آداب الزفاف في السنة المطهرة
تأليف العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني (1/1)
مقدمة
حمدا لله وصلاة وسلاما على نبيه وآله وصحبه ومن والاه وعلى كل من اهتدى بهداه
أما بعد : فقد كان الباعث على تأليف هذه الرسالة وإخراجها للناس لأول مرة تحقيق رغبة أخينا في الله تبارك وتعالى الأستاذ عبد الرحمن الباني فإنه - جزاه الله خيرا - اقترح تأليفها بمناسبة بنائه على زوجه ففعلت ثم قام هو بطبعها على نفقته ووزعها مجانا في حفلة زفافه مكان ما جرى الناس عليه من توزيع السكاكر والحلويات وغيرها مما لا يبقى أثره ولا يدوم نفعه فكان ذلك منه سنة حسنة من حسناته الكثيرة - إن شاء الله - ما أحوج المسلمين إلى الاقتداء به فيها والسير على منوالها
ثم لما نفدت نسخ الطبعة الأولى وكان من تمام (1/5)
الاستفادة منها تعميم نشرها على الناس في مختلف الأقطار والأمصار رأى كثيرون إعادة طبعها وألحوا علي بالطلب فاستجبت لذلك وتفرغت له بعض الوقت فأضفت إليها زيادات كثيرة فاتني إيرادها في الطبعة الأولى بسبب السرعة التي تم بها تأليفها وإخراجها
وقد رأيت أن أوسع الكلام في بعض المسائل الهامة التي أساء بعض الناس فهمها في هذا العصر أو قبله فبينت - ما استطعت - خطأهم فيها وبعدهم عن الصواب فيما قالوه حولها وذلك بالحجة والبرهان ليكون القارئ الكريم على بينة من أمره وبصيرة من دينه فلا يتأثر بشبهات الشاكين وجدال المبطلين وقلة السالكين في زمن أصبح المتمسك فيه بالسنة غريبا في بني دينه المحاولين التمسك به فكيف هو في المخالفين له الصادين عنه ؟
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من عباده القليل الذين قال فيهم نبيه صلى الله عليه و سلم :
" إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " (1/6)
فطوبى للغرباء ( 1 )
وأقدم بين يدي الرسالة الكلمة الهامة التي كان العلامة الشيخ محب الدين الخطيب تفضل بكتابتها وطبعها في مقدمة الطبعة الأولى لما فيها من فوائد ومواعظ وهي في رأيي تمهيد قوي لنساء هذا العصر لكي يتيسر لهن العمل بما جاء في هذه الرسالة مما لم يألفنه بل ولم يسمعن به من قبل فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه إنك سميع مجيب
دمشق في 25 / 10 / 1376 ه
( 1 ) رواه الإمام مسلم في " صحيحه " انظر " مختصر صحيح مسلم " للإمام المنذري ( رقم 72 ) بتحقيقي طبع المكتب الإسلامي (1/7)
مقدمة الطبعة الأولى
بقلم فضيلة الشيخ محب الدين الخطيب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ولا رب لهم غيره ولا يطاع في السر والعلن سواه وصلى الله على معلم الناس الخير محمد هادي الإنسانية إلى سنة الحق وعلى آله وصحبه وسلم
وبعد فإن جماهير المسلمين لا يزالون في مثل عقول الأطفال يلهيهم ما يلهي الأطفال ويصرفهم عن مناهج الخير وأهداف الحق كل ما يصرف الأطفال من ألاعيب وتوافه وأوهام حتى يتحروا سنة الإسلام في الاعتدال وهدايته في التحرر من كل ما استعبدوا له من الملاهي والسفاسف والزخارف والشهوات وحينئذ (1/9)
يرجعون إلى ربهم فيحفظ لهم عقولهم ويبارك لهم في أوقاتهم وأعمالهم وجهودهم ويدخر لهم ثروتهم وأسباب قوتهم فيستعملونها فيما ينفعهم ويكون به عزهم ويعلو به سلطانهم
وتحري سنة الإسلام في الاعتدال والانتفاع بهدايته في التحرر من السفاسف التي صار المسلمون مستعبدين لها منذ أكثر من ألف سنة يتوقف على أمرين :
أحدهما : إخلاص العلماء العاملين الذين يبينون للأمة سنن دينها في كل ناحية من النواحي التي تتناولها رسالة الإسلام
والثاني : ازدياد عدد المسلمين الذين يوطنون أنفسهم في ترديد ذلك البيان العلمي بالعمل به حتى يتلقاه عنهم بالقدوة من لا يتيسر لهم تلقيه بالدرس والتعلم
وهذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي التي تناولتها رسالة الإسلام بالسنن الصحيحة عن معلم (1/10)
الناس الخير صلى الله عليه و سلم في حفلات الزفاف وآدابه وولائمه وهي الناحية التي أسرف فيها المسلمون بالبعد عن سنن الإسلام حتى أوغلوا لا في الجاهلية الأولى التي امتازت - في هذه الناحية - بفطرة العروبة وتحررها من بذخ المترفين بل في الجاهلية الطارئة التي تشبهت فيها كل طبقة بالطبقة التي سبقتها إلى النار حتى أصبحت أعباء الزواج وتكاليفه فوق طاقة الناس فكادوا ينصرفون عنه - وهو في نفسه من سنة الإسلام - لأنهم انصرفوا فيه عن سنن الإسلام فأوقعهم ذلك في شر أنواع الجاهلية
وبعد أن تهيأت لهذه الرسالة المناسبة التي عينت موضوعها تهيأ لها مؤلف من دعاة السنة الذين وقفوا حياتهم على العمل لإحيائها وهو أخونا بالغيب الشيخ أبو عبد الرحمن محمد ناصر نوح نجاتي الألباني فوضع بين أيدي المسلمين النصوص الصحيحة والحسنة من سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم في آداب الزفاف وحبذا لو كان قد اتسع له الوقت وواتته الأسباب فاستقصى كل ماورد من ذلك في الحياة الزوجية وآداب البيت وما ينبغي أن تكون عليه الأسرة الإسلامية . ولكن ظهور الهلال في (1/11)
ليلته الأولى قد يشعر بما يليه من مطالع صفحات القمر حتى يكون بدرا كاملا
وكما تهيأ لهذه الرسالة موضوعها والمؤلف الذي يستوفيه تهيأ لها كذلك المسلم الأول والمسلمة الأولى اللذان آليا أن يكونا قدوة للمسلمين في الاعتدال والتحرر من العبودية للسفاسف والملاهي وتوافه العادات عندما استخارا الله فخار لهما أن يبنيا البيت المسلم الطاهر والأسرة الإسلامية المتحررة من تقاليد الجاهلية الأجنبية عنا والطارئة علينا . فأرجو الله عز و جل أن يأخذ بيد أخي المؤمن المجاهد الأستاذ السيد عبد الرحمن الباني في جميع مراحل حياته حتى يحقق له آماله ملتزما سنة الإسلام في ذلك ما استطاع
وأختم هذه الكلمة بأن أضرب لعروسه المسلمة الفاضلة مثلا من تاريخ نساء العروبة والإسلام ينبغي لكل مسلمة أن تجعله نصب عينيها لتكون من الخالدات إن شاء الله
إن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان (1/12)
كان لأبيها - يوم تزوجت - السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وقفقاسيا والقرم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقا وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غربا . ولم تكن فاطمة هذه بنت الخليفة الأعظم وحسب بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء الإسلام وهم : الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز
وهذه السيدة التي كانت بنت خليفة وزوجة خليفة وأخت أربعة من الخلفاء خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات ويقال : إن من هذه الحلي قرطي مارية اللذين اشتهرا في التاريخ وتغنى بهما الشعراء وكانا وحدهما يساويان كنزا . ومن فضول القول أن أشير إلى أن عروس عمر بن (1/13)
عبد العزيز كانت في بيت أبيها تعيش في نعمة لا تعلوا عليها عيشة امرأة أخرى في الدنيا لذلك العهد ولو أنها استمرت في بيت زوجها تعيش كما كانت تعيش قبل ذلك لتملأ كرشها في كل يوم وفي كل ساعة بأد سم المأكولات وأندرها وأغلاها وتنعم نفسها بكل أنواع النعيم الذي عرفه البشر لاستطاعت ذلك . إلا أني لا أذيع مجهولا بين الناس إن قلت : إن عيشة البذخ والترف قد تضرها في صحتها من حيث يتمتع بالعافية المعتدلون وقد تكسبها هذه العيشة الحقد والحسد والكراهية من أهل الفاقة والمعدمين زد على ذلك أن العيشة مهما اختلفت ألوانها تكون مع الاعتياد مألوفة ومملولة والذين بلغوا من النعيم أقصاه يصطدمون بالفاقة عندما تطلب أنفسهم ما وراء ذلك فلا يجدونه بينما المعتدلون يعلمون أن في متناول أيديهم وراء الذي هم فيه وأنهم يجدونه متى شاؤوا غير أنهم اختاروا التحرر منه ومن سائر الكماليات ليكونوا أرفع منها وليكونوا غير مستعبدين لشهواتها ولذلك اختار الخليفة الأعظم عمر بن عبد العزيز - في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض - أن (1/14)
تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم ورضيت بذلك زوجة الخيلفة التي كانت بنت خليفة وأخت أربعة من الخلفاء فكانت مغتبطة بذلك لأنها تذوقت لذة القناعة وتمتعت بحلاوة الاعتدال فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها وأرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ وألوان الترف . بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج عن هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه وأطفاله فاستجابت له واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآلىء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها فبعثت بذلك كله إلى بيت مال المسلمين . وتوفي عقب ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ولم يخلف لزوجته وأولاده شيئا فجاءها أمين بيت المال وقال لها : إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي وإني اعتبرتها أمانة لك وحفظتها لهذا اليوم وقد جئت أستأذنك في إحضارها . فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة (1/15)
لأمير المؤمنين ثم قالت : [ وما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا . ) وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلى دريهمات وبذلك كتب الله لها الخلود وها نحن نتحدث عن شرف معدنها ورفيع منزلتها بعد عصور وعصور رحمها الله وأعلى مقامهما في جنات النعيم
إن أهنأ العيش هو العيش المعتدل في كل شيء وكل عيش مهما خشن أو نعم إذا اعتاده أهله ألفوه وارتاحوا إليه والسعادة هي الرضا والحر هو الذي يتحرر من كل ما يستطيع الاستغناء عنه وذلك هو الغنى بالمعنى الإسلامي والمعنى الإنساني جعلنا الله من أهله
17 - ذي الحجة سنة 1371 ه
7 - سبتمبر سنة 1952 م
محب الدين الخطيب (1/17)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في محكم كتابه : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) [ الروم : 21 ] . والصلاة والسلام على نبيه محمد الذي ورد عنه فيما ثبت من حديثه : [ تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ( 1 )
وبعد فإن لمن تزوج وأراد الدخول بأهله آدابا في الإسلام قد ذهل عنها أو جهلها أكثر الناس حتى المتعبدين منهم فأحببت أن أضع في بيانها هذه الرسالة المفيدة بمناسبة زفاف أحد الأحبة إعانة له ولغيره من الإخوة المؤمنين على القيام بما شرعه سيد المرسلين
( 1 ) رواه أحمد والطبراني بسند حسن وصححه ابن حبان عن أنس وله شواهد سيأتي ذكرها في المسألة ( 19 ) (1/16)
عن رب العالمين وعقبتها بالتنبيه على بعض الأمور التي تهم كل متزوج وقد ابتلي بها كثير من الزوجات
اسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم إنه هو البر الرحيم
وليعلم أن آداب الزفاف كثيرة وإنما يعنيني منها في هذه العجالة ما ثبت منها في السنة المحمدية مما لا مجال لإنكارها من حيث إسنادها أو محاولة التشكيك فيها من جهة مبناها حتى يكون القائم بها على بصيرة من دينه وثقة من أمره وإني لأرجو أن يختم الله له بالسعادة جزاء افتتاحه حياته الزوجة بمتابعة السنة وأن يجعله من عباده الذين وصفهم بأن من قولهم : : ( ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ) . [ الفرقان : 74 ] . والعاقبة للمتقين كما قال رب العالمين :
( إن المتقين في ظلال وعيون . وفواكه مما يشتهون . كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون . إنا كذلك نجزي المحسنين ) [ المرسلات : 41 - 44 ]
وهاك تلك الآداب : (1/18)
1 - ملاطفة الزوجة عند البناء بها :
يستحب له إذا دخل على زوجته أن يلاطفها كأن يقدم إليها شيئا من الشراب ونحوه لحديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت :
إني قينت ( 1 ) عائشة لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثم جئته فدعوته لجلوتها ( 2 ) فجاء فجلس إلى (1/19)
جنبها فأتي بعس [ ( 3 ) لبن فشرب ثم ناولها النبي صلى الله عليه و سلم فخفضت رأسها واستحيت قالت أسماء : فانتهرتها وقلت لها : خذي من يد النبي صلى الله عليه و سلم قالت : فأخذت فشربت شيئا ثم قال لها النبي صلى الله عليه و سلم : أعطي تربك ( 4 ) قالت أسماء : فقلت : يا رسول الله بل خذه فاشرب منه ثم ناولنيه من يدك فأخذه فشرب منه ثم ناولنيه قالت : فجلست ثم وضعته على ركبتي ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي
-
( 1 ) أي : زينت
( 2 ) أي : للنظر إليها مجلوة مكشوفة
( 3 ) هو القدح الكبير
( 4 ) أي : صديقتك (1/20)
لأصيب منه شرب النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال لنسوة عندي : [ ناوليهن ) فقلن : لا نشتهيه فقال صلى الله عليه و سلم : [ لا تجمعن جوعا وكذبا
2 - وضع اليد على رأس الزوجة والدعاء لها :
وينبغي أن يضع يده على مقدمة رأسها عند البناء بها أو قبل ذلك وأن يسمي الله تبارك وتعالى ويدعو بالبركة ويقول ما جاء في قوله صلى الله عليه و سلم :
( إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما [ فليأخذ بناصيتها ] [ وليسم الله عز و جل ] [ وليدع بالبركة ] وليقل :
( 1 ) أخرجه أحمد بإسنادين يقوي أحدهما الآخر . وأشار المنذري إلى تقويته والحميدي أيضا في مسنده . وله شاهد في الطبراني في " الصغير " و " الكبير " و " تاريخ أصبهان " لأبي الشيخ وكتاب " الصمت " لابن الدنيا
( 2 ) الناصية : منبت الشعر في مقدم الرأس كما في " اللسان " (1/19)
اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ( 1 )
( وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروه سنامه وليقل مثل ذلك ] ( 2 )
( 1 ) أي : خلقتها وطبعتها عليه . " نهاية "
قلت : وفي الحديث دليل على أن الله خالق الخير والشر خلافا لمن يقول - من المعتزلة وغيرهم - بأن الشر ليس من خلقه تبارك وتعالى وليس في كون الله خالقا للشر ما ينافي كماله تعالى بل هو من كماله تبارك وتعالى . وتفصيل ذلك في المطولات ومن أحسنها كتاب " شفاء العليل في القضاء والقدر والتعليل " لابن القيم فليراجعه من شاء . وهل يشرع هذا الدعاء في شراء مثل السيارة ؟ وجوابي : نعم لما يرجى من خيرها ويخشى من شرها
( 2 ) أخرجه البخاري في " أفعال العباد " وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي وأبو يعلى في " مسنده " بإسناد حسن وصححه الحاكم ووافقه الذهبي . وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " :
" إسناده جيد " . وأشار لصحته عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام الكبرى " بسكوته عليه كما نص في المقدمة وكذا ابن دقيق العيد في " الإلمام " (1/20)
3 - صلاة الزوجين معا :
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا لأنه منقول عن السلف . وفيه أثران :
الأول : عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال :
( تزوجت وأنا مملوك فدعوت نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة قال : وأقيمت الصلاة قال : فذهب أبو ذر ليتقدم فقالوا : إليك قال : أو كذلك ؟ قالوا : نعم ( 1 ) قال : فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك وعلموني فقالوا :
( إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوذ به من شره ثم شأنك وشأن أهلك ( 2 )
( 1 ) قلت : يشيرون بذلك إلى أن الزائر لا يؤم المزور في بيته إلا أن يأذن له لقوله صلى الله عليه و سلم : " ولا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه " . أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " وهو في " صحيح أبي داود "
( 2 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " . وعبد الرزاق أيضا وسنده صحيح إلى أبي سعيد وهو مستور لم أجد من ذكره سوى أن الحافظ أورده في " الإصابة " فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري ثم رأيته في ثقات ابن حبان قال هندية :
" يروي عن جماعة من الصحابة روى عنه أبو نضرة "
ثم ساق هذه القصة دون قوله : فقالوا : . . . إلخ وهو رواية لابن أبي شيبة (1/22)
الثاني : عن شقيق قال :
( جاء رجل يقال له : أبو حريز ( 1 ) فقال : إني تزوجت جارية شابة [ بكرا ] وإني أخاف أن تفركني ( 2 ) فقال عبد الله ( يعني ابن مسعود
( 1 ) بحاء مفتوحة والأصل " حرير " بدون إعجام وقد أورده الذهبي في " المشتبه " بالحاء وقال :
" له صحبة " . ثم تناقض فذكره في " التجريد " بالجيم والراء المكسورة كما حكاه عنه ابن ناصر الدين في " التوضيح " وقد حكى الوجهين عن غير واحد من المتقدمين . والله أعلم
( 2 ) أي : تبغضني وفي " النهاية " : " فركت المرأة زوجها تفركه فركا بالكسر وفركا وفروكا فهي فروك " (1/23)
( إن الإلف من الله والفرك من الشيطان يريد أن يكره إليكم ما أحل الله لكم فإذا أتتك فأمرها أن تصلي وراءك ركعتين . زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود :
( وقل : اللهم بارك لي في أهلي وبارك لهم في اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرق بيننا إذا فرقت إلى خير ] ( 1 )
( 1 ) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصدر السابق وكذا عبد الرزاق في " مصنفه " وسنده صحيح وأخرجه الطبراني بسندين صحيحين والزيادة مع الرواية الأخرى له ورواه في " الأوسط " كما في الجمع بينه وبين " الصغير " من طريق الحسين بن واقد عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :
" إذا دخلت المرأة على زوجها يقوم الرجل فتقوم من خلفه فيصليان ركعتين ويقول : اللهم بارك لي في أهلي وبارك لأهلي في اللهم ارزقهم مني وارزقني منهم اللهم اجمع بيننا ما جمعت في خير وفرق بيننا إذا فرقت في خير "
وقال : " لم يروه عن عطاء إلا الحسين "
قلت : يعني مرفوعا وعطاء بن السائب كان اختلط وقد رواه عنه حماد بن زيد به نحوه موقوفا عليه وهو الصواب لأن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل أن يختلط ولذلك أوردناه في المتن وهي الرواية الأخرى عن ابن مسعود
ثم رأيته من طريق آخر عن ابن مسعود عند الثقفي فانظر : " إذا تزوج أحدكم . . . " من " المعجم "
