النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات
لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني
تحقيق
الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو
دار الغرب الإسلامي
الطبعة الأولى
سنة 1999(/)
***
[1/3]
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطهارة
قال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه : الحمدُ لله الذي بسَط نعمتَه ، و أقام حُجَّتَه ، و أظْهر حكمَته ، و تمَّم إعْذارَه و نَذَارَته بمحمدٍ نبيِّه عليه السلام ، فأَوْضَحَ به الدليلَ ، و أنْهَج به السبيلَ ، و أكْمَلَ به دِينَه ، و أَوْضَح به شريعتَه ، فبلَّغ إلى الناس ما أُرْسِلَ به إليهم ، و بيَّن ما افْتَرَضَ اللهُ عليهم ، و سَنَّ لهم و عَلَّمَهم ، و أدَّبهم و أرْشَدَهم ، ثم مضَى صلى الله عليه و سلم حَمِيدًا فَقِيدًا ، فأبْقَى كتابَ اللهِ لأُمَّتِه نُورًا مُبِينًا ، و سُنَّته حِصْنًا حَصِينًا ، و أصْحابَه حَبْلاً مَتِينًا ، و جعل اللهُ سبحانه سَبِيلَهم الأَقْوَمَ ، و مِنْهَاجَهم الأَسْلَمَ ، و طَرِيقَتَهم الْمُثْلَى ، و اسْتِنْبَاطَهم الأَوْلَى ، و تَوَاعَدَ مَن اتَّبَعَ غيرَ سَبِيلِهم أنْ { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء : 115) ، و وَسَّع لهم و لِمَن اتَّبَعَهم بإحْسان ، في الاسْتِدْلالِ ممَّا أُجْمِلَ لهم مِن جَوَامِعِ الْكَلِم في كتابِه ، و على لسانِ نبيِّه ، و أَذِنَ لهم في الاجتهادِ في أحكامِهم ، و الحوادثِ
***(1/1)
[1/4]
النَّازلةِ بهم ، ممَّا ليس بِنَصٍّ عندهم في الكتابِ و السُّنَّةِ نَصًّا لا يُخْتَلَفُ في تَأْوِيلِهِ ، و أَوْجَدَهم السَّبِيلَ إلى أنْ يَجِدُوا في الأُصول لكلِّ حادثةٍ مِثْلاً ، و لكلِّ فَرْعٍ عندهم أَصْلاً ، و وَسَّع له في اسْتِدْلالِهم ، و عَمَّهم بالأجر في اخْتلافِهم ، قال الله تعالى : {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} (الأنبياء : 79) ، و جعل ذلك لهذه الأُمَّةِ رَحْمَةً عَمَّهم بها ، و تَوْسِعَةً و فضيلةً خَصَّهم بفَضْلِها ، و جعل ما يَخْرُجُ عن اسْتِنْباطِهم ، و يَتَّسِعُ فيه الاحْتمالُ في اسْتِدْلالِهم ، و يَجْرِي به الاجتهادُ في حَوادثِهم ، يَخْرُج إلى حلال بَيِّنٍ ، أو حَرامٍ بَيِّنٍ ، أو شُبْهَةٍ تُتَّقَى ، و جعل الرسولُ عليه السلام تَوَقِّيَ الشُّبُهاتِ أَبْرَأَ للمرءِ في سلامةِ دينهِ و عِرْضِه .
فالحمدُ للهِ الذي مَنَّ بِكِفَايتِه ، و أَنْعَمَ بهدايتِه ، و رَفَقَ بنا في التَّكْليفِ في عبادتِه ، و جعل النجاةَ للمُتَأَخِّرين في اتِّباعِ سَبِيلِ المُتَقَدِّمين ، و لم يُوَسِّعْ لِمَنْ بَعْدَهم أَنْ يَرْغَبَ عن إجْماعِهم ، أو يَخْرُجَ عن اخْتلافِهم ، أو يَعْدِلَ عن تَأْوِيلِهم وَمِنْهَاجِهم .
وَ قد اخْتُلِفَ في إجْماعِ مَن كان بالمدينةِ من الصَّدْرِ الأوَّل ، و في اجْتماعِ الجمهورِ مِن كلِّ قَرْن ، و الذي ذهبْنا إليه أنَّ ذلك لا يَسَع خِلاَفُه ، كالإجْمَاعِ الذي يُخَالَفُ فيه ، و إن كان هذا مَقْطُوعًا به ، و لا يُقْطَعُ بالأوَّل و قد أَوْرَدْنا لذلك و لِمَا يُشْبِهُه كتابًا سَمَّيْنَاه ( كتابَ الاقْتِدَاء ) ، و قُلْنَا :
***(1/2)
[1/5]
إنه ليس لأحدٍ أَنْ يُحْدِثَ قولاً أو تَأْويلاً لم يَسْبِقْهُ به سَلَفٌ , و إنه إذا ثَبَت عن صاحبٍ قَوْلٌ لا يُحْفَظُ عن غيرِه من الصحابةِ خِلاَفٌ له و لا وِفَاقٌ , أنَّه لا يسَع خِلافُه . و قال ذلك معَنا الشافعيُّ , و أهلُ العراقِ , فكلُّ قولٍ نَقُولُه , و تأويلٍ مِنْ مُجْمَلٍ نَتَأَوَّلُه , فعَن سَلَفٍ سَابقٍ قُلْنَا , أو مِن أَصْلٍ من الأصول المذكورةِ اسْتَنْبَطْنَا .
عَصَمَنَا اللهُ و إيَّاكم من الهَوَى , و العُدولِ عن الطريقةِ المُثْلَى , و صلَّى اللهُ على محمدٍ نبيِّه , و علَى آلِه و سلَّم .
أمَّا بعد , يسَّرنا اللهُ و إيَّاكم لرعايةِ حُقُوقِه, و هدانا إلى توفيقِه, فقد انْتَهَى إليَّ ما رغبتَ فيه , مِنْ جَمْعِ النَّوادرِ و الزِّيادات علَى ما في (المُدَوَّنة) مِن غيرِها من الأُمَّهات , مِن مَسائلِ مالكٍ و أصحابِه , و ذكرْتَ ما كَثُرَ عليك مِن دَواوِينِهم , مَع رَغْبَتِك في نوادرِها و فوائدِها , و شَرْحِ مُشْكِلٍ في بعضها, و اخْتلافٍ من الأقاويلِ يشتملُ عليه كثيرٌ منها ، وهي مع ذلك فأكثرُها بعضُها مِنْ بعضٍ يتَكَرَّر في بَسْطِها ، و يُبْسَط على كَثْرَةِ التَّبْيِين فيها ، و لَعَمْرِي إنَّ العنايةَ بقليلِ ذلك كُلِّه و كثيرِه محمودةٌ ، و الخيرَ في ذلك كلِّه مَأْمولٌ ، و الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، و كُلٍّ ينْتَهِي إلى ما يُسِّرَ إليه ، و أُعِين عليه ، و ذلك مِن ا?ِ سبحانَه حكمةٌ يَنْفَعُ بها ، و رحمةٌ وَسَّع فيها ، و عنايةٌ يَأْجُرُ عليها ، و درجةٌ إن شاء ا?ُ يَرْفَعُ بها مَنْ صَحَّتْ مَقَاصِدُه فيها ، بارَك ا? لنا و لك فيما يَسَّرنا إليه 0
و العلمُ لا يأْتِي إلاَّ بالعنايةِ و المُباحثةِ و المُلازمةِ ، مع هدايةِ اللهِ و تَوْفِيقِه ، قال أبو الدَّرْدَاء : العلمُ بالتَّعَلُّمِ ، و الحِلْمُ بالتَّحَلُّم . وقال ابنُ المُسَيَّب : إنْ كنتُ
***(1/3)
[1/6]
لأسيرُ الليالي و الأيام في طلب الحديث الواحد . و قد كان يرحل إلى المدينة في المسألة الواحدة . و قد عُنِي موسى صَلَّى الله عليه في طلب المزيد من العلم إلى ما عندَه ، و قال : { هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (الكهف : 66) ، و أوصى لقمان ابنه بمجالسة العلماء و مزاحمتهم بالرُّكَبِ . قال مالك : أقمت خمس عشرة سنة أغدو من منزلي إلى ابن هرمز ، فأقيم عنده إلى صلاة الظهر . مع ملازمته لغيره ، و كثرة عنايته . و أقام ابن القاسم متغَرِّبًا عن وطنه عشرين سنة في رحلتيه ، ثم لم يرجع حتى مات مالك . و مما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنَّه قال : «مَنْهُومَانِ لاَ يَشْبَعَانِ ؛ مَنْهُومٌ فِي الْعِلْمِ لاَ يَشْبَعُ مِنْهُ ، وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لاَ يَشْبَعُ مِنْهَا» . قال ابن مسعود : لا يستويان ؛ المنهوم في العلم يزداد به خشية الرحمن ، و المنهوم في المال يُؤَدِّيه إلى طُغيان . و في بعض الحديث : «اللَّهُمَّ لاَ فَقْرٌ يُنْسِينِي ، و لا غِنًى يُطْغِينِي» .
***(1/4)
[1/7]
و قيل : إن طالب العلم يحتاج إلى البكور فيه ، و استدامة الصبر على طلبه ، و شدة الحرص عليه ، و إذا كان الحريص لا يُقْلِعُ ، و المنهومُ لا يَشْبَعُ ، و الحوادثُ تَحُولُ دون الأمل ، فصرف الجُهْد و الهِمَّةِ إلى ما يُتَعَجَّلُ بَرَكَتُه ، مِن التَّفَقُّه في دينِ الله ، و تتأجَّلُ غِبْطَتُه مِن العملِ به ، أوْلَى مِن الاستكثار من الأسفار بلا تفَقُّهٍ ، و التَّحَلِّي بغير تَحْقيقٍ .
قال الحسن : إن هذا الدين ليس بالتحلي و لا بالتمنِّي ، و لكن ما وَقَرَ في القلوب ، و صَدَّقَتْه الأعمال . قال ابن هرمز : ما طَلَبْنا هذا الأَمْرَ حَقَّ طَلَبِه . قال غيره : و أرْجَى الناسِ في نَيْلِ ما يَبْقَى مَن جَدَّ في طَلَبِه ، و اسْتَدامَ الصبرَ عليه و أوْطَنَه . و ممَّا تَمَثَّل به سَحْنُون :
أَخْلِقُ بِذِي الصَّبْرِ أنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ = و مُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلأَبْوَابِ أَنْ يَلِجَا
و تمثَّل غَيرُه في حَمْلِ الأسْفارِ بلا تَفَقُّهٍ ، فقال :
***(1/5)
[1/8]
زَوَامِلُ لِلأَسْفَارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُمْ = بِجَيِّدِهَا إِلاَّ كَعِلْمِ الأَبَاعِرِ
لَعَمْرُكَ مَا تَدْري المَطِيُّ إِذا غَدَا = بِأَحمالِهِ أَوْ رَاحَ مَا فِي الغَرَائِرِ
و كان يُقالُ : لا يؤْخَذُ العلم من كُتُبِيٍّ ، و لا القرآنُ من مُصْحَفِيٍّ . و إنْ كانت الكتبُ في آخرِ الزمانِ خزائنُ العلوم ؛ فإنَّ مَفاتيحَ مَغالِقِها الصُّدورُ ، و قد كان العِلْمُ في الصَّدْرِ الأوَّل خزائِنُه الصدورُ و لم تكن كُتُبٌ ، و صار في آخِرِ الزمانِ أكثرُه في الكتبِ و أقَلُّه في الصدور ، و كثُرت الكتبُ بالشَّرْح و التَّأْلِيد و التَّفْسير لِمَا قال أهلُ المدينةِ و كَثُر التَّقْصير ، و إن كان مُتَقَدِّمُو أهلِ المدينةِ أقلَّ تَكَلُّفًا مِن غيرِهم ، و كانوا أَعْلَمَ الناس بالأُصولِ مِن الأحكامِ و السُّنَنِ ، و ما تكلَّم فيه الصحابةُ و مَن بعدَهم من التَّأويل ، و ما اخْتَلَفُوا من الحوادث ، و إنَّما وُلِّفَتِ الكتبُ في القرن الثالث . قال مالك : لم يكنْ عندَ ابن شهاب كتابٌ إلاَّ كتابٌ فيه نَسَبُ قومِه . و كان عند أبي قلابة حِمْلُ بغْلٍ كتبًا , و إنَّما كَثُرَ حَمْلُ الفِقْهِ عن أهل المدينة على قِلَّةِ تكَلُّفِهم للتأليف و التأليد لحاجة الناس إليهم ، و لم يضعْ مالك كتابًا غير الموطَّأ ، لَمَّا سأله المنصور في تأليفه ، فاقتصد فيه ، و لم يُكْثِر ، و أنت كما ترى قلة تكلفه قد نُقِلَ عنه إلى العراق نحوٌ من سبعين ألف مسألة . قال شيوخ البغداديين : هذا غيرُ ما زاد علينا أهلُ العراق و مصر و المغرب ؛ لأن أهل الآفاق كانوا يقصدون إليه رحلة و بحثًا في الفقه و الحديث ، مع قصد الأمراء و غيرهم من بلده و سائر البلدان ، في النوازل و غيرها ، فكثُرت الحاجة إليه ، هذا مع كثرة توَقُّفه في الفتوى ، و الهروب منها ، و كثرة قوله : لا أدري . فتأمَّلْ هذا
***(1/6)
[1/9]
كلَّه يدُلُّك على جلالة حال الرَّجُل في ذلك العصر الذي كان فيه خيار الناس و كثرة الرغبة إليه ، و اجتماع القول على نقائه و تمامه ، و اختيارهم لاختياره ، و ذلك لما تأكَّد عند أهل العصر من جلالته في الدين ، و النفاذ في الفقه و الحديث ، و جودة العقل و السلامة من الريب ، و قد ذكرنا في كتاب (الذبِّ) عن غير شيء من مذاهبه بعض مناقبه و أحواله ، و مَحَلَّه عند أئمَّة الناس في عصره ، جعلنا الله و إيَّاكم ممَّن اتَّبع سبيل الذين مَضَوْا بإحسان .
و إن كان مَن تقدَّم أهل المدينة يكرهون تأليد السُّؤَال ، قال مالك : لم يكن الذين مضوا أكثر الناس مسائل ، و أُراهم إنَّما يكرهون التكلُّف إلى ما ينتهي إلى التنطُّع ، و لا يكرهون ما يُبَيَّنُ به للمتَعَلِّم مُشْكِلاً ، و ما يَعرِض من النوازل ، و كان يقال : إذا نزل الشيء أُعِينَ عليه صاحبه ، و لعمري إن السؤال يفتح العلم . قال ابن شهاب : العلم خزائن و يفتحها السؤال . و قال غيره : السؤال نصف العلم . قال ابن عباس : يُحْتاجُ للعلم لسانٌ سئولٌ ، و قلب عَقُولٌ . و ربما قال زيد بن أسلم لبعض من يخلط في سؤاله : اذهب فتعَلَّمْ تَسَل ، ثم تأتي .
قال أبو محمد : و ذكرت –وفَّقنا الله و إيَّاك إلى مَحَابِّه- ما كَثُرَ من الكتب مع ما قلَّ من الحرص و الرغبة ، و ضَعُفَ من الطلب و العناية ، و الحاجة إلى ما افترق في كثرة الكتب من شرح و تفسير و زيادة معنًى شديدة ، و رَغِبْتَ في أن نستثير العزيمة و تفتح بابًا إلى شدَّة الرغبة بما رغبتَ فيه من اختصار ما افترق من ذلك في أُمَّهات الدواوين من تآليف المتعقِّبين ، و ذكرْتَ أن ما في
***(1/7)
[1/10]
كتاب محمد بن إبراهيم ابن الْمَوَّاز ، و الكتاب المستخرج من الأسمعة ، استخراج العتبي ، و الكتب المسماة الواضحة و السماع المضاف إليها المنسوبة إلى ابن حبيب ، و الكتب المسماة المَجْمُوعَة المنسوبة إلى ابن عبدوس ، و الكتب الفقهية من تأليف محمد ابن سحنون ، أن هذه الدواوين تشتمل على أكثر ما رَغِبْتَ فيه من النوادر
***(1/8)
[1/11]
و الزيادات ، و رغبتَ في استخراج ذلك منها و جَمْعِه باختصار من اللفظ في طلب المعنى ، و تقصِّي ذلك و إن انبسط بعض البسط ، و القناعة بما يُذْكَرُ في أحدها عن تكراره ، و الزيادة إليه ما زاد في غيره ؛ ليكون ذلك كتابًا جامعًا لما افترق في هذه الدواوين من الفوائد ، و غرائب المسائل ، و زيادات المعاني على ما في المدونة ، و ليكون لمن جمَعه مع المدونة أو مع مختصرها مَقْنَعٌ بهما ، و غِنًى بالاقتصار عليهما ؛ لتَجْمع بذلك رغبَتُه ، و تيتجمَّ همَّتُه ، و تعظم مع قلَّة العناية بالجمع فائدته ، و قد رغبتُ في العناية بذلك ، لِمَا رَجَوْتُ إن شاء الله من بركة ذلك ، و النفع له لمن رسمه ، و لكل من تعلَّمه ، و أنا أفي لك ، إن شاء الله ، بنوادر هذه الدواوين المذكورة ، و أذكر ما أمكنني و حضرني من غيرها ، و بالله نستعين في ذلك ، و إيَّاه نستخير فيه ، و نستمدُّه توفيقه و عصمته ، و نسأله نفع ذلك و بركته ، و صَلَّى الله على نبيه محمد و على آله و سلَّم .
و اعْلَم أن أسعد الناس بهذا الكتاب مَن تقدمت له عناية ، و اتسعت له رواية ؛ لأنه يشتمل على كثير من اختلاف علماء المالكيين ، و لا يسَعُ الاختيار من الاختلاف للمُتَعلِّم و لا للمُقَصِّر ، و مَن لم يكن فيه مَحْمَل الاختيار للقول لتقصيره فله في اختيار المتعقِّبين من أصحابنا من نُقَّادِهم مَقْنَعٌ ، مِثْل
***(1/9)
[1/12]
سحنون ، و أصبغ ، و عيسى بن دينار و من بعدهم ، مثل : ابن الْمَوَّاز ، و ابن عبدوس ، و ابن سحنون ، و ابن الْمَوَّاز أكثرهم تكلُّفًا للاختيارات ، و ليس يبلغ ابن حبيب في اختياره ، و قوَّة رواياته مبلغ مَن ذكرنا ، و الله يهدي إلى سواء السبيل .
و أنا أذكر لك رواياتي في هذه الدواوين ، فأما المُسْتَخْرَجَة من السماعات فقد حدَّثني بها أبو بكر بن محمد ، عن يحيى بن عبد العزيز ، عن العتبي محمد بن أحمد .
و أما المَجْمُوعَة فقد حدَّثَني بها حبيب بن الرَّبِيع ، عن محمد بن بسطام ، عن محمد بن عبدوس ، عن سحنون ، عن رجال مالك .
***(1/10)
[1/13]
و أما كتب ابن الْمَوَّاز فروايتي عن درَّاس بن إسماعيل ، عن علي بن عبد الله بن أبي مطر ، عن محمد بن إبراهيم بن الْمَوَّاز ، و بعضها عند عليٍّ إجازة . و أما الواضحة ، و السماع فروايتي عن عبد الله بن مسرور ، عن يوسف بن يحيى المغامي ، عن عبد الملك بن حبيب .
و أما كتب ابن سَحْنُون ، فعن محمد بن موسى ، عن أبيه ، عن ابن
***(1/11)
[1/14]
سَحْنُون ، و بعضها عن محمد بن مسرور ، عن غير واحد من أصحاب ابن سَحْنُون ، عنه .
و مختصر ابن عبد الحكم حدَّثني به محمد بن مسرور ، عن المقدام ، عن عبد الله . و ما ذكرت فيه لبكر بن العلاء ، و أبي بكر الأبهري ، و أبي
***(1/12)
[1/15]
إسحاق بن الْقُرْطِيِّ فقد كتبوا إلي به ، و كلُّ ما ذكرت فيه عن ابن الجهم فقد أُخْبِرْتُ به عنه به ، و كل من ذكرت فيه من غير ذلك فبروايات عندي يكثر ذكرها .
***(1/13)
[1/16]
في غسل اليد قبل دخولها في الإناء ، و توضُّئ
النساء قبل الرجال ، أو بعدهم من إناء
واحد ، و ذِكْر التسمية عندَ الوُضوء ، و مَسْح
الوجه بالمنديل
من الواضحة و غيرها : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم المستيقط من نومه أَنْ يُدخل يده في وَضوء حتى يغسلها ، فقيل : إن ذلك لِمَا لعلَّه قد مسَّ من نجاسة خرجت منه لا يعلم بها ، أو غير نجاسة من ما يُتَقَذَّر . و قيل أيضًا : و قد يكون ذلك لأن أكثرهم كان يستجمر بالحجارة ، و قد يمَسُّ موضع ذلك . و الله أعلم .
قال ابن حبيب : و قال الحسن : معنى ذلك في الجُنُب من احتلام . قال ابن حبيب : أو جُنُب لا يدري ما أصابت يده من ذلك ، فإن أدخل هذا يده قبل أَنْ يغسلها أفسد الماء .
و قال مالك : ينبغي لكل متوضِّئ أن لا يدع غَسل يده عند وُضوئه ، قبل أَنْ يُدخلها في الإناء على كل حال .
قال مالك في المختصر و المَجْمُوعَة ، فِي مَنْ أدخل يده في الإناء قبل أَنْ يغسلها ، من جُنُب أو حائض ، و من مسَّ فرجه ، أو أنثييه في نوم ، فلا يفسد الماء ، و إن كان قليلاً ، إلاَّ أَنْ يُوقن بنجاسة في يده ، و لا ينبغي له ذلك و إن كانت يده طاهرة ، و كذلك مَن انْتَقَضَ وُضوؤه .
و من المَجْمُوعَة : روى ابن القاسم ، و ابن وهب ، عن مالك في الجُنُب
***(1/14)
[1/17]
يَمَسُّ فرجَه بيمينه ، ثم يُدخلها في الإناء قبل أَنْ يغسلها ، و لا يعلم أنَّه أصابت يده شيئًا ، قال : يُبْدِلُ ذلك الماء ، و ما ينبغي له أَنْ يَمَسَّ فرجه بيمينه .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم ، عن مالك فِي مَنْ قام من النوم ، فيُدخل يده في إنائه ، قال : لا بأس به و مثله الجَرَّةُ يستيقظ أهل البيت ، فيغرفون منها ، و يُدخلون أيديهم .
قال أشهب : استحبَّ مالك للمتوضِّئ أَنْ يُفْرِغ على يده اليمنى ، ثم يغسلها . و ذكره ابن نافع ، عن مالك في المَجْمُوعَة .
قال عيسى عن ابن القاسم : أَحَبُّ إليَّ كما جاء في الحديث ، يُفْرِغُ على يديه فيغسلهما ثلاثًا ، فإن غسل يمينه ، ثم أدخلها في الإناء أجزأه .
قال ابن حبيب يغسل اليمنى ثم يُفْرِغُ بها على اليسرى في الاستنجاء ، ثم يغسلها فيُنَقِّيها من الاستنجاء ، ثم يتمضمض ، و يستنشق .
قال عبد الملك بن الحسن ، في الْعُتْبِيَّة ، عن ابن وهب : و من
***(1/15)
[1/18]
استنجى ثم قطر منه بول ، فحلب ذَكَرَه ، فليعد غسل يده قبل أَنْ يُدخلها في الإناء ، و كذلك مَن أتَمَّ وضوءه ، ثم خرج منه ريح ، قاله مالك استحبابًا . و قال أشهب : ليس ذلك عليه إن لم تُصِبْ يده نجاسة ، و عَهْدُه بالماء قريب ، إلاَّ أَنْ يبعد ذلك .
قال أبو زيد ، عن ابن القاسم : و لو أحدث بعد غسل وجهه و يديه ، فليُفْرِغ على يده ، ثم يأتنف الوضوء . قال عنه عيسى : ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ .
و من المَجْمُوعَة ، قال ابن وهب ، و ابن نافع ، عن مالك ، في المتوضِّئ يخرُج منه ريح و يده طاهرة ، فيريد الوضوء ، قال : يغسل يده أَحَبُّ إليَّ .
قال عنه ابن نافع : إلاَّ أَنْ يكون عهده بالماء قريبًا .
قال ابن وهب : و قد قال قبل ذلك : لا بأس أَنْ يُدخلها إذا كانت طاهرة .
قال عنه عليٌّ : إذا توضَّأ و غسل يديه ، ثم قطر منه بول ، أو خرَج منه ريح ، فليغسل يده ، أفضل في الاحتياط ، و إن لم يفعل فذلك واسع .
قال عنه ابن نافع فيها ، و في الْعُتْبِيَّة ، فِي مَنْ وجد نهرًا سائلاً ، أو غديرًا ، و لا يجد ما يأخذ به منه لِيَصُبَّ على يده ، فيُدخل يده فيه ، و لا يأخذ بفيه ، و ليس ذلك من عمل الناس أَنْ يأخذ بفيه فيَصُبَّه على يديه .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال موسى بن معاوية ، عن ابن القاسم ، في الرَّجُل
***(1/16)
[1/19]
يَرِدُ الحوض فيه الماء ، و ليس معه إلاَّ ثوب نجس ، و ليس معه ما يأخذ به ، و يده قَذرة ، أيتيمَّم و لا يُدخل يده فيه ، أو يدخل يده فيه و يتوضَّأ ؟ قال : يَحتال إما بثوب و إما بفيه ، أو ما قدر عليه ، فإن لم يقدر على حيلة فلا أدري ما أقول فيها ، إلاَّ أَنْ يكون ماء كثيرًا مَعِينًا ، فلا بأس أَنْ يغتسل فيه .
و من المَجْمُوعَة ، قال ابن نافع ، عن مالك ، في الخدم يُدخلون أيديهم في الماء من غير غَسل ، قال : لا يَضُرُّ ذلك الماء .
قال عنه عليٌّ : قال ابن عمر : كان النساء و الرجال يتوضَّأون من إناء واحد بعهد النبي عليه السلام . قال مالك : يتوضَّأ الرجال ، ثم يأتي النساء فيتوضَّأون .
قال عنه ابن وهب : كان لزيد بن أسلم مِرْكَنٌ يتوضَّأ منه هو وأهله ، و كان
***(1/17)
[1/20]
مثله لسعد بن أبي وقاص ، قال : و ربما توضَّأنا بفضلهن .
قال مالك : و لا خير في هذا التقَزُّز و التنجُّس ، و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يكون لهم قدح يغرفون به .
قال عليٌّ : قال مالك : ما أعرف التسمية في الوضوء . و أنكرها ، و استحبَّ ذلك علي بن زياد ، و قاله سفيان .
قال ابن حبيب : و ما روي : «أنه لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يُسَمِّ اللهَ» . أراه يعني أَنْ يكون نيَّتُه ، و يحتمل تسمية الله سبحانه في ابتدائه ، و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يسمِّي ، و قد روي ذلك .
قال غيره : و لا يأتي من طريق يصِحُّ ، و التسمية في كل شيء حسنة .
و من المَجْمُوعَة قال ابن نافع ، عن مالك : وَ لا بَأْسَ بالسواك بعد الوضوء .
قال عنه عليٌّ : لا بأس بالوضوء بفضل السواك .
قال في المختصر : و مَن تسوَّك بأصبعه فلا بأس أَنْ يُعِيدَ في وضوئه .
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة : و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يغسلها ، و أرجو أَنْ يكون واسعًا .
قال ابن حبيب : و يُكْرَهُ السواك بعُود الرُّمَّان و الريحان .
و من الْعُتْبِيَّة ، و المجموع ، قال ابن القاسم ، عن مالك : و إذا لم
***(1/18)
[1/21]
يَجِد سواكًا فالأصبع يجزئ من السواك .
و من المَجْمُوعَة ، قال ابن القاسم عن مالك : قال محمد بن يحيى بن حَبَّان : أدركتُ رجالاً من أهل العلم ، تكون معهم أسوكة يتسوَّكون بها لكل صلاة .
قال في الْعُتْبِيَّة ابن القاسم ، عن مالك : لا بأس أَنْ يمسح وجهه بخرقة من ماء الوضوء ، و إنِّي لأفعله . قيل : نهى عنه بلال بن عبد الله بن عمر . فأنكر ذلك , و قال : و لو قاله بلال أيؤخذ ذلك منه !
قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة ، قال : قلت أَفَيَفْعَلُ ذلك قبل غَسْل رجليه ، ثم يغسل رجليه بعد ؟ قال : نعم ، و إني لأفعل ذلك .
في الاستنجاء و الاستجمار ، و استقبال القبلة
للبخلاء و الوطء ، و ذكر الارتياد للحاجة ،
و ذكر الوسوسة و الاستنكاح
من المختصر قال مالك : لا تُسْتَقْبَلُ القبلة ، و لا تُسْتَدْبَرُ لبول ، أو غائط ، في الفلاة ، و السطوح التي يَقر أَنْ ينحرف فيها ، فأما المراحيض التي عُمِلَت فلا بأس بذلك فيها .
***(1/19)
[1/22]
قال غيره : و قد رأى ابن عمر النبي صلى الله عليه و سلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته .
قال ابن حبيب : قال عطاء ك و يُكْره أَنْ يطأ الرَّجُل امرأته مستقبل القبلة . قال ابن حبيب : يعني إذا أصحر بذلك .
و يُكره أَنْ يتغوَّط في ظلال الجُدُر و الشجر و قارعة الطريق ، و ضَفَّة الماء ، و قربه ، و لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض .
قال غيره : و يستتر بما وجد من هدف أو جدار أو حائط نخل .
قال ابن حبيب : و لا يُكره البول قائمًا في الموضع الدَّمِثِ لا يتطاير ، وَ لا بَأْسَ بالبول في الماء الجاري ، و يُكره في الراكد و إن كثر ، و يُكره أَنْ يبول في المَهْوَاةِ ، و ليبل دونها ، و يجري إليها ، و ذلك من ناحية الجانِّ و مساكنها . وَ لا بَأْسَ أَنْ يبول في موضع غُسله إن أتبعه ماء ، و كان منحدرًا . و اللذان يذهبان إلى الخلاء فليتباعدا ، و كُره أَنْ يتقاربا .
و في كتاب آخر : و يُكره أَنْ يتحدَّث على طرفيهما ، و لا يتكلَّم الرَّجُل على طرفه .
و من المَجْمُوعَة قال ابن نافع : و بال ابن عمر قائمًا من كِبَرٍ ، و بال ابن المسيب قائمًا .
قال غيره : و بال النبي صلى الله عليه و سلم قائمًا . و نهى أَنْ يَأْخُذَ فَرْجَه
***(1/20)
[1/23]
بيمينه للبول .
و من المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك ، في قول النبي عليه السلام : «وَ مَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» . إنه في الاستطابة . و قال عنه عليٌّ : إنه تأوَّله في استجمار البخور ، ثم رجع إلى أنَّه في الاستطابة .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك : و لا يُسْتَنْجَى بعظم ، و لا رَوْثٍ .
و قال : في سماع أشهب أيضًا في العظم و الحُمَمَة .
قال في المَجْمُوعَة في الرَّوْثِ و الحُمَمَة : ما سمعتُ فيه بنهي عامٍّ ، و قد سمعتَ ما يقال ، و أما في علمي فما أرى به بأسًا .
و قال ابن نافع : أنهى عنه لِمَا جاء فيه عن النبي عليه السلام .
قال أصبغ في كتاب آخر : و مَنِ اسْتَجْمَرَ بعُودٍ أو فَحْمٍ ، و هي الحممة ، أو
***(1/21)
[1/24]
بخرق أَعَادَ الصَّلاَة في الوَقْتِ ، و وقته وقت الصَّلاَة المفروضة .
قال ابن حبيب : استخفَّ مالك ، ما سوى العظم و الروث . و قد جاء النهي عن الحممة و الجلد و البَعْرة ، فمَن استنجى بذلك ، أو بحجر واحد فقد أساء ، و لا شيء عليه إذا أنقى .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم ، عن مالك : و من استجمر بأحجار ، و صَلَّى و لم يستنجِ أجزأه .
قال عيسى ، عن ابن القاسم : و كذلك من استنجى بمَدَرٍ ، و إن استجمر بحجر واحد فلا إعادة عليه للصلاة ، إذا أنقى .
و قال في المختصر : و يُجْزِئُهُ أَنْ يستجمر بالأحجار ، إلاَّ أَنْ يكون أصاب ذلك غير المخرج ، و غير ما لا بد منه ، فإنه يُعِيد في الوَقْتِ .
و من الْعُتْبِيَّة قال أبو زيد ، عن ابن القاسم ، فِي مَنْ لم يستنجِ ، و لم يستجمر : فليعد في الوَقْتِ ، كالذي يصلي به في ثوبه أو جلده .
قال أبو محمد : يريد ناسيًا . في قول ابن القاسم .
قال ابن القاسم : و إن استجمر لم يُعِدْ ، و كذلك لو بالغ بحجر أو بحجرين .
و قال قوم : إن عدا المخرج . فسألت مالكًا ، فلم يذكر : عدا المخرج .
***(1/22)
[1/25]
فإن قيل إن مَن مضى كانوا يبعرون . قيل له : فإن البول منَّا و منهم واحدٌ .
قال بعض أصحابنا : و إذا أنقى بحجر واحد فليمسح باثنين ؛ ليُتِمَّ ثلاثًا .
و قال آخرون : لا بد أَنْ يُخرِج ثلاثًا نقية . و قيل : إذا أنقى بواحدة اكتفى .
قال ابن حبيب : و لا يجر لآخذ الماء أَنْ يستجمر ؛ لأنه أمْرٌ قد تُرِكَ . قال مطرف : قال لي مالك : قيل لابن شهاب : أُنشدك ، هل علمتَ أن مَن مضى كان يستجمر ؟ فسكتَ . قال مالك : كَرِهَ أَنْ يذكر شيئًا صار عملُ الناس خلافه .
و من المَجْمُوعَة قال عليٌّ ، عن مالك فيمن معه ماء قليل : فليستجمر بالحجارة ، و يُنَقِّيه لوضوئه .
قال ابن نافع : قيل لمالك : أيُستنجى بالخاتم و فيه ذِكْرُ الله ؟ فقال : إنه عندي تخفيفٌ ، و تَرْكُهُ أحسن ، و فيه سَعَة .
قال ابن حبيب : و أكره أَنْ يستنجي به ، و ليُحَوِّلْه عند الاستنجاء في يده اليمنى .
قال في المختصر : و لا يستنجي بيمينه .
قال ابن حبيب : و يُكره أَنْ يمسح بها مخرج البول ، أو يتمخَّط بها ، أو يغسل بها باطن قدميه . روي عن النبي عليه السلام النهي عنه .
***(1/23)
[1/26]
و ليس الاستنجاء من سنن الوضوء ، و لا من فرائضه ، لكن هو من باب غسل النجاسة ، يُجزئ بغير نيَّة ، و إنما الوضوء من المضمضة إلى ما بعد ذلك .
قال ابن القاسم ، عن مالك في الْعُتْبِيَّة : وَ لا بَأْسَ أَنْ يستنجي و يُؤَخِّرَ الوضوء .
و لبعض أصحابنا في الاستنجاء أنَّه يُسْتَحبُّ له أَنْ يبدأ بِغَسل مَخرج البول ، ثم يمسح الأذى منه بمَدَر أو خرقة أو غيرها ، و إلاَّ فبيده ، ثم يغسل يده و يُنَقِّيها ، ثم يستنجي و يُوَالي صَبَّ الماء ، و يسترخي قليلاً ؛ ليتمكَّن من الإنقاء ، و يُجيد العَرْك حتى يُنَقِّيَ و يُزيل اللُّزُوجة ، و ذلك في الإبعار أخفُّ منه في الإثلاط ، و لا يَضُرُّه إن بقيت بيده رائحة إذا أنقى .
***(1/24)
[1/27]
و من المختصر : و ليس على الذي يستبرئ البول أَنْ ينتفض و يتنحنح ، و يقوم و يقعد ، و لا يمشي ، و يستبرئ ذلك بأيسره ، بالنفض و السلت الخفيف .
قال ابن القاسم عن مالك في الْعُتْبِيَّة : في الذي يُكْثر السلت و يقوم و يقعد ، قال : ليس ذلك بصواب .
قال أبو محمد : و في باب القصد في الماء ، ذكر تخفيف ربعة في سرعة التَّنَظُّف من البول ، و إبطاء ابن هرمز فيه ، و قوْلَه : لا تقتدوا بي .
قال ابن نافع في المَجْمُوعَة عن مالك : و لم أسمع عن أحد ممن مضى أنَّه كان يُقيم بعد فراغه حتى ينعصر .
و مَن وجد بللاً بعد أن تَنَظَّف فلم يَدْر من الماء هو أم من البول ؟ فأرجو أن لا شيء عليه ، و ما سمعتُ مَن أَعَادَ الوضوء من مثل هذا ، و إذا فعل هذا تمادى به .
قال عنه ابن القاسم : فالذي يُحِسُّ شيئًا منه بعد البول فلا تطيب نفسه ، قال : هذا من الشيطان . و كَرِهَه .
قال ابن حبيب : و يُسْتَحبُّ لسلس البول و المذي أَنْ يُعِدَّ خِرقًا يقي بها عن ثوبه ، و الوضوء له و للمستحاضة لكل صلاة ، مع غَسل فرجه .
قال سحنون : ليس عليه غَسل فرجه .
***(1/25)
[1/28]
قال عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة في مَن يَجد بأثر وضوئه بللاً ، أو شيئًا ينحدر من ذَكَرِه : فإن كان شيئًا يستنكحه عند الوضوء ، فلينضح إزاره ، و يَلْهُو عنه ، و إن أصابه المرة بعد المرة فليتوضَّأ .
قال عنه ابن نافع : و مَن وجد بللاً في الصَّلاَة فلا ينصرف حتى يُوقن به ، فينصرف . و إنما يتمادى المستنكح .
في القصد في الماء في الوضوء و الغُسل ، و مقداره
من الْعُتْبِيَّة قال أصبغ : قال سفيان ، و ابن القاسم : الفَرَقُ ثلاثة آصُع .
و كان النبي صلى الله عليه و سلم يثوضَّأ منه ، و يتطهَّر . و في موضع آخر أنَّه كان يغتسل .
***(1/26)
[1/29]
قال ابن حبيب : و روي أنَّه اغتسل بقد الصاع ، و توضَّأ بقدر المُدِّ ، و روي أنَّه توضَّأ بقدر نصف المُدِّ .
و من المَجْمُوعَة قال ابن نافع : قال مالك : سمعتُ مَنْ يقول إنه يُجزئ في الطهور صاعٌ بالصاع الأول .
و من الْعُتْبِيَّة قال عيسى عن ابن القاسم ، عن مالك ، و رواه في المَجْمُوعَة ، عن ابن القاسم ، و ابن وهب ، عن مالك ، قال : رأيتُ
***(1/27)
[1/30]
عباس بن عبد الله بن معبد ، و كان فاضلاً ، يتوضَّأ بِثُلُثِ مُدِّ هشام ، و يَفْضُل له منه ، و يصلي بالناس ، فأعجب ذلك مالكًا .
قال ابن حبيب : و القصد في الماء مُستحبٌّ ، و السرف فيه مكروه .
قال مالك : كان ربيعة أسرع الناس وضوءًا ، و أقلَّهم لُبْثًا في البول .
و في الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم عن ربيعة مثله .
قال ابن حبيب : و كان ابن هرمز بطيئًا في التَّنَظُّف من البول ، و في الوضوء . قال عنه مطرف : و يقول : إني مبتلى فلا تقتدوا بي في هذا .
و قال ابن المسيب : و من الاعتداء في الوضوء الوضوء لكل صلاة . قال ابن حبيب : هذا لمَنْ فعله استنانًا ، فأما للرغبة في ما جاء فيه فلا بأس به .
في صفة الوضوء و ترتيبه و الغسل في
أعضائه و العدد فيه ، و التبدئة فيه و التفرقة
في العمد و السهو ، و ذِكْر تخليل الأصابع
واللحية
قال محمد بن مسلمة في آية الوضوء : فيها تقديم و تأخير ، و المعنى فيها : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} ، {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ، {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}
***(1/28)
[1/31]
{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} ، وقوله : {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ } ، فقيل : مُحْدِثين . و قال زيد بن أسلم : من النوم . و يدُلُّ على قوله أنَّه ذكر آخر الآية المُحْدِثين ، فقال : {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} ، فجمع بهذا المحدثين .
قال مالك في المختصر : ليس في الوضوء حَدٌّ من العدد ، و لا أحب أَنْ يقصر من مرَّتين إذا عمَّتا .
قال عنه ابن حبيب : و لا أحب الواحدة ، إلاَّ من العالم بالوضوء ، و لا أحب أَنْ ينقُص من اثنتين ، و لا يُزادُ في المسح على الواحدة ، و أمَّا غَسل القدمين فلا حدَّ في غسلهما ، و ينبغي أَنْ يتعاهد عقبيه في وضوئه بالماء .
قال غيره : و يُجيد عَرْك ما لا يُداخله الماء بسرعة لجساوة برِجْلَيْه ، أو غبرة عرقوبيه ، أو سقوق ، حتى يُسْبِغَه . يقول النبي عليه السلام : « وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» .
***(1/29)
[1/32]
قال ابن حبيب : و يبدأ الوضوء بميامنه ، و أكمل الوضوء ثلاثة ، و أقلُّه واحدة . قال ابن عباس : الواحدة تجزئ ، و الاثنتان يُسبغان ، و الثالثة سَرَفٌ ، و الأربعُ سرفز
و من المَجْمُوعَة قال ابن نافع : قيل لمالك : واحدة ؟ قال : لا . و قال في مسح الرأس : مرة أو مرتين ، قد يقلُّ الماء فيكون مرتين ، و يكثر فيكون مرة .
و قال عنه عليٌّ : مسحة واحدة .
و من الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك : و مَن غَسَل يساره قبل يمينه من يدٍ أو رِجْل أجزأه .
و من المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك : إن غَسَل ذراعيه ، ثم وجهه ، فإن ذكر مكانه أَعَادَ ذراعيه ، و إن لم يذْكُر حتى جَفَّ استأنف الوضوء ، و إن لم يذكر حتى صَلَّى أَعَادَ الوضوء و الصَّلاَة . ثم قال : لا يُعِيد الصَّلاَة و إن كان في الوَقْتِ ، و يُعِيد الوضوء لِمَا يستقبل .
قال عنه ابن نافع في استئناف الوضوء : أرى ذلك واسعًا .
و من الواضحة : و مَن نَكَّس وضوءه و صَلَّى أجزأته صلاته . و إن تعمَّد ذلك أو جهل ابتدأ الوضوء لِمَا يستقبل ؛ كان ذلك في مسنونة أو مفروضة .
و إن كان سهوًا ، فلا يُصْلِحه إلاَّ في تنكيس مفروضة ، فيؤخِّر ما قدَّم ، ثم يغسلُ ما يليه ، كأنْ يحضُرَه ذلك ، أو بعد أن طال ؛ مثل أَنْ يغسل ذراعيه قبل وجهه ، فليُعد غَسل ذراعيه ، ثم يمسح برأسه و أذنيه ، ثم يغسل رِجليه .
و قال ابن القاسم : هذا إذا لم يَطُلْ ، فأما إنْ طال ، فليُؤخِّر ما قدَّمَ من غَسْل
***(1/30)
[1/33]
ذراعيه ، و لا يُعِيد ما بعده .
قال ابن حبيب : و بالأول أقول ، و هو قول مطرِّف ، و ابن الماجشون .
قال أبو محمد : و الذي ذكر ابن حبيب عن ابن القاسم روي نحوه عن ابن القاسم عن مالك في المَجْمُوعَة .
قال مالك في الموطأ فِي مَنْ غسل وجهه قبل أَنْ يتمضمض . قال : يتمضمض ، و لا يُعِيد غَسْل وجهه . و لو غَسَل ذراعيه قبل وجهه أَعَادَ بعد غَسْل وجهه .
و من الْعُتْبِيَّة قال سحنون : حَدُّ الوجه في الوضوء ، دَوْرُ الوجه ، و اللَّحْيُ الأسفل منه .
قال ابن حبيب : قال مالك : و ليس ما خَلْفَ الصُّدْغ الذي من وراء شعر اللحية إلى الأذن من الوجه .
قال عنه ابن القاسم : و اللحية من الوجه ، و ليُمِرَّ عليها من فضل ماء الوجه ، و لا يجدِّده لها . قال : قال سحنون : و مَنْ لم يُمِرَّ عليها الماء أَعَادَ ، ولم تجزه صلاته ، و أعاب مالك تخليها في الوضوء .
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة : و لم يأتِ النبي عليه السلام فغله في وضوئه ، و جاء أنَّه خلل أصول شعره في الجنابة .
***(1/31)
[1/34]
قال في المختصر : و يُحرِّكها في الوضوء إن كانت كبيرة ، و لا يُخَلِّلُها ، و أما في الغُسْل فليُحرِّكْها و إن صَغُرَتْ ، و تخليلها أحبُّ إلينا .
و قال بعض أصحابنا : معنى تحريكها في الوضوء تحريك اليد عليها عند مرِّ الماء ؛ ليُداخلها الماء ؛ لأن الشعر ينبو عنه الماء .
و محمد ابن عبد الحكم يرى تخليلها في الوضوء .
و قال غيره : و ليتحفَّظْ من غَسْل مارِنِه بيده ، و ما غار من أجفانه ، و أسارير جبهته ، و ليس عليه غَسْل ما غار من جُرْح برأ على استِغوار كثير ، و كان خَلْقًا خُلِق به ، و لا غسل ما تحت ذقنه ، و ما تحت الَّحْي الأسفل منه .
و من المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك : و ليس عليه أَنْ يجاوز بالغسل المرفقين ، و الكعبين في الوضوء ، و إنما عليه أَنْ يبلغ إليهما .
قال غيره : هذا قولُ مالك ؛ و لأن (إلى) غاية ، و قد قيل بإدخالهما في الغُسْل ، و إليه نحا ابن القاسم في المدونة ، فذكره أبو الفرج عن مالك .
***(1/32)
[1/35]
قال غيره : و قد تكون (إلى) بمعنى (مع) ، كما قال تعالى : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} (النساء : 2) ، يقول : معها . و قوله : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (آل عمران : 52) (الصف : 14) . يقول : مع الله . و قال أبو الفرج : يُؤْمَر بغَسلها ، لتوهُّم التحفُّظ في مبلغ الغَسْل إليهما ، و ليُزيل ريب الاحتراس بإدخالهما في الغَسْل .
و من الْعُتْبِيَّة أشهب ، عن مالك : سئل عن الكعب الذي إليه الوضوء ، قال : هو الملتصق بالساق ، المحاذي العقب ، و ليس بالظاهر في ظهر القدم . و رواه ابن نافع ، عن مالك ، في المَجْمُوعَة .
و من الْعُتْبِيَّة قال أشهب ، عن مالك ، في قوله تعالى : {وَأَرْجُلكُمُ} ، بالنصب أم بالخفض ؟ قال : إنما هو الغسل ، لا يُجْزئه المسح .
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة : {وَأَرْجُلَكُمْ} ، بنصب اللام ، و قال : إنما هو الغَسْل .
قال ابن حبيب : و يبالغ في غَسْل عقبيه ؛ لقول النبي عليه السلام : «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» .
قال غيره : و هذا بمنزلة الغَسل ، كما فعل الرسول عليه السلام ، و سلفُ الأمة ، و العقبان عند مالك مؤَخَّر الرِّجْل .
و من المَجْمُوعَة ، قال ابن وهب و ابن نافع ، عن مالك : و ليس عليه
***(1/33)
[1/36]
تخليل أصابع الرجلين في وضوء ، أو غُسْل ، و لا خير في الجَفاء ، و الغُلُوِّ .
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة و في المَجْمُوعَة : و مَنْ لم يُخَلِّلْ أصابع رِجْلَيه في وضوئه فلا شيء عليه .
قال ابن حبيب : تخليل أصابه رجليه في الوضوء مُرَغَّبٌ فيه ، و لا بد من ذلك في أصابع يديه ، و أما أصابع رجليه ، و إن لم يُخَلِّلْها فلا بد من إيصال الماء إليهما .
قال مالك في الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم : و لا خير في أَنْ يجعل الماء بيديه ، ثم ينفضهما منه ، و يمسح بهما وجهه .
و روي عنه في مجموعة ابن القاسم ، و ابن وهب : و كَرِه ذلك . قال عنه ابن وهب : هذا يَبْرُقُ في وجهه .
قال مالك في الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم : ولا يُجْزِئُهُ إن فعل .
و قال أصبغ في أُصوله : لا يُجْزِئُهُ حتى ينقُل الماء إلى كلِّ عضو يغسله نقلاً . وقاله ابن حبيب .
قال عيسى عن ابن القاسم ، عن مالك في الْعُتْبِيَّة : و ليُدخل المتوضِّئ يديه جميعًا في الإناء ليأخذ الماء لغَسل وجهه .
قال عيسى : ليس ذلك عليه ، و ليغرف باليمنى ، و يصُبَّ حتى يفرغ وضوءه .
قال سحنون في المسافر لا يجد الماء فأصابه مطر : إنه يُجْزِئُهُ أَنْ ينصِبَ له يديه ، و يتوضَّأ به .
قال ابن حبيب : و لا يمسح رأسه بماء أصاب رأسه منه . قاله ابن القاسم .
***(1/34)
[1/37]
قال ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة عن مالك : و ليس عليه تحريك خاتمه في الوضوء .
قال ابن الْمَوَّاز : و لا في الغُسْل .
و من الْعُتْبِيَّة روى معن بن عيسى ، عن عبد العزيز ابن أبي سلمة ، قال : إن كان ضَيِّقًا فأُحِلُّه ، و أما الواسع فلا . و قاله ابن حبيب .
قال محمد بن خالد ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، فِي مَنْ توضَّأ على نهر ، فحرَّك فيه رِجْليه ، فلا يُجْزِئُهُ إلاَّ غسلهما بيده .
قال ابن القاسم : و إن قدر على غَسْلِ إحداهما بالأخرى أجزأه .
في مسح الرأس و الأذنين ، و في المضمضة ،
و الاستنشاق ، و فِي مَنْ نسي بعض مسنون
الوضوء أو مفروضه ، أو بعض غَسْلِه
قال ابن حبيب : مفروض الوضوء ما ذُكِر منه في القرآن ، و مسنونه المضمضة ، و الاستنشاق ، و مسح الأذنين ، و مَن نسي من مفروضه شيئًا ،
***(1/35)
[1/38]
أَعَادَ الصَّلاَة أبدًا ، و من نسي من مسنونه لم يُعِدْ . هذا قول مالك و أصحابه . و ليأخذ الماء لمسح رأسه بيديه ، ثم يُرْسِلُه ، أو يَصُبَّه من يد إلى يد ، ثم يمسح رأسه بيديه من أصل منابت شعر جبهته إلى حدِّ شعر القفا ، ثم يعيدهما إلى حيث بدأ .
قال غيره : و شعر الصدغين من الرأس يدخل في المسح .
قال ابن حبيب : ثم يأخذ الماء لمسح أذنيه مرَّة بإصبعيه ، ظاهر أذنيه ، و باطنهما ، و يُدخل إصبعيه في صماخيه ، و لا يتبع غضونهما ، و المرأة كذلك ، و تُدخل يديها تحت الشعر من القفا في رَدّش يديها بالمسح حتى تَعُمَّ الشعر ، و إن كان لها ضفائر مُرْسَلة على ظهرها أو كان شعرها مسدولاً ، فعليها أن تَعُمَّه كلَّه بيديها ؛ حتى تأتي على آخره ، تُدخل يديها من تحته ، فتُحَوِّلُه بِرَدِّ يديها به و بضفائرها إلى مُقَدَّم رأسها ، فإن أمكنها جمعُهُ في قبضتها جمعته ، و إن لم يُمْكِنْها إلاَّ الماء يُنْقَل بيديها فعلتْ ، و إن شاءت أخذت الماء بآنية ، و إن شاءت اكتفت بالأولى ، و كذلك تفعل ذوات القرون . و قاله مطرف ، و ابن الماجشون ، و روياه عن مالك .
و من الْعُتْبِيَّة ، روى موسى بن معاوية ، عن ابن القاسم ، في ذي الشعر :
***(1/36)
[1/39]
هل يَمْسَحُ أعلاه ، و لا يُمِرُّ يديه على جميعه إلى أطرافه ؟ قال : قال مالك : يُمِرُّ يديه من مُقَدَّم رأسه إلى قفاه ، ثم يُعيدهما من تحت شعره إلى مُقَدَّمه ، و المرأة كذلك .
و من كتاب آخر : و اختُلِفَ في معنى الحديث : «بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ» . فقيل : إنه مِن حدِّ منابت شعره ، و قيل : بناصيته . لقوله : «فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَ أَدْبَرَ» . أنَّه أقبل بهما إلى جبهته ، ثم أدبر إلى قفاه ، ثم ردَّهما إلى حيث بدأ من ناصيته ، و كلٌّ واسع ، و الأوَّل أولى .
قال أبن القاسم في الْعُتْبِيَّة ، من رواية موسى : و من مسح رأسه بيده واحدة ، أو بإصبع حتى أوعبه أجزأه . لعلَّه يريد يكون بإصبعه الماء .
قال غيره : و لا يُؤْمَر بذلك .
قال مالك في المختصر : و يُستحبُّ له أَنْ يُجَدِّد الماء لأُذُنيه .
قال محمد بن مسلمة : إن شاء جدَّد لهما الماء و إن شاء مسحهما بماء مسح به رأسه .
قال مالك في المختصر : و يُدخل إصبعيه في صماخيه ، في مَسْح أذنيه .
***(1/37)
[1/40]
قال ابن حبيب : و إن كثَّرت المرأة شعرها بصوف أو شعر ؛ لم يُجزئها أن تمسح عليه حتى تنتزعه ، إذا لم يَصِلْ إلى شعرها من أَجْلِه .
و قال موسى بن معاوية في الْعُتْبِيَّة عن ابن القاسم ، عن مالك : و ليضْغَثَاه في الجنابة ، و إن كان مضفورًا .
قال ابن القاسم عن مالك في سماعه فِي مَنْ مسح مُقدِّمَ رأسه : فلا يُجْزِئُهُ ، و يُعِيد الصَّلاَة .
و قال البرقي ، عن أشهب : لا يُعِيد .
و قال : و أما مَنْ مسح بعض رأسه فليعد .
و قال موسى ، عن ابن القاسم في مَنْ نَسي بعض رأسه : أَعَادَ في الوَقْتِ و بعده . ورواه عن مالك في المَجْمُوعَة .
و قال محمد بن مسلمة في موضع آخر : إن مسح ثُلُثَيْه أجزأه .
و قال أبو الفرج : إن مَسَح ثُلُثه أجزأه . قاله بعض أصحاب مالك .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم : سئل مالك عن الذي يَمْسَح رأسه بفَضْل ذراعيه . قال : لا أُحِبُّ ذلك .
و قال ابن حبيب ، عن ابن الماجشون : و مَنْ مسح رأسه بِبَلَلِ ذراعيه ، لم يُجْزِئُهُ ، و لْيَمْسَحْ رأسه فقط ، فإن طال في نسيانه ، و يبتدئ الوضوء في العَمْد ، و الجهل ، و إن قرب منه الماء و بلحيته الماء فلا يمسحُ به رأسه إلاَّ أَنْ يبعُدَ منه الماء فليمسحْ به ، و له أَنْ يمسح رأسه برشِّ المطر ، يَنْصِبُ له يديه إذا بَعُدَ عنه الماء ، لا بما أصاب الرأس منه .
***(1/38)
[1/41]
قال ابن القاسم : و لم يقُلْه في بلل اللحية .
قال ابن القرطي : و إن غسل رأسه أجزأه من المسح . و قاله ابن حبيب في الخُفَّيْن .
قال ابن حبيب : و مَنْ مسح أذنيه بالماء الذي مسحَ به رأسه ، فهو كمَنْ لم يمسحْهُما . قال مالك : و لا يُعِيد الصَّلاَة .
و من المَجْمُوعَة روى ابن القاسم ، و ابن وهب ، و ابن نافع ، و عليٌّ ، عن مالك في مَنْ جمع المضمضة و الاستنشاق في غَرْفة واحدة : فلا بأس به إذا أخذ من الماء ما يكفيها لهما جميعًا . قالوا عنه إلاَّ عليّ : و إن تمضمض بغرفة ، واستنثر بأخرى فواسعٌ .
قال ابن القاسم : قيل له : أفثلاثٌ . فأبى أَنْ يَحُدَّ فيه حدًّا . و ذكر نحو هذا في المختصر ، و في الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب .
قال ابن حبيب : و لْيُبَالِغْ في الاستنشاق ، ما لم يكنْ صائمًا ، كما جاء الأثر ، سيما بأثر النوم .
و من المَجْمُوعَة قال ابن وهب : قيل لمالك : استنثر من غير أَنْ يضع يده على أنفه ؟ فأنكر ذلك ، و قال : هكذا يفعل الحمار .
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة : و الاستنثار أَنْ يجعلَ يده على أنفه و يستنثر .
***(1/39)
[1/42]
قال ابن سحنون : قال أشهب : مَنْ تَرَكَ غَسْلَ أذنيه في الجنابة ، ما ظهر منها من باطن و ظاهر غسلهما و أَعَادَ الصَّلاَة .
قال مالك في المختصر في مَنْ ترك المضمضة و الاستنشاق بأثر الوضوء ، فليتمضمض ، و يستنشق ، و لا يُعيدُ ما بعد ذلك ، بخلاف ما ينسى من المفروض .
قال ابن حبيب : في المسنون كلِّه إن ذَكَرَه ، و قد طال ، فعل ما نسي ، و لم يُعِدْ ما بعده ، و إن ذَكَرَ بعض وضوئه ، و هو جالس على وضوئه ، فعل ما نسي و أَعَادَ ما يليه ، كان مسنونًا أو مفروضًا ، و إن ذكره بعد أن فارق وضوءه ، فإن كان من مسنونه قضى ما نسي فقط ، طال أو لم يَطُلْ ، و لا يعيدُ إن صَلَّى ، و لو كان من مفروضه ، و طال ذلك فليبتدئ الوضوء إن كان ذلك مما يُغْسل منه و إن كان مما يُمسح منه مَسَحَه فقط . قاله مطرف ، و ابن الماجشون عن مالك .
قال في الْعُتْبِيَّة : إن كان ما نسي من الوضوء مما ذُكِر في القرآن ، غَسَل ذلك بعينه ، و يعيدُ ما صَلَّى .
و في رواية ابن القاسم ، أن ذلك سواء ، و يقضي ما نسي فقط في الطُّولِ .
و قال عبد العزيز بن أبي سلمة في غير الواضحة : يبتدئ الوضوء إن طال ذلك ، كان مما يُغْسَل أو يُمْسَح . قال حبيب بن الربيع مولى ابن أبي سليمان : و ما ذكر ابن حبيب من روايته عن مالك ، في تفريقه بين ما يُغْسل و ما يُمْسَحُ : إنَّ هذا غَلَطٌ ممنْ نَقَلَه عن مالك .
***(1/40)
[1/43]
قال : و ذهب محمد بن عبد الله بن عبد الحكم إلى أن تبعيضه في العمي و السهو سواء لا يُبْطِلُهُ ، على ما روي عن ابن عمر في تأخير مَسْحِ الخُفَّيْن .
قال ابن القاسم : لم يأخُذ مالك بما روي عن ابن عمر في هذا ، و روى عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة : إذا أخَّرَ مَسْحَ خُفَّيْه حتى حضرت الصَّلاَة ، قال عنه محمد بن مسلمة في كتابه : إذا أخَّرهُ سهوًا حتى جَفَّ وضوءُه ، قالا عن مالك ك فإنه يَمْسَحُهُما ، و يصلي و لا يخْلَعُ .
و في سماع ابن وهب عن مالك ، فِي مَنْ عجز ماؤه في الوضوء ، فقام لأخذه أو بعث مَنْ يأتيه به ، قال : يبني على وضوئه ، و لا يستأنف .
و من كتاب ابن سحنون : و مَنْ ذَكَرَ مَسْحَ رأسِه ، فتشاغل عن مَسْحِه و تَرَكَه ، أنَّ وضوءه مُنْتَقِضٌ .
قال ابن حبيب : و من ذكر لُمْعَةً من غُسْلِه ، بحضرة الماء ، غسلها وحدها ، و إنْ لم يكُنْ بحضرة الماء و تركها جهلاً ، أو ناسيًا ، أَعَادَ الغُسْلَ ، و إن كان ناسيًا ، غَسَل اللُّمْعَةَ ، و أَعَادَ الصَّلاَة ، و هو كمن توضَّأ ، ثم ذكر لُمْعَةً لم يُصِبْها الماءُ ، سبيلهما واحدٌ ، و قد فسَّرْتُ لك ذلك .
قال أبو محمد : و هذا خلاف أصله الذي حكاه عن مالك ، في مَنْ ذَكَرَ بعض أعضاء الوضوء ، و قد قال مالك : إنه يبتدئ في الوضوء ، و لا فَرْقَ بَيْنَ نِسْيَانِ لُمْعَةٍ أو عضو .
و من الْعُتْبِيَّة ، من غير رواية أبي بكر بن محمد ، قال أشهب في مَنْ تَوَضَّأَ للصبح فصلاَّها ، ثم تَوَضَّأَ للظهر من غير حَدَثٍ ، فصلى الظهر و العصر ، ثم
***(1/41)
[1/44]
ذكر مسح رأسه ، من أحد الوضوءين ، لا يدريه : إنه يمسح رأسه ، و يُعِيد الصبح فقط ، إلاَّ أَنْ يكون الوضوء الثاني عن حَدَثٍ ، فيُعيد جميع الصلوات . و هذه الرواية أراها غلطًا ؛ لأنه إن كان الوضوء الثاني مجزئًا ، فلا معنى لمسحه رأسه ، و إن لم يُجْزِ ؛ لأنه لم يقصد به الفرض ، فليعد الصلوات ، و كذلك قال ابن سحنون ، عن أبيه : يُعِيد الصلوات كلها ، و إن لم يتوضَّأ لحدث ؛ لأنه قصد به النافلة .
و أعرف لبعض أصحابنا في مَن ذكر لُمْعَة من الوضوء من أحد يديه لا يدري من أيِّ يدٍ ، إلاَّ أنَّه يعلم موضعها من أحد اليدين ، أنَّه إن كان يحضره الماء غسل ذلك الموضع من يده اليمنى ، ثم غسل يده اليسرى ، و إعاد بقيَّة وضوئه ، و إن طال ذلك ، غسل ذلك الموضع من اليدين جميعًا .
قال ابن سَحْنُون : قال أشهب : و من نسي غَسْل لحيته في الجنابة أَعَادَ ، و أَعَادَ الصَّلاَة .
قال محمد بن مسلمة : و مَن تَوَضَّأَ فغسل أعضاءه ، و في بعض أعضائه نجاسة لم يُنَقِّها ، فكأنه ترك موضعها ، فلم يغسله في وضوئه ، فليعد صلاته أبدًا ، إلاَّ أَنْ يكون في الرأس ، فإنما يُعِيد في الوَقْتِ ؛ لأن تَرْك مَسْح بعض الرأس لا شيء .
***(1/42)
[1/45]
في النية في الوضوء و الغُسْل ، و من تَوَضَّأَ لغير
الفريضة ، أو تطهر كذلك
من الْعُتْبِيَّة ، و المَجْمُوعَة ، قال في الْعُتْبِيَّة : أشهب عن مالك ، و في المَجْمُوعَة : و ابن نافع عنه ، في قوله تعالى : { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} (الطارق : 9) ، قال : الوضوء من السرائر ، و منها الصوم و الصَّلاَة .
قال عنه ابن حبيب : إن شاء قال : فعلتُ . و لم يفعل .
قال في المَجْمُوعَة ، و الْعُتْبِيَّة ، يقول : صَلَّيْتُ . و لم يُصَلِّ .
قال في هذه الكتب : و من السرائر ، و منها الصوم و الصَّلاَة .
قال عنه ابن حبيب : ما في القلوب يَجزي الله به العباد .
قال في المختصر : و من تَوَضَّأَ لنافلة ، أو لجنازة ، أو لمَسِّ مصحف ، أو ليكون على طُهر ، فليُصَلِّ به الفريضة ، و إن لم ينو شيئًا من ذلك فلا يصلي به .
قال ابن نافع في المَجْمُوعَة ، قال مالك : ربما أَرْسل إليَّ الأميرُ ، فأتَوَضَّأُ أريد الطهر ، ثم أصلي به .
و ذكر موسى بن معاوية في الْعُتْبِيَّة ، عن ابن القاسم ، في مَن تَوَضَّأَ أو تيمَّم ليُعَلِّمَ رجلاً ، فلا يُجْزِئُهُ حتى ينوي به الصَّلاَة .
***(1/43)
[1/46]
قال سحنون في كتاب ابنه : إن مَعْنَى ما رَوَى معنٌ ، عن مالك ، فِي مَنْ تَوَضَّأَ لنافلة ، قال : أَحَبُّ إليَّ أَنْ يتَوَضَّأَ لكُلِّ صلاة . فمعناه أَنْ يُسْتَحَبَّ له طُهْر ، لا على الإيجاب .
و مِن قول أصحابنا أن مَن تَوَضَّأَ مُكْرَهًا لم يُجْزِهِ .
قال ابن حبيب : و مَن تَوَضَّأَ تنظيفًا ، أو تَبَرُّدًا ، أو ليُعَلِّمَ رجلاً ، أو ليتَعَلَّمَ هو لم يُجزه ، حتى ينوي به الصَّلاَة ، أو ليكون على طُهْر ، أو لنوم ، أو ليدخل على الأميرِ ، أو لمَسِّ مصحف ، فليُصَلِّ بذلك ، وَ لا بَأْسَ أَنْ يُوضِّئ المريض الذي لا يقدر ، و كذلك الزَّمِن ، كما فعل ابن عمر . يريد و ينوي هو به الوضوء .
و من الْعُتْبِيَّة ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، و ذكر ابن القاسم في المجمومعة ، في الجُنُب يدخل الحمام ، فلمَّا أخذ في الطُّهْر نسي جنابته ، قال : يُجْزِئُهُ . و هو كمن أمرَ أَنْ يُصَبَّ له الماء ثم نسي جنابته ، و كذلك الذي ذهب إلى البحر لذلك ، ثم نسي عند الطُّهْر .
و من غير الْعُتْبِيَّة : و قال سحنون مثله في البحر و النهر أنَّه يُجْزِئُهُ . و قال في الحمام : لا يُجْزِئُهُ .
و قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في مَن تَطَهَّر للجنابة ، و لم ينو الجمعة ، أو
***(1/44)
[1/47]
للجمعة ، و لم يذكر الجنابة ، فلا يُجْزِئُهُ . و كذلك إن تَطَهَّرَ ينوي إن كانت أصابَتْه جنابة نسيها فهذا لها ، ثم يذكرُ أنَّه كان جُنُبًا ، فلا يُجْزِئُهُ لذلك .
و قال عيسى : يُجْزِئُهُ . و قد قال ابن كنانة إذا تَطَهَّرَ للجمعة ، و لم يذكر الجنابة ، إنه يُجْزِئُهُ . فكيف بهذا .
قال ابن حبيب : أَجْمَعَ مالكٌ و أصحابه أنَّ مَنِ اغتسل للجنابة لا ينوي الجمعة ، أنَّه لا يُجْزِئُهُ عن الجمعة ؛ لأنها لسُنَّة لا لنجاسة ، فلا يُجْزِئُهُ نيَّتُه في غيره .
و أما إنْ نوى الجمعة و نسي الجنابة ، فروى مطرف ، و ابن الماجشون ، و ابن كنانة ، و ابن نافع ، و أشهب ، و ابن وهب ، عن مالك ، و أَفْتَوْا به أنَّه يُجْزِئُهُ . و روى عنه ابن القاسم أنَّه لا يُجْزِئُهُ . و قاله ابن عبد الحكم و أصبغ . و الأول أَحَبُّ إليَّ ، كمن تَوَضَّأَ لنافلة .
و من كتاب ابن سحنون ، و عن المرأة تتطَهَّرُ للحيضة ، و لا تذكر جنابة كانت قبل الحيضة أنَّه يُجزئها . و قال ابن القاسم في المَجْمُوعَة و هو عن مالك في كتاب آخر .
قال سحنون : و إن تطَهَّرتْ للجنابة ، و لم تذكر الحيضة إنه لا يُجزئها ، و قال غيره –و نحوُه في كتاب أبي الفرج- : إنه يُجزئها ؛ لأنه فَرْضٌ عن فَرْض . و قاله محمد ابن عبد الحكم .
و قال سحنون في مَنْ نسي جنابة ، و صَلَّى ، ثم أجنب ، فتَطَهَّرَ ، و لا يذكرُ
***(1/45)
[1/48]
الأُولى : إنه يُجْزِئُهُ لهما ، و يُعِيد ما صَلَّى بينهما .
و أعرف لبعض أصحابنا في مَنْ تَوَضَّأَ بماء نجس ، و لم يعلم ، ثم اغتسل في البحر تبرُّدًا ، فإنه يُجْزِئُهُ من طهارة أعضائه التي مَسَّها الماء النجس في الوضوء ، إلاَّ أَنْ يكون نجسًا لا اختلاف في نجاسته ، كالذي تغيَّرَ لوْنُه و طعْمُه ، فلا يُجْزِئُهُ ، حتى يُعيد الوضوء بنيَّة .
ذِكْرُ ما يُوجِبُ الوضوء من الأحداث ، و مَنْ
شكَّ في الحدث ، و ذِكْرُ المَنِيِّ و الوَدْي
قال ابن حبيب : ينتقض الوضوء لتسعة أوجه ؛ من الغائط ، و البول ، و المَذْي ، و الوَدْي ، و الريح ، و الصوت ، و مَسِّ الذَكَر ، و الملامسة ، و النوم . يريد البَيِّن .
و قال غيره : لثلاثة أوجه ؛ لما يخرج من المخرجين من المعتادات ، عدا المنيَّ و دم الحيض و النِّفاس ، و لزوال العقل بنوم أو سُكْر أو إغماء أو جنون ، و نحوه ، و الملامسة لِلَّذَّة ، و يدخل في ذلك مسُّ الذَّكر .
قال مالك في المختصر : و مَنْ خرج من دُبُرِه دمٌ ، فلا وضوء عليه ، و لا مِنْ قَيء ، و لا قلس ، و لا رُعَاف .
و من المَجْمُوعَة قال عنه ابن نافع في مَنْ خرج من دُبُره دُودٌ : فلا وضوء عليه . قال ابن نافع : إلاَّ أَنْ يخرج عليها أذًى .
قال ابن القاسم : و كذلك الحصاة من الإحليل إلاَّ أَنْ يخرُج عليها أذًى . قال :
***(1/46)
[1/49]
و ذهب محمد بن عبد الحكم إلى أن مَنْ خرج من دُبُره دُودٌ نَقِيٌّ ، أو دمٌ صافٍ ، أنَّ عليه الوضوء . و هذا خلاف أصولنا في المعتادات .
و من المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك ، قال : المَذْي و الودي فيهما الوضوء ، و المذي هو الذي يدور في سبيل من سبل الشهوة .
قال ابن حبيب : و هو رقيق إلى الصُّفرة .
قال مالك في رواية عليٍّ : ففيه غَسْل الذَّكَر كلِّه و الوضوءُ . و قال البغداديُّون من أصحابنا : إن معنى غَسْل الذَّكَر منه مَخْرَج الأذى . و في المدونة من رواية عليٍّ عن مالك ما يدُلُّ على أن الذَّكَر كلَّهُ يُغْسَل منه ، على ما جاء في ظاهر الحديث بقوله : «اغْسِلْ ذَكَرَكَ» .
قال يحيى بن عمر في مَنْ لم يغسل إلاَّ مَخرَجَ الأذى منه و صَلَّى : لم يُعِدِ الصَّلاَة .
قال أبو محمد : يريد : و يَغْسله لِمَا يَسْتَقبل و يتَوَضَّأُ . و ينبغي أَنْ يجوز غَسْلُه بغير نيَّة ، كالنجاسة و التَّحرُّز منها .
قال مالك من رواية ابن نافع في المَجْمُوعَة : و الودي الذي يكون من
***(1/47)
[1/50]
الحمَّام بأثر البول أبْيَضُ خاثرٌ .
قال ابن حبيب : و إذا أمْذَتِ المرأة توضَّأت ، و هو بَلَّةٌ تكون منها عند اللذة و الشهوة ، و عليها الوضوء من الودي ، و هو الماء الخاثر الذي ينحدر منها و من الرَّجُل من حمَّامٍ أو من إِبْرِدَةٍ .
و مَنْ أَنْعَظَ في صلاته فَلْيَذْكُرِ الموت . قال الحسن : يُتِمُّ صلاته ، و ينظر ، فإن أمذى تَوَضَّأَ و أعادها . و هو قول مالك . قال عنه ابن نافع : لا وضوء في الإنعاظ ، إلاَّ أن يُمْذِيَ . و قال بعض أصحابنا في الإنعاظ البَيِّنِ : لا ينكسر إلاَّ عن مذي .
قال مالك في المختصر : و من نام ساجدًا أو مضطجعًا تَوَضَّأَ ، و لا يتوضأ من نام جالسًا ، إلاَّ أن يطول نومه ، و كذلك المستند ، و أخفُّ ذلك المُحتبي ؛ إذ لا يكاد يَثْبُتُ ، و مَنْ خَفَقَ –يريد تلمَّم- فعليه الوضوء .
و من العتبية ، قال ابن القاسم : قال مالك : من نام ساجدًا ، و طال ذلك ، فَلْيَتَوَضَّأْ أَحَبُّ إِلَيَّ . قيل : فقاعدًا ؟ قال : لا يتَوَضَّأ ، إلاَّ أن يطول . و من الناس من ينام في المسجد حتى يذهب ليل طويلٌ و هو قاعدٌ ، فأمَّا في يوم الجمعة و شِبهه فلا شيء فيه . قيل : رُبَّما رأى الرؤيا ؟ قال : تلك أحلام ، و كان ابن عمر ينام جالسًا ثم يُصَلِّي و لا يتَوَضَّأ .
قال عليٌّ ، عن مالك في المجموعة : و قد كان شيوخنا ينامون جلوسًا و لا يتَوَضَّئون ، و أكثر ذلك يوم الجمعة . قال عنه ابن نافع : إلاَّ أن يطول . قال عنه ابن القاسم : إلاَّ المحتبي .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك ، في من نام مضطجعًا ، قال : إن استثقل تَوَضَّأَ .
***(1/48)
[1/51]
قال عنه ابن نافع في من اهْتَمَّ حتى ذهب عقله : إنَّ عليه الوضوء .
و قال عنه أبو القاسم عليٌّ ، و ابن نافع ، فيمن استثقل نومًا و هو قاعدٌ ، قال : أَحَبُّ إليَّ أن يتَوَضَّأ .
قال ابن حبيب : و من نام مضطجعًا أو ساندًا ، أو ساجدًا ، فليتوضَّأ ، و ذلك إذا خالط النومُ قلبه ، و ذهل عقله ، و لم يَدْرِ ما فَعَلَ ، و ليس في نوم القائم و الراكع و الراكب و الجالس غير مُتَساند وضوءٌ ، و هذا خافق غير مستثقل ، و كذلك روي عن ابن عمر ، و ابن عباس ، و ابن المسيب ، و غيره . و من نام مضطجعًا ، فلم يستثقلْ ، و لا ذهل عليه عقله ، فلا وضوء عليه ، و فعله مكحول حتى غطَّ و لم يتَوَضَّأ . و قال : أنا أعلم ببطني .
و من المجموعة ، قال ابن نافعن عن مالك : و من وجد بللاً في الصلاة ، فلا ينصرف حتى يوقن به ، فينصرف و إنما يتمادى المستنكح .
قال ابن حبيب : و إذا خُيِّلَ إليه أنَّ ريحًا خرج منه ، فلا يتَوَضَّأ إلاَّ أن يوقن به ، و إن دخله الشكُّ بالحِسِّ فلا شيء عليه ، بخلاف من شكَّ هل بال أو أحدث أو لم يفعل ، هذا يعيد الوضوء .
و من صرعه جانٌّ فأذهب عقله ، ثم أفاق بحدثان ذلك ، تَوَضَّأَ ، و لا غُسْل عليه ، إلاَّ أن يجد بَلَّة المَنِيِّ . و إن بقي مخبَّلاً يومًا أو أيامًا ، فليغتسل ، لاحتمال أن يُجْنِبَ و لا يعلم .
ما يوجب الوضوء من : الملامسة ،
و المباشرة ، و القبلة ، و مسِّ الفرج ، و في من
صَلَّى بعد مسِّ الذَّكَر ، أو بعد القبلة ، و لم يتوضَّأ
من المجموعة : قال مالك : ليس في قُبْلَة أحد الزوجين الآخر لغير
***(1/49)
[1/52]
شهوة وضوءٌ ، في مرض أو غيره ، و لا في قبلة الصبية و مَسِّ فرجها وضوء ، إلاَّ أن يكون للذة .
قال عنه ابن القاسم ، و ابن وهب ، نحوه في مَسِّ فرج الصبية و الصبيِّ .
و قال عليٌّ ، عن مالك ، في قُبْلَة أحد الزوجين لصاحبه على الفم لشهوة ، فعليهما الوضوء . و كذلك إن أكرهها في الفم . و إذا قبَّلَها على غير الفم لشهوة فلا وضوء عليه هي ، إلاَّ أن تَلْتَذَّ . و كذلك روى ابن القاسم في غير الفم .
قال عنه عليٌّ : ليس في مَسِّ فرج الصبية و الصبي وضوء . قال أبو محمد : يريد لغير لذَّة .
قال ابن حبيب : قال مطرف ، و ابن الماجشون ، و ابن عبد الحكم : من استُغْفِل أو أُكْرِهَ في قُبْلَة أو ملامسة ، فلا وضوء عليه ، إلاَّ أن يتراخى أو يلتَذَّ .
قال أصبغ : أمَّا القُبْلة فليتوضَّأ ، و أن أُكْرِه أو استُغْفِلَ ، لِمَا جاء أن في القُبْلة الوضوء مُجْمَلاً بلا تفصيل .
و قال مالك : لا وضوء في قُبْلَة الرَّجُل صاحبه لوداع أو نحوه ، إلاَّ أن يلتذَّ ، و لا في مَسِّ المرأة ذَكَرَ زوجها لمُدَاواة ، لغير لذَّة .
و من تعمَّدَ مَسَّ امرأته بيده لملاعبة ، قال عبد الملك : فليتوضَّأ ، الْتَذَّ أو لم يلْتَذَّ ، و إن ضربَها بثوب لِلَذَّةٍ فلا وضوء عليه .
و من المختصر : و إذا دهنت امرأةٌ رأس زوجها أو لحيته لغير لَذَّة ، فلا وضوء عليها .
قال فيه : و في العتبية من رواية أشهب ، عن مالك : و لو مَسَّ شعْرَها
***(1/50)
[1/53]
للَذَّة تَوَضَّأَ ، و إن مَسَّهُ استحسانًا ، أو لغير ذلك ، فلا شيء عليه .
قال مالك في المجموعة ، و الْعُتْبِيَّة : و ما علمتُ مَنْ يَمَسُّ شعر امرأته تلذُّذًا .
و من العتبية : روى عيسى ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، في المريض تَغْمِزُ امرأتُه رِجْلَيْه ، أو رأسَه ، فلا وضوء فيه ، إلاَّ أن يَلْتَذَّ ، و لا وضوءَ في مُنَاولة أحدهما الآخر شيئًا ، و إن تماسَّا .
قال : و الجَسَّة من فوق الثوب و من تحته سواءٌ ، إنْ كانت لِلَذَّة ففيها الوضوء .
قال عليٌّ ، عن مالك في المجموعة ، و العتبية : إلاَّ من فوق ثوب كثيف لا تَصِلُ يده بمَجَسَّته إلى جسدها ، فلا شيء عليه ، فإنْ كان ثوبًا خفيفًا فعليه الوضوء ، و لا وضوء عليه في قُبْلَتِه ابنته أو أخته .
قال أشهب عن مالك ، في مَنْ باشر زوجته بعد الغُسْل : يتَوَضَّأ ، و لا يَغْسل جسده من مباشرته إياها . و مَنْ قَبَّلَتْه امرأته كارهًا قد غَلبتْه ، فلْيَتَوَضَّأْ .
و روى عيسى عن ابن القاسم ، في المريض لا يجدُ للنساء نَشْطَة ، فأراد أن يُجَرِّب نفسه ، فمسَّ ذراع زوجته ، فلم يجد لَذَّة ، فعليه الوضوء ، قد وجد اللَّذَّة في قلبه حين قصد لذلك .
قال سحنون في العتبية ، و ابن حبيب : و إذا فَلَّتْ زوجَها ، أو دَهَنَتْهُ
***(1/51)
[1/54]
فمَن الْتَذَّ و قد تَلْتَذُّ بالكلام . و قاله ابن القاسم في المجموعة .
و اختَلف عن مالك في مَسِّ الذَّكَر بغير تعمُّدٍ ، فروى عنه ابن القاسم في المجموعة : أَحَبُّ إِلَيَّ أنْ يتَوَضَّأ . و روى عنه ابن وهب ، في العتبية ، من رواية سحنون ، أنه لا يعيد الوضوء إلاَّ في تعمُّدِ مَسِّه .
قيل لمالك : فإن مَسَّه على غلالة خفيفة ؟ قال : لا وضوء عليه .
و قال عيسى ، عن ابن وهب : و إذا خطرتْ يده على الذَّكَر من غير تعمُّدٍ فلا وضوء عليه . قال : و مالك يرى عليه الوضوء .
قال ابن حبيب : و قال أبن هرمز : لا وضوء في مَسِّ الذَّكَرِ على غير تعمُّدِ لمْسِه .
و رويناه عن عليِّ بن أبي طالب كقول ابن هرمز ، و الوضوء أولى ، خطَرَتْ يده عليه أو تعمَّد مسَّه ، و أخذ غير واحد من البغداديين برواية ابن وهب ، و رأوا أنه من ناحية الملامسة ، و أن الأغلب على مَنْ تعمَّد مسَّه اللَّذَّة ، و كذلك مسُّ المرأة فرجها . و أما غير تعمُّدٍ ، أو لغير لَذَّة ، فيحتمل أن يكون معنى رواية ابن القاسم فيه على الاستحباب و الاحتياط . و أخذ سحنون بقول ابن القاسم أنه يتَوَضَّأ في العمْدِ و غيره .
و من أصل سماع ابن وهب ، قال ابن وهب : سمعت مالكًا يقول : لستُ أُوجِب الوضوءَ مِن مَسِّ الفَرْجِ ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يتَوَضَّأ .
قال أبو محمد : قال ابن وهب : سألت مالكًا عن الوضوء من مَسِّ الذَّكَر ،
***(1/52)
[1/55]
فقال : حَسَنٌ ، و ليس بسُنَّةٍ . قال مَرَّةً أُخْرى : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يتَوَضَّأ .
و من العتبية ، أشهب عن مالك ، في من تَوَضَّأَ ، ثم جَسَّ فَرْجَه قَبْل غَسْل رجليه ، قال : ينتقض وضوءه ، و روى عنه أشهب في العتبية : سئل أيعيد الصلاة مَنْ مَسَّ الذَّكَر ؟ قال : لا أوجبه . فروجع ، فقال : يعيد في الوَقْتِ و إلاَّ فلا .
و من المختصر : و لا وضوء على مَن مسَّ فرجه بعَقِبه ، أو مَسَّ دُبُرَه بيده .
و من كتاب ابن سحنون ، قال سحنون : و لا وضوء على المرأة مِنْ مَسِّ فرجها . و أنكر رواية عليٍّ عن مالك ، أن عليها الوضوء . قال في الواضحة : عليها الوضوء إذا قَبَضَتْ عليه ، أو أجْرَتْ يدها على تفْريجه متعمِّدةً ، و ليس في مَسِّها لجوانبها وضوء .
و قال مالك ، في رواية ابن القاسم : لا وضوء عليها في مَسِّها فَرْجِها .
و في المختصر قال : و يُسْتَحَبُّ لها الوضوء مِنْ مَسِّ فرجها . قال في كتاب آخر : إذا ألطَفَتْ .
و من العتبية ، روى سحنون ، عن ابن القاسم ، في مَنْ مَسَّ ذَكَرَه ، ثم صَلَّى ، و لم يتَوَضَّأ ، قال : لا يعيد في وقت و لا غيره ، و يعيد الوضوء . و قال يعيد في الوَقْتِ . و قاله مالك . و ضَعَّف ابن القاسم الإعادة منه . و قال سحنون : لا يعيد في وقت و لا غيره .
و روى ابن نافع في المجموعة ، عن مالك ، أنه استَحَبَّ أن يعيد في الوَقْتِ ، و ليس بواجب . و قال ابن نافع : يعيد أبدًا . و قال ابن حبيب : يعيد أبدًا في العمد ، و إن لم يتعمَّدْ مَسَّه أعاد في الوَقْتِ . و قال سحنون في كتاب ابنه
***(1/53)
[1/56]
في هذا و في مَنْ قَبَّل امرأته لِلَذَّة و صَلَّى و لم يتَوَضَّأ : يعيد أبدًا ما لم يَطُلْ . و كذلك مُصَلِّي صلاتين بتيمُّم واحد ، يعيد الثانية ، ما لم يَطُلْ ، فإذا جاوز اليوم و اليومين و أكثر فلا يعيد .
و روى عيسى عن ابن القاسم ، أنه يعيد في القُبْلة لِلَذَّة أبدًا .
في الوضوء من ما مَسَّتِ النار ، و مَن ارتَدَّ ثم
تاب ، هل يتَوَضَّأ ؟
و من المختصر : و لا وضوء مِنْ ما مَسَّتِ النار ، و مَنْ أكل دَسَمًا فليغسلْ يده ، إنْ كان فيها وضوءٌ ، و يتمضمض ، فإن لم يفعلْ فلا شيء عليه . و في موضع آخر : ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ ، إنْ كان قريبًا مِنْ أَكْلِه .
قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة : سئل عن الوضوء بالماء الساخن ، قال : لا بأس به . قيل له : يعني الوضوء مما مَسَّتِ النار . قال : فالدُّهْنُ من ما مَسَّتِ النار ، و إني لأَدَّهن بعد الوضوء . و بعد هذا ذكر غَسْل اليد من الطعام .
و من العتبية , روى موسى بن معاوية ، عن ابن القاسم ، و ذكره ابن القاسم في المجموعة ، في من ارْتَدَّ و هو على وضوء ، ثم تابَ ، فأَحبُّ إِلَيَّ أن يَأْتَنِف الوضوء . قال يحيى بن عمر : بل ذلك واجب عليه ؛ لأن الكفر أحبط عمله .
في وضوء الجُنُبِ و الحائض عند النوم
و من المجموعة ، سئل مالك عن قول النبي عليه السلام لعمر ، إذْ سأله عن
***(1/54)
[1/57]
نوم الجُنُب ، فقال : «تَوَضَّأْ وَ اغْسِلْ ذَكَرَكَ» .
ثم قال ابن نافع : قيل لمالك : الوضوء قبل غَسْل الذَّكَرِ ؟ قال : ربما قدَّمَ النبي و وخَّر . قيل : أيتَوَضَّأ مَرَّة للنوم ؟ قال : أخاف أنْ ليس هذا وضوءًا ، و ليُتَمِّم وضوءَه . يريد : يُسبغ .
قال ابن حبيب ك و ما لم يُرِدِ الجنب النوم فليس عليه أنْ يتَوَضَّأ ، إلاَّ أنْ يشاء ، و ليركبْ و يذهب في حوائجه .
قال مالك في المجموعة ، و الواضحة : و إن تَوَضَّأَ الجُنُبُ للنوم ، ثم بال ، أو خرجَ منه بقيةٌ من مَنِيٍّ ، فلا يعيد الوضوء .
قال في الواضحة : و يُكْمِلُ الجنب الوضوء للنوم .
و لم يُعْجِبْ مالكًا تَرْكُ الجُنُب غَسْلَ رجليه عند وضوئه للنوم ، كما جاء عن ابن عمر .
قال ابن حبيب : و من أخذ بفِعْل ابن عمر ، في تركه غَسْل رجليه ، فلا حرج ، و قد روى عمرو بن شعيب للنبي عليه السلام ، قال : «يَكْفِيهِ غَرْفَةٌ لِوَجْهِهِ وَ غَرْفَةٌ لِيَدَيْهِ» .
***(1/55)
[1/58]
و قد روي أنه عليه السلام كان ينام جُنُبًا ، لا يَمَسُّ ماءً ، و محمله عندنا أنه لم يحضره الماء ، و أنه يتمَّمَ .
و يُسْتَحَبُّ الوضوء من غير جنابة ، قال ابن حبيب : و إذا لم يجد الجُنُبُ الماء فلا ينام حتى يتيمَّمَ .
و من العتبية ، قال ابن القاسم ، عن مالك : و لا ينام الجُنُبُ في نهاره حتى يتَوَضَّأ . قال عنه ابن نافع ، في المجموعة : و إنما الوضوء له شيء أُلْزِمَهُ ، لا على وجه الخوف عليه ، و كذلك الوضوءُ من الغَمْرِ ، فإنْ لم يفعل فليستغفر الله .
و قال في المختصر : و ليس على الحائض وضوء عند النوم .
ما يجب من الوضوء على المستحاضة و سلس
البول ، و المذي
من العتبية ، قال أشهب ، عن مالك : الوضوء للمستحاضة مستحبٌّ ، و لو صَلَّتْ صلاتين بوضوء واحد لم تُعِدْ . و قال فيمَن استنكحه المذيُ سنين ، قال : لا يَلْتَفِتْ إلى ذلك .
قال ابن حبيب : و يُستَحَبُّ لِسَلَسِ البول و المذي أن يُعِدَّ خِرَقًا يقي بها عن ثوبه ، و الوضوء له و للمستحاضة كُلَّ صلاة مستحبٌّ ، مع غَسْل الفرج . عن سحنون أنه ليس عليه غَسْل فرجه .
***(1/56)
[1/59]
و من العتبية ، ابن القاسم عن مالك ، في سلس البول أن يتَوَضَّأ لكُلِّ صلاة ، و لو كان الشتاء ، و اشتدَّ عليه الوضوء فقرن بين الصلاتين ، لم أرَ بذلك بأسًا .
قال مالك في المختصر : و إن اشتدَّ عليه البردُ ، فقرن ، جاز له ذلك ، و أرجو أن يكون من ذلك كله في سعة ، و الوضوء له أحبُّ إلينا .
و من المجموعة روى عليٌّ ، عن مالك في سلس البول ، و المذي : يتَوَضَّأ لكل صلاة ، إن قوي ، و إلاَّ رجوت أن يكون في سعة . و قال في سلس البول : إذا آذاه الوضوء ، فاشتدَّ عليه البردُ ، فلا وضوء عليه ، و لو قرن بين الصلاتين جاز له ذلك . و قال عنه في الذي يقطر البول لا ينقطِعُ عنه : إنه لا وضوء عليه ، إلاَّ أن يعمَدَ للبول . قال ابن كنانة : و أَحَبُّ إِلَيَّ لو تَوَضَّأَ لكل صلاة .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، قال مالك ، في المستحاضة تصلي صلاتين بوضوء واحد ، قال : تُعِيدُ الثانية في الوَقْتِ . و قال عنه ابن القاسم : لا شيء عليها و هذا أحبُّ إلينا .
ذِكْرُ ما يُجب الغُسْل
قال مالك و أصحابه : يوجب الغُسْل خروج الماء الدافق لِلَذَّة من وَطْءٍ ، أو احتلامٍ ، و يوجبه مغيب الحَشَفَة في الفرج ، و يوجبه رؤية الطُّهْر للمرأة من الحيضة و النفاس .
قال ابن حبيب ك مغيب الحَشَفة يوجب الغُسْل ، و يُوجب الصداق ، و يوجب الإحصان ، و الإحلال ، و يُفْسِد الحجَّ و الصوم ، و يوجب الحدَّ على الزاني .
***(1/57)
[1/60]
و إذا أدْخَلت زوجة العِنِّين ذَكَرَه في فرجها ، قال في كتاب ابن شعبان : فذلك يُوجب الغُسل عليها . و أعرفُ فيه اختلافًا في غير كتاب القُرْطِيِّ .
و من كتاب ابن محمد و غيره ، في الشيخ لا ينتشر ، فأدَخْلَتْ ذَكَرَه في فرجها ، فإنْ لم ينتعشْ فلا يُحِلُّها .
قال ابن المواز : قال ابن القاسم ، في مقطوع الحشفة و يطأ : إن ذلك يوجب الغُسْل و الحَدَّ .
قال سحنون ، في كتاب ابنه : و أما مَنْ أمْنَى للَدْغَةٍ أو ضربة بسيف ، فلا غُسْل عليه ، و إنما الغُسْل على مَنْ خرج ذلك منه لِلَذَّة .
و من كتاب آخر قال سحنون : و مَن به جَرَبٌ ، فنزل الحوض ، فلذَّ له الحَكُّ حتى أمْنَى ، فعليه الغُسْلُ .
و قال في خيَّاطَيْن تسابقا في الخياطة ، فسبق أحدُهما الآخر ، فأمنى ، فعليه الغُسْل .
و قال ابن شعبان : اختُلف في الذي أنْزل مِن لَذَّة الحَكِّ لجَرَبٍ به ، و في صاحب اللَّدْغة و الضربة بالسيف .
و من العتبية ، و المجموعة ، قال ابن نافع ، عن مالك في مَن أصاب أهْله دون الفرج ، فأنزل ، فدخل من مائه في فرجها ، و لم تلتذَّ هي ، فقال : و ما يُدريها أن ذلك دخلها ، هي لا تعلمُ ذلك ، و لكن إن الْتَذَّت فلتغتسل .
و من المجموعة ، قال عليٌّ عن مالك : و من انتبه فوجد بللاً على إحليله ،
***(1/58)
[1/61]
لا يرى غير ذلك ، و لا يَذْكُرُ أنه رأى في نومه شيئًا ، فلا غُسْل عليه ، إلاَّ أن يرى الماء الدافق ، أو يجده في ثوبه . قيل عند ابن نافع : و لعلَّه عَرَقَ . قيل : قد أيقن أنه ليس بعَرَقٍ ، و لا يدري أَمْذَى هو أو أَمْنى . قال : لا أدري ما هذا . قال ابن نافع : إن شكَّ اغتسل .
و من كتاب ابن سحنون ، و عن النائم يجدُ المَنِيَّ و لا يجد اللَّذَّة ، قال : و ما يدريه ما كان في نومه ، فعليه الغُسْل .
و من العتبية ، روى موسى بن معاوية ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، و عن النصراني يتَوَضَّأ أو يتطهَّر ، و يُصيبُ سُنَّة ذلك ، ثم يُسْلِمُ ، فلا يجزئه إلى غُسْلٌ ينوي به الإسلام ، مُجْمِعًا عليه ، و لا يجزئه الوضوء . قال في موضع آخر : لأنه جُنُبٌ . و في كتاب الصلاة في باب صلاة الصبيان ، ذِكْرِ غُسْل مَنْ أسلم .
قال ابن القاسم : لا يُكْرِهُ المسلمُ امرأته النصرانية على الحيضة على الغُسْل من الحيضة .
و مَنْ رأى في ثوبه احتلامًا في السوق ، فليرجعْ ، و إن طلعت الشمس حتى يتطهَّرَ و يُصلِّيَ الصبح .
قال أشهب ، عن مالك : لا يُكْرِهُ المسلم امرأته النصرانية على الغُسْل من الحيضة . و به قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ؛ إذ لا نيَّة لها . و أكثر الرواة عن مالك بخلافه .
***(1/59)
[1/62]
قال ابن شعبان : و مَنْ أَكْرَهَ زوجته الكتابية على الغُسْل من الحيضة ، ثم أسلمت مكانها ، لم يُجْزِها من غُسْل الإسلام ؛ إذ لم تَنْوِهِ .
قال ابن سحنون : إذا وُطِئَت الصغيرة ممن تُؤْمر بالصلاة ، فلتغتسل ، فإن صَلَّتْ بغير غُسْلٍ أَعَادَتْ . و قاله أشهب . قال سحنون : تُعِيدُ بقرب ذلك ، ما لم يَطُلْ ، مثل اليوم و الأيام ، و في مختصر الوقار : لا تغتسل .
و قال أشهب : و لا غُسْل على كبيرة من وطْء صغير . يريد : إلاَّ أن تُنْزل هي . و قال ابن حبيب ، عن أصبغ في كتاب الحدود : إن عليها الغُسْل من وطء الصغير .
و من المجموعة ، روى ابن القاسم ، و ابن وهب ، عن مالك ، في من وطئ امرأة في دُبُرها ، أن عليهما الغُسْل ؛ لأن الله تعالى سمَّاه فاحشة . قال أشهب : و ذلك إذا جاوز موضع الختان . قال ابن شعبان : و كذلك مَن فعله بذَكَرٍ أو ببهيمة ، أو فعلته امرأة بذَكَرِ بهيمة .
في صفة الغُسْل
و من المختصر ، و الواضحة ، و المجموعة ، على ما في حديث عائشة رضي الله عنها ، قال : و يبدأ الجُنُب فيغسل يديه ، ثم يتنظَّف من
***(1/60)
[1/63]
الأذى ، ثم يتَوَضَّأ وضوء الصلاة ، ثم يُخَلِّل أصول شعره بالماء ، و في الحديث : ثم يغمس يديه في الماء فيُخَلِّل بأصابعه أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ ، حَتَّى يَسْتَبْرِئَ الْبَشَرَةَ ، ثُمَّ يَغْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ بِيَدَيْهِ ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ .
قال عليٌّ ، عن مالك ، في المجموعة : و العمل في الغُسْل على هذا .
قال ابن حبيب : يُدْخِل أصابعه في الماء أو يحمل منه بيدَيْه ، فيُخَلِّل أصول شعر رأسه مرارًا ، حتى يَبُلَّ البشرة .
و قال عليٌّ ، عن مالك ، في المجموعة : يغرف على رأسه ، و يُخَلِّل شعره . قال أشهب ، عن مالك في العتبية ، و عليه تخليل لحيته في غُسْل الجنابة . قيل له في موضع آخر : أيُخَلِّلها في غُسْله من الجنابة ؟ قال : نعم ، و يُحَرِّكُها . و احتجَّ في الموضعين بأن النبي عليه السلام خلَّل أُصول شعر رأسه . و كذلك روى عنه ابن القاسم ، و ابن وهب في المجموعة أنه يُخَلِّل لحيته في الغُسْل و يحرِّكُها .
و قال في العتبية ، و في رواية ابن القاسم : إن ذلك ليس عليه تخليلٌ في اللحية .
قال ابن حبيب : ثم يَحْفِنُ على رأسه ثلاث حفنات ، يُحَرِّك في كل مرة بذلك يديه على رأسه و لحيته ، إن لم يكفِه لكثرة شعره زاد ، و لا أحبُّ أن يَنْقُض من ثلاثة ، و إنْ خفَّ شعره ، ثم يصبُّ الماء على جنبه الأيمن حفنًا و غرْفًا ، يُمِرُّ بذلك يديه
***(1/61)
[1/64]
من غير طلب الإنقاء ، ثم على جانبه الأيسر من أصل عنُقه إلى رجليه ، من أمامه و خلفه ، حيثما بلغت يده ، ثم يُفيض الماء على جسده ، حتى يبلغ به ما لم تأخذْ يداه ، و يُكْرَه الإسراف في صبِّ الماء . و كذلك المرأة في غُسْلها ، و لا تَنْقُض لها عِفاصًا ، و لتَضْغَثْهُ .
قال ابن حبيب : و مَنْ ترك تخليل لحيته في ذلك و أصابع رجليه لم يُجْزِه ، و كذلك تارك الأذنين . و لا شيء عليه في السماخ .
و قال سحنون في العتبية ، في البادن لا يقدر أن يَعُمَّ بدنه ، فلْيَجْعَلْ مَن يلي ذلك له ، أو يُعَالِجْ ذلك بخرقة .
قال عليٌّ عن مالك في المجموعة : و ليُتِمَّ وضوءه قبل غُسْله ، و ليس العملُ على تأخير غَسْل الرجلين ، و لا على نَضْحِ الماء في العَيْنين ، و كان ابن عمر يُؤَخِّرُ عمل رجليه بعد الغُسْل . و ذلك واسع .
قال عنه ابن القاسم ، و ابن نافع : و إن لم يتَوَضَّأ قبل الغُسْل و لا بعده أجزأه الغُسْل إذا أمَرَّ يديه على موضع الوضوء .
قا عنه ابن القاسم : و إن انتبه المجنون عند طلوع الشمس ، فلْيَتَوَضَّأْ و يغتسل ، فإن اغتسل و لم يتَوَضَّأ أجزأه .
و من كتاب آخر ، و هو قول مالك : إنَّ الجُنُب ليس الوضوء عليه بواجب ، و إنما الفرض عليه الغُسْل .
و من العتبية قال سحنون في الجُنُب المُسافرِ و لا ماءَ معه فأصابَهُ
***(1/62)
[1/65]
مطرٌ ، فليتجَرَّدْ له ، و يغتسلْ بما يُصيبه منه ، إذا أصابه ما يَبُلُّ جلده ، فذلك عليه . ورواه موسى بن معاوية عن ابن القاسم ، و قال : إذا عمَّ جسده بذلك .
قال ابن القاسم عن مالك : و لا بأس بالغُسْل في الفضاء . و أنكرَ ما ذُكِرَ فيه من النهي .
قال في المجموعة : و كان الناس يُسافرون بغير أقبية ، و أول مَن ضرب فسطاطًا عثمان ، و ذكَر أنه كان يستحي أن يغتسل بالعراء .
قال عليٌّ عن مالك ، في الجُنُب يغتسل و عليه مِنْطَقةٌ ، قال : فإن حرَّكَها حتى يَصِلَ الماء لِمَا تحتها أجزأه .
قال عنه عليٌّ : و إذا تَوَضَّأَ الجُنُب , و وخَّرَ غَسْل رجليه حتى جَفَّ وضوءه ، فليُجَدِّدِ الوضوء عند الغُسْل .
في من رأى في ثوبه احتلامًا ، أو امرأة رأت دمًا لا
تدري متى كان ، و في مَن تَطَهَّر لمَغِيبِ
الحَشَفَةِ ، أو لإنْزَالٍ ثم خَرجَ منه المَنِيُّ ، أو
لاعَبَ ثم صَلَّى بوضوء ثم خرج منه المَنِيُّ
من المجموعة قال ابن القاسم و عليٌّ ، عن مالك ، و ذكره ابن حبيب عن ابن الْمَاجِشُون عن مالك ، في مَنْ وَجد في ثوبه احتلامًا ، لا يدري متى كان فليغتسلْ .
قال في الواضحة : و يغسلُ ما رأى في ثوبه ، و ينْضَحُ ما لم يَرَ .
قال في الكتابَيْن : و يُعيد ما صَلَّى بعد أحْدَثِ نوم نامه فيه .
قال سحنون في المجموعة : فإن كان غيره نام فيه قبله ، فلا شيء على الأول .
قال مالك في الواضحة : و إن كان لابِسُه لا يَنْزِعُهُ أعاد من أَوَّل يوم نام فيه .
***(1/63)
[1/66]
قال محمد بن مسلمة في من نام في ثوبه ، ثم رفعه فلم يلبَسْهُ شهرًا ، ثم رأى فيه احتلامًا ؛ فليُعِدْ صلاة شهرٍ ؛ لأن آخر ثومٍ نامه فيه منذ شهرٍ ، و لو كان يلبِسُهُ مستيقظًا لم يحسب الاستيقاظ ؛ لأنه لا يحتلم إلاَّ نائمًا ، و لو كان نام فيه بعد ذلك ، لم يُعِدْ إلاَّ من أقرب ذلك .
قال ابن القاسم ، في المجموعة ، و ذكر مثله ابن حبيب ، في امرأة رأتْ في ثوبها دم حيضة ، و قد لبسَتْهُ نقيًّا ، و لا تدري متى كان ، و هل حاضتْ أم لا : فإن كانت لا تنزِعُه ، و يَلِي جسدها ؛ اغتسلتْ ، و أَعَادَتِ الصلاة من يوم لبِسَتْه ، و تُعِيدُ الصوم الواجب . يريد في الصوم : ما لم تجاوزْ أقصى أيام الحيض . قال : و إن كانت تنزِعُه و تَلْبَسه ، أعادتْ من أحدث لُبْسٍ لبِسَتْه .
و قال ابن حبيب ، في الصوم : إنها إنما تُعِيدُ يومًا واحدًا ؛ لأن دم الحيض انقطع مكانه ، فصارت كالجُنُب ، يصوم و هو جُنُبٌ .
قال ابن حبيب : فإن لم ينْضَحِ الجُنُبُ و الحائضُ ثوبيهما ، و صَلَّيا فيه –يريد : و لم يريا فيه شيئًا- فلا يُعيدَا ، بخلاف مَنْ شَكَّ هل أصاب ثوبه نجاسة . هذا يعيد في العمد و الجهل الصلاة أبدًا ، و في السهو في الوَقْتِ ، و ينضحُ هذين ؛ لِتَطِيبَ النفسُ ، و لينضحا لمَا يستقبلا .
و من العتبية و روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في الجُنُب إذا لم ينضحْ ، ما لم يرَ في الثوب الذي نام فيه ، أنه يعيد الصلاة في الوَقْتِ . قال عيسى عن ابن القاسم ، في من اغْتَسل لمُجاوزة الختان و لم يُنْزِلْ ، ثم خرجَ منه الماء الدافقُ : فلا غُسْل عليه ، و لْيتَوَضَّأ . قال يحيى بن عمر : لأنه خرج بغير لَذَّة . قال ابن المواز : و لأنه قد اغتسل لهذا الماء ، فلا غُسْل عليه .
***(1/64)
[1/67]
و قاله سحنون في كتاب أبيه ، و قال أيضًا : يعيد الغُسْل . قال : و قاله بعض أصحابنا : يعيد الغُسْل و لا يعيد الصلاة .
و قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في مَنْ تَذَكَّر فوجد اللَّذَّة ، ثم صَلَّى بعد وقت ، ثم خرج منه الماء الدافق ، قال : أحسنُ ذلك أنْ يغتسلَ ، و ليس بالقويِّ . ثم رجعَ ، فقال : يغتَسِلُ .
قال يحيى بن عمر : الغُسْل عليه واجب . و كذلك روى عليُّ بن زياد ، عن مالك في المجموعة في مَنْ لاعَبَ فوجد لَذَّة الجماع و لم يُنْزَلْ ، ثم صَلَّى ، ثم خرج منه الماء ، قال : يغتسلُ و يعيد الصلاة . و قاله ابن كنانة ، و قاله أصبغ ؛ لأن الماء قد زايل موضعه أولاً . و قال ابن الْمَوَّاز : يغتسل ، و لا يُعِيد الصَّلاَة ؛ لأنه إنما صار جُنُبًا بخروج الماء .
و من المختصر ، قال : و مَنْ خرجَ الماءُ بعد غُسْلِه ، فليس عليه إلاَّ الوضوء .
و من المجموعة ، قال مالك ، من رواية عليٍّ ، و ابن القاسم ، و ابن وهب ، و ابن نافع ، في الجُنُب يغتسلُ ، ثم يخرجُ منه بقيَّة من نوع مَنِيٍّ ، و قد بال أو لم يَبُلْ ، فليغْسِلْ ذلك ، و ليتَوَضَّأ . قال عنه ابن القاسم : و يعيد الصَّلاَة .
و قال ابن القاسم أيضًا عن مالك ، في مَنْ رأى في منامه أنه احتلم ، فلمَّا استيقظ لم يجدْ بللاً ، فتوضأ و صَلَّى ، ثم خرج منه المَنِيُّ بغير لَذَّة : فليغتسلْ ، و لا يعيد الصلاة ؛ لأنه صَلَّى قبل يخرج منه شيء ، و إنما يغتسِلُ لأنه ماءٌ خرجَ
***(1/65)
[1/68]
من لَذَّة تقدَّمَتْ . و كذلك مَنْ رأى أنه جامع أهله ، فإن انتبه و لم يَخْرُجْ منه المَنِيُّ ، فلا شيء عليه ، و لو وجد المَنِيَّ و لم يرَ في منامه شيئًا ، فليغتسلْ . و المرأة كالرجل في ما يرى في المنام .
في الغُسْل في الماء الدائم ، و في تناوُله الماء في
غُسْله بعد خروجه من حوض الحمَّام
و من المختصر قال مالك : و لا يغتَسِلُ الجُنُب في البئر ، و لا في الماء الدائم ، و لا في بركة إلاَّ البِرَكَ العِظَامَ . و رواه عنه ابن وهب ، في المجموعة .
و من العتبية ، روى ابن القاسم ، عن مالك ، قال : و إن اغْتَسَلَ جُنُبٌ في بئرٍ مَعِينٍ ، لم يُفْسِدْه . و قال عنه أيضًا : هو ماء دائم ، و قد نُهِيَ عن الغُسْلِ في الماء الدائم . قيل له : و إنْ كَثُرَ ماؤها ؟ قال : نعم ، هو ماءٌ مُقيمٌ ، و إن كان مَعِينًا .
قال في رواية ابن وهب في المجموعة : فرُوجع ، و قيل : ربما كانت بركة كثيرة ؟ قال : إدِّ ما سَمِعْتَ ، و حَسْبُك . قال عنه هو و عليٌّ : إلاَّ أن يُضْطَرَّ إليه ، و لم يَجِدْ ما يَغْتَرِفُ به ، فليغتَسِلْ فيه ، إذا كان يَحْمِلُ ذلك . و قال عنه عليٌّ : و لا يَغْتَسِلُ في الجُبِّ ، فإنْ فعلَ أجزأه . قال عنه ابن نافع : إذا اغتَسَلَ في مثل البِرَكِ العظام لم يُفسِدْها .
و من العتبية ، روى ابن القاسم ، عن مالك ، و عن مَنْ دخل حوض الحمام
***(1/66)
[1/69]
و هو مليءٌ ، أيُجْزِئه من طُهْرِه ؟ قال : نعم ، إن كان طاهرًا . قال ابن القاسم : يريد الماء و الرَّجُل .
قال مالك : و لا يغتسلُ الجُنُبُ في الماء الراكد ، و إن غَسَلَ عنه الأذى . قال ابن القاسم : لا أرى به بأسًا إنْ غسل عنه الأذى . و لو أن الماء كثيرٌ يَحْمِلُ ما وقع فيه ، جاز و إن لم يَغْسِلْ عنه الأذى .
قال في كتاب ابن حبيب : و مَنِ اغتَسلَ في بئر ، و في بَدَنِه أذًى ، أجزأه ، و لم يُنَجِّسْه ، و أحبُّ إليَّ لو نُزِع منها شيء . قال مالك في موضع آخر : و لا يُنْزع منها شيء .
و من العتبية ، و روى أبو زيد عن ابن القاسم ، في مَنْ دخل الحمَّام ، فدخل الحوض النجس ، ثم يتطَهَّرُ ، و يغسلُ يدَيْهِ ، و يتَوَضَّأ ، و هو يرفعُ يديه إلى وجهه ، ثم يعيدهما إلى الطَّهُور قبل يغسلهما ، و في وجهه ذلك الماء النجس من الحوض ، قال : لا بأس به ، و هذا سهلٌ أجازه الناس .
و قال أبو بكر بن محمد : و له أنْ ينزع المئزر ، و يتناول ماء الطَّهور لاغتساله ، من غير غَسْل اليد أو المَطْهَرة . يريد : لأنه ماءٌ جارٍ .
في الوضوء و الغُسْل بفضل النصراني و الجُنُبِ ،
بِسُؤْرِه ، أو بما وَلَغَ فيه الكلابُ و السباعُ
و الدَّوابُّ و الدَّجاجُ ، أو بما قد تُوُضِّئ به
من العتبية قال ابن القاسم ، عن مالك : لا يتَوَضَّأ بفَضْلِ وُضُوءِ
***(1/67)
[1/70]
النصراني ، و لا بأس بِفَضْل شرابه ، و قد كَرِهَه غيرَ مرَّة . و كذلك روى عنه أشهب . و ابن نافع ، في المجموعة .
و قال مالك في الكتابين : لا يتَوَضَّأ من بُيوتِ النصارى . قال عنه أشهب : إنه كَرِهَه .
قال سحنون : إذا أمِنْتَ أن يشربَ النصرانيُّ خَمْرًا ، أو يأكل خنزيرًا ، فلا بأس بفضل سؤْرِه في ضرورة ، أو غير ضرورة .
و روى سحنون عن ابن القاسم في العتبية ، قال : و مَنْ لم يجدْ إلاَّ سُؤْر النصرانيِّ ؛ تيَمَّم ، و هو كالدجاجة المُخْلاةِ تأكل القذر ، أو الكلبِ يأكل القذر .
و روى عنه أبو زيد ، في حياض بالريف يغتسل فيها النصراني و الجنب ، أيتَوَضَّأ منها ؟ قال : لا يُجزئ الجنب الغُسْل فيها ؛ لأنه نجس . فإن لم يَقْرَبها نَجِسٌ و لا نصرانيٌّ ؛ فلا بأس بالوضوء منها . و إنْ كان يَشْربُ فيها الكلاب و إن كان يَشْرَبُ منها الخنازير ؛ فلا يتَوَضَّأ منها .
قال ابن القاسم ، و ابن وهب ، عن مالك في المجموعة : إذا كان ماؤها كثيرًا ، و النصارى يدخلونها ، فيغتسلون فيها ؛ فلا يُعجِبُني أن يتَوَضَّأ منها .
قال أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في العتبية ، و من المجموعة ، قال ابن نافع لمالك : فالوضوء من بُيوتِ النصارى ، و ربما كانوا عبيدًا للمسلمين ؟ فقال :
***(1/68)
[1/71]
أَكْرَهُ ذلك ، هم أنْجاسٌ ، لا يتَطَهَّرون .
قال ابن حبيب : لا يتَوَضَّأ بسؤر النصرانيِّ ، و لا بما أدخل يده فيه ، و لا بما في بيته ، و لا في آنيته ، إلاَّ أن يُضْطَرَّ ، و إن فعله غيرَ مُضْطَرٍّ لم يُعِدْ صَلاتَه ، و ليتَوَضَّأ لِمَا يَسْتَقْبِلُ ، إلاَّ ما كان مِنْ حياض النصارى ، فليَتَيَمَّمْ أوْلَى به ؛ لانْغِماسهم فيها و هم أجْنابٌ . و كذلك قال مُطَرِّف ، و ابن عبد الحكم .
قال ابن حبيب : و لاك يتَوَضَّأ من سؤر المخمور ، و لا من أنيته و لا من بيته ، إذا كان الخمر الغالبة عليه .
و قال أصبغ : و مَنْ لم يَجِدْ إلاَّ ماءً قد تُوِضِّئَ به مَرَّةً ، فلْيَتَيَمَّمْ ؛ لأنه غُسالةٌ . و قال ابن القاسم : يتَوَضَّأ به ، إن كان الأول طاهِرَ الأعضاء .
قال ابن حبيب : و إذا وَلَغَ الهِرُّ في وضوئك فلا بأس به ، و إن وجَدْت عنه غِنًى فغيرُه أَحَبُّ إِلَيَّ منه ، إلاَّ أن ترى بخَطْمِه دمًا .
و روى ابن القاسم ، عن مالك ، في العتبية : و لا بأس بالوضوء من ماء ولغت فيه الهرَّةُ .
قال مالك : و لا بأس أن يُؤْكَلَ من موضع أَكَلَتِ الفأرة من الخبر .
و من المختصر : و لا بأس بالوضوء بفَضْلِ جميع الدَّوابِّ و الطَّيْرِ ، إلاَّ أن تكون بموضع يُصيب فيه الأذى . و لا بأس بفضل الهِرِّ ، إذا لم يَكُنْ بخَطْمِه أذًى . و لا يتَوَضَّأ بفضل الكلْب الضَّاري أو غيره ، و يَغْسِلُ منهُ الإناءَ سَبْعَ مَرَّاتٍ ، إلاَّ أنْ يكون كالحوض ، فلا بأس بذلك . و لا يتَوَضَّأ بفضل الخنزير . و تَرْكُ الوضوء بما شَرِبَ منه النصرانيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ ، فإنْ تَوَضَّأَ به فلا شيء عليه . و لا بأس بفضل
***(1/69)
[1/72]
الجُنُبِ و الحائض .
و من المجموعة ، قال أصحاب مالك عنه ، ابن القاسم و غيرهن في الماء يَلَغُ فيه الكلب : غيرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ منه . قال عنه ابن وهب ، و ابن نافع : الضارِي و غيرُه سواءٌ . قال عنه ابن نافع : إلاَّ أن يُضْطَرَّ إليه فيتَوَضَّأ به .
قال سحنون : الكلب أيْسَرَ من السَّبُعِ ، و قد قال عمرُ : إنَّا نَرِدُ على السباع . قال : و الهِرُّ أيْسَرُهما ؛ لأنها ممَّا يتّخِذُهُ الناسُ .
