه أبو إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: " لما
حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره، ثم قال: أذكركم بالله، هل تعلمون أن حراء
حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. أخرجه ابن حبان (
2168) والترمذي (4 / 320) وقال: " حديث حسن صحيح ". وله عنده (4 / 322
) طريق أخرى يرويه يحيى بن أبي الحجاج المنقري عن أبي مسعود الجريري عن ثمامة
بن حزن القشيري قال: " شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان ... " فذكره بلفظ: "
اسكن ثبير فإنما عليك ... ".(2/531)
وقال: " حديث حسن ".
قلت: يحيى هذا لين الحديث كما في " التقريب " وانظر " الإرواء " (1593) .
3 - وأما حديث أنس، فيرويه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عنه " أن النبي صلى
الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان.... " الحديث وقال:
" وشهيدان ". أخرجه الخطيب في " التاريخ " (5 / 365) من طريق محمد بن يونس
حدثنا قريش بن أنس حدثنا سعيد بن أبي عروبة.
وابن يونس هذا هو الكديمي متهم ولكنه لم يتفرد به كما يأتي، فقد أخرجه
البخاري (7 / 30) والترمذي (4 / 318) وصححه وأحمد (3 / 112) . من طريق
يحيى عن سعيد به إلا أنه قال: " أحد " بدل " حراء " فقال الحافظ في " شرحه ".
" وقد وقع في رواية لمسلم ولأبي يعلى من وجه آخر عن سعيد " حراء " والأول
أصح، ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة. ثم ظهر لي أن الاختلاف فيه من
سعيد، فإني وجدته في " مسند الحارث ابن أبي أسامة " عن روح بن عبادة عن سعيد،
فقيل فيه أحدا أو حراء " بالشك ".
وأقول فيه أمران: الأول: أن الحديث من رواية أنس لم أجده في " مسلم " إطلاقا
ولم يعزه إليه السيوطي في " زيادة الجامع الصغير " (6 / 2) .
والآخر: لا شك في تعدد القصة لتعدد الطرق بذلك ولكن لا يلزم منه أن أنسا حدث
بكل ذلك، وإذا كان ابن أبي عروبة، قد اختلف عليه فيه، فذلك لأنه كان اختلط
كما في " التقريب ". فلابد من ترجيح أحد اللفظين عنه، فنظرنا فوجدنا البخاري
قد(2/532)
أخرجه (7 / 38) من طرق أخرى منها يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة،
ويزيد هذا قال إبراهيم بن محمد بن عرعرة: لم يكن أحد أثبت منه وقال أحمد:
ما أتقنه وما أحفظه! يا لك من صحة حديث صدوق متقن، قال: وكل شيء رواه يزيد
بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة فلا تبال أن لا تسمعه من أحد سماعه منه قديم ".
قلت: فهذا يرجح أن المحفوظ عن سعيد إنما هو بلفظ " أحد "، لأنه حدث به سعيد
قبل اختلاطه. ولا يخدج في ذلك أنه تابعه عمران عن قتادة به، باللفظ الآخر.
أخرجه الطيالسي (2 / 139 / 2516) . لأن عمران هذا - وهو ابن داور أبو العوام
القطان في حفظه ضعف. ويشهد له حديث سهل بن سعد قال: " ارتج أحد وعليه النبي
صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
... "، فذكره بلفظ حديث أنس. أخرجه أحمد (5 / 331) بسند صحيح كما قال
الحافظ (7 / 30) وعزاه لأبي يعلى فقط!
4 - وأما حديث بريدة، فيرويه ابنه عبد الله عنه بلفظ: " كان جالسا على حراء
ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فتحرك الجبل، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ... "، فذكره.(2/533)
أخرجه أحمد (5 / 346) بسند صحيح أيضا كما قال
الحافظ، وتمام في " الفوائد " (132 / 1) .
5 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه سهيل عن أبيه عنه: " أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير،
فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اهدأ فما عليك إلا نبي
أو صديق أو شهيد ". أخرجه مسلم (7 / 128) والترمذي (4 / 319) وأحمد (2
/ 419) والخطيب (8 / 161) وقال الترمذي: " حديث صحيح ". وزاد مسلم في
رواية: " وسعد بن أبي وقاص ". وزاد أحمد وهي عند البخاري في " الأدب
المفرد " (337) والترمذي (2 / 309) وحسنه وأبي نعيم (9 / 42) : " وأن
رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال: نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم
الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس
بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح ".
وسنده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان (2217) ، وقال الحاكم (3 / 233
، 268، 246) : " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.(2/534)
876 - " أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن ".
أخرجه داود (2 / 389) وأحمد (6 / 446 و 448) والغطريف في " حديثه (رقم
89 - منسوختي) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 9) من طريق شعبة عن
القاسم بن أبي بزة عن عطاء الكيخاراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. واللفظ للغطريف، ولفظ الآخرين:
" ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، وصححه ابن حبان (1921) . وتابعه الحسن بن مسلم عن
خاله عطاء بن نافع به بلفظ الغطريف، وفي رواية بلفظ: " إن أفضل شيء في
الميزان يوم القيامة الخلق الحسن ". أخرجه أحمد (6 / 442) وسنده صحيح أيضا
. وتابعه قبيصة بن الليث عن مطرف عن عطاء به مثل لفظ الغطريف عند أبي داود
وأحمد وزاد: " وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ".
أخرجه الترمذي (3 / 146) وقال: " حديث غريب من هذا الوجه ".
قلت: وسنده جيد. وتابعه يعلى بن مملك عن أم الدرداء به أتم منه، ولفظه:
" من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من الخير وليس شيء أثقل ... ". الحديث.(2/535)
أخرجه أحمد (6 / 451) والخرائطي والترمذي (3 / 149) دون قوله " وليس ...
" وزاد: ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير ".
وقال: " حديث حسن صحيح ".
قلت: ابن مملك هذا لم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه غير ابن أبي مليكة،
ولذلك قال الحافظ: " مقبول " يعني عند المتابعة. ومن هذا الوجه أخرجه
البخاري في " الأدب المفرد " (464) والبيهقي في " السنن " (10 / 193) مثل
لفظ الترمذي وزاد: وقال: " أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن، إن الله
يبغض الفاحش البذي ". وهذه الزيادة أخرجها ابن حبان أيضا (1920) وكذا
الترمذي (1 / 145) ولفظه: " ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من
خلق حسن، فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذي ".
وقال أيضا: " حديث حسن صحيح ". وقد عرفت ما فيه لكن الشطر الأول منه قد صح
من الطريق الأول، وله شاهد من حديث عائشة مضى (518) . والشطر الآخر له
شاهدان أحدهما من حديث ابن عمرو بلفظ: " الفاحش المتفحش ".(2/536)
أخرجه أحمد (2 /
162 و 199) بسند قوي بما قبله وما بعده. والآخر من حديث أسامة بن زيد به.
أخرجه أحمد أيضا (5 / 202) بإسناد مقبول عند الحافظ، وصححه ابن حبان (1974
) وليس له في المسند سوى طريق واحد، خلافا لمن وهم. وله شاهد ثالث من حديث
ابن مسعود بلفظ: " ... الفاحش البذي ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "
(3 / 78 / 1) . وفيه سوار بن مصعب وهو ضعيف.
877 - " للعبد المملوك الصالح أجران ".
أخرجه البخاري (5 / 132) وفي " الأدب المفرد " (32) (5 / 94) ومسلم
(5 / 94) وأحمد (2 / 330) من طريق يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن
أبي هريرة مرفوعا به، وزاد: " والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في
سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك ".
لكن الزيادة المذكورة مدرجة في الحديث عند " الصحيحين " لأنه وقع عندهما بلفظ:
" والذي نفسي بيده ... ". والصواب أنه من قول أبي هريرة كما وقع في الرواية
الأولى وهي لأحمد و " الأدب " والمعنى يشهد لذلك لأن أم النبي صلى الله عليه
وسلم ماتت وهو صغير كما هو معلوم. وهذا مما يدل على أن ترجيح ما في
" الصحيحين " على ما كان عند غيرهما ليس على إطلاقه. فتأمل.(2/537)
878 - " إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين،
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه
إليه ".
أخرجه النسائي (1 / 174) وأحمد (1 / 437) والطبراني في " المعجم الكبير "
(3 / 55 / 1) من طريق شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق أنبأنا أبو الأحوص عن
عبد الله قال: " كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين غير أن نسبح ونكبر
ونحمد ربنا وإن محمدا صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وخواتمه، فقال:
فذكره.
قلت وهذا إسناد صحيح متصل على شرط مسلم. وتابعه إبراهيم بن يوسف بن أبي
إسحاق حدثني أبي عن أبي إسحاق أخبرني أبو الأحوص والأسود بن يزيد وعمرو بن
ميمون وأصحاب عبد الله أنهم سمعوه يقول: فذكره. أخرجه الطبراني: حدثنا عبد
الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الله الحضرمي قالا: أنبأنا عبد الله بن
محمد بن سالم القزاز أنبأنا إبراهيم.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير القزاز هذا، قال الحافظ
: " ثقة ربما خالف ". وفي الحديث فائدة هامة وهي مشروعية الدعاء في التشهد
الأول ولم أر من قال به من الأئمة غير ابن حزم والصواب معه وإن كان هو استدل
بمطلقات يمكن للمخالفين ردها بنصوص أخرى مقيدة، أما هذا الحديث فهو في نفسه نص
واضح مفسر لا يقبل التقييد، فرحم الله امرءا أنصف واتبع السنة.(2/538)
والحديث دليل من عشرات الأدلة على أن الكتب المذهبية قد فاتها غير قليل من هدي
خير البرية صلى الله عليه وسلم، فهل في ذلك ما يحمل المتعصبة على الاهتمام
بدراسة السنة والاستنارة بنورها؟ ! لعل وعسى.
879 - " الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة والشعير والزبيب والتمر ".
أخرجه الدارقطني (201) من طريق محمد بن عبد الله بن الحكم عن موسى بن طلحة عن
عمر بن الخطاب قال: " إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ... "
الخ. ومحمد بن عبيد الله هو العرزمي متروك لكن قد توبع. فأخرجه الدارقطني
أيضا والحاكم (1 / 401) من طريق عبد الرحمن ابن مهدي حدثنا سفيان عن عمرو بن
عثمان عن موسى بن طلحة قال: " عندنا كتاب معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطه.... " الخ. وقال الحاكم: " صحيح على
شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وتمام كلام الحاكم: " وموسى بن طلحة تابعي
كبير لم ينكر له أنه يدرك أيام معاذ رضي الله عنه ". قال الحافظ في " التلخيص
" (5 / 560) : " قلت: قد منع ذلك أبو زرعة، وقال ابن عبد البر: لم يلق
معاذا ولا أدركه.
قلت: لكن ذكر له الحاكم شاهدا بإسناد صحيح بلفظ:(2/539)
" لا تأخذوا الصدقة إلا من
هذه الأربعة ... " فذكرها. فالحديث صحيح لغيره. والله أعلم.
880 - " إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة
بلسانها ".
أخرجه أبو داود (2 / 314 - 315) والترمذي (2 / 139) وأحمد (2 / 165،
187) عن نافع بن عمر عن بشر بن عاصم بن سفيان عن أبيه عن عبد الله بن عمرو
مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن، غريب "، وفي الباب عن سعد.
قلت: وهو كما قال الترمذي: حسن، رجاله كلهم ثقات غير عاصم بن سفيان وهو
صدوق كما قال في " التقريب ". وحديث سعد الذي أشار إليه الترمذي مضى بلفظ:
" سيكون قوم يأكلون ". برقم (419) . وقد روي الحديث مرسلا، لكن الأصح
الموصول. قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 341) : " سألت أبي عن حديث
رواه وكيع عن نافع بن عمر الجمحي عن بشر بن عاصم عن أبيه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره. فقلت لأبي: أليس قد حدثتنا عن أبي الوليد وسعيد
بن سليمان عن نافع بن عمر عن بشر بن عاصم الثقفي عن أبيه عن عبد الله بن عمرو
عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، وقال: جميعا صحيحين، قصر وكيع "
. يعني أن وكيع أرسله، فقصر، وأن أبا الوليد وسعيد بن سليمان وصلاه بذكر
ابن عمرو فيه، وهو الأصح.(2/540)
881 - " أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة ".
علقه البخاري في صحيحه " كتاب الإيمان " فقال: " باب الدين يسر، وقول النبي
صلى الله عليه وسلم " فذكره وقد وصله هو في " الأدب المفرد " رقم (283)
وأحمد في المسند (رقم 2108) والضياء في " المختارة " (64 / 37 / 2)
كلهم من طريق يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن عكرمة عن
ابن عباس قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب إلى الله عز
وجل؟ قال: الحنيفية السمحة ". ورجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه
وقال الهيثمي في المجمع (1 / 50) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير "
" والأوسط " والبزار وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ولم يصرح بالسماع ". ومنه
تعلم أن قول الحافظ في " الفتح " (1 / 78) بعد أن عزاه لـ " الأدب المفرد "
و" المسند ": " وإسناده حسن " غير حسن وأنه قد غلا محقق المسند حين قال:
" إسناده صحيح "! ! ثم وجدت للحديث شواهد تقويه خرجتها في " تمام النعمة في
التعليق على فقه السنة " (ج 1 ص 1) .
882 - " أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا
القرآن؟ ! ألا وإني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل هذا
القرآن أو أكثر وإن الله عز وجل لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا
بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم، إذا أعطوكم الذي عليهم ".(2/541)
أخرجه أبو داود (2 / 45) وعنه ابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 149) عن
أشعث بن شعبة حدثنا أرطاة بن المنذر قال: سمعت حكيم بن عمير أبا الأحوص يحدث
عن العرباض بن سارية السلمي قال: " نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
خيبر ومعه من معه من أصحابه وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا، فأقبل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا
وتضربوا نساءنا؟ ! فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا ابن عوف اركب
فرسك ثم نادي: ألا إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وأن اجتمعوا للصلاة، قال:
فاجتمعوا، ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام فقال: " فذكره.
وهذا سند حسن إن شاء الله تعالى، أشعث بن شعبة، قال الذهبي: " قال أبو زرعة
وغيره لين، وقواه ابن حبان، روى عنه عبد الوهاب بن نجدة وأحمد بن السرح
وجماعة ".
قلت: وهذا الحديث رواه عنه محمد بن عيسى وهو ابن نجيح البغدادي وهو ثقة
فقيه. وأرطاة بن المنذر ثقة. وحكيم بن عمير، قال أبو حاتم: لا بأس به
وفي " التقريب ": صدوق يهم. وقد وردت هذه القصة عن خالد بن الوليد بنحوها
بلفظ: " يا أيها الناس ما بالكم أسرعتم....، وهو من حصة الكتاب الآخر
(3902) .(2/542)
883 - " كان يحمل ماء زمزم في الأداوى والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم ".
أخرجه الترمذي (1 / 180) وكذا البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 - 173
) والبيهقي (5 / 202) من طريق خلاد بن يزيد الحنفي عن زهير بن معاوية عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: " أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... " الحديث. والزيادة للبخاري وقال:
" لا يتابع عليه ". يعني الحنفي هذا، وهو ثقة كما قال ابن حبان، فإنه روى
عنه جماعة وقال: " ربما أخطأ " وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما
وهم ". ولذلك قال الترمذي عقبه: " حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه ".
وله شاهد من طريق أبي الزبير قال: " كنا عند جابر بن عبد الله، فتحدثنا،
فحضرت صلاة العصر فقام، فصلى بنا في ثوب واحد قد تلبب به ورداؤه موضوع، ثم
أتي بماء زمزم، فشرب، ثم شرب، فقالوا: ما هذا؟ قال: هذا ماء زمزم، قال
فيه رسول الله صلى لله عليه وسلم: " ماء زمزم لما شرب له " قال: ثم أرسل
النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة إلى سهيل بن عمرو: أن
أهد لنا من ماء زمزم، ولا يترك. قال: فبعث إليه بمزادتين ".(2/543)
قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات. واستهداؤه صلى الله عليه وسلم للماء
من سهيل له شاهد من حديث ابن عباس. أخرجه البيهقي.
884 - " اجتنب الغضب ".
أخرجه أحمد (5 / 408) : حدثنا سفيان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن
عوف عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. " أن رجلا قال للنبي صلى
الله عليه وسلم: أخبرني بكلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، قال: اجتنب
الغضب، ثم أعاد عليه، فقال " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين وجهالة الصحابي لا تضر كما هو
معلوم. والحديث عزاه السيوطي لابن أبي الدنيا في " كتاب ذم الغضب "، وابن
عساكر ففاته كونه في " المسند " كما فات ذلك المناوي ولم يتكلم على إسناده
بشيء!
885 - " اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا ".
أخرجه أحمد (3 / 394) عن ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة، فإنه سيء الحفظ وعنعنة أبي الزبير(2/544)
لكن الحديث حسن، فإن له شاهدا من حديث قتادة مرسلا، ذكره السيوطي في
" الجامع " من رواية ابن جرير عنه وفاته كونه مسندا في " المسند " عن جابر!
ولم يستدركه المناوي! بل الحديث صحيح، فإن الطرف الأول منه له شاهد من حديث
سهل بن أبي حثمة عند الطبراني ومن حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما بلفظ:
" اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله ... " وهو مخرج في " الإرواء "،
وراجع " صحيح الجامع الصغير " (143، 144) . وطرفه الآخر له شاهد من حديث
السيدة عائشة رضي الله عنها. أخرجه الشيخان وغيرهما وراجع له " صحيح الجامع
" (3521، 3522) .
886 - " اجتنبوا كل ما أسكر ".
أخرجه أحمد (1 / 145) والديلمي (1 / 1 / 40) معلقا من طريق علي بن زيد عن
ربيعة بن النابغة عن أبيه عن علي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
عن زيارة القبور وعن الأوعية وأن تحبس لحوم الأضاحي بعد ثلاث، ثم قال: إني
كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ونهيتكم عن الأوعية
، فاشربوا فيها واجتنبوا كل مسكر ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تحبسوها بعد
ثلاث، فاحبسوا ما بدا لكم ".
قلت: وهذا سند ضعيف، ربيعة بن النابغة وأبوه مجهولان. وعلي بن زيد وهو
ابن جدعان ضعيف. لكن الحديث له شاهد من حديث ابن عمرو قال:(2/545)
" ذكر رسول الله
صلى الله عليه وسلم الأوعية: الدباء والحنتم والمزفت والنقير، فقال أعرابي
: إنه لا ظروف لنا، فقال: اشربوا ما حل. (وفي رواية) اجتبوا ما أسكر ".
أخرجه أبو داود (2 / 132) من طريق شريك عن زياد بن فياض عن أبي عياض عنه.
قلت: وهذا سند ضعيف أيضا شريك هو ابن عبد الله سيء الحفظ.
فالحديث بمجموع الطريقين حسن. والله أعلم. ثم وجدت له شاهد آخر يرويه يزيد
بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " اشربوا فيما شئتم واجتنبوا
كل مسكر ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 164 - زوائده) وقال الهيثمي:
" هذا إسناد حسن "! ثم وجدت له شاهدا خيرا مما تقدم أخرجه النسائي في " زيارة
القبور " من طريق المغيرة بن سبيع حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا.
" إني كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي إلا ثلاثا ... " الحديث مثل حديث علي
وأتم منه. وسنده صحيح، وأصله عند مسلم، وقد خرجته في " الجنائز " (177
- 178) وروى أبو عبيد في " الغريب " (71 / 1) طرفه الأخير الذي عند النسائي.
887 - " اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا قدر ما يقضي المعتصر حاجته في مهل وقدر ما
يفرغ الآكل من طعامه في مهل ".
روي من حديث أبي بن كعب وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وسلمان الفارسي.(2/546)
1 - أما حديث أبي، فيرويه عبد الله بن الفضل عن عبد الله بن أبي الجوزاء عنه
به. أخرجه عبد الله بن أحمد في " زيادات المسند " (5 / 143) والضياء
المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (ق 141 / 2) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف عبد الله بن أبي الجوزاء لا يعرف وقد أغفلوه، فلم
يترجموه، نعم أورده في " الكنى " من " التعجيل " فقال: " عب - أبو الجوزاء عن
أبي بن كعب رضي الله عنه وعنه أبو الفضل مجهول، وقال الأزدي: متروك، قال
الحسيني في " الإكمال ": لعله عبد الله بن الفضل. قلت: هذا الترجي واقع،
وحديثه في الأمر بالفصل بين الأذان والإقامة. أخرجه عبد الله بن أحمد في
" زياداته " من طريق سلم بن قتيبة الباهلي عن مالك بن مغول عن أبي الفضل هكذا،
وأخرجه أيضا من رواية معارك بن عباد عن عبد الله بن الفضل عن عبد الله بن أبي
الجوزاء عن أبي، ولعبد الله بن الفضل ترجمة في " التهذيب " فإن كان عبد الله
يكنى أبا الفضل، فذلك وإلا فيحتمل أنها كانت " ابن الفضل " فتصحف.
قلت: ويؤيد التصحيف أنه في " المسند " المطبوع على الصواب: " ابن الفضل ".
2 - وأما حديث جابر، فيرويه عبد المنعم صاحب السقاء، قال: حدثنا يحيى بن
مسلم عن الحسن وعطاء عنه به. أخرجه الترمذي (1 / 373) والعقيلي في
" الضعفاء " (266) وابن عدي في " الكامل " وعنه البيهقي (1 / 428)
والخطيب في " تلخيص المتشابه " (26، 27) . وقال الترمذي: " لا نعرفه إلا
من هذا الوجه، من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول(2/547)
وعبد المنعم شيخ بصري ".
وقال العقيلي: " لا يتابع عليه (يعني عبد المنعم) وهو منكر الحديث، وقد
تابعه من هو دونه ". وكذلك قال البخاري في " التاريخ الصغير " (204) أنه
منكر الحديث. وقال البيهقي: " هكذا رواه جماعة عن عبد المنعم بن نعيم أبي
سعيد، قال البخاري: هو منكر الحديث، ويحيى بن مسلم البكاء الكوفي ضعفه يحيى
بن معين ". وكأن البيهقي يشير بقوله " هكذا.. " إلى أن الجماعة قد خولفوا
وهو كذلك، فقد أخرجه الحاكم (1 / 204) من طريق علي بن حماد ابن أبي طالب
حدثنا عبد المنعم بن نعيم الرياحي حدثنا عمرو بن فائد الأسواري حدثنا يحيى بن
مسلم به. فأدخل بين عبد المنعم ويحيى بن مسلم عمرو بن فائد، وقال: " ليس
في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد والباقون شيوخ البصرة وهذه سنة غريبة
لا أعرف لها إسنادا غير هذا ".
وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك ".
قلت: وفاتهما معا أن فيه عبد المنعم أيضا وهو ضعيف جدا كما يفيده قول
البخاري المتقدم: منكر الحديث. وقد قال الذهبي في " الضعفاء والمتروكين ":
" ضعفه الدارقطني وغيره ". ثم رأيت الحافظ العراقي في " تخريج الأحياء " (1
/ 157) قد تعقب الحاكم بنحو ما ذكرنا.(2/548)
3 - وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه أبو الشيخ في " الأذان " وعنه البيهقي من
طريق حمدان بن الهيثم بن خالد البغدادي حدثنا صبيح بن عمير السيرافي حدثنا
الحسن بن عبيد الله عن الحسن وعطاء كلاهما عن أبي هريرة، وقال البيهقي:
" إسناده ليس بالمعروف ".
قلت: يشير إلى أن صبيحا مجهول كما قال الحافظ في ترجمته من " اللسان " وذكر
تبعا لأصله أن الأزدي قال: " فيه لين ".
وحمدان بن الهيثم هو شيخ أبي الشيخ، ووثقه لكنه أتى بشيء منكر عن أحمد،
فراجع " الميزان ".
4 - وأما حديث سلمان، فرواه أبو الشيخ أيضا كما في " الجامع الصغير " ولم
يتكلم المناوي على إسناده ولا على إسناد الذي قبله بشيء ومع ذلك فقد ختم
الكلام على الحديث بقوله: " وبذلك كله يعلم ما في تحسين المؤلف له إلا أن
يريد أنه حسن لغيره ".
قلت: وهذا هو الذي أراه أنه حسن لأن طرقه - إلا الثالث منها ليس فيها ضعف
شديد. والله أعلم.
(تنبيه) : المعتصر هنا هو الذي يحتاج إلى الغائط ليتأهب للصلاة وهو من
(العصر) . أو (العصر) وهو الملجأ والمستخفى.
888 - " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله
له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن
أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ".(2/549)
أخرجه مالك (2 / 985 / 5) والترمذي (2 / 52) وابن ماجه (3969) وابن
حبان (1576) والحاكم (1 / 45 - 46) وأحمد (3 / 469) والحميدي (911)
وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10 / 279 و 286 طبع المجمع العلمي) من طرق عن
محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه (عن جده) عن بلال بن الحارث المزني أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح،
وهكذا رواه غير واحد عن محمد بن عمرو نحو هذا قالوا: عن محمد بن عمرو عن أبيه
عن جده عن بلال بن الحارث، وروى هذا الحديث مالك عن محمد بن عمرو عن أبيه عن
بلال بن الحارث لم يذكر فيه عن جده ".
قلت: وفيه وجوه أخرى من الاختلاف خرجها ابن عساكر، ثم قال: وهذه الأسانيد
كلها فيها خلل والصواب رواية محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده كذلك رواه
الثوري وابن عينيه و.. و.. و.. و.. ". ثم أخرج رواياتهم كلها مما يؤكد أن
هذه هي المحفوظة. ثم ساقه من طرق أخرى عن علقمة بن وقاص الليثي عن بلال به.
وعلقمة هذا ثقة ثبت، فصح الحديث. والحمد لله.
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه مختصرا، وقد مضى برقم (537) .
889 - " إن العين لتولع الرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا، ثم يتردى منه ".
أخرجه أحمد (5 / 146) حدثنا يونس بن محمد حدثنا ديلم عن وهب بن أبي دبي -
(كذا وفي الخلاصة: دنى بضم المهملة وبنون) - عن أبي حرب عن محجن عن
أبي ذر به مرفوعا.(2/550)
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون غير محجن هذا
أورده في " التعجيل " من هذا الإسناد وقال: " ذكره ابن حبان في " الثقات "
وفي " المجمع " (5 / 106) : " رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات ".
وعزاه في " الجامع " لأبي يعلى أيضا وقال الشارح: " ورواه عنه أيضا الحارث
بن أبي أسامة والديلمي وغيرهما ".
قلت: وللحديث شاهد بلفظ: " العين حق تستنزل الحالق " فهو به قوي وسيأتي
(1250) . ثم رأيت الحديث في " الكامل " لابن عدي، أخرجه من طريق أبي يعلى
بإسناده عن ديلم عن محجن به لم يذكر بينهما أبا حرب. ثم أخرجه ابن عدي من طريق
أخرى عن ديلم بن غزوان قال: حدثنا وهب بن أبي دبي عن أبي حرب عن أبي محجن به.
890 - " أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك ".
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " رقم (134) وعنه أحمد (5 / 259) وكذا
الترمذي (2 / 65) من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي
أمامة عن عقبة بن عامر الجهني قال: " قلت: يا رسول الله! ما النجاة؟
قال ... " فذكره. وقال: " حديث حسن ". وفيه إشارة إلى ضعف إسناده وهو من
قبل ابن زحر وابن يزيد وهو الألهاني(2/551)
فإنهما ضعيفان وإنما حسنه لمجيئه من طرق
أخرى، فقد أخرجه أحمد (4 / 148) من طريق معاذ بن رفاعة حدثني علي بن يزيد به
. ثم أخرجه (4 / 158) من طريق ابن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي عن
فروة ابن مجاهد اللخمي قال: " لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي:
" يا عقبة بن عامر! صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك ".
891 - " يا عقبة بن عامر! صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك ".
قال: ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عقبة بن عامر
أملك.. (الحديث) ، ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (يا
عقبة بن عامر! ألا أعلمك سورا ما أنزلت في التوراة ولا في الزبور ولا في
الإنجيل ولا في الفرقان مثلهن لا يأتين عليك ليلة إلا قرأتهن فيها؟ * (قل هو
الله أحد) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) *.
قال عقبة: فما أتت علي ليلة إلا قرأتهن فيها، وحق لي أن لا أدعهن وقد أمرني
بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان فروة بن مجاهد إذا حدث بهذا الحديث
يقول: ألا فرب من لا يملك لسانه أو لا يبكي على خطيئته ولا يسعه بيته ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون غير فروة ابن مجاهد وقد
ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جماعة وقال البخاري: كانوا لا يشكون
أنه من الأبدال. وأخرج الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 163 / 2) ومن
طريقه الضياء في(2/552)
جزء من " المختارة " (ق 89 / 1) من طريق ابن سمعان ورشدين
ابن سعد عن عقيل كلاهما عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن سعد عن عبد الرحمن بن
الحارث بن هشام عن أبيه أنه قال: " يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به، قال:
املك عليك هذا وأشار إلى لسانه ".
قلت: وهذا سند ضعيف، ابن سمعان اسمه عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان
المخزومي وهو متروك. ورشدين بن سعد ضعيف لكن الحديث صحيح بما قبله.
ثم وجدت شاهدا آخر، يرويه صدقة بن عبد الله عن عبد الله بن علي عن سليمان بن
حبيب عن أسود بن أصرم المحاربي قال: " قلت: يا رسول الله أوصني. قال: أملك
يدك. قال: فما أملك إذا لم أملك يدي؟ قال أملك لسانك. قال: قلت: فما أملك
إذا لم أملك لساني. قال: لا تبسط يدك إلا إلى خير ولا تقل بلسانك إلا معروفا
". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 179) . وصدقة بن عبد الله هو
أبو معاوية السمين ضعيف.(2/553)
892 - " من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار ".
أخرجه أبو داود (2 / 298) واللفظ له والبخاري في " الأدب المفرد " (188)
وعبد الله بن أحمد في الزهد (ص 216) وكذا الدارمي (2 / 314) وأبو يعلى
في " مسنده " (ق 98 / 2) وعنه ابن حبان (1979) وابن عساكر في " تاريخه "
(12 / 301 / 1) من طريق شريك عن الركين عن نعيم بن حنظلة عن عمار بن ياسر
مرفوعا. وقال العراقي (3 / 137) : " سنده حسن ".
قلت: وهو محتمل، فإن له شواهد منها: " من كان ذا لسانين جعل الله له يوم
القيامة لسانين من نار ". قال المنذري (4 / 31) : " رواه ابن أبي الدنيا في
كتاب " الصمت " والطبراني والأصبهاني وغيرهم عن أنس ". وقال الهيثمي (8 /
95) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه مقدام بن داود وهو ضعيف، ورواه
البزار بنحوه وأبو يعلى وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ".
قلت: ومن طريقه أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 39 / 2) ، وأخرجه أبو
يعلى في " مسنده " (2 / 738) عنه عن الحسن وقتادة عن أنس به.
وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق. والله أعلم. وأخرجه الخطيب (12
/ 103) من طريق أبي حفص العبدي عن ثابت عن أنس.(2/554)
وأبو حفص هو عمر بن حفص وهو
ضعيف. وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص وجندب بن عبد الله البجلي عند الطبراني
بإسنادين متروكين. وعن أبي هريرة عند ابن عساكر (15 / 276 / 1) بسند ضعيف.
893 - " لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار. وفي رواية: بجهنم ".
أخرجه أبو داود (4906) والترمذي (1 / 357) والحاكم (1 / 48) وأحمد (5
/ 15) عن هشام حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله
عليه وسلم بالرواية الأولى. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم
: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
وأقول: هو كما قالوا لولا عنعنة الحسن وهو البصري لكن لعل الحديث حسن
بالرواية الأخرى، فقد أخرجها البغوي في " شرح السنة " (3 / 448 نسخة المكتب)
من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن حميد بن هلال يرفع الحديث قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات.
894 - " أعينوا أخاكم. يعني سلمان في مكاتبته ".
هو جملة من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه يرويه عبد الله بن عباس قال:
حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال:(2/555)
" كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من
أهل قرية يقال لها (جي) وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه،
فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته، أي ملازم النار كما تحبس الجارية
وأجهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال
: وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني
إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما
يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها
وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم
وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون. قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم
ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فو الله ما
تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا
الدين؟ قالوا: بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي وشغلته عن
عمله كله، قال: فلما جئته قال: أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت
؟ قال: قلت: يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم،
فو الله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بني ليس في ذلك الدين خير،
دينك ودين آبائك وأجدادك خير منه، قال: قلت: كلا والله إنه خير من ديننا
، قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني بيته. قال: وبعثت إلى
النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم،
قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم، فقلت لهم
: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، فلما أرادوا
الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى
قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في
الكنيسة. قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك
أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك، قال: فادخل، فدخلت معه، قال:(2/556)
فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء
اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال:
وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه،
فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها
اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال:
قلت: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال:
فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فلما رأوها قالوا: والله لا
ندفنه أبدا، فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة. ثم جاؤا برجل آخر فجعلوه بمكانه قال
يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا
ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه، قال: فأحببته حبا لم أحبه
من قبله وأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك،
وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي
وما تأمرني؟ قال: أي بني! والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد
هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان،
فهو على ما كنت عليه فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت
له: يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره. قال
: فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن
مات فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق
بك، وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال:
أي بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان،
فالحق به. فلما مات وغيب، لحقت بصاحب نصيبين فجئته، فأخبرته بخبرى، وما
أمرني به صاحبي، قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه،
فأقمت مع خير رجل، فو الله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضر، قلت له: يا
فلان! إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي
بي وما تأمرني؟ قال: أي بني! والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن
تأتيه إلا رجلا بعمورية، فإنه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، قال: فإنه
على أمرنا. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري، فقال:
أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم. قال: واكتسبت حتى كان لي
بقرات وغنيمة، قال: ثم نزل به أمر الله، فلما حضر، قلت له: يا فلان إني
كنت مع فلان، فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي
فلان إليك، فإلى من توصي وما تأمرني؟(2/557)
قال: أي بني ما أعلم أصبح على ما كنا
عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين
إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرتين، بينهما نخل به علامات
لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت
أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثم مات وغيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله
أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب
وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم، فأعطيتموها وحملوني حتى إذا
قدموا بي وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجل من اليهود عبدا فكنت عنده ورأيت
النخل، ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينما
أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعني منه واحتملني
إلى المدينة، فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها.
وبعث الله رسوله، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر، مع ما أنا فيه من شغل
الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فو الله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض
العمل، وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال: فلان! قاتل الله
بني قيلة، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم،
يزعمون أنه نبي، قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني سأسقط على
سيدي، قال: ونزلت عن(2/558)
النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول ماذا تقول
؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا؟ ! أقبل على عملك
. قال: قلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبت عما قال. وقد كان عندي شيء قد
جمعته، فلما أمسيت أخذته، ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
بقباء، فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك
غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، قال:
فقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا، وأمسك يده
فلم يأكل، قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه، فجمعت شيئا،
وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم جئت به فقلت: إني رأيتك
لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه
وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، ثم
جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قال: وقد تبع جنازة من
أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى
ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه
وسلم استدرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال: فألقى رداءه عن ظهره،
فنظرت إلى الخاتم، فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم: تحول، فتحولت، فقصصت عليه حديثي - كما حدثتك يا ابن
عباس - قال: فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه.
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد، قال:
ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كاتب يا سلمان! فكاتبت صاحبي على
ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير، بأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " أعينوا أخاكم " فأعانوني بالنخل، الرجل بثلاثين ودية والرجل
بعشرين(2/559)
والرجل بخمس عشرة والرجل بعشر. يعني الرجل بقدر ما عنده - حتى اجتمعت
لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب يا سلمان ففقر
لها، فإذا فرغت فأتني أكون أنا أضعها بيدي، ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى
إذا فرغت منها جئته، فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها،
فجعلنا نقرب له الودي، ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فوالذي نفس
سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل وبقي على المال، فأتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال: ما
فعل الفارسي المكاتب؟ . قال: فدعيت له، فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك يا
سلمان! فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: خذها، فإن الله
عزوجل سيؤدي بها عنك، قال: فأخذتها فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده -
أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخندق ثم لم يفتني معه مشهد ".
أخرجه أحمد (5 / 441 - 444) وابن سعد في " الطبقات " (4 / 53 - 57 من طريق
ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبد الله
بن عباس.
قلت: وهذا إسناد حسن وأورده الهيثمي في " المجمع " (9 / 332 - 336) فقال:
رواه أحمد كله والطبراني في الكبير بنحوه ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن
إسحاق وقد صرح بالسماع ".
قلت: وروى قطعة منه الحاكم (2 / 16) من هذا الوجه وقال: " صحيح على شرط
مسلم "، ووافقه الذهبي. كذا قال! وفي رواية لأحمد (5 / 444) عن ابن
إسحاق أيضا حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن رجل من بني عبد القيس عن سلمان الخير قال(2/560)
" لما قلت: وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله؟ أخذها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ثم قال: خذها فأوفهم منها ".
895 - " أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي ".
رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " (ق 115 / 1) وأبو الحسن السكري الحربي
في " الثاني " من " الفوائد " (160 / 2) وأبو القاسم ابن الجراح الوزير في
" السابع من الثاني من الأمالي " (13 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان "
(2 / 96) عن عبد المجيد بن أبي رواد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر
مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه ابن عدي (253 / 2) وقال: " حديث غير محفوظ،
على أن ابن أبي رواد يتثبت في حديث ابن جريج ".
قلت: ابن جريج وأبو الزبير مدلسان وقد عنعنا، وعبد المجيد ابن أبي رواد
هو ابن عبد العزيز بن أبي رواد، قال الحافظ: " صدوق يخطىء " فقول الحافظ
العراقي في " التخريج " (2 / 326) " إسناده حسن " غير حسن، وقال المنذري في
" الترغيب " (3 / 121) : " رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ في
" كتاب الثواب " كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي رواد وقد وثق ولكن في
الحديث نكارة ". وقد وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة. رواه أبو نعيم في
" أخبار أصبهان " (2 / 81) عن مقدام بن داود المصري حدثنا النضر بن عبد
الجبار حدثنا ابن لهيعة عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا.(2/561)
قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضا، ابن لهيعة سيء الحفظ والمقدام قال الذهبي في "
الضعفاء ": " صويلح، قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه، قال ابن القطان: قال
الدارقطني ضعيف ".
قلت: ويشهد له أيضا حديث: " اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم
فيه " وقد مضى تخريجه (664) .
فالحديث بمجموع ذلك حسن إن شاء الله تعالى. وقد عزاه السيوطي لابن حبان في
" صحيحه "، ولم أره في " الموارد ". والله أعلم.
896 - " اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لدينه وعرضه
ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2551 - موارد) والديلمي (1 / 1 / 13) عن عبد
الله بن عياش القتباني عن ابن عجلان عن الحارث بن يزيد العكلي عن عامر الشعبي
قال: سمعت النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم،
يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون وفي ابن عياش وابن عجلان
كلام لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى.
والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن حبان والطبراني في
" الكبير " بزيادة: " يوشك أن يقع فيه وإن لكل ملك حمى وإن حمى الله في
الأرض محارمه ". وقال المناوي في شرحه:(2/562)
" لم يرمز المصنف له بشيء، وسها من
زعم أنه رمز لحسنه. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني المقدام
بن داود وقد وثق على ضعف فيه ".
قلت: إسناد ابن حبان خلو من المقدام هذا، نعم ليس عنده الزيادة ولكن معناها
ثابت في " الصحيحين " وغيرهما وقد وجدت لها طريقا أخرى بلفظ قريب منه وهو:
" حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك، من ترك ما اشتبه عليه من الإثم، كان
لما استبان له أترك ومن اجترأ على ما شك فيه أوشك أن يواقع الحرام، وإن لكل
ملك حمى وإن حمى الله في الأرض معاصيه أو قال: محارمه ". أخرجه أحمد (4 /
271) : حدثنا سفيان قال: حفظته من أبي فروة أولا، ثم عن مجالد: سمعته من
الشعبي يقول: سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأبو فروة اسمه مسلم ابن سالم
النهدي الكوفي. وقد روى عنه جماعة منهم السفيانان وسفيان هنا هو ابن عينية
وقد رواه عنه الثوري أيضا، فقال أحمد (4 / 275) حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن
أبي فروة عن الشعبي به دون قوله: " وإن لكل ملك حمى ... ".
لكن مؤمل وهو ابن إسماعيل سيء الحفظ، فلا يضر الزيادة أن لا يحفظها مثله وقد
حفظها الثقات.
897 - " اجعلوا بينكم وبين النار حجابا ولو بشق تمرة ".
رواه الطبراني في " الكبير " من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا. قال الهيثمي
في " المجمع " (3 / 106) : " وفيه ابن لهيعة وفيه كلام ".(2/563)
قلت: لكن يشهد له الحديث الذي ذكره قبله وهو عن عبد الله بن مخمر - بخاء
معجمة، وفي الأصل: مجمر بجيم وهو تصحيف - من أهل اليمن يرويه عبد الله بن
عبد الرحمن أنه سمعه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعائشة:
" احتجبي من النار ولو بشق تمرة ". رواه الطبراني أيضا. قال الهيثمي:
" وفيه سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف لاختلاطه ".
قلت: لا أعرف في الرواة سعيد بن أبي مريم، نعم فيهم سعيد بن الحكم بن محمد بن
سالم ابن أبي مريم المصري ولكنه لم يوصف بالاختلاط بل هو ثقة ثبت، فالله أعلم
. ثم إن الحديث أورده الحافظ في ترجمة عبد الله بن مخمر هذا عن يحيى بن أيوب
الغافقي عن عبد الله بن قرط - وقيل قريط - أنه سمع عبد الله بن مخمر به.
أخرجه ابن أبي حاتم في " الوحدان " وابن منده وأبو نعيم وغيرهم.
فأنت ترى أن الراوي عندهم عبد الله بن قرط وعند الطبراني عبد الله بن عبد
الرحمن، فهل هذا اختلاف في الراوي أم اختلاف نشأ من الناسخ. والله أعلم.
وعلى كل حال، فلحديث عائشة طرق أخرى، فقد روى كثير بن زيد عن المطلب بن عبد
الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: " يا عائشة استتري من
النار ولو بشق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان ".(2/564)
أخرجه أحمد (
6 / 79) بإسناد حسن كما قال المنذري في " الترغيب " (2 / 22) وتبعه الحافظ
في " الفتح " (3 / 221) لولا أن فيه عنعنة المطلب هذا فإنه كثير التدليس كما
قال في " التقريب " على أنهم اختلفوا في ثبوت سماعه من عائشة، فنفاه أبو حاتم
، وقال أبو زرعة: نرجو أن يكون سمع منها.
وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات.
898 - " أجملوا في طلب الدنيا، فإن كلا ميسر لما خلق له ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 3) وابن أبي عاصم في " السنة " (ق 34 / 2) والحاكم
(2 / 3) والبيهقي (5 / 264) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 265) من
طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري عن أبي حميد
الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن عبد الملك هذا لم يخرج له البخاري
شيئا.
899 - " إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء ".
أخرجه الترمذي (2 / 273 - تحفة) : أخبرنا أبو كريب حدثنا إسحاق بن سليمان عن
مغيرة بن مسلم عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره، وقال:(2/565)
" هذا حديث غريب وقد روى بعضهم هذا الحديث عن يونس
عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ".
قلت: وصله الحاكم (2 / 56) من طريق إسحاق بن أحمد الخزاز - بالري - حدثنا
إسحاق بن سليمان الرازي حدثنا المغيرة بن مسلم عن يونس بن عبيد عن سعيد المقبري
به، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا لولا أني لم أعرف الخزاز هذا لكنه لم يتفرد به، فقد قال
المناوي في " الفيض ": " وقال الترمذي في " العلل ": سألت عنه محمدا، يعني
البخاري؟ فقال: هو حديث خطأ، رواه بن علية عن يونس عن سعيد المقبري عن أبي
هريرة، قال: وكنت أفرح به حتى رواه بعضهم عن يونس عمن حدثه عن سعيد عن أبي
هريرة رضي الله عنه. كذا قال ".