وله شاهد مرفوع عن سلمان أخرجه ابن عدي وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " والبزار في " مسنده " بسند ضعيف تكلمت عليه في " معجم الحديث " بلفظ : " إذا تزوج أحدكم . . . " ورواه ابن عساكر عنه وعن ابن عباس
وروى عبد الزراق عن ابن جريج قال :
حدثت أن سلمان الفارسي تزوج امرأة فلما دخل عليها وقف على بابها فإذا هو بالبيت مستور فقال :
ما أدري أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة إلى ( كندة ) والله لا أدخله حتى تهتك أستاره
فلما هتكوها . . . دخل . . . ثم عمد إلى أهله فوضع يده على رأسها . . . فقال : هل أنت مطيعتي رحمك الله ؟ قالت : قد جلست مجلس من يطاع قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لي :
" إن تزوجت يوما فليكن أول ما تلتقيان عليه من طاعة الله " فقومي فلتصل ركعتين فما سمعتني أدعو فأمني فصليا ركعتين وأمنت فبات عندها فلما أصبح جاءه أصحابه فانتحاه رجل من القوم فقال : كيف وجدت أهلك ؟ فأعرض عنه ثم الثاني ثم الثالث فلما رأى ذلك صرف وجهه إلى القوم وقال :
رحمكم الله فيما المسألة عما غيبت الجدران والحجب والأستار ؟ بحسب امرئ أن يسأل عما ظهر إن أخبر أو لم يخبر
وفي إسناده انقطاع كما هو ظاهر (1/24)
4 - ما يقول حين يجامعها :
وينبغي أن يقول حين يأتي أهله :
( بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا
قال صلى الله عليه و سلم :
( فإن قضى الله بينما ولدا لم يضره الشيطان أبدا " ( 1 )
( 1 ) أخرجه البخاري وبقية أصحاب السنن إلا النسائي (1/26)
5 - كيف يأتيها :
ويجوز له أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء من خلفها أو من أمامها لقول الله تبارك وتعالى : : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) أي : كيف شئتم مقبلة ومدبرة وفي ذلك أحاديث أكتفي باثنين منها :
الأول عن جابر رضي الله عنه قال :
( كانت اليهود تقولك إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) [ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج ] ( 1 )
( 1 ) رواه البخاري ومسلم والنسائي (1/27)
الثاني : عن ابن عباس قال :
( كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف ( 1 ) وذلك أستر ما تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شري ( 2 ) أمرها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله عز و جل : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) . أي : مقبلات ومدبرات ومستلقيات يعني بذلك موضع
( 1 ) أي : على جانب . " نهاية "
( 2 ) أي : عظم وتفاقم (1/28)
الولد ( 1 )
6 - تحريم الدبر :
ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لمفهوم الآية السابقة : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم )
( 1 ) أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي والواحدي في " الأسباب " والخطابي في " غريب الحديث " وسنده حسن وصححه الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي
وله عند الطبراني طريق آخر مختصر
وله شاهد من حديث ابن عمر نحوه . أخرجه النسائي في " العشرة " بسند صحيح ثم روى هو والقاسم السرقسطي في " الغريب " وغيرهما عن سعيد بن يسار قال :
قلت لابن عمر : إنا نشتري الجواري فنحمض لهن قال : وما التحميض ؟ قلت : نأتيهن في أدبارهن قال : أف أو يفعل ذلك مسلم ؟
قلت : وسنده صحيح وهو نص صريح من ابن عمر في إنكاره أشد الإنكار إتيان النساء في الدبر فما أورده السيوطي في " أسباب النزول " وغيره في غيره مما ينافي هذا النص خطأ عليه قطعا فلا يلتفت إليه (1/29)
والأحاديث المتقدمة وفيه أحاديث أخرى :
الأول : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت :
( لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون ( 1 ) يجبون ( 2 ) وكانت الأنصار لا تجبي فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلك فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت : فأتته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت :
( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) وقال : لا إلا في صمام ( 3 ) واحد ( 4 )
( 1 ) يعني نساء المهاجرين والأنصار
( 2 ) من التجبية وهو الانكباب على الأرض وفي القاموس :
" جبى تجبية وضع يديه على ركبتيه وانكب على وجهه "
( 3 ) أي : مسلك واحد وفي " النهاية " :
" الصمام : ما تسد به الفرجة فسمي الفرج به "
( 4 ) أخرجه أحمد والسياق له والترمذي وصححه وأبو يعلى وابن أبي حاتم في " تفسيره " والبيهقي وإسناده صحيح على شرط مسلم (1/30)
الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنه قال :
( جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله هلكت . قال : وما الذي أهلكك ؟ قال : حولت رحلي الليلة ( 1 ) فلم يرد عليه شيئا فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم يقول : أقبل وأدبر واتقل الدبر والحيضة " ( 2 )
( 1 ) كنى برحله عن زوجته أراد بها غشيانها في قبلها من جهة ظهرها لأن المجماع يعلو المرأة ويركبها مما يلي وجهها فحيث ركبها من جهة ظهرها كنا عنه بتحويل رحله إما أن يريد به المنزل والمأوى وإما أن يريد به الرحل الذي تركب عليه الإبل وهو الكور . " نهاية "
( 2 ) رواه النسائي في " العشرة " والترمذي وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي بسند حسن . وحسنه الترمذي (1/31)
الثالث : عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه :
( أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن إتيان النساء في أدبارهن أو إتيان الرجل امرأته في دبرها ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : حلال . فلما ولى الرجل دعاه أو أمر به فدعي فقال : كيف قلت ؟ في أي الخربتين أوفي الخرزتين أو في أي الخصفتين ( 1 ) ؟ أمن دبرها في قبلها ؟ فنعم أم من دبرها في دبرها ؟ فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن " ( 2 )
( 1 ) يعني : في أي الثقبين والألفاظ الثلاثة بمعنى واحد كما في " النهاية "
( 2 ) رواه الشافعي وقواه وعنه البيهقي والدارمي والطحاوي والخطابي في " غريب الحديث " وسنده صحيح كما قال ابن الملقن في " الخلاصة " وعله عن دالنسائي في " العشرة " والطحاوي والبيهقي وابن عساكر طرق أخر أحدها جيد كما قال المنذري وصححه ابن حبان وابن حزم ووافقهما الحافظ في " الفتح (1/32)
الرابع : [ لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها ] ( 1 )
الخامس : [ ملعون من يأتي النساء في محاشهن . يعني : أدبارهن . السادس : [ من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ] ( 3 )
( 1 ) أخرجه النسائي في " العشرة " والترمذي وابن حبانمن حديث ابن عباس وسنده حسن وحسنه الترمذي وصححه ابن راهويه كما في " مسائل المروزي " وله طريق آخر عند ابن الجارود بسند جيد وقواه ابن دقيق العيد والنسائي وابن عساكر وأحمد من حديث أبي هريرة
( 2 ) أخرجه ابن عدي من حديث عقبة بن عامر بسند حسن وهو من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به . أخرجه أبو داود وأحمد
( 3 ) أخرجه أصحاب " السنن " الأربعة إلا النسائي فرواه في " العشرة " والدارمي وأحمد واللفظ له والضياء في " المختارة " من حديث أبي أبي هريرة وسنده صحيح كما بينته في " نقد التاج "
وروى النسائي وابن بطة في " الإبانة " عن طاوس قال :
سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها ؟ فقال : هذا يسألني عن الكفر ؟ وسنده صحيح وعن أبي هريرة نحوه بسند فيه ضعف
وقال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " :
" قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن أدبار النساء وجزمنا بتحريمه ولي في ذلك مصنف كبير "
قلت : فلا تغتر بعد هذا بقول الشيخ جمال الدين القاسمي في " تفسيره " :
" إنها ضعيفة " لأنها دعوى من غير مختص بهذا العلم أولا وخلاف ما يقتضيه البحث العلمي وشهادة الأئمة بصحة بعضها وحسن بعضها وجم الإمام الذهبي بالتحريم الذي اجتمعت عليه مفردات أحاديث الباب . وفي مقدمة المصححين الإمام إسحاق بن راهويه ثم تتابعت أقوال الأئمة من بعده من المتقدمين والمتأخرين كالترمذي وابن حبان وابن حزم والضياء والمنذري وابن الملقن وابن دقيق العيد وابن حجر وغيرهم ممن ذكروا في غير هذا الموضع فانظر مثلا " الإرواء " ( 7 / 65 - 70 ) (1/33)
7 - الوضوء بين الجماعين :
وإذا أتاها في المحل المشروع ثم أراد أن يعود إليها توضأ لقوله صلى الله عليه و سلم :
( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ [ بينهما وضوءا ] وفي رواية : وضوءه للصلاة ) [ فإنه أنشط في العود ] ( 1 )
8 - الغسل أفضل :
لكن الغسل أفضل من الوضوء لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه و سلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال : فقلت له : يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ؟ قال :
( 1 ) أخرجه مسلم وابن أبي شيبة في " المصنف " وأحمد وأبو نعيم والزيادة له وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري وقد خرجناه في " صحيح سنن أبي داود " برقم ( 216 ) (1/35)
( هذا أزكى وأطيب وأطهر ] ( 1 )
9 - اغتسال الزوجين معا :
ويجوز لهما أن يغتسلا معا في مكان واحد ولو رأى منه ورأت منه وفيه أحاديث :
الأول : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه و سلم من إناء بيني وبينه واحد [ تختلف أيدينا فيه ] فيبادرني حتى أقول : دع لي دع لي قالت : وهما جنبان ] ( 2 )
( 1 ) رواه أبو داود والنسائي في " عشرة النساء " والطبراني وأبو نعيم في " الطب " بسند حسن وقواه الحافظ وقد تكلمت عليه في " صحيح السنن " رقم ( 215 )
( 2 ) رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " والسياق لمسلم والزيادة له وللبخاي في رواية وترجم له ب " باب غسل الرجل مع امرأته " (1/36)
10 - الثاني : عن معاوية بن حيدة قال :
قلت : يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : [ احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ] . قال : (1/39)
قلت : يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال :
( إن استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها ] . قال :
فقلت : يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال :
( الله أحق أن يستحيى منه من الناس ] ( 1 )
( 1 ) رواه أصحاب " السنن " إلا النسائي والروياني في " المسند " وكذا أحمد والبيهقي واللفظ لأبي داود وسنده حسن وصححه الحاكم ووافقه الذبي وقواه ابن دقيق العيد في " الإلمام "
والحديث ترجم له النسائي ب " نظر المرأة إلى عورة زوجها " وعلقه البخاري في " صحيحه " في " باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة ومن تستر فالستر افضل " ثم ساق حديث أبي هريرة في اغتسال كل من موسى وأيوب عليهما السلام في الخلاء عريانين فأشار في إلى أن قوله في الحديث : " الله أحق أن يستحيى منه " محمول على ما هو الأفضل والأكمل وليس على ظاهره المفيد للوجوب قال المناوي :
" وقد حمله الشافعية على الندب وممن وافقهم ابن جريج فأول الخبر في " الآثار " على الندب قال : لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة "
وذكر الحافظ في " الفتح " نحوه فراجعه إن شئت ( 1 / 307 ) (1/40)
10 - توضؤ الجنب قبل النوم :
ولا ينامان جنبين إلا إذا توضآ وفيه أحاديث :
الأول : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن [ يأكل أو ] ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة ) ( 1 )
الثاني : عن ابن عمر رضي الله عنهما :
( أن عمر قال : يا رسول الله أينام أحدنا وهو
( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحاحهم " (1/41)
جنب ؟ قال : نعم إذا توضأ ) وفي رواية :
( توضأ واغسل ذكرك ثم نم ) . وفي رواية :
( نعم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء )
وفي أخرى :
( نعم ويتوضأ إن شاء ( 1 )
الثالث : عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
( ثالثة لا تقربهم الملائكة : جيفة الكافر والمتضمخ ( 2 )
( 1 ) أخرجه الثلاثة في " صحاحهم " وابن عساكر والرواية الثانية لأبي داود بسند صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " والرواية الثالثة لمسلم وأبو عوانة والبيهقي والأخيرة لابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " كما في " التلخيص " وهي تدل على عدم وجوب هذا الوضوء وهو مذهب جمهور العلماء وسيأتي لهذا زيادة بيان في المسألة التالية وإذا كان كذلك فبالأولى أن لا يجب هذا على الوضوء على غير الجنب . فتنبه
( 2 ) أي : المنكر التلطخ ب " الخلوق " وهو بفتح المعجمة قال ابن الأثير :
" وهو طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء " (1/42)
بالخلوق [ والجنب إلا أن يتوضأ ( 1 )
11 - حكم هذا الوضوء :
وليس ذلك على الوجوب وإنما للاستحباب المؤكد لحديث عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم : أينام أحدنا وهو جنب ؟ فقال :
( نعم ويتوضأ إن شاء ) ابن حبان في صحيحه
حديث حسن أخرجه أبو داود في " سننه " من طريقين وأحمد والطحاوي والبيهقي من أحدهما وصححه الترمذي وغيره وفيه نظر بينته في كتابي " ضعيف سنن أبي داود " لكن متن الطريق الأولى وهو هذا له شاهدان أوردهما الهيثمي في " المجمع " ولهذا حسنته وأحدهما عند الطبراني في " الكبير " من حديث ابن عباس
( 2 ) رواه ابن حبان في " صحيحه " عن شيخه ابن خزيمة وإلى " صحيحه " عزاه الحافظ في " التلخيص " كما تقدم قريبا ثم قال الحافظ :
" وأصله في " الصحيحين " دون قوله : إن شاء "
قلت : بل هو في " صحيح مسلم " أيضا بهذه الزيادة كما سبق تخريجه آنفا وهي دليل صريح على عدم وجوب الوضوء قبل النوم على الجنب خلافا للظاهرية (1/43)
ويؤيده حديث عائشة قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء [ حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل ] ( 1 )
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة وأصحاب " السنن " إلا النسائي والطحاوي والطيالسي وأحمد والبغوي في " حديث علي بن الجعد " وأبو يعلى في " مسنده " والبيهقي والحاكم وصححاه وهو كما قالا كما بينته في " صحيح أبي داود " برقم ورواه عفيف الدين أبو المعالي في " ستين حديثا " برقم ( 6 ) بلفظ :
" فإن استيقظ من آخر الليل فإن كان له في أهله حاجة عاودهم ثم اغتسل "
وفي سنده أبو حنيفة رحمه الله
وروى ابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عباس قال :
" إذا جامع الرجل ثم أراد أن يعود فلا بأس أن يؤخر الغسل "
وعن سعيد بن المسيب قال :
" إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ "
وسنده صحيح وهو مذهب الجمهور (1/44)
وفي رواية عنها :
( كان يبيت جنبا فيأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيقوم فيغتسل فأنظر إلى تحدر الماء من رأسه ثم يخرج فأسمع صوته في صلاة الفجر ثم يظل صائما . قال مطرف : فقلت لعامر : في رمضان ؟ قال : نعم سواء رمضان أو غيره ( 1 )
12 - تيمم الجنب بدل الوضوء :
ويجوز لهما التيمم بدل الوضوء أحيانا لحديث عائشة قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة من رواية الشعبي عن مسروق عنها . وسنده صحيح وهو شاهد قوي للذي قبله وكذا رواه أحمد وأبو يعلى في " مسنده " وله عندي طريق أخرى (1/45)
أو تيمم ( 1 )
13 - اغتساله قبل النوم أفضل :
واغتسالهما أفضل لحديث عبد الله بن قيس قال :
( 1 ) رواه البيهقي من طريق عثام بن علي عن هشام عن أبيه عنها . قال الحافظ في " الفتح " :
" إسناده حسن "
قلت : رواه ابن أبي شيبة عن عثام به موقوفا عليها في الرجل يصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام قالت : يتوضأ أو يتيمم . وسنده صحيح
وقد تابعه إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة به مرفوعا ولفظه :
" كان إذا واقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم "
رواه الطبراني في " الأوسط " عن بقية بن الوليد عنه وقال : :
" لم يروه عن هشام إلا إسماعيل "
قلت : وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها لكنه قد تابعه عثام بن علي - وهو ثقة كما سبق - ففي متابعته رد على الطبراني كما لا يخفى (1/46)
( سألت عائشة قلت : كيف كان صلى الله عليه و سلم يصنع في الجنابة ؟ أكان يغتسل قبل أن ينام أم ينام قبل أن يغتسل ؟ قالت : كل ذلك قد كان يفعل ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام قلت : الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة ( 1 )
14 - تحريم إتيان الحائض :
ويحرم عليه أن يأتيها في حيضها ( 2 ) لقوله تبارك وتعالى : ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ( 3 ) فاعتزلوا
( 1 ) مسلم وأبو عوانة وأحمد
( 2 ) قال الشوكاني في " فتح القدير " :
" ولا خلاف بين أهل العلم في تحريم وطء الحائض وهو معلوم من ضرورة الدين "
( 3 ) أي : هو شيء تتأذى به المرأة . وفسره القرطبي وغيره برائحة دم الحيض . قال السيد رشيد رضا رحمه الله :
" أخذه على ظاهره مقرر في الطب فلا حاجة إلى العدول عنه " ويعني به الضرر الجسماني قال :
" لأن غشيانهن سبب للأذى والضرر وإذا سلم الرجل من هذا الأذى فلا تكاد تسلم منه المرأة لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له ولا قادرة عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى وهي إفراز الدم المعروف " (1/47)
النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ( 1 ) فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
وفيه أحاديث :
الأول : من قوله صلى الله عليه و سلم :
( من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا
( 1 ) هو انقطاع دم الحيض وهو ما لا يكون بفعل النساء بخلاف التطهر في قوله : { فإذا تطهرن } فإنه من عملهن وهو استعمال الماء منهن وسيأتي بيان المراد منه في المسألة ( 17 ) (1/48)
فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ( 1 ) الثاني : عن أنس بن مالك قال :
( إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها ( 2 ) في البيت فسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك فأنزل الله تعالى ذكره ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح فقالت اليهود : ما يريد هذا الرجل ألا يدع شيئا من أمرنا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالا يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا أفلا ننكحهن في المحيض ؟ فتمعر ( 3 ) وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى ظننا أن قد وجد ( 4 ) عليهما فخرجا فاستقبلتهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث في آثارهما فسقاهما فظننا أنه لم يجد عليهما ( 5 )
( 1 ) حديث صحيح . رواه أصحاب " السنن " وغيرهم كما سبق في المسالة
( 2 ) أي : لم يخالطوها
( 3 ) أي : تغير
( 4 ) أي : غضب
( 5 ) أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " (1/49)
15 - كفارة من جامع الحائض :
من غلبته نفسه فأتى الحائض قبل أن تطهر من حيضها فعليه أن يتصدق بنصف جنيه ذهب إنكليزي تقريبا أو ربعها لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال :
( يتصدق بدينار أو نصف دينار ( 1 )
( 1 ) أخرجه أصحاب " السنن " والطبراني في " المعجم الكبير " وابن الأعرابي في " معجمه والدارمي والحاكم والبيهقي بإسناد صحيح على شرط البخاري وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وابن دقيق العيد وابن التركماني وابن القيم وابن حجر العسقلاني كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " وكذا وافقه ابن الملقنفي " خلاصة البدر المنير " وقواه الإمام أحمد قبل هؤلاء وجعله من مذهبه فقال أبو داود في " المسائل " :
" سمعت أحمد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض ؟ قال : ما أحسن حديث عبد الحميد فيه ( قلت : يعني هذا ) قلت : وتذهب إليه ؟ قال : نعم إنما هو كفارة . [ قلت ] : فدينار أو نصف دينار : قال : كيف شاء "
وذهب على العمل بالحديث جماعة آخرون من السلف ذكر أسماءهم الشوكاني في النيل وقواه (1/50)
16 - ما يحل له من الحائض :
ويجوز له أن يتمتع بما دون الفرج من الحائض وفيه أحاديث :
الأول : قوله صلى الله عليه و سلم :
اصنعوا كل شيء إلا النكاح ( 1 )
ــــــــــــــــ
( 1 ) أي : الجماع . قال الأزهري :
" أصل النكاح في كلام العرب الوطء وقيل للتزوج : نكاح لأنه سبب للوطء المباح " . " لسان العرب "
والحديث قطعة من حديث أنس المتقدم في المسالة ( 14 ) (1/51)
الثاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمر إحدانا إذا كانت حائضا أن تتزر ثم يضاجعها زوجها وقالت مرة : يباشرها ( 1 )
( 1 ) البخاري ومسلم وأبو عوانة (1/52)
الثالث : عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : إن النبي صلى الله عليه و سلم :
( كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا [ ثم صنع ما أراد ] ( 1 )
17 - متى يجوز إتيانها إذا طهرت :
فإذا طهرت من حيضها وانقطع الدم عنها جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط أو تتوضأ أو تغتسل أي ذلك فعلت جاز له إتيانها ( 2 ) لقوله تبارك
( 1 ) أبو داود وسنده صحيح على شرط مسلم
( 2 ) وهو مذهب ابن حزم ورواه عطاء وقتادة قالا في الحائض إذا رأت الطهر : أنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها وهو مذهب الأوزاعي أيضا كما في " بداية المجتهد " قال ابن حزم :
" وروينا عن عطاء أنها إذا رأت الطهر فتوضأت حل وطؤها لزوجها وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا " (1/53)
وتعالى في الآية السابقة : (1/54)
فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (1/55)
18 - جواز العزل :
ويجوز له أن يعزل عنها ماءه وفيه أحاديث :
الأول : عن جابر رضي الله عنه قال :
( كنا نعزل ( 1 ) والقرآن ينزل ) وفي رواية :
( كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه و سلم فلم ينهنا ( 2 )
الثاني : عن أبي سعيد الخدري قال :
( جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن لي وليدة ( 3 ) وأنا أعزل عنها وأنا أريد ما يريد الرجل وإن اليهود زعموا : [ أن الموءودة الصغرى العزل ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ كذبت يهود [ كذبت يهود ] لو أراد الله أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه ( 4 )
( 1 ) في " الفتح " : " العزل : النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج "
( 2 ) رواه البخاري ومسلم
( 3 ) يعني جارية
( 4 ) النسائي وأبو داود والطحاوي في " المشكل " والترمذي وأحمد بسند صحيح
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو يعلى والبيهقي بسند حسن (1/58)
الثالث : عن جابر أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا ( 1 ) وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل ( 2 ) فقال :
( اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها ) فلبث الرجل ثم أتاه فقال : إن الجارية قد حبلت فقال :
( قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها ( 3 )
( 1 ) أي : التي تسقي لنا النخل كأنها كانت تسقي لهم عوض البعير . " نهاية "
( 2 ) أي : أجامعها وأكره حملها مني بولد
( 3 ) مسلم وأبو داود والبيهقي وأحمد (1/59)
19 - الأولى ترك العزل :
ولكن تركه أولى لأمور :
الأول : أن فيه إدخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها ( 1 ) فإن وافقت عليه ففيه ما يأتي وهو :
الثاني : أنه يفوت بعض مقاصد النكاح وهو تكثير نسل أمة نبينا صلى الله عليه و سلم وذلك قوله صلى الله عليه و سلم :
( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر ( 2 ) بكم الأمم ( 3 )
( 1 ) ذكره الحافظ في " الفتح "
( 2 ) أي : أغالب بكم الأمم السابقة في الكثرة وهو تعليل للأمر بتزوج الولود الودود وإنما أتى بقيدين لأن الودود إذا لم تكن ولودا لا يرغب الرجل فيها والولود غير الودود لا تحصل المقصود . كذا في " فيض القدير "
( 3 ) حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي والمحاملي في " الأمالي " من حديث معقل بن يسار وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ورواه أحمد وسعيد بن منصور والطبراني في " الأوسط " كما في " زوائده " والبيهقي من حديث أنس وصححه ابن حبان وقال الهيثمي :
" إسناده حسن " وفيه نظر كما بينته في " إرواء الغليل " وتقدم لفظه
ورواه ابو محمد بن معروف في " جزئه " والخطيب في " تاريخه " من حديث ابن عمر وسنده جيد كما قال السيوطي في " الجامع الكبير " ولأحمد نحوه من حديث ابن عمر وسنده حسن في الشواهد (1/60)
ولذلك وصفه النبي صلى الله عليه و سلم بالوأد الخفي حين سألوه عن العزل فقال :
( ذلك الوأد الخفي ( 1 )
( 1 ) أخرجه مسلم والطحاوي في " المشكل " وأحمد والبيهقي عن سعيد بن أبي أيوب : حدثني أبو الأسود عن عروة عن عائشة عن جذامة بنت وهب (1/61)
ولهذا أشار صلى الله عليه و سلم إلى أن الأولى تركه في حديث أبي سعيد الخدري أيضا قال : (1/62)
( ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : ولم يفعل ذلك أحدكم ؟ - ولم يقل : فلا يفعل ذلك أحدكم - فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها . ( وفي رواية ) فقال : وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون وإنكم لتفعلون ؟
_________ -
( 1 ) رواه مسلم بالروايتين والنسائي وابن منده في التوحيد بالأولى . والبخاري بالأخرى (1/63)
ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة ( 1 )
20 - ما ينويان بالنكاح :
وينبغي لهما أن ينويا بنكاحمها إعفاف نفسيهما وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما فإنه تكتب مباضعتهما صدقة لهما لحديث أبي ذر رضي الله عنه :
( أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال : أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحة صدقة [ وبكل تكبير صدقة وبكل تهليلة صدقة وبكل تحميدة صدقة ] وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة قالوا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليها فيها وزر ؟ [ قالوا : بلى قال : ] فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له [ فيها ] أجر [ وذكر أشياء : صدقة صدقة ثم قال : ويجزئ من هذا كله ركعتا الضحى ] ( 1 ) (1/64)
21 - ما يفعل صبيحة بنائه :
ويستحب له صبيحة بنائه بأهله أن يأتي أقاربه الذين أتوه في داره ويسلم عليهم ويدعو لهم وأن يقابلوه بالمثل لحديث أنس رضي الله عنه قال :
( أولم رسول الله صلى الله عليه و سلم إذ بنى بزينب فأشبع المسلمين خبزا ولحما ثم خرج إلى أمهات المؤمنين فسلم عليهن ودعا لهن وسلمن عليه ودعون له فكان يفعل ذلك صبيحة بنائه ( 2 )
( 1 ) مسلم والسياق له والنسائي وأحمد والزيادات كلها له وإسنادها صحيح على شرط مسلم وللنسائي الزيادة الأخيرة
قال السيوطي في " إذكار الأذكار " :
" وظاهر الحديث أن الوطء صدقة وإن لم ينو شيئا "
قلت : لعل هذا عند كل وقاع وإلا فالذي أراه أنه لا بد من النية عند عقده عليها وهو ما ذكرناه في الأعلى . والله أعلم
( 2 ) رواه ابن سعد والنسائي في " الوليمة " بسند صحيح (1/66)
22 - وجوب اتخاذ الحمام في الدار :
ويجب عليهما أن يتخذا حماما في دارهما ولا يسمح لها أن تدخل حمام السوق فإن ذلك حرام وفيه أحاديث :
الأول : عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ( 1 )
( 1 ) أخرجه الحاكم واللفظ له والترمذي والنسائي بعضه وأحمد والجرجاني من طرقعن أبي الزبير عن جابر وقال الحاكم :
" صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي وقال الترمذي : " حديث حسن " وله شواهد كثيرة تراها في الترغيب والترهيب (1/67)
الثاني : عن أم الدرداء قالت :
خرجت من الحمام فلقيني رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : من أين يا أم الدرداء ؟ قالت : من الحمام فقال :
( والذي نفسي بيده ما من أمرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن ( 1 )
( 1 ) أخرجه أحمد والدولابي بإسنادين عنها أحدهما صحيح وقواه المنذري (1/68)
الثالث : عن أبي المليح قال :
دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها فقالت : ممن أنتن ؟ قلن : من أهل الشام قالت : لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام ؟ قلن : نعم قالت : أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
( ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله تعالى ( 1 )
( 1 ) أخرجه أصحاب " السنن " إلا النسائي والدارمي والطيالسي وأحمد . وقال الحاكم :
" صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي فأصاب واللفظ لأبي داود (1/69)
23 - تحريم نشر أسرار الاستمتاع :
ويحرم على كل منهما أن ينشر الأسرار المتعلقة بالوقاع وفيه حديثان :
الأول : قوله صلى الله عليه و سلم :
( إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي ( 1 ) إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ( 2 )
( 1 ) أي : يصل إليها بالمباشرة والمجامعة ومنه قوله تعالى : { وقد أفضى بعضكم إلى بعض }
( 2 ) رواه ابن أبي شيبة ومن طريقه مسلم وأحمد وأبو نعيم
ثم استدركت فقلت : إن هذا الحديث مع كونه في " صحيح مسلم " فإنه ضعيف من قبل سنده لأن فيه عمر بن حمزة العمري وهو ضعيف كما قال في " التقريب " وقال الذهبي في الميزان " :
" ضعفه يحيى بن معين والنسائي وقال أحمد : أحاديثه مناكير "
ثم ساق له الذهبي هذا الحديث وقال :
" فهذا مما استنكر لعمر "
قلت : ويسنتنج من هذه الأقوال لهؤلاء الأئمة أن الحديث ضعيف وليس بصحيح وتوسط ابن القطان فقال كما في " الفيض " :
" وعمر ضعفه ابن معين وقال أحمد : أحاديثه مناكير فالحديث به حسن لا صحيح "
قلت : ولا أدري كيف حكم بحسنه مع التضعيف الذي حكاه هو نفسه فلعله أخذ بهيبة " الصحيح " ولم أجد حتى الآن ما أشد به عضد هذا الحديث بخلاف الحديث الآتي بعده والله أعلم (1/70)
الثاني : عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه و سلم والرجال والنساء قعود فقال :
( لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها ؟ فأرم ( 1 ) القوم فقلت : إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون . قال :
( فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون ( 2 )
( 1 ) أي : سكتوا ولم يجيبوا
( 2 ) أخرجه أحمد وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن أبي شيبة وأبي داود والبيهقي وابن السني
وشاهد ثان رواه البزار عن أبي سعيد
وشاهد ثالث عن سلمان في " الحلية "
فالحديث بهذه الشواهد صحيح أو حسن على الأقل (1/71)
24 - وجوب الوليمة :
ولا بد له من عمل وليمة بعد الدخول لأمر النبي صلى الله عليه و سلم عبد الرحمن بن عوف بها كما يأتي ولحديث بريدة ابن الحصيب قال :
لما خطب علي فاطمة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( إنه لا بد للعرس ( وفي رواية للعروس ) من وليمة ( 1 ) -
( 1 ) رواه أحمد والطبراني والطحاوي . وإسناده كما قال الحافظ في الفتح : " لا بأس به " (1/72)
قال : فقال سعد علي كبش وقال فلان : علي كذا وكذا من ذرة وفي الرواية الأخرى : [ وجمع له رهط من الأنصار أصوعا ذرة )
25 - السنة في الوليمة :
وينبغي أن يلاحظ فيها أمورا :
الأول : أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول لأنه هو المنقول عن النبي صلى الله عليه و سلم فعن أنس رضي الله عنه قال :
( بنى رسول الله صلى الله عليه و سلم بامرأة فأرسلني فدعوت رجالا على الطعام ( 1 )
( 1 ) أخرجه البخاري والبيهقي واللفظ له وغيرهما (1/73)
وعنه قال :
( تزوج النبي صلى الله عليه و سلم صفية وجعل عتقها صداقها وجعل الوليمة ثلاثة أيام ( 1 )
الثاني : أن يدعو الصالحين إليها فقراء كانوا أو أغنياء لقوله صلى الله عليه و سلم :
( لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ( 2 )
الثالث : أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة
( 1 ) أخرجه أبو يعلى بسند حسن وهو في " صحيح البخاري " بمعناه . ويأتي لفظه قريبا في المسألة ( 26 )
( 2 ) رواه أبو داود والترمذي والحاكم وأحمد . وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي (1/74)
لحديث أنس رضي الله عنه قال :
( إن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة فآخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري [ فانطلق به سعد إلى منزله فدعا بطعام فأكلا ] فقال له سعد : أي أخي أنا أكثر أهل المدينة ( وفي رواية : أكثر الأنصار ) مالا فانظر شطر مالي فخذه ( وفي رواية : هلم إلى حديقتي أشاطركها ) وتحتي امرأتان [ وأنت أخي في الله لا امرأة لك ] فانظر أيهما أعجب إليك [ فسمها لي ] حتى أطلقها [ لك ] [ فإذا انقضت عدتها فتزوجها ] فقال عبد الرحمن : [ لا والله ] بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فدلوه على السوق فذهب فاشترى وباع وربح [ ثم تابع الغدو ] فجاء بشيء من أقط ( 1 ) وسمن [ قد أفضله ] [ فأتى به أهل منزله ] ثم لبث ما شاء الله أن يلبث فجاء وعليه ردع ( 2 ) زعفران ( وفي رواية : وضر ( 3 ) من خلوق )
( 1 ) لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به . " نهاية "
( 2 - 3 ) هما بمعنى واحد أي : لطخ من خلوق وذلك من فعل العروس . كما في " النهاية "
والخلوق طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة (1/75)
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مهيم ( 1 ) ؟ فقال : يا رسول الله تزوجت امرأة [ من الأنصار ] فقال : ما أصدقتها ؟ قال : وزن نواة ( 2 ) من
( 1 ) أي : ما شأنك ؟ أو ما هذا ؟ وهي كلمة استفهامبنية على السكون " فتح "
( 2 ) قال ابن الأثير في " النهاية :
" النواة اسم لخمسة دراهم قال الأزهري : لفظ الحديث يدل على أنه تزوج المرأة على ذهب قيمته خمسة دراهم لأنه قال : نواة من ذهب "
وهذا القول حكى مثله الحافظ في " الفتح " عن أكثر العلماء (1/76)
ذهب قال : [ فبارك الله لك ] أولم ولو بشاة [ فأجاز ذلك ] . قال عبد الرحمن : فلقد رأيتني ولو رفعت حجرا لرجوت أن أصيب [ تحته ] [ ذهبا أو فضة ] [ قال أنس : لقد رأيته قسم لكل أمرأة من نسائه بعد موته مائة ألف دينار ] ( 1 )
( 1 ) رواه البخاري والنسائي وابن سعد والبيهقي وأحمد وأبو الحسن الطوسي في " المختصر " والسياق لهما وإسنادهما صحيح على شرط مسلم وبعض الزيادات لهما وسائرها مع الروايات الأخرى للبخاري وأحمد والنسائي وابن سعد والحديث في مسلم وأبي داود والترمذي وصححه والدارمي (1/77)
وعن أنس أيضا :
( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب فإن ذبح شاة [ قال : أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه ] ( 1 )
( 1 ) رواه البخاري ومسلم واللفظ مع الزيادة له (1/78)
26 - جواز الوليمة بغير لحم :
ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر ولم لم يكن فيه لحم لحديث أنس رضي الله عنه قال :
( أقام النبي صلى الله عليه و سلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني عليه بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع ( 1 ) فبسطت ( وفي رواية : فحصت الأرض أفاحيص ( 2 ) وجيء بالأنطاع فوضعت فيها ) فألقي عليها التمر والأقط والسمن [ فشبع الناس ] ( 3 )
( 1 ) جمع نطع بساط متخذ من الأديم وهو الجلد المدبوع