قال أبو بكر بن الجهم : و ذكَر نحوه ابن سحنون في كتاب الجوابات إنه اختَلَفَ قولُ مالكٍ في غَسْل الإناء من وُلُوغ الكَلْب ، فقيل : إنه جعل معنى الحديث في الكلب الذي لم يؤْذَنْ في اتِّخاذِه . و قيل : إنه جعله عامًّا في كل كلبٍ . و القوْلُ الأوَّلُ قول أحمد بن المُعَذِّل .
و روى ابن وهب عن مالك ، في موضع آخر ، أنَّ الإناءَ يُغْسَلُ مِن وُلُوغِه في ماءٍ أو لبن .
و قال ابن حبيب ، قال مالك : يُغْسلُ في الماء و اللبن ، و يُؤْكَلُ اللَّبَنُ و يُطْرَحُ الماء ؛ لجواز طَرْحِه ، و أنه يجدُ أفضل منه ، فإنه لم يجدْ غيرَهُ تَوَضَّأَ به ، و إنْ وَلَغَ و في خَطْمِه دمٌ أو قَذَرٌ ، فلا يتَوَضَّأ به ، فإنْ فعل و لم يعْلَمْ ، ثم عَلِمَ ، أعادَ في الوَقْتِ ، و إنْ فعل
***(1/70)
[1/73]
ذلك جَهْلاً به ، أعاد أبدًا .
و في رواية ابن القاسم : يُغْسَلُ في الماء وَحْدَه ، على ظاهر الحديث . و كَرِهَ بعضُ العلماء سُؤْر الدوابِّ التي تأكل أرواثها . و أجاز ابن القاسم فَضْلها ، إلاَّ أن يرى ذلك في أفواهها عند شُرْبِها ؛ لأن أكثرها يفْعَلُ ذلك ، و أحبُّ إليَّ تَرْكُه عند وُجود غيره ، إلاَّ أن يرى ذلك في أفواهها إذا شَرِبَتْ ، فإنه نَجِسٌ ، فأمَّ الجَلاَّلةُ المُخَلاَّةُ تأكلُ القذر ، فلا يتَوَضَّأ بسؤرها ، و لْيَتَيَمَّمْ ، و إذا لمْ يجدْ إلاَّ ما شرِبَتْ منه دجاجة مُخَلاَّة تأكل القذر ، أو طيرٌ يأكل الجيَفَ ؛ تَيَمَّمَ . و مَنْ تَوَضَّأَ به عامِدًا أو جاهلاً و صَلَّى ؛ أعاد أبدًا ، و إن لم يعلمْ أعاد في الوَقْتِ .
و فرَّق في المدونة في رواية ابن القاسم -بين الماء و الطعام فيها ، و ساوى بينهما في رواية عليٍّ - أنه لا يَنْجُسُ إلاَّ أن يرى في منقارها أذًى عندَ شُرْبِها .
و من العتبية ، روى أشهب عن مالك في دجاجة شَرِبَتْ من وَضُوءٍ ، فإن كان منقارُها طاهِرًا فلا بأس .
قال عنه ابن وهب في المجموعة : إذا كانت بمكان تُصِيبُ فيه الأذى كرِهْتُه ، و إلاَّ فلا بَأْسَ به . و إن لم يَجِدْ في منقارها أذًى ، و السباع كالكلب ، لا يتَوَضَّأ بفضلها إلاَّ الهِرَّة فيه ، فلا بأس بفضلها ، إنْ لمْ يكُنْ في خَطْمِها أذًى .
قال عنه ابن نافع : و لا يُغْسَلُ الإناءُ مِن فَضل الهِرِّ .
***(1/71)
[1/74]
في البئر ، أو الماء الراكد ، تموت فيه الدابة ، أو
تَحُلُّ فيه النجاسةُ ، و في الماء تتغَيَّر رائحته لغَيْر
نجاسة
من المختصر : و لا يتَوَضَّأ بماء وقعت فيه مَيْتَةٌ إلاَّ أن يكون كثيرًا جدًّا ، لا تُغَيِّرُ منه ريحًا و لا طَعْمًا ، فلا بأس به . و إذا ماتتْ دجاجة في بئر ، فليُنْزَفْ حتى يصفوَ ، و يُغْسَل منه الثيابُ ، و تُعادُ الصلاة في الوَقْتِ ، و لا يُؤْكَلُ ما عُجِنَ به ، و عن أُخْرِجَتْ حين ماتتْ و لم تتغيَّر ، فلْيُنْزَفْ منه ، ثم يتَوَضَّأ منه ، و أمَّا الماء الغالبُ عليه النجاسة فيُعادُ منه الصلاة إبدًا .
و من العتبية قال ابن القاسم ، عن مالك : إذا تغيَّر لونُه و طعمُه ، أعاد أبدًا . قال سحنون : لأنه خرجَ عن حَدِّ الماءِ .
قال عليٌّ ، عن مالك ، في المجموعة : إذا تغَيَّر لَوْنُ الماءِ أو طَعْمُه أو ريحُه ، مِن نجاسةٍ وقعَتْ فيه ، لم يصْلُحْ شُرْبُه ، و لا الوضوءُ به ، كان مَعِينًا ، أو مِن الشتاء .
و من العتبية ، و روى أشهب عن مالك ، في بئر ماتتْ فيه فأرة ، فتَمَعَّطَتْ ، قال : لا يُعْجِبُني أكْلُ ما عُجِنَ به أو طُبِخَ من اللَّحمِ . قيل : فالثيابُ ؟ قال : لو غُسِلَتْ . و قال نحوه في الهرِّ تموتُ فيها . فال : و الآبارُ تختَلِفُ : رُبَّ بئرٍ يُنْزَفُ كُلَّ يومٍ ، و آخَرُ يُسْتَقَى منه كُلَّ يومٍ فَتَتَّسِعُ ، فلْيُنْزَفْ منها قَدْرُ ما يُطَيِّبُها ، و تُعادُ منها الصلاة في الوَقْتِ .
***(1/72)
[1/75]
قال في موضع آخرَ ، عن مالك : إنْ كان الماءُ شديدًا مُنْتِنًا ؛ غُسِلَت الثيابُ ، و إنْ كان خفيفًا نُضِحَتْ ، و تُعادُ الصلاة في الوَقْتِ .
و من المجموعة ، قال المغيرة ، في البئر تقع فيها الميتة : فلا يُؤْكل ما عُجِنَ بمائِه ، و لا بأس أنْ يَطْعَمه دوابّ ذاتُ لبنٍ ، أو يُسْقَى بها شجرٌ فيها ثمرٌ ، أو لا ثمر فيها .
قال عنه عليٌّ : و إذا كانت إلى جانب هذه البئر بئرٌ ، فذلك يختلفُ ، رُبَّ بئر في الصفا و الحَجَر لا يَصِلُ إليها من ماءٍ الأُخْرى ، و رُبَّ أرضٍ رِخْوةٍ يَصِلُ إليها .
قال ابن حبيب : إذا غَلَبَ على البئْر ما وقع فيها – يعني من نجاسة – فما عُولِج به مِنْ عَجين أو طعام ، فلا يجوز أن يُطْعَمَ لدَجاج أو حمامٍ ، و لا لنصرانيٍّ أو يهوديٍّ ، فهو كالميتة .
و من المجموعة قال عليٌّ ، عن مالك في البئر تقع فيها الميتة ، قال : رُبَّ بئر قليلة الماء ، و أخرى ماؤها كثيرٌ . قيل : فيُنْزَع منها أربعون دَلْوًا ؟ قال : الدلاء مختلِفة . قال : و إذا تَزَلَّعَتْ فيها الفأرة ، أو سالَ من دمها و لم يتزَلَّعْ ، فليُنْزَفْ إلاَّ أن يَغْلِبَهُم الماء . قال في التي سال منها : فإنْ غَلَبَهم نُزِعَ منها حتى لا يبقى من النَّجَس شيء ، و إنْ لم تتزَلَّعْ و لا سال منها شيء ، فليُنْزَعْ منها شيء . قال ابن كنانة : على قَدْر ما يَطِيبُ .
قال ابن نافع ، عن مالك : فإن أرْوَحَتْ ؛ نُزِعَ منها حتى تذهب الرائحة .
***(1/73)
[1/76]
قال : و تُغْسَلُ الثِّيابُ ، و إنْ كان شيئًا خَفِيفًا نُضِحَتْ ، و نرجو فيه سَعَةً . و في رواية ابن القاسم : يغْتَسِلُ .
و من الواضحة : و لا خيرَ في الوضوء و الشُّربِ من الغُدُرِ و البِرَكِ العِظَام يقعُ فيها الميتة ، إلاَّ العظام جدًّا فلا بأس به . فإن أرْوحَتْ ، ما لم يتغيَّر الطَّعْمُ و اللَّوْنُ ، فمُخْتَلَفٌ . و قد تتغَيَّرُ رائحة الماء من غير شيء .
و ما مات في بئرٍ من فأرة أو دجاجة أو شاة ، فأمَّا آبار الدُّور فيُماحُ منها حتى يَطيبَ ، لا حَدَّ فيها ، و يُنْزَعُ من التي تغَيَّرَتْ أكثرُ . و أمَّا آبار السَّواني ، فلا يُنَجِّسُها ، و إن كان جَزُورًا ، و إن أرْوَحَتْ ، ما لم يتغَيَّرِ الطَّعْمُ واللَّوْنُ و غيرهُ يرى الرائحة كاللَّوْنِ و الطَّعْمِ .
قال ابن حبيب : و إن لم تَتَغَيَّرْ آبار الدُّورِ ، فليُغْسَلْ منها الثيابُ ، و تعاد الصلاة في الوَقْتِ ، و يُطْعَمُ ما عُجِنَ به للبهائم و النصارى . و قاله لي في كُلِّ ما ذكرتُ ابنُ الماجشون ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ . و ما وقع من ذلك في الجُبِّ والماجل أنجَسَهُ ، كالبِرَكِ الصغيرةِ و الحَوْض .
قال أبو الفرج : روى أبو مصعب ، عن مالك ، أن الماء كُلَّهُ طَهورٌ ، إلاَّ ما تغيَّرَ لوْنُهُ أو طعمه أو ريحُهُ ، لِنَحَسٍ حَلَّ فيه ، مَعِينًا كان أوْ غيرَه .
قال غيرُ واحدٍ من البغداديين : و هذا الأصل عند مالكٍ ، و ما وقع له غيرُ هذا فعلى الاستحبابِ و الكراهية .
و من العتبية ، من سماع أشهب ، و عن بئْر نَتُنَ ماؤُها ، فنُزِفَتْ و هو بحاله ، قال : يُنْزَفُ يومَيْنِ وثلاثةً ، فإنْ طابَتْ و إلاَّ لم يُتَوَضَّأ منها .
***(1/74)
[1/77]
قال في موضع آخر : و أخاف أن يكونَ تَسْقِيهَا قَنَاةُ مِرْحَاضٍ ، فلْيَخْتَبِرْه مَنْ يعرفُ ذلك . فقيل : فإن لم يكن من ذلك ؟ قال : لو أعلم أنه ليس منه لم أرَ به بأسًا بالوضوء منه .
قال عيسى : قال ابن وهب في الدابَّة تموت في جُبٍّ فيه ماء السماء ، فَتَنْتَفِخُ و تَنْشَقُّ ، و الماء كثيرٌ لم يتغيَّرْ إلاَّ ما قَرُبَ منها ، فأُخرِجَتْ و حُرِّكَ الماءُ فذهبتِ الرائحة ، قال : يُنْزَع منه حتى يذهب دسَمُ الميتة و الرائحة و اللون إن كان لونٌ ، فَيَطِيبُ بذلك إن كان كثيرًا . و قال ابن القاسم : لا خير فيه ، و لم أسمعْ مالكًا أرخص فيه قطُّ .
و من سماع موسى ، من ابن القاسم ، و عن حوضٍ تغيَّر ريحه ، و لا يُرَى فيه أثرُ ميتة ، و الدوابُّ تشرب منه ، فلا بأس به ، إذا لم يَرَوْا نجاسة يُعْلَمُ ذلك منها .
و من سماع ابن القاسم من مالك ، و عن الماء الكثير يقع فيه القطرة من البول أو الخمر ، قال : لا يُنَجِّسُهُ لوضوء أو شُرْبٍ ، و كذلك الطعام و الوَدَكُ ، إلاَّ أن يكون يسيرًا . قال سحنون : يعني الطعام و الماء و الودك يسيرٌ .
قال : و لا أرى أن يُؤْكل قمحٌ أُبِلَّ بماء بئرٍ وقعت فيه فأرة .
و لا بأس بالماء يُدْخلُ فيه السِّواك و قد أدْخَلَه في فيه ، و كذلك أُصْبُعه . و في رواية أشهب : و لو غَسَلَهُ كان أَحَبُّ إِلَيَّ ، و ذلك واسع .
و من المجموعة ، ابن القاسم ، و عليٌّ عن مالك ، في الجُنُبِ يُجْعَلُ له الماء للغُسْلِ ، فيُدْخِلُ أُصْبُعَه فيه ؛ ليَعْرِفَ بَرْدَه من حرِّه ، قال : لا يُنَجِّسُهُ ، إن لم
***(1/75)
[1/78]
يكن في أصبعه أذًى .
و من العتبية ، قال موسى ، عن ابن القاسم ، في إناء وقع فيه قطرة من بول صبيٍّ أو دابَّة أو دم ، فإن كان مثل الجرار لم يُفْسِدْهُ ، و إن كان مثل إناءِ الوضوء أَفْسَدَه ، و لا يُفْسِدُهُ لُعابُ كلبٍ أو سؤرُ دابَّة ، و يفسد رَوْثُ الدابَّة ، إلاَّ الماء الكثير .
و في جُبٍّ ماتت فيه حيَّةٌ أو دابَّةٌ ، قال مالك : لا خير فيه . قال ابن القاسم : فأمَّا الرَّوْثُ يُوجدُ عليه طافيًا ، فلا يُفْسِدُه ، و لا بأس به .
و من العتبية ، من رواية غيري : و رَوْثُ الدابَّة مثل بَوْلِها ، إذا كان الماء كثيرًا فوقع فيه القليل أو الكثير ، أو يقع في الزيت فإن ذلك لا يُفْسِدُهُ .
قال : و ما طُبِخَ أو عُجِنَ بماءٍ نَجِسٍ ، من بِئْرٍ أو جُبٍّ ، فليُغْسَلِ اللَّحمُ و يُؤْكلْ ، و لا يُؤْكَلُ الخبز .
و قال أشهب ، عن مالك : لا يُؤْكَلُ اللحمُ . قال موسى : و روي عن ابن عباس يُطْرَحُ المَرَقُ و يُغْسَلُ اللَّحْمُ .
قال ابن سحنون عن أبيه : لا يُطْعِمُ الخبزَ رفيقَهُ النصرانيَّ ، و له أن لا يمنعَهم منه .
قال ابن حبيب : روى ابن الماجشون عن مالك ، في الماء المَشْكُوك فيه ، و هو ماءُ البئرِ تموت فيه الدابَّة ، و ما يَشْرَبُ منه الدجاج المُخَلاَّةُ ، فلا يتغيَّرُ إنما
***(1/76)
[1/79]
استُحِقَّ أنْ لا يُغْسَلَ منه الثَّوبُ المرتقع الذي يُفْسِدُه الغَسْلُ ، و أن يُصَلَّى به كذلك و يُبَاعَ ، و يُسْتَحَبُّ أن يُغْسَلَ ما سواه ، و يُغْسَلَ ما أصابَ من الجسدِ ، و يُجْتَنَبَ أَكْلُ ما عُجِنَ به و طُبِخَ ، و يُطْعَمَ للكافر و الداجن ، و يعيد مَنْ صَلَّى به في الوَقْتِ .
قال ابن حبيب : و ما وقع فيه من خَشَاشِ الأرض من ماء أو طعام لم يُفْسِدْهُ ، و من ذلك العقربُ و الخُنْفَساءُ و العِرْسا و العقربانُ و الجُعْلان و بناتُ وَرْدَانِ ، و الجِنَّانَّةُ ، و الحَرْجَل ، و الجُنْدَب ، و القُنْبُضة ، و الزُّنْبُور ، و اليعسوب .
و من المجموعة قال ابن نافع ، عن مالك ، قال : سَمِعْتُ أن ما لا لحمَ له و لا دم لا يُنَجِّسُ ما ماتَ فيه من الماء .
قال في المختصر : و ما وقعتْ فيه الخُنْفَساء ، و العقربُ ، و الصَّرَّارُ ، و ما لا لحمَ له ، فلا بأس به . و لا يُتَوَضَّأ بما وقعت فيه حيَّةٌ أو وَزَغَةٌ ، و لا شَحْمةُ الأرض إذا ماتت فيه .
***(1/77)
[1/80]
و من المجموعة ، قال ابن غانم ، عن مالك ، في غدير تَرِدُها الماشية ، فتبول فيها و تروث ، فيتغيَّرُ طعم الماء و لونه : فلا يُعجبني الوضوء به ، و لا أُحرِّمُه .
قال في المختصر ، و غيره : مَنْ تَوَضَّأَ بما مُزِجَ بعَسَلٍ أو بغيره من الأشربة و صَلَّى أعاد أبدًا .
و من المجموعة قال عنه عليٌّ : لا بأس بالوضوء بالماء يتغيَّرُ ريحه من حَمَأ أو طُحْلُب ، إذا لم يجدْ غيره .
قال عنه ابن القاسم في البئر يتغيَّر بحمأة أو للحرِّ : لا بأس بالوضوء به . و كذلك ما في الطُّرُق من غدير أو حوض يتغيَّرُ ، أو بئر لا يُدْرَى لم ذلك .
قال عنه ابن نافع ، في ماء قليل مُسْتَنْقَعٍ في الفَحْص من ماء السماء : لا بأس بالوضوء منه ، و إن لم يجدْ غيره اغتسل به لجنابته .
قال عنه ابن وهب ، في البئر يمتلئ من النيل إذا زاد ، ثم يُقيم بعد زواله شهورًا لا يُسْتَقى منها ، فتتغيَّرُ رائحتُها و طعمُها لغير شيء : فلا بأس بالوضوء منها .
قال عنه عليٌّ ، في الجُبِّ تقع فيه الدَّابَّة ، فلا يُقْدَرُ على خروجها ، و ماؤها كثير ، قال : لا يُتَوَضَّأ منه و لا يُشْرب ، و هم يَجِدُون عنه غنًى .
و رأيتُ لابن سَحْنُون و لم أَرْوِه ، في البئر تقعُ فيه الميتة فيُسْقى منه فلا تخْرُج ، و يُنْزَلُ فيه فلا تُوجَدُ ، و قد أُمِيحَ منها ، قال : لا بأس بالوضوء منها .
***(1/78)
[1/81]
و من الْعُتْبِيَّة ، رَوَى أشهب عن مالك و هو في المجموعة رواية ابن نافع عن مالك ، في خليج الإسكندرية تجري فيه السفن ، و إذا جرى النيل صفا ماؤه و ابْيَضَّ ، و إذا ذهب النيل رَكَدَ ماؤه و تغيّر ، و المراحيض إليه جارية ، فقال : لا يُعجبني إذا جرى إليه المراحيض ، و تغيَّر لونه ، قال ابن عمر : اجْعَلْ بينك و بين الحرام سُتْرة من الحلال ، و لا تُحَرِّمْه . قال مالك : فعليك بما لا شَكَّ فيه ، ودع الناس ، و لعلَّهم في سعة .
قال عنه ابن القاسم : و مَنْ وقع عليه ماء من سقف ، فهو في سَعَةٍ ، ما لم يُوقِنْ بنَجَسٍ .
قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في العسكر يسيل عليك من مائه ، فيُسأل أَهْلُه فيقولون : طاهرٌ . قال : فلْيُصَدِّقْهم ، إلاَّ أن يكونوا نصارى .
قال ابن حبيب : وَ لا بَأْسَ بالبول في الماء الجاري ، و يُكْرَه في الراكِد و إن كثر .
قال ابن الْمَاجِشُون : لا بأس بما يَنْتَضِحُ في الإناء من المُغْتَسِل . قيل : فإن كان يُبالُ فيه ؟ قال : إن كان أَزْلٌ فلا بأس بذلك ، و إن لم يكن أَزْلٌ و يُسْتَنْقَعُ فيه فهو نَجِسٌ .
***(1/79)
[1/82]
حُكْمُ النَّجاسةِ في الثَّوْب و الجَسَدِ ، و مَنْ صَلَّى
بذلك ، و ذِكْرُ الدَّمِ و المَنِيِّ ، و أَرْوَاثِ الدَّوَابِّ
و أَبْوَالِهَا و أَلْبَانِهَا ، و بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُه ، و مَا
يَخْرُجُ مِن ما يَشْرَبُ النَّجَاسَةِ مِنْهَا ، و ذِكْرُ لَبَنِ
النِّسَاءِ
من المجموعة ، قال ابن القاسم ، عن مالك : لا يُطَهِّرُ الثوبَ النَّجِسَ إلاَّ الماء .
قال عنه ابن وهب و عليٌّ : و غَسْلُ المَنِيِّ واجب ، مُجْتَمَعٌ عليه عندنا ، و الفَرْكُ باطلٌ ، و لا يُبالي بالأثر بعد الغَسْل .
قال عنه عليٌّ : فإن لم يجد المسافر ما يَغْسِله به مسحه بتراب ، و صَلَّى به ، خير من صلاته عُرْيَانًا .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع أشهب ، و ذَكَرَه ابن نافع في المجموعة ، قال : و مَنْ تَجَفَّف من الغُسْل في ثوب فيه دَمٌ فإمَّا يَسيرٌ لا يخْرُجُ بالتَّجْفيف ، فلا شيء عليه إلاَّ غَسْل الدَّم . فإمَّا الكثيف ممَّا يُخاف أنْ يخْرُجَ بِبَلَلِ التَّجْفِيف ، فَلْيَغْسِلْ جسده ، أو ما أصاب ذلك منه ، و لا يُعِيد الصَّلاَة لهذا ، و لا يغْسِل بقية الثوب ، إلاَّ أن يكون خرج منه ما أصاب الثوب .
قال عنه ابن القاسم في مَنْ وجد في قطيفته وَزَغَةً ماتت ، و بات عليها ، و لم يجدْ
***(1/80)
[1/83]
قال مالك : وَ لا بَأْسَ بالسيف في الغزو فيه الدم أن لا يُغْسَلَ .
قال في المختصر : و يُصَلَّى به .
قال عيسى ، في روايته عن ابن القاسم ، عن مالك : مَسَحَهُ من الدم أو لم يَمْسَحْهُ . قال عيسى : يريد في الجهاد ، و في الصيد الذي هو عَيْشُه .
قال ابن القاسم : و اخْتَلَفَ قولُ مالكٍ في رَوْثِ الدوابِّ الرَّطْبِ في الخُفِّ ، فقال : يُغْسَلُ . ثم قال : يُمْسَحُ ، و يُصَلِّي به ، و لو نَزَعَهُ كان أَحَبُّ إليَّ ، و ليس بضَيِّقٍ إن لم يَفْعَلْ .
و رَوَى ابن وهب ، في كُتُبه للنبي عليه السلام ، في النعل ، أن التراب لها طَهُورٌ .
قال ابن القاسم : قال مالك : لا يُجْزِئ مَسْحُ الخُفِّ من خُرْوِ الكلابِ و شِبْهِها ، و لا من العَذِرَةِ و البول .
قال مالك : و إذا وُقِدَ على الخُبز رَوْثُ الحمير لم يُؤْكَلْ ، و إن طُبِخَتْ به قِدْرٌ ، فَأَكْلُها خفيف ، و هو يُكْرَه . قاله سَحْنُون ، من سماع أشهب .
***(1/81)
[1/84]
قال مالك ، في مَن تَوَضَّأَ ، ثم وَطِئَ على المَوْضِعِ القَذِرِ الجافِّ : فلا بأس به ، قد وَسَّع الله سبحانه على هذه الأُمَّة .
قال أبو بكر بن محمد : إذا مشى بعد ذلك على أرْضٍ طاهرة ؛ لما رُوِيَ أن الذَّيْلَ يُطَهِّرُه ما بعده .
و من المجموعة ، قال ابن القاسم ، عن مالك في مَعْنَى الحديث في الدِّرْعِ يُطَهِّرُه ما بعده : إنه في القِشْبِ اليابس .
قال ابن نافع عن مالك ، في المكان اليابس الذي لا يَعْلَقُ بالثوب ؟ قال نعم .
قال أبو بكر بن محمد : و قال بعض أصحابنا : إن مَعْنَى ما رُوِيَ في المرأة ، في جَرِّ ذَيْلها ، أن الدِّرْعَ يُطَهِّرُه ما بعده ، إنما تَسْحَبُ ذَيْلها على أرض نديَّة نَجِسَةٍ أو إزارَها ، و قد أُرْخِصَ لها أن تُرْخِيَه ، و هي تَجُرُّه بعد ذلك الأرض على أرضٍ طاهرة ، فذلك لها طَهورٌ .
قال محمد بن مسلمة : إنما يَعْنِي تمُرُّ به على أرض يابسة أو نجاسة لا تَعْلَقُ .
قال أشهب ، عن مالك : في مَنِ اضْطَجَعَ على فراش نَجِسٍ فعَرِقَ ، قال : لو غَسَلَ شِقَّه ذلك ؟ قيل : إنه يَتَقَلَّبُ . قال : يغسلُ ما يخاف أن يكون ما أصابه .
***(1/82)
[1/85]
و من نام في ثوب فيه الجنابة فعَرِقَ ، فأَحَبُّ إليَّ أن يَغْسِلَ جلده ، أو ما أصاب ذلك منه .
قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في مَنْ لَصَقَ بجدار مرحاض نَدِيٍّ ، فإن كان يُشْبِهُ البَلَلَ غَسَلَهُ ، و إن كان يُشْبِهُ الغبار فليَرُشَّه .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : و مَنْ صَلَّى بثوب أصابه عَرَقُ دابَّةٍ ، فلا بأس به ، و غَسْلُه أَحَبُّ إليَّ .
و من المختصر : و لا يُصَلِّي ببول الخيل و الدوابِّ .
و من الْعُتْبِيَّة : من سماع ابن القاسم ، قال : و ما أصابه من بول الفرس في الغزو ، فأرجو أن يكون خفيفًا إن لم يجدْ مَنْ يُمْسِكُه ، و أمَّا في بَلَد الإسلام فليَتَّقْهِ جُهْدَه ، و دين الله يُسْرٌ .
و قال ابن القاسم في خُرْوِ البازي : تُعادُ منه الصَّلاَة في الوَقْتِ ، إلاَّ أن يُصيبَ ذَكِيًّا . و في الحمام يُصِيبُ أرواثَ الدوابِّ ، فأَحَبُّ إليَّ أن يُعِيد مَنْ صَلَّى بخُرْوِها . و قال مالك : هو خفيفٌ ، و غَسْلُه أَحَبُّ إليَّ . و قال أشهب ، في موضع آخر : هو طاهرٌ .
و قال سَحْنُون : إذا شَرِبَتِ الأنْعَامُ ممَّا نَجُسَ ، فَبَوْلُها نَجِسٌ .
قال غيرُه في كتاب آخَرَ : و أمَّا ما يَنْقَلِبُ عينُه مِثْل أَلْبَانِها ، و قدْ تَغَذَّتْ بنَجَاسَةٍ ، أو تَغَذَّتْ به النَّحلُ ، فلا بَأْسَ باللَّبنِ و العَسَلِ ، و كذلك قَمْحٌ نَجِسٌ ، فزُرِعَ فنَبَتَ ، أو ماءٌ نَجِسٌ ، سُقِيَ به شجرٌ ، فأثْمَرَتْ ، و كذلك ما ذَبَلَ مِن الأُصولِ و البَقْلِ و غيرِه .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عيسى ، عن ابن القاسم : لا بَأْسَ أن تُسْقَى الأنْعَام
***(1/83)
[1/86]
من ماءٍ تَمُوتُ فيه الدَّابَّة ، و يُعْلَف النَّحْلُ العَسَلَ الذي ماتَتْ فيه الفَأْرَة . قال سَحْنُون : ثم يكون بَوْلُ هذه الأنْعَام نَجِسًا . قال يَحْيَى بن عمر : و أَلْبَانُها طاهِرَة . و كذلك ما يخرُجُ من هذه النَّحْلِ من العَسَلِ يُؤْكَلُ .
و في كتاب الذَّبَائِح من هذا الْمَعْنَى . قال مالك ، في المختصر : و بَوْلُ الأنْعَامِ و الوَحْشِ من ما يُؤْكَل لحمه ليس بنَجِسٍ .
و من المجموعة ، قال عنه ابن وهب : و ليس عليه غَسْلُ بَوْلِ الأنعام من ثَوْبِه . قال عنه عليٌّ : غَسْلُه أَحَبُّ إليَّ ، و لم يكونوا يَرَوْنَ به بأسًا و لا بشُرْبِه .
قال عنه ابن القاسم : و كذلك أَبْوَالُ الظِّبَاء ، و ما أُكِلَ لَحْمُه ، إلاَّ ما يُصِيبُ الأذَى منها . و قال عنه ابنُ نافع ، في أَبْوَالِ الظِّبَاء : لا أَدْرِي ما أَبْوَالُها . و قال ابن نافع : لا بَأْسَ به .
و من سماع أشهب في الْعُتْبِيَّة : و لم يَحُدَّ مالك في الدم قَدْرَ الدِّرْهَم .
قال عنه عليٌّ في المجموعة : إنَّ قَدْرَ الدِّرْهَم منه ليس بواجب أن تُعَادَ منه الصَّلاَة ، و لكن الفاشي المُشْتَهِرُ الكثيرُ .
و قال ابن حبيب : سئل مالكٌ عن قَدْر الدِّرْهَم من الدم ، فرآه كثيرًا ، و سئل عن قَدْرِ الخِنْصَر ، فرآه قليلاً . و قال عَطَاءٌ و غيرُه : قَدْرُ الدِّرْهَم قليلٌ . و قال مالكٌ : أَحَبُّ إليَّ .
و لغير ابن حبيب من أصحابنا ، أن قدر الدِّرْهَم قليل .
قال ابن حبيب ك سئل ابن المسيب عن قَدْر العدسة منه . فقال ك لو كان في ثوبي قَدْر عدسات ما أَعَدْتُ منه صَلاتي .
***(1/84)
[1/87]
و رَوَى ابن القاسم ، عن مالك ، أنَّه قال : لا تُعَادُ الصَّلاَة من قليل الدم يكون في الثوب ، كان دم حيضة أو غيرها .
و رَوَى ابن وهب عن مالك ، أنه يُعِيد الصَّلاَة من قليل الدم ، دم الحيضة خاصة في الوَقْتِ ، إن الله سبحانه سمَّاه أذًى . و هذا في المبسوط ، و في غيره ، رواية ابن وهب ، عن مالك .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال يحيى بن يحيى ، في لبن الحمارة يُصَلَّى به في ثوبه : فلْيُعِدْ في الوَقْتِ . و قد ذكرنا في كتاب الصيد زيادة في هذا .
و من المجموعة ، قال المغيرة في لبن المرأة يصيب الثوب ، فيُصَلَّى به : إنه لا يعاد منه الصلاةُ ، و يُغْسَلُ موضعه ، و كذلك كُلُّ لبن حلَّ شُرْبُه . و أما لبن الأُتُنِ تعاد منه في الوَقْتِ ؛ إذ لا يُؤْكَل لحمها .
و من الْعُتْبِيَّة رَوَى عيسى ، عن ابن وهب ، في مَن صَلَّى بثوب نَجِسٍ ، أنه يُعِيد الصَّلاَة أبدًا . و قال مالك : يُعِيد في الوَقْتِ .
و قد ذكرنا في كتاب الصَّلاَة بابًا في النجاسة فيما يُصَلَّى به ، و ذكْر مَنْ صَلَّى بثوب نَجِس ، و قوْلَ أشهب إنه يُعِيد في الوَقْتِ في تعمُّدِه ، و غير ذلك من هذا المعنى . و أخبرَنَا أبو بكر ، عن يحيى بن عمر ، عن أبي الطاهر ، عن ابن
***(1/85)
[1/88]
وهب ، أنه قال : إنما يُعِيد أبدًا مَنْ صَلَّى بدم حيضة ، أو دم ميتة ، أو بول ، أو رجيع ، أو احتلام .
و في كتاب الصَّلاَة ذِكْرُ الصَّلاَة في أعطان الإبل .
في الثَّوْبِ يُشَكُّ في نَجَاسَتِهِ ، و ذِكْرُ النَّضْحِ ،
و ذِكْرُ ثَوْبِ الحَائِضِ و النَّصْرَانِيِّ ، و في
التَّنَظُّفِ ممَّا لُبِسَ بِنَجِسٍ ، و هل تُزَالُ النَّجاسةُ
بالماء المُضَافِ
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك : النضح تخفيف .
قال ابن القاسم : يُرِيد فيما شَكَّ فيه . و في الحديث : «اغْسِلْ ذَكَرَكَ و أُنْثَيَيْكَ ، وَ انْضَحْ» . قال إسماعيل القاضي : و يدُلُّ ما ذُكِرَ في الحديثِ من نَضْحِ الحصير الذي اسْوَدَّ من طُولِ ما لُبِسَ ، أن ذلك طَهُورٌ لما شك فيه . و الله أعلم .
***(1/86)
[1/89]
قال أبو محمد : و الذي ذكره إسماعيلُ رَوَاهُ ابن نافع ، عن مالك ، أنه احْتَجَّ به .
و من سَمَاع ابن القاسم ، قال مالك : و مَنْ بالَتْ دابَّتُه قريبًا منه ، فما أَيْقَنَ أنَّه أصابَ ثَوْبَه غَسَله ، و إنْ شَكَّ نَضَحَه ، و كذلك إنْ ظَنَّ أنَّ في ثَوْبِه نجاسةً ، فلْيَرُشَّه ، و إنْ أَيْقَنَ و لم يعلم المَوْضِعَ ، غَسَلَهُ كُلَّه ، و إنْ عَرَفَ الناحيةَ غَسَلَ تلك الناحية .
قال أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في الذي يَحْتَلِمُ في ثَوْبِهِ ، فيَغْسِلُ منه ما رأى ، و لم يَنْضَح ما لم يَرَهُ ، فصَلَّى فيه فَلْيَنْضَحْه ، و يُعِيدُ في الوَقْتِ . و قال ابن حبيب : لا يُعِيدُ هذا .
و من المجموعة قال ابن القاسم ، في مَنْ شَكَّ في نجاسة ، هل أصابتْ ثَوْبَه ؟ فصَلَّى فيه ، و لم يَرْشُشْه بالماء ، فلْيُعِدْ في الوَقْتِ . و قاله سَحْنُون . قال ابن نافع ، عن مالك : و الحائضُ تَنْضَحُ ما لم تَرَ ، و قد نضحَ النبي عليه السلام الحصير الذي اسْوَدَّ من طُولِ ما لُبِسَ .
قال عليٌّ ، عن مالك ، في مَنْ بَالَ في ريح ، فظَنَّ أنَّ الريح رَدَّتْ إليه من بَوْلِهِ ، فلْيَغْسِلْه إنْ أَيْقَنَ بذلك ، و لا يَنْضَحْهُ .
قال عنه ابن نافع ، في ثَوْبِ الحائض تَلْبِسُه و تَغْتَسِلُ فيه ، فلْتُصَلِّ فيه من غير غَسْلٍ و لا نَضْحٍ .
و قال ابن حبيب : و لْتَنْضَحِ الحائِضُ و الجُنُبُ ثَوْبَه ، و إن لم يَنْضَحَا و صَلَّيَا فيه
***(1/87)
[1/90]
فلا يُعِيدَا ؛ لأنَّ نَضْحَهُما لتَطِيبَ النَّفْسُ ، و لْيَنْضَحَا لِمَا يَسْتَقْبِلاَ ، بخلافِ مَنْ شَكَّ : هل أصابَ ثوبَه نجاسةٌ ، ثم تَرَكَ النَّضْحَ .
و عن مَنِ ابْتَاعَ الرِّداءَ من السُّوقِ ، فإنْ قَدَرَ أن يَسْأَلَ عنه صاحِبَه ، و إلاَّ فهو من غَسْلِه في سَعَةٍ .
قال مالك ، في المختصر : و يُصَلِّي بالثَّوْبِ الجديد يُشْتَرَى من النصراني ، و إن كان يَسْقُوه للحَوْكِ بماء الخَمْرِ ، و أمَّا ما لَبِسَه ، فلا يُصَلِّي فيه ، و إن كان جديدًا . و نحوه في الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم . و زاد : و لا يَلْبَسُ خُفَّ النصرانيِّ . يَعْنِي الذي لَبِسَه .
قال عنه ابن نافع ، في المجموعة : و إذا أَسْلَمَ النصرانيُّ فلا يُصَلِّي في ثيابه حتى يَغْسِلَها . يُرِيد التي لَبِسَ .
وقال محمد ابن عبد الحكم : يُصَلِّي بما لَبِسَ النصراني .
و من الْعُتْبِيَّة أشهب ، عن مالك : و مَنْ نَتَفَ إِبِطَه أو مَسَّه ، فحَسَنٌ أن يَغسِلَ يَدَيْه . قال في المجموعة : و ما ذلك عليه .
قال في الْعُتْبِيَّة : و أما البَيْضُ فإن كان له ريحٌ ، فلْيُغْسَلْ من الثَّوْبِ ، و إن لم يكن له ريح فلا بأس به .
قال مالك : و مَنْ بيده رائحة اللحم النِّيءِ ، فأَحَبُّ إليَّ ألاَّ يُصَلِّيَ حتى يَغْسِلَه .
قال يحيى بن عمر ، و أبو الفرج البغدادي : اخْتُلِفَ في إزالة النجاسة بالماء المضاف الطاهرن فقيل : يجوز ذلك . و قيل : لا يُطَهِّرُه إلاَّ الماء المُطْلَقُ . و هذا الصواب .
***(1/88)
[1/91]
في الماء المشكوك فيه ، و في الماءين و الثوبين
أحدهما نجس
من كتاب سَحْنُون ، عن أبيه ، و هو لعبد الملك : و مَن لم يجدْ إلاَّ ماءً مشكوكًا فيه ، كماء البئر تموت فيه الدَّابَّةُ ، أو يَلَغُ فيه الكلبُ ، فقال سَحْنُون : يتَيَمَّمُ و يَدَعُه . و قال أيضًا مع عبد الملك : يتَوَضَّأ به و يُصَلِّي . قال ابن سَحْنُون : و أنا أرى أن يتَيَمَّمَ و يُصَلِّيَ ثم يتَوَضَّأ به و يُصَلِّي و لا يبدأ بِالوُضُوءِ ، فلعلَّه يُنَجِّسُ أعضاءَه ، و هو من أهل التَّيَمُّم .
قالا : و لو كان معه – مع ذلك – ثوبان ؛ أحدهما نَجِسٌ لا يَدْريه ، فليُصَلِّ بتَيَمُّمٍ و وُضوء في كل ثوب ، و لا يُعِيد بِتَيَمُّمِهِ ، فإن صَلَّى هكذا الظهرَ فَلْيَأْتَنِف العَصْرَ التَّيَمُّمَ ، و لا يُعِيدُ الوضوءَ ، و يُصَلِّي في كُلِّ ثَوْبٍ عَصْرًا ، عَرَفَ الثَّوْبَ الذي صَلَّى به الظهر أو جهله .
و إن كان معه ماءان ؛ أحدهما نَجِسٌ لا يدريه ، فقال : يتَيَمَّم ، و يدعهما . و قال : يصلي صلاة بوضوء من هذا ، ثم يعيدها بوضوء من الآخر . و قال محمد : يتحَرَّى أحدهما ، فيتوضأ به و يُصَلِّي و يجزئه ، كما لو كان ماءيه ماء واحد منهما طاهر ، و كما يتحرَّى القِبْلَة إذا عُمِّيَتْ .
قال سَحْنُون : ثم إن جاءت صلاة أخرى ، و علم الذي تَوَضَّأَ به أخرى ، فإنه يُصَلِّي ، ثم يَتَوَضَّأ بالآخر و يُعِيد ، و إن لم يعلَمْه ، أو أحْدَثَ ، صَلَّى بكُلٍّ صلاةً ، كأوَّلِ مرَّة ، و لو كان معه – مع ذلك – ثوبان ؛ أحدهما نجس ،
***(1/89)
[1/92]
فَلْيَتَوَضَّأْ بأحد الماءين ، و يُصَلِّي في كُلِّ ثوب صلاة ، ثم يَتَوَضَّأ بالماء الآخر ، و يُصَلِّي في كُلِّ ثوب صلاة ، ثم إن حضرتْ صلاةٌ أخرى ، و عرف ما تَوَضَّأَ به أخرى ، صَلَّى في كُلِّ ثوب صلاة ، ثم تَوَضَّأَ بالأول و أعاد في كُلِّ ثوبٍ صلاةً ، و إن لم يَعْرِفْهُ صَلَّى بوضوء في كُلِّ ثوبٍ صلاتين مع كُلِّ وُضوء . و هذا الباب بأسْرِه ذَكَره ابن حبيب ، عن عبد الملك بن الماجشون ، إلاَّ قول محمد منه . و قول سَحْنُون في الماءين أحدهما نَجِسٌ أنه يتَيَمَّم و يدعهما ، و في الماء المشكوك فيه ، أنه يتَيَمَّم و يدعه ، فليس هذا قول عبد الملك ، و قوله مثل ما ذكر في القول الآخر سواء .
و قال محمد بن مسلمة ، في الماءين أحدهما نَجِسٌ أو مياهٌ واحد منها نَجِسٌ : إنه يَتَوَضَّأ بواحد ، و يُصَلِّي ، ثم يَغْسِلُ ما أصابه من الماء الأول بالماء الثاني ، ثم يَتَوَضَّأ أيضًا منه ، و يُصَلِّي ، ثم إن جاءت صلاة ثانية فَلْيُصَلِّ إن لم يَنْتَقِضْ وضوءه ، ثم يأخذ الماء الأول إن عرفه ، فيغسل منه ما أصابه من الماء الآخر ، ثم يَتَوَضَّأ و يُصَلِّي ، و إذا جاءت الصلاة الثانية ، و قد انتقض وضوءه ، فَلْيَتَوَضَّأْ من الماء الآخر ، و لا يغسل أثره ؛ لأنه هو ، و يُصَلِّي ، ثم يغسل من الماء الأول ، ثم يَتَوَضَّأ منه و يُصَلِّي ، و كذلك لو كانت ثلاث مياه ، منها ماءان نجسان ، صَلَّى ثلاث صلوات ، يَتَوَضَّأ من أحدهم ثم يُصَلِّي ، ثم يغسل من الآخر موضع الماء ، ثم يَتَوَضَّأ و يُصَلِّي ، ثم يغسل من الثالث ، ثم يَتَوَضَّأ و يُصَلِّي ، و كذلك إن كانت مياهٌ أكثر من هذه إلاَّ أن تكثر المياه ، فليس عليه أن يغسل ثلاثين مرة . يريد : لأن هذا حرجٌ . قال و كذلك إذا كثرت الثياب ، و ليس فيها إلاَّ ثوب واحد
***(1/90)
[1/93]
طاهر ، فإنه يصير كمن معه مائة ثوب ، منها نَجِسٌ مجهول .
في المسح على الخفَّين
من الْعُتْبِيَّة و غيرها ، رَوَى ابن وهب ، و ابن القاسم ، و ابن عبد الحكم ، و غيره ، أن للمقيم و المسافر أن يمسح على خُفَّيْهِ ، ليس لذلك حَدٌّ من الأيام .
قال عنه ابن نافع ، في المجموعة : حَدُّه للحاضر من الجمعة إلى الجمعة . قال عنه عليٌّ و ابن القاسم : و الرجال و النساء في ذلك سواء . و كذلك في المختصر . قال غير واحد من البغداديين من أصحابنا : و ما ذُكِرَ في الرسالة المنسوبة إلى مالكٍ ، كَتَبَ بها إلى هارون الرشيد من التوقيت في المسح ، بأن شيوخنا ذكروا أنها لم تَصِحَّ عن مالك ، و فيها أحاديث لا تَصِحُّ عنده . و قال عبد الرحمن بن مهديٍّ : لا أصل لحديث التوقيت .
و من الْعُتْبِيَّة قال أصبغ : المسح في الحضر لا شَكَّ فيه ، و رأيتُ ابن وهب يمسح في داره بمصر .
و رَوَى ابن القاسم عن مالك ، قال : لا أفعله في الحضر . و لم يُحْفَظ عن النبي عليه السلام ، و لا عن الخلفاء بالمدينة أنهم مَسَحُوا في الحضر . و رَوَى نحوه ابن وهب ، و ابن نافع في المجموعة .
و قال عنه أيضًا ابن وهب : لا أمسح في حضر و لا في سفر . و كأنه كَرِهَه . ثم رَوَى ابن وهب ، في موضع آخر مما حدَّثَنا به أبو بكر ، أن
***(1/91)
[1/94]
آخر ما فارقْتُهُ عليه إجازة المسح في الحضر و السفر .
و قال ابن حبيب ، قال مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون : لم يَخْتَلِفْ فيه أهل السُّنَّة ، و ما عَلِمْنا مالكًا و لا غيره من علمائنا أنكر ذلك في الحضر و السفر .
قال ابن حبيب : لا يرتاب فيه إلاَّ مخذول .
قال ابن حبيب : أراني مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون صفة المسح على الخُفَّيْنِ ، و كلاهما وضعَ يَدَه اليسرى تحت أطراف أصابعه من باطن قدمه اليمنى ، و وضع يده اليمنى على أطراف أصابعه من ظاهر قدمه اليمنى ، فأمرَّهُما حتى جمعهما عند الكعبين ، و فعل بالقدم اليسرى مثل ذلك ، غير أنه جعل يده اليمنى تحت القدم اليسرى ، و اليد اليسرى من فوقها . و ذكر أن مالكًا أراهما المسح هكذا ، و أن ابن شهاب وصف له هكذا .
قال مالك في المختصر : يأخذ الماء بيديه ، ثم يُسَرِّحُه ، ثم يمسح بيد من فوق الخُفِّ ، و يدٍ من تحته إلى حَدِّ الوضوء ، و لا يَتَّبع غُضونه .
قال محمد ابن عبد الحكم : يجعل يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابع رجله اليمنى ، و يده اليسرى على مؤخِّر خُفِّه من عقبه ، فيذهب بها إلى تحت خُفِّه إلى آخر أصابعه ، و يذهب باليمنى على ظاهر رجله إلى عقبه ؛ لأن الخُفَّ ربما مشى به على قَشْبٍ رَطْبٍ ، فلو مسح باليسرى أسفله من الأصابع إلى ظاهر العقب لَمَسَّ عَقِبَ خُفِّه برطوبة يده من آثار القَشْبِ .
قال ابن حبيب : يُرسِلُ الماء من يده ، ثم يمسح ، و لو غَسَلَه ينوي به المسح
***(1/92)
[1/95]
أجزأه و يمسح لما يَسْتَقْبِلُ ، و ليس بواجب . و لو غسل طينًا بِخُفِّه ليمسح عليه ، ثم نسي المسح ، لم يُجْزِه عن المسح ، و لْيَمْسَحْ و يُعِيد الصلاة .
قال موسى بن معاوية ، عن ابن القاسم ، في الْعُتْبِيَّة ، في مَنْ مسح بأصابعه أو بإصبع واحد خُفَّيْه ، أو رأسه : إن ذلك يُجْزِئُه إذا عَمَّ بذلك .
قال ابن حبيب : و الخُفُّ المُتَخَرِّقُ إن كان فاحِشًا لا يُعَدُّ به الخُفُّ خُفًّا ، فلا يُمْسَح عليه ، و إن لم يكن فاحِشًا مُسِحَ ، و إن أَشْكَل عليك فَاخْلَعْ .
قال في المختصر : و لا يُمْسَح على خُفٍّ مُتَخَرِّقٍ إلاَّ أن يكون يسيرًا .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سَحْنُون : و لا بأس بالرُّكُوب بالمهامز ، و للمسافر أن يَمْسَح عليهما ، و لا ينزعهما ، و هذا خفيف .
قال مالك في المختصر : لا يَمْسَح على جورب فوق خُفٍّ ، و لا يَمْسَح مُحْرِمٌ على خُفَّيْنِ .
قال ابن القاسم ، في المجموعة : لأنه دون الكعبين ، فلا يَمْسَح عليهما مُحْرِم و لا غيره ، و إن كانا إلى الكعبين أو فوقهما ، فليمسح عليهما غير المُحْرِم .
***(1/93)
[1/96]
قال ابن عبدوس : رَوَى عليٌّ عن مالك ، أنه لا يَمْسَح على الجوربين – لعلَّ ابن القاسم يريد لأن المُحْرِم مُتَعَدٍّ في لباس ما يبلغُ الكعبين ، إلاَّ أن يكون من عِلَّة فلْيَمْسَحْ – إلاَّ أن يُخْرَزَ على موضع القدم جلدٌ ، فلْيَمْسَحْ . و أباه في رواية ابن القاسم و إن خُرِزَ عليهما جلد .
قال ابن حبيب : و الجُرْمُوقان الخُفَّان الغليظان لا ساقَيْن لهما ، و مَنْ مَسَحَ على خُفَّيْهِ ثم لَبِسَ عليهما آخَرَيْن فليس عليه مسحهما ، إلاَّ لوضوء مُؤْتَنَفٍ ، و لو أحدث و خُفَّاه عليه ، ثم لَبِسَ عليهما الآخرين ، فلا يمسحهما ، و ليمسح على الأسفلين .
و من الْعُتْبِيَّة قال عيسى ، عن ابن القاسم : و من لَبِسَ خُفًّا فوق خُفٍّ ، فليمسح الأعلى ، ثم إن نزعه مسح الأسفل ، فغن نزع فردًا من الأعلى ، مسح تلك الرِّجْلَ على الأسفل ، و يُجْزِئُه .
و قال ابن سَحْنُون عن أبيه : يَنْزِعُ الآخَرَ ، و يمسح على الأسفلين .
قال ابن حبيب : فإن أخَّرَ ذلك ابتدأ الوضوء .
قال ابن القاسم في رواية عيسى : ثم إن لَبِسَ الفرد الذي نزع ، ثم أحدث ، مسح عليهما .
و قال بعض البغداديين : اختلف قولُ مالكٍ في المسح على خُفّ فوق خُفٍّ ، فقال : يَمْسَحُ . و قال : لا يَمْسَحُ . و الأَوْلَى أن يَمْسَحُ .
قال مالك في غير موضع : و إنما يَمْسَحُ مَنْ أدخل رجليه في الخُفَّيْنِ
***(1/94)
[1/97]
طاهرتين بطُهْر الوضوء . يريدُ : لا بطُهْر التَّيَمُّم .
و من الْعُتْبِيَّة قال أصبغ : إذا تَيَمَّمَ ، ثم لَبِسَ خُفَّيْهِ ، ثم صَلَّى ، فله المسحُ عليهما إن وَجَدَ الماء ؛ لأنه أدخلهما بطُهْر التَّيَمُّم ، و لو صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ، ثم لَبِسَهُمَا لم يَمْسَحْ ؛ لانتقاض تَيَمُّمه بتمام صلاته .
و قال سَحْنُون : لا يَمْسَح ، و إن لبسهما قبل الصلاة .
قال ابن حبيب : قال مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون ، و ابن عبد الحكم : لا يَمْسَحُ ؛ لأن مُنْتَهَى طُهْرِ التَّيَمُّم فراغ تلك الصلاة . و كقول مالك في المرأة تعمل الحناء ، فتَعْمَدُ إلى لباس الخُفِّ ؛ لتَمْسَحَ : إن ذلك لا يُجْزِئها . و كذلك مَنْ لبسه لينام أو ليبول ليَمْسَحَ ، فلا يُجْزِئه إن فعل .
قال ابن سَحْنُون ، قيل لسحنون : قال بعض أصحابنا في التي تعمَلُ الحناء ، ثم تَلْبَسُ الخُفَّيْنِ ، لتمسَحَ عليهما : إنه يكْرَهُ ذلك لها ، فإن فعلتْ ذلك أجزأها . قال : لا أرى ذلك , و لْتُعِدْ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سَحْنُون : و لو تَوَضَّأَ ، فغسل رِجْلَه اليمين ، فلبس عليه خُفَّهُ ، ثم غسَل الأخرى ، ثم أخلها الخُفَّ ، فلا يمسح إن أحدث ؛ لأنه أدخل الأولى قبل تمام الوضوء ، إلاَّ أن يكون نزعهما .
قال في كتاب ابنه : أو خلع اليمين فقط . قال في الكتابين : قبل أن يُحْدِث ، ثم لَبِسَ ما نزع قبل الحدث فليمسح . و لو لبسهما بعد تمام الوضوء عنده ، ثم ذَكَرَ مسحَ رأسه فمسحه ، فلا يَمْسَحْ عليهما إن أحدث ،
***(1/95)
[1/98]
إلاَّ أن يجعلهما بعد مسح الرأس ، ثم يلبسهما قبل الحدث ، فليَمْسَحْ .
قال مُطَرِّف ، في الذي غسل اليمين ، فأدخلهما الخُفَّ ، ثم غَسَلَ الأخرى فأدخلها ، ثم أحدث : إنه يَمْسَحُ عليهما .
قال موسى ، عن ابن القاسم : و مَنْ ليس معه من الماء إلاَّ ما يَتَوَضَّأ به ، فجهل ، فغسل رجليه ، ثم لَبِسَ خُفَّيْهِ ، ثم أتمَّ وضوءهُ ، قال مالك : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يَغْسِل رِجْلَيْهِ بعد وضوئه ، فإن لم يفعل فلا شيء عليه . يريد : إن مَسَحَ عليهما .
قال ابن حبيب : قال مُطَرِّف : و مَنْ مَسَحَ ليُدْرِكَ الصلاةَ ، و نِيَّتُهُ أن يَنْزِعَ فيَغْسِلَ إذا صَلَّى ، فذلك يُجْزِئه .
و مَنْ تَوَضَّأَ ، و مسح خُفَّيْهِ ، ينوي إذا حضرت الصلاة نزعَ و غَسَلَ رِجْلَيْهِ ، لم يُجْزِهِ ، و لْيَبْتَدِئ الوضوء ، كمُتَعَمِّدِ تأخير غَسْلِهما . و قاله ابن المَاجِشُون ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ .
و قالوا في مسافر مسح على خُفَّيْهِ ، فأصابت خُفَّهُ نجاسةٌ ، و لا ماء معه : إنه يَنْزِعُهُ ، و يتَيَمَّم .
من المجموعة ، قال ابن القاسم : لم يأخُذْ مالكٌ بفِعْلِ ابن عمر في تأخير المسح ، و قال عنه عليٌّ : إذا أَخَّرَ مَسْحَهما في الوضوء ، فحضرت الصلاة ، فلْيَمْسَحْهُما ، و يُصَلِّي ، و لا يَخْلَعُ . و قال عنه أيضًا : فلَوْ سَهَا عن مَسْحِهما حتى صَلَّى ، فإنه يَمْسَحُ ، و يُعِيدُ الصلاة ، و لا يُعِيدُ الوضوء .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب عن مالك ، في مَنْ مَسَحَ على خُفَّيْهِ ثم أحَسَّ فيه حَصَاة ، فنَزَعَه ، فأخرجها ، ثم لَبِسَه ، قال : يَنْبَغِي أن يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ مكانه . يريد : قَدَمَيْهِ جَمِيعًا .
***(1/96)
[1/99]
و من المجموعة ، قال عنه ابن القاسم ، و ابن نافع ، و عليٌّ : إنْ نَزَعَ أحدهما ؛ لضيق وَجَدَه ، أو لغير ذلك ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يَنْزِعَ الآخَرَ ، ثم يغسِلَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا مكانه ، فإن أَخَّرَ ذلك فلْيَأْتَنِفِ الوضوء .
و في أصل سماع ابن وهب ، قال مالك : و لو نزع خُفَّيْهِ ، و أقام طويلاً لم يغسلْ رِجْلَيْهِ ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يأتنف الوضوء ، و إن غسل رِجْلَيْهِ و صَلَّى أجزأه .
قال ابن القاسم ، و عليٌّ ، عن مالك في المجموعة : إن أَخَّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ ساعة ، أعاد الوضوء .
و من الْعُتْبِيَّة ، رَوَى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في مَنْ تَوَضَّأَ ، و مَسَحَ على خُفَّيْهِ ، ثم صَلَّى ، ثم انْخَرَقَ خُفُّهُ خَرْقًا لا يُمْسَحُ على مِثْلِهِ ، فلْيَنْزِعْه مكانه ، و ليَغْسِلْ رِجْلَيْهِ .
قال ابن سَحْنُون ، عن أبيه في مَنْ مَسَحَ أعلى الخُفِّ ، و صَلَّى ، قال : يُجْزِئه . ثم رجع فقال : يُعِيدُ في الْوَقْتِ .
و قال ابن نافع فيه ، و في الْمُتَيَمِّم إلى الكُوعَيْنِ ، أو بِضَرْبَة وَاحِدَة : يُعِيدُ أبدًا .
و قال سَحْنُون ، و ابن حبيب : و لو مَسَحَ أسْفَلَه فقط ، أعاد أبدًا . و حكى محمد بن عبد الحكم ، أن أشهب قال : يُجْزِئه ذلك .
***(1/97)
[1/100]
في المسح على الجبائر ، أو على
الحناء و شبه ذلك ، و في مَنْ حلق
رأسه بعد أن مسحه
و مِنْ قول مالك إجازة المسح على الجبائر لضرورة في وضوءٍ ، أو غُسْلٍ ، إذا لم يَقْدِرْ أن يُباشِرَ العُضْوَ بغَسْلٍ ، أو بمَسْحٍ ، إن لم يقْدِرْ على الغَسْل .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سَحْنُون ، عن ابن القاسم ، في الجبائر تَسْقُطُ في الصلاة ، و قد مسحهما في وضوء أن تَيَمُّمٍ : فلْيَقْطَعْ حتى يُعِيدَها ، و يَمْسَحَ عليهما .
قال ابن حبيب : قال ابن المَاجِشُون ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ ، في مَنْ تَطَهَّرَ فمَسَحَ على شَجَّة أو كسر مستورٍ ، ثم بَرِئَ فنَسِيَ غَسْلَه حتى صَلَّى ، و لم يكن في موضع يأخذه غَسْلُ الوضوء بعد ذلك ، فلْيَغْسِلْه فقط ، و يُعِيدُ ما صَلَّى ، و لو تَرَكَه جَهْلاً أو تهاونًا ابتدأ الغَسْلَ . و قد ذكرْنَا الاختلاف في تأخير مَسْحِ الخُفِّ .
و من كتاب آخر لبعض أصحابنا : و إذا سقطت الجبائر ، و لم يَعْلَمْ ، أو نَسِيَ غَسْلَها ، و قد كان يَمْسَحُ عليها في غُسْل الجنابة ، فإن كانت في غير مواضع الوضوء ، غَسَلَ موضعها ، و أعاد ما صَلَّى بعد سقوطها ، و لو تَطَهَّرَ للجنابة بعد ذلك لم يُعِدْ إلاَّ ما صَلَّى قبل طُهْرِهِ الثاني ، و ما
***(1/98)
[1/101]
أَدْرَكَ وقته ممَّا صَلَّى بعد طُهْره ، و كذلك إن كانت في موضعٍ يُغْسَلُ من الوضوء ، أجزأه توضِّيه بعد ذلك ، و أعاد ما صَلَّى قبل توضِّيه هذا ، و ما أدْرَكَ وقته مما كان صَلَّى .
قال ابن حبيب : و مَن انكسر ظُفُره فكساه مصطكا ، فَلْيَتَوَضَّأْ به كذلك .
و من المجموعة ، قال ابن نافع في العين تُدَمُّ بدمام : فلا بأس أن يَمْسَحَ عليها . و عن مَنْ تقَرَّحَتْ أسافِلُ رِجْلَيْهِ من الثَّلجِ فيُداوِيه بذَرُورٍ فيَمْسَحُ عليه ، و ليس عليهما خِرَقٌ ، فذلك جائزٌ ، و ليس عليه أن يتَيَمَّمَ بعد ذلك ، كما لا يتَيَمَّمُ الماسِحُ على الجبائر .
قال مالك : و مَنْ في رأسه جُرْحٌ ، و هو جُنُبٌ ، فله أن يَدَعَ غَسْل رأسه ، هو ما يقدِرُ عليه . و قال فيه ، و في الْعُتْبِيَّة أيضًا مالكٌ : يَغْسِلُ ، و يُنَكِّبُ الماء عن جراحاته ، فإذا برئ غَسَلَها . يريد : يَدَعُ غَسْلَ رأسه و جراحاته ، و يَمْسَحُ على ذلك أو على خِرَقٍ تكون عليه .
و من الْعُتْبِيَّة رَوَى أشهب ، عن مالك ، في المرأة تَخْضِبُ يديها و هي جُنُبٌ أو حائض ، قال : نعم ، و كُنَّ النساءُ يتحرَّيْنَ ذلك .
و من المجموعة ، و قال ابن القاسم : و مَنْ تَوَضَّأَ على مدادٍ على يدِه
***(1/99)
[1/102]
لم يَضُرَّه . قال في كتاب آخر : فأمَّا على عَجِينٍ لَصِقَ بيده ، فلا يُجْزِئُه حتى يَنْزِعَه .
قال ابن سَحْنُون : قال سَحْنُون : أخبرني عليٌّ ، عن مالك ، في المرأة على وضوء فتَخْضِبُ يَدَيْها ، أنها لا تُصَلِّي حتى تَنْزِعَه .
قال عليٌّ ، عن مالك ، في المجموعة و لا يُمْسَحُ على اللحية عليها الحِنَّاء حتى يُنْزَعَ ، و كذلك ما على الرأس منها .
قال في المختصر : و أرجو أن تكون صلاة الرَّجُل بالخضاب واسعًا ، و لا يَمْسَحُ على الحناء في الوضوء و لْيَنْزَعْه ، و ليباشر الشعر .
قال ابن نافع عن مالك ، في مَن قصَّ أظفارَه و حَلَق رأسه ، و هو على وضوء ، فليس عليه مَسُّ ذلك بالماء ، و لا أكْرَهُ له قصَّ ذلك .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم ، في مَنْ تنكسر أظفاره ، فيجعل عليها عِلْكًا ، لأنْ تَنْبُتَ ، أيَتَوَضَّأُ على العِلكِ ؟ قال : أرجو أن يكون في سَعَة .
قال ابن القاسم عن مالك ، في المجموعة : لا بأس بذلك .
***(1/100)
[1/103]
في التَّيَمُّم على صفته و ذِكْرِ
ما يُتَيَمَّمُ عليه ، و ذِكْرِ النِّيَّة فيه ،
و في مَنْ لم يجِدْ ماءً و لا تُرابًا
قال الله سبحانه : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (المائدة : 6) .
قال غير واحد من العلماء و قاله ابن حبيب : التَّيَمُّم القصد ، كقوله : { وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} (المائدة : 2) .
و الصعيد ، قال ابن حبيب : التراب الطيِّبُ الطَّاهِرُ . و قال غيره : الصعيد الأرض بعَيْنها . و منه قوله تعالى : { فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا} (الكهف : 40) . فلا نُبالي بما صعد منها ترابٌ أو حجرٌ .
قال أبو الفرج البغدادي ، و غيره : الواجب عند مالك التَّيَمُّم إلى الكُوعَيْنِ ، و يُسْتَحَبُّ بلوغ المرفقين ، قال : و الذي قال هو ظاهر القرآن ، بقوله : {و أيديكم} ، فهذا المعقول من اليدين ، و لا يُلْحَقُ بهما ما عداهما إلاَّ بدليل .
قال غيره ، و قد اختلفت الأحاديث في الكُوعَيْنِ ، و المرفقين ، قالوا : و لذلك نرى أن من تَيَمَّمَ إلى الكُوعَيْنِ يُعِيدُ في الْوَقْتِ ، و نرى أن من تَيَمَّمَ بِضَرْبَة
***(1/101)
[1/104]
وَاحِدَةٍ للوجه و اليدين لا يُعِيدُ ؛ لأنه قد جاء الحديث بمثله .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال ابن القاسم عن مالك ، إنه تَيَمَّمَ بِضَرْبَة وَاحِدَة للوجه و الْيَدَيْنِ رجوت أن يُجْزِئه . قال ابن القاسم : و لا يُعِيدُ في وقتٍ و لا غيره .
قال مالك ، في المختصر : لا إعادة عليه . قال ابن حبيب : و قيل يُعِيد في الْوَقْتِ . قال ابن سَحْنُون : قال ابن نافع : يُعِيدُ أبدًا . و كذلك قال في المختصر في الْمُتَيَمِّم إلى الكُوعَيْنِ .
قال ابن القاسم ، عن مالك ، في الْعُتْبِيَّة ، في مَنْ أفتى بِالتَّيَمُّمِ إلى الكُوعَيْنِ ، فعَمِلَ به ، فلا يُعِيدُ في الْوَقْتِ ، و كذلك في المختصر .
قال : و يتَيَمَّم الأَقْطَعُ . و كذلك في الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن
***(1/102)
[1/105]
القاسم ، قيل له : كيف يتَيَمَّمُ ؟ قال : كما يَتَوَضَّأ . قيل : يُوَضِّيه غيره . قال : كذلك يتَيَمَّمُ ، و لقد سمعتُ رَجُلاً عظيمًا يقول : التَّيَمُّم إلى المَنْكِبَيْنِ . و لَعَجَبًا كيف قاله . قال سَحْنُون : هو ابن شهاب .
قال مالك ، في المختصر ، و في الواضحة : يضع الْمُتَيَمِّم يَدَيْه على الصعيد ، ثم يرفعهما غيرَ قابض بهما شَيْئًا ، و إن علق بهما شيء من التراب فلا بأس أن ينفضهما نفضًا خفيفًا ، ثم يَمْسَحُ بهما وجهه مرَّةً وَاحِدَة ، ثم يُعِيدُهما إلى الأرض ، ثم يمسح اليمنى باليسرى ، ثم اليسرى باليمنى إلى الْمِرْفَقَيْنِ ، من فوق اليد و باطنها .
قال ابن حبيب : يذهب باليسرى على اليمنى إلى المرفق ، ثم يُعِيدُها على باطن اليد إلى أصل الكَفِّ ، ثم يُحَوِّلُ تلك الكَفَّ اليمين على ظاهِرِ أصابع اليسرى ذاهبًا إلى المرفق ، ثم يُعِيدُها على باطن اليسرى إلى أطراف أصابعها .
و ذكر هذه الصفة عن مُطَرِّف و ابن المَاجِشُون ، عن مالك ، عن ابن شهاب .
و في صفة غير ابن حبيب ، أنه إذا بَلَغَ باليسرى على أصل كَفِّ اليمنى ، تمادى إلى آخر أصابع اليمنى ، ثم يَمْسَحُ باليسرى باليمنى ، و هو أحسن .
قال في المختصر : و إذا لم يجدْ إلاَّ طينًا تَيَمَّمَ به ، و جَفَّفَهُ في يديه قليلاً . و قال في كتاب آخر : يُخَفَّفُ وضع يديه عليه . قال ابن حبيب : يُخَفَّفُ وضع يديه على الطين ، ثم يُخَفَّفُهما قليلاً ، و يُحَرِّك بعضهما إلى
***(1/103)
[1/106]
بعض يسيرًا ، إن كان فيهما ما يُؤْذِيهِ ، ثم يَمْسَحُ وجهه ، و يصنع كذلك ليديه .
قال ابن الْقُرْطِيِّ : و ليس عليه متابعة الغضون في التَّيَمُّم ، و عليه تخليل أصابعه فيه . و ما رأيته لغيره .
قال ابن حبيب ، عن مالك : و التَّيَمُّم للحَدَثِ و الجنابة سواء .
قال في المختصر : و لو تَيَمَّمَ لا ينوي الجنابة . لم يُجْزِهِ ، و يُعِيدُ ما صَلَّى أبدًا .
قال ابن حبيب : و ليس عليك أن تَعْلَق يَدُك اليمنى بالصعيد ، ما دُمْتَ تُجْري عليها اليسرى .
و من الْعُتْبِيَّة ، رَوَى أبو زيد عن ابن القاسم ، في جُنُبٍ تَيَمَّمَ للوضوء ناسيًا لجنابته ، فلا يُجْزِئه . و لو تَيَمَّمَ للجنابة أجزأه عن نية الوضوء .
و من أصل سماع ابن وهب : و مَنْ تَيَمَّمَ للوضوء ناسيًا للجنابة و صَلَّى ، أنه يُعِيدُ التَّيَمُّمَ و الصلاة في الْوَقْتِ ، و إن خرجَ الوقت لم يُعِدْ ؛ لأن التَّيَمُّمَ لهما واحد .
و قال في المختصر : يُعِيدُ أبدًا حتى ينوي به الجنابة . و في رواية الأبهريِّ : يُعِيدُ في الْوَقْتِ .
قال عيسى ، عن ابن القاسم : و إذا لم تَقْدِرِ النفساء على الغُسْل تَيَمَّمَتْ ، و لا بأس أن ترفع إليها ترابًا في طبق ، و كذلك إلى المَحْمل للمُسافِر ، يري أن ينتقل .
***(1/104)
[1/107]
قال ابن الْمَوَّاز : و كذلك المريض على سريره .
قال عيسى عن ابن القاسم : و للمريض أن يتَيَمَّمَ بالجدار إن كان طوبًا نيئًا من ضرورة ، مثل أن لا يجدَ مَنْ يُوَضِّيه و لا يُيَمِّمُهُ .
و قال ابن الْمَوَّاز ، عن ابن القاسم : لا يتَيَمَّمُ عليه و هو طُوبٌ أو حجارة إلاَّ من ضرورة ، فإنْ كُسِيَ بجِيرٍ أو بجِبْسٍ ، فلا يتَيَمَّمُ عليه .
قال ابن حبيب : إن كان حجرًا أو آجُرًّا ، فلا يتَيَمَّم عليه ، إلاَّ أن لا يجد مَنْ يُناوِلُه التراب ، فلْيَتَيَمَّمْ عليه ثم لا يُعِيدُ .
قال ابن حبيب : و لا يجوز التَّيَمُّم باللِّبْدِ ، فإن فَعَلَ ذلك مضطرًّا أو غير مضطرٍّ أعاد أبدًا ؛ لأنه لا يشاكل الصعيد .
و من المجموعة قال عليٌّ ، عن مالك : و مَنْ لم يجدِ الصعيد ، و وجد الثلج أو ماء جامدًا ، أو الحجارة ، فليتَيَمَّمْ على ذلك . قال المغيرة إلاَّ أن يقْدِرَ على إزالة الثلج . قال ابن حبيب : قال مالك : يتَيَمَّم على الثلج . و قال ابن عبد الحكم : لا يتَيَمَّم عليه . و به أقول . و ذَكَرَ الأبهريُّ أن أشهب رَوَى عن مالك أنه لا يتَيَمَّمُ على الثلج .
قال ابن حبيب : و مَن صَلَّى بذلك ، فإن وجد الصعيد في الْوَقْتِ أعاد ، و لا يُعِيدُ بعد الوقتِ ، و لو فعله واجدًا للصعيد أعاد أبدًا .
و إن تَيَمَّمَ بالحصباء أو الجبل واجدًا للتراب أعاد في الْوَقْتِ ، و لو فعله غيرَ واجد لم يُعِدْ .
***(1/105)
[1/108]
و مَن تَيَمَّمَ على لبَدٍ أعاد أبدًا ، و إن كان مُضْطَرًّا .
قال أَصْبَغُ : و مَنْ تَيَمَّمَ بصعيد نجس عالمًا أعاد أبدًا .
قال ابن حبيب : و إن لم يَعْلَمْ لم يُعِدْ إلاَّ في الْوَقْتِ .
قال أبو الفرج ، في قول مالك ، في مَنْ تَيَمَّمَ على موضعٍ نَجِسٍ أنه يُعِيدُ في الْوَقْتِ . فأراه يريد إذا خالطتها نجاسة ، ثم لم يطهُرْ طُهُورًا يُحْكَمُ لها به ، فيصير كماء مشكوك فيه ، أو مُصَلٍّ بثوب نَجِس ، أو على موضع نَجِسٍ ، فإن لم يُرِدْ هذا فلعلَّه فرَّق بين الأرض و الماء ، أن الماء ينقل المُحْدِثَ إلى كمال الطهارة ، و التَّيَمُّم إنما ينْقِلُ به عن حُكْمِ الحَدَث إلى وجود الماء . و الذي ذكر أبو الفرج عن مالك إنما هو عندنا لابن القاسم .
و من الْعُتْبِيَّة رَوَى موسى بن معاوية ، عن ابن القاسم ، قال : و لا بأس أن يتَيَمَّم بتراب قد تَيَمَّمَ به مَرَّةً .
و قال ابن سَحْنُون ، عن أبيه : و مَنْ تَيَمَّمَ على حجر أو ثلج واجدَا للتراب ، أجزأه في الحجر ، و وقف في الثلج .
و من المجموعة ، قال ابن القاسم عن مالك : لا بأس بالصلاة في السباخ ، و التَّيَمُّم بترابها . قال عنه ابن نافع : و بالوضوء بمائها .
و من الْعُتْبِيَّة رَوَى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في مريض لم يَجِدْ مَنْ يُناوِلُه ماءً و لا تُرَابًا ، فلْيُصَلِّ كذلك ، و يُعِيد أبدًا .
***(1/106)
[1/109]
و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال أَصْبَغُ : لا يُصَلِّي إلاَّ بوضوء أو تَيَمُّمٍ .
قال ابْنُ الْمَوَّاز ، عَنْ أَصْبَغَ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الهارب من العَدُوِّ ، أو مَنْ ربطه اللصوص : إنْ صَلَّى بغير وضوء أعاد أبدًا . قال أَصْبَغُ : إلاَّ أَنْ يتَيَمَّمَ . و كذلك مريض لم يجدْ مَنْ يُناوِله ماءً و لا تُرَابًا ، و لا عنده جِدارٌ ، فإن صَلَّى كذلك أعاد أبدًا ، و لا يتَيَمَّم على الفراش .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، في الخائف لا يجدُ أنْ يَنْزِلَ عن دَابَّتِهِ لوضوءٍ أو تَيَمُّمٍ . قال مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون ، و ابن عبد الحكم : يُصَلِّي كذلك ، و يُعِيد أبدًا ، و كذلك الأسير و المريض لا يجدُ ماءً .
في مَنْ له التَّيَمُّم لعدم الماء أو
المريض أو غيره ، و متى يتَيَمَّم
قال مالك في الموطأ : و مَنْ تَيَمَّمَ لعدم الماء مِنْ مُسَافِرٍ ، و صَلَّى فليس مَنْ صَلَّى بالوضوء أتمَّ منه صلاة ؛ لأن كليْهما قد فعل ما أُمِرَ به .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، و غيره : و إنما ذَكَرَ الله عَزَّ وَ جَلَّ التَّيَمُّم لصحيح مسافر أو مريض حاضر .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : إن المريض الحاضر و المسافر دخلا في آية التَّيَمُّم .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، عَنِ ابْنِ عبد الحكم ، في حَاضِرٍ لم يجدِ الماءَ ، فتَيَمَّمَ و صَلَّى ، ثم وَجَدَ الماء بعد الوقت ، فعليه أَنْ يُعِيدَ ؛ لأن الله تبارك و تعالى إنما
***(1/107)
[1/110]
ذَكَرَ التَّيَمُّم في المريض و المسافر .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و اختلف قولُ مالك في الحاضر الصحيح ، يخافُ فواتَ الوقت ، و لم يجد الماء ، فقال : يتَيَمَّمُ و يُصَلِّي و لا يُعِيدُ . ثم رجع في البئر الطويلة يخاف أن استقى خروج الوقت ، أنه يتَيَمَّمُ ، ثم إذا وجَدَ الماءَ أعادَ ، و إن خرجَ الوقت . و بهذا أقولُ . و جعله ابن القاسم كالمسافر ، و ليس بمنزلته ، و كذلك المُسَجَّنِين يُحْبَسُ عنهم الماءُ إلى آخرِ الوقت ، فليُصَلُّوا بِالتَّيَمُّمِ ، ثم يُعِيدُوا إذا وجدوا الماء .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و مَنْ سار مسيرًا لا تُقْصَرُ في مثله الصلاةُ ، فهو كَالْحَاضِرِ ، يُؤْمَرُ بِالتَّيَمُّمِ ، ثم يُعِيدُ كَالْحَاضِرِ .
و من الْعُتْبِيَّة رَوَى عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الحَضَرِيِّ يخافُ طلوع الشمس إن استقى الماءَ ، فلْيتَيَمَّمْ . و قال : لا يتَيَمَّم . و قال في موضع آخر : قال مالك : يتَيَمَّمُ و يُعِيدُ بِالْوُضُوءِ .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : قال مالك في الحضريِّ في مَنْزِلِهِ إنْ ذَهَبَ ليأْتِيَ بِالْمَاءِ طلعت الشمس ، قال : يتَيَمَّمُ . و له قولٌ آخرُ في الإعادة . و قال أيضًا : يطلبه و إن طلعتْ ، إلاَّ أن يكون له عُذْرٌ . و قال : لو صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثم أعاد بِالْمَاءِ . و قال : إن بَعُدَ منه تَيَمَّمَ ، و إن قَرُبَ منه فلا يُصَلِّي حتى يأتيه .
و من المجموعة رَوَى ابن القاسم ، عن مالك في المقيم يخرُجُ في بعض نواحي القرية ، فتحين الصلاة و لا ماء معه ، قال : يطلُبُ الماءَ و إنْ
***(1/108)
[1/111]
فات الوقت ، إلاَّ أن يكون له عذرٌ ، فلو تَيَمَّمَ و صَلَّى ثم أعاد إذا وجد الماء . ثم قال : إن كان الماء بعيدًا تَيَمَّمَ و صَلَّى ، و إن كان قريبًا فلا يُصَلِّي حتى يأتي الماء فيَتَوَضَّأ .
و في المختصر : و لا يُصَلِّي في الحضر على الجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ ، و هو يَقْدِرُ على الماء .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم ، في مَنْ خرج من مَنْزِلِهِ إلى مَنْزِلٍ آخر ، فغَرَبت الشمسُ ، و قد بَقِيَ له مثل ميلٍ أو مِيلَيْنِ ، فلا يتَيَمَّمُ حتى يأْتِيَ المنزلَ فيَتَوَضَّأ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ ، في المرأة لا تخرجُ و ليس في دارها ماءٌ ، و لا تجدُ من يأتيها به فلْتُؤَخِّرْ إلى آخر الوقت ، ثم تخرجُ فتطلب الماءَ إنْ خافتْ فوات الوقت .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم : و عن المسافر يكون الماء متنحِّيًا عن طريقه ، فإن كان ممَّن يشُقُّ عليه المُضِيُّ إليه فليتيمَّمْ . قال سَحْنُون : لا يَعْدِلُ إليه في الميلين و إن أَمِنَ . و كذلك مَنْ خرَجَ من قريةٍ إلى قرية لا يُقْصَرُ في مثلها .
قال مالك : و إن خافوا السَّرِقَ في نُزولِهِم في المناهل بليلٍ ، فنزلوا دُونَه بثلاثة أميالٍ ، و تيمَّمُوا للصبح ، فلا يُعجبني ، و لْيَبْعَثُوا مَنْ يأتيهم بِالْمَاءِ . و عن مسافر ، الماء منه على نصف ميل أو ميل ، و يخافُ سباعًا ، أو سِلابَةً ، أو عليه فيه مشقة ، فليتَيَمَّم .
***(1/109)
[1/112]
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ نافع ، عن مالك ، و مثله في المختصر ، و نحوه في الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم ، في مَنْ معه ماء ، و يخاف العَطَشَ ، فليتَيَمَّمْ . قيل : أيخاف الموتَ أو الضَّرَرَ ؟ قال : كلُّ ذلك .
قال عنه ابن القاسم ، في الْعُتْبِيَّة ، في مَنْ معه ماءٌ قليلٌ فاسْتقاهُ رَجُلٌ ، فإن خاف عليه أَسْقَاهُ ، و يتَيَمَّم ، و إن لم يبلُغْ منه الخوفُ فلا .
قال في المختصر ، و غيره : و ليس على مَنْ لا ماءَ معه أن يشتريه بأضعاف ثمنه ، إلاَّ أن يجدَه بِثَمَنِه ، أو بما يُشْبِهُه . قال في كتاب آخر : إن كان معه دراهم تُعِينُه .
قال عنه ابن نافع ، في المجموعة : و ليس عليه شراءُ القِرْبَة بِعشرةِ دراهِمَ ، و إن كان كثيرَ الدراهِمِ ، و لكنْ بالثَّمَنِ المعروفِ . و قال عنه ابنُ القَاسِم نحوه .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك : و لا بأس أن يَسْأَل المسافرُ أصحابَه الماءَ في موضع كثير الماء ، فأمَّا في موضع يتعذَّرُ فيه ففيه سَعَةٌ أنْ لا يسأَلَهم ، إن شاء الله .
قال عنه أشهب : و إنما على المسافر أنْ يَطْلُبَ الماءَ مِمَّنْ يَلِيه ، أو مِمَّنْ يرجو أن يُعْطِيَه ، و ليس عليه أن يطلب أربعينَ رَجُلاً .
قَالَ ابْنُ عبد الحكم ، و ابن القاسم نحوه . قال : إنْ عَلِمَ أنَّهم يمْنَعُونه فلا يسْألُهم .
***(1/110)
[1/113]
قال ابن حبيب : قال مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغُ ، في مَنْ تَيَمَّمَ و نَسِيَ الماء في رَحْلِهِ و صَلَّى ، فلْيُعِدْ أبدًا نسيَهُ أو خَفِيَ عنه أو لم يعلمْ به . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك في المجموعة : لا إعادة عليه . و إن أعاد فحسَنٌ . و ذلك في المختصر . و في المدونة : يُعِيدُ في الْوَقْتِ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، عن مَنْ ذكَر مِن أصحاب مالك و أصبغَ ، إنْ وجدَه في رُفقةٍ عظيمة لم يكُنْ عليه طَلَبُه إلاَّ مِمَّنْ حوله وما قَرُبَ ، فإن لم يَفْعَلْ فقد أساءَ و لا يُعِيدُ ، و إن كانت رُفْقَةً قليلة فلم يطلبْه فليُعِدْ في الْوَقْتِ ، إلاَّ أنْ يكونَ مَنْ معَه مثلَ الرَّجُل و الرجلين ، و شِبْهَ ذلك و هم متقاربون ، فلْيُعِدْ أبدًا ، و هذا كرحْلِه .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أبو زيد ، عن ابن القاسم : و إن سأل بعضَ مَنْ معه فلم يجدْ ، ثم وجَدَه عندَ بعض رُفَقَائِهِ ، فإنْ كان مِمَّنْ لا يمْنَعُهُ أعادَ في الْوَقْتِ ، و إن كان مِمَّنْ يمنعُه فلا يُعِيدُ . و قال مالك : إذا تَيَمَّمُوا ثم وَجَدُوا بِئْرًا أو غديرًا قريبةً منْهم أعادوا في الْوَقْتِ .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : و مَنْ طلَب الماءَ فلم يَجدْهُ في سَفَرٍ أو مُقَامٍ ، فَتَيَمَّمَ و صَلَّى ، ثم وَجَدَ الماءَ ، لم يكُنْ عليه أَنْ يُعِيدَ ، و إن كان في الْوَقْتِ ؛ لأنه عَمِلَ ما أُمِرَ به .
و قال عليُّ بن زياد ، في جُنُبٍ مُسَافرٍ اغتسل بما معه من الماءِ و صَلَّى ، فبقي عليه قدرُ الدرهم ، فلا يُجْزِئه ، و لْيَتَيَمَّمْ و لْيُعِدِ الصلاة .
***(1/111)
[1/114]
قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و مَنْ به حَقْن و لا ماء معه ، فلْيُصَلِّ به ، إلاَّ أنْ يشْغَلَهُ فَلْيَبُلْ و لْيتَيَمَّمْ .
و إذا مَسَّتْ رِجْلُ المسافر نَجاسةٌ ، و لم يجدِ الماءَ ، مسحها بالتراب و صَلَّى ، و إن وجدَ الماء في الْوَقْتِ غسلها و أعاد .
و من كتاب ابن سَحْنُون : و من تَيَمَّمَ ثم وجدَ الماءَ ، فَتَوَضَّأَ به فصَلَّى أو لم يُصَلِّ ، ثم علم أنه نَجسٌ ، فلا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمه ؛ لأنه ليس بماء يجوز له به الطهارة . و قد تقدَّمَ بابٌ في الماء المشكوك فيه .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك في مَنْ لا يجدُ الماءَ أيَتَوَضَّأ بالندى أم يتَيَمَّم ؟ قال : يتَيَمَّمُ ، إلاَّ أن يقدرَ أن يجمَع مِن النَّدَى ما يَتَوَضَّأ به .
قال في المختصر : و إن لم يجدْ إلاَّ نبيذًا أو ماءً ممزوجًا بعَسَلٍ تَيَمَّمَ . و رَوَى موسى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة مثله في النبيذ ، و قال : و لا يَغْسِلُ به نجاسة . قال موسى : قال الحسنُ : لا يَتَوَضَّأ بنبيذ و لا غيره .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ نافع ، عن مالك : و من لم يجدِ الماءَ ؟ قال : فليتَيَمَّم في الْوَقْتِ الوسط ، و إن رجا الماء فحتَّى يخاف فوات الوقت . و قَالَ ابْنُ كنانة : إذا لم يجدِ الماءَ فلا يتَيَمَّم حتى يخاف فوات الوقت . و قاله ابن وهب عن مالك ، و قال : و لا أُحِبُّ أن يتأخَّرَ جدًّا و إنْ رجا الماءَ .
***(1/112)
[1/115]
و قال المغيرة : و مَنْ كان في حصار و هو يرى الماء و لا يَصِلُ إليه ، فإنْ دَخل الوقتُ تَيَمَّمَ ، ثم لا يُعِيد و إنْ وجدَه في الْوَقْتِ .
قال مالك في المختصر : و يتَيَمَّم الخائف إذا كان يرى الماء و لا يقدر أن يخرج ، و يُعِيدُ إنْ أَمِنَ في الْوَقْتِ .
قَالَ ابْنُ عبدوس ، في قول ابن القاسم إنَّ المريضَ و الخائفَ و المسافر يتَيَمَّمون وسط الوقت ، ثم إنْ وجدُوه في الْوَقْتِ لم يُعِدِ المسافر و أعاد الآخران . قَالَ ابْنُ عبدوس : في وَقْتِ الصلاة المفروضة . قال عبد الله : و يعني بالمريض ها هنا الذي يجد الماء و لم يجدْ مَنْ يُناوله إياه ، و المسافر هو الذي لا عِلْمَ عنده من الماء من المسافرين ، و الخائف هو الذي يَعْلَمُ موضع الماء منهم و يخاف أن لا يُدْرِكَه في الْوَقْتِ ، و مثله الخائف من سباعٍ أو لصوص .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و المسافر المؤيس من الماء يتَيَمَّم أول الوقت ، و الذي يرجوه في الوقت فليؤخِّرْ إلى آخره ، عَلِمَ مكانه أو لم يعلم ، و آخِرُ الوقت في هذا في الظهر أن يبلغ مثله بعد ظلِّ الزوال ، و في العصر أن يبلغ مثليه ، و المغرب قبل غيبوبة الشفق ، و العشاء ثلث اليل . و قاله مُطَرِّف ، و عبد الملك ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ .
و مَنْ أُمِرَ منهم بِالتَّيَمُّمِ آخِرَ الوقت فَتَيَمَّمَ في أول الوقت و صَلَّى ، و إنه إن وجد الماء في الْوَقْتِ فلْيُعِدْ ، و إلاَّ لم يُعِدْ ، فإن وجدَه في الْوَقْتِ فجهل
***(1/113)
[1/116]
و مَنْ علم أنه يُدْرِكُه في الْوَقْتِ ، فَتَيَمَّمَ في أوله و صَلَّى ، و جهلَ بأنه إنْ وجدَه في الْوَقْتِ أعاد ، فإنْ لم يَفْعلْ حتى خرج الوقت فلْيُعِدْ أبدًا .
و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا يُعِيدُ إلاَّ في الْوَقْتِ ، و لا يُعِيدُ الأولَ . و لا أقول به .
قال مُطَرِّف ، عن مالك : و مَنْ لا يقْدِرُ من المرضى على مَسِّ الماء ، تَيَمَّمَ في الْوَقْتِ الذي يُصَلِّي فيه الناس ، و أما مريضٌ لا يجد مَنْ يُنَاوِله الماء ، أو لا يجد من يُوَضِّيه ، و يَضْعُف هو عن ذلك ، فلْيَتَيَمَّمْ آخرَ الوقت ، ثم إنْ قَدِرَ على الماء في بقية الوقت أعاد ، و الخائف كذلك .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مالك : و إذا خاف المسافر الجُنُبُ إنِ اغْتَسَلَ الموتَ أو العِلَّةَ الشديدة ، فلْيَتَيَمَّمْ ، و يُصَلِّي ، و لا يُعِيدُ في وقت و لا غيره .
قال مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون ، و أصبغ ، في المريض : إنه يَتَوَضَّأ ، فإنْ خِيفَ عليه ضرره تَيَمَّمَ إن قدر ، أو يُمِّمَ إنْ لم يَقْدِرْ .
قالوا : و إن أخذه العَرَقُ ، و يقدر أن يَتَوَضَّأ و يُصَلِّي قائمًا ، و لكنْ إنْ فعل قُطِعَ عنه العَرَقُ ، و خاف دوام العِلَّة ؛ فلْيَتْرُكْ ، و يتَيَمَّم ، و يُصَلِّي إلى القبلة إيماءً ، فإن خرج الوقت قبل زوال العرق لم يُعِدْ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عبد الملك بن الحسن ، قَالَ ابْنُ وهب : إذا لم يَقْدِر المبطون على الوضوء تَيَمَّمَ ، و كذلك المائد في البحر .
قال عيسى : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و إذا لم تَقْدِرِ النفساء على الغُسْلِ تَيَمَّمَتْ ، و لا بأس أنْ يُرْفَع إليها الماء في طبق .
***(1/114)
[1/117]
في مَنْ تَيَمَّمَ لصلاة فصَلَّى به
غيره ، من نافلة أو فريضة ،
و كيف إن كان تيممه لنافلة ،
و في التَّيَمُّم لنافلة أو لِمَسِّ مصحف
قال مالك ، و أصحابه : لا يتَيَمَّمُ لصلاة قبل وقتها ، و لا يُصَلِّي صلاتن بتيمم واحد .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال يحيى بن يحيى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في مَنْ صَلَّى الظهر و العصر بتَيَمُّمٍ واحد ، أو صَلَّى به صلوات جَهْلاً أو نِسْيانًا ، فَلْيُعِدْ ما زاد على وَاحِدَة في الْوَقْتِ ، و لو أعاد أبدًا كان أَحَبُّ إِلَيَّ .
قال عنه ابن الْمَوَّاز : يُعِيدُ أبدًا . و قال هو و ابن حبيب ، عَنْ أَصْبَغَ : إن كان وقت الصلاتين مُشْتَرَكًا كالظهر و العصر ، أعاد الثانية في الْوَقْتِ ، و إنْ كانتا كالعصر و المغرب أعاد الثانية أبدًا . و قال هذا معنى قول ابن القاسم .
و قال سَحْنُون ، في كتاب ابنه : يُعِيدُ الثانية ما لمْ يَطُلْ مثل اليوْمَيْنِ و أكثر قليلاً فلا يُعِيدُ ، و كذلك إن صَلَّى قبلها ركعتي الفجر بعد أن كان قال في هذه : يُعِيدُ في الْوَقْتِ . و في الفريضة : أبدًا .
قَالَ ابْنُ نافع ، في المجموعة ، عن مالك ، في الذي يَجْمَعُ بين الصلاتين : فلْيَتَيَمَّمْ لكل صلاة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من تَيَمَّمَ لصلاة ، ثم ذَكَرَ صلاةً قَبْلَها ، فَلْيُعِدِ التَّيَمُّمَ لها ، و يبدأُ بها ، و إن صَلاَّها بِالتَّيَمُّمِ الأول أعاد أبدًا .
***(1/115)
[1/118]
وذكر أبو الفرج ، عن مالك في ذاكر صلوات ، أن له قضاءهنَّ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ . و أُخْبِرْتُ عن بعض متأخِّرِي أصحابنا في المريض لا يَقْدِرُ على مَسِّ الماء ، أنَّ له أنْ يَجْمَعَ بينَ صلاتين بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ .
قال أبو زيد ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة ، في جُنُبٍ لا يَقْدِرُ أن يَمَسَّ جِلْدُهُ الماءَ ، فلْيَتَيَمَّمْ لكل صلاة ، و إن صَلَّى صلاتين بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أعاد . يريد : الثانية .
و من كتاب ابن سَحْنُون : و قَالَ ابْنُ القاسم في مَنْ تَيَمَّمَ لركعتي الفحر ، و صَلَّى به الصبح ، أو تَيَمَّمَ لنافلة ، فَصَلَّى به الظهر : إنه يُعِيدُ في الْوَقْتِ .
و رَوَى أبو إسحاق البرقي ، عن أشهب ، أنه يُجْزِئُهُ في صلاته الصبح بِتَيَمُّم ركعتي الفجر ، و لا يُجْزِئه إذا تَيَمَّمَ لنافلة ، فَصَلَّى به الظهر .
و من الواضحة : و مَنْ تَيَمَّمَ لنافلة فَصَلَّى به فريضة أعاد أبدًا . و لو تَيَمَّمَ للفريضة فَتَنَفَّلَ قبلها ، ثم صلاها ، أعاد في الْوَقْتِ . و مَنْ تَيَمَّمَ للنوم ، أو لِمَسِّ مصحف ، فَصَلَّى به أعاد أبدًا . و له أن يُوتِرَ بِتَيَمُّم العشاء ، و يُصَلِّيَها من التَّنَفُّل بما يشاء .
و قال سَحْنُون مثله ، في المجموعة ، و قال في كتاب ابنه : لا يُوتِرُ بِتَيَمُّم العشاء ، فإنْ فعل فلا شيء عليه .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في مَنْ تَيَمَّمَ للنوم ، و لا ينوي به تَيَمُّمَ الصلاة ، فلا يَتَنَفَّلُ به ، و لا يَمَسُّ به المصحف .
***(1/116)
[1/119]
قال ابن حبيب ، قال مالك : و إنْ تَيَمَّمَ مسافر للنومِ ، أو لِمَسِّ مصحف ، فله التَّنَفُّل به ، و له مَسُّ المصحف بِتَيَمُّم النوم .
قال حبيب بن الربيع ، قال مالك و أصحابه : لا بأس أن يتَيَمَّم لتَّنَفُّل ، أو لقراءة مصحف . و قال عبد العزيز بن أبي سلمة : لا يتَيَمَّم لنافلة ؛ لأنه ليسَ بضرُورَة ، و إنما يتَيَمَّمُ للفريضة التي لا بُدَّ منها .
قال مالك ، في المختصر : و للمُتَيَمِّمِ أن يَتَنَفَّل به ، ما لم يَطُلْ ذلك .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في المجموعة : و مَنْ تَيَمَّمَ للوِتْرِ بعدَ الفجر فله أن يركع به الفجر ، و إن تَيَمَّمَ لنافلة فله أن يُوتِرَ بذلك .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و مَنْ تَيَمَّمَ للتَّنَفُّلِ في غير وقت فريضة ، ثم تأخَّر تَنَفُّلُهُ ، فلا يَتَنَفَّل بذلك . قال عنه أبو زيد : فلا يركع للضحى بِتَيَمُّم الصبح . قال في كتاب ابن الْمَوَّاز : و إن لم يزلْ في المسجد . و قال أبو زيد عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة : و مَنْ تَيَمَّمَ لنافلة ، ثم خرجَ من المسجد لحاجة ، ثم عاد فلا يَتَنَفَّل به ، و لا يَمَسُّ المصحف . و لو تَنَفَّلَ حين تَيَمَّمَ ، ثم جلسَ في المسجد يتحدَّثُ ، ثم شاء أن يَتَنَفَّلَ ، فإن طال ذلك فلا يَفْعَلْ .
و من المجموعة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : و للمسافر الجُنُبِ لا يجدُ ماءً أنْ يتَيَمَّمَ لِمَسِّ المصحف ، و يقرأَ فيه ، و يسْجُدَ إنْ مَرَّ بسجْدَةٍ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سَحْنُون ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و مَنْ تَيَمَّمَ ، ثم نزعَ
***(1/117)
[1/120]
خُفَّيْهِ لم ينتقضْ تَيَمُّمُهُ .
في الماء بين نفر لا يكفي إلاَّ
أحدهم
من الْعُتْبِيَّة ، قال سَحْنُون في قوم تَيَمَّمُوا ، ثم وَجَدُوا من الماء كفاية أحدهم ، فَبَدَرَ إليه رَجُلٌ منهم ، فتَوَضَّأَ منه ، فلا ينتقض تَيَمُّمُ الباقين إذا لم يَمْلِكُون ، و هو كالصيد ، و لو أَعْطَوْهُ لأحدهم باختيارٍ منهم ، انتقضَ تَيَمُّمُهم أجمعين . و قال سَحْنُون ، في المجموعة : لا ينتقضُ إلاَّ تَيَمُّمُ المُسَلَّمِ إليه .
قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه : و إذا وجدَ المُتيمِّمانِ ما يكفي أحدَهما ، فلا يَنْتَقِضُ إلاَّ تَيَمُّمُ مَنْ أُسْلِمَ إليه .
قال في المجموعة : لا يَنْتَقِض تَيَمُّمُ أحدهما ، إلاَّ أن يُسَلِّمَه أحدُهما إلى صاحبه ، فيَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ المُسَلَّمِ إليه .
و قال سَحْنُون في الْعُتْبِيَّة : و لو أعطاهُما إيَّاهُ رَجُلٌ ، فقال : قد وَهَبْتُه لأحدهما . فمَنْ أسْلَمَه إلى صاحبه انْتَقَضَ تَيَمُّمُ التارك له . و كذلك في الجماعة يقول : هو لأحدِكم . إلاَّ في العدد الكثير ، كالجيش ، فلا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الباقين ، و إنْ قَلُّوا .
و لو قال : هذا لكم . فلا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الباقين .
و من سماع موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، و عن نفر في سفر ماتَ أحدُهم ، و آخَرُ جُنُبٌ ، و الثالث على غير وضوء ، و لهم من الماء ما يكفي
***(1/118)
[1/121]
واحدًا للغُسْلِ ، فإنْ كانَ للمَيِّتِ غُسِّلَ به, و إنْ كان بينهم فالحيُّ أَوْلَى به من المَيِّتِ ، و يُيَمَّمُ الميِّتُ . قال يحيى بن عمر : و على مَنِ اغتسل به حصَّةُ الميت ، إن كان له ثمن .
في وطء المسافر أهله ، و الجريح ، و شبهه
قا مالك : لا يطأُ المسافر أهله التي رأَتِ الطُّهْرَ من الحيضة ، حتى يكون معه ما يتطهَّران به .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و لو تَيَمَّمَتْ و معه هو ما يتطهَّرُ به فلا يطؤها . بذلك قال سَحْنُون : لا يطؤها حتى يكونَ معهما ما تتطهَّرُ هي به للحيضة ، ثم ما يَتَطَهَّرَانِ جميعًا من الجنابة ، و لا يطؤها بِالتَّيَمُّمِ ؛ لأن بأوَّلِ الملاقاة يَنْتَقِضُ التَّيَمُّم ، و لا بُدَّ لها من الغُسْلِ .
و في كتاب ابن شعبان : أنَّ له وطأها بِالتَّيَمُّمِ . قال : و قد اختَلَف قولُ مالكٍ في إكراه النصرانية على غُسْلِها من الحيضة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يُقَبِّلُ المسافرُ أهله إذا كان من وضوء في عدم الماء ، و لا يطؤها إلاَّ أن يضُرَّ به طولُ السفر في الحاجة إلى أهله . و قاله ابن المَاجِشُون ، و قاله أصبغ ، و رَوَى فيه حديثًا .
***(1/119)
[1/122]
قال ابن حبيب : و الْمَجْدُورُ ، و المَخْضُوبُ ، و المَجْرُوحُ الذي غيَّرَتِ الجِراحُ جَسَدَه أو جُلَّهُ ، يتَيَمَّمُونَ للجنابة و للوضوء ، و ليس عليهم أن يغتسلوا بالماء ، و لا بأس أن يطئوا نساءهم ؛ لأن أمرهم يطولُ ، بخلاف المسافر لا يجدُ ماءً ، إلاَّ أن يطولَ ذلك بالمسافر جِدًّا ، فيجوز له وطءُ امرأته .
و قَالَ ابْنُ وهب ، عن مالك في سماعه : إنه يُكْرَهُ لِلْمُسَافَرِ لا ماءَ معه أنْ يُجَامِعَ . و قال عنه ابن القاسم : ليس له أن يُدْخِلَ على نفسه أكثرَ من الحَدَثِ .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك في مَنْ تُصِيبُهُ الشجَّةُ أو تَنْكَسِرُ يدُه ، فيرْبِط عليها عِصَابةً ، أيُصِيبُ أهلَهُ ؟ قال : أرجو ألاَّ يكونَ به بأسٌ ، و لعلَّ ذلك يطولُ عليه ، و يحتاجُ إلى أهله ، و ليس كاِلْمُسَافَرِ .
في مَسِّ المصحف و قراءة القرآن ،
و دُخُولِ المسجدِ للجُنُبِ و الحائضِ ،
أو لغيرِ متوضِّئ ، و مَسّ ما فيه ذِكْرُ الله
قال مالك ، في المختصر : أرجو أن يكونَ مسُّ الصبيان المصاحف للتعليم على غير وضوء خفيفًا ، و لا بأس بإمساكهم الألواح .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك ، في الْعُتْبِيَّة : إنه استخفَّ للرَّجُلِ
***(1/120)
[1/123]
و الصبي يتعلَّمُ إمساك اللوح فيه القرآن على غير وضوء . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و كذلك المُعَلِّمُ يَشْكُلُ ألواح الصبيان .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يَمَسُّ مَنْ ليس على وضوء مصحفًا و لا جُزْءًا ، و لا ورقة ، و لا لوْحًا ، و يُكْرَه ذلك للمُعَلِّمِ إلاَّ على وضوء . و يُسْتَخَفُّ للصبيان مَسُّ الأجْزَاءِ للتعليم ، كالألواح و الأكتاف ، و يُكْرَهُ لهم مَسُّ المصحف الجامع إلاَّ على وضوء .
و من الْعُتْبِيَّة قال أبو زيد : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا بأس أن تَمْسِكَ الحائضُ اللوح تَقْرَأُ فيه و تَكْتُبُ فيه القرآنَ ، على وجه التعليم .
و رَوَى أشهب عن مالك ، قال : لا أرى لغير مُتَوَضِّئ مَسَّ اللوح فيه القرآنُ ، و لا بأس بما تُعَلِّقُهُ الحائض و الصبيان من القرآن إذا أُخْرِزَ عليه ، أو جُعِلَ في شيء يَكِنُّه ، و لا بأس أنْ يُكْتَبَ للحُبْلَى يُعَلَّق عليها من القرآن و ذِكْرِ الله و أسمائه ، و أما ما لا يُعْرَفُ ، و الكتابُ العبرانيُّ فأكرهُهُ . و كَرِهَ العَقْدَ في الخيط .
قال مالك في المختصر : و لا بأس بأن تقرأ الحائض القرآن ، بخلاف الجُنُبِ .
و ذَكَرَ الأبهري ، أنَّ قول مالك اختلفَ في قراءَتِها القرآن . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إلاَّ أنها لا تَدْخُلُ المسجد ، و لا مسجد بيتها .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بأس أن يقرأ الرَّجُلُ القرآن قائمًا ، و قاعدًا ، و ماشيًا ، و راكبًا ، و مضطجعًا ، ما لم يكُنْ جُنُبًا . و من كتَبَ الآية و الآيتين على غير
***(1/121)
[1/124]
وضوء ، أو قرأ كتابًا فيه آياتٌ من القرآن ، فهذا خفيفٌ . و إذا كان غيرُهُ يُمْسِكُ له المصحفَ ، و يُصَفَّحُ له الورق ، فلا بأس أن يقرأ هذا فيه .
قال لي أبو بكر : و لا يُصَفِّحُ له الورق بعودٍ أو غَيْرِه .
قال ابن حبيب : لا يجوز لِلْجُنُبِ أن يقرأ القرآنَ ، لا نَظَرًا و لا ظاهِرًا ، حتى يَغْتَسلَ . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إلاَّ أنَّ مالكًا قال : لا بأس أنْ يقرأ الجُنُبُ الآيات عند نوم أو عند رَوْعٍ . قال مالك : و لقد حرَصْتُ أنْ أجِدَ في قراءة الجُنُبِ القرآن رُخْصَةً فما وَجَدْتُها .
قال مالك ، في المختصر : لا يقرأ لجُنُبُ إلاَّ الآياتِ اليسيرة .
و من الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : اسْتَخَفَّ مالكٌ في الخَاتَمِ المنقوش ، و هو في الشمال ، إن اسْتَنْجَى به ، قال : لو نَزَعه كانَ أَحَبُّ إِلَيَّ ، و فيه سَعَة ، و لم يكنْ مَنْ مضى يَتَحَفَّظ من هذا .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و أنا أسْتَنْجِي به ، و فيه ذِكْرُ الله سبحانه .
و كَرِهَ ابن حبيب أن يُسْتَنْجَى به .
قال موسى : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة : لا بأس أن يَتَوَضَّأ الرَّجُلُ في صحن المسجد وضوءًا ظاهرًا ، و تركُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ . قال لنا أبو
***(1/122)
[1/125]
بكر : و قد فعله موسى بن معاوية في صحن مسجده . قال سَحْنُون : لا يَنْبَغِي ذلك . و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : كَرِهَهُ مالك ، و إنْ كان في طَسْتٍ .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : قال مالك في المساجد تكون في البيوت : أكْرَهُ لِلْحَائِضِ أن تَدْخُلَهَا . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مالك : لا يجلس الجُنُبُ و الحائض في مسجد بيتهما ، و لا يَدْخُلا المسجد لا مُجْتَازَيْنِ و لا لجلوس فيه .
و من المجموعة قال عنه ابن نافع : و لا يَمُرُّ جُنُبٌ و لا حائض في المسجد مَرًّا . و لا بأس أن يجلس فيه غيرُ مُتَوَضِّئ .
و قال بعض أصحابنا في مَنْ نام في المسجد فَاحْتَلَمَ ، قال : يَنْبَغِي أن يتَيَمَّمَ لخروجه منه . و قد ذَكَرْنا في آخِرِ اختصار الصلاة بابًا في المصاحف ، و بابًا في المساجد ، ففي ذلك من هذا المعنى .
في الْحَيْضِ و الطُّهْرِ ، و مَبْلَغِ القرْءِ
و الْحَيْضَة
من المجموعة ، قال عبد الملك : لا تكون حَيْضَةٌ يَبْرأ بها الرَّحِمُ أقلَّ من خمسة أيام ، و لكِنْ تَدَعُ فيه الصلاة ، و هو كالتَّرِيَّةِ ، و لا يُفَرِّقُ بين حَيْضَتَيْنِ من الطُّهْرِ أقلُّ من خمسة أيام ، و هذا مأخوذ من عُرْفِ النساء ،
***(1/123)
[1/126]
أو أنه مما جُرِّبَ و عُرِفَ من عُرْف النساء .
قال المغيرة : و مَنْ قَلَّ دمُها كثُرَ أيام طُهْرِها ، و مَنْ قلَّ طُهْرُها كَثُرَ دَمُتها . قَالَ ابْنُ دينار : لولا ذلك لَحَلَّتِ الْمُطَلَّقَة في أَقَلَّ مِنَ الشَّهْرِ . قال ربيعة : لا تَحِلُّ في أقلَّ من خمسة و أربعين ليلة ، و بلَغَنا مِثله عن مالك ، و عبد العزيز . و قال سَحْنُون : أقلُّ الطُّهْرِ ثمانية أيام . و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : عشرة أيام .
و رُوِيَ عن سَحْنُون : أقلُّ ما تَنْقَضِي به عِدَّةُ الْمُعْتَدَّةِ أربعون يومًا . فهذا بَدَلٌ من قَوْلِهِ : إنه جعل أقلَّ الحَيْضِ خمسة ، و أقلَّ الطُّهْر خمسة عشر يومًا .
و قال محمد بن مسلمة : أقلُّ الحيض في الْعِدَّةِ ثلاثة أَيَّام ، و أكثرُه خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا ، و إذا كانت امرأةٌ تحيضُ يومًا و تَطْهُرُ يومًا ، فإذا كان ما لَفَّقَتْ من أيام الدَّم خَمْسَةَ عَشَرَ في كُلِّ شَهْرٍ ، لم تكن مُسْتَحَاضَةً حَتَّى تُلَفِّقَ من أيام الدم أكثر من خمسة عشر في كل شهر أو من الطُّهْر أقل من خمسة عشر ، فتكون حينئذ مُسْتَحَاضَة .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز : و إذا رأت المرأة دمًا بعد طُهْرِها بأيام كثيرة ، فرأته يومًا أو يومين ، فلْتَدَعْ له الصلاة ، و لا يكون ذلك في عِدَّةٍ ، و لا اسْتِبْرَاء حَيْضَة ، و يُسْأَلُ عنه النساء, و لا تكون حَيْضَةٌ يومًا . يريد : و تدَعُ له الصلاة ، و تَغْتَسِلُ منه .
و من المجموعة ، و الْعُتْبِيَّة ، رواية عيسى ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ،
***(1/124)
[1/127]
في التي يَخْتَلِطُ عليه الدم ، فإنَّ اليومَ الذي ترى فيه الدَّمَ و إن ساعةً تَحْسِبُهُ يومَ دَم . يريد : و إنِ اغْتَسَلَتْ في باقيه و صَلَّتْ .
قال في التي لا ترى الدم إلاَّ في كل يومٍ مَرَّةً : فإنْ رأتْهُ صلاة الظهر فتركت الصلاة ، ثم رَأَتِ الطُّهْرَ قبل العصر ، فلتحْسِبْهُ يومَ دمٍ ، و تَطْهُر و تُصَلِّي الظهرَ و العصر .
و من المجموعة : قال عليٌّ ، عن مالك : و ما رَأَتْ من الصُّفْرَة أَيَّامَ الْحَيْضِ أو أَيَّام الاسْتِظْهَارِ ، فهو كَالدَّمِ ، فإنْ رَأَتْهُ بعدَ ذلك فهي مُسْتَحَاضَةٌ . قال عليٌّ : دمُ الْحَيْضَةِ أسودُ غليظُ ، و دمُ الاسْتِحَاضَة أَحْمَرُ رَقِيقٌ .
قال عليٌّ ، عن مالك في الْمَرْأَة تَرَى الماء الأَبْيَض من غير حَيْضٍ ، قال : تتوضأ . قال عنه ابن القاسم : و كذلك إنْ رَأَتْهُ بِقُرْبِ الوِلادَةِ .
قال عنه عليٌّ : و إذا رَأَتْ أَوَّلَ اللَّيْلَ دَمًا ، و انقطعَ عند الصُّبْح ، فَانْتَظَرَتْ يَوْمهَا فلم تَرَ شَيْئًا ، فَلْتَغْتَسِلْ ، و تعيدُ ما تَرَكَتْ من حينِ ارْتَفَعَ . يريد : تقدير وقتِ الغُسْلِ .
و من الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك ، فِي الْمَرْأَةِ تَرَى دمًا عند وضوئها ، فإذا قامت ذهب عنها ، قال : لا تَدَعُ الصلاة ، إلاَّ أن تَرَى دَمًا تُنْكِرُهُ . يريد : و تَغْتَسِلُ منه . و إنْ تَمَادَى عند كل وضوء حَتَّى تجاوَز أيَّامها
***(1/125)
[1/128]
و الاسْتِظْهَارَ ، ثم هي مُسْتَحَاضَةٌ . قال أبو محمد : لعلَّ مالكًا يريد : تراه عند كل وضوء أبدًا ، فتكون مُسْتَحَاضَةً .
و قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في هذه المسألة ، عن مالك : تَسُدُّ ذلك ، و تُصَلِّي ، و لا غُسْل عليها ، كما تَصْنَعُ الْمُسْتَحَاضَة أَوَّلَ ما يصيبها . قال يحيى بن عمر : لا أَعْرِفُ هذه الرواية .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك في هذه المسألة : و ليس على الْمَرْأَة أن تقوم فتَنْظُرَ طُهْرَهَا قبل الفَجْر ، و ليس من عَمَل الناس . قال عنه عليٌّ في المجموعة : و إِنَّمَا عليها أَنْ تَنْظُرَ عند النوم و عند صلاة الصُّبْحِ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إذا رَأَتِ الطُّهْرَ غُدْوَةً ، فلم تَدْرِ أكان قبل صلاة الصُّبْحِ أو بعدَه ، فلا تَقْضِي صَلاة اللَّيْل حَتَّى تُوقِنَ أنه قبلَ الفجر ، و لكن تَصُومُ يَوْمَهَا إن كان رمضانَ ، و تقضيه احْتِيَاطًا .
و من المجموعة ، قال عليٌّ عن مالك : و القَصَّةُ الْبَيْضَاء ما ابْيَضَّ كَالْمَنِيِّ . قال عنه ابن القاسم : فإذا كانت مِمَّنْ تَرَى القَصَّةَ ، فرَأَتِ الْجُفُوف ، فلا تُصَلِّي حَتَّى تَرَاها ، إلاَّ أن يكون ذلك بها .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : الْقَصَّة ما ابْيَضَّ ، عَلَمٌ لِلطُّهْرِ ، و منهن من تَرَى الْجُفُوفَ ، فتلك لا يُطَهِّرُهَا الْقَصَّةُ ، و أما التي علامتها الْقَصَّة فَتَرَى الْجُفُوفَ فذلك طُهْرٌ لها ؛ لأن الحيضَ أَوَّلُه دم ، ثم صُفْرَة ، ثم تَرِيَّة ، ثم كُدْرَة ، ثم يصير رَقِيقًا
***(1/126)
[1/129]
كَالْقَصَّةِ ، ثم يَنْقَطِعُ .
قال مُطَرِّف ، و ابن القاسم : و التي كما بلغَتْ فلا تَطْهُر حَتَّى تَرَى الْجُفُوفَ ، ثم تَجْرِي بعد ذلك على ما يَنْكَشِف لها من علامة طُهْرِهَا .
قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : و إذا اغتسلتْ من حَيْضَة أو نفاسٍ ، ثم رَأَتْ قطرة دمٍ أو غُسَالَة دم ، لم تُعِدِ الْغُسْل ، و لْتَتَوَضَّأْ ، و هذا يُسَمَّى التَّرِيَّة .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب ، عن مالك ، فِي الْيَائِسَةِ تدفع دفعةً أو دَفْعَتَيْنِ : فَلْتَسْأَلْ عنه النساء ، فإن كان مِثْلُها تحيض اغْتَسَلَتْ ، و كذلك التي تَنْقَطِعُ حيضتها سنين ، ثم تَرَى صُفْرَةً .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إذا قُلْنَ مثلها لا تحيض . فلا تَدَعُ الصلاة لذلك ، و لكنْ تَغْتَسِلُ إذا انْقَطَعَ ، فإن أَشْكَلَ فيه الأمرُ تركتِ الصلاةَ كَالْحَيْضَةِ .
و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في المجموعة : إذا قُلْنَ مثلها لا تحيض . فلا غُسْل عليها منه .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : إذا قُلْنَ : مِثْلُها تحيض . كانت حَيْضَة . فإن تَمَادَى بها ، كانت مُسْتَحَاضَةً ، و إن قُلْنَ : مثلها لا تحيضُ . تَوَضَّأَتْ ، و صَلَّتْ ، و لم تترك الصلاة لذلك الدمِ ، و لم تَغْتَسِلْ له إذا انْقَطَعَ . و نحوه في المجموعة عن مالك .
***(1/127)
[1/130]
في وطء الْحَائِض و النُّفَسَاء ، و في
غَسْلِ ثوبها ، و هل تَتَوَضَّأ لِلنَّوْمِ
من المجموعة ، قَالَ ابْنُ وهب ، و عليٌّ ، قال مالك في مَنْ وَطِئَ حَائِضًا : ليس في ذلك كَفَّارَةٌ إلاَّ التَّوْبَةُ ، و التَّقَرُّبُ إلى الله سبحانه .
قال عليٌّ : و كذلك إن وَطِئَهَا بعد الطُّهْرِ و قبل الْغُسْلِ .
قال عنه ابن نافع : و النُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ ، لا يَقْرَبُهَا إلاَّ فيما فوق الإزَار .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لا تُقْرَبُ الْحَائِضُ من حدِّ الإزار لِلذَّرِيعَةِ ، و ليس بِضَيِّق إذا اجْتُنِبَ الفَرْجُ . و قاله أصبغ .
قَالَ ابْنُ حبيبك و ما رُوِيَ في وَطْئِهَا من صدقة دينار و نصف دينار ، و أن ابن عباس قال : دينارٌ في أَوَّلِ الدم ، و أما في الصُّفْرَة فَلْيَتَصَدَّقْ بنصف دينار . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ليس فيه حَدٌّ ، و لكن يُرْجَى بِالصَّدَقَةِ تَكْفِير الذَّنْب .