قلت: هذا البعض عندي مجهول، فلا تضر مخالفته لرواية ابن علية الموافقة لرواية
المغيرة بن مسلم من رواية الخزاز عنه واتفاقهما على هذه الرواية يجعلها تترجح
على رواية أبي كريب عن إسحاق بن سليمان عن المغيرة عن يونس عن الحسن عن أبي
هريرة. وإلا فالحسن عن أبي هريرة في حكم المنقطع، بخلاف سعيد المقبري عن أبي
هريرة، فهو متصل وعلى هذا فالحديث صحيح الإسناد، والله أعلم.
وقد رواه البيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أحب الله تعالى
عبدا سمحا إذا باع وسمحا إذا اشترى وسمحا إذا قضى وسمحا إذا اقتضى ". لكنه
ضعيف الإسناد جدا، فإن فيه عدة علل، أهمها الواقدي، فإنه متهم بالكذب
وبقية العلل راجعها إن شئت في " فيض القدير ".(2/566)
900 - " لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم ".
أخرجه أبو داود (4379) والترمذي (1 / 274) من طريق محمد بن يوسف الفريابي
عن إسرائيل حدثنا سماك بن حرب عن علقمة بن وائل الكندي عن أبيه. أن امرأة
خرجت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة، فتلقاها رجل،
فتجللها، فقضى حاجته منها، فصاحت، فانطلق، ومر عليها رجل فقالت: إن ذاك
الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها
وأتوها، فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما
أمر به ليرجم، قام صاحبها الذي وقع عليها، فقال: يا رسول الله أنا صاحبها،
فقال لها: اذهبي فقد غفر الله لك، وقال للرجل قولا حسنا، وقال للرجل الذي
وقع عليها: ارجموه، وقال، فذكره.
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح وعلقمة بن وائل سمع من أبيه ".
قلت: ورجاله ثقات كلهم رجال مسلم وفي سماك كلام لا يضر وهو حسن الحديث في
غير روايته عن عكرمة، ففيها ضعف غير أن الفريابي قد خولف في بعض سياقه، فقال
الإمام أحمد (6 / 379) : حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير قال: حدثنا
إسرائيل به بلفظ: " خرجت امرأة إلى الصلاة، فلقيها رجل فتجللها بثيابه فقضى
حاجته منها وذهب وانتهى إليها رجل، فقالت له: إن الرجل فعل بي كذا وكذا،
فذهب الرجل في طلبه فانتهى إليها قوم من الأنصار، فوقفوا عليها، فقالت لهم:
إن رجلا فعل بي كذا وكذا، فذهبوا في طلبه، فجاؤا بالرجل الذي ذهب في طلب
الرجل الذي وقع عليها! فذهبوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: هو
هذا، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه، قال الذي وقع(2/567)
عليها: يا رسول
الله أنا هو، فقال للمرأة: اذهبي فقد غفر الله لك، وقال للرجل قولا حسنا،
فقيل: يا نبي الله ألا ترجمه؟ فقال: فذكره. فقد صرح ابن الزبير بأن الحد لم
يقم على المعترف وهو الصواب، فقد رواه أسباط بن نصر عن سماك به مثله ولفظه:
" أن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد، فاستغاثت برجل
مر عليها وفر صاحبها، ثم مر عليها قوم ذو عدة فاستغاثت بهم، فأدركها الذي
استغاثت به وسبقهما الآخر فذهب، فجاؤوا به يقودونه إليها، فقال: إنما أنا
الذي أغثتك وقد ذهب الآخر، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر
أنه وقع عليها وأخبره القوم أنهم أدركوه يشتد، فقال إنما كنت أغيثها على
صاحبها، فأدركوني هؤلاء فأخذوني، قالت: كذب هو الذي وقع علي، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه، قال: فقام رجل من الناس، فقال
: لا ترجموه وارجموني أنا الذي فعلت الفعل، فاعترف، فاجتمع ثلاثة عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم، الذي وقع عليها والذي أجابها والمرأة، فقال: أما
أنت فقد غفر الله لك وقال للذي أجابها قولا حسنا. فقال عمر رضي الله عنه:
ارجم الذي اعترف بالزنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا لأنه قد تاب
إلى الله - أحسبه قال - توبة لو تابها أهل المدينة أو أهل يثرب لقبل منهم،
فأرسلهم ". وأسباط بن نصر وإن كان فيه كلام من قبل حفظه فقد احتج به مسلم،
وقال فيه البخاري: صدوق، وضعفه آخرون فهو لا بأس به في الشواهد والمتابعات
، فروايته ترجح رواية ابن الزبير على رواية الفريابي عن سماك. والله أعلم.
وقد أخرج البيهقي هذه الرواية عن أسباط (8 / 285) ، ثم ذكر رواية إسرائيل(2/568)
معلقا وأحال في لفظها على رواية أسباط، ولم يعلها، فأشار بذلك إلى صحتها.
والله أعلم.
قلت: وفي هذا الحديث فائدة هامة، وهي أن الحد يسقط عمن تاب توبة صحيحة
وإليه ذهب ابن القيم في بحث له في " الإعلام " فراجعه (30 / 17 - 20 مطبعة
السعادة ".
901 - " ما أحب أنى حكيت أحدا وأن لي كذا وكذا ".
رواه ابن المبارك في " الزهد " (189 / 5 من الكواكب 575) رقم 742 ط حدثنا
سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي حذيفة - رجل من أصحاب عبد الله - عن عائشة
قالت: ذهبت أحكي امرأة ورجلا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وزاد في آخره: " أعظم ذلك ".
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 /
278) من طريق الترمذي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان ومسعر به. وقال الترمذي (
2 / 82) : " حديث حسن صحيح ".
902 - " مقام أحدكم في سبيل الله خير من صلاة ستين عاما خاليا، ألا تحبون أن يغفر
الله لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق
ناقة وجبت له الجنة ".(2/569)
رواه الترمذي (3 / 14) والحاكم (2 / 68) والبيهقي (9 / 160) وأحمد (2
/ 524) ومن طريقه عبد الغني المقدسي في " السنة " (249 / 2) عن هشام بن سعد
عن سعيد بن أبي هلال عن ابن أبي ذباب عن أبي هريرة. أن رجلا من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم مر بشعب فيه عينة ماء عذب، وأعجبه طيبه، فقال لو
أقمت في هذا الشعب واعتزلت الناس، ولا أفعل حتى استأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تفعل فإن مقام ...
! " الحديث. وقال المقدسي: " هذا إسناد صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على
شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
قلت: وهشام بن سعد، فيه كلام من قبل حفظه، فهو حسن الحديث، ولكنه ليس على
شرط مسلم، لأنه إنما أخرج له في الشواهد كما قال الحاكم نفسه، ونقل هذا
القول ذاته في " الميزان " عنه! وكأنه لذلك قال الترمذي. " حديث حسن ".
لكن الحديث صحيح لغيره، فإن له شاهدا من حديث أبي أمامة قال: " خرجنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ... " الحديث نحوه دون قوله: " ألا تحبون ... ".
أخرجه أحمد (5 / 266) بسند ضعيف. وطرفه الأول منه أعني: " مقام أحدكم.."
. أخرجه الدارمي (2 / 202) وعنه الحاكم (2 / 68) وكذا ابن عساكر في "
الأربعين في الجهاد " (رقم الحديث 13 - نسختي) والبيهقي (9 / 161) من طريق
عبد الله بن صالح حدثني يحيى بن أيوب عن هشام عن الحسن عن عمران بن حصين أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم:(2/570)
" صحيح على شرط
البخاري " ووافقه الذهبي! وقال ابن عساكر. " هذا حديث حسن ".
قلت: الحسن في سماعه من عمران خلاف، ثم هو مدلس وقد عنعنه، وعبد الله بن
صالح، وإن كان من شيوخ البخاري ففيه ضعف من قبل حفظه. وقوله " من قاتل ...
". أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من حديث معاذ وصححه ابن حبان والحاكم وبعض
طرقه صحيحة، وقد خرجته في التعليق على " الترغيب " (2 / 169) .
ثم وجدت لابن صالح متابعا، أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 30) والخطيب في
" التاريخ " (10 / 295) من طريق يحيى بن سليم قال حدثنا إسماعيل بن عبيد الله
بن سلمان المكي قال: حدثنا الحسن به.
903 - " لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء، ثم تبتم لتاب عليكم ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 561 - 562) : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب المديني حدثنا
أبو معاوية: حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير يعقوب ابن حميد وهو صدوق
ربما وهم كما في " التقريب ". وفي " الزوائد ":(2/571)
" هذا إسناد حسن، ويعقوب
بن حميد مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات ". وقال المنذري (4 / 73) :
" وإسناده جيد ". وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 12) " حسن ".
وله شاهد بنحوه من حديث أنس فراجع ما يأتي " والذي نفسي بيده " برقم (1951) .
904 - " أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن والحارث ".
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 8 / 2) من طريق أبي يعلى وهذا في " مسنده "
(2 / 739) عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أنس مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف " الحسن هو البصري وقد عنعنه وإسماعيل بن مسلم هو
وأبو إسحاق المكي ضعيف الحديث كما في " التقريب، وبه أعله الهيثمي في " المجمع
" (8 / 49) . ولكن للحديث شاهد قوي يرويه به الحجاج بن أرطاة عن عمير بن
سعيد عن سبرة بن أبي سبرة عن أبيه: " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، قال
: ما ولدك؟ قال: فلان، وفلان، وعبد العزى فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم هو عبد الرحمن، إن أحق أسمائكم أو من خير أسمائكم إن سميتم عبد الله،
وعبد الرحمن، والحارث ". ومن هذا الوجه أخرجه ابن منده كما في " الإصابة "
(2 / 392) .
قلت: وهذا سند ضعيف، من أجل الحجاج، فإنه مدلس، وقد عنعنه. وسبرة بن
أبي سبرة، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 296) ، ولم
يذكر فيه جرحا ولا(2/572)
تعديلا، لكن أوردوه في " الصحابة " وذكره ابن حجر في "
القسم الأول " من " الإصابة "، وساق له هذا الحديث من رواية أبي أحمد الحاكم
عن الحجاج به. وقد تابعه أخوه عبد الرحمن نحوه، رواه أبو إسحاق عن خيثمة بن
عبد الرحمن بن (أبي) سبرة: " أن أباه عبد الرحمن ذهب مع جده إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال له: ما اسم ابنك؟ قال: عزيز، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: لا تسمه عزيزا، ولكن سمه عبد الرحمن، ثم قال: " فذكره.
أخرجه أحمد (4 / 178) وابن حبان (1945) مختصرا، وكذا الحاكم (4 / 276)
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: لكن ظاهره الإرسال، وقد وصله أحمد في رواية له من هذا الوجه عن خيثمة
بن عبد الرحمن عن أبيه به نحوه.
قلت: فهذا موصول، وكذلك رواه الطبراني، قال الهيثمي (8 / 50) :
" ورجاله رجال الصحيح ". وللحديث شاهد مرسل قوي بلفظ: " خير الأسماء عبد
الله، وعبد الرحمن، ونحو هذا، وأصدق الأسماء الحارث وهمام، حارث لدنياه
ولدينه، وهمام بهما، وشر الأسماء حرب ومرة ". رواه ابن وهب في " الجامع
" (ص 7) : أخبرني ابن لهيعة عن جعفر ابن ربيعة عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله
بن عامر اليحصبي مرفوعا.
قلت: وهذا سند مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات، واليحصبي كنيته أبو عمران
الدمشقي المقري.(2/573)
وقد تابعه عبد الوهاب بن بخت، فقال ابن وهب: أخبرني داود
بن قيس عنه به دون قوله " ونحو هذا ". وإسناده مرسل صحيح أيضا، لكن ابن بخت
كان قد سكن الشام، فمن الجائز أن يكون تلقاه عن اليحصبي، فلا يتقوى أحدهما
بالآخر، كما هو ظاهر.
905 - " احبسوا صبيانكم حتى تذهب فوعة العشاء، فإنها ساعة تخترق فيها الشياطين ".
أخرجه الحاكم (4 / 284) من طريق حماد بن سلمة قال: أنبأنا حبيب المعلم عن
عطاء عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". وأقره الذهبي.
قلت: وهو كما قالا. وله عند أحمد طريق أخرى مختصرا فقال (3 / 360) :
حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن بعض أهله عن أبيه عن طلق بن حبيب عن جابر مرفوعا بلفظ
: " اتقوا فورة العشاء. كأنه لما يخاف من الاحتضار ". ورجاله ثقات رجال مسلم
غير البعض المشار إليه فهو مجهول.
906 - " أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور
يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي
مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، (يعني مسجد المدينة) شهرا
ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله
قلبه(2/574)
رجاء يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه
يوم تزول الأقدام (وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 209 / 2) وابن عساكر في " التاريخ
" (18 / 1 / 2) عن عبد الرحمن بن قيس الضبي أنبأنا سكين ابن أبي سراج أنبأنا
عمرو بن دينار عن ابن عمر: " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. وليس فيه الجملة التي بين
المعكوفتين وليس عند ابن عساكر قوله: " ولأن أمشي ... " الخ.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا سكين هذا اتهمه ابن حبان، فقال: " يروي الموضوعات
". وقال البخاري: " منكر الحديث ". وعبد الرحمن بن قيس الضبي مثله أو شر
منه، قال الحافظ في " التقريب ": " متروك، كذبه أبو زرعة وغيره ".
لكن قد جاء بإسناد خير من هذا، فرواه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (ص
80 رقم 36) وأبو إسحاق المزكي في " الفوائد المنتخبة " (1 / 147 / 2) -
ببعضه - وابن عساكر (11 / 444 / 1) من طرق عن بكر بن خنيس عن عبد الله بن
دينار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (كذا قال ابن أبي الدنيا، وقال
الآخران: عن عبد الله بن عمر - قال: قيل يا رسول الله من أحب الناس إلى الله
... " وفيه الزيادة.
قلت: وهذا إسناد حسن، فإن بكر بن خنيس صدوق له أغلاط كما قال الحافظ.
وعبد الله بن دينار ثقة من رجال الشيخين.(2/575)
فثبت الحديث. والحمد لله تعالى.
907 - " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصولن عليهم، وشرار
أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله
أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم
شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة ".
أخرجه مسلم (6 / 24) والدارمي (2 / 324) وأحمد (6 / 24، 28) من حديث
عوف بن مالك.
908 - " كان يحتجم على الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى
وعشرين ".
أخرجه الترمذي (2 / 5) والحاكم (4 / 210) من طريق همام وجرير بن حازم
قالا: حدثنا قتادة عن أنس مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين
". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وله شاهد من حديث ابن عباس بلفظ: " كان يحتجم لسبع عشرة ... ". أخرجه الحاكم
(4 / 409) من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا به. وقال:
" صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: لا ".(2/576)
وهذا هو الصواب لأن عبادا هذا فيه ضعف لتغيره وتدليسه وقد سبق تفصيل ذلك بما
لا تجده في مكان آخر تحت الحديث (633) .
لكن لحديثه هذا شاهد من قوله صلى الله عليه وسلم، وقد مضى برقم (622) .
909 - " احتج آدم وموسى، فحج آدم موسى ".
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (4 / 349) عن أبي بكر أحمد بن القاسم
الأنماطي المعروف بـ (بلبل) : حدثنا عبد الله بن سوار أبو السوار أخبرنا حماد
بن سلمة عن حميد عن الحسن عن أنس عن جندب أو غيره عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره. أورده الخطيب في ترجمة الأنماطي هذا ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا لكن يبدو من التخريج الآتي عن الهيثمي أنه لم يتفرد به ومن فوقه
كلهم ثقات غير أن الحسن مدلس وقد عنعنه. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع
" (7 / 191 بأتم منه عن جندب ابن عبد الله وغيره أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: " احتج آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده ... "
الحديث وقال: " رواه أبو يعلى وأحمد بنحوه والطبراني ورجالهم رجال الصحيح
". قلت: أخرجه أحمد (2 / 464) وأبو يعلى (1 / 422) وابن أبي عاصم في
" السنة " (143) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 83 / 2) من طرق أخرى
عن حماد بن سلمة به إلا أنه قال: عن الحسن عن جندب ولم يذكر أنسا بينهما،
ولفظه: " لقي آدم موسى صلى الله عليهما، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله
بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته، ثم فعلت ما فعلت وأخرجت ذريتك من الجنة
؟(2/577)
قال آدم عليه السلام: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك وقربك نجيا
. قال: نعم، قال: فأنا أقدم أم الذكر؟ قال: بل الذكر، قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ".
وأخرجه أحمد والطبراني من طريقين عن حماد عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وإسناده صحيح، وإسناد الأول
معلول بالانقطاع كما سبق.
(تنبيه) أورد الحديث السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 23 / 1) وفي
" زيادته على الجامع الصغير " (ق 8 / 1) باللفظ المذكور أعلاه من رواية
الخطيب عن أنس. وإنما هو عنده من روايته عنه عن جندب كما تقدم وذكر أنس في
السند شاذ كما تدل عليه الطرق السابقة عند أحمد والطبراني وغيرهما. ثم إن
الحديث في " الصحيحين " و " المسند " (2 / 248، 264، 268، 287، 314، 392
، 398، 448) وغيرها من طرق عن أبي هريرة به نحوه بتمامه.
910 - " احذروا الدنيا، فإنها خضرة حلوة ".
أخرجه الإمام أحمد في " الزهد " (ص 11) : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا سفيان بن
سعيد عن الزبير بن عدي عن مصعب بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح لولا أنه مرسل لكن له شاهد موصول بلفظ:
" إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون،
فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ".
911 - " إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون،
فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ".
أخرجه أحمد في " المسند " (3 / 22)(2/578)
من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم.
912 - " إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب ".
ورد من حديث المقداد بن الأسود وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعبادة بن
الصامت.
1 - أما حديث المقداد، فله عنه طرق: الأولى: عن همام بن الحارث.
" أن رجلا جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد، فجثا على ركبتيه وكان رجلا ضخما،
فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال " فذكره. أخرجه مسلم (8 / 228) وأبو داود (2 / 290
) وأحمد (6 / 5) من طريق إبراهيم عنه.
الثانية: عن مجاهد عن أبي معمر قال: " قام رجل يثني على أمير من الأمراء ...
" الحديث نحوه.(2/579)
أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " (339) والترمذي (
3 / 284) وابن ماجه (2 / 407) وأحمد أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عنه.
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وتابعه ابن أبي نجيح عن مجاهد: " أن سعيد بن العاص بعث وفدا من العراق
إلى عثمان، فجاؤوا يثنون عليه، فجعل المقداد يحثو في وجوههم التراب، وقال "
فذكره نحوه. وفي لفظ: " فقام المقداد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: احثوا في وجوه المداحين التراب. فقال الزبير: أما المقداد فقد
قضى ما عليه ". أخرجه أحمد، ورجاله ثقات لكنه منقطع، فإن مجاهدا لم يسمع من
عثمان بن عفان وقد مات سنة (35) والمقداد، فقد مات قبله بسنتين، فبينهما
أبو معمر كما في رواية حبيب المتقدمة عنه مع أن حبيبا كان مدلسا وقد عنعنه.
الثالثة: عن عبد الله البهي. " أن ركبا وقفوا على عثمان بن عفان فمدحوه
وأثنوا عليه، وثم المقداد بن الأسود، فأخذ قبضة من الأرض.. ". الحديث
نحوه. أخرجه أحمد ورجال إسناده ثقات، فهو صحيح إن كان البهي أدرك القصة
وذلك مما لا أعتقده.
الرابعة: عن ميمون بن شبيب قال: " جاء رجل يثني على عامل لعثمان عند المقداد
، فحثا في وجهه التراب.. ". الحديث. أخرجه أحمد وأبو نعيم في " الحلية "
(4 / 377) .(2/580)
وسنده صحيح إن كان ميمون أدرك القصة ولا أظن ذلك.
2 - وأما حديث ابن عمر، فله عنه طرق أيضا.
الأولى: عن عطاء بن أبي رباح. " أن رجلا كان يمدح رجلا عند ابن عمر، فجعل
ابن عمر يحثو التراب نحو فيه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "
. فذكره بلفظ الترجمة. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (340) والخطيب في
" التاريخ " (11 / 107) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري في " صحيحه ".
الثانية: عن زيد بن أسلم قال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره بلفظ: " احثوا في وجوه المداحين التراب ". أخرجه ابن
حبان (2008) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 127) والخطيب (7 / 338)
وابن عساكر في " تاريخه " (17 / 448 / 1) من طرق عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح غاية.
الثالثة: عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: مدحك أخاك في وجهه كإمرارك على
حلقه موسى رهيصا - أي شديدا - قال: " ومدح رجل ابن عمر رضي الله عنه في وجهه
، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره باللفظ الآنف الذكر) ، ثم
أخذ ابن عمر التراب فرمى به في وجه المادح، وقال: هذا في وجهك (ثلاث مرات)
". أخرجه أبو نعيم (6 / 99) من طريق بقية بن الوليد حدثني ثور عن عبد الرحمن
بن جبير بن نفير ... وقال:(2/581)
" غريب من حديث ثور لم نكتبه إلا من حديث بقية ".
قلت: وهو ثقة، وقد صرح بالتحديث، فالسند جيد.
3 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه سالم الخياط عن الحسن عنه نحوه.
أخرجه الترمذي (3 / 285) وقال: " حديث غريب من حديث أبي هريرة ".
قلت: وسنده ضعيف، الحسن هو البصري وهو مدلس وقد عنعنه. وسالم هو ابن عبد
الله البصري، صدوق سيء الحفظ.
4 - وأما حديث عبادة، فعزاه في " الجامع " لابن عساكر.
913 - " دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، قلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان،
كذلكم البر كذلكم البر (وكان أبر الناس بأمه) ".