( 2 ) جمع أفحوص القطاة وهو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض كأنها تفحص عنه التراب أي : تكشفه والفحص : البحث والكشف . " نهاية "
( 3 ) أخرجه البخاري والسياق له ومسلم والرواية الأخرى مع الزيادة له والنسائي والبيهقي وأحمد وعنده الرواية الأخرى مع الزيادة (1/79)
27 - مشاركة الأغنياء بمالهم في الوليمة :
ويستحب أن يشارك ذوو الفضل والسعة في إعدادها لحديث أنس في قصة زواجه صلى الله عليه و سلم بصفية قال :
( حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم فأهدتها له من الليل فأصبح النبي صلى الله عليه و سلم عروسا ( 1 ) فقال :
من كان عنده شيء فليجئ به ( وفي رواية : من كان عنده فضل زاد فليأتنا به ) قال : وبسط نطعا فجعل الرجل يجئ بالأقط وجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن فحاسوا حيسا ( 2 ) [ فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء ] فكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 3 )
( 1 ) يقال للرجل : عروس كما يقال للمرأة وهو اسم لهما عند دخول أحدهما بالآخر " نهاية "
( 2 ) هو الطعام المتخذ من الأشياء المذكورة في الحديث
( 3 ) أخرجه الشيخان والزيادة لمسلم (1/80)
28 - تحريم تخصيص الأغنياء بالدعوة :
ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء لقوله صلى الله عليه و سلم :
( شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويمنعها المساكين ومن لم يجب الدعوة فقط عصى الله ورسوله ( 1 )
29 - وجوب إجابة الدعوة :
ويجب على من دعي إليها أن يحضرها وفيها حديثان :
( 1 ) رواه مسلم والبيهقي من حديث أبي هريرة مرفوعا وهو عند البخاري موقوفا عليه . وهو في حكم املرفوع ما بينه الحافظ في شرحه (1/81)
الأول : فكوا العاني ( 1 ) وأجيبوا الداعي وعودوا المريض ( 2 )
الثاني : [ إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها [ عرسا كان أو نحوه ] [ ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ] ( 3 )
30 - الإجابة ولو كان صائما :
وينبغي أن يجيب ولو كان صائما لقوله صلى الله عليه و سلم :
( 1 ) أي : الأسير أي : أعتقوه من أيدي العدو بمال أو غيره
( 2 ) رواه البخاري وعبد بن حميد في " المنتخب من مسنده " من حديث أبي موسى الأشعري
( 3 ) رواه البخاري ومسلم وأحمد والبيهقي من حديث ابن عمر ورواه أبو يعلى والزيادة الثانية له وسندها صحيح كما قال الحافظ في " التلخيص " (1/82)
( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل ( 1 ) . يعني : الدعاء ( 2 ) 31 - الإفطار من أجل الداعي :
وله أن يفطر إذا كان متطوعا في صيامه ولا سيما إذا ألح عليه الداعي وفيه أحاديث :
الأول : [ إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك ( 3 )
( 1 ) أي : فليدع كما هو مفسر في آخر الحديث من بعض الرواة
( 2 ) رواه مسلم والنسائي في " الكبرى " وأحمد والبيهقي واللفظ له من حديث أبي هريرة مرفوعا
( 3 ) رواه مسلم وأحمد (1/83)
الثاني : [ الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ( 1 )
( 1 ) رواه النسائي والحاكم والبيهقي . وقال الحاكم : " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي . وهو كما قالا (1/84)
الثالث : حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فقال : هل عندكم شيء ؟ فقلت : لا . قال : فإني صائم . ثم مر بي بعد ذلك اليوم وقد أهدي إلي حيس فخبأت له منه وكان يحب الحيس قالت : يا رسول الله إنه أهدي لنا حيس فخبأت لك منه . قال : أدنيه أما إني قد أصبحت وأنا صائم . فأكل منه ثم قال : (1/86)
( إنما مثل صوم المتطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها ( 1 )
32 - لا يجب قضاء يوم النفل :
ولا يجب عليه قضاء ذلك اليوم وفيه حديثان :
الأول : عن أبي سعيد الخدري قال : [ صنعت لرسول الله صلى الله عليه و سلم طعاما فأتاني هو وأصحابه فلما وضع الطعام قال رجل من القوم : إني صائم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : دعاكم أخوكم وتكلف لكم ثم قال له : أفطر وصم مكانه يوما إن شئت ( 2 )
( 1 ) النسائي بإسناد صحيح . كما هو مبين في " الإرواء "
( 2 ) رواه البيهقي بإسناد حسن كما قال الحافظ في " الفتح " (1/87)
الثاني : عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء قال : فجاءه سلمان يزوره فإذا أم الدرداء متبذلة ( 1 ) فقال : ما شأنك يا أم الدرداء ؟ قالت : إن أخاك أبا الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار وليس له في شيء من الدنيا حاجة فجاء أبو الدرداء فرحب به وقرب إليه طعاما فقال له سلمان : اطعم قال : إني صائم قال : أقسمت عليك لتفطرنه ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل معه ثم بات عنده فلما كان من الليل أراد أبو الدرداء أن يقوم فمنه سلمان وقال له : يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا ولربك عليك حقا [ ولضيفك عليك حقا ] ولأهلك عليك حقا صم وأفطر وصل وائت أهلك وأعط كل ذي حق حقه فلما كان في وجه الصبح قال : قم الآن إن شئت قال : فقاما فتوضآ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بالذي أمره سلمان فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان ( وفي رواية : صدق سلمان ( 2 )
( 1 ) أي : لابسة البذلة وهي المهنة وزنا ومعنى والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة
( 2 ) رواه البخاري والترمذي والبيهقي والسياق له وقال الترمذي : " حديث صحيح "
والزيادة والرواية الأخيرة للأولين (1/88)
33 - ترك حضور الدعوة التي فيها معصية :
ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع وفيه أحاديث :
الأول : عن علي قال :
( صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع [ قال : فقلت : يا رسول الله ما أرجعك بأبي أنت وأمي ؟ قال : إن في البيت سترا فيه تصاوير وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير ] ( 1 )
( 1 ) رواه ابن ماجه وأبو يعلى في " مسنده " والزيادة له بسند صحيح (1/89)
الثاني : عن عائشة أنها اشترت نمرقة ( 1 ) فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و سلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية فقلت : يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت ؟ فقال صلى الله عليه و سلم : ما بال هذه النمرقة ؟ فقلت : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها فقال صلى الله عليه و سلم :
( إن أصحاب هذه الصور ( وفي رواية : إن الذين يعملون هذه التصاوير ) يعذبون يوم القيامة ( 2 ) ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم وإن البيت الذي فيه [ مثل هذه ] الصور لا تدخله الملائكة [ قالت : فما دخل حتى أخرجتها ] )
( 1 ) هي الوسادة كما في " النهاية " و " لسان العرب "
( 2 ) قال الحافظ تحت هذه الجملة من الحديث :
" وفيه أن الملائكة لا تدخل بيتا في الصور وهذه الجملة هي المطابقة لامتناعه من الدخول وإنما قدم الجملة الأولى ( يعني : إن أصحاب هذه الصور . . . ) عليها اهتماما بالزجر عن اتخاذ الصور لأن الوعيد إذا حصل لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لا تصنع إلا لتستعمل فالصانع متسبب والمستعمل مباشر فيكون أولى بالوعيد "
( 3 ) أخرجه البخاري ومسلم (1/90)
الثالث : قال : صلى الله عليه و سلم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها بالخمر ( 1 )
( 1 ) أخرجه أحمد عن عمر والترمذي وحسنه الحاكم وصححه عن جابر ووافقه الذهبي . وهو مخرج في " الإرواء " (1/91)
وعلى ما ذكرنا جرى عليه عمل السلف الصالح رضي الله عنهم والأمثلة على ذلك كثيرة جدا فأقتصر على ما يحضرني الآن منها :
أ - عن أسلم - مولى عمر - أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام فصنع له ( 1 ) رجل من النصارى فقال لعمر : إني أحب أن تجيئني وتكرمني أنت وأصحابك - وهو رجل من عظماء الشام - فقال له عمر رضي الله عنه :
( إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها ( 2 )
( 1 ) يعني : طعاما
( 2 ) رواه البيهقي بسند صحيح
واعلم أن في قول عمر دليلا واضحا على خطأ ما يفعله بعض المشايخ من الحضور في الكنائس الممتلئة بالصور والتماثيل استجابة منهم لرغبة بعض المسؤولين أو غيرهم (1/92)
ب - عن أبي مسعود - عقبة بن عمرو - أن رجلا صنع له طعاما فدعاه فقال : أفي البيت صورة ؟ قال : نعم فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة ثم دخل ( 1 )
ج - قال الإمام الأوزاعي :
( لا ندخل وليمة فيها طبل ولا معزاف ) ( 2 )
( 1 ) رواه البيهقي وسنده صحيح . كما قال الحافظ في " الفتح "
( 2 ) رواه أبو الحسن الحربي في " الفوائد المنتقاة " بسند صحيح عنه (1/93)
34 - ما يستحب لمن حضر الدعوة :
ويستحب لمن حضر الدعوة أمران :
الأول : أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه صلى الله عليه و سلم وهو أنواع :
أ - عن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي صلى الله عليه و سلم طعاما فدعاه فأجابه فلما فرغ من طعامه قال :
( اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك لهم فيما رزقتهم ( 1 )
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه (1/94)
ب - عن المقداد بن الأسود قال : قدمت أنا وصاحبان لي على رسول الله صلى الله عليه و سلم . فأصابنا جوع شديد فتعرضنا للناس فلم يضفنا أحد فانطلق بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى منزله وعنده أربع أعنز فقال لي : يا مقداد جزئ ألبانها بيننا أرباعا فكنت أجزئه بيننا أرباعا [ فيشرب كل إنسان نصيبه ونرفع لرسول الله صلى الله عليه و سلم نصيبه ] فاحتبس رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات ليلة فحدثت نفسي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أتى بعض الأنصار فأكل حتى شبع وشرب حتى روي فلو شربت نصيبه ( ) فلم أزل كذلك حتى قمت إلى نصيبه فشربته ( ) ثم غطيت القدح فلما فرغت أخذني ما قدم وما حدث فقلت : يجيء رسول الله صلى الله عليه و سلم جائعا ولا يجد شيئا فتسجيت ( 1 ) [ قال : وعلي شملة من صوف كلما رفعت على رأسي خرجت قدماي وإذا أرسلت على قدمي خرج رأسي قال : ] [ وجعل لا يجيئني النوم ] وجعلت أحدث نفسي [ قال : وأما صاحباي فناما ] فبينا أنا كذلك
( 1 ) أي : تغطيت يعني : يريد أن ينام (1/95)
إذ دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم تسليمة يسمع اليقظان ولا يوقظ النائم [ ثم أتى المسجد فصلى ] ثم أتى القدح فكشفه فلم ير شيئا فقال :
( اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني ) واغتنمت الدعوة [ فعمدت إلى الشملة فشددتها علي ] فقمت إلى الشفرة ( 1 ) فأخذتها ثم أتيت الأعنز فجعلت أجتسها ( 2 ) أيها اسمن [ فأذبح لرسول الله صلى الله عليه و سلم ] فلا تمر يدي على ضرع واحدة إلا وجدتها حافلا ( 3 ) [ فعمدت إلى إناء لآل محمد ما كانوا يطمعون أن يحلبوا فيه ] فحلبت حتى ملأت القدح ثم أتيت [ به ] رسول الله صلى الله عليه و سلم [ فقال : أما شربتم شرابكم الليلة يا مقداد ؟ قال : ] فقلت : اشرب يا رسول الله فرفع رأسه إلي فقال : بعض سوآتك يا مقداد ما الخبر ؟ قلت : اشرب ثم الخبر فشرب حتى روي ثم ناولني فشربت فلما
( 1 ) هي السكين العظيمة العريضة
( 2 ) أي : أمسها بيدي
( 3 ) أي : ممتلئا لبنا (1/96)
عرفت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد روي وأصابتني دعوته ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض فقال : ما الخبر ؟ فأخبرته فقال : هذه بركة نزلت من السماء فهلا أعلمتني حتى نسقي صاحبينا ؟ فقلت : [ والذي بعثك بالحق ] إذا أصابتني وإياك البركة فما أبالي من أخطأت . ( 1 )
الثاني : عن أنس أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم [ كان يزور الأنصار فإذا جاء إلى دور الأنصار جاء صبيان الأنصار يدورون حوله فيدعوا لهم ويمسح رؤوسهم ويسلم عليهم فأتى إلى باب سعد بن عبادة ف ] استأذن على سعد فقال : السلام عليكم ورحمة الله فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ولم يسمع النبي صلى الله عليه و سلم حتى سلم ثلاثا ورد عليه سعد ثلاثا ولم يسمعه [ وكان النبي صلى الله عليه و سلم لا يزيد فوق ثلاث تسليمات فإن أذن له
( 1 ) رواه مسلم وأحمد وابن سعد وبعضه الترمذي وصححه (1/97)
وإلا انصرف ] فرجع النبي صلى الله عليه و سلم واتبعه سعد فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمة إلا هي بأذني ولقد رددت عليك ولم أسمعك أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة [ فادخل يا رسول الله ] ثم أدخله البيت فقرب له زبيبا فأكل نبي الله صلى الله عليه و سلم فلما فرغ قال :
( أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون )
( 1 ) رواه أحمد والطحاوي والبيهقي وابن عساكر وإسنادهم صحيح (1/98)
الأمر الثاني : الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة وفيه أحاديث :
الأول : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال :
هلك أبي وترك سبع بنات أو تسع بنات فتزوجت امرأة ثيبا فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : تزوجت يا جابر ؟ فقلت : نعم فقال : أبكرا أم ثيبا قلت : بل ثيبا قال : فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك ؟ فقلت له : إن عبد الله هلك وترك [ تسع أو سبع ] بنات وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن فتزوجت امرأة تقوم عليهن وتصلحهن فقال :
( بارك الله لك ) أو قال لي خيرا ( 1 )
( 1 ) رواه البخاري والسياق له ومسلم والزيادة له (1/99)
الثاني : عن بريدة رضي الله عنه قال : قال نفر من الأنصار لعلي : عندك فاطمة فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسلم عليه فقال : ما حاجة ابن أبي طالب ؟ فقال : يا رسول الله ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : مرحبا وأهلا لم يزد عليهما فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه قالوا : ما وراءك ؟ قال : ما أدري غير أنه قال لي : مرحبا وأهلا فقالوا : يكفيك من رسول الله صلى الله عليه و سلم إحداهما أعطاك الأهل والمرحب فلما كان بعد ذلك بعدما زوجه قال : يا علي إنه لا بد للعروس ( 1 ) من وليمة فقال سعد : عندي كبش وجمع له رهط من الأنصار أصوعا من ذرة فلما كانت ليلة البناء قال : لا تحدث شيئا حتى تلقاني فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بما فتوضأ فيه ثم أفرغه على علي فقال :
( اللهم بارك فيهما وبارك لهما في بنائهما ( 2 )
( 1 ) وفي رواية : " للعرس " وهي رواية أحمد وقد تقدمت بتمامها في المسألة ( رقم 24 )
( 2 ) رواه ابن سعد والطبراني في " الكبير " بسند حسن (1/101)
الثالث : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
تزوجني النبي صلى الله عليه و سلم فأتتني أمي فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن :
( على الخير والبركة وعلى خير طائر ( 1 )
الخامس : عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا رفأ ( 2 ) الإنسان إذا تزوج قال :
( بارك الله لك وبارك الله عليك وجمع بينكما في ( وفي رواية : على ) خير ( 3 )
( 1 ) أي : على افضل حظ ونصيب وطائر الإنسان : نصيبه . والحديث رواه البخاري ومسلم والبيهقي
( 2 ) بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له في موضع قولهم : " بالرفاه والبنين " وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية فورد النهي عنها . كذا في " الفتح " ثم ذكر أحاديث في النهي عنها منها حديث الحسن الآتي بعده
( 3 ) رواه سعيد بن منصور وكذا أبو داود والترمذي وكذا أبو علي الطوسي وصححاه والدارمي وأحمد والحاكم والبيهقي . وقال الحاكم :
" صحيح على شرط مسلم " . ووافقه الذهبي وهو كما قالا (1/102)
35 - بالرفاء والبنين تهنئة الجاهلية :
ولا يقول : [ بالرفاء والبنين ) كما يفعل الذين لا يعلمون فإنه من عمل الجاهلية وقد نهي عنه في أحاديث منها : عن الحسن أن عقيل بن أبي طالب تزوج امرأة من جشم فدخل عليه القوم فقالوا : بالرفاء والبنين فقال : لا تفعلوا ذلك [ فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن ذلك ] قالوا : فما نقول يا أبا زيد ؟ قال : قولوا : بارك الله (1/103)
لكم وبارك عليكم إنا كذلك كنا نؤمر ( 1 )
36 - قيام العروس على خدمة الرجال :
ولا بأس من أن تقوم على خدمة المدعوين
( 1 ) رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفه " والنسائي وابن ماجه والدارمي . وقال الحافظ :
" رجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال " (1/104)
العروس نفسها إذا كانت متسترة ( 1 ) وأمنت الفتنة لحديث سهل بن سعد قال :
( 1 ) أعني السترة المشروعة ويشترط فيها ثمانية أشياء :
1 - استيعاب جميع البدن إلا الوجه والكفين
2 - أن لا يكون زينة في نفسه
3 - أن يكون صفيقا لا يشف
4 - وأن لا يصف شيئا من جسمها لضيقه
5 - ولا يكون مطيبا
6 - ولا يشبه لباس الرجال
7 - ولا لباس الكافرات
8 - ولا يكون لباس شهرة
وأدلة هذه الشروط موجودة في كتابي : " حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة " (1/105)
( لما عرس ( 1 ) أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه فما صنع لهم طعاما ولا قدمه إليهم إلا امرأته أم أسيد بلت ( وفي رواية : أنقعت ) تمرات في تور ( 2 ) من حجارة من الليل فلما فرغ النبي صلى الله عليه و سلم من الطعام أماثته ( 3 ) له فسقته تتحفه بذلك [ فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس ] ( 4 )
( 1 ) أي : دخل بزوجته قال في " اللسان " :
" وقد عرس وأعرس : اتخذها عرسا ودخل بها وكذلك عرس بها وأعرس "
( 2 ) إناء يكون من نحاس وغيره وقد بين هنا أنه كان من الحجارة