***(1/128)
[1/131]
قال مالك ، في المختصر : و إذا اغْتَسَلَتِ الْحَائِضُ فليس عليها غَسْلُ ثوبها ، و لْتَغْتَسِلْ ما أصاب منه الدمُ ، و تَنْضَحْ ما بَقِيَ منه ، إن خَافَتْ أن يكون أصابه شيء ، و ليس عليها الوضوء عند النوم . و قد جرى من هذا في باب آخَرَ .
جامع القول في الْمُسْتَحَاضَةِ
و من الواضحة ، و غيرها : و اختَلَفَ قولُ مالك في الْحَائِضِ يزيد دمُها على أَيَّام حيضتها ، فقال المصريون من أصحابه بِقَوْلِهِ : تَسْتَظْهِر بثلاث على أَيَّامها ما لم تُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ . و قال المدنيون بِقَوْلِهِ : لا تَسْتَظْهِرُ ، و تَبْلُغُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا . و بالأول قال أَصْبَغُ ، و ابن حبيب .
و من كتاب آخَرَ ، و قال المغيرة : لا تَسْتَظْهِرُ . و قال محمد بن مسلمة : تبلغ إلى خَمْسَةَ عَشَرَ ، لاحْتِمَال أن تَنْتَقِلَ حيضتها ، فإذا رَأَتْ على أكثر الْحَيْضِ صارت مُسْتَحَاضَةً ، ثم إذا أقبلت الْحَيْضَةُ فحينئذ تَنْظُرُ عدد الليالي و الأيام التي كانت تحيضهنَّ من الشهر ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم . و لو
***(1/129)
[1/132]
كان الْحَيْض تَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ لكانت تجلس أكثر من عدد الليالي و الأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن تُسْتَحَاضَ ، و هذا خلاف الخبر .
و لابن وهب رواية عن مالك أيضًا : إذا تَمَادَى بها الدَّمُ ، فَلْتَسْتَظْهِرْ بيوم أو يَوْمَيْنِ .
و لابن نافع عن مالك ، في كتاب ابن سَحْنُون رواية مُنْكَرَة ، أنها تَسْتَظْهِرُ على خَمْسَةَ عَشَرَ . فأَنْكَرَ سَحْنُون أن يكون هذا من قول مالك .
و قال أبو بكر بن الجهم – في قول مالك : تَسْتَظْهِرُ على أَيَّامهَا بثلاث ، ثم تَغْتَسِلُ و تُصَلِّي و تصوم - : فذلك عندي على أن تَقْضِيَ الصوم فيما بعد الثلاث إلى خَمْسَةَ عَشَرَ ، و تَغْتَسِلُ بعد الخمسة عشر غُسْلاً ثانيًا ، و هو الواجب ، و الأول احْتِيَاط ، و أُحِبُّ لِزَوْجِهَا أن لا يصيبها بعد الثلاث إلى خَمْسَةَ عَشَرَ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لا تزالُ الْمَرْأَةُ بعد استظهارها ، و بعد بُلُوغ الخمسة عشر تَوَضَّأَ و تُصَلِّي و تصوم .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز : و رَوَى ابن وهب ، عن مالك ، قال : إنَّا لنقول : تَسْتَظْهِرُ الْحَائِضُ . و ما نَدْرِي أحقٌّ هو أم لا . و قال في موضع آخر : فَلأنْ تُصَلِّيَ و ليس عليها أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَتْرُكَها و هي عليها .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و المختلفة أَيَّامهَا ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : تَسْتَظْهِرُ على
***(1/130)
[1/133]
أكثرها . و أنا أقول : على أقلِّها . و قول ابن حبيب على أقلِّها لا يَصِحُّ ؛ لأن إحدى عاداتها في الْحَيْضِ قد تُجَاوِزُ أقلَّها مع الاسْتِظْهَار .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إذا رَأَتْ يومًا دَمًا و يومًا طُهْرًا ، فَلْتُلَفِّقْ أَيَّام الدم حَتَّى تُجَاوِزَ أيامها و الاسْتِظْهَارَ . و لو رَأَتْ في اليوم قطرةً كان يومَ دمٍ ، و إن اغْتَسَلَتْ منه ساعة انْقَطَعَ ، ما لم يَكُنْ من الدَّمَيْنِ عشرة أَيَّام . فيكون حَيْضًا مُؤْتَنَفًا . و لو جَهِلَتِ المأمُورةُ بِالاسْتِظْهَارِ ، و تَرَكَتِ الصلاة حَتَّى انْقَطَعَ ، فلا تَقْضِي إلاَّ ما زاد على خَمْسَةَ عَشَرَ .
و من الْعُتْبِيَّة ، رَوَى أبو زيد عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، قال : إذا تركتِ الصلاة بعد أَيَّام الاسْتِظْهَارِ جَهْلاً ، فر تقضيها ، و إن قَضَتْهَا فهو أَحَبُّ إِلَيَّ . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إلاَّ ما زادتْ على خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا .
قَالَ ابْنُ عبدوس : و أنكر سَحْنُون ما ذكر في الْمُسْتَحَاضَة تقيم شهرًا لا تُصَلِّي جاهلة لا قضاء عليها . و أنْكَرَ أنْ يُرْوَى ، و قال : لا تُعْذَرُ في الصلاة بِالْجَهْلِ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن انْقَطَعَ عن الْمُسْتَحَاضَةِ الدمُ ، اسْتُحِبَّ لها الْغُسْلُ ، فإن صَلَّتْ بغير غُسْلٍ لم تُعِدْ .
و رَوَى أشهب ، عن مالك ، في الْعُتْبِيَّة ، قال : إذا انْقَطَعَ عَنِ الْمُسْتَحَاضَةِ الدمُ في غير أَيَّام حيضتها ، فَلْتَغْتَسِلْ ، و تُصَلِّي . قال عنه ابن القاسم ، في المجموعة : أحْبَبْتُ لها أن تَغْتَسِلَ . و قال عنه عليٌّ : الأمرُ فيها على حديثِ هشام بن عروة ، فليس عليها إلاَّ غُسْلٌ واحدٌ ، و أَحْسَبُ حديثَ ابن
***(1/131)
[1/134]
المسيب دخله وَهْمٌ ، في قوله : تَغْتَسِلُ من طُهْرٍ إلى طُهْرٍ . و أَحْسَبُه من ظُهْرٍ إلى ظُهْرٍ . و قال غير مالك : إنه مذهبٌ لابن المسيب ، تَغْتَسِلُ كُلَّ يوم ، كما يُسْتَحَبُّ لها الوضوء لكُلِّ صلاة .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ في المجموعة ، عن مالك : و إن اسْتُحِيضَتْ شهرًا فخافت أن تكون طرحت طرْحًا ، قال : إن شَكَّتْ فلم تُوقِنْ أنه مِنْ حَمْلٍ ، عَمِلَتْ عَمَلَ الْحَائِضِ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إذا تَمَادَى بها الدم في البلوغ ، جَلَسَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا ، في قول مَنْ لا يَرَى الاسْتِظْهَارَ ، و من رآه يقول : تَجْلِسُ قَدْرَ لِدَاتِها
***(1/132)
[1/135]
بغير اسْتِظْهَار . وقال ابن كنانة و ابن عبد الحكم ، و أصبغ : تَسْتَظْهِرُ على أَيَّام لِدَاتِها . و ذَكَرَه ابن الْمَوَّاز ، عَنْ أَصْبَغَ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عن مالك ، في الْمُسْتَحَاضَة تَرَى دَمًا لا تشكُّ أنه دم حيضٍ ، قال : تدعُ له الصلاة ، فإن تَمَادَى بها الدمُ اسْتَظْهَرَتْ فيه بثلاث على أَيَّامهَا ، و إن عاودها دمُ الاسْتِحَاضَةِ بعد أَيَّام حيضتها ، صَلَّتْ بغير اسْتِظْهَار . يريد : بعد أن تَغْتَسِلَ . و رَوَى مثله ابن القاسم ، و عليٌّ عن مالك ، في المجموعة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ك هذا قول ابن القاسم .
قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : سواء عاودها دم الاسْتِحَاضَةِ الخفيفُ ، أو دام بها الدم العبيط دم الْحَيْض ، إنها تَسْتَظْهِرُ بثلاث . فرأى هذه أن تَسْتَظْهِرَ ، و لم يَرَه في التي يتمادى بها الدم بعد أَيَّام حيضتها ، و لم تُسْتَحَضْ قبل ذلك ، سواء استُحِيضَت أَوَّل بلوغها أو بعد .
و قال أَصْبَغُ : تَسْتَظْهِر هذه و تلك في الدمين جَمِيعًا . و قال مُطَرِّف : تجلس كلهن خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا .
و قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : تجلس في أَوَّل الاستحاضة خَمْسَةَ عَشَرَ و في آخرها يقول بِالاسْتِظْهَارِ . كما ذكرنا .
و قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : قال أَصْبَغُ : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إذا تَمَادَى بِالْمُسْتَحَاضَةِ دمٌ تُنْكِرُهُ ، اسْتَظْهَرَتْ بثلاث . قال أَصْبَغُ : و قال مَرَّةً ، فيما أعلم : لا تَسْتَظْهِرُ . و ليس هذا بشيء .
***(1/133)
[1/136]
في الحامل تَرَى الدم على حملها
من المجموعة ، رَوَى عليُّ بن زياد ، عن مالك ، في الحامل تَرَى الدم ، قال : تَكُفُّ عَنِ الصَّلاَةِ أَقْصَى ما تُمْسِكُ جُلُّ الحوامل ، حَتَّى تَرَى أن ذلك منها لسُقْمٍ ، ليس مما يَعْرِضُ لِلْحَوَامِلِ . قال عنه ابن نافع : إذا رَأَتْهُ أيامًا ، ثم انْقَطَعَ ، فتغتسل ، و تُصَلِّي ، و لا تُصَلِّي في الدم .
قال عنه ابن وهب : و كذلك في الصُّفْرَةِ و الْحُمْرَة . قال في المختصر : و الْكُدْرَة .
قال أشهب : و إذا كانت من أَوَّلِ الْحَمْلِ تَحِيضُ ثم تَسْتَرِيبُ ، فَلْتَسْتَظْهِرْ ، و إلاَّ فلا .
قال سَحْنُون : لم تُؤْمَرْ بِالاسْتِظْهَارِ ؛ إذ لا تُرَدُّ إلى أَيَّامهَا ، لكن إلى أكثر ما تَجْلِسُ الْحَوَامِل مِنَ الدَّمِ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : مذهب ابن القاسم : إن رَأَتْهُ في أَوَّل الْحَمْلِ جَلَسَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا ، و في آخره ثلاثين يومًا . و قوله في المدونة : إن رَأَتْهُ بعد ستة أشهر و نحوها جَلَسَتْ ما بينها و بين العشرين ؛ لأن مالكًا فرَّقَ بين أَوَّله و آخِرِه ، و لم يُحَدِّدْ معنى أَوَّلِ الحمل في ثلاث شهور و نحوها .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، و قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : تَجْلِسُ خَمْسَةَ عَشَرَ ، كان في أَوَّل الحمل أو آخره ؛ لِلاخْتِلافِ فيه ، و أن بعض السلف لا يراهُ حَيْضًا .
***(1/134)
[1/137]
قَالَ ابْنُ المَاجِشُون ، في المجموعة عن مالك ، و قال به : إنها تَقِفُ على أَيَّام حيضتها ، و لا تحتاط كما يحتاط غيرها .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، و قال أشهب ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ : تَسْتَظْهِرُ على أَيَّامهَا في أَوَّلِهِ و آخره . و رواه أشهب ، عن مالك .
و قال أشهب ، في كتاب ابن الْمَوَّاز : إن مالكًا أفتى به امرأة و هي في خمسة أو ستة أشهر . و رواه ابن وهب ، عن مالك .
قال أشهب : أَوَّلُ الحمل و أخِره سواءٌ ، و تَسْتَظْهِرُ في ذلك بثلاثة أَيَّام . و أعاب قولَ مَنْ قال : ليس أَوَّلُ الحملِ كآخِره ؛ لأن الدم يَحْتَبِسُ . و قال : رأيتُ مَن قعدت عن المحيض سنة ، و هي مِمَّنْ تحيض ، ثم أتاها الحيضُ ، أتزيدُ في استظهارها عن تَمَادَى بها الدم على ثلاثة أَيَّام ؛ لأن دمها احْتَبَسَ ، فليس هذا بشيء .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، و قَالَ ابْنُ وهب : تُضَعِّفُ أَيَّام حيضتها ، و تَغْتَسِلُ ؛ لأنها أكثرُ دَمًا من الحامل .
و قال مُطَرِّف ، عن مالك : تَجْلِسُ في أَوَّلِ شهور الحمل أَيَّامها و الاستظهارَ ، و في الثاني تُثَنِّي أَيَّام حَيْضَتِهَا و لا تَسْتَظْهِر ، و في الثالث تَجْلِسُ مثل أَيَّامهَا ثلاث مرات ، و في الرابع تُرَبِّعُها هكذا ، حَتَّى تبلغَ ستين ليلة ، ثم لا تزيدُ . و قول أشهب أَحَبُّ إِلَى ابن حبيب .
و أَنْكَرَ ابن المَاجِشُون في المجموعة ، قول مُطَرِّف هذا الذي ذَكَرَ ابن حبيب ، و قال : ليس بقول مالك . و هذا خطأ ، و لا تكونُ نفساء إلاَّ عند ولادة ،
***(1/135)
[1/138]
و الاسْتِحَاضَة لمالك بها ، و طرح مالكٌ فيها أَيَّام الْحَيْضَة ؛ لِلاخْتِلافِ فيها .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و أشهب ، عن مالك ، في الحامل تَرَى ماءً أبيضَ . قال عنه ابن القاسم : في آخِرِ الحمل أو أَوَّلِهِ أو وَسَطِه ، فليس عليها إلاَّ الوضوء .
القول في النُّفَسَاء
من الْعُتْبِيَّة قال أشهب ، عن مالك ، في التي تَلِد فلا تَرَى دَمًا ، قال : تَغْتَسِلُ . قال مالك ، في موضع آخَر : بلغَنَا أنها إنْ تَمَادَى الدم ، جَلَسَتْ شَهْرَيْنِ ، و لم يَثْبُتْ عندنا هذا التوقيتُ ثباتَ توقيتِ الْحَيْض ، و أرى أن تُسْأَلَ عنها النساء .
قال محمد بن مسلمة : أَقْصَى النفاس شَهْرَانِ .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : إنها يُرجَعُ فيها إلى الغالب من حال النساء ، كَالْحَيْضِ و الاسْتِحَاضَةِ ، و الغالبُ في تَرَبُّصِهَا شَهْرَانِ ، فإن تَمَادَى اغْتَسَلَتْ و تَتَوَضَّأ لكُلِّ صلاة ، كَالْمُسْتَحَاضَةِ ، إلاَّ أن تَرَى دَمًا جديدًا ، فترجعَ إلى معنى الاسْتِحَاضَة .
أبو محمد : يعني أنها تَتَرَبَّصُ ما دام ذلك الدم يأتيها خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا ، ثم تصير مُسْتَحَاضَةً . قال : و الذي قيل مِنْ تَرَبُّصِ النُّفَسَاء أَرْبَعِينَ
***(1/136)
[1/139]
ليلة أمرٌ لم يَقْوَ ولا عَمَلَ به عندنا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إذا رَأَتِ النُّفَسَاء الْجُفُوفَ ، فلا تَنْتَظِرُ ، و لْتَغْتَسِلْ ، و إن قَرُبَ ذلك من ولادتها ، و إن تَمَادَى بها الدم ، فإن زادَ على ستين ليلة ، فَلْتَغْتَسِلْ , و لا تَسْتَظْهِرْ .
قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : ما بين الستين إلى السبعين ، و الوقوف على الستين أَحَبُّ إِلَيْنَا .
و من المختصر ، لابن عبد الحكم : و إذا طال بِالنُّفَسَاءِ الدمُ فَلْتَنْظُرْ أَيَّام الدم ، فتحْسِبُه ، و لا تحْسِبُ أَيَّام الطُّهْرِ . يريد : و تَغْتَسِلُ كلما رَأَتْهُ . فإذا اجْتَمَعَ لها من أَيَّام الدم أكثر ما تُخْبِرُ النساء الدمَ في نفاسِهِنَّ ، اغْتَسَلَتْ و صَلَّتْ ، فتَتَوَضَّأ لكل صلاة ، و إن تَمَادَى بها . قال أبو بكر الأبهريُّ : يريد إذا كان من الدَّمَيْنِ أقلُّ مِنَ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا ، فأما إن كان من الدمِ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا ، فالدم الذي بعده حيضٌ مُؤْتَنَفٌ .
في الوضوء في الصُّفْرِ ، و بِالْمَاءِ الساخن ،
و غَسْلِ اليد من الغَمَر ، و غَسْلها من
الطعام و قبله
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ أشهب ، عن مالك ، و ذَكَرَها في المجموعة ابن نافع عن مالك ، قال : لا بأس بِالْوُضُوءِ في الصُّفْرِ
***(1/137)
[1/140]
و الحديد ، و قد أبى ابن عمر أن يَتَوَضَّأَ في تَوْرِ نحاسٍ ، و أُراهُ نَحَاهُ ناحية الفضة .
و من كتاب آخَرَ أن عمر بن عبد العزيز كان يُسَخَّنُ له فيه الماء للوضوء و الْغُسْلِ .
و في كتاب البخاري ، أن النبي صلى الله عليه و سلم تَوَضَّأَ في تَوْرِ نُحَاسٍ .
قال أشهب ، عن مالك في الْعُتْبِيَّة ، و ذَكَرَ في المجموعة ابن نافع عن مالك ، قال : و لا بأس بِالْوُضُوءِ بِالْمَاءِ السُّخْنِ ، فأما الْغُسْلُ من ماء الحَمَّام السُّخْنِ فمن البئر أَحَبُّ إِلَيَّ ، و ما دخول الحَمَّامِ بصواب .
قال عنه ابن نافع ، في المجموعة : لا بأس بِالْغُسْلِ منه إن كان طاهرًا .
و قال عنه أشهب : إنه كَرِهَ غَسْلَ الرأس بالبيض ، و غَسْلُ اليد بالأَرُزِّ أخفُّ من هذا ، مثلُ الأُشْنان .
قال عنه ابن القاسم : إنه كَرِهَ غَسْلَ رأسه بِاللَّبَنِ و بِالْعَسَلِ . قال : و غيره أَحَبُّ إِلَيَّ .
قال عنه أشهب : إنه كَرِهَ غَسْلَ الْيَدِ قبلَ الطعام .
***(1/138)
[1/141]
قال في المختصر : و إن أَكَلَ دَسَمًا غَسَلَ يدَه ، و تَمَضْمَضَ .
قال عنه ابن نافع في المجموعة : و ليس بواجب ، و كذلك أُحِبُّ لمن أكَلَ رُطَبًا أو فاكهة أن يتمضمض ، و ذلك يختلف في قيامه إلى الصلاة بإثر ذلك أو بعد وقت ، بقدر ما يذهب عن فيه .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عنه أشهب : كان عمر يَتَمَنْدَلُ بباطن قَدَمَيْهِ ، فقيل : أيتوضأ بدقيق أو فولٍ أو نُخالةٍ ؟ قال : لا عِلْمَ لي ، إن أعياهُ شيء فبالتراب ، و قد نهى عمر عن التَّنَعُّمِ ، فإنه من فعْل العجم .
و أجاز ابن نافع ذلك بِالنُّخَالَةِ ، و كَرِهَهُ سَحْنُون ، أو بشيء مما يُؤْكَلُ أو بِالْمِلْحِ . و تقدَّمَ في باب آخَرَ غَسْلُ اليد من الغَمَرِ .
في زَيْتِ الْفَأْرَة ، و في أَلْبَانٍ تُطْبَخُ بمائها ،
و ما يُنْتَفَعُ به من الْمَيْتَةِ
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : يُسْتَصْبَحُ بِزَيْتِ الْفَأْرَة على تحفُّظٍ . قال في موضع آخر : إلاَّ في الْمَسَاجِدِ . و خَفَّفَ دهان الْجُلُودِ به و يُغْسَلُ بعد ذلك .
***(1/139)
[1/142]
و خَفَّفَ ابن القاسم أن يُطْبَخَ به صابون . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يعمله لنفسه ، يَغْسِلُ به ، ثم يُطَهِّرُ الثوبَ بماء طاهر .
قال عنه أشهب : إنه خَفَّفَ الوضوءَ من سِقاء الْمَيْتَةِ إذا دُبِغَ . و قال : و ليس عليه غَسْلُ صوفها ، إلاَّ أن يَعْلَمَ أنه أصابه شيء . قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : بخلاف الرِّيشِ ؛ لأن في أصوله من رُطوبتها .
قال أَصْبَغُ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، عن مالك ، في بَانٍ طُبِخَ فوُجِدَ فيه فَأْرَةٌ تَفَسَّخَتْ أو لم تَفَسَّخْ ، و هي من ماء البئر الذي طُبِخَ به ، قال مالك : يُتِمُّ طَبْخَه ، و يأخذ الدُّهْنَ الأول فيطبخه بماء طاهر مرتين أو ثلاثة . قاله أصبغ إن كان كثيرًا ، و أما اليسير ليس فيه كثير ضرر ، فليطرحه .
قال يحيى بن عمر : إِنَّمَا خَفَّفَه مالك ؛ لاختلاف الناس في ماء البئر تموت فيه الْفَأْرَة ، و لم يَتَغَيَّر مَاؤُهَا .
و قال لنا أبو بكر بن محمد : و رَوَى ابن رشيد عَنِ ابْنِ نافع ، عن مالك ، في الزيت إذا أصابته النجاسة ، أنه يُغْسَلُ . و كان أبو بكر يُفتي بذلك و يحتجُّ بقول مالك في الْبَانِ ، و ما رُوِيَ عن مالك من الاسْتِصْبَاحِ بِالزَّيْتِ أولى .
***(1/140)
[1/143]
و قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : لا يُنْتَفَعُ به في شيء . و لابن شهاب في بيعه بالبراة قولٌ ليس بمأخوذ به ، و لم يُتْبَعْ عليه .
و قال سَحْنُون ، في فأرة وُجِدَتْ يابسةً في زيت : إنَّ ذلك خفيف ، و يُبْسُها يَدُلُّ أنهم إِنَّمَا صَبُّوا عليها الزيت و هي يابسةٌ ، و لم تَمُتْ فيه .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سَحْنُون ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : لا بأس أن يُبَخَّرَ بلحم السباع إذا ذُكِّيَتْ ، و أما إن كانت ميتة فإن لم يَعْلَقْ بِالثِّيَابِ فلا يُعْجِبُنِي .
و معاني هذا الباب مُسْتَوْعَبَةٌ في اختصار كتاب الصيد و الذبائح .
تم الكتاب ، و الحمد لله رب العالمين على عونه و إحسانه ، و صَلَّى الله على محمد و آله و سلم .
***(1/141)
[1/144]
***(1/142)
[1/145]
بسم الله الرحمن الرحيم
في فرض الصلاة ، و ذكر أسمائها ، و الحُكْمِ في
مَنْ تَرَكَها ، أو ترك شَيْئًا من أحوالها ، و ذِكْرِ
النوافل و المسنون منها
و فيها من كتاب ابن حبيب ، و غيره :
قال : و فُرِضَتِ الصلوات الخمس في الإسراء بالنبي صلى الله عليه و سلم و ذلك بمكة قبل الهجرة بسنة ، و كان الفَرْضُ قبل ذلك ركعتين بِالْغَدَاةِ و رَكْعَتَيْنِ بِالْعِشَاءِ . و أَوَّلُ ما صَلَّى جبريل بالنبي عليهما السلام صلاة الظهر ، فسُمِّيَتِ الأُولى لذلك .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إنَّ فَرْضَ الوضوء بماء نزل بِالْمَدِينَةِ في سورة المائدة ، و كان الطَّهُور بمكة سُنَّة . قاله ابن مسعود . و ذكره ابن الجهم .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : قال مالك : فَرَضَ الله الصلوات في كتابه ،
***(1/143)
[1/146]
فقال تعالى : {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} (الروم : 17) المغرب . قال غيره : و العشاء . قال مالك : {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}(الروم : 17) الصُّبْح ، {وَعَشِيًّا } (مريم : 11) العصر ، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} (الروم : 18) الظهر . و قال سبحانه : {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (الإسراء : 78) ، و هي الظهر ، {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} (الإسراء : 78) العشاء ، {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ} (الإسراء : 78) ، الصُّبْح .
قال في الواضحة : {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} يقول : الظهر و العصر ، {غَسَقِ اللَّيْلِ} قال المغرب و العشاء . و في قوله تعالى : {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} (هود : 114) فالصبح طَرَفٌ ، {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} المغرب و العشاء . و في قوله : {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} (طه : 130) الصُّبْح ، { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} الظهر و العصر ، { وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} المغرب و العشاء .
و في الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك ، قال : الأعرابُ يُسَمُّون المغرب الشاهد ؛ لأنها لا تُقْصَرَ ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يقال فِي الْعَتَمَةِ صلاة العشاء ؛ لقول الله تعالى : {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} (النور : 58) . إلاَّ أن تُخَاطَبَ مَنْ لا يفْهم عنك فذلك واسعٌ .
قَالَ ابْنُ المسيب : لأنْ أنامَ عن العشاء أَحَبُّ إِلَيَّ من الحديث بعدها . قال مالك : أصاب .
و قال مالك في موطَّئِه : الصلاة الوسطى صلاة الصُّبْح . و احْتَجَّ لذلك
***(1/144)
[1/147]
بحديث عائشة ، و حفصة ، فيما كتَبْنَا . و الصلاة الوسطى صلاة العصر . و رواه عن عليٍّ و ابن عباس . و احْتَجَّ أصحابُنا لذلك بأنها مُنْفَرِدَةٌ بوقت ، و اللتان قبلها و اللتان بعدها مُشْتَرِكَتَا الوقت .
و ذهب ابن حبيب أنها صلاة العصر ، و ذَكَرَ أنه قولٌ حَسَنٌ . و رواه غيره عن عليِّ بن أبي طالب .
و رَوَى مالك في الموطأ ، أن زيد بن ثابت قال : هي الظُّهْرُ . قال غير واحد من
***(1/145)
[1/148]
العلماء : و مثلُه لمالك ، في كتاب ابن الْمَوَّاز .
و أجملَ اللهُ سبحانه فَرْضَ الصلاة في كتابه ، من ركوع و سجود و قيام و قعود و قراءة ، و بَيَّنَ ذلك النبي عليه السلام بفعله .
قَالَ ابْنُ سَحْنُون و غيره مِنْ أَصْحَابِنَا : و الْقِيَام فِي الصَّلاَةِ ، و الرُّكُوع ، و السُّجُود ، و الجلسة الآخِرَة ، و السَّلام ، و تَكْبِيرَة الإِحْرَام ، كل ذلك فَرِيضَة ، و قراءة أم القرآن فِي الصَّلاَةِ فَرِيضَةٌ ، و ما زاد عليها فسُنَّةٌ .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، قال مالك في مَنْ قال : الرُّكُوعُ و السُّجُودُ سُنَّةٌ . قال : قد كَفَرَ . قال الله سبحانه : و{ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (الحج : 77) . وقال في القراءة : {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (الأعراف : 204) .
و قال أصحابنا : قِرَاءَة أم القرآن فِي الصَّلاَةِ فَرِيضَةٌ . و اخْتُلِفَ هل هي في كل ركعة فَرِيضَةٌ ؟
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، قال : و سَنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم خمس صلوات : الوِتْرُ ، و صلاة الخوف ، و الاستسقاء ، و الفطر و الأضحى . و قَالَ ابْنُ عبد الحكم ، و أصبغ ، في ركعتي الفجر : ليستا بسُنَّةٍ ، و هما من الرغَائب . و قال أشهب ، في كتاب الحَجِّ من المجموعة : إنهما سُنَّةٌ ، ليستا كتأكيد الوِتْرِ ، كما ليس غُسْلُ الْعِيدَيْنِ كغُسْلِ الجمعة ، و لا غُسْلُ دخول مكة و وقوف عرفة كغُسْلِ الإِحْرَامِ في
***(1/146)
[1/149]
التأكيد .
و من كتاب آخر ، قال بعض أصحابنا : و في جمْعِ الصلوات سُنَّةٌ ، و هي الجمعُ بعرفة و مزدلفة سُنَّة ، و جَمْعُ المسافر و المريض توسعة و رخصة ، و كذلك الجمْعُ ليلة المطر ، و قد فعله الخُلَفاء .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، قال : و الجمعة فَرِيضَةٌ ، و بَيَّنَ النبي صلى الله عليه و سلم بفِعْلِه أنها ركعتان . و الخُطبة فَرِيضَةٌ ؛ لقول الله تعالى : { وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (الجمعة : 11) ، و قيل : سُنَّةٌ واجبة .
و ليس إقامة صلاة الخوف بطائفتين فَرِيضَة ، لكن توسعةً . و لا تُجْزِئُ من غر خوف . و لو صَلُّوا في الحرب بإمام واحد ، أو بعضهم أفذاذًا ، أجزأهم . و لا أُحِبُّ لهم ذلك . و الجمع بعرفة و مزدلفة سُنَّةٌ ، لا يسعُ تَرْكُهما . و الجَمْعُ في السفر توسعة ، ليس بلازم . و التشهُّد سُنَّة . و الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فَرِيضَة . يريد : فَرِيضَة مُطْلَقَةً ، ليست من فرائض الصلاة . قاله محمد ابن عبد الحكم ، و غيره .
قال في كتاب ابن الْمَوَّاز : و قيام رمضان نافلة ، و لِلخَوَاصِّ اكتسابٌ ، و الجمعُ فيه بِدْعةٌ حَسَنَةٌ .
و الرُّكُوع بعد الظهر و قبلها ، و قبل العصر ، و بعد المغرب ، و بعد العشاء نافلة .
و كانت صلاة اللَّيْل فريضةً فنُسِخَتْ ، فهي نافلة ، لا سُنَّةٌ و لا فَرِيضَةٌ .
و التَّنَفُّلُ في خسوف القمر ليس بسُنَّةٍ ، و هو ترغيبٌ و ترهيبٌ .
قال محمد بن مسلمة : أَوَّلُ ما فُرِضَتْ صلاة اللَّيْل في سورة المزمل ، ثم خَفَّفَها فقال : {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} (المزمل : 20) ، ثم نَسَخَ ذلك بالصلوات الخمس ، ثم
***(1/147)
[1/150]
قال : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (الإسراء : 79) .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز ، قال عبد الله بن عبد الحكم : الصلاة على الميت فَرِيضَةٌ ، بقَوْلِ الله تعالى : {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا }(التوبة : 84) ، و قال أَصْبَغُ : هي سُنَّةٌ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : و مَنْ تَرك الصلاة قيل له : صَلِّ . فإن صَلَّى ، و إلاَّ قُتِلَ . و مَنْ قال : لا أُصَلِّي . استُتِيبَ ، فإن صَلَّى و إلاَّ قُتِلَ . و كذلك مَنْ قال : لا أتَوَضَّأُ . قَالَ ابْنُ المَاجِشُون ، و أصبغ : إنْ قال : لا أجْحَدُها ، و لا أُصَلِّي . قُتِلَ .
قَالَ ابْنُ شهاب : إذا خرج الوقت ، و لم يُصَلِّ ، قُتِلَ .
قال محمد : و قاله حمَّاد بنُ زيد ، و قال : تَرْكها كُفْرٌ يختلفون فيه . قال ذلك أيوب . فقال محمد : إنْ تَرَكَ صلاة واحدةً حَلَّ دَمُه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : مَن تركها مُكَذِّبًا أو متهاونًا أو مُفَرِّطًا ، أو مضيِّعًا ، فهو بذلك كافرٌ ؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم : «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَ الْكُفْرِ إِلاَّ تَرْكُ الصَّلاةِ» . فإن رُفِعَ إلى الإمام فعاود ما تركه فإن عاد إلى تَرْكِها فأَوْقَفَه . فقال : أنا أُصَلِّي . فليبالغ في عقوبته حَتَّى يُظْهِرَ إنابته .
فإن قال : هي فَرْضٌ ، و لكن لا أُصَلِّي . قُتِلَ ، و لا يُسْتَتَابُ ثلاثًا ، كَذَّبَ بها أو أَقِرَّ ، إذا قال : لا أُصَلِّي . و لا يُؤَخَّرُ عن وقت تلك الصلاة .
و كذلك مَنْ قال عند الإمام : لا أَتَوَضَّأُ ، و لا أَغْتَسِلُ من جنابةٍ ، و لا أَصُومُ
***(1/148)
[1/151]
رمضانَ .
و مَنْ تَوَضَّأَ و صَلَّى و اغْتَسَلَ و صام ، و قال في ذلك كله إنه غيرُ فَرْضٍ عليَّ . و كَذَّبَ به ، فهي رِدَّة ، فَلْيُسْتَتَبْ ثلاثًا ، فإن لم يَتُبْ قُتِلَ . و إن كَذَّبَ بِالْحَجِّ فكذلك . و إن أقرَّ به ، و قال : لا أَحُجُّ . قيل له : أَبْعَدَكَ الله . إذ ليس لضيق الوقت . و إن كَذَّبَ بِالزَّكَاةِ اسْتُتِيبَ كَالرِّدَّةِ . و إن أَقَرَّ بها ، و منَعَها ، أُخِذَتْ منه كُرْهًا ، فإن امْتَنَعَ قُوتِلَ .
و ذهب ابن حبيب أن تارك الصلاة مُتَعَمِّدًا أو مُفَرِّطًا كافرٌ ، و أنه إن تَرَكَ أخَواتِها متعمِّدًا ، من زكاة ، و صوم ، و حجٍّ ، فقد كَفَرَ . قال : و قاله الحكم بن عتيبة .
و قال غير ابن حبيب : إنه لا يَكْفُرُ إلاَّ بِجَحْدِ هذه الفرائض ، و إلاَّ فهو ناقص الإيمان؛ و لأنه يُوارثُ ، و يُصَلَّى عليه ، و احتجَّ بحديث مالك ، عن عُبادة ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْيَوْمِ وَ اللَّيْلَةِ» . و في آخِرِ الحديث : «و مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ، و إن شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» . و هذا يُبَيِّنُ معنى الحديث الذي ذكره ابن حبيب . و الله أعلم .
و من العاشر من السِّيَر لابن سَحْنُون : أخبرني معن بن عيسى ، عن مالك
***(1/149)
[1/152]
في الأُسَارَى رَكَّعَهم العدُوُّ أيامًا لا يُصَلُّون ، قال : لا صلاة عليهم إذا تُرِكُوا ، إلاَّ ما أدركوا وقتها .
و على رواية ابن القاسم في الذين تحت الهَدْمِ : يُعِيدون . و قَالَ ابْنُ نافع : لا يُعِيدُ الذي تحت الهدم . و قال الأوزاعي في أسير مَوْثُوقٍ ، قال : يُصَلِّي إيماءً . قاله سَحْنُون ، قال : و إنْ أُطْلِقَ في الْوَقْتِ لم يَلْزَمْهُ أو يعيدَ ، و إن عاد فحسنٌ . قال سَحْنُون : و إذا خاف القتل إنْ صَلَّى و سِعَهُ تَرْكُ الصلاة ، و كذلك في تَرْكِ الوضوء و التَّيَمُّمِ .
و قال الأوزاعيُّ : لا يَدَعُ التَّيَمُّمَ و الصلاة إيماءً ، و إن قُتِلَ . و خالفه سَحْنُون ، و قال : يسَعهُ الترْكُ بذلك .
قال سَحْنُون ، في كتاب الصلاة : و على تاركِ الوِتْرِ و جميع الأدب .
ذِكْرُ أوقات الصلوات
و من غير كتاب لابن حبيب ، و غيره : و لمَّا فُرِضَتِ الصلوات صَلَّى جبريل بالنبي عليهما السَّلام يَوْمَيْنِ ، فجعل لكل صلاة وقتين ، إلاَّ المغرب ، فَصَلَّى به في
***(1/150)
[1/153]
اليومين في وقت واحد ، و قال : هذه صلاة النبيين من قبلك ، و الوقت في ما بين هذين الوقتين .
و أَوَّل ما صَلَّى به صلاة الظهر . قال مالك ، في المختصر ، و غيره : و وقت الصلاة الذي لا تحَلُّ إلاَّ فيه ، أنْ لا يُصَلِّيَ الظُّهر حَتَّى ترتفع الشمس عن وَسَط السماء ، و ذلك إذا زاد الفيء بعد نقصانه ، فقد حَلَّتِ الصلاة ، و يُسْتَحَبُّ لمساجدِ الجماعات أن يُؤَخِّرُوا حَتَّى يصيرَ الفيء ذِراعًا ، كما قال عمر . و آخِرُ وقت الظهر أن يزيد الظِّلُّ قامةً بعد الظِّلِّ الذي زالت عليه الشمس ، و هو أَوَّل وقت العصر أيضًا . و يُسْتَحَبُّ لمساجد الجماعات أن يُؤَخِّرُوا بعد ذلك قليلاً .
و آخِرُ وقتها أن يصير ظِلُّ كل شيء مثليه بعدَ ظِلِّ الزوال .
و وقت المغرب غيبوبة الشمس ، وقت واحد ، و وقت العشاء مغيب الشفق ، و آخر ثلث اللَّيْل ، و يُسْتَحَبُّ لمساجد الجماعة تأخيرها قليلاً ما لم يضُرَّ بِالنَّاسِ .
و وقت الصُّبْح انصداع الفجر إلى الإسفار الأعلى ، و يُسْتَحَبُّ التغليس . كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لمعاذ : «إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَعَجِّلِ الصُّبْحَ عِنْدَ أَوَّلِ الْفَجْرِ ، وَ أَطِلْ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ عَلَى قَدْرِ مَا يُطِيقُ النَّاسُ ، وَ لا تُمِلَّهُمْ ، وَ عَجِّلِ الظُّهْرَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ ، وَ صَلِّ الْعَصْرَ وَ الْمَغْرِبَ فِي الشِّتَاءِ وَ الصَّيْفِ عَلَى مِيقَاتٍ وَاحِدْ؛ الْعَصْرَ وَ الشِّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ، وَ الْمَغْرِبَ إِذَا غَرُبَتِ الشَّمْسُ ، وَ صَلِّ الْعِشَاءَ وَ أَعْتِمْ بِهَا؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ طَوِيلٌ ، وَ إِذَا كَانَ الصَّيْفُ فَأَسْفِرْ بِالصُّبْحِ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ
***(1/151)
[1/154]
قصيرٌ ، وَ النَّاسُ يَنَامُونَ ، وَ لا تُعْتِمْ بِالْعِشَاءِ؛ فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ ، وَ لا تُصَلِّهَا قَبْلَ الشَّفَقِ» .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : فلِكُلِّ صلاة ثلاثة أوقات إلاَّ المغرب ، فوقت واحد ، فأول وقت الصُّبْح انصداع الفجر ، و آخِرُهُ الْإِسْفَارُ الَّذِي إذَا تَمَّتِ الصَّلَاةُ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ ، وَ وسَطُ الْوَقْتِ بين هذين . و أَوَّل وقت الظهر زوال الشمس عن وسط السماء ، و تميل عن أُفُق مُواجه القبلة ، و تكون على حاجبه الأيمن ، و أوسطه و الفيء ذراعٌ ، و آخره أن يصير ظِلُّك مثلك فتَتَّبعَ الصلاة قبل تمام القامة .
و قول ابن حبيب هذا خلاف قول مالك الذي ذكرْناه من المختصر ، إذا صار الظلُّ قامة كان وقت الظهر آخِرَ وقته ، و وقت العصر أَوَّل وقته . و الحديث يَدُلُّ على أن جبريل صَلَّى الظهر في اليوم الثاني في الْوَقْتِ الذي صَلَّى فيه العصر في اليوم الأول ، و كذلك قال أشهب ، في المجموعة ، في باب جَمْعِ الصلاتين ، إن القامة وقت لهما يشتركان فيه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و أَوَّلُ وقت العصر تمام القامة ، و آخِرُه تمام القامتين ، و أوسَطُه بين ذلك ، و المغرب أن يَغْرُبَ آخرُ دَوْر الشمس في العين الحمئة ، و يُقبِلَ سوادُ الليلِ من المشرق . و ذَكَرَ في العشاء مثل ما في المختصر ، قال : و الوسط بين ذلك .
قال محمد بن مسلمة : الأوقات ثلاثة ؛ وقت واجبٌ ، و وقتُ ضرورةٍ ، و وقتُ النسيان . ثم يذكُر ، قال : و لكلِّ صلاة وَقْتان . فذكر نحو ما تقدَّم . و قال : أَوَّلُ وقت المغرب غُرُوبُ الشمسِ ، فإنَّ لِمَنْ شاءَ تأخيرَها إلى مغيب الشفق فذلك له ،
***(1/152)
[1/155]
و هو منها في وقتٍ غيره أحسن منه ، فإذا ذهب الشَّفَق خرج وَقْتُهَا .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : الْفَجْر الْبَيَاض الْمُعْتَرِض فِي الْمَشْرِقِ ، و ليس بِالْبَيَاضِ السَّاطِع قبله . قَالَ ابْنُ نافع : و آخِره الإِسْفَار .
قال مالك : التَّغْلِيس بِالصُّبْحِ لِلْحَاضِرِ و المسافر أَحَبُّ إِلَيَّ ، و يُسْتَحَبُّ أن يُصَلِّي الظهر و الفيء ذراع في الشتاء و الصيف .
قال سَحْنُون : و الظلُّ في الْغَدَاة مارٌّ ، فلا يزالُ ينقص حَتَّى يقفَ على ظِلِّ نصف النهار يَقِلُّ في الصيف ، ثم يكْثُرُ في الشتاء ، ثم يَزيد ، فمِنْ ثَمَّ يُقاس ذراعٌ فهو الوقت الْمُسْتَحَبُّ ، و قد دخل الوقت بأوَّلِ الزيادة و الذراع رُبْعُ القامة ، فكلما قِسْتَ به فَزِدْ رُبْعَه .
و قال أشهب هذا في غير الحَرِّ ، و إمَّا في الحَرِّ فلا يُزادُ بها أَحَبُّ إِلَيَّ ، و لا يُؤَخَّرُ إلى آخِرِ وقتها .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عن مالك ، في المسافر إذا زالت الشمس أيُصَلِّي الظهر ؟ قال : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يؤخِّرَ قليلاً .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و أَوَّل وقت العصر القامة . قال أشهب : و أَحَبُّ إِلَيْنَا أن يُزادَ على ذلك ذراعٌ ، سيَّما في شدَّة الحَرِّ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و أَحَبُّ إِلَيْنَا للمرء في نفسه أَوَّلُ وقت الصلاة ؛ لأنه رضوان الله . و أما للمساجد فما هو أرفق بِالنَّاسِ . فيُسْتَحَبُّ في الصُّبْح في الشتاء أَوَّلُ
***(1/153)
[1/156]
الوقت ، و في الصيف وسطُه ، و في الظهر في الصيف وَ سَطُه ، و بعده قليلاً ، و في الشتاء أَوَّله ، و العشاء يُعَجَّلُ في الصيف إذا غاب الشَّفَق ، و يؤَخَّرُ في الشتاء شَيْئًا ، و العصر و المغرب سواء في الزمنين ، و رُوِيَ نحوه للنبي صلى الله عليه و سلم ، و عن عمر و غيره .
قال مالك : إلاَّ الجمعة فيُسْتَحَبُّ أن يُعَجَّلَ في الصيف و الشتاء حين تزول الشمس ، أو بعد ذلك قليلاً ، و به جاء الأثر . و نحوه في المختصر في تعجيل الجمعة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يُسْتَحَبُّ في استعجال العصر فيها أكثر من تعجيله في غيرها للرفق بِالنَّاسِ في انصرافهم؛ لأنهم يُهَجِّرون ، ولأن الجمعة عُجِّلتْ .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في المجموعة : قلتً لمالك : أبَلَغَكَ تعجيلُ العصر يوم الجمعة ؟ قال : ما سمعتُهُ من عالم ، و إنهم ليفعلونه ، و إن ذلك واسع .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يُسْتَحَبُّ تأخيرُ العشاء في رمضان أكثر من غيره؛ ليُفْطِرَ الناسُ . و أُبيح لِلْمُسَافَرِ تأخيرها إلى ثُلُثِ اللَّيْل و شطره إذا احتاج ، و أما الناس في أنفسهم فتأخيرها لهم عن وقت تأخير الْمَسَاجِد أَحَبُّ إِلَيْنَا ، ما لم يُخَفِ النوم ، و لا
***(1/154)
[1/157]
تؤخَّرُ إلى ثلث اللَّيْل ، فذلك تطفيفٌ ، و لا إلى نصفه ، فذلك خناقها .
و قال أشهب في كتاب آخَرَ : لا بأس أن تؤَخَّرَ إلى ثلث اللَّيْل .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، قال مالك : و يُكْرَه النوم قبلها ، و الحديث بعدها أكْرَهُ . و قاله ابن المسيب ، و رُوِيَ للنبي صلى الله عليه و سلم .
و السُنَّةُ في الغَيْمِ تأخير الظهر ، و تعجيل العصر ، و تأخير المغرب؛ كي لا يشُكَّ ، و تعجيل العشاء أو يتَحَرَّى زوال الْحُمْرَة ، و يؤخِّرُ الصُّبْحَ حَتَّى لا يشُكَّ في الْفَجْر . قاله كُلَّه مُطَرِّف ، عن مالك .
و من المجموعة ، قال أشهب ، في الغيم : يُؤَخِّرُ الظهر حَتَّى لا يشكَّ ، و تعجيل العصر ، و يؤخِّرُ الصُّبْح و المغرب ، و يؤخِّرُ العشاء؛ فإن الصلاة بعد الوقت لمن بُلِي به أهونُ منه قبله ، و إن كنتُ أرجو لمَنْ صَلَّى العصر قبل القامة ، و العشاء قبل مغيب الشَّفَق ، أن يكون قد صَلَّى العصر ، و إن كان بغير عَرَفَة ، و قد يُصَلِّيها المسافر كذلك عند رحيله من المرحلة و الحاجُّ بعرفة ، و لو وَصَلُوا إلى مزدلفة قبل مغيب الشَّفَق لَصَلَّوْها حينئذ . و خالفه ابن القاسم في هذا .
قَالَ ابْنُ وهب ، عن مالك : إنه كَرِهَ تعجيل الصلاة أَوَّلَ الوقت . قال عنه ابن القاسم : و لكن بعدما يتمكَّنُ و يذهب بعضه . و ذَكَرَ هذا عنه ابن القاسم ، في المدونة ، في الظهر و العصر و الْعَتَمَة . قيل لمالك : أيُصَلِّي المسافر الظهر إذ زالت الشمس ؟ قال : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يؤخِّرَهَا قليلاً .
قال أشهب : و لا أَحَبُّ أن تُصَلَّى صلاة في آخرها وقتها ، و لم يفعله النبي صلى الله عليه و سلم حَتَّى قُبِضَ ، و مَنْ صَلَّى العصر في تَغَيُّرِ الشمس ، فقد فاته من وقتها أفضل من أهله و ماله ، و لا أقول فاته وقتها كله حَتَّى تغرُبَ الشمس .
***(1/155)
[1/158]
قال ابن وهب ، قلنا لمالك : إن البيوت توارى في الْفَجْر ، و الناس في المسجد . قال : يتحرَّوْن الْفَجْر ، و يركعون .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لكلِّ صلاة من المسنونات وقتٌ مُسْتَنٌّ ، فوقت الوِتْرِ من بعد صلاة العشاء إلى أن تُصَلَّى الصُّبْح ، و وقتُ الاستسقاء و الفطر و الأضحى من ضحوة إلى الزوال ، و وقت الخسوف من وقت يُرَى إلى أن تَحْرُمَ الصلاة . و هذا قولُ ابن حبيب و ابن وهب . و قال ابن القاسم ، عن مالك : لا تُصَلَّى بعد الزوال .
و ذِكْرُ الوقت في جَمْعِ الصلاتين ، و وقت الصلوات في الضرورات ، في مَنِ احتلم أو أسلم ، و شبه ذلك في أبواب في آخِرِ هذا الجزء من الكتاب .
في الأذان ، و الإقامة ، و من يلزمُه ذلك و في مَنْ
تركه ، و وقت الأذان ، و هل في النوافل أذان ،
و قيام الناس فِي الصَّلاَةِ بعد الإقامة ، و الكلام
حينئذ
من المختصر : و لا يجب النداء على الناس إلاَّ في مساجد الجماعات ، و مع الأئمة ، و مَنْ يجتمعُ إليه لتأديته ، و أما في غير ذلك فلا أذان عليه ، و لا أذان على مسافر .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و المصلِّي في منزله وحده ، و مَنْ أَمَّ جماعةً في غير مسجد ليس معهم إمامُ المِصْر الذي تؤَدَّى إليه الطاعةُ ، فلا يُسْتَحَبُّ الأذان لهم ، إلاَّ
***(1/156)
[1/159]
المسافر أو وحيد في فلاة ، فيُرْغَبُ في أذانه ؛ لما جاء فيه . و قالعه ابن المسيب ، و مالك . و إن أقام فقد فواسعٌ .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك في المجموعة : و إن صَلَّى الصبي لنفسه فليُقِمْ .
قال مالك ، في المختصر : و لا أذان في نافلة ، و لا عيد و لا خسوف ، و لا استسقاء .
و من غير كتاب : و مَنْ ذَكَرَ صلوات ، فليُقِمْ لكُلِّ صلاة .
و من المجموعة ، قال أشهب : و إن ذكَرَ قومٌ ظُهْرَ أمس ، فلهم قضاؤها بإمام . يريد : منهم . قال : و لْيُقِمْ ، و لا يؤذِّنُ ؛ لأن الأذان يَزيدها فَوْتًا . و كذلك لو ذكروها مُفاوِتِين لوقتها ، فخافوا إن أذَّنُوا فوتها ، فليُقِيموا و يجمعوا . قيل : فإن خافوا فوتها بالإقامة ؟ قال : الإقامة أخفُّ ، و إن كان هذا يكون فصلاتهم إياها في الْوَقْتِ بغير إقامة أَحَبُّ إِلَيَّ من فوتها و يقيموا .
قال مالك في المختصر : و مَنْ دخل بتكبيرة في آخِرِ جلوسِ الإمام ، فلا يُقِيمُ ، فإن لم يُكَبِّرْ أقام .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب ، عن مالك : و مَنْ أدرك السجدة الآخِرَةَ من
***(1/157)
[1/160]
الجمعة فلم يسجدها ، فليبتدئ الصلاة بإقامة .
قال سَحْنُون ، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : يَبْنِي على إحرامه ظُهْرًا إن كان أَحْرَمَ .
قال مالك ، في المختصر : و مَنْ أذَّنَ في غير الوقت في غير الصُّبْحِ أعاد الأذان .
قال عنه ابن نافع ، في المجموعة : و من أذَّنَ قبل الوقت ، و صَلَّى في الْوَقْتِ ، فلا يُعِيدُ .
أشهب : و كذلك في الإقامة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يؤذّن لِلصُّبْحِ وحدَها قبل الْفَجْر ، و ذلك واسع من نصف اللَّيْل ، و ذلك آخِرُ أوقات العشاء إلى ما بعد ذلك .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عبد الملك بن الحسن ، عَنِ ابْنِ وهب : لا يؤذَّنُ لِلصُّبْحِ قبل السدس الآخِر من اللَّيْل . و قاله سَحْنُون .
و من المجموعة ، قال أشهب ، و عبد الملك : و مَنْ أقام في الْوَقْتِ ثم أخَّرَ الصلاة حَتَّى تباعد و صَلَّى ، فهو كمَنْ صَلَّى بغير إقامة و لا يُعِيدُ .
قال موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة : و مَنْ صَلَّى بغير أذانٍ و لا إقامة ، فلا يُعِيدُ .
و ذكر ابن سَحْنُون ، أن ابن كنانة قال : مَنْ صَلَّى بغير إقامة عامِدًا ، فَلْيُعِدِ الصلاة .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : و من ترك الإقامة جَهْلاً حَتَّى أَحْرَمَ ، فلا يقطعُ ، و لو أنه بعدما أحْرَمَ أقام ، فقد أساءَ ، و ليستغفر الله .
***(1/158)
[1/161]
قال عليٌّ : قيل لمالك : إذا أُقيمت الصلاة متى يقوم الناس ؟ قال : ما سمعتُ فيه حَدًّا ، و ليقوموا بقَدْرِ ما إذا اسْتَوَتِ الصفوفُ فَرَغَتِ الإقامة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بأس بشرب الماء بعد الإقامة ، و قبل التكبير .
قال مالك ، في المختصر : و إذا أَحْرَمَ الإمام فلا يتكلَّمْ أَحَدٌ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : كان ابن عمر لا يقوم حَتَّى يسمع : (قد قامت الصلاة) .
في هيئة الأذان ، و التطريب فيهن و الدوران ،
و الرُّكُوع بأثره ، و استقبال القِبلة فيه ، و الأذان
في داخل المسجد ، و على المنار ، و ذِكْرِ التثويب
من المجموعة ، قَالَ ابْنُ نافع ، و عليٌّ عن مالك : التكبير في الأذان و الإقامة سواءٌ ، "الله أكبر . الله أكبر" يُثَنِّيه و لا يُرَبِّعه .
و رَوَى عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة نحوه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مالك : التطريب في الأذان مُنْكَرٌ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و كذلك التحزين لغير تطريب ، و لا يَنْبَغِي إماتة حروفه ، و التَّغَنِّي فيه ، و السُّنَّةُ فيه أن يكون مُرْسَلاً مُحْدَرًا مُسْتَعْلَنًا : يُرْفَعُ به الصوت ، و لا يُدْمَجُ ، و تُدْمَجُ الإقامة .
***(1/159)
[1/162]
قال غيره ، قال النخعي : الأذان جَزْمٌ ، و التكبير جَزْمٌ .
و من المجموعة ، قال أشهب : و أَحَبُّ إِلَيَّ في المغرب أن يَصِلَ الإقامة بالأذان ، و لا يفعل ذلك في غيرها ، فإن فعلَ أجزأهم ، و لْيُؤَخِّرِ الإقامة في غيرها لانتظار الناس .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك في مؤذِّنٍ أقام الصلاة فأخَّرَهُ الإمام لأمر يريده ، فإن كان قريبًا كفَتْهُم تلك الإقامة ، فإن بَعُدَ أعاد الإقامة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يُؤَذِّنُ في المغرب – يريد : على المنار- إلاَّ مُؤَذِّنٌ واحدٌ ، و لا بأس أن يتمهَّل بعد أذانه شَيْئًا في نزوله و مشيه ، ثم يُقِيمُ .
قال مالك في المختصر : و إذا أقام ، فتأخَّرَ الإمام قليلاً ، أجزأهم ، فإن تباعدَ أعاد الإقامة ، و لا يُقِيمُ أحدٌ في المسجد بعد إقامة المُؤَذِّنِ .
قال في الْعُتْبِيَّة : و لا في نفسه ، فإن فعل فهو مخالِفٌ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا بأس أن يخرج الْمُؤَذِّن في الإقامة خارج المسجد ، إن كان ذلك ليُسْمِعَ مَنْ حوله و قُرْبَه ، و إن لم يُرِدْ ذلك ، فذلك خطأ .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك ، في الإقامة خارج المسجد : فإن كان على المنار ، أو ظَهْرِ المسجد ، فلا بأس ، و إن كان ليخُصَّ رجُلاً يُسْمِعُه ، فَلْيُقِمْ داخل المسجد أَحَبُّ إِلَيَّ .
قيل لأشهب : أَيُؤَذَّنُ على المنار ، أو في صحن المسجد ؟ قال : أَحَبُّ إِلَيَّ من الأذان أسْمَعُه للقوم ، و أَحَبُّ إِلَيَّ في الإقامة أن يكون في صحن المسجد ، و قُرْبَ
***(1/160)
[1/163]
الإمام ، و كُلٌّ واسعٌ ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يَرْفَعَ صوته بِالأَذَانِ و الإقامة .
قال سَحْنُون ، في الْعُتْبِيَّة ، و إذا كان الْمُؤَذِّن على المنار يُعايِنُ مَنْ في الدُّور مِمَّنْ يقرب منه أو يَبْعُدُ ، مُنِعَ من ذلك ، و هذا من الضَّرَرِ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و رُوِيَ أن بلالاً كان يجعلُ إصبعيه في أذنيه إذا أذَّنَ ، و يَسْتَقْبِلُ القبلة ، يستدير بوجهه في أذانه و بدنه قائم إلى القبلة ، ثم يستقبل القبلة بوجهه في آخر ذلك . و ذلك واسعٌ لمن فعله أو تركه من التفاته ، و جعله إصبعيه في أذنيه ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يجعل إصبعيه في أذنيه . و في المدونة : و أنكر مالك دورانه لغير الإسماع .
قال في المختصر : و لا بأس أن يستدير عن يمينه و شماله و خَلْفِه . و الرُّكُوع بإثر الأذان واسعٌ . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : أن يركع بإثر الأذان إلاَّ في المغرب . و قاله ابن شهاب .
و من المجموعة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و عليٌّ ، عن مالك : و ليس عليه استقبالُ
***(1/161)
[1/164]
القبلة في أذانه ، و واسعٌ له أن يؤذِّنَ كيف تَيَسَّرَ عليه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مالك : و التثويب مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ .
و رَوَى أشهب ، في الْعُتْبِيَّة ، قال : ليس ذلك بصواب .
قال عنه ابن وهب ، في المجموعة : التثويب بعد الأذان في الْفَجْر في رمضان ، و غيره مُحْدَثٌ . و كَرِهَهُ .
قال عنه عليُّ بن زياد : و تَنَحْنُحُ الْمُؤَذِّنِ في السَّحَرِ في رمضانَ مُحْدَثٌ . و كَرِهَهُ .
قال : و لم يبلغني أن السَّلام على الإمام كان في الزمن الأول ، و بلغني أن الْمُؤَذِّنَ جاء يؤذن عمرَ بالصلاة فوجده نائمًا ، فقال : الصلاة خير من النوم . فقال له : اجعلها في نداء الصُّبْح .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و رُوِيَ أن بلالاً قال ذلك في نداء الصُّبْح ، فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يزيدها في الأذان . قال : و معنى حيَّ على الصلاة هَلُمُّوا إلى الصلاة .
***(1/162)
[1/165]
في عَدَدِ المؤذِّنِين ، و مَنْ يُؤَذِّنُ لطائِفَتَيْنِ ، و مكان
الْمُؤَذِّنِ ، و الدُّعَاء حِينَئِذٍ
من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا بأس أن يتخذ في غير الجامع مؤذنين و ثلاثة و أربعة .
و قال مالك ، في القوم في السفر أو الحرس أو المركب : فلا بأس أَنْ يُؤَذِّنَ لهم ثلاثة أو أربعة .
قال عنه عليٌّ : و لا بأس أن يُتَّخَذَ في الجامع أربعة مؤذِّنين و خمسةٌ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و قد أَذَّنَ للنبي صلى الله عليه و سلم أربعةٌ؛ بلالٌ , و أبو محذورة ، و ابن أم مكتوم ، و سعدُ القَرَظ ، و رأيتُ بِالْمَدِينَةِ ثَلاثَةَ عَشَرَ مُؤَذِّنًا ، و كذلك مكة ، يُؤَذِّنون معًا في أركان المسجد ، إلاَّ أنَّ كُلَّ واحد لا يقتدي بأذان صاحبه . و لا بأس أن يُؤَذِّن واحد بعد واحد ، مثل الخمسة و العشرة ، فيما وقته واسع ، كالصبح و الظهر و العشاء ، و في العصر مثل الثلاثة إلى الخمسة ، و لا يُؤَذِّن في المغرب إلاَّ واحد .
و من المجموعة ، قال أشهب ، في مَنْ أذَّنَ لقوم ، و صَلَّى معهم ، فلا يُؤَذِّن لآخرين و يُقيم ، فإن فعل و لم يُعِيدُوا حَتَّى صَلَّوْا أجزأهم .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في قوم بنوا مسجدًا ، فتنازعوا فيه ، فاقتسموه بجدار ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و أشهب : ليس لهم قَسْمُهُ . قال أشهب : فإن فعلوا لم يجزهم مُؤَذِّن واحد و لا إمام واحد .
قال في المجموعة : قَالَ ابْنُ نافع ، و عليٌّ عن مالك : و لا بأس أن يقول كقول الْمُؤَذِّن مَنْ في النافلة ، و يدعو بما أحبَّ .
***(1/163)
[1/166]
قال سَحْنُون : لا يقول كقوله في فرض و لا نافلة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و قَالَ ابْنُ وهب : لا بأس أن يقول مثله في الفرض و النافلة . و اسْتَحَبَّهُ ابن حبيب .
و من المجموعة ، و في رِوَايَة ابن القاسم ، قيل : إذا قال مثله أيُثَنِّي التَّشَهُّد ؟ قال : يكفيه التَّشَهُّدُ الأول ، و له أَنْ يُعَجِّلَ فيه . قال عنه عليٌّ : و بعده أَحَبُّ إِلَيَّ .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك : و عن مَنْ في المسجد إذا أُقيمتِ الصلاة ، أيُقيمها في نفسه ؟ قال : لا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : جاء الترغيب في القول كقول الْمُؤَذِّن ، فقيل : إنه إلى حَدِّ التَّشَهُّدِ ، نو كان عمرُ إذا قال : حيَّ على الصلاة ، حيَّ على الفلاح . قال : لا حول و لا قوة إلاَّ بالله . ثم يقول مثله في بقية أذانه ، و هو أَحَبُّ إِلَيَّ . و كانت عائشة تقول : شَهِدْتُ ، و آمَنْتُ ، و أَيْقَنْتُ ، و صَدَّقْتُ ، و أَجَبْتُ دَاعِيَ اللهِ ، و كفَيْتُ مَنْ أَتَى أَنْ يُجِيبَهُ . و كُلٌّ حَسَنٌ . و الدعاء حينئذ تُرْجَى بَرَكَتُهُ ، و عند الزَّحْفِ ، و نُزُولِ الْغَيْثِ ، و تلاوة القرآن .
في أذان الجُنُبِ ، و المُحْدِثِ ، و الصبيِّ ،
و العبد ، و ذي الزَّمَانَةِ ، و الأعمى ، و مَنْ لا
يُرْضى ، و أذانِ الرَّاكِبِ و المُؤْتَزِرِ
قال مالك ، في المختصر : و الأذان على وضوء أفضل .
***(1/164)
[1/167]
و من الْعُتْبِيَّة رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، أنه لا يُؤَذِّن الجُنُب . و قال سَحْنُون في كتاب آخر : لا بأس بذلك في غير المسجد .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب عن مالك : و لا يُؤَذِّن الصبي ، و لا يقيم ، إلاَّ أن يكون مع نساء . أو بموضع لا يوجد غيره فليؤذن ، و يقيم .
قال عنه ابن القاسم ، في المجموعة : و إن صَلَّى لنفسه ، فليقم . و قال في المختصر : و لا يُؤَذِّنُ –يريد : للناس- إلاَّ مَنْ بلغ .
و من المجموعة ، أشهب : و إذا كان مُؤَذِّنُ قوم أو إمامُهم لا يُرْضَى ، فَلْيُقَدِّمُوا خيرًا منه ، و لا يُعِيدُوا ما صلَّوْا كذلك .
و يَنْبَغِي أن يكون الْمُؤَذِّن من أفضل أهل الحيِّ ، و إذا أذَّن أو أقام لقوم سكرانُ أو مجنون ، لم يُجْزِهِم ، فإن صَلَّوْا فلا يُعِيدُوا .
و مَنْ أَذَّنَ لقومٍ ، ثم ارتدَّ ، فإن أعادوا فحسنٌ ، و إن اجْتَزَوْا بذلك ، أجزأهم .
قال أشهب : و الأعمى أَجْوَزُ أذانًا عندي و إقامةً من العبد إذا سُدِّد للوقت و القبلة ، ثم العبد إذا كان رضًى ، ثم الأعرابيُّ إذا كان رِضًى ، ثم ولدُ الزِّنا ، كُلٌّ جائزٌ به مُؤَذِّنًا و إمامًا .
و من كتاب أبي الفرج البغدادي لمالك : و لا بأس أن يُؤَذِّن قاعدًا ، و راكبًا ، و جُنُبًا ، و مَنْ لم يحتلمْ ، و أما الإقامة فلا .
قال أبو بكر الأبهريُّ : و إِنَّمَا يُكْرَهُ أن يُقيمَ مَنْ ليس على طهارة؛ لتكون الصلاة متصلة بالإقامة ، لا عمل بينهما ، و كذلك إقامة الراكب؛ لئلاَّ يعمل بعدها عملاً غير الصلاة و مَنْ له عمل .
***(1/165)
[1/168]
و قد رَوَى عنه ابن وهب ، أنه لا بأس أن يُقِيمَ الراكب . و كأنه اسْتَخَفَّ نزوله في هذه الرواية .
و في المختصر : و لا يقيمُ إلاَّ بالأرض .
و من المجموعة ، قال أشهب : و مَنْ أذَّنَ و أقام في تُبَّانٍ من شَعْر ، أو سراويل ، فليُعِدْهما إنْ لم يُصَلُّوا . و مَنْ صَلَّى في تُبَّانٍ من شعر ، أو سراويل ، أعاد في الْوَقْتِ . يريد : استحبابًا . و خالفه ابن القاسم .
في السهو في الأذان ، و الكلام فيه
و الرعاف ، و الإغماء و نحو ذلك
قال مالك في المختصر : و لا يتكلَّمُ الْمُؤَذِّن في أذانه ، و لا يرُدُّ سلامًا ، و لا يأمر بحاجة . قال مالك في المدونة : و لا يُسَلِّم على المُلَبِّي في تلبيته . قال في غير المدونة : و كذلك الْمُؤَذِّن .
في مختصر الْوَقَارِ : و لا يَرُدُّ الْمُؤَذِّنُ السَّلام في أذانه كلامًا ، و لا بأس أن يرُدَّ إشارة .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا يتكلَّمُ في أذانه ، فإن فعل بنى ،
***(1/166)
[1/169]
إلاَّ أن يخاف على صبيٍّ أو أعمى أو دابَّةٍ أن تقع في بئر ، و شبه ذلك ، فليتكلَّمْ ، و يَبْنِي .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن عَرَضَتْ له حاجة مُهِمَّةٌ ، فليتكلَّمْ ، و يبني .
و من المختصر : و إن أراد أن يقيم فأَذَّنَ ، أو يُؤَذِّنَ فأقام ، فَلْيُعِدْ حَتَّى يكون على نية .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال أَصْبَغُ : إذا أراد أن يُؤَذِّن فأخطأ فأقام ، فليبتدئ ، و لو أراد الإقامة و أَذَّنَ ، أجزأه لِلاخْتِلافِ فيه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قول مالك أَحَبُّ إِلَيَّ .
و من المجموعة ، قال أشهبك و من أخذ في الإقامة ، فذَكَرَ أنه الأذان فشفعها بقول : قد قامت الصلاة ، فيجزئه ؟ قال : بل يبتدئ في الإقامة . و إلاَّ فهو كمن صَلَّى بغير إقامة . و كذلك في الأذان يظنُّه الإقامة . و إن بدأ بالتَّشَهُّدِ بالنبي صلى الله عليه و سلم قبل قوله : أشهد أن لا إله إلاَّ الله . فَلْيَقُلْ بعد ذلك : أشهد أن محمدًا رسول الله .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و مَنْ سَهَا عن بعض أذانه ، فإن ذكر في مقامه ، و كان قد ترك جُلَّ أذانه ، فَلْيُعِدْ من موضع نسي ، و إن كان مثل : حيَّ على الصلاة . مَرَّةً ، فلا يُعِيدُ شَيْئًا ، و إن تباعد فلا يُعِيدُ لما قَلَّ و لا ما كَثُرَ . و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و أصبغ .
و من الْعُتْبِيَّة ، رَوَى موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في مَنْ رَعَف في الإقامة أو أَحْدَثَ ، فليقطع ، و يقيم غيره ، و إن رعف في أذانه تَمَادَى ، و إن قطع و غَسَلَ الدم ، فليبتدئ ، و لا يبني . و إن أقام غيره الأذان حين خرج فليبتدئ .
و من المجموعة أشهب : و إن أخذ في الإقامة ، فمات ، أو أصابه لَمَمٌ ، أو
***(1/167)
[1/170]
أُغْمِيَ عليه ، ثم أقام غيره ، فأَحَبُّ إِلَيَّ أن يبتدئ ، فإن بنى على ما بلغ الأول أجزأه .
و من أُغْمِيَ عليه في إقامته ، ثم أفاق ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يبتدئ ، و إن لم يبتدئ أجزأه . يريد : و قد بنى . قال : و ليس كمن صَلَّى بغير إقامة . و أراه يريد : و قد تَوَضَّأَ بعد أن أفاق ، أو يكون ذهب إلى أن الإقامة على غير وضوء تُجْزِئُهُ .
في الإِحْرَام ، و رفع الْيَدَيْنِ ، و التوجه
من المستخرجة قال سَحْنُون : و من قال في إحرامه : "الله أجلُّ ، الله أعْظَمُ ، الله أعَزُّ" . لم يُجْزِهِ ، و أعاد أبدًا .
قال مالك في المختصر : و يرفع يديه حذو منكبيه . قلتُ : بالتوجه ؟ قال : ليس بواجب ، و الواجب التكبير ، ثم القراءة .
و من المجموعة ، ابن القاسم ، قال مالك : لا يرفع يديه إلاَّ في الإِحْرَام شَيْئًا خفيفًا ، و الْمَرْأَة كذلك . قال عنه عليٌّ فِي الْمَرْأَةِ : ما بلغني ذلك ، و يُجْزِئها أن ترفع أدنى من الرَّجُلِ .
قال عنه ابن وهب : و لا بأس أن يُحْرِمَ الرجل و يداه في ساجِه .
و من سماع ابن وهب ، قيل لمالك : أيَرْفَعُ يديه إذا رَكَعَ ، و إذا رفعَ رأسَهُ من الرُّكُوع ؟ قال : نعم .
قال عنه ابن القاسم ، في الْعُتْبِيَّة : و لا يُعْجِبُنِي رفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ للدعاء ، فأما التكبير في الرُّكُوع و رفع الرأس ، فقال : رُوِيَ . و ليس بالأمر العامِّ . يريد : المعمول به .
***(1/168)
[1/171]
قال عنه أشهب : و يرْفَعُ الإمام يديه إذا رفع رأسه هو و مَنْ خلْفَه ، و لا ينتظرون أن يقولوا : سمع الله لمن حمده . و ليس الرفع باللازم ، و فيه سعة . قال : و رأيتُ مالكًا خلفَ الإمام رفع في الإِحْرَام حذو صدره, و لم يرفع حين ركع ، و لا حين رفع .
و من كتاب آخر ، رَوَى يحيى بن سعيد القطان ، عن مالك ، عن نافع ، عَنِ ابْنِ عمر ، أن النبي صلى الله عليه و سلم رفع يديه في الإِحْرَام حذو صدره .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك ، في القول بعد الإِحْرَام : سبحان اللهم ربنا و لك الحمد . قال : قد سمعتُ ذلك يقالُ , و ما به من بأس لمن أحبَّ أن يقوله . قيل : فالإمام يُكَبِّرُ فقط ثم يقرأ ؟ قال : نعم .
قال عنه ابن القاسم ، في المجموعة : و إذا كبَّرَ الرجل في صلاته قرأ و لو كان ما يذكر من التوجيه حقًّا لهم ، فقد صَلَّى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و الخلفاء بعده ، و الأمراء من أهل العلم ، فما عمل به عندنا .
قال عنه ابن وهب : و الذي أدركت عليه الأئمة ، و سمعنا من علمائنا أن يكبِّروا ، ثم يقرءوا .
و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يقول بعد الإِحْرَام ما يُذْكَرُ من التوجيه ، و لا بأس به لمن شاء أن يفعله قبل الإِحْرَام .
***(1/169)
[1/172]
في قِرَاءَة بسم الله الرحمن الرحيم في الفرائض
و النوافل ، و ذِكْرِ التعدُّدِ في القراءة
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، و غيره : و الثابت أن النبي صلى الله عليه و سلم و الخلفاء بعده ، كانوا لا يَفْتَتِحون في الفريضة ببسم الله الرحمن الرحيم ، و هو الفاشي قولاً و عملاً ، و إن كان بعض الصحابة – يريد ابن عباس – افتتح بها ، و أسرَّها بعض التابعين ، فإن ما تظاهر به العملُ أَوْلَى ، و أما في النافلة فَيَفْتَتِحُ بها إن شاء ، و في السورة أيضًا إن شاء فعلَ أو تَرَكَ ، إلاَّ أن يُوَاليَ بين السُّوَرِ ، فيُؤْمَر أن يفصل بها بين السور .
و من الْعُتْبِيَّة ، أشهب عن مالك : و لا يقرأ بها في النافلة إلاَّ مَنْ يَعْرِضُ القرآن .
قال في المختصر : و لا بأس لمن يعرض القرآن في نوافله أن يقرأ بها . يريد : بين السور .
قال عنه ابن القاسم ، في الْعُتْبِيَّة : و أما النفل فليفتتح بالحمد لله رب
***(1/170)
[1/173]
العالمين ، و يقرأ بعد ذلك بسم الله الرحمن الرحيم في افتتاح كل سورة ، إذا والى بين السور . قال : و لا يَقْرَأُ بها في أَوَّل براءة .
قال عبد الملك بن الحسن ، عَنِ ابْنِ وهب : و إذا سجد في آخر الأعراف ، ثم قام فليفتتحْ بها في الأنفال . قال : و هو قول مالك في النوافل و قيام رمضان . قال أَصْبَغُ : فيما يوالي فيه بين السور في اللَّيْل أو النهار . قال أشهب : و ليس ذلك عليه .
قال أبو زيد ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في مَنْ أوتر بالمعوذتين ، قال : تَرْكُ قِرَاءَتِهِ بها بينهما أَحَبُّ إِلَيَّ .
و من المجموعة, قال عليُّ بن زياد ، في قول الله تعال : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} (النحل : 98) ، قال : ذلك عندي بعد أُمِّ القرآن ، لمن قرأ القرآن في غير الصلاة .
في القراءة فِي الصَّلاَةِ ، و ترتيبها ، و صفتها
للإمام و المأموم ، و السهو في ذلك ، و الجهر في
النوافل ، و تكرير السورة فيها
من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : الأمرُ عندنا أن يُسْمِعَ الإمام مَنْ خَلْفَهُ قراءته مَنِ استطاع .
قال عنه ابن القاسم : و إذا جَهَرَ الفذُّ فيما يُسَرُّ جَهْرًا خفيفًا فلا بأس . قال عنه نافع : يُسْمِعُ نفسه في بعضها ، و لا يُسْمِعُها في البعض ، إلاَّ أنه يُحَرِّكُ لسانه .
***(1/171)
[1/174]
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سَحْنُون : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إذا حرَّك لسانَه ، في الظهر و العصر ، و لم يُسْمِعْ نفسه أجزأه ، و لو أسمع يسيرًا ، كان أَحَبُّ إِلَيَّ .
قال : و كَرِهَ مالك النَّبْرَ في القراءة ، و لم يُعْجِبْهُ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : كَرِهَ مالك النَّبْرَ و التحقيق في القراءة . فِي الصَّلاَةِ و غيرها ، و ليس ذلك من شأن الفقهاء و الفصحاء .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : أطْوَلُ الصلوات قِرَاءَة الصُّبْح و الظهر ، و يُخَفِّفُ العصر و المغرب .
قال في المختصر : و العشاء أَطْوَلُ منهما .
قال أشهب ، في المجموعة : قِرَاءَة الصُّبْح للإمام و الفَذِّ أطول ، و الظهر نحوها .
و اسْتَحَبَّ يحيى بن عمر في الصُّبْح أطول من الظهر .
قال أشهب : و في العصر و المغرب بقصار المُفَصَّلِ ، و العشاء فيما بين طُول هاتين و قصر هاتين .
قال عليٌّ ، عن مالك : يقرأُ فيها بالحاقَّة و نحوها .
قال عنه ابن القاسم ، فيه و في الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم : كان أبو بكر ابن حزم يُطَوِّلُ ، و يقرأُ في الظهر بنحو الكهف .
قال في المجموعة : و قرأ في الصُّبْح في السَّفَرِ بعد أن أسْفَرَ ببراءة .
قال مالك : و لا بأس أن يَقْرأ المسافر فيه بـ{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} . و قاله في الْعُتْبِيَّة ، في الظهر ، فأما : { إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} فقصارٌ جدًّا .
***(1/172)
[1/175]
كأنه يقول : لا .
قال أشهب ، في المجموعة : و الإمام أَخَفُّ من الفَذِّ في الْقِيَام ، و القراءة ، و الرُّكُوع ، و الجلوس؛ لأنه يُصَلِّي بصلاة أضعفهم .
و من الواضحة ، قال : و الصُّبْح و الظهر نظيرتان في طول القراءة ، و يُسْتَحَبُّ أن تكون الركعة الأُولَى أَطْوَلَ ، و يَقْرَأُ فيهما من البقرة إلى طِوَال الْمُفَصَّلِ ، إلى {عَبَسَ وَتَوَلَّى} . و العصر و المغرب نظيرتان يقرأ فيهما من { وَالضُّحَى } إلى أسفل ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يَقرَأُ الإمام بأطول ذلك في العصر . قال : و العشاء أطولُ ، مثل : { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و نحوها . و هذا ما استحسن الناس من التقدير ، و جاءتْ به الآثار ، و لو قرأ بسور العشاء في المغرب ما كان به تأثير .
و أرخص مالك لِلرَّجُلِ يبادِرُ التجارةَ ، أو يُستغاثُ به أو يُدْعَى لمَيِّتٍ يموتُ ، و هو في الصُّبْح و الظهر ، أن يقرأ بالسورة القصيرة ، و كذلك المسافر يُعْجلُه الكَرِيُّ و أصحابُه . و من انتَبَهَ قُرْبَ طلوع الشمس ، فخاف فوات الوقت ، فله أن لا يُطَوِّلَ ، و أن يقرأ من قصار سُوَرِها ، و إن طَوَّلَ فَحَسَنٌ ، و إما إن انتبه و قد خرج وقتها فَلْيُتِمَّ قراءتها .
قال مالك ، في المختصر : و قِرَاءَة السور القصار في الصُّبْح خير من الجالس بالسور الطِّوَال . يقول : لمن به ضعف . قال : و إن افتتح الرَّجُل في الصُّبْح بسورة قصيرة فَلْيَدَعْهَا ، و يقرأ طويلة .
قال في المجموعة : إلاَّ أنْ يطُولَ ذلك ، فَلْيُتِمَّهَا ، و يقرأ طويلة .
و قال أبو زيد ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة : و من أراد أن يقرأ في الصُّبْح {تبارك} فافتتح فيها بـ { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ } فَلْيُتِمَّهَا ، و يقرأ طويلة ، كان
***(1/173)
[1/176]
إمامًا أو فَذًّا ، و قد كان ابن عمر يقرأ بثلاث سور . يريد : في ركعة .
قال في المختصر : و لا بأس أن يقرأ سورتين و ثلاثًا في ركعة ، و بسورة وَاحِدَة أَحَبُّ إِلَيْنَا ، و لا يقرأ سورة في رَكْعَتَيْنِ ، فإن فعل أجزأه . قال مالك في المجموعة : لا بأس به .
و ما مَرَّ من البيان ، قال عنه عليٌّ ، و ابن القاسم : إذا بدأ بسورة و ختم بأخرى ، فلا شيء عليه ، و قد كان بلال يقرأ من غير سورة . و إذا خرج من سورة إلى أخرى فيها سجدة ساهيًا ، فإن قرأ من الأخرى يسيرًا ، فليسجد السجدة ، و يعاود الأولى ، و إن قرأ جُلَّها سجد ، و أتمَّها و ركع .
قال موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة : و من افتتح بسورة طويلة ، ثم أدركه مللٌ فركع ببعضها ، فلا شيء عليه .
و من الواضحة : و إذا افتتح في العصر بسورة طويلة سهوًا ، فإن ذَكَرَ في أَوَّلها تركها ، و إن قرأ بعضها أو جُلَّها ركع بذلك ، و لو افتتح بقصيرة مكان طويلة ، فليتركها ، فإن أتمَّها قرأ معها غيرها ، فإن ركع معها فلا سجود عليه ، و إن قرأ في الثانية السورة التي قرأ في الأولى فَلْيُتِمَّهَا ، إذا كان في أَوَّلها أو وسطها . قاله مالك ، و إذا بدأ بالسورة قبل أم القرآن ، قرأ أم القرآن ، و أعاد السورة ، و لا سجود عليه .
قال مالك : و إن كان يعتريه هذا كثيرًا ، لم يُعِدِ السورة .
و من ابتدأ سورة بِنِيَّتِها ، فركع قبل تمامها ، فلا شيء عليه .
***(1/174)
[1/177]
و من المختصر : و لا بأس أن يقرأ في الثانية بأطول من قراءته في الأولى ، و لا بأس أن يقرأ في الثانية سورة قبل التي قرأ في الأولى ، و قراءته بالتي بعدها أَحَبُّ إِلَيْنَا .
و من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم ، قال مالك : كلُّه سواءٌ ، و لم يَزَلْ ذلك من عَمَلِ الناسِ . و قاله سَحْنُون .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب ، عن مالك : و لا بأس أن يرفع صوته بالقراءة إذا تَنَفَّلَ في بيته ، و لعلَّه أنشط له و أقوى ، و كانوا بِالْمَدِينَةِ يرفعون أصواتهم بذلك في جوف اللَّيْل .
قال في المختصر : لا بأس أن يَجْهَر في النافلة بالليل و النهار . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و الجهر فيها بالليل أفضل .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك ، سئل عن تكرير : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } في النافلة ، فكَرِهَه ، و قال : هذا مما أحدثوا .
في لصلاة من لا يقرأ ، و في مَنْ قرأ بغير القرآن ،
و في الإمام ينحصر عن القراءة أصلاً أو يدَعُها
في الآخرتين
من الْعُتْبِيَّة قال أشهب ، عن مالك ، في الأعجمي يُصَلِّي ، و لا يعرف القرآن ، قال : فَلْيَتَعَلَّمْ .
***(1/175)
[1/178]
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و إذا قام مأموم لقضاء ما فاته ، و هو أُمِّيٌّ لا يُحْسِنُ يقرأ ، فيقضي كيف تيسَّرَ . يريد : يسبِّحُ ، و يذكر الله ، و يركع . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و يَنْبَغِي لمثل هذا ألا يُصَلِّيَ إلاَّ مأمومًا ، حَتَّى يَتَعَلَّمَ ما يُصَلِّي به .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إن صَلَّى قارئ خلْفَ مَنْ لا يُحْسن القرآن أعاد الإمام و المأموم . يريد : لأن الأُمِّيَّ وجد قارئًا يَؤُمُّ به ، فترك ذلك .
و من المجموعة ، قال أشهب : و من قرأ في صلاته بشيء من التوراة و الإنجيل و الزبور ، و هو يُحسن القرآن ، أو لا يُحسن ، فقد أفسد ، و هو كالكلام ، و من يعلم أن ذلك من هذه الكتب ، و كان عليه إن لم يُحسن القرآن أن يذكر الله . و لو قرأ شعرًا فيه تسبيح و تحميد لم يُجْزِه ، و أعاد الصلاة .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أبو زيد ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : لو عَلِمْتُ أن أحدًا لا يقرأ في الركعتين الآخرتين ، ما صَلَّيتُ خلْفَه . يريد : لأن بعض الناس ذهب إلى أن يُسَبِّحَ فيها من غير قِرَاءَة .
في القراءة خلف الإمام ، و ذكر التلقين ، و في
تعايِّ الإمام ، و ذكر التأمين
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : اختلف السلف في القراءة خلف الإمام ، فيما يُسَرُّ به ، فذَكَرَ ابن حبيب ، عن تسعة من الصحابة ، و ستة من التابعين ، و عن أصحاب ابن
***(1/176)
[1/179]
مسعود ، كانوا لا يقرءون مع الإمام فيما أسَرَّ فيه ، و لا فيما جَهَرَ . و ذَكَرَ عن ستة من التابعين أنهم كانوا يقرءون معه فيما أسرَّ فيه . و قال مالك و أصحابه بالقراءة خلْفَه فيما أسَرَّ ، إلاَّ ابن وهب ، فقال : لا يقرأ . و قال الليث و عبد العزيز كقول مالك . و إِنَّمَا النهي عن القراءة معه فيما جَهَرَ للاستماع ، فإما فيما أسَرَّ فلا وجه له .
و ذكر ابن الْمَوَّاز ، أن أشهبَ كان لا يقرأ خلفه فيما يُسرُّ ، قيل له : أفَيَقْرَأ خلفه في صلاة الخسوف ؟ قال : لا . قال أَصْبَغُ : بل يقرأ .
و من المجموعة ، ابن نافع ، عن مالك في الإمام في صلاة الجهر : فإذا كَبَّر أمسك عن القراءة ، فلا أرى أن يقرأ مَنْ خلفه في سكتة أم القرآن ، و إن كان قبل قراءته .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك : و من فرغ من السورة قبل الإمام ، فليقرأ غيرها .
و قال في المختصر : إن شاء قرأ و إن شاء دعا ، و إن شاء ترك ، و إن لم يفرغ منها فليبتدئ في الثانية سورةً أخرى أَحَبُّ إِلَيْنَا ، و إن لم يفرغ من الآية حَتَّى ركع الإمام ، فليركع معه و لا يُتِمُّها .
و من الْعُتْبِيَّة ، أشهب ، عن مالك : و إذا تعايى فله أن يتفكَّرَ تفَكُّرًا خفيفًا ، فإن ذَكَرَ و إلاَّ خَطْرَف ذلك ، و أو ابتدأ سورة أخرى .
قال عنه ابن القاسم : إذا أخطأ ، و لُقِّنَ ، فلم يَلْقَنْ ، فلا بأس أن يتعوَّذَ ، فإن لم يتعدَّها فواسع أن يركعَ ، أو يقرأ عليها . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يقرأ غيرها .
و من المختصر : و لا بأس أن يفتح على الإمام في المكتوبة و النافلة ، و أن يفتح
***(1/177)
[1/180]
مَنْ ليس في صلاة على مَنْ هو في صلاة ، و لا يفتح مَن في صلاة على من في صلاة إلاَّ على إمامه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يُلَقَّنُ المُصَلِّي مُصَلِّيًا ليس معه في صلاة ، فإن فعل فقد أساء ، و لا يُعِدْ لهذا .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في المجموعة : قد أفسد صلاته ، و هو كالكلام .
قال أشهب : رجل في صلاة و رجل جالس يَتَعَلَّم القرآن ، فاستفتح ففتح عليه المُصَلِّي ، فبئس ما صنع ، و لا تفسد صلاته ، و قد يجوز به الرجل فيُسَبِّحُ به ، ليدعوه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يَنْبَغِي أن يُلَقَّنَ القارئ – يريد : الإمام – و إن تعايى ، أو خرج من سورة إلى أخرى ، فلا يُفْتى حَتَّى يقفَ ، ينتظر التلقين . قاله مالك .
قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه : و إذا فتح على الإمام فلم يهتد ، فتقدَّم الفاتح إلى جَنْبِه ، فقرأ بهم بقيَّة السورة و الإمام منصت ، حَتَّى ركع بهم هذا الركعة الباقية ، ثم سَلَّمَ بهم الأول ، قال : صلاتهم كلُّهم فاسدة .
و عن إمام انحصر عن القراءة في الثانية ، قال : إن خاف أن لا يَقوى على تمام الصلاة بهم حصرةً ، فيستخلف و يُقَهْقِرُ إلى الصفِّ ، فيُصَلِّي خلف مَنْ يتقدَّم ، و كذلك لو ضعُفَ عن القراءة .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ نافع ، عن مالك : و ليس على من لم يسمع قِرَاءَة الإمام أن يقول : آمين .
و رَوَى ابن حبيب ، عن مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون ، عن مالك ، أن الإمام يقول : آمين . كالمأموم ، على حديث أبي هريرة .
***(1/178)
[1/181]
و من كتاب آخر ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا يقول الإمام : آمين . إلاَّ فيما أسَرِّ به خاصة . و قال غيره : يقال : آمين . ممدودة . و أنشد :
و يَرْحَمُ اللهُ عَبْدًا قَالَ آمِينَا
و يقال : أَمِين . مقطوعة . و أنشد :
أَمِينَ فزادَ اللهُ ما بَيْنَنَا بُعْدَا
***(1/179)
[1/182]
جامع العمل فِي الصَّلاَةِ ، من قيام ، و قعود ،
و ركوع ، و سجود ، و النهوض ، و التكبير ،
و الاعتماد ، و وضع اليد على اليد
من المستخرجة ، رَوَى أشهب عن مالك ، أنه لا بأس أن يضع يده اليمنى على كوع اليسرى ، في الفريضة و النافلة .
قال عنه عليٌّ ، في المجموعة : ليس الإمساك بواجب ، و لكنها عقبة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : رَوَى مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون ، عن مالك ، أنه استحسنه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ليس لكونهما من البدن حَدٌّ .
و كَرِهَ ابن عمر تغطية اللحية فِي الصَّلاَةِ ، و قال : هي من الوجه . و لا يُغَطِّي أنفه ، فإن فعل شَيْئًا من ذلك أساء ، و لا يُعِيدُ .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك ، في مَنْ صَلَّى النافلة : لا تأثيرَ أن يُرَوِّحَ إحدى رِجْليه ، و يتحامل على الأخرى ، و يُقدِّم هذه و يُؤَخِّرَ هذه .
و من المختصر ، و لا يضعُ يديه على خاصرتيه ، و لا رِجْلاً على رِجْلٍ ، و لا يستندُ إلى جدار في المكتوبة ، و استخفَّه في النافلة ، و للضعيف أن يتوكَّأ على العصا في المكتوبة و النافلة .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب ، عن مالك : و لا يتطأطأ الْمُصَلِّي في الرُّكُوعِ ، و لا يرفع رأسه فيه ، و أحْسَنُهُ اعتدال الظهر .
ابن حبيب : و رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لو صُبَّ على ظَهْرِه ماءٌ فِي الرُّكُوعِ لاستقَرَّ .
***(1/180)
[1/183]
قال ابن نافع ، في المجموعة : و اختار مالك أن يقول إذا رفع رأسه : ربنا لك الحمد . و استحبَّ ابن القاسم أن يقول : و لكَ الحمدُ .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك ، في الذي يرفع من الرُّكُوع فلا يعتدل قائمًا حَتَّى يسجدن ، قال : يُجْزِئه ، و لا يعود . و قاله ابن القاسم .
قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إن خَرَّ من ركوعه ساجدًا ، و لم يرفعْ ، فلا يُعْتَدُّ بتلك الركعة . و استحبَّ مالكٌ أن يتمادى ، و يُعيدَ الصلاة . قال سَحْنُون : و رَوَى عليٌّ ، عن مالك أنه لا يُعِيدُ .
قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إن رفع من السُّجُود ، فلم يعْتَدِلْ جالسًا حَتَّى يسجدَ ، فليستغفر الله سبحانه ، و لا يعود .
و ذكر ابن الْمَوَّاز ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ مثله .
قال : و من ركع ، و لم يعتدل راكعًا حَتَّى رفع و سجد ، فليستغفر الله .
قال محمد : و الذي سجد قبل رفع رأسه من الرُّكُوع ، إن فعله ساهيًا ، فليرجعْ مُنْحَنِيًا إلى ركعته ، و لا يرفع قائمًا ، فإن فعل أعاد صلاته . و إن رجع مُحْدَوْدِبًا – يريد : ثم رفع – سجد بعد السَّلام ، و أجزأته . و إن كان مأمومًا حملَ عنه إمامُهُ . يريد : سجود السهو .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : و مَنْ ركع فلم يضعْ يديه على رُكْبَتَيْهِ ، رفع شَيْئًا ، أو نزل شَيْئًا ، فذلك يُجْزِئه . و بقية هذا المعنى في باب جامعِ السهوِ ، و فيه في الذي لم يَرْفَعْ من الرُّكُوع خلاف ما ذكرنا عَنِ ابْنِ الْمَوَّاز .
و من كتاب ابن حبيب ، قال : و كان ابن عمر يضع على الأرض رُكْبَتَيْهِ
***(1/181)
[1/184]
أَوَّلاً ، ثم يَدَيْهِ ، ثم وجهه ، ثم يرفع وجهه ، ثم يَدَيْهِ ، ثم رُكْبَتَيْهِ ، و يضع يَدَيْهِ في السُّجُود حذو أذنيه ، و يَقْرِنُ أصابعه ، و كان لا يقوم من مجلسه حَتَّى يسمع : قد قامت الصلاة . و كُلُّ ذلك حسنٌ . و مالك يرى أن يفعل من ذلك كُلِّه ما تيسَّرَ عليه ، ليس فيه عنده حَدٌّ .
و لا بأس لذي العلَّةِ أن يضع مرفقيه على رُكْبَتَيْهِ في سجوده ، أو لمن يُطيل في النافلة السُّجُود . قاله مالك .
و ليس بين السجدتين دعاء و لا تسبح ، و مَنْ دعا فَلْيُخَفِّفْ .
و يُكْرَهُ لِلسَّاجِدِ أن يَشُدَّ جُمَّتَهُ فِي سُجُودِهِ ، و يُسْتَحَبُّ له أن يُخَفِّفَ .
و رُوِيَ «أن أقرب ما يكون العبد من الله سبحانه إذا كان ساجدًا» . و هو من قوله تعالى : {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} (العلق : 19) .
قال مالك : و التكبير فِي الصَّلاَةِ مع العمل . و كذلك في المختصر .
ابن حبيب ، قال مالك : و المأموم يفعل مع الإمام معًا ، إلاَّ الإِحْرَام ، و الْقِيَام من اثنتين ، و السَّلام, فيفعله بعده .
و من رفع أو خفض قبل إمامه ، فليرجع حَتَّى يفعل بعده ، فإن لَحِقَ الإمام فليثبت ، و لا يعود ، و ليحسر المعتَمُّ عن جبهته لِلسُّجُودِ .
و قد استحبَّ ذلك مال ، للذي يومئُ به في تَنَفُّلِهِ .
و إذا مَسَّ المُعْتَمُّ الأرض ببعض جبهته ، أجزأه ، و أما إن سجد على كُورِها ، فإن كان كثيفًا أعاد في الْوَقْتِ ، إن مَسَّ أنفُه الأرض ، و أن كان قدْرَ الطاقة و الطاقتين ،
***(1/182)
[1/185]
قَدْر ما يتَّقي به بَرْد الأرض و حرَّها ، لم يُعِدْ . قاله ابن عبد الحكم . قال الأوزاعي : و كذلك كانت عِمَّةُ مَنْ مضى .
و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و من سجد على جبهته دون أنفه ، أجزأه ، و قد أساء . و من سجد على أنفه دون جبهته ، أعاد أبدًا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يُجْزِئه عندي في الوجهين .
قال مالك في المجموعة : و في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم رئي على جبهته و أنفه أثر ماء و طين من السُّجُود ، و كان المسجد على عريش مُوكَفٍ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ليكُنِ التكبير في السُّجُود أخفض منه فِي الرُّكُوعِ ، و كذلك كان يفعل عمر بن عبد العزيز .
و من سماع ابن وهب ، قال مالك : و أُحِبُّ للمأموم أن لا يَجْهَر بِالتَّكْبِيرِ ، و بـ "ربنا و لك الحمد" . ولو جَهَر بذلك جَهْرًا يُسْمِعُ مَنْ يليه ، فلا بأس بذلك ، و تَرْكُ ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يَجْهَرَ معه إلاَّ بالسلام جهرًا دون ما يُسمعُ من يليه .
و من المجموعة ، ابن القاسم ، عن مالك : و لا أُحِبُّ أن يضع جبهته على مكان مُرتفع من الأرض لا يَمَسُّ أنفه . قيل : فالمسجد يُرَصَّصُ باللَّبِنِ ، و يُجْعَلُ لموضع السُّجُود بلاطة أو صلابة ؟ قال : ما يُعْجِبُنِي ، و لعلَّ ذلك يرتفع عن موضع
***(1/183)
[1/186]
مُصَلاَّه ، و لكن يُبْطِلُه كُلَّه .
و من المختصر ، و يعلُ ظهره فِي الرُّكُوعِ ، و يَنْصِبُ قَدَمَيْهِ في السُّجُودِ ، و لا يرمي ببصره حيث يسجد ، و لا بأس أن يَمُدَّ بصره أمامه ، أو يصْفَحَ فخذه ، ما لم يَلْتَفِتْ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب : رأيت مالكًا إذا نهض من الأولى و الثالثة نهض كما هو ، و لا يجلسُ ثم ينْهضُ . قال عنه ابن القاسم : و ما رأيتُ من اقتدى به يرجِعُ على صدور قَدَمَيْهِ . قال مالك : و أَوَّل من أحْدَث الاعتماد فِي الصَّلاَةِ حَتَّى لا يُحَرِّك رِجْلَيْهِ ، رَجُلٌ عندنا ، و كان مُسَمَّتًا ، فيعيبَ ذلك عليه ، و ذلك مكرُوهٌ .
و اسْتَخَفَّ مالك الْقِيَام مِنَ السُّجُودِ بغير اعتمادٍ على الْيَدَيْنِ ، ثم كَرِهَهُ .
قال في سماع أشهب : كذلك صلاة الناس في الاعتماد على الْيَدَيْنِ ، فأما الوُثُوبُ فهذا يريد أن يُصارِعَ .
قال يحيى بن يحيى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في مَنْ سجد قابضَ أصابعِه لشيء في يده ، أو لغير عذرٍ مُتَعَمِّدُا ، فَلْيَسْتَغْفِرِ اللهَ سبحانه ، و لا يعودُ . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يريد مربوطًا .
عن مالك في صلاة الْمَرْأَة بالخضاب : غيره أحسن . و قد كان خَفَّفَه ، و لا بأس به إن كانت على وضوء .
قال عليٌّ ، عن مالك : قال : تَجْلِسُ الْمَرْأَة على وَرْكِها الأيسرِ ، و تضع فَخِذَها اليمنى على اليسرى ، تَضُمُّ بعضها إلى بعض ، بقَدْر طاقتها ، و لا تُفَرِّجُ في ركوع
***(1/184)
[1/187]
و لا سُجُود ، و لا جلوس بخلاف الرَّجُلِ .
قال عنه ابن وهب : و عليهنَّ التشهُّد . قلت : أيُشِرْنَ بأيديهنَّ عند الإِحْرَام ، و عند الرُّكُوع ؟ قال : ما سمعتُ ، و هو حسنٌ إن فَعَلَتْ . قيل : أفتضع يديها على فخذيها ، و تشير بإصبعها ؟ قال : نعم .
و من المختصر ، قال : و لينصب قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ ، و لا يرجعْ بين السجدتين على ظهور قَدَمَيْهِ , و الجلوس في التَّشَهُّد و بين السجدتين يُفْضي بوركه الأيسر إلاَّ الأرض ، و ينصب قدمه اليمنى و باطن الإبهام إلى الأرض ، و يَثْني اليسرى ، و يضع كَفَّيْهِ في الجلستين على فخذيه ، و يقبض اليمنى ، و يشير بالسبابة و يبسط اليسرى ، و جلسة الْمَرْأَة و شأنها كله مثل الرَّجُلِ ، و إِنَّمَا تخالفه في اللباس . يريد : و الانضمام ، و الجهر في القراءة و لإقامة .
و ذكر أبو عبيد تفسير الإقعاء فِي الصَّلاَةِ الْمَنْهِيِّ عنه ، أنه جلوس الرَّجُلِ على أَلْيَتَيْهِ ناصبًا فخذيه ، كإقعاء الكلب . هذا قول أبي عبيد . قال : و قال أهل الحديث : هو أن يضع أَلْيَتَيْهِ على عقبيه بين السجدتين . و ما ذكر أبو عبيد عن أهل الحديث رأيت مثله لبعض أصحابنا من الفقهاء .
في التَّشَهُّد ، و الإشارة بالإصبع ، و السَّلام ،
و ذكر الدعاء في تشهده
من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : و يبدأ الْمُصَلِّي بِالتَّشَهُّدِ قبل الدعاء ، و التَّشَهُّد في الجلستين سواء ، و الجلسة الثانية أَطْوَلُ ، و يدعو فيها ، و ذلك واسع .
***(1/185)
[1/188]
قال عنه عليٌّ : و ليس في التَّشَهُّد الأول موضع للدعاء .
قال عنه ابن نافع : لا بأس أن يدعوَ بعده .
قال في المختصر : لا بأس أن يدعو بعده في الجلسة الأولى و الثانية . و وسَّعَ ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة ، في الدعاء بعده .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و التحيات جِمَاعُ التحية ، و السَّلامُ منه . و قال غيره : التحية المُلْك . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و الزاكيات صالح الأعمال ، و الطيبات طيبات القول ، و لا يبتدئ ببسم الله ، و لكنْ بالتحيات لله .
قال الحسن ، و غيره ، و يدخل فِي الصَّلاَةِ على آل محمد أزواجُه و ذرِّيَّتُه و كُلُّ مَنْ تَبِعَ دينه . و قيل : إنَّ آل محمد كُلُّ تقيٍّ .
و لا بأس أن يقول فِي الصَّلاَةِ : اللهم افعلْ بفلان ، و ارحمْ فلانًا . و قَالَ ابْنُ القرطي : و لو قال : يا فلان ، فعل اللهُ بكَ . كان مُتَكَلِّمًا ، تفسُد صلاته . و لم أرَ هذا لغيره .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : قال مالك : و من لم يتشهدْ ناسيًا حَتَّى سلَّم الإمام فليتشهدْ ، و لا يدعو بعده ، و لْيُسَلِّمْ .
قال : و الإشارة بالإصبع فِي التَّشَهُّدِ حسنٌ ، و لا بأس أن يشير به من تحت ساجه ، و هو مُلْتَفٌّ به .
قال أبو زيد : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : رأيت مالكًا يُحَرِّك السبابة فِي التَّشَهُّدِ مُلِحًّا ، و رأيته إذا أراد أن يدعوَ ، رفع يَدَيْهِ شَيْئًا ، و ظُهورهما إلى وجهه .
***(1/186)
[1/189]
و قال يحيى بن مزين : يَنْبَغِي أن ينصب السبابة فِي التَّشَهُّدِ ، و حَرْفُها إلى وجهه ، و لا يُحَرِّكُها .
و من كتاب آخر ، رُوِيَ أن ابن عمر كان يُحَرِّكُهَا . و قيل : إنها مَقْمَعَةٌ للشيطان . و قيل في مَنْ ينصبُها و لا يُحَرِّكُهَا ، تأويله للإخلاص أن الله أحَدٌ . و كان يحيى بن عمر إِنَّمَا يُحَرِّكُهَا عند قوله : اشهد أن لا إله إلاَّ الله .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : رُوِيَ أن الإشارة بها مَقْمَعَة للشيطان ، و أن ذلك من الإخلاص . و قال مجاهد : و يُحَرِّكُهَا .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : و لتضع الْمَرْأَة يَدَيْهِا على فخذيها ، و تشير بإصبعها .
قال مالك : و كما تَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ بتكبيرة وَاحِدَة فكذلك تخرج منها بتسليمة وَاحِدَة .
قال عنه أشهب ، في الْعُتْبِيَّة : و على ذلك كان الأمر في الأئمة ، و غيرهم ، و إِنَّمَا حدث بتسليمتين منذ كان بنو هاشم . و قال عنه ابن القاسم : أما الإمام فما أدركنا الأئمة إلاَّ على تسليمة تلقاء وجهه ، و يتيامن قليلاً . قيل : فالْمُصَلِّي وحده ، أيُسَلِّمُ تسليمتين ؟ قال : لا بأس إذا فصل بالواحدة أن يُسَلِّمَ عن يساره . و مَنْ سمع تسليم الإمام فسَلَّمَ ، ثم سمعه يُسَلِّمُ أخرى ، فليُسَلِّمْ أخرى .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : يُسَلِّمُ الإمام واحدةً تلقاء وجهه ، و يتيامن قليلاً ، و يُسَلِّمُ الفَذُّ تسليمتين؛ وَاحِدَة عن يمينه ، و أخرى عن يساره ، و المأموم كذلك ، و ثالثةً ردٌّ على الإمام ، يقول في ذلك كُلِّه : السَّلام عليكم . قاله مُطَرِّف ، عن مالك .
***(1/187)
[1/190]
قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة : سلام .
قال مالك في المختصر : لا يقول : و عليك السَّلام .
و من سماع ابن وهب ، قال مالك : و لا يَحْذِفُ سلامه و تكبيره جدًّا حَتَّى لا يُفْهَمَ عنه ، و لا يُطِيلُ ذلك جدًّا يُخَالِفُ ، و لكن وسطًا من ذلك ، و أُحِبُّ للمأموم أن لا يجهر بِالتَّكْبِيرِ ، و "ربنا و لك الحمد" ، و لو جهر بذلك جَهْرًا يُسْمِعُ من يليه ، فلا بأس به ، و ترك ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يجهر معه إلاَّ بالسلام جَهْرًا دون يَسْمَعُ من يليه .
و من الواضحة ، و ليحذفْ سلامه ، و لا يَمُدَّهُ . قال أبو هريرة : تلك السُّنَّةُ . و كان عمر بن عبد العزيز يحذفه و يخفض به صوته .
و سلام الإمام من سُجُود السهو في الجهر به كسلام الصلاة ، و إن كان دونه فحسنٌ .
قَالَ ابْنُ القرطي : و قال بعض الناس في السَّلام : سلام عليكم . و بالألف و اللام أولى؛ لأن الله هو السَّلام . قال : و من بدأ فسَلَّمَ عن يساره ، ثم لم يُسَلَّمْ آخرى حَتَّى تكلم ، بطلت صلاته . و لم يذكر ابن الْقُرْطِيِّ إلى من تُنْسَب هذا المسألة . و لا وجه لإفساد صلاته؛ لأنه إِنَّمَا ترك التيامن . و رأيتُ لمحمد بن عبد الحكم ، قال مُطَرِّف : صلاته تامَّةٌ ، و لا شيء عليه ، كان عمدًا أو سهوًا ، كان إمامًا أو فذًّا .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : و أَحَبُّ إِلَيَّ للمأموم إذا سَلَّمَ إمامه ، أن يقول : السَّلام على النبي و رحمة الله و بركاته ، السَّلام علينا و على عباد الله الصالحين ، السَّلام عليكم . و ليُسَلِّمْ بأثر سلام إمامه ، و لا يثبت . قال عنه ابن
***(1/188)
[1/191]
القاسم : إلاَّ أن يريد أن يتشهد ، فليتشهدْ ، ثم يُسَلِّمْ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب : رأيت مالكًا إذا سَلَّمَ الإمام سَلَّمَ هو عن يمينه ، ثم عن يساره ، ثم رَدَّ على الإمام . و قاله ابن القاسم . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : ثم رجع مالك إلى أن يبدأ بالردِّ على الإمام قبل يساره .
قال عبد الملك بن الحسن ، عَنِ ابْنِ وهب ، في إمام يُسَلِّمُ اثنتين ، فقام المأموم بعد تسليمة وَاحِدَة : فقد أساء و لا يُعِيد .
قال غيره : قال الليث : له أن يقوم للقضاء قبل تسليم الثانية .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : و يَنْبَغِي للمأموم أن يُخْفِيَ التسليمة الثالثة عن يساره ، لئلاَّ يُقتدَى به فيها .
قال عنه ابن القاسم ، في الذي يقضي بعد سلام الإمام : فليُسَلِّمْ ، و لا يردُّ على الإمام . ثم قال : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يَرُدَّ عليه . و به أخذ ابن القاسم . قال سَحْنُون : و إن لم يُدْرِكْ غيرَ التَّشَهُّد ، فلا يَرُدَّ عليه .
و من الواضحة ، و مَنْ سَلَّمَ قبل إمامه سهوًا ، رجع ، فسَلَّمَ ، و لا سُجُود عليه . و إن رَدَّ عليه قبل يُسَلِّم لنفسه ، سجد بعد السَّلام ، لو تكلَّم بعد أن رَدَّ على الإمام ، و قبل يُسَلِّم لنفسه ، أَبْطَلَ على نفسه ، و لو تكلم بعد أن سَلَّمَ الأُولَى لنفسه ، قبل تسليم الثانية ، لم تَفْسُدْ صلاتُه ، و إن اجْتَزَأَ بالأُولَى أَجْزَأَتْهُ .
في القنوت ، و ذكر الدعاء فِي الصَّلاَةِ
من المجموعة ، قَالَ ابْنُ وهب ، عن مالك : القنوت في صلاة الصُّبْح
***(1/189)
[1/192]
ليس بسُنَّةٍ ، و أنا أفعله قبل الرُّكُوع .
قال عنه ابن القاسم ، و عليُّ بن زياد : و كان الناس يقنتون في الزمان الأول قبل الرُّكُوع ، و ذلك واسع قبل الرُّكُوع و بعده .
قال عنه ابن نافع : و الناس اليوم يقنتون بعد الرُّكُوع .
قال عنه ابن القاسم : ما أدركتُ أحدًا يعيب القنوت في الصُّبْح ، و كانوا يقنتون القنوت .
قال عنه ابن نافع : و إِنَّمَا يُقْنَتُ في الصُّبْح ، و إما في الوتر فلا ، إلاَّ في النصف الآخر من رمضان .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عنه : و من صَلَّى الصُّبْح وحده فلا يَدَعِ القنوت ، و لا سُجُود في السهو عنه . و يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ سَحْنُون أنه رأى فيه السُّجُود ، و قول مالك أصحُّ؛ لأنه لم يرَه سُنَّةً .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و لا يَجْهَرُ بالدعاء في القنوت إمامًا و لا غيره .
قال مالك : و ليس فيه دعاء موَقَّتٌ و لا وقوفٌ موَقَّتٌ .
قال عنه عليٌّ : و ليدعُ فيه إن شاء لجميع حوائجه ، و قد جعل الله لكل شيء قدْرًا ، و إن شاء أمسك يساره بيمينه في القنوت ، و إن شاء ترك ، و لا أرى في الوتر قنوتًا ، إلاَّ في النصف الآخر من رمضان .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : كان عمر و أبو هريرة يقنتان بعد الرُّكُوع ، و كان عليُّ بن أبي طالب و عروة يقنتان قبل الرُّكُوع . و رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه و سلم قنت بعد الرُّكُوع ، و هو
***(1/190)
[1/193]
أَحَبُّ إِلَيَّ ، و كان الناص يقنتون في أَيَّام عمر في رمضان ، في النصف الآخر منه ، في ركعة الوتر بعد الرُّكُوع ، يجهر بدعائه ، و يؤمِّنُ مَنْ خلْفَه إذا أنصتَ .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ نافع ، عن مالك ، في رفع الأيدي في القنوت مع الإمام في الوتر ، قال : ما يُعْجِبُنِي و الإمام يفعله ، و ما أرى في الوتر قنوتًا ، و لا بأس أن يدعو في صلاته بحوائج دنياه ، و قد كان عندنا رَجُلٌ يدعو في صلاته ، فلا يقول إلاَّ : اللهم ارزقني . و هو كثير الدراهم ، فلا أُحِبُّ هذا ، و لْيَحْتَطْ ، و قد دعا الصالحون فليدعُ بما دَعَوْا ، و بما في القرآن : {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} (البقرة : 286) الآية . قيل أفيدعو في كُسوَتِه ؟ قال : أيريد أن يذكُرَ السراويل! ليَدْعُ بما دعا الصالحون .
و له أن يدعو في قيامه فِي الصَّلاَةِ ، قال عنه ابن القاسم : و فِي السُّجُودِ و الجلوس ، و إِنَّمَا يُكْرَهُ فِي الرُّكُوعِ .
قال عنه ابن وهب : و له أن يدعوَ فِي الصَّلاَةِ على الظالم ، و يدعُوَ لآخر ، و قد دعا النبي صلى الله عليه و سلم لقومٍ ، و دعا على آخرين .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في الإمام يقرأ الآية فيها ذِكْرُ النار ، فيتَعَوَّذُ المأموم ، قال : تَرْكُه أَحَبُّ إِلَيَّ ، فإن فعل فسِرًّا .
قال عنه ابن نافع : و إن كان في نافلة فمَرَّ بآية فيها استغفار ، فيستغفر ، و يقول ما شاء الله ، و لا بأس بذلك .
قال عنه ابن القاسم : و لا بأس في النافلة أن يسأل الله الجنة ، و يستعيذه من النار .
***(1/191)
[1/194]
في سُتْرَةِ الْمُصَلِّي ، و المرورِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، و سُتْرَةِ
الإمام ، و الصلاة بين يَدَيْهِ بصلاته
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : من شأن الصلاة أن لا يُصَلِّيَ الْمُصَلِّي إلاَّ في سُتْرَةٍ ، في سَفَرٍ أو حَضَرٍ ، أَمِنَ أنْ يَمُرَّ بين يَدَيْهِ أحدٌ أو لم يَأْمَنْ .
و من الْعُتْبِيَّة ، أشهب ، عن مالك : و أدنى السُّتْرَة للمُصَلِّي قدر مؤخرة الرحل في الطول ، في غِلَظِ الرُّمح – يريد : عودَهُ - و لا يستتر بغطاء الحمار .
و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لا بأس أن تكون السُّتْرَةُ أقلَّ من جُلَّةِ الرمح ، و قد صَلَّى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى العَنَزَةِ ، و هي دون جُلَّةِ الرمح ، و أما القضيب و السوطُ فلا ، إلاَّ أن لا يجدَ غيره .
و له أن يجعل قلنسوته سترةً ، إن كان لها ارتفاعٌ ، و كذلك الوسادة . و قاله مالك ، و قاله عنه عليٌّ ، في المجموعة و قال : إذا لم يَجِدْ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و كذلك المِرْفَقَة إن كانت طاهرة و تثبُتُ .
و بلغني عن بعض التابعين ، أنَّ مَنْ مَرَّ بين يدي من صَلَّى إلى غير سترة ، فإثمُ ذلك على المارِّ .
قال غيره ، في كتاب آخر : إِنَّمَا نُهِيَ إنْ مَرَّ بين يدي مَنْ صَلَّى إلى
***(1/192)
[1/195]
سترة ، إن كان فيه ، محكوك بالسكين .
و من الْعُتْبِيَّة ، أشهب ، عن مالك : و مَنْ صَلَّى إلى الصحراء ، أو في سطح غير مُحْظَرٍ ، فليستتر أَحَبُّ إِلَيَّ ، فإن لم يجِدْ فذلك واسع .
قال عنه ابن نافع ، في المجموعة : و إن مَرَّ الوحش بين يَدَيْهِ .
قال : و لا بأس أن يُصَلِّيَ إلى ظَهْرِ رَجُلٍ ، فأما إلى نبه فلا . و خَفَّفَهُ في رِوَايَة ابن نافع ، في المجموعة ، و قال : و يستتر أَحَبُّ إِلَيَّ . قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة : و لا بأس أن يستتر بالبعير ، و لا يستتر بالخيل و الحمير؛ لنجاسة أرواثها . و كأنه لا يرى بالسُّترة بالبقرة و الشاة بأسًا .
قيل : فواجب وَعْظُ مَنْ صَلَّى إلى غير سترة ؟ قال : هو حسنٌ ، و ما أدري ما واجبٌ ، و من العلماء مَنْ يقدر أن يَعِظَ ، و منهم من لا يقدر .
و ليس بصوابٍ أن يُصَلِّيَ بين يدي أسطوانتين ، و بينه و بين سترته قَدْرُ صفَّيْن . قال عنه ابن القاسم في المجموعة : و الدُّنُوُّ من السترة حسنٌ .
و من كتاب آخر ، أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يُصَلِّي و بينه و بين القبلة قَدْرُ مَمَرِّ الشاة ، و في حديث آخَرَ : قَدْرُ ثلاثة أذْرُعٍ .
و من المجموعة ، قال عنه ابن القاسم : و مَنْ صَلَّى على مكان مُشْرِفٍ ، فإن كان يغيبُ عنه رءوس الناس ، و إلاَّ جعل سترة ، و السترة أَحَبُّ إِلَيَّ ، إلاَّ أن لا يجد .
***(1/193)
[1/196]
قال عنه عليٌّ : إذا استتر الإمام برُمح ، فسقط ، فليُقِمْه إذا كان ذلك خفيفًا ، و إن أشغله فليَدَعْه .
قال عنه ابن وهب : و عن الليث ، الخطُّ باطلٌ ، و لم يثبتْ عندنا فيه حديث .
قال أشهب في الْعُتْبِيَّة : و لا يجعل بين يَدَيْهِ خطًّا ، و أرى ذلك واسعًا .
قال غيره ، في كتاب آخر : و إِنَّمَا يخُطُّ من جهة القبلة إلى المُصَلَّى ، ليس من يمينه إلى يساره ، في قول مَنْ ذهب إليه . قال : و ليس الخَطُّ ، و لا الماءُ ، و لا النار ، و لا الوادي ، بسترة للمُصَلِّي .