رواه ابن وهب في " الجامع " (22) سمعت سفيان يحدث عن ابن شهاب عن عمرة ابنة
عبد الرحمن عن عائشة مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه الحاكم (3 / 208) من طريق
أخرى عن سفيان به وصححه كما ذكرنا ووافقه الذهبي. ثم رواه ابن وهب (ص 20)
من طريق موسى بن زيد عن ابن شهاب به إلا أنه أرسله فلم يذكر عائشة وزاد:(2/582)
و" كان حارثة أبر هذه الأمة بأمه ". وقد وصله معمر أيضا عن الزهري عن عمرة
عن عائشة به، وفيه الزيادة بلفظ: " وكان أبر الناس بأمه ". أخرجه أحمد (6
/ 151 - 152) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 420 - نسخة المكتب) وابن
النجار في " ذيل التاريخ " (10 / 134 / 2) من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر به
. وفي رواية عبد الرزاق: " نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارىء يقرأ
... " الحديث مثله. أخرجه أحمد (166 - 167) وأبو نعيم في " الحلية " (1 /
6 / 356) وقال: " رواه ابن أبي عتيق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة مثله ".
914 - " الوالد أوسط أبواب الجنة ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (رقم 981) : حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن
أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: فذكره. وهكذا أخرجه أحمد (5 / 196) وابن ماجه (2089)
والحاكم (4 / 152) من طريق أخرى عن شعبة به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد
". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وتابعه سفيان الثوري: حدثنا عطاء به
ولفظه: حدثني عبد الرحمن السلمي. " أن رجلا منا أمرته أمه أن يتزوج، فلما
تزوج، أمرته أن يفارقها، فارتحل إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك، فقال: ما
أنا بالذي آمرك أن تطلق وما أنا بالذي آمرك أن(2/583)
تمسك، سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره، فاحفظ ذلك الباب أو ضيعه ". (قال: فرجع وقد
فارقها) ":
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 158) والسياق له وأحمد (6 / 445)
والزيادة له. وتابعه ابن عيينة قال: حدثنا عطاء بن السائب به مع اختصار في
القصة. أخرجه الحميدي في " مسنده " (395) حدثنا سفيان به. ومن طريق
الحميدي أخرجه الحاكم (4 / 152) . وأخرجه الترمذي (1 / 347) وابن ماجه
أيضا (3663) من طرق أخرى عن سفيان به. وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ".
وابن حبان (2023) والحاكم أيضا (2 / 197) وأحمد (5 / 198) وابن عساكر
(19 / 153 / 1 - 2) من طرق أخرى عن عطاء به.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
(تنبيه) قوله " فاحفظ ذلك الباب أو ضيعه "، الظاهر من السياق أنه قول أبي
الدرداء غير مرفوع. ويؤيده رواية عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن عطاء به لم يذكر
منه إلا لفظ الترجمة أخرجه أحمد (6 / 447 - 448) . لكن في رواية الطحاوي
المتقدمة بعد قوله: " أو ضيعه " " أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، الشك
من ابن مرزوق ".
قلت: ومع الشك المذكور فإن بينه وبين سفيان الثوري أبا حذيفة موسى بن مسعود
وهو سيىء الحفظ كما في " التقريب ". والله أعلم.(2/584)
915 - " أخنع اسم عند الله يوم القيامة، رجل تسمى ملك الأملاك ".
أخرجه أحمد (2 / 244) والحميدي (1127) قالا: حدثنا سفيان عن أبي الزناد
الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه مسلم
(6 / 174) وأبو داود (2 / 309) من طريق أحمد، والحاكم (4 / 274) من
طريق الحميدي، وقال: " صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ".
ورده الذهبي بأنهما قد أخرجاه وهو كما قال، فقد أخرجه البخاري (10 / 485 -
486) ومسلم أيضا والترمذي (4 / 29) من طرق أخرى عن سفيان به وقال الترمذي
: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وزاد مسلم في رواية: " لا مالك إلا الله عز وجل ".
وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أغيظ رجل على الله يوم
القيامة وأخبثه وأغيظه عليه، رجل كان يسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله ".
أخرجه مسلم وأحمد (2 / 315) من طريق همام بن منبه حدثنا أبو هريرة عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
(تنبيه) أورد السيوطي الحديث باللفظ الأول في " الجامع الصغير " على الصواب
من رواية الشيخين وأبي داود والترمذي، ثم أورده في " زيادة الجامع الصغير "
(8 / 1) من رواية أبي داود بلفظ: " أحرج اسم ... " فكأنه تصحف عليه أو على
بعض نساخ " أبي داود " ثم لم يتنبه له السيوطي فأورده في " الزيادة " وتبعه
على ذلك صاحب " الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير "! .(2/585)
916 - " إن الأنصار قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي عليكم، فأحسنوا إلى محسنهم
وتجاوزوا عن مسيئهم ".
أخرجه ابن حبان (2293) وأحمد (3 / 187، 205 - 206) من طرق عن حميد عن
أنس بن مالك. " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما عاصبا رأسه، فتلقاه
ذراري الأنصار وخدمهم، ذخرة الأنصار يومئذ، فقال: والذي نفسي بيده إني
لأحبكم (مرتين أو ثلاثا) ثم قال " فذكره. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه أحمد (3 / 162) من طريق ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك: قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. وسنده صحيح أيضا على شرطهما
. وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث سهل بن سعد وعبد الله بن جعفر وإبراهيم
بن محمد بن حاطب مرفوعا به. قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 37) : " رواه
الطبراني، وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل، وهو ضعيف ". وذكره قبل صفحة
بنحوه وقال: " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " و " الكبير " بأسانيد
في أحدها عبد الله بن مصعب، وفي الآخر عبد المهيمن بن عباس وكلاهما ضعيف ".
قلت. لكن أحدهما يقوي الآخر وحديثهما صحيح بشهادة حديث أنس. وفي رواية
لأحمد (3 / 241) من طريق علي بن زيد قال:(2/586)
" بلغ مصعب بن الزبير عن عريف
الأنصار شيء، فهم به، فدخل عليه أنس بن مالك فقال له: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " استوصوا بالأنصار خيرا أو قال معروفا اقبلوا من محسنهم
وتجاوزا عن مسيئهم ". فألقى مصعب نفسه عن سريره وألزق خده بالبساط، وقال:
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين، فتركه ". وعلي بن زيد
وهو ابن جدعان فيه ضعف لكن حديثه جيد في الشواهد. وله في " مسند البزار " (
ص 289 - زوائده) شاهد من حديث أبي بكر الصديق.
917 - " ألا إن الناس دثاري والأنصار شعاري لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبة
لاتبعت شعبة الأنصار ولولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار، فمن ولى أمر الأنصار
، فليحسن إلى محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم ومن أفزعهم، فقد أفزع هذا الذي بين
هاتين. وأشار إلى نفسه صلى الله عليه وسلم ".
أخرجه الحاكم (4 / 79) وأحمد (5 / 307) من طريق ابن وهب: أخبرني أبو صخر
أن يحيى بن النضر الأنصاري حدثه أنه سمع أبا قتادة يقول: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر للأنصار: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير يحيى بن النضر وهو ثقة
: وقال الهيثمي (10 / 35) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن
النضر الأنصاري وهو ثقة ".(2/587)
وقال في مكان آخر (10 / 33) : " رواه الطبراني
في " الأوسط " عن شيخه مقدام بن داود وهو ضعيف، وقال ابن دقيق العيد: إنه
وثق، وبقية رجاله ثقات ".
918 - " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصحابه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له
في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ".
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (724) والبخاري في " الأدب المفرد " (ص 12
) وأبو داود (2 / 301 - 302) والترمذي (1 / 83) وابن ماجه (2 / 552)
وابن حبان (2039) والحاكم (2 / 356 و 4 / 162 - 163) والبغوي في " حديث
ابن الجعد " (7 / 70 / 1) وأحمد (5 / 36، 38) عن عيينة بن عبد الرحمن بن
جوشن الغطفاني حدثنا أبي عن أبي بكرة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح "، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".
قلت وهو كما قالا، فإن رجال إسناده ثقات كلهم. وقد روى الحديث بزيادة وهو
: " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة مع ما يدخر له في الآخرة من
قطيعة الرحم والخيانة والكذب وإن أعجل البر ثوابا لصلة الرحم حتى إن أهل
البيت ليكونوا فقراء فتنموا أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا ".
قال في " المجمع " (8 / 152) : " رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن موسى بن
أبي عثمان الأنطاكي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ".
قلت: وأخرج الشطر الثاني منه ابن حبان (2038) بلفظ:(2/588)
" إن أعجل الطاعة
ثوابا صلة الرحم.... ". رواه من طريق أبي يعلى: حدثنا مسلم بن أبي مسلم
الجرمي حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا به.
قلت: ورجاله ثقات كلهم على عنعنة الحسن وهو البصري غير الجرمي هذا ولم
أعرفه الآن، ولما عزاه المنذري في " الترغيب " (3 / 228) لابن حبان في
" صحيحه " سكت عليه، فلعله عرفه. وللشطر الأول منه شاهد من حديث أبي هريرة،
سيأتي في هذا المجلد إن شاء الله تعالى برقم (978) .
919 - " أطع أباك وطلقها ".
أخرجه أبو داود (5138) والترمذي (1 / 223) وابن ماجه (2088) وابن حبان
(2024 / 2025) والطحاوي في " المشكل " (2 / 159) والحاكم (2 / 197)
وأحمد (2 / 42 و 53 و 157) من طريق ابن أبي ذئب حدثني خالي الحارث بن عبد
الرحمن عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال: " كانت
تحتي امرأة أحبها وكان عمر يكرهها، فقال عمر: طلقها فأبيت، فذكر ذلك للنبي
صلى الله عليه وسلم، فقال " فذكره، والسياق للحاكم وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه. الذهبي. وقال الترمذي: " حسن صحيح ".
وأقول: بل هو حسن فقط، فإن الحارث هذا لم يرو له الشيخان شيئا ولا روى عنه
غير ابن أبي ذئب، وقال أحمد والنسائي: " ليس به بأس ".(2/589)
920 - " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا
خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا ".
أخرجه البخاري (3 / 237) ومسلم (3 / 83 - 84) من طريق أبي الحباب سعيد بن
يسار عن أبي هريرة مرفوعا به. وله شاهد من حديث أبي الدرداء بلفظ: " ما
طلعت شمس قط " وقد مضى. ورواه ابن حبان (815) من طريق عبد الرحمن ابن أبي
عمرة عن أبي عمرة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن ملكا بباب من أبواب الجنة
يقول: من يقرض اليوم يجز غدا، وملك بباب آخر يقول: اللهم أعط منفقا خلفا
وأعط ممسكا تلفا ".
قلت: وهذا إسناد صحيح. وله شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه. أخرجه
ابن حبان (814) والحاكم (2 / 445) وأحمد (5 / 197) .
921 - " من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله
الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها، فقالوا: يا رسول
الله أفلا نبشر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في
سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه
الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة - أراه -، فوقه عرش الرحمن، ومنها
تفجر أنهار الجنة ".(2/590)
أخرجه البخاري (4 / 14، 9 / 101) وأحمد (2 / 335، 339) والبيهقي في
" الأسماء " (398) من طريق فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وفليح هذا مع كونه من رجال الشيخين، فهو صدوق كثير الخطأ، كما قال
الحافظ لكن يشهد لحديثه، وأنه قد حفظه حديث معاذ ابن جبل من رواية زيد بن
أسلم عن عطاء بن يسار عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه
بتمامه. وفي إسناده اختلاف يأتي بيانه في الحديث الآتي بعده.
(تنبيه) أخرج الحاكم (1 / 80) الحديث مختصرا من الوجه المذكور، وقال:
" صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ". وأقره الذهبي.
قلت: فوهما في استدراكه على البخاري وقد أخرجه بأتم من لفظه! ومن الغريب أن
السيوطي أورده مختصرا كذلك في " زيادة الجامع الصغير " من رواية أحمد والبخاري
! وقد أخرجه كذلك ابن حبان (18) من الوجه المذكور لكن وقع عنده " عبد الرحمن
بن أبي عمرة " مكان " عطاء بن يسار ".
922 - " الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام - وقال عفان: كما بين
السماء إلى الأرض - والفردوس أعلاها درجة ومنها تخرج الأنهار الأربعة والعرش
من فوقها، وإذا سألتم الله تبارك وتعالى، فاسألوه الفردوس ".
أخرجه الترمذي (3 / 326) والحاكم (1 / 80) وأحمد (5 / 316، 321)
والسياق له من طرق عن همام بن يحيى عن(2/591)
زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة
بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم:
" إسناده صحيح "، وأقره الذهبي. وأعله الترمذي بالمخالفة، فإنه أخرجه هو
وابن ماجه (2 / 590) وأحمد (5 / 240 - 241) من طريقين عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بأتم
منه وقال: " وهكذا روى هذا الحديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن
يسار عن معاذ بن جبل. وهذا عندي أصح من حديث همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن
يسار عن عبادة بن الصامت وعطاء لم يدرك معاذ بن جبل، معاذ قديم الموت مات في
خلافة عمر ".
قلت: همام بن يحيى ثقة محتج به في الصحيحين، فيمكن أن يكون لعطاء فيه إسنادان
: أحدهما عن عبادة حفظه هو والآخر عن معاذ حفظه الجماعة، فلا تعارض. ومما
يؤيد هذا أن البخاري أخرجه من طريق هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة
مرفوعا به كما تقدم، فهذا إسناد ثالث لعطاء، فالجمع أولى من تخطئة ثقتين وقد
أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا الجمع كما في نقل المباركفوري عنه، والله أعلم.
(تنبيه) قوله: " مائة عام " هو رواية أحمد، وفي رواية الآخرين " كما بين
السماء والأرض " وهي رواية عفان عنده ومثلها روايتهم عن معاذ إلا أحمد فهي
عنده باللفظ الأول: " مائة عام ". ويشهد له حديث شريك بن عبد الله عن محمد
بن جحادة عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا به مختصرا. بلفظ: " الجنة مائة درجة ما
بين كل درجتين مائة عام ".(2/592)
أخرجه أحمد (2 / 292) والترمذي (3 / 325)
وقال: " حديث حسن، وفي نسخة: حسن صحيح غريب ".
وأقول: شريك سيء الحفظ لكن يدل على أنه قد حفظ رواية أحمد عن عبادة ومعاذ
المتقدمين ولا تعارض بينهما وبين رواية الآخرين " كما بين السماء والأرض "
لأن روايتهما مفصلة والأخرى مجملة والمفصل يقضي على المجمل كما هو معلوم من
علم الأصول.
923 - " من ذرعه القيء فلا يقض ".
رواه الحربي في " غريب الحديث " (5 / 55 / 1) : حدثنا الحكم ابن موسى حدثنا
عيسى بن يونس عن هشام عن محمد عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال مسلم لكن أعله بعضهم بما لا يقدح. وقد
تكلمت عليه وبينت صحته في تعليقي على رسالة " الصيام " لابن تيمية، ثم في
" الإرواء " (905) .
924 - " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما ".
أخرجه مسلم (5 / 160) وأبو داود (2 / 43) والترمذي (2 / 398) وصححه
وأحمد (رقم 201) من طريق ابن جريج: حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد
الله يقول: أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
به. وقد تابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير.(2/593)
أخرجه أحمد (3 / 245) .
وتابعه حماد بن سلمة عنه إلا أنه أسقط من السند عمر وجعله من مسند جابر.
أخرجه أبو عبيد في " الأموال " (رقم 270، 271) . والصواب الأول، وكذلك
رواه سفيان الثوري بلفظ: " لئن عشت لأخرجن " ويأتي إن شاء الله تعالى برقم (
1134) . والحديث أخرجه الطحاوي في " المشكل " (4 / 12) عن ابن جريج وسفيان
. وله طريق أخرى أخرجه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 204 / 1) :
حدثنا عبد الله (هو البغوي) قال: حدثنا محرز (وهو ابن عون) حدثنا القاسم
بن محمد عن عبد الله بن محمد عن جابر عن عمر به.
قلت: وهذا سند حسن، رجاله ثقات إلا أن عبد الله بن محمد وهو ابن عقيل فيه
كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن.
925 - " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في
السماء (والرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله)
".
رواه أبو داود (4941) والترمذي (1 / 350) وأحمد (2 / 160) والحميدي
(591) والحاكم (4 / 159) وصححه ووافقه الذهبي والخطيب في " التاريخ "
(3 / 260) وأبو الفتح الخرقي في " الفوائد الملتقطة " (222 - 223) كلهم
عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو
مرفوعا. وقال الترمذي:(2/594)
" هذا حديث حسن صحيح ". وصححه الخرقي أيضا.
قلت: ورواه العراقي في " العشاريات " (59 / 1) من هذا الوجه مسلسلا بقول
الراوي: " وهو أول حديث سمعته منه " ثم قال: " هذا حديث صحيح ".
وصححه أيضا ابن ناصر الدين الدمشقي في بعض مجالسه المحفوظة في ظاهرية دمشق،
لكن أوراقها مشوشه الترتيب. وقال: " ولأبي قابوس متابع، رويناه في " مسندي
أحمد بن حنبل وعبد بن حميد " من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعبي الحمصي أحد
الثقات عن عبد الله بن عمرو بمعناه، وللحديث شاهد عن نيف وعشرين صحابيا منهم
أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي قابوس، فقال الذهبي: " لا يعرف ".
وقال الحافظ: " مقبول ". يعني عند المتابعة. وقد توبع كما تقدم عن ابن
ناصر الدين مع الشواهد التي أشار إليها. ومنها حديث أبي إسحاق عن أبي ظبيان
عن جرير مرفوعا بلفظ: " من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 118 / 2) قال المنذري في " الترغيب
" (3 / 155) : " وإسناده جيد قوي "!(2/595)
كذا قال، والصواب قول الذهبي في
" العلو " (رقم 5 - مختصره) : " رواته ثقات ". وذلك لأن أبا إسحاق وهو
السبيعي كان اختلط، ثم هو مدلس.
(تنبيه) قوله في هذا الحديث " في " هو بمعنى " على " كما في قوله تعالى * (قل
سيحوا في الأرض) * فالحديث من الأدلة الكثيرة على أن الله تعالى فوق المخلوقات
كلها، وفي ذلك ألف الحافظ الذهبي كتابه " العلو للعلي العظيم " وقد انتهيت
من اختصاره قريبا، ووضعت له مقدمة ضافية وخرجت أحاديثه وآثاره ونزهته من
الأخبار الواهية. يسر الله طبعه.
926 - " المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه ".
أخرجه ابن وهب في " الجامع " (ص 37) وعنه أبو داود (2 / 304) والبخاري
في " الأدب المفرد " (رقم 239) من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن
أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 160
) وأقره المناوي، وإنما لم يصححه للخلاف في ابن زيد هذا، وقد قال الحافظ
في " التقريب ": " صدوق، يخطىء ".(2/596)
وللشطر الأول منه شاهد يرويه محمد بن
عمار بن سعد المؤذن حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك مرفوعا
به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " (ق
129 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (2 / 2 / 2) من طريق عثمان ابن محمد
بن عثمان العثماني حدثنا محمد بن عمار بن سعد المؤذن به. وقال الطبراني:
" تفرد به عثمان بن محمد بن عثمان ".
قلت: قد تابعه محمد بن الحسن: حدثني محمد بن عمار به. أخرجه ابن عدي في
" الكامل " (306 / 2) . فالإسناد حسن محمد بن عمار وثقه ابن حبان، وروى عنه
جمع. وشريك ثقة من رجال الشيخين، وإن كان في حفظه شيء. وأخرجه ابن وهب (
ص 30) معضلا فقال: حدثني سليمان بن القاسم وجرير بن حازم مرفوعا به. وجرير
ثقة من أتباع التابعين. وسليمان ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 137) ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
927 - " الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ".
أخرجه أبو داود (2 / 293 - التازية) والترمذي (2 / 278 - بشرح التحفة)
والحاكم (4 / 171) وأحمد (2 / 303، 334) والخطيب (4 / 115) وعبد بن
حميد في " المنتخب من المسند " (ق 154 / 1) عن زهير بن محمد الخراساني حدثنا
موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وقال الترمذي:(2/597)
" حديث حسن غريب ". وأما الحاكم فسكت عنه فأحسن لأن
زهيرا هذا فيه ضعف، قال الحافظ " رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها
، قال البخاري عن أحمد: كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم
: حدث بالشام من حفظه، فكثر غلطه ". لكن له طريق أخرى، يرويه إبراهيم بن
محمد الأنصاري عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة به. أخرجه ابن عساكر في " المجلس
الثالث والخمسين من الأمالي " (ق 2 / 2) والحاكم وقال: " صحيح إن شاء
الله تعالى ". ووافقه الذهبي وهذا عجب، فقد أورده في كتابه " الضعفاء "
أعني إبراهيم هذا، وقال: " له مناكير ".
قلت: وهذه عبارة ابن عدي فيه كما في " اللسان " لابن حجر، وقال: " وساق
له ثلاثة أحاديث، ثم قال: وله غير ذلك، وأحاديثه صالحة محتملة ".
قلت: فهو ضعيف لكنه ليس شديد الضعف فيصلح للاستشهاد به فالحديث به حسن.
والله أعلم. وأما ما رواه ابن عساكر من طريق يحيى بن حمزة الدمشقي عن الحكم
بن عبد الله عن القاسم عن عائشة مرفوعا به. فإنه لا يصلح شاهدا لشدة ضعف الحكم
هذا، وهو الأيلي، قال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة.(2/598)
وقال ابن معين: ليس
بثقة، وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب.
928 - " من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (404، 405) وأبو داود (2 / 303 - تازية
) والحاكم (4 / 163) وأحمد (4 / 320) وابن سعد في " الطبقات " (7 / 500
) عن أبي عثمان الوليد بن أبي الوليد عن عمران بن أبي أنس عن أبي خراش السلمي
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وكذلك قال العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 199) والعلامة ابن
المرتضى اليماني في " إيثار الحق على الخلق " (425) . ويبدو لي الآن أنه
كذلك، فإن رجاله كلهم - عدا الصحابي رجال مسلم، وقد كنت قلت في تعليقي على
" المشكاة " (5036) : " إسناده لين ". وذلك بناء على قول الحافظ ابن حجر في
ترجمة الوليد هذا من " التقريب " لين الحديث. وهو أخذ ذلك مما ذكره في ترجمته
من " التهذيب " وليس فيها من التوثيق غير قول ابن حبان في " الثقات "
" ربما خالف على قلة روايته ".