( 3 ) أي : مرسته بيدها يقال : ماثته وأماثته ثلاثيا ورباعيا
( 4 ) رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة في " صحيحه " (1/106)
37 - الغناء والضرب بالدف ( 1 ) :
ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور وفي ذلك أحاديث :
( 1 ) بضم الدال وقد تفتح وهو الذي لا جلاجل فيه فإن كانت فيه فهو المزهر " فتح " (1/107)
الأول : عن الربيع بنت معوذ قالت :
( جاء النبي صلى الله عليه و سلم يدخل حين بني علي فجلس على فراشي مجلسك مني ( الخطاب للراوي عنها ) فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد . فقال : دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين ( 1 )
الثاني : عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم : [ يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو ؟ ( 2 )
( 1 ) رواه البخاري والبيهقي وأحمد والمحاملي في صلاة العيدين . وغيرهم
( 2 ) أخرجه البخاري والحاكم وعنه البيهقي (1/108)
وفي رواية بلفظ :
( فقال : فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني ؟ قلت : ماذا تقول ؟ قال : تقول :
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
لولا الذهب الأحم ر ما حلت بواديكم
لولا الحنطة السمرا ء ما سمنت عذاريكم ( 1 )
الثالث : عنها أيضا :
( أن النبي صلى الله عليه و سلم سمع ناسا يغنون في عرس وهم يقولون :
وأهدي لها أكبش يبحبحن في المربد
وحبك في النادي ويعلم ما في غد
وفي رواية :
( 1 ) رواه الطبراني كما في " زوائده وسكت عليه في " الفتح " وفيه ضعف
ثم وجدت له طريقا أخرى عن عائشة يتقوى بها كما بينته في " الإرواء "
وفي الباب عن عائشة أيضا في " المسند " ورجاله ثقات غير إسحاق بن سهل بن أبي حنتمة أورده في " الجرح " ولم يذكر فيه شيئا (1/109)
وزوجك في النادي ويعلم ما في غد
قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يعلم ما في غد إلا الله سبحانه ( 1 )
الرابع : عن عامر بن سعد البجلي قال :
( دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود وذكر ثالثا - ذهب علي - وجواري يضربن بالدف ويغنين فقلت : تقرون على هذا وأنتم أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم ؟ قالوا : إنه قد رخص لنا في العرسات والنياحة عند المصيبة ) وفي رواية :
( وفي البكاء على الميت في غير نياحة ( 2 )
( 1 ) أخرجه الطبراني في الصغير والحاكم البيهقي وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي
( 2 ) أخرجه الحاكم والبيهقي والسياق والرواية الأخرى له والنسائي والطيالسي (1/110)
الخامس : عن أبي بلج يحيى بن سليم قال :
( قلت لمحمد بن حاطب : تزوجت امرأتين ما كان في واحدة منهما صوت يعني دفا فقال محمد رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف ( 1 ) . السادس : [ أعلنوا النكاح )
( 1 ) أخرجه النسائي والترمذي وقال : حديث حسن وابن ماجه . وغيرهم . وقال الحاكم :
" صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي
وهو عندي حسن الإسناد
( 2 ) رواه ابن حبان والطبراني . والمخلص في " المنتقى من حديثه " والضياء المقدسي في " المختارة "
وسنده حسن رجاله ثقات معروفون غير ابن الأسود . وصححه الحاكم وكذا ابن دقيق العيد بإيراده إياه في " الإلمام بأحاديث الأحكام " وقد اشترط في المقدمة أن لا يورد فيه إلا ما كان صحيحا (1/111)
38 - الامتناع من مخالفة الشرع :
ويجب عليه أن يمتنع من كل ما فيه مخالفة للشرع وخاصة ما اعتاده الناس في مثل هذه المناسبة حتى ظن كثير منهم - بسبب سكوت العلماء - أن لا بأس فيها وأنا أنبه هنا على أمور هامة منها : (1/112)
1 - تعليق الصور :
الأول : تعليق الصور على الجدران سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة لها ظل أو لا ظل لها يدوية أو فوتوغرافية فإن ذلك كله لا يجوز ويجب على المستطيع نزعها إن لم يستطع تمزيقها وفيه أحاديث :
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد سترت سهوة ( 1 ) لي بقرام ( 2 ) فيه تماثيل ( وفي رواية : فيه الخيل ذوات الأجنحة ) فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال : يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله
( 1 ) هو بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة كذا قاله ابن الأثير في " النهاية "
( 2 ) القرام بكسر القاف : الستر الرقيق وقيل : الصفيق من صوف ذي ألوان وقيل : هو الستر الرقيق وراء الستر الغليظ . " نهاية "
وقال السرقسطي في " غريب الحديث " :
" هو ثوب من صوف فيه ألوان من العهون وهي شفق تتخذ سترا ويغطى به هودج أو كلة والجمع قرم " (1/113)
( وفي رواية : إن أصحاب هذه الصور يعذبون ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ثم قال : إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة ) قالت : عائشة : فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين [ فقد رأيته متكئا على إحداهما وفيها صورة ] ( 1 )
( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم والسياق له (1/114)
2 - وعنها قالت :
( حشوت وسادة للنبي صلى الله عليه و سلم فيها تماثيل كأنها نمرقة فقام بين البابين وجعل يتغير وجهه فقلت : ما لنا يا رسول الله ؟ [ أتوب إلى الله مما أذنبت ] قال : ما بال هذه الوسادة ؟ قالت : قلت : وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها قال : أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة وأن من صنع الصور يعذب يوم القيامة فيقال : أحيوا ما خلقتم ؟ وفي رواية : إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة [ قالت : فما دخل حتى أخرجتها ] ( 1 )
( 1 ) البخاري وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " . والزيادة له وإسناده صحيح
والحديث أخرجه الشيخان وغيرهما بنحوه (1/115)
3 - قوله صلى الله عليه و سلم :
( أتاني جبريل عليه السلام فقال لي : أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تمثال [ الرجال ] وكان في البيت قرام ( 1 ) ستر فيه تماثيل
( 1 ) هو الستر الرقيق كما سبق والإضافة فيه كقولك : ثوب قميص وقيل : القرام : الستر الرقيق وراء الستر الغليظ ولذلك أضاف . كذا في " النهاية " (1/118)
وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ( 1 ) ومر بالستر فليقطع
( 1 ) هذا نص صريح في أن التغيير الذي يحل به استعمال الصورة إنما هو الذي يأتي على معالم الصورة فيغيرها بحيث إنه يجعلها في هيئة أخرى وقد عبر بعض الفقهاء عن هذا التعبير بقوله :
" إذا كانت بحيث لا تعيش جاز استعمالها "
وهذا تعبير قاصر كما لا يخفى (1/119)
فليجعل منه وسادتين توطآن ومر بالكلب فليخرج [ فإنا لا ندخل بيتا فيه صورة ولا كلب ] وإذا الكلب [ جرو ] لحسن أو حسين كانت تحت نضد ( 1 ) لهم ( وفي رواية : تحت سريره ) [ فقال يا عائشة متى دخل هذا الكلب ؟ فقالت : والله ما دريت ] فأمر به فأخرج [ ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه ] ( 2 )
( 1 ) بفتح النون والضاد المعجمة : هو السرير الذي تنضد عليه الثياب أي : يجعل بعضها فوق بعض . كما في " غريب الحديث " لابن قتيبة و " النهاية " لابن الأثير
( 2 ) حديث صحيح وهو مجموع من رواية خمسة من الصحابة : أبو هريرة والسياق له وعائشة وميمونة عند مسلم وأبو رافع وأسامة بن زيد عند الطحاوي بسند حسن (1/120)
2 - ستر الجدران بالسجاد :
الأمر الثاني مما ينبغي اجتنابه : ستر الجدار بالسجاد ونحوه ولو من غير الحرير لأنه سرف وزينة غير مشروعة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (1/125)
( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم غائبا في غزاة غزاها فلما تحينت قفوله أخذت نمطا ( 1 ) [ فيه صورة ] كانت لي فسترت به على العرض ( 2 ) فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم تلقيته في الحجرة فقلت : السلام عليك يا رسول ورحمة الله وبركاته الحمد لله الذي أعز [ ك ] فنصرك
( 1 ) في " القاموس " : " النمط محركة : ظهارة فراش ما أو ضرب من البسط "
( 2 ) أي : الجانب في " النهاية " :
" العرض بالضم الجانب والناحية من كل شيء "
قلت : ولم يورد هذا الحديث في هذه المادة والظاهر انه منها بقرينة حديث عائشة الآخر قال أنس : كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها . الحديث . رواه البخاري . والله أعلم
ثم رايت الخطابي روى الحديث في كتابه " غريب الحديث " بلفظ : " العرض " ثم قال :
" وهو غلط والصواب : " العرص " ( يعني بالصاد المهملة والعين المفتوحة ) وهو خشبة توضع على البيت عرضا إذا أرادوا تسقيفه ثم يلقى عليه أطراف الخشب القصار " . والله أعلم (1/126)
وأقر عينيك وأكرمك قالت : فلم يكلمني وعرفت في وجهه الغضب ودخل البيت مسرعا وأخذ النمط بيده فجبذه ( 1 ) حتى هتكه ثم قال : [ أتسترين الجدار ؟ ] [ بستر فيه تصاوير ؟ ] إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة [ والطين ( 2 ) . قالت : فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفا فلم يعب ذلك علي ]
( 1 ) أي : جذبه . في " النهاية :
" الجبذ لغة في الجذب وقيل : هو مقلوب "
( 2 ) قال البيهقي :
" وهذه اللفظة تدل على كراهة كسوة الجدران وإنكان سبب اللفظ فيما روينا من طرق الحديث يدل على أن الكراهية كانت لما فيه من التماثيل "
قلت : بل الكراهية للأمرين معا هذا الذي ذكره البيهقي ولستر الجدار كما هو صريح الزيادتين اللتين وردتا في بعض طرق الحديث الأولى : " فيه صورة " والأخرى : أتسترين الجدار " فقد جمعت هذه الرواية ذكر السببين لكن عذر البيهقي أنها لم تقع له . والله أعلم (1/127)
( قالت : فكان صلى الله عليه و سلم يرتفق عليهما ] ( 1 )
ولهذا كان بعض السلف يتمنع من دخول البيوت المستورة جدرها قال سالم بن عبد الله :
( 1 ) رواه مسلم وأبو عوانة والسياق مع الزيادتين الأولى والثالثة له وأحمد والزيادة قبل الأخيرة لمسلم وأبي عوانة (1/128)
( أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس وكان أبو أيوب فيمن آذنا وقد ستروا بيتي بنجاد ( 1 ) أخضر فأقبل أبو أيوب فدخل فرآني قائما واطلع فرأى البيت مستترا بنجاد أخضر فقال : يا عبد الله أتسترون الجدر ؟ قال : أبي : - واستحيى - غلبنا النساء أبا أيوب فقال : من [ كنت ] أخشى [ عليه ] أن تغلبنه النساء فلم [ أكن ] أخشى [ عليك ] أن تغلبنك ثم قال : لا أطعم لكم طعاما ولا أدخل لكم بيتا . ثم خرج رحمه الله ( 2 )
3 - نتف الحواجب وغيرها
الثالث : ما تفعله بعض النسوة من نتفهن حواجبهن حتى تكون كالقوس أو الهلال يفعلن ذلك تجملا بزعمهن
( 1 ) بكسر النون جمع " النجد " وهو ما يزين به البيت من البسط والوسائد والفرش . " اللسان "
( 2 ) أخرجه الطبراني وابن عساكر عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سالم . وهذا سند جيد (1/129)
وهذا مما حرمه رسول الله صلى الله عليه و سلم ولعن فاعله بقوله :
( لعن الله الواشمات ( 1 ) والمستوشمات ) ( 2 ) [ [ والواصلات ] ( 3 ) والنامصات [ ( 4 ) والمتنمصات
( 1 ) جمع واشمة اسم فاعل من " الوشم " : وهو غرز الإبرة ونحوها في الجلد حتى يسيل الدم ثم حشوه بالكحل أو ما شابه فيخضر
( 2 ) جمع مستوشمة وهي التي تطلب الوشم
( 3 ) رواه البخاري وأبو داود انظر " الصحيحة " ( 2797 )
( 4 ) جمع نامصة وهي التي تفعل النماص و ( المتنمصات ) : جمع متنمصة وهي التي تطلبه . و " النماص " : إزالة شعر الوجه بالمنقاش كما في " النهاية " وغيره وذكر الوجه للغالب لا للتقييد (1/130)
والمتفلجات للحسن ( 1 ) المغيرات خلق الله ( 3 )
( 1 ) أي : لأجل الحسن و " المتفلجات " : جمع متفلجة : وهي التي تطلب الفلج وهو فرجة ما بين الثنايا والرباعيات والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه
( 2 ) صفة للمذكورات جميعا وهو كالتعليل لوجوب اللعن المستدل به على الحرمة
البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه وغيرهم (1/131)
4 - تدميم الأظفار وإطالتها :
الرابع : هذه العادة القبيحة الأخرى التي تسربت من فاجرات أوربا إلى كثير من المسلمات وهي تدميمهن لأظفارهن بالصمغ الأحمر المعروف اليوم ب ( مينيكور ) (1/132)
وإطالتهن لبعضها - وقد يفعلها بعض الشباب أيضا - فإن هذا مع ما فيه من تغير لخلق الله المستلزم لعن فاعله كما علمت آنفا ومن التشبه بالكافرات المنهي عنه في أحاديث كثيرة ( 1 ) التي منها قوله صلى الله عليه و سلم : [ . . . ومن تشبه بقوم فهو منهم ( 2 ) فإنه أيضا مخالف للفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها وقد قال صلى الله عليه و سلم :
( الفطرة ( 3 ) خمس : الاختتان والاستحداد ( 4 )
( 1 ) قد ذكرت هذه الأحاديث باستقصاء في كتابي " حجاب المرأة المسلمة " ( ص 53 - 81 ) فمن شاء فليراجعها
( 2 ) رواه أبو داود وأحمد وكذا عبد بن حميد في " المنتخب " ( 92 / 2 ) والطحاوي في " المشكل " بسند حسن كما بينته في المصدر الآنف الذكر ( ص 80 - 81 )
( 3 ) أي : السنة يعني : سنن الأنبياء عليهم السلام التي أمرنا أن نقتدي بهم . كذا في ( النهاية )
( 4 ) استفعال من الحديد والمراد به استعمال الموسى في حلق الشعر من مكان مخصوص من الجسد والرواية الأخرى تعين ذلك المكان
والحديث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم (1/133)
( وفي رواية : حلق العانة ) وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط )
وقال أنس رضي الله عنه :
( وقت ( 1 ) لنا ( وفي رواية : وقت لنا رسول الله ) في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة ( 2 )
( 1 ) بالبناء للمجهول وهو في حكم المرفوع على الراجح عند العلماء ولا سيما وقد صرح في الرواية الأخرى بأن المؤقت هو النبي صلى الله عليه و سلم وإعلال الشوكاني إياها بأن فيها صدفة من موسى ذهول عن أن النسائي رواها من غير طريقه بسند صحيح وكذلك رواها من غير طريقه أبو العباس الأصم في " حديثه " وابن عساكر
( 2 ) رواه مسلم وأبو عوانة وأبو داود وغيرهم (1/134)
5 - حلق اللحى :
الخامس : ومثلها في القبح - إن لم تكن أقبح منها عند ذوي الفطر السليمة - ما ابتلي به أكثر الرجال من التزين بحلق اللحية بحكم تقليدهم للأوربيين الكفار حتى صار من العار عندهم أن يدخل العروس ( 1 ) على عروسه وهو غير حليق ( 2 ) وفي ذلك عدة مخالفات :
( 1 ) يقال للرجل : عروس كما يقال للمرأة كما سبق
( 2 ) وزاد بعضهم في الضلال فجعلوا إعفاء اللحية بمناسبة وفاة قريب لهم من الكمال { إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } (1/135)
أ - تغيير خلق الله قال تعالى في حق الشيطان :
لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا
فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى إطاعة لأمر الشيطان وعصيان للرحمن جل جلاله فلا جرم أن لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم المغيرات خلق الله للحسن كما سبق قريبا ولا شك في دخول اللحية للحسن ( ) في اللعن المذكور بجامع الاشتراك في العلة كما لا يخفى وإنما قلت : [ دون إذن من الله تعالى ) لكي لا يتوهم أنه يدخل في التغيير المذكور مثل حلق العانة ونحوها مما أذن فيه الشارع بل استحبه أو أوجبه
ب - مخالفة أمره صلى الله عليه و سلم وهو قوله : (1/136)
( أنهكوا ( 1 ) الشوارب وأعفوا اللحى ( 2 )
ومن المعلوم أن الأمر يفيد الوجوب إلا لقرينة والقرينة هنا مؤكدة للوجوب وهو :
ج - التشبه بالكفار قال صلى الله عليه و سلم :
( جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس ( 3 )
( 1 ) أي : بالغوا في القص ومثله " جزوا " والمراد المبالغة في قص ما طال على الشفة لا حلق الشارب كله فإنه خلاف السنة العملية الثابتة عنه صلى الله عليه و سلم ولهذا لما سئل مالك عمن يحفي شاربه ؟ قال : أرى أن يوجع ضربا وقال لمن يحلق شاربه : هذه بدعة ظهرت في الناس رواه البيهقي وانظر " فتح الباري " ( 10 / 285 - 286 ) ولهذا كان مالك وافر الشارب ولما سئل عن ذلك قال : حدثني زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن عمر رضي الله عنه كان إذا غضب فتل شاربه ونفخ رواه الطبراني في " المعجم الكبير " بسنتد صحيح وروى هو وأبو زرعة في " تاريخه " والبيهقي : أن خمسة من الصحابة كانوا يقمون ( أي يستأصلون ) شواربهم يقمون مع طرف الشفة " . وسنده حسن
( 2 ) البخاري واللفظ له . ومسلم وأبو عوانة وغيرهم
( 3 ) مسلم وأبو عوانة في صحيحيهما عن أبي هريرة (1/137)
ويؤيد الوجوب أيضا :
د - التشبه بالنساء فقد :
( لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال )
( 1 ) رواه البخاري والترمذي وصححه (1/138)
ولا يخفى أن في حلق الرجل لحيته - التي ميزه الله بها على المرأة - أكبر تشبه بها فلعل فيما أوردنا من الأدلة ما يقنع المبتلين بهذه المخالفة عافانا الله وإياهم من كل ما لا يحبه ولا يرضاه
6 - خاتم الخطبة :
السادس : لبس بعض الرجال خاتم الذهب الذي يسمونه ب [ خاتم الخطبة ) فهذا مع ما فيه من تقليد الكفار أيضا - لأن هذه العادة سرت إليهم من النصارى ( 1 ) -
( 1 ) ويرجع ذلك على عادة قديمة لهم عندما كان العروس يضع الخاتم على رأس إبهام العروس اليسرى ويقول : باسم الأب ثم ينقله واضعا له على رأس السبابة ويقول : الابن ثم يضع على رأس الوسطى ويقول : الروح القدس وعندما يقول آمين يضعه أخيرا في البنصر حيث يستقر (1/139)
ففيه مخالفة صريحة لنصوص صحيحة تحرم خاتم الذهب على الرجال وعلى النساء أيضا كما ستعلمه وإليك بعض هذه النصوص :
أولا : [ نهى صلى الله عليه و سلم عن خاتم الذهب ( 1 )
ثانيا : عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال :
( 1 ) رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم (1/141)
( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ؟ )
فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم : خذ خاتمك وانتفع به قال : لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 1 )
ثالثا عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه و سلم أبصر في يده خاتما من ذهب فجعل يقرعه بقضيب معه فلما غفل النبي صلى الله عليه و سلم ألقاه [ فنظر النبي صلى الله عليه و سلم فلم يره في يده ف ]
( 1 ) رواه مسلم وابن حبان في " صحيحه " والطبراني وغيرهم
والحديث نص في تحريم خاتم الذهب فما سيأتي عن أحمد رحمه الله أنه يكره فمحمول على كراهة التحريم
وقد روي عن أبي هريرة مرفوعا : " لعن الله لابسه " (1/143)
قال : ما أرانا إلا قد أوجعناك وأغرمناك ( 1 )
( 1 ) رواه النسائي وأحمد وابن سعد وأبو نعيم في أصبهان ورجاله ثقات رجال مسلم لكن النعمان سيء الحفظ أخرجه النسائي وقال :
" إنه أولى بالصواب "
قلت : هو صحيح الإسناد مرسلا (1/144)
رابعا : عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى على بعض أصحابه خاتما من ذهب فأعرض عنه فألقاه واتخذ خاتما من حديد فقال : هذا شر هذا حلية أهل النار فألقاه فاتخذ خاتما من ورق ( 1 ) فسكت عنه ( 2 )
( 1 ) أي : فضة
( 2 ) حديث صحيح رواه أحمد . والبخاري في الأدب المفرد بسند حسن
والحديث صحيح فإن له في " المسند " طريقا أخرى عن ابن عمرو وفيه ضعف . وله شواهد (1/145)
خامسا : [ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس حريرا ولا ذهبا ( 1 )
سادسا : [ من لبس الذهب من أمتي فمات وهو يلبسه حرم الله عليه ذهب الجنة ( 2 )
39 - تحريم خاتم الذهب ونحوه على النساء :
واعلم أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم خاتم الذهب عليهن ومثله السوار والطوق من الذهب
( 1 ) رواه أحمد عن أبي أمامة مرفوعا بسند حسن
( 2 ) رواه أحمد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بسند صحيح وقد تكلم عليه فضيلة الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على " المسند " فأجاد (1/146)
لأحاديث خاصة وردت فيهن ( 1 ) فيدخلن لذلك في بعض النصوص المطلقة التي لم تقيد بالرجال مثل الحديث الأول المتقدم آنفا وإليك الآن ما صح من الأحاديث المشار إليها :
الأول : [ من أحب أن يحلق حبيبه ( 2 ) بحلقة من نار فليحلقه حلقة ( 3 ) من ذهب ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقا من نار فليطوقه طوقا من ذهب ومن أحب أن يسور حبيبه سوارا من نار فليطوقه طوقا ( وفي رواية : فليسوره سوارا ) من ذهب ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها
( 1 ) ويأتي بيان ما يباح لهن من الذهب
( 2 ) فعيل بمعنى مفعول وهو يشمل الرجل والمرأة كما يقال : رجل قتيل وامرأة قتيل وهذا معلوم في اللعة وقد جاء في رواية : " حبيبته " بصيغة التأنيث في حديث أبي موسى الآتي الإشارة إليه قريبا إن شاء الله
( 3 ) هو الخاتم لا فص له كذا في " النهاية "
قلت : وقد توضع الحلقة في الأذن وتسمى حينئذ قرطا كما يأتي فالظاهر أن الحديث لا يشمله لكن رويت أحاديث تقتضي التحريم فيها ضعف فانظر ما يأتي ( ص 236 ) (1/151)
[ العبوا بها العبوا بها ] ( 1 )
( 1 ) أخرجه أبو داود وأحمد بسند جيد
وهذا سند جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير أسيد هذا فوثقه ابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات وحسن له الترمذي في " الجنائز " وصحح له جماعة ولذا قال الذهبي والحافظ :
" صدوق " (1/152)
الثاني : عن ثوبان رضي الله عنه قال :
( جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه و سلم وفي يدها فتخ [ من ذهب ] [ أي خواتيم كبار ] فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يضرب يدها [ بعصية معه يقول لها : أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار ؟ ] فأتت فاطمة تشكو إليها قال ثوبان : فدخل النبي صلى الله عليه و سلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت : هذا أهدى لي أبو حسن ( تعني زوجها عليا رضي الله عنه ) - وفي يدها السلسلة - فقال النبي صلى الله عليه و سلم : يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس : فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار ؟ [ ثم عذمها ( 1 ) عذما شديدا ] فخرج ولم يقعد فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة فأعتقتها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال : الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار ( 2 )
( 1 ) أي : لامها وعنفها والعذم : الأخذ باللسان واللوم كذا في " اللسان "
( 2 ) أخرجه النسائي والطيالسي ومن طريقه الحاكم والطبراني في " الكبير وكذا أحمد وإسناده صحيح موصول وكذلك صححه ابن حزم وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي (1/153)
الثالث : عن عائشة أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى في يد عائشة قلبين ملويين من ذهب فقال : ألقيهما عنك واجعلي قلبين من فضة وصفريها بزعفران ( 1 )
( 1 ) رواه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " بسند صحيح والنسائي والخطيب والبزار نحوه
و ( القلبين ) : السوارين . ( ملويين ) : مفتولين (1/159)
الرابع : عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت :
( جعلت شعائر ( 1 ) من ذهب في رقبتها فدخل النبي صلى الله عليه و سلم فأعرض عنها فقلت : ألا تنظر إلى زينتها فقال : عن زينتك أعرض [ قالت : فقطعتها فأقبل علي بوجهه ] . قال ( 2 ) : زعموا أنه قال : ما ضر إحداكن لو
( 1 ) جمع " شعيرة " وهي ضرب من الحلي على شكل الشعيرة
( 2 ) يعني : الراوي وهو عطاء بن أبي رباح فإنه راوي الحديث عن أم سلمة وعليه فهذا القدر من الحديث مرسل لأنه لم يسنده إلى أم سلمة فهو ضعيف نعم أسنده ليث بن أبي سليم فقال : عن عطاء عن أم سلمة به نحه أخرجه أحمد والطبراني في " الكبير " غير أن ليثا فيه ضعف من قبل حفظه وعطاء لم يسمع منها لكن هذا القدر من الحديث صحيح أيضا لأنه مرسل صحيح الإسناد وقد روي موصولا كما علمت وله شاهدان موصولان من حديث أسماء وأبي هريرة كما يأتي (1/161)
جعلت خرصا ( 1 ) من ورق ثم جعلته بزعفران ( 2 )
( 1 ) الخرص بالضم والكسر : الحلقة الصغيرة من الحلي . وهو من حلي الأذن . " نهاية "
( 2 ) أي : صفرته بزعفران
والحديث رواه أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين . وهو مرسل صحيح الإسناد (1/162)
وفي حديث أسماء بنت يزيد في قصة أخرى نحوه : (1/163)
زعفران فإذا هو كالذهب يبرق ( 1 )
( 1 ) أخرجه أحمد وأبو نعيم وابن عساكر . وهو شاهد حسن لما قبله
وتتخذ لها جمانتين من فضة فتدرجه بين أناملها بشيء من
40 - شبهات حول تحريم الذهب المحلق وجوابها
واعلم أن كثيرا من علماء أعرضوا عن العمل بهذه الأحاديث لشبهات قامت لديهم ظنوها أدلة ولا يزال (1/165)
كثيرون منهم يتمسكون بها على أنها حجج تسوغ لهم ترك هذه الأحاديث ولذلك رأيت أنه لا بد من حكاية تلك الشبهات والرد عليها كي لا يغتر بها من لا علم عنده بطرق الجمع بين الأحاديث فيقع في مخالفة الأحاديث الصحيحة المحكمة بدون حجة أو بينة فأقول :
دعوى الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء وردها
1 - ادعى بعضهم الإجماع على إباحة الذهب مطلقا للنساء وهذا مردود من وجوه :
الإجماع الصحيح :
الأول : أنه لا يمكن إثبات صحة الإجماع في هذه المسألة وإن نقله البيهقي في [ سننه ) ( 4 / 124 ) وغيره مثل الحافظ ابن حجر في [ الفتح ) ولكن هذا كأنه أشار لعدم ثبوته حين قال : ( 10 / 260 ) في بحث خاتم الذهب :
( فقد نقل الإجماع على إباحته للنساء ) ويأتي قريبا ما يبطل هذا الإجماع وذلك لأنه لا يستطيع أحد (1/166)
أن يدعي أنه إجماع معلوم من الدين بالضرورة وغير هذا الإجماع مما لا يمكن تصوره فضلا عن وقوعه ولهذا قال الإمام أحمد رضي الله عنه :
( من ادعى الإجماع فهو كاذب [ وما يدريه ؟ ] لعل الناس اختلفوا )
رواه ابنه عبد الله في [ مسائله ) ( ص 390 )
وتفصيل القول في هذا الموضوع الخطير ليس هذا موضعه فليراجع من شاء التحقيق بعض كتب علم أصول الفقه التي لا يقلد مؤلفوها من قبلهم مثل : [ أصول الأحكام ) لابن حزم ( 4 / 128 - 144 ) و [ إرشاد الفحول ) للشوكاني ونحوهما
استحالة وجود إجماع صحيح على خلاف حديث صحيح دون وجود ناسخ صحيح
الثاني : لو كان يمكن إثبات الإجماع في الجملة لكان ادعاؤه في خصوص هذه المسألة غير صحيح لأنه مناقض للسنة الصحيحة وهذا مما لا يمكن تصوره أيضا لأنه يلزم منه اجتماع الأمة على ضلال وهذا (1/167)
مستحيل لقوله صلى الله عليه و سلم : [ لا تجتمع أمتي على ضلالة ) ومثل هذا الإجماع لا وجود له إلا في الذهن والخيال ولا أصل له في الوجود والواقع قال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في [ أصول الأحكام ) ( 2 / 71 - 72 ) :
( وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم ويكون الإجماع على خلافه قال : وذلك دليل على أنه منسوخ . وهذا عندنا خطأ فاحش متيقن لوجهين برهانيين ضروريين :
أحدهما : أن ورود حديث صحيح يكون الإجماع على خلافه معدوم لم يكن قط ولا هو في العالم فمن ادعى أنه موجود فليذكره لنا ولا سبيل له - والله - إلى وجوده أبدا
والثاني : أن الله تعالى قد قال : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فمضمون عند كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن ما تكفل الله عز و جل بحفظه فهو غير ضائع أبدا لا يشك في ذلك مسلم وكلام النبي صلى الله عليه و سلم كله وحي بقوله تعالى : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى والوحي ذكر بإجماع الأمة كلها (1/168)
والذكر محفوظ بالنص فكلامه عليه السلام محفوظ بحفظ الله تعالى عز و جل ضرورة منقول كله إلينا لا بد من ذلك فلو كان هذا الحديث الذي ادعى هذا القائل أنه مجمع على تركه وأنه منسوخ كما ذكر لكان ناسخه الذي اتفقوا عليه قد ضاع ولم يحفظ وهذا تكذيب لله عز و جل في أنه حافظ للذكر كله ولو كان ذلك لسقط كثير مما بلغ عليه السلام عن ربه وقد أبطل ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله في حجة الوداع : اللهم هل بلغت ؟ ) . قال :
( ولسنا ننكر أن يكون حديث صحيح وآية صحيحة التلاوة منسوخين إما بحديث آخر صحيح وإما بآية متلوة ويكون الاتفاق على النسخ المذكور قد ثبت بل هو موجود عندنا إلا أننا نقول : لا بد أن يكون الناسخ لهما موجودا أيضا عندنا منقولا إلينا محفوظا عندنا مبلغا نحونا بلفظه قائم النص لدينا لا بد من ذلك وإنما الذي منعنا منه فهو أن يكون المنسوخ محفوظا منقولا مبلغا إلينا ويكون الناسخ له قد سقط ولم ينقل إلينا لفظه فهذا باطل عندنا لا سبيل إلى وجوده في العالم أبد الأبد لأنه معدوم البتة قد دخل - بأنه غير (1/169)
كائن - في باب المحال والممتنع عندنا وبالله تعالى التوفيق )
تقديم السنة على الإجماع الذي ليس معه كتاب أو سنة
وقال العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى :
( ولم يزل أئمة الإسلام على تقديم الكتاب على السنة والسنة على الإجماع وجعل الإجماع في المرتبة الثالثة . قال الشافعي : الحجة كتاب الله وسنة رسوله واتفاق الأئمة وقال في [ كتاب اختلافه مع مالك ) :
( والعلم طبقات : الأولى الكتاب والسنة الثابتة ثم الإجماع فيما ليس كتابا ولا سنة . . . )
وقال ابن القيم أيضا في صدد بيان أصول فتاوى الإمام أحمد :
( ولم يكن ( يعني الإمام أحمد ) يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا ولا قول صاحب ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ويقدمونه على الحديث الصحيح وقد كذب أحمد من (1/170)
ادعى هذا الإجماع ولم يسغ تقديمه على الحديث الثابت وكذلك الشافعي . . . ونصوص رسول الله صلى الله عليه و سلم أجل عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع مضمونه عدم العلم بالمخالف ولو ساغ لتعطلت النصوص وساغ لكل من لم يعلم مخالفا في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص ( 1 )
قلت : وهذا ما فعله البعض هنا فقدموا ما زعموه إجماعا على النصوص المتقدمة مع أنه لا إجماع في ذلك وبيانه في الوجه التالي :
الثالث : أنه قد ثبت ما ينقض بالإجماع المزعوم وهو ما روى عبد الرزاق في [ المصنف ) ( 11 / 70 / 19935 ) وابن صاعد في [ حديثه ) ( 35 / 1 - وهو بخط الحافظ ابن عساكر ) وابن حزم ( 10 / 82 ) بسند صحيح عن محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول لابنته :
( 1 ) الأعلام : ( 1 / 32 - 33 ) (1/171)
( لا تلبسي الذهب إني أخشى عليك اللهب )
وروى ابن عساكر ( 19 / 124 / 2 ) من طريقين آخرين أن ابنة لأبي هريرة قالت له : إن الجواري يعيرنني يقلن : إن أباك لا يحليك الذهب فقال :
قولي لهن : إني أبي لا يحليني الذهب يخشى علي من اللهب
ورواه عبد الرزاق ( 19938 ) نحوه وعلقه البغوي في [ شرح السنة ) ( 3 / 210 / 82 ) وحكى الخلاف في هذه المسألة فإنه بعد أن ذكر إباحة خاتم الذهب للنساء وتحليهن به عند الأكثرين قال :
( وكره ذلك قوم )
ثم ساق حديث أسماء بنت يزيد المتقدم بعضه في المتن ( ص 236 ) وتمامه في التعليق ( 237 )
وما حكاه البغوي رحمه الله من الكراهة عن أولئك الذين أشار إليهم من العلماء فهي الكراهة التحريمية لأنه المعروف في اصطلاح السلف تبعا للأسلوب القرآني في عديد من الآيات الكريمة (1/172)
كقوله تعالى : وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان
وقد كنت شرحت هذه المسألة الهامة في كتابي : [ تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ) ( ص 48 - 55 ) وذكرت هناك بعض الأمثلة فلتراجع
وبين أيدينا مثال آخر قريب المنال وهو ما تقدم في بحث ( خاتم الخطبة ) أن الإمام أحمد والإمام إسحاق بن راهويه كرها خاتم الذهب للرجال فهذه الكراهة للتحريم أيضا لتصريح الأحاديث المتقدمة هناك به وكذلك الأمر في تحريم خاتم الذهب على النساء لأن الأدلة صريحة أيضا فمن أطلق كراهته عليهن فإنما يعني الكراهة الشرعية وهي التحريم فتأمل منصفا
وذكر ابن عبد الحكم في [ سيرة عمر بن عبد العزيز ) ( ص 163 ) أن ابنة عمر بعثت إليه بلؤلؤة وقالت له : إن رأيت أن تبعث لي بأخت لها حتى أجعلها في أذني فأرسل إليها ثم قال لها : إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك بعثت لك بأخت لها (1/173)
ومن الظاهر أن اللؤلؤة كانت محلاة بالذهب لأنها لا تقوم بنفسها ولا تحلى عادة إلا بها ويؤيد ذلك لفظة : [ الجمرتين ) فإنها مستوحاة من بعض أحاديث التحريم المتقدمة كحديث بنت هبيرة فثبت بطلان دعوى الإجماع في هذه المسألة
دعوى نسخ الأحاديث المتقدمة وإبطالها
2 - وادعى آخرون نسخ هذه الأحاديث المحرمة بمثل قوله صلى الله عليه و سلم : [ أحل الذهب والحرير لإناث أمتي . . . ) وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وقد ذكرها الزيعلي في [ نصب الراية ) ( 4 / 222 - 225 ) ثم حققته في تخريج كتاب [ الحلال والحرام ) للأستاذ القرضاوي ( رقم 78 ) وهو ادعاء باطل لأن للنسخ شروطا كثيرة معروفة عند العلماء ( 1 ) منها أن يكون الخطاب الناسخ متراخيا عن المنسوخ ومنها أن لا يمكن الجمع بينهما وهذان الشرطان منفيان هنا أما الأول فلأنه لا يعلم تأخر هذا الحديث المبيح عن
( 1 ) انظر مقدمة " الاعتبار " (1/174)
أحاديث التحريم وأما الثاني فلأن الجمع ممكن بسهولة بين الحديث المذكور وما في معناه وبين الأحاديث المتقدمة ذلك لأن الحديث مطلق وتلك مقيدة بالذهب الذي هو طوق أو سوار أو حلقة فهذا هو المحرم عليهن وما سوى ذلك من الذهب المقطع فهو المباح لهن وهو المراد بحديث حل الذهب لهن فهو مطلق مقيد بالأحاديث المشار إليها فلا تعارض وبالتالي فلا نسخ
ولذلك لم نر أحدا ممن ألف في الناسخ والمنسوخ أورد الأحاديث المذكورة فيما هو منسوخ كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي في رسالة [ إخبار أهل الرسوخ في الفقه والتحديث بمقدار المنسوخ في الحديث ) والحافظ أبي بكر الحازمي في كتابه [ الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ) وغيرهما بل قد أشار ابن الجوزي رحمه الله في مقدمة رسالته المشارة إليها إلى رد دعوى نسخ هذه الأحاديث فقال :
( أفردت في هذا الكتاب قدر ما صح نسخه أو احتمل وأعرضت عما لا وجه لنسخه ولا احتمال فمن (1/175)
سمع بخبر يدعى عليه النسخ وليس في هذا الكتاب فليعلم وهاء تلك الدعوى وقد تدبرته فإذا فيه أحد وعشرون حديثا )
بل قال المحقق ابن القيم في [ الأعلام ) ( 3 / 458 ) :
( إن النسخ الواقع في الأحاديث الذي أجمعت عليه الأمة لا يبلغ عشرة أحاديث البتة ولا شطرها )
قلت : ثم ساقها وليس فيها شيء من هذه الأحاديث السابقة فثبت ضعف ادعاء احتمال نسخها فكيف الجزم بنسخها ؟ وقد أشار لضعف دعوى النسخ ابن الأثير في [ النهاية ) بقوله تعليقا على حديث أسماء المشار إليه آنفا :
( قيل : كان هذا قبل النسخ فإنه قد ثبت إباحة الذهب للنساء )
فإن لفظة : [ قيل ) للتمريض كما هو معروف
وقال العلامة صدر الدين علي بن علاء الحنفي بعد أن حكى كلام ابن الجوزي الآنف الذكر :
( وهذا هو الذي يشهد العقل بصدقه إذا سلم من (1/176)
الهوى وقد ادعى كثير من الفقهاء في كثير من السنة أنها منسوخة وذلك إما لعجزه عن الجمع بينها وبين ما يظن أنه يعارضها وإما لعدم علمه ببطلان ذلك المعارض وإما لتصحيح مذهبه ودفع ما يرد عليه من جهة مخالفة ولكن نجد غيره قد بين الصواب في ذلك لأن هذا الدين محفوظ ولا تجتمع هذه الأمة على ضلالة ( 1 )
ولقد صدق رحمه الله في كل ما ذكره فأنت ترى أن هذه الأحاديث المحرمة لا تتعارض مطلقا مع حديث حل الذهب للنساء لأنه عام وتلك خاصة والخاص مقدم على العام كما هو مقرر في علم الأصول ولهذه القاعدة رجح الإمام النووي رضي الله عنه في [ شرح مسلم ) و [ المجموع ) وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل مع أنه مخالف لمذهبه بل ومذهب الجمهور حتى ظن بعض المتعالمين في هذا العصر أنه لا يقول بالوضوء منه عالم من علماء المسلمين كما نشر ذلك في