و من المختصر ، و لا يستتر بالمرأة ، و أرجو أن يكون السترة بالصبيّ واسعًا .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : و لا يُصَلِّي و بين يَدَيْهِ امرأة و إن كانت أُمَّه أو أُخْتَه ، إلاَّ أن يكون دونها سترة ، و لا إلى نائم ، إلاَّ أن يكون دونه سترة و لا يُصَلِّي إلى المتحَلِّقين؛ لأن بعضهم يستقبله ، و أرجو أن يكون واسعًا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يُصَلِّي إلى النيام .
قال مالك : و له أن يُصَلِّيَ وراء المتحدِّثين . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إن لم يُعْلُوا حديثهم .
قال عنه ابن القاسم ، في المجموعة : إنه خَفَّفَ أن يُصَلِّيَ إلى الطائفينَ .
مالك : و إذا صَلَّى في المسجد الحرام إلى عمودٍ أو سترة ، فليَمْنَعْ مَنْ يمُرُّ بين يَدَيْهِ .
قال : و ليَرُدَّ الْمُصَلِّي المارَّ بين يَدَيْهِ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : من دابَّةٍ ، أو إنسان ، أو غيره .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك ، في المجموعة : فإذا قضى ، و جاوزَه فلا يرُدُّه ، و لا يردُّه و هو ساجدٌ .
***(1/194)
[1/197]
قال أشهب : إذا مرَّ في بُعْدٍ منه فلْيَرُدَّه بالإشارة ، و لا يمشي إليه ، فإن فعل ، و إلاَّ تَرَكَه ، و إن قرب منه فدرأه فلم يفعل ، فلا ينازعه ، فإن ذلك و المشي إليه أشدُّ من ممَرِّه ، فإن مشى إليه ، أو نازعه ، لم تفسُدْ صلاته .
قال نافع ، عن مالك يمنعه بالمعروف ، و قد درأ رَجُلٌ رَجُلاً فكسر أنفه ، فقال له عثمان : لو ترَكْتَه يمرُّ كان أهون من هذا .
قال عنه ابن القاسم : و أكْرَهُ أن يُكَلِّمَ مَنْ على يمينه مَنْ على يساره ، و حَسَنٌ أن يتأخَّرَ عنهما .
قال عنه ابن نافع : إذا قضى ما فاته به الإمام ، و جلس ، فقام مَنْ كان يستره فمَرَّ الناسُ بين يَدَيْهِ ، فلثبُتْ ، و لو كان قائمًا انضمَّ إلى سُتْرَة .
قال عنه : و لا بأس بالصلاة إلى هذه الْمَسَاجِد التي تُعْمَل بالصحارى بالحجارة .
و من الْعُتْبِيَّة قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، قال : و كَرِهَ مالك الصلاة بين يدي الإمام ، و لا يُعِيدُ مَنْ فعله . و أجاز الليث أن يتعمَّدَ ذلك . و قال مالك : كانت دارٌ لآل عمر في قِبْلَةِ المسجد ، يُصَلِّي أهلها بصلاة الإمام ، فلم يَرَ به بأسًا .
في استقبال القبلة ، و في مَنْ صَلَّى إلى غيرها ،
و ذِكْرِ الدليل عليها
رَوَى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ» . و ذكرَهُ مالك في الموطأ ، عن عمر بن الخطاب ، و قال فيه :
***(1/195)
[1/198]
إذا توجَّه قِبَلَ البيت . قال مالك : و عليه الأمر عندنا في مَنْ أخطأ القِبْلَة ، و صَلَّى إليها فيما بين المشرق و المغرب .
قال عنه ابن القاسم : إذا كان إِنَّمَا انحرف عنها يسيرًا ، فلا إعادة عليه .
قال أشهب في مرضى بيت صَلَّى بهم أحدهم في ليلٍ مُظْلِمٍ إلى غير القبلة ، و هم يظنون أنهم إلى القبلة ، أو كان الإمام إلى القبلة و هم إلى غيرها ، أو هم إليها و هو إلى غيرها ، و لم يتعَمَّدُوا ، قال : إن أصاب الإمام القبلة لم يُعِدْ ، و أعاد مَنْ خَلْفَه في الْوَقْتِ إذا أخطئوها ، و إن أخطأ الإمام القبلة أعاد هو و هم ، أصابوا القبلة أو أخطئوها .
و من المختصر : و من أخطأ القبلة فاستدبرها ، أو غَرَّبَ ، أو شرَّقَ ، أعاد في الْوَقْتِ ، و إن تيامن أو تياسر و لم ينحرف انحرافًا شديدًا ، فلا يُعِيدُ .
و من صَلَّى على ظهر الكعبة أعاد .
و في المدونة : و بلغني عن مالك أن من صَلَّى فيها يُعِيدُ في الْوَقْتِ . و قال أَصْبَغُ : و من صَلَّى فيها عامدًا أعاد أبدًا .
و من صَلَّى فوق أبي قُبَيْس أجزأه .
و بعدَ هذا بابٌ فيما يُكْرَهُ أن يُصَلَّى فيه ، فيه ذِكْرُ الصلاة في الكعبة مُسْتَوْعَبًا .
قال أبو الفرج البغدادي : إِنَّمَا يُعِيدُ في الْوَقْتِ من أخطأ القبلة ؛ لأنه إِنَّمَا يُعِيدُ باجتهاد في إصابتها ، و قد صَلَّى و الوقت قائم باجتهاد ، و ليس على مَنْ عُمِّيتْ عليه الصلاة إلى كُلِّ الجهات ، كما يلزم ذكرُ صلاة جميع الصلوات ، و أما مقابل الكعبة
***(1/196)
[1/199]
فهذا فرض عليه لوجهها .
و رأيت لبعض أصحابنا ، أن الدليل في النهار على رسم القبلة ، أن ينظرَ إذا انتهى أخِرُ نُقْصانِ الظِّلِّ ، و هو على أن يَأْخُذَ في الزيادة ، فإن الظِّلَّ حينئذٍ قِبالة رسم القبلة ، و ذلك قبل أن يأخُذ في الزيادة ، فتعْرُجُ إلى المشرق ، و يُسْتَدَلُّ عليها في اللَّيْل بالقُطْبِ الذي تدور عليه بنات نعش ، فاجعله على كتفك الأيسر و استقبل الجنوب بما لقي بصرُك ، فهو القبلة ، و القُطْبُ نجم خفيٌّ وَسَطَ السمكة التي تدور عليه ، و يدور عليها بنات نعش الصغرى و الكبرى ، و رأس السمكة أحدُ الفرقدين و ذنبها الحريّ .
في لباس الرجل فِي الصَّلاَةِ ، و الارتداء ،
و صلاة العريان ، و المُكَفِّتِ ، و المُتشَمِّرِ ،
و المُتزرِّرِ ، و الصلاة في السراويل ، و المؤْتَزر ،
و من عليه آلة الحرب
من الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : كره مالك الصلاة بغير أردية فِي الْمَسَاجِدِ . و قال : يقول الله سبحانه : {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (الأعراف : 31) .
و من الواضحة ، قال : و لا بأس أن يُصَلِّيَ في بيته في ثوب واحد ، و قد فعله النبي صلى الله عليه و سلم ، و خالف بين طرفيه ، و هذا في مثل الرداء ، فإن شاء ردَّ طرفيه بين
***(1/197)
[1/200]
يديه ، و أَقَرَّهُما على كَتِفَيْهِ ، فإن قَصُرَ عقَدهما في قَفَاه ، فإن قصر عليه ائتَزَرَ به ، و إن انكشف بطنه ، إذا لم يجدْ غيره ، و لم يكن فيه ما يرفعه إلى فوقِ ذلك ، و قد صَلَّى جابر بن عبد الله بقوم بثوب شَدَّه إلى ثُنْدُوَتَيْهِ أو فوقهما ، ثم ذكر جابرٌ أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم فعله . و إذا كان القميص قصيرًا يكْشفُه فِي الرُّكُوعِ فَلْيَأْتَزِرْ به . و كَرِهَ مالكٌ في الجماعة الصلاة بقميصٍ بغير رِداءٍ ، إلاَّ الْمُصَلِّي في بيته ، و إن كان يُستَحَبُّ له أيضًا الصلاة في ثوبين . قال : و العورة من سُرَّتِه إلى رُكْبَتَيْهِ ، و لا جُناحَ عليه أن يبدُوَ منه غيرُ ذلك, و لا يُعْجِبُنِي أن يُصَلِّيَ في الغِلالة و الرداءِ .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ نافع : قيل لمالك : قد يُصَلِّي في الغلالة لا تكادُ تَسْتُرُ ؟ قال : إذا كان ثوبًا سخيفًا يَصِفُ ، فلا يُعْجِبُنِي .
و من كتاب ابن حبيب ، و يُكْرَهُ أن يُصَلِّيّ في ثوب رَقِيق يَصِفُ أو خفيفٍ يَشِفُّ ، فإن فَعَلَ فَلْيُعِدْ . قاله مالك ، إلاَّ الرقيق الصَّفِيقُ ، لا يَصِفُ إلاَّ عند الريح ، فلا بأس به .
قال : و لو صَلَّى رَجُلٌ مكشوف الفخذ ، لم يُعِدْ .
قال مالك : و أَكْرَهُ الصلاة في السراويل ، إلاَّ أن يلتحف عليه ، فلا بأس به في غير الجماعة ، إلاَّ أنْ يَلْبِسَ عليه قميصًا . و لا أحبُّه إن وَجَدَ غيرَه .
***(1/198)
[1/201]
و قال مالكٌ في (المُسْتَخْرَجَة ) ، و (المَجْمُوعَة) نحوَ ما ذكَر ابنُ حَبِيب ، في الثَّوبِ الوَاحِدِ والصَّغِيرِ والسَّراوِيلِ .
قال عنه أَشْهَبُ في (الْعُتْبِيَّة) : و اسْتَبْقَحَ أنْ يَظْهَر السَّراوِيلُ .
قال : و لا بَأْسَ أَنْ يَعْقِدَ طَرَفَيِ الثَّوْبِ عليه فِي الصَّلاَةِ ، إنْ لم يكُنْ مُحْرِمًا ، و إنْ وجدَ غيرَه فأَحَبُّ إليَّ أنْ يأْتَزِرَ به و يتردَّى .
قال عنه ابنُ القاسم في روايةِ موسى : كَرِهَ مالِكٌ الصَّلاةَ في السَّراوِيلِ ، إلاَّ أنْ لا يجدَ غيرَه ، فإن كان معه إزارٌ فلْيتَوشَّحْ بِهِ و لا يرْتَدِيهِ . و كذلك قال عنه ابنُ نافعٍ في (المَجْمُوعَةِ) قال عنْه : و لْيَرْتَدِ على المِئْزَرِ .
و من (المَجْمُوعَة) قال أَشْهَبُ في بابِ الأذانِ : و مَنْ صَلَّى في تُبَّان أو سَراويل أعادَ في الوَقْتِ .
و قال ابنُ القاسمِ : و من صَلَّى بسراويلَ أو بمِئْزَرٍ قام على الثِّيابِ فلا يُعِيد .
وقال أَشْهَبُ في بابِ ما يُصَلَّى به : و مَنْ صَلَّى في مِئْزَر أو بِسَراوِيلَ أو قميصٍ قصيرٍ و هو إمامٌ أو غيرُ إمامٍ فصلاتُهُ تامَّةٌ إنْ كان صَفِيفًا ، فإنْ كان يَشِفُّ أعادَ في الوقْتِ ، و كذلك العُرْيَانُ ، و إنْ لم يَبْلُغِ القميصُ رُكْبَتَيْه أو يبلُغُهما إلاَّ أنَّه إذا سجدَ انكشفَتْ عورَتُه أو فَخِذَاهُ فَلْيُعِدْ في الوقْتِ .
و من (الْعُتْبِيَّة) قال عيسى : قال ابنُ القاسمِ في الغَرِقِ يُصَلِّي عُرْيَانًا ، ثم يجدُ ثَوْبًا في الْوَقْتِ فلا إعادَةَ عليه , و بعدَ هذا القول في صَلاةِ المَغْصُوبِين لا يجدونَ ثيابًا .
***(1/199)
[1/202]
قال ابنُ القاسمِ عن مالك في الرَّامي تحضُرُه الصَّلاةُ و عليه الأصابعُ و المصرية ، فلْيَنْزِعْ ذلك ، إلاَّ أنْ يكونَ في حَرْبٍ ، و يخافُ أنْ يطولَ ذلك ، فلْيُصَلِّ كذلك ، و المُسَافِرُ عليه السَّيْفُ و القَوْسُ ، فأَحَبُّ إليَّ أنْ يجعل على عاتِقَيْهِ عِمَامَة إذا صَلَّى ، و ما ذلك بضَيِّقٍ و لا يُصَلِّي بالقَوْسِ .
قال موسى عن ابنِ القاسم : و لا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ و في أُذُنِه دِرْهَمٌ ، و أكْرَهُه في فِيهِ . و لا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ و على رأسهِ خِرْقَةٌ أو وِقَايَةٌ ما لم يتعمَّدْ أنْ يكْفِتَ بها شَعْرًا من غُبَارٍ و غيرِه ، و كذلك المُتَشَمِّر الكُمَّيْن فذلك جائزٌ ما لم يتعمَّدْ ذلك ، و أمَّا مَنْ كَانَ في عملٍ فلا بَأْسَ بذلك .
قال عنه ابنُ القاسم في (المَجْمُوعَةِ) : و لا يتَلَثَّم فِي الصَّلاَةِ ، و لا يُغَطِّي فاهُ .
و من (الْعُتْبِيَّةِ) : أشْهَبُ عن مالك : و لا يَكْفِتُ ذو الشَّعْرِ شَعْرَهُ بعِمَامَةٍ و يُصَلِّي ، إلاَّ أنْ يُرِيدَ أنْ يَسْتَدْفِئَ .
و من كتاب ابنِ حَبِيب : و لا ينْبغي أنْ يُغَطِّيَ فَمَهُ ، و لا ذَقَنَه ، و لا لِحْيَتَهُ فِي الصَّلاَةِ .
قال مالكٌ : و لا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ في دَارِه بالعمامَةِ ، لا يَلْتَحِيَنَّ بها ، فأمَّا في المسجد فلا يدَعِ الالْتِحَاءَ بها . و لا بَأْسَ أنْ يُصَلِّيَ مُطْلَقَ الأزْرارِ في الخَلاءِ و المَلاءِ .
قال مُطَرِّفٌ : و رأيْتُ مالِكًا في المسْجِدِ مُطْلَقَ الأزْرارِ ، فلمَّا حضَرتِ الصَّلاةُ تزَرَّر .
وليسَ من الشَّأْنِ تقْلِيدُ السُّيوفِ و القِسِيِّ فِي الصَّلاَةِ في الحواضِرِ ، و لا يعْدِل بالرِّداءِ في الحواضِرِ ، فإنِ اضْطُرَّ إلى ذلك ، أو كانتْ عَزِيمةً من السُّلْطَانِ لأَمْرٍ ينوبُ ، فلْيَطْرَحْ على السَّيْفِ عِطَافًا ؛ رِدَاءً أو سَاجًا أو عمامَةً ، فإنْ لم يفْعَلْ فلا
***(1/200)
[1/203]
حَرَجَ ، فأمَّا في الثُّغُورِ ، و مواضِعِ الرَّباط و الجِهَادِ ، و في السَّفَرِ ، فلا بَأْسَ بتَقْلِيدِ السَّيْفِ ، و تنْكِيسِ القَوْسِ ، و الصَّلاة بذلك بغيرِ رداءٍ و لا عِطافٍ .
في اشْتِمَالِ الصَّمَّاء فِي الصَّلاَةِ ، و السَّدْلِ فيها ، و إلْقاء الرِّداء و هو فيها ، و ذِكْرِ الصَّلاة في البَرَانِسِ و الخمائصِ ، و الصَّلاةِ في النَّعالِ
و من (الْعُتْبِيَّة) : ابنُ القاسم عن مالك : و اشْتِمَالُ الصَّمَّاء أنْ يَشْتَمِلَ بالثَّوْبِ على مَنْكِبَيْهِ ، و يُخْرِجَ يَدَه اليُسْرَى من تحْتِه ، و ليس عليه مِئْزَرٌ . و أَجَازَه إنْ كان عليه مِئْزَرٌ ، ثم كَرِهَه .
قال ابنُ القاسمِ : تَرْكُه أَحَبُّ إليَّ ، و ليس بضَيِّقٍ في المُؤْتَزِرِ .
قال مالك : و الاضْطِبَاعُ أنْ يَرْتَدِيَ ، و يُخْرِجَ ثَوْبه من تحتِ يَدِه اليُمْنَى .
قال ابنُ القاسمِ : و هو من ناحِيَةِ الصَّمَّاءِ .
قال ابنُ القاسمِ عن مالك : و البَرَانِيسُ ، من لِبَاسِ النَّاسِ قديمًا ، و مِن لباس المُصَلِّين .
قال عنه في (المَجْمُوعَة) : لا يُصَلِّي في البُرْنُسِ وَحْدَهُ ، إلاَّ أنْ يكون تحته قميصٌ أو مِئْزَر أو سَرَاوِيلُ .
قال عنه : و إذا كان يشْتَمِرُ ، فطَرَحَ الرَّدَاءَ عن مَنْكِبَيْه ، و عليه قميصٌ ، فكَرِهَهُ ، و خَفَّفَه في النَّوَافِلِ . و كذلك قال عنه في (الْعُتْبِيَّة) : إذا صَلَّى في إزارٍ و رداءٍ فطَرَحَه للحرِّ و هو جالِسٌ ، وقال عنه : و لا بَأْسَ بالسَّدْلِ لمن لا قميصَ عليه ، و عليه مِئْزَرٌ و رداءٌ ، و بطنُه مُنْكَشِفَةٌ .
***(1/201)
[1/204]
قال عنه ابنُ زياد في (المَجْمُوعَة) في مَن يجمعُ طَرَفَيْ رِدَائِه ، أو ساجِه على بَطْنِهِ ، و يَضَعُ يديْه عليه لِيَثْبُتَ ، و لئلاَّ يَسْدِلَه ، فكَرِهَ ذلك .
و من (الواضحة) : و لا بَأْسَ بالصَّلاةِ في البرَانس العربيَّةِ في الخَلْوَةِ و الجماعةِ ، إذا كان تحته قميصٌ أو مِئْزَرٌ أو سراوِيلُ ، و إلاَّ فلا . و كان رِجَالٌ كثير من الصَّحابَةِ و التَّابِعِينَ يغْدُون بها إلى المسْجِدِ و يَرُوحون في الخمايص ذواتِ الأعْلامِ . و يُكْرَهُ الصَّلاةُ في الْبَرَانس الأَعْجَمِيَّةِ ، و كذلك سيوفُهم و زِيُّهم و شَكْلُهم ، يُكْرَه فِي الصَّلاَةِ و غيرِها ، و لا يُعِيدُ مَنْ صَلَّى بذلك و هو طَاهِرٌ .
قال النَّخَعِيُّ : كان السَّلفُ يصلون في بَرَانِسِهِم و سِيجانِهم ، و لا يُخْرِجون أَيْدِيَهُم إلاَّ للسُّجُودِ .
و اسْتَحَبَّ مالكٌ أنْ يَكْشِفَ يدَيْهِ عند الإِحْرَامِ .
قال مالك : و له أنْ يُصَلِّيَ في نَعْلَيْهِ الطَّاهرتَيْن ، و إنْ خَلعهُما فلْيَجْعَلْهُما عن يَسارِه ، فإنْ كان في صَفٍّ جعلَهُما بين يَدَيْه ، و يلبسُهما إنْ كانتا طاهرتَيْن أَحَبُّ إليَّ ؛ لئلاَّ يشْغَلاه ، و كلٌّ واسعٌ .
و من (المَجْمُوعَة) : قال عليٌّ عن مالك : لا بَأْسَ بالصَّلاةِ في النَّعْلَيْنِ ، قد صَلَّى فيهما رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم . قال عنه ابنُ حَبِيب : إنْ كانتا طاهِرَتَيْنِ .
***(1/202)
[1/205]
في لِبَاسِ المرأةِ الحُرَّةِ و الأَمَة فِي الصَّلاَةِ
من (الواضحة) قال : و تُصَلِّي المرأةُ الحُرَّةُ في الدِّرْع الخَصِيفِ يسترُ ظُهورَ قَدَمَيْها في الرُّكُوعِ و السُّجُودِ ، و خِمَارٍ يسْتُرُ كَتِفَيْها و قُصَّتَها و دَلاليها ، و لا يَظْهَر منها غيرُ دَوْرِ الوَجْهِ و الكَفَّيْنِ ، و كلُّ ما غَطَّتْ به رأسها فهو خِمارٌ ، و لو كان تحتَ القميص مِئْزَرٌ فهو أَبْلَغُ ، و إلاَّ فَيُجْزِئُهَا ، و لا يَبْدُو منها لغيرِ ذَوِي مَحْرَمٍ غيرَ ما يَبْدُو فِي الصَّلاَةِ ، و لا تَلْبَسُ الخِمارَ الخفيفَ في صَلاةٍ ، حتى يكونَ تحته لُفافَةٌ للشَّعْرِ ، و لا تَلْبَسُ الثَّوْبَ الخَفِيفَ الذي يشِفُّ ، و لا الرَّقيقَ الصَّفِيقَ الذي يَصِفُ ما تَحْتَهُ فِي الصَّلاَةِ ، و لا في خُرُوجِها و دُخُولِ مَنْ يَدْخُل عليها ، فأمَّا مع زَوْجِها في سَتْرِها فذلك جائزٌ .
قال الثَّوْرِيُّ : أَمْثَلُ ثِيَابِهَا إذا خرجَتْ ما يسْتُرُ ، و لا يشْتَهِرُ .
و من (الْعُتْبِيَّة) : روى أَشْهَبُ عن مالكٍ قال : و لا تُصَلِّي المرأةُ باديةَ النَّحْرِ ، و لِبَاسُ القميصِ لها أَحَبُّ إليَّ ، و أَكْرَهُ القَرْقَلَ .
قال موسى بن معاوية ، عن ابن القاسمِ : و إذا صَلَّت بغير خمارٍ ، أو بثَوْبٍ يَصِفُها ، أعادَتْ في الْوَقْتِ ، و الوقتُ للظُّهْرِ و العَصْرِ اصْفرارُ الشَّمْسِ . و إنْ صَلَّتْ في ثَوْبٍ واحدٍ مُلْتَحِفَةً بِهِ ، فإنْ سَتَرَ منها ما يستُر الدِّرْعُ و الخمارُ بلا اشْتِغَالٍ
***(1/203)
[1/206]
بإمساكه فلا بأس بذلك ، و إن كانت تمسكه بيدها فلا خير فيه .
و من (المَجْمُوعَة) : قال ابنُ القاسمِ : قال مالك : و إن صلت في درع و جلباب بلا خمار ، فإن ستر منها الجلباب ما يستر الخمار و ثبت ، و الدَّرع سابغ ، فذلك جائز ، و لا أرى إن يطل منها بثوب تطرحه عليها و هو لا يستقرُّ ، و كذلك أم الولد .
قال عنه علي بن زياد : و إن صلت في ثوب مشتملة به ، قد عطَّت به شعرها أعادت في الْوَقْتِ .
قال عنه ابن وهب : و لا تصلي متنقِّبة . قال عنه ابن القاسم : و لا تعيد إن فعلت . قال ابن حَبِيب : لا تصلي متنقبة أو مشتملة ، فأن فعلت لم تُعِدْ . قاله ابن القاسم .
و من المحموعة : قال أَشْهَبُ : إذا انكشف بعض رأسها ، و بعض الفخذ ، أو البطن ، أو دراعيها ، أعادت في الوقت .
و إذا صلَّت الصَّبية لم تبلغ بغير قناع ، و هي ممن تؤمر بالصَّلاة ، قال أَشْهَبُ : فتعيد في الْوَقْتِ . و كذلك في صَلاةِ الصَّبي عريانًا ، فإن صَلَّى بغير وضوء أَعَادَ أبدًا .
قال سحنون في (كتاب أبيه ) : إنما يُعِيد بالقرب ما لم يَطُل ، و لا يُعِيد بعد اليومين و الثَّلاثة .
قال ابن حَبِيب : المأمورة بالصَّلاة من الصَّغار تستر كالكبيرة .
و من (الْعُتْبِيَّة) : قال أَشْهَبُ عن مالك في المرأة تخرج من البحر
***(1/204)
[1/207]
عريانة ، فلتصلِّ قائمة ، إلاَّ أنْ يراها أحد .
قال عنه ابن القاسم : و لا بَأْسَ بالشابة العازبة ان تدع لباس القلادة و القرطين و الخضاب ، و لا بَأْسَ عليها أن تصلي بغير قلادة و لا قرطين ، و إنَّما يفتيهن بهذا العجائز .
و من (المَجْمُوعَة) : قال ابن نافع ، عن مالك : و لا تصلي الأمة في إزار و عمامة على عاتقها . يريد بالإزار : المِئْزَر .
قال ابنُ القاسمِ : و ليكن على جسدها ثوب يستره .
قال ابن حَبِيب ، قال أصبغ : يستر الأمة فِي الصَّلاَةِ ما يستر الرَّجل ، و لو صلت هي أو الرَّجل مكشوفي البطن ما ضرَّهما ، و عورتهما بين السَّرة إلى الرَّكبتين ، و يجوز أن تصلي في ثوب واحد ، و تخالف بين طرفيه ، و لو صَلَّتْ مكشُوفَة الفَخِذ ، أَعَادَتْ في الوَقْتِ ، و لو صَلَّى الرَّجُل مكشوف الفَخِذِ لم يُعِدْ ، و السَّتر موضوع عن الأمة ، موضوع عند الرَّجال ، فلذلك لم يؤمر به فِي الصَّلاَةِ ، و أمُّ الولد لها عقد قوي من الحرية ، فأمرت بالستر .
باب في الأمة تعتق فِي الصَّلاَةِ ، و صفة خمار الحرة ، أو ثوب الرَّجُل عن عورته فِي الصَّلاَةِ
قال ابن حَبِيب : و إذا أعتقت الأمة فِي الصَّلاَةِ فلتُخَمَّرْ في بَقِيَّتِهَا ، فإنْ تركتْهُ جهلاً ، أو لم يُمْكِنْها ، أَعَادَتْ في الوَقْتِ . قاله ابن القاسم ، و ابن الماجشون . و قال أصبغ : لا تُعِيدُ إلاَّ أن تُعْتَقَ قبل الصَّلاة ، فتَعْلَمُ فِي الصَّلاَةِ أو بعدها ، فلتعدْ في
***(1/205)
[1/208]
الوقت .
و من (الْعُتْبِيَّة) : روى عيسى عن ابن القاسم في أمة عتقت بعد ركعة من الفريضة ، و رأسها منكشف ، فإن لم تجد من يناولها خماراً ولا وصلت إليه فلا تعيد وإن قدرت على أخذه فلم تأخذه أو أعطيته فلم تأخذه أَعَادَتْ في الوَقْتِ ؛ و كذلك العريان يُصَلِّي –يريد : إذا لم يجد – ثم يقدر فِي الصَّلاَةِ على ثوب .
و قال لسحنون : إذا أعتقت فِي الصَّلاَةِ و رأسها مكشوف فلتقطع و تبتدئ ، و كذلك العريان يجدُ ثوباً فِي الصَّلاَةِ .
و قال أصبغ : إذا تمادت بعد العتق و هي تجد أن تُسْتَرَ فلم تفعل فلا تعيد في وقت و لا غيره ؛ كالمتيمم يجد الماء بعد أن صَلَّى ركعة ، فليتمادَ . و هذا أشَدُّ ، و إنَّما استحسن لها الاستِتارُ حينئذ ، و ليس بواجب . فأما لو عتقت قبلَ الصَّلاةِ ، فهذه تُعِيدُ ، كما قال ابنُ القاسمِ ، و هي كمَنْ نسي الماء في رحله ، إلاَّ أن من نسيه في رحله يُعِيد أبدا عنده لأنه من أهل الماء حين هو في رحله أم جهله .
و روى موسى عن ابن القاسم ، أنها إن أخذت ثوبا فِي الصَّلاَةِ حين عتقت ، فاستترت به ، رجوت أنْ يجزئها ، و أَحَبُّ إليَّ أن لو جعلتها نافلة ، إن كانت ركعة شفعتها و سلمت ، و ابتدأت ، كمن نوى الإقامة بعد أن صَلَّى ركعة .
***(1/206)
[1/209]
قال مالك : أَحَبُّ إليَّ أن تُعِيدَ .
قال : و لو طرح الرَّيح خمار الحرة فِي الصَّلاَةِ ، فغن قرُب منها فتناولته ، فلا بأس بذلك ، و إن تباعد ، سلَّمت ، و ابتدأت .
و لو أن إمامًا صَلَّى بثوب مُتَوَشِّحًا ، فوقع ثوبه عنه و هو راكع ، فانكشف فرجه و دبره فإن أخذه مكانه ، و رفع رأسه فذلك يُجْزِئُهُ .
قال سحنون : و يُعِيد كل من نظر إلى فرجه ممن خلفه ، و لا شيء على مَنْ لم ينظر . و كذلك روى أبو زيد فِي مَنْ سقط ثوبه فِي الصَّلاَةِ ، أنَّه يستتر و لا شيء عليه .
قال سحنون في ( كتاب أبيه ) : إنه إن أخذه مكانه ، فصلاته و صلاة من خلفه فاسدة ، و كذلك المعتقة فِي الصَّلاَةِ تستتر بعد العتق ، فصلاتها فاسدة ، و إن استترت مكانها . و كذلك قال في (المَجْمُوعَة) فيهما .
في ذكر النَّجاسة فيما يُصَلِّي به أو عليه ، و ذكر الدَّم و الميتة و الكيمخت ، و من رأى في ثوبه أو ثوب إمامه نجاسة ، و مَنْ كَانَ بين يديه فِي الصَّلاَةِ نجاسة ، أو من لا يتحفَّظ منها
و هذا الباب قد تقدَّم كثير منه في كتاب الطَّهارة ، و في باب مفرد .
***(1/207)
[1/210]
و من (الْعُتْبِيَّة) قال ابنُ القاسمِ عن مالك في دم الحيضة : لا تعاد الصَّلاة من قليله ، و تعاد من كثيره في الوَقْتِ .
قال سحنون : و روى ابن نافع ، و علي بن زياد ، و ابن الأبرش عن مالك أنَّه كالبول تُعاد من يسيره في الْوَقْتِ .
قال ابن حَبِيب : كل دم من إنسان أو بهيمة أو ميتة أو غيره سواءٌ ، إلاَّ دم الحيض ، فيختلف في قليله . فقال ابنُ القاسمِ ، و مطرف ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ : لا تعاد من قليله . و قال ابن وهب ، و ابن الماجشون : تعاد من قليله . و به أقول .
و من (المَجْمُوعَة) : قال ابنُ القاسمِ ، عن مالك : و الخمر و المسكر نجس ، تعاد منه الصَّلاة ، كما تعاد من النَّجاسة .
و في كتاب الطَّهارة قول لابن وهب في الإعادة إبدًا في أربعة أشياء .
و من (الْعُتْبِيَّة) روى موسى بن معاوية عن ابن القاسم في مَنْ صَلَّى على أرض نجسة ، أو دم ، أو عذرة ، و لم يعلم أنَّه يُعِيد في الوَقْتِ .
و قال ابنُ القاسمِ عن مالك : من صَلَّى ببول الفارة أَعَادَ في الوَقْتِ . قال سحنون : لا يُعِيد ، و قد أجازت عائشة أكلها . قال لنا أبو بكر : إن كانت بموضع لا تصل إلى النَّجاسة فلا بأس ببولها .
و من الواضحة ، قال ابن حَبِيب : بولها و بول الوطواط و بعرهما نجس . و مَنْ صَلَّى بنعليه ثم وجد فيهما نجاسة في أسفلهما أو أعلاهما أَعَادَ . و لو كانتا بين رجليه ، فإن كانت في إعلاه أَعَادَ ، و إن كانت في أسفله لم يُعِدْ . و لا يجزئ حكُّه من القشب الرَّطب لخِفَّةِ نزعه ، بخلاف الخفِّ . و ساوى ابن القاسم بينهما .
***(1/208)
[1/211]
و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بنزعِهِ إذا كان فيه أذًى .
ومن(المَجْمُوعَة) ، قال عليُّ بن زياد ، عن مالك : لا بأس بالصلاة على أحلاس الدواب ، إذا جعل ما يلي ظهر الدابة يلي الأرض ، و يسجد على غيرها .
قال ابن حبيب : ومن لم يغسل موضع المحاجم حتى صلى فلا يُعِيد ، وما روى عن سعيد بن المسيب و غيره من فتل الدم في الأصابع أكثر من هذا .
ومن صَلَّى على حصير تحته نجاسة ، فلا شيء عليه .
ومن ابتاع ثوبًا من ذمي ، أو ممن لا يتحفظ من المسلمين من البول والنجاسة و الخمر ، أو أعارهم ثوبه ، أو لامرأة لا تحسن التوقي من النجاسة ، فليغسله قبل أَنْ يصلي فيه .
وخفا النصراني والمسلم السوء مثل ثوبه .
ولا شيء على من بصق دمًا في الصَّلاَة ، ما لم يتفاحش كثرته .
ومن (العتيبة) ، قال ابن القاسم : وكره مالك أَنْ يبطن الخف بدم الطحال . قال سحنون : ومن صَلَّى به لم يُعِدْ .
قال أشهب عن مالك : و من نسي فأرجو أنْ لا يكون عليه الإعادة . أبو محمد : أراه يريد إذا مسح أو كان ببُعْدٍ .
قال مالك : و إذا أسلم النصراني فلا يصلي حتى يغسل ثيابه و يغتسل .
قال عيسى ، قال أبو محمد المخزومي : سألت مالكًا عن الكيمخت ،
***(1/209)
[1/212]
فقال : هذا تعمق قد صَلَّى الصحابة بأسيافهم و فيها الدم . و كرهه ابن القاسم ، قال سحنون : و روي عن مالك قال : ما زال الناس يصلون بها و فيها الكيمخت . و قال موسى : أخبرني جرير بن عبيدة ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يرون ذبائح الكيمخت طهورة و يخطُّونه في أسيافهم .
قال عبد الملك بن الحسن ، قال ابن وهب : لا بأس بالصلاة على جلود الميتة إذا دُبِغت ، على ظاهر الحديث ، و كذلك بيعها .
***(1/210)
[1/213]
قال يحيى بن عمر : و قول مالك لا يصلى عليها و لا تباع .
قال يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم في الجُنُبِ يحلق رأسه و يبقى من شعره في ثوبه ، فلا شيء عليه ، إلاَّ أَنْ يصيب الشعر نجاسة .
قال يحيى بن يحيى : و إن صَلَّى على بساط شعر الميتة ، فلا شيء عليه .
و من المَجْمُوعَة ، قال ابن القاسم : استحسن مالك غسل شعر الميتة و صوفها أو وبرها ، قال عنه ابن نافع : إن علم أنَّه لم يصبه أذى فلا شيء عليه ، و ليس الريش كذلك ، ربما يكون في أصوله دم ، و إنما ينتف منه الزغب ، فلا بأس به .
قال عنه علي : إذا صَلَّتِ امرأة بقصَّة من شعر غيرها ، لم تُعِد ، و تستغفر الله .
و قال سحنون فِي مَنْ ألقي عليه و هو في الصَّلاَة ثوب نجس ، فسقط عنه مكانه و لم يثبت : أرى أَنْ يبتدئ الصَّلاَة .
قال ابن الْمَوَّاز في ثياب تصبغ بالبول ، قال : إن طهرت فلا بأس بها .
و قال عنه ابن نافع ، في المَجْمُوعَة : و ترك الصبغ بالبول أعجب إلي .
قال عنه ابن نافع : فإذا رأى في ثوبه في الصَّلاَة دمًا كثيرًا ، قطع و نزعه ، وَ لا بَأْسَ أَنْ يضعه بين يديه ، و يُخَمِّرّ الدم ، و يبتدئ الصَّلاَة .
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة و إذا صَلَّى بشيء يكرهه مثل الماء يلغ فيه الكلب أو قليل الدم مما يستحبُّ ألا يصلي به فإن ذكر ذلك في الصَّلاَة ، لم يفسد صلاته .
قال ابن حبيب : من صَلَّى على موضع نجس و لم يعلم أَعَادَ في الوَقْتِ ، إن كانت في موضع قيامه أو قعوده ، أو موضع سجوده ، أو موضع كفَّيْه ، فأما إن
***(1/211)
[1/214]
كانت أمامه أن عن يمينه ، أو يساره ، فلا شيء عليه . ومن صَلَّى وأمامه ثوب فيه جنابة ، ولم يعلم حتى فرغ ، فلا يُعِيد . ومن تعمد الصَّلاَة إلى النجاسة ، و هي أمامه ، أَعَادَ صلاته ، إلاَّ أن تكون بعيدة عنه جدًّا ، أو يواريها عنه شيء ، وإن كان دونها ما لم يوارها ، فذلك كل شيء .
ومن (الْعُتْبِيَّة) ، روى يحيى ، عن ابن القاسم ، في الإمام يرى في ثوبه نجاسة ، فليستخلف ، وينزعه أو يغسله ، ثم يدخل مع الناس .
قال ابن حبيب : إن نزعه وعليه غيره ، فليخمره ويدخل مع الإمام .
قال يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، في (الْعُتْبِيَّة) : وإذا رأى المأموم النجاسة في ثوب إمامه فقدر أَنْ يريها للإمام فليفعل ، فإن لم يقدر وتمادى معه ، أَعَادَ أبدا أحب إلى ، وإن لم يُعِدْ إلاَّ في الوَقْتِ أجزأه .
قال سحنون : إذا كان بينه وبين الإمام صفوف ، فلا بأس أَنْ يخبره متكلما بما في ثوبه ، ويبتدئ هذا المخبر الصَّلاَة .
قال في (كتاب أبيه) : ويستخلف الإمام . وإن أخبره بالإشارة فليبن المخبر ، إذا لم يعمل عملا خلفه بعد علمه بالنجاسة ، ولا يقطع ، إلاَّ أنْ لا يفهم عنه إلاَّ بالكلام .
ومن (الْعُتْبِيَّة) ، أشهب ، عن مالك : ومن صَلَّى وأمامه في الصف صبي لا يتحفظ من الوضوء ، فأرجو أَنْ يكون واسعا .
***(1/212)
[1/215]
قال عيسى ، عن ابن القاسم : إن كان في الصف مجنون مطبق ، لا يتوضأ ولا يتطهر ، أو صبي ، أو امرأة ، أو كانوا حذاءه ، فليتنح عنهم ، أو ينحيهم ، أو يبعد عنهم ، فإن تمادى فلا إعادة عليه ، كان عامدا أو ساهيا أو جاهلا . و قد كره أبو سلمة بن عبد الأسد ، الذي كان زوج أم سلمة زوج النبي صَلَّى الله عليه وسلم أَنْ يصلى وبين يديه في الصف مأبون في دبره ، وهو كمن صَلَّى وبين يديه جدار مرحاض . قال مالك : فلا شيء عليه ، و كذلك الكافر والمجنون .
في مَنْ لم يجد إلاَّ ثوبا نجسا أو حريرا ، وفي
إعادة الصَّلاَة فِي مَنْ صَلَّى بذلك ، ووقت من
يُعِيد في ذلك ، وذكر صلاة المعطوبين لا
يجدون ثيابًا
وفي الوضوء باب كثير من هذا .
ومن (الْعُتْبِيَّة) ، روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، في مسافر ليس معه إلاَّ ثوبان ، أحدهما نجس ، بلغني عن مالك أنَّه يصلي في واحد -قال أبو محمد : يريد تحريا – قال مالك : ويُعِيد إن وجد ثوبا طاهرا في الوَقْتِ . قال ابن القاسم : وأنا أرى ان يصلي بكل واحد صلاة مكانه ، ثم يُعِيد إن وجد غيرهما في الوقت .
ومن( كتاب ) آخر ، قال ابن الماجشون مثل قول ابن القاسم ، يصلى بكل
***(1/213)
[1/216]
ثوب صلاة . وقال سحنون يتحرى أحدهما ويصلي به ، أرأيت لو كانت مائة ثوب أحدها طاهر أيصلي مائة صلاة . وقول ابن سحنون هو قول مالك ههنا ، وهذه في كتاب الوضوء مستوعبة مع ما يشبهها .
ومن(المَجْمُوعَة) ، قال أشهب : ومن لم يجد إلاَّ ثوبا نجسا . فصلى عريانا ، فليعد بذلك الثوب في الوَقْتِ ، إن لم يجد غيره .
قال سحنون : ومن صَلَّى بثوب نجس ، ثم وجد حرير في الوَقْتِ فلا يُعِيد به .
ومن لم يجد إلاَّ ثوب حرير وثوبا نجسا ، ولا ماء معه ، فقال ابن القاسم : يصلي بالحرير . قال ابن الْمَوَّاز قال أصبغ : يصلي بالنجس . قالا : ويُعِيد في الوَقْتِ إن وجد غيره . قال أصبغ : فإن صَلَّى بالحرير فلا إعادة عليه . قال أشهب : إلاَّ أنْ لا يستره فيُعِيد في الوَقْتِ ، كالعريان ، ويصلي عريانا أَحَبُّ إليَّ من الصَّلاَة بالثوب الحرير .
أبو بكر ، عن يحيى ، عن البرقي ، عن أشهب فِي مَنْ صَلَّى بثوب نجس عامدا ، قال : يُعِيد في الوَقْتِ .
ولأشهب فِي مَنْ صَلَّى عريانا قول تركت ذكره ، وفي باب الصَّلاَة بالحرير شيء من هذا .
ومن (المَجْمُوعَة) ابن القاسم ، عن مالك ، فِي مَنْ صَلَّى بثوب نصراني ، ولم يعلم ، ثم علم به ، فتمادى لبسه له على كل حال : يُعِيد ما صلى . وروى نحوه ابن نافع .
ومن(الواضحة) ، قال : ومن صَلَّى بثوب نجس عامدا ، أَعَادَ أبدا . وإن لم يجد غيره صَلَّى به ، فإن وجد في الوَقْتِ ماء ، غسله ، أو وجد غيره ، أَعَادَ . والوقت فيه غروب الشمس ، وفي من صَلَّى إلى غير القبلة ، هذا قول عبد الملك و ابن
***(1/214)
[1/217]
عبد الحكم ، وقال ابن القاسم : الاصفرار . والأول أحب إلى .
قال ابن الْمَوَّاز : روى ابن القاسم ، عن مالك أن وقته الاصفرار ، وفي الصبح الإسفار ، وفي صلاتي الليل طلوع الفجر ، في الصَّلاَة بثوب نجس أو إلى غير القبلة .
وقال مالك : في مسافر لم يجد إلاَّ ثوبا نجسا ، فصلى به ، فوقته غروب الشمس ، وفي الصبح إلى طلوعها .
وقال في الذي يقضي ما نسى ، وقد صَلَّى العصر ، فليعدها ما بقى من النهار ركعة .
ومن (المَجْمُوعَة) ، قال ابن الماجشون : ومن صَلَّى بثوب نجس ، ثم ظن في الوَقْتِ أنَّه لم يصل ، فصلى بثوب طاهر ، ثم ذكرها ، فليعدها في الوَقْتِ ؛ لأن وقتها الذكر .
قال ابن حبيب : ومن رأى في ثوبه نجاسة ، فهم بغسلها ، ثم نسى حتى صَلَّى بها ، فليعد في الوَقْتِ ، ولو رأها في الصَّلاَة ، فهم بالقطع ، ثم نسى ، فأتمها ، فليعد أبدا ، و لو رأها بعد أن سلم ، وهو في الوَقْتِ ، ثم نسى أَنْ يُعِيدَ حتى خرج الوقت ، فليعد أبدا ، ولو ذكر وقد سلم من صلاة قبلها ، فصلاها ، ثم نسى أَنْ يُعِيدَ هذه ، فليعدها أبدا ، وكذلك لو ذكرها فيها ، فهم أَنْ ينصرف ، ثم نسى ، فأتمها ، فليعد أبدا . وقال مطرف ، وابن الماجشون ، وروياه عن مالك .
***(1/215)
[1/218]
وقال ابن القاسم : لا يُعِيد من ذلك كله إلاَّ ما كان في وقته .
و قال سحنون في هذه وفي التي قبلها : لا يُعِيد ذلك بعد الوقت . و كذلك ذكر ابن الْمَوَّاز عن ابن القاسم ، و ذكر قول عبد الملك ، و اختار قول ابن القاسم .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : و من صَلَّى بثوب حرير نجس إذا لم يجد غيره ، ثم وجد في الوَقْتِ ثوب حرير طاهرًا ، فلا يُعِيد ، إلاَّ أَنْ يجد غير حرير ، و كذلك من صَلَّى بثوب نجس غير حرير ، ثم وجد ثوب حرير طاهرًا .
و من الْعُتْبِيَّة قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب فِي مَنْ ذكر صلاة منذ شهر فصلاها ، فبعد أن سلام ذكر انه صلاها بثوب نجس ، قال : يُعِيدها . قال يحيى بن عمر : و قول مالك و جميع أصحابنا أنَّه لا يُعِيد .
و من المَجْمُوعَة ، قال عبد الملك : من صَلَّى الجمعة بثوب نجس ، فليعد ما دام وقت الظهر ظهرًا ، فإن دخل وقت العصر لم يُعِدْ ، و إن ذكر في الوَقْتِ ثم نسي حتى خرج الوقت ، فليعدْ أبدًا . و كذلك في غير الجمعة فيما يعاد في الوَقْتِ ، فيذكر في الوَقْتِ ، ثم ينسى حتى يخرج الوقت .
و قال سحنون في (كتاب أبيه) : واختلف في هذا عن مالك ، و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يكون وقت الجمعة الفراغ منها .
و قال ابن القاسم في المَجْمُوعَة : إن ذكر الصبح بعد أن صَلَّى الجمعة ، فليصل الصبح و لا يعد الجمعة ؛ لأنها قد فاتت ، إذ لا تعاد إلاَّ ظهرًا . و رواه عن عبد الرحيم ، عن مالك .
***(1/216)
[1/219]
قال سحنون : و أكثر الرواة على أَنْ يُعِيدَ في الوَقْتِ ظهرا .
و قال ابن حبيب : وقت مصلَّى الجمعة بثوب نجس أَنْ يُعِيدَ ما لم تغب الشمس .
و كذلك إن ذكر صلاة بعد أن صَلَّى الجمعة نظرت إلى بقية الوقت بعد قضاء التي ذكر إلى غروب الشمس . هذا قولهم إلاَّ أشهب ، فقال : وقتها الفراغ منها .
ما يكره أَنْ يصلى فيه من الأماكن ، أو يصلى عفيه مما يشك فيه
من الواضحة ، قال : و قد نهي عن الصَّلاَة في المقبرة ، و المجزرة ، و المزبلة ، و محجة الطريق ، و ظهر بيت الله ، و معاطن الإبل .
و تأويل ما ذكر من المقبرة أنها مقبرة المشركين ؛ لأنها حفرة من حفر النار ، و أما مقبرة المسلمين فلا ، عامرة كانت أو داثرة . قال مالك : و كان الصحابة يصلون فيها . قال غيره : و قد صَلَّى النبي صلى الله عليه و سلم على قبر السوداء ، و في هذا دليل .
***(1/217)
[1/220]
قال ابن حبيب فِي مَنْ صَلَّى في مقبرة المشركين و هي عامرة : أَعَادَ أبدًا في العمد و الجهل ، و إن كانت دارسة لم يُعِدْ و قد أخطأ . قال : و يُعِيد من صَلَّى في المجزرة و المزبلة أبدًا في العمد و الجهل ، و يُعِيد في السهو في الوَقْتِ . قال : و لا يصلى في الطرق التي فيها أرواث الدواب ، إلاَّ من ضيق المسجد في الجمعة . قال في المدونة : في الجمعة و غيرها .
قال ابن حبيب : و قد يضيق الطريق بالمسافر ، فلا يجد عن يمينه و عن يساره ما يصلي فيه فيجوز له ذلك .
و من صَلَّى في الطريق من غير ضرورة أَعَادَ أبدا في العمد و الجهل و في السهو في الوَقْتِ .
و تجوز الصَّلاَة في الزبى من غير ضرورة ، و الزبى كذا تكون في خلال الطريق عافية من آثار الناس و الدواب .
قال : و من صَلَّى فوق الكعبة ، أو في داخلها فريضة أَعَادَ أبدًا ، في العمد و الجهل ، و لا يصلي فوق ظهرها نافلة ، و هو كمصل إلى غير قبلة ، و يصلي النافلة في داخلها كما جاء الحديث .
***(1/218)
[1/221]
قال ابن الْمَوَّاز : قال أصبغ : من صَلَّى بالكعبة أَعَادَ أبدًا .
قال مالك في المختصر : من صَلَّى على ظهرها أَعَادَ .
قال أشهب في المَجْمُوعَة : و من صَلَّى فوق ظهر الكعبة أَعَادَ في الوَقْتِ . و قال : و من صَلَّى فيها ، لم أر عليه إعادة . و هذا قد تقدم في باب القبلة .
قال ابن حبيب : و كره مالك الصَّلاَة في عطن الإبل ، و إن بسط عليه ثوبًا طاهرًا . قال ابن حبيب : و من صَلَّى فيه أَعَادَ أبدًا في العمد و الجهل كموضع نجس ، و إنما نهي عن ذلك لما يستتر به للمذاهب .
***(1/219)
[1/222]
و قال غير ابن حبيب : و قد روي أنها مثِّلت بالشياطين ، فإن تأويل النهي عن الصَّلاَة في معاطنها لنفارها فتخلط على المصلي ؛ لأن أبوالها قد أجاز النبي صلى الله عليه و سلم شربها . و كل محتمل ، والله أعلم .
و روى يحيى بن يحيى عن ابن القاسم أنَّه تأول النهي عن ذلك لما يخالطها من مذاهب الناس ، قال : و لو سلم من أَنْ يخرج الناس فيه ، فلا بأس بالصلاة فيه .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم : قال مالك : لا يصلى في عطن الإبل و إن لم يجدْ غيره ، و إن بسط ثوبًا .
***(1/220)
[1/223]
قال ابن الْمَوَّاز : قال أصبغ : فإن صَلَّى فيه أَعَادَ في الوَقْتِ .
قال علي بن زياد ، عن مالك : لا يصلى في المجزرة و المزبلة و كل موضع غير طاهر .
قال عنه ابن القاسم في مساجد بالأفنية تمشي فيها الكلاب و الدجاج و غيرها : فلا بأس أَنْ يصلى فيها .
قال مالك : وَ لا بَأْسَ بالصلاة في السباخ و على الثلج ، و في مراح البقر و الغنم .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك : وَ لا بَأْسَ بالصلاة في الموضع الطاهر من الحمام ، و أَنْ يقرأ فيه مثل الآيتين و الثلاثة .
قال ابن حبيب : و لا يصلى في الكنائس إلاَّ من اضطر إليها من مسافر لمطر و نحوه ، فليبسط فيها ثوبًا طاهرًا ، و يصلي . وَ لا بَأْسَ أَنْ يصلي فيها إن كانت دارسة عافية ، إذا التجأ إليها .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم و أشهب عن مالك : إن وجد غير الكنائس فلا أحب أَنْ يصلى فيها .
قال سحنون : أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ من صَلَّى فيها ؛ لضرورة أو غير ضرورة في الوَقْتِ كثوب النصراني .
قال ابن حبيب : و لا أحب الصَّلاَة في بيت من لا يتنزه عن الخمر و البول ، فإن فعله أَعَادَ أبدًا ، و أكره الصَّلاَة على حصير أو بساط مسدل ، يمشي عليه الصبيُّ و الخادم و من لا يتحفظ ، وليتخذ الرَّجُل في بيته موضعًا يصونه لصلاته ، أو حصيرًا نقيًّا ، فإن لم يفعل و صَلَّى حيث شاء في بيته و لا يوقن فيه بنجاسة لم يعدْ .
***(1/221)
[1/224]
باب في الصَّلاَة على البسط و الثياب أو إلى ما فيه تماثيل و في حمل الحصباء من الشمس إلى الظل
قال ابن حبيب : و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يتواضع المصلي بالسجود و وضع الكعبين على الأرض ، أو ما تنبته الأرض من الحصر ، ويدع البسط و المصليات و نحوها في ذلك ، و لولا أن ذلك أقرب إلى التقوى ما مضى الأمر على تحصيب المسجدين و تحصير غيرهما بالحصر , و لو كان غير ذلك أحسن ، لفرشها أهل الطول بأفضل ذلك ، وَ لا بَأْسَ أَنْ يقف عليها و يجلس ، و لو صَلَّى في بيت غيره ، أو بموضع لم يمكنه ذلك ، فلا بأس إن سجد عليها ، و ليس الأمر في ذلك بضيق ، و قد جاء فيه بعض الرخصة ، و أما لحرٍّ أو بر فلا بأس بذلك .
و من الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك : إنه كره الصَّلاَة على البسط ، أو على كساء أو ساج ، أو ثوب قطن ، أو كتان ، و لا شيء على من صَلَّى على ذلك ، و الصَّلاَة على التراب و الجمر و الخشبة أَحَبُّ إليَّ .
قال عنه ابن القاسم : و أكره حمل الحصباء من الظل إلى الشمس ، و ليسجد على فضل ثوبه من الحرِّ ، كما فعل عمر ، و أكره اتخاذ البسط فيها التصاوير ، و الصَّلاَة عليها إلى لضرورة .
و قال أشهب في المَجْمُوعَة : فإن فعل ذلك أو صَلَّى إلى قبلة فيها تماثيل لم يعدْ ، و هو مكروه ، و أما إن كان في قبلته ستر فيه تماثيل فلا أكره ذلك ؛ لما جاء إلاَّ
***(1/222)
[1/225]
ما كان رقمًا في ثوب ، و لا أكره الصَّلاَة عليه للتماثيل ، لكن لكراهة الصَّلاَة على البسط .
قال ابن حبيب : و أرخص مالك في قيام رمضان في فرش الطنافس في المسجد للقيام عليها و الجلوس ؛ لطول الصَّلاَة و لْيَلِ الأرض و الحصير بوجهه و يديه . و كره فرشها في المسجد لغير القيام ، إلاَّ في المصلى في العيدين يتقى فيها أذى الأرض .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم : كره مالك أَنْ يسجد على البسط إلاَّ أَنْ يجعل عليها خُمرة أو حصيرًا .
قيل له : فالمروحة ؟ قال : هي صغيرة لا تكفي إلاَّ أَنْ يضطر إليها .
قال عنه علي : و الخُمرة إنما تتخذ من الجريد و تضفر بالشوك .
و قال فِي مَنْ يشتكي ركبتيه و هو يُصلي على الحجارة : فلا بأس أَنْ يجعل تحت ركبتيه شيئًا ، و إن لم يقم عليه .
باب ما يكره من لباس الحرير و الذهب في الصَّلاَة و غيرها
و من الواضحة و الحرير المحض محرم لبسه في الصَّلاَة وغيرها ، فمن صَلَّى بثوب حرير ، فإن كان عليه غيره مما يستره أجزأه ، وقد أثم في لباسه ، وإن لم يكن عليه غيره ، أَعَادَ أبدا . ومن صَلَّى وفي كمه ثوب حرير ، أو حلي ذهب ، فلا شيء عليه ، ولا بأس بذلك . وما مزج من الثياب ، حرير بقطن ، أو كتان ، أو
***(1/223)
[1/226]
صوف ، فيكره ، ولا يطلق فيه التحريم ؛ لاختلاف السلف فيه ، أجازه ابن عباس ، و كرهه ابن عمر من غير تحريم ، وكان ابن عمر لا يلبس الثوب فيه الشيء من الحرير . ولبس مالك ساج إبريسم ، كساه إياه هارون . وكرهه في فتياه .
وأما الخز فلم يختلفوا في إجازة لباسه ، وقد بلغني لباسه عن خمسة عشر من الصحابة ؛ منهم عثمان ، و سعيد بن زيد ، و ابن عباس ، وخمسة عشر تابعيًّا ، وكان ابن عمر يكسو ابنيه الخز ، ولبس عمر بن عبد العزيز في الجمعة كساء خز أبيض . وليس بين الخز وما سداه حرير من القطن وغيره فرق إلاَّ الاتباع .
قال مالك : وقد صَلَّى الصحابة بالكيمخت في سوقهم . قال ابن حبيب : فلو جعل ذلك في زمام نعل ، أو لوزة خف ، أخطأ ، وإن صَلَّى به – يريد : عامدا-أَعَادَ أبدًا ولا فرق فيه غير الاتباع . وقد تقدم القول في الكيخمت في باب قبل هذا .
قال ابن حبيب : ولا بأس بالعلم الحرير في الثوب وإن عظم ، لم يختلف في الرخصة فيه والصلاة به ، وروى فيه للنبي صَلَّى الله عليه وسلم من أصبعين إلى أربع ، وعن عمر و غيره .
***(1/224)
[1/227]
ولا يُجْعَل من الحرير لا جيب في فرو ، ولا زر في ثوب ، ولا يفرشه ، ولا يصلي على بسطه ، ولا يتكأ عليه ، ولا يلتحف بلحفه ، أو ما بطن بحرير ، أو بمشامل الصوف المرقومة بالحرير ، ولا يتقبب بحرير ولا بديباج ، وهو كاللباس ، بخلاف الستر من الحرير ، ولا يركب عليه ، ولا بأس أَنْ يعلق سترا ، وأن يستمتع بثياب الحرير فيما وصفت لك .
ولا بأس أَنْ يخاط الثوب بحرير . قاله مالك .
واستخف ابن الماجشون لباس الحرير في الجهاد ، والصلاة به حينئذ للترهيب على العدو ، والمباهاة به . وروى ذلك عن عائشة وأنس ، و غيرهما من صاحب وتابع .
والذي ذكر ابن حبيب من لباس الحرير في الغزو ، ليس بمذهب مالك .
قال ابن حبيب : وقد أرخص النبي صَلَّى الله عليه وسلم في الحرير لعبد الرحمن بن عوف ، وللزبير ، لحكة بهما .
***(1/225)
[1/228]
قال مالك : يُكْرَه لباسه للصبيان مع لباس الذهب كالكبار .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك في السيجان الإبريسمية قيامها حرير ، و الملاحف لها علم خرير إصبعين ، قال : ما يعجبني ذلك لنفسي ، و ما أراه حرامًا . و كره لباس الملاحف فيها إصبع أو إصبعان أو ثلاثة حرير .
قال ابن القاسم في المَجْمُوعَة : و لم يجز مالك عن علم الحرير في الثوب إلاَّ الخط الرقيق .
و من كتاب آخر أن ربيعة كان يجيز لباس الثوب فيه أعلام حرير نحو السبعة .
و من الْعُتْبِيَّة قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب : و من صَلَّى بثوب حرير و هو واجد لغيره ، قال : لا يُعِيد في وقت و لا غيره . قال أشهب : إن كان عليه غيره يواريه لم يُعِدْ ، و إنْ لم يكُنْ عليه غيره أَعَادَ في الوَقْتِ .
و قال في موضع آخر في المصلي و في إصبعه خاتم ذهب : إنه لا يُعِيد .
قال أبو زيد عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة : و إن صَلَّى وفي كمه ثوب حرير فلا شيء عليه .
و لا يصلي بقلنسية حرير و بتكة حرير .
قال سحنون في الرابع من الأقضية : من صَلَّى بثوب حرير و عليه ما يواريه غيره ، إنه يُعِيد في الوَقْتِ . و كذلك لابس الخاتم الذهب ، فأما إن كان في كمه ذهب أو
***(1/226)
[1/229]
حرير فلا إعادة عليه ، إلاَّ أَنْ يشغله فيُعِيد . يريد سحنون : أبدًا .
و في سماع أصبغ قال ابن القاسم : و مَنْ لم يجد إلاَّ ثوب حرير فليصل عريانًا أَحَبُّ إليَّ .
قال ابن الْمَوَّاز عن أصبغ : إن لم يجد إلاَّ ثوب حرير و ثوب نجس و لا ماء معه ، فليصل بالنجس و يُعِيد في الوَقْتِ إن وجد ، فإن صَلَّى بالحرير فلا إعادة عليه .
قال أشهب : إلاَّ أنْ لا يستره فيُعِيد في الوَقْتِ ، كالعريان ، و يصلي عريانًا أَحَبُّ إليَّ من الثوب الحرير .
و من كتاب آخر روى يحيى ابن بكير عن أبي المصعب ، عن مالك قال : لا بأس أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُل في ثوب فيه قدْرُ إصبع من حرير .
في الإقبال على الصَّلاَة و الخشوع فيها و البكاء و المشي إليها ، و ذكر الله فيها جوابًا أو استرجاعا أو قعودًا أو نحو هذا ، و النظر إلى الشيء فيها
من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم قال مالك في قوله تعالى : {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ، قال : الإقبال عليها و الخشوع فيها .
***(1/227)
[1/230]
ولقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم أَنْ ينزع من نعله شراكان جديدان جعلهما ، و أَنْ يُرَدَّ فيهما الخلقان ، و قال : «إني نظرت إليهما في الصَّلاَة » . و لقد كره الناس تزويق المسجد حين جعل بالذهب و الفسيفساء ، و تأولوا أنَّه يشغل الناس في صلاتهم .
قال : وَ لا بَأْسَ بالإسراع إلى الصَّلاَة عند الإقامة ما لم يسع أو يخبَّ .
قال في موضع آخر : و كره الإسراع الذي يبهر فيه .
و من سمع مؤذن الحرس فحرَّك فرسه ليدرك الصَّلاَة فلا بأس بذلك .
و إذا أقيمت الصَّلاَة و رجلان في مؤخر المسجد مقبلان يتحدثان ، فليتركا الكلام بعد إحرامه .
و من سماع أشهب قال مالك : و قرأ عمر بن عبد العزيز في الصَّلاَة ، فلما بلغ : {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} ، فخنِقَتْه العَبْرَةُ فسكتَ ، ثم قرأ فنابه ذلك ، ثم قرأ فنابه ذلك ، فتركها و قرأ : {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} .
و قال مالك : و لا أحب أَنْ يقول الماموم : فسبحان الله بكرة و أصيلا . فإن فعل فلا يُعِيد .
***(1/228)
[1/231]
و إن سمع آية رحمة فسأل الجنة ، أو آية عذاب فاستعاذ من النار فلا يكثر ، و ما خَفَّ من ذلك ففي نفسه ، لا يرفع به صوته .
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة : وَ لا بَأْسَ أَنْ يفعله في النافلة .
قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة : وإن قرأ الإمام : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ، فقال المأموم : كذلك الله . لم تفسد صلاته .
قال موسى بن معاوية عن ابن القاسم : و من أخبر في الصَّلاَة بما بَشَّرَهُ ، فحمد الله تعالى ، أو بمصيبة فاسترجع ، أو يخبر بالشيء فيقول : الحمد لله على كل حال . أو قال : الذي بنعمته تتم الصالحات . فلا يعجبني ، و صلاته مجزئة .
قال أشهب في المَجْمُوعَة : إلاَّ أَنْ يريد بذلك قطع الصَّلاَة .
و من الْعُتْبِيَّة قال موسى عن ابن القاسم قال مالك : و إذا عطس المصلي فليحمد الله في نفسه ، و تركه أَحَبُّ إليَّ .
و من الواضحة : و ما جاز للرجل أَنْ يتكلم به في صلاته ، من معنى الذكر و القراءة فرفع بذلك صوته لينبه رجلا ، أو يستوقفه ، فذلك جائز ، و قد استأذن رجل على ابن مسعود و هو يصلي ، فقال : {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ } .
قال : و إذا سمع المأموم ذكر النبي صلى الله عليه و سلم ، أو ذكر الجنة و النار في الصَّلاَة ، أو في الخطبة ، فصلى على النبي صلى الله عليه و سلم ، و استعاذ من النار و سأل الجنة ، فلا بأس
***(1/229)
[1/232]
بذلك ، و ليخَفِّف ذلك ، و لا يكثر منه ، قاله مالك .
و لا يجهر مع الإمام إلاَّ بالتسليم جهرًا دون يُسْمِعَ من يليه ، و إن جهر كذلك بغير السلام فلا حرج .
في التسبيح للحاجة ، أو للإمام في الصَّلاَة ، و ذكر الإشارة و التنحنح ، و النفخ ، و العطاس و التثاؤب
من المُسْتَخْرَجَة قال ابن القاسم عن مالك في التصفيق للنساء في الحاجة في الصَّلاَة ، قال : إنه يقال ذلك ، و قد جاء التسبيح . و قال بعد ذلك التسبيح أَحَبُّ إليَّ للرجال و النساء .
قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة : الحديث عامٌّ فِي مَنْ نابه شيء في صلاته
***(1/230)
[1/233]
فليسبح و ما ذكر من التصفيق لهن ، يعني أنهن يفعلنه إذا نابهن أمر .
قال موسى عن ابن القاسم في المصلي يدخل عليه رجل داره ، أو سارق ، فله أَنْ يسبِّح ، و إن تعمَّد أَنْ يعلمه مكانه بذلك ، و التنحنح شديدًا ، كرهه مالك .
و من كُلِّم في الصَّلاَة فأشار برأسه أو بيده فلا بأس بذلك بما خفَّ , و لا يكثر ، و أما التنحنح فلا خير فيه .
قال عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب : وَ لا بَأْسَ أَنْ يُشير في الصَّلاَة بلا و نعم .
قال مالك في المختصر : و إذا تنحنح لرجل يُسمِعه ، أو نفخ في موضع سجوده ، فذلك كالكلام .
قال أبو بكر الأبهري : روى ابن القاسم ، عن مالك أنَّه إذا تنحنح ليُسمع إنسانًا ، أو أشار إليه أنَّه لا شيء عليه . قال الأبهري : لأن التنحنح ليس بكلام ، و ليس له حروف هجائية .
و من كتاب ابن سحنون : و إذا سها الإمام فقال له من خلفه : سبِّح ، سبح . قال : إنما القول سبحان الله ، و أرجو أَنْ يحون هذا خفيفًا .
و من الواضحة : وَ لا بَأْسَ أَنْ يسبِّح للحاجة في الصَّلاَة ، فإن جعل مكان ذلك : لا حول و لا قوة إلاَّ بالله ، أو هلل ، أو كبَّر فلا حرج ، و إن قال سبِّحه . فقد أخطأ , و لا يبلغ به الإعادة .
قال ابن الماجشون : وَ لا بَأْسَ بالمصافحة في الصَّلاَة ، و بالإشارة ، و أما بشيء يعطيه فلا أحبه ، و قد يحصبه فيكرّر ليفهمه ، فيشغل بردّش السلام في المكتوبة .
***(1/231)
[1/234]
و من أتاه أبوه ليكلمه و هو في نافلة فليخفّشف و يُسلم و يكلمه . و روي نحوه للنبي صلى الله عليه و سلم ، و كذلك إن نادته أمه فليبتدرها بالتسبيح ، و يخفِّف و يُسلم .
و من نفخ في موضع سجوده ، أو عند الجشأ فهو كالكلام . قاله مالك . فإن كان سهوًا سجد ، و لا يسجد المأموم إن نابه ذلك . و إن كان عمدًا أو جهلاً قطع و ابتدأ إن كان إمامًا ، و إن كان مأمومًا تمادى و أَعَادَ .
كذلك من تنحنح لإنباه رجل ، أو أمَّن لكفِّه ، فهو كالكلام ، و ليجعل مكان ذلك تسبيحًا . و قاله ابن القاسم و أصبغ .
و روى عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة ، قال : أكره النفخ في الصَّلاَة و لا أراه يقطع الصَّلاَة كما يقطعها الكلام .
قال ابن حبيب : و ينبغي لمن تثاءب و هو قرأ في صلاة أو في غيرها أَنْ يقطع قراءته أو يسُدَّ فاه بيده . قاله مالك .
قال ابن حبيب : و يُكره العطسة الخفيفة في الصَّلاَة ، و ليخفضها ما استطاع ، و ليجعل يده على وجهه .
***(1/232)
[1/235]
ذكر ما يستخف من العمل في الصَّلاَة و في
المصلي يحمل شيئًا ، أو يقتل عقربًا ، أو
يخاف على صبي ، أو من شيء فوتًا ، و هل يُلقي
رداءه في الصَّلاَة
من الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب ، سئل مالك عن حمل النبي صلى الله عليه و سلم أُمامة في الصَّلاَة و وضعها إذا سجد ، هل ذلك للناس ؟ قال : نعم ، إن لم يجد من يكفيه .
و روى موسى بن معاوية ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «إِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ في الصَّلاَة فَلْيتبعها حتَّى يَأْخذها و يَرْجع إلَى صَلَاتِه» . و أن النبي صلى الله عليه و سلم فتح الباب في الصَّلاَة ثم غلقه و ذلك في النافلة .
***(1/233)
[1/236]
و قال عَنِ ابْنِ القاسمِ ، في حمل المرأة ولدها تركع به و تسجد في الفرض : لا ينبغي ذلك ، فإن فعلت و لم يشغلها عن الصَّلاَة لم تُعِد .
و من سماع ابن القاسم ، قال : وَ لا بَأْسَ أَنْ يحصي الأي بيده في الصَّلاَة .
و عن من لا يجد بدًّا من أَنْ يمسك عنان فرسه في الصَّلاَة ، فلا يتمكن من وضع يديه بالأرض ، قال : أرجو أَنْ يكون خفيفًا ، و لا يتعمد ذلك .
و لا بأس أَنْ يحول أَنْ يحول خاتمه في أصابعه لعدد الركوع ، كما لو حسب بأصابعه . وكره الترويح من الحر في المكتوبة ، وخففه في النافلة .
ولا بأس أَنْ يمس لحيته في الصَّلاَة ، ولكن لا يعبث .
وإذا أكلت الشاه عجينا أو ثوبا وهو يصلي ، فأكره أَنْ ينحرف إلى طردها في المكتوبة .
قال مالك في المختصر : و من خشي على دابته الهلاك ، أو على صبي رآه في الموت ، فليقطع صلاته لذلك .
و روى موسى بن معاوية عَنِ ابْنِ القاسمِ فِي مَنْ خُطف راءه عنه في الصَّلاَة ، أن له أَنْ يقطع ، و يطلبه ، و يبتدئ ، و كره مالك نحوه في الشاة تأكل العجين و الثوب ، أَنْ يقطع في الفريضة . قيل : فخاف على قُلَّة أَنْ يهراق ما فيها ؟ فقال : كره مالك أَنْ يفتح المصحف لينظر ما تعايى فيه ، فهذا مثله .
***(1/234)
[1/237]
و كره مالك قتل العقرب في الصَّلاَة .
قال عبد الملك بن الحسن ، قال ابن القاسم عن مالك : لا يقتلها إلاَّ أن تريده . و روى عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة أنَّه قال : لا بأس به ، و هذا خفيف .
قال عنه ابن القاسم : و لا بأس أَنْ يسوِّي الحصباء و التراب في الصَّلاَة يكون شبه الحفرة . و كرهه في رواية أخرى .
قيل لابن القاسم في رواية موسى في قتل العقرب : فإن فعل ؟ قال : قال مالك : لا شيء عليه ، إنْ لم يكُنْ في ذلك شغْل عن صلاته . قال ابن القاسم : و كذلك قتل الحية والطير برمية ، و قد أساء في رمي الطير بحجر يتناوله من الأرض ، فإن لم يطل ذلك لم تبطل صلاته .
و روى موسى عَنِ ابْنِ القاسمِ فِي مَنْ صَلَّى بكيس كبير تحت إبطه ، و يخاف إن وضعه بالأرض أَنْ يخطف ، فلا يقدر على وضع كفّشه على ركبتيه ، و لا بالأرض . قال : إذا خاف عليه أجزأه ذلك ، و هو كقول مالك في ممسك عنان فرسه .
قال أبو زيد ، عن ابن القاسم : و كره أَنْ يصلي و في كمِّه قديد أو خبز ، فإن فعل لم يُعِدْ . و من المَجْمُوعَة روى عليٌّ عن مالك في المصلي يخاف على صبي بقرب نار ، فيذهب و ينحِّيه ، فإن انحرف عن القبلة ابتدأ ، و إن لم ينحرف بنى .
***(1/235)
[1/238]
و خفف قتل العقرب في الصَّلاَة .
قال أشهب : و من عبث بالحصا في الصَّلاَة متعمدًا لم تفسد صلاته .
قال ابن القاسم عن مالك : لا بأس أَنْ يمسح المصلي التراب عن وجنن إذا كثر ، و أَنْ يسوي الحصا لسجوده ، فأما النفخ فلا .
قال ابن حبيب : يكره مسحه التراب من جبهته و أنفه في الصَّلاَة ، إلاَّ أَنْ يكثر جدًّا ، فلتعجل مسحه .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك : و ترك الترويح في الصَّلاَة أَحَبُّ إليَّ . قال عنه ابن نافع : فإن فعل فلا شيء عليه .
قال عنه ابن القاسم : و أكره أَنْ يصلي و في فيه دينار أو درهم أو شيء .
قال عنه عليٌّ : و أكره أَنْ يصلي و في كمه صحيفة فيها شعر ، و أما طعام فجائز . و كره في رواية ابن نافع أَنْ يحمل فيه دواة أو قرطاسًا إلاَّ شيئًا خفيفًا ، و كره قتل البرغوث في الصَّلاَة ، فإن فعل فلا شيء عليه .
قال عنه علي : إن وجد قملة في الصَّلاَة فلا يقتلها ، فإن كان في المسجد صرَّها . و قاله ابن نافع . و قال عنه ابن القاسم : و إن كان في غيره طرحها .
و من كتاب ابن سحنون ، و عن إمام مسافر صَلَّى ركعة ، ثم انفلتت دابته و خاف عليها ، أو على صبي ، أو أعمى أَنْ يقع في نار أو بئر ، أو ذكر متاعًا خاف أَنْ يتلف ، فذلك عذر يبيح له أَنْ يستخلف ، و لا يفسد على من خلفه شيئًا .
و من الواضحة قال مالك : و إنما يُكره أَنْ يشَبَّكَ أَصَابِعه في الصَّلاَة .
قال ابن حبيب : و من خاف على أعمى أو صبي أَنْ يقع في بئر ، فليبتدره متكلمًا و يبتدئ ، و كذلك في الشاة و غيرها تفسد طعامًا ، إن كان فسادا كثيرًا ، و إلاَّ فلا . و لا بأس أَنْ يمسح العرق .
***(1/236)
[1/239]
و يُكره الترويح بمروحة ، أو بكمه ، أو بغير ذلك في فرض أو نافلة ، أو يلقي الرداء على منكبيه للحر . قال في المختصر : إذا كان جالسًا في النافلة ، و لا يفعل ذلك في قيامه .
باب في الكلام و الضحك و التبسم في الصَّلاَة
و من الْعُتْبِيَّة روى أشهب عن مالك فِي مَنْ تكلم ساهيًا في جلوسه قبل أَنْ يسلم ، فليسجد بعد السَّلام . و من تبسم سجد قبل السلام .
و قال عيسى : قال ابن القاسم : لا شيء في التبسم في سهوه و لا في عمده . قال ابن حبيب : لا شيء في التبسم في الصَّلاَة . قاله مالك و الليث ، و عبد العزيز ، و رواه ابن القاسم ، و مطرف عن مالك ، و روى عنه أشهب : يسجد قبل السلام . و الأول أحب إلينا .
قال عيس : قال ابن القاسم : و من قهقه أفسد صلاته ناسيًا كان أو عامدًا ، و يقطع و يبتدئ ، و إن كان مع الإمام تمادى و أَعَادَ . و روى نحوه عليٌّ ، عن مالك في المَجْمُوعَة .
قال عيسى في الْعُتْبِيَّة : قال إذا قهقه الإمام متعمداً أَعَادَ صلاته ، و إن كان مغلوباً استخلف من يتم بهم ، و يتم هو معهم ، ثم يُعِيدون إذا فرغوا .
***(1/237)
[1/240]
قال يحيى بن عمر : قوله : و إن كان مغلوباً . لا يعجبني إلى آخرها .
و من المَجْمُوعَة قال سَحْنُونَ : إِذَا ضَحِكَ الْإِمَامُ ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا خَفِيفًا مضى و سَجَدَ لِسَهْوِهِ بعد السلام ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا فسَدَت عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز قال أصبغ : لا شيء في التبسم إلاَّ الفاحش منه ، شبيه بالضحك ، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ في عمده ، و يسجد في سهوه .
قال ابن القاسم : و إن تعمُّده و سهوه سواء .
محمد : لأنه لا يضحك إلاَّ بغلبة ، إلاَّ أَنْ يصح نسيانه ، مثل أَنْ ينسى أنَّه في الصَّلاَة ، فيكون كالناسي بالكلام يسجد فيه بعد السلام . قاله أصبغ . و يحمله عنه الإمام ، و إن شك في عمده أو سهوه تمادى مع الإمام و أَعَادَ .
و من الواضحة قال : و من قهقه فسدت صلاته عامدًا كان أو ساهيًا ، مغلوبًا أو غير مغلوب ، و ليقطع ، و إن كان مع إمام تمادى و أَعَادَ ، و إن كان هو الإمام استخلف في السهو و الغلبة ، و ابتدأ بهم في التعمُّد . و هكذا روى مطرف ، و ابن القاسم عن مالك ، في ذلك كله ، و الضحك ساهيًا يُخالف الكلام ساهيًا .
في من صَلَّى و به حقن أو غثيان ، و هل يصلي عند حضور الطعام
من المَجْمُوعَة قال ابن نافع عن مالك : و ينصرف الإمام و المأموم
***(1/238)
[1/241]
للحقن إذا شغله ، فإن انصرف فلما كان في آخر الصفوف ذهب عنه ، فليبتدئ صلاته .
و لا بأس أَنْ يصلي بالحقن و الغائط يحبسه ، إذا كان شيئًا خفيفًا ، لا يُعجله . و إذا عجله فليجعل يده على أنفه كالراعف ، و يخرج فيتوضأ و يبتدئ .
قال ابن حبيب : و معنى ما نهي عنه من الصَّلاَة بحبضرة الطعام أَنْ يكون جائعًا قد جهد و اشتهاه ، فيشغله ذلك في الصَّلاَة ، و كذلك و هو يدافعه الأخبثان ؛ الغائط و البول .
في الرعاف في الصَّلاَة و ما يبنى منه ، و كيف البناء فيه ، و فِي مَنْ لا يكف عنه الذم كيف يصلي
من المَجْمُوعَة قال ابن نافع ، و علي ، عن مالك : و قد جاء أَنْ يبني في الرعاف ، و لو كان إليَّ لأحببت أَنْ يقطع ، و لكن مضى الأمر على أَنْ يبني . قيل له : إني أرعف ، فأتعمَّد الكلام كراهية أن أبني ؟ قال : لا بأس بذلك .
قال ابن القاسم : أَحَبُّ إليَّ أَنْ يتكلم و يبتدئ بعد غسل الدم ، و إن ابتدأ و لم يتكلم أَعَادَ الصَّلاَة .
قال ابن حبيب : لأنه لمَّا ابتدأ الصَّلاَة من غير سلام و لا كلام ، كان كالزائد في صلاته عامدًا .
قال ابن حبيب : و إنما الرخصة في البناء في الرعاف خلف الإمام ؛ ليدرك فضل الجماع ، فأما الفذُّ فلا يبني .
و في الْعُتْبِيَّة عن مالك ما يدل على أنَّه يبني الفذ . و قاله محمد بن مسلمة .
***(1/239)
[1/242]
و روى ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ رعف قبل أَنْ يركع ركعة بسجدتيها فلا يبني على ذلك ، و ليقطع و يبتدئ بإقامة و إحرام ، كان مع إمام أو وحده . و إن أصابه ذلك بين ظهراني صلاته بنى ، و إن رعف بعد رفع رأسه من الركوع ، أو بين السجدتين بنى و لم يعتدَّ بتلك الركعة . يُريد : و قد تقدَّم له عقد ركعة .
و قال ابن حبيب فِي مَنْ رعف في بعض القراءة ، و هو خلف إمام : بنى من موضع انتهى ، و إن رعف و قد فرغ القراءة و لم يركع ، فإذا جاء يريد و قد فرغ الإمام ، فليركع و لا يقرأ ، و إن رعف و هو راكع فرفع رأسه للرعاف فذلك تمام ركعة ، فإذا رجع سجد ، و إن رعف ساجدًا فرفع لرعافه فهو تمام لسجدته . فإذا رجع فليسجد الثانية و تتم له ركعة ، و إن رعف بعد تشهُّده في الثانية فقام لرعافه ، فهو قيام لصلاته ، فإذا رجع بنى قائمًا ، فقرأ و لم يرجعْ جالسًا ، إلاَّ أَنْ يرعف في مبتدإ جلسته قبل تشهده ، فليرجع ، فيجلس فيتشهد ، فم يقوم فيبني . و ذهب ابن حبيب إلى أَنْ يبني في بعض ركعة , و أَنْ يقرأ من حيث بلغ .
و من كتاب ابن سحنون ، قال سحنون : قال أصحابنا جميعًا : إذا قيَّد ركعة بسجدتيها ، و صَلَّى من الثانية الركوع ، أو ركع و سجد سجدة ثم رعف ، فإنه يبتدئ الثانية ، و لا يبني على شيء منها .
قال ابن وهب عن مالك فِي مَنْ رعف بعد أن رفع رأسه من الركعة الأولى أو بعد سجدة منها : فليأتنف أَحَبُّ إليَّ . و كان قد قال قبل ذلك : لو بنى على ما بقي منها لأجزأه ، و أما فيما يستحسن فليأتنف أربع ركعات .
***(1/240)
[1/243]
و قال ابن وهب ، و ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ رعف قبل أَنْ يركع : إنه يرجع فيبتدئ الإقامة ثم يبتدئ الصَّلاَة .
و قال سحنون : إذا قيَّد الإحرام مع الإمام ثم رعف ، فإنه يبني على إحرامه ، و لو رعف في الجمعة بعد أن ركع و سجد سجدة ، فليبتدئها ظهرًا على إحرامه أَحَبُّ إليَّ ، و استحب أشهب أَنْ يسلم و يبتدئ الظهر ، و إن بنى على إحرامه أجزأه . و إن سجد سجدة ، و صَلَّى ثلاث ركعات أجزأه .
و قال ابن الماجشون : إذا قيَّد في الجمعة ركعة بسجدتيها ، ثم رعف في الثانية بعد ركوعه ، أو بعد أن سجد سجدة منها ، فليبن على ما صَلَّى من الثانية ، و تكون له جمعة ، و ما لم يُقيِّد ركعة بسجدتيها مع الإمام في الجمعة أو في غيرها من الصلوات ، فلا يبني و ليبتدئ صلاته .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مَالِك : و من رَعَفَ بعد التَّشَهُّدِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ انْصَرَفَ فَغَسَلَ الدَّمَ ، ثُمَّ رَجَعَ بغير تكبير ، فيجلس و يتشهد و يسلم ، وَإِنْ رَعَفَ بَعْدَ سَلَامِ إِمَامِه سَلَّمَ ، و لم يضره .
قال ابن حبيب : و لا يرجع الرعاف بإحرام ، و لكن يبني كما هو ، بخلاف الراجع لما سها عنه . قال : و لا يفترق في بناء الراعف في الجمعة و غيرها إلاَّ في وجهين ؛ أنَّه لا يتمُّ ما بقي منها إلاَّ في الجامع ، و إن انصرف الإمام فإنه لا تتم له جمعة إلاَّ أَنْ يرعف بعد عقد ركعة بسجدتيها ، فأما قبل أَنْ يتم ركعة بسجدتيها فهذا إن رجع و قد تم الإمام فليصل ظهرًا .
و للإمام الراعف في البناء ما لمن خلفه غير أنَّه لا يستخلف بالكلام ، و ليقدم رجلا بغير كلام ، فإن استخلف بالكلام جهلاً أو متعمدًا ، فقد قطع الصَّلاَة عليه
***(1/241)
[1/244]
و عليهم ، و لو علم أنَّه لا يستخلف بالكلام ، ففعله ساهيا ، بطلت صلاته دونهم ، و أتمُّوا لأنفسهم . و هكذا فسَّرَ لي ابن الماجشون في كل ما فسَّرتُ لك من القول في الرعاف ، و قاله من لقيت من أصحاب مالك ، و كذلك بلغني عن مَنْ لم ألق منهم .
و قال ابن القاسم في المَجْمُوعَة فإن استخلف بالكلام متعمدًا لم يفسد عليهم .
و قال ابن حبيب : و إذا لم يجد الراعف الماء بقرب المسجد فليطلبه إلى أقرب ما يمكنه ، إذا لم يتفاحش البعد جدًّا .
و إذا وجد الماء في مكان فجاوزه إلى غيره ، فذلك قطعٌ لصلاته .
و إذا تكلَّم ناسيًا في انصرافه للماء بطلت صلاته ، و إنما أرخص له البناء ما لم يتكلم أو يحدث ، و لو تكلم بعد رجوعه إلى البناء لم تفسد صلاته . كذلك قال لي ابن الماجشون .
و من كتاب ابن سحنون ، تعقَّبَ مسائل لأشهب : و إذا رعف الإمام ، فخرج لغسل الدم فتكلم ساهيًا ، فإن كان ذلك قبل فراغ المستخلف فلا شيء عليه ، و هو يحمله عنه . و كذلك من رعف خلف الإمام بعد أن صَلَّى ركعة ، فخرج لغسل الدم ، فتكلم ساهيًا ، فلا شيء عليه . و إن رعف قبل أَنْ يقيِّد ركعة لم يحمل عنه الإمام السهو ، و لو أبطل الإمام صلاته بطلت عليه ؛ لأنه في حُكْمِه .
و قال سحنون في المَجْمُوعَة : إذا خرج لغسل الدم فضحك الإمام بعده متعمدًا ، فأفسد صلاته لم تفسد صلاة الراعف . و لو سها الإمام لم يكن على هذا سهو ، إلاَّ أَنْ يرجع فيدرك معه ركعة .
***(1/242)
[1/245]
و من كتاب ابن سحنون : و من رجع بعد غسل الدم ، و قد فرغ الإمام فلا يأتم به أحد فيما بقي عليه ، فإن فعل فقد أفسد على نفسه ، و صلاة الراعف تامَّة .
و قال المغيرة : من رعف بعد ركعة من الجمعة ، فخرج لغسل الدم فحال بينه و بين المسجد واد ، فليضف إليها ركعة أخرى ، ثم ليصل أربعا .
قال سحنون : و من خرج من الصَّلاَة لرعاف ثم شك في الوضوء و هو يغسل الدم ، فرفع الشك باليقين ، و ابتدأ الوضوء ، فلمَّا توضأ ذكر أنَّه على وضوء ، فقد بطلت صلاته . و لو ابتدأ صلاة ثانية من غير أَنْ يتكلم ، أو بعد أن تكلم ، لأجزأته .
و إذا رعف الإمام أول صلاته قبل يركع أو بعد ، فذلك سواء و ليبن المستخلف .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز : و من خرج لرعاف فقرأ الإمام بعده سجدة ، فسجد لها ، ثم رجع الراعف بعد سلام إمامه ، فعليه أَنْ يبدأ بالسجدة فيسجدها ، ثم يتمُّ صلاته .
قال ابن حبيب : و مَنْ لم ينقطع عنه دم الرعاف ، فحضرته الصَّلاَة كذلك فليصل إيماء ، و ليس عليه أَنْ يركع و يسجد ، و لا أَنْ يقوم و يقعد ، فيتلطخ دمًا .
قال محمد بن مسلمة : إنما قال سعيد : يومئ إيماء . إذا كان الرعاف يضربه إذا سجد ، مثل الأرمد ، و من لا يقدر على السجود ممن تضرب عليه عيناه إذا سجد ، أو يضرب عليه رأسه .
***(1/243)
[1/246]
و من المَجْمُوعَة ، ابن نافع عن مالك : و من أدخل أصابعه الأربع في أنفه في الصَّلاَة ، فاختضبت دمًا قال في كتاب ابن الْمَوَّاز : إلى الأنملة . قال في الكتابين : و لم يقطر ، و لو شاء فتله . قال : لا ينصرف . قيل : فإن امتلت أصابعه الأربعة إلى الأنملة الوسطى ؟ قال : هذا كثير ، و ليعد صلاته ، فإن كان ذلك عليه فقد أَعَادَ ، و إلاَّ لم يضره .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسم : و من أدرك الثانية من الظهر مع الإمام بسجدتيها ثم رعف ، فخرج فغسل الدم ، ثم رجع بعد سلام الإمام ، أنَّه يبني ثم يقضي ، يأني بركعة بأم القرآن و يجلس ؛ لأنها ثانيته ، ثم يأتي بأخرى بأم القرآن . و يجلس كما كان يفعل مع إمامه ، ثم يأتي بركعة القضاء بأم القرآن و بسورة ، و يتشهد و يسلم .
و قال سحنون في كتاب أبيه : إنه يقضي ثم يبني . قال : و إنما كان يبني أولاً قبل القضاء اتباعًا لإمامه .
و قال ابن حبيب : يبدأ بالبناء قبل القضاء ، كما قال ابن الْمَوَّاز ، إلاَّ أنَّه قال : يأتي بالثالثة بأم القرآن و يجلس ، ثم بالرابعة بأم القرآن و يقوم ، ثم بركعة القضاء على ما تقدَّم . و نظيرتُها مقيم أدرك ركعة من صلاة مسافر ، فهكذا يفعل عنده .
و قال ابن الْمَوَّاز : تصير صلاته كلها جلوسًا في المسألتين . قال : لأنه لا يقوم إلى قضاء إلاَّ من جلوس ز
قال ابن حبيب : و إن أدرك الأولى و رعف في الثانية ، و رجع فأدرك الرابعة ، فليصل إذا سلم الإمام ركعتين الثانية و الثالثة ، يقرأ في الثانية بأم القرآن و سورة ، و يقوم في الثالثة بأم القرآن و يجلس ، إذ هي آخر صلاته .
قال سحنون في المَجْمُوعَة : و لو فاتته الأولى ، و صَلَّى الثانية ، و رعف في
***(1/244)
[1/247]
الثالثة ، ثم أدرك الرابعة ، فليقض الثالثة بأم القرآن ، ثم الأولى بأم القرآن و سورة ، و لو لحقها من أول كان ثانيًا فيما بقي عليه .
في من رعف في صلاة الجنازة ، أو العيدين ، أو رأى في ثوبه نجاسة
و من كتاب ابن الْمَوَّاز : و من رعف في صلاة الجنازة ، فليمض فيغسل الدم ، ثم يرجع إلى موضع صَلَّى عليها فيه ، فيُتمَّ بقية التكبير . و كذلك في صلاة العيدين . و لو أتمَّ بافي صلاة العيدين في بيته أجزأه . و قال أشهب : إن خاف إن خرج لغسل الدم أن تفوته الجنازة و صلاة العيد ، و كان لم يكبِّر على الجنازة شيئًا ، و لا عقد ركعة من صلاة العيد ، فليمض كما هو على صلاة العيد و الجنازة ، و لا ينصرف . و كذلك إن رأى في ثوبه نجاسة ، و ليس معه غيره ، و يخاف الفوات في انصرافه ، و ليس مثل من على غير وضوء فيريد أَنْ يتيمم ليدركها ؛ لأن التيمم ليس في سفر و لا مرض .
ذكر ما يعرض في الصَّلاَة من القيء و الحدث و سيلان الدم ، من ما لا يبنى فيه ، و من كان منه ما يقطع الصَّلاَة بعد التشهد
و من الْعُتْبِيَّة ، روى أشهب عن مالك في الدمَّل ينفجر في الصَّلاَة بدم
***(1/245)
[1/248]
فإن كان كثيرًا قطع و في اليسير يتمادى . و من ذرعه القيء في الصَّلاَة في الجمعة فقاء كثيرًا فلا ينصرف لذلك ، و ينبغي نزع ذلك من المسجد .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك : و من تقيَّأ عامدًا أو غير عامد في الصَّلاَة فسدت صلاته .
قال ابن القاسم : و إن تقيَّأ بلغمًا أو قلسًا ، قال في رواية عيسى عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة : فألقاه فليتماد . و إن ابتلع القلس بعد أن أمكنه طرحه ، و ظهر على لسانه ، أفسد صلاته . قال عنه عيسى : و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقضي الصَّلاَة و الصيام .
قال في المَجْمُوعَة : و إن كان سهوًا بنى و سجد بعد السلام .
و من رواية عيسى ، عَنِ ابْنِ القاسمِ في الْعُتْبِيَّة : و إذا أحدث الإمام بعد التشهد ، فلتُقدم من يسلم بهم ، فإن تمادى حتى سلم بهم أجزأهم . قال عيسى : بل يُعِيد و يُعِيدون . قال : و تأوَّل ابن القاسم أنَّه لمَّا لم يبقَ من الصَّلاَة غير السلام ، فكأنهم سلموا بعد أن خرجوا من إمامته . و ليس بالقياس ، كما قال إذا رعف المأموم بعد سلام الإمام إنه يفعل السلام راعفًا .
و من المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك : و من كان منه ما يقطع الصَّلاَة من حدث أو ضحك أو كلام ، أو غيره بعد التشهد و قبل السلام بطلت صلاته ، إمامًا كان أو مأمومًا .
***(1/246)
[1/249]
في الصَّلاَة على الدابة لمرض أو خوف ، و التنفل عليها ، و في الصَّلاَة على السرير ، و هل يتنفل الراكب أو الماشي ، و هل يصلي الخائف و هو جالس أو ماشٍ
من المُسْتَخْرَجَة من سماع ابن القاسم ، قال مالك : لا يصلي المريض على محمله المكتوبة ، و إن اشتدَّ مرضه و كان يومئ .
قال في المختصر : أما إن كان لا يقدر أن يصلي بالأرض ، فله أَنْ يصلي في المحمل بعد أَنْ يوقف له البعير إلى القبلة . و ذكر مثله ابن حبيب عن ابن عبد الحكم . و ذكر العتبي مثله من رواية أشهب ، عن مالك ، قال : و لو صَلَّى بالأرض كان أَحَبُّ إليَّ .
و قال يحيى بن يحيى ، عَنِ ابْنِ القاسمِ : يصلي في المحمل راكبه حتى لا يقدر أَنْ يصلي بالأرض إلاَّ مضطجعًا أو مستلقيًا إيماء ، فحينئذ يصلي فيه ، و يحبس له البعير ، و يستقبل به القبلة و قال سحنون في المَجْمُوعَة : و من صَلَّى في المحمل لشدة مرض أَعَادَ أبدًا .
و من الواضحة ، قال : و لا يصلي المكتوبة على دابته رجل و لا امرأة ، إلاَّ مريض لا يقدر أَنْ يصلي إلاَّ على جنبه أو ظهره ، أو هارب من عدوِّه ، أو طالب له في هزيمة ، قال الله سبحانه : {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} .
***(1/247)
[1/250]
قال أبو محمد : و أعرف لبعض أصحابنا أنَّه فرَّق بين الطالب و الهارب غير منهزم .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك في المتنفل في المحمل إذا أعيى في تربُّعه ، فمدَّ رجله ، فأرجو أَنْ يكون خفيفًا .
و من مال محمله ، فحوَّل وجهه إلى دُبُر البعير ، لم أحب أَنْ يصلي و وجهه إلى دبر البعير ، و لكن يصلي على سير البعير أَحَبُّ إليَّ .
قال أشهب عن مالك : و ليجعل المصلي على المحمل أو على الدابة يديه على فخذيه .
و إن استقبلته الشمس على الدابة ، فأعرض بوجهه عنها و هو يصلي على الدابة ، فلا بأس بذلك .
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة : قيل له : فإذا أومأ للسجود و عليه عمامة ، أينزعها عن جبهته ؟ قال : ذلك حسن .
قال ابن حبيب : و إذا تنفل على الدابة في سفر الإقصار ، فلا ينحرف إلى جهة القبلة ، و ليتوجه بوجه دابته ، و له مسك عنانها ، و ضربها بالسوط ، و تحريك رجليه ، إلاَّ أنَّه لا يتكلم و لا يلتفت ، و لا يسجد الراكب على قربوس سرجه ، و لكن يومئ .
و من المَجْمُوعَة قال عليٌّ و ابن وهب ، عن مالك : و لا يصلي المسافر و هو يمشي ، و إنما ذلك للراكب .
قال عنه عليٌّ : و لو قرأ الراكب سجدة فلينزل يسجدها ، إلاَّ في سفر الإقصار ، فليسجدها على دابته إيماء .
***(1/248)
[1/251]
و للمصلي على الدابة ضربها في صلاته ، و أَنْ يُركضها ، و له أَنْ يضرب غيرها ، و لا يعدل عن جهته عدولاً يصرف وجهه عن جهته ، و في المحمل إذا صَلَّى مشرِّقًا أو مغرِّبًا ، فلا ينحرف إلى القبلة ، و إن كان يسيرًا فلا يفعل ، و ليصل قِبَلَ وجهه .
قال عليٌّ ، عن مالك : و إن خاف أَنْ ينزل عن دابته من اللصوص ، أو من السباع ، صَلَّى عليها حيث توجَّهت به ، و يومئ . قال أبو محمد : يريد الفريضة .
و قال أشهب : لا يصلي عليها إيماء حيث توجهت ، إلاَّ أَنْ يخاف إن وقف أَنْ يدركه من طلبه ، فيضطرُّ إلى المسير ، فيكون ذلك له .
و قال أشهب في الذي لا يقدر أَنْ يقف من خوف العدوِّ ، قال : يصلي قاعدًا ، و يومئ إلاَّ أنْ لا يخاف أَنْ يسجد على الأرض فليسجد و لا يومئ .
قال أبو محمد : و من قول أصحابنا أن للمستأنف أَنْ يصلي في حال مشيه و مسابقته ، و كذلك الهارب من عدوِّه .
قال بعض أصحابنا : و لا يتنفل المضطجع و إن كان مريضًا .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك : وَ لا بَأْسَ بالصلاة على السرير ، و هو كالدكان يكون بالأرض للمريض . قال أبو محمد : و يريد و ذلك جائز للصحيح .
في صلاة أهل السفينة ، و هل يتنفل فيها إلى غير القبلة ، و صلاة المائد فيها ، و في صلاة المعطوبين و هم في البحر ، أو خارجين منه عراة ، و فِي مَنْ ربطه اللصوص ، و من وقع عليه الهدم
من المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك ، في أهل السفينة يصلي بهم إمام ،
***(1/249)
[1/252]
و بعضهم بين يديه و فوقه و تحته ، فإن لم يجدوا بدًّا فذلك جائز ، و هو أحبُّ إلي من صلاتهم أفذاذًا .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك : و يصلون قيامًا ، فإن لم يقدروا فقعودًا ، وَ لا بَأْسَ أَنْ يؤمهم أحدهم .
و من سماع أشهب ، قيل : فإن لم يقدر أحدهم أَنْ يركع أو يسجد إلاَّ على ظهر أخيه ؟ قال : و لِمَ
يركبونها ؟ قيل : للحجِّ و العُمْرة . قال : فلا يركبوها لحجٍّ و لا لعمرة ، أيُرْكَبُ حيث لا يصلي ، ويل لمن ترك الصَّلاَة . و قيل له : أيصلون جلوسًا إن لم يقدروا إلاَّ كذلك ، و لا يقدرون على النزول ؟ قال : ذلك لهم .
قال عبد الملك بن الحسن ، عن ابن وهب : إن صَلَّى أهل السفينة جلوسًا قادرين على القيام ، أعادوا أبدًا ، فإن لم يقدروا صلَّوا بإمام . قال أبو محمد : يريد جلوسًا .
و من الواضحة قال : و للمائد في السفينة أَنْ يصلي قاعدًا . و من ركب أول الوقت في الصَّلاَة ، و هو لا يصلي للميد إلاَّ قاعدًا ، فجمعه في البر الصلاتين أَحَبُّ إليَّ .
قال مالك : و لا يصلي فيها إلاَّ إلى القبلة ، و يستدير كلما استدارت ، فإن لم يقدر فلا حرج ، و لكن يفتتح أولاً إلى القبلة ، و أما في النافلة فلا بأس به حيث ما توجهت كالدابة .
و قال مالك في المختصر : لا يتنفل في السفينة إلاَّ إلى القبلة على كل حال ، بخلاف الدابة .
و من الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب : و قال في المعطوبين و أحدهم متعلق على رِجْل و واحد على لوح : فليُصلُّوا كذلك إيماء ، و لا إعادة عليهم ، إلاَّ أَنْ يخرجوا في
***(1/250)
[1/253]
الوقت . قال أبو محمد : و قد قيل : لا إعادة عليهم ، و قال نحوه أشهب في باب صلاة المريض .
قال ابن حبيب ، في المعطوبين يخرجون من البحر عراة : فليصلوا أفذاذًا متباعدين قيامًا ، و إن أمَّهم أحدهم فليكونوا صفًّا ، و إمامهم في الصفِّ لا يتقدمهم ، إلى في ليلة ظلماء ، أو في شجر يستر بعضهم عن بعض ، فَلْيَقْدُمْهم إمامُهم ، و يصلوا صفوفًا إذا لم يرَ بعضهم عورة بعض . و إن كان فيهم نساء صلَّين جانبًا ، والرجال جانبًا ، و يتوارين و يتباعدن عن الرجال ، و يصلِّين عراة قيامًا ركَّعًا و سُجَّدًا ، إلاَّ أنْ لا يجدن متواريًا عن الرجال ، فيصلِّين جلوسًا إيماء . و هكذا فسَّرَ لي ابن الماجشون .
و من الْعُتْبِيَّة ، روى أبو زيد ، عَنِ ابْنِ القاسمِ ، فِي مَنْ ربطه اللصوص أيَّامًا لا يصلي ، قال : يقضي ، و ينبغي لهم أَنْ يصلوا كذلك إيماء ، ثم إن أُطْلِقوا أعادوا ما أدركوا وقته ، فإن لم يفعوا فعليهم قضاء ذلك .
قال سحنون في كتاب السَّيْر فِي مَنْ ربطه العدوُّ أيَّامًا لا يصلي ، قال : أخبرني معن بن عيسى ، عن مالك ، أنَّه قال : لا صلاة عليهم إذا سُرِّحوا ، إلاَّ ما أدركوا وقته .
و قال الأوزاعي ، في الأسير الموثوق : يصلي إيماء . و قال سحنون . و إن أُطْلِقَ في الوَقْتِ لم يلزمه أَنْ يُعِيدَ ، و إن أَعَادَ فحسن .
و على رواية ابن القاسم ، في الذين تحت الهدم ، قال : يُعِيدون . و قال ابن نافع : لا يُعِيد من نحت الهدم . و قد تقدَّم هذا في الباب الأول مع زيادة فيه .
في صلاة الرَّجُل في الماء و الطين
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب عن مالك في السفر تحضره الصَّلاَة ،
***(1/251)
[1/254]
و الأرض كلها طين ، أيصلي قائما إيماء ؟ قال : لا يصلي قائمًا إيماء ، و ليصل جالسًا في الطين ، ويسجد على الطين بقدر طاقته .
و قال المغيرة في المَجْمُوعَة : يومئ إيماء ، و يُعِيد في الوَقْتِ إن خرج من الماء .
و قال ابن حبيب في الطين الشديد : فلينزل عن دابته ، و يصلي فيه قائمًا ، و يركع متمكِّنًا و يومئ للسجود أخفض من الركوع ، و يضع يديه في إيمائه على رُكبتيه و يكون جلوسه قيامًا . و كذلك إن كان في ماء ، إلاَّ أَنْ يضطر إلى الركوب فليصل على دابته إيماء ، و يومئ للسجود أخفض من الركوع ، و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يصبر إلى آخر الوقت إن رجا أَنْ يخرج منه . و هذا قول مالك و أصحابه ، إلى ابن عبد الحكم ، فقال : يسجد في الطين ، و يجلس عليه . و كذلك الخضخاض من الماء الذي لا يغمره ، و لا يمنعه من السجود فيه و الجلوس إلاَّ إحراز ثيابه . و بالأول أقول . و ليس تلوُّثُه بالطين لله بطاعة .
في صلاة المريض ، و الزَّمِن ، و القادح ، و الضعيف ، و في الأعمى يسجد قبل إمامه و لا يعلم
قال ابن حبيب : قال أصبغ في قول الله سبحانه : { فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ } : هو في الخائف و المريض .
و من كتاب غيره ، في قول الله سبحانه : {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} : إن هذا تقصير في
***(1/252)
[1/255]
الترتيب في سرعتها لا في العدد .
وكذلك للمريض أَنْ يخفف حسب طاقته . وقال في العدو في زيادة الخوف : {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}وقد صَلَّى النبي صلى الله عليه و سلم جالسا في مرضه ، ولم يعذر الله سبحانه في الصَّلاَة غير مغلوب على عقله أَنْ يصلي حسب طاقته .
ومن (المَجْمُوعَة) ، قال علي ، عن مالك : لا يقصر المريض الصَّلاَة في الحضر لشدة مرض ، فإن فعل جاهلا أَعَادَ ، ولا ينبغي أَنْ يدع الوتر إلاَّ أَنْ يغلب عليه ، وليس عليه ركعتا الفجر . قال عنه ابن حبيب : إذا ضعف عنها . ولا يدع الوتر بعد شفع .
ومن ( المَجْمُوعَة) ، قال أشهب : وإن صَلَّى بغير قراءة ، قادرا عليها ، أَعَادَ أبدا ، فإن لم يقدر ، فليقرأ في نفسه ، فإن قدر على تحريك لسانه لم يجزه إلاَّ ذلك .
ومن (الْعُتْبِيَّة) ، قال موسى بن معاوية ، عن ابن القاسم ، فِي مَنْ به الحمى
***(1/253)
[1/256]
والنافض ، يعرف وقتا يأخذه فيه النافض ، فيريد أَنْ يصلي قبل الوقت خيفة ذلك ، فإن زالت الشمس جمع بين الصلاتين . قاله مالك . وإن دخل الوقت والحمى عليه ، فله تأخير الصَّلاَة إلى وقت يرجو انقلاعها إن كان قبل يخرج الوقت ، وإن خاف خروجه صلاهما في الوَقْتِ بقدر طاقته .
وإذا لم يقدر المريض على التكبير والقراءة بلسانه ، فلا يُجْزِئُهُ أَنْ ينوي ذلك بغير حركة اللسان ، بقدر ما يطيق .
ومن (المَجْمُوعَة) ، قال علي ، عن مالك ، في المريض إن لم يقدر أَنْ يصلي قائما ، فليصل متربعا ، ويجعل يديه على ركبتيه في ركوعه وسجوده ، ويسجد على الأرض ، ويثني رجليه كالصحيح ، فإن شق عليه التربع صَلَّى بقدر طاقته ، وإذا تم تشهد الأولى فليكبر للقيام ، ثم يقرأ ، فإن صَلَّى متربعا تربع لقيامه . قال ابن نافع : فإن لم يقدر أَنْ يسجد أومأ به أخفض من الركوع ويديه على ركبتيه فيهما . قال ابن القاسم : وليومئ ، ولا يرفع إلى رأسه ما يسجد عليه ، فإن فعل لم يعد .
قال أشهب : وكذلك إذا أومأ إلى ذلك الشيء برأسه حتى سجد عليه ، وأما إن رفعه إليه حتى أمسه جبهته وأنفه من غير إيماء ، لم يجزه . وكذلك إذا لم يومئ إليه في الركوع لم يجزه .
قال سحنون : فإذا لم يقدر أَنْ يصلي قاعدا ، فعلى جنبه الأيمن ، ووجهه إلى القبلة ، كما يجعل في لحده ، فإن لم يقدر فعلى ظهره . و قال ابن الْمَوَّاز : إذا لم يقدر على جنبه الأيمن فعلى جنبه الأيسر ، فإن لم يقدر فعلى ظهره ، ووجهه في ذلك كله
***(1/254)
[1/257]
إلى القبلة . وقال أصبغ عن ابن القاسم . وقال ابن حبيب : إن ابن القاسم يقول : على ظهره أولى ، فإن لم بقدر فعلى جنبه . والمعروف عن ابن القاسم ما ذكر غير ابن حبيب .
ومن(المَجْمُوعَة) ، قال مالك : وليومئ كان على جنبه أو ظهره . قاله مالك في الذي يومئ إلى الركوع . يريد : قائما . فليمد يديه إلى ركبتيه ، والمضطجع يومئ برأسه .
قال أشهب : فإن صَلَّى بعدها إيماء ، ثم صح ، أتمها قائما ، ولو افتتحها قائما ، ثم عرض له مانع ، أتمها جالسا ، فإن لم يقدر فمضطجعا ، ويجزئه .
ومن(الْعُتْبِيَّة) ، قال موسى ، عن ابن القاسم : ومن صَلَّى قاعدا من مرض ، ثم أفاق في الوَقْتِ ، لم يعد .
وقال أشهب . (في كتاب ابن سحنون) : ومن صَلَّى إيماء ؛ لرعاف به ، أو لخوف ، أو مريض صَلَّى قاعدا ، ثم زال ذلك عنه في الوقت ، فلا إعادة عليه . وأما من صَلَّى عريانا أو بثوب نجس ، فهذا يُعِيد في الوقت ، إن وجد ثوبا طاهرا في الوَقْتِ .
ومن (الْعُتْبِيَّة) ، أشهب ، عن مالك : ولا بأس أَنْ يتوكأ على عصا في المكتوبة والنافلة ، فله إذا كان من ضعف ، وكان صفوان بن سليم يفعله فيهما .
***(1/255)
[1/258]
يريد : لزمانته . وكذلك في (المختصر) . قال : ويتوكأ قائما خير من جالس .
قال في (الكتابين) : وصلاته بالسور القصار قائما في الصبح والظهر خير من صلاته جالسا بالطوال .
ومن (الْعُتْبِيَّة) ، من سماع ابن القاسم ، وعن المريض ، قريب من المسجد يأتيه ماشيًا ، أيصلي فيه جالسًا . يريد : الفريضة . قال : لا يعجبني ، و لو حدث عليه شيء بعد أن أتاه لم أر بذلك بأسًا .
قال ابن حبيب : و من حنى ظهره الكبرُ ، فلا يقدر يعتدل في ركوعه و لا ف سجوده ؛ فلا يُكَلَّف إلاَّ وسعه ، و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يرفع يديه من الأرض شيئًا في رفعه من السجود .
و في موضع آخر : و صلاة المريض قائمًا متوكئًا أو مستندًا أولى من جالس ، و جالس ممسوك أولى من راقد .
قال موسى في الْعُتْبِيَّة عن ابن القاسم : و لا تمسك الحائض المريض في الصَّلاَة ، و لا ترقده ، فإن فعل ذلك أَعَادَ في الوَقْتِ .
قال ابن القاسم : و عن الذي يقدح عينيه يصلي مستلقيًا ؟ قال : لا يقدحهما . و وقف عن ذلك مالك في رواية علي بن زياد .
قال موسى بن معاوية : حدثني الهيثم بن خالد ، عن الربيع ، عن رجل ، عن جابر بن زيد ، أنَّه قال : لا بأس أَنْ يقدح الرَّجُل عينيه ، و يصلي على قفاه و يومئ .
قال أبو بكر بن محمد : و قال أشهب : له أَنْ يقدح عينيه و يصلي مستلقيًا .
و روى ابن وهب عن مالك التسهيل في ذلك .
و قال ابن حبيب : كره مالك لمن يقدح عينيه ، فيقيم أربعين يومًا أو أقلَّ على ظهره ، و لو كان اليوم و نحوه كان خفيفًا ، و لو كان يصلي جالسًا ، و يومئ في الأربعين
***(1/256)
[1/259]
يومًا ، لم أر به بأسًا .
و قال مالك في الأعمى يركع قبل الإمام ، و يسجد قبله ، فيُسَبَّحُ به ، و لا يشعر ، فإذا أُخْبِر بذلك بعد السلام ، فليُعِد صلاته .
في صلاة الجالس ، و تنفله ، و في إمامة الجالس في المكتوبة والنافلة
قال ابن حبيب : و معنى ما جاء من أن صلاة الجالس على النصف من صلاة القائم ، في مَن قدر أَنْ يقوم في النوافل ، فأما من أقعده مرض أو ضعف عن أَنْ يقوم ، فهو في ثوابه كالقائم في الفرض و النافلة . و من شاء في تنفله قام في ركعة و قعد في ثانية ، أو قام بعد قعود ، أو قعد بعد قيام فقرأ ، ثم عاد للقيام ، تداول ذلك كيف شاء ، و إن شاء سجد ، و إن شاء أومأ به من غير علَّة ، و له أَنْ يمدَّ إحدى رجليه إذا عيى ، و كذلك في المحمل ، و له أَنْ يقعد بين التربُّع و الاحتباء .
و من كتاب آخر قال أشهب : إذا أحرم قائمًا في نافلة فلا يجلس لغير عذر .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك في تنفل المتربع : إنه يثني
***(1/257)
[1/260]
رِجليه في السجود ، و يرفع يديه عن ركبتيه إذا رفع من الركوع و السجود ، و إذا تمَّ تشهده الأول كبَّر ينوي به القيام . يريد : و يتربَّع ، ثم يقرأ . و جلوسه في موضع الجلوس كجلوس القيام .
و من الْعُتْبِيَّة قال موسى ، قال ابن القاسم : لا يومئ الجالس للسجود إلاَّ من علة ، و إن أومأ من غير علة في النوافل أجزأه .
قال عيسى : لا يومئ من غير علة في نافلة و لا غيرها . قال ابن حبيب : له ذلك في النافلة ، كما يدع القيام قادرًا عليه ؛ لأنه أخف عليه .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم : و المصلي في المحمل متربعًا إن لم يشقَّ عليه أَنْ يثني رِجليه عند سجوده فليفعل ذلك .
و من سماع ابن القاسم ، قال مالك : إذا لم يقدر الإمام على القيام ، فليأمر غير يصلي بالناس و العمل على حديث ربيعة .
قال مالك : و لا ينبغي لأحد أَنْ يؤمَّ في النافلة جالسًا .
و في سماع عيسى ، قال ابن القاسم : قال مالك : لا يؤمُّ أحدٌ جالسًا ، فإن أصابه في المكتوبة شيء استخلف و يرجع إلى الصفِّ ، و صَلَّى بصلاة من استخلف .
و قال ابن الماجشون ، و مطرف : و إن صَلَّى بهم جالسًا أجزأه هو ، و عليهم الإعادة أبدًا . و ذكر مثله ابن حبيب ، عن مالك . و قال مالك في المَجْمُوعَة من رواية عليٍّ مثله . قال سحنون : اختلف فيها قول مالك .
***(1/258)
[1/261]
و من كتاب آخر ، روى الوليد عن مالك أنَّه إن أمَّهُم جالسًا و هم قيام أجزأتهم . قال : و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يصلي إى جنبه من يكون عالمًا بصلاته .
و قال مالك في المختصر : لا يؤمُّ الجالس إلاَّ من ضرورة ، كأهل البحر و شبههم .
و قال موسى في الْعُتْبِيَّة ، عن ابن القاسم في المرضى و المقاعد : لا بأس أَنْ يؤمَّهم أحدهم جالسًا . و روى عنه سحنون : لا يؤمُّهم أحدهم جالسًا ، و إن فعل أعادوا . و أجزأ الإمام .
و ذكر ابن حبيب عن مطرف ، و ابن الماجشون ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ ، أنهم أجازوا في المرضى و الضعفاء و المُيَّد في السفينة أَنْ يؤمَّهم أحدهم .
قال موسى : قال ابن القاسم : لا بأس أَنْ يؤمَّ المرضى أحدهم في الفريضة ، إذا كانوا كلُّهم جلوسًا ، فأما إن لم يستطع الجلوس لا هو و لا هم ، فلا إمامة في هذا .
قال يحيى بن عمر : فإن فعل أجزأه ، و أَعَادَ القوم .
و من المَجْمُوعَة روى ابن القاسم ، و ابن نافع عن مالك في الإمام يصلي قائمًا ، و خلفه مرضى يصلُّون جلوسًا ، و منهم من يُومئ للركوع و السجود ، قال : صلاتهم تامَّة .
باب في جمع المريض بين الصلاتين
قال ابن حبيب : و للمريض أَنْ يجمع بين الصلاتين ، إن لم يَخَفْ أَنْ يُغْلَب على عقله ، إذا كان ذلك أرفق به لشدة النهوض و الوضوء لكل صلاة ، فليجمع في
***(1/259)
[1/262]
آخر وقت هذه و أول وقت هذه ، و مقداره إذا سلَّم من المغرب أيضًا غاب الشفَقُ ، كذلك المسافر ، فأما إن خاف المريض أَنْ يُغلب على عقله بإغماء و شبهه ، فليجمع بينهما أوَّل الوقت في صلاتي الليل و صلاتي النهار .
قال مالك في المختصر : و إذا خاف المريض أَنْ يغلب على عقله ، و شقَّ عليه الوضوء فلا بأس أَنْ يجمع بين الصلاتين ، يؤخِّر الظهر إلى العصر ، و المغرب إلى العشاء .
قال سحنون : لا يجمع الذي يخاف أَنْ يُغلب على عقله إلاَّ في آخر وقت الظهر ، و أول وقت العصر .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم ، و ابن نافع عن مالك في المريض إذا اشتدَّ مرضه : لا بأس أَنْ يجمع بين الصلاتين .
و من الْعُتْبِيَّة قال موسى : قال ابن القاسم في المريض يعرف وقتًا يأخذه فيه الحمَّى النافض ، فلا يصلي قبل الوقت خيفة ذلك ، فأما إن زالت الشمس ، فله أَنْ يجمع حينئذ بين الظهر و العصر . قاله مالك .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم في المريض تحضره صلاة المغرب ، و هو يعرف ، فيكره القيام لمكان العرق فلا بأس أَنْ يؤخر المغرب ، ليجمع بين الصلاتين .