قلت: وقد فاته قول ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 20) :
" سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: ثقة ".(2/599)
فلما وقفت على هذا التوثيق من مثل هذا الإمام اعتمدته لأنه أقعد بهذا العلم من
ابن حبان مع عدم مخالفته إياه في الجملة في هذه الترجمة، وبناء على ذلك صححت
الحديث ورجعت عن التليين السابق، وقد نبهت على هذا في تحقيق الثاني للمشكاة
والله أعلم.
929 - " إن الله يسأل العبد يوم القيامة حتى ليقول: فما منعك إذا رأيت المنكر أن
تنكره، فإذا لقن الله عبدا حجته قال: أي رب! وثقت بك وفرقت من الناس ".
رواه ابن ماجه (4017) وابن حبان (1845) والحسن بن علي الجوهري في " فوائد
منتقاة " (ق 29 / 1) وكذا الحميدي في " مسنده " (739) وعساكر (17 / 345
/ 2) عن عبد الله بن عبد الرحمن أن نهارا - رجلا من عبد القيس كان يسكن في بني
النجار، وكان يذكره بفضل وصلاح - أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير نهار العبدي، قال ابن
خراش: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطىء. وعبد الله بن عبد
الرحمن هو ابن معمر بن حزم أبو طوالة ثقة من من رجال الشيخين.
930 - " من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة
فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعد خمسا فقال:(2/600)
اتق المحارم تكن أعبد
الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب
للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ".
أخرجه الترمذي (2 / 50) وأحمد (2 / 310) والخرائطي في " مكارم الأخلاق "
(ص 42) من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا
. وقال الترمذي: " حديث غريب، والحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئا ".
قلت: والصواب أنه سمع منه في الجملة كما بينه الحافظ في " تهذيب التهذيب "
غير أنه أعني الحسن مدلس، فلا يحتج بما رواه عنه معنعنا كما في هذا الحديث.
ثم إن فيه علة أخرى وهي جهالة أبي طارق هذا، قال الذهبي: " لا يعرف ".
لكن للحديث طريقا أخرى عن أبي هريرة، قال المنذري (3 / 237) : " رواه البزار
والبيهقي في كتاب " الزهد " عن مكحول عن واثلة. عنه وقد سمع مكحول من واثلة
، قاله الترمذي وغيره لكن بقية إسناده فيهم ضعف ".
قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الخرائطي بإسناد آخر عن مكحول بلفظ: (كن ورعا تكن
أعبد الناس وكن قنعا تكن أشكر الناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا
وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما) . أخرجه الخرائطي (ص 39) قال: حدثنا نصر
بن داود الصاغاني: حدثنا أبو الربيع الزهراني: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن أبي
رجاء عن برد بن سنان عن مكحول عن واثلة بن الأسقع عن أبي هريرة.(2/601)
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون. وأبو رجاء اسمه محرز بن عبد
الله الجزري قال أبو داود: ثقة. وكذا وثقه أبو حاتم وذكره ابن حبان في
" الثقات " وقال: " كان يدلس عن مكحول يعتبر بحديثه ما بين فيه السماع عن
مكحول وغيره.
قلت: وهذا الحديث إنما رواه عن مكحول بواسطة برد بن سنان فزالت بذلك مظنة
تدليسه عنه لكن الذهبي قال في " الكنى " من " الميزان " ما نصه: " أبو رجاء
الجزري عن فرات بن السائب، وعنه عبدة بن سليمان وإسماعيل بن زكريا يقال اسمه
محرز، قال ابن حبان روى عن فرات وأهل الجزيرة المناكير الكثيرة التي لا يتابع
عليها لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، فمن ذلك عن فرات عن ميمون عن ابن عمر
مرفوعا: ما صبر أهل البيت على ضر ثلاثا إلا أتاهم الله برزق ". فيظهر أن ابن
حبان تناقض في هذا الرجل فمرة أورده في " الثقات " وأخرى في كتابه " الضعفاء "
. ولعل منشأ تلك المناكير من الذين دلسهم وليست منه نفسه، فإنه ثقة كما سبق
، والله أعلم. والحديث أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 365) و " أخبار
أصبهان " (2 / 302) والبيهقي في " الزهد " (ق 99 / 2) من طريق أخرى عن أبي
رجاء به وزاد: " وأقل الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ".
ولهذه الزيادة طريق ثالثة عن أبي هريرة مضى برقم (506) . ولها شاهد يرويه
إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني حدثني أبي عن جدي عن أبي إدريس
الخولاني عن أبي ذر قال: " دخلت المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
جالس وحده، فجلست إليه فقال:(2/602)
يا أبا ذر! إن للمسجد تحية وإن تحيته ركعتان
.... ". وهو حديث طويل جدا، فيه أسئلة كثيرة من أبي ذر مع جواب النبي صلى
الله عليه وسلم عليها. أخرجه ابن حبان (94) وأبو نعيم في " الحلية " (1 /
166 - 168) . لكن إسناده واه جدا إبراهيم هذا متروك.
ولبعض الحديث شاهد آخر بلفظ: " يا أبا الدرداء أحسن جوار من جاورك تكن مؤمنا
وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما وارض بما قسم الله تكن من أغنى الناس ".
أخرجه الخرائطي (ص 41) عن عبد المنعم بن بشير حدثنا أبو مودود عبد العزيز بن
أبي سليمان الهذلي عن محمد بن كعب القرظي عن أبي الدرداء مرفوعا به.
وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد المنعم بل اتهمه ابن معين، وسائر رجاله ثقات.
وبالجملة فالحديث بهذه الطرق حسن على أقل الأحوال ولعله لذلك قال الدارقطني
على ما في " تخريج الإحياء " (2 / 160) : " والحديث ثابت ". والله أعلم.
931 - " ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ المغلوبون الضعفاء وأهل النار كل جعظري جواظ مستكبر
".
أخرجه الحاكم (1 / 61) عن زيد بن الحباب و (3 / 619) عن عبد الله بن صالح
كلاهما قال: حدثني موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن سراقة ابن مالك مرفوعا
. وهذا لفظ الأول، ولفظ عبد الله:(2/603)
" يا سراقة ألا أخبرك؟ .. " وقال
الحاكم: " صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
كذا قالا وهو معلول منقطع كما بينه الثقة عبد الله بن يزيد المقرىء قال:
حدثنا موسى بن علي قال: سمعت أبي يقول: بلغني عن سراقة بن مالك به. أخرجه
أحمد (4 / 175) . فهذا يبين أن علي بن رباح لم يسمعه من سراقة، بل أخذه عن
راو مجهول. وبذلك يصير الإسناد ضعيفا. نعم رواه عبد الله بن يزيد هذا وابن
المبارك أيضا عن موسى بن علي عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ: " أن
أهل النار.. " وسيأتي إن شاء الله (1741) .
وبالجملة فهو ضعيف منقطع عن سراقة وموصول صحيح عن ابن عمر كما سيأتي بيانه
هناك.
932 - " ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ الضعفاء المظلومون، ألا أنبئكم بأهل النار؟ كل
شديد جعظري ".
أخرجه الطيالسي (ص 332 رقم 2551) وأحمد (2 / 508) عن البراء ابن يزيد قال
: حدثنا عبد الله بن شقيق العقيلي عن أبي هريرة مرفوعا. وفيه قولهم.
" قالوا: بلى يا رسول الله " بعد السؤال في الموضعين، وزاد في آخره: " هم
الذين لا يألمون رؤوسهم ". ثم أخرجه أحمد (2 / 369) والبزار (ص 226 -
زوائده) عن البراء ابن عبد عن عبد الله بن شقيق دون الزيادة، ولعل هذه
الزيادة مدرجة من بعض الرواة تفسيرا. والبراء هذا هو ابن عبد الله بن يزيد
نسب في الرواية الأولى إلى جده، وهو ضعيف(2/604)
كما في " التقريب " وبقية رجاله
ثقات رجال مسلم، وتوبع عليه فأخرجه أحمد (5 / 369) : حدثنا محمد بن جعفر
حدثنا شعبة عن أبي بشر عن عبد الله (وفي الأصل عبيد الله وهو خطأ مطبعي) بن
شقيق عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا بلفظ: " ألا أدلكم ".
والباقي مثله سواء بدون الزيادة. وهذا سند صحيح على شرط مسلم وجهالة
الصحابي لا تضر لاسيما وقد سمي في الرواية الأولى.
قلت: فهذه الطريق تبين أن الزيادة منكرة لتفرد الضعيف بها وتجردها عن
المتابعة.
933 - " أجب عني، اللهم أيده بروح القدس ".
أخرجه مسلم (7 / 162 - 163) وأبو داود (2 / 316) والطيالسي (ص 304 رقم
2309) وأحمد (2 / 269 و 5 / 222) عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة،
" أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد كنت
أنشد وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله، أسمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره؟) قال: اللهم نعم ". وزاد
أحمد في رواية: " فانصرف عمر وهو يعرف أنه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم
".
وإسنادها صحيح. وللزهري فيه إسناد آخر بلفظ: " يا حسان أجب ... " وسيأتي
برقم (1954) . وله شاهد أحدهما عن عائشة، وسيأتي (1180) . والآخر عن
البراء وقد مضى (801) .(2/605)
934 - " من أكل برجل مسلم أكلة، فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن اكتسى برجل مسلم
ثوبا، فإن الله يكسوه مثله في جهنم ومن قام برجل مسلم مقام سمعة، فإن الله
يقوم به مقام سمعة يوم القيامة ".
رواه الحاكم (4 / 127 - 128) والدينوري في " المنتقى من المجالسة " (162 /
1) عن ابن جريج قال: قال سليمان: حدثنا وقاص بن ربيعة أن المستورد حدثهم
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ورواه ابن عساكر (17 / 391 - 392
) من طرق عن ابن جريج به، صرح ابن جريج في بعضها بالتحديث لكن في الطريق إليه
سفيان ابن وكيع وهو ضعيف. ثم رواه من طريق أبي يعلى الموصلي: حدثنا عمرو بن
الضحاك بن مخلد أنبأنا أبي قال: قال: سليمان بن موسى أنبأنا وقاص بن ربيعة به
. ثم رواه من طريق أخرى عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد أنبأنا ابن جريج عن سليمان
به، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
قلت: كيف وفيه عنعنة ابن جريج، نعم قد تابعه الضحاك بن مخلد عند أبي يعلى
وهو ثقة من رجال الشيخين. وله متابع آخر، فقد أخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (240) وأبو داود (4881) من طريق بقية عن ابن ثوبان عن أبيه عن
مكحول عن وقاص بن ربيعة به. لكن مكحولا مدلس ومثله بقية وهو ابن الوليد.
وقد وجدت له شاهدا قويا، فقال ابن المبارك في " الزهد " (707) : أخبرنا
جعفر بن حبان عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وهذا إسناد صحيح، ولكنه مرسل. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح.
والله أعلم.(2/606)
935 - " المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (418) وأبو داود (4790) والترمذي (1
/ 356) والحاكم (1 / 43) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 56) وابن عدي في
" الكامل " (33 / 2) من طريق بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي
: " حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". كذا قال وفيه نظر يبينه قول
العقيلي: " لا يتابع عليه بشر بن رافع إلا من هو قريب منه في الضعف ".
قلت: بشر هذا ضعيف الحديث كما في " التقريب " وقد تابعه الحجاج بن فرافصة عن
يحيى بن أبي كثير به. أخرجه أبو داود والطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 202
) وأحمد (2 / 394) والقضاعي في " مسند الشهاب " (3 / 2 / 1 - 2) وأبو
نعيم (3 / 11) والخطيب (9 / 38) والحاكم أيضا وكذا في " علوم الحديث " (
ص 117) وقال في " المستدرك ": " الحجاج بن فرافصة قال ابن معين: لا بأس به
، وقال أبو حاتم: شيخ صالح متعبد ". ولكنه في " معرفة العلوم " أعله بأن
الحجاج لم يسم شيخه في رواية سفيان عنه، بل قال: " عن رجل عن أبي سلمة ".
وهي رواية أحمد وأبي داود، وهذه علة غير قادحة، فقد سماه سفيان عنه في بعض
الروايات الأخرى وهي ثابتة عنه. والحجاج هذا قال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق عابد يهم ".(2/607)
فإذا ضم إلى روايته رواية بشر بن رافع تقوى الحديث
بمجموعها وارتقى إلى درجة الحسن، وقد أخرجه عنه عبد الله بن المبارك في
" الزهد " (679) مرسلا، فقال أخبرنا أسامة بن زيد عن رجل من بلحارث بن عقبة
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. وهذا الرجل هو أبو الأسباط الحارثي بشر بن رافع كما ذكر
المعلق الفاضل على " الزهد ". وبهذا الإسناد أخرجه ابن وهب في " الجامع " (ص
39) حدثني أسامة بن زيد به. وقد وجدت للحديث شاهدا ولكنه مما لا يفرح به
لشدة ضعفه، أذكره لبيان حاله، أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " عن كعب بن
مالك مرفوعا به. قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 82) : " وفيه يوسف بن
السفر وهو كذاب ".
(فائدة) قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى.
" (الغر) في كلام العرب هو الذي لا غائلة ولا باطن له يخالف ظاهره، ومن
كان هذا سبيله أمن المسلمون (الأصل: من المسلمين) من لسانه ويده وهي صفة
المؤمنين، و (الفاجر) ظاهره خلاف باطنه لأن باطنه هو ما يكره وظاهره مخالف
لذلك، كالمنافق الذي يظهر شيئا غير مكروه منه، وهو الإسلام الذي يحمده أهله
عليه ويبطن خلافه وهو الكفر الذي يذمه المسلمون عليه ".(2/608)
936 - " المؤمنون هينون لينون مثل الجمل الألف الذي إن قيد انقاد وإن سيق انساق وإن
أنخته على صخرة استناخ ".
رواه العقيلي في " الضعفاء " (214) عن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد عن
أبيه عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وقال: " ليس له أصل عن ثقة، عبد الله بن
عبد العزيز أحاديثه مناكير غير محفوظة ليس ممن يقيم الحديث، منها ". ثم ذكر
له حديثين هذا أحدهما. وقال أبو حاتم وغيره: " أحاديثه منكرة " وقال ابن
الجنيد: " لا يساوي شيئا، يحدث بأحاديث كذب ".
(تنبيه) كذا في العقيلي " الألف " وفي الجامع الصغير " الأنف " بالنون بدل
اللام. قال في " النهاية ": " أي المأنوف، وهو الذي عقر الخشاش أنفه، فهو
لا يمتنع على قائده للوجع الذي به، وقيل: الأنف الذلول ".
ثم وجدته في " مسند القضاعي " (4 / 2 / 2 / 1) كما في " الجامع "، أخرجه من
الوجه المذكور. وقد روي كذلك مرسلا أخرجه ابن المبارك في " الزهد ": أخبرنا
سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.(2/609)
وهذا مرسل، صحيح الإسناد لولا أن سعيد بن عبد العزيز كان اختلط قبل موته،
لكني وجدت للحديث شاهدا جيدا مختصرا بلفظ: " فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما
قيد انقاد ". فالحديث به حسن. وهو في آخر الحديث الآتي بعده.
وطرفه الأول له شواهد تأتي بعد الحديث المشار إليه.
937 - " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش
منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين
المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن
كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد ".
أخرجه ابن ماجه (43) والحاكم (1 / 96) وأحمد (4 / 126) من طريق عبد
الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول: " وعظنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا
رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون غير عبد الرحمن ابن عمرو هذا،
وقد ذكره ابن حبان في " الثقات "، وروى عنه جماعة من الثقات، وصحح له
الترمذي وابن حبان والحاكم كما في " التهذيب "، وقد أخرج ابن حبان (102)
هذا الحديث من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن عمرو مقرونا بحجر بن حجر الكلاعي عن
العرباض به، دون قوله: " فإنما المؤمن ... ". وكذلك أخرجه من الوجه الأول
المخلص في " سبعة مجالس " (ق 51 / 1) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (11
/ 265 / 2) واللالكائي في " شرح السنة " (228 / 1 - كواكب 576) والضياء
المقدسي في " الأحاديث المختارة " (10 / 104 / 2) وكذا(2/610)
أبو نعيم في
" المستخرج على صحيح مسلم " (1 / 3 / 1) وقال: " حديث جيد من صحيح حديث
الشاميين ". وأخرج طرفه الأول الخطيب في " الفقيه والمتفقه " (ق 106 / 1) .
938 - " ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين سهل
".
أخرجه الترمذي (2 / 80) وابن حبان (1096، 1097) والخرائطي في " مكارم
الأخلاق " (11، 23) وأحمد (1 / 415) والطبراني فى " المعجم الكبير "
(3 / 83 / 2) وأبو القاسم بن أبي القعنب في " حديث القاسم بن الأشيب " (8 /
1) وأبو القاسم القشيري في " الأربعين " (196 / 1) والبغوي في " شرح السنة
" (94 / 1) من طرق عن هشام بن عروة عن موسى ابن عقبة عن عبد الله بن عمرو
الأودي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". كذا قال، والأودي هذا لم يوثقه
غير ابن حبان ولم يرو عنه غير موسى بن عقبة، فهو في عداد المجهولين.
وقد رواه بعض الضعفاء عن هشام بإسناد آخر، فقال ابن أبي حاتم فى " العلل "
(2 / 108) : " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه مصعب بن عبد الله الزبيري عن
أبيه عن هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم
" قلت: فذكره " قالا: هذا(2/611)
خطأ رواه الليث بن سعد وعبدة بن سليمان عن هشام بن
عروة عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن عمرو الأودي عن ابن مسعود عن النبي صلى
الله عليه وسلم. وهذا هو الصحيح. قلت لأبي زرعة: العفو ممن هو؟ قال: من
عبد الله بن مصعب. قلت: ما حال عبد الله بن مصعب؟ قال: شيخ ".
قلت: ومن طريقه أخرجه البغوي في " حديث مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري (ق
138 / 2) قال: حدثنا مصعب قال: حدثني أبي عن هشام بن عروة ... به " وكذا
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 137 / 1) من طريق أخرى عن مصعب به
. وقال: " لم يروه عن هشام إلا الزبيري، تفرد به ابنه ".
قلت: الابن صدوق والأب ضعيف، ضعفه ابن معين. وقال الهيثمي بعد أن ذكره في
" المجمع " (4 / 75) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وأبو يعلى، وفيه عبد
الله بن مصعب الزبيري وهو ضعيف ".
وأما قول المناوي في " فيض القدير ": " قال الهيثمي بعد ما عزاه لأبي يعلى:
فيه عبد الله بن مصعب الزبيري ضعيف، وقال عقب عزوه للطبراني: رجاله رجال
الصحيح. وقال العلائي: سند هذا أقوى من الأول ".
فهو خطأ سواء كان من المناوي أو من الهيثمي نفسه، فقد عرفت أن إسناد الطبراني
فيه أيضا الزبيري الضعيف. وأما قول العلائي فلا أدري وجهه.
لكن للحديث عدة شواهد يتقوى بها.(2/612)
الأول: عن معيقيب قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " حرمت النار على الهين اللين السهل القريب ".
أخرجه الخرائطي (23) والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " عن شيبان بن فروخ
حدثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي عن محمد بن معيقيب عن أبيه.
قلت: وأبو أمية هذا ضعيف كما قال الهيثمي.
الثاني: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تحرم النار على كل
هين لين سهل قريب ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " والعقيلي في " الضعفاء "
(ص 444) عن جمهور بن منصور القرشي قال: حدثنا وهب بن حكيم الأزدي عن محمد بن
سيرين عنه. وقال الطبراني: " لم يروه عن ابن سيرين إلا وهب، تفرد به جمهور
". قلت: لم أجد له ترجمة إلا ما قاله العقيلي عقب الحديث: " قال لنا الحضرمي
: سألت ابن نمير عن جمهور؟ فقال: اكتب عنه ". وأما وهب بن حكيم، فقال
العقيلي: " مجهول بالنقل، ولا يتابع على حديثه ". يعني هذا، وقال: " هذا
يروى من غير هذا الوجه، بإسناد صالح ".(2/613)
الثالث: عن أنس قال: " قيل: يا رسول الله من يحرم على النار؟ قال: الهين
اللين السهل القريب ". أخرجه الطبراني عن الحارث بن عبيدة عن محمد بن أبي بكر
عن حميد عنه وقال: " لم يروه عن حميد إلا محمد ولا عنه إلا الحارث ".
قلت: قال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: ضعيف. وذكره ابن حبان
في " الثقات ".
قلت: وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الشواهد. والله أعلم.
939 - " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا
يصبر على أذاهم ".
أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما وهو عند الترمذي إلا
أنه لم يسم الصحابي ". كذا في " بلوغ المرام (4 / 314 بشرحه) .
قلت: وفي هذا التخريج أمور: أولا: أن هذا اللفظ ليس لابن ماجه ولا للترمذي
! أما الأول، فهو عنده(2/614)
(2 / 493) بهذا السياق لكنه قال: " أعظم أجرا " بدل
" خير " وأما الترمذي فلفظه " إن المسلم إذا كان يخالط ... " والباقي مثله
إلا أنه قال: " ... من المسلم الذي ... ".
ثانيا: أن الترمذي أخرجه (3 / 319) من طريق شعبة عن سليمان الأعمش عن يحيى
بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أراه عن النبي فذكره وقال
عقبه: " قال ابن عدي: (أحد شيوخ الترمذي فيه) : كان شعبة يرى أنه ابن عمر "
. ثالثا: أن إسناده عند ابن ماجه ليس بحسن، فإنه قال: " حدثنا علي بن ميمون
الرقي حدثنا عبد الواحد بن صالح حدثنا إسحاق ابن يوسف عن الأعمش عن يحيى بن
وثاب عن ابن عمر ". وعبد الواحد هذا لا يعرف إلا في هذا الإسناد بهذا الحديث
ولم يرو عنه إلا علي بن ميمون الرقي كما قال الذهبي، وأشار بذلك إلى أنه
مجهول وقد صرح بذلك الحافظ في " التقريب ". لكنه لم ينفرد به، فقد رأيت أن
الترمذي قد أخرجه من طريق شعبة عن الأعمش وكذلك أخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (388) ، ولفظه عين اللفظ الذي ذكره الحافظ معزوا لابن ماجه!