( 1 ) كذا في رده على رسالة الشيخ أكمل الدين في انتصاره لمذهب أبي حنيفة ( 103 / 1 ) (1/177)
بعض الجرائد الدمشقية سنة 1386 ه تقريبا
ولما ذكرنا قال ولي الله الدهلوي في [ حجة الله البالغة ) ( 2 / 190 ) بعد أن ذكر أحاديث التحريم وحديث الحل :
( معناه الحل في الجملة وهذا ما يوجبه مفهوم هذه الأحاديث ولم أجد لها معارضا )
وأقره صديق حسن خان في [ الروضة الندية ) ( 2 / 217 - 218 )
قلت : ومما يدلك على ضعف دعوى النسخ هذه أن بعض متعصبة الحنفية - وقد سبقت الإشارة إليه - لم ينظر إليها بعين الرضا مع أنه حكاها عن الجمهور الذين يقلدهم في هذه المسألة واحتج على ذلك بقوله - وقد وفق فيه - :
( إن النسخ لا يلجأ إلى القول به ما دام التوفيق بين الأحاديث ممكنا بحيث لا يرد شيء من الأدلة ) وهذا حق لا ريب فيه وهو من المقرر في علم الأصول
ولكنه مع الأسف لم يستقر عليه الدكتور بل رجع (1/178)
إلى ادعاء النسخ معارضا بذلك الأخذ بأحاديث التحريم فقال :
( إن الفريقين لما تجاذبا دعوى النسخ احتجنا إلى النظر في التاريخ للترجيح بين المذهبين وتعيين الناسخ والمنسوخ والتاريخ يؤيد نظر الجمهور ( )
فإنه لا شك في أن الصحابة في ابتداء الإسلام كانوا في أمس الحاجة للمال . . . ولقد قسم الأنصار أموالهم مناصفة بينهم وبين المهاجرين فكان التختم بالذهب في تلك الفترة بطرا وترفا فلما مضت الأيام وفتحت على رسول الله صلى الله عليه و سلم الفتوحات صار الناس في رخاء العيش فأباح النبي صلى الله عليه و سلم لبس الذهب لزوال المانع )
قلت : وجوابي عليه من وجوه :
الأول : أنه لم يذكر نصا تاريخيا يؤيد تأخر المبيح عن الحاظر يرجح به نظر الجمهور وإنما هو مجرد الدعوى أن الإباحة كانت بعد رخاء العيش فأين الدليل عليها ؟ (1/179)
الثاني : هذه الدعوى لو صحت لزم منها أن يكون تحريم الذهب على الرجال قد شرع في الوقت الذي حرم على النساء إن لم يكن تقدم عليه وكل عاقل يفهم من قوله : [ في ابتداء الإسلام ) أنه يعني في مكة أو في أول الهجرة على أبعد تقدير وإذا كان كذلك فنحن نقطع ببطلان هذه الدعوى لأن تحريم الذهب على الرجال إنما كان في أواخر الأمر كما نص على ذلك الحافظ الذهبي في [ تلخيص المستدرك ) ( 3 / 231 ) ومما يشهد له ما أخرجه البخاري في [ اللباس ) وأحمد في [ المسند ) ( 4 / 328 ) عن المسور بن مخرمة :
( أن أباه مخرمة قال له : يا بني إنه بلغني أن النبي صلى الله عليه و سلم قدمت عليه أقبية فهو يقسمها فاذهب بنا إليه فذهبنا إليه . . . فخرج وعليه قباء من الديباج مزرر بالذهب فقال : يا مخرمة هذا خبأته لك فأعطاه إياه )
وإنما أسلم مخرمة عام الفتح وذلك بعد ثمان سنين ونصف من الهجرة فهذا نص على أن الذهب كان مباحا إلى ما قبل وفاته صلى الله عليه و سلم بسنة ونصف تقريبا ولولا ذلك لم يلبس صلى الله عليه و سلم القباء المزرر بالذهب ولا وزعه على أصحابه كما هو ظاهر (1/180)
الثالث : أنه لو صح قوله : [ فأباح النبي صلى الله عليه و سلم لبس الذهب لزوال المانع ) لزم منه إباحة الذهب للرجال أيضا لزوال المانع أيضا وهذا باطل لا يقوله عالم وما لزم منه باطل فهو باطل
فإن قال : هذا غير لازم لأن علة تحريم الذهب على الرجال غير علة تحريمه على النساء
قلنا : ما هيه ؟ ولا سبيل له إلى إثباتها أبدا إلا بمثل هذه الدعوى التي أثبت بها أختها وليست هي إلا مجرد رأي تفرد به الدكتور في آخر الزمان
وما يلجئ بعض الناس إلى مثل هذه المضايق والآراء إلا محاولتهم التخلص من معارضة النص الشرعي لمخالفته لمذهبهم وتقليدهم وعاداتهم فيقعون فيما هو أعظم منه ولو أنهم استسلموا لحكم الله ورسوله - كما هو المفروض في المسلم - لكان خيرا لهم ولم يقعوا في مثل ذلك (1/181)
وخلاصة البحث : أن القول بنسخ الأحاديث المحرمة للذهب على النساء مما لا دليل عليه بل هو مخالف لعلم الأصول والواجب الجمع بينها وبين الأحاديث المبيحة للذهب عليهن وذلك بحمل المطلق على المقيد أو العام على الخاص كما شرحنا وينتج منه أن الذهب كله حلال على النساء إلا المحلق منه كما يحرم عليهن استعمال أواني الذهب والفضة اتفاقا فلا نسخ عندنا خلافا لما فهمه الدكتور وأدار كل بحثه في كتابه عليه كما ينبئك به كلامه السابق في المعارضة المزعومة . والله الهادي لا رب سواه
رد الأحاديث المتقدمة بأحاديث مبيحة والجواب عنها
3 - وقد يرد بعضهم هذه الأحاديث بأحاديث أخرى فيها إباحة المحلق من الذهب على النساء والجواب أن هذا كان قبل التحريم حتما وبيانه :
أن من المعلوم بداهة أن النهي عن الشيء مما يحتمل التحليل والتحريم لا يكون إلا بعد أن يكون مسبوقا بالإباحة فالتمسك بها حينئذ فيه مخالفة صريحة (1/182)
لمنطوق الأحاديث المحرمة ومما يقرب هذا إلى المنصفين إن شاء الله تعالى أن هناك أحاديث يستفاد منها إباحة الذهب على الرجال أيضا ومع ذلك فلم يأخذ بها أحد من العلماء لمجيء النصوص المحرمة وقد سبق ذكر بعضها بل ذهبوا إلى أنها كانت قبل التحريم ( 1 ) وكذلك نقول نحن في الأحاديث المبيحة للذهب المحلق للنساء ولا فرق أنها كانت قبل التحريم ومن فرق بين هذه وتلك فهو متناقض أو متلاعب
تقييد الأحاديث المتقدمة بمن لم يؤد الزكاة ورده
4 - وأجاب بعضهم ( 2 ) بأن الوعيد الوارد في الأحاديث المتقدمة إنما هو في حق من لا يؤدي زكاة تلك الحلي دون من أداها واستدل عليه بحديث عمرو بن
( 1 ) انظر " فتح الباري " ( 10 / 258 - 259 )
( 2 ) هو المنذري في " الترغيب " وقلده بعض المدرسين في " كلية الشريعة " في جامعة دمشق الذي سبق بيان خطئه في تضعيف حديث أبي هريرة المتقدم ولم يتعرض البتة للجواب عن جوابنا هذا الأمر الذي زادنا ثقة بقوته وإيمانا بصوابه (1/183)
شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان ( أي سواران ) غليظتان من ذهب فقال لها : أتعطين زكاة هذا ؟ قالت : لا قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ قال : فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقالت : هما لله عز ولرسوله
أخرجه أبو داود ( 1 / 244 ) والنسائي ( 1 / 343 ) وأبو عبيد في [ الأموال ) ( رقم 1260 ) وإسناده حسن وصححه ابن الملقن ( 65 / 1 ) وتضعيف ابن الجوزي له في [ التحقيق ) ( 6 / 197 / 1 ) مردود عليه
ورواه النسائي في [ السنن الكبرى ) ( ق 5 / 1 ) عن عمرو بن شعيب به موصولا ثم رواه عنه مرسلا وقال :
( الموصول أولى بالصواب )
والجواب : إن هذا استدلال ضعيف جدا لأن الرسول صلى الله عليه و سلم لم ينكر في هذه القصة لبس السوارين (1/184)
وإنما أنكر عدم إخراج زكاتهما بخلاف الأحاديث المتقدمة فإنه أنكر اللبس ولم يتعرض لإيجاب الزكاة عليها والظاهر أن هذه القصة كانت في وقت الإباحة فكأنه صلى الله عليه و سلم تدرج لتحريمها فأوجب الزكاة عليها أولا ثم حرمها كما هو صريح الأحاديث السابقة ولا سيما الحديث الأول من رواية أبي هريرة مرفوعا :
( من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب . . . ) إلخ فإنه لا يدل دلالة قاطعة أن التحريم لنفس التحليق وما قرن معه لا لعدم إخراج زكاتها
والحق أن هذه القصة أفادت وجوب الزكاة على الحلي ومثلها قصة عائشة الآتية في زكاة خواتيم الفضة فهذه وتلك لا تدل على تحريم الاستعمال بل على وجوب زكاة المستعمل فالتحريم وعكسه يؤخذ من أدلة أخرى فأخذنا تحريم الذهب المحلق عليهن الأحاديث المتقدمة وأخذنا إباحة الفضة من حديث أبي هريرة المتقدم ومن حديث عائشة المشار إليها وغيرها (1/185)
وجملة القول أن هذا الحديث لا حجة فيه على ما ذكره المنذري لأنه لم ينص فيه على تحريم السوار إنما كان لأنه لم يؤد زكاته حتى يمكن أن يقال : إنه مفصل وتلك الأحاديث مجملة فيحمل المجمل على المفصل وإنما هي واقعة عين أفادت وجوب زكاة الحلي فلا يعارض ما أفادته الأحاديث السابقة من التحريم
تقييد آخر للأحاديث والجواب عنه
5 - وأجاب هذا البعض أيضا بجواب آخر ( 1 ) فقال : إن الوعيد المذكور إنما هو في حق من تزينت به وأظهرته واستدل بما رواه النسائي وأبو داود عن ربعي بن حراش عن امرأته عن أخت لحذيفة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
( 1 ) وقلده أيضا من أشرنا إليه في التعليق السابق دون أن يتعرض للجواب عن ردنا هذا عليه بل إنه أوهم طلابه أن هذا التقييد الوارد في حديث النسائي ثابت يحتج به مع أنه قد ضعفه قبل أسطر بالجهالة الآتي ذكرها ولكنه لم يسق لفظ الحديث ليعلم الطالب أنه هو الذي ورد فيه هذا التقييد فيعلم عدم ثبوته
ولعل الدكتور وقع منه ذلك اتفاقا ولم يتعمده (1/186)
( يا معشر النساء أما لكن في الفضة ما تحلين به ؟ أما إنه ليس منكن امرأة تتحلى ذهبا تظهره إلا عذبت به )
والجواب من وجهين :
الأول : رد الحديث من أصله لعدم ثبوته فإن في سنده امرأة ربعي وهي مجهولة كما قال ابن حزم ( 10 / 83 ) ولذلك ضعفته في [ المشكاة ) ( 4403 )
ثانيا : لو كانت العلة هي الإظهار لكان لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة لاشتراكهما في العلة مع أن الحديث صريح في التفريق بينهما ولا قائل بحرمة خاتم الفضة على المرأة مع ظهوره فثبت بطلان التمسك بعلة الإظهار . ولهذا قال أبو الحسن السندي :
( تظهره ) يحتمل أن تكون الكراهة إذا ظهرت وافتخرت به لكن الفضة مثل الذهب في ذلك فالظاهر أن هذا لزيادة التقبيح والتوبيخ والكلام لإفادة حرمة الذهب ( يعني : المحلق ) على ا لنساء مع قطع النظر عن الإظهار والافتخار ) (1/187)
وهذا كله يقال على افتراض صحة الحديث وإلا فقد عرفت ضعفه فسقط الاستدلال به أصلا
رد الأحاديث بفعل عائشة والجواب عنه
6 - ومن أعجب ما ردت به هذه الأحاديث الصحيحة قول بعض متعصبة الحنفية :
( إن عائشة رضي الله عنها كانت تلبس الخواتيم من الذهب كما رآها ابن أختها القاسم بن محمد وحدث بذلك وهذا الخبر عن عائشة رواه البخاري في صحيحه )
وأقول : إطلاق عزو هذا الأثر للبخاري فيه نظر لأن المعروف عند العلماء أن العزو إلى البخاري مطلقا معناه أنه في [ صحيحه ) مسند وليس كذلك أمر هذا الأثر فإنه إنما ذكره معلقا بدون إسناد وذكر الحافظ في [ الفتح ) ( 10 / 271 ) أنه وصله ابن سعد في [ الطبقات ) . وسكت عن سنده وهو عندي حسن فقال ابن سعد ( 8 / 48 ) : أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي (1/188)
عمرو قال : سألت القاسم بن محمد قلت : إن ناسا يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الأحمرين : المعصفر والذهب فقال : كذبوا والله لقد رأيت عائشة تلبس المعصفرات وتلبس خواتم الذهب
لكن رواه غير عبد العزيز بلفظ : كانت تلبس الأحمرين : المذهب ( 1 ) والمعصفر ) . أخرجه ابن سعد أيضا : وأخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن ابي أويس عن سلميان بن بلال عن عمرو به وهذا الإسناد أصح لأن سليمان هذا أحفظ من عبد العزيز . فإن ثبت ذكر الخاتم في هذا الأثر عن عائشة فالجواب ما سيأتي وإلا فلا حجة فيه مطلقا لأن الرواية الأخرى - وهي الأصح - لا ذكر للخاتم فيها فهو على هذا مثل حديثها الآخر من طريق القاسم أيضا أن عائشة كانت تحلي بنات أختها الذهب ثم لا تزكيه . رواه أحمد في مسائل عبد الله ( ص 145 ) وسنده صحيح فهذا محمول على الذهب
( 1 ) أي : المموه بالذهب بمعنى المطلي به و " المعصفر " هو الثوب المصبوغ بالعصفر (1/189)
المقطع وهو جائز لهن اتفاقا
ثم قال ذاك المذكور :
( لا يتصور أن تلبس عائشة رضي الله عنها الذهب الملحق ورسول الله صلى الله عليه و سلم كل يوم معها وفي بيتها ثم لا ينهاها عنه )
قلت : هذه مغالطة ظاهرة - ولعلها غير مقصودة - إذ ليس في الأثر المتقدم أن عائشة لبسته على علم منه صلى الله عليه و سلم بل فيه أن القاسم بن محمد رآها تلبسه فمعنى ذلك أن لبسها إياه إنما كان بعد وفاته صلى الله عليه و سلم لأن القاسم لم يدركه صلى الله عليه و سلم
ثم قال عطفا على ما سبق :
( أو ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا يبلغها ؟ فهذا مستحيل قطعا )
قلت : لا استحالة في ذلك إلا نظرا وهذا ليس يهمنا لأن الواقع خلافه فكم من سنن فعلية وأقوال نبوية خفيت على كبار الصحابة رضي الله عنهم ولولا صحة السند بذلك عنهم لقلنا كما قال المومأ إليه (1/190)
هاهنا ولا يتحمل هذا التعليق الإكثار من أمثلة ذلك فلنقتصر على مثالين منها :
1 - أن عائشة ترى أن الأقراء إنما هي الأطهار كما قال أحمد في [ المسائل ) ( 185 ) وروى مالك في [ الموطأ ) ( 2 / 96 ) بسند صحيح جدا عنها أنها قالت :
( تدرون ما الأقراء ؟ إنما الأقراء الأطهار )
ونحوه في مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله ( ص 231 )
أقول : وقد ثبت في السنة أن القرء إنما هو الحيض وبه قال الحنفية والرجل منهم فهل يرد حضرته مذهبه ولا سيما أنه موافق للسنة من أجل قول عائشة هذا ؟ أم يجعل قولها دليلا على نسخ ذلك كما فعل في مسألتنا هذه ؟
2 - قالت عائشة رضي الله عنها : دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال : ما هذا يا عائشة ؟ فقلت : صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال : أتؤدين زكاتهن ؟ قلت : لا أو ما شاء الله قال : هو حسبك من النار (1/191)
أخرجه أبو داود ( 1 / 244 ) وغيره وإسناده على شرط الصحيح كما قال الحافظ في [ التخليص ) ( 6 / 19 ) ومحمد بن عطاء الذي في إسناده هو محمد بن عمرو بن عطاء ثقة محتج به في [ الصحيحين ) كما في [ الترغيب ) وظنه ابن الجوزي في [ التحقيق ) ( 1 / 198 / 1 ) رجلا آخر فجهله وضعف الحديث من أجل ذلك فلا يلتفت إليه
فهذا الحديث صريح في إيجاب الزكاة على الحلي وهو حجة الذين ذهبوا إلى إيجابه ومنهم الحنفية
ثم إنه قد ورد عن عائشة نفسها ما يعارض هذا الحديث وهو ما أخرجه مالك ( 1 / 245 ) عن القاسم ابن محمد ( راوي حديث الخاتم ) أن عائشة كانت تل بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة . سنده صحيح جدا وتقدم نحوه من رواية أحمد (1/192)
فهذه مخالفة صريحة عن عائشة رضي الله عنها لحديثها ( 1 ) فإذا جاز في حقها ذلك فبالأحرى أن تخالف حديث غيرها لم تروه هي وهي على كل حال مأجورة فماذا يقول المشار إليه في هذه المخالفة ؟ أيدع الحديث والمذهب لقولها أم يتمسك بالحديث ويدع قولها معتذرا عنها بأي عذر مقبول كما هو الواجب ؟
وعلى كل حال فقد ظهر لكل من له قلب أن ما كان يظنه مما [ لا يتصور ) أو أنه [ مستحيل قطعا ) قد أثبتناه بالأسانيد الصحيحة ولازم ذلك أن لا يتلفت المسلم إلى أي قول يخالف ما ثبت عنه صلى الله عليه و سلم مهما كان شأن قائله فضلا وعلما وصلاحا لانتفاء العصمة وهذا من الأسباب التي تشجعنا على الاستمرار في خطتنا من التمسك بالكتاب والسنة وعدم الاعتداد بما سواهما
( 1 ) وألفت النظر إلى أن من مذهبها إخراج الزكاة عن مال الأيتام انظر " الموطأ " و " الأموال " و " مسائل الإمام أحمد " لابنه عبد الله . وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " عن القاسم قال : كان مالنا عند عائشة فكانت تزكيه إلا الحلي وسنده صحيح أيضا (1/193)
كما صنعنا في هذه المسألة التي أسأل الله تعالى أن يوفق المسلمين للعمل بها وبكل ما ثبت عنه صلى الله عليه و سلم
ترك الأحاديث لعدم العلم بها بمن عمل بها وجوابه
6 - هذا ولعل فيمن ينصر السنة ويعمل بها ويدعو إليها من يتوقف عن العمل بهذه الأحاديث بعذر أنه لا يعلم أحدا من السلف قال بها فليعلم هؤلاء الأحبة أن هذا العذر قد يكون مقبولا في بعض المسائل التي يكون طريق تقريرها إنما هو الاستنباط والاجتهاد فحسب لأن النفس حينئذ لا تطمئن لها خشية أن يكون الاستنباط خطأ ولا سيما إذا كان المستنبط من هؤلاء المتأخرين الذين يقررون أمورا لم يقل بها أحد من المسلمين بدعوى أن المصلحة تقتضي تشريعها دون أن ينظروا إلى موافقتها لنصوص الشرع أولا مثل إباحة بعضهم للربا الذي سماه ب ( الربا الاستهلاكي ) واليانصيب الخيري - زعموا - ونحوهما أما ومسألتنا ليست من هذا القبيل فإن فيها نصوصا صريحة محكمة لم يأت ما ينسخها - كما سبق بيانه - فلا يجوز ترك العمل بها للعذر المذكور ولا سيما أننا قد ذكرنا من قال بها مثل (1/194)
أبي هريرة رضي الله عنه وولي الله الدهلوي وغيرهما كما تقدم ولا بد أن يكون هناك غير هؤلاء ممن عمل بهذه الأحاديث لم نعرفهم لأن الله تعالى لم يتعهد لنا بحفظ أسماء كل من عمل بنص ما من كتاب أو سنة وإنما تعهد بحفظهما فقط كما قال : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فوجب العمل بالنص سوءا علمنا من قال به أو لم نعلم ما دام لم يثبت نسخه كما هو الشأن في مسألتنا هذه
وأختم هذا البحث بكلمة طيبة للعلامة المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى لها مساس كبير بما نحن فيه قال : في [ إعلام الموقعين ) ( 3 / 464 - 465 ) :
( وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم برأي أو قياس أو استحسان أو قول أحد من الناس كائنا من كان ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من يضرب له الأمثال ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه و سلم والتسليم والتلقي بالسمع والطاعة ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس أو يوافق قول فلان وفلان (1/195)
بل كانوا عاملين بقوله تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم وبقوله تعالى : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وبقوله تعالى : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون وأمثالها فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم : ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال كذا وكذا يقول : من قال هذا ؟ دفعا في صدر الحديث ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل هذا الجهل وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة . والله المستعان ) (1/196)