و من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم : و من أصابه وعك بعد زوال الشمس ، فليجمع بين الظهر و العصر ، فإن أفاق من الليل صَلَّى المغرب
***(1/260)
[1/263]
و العشاء ، ما بينه و بين طلوع الفجر .
و من المَجْمُوعَة ، قال عليٌّ عن مالك في مريض جمع بين الظهر و العصر في وقت الظهر ، من غير ضرورة جهلاً ، قال : يُعيد العصر في الوَقْتِ . و قاله ابن كنانة . و لا يُعِيدها بعد الوقت .
في جمع المسافر بين الصلاتين ، و الجمع بغرفة و هل يجمع الحاضر بينهما
و من المَجْمُوعَة قال أشهب : أَحَبُّ إليَّ أن لا يجمع بين الظهر و العصر في سفر و لا حضر إلاَّ بعرفة أول الزوال و هي السُّنَّة ، و مع ذلك فإن للمسافر في جمعهما ما ليس للمقيم ، و إن لم يجدَّ به السير ، و له في جدِّ السير من الرخصة أكثر مما له إذا لم يجدَّ ، و للمقيم أيضًا في ذلك رخصة ، و إن كان الفضل في غير ذلك ن و الرخصة له ؛ لأنه يصلي في أحد الوقتين الذي وقَّت جبريل عليه السلام ، فإذا فاء الفيء قامةً كان للظهر آخر وقت ، و هو العصر أول وقتها ، و أول الوقت فيها أحب إلينا . و إذا ساغ ذلك للحاضر جاز للمسافر ، و إن لم يجدَّ به السير ، و كذلك له في المغرب و العشاء ، و يكون مغيب الشفق وقتًا لهما يشتركان فيه مع ما روي من جمع المسافر و لم يذكر جدَّ السير به ، و أما في جدِّ السير فيجمع عليه و قد جمع النبي صلى الله عليه و سلم في آخر وقت هذه و أول وقت هذه ، و ذلك أَنْ يقضي الظهر و الفيء قامة ، أو يبتدئها و الفيء قامة ، ثم يقيم فيصلي العصر بعدها ، أو يقضي المغرب و قد غاب الشفق ، أو يبتدئها حينئذ ، ثم يُقيم فيصلي بعدها العشاء ، و هذا في الظهر و العصر أجوز منه في المغرب و العشاء ؛ لأن المغرب إنما ذُكِرَ لها وقت واحد في الحديث ، قال :
***(1/261)
[1/264]
و جِدُّ السير بمبادرة ما يُخاف فواته ، أو يُسرع إلى ما يهمُّه .
قال عليٌّ ، عن مالك : لا يُستحبُّ له الجمع إلاَّ في جِدِّ السير ، في آخر وقت الظهر و أول وقت العصر ، و المغرب و العشاء أول وقت العشاء حين يغيب الشفق ، إلاَّ أَنْ ينزل قبل مغيب الشفق فليبادر بالمغرب . قال عنه عليٌّ : و إن جمعهما في أول الوقت ، فإن صَلَّى العصر في أول وقت الظهر ، و العشاء أول وقت المغرب ، أَعَادَ الآخرة ما كان في الوَقْتِ ، و إنْ لم يكُنْ عجَّلهما أول الوقت ، فلا يُعِيدهما .
و قال ابن كنانة : إذا لم يجمع بينهما و صَلَّى العصر في أول وقت الظهر ، و العشاء في أول وقت المغرب أعادهما في الوَقْتِ .
و من الْعُتْبِيَّة ابن القاسم عن مالك قال : كان ابن عمر يروح بعد الزوال ، فيسير أميالاً قبل أَنْ يصلي الظهر ، و ذلك أَحَبُّ إليَّ أَنْ يؤخِّر ذلك ، و إني لأكره جمع الصلاتين في السفر ، و ذلك في الشتاء أخفُّ ، و من جمع ففي وسط ذلك بين الصلاتين .
قال ابن حبيب : و يجوز أيضًا للمسافر الجمع لغير جِدِّ السير إلاَّ لقطع السفر ، و إن لك يَخَفْ شيئًا ، و لم يبادره . و قاله ابن الماجشون و أصبغ ، و روينا أن النبي صلى الله عليه و سلم جمع في سفره من غير أَنْ يُعْجِلَه شيء ، أو يطلب عدوًّا ، و فعله ابن عمر ، و أنس بن مالك ، و كثير من التابعين ، في غير جِدِّ السير لا لشيء خافوه ، و لا لأمر بادروه ، إلاَّ لقطع السفر . و روى مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أَنْ يسير يومه جمع بين الظهر و العصر ، و إذا أراد أَنْ يسير ليلته جمع بين المغرب و العشاء .
و من المجمومعة قال ابن القاسم : و من جمع بين العشاءين في الحضر ، من
***(1/262)
[1/265]
غير مرض ، أَعَادَ الثانية أبدًا . يريد : إن صلاها قبل مغيب الشفق .
قال ابن كنانة : و من جَدَّ به السير في سفر فجمع ، ثم بدا له فأقام بمكانه ، أو أتاه خبر ترك له جِدَّ السفر ، فلا إعادة عليه .
قال ابن القاسم : و لا يجمع بين الصلاتين في الحرب ، و لم أسمع بهذا ، و لو فعله لم أر به بأسًا .
قال عليٌّ ، عن مالك فِي مَنْ أراد أَنْ يركب البحر في وقت الظهر ، فأراد أَنْ يجمع بين الصلاتين في البَرِّ ، لما يعلم من مَيَدٍ يأخذه ، يمنعه القيام ، فليجمع بينهما في البر قائمًا ، خير من أَنْ يصلي العصر في وقتها قاعدًا .
قال أشهب : و إذا أسرع الدافع من عرفة ، فوصل مزدلفة قبل مغيب الشفق ، جمع حينئذ ، و إن قضى الصلاتين قبل مغيب الشفق . و في المدوَّنة خالفه ابن القاسم .
في الجمع ليلة المطر
من المَجْمُوعَة قال عليٌّ ، عن مالك : و سُنَّة الجمع ليلة المطر إن تمادى للمغرب . قال عنه ابن حبيب : في أول الوقت . قالا : ثم يؤخِّر شيئًا ، ثم تقام الصَّلاَة . قال عنه عليٌّ : ثم يؤذَّن للعشاء في داخل المسجد في مَقْدَمِه ، ثم يُقيم فيُصلِّيها ، و ينصرفون قبل مغيب الشفق .
و قال ابن حبيب : يؤذَّن للعشاء في صحن المسجد أذانًا ليس بالعالي ، و من شاء تنفل حينئذن . قال عنه ابن نافع : و لا يتنفل بينهما . و قال ابن عبد الحكم : يجمع
***(1/263)
[1/266]
بينهما عند مغيب الشمس ، و لا يؤخِّر المغرب . و ذكر أنَّه قول ابن وهب ، و أنَّه اخْتَلَفَ فيه قول مالك . و روى البرقي عن أشهب مثل قول ابن وهب .
قال ماك في سماع أشهب في الْعُتْبِيَّة : و لا يُتنفَّل بعد العشاء في المسجد .
قال ابن حبيب ، و مثله في المختصر : و من أتى و قد صَلَّى المغرب فوجدهم في العشاء ، فلا يدخل معهم ، و ليؤخِّرْ حتى يغيب الشفق ، فإن دخل معهم أساء ، و لا يُعِيد . قاله أصبغ ، و ابن عبد الحكم . و قال ابن القاسم في المدوَّنة : يصليها معهم ، و لا يصليها بعدهم . قال في المختصر : فإن وجدهم قد فرغوا منها جمعًا و خَّر حتى يغيب الشفق ، إلاَّ أَنْ يكون ذلك في مسجد مكة و المدينة ؛ لما يُرْجى فيهما من الفضل . يريد : فيُعْذَر أَنْ يصلي فيه قبل مغيب الشفق لفضله ، كما عُذِرَ ليدرك فضل الجماعة بالجمع .
و من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم في المطر الدائم لا يرجون كشفه ، فلهم الجمع فيه . و قال مثله ابن القاسم في المَجْمُوعَة .
قيل لمالك في سماع ابن القاسم : إن المؤذنين يؤذنون واحدًا بعد واحد للعشاء الآخرة ، إرادة الإبطاء بها . قال : لا بأس بذلك . قيل له : إنه ربما ينجلي المطر ، و بقي الطين أيجمعون ؟ قال : نعم . قيل : و إذا كان الطين فيرجو أَنْ يكون في سعة في تخلُّفه عن المسجد ؟ قال : نعم .
قال مالك : و إذا ذهب المطر و بقيت الظلمة و الطين . قال عنه ابن نافع في
***(1/264)
[1/267]
المَجْمُوعَة : و بقي اللَّثَقُ و الطين ، فلهم أَنْ يجمعوا ، إلاَّ أَنْ يكونوا لا ينصرفون حتى يقنُتُوا ، فأَحَبُّ إليَّ أن لا يجمعوا ، و إن جمعوا فهم من ذلك في سعة . يريد : إذ لا بد أَنْ ينصرف بعضهم .
قال ابن حبيب : و يجوز الجمع في الوحل و الظلمة ، و إنْ لم يكُنْ مطر مضرٌّ و يجمع أيضًا إن كان مطرٌ و إنْ لم يكُنْ ظلمة أو كان مطر مضرٌّ . و إنْ لم يكُنْ وحل و لا ظلمة ، و إنما أريد بالناس الرفق في ذلك .
و قال مالك في سماع أشهب في الْعُتْبِيَّة : و يجمعون و إن كان فيهم قريب الدار إذا خرج منها دخل المسجد من ساعته .
قال يحيى بن عمر و غيره : و يجمع معهم المعتكف في المسجد .
قيل لمالك : أيُجْمَعُ في مساجد المدينة ليلة المطر ؟ قال : لا أدري ، فأما مسجدنا هذا فيُجْمَعُ فيه .
قال : وَ لا بَأْسَ بغير المدينة أَنْ يُجْمَعَ في غير الجامع من مساجد العشائر ، و ليس ذلك كالمدينة .
و روى أصبغ عن ابن القاسم في القوم يصلُّون المغرب ، فهم يَتنفلون لها ، إذا وقع المطر يجمعون ؟ قال : لا ينبغي أَنْ يُعَجِّلوا العشاء إذا فرغوا من المغرب قبل المطر . قال أبو محمد : و أعرف فيها قولاً آخر ، لا أذكر قائله .
***(1/265)
[1/268]
في صلاة الصبيان ، و صيامهم ، و تفريقهم في المضاجع ، و صلاة الأعجمي من المجوس ، و غُسل من أسلم و صلاته
و من الْعُتْبِيَّة روى ابن وهب أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «يؤمر الصِّبْيَانُ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَيُضْرَبُوا عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ » . قال عيسى : و به يأخذ .
قال أشهب : قال مالك : و إذا أثغر الصبي أُمِرَ بالصلاة ، و أُدِّب عليها . قال عيسى عَنِ ابْنِ القاسمِ : و حينئذ يُفرَّق بينهم في المضاجع ، و كذلك في السبع .
قال ابن حبيب : فإذا بلغ عشر سنين فلا يتجرَّد أحد منهم مع أحد من أبويه ، و لا من إخوته أو غيرهم ، إلاَّ و على كل واحد ثوب .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عيسى ، عَنِ ابْنِ القاسمِ : و إذا احتلم الصبي ، بعد أن صَلَّى الظهر و العصر ، فليُعدهما إذا بلغ قبل يخرج الوقت .
قال ابن حبيب : إن بقي من النهار خمس ركعات أعادهما ، و إن صَلَّى الجمعة أَعَادَ ظهرًا ، و إن بقي من أقلَّ من ذلك إلى ركعة أَعَادَ العصر ؛ لأنه إنما صَلَّى قبل يجب الفرض عليه ، بخلاف العبد يُعْتَق بعد أن صَلَّى الجمعة ، فلا يُعِيد فإن الجمعة
***(1/266)
[1/269]
له بدلاً من الظهر ، و هي فرض عليه .
و من المَجْمُوعَة من رواية ابن القاسم و عليٌّ ، قيل لمالك : متى يؤمر الصبيان بالصلاة ؟ قال : إذا بلغوا الحلم ، و هو أشدُّه .
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : أما الصوم فيؤمر به الصبي حين يُطيقه الصبي ، و إن لم يحتلم . و كان عروة يأمر بنيه بالصلاة إذا عقلوها ، و بالصوم إذا أطاقوه ، حتى إذا بلغ الصبي أو الصبية أُكره على الصيام ، فإن تأخَّر بهم الحيض و الاحتلام ، فإذا بلغا خمس عشرة سنة فإن جهل مولدهما فحتى يُنْبِتَا ، فإن لم يُنْبِتَا حُمِلا على التقدير و التحري ، إلاَّ أَنْ يُطيقاه قبل ذلك .
قال أبو محمد : و الذي ذكر ابن حبيب عن عبد الملك من خمس عشرة سنة قول ابن وهب ، وأمَّا ابن القاسم وغيره ، في تأخير الاحتلام و الحيض ، لا يُحْكَم له بُكْم البلوغ حتى يبلغ سبعة عشر سنة ، أو ثمانية عشر سنة ، وما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم أجاز ابن عمر ابنَ خمس عشرة سنة في القتال ، و قيل : ابن أربع عشرة سنة ، ليس بدليل على حدِّ البلوغ ؛ لأنه عليه السلام إنما نظر إليهم فمن رآه أنَّه أطاق القتال أجازه ، ولم يكشف عن سنه ، والإنبات أقوى في حد البلوغ ، وما
***(1/267)
[1/270]
جاء أَنْ يقتل من جرت عليه المواسي .
قال يحيى بن عمر : الذي رأى أن كل ما كان حقا عليه يطلب به له فيه خصم ، فيراعى فيه في حد البلوغ الإنبات ؛ لأنه ينفي عن نفسه البلوغ ، وأما ما يلزمه فيما بينه و بين الله فيقلد فيه فيما يذكر من بلوغه الحلم ، والصبية الحيض ، وقد قال بعض البغداديين من أصحابنا : إن المرأة إذا احتلمت وجب لها بذلك حكم البلوغ ، و إن لم تحض .
و من ( الْعُتْبِيَّة ) ، روى سحنون ، عن ابن القاسم ، قال : و من أسلم فعليه أَنْ يغتسل ، فإن توضأ و صَلَّى و لم يغتسل أَعَادَ أبدا ، إذا قد جامع أو كان جنبا .
قال يحيى بن عمر : إن كان بلغ الحلم لزمه الغسل .
قال ابن القاسم : فإن لم يجد الماء فتيمم أجزأه ، فإن لم يرد الجنابة ، لأنه تيمم للإسلام يريد به الطهر ، فإذا اغتسل للإسلام أجزأه و إن لم ينو الجنابة .
قال أصبغ : و من أمسك شيئا من رقيق العجم ، فليوقفه على التوحيد ، و الصَّلاَة و أوقاتها ، و الإحرام ، و الركوع ، و السجود ، و السلام ، و الوضوء ، و يعلمهم القرآن ، مثل السورتين و الثلاثة ، و ليختن العبد و يخفض الأمة .
قال أصبغ : و يدخله في للإسلام إذا ملكه ، إن كان من غير أهل الكتاب ، من المجوس و الزنج و السودان و الصقالبة و شبههم . و في كتاب الصوم ذكر صوم
***(1/268)
[1/271]
العجم المجوس ، و شيء من ذكر صلاتهم .
قال يحيى بن عمر ، قال ابن القاسم : و من صَلَّى المغرب أربعا جاهلا من المسألة ، و من قرب عهده من الإسلام ، فليعد أبدا .
باب في مقادير الوقت ، و النصراني يسلم ،
و المغمى عليه يفيق ، و المرأة تحيض أو تطهر ،
و المسافر يظعن أو يقدم ، و كيف إن ذكر
صلاة ، هل هي أملك بالوقت
من ( الْعُتْبِيَّة ) ، روى سحنون ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، في النصراني يسلم ، و المغمى عليه يفيق ، قال في (كتاب آخر) : و المجنون يفيق ، و الصبي يحتلم . قال في (الْعُتْبِيَّة) : و الحائض تطهر و قد بقي من النهار خمس ركعات ، فليصلوا الظهر و العصر ، و إن بقي من الليل أربع ركعات صلوا المغرب و العشاء ، و لو بقي من النهار أربع فاقل إلى ركعة ، صلوا العصر ، أو من الليل ثلاث إلى ركعة ، صلوا العشاء . و كذلك روى علي ، عن مالك في (المَجْمُوعَة) . و قال أشهب .
و قال عبد الملك : إن كان لأربع من الليل فأقل ، صلوا العشاء فقط ، و إنما للمغرب من الوقت ما فوق أربع .
قال سحنون : و أكثر أصحابنا على رواية علي عن مالك . قال أبو زيد ، قال ابن القاسم ، في (الْعُتْبِيَّة) : و إن طهرت في السفر لثلاث ركعات من الليل ،
***(1/269)
[1/272]
فليس عليها إلاَّ العشاء ، ركعتين . و قاله أشهب . و قال ابن الحكم ، و سحنون : تصلي المغرب و العشاء . قال سحنون : لأنها لو صَلَّتِ العشاء بقيت ركعة – يريد للمغرب – و الوقت لآخر الصلاتين ، وكذلك لو حاضت لهذا التقدير لم تقضهما .
و روى سحنون مثل قوله هذا عن ابن القاسم ، في (المَجْمُوعَة) .
قال سحنون : و من سافر لثلاث ركعات من الليل فلم يصل صلاتي الليل فليصل المغرب ثلاثا و العشاء ركعتين ، و لو كانت امرأة مسافرة ، فحاضت حينئذ ، لم تقضهما ، و لو حاضت بعد أن صَلَّتْ ركعة بسجدتيها من المغرب ، لم تقضي إلاَّ المغرب .
و قال ابن حبيب ، في التي طهرت في السفر لثلاث ركعات من النهار ، فلتصل الظهر و العصر ، و إن كان لثلاث من الليل فلا تصلي إلاَّ العشاء ركعتين . و هو قول مطرف ، و ابن الماجشون وروايتهما عن مالك . و قال أصبغ : و اختلف فيه قول ابن عبد الحكم .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، قال سحنون ، عن ابن القاسم ، في امرأة حاضت بركعة من النهار ، ناسية للعصر ، قال لا تقضيها . و لو كانت ناسية للظهر و قد صَلَّتِ العصر ، فلا تقضي الظهر ؛ لأنه وقتها .
و قال يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، في التي تحيض لأربع ركعات من النهار- يريد : فأقل – إلى ركعة ، ناسية للظهر ، و قد صَلَّتِ العصر أو لم تصلها ، قال : فإنها تقضي الظهر . و لو حاضت لخمس ركعات ، لم تقض ظهرا و لا عصرا .
و لو كانت إنما صَلَّتِ الظهر ، فلا تقضي العصر ، فإذا لم يبق أبدا إلاَّ قدر صلاة ، فالوقت لآخر الصلاتين .
و في رواية عيسى عنه ، في التي صَلَّتِ العصر ، و نسيت الظهر ، و حاضت لأربع
***(1/270)
[1/273]
ركعات لا تقضي الظهر ؛ لأنها حاضت في وقتها ، كمسافر صَلَّى العصر ناسيا للظهر ، و دخل لأربع ركعات ، فليصل الظهر حضريا ، و كذلك لو لم يتم وضوءه حتى غابت الشمس .
و قال ابن حبيب في التي حاضت لركعة من النهار ، ناسية للظهر ، مصلية للعصر . قال ، قال ابن القاسم ، و مطرف و أصبغ : ذلك وقت للظهر ، و لا تقضيها . و قال ابن الماجشون ، و عبد الله : هو وقت للعصر ، و تقضي الظهر ، كصلاة خرج وقتها و لم تصلها حتى حاضت ، و كذلك في التي تطهر أو تحيض ، و مسافر يقدم أو يظعن ، و مغمى عليه يفيق ، ونصراني يسلم لمقدار صلاة من النهار ، فهي العصر ، صَلَّتِ الظهر أو نسيت . و أنا أحتاط ، فأرى على المسافر يقدم لركعة ، ناسيا للظهر ، أَنْ يتمها ، و أوجب على الحائض تحيض حينئذ قضاءها .
و لو صَلَّى الظهر بثوب نجس ، و العصر بثوب طاهر ، ثم ذكر ذلك لركعة من النهار ، لم يقض الظهر ، في قول ابن الماجشون و عبد الله ، وفي قول الآخرين يقضيها . و به أقول .
و لو طهرت حائض لأربع ركعات من النهار ، ثم ذكرت صلاة نسيتها ، فالوقت لما ذكرت عند ابن القاسم ، و لا شيء عليها في غيرها .
قال أصبغ : تصلي الفائتة ، و تصلي العصر . و به أقول . وكذلك ذكر ابن الْمَوَّاز ، عن ابن القاسم فيها ، و في المغمى عليه يفيق .
قال : و يبدءان بالفائتة ، ثم يصليان هذه . ثم رجع ابن القاسم فقال : ليس عليهما غير الفائتة ، ثم إن بقى من الوقت شيء كان للصلاة التي هما في وقتها ، و إلاَّ فلا يقضياها . و قاله أصبغ .
قال محمد : و الأول أصوب ، و أصل مالك في ( موطئه )
***(1/271)
[1/274]
و أصحابه و أصحاب أصحابه ، فِي مَنْ سافر لركعتين ناسيا للظهر و العصر ، أنَّه يصلي الظهر أربعا ، و العصر ركعتين .
و على قول أصبغ : ينبغي أَنْ يكون وقت العصر بعد فراغه من الظهر ، فيصلي الظهر ركعتين ، و العصر أربعا و يطرد هذا الأصل في القادم .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، قال أشهب : و من ذكر الصبح لركعة من النهار ، و لم يصل العصر ، فليبدأ بالصبح .
و من (المَجْمُوعَة) ، و قالوا - يريد : أصحاب مالك – في المفيق من الإغماء : لا يقضي إلاَّ ما أفاق في وقته . و لكن قال عبد الملك : و ذلك إذا كان الإغماء يتصل بمرض قبله أو بعده متصلا ، فأما صحيح يغمى عليه ، أمر خفيف من الفجر إلى طلوع الشمس ، ثم يفيق صحيحا ، فلا نضع عنه الصَّلاَة .
قال ابن القاسم ، عن مالك : إذا دخلت مسافرة إلى الحضر لأربع ركعات ، ناسية للظهر و العصر ، فحاضت حينئذ ، فلا تقضي إلاَّ الظهر ، و لو كانت لخمس لم تقض ظهرا و لا عصرا ، و كذلك لو خرجت لثلاث ركعات فحاضت حينئذ ، لم تقضهما .
في تقدير الوقت للحائض تطهر ، و لمن أسلم
أو أفاق من الإغماء ، هل هو بعد الفراغ من
الغسل او الوضوء للمفيق ، أو قبل ، أو كان
ثوب أحدهم نجسا ، و كيف إن قدروا فأخطأوا
التقدير ، أو تبينوا نجاسة الماء ، أو انتفض
وضوء المتوضئ
من (المَجْمُوعَة) ، قال علي ، عن مالك : وإنما يلزم الحائض تطهر ما
***(1/272)
[1/275]
أدركت وقته بعد فراغها من غسلها مجتهدة لغير توان ، لا من وقت رأت الطهر .
قاله ابن القاسم ، في (الْعُتْبِيَّة) ، و غيرها . و قاله مطرف ، و ابن الماجشون ، و ابن عبد الحكم ، في (الواضحة) .
و قال سحنون ، في (المَجْمُوعَة) : إن فرطت ، ثم أخذت في الغسل حتى غربت الشمس ، أو طلعت ، فلتنظر أن لو بدرت حين رأت الطهر مجتهدة ، كم كان يبقى من الوقت ، فتعمل على ذلك ، و تقضي ما يلزمها فيه أبدا .
قال سحنون في (الْعُتْبِيَّة) ، قال ابن القاسم : و كذلك المغمى عليه يفيق أيضا يراعي ما يبقى له من الوقت بعد وضوئه بغير تفريط ، و أما النصراني يسلم فمن وقت أسلم استحسن ذلك فيه .
قال ابن حبيب ، قال ابن الماجشون ، و مطرف ، و عبد الله : مراعاة الوقت في الذي أسلم أو أفاق ، من وقت أسلم هذا ، أو أفاق هذا .
و قال ابن سحنون ، عن أبيه : إن المراعاة في الحائض تطهر ، و الذي يسلم ، و المفيق ، سواء ، ينظر إلى ما يبقى من ليل أو نهار بعد غسل المغتسل ، ووضوء المتوضئ ، لا ما قبل ذلك . قال أبو محمد و ينبغي في الصبي يحتلم أَنْ يكون مثل قولهم في الحائض تطهر ، و لم يختلف فيها .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، قال سحنون ، قال ابن القاسم : فإن أحدثت الحائض بعد
***(1/273)
[1/276]
غُسلها و المغمى بعد وضوئه ، فتوضأ ، فغربت الشمس ، فليقضيا ما لزمهما قبل الحدث . و أما إن علما قبلَ الصَّلاةِ أن الماء الذي كان به الطهر أو الوضوء نجس ، فلتعد هذه الغسل ، و هذا الوضوء ، بماء طاهر ، ثم ينظر إلى ما بقي من الوقت بعد هذا الغسل و الوضوء الثاني ، فيعملان عليه ، و لو لم يعلما حتى صليا ، و غابت الشمس ، لم يُعِيدا الصَّلاَة . و كذلك ذكره ابن حبيب ، عن من ذكره من أصحاب مالك ، وذكر ابن سحنون ، عن أبيه ، أنَّه ساوى بين الحدث ونجاسة الماء ، و ألزمهما ما لزمهما بعد الطهر و الوضوء الأول . قال : لأن الماء النجس كان يجزئهما به الصَّلاَة إن خرج الوقت . قال أبو محمد : يريد نجسا لم يغير الماء .
و قال ابن الماجشون ، عن أبي زيد ، عن ابن القاسم ، إنه لم ير عليهما شيئا في القياس في نجاسة الماء و الحدث ، و إن أَعَادَتْ فهو أحوط . ثم رجع ففرق بينهما ، كما ذكر عنه في (المُسْتَخْرَجَة) .
و من(المَجْمُوعَة) ، قال علي ، عن مالك ، في مسافرة طهرت ، و ليس معها ما إلاَّ ثياب نجسة من الدم ، فإن غسلتها خرج الوقت . قال : إن شكت نضحتها و صَلَّتْ ، و إن أيقنت صَلَّتْ بها و لم تغسلها .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، قال أشهب ، في الحائض يتم طهرها لثلاث ركعات من النهار ، ثم علمت بنجاسة الماء . قال أبو محمد : يريد نجاسة لم تغيره . قال : فإن كانت إذا أَعَادَتِ الغسل غربت الشمس ، فلتصل بذلك الماء في الوَقْتِ أَحَبُّ إليَّ من صلاتها بماء طاهر بعد الوقت .
قال في (المَجْمُوعَة) : ثم تتطهر و تُعِيدُ الصَّلاَة احتياطا .
***(1/274)
[1/277]
قال أشهب ، في (الْعُتْبِيَّة) : و إن قدرت بعد تطهرها خمس ركعات ، فلما صَلَّتِ الظهر غربت الشمس ، فلتصل العصر . و لو قدرت أربعا ، فصلت العصر ، ثم بقي من النهار بقية ، فلتصل الظهر فقط ، إلاَّ أَنْ يبقى من النهار بعدها ركعة فأكثر ، فلتعد العصر .
قال عيسى ، قال ابن القاسم : و إن قدرت خمس ركعات ، فلما صَلَّتْ ركعة غربت الشمس ، فلتضف إليها أخرى ، و تسلم ، و تصلي العصر . و كذلك لو صَلَّتْ ثلاث ركعات ، ثم غربت الشمس . لأضافت رابعة ، فتكون نافلة ، و تصلي العصر .
قال ابن الْمَوَّاز ، قال أصبغ : و لو قطعت في الوجهين كان واسعا .
قال ابن الْمَوَّاز ، قال مالك : و إن قدرت أربع ركعات ، فصلت العصر ، و بقى قدر ركعة ، فلتصل الظهر و العصر ، كما كان لزمها . و كذلك ابن حبيب .
و قال : و ابن القاسم يقول : لا تُعِيدُ العصر .
قال ابن الْمَوَّاز : إنما تُعِيدُ العصر إذا علمت قبل أن تسلم من العصر أن لا يبقى قدر ركعة ، فإن لم تعلم حتى سلمت ، فلا تعيدها .
ومن (المَجْمُوعَة) ، ابن القاسم ، عن مالك : و إذا تطهرت قبل الغروب ، فلما صَلَّتِ الظهر غربت الشمس ، فلتصل العصر .
قال أشهب : و كذلك النصراني ، و المغمى عليه يفيق ، و الحائض تطهر ، لأربع ركعات من الليل ، فيلزمهم الصلاتان ، فقبل تمام المغرب طلع الفجر ، فليقطع ، و يصلي العشاء ، التي كانت لزمته . وكذلك في صلاة النهار . قال أبو محمد : و قد ذكرنا قوله : إن قدرت أربعا فكانت أكثر .
***(1/275)
[1/278]
فِي مَنْ قدم أو ظعن و عليه صلاتا يومه ، أو
إحداهما ، وكيف إن ذكر صلاة فائتة ، أو صَلَّى
بثوب نجس ما فات ، أولم يفت ، و الوقت
في ذلك ، و فيما يُعِيد بعد قضاء الفائتة ، و كيف
إن ذكر سجدة
من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ دخل من سفره لخمس ركعات من النهار ناسيًا للظهر و العصر : فليُصليهما حضريَّيْن فإن دخل لأربع صَلَّى الظهر سَفَريَّة ، و العصر حضريَّة ، و لو كان صَلَّى العصر و نسي الظهر ، فذلك وقتٌ للظهر فليصلها حضريَّة ، ثم إن بقي ركعة أو أكثر أَعَادَ العصر حضرية .
و لو خرج لثلاث ناسيًا لهما صلاهما سفريتين ، فإن كان لركعة أو ركعتين صَلَّى الظهر حضريًّا و العصر سفريًّا . و لو كان صَلَّى العصر دون الظهر ثم خرج لركعة صَلَّى الظهر سفريَّة و لا يُعيد العصر ، إلاَّ أَنْ يبقى من النهار ركعة فيُعِيدها سفرية . و كذلك في صلاتي الليل في الدخول و الخروج ، في نسيان الصلاتين أو أحدهما ، و لو أن الداخل لركعة ناسيا للظهر مصليًّا للعصر اشتغل بوضوء أو بغُسل حتى غربت الشمس ، فليصل الظهر حضرية ، كما لزمته . و كذلك يعتبر مثل هذا في الخروج .
و ذكر ابن الْمَوَّاز مثله في الذي يدخل لأربعة أو يخرج لركعتين ناسيًا للظهر ، مصليًّا للعصر أن الوقت للفائتة . و إلى هذا رجع ابن القاسم . و قاله أصبغ و جماعتُهم ، إلاَّ ابن عبد الحكم ، فقال : يصلي الداخل الظهر سفريًّا و العصر حضريًّا
***(1/276)
[1/279]
و يصلى الخارج الظهر حضريًّا و العصر سفريًّا .
قال ابن الْمَوَّاز : و لو تعمَّد الخارج تَرْكَ الصَّلاَة حتى غابت الشمس أو يشغله بوضوء أو بغُسل ، فصلى بعد غروب الشمس فذكر قبل يُسَلِّم منها سجدة من العصر . قال : ذلك سواء ذكرها قبل يُسَلِّم أو بعد أن سلَّم ، صلاها قبل الغروب أو بعده ، فلا بد أَنْ يُعِيدَ الظهر حضرية ، و العصر سفرية . و لو نابه هذا يوم دخوله و قد دخل لما ذكرنا لم يُعِدْ إلاَّ العصر ؛ لأن الظهر التب تمَّ و قد لزمته سفرية ، قد أخرته إذا لم يبق لها وقت تعاد فيه ، و هو و إن ذكر ذلك قبل يُسَلِّم فإنما ذكر فيها صلاة بعدها لا صلاة قبلها .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك فِي مَنْ ذكر صلاة فائتة قد صَلَّى بعدها صلوات : فليقضها ، و ما كان في وقته مما صَلَّى بعدها ، و الوقت في ذلك إلى غروب الشمس و طلوع الفجر ، بخلاف المصلي بثوب نجس و مخطئ القبلة ، جُعل وقت هذين في النهار صُفرة الشمس ، و روي عن مالك إلى الغروب ، و قال عليٌّ ، عن مالك : إن صَلَّى الظهر بثوب نجس ثم ذكر بعد أن صَلَّى العصر ، فإن اصفرَّت الشمس أَعَادَ الظهر ، و لم يُعِدِ العصر ، و إن لم تصفرَّ ، أَعَادَ الظهر و العصر .
قال سحنون : جعل الوقت في الثوب النجس غروب الشمس .
و قال عبد الملك : إن بقي من النهار خمس ركعات أعادهما . و كذلك في صلاة الليل . فإن لم يبق من الليل إلاَّ أربعٌ و من النهار إلاَّ أربع لم يُعِدْ شيئًا ؛ لأن وقت الطهر التي صَلَّى بثوب نجس قد خرج ، و هذا وقت للآخرة .
***(1/277)
[1/280]
و في رواية عليٍّ : يصلي المغرب ثلاثًا ، و يُبقي ركعة للعشاء ، فيُعِيدها . و قاله سحنون .
قال عبد الملك و سحنون : فإن سافر لأربع ركعات ، و لم يصلِّ الظهر و لا العصر و ذكر ظهر أمس ، فقد لزمه صلاتا اليوم سفريتين ، و يبدأ بظهر أمس . و كذلك لو دخل هذه الخمس ليبدأ بها و صَلَّى صلاتي يومه حضريتين . و لو دخل لأربع ، صَلَّى الظهر سفريًّا و العصر حضريًّا بعد قضاء الفائتة . و إن خرج لأربع و قد صَلَّى الظهر و العصر بثوب نجس فليعدهما سفريتين . و لو خرج لركعتين لم يُعِدْ إلاَّ العصر ، فإن ذكر مع ذلك ظهر أمس ، و قد خرج لأربع فليصل ظهر أمس في هذه الأربع ، و لا يُعِيدهما إذا لم يبق وقت يُعِيدهما أو أحدهما فيه . و كذلك في صلاتي الليل اغترق الوقت الصَّلاَة التي ذكر قبلهما .
و في الجزء الثالث في أبواب صلاة المسافر بابٌ يقرُب معنان من معاني هذا الباب .
في الإمامة و من هو أحق بها
من الواضحة قال ابن حبيب : و معنى ما روي أَنْ يؤمَّ القوم
***(1/278)
[1/281]
أقرؤهم ، أن من سلف كانوا يجمعهم صلاح الحال و المعرفة ، فكان حفظ القرآن مزيد فضل ، ثم كثر في الناس حفظ حروفه و تضييع العمل و العلم ، فأحقُّهم اليوم بالإمامة أحسنهم حالاً ، وأفضلهم معرفة بدينه .
قال مالك : يؤمُّهم أعلمهم ، فإذا كانت حاله حسنة و للسِّنِّ حقٌّ .
قال ابن حبيب : و لا يكون عالمًا حتى يكون قارئًا ، فإن استووا فأسنُّهم .
قال غير ابن حبيب : كان الصحابة أكثرهم قرآنًا هو أفقههم ؛ لأنهم كانوا يُعَلَّمونه بتفسيره ، فأما اليوم فقد يقرأ من لا يفقه .
قال علي بن زيادة عن مالك في المَجْمُوعَة : أحقُّهم أكبرهم سنًّا ، و أعلمهم بسُنَّة الصَّلاَة .
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة : إن أفقههم أحقُّ من أقرئهم و من أسنِّهم .
قال في المختصر : يؤمُّهم أفقههم ، و أفقههم أولى من أقرئهم .
قال فيه و في الْعُتْبِيَّة من رواية ابن القاسم : و صاحب المنزل أولى . قال عنه أشهب : و إن كان عبدًا .
قال بعض أصحابنا : و إن كانت امرأة ، فلها أن تُوَلِّي رجلاً يؤمُّ في منزلها .
قال ابن حبيب : و أَحَبُّ إليَّ لصاحب المنزل إن حضر من هو أعلم منه
***(1/279)
[1/282]
و أعدل أَنْ يقدِّمه . و أهل كل مسجد أحقُّ بإمامته ممن غشيهم ، إلاَّ أَنْ يحضرهم الوالي .
و يُكْرَه للرجل أَنْ يؤمَّ قومًا و هم له كارهون أو أكبرهم أو ذو النُّهى و الفضل منهم و إن قَلُّوا . قال مالك : إذا خاف أَنْ يكون منهم من يكرهه ، فليستأذنهم .
و كذلك في الْعُتْبِيَّة من رواية أشهب عن مالك .
قال ابن حبيب : و يُكره إمامة الَّحَّان إذا كان فيهم من هو أصوب قراءة منه ، فإن لم يكن فيهم مَرْضِيُّ الحال ، فالَّحَّان و الألْكَنُ و الأُمِّيُّ الذي معه من القرآن ما يُغْنِه في صلاته أولى من قارئ لا يُرْضَى حاله .
قال أبو محمد : قال لنا أبو بكر بن محمد : من صَلَّى خلف من يلحن في أمِّ القرآن فليعد . يريد : إلاَّ أَنْ يستوي حالهم في ذلك .
و من المَجْمُوعَة عن مالك : لا بأس بإمامة الألكن ، إذا كان عدلاً .
قال ابن القاسم في (كتاب ابن الْمَوَّاز) : و إذا صَلَّى من يُحسن القرآن خلف من لا يُحسنه أَعَادَ الإمام و المأموم . قال أبو محمد : لأن الإمام وجد قارئًا يأتَمُّ به .
و قال ابن القاسم في المَجْمُوعَة : إن صَلَّى القارئ خلف من لا يُحسن القرآن لم يُجِزه .
قال سحنون : فإن ائتمَّ به أُمِّيُّون مثله ، فصلاتهم تامَّةٌ . و قال ابن سحنون ، عن
***(1/280)
[1/283]
أبيه : و هذا إذا لم يجدوا من يصلون خلفه ممن يقرأ ، و خافوا ذهاب الوقت ، فأما إن وجدوا فصلاته فاسدة . و قال نحوه ابن حبيب .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال موسى ، عن ابن القاسم في إمام أحدث ، فقدَّم أمِّيًّا لا يُحسن القرآن : فليُقدِّمْ غيره . فإن تمادى و صَلَّى بهم بغير قراءة ، أعادوا الصَّلاَة .
قال عليٌّ ، عن مالك في المَجْمُوعَة : لا يؤمُّ العبد الأحرار ، إلاَّ أَنْ يكون يقرأ و هم لا يقرأون ، ليؤمَّهم في المكان الذي يحتاجون فيه إليه ، و لا يؤمُّ في عيد ، و لا جمعة .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك : و لا أرى للرجل أَنْ يؤمَّ عمَّه و إن كان أصغر منه ؛ لأنه كالوالد . قال إبراهيم : إلاَّ أَنْ يُقدِّمَه . قال سحنون : و ذلك إذا كان مثل ابن أخيه في العلم و الفضل .
في من لا يجوز أَنْ يؤمَّ ، و من يُكْرَهُ إمامَتُه
قال النبي صلى الله عليه و سلم : «أَئِمَّتُكُمْ شُفَعَاؤُكُمْ ، فَانْظُرُوا بِمَنْ تَسْتَشْفِعُونَ» . فينبغي اختيار أهل الفضل في الإمامة . قال ابن حبيب : و لا ينبغي أَنْ يأتمَّ بمن لا يعرفه ، إلاَّ إمام راتب في المسجد ، فلتأتمَّ به حتى تعلم منه م لا يُرضى . و من بمسجده إمام لا يُرضَى فلينتقل إلى مسجد آخر ، فإن بَعُدَ عنه فليُصَلِّ بمسجده و يُعِيد ، و لا يَدَع الجماعة . قوله : و يُعِيد . يعني على الاستحباب . قال : و قاله كلَّه مطرف ، و ابن الماجشون ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ . قال : و لا يُؤْتَمُّ
***(1/281)
[1/284]
بمن لا يُتِمُّ ركوعه و لا سجوده ، و لا خلف من عُرِفَ بالجهالة بالصلاة و الوضوء ، و لا خلف من يعرف بمنع الزكاة ، أو شرب الخمر ، أو الفسق ، أو مقيم على شيء من معاصي الله سبحانه ، مصرا ، و إنه ليكره أَنْ يكون بين يديه في الصف المخمور و المأبون ، و الفاسق ، فكيف بإمام الصَّلاَة . و من ائتم بمن لا يقيم ركوعه و سجوده فليتم هو بعده ، و يتمكن ، و لا يعود يأتم به .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، من سماع أشهب : و من صَلَّى خلف سكران ، أَعَادَ .
و أما من وجد منه ريح نبيذ ، فلا يُعِيد من صَلَّى خلفه ، و لعله نبيذ لا بأس به . و قاله ابن حبيب ، عن مالك ، و زاد عنه : فإن لم ينكر من عقله و صلاته شيئا ، فلا يُعِيد ، و لعله شراب يحل ، إذا لم يعرف بشرب المسكر .
قال مالك ، في (كتاب ابن الْمَوَّاز) : إن أتم بهم السكران الركوع و السجود و القراءة ، فصلاتهم باطلة ، و لو لم يكن سكران ، و لكن الخمر في فيه ، و في جوفه ، فليُعِيدوا أبدا . و كذلك روى عبد الملك بن الحسن ، عن ابن وهب ، في (الْعُتْبِيَّة) ، قال : و أما عاصر الخمر فلا يصلي خلفه ، فإن فعل لم يعد .
و كذلك ذكر ابن حبيب في شاربها ، كما ذكر ابن الْمَوَّاز في شاربها ، و قال : إلاَّ أَنْ يكون هو الإمام الذي تؤدي إليه الطاعة ، فلا يُعِيدوا ، إلاَّ أَنْ يكون في حال صلاته بهم سكران ، فلا يجزئهم .
و من (المَجْمُوعَة) ، قال سحنون : و لا ينبغي للقوم أَنْ يأتموا بشارب الخمر ، و بائعها ، و لا بالعامل بالربا ، أو العامل عمل قوم لوط ، وليزيلوه إن قدروا .
قال ابن القاسم : قال مالك ، وَ لا بَأْسَ بإمامة المحدود ، إن صلحت حاله ،
***(1/282)
[1/285]
و كذلك ولد الزنا ما لم يكن راتبا . و كذلك قال في (المختصر) ، فيه و في المحدود .
قال ابن القاسم في (الْعُتْبِيَّة) : و لا يؤم الأغلف و المعتوه . قال سحنون : فإن أمهم الأغلف أجزأهم ، و يُعِيدون في المعتوه .
و من (الواضحة) ، قال مالك : من ترك الاختتان من غير عذر ، لم تجز إمامته و لا شهادته ، و إن كان من عذر ، فتجوز في الوجهين .
و لا تجوز إمامة القاتل عمدا بتاتا ، و إن تاب ، بخلاف المحدود إذا صلحت حاله ، و أجاز ابن الماجشون إمامة الخصي راتبا ، في الجمعة و غيرها ، وعنده كالأقطع و الأعمى . و تجوز عنده إمامة العبد راتبا ، إلاَّ في الجمعة ، إذ ليست عليه . و إنما كره مالك إمامتهما راتبين استحسانا ، و نحا بالخصي ناحية التأنيث . قال ابن نافع عن مالك في (المَجْمُوعَة) : لا أرى أَنْ يؤم الخصي ، و ليس بالإمام التام .
و من (كتاب ابن سحنون) : و إذا ائتموا بخنثي ، فإن حكم له بحكم الرجال أجزأهم ، و إن حكم له بحكم النساء أعادوا أبدا . قال مالك ، في (المختصر) و غيره : و لا يؤم المرأة رجالا و لا نساء ، في مكتوبة و لا نافلة .
قال ابن حبيب : و من صَلَّى خلف امرأة أو صبي ، أَعَادَ أبدا .
قال النخعي ، في (المدونة) : لا تؤم المرأة في الفريضة .
و من (المختصر) ، و لا يؤم صبي لم يحتلم في مكتوبة ، وَ لا بَأْسَ به في قيام رمضان في البيوت للنساء . قيل له : فللنساء في قيام رمضان ؟ قال أنس : يفعلن .
***(1/283)
[1/286]
و كذلك روى أشهب عنه .
و لو قدَّموا المحتلم و العبد روى أشهب عنه في الْعُتْبِيَّة قال : و لو قدَّموا المحتلم و العبد كان أحب إلي .
قال ابن القاسم عن مالك : وَ لا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ الصبي الناس في النوافل خاصة ، و في قيام رمضان . و لم يُجِزه في المدونة . قال أشهب في الْعُتْبِيَّة : وَ لا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ الصبيان في المكتَبِ واحدٌ منهم .
و من الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك : لا بأس أَنْ يؤم العبد في رمضان في أهله ، و قد فعلتْه عائشة رضي الله عنها . فأما في المساجد الجامعة فلا .
و من المَجْمُوعَة قال عليٌّ عن مالك : لا يؤمُّ العبد الأحرار ، إلاَّ أَنْ يكون يقرأ ، و هم لا يقرأون ، فليؤمَّهم في المكان الذي يحتاجون إليه ، و لا يؤمُّ في عيد و لا جمعة . و قال أشهب : و الأعمى أجوز عندي أذانًا و إقامة و إمامة من العبد ، إذا سُدِّدَ للوقت و القِبلة ، ثم العبد إذا كان رِضًى ، ثم الأعرابي إن كان رِضًى ، ثم ولدُ الزِّنَى ، كل ذلك جائز لا بأس به مؤذِّنٌ و إمامٌ .
***(1/284)
[1/287]
و من الواضحة : وَ لا بَأْسَ بإمامة الأقطع و الأعمى و ذي العيب في بدنه ، ما لم يكن العيب في دينه .
و من الْعُتْبِيَّة قال عبد الملك بن الحسن ، عن ابن وهب ، قال : لا أرى أَنْ يؤمَّ الأقطع و إن حَسُنَتْ حاله ، و لا الأشلُّ إذا لم يقدر أن يضع يديه بالأرض .
و من المختصر ، قال : و لا يؤمُّ الأعرابي حضريِّين ، و لا المتيمِّم المتوضِّئين ، فإن فعلوا أجزأهم .
قال ابن حبيب : و إنما نهى مالك عن إمامة الأعرابي و إن كان أقرأهم لجهله لسُنَّة الصَّلاَة .
قال أبو المصعب : فإن أَمَّ الصبيُّ أو الأعرابي أو العبد مضت صلاة من ائتمَّ بهم إلاَّ العبد في الجمعة و العيدين ، فلا يُجْزِئ .
و قال سفيان الثوري : و يؤمُّ الأعرابي إن كان أقرأهم ، و يؤمُّ وَلَدُ الزنى .
و قال ابن مُزَيْن ، عن عيسى بن دينار : إنما كُرِه وَلَدُ الزنى لئلاَّ يُؤْذَى بذلك .
و قال عيسى بن دينار : وَ لا بَأْسَ بإمامته ، إنما عيوب الناس في أديانهم ، و كذلك الأقطع و الأشهل و الأعمى .
قال مالك في المختصر : وَ لا بَأْسَ بإمامة المجنون في حين إفاقته ، و إمامة الألكن إذا كان عدلاً . وَ لا بَأْسَ أَنْ يأْتمَّ الإمام –يعني الأميرَ- ببعض أصحابه . وَ لا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ الرَّجُل نساء ، لا رجل معهُنَّ . قال ابن نافع عن مالك في المَجْمُوعَة : إن كان رجلاً صالحًا .
قال موسى عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة : و من صَلَّى برجل عن يمينه ،
***(1/285)
[1/288]
و نساء خلفه فأحدث فاستخلفه ، فليُتمَّ بالنساء . و كذلك إن لم يستخلفه ، و نوى أَنْ يؤمَّهم . و مَنْ أَمَّ نساء ، فمنهنَّ عن يمينه و عن يساره و خلفه و أمامه ، فقد أساء و صلاتهم مُجْزِئةٌ .
قال ابن سحنون في المستنْكَح ، و من به قَرْح سائل ، فليُؤْتَمَّ بغيره أحسن ، فإن صَلَّى بهم أجزأهم ، كان يتوضَّأ المستنكح لكل صلاة أم لا .
قال محمد بن مسلمة : لا أكره إمامة المتيمِّم لمتوضِّئين ؛ لأنه عمل ما أمره الله به . و خالف مالكًا في ذلك ، فقال : إلاَّ أَنْ يكون في بدنه نجاسة ، فأحبُّ إلي ها هنا أَنْ يؤمَّ غيره ، يصير مثل صاحب القروح و المستنكَح .
و قال سحنون عن أشهب فِي مَنْ صَلَّى خلف من لا يرى الوضوء من مَسِّ الذَّكَر ، قال : لا شيء عليه . و إن صَلَّى خلف من لا يرى الوضوء من القُبلة ، فليُعِد ابدًا . قال سحنون : يُعيد فيهما ، و ليس أبدًا ، و لكن بحِدثان ذلك .
في الصَّلاَة خلف أهل البدع ، و من لا يُرضى
حاله من الولاة ، و فِي مَنِ ائتمَّ بنصراني ، و لم
يعلم
من الْعُتْبِيَّة قال أشهب عن مالك : و لا أحب الصَّلاَة خلف
***(1/286)
[1/289]
الإباضية و الواصلية ، و لا السُّكنى معهم في بلد .
قال عنه ابن نافع : و إذا كان المسجد إمامه قدريٌّ ، فلا بأس أَنْ يتقدَّمَه إلى غيره ، فإن غشيه في مَحِلِّه ، فلا أحب أَنْ يصلي خلفه .
و من الواضحة : و من صَلَّى خلف أحد من أهل الأهواء أَعَادَ أبدًا ، إلاَّ أَنْ يكون هو الوالي –الذي تؤدَّى إليه الطاعة ، أو قاضيه ، أو خليفته على الصَّلاَة ، أو صاحب شُرْطته – فيجوز أَنْ يصلي خلفهم الجمعة و غيرها ، و من أَعَادَ في الوَقْتِ منهم فحَسَنٌ ، و مَنْعُ الصَّلاَة خلفهم داعية إلى الخروج من طاعتهم ، و سبب إلى الدماء و الفتنة . قال : و قد صَلَّى ابن عمر خلف الحجَّاج ، و خلف نجدة الحروري حين وادع ابن الزبير . قال : و إن كان الوالي يُضَيِّعُ الصَّلاَة حتى يفوت الوقت فليصلوا في الوَقْتِ ، و تكون صلاتهم معه نافلة كما جاء في الحديث ، و كما فعل التابعون خلف الوليد . و عن بلغت بهم المخافة في صلاتهم
***(1/287)
[1/290]
إياها في وقتها كانوا كخائف من عدوّ أظلَّه ، أو سبع جاوره ، و لا يقدر أَنْ يركع قائمًا ، أو يسجد خيفة أَنْ يَفْجأه ، فأجاز له العلماء الصَّلاَة إيماء ، فكذلك هؤلاء يومِئون برءوسهم مستخفين من الظَّلَمة و أعوانهم ، و كان مكحول و غيره يفعله مع الوليد يومئون بصلاة الظهر إيماء .
قال : و مَنْ أَمَّ قومًا في سفر ، ثم علموا أنَّه نصراني ، فليُعيدوا أبدًا ، و إن ظُفِر به استُتيب كالمُرْتدِّ ، فإن تاب و إلاَّ قُتِل . قال مطرف و ابن الماجشون . و جعل ذلك منه إسلامًا . و لا حُجَّة له إن قال : لم أُرِدْ به الإسلام ، و فعلته عبثًا و مجونًا .
و من الْعُتْبِيَّة في كتاب المحاربين : روى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، أنَّه قال : يُعيدون أبدًا . قيل له : أفَيُقْتل بما أظهر من الإسلام بصلاته ؟ قال : لا أرى ذلك عليه .
قال سحنون : إن كان في موضع يُخاف فيه على نفسه ، فدارى بذلك عن نفسه و ماله ، لم يُعْرَضْ له ، و أَعَادَ القوم الصَّلاَة ، و إن كان في موضع هو فيه آمن ، فليُعرض عليه الإسلام ، فإن أسلم فلا إعادة على القوم ، و إن لم يُسلم قُتِل ، و أعادوا الصَّلاَة . و في كتاب ابن سحنون ، قال المغيرة : إذا صَلَّى بهم و لم يعلموا أعادوا أبدًا ، و عُوقب النصراني .
وجه العمل في الإمامة للإمام والمأموم
و من كتاب ابن حبيب : و ينبغي للإمام أَنْ يُخَفِّف بالناس ، و ليكن ركوعه و سجوده وَسَطًا . و كان عمر بن عبد العزيز يُتِمُّهما ، و يُخَفِّف الجلوس و القيام .
قال مالك فيه و في المختصر : و لا يَؤُمُّ إلاَّ برداء ، إلاَّ من ضرورة . قال ابن
***(1/288)
[1/291]
حبيب : إذا كان في المسجد ، و إما في السفر أو في داره ، فهو خفيف . و يُكْرَه أَنْ يصلي في المسجد بغير رداء أو يمشي فيه منفصلاً بغير رداء .
قال في المختصر : و أُحِبُّ للذي عليه القوس و السيف أَنْ يَطْرح على عاتقه عند الصَّلاَة عمامة .
و روى موسى عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة في إمام الحرس : لا يعجبني أَنْ يصلي بهم بالسبف بلا رداء ، و ليجعلْ على عاتقه عمامة .
قال عليٌّ : قال مالك في المَجْمُوعَة : لا بأس أَنْ يؤمَّ بغير إزار ، إذا كان عليه رداء .
وقال ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة : لا بأس أَنْ يؤمَّ في السفر بغير رداء و لا عمامة .
قال ابن حبيب : و ينبغي للنَّفر تحضرهم الصَّلاَة أَنْ يصلوا بإمامة أحدهم ، و لا يُصلُّون أفذاذًا . و قد جاء النهي عن ذلك . و كذلك إن كانا رجلين فليؤمَّ أحدُهما ، و يقف عن يمينه مستويًا معه ، و إن كانا رجلين وصبيًا ممن يعقل أو يثبُتُ ، كان هو و الرَّجُل خلف الإمام ، و إن كان لا يثبت كان الرَّجُل على يمين الإمام ، و لا يُلتفت إلى الصبي . و إن كان معهم امرأة و الصبي ممن يثبت كان الرَّجُل و الصبي وراءه ، و المرأة من ورائهما ، و فعله النبي صلى الله عليه و سلم حين صَلَّى وراءه أَنَسٌ و اليتيم و العجوز من ورائهما .
***(1/289)
[1/292]
قال أشهب في المَجْمُوعَة : و من أَمَّ رجلاً ، فقام في موضع المأموم فقد أخطأ ، و لا شيء عليه .
قال ابن حبيب : و ينبغي إذا سلَّمَ الإمام أَنْ يقوم و لا يثْبُتُ ، و كذلك فعل النبي صلى الله عليه و سلم .
و لا يتنفَّل في مُقامه حتى يتنحَّى يمينًا أو شمالاً ، و ذلك في مساجد العشائر ، فأما من صَلَّى بأصحابه في داره ، أو فنائه ، أو في سفر ، فليس ذلك عليه . قاله مطرف عن مالك . و كذلك روى عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة ، أنَّه إذا كان في مَحَلِّه ، أو في سفر ، فله أَنْ ينحرف و لا يقوم . و قال : من صَلَّى وحده فله أَنْ يفعله في مكانه بعد السلام .
و روى موسى عن ابن القاسم أن الإمام إذا سلَّمَ فواسعٌ أَنْ يتنفَّل في مكانه ، أو يتنحَّى شيئًا ، و لكن ليَقُمْ و لا يجلس . قال مالك في سماع ابن القاسم : و ذلك في مساجد الجماعات .
قال ابن حبيب : وَ لا بَأْسَ أَنْ يؤمَّ بالنفر في النافلة في الصَّلاَة الضُّحى و غيرها ، في الأمر الخاصِّ ، فأما أَنْ يكون كثيرًا مشتَهرًا فلا . قاله مالك .
قال مالك : وَ لا بَأْسَ أَنْ يَخُصَّ الإمام نفسه بالدُّعاء دون من خلفه ، و أحبُّ إلينا أَنْ يُدْخِلهم في دُعائه .
قال ابن حبيب : وَ لا بَأْسَ على المرضى و الضعفاء و المِيد في السفينة ، لا يقدرون
***(1/290)
[1/293]
على القيام ، أَنْ يؤمَّهم أحدهم ؛ لأن حالتهم استوت . قال مطرف ، و ابن الماجشون ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ . و قد ذكرنا هذا و زيادة فيه في الجزء الأول في باب صلاة المريض .
و من عَرَضَ له و هو إمام ما منعه القيام فليستخلف و يرجع إلى الصفِّ ، فإن جَهِل ، فصلى بهم جالسًا و هم قيامٌ فلاته تامَّة و يُعيد مَنْ خلفه أبدًا . قاله مالك .
و من أَمَّ قومًا في سفر فرأى قومًا أمامه يصلي بهم رجل فجهل فصلى بصلاتهم ، فصلاته تُجْزِئه ، و يُعِيد مَنْ خلفه أبدًا . و قاله ابن القاسم ، و غيره من أصحاب مالك .
و لا ينبغي للإمام إذا أحسَّ أحدًا يدخل المسجد و هو راكع أَنْ يُطيلَ في ركوعه . قال النخعيُّ : مَنْ وراءه أعظم حقًّا عليه ممن يأتي .
في اتصال الصفوف ، و سدِّ الفرج ، و ذكر
الصف الأول ، و ذكر صفوف النساء ، و كيف
إن صلَّيْن بين الرجال ، و في الصَّلاَة بين يدي
الإمام ، و صلاته أرفع من أصحابه
من الواضحة قال : و كان النبي صلى الله عليه و سلم يقول قبل أَنْ يُحْرِمَ : «اعْتَدِلُوا ، وَ تَرَاصُّوا» . و كان عمر يقول : استَوُوا ، استووا . فإذا استوتِ الصفوف ،
***(1/291)
[1/294]
و أُخْبِرَ بذلك كَبَّر . قال : و كان أمير المدينة يُعاقب في ذلك مَنْ خرج عن الصفِّ .
قال : و معنى قول مالك : لا بأس بالصفوف بين الأساطين . أنَّه لم يُرِدْ بذلك من يقطع الصفوف ، و الذي نُهِيَ عنه .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم عن مالك : و من ضاق به الصفُّ في التشهُّد فلا بأس أَنْ يَخْرُج منه أمامه . قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة : أو خلفه . و قد فعله بعض العلماء . قال عنه ابن حبيب : و لا يفعله لغير عذر . قال ابن حبيب : فإن فعله لغير عذر ، أساء و لا شيء عليه . و قد روى عنه ابن وهب أنَّه يُعيد . قال ابن حبيب : و لا أرى ذلك .
قال عليٌّ عن مالك في المَجْمُوعَة ، في الذي يرى خللاً في الصفِّ ، فليسُدَّه إن لم يُضَيِّقْ على أَحَد ، أو يؤذيه لشدَّة الحرِّ ، فرُبَّ خلل بين قائمين يسُدَّنه إذا جلسَا .
قال عنه ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة : وَ لا بَأْسَ أَنْ يَخْرِق صفًّا إلى فرجة يراها في صفٍّ آخر .
قال عنه ابن نافع في المَجْمُوعَة : إذا رأى فرجة بين صفَّين أو ثلاثة فإن كانت وِجاهه فليمضِ إليها . قال ابن حبيب : و إن كانت عن يمينه أو يساره في أمامه فليدَعْها .
قال عنه ابن القاسم : و مَنْ رفع رأسه من الركوع فرأى فرجة في الصفِّ ، فإن كان قريبًا منه تقدَّم إليها . قال ابن حبيب و إن بَعُدَتْ صبر حتى يسجد و يقوم .
***(1/292)
[1/295]
قال ابن القاسم عن مالك في المَجْمُوعَة : و من دخل المسجد فرأى فُرَجًا في الصفوف فليذهب إلى آخرها . قال ابن حبيب : أدناها إلى الإمام . و كان مالك يكره تقطُّع الصفوف .
قيل لمالك : فمن لم يجد مدخلاً في الصفِّ ، أيجذب إلى نفسه رَجُلاً ؟ قال : لا ، و ليقلْ وحده . ثم قال : أيطيعه ذلك الرَّجُل ، إذًا هو خاسر .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم ، عن مالك : و من رأى رجلاً خارجًا عن الصف فلا بأس أَنْ يُشير إليه أَنْ يستوي ، إن كان بجنبه ، و أما اعوجاج الصفِّ فلا يشتغل به عن صلاته .
و لا بأس على أهل الخيل أَنْ يُصلُّوا بإمام متباعدين ، لحِصَانَةِ خيلهم . قال عنه عليٌّ في المَجْمُوعَة : و هو أَحَبُّ إليَّ من صلاتهم أفذاذًا .
قال عنه ابن القاسم : وَ لا بَأْسَ أَنْ يصلي في السقائف بمكة و بينه و بين الناس فُرَجٌ ، و الفضل لمن قوي أَنْ يتقدَّم ، و قد سجد عمرُ على ثوبه لشدَّة الحرِّ ، و كذلك في صلاة الناس بالمدينة في الشقِّ الأيمن من الشمس .
قال ابن حبيب : و أرْخص مالك للعالِم مجلسُه في مؤَخَّر المسجد أو وسَطه أَنْ يُصلي بموضعه مع أصحابه ، و إن بَعُدَت الصفوف عنهم ، ما لم يكن فيه خروج أو تفرُّق ، فلينضزُّوا إليها يسُدُّونها .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك : وَ لا بَأْسَ أَنْ يكون بين الناس و بين إمامهم نهر صغير أو طريق . قال أشهب : إلاَّ الطريق العريض جدًّا حتى
***(1/293)
[1/296]
يكون كأنه ليس مع الإمام ، فهذا لا تُجْزِسُه صلاته ، إلاَّ أَنْ يكون في الطريق قوم يُصلُّون بصلاة الإمام صفوفًا مُتَّصلة ، فصلاته تامَّة .
قال عنه ابن القاسم : و إذا جمع قوم في سفر فلا بأس أَنْ يصلي النساء بصلاتهم في فساطيطهنَّ .
و من الواضحة و غيرها ، قيل لمالك في الصفِّ الأول : هل هو خارج من المقصورة ؟ قال : إن كانت تُفْتَح أحيانًا و حينًا تُغلق . و قال في غير الواضحة : إن لم تُدْخلْ إلاَّ بإذن . قال في الكتابين : فالصفُّ الأول من خارجها ، و إن كانت مباحة فهو داخلها ، يلي الإمام . و ذَكَرَ نحوه في المَجْمُوعَة .
قال عنه ابن وهب : وَ لا بَأْسَ بالصلاة في المقصورة .
قال ابن حبيب : و روي أن أفضل صفوف الرجال أولها ، و أفضل صفوف النساء آخرها . و ينبغي أَنْ يكون صفوف النساء خلف صفوف الرجال .
و من الْعُتْبِيَّة روى موسى عن ابن القاسم قال : قال مالك : و إن صَلَّى رجل خلف النساء أو امرأة خلف الرجال كَرِهْتُه ، و لا تفسد صلاة أحد منهم .
***(1/294)
[1/297]
و من المَجْمُوعَة ابن القاسم عن مالك : و من أتى المسجد و قد امتلأ المسجد بالرجال ، و رِحابُه بالنساء ، فصلى خلف النساء فصلاته تامَّة .
قال أشهب : و إذا صَلَّى الإمام بمكة ، فقامت امرأة بحذائه حول الكعبة ، فقد أساءت ، و أساء من تركها ، و صلاتهم تامَّة . و إن صفَّ نساء وراء الإمام ، و مِنْ ورائهم صفَّ رجالٌ ، فقد أساءوا و صلاتهم تامَّة . و لو قام صفُّ نساء قِبالة صفِّ الإمام حول الكعبة من الجانب الآخر فلا بأس به ، إنْ لم يكُنْ وراءهنَّ صفٌّ ، أو بإزائهنَّ قريب منهنَّ ، و إن كنتُ أُحِبُّ أن لا يكون لهنَّ صفٌّ إلاَّ من وراء الرجال .
و من الْعُتْبِيَّة روى أشهب عن مالك فِي مَنْ أتى مسجدًا مغلقًا قد امتلأ ، فله أَنْ يصلي أسفل في الفضاء خلف الإمام ، و لا يصلي أمامه ، و ليس كالسفينة تضيق بأهلها ، فلا بأس أَنْ يكون بعضهم فيها ، و بعضهم فوقها .
قال ابن حبيب : و إذا جمع أهل السفينة فليكن إمامهم تحت سقفها ، فإن كان فوق سقفها فقد أخطأُوا ، و يُعِيد الأسفلون في الوَقْتِ ، و لا يُعِيد الإمام و من معه .
و من المدونة عن مالك : لا يعجبني أَنْ يكون الإمام فوق ، إلاَّ أَنْ يصلوا بإمام و الأسفلون بإمام . و ذَكَر إذا صَلَّى الإمام أرفع مما عليه أصحابه أنهم يُعِيدون ، إلاَّ في الارتفاع اليسير ، مثل ما في جامع مِصْر . و قال بعض أصحابنا : في مثل الشبر و عَظْمِ الذراع خفيف . و الله أعلم .
و قال أبو بكر بن محمد : إنما كَرِهَ مالك هذا لأن بني أمية فعلوه على وَجْهِ الكِبْرِ و الجبروت ، فرأى هذا من العبث ، و مما يُفْسِدُ الصَّلاَة .
***(1/295)
[1/298]
و روي عن عبد الله بن عبد الحكم في السُّفُن يصلي بهم إمام في أحد السفن ، ففرَّقت الريح بينهم و بين إمامهم ، فليستخلفوا مَنْ يُتِمُّ بهم .
و من المَجْمُوعَة ، قال مالك : كان عمر بن عبد العزيز إذا اشتدَّ الحرُّ صَلَّى خارجًا عن المقصورة في بعض سقائف المسجد ، و الناس يومئذ متوافرون . فلا بأس بذلك في شدَّة الحرِّ ، إذا كان في المسجد سَعَةٌ لمن يُصَلِّي فيه .
في اتباع الإمام و العمل قبله
من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك و مثله في المختصر ، قال : و لْيُحْرِم المأموم بعد أَنْ يسكت الإمام . و قال ابن القاسم : فإن أحرم معه فليُعد الإحرام ، فإن لم يفعل أجزأه .
و من الْعُتْبِيَّة سحنون عن ابن القاسم : فإن أحرم معه أجزاه ، و بعدَهُ أصوب . قال سحنون في المَجْمُوعَة : هذا قول عبد العزيز ، و قول مالك أنَّه يُعيد الصَّلاَة . قال ابن حبيب : قال مالك : و له أَنْ يفعل معه إلاَّ في الإحرام ، و القيام من اثنتين ، و السلام ، فلا يفعله إلاَّ بعده .
و من كتاب آخر : و العمل بعده في كل شيء أحسن ؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم «إِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا ، وَ إِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا ، وَ إِذَا قَالَ : سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ . فَقُولُوا : رَبَّنَا وَ لَكَ الْحَمْدُ» .
***(1/296)
[1/299]
و من المَجْمُوعَة قال مالك : و إذا أحرم قبله فليعد الإحرام بغير سلام ، فإن لم يفعل حتى فرغ أَعَادَ صلاته . و قال عبد الملك : إذا ذَكَرَ بعد ركعة تمادى و أَعَادَ .
قال ابن القاسم عن مالك : من رفع قبل إمامه يظُنُّ أنَّه رفع فليرجع ساجدًا أو راكعًا ، و لا يقف ينتظره ، فإن عجّل الإمام فرفع فليتمادَ معه ، و يُجْزِئه .
قال عنه أشهب في الْعُتْبِيَّة : إن سجد قبله ، ثم سجد الإمام و هو ساجد ، فليثبُتْ ساجدًا حتى يرفع الإمام .
قال عنه ابن القاسم في المَجْمُوعَة : و كذلك إن ركع قبل إمامه .
قال ابن سحنون : رأيتُ سحنون رفع رأسه قبل الإمام ، ثم رفع الإمام ، فرجع سحنون فسجد مقدار ما كان الإمام ساجدًا بعده .
و من الْعُتْبِيَّة قال عيسى : قال ابن القاسم : و إذا رفع المأموم رأسه من
***(1/297)
[1/300]
السجدة الأولى فرأى الناس سجودًا في الثانية فظنَّ أنها الأولى ، فعاد ساجدًا معهم ، ثم رفعوا فعرف أنها الثانية ، فليأت بسجدة أخرى ما بينه و بين أَنْ يركع الإمام الثانية ، فإن لم يفعل حتى سلَّم الإمام و طال ذلك أَعَادَ الصَّلاَة ، فإن لم يَطُلْ أتى بركعة و سجد بعد السلام .
قال أصبغ : و إذا كان على الإمام سجود سهوٍ بعد السلام ، فظَنَّ المأموم أنَّه سلَّمَ ، فسلَّم و سجد معه بعد السلام ، ثم سمع سلامه ، فسلَّم و سجد معه ، فليعد الصَّلاَة . قال أبو محمد : لعل أصبغ يريد أنَّه سلَّمَ أولاً على شماله .
و من المَجْمُوعَة قال أشهب في الأرمد لا يقدر أَنْ يسجد في أول سجدة الإمام : فليتأخَّرْ إلى آخرها فيسجد و يرفع أحَبُّ إلي من الإيماء .
قال ابن القاسم عن مالك في الإمام يَعْجَل في السفر ، فلا أرى لمن خلفه أَنْ يُبطئ و يتمكَّن ، و ليَتْبَعه .
و من كتاب ابن سحنون : و إن أحرم قوم قبل إمامهم ، ثم أحدث هو قبل أَنْ يُحْرم ، فقدَّم أحدهم فصلى بأصحابه ، فصلاتهم فاسدة . و كذلك إن صلوا فرادى ، حتى يُجدِّدوا الإحرام .
في من أتى و الإمام راكع ، و هل يُحرم قبل أن
يَصِلَ إلى الصفِّ ، و كيف إن ركع بعد رفع الإمام
من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم ، قال : و لا ينتظر الإمام من رآه ، أو
***(1/298)
[1/301]
أحسَّه مقبلا . قال ابن حبيب : إذا كان راكعًا ، فلا يمُدُّ في ركوعه لذلك .
قال النخعي : من وراءه أعظم عليه حقًّا ممن يأتي .
قال ابن القاسم عن مالك في الْعُتْبِيَّة : و من خاف فوت الركعة إلى أَنْ يَصِلَ إلى الصفِّ ، فليركع إن كان قريبًا . قال : و يَدُبُّ راكعًا مثل صفَّين و ثلاثة ، و ما بعد فلا أُحِبُّه .
قال عنه أشهب : و إذا جاء و الإمام راكع ، و عند باب المسجد قوم ، فليركع معهم ؛ ليدرك الركعة ، إلاَّ أَنْ يكونوا قِلَّة ، فليتقدَّم إلى الفُرج أحب إلي .
و من المَجْمُوعَة قال عنه ابن نافع : و إن خاف إلى أَنْ يدخل المسجد أَنْ يفوته ، فليركع في خارجه على البلاط . و إذا كان رجلان يتحدَّثان ، فليقطعا حديثهما ، إذا أحرم الإمام في سيرهما إلى الصفوف ليُحْرِما .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عنه أشهب : و لا يُحْرم الداخل حتى يَصِلَ إلى الصفِّ ، و كذلك أَحَبُّ إليَّ إن وجده راكعًا . و إذا ركع و هو منه في بُعْدٍ يجوز له ، فلا يمشي إلى الصف فيما بين الركوع و السجود ، و لكن حتى يرفع من السجود . و مَنْ لم يَدْر أركع قبل رفع الإمام رأسه في الأولى ، أم بعدُ ، فلا يعتدُّ بها ، و ترك الركوع معه في هذا الحال أَحَبُّ إليَّ ، إذا خاف أَنْ يُعْجِلَه ، أو أَنْ يشُكَّ في ذلك .
و من المَجْمُوعَة قال ابن الماجشون : و إذا شكَّ أَنْ يكون أدرك الركعة معه ، فليتماد معه ، و يُعِيد الصَّلاَة .
***(1/299)
[1/302]
و من المَجْمُوعَة قال عليٌّ ، عن مالك : و من دخل و الإمام راكع ، يطنُّ أنَّه لا يدرك الصفَّ حتى يرفع الإمام رأسه ، قال : يمشي ، و لا يركع . و روى ابن القاسم أنَّه يركع و يدُبُّ راكعًا إن كان بالقُرْبِ .
ابن القاسم عن مالك : و حَدُّ إدراك الركعة مع الإمام أَنْ يُمَكِّنَ يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه .
في من ضُعِطَ أو نعس أو غفل عن الركوع حتى
رفع الإمام أو سجد ، أو غفل عن السجود ،
أو ذكر سجدة بعد سلام إمامه في الجمعة
و غيرها
من كتاب ابن الْمَوَّاز : من أحرم و الإمام راكع ، أو قائم فنعس أو ضغط ، أو غفل حتى رفع الإمام رأسه من الركعة الأولى ، فلا يعتدُّ بها ، و لو نابه ذلك في الثانية و قد قيد معه الأولى ، فليتَّبِعْه ، ما لم يرفع رأسه من آخر سجدة من الثانية .
قال أصبغ ، و ذكره عن أشهب ، و ابن وهب : أنَّه إن أحرم قبل ركوع الإمام ، فالأولى و الثانية سواء ، فيَتْبَعه ، ما لم يرفع رأسه من سجودها . و جعلوه بخلاف إحرامه بعد ركوع الإمام . و هذا خلاف مالك ، و ابن القاسم ، و عبد الملك . قال عبد الملك : و إذا عقد الأولى و نابه ذلك في الثانية فليتبعه ، ما لم يرفع رأسه من ركوع الثالثة . و قال ابن القاسم ، و ابن عبد الحكم : ما لم يرفع رأسه من سجود التي نعس فيها إلاَّ في الجمعة .
***(1/300)
[1/303]
و إن ضغط عن السجود في الأولى ، فإن لحقَ أَنْ يسجدهما قبل رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية فهو مدرك للثانية , و إن لم يسجدهما حتى رفع الإمام من الركوع فلا يعتدُّ بها .
و من كتاب ابن حبيب ك و من ضغط في الجمعة ، أو نعس ، أو غفل ، أو حلَّ إزاره ، أو زَرَّها ، حتى رفع الإمام رأسه من الأولى فلا يركعها ، و ليتبعه في باقيها و يقضي ركعة . و كذلك لو جَهِل ، فاتَّبَعه في ركوعها . و لو عقد الأولى و نابه هذا في الثانية فليتَّبِعْه بالركوع و السجود ، أدركه قبل أَنْ يُسلِّمَ ، أو بعد أن سَلَّمَ . و لو زُوحِمَ عن سجود الأولى و قد ركعها فليتَّبعه ، ما لم يرفع من ركوع الثانية . و لو زوحم عن سجود الثانية حتى سجد الإمام فليسجدهما بعده ، و يُجْزِئُهُ . هذا قول مطرف و ابن الماجشون . و قاله ابن القاسم و أصبغ ، إلاَّ في الرحام ، فلم يَرَيَا أَنْ يتَّبعه فيه ، لا في الأولى ولا في الثانية ، كذلك عبد الملك ، إلاَّ في سجود بعد سلام الإمام فليس يقوله .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز : و من ضغظ عن سجود الأولى من الجمعة فلم يسجد السدجدة الثانية حتى رفع الإمام من ركوع الثانية قال مالك : فهذا لم يُدرك شيئًا . و إن ضغط عن الأولى ، فلحقه في سجودها فركع معه في الثانية ، و ضغط عن سجودها ، ثم سجد قبل أَنْ يُسَلِّم ، فقد أدرك ركعة . و إن لم يسجد حتى سلَّم ، فأحبُّ إلي أَنْ يسجدهما ، و يأتي بركعة ، و يسجد للسهو ، و يُعيد ظُهْرًا .
و قال ابن القاسم : يُتِمُّهما أربعًا على ركعته هذه . و قاله سحنون . و قال ابن الْمَوَّاز : و قال أشهب : يُضيف إليها ركعة تكون له جمعة . و قال أصبغ : يريد : و كذلك لو لم يُدْرِكْ غير الثانية لأتمَّها بعد سلام إمامه و قضى الأولى . و ابن القاسم
***(1/301)
[1/304]
لا يرى أَنْ يُجْزِئُهُ الجمعة . و قال أصبغ : و ليُتِمَّها ، و يُعِيد ظهرًا احتياطًا في الوَقْتِ و غيره . و اختَلَف عن ابن القاسم فروي عنه فِي مَنْ أدرك ركعة من الجمعة فبعد السلام ذكر سجدة : أنَّه يسجدها و يقضي ركعة ، و تصحُّ له الجمعة . و روي عنه أنَّه يسجد و يبني عليها أربعة . قال أصبغ : يُتِمُّها ركعتين ، و يُعِيدها ظهرًا ، و لو قطع و ابتدأ ظهرًا كان حسنًا ، و لو بنى عليها ظهرًا أجزأه .
قال ابن الْمَوَّاز : و من ضغط عن سجود الأولى ، فسجدهما و الإمام راكع في الثانية ، فقد صحَّت له ركعة ، ثم إن لم يدرك أَنْ يركع معه الثانية حتى رفع منها ، فإن أدركه في سجودها تمَّتْ له ركعة ، و لو لم يسجد سجدتي الأولى حتى رفع الإمام من ركوع الثانية لم يصحَّ له من الجمعة شيء ، و ليُسَلِّمْ مع الإمام و يبتدئ ظهرًا . و قال عبد الملك : لا يُسَلِّمُ و ليَبْنِ عليها تمام أربعة ركعات ، و كأنه صَلَّى وحده بغير إمام ، و لا يضرُّه نية الجمعة أولاً . و هذا أحب إلينا ، كقول مالك فِي مَنْ يُحرم يوم الخميس يظنُّه يوم الجمعة .
و قال ابن القاسم فِي مَنْ أدرك ركعة من الجمعة ، ثم ذكر بعد سلام الإمام سجدة : إنه يسجدها ، و يبني عليها ثلاث ركعات ، و تُجْزِئه .
و من الْعُتْبِيَّة ، روى ابن القاسم ، و أشهب ، عن مالك ، فِي مَنْ أحرم مع الإمام ثم نعس أو سها ، حتى سجد الإمام ، فإن أدركه قبل رفع رأسه من السجود فقد أدرك ، و إلاَّ فلا يعتدُّ بها ، و ليقضِ ركعة . قال في رواية أشهب : أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقضي ركعة .
قال عنه ابن القاسم : و إن نعس في الجلسة الأولى ، فانتبه و الإمام قائم ، فليقُمْ ، و لا يسجد .
***(1/302)
[1/305]
و روى عيسى عن ابن القاسم ، قال : قال مالك في الناعس ثلاثة أقوال ، فقال : يتَّبِعه ما لم يرفع رأسه من سجود التي نعس فيها . و قال أيضًا : يتَّبعه ما لم يرفع رأسه من ركوع التي تليها . قال يحيى بن عمر : هذا قول الليث ، و ابن وهب . قال ابن القاسم : و القول الثالث فرَّق فيه بين الأولى والثانية ، فقال : إن كانت الأولى فلا يتَّبعه رأسًا ، و إن كانت غيرها فليتَّبعْه ما طمع أَنْ يدركه في سجودها . و هذا أبينها . قال : و الزحام و الغفلة و النعاس في ذلك سواء . و قاله أشهب ، و ابن وهب .
و قال يحيى بن عمر : و روى أصبع ، عن أشهب ، و ابن وهب ، أن الأولى و غيرها سواء يتَّبِعُه ما لم يرفع رأسه من سجودها . كما حكى عنه ابن الْمَوَّاز . و في رواية العتبي ، أنهما فرَّقا بين الأولى و الثانية ، مثل قول ابن القاسم ، و فرَّق ابن القاسم بين الزحام و غيره من نعاس أو غفلة ، فقال : لا يتَّبعه في الزحام ، كانت الأولى أو الثانية ، و ليُلْغِهما . و أما إن غفل أو نعس حتى رفع الإمام رأسه من الركوع فتفترق عنده الأولى و الثانية ، فليُلغي الأولى و لا يتَّبعه ، و إن كانت غيرها فليتَّبِعْه ما كان يدركه في السجود .
و ذكر ابن حبيب مثله عن ابن القاسم و أصبغ ، التفرقة بين الزحام و غيره ، و قال عن عبد الملك و مطرِّف : إن المزحوم أعذرهم ، و مَنْ لم يُمْكِنْه السجود إلاَّ على ظهر أخيه لم يجزه سجوده ، فإن أمكنه أَنْ يسجد بعد رفع الناس رءوسهم فعل ، و تُجْزِئه الجمعة ، و إلاَّ بنى على إحرامه ظهرًا ، و كذلك في غير الجمعة ، إلاَّ أنَّه إن قَيَّد الأولى و ضغط عن ركوع الثانية فليتَّبِعْه ، ما لم يرفع رأسه من ركوع الثالثة ،
***(1/303)
[1/306]
و لو نابه في الرابعة أتمَّها ، و لو بعد سلامه ، و أجزأته .
في اختلاف نية الإمام و المأموم في صلاتين
مختلفتين ، أو حضرية و سفرية
من المَجْمُوعَة قال عليٌّ ، عن مالكك من خالفت نيته نية الإمام ، لم تجزه صلاته ، كنية الظهر و العصر و الإمام في خلافهما من ظهر أو عصر ، فالإمام تُجْزِئه ، و لا تجزئ من خلفه .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم ، فإن ذكر ذلك المأموم فيها انتهى و سَلَّمَ ، و أَعَادَ ما عليه . و إن أدرك ركعتين سَلَّمَ ، فإن أدرك ركعة أو ثلاثًا شفعهما و سَلَّمَ و ابتدأ .
و قال أشهب في المُسْتَخْرَجَة : من دخل يوم الخميس يظنُّه الجمعة ، أو الجمعة يظنُّه الخميس ، قال يُعِيد في الوجهين . و خالف ابن القاسم .
و قال أشهب في مسافر دخل مع إمام يظنُّه مسافرًا و هو حضري ، أو ظنَّه حضريًّا و هو مسافر ، فصلاته تُجْزِئه في الوجهين جميعًا .
و قال ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة عن مالك ، في سفريٍّ دخل مع إمام فظن أنَّه مقيم ليتمَّ معه ، فإذا هو مسافر ، فسلَّم الإمام من ركعتين ، قال : تجزئ المأموم . قال سحنون : يُعِيد في الوَقْتِ ، و هذه خطأ . و قال ابن الْمَوَّاز : قال ابن
***(1/304)
[1/307]
القاسم : لا تُجْزِئه . و خالف روايته عن مالك . قال محمد : و قول ابن القاسم صواب . و قال ابن حبيب : تُجْزِئه ؛ لأنه نوى بنيتة لم يقصدها بعمل .
قال عيسى ، عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة : و لو مَضَوْا فلم يدر ما هم فليُتِمَّها على صلاة مقيم و يُعِيدها سفرية . قال ابن الْمَوَّاز : كذلك روى أشهب عن مالك . و قال عبد العزيز : يقطع و يبتدئ .
و من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم عن مالك : و إن ظنَّهم مسافرين فتبيَّن أنهم مقيمون سبقوه بركعتين ، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ . قال سحنون : و الداخل سفريٌّ . و قال عيسى عن ابن القاسم : يُسَلِّم معهم و يُعِيدها سفرية . قال ابن حبيب : في الوَقْتِ .
قال ابن الْمَوَّاز : و لو قال قائل : يُتِمُّ أربعة و يُعِيد . لم أعِبْهُ للاختلاف ، و لكن أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُسَلِّم من ركعتين ؛ لأنه وحده ، و أما لو دخل معه من أوَّلها ثم علم بعد ركعتين ، فهذا يُتِمُّ معه و يُعِيد ركعتين . و قال ابن القاسم .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سحنون ، عن ابن القاسم : و إذا تعمَّد المسافر الإتمام و خلفه أهل سفر و حضر ، فليعد هو في الوَقْتِ ، و يُعِيد مسافر أتَمَّ ، بأن دخلوا على الإتمام ، و إن دخلوا على سفرية فلمَّا تمادى تمادوا معه سهْوًا ، فليُعِيدوا أبدًا . و على المقيمين الإعادة أبدًا ؛ لأنه إن تعمَّد لا تُجْزِئه في الوَقْتِ ، و إن سها فقد ائتمُّوا به في نافلة له و زيادة يسجد لها بعد السلام .
***(1/305)
[1/308]
و من المَجْمُوعَة ، قال المغيرة في مسافر أدرك مع الإمام ركعة ، ثم قضى بعده ركعة ، ثم تبيَّن له أنَّه مقيم ، أنَّه يصلي تمام أربعة على ما مضى ، و يُسَلِّمُ ، و يسجد بعد السلام ، ثم يُعِيدها سفرية .
قال سحنون : و إن دخل مسافر أو مقيم مع إمام لا يدري أمقيم هو أم مسافر ، و نوى صلاته ، أجزأه ما صَلَّى معه ، فإن خالفه ، فإن كان الداخل مقيمًا أتمَّ بعده ، و إن كان مسافرًا أتمَّ معه ، و تُجْزِئه .
قال أشهب : و كذلك من دخل الجامع مع الإمام في صلاته ، لا يدري أهي الجمعة ، أم ظهر يوم الخميس ، و نوى صلاة إمامه ، فهذا يُجْزِئُهُ ما صادف . و إن دخل على أنها أحدهما فصادف الأخرى ، فلا تُجْزِئه عند أشهب في الوجهين ، و يُجْزِئُهُ في الذي نوى صلاة إمامه ؛ لأن نيته غير مخالفة له ، و قد قصد ما عليه ، كمن أعتق نسمة عن واجب عليه ، لا يدري ظهارًا أو قتل نفس ، أنَّه يُجْزِئُهُ .
قال أشهب : و من ذكر ظهر أمس فصلاها ، فأْتَمَّ به رجل فيها لعصر عليه من أمس ، فلا تجزئ المأموم . و إن ذكر هذا عصر أمس و الآخَرُ عصر يوم آخر ، فلا يَؤُمُّ أحدهما الآخر ، فإن فعلا لم تجز إلاَّ الإمام . و لو كان العصران من يوم واحد أجزأهما . و قال سحنون : إلاَّ أن أحدهما لزمته سفرية ، كرهت أَنْ يؤمَّ أحدهما الآخر ، فإن فعلا أجزأتهما . فإن تقدَّم السفر ائتمَّ الحضري بعده . و إن تقدَّم الحضري ، فإذا صَلَّى ركعتين ثبت السفري حتى يُتِمَّ الحضري ، ثم يسلِّم لسلامه ؛ لأنه إنما يقضي أمرًا لزمه فلا يُغَيِّرُه . و قد قال : إنه يُتِمُّ مع الحضري أربعة . و كذلك ذكر ابن سحنون ، عن أبيه القولين ، قال : يُتِمُّ معه . و قد قيل : لا يصلي إلاَّ ركعتين ، كما كان لزمه . و ذكر عن أبيه ، أنَّه لم يَكْرَهْ أَنْ يَؤُمَّ أحدهما صاحبه .
***(1/306)
[1/309]
قال سحنون في رجلين شكَّ أحدهما في ظهر أمس ، و ذكر الآخر نسيانه : إن الموقن إن ائتمَّ بالشاكِّ أَعَادَ المأموم خاصة ، و إن تقدَّم الموقن أجزأتهما .
و روى عيسى ، عن ابن القاسم في الْعُتْبِيَّة ، قال : إن ذكر قوم ظهرًا من يوم واحد ، فلا بأس أَنْ يؤمَّهم فيه أحدهم ، فإن كانت من أيام تفترق بهم ، فلا يأتمُّوا بأحدهم . قال عيسى : و لا إعادة في هذا على إمام و لا على غيره .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : و من صَلَّى في بيته ، ثم أَعَادَ بالناس ، فليُعِيدوا ، و إن خرج الوقت ، ما لم يَطُلْ ذلك ؛ لاختلاف الصحابة في ذلك . قال محمد : و القياس أَنْ يُعِيدَوا أبدًا . و قال ابن حبيب : يُعِيدون أبدًا أفذاذًا .
في الإمام تفسد صلاته ، أو يذكر جنابة أو
صلاة ، أو يفعل ما يُبطلها ، أو يستخلف ثم
يرجع فيخرج المستخلف ، أو ينتظرونه و لا
يستخلف
من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب عن مالك ، في إمام أسَرَّ قراءة الصُّبْحِ ، فسُبِّحَ به ، فلم يَقْرَأْ حتى أتَمَّ الصَّلاَة ، فقيل له ، فزعم أنَّه قرأ في نفسه . قال : هذا جاهل ، و ما أُراه قرا ، و ليعد من صَلَّى خلفه في الوَقْتِ .
و في كتاب ابن الْمَوَّاز ، قال مالك : لا يُصدِّقوه ، و ليُعِيدوا . و لم يَذْكُرِ الوقت . و قال أصبغ : و لا يُعِيد هو إن صدق .
و روى موسى ، عن ابن القاسم ، في الإمام يتكَلَّمُ عامدًا ، قال : فقد أفْسَدَ
***(1/307)
[1/310]
عليه و عليهم .
و لو نعس قائمًا في صلاة النهار فاستُثْقِل ، فسُبِّح به ، فانتبه ، فهذا خفيف ، و لا شيء عليه و إن طال . و لو تمادى به النوم حتى احتلم فليستخلف كالحدث ، و تجزئهم . و إن انتضح عليه البول ، فليستخلف أحب إلي . و لو نزعه و كان عليه غيره ، أجزأه .
و قال سحنون في المَجْمُوعَة : و لو سقط على المصلي ثوب نجس ، ثم سقط عنه مكانه و لم يثبت ، لرأيت أَنْ يبتدئ الصَّلاَة .
و من سماع عيسى ، قال ابن القاسم : إذا أحدث الإمام بعد التشهُّد ، و سلَّمَ متعمَّدًا ، فأرى أن تجزئهم . يريد المأمومين . قال عيسى : بل يُعِيد و يُعِيدون .
و إذا أحدث الإمام فاستخلف رجلاً ، فقال لهم : أبْني ؟ فقالوا له : ابْنِ . بطلت عليه و عليهم .
قال ابن حبيب : إذا قال : يا فلان تقدَّم . فقال : نعم . ساهيًا ، فليسجد بعد السلام ، و تجزئهم .
و من المَجْمُوعَة ، قال سحنون : و من أدرك التشهد الآخِرَ ، فضحك الإمام ، فأفسد ، فأَحَبُّ إليَّ لمدرك التشهد أَنْ يبتدئ احتياطًا ، ألا تراه أنَّه قد قعد أول صلاته اتِّباعًا له . و كذلك من فاتته ركعة فاستخلفه الإمام ، فأتمَّ بهم ، ثم قام يقضي لنفسه فضحك ، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَ القوم احتياطًا . و كأنه لم يُحِبَّه في المسألتين .
قال أشهب : و من أحرم بعد أن سَلَّم الإمام ، و لم يعلم ، ثم علم ، فليُتِمَّ صلاته ، و لا يبتديها ، ثم إن ذكر الإمام سجود السهو قبل السلام ، بعد أن طال أو خرج من المسجد ، بطلت على الإمام ، و لم تبطل على هذا .
***(1/308)
[1/311]
قال عليٌّ عن مالك : و من رأى نجاسة في ثوب إمامه ، فليُشِرْ إليه حتى يراها . قال سحنون : و يستخلف مَنْ يُتِمُّ بهم ، فإن لم يُعْلِمْهُ حتى فرغ ، أَعَادَ الإمام و الذي رأى ذلك وحده .
قال ابن القاسم ، عن مالك فِي مَنْ ظنَّ أنَّه أحدث أو رعف فانصرف ، ثم تبيَّن له أنَّه لم يُصِبْه ذلك ، فليبتدئ و لا يبني .
قال سحنون : و لو كان إمامًا ، فاستخلف في الرُّعَاف ، فلمَّا خرج تبيَّن له أنَّه لم يرعف ، فلا تبطل على من خلفه ؛ لأنه خرج بما يجوز له ، و ليبتدئ هو صلاته خلف المستخلف .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عيسى عن ابن القاسم ، في إمام استخلف ، ثم مضى يتوضَّأ ، ثم جاء فأخرج المستخلَف ، و أتَمَّ بهم ، فلا ينبغي ذلك ، فإن فعل فينبغي إذا تمَّتِ الصَّلاَة أَنْ يُشِير إليهم حتى يقضي لنفسه ، ثم يُسَلِّمَ و يُسَلِّموا . و قد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم جاء فتقدَّم ، و تأخَّر أبو بكر . قال يحيى بن عمر : لا يجوز هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال ابن القاسم : و لو علم قبيح ما صنع بعد أن صَلَّى الركعة فليخرجْ ، و يُعِيد الرَّجُل ، فإن لم يكن فغيره ، و لو أنَّه حين أخرجه ابتدأ الصَّلاَة لنفسه ، كان عليهم الإعادة ، اتَّبَعُوه أو لم يَتَّبِعوه .
و من المَجْمُوعَة قال عليٌّ ، عن مالك : لا ينبغي للإمام ، إذا ذكر جنابة و خرج ، أَنْ ينتظروه ليُتِمَّ بهم ، و الذي فعل النبي صلى الله عليه و سلم من ذلك هو له خاصٌّ ،
***(1/309)
[1/312]
و ذلك أنَّه لم يفعله أحد من الأئمة بعده . و كذلك إن ذكر أنَّه على غير وضوء ، أو أن عله ثوبًا نجسًا ، فليستخلف . و إن لم يذكرْ حتى سلَّمَ أَعَادَ ، و لم يُعِيدوا .
قال عنه ابن القاسم : و إن تعمَّد ، أَعَادَ من علم ممن خلفه . يريدك و إذا علم الناس أعادوا . قال ابن القاسم : و كذلك كل من أفسد متعمِّدًا ، فليُعِيدوا احتياطًا .
و إن علموا أن من صَلَّى بهم نصراني أعادوا .
و قال بعض أصحابنا في كتاب آخر : إن ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج وانتظروه حتى اغتسل ثم عاد ، أنَّه كان لم يُحْرم . قال : و هذا الثابت أنَّه لم يكن أحرم .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال موسى : قال ابن القاسم : و من أَمَّ على شرف أو كُدْيَة ، و من خلفه تحته في وطاء ، فإن تقارب ذلك فلا بأس به .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسم : قال مالك : إذا ذكر الإمام بعد ركعتين أنَّه لم يقرأ فيهما ، فإن صلاته و من خلفه منتقِضَة . و كذلك إن ذكر بعد أن سلَّم . و إن ذكر أنَّه غير متوضِّئ استخلف . و إن ذكر صلاة عليه ، قال ابن القاسم : يستخلف ، ثم قال : يقطعون . كما قال مالك . و قاله ابن عبد الحكم ، و قاله أصبغ اتِّباعًا . و الأول القياس ، و به قال سحنون أنَّه يستخلف . قال ابن عبد الحكم : لا يبني أحد بفساد صلاة إمامه ، إلاَّ في الحدث .
و من المَجْمُوعَة ، قال أشهب : و إذا أصاب الإمام غَشْيٌ ، أو لَمَمٌ ، أو ما
***(1/310)
[1/313]
أذهب عقله ، فليُيتمَّ من خلفه صلاتهم ، و يتوضَّأ هو و يبتدئ . و إن نام قائمًا تمادى ؛ لأنه لو غُلِبَ سقط .
و من كتاب ابن سحنون : و إذا أحرم قوم قبل إمامهم ، ثم أحدث هو قبل أَنْ يحرم ، فقدَّم أحدهم فصلى بهم ، أو صلَّوا فرادى فصلاتهم فاسدة ، حتى يُجَدِّدوا إحرامًا . و قد تقدَّم هذا في باب آخر .
في الإمام يُسَلِّم من ركعتين ، فيُسَبَّحُ به ، فيبتدئ
الصَّلاَة فيُتَّبَعُ ، و في المُسْتَخْلَفِ يبتدئ الصَّلاَة
من الْعُتْبِيَّة قال ابن القاسم : إذا سَلَّمَ إمام من ركعتين من المغرب ، فسبَّحوا به ، فابتدأ الصَّلاَة و اتَّبَعوه ، فصلاته تُجْزِئه ، و يُعِيد من خلفه أبدًا ، إن لم يكونوا سَلَّموا . قال أبو محمد : إنما يصِحُّ هذا إن سَلَّم عامدًا أو تعمَّد القطع بعد سلامه ساهيًا .
و من المَجْمُوعَة ، قال أشهب في إمام سلَّم من اثنتين ، فظنَّ أنها فسدت ، فابتدأها ، و صَلَّوا معه ، فليُعِيدوا كلُّهم ؛ لأنه زاد في صلاته جهلاً .
قال ابن الْمَوَّاز : إذا سَلَّمَ هو و بعض من خلفه ، فظنُّوا أنها تمَّتْ ، و سَلَّمَ بعضهم عالِمون ، و لم يُسَلِّم بعضهم ، ثم علم الإمام مكانه ، فابتدأ بهم الصَّلاَة ، فصلى أربعة مؤتنَفَة ، و اتَّبَعُوه ، فقال ابن القاسم : فصلاته و صلاة من سَلَّمَ معه سهوًا أو عامِدًا تُجْزِئه ، و لا تجزئ مَنْ لم يُسَلِّمْ . و لم يعجبنا هذا ، و لا رأيتُ مَنْ أخذ به ، و أرى صلاته و صلاة من اتَّبعه حتى أتمّ أربعًا باطلاً ؛ لأن سلامه سهوٌ ، لا على القطع ، و إنما كان عليه أَنْ يبني ، إلاَّ أَنْ يُحدث سلامًا يقطع به و إن كان
***(1/311)
[1/314]
ذلك مكروهًا له . قال محمد : و لو اتَّبعه مَنْ سَلَّمَ و مَنْ لم يسلم في ركعتين و تركوا اتِّباعه في الخامسة حين ركعها ، و قدَّموا من سَلَّم بهم ، و سجدوا للسهو ، كان صوابًا فمن كان منهم سلم أولاً عامدًا للقطع ، فليُتِمَّ ركعتين بعد سلام الذي استخلفوه ، و كذلك لو لم يُقدِّموا من يسلم بهم ، و لكن سلموا أنفسهم ، و أَتَمَّ الصَّلاَة المتعمِّدون أربعة أجزأهم ، و لا يفعلوا هذا حتى يرفع رأسه من الخامسة ، لا حين يركع ؛ لأنها لا تبطل عليه إلاَّ بعد رفع رأسه منها ، ثم لو استفاق بعد ذلك لم ينفعه ، و لا تبطل عليهم ، و كأنهم خرجوا من إمامته .
قال أبو محمد : أُراهُ جعله كمن خرج من صلاة إلى صلاة غيرها ، و لو كان كمن زاد سهوًا لم يُبطلها إلاَّ بعقده السادسة ، على قول ابن القاسم . و يعني أيضًا أن الإمام لم يسلم على القطع ، و لو سلم على القطع وجب على من سلم على القطع و دخل معه أَنْ يتَّبِعه .
قال سحنون في المَجْمُوعَة فِي مَنْ صَلَّى بقوم ، ثم أحدث ، فقدَّم أحدهم ، فابتدأ بهم الصَّلاَة بإحرام قطع به ما قبله ، فإن تعمَّد ذلك و اتَّبعوه ، بطلت صلاتهم أجمعين ، و إن كان سهوًا ، و كثرت الزيادة فكذلك ، و إن قَلَّتِ الزيادة ، سجد لها ، و يجدوا إن سَهَوْا بسهوه ، و أجزاتهم .
قال ابن حبيب : و لو سها المستخلف ، فأحرم بهم و بنى ، فصلاتهم مجزئة ، و يسجد بعد السلام . و أما إن ابتدأ الصَّلاَة بهم جاهلاً ، فقد فسدت عليه و عليهم .
قال غير ابن حبيب : و لو قطع بسلام أو كلام ، ثم ابتدأ أجزأته ، و بطلت عليهم .
***(1/312)
[1/315]
في استخلاف الإمام ، و كيف يعمل
المستخلف ، و كيف إن لم يستخلف فصلوا
وحدانًا ، أو بإمامين ، أو لم يكن خلفه إلاَّ واحد
من المَجْمُوعَة ، قال علي ، عن مالك : إذا أحدث الإمام ، أو رعف ، فليستخلف من الصف الذي يليه . قال ابن القاسم : و إن قال : يا فلان تقدم ، لم يضرهم ، و قد أفسد في الرعاف على نفسه خاصة . قال عنه علي : فإن استخلف و هو راكع أو ساجد . فليرفع هو بهم ، و إن استخلفه بعد تمام القراءة ، فلا يُعِيدها ، و ليركع .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، قال أبو زيد ، عن ابن القاسم : و إن قدمه في بعض القراءة ، فليقرا المقدم من موضع انتهى الأول .
قال عنه عيسى ، قال ابن القاسم : و إن أجدث راكعا فليرفع رأسه ، و يستخلف من يدب راكعا فيرفع بهم و يسجد . قال يحيى بن عمر : يرفع رأسه بغير تكبير ، فيستخلف من يرفع بهم . و قيل : يستخلف من يرفع بهم قبل أَنْ يرفع رأسه ، لئلا يغتروا برفعه .
قال موسى ، عن ابن القاسم : و المستخلف في الجلوس يتقدم جالسا ، و في القيام يتقدم قائما .
و من (المَجْمُوعَة) ، قال أشهب : و إن خرج و لم يستخلف ، فصلوا وحدانا ، أجزأهم ، إلاَّ في الجمعة . و إن قدمت طائفة منهم إماما ، و طائفة إماما ، في غير
***(1/313)
[1/316]
الجمعة أجزأهم . و قاله سحنون .
و في (الْعُتْبِيَّة) ، قال أشهب : و قد أخطأت الطائفة الثانية ، و صاروا كمن دخل على قوم يصلون فصلوا بإمام آخر ، فقد أساءوا ، و تجزئهم . و لو قدموا رجلا ، فصلى بهم ، إلاَّ واحدا منهم صَلَّى وحده فقد أخطأ ، و تُجْزِئه . وتقديمهم رجلا قبل خروج الأول من المسجد أو بعد ذلك سواء . و إن كان خلفه واحد فصلى لنفسه ينوي أَنْ يؤم نفسه قبل أَنْ يخرج الأول من المسجد ، أو لم ينو ، فذلك سواء .
و من (كتاب ابن الْمَوَّاز) ، قال ابن القاسم : إن صلوا أفذاذا أجزأهم . قال أصبغ و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَوا ، و لا أوجبه إلاَّ أَنْ يبقى مثل السلام ، فلا يُعِيدوا .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : و إن قدم رجلا ، فلم يتقدم حتى يتقدم غيره ، و صَلَّى المستخلف وراءه ، فصلاتهم تامة .
قال ابن الْمَوَّاز ، قال ابن عبد الحكم : من ابتدأ الصَّلاَة بإمام ، فأتمها فذا ، أو ابتدأها فذا ، فأتمها بإمام ، فليعد . و كذلك من لزمه أَنْ يقضي فذا ، فقضى بإمام . يريد : مثل قوم فاتتهم ركعة ، فلا يقضوها بإمام .
و قال ابن سحنون ، عن أبيه : و من صَلَّى برجل ، فأحدث ، فاستخلفه ، فليبن ، على ما مضى . و ما ذكرت من قول من قال لا يبني و إن استخلفه واحد . قال : لا يبني ، استخلفه أو لم يستخلفه ، فكلاهما خطأ .
قال ابن الْمَوَّاز : و إذا استخلف الإمام من أحرم خلفه في الثانية من الصبح ، فليصلها ، و يجلس ، ثم يقوم لقضاء الأولى . و كذلك لو لم يكن خلفه غيره .
***(1/314)
[1/317]
في الإمام يقدم من فاتته ركعة أو بقي منها
السجود ، أو لم يَدْرِ ما فاته ، أو أحرم بعد أن
قدمه ، و المقيم يقدمه المسافر و قد فاتته ركعة ،
و القوم تفوتهم الركعة ، هل يصلونها بإمام ؟
قال ابن القاسم ، في (المَجْمُوعَة) ، عن مالك : و إذا استخلف الإمام من فاتته ركعة ، فليتم بهم ، ثم يشير إليهم بالجلوس حتى يقضي ، ثم يسلم بهم . قال سحنون : فإن كانوا كلهم فاتتهم الركعة ، فمن أصحابنا من يقول : يقوم المستخلف وحده للقضاء ، ثم يسلم ، ثم يقضون بعده . و منهم من يقول : إذا قام يقضي قام كل واحد منهم يصلي لنفسه ، ثم يسلمون بسلامه . فإن ائتموا به أبطلوا على أنفسهم ، و صلاة المستخلف تامة . قال ابن سحنون ، عن أبيه : يجزئهم . ثم رجع فقال : يُعِيدون أحب إلي .
و من (كتاب ابن الْمَوَّاز) : و من اتبعه فيها منهم ، أو من غيرها ، فصلاته باطل . و قال ابن عبد الحكم : من لزمه أَنْ يقضي فذا ، فقضي بإمام ، بطلت صلاته . و هذا موجب في باب قضاء المأموم .
قال ابن الْمَوَّاز : و من صَلَّى وحده ركعة من الصبح ، ثم أحرم معه رجل في الثانية ، فأحدث ، فاستخلفه ، فليصل ركعة ، و يجلس بتشهد ، ثم يقضي الأولى . و لو كان دخل معه أحد فلا يتبعه فيما يقضي و يقضوا بعد سلامه . و من دخل فيها منهم أو من غيرهم ، فصلاته باطل ، و لا يؤتم به فيه إلاَّ في البناء . و أما المقيم يدرك ركعة من صلاة المسافر ، فيستخلفه في آخرها ، فهذا لا يتبع في بناء و لا قضاء ، و لكن ليبن ، ثم يقضي ثم يسلم ، و يقضي من خلفه من مقيم .
***(1/315)
[1/318]
و من (الْعُتْبِيَّة) ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في إمام أحدث بعد رفع رأسه من الركعة ، فقدم مَنْ لم يدرك معه تلك الركعة ، فليقدم هذا من قد أدركها ، و يتأخر ، فإن لم يفعل ، و سجد بهم ، فلا يتبعوه في سجوده ؛ لأنها له نافلة ، فلا يعتدون بتلك الركعة ، و إن اتبعوه فيها فسدت صلاتهم . و كذلك روى عنه سحنون .
و روى سحنون ، عن أشهب ، فِي مَنْ لم يدرك معه إلاَّ السجدة الآخرة ، فاستخلفه فسجدها بهم ، ثم أتم لنفسه ، أن صلاتهم باطل ؛ لاتباعهم إياه في سجدة لا يعتد بها .
و في (كتاب ابن الْمَوَّاز) قول مثل هذا . قال : و قد قيل : إنها تجزئهم إن سجدوا معه . و قد ذكرناه في أبواب الإمامة ، في مسافر قدم حضريا بعد ركعة .
و روى ابن سحنون ، عن أبيه ، فِي مَنْ صَلَّى وحده ركعة ، فسجد منها سجدة ، و قام ساهيا ، فدخل قوم خلفه فأحدث ، فقدم أحدهم ، و أعلمه بالسجدة ، فليسجدها ، و يسجدون معه ، و يبني تمام صلاة الأولى ثلاث ركعات ، ثم يشير إليهم بالجلوس حتى يقضي ركعة ، و يسلم ، و يقضون بعد سلامه .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، روى موسى ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، في من صَلَّى وحده ركعة ، ثم دخل معه قوم ، فأحدث ، فقدم أحدهم مثل ما تقدم ، أنَّه يتم بهم ، ثم يجلسون حتى يقضي و يسلم ، و يقضون بعده أفرادا ، فإن كان على الأول سجود قبل السلام سجده بهم إذا قضى ركعته ، ثم يسلم ، و إن كان بعد السلام سجده إذا سلم ، و لا يسجد القوم حتى يقضوا و يسلموا .
***(1/316)
[1/319]
و روى عنه سحنون ، أن المستخلف إنما يسجد السجود الذي قبل السلام قبل أَنْ يقضي ركعته .
و روى موسى ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، فِي مَنْ صَلَّى برجل ركعة ، ثم دخل معه آخر في الثانية ، و ثالث في الثالثة ، و رابع في الرابعة ، فأحدث ، فقدمه ، فليتم بقية الصَّلاَة ، و يقوم وحده فيقضي ما عليه ، فإذا سلم ، سلم من أدرك أول الصَّلاَة ، و قام من بقي عليه شيء ليقضي .
قال : و إذا استخلف الإمام من أحرم مكانه ، و لم يَدْرِ ما صَلَّى قبله ، فليشر إليهم ، و ليعرفوه إشارة ، فإن لم يفهم و مضي في صلاته ، فليسبحوا به حتى يفهم ، فإن لم يجد بدا إلاَّ أَنْ يتكلم ، فلا بأس .
و قال سحنون ، في (المَجْمُوعَة) : ينبغي أَنْ يقدم غيره ممن يعلم ما صَلَّى الإمام ، فإن تمادى فإنه إذا صَلَّى ركعة فليتزحزح للقيام ، فإن سبحوا به جلس و تشهد ، ثم يتزحزح للقيام ، فإن لم يسبحوا به ، قام و علم أنها الثالثة ، و إن سبحوا به ، علم أنها رابعة ، فيشير إليهم بالجلوس ، ثم يقضي ، ثم يسلم . و إن كان كل من خلفه يجهلون ما صَلَّى ، فليصل بهم على أنهم لم يفتهم من الصَّلاَة شيء . و لو أَعَادَ من خلفه كان أحوط ؛ إذ لعلهم ائتموا به في القضاء . و كذلك في (كتاب ابن سحنون) ، إلاَّ أن في سؤاله صَلَّى وحده ، ثم دخل معه قوم فصلوا معه ركعة ، ثم أحدث فقدم أحدهم ، و لا يعلمون ما صَلَّى ، فليأت بركعة بأم القرآن ، و يجلس ، ثم بركعتين بأم القرآن . و ذكر ما استحب من إعادة من خلفه .
و من (الواضحة) ، و من أحرم خلف إمام ، و قد سبقه بركعة أو أكثر ، فأحدث ، فليقدم غيره ، فإن قدمه فليقدم هذا غيره ، علم ما سبقه به أو جهل ، فإن
***(1/317)
[1/320]
جهل أَنْ يخرج ، و جهل ما صَلَّى قبله ، فليركع و يسجد ، فإذا رفع تربص ، فإن قام القوم قام ، و إن جلسوا جلس ، و ليطل الجلوس حتى يسبح به ، فيعلم أنها الأولى ، فيقوم .
و من (المَجْمُوعَة) ، قال سحنون ، في إمام أحدث ، فقدم رجلا دخل خلفه ، و لم يحرم إلاَّ بعد أن قدمه ، فأتم بهم الصَّلاَة ، فصلاتهم فاسدة ؛ لأن إحرامه لنفسه ، فكأنهم أحرموا قبل إمامهم ، و أما هو ، فإن استخلفه على ركعة أو ثلاث ، فصلاته باطل ؛ لأنه جلس في غير موضع جلوس ، و هو مصل لنفسه ، و إن استخلفه على ركعتين ، فصلاته تامة . قال ابن عبدوس : هذا على قول ابن القاسم ، في متعمد ترك السورة مع أم القرآن ، و على قول علي بن زياد يُعِيد . قال ابن حبيب : إن قدمه في أول ركعة ، فصلاته تامة ، و تبطل عليهم ، و إن كان بعد ركعة أو أكثر ، فعمل على بناء صلاة الأول ، فلا صلاة له ، و لا لمن خلفه .
في قضاء المأموم ، والعمل فيما يدرك
و يقضي ، و هل يأتم به فيما يقضي من فاته ذلك
أو غيره
من (المَجْمُوعَة) ، قال ابن نافع ، قال مالك : ما أدرك المأموم فهو أول صلاته ، و لكن لا يقرأ فيها إلاَّ كما يقرأ الإمام ، و يقضي ما فاته على نحو ما فاته ، فيكون آخر صلاته . و قال أشهب : ما أدرك فهو آخرها ، و ما فاته فهو أولها . و كذلك في سماعه من مالك ، و كذلك روى عيسى عن ابن القاسم ، في
***(1/318)
[1/321]
(الْعُتْبِيَّة) ، و قاله ابن حبيب ، عن ابن الماجشون . و قال سحنون كقول مالك . و قال أبو محمد : و لا خلاف بين مالك و أصحابه أن القاضي إنما يقترق من الباني في القراءة فقط ، لا في قيام أو جلوس ، و أن كل مأموم فقاض ، و كل فذ أو إمام فبان .
و من (المَجْمُوعَة) ، قال ابن القاسم و ابن نافع و علي بن زياد ، قال مالك : و من أدرك مع الإمام ركعتين من الظهر ، و هو يقدر أَنْ يقرأ فيها بأم القرآن و سورة في كل ركعة ، قال : لا يقرأ إلاَّ بأم القرآن ، و يقضي كما فاته . قال عند ابن نافع : و إذا أدرك ركعة فليتشهد . قال عنه على : فإن أدرك التشهد ، فلا يجلس إلاَّ بتكبير . قال عنه ابن نافع : ثم لا يقوم بتكبير . و قال ابن القاسم : أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقوم بتكبير ، فإن لم يفعل أجزأه .
و من (المختصر) : و من وجد الإمام في آخر صلاته جالسا ، فأحب إلينا أَنْ يكبر و يجلس ، وإن وجده راكعا أو ساجدا فليكبر للإحرام ، و يكبر أخرى يركع بها و يسجد ، فإن لم يكبر إلاَّ واحدة للإحرام ، أجزأه .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، عن مالك ، قال : و إذا أدرك تشهد الصبح ، فليحرم و يجلس ، و إذا طلعت الشمس ركع للفجر . و إذا أدرك الركعة الثانية من الصبح فقنت فيها ، فلا يقنت فيما يقضي ،
***(1/319)
[1/322]
و لو أدركه في القنوت بعد الركوع ، فقنت ، فهذا لم يدرك شيئا ، و ليقنت إذا قضى . و لو أدركه في الركوع في الثانية بعد أن قنت فيها ، فركع معه ، فإذا سلم الإمام قام هو فقضى ركعة يقنت فيها .
و من كبر و جلس في الجمعة ، فليجدد تكبيرة ، و يبتدئ بها صلاته ، و لا يقطع .
و قال أيضا : إن صَلَّى بإحرامه ، أجزأه ، و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يكبر .
و قال عنه أشهب : يصلي بإحرامه أربعا . قال عنه أشهب : و إذا وجده ساجدا فليكبر و يسجد ، و لا يرفق في مشيه حتى يرفع الإمام من السجود .
و قال ابن حبيب : إذا أدرك تشهد الصبح ، فليحرم و يجلس ، إلاَّ أَنْ يكون لم يركع للفجر ، فليجلس و لا يحرم ، فإذا سلم ركع للفجر ، ثم أحرم بالصبح .
و قال ابن الماجشون : إذا جلس في التشهد و كبر ، فليقم للقضاء بتكبير . و كذلك إن أدرك معه ركعة أو ثلاثا ، فليقم بتكبير . و عاب قول ابن القاسم .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، قال ابن القاسم ، عن مالك : و إذا كان الإمام يسلم تسليمتين ، فلا يقوم المأموم لقضاء ما عليه حتى يسلمهما .
قال عنه أشهب : و إذا قضى المأموم ركعة بقيت عليه ، والإمام جالس قبل يسلم ، جهل ذلك ، فليعدها بعد سلام الإمام ، و يسجد بعد السلام . قال أبو محمد : انظر قوله جهل . و الجهل عنده كالعمد . و قال يحيى بن عمر : عليه
***(1/320)
[1/323]
الإعادة في الجهل . و إن كان سهوا حمله الإمام عنه ، إن جلس قبل أَنْ يسلم الإمام . و قد أنكرها يحيى بن عمر .
قال موسى ، عن ابن القاسم : إذا فات قوما ركعة ، فقضوها بإمام منهم ، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَوا أبدا . و قال في رواية ابن الْمَوَّاز : قد بطلت عليهم . و قاله سحنون في (المَجْمُوعَة) .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : و إذا استخلف الإمام من فاتته ركعة ، فأتم صلاة إمامه ، ثم قام يقضي ، فاتبعه فيها من فاتته . قال : تجزئهم . ثم رجع فقال : أَحَبُّ إليَّ أَنْ يُعِيدَوا .
قال ، في(المَجْمُوعَة) : و صلاة المستخلف تامة . و قد تقدم هذا في باب الإمام يقدم من فاتته ركعة .
في الرجلين يؤم أحدهما الآخر ، ثم يشكان في
الإمام في التشهد الآخر . , أو قبله ، و كيف إن
كان أحدهما مسافرا ، و في الإمام يرجع مأموما
من (المَجْمُوعَة) ، قال سحنون : إذا صَلَّى رجلان ، أحدهما إمام صاحبه ، فلما صارا في التشهد ، لم يعلما من كان الإمام ، فليتذكرا من غير طول ، فإن لم
***(1/321)
[1/324]
يذكرا سلم أحدهما ، و سلم الآخر بعده فتصح صلاته ، و تفسد صلاة المسلم أولا ؛ لأنه سلم على شك . و إن سلما معا ، ففي قول من يقول إذا أحرما معا أجزأهما ، فكذلك يجزئهما في السلام . و لو كان أحدهما مسافرا ، فشكا بعد ركعتين ، فليسلم المسافر ، و يُعِيد صلاته ، ثم يتم المقيم ، و لا يُعِيد ؛ لأنه لا يضره كان مأموما أو إماما ، فلذلك أمرت المسافر بالسلام .