ورواه أحمد (5022) من هذه الطريق باللفظين لفظ البخاري ولفظ ابن ماجه،
وسنده مثل الترمذي، قال فيه: " عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،
قال: وأراه ابن عمر، قال حجاج: قال شعبة قال سليمان وهو ابن عمر ".
وهذا الاختلاف في سند الحديث ومتنه مما لا يعل به الحديث لأنه غير جوهري،
وسواء سمي صحابي الحديث أم لم يسم، وسواء كان اللفظ " أعظم أجرا " أو " خير
" فالسند صحيح كلهم ثقات من رجال الشيخين. ثم أخرجه أحمد (5 / 365) عن سفيان
بن سعيد الأعمش به مثل رواية شعبة عند أحمد وبلفظ ابن ماجه، وأخرجه ابن
الجوزي في " جامع المسانيد " (65 / 1 المحمودية)(2/615)
من هذا الوجه بلفظ: " خير "
. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 365) من طريق أخرى عن الأعمش به.
وخالفهم أبو بكر الداهري فقال: عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر به
. أخرجه أبو نعيم (5 / 62 - 63) وقال: " غريب من حديث حبيب والأعمش، تفرد
به الداهري ". قلت: وهو متروك، لاسيما وقد خالفه الثقات فالاعتماد عليهم.
940 - " إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء ".
روي من حديث أنس وعبد الله بن عباس.
1 - أما حديث أنس، فله عنه طريقان: الأول: عن معاوية بن يحيى عن الزهري عنه
مرفوعا به. أخرجه ابن ماجه (4181) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 49)
والطبراني في " الصغير " (ص 5) والبغوي في " حديث علي بن الجعد " (12 /
169 / 1) وابن المظفر في " الفوائد المنتقاة " (2 / 216 / 2) وأبو الحسن
بن لؤلؤ في " حديث حمزة الكاتب " (206 / 1) وأبو الحسن الحربي في " جزء فيه
نسخة عبد العزيز بن المختار عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة " (164
/ 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (86 / 1) وابن عساكر (8 / 446 / 2، 16
/ 392 / 2) .(2/616)
قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، معاوية بن يحيى وهو الصدفي قال: الحافظ: " ضعيف
: وما حدث بالشام أحسن مما حدث بالري ". وتابعه عباد بن كثير عن عمر بن عبد
العزيز عن الزهري به. أخرجه الباغندي في " مسند عمر " (ص 13) والخطيب في
" الموضح " (2 / 146) . وعباد بن كثير وهو الفلسطيني ضعيف وهو خير من
البصري، ذاك متروك. وتابعه عيسى بن يونس عن مالك عن الزهري به. أخرجه
الخطيب (8 / 4) وعنه ابن عساكر (4 / 327 / 1) من طريق الحسين بن أحمد بن
عبد الله بن وهب الأسدي حدثنا محمد بن عبد الرحمن ابن سهم حدثنا عيسى بن يونس.
قلت: ورجاله ثقات غير الحسين بن أحمد هذا، ترجمه الخطيب وذكر أنه روى عن
جماعة كثيرة سماهم، وعنه عبد الصمد الطستي وأبو بكر الشافعي ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، لكن يظهر أن في نسخة " تاريخ الخطيب " سقطا! فقد حكى ابن
عساكر كلام الخطيب فيه، وزاد في الرواة عنه علي بن محمد بن معلى الشونيزي،
وقال: " قال: وما علمت منه إلا خيرا ". وابن سهم وهو الأنطاكي. ترجمه
الخطيب أيضا (2 / 310) وقال: " وكان ثقة ". وذكر ابن أبي حاتم (2 / 2 /
5) عن أبيه أن مسلما روى عنه: فالظاهر أنه يعني أنه روى عنه خارج " الصحيح ".
وبالجملة فهذا الإسناد حسن، ولا يعكر عليه أن مالكا أخرجه في " الموطأ "(2/617)
(2
/ 905 / 9) عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن يزيد بن طلحة بن ركانة يرفعه
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. لا يعكر هذا على ذاك لأنه إسناد آخر وهو
مرسل، بل هو شاهد للموصول لا بأس به. ويزيد بن طلحة، ترجمه ابن أبي حاتم (
4 / 2 / 273) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن قال السيوطي في " إسعاف
المبطأ ": " له صحبة ".
الثاني: عن سويد بن سعيد حدثنا صالح بن موسى الطلحي حدثنا قتادة عن أنس به.
أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (155 / 1) .
قلت: وهذا سند ضعيف جدا، صالح بن موسى الطلحي متروك كما في " التقريب ".
وسويد بن سعيد ضعيف، وأفحش فيه ابن معين القول.
2 - وأما حديث ابن عباس، فيرويه سعيد بن محمد الوراق حدثنا صالح بن حسان عن
محمد بن كعب عنه مرفوعا به. أخرجه الخرائطي، والعقيلي في " الضعفاء " (187
) وابن عدي في " الكامل " (198 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 220) ،
وقال العقيلي: " صالح بن حسان قال البخاري: " منكر الحديث "، وفي هذا
رواية من وجه آخر أيضا فيه لين ".(2/618)
وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 288
) عن أبيه: " هذا حديث منكر ". وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع طريقي أنس
وحديث يزيد بن طلحة. والله تعالى أعلم.
941 - " يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت، فتقول
الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي، فتقول
الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، ويوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول
الملائكة: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك ما
عبدناك حق عبادتك ".
رواه الحاكم (4 / 586) قال حدثني محمد بن صالح بن هانىء حدثنا المسيب بن زهير
حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي عثمان عن سلمان عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " فذكره ". وقال: " هذا حديث صحيح على شرط
مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: وفيه نظر، فإن هدبة بن خالد وإن كان من شيوخ مسلم، فإن الراوي عنه
المسيب بن زهير لم أر من وثقه، وقد ترجم له الخطيب (13 / 149) وكناه أبا
مسلم التاجر، وذكر أنه روى عنه جماعة، وأنه توفي سنة (285) ، ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا. وقد رواه الآجري في " الشريعة " (382) عن عبيد الله
بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حماد بن سلمة به موقوفا على سلمان.
وإسناده صحيح، وله حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي.
ولجملة الصراط منه شاهد من حديث يزيد عن عبد الرحمن أبي خالد الدالاني، حدثنا
المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود مرفوعا:(2/619)
" يجمع الله الناس يوم القيامة ... فيمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض
مزلة ... " الحديث بطوله. أخرجه الحاكم (4 / 589 - 592) وقال: " صحيح،
وأبو خالد الدالاني ممن يجمع حديثه ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: ما أنكره
حديثا على جودة إسناده. وأبو خالد شيعي منحرف ".
قلت: ترجمه الذهبي وغيره، ولم يذكر أحد أنه شيعي، ثم هو مختلف فيه. وقال
الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا ".
قلت: وجملة الصراط هذه أوردها الحوت في " أسنى المطالب " (ص 123) وقال:
" رواه البيهقي وقال: إسناده ضعيف ".
قلت: وفاته هذا الشاهد القوي من حديث سلمان!
942 - " ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ولا منعوه إلا ضرهم ".
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 195 / 1) وابن منده في " المعرفة "
(2 / 29 / 1) عن إبراهيم بن الحجاج أنبأنا حماد بن سلمة عن هشام ابن عروة عن
أبيه عن(2/620)
عبيد الله بن معمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره
. وليس عند الطبراني الجملة الأخيرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير إبراهيم ابن الحجاج وهو
السامي - بالسين المهملة - وهو ثقة. وقال الهيثمي (8 / 19) : " رواه
الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير إبراهيم بن الحجاج السامي وهو ثقة ".
وللحديث شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا بلفظ: " لا يريد الله بأهل
بيت رفقا إلا نفعهم، ولا يحرمهم إياه إلا ضرهم ". رواه البيهقي في " شعب
الإيمان " كما في " المشكاة " (5103) .(2/621)
943 - " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ".
أخرجه الترمذي (2 / 52) والعقيلي في " الضعفاء " (250) وأبو نعيم في
" الحلية " (3 / 3 / 253) عن عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن
سعد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الترمذي: " هذا
حديث صحيح غريب من هذا الوجه ". كذا قال وهو من تساهله، فقد قال العقيلي:
" عبد الحميد بن سليمان أخو فليح، قال ابن معين: ليس بشيء، وتابعه زكريا بن
منظور وهو دونه ". وقال ابن عدي في " الكامل " (249 / 1) بعد أن رواه من
طريق الأول: " وهو ممن يكتب حديثه ".
قلت: وكلاهما ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب ". وأخرجه الحاكم (4 / 306
) من طريق الآخر وقال:(2/622)
" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت:
زكريا ضعفوه ".
وأقول. والصواب أن الحديث صحيح لغيره، فإن له شواهد تقويه.
الأول: عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه
الخطيب في " التاريخ " (4 / 92) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 116 / 1)
عن علي بن عيسى بن محمد بن المثنى حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي عون
حدثنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عنه. وقال الخطيب: " غريب جدا من حديث مالك
لا أعلم رواه غير أبي جعفر بن أبي عون عن أبي مصعب، وعنه علي بن عيسى
الماليني، وكان ثقة ".
قلت: وكذلك شيخه أبو جعفر ثقة أيضا كما قال الخطيب في ترجمته (1 / 311) .
وأبو مصعب اسمه أحمد بن أبي بكر الزهري المدني وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا
من فوقه، والسند مع غرابته صحيح.
الثاني: عن ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 304،
8 / 290) من طريق الحسن ابن عمارة عن الحكم عن مجاهد عنه وقال: " غريب من
حديث الحكم لم نكتبه إلا من حديث الحسن عنه ". قلت: والحسن متروك.
الثالث: قال ابن المبارك في " الزهد " (509) : أخبرنا إسماعيل بن عياش قال:
حدثني عثمان بن عبد الله بن رافع أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
حدثوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.(2/623)
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، إسماعيل بن عياش ثقة لكنه في
المدنيين ضعيف وهذا منه، فإن عثمان هذا مدني، وقد ترجمه ابن أبي حاتم (3 /
1 / 156) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا لكن ذكر أنه روى عنه جمع من الثقات.
الرابع: وقال ابن المبارك أيضا (620) : أخبرنا حريث بن السائب الأسدي قال:
حدثنا الحسن قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد مرسل حسن الإسناد، الحسن هو البصري، وحريث قال الحافظ:
" صدوق يخطىء من السابعة ".
944 - " ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ".
أخرجه ابن ماجه (4102) وأبو الشيخ في " التاريخ " (ص 183) والمحاملي في
" مجلسين من الأمالي " (140 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (117)
والروياني في " مسنده " (814 / 2 وابن عدي في " الكامل " (117 / 2) وابن
سمعون في " الأمالي " (2 / 157 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 252 -
253 و 7 / 136) وفي " أخبار أصبهان " (2 / 244 - 245) والحاكم (4 / 313)
من طرق عن خالد بن عمر القرشي عن سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد
الساعدي قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله
دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي
بقوله.(2/624)
" قلت: خالد وضاع ".
قلت: لكنه لم يتفرد به كما يأتي. فقال العقيلي: " ليس له من حديث الثوري أصل
وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني ولعله أخذه عنه ودلسه لأن المشهور به خالد
هذا ".
قلت: وهذه المتابعة أخرجها الخلعي في " الفوائد " (18 / 67 / 1) وابن عدي
وقال: " ولا أدري ما أقول في رواية ابن كثير عن الثوري لهذا الحديث، فإن
ابن كثير ثقة، وهذا الحديث عن الثوري منكر ". وتابعه أيضا أبو قتادة قال:
حدثنا سفيان به. أخرجه محمد بن عبد الواحد المقدسي في " المنتقى من حديث أبي
علي الأوقي " (3 / 2) .
قلت: لكن أبو قتادة - وهو عبد الله بن واقد الحراني - قال الحافظ: " متروك،
وكان أحمد يثني عليه، وقال: لعله كبر واختلط، وكان يدلس ".
قلت: فيحتمل احتمالا قويا أن يكون تلقاه عن خالد بن عمرو ثم دلسه عنه، كما
قال ابن عدي في متابعة ابن كثير. لكن قوله فيه أعني ابن كثير أنه ثقة، فيه
نظر، فقد ضعفه جماعة من الأئمة منهم الإمام أحمد، كما رواه عنه ابن عدي نفسه
في ترجمته من " الكامل " (370 / 2) ثم ختمها بقوله: " له أحاديث مما لا
يتابعه أحد عليه " فكيف يكون مثله عنده ثقة؟ ! فالظاهر أنه اشتبه عليه بمحمد
بن كثير العبدي فإنه(2/625)
ثقة من رجال الشيخين وقد قال الحافظ في ترجمة الصنعاني:
" صدوق كثير الغلط ". وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 107) : " سألت
أبي عن حديث رواه علي بن ميمون الرقي عن محمد بن كثير عن سفيان (قلت: فذكره،
وقال:) فقال أبي: هذا حديث باطل. يعني بهذا الإسناد ". ثم قال ابن عدي:
" وقد روي عن زافر عن محمد بن عيينة أخو سفيان بن عينية عن أبي حازم عن سهل.
وروي أيضا من حديث زافر عن محمد بن عينية عن أبي حازم عن ابن عمر ".
قلت: وزافر - وهو ابن سليمان - صدوق كثير الأوهام ونحوه محمد بن عينية،
فإنه صدوق له أوهام كما في " التقريب "، وقد اضطرب أحدهما في إسناده، فمرة
جعله من مسند سهل، وأخرى من مسند ابن عمر. والأول أولى لموافقته للمتابعات
السابقة.
على أني قد وجدت له طريقا أخرى عن ابن عمر. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(3 / 162 / 3) عن محمد بن أحمد بن العلس: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي
أويس حدثنا عن مالك عن نافع عنه. وهذا إسناد رجاله رجال الشيخين غير ابن
العلس هذا فلم أعرفه.
وقد وجدت له شاهدا مرسلا بإسناد جيد بلفظ: " ازهد في الدنيا يحبك الله وأما
الناس، فانبذ إليهم هذا يحبوك ".(2/626)
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 41) من طريق أبي أحمد إبراهيم ابن محمد بن
أحمد الهمداني حدثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم المستملي حدثنا أبو عبيدة ابن أبي
السفر حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا المفضل بن يونس حدثنا إبراهيم بن أدهم عن
منصور عن مجاهد عن أنس: " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني
على عمل إذا أنا عملته أحبني الله عز وجل وأحبني الناس عليه، فقال له النبي
صلى الله عليه وسلم.. " فذكره وقال: " ذكر أنس في هذا الحديث وهم من عمر أو
أبي أحمد، فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع فلم يجاوزوا فيه مجاهدا ".
ثم ساقه من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا الحسن بن الربيع أبو علي البجلي
به مرسلا مرفوعا، لم يذكر فيه أنسا وقال: " قال الحسن، قال المفضل: لم
يسند لنا إبراهيم بن أدهم حديثا غير هذا، ورواه طالوت عن إبراهيم، فلم يجاوز
به إبراهيم، وهو من حديث منصور ومجاهد عزيز، مشهوره ما رواه سفيان الثوري
عن أبي حازم عن سهل بن سعد ".
قلت: قد تقدم حديث سفيان من طرق عنه وهي وإن كانت ضعيفة ولكنها ليست شديدة
الضعف - بإستثناء رواية خالد بن عمرو الوضاع - فهي لذلك صالحة للاعتبار،
فالحديث قوي بها ويزداد قوة بهذا الشاهد المرسل، فإن رجاله كلهم ثقات أما من
وصله، ففيه ضعف، فإن أبا حفص عمر بن إبراهيم قال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق، في حديثه عن قتادة ضعف ". وأما أبو أحمد إبراهيم بن محمد بن أحمد
الهمداني فلم أجد له ترجمة وكلام أبي نعيم المتقدم فيه يشعر بأنه محل للضعف.
وجملة القول أن الحديث صحيح بهذا الشاهد المرسل،(2/627)
والطرق الموصولة المشار
إليها. والله أعلم.
945 - " أوجب طلحة ".
رواه الترمذي (1 / 316) وفي " الشمائل " (ص 85) وابن حبان (2212)
والحاكم (3 / 374) وأحمد (1 / 165) وابن هشام في " السيرة " (3 / 91 -
92) من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله ابن الزبير عن أبيه عن
جده عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام قال: " كان على النبي صلى
الله عليه وسلم درعان يوم أحد فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته فصعد
النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة، فقال: سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول ". فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "!
ووافقه الذهبي! وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن
إسحاق ".
قلت: وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد وابن هشام وابن حبان، فأمنا بذلك
تدليسه، فالحديث حسن كما قال المنذري وليس على شرط مسلم لأنه إنما أخرج لابن
إسحاق متابعة. لكن له شاهد من حديث عائشة أم المؤمنين مرفوعا به. أخرجه
الحاكم (3 / 376) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". لكن رده الذهبي بقوله:
" قلت: لا والله، وإسحاق (بن يحيى بن طلحة) قال أحمد متروك ".(2/628)
946 - " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما
أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل
فيما علم ".
أخرجه الترمذي (2 / 67) وأبو يعلى في " مسنده " (254 / 2) والطبراني في
" المعجم الكبير " (1 / 48 / 1) " والصغير " (رقم 648 - الروض) وابن عدي
في " الكامل " (ق 95 / 1) والخطيب (12 / 440) وابن عساكر في " تاريخ دمشق
" (5 / 182 / 1، 12 / 239 / 2) من طريق حسين بن قيس الرحبي حدثنا عطاء بن
أبي رباح عن ابن عمر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكره.
وقال الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله
عليه وسلم إلا من حديث الحسين بن قيس، وهو يضعف في الحديث من قبل حفظه ".
قلت: لكن له شواهد تدل على أنه قد حفظه من حديث أبي برزة الأسلمي ومعاذ بن
جبل.
1 - أما حديث أبي برزة، فيرويه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن سعيد بن عبد الله
بن جريج عنه. أخرجه الترمذي والدارمي (1 / 131) وأبو يعلى في " مسنده "
(353 / 2) والخطيب في " اقتضاء العلم العمل " (رقم 1 بتحقيقي) وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وتابعه إبراهيم الزراع حدثنا ابن نمير عن الأعمش به. أخرجه أبو نعيم في
" الحلية " (10 / 232) . وابن نمير ثقة، لكن إبراهيم هذا لم أعرفه.(2/629)
2 - وأما حديث معاذ، فيرويه صامت بن معاذ الجندي حدثنا عبد المجيد ابن عبد
العزيز بن أبي رواد عن سفيان الثوري عن صفوان بن سليم عن عدي ابن عدي عن
الصنابحي عنه. أخرجه الخطيب في " الاقتضاء " (2) وفي " التاريخ " (11 /
441) . وهذا سند لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير عبد المجيد وصامت
ففيهما ضعف، وقد قال المنذري في " الترغيب " (4 / 198) : " رواه البزار
والطبراني بإسناد صحيح ". فالظاهر أنهما أخرجاه من غير هذا الوجه وإلا فهو
بعيد عن الصحة! وقد رواه ليث عن عدي بن عدي به موقوفا. أخرجه الدارمي (1 /
131) والخطيب (3) لكنه قال: " رجاء بن حيوة " مكان " الصنابحي ". والأول
أصح. وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف وقد أوقفه، والرفع هو الصواب لهذه
الشواهد. وقد روي من حديث ابن عباس وزاد في آخره: " وعن حبنا أهل البيت "
. وهو بهذه الزيادة باطل، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر (1922) .(2/630)
947 - " ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ".
رواه ابن عدي (7 / 2) عن إسماعيل بن سليمان الأزرق عن أنس مرفوعا.
وقال: " إسماعيل هذا قال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". وله شاهد من حديث ثوبان.
رواه القضاعي (102 / 2) من طريق يزيد بن ربيعة قال: سمعت أبا الأشعث يقول:
سمعت ثوبان يقول: فذكره. ويزيد بن ربيعة هو الرحبي الدمشقي وهو ضعيف. لكن
له شاهد ثان من حديث أبي الدرداء مرفوعا به في آخر حديث له. وإسناده صحيح،
وقد خرجته في " المشكاة " (5218) .
وله شاهد ثالث عن أبي سعيد. رواه أبو يعلى في " مسنده " (1 / 295) : حدثنا
محمد بن عباد أنبأنا أبو سعيد عن صدقة بن الربيع عن عمارة بن غزية عن عبد
الرحمن ابن أبي سعيد - أراه عن أبيه شك أبو عبد الله - قال: سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم وهو على الأعواد وهو يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير صدقة بن الربيع، أورده ابن
أبي حاتم (2 / 1 / 433) بهذه الرواية عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
وأما الهيثمي فجزم في " المجمع " (10 / 256) بأنه ثقة. ولعل عمدته في ذلك
أن يكون رآه في " الثقات " لابن حبان، كما وقع له في تراجم كثيرة.
وأبو سعيد هو مولى بني هاشم، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله البصري.(2/631)
948 - " أفضل الناس كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما
مخموم القلب؟ قال: التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد ".
رواه ابن ماجه (4216) وابن عساكر (17 / 29 / 2) من طريقين عن يحيى بن حمزة
حدثني زيد بن واقد عن مغيث بن سمي الأوزاعي عن عبد الله بن عمرو قال:
" قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم ... ".
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وتابعه القاسم بن موسى عن زيد بن واقد
به. أخرجه ابن عساكر وقال: " وكذا رواه صدقة بن خالد عن زيد "..
قلت: وزاد ابن عساكر من طريق القاسم بن موسى، وفي إحدى الطريقين عن يحيى بن
حمزة: " قالوا: فمن يليه يا رسول الله؟ قال الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة،
قالوا: ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا
: فمن يليه؟ قال: مؤمن في خلق حسن ". وقد عزاه السيوطي في " زيادة الجامع
الصغير " لابن ماجه بهذه الزيادة وليست عنده كما رأيت، وقد عزاه في " الجامع
الكبير " للحكيم والطبراني وأبي نعيم في " الحلية " والبيهقي في " الشعب "،
فالظاهر أن الزيادة لهم أو لبعضهم على الأقل.(2/632)
949 - " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي
راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم
يأته من الدنيا إلا ما قدر له ".