40 - وجوب إحسان عشرة الزوجة :
ويجب عليه أن يحسن عشرتها ويسايرها فيما أحل الله لها - لا فيما حرم - ولا سيما إذا كانت حديثة السن وفي ذلك أحاديث :
الأول : قوله صلى الله عليه و سلم :
( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ( 1 )
الثاني : قوله صلى الله عليه و سلم في خطبة حجة الوداع :
( 1 ) رواه الطحاوي في " المشكل " من حديث ابن عباس وروى منه الشطر الأول الحاكم وقال :
" صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي
وله شاهد من حديث عائشة أخرجه أبو نعيم في " الحلية " وهو عند الدارمي إلا انه قال : " وإذا مات صاحبكم فدعوه " بدل قوله : " وأنا خيركم لأهلي " وسنده صحيح على شرط البخاري
وله شاهد آخر رواه الخطيب في " التاريخ " من حديث أبي هريرة وللترمذي وأحمد الشطر الأول منه نحوه وسنده حسن (1/197)
تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ( 1 ) فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا . إلا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكروهن ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ( 2 )
( 1 ) أي : ظاهرة وفي " النهاية " :
" وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال "
ولذا قال السندي في حاشيته :
" والمراد : النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله باللسان واليد لا الزنا إذ لا يناسب قوله ( ضربا غير مبرح ) وهذا هو الملائم لقوله تعالى : { واللاتي تخافون نشوزهن } الآية فالحديث على هذا كالتفسير لها فإن المراد بالضرب فيها هو الضرب المتوسط لا الشديد )
( 2 ) أخرجه الترمذي وقال : " حديث حسن صحيح " وابن ماجه من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه وصححه ابن القيم في " الزاد "
وله شاهد من حديث عم أبي حرة الرقاشي أخرجه أحمد في " المسند " وقد خرجته في " الإرواء "
واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس
الثالث : قوله صلى الله عليه و سلم :
( لا يفرك ( أي لا يبغض ) مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر ( 1 )
الرابع : قوله صلى الله عليه و سلم :
( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيارهم خيارهم لنسائهم ( 2 )
( 1 ) أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة
( 2 ) أخرجه الترمذي وأحمد وأبو الحسن الطوسي في " مختصره " وحسنه وقال الترمذي :
" حديث حسن صحيح "
قلت : وهو حسن الإسناد عن أبي هريرة وشطره الأول صحيح جاء من طرق صحيحة عنه صلى الله عليه و سلم وقد خرجته في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " طبع المكتب الإسلامي
<199> (1/198)
الخامس : عن عائشة رضي الله عنها قالت :
( دعاني رسول الله صلى الله عليه و سلم [ والحبشة يلعبون بحرابهم في المسجد ] [ في يوم عيد ] فقال لي : [ يا حميراء ( 1 ) أتحبين أن تنظري إليهم ؟ فقلت : نعم ] ( 2 )
( 1 ) تصغير الحمراء يريد البياض كذا في " النهاية "
( 2 ) هذه الزيادة رواها النسائي في " عشرة النساء " وقال الحافظ في " الفتح " :
" إسناده صحيح ولم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا " (1/200)
( فأقامني وراءه ] فطأطأ لي منكبيه لأنظر إليهم [ فوضعت ذقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده ] فنظرت من فوق منكبيه ( وفي رواية : من بين أذنه وعاتقه ) [ وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة ] فجعل يقول : يا عائشة ما شبعت فأقول : لا لأنظر منزلتي عنده ] حتى شبعت (1/201)
( قالت : ومن قولهم يومئذ : أبا القاسم طيبا ] وفي رواية : [ حتى إذا مللت قال : حسبك ؟ قلت نعم قال : فاذهبي ) وفي أخرى : [ قلت : لا تعجل فقام لي ثم قال : حسبك ؟ قلت : لا تعجل [ ولقد رأيته يرواح بين قدميه ] قالت : ما بي حب النظر إليهم ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه [ وأنا جارية ] [ فاقدروا قدر الجارية [ العربة ] الحديثة السن الحريصة على اللهو ] [ قالت : فطلع عمر فتفرق الناس عنها والصبيان فقال النبي صلى الله عليه و سلم : رأيت شياطين الإنس والجن فروا من عمر ] [ قالت عائشة : قال صلى الله عليه و سلم يومئذ : لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ] ) . ( 1 )
( 1 ) أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم (1/202)
السادس : عنها أيضا قالت :
( قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب فقال : ما هذا عائشة ؟ قالت : بناتي ورأى بينهن فرسا له جناحان من رقاع فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت : فرس قال : وما هذا الذي عليه ؟ قال : جناحان قال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة ؟ قالت : فضحك حتى رأيت نواجذه ( 1 )
( 1 ) أبو داود في " سننه " والنسائي بسند صحيح (1/203)
السابع : عنها أيضا :
( أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفره وهي جارية [ قالت : لم أحمل اللحم ولم أبدن ( 1 ) ] فقال لأصحابه : تقدموا [ فتقدموا ] ثم قال : تعالي أسابقك فسابقته فسبقته على رجلي فلما كان بعد خرجت معه في سفر فقال لأصحابه : تقدموا ثم قال : تعالي أسابقك ونسيت الذي كان وقد حملت اللحم [ وبدنت ] فقلت : كيف أسابقك يا رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا على هذه الحال ؟ فقال : لتفعلن فسابقته فسبقني ف [ جعل يضحك و ] قال : هذه بتلك السبقة ( 2 )
( 1 ) بدن وبدن فبالتشديد بمعنى كبر واسن وبالتخفيف من البدانة وهي كثرة اللحم والسمنة وهذا المعنى هو الأليق بالسياق انظر " النهاية "
( 2 ) أخرجه الحميدي في مسنده وأبو داود والنسائي والطبراني وابن ماجه مختصرا وسنده صحيح كما قال العراقي في " تخريج الإحياء " (1/204)
الثامن : عنها أيضا قالت :
( إن كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ليؤتى بالإناء فأشرب منه وأنا حائض ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في وإن كنت لآخذ العرق فآكل منه ثم يأخذه فيضع فاه على موضع في ( 1 )
التاسع : عن جابر بن عبد الله وجابر بن عمير قالا : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( كل شيء ليس فيه ذكر الله فهو [ لغو ] وسهو ولعب إلا أربع [ خصال ] : ملاعبة الرجل امرأته وتأديب الرجل فرسه ومشيه بين الغرضين ( 2 ) وتعليم الرجل السباحة ( 3 )
( 1 ) أخرجه مسلم وأحمد وغيرهما
( 2 ) تثنية " غرض " وهو الهدف
( 3 ) أخرجه النسائي والطبراني وأبو نعيم بإسناد صحيح (1/205)
41 - وصايا إلى الزوجين :
وختاما أوصي الزوجين :
أولا : أن يتطاوعا ويتناصحا بطاعة الله تبارك وتعالى واتباع أحكامه الثابتة في الكتاب والسنة ولا يقدما عليها تقليدا أو عادة غلبت على الناس أو مذهبا فقد قال عز و جل : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا [ الأحزاب : 36 ]
ثانيا : أن يلتزم كل واحد منهما القيام بما فرض الله عليه من الواجبات والحقوق تجاه الآخر فلا تطلب الزوجة - مثلا - أن تساوي الرجل في جميع حقوقه ولا يستغل الرجل ما فضله الله تعالى به عليها من السيادة (1/206)
والرياسة فيظلمها ويضربها بدون حق فقد قال الله عز و جل :
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم [ البقرة : 228 ] وقال :
الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن ( 1 ) فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ( 2 ) إن الله كان عليا كبيرا [ النساء : 34 ]
( 1 ) أي : خروجهن عن الطاعنة قال ابن كثير :
" والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركة لأمره المعرضة عنه "
( 2 ) أي : إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها فلا سبيل له عليها بعد ذلك وليس له ضربها ولا هجرانها وقوله : { إن الله كان عليا كبيرا } تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن . كذا في " تفسير ابن كثير " (1/207)
وقد قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ( 1 ) ولا تضرب [ ولا تهجر إلا في البيت ( 2 ) كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض ( 3 ) إلا بما حل عليهن ] ( 4 )
وقال صلى الله عليه و سلم :
( المسقطون يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في
( 1 ) أي : لا تقل : قبح الله وجهك . وقوله : " ولا تضرب " يعني : الوجه وإنما يضرب عند اللزوم في غير الوجه
( 2 ) أي : لا تهجرها إلا في المضجع ولا تتحول عنها أو تحولها إلى دار أخرى كذا في " شرح السنة "
( 3 ) يعني الجماع . وقوله : " إلا بما هو حل عليهن " يعني من الضرب والهجر بسبب نشوزهن كما هو صريح الآية المتقدمة
( 4 ) رواه أبو داود والحاكم وأحمد والزيادة له بسند حسن . وقال الحاكم :
" صحيح " . ووافقه الذهبي (1/208)
حكمهم وأهليهم وما ولوا ( 1 )
فإذا هما عرفا ذلك وعملا به أحياهما الله تبارك وتعالى حياة طيبة وعاشا - ما عاشا معا - في هناء وسعادة فقد قال عز و جل : من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [ النحل : 97 ]
ثالثا : وعلى المرأة بصورة خاصة أن تطيع زوجها فيما يأمرها به في حدود استطاعتها فإن هذا مما فضل الله به الرجال على النساء كما في الآيتين السابقتين : الرجال قوامون على النساء وللرجال عليهن درجة وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة مؤكدة لهذا المعنى ومبينة بوضوح ما للمرأة وما عليها إذا هي أطاعت زوجها أو عصته فلا بد من إيراد بعضها لعل
( 1 ) رواه مسلم وابن منده وقال : " حديث صحيح " (1/209)
فيها تذكيرا لنساء زماننا فقد قال تعالى : وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين
الحديث الأول : [ لا يحل لأمرأة أن تصوم ( وفي رواية : لا تصم المرأة ) وزوجها شاهد ( 1 ) إلا بإذنه [ غير رمضان ] ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ( 2 )
( 1 ) أي : حاضر مقيم في البلد قال النووي في " شرح مسلم " تحت الرواية الثانية :
" وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا "
قلت : وهو قول الجمهور كما في " الفتح " ويؤيده الرواية الأولى ثم قال النووي :
" وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي "
قلت : فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها فبالأولى أن يجب عليها إطاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادها وصلاح أسرتهما ونحو ذلك من الحقوق والواجبات وقال الحافظ في " الفتح " :
" وفي الحديث أن حق الزوج آكد عكلى المرأة من التطوع بالخير لأن حقه واجب والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع "
( 2 ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما (1/210)
الثاني : [ إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ( 1 ) فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ( وفي رواية : أو حتى ترجع وفي أخرى : حتى يرضى عنها ( 2 )
الثالث : [ والذي نفسي محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب ( 3 ) لم تمنعه من [ نفسها ] ( 4 )
( 1 ) كناية عن الجماع ويقويه قوله صلى الله عليه و سلم : " الولد للفراش " أي : لمن يطأ في الفراش والكناية عن الأشياء التي يستحيى منها كثيرة في القرآن والسنة . قاله ابن أبي جمرة كما في " الفتح "
( 2 ) رواه البخاري ومسلم والرواية الأخرى له في رواية وأبو داود وغيرهم
( 3 ) أي : رحل في " اللسان " : " القتب " و " القتب " : إكاف البعير . وفي " الصحاح " : رحل صغير على قدر السنام وفي " النهاية " :
" القتب للجمل كالإكاف لغيره ومعناه الحث لهن على مطاوعة أزواجهن وأنه لا يسعهن الامتناع في هذه الحال فكيف في غيرها ؟ "
( 4 ) حديث صحيح . رواه ابن ماجه وغيره (1/211)
الرابع : [ لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل ( 1 ) يوشك أن يفارقك إلينا ( 2 )
( 1 ) في " النهاية " : " الدخيل : الضيف والنزيل "
( 2 ) رواه الترمذي وابن ماجه (1/212)
الخامس : عن حصين بن محصن قال : حدثتني عمتي قالت :
( أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض الحاجة فقال : أي هذه أذات بعل ؟ قلت : نعم قال : كيف أنت له ؟ قالت : ما آلوه ( 1 ) : [ أي لا أقصر في طاعته وخدمته ] إلا ما عجزت عنه قال : [ فانظري ] أين أنت منه ؟ فإنما هو جنتك ونارك ( 2 )
( 1 ) أي : لا أقصر في طاعته وخدمته
( 2 ) رواه ابن أبي شيبة وابن سعد والنسائي في " عشرة النساء " وأحمد والطبراني في " الأوسط " من " زوائده " وإسناده صحيح كما قال الحاكم (1/213)
السادس : إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت ( 1 )
وجوب خدمة المرأة لزوجها
قلت : وبعض الأحاديث المذكورة آنفا ظاهرة الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها ومما لا شك فيها أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك وقد اختلف العلماء في هذا فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في [ الفتاوى ) ( 2 / 234 - 235 ) :
( 1 ) حديث حسن أو صحيح له طرق فرواه الطبراني في الأوسط وكذا ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة (1/214)
( وتنازع العلماء هل عليها أن تخدمه في مثل فراش المنزل ومناولة الطعام والشراب والخبز والطحن والطعام لممالكيه وبهائمه مثل علف دابته ونحو ذلك ؟ فمنهم من قال :
لا تجب الخدمة . وهذا القول ضعيف كضعف قول من قال : لا تجب عليه العشرة والوطء فإن هذا ليس معاشرة له بالمعروف بل الصاحب في السفر الذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن إن لم يعاونه على مصلحته لم يكن قد عاشره بالمعروف
وقيل - وهو الصواب - : وجوب الخدمة فإن الزوج سيدها في كتاب الله وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ( كما تقدم ص 270 ) وعلى العاني والعبد الخدمة ولأن ذلك هو المعروف
ثم من هؤلاء من قال : تجب الخدمة اليسيرة ومنهم من قال : تجب الخدمة بالمعروف . وهذا هو الصواب فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها (1/215)
لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القوية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة )
قلت : وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى أنه يجب على المرأة خدمة البيت وهو قول مالك وأصبغ كما في [ الفتح ) ( 9 / 418 ) وأبي بكر بن أبي شيبة وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في [ الاختيارات ) ( ص 145 ) وطائفة من السلف والخلف كما في [ الزاد ) ( 4 / 46 ) ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلا صالحا
وقول بعضهم : [ إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضا بزوجها فهما متساويان في هذه الناحية ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها فالعدل يقتضي أن يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها وما هو إلا خدمتها إياه ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم كما سبق وإذا لم تقم هي (1/216)
بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها وهذا يجعلها هي القوامة عليه وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى فثبت أنه لا بد لها من خدمته وهذا هو المراد
وأيضا فإن قيام الرجل بالخدمة يؤدي إلى أمرين متباينين تمام التباين أن ينشغل الرجل بالخدمة عن السعي وراء الرزق وغير ذلك من المصالح وتبقى المرأة في بيتها عطلا عن أي عمل يجب عليها القيام به ولا يخفى فساد هذا في الشريعة التي سوت بين الزوجين في الحقوق بل وفضلت الرجل عليها درجة ولهذا لم يزل الرسول صلى الله عليه و سلم شكوى ابنته فاطمة عليها السلام حينما :
( أتت النبي صلى الله عليه و سلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى وبلغها أنه جاءه رقيق فلم تصادفه فذكرت لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة قال علي رضي الله عنه : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال : على مكانكما فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين واحمدا ثلاثا (1/217)
وثلاثين وكبرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم [ قال علي : فما تركتها بعد قيل : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين ] )
رواه البخاري ( 9 / 417 - 418 )
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يقل لعلي : لا خدمة عليها وإنما هي عليك وهو صلى الله عليه و سلم لا يحابي في الحكم أحدا كما قال ابن القيم رضي الله عنه ومن شاء زيادة البحث في هذه المسألة فليرجع إلى كتابه القيم [ زاد المعاد ) ( 4 / 45 - 46 )
هذا وليس فيما سبق من وجوب خدمة المرأة لزوجها ما ينافي استحباب مشاركة الرجل لها في ذلك إذا وجد الفراغ والوقت بل هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها :
( كان صلى الله عليه و سلم يكون في مهنة أهله يعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة )
رواه البخاري ( 2 / 129 و9 / 418 ) والترمذي ( 3 / 314 ) وصححه والمخلص من الثالث من (1/218)
السادس من [ المخلصيات ) ( 66 / 1 ) وابن سعد ( 1 / 366 ) . ورواه في [ الشمائل ) ( 2 / 185 ) من طريق أخرى عنها بلفظ :
( كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه )
ورجاله رجال الصحيح وفي بعضهم ضعف ( 1 ) . لكن رواه أحمد وأبو بكر الشافعي بسند قوي كما حققته في [ سلسلة الأحاديث الصحيحة ) ( رقم 670 ) والله ولي التوفيق
وهذا آخر ما وفقنا الله تبارك وتعالى لذكره من آداب الزفاف في هذه الرسالة . و [ سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك )
( 1 ) قلت : ولذلك ضعفه المعلق على شرح السنة 13 / 243 / 3676 وفاته الوقوف على الطريق القوية التي يأتي الإشارة إليها قريبا . وراجع إن شئت كتابي " مختصر الشمائل " رقم 293 للمؤلف (1/)