قال سحنون : و لو صَلَّى رجلان ، فأم أحدهما الآخر ، فدخل ثالث بعد ركعة ، فقدم المأموم منهما فتقدم ، فأم بالاثنين ، فصلاتهم فاسدة لأن المأموم لما صار إماما لإمامه ، فخرج عن إمامته ، و أفسد على من اتبعه و على نفسه . و لو أن الإمام الأول أقام على صلاة نفسه ، و لم يأتم بالمتقدم ، كانت صلاة الإمام الأول وحده تامة .
في إعادة الصَّلاَة في جماعة ، و كيف إن بطلت
إحداهما ، أو ذكر أنَّه لم يكن صلاها ، أو ذكر
من أحدهما سجدة أو أنَّه صلاها على غير وضوء
من (المَجْمُوعَة) ، قال أشهب ، و عبد الملك : و من صَلَّى و أَعَادَ في الجماعة ، فليس يحتاج إلى علم النافلة منهما ، و ذلك جزاؤه بيد الله سبحانه .
و من(الواضحة) ، قال ابن الماجشون : و معنى قول ابن عمر ، إنما ذلك إلى الله سبحانه . يعني في التقبل . وأما في الاعتداد بها و إذا فرضها فهي التي قصد بها الفريضة .
و من صَلَّى لم يلزمه أَنْ يُعِيدَ ، و إن جاء المسجد قبل أَنْ يصلوا ، إلاَّ أن تقام
***(1/322)
[1/325]
الصَّلاَة و هو فيه ، أو يجدهم فيها ، أو يكون في مجلس قوم فصلوا جماعة ، فيؤمر أَنْ يدخل معهم ؛ للحديث .
و إن وجد الإمام في السجود أو الجلوس ، فليجلس بغير إحرام ، فإن سلم ذهب هذا ، و إن كان أحرم و هو في وقت نافلة ، صَلَّى ركعتين ، و إلاَّ قطع .
قال مالك ، في سماع أشهب ، في (الْعُتْبِيَّة) : إن أصابهم في آخرها جلوسا ، فلا يدخل معهم .
و من (المَجْمُوعَة) ، قال ابن القاسم : و من صَلَّى في بيته ، ثم دخل مع الإمام في التشهد ، يظنه التشهد الأول ، فسلم ، فليسلم هذا ، و لا شيء عليه ، و أَحَبُّ إليَّ لو تنفل بركعتين إن كانت يتنفل بعدها ، و إن شاء ترك و لا شيء عليه . و قاله المغيرة ، و ابن الماجشون . و قال علي ، عن مالك : و كان ينبغي له أَنْ يجلس و لا يحرم ، فإن كانت ثانية أحرم ، و إلاَّ انصرف .
و من (المَجْمُوعَة) ، (و الْعُتْبِيَّة) ، قال ابن القاسم : و من صَلَّى وحده المغرب ثم دخل الإمام في آخر ركعة منها ، فليضف إليها أخرى ، و يسلم . و من (كتاب آخر) : و من أَعَادَ المغرب في جماعة ، فابن القاسم يرى أَنْ يشفعها برابعة . و قال ابن وهب يسلم ، و يُعِيدها ثالثة .
***(1/323)
[1/326]
و من (الواضحة) ، قال : و من أَعَادَ المغرب فليقطع ، ما لم يركع ، فإن ركع ، فإذا صَلَّى الثانية سلم ، فإن أتمها شفعها بركعة . و كذلك لو ذكر بالمغرب ، و إن طال فلا شيء عليه .
و إن صَلَّى مع واحد فأكثر ، فلا يُعِيد في جماعة ، إلاَّ أَنْ يدخل في المسجد الحرام ، أو مسجد الرسول عليه السلام ، أو مسجد إيلياء ، فليعد فيها مع الجماعة ، لفضل الصَّلاَة فيها . قاله مالك .
و من (المَجْمُوعَة) ، و (الْعُتْبِيَّة) ، قال ابن القاسم : و من صَلَّى صلاة العشاء في بيته ، و أوتر ، فلا يُعِيدها في جماعة .
قال سحنون ، في (المَجْمُوعَة) : فإن فعل فليعد الوتر . قال يحيى بن عمر : لا يُعِيد الوتر .
قال ابن القاسم : و من ذكر المغرب بعد أن صَلَّى العشاء و الوتر ، فليصل المغرب و يُعِيد العشاء و الوتر .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، قال أشهب : و من صَلَّى مع الإمام صلاة ظن أنَّه صلاها في بيته ، ثم علم أنَّه لم
يصلها ، فليعدها . و لو كان قد صلاها ، و دخل معه عن يقين بذلك ، ثم أحدث بعد ركعة ، فلا يُعِيدها ، إن أراد بها فضل الجماعة ، أو نقض التي كان صَلَّى . قال ابن القاسم ، في (المَجْمُوعَة) مثله . و قاله ابن الماجشون : عليه قضاء ، إلاَّ أَنْ يحدث قبل عقد ركعة . و قال سحنون في (كتاب ابنه) ، إذا أحدث بعد ركعة إنه يُعِيد هذه . قال : و أخبرني علي ، عن مالك ، أنَّه قال :
***(1/324)
[1/327]
إذا دخل في هذه ينوي أن تكون هي فريضته ، أو ينوي أن ذلك إلى الله عز وجل ، يجعل أيهما شاء أَنْ يكون فريضته ، فليعد هذه .
قال أشهب ، في الْعُتْبِيَّة : وكذلك لو دخل في هذه على غير وضوء ثم ذكر ، فلا يُعِيد إذا ذكر . وقاله مالك ، قال لي مرة : و إن صَلَّى هذه متوضئًا ، و ذكر أن التي صَلَّى في بيته على غير وضوء ، إن هذه تُجْزِئه . ورواه عيسى ، و سحنون ، عن ابن القاسم .
و قال عبد الملك في المَجْمُوعَة : لا تجزئة الثانية ؛ لأنه لم يقصد بها الفرض . و كذلك لو ذكر أن الأولى صلاها بثوب نجس ، فليعدها في الوَقْتِ . و لو صَلَّى الثانية بثوب نجس لأعادها في الوَقْتِ . و لو صلاها على غير وضوء لم يعدها ؛ لأنه دخل منها في غير شيء .
و قال سحنون في (كتاب ابنه) : إذا صَلَّى الأولى على غير وضوء ، أو بثوب نجس ، إن الثانية لا تُجْزِئه . قال يحيى : و قاله أشهب ، و به أقول .
قال سحنون : و لو تقدم في الثانية بقوم ، ثم ذكر أن الأولى على غير وضوء ، أو بثوب نجس ، فعليه و عليهم الإعادة .
و من (كتاب ابن سحنون) أيضًا : و من صَلَّى المغرب في بيته ، ثم تقدم فيها بقوم في المسجد فصلاها ، ثم ذكر سجدة لا يدري من أي الصلاتين ، فليسجد بهم سجدة ، ثم يتشهد و يأتي بركعة ، و يسجد قبل السلام ، و يُعِيد و يُعِيدون . و لو أيقن أن هذه سالمة فعليه إعادتها ، إذ لم يأت بها قضاء . لمالك . و قال ابن القاسم : إذا أيقن من خلفه بسلامة هذه أجزأتهم و أجزأته ، و ليسبحوا به حتى لا
***(1/325)
[1/328]
يسجد ، و ينبغي له أَنْ يتبعهم . و كذلك قال : إن علم أن الأولى على غير وضوء إنه لا يُعِيد .
قال سحنون : و من أَعَادَ المغرب في جماعة ، ثم ذكر بعد سلام الإمام سجدة من إحدى الصلاتين ، فصلاته مجزئة ؛ لأنه قد صحَّت له إحدى الصلاتين . قال أبو محمد : هذا على أحد القولين .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال محمد بن خالد ، عن ابن القاسم : و من دخل المسجد ليُعِيد العصر في جماعة فلا يتنفل قبلها ، و إن شاء انصرف ، و لم يعد .
و إن صَلَّى مع واحد فأكثر فلا يُعِيد في جماعة ، إلاَّ أَنْ يدخل في المسجد الحرام أو مسجد الرسول عليه السلام ، أو مسجد إيليا ، فليعد فيها مع الجماعة ؛ لفضل الصَّلاَة قِبَلَها . قاله مالك .
قال أشهب ، عن مالك في الْعُتْبِيَّة : و من أتى ليصلي في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم ، فلقي الناس منصرفين منه قبل أَنْ ينتهي إلى المسجد ، أيُجَمِّعُ مع قوم في جماعة ، أم يصلى في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم فَذًّا ؛ لما جاء فيه ؟ قال : بل يصلي فيه فذًّا .
و مثله من توضَّأ و صَلَّى الصبح ، ثم جدَّد وضوءًا عند الظهر لغير حدثٍ فصلى الظهر و العصر ، ثم ذكر مسح رأسه من أحد الوضوءين . مذكورة في كتاب الوضوء ، و باب المصلي على شكٍّ . فيه ما يشبه بعض معاني هذا الباب .
***(1/326)
[1/329]
فِي مَنْ أقيمت عليه الصَّلاَة ، و هو في صلاة
من المَجْمُوعَة ، و مَنْ أقيمت عليه المغرب ، و قد صَلَّى منها ركعة ، فقال ابن القاسم مرة : يقطع . و قال أيضًا هو و أشهب : يُضيف ثانية و يُسلِّم . و كذلك إن صَلَّى اثنتين . قال أشهب : و كذلك لو قام إلى ثالثة ، و ركع فليرجع ، ما لم يرفع رأسه منها ، فإذا رفع أتمَّها و خرج . و قال ابن القاسم : إذا أمكن يديه من ركبتيه أتمَّها و خرج .
قال ابن حبيب : و من أحرم في المغرب في غير المسجد ثم أقام قوم صلاة الجماعة فليتمادَ و لا يقطع بخلاف من أحرم في المسجد ، فأقيمت عليه الصَّلاَة .
و من المَجْمُوعَة قال عليٌّ ، عن مالك فِي مَنْ صَلَّى ركعتين من الظهر ، فأقيمت عليه العصر ، قال : يقطع ، و يدخل مع الإمام . و قال عنه ابن القاسم : إن طَمِعَ بتمامِها ، و إدراك الصَّلاَة مع الإمام ، و إلاَّ قطع و دخل معه و أَعَادَ الصلاتين جميعًا .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم : و من دخل في صلاة ، فأقيمت عليه صلاة أخرى ، فإن جمع بتمامها ، و يدخل مع الإمام ، فعل ، و إلاَّ قطع و دخل معه ، فإذا سلَّمَ ابتدأ الصلاتين .
قال ابن القاسم : إن صَلَّى ركعة شفعها بركعة ، و سلَّم ، و إن خاف فوت ركعة الإمام قطع من ركعة بسلام ، و إن كان في نافلة أتمها ، إلاَّ أَنْ يخاف فوت الركعة فليقطع ، فإن لم يقطع بسلام ، و دخل معه فليعد .
***(1/327)
[1/330]
قال مالك في سماع أشهب : و لو لم يركع في المكتوبة ، فليُتِمَّ ركعتين ، فإن خاف فوت الركعة قطع ، و إن أحرم في نافلة فليُسَلِّمْ قائمًا و يدخل معه . قال عيسى : و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يصلي ركعتين ، إلاَّ أَنْ يخاف فوات الركعة ، فلْيُسَلِّم على كل حال و يدخل معه .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، قال مالك : إذا أقيمت الصَّلاَة قبل أَنْ يركع في النافلة فأما في مسجدنا فلْيُتِمَّ ، و ليُتِمَّ أيضًا في غيره ، إلاَّ أَنْ يخاف فوت الركعة ، فليقطع ، فإن كان ممن يخفف و يدرك أول ركعة ، أتم ركعتيه . قال : و يقطع في المكتوبة إن لم يركع ، فإن ركع شفعها .
في الجمع في المسجد مرتين
من الْعُتْبِيَّة من سماع أشهب و سئل عن مساجد الحرس ، يُجمعُ فيها في الصبح و العشاءين ، و لا يُجمع فيها الظهر و العصر فلا بأس لمن شاء أَنْ يجمع فيها الظهر و العصر ، قومٌ بعد قوم ، و لا تعاد فيها الصلوات التي تصلى فيها بإمام راتب . و لم نر ذلك في رواية ابن القاسم . و نهى أَنْ يجمع فيها ، لا تلك الصلوات و لا غيرها . قال : و كره مالك الجمع مرتين في مساجد الحرس و غيرها .
و ذكر في المَجْمُوعَة أن ابن القاسم روى عن مالك القولين في المسجد الذي يُجمع فيه بعض الصلوات . ثم قال : ثبت مالك على أنَّه لا تُجمع فيه لا الصَّلاَة التي قد جُمعت فيه ، و لا غيرها .
***(1/328)
[1/331]
و من سماع أشهب ، من الْعُتْبِيَّة : و إذا صَلَّى من في السفينة ، ثم جاء قوم منهم كانوا نزلوا ، فلا يُجمع فيها مرتين .
و من الواضحة قال مالك : و أهل مسجد لا يأتي إمامهم ، فيصلي بهم المؤذن ، ثم يأتي الإمام فإن كان المؤذن يؤمُّهم إذا غاب الإمام فهو كالإمام ، و لا تعاد الصَّلاَة فيه بجماعة ، و إن كان المؤذن لا يصلي بهم في غيبته ، فللإمام أَنْ يجمع .
و من كتاب ابن سحنون : و إذا جمع أهل المسجد ، ثم جمع بعدهم قوم آخرون فقد أساءوا ، و لا تفسد صلاتهم .
في من دخل من صلاة إلى صلاة ، في نافلة أو
فريضة ، سهوًا ، أو ذكر في التي دخل فيها شيئًا
بقي عليه من الأخرى ، أو سجدتي السهو
من الْعُتْبِيَّة روى عيسى عن ابن القاسم فِي مَنْ صَلَّى من الفريضة ركعتين ، ثم سلَّم ، أو لم يُسَلِّم ، و دخل في نافلة ، فإن أطال القراءة بَطَلَتِ الفريضة ، و كذلك إن ركع و إن لم يُطِلْ ، و إن قَرُب و لم يركع ، بنى و سجد بعد السلام .
قال سحنون ، عن ابن القاسم ، عن مالك : من نسي السلام من الفريضة و دخل في نافلة ، فإن لم يركع رجع فسَلَّم ، ثم سجد للسهو ، و إن ركع
***(1/329)
[1/332]
بطلت الفريضة . و قال ابن القاسم : و يقطع من ركعته ، و إن شفعها فلا بأس ، و إن ذكر و هو راكع ، رجع إلى مكتوبته ، فبنى . قال ابن سحنون : أَحَبُّ إليَّ أَنْ يقطع الفريضة ، و إن لم يرفع رأسه ، و يكون ذلك في هذه خاصة عقد ركعة ، لاختلاف قول مالك في عقد الركعة . قال ابن القاسم : و كذلك إن ذكر ركعة ، أو سجدة من الفريضة ، أو سجدتي السهو قبل السلام ، مما تعاد من مثله الصَّلاَة عند التباعد .
و من (الواضحة) قال : و من خرج من فريضة إلى نافلة ، فإن لم يطل ، رجع إلى مكتوبته فأتمها ، سواء ركعها أو لم يركع ، و إن أطال القيام جدا ، أو ركع ركعة أطال فيها القراءة ، بطلت المكتوبة ، و صارت نافلة مع ما هو فيه ، فيسلم ، و يسجد قبل السلام ، كمصلي النافلة أربعا . هذا قول مطرف ، و ابن الماجشون ، و ابن عبد الحكم ، وروايتهم عن مالك ، و خالفوا ابن القاسم في قوله : و إن ركع بطلت الفريضة و إن لم يطل . قالوا : و لا نفرق بين طول ذلك بركوع أو غيره ، فيبطل ، و كذلك إذا لم يطل بركوع أو غيره أنها لا تبطل فريضته . و بهذا نقول . و كذلك القول فِي مَنْ تحولت نيته في الفريضة إلى النافلة ، فعمل على ذلك ، أو دخل من فريضة إلى نافلة ، ثم ذكر ركعة أو سجدة من الفريضة ، في قرب ذلك أو بعده . و ذكر ابن الْمَوَّاز ، أن ابن وهب يقول ، فِي مَنْ خرج من فرض إلى نافلة : إنها لا تبطل بركعة خفيفة . كما روى ابن حبيب عن غيره .
و من (المَجْمُوعَة) ، قال المغيرة ، و عبد الملك : و من ذكر سجدتي السهو من فريضة ، بعد أن صَلَّى أخرى ، فسجدهما ، فلا يُعِيد ما صَلَّى بعدهما ، و إن كان
***(1/330)
[1/333]
في وقته ، إلاَّ أَنْ يكونا قبلَ السلام ، فليعد ما هو في وقته . يريد : إذا أَعَادَ الصَّلاَة . و قال عبد الملك ، و أشهب : إن سجدتي السهو قبل السلام لا تنتقض الصَّلاَة بهما ، و إن طال ذلك ، إلاَّ أَنْ ينتقض وضوءه ؛ لأنهما ترغيم . و ليسا من عماد الصَّلاَة . و هذا خلاف ابن القاسم .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، من سماع عيسى ، عن ابن القاسم ، قال مالك : و من أحرم في نافلة ، فأقيمت الفريضة ، فدخل فيها بغير سلام ، فليقطع بسلام ، ركع أو لم يركع .
قال في (كتاب ابن الْمَوَّاز) : يقطع متى ما ذكر ، و يسلم و هو قائم ، و يدخل معهم . و كذلك في (الواضحة) .
قال عيسى ، عن ابن القاسم ، عن مالك : و من يدخل من نافلة في فريضة بغير سلام ، قطع متى ما ذكر . و إن سلم من النافلة و لم يتمها ، و دخل في فريضة ، مضى في مكتوبته ، و لم يُعِدِ النافلة .
و من رواية سحنون ، قال مالك : و إن لم يسلم من النافلة ، عمل على ما ذكرت لها إذا ركع أو لم يركع ، و طال أو لم يطل ، حتى إذا دخل في الفريضة مع إمام ، فليقطع متى ما ذكر ، فإن لم يذكر حتى أتمها ، فليعدها ، و لو كان وحده و ذكر على وتر ، شفعها و سجد قبل السلام ، و إن سلم من نافلة ، و دخل في مكتوبة ، ثم ذكر سجدتي السهو قبل السلام من النافلة ، أو بعد السلام ، فليتماد في فريضته ، ركع أو لم يركع ، فإذا سلم ، و هما بعد السلام ، فليسجدهما ، و إن كانتا قبل السلام ، فلا شيء عليه ، وإن سجدهما فحسن للاختلاف في ذلك ، و إن نسيهما
***(1/331)
[1/334]
من نافلة ، حتى دخل في نافلة ، فإن كانتا بعد السلام ، تمادى ، ركع أو لم يركع ، فإذا أتم سجدهما . و إن كانتا قبل السلام ، فإن لم يركع ، رجع فسجدهما ، و إن ركع تمادى ، و لم يقضهما ، و إن قضاهما فحسن ؛ للاختلاف . و هذا كله ذكر نحوه ابن الْمَوَّاز . و بقية القول في هذا في باب العمل في سجدتي السهو .
و من (الواضحة) ، قال : و من دخل في نافلة من مكتوبة بغير سلام سهوا ، فالمكتوبة منتقضة ، إلاَّ أنَّه يضم ما صَلَّى منها إلى ما كان صَلَّى من نافلته ، و ينصرف على شفع ؛ اثنتين أو أربع ، إلاَّ أَنْ يذكر قبل يركع ، فليرجع فيجلس و يسلم و يسجد لسهوه . و لو كان مع إمام ، قطع متى ما ذكر على شفع أو وتر . هذا كله قول مالك و أصحابه أجمع .
و من خرج من نافلة بغير سلام ، فتكلم ، و طال أمره ، ثم دخل في فريضة ، فهي تامة ، كان وحده أو مأموما ، و صار طول أمره فصلا ، كالسلام .
و من (كتاب ابن سحنون) ، قال ابن القاسم : و من دخل في نافلة ، بغير تكبير ، ثم نسي أَنْ يسلم منها ، حتى دخل في فريضة ، فإن الفريضة منتقضة ؛ لاختلاف الناس في تكبيرة الركوع أنها تجزئ
في من ذكر صلاة ، أو صلوات ، في وقت
صلاة ، أو عند طلوع الشمس ، أو عند
غروبها
من (الْعُتْبِيَّة) ، من سماع ابن القاسم ، قال مالك : من ذكر صلوات في وقت صلاة –يريد : و ليس فيه سعة – فإن كانت صلاة يوم فأقل ، بدأ بهن ،
***(1/332)
[1/335]
و إن فات وقت التي حضر وقتها ، و أما إن كانت أكثر من خمس ، بدأ بالحاضرة ثم يقضي ما ذكر . و كذلك ذكر ابن حبيب ، عن مالك . و ذكر ابن سحنون ، عن أبيه ، أن خمس صلوات كثيرة ، و يبدأ بالحاضرة ، حتى يذكر أقل من خمس .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، قال سحنون ، و أبو زيد ، عن ابن القاسم : و من ذكر عشر صلوات ، قبل أَنْ يصلي الظهر و العصر ، فإن لحق أَنْ يصلها مع الظهر و العصر قبل الغروب – يريد : أو مع الظهر و ركعة من العصر – فعل ، و إن لم يدرك ، بدأ بالظهر و العصر ، ثم يصلي ما ذكر . و روى هذا عن مالك في موضع آخر ، أن الوقت فيه غروب الشمس . و روى عنه اصفرار الشمس .
قال ابن القاسم ، في المسألة الأولى : فإن بقي من النهار بقية ، لخطأ في التقدير ، أَعَادَ الظهر و العصر ، إن لحقهما قبل الغروب . فإن ذكر ثلاث صلوات بدأ بهن ، و إن فات وقت ما هو في وقته ، و لو ذكرهن في وقت صلاة يخاف فوات وقتها ، فبدأ بها ، ثم قضى ما ذكر ، فلم يفرغ حتى خرج الوقت في التي بدأ بها ، فلا يُعِيدها .
و من (الواضحة) ، و من ذكر صلوات في وقت الظهر ، فإن كان إذا أخر الظهر إلى وقت يجوز لغيره تأخيرها إليه ، تم ما ذكر من الصلوات ، بدأ بهن ، و إن كثرن ، و إن كان إذا بدأ بهن ، خرج وقت ما هو فيه ، فانظر ، فإن كانت خمسة بدأ بهن ، و إن كانت أكثر ، بدأ بما هو في وقته ، و كذلك إن دخل في هذه ، فإن كان يجب أَنْ يبتدئ بهن و لو ذكر آخر ما يذكر عند غيبوبة الشفق ، و كذلك لو ذكرهن بعد أن دخل في هذه ، فإن كان يجب أَنْ يبدأ بهن لو ذكرهن ، فسدت هذه ، و لكن ينصرف منها على شفع إن كان وحده ، و إن كان مع إمام تمادى ، إلاَّ
***(1/333)
[1/336]
في المغرب ، فإنه يقطع ، كان مع أمام وحده ، يقطع في الأولى ، و إن كان قد صلاها ، شفعها الثانية و إن كان في الثالثة ، شفعها برابعة ، فإن كان ما ذكر من الصلوات لا يجب أَنْ يبدأ بهن ؛ لأنهن أكثر من خمس ، لم يفسد هذه ، و تمادى فيها ، و قضاهن بعدها .
و من (المَجْمُوعَة) ، ابن القاسم ، و علي ، عن مالك : و من نسي الصبح أو قام عنها حتى بدا حاجب الشمس ، فليصلها حينئذ ، و لا يركع للفجر ، و لم يبلغني أن النبي صلى الله عليه و سلم ركع للفجر يوم نام عنها . قال أشهب : بلغني عنه أنَّه عليه السلام ركع . قال علي : و قاله غير مالك ، و هو أَحَبُّ إليَّ أَنْ يركع .
قال عنه ابن القاسم : و من دخل المسجد و الناس في العصر ، و لم يصل الظهر ، فإن لم يخش شدة حر وجد ، فليخرج ، فيصلي الظهر ثم يدرك العصر ، و إن خشي شدة ذلك ، صَلَّى معهم ، ثم صَلَّى الظهر ، و أَعَادَ العصر .
قال عنه علي : و إن ذكر الظهر و العصر من يومه ، في وقت العصر ، فبدأ بالعصر ، جهلا أو سهوا ، فليعدهما ، و إن لم يذكر حتى ذهب يومه ، لم يُعِدْ شيئا . قال : و لو ذكر الظهر و العصر بعد غروب الشمس ، فبدأ بالعصر ، ثم الظهر ، فإن علم مكانه أعادهما ، و إن طال ، فلا شيء عليه . قال أبو محمد : أراه يعني يُعِيدهما ، يريد العصر ؛ لأنه صلاها ذاكرا لصلاة عليه . قال ابن الْمَوَّاز : فذكره لذلك فيها كأنه في وقتها ، و لو لم يذكر الظهر حتى سلم من العصر ، لم يُعِدْ شيئا .
***(1/334)
[1/337]
قال سحنون ، في (المَجْمُوعَة) : و من ذكر صلاة ، بعد أن ركع للفجر ، صلاها ، ثم أَعَادَ ركعتي الفجر .
قال ابن الْمَوَّاز : و لو ذكر إحدى صلاتي العشاء ، من أمس ، و شك في الأخرى ، و قد صَلَّى الظهر و العصر ، و بقي من النهار بقية ، فليصل المغرب و العشاء ، و إن غابت الشمس ، و لا يُعِيد من صلاة اليوم شيئا ، و إن ذكر سجدة من إحدى صلاتي أمس ، أو أم القرآن ، فليقضهما جميعا ، فإن قضاهما ، ثم ذكرهما ، قضى سجدة من أحدهما قبل يسلم العشاء ، أو بعد ، فهو سواء ، لا يفسد العشاء بذلك ؛ لأنه إنما يطلب صلاة واحدة ، و ليصلح العشاء إن كانت بالقرب ، و يُعِيد المغرب وحدها .
فِي مَنْ ذكر صلاة في صلاة ، أو بعد أن سلم منها
من (الْعُتْبِيَّة) من سماع أشهب : و من أحرم في العصر ، ثم ذكر الظهر ، فليتم ركعتين ، ثم يصلي الظهر ، ثم العصر . و هذا خلاف رواية ابن القاسم .
قال عيسى : و لو ذكرها بعد أن سلم من العصر ، فصلى الظهر ثم جهل أو نسي ، أَعَادَ العصر حتى خرج الوقت ، فلا شيء عليه .
قال ابن حبيب : و من ذكر ظهر يومه ، و هو في العصر مع الإمام ، أو ذكر المغرب ، وهو في العشاء ، فهذا يقطع ، كان على شفع أو وتر ، و لا يتمادى إلاَّ ذاكرا صلاة خرج وقتها ، فأما و هو في خناق من وقتها فاستدراكه فيها لبقية الوقت أولى به من صلاة صارت نافلة لا تُجْزِئه . و لو ذكر فيها صلاة فاتت ، فليتماد ، فإذا سلم صَلَّى التي ذكر ، و أَعَادَ هذه ، فإن نسي أَنْ يُعِيدَها حتى خرج وقتها فليعدها أبدا ؛ لأنها صارت نافلة .
***(1/335)
[1/338]
قال سحنون ، فِي مَنْ ذكر صلاة في صلاة ، فتمادى فيها ، و صَلَّى بعدها أياما ، ذاكرا لتلك الصَّلاَة : فإنما يُعِيد التي ذكر و ما كان في وقته من الصلوات ، و لا يُعِيد التي ذكرها فيها ، إذا خرج وقتها .
قال ابن حبيب : و إن ذكر الفائتة بعد سلامه من هذه ، فصلى التي ذكر ، و سجد ، و نسي إعادة هذه حتى خرج وقتها ، فقال ابن القاسم : لا يُعِيدها . و قال مطرف ، و عبد الملك : يُعِيدها أبدا . و ذكراه عن مالك . و كذلك قالا : من ذكر في الوَقْتِ أنَّه صَلَّى بثوب نجس ، ثم نسي أَنْ يُعِيدَ حتى خرج الوقت ، إنه يُعِيد أبدا . و قد تقدم نحو هذا في باب آخر .
قال ابن الْمَوَّاز : لا يُعِيدها بعد الوَقْتِ ، تركها نسيانا أو تعمدا ، إلاَّ في قول عبد الملك ، لا في الثوب النجس ، و لا في التي كان عليه إعادتها بعد قضاء التي ذكر .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، من سماع أشهب : و من ذكر صلاة نسيها ، بعد أن صَلَّى الظهر أو العصر ، فصلاها ، فليعد الظهر و العصر ، إن أدركهما ، أو واحدة و ركعة من الأخرى قبل الغروب ، فإن لم يدرك إلاَّ صلاة ، أو ركعة منها ، جعلها العصر ، فإن قدر أنَّه يبقى ركعة ، فصلى العصر ، ثم بقي النهار ركعة ، فليعد الظهر و العصر .
و قال سحنون ، في (كتاب ابنه) : لا يُعِيد إلاَّ الظهر ، و كذلك الحائض في خطأ التقدير . و كذلك قال ابن الْمَوَّاز . و هذا مستوعب في باب مقادير الوقت .
و من سماع أشهب ، قال مالك : و إن ذكر الإمام صلوات نسيها ، قطع و قطعوا و ابتدأ و هم ، و إن ذكر ذلك بعد أن سلم ، صَلَّى ما ذكر ، و أَعَادَ هذه في الوقت ، و كذلك من صلاها خلفه ، يُعِيدها في الوقت .
***(1/336)
[1/339]
قال عيسى : يستخلف ، و إن ذكرها بعد أن سلم فلا إعادة عليهم ، و ليصل هو ما ذكر ، و يُعِيد التي صَلَّى إن كان في وقتها ، و ما كان في وقته من الصلوات . و قاله أيضا ابن القاسم ، و ابن كنانة ، و ابن دينار ، ورواه عبد الملك بن الحسن ، عن ابن القاسم . قال ابن حبيب : اختلفت فيها رواية ابن القاسم ، روى أن الإمام يقطع بهم ، و لا يستخلف . وروى أنَّه يستخلف على ما كان صَلَّى بهم قبل أَنْ يذكر ، و جعله كالحدث . و بهذا قال مطرف ، و ابن الماجشون ، و ابن كنانة ، و ابن دينار ، و غير واحد من المدينين ، و به أقول ، و إنما يقطع الإمام بهم و لا يستخلف ، إذا ذكر أنَّه قد صَلَّى تلك الصَّلاَة في بيته ، أو إذا دخل من نافلة في مكتوبة بغير سلام ، و إذا نسي الإحرام و شبه ذلك ، فإنه يقطع في هذا كله ، و يقطعون ، و يبتدئون صلاتهم بإمام ، و سواء ذكر ذلك في خلال صلاته ، أو بعد أن سلم منها ، فإنهم يبتدئونها بإمام ، إلاَّ التي كان صلاها في بيته ، فإنه إذا لم يذكر إلاَّ بعد فراغه منها ، فإنما يُعِيدونها أفذاذا .
قال ابن القاسم : و إن ذكر الإمام في الجمعة صلاة نسيها ، قطع و كلمهم حتى يثبتوا له ، حتى يقضي ما ذكر ، و أَحَبُّ إليَّ أَنْ يبتدئ الخطبة . و إن ذكرها بعد أن سلم أجزأتهم . و إن ذكر بعد ركعة ، قدم من يتم بهم . و كذلك في كل صلاة ، و قد قال : تبطل صلاتهم . ثم رجع إلى هذا ، و به يأخذ عيسى .
قال عيسى ، و سحنون ، عن ابن القاسم ، فِي مَنْ صَلَّى الجمعة ، ثم ذكر الصبح ، فإنه يصليها ، و يُعِيد ظهرا . و كذلك ذكر ابن الْمَوَّاز عنه ، و أنَّه قال : وقتها النهار كله . و قال سحنون : وقتها الفراغ منها ، و لا يُعِيدها . قال أصبغ : و قال الليث و أشهب و غيرهما : إن السلام من الجمعة خروج وقتها . وقد تقدم هذا
***(1/337)
[1/340]
في باب آخر .
و من (المَجْمُوعَة) ، قال أشهب : و من ذكر الصبح في صلاة الجمعة ، فإن أيقن أنَّه إذا خرج صَلَّى الصبح ، فأدرك ركعة من الجمعة ، فليقطع ، و إن أيقن أنَّه لا يدرك ذلك ، تمادى ، فإذا سلم صَلَّى الصبح ، و لم يُعِدْ ظهرا ، كصلاة خرج وقتها ، فإن أعادها ظهرا فحسن . و في الباب الذي قبل هذا شيء من ذكر صلاة في صلاة .
في المصلي يتمادى على شك من وضوء أو
نجاسة ، أو يسلم على شك من التمام ،
فيذكر ، أو حالت نيته إلى نافلة ، أو صلاة
أخرى ، ثم ذكر ، أو زاد ركعة سهوا ، ثم ذكر
سجدة أو أم القرآن ، أو زادها عمدا ، ثم ذكر
أنها عليه
من (الْعُتْبِيَّة) ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، فِي مَنْ صَلَّى ركعتين ، ثم شك في الوضوء ، فأتم الصَّلاَة على ذلك ، ثم ذكر أنَّه على وضوء ، أنها تُجْزِئه ، إلاَّ أَنْ يكون نوى بها نافلة حين شك .
قال سحنون ، في (المَجْمُوعَة) : إن ذكر بعد ركعة أنَّه غير متوضئ فصلى ثانية ، ثم ذكر أنَّه متوضئ ، فصلاته فاسدة ، و كذلك في الثوب النجس ، و في النافلة يدخلها بين ظهرانى صلاته ، أو إمام شك أنَّه في رابعة أو ثالثة ، فيسلم على
***(1/338)
[1/341]
شكه ، ثم يعلموه أنها رابعة ، فقد أفسدت عليه و عليهم .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، قال سحنون . عن أشهب ، فِي مَنْ ذكر في الصَّلاَة مسح رأسه ، فتمادى ، ثم ذكر بعد السلام أن وضوءه تام ، فصلاته باطل . و لو ظن أنَّه في نافلة فصلى ركعتين ، ثم سلم ، ثم ذكر مكانه ، فليبن ، و تُجْزِئه . قال : و ذكر لي يوسف بن عمرو ، عن أشهب ، فِي مَنْ ظن أنَّه في عصر ، فأتم صلاته ، ثم ذكر أنها الظهر ، فهي تُجْزِئه . و قال يحيى بن عمر : لا تُجْزِئه في المسألتين .
و قال ابن وهب ، و أشهب ، في التمادي على الشك في الوضوء : لا يُجْزِئُهُ .
قال ابن الْمَوَّاز : قال مالك و أصحابنا : إذا شك في الوضوء بعد ركعة فتمادى ، ثم ذكر في تشهده أنَّه متوضئ ، إن صلاته تامة . قال محمد : و كذلك أرى فِي مَنْ سلم من الظهر ، ثم تنفل بركعتين ، ثم ذكر أنَّه إنما سلم من اثنتين من الظهر ، أنها تُجْزِئه من فرضه ، سلم أو لم يسلم ، و يسجد بعد السلام . و قاله عبد الملك .
و من (الواضحة) و (كتاب ابن سحنون) ، و مَنْ لم يَدْرِ أهو في الثالثة أم في رابعة ، فسلم على شك ، ثم تبين له أنَّه أتم ، فصلاته مجزئة عنه ، و إن تمادى بشكه ، أَعَادَ الصَّلاَة ، و روى ابن عبدوس ، عن سحنون ، أنَّه إن سلم على شَكٍّ ، فقد أبطل ، و لا تُجْزِئه .
***(1/339)
[1/342]
قال ابن حبيب : و لو سَلَّم على يقين ، ثم شَكَّ ، لبنى في القرب .
و قال ابن سحنون ، عن أبيه : إذا كان إماما ، فسلم على يقين ، ثم شك ، فسأل من خلفه ، فأخبروه أنه لم يتم ، فإن سلم من اثنتين ، أجزأه البناء بالقرب ، و إن سلم من غير اثنتين فسألهم ، بطلت صلاته و صلاة من خلفه . و قال أيضا سحنون ، في الإمام في الجلوس يشك أنه في اثنتين أو في أربع ، فسلم على شك ، ثم سألهم ، فأخبروه أنه أتم : إنها تبطل عليه و عليهم .
و قال ابن حبيب ، في المسلم على شك أنه في ثلاث أو أربع ، ثم تبين له أنه سلم من أربع : إنها تجزئه ، كمن تزوج امرأة لها زوج غائب ، لا تدري أحي هو أم ميت ، ثم تبين أنه مات لمثل ما تنقضي فيه عدتها قبل نكاحه ، فنكاحه ماض .
قال ابن عبدوس ، قال ابن القاسم ، في من ظن أنه في نافلة ، فصلى ركعة ، ثم علم ، فقد فسدت ، و ليضف إليها أخرى ، و تكون نافلة .
و قال علي بن زياد : فإن صَلَّى ركعة ، ثم ظن أنه في سفر ، فصلى ثانية على ذلك ، ثم ذكر ، فليتم صلاته ، و تجزئه ، و لا سجود عليه . و قاله ابن كنانة . قال سحنون : لأنه فرض واحد ، بخلاف من صَلَّى على أنه في نافلة . و قال ابن القاسم : إنها تجزئه ، و لو أعاد كان أحب إلي .
و من (كتاب ابن المواز) ، و من صَلَّى خامسة ساهيا ، ثم ذكر سجدة ، من أول صلاته ، و شك القوم ، فليسجد بهم قبل السلام ، و تجزئه . و روى عن ابن القاسم أنه يأتي بركعة ، و لا يعتد بالركعة التي جاء بها ساهيا . قال عنه ابن المواز : و الصواب أن تجزئه ؛ لأنه قصد بها فرضه فصادفه . و قاله أشهب ، و عبد الملك ، و ابن عبد الحكم . و كذلك قال سحنون ، في (المجموعة) ، في المصلي وحده .
***(1/340)
[1/343]
و قال سحنون : و إن ذكر أم القرآن من ركعة ، أجزأه سجود السهو قبل السلام ، و إن ذكرها من ركعتين لا يدريهما ، أعاد الصلاة .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : و من صَلَّى بقوم الصبح ثلاثا سهوا ، ثم ذكر أم القرآن من الثانية ، قال : يعيدون الصلاة .
قال ابن المواز ، قال عبد الملك : و من صَلَّى خامسة في الظهر عامدا ، ثم ذكر أنها رابعة ، إن ذلك لا يضره . و كذلك لو صَلَّى ركعة ، فظن أنه في نافلة ، إذا أحرم على الفرض . و كذلك من ذكر أنه على غير وضوء ، فتمادى ، فصلى ركعة ، ثم ذكر أنه متوضئ . قال : و إذا صَلَّى إمام الجمعة ثلاثا ، ثم ذكر سجدتين لا يدري من ركعة أم من ركعتين ، فليسجد سجدة ، و يأتي بركعة ، و يسجد بعد السلام ، و تجزئهم الجمعة . و لو ذكر أنهما من ركعة ما كان عليه غير سجود السهو بعد السلام ، و تجزئهم . و كذلك من صَلَّى الظهر خمسة ، ثم ذكر سجدتين ، لا يدري من ركعة أو من ركعتين ، فليخر بسجدة ، و يأتي بركعة ، و يسجد قبل السلام . يريد إذ لعله نقص القراءة أو الجلوس . و قد قال أيضا ابن القاسم : إنه يأتي بركعتين ، و يسجد قبل السلام .
و قال ابن حبيب ، في الذي صَلَّى خامسة سهوا : إن ذكر سجدة من الرابعة قبل أن يسجد في الخامسة ، فإنه يسجد سجدة للرابعة ، و يتشهد ، و يسلم ، و يسجد بعد السلام .
و قال سحنون ، في (المجموعة) ، في إمام شك في الوضوء بعد ركعتين : فليستخلف ، بخلاف شكه في الإحرام . ثم وقف في الوضوء . و هذا مذكور بعد هذا .
***(1/341)
[1/344]
في السهو عن تكبيرة الإحرام ، أو الشك فيها
للإمام و المأموم ، و كيف إن كبر للركوع ،
و ذكر ما يحمله الإمام و ما لا يحمله عن
المأموم ، من السهو و غيره
من (كتاب ابن المواز) ، قال : و لا يحمل الإمام عن المأموم تكبيرة الإحرام ، و يحمل عنه باقي التكبير كله غيرها ، و يحمل عنه كل سهو ، إلاَّ تكبيرة الإحرام و السلام و سجدة أو ركعة ، و يحمل عنه غير ذلك ، نسيه أو تركه عامدا ، و قد أساء في تعمده . يريد محمد : و لا تدخل الجلسة الآخرة في هذا .
و من (العتبية) ، و روى عيسى ، عن ابن القاسم ، أن من ترك التكبير كله ساهيا ، سوى تكبيرة الإحرام ، فإنه يسجد قبل السلام ، فإن لم يفعل حتى تطاول ذلك ، أعاد الصلاة . و كذلك في السهو عن الجلسة الأولى . و لو كان ذلك من نسيان الجهر بالقراءة ، لم يعد .
قال ابن حبيب : و من أحرم هو و الإمام معا ، أو أسلم كذلك ، فقال أصبغ : يعيد أبدا . و خففه ابن عبد الحكم . و بقول أصبغ أقول .
و من (كتاب ابن المواز) ، و من كبر للركوع ينوي به الإحرام و الركوع ، فيجزي المأموم ، و لا يجزي الإمام ، و لا الفذ .
و إذا ذكر المأموم تكبيرة الإحرام ، و هو راكع ، و لم يكن كبر لركوعه ، فليقم
***(1/342)
[1/345]
و يحرم ، فإن كبر راكعا ، فليقض ركعة بعد سلام الإمام ، و يجزئه .
و قال أشهب ، في (المجموعة) : إذا ذكر ، و هو راكع ، تكبيرة الإحرام ، فكبر للإحرام و هو راكع ، لم تجزئه ، و ليرفع رأسه ، فيحرم ، ثم يقرأ ، ثم يركع ، إمام كان أو فذا .
و من (كتاب ابن المواز) ، و لو كان قد كبر لركوعه ، لتمادى و أعاد . قاله مالك و روى عنه أنه إن طمع إذا رفع رأسه أن يحرم قبل رفع الإمام فعل ، و أجزأه . و أبى ذلك ابن القاسم ، و خاف أن تكون خامسة ، على الاختلاف .
و لو لم يكبر لإحرام و لا لركوع ، و لكن كبر للسجود ، فإن ذكر قبل يركع الثانية ، فيلحرم ، و يقضي ركعة ، و إن لم يذكر حتى ركع الثانية ، و قد كبر لها أو لم يكبر ، تمادى و أعاد . يريد : بعد أن يقضي ركعة . و كذلك روى علي ، عن مالك ، في (المجموعة) .
قال ، في (كتاب ابن المواز) : و لا يحرم هذا ، لأن تكبيره للسجود كتكبيره في ركوع الثانية .
قال ابن المواز : بل لا يجزئه تكبير السجود إن لم ينو به إحراما ، فإن نوى به ، أو أحرم في الثانية ، أجزأه ، و قضى ركعة .
قال : و من أحرم قبل إمامه ، كان كمن لم يحرم ، و يقطع بغير سلام . و قال سحنون : بل يقطع بسلام . قال ابن المواز : و يحرم ما لم يكبر للركوع ، فيمضي و يعيد ، فإن لم يكبر لركوع و لا سجود ، فليحرم في الثانية . قاله مالك و أصحابه .
***(1/343)
[1/346]
قال ابن القاسم : إلاَّ أن هذا أحب إلي ها هنا أن يقطع بسلام ، ثم يحرم .
قال : و من صَلَّى وحده ، فذكر تكبيرة الإحرام بعد ركعة ، أو بعد ركعتين ، و قد كبر للركوع و السجود ، فليقطع بسلام . قال ابن القاسم : و إن شك المصلي و حده في الإحرام ، قطع بسلام ، و ابتدأ كالموقن . و قال عبد الملك : يتمادى ، و يتذكر فيتمها ، و يعيد إن كان وحده أو إماما . و من ذكرها من إمام ، أو فذ قبل أن يركع ، و قد قرأ ، فأحرم و ركع ، و لم يقرأ في الثانية ، بطلت صلاته ؛ لتركه القراءة عامدا ، و ليقطع في ما ذكر بسلام ، و يبتدئ . و لو كان مأموما أجزأته . و إن ذكرها مأموم بعد ركعة ، فأحرم ، و لم يقطع بسلام ، فإن لم يكن كبر لركعته ، أجزأته صلاته . يريد : و يقضي ركعة . و لو كبر للركعة ، لم تجزئه ، إلاَّ أن يقطع بسلام ثم يحرم . و لو كان وحده أو إماما ، رجوت أنه تجزئه صلاته .
و من (المجموعة) ، و هو مطروح ، قال أشهب ، في من شك في تكبيرة الإحرام ، بعد أن ركع ، أو ركع و سجد ، فأعاد التكبير ، ثم علم أنه قد كان كبر ، فليمض على صلاته من حين كبر التكبير الثاني . أراه يريد : تجزئه الصلاة . و هو قول عبد الملك .
و من (المجموعة) ، قال ابن الماجشون : إذا شك في الإحرام مأموم ، أو وحده ، فهو سواء ، فإن كان قبل ركعة أحرم ، و أجزأه ، و إن كان بعد ركعة ، تمادى و أعاد ، و إن أيقن بعد ركعة أنه لم يحرم ، و هو وحده ، فليحرم ، و ليبتدئ صلاته بخلاف المأموم .
و روى ابن القاسم ، في هذا المصلي وحده يذكر أنه لم يحرم ، فليقطع بسلام . و قال سحنون فيه : بل يقطع بغير سلام .
***(1/344)
[1/347]
قال ابن القاسم : و إن شك في الإحرام و قد ركع ، قطع بسلام ، و إن ابتدأ و لم يسلم ، أعاد الصلاة .
و إن كان مع إمام فشك و هو راكع ، فرفع رأسه ليحرم ، فرفع الإمام قبل أن يحرم ، فليسلم ، و يدخل معه ، و يقضي ركعة .
قال سحنون : إذا شك الإمام بعد ركعة في الإحرام تمادى و تذكر ، فإن لم يذكر حتى سلم أعادها بهم . و قال في (كتاب ابنه) : فإذا سلم سلموا ثم سألهم ، فإن أيقنوا بإحرامه ، فلا شيء عليه ، و إن شكوا ، أعاد و أعادوا . و إن شك في الوضوء ، استخلف و لم يتماد . و الفرق أنه لو صَلَّى ثم ذكر أنه لم يحرم ، لأعاد و أعادوا ، و لو ذكر أنه غير متوضئ ، أعاد هو ، و لم يعيدوا .
و قال ، في (المجموعة) : إذا صَلَّى إمام ركعتين ، ثم شك في الوضوء ، فليستخلف . بخلاف شكه في الإحرام . ثم وقف في الوضوء ، و قال : إن كان متوضئا كيف يجوز له القطع ؟
و من (العتبية) ، قال أشهب ، عن مالك ، في الإمام يذكر تكبيرة الإحرام ، بعد أن قرأ ، فليخبر من خلفه ، ثم يحرم و يحرموا بعده ، و لا يجزئهم أن يحرموا قبله .
و من (الواضحة ) ، قال : و إذا نسي المأموم الإحرام ، و كبر للركوع ، فذكر و هو راكع ، فليرفع رأسه ، و يقطع بسلام ، و يحرم و يركع ، فإن رفع الإمام رأسه قبل يمكن يديه من ركبتيه فليقض ركعة ، و إن ذكر بعد أن رفع رأسه ، تمادى و أعاد . قال : و إن دخل معه بعد ركعة فأكثر ، فنسي الإحرام ، فليحرم متى ما ذكر ، كبر للركوع أو لم يكبر ، و ليس على هذا أن يقطع بسلام و لا كلام .
و روى علي بن زياد ، عن مالك ، في (المجموعة) ، أنه إن فاتته الأولى ،
***(1/345)
[1/348]
و نسي الإحرام حتى ركع الثانية و كبر لها ، أنه يتمادى و يعيد . قال ابن المواز : بعد أن يقضي ركعة .
و من (الواضحة) ، قال : و إذا شك المأموم في الافتتاح ، فهو كالموقن بتركه ، إلاَّ في وجه واحد ، أن هذا إن لم يكبر للركوع فليتماد ، و يعيد . و قاله أصبغ .
و من لم يحرم ، و كبر للركوع ، و رفع رأسه ، فأمر بالتمادي مع إمامه ، فجدد إحراما ، فذلك ليس يقطع ، و لا يغير حاله ، و لا يجزئه قضاء ركعة ، و يسلم مع الإمام ، و يعيد . و كذلك لو ذكر أن عليه ثوبا نجسا بعد ركعة ، فنزعه ، ثم أحرم ، فليس ذلك يقطع ، و قد أبطل صلاته ، و كأنه زاد فيها . و قاله ابن الماجشون ، وأصبغ .
و من شك في الإحرام ، وهو وحده ، فليقطع بسلام ، و إن ركع بتكبير ، وكذلك الإمام إذا أيقن أنه نسي الإحرام إلاَّ أنه يخبر من خلفه ، فإن كان بعد طول ، مثل ركعة أو ركعتين ، أمر بإقامة الصلاة . وأحب إلي في المسجد الواسع الذي لعله لا يمنعهم كلامه فيه ، أن يقيم الصلاة ، و إن لم يطل .
و من (العتبية) ، قال يحيى بن يحيى ، قال ابن القاسم : و إذا نسي المأموم تكبيرة الإحرام في الجمعة ، فإنه يجزئه أن يكبر في الثانية . يريد : بعد أن يقطع . و يجعلها أول صلاته . هذا في الجمعة خاصة ؛ لئلا تفوته ، و لا يجوز له في غيرها .
و قال في (المجموعة) : أرى أن لا يقطع ، و ليتماد ، ثم يعيدها ظهرا . و ذكر ابن حبيب ، عن مالك ، نحو رواية يحيى بن يحيى ، أنه يقطع ، و إن كان بعد ركعة ، ثم
***(1/346)
[1/349]
يحرم ، و يقضي ركعة ، بخلاف غير الجمعة ، لئلا تفوته . و كذلك إن ذكر أنه أحرم قبله ، فالجواب سواء .
و من (المجموعة) ، ابن القاسم : و من نسي تكبيرة الإحرام من نافلة ، فأقيمت الصلاة ، فدخل معهم ، فليسلم ، متى ما ذكر ، فإن أتمها أعادها .
في السهو عن القراءة
من (كتاب ابن المواز) ، قال : و من نسي القراءة من ركعة- يريد : مما فيه أكثر من ركعتين من الصلوات- فلمالك فيها ثلاثة أقاويل ؛ قال تجزئه سجدتا السهو . و قال : إنه يسجد للسهو ، ثم يعيد . و قال : يأتي بركعة ، و تجزئه . و هذا أبعدها عند ابن القاسم و أشهب . و ذكر في (المدونة) أن هذا اختيار ابن القاسم . قال محمد : و لم يختلف عنه في ركعتين ، أن صلاته تبطل بترك القراءة فيهما . قال عبد الملك : فان ذكر في الثالثة أنه لم يقرأ في الأوليين تمادى و أعاد . محمد : بعد أن يسجد قبل السلام . و قاله سحنون .
قال ابن المواز : و اختلف قول مالك لاختلاف من قبله ، يروى عن عمر و علي بن أبي طالب إجازة صلاة من صَلَّى بغير قراءة . قال علي : و لو لم تجزئه ما أجزأت الأمي . و ذهب إليه عبد العزيز ابن أبي سلمة . و روي أن النبي عليه السلام ، قال :
***(1/347)
[1/350]
«كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن ، فهي خداج» . و حديث جابر : «كل ركعة» . قال غير ابن المواز : و الخداج النقص .
و اختلف في ذلك النقص ، هل يبطلها ؟ قال مالك ، في (المجموعة) : و إني لأنكر أن يترك عمر القراءة في المغرب ، فلا يذكره الصحابة . و روى علي بن زياد ، عن مالك ، في من صَلَّى و لم يقرأ في صلاته ، قال أحب إلينا أن يعيد الصلاة .
و من (كتاب) آخر ، روي عن المغيرة ، في من لم يقرأ في الظهر إلاَّ في ركعة منها ، قال : تجزئه سجدتا السهو قبل السلام .
و من (كتاب ابن المواز) ، قال ابن القاسم ، و أشهب ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ ، في تاركها من ركعة : يسجد للسهو ، و تجزئه . و استحب له ابن القاسم ، و أشهب أن يعيد ، و أوجبا عليه في تركها من الركعتين إعادة الصلاة . و ذكر عن أشهب قول آخر ، أن تاركها من ركعتين لا يعيد إلاَّ ركعتين ، و أما من ركعة فيتمادى ، و يسجد قبل السلام ، و يستحب له إعادة الصلاة . و قال ابن عبد الحكم ، و أصبغ : إن تاركها من ركعتين أتى بركعتين ، فأما إن سلم منها ، و ذكرها بقرب أو بعد ، فليبتدئ الصلاة ، و إن معنى قول مالك : تبطل . أنه في من
***(1/348)
[1/351]
سلم منها . و قال أصبغ : إن ذكر بقرب سلامه ، أتى بركعتين ، و تجزئه ، و أما من ركعة ، فليتم ، و يسجد قبل السلام ، و يعيد من أي ركعة كانت .
و من (الواضحة) ، و من سها عن القراءة في ركعة من الصبح ، أو من الجمعة ، أو مما يقصر في السفر ، فليسجد قبل السلام ، و يعيد ، وكذلك في ركعتين من مسافر الصلوات ، و أما من ركعة من صلاة هي أكثر من ركعتين ، فتجزئه سجدتا السهو . لم يختلف في ذلك أصحاب مالك .
و قال ابن الماجشون : و تجزئه سجدتا السهو في تركها من ركعة ، من أي صلاة كانت ، و لا يعيد ، و أما من ركعتين فليعد .
و قال ابن عبد الحكم ، و أصبغ ، في تاركها من ركعتين من الظهر أو ركعة من الصبح ، أن يلغي ذلك ، و يبني ، و يسجد بعد السلام ، و لا يعيد .
و من (كتاب ابن المواز) : و روى أصبغ ، عن ابن القاسم ، قال : إذا ذكرها من الركعة الأولى ، و هو فيها راكع ، و قد رفع رأسه و لم يسجد ، فليقطع بسلام ، و يبتدئ ، و إن أنهى سجدتين ، شفعها ، و سجد قبل السلام ، و إن ذكرها ، و هو قائم في الثالثة ، أو راكع ، و لم يرفع ، فليجلس ، و يسجد قبل السلام ، و إن ذكر بعد رفعه من الثالثة ، أتم صلاته ، و سجد قبل السلام ، و أحب إلي أن يعيد ، و لو عقد الأولى ، و نسي أم القرآن من الثانية ، فذكر و هو راكع فليتم الثانية ، و يسجد لسهوه ، و يسلم منهما . و قال أصبغ : لا يقطع ، ذكر في الأولى ، أو في غيرها ، وليتم ، ولا يبطلها بنية الإعادة ، و يسجد ، و تجزئه ، و إن شاء أعاد ، و إن شاء لم يعد . محمد : و هذا هو الصواب .
قال أشهب ، في (المجموعة) ، في تاركها في ركعة : يتمادى ، و يعيد . و من
***(1/349)
[1/352]
لم يقرأ بأم القرآن حتى قرأ السورة أو بعضها ، فليبتدئ في القراءة ، و لا سجود عليه . قال أشهب : يسجد استحبابا .
و من (كتاب ابن المواز) ، قال مالك : و إن ذكر إمام في الثالثة أنه لم يقرأ في الأوليين ، فصلاته و صلاة من خلفه باطل . و إن ذكر أنه غير متوضئ ، استخلف . و إن ذكر بعد السلام أعاد ، و أعادوا ، في تارك القراءة ، و لا يعيد في تارك الوضوء إلا هو وحده .
و من (العتبية) ، قال عيسى ، عن ابن القاسم : إذا تركها الإمام من ركعتين ، أعاد و أعادوا أبدا . و إن كان في صلاة ، قطع و ابتدأ .
قال عيسى : و من ترك قراءة السورة التي مع أم القرآن ، جاهلا أو عامدا ، أعاد أبدا . و هذا قول علي بن زياد . و خالفه ابن القاسم في هذا ، و أنكر سحنون قول ابن القاسم .
قال أبو زيد ، عن ابن القاسم : و من رعف بعد ركعة من الجمعة ، فرجع و قد انقضت ، فصلى ركعة نسي فيها أم القرآن ، فليسجد قبل السلام ، و يعيد ظهرا . و كذلك لو نابه ذلك في الصبح ، لسجد قبل السلام ، و أعادها .
و من (كتاب ابن سحنون) : و من رفع رأسه من ركوع الثانية ، ثم ذكر أم القرآن منها ، فليبتدئ قراءة أم القرآن و سورة ، و يسجد بعد السلام . يريد سحنون- و الله أعلم – و يبني على ركعة ، على القول الذي لا يجزئ فيها سجود السهو قبل السلام . و لو ذكر بعد رفعه رأسه السورة التي معها ، تمادى ، و سجد
***(1/350)
[1/353]
قبل السلام . و لو ظن أنها لا تجزئه ، فألغاها ، و ابتدأ القراءة ، و ركع و سجد ، فقد أفسد صلاته؛ إذ زاد ركعة جهلا . فإن ذكر السورة قبل ركوعه ، فليقرأها ، و يبني ، و لا سجود عليه للسهو ، إلا أن يطيل القيام بعد فاتحة الكتاب ، و قبل ذكره لترك السورة .
و قال سحنون : و إن ذكر الإمام ، و هو جالس في الرابعة ، أم القرآن ، فأتى بركعة ، فليعد و يعيدوا ؛ لأنها خامسة إذ كان يجزئه سجدة السهو . يريد : في آخر أقاويل مالك .
و من (المجموعة) ، و إذا أمكن يديه من ركبتيه ، ثم ذكر أنه لم يقرأ ، يروي ابن القاسم عن مالك ، أنه يرفع رأسه ، فيقرأ و يسجد بعد السلام . و قال أشهب : إنه يتمادى ، و يعيد . وقال ابن الماجشون : إذا أمكن يديه من ركبتيه ، ثم ذكر أم القرآن أو السورة ، يتمادى و يسجد قبل السلام و تجزئه . ثم قال : يرجع ، و يقرأ ، و يسجد بعد السلام .
و مسألة من صلى خمسا ثم ذكر أم القرآن من ركعة أو ركعتين ، في باب المصلي يتمادى على شك .
و من (العتبية) ، من سماع أشهب : و من شك في قراءة أم القرآن ، فإن كثر هذا عليه ، فليله عن ذلك ، و إن كان المرة بعد المرة ، فليقرأ . و كذلك سائر ما شك فيه .
و روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في من شك في قراءة أم القرآن ، و قد قرأ السورة ، فليقرأها ، و يعيد السورة ، و لا سجود عليه .
و روى علي ، عن مالك ، في (المجموعة) ، أنه ليس عليه إعادة السورة .
***(1/351)
[1/354]
في السهو عن االإجهار و الإسرار في القراءة ،
و كيف إن رجع هل يسجد ، و كيف إن فعل
ذلك عامدًا
من (العتبية) ، من سماع أشهب عن مالك : و من قرأ في الجهر سرا ، ثم ذكر فأعاد القراءة جهرا ، فلا سجود عليه . قال : و لو قرأ أم القرآن فقط ، في ركعة من الصبح ، فأسر بها ، فلا يعيد الصلاة لذلك ، و تجزئه ، و لا سجود عليه .
قال عيسى ، عن ابن القاسم : إن قرأها سرا ، ثم ذكر ، فأعادها جهرا ، فليسجد بعد السلام . قال ابن المواز ، عن أصبغ : إنه لا يسجد ، و إن سجوده لخفيف حسن .
و من (المجموعة) ، روى ابن القاسم ، عن مالك ، في الإمام يسر القراءة ، فيسبح به ، فيقرأ ، قال : يحتاط بسجوده للسهو ، و ما هو بالبين . قال عنه ابن نافع : لا يسجد .
و روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في (العتبية) ، أنه إذا أسر الإمام القراءة فيما يجهر فيه ، فكلم أو أشير إليه ، فتمادى ، فلما فرغ قال : كنت ناسيًا . فليسجد بهم ، و تجزئهم . و إن قال : تعمدت . أعاد ، و أعادوا . و قال عيسى : يعيد أبدا . و قد تقدم ، في باب الإمام تفسد صلاته ، هذه المسألة من رواية أشهب ، عن مالك ، أنه إن قال : قرأت في نفسي . قال : هذا جاهل ، و ما أراه قرأ ، و ليعد من
***(1/352)
[1/355]
خلفه في الوقت . و لم يذكر في (كتاب ابن المواز) عن مالك : في الوقت . و قال أصبغ : و لا يعيد هو إن صدق .
قال أصبغ ، في (العتبية) : من أسر في الجهر أو جهر في الإسرار عامدا ، لم يعد ، و لكن يستغفر الله .
و قال علي ، في (المجموعة) : إنه يعيد . و كذلك روى أبو زيد و غيره ، عن ابن القاسم؛ لأن هذا عابث . و كذلك في (الواضحة) .
في السهو عن تكبير الخفض و الرفع و شبهه ،
و السهو عن تمام الركوع و السجود ، و عن
التشهد و السلام
و من (المجموعة) ، قال علي ، عن مالك ، في السهو عن تكبيرة واحدة غير تكبيرة الإحرام ، فهو خفيف ، و يسجد له . و في رواية ابن القاسم ، و في (المختصر) ، عن مالك : لا سجود في هذا . قال عنه ابن القاسم : يسجد في تكبيرتين فأكثر . و قاله عبد الملك في (سمع الله لمن حمده) . و مثل ذلك قال في (المختصر) .
و من جعل موضع (سمع الله لمن حمده) ، (الله أكبر) فلا سجود عليه .
قال أشهب في (المجموعة) و لا سجود عليه في ترك (آمين) ، و لا في التسبيح في الركوع ، و لا في القنوت .
***(1/353)
[1/356]
و من (الواضحة) ، قال ابن الماجشون : و من جعل موضع(سمع الله لمن حمده) ، (الله أكبر) أو موضع (الله أكبر) ، (سمع الله لمن حمده) فليسجد قبل السلام؛ لأنه زاد و نقص ، و ليس كمن نسي تكبيرة . و إن قال موضع (سمع الله لمن حمده) ، (ربنا و لك الحمد) فلا سجود عليه .
و من (المجموعة) ، قال علي ، عن مالك ، في من ركع و سجد ، و لم يرفع رأسه من الركوع ساهيا : فليسجد قبل السلام ، و تجزئه تلك الركعة .
و قال ابن القاسم ، في (العتبية) : لا يعتد بتلك الركعة . و استحب مالك أن يتمادى و يعيد الصلاة .
و روى ابن القاسم ، عن مالك ، في (العتبية) ، و رواه ابن وهب أيضا ، عن مالك ، في(كتاب ابن سحنون) ، في من لم يعتدل قائما في الرفع من الركوع حتى خر ساجدًا ، قال : تجزئه ، و لا يعود . و قال ابن وهب : يعيد الركعة من فعل ذلك .
و من (كتاب ابن حبيب) : و من خر من ركوعه للسجود ، و لم يرفع رأسه ، فليرجع إلى القيام ، كالرافع من الركوع . قال في موضع آخر : يقوم محدودبًا ، ثم يرفع . قال و سواء سجد أو لم يسجد ، ما لم يركع الثانية ، فإن ركعها تمادى ، على أن يعتد بالركعة التي لم يرفع منها ، كان عامدا أو ناسيا أو جاهلا ، ثم يعيد صلاته ، لأن ابن كنانة يرى أن تجزئه ركعته التي لم يرفع منها كان عامدا أو جاهلا . و لو ألغاها صار في قوله مصليا خامسة ، فللاختلاف أمر بالاحتياط . ولو رفع رأسه في الركعة شيئا ، و لم يعتدل قائما ، فقد أساء ، و تجزئه .
***(1/354)
[1/357]
و من (المجموعة) ، قال سحنون ، في من لا يرفع يديه من السجود من الأرض ، قال بعض أصحابنا : لا تجزئه؛ لما جاء أن اليدين يسجدان ، كما يسجد الوجه . و خفف ذلك بعضهم .
قال ابن القاسم ، عن مالك : و من نسي التشهد الآخر ، حتي سلم الإمام ، فليتشهد ، و يدعو و يسلم . و إن نسي التشهد الأول ، حتى قام الإمام ، فليقم ، و لا يتشهد .
و ذكر ابن حبيب ، عن مالك ، في ناسي التشهد الآخر مثله ، إذا ذكر بعد سلام الإمام و قبل سلامه هو . قال و لا سجود عليه . قال و لو ذكره بعد سلامه هو ، فلا شيء عليه ، و لا تشهد ، و لا سجود . و لو كان و حده و ذكر ذلك بعد سلامه ، تشهد و سلم ، ثم سجد لسهوه . و إن نسي تشهد الجلسة الأولى ، فذكر في آخر صلاته ، سجد قبل السلام . و إن ذكره بعد أن سلم ، سجد متى ما ذكر ، و لم يعد الصلاة لهذا . و من نسي السلام ، و كان قريبا ، فإن لم يبرح من مكانه ، استقبل القبلة بغير تكبير و سلم ، و لا يتشهد ، و يسجد للسهو ، ثم يتشهد و يسلم . و إن تكلم ، أو قام من مجلسه ، و كان قريبا ، فلكبر ، ثم يجلس و يتشهد و يسلم ، ثم يسجد للسهو و يتشهد و يسلم . و إن تباعد أو أحدث ، ابتدأ صلاته .
و من (المجموعة) ، قال ابن القاسم : إذا نسي السلام ، فرجع من قريب ، فليجلس و يكبر ، ثم يتشهد و يسلم و يسجد بعد السلام . و لم يذكر التكبير في رواية
***(1/355)
[1/358]
أخرى . وقال مالك ، في (المختصر) : يكبر ، ثم يجلس .
جامع القول في السهو ، و في من زاد أكثر
من ركعة ، و في من رجع لإصلاح ما بقي عليه
بعد أن فارق صلاته
من (المجموعة) ، قال ابن نافع ، عن مالك ، في من نسي القيام من اثنتين ، ثم رجع : إنه يسجد بعد السلام . قال عنه ابن القاسم : إذا فارق الأرض . و إن لم يعتدل قائما ، فلا يرجع ، و ليسجد قبل السلام . فإن رجع ، فليسجد بعد السلام .
قال سحنون : لا نأمره بالرجوع ، فإن رجع فليتم جلوسه ، ولا يقوم مكانه .
قال أشهب ، و علي : يسجد قبل السلام إذا رجع؛ لأنه مخطئ في رجوعه بعد أن قام ، فلا يعتد بجلوسه . و بلغني عن ابن سحنون ، أنه ذهب إلى أن صلاته تفسد برجوعه .
قال أشهب : و إذا قام ، فلم يعتدل قائما حتى ذكر ، فجلس ، فليسجد بعد السلام .
و من (الواضحة) ، و إذا تزحزح للقيام من اثنتين ، ثم ذكر فجلس ، فلا سجود عليه . و إن ارتفع عن الأرض فليرجع ، ما لم يستو قائما . فإذا استوى قائما ، فلا يفعلها .
و من (العتبية) ، قال ابن القاسم ، عن مالك : و من أطال الجلوس في الركعة
***(1/356)
[1/359]
الثانية ، فلا يسجد لذلك . وكذلك ذكر ابن حبيب ، عن مالك ، و قال : أطال فيها الجلوس و التشهد ، يظنها الآخرة ، فلا سجود عليه . قال سحنون : إلا أن يخرجها عن حدها ، فليسجد للسهو .
قال أشهب ، عن مالك ، في إمام جلس في الثالثة ، فلما رأى من خلفه قاموا قام مكانه ، فإن كان اطمأن جالسا ، و أجمع على الجلوس ، فليسجد ، فأما الذي يتذكر و ينظر ما يفعل من خلفه ، فلا يسجد .
قال موسى ، عن ابن القاسم ، في الجالس في الركعتين ، يعرض له شك فيما تقدم من صلاته ، فتفكر ساعة ، ثم ذكر أنه لم يسه ، فلا يسجد لذلك . و لو تذكر بعد سجدة تذكرا طويلا ، ثم سجد الثانية ، أو تذكر راكعا ، أو بعد رفع رأسه ، أو ساجدا أو قاعدا ، ثم ذكر ، فلا سجود عليه لهذا؛ لأنه لم يعمل زيادة و لا نقصانا . و قاله مالك .
و من (المجموعة) ، قال ابن القاسم ، عن مالك ، في من شك أثلاثا صلى أم أربعا ، فتفكر قليلا ، ثم ذكر أنها ثلاثا ، فلا سهو عليه .
قال أشهب : إن تفكر في قيام له أن يقوم ، أو ركوع أو سجود أو جلوس ، فلا سهو عليه؛ لأن ذلك يطول و يقصر فما زاد إلا التفكير . و إن كان تفكره بعد رفعه من آخر سجدتى ركعة ، فأقام جالسا ، أو مستوفزا على يديه و ركبتيه ، حتى أطال ، فليسجد بعد السلام .
و من (المجموعة) ، قال ابن القاسم ، عن مالك ، و من عليه ركعة قضاء ،
***(1/357)
[1/360]
فجلس شيئا بعد سلام الإمام ساهيا ، فليقض ركعته ، و يسجد بعد السلام و تجزئه .
و من (كتاب ابن سحنون) ، و من أطال الجلوس جدا ، فليجلس ، فليسجد بعد السلام .
و من (الواضحة) ، و إذا قال الإمام : يا فلان تقدم . فسها ، فقال : نعم . فليسجد بعد السلام و تجزئه . و كذلك إن سها فأحرم بهم ، فأما إن ابتدأ الصلاة بهم جهلا ، فسدت عليه و عليهم . قال غير ابن حبيب : و لو قطع بسلام أو كلام ، ثم ابتدأ ، أجزأته ، و بطلت عليهم . وهذا في باب آخر .
قال مالك : في (المختصر) : و من سلم من اثنتين ، ثم ذكر ، رجع فأتم صلاته ، ما دام قريبا . و لم ينتقض و ضوءه أو يتكلم بعد ذكره ، ثم يسجد بعد السلام .
من (المجموعة) ، قال ابن القاسم : و كل من جاز له أن يبني بعد انصرافه ، لقرب ذلك ، فليرجع بإحرام . قاله مالك . قال : و كذلك رجوعه لسجوده للسهو بإحرام .
و من (كتاب آخر) لبعض أصحابنا الأندلسيين ، في من سلم من اثنتين ، ثم رجع بالقرب ، فإنه يكبر ، ثم يجلس ، ثم يبني . قاله ابن القاسم . يريد : لأن نهضة الأولى لم يفعلها لصلاته ، و لكن لانصرافه ، فلذلك آمره أن يجلس . و قال ابن نافع : لا يجلس . قال : و إن لم يدخل بإحرام أفسد ، و لو سلم من ركعة ، أو من ثلاث ، دخل بإحرام و لم يجلس .
قال ابن حبيب : و من فارق صلاته ، ثم ذكر بقية منها و قد مشى أو أكل أو شرب ، فليبن ، ما لم يطل . و كذلك يرجع لسجوده السهو قبل السلام ، فإن طال
***(1/358)
[1/361]
في السجود قبل السلام ، فإن كان ذكر القيام من اثنتين ، أو لأم القرآن من ركعة ، أعاد الصلاة أبدا ، و لا يعيد لغير هذين من التكبير ، للخفض و الرفع . و إن كثر ، أو غيره من سهو ، فلا يعيد ، و لكن يسجد للسهو متى ما ذكر . و قاله ابن عبد الحكم ، و أصبغ . و بقية القول في هذا في باب بعد هذا .
قال مطرف : و من صلى المكتوبة ستا فأكثر ، فإن سجود السهو ، يجزئه ، و لا يعيد .
قال يحيى بن عمر : و كذلك قال أشهب فيه ، و في من صلى المغرب خمسا . قال ابن حبيب : و عاب مطرف قول من قال تبطل إذا زاد فيها مثل نصفها . و احتج بزيادة ركعة في الصبح . و قد روى مثل قول مطرف عن ابن القاسم . و قاله ابن عبد الحكم ، و أصبغ . و قال ابن نافع ، و ابن كنانة : إن عليه أن يعيد . و قال ابن الماجشون : لا أقول بنصف الصلاة ، و لكن ركعتين عندي طول من السهو يفسدها ، و ليست ركعة بطول في الصبح ، و لا في غيرها .
و روى ابن القاسم ، عن مالك ، في(العتبية) ، في من صلى المغرب خمسًا ساهيا ، أنها تجزئه ، و يسجد لسهوه بعد السلام . قال يحيى بن عمر : و هذا يرد ما روى عنه ، في من زاد في صلاته مثل نصفها .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : و من صلى مع الإمام الجمعة ، فلما سلم الإمام قام المأموم فزاد ركعتين ، فليعد ظهرا أبدا .
***(1/359)
[1/362]
في من صلى شكه و سهوه أو يستنكحه ذلك ،
أو عليه سهوان ، أو يلزمه سجود بعد السلام
فيسجد قبل ، أو يلزمه سجود قبل فيسجد بعد
من (المجموعة) ، روى علي بن زياد ، عن مالك ، في من استنكحه السهو ، فيظن أنه لم يتم صلاته ، فلا شيء عليه ، و لينته عن ذلك . قال عنه ابن نافع : و لا يسجد له . قال في (المختصر) : و لو سجد بعد السلام كان أحب إلينا .
قال عنه ابن نافع ، في (المجموعة) : فأما من يعرض له المرة بعد المرة ، فبخلاف ذلك . و كذلك في شكه في الإحرام ، إن كان مرة ، أعاد له الصلاة . و أما شكه في أم القرآن ، فقد تقدم في باب آخر ، أنه إن كان ذلك يعتريه المرة بعد المرة ، فليعد أم القرآن ، و ليس عليه إعادة السورة بعدها .
و من (العتبية) ، من سماع ابن القاسم : و من كثر عليه السهو ، فليسجد بعد السلام؛ لأنه لم يوقن بالسهو ، و إنما هو يتخوف ، فلا يزيد صلاته بالشك . و لو أيقن أنه سها لسجد قبل السلام .
قال ابن حبيب : اختلف قول مالك ، في من يشك أن يكون سها ، و يستنكحه ذلك ، فقال يسجد للسهو . قال لا يسجد . و أحب إلينا أن يسجد ، و يجعلهما قبل السلام .
و روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في (العتبية) ، عن مالك : إذا كثر عليه
***(1/360)
[1/363]
السهو و لزمه ، و لا يدري أسها أو لم يسه ، فليسجد بعد السلام . و أما من سها ، و لم يدر أسها قبل السلام أو بعد السلام ، فليسجد قبل السلام . و ذكر مثله ابن المواز عن مالك ، و زاد : و أما الذي سها إلا أنه قد لزمه و كثر عليه ، فليبن ، و لا يسجد للسهو . محمد : يريد لأنه قد استنكحه ، فأما الذي يكثر عليه الشك ، فلا يدري سها أو لم يسه و هو يقول : إني أخاف أن أكون سهوت و نقضت . فهذا إذا أكثر عليه فلا شيء عليه ، و يجزئه سجود السهو بعد السلام .
و من (المجموعة) ، قال ابن القاسم ، و أشهب ، و علي ، عن مالك ، في من لزمه سهو نقص و سهو زيادة ، قال عنه أشهب : لا يبالي أيهما أولا ، فالسجود قبل السلام يجزئه . و قاله المغيرة . و قال أشهب : و كذلك إن كان مرارا ، و النقص أكثرهما أو أقلهما . و كذلك من سها زيادة مرارا ، فسجود واحد يجزئه . و روى عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، في من عليه سهو نقص و سهو زيادة ، أنه يسجد قبل السلام و بعد السلام .
و قال مالك ، في (المجموعة) : ما كان الناس يحتاطون في سجود السهو قبل و لا بعد ، و كان ذلك عندهم سهلا .
و من (كتاب ابن المواز) : و من لزمه سجدتا السهو قبل السلام ، فسجدهما بعد السلام ، أو لزماه بعد السلام ، فسجدهما قبل السلام ، عامدا أو ساهيا ، فلذلك يجزئه ، و هذا أفضل من الأول . يعني سجوده قبل السلام . و قد قال أبو زيد ،
***(1/361)
[1/364]
عن ابن القاسم : إنه يعيد منه الصلاة . يريد : في عمده . و كذلك في رواية عيسى . محمد : و روى أصبغ ، عن ابن القاسم ، أنه يعيدهما بعد السلام . قال أصبغ : و هذا انخراق ، و ذلك مجزئ عنه ، و قد كان ابن شهاب يرى السجود كله قبل السلام ، في النقص و الزيادة . و قاله الليث . و قال مالك : و ليتبع المأموم إمامه في سجود السهو ، كان ممن يراه كله قبل السلام ، أو يراه كله بعد السلام .
في العمل في سجدتي السهو ، و ذكر السهو فيها
من (المجموعة) ، قال علي ، عن مالك : و ليسمع الإمام من خلفه التكبير في سجدتي السهو ، و السلام منهما ، و يفعلوا فيهما كفعله . قال عنه ابن القاسم : و يكبر في سجوديهما ، و يتشهد ، و يسلم ، و لا إحرام لهما .
قال في (كتاب ابن المواز) : سواء كانتا قبل السلام أو بعد السلام .
قال عنه ابن غانم ، و ابن نافع ، في (المجموعة) : يتشهد لما كان قبل السلام . و روى أيضا ابن نافع ، أنه لا يتشهد إلا فيما كان بعد السلام . و قاله عبد الملك .
قال ابن المواز : و كان ابن القاسم يوجب التشهد فيهما قبل و بعد . و رواه عن مالك . و كان ابن عبد الحكم يوجبه بعد السلام ، و يستحسنه فيما قبل السلام . و لم ير عبد الملك فيما قبل السلام تشهدا .
قال مالك : لا يحرم فيهما ، لا فيما قبل السلام ، و لا فيما بعد السلام .
***(1/362)
[1/365]
و قال ابن وهب : ليس بعد تشهد اللتين بعد السلام دعاء ، و لا تطويل .
قال ابن عبدوس ، قال أشهب : و إذا سجد سجدة من سجدتي السهو بعد السلام ، ثم أحدث ، فأحب إلي أن يتوضأ ، و يأتنف السجدتين ، و إن سجد الثانية ، أجزأه ، فإن شاء فعل ذلك في موضعه ، و إن شاء في موضع صلى ، و إن كانتا قبل السلام ، بطلت صلاته . و لو كان إماما ، و هما بعد السلام ، فأحدث بعد سجدة ، فليقدم من يسجد بهم الثانية ، و لو ابتدأها جميعا كان أحب إلي .
و من (كتاب ابن المواز) ، و من انصرف من صلاته ، ثم ذكر سجدتي السهو بالقرب - يريد : قبل السلام – فليسجدهما في موضع ذكرهما ، إلا في الجمعة ، فلا يسجدهما إلا في المسجد ، و كذلك في السلام و غيره ، فإن أتم ذلك في غير المسجد ، لم تجزئه الجمعة .
و من سجد سجدتين في آخر صلاته ، و عليه سجدتا السهو ، فلم يذكر أسجدهما لفرضه ، أو لسهوه ، فعليه أربع سجدات أخرى .
قال مالك : و من صلى خلف من يرى السجود في النقص و الزيادة ، قبل السلام أو بعد السلام ، فلا يخالفه .
قال ابن حبيب : و من سجد لسهوه قبل السلام ، ثم سها ، فتكلم قبل أن يسلم ، فليسلم ، و يسجد لسهوه بعد السلام .
و من (العتبية) ، أشهب ، عن مالك : و إذا سها الإمام أن يسجد لسهوه ، فليسجد من خلفه .
***(1/363)
[1/366]
و من (المجموعة) ، قال علي ، عن مالك ، في إمام سلم من اثنتين ساهيا ، و سجد لسهو عليه ، ثم ذكر ، فليتم صلاته ، و يعيد سجود السهو .
قال سحنون : و كذلك لو كانتا قبل السلام لأعادهما . و قد روى عيسى ، عن ابن القاسم ، في من ذكر أنه زاد في صلاته ، فسجد سجدة من سجدتي السهو ، ثم ذكر أنه لم يسه ، فلا يسجد أخرى ، و لا شيء عليه . و لو ظن أنه نقص من صلاته ، فسجد سجدة أو سجدتين ، ثم ذكر أنه لم ينقص من صلاته ، فإن سجد واحدة ، فلا يسجد الأخرى ، و ليسجد لسهوه بعد السلام ، و كذلك لو كان سجد السجدتين .
في من ذكر سجدتي السهو بعد انصرافه ، أو في
صلاة أخرى
من (العتبية) ، قال عيسى ، قال ابن القاسم : من نسي سجدتي السهو بعد السلام حتى طال ذلك ، فليرجع فليسجدهما ، و لا إحرام عليه . ثم رجع فقال : يحرم لهما . و كذلك روى عن مالك ، في (المجموعة) أنه يكبر لهما و لا يحرم . و قد تقدم في باب آخر . و قاله ابن الماجشون ، في (الواضحة) .
و من (كتاب ابن المواز) : و من سلم ، ثم ذكر اللتين قبل السلام ، فليرجع بإحرام فيسجدهما ، و كذلك كل من رجع لإصلاح ما بقي من صلاته ، فيما قرب . و قاله مالك . فإن رجع ، فسجد إحدى السجدتين ، ثم أحدث قبل أن
***(1/364)
[1/367]
يسجد الأخرى ، أو بعد أن يسجدهما و قبل أن يسلم ، فقد أبطل صلاته ، و ليعد .
و من انصرف و لم يسلم من اللتين بعد السلام ، رجع فيما قرب . فسلم فقط ، و إن تباعد أعادهما فقط ، و ليحرم قبل أن يسجدهما ، في الوجهين .
و منه ، و من (المختصر) ، و من ذكر اللتين قبل السلام بعد أن طال أو انتقض وضوءه ، فإن كانتا من القيام من اثنتين ، أو ترك أم القرآن من ركعة ، بطلت ، صلاته ، و إن كانتا من غير هذين ، لم تبطل .
قال ابن المواز : إلا في نقص ثلاث تكبيرات ، أو (سمع الله لمن حمده) ثلاثا ، فقد اختلف فيه قول ابن القاسم في إيجاب الإعادة ، و لم ير أصبغ عليه إعادة ، و به أقول ، و محمد ابن عبد الحكم يقول : لا تفسد صلاته ، و إن كانتا من القيام ، أو من اثنتين أو قراءة ركعة ، فأما من السورة التي مع أم القرآن ، من ركعة أو من ركعتين ، أو من تكبيرتين ، أو ترك الجهر في القراءة ، فلا تبطل الصلاة ، في قولهما .
و من ذكر اللتين بعد السلام في صلاة ، لم تفسد ، و إذا فرغ سجدهما و متى ما ذكر ، و بعد الصبح و بعد العصر .
و من ذكر اللتين قبل السلام في فريضة ، و هما من فريضة ، فإن كانتا مما تفسد به الصلاة الأولى فيما يبعد ، بطلت هذه أيضا ، و ابتدأ صلاتين ، فإن كان مع إمام تمادى و أعادهما ، إلا أن يذكر السجدتين قبل أن يرفع رأسه من الركعة و قبل طول
***(1/365)
[1/368]
قيامه و هو قريب من سلامه ، فليرجع لإصلاح صلاته ، ثم يبتدئ هذه ، و لو كانت نافلة لم يعدها إلا أن يشاء .
في السهو في الوتر ، و ركعتي الفجر ، و النوافل
من (المجموعة) ، قال علي ، عن مالك : و من لم يدر أفي الشفع هو جالس أم في الوتر ، فليسجد للسهو ، ثم يسلم ، ثم يوتر .
و في (المختصر) ، رواية ابن القاسم : يسلم ، ثم يسجد ، ثم يوتر .
و قال محمد بن عبد الحكم : لا سجود عليه ، و ليسلم ، ثم يأتي بالوتر . و قال مالك : و في الحديث دليل عليه .
قال علي ، عن مالك : و من أوتر فظن أنه في ركعتين ، فقام فأوتر ، ثم ذكر ، فأحب إلي أن يسجد لسهوه ، ثم يأتنف الوتر ، فإن لم يفعل ، رجوت أن يجزئه وتره الأول . أراه يريد أنه لم يكن سلم من وتره . و لو كان سلم منه ، ثم أوتر ، ثم ذكر ، لشفع هذا ، و أجزأه الأول .
قال ابن القاسم ، و علي ، عن مالك : و من أوتر ، ثم ذكر أنه كان أوتر أول الليل ، فليشفع وتره هذا . قال المغيرة : و يسجد بعد السلام . أراه يريد : لجلسته . قال عنه علي : و إن تكلم بعده إذا كان قريبا ، و إن طال ، أجزأه وتره الأول . و قال المغيرة : إن خاض في الحديث ، و قام من مكانه ، لم تعد له ركعة ، و يجزئه وتره الأول .
و من شك أوتر أو لم يوتر ، فليقم فليوتر .
قال ابن القاسم ، عن مالك : و إن قرأ في ركعة الوتر بأم القرآن ساهيا ، فلا
***(1/366)
[1/369]
سجود عليه ، و تجزئه .
قال عنه علي : و إن نسي أن يقرأ فيها ، فأحب إلي أن يشفعها بركعة أخرى ، و يسجد للسهو ، ثم يأتي بوتر .
قال سحنون : و من ذكر في تشهد الوتر سجدة ، لا يدري منه أو من إحدى ركعتي الشفع ، فإن تقدم له إشفاع قبل شفعه هذا ، فليسجد سجدة ، و يتشهد و يسلم و يسجد بعد السلام ، و تجزئه . و إن لم يتقدم له إشفاع ، أصلح هذه بسجدة ، و شفعها بركعة ، و سجد لسهوه بعد السلام ، ثم أوتر . و إن أيقن أنها من الشفع ، و لم يتقدمه شفع آخر ، شفع هذه ، ثم أوتر . و إن كان تقدم له شفع صحيح ، سلم و أجزأه وتره هذا .
و من ذكر في الوتر أنه نسي أم القرآن ، لا يدري من الشفع أم من وتره ، فليسجد قبل السلام ، و يعيد شفعه و وتره . و لو كان إنما ذكر سجدة ، يسجدها ، و تشهد ، ثم سلم و سجد للسهو ، ثم أعاد الشفع و الوتر ، فإن تقدم له إشفاع ، فله أن لا يعيد إلا الوتر ، و لو شفع هذا الوتر بركعة ، ثم أوتر ، أجزأه . و إنما اخترت الأول لما كره مالك لمن أحرم على وتر أن يشفعه .
قال علي ، عن مالك : و إذا لم يسلم من الشفع حتى قام فليرجع ، ما لم يركع ، فإذا ركع تمادى ، و أجزأه .
قال أشهب ، في (كتاب ابن المواز) : يرجع ما لم يرفع رأسه من الركوع ، فإذا رفع أتم الثالثة و سجد . قال محمد : يريد سجد قبل السلام .
قال سحنون ، في(المجموعة) : و إن شاء مضى على وتره ، و إن شاء أتمها
***(1/367)
[1/370]
أربعًا ثم سجد للسهو – يريد : قبل السلام ، على قول ابن القاسم – ثم أوتر .
و من (كتاب ابن المواز) , و من أوتر , ثم شك , هل شفع وتره أم لا , فقيل : يسلم و يسجد لسهوه . و قيل : يأتي بوتر آخر . و هو أحب إلي , و ليس كمن زاد في المكتوبة ركعة , و هو كمن زاد في النافلة ثالثة , فليتمها أربعا , أو كمن زاد في صلاة السفر ركعة , فليتم أربعة , ثم يعيد في الوقت .
و في الجزء الثالث باب في الوتر , فيه بقية القول فيه .
و من (المجموعة) , قال ابن القاسم : و من تنفل , فزاد ثالثة , فأحب إلي أن يرجع , ما لم يرفع رأسه منها . و اختلف فيه قول مالك , فإن رفع رأسه تم أربعة , و سجد قبل السلام . و قال أشهب : يسجد بعد السلام . و ليس ذلك بواجب . و روى علي , عن مالك , أنه يسجد بعد السلام .
قال علي , عن مالك , في من لم يدر في النافلة , أصلى ركعة أو ركعتين , فبنى على ركعة , فلما صلى ثانية أيقن أنها ثالثة , فليأت برابعة , و يسجد بعد السلام .
قال علي , عن مالك : و لو قام من اثنتين , فلم يجلس , رجع , ما لم يركع ثالثة , فإذا ركع , زاد رابعة , و سجد قبل السلام .
و من (العتبية), عن سحنون , عن ابن القاسم : و من سها عن السلام في النافلة حتى طال ذلك , و تحدث , فأحب إلي أن يعيدها . يريد السجود للسهو . قال سحنون : لاختلاف الناس , و أرى أن يسجد متى ما ذكر , و لا يحدث سلاما ؛ لأن طول حديثه كالسلام , لأنه لو دخل بعد طول حديثه في مكتوبة بأثرها , لم
***(1/368)
[1/371]
تفسد مكتوبته يريد : بعد طول عن النافلة .
قال ابن القاسم , عن مالك : و من قام إلى ثالثة في ركعتي الفجر , فليرجع , فإن صلى رابعة , و سجد لسهوه , فأحب إلي أن يعيد .
و في (كتاب ابن سحنون) , و من صلى ركعتي الفجر ثلاثا , فليعدها . أراه استحبابا , و لم يأمره يأتي برابعة يجعلها نافلة , و يعيد ؛ لأنه وقت لا يتنفل فيه .
في من ذكر سجدة أو ركعة بعد أن سلم , و هو
وحده , أو خلف إمام وجد ما يبني فيه إذا
انصرف
من (المجموعة) , قال ابن القاسم , عن مالك : و من ذكر بعد أن سلم سجدة , أو ركعة , فليبن فيما قرب . قال عنه على : يرجع , ما لم يطل أو يكثر من الكلام , أو يخرج من المسجد , أو ينقض وضوءه . و لو خرج إلى باب المسجد , أو قريب من مصلاه , فليرجع , و يبني , و لا يرجع إذا بنى إلا بإحرام .
قال أشهب : و إذا كان لابد من الحد في ذلك , فخروجه من المسجد حد حسن في القطع . و إذا كان في غير مسجد , فأستحسن أن لا يكون قطعا أن يجاوز الصفوف بمقدار أن يصلي بصلاتهم .
قال سحنون , في من ذكر سجدة بعد سلام الإمام : ابتدأ تلك الركعة . و قاله المغيرة , و ابن القاسم , و عبد الملك . قال المغيرة : و لا يعمل ركعة نصفها مع
***(1/369)
[1/372]
الإمام , و نصفها وحده . قال عبد الملك : و لا يقضي بعده أقل من ركعة . و ذكر ابن حبيب , عن عبد الملك , أنه يسجد بعد الإمام سجدة , و تجزئه .
و من (كتاب ابن سحنون) : و إذا ذكر الإمام , أو المصلي وحده , بعد ما سلم من الصبح , سجدة من الثانية , فليبتدئ ركعة , و يسجد بعد السلام , و سلامه كعقد ركعة , فإن أيقن من خلف الإمام أنه يسجد سجدة , فلا يتبعوه , إلا في سجود السهو فقط .
و لو ذكر بعد سلامه مع الإمام أربع سجدات مجتمعات , لا يدري من أي ركعة , فلا يسجد , و ليأت بركعتين بأم القرآن و سورة في كل ركعة , و يسجد بعد السلام . و لو ذكرها قبل يسلم , سجد سجدتين , ثم فعل ما ذكرنا , بعد سلام الإمام . و في باب من ذكر سجدة و هو مأموم من هذا المعنى .
في من ذكر سجدة فأكثر , أو الركوع , و هو في
آخر صلاته , أو قبل آخرها , أو شك في
ذلك , و كيف إن كان ذلك مع إمام
من (المجموعة), قال أشهب : في من ركع في الأولى و لم يسجد , و أكمل الثانية , و سجد الثالثة , و لم يركع في الثالثة , فليعتد بركعة في الثانية ,
***(1/370)
[1/373]
و يبني و يسجد بعد السلام . و لو سجد في الأولى و لم يركع في الثانية و لم يسجد , و أكمل الثالثة , فعليها يبني ثلاثا , و يسجد بعد السلام . قال ابن عبدوس : بل قبل السلام ؛ لنقصه القراءة في التي صارت أولاه . و إن ترك السجود في الأولى و الثانية , و سجد في الثالثة و لم يركع , فلم يصح له شيء , و لا يضيف هاتين السجدتين إلى الثانية , و ليأتنف لها سجدتين , فتصبح له ركعة يبني عليها , و يسجد بعد السلام .
و من (كتاب ابن سحنون) , و الجالس في الرابعة إن ذكر الركوع منها و سجدة من الثالثة و الجلوس من الثانية , فليسجد سجدة يتم بها الثالثة , و يأتي برابعة , و يسجد قبل السلام ؛ لنقص جلوس الثانية .
و من (المجموعة) , قال عبد الملك : و من كان قائما في الثانية , فذكر سجدة من الأولى , أو شك فيها , فليرجع جالسا , ثم يسجدها . و كذلك لو كان مع الإمام , إلاَّ أن يخاف أن يرفع من ركوع الثانية , فليتبعه فيها ، و يقضي ركعة . و لو شك في قيامه في الثالثة ، و هو وحده في سجدة لا يدري من الأولى أو من الثانية ، فليرجع فيسجد ، ثم يتشهد ، و لعله يتذكر أنها منها . قال : ثم يبني على ركعة ، و يسجد بعد السَّلام . و لو شك ، و هو قائم في الركعة الثالثة في سجدة لا يدري من أي ركعة ، فليسجد ، و يتشهد و يبني على رَكْعَتَيْنِ ، و يسجد قبل السَّلام ، و هو في القراءة بان ؛ لأنه وحده ، و قد نقص السورة من الثانية على اليقين ، و زاد . و إن ذكر في جلوس الرابعة سجدة لا يدري من أي ركعة ، سجد سجدة ، و يتشهد ، و يبني على ثلاث ركعات ، و سجد قبل السَّلام ، لأنها قد تكون من الأولى أو الثانية ، فتصير الثالثة ثانية ، و قد نقص فيها الجلوس ، و نقص القراءة .
***(1/371)
[1/374]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون فيه : إذا ذكرها في قيام الثانية ، لا يدري من أي ركعة ، أنه إذا خرج بسجدة فلا يجلس ، و يبني على ركعته ، و أما لو كان قائما في الرابعة ، فيجلس و يتشهد إذا سجد ، و يبني على اليقين . و لو ذكرها في تشهد الرابعة ، سجدها و قام فأتى بركعة . و ذكر في سُجُود السهو في ذلك كله كما ذكر ابن عبدوس ، قال : و اليقين بهذه السجدة و الشك فيها سواء ، إذا لم يدر من أي ركعة هي .
و ذكر ابن الْمَوَّاز ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون ، أنه يرجع إلى حال التَّشَهُّد إذا ذكرها في بدء الثانية . قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : لا يرجع إلى حال التَّشَهُّد . و أما إذا ذكرها في جلوس الثانية ، و هو مع إمام ، فمذكور بعد هذا .
و من (كتاب ابن الْمَوَّاز) ، و من ذكر في جلوس الثانية سجدة من الأولى ، و ركوع الثانية ، فليسجد سجدة يتم الأولى ، و يبني عليها . و لو ذكرها و هو راكع في الثانية ، فروى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، أنه يركع بها ، ما لم يرفع رأسه من الثانية . و قاله مالك . و رَوَى أن عقد الركعة رفع الرأس . و قال أشهب عن مالك : إن إمكان يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ فوت . و قاله أصبغ . قال محمد : و تأديه أَحَبُّ إِلَيَّ ، و هو إِنَّمَا تصح به ركعة بكل حال ، فيتمادى على هذه ، و يكون أولى ، و يسجد بعد السَّلام ، ولو أعاد الصلاة لكان حسنا ، و ليس بلازم .
و ذكر في (المستخرجة) رِوَايَة أشهب هذه ، و قال : فإن لم يطمئن ، فلا يرفع رأسه منها ، و ليخر بسجدته ، ثم يبتدئ قِرَاءَة الثانية . و قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : يجلس ثم يسجد . و ابن القاسم يرى عقد الركعة رفع رأسه منها . قال سحنون : هذا أَحَبُّ إِلَيَّ في كل شيء ، إلاَّ في الخروج من فَرِيضَة إلى نافلة ، فإنه إذا أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ في ركوعه النافلة ، بطلت الفريضة عندي .
***(1/372)
[1/375]
و من (كتاب ابن الْمَوَّاز) : و لو ذكر في جلوس الثانية ، و في قيام الثالثة ، سجدة لا يدري من أي ركعة ، فليسجد سجدة ، فتصح هذه ، و يبني عليها ، و يسجد بعد السَّلام . و كذلك إن ذكر سجدتين ، و لكن هذا يسجد سجدتين . و من ذكر في قيام الرابعة سجدتين ، لا يدري من ركعة أو من رَكْعَتَيْنِ ، فكذلك للسجدتين ، و يبني على ركعة ، و يسجد قبل السَّلام ، لأن التي بني عليها لم يقرأ فيها إلاَّ بأم القرآن . و كان أصبغ و أبو زيد يقولان : لا يخر بشيء ، و يبني على ركعته ، أو لا يَصِحُّ له غير ركعة . و قاله أشهب في مَنْ ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة ، إنه يلغي ركعة ، و لا يخر بسجدة . قال محمد : لا يُعْجِبُنِي ، و هو خلاف مالك و أصحابه أن يدع إصلاح ركعة هو فيها يقدر على إصلاحها ، و لقد قال عبد الملك في الذاكر سجدة في قيام الثالثة ، لا يدري من أي ركعة : إنه يسجد و يتشهد . قال : كما أمرته أن يتشهد . قال : فكذلك أمرته أن يجلس و يتشهد ، و لا يترك تمامها ، على ما أمكن منها . قال محمد : و لا آمره أن يجلس ؛ لأنه بعد أن يسجد ، كمن قال : لا أدري ، أصليت وَاحِدَة أو اثنين . فهذا لا يجلس ، و يبني على ركعة . و ذكر ابن حبيب ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون مثل اختيار ابن الْمَوَّاز . و قد تقدم هذا .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : و أما من قضى ركعة ، فأتمها مع الإمام ، ثم شك قبل التَّشَهُّد في سجدة أو مما أدرك ، فهذا يسجد بعد السَّلام . و قال عبد الملك . و هي خلاف الأولى ؛ لأن هذه آخر صلاة الإمام ، فلا يقضي إلاَّ بعد فراغه مما أدرك معه ، و قد أدرك التَّشَهُّد في الجلوس . و من (كتاب ابن سحنون) : و من ذكر في تشهد الرابعة سجدة منها ، سجدها ، و أعاد التَّشَهُّد ، و لا يسجد لسهوه ، إلاَّ أن يطيل
***(1/373)
[1/376]
الجلوس بين السجدتين . و قاله ابن القاسم .
و لو ذكر سجدتين ، لا يدري مجتمعتين أو مفترقتين ، فليسجد سجدتين ، و يتشهد ، و يأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة ، و يسجد قبل السَّلام . و لو كان مع إمام ، سجد سجدتين ، و أتى بعده بركعتين ، و يقضي بأم القرآن و سورة في كليهما ، و يسجد بعد السَّلام . و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيد الصلاة في المسألتين .
و لو ذكر ثلاث سجدات ، و هو وحده ، لا يدري كيف هي ، يسجد سجدتين ، و لا يَتَشَهَّد ، و يقوم فيأتي بركعة بأم القرآن و سورة ، و يجلس ، ثم بركعتين بأم القرآن في كليهما ، و يسجد قبل السَّلام . و لو كان مع إمام يسجد سجدتين ، فإذا سلم إمامه ، قام فأتى بركعة بأم القرآن و سورة ، و يجلس ، و أخرى كذلك و يقوم ، و أخرى بأم القرآن ، و يسجد بعد السَّلام . كذلك الجواب إن ذكر أربع سجدات .
و لو ذكر أربع سجدات مجتمعات ، لا يدري من أي ركعة ، و هو وحده ، سجد سجدتين ، و يَتَشَهَّد ، و بني على رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن كل ركعة ، و سجد قبل السَّلام . و لو كان خلف إمام ، قرأ في ركعته بأم القرآن و سورة فيهما ، و سجد بعد السلام .
و لو ذكر بعد السَّلام من الرابعة - يريد : و هو وحده – فإنه يسجد سجدتين ، ثم يبني على ركعة ، و يسجد قبل السلام .
و لو ذكر في قيام الثالثة سجدتين من الثانية ، سجدهما ، و تَشَهُّد و بنى على رَكْعَتَيْنِ ، و يسجد بعد السَّلام .
و من ذكر فِي تَّشَهُّدِ الصُّبْح الرُّكُوع من إحدى ركعتيه ، و السُّجُود من الأخرى ، و لا يدري أيهما ، فليسجد سجدتين ، و يبني على ركعة ، و يسجد لسهوه بعد السَّلام . و كذلك لو أيقن أن السُّجُود من الأولى فالجواب سواء .
***(1/374)
[1/377]
و من (العتبية) ، من سماع أشهب : و من أهوى للسجود ، فذكر أنه لم يركع ، فليرجع قائما ، ثم يركع ، و لو قرأ لكان أَحَبُّ إِلَيَّ ، و يسجد بعد السَّلام .
و من سماع عيسى ، عَنِ ابْنِ القاسم : و من ذكر فِي تَّشَهُّدِ الثانية سجدة من الأولى ، فيأت بركعة ، يقرأ فيها بأم القرآن و سورة ، ثم يجلس فتكون له ثانية ، ثم يبني ، و يسجد لسهوه بعد السَّلام . و إن ذكرها بعد رفع رأسه من ركوع الثالثة ، جعلها ثانية ، و سجد لسهوه قبل السَّلام ؛ لأنه نقص فيها القراءة . فإن ذكرها في قيام الرابعة ، بنى و سجد قبل السَّلام ؛ لأنه زاد و نقص . و رَوَى عن مالك ، أنه يسجد بعد السلام .
و إن ذكرها في آخر الرابعة ، فليأت بركعة بأم القرآن ، و يسجد للسهو قبل السَّلام . و قَالَ ابْنُ وهب : بل يقرأ فيها بأم القرآن و سورة ، ثم يسجد لسهوه بعد السَّلام . و قول ابن القاسم أَحَبُّ إِلَيْنَا . قال يحيى بن عمر : قول ابن وهب غلط . و في الباب الذي يلي هذا شيء من معاني هذا الباب .
في مَنْ ذكر سجدة ، و هو مأموم
من (المجموعة) ، قَالَ ابْنُ عبدوس : و إذا كان مع الإمام في قيام الثانية ، فذكر سجدة ، أو شك فيها ، فإن طمع أن يسجدها قبل الإمام رفع الإمام رأسه ، فعل ، ثم لا يسجد للسهو ، و إن لم يطمع بذلك ، تَمَادَى ، و أتى بركعة بعد سلام الإمام ،
***(1/375)
[1/378]
يقرأ فيها بأم القرآن و سورة ، فإن كان موقنا بالسجدة ، فلا يسجد للسهو ، و إن كان على شك سجد بعد السَّلام ، خوف أن تكون الركعة زيادة . و لو كان في قيام الثالثة ، و المسألة بحالها ، فإن طمع أن لا تفوته الركعة ، خر فسجد ، ثم اتبع الإمام في قيامه ، فإذا سلم ، أتى هو بركعة بأم القرآن و سورة ؛ لأنه قاض ، و لعلها من الأولى ، و يسجد بعد السَّلام ، إذ لعله أصاب بالسجدة موضعها ، و الركعة زيادة . وإن أيقن بسلامه للثانية ، فيختلف يقينه و شكه ، فإن أيقن بالسجدة ، قضى ركعة ، و لا يسجد للسهو ، و إن شك فيها ، سجد بعد السَّلام . و كذلك إن شك أن تكون من الأولى أو من الثانية ، و لم يدرك أن يخِرَّ بسجدة في الثانية ، و تَمَادَى ، فليقض بعد الإمام ركعة بأم القرآن و سورة ، ثم يسجد بعد السَّلام ؛ إذ لعله لم يَبْقَ عليه شيء ، فيصير سهوه بعد الإمام . و إن أيقن أنها باقية من إحداهما ، لم يسجدْ للسهو . و كل ما ذكر ابن عبدوس من تفريع هذه المسألة ، فقد ذكر نحوه ابن الْمَوَّاز .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : و المأموم فيما يفوته أو يسهو عنه قاض ، و أما الإمام ، و الرجل وحده فبانٍ . هذا قول المدنيين ، و إليه رجع ابن عبد الحكم ، و قاله ابن المَاجِشُون .
و من المجموعة قال عبد الملك : و إن شك ، و هو قائم مع الإمام في الرابعة ، في سجدة لا يدري من أي ركعة فليخرَّ بسجدة ، ثم يرجع مع الإمام ، و يأتي بركعة بعد سلامه بأم القرآن و سورة ؛ إذ قد تكون السجدة من إحدى الركعتين الأوليين ، ثم يسجد بعد السلام ؛ إذ لعله جعل السجدة بوضعها و تصير الركعة زائدة ، و لا سهو عليه فيما كان مع الإمام .
قال سَحْنُون : و كذلك لو ذكر في تَشَهُّد الرابعة مع الإمام سجدة ، لا يدري من أي ركعة ، فإنه يسجدها ، و يأتي بركعة قضاءً ، ثم يسجد بعد السَّلام . و لو ذكرها
***(1/376)
[1/379]
بعد السَّلام لأتى بالركعة ، و لم يسجد السجدة ، و لا يسجد للسهو؛ لأنه مما يحمله الإمام ، و لم تَرِدْ بعده زيادة يسجد لها؛ لأنه موقن أن السجدة باقية ، و لم يسجدها في الرابعة ، فيحتمل أن يكون صادفها ، و إِنَّمَا يحتمل أن يكون زاد بعد الإمام قِرَاءَة السورة ، و ليس يسجد في هذا .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و إذا ذكر المأموم سجدة قد جاوزها من الأولى أو غيرها ، فلا يسجد للسهو إذا قضاها ، و لو كان في السجدة شاكًّا ، لسجد للسهو بعد السَّلام بعد قضائها ، و لو كان وحده ، سجد للسهو بعد السَّلام ، في شكِّه و يقينه . و إذا أيقن بسلامة الأوليين ، و ذكر في الرابعة سجدة من الثالثة و هو وحده فإن سُجُوده بعد السَّلام . و إن لم يدر من أي ركعة ، أو ذكرها من إحدى الأوليين . فسجوده قبل السَّلام .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و ابن وهب : و إذا ذكر المأموم سجدة ، و هو قائم في الثانية ، فليهو ساجدًا . و قال عبد الملك : بل يجلس ، ثم يسجد . و إن ذكرها حين ركع الإمام ، فليتبعه . و كذلك بعد رفعه رأسه ، أو في الثالثة ، ثم يقضي ركعة بعد سلامه . قال أبو محمد : أما إذا ذكرها ، و هو واقف في الثالثة ، فقول ابن القاسم أبين أن يهوي إلى السُّجُود ، و لا يجلس ؛ لأنه من الجلوس قام .
و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و إن شكّ المأموم أن يكون ركع مع الإمام الركعة الأولى ، و هو فِي التَّشَهُّدِ الآخر ، فليسلم معه ، و لا يأتي بركعة ، فلعلها خامسة ، و ليُعِدِ الصلاة .
***(1/377)
[1/380]
و قال في المجموعة ، ابن القاسم ، عن مالك في مَنْ شك مع الإمام ، فلم يدر أفاتته ركعة أو رَكْعَتَيْنِ ، أو أتمَّها ، قال : يُتِمُّ على ما يوقن ، ثم يسجد بعد السَّلام ، كما يفعل لنفسه .
و في الباب الذي بعده هذا الباب من معاني هذا الباب .
في الإمام يذكر سجدة ، أو ركعة ، أو يشكُّ
فيها و من خلفه في يقين أو شكٍّ و قد سجدوها
دونه ، و هل يتَّبعه من فاتته ركعة فيما يأتي به
من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و إذا ذكر الإمام ، و هو قائم في الثالثة ، سجدة من الثانية ، و قد سجدها القوم ، فليسجد ، و يتبعه من خلفه فيها ، و لو أحدث فقدَّم من سجدها ، فليسجدها بهم هذا المستخْلَف ، فإن لم سيجدها بهم ، و أتمَّ بهم الصلاة ، فقد أفسد عليه و عليهم .
و لو ذكر في الرابعة سجدة من الأولى ، قد سجدها كلُّ من خلفه و منهم من فاتته الأولى ، فهذا يصير كمن تقدَّم بقوم بعد أن فاتته ركعة ، فيشير إليهم ، بعد تمام الرابعة ، حَتَّى يقضي ركعة بأم القرآن و سورة ، و يسجد بعد السَّلام ، و لا يتبعه فيها من فاتته الركعة ، و ليقضوها بعد سلامه . انظر كيف يسجد بعد السَّلام ، و قد صارت ثالثته ثانية ، و هو لم يجلس فيها ، و نقص فيها القراءة ، و كيف يأتي بركعة يقرأ فيها بأم القرآن و سورة ، و هو بانٍ ؛ لأنه إمام ، فإن جعلته كمأموم ، فما بال نقصان الجلوس ، و لم يكن له إمام يحمل ذلك عنه . و إن كان القوم لم يسجدوها أو لم
***(1/378)
[1/381]
يسجدها بعضهم ، فها هنا يصير إمامًا بانيًا في الركعة التي يأتي بها ، و يتبعه فيها من فاتته الأولى ، و يقرأ فيها بأم القرآن فقط ، و يسجد قبل السَّلام ، و يصير كمن قام من اثنتين .
و قال في باب آخَرَ : إذا ترك السجدة بعضهم ، فلا يتبعه في الركعة أحد منهم ، إلاَّ أنه من سجدها منهم في سُجُود السهو . و إن كان الإمام على شكٍّ من السجدة ، فمن شكَّ منهم كشكِّه ، فليتبعه ، و من أيقن أنها من الأولى ، أو من ركعة بعينها ، فلا يتبعه ، و يصير الإمام كشاكٍّ في ركعة فأتى بها فدخل معه الآن أحد فيها منهم ، فلا صلاة له ، و لكن يُؤْمَر أن يأتي بعد سلام الإمام بثلاث ركعات ، رجاء أن تكون صحيحة ، ثم يُعِيد الصلاة .
و من فاتته مع الإمام ركعة ، فذكر الإمام في تَشَهُّد الرابعة سجدة من الثانية ، و هذا الداخل قد سجدها ، و لم يسجدها الآخرون ، فليتبع الإمام في الركعة التي يأتي بها من يسجدها و من لم يسجدها ، و إن لم ينسها أحد منهم ، فلا يتبعه أحد في هذه الركعة . و لو ذكر السجدة من الأولى ، و كل من خلفه موقن بتمامها ، و ذكر واحد منها سجدة من الثانية ، فلا يتبع الإمام هذا الذاكر للسجدة . في الركعة التي يأتي بها ، و ليقض ركعة بعد سلامه .
و إذا دخل معه قوم في الثانية من الصُّبْح ، ثم ذكر في آخرها سجدة ، لا يدري من أي ركعة ، فليخرَّ بسجدة ، و يسجدون معه إن شكُّوا ، ثم بركعة ، و لا يتبعوه فيها ، إلاَّ أن يوقنوا بسلامة الثانية ، و الإمام موقن ببقاء سجدة من إحداهما ، فليتبعوه ، و إلاَّ فلا .
و إذا لم يدر الإمام كم صَلَّى ، أثلاثًا أم أربعًا ، فليأت بركعة ، و ليتبعه من معه
***(1/379)
[1/382]
من أَوَّل صلاته ، إن كانوا شكُّوا ، فإن لم يتبعوه أبطلوا ، إلاَّ أن يوقنوا بعد ذلك أنها زائدة ، فتجزئهم و قد أساءوا, فإن دخل معه أحد في هذه الركعة ، فلا يتبعه فيها ، فإن فعل ، أبطل صلاته ، و لكن لا آمره بالقطع حين سلَّم الإمام و أعلمهم بشكِّه ، و ليتمَّ عليها تمام أربع ، ثم يعيدها ، إذ لعل الركعة لم تكن ملزمة . و كذلك لا يتبعه فيها من فاتته ركعة ، و ليقضوا بعد سلامه ، و أُحِبُّ لهم أن يُعِيدُوا ، خوفًا أن تكون الركعة عليه ، و لم يتبعوه فيها .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إذا سجد الإمام سجدة ، ثم قام ، فاتبعه قوم عامدون ، و قوم ساهون ، و سجد الباقون السجدة الثانية و قاموا ، ثم ذكر الإمام قبل الرُّكُوع ، فرجع فسجدها ، فلا يعيدها معه من سجدها ، و إن لم يذكرها حَتَّى ركع ، مضى ، و يجزئ الذين سجدوا ، فإذا قام هو يأتي بركعة بدلاً من التي ترك منها السجدة ، فلا يتبعه فيها من سجد ، و ليتبعه فيها الساهون ، و يسجد بعد السَّلام ، و يسجد معه للسهو من كان سجد السجدة ، و من كان لم يسجدها ، و تبطل صلاة العامدين ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيد الذين سجدوا الصلاة ، و ذلك خير عندي من إعادتهم السجدة ، و خير مِنْ أَن يتبعوه في الركعة فتكون خامسة . قال أَصْبَغُ : و لا يُعْجِبُنِي ، و أرى إن رجع الإمام قبل الركعة ، فسجد و سجدوا معه ، أن تجزئهم ، و إلاَّ فلا . و هذا فقه هذه المسألة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إذا
***(1/380)
[1/383]
شعر قبل يركع الثانية ، رجع فسجدها ، و لا يسجد معه من سجدها ، و يسجد معه من سها بسهوه ، و تُجْزِئُ جميعهم ، إلى من اتبعه عامدًا ، و إذا تَمَادَى ، ثم عمل على إسقاط تلك الركعة ، و بنى على ذلك ، فصلاته و صلاة من سها بسهوه تامة ، و صلاة من اتبعه عامدًا فاسدة ، و صلاة الساجدين لأنفسهم فاسدة؛ لاختلاف بناء الصلاة منهم و من إمامهم . و كذلك قال مُطَرِّف ، و أصبغ : يريد ابن حبيب : عمل على إسقاطها بعد أن عقد الثانية . فأما إن علم قبل أن يعقدها ، فترك إصلاح الأولى عامدًا ، و تَمَادَى فقد أفسد .
و من المجموعة ، قال سَحْنُون : و إذا صَلَّى الإمام ركعة وحده ، ثم دخل معه قوم ، فَصَلَّى معهم الثانية ، فذكر في تشهدها سجدة لا يدري من أي ركعة ، فليسجد سجدة ، و ليتشهد ، و يبني على ركعته هذه ، و تكون أَوَّل صلاته ، فإن أيقن من خلفه بسلامة ركعته هذه ، فلا يسجدوا معه . قال في كتاب ابنه : و ليقوموا ، و لا يقعدوا . قالا عن سَحْنُون : و يَنْبَغِي له أن يرجع إلى يقينه في شكِّه . قال عنه ابنه : فإن فم ينتبهْ ، و عم على يقين نفسه ، قالا عنه : فليتبعوه في كل ركعة في جلوسها و قيامها و قراءتها ، ليقينهم ببطلان الأولى ، و ليسجدوا معه بعد السَّلام ، و عليهم اتباعه في سُجُود السهو ، و إن لم يدركوا معه ما سها فيه . فإن شكَّ القوم في السجدة أن تكون من الثانية ، فليتبعوه في السجدة ، و فيما يُصَلَّى بعدها على قيامه و جلوسه ، إلاَّ في الرابعة على اليقين ، و خامسة على الشك ، فلا يتبعوه فيها ، و ليثبتوا قياما – و في كتاب ابن عبدوس جلوسًا – إذ لعلها لا تجب عليه ، فلا يعتدُّون بها فيما فاتهم . و لو أيقنوا أن السجدة من التب أدركوا ، لثبتوا جلوسًا في الخامسة عندهم ثم رجع عن قوله : "إذا شكُّوا" . فقال : بل يتَّبعونه في الخامسة على الشك ، رجاء أن تكون رابعة على اليقين ، ثم يقضون بعد سلامه ركعة
***(1/381)
[1/384]
بأم القرآن و سورة ، إذ لعل السجدة من التي أدركوا فتكون الآخِرَة خامسة لا يُعْتدُّ بها . قَالَ ابْنُ سَحْنُون : و يسجدون بعد السَّلام . قال : و إن أيقنوا أن السجدة من التي أدركوا معه ، صارت ثانية تامة ، فإذا قام إلى الثالثة عندهم ، و هي عنده على الشكِّ ثانية ، صلَّوها معه ، و جلس هو فيها و قاموا هم ، كإمام قعد في الثالثة ، فإذا قام إلى الرابعة عندهم ، فليصلُّوا معه ، و هو يقوم فيها ؛ لأنه يعمل على أنها ثالثة ، فإذا قام إلى رابعة على اليقين ، فليقعدوا ، و لا يتبعوه ؛ لأنها خامسة عندهم ، فإذا أتمها و سلَّم و سجد للسهو ، لم يسجدوا معه حَتَّى يقضوا الركعة التي فاتتهم بأم القرآن و سوة . قَالَ ابْنُ سَحْنُون : و قد قال يسجد قبل السَّلام . و قوله : بعد السَّلام . أَحَبُّ إِلَيَّ .