أخرجه الترمذي (2 / 76) عن الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان وهو الرقاشي عن
أنس مرفوعا. وسكت عنه الترمذي، وهو إسناد ضعيف لكنه حسن في المتابعات،
قال المنذري (4 / 82) : " ورواه الترمذي عن يزيد الرقاشي عنه وقد وثق ولا
بأس به في المتابعات ". قلت: وورد بلفظ أتم منه وهو: " من كانت الدنيا
همته وسدمه ولها شخص وإياها ينوي، جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه
ضيعته ولم يأته منها إلا ما كتب له منها ومن كانت الآخرة همته وسدمه ولها
شخص وإياها ينوي، جعل الله عز وجل الغنى في قلبه وجمع عليه ضيعته وأتته
الدنيا وهي صاغرة ". قال المنذري (3 / 9) : " رواه البزار والطبراني
واللفظ له، وابن حبان في صحيحه عن أنس ".
قلت: ولعل هؤلاء أو بعضهم لاسيما ابن حبان أخرجوه من طريق غير طريق الرقاشي
السابقة. والله أعلم. وقد أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 8 / 2 و 129 / 1
) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة، ومن طريق داود بن محبر حدثنا
همام عن قتادة، كلاهما عن أنس به. ثم رأيته في " زوائد البزار " (ص 322) من(2/633)
طريق إسماعيل عن الحسن وحده. وإسماعيل هذا هو المكي، ضعيف. وله شاهد بلفظ
: " من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من
الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في
قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ".
950 - " من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من
الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في
قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 524 - 525) وابن حبان (72) من طريق شعبة عن عمرو بن
سليمان قال: سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ابن عفان عن أبيه عن زيد بن
ثابت مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات كما قال في " الزوائد ".
951 - " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال
الرياء، يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس: اذهبوا إلى
الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟! ".
رواه أحمد (5 / 428 و 429) وأبو محمد الضراب في " ذم الرياء " (277 / 2 /
299 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 201 / 1) عن عمرو بن أبي عمر وعن
عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم. وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمود بن لبيد،
فإنه من رجال مسلم وحده، قال الحافظ: " وهو صحابي صغير، وجل روايته عن
الصحابة ".(2/634)
قلت: له في " المسند " عدة أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 217 / 1) عن عبد الله بن شبيب
أنبأنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو به
إلا أنه قال: عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج مرفوعا.
قلت: وعبد الله بن شبيب واه، فلا تقبل زيادته.
952 - " لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ".
رواه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 90، 7 / 246) وابن عساكر (2 / 11 / 1)
عن المسيب بن واضح حدثنا يوسف بن سباط حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر
عن جابر مرفوعا. وقال أبو نعيم: " تفرد به عن الثوري يوسف بن أسباط ".
قلت: وهو ضعيف ومثله المسيب بن واضح. لكن له شاهدان يتقوى بهما:
الأول: من حديث أبي سعيد الخدري. يرويه علي بن يزيد الصدائي، أنبأنا فضيل بن
مرزوق عن عطية عنه مرفوعا به. أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (ق
143 / 2) والطبراني في " الأوسط " (1 / 135 / 2) وابن عدي في " الكامل "
(263 / 2) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالضعفاء، عطية العوفي فمن دونه.
والشاهد الآخر من حديث أبي الدرداء وقد خرجته في تعليقي على " المشكاة "
(5312) وقد صححه ابن حبان، فالحديث حسن على أقل المراتب. والله أعلم.(2/635)
953 - " ما رأيت مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها ".
أخرجه بن المبارك في " الزهد " (رقم 27) والترمذي (2 / 99) وأبو نعيم في
" الحلية " (8 / 178) وفي " صفة الجنة " (6 / 1) والقضاعي في " مسند
الشهاب " (67 / 3) والسلفي في " معجم السفر " (153 / 2) عن يحيى بن عبيد
الله المديني عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: فذكره. وقال أبو نعيم: " لم يروه عن عبيد الله بن موهب إلا ابنه يحيى ".
قلت: وهو متروك، وأبوه مجهول. وقال الترمذي: " هذا حديث إنما نعرفه من
حديث يحيى بن عبيد الله، وهو ضعيف عند أكثر أهل الحديث ".
قلت: وقد أخرجه ابن المبارك أيضا (28) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن
قال: فذكره موقوفا عليه، وهو الأشبه. ثم وجدت للحديث شاهدين مرفوعين يتقوى
بهما. الأول: عن عمر بن الخطاب مرفوعا به. أخرجه السهمي في " تاريخ جرجان "
(ص 302، 335) من طريق سعد بن سعيد عن أبي طيبة عن كرز بن وبرة عن الربيع بن
خثيم عنه.(2/636)
قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد: الربيع هذا ثقة مخضرم. وكرز بن وبرة
أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 170) من رواية جماعة من الثقات عنه ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا، وطول ترجمته جدا السهمي (ص 295 - 316) قال: " وكان
معروفا بالزهد والعبادة ". وأبو طيبة اسمه عبد الله بن مسلم السلمي، قال
الحافظ: " صدوق يهم ". وسعد بن سعيد وهو الجرجاني قال البخاري: " لا يصح
حديثه " يعني حديثا معينا غير هذا. وقال ابن عدي: " رجل صالح له عن الثوري
ما لا يتابع عليه، دخلته غفلة الصالحين ".
والآخر: عن أنس مرفوعا به. رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع
الزوائد " وقال (10 / 412) : " وفيه محمد بن مصعب القرقساني، وهو ضعيف
بغير كذب ". فالحديث بمجموع الطريقين حسن إن شاء الله تعالى.
954 - " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله تعالى غالية ألا إن سلعة
الله الجنة جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه ".(2/637)
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 377) عن وكيع والحاكم (4 / 308) من
طريق عبد الله بن الوليد العدني كلاهما عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل
عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكره. وقال أبو نعيم: " غريب، تفرد به وكيع عن الثوري بهذا اللفظ ".
قلت: كلا، فقد تابعه العدني كما رأيت وتابعه أيضا قبيصة عن سفيان به دون
الإدلاج والسلعة وكذلك أخرجه أحمد (5 / 136) عن وكيع وزاد قبيصة في أوله:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام، فقال: يا أيها
الناس! اذكروا الله، جاءت الراجفة.... ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح
". قلت: وإسناده حسن من أجل الخلاف المعروف في ابن عقيل. ومن طريق قبيصة
أخرجه أبو نعيم أيضا (1 / 256) والحاكم (2 / 421، 513) وقال: " صحيح
الإسناد "! ووافقه الذهبي! وإنما هو حسن فقط لما ذكرنا. وتابعه أيضا محمد
بن يوسف حدثنا سفيان به مثل رواية قبيصة. أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص
36) . وللحديث شاهد من رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا به دون قوله:
" جاءت ... ". خرجه الترمذي وحسنه وفيه ضعف بينته في التعليق على " المشكاة
" (5348) .(2/638)
955 - " شيبتني (هود) و (الواقعة) و (المرسلات) و (عم يتساءلون) و (إذا
الشمس كورت) ".
أخرجه الترمذي (2 / 225) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 435) وأبو نعيم في
" الحلية " (4 / 350) والحاكم (2 / 344) والضياء في " الأحاديث المختارة
" (66 / 75 / 1) من طريق شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال:
" قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله قد شبت؟ قال ". فذكره، وقال
الترمذي: " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه ".
قلت: قد تابعه أبو الأحوص عن أبي إسحاق الهمداني به. أخرجه الحاكم (2 / 476
) وقال: " صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وإن كان
قد أعل بالاختلاف في إسناده، فقد اتفق شيبان وأبو الأحوص على وصله من هذا
الوجه وهما ثقتان، فاتفاقهما حجة، ثم وجدت لهما متابعا آخر وهو إسرائيل عند
ابن سعد قرنه مع شيبان. قال الترمذي عقب ما سبق نقله عنه: " وروى علي بن
صالح هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة نحو هذا، وروي عن أبي إسحاق عن
أبي ميسرة شيء من هذا مرسلا. وروى أبو بكر بن عياش عن إسحاق عن عكرمة عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث شيبان عن أبي إسحاق ولم يذكر فيه " عن ابن
عباس "، حدثنا بذلك هاشم بن الوليد الهروي حدثنا أبو بكر بن عياش ".
قلت: ورواية علي بن صالح وصلها عنه أبو نعيم، ثم قال عقبها:(2/639)
" اختلف على
أبي إسحاق، فرواه أبو إسحاق عن أبي جحيفة وروي عنه عن عمرو بن شرحبيل عن أبي
بكر وروي عنه عن مسروق عن أبي بكر وروي عنه عن مصعب بن سعد عن أبيه وروي عنه
عن عامر بن سعد عن أبي بكر وروي عنه عن أبي الأحوص عن عبد الله، رضي الله
تعالى عنهم ".
قلت: وذكر ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 110، 124) بعض هذه الوجوه من
الاختلاف، ثم قال عن أبيه: " ورواه شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة أن أبا بكر
قال للنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا أشبه بالصواب ". كذا قال لم يذكر بينهما
ابن عباس والصواب إثباته كما تقدم تخريجه من رواية الجماعة عنه، فلا أدري
أسقط ذكره من الناسخ أم هكذا وقع عند أبي حاتم، فإن كان كذلك فهو يعني أن
الصواب أنه مرسل وهذا لا يلتقي مع قوله في الموضع الأول المشار إليه وهو:
" سئل أبي عن حديث أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال أبو بكر ... الحديث متصل
أصح، كما رواه شيبان، أو مرسل كما رواه أبو الأحوص؟ قال مرسل أصح ".
قلت: فلعل قوله في الموضع الآخر: " ورواه شيبان ... " سبق قلم منه أراد أن
يقول أبو الأحوص، فقال: شيبان، لكن رواية أبي الأحوص عند الحاكم متصلة أيضا
كما تقدم، فالأمر مشكل وهو يحتاج إلى مزيد من التحقيق وعسى أن ييسر لنا ذلك
بعد. ثم رأيت ابن سعد قد روى عن ثقتين قالا: أنبأنا أبو الأحوص أنبأنا أبو
إسحاق عن عكرمة قال: قال أبو بكر. فعرفت أن أبا الأحوص قد اختلف عليه في وصله
وإرساله، فرواه الحاكم عنه(2/640)
موصولا كما تقدم ورواه ابن سعد هكذا مرسلا وهي
الرواية التي قال عنها أبو حاتم: إنها أشبه بالصواب. والله أعلم. والحديث
أخرجه ابن سعد عن قتادة مرفوعا مختصرا بلفظ: " شيبتني هود وأخواتها ".
وإسناده صحيح لولا أنه مرسل. لكن رواه الطبراني في " الكبير " عن عقبة بن
عامر مرفوعا به. قال الهيثمي (7 / 37) : " ورجاله رجال الصحيح ". وأخرجه
أيضا من حديث سهل بن سعد مرفوعا به وزاد: " (الواقعة) و (الحاقة) و (إذا
الشمس كورت) ".(2/641)
لكن في سنده سعيد بن سلام العطار وهو كذاب. ورواية أبي
إسحاق عن مسروق عن أبي بكر التي ذكرها أبو نعيم، وصلها أبو بكر الشافعي في
" الفوائد " (1 / 28) عن هشام بن عمار حدثنا أبو معاوية عن زكريا بن أبي
زائدة عنه مختصرا: " شيبتني هود وأخواتها ". ورجاله ثقات. وكذا رواه ابن
مردويه وزاد كما في " الجامع ": " قبل المشيب ". وأخرجه الخطيب في " تاريخ
بغداد " (3 / 145) من طريق محمد ابن سيرين عن عمران بن الحصين مرفوعا به دون
الزيادة.
قلت: وإسناده حسن. وأخرجه أبو الشيخ في " أحاديثه " (13 / 1) من طريق
جبارة حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبيه قال
: " قلت: يا رسول الله لقد شبت، قال " فذكره.
قلت: وعبد الكريم هو البجلي الكوفي مقبول عند الحافظ. وجبارة هو ابن مغلس
الحماني وهو ضعيف.
956 - " إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم سلط شرارها
على خيارها ".
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (رقم 187 - رواية نعيم) والمعافى بن عمران(2/642)
في " الزهد " (ق 238 / 2) والترمذي (2 / 42 - 43) والعقيلي في " الضعفاء
"
(408) وابن عدي في " الكامل " (323 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان "
(1 / 308) والبيهقي في " الدلائل " (ج 2) من طرق عن موسى بن عبيدة عن عبد
الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية عن يحيى بن سعيد
الأنصاري حدثنا بذلك محمد بن إسماعيل الواسطي حدثنا أبو معاوية عن يحيى بن سعيد
عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولا يعرف
لحديث أبي معاوية عن يحيى بن سعيد أصل، إنما المعروف حديث موسى بن عبيدة وقد
روى مالك بن أنس هذا الحديث عن يحيى بن سعيد مرسلا ولم يذكر فيه عن عبد الله
بن دينار عن ابن عمر ".
قلت: موسى بن عبيدة ضعيف لكن متابعة يحيى بن سعيد تشهد لصحة حديثه وقول
الترمذي: إنه لا أصل له عنه، أراه مجازفة ظاهرة لأن السند إليه بذلك صحيح،
فإن أبا معاوية ثقة من رجال الشيخين ومحمد بن إسماعيل الواسطي ثقة حافظ كما
قال الحافظ، ومالك كثيرا ما يرسل ما هو معروف وصله كما لا يخفى على العالم
بهذا الفن الشريف، على أنه يبدو أنه قد اختلف فيه على مالك، فقد أخرجه نصر
المقدسي في (المجلس 347 من " الأمالي ") من طريق القعنبي عبد الله بن مسلمة
ابن قعنب قال: أنبأنا مالك عن يحيى بن سعيد عن يحنس مولى الزبير مرفوعا به إلا
أنه قال: " سلط بعضهم على بعض ". فزاد في السند يحنس هذا. وكذلك أخرجه
الداني في " الفتن " (188 / 1 - 2) والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 2) من
طريق أخرى عن يحيى بن سعيد به. وخالفهم الفرج بن فضالة فقال: عن يحيى بن
سعيد الأنصاري يرفعه.(2/643)
أخرجه أبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 37 / 2) . لكن
الفرج هذا ضعيف. وخالفهم أيضا حماد بن سلمة حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن
عبيد ابن سنوطا عن خولة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
أخرجه ابن حبان (1864) من طريق مؤمل بن إسماعيل: حدثنا حماد بن سلمة به.
لكن مؤمل هذا صدوق سيء الحفظ كما في " التقريب ". فيبدو من هذا التخريج أن
الرواة اختلفوا على يحيى بن سعيد في إسناده وأن الأرجح رواية من قال عنه عن
يحنس لأنهم أكثر. ثم رواية من قال عنه عبد الله بن دينار عن ابن عمر لأنه ثقة
كما سبق وتترجح هذه على ما قبلها بمتابعة موسى بن عبيدة، وهو وإن كان ضعيفا
كما تقدم، فلا بأس به في المتابعات إن شاء الله تعالى. ويحنس هذا يكنى أبو
موسى. قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 313) : " روى عن عمر وأبي سعيد وأبي
هريرة، روى عنه وهب بن كيسان ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن الهاد وقطن بن
وهب ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة،
أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 237) ، قال: " رواه الطبراني في " الأوسط
"، وإسناده حسن ".(2/644)
957 - " يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر ".
رواه الترمذي (2 / 42) وابن بطة في " الإبانة " (1 / 173 / 2) عن عمر بن
شاكر عن أنس مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب من هذا الوجه، وعمر بن
شاكر شيخ بصري وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم ".
قلت: وهو ضعيف كما في " التقريب ". لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة:
الأول: عن أبي ثعلبة الخشني في حديث له بلفظ: " فإن من ورائكم أياما الصبر
فيهن مثل القبض على الجمر.. " الحديث. أخرجه جماعة منهم الترمذي (2 / 177)
وقال:(2/645)
" حديث حسن غريب "، وصححه ابن حبان (1850) .
قلت: وفي سنده ضعف كما كنت بينته في " تخريج المشكاة (5144) .
الثاني: عن أبي هريرة مرفوعا في حديث له: " المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على
الجمر ". أخرجه أحمد (5 / 390 - 391) وأبو عمرو بن منده في " أحاديثه " (ق
18 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 252 / 2) من طرق عن ابن لهيعة
عن أبي يونس عنه.
قلت: وإسناده لا بأس في الشواهد رجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه سيء الحفظ.
الثالث: عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " يأتي على الناس زمان المتمسك فيه بسنتي
عند اختلاف أمتي كالقابض على الجمر ". أخرجه أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح
المعاني " (ق 188 / 2) والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو "
(99 / 1) من طريقين عن حميد بن علي البختري حدثنا(2/646)
جعفر بن محمد الهمداني
حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عنه.
قلت: من دون أبي إسحاق - واسمه إبراهيم بن محمد ثقة حافظ - لم أعرفهم.
وقد عزاه السيوطي للحكيم الترمذي عن ابن مسعود، وبيض له المناوي!
وجملة القول أن الحديث بهذه الشواهد صحيح ثابت لأنه ليس في شيء من طرقها متهم
، لاسيما وقد حسن بعضها الترمذي وغيره، والله أعلم.
958 - " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن
قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن
الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل:
يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت ".
أخرجه أبو داود (4297) والروياني في " مسنده " (25 / 134 / 2) وابن عساكر
في " تاريخ دمشق " (8 / 97 / 2) من طرق عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني
أبو عبد السلام عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، فإن ابن جابر ثقة من رجال
" الصحيحين ". وشيخه أبو عبد السلام مجهول لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه أبو
أسماء الرحبي عن ثوبان به. أخرجه أحمد (5 / 278) وابن أبي الدنيا في
" العقوبات " (62 / 1) ومحمد بن محمد بن مخلد البزار في " حديث ابن السماك "
(182 - 183) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 182) عن المبارك بن فضالة حدثنا
مرزوق أبو عبد الله الحمصي أنبأنا أبو أسماء الرحبي.
قلت: وهذا سند جيد، رجاله ثقات والمبارك إنما يخشى منه التدليس أما وقد(2/647)
صرح بالتحديث فلا ضير منه، فالحديث بمجموع الطريقين صحيح عندي. والله أعلم.
959 - " أمتي أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل
والقتل ".
أخرجه أبو داود (4278) والحاكم (4 / 444) وأحمد (4 / 410 و 418) من
طريق المسعودي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي!
وقال الحافظ ابن حجر في " بذل الماعون " (54 / 2) : " سنده حسن ".
كذا قالوا، والمسعودي كان اختلط. ولكن الحديث صحيح، فقد أخرجه أحمد (4 /
408) والبخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 38 - 39) والطبراني في
" المعجم الصغير " (ص 3) والقاضي الخولاني في " تاريخ داريا " (ص 82 - 83)
وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (154 / 1) والواحدي في " الوسيط "
(1 / 128 / 1) من طرق أخرى كثيرة عن أبي بردة به. ولأبي بردة فيه إسناد آخر
، فقال محمد بن فضيل بن غزوان: حدثنا صدفة بن المثنى حدثنا رياح عن أبي بردة
قال: " بينما أنا واقف في السوق في إمارة زياد، إذ ضربت بإحدى يدي على الأخرى
تعجبا، فقال رجل من الأنصار - قد كانت لوالده صحبة مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم -: مما تعجب يا أبا بردة؟ قلت: أعجب من قوم دينهم واحد ونبيهم واحد
ودعوتهم واحدة وحجهم(2/648)
واحد وغزوهم واحد يستحل بعضهم قتل بعض، قال: فلا تعجب
، فإني سمعت والدي أخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره.
أخرجه البخاري في " التاريخ " والحاكم (4 / 353 - 254) وقال:
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: هو كما قالا لولا الرجل الأنصاري الذي لم يسم. ثم أخرجه الحاكم (1 / 49
و4 / 254) وكذا الطحاوي في " المشكل " (1 / 105) والخطيب في " التاريخ "
. (4 / 205) من طريق أبي حصين عن أبي بردة عن عبد الله بن يزيد مرفوعا بلفظ.
" جعل عذاب هذه الأمة في دنياها ". وقال الحاكم والزيادة له: " صحيح على
شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وإنما هو على شرط البخاري وحده فإن أبا بكر بن
عياش لم يخرج له مسلم. وبايعه الحسن بن الحكم النخعي عن أبي بردة به دون
الزيادة. أخرجه الحاكم (1 / 50) .
960 - " ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة ".
رواه النسائي (2 / 62) والترمذي (3 / 19) وابن ماجه (2802) والدارمي
(2 / 205) وابن بشران في " الأمالي " (18 / 7 / 2) وأبو نعيم في
" الحلية " (8 / 264 - 265) والبيهقي (9 / 164) والبغوي في " شرح السنة "
(3 / 141 / 1) كلهم من(2/649)
طريق محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن
أبي هريرة مرفوعا، وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب صحيح "، وقال
أبو نعيم: " ثابت مشهور من حديث القعقاع عن أبي صالح ".
قلت: ورجاله كلهم ثقات إلا أن محمد بن عجلان في حفظه شيء من الضعف وقد قال
فيه الذهبي: " إنه متوسط في الحفظ ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى وقد
صحح له جماعة منهم ابن حبان، فقد أخرج له أحاديث جمة منها هذا الحديث برقم
(1613) .
961 - " إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه. يعني القرآن ".
أخرجه الترمذي (2 / 150) : حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي
عن معاوية عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير ابن نفير مرفوعا
مرسلا.
قلت: وسكت عليه الترمذي، وقال البخاري في " أفعال العباد " ص (91) :
" هذا الخبر لا يصح لإرساله وانقطاعه ".
قلت: لكنه ورد موصولا، فأخرجه الحاكم (1 / 555) وعنه البيهقي في " الأسماء
الصفات " (236) من طريق سلمة بن شبيب حدثني أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن
مهدي عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير
عن أبي ذر الغفاري مرفوعا به وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " وأقره البيهقي،
ووافقه الذهبي.(2/650)
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير زيد بن أرطاة وهو ثقة كما في " التقريب
". ثم أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح به إلا
أنه ذكر عقبة بن عامر بدل أبي ذر، ثم قال البيهقي: " ويحتمل أن يكون جبير بن
نفير رواه عنهما جميعا، ورواه غيره عن أحمد بن حنبل دون ذكر أبي ذر رضي الله
عنه في إسناده ".