و لو صَلَّى بهم الثلاث ركعت تامات ، ثم ذكر سجدة ، لا يدري منهن أو من الأولى ، فليسجد سجدة ، و يَتَشَهَّد ، و يأتي بركعة بأم القرآن ، و لم يسجدوا معه ، و سبَّحوا ، و يصلُّون معه الركعة التي يحتاط بها؛ لأنها من صلب صلاتهم في يقينهم ، و يسجدون معه قبل السَّلام . و إن شكُّوا بشكِّه سجدوا معه سجدة التحري ، و ثبتوا جلوسًا ، و لم يتَّبعوه في ركعة الاحتياط ، و سجدوا معه للسهو قبل السَّلام ، فإن سلم صلوا رَكْعَتَيْنِ ، ركعة بأم القرآن بناءً ، و أخرى بأم القرآن و سورة ، بدءوا بالبناء قبل القضاء ، كالراعف في الثالثة ، و قد سبقه إمامه بركعة ، فرجع بعد ما سلم . ثم رجع سَحْنُون ، فقال : يقرأ أَوَّلاً بأم القرن و سورة ، ثم الرابعة بعد بأم القرآن ، كمن فاتته ثلاث ركعات ، فيقضي أَوَّلاً بأول . قَالَ ابْنُ عبدوس : و عليهم سُجُود السهو بعد السَّلام ؛ لاحْتِمَال أن تكون إحدى الركعتين اللتين يأتي بهما زيادة إن كانت السجدة من الرابعة ، و قد سجدها الإمام ، فصار سهوهم بعد ، فلا يجزئهم ما سجدوا للسهو معه ، و الذي رجع إليه في ركعة الاحتياط أن يتَّبعوه فيها ، يقضوا الأولى ، و يسلموا ، ثم يسجدوا للسهو .
***(1/382)
[1/385]
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و من فاتته ركعة مع الإمام ، فما جلس الإمام في الرابعة ذكر سجدة من إحدى الثلاث التي أدرك هذا معه ، و أحدث ، و استخلف على ذلك ، و الذي فاتته ركعة موقن بسلامة الثلاث ، فلا يتَّبع المستخلف في الركعة ، و لو استخلفه هو ، فلا يصليها بهم ، و لا يقضي التي بقيت عليه حَتَّى يستخلف من يُصَلِّي بهم ما استُخْلِفَ عليه ، ثم يقضي هذا بعده . و لو صَلَّى هذا بهم ركعة ، و أشار إليهم حَتَّى قضى ركعة لأعاد هو ، و أعادوا؛ لأنه زاد ركعة ليست عليه ، و لو لم يصل بهم إلاَّ تمام الثلاث بركعته ، و سلَّمَ , و انصرفوا لأعادوا هم ، و سجد هو للسهو قبل السَّلام ، و تُجْزِئُهُ ؛ لأنه نقص أن يجلس بالقوم عند تمام صلاتهم ، كذلك يقوم للقضاء ، كأنه يظن أنه ليس عليه .
قال : و إذا أدرك من الظهر رَكْعَتَيْنِ ، ثم ذكر الإمام سجدة ، لا يدري من أي ركعة ، و ذكر المأموم سجدة من إحدى رَكْعَتَيْنِ ، فليسجد مع الإمام سجدة ، و يتبعه في ركعة يأتي بها بأم القرآن ، و يسجد معه قبل السلام ، و يقضي بعده رَكْعَتَيْنِ ، ثم رجع محمد ، فقال : يتبعه في سجده ، و في ركعته ، و في سجدتي سهوه ، ثم يسلِّم بسلامه ، ثم يبتدئ الصلاة ؛ لأن الركعة التي أتى بها الإمام قد تكون ليست عليه . و إن كانت السجدة من الرابعة ، و هذا هي عليه بيقين ، و الركعتين اللتين فاتتا لعلهما عله قضاء فذًّا ، فلا يُجْزِئه أن يأتمَّ به فيهم .
في الإمام يدع سجدة ، فيُسَبَّح به ، فلا يرجع
أو يترك سُجُود السهو و في رجوع الإمام في
شكِّه إلى يقين من خلفه ، و رجوعهم إلى يقينه في
شكهم ، و هل يُقبل قول من ليس معهم في صلاة
من المجموعة ، قال سَحْنُون ، في إمام صَلَّى ركعة ، و سجد سجدة ، و قام
***(1/383)
[1/386]
ساهيًا فليُسبِّحوا به ، ما لم يخافوا أن يعقد الركعة ، فيقوموا حينئذ ، فيصلوها معه . فتكون أولى صلاتهم ، و تبطل الأولى ، فإذا جلس فيها قاموا ، فإذا صَلَّى الثالثة عنده ، و قام فليقوموا ، كإمام قام من اثنتين ، فإذا صَلَّى بهم الرابعة عنده ، و جلس فليقوموا ، كإمام قعد في ثالثة ، فإن استفاق الإمام قام فَصَلَّى بهم الركعة بأم القرآن ، و سجد قبل السَّلام ، و سلام الإمام ها هنا على السهو بمنزلة الحدث .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم : و إذا شكَّ الإمام فبنى على يقينه ، فلم يرُدَّ عليه من خلفه ، فلما سلَّم ، فقالوا : قد تمَّتْ صلاتك . فلا سُجُود عليه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا عليهم . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و إن لم يوقنوا سجد بهم . قال : و لا يرجع إلاَّ إلى يقين من معه فِي الصَّلاَةِ إذا شكَّ .
و من سماع أشهب : و إن قام من اثنتين فجبذوا ثوبه ليرجع فأبى ، فلم يزالوا به حَتَّى جلس ، فليسجدْ بعد السَّلام ، و إن سجد قبل السَّلام أجزأه .
قيل : أبلغك أن ربيعة صَلَّى خلف إمام ، فأطال التَّشَهُّد ، فخاف ربيعة أن يُسلِّم قبل يسجد للسهو ، فكلَّمه ، فقال له : إنهما قبل السَّلام . قال : لا ، و لو بلغني ما تحَدَّثتُ به أيتكلَّمُ فِي الصَّلاَةِ!
و من سماع عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إذا قام إمام إلى خامسة ، أو جلس في ثالثة ، فسُبِّح به ، فلم يرجع إليهم ، فكلَّمه أحدهم ، أو سألهم الإمام ، فذلك جائز ، و ليرجعْ فيما شكَّ فيه إليهم ، و يجزئهم .
و من الواضحة ، و إذا سلَّم على يقين ، ثم شكَّ ، فله أن يبني على يقينه . و إن كان إمامًا ، فسأل من خلفه ، فأخبروه أنه لم يتمَّ ، فقد أحسن ، و ليُتِمَّ ما بقيَ ،
***(1/384)
[1/387]
و يجزئهم . و لو شك قبل أن يسلم ، لم يجز له أن يسأل أحدًا؛ إمامًا كان أو مأمومًا ، فإن فعل استأنف و لم يبنِ . و إما من عرض له شكٌّ بعد أن سلَّمَ فليسألهم ، و إذا شكَّ فِي الصَّلاَةِ فليبنِ على يقينه ، إلاَّ أن يُسَبِّحوا به ، فليرجع إلى يقينهم في شكِّه ، و من لم يبنِ على يقينه ، و سألهم ، أو سلَّم على شكِّه و سألهم ، فقد أبطل صلاته ، إمامًا كان أو مأمومًا . و قاله ابن القاسم و غيره .
قال أَصْبَغُ : و لو كان وحده ، فسلِّم على يقينه ، ثم شكَّ ، فسأل من حوله ، فقد أخطأ ، بخلاف الإمام الذي يلزمه الرجوع إلى يقين من معه .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ نافع ، عن مالك في الرجل في منزله ، فلا يدري أصلى أم لا ، فتقول له امرأته : قد صليتَ . أيصدقها ؟ قال : ليس النساء سواء . قيل : هي ثقة . قال : هو لا يدري أصلى أم لا . و كذلك لو أخبره رجل أنه صَلَّى ، لم يُجْزِئه ذلك ، إلاَّ أن يكون هذا الشكُّ يعتريه غير مَرَّة ، فأرجو أن يُجْزِئه .
و قال المغيرة ، في من لم يدرِ أثلاثًا صَلَّى أم أربعًا ، فسأل من بقرب منه ، فأخبروه أنه أتمَّ أربعًا ، فإن كان في مكتوبة ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيد ، و أما في النافلة فهو خفيف ، و يسجد لسهوه .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في إمام عليه سُجُود للسهو ، فلم يسجد : فليسجدْ مَنْ خلفه . قال المغيرة : يُعْلمونه فيسجد بهم ، فإن انصرف قبل ذلك سجدوا ، كان قبل السَّلام أو بعده .
في الإمام يُصَلِّي خامسة ، فيتبعه بعض من معه ،
و كيف إن قال بعد أن سلَّمَ : ذكرتُ سجدة
من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و عن إمام صَلَّى خامسة ، فاتبعه قوم عامدون ، و قوم
***(1/385)
[1/388]
ساهون ، و جلس الباقون ، فلم يتَّبعوه . قال : فصلاة العامدين فاسدة . و تتمُّ صلاة الساهين و الجالسين ، و لا تبطل صلاة الإمام إذا لم يجتمعْ كل من خلفه على خلافه ، و لو اجتمعوا على خلافه ، فخالفهم في شكِّه لأفسد صلاته ، و السنة أن يرجع إلى يقينهم أجمعين في شكِّه ، و إلاَّ أبطل على نفسه و عليهم ز و لو أنه لما سلم من الخامسة قال : إِنَّمَا كنتُ تركتُ سجدة من الأولى ، فها هنا تبطل صلاة من لم يتبعه . يريد : إن لم يوقنوا بسلامتها . قال : و تصحُّ لمن اتبعه في العمد و السهو . قال سَحْنُون في المجموعة : صلاة الساهين تامة ، و صلاة العامدين باطل ، إن أيقنوا أنه لم يبقَ عليه شيء ، إلاَّ أن يتأوَّلوا أن عليهم اتباع إمامهم ، فأرجو أن يجزئهم ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُعِيدُوا ، و صلاة الجالسين تامة ، إن أيقنوا أنه لم يبقَ عليه شيء . و إن قعدوا على شكٍّ فصلاتهم باطل .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و لو صَلَّى الإمام خامسة سهوًا ، فاتبعه من بقيتْ عليه ركعة فيها ، و هو يعلم أنها خامسة ، فقد أبطل صلاته ، و إن لم يعلم ، فليقض ركعة أخرى ، و يسجد للسهو كما سجد إمامه . و لو قال الإمام : كنتُ أسقطتُ سجدة من الأولى . لأجزتُ هذه الخامسة من اتبعه فيها ، مِمَّنْ فاتته ركعة ، و تُجْزِئُ غيرهم مِمَّنْ خلفه ، إلاَّ أن يقول كل من خلفه إنه لم يُسقط شيئًا . و لا يجزئ من اتبعه مِمَّنْ فاتته ركعة و هو لا يعلم ، و ليأت بها بعد سلامه ، و تُجْزِئُهُ . و من اتبعه ، عالمًا بأنها خامسة مِمَّنْ فاتته ركعة ، أو مِمَّنْ لم تَفُتْه ، فقد بطلت صلاته ، و يَنْبَغِي لمن علم مِمَّنْ فاتته ركعة ألا يتَّبعه فيها ، و يقضي ركعة بعد سلامه . اجْتَمَعَ الإمام
***(1/386)
[1/389]
و كل من خلفه على أنه قد أسقط سجدة من الأولى ، أعاد هذا صلاته ، و لو نسيها الإمام وحده دون من خلفه ، أجزأت هذا صلاته إذا قضى الركعة التي بقيت عليه . و لو قال : أسقطت سجدة من الثانية أو الثالثة . و القوم معه و قد اتبعه هذا في الخامسة ، فذلك جائز له ، و لكن يقضي الأولى التي فاتته ، سواء اتبعه ها هنا عالمًا بأنها خامسة أو غير عالم . أراه يريد : و ليس بموقن بسلامة ما أدرك معه . قال : و لو جلس في الخامسة معه ، ثم ذكر الإمام سجدة لا يدري من أي ركعة ، فلا يسجد سجدة ، لا هو و لا مَن شكّ بشكِّه ، و لا مَن فاتته ركعة ، و ليسجد الإمام للسهو قبل السَّلام ، إلاَّ أن يعلم أن السجدة من إحدى الركعتين الأخيرتين ، فليسجد للسهو بعد السَّلام . و قد تقدَّم ذكر من صَلَّى خامسة ، ثم ذكر سجدة و الاختلاف فيها .
في سهو المأموم مع الإمام ، أو فيما يقضي ،
و كيف إن ظنَّ أنه سلَّم ، فقام للقضاء ، أو
انصرف ، و ذِكْرِ ما يحمله الإمام
من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : و إذا قام المأموم من اثنتين ، ثم جلس ، فالإمام يحمل عنه ذلك ، و كذلك لو تكلَّم سهوًا . قال أشهب : ما يلزمه سهو إمامه كذلك يحمل عنه الإمام . قال عنه عليٌّ : و لا يحمل عنه ركعة و لا سجدة . و إذا أتى بالركعة بعد سلام الإمام ، فلا يسجد للسهو . قال عنه عليٌّ : و من تكلَّم بعد سلام إمامه و قبل سلامه هو ساهيًا ، فليسجدْ للسهو ، و ذلك عندي خفيف .
***(1/387)
[1/390]
قال ابن القاسم ، و عليٌّ ، عن مالك : و لو سلَّم و انصرف ، و هو يظنُّ أن الإمام سلَّم ، ثم رجع قبل سلام إمامه ، فلا سُجُود عليه إن لم يعلم حَتَّى سلَّمَ الإمام ، فإنه يرجع فيجلس ، ثم يُسَلِّم . قال عليٌّ ، عن مالك : يُسَلِّم و يسجد لسهوه أَحَبُّ إِلَيَّ ، فإن رجع بعد سلام إمامه فجلس و سلَّمَ ، فليسجدْ للسهو أَحَبُّ إِلَيَّ . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : بلغني عنه أنه قال : يسجد قبل السَّلام .
قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة : و من أحرم معه في آخِر جلوسه ، فسلَّم معه سهوًا ، ثم علم فبنى ، فليسجدْ بعد السَّلام .
و من المجموعة ، و من ظن أن إمامه سلَّم ، فقام فقضى ركعة بقيت عليه بسجدتيها ، ثم سلَّم الإمام . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا يُعْتَدُّ بها . قَالَ ابْنُ كنانة : و يسجد بعد السَّلام . و كذلك في المختصر عن مالك . و قال المغيرة ، و عبد الملك : لا سُجُود عليه ؛ لأنه في حُكْم إمامه . قال عبد الملك : و يقوم للقضاء بتكبير ، و إن سَلَّم عليه و هو قائم فلا يُحْدث تكبيرًا ، و ليبتدئ القراءة ، و لا سُجُود عليه للسهو ؛ لأنه في حُكْم إمامه . قاله المغيرة و عبد الملك . و رَوَى ابن القاسم أنه يسجد قبل السَّلام . قال سَحْنُون و ابن الْمَوَّاز مثله ؛ لنقصه النهضة بعد سلام الإمام . و ذكر ابن الْمَوَّاز أنه قول عبد الملك .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و كذلك إن سَلَّم عليه و هو راكع ، فليرجعْ ، و ليبتدئ القراءة ، و يسجد قبل السَّلام . و قال عبد الملك : يرفع رأسه بغير تكبير ، ثم يقرأ ، و لا سُجُود عليه للسهو . و قاله المغيرة و سَحْنُون ، في كتاب ابنه . و تقدَّم في باب السهو عن الإِحْرَام ذِكْرُ ما يحمله الإمام و ما لا يحمله مُسْتَوْعَبًا .
***(1/388)
[1/391]
في الذي يفوته بعض صلاة إمامه يذكر سجدة
قبل يقضي أو بعد ، و في الإمام أو المستحلف
يذكر سجدة ، أو يذكر ذلك الإمام لمن
استخلفه
من المجموعة قال سَحْنُون : و من سبقه الإمام بركعة من صلاة الظهر ، ثم ذكر سجدة و هو جالس في الرابعة ، لا يدري من أي ركعة هي ، فليخرّ بسجدة يتحرَّى أن تكون من هذه ، ثم يأتي بعد سلام الإمام بركعتين بأم القرآن و سورة في كلتيهما ركعة القضاء ، و ركعة الاحتياط؛ لاحْتِمَال أن تكون السجدة من أَوَّل صلاته . قَالَ ابْنُ عبدوس : و يسجد بعد السَّلام ، إذ لعل السجدة صادف بها مكانها ، فزاد ركعة بعد الإمام . و لو ذكرها بعد سلام الإمام فلا يسجد ، و ليأت بركعتين ، و لا يسجد للسهو ، إذ لا يجده زاد بعد الإمام إلاَّ بسورة مع أم القرآن .
قال سَحْنُون : و لو ذكر سجدة قبل سلام الإمام ، فتعمَّد ترك سجودها حَتَّى سلَّم الإمام ، فسدت صلاته . و كذلك إن ذكرها في موضع يمكنه فيه إصلاحها ، فلم يفعلْ حَتَّى فات ذلك .
قال عبد الملك و سَحْنُون : و إذا قضى ركعته الفائتة ، ثم ذكر سجدة ، و لا يدري منها أو مما ترك ، فليخرَّ بسجدة ، و يَتَشَهَّد ، ثم يأتي بركعة بأم القرآن و سورة ، و يسجد بعد السَّلام ، إذْ لعله صادف بالسجدة موضعها ، و زاد هذه الركعة .
و إن أدرك معه ركعة ، ثم صَلَّى بعده ركعة ، ثم ذكر في تَشَهُّدها سجدة ، لا يدري من أيهما فليسجد و يتشهدْ ، و يأتي بركعة بأم القرآن و سورة ، و يجلس و يَتَشَهَّد ؛ لأنها ثانية على اليقين ، ثم يبني و يسجد بعد السَّلام .
و إن أدرك رابعة الإمام ، فاستخلفه فيها ، فصلاها ، ثم قضى ركعة ، ثم ذكر سجدة من إحدى الركعتين ، فعل ما ذَكَرْنَا ، و لا يتبعونه ، و إن هم شكُّوا في تمام
***(1/389)
[1/392]
التي صَلَّى بهم ، لم يتبعوه ؛ لأنه حال دونها بركعة ، و ليأتوا بعد سلامه بركعة, و يسجدوا بعد السَّلام ؛ لاحْتِمَال أن تكون السجدة التي صَلَّى بهم ، و صارت التي صَلَّى وحده هي التي استُخْلِفَ عليها ، و الناقصة زيادة يسجد لها ، و يسجدون بعد تمام صلاتهم اتباعًا له؛ لأنها سها و هم في إمامته ، و إِنَّمَا لا يسجدون فيما يسهون فيه في القضاء . و إن سَلِمَتِ التي صَلَّى بهم ، صارت التي صلوا بعده زيادة ، فيسجدون ، لأحد هذين الوجهين .
قَالَ ابْنُ عبدوس : و إِنَّمَا يسجد بعد السَّلام و إن احتمل أن يكون قام في الرابعة؛ لأنه يرجع إلى الجلوس في الخامسة ، فيعتدُّ به ، و يبقى ما بين ذلك سهوًا؛ لأنه من جلس في الأولى لا يقال له نقص الْقِيَام ؛ لأنه عاد إليه .
قال سَحْنُون : و إذا استُخْلِف على رَكْعَتَيْنِ ، فصلاهما ، و قضى ركعة ، ثم ذكر سجدة ، و لا يدري من هذه أو مما صَلَّى بهم ، فليسجدْ في هذه سجدة ، و يتشهَّد ، فتصير ثانية على اليقين مما استُخْلِفَ عليه ، ثم يأتي بركعتين قضاءً بأم القرآن و سورة في كل ركعة . و قَالَ ابْنُ سَحْنُون ذلك في الأولى ، و أما في الثانية فبأمِّ القرآن و يسجد بعد السَّلام ، فإن أيقن من خلفه بتمام ما صَلَّى بهم قعدوا ، و لم يُصَلُّوا معه شيئًا ، ثم يُسَلِّمون بسلامه ، و لا يسجدون معه ؛ لأن سهوه في القضاء و إن كان سهوًا لسهوه ، فليأتوا بعده بركعة بأم القرآن ، لاحْتِمَال أن تكون السجدة من إحدى اللتين صَلَّى بهم ، و يسجدون بعد السَّلام ، كانوا على شكٍّ أو أيقنوا أنه ترك منها سجدة .
قَالَ ابْنُ سَحْنُون ، عن أبيه : و من دخل مع إمام في الرابعة ، فأحدث الإمام ، فقدَّمه ، و قال له : بقيتْ عليَّ أمُّ القرآن من الأولى و سجدة من الثانية و الرُّكُوع من الثالثة ، فليخرَّ هذا بسجدة ، و يَتَشَهَّدْ ، فتصحُّ ركعتان ، ثم يقوم فيأتي
***(1/390)
[1/393]
بركعتين بأم القرآن في كل ركعة ، و يسجد قبل السَّلام . و يعيدون الصلاة ، لكثرة السهو . قال أبو محمد : إِنَّمَا هذا على قول من رأى أن يؤتمَّ به في السجدة النافلة ، و أكثر أقاويلهم أن يستخلف هذا من يسجدها بهم ، مِمَّنْ أدرك الصلاة من أولها .
قال سَحْنُون : و إن أدرك أربعة الإمام ثم قضى ما فاته ، ثم ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة ، فليسجدها و يَتَشَهَّد ، ثم يأتي بركعة بأم القرآن و يسجد قبل السَّلام ؛ إذ لعل السجدة من التي أدرك ، فتصير التي قضى أَوَّلاً أَوَّل صلاته ، و قد جلس فيها ، و التي تليها ثانية و قد قام فيها . و لو كان إِنَّمَا قضى رَكْعَتَيْنِ فاتتاه ، لكان يقرأ في التي يأتي بها أم القرآن و سورة ، و يسجد قبل السَّلام ؛ لاحْتِمَال أن تكون مما أدرك ، فتصير التي قضى أَوَّلاً ثانية و قد قام فيها .
في مَنْ فاته بعض الصلاة فقضاه ، أو استخلف
عليه فصلاه ، ثم ذكر الأول سجدة
من المجموعة ، و (الْعُتْبِيَّة) ، قال سَحْنُون : و إذا أحرم رجل خلف الإمام ، ثم استخلفه على رَكْعَتَيْنِ بقيتا من الظهر ، فصلاهما ، ثم أتى الأول فذكر سجدة من إحدى الأوليين ، فليقم المستخلف بالقوم إن كانوا على شك منها ، فيصلي بهم ركعة بأم القرآن فقط ؛ لأنه بان ، ثم يجلسون ، و يأتي هو
***(1/391)
[1/394]
بركعة قضاء بأم القرآن و سورة ، و يسجد قبل السلام ، و يسجدون معه . و قد قيل : يسجد بهم قبل ركعة القضاء . و إِنَّمَا قبل السَّلام؛ لأنه كأنه استخلف على ثلاثة ، فأولهن ثانية له ، و قد قام فيها و قرأ بأم القرآن .
قَالَ ابْنُ عبدوس : و إن كان القوم يوقنون بالسلامة ، قعدوا و لم يتبعوه .
قال سَحْنُون ، في (المجموعة) : و لو كان الأول شاكا في السجدة ، ليقرأ هذا في الركعة التي يحتاط بها بأم القرآن و سورة ؛ لاحْتِمَال أن يكون الأول لم يبق عليه شيء فتصير هذه ركعة قضاء ، و كذلك الثانية ، ثم يَتَشَهَّد في الأولى منهما لاحْتِمَال أن تكون ركعة بناء ، و الرابعة للأولى ، و يصلونها معه إن كانوا على شك ، و يسجدون قبل السلام . و إن لم يرجع إليه الأول ، حَتَّى قضى الركعتين اللتين فاتتاه ، ثم أتاه ، فقال له : بقيت على سجدة . فصلاة هذا المستخلف تامة ؛ لأنه صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ، و قضى لنفسه رَكْعَتَيْنِ ، و لكن يسجد للسهو قبل السَّلام ؛ لأنه قام في موضع جلوس ، و ترك السورة مع أم القرآن في ركعة ، و يسجد معه القوم ، ثم إن كانوا في شك أتوا بركعة بعد سلامه ، بأم القرآن فقط ، و سلموا ، ثم سجدوا للسهو معه ، خوفا أن لا يكون بقي عليهم شيء ، فتصير هذه الركعة زائدة ، و إن أيقنوا أن السجدة باقية على الأول ، لم يسجدوا للسهو بعد ركعتهم هذه ، و إن أيقنوا أنه لم يبق عليهم شيء سلموا بسلام الإمام . قال : و لو ضلى معه رَكْعَتَيْنِ ، ثم استخلفه على رَكْعَتَيْنِ ، فصلاهما بالقوم ، ثم ذكر الأول سجدة ، فإن شك المستخلف فيها ، فأم بالقوم إن شكوا ، فَصَلَّى بهم ركعة بأم القرآن ، و سجد بهم قبل السَّلام ، فإن هم
***(1/392)
[1/395]
أيقنوا أنهم لم يبق عليهم شيء ، فصلاتهم تامة ، و لا شيء عليهم . و لو أن الأول لما ذكر سجدة ، ذكر الثاني مما صَلَّى بعده سجدة لا يدري من أي ركعة ، فليخر بسجدة ، و يَتَشَهَّد ، ثم يأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة ، و يسجد لسهوه قبل السَّلام ؛ لأن فيها نقصا و زيادة ، و يُعِيد الصلاة ، لكثرة السهو . و كذلك قال في مَنْ صَلَّى الظهر ، فذكر فِي التَّشَهُّدِ الآخر سجدتين ، لا يدري من ركعة أو من رَكْعَتَيْنِ ، فإنه يسجد سجدتين ، و يَتَشَهَّد ، ثم يأتي بركعتين بأم القرآن في كل ركعة ، و يسجد قبل السَّلام ، و يُعِيد الصلاة احتياطا .
و من (كتاب ابن المواز) ، و من فاتته ركعة مع الإمام ، فقضاها بعد سلامه ، ثم رجع الإمام فقال له : أسقطت سجدة من الأولى . و إن قضى هذا ركعته و رفع منها رأسه بمقدار لو رجع إمامه كان له البناء لقربه ، و لم يكن أيضًا من الإمام تعمد بكلام أو سلام ، فركعة هذا باطل ، فليعدها ، إن لم يرجع الإمام فيبني معه . و لو كان استخلفه ، فأتم بهم ، ثم قضى ركعة ، فإنه يعتد بها ، و كأنه استخلفه عليها ، ركعها ببعد أو بقرب ، و يسجد قبل السَّلام ، و يسجدون معه ، ثم يقضي الإمام الأول ، بعد سلام المستخلف ركعة وحده ، و يصليها الناس أفذاذا قبل أن يسلموا ، و هم فيها كركعة غفلوا عنها حَتَّى سلم إمامهم ، و يصير المستخلف كأنه لم يفته شيء . و لو علموا ذلك قبل أن يركعها ، و صلوها معه ، لأجزأتهم . و كذلك الإمام الأول ، لو أدركه فيها لاتبعه ، و إذا لم يكن مستخلفا ، و قضى ركعته ، فركعها ، و رفع منها بعد طول قيام لا يبني الإمام في مثله ، فهي له مجزئة ، إلاَّ أنه يسجد قبل السلام ، و كأنه نقص فيها القراءة ، إذ لو أتى الأول كان له أن يبني فصارت قراءته لا يعتد بها حين وقعت في موضع للأول أن يبني فيه
***(1/393)
[1/396]
لو أتى ، و لو ركع قبل طول ذلك ، لم يُجْزِئه ، و صار كمن ظن أن إمامه سلم فقام يقضي فسلم عليه الإمام و هو قائم ، فيلغي ما عمل . و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يسجد قبل السَّلام ؛ لأنه كان عليه أن يقوم بعد سَّلام الإمام ، فترك ذلك ، و قام في صلاة الإمام . و لو كانت الصُّبْح قد فاتته منها ركعة ، فقضاها ، ثم ذكر الإمام سجدة ، فإن قضاها في وقت للإمام فيه البناء لم يعتد بها ، و إن لم يفرغ منها حَتَّى فات البناء ، أعاد هذا صلاته . يريد محمد : و يصير كمن ترك القراءة في ركعة من الصُّبْح . على ما بينا في التي قبلها . قال و كذلك لو أحرم معه في تَشَهُّد الرابعة ، فلما قضى هذا ركعة ، ركع الأول ، فذكر سجدة من الأولى ، فإن رجع بالقرب في مثل ما يجوز له البناء ، بطلت ، و يُصَلِّي بالقوم ركعة بأم القرآن ، و يقضي لنفسه ثلاث ركعات ، و يسجد بمن خلفه قبل السلام ، و إن رجع عن بعد لا يبني فيه ، و ذلك قبل أن يركع هذا ، فليبن هذا على ركعته ، و يسجد قبل السَّلام ، لما قرأ في وقت يجوز للأول فيه البناء ، فلا يحسب له تلك القراءة .
و من أحرم في ثالثة الإمام ، فاستخلفه ، فَصَلَّى الركعتين ، و جلس ، ثم جاء الأول ، فذكر سجدة من الأوليين ، و أسقطها من كان خلفه ، فليقم المستخلف ، فيصلي بهم ركعة ، بناء بأم القرآن ، و يسجد قبل السلام ، و يشير إليهم حَتَّى يأتي بركعة بأم القرآن و سورة ، و يسلم و يسلمون معه . و لو أن الأول أسقط سجدة من كل ركعة من الأوليين ، و أسقطها القوم ، لصلى هذا بهم رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن في كل
***(1/394)
[1/397]
ركعة ، و يسجد قبل السلام . و لو لم يرجع الأول إليه حَتَّى صَلَّى هذا ركعتي القضاء لنفسه ، فذكر سجدة من الأولى ، فليسجدها بهم للسهو قبل السَّلام ، و يسلم ، ثم يأتوا بركعة بأم القرآن فقط . و لو أعلمه بذلك بعد أن صَلَّى هذا ركعة لنفسه من القضاء ، و شك القوم و هو قائم في الرابعة ، فليجلس فيتشهد ، ثم يسجد للسهو قبل السلام . يريد : كما كان يعمل الأول . قال : ثم يشير إليهم حَتَّى يأتي بركعة قضاء ، ثم يأتون بعد سلامه بركعة بناء . و لو كان إِنَّمَا قال له : بقيت على من كل ركعة من الأوليين سجدة ، فليقوموا معه في الرابعة إن شكوا ، فيصليها بهم ركعة بناء بأم القرآن ، و يسجد بهم قبل السلام ، ثم يأتون بعده بركعة بناء أيضا . و لو كان إِنَّمَا قال له : بَقِيَ سجدتان ، لا أدري من ركعة أو من ركعتين . فلا يقومون في هذه الرابعة مع المستخلف . يريد محمد : لاحْتِمَال أن تكون السجدتان من ركعة فيصير في الرابعة قاضيا ، لا يؤتم به فيها . قال : و لا يرجع هو إلى الجلوس ، فإذا أتمها سجد بهم قبل السلام ، ثم أتوا بركعة بعد سلامه ، و سلموا ، ثم يسألون الأول ، فإن تذكر أنها من ركعة أجزأتهم الصلاة ، و إن كانتا من رَكْعَتَيْنِ ، أعادوا ؛ لتركهم اتباع المستخلف فيما عليهم اتباعه فيه . و لو لم يرجع الأول حَتَّى جلس هذا في الرابعة ، فليسجد بهم قبل السَّلام ، ثم يأتون بعده بركعتين بأم القرآن في كل ركعة ، ثم يسلمون ، و تجزئهم . و لو رجع إليه بعد أن صَلَّى الركعتين بهم ، و قبل أن يقضي لنفسه ، فذكر سجدتين ، لا يدري
***(1/395)
[1/398]
من ركعة أو من رَكْعَتَيْنِ ، فَلْيُصَلِّ بالقوم ركعة أخرى ، و يجلسون و يتشهدون ، و يقوم هذا المستخلف و لا يجلس ، و لا يَتَشَهَّد ، حَتَّى يأتي بالرابعة ، ثم يتشهد ، و يسجد بهم للسهو قبل السَّلام ، ثم يسلمون ، فإن أثبتوا أنهما من ركعة ، سلموا ، و أجزأتهم ، و إن شكوا ، صلوا ركعة أفذاذا بأم القرآن ، و أعادوا الصلاة ، لتركهم اتباع المستخلف في الرابعة ، و قد يكون عليهم اتباعه . و لو أنهم اتبعوه فيها ، و سلموا بسلامه ، و أعادوا الصلاة لما لعلهم ائتموا به فيما يلزمهم أفذاذا ، كان أَحَبُّ إِلَيَّ . و لو كان رجوعه بعد أن صَلَّى ركعة ، و قام فذكر له سجدة من إحدى ركعتيه ، فقد صارت هذه الثالثة ثانية ، فقام فيها و لم يجلس ، فيأت بهم بركعتين ، بناء ، ثم يَتَشَهَّد ، ثم يسجد بهم قبل السَّلام ، ثم يأتي بركعة قضاء بأم القرآن و سورة ، ثم يسلم بهم . و لو قال له هذا القول حين قدمه ، يسجد بهم سجدة ، ثم بنى على ركعة ، فيصلي بهم ثلاثا ، الأولى بأم القرآن و سورة ، و يجلس ، ثم رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن فقط . و يجلس ، و يَتَشَهَّد بهم ، ثم يثبتون ، و يقضي لنفسه ركعة بأم القرآن و سورة . يريد محمد : و يسجد بعد السَّلام . قال : ثم يُعِيد من خلفه ، لاحْتِمَال أن يكون قد أصاب بالسجدة موضعها ، فيصير مستخلفا على اثنتين ، و تصير الثالثة مما عليه أن يأتي بها فذا ، فلما صلوها معه ، أبطلوا صلاتهم ، و كذلك لو قعدوا عن اتباعه فيها ، لأمرتهم بالإعادة ، لاحْتِمَال أن يكون عليهم اتباعه فيها ، و أَحَبُّ إِلَيَّ لو قدم غيره من القوم ، و يدع هذا الصلاة بهم .
***(1/396)
[1/399]
في من أدرك ركعة من الجمعة ، ثم ذكر بعد
القضاء أو قبله سجدة ، أو بعد أن صلاها
مستخلفا ، أو ذكرها الإمام الأول
من (كتاب ابن المواز) ، و من أدرك ركعة من الجمعة ، فذكر بعد السَّلام الإمام سجدة فيها اضطراب ، فاختار أصبغ أن يسجد ، ثم يقوم فيأتي بركعة ، و يسجد بعد السَّلام ، ثم يُعِيد ظُهْرًا . و هذا أحسن . و قال أشهب : يسجد ، و يأتي بركعة ، و تُجْزِئُهُ الجمعة ، و لا يُعِيد . و الحجة له قول النبي صَلَّى الله عليه وسلم : من أدرك الركعة ، فقد أدرك السجدة . و قَالَ ابْنُ القاسم : ما لم تتم له ركعة بإمام لم تُجْزِئُهُ الجمعة ، و لكن يسجد ، و بيني عليها ثلاث ركعات ، فتصير ظهرا . و ذكر عنه عيسى ، في (العتبية) ، أنه يلغي ما أدرك ، و يُصَلِّي على إحرامه ظُهْرًا أربعا ، و إن ذكرها بعد أن ركع الركعة الأخرى ، بنى عليها ثلاثا ، فتصير ظُهْرًا . و قد قال أيضًا : إن ذكر قبل أن يركع ، سجد ، و بنى على ركعته ، و تُجْزِئُهُ في الجمعة و غيرها . و قال أيضًا ابن القاسم : إن ذكر سجدة بعد أن قضى الركعة التي بقيت عليه و لا يدري من أي ركعة هي ، فليسجد سجدة ، و يَتَشَهَّد ، ثم يأتي بركعة ، و يسلم ، و يسجد بعد السَّلام ، و يعيدها ، ظُهْرًا ، و قال عيسى : يخر بسجدة ، و يَتَشَهَّد ، و يسلم ، ولا يأتي بركعة ، و يسجد بعد السلام ، و يعيدها
***(1/397)
[1/400]
ظهرًا . و هذا قول عبد الملك ، و ابن عبد الحكم ، و اختيار ابن الْمَوَّاز ، قال : لأنه إِنَّمَا يسجد سجدة في هذه يتعرَّضُ أن يُصادفها ، فتجزئه جمعة ، فإذا كانت من الأول لم تكن له جمعة ، فلا وجه للركعة . و قاله أشهب ، في المجموعة ، قال : و لا يقال له : ائت بركعة ؛ لأنه إذا بَطَلَتِ التي أدرك ، خرج مِنْ أَن تكون له جمعة ، و صار عليه ظهرٌ يبتدئها ، و ليس الإتيان في هذه بركعته من صلاح فرضه ، فخالفت غيرها . و الذي حكى ابن الْمَوَّاز عن أشهب ، أنه بركعة ، و لا يسجد السجدة ، و يُسَلِّم و يسجد لسهوه . كأنه في هذا القول يتعرَّض أن تتمَّ له ركعتان تَنَفُّلاً إن لم تصحَّ له جمعة .
و من أحرم خلف الإمام في الثانية من الجمعة ، ثم استخلفه ، فصلاها بهم ، ثم قضى ما فاته ، و سَلَّمَ ، ثم ذكر سجدة مكانه من التي أحرم فيها مع الإمام ، فلا جمعة له أسقطها القوم معه أو سجدوها ، فإن أسقطوها فيسجدوا هم الآن سجدة و يتشهدوا ، و يأتي هو بركعة ، و لا يتَّبعوه فيها ، و يُسَلِّمُ بهم ثم يسجد بهم للسهو و يُعِيد هو ظهرًا ؛ لأنه صَلَّى الجمعة وحده لمَّا بطلت التي دخل فيها مع الإمام ، ألا تَرَى لو نفر الناس عنه فيها لم تُجْزِئُهُ جمعة ، إذ لم يعقدْ ركعة مع الناس ، و يَنْبَغِي له أن يُصَلِّي ثلاث ركعات أَخَّرَ ، و تُجْزِئُهُ ظهرًان و يُقَدِّم القوم من يسجد بهم السجدة ، و يَتَشَهَّد و يُسَلِّم ، و تجزئهم الجمعة . و هذا مثل الذي لم يُقَدِّمه الإمام سواء . و كذلك لو قال المستخلف : لا أدري السجدة من التي صَلَّيتُ بالقوم أو من التي قضيتُ لنفسي . فالجواب في ذلك سواء ، و هي كالمسألة المتقدِّمة في الذي ذكر سجدة
***(1/398)
[1/401]
و لم يستخلف . و قول عبد الملك فيها أَحَبُّ إِلَيَّ . و أما لقوم فإن لم يشُكُّوا لم يسجدوا ، و إن شكُّوا سجدوا ، و إن قدَّموا من يسجد بهم كان أَحَبُّ إِلَيَّ أن يسجد بعد السَّلام .
و قال سَحْنُون في المجموعة في الذي دخل في الثانية من الجمعة ، و استُخْلِف فصلاها بهم ، و قضى ركعة ، ثم ذكر سجدة لا يدري من أي ركعة هي : إنه يسجد سجدة ، ثم يتشهَّد ، ثم يأتي بركعة يجهر فيها بقراءته ، و يسجد بعد السَّلام ، و تُجْزِئُهُ الجمعة ، فإن كانت من التي صَلَّى بهم ، بطلتْ ، و تصير ركعة القضاء هي التي استُخْلِف عليها ، و إن كانت من القضاء ، فالتي احتاط بها زيادة ، فإن عَلِمَ القوم سلامة التي صَلَّى بهم ، لم يضرُّهم ، و تمَّتْ لهم الجمعة ، و لا يسجدون للسهو ؛ لأن سهوه في القضاء وقع ، و إن علموا أنها من التي صَلَّى بهم ، جلسوا ، و لم يتَّبِعوه ؛ لأنه قد حال دونها ركعة ، فإذا فرغ أتوا بركعة جَهْرًا ، و سجدوا بعد السَّلام .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و لو أن هذا المستخلف في الثانية صلاها بهم ، و قضى ما فاته ، ثم ذكر سجدة من التي صَلَّى بهم ، ثم رجع الأول ، فذكر سجدة من الأولى ، فإنه لا يصحُّ لهم و لا للمستخلف جمعة ؛ لأن الأولى بطلتْ ، و الثالثة التي صَلَّى بهم المستخلف حال دونها بركعة القضاء ، فكانه لم يُصَلِّ بهم الكعة . و لو أدرك القوم قبل أن يركع ركعة القضاء ، و قبل أن يرفع رأسه منها ، رأيت أن يسجد بهم سجدة ثم يركع بهم أخرى ، فتتمُّ له و لهم الجمعة . و لو أتى الأول بعد
***(1/399)
[1/402]
قضاء هذا ، فذكر سجدة من الأولى ، و ذكرها القوم ، و لم يَبْقَ على هذا شيء فيما صَلَّى ، فليُسلِّمْ هذا و يسجدْ بعد السَّلام ، و تتمُّ له جمعة ، و يأتي القوم بعده بركعة أفذاذًا ، و يسجدون بعد السلام ، و تصحُّ لهم الجمعة . فأما لو ترك سجدة من التي صَلَّى بهم ، ثم قضى ركعة ، ثم ذكروا من الأولى سجدة ، لم يجزئهم أن يقدِّموا من يسجد بهم تمام ركعتهم التي صَلَّى هذا بهم ؛ لأنه كان عليهم اتِّباعه في ركعة القضاء ، ثم يقضون الأولى أفذاذًا . قلتُ : و كيف العمل إذا كان لا جمعة لهم و لا لهذا ، إذا سقط من ركعتيهم سجدة ؟ قال : يسجدون سجدة في ركعة المستخلف ، و يأتون بركعة أخرى و يسَلِّمون ، و يسجدون للسهو ، و كذلك المستخلف يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ ، و يسجد للسهو ، و تكون لهم أجمع نافلة ، و يعيدون الجمعة ، و تجزئهم الخطبة الأولى إلاَّ أن يبعدَ ، فيعيدها .
و من أدرك ركعة من الجمعة ، ثم قضى الركعة التي فاتته ، ثم سجدة من التي أدرك ، فلْيَبْنِ عليها ثلاث ركعات ظهرًا ، و تُجْزِئُهُ ، و بخلاف سفريٍّ أدرك ركعة مع حَضَريٍّ ، ثم قضى ركعة ، ثم ذكر سجدة من التي أدرك ، فهذا يُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ ، و يقطع بسلام ، ثم يبتدئ صلاة سفر ؛ لأنه سقطت عنه صَلاة الحَضَر ، فلا يبني على شيء أحرم على خلافه ، و الجمعة و الظهر صلاة حَضَرٍ ، تنوب هذه عن هذه ، كما قال مالك في الداخل يوم الخميس يظنُّه الجمعة ، إنه يُجْزِئه . و لو صَلَّى يوم الجمعة يظنُّه الخميس لم يُجْزِئه . و لا يبني ههنا على إحرامه .
و قال أَصْبَغُ في الذي ذكر سجدة من التي أدرك يوم الجمعة بعد أن قضى ركعة ، قال : فليأْتِ بركعة أخرى ، ثم يُعِيد ظهرًا . و لا يُعْجِبُنا قول أصبغ هذا .
***(1/400)
[1/403]
في الإمام في صلاة الخوف يذكر سجدة
من المجموعة و من كتاب ابن سَحْنُون و نحوه في الْعُتْبِيَّة ، قال سَحْنُون : و إذا صَلَّى الإمام في صلاة الخوف بالطائفة الأولى ركعة ، و ثبت قائمًا حَتَّى صَلَّوا الثانية ، ثم ذكر هو سجدة ، فليخرَّ ساجدًا ، فإن أيقن القوم بسلامتها سلَّموا و انصرفوا ، و إن سكُّوا سجدوا معه و أعادوا في الثانية ، كمن قضى ما فاته قبل سلام إمامه ، و إن كان إِنَّمَا ذكرها بعد أن صَلَّى بالطائفة الثانية الركعة الثانية ، و لا يدري من أي ركعة هي ، فليسجد و يتشهد ، و يسجدون معه في شكِّهم و يتشهدون ، ثم يقوم بهم ، فليثبُتْ قائمًا ، و يقضون هم الركعة التي بقيت عليهم . قال في الْعُتْبِيَّة : وُحْدَانًا ، و يُسَلِّمون و يسجدون بعد السَّلام ، و يصيرون كالطائفة الأُولى ؛ لاحْتِمَال أن تكون السجدة من الأولى . قَالَ ابْنُ عبدوس ، و يحتمل أن تكون من الثانية ، فيكون هؤلاء طائفة ثانية في حال ، و قد سلَّموا قبل إمامهم ، فأُحِبُّ لهم أن يُعِيدُوا . و لم يذكر ابن سَحْنُون عن أبيه إعادة في هذا ، و لا ذكرها أيضًا العتبي عن سَحْنُون . قال : إلاَّ أن يُوقِنوا أن التي صَلَّى بهم سالمة ، فيصيروا طائفة أُولى في الحقيقة ، و لا يسجدوا معه سجدة التَّحَرِّي ، و يُصَلُّوا كما ذكرنا ، و يذهبوا إلى العدوِّ ، فإن كان الأوَّلون على شَكٍّ ، أتوْا فَصَلَّى بهم الإمام الركعة التي يحتاط بها ، و يقضون ركعة بعد سلامه ، و بعد أن يسجد هو
***(1/401)
[1/404]
بعد السَّلام ، ثم يسجدون بعد السَّلام إذا فرغوا ، و لا يجوز لغيرهم أن يأْتَمَّ به في هذه الركعة ؛ لأنها قد لا تكون تجب عليه ، فأما هو و الأولون ، فقد صحَّتْ لهم إحدى الصلاتين .
و لو صَلَّى بالأولى في المغرب رَكْعَتَيْنِ ، ثم ذكر في التشهُّد سجدة ، لا يدري من أيِّ ركعة ، فليسجُدْ بهم سجدة ، و يتشهَّدْ ، ثم يقوم فيأتي بركعة بأمِّ القرآن و سورة ، و يتشهَّدُ فيها ، ثم يقوم ، فيأتون بركعة دونه بأم القرآن ، و يسجدون بعد السَّلام ، ثم تأتي الطائفة الثانية ، فيُصَلّون معه الركعة الباقية ، و يقضون رَكْعَتَيْنِ بأمِّ القرآن و سورة فيهما ، ثم يُعيدون ، خوفًا أن تكون التي صَلَّى بهم ليست عليه ، إن كانت السجدة من الثانية ، و لكن يتعرَّضون معه فضل الجمعة ؛ لما عسى أن تكون من الأُولى . و قَالَ ابْنُ عبدوس : و تُعِيدُ الطائفة الأولى ؛ لاحْتِمَال أن يكون صادف بالسجدة موضعها ، و صَلَّى بهم الثلاث ركعات ، فخرجوا من سُنَّة صلاة الخوف . و لم يذكر ابنُ سَحْنُون إعادة إلاَّ في الطائفة الثانية .
و لو أيقنوا بسلامة الركعتين لم يتَّبعوه في السجدة ، و لا في الركعة ، و يقال لهم : إذا قام الإمام فأتِمُّوا صلاتكم و اسجدوا بعد السَّلام .
و إن شكَّ في اسجدة بعد ذهاب الطائفة الأولى عنه ، فليسجدْ و يسجدْ معه الطائفة الثانية ، و يتشهَّدْ ، ثم يُصَلِّي بهم ركعة و يتشهَّدُ ، ثم يقضون رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن و سورة فيهما ، و يسجدون للسهو بعد السَّلام ، و يعيدون الصلاة ؛ لاحْتِمَال أن يكونوا طائفة ثانية سلَّموا قبل إمامهم ثم مضوا . و لم يذكر ابن سَحْنُون إعادتهم ، و قال : يقرأ في الركعتين ؛ في الأولى بأم القرآن و سورة ، و في الأخرى بأم القرآن . قالا عنه : ثم يأتي الأوَّلون إن أيقَنُوا ببقاء السجدة ، أو شكُّوا ، فيُصَلّون معه ركعة
***(1/402)
[1/405]
الاحتياط ، و هي رابعة على الشكِّ ، و يعيدون الصلاة احتياطًا . و قد تكون السجدة من الثانية ، فتبطُلُ صلاتهم الأولى دونه ، و تصير هذه الركعة نافلة له ائتمُّوا به فيها ، إلاَّ أن يُوقنوا أن السجدة من الركعة لأولى ، فتكون هذه الصلاة الثانية فرضهم ، و تجزئهم . و لو أنه لمَّا صَلَّى بالثانية بقية الصلاة ، شكَّ في سجدة من أحد الثلاث ركعات ، فليسجدْ ، و يسجدوا معه إن شكُّوا ، و إلاَّ لم يسجدوا ، فإذا قام الإمام يأتي بركعة الاحتياط صَلَّوا هم رَكْعَتَيْنِ و الإمام قائمٌ . قال عنه ابنه : بأم القرآن و سورة في كل ركعة . قالا عنه : و يسجدون قبل السَّلام . قَالَ ابْنُ عبدوس : و يعيدون الصلاة ؛ لأنهم قد فرغوا قبل إمامهم ، فقد يكونون طائفة ثانية في الحقيقة . و لم يذكر عنه ابنه إعادة . قالا : و يأتي الأولون إن شكُّوا فليُصلُّوا معه ركعة الاحتياط ، ثم يقضوا رَكْعَتَيْنِ بأم القرآن و سورة فيهما ، ثم يسجد الإمام للسهو قبل السَّلام ، و يسجدوا معه ، و يُسَلِّم بهم ، و ينصرفوا ، على حديث ابن رومان ، فأما على حديث ابن القاسم : يسجد بهم قبل السَّلام ثم يسلِّم ، ثم يقضون بعد سلامه . و إِنَّمَا يسجد قبل السَّلام إذ قد تكون السجدة من إحدى الأوليين ، فتصير الثالثة ثانية و لم يقرأ فيها إلاَّ بأم القرآن ، و أسَرَّ فيها ، و لا تعيد هذه الطائفة الأولى ، بخلاف المسألة الأولى . و إن كانت قد تكون له نافلة ؛ لأنها لا تكون نافلة إلاَّ و قد صحَّتْ صلاتهم الأولى ، و إن كانت لازمة بطلت الأولى ، و كانت هذه فريضتهم ، و في المسألة الأولى احتمال بطلان الصلاتين . و إن أيقنوا بسلامة الركعتين الأوليين ، لم يرجعوا إلى الإمام ، و صلاتهم تامَّةٌ .
في مَنْ فاته بعض الصلاة و على الإمام سهو ،
و كيف إن سها فيما يقضي ، أو فيما استُخْلِف عليه
من الْعُتْبِيَّة رَوَى عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : من أدرك بعض صلاة
***(1/403)
[1/406]
الإمام و على الإمام سجدتا السهو قبل السَّلام ، فيسجد معه ، ثم سها فيما يقضي فليسجدْ ، كان قبل السَّلام أو بعد السَّلام . و إن كان سهو الإمام بعد السَّلام ، فلم يسجدْ معه ، ثم سها فيما يقضي نقصانًا ، فليسجد قبل السَّلام ، و تُجْزِئُهُ عن السهوين . و لو كان زيادة أجزأه عنهما سجدتان بعد السلامز و كذلك رَوَى سَحْنُون ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ . و قاله أشهب في المجموعة . و قَالَ ابْنُ المَاجِشُون ، في الواضحة : بل يسجد بعد السَّلام ، كما كان يسجد الإمام ، كان سهوه هذا فيما يقضي نقصانًا أو زيادة ، فإنه يُجْزِئه ذلك عنهما .
قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و لو جهل فسجد معه قبل القضاء سُجُوده بعد السَّلام ، ثم قام فقضى فَلْيُعِدْهما بعد السَّلام أَحَبُّ إِلَيَّ ، و يُعِيدهما متى ما ذكر . قال عيسى : جاهلاً كان أو عالمًا . و قاله أشهب في المجموعة ، إلاَّ أنه أوجب عليه أن يعيدَهما ، و لم يذكرْ في سؤاله : (فَجَهِلَ) .
و قَالَ ابْنُ المَاجِشُون في الواضحة : و لا يقوم للقضاء حَتَّى يسجد إمامه ما كان من سهو بعد السَّلام ، فإن قام ، فليرجعْ حَتَّى يُتِمَّ الإمام سُجُوده .
و من سماع ابن سَحْنُون من ابن القاسم : و من أدرك ركعة من صلاة الإمام ، فعليه ما على الإمام من سُجُود السهو ، ممَّا سها فيه قبله أو معه ، زيادة أو نقصانًا ، و يسجد معه ما كان قبل السلامن قبل القضاء ، و يسجد ما كان بعد السَّلام بعد القضاء ، و يقوم للقضاء بعد أن يسجدَ الإمام ما بعد السَّلام أَحَبُّ إِلَيَّ . و اختَلف فيه قول مالك .
و لو أحدث الإمام ، فقدَّمه ، فإن كان سهوُ الإمام نقصانًا ، فليسجدْ بهم بعد تمام صلاة الأول ، ثم يقضي لنفسه ، و يجلس مَنْ خلفه ، فإن دخل عليه سهوٌ ،
***(1/404)
[1/407]
يسجد له قبل السَّلام أو بعده سجدة ، و لا يسجدوا معه ، لا قبلُ و لا بعدُ ؛ لأن صلاتهم تمَّتْ قبل سهوه . و لو كان سهوه فيما استُخْلِف عليه ، فليسجدْ سُجُود سهو الإمام الأول قبل السَّلام ، فيجزئه عن هذا و ذلك ، كان هذا نُقصانًا أو زيادة . و إن كان سهوُ الأول زيادة ، فلا يسجدْ لذلك إلاَّ بعد سلامه ، فإن سها هو أيضًا ، فلا يبالي بها فيما استُخلف عليه ، و فيما يقضي ، كان سهوه زيادة أو نقصانًا ، فإنما يسجد بعد السَّلام سُجُود الإمام ، و يسجدون معه ، فيجزئه لذلك كله . و ذكر هذه المسألة في المجموعة ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، إلاَّ أنه لم يذكرْ إلاَّ سُجُوده فيما يقضي لنفسه .
قال في المجموعة ، و قال غير ابن القاسم : إذا كان سهو الأول زيادة ، و سها هذا فيما استُخلف عليه نقصانًا ، فليسجدْ بهم قبل السَّلام ، و يُجْزِئه عن السهوين . و قاله ابن المَاجِشُون في الواضحة . قال : و لأن ذلك كله من صلاة الأول .
قال غيره في المجموعة : و لو سها هو فيما يقضي نقصانًا لسجدَ بهم قبل السَّلام ، و كان ذلك للسهوين . و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون : بل لا يسجد إلاَّ بعد السَّلام ، كما وجب على إمامه ، و هو أملك بأحكام الصلاة .
و من المجموعة ، و قال أشهب : إذا كان سهو الأول نقصانًا ، فلا يسجد له هذا ، حَتَّى يقضي ما عليه ، و لو لم يُحْدث الإمام ، و لم يستخلفه ، ليسجدَ معه قبل السَّلام ، قبل قضاء ما عليه . و قال غيره : لا يسجد أيضًا معه قبل السَّلام ، حَتَّى يقضي لنفسه ، ثم يجعلهما في موضعهما من صلاة الإمام .
***(1/405)
[1/408]
و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : إذا سجد من فاتته ركعة سُجُود السهو قبل السَّلام ، ثم سها فيما يقضي لنفسه نقصانًا أو زيادة ، فلا سُجُود عليه لذلك ، و لا يسجد في صلاة وَاحِدَة للسهو مرتين . قال : و كذلك لو استخلفه على بقية صلاته ، فأتمَّها ، و سجد قبل السَّلام ، كما وجب على الأول ، فلا يسجد بعد فيما يسهو فيه في القضاء ، لنقص و لا لزيادة .
و من المجموعة ، قال أشهب : و إذا سجد المسافر للسهو قبل السَّلام و خلفه مقيمون ، فليسجدوا معه ، و إن كان بعدُ فلا يسجدوا إلاَّ بعد تمامهم .
قال أشهب : و إذا استخلف الراعف ، فسها المستخْلَفُ ، فرجع الراعف بعد أن سلَّم هذا و سجد للسهو ، فليبنِ الراعف ، و يسجد بعد السَّلام ، و إن كان المستخلَفُ سجد قبل السَّلام ؛ لأنه لم يدركْ معه شَيْئًا ائتمَّ به فيه ، و كذلك إن لم يدركْ من صلاة الإمام إلاَّ الجلوس ، فلا يلزمه أن يسجد معه لسهوه ، و لكن ليسجدهما بعد السَّلام احتياطًا ، فإن كانتا عليه فقد قضاهما ، و إلاَّ لم يُدْخِلْ في صلاته خللاً قبل سلامه . و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا يسجد سُجُوده حَتَّى تُدرك معه ركعة .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و إذا سها الإمام في صلاة الخوف في أَوَّل ركعة ، فإذا تمَّتِ الطائفة الأولى الصلاة سجدوا ، كما لزمه ، إما قبل السَّلام أو بعده . و قال أشهب : كما يُتِمُّون الصلاة قبله كذلك يسجدون قبله . قالا : و إذا أتَمّ بالطائفة
***(1/406)
[1/409]
الثانية فعلى حديث ابن القاسم ، يسجدون معه قبل السَّلام ثم يسَلِّم ، ثم يقضون ، و ما كان بعد السَّلام ، فلا يسجدوه حَتَّى يقضوا ، و على حديث ابن رومان يثبُتُ حَتَّى يقضوا ، ثم يسجد بهم ما قبل السَّلام ، و إن كان بعد السَّلام سَلَّمَ بهم ، ثم سجد بهم .
في مَنْ ذكر سجدة أو سجدتين من صلوات
من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و من ذكر سجدتين من ثلاث صلوات ؛ صبحٍ و ظهر و عصر – يريد : و لا يدري أيها قبل صاحبتها – فليُصَلِّ خمس صلوات ، صبحًا ، و ظهرًا ، و عصرًا ، ثم يُعِيدُ الصُّبْح و الظهر ؛ لأنه إِنَّمَا عليه صلاتان ، لا يدري أيهما قبل ، فإن كانت صبحًا و ظهرًا فقد جاء بظهرين صبحين ، و إن كانت صبحًا و عصرًا فقد جاء بعصرين صبحين ، و إن كانت ظهرًا ، و عصرًا فقد جاء بعصرين ظهرين . فإن خاف أن يكون ذلك من سفر أو حَضَر ، أو بعضهما ، فليجعل مع كل صلاة حَضَر يقصر صلاة سفر فيُصَلِّي الصُّبْح مَرَّةً ، ثم الظهر مَرَّتين حَضَرٍ أو سفر ، ثم العصرَ كذلك ، ثم الصُّبْح ، ثم الظهر مَرَّتين ، فذلك ثمان صلوات .
و من صَلَّى الصُّبْح ، ثم ذكر في تَشَهُّده سجدتين و ركعة لا يدري كيف نسيهم ، فليسجد سجدتين ، و يأتي بركعة ، و يسجد بعد السَّلام . و كذلك في سجدة و ركعة فليسجد سجدة ، فتصحُّ له ركعة يبني عليها .
و من ذكر سجدتين من أربع صلوات ؛ صبحٍ و ظُهرٍ و عصرٍ و مغربٍ ، فليُصَلِّ سبع صلوات ؛ صبحًا ، و ظهرًا ، و عصرًا ، و مغربًا ، ثم يُعِيدُ الصُّبْح و الظهر و العصر ، و إن
***(1/407)
[1/410]
خاف أن يكون ذلك أيضًا من سفر ، فَلْيُعِدْ كل صلاة تُقْصَر صلاة سفر أيضًا ، فتصير حينئذ إحدى عشرة صلاة .
فإن شكَّ في السجدتين من خمس صلوات – يريد : صبحًا ، و ظهرًا ، و عصرًا ، و مغربًا ، و عشاءً . و يريد لا يدري أيها قبلُ – فَلْيُصَلِّ سبع صلوات ، صلاة يوم كامل ، ثم يعيدها إلاَّ العشاء الآخِرَة ، فيصير بهذا قد جاء بكلِّ صلاة بين صلاتين من هذه الصلوات . و قيل : إن ستَّ صلوات تُجْزِئُهُ . و إن خاف أن يكونا عليه من سفر ، فإن صبحًا يُجزئ من صبحٍ ، و مغربًا من مغرب ، و ليس عليه أكثر من ستِّ صلوات ، و قد أتى بظهر و عصر ثانية ، و يَسْقُطُ الصُّبْح و المغرب .
و إن قال : لا أدري أسَفَرٌ ذلك أم حَضَرٌ . فَلْيُصَلِّ كُلَّ صلاة بِقَصْرٍ مَرَّتَيْنِ حَضَرٍ و سَفَرٍ ، و ذلك زيادةُ خمسِ صلوات مع التسع ، فذلك أربع عشرة صلاة .
و إن ذكر سدة لا يدري من أي صلاة ، و لا يدري أسَفَرٌ أم حَضَرٌ ، فَلْيُصَلِّ ثماني صلوات ، يُعِيدُ ما كان يَقْصُرُ من صلاة اليوم إذا صَلاَّها حَضَرًا أعادها سَفَرًا قبل أن يأخذ في غيرها ، و لو كانت سجدتين فَلْيُصَلِّ صلاة يَوْمَيْنِ هكذا ، لكلِّ يوم ثمان صلوات .
في مَنْ ذكر صلاة لا يدري ما هي ، أو صلوات
لا يدري أيتهنَّ قبل صاحبتها ، و كيف إن لم يَدْرِ
أسفَرٌ أم حَضَرٌ
من الْعُتْبِيَّة ، قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : من ذكر صلاة يوم ، لا يدري
***(1/408)
[1/411]
أسفَرٌ أم حَضَرٌ ، فَلْيُصَلِّ صلاة يوم للسفر و صلاة يوم للحَضَر ، لا يُعِيد فيه الصُّبْح و المغرب .
و من ذكر ظُهْرًا أو عصرًا ، لا يدري الظهرَ للسبت و العصر للأحد ، أو العصر للسبت و الظهر للأحد ، فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا للسبت ، ثم عصرًا للأحد ، ثم عصرًا للسبت ، ثم ظهرًا للأحد . و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، إلاَّ أنه قال : يُصَلِّي ظهرًا أو عصرًا للسبت ، ثم يُعِيدُهما للأحد . قال : و لو كان ظُهرًا لا يدري من السبت أم من الأحد فَلْيُصَلِّ الظهر للسبت ، ثم يُعِيدُها للأحد . قال : و إن كان لا يعرف اليومين اللذين نسي فيهما الظهر و العصر ، فهذا يُصَلِّي ظهرًا بين عصرين ، أو عصرًا بين ظهرين .
و لم يذكرْ سَحْنُون ، و لا ابن الْمَوَّاز ، تفريقًا بين يوم معروف أو غير معروف . قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : و من ذكر ظهرًا أو عصرًا من يَوْمَيْنِ ، لا يدري أيهما قبلُ ، فَلْيُصَلِّ ظهرًا بين عصرين ، أو عصرًا بين ظهرين .
و من كتاب ابن سَحْنُون : و من ذكر ظُهرًا لا يدري للسبت أو للأحد ، فإنما عليه ظهرٌ واحد ، و كذلك إن ذكر ظهرًا و عصرًا لا يدري من أمسِ ، أو من أَوَّل أمسِ ، فإنما عليه ظُهرٌ و عصرٌ فقط .
و قال عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في مَنْ ذكر ظُهرًا و عصرًا ، لا يدري كلُّ وَاحِدَة منهما عن سفرٍ أو حَضَرٍ ، فَلْيُصَلِّهما سفريتين ، ثم حَضَريتين .
و قال عنه عيسى في الْعُتْبِيَّة ، في مَنْ نسي ظُهرًا و عصرًا ، وَاحِدَة من سفر و اخرى من حَضَر ، و لا يدري أيتهما هين و لا يدري أيتهما قبل الأخرى ، فَلْيُصَلِّ ستَّ صلوات ، إن شاء صَلَّى ظُهرًا و عصرًا للحَضَر ، ثم صَلَّاهما
***(1/409)
[1/412]
للسفر ، ثم صَلاَّهما للحَضَر ، و إن شاء بدأهما للسفر ثم للحَضَر ، و ختم بالسفر .
و كذلك قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه ، قال : و قال بعض أصحابنا : يُصَلِّي ظُهرًا أربعًا ، ثم عصرًا رَكْعَتَيْنِ ، ثم عصرًا أربعًا ، ثم ظهرًا رَكْعَتَيْنِ ، ثم ظُهرًا أربعًا ، ثم عصرًا أربعًا .
و ذكرها ابن حبيب ، عَنْ أَصْبَغَ ، كما ذكر سَحْنُون , و ابن القاسم ، قال : و قال أصبغ : فإن شكَّ أن يكونا جميعًا للحَضَر ، أو جميعًا للسفر ، فَلْيُصَلِّ ظهرًا حَضَرية ، و يعيدها سفرية ، ثم عصرًا كذلك مَرَّتَيْنِ ، ثم ظُهرًا كذلك مَرَّتَيْنِ ، فذلك ستُّ صلوات ، فهذا يأتي على جميع شكِّه .
و من كتاب ابن سَحْنُون : و من ذكر خمس صلوات من خمسة أَيَّام ، لا يدري أيُّ صلاة هي من كلِّ يوم ، فَلْيُصَلِّ صلاة خمسة أَيَّام .
و مَنْ نَسِيَ صلوات يوم و ليلة ، و لم يَدْرِ : الليلة سابقةٌ لليوم أو بعده ، فَلْيُصَلِّ سبع صلوات ، يبدأ بصلاتي اللَّيْل ، ثم بصلاة النهار ، ثم بصلاتي اللَّيْل . و لم نأمرْهُ يبدأ بصلوات النهار لئلاَّ يصير مُصَلِّيًا ثمانية .
و ذكر ابن حبيب ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون ، في مَنْ ذكر صلاتي من يوم و ليلة مفترقتين ، لا يدري الليلة قبل اليوم أو بعده ، أنه يبدأ بصلاتي النهار ، ثم صلاتي اللَّيْل ، ثم صلاتي النهار . و قال أبو محمد : و هذا من قول ابن المَاجِشُون يدُلُّ أنه جعل صلاة الصُّبْح من صلاة اللَّيْل ، و المعروف من مذهب مالك أنها من صلاة النهار .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و من ذكر صلاة يوم لا يدري سَفَرٌ أم حَضَرٌ، فَلْيُصَلِّ ثماني صلوات ، يبدأ بما شاء ، إلاَّ أنه يُصَلِّي صبحًا مَرَّةً و ظُهرًا مَرَّتَيْنِ ،
***(1/410)
[1/413]
حَضَري و سفريّ ، أو سفر و حَضَر ، و العصر كذلك ، و العشاء كذلك ، بعد أن يُصَلِّي المغرب مَرَّةً . و كذلك لو ذكر سجدة ، لا يدري من أي صلاة ، و لا يدري أسفرٌ أو حَضرٌ ، إلاَّ أنه إن شاء صَلَّى صلاة يوم حَضَرٍ ، ثم يُعِيدُ منها ما كان يَقْصُر . و كذلك لو ذكر سجدتين من صلاة وَاحِدَة ، فإن شاء بدأ بما شاء من ذلك . و كذلك إن كانت السجدتان من صلاتين من يوم واحد ، فَلْيُصَلِّ ثماني صلوات على الولاء ، و لا يبدأ ههنا بما شاء .
و ذكر ابن سَحْنُون ، عن أبيه ، في مَنْ ذكر صلاة يوم ، لا يدري سَفَرٌ أم حَضَرٌ ، مثل ما ذكر ابن الْمَوَّاز . قال : و قد قال بعض أصحابنا : يُصَلِّي صلاة يَوْمَيْنِ عشر صلوات .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و من ذكر عصرًا و ظُهرًا من يَوْمَيْنِ ، لا يدري أيهما قبلُ ، فَلْيُصَلِّ ظُهرًا بين عصرين ، أو عصرًا بين ظُهرين ، فإن فعل ثم ذكر في الظُّهر الآخر قبل يُسَلِّم سجدة من إحدى الصلوات الثلاث ، فَلْيُصْلِحْ هذه بسجدة و ركعة بأم القرآن ، و يسجد قبل السَّلام ، ثم يُعِيد عصرًا و ظُهرًا ، إذا قد تكون السجدة من العصر ، و قد تكون تلزمه مقدَّمةً ، ففسدت هذه لمَّا ذَكَرَ فيها صلاةً قبلها ، و لو ذكرها بعد سلامه منها لأصلحها ، ثم لا يُعِيدُ إلاَّ العصر ؛ لأنه كمن ذكر صلاة قضاها ، ثم ذكر أن قبلها صلاة بقيت عليهن فيس عليه إعادة ما خرج وقته . و لو ذكر أن السجدة من الظهر التي صَلاَّها أَوَّلاً ، لم يكن عليه شيء . و إن ذكر ذلك قبل يُسَلِّمُ من الظُّهر التي هو فيها . يريد لأنه لم يَذكرْ صلاة بقيت عليه ، إذ قد سَلِمَتْ له عصر و ظُهرٌ ، و إِنَّمَا فاته تبدية ما فات وقته .
قال : و من ذكر ظهرًا و عصرًا ، فصلاَّهما حَضَريتين ، فلمَّا أتمهما قال : ما
***(1/411)
[1/414]
أدري أهما من سفر أو من حَضَر . فإن كان هذا بعد أن سَلَّمَ من العصر ، لم يُعِدْ شَيْئًا ، و إن كان قبل يُسَلِّم منها ، سَلَّمَ ، فأعاد العصر فقط سفريةً .
و لو ذكر ظُهرًا و عصرين مجتمعين ، لا يدري أيُّ ذلك قبلُ ، فَلْيُصَلِّ ظُهرًا و عصرين ، ثم ظُهرًا ، ثم إن ذكر في الظهر الآخِرَة سجدة ، لا يدري من أيِّ صلاة ذلك ، فَلْيُصْلِحْ هذه ، ثم يأتي بعصر واحدٍ ، ثم بظُهرٍ . و إن ذكرها بعد السَّلام ، لَمْ يَأْتِ بعد إصلاح هذه إلاَّ بعصر . و لو كان لا يدري العصرين مجتمعين ، أو مفترقين ، و ظُهر معهما ، فَلْيُصَلِّ عصرين و ظُهرًا و عصرين . و إن نسي ظهرين و عصرين ، لا يدري كيف نسيهما ، فَلْيُصَلِّ سبع صلوات ؛ ظهرًا و عصرًا ، و ظهرًا و عصرًا ، و ظهرًا و عصرًا ، و ظهرًا ، و لا يُجْزِئه ستُّ صلوات ، ظهرين و عصرين ، إذ لا يأتي في ذلك ظهرين عصرين . و كذلك لو بدأ بعصرين ، لم يأتِ في ذلك عصرين ظهرين . فإن جاء بهنَّ على ما ذَكَرْنَا أَوَّلاً ، ثم ذكر سجدة من إحداهنَّ بعد سلامه من الظهر الآخِرَة ، أعاد عصرًا فقط ، و إن كان قبل سلامه ، أعاد عصرًا مع هذه الظهر التي ذكر ذلك فيها .
و إن ذكر ظهرين من يَوْمَيْنِ لا يدري من حَضَر أو سفر ، أو أحدُهما من سفرٍ و الآخَرُ من حَضَرٍ ، فَلْيُصَلِّ أربعَ صلوات ظُهْرًا ، سفر ثم حَضَر ، ثم سفر ثم حَضَر ، و لو ذكر مع ذلك سجدة لظهر آخَرَ ، لا يدري أَقَبْلَ الظُّهْرَيْنِ أو بعدهما ، أو بينهما ، فَلْيُصَلِّ ستَّ صلوات ، يبدأ بظُهْرٍ سفرٍ ، ثم حَضَرٍ ، ثم يُعِيدُه كذلك ، ثم يُعِيدُه كذلك ثلاثة ، فذلك حَضَرٌ بين سفرين ، و سفر بين حَضَرَيْنِ ؛ لأن المشكوك فيها مَرَّةً تكون سفرًا أَوَّلاً بين حَضَرَيْنِ ، أو بين سفرين ،
***(1/412)
[1/415]
أو بعد حَضَرَيْنِ ، أو بعدَ سفرين .
و لو ذكر ظُهْرًا من يَوْمَيْنِ ، أحدهما سفرٌ و الآخَر حَضَرٌ . يريد : لا يدري أيهما قبلُ . قال : فعليه ثلاث صلوات ؛ سفريتين بينهما حَضَر . فإن كان مع ذلك سجدة من ظهر لا يدري سفرٌ أو حَضَرٌ ، و لا يدري متى هي ، فَلْيُصَلِّ خمس صلوات ، صفريتين بينهما حَضَر ، ثم حَضَر ، ثم سفر . و إن ذكر مع صلاتي الظهر ، المفترقتين من حَضَر و سفر ، سجدةً لا يدري من أي صلاة هي ، من ظُهر أو غيرها ، فَلْيُصَلِّ إحدى عشرة صلاة ، ثلاثة ظهر ، سفريتين بينهما حَضَر ، ثم صلاة يوم حَضَر إلاَّ أن الظهر و العصر مَرَّتَان سفر و حَضَر ، و العشاء مَرَّتَانِ كذلك ، ثم يُعِيدُ الظُّهْرَ مَرَّتَيْنِ ، سفر بينهما حَضَر هكذا في الأمِّ . و على هذا يصير أربع عشرة صلاة .
قال : و لو كانت صلاتي الظهر التي ذكرَهما جميعًا لم يَدْرِ سفر أم حَضَر ، أو مفترقين ذكر معهما سجدة ، صَلَّى اثنتي عشرة صلاةً ، أربع صلوات ظُهْرَ سفرٍ و حَضَر و سفر حَضَر ، ثم صلاة يوم حَضَر ، إلاَّ أنه يُعِيدُ الظهر و العصر و العشاء سفر .
و لو ذكر سجدتين من يَوْمَيْنِ ، لا يدري سفريتين أو حضريتين ، أو إحداهما حَضَر و الأخرى سفر ، فَلْيُصَلِّ ستَّ عشرة صلاة ، يُصَلِّي صلاة يوم و ليلة سفر ، ينوي منها بِالصُّبْحِ و المغرب عن أَوَّل يوم لخوف أن تكون السجدتين من صبحين أو مغربين ، ثم يُصَلِّي صلاة يوم حَضَر ، ينوي عن اليوم الثاني ، ثم يُعِيدُ الظهر
***(1/413)
[1/416]
و العصر و العشاء صلاة سفر ، ثم يُعِيدُ هؤلاء الثلاث حَضَر ؛ لاحْتِمَال أن يكونا من ظُهْرَيْنِ حضرًا أو سفرًا ، أو أحدهما سفر ، و كذلك العصر و العشاء ، فيكون قد صَلَّى هذه الصلوات كل وَاحِدَة أربع مرات ، و أما الصُّبْح و المغرب ، فمرتين مَرَّتَيْنِ .
و لو نسي السجدتين من يَوْمَيْنِ ، سفر و حَضَر ، لا يدري أيتهما قبلُ ، و لا يدري أي صلاة هي ، فَلْيُصَلِّ ثَلاثَ عَشْرَةَ صلاة ، خمس سفر لأول يوم ، ثم صلاة يوم حَضَر ينوي بِالصُّبْحِ و المغرب لليوم الثاني ، و ينوي بالظهر و العصر و العشاء عن اليوم الذي نسي فيه الحضر ، كان أَوَّلاً أو ثانيًا ، ثم يُعِيد ما يُقصر ، و هو الظهر و العصر و العشاء ، سفريات لليوم الثاني . و إِنَّمَا أمرتك أن تبدأ بالسفر ليكون أخفَّ عليك في عدد الرُّكُوع ، فيما تُكرِّرُه من الصلوات ، فيصير ما يُقْصَر مُعَادًا ثلاث مرات ، و ما لا يُقْصر مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ . و قد قال محمد : يُعِيد المغرب ثلاثًا ، فتصير أربع عشرة صلاة . ثم رجع إلى هذا .
و لو ذكر صلاة يَوْمَيْنِ ؛ سفر و حَضَر ، لا يدري أيهما قبل صاحبتها ، فَلْيُصَلِّ أربع عشرة صلاة ، على الترتيب المتقدِّم ، إلاَّ أنه ذكر أن المغرب يُعِيدُها في آخِر مَرَّتَيْنِ ؛ لأنه إن كان يوم الحضر أَوَّلاً سقط اليوم الذي قدَّمه للسفر ، و لم يسقط منه صلاة الصُّبْح ؛ لأنه نوى بها عن أَوَّل يوم لحضر أو سفر ، و لا يُحتسَب المغرب التي صلاها قبل صلاة يوم الحضر ، بخلاف الصُّبْح ؛ لأن المغرب إِنَّمَا يكون بعد صلاة النهار . و لو قال في اليومين : لا أدري أسفريتين أم أحدهما سفرٌ . فَلْيُصَلِّ ستَّ عشرة صلاة ، يُصَلِّي عن أَوَّل يوم صبحًا وَاحِدَة ، و ظهرًا مَرَّتَيْنِ سفرًا ثم حَضَرًا ، و عصرًا كذلك ، و مغربًا مَرَّةً ، و العشاء مَرَّتَيْنِ ، حضرًا ثم سفرًا ، ثم يُعِيدُ ذلك كُلَّه مثل ما فعل ، ينوي به اليوم الثاني . قلتُ : فلو صَلَّى عن أَوَّل يوم الخميس
***(1/414)
[1/417]
صلوات سفر ، ثم أعاد الظهر و العصر و العشاء حَضَر ، ثم كذلك لليوم الثاني ؟ قال : ليس بصواب ؛ لأنه يُصَلِّي المغرب عن الحضر قبل صلاة الحضر النهار .
قال : و لو ذكر مع هذين اليومين سجدة من صلاة أخرى من غير اليومين ، لا يدري ما هي ، و لا يدري من سفر أو حَضَر ، و لا يدري أهذه الصلاة قبل اليومين أو بعدهما أو فيهما ، فعليه للسجدة ثمان صلوات ، و يصير جميع ما عليه أن يأتي به أربعًا و عشرين صلاة ، إذا أحكم كيف يأتي بها ، و ذلك أن يأتي بصبح ينوي بها عن أَوَّل صبح وَجَبَتْ عليه من الثلاثة الأيام ، ثم بظهر سفر ، ثم حَضَر ، ثم بعصر كذلك ، ثم المغرب مَرَّةً عن أَوَّل مغرب لزمته ، ثم العشاء مَرَّتَيْنِ ، حَضَر و سفر ، ثم يأتي عن اليوم الثاني كذلك ، ثم عن اليوم الثالث كذلك ، و لا تُجْزِئُهُ ستَّ عشرة صلاة ، إذ قد يكون اليومان حضرًا جَمِيعًا ، و تكون السجدة من صلاة حَضَر ، و هو لَمْ يَأْتِ من الحضر إلاَّ بصلاتين ، و كذلك عن السفر .
و قال محمد بعد هذا : فإن كانت السجدة إِنَّمَا ذكرها مع ذكره لليومين اللذين أحدهما سفر و الآخر خضر ، قال : هذا يأتي بخمس و عشرين صلاة ، صلاة خمسة أَيَّام على الولاء ، صلاة يوم سفر ثم يوم حَضَر ، ثم كذلك حَتَّى يختم بيوم السفر . قال : ثم رجع محمد ، فقال : بل أربع عشرة صلاة تُجْزِئُهُ ، على ما كنتُ وَصَفْتُ لك في اليومين إذا انفردَا . يعني محمد مسألته التي قال في مَنْ ذكر صلاة يَوْمَيْنِ ، سفر و حَضَر ، لا يدري أيتهما قبلُ .
و في الجزء الثاني في أبواب صلاة السفر ، بابٌ في مَنْ خرج لمقدار من الوقت ناسيًا لسجدة من صلاة النهار ، و بابٌ في مَنْ قدم أو ظعن أو امرأة طَهُرَتْ أو حاضتْ ، و عليهم صلاة أو صلوات ، و كيف إن لم يَدْرِ المسافر أَمِنْ يوم دخل أو خرج ، و نحو هذا الباب في آخر الجزء الأول .
***(1/415)
[1/418]
***(1/416)
[1/419]
كتاب الصلاة الرابع
في إقصار الصلاة لِلْمُسَافَرِ ، و متى يقصر في
خروجه و رجوعه ، و كيف إن رجع لحاجة
من الواضحة ، قال : و معنى قول الله : {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (النساء : 101) ، فمعنى إقصارها في الخوف ، يريد في الترتيب في تخفيف الرُّكُوع و السُّجُود و القراءة ، و قد كانت مقصورة في السفر في غير خوف من غير هذه الآية . و قال غيره مِنْ أَصْحَابِنَا البغداديين ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إِنَّمَا يقصر في سفر يجوز الخروج فيه ، غير باغٍ و لا عادٍ ، فأما مَنْ خرج باغيًا أو عاديًا ، ظالمًا أو قاطعًا للرحم ، أو طالبًا لإثم ، فلا يجوز له القصر ، كما لا يُبَحُ له الأكل مِنَ الْمَيْتَةِ عند الضرورة .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : الإقصار في السفر للرجال و النساء .
قال أشهب : يقصر الظهر و العصر و العشاء ، و لا خلاف أنه لا يقصر الصُّبْح و المغرب .
قال عليٌّ ، عن مالك : و مَنْ قصر المغرب جاهلاً أعاد أبدًا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من أراد سفرًا ، فأدركه الوقت في أهله ، فهو في سَعَة ، إن شاء صلاَّها في أهله صلاة مقيم ، و إن شاء خرج فقصرها في سفره .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز : فإنما تُقْصَر إذا خَلَّف قريته وراء ظهره ، لا يكون شيء منها عن يمينه و لا عن يساره و لا أمامه ، و كذلك في البحر .
***(1/417)
[1/420]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إذا جاوز بيوت قريته ، و انْقَطَعَ منها انقطاعًا بيِّنًا قَصَرَ ، كانت مما يُجْمِّعُ أهلُها أو لا يُجَمِّعوا . و اسْتَحَبَّ مالك ، في رِوَايَة مُطَرِّف و ابن المَاجِشُون ، أنها إن كانت يُجَمِّع أهلُها ، فلا يقصر حَتَّى يُجاوزها بثلاثة أميال ؛ لأنه كقرار واحد ، و إذا رجع قصر إلى حَدِّ ذلك ، و إذا كانت لا يُجَمِّعُ أهلُها ، قصر إذا جاوز بَساتينها و بيوتها المتصلة بها عن يمين و شمال ، و ليس ذلك عليه في مزارعها . و قول ابن القاسم ، و ابن عبد الحكم ، أن يَقصر بالمجاوَزة في القريتين سواء .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك في المجموعة ، في مَنْ سافر في البحر ، قال : إذا جاوز البيوت ، و دفع فليقصرْ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال أَصْبَغُ : و إذا قلعوا فَجَرَوْا نحو ثلاثة أميال ، ثم حُبِسُوا من ورائهم ، فإن حبستهم الريح قصروا ، و إن حُبسوا لغير ذلك أتمُّوا .
قال مالك : و من سافر بريدين ، ثم رجع لحاجة ، أو لأن طريقًا غير هذه أقصر و ممرُّه إليها على منزله ، فليُتِمَّ من حين أخذ في الرجوع ، و إن لم يُرِدِ النزول في منزله حَتَّى يجاوزه فاصلاً ، فليقصر الصلاة .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : و إذا رجع لحاجة بعد فرسخين ، فليقصر حَتَّى يدخل أهلَه . و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يُتِمُّ . قال عبد الملك : هو كمن رَدَّتْه الريح . و فرَّق سَحْنُون في موضع آخَرَ بين رَدِّ الريح إياه إلى وطنه و إلى غير وطنه .
و من كتاب ابن سَحْنُون ، قال سَحْنُون في مَنْ قلد في البحر من وطنه إلى
***(1/418)
[1/421]
ما يُقْصَرُ فيه الصلاة ، ثم أحرم ، فردَّتْه الريح إلى بيوت قريته بعد أن صَلَّى بعض الصلاة ، قال : تَبْطُلُ ، كما لو نوى فيها الإقامة .
قال محمد بن عبد الحكم ، في مَنْ صَلَّى في الحضر ركعة بسجدتيها ، ثم مَشَتْ به السفينة حَتَّى خرج عن القرية حيث تُقْصَرُ الصلاة . قال : يمضي على صلاته صلاة حَضَر ؛ لأنه دخل فيها على ما يجوز له .
و من المجموعة ، قال عبد الملك ، و سَحْنُون : و من خرج إلى الحَجِّ مِنْ أهل الخصوص ، ثم قدم فألفي أهلَه انتقلُوا ، فَلْيُتِمَّ من موضع تَرَكَهم به إلى موضع ساروا إليه ، إلاَّ أن يكون بينهما أربعة بُرُدٍ .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك : و عن الأمير يخرج عن المدينة ثلاثة أميال ، حَتَّى يتكامل أكرياؤه و حشمُه ، قال : لا يَقْصُرُ حَتَّى يُجْمَعَ على المسير .
و عن الذين يرْرُزُونَ من مكة إلى ذي طُوًى ، قال : لا يَقْصُرُوا حَتَّى يظعنوا .
قال مالك : و مَنْ خرج من الفسطاط إلى بئر عُمَيرة ، و هو يُقيم اليوم و اليومين كما تصنع الأكرياء حَتَّى يَجْتمعَ الناس ، قال : فليقصروا . و رَوَى عنه ابن نافع ، في المجموعة ، قال : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُتِمُّوا ، إذا كان الأكرياء يحبسون الناس اليوم و اليومين .
و قال عنه ابن القاسم و عليٌّ في المجموعة : و إذا خرجوا عن مصرهم مُتَبَرِّزين بمتاعهم - قال عنه عليٌّ : على نحو الميل – يُقيمون هناك يومًا فأكثر ،
***(1/419)
[1/422]
حَبَسَهم شيء ، أو شغلهم ، فَلْيُتِمُّوا .
قال عنه عليٌّ : و لو قَدِمَ بِقُرْبٍ من منزله ، فحضرت صلاة ، فله أن يقصر حَتَّى يخل منزله .
قال عنه ابن القاسم ، في الْعُتْبِيَّة : و إذا قدم من سفر ، فنزل من مدينته على ميل أو ميلين ؛ ليُقيم حَتَّى يدخل ليلاً ، فإنه يَقْصُرُ ، إلاَّ أن يَقْرُبَ جدًّا . و لم يَحُدَّه .
و قال مالك في سماع أشهب ، في المسافر إذا رجع إلى أهله, فإنه يقصر حَتَّى يدنو من البيوت مثل الميل و نحوه ، فليُتِمَّ الصلاة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من نزل قريبًا من موضعه ، ليُؤْذِنَ أهلَه ، أو ليدخلَ ليلاً ، و لو تَمَادَى دخل في وقت الصلاة ، فحضرت الصلاة ، فليُتِمَّ . قاله مالك و الليث . و نقله ابن القاسم ، و الإتمام فيما فيه الشكُّ أَحَبُّ إِلَيْنَا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و اختلف السَّلَفُ في التَّنَفُّل في السفر نهارًا ، فكان ابن عمر مِمَّنْ لا يُحِبُّهُ ، و لا يفعله إلاَّ في اللَّيْل ، و لم يختلفوا في إباحته بالليل ، و كذلك فعل النبي صلى الله عليه و سلم و الخلفاء .
و من كتاب آخر : و كان ابن عمر لا يركع ركعتي الْفَجْر في السفر .
و في الباب الذي يلي هذا الباب ما يَقْرُبُ معناه من هذا الباب .
في أقَلِّ ما يَقْصُرُ فيه المسافرُ من السفر ، و كيف
إن نوى الإقامة بين أضعاف سفره أو يُقيمُ لأمر
لا يعلم غايته ، في خلال سفره أو في ابتدائه
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و مقدار ما يقصر فيه عند مالك مسيرة أربعة بُرُدٍ .
***(1/420)
[1/423]
و قَالَ ابْنُ عمر : يقصر في اليوم التامِّ . محمد : ذلك في الصيف للرَّجُل المُجِدِّ ، و أربع بُرُدٍ أَحَبُّ إِلَى مالك يجمع زمن الشتاء و الصيف ، و السريع و البطيء ، و هو قول ابن عباس ، قيل : أتقصر في أقلَّ من أربع بُرُدٍ ؟ قال : أمَّا بالمسير فأرجو ، و أما الأميال فلا تفعلْ .
و رَوَى أشهب ، عن مالك في الْعُتْبِيَّة ، في مَنْ خرج إلى ضيعته ، و هي على خمسة و أَرْبَعِينَ ميلاً ، قال : يقصر .
و رَوَى أبو زيد ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في مَنْ قصر في ستة و ثلاثين ميلاً ، قال : لا يُعِيدُ . قال يحيى بن عمر : لا أعرف هذا لأصحابنا ، و يُعِيدُ أبدًا . قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : و قَالَ ابْنُ عبد الحكم في هذا : يُعِيد في الْوَقْتِ ، و إن قصر في أقلَّ من ذلك ، أعاد أبدًا ؛ لأنه لم يُخْتَلَفْ فيه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يَقْصُر في أَرْبَعِينَ ميلاً . و هذا قريب من أربعة بُرُدٍ .
و من المجموعة ، قال عبد الملك و سَحْنُون : مَنْ خرج إلى ثلاثين ميلاً ، على أن يرجع من فَوْرِهِ ، فَلْيُتِمَّ ، و ليس كاتِّصال السفر ذاهبًا . قال عبد الملك : و من توجَّه إلى سفر فيه برٌّ و بحرٌ ، فإن كان في أقْصاه باتِّصال البَرِّ مع البحرِ ما يُقْصَرُ فيه ، قصر إذا بَرَزَ .
و قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : و إن كان ليس بينه و بين البحر ما يُقْصر ، فانظرْ ، فإن كان المركب لا يبرح إلاَّ بالريح ، فلا يَقْصر حَتَّى يركب و يبرُز عن موضع قَلَد منه ، و إن كان يجري بالريح و بغير الريح ، فليَقْصُر حين يبرُزُ عن قريته . و قال في الذي لا يخرجُ إلاَّ بالريح : إن قَلَدَ فردَّتْه الريح إلى موضع قَلَدَ منه ، أو غيره أقام به ، فليقصر ، ما لم يَرُدَّه إلى وطنه .
و من المجموعة ، قال عبد الملك : و إذا خرج إلى سفر الإقصار و بين كُلِّ مَنْهَلَين ثلاثين ميلاً ، و نوى المُقامَ في كُلِّ منهلٍ أربعة أَيَّام ، ثم لمَّا دخل في
***(1/421)
[1/424]
السفر استحدث نية ، فليقصر ما بين المنهلين ، على نية سفره المتصل ، و إذا أقام أتمَّ . و رُوِيَ عن سَحْنُون في مَنْ خرج ينوي يمشي ثلاثين ميلاً أو عشرين ، ثم يُقيم أربعة أَيَّام ، ثم يمشي مثل ذلك ، ثم يقيم أربعة أَيَّام ، أنه يقصر من حين يخرج من مسيره ، لا في مُقامه حيث يُقيم . و ذكر ابن الْمَوَّاز خلاف هذا ، أنه يُراعي مسافته إلى موضع نوى فيه المُقام ، ثم مسافة غاية سفره, و هو مُسْتَوْعَبٌ في باب بعد هذا .
و من المجموعة ، ابن القاسم ، عن مالك في مَنْ خرج إلى ضيعتين له ، بينه و بين أولاهما ثلاثين ميلاً ، و بين الأولى و الثانية ثلاثون ميلاً ، و نوى إقامة عشرة أَيَّام ، لا يدري كم يُقيم في كل ضيعة ، قال : هذا يَقصر حَتَّى يُجْمِعَ على مُقام أربعة أَيَّام فأكثر في موضع . يريد : فإن نوى المقام في الأولى لم يَقصر إليها . و اختُلِفَ في إقصاره إلى الثانية ، و إن نوى المقام في أقصاها ، فليقصرْ من يوم يخرج .
و من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم ، قال مالك : و من خرج ليبيع سلعته ، و أمامه أسواق في قُرى ، بين كل سوقين خَمْسَةَ عَشَرَ ميلاً ، و كذلك بينه و بين أَوَّلها ، ففي أي سوق وجد البيع باع . فهذا لا يقصر حَتَّى يخرج مُجْمِعًا على بلوغ غاية الإقصار . و ذكر نحوه في كتاب ابن الْمَوَّاز ، إلاَّ أنه قال : يخرج ينوي السوق الأقصى ، على أنه إن وَجَدَ البيعَ دونه باع . و كذلك من خرج يطلبُ آبقًا على مسيرة الأيام ، على أنه إن وَجَدَه دون ذلك رجع .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و مَنْ أقام أربعة أَيَّام بمكان في سفر فَأْتَمَّ ، ثم رَجَعَتْ نيَّتُه على الإقامة ، إنه يُجْزِئه ما صَلَّى ، و يَأْتَنِفُ الإقصار برجوع نيَّتِه إلى المُضِيِّ في سفره .
***(1/422)
[1/425]
و قال سَحْنُون : يُتِمُّ حَتَّى يَظْعَنَ من مكانه ، و لا يكون مسافرًا إلاَّ بالظعن .
و من الْعُتْبِيَّة ، و قال سَحْنُون : و من خرج ينوي أن يسير يومًا ، و يُقيم أربعةً ، فهذا يَقصر في مسيره ، و يُتِمُّ في مُقامه . و قال يحيى بن يحيى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و من خرج إلى مسيرة أربعة بُرُدٍ فسارَ بريدين ، ثم نوى الإقامة أربعة أَيَّام ، ثم تَمَادَى ، فلا يقصر حَتَّى يبقى في بقية سفره أربعة بُرُدٍ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من حبسه في السفر عِلَّةُ دابَّتِه ، أو ينتظر متاعًا يُتِمُّ عملَه ، أو حاجة ، و لا يدري متى نهاية ذلك ، فليقصرْ حَتَّى يوقن أنه يُقيم لذلك أربعة أَيَّام فأكثر .
قال : و مسافرو البحر يحبسهم لريح ، فيقصروا أبدًا ما أقاموا . و العسكر مع الإمام إن أقام بهم ببلد الإسلام ، و لا يدرون لم يُقيم ن فليقصروا حَتَّى يعلموا أنهم يقيمون أربعة أَيَّام ، و يَنْبَغِي للإمام العدل أن يُعْلِمَهم كم يُقيم بذلك الموضع ، و يَنْبَغِي أن يُقيم إمامًا لإقامة الصلوات ، هو أو غيره ، و إذا أقام لهم ببلد العدُوِّ فليقصروا ، و إن عزم على إقامة أربعة أَيَّام بهم ، فليقصروا إذ لا يملك ذلك ملك الثقة حَتَّى يجاوز الدروب ، و يصير بمحلَّة أمن .
و من المجموعة ، ابن نافع عن مالك ، في والي البحر ينصرف بالجيش ، حَتَّى يأتي دمياط ، فيقيم بها ينتظر إذن الوالي لهم في مسيرهم إلى أهلهم ، قال : يُتِمُّون أَحَبُّ إِلَيَّ ، و هم لا يدرون متى يأتيهم إذْنُه ، و قد نزلوا على المُقام لذلك .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في القوم ينزلون مع الأمير في الشتاء في أرض الإسلام ، فيُقيم أشهرًا يَقْصُر ، فأنكر ذلك ، و قال : من خاف منه فليُتِمَّ في بيته ، ثم يُصَلِّي معه .
***(1/423)
[1/426]
قال عنه ابن نافع : و إذا خرج أهل الجيش إلى جسرهم ، فليتِمُّوا الصلاة كالرعاة يتبعون الكلأ بماشيتهم .
قال عنه عليٌّ ، في امرأة سافرت إلى موضع ، فكانت تقصر فيه ، إذ لم تُجْمِعْ مُكْثًا ، فخرج إليها زوجها ليُقيم معها يَوْمَيْنِ ، فليقصرْ ، إذ ليس بموطن لهما ، و لا أجمعا مُكْثًا .
في صلاة المَكِّيِّ و المَنَوِيِّ في مسيرهم إلى
عرفة ، و في رجوعهم إلى منى ، و إلى مكة ،
و صلاة العَرَفيِّ إذا أفاض ، و مَنْ كان أقام
بمكة قبل أن يَحُجَّ من أهل الآفاق
من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : و من انصرف من المكيين و أهل منى من منى ، فأدركته الصلاة قبل أن يَصِلَ إلى مكة ، فليُتِمَّ ، و كذلك من نزل بالمُحَصَّبِ ، و ليُقيمُوا به حَتَّى يُصَلُّوا العشاء . ثم رجع ، فقال : أرى أن يُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ في نزولهم بِالْمُحَصَّبِ ، و أن يُؤَخِّرُوا بمنى – يريد المكيين – لزحام و نحوه . و اختَلَفَ في ذلك قول ابن القاسم ، و إلى آخر قوليه رجع . و به قال أَصْبَغُ ،
***(1/424)
[1/427]
و سَحْنُون و كذلك ابن الْمَوَّاز ، في مَنْ تخَلَّف بمنى – يريد من المكيين – لزحام أو غيره تحضره الصلاة بمنى ، أو في طريقه ، فقال مالك : يُتِمُّ . ثم قال : يقصر . ثم قال : يُتِمُّ . و بالإقصار أخذ ابن القاسم ، بعد أن اخْتَلَفَ فيه قوله . و قاله أصبغ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال مالك ، في المكيِّ يُقيم بمنى ليخِفَّ الناسُ ، فليُتِمَّ بمنى . و كذلك من نوى من أهل الآفاق المُقام بمكة أربعة أَيَّام . و كذلك من خاف منهم فوات الوقت فيما بين منى و مكة ، صَلَّى أربعًا . أراه يريد : مِمَّنْ تقدَّم له مُقامُ أربعة أَيَّام بمكة بِنِيَّةٍ .
قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في أهل منى و أهل عرفة يُفيضون ، قال : يقصر أهل عرفة ، و لا يقصر أهل منى ، و كلّ من كان يُتِمُّ بمنى ، فإذا أفاض أتَمَّ ، و من كان يقصر بمنى ، فإذا أفاض قصر .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ نافع ، عن مالك : و من قَدِمَ إلى مكة ليَحُجَّ فأقام بها ، يُتِمُّ الصلاةَ ، ثم خرج إلى منى ؟ قال : يقصر بمنى . قيل : ففي طريقه قبلَ يَصِلُ إلى منى ؟ قال : لا أدري . قال : و إذا رجع إلى مكة لا يريد مُقامًا بها ، فليقصرْ . و لو رجع إليها ينوي مُقامَ يومٍ واحدٍ بها لأتمَّ فيه .
في المسافر يمُرُّ لقرية فيها أهلُه ، أو يُحْدِثُ فيها
أهْلاً ، أو ينوي الإقامة بموضع ، و هو به ، أو
إليه خارجٌ ، أو رجع إليه
من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و إذا نزل المسافرُ بقرية قد سكنها بأهله ،
***(1/425)
[1/428]
فهلك أهلُه فليُتِمَّ ، ما لم يَرفُضْ سُكناها ، و إذا لم يكن مسكنه ، و لكنَّه نَكَحَ بها ، فلا يُتِمُّ حَتَّى يبني بأهله ، و حَتَّى يلزمه السكنى . و كذلك ذكر ابن القاسم ، في المجموعة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و كذلك إن كان له بها أمُّ وَلَدٍ أو سُرِّيَّةٌ يسْكُنُ إليها ، فإن لم يكن له لها غير الغلمانِ و الأعوان فليقصرْ .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و إذا خرج و في طريقه قرية له بها أهلٌ ، و نوى دخولها ، فإن كان بينه و بينها أربعة بُرُدٍ قصر إليها ، و إلاَّ أتَمَّ ، ثم ينظر بقيَّة سفره منها ، فإن كان أربعة بُرُدٍ قصر ، و إلاَّ أتَمَّ ، فإذا رجع و لم ينوِ دخولها قصر ، و لو خرج أَوَّلاً ، و هي على أقلَّ من أربعة بُرُدٍ ، و نوى دخولها ، فلزمه التمامُ ، ثم لمَّا حاذاها بَدَا له ، فترك دخولها ، فلينظرْ بقيَّة سفره من حينئذ ، فإن كان أربعة بُرُدٍ قصر إذا ظعن من مكانه ذلك ، لا قبل الظعن منه ، و لو كانت مسافة قريبة أربعة بُرُدٍ قصر ، و إن لم يظعنْ من مكانه ، كان في باقي سفره أربع بُرُدٍ أو أقلُّ . و لو حَتَّى شَقَّها مارًّا و لم ينزل ، لراعيتَ بقيَّة سفره ، فلا يقصر إلاَّ أن يبقى منه أربعة بُرُدٍ . و لو لم يكن له بها أهل ، إلاَّ أنه نوى بها المُقام أربعة أَيَّام ، ثم خرج مكانه فالجواب سواءٌ ، و لو خرج إلى ستَّةِ بُرُدٍ ، و على ثلاثة منها قرية أهله ، و نوى دخولها ، لم يقصرْ في سفره كلِّه في ذهابه ، ثم إن نوى بعد أن سار أن لا يدخلها ، فإن كان في بقيَّة سفره أربعة بُرُدٍ قصر ، إذا جاوز مكانه ، و إلاَّ فلا . و لو نوى أَوَّل خروجه أن ينزل حِذاها ، فيُقِيمَ ثلاثة أَيَّام ، فهذا يقصر ، و كذلك لو نوى أن يبعث فيهم ، ثم يُقيمون معه ، أو يدخل بهم . و إن نوى أَوَّل سفره أن لا يدخلها ، فلمَّا سار بريدين نوى دخولها ، قال : فإن كان إليها من أَوَّل سفره أربعة بُرُدٍ فليقصرْ . و يصير كمن نوى إذا بلغها أن يرجع ، و إن لم يكن مشى فيها أربعة بُرُدٍ فَلْيُتِمَّ من وقت نوى دخولها ، كما لو نوى أن يرجع قبل أن يبلغها . و لو نوى في الطريق أن يدخلها ، فلمَّا حاذاها بَدَا له
***(1/426)
[1/429]
فيتمادى ، فليأتنفْ حُكْمَ السفر من وقت بَدَا له أن يدخلها ، فإن لم يكن رجع إلى الإتمام بما نوى من دخولها فهو على التقصير باقٍ ، و إن أتَمَّ من وقت نوى دخولها ؛ لأن مسافتها من أَوَّل سفره أقلُّ من أربعة بُرُدٍ ، فهذا على التمام ، إلاَّ أن يبقى إلى غاية سفره أربعة بُرُدٍ فليقصرْ .
و من خرج من الإسكندرية إلى الفسطاط ، فسار بريدين ، ثم نوى أن يَعْدِلَ إلى قريته يُقيمُ بها أربعة أَيَّام ، و هي على ثلاثة بُرُدٍ من الإسكندرية ، فَلْيُتِمَّ من حين نوى ذلك ، و إن كانت على أربعة بُرُدٍ قصر حَتَّى يدخلها .
و إذا نزل بقرية في طريقه ، فنوى المقام بها ما يُتِمُّ فيه ، فأتمَّ ثم خرج ، فإن بَقِيَ إلى بقيَّة سفره أربعة بُرُدٍ قصر ، فإذا قصر بعد ميلين عنها ، ثم رجع إليها في حاجة فليقصرْ ، هذا في رجوعه و في دخوله فيها ، حَتَّى ينوي المُقامَ بها ما يُتِمُّ فيه إلاَّ أن يكون بها أهْلُه ، و هذا الذي أخذ به من اختلاف قول مالك في هذا ، و به أخذ ابن القاسم ، و أصبغ . و اختَلَفَ قول مالك في الذي أقام بمكة أربعة أَيَّام ثم عاد إليها ، و اختار ابن الْمَوَّاز أن رجوعه إليها بخلاف رجوعه إلى وطنه . و ذهب في الذي يخرج إلى سفر الإقصار ، و ينوي أن يُقيمَ في طريقه أربعة أَيَّام ، و ليس بوطنه ، فجَعَلَ ذلك كوطنه ، في مُرَاعاته لمسافته من أَوَّل خروجه ، و مراعاته لبقيَّة سفره بعد الظعن من ذلك الموضع . و قال عبد الملك ، و سَحْنُون : إنه يَقْصُرُ على كلِّ حالٍ ، إلاَّ في مُقامه حيث أقام . و جعلاه يعود على أَوَّل سفره ، و لا يتغَيَّرُ حالُه إلاَّ في موضعٍ أقامَ فيه فقط ، فإذا زايَلَه عادَ على أصْلِ سفره . و قد تقدَّمَ هذا في باب قد مضى .
و من المجموعة قول ابن نافع عن مالك ، في حَاجٍّ أقام بمكَّة يُتِمُّ ، ثم خرجَ إلى منى و عرفة فقصر ، ثم عاد إليها يريد بها إقامةَ يوم أو يَوْمَيْنِ ، ثم يسير إلى بلده ، قال : يُتِمُّ بها ، و لو كان لمَّا صَدَرَ لم يُرِدْ أن يُقِيمَ بها ، فَلْيَقْصُرِ الصلاة إن مَرَّ بها .
***(1/427)
[1/430]
قال ابن حبيب : و من أقام من المسافرِينَ بموضعٍ بنيَّة أربعة أَيَّام ، ثم خر عنه مسافرًا ، ثم رجع إليه ، فإن كان خرج منه إلى مسافة الإقصار فَلْيَقْصُرْ فيه ؛ لأن تلك الإقامة زالتْ بسفر القَصْرِ ، و إن خرج منه إلى ما لا يُقْصَرُ فيه فليُتِمَّ إذا رجع إليه ، و لو في صلاة وَاحِدَة . و قاله مالك فيهما .
و من المجموعة ، ابن نافع ، عن مالك ، في مَنْ دخل مكة قبل التروية بيومين ، فأجمع على المُقام بها ، و لكن لا بُدَّ أن يخرج إلى منى ، قال : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُتِمَّ بمكة .
و قال عنه ابن القاسم ، في مَنْ قَدِمَ مكة قبلَ يوم التروية بثلاثة أَيَّام ، و هو يخرج يوم التروية الظُّهْرَ ، قال : هذا يَقْصُرُ و لا يُتِمُّ ، إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ على الإقامة أربعة أَيَّام .
في المسافر ينوي الإقامة ، و كيف إن نوى ذلك
في صلاته و هو إمامٌ أو فذٌّ ، و كيف إن عاد إلى
نيَّة السفر ، و كيف إن عاد إلى وطنه
من الْعُتْبِيَّة ، قال عيسى : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و إذا نوى المسافر إقامة أربعة أَيَّام بلياليهنَّ أتَمَّ ، و لا يَحْسِبُ يوم دخوله ، إلاَّ أن يدخل أَوَّل النهار فيَحْسِبَه أَحَبُّ إِلَيَّ . و قال سَحْنُون في المجموعة ، و في كتاب ابنه ، و قاله ابن المَاجِشُون : إذا نوى إقامة عشرينَ صلاةً ، من وقت دخل إلى وقت يخرج ، أتمَّ .
قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إذا نوى إقامة أربعة أَيَّام ، ثم قصر ، أعاد أبدًا . و كذلك في كتاب ابن سَحْنُون ، و أنكر سَحْنُون أن يكون قال : يُعِيدُ في الْوَقْتِ . لِلاخْتِلافِ في ذلك .
***(1/428)
[1/431]
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و إذا برز على أميال ثم نوى الرجعة ، ثم نوى السفر مكانه ، فلُتِمَّ حَتَّى يظعن ، و لو كان معهم مُشَيِّعٌ فقدَّمُوه ، ينوي السفر قبلَ يُحْرِمُ ، فلا يُصَلِّي إلاَّ صلاة مُقيم .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إذا بَدَا لِلْمُسَافَرِ في الرجوع إلى وطنه ، و لم يُجاوِزه بأربعة بُرُدٍ ، و نوى ذلك بعد أن أحرم ، فاسْتَحَبَّ مالك أن يجعلها نافلة رَكْعَتَيْنِ ، ثم يُصَلِّي صلاة مُقيم . قال مالك : و إذا تمادى على إحرامه ذلك فَصَلَّى أربعًا ، أجزأه ، و إن ذكر ذلك بعد ركعة شفعها ، و تكون نافلة ، و إن كان إمامًا استُخْلِفَ ، كان كما أحرم ، أو بعد ركعة . هذا قول مالك ، و هو حسنٌ ، و أَحَبُّ إِلَيَّ إن كان كما أحرم فَلْيُصَلِّ على إحرامه أربعًا ، و إن كان صَلَّى ركعة أجزأه أن يُضِيفَ أخرى ، و تكون صلاة سفر تُجْزِئُهُ حين أدرك منها ركعة ، فإن كان إمامًا ، فإن قيَّدَ ركعة ، مضى على صلاة سفرٍ ، و إن كان كما أحرم استَخْلَفَ لهم . و هذا الذي قَالَ ابْنُ المَاجِشُون إنه أوجب ، و إنَّ قولَ مالك استحسانٌ .
و من الْعُتْبِيَّة قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إذا نوى مسافرٌ الإقامة فِي الصَّلاَةِ ، بعد ركعة ، و خلفه مسافرون و مقيمون ، فليستخلفْ ، فإن قدَّمَ مسافرًا ، سلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ ، و سَلَّمَ المسافرون بسلامه ، و أتمَّ المقيمون ، و إن قدَّم حضريًّا ، صَلَّى بهم ركعة ، و أشار إليهم ، ثم أتمَّ وَحْدَه ، و سلَّمَ هو و السَّفَريُّون ، ثم أتَمَّ المُقيمون . قال عيسى : و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يَنْتَقِض عليهم أجمع .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و إذا اسْتَخْلَفَ هذا الخارج ، فلا يُضِيفُ هو ركعةً ، و ليدخلْ معهم فيُتِمَّ بقيَّةَ الصلاة ، و تُجْزِئُهُ . قال عيسى : بل يبتدئ هو ، و هو أَحَبُّ إِلَيَّ .
***(1/429)
[1/432]
قال سَحْنُون : اختلف قول ابن القاسم فيه ، فقال : يَسْتَخْلِفُ . و قال : تَبْطُلُ عليه و عليهم . قال سَحْنُون : ثم لا يَقصر حَتَّى يظعنَ عن مكانه .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و من سافر ثم بَعَثَ غلامه في حاجة إلى منزله ، و عزم أن لا يبرح حَتَّى يأتيه ، فليقصرْ ، إلاَّ أن يوقن أنه يُقيمُ أربعة أَيَّام ، أو ينوي ذلك فليُتِمَّ حَتَّى يظعنَ .
و بعد هذا بابٌ في المسافر ينوي الإقامة بعد ركعة ، و قد خرج وقت تلك الصلاة .
في المسافر يُتِمُّ الصلاة ، و في ائتمامه بمقيم ،
و ائتمام المقيم به ، و في إمام مسافر يُتِمُّ الصلاة
بمن خلفه
من الواضحة قال مالك : لا يجوز أن يُتِمَّ المسافرُ ، لا وحده و لا خلفَ مُقيم ، فإن فَعَلَ أعاد في الْوَقْتِ ، إلاَّ في مثل جوامع المُدُنِ ، و أمَّهات الحواضر ، لا في مساجد عشائرها ، و لا في القُرَى الصغار التي يُجَمِّعُون الجمعة في مسجدهم ، فإن جَمَّع معهم في هذه أعاد في الْوَقْتِ . و لم يَرَ ابن القاسم أن يُعِيدَ حَتَّى يُتِمَّ وحده ، و ائتمام المُقيم بالمسافر في غير الجوامع العظام و موضع صلاة الأمراء أيسرُ في الكراهة ، من ائتمام المسافر بالمُقيم ، إلاَّ أن يُجَمَّعَ جماعة فيهم أهْلُ سَفَرٍ و أهل إقامة ، و في المسافرين مَنْ يُرْجَى بَرَكَة صلاته ، فليُقَدِّمُوه ، و لا يُقَدِّمُ المسافرون مقيمًا ، و إن رَجَوْا فضله ، و أما صلاة الصُّبْح و المغرب فلا تُكْرَه فيها إمامة مُقيم أو مسافر .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : و لولا أنَّ مالكًا و أصحابه لم يختلفوا أنَّ مَنْ أتمَّ في السفر إِنَّمَا يُعِيدُ في الْوَقْتِ ، لاسْتَحْبَبْتُ أن يُعِيدَ أبدًا . قال غيره : و لم يَرَ مالكٌ الإعادة أبدًا ؛ لقوَّة
***(1/430)
[1/433]
اختلاف الصحابة في ذلك . و قَالَ ابْنُ سَحْنُون : القياس أن يُعِيد أبدًا . و ذَكَرَ أنَّ قولَ مالكٍ ، و مَنْ قال بِقَوْلِهِ : إنَّ فَرْضَ الصلاة في السفر رَكْعَتَيْنِ . و قال أبو الفرج : اختلف أصحاب مالك في صلاة السفر ، فقال بعضهم : هي فَرْضُ المسافر . و قال بعضهم : هي سُنَّةُ السفرِ . و في رِوَايَة أبي المصعب عن مالك أنها سُنَّةٌ .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم ، قال : و كَرِهَ مالك للمسافرين أن يُقَدِّموا مُقيمًا ، فإن فعلوا و ائتمُّوا به لم يُعِيدُوا . قال مالك : و لو قَدَّمُوه لسِنِّهِ أو لفضله ، أو لأنه صاحب المنزل فليُتِمُّوا معه . و لو شَيَّعَهم ذُو السِّنِّ و الفضل فقَدَّمُوه لم أرَ به بأسًا .
قال مالك : و سمع سالم بن عبد الله بن عمر الإقامة في المسجد ببعض المناهل ، فَصَلَّى في موضعه ، و لم يأتِ المسجد فيُتِمَّ مع الإمام .
قال عنه أشهب : و كذلك فعل سالم في الجمعة و غيرها .
قال عنه أشهب في مسافرين نزلوا قرية فيأتيهم رَجُلٌ منها ، فلا أُحِبُّ أن يُقَدِّموه ، و لْيُقَدِّمُوا مسافرًا . و أما صاحب المنزل فلا بأس أن يتَقَدَّمَهُم ؛ لأنه أحقُّهم و إن كان عبدًا . قال : و كان ابن عمر يُصَلِّي بمنى مع الإمام أربعًا .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، قال : و إذا افتتح المسافر على أربع متعمِّدًا ، ثم بَدَا له فسَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ ، فالذي ثبت عليه ابن القاسم أنها لا تُجْزِئُهُ . و كذلك حضريٌّ يُحْرِمُ على الإقصار ، يظنُّ أنه مسافر فَلْيُعِدْ . و قاله أصبغ .
***(1/431)
[1/434]
قال محمد : و إذا أحرم المسافر على أربع ساهيًا ، على السفر أو على التقصير ، أعاد في الْوَقْتِ . و إن افتتح على رَكْعَتَيْنِ فأتَمَّ ساهيًا أجزأه سجدتا السهو . و أما إن أتَمَّ عامدًا بعد أن أَحْرَمَ على رَكْعَتَيْنِ فَلْيُعِدْ أبدًا .
و كان ابن القاسم يقول في الناسي لسفره : يسجد بعد السَّلام . ثم رجع إلى ما ذَكَرْنَا . و هو الصواب .
قال محمد في باب آخَرَ ، في مَنْ زاد في صلاة السفر ركعة سهوًا ، قال : يُتِمُّها رابعة ، و يُعِيد في الْوَقْتِ .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم ، في السفريِّ يُتِمُّ في الحضر بمسافرين ناسيًا ، فَلْيُعِدْ و يُعِيدُوا في الْوَقْتِ .
قال سَحْنُون : إذا أتَمَّ المسافر ناسيًا لسفره ، أو مُتَأَوِّلاً ، أو جاهلاً ، أعاد في الْوَقْتِ ، و أما إن افتتح على رَكْعَتَيْنِ ، فأتمَّهما أربعًا ساهيًا ، فَلْيُعِدْ أبدًا . كقول ابن القاسم في كثرة السهو . قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : تُجْزِئُهُ سجدتا السهو ؛ لأن هذا ليس كسهو مُجْتَمَعٍ عليه .
و من المجموعة ، ابن القاسم ، عن مالك في مسافر صَلَّى بمسافرين ، فتمادى بعد رَكْعَتَيْنِ ، فسَبَّحُوا به ، فجَهِل ، فتمادى ، فليُسَبِّحُوا ، و لا يَتَّبِعُوه . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يَجْلِسوا حَتَّى يُتِمَّ ، و يُسَلِّم و يُسَلِّمُوا بسلامه . قال : و يُعِيدُ هو في الْوَقْتِ . و قال مالك ، في المختصر : يُسَلِّموا و ينصرفوا . و في موضع آخَرَ : يتمادى ، و يُعِيدُوا . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : يُسَلِّمُوا و يَدَعُوهُ أَحَبُّ إِلَيَّ . و هي رِوَايَة ابن وهب ، و ابن كنانة ؛ لأنهم إن انتظروه ، و هو جاهلٌ أو عامدٌ ، فَسَدَتْ عليه و عليهم ، و إن كان ساهيًا لزمهم سُجُود السهو معه .