قلت: أخرجه كذلك مرسلا في كتاب " الزهد " لأحمد كما في الجامع الصغير، لكن
سلمة بن شبيب الذي رواه عنه موصولا ثقة احتج به مسلم فزيادته مقبولة ويقوي
الحديث أن له شاهدا من حديث أبي أمامة مرفوعا بسند ضعيف قد خرجته في " المشكاة
" (1332) .(2/651)
962 - " كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة إذا اتقى الله. وأشار
مالك: بالسبابة والوسطى ".
أخرجه مسلم (8 / 221) وأحمد (2 / 375) واللفظ له من حديث أبي هريرة
مرفوعا به. وله شاهد من حديث مرة الفهري بتقديم وتأخير. رواه الخرائطي في
" مكارم الأخلاق " ص (73) عن أنيسة عن أم سعد ابنة مرة الفهري عنه به.
وسنده ضعيف، وروي بلفظ: " أنا وكافل اليتيم " وسبق ذكره برقم (800) .
963 - " لا يزال هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ".
أخرجه أحمد (5 / 92، 94، 105) والطيالسي (ص 104 رقم 756) من طرق عن سماك
بن حرب عن جابر بن سمرة مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه
في " صحيحه " (6 / 53) بلفظ: " لن يبرح هذا الدين " والباقي مثله سواء،
واستدركه الحاكم (4 / 449) فوهم. وهو رواية لأحمد (5 / 103، 106، 108)
لكنه قال في هذه الرواية عن جابر بن سمرة قال: " نبئت أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال " فذكره، وفي أخرى له (585) : عن جابر بن سمرة عمن حدثه عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم فرجع الحديث إلى أنه عن رجل من الصحابة لم يسم وهو
حجة، على أنه قد وقع عند الطيالسي تصريح جابر بن سمرة بسماعه من النبي صلى
الله عليه وسلم فالله أعلم.(2/652)
ثم وجدت له طريقا أخرى عن جابر مصرحا بسماعه من
النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الخطيب (12 / 250 - 251) من طريق عباس بن
محمد الدوري حدثنا عاصم بن عمر المقدمي حدثنا أبي عن فطر بن خليفة عن أبي خليفة
عن أبي خالد الوالبي قال: حدثنا جابر بن سمرة السوائي قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يزل هذا الأمر ظاهرا لا يضره من ناوأه ".
وقال: حدثنا عاصم بن عمر المقدمي حدثنا أبي عن فطر بن خليفة عن معد بن خالد
الجدلي عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. والإسنادان
رجالهما ثقات غير أن الإسناد الأول فيه أبو خالد الوالبي، قال في " التقريب "
: مقبول، أي: لين الحديث. وأما الراوي عنه أبو خليفة فلم أعرفه، ولعل
الأصل: فطر بن خليفة بن أبي خليفة فتصحفت لفظة (ابن) على الناسخ فصارت (عن
) كما يقع ذلك كثيرا في الأسانيد. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقد صح الحديث من طريق أخرى بلفظ:
" لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من
قريش ".(2/653)
964 - " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من
قريش ".
أخرجه مسلم (6 / 4) وأحمد (5 / 86، 87، 88، 89) من طريق حاتم بن
إسماعيل عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن جابر بن سمرة
مرفوعا. وللحديث طرق أخرى كثيرة عن جابر نحوه، فانظر الحديث المتقدم (375) .
965 - " لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة ".
رواه مسلم (6 / 54) وابن الأعرابي في " المعجم " (31 / 1 / 112 / 1)
والجرجاني (424) والدورقي في " مسند سعد " (3 / 136 / 2) وابن منده في
" المعرفة " (2 / 179 / 1) من حديث أبي عثمان عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا
. واعلم أن المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل الشام لأنهم يقعون في الجهة
الغربية الشمالية بالنسبة للمدينة المنورة التي فيها نطق عليه الصلة والسلام
بهذا الحديث الشريف، ففيه بشارة عظيمة لمن كان فيها من أنصار السنة المتمسكين
بها والذابين عنها والصابرين في سبيل الدعوة إليها. نسأل الله تعالى أن
يجعلنا منهم وأن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم.(2/654)
966 - " لا يزال الناس يسألون يقولون: ما كذا ما كذا حتى يقولوا: الله خالق الناس
فمن خلق الله؟ فعند ذلك يضلون ".
رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (59 / 1) من طريق محمد بن فضيل عن المختار بن
فلفل عن أنس بن مالك مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه (1 / 85) دون قوله: " فعند
ذلك يضلون ". ثم رواه من حديث أبي هريرة نحوه وفيه (فليستعذ بالله ولينته)
، وقد مضى (117) .
967 - " لو أن العباد لم يذنبوا لخلق الله عز وجل خلقا يذنبون، ثم يغفر لهم وهو
الغفور الرحيم ".
أخرجه الحاكم (4 / 246) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 204) عن شعبة عن أبي
بلج يحيى بن أبي سليم عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه
مرفوعا. أورده شاهدا لحديث أبي هريرة الآتي بعده إن شاء الله وسكت عليه.
وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الستة غير أبي بلج (بفتح أوله وسكون
اللام بعدها جيم وفي الأصل: بلح بالحاء وهو خطأ) يحيى بن أبي سليم وهو
صدوق ربما أخطأ كما في التقريب. ويشهد له: " لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها
الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم ".(2/655)
968 - " لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم
".
أخرجه مسلم (8 / 94) من طريق محمد بن كعب القرظي عن أبي صرمة عن أبي أيوب
الأنصاري مرفوعا. وله عنده طريق أخرى عن أبي صرمة بلفظ: " لولا أنكم
تذنبون ". ويأتي إن شاء الله برقم (1963) . وله شاهد من حديث أبي هريرة
بلفظ: " لو أنكم لا تخطئون لأتى الله بقوم يخطئون يغفر لهم ".
969 - " لو أنكم لا تخطئون لأتى الله بقوم يخطئون يغفر لهم ".
أخرجه الحاكم (4 / 246) عن عمرو بن الحارث أن دراجا حدثه عن ابن حجير عن
أبي هريرة مرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: ودراج متكلم فيه وفي التقريب: " صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف ".
قلت: فهو حسن إن شاء الله تعالى بشواهده السابقة والآتية، لاسيما وأن له
طريقا أخرى عن أبي هريرة بلفظ: " لو تكونون - أو قال: لو أنكم تكونون - على
كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في
بيوتكم ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم ". أخرجه ابن
المبارك في " الزهد " (1075) والطيالسي أيضا (ص 337 رقم(2/656)
2583) وأحمد (2
/ 304 - 305، 305) من طريق سعد بن عبيد الطائي أبي مجاهد حدثنا أبو المدلة
مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة يقول: " قلنا: يا رسول الله إنا إذا رأيناك
رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء
والأولاد، قال " فذكره. وهذا سند ضعيف من أجل أبي المدلة هذا، قال الذهبي
: " لا يكاد يعرف لم يرو عنه سوى أبي مجاهد ". وفي التقريب: " مقبول ".
وبقية رجال إسناد الحديث ثقات رجال البخاري.
قلت: لكنه حديث حسن أو صحيح بشواهده المتقدمة وغيرها، فانظر الحديث الآتي
بلفظ: " لو تدومون ... " رقم (1965) . وبلفظ: " لو كنتم تكونون ... رقم
(1976) . ومن شواهده: " لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ليغفر لهم ".
970 - " لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ليغفر لهم ".
أخرجه الإمام أحمد (1 / 289) : حدثنا أحمد بن عبد الملك الحراني قال:
حدثنا يحيى بن عمرو بن مالك النكري قال: سمعت أبي يحدث عن أبي الجوزاء عن
ابن عباس مرفوعا. وهذا سند ضعيف، يحيى بن عمرو النكري بضم النون قال في
" التقريب ":(2/657)
" ضعيف ويقال: إن حماد بن زيد كذبه ". وبقية رجال الإسناد
ثقات رجال البخاري غير عمرو بن مالك وهو صدوق له أوهام. وفي " المجمع " (10
/ 215) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " والبزار وفيه
يحيى بن عمرو بن مالك النكري وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات ".
قلت: لكن الحديث له شواهد كثيرة يصير بها صحيحا، فمنها ما تقدم. ومنها عن
أبي أيوب بلفظ: " يا أبا أيوب لو لم تذنبوا ... " الحديث، إلا أنه قال:
فيغفر لهم ". أخرجه الخطيب (4 / 217) من طريق أحمد بن عبد الله الحداد حدثنا
يزيد بن عمر عن عبد العزيز بن محمد عن عبد الله مولى عفرة عن محمد بن كعب
القرظي عن أبي أيوب. ويزيد بن عمر لم أعرفه وكذلك عبد الله مولى عفرة لم أجد
من ذكره وأخشى أن يكون في الإسناد شيء من السقط أو التحريف، فقد أخرجه
الترمذي (2 / 270) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عمر مولى غفرة عن
محمد بن كعب به إلا أنه لم يسق لفظه بل أحال على لفظ آخر قبله وهو: " لولا
أنكم تذنبون ... "، وسيأتي (1963) ، فقال الترمذي: نحوه.
وعمر هذا ضعيف وكان كثير الإرسال كما في " التقريب ". وتابعه إسحاق بن عبد
الله بن أبي فروة عن محمد بن كعب القرظي عن أبي أيوب نحوه.(2/658)
أخرجه الخطيب أيضا
(5 / 341) . وإسحاق هذا متروك كما في " التقريب ". وخالفه إبراهيم بن عبيد
بن رفاعة فقال: عن محمد بن كعب القرظي عن أبي صرمة عن أبي أيوب مرفوعا نحوه
بلفظ: " لو أنكم لم تكن. وقد مضى قريبا (968) فزاد في الإسناد " أبي صرمة
" وهو الصواب فقد رواه كذلك عن أبي صرمة عنه محمد بن قيس باللفظ الذي أشرنا
إليه عند الترمذي الآتي برقم (1963) . ومن الشواهد أيضا: حديث ابن عمرو
مرفوعا بلفظ: " لو لم تذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون ثم يغفر لهم ".
قال في " المجمع " (10 / 215) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "
، وقال في " الأوسط ": لخلق الله خلقا يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم وهو
الغفور الرحيم ". رواه البزار بنحو " الأوسط " محالا على موقوف عبد الله بن
عمرو. ورجالهم ثقات وفي بعضهم خلاف ". قلت: وقد أخرجه الحاكم بنحو لفظ
" الأوسط " وقد سبق قريبا (967) . وهو حسن الإسناد كما بينته هناك.
ومن الشواهد أيضا حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: (لو لم تذنبوا لذهب
الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) . رواه البزار، قال
الهيثمي (10 / 215) : " وفيه يحيى بن كثير صاحب البصري وهو ضعيف ".
قلت: لكن له شاهد من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ تماما بزيادة في أوله:
" والذي نفسي بيده " وسيأتي برقم (1950) . فالحديث من الصحيح لغيره.
971 - " لا يورد الممرض على المصح ".
أخرجه البخاري (10 / 198، 200) ومسلم (7 / 32) وأبو داود (2 / 158)
والطحاوي (2 / 275) وفي " المشكل " (2 / 262) وأحمد (2 / 406) من طريق
الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به. وقد تابعه محمد بن عمرو:
حدثني أبو سلمة به. أخرجه ابن ماجه (2 / 363) وأحمد (2 / 434) . وفي
معناه قوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم:(2/659)
" إنا قد بايعناك فارجع " وسيأتي
برقم (1968) .
(الممرض) : هو الذي له إبل مرضى و (المصح) ، من له إبل صحاح.
واعلم أنه لا تعارض بين هذين الحديثين وبين أحاديث " لا عدوى ... " المتقدمة
برقم (781 - 789) لأن المقصود بهما إثبات العدوى وأنها تنتقل بإذن الله
تعالى من المريض إلى السليم والمراد بتلك الأحاديث نفي العدوى التي كان أهل
الجاهلية يعتقدونها، وهي انتقالها بنفسها دون النظر إلى مشيئة الله في ذلك
كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: " فمن أعدى الأول؟ ".
فقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم نظر الأعرابي بهذا القول الكريم إلى المسبب
الأول ألا وهو الله عز وجل ولم ينكر عليه قوله " ما بال الإبل تكون في الرمل
كأنها الظباء فيخالطها الأجرب فيجربها "، بل إنه صلى الله عليه وسلم أقره على
هذا الذي كان يشاهده، وإنما أنكر عليه وقوفه عند هذا الظاهر فقط بقوله له:
" فمن أعدى الأول؟ ".
وجملة القول: أن الحديثين يثبتان العدوى وهي ثابتة تجربة ومشاهدة.
والأحاديث الأخرى لا تنفيها وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى
الخالق لها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن الأطباء الأوربيين في أشد الغفلة
عنه تعالى لشركهم وضلالهم وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية، فلهولاء
يقال: " فمن أعدى الأول؟ " فأما المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب، فهو يذكر
بها، ويقال له كما في حديث الترجمة " لا يورد الممرض على المصح " أخذا
بالأسباب التي خلقها الله تعالى، وكما في بعض الأحاديث المتقدمة: " وفر من
المجذوم فرارك من الأسد ". هذا هو الذي يظهر لي من الجمع بين هذه الأخبار وقد
قيل غير ذلك مما هو مذكور في " الفتح " وغيره. والله أعلم.(2/660)
972 - " من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يحل بينه وبين دخول الجنة إلا الموت ".
أخرجه ابن السني (رقم 121) قال: حدثنا محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي
الحمصي حدثنا اليمان بن سعيد وأحمد بن هارون جميعا بالمصيصة قالا: حدثنا محمد
بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي الحمصي له ترجمة
جيدة في " تاريخ ابن عساكر " (15 / 323 / 2) . واليمان بن سعيد أظنه محرفا
من " اليمان بن يزيد "، فقد أورده هكذا في " الميزان ": " وقال: عن محمد بن
حميد الحمصي بخبر طويل في عذاب الفساق أظنه موضوعا " قال الحافظ في " اللسان "
: " وأفاد شيخنا في الذيل أن الدارقطني قال في " المؤتلف والمختلف ": مجهول
، وتبعه ابن ماكولا ".
قلت: وقرينه أحمد بن هارون قال الذهبي: " صاحب مناكير عن الثقات قاله ابن
عدي ". قال الحافظ: " وذكره ابن حبان في الثقات ". وبقية رجال الإسناد
ثقات على شرط البخاري. والحديث صحيح فإنه جاء من طريق أو طرق أخرى عن ابن
حمير، فقد رواه النسائي - كما في " زاد المعاد " (1 / 110) ولعله في " سننه
الكبرى " أو في " عمل اليوم والليلة " له - من طريق الحسين بن بشر عن محمد بن
حمير، والحسين هذا ثقة وقد تابعه هارون بن داود النجار الطرسوسي، ومحمد بن
العلاء بن(2/661)
زبريق الحمصي، وعلي بن صدقة وغيرهم كما قال الحافظ في " التهذيب "
(2 / 331) ، وصرح أن النسائي أخرجه في " اليوم والليلة ". ورواه الطبراني
أيضا وابن حبان في صحيحه كما في " الترغيب " (2 / 261) فقال:
" رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح، وقال شيخنا أبو الحسن: هو
على شرط البخاري وابن حبان في كتاب الصلاة وصححه وزاد الطبراني في بعض طرقه
: (وقل هو الله أحد) وإسناده بهذه الزيادة جيد أيضا ". وقال الهيثمي
(10 / 102) بعد أن ساقه بالروايتين: " رواه الطبراني في الكبير والأوسط
بأسانيد وأحدها جيد ".
قلت: وقد تكلم بعضهم في الحديث حتى أن ابن الجوزي أورده في " الموضوعات "
فأخطأ خطأ فاحشا، كما نبه على ذلك الحافظ بن حجر وغيره، وقد ذكرنا كلامه في
ذلك في " التعليقات الجياد على زاد المعاد " فلا حاجة للإعادة. وقد روي
الحديث بإسناد آخر بلفظ: " من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان بمنزلة
من قاتل عن أنبياء الله عز وجل حتى يستشهد ". أخرجه ابن السني (رقم 120)
قال: أخبرنا أبو محمد بن صاعد: حدثنا علي بن الحسن بن معروف: حدثنا عبد
الحميد بن إبراهيم أبو التقى حدثنا إسماعيل بن عياش(2/662)
عن داود بن إبراهيم الذهلي
أنه أخبره عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: قلت: وهذا إسناد ضعيف: داود بن إبراهيم الذهلي لم أجد
له ترجمة وإسماعيل بن عياش ثقة في روايته عن الشاميين ولا ندري أهذه منها أو
لا؟ وعبد الحميد بن إبراهيم أبو التقى قال في " التقريب ": " صدوق إلا أنه
ذهبت كتبه فساء حفظه ".
(تنبيه) أورد الحديث العيني في (عمدة الرعاية) (3 / 204) بلفظ: " من قرأ
آية الكرسي وقل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا
الموت " وقال: " رواه ابن السني من حديث إسماعيل بن عياش عن داود بن إبراهيم
الذهلي عن أبي أمامة ". وأنت ترى أن هذا اللفظ ليس لابن السني وبين اللفظين
فرق كبير، والظاهر أنه رواية للطبراني كما يفهم مما نقلنا في الحديث المتقدم
عن الهيثمي والمنذري ولا أدري ما وجه هذا الخطأ؟ وكنت أريد أن أقول: (إنه
سبق قلم) ولكن يقف دون ذلك أن العيني ذكره من الطريق الذي نقلناه عن ابن
السني باللفظ المغاير للفظه. والله أعلم.
وللحديث شواهد منها: " من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، ما بينه وبين أن
يدخل الجنة إلا أن يموت، فإذا مات دخل الجنة ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية "
(3 / 221) من طريق مكي بن إبراهيم حدثنا هاشم بن هاشم عن عمر بن إبراهيم عن
محمد بن كعب عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال:(2/663)
" حديث غريب من حديث المغيرة تفرد به هاشم بن هاشم عن عمر عنه، ما
كتبناه عاليا إلا من حديث مكي ".
قلت: وإسناده ثقات رجال الشيخين غير عمر هذا، وقد أورد له الذهبي في
" الميزان " حديثا آخر ثم قال: " قال العقيلي: لا يتابع عليه: حدثنا محمد بن
إسماعيل: حدثنا مكي ابن إبراهيم. قلت: فذكره بهذا الإسناد ". قال الحافظ:
" وبقية كلامه: فأما المتن فقد روي بأسانيد جياد، وذكره ابن حبان في الثقات
وسمى جده محمد بن الأسود ".
قلت: فمثله لا بأس بروايته في الشواهد، وهذا منها.(2/664)
وفي الباب عن أنس بلفظ
: " أوحى الله تعالى إلى موسى ... ". وهو من حصة الكتاب الآخر (3901) .
973 - " إنما أنا خازن وإنما يعطي الله عز وجل، فمن أعطيته عطاء عن طيب نفس، فهو
أن يبارك لأحدكم. ومن أعطيته عطاء عن شره وشره مسألة فهو كالآكل ولا يشبع ".
أخرجه أحمد في أحاديث سيأتي إسنادها في: (لا تزال أمة من أمتي) برقم (1971
) وقد أخرجه مسلم أيضا (3 / 95) وهو عندهما من طريق معاوية بن صالح حدثني
ربيعة بن يزيد الدمشقي عن عبد الله بن عامر اليحصبي قال: سمعت معاوية يقول
: فذكره مرفوعا. وقد رواه ابن لهيعة جعفر بن ربيعة عن ربيعة بن يزيد به.
أخرجه أحمد أيضا (4 / 100) . وهذا سند حسن في المتابعات. وله طريق أخرى
بلفظ: " إنما أنا مبلغ ... " ويأتي بإذن الله تعالى (1628) .
وأخرجه ابن عساكر (16 / 327 / 1) من طريق معاوية بن إسحاق الدمشقي عن يزيد
بن ربيعة عن عبد الله بن عامر الحضرمي به. أورده في ترجمة معاوية بن إسحاق هذا
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.(2/665)
974 - " فتنة الأحلاس هي فتنة هرب وحرب، ثم فتنة السراء دخلها أو دخنها من تحت قدمي
رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني إنما وليي المتقون، ثم يصطلح الناس
على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته
لطمة، فإذا قيل: انقطعت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا حتى يصير
الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، إذا
كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد ".
أخرجه أبو داود (2 / 200) والحاكم (4 / 467) وأحمد (2 / 133) من طريق
أبي المغيرة: حدثنا عبد الله بن سالم: حدثني العلاء بن عتبة الحمصي أو
اليحصبي عن عمير بن هاني العنسي سمعت عبد الله بن عمر يقول: " كنا عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم قعودا نذكر الفتن، فأكثر ذكرها حتى ذكر فتنة
الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي ". الحديث.
وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير العلاء بن عتبة وهو صدوق
كما في التقريب. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
(كورك) بفتح وكسر.
(ضلع) بكسر ففتح، ويسكن واحد الضلوع أو الأضلاع. قال الخطابي: " هو مثل
ومعناه الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك.
وبالجملة يريد أن هذا الرجل غير خليق للملك ولا مستقل به ".
975 - " إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر ".
رواه أبو داود (4263) عن الليث بن سعد، وأبو القاسم الحنائي في " الثالث من
الفوائد " (82 / 1) عن عبد الله بن صالح كلاهما قال: حدثني معاوية بن صالح
أن(2/666)
عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن المقداد بن الأسود مرفوعا.
وقال الحنائي: " لا نعرفه إلا من حديث أبي صالح كاتب الليث بن سعد ".
قلت: قد عرفه غيره من غير طريقه، فإن أبا داود أخرجه من حديث الليث بن سعد
كما رأيت، ولفظه أتم وهو: " إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب
الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواها ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
976 - " تدور رحى الإسلام بعد خمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن
يهلكوا فسبيل من هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما. قلت: (وفي
رواية: قال عمر يا نبي الله) : مما بقي أو مما مضى؟ قال: مما مضى ".
هذا حديث صحيح من معالم نبوته صلى الله عليه وسلم يرويه عنه عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه، وله عنه طرق.
الأولى: عن منصور عن ربعي بن حراش عن البراء بن ناجية عنه به. أخرجه أبو داود
(4254) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 235 و 236) والحاكم (4 / 521)
وأحمد (1 / 393) وأبو يعلى في " المسند " أيضا (ق 255 / 1) وابن
الأعرابي في " معجمه " (ق 141 / 2) وابن