***(1/432)
[1/435]
و قال سَحْنُون في المجموعة : إن افتتح على أربع ، جهلاً أو تأويلاً ، أعاد في الْوَقْتِ ، و أعادوا ، إذ لو رَجَعَ إليهم حين سَبَّحُوا به لم يكن له و لهم بُدٌّ من الإعادة ؛ لأن صلاته على أَوَّل نيَّة .
قال سَحْنُون : و لو افتتح على رَكْعَتَيْنِ ، فتمادى سهوًا ، أعاد أبدًا ؛ لكثرة السهو ، و يَنْبَغِي لمن خَلْفَه إذا انتهى إلى موضعٍ لو أَثْبَتُه لم تُجْزِهِ ، فينبغي أن يستخلف السفريُّون مَنْ يُسَلِّمُ بهم ، و يُتِمُّ المقيمون ، و يُسلِّموا ، و يصير كإمام أحْدَثَ بغلبةٍ . و قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : إِنَّمَا أمَرَهم مالكٌ بانتظاره لاختلاف الناس في المسافر ، فأما لو تَمَادَى الحضريُّ ، فقعدوا ينتظرونه حَتَّى زاد رَكْعَتَيْنِ ، لبَطَلَتْ صلاتهم ، و في زيادة المسافر رَكْعَتَيْنِ سهوًا لا يُبْطِلُها ، بخلاف الحضريِّ ، و ليس بزيادة مُجْتَمَعٍ عليها .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : إذا أتَمَّ بهم جهلاً أعادوا . و قال عنه ابن القاسم : في الْوَقْتِ . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : أما الحضريون فيعيدون أبدًا . و قال أشهب : يُعِيد الإمام و مَنْ خلفَه في الْوَقْتِ . قال عليٌّ : و الذي يُعْرَفُ في قول مالك ، إن كان ساهيًا فليس عليه إلاَّ سُجُود السهو ، و يبني مَنْ خلفه من مُقيم و لا يعتدُّوا بركعتي سهوه ، و يسجدون للسهو كما يسجد . و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مثله . قال أبو محمد : أراه يريد : و لم يَتَّبِعُوه في رَكْعَتَي سهوه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : فإن جهلوا ، فاعتدُّوا بركعتي سهوه ، أعادوا أبدًا . و لو أتَمَّ عامدًا ، أعاد هو في الْوَقْتِ ، و المقيمون أبدًا .
***(1/433)
[1/436]
و في باب اختلاف نية الإمام و المأموم بقية هذا المعنى مُسْتَوْعَبًا .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، في السفري يَؤُمُّ بمُقيمين و مسافرين ، فيُتِمُّ بهم ، فَلْيُعِدْ هو و السفريُّون في الْوَقْتِ . و اختَلَفَ في المقيمين ، فروى ابن عبد الحكم ، عن مالك : يُعِيدُ المقيمون في الْوَقْتِ . و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : يعيدون أبدًا . و قاله أصبغ . قال محمد : صوابٌ ؛ لأنهم صَلَّوا بإمام ما لزمهم أن يأتُوا به أفذاذًا . و قيل : إن أَحْرَمَ على أربع أعادوا كُلُّهم في الْوَقْتِ ، و إن أَحْرَمَ على رَكْعَتَيْنِ أعادوا كُلُّهم أبدًا . و قال محمد : سواء أتمَّ بهم سهوًا أو متعمِّدًا ، فالإعادة في الْوَقْتِ . و إليه رجع ابن القاسم . بخلاف كثرة السهو للحضريِّ ، إذ الاختلاف أن ذلك زيادةٌ ، و هذا قد قيل إنه الذي عليه ، و لم يَخْتَلِفْ أن الحضريَّ إن زاد في صلاته متعمِّدًا أبطلها ، و ليس كذلك المسافر إذا أتمَّ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إذا لم يُدْرِكِ المسافرُ من صلاة المقيم ركعةً ، فليُصَلِّ على إحرامه ذلك صلاة سفر . قاله مالك .
قال سَحْنُون ، في المجموعة ، في مسافر صَلَّى خلْفَ مُقيم ، فضحك فِي الصَّلاَةِ : إنه يَرجع فيُصَلِّي صلاة سفر .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و إذا أتَمَّ المسافرُ الظُّهْرَ أربعًا ، عامدًا أو ساهيًا ، ثم نوى فيها الإقامة ، فَلْيُعِدْهَا أربعًا ، و إن خرج الوقت .
في السفري يَؤُمُّ الحضريين كيف يبنون بعده ، و في
الحضريِّ يُدرك من صلاة المسافر ركعة ، كيف
يقضي و يبني ، و كيف إن استخلفه السفريُّ
من الْعُتْبِيَّة ، رَوَى عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في مسافر صَلَّى بمقيمين ،
***(1/434)
[1/437]
فسَلَّمَ من رَكْعَتَيْنِ ، فليُتِمَّ المقيمون أفذاذًا ، و إن أتَمُّوا بإمم أساءوا و أجزأتهم ، و إن أعادوا فحَسَنٌ . و قال عنه موسى ، يعيدون أبدًا أَحَبُّ إِلَيَّ . و كذلك لو صَلَّى بعضهم بإمام ، و بعضهم بإمام .
و قال عنه سَحْنُون : إذا كان خلفه أهل إقامة و سفر ، فأتمَّ بهم كلهم مُقيمٌ ، فصلاته تامَّةٌ ، و يُعِيدُ المقيمون و السفريون أبدًا ؛ لأنه لا يكون في صلاة إمامان . كذلك لو أحدث ، فقدَّم مقيمًا ، فأتمَّ بالجميع ، قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : لا تجزئهم إذا جَمعوا فيما عليهم أن يُصَلُّوا أفذذًا . و قال عنه عيسى في هذه المسألة : يُعِيدُ السفريُّون في الْوَقْتِ و تُجْزِئُ المقيمين ، فإن أعادوا فحَسَنٌ .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : و إذا أدرك الحضريُّ من صلاة المسافر ركعة ، فإنه يبني ، ثم يقضي ، و تصير صلاته جلوسًا كلها . و كذلك المسافر صَلَّى بحضريين صلاة الخوف ، فإذا صَلَّى بالطائفة الثانية ركعة و سَلَّمَ ، فليأتوا بركعتين بأمِّ القرآن أُمِّ القرآن ، يجلسون فيهما ، ثم بركعة القضاء بأم القرآن و سورة . و كذلك الراعف تفوته ركعةٌ و أدرك الثانية ، ثم خرج فرجع ، و قد تمَّتِ الصلاة ، أو بَقِيَ منها ركعةٌ ، فَلْيَبْنِ ثم يقضي . و قد قيل : يبدأ بالقضاء ثم بالبناء .
و رَوَى موسى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة ، في مسافر صَلَّى بمقيم ركعة ، ثم دخل خلفه مقيمٌ آخَرُ فَصَلَّى معه الثانية ، ثم أَحْدَثَ في تَشَهُّدِها ، فقدَّمه ، فقال : يُتِمُّ التَّشَهُّدَ ، ثم يشير إليهم بالجلوس ، ثم يَقومُ فيبدأ بالقضاء للركعة التي سبقه بها الإمام ، ثم يُصَلِّي الركعتين الأخريين ، ثم يُسَلِّمُ و يُسَلِّمُ مَنْ خلفه من مسافرٍ ، ثم يبني الحضريون . و قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : بل يبدأ بالبناء ، ثم بالقضاء ، و لا يتَّبع في بناء و لا في قضاء ، فيأتي بركعة بأمِّ القرآن ؛ لأنه بانٍ في
***(1/435)
[1/438]
القراءة ، و يجلس ؛ لأنها ثانية له . يريد : و لا يَفْتَرِقُ الباني من القاضي إلاَّ في القراءة . قال : ثم يأتي بأخرى بأمِّ القرآن , و يجلس؛ لأنها آخِرُ صلاة الحضر ، و لا يقوم إلى القضاء إلاَّ من جلوس ، ثم يقضي ركعة بأم القرآن و سورة ، و يتشهَّدُ و يُسَلِّمُ ، فتصير صلاته كلها جلوسًا ، ثم يُتِمُّ مَنْ خلفَه مِن مقيم . و كذلك لو قال له : بَقِيَتْ عليَّ سجدة . فإنه يَخِرُّ بسجدة ، و يَتَّبِعُهُ فيها من دخل معه ، ثم يقوم وحده ، فيفعل ما ذَكَرْنا .
و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ و غيره ، و قاله سَحْنُون : إنه يبدأ بالبناء في هذا و نحوه ، إلاَّ أنهم قالوا : يأتي بركعة و يجلس ، ثم بركعة و يقوم ، ثم بركعة و يجلس ، و هي ركعة القضاء . يعنون لأنه إِنَّمَا يفترق القضاء من البناء في القراءة خاصة .
في إمام مسافر صَلَّى ركعة ، ثم أحدث ، فقَدَّمَ
حضريًّا ، و هل يُؤْتَمُّ به فيما يبني ، و كيف إن
جَهِلوا بالأول أحضريٌّ أم سفريٌّ
من كتاب ابن سَحْنُون ، و إذا صَلَّى مسافر بمقيمين ركعة ، ثم استخلف أحدهم ، فَلْيُصَلِّ ركعة أخرى ، ثم يومئ إليهم بالجلوس ، و يقوم فيُتِمُّ ، فإذا سلَّمَ قاموا فأتمُّوا . و قاله عبد العزيز . و قَالَ ابْنُ كنانة : إذا قام يُتِمُّ لنفسه قاموا فأتمُّوا لأنفسهم .
قتل ابن الْمَوَّاز : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و أشهب ، و عبد العزيز ، و عبد الملك ، و أصحابنا المصريون : إذا صَلَّى بهم الحضري المستخْلَفُ الثانية ، أشار إليهم حَتَّى يُتِمَّ صلاته ، ثم يُسَلِّمُ فيُسَلِّمُ مَنْ خلفَه من السفريين بسلامه ، ثم أتَمَّ المقيمون أفذاذًا . و هو قول أشهب ، في المجموعة .
***(1/436)
[1/439]
قال ابن الْمَوَّاز : و قَالَ ابْنُ كنانة : إذا قام يُتِمُّ لنفسه سلَّمَ السفريون ، و أتمَّ المقيمون أفذاذًا . قال أَصْبَغُ : و قاله ابن القاسم ، ثم رجع إلى أن لا يُسلِّمَ السفريون إلاَّ بسلامه . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : فإن ائتمَّ المقيمون به فسدت عليهم دونه . و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : يَنْبَغِي أن يُقَدِّمَ مسافرًا ، فإن قدَّمَ مقيمًا فليُقَدِّمْ هذا مسافرًا ، فإن جَهِل فَصَلَّى بهم هذا المقيم بقية صلاة السفري ، فقال له مالك : يُسَلِّمُ السفريون ، و يُتِمُّ هو و المقيمون أفذاذًا . و قَالَ ابْنُ المَاجِشُون : بعد أن يُقَدِّمَ مسافرًا يُسَلِّمُ بالسفريين . و قَالَ ابْنُ أبي سلمة ، و ابن القاسم ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ ، و غيرهم : لا يُسَلِّمُ السفريون إلاَّ بسلامه ، ثم يُتِمُّ المقيمون أفذاذًا . و هذا أحسن . فإن جهلوا فأتمَّ بالجميع ، فليُعِد السفريون في الْوَقْتِ ، و أحَبُّ إليَّ أن يُعِيدَ المقيمون . و قد تقدَّم القول في إعادة المقيمين أبدًا لابن الْمَوَّاز و غيره .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لو سَلَّم بهم ساهيًا ، اجتزأ بذلك السفريون ، و سلَّمُوا ، و سجدوا بعد السَّلام لسهو إمامهم ، و يجلس المقيمون حَتَّى يُتِمَّ هذا لنفسه و يسجد ، ثم يتمون بعده أفذاذًا ، و يسجدون للسهو بعد السَّلام . و لو سلَّم بهم عامدًا فسدت عليه و عليهم أجمعين .
و من المجموعة ، قال سَحْنُون : و إذا استخلف الإمام مقيمًا ، فجَهِل هو و مَن خلفه في الخارج ، أمسافرٌ هو أو مقيمٌ ، فَلْيُصَلِّ بهم صلاة مقيمٍ ، ثم يُعِيدُ مَن خلفَه من مسافر أو مقيم ، فتفسد على السفريين ، إذ لعل الأول مسافر ، و على المقيمين أيضًا إن كان مسافرًا ، إذا جمعوا بيما يلزمهم أن يُصَلُّوه أفذاذًا .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : و تُجْزِئُ المستخلف الحضري وحده . قال : و لو كان المستخلف سفريًّا ، قال غيره في المجموعة : فَلْيُصَلِّ بهم صلاة مقيم . قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : ثم ليُعِدْ هو و كل مَنْ خلفه أبدًا ، يُعِيد السفريون سفرية ، و الحضريون حضرية ، فإن أمَّهم أحدٌ فمنهم لا من غيرهم . قال أبو محمد : يريد
***(1/437)
[1/440]
إذ لعلَّ الأُولى أجزأتهم و قد صَلَّوها في جماعة ، فلا يَصْلُحُ أن يُعِيدُوا على الترغيب مع إمام هي فرضه .
و من المجموعة ، قال غيره ، فذكر نحو كلام ابن المواز ، و قال : فإن شاءوا في الإعادة جمعوا بإمامة أحدهم ، المستخلَف أو غيره من مسافر أو مقيم ، مِمَّنْ كان خلف الإمام ، فإن صَلَّى بهم مسافرٌ أتمَّ المقيمون بعده ، و إن صَلَّى بهم مقيم أتمَّ معه السفريون؛ لأن الأُولى إن صَحَّتْ فهذه نافلة ، و إن فسدَتْ فعلى جميعهم فسدتْ .
قال سَحْنُون : و إن أدرك مسافر ركعة مع إمام ، ثم جهل أمقيم هو أم مسافر ؟ فليتمَّها حضرية ثم يعيدها سفرية .
في الإمام الحضري يُقَدِّمُ مسافرًا ، و كيف إن
قال له : ذكرتُ سجدةً مما صَلَّيتُ , و كيف إن
قال ذلك بعد قضاء السفريين
من الْعُتْبِيَّة ، قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إذا أحرم مسافرٌ خلف مقيم ، ثم أحدثَ ، فقدَّمه قبل أن يُصَلِّيَ شَيْئًا ، فَلْيُصَلِّ بهم أربعًا . و كذلك لو لم يكن معه غيره؛ لأنه دخل في حُكْمِه لما بَقِيَ على الإمام من صلاته ، و لو دخل معه في الجلوس الآخِرِ ، لم يُصَلِّ هذا إلاَّ رَكْعَتَيْنِ .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و إذا دخل مسافر مع حضري في تَشَهُّد الرابعة ، فقدَّمه ، فليومئ إليه بالثبات ، و يُصَلِّي صلاة سَفَرٍ إن دخل على ذلك ، ثم يُسَلِّم و يسلِّمون بسلامه ، و أَحَبُّ إِلَيَّ حين قدَّمَه أن يُقَدِّمَ غيره .
و لو قال له حين قَدَّمَه : عليَّ سجدة لا أدري من أي ركعة . فقد قيل : إن
***(1/438)
[1/441]
يسجدها هذا بهم ، و أتى بركعة أجزأهم . فكذلك في سجدتين يأتي بهما و بركعتين .
و في الْعُتْبِيَّة ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، و أشهب ، أنهم إن ائتمُّوا به في السجدة أبطلوا؛ لأنها له نافلة . و قد ذكرناه في أبواب الإمامة .
و لو ذكر ثلاث سجدات ، فَصَلَّى هذا بهم ثلاث ركعات لبَطلتْ صلاة القوم . و إن صَلَّى بهم رَكْعَتَيْنِ ، و قدَّم مَنْ يُصَلِّي بهم الثالثة ، و يَتَشَهَّد بهم ، و يُسَلِّمُ ، أجزأتهم ، و يسلم السفري المستخلَف قبله بسلامه ، ثم يُعِيدها سفرية ؛ لأنه أحرم على سفرية ، و هو مع من وجبت عليه حضرية ، بإدراكه بعض الصلاة ، إلاَّ أنه لا يضُرُّ من أحرم على سفرية . يريد : ثم نوى أن يُتِمَّ . فلما صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بدا له ، فسلَّم ، فإنها تُجْزِئُهُ ، ما لم يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ ، فتبطل صلاته ، و هذا ما لم ينوِ الإقامة عن سفره ، فهذا لا ينفعه لو رجعتْ نِيَّتُه قبل أن يعمل شَيْئًا على نية السفر ، و تبطل صلاته ، بخلاف أن لو نوى إتمام صلاته و هو على نية السفر .
قال محمد : لا يُعْجِبُنا الجواب في السفري يدخل مع حضري في تَشَهُّد الرابعة ، فقدَّمَه ، و ذكر له سجدة أو سجدتين؛ لأنه إِنَّمَا أحْرم على سفر ، فلما ذكر الأول ما يُوجب على هذا الإتمام من ذِكْرِ سجدة ، لزمه التمام ، و قد أحْرم على خلافه ، فلا يُؤْتمُّ به في شيء منها إلاَّ فسدن و ليُقَدِّمْ غيره ، فيسجدُ و يركعُ و يتَّبِعُه فيها ، و كذلك في ثلاث ركعات ، فإذا أتمَّ ذلك أتمَّ هذا ما بَقِيَ عليه تمام أربع ركعات ، ثم أعاد سفرية .
***(1/439)
[1/442]
و إذا أدرك السفري ركعة من صلاة الحضري ، ثم قضى بعده ركعة ، ثم رجع الأول فذكر سجدة من الرابعة ، فإن رجع من قُرْبٍ يجوز له فيه البناء يجدها ، و أعادُوا سجودها معه ، و يبطُلُ ما عمل هذا بعده, و يأتنفُ ثلاث ركعات قضاء . و إن عقدَ هذا ركعةً في وقت لا يجوز للأول فيه البناء؛ إما لبُعْدٍ أو لكلام ، أو حَدَثٍ ، بَطَلَتْ صلاة هذا ، و لا يُتِمُّها حضرية ؛ لأن ركعة الحضر بطلتْ ، و لا يُتِمُّها سفرية؛ لأنه أحرم على حضرية . و لو كان استخلفه ، لم ينظر متى صَلَّى الركعة في قُرب أو بُعد ، و يصير كإمام صَلَّى ركعة ، ثم ذكر سجدة من ركعة قبلها ، و قد سجدها مَنْ خلفه ، فعليه قضاءُها ، و لا شيء على مَنْ خلفه فيها ، فإذا لزمه قضاء الركعة التي أدرك ، خرج مِنْ أَن تلزمَه صلاة حضرة ، و ليبتدئ صلاة سفر ، ويجعل هذه نافلة . و لو ذكر السجدة قبل يرفعُ رأسه من الركعة التي صَلَّى بعده ، لسجد ، و أعاد مَنْ خلفه السجدة معه ، و يُتِمُّ صلاة حَضَر .
قال : و لو أدرك سفري ركعة من آخر صلاة الحضري ، فصلاها معه ، ثم استخلفه ، و ذكر سجدة – يريد من هذه – فليسجدْها بهم ، ثم يقوم وحده فيأتي بركعة بأم القرآن و سورة ، و يجلس ، ثم يأتي بمثلها و يقوم ، ثم بأم القرآن فقط ، و هذا كلُّه قضاءٌ و الأول بانٍ قاضٍ .
و لو أعْلَمَه بالسجدة بعدَ أن صَلَّى لنفسه ركعة ، فقد سقط عنه وحده صلاة الحضر ، إذ حيل بينه و بين إصلاح الركعة التي أدرك ، و يُضيف إلى هذه الركعة ن ثم يُسَلِّمُ ، و يبتدئ صلاة سفر ، و يسجد القوم ، و إن قدَّمُوا مَنْ يسجد بهم فحسن . و على أصل سَحْنُون ، تصير الركعة التي صَلَّى لنفسه كأنه استُخْلِفَ عليها . و قال نحوه ابن الْمَوَّاز قبل هذا .
و لو أدرك حضريٌّ ركعة من صلاة المسافر لكان بانيًا قاضيًا, و يبدأ بالبناء ، و تصير صلاته كلها جلوسًا ، في قول ابن الْمَوَّاز . و قد تقدَّم ذِكْرُ الاختلاف فيها .
***(1/440)
[1/443]
في المسافر يُصَلِّي ركعة ، فيذهب الوقت ، ثم
ينوي الإقامة أو يغمي عليه ، أو تحيض الْمَرْأَة
حينئذ ، و قد خرج وقت تلك الصلاة بعد
الركعة
من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و عن مسافر نسي العصر حَتَّى بَقِيَ عليه من النهار ركعة ، فَصَلَّى الركعة ، و غربت الشمس ، ثم نوى الإقامة ، فإن صلاته تبطلُ ، و يبتدئ صلاة حَضَر . و قال أَصْبَغُ : يبتدئ صلاة سفر؛لأنه نوى الإقامة بعد خروج الوقت ، فكأنه يقضي ما لزمه .
قال محمد : و لو ابتدأها بعد غروب الشمس ، لم تضُرَّه نية الإقامة ، و ليتمادَ فيها سفرية . و لو أُغْمِيَ عليه فيها ، فلا بُدَّ من قضائها . و لو أحرم لها قبل الغروب ، ثم أُغْمِيَ عليه فيها بعد الغروب لسقطت عنه .
قال أَصْبَغُ : و كذلك امرأة صَلَّت ركعة من لعصر ، ثم غابت الشمس ، ثم حاضتْ ، فإنها تسقط عنها إعادتها . قال محمد : قوله في هذه حسنٌ؛ لأنها لما ابتدأتها في الْوَقْتِ ، لم يضُرَّ خروج الوقت و هي فيها ، و كأنها في وقتها حاضتْ . و أما قوله في المسافر فلا يُعْجِبُنِي . ثم رجع محمد إلى قول أصبغ .
و قال سَحْنُون : و إما المسافر فيتمادى ، و لا يضُرُّه بعد خروج الوقت ، و أما الْحَائِض فلتقضها ؛ لأنها حاضت بعد خروج الوقت .
قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : و من خرج لثلاث ركعات ، ناسيًا للظهر و العصر ، فلزمتاه سفريتين ، فأعمي عليه في تَشَهُّد الظهر حَتَّى غربت الشمس ، فلا قضاء عليه لهما ، إن بَقِيَ من الشمس شيء قبل إغمائه . و لو خرج لمقار رَكْعَتَيْنِ ، فلزمه
***(1/441)
[1/444]
ظهرٌ حضريٌّ ، و عصر سفريٌّ ، فاغمي عليه في الرابعة من الظهر . فلا تسقط عنه ظهرٌ و لا عصر ، و ليقضهما . و لو أنه لم يُفِقْ إلاَّ لأربع ركعات قبل الْفَجْر ، فليقضِ ظهرًا حضريًّا ، و عصرًا سفريًّا ، كما لزمه ، و أما المغرب و العشاء ، فاختلف قول ابن القاسم فيهما ، فقال : لا شيء عليه فيهما حَتَّى يبقى لهما وقت بعد قضاء ما لزمه . و قال : بل يُصَلِّيها بعد ذلك .
و من كتاب ابن سَحْنُون ، عن أبيه ، قال : و إذا نوى المسافر الإقامة في الصُّبْح و في المغرب لم تفسدْ ؛ لأنهما لا يُقْصران . و لو سافر لثلاث ركعات ، ناسيًا للظهر و العصر ، فلمّا صَلَّى ركعة ، نوى الإقامة ، فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا سفريًّا ، و عَصْرًا حضريًّا . و لو كانت امرأة ، فحاضت بعد ركعة ، لم تقضِ إلاَّ الظهر .
قال : و إذا أمَّ مسافرٌ بمقيمين و مسافرين ، ثم نوى الإقامة بعد ركعة ، فليستخلفْ ، فإن استخلف مسافرًا صَلَّى بهم ركعة ثانية ، و سلَّمَ ، و أتمَّ المقيمون ، و إن استخلف مقيمًا صَلَّى بهم ركعة ، ثم أشار إليهم حَتَّى يُتِمَّ و يُسَلِّمُ ، و يُسَلِّمُ معه السفريون ، و يُتِمُّ المقيمون لأنفسهم .
في مَنْ أحرم بصلاة حَضَر ، فذكر فيها أنها عليه
سفرية ، أو ذكر أن عليه ثوبًا نجسًا ، أو حالتْ
نيته بعد أن أحرم على ما لزمه
من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و من أحرم في صلاة على أنها لزمته حضرية ، ثم ذكر فيها أنها لزمته سفرية ، فإن كان في وقتها قطع في ركعة و رَكْعَتَيْنِ ، و إن صَلَّى ثلاثًا
***(1/442)
[1/445]
أتمَّها أربعًا ، وأعاد في الْوَقْتِ . و إن كان في غير وقتها قطع في رَكْعَتَيْنِ ، فإن كان قد صَلَّى ثالثة ، تَمَادَى و لم يُعِدْ ، و ليس كمن أحرم في صلاة بعد الوقت بثوب نجس ، ثم ذكر فيها نجاسة ، أو أحرم به متعمِّدًا ؛ لأن هذا لو تعمَّدَ و تَمَادَى بعد الذِّكْر متعمِّدًا ، لأعاد أبدًا ، و الأول لو تعمَّد إتمامها ، لم يُعِدْ إلاَّ في الْوَقْتِ .
و قال سَحْنُون ، في كتاب ابنه : و إن أحرم مسافر في صلاته ، ثم ظنَّ أنه مقيم ، ثم ذكر في آخرها ، قال : إن أعادَ فحَسَنٌ ، و إلاَّ رجوتُ أن تُجْزِئُهُ .
في مَنْ خرج لمقدار من الوقت ، ناسيًا لسجدة
أو سجدتين من الظهر و العصر ، و كيف إن
صَلَّى الصلاتين سفريتين ، ثم ذكر سجدة من
أحدهما بعد ما سَلَّمَ ، أو قبلُ
من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و من سافر لركعتين من النهار ، ناسيًا للظهر و العصر ، فأتى بالظهر حضرية ، و العصر سفرية ، فذكر سجدة لا يدري من أيتهما هي ، فإن لم يُسَلِّم من العصر أصلحها بسجدة و ركعة و سجدتين للسهو بعد السَّلام ، و أعادهما كما صلاهما ، و إن ذكر بعد أن سلَّم من العصر ، فإن قرُب أصلحهما بما ذَكَرْنا ، و أعاد الظهر حضريًّا فقط ، و إن خرج لمقدار رَكْعَتَيْنِ ، ناسيًا للسجدة من الظهر أو من العصر ، فَلْيُصَلِّهما سفريتين ، يبدأ بأيهما شاء ، ثم إن ذكر سجدة من أحدهما قبل أن يُسلِّمَ من الآخِرَة ، أو بعدُ ، فذلك في هذه سواء ، لأنه لا يُطَالَبُ غير صلاة وَاحِدَة ، فيُصلح هذه بمثل ما ذَكَرْنَا ، ثم يُعِيد الظهرَ
***(1/443)
[1/446]
فقط سفرية . و لو خرج لهذا المقدار ، ناسيًا لسجدتين ، لا يدري من الصلاتين أو من أحدهما ، فليبدأ بظهر حضريٍّ ، و يعيده سفريًّا ، إن شاء قبل العصر أو بعده ، و العصر سفريًّا ، فإن صلاهنَّ و العصر آخرهنَّ ، ثم ذكر سجدة بعد أن سلَّمَ من العصر ، فليُصلحهما بالقرب بسجدة و ركعة و سجدتين للسهو ، ثم إن كان بدأ في الظهرين بالسفري ، لم يُعِدْ غير ظهر حضريٍّ ، و إن بدأ بالحضريِّ ، أعاد الظهرين ، و إن ذكر ذلك قبل أن يسلمَ من العصر ، فليصلحهما بما ذَكَرْنَا ، و يُعِيد الثلاث صلوات ، إن كان بدأ بالظهر الحضريِّ ، و إن بدأ به سفريًّا ، أعاد حضريًّا ، ثم العصر ؛ لأنه كمَنْ ذكر فيها صلاة قبلها . و إِنَّمَا قُلْتُ في الوجهين : يُعِيد الظهرين إذا بدأ به حضرًا؛ لأنه إن كانت السجدة منها ، لم تُجْزِئُهُ السفرية عنها ، و إن كانت من السفرية لم تُجْزِئُهُ الحضرية عنها؛ لأنه صلاها أَوَّلاً على أن يعيدها سفرية ، و إذا بدأ بالسفرية ، فكانت منها ، فالحضرية تنوب عنها ، كمن صَلَّى حضرية يظنُّها يلزمه كذلك ، فأدَّاها سفرية ، و قد خرج الوقت ، و لم يُصَلِّها ليعيدها ، فتجزئه . و كذلك مَنْ ذكر ظُهْرًا في يوم آخَرَ ، لا يدري أحضريٌّ أم سفريٌّ ، فصلاها حضرية و سفرية ، ثم ذكر بعد السَّلام من الآخِرَة سجدة ، و كان بالقرب ، فليصلحها بسجدة و ركعة و سُجُود السهو ، فإن تكن هذه التي صلاها آخِرَ الحضرية ، لم يُعِدْ غيرها ، و إن تكن السفرية أعادها حضرية .
و من خرج رَكْعَتَيْنِ ، ناسيًا للظهر ، شاكًّا في العصر ، فالجواب فيها كالجواب في المسألة الأولى ، فمن ذكر عند خروجه سجدتين ، لا يدري من الظهر أو من العصر أو منهما ، فإن أتى بالصلوات ، ثم ذكر سجدة ، فكما ذَكَرْنَا في المسألتين . و إن
***(1/444)
[1/447]
ذكر سجدتين قبل أن يُسَلِّمَ من العصر ، لا يدري من أي صلاة ، فليصلح العصر ، و يُعِيد الثلاث صلوات ، بدأها هنا بالظهر الحضري أو السفري ، فهو سواء في ذِكْرِه السجدتين بعد أن صَلَّى الصلوات ، و إن ذكر بعد سلامه منها ، و هو بالقرب ، أصلحها ، و أعاد الظهرين ، و إن تباعد أعاد الثلاث صلوات .
في مَنْ سافر ، أو قدم لوقت ، أو امرأة تحيض
أو تطهر ، و عليهم صلاة أو صلوات ، و كيف إن
لم يدر المسافر أمن يوم قدومه أو من يوم
خروجه
من كتاب ابن سَحْنُون ، و مَنْ سافر لثلاث ركعات فأكثر من النهار و عليه الظهر و العصر ، فليقصرهما ، و لو كانت امرأة فحاضت حينئذ في سفرها لم تقضهما ، و لو خرج لركعة أو رَكْعَتَيْنِ ، صَلَّى الظهر حضريًّا ، يبدأ به ، و العصر سفريًّا ، فإن كانت امرأة فحاضت حينئذ ، فلا تَقْضِي إلاَّ الظهر حضريًّا .
و إن خرج لثلاث ركعات ، ذاكرًا للظهر ، مصليًا للعصر ، فَلْيُصَلِّ الظهر سفريًّا ، و يُعِيد العصر .
و لو خرج لركعتين ، لم يُعِدِ العصر .
و لو خرج لثلاث ركعات ناسيًا للظهر و العصر ، فلم يذكر حَتَّى غربت الشمس ، فَلْيُصَلِّهما كما لزمتاه سفريتين .
و لو كان خرج لركعتين ، صَلَّى ظهرًا حضريًّا و عصرًا سفريًّا ، يقضيهما .
***(1/445)
[1/448]
و لو دخل لخمس ركعات ذاكرًا لهما صلاهما حضريتين ، و لو كانت امرأة ، فحاضت حينئذ ، لم تقضهما .
و لو دخل لأربع ، صَلَّى الظهر سفريًّا ، و العصر حضريًّا ، و لا تَقْضِي إن كانت امرأة حاضت حينئذ عند الظهر سفريًّا .
و لو دخل لخمس ، مصلِّيًا للعصر دون الظهر صَلَّى الظهر ، و أعاد العصر ، و إذا دخل لأربع لم يُعِدْه ، فالوقت لآخر الصلاتين ، فإن كان صَلَّاها ، فالوقت للفائتة .
و من ذكر ما فات ، فليقضه ، و ليُعِدْ ما أدرك وقته ، فالوقت في هذا إلى غروب الشمس ، فإن بَقِيَ خمس ركعات بعد القضاء ، أعاد الظهر و العصر ، و إن بَقِيَ أربع ، أعاد العصر, و لو صلاها ثم بَقِيَ قدر ركعة ، لأعاد الظهر فقط .
و لو ذكر بعد سلامه من صلاة القضاء ، أنه صلاها بثوب نجس ، لم يُعِدْ ، كالذي زال وقته .
و لو كانت صلاته الظهر و العصر اللتين أعاد ، بثوب نجس فليعدهما ، إن بَقِيَ خمس ركعات ، و إن بَقِيَ أربع لم يُعِدْ إلاَّ العصر . و على مذهب ابن القاسم ، إِنَّمَا يراعي صُفْرَة الشمس في الثوب النجس .
و لو خرج لثلاث ركعات ، مصليًا للعصر ، ناسيًا للظهر ، فذكر بعد الغروب ، فلا يُصَلِّي إلاَّ الظهر فقط .
و إن خرجت امرأة لركعة من النهار و لم تُصَلِّ العصر ، فلما صَلَّت ركعة منها حاضت ، فلتقضها؛ لأنها حاضت بعد الوقت .
و أكثر هذا الباب مكرَّرٌ في بابين تقدَّما في مقادير الوقت لِلْمُسَافَرِ ، و من أسلم و من احتلم في الجزء الأول .
و من خرج لركعتين ، ناسيًا للظهر مصليًا للعصر ، فلزمه ظهر سفريٌّ ، فلما
***(1/446)
[1/449]
صلى منه ركعة شك في العصر ، فليُتِمَّ الظهر سفريًّا ، و لا يُعِيدُه حضريًّا و يُصَلِّي العصر سفريًّا ، و لو شك في العصر قبل أن يُحْرِمَ في الظهر ، فليأت بظهر حضري ، و يعيده سفريًّا ، ثم بعصر سفريٍّ . و لو نابه هذا لدخوله ، و قد دخل لأربع ركعات ، فشكَّ في العصر بعد ان صَلَّى بعض الظهر فليتِمَّها ، ثم يُعِيدُها رَكْعَتَيْنِ ، ثم العصر أربعًا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إِنَّمَا ينظر المسافرُ إلى الوقت دخوله و خروجه ، ليس بعد وضوئه إن كان مُحْدِثًا ، و لا بعد غُسْلِه إن كان جُنُبًا .
و من كتاب ابن الْمَوَّاز ، و من سافر ثم قَدِمَ ، فذكر أنه ناسٍ للظهر ، شاكٌّ في العصر ، لا يدري أَمِنْ يوم خروجه أو قدومه ، و خرج لركعتين ، و كذلك إن قدم ، فَلْيُصَلِّ ظهرًا سفريًّا ، و ظهرًا حضريًّا ، و عصرًا كذلك ؛ لأنه عن يوم واحدٍ يقضي ، و ينوي ما لزمه .
و لو ذكر صلاة أو سجدة منها ، لا يدري أظهرٌ أم عصرٌ ، لا يدري من يوم دخل ، أو من يوم خرج ، و قد خرج لركعة فأكثر ، و دخل لأربع فأكثر ، أو لركعة ، فَلْيُصَلِّ ظُهْرًا و عَصْرًا سفرًا ليوم خروجه ، و يعيدهما حضرًا ليوم دخوله لمطالبته بصلاة وَاحِدَة .
و لو ذكر الصلاتين من أحَدِ اليومين ، فإن خرج لثلاث فأكثر ، و دخل لخمس فأكثر ، فَلْيُصَلِّ أربع صلوات ، كما ذَكَرْنَا . و كذلك لو خرج لركعتين فأقلَّ ، و دخل لأربع فأقلَّ ، أما لو اتسع الوقت في أحد اليومين ، و ضاق في الآخَرِ ، لصلى ثلاث
***(1/447)
[1/450]
صلوات . يريد محمد : إن يخرجْ لركعتين ، و يدخل لخمس ، صَلَّى ظُهْرًا حضريًّا و عَصْرًا حضريًّا ، و سفريًّا ، و إن خرج لثلاث ، و دخل لأربع ، صَلَّى الظهر سفريًّا ، و العصر سفريًّا و حضريًّا .
***(1/448)
[1/451]
في إلزام الجمعة ، و من يلزمه السعي ، و صفة
القرى التي يُجَمِّعُ أهلها ، و هل يُجَمِّعُ في
المصر في موضعين ؟
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : شهود الجمعة فَرِيضَة ن و من تركها مرارًا لغير عذر لم تجز شهادته . قال مالك في المختصر : و من كان على ثلاثة أميال ، أو زاد يسيرًا لزمهم السعي . و من الْعُتْبِيَّة ، قال عنه أشهب : إِنَّمَا يجب أن ينزل لها من على ثلاثة أميال فأقلَّ . قال : نزل في الْعِيدَيْنِ قوم من ولد عمرَ من ذي الحليفة ، و ما ذلك على الناس ، و الجمعة في كل سبعة أَيَّام و لأن الْعِيدَيْنِ في الزمان . يريد ليس ذلك عليهم في الجمعة . قال عنه عليٌّ ، في المجموعة : عزيمة الجمعة على كل من كان بموضع يسمع منه النداء ، و ذلك على ثلاثة أميال ن و من كان أبعد فهو في سعة ، إلاَّ أن يرغب في شهودها ، فذلك حسن . قال عنه ابن القاسم : تجب الجمعة على أهل القرية التي اتصلت دُورُها و أسواقها ، و بها جماعة من الناس . و ربما لم يَذكر الأسواق ، و يذكر اتصال البنيان . و قال في المختصر : إذا كانت بيوتها متصلة و طرقها في وسطها ، و فيها سوق و مسجد يُجَمَّع فيه للصلاة فليُجَمِّعوا ، كان لهم والٍ أو لم يكن لهم . قال عنه ابن القاسم, في المجموعة : و إن لم يكن عليهم والٍ ، فليقدموا من يُجَمِّع بهم و يخطب . قال عنه عليٌّ : و بأمر الإمام أَحَبُّ إِلَيَّ . قال أشهب : عن عطَّلها الإمام ، أو سافر عنها ،
***(1/449)
[1/452]
أو يضرُّ بهم ، فنهاهم ان يُصَلّوها ، فإن أمنوا منه إذا أقاموها فليقيموها ، و إن كان على غير ذلك ، فَصَلَّى رجل الجمعة بغير أمر الإمام ، لم تجزهم و يُعِيدُوا . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من كان من أهل القرى غير الحاضرة أو من القرية التي يُجَمَّعُ فيها على أقل من بريد ، فلا يُجَمِّعوا حَتَّى يكونوا على بريد فأكثر . و بذلك كتب عمر بن عبد العزيز .
و من الْعُتْبِيَّة : أشهب عن مالك : و ليس على أهل العمود جمعة . و هي على أهل القرى و إن لم يكن عليهم والٍ . قال عيسى : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و لا يُصَلّوا الْعِيدَيْنِ إلاَّ بخطبة ، و الخصوص و المحالُّ إذا كانت مساكنهم كالقرية في اجتماعها و لهم عدد ، فعليهم الجمعة و الخطبة ، و إن لم يكن لهم والٍ .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك في أهل أذَنَة و نحوها من المسالح ، قال : إن كانوا في قرى جمَّعوا ، إِنَّمَا هي على أهل القرية إن كان لهم عدد . و قال في قرية أو ثغر يرابط فيه قوم ستة أشهر : فإن كان فيها بيوت متصلة و سوق ، فليجمَّع أهلها ، و إلاَّ فلا .
و من كتاب ابن حبيب ، قال مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون ، عن مالك : إن ثلاثين بيتًا و ما قاربهم جماعة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إذا كانوا أقلَّ من ثلاثين من قرية وَاحِدَة ، فلا يجمِّعوا ، و إذا كانت قرية ليست من قرى التجميع و حولها قرى صغار ، فاجتمع من حولها إليها ، فلا يجمِّعوا حَتَّى تكون القرية ضخمة ، فيها نحو من الثلاثين بيتًا ، و إلاَّ فلا .
***(1/450)
[1/453]
و من سماع ابن وهب ، قيل : فحصون على الساحل ؟ قال : إِنَّمَا هي على أهل القرية ، إن كانوا أهل قرية جمَّعوا ، و أما غير أهل قرية ، فلا أدري .
و من كتاب آخر ، قَالَ ابْنُ وهب ، في قوم على الساحل مقيمين للرباط ، و ليس فيه حصن و لا قرية ، و هم فيه جماعة . قال : إن كانوا بموضع إقامة ، فلهم أن يجمَّعوا . و ذكر عن سَحْنُون ، أنه لم ير الجمعة على أهل حصن المنستير . و قال زيد بن بشر : إن كان الحصن على فرسخ من موضع الجمعة ، فليأتوا الجمعة و يُخْلِفوا في الحصن من يحرسه ، فأما إن كان على أكثر من فرسخ ، فإن كان في الحصن خمسون رجلاً فأكثر فليكلِّموا الوالي ليأمر من يخطب بهم و يجمِّع .
و ذُكِر لابن سَحْنُون القرى التي أُحْدِثَتْ فيها المنابر ، فأنكر ذلك ، و قال : و من جمَّع فيها فلا يُعِيد ؛ لِلاخْتِلافِ في ذلك . و لو كان ذلك واجبًا لأقامها لهم سحنونٌ إذْ وُلِّيَ ، كما أقام قلشانة ، و سفاقُس ، و سوسة .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم ، و عن الأمير يستخلف من يُصَلِّي بالقصبة الجمعة ، و يجمِّع هو بطائفة في طرف المصر الجمعة ؟ قال : فالجمعة لأهل القصبة . قال يحيى بن عمر : و قاله محمد بن عبد الحكم . أما الأمصار العظام؛ مثل مصر و بغداد ، فلا بأس أن يُجمِّعوا في مسجدين للضرورة ، و قد فُعِل ذلك و الناس متوافرون ، لم ينكروه .
***(1/451)
[1/454]
في تخلُّف الإمام عن الجمعة ، أو هروب الناس
عنه
من كتاب ابن سَحْنُون ، قال بعض أصحابنا : إذا تخلَّفَ الإمام عن الناس يوم الجمعة ، و لم يجدوا من يجمِّع بهم ، صَلُّوا الظهر أفذاذًا ، إذا خافوا فوات الوقت ، و الوقت فيه ما لم تصفَرَّ الشمس . فأنكر هذا سَحْنُون ، و قال : لا يُصَلّون حَتَّى لا يبقى من الوقت إلاَّ ما يصلون فيه بعض العصر بعد الغروب ، و ربما تبيَّنَ لي و بمقدار أن يُصَلّوا و يبقى أربع ركعات للعصر! يريد سَحْنُون : و هم على رجاء من إقامتها . فأما إن أيقنوا أنه لا يأتي ، أو لا تقام ، فلا يُؤَخِّرُوا الظهر .
قال سَحْنُون : و إذا هرب الناس عن الإمام هربًا أيس منهم فيه ، صَلَّى الظهر مكانه ، و لو كان قد أحْرَمَ ، أو عقد ركعة ، بنى على إحرامه ظُهْرًا ، و لو لم ييأس منهم ، جعل ما أحْرَمَ فيه نافلة رَكْعَتَيْنِ ، و سلَّم ، و انتظرهم حَتَّى لا يبقى من النهار إلاَّ ما يُصَلَّى فيه الجمعة – يريد ك و يخطب – و تبقى ركعة للعصر . و قال سَحْنُون ، في المجموعة : إن بَقِيَ معه من عدد الرجال دون النساء و العبيد و المسافرين ما يصلح أن يبدأ بمثل عددهم الجمعة تَمَادَى . و إلاَّ جعلها نافلة ؛ كان قد صَلَّى ركعة أو رَكْعَتَيْنِ و هو فِي التَّشَهُّدِ ، فإنها تبطل أن تكون جمعة ، و يُسَلِّم بهم ، و ينظرهم إلى مقدار أن يُدرك الجمعة – يعني بعد الخطبة – و يبقى للعصر ركعة قبل الغروب . و من كتاب آخر ، رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه و سلم إِنَّمَا بَقِيَ معه بضعة عشر رجلاً ، حين خرجوا عنه ، و هو يخطب ، إلى العير التي أقبلت ، فنزلت : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} (الجمعة : 11) .
***(1/452)
[1/455]
و من الرابع من الأمالي لابن سَحْنُون ، قال أشهب : إذا تفرقوا عنه بعدما صَلَّى بهم ركعة من الجمعة ، و بَقِيَ وحده ، فإنه يُصَلِّي ثانية ، و تصبح له جمعة . قَالَ ابْنُ سَحْنُون : و هو القياس . قال : لقول النبي صَلَّى الله عليه وسلم : ((من أدرك من الصلاة ركعة ، فقد أدركها )) . قال سَحْنُون : لا تصح له جمعة ، و لو أمرته أن يضيف إلى الركعة أخرى فتصح له الجمعة ، ثم رجع الناس إليه مكانه ، فأمرتهم بإعادة الجمعة ، استحال إقامة الجمعة في المصر مرتين ، و إن أمرتهم بترك الجمعة ، كنت قد أمرتهم بإبطال الجمعة و الوقت قائم و الجماعة حضروا و الإمام قائم .
قال أشهب : و إن هرب عنه الرجال الأحرار ، فلم يبق إلاَّ عبيد أو نساء ،
***(1/453)
[1/456]
لا رجل معهن ، فَلْيُصَلِّ بهم الجمعة رَكْعَتَيْنِ . قال سَحْنُون : لا يقوم الجمعة بالعبيد و لا بالنساء ؛ لأنها ليست عليهم .
و قَالَ ابْنُ الْمَوَّاز : قال أَصْبَغُ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إذا لم تصل الجمعة حَتَّى اصفرت الشمس ، إنها تُصَلِّي تلك الساعة جمعة . قال أَصْبَغُ : لا يُعْجِبُنِي أن تُصَلِّي جمعة إذا دنا الغروب .
في مَنْ يعذر بالتخلف عن الجمعة ، و من لا
يعذر ، و هل لمن حَضَر العيد في يَوْمهَا أن
يتخلف عنها
من (العتبية) ، رَوَى ابن القاسم ، عن مالك ، أنه أجاز أن يتخلف الرجل عن الجمعة لجنازة أخ من إخوانه ؛ لينظر في أمره . قال عنه ابن حبيب : و إذا مات عنده ميت ، فله التخلف عنها ، و الشغل بجنازته . قال مالك : و كذلك إن كان له مرض يخشى عليه الموت . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال بعض التابعين : و لو بلغه و هو في الجامع أن أباه وجع يخشى عليه الموت ، فله أن يخرج إليه و الإمام يخطب . و قد استصرخ ابن عمر على سعيد بن زيد ، و قد تأهب للجمعة ، فتركها ، و خرج إليه إلى العقيق .
و من (الْعُتْبِيَّة) ، ابن القاسم ، عن مالك : و لا يتخلف العروس عن حضور
***(1/454)
[1/457]
الجمعة و لا عن الصلوات الخمس في جماعة . قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : و إِنَّمَا لها أن يقيم عندها دون نسائه . قال سَحْنُون : و قال بعض الناس : لا يخرج عنها ، و ذلك حق لها السنة .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عن مالك : و لا أحب التخلف عنها لدين عليه يخاف فيه من غريمه . قَالَ ابْنُ سَحْنُون عن أبيه : إذا خاف من غرمائه الحبس فلا عذر له في التخلف لذلك ، و إن كان عديما ، و أما إن خاف على نفسه القتل إن خرج فَلْيُصَلِّ في بيته ظهرا .
و من (المجموعة) ، قَالَ ابْنُ نافع : قيل لمالك : أيتخلف عنها في اليوم المطير ؟ قال : ما سمعت قبل بالحديث : ( ألا صلوا في الحال ) ؟ قال : ذلك في السفر .
و من (الواضحة) ، قال مالك : و ليس على المريض و الشيخ الفاني جمعة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ليس على الأعمى جمعة إلاَّ أن يكون له قائد فيلزمه ، و لا جمعة على مسجون .
قال : و الجمعة على الجذماء مِمَّنْ يمشي منهم ، و ليس للسلطان منعهم من دخول المسجد في الجمعة خاصة ، و ليس لهم مخالطة الناس فيه في غيرها من الصلوات . و قاله مطرف .
***(1/455)
[1/458]
و من ( كتاب ابن سَحْنُون ) ، و عن أهل البلاء يكونون في المصر على ميل أو أقل أو أكثر ؟ قال : لا جمعة عليهم و إن أكثروا ، و لا أرى أن يصلوا الجمعة مع الناس في مصرهم ، و لهم أن يجمعوا ظُهْرًا بإقامة بغير أذان في موضعهم . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و قد جاء أن النبي صَلَّى الله عليه و سلم أرخص في التخلف عن الجمعة لمن يشهد صلاة الفطر أو الأضحى صبيحة ذلك اليوم من أهل القرى الخارجة عن المدينة ؛ لما في رجوعهم من المشقة ، على ما بهم من شغل العيد ، و قد فعله عثمان في إذنه لأهل العوالي أن لا يرجعوا إليها . و رَوَى مُطَرِّف ، و ابن المَاجِشُون نحوه عن مالك ، و انفرد ابن القاسم بروايته عنه ، أنه لم يأخذ بإذن عثمان لأهل العوالي . و قد قاله ابن شهاب ، و زيد بن أسلم . و فعله عمر بن عبد العزيز .
في الرجل أيسافر يوم الجمعة قبل أن يصليها ،
و المسافر هل يأتيها ؟ و كيف إن صَلَّى الظهر ثم
دخل المصر ، هل يصليها ؟
من (المجموعة) ، قال علي ، عن مالك ، في المسافر يمر بقرية مجتازًا .
***(1/456)
[1/459]
قال : ليس عليه شهود الجمعة . قال عنه ابن نافع : و صلاته مع أصحابه أَحَبُّ إِلَيَّ ، و إن شهدها فواسع .
قال : و قال له رجل من أهل المدينة : إني أغدو من المدينة أحتطب على جملي ، فلا أرجع حَتَّى اللَّيْل . فقال له : إن كنت حين الصلاة بمكان لا تجب على أهله الجمعة ، فلا جمعة عليك . قال عنه ابن وهب : و من أراد السفر يوم الجمعة ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يخرج حَتَّى يشهد الجمعة ، فإن لم يفعل ، فهو في سعة . قال عنه علي : لا بأس بذلك . قال عنه علي ، و ابن وهب : ما لم تربع الشمس ، فإذا زاغت ، فلا يخرج حَتَّى يشهدها . قال عنه ابن القاسم ، في (الْعُتْبِيَّة ) : لا يُعْجِبُنِي أن يسافر يوم الجمعة إلاَّ من عذر . قال موسى بن معاوية : قَالَ ابْنُ المسيب : السفر يوم الجمعة بعد الصلاة . قال مالك ، في ( المختصر ) : لا أحب أن يخرج حَتَّى يصليها ، فأما إن زاغت الشمس ، فواجب أن لا يخرج حَتَّى يصليها . و من ( كتاب ابن حبيب ) ، قال أَصْبَغُ : و إذا صَلَّى المسافر الظهر يوم الجمعة ، ثم دخل أهله ، فإن كان إن مضى إلى الجمعة أدرك ركعة ، فعليه أن يصليها . و قَالَ ابْنُ المَاجِشُون ؛ لأنه صار من أهلها ، فانتقض ما كان صَلَّى . و قاله عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة . و ذكر ابن الْمَوَّاز مثله عن مالك . قال : و كذلك المريض يفيق في وقت تدرك منها ركعة بغير تفريط ، و إن لم يُفَرِّط ، و لكن انتقض وضوءهما في صلاة الجمعة ، فليخرجا و يعيدا الظهر . وقاله أشهب . و من أحرم منها بعد رفع الإمام رأسه من الثانية ، و لم يُفَرِّطْ صَلَّى على إحرامه رَكْعَتَيْنِ نافلة ، و لم يُعِدْ .
و من كتاب ابن سَحْنُون ، و إذا صَلَّى مسافر الظهر عن وطنه لستة أميال فليس عليه إذا قدم أن يأتي الجمعة ، إلاَّ أن يصليها على ثلاثة أميال عن وطنه ، فعليه أن يصليها مع الناس . و قاله سَحْنُون . و رَوَى عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في
***(1/457)
[1/460]
الْعُتْبِيَّة ، أن عليه أن يأتي الجمعة إذا أدركها ، و إن كان قد صَلَّى قبل دخوله . و لم يذكر عيسى متى صَلَّى . و كذلك ذكر ابن حبيب ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون , و هذا في باب آخر . قال عيسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : فلو أحدث الإمام فقدمه فَصَلَّى بهم لأجزأهم .
و من المجموعة ، قال أشهب : و إذا صَلَّى مسافر الظهر في جماعة ، ثم قدم فصلاها جمعة ، فالأولى فرضه ، و كان يَنْبَغِي أن لا يأتي الجمعة ، و كذلك في غير الجمعة ، لا يَنْبَغِي إذا دخل الحضر أن يعيدها في جماعة إذا صلاها في جماعة ، و لو صلاها فردًا كان له أن يعيدها جمعة أو ظُهْرًا في جماعة ، ثم الله أعلم بصلاته . و لو أدرك من الجمعة ركعة ، أضاف إليها أخرى ، و إن رغب أتمها ، و إن أحدث تَوَضَّأَ و أتمها أربعًا .
في مَنْ فاتته الجمعة ، هل يُصَلِّي في جمعة ؟
و من المجموعة ، قال أشهب ، و ابن نافع في القوم تفوتهم الجمعة : فلا بأس أن يُصَلّوا جماعة ظهرًا . و لم يرَ ذلك مالك ، في رِوَايَة ابن القاسم . قيل لسحنون في مَنْ فاتتهم الصلاة بعرفة : أيصلون جماعة ؟ قال : ما علمتُ ، و لو فعلوا لأجزأتهم . و قاله سَحْنُون في كتاب ابنه . قال : و كذلك يُجَمِّعون بمزدلفة إذا فاتهم الإمام . و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : كنتُ مع ابن وهب في بيت بالإسكندرية ، فلم يأت الجمعة لأمر خفناه ، و معنا قوم ،
***(1/458)
[1/461]
فكرهتُ أن أُجَمِّعَ بهم ، و جمَّع بهم ابن وهب ، فسألنا مالكًا ، فقال : لا يُجمِّع إلاَّ المرضى و المسافرون و المسجونون . قال يحيى بن يحيى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في مَنْ يُخَلِّفهم المطر عن الجمعة : فليُجَمِّعوا ظُهْرًا ، إن كان أمرٌ غالب يُعْذَرون به كالمرضى ، و إن كان مطرٌ ليس بمانع فجَمَّعوا فليعيدوا . و في المجموعة عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : لا يعيدون . و من الواضحة ، و من فاتته الجمعة ، أو تخلَّف عنها مِمَّنْ تلزمه فلا يُصَلِّي الظهر في جماعة إلاَّ المرضى و المسافرون و المسجونون ، و من تخلَّف عنها لعذر ، مثل أن يخاف أن يُؤخذ عليه البيعة و نحوه ، فلهم أن يُجَمِّعوا بخلاف من لا عذر له و من غفل أو سها . و رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، أنه لا يجوز للمرضى و المسجونين الجمع في جماعة إذا فاتتهم الجمعة . و المعروف عنه غير هذا . قال أَصْبَغُ : فإن جَمَّع المتخلفون بغير عذر فقد أساءوا ، و لا يعيدون . و من الْعُتْبِيَّة ، قال أَصْبَغُ ، في قرية يُجَمِّع أهلها ، و حولها منازل على الميلين ، و الثلاثة فاتتهم الجمعة ، كيف يُصَلّون ؟ قال : يصلون أفذاذًا ، و لا يُجَمِّعون الظهر ، فإن جمَّعوا الظهر أساءوا ، و لا يعيدون ، و كذلك لو فعل ذلك من فاتته الجمعة من أهل الفسطاط .
في مَنْ صَلَّى الظهر قبل الإمام يوم الجمعة ، أو
صلاها من لا يجب عليه ، ثم صَلَّى الجمعة ،
و في الإمام يُصَلِّي بِالنَّاسِ ظُهْرًا في وقت
الجمعة ، و من لم يدر أجمَّع إمامه أم صَلَّى ظُهْرًا
من المجموعة ، قال المغيرة ، و ابن القاسم ، و أشهب ، و عبد الملك : و من
***(1/459)
[1/462]
صَلَّى الظهر قبل الإمام يوم الجمعة ، فليعدها و إن فاتته الجمعة . قال أشهب و عبد الملك : صلاها سهوًا ، أو مُجْمِعًا على تركها ، إذا كان في وقت لو مضى أدرك ركعة منها ، من غير تفريط و لا تقصير في شيء ، فإن كان لا يدرك ركعة فلا يعيدها . قال أشهب : صلاها و الإمام فيها ، أو قبل أن أحرم . قال المغيرة : فإن صلاها يظنُّ أن لا يدركها ، ثم أدركها فصلاها ، ثم ذكر أن التي صَلَّى مع الإمام على غير وضوء ، فلا تُجْزِئُهُ الأولى . قال أشهب : و لو دخل مع الإمام فيها ، فأحدث فتوضأ و قد فرغ الإمام ، فَلْيُعِدِ الصلاة ظُهْرًا من أولها ، و لو كان رعف بعد عقد ركعة مع الإمام بنى عليها ، ما لم يتكلم فيبتدئ ظُهْرًا . و من كتاب ابن سَحْنُون ، قَالَ ابْنُ نافع : و إذا صَلَّى في بيته قبل الإمام ، و لا يريد الرواح فلا يُعِيد ، و كيف يعيدها أربعًا ، و كذلك صَلَّى ! و قال سَحْنُون : يُعِيد . و من الْعُتْبِيَّة ، قال عبد الملك بن الحسن ، عَنِ ابْنِ وهب ، في مَنْ صَلَّى في بيته ظُهْرًا و الإمام يخطب يوم الجمعة : فليمض فليصلها معه ، فإن جاء و قد فرغ الإمام ، أجزأته التي صَلَّى في بيته ، إلاَّ أن يكون صلاها قبل الزوال ، و إن أحدث مع الإمام تَوَضَّأَ و أعادها ظُهْرًا .
و من المجموعة ، قال أشهب : و لو صَلَّى عبد أو امرأة الظهر ، ثم صَلَّى الجمعة ، فذلك حسن ، و الله أعلم أيتهما صلاتهما ، و لو صلياها في جماعة ، لم أحب أن يشهدا الجمعة . و لو أتت الْمَرْأَة الجمعة ، و قد صلَّت الظهر ، فوجدت الإمام قد سلم ، فلا تعيد . قال أشهب في إمام ترك الجمعة ، و صَلَّى بِالنَّاسِ ظُهْرًا في وقت الجمعة : فلا تُجْزِئُهُ ، و ليُعِدْها ظُهْرًا ، و لو كان إِنَّمَا صلاها بعد فوات الجمعة ، فصلاته تُجْزِئُهُ ، و قد أساء في تركه الجمعة . و لو صَلَّى عبد أو مكاتب ظُهْرًا ثم أعتق ، ثم أدرك من الجمعة ركعة و نواها فليتمَّ و تُجْزِئُهُ ، و هي فرضه ، و إن لم يدركها ، فلا يُعِيد الظهر .
***(1/460)
[1/463]
قال سَحْنُون في الْعُتْبِيَّة في مَنْ أدرك ركعة يوم الجمعة ، ثم لم يدر أخطب بهم الإمام أم لا ، و قد انفضَّ الناس لما سلَّمَ ، و لم يجدْ من يخبره ، فَلْيُصَلِّ ركعة أخرى ، و يسلِّمْ ، فإن كانت جمعة أجزأته ، فإن لم يجد من يخبره بعد سلامه أنها جمعة ، فَلْيُعِدْها ظُهْرًا احْتِيَاطًا .
قال أبو محمد : انظر أراه أنها أدركه راكعًا و لم يسمع له قِرَاءَة .
في الغُسْل للجمعة ، و التهجير إليها ،
و التطيُّب و الزينة لها
من الواضحة ، قال : و الغُسْل للجمعة سُنَّة مُرَغَّبٌ فيها ، لا يأثم تاركه . و من راح مغتسلاً ثم أحدث ، فالوضوء يُجْزِئه . و معنى ما رُوِيَ في ذلك : «مَنْ غَسَّلَ وَ اغْتَسَلَ» . فقولها : «غَسَّلَ» يعني ألمِّ بأهله و ألزمهم الغُسْلَ . و هو أفضل مِمَّنْ لزمه الغُسْل للجمعة فقط .
و في كتاب الوضوء ذِكْر من تَطَهَّر للجمعة أو للجنابة لا ينوي إلاَّ أحدهما ، قال : و من شهدها من مسافر أو عبد أو امرأة مرغبة فيها فليغتسل . و إن شهدها المسافر بغير الفضل ، لكن للصلاة أو لغير ذلك ، فلا غُسْل عليه . و أما الْمَرْأَة و العبد فلا يأتيانها في الحواضر إلاَّ للفضل . و في المختصر عن مالك نحو ما ذكر ابن حبيب من هذا .
***(1/461)
[1/464]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يُسْتَحبُّ الطيب و الزينة و حسن الهيئة يوم الجمعة و يستحب أن يُعِدَّ لها ثوبين . و رُوِيَ ذلك ي اللباس و الطيب عن النبي صلى الله عليه و سلم .
و يستحب أن يتفقد فيها قبل رواحه فطرة جسده؛ من قصِّ شاربه و أظفاره و نتف الإبط و السواك ، و إن احتاج إلى الاستحداد فعل .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ نافع ، عن مالك في مَنْ يأتي الجمعة عن ثمانية أميال : فليغتسل . قال : رُبَّ دابَّة سريعة السير ، و أخرى المشي خير من ركوبها ، فإعادة الغُسْل لمثل هذا أَحَبُّ إِلَيَّ ، و مع هو بالبيِّنِ ، و نرجو فيه سعة ، قيل : و مِمَّنْ على خَمْسَةَ عَشَرَ ميلاً ، فيغتسل قبل الْفَجْر ؟ قال : لا يُجْزِئه ، و من اغْتَسَلَ للعيد ينوي به الجمعة ، فلا يُجْزِئه . قال عنه ابن القاسم : و إن بَعُدَ أو نام ، أعاد الغُسْل . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و ذلك إذا أراد النوم ، فأما من يُغلبُ عليه كنوم المحتبي فلا . قال عبد الملك بن الحسن في الْعُتْبِيَّة ، عَنِ ابْنِ وهب : و من اغْتَسَلَ بعد الْفَجْر للجمعة أجزأه أن يروح بذلك ، و أفضل له أن يكون غسله متصلاً برواحه . و من سماع ابن القاسم : و لا يُعْجِبُنِي أن يغتسل للجمعة صلاة الصُّبْح ، و يقيم بعد صلاة الصُّبْح في المسجد للجمعة . و ذكره الرواح تلك الساعة . قال عنه ابن القاسم ، في المجموعة . و مثله في المختصر .
و من نسي الغُسْل حَتَّى أتى المسجد ، فإن علم أنه يغتسل و يدرك الجمعة ،
***(1/462)
[1/465]
فليدرك لذلك ، و إلاَّ صَلَّى و لا شيء عليه . قال عنه ابن نافع : و إذا اغْتَسَلَ ، ثم مر بالسوق ، فاشترى بعض حاجته ، فلا بأس به إن كان خفيفًا .
و من الْعُتْبِيَّة ، و من سماع أشهب ، و التهجير للجمعة ليس هو الغدوّ و لكن بقدر ، و لم يكن الصحابة يغدون هكذا ، و أكره أن يُفعل ، و أخاف على فاعله أن يدخله شيء و يصير يُعرف بذلك ، و لا بأس أن يروح قبل الزوال ، و يُهَجِّرَ بالرواح . قيل : فمن يُحِبُّ بقلبه أن يُرَى في طريق المسجد ؟ قال : هذا مما يقع في النفس ، و لا يُمْلك .
قال مالك ، في المختصر : و المشي إلى الجمعة أفضل ، إلاَّ أن يُتْعِبه ذلك ، من ماء أو طين أو بُعد مكان .
و من كتاب آخر ، قال مالك في معنى الحديث في الرواح : «و من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة» . ثم ذكر إلى الخامسة : «فكأنما قرب بيضة» . قال : و الذي يقع في نفسي أنه أراد ساعة وَاحِدَة ، ففيها هذا التفسير ؛ لأنه لم يكن يُراح في أَوَّل ساعة النهار . و رَوَى ابن حبيب ، أنه قيل لعبد الله ابن عمر : و متى أروح ؟ فقال : إذا صَلَّيْتَ الْغَدَاة ، فَرُحْ إن شئتَ . و مما رُوِيَ : «إن فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شَيْئًا إلاَّ أعطاه» . فقال عبد الله
***(1/463)
[1/466]
ابن سلام : هي آخر ساعة منها . و رُوِيَ عن علي بن أبي طالب ، قال : إذا زالت الشمس . و رُوِيَ نحوه عن النبي صلى الله عليه و سلم .
في وقت الجمعة و النداء إليها
قال ابن حبيب : السُّنَّة في وقت الجمعة في الشتاء و الصيف أول الوقت ، حين تزول الشمس أو بعده بقليل . قاله مالك . قال ابن حبيب : و يستحب فيها تعجيل العصر؛ للرفق بمن أقام ينتظرها . و روى مالك أن عثمان صَلَّى الجمعة
***(1/464)
[1/467]
بالمدينة ، و صَلَّى العصر بملل . قال : و بينها ثمانية عشر ميلاً ؛ لسرعة الجمعة أول الوقت . و من المجموعة ، قال ابن القاسم ، عن مالك : و لا يُؤَذَّنُ للجمعة حتى تزول الشمس . و قال : قا ل ابن شهاب ، عن السائب بن يزيد : إن أول من زاد الأذان الذي يُؤَذَّنُ به قبل خروج الإمام عثمانُ بن عفان ، و لم يكن يؤذَّن لعهد النبي صلى الله عليه و سلم حتى يخرج و يجلس على المنبر ، فيُؤَذِّن مؤذِّنٌ واحد على المنار . قال ابن حبيب : و كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل المسجد رقى المنبر فجلس ، ثم أذَّنَ المؤذِّنون ، و كانوا ثلاثة ، يؤذِّنون على المنار ، واحد بعد واحد ، فإذا فرغ الثالث قام النبي صلى الله عليه و سلم يخطب ، و كذلك في عهد أبي بكر و عمر ، ثم أمر عثمان لما كثر الناس أن يؤذن بالزوراء عند الزوال ، و هو موضع السوق ؛ ليرتفع منه الناس ، فإذا خرج و جلس على المنبر أذَّن المؤذنون على المنار ، ثم إن هشام بن عبد الملك في إمارته نقل الأذان الذي كان بالزوراء إلى المسجد ، فجعله مُؤَذِّنًا واحدًا يؤذن عند الزوال على المنار ، فإذا خرج هشام و جلس على المنبر ، أذن المؤذنون كلهم بين يديه ، فإذا فرغوا خطب . قال ابن حبيب : و الذي مضى من فعل النبي صلى الله عليه و سلم أحق أن يُتَّبَعَ . و من المجموعة ، قال مالك : و هشام الذي أحدث الأذان بين يديه ، و إنما الأذان على المنار واحد بعد واحد إذا جلس الإمام على المنبر ، فإذا فرغوا قام يخطب ، و هو النداء الذي يَحْرُم به البيع ، و لا أُحِبُّ أيضًا ما أحدثوا من الأذان على الشرفات حذاء الإمام ، و لا من الإقامة كذلك ، و ليقيموا بالأرض ، و بعضهم على المنار لإسماع الناس .
***(1/465)
[1/468]
قال عنه عليٌّ ، فيما روي أنهم ينصرفون يوم الجمعة ، و ما للجدر ظلٌّ – يريد ظلّ ممدود – وقد زاغت الشمس . قال عنه ابن نافع : و من صلاها قبل الزوال ، أعاد الخطبة و الصلاة .
في البيع و غيره بعد النداء يوم الجمعة
من الْعُتْبِيَّة روى ابن القاسم ، عن مالك ، أنه قال : النداء الذي يحرم به التبايع يوم الجمعة النداء و الإمام على المنبر . و أنكر مَنْع الناس البيعَ قبل ذلك . و يُكْرَهُ أن يَتْرُكَ العمل يوم الجمعة ، و كان بعض الصحابة يكرهه . قال ابن حبيب : قال أصبغ : و من ترك من النساء العمل يوم الجمعة استراحة ، فلا بأس به ، و من تركه منهن استنانًا فلا خير فيه .
قال ابن حبيب : و ينبغي أن يُوَكّل وقت النداء من ينهى الناس عن البيع و الشراء حينئذ ، و أن يُقيمهم من الأسواق حينئذ؛ من تلزمه الجمعة ، و من لا تلزمه؛ للذريعة ، و يَرُدَّ البيع إذا وقع حينئذ ، فإن فاتت السلعة ففيها القيمة وقت قبضها . قاله ابن القاسم . و قال أشهب : بل قيمتها بعد صلاة الجمعة . و من المجموعة ، قال ابن القاسم : يُفْسَخ البيع . قال المغيرة : إلا أن تفوت بتغيُّر أو اختلاف سوق ، فيمضي و لا يُرَدُّ . و قال سحنون : يمضي بالثمن . قال ابن عبدوس : لأن فساده في عقده لا في ثمنه ، كالنكاح يفسد بعقده . و روى ابن
***(1/466)
[1/469]
وهب و عليٌّ عن مالك ، في من باع بعد النداء يوم الجمعة ، قال : بئس ما صنع و ليستغفر الله . قال عنه عليٌّ : و لا أرى الربح فيه عليه بحرام . و من العتبية ، قال أصبغ ، عن ابن القاسم : فإن باعها المبتاع بربح ، فلا يأكل الربح ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يتصدَّق به . و قاله أصبغ .
قال عيسى ، عن ابن القاسم : و ما عُقِدَ حينئذ من نكاح فلا يُفْسَخُ . دخل الوقت أو لم يدخل ، و لا ما عُقد من هبة أو صدقة ، و إنما يُفْسَخ البيع . و قال أصبغ : يفسخ النكاح .
و من المجموعة قال ابن القاسم : و كره مالك للنساء و العبيد و الصبيان البيع حينئذ فيما بينهم . قال المغيرة : لا أجيز لهم ذلك في سوق المسلمين ، و لهم ذلك في غير الأسواق سائغ . و هذا في العبيد ، و أما المرأة فإن ألزمتْ نفسها الجمعة ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن تُلزم نفسها ما يَلزم الرجل من ذلك .
في الخطبة يوم الجمعة ، و العمل فيها ، و التَّنَفُّل
قبلها ، و التَّخَطِّي
قال الله تعالى : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (الجمعة : 11) فقيل : إنه كان عليه الصلاة و السلام في الخطبة ، و إن هذا يدُلُّ أنها فريضة يقوم
***(1/467)
[1/470]
بها الإمام للناس . و قال محمد بن الجهم : هي سُنَّة واجبة . قال ابن حبيب : كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا دخل المسجد رقى المنبر ، و لا يَتَنَفَّلُ . قال سحنون في العتبية : و كذلك ينبغي للإمام أن يفعل ، و لا يركع قبل أن يرقى المنبر . من الْعُتْبِيَّة من سماع ابن القاسم ، عن مالك : و لا جمعة إلا بخطبة . و كذلك في من لا أمير لهم ، فليخطب من يُجَمِّعُ بهم .
قال أشهب ، عن مالك : و لينصرف الإمام إذا سلَّم ، و لا يتنفَّلْ في المسجد يوم الجمعة . و كذلك فعل النبي صلى الله عليه و سلم و الأئمة ، و أما الناس فلا بأس بذلك لهم . قال مالك ، ف المختصر : و التَّنَفُّل يوم الجمعة جائز للناس حتى يجلس الإمام على المنبر ، فإذا جلس فلا صلاة ، و لا بأس بالكلام ، فإذا تكلَّم فلا كلام . و ينبغي أن يستقبل ، و ينحرف إليه ، و يُنصِت له ، و ذلك على من سمعه و من لا يسمعه . و كذلك ذكر ابن حبيب . و قال : في من في المسجد أو خارج عنه . قاله مالك . و رواه عن عثمان . قال : و يتحدَّث الناس و يتحلَّقون و الإمام جالس للأذان ، فإذا أخذ في الخطبة ، وجب استقباله و الإنصات . كما ذكرنا .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك : و إذا خرج الإمام و قد أحرم رجل بنافلة فليُتِمَّها ركعتين ، و من لم يُحرم حتى جلس الإمام فلا يُحرم . قال سحنون : و من دخل و قد جلس الإمام و المؤذنون في الأذان ، فلا يُحرم ، فإن أحرم جهلاً أو سهوًا ، فلا يقطع ، و إن قام الإمام للخطبة . و قاله ابن وهب ، عن مالك .
و من المجموعة ابن نافع ، عن مالك : و لو دخل الإمام و قد بقي على رجل آيات في آخر الركعة فواسع أن يُتِمَّها أو يركع . قال عنه ابن القاسم ، في
***(1/468)
[1/471]
الْعُتْبِيَّة : و إن دخل رجل في تشهد النافلة فلْيُسَلِّمْ ، و لا يَتَرَبَّصْ يدعو ؛ لقيام الإمام . و قال ابن حبيب : لا بأس أن يُطيل في دعائه ما أحبَّ .
و من المجموعة ابن القاسم ، عن مالك : و إنما يُنْهى عن التَّخَطِّي إذا خرج الإمام و جلس على المنبر ، فأما قبل ذلك فلا بأس إذا كان بين يديه فُرَجٌ .
و كره رفع الناس أيديهم و قيامهم عند أذان الجمعة .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابن القاسم ، عن مالك ، أنه أنكر سلام الإمام على الناس إذا رقى المنبر ، أو إذا قام ليخطب . و قال ابن حبيب : إذا جلس للخطبة ، فليُسلِّمْ على الناس ، و يُسْمِعْ من يليه ، و يَرُدُّ عليه من سمعه . و هذا إذا كان ممن يرقى المنبر أو يخطب إلى جانبه ، و لو كان مع الناس يركع أو لا يركع ، فلا يُسَلِّمْ إذا جلس للخطبة .
قال : و من السُّنَّة أن يخطب قائمًا ، و يجلس شيئًا في أولها و وسطها . و كان معاوية لما أسنَّ جلس في الخطبة الأولى كلها و استأذن الناس في ذلك ، و قام في الثانية . و لا ينبغي ذلك ، و ليَقُمْ فيهما كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم و الخلفاء الراشدون .
***(1/469)
[1/472]
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : قال مالك : و ليتوكَّأْ على عصًا . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و كذلك فعل النبي صلى الله عليه و سلم . و كذلك ينبغي على عصاة أو قوس غير عود المنبر ، خطب عليه ، أو إلى جانبه .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابْن الْقَاسِمِ ، قال مالك : و من لا يرقى المنبر عندنا فجُلُّهم يقوم عن يسار المنبر ، و منهم من يقوم عن يمينه . و كان عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد و غيره يقومون عن يمينه ، و كلٌّ واسعٌ ، و ما أدركتُ من يعيبُ إمساك العصا في الخطبة ، و يقال : فيها شغل عن مسِّ اللحية و العبث باليد . قال عنه ابن وهب في المجموعة : و القوس مثل العصا في ذلك . قال عنه عليٌّ : لا يتوكَّأ على قوس إلا في السفر .
قال في المختصر : و يبدأ في الخطبة بالحمد لله ، و يختم بأن يقول : و أستغفر الله لي و لكم . و إن قال : اذكروا الله يذكركم . فحسن .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ليقصر الخطبتين ، و الثانية أقصرهما ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم يشير بإصبعه إذا دعا أو وعظ ، و كان لا يَدَعُ أن يقول في خطبته : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} إلى قوله : { فَوْزًا عَظِيمًا } (الأحزاب : 70 ، 71) ، و ينبغي أن يقرأ في الخطبة الأولى بسورة تامة من قصار المفصَّل . و كان عمر بن عبد العزيز يقرأ تارة
***(1/470)
[1/473]
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} و تارة : {وَ الْعَصْرِ} . قال أشهب في المجموعة نحوه . و قال : فإن لم يفعل أساء و لا شيء عليه . قال مالك : و لا يقرأ بسورة فيها سجدة . قال عليٌّ ، عن مالك : فإن فعل فلا ينزلْ لسجدة ، و العمل على فِعْل عمر الآخِرِ . قال أشهب عن مالك ، في الْعُتْبِيَّة : و لا بأس أن يأمر في خطبته بالأمر الخفيف و ينهى عنه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يُلَقَّنُ فيما تعايى فيه من الخطبة ، و أما فيما يقرأ فيهما من القرآن فلا بأس أن يُلَقَّنَ فيه . قال : و ليترك تلجلجه و انحصاره في الخطبة ، و ليخرج عنه إلى ما تيسَّرَ عليه من الثناء على الله سبحانه و تعالى ، و على نبيه عليه الصلاة و السلام ، و تُجزيهم . و لو ترك الخطبة الثانية ؛ لانحصار أو نسيان أو حدث ، و صلى غيره أجزأهم . و كذلك لو لم يُتِمَّ الأولى ، و تكلَّمّ بما خفَّ من الثناء على الله تعالى ، و الصلاة على نبيه ، و وعظ أو قال خيرًا ، و إن خفَّ ، فهو يُجزئ . و إن حُصِر عن الثناء على الله تعالى و الصلاة على نبيه حتى نزل ، فهي خطبة ، و تجزئ إذا كان قد قام بها و تلجلج بها ، أصابه ذلك في الأولى أم في الثانية . و قال : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إن لم يخطب من الثانية ما له بالٌ ، لم تجزهم ، و أعاد . و لم أجدْ ما جاء معه . و اجتمع ابن الماجشون و مطرف و أصبغ على ما تقدَّم . و قد رواه مطرف عن مالك . و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في المدونة : إن خطب بما له بالٌ أجزأهم . و لم يذكر الأولى و لا الثانية . و قال مالك ، في المختصر : إذا سبَّح و هلَّل و لم يخطب ، فَلْيُعِدْ ما لم يُصَلِّ ، فإذا صَلَّى فلا إعادة عليه .
***(1/471)
[1/474]
في الإنصات للخطبة ، و ما للناس فعله
حينئذ والإمام
و من كتاب ابن حبيب ، و نحوه في المختصر : و يجب على الناس الإنصات للإمام ، و التحول إليه إذا أخذ في الخطبة ، على من سمعه و على من لم يسمعه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بأس أن يتحدث الناس و يتحلقون و الإمام جالس على المنبر للأذان ، فإذا أخذ في الخطبة أنصتوا و أصغوا و استقبلوه ، و يجب على من لا يسمعه و لا يراه ممن في المسجد ، و ممن في خارجه و رحابه ، من الإنصات ، و التحول إليه ، ما يجب على من يسمعه .
قال في المختصر : و لا يقرأ و لا يُسَبِّح ، و لا يقول لمن لغى : أنصت . و لا يُشَمِّتُ عاطسًا . قال عنه ابن نافع ، في المجموعة : هو أشدُّ من قوله للاغي : أنصت . و له أن يحتبي و الإمام يخطب . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ و مطرف : و يلتفت يمينًا و شمالاً ، و يمُدُّ رجليه . و من المجموعة عليٌّ عن مالك مثله ، له أن يلتفت ، و لو حوَّل ظهره إلى القبلة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن عطس فليحمد الله ، و لا يجهر كثيرًا ، و لا يُشَمِّتْ عاطسًا سرًّا و لا جهرًا ، و لينصتوا في الجلسة بين الخطبتين .
و من الْعُتْبِيَّة ، ابْن الْقَاسِمِ ، عن مالك : و إن عطس حمد الله في نفسه . و إن سمع من تكلم فلا يحصبه ، و لا يشرب الماء و الإمام يخطب ، و لا يقوم حينئذ أحد بالماء .
و من المجموعة ، ابن نافع ، عن مالك : و إذا ذكر الإمام الجنة و النار ، فليستجيروا في أنفسهم ، و كذلك في الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ، و السلام عليه .
***(1/472)
[1/475]
قال أشهب : و الإنصات أَحَبُّ إِلَيَّ ، فإن فعلوا فسِرًّا في أنفسهم . و لا يقرأ الرجل و الإمام يخطب .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بأس أن يدعو الإمام في خطبته المرة بعد المرة ، و يُؤَمِّن الناس ، و يجهر بذلك جهرًا ليس بالعالي ، و لا يكثروا منه . و إذا خرج الإمام في خطبته إلى لغو أو إلى ما لا يعني ؛ من لعن أحد ، فليس على الناس الإنصات إليه ، و الإقبال عليه ، ولهم التحول عنه و الحديث . و قد فعله ابن المسيب . و قال عليٌّ ، عن مالك ، في المجموعة : و إذا شتم الإمام الناس و لغى ، فعلى الناس الإنصات و لا يتكلمون . قال أشهب : و لا يقطع ذلك خطبته .
و من الْعُتْبِيَّة ، أشهب عن مالك : و لا بأس أن يأمر في خطبته بالأمر الخفيف ، أو ينهى عنه ، و ليس على الناس الإنصات له إذا خطب في أمر ليس من الخطبة و لا الصلاة ، من أمر كتاب يقرأه ، و نحو ذلك . و إذا أمر في خطبته بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ، فليفعل ذلك الرجل في نفسه و كذلك تأمينهم على دعائه . و قال عنه عليٌّ مثله ، في المجموعة : إذا قرا الإمام : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } (الأحزاب : 56) . فليصلوا عليه في أنفسهم .
قال عنه : و لا يُؤَخِّرُ المؤذِّنُون الإقامة حتى ينزل الإمام ، و قيام الناس حين ينزل الإمام حسن .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ليس رفع الأيدي بالدعاء عند فراغ الخطبة من السُّنَّة ، إلا أن يحدث أمر؛ من عدُوٍّ يغشى ، أو قحط يُخشى ، أو أمر ينوب ، فلا بأس أن يأمرهم الإمام فيه بالدعاء أو رفع الأيدي ، و لا بأس أن يُؤَمِّنُوا على دعاء الإمام , و لا يعلنوا به جدًّا ، و لا يكثروا منه .
***(1/473)
[1/476]
في من خطب على غير وضوء ، أو أحدث ، أو
خطب قبل الزوال ، أو خطب ثم أخَّرَ الصلاة ،
أو عرض له أمر ثم ضعُف ، و هل يحتبي في
الخطبة ، و غير ذلك من مسائل الخطبة
قال مالك ، في المختصر : و من خطب غير متوضئ ، ثم ذكر فتوضأ ، أجزأه ، و بئس ما صنع . قَالَ ابْنُ المواز : يعيد الخطبة . و قال سحنون في كتاب ابنه : إذا خطب جُنُبًا ، أعادوا الصلاة أَبَدًا . يريد : و هو ذاكر . قال : و إن ذكر في الخطبة أنه جُنُبٌ نزل ، و انتظروه إن قرب و بنى . قال : و قال بعض أصحابنا : فإن لم يفعل و تمادى في خطبته ، و استخلف للصلاة ، أجزأهم . و قال المغيرة : إن ذكر في الخطبة أنه غير متوضئ فليأمرهم أن يمكثوا و يتوضأ ، فإن كان اغتسل لرواحه و إلا اغتسل ، ثم بدأ الخطبة . و كذلك إن انتقض وضوءه ، فإن ذكر صلاة نسيها ، صلاها ، و بنى على خطبته .
و من المجموعة قال أشهب : و إذا خطب في وقت الظهر ، و صَلَّى وقت العصر في الغيم ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يعيدوا ، إلا أن يكون ما بين الخطبة و الصلاة قريبًا ، فيجزئهم .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مطرف ، عن مالك : و لو صَلَّى بهم ركعتين بغير خطبة ؛ لغيبة إمامهم ، أو خطب بهم الإمام قبل الزوال ، و صَلَّى بعده ، فلا يجزئهم ، و يعيدوا الجمعة بخطبة ، ما لم تغرب الشمس ، و إن لم يصلُّوا العصر إلا بعد الغروب . و قَالَ ابْنُ الماجشون : يعيدوا ما بينهم و بين وقت العصر ، فإن لم يعيدوها حتى صَلَّوُا العصر ، أعادوها ظهرًا أربعًا . و قاله ابن عبد الحكم ، و أصبغ . و قال
***(1/474)
[1/477]
ابن القاسم و أشهب كقول مطرف عن مالك . و به أقول . و قَالَ ابْنُ سحنون ، عن أبيه : يعيدون الجمعة في الوقت ، و يعيدون أفذاذًا أبدًا ظهرًا . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مالك : و إذا عرض للإمام في الخطبة ما يخرجه ، و كان وضوءه قريبًا ، فلينتظروه ، و إن بعد ، فليستخلف من يتمها أو يبتدئها ، فإن رجع قبل فراغها ، فالمستخلف أولى بتمام الخطبة و بالصلاة ، و إن لم يستخلف قدَّموا رجلاً ، و إن لم يحفظ الثاني خطبة الأول ، فليخطب بما يعرف و يتيسَّر .
و لا بأس أن يحتبي الإمام على المنبر إذا جلس للخطبة .
في الإمام في الجمعة ، و القراءة فيها ،
و القنوت ، و إمامة العبد فيها و المسافر و الإمام
الجائر ، و هل تُصلَّى في الأفنية
من المجموعة ابن نافع ، عن مالك قيل : أقراءة سورة الجمعة في صلاة الجمعة سُنَّة ؟ قال : ما أدري ما سُنَّة ، و لكن من أدركنا كان يقرأ بها في الأولى ، و في الثانية بـ{سبح اسم ربك الأعلى } . و في رواية أشهب بـ {هل أتاك حديث الغاشية } . و ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ ، و هم يقرأون اليوم بالتي تلي سورة الجمعة . و قال عنه عليٌّ : و الأمر عندنا أن لا يقنت فيها . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : روي أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ فيها بالجمعة ، و {هل أتاك حديث الغاشية } . و قرأ بعض الأئمة بـ {سبح} .
***(1/475)
[1/478]
و لا يجوز أن يؤمَّ فيها عبد و لا مسافر و لا من لم يبلغ الحُلُم ، فإن فعل لم تجزهم ، و يعيدوا جمعة ، فإن غربت الشمس أعادوا ظُهْرًا ، و يعيد العبد أَبَدًا ؛ لأنه إذا لم يكن مأمومًا فإنما فرضه أربع ، و يعيد المسافر أَبَدًا؛ لأنه جهر فيها ، و لم يدخل مع غيره فيصير من أهلها . و لو قدَّمه الإمام بعد أن أحرم خلفه أجزأهم ؛ لأنه صار بالإحرام خلفه من أهلها ، و إنما تفسد عليهم لو ابتدأها مستخلفًا . و أما العبد فلا تجزئهم؛ ابتدأها مستخلفًا ، أو بعد أن أحرم . هذا قول مطرف و ابن الماجشون . و قال أشهب : تجزئهم في المسافر و إن ابتدأها بهم . و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا تجزئهم و إن استُخلف بعد ركعة . و الأول أَحَبُّ إِلَيَّ . و ذكر ابن المواز ، عن أشهب ، مثل ما ذكر عنه ابن حبيب : يجزئهم و إن ابتدأها ؛ لأنه لما حضرها صار من أهلها . و قال أشهب و سحنون : و إذا أحدث في الخطبة ، فقدَّم مسافرًا فصلى بهم ، أن ذلك يجزئهم . و من الْعُتْبِيَّة روى عيسى عن ابْن الْقَاسِمِ ، أنه إن صلاها بهم عبد فليعيدوا في الوقت جمعة بخطبة ، و بعد الوقت ظُهْرًا ، و الوقت في ذلك أن يدركوا الجمعة . يريد : بخطبة و ركعة من العصر قبل الغروب . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك ، في مسافر حضر الجمعة فأحدث الإمام فقدَّمَه ، فلا يُصَلِّي بهم ، فإن فعل أعادوا الخطبة و الصلاة في الوقت ، فإن زال الوقت ، أعادوا ظُهْرًا . و قال سحنون : تجزئهم ؛ لأنه لما حضرها صار من أهلها . قال عيسى عن ابْن الْقَاسِمِ في المسافر يُصَلِّي الظهر في سفره يوم الجمعة ، ثم قَدِم ، فدخل مع الإمام فاستخلفه لحدث فَصَلَّى بهم ، فإنها تجزئهم ؛ لأنه إذا قَدِمَ قبل يُصَلِّي الإمام فعليه أن يأتيها ، فإن لم يفعل حتى فاتت ، أعادها ظُهْرًا حتى تكون
***(1/476)
[1/479]
صلاته بعد الإمام . قَالَ ابْنُ المواز : و قال أصبغ : ثم لو بطلت الجمعة التي صَلَّى لوضوء أو غيره ، فعليه أن يعيد الظهر .
قال أبو زيد ، عن ابْن الْقَاسِمِ ، إذا سافر الإمام فجمَّع بقرية لا جمعة عليهم : إنها تجزئه دونهم . قال في كتاب ابن المواز : و من معه دونهم . يريد : دون أهل الموضع و تجزئ من معه من المسافرين . قال في رواية أبي زيد : و يبني الحضريون عليه ركعتين ، ثم يكون ظهرًا . و قاله مالك في المختصر . و من المجموعة روى ابْن الْقَاسِمِ ، عن مالك ، أنها لا تجزئه و لا تجزئهم . و روى عنه ابن نافع أنها تجزئه دونهم . و قال عنه ابن نافع ، في كتاب ابن المواز : أن ائتمُّوا بعد سلامه أجزأهم .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و تُصَلَّى الجمعة خلف الإمام الجائر الفاسق ، بلغ فسقُه و جُرمه ما بلغ .
و من الْعُتْبِيَّة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : لا بأس بالصلاة لضيق المسجد يوم الجمعة في مجالس حوانيت عمرو بن العاص ، و أراها كالأفنية . و من المجموعة ، قال عنه ابن نافع : و لا أُحِبُّ أن يُصَلِّي في الطريق و الأفنية الجمعة إلا مثل المرأة و الضعفاء ، و من لا يقدر على دخول المسجد ، و الرجل يصيبه ذلك المرة بعد المرة ، فأما من يقعد في منزله يتنَعَّمُ و يتلذَّذُ ، فإذا خاف الفوات جاء فَصَلَّى حيث أدرك ، فلا أُحِبُّ أَنْ يلزم مثل هذا أحدٌ .
في الاستخلاف في صلاة الجمعة ، أو في
الخطبة ، وهل يُصَلِّي من لم يشهد الخطبة ،
و كيف إن ذكر صلاة نسيها ، و في الإمام
يُعْزَلُ و يأتي غيره بعد الخطبة
من كتاب ابن حبيب : و لا بأس أن يُصَلِّي الجمعة بالناس غير الذي
***(1/477)
[1/480]
خطب ، مثل أن يُقَدِّمه الإمام لرعاف أو حدث أو مرض ، أو يَقْدَمَ والٍ بغزل الذي خطب ، و قد قَدِمَ أبو عبيدة على خالد بن الوليد بغزله ، فألفاه يخطب ، فلما فرغ تقدَّم أبو عبيدة للصلاة . و قال أشهب ، عن مالك في الْعُتْبِيَّة : لا بأس أن يستخلف من لم يحضرْ معه الخطبة لحدث أصابه أو مرض . قَالَ ابْنُ المواز : و كذلك إن لم يُتِمَّ الخطبة . فإن صَلَّى بهم الثاني و لم يُتِمَّها ، فإن خطب الأول ما لا بال له ، فلا جمعة لهم بذلك ، و إن خطب ما له بال ، أجزأهم ، و إن خطب ثم قَدِمَ و قد تَمَّتْ ، أو بَقِيَ أقلُّها ، فليأتنف الخطبة ، و لا يجزئهم أن يُصَلِّي بهم بخطبة الأول ، و لو أَذِنَ له الأول لم تجزهم . و لو قَدِمَ بعد أن صَلَّى الأول ركعة ، فليُتِمَّ الثانية و يُسَلِّمْ ، و يعيدوا الخطبة و الصلاة ، و لا تجزئهم .
و من الْعُتْبِيَّة روى عيسى ، عن ابْن الْقَاسِمِ ، قال : إذا قَدِمَ والٍ بعزل الأول ، فتمادى الأول ، فَصَلَّى بهم عالمًا ، فليعيدوا و إن ذهب الوقت ، و لو صَلَّى بإذن القادم أجزأتهم إذا أعادوا الخطبة ، و لا ينفع إذنُه بعد الصلاة ، و ليعيدوا ، و لا يُصَلِّي بهم القادم بخطبة الأول ، و ليبتدئها ، و لو قَدَّمَه القادم لأُمِرَ بإعادتها . قال سحنون ، في كتاب ابنه : فإن صَلَّى بهم القادم بخطبة الأول أعادوا أَبَدًا ، و كذلك إن أذن الأول فَصَلَّى بهم ، فلم يعد الخطبة .
قال يحيى بن يحيى ، عن ابْن الْقَاسِمِ : و إذا ضَعُفَ الإمام عن الخطبة ، فلا يُصَلِّي هو و يخطب غيره ، و ليُصَلِّ الذي أمره بالخطبة ، و يُصَلِّي الآمر خلفه ، و كذلك الأعياد .
و من المجموعة ، قال أشهب : فإذا أحدث في الخطبة ، فتوضأ و رجع ، فلا يعيد الخطبة إن كان ذلك قريبًا ، و إن أعادها ، فلا بأس ، و إن تباعد ، فَأَحَبُّ
***(1/478)
[1/481]
إِلَيَّ أن يعيد الخطبة . و كذلك الإمام يُحْدِثُ بعد أن تقام الصلاة ، فيتوضأ و يرجع ، و لا يعيد الإقامة إن كان قريبًا ، فإن تباعد أعادها .
و إذا خطب ثم أحدث فقدَّم جُنُبًا أو غير مُتَوَضِّئ ، فقدَّم المقَدَّمُ غيره ممن شهد الخطبة ، فمن شهد الخطبة فليُصَلِّ بهم ، فإن لم يشهدها ، فَلْيُعِدِ الخطبة أَحَبُّ إِلَيَّ ، فإن لم يعدها ، أجزأهم . و لو قدَّم صبيًّا ، فقدَّم الصبي غيره ، أجزأهم . و إن صَلَّى بهم الصبي ، لم يجزهم . قال أشهب ، و ابْن الْقَاسِمِ : و إن قدَّم سكرانًا أو مجنونًا ، فقدَّم غيره ، أجزأهم ، كما لو تقدَّم أحدهم من غير استخلاف .
و لو رفع رأسه من الركعة الثانية ، فقدَّم من أحرم حينئذ و لم يُدرك الركعة ، فليُقَدِّمْ هو من أدركها ، فإن لم يفعل و أتمَّها بهم ، فسدتْ عليه و عليهم . قال أشهب : و كذلك لو دخل بعد رفع رأسه من الثانية فقدَّمَه ، فإن أتمَّ بهم لم تجزهم ؛ لأن السجدتين ليس من فرضه . قال سحنون : و إذا قدَّمه و هو قائم في الثانية ، فأتم بهم ، و قضى ركعة ، ثم شك في الإحرام ، فليعيدوا كلهم الجمعة . قَالَ ابْنُ المواز : و من أحرم و الإمام راكع في الجمعة في الثانية ، فاستخلفه قبل يركع الداخل ، فليركع و القوم ركوع ، ثم يرفع المستخلف ، فكمن رفع قبل إمامه ، فليرجعوا حتى يرفعوا برفعه ، فإن لم يُعِيدُوا ، أجزأهم .
و لو خرج و لم يستخلف ، فقدَّموا هذا أو قدَّموا غيره ، فالأمر كذلك ، إلا أنه إن قدَّموا غيره أو قدَّم الإمام غيره ، فرفع المستخلف رأسه قبل يركع الآخَرُ ، فلا يُعْتَدُّ بتلك الركعة .
***(1/479)
[1/482]
و من كتاب ابن سحنون : و إذا ذكر الإمام يوم الجمعة ، و قد أحرم صلاة نسيها ، فليُكَلِّمْهم ، و يقضي ما عليه ثم يعيد الخطبة و الصلاة ، و إن لم يُعِدِ اخطبة و صَلَّى ، أعاد ظُهْرًا أربعًا ، و إن ذكر ذلك بعد ركعة استخلف ، و إن ذكر ذلك بعد ركعة بعد أن سلَّمَ أجزأتهم . و قد اختلف فيه عن مالك .
و إن أحدث بعد ركعة من الجمعة ، فخرج و لم يستخلف ، فَصَلَّوْا أفذاذًا ، لم تجزهم ، و يعيدوا الجمعة .
جامع القول في صلاة الخوف من العدوِّ أو من
لصوص أو سباع
من الواضحة ، قال : و صَلَّى النبي صلى الله عليه و سلم صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع سنة خمس من الهجرة . و الرقاع جبل في طريقه فيه السواد و البياض ،
***(1/480)
[1/483]
يقال له : الرقاع . قال : و إذا صَلَّى الإمام بطائفة ركعة فأتَمَّتْ و ذهبت و الإمام قائم ، فإن شاء دعا ، و إن شاء أخذ من القراءة ما تأتي فيه الطائفة الأخرى ، و إن شاء سكت حتى تُحرم الجائية . و رجع مالك إلى أن يُسَلِّم الإمام قبل قضاء الثانية على حديث القاسم . و روى أشهب حديث ابن عمر ، و فيه أن طائفة صلَّتْ ركعة ، ثم تأخّرت على جهة العدو من غير أن يُسَلِّمَ ، ثم أتت الأخرى فَصَلَّى بهم الركعة الثانية و سلَّم ، ثم قامت كل طائفة فأتمَّتْ . و بهذا أخذ أشهب . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : فإذا اشتغلت الطائفتان بالقضاء صار الإمام وحده فيُدْهما . و حديث القاسم أشبه بظاهر القرآن من اشتغال طائفة بالعدو . قال سحنون في كتاب ابنه : و لم يأخذ بحديث ابن عمر من أصحابنا غير أشهب و أخذ به الأوزاعي ، ثم رجع فأخذ بحديث غزوة ذات الرقاع .
قال مكحول : و إن صَلَّى ركعة ، ثم دهمهم العدو ، و قد بقيت على كل طائفة ركعة ، فليصلوا إيماء حيث ما كانت وجوههم . قال سحنون : سعيًا و ركضًا كيف ما قدروا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن ائتمَّ الذين يقضون بأحدهم ، فصلاة من أمَّهم تامَّةٌ ، و صلاتهم فاسدة .
***(1/481)
[1/484]
قال : و سواء كان العدوُّ في قبلته ، أو عن يمينه ، أو عن شماله ، أو خلفه ، و لا أحب له إن كان العدو أمامه أن يُصَلِّي بالجيش أجمع ، و لكن بطائفتين . و من المجموعة قال أشهب : إذا كان العدو في القبلة ، و أمكنه أن يُصَلِّي بالناس جميعًا ، فلا يفعل ؛ لأنه يتعرَّض أن يفتنه العدو و يشغلوه ، و ليُصَلِّ بطائفتين شبه صلاة الخوف .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قَالَ ابْنُ عبد الحكم : و إذا كانوا طالبين ، و عدوهم منهزمون مغلوبون ، إلا أن طلبهم أثخن في قتلهم ، فصلاتهم بالأرض صلاة الأمن أولى من صلاة الدوابِّ . و قاله الأوزاعي ، أما الطالب فينزل ، و أما المطلوب فيصلي على دابَّته ، إلا أن يخاف الطالب أن يُكَرَّ عليه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و هو في سعة , إن كان طالبًا أن لا ينزل و يُصَلِّي إيماء؛ لأنه مع عدوه بعد لم يَصِلْ إلى حقيقة أمن . و قاله مالك ، و ما صَلَّى النبي صلى الله عليه و سلم يوم الخندق الظهر و العصر إلا بعد غروب الشمس ، و ذلك قبل نزول صلاة الخوف . و إذا كانوا في القتال فليؤخروا إلى آخر الوقت ، ثم يُصَلُّون حينئذ على خيولهم ، و يُومِئُونَ و هم في قتالهم مقبلين و مدبرين ، و إن احتاجوا إلى الكلام في ذلك لم يَقطع ذلك صلاتهم .
***(1/482)
[1/485]
قال ابن المواز : و إذا قوتلوا في البحر ، صَلَّوْا صلاة الخوف ، فإن لم يقدروا إلا و هم في القتال ، صَلَّوْا في القتال إذا خافوا فواتها ، و إن لم يقاتلوهم حتى دخلوا في الصلاة ، فأتاهم العدو فرماهم المسلمون بالنبل ، لم يقطع ذلك صلاتهم ، و كذلك لو انهزوا لم يقطعها ذلك . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بأس أن يُصَلُّوا صلاة الخوف في البحر في سفينة و سفن .
قَالَ ابْنُ المواز و ابن حبيب : و إذا خاف المسلمون أن يخرج عليهم العدو و لم يروه ، فصلوها تامة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و تكون طائفة بإزاء الموضع الذي خافوا مجيئهم منه . قَالَ ابْنُ المواز : فإن تمَّتْ و لم يأتهم أحدٌ أجزأتهم . قال عن أشهب : و كذلك لو رأوا شيئًا ظنُّوه العدوَّ فصلوها فلم يكن عدوًّا ، فلا شيء عليهم . قَالَ ابْنُ المواز : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يعيدوا . قَالَ ابْنُ المواز : قال أشهب : و لو بلغ بهم الخوف ما يؤدي إلى أن يُصَلُّوا بطائفتين على الدوابِّ لجاز ، و لكن يُظَنُّ أنهم إن قدروا أن تكون الطائفة كافية للأخرى كذلك أنهم يقدروا أن يُصَلُّوا بالأرض كذلك .
قال أشهب : إذا خاف الراكب من العدوِّ ، صَلَّى على دابته قائمة إلى القبلة ، فإن خاف إن وقف بها ، فحينئذ يُصَلِّي أيما توجَّهت . يريد أشهب : و الأول يُصَلِّي أيما ، إلا أن هذا يُصَلِّي حيث توجَّهت به .
و من كتاب السير لابن سحنون ، قال أشهب : إلا أن يكون مطلوبًا فيصلي ماشيًا عليها حيث توجَّهت . و إن خاف الرجل أن يقف ، صَلَّى جالسًا . و يسجد بالأرض . و يُصَلِّي المسايف و المقاتل بقدر طاقته ، و لا يضرُّه العمل فيها ، كما لا يضرُّه قتل
***(1/483)
[1/486]
العقرب . و الخائف من السبع له أن يُصَلِّي على دابته إيماء حيث توجَّهتْ ، إلا أن يأمن إذا وقت عليها ، فليُصَلِّ كذلك .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عيسى ، عن ابْن الْقَاسِمِ : و لا يَجْمَعُ بين الصلاتين في الخوف ، و لم أسمع بمن فعله ، فإن فعلوا لم أرَ به بأسًا . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من خاف من سباع أو لصوص صَلَّى على دابته راكبًا و ماشيًا ، و الجالس إذا خاف إذا قام فليُصَلِّ جالسًا ، و يسجد و لا يُومِئُ ، إلا أن يُعاين ناحية عدُوِّه ، فيخاف إن يسجد أن يُعْجله ، فليومئ . و الخائف من السباع و اللصوص يؤَخَّر إلى آخِرِ الوقت ، ثم يُصَلِّي ، فإن أمن في الوقت أعاد ، و لا يعيد في خوف العدو . قَالَ ابْنُ المواز : و الراكب يخاف من السباع ، فليُصَلِّ على دابته إيماء ، حيث توجَّهتْ ، إلا أن يقدر أن يقف بها ، فليتوجَّه إلى القبلة .
و من الْعُتْبِيَّة ، روى ابْن الْقَاسِمِ ، عن مالك ، في رجل في أرض خوف من اللصوص ، أيُخَفِّفُ في صلاته ؟ قال : رُبَّ مُخَفِّفٍ لا يَنْقُصُ من الصلاة فذلك له ، و أما أن ينقص فلا .
في ترتيب صلاة الخوف في المغرب ، و من فاته
منها ركعة ، و كيف إن صَلَّى بكلِّ طائفة ركعة
فيها ، أو في غيرها في الحضر ، و في الخوف
ينكشف في بعض الصلاة ، و في الاستخلاف في
صلاة الخوف
من كتاب ابن حبيب ، قال مالك ، في صلاة الخوف في المغرب :
***(1/484)
[1/487]
يُصَلَّى بالطائفة الأولى ركعتين ، و يثبت جالسًا . ثم رجع فقال : يقوم حتى يقضي هي تلك ، و إن شاء سكت أو دعا . و قاله ابْن الْقَاسِمِ ، و مطرف ، و ابن الماجشون ، و أصبغ . و أخذ بالأول ابن وهب ، و ابن كنانة ، و ابن عبد الحكم . قال : و هذه لا يقرأ فيها ؛ لأنه لا يقرأ فيها بغير أمِّ القرآن ، فخالفت غيرها . و قَالَ ابْنُ المواز : إنما أخذ ابن وهب بالقول الذي رجع إليه مالك . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لو جهل فَصَلَّى بكل طائفة ركعة ، فصلاة الثانية و الثالثة جائزة ، و يفسد على الأولى . و قاله مطرف ، و ابن الماجشون ، و أصبغ . و من المجموعة قال سحنون : إذا صَلَّى المغرب بكلِّ طائفة ركعة جهلاً أو عمدًا ، فصلاته و صلاتهم فاسدة ؛ لأنه ترك سُنَّتَها . و كذلك إن صَلَّى بالأولى ركعة ، و بالثانية ركعتين ، لوقوفه في غير موضع قيام . و من كتاب ابن سحنون ، قال : قلتُ : و زعم بعض أصحابنا في من صَلَّى صلاة الخوف في الحضر بأربع طوائف ، بكل طائفة ركعة ، أن صلاته و صلاة الثانية و الرابعة تامَّة و تفسد على الباقين . فقال سحنون : بل تفسد عليه و عليهم أجمعين .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سحنون ، عن ابْن الْقَاسِمِ : و من أدرك الركعة الثانية من المغرب من الطائفة الأولى ، فإذا وقف الإمام في الثالثة ، أتَمَّ القوم ، و لا ينبغي لهذا أن يقضي الركعة إلا بعد سلام الإمام ؛ لأن الطائفة الأولى إنما تبني و لا تقضي . و إلى هذا رجع سحنون في المجموعة بعد أن قال : يُصَلِّي ركعتين قبل سلام الإمام . و قال في كتاب ابنه : يُصَلِّي ركعتين قبل سلام الإمام . و ذكر عن ابن
***(1/485)
[1/488]
القاسم مثل ما في الْعُتْبِيَّة . قال عنه : و يقف هذا مع الإمام حتى تأتي الطائفة الثانية ، فيصلي معهم ركعة ، ثم يقضي بعد سلام الإمام .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سحنون ، عن ابْن الْقَاسِمِ : و إذا صَلَّى بالطائفة الأولى ركعة ، ثم انكشف الخوف ، فليُتِمَّ الصلاة بمن معه ، و تُصَلِّي الطائفة الأخرى بإمام غيره ، و لا يدخلون معه . ثم رجع فقال : لا بأس أن يدخلوا معه . و روى عنه أبو زيد قوله الأول .
و من المجموعة ، و قال سحنون : و إذا صَلَّى ركعة من صلاة الخوف في السفر ، ثم أحدث قبل قيامه إلى الثانية ، فليقدِّم من يقوم بهم ، ثم يثبت المستخلف ، و يُتِمُّ من خلفه ، ثم تأتي الطائفة الأخرى ، فيصلي بهم ركعة ، و يُسَلِّم . و لو أحدث بعد قيامه إلى الثانية ، فلا يستخلف؛ لأن من خلفه خرجوا من إمامته ، حتى لو تعمَّدَ حينئذ الحدث أو الكلام ، لم يُفسد عليهم . و كذلك ذكر عنه ابنه . فإذا أتمَّ هؤلاء و ذهبوا أتتِ الطائفة الأخرى ، فصلوا بإمام يُقَدَّمونه ، و إذا أحدث بعد ركعة من المغرب ، فليستخلف .
و في كتاب الجهاد بقيَّة من مسائل صلاة الخوف .
في جمع الصلاتين بمزدلفة و عرفة
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، في الجمع بعرفة : يبدأ بالخطبة إذا زالت الشمس ، أو قبل الزوال بيسير ، قدر ما يُفْرِغُ الخطبة و قد زالت الشمس ، و إذا جلس في الخطبة الأولى ، و أذَّن المؤذِّن ، ثم يخطب الثانية ، ثم يقيم ، فإذا جمع بهم ركب فيرتفع على عرفات . قال أبو محمد : لعل ابن حبيب يريد : إن بدأ في الخطبة بعد الزوال ،
***(1/486)
[1/489]
فيمكنه أن يؤذن بعد فراغ الخطبة ، فأما إن بدأ يخطب قبل الزوال بمقدار أن تفرغ الخطبة و قد زالت الشمس ، فكيف يؤذن بين خطبته فيصير يؤذن قبل الوقت . و الذي قال مالك و ابْن الْقَاسِمِ ، أن يخطب بعد الزوال .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و روي في الجمع بينهما بأذانين و إقامتين ، و روي بأذان و إقامتين . و بهذا أخذ ابن الماجشون ، و هو قول ابْن الْقَاسِمِ ، و سالم . و من الْعُتْبِيَّة ، ابْن الْقَاسِمِ ، عن مالك : و يؤذَّن يوم عرفة و الإمام يخطب ، و ذلك واسع . قال عيسى : قَالَ ابْنُ وهب : هي السُّنَّة .
و من جمع بين العشاءين من الحاجِّ قبل يأتي المزدلفة ، من غير عذر ، أعاد . قال أشهب في المجموعة : و إذا شرع الدافع من عرفة ، فوصل مزدلفة قبل مغيب الشفق ، جمع حينئذ ، و إن فرغ منهما قبل مغيب الشفق . و خالفه ابْن الْقَاسِمِ في المدونة .
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابْن الْقَاسِمِ ، قال مالك : و قد صَلَّى النبي صلى الله عليه و سلم بمنى إلى غير سترة ، و قد كرهتُ ما بُنِيَ بمسجد عرفة ، و بمنى أيضًا؛ لأنه يُضَيِّقُ على الناس ؛ لأن الرجل يُمْسِكُ بغيره و يُصَلِّي .
القول في صلاة الوتر
من الْعُتْبِيَّة ، قال أشهب : قال مالك : الوتر سُنَّةٌ ، و أما ركعتا الفجر
***(1/487)
[1/490]
فيستحبُّ العمل بهما . قال عنه ابْن الْقَاسِمِ : و الوتر أوجب منهما بكثير ، و كان ابن عمر لا يركعهما في السفر .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ نافع ، عن مالك : إن الناس ليلتزمون في الوتر قراءة : {قل هو الله أحد} ، و المعوِّذتين مع أُمِّ القرآن ، و ما ذلك بلازم . قال عنه ابْن الْقَاسِمِ : و إني لأفعله . قال عنه عليٌّ : و أما في الشفع قبله فما عندي شيء أستَحِبُّ به فيه دون غيره . و من الْعُتْبِيَّة ، ابْن الْقَاسِمِ ، عن مالك : و من قرأ في الوتر بأمِّ القرآن فقط سهوًا ، فلا سجود عليه . و خفَّفَه .
و من المجموعة ، قال أشهب : و من ذكر بعد الفجر أنه صَلَّى العشاء على غير وضوء ، و أوتر مُتَوَضِّئًا ، فليُصَلِّ العشاء ، و يعيد الوتر ، فإن خاف طلوع الشمس ترك الوتر ، و لو ذكر ذلك بعد أيام ، و بعد أن صَلَّى العشاء و أوتر ، فلا يعيد الوتر ، و ليصلِّ العشاء الفائتة ، و يعيد عن ليلته هذه المغرب و العشاء و الوتر .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و كان الناس يقنتون في الوتر بعد رفع الرأس من ركعة الوتر ، و يجهرون بالدعاء ، و ذلك في النصف من شهر رمضان ، و قاله مالك . و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : ما أدركت الناس إلا على القنوت في الصبح ، و ترك القنوت في الوتر . و في باب قيام الليل تمام هذا . قال أشهب ، في المجموعة : و وقت الوتر من حين تُصَلِّي العشاء إلى طلوع الفجر . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و قول مالك : لا بدَّ أن يتقدَّم الوتر شفع ، قلَّ أو كثر ، و أقلُّه ركعتان .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و كان أبو هريرة يُوتر بخمس ثم ينام ، و كان عليٌّ , و ابن عباس
***(1/488)
[1/491]
و ابن عمر يوترون بسبع ثم ينامون ، فإن قاموا صَلَّوْا مثنى مثنى ، و كان سعد بن أبي وقَّاص يوتر بواحدة ليس قبلها شيء . قال مالك : و عمل الناس على خلاف ذلك . قال في المختصر : و الوتر آخِر الليل أفضل لمن قوي عليه . و من كتاب ابن سحنون ، قال أشهب : من أوتر بواحدة فَلْيُعِدْ وتره بإثر شفع ، ما لم يُصَلِّ الصبح . قال سحنون : إن كان بحضرة ذلك ، شفعها بركعة ، ثم أوتر ، و عن تباعد ، أجزأه . و قد أخبرنا عليٌّ ، عن مالك ، قال : لا بأس أن يوتر المسافر بواحدة . و من كتاب آخر أن سحنون مرض ، فأوتر بواحدة في مرضه . و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : و إذا تَنَفَّلَ بعد العشاء ، ثم انصرف فلا ينبغي أن يوتر بركعة ليس قبلها شفعٌ . و قال عنه ابن نافع : لا بأس أن يوتر في بيته بواحدة . و كذلك من ركع ثم جلس ثم بدا له أن يوتر بواحدة . قال عنه ابن وهب : و ليُوتر في المسجد أو يُبْقِي من أشفاعه إن شاء ما يوتر بأثره .
و من الْعُتْبِيَّة ، روى سحنون ، عن ابْن الْقَاسِمِ ، في من صَلَّى مع الإمام أشفاعه ، ثم انصرف ، ثم رجع فوجده في الوتر ، فدخل معه فَأَحَبُّ إِلَيَّ لو شفعها ثم أوتر ، فإن لم يفعل أجزأه . قال عنه عيسى : يَشفعها بركعة ، ثم يُسَلِّمُ ، ثم يوتر ، و إن كان إمامه لا يُسَلِّمُ من الشفع فليأتِ هذا بركعتين ، ثم يُسَلِّم ، و يجزئه وتره ، و إن كان يُسَلِّم من الشفع ، فلا يُخالفه . قال أشهب ، عن مالك : و من صَلَّى العشاء و تَنَفَّلَ ، ثم جلس شيئًا ، ثم أراد أن يوتر بواحدة ، فأرجو أن يكون واسعًا .
قال أشهب : و من صَلَّى في بيته ركعتين ، ثم أتى المسجد ، فوجد الإمام في ركعة الوتر ، فدخل معه ، فإن كان إمامًا يَفْصِلُ بين شفعه و وتر ، سلَّمَ معه ، و أجزأته ،
***(1/489)
[1/492]
و إن كان لا يفصل بينهما ، أضاف هذا إلى هذه الركعة ركعتين ، و يُسَلِّم ، ثم أوتر . و من كتاب ابن حبيب ، و من فاتته ركعة من الشفع مع الإمام ، فلا يُسَلِّم معه ، و ليُصَلِّ معه الوتر ، فإذا سلَّم منها ، سلَّم معه ، ثم أوتر ، كان الإمام ممن يُسَلِّم من الشفع أو لا يُسَلِّمُ . قاله مطرف ، و ابن الماجشون . و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إن كان ممن يُسَلِّم من الشفع سلَّم معه من الثالثة ، و إن كان لا يفصل ، فلا يُسَلِّمْ هذا ، و ليَصِلْ ذلك بركعة الوتر كفعل إمامه . و من الْعُتْبِيَّة ، ابْن الْقَاسِمِ ، عن مالك : و من أوتر مع الإمام ، فأراد أن يَصِلَ وتره بركعة ، ليوتر بعد ذلك ، فلا يفعل ، و ليُسلِّمْ معه ، ثم يفعل ما شاء . و قال قبل ذلك : يتأنَّى قليلاً أعجبُ إليَّ . و من الْعُتْبِيَّة ، قال عيسى ، عن ابْن الْقَاسِمِ ، في من أحرم لركعتين ، فلا يجعلهما وترًا . قَالَ ابْنُ المواز . و كذلك روى ابْن الْقَاسِمِ ، عن مالك . قال أيضًا : و إن أحرم للوتر فلا يجعلهما شفعًا . و قال أصبغ : فإن فعل في الوجهين أجزأه . قَالَ ابْنُ المواز : إذا أحرم للوتر ، فله أن يشفعه ، و إن أحرم للشفع فلا يجزئه أن يوتر به .
في الوتر بعد الفجر ، و من ذَكَرها في الصبح
قَالَ ابْنُ المواز ، و عيسى بن دينار : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و من أصبح و لم يوتر ، و قد تَنَفَّلَ بعد العتمة ، فليوتر الآن بواحدة . قال عنه عيسى : و إلا شفع بركعتين . قَالَ ابْنُ المواز : قال أصبغ : و لو لم يكن تَنَفَّلَ ، و لم يَبْقَ لطلوع الشمس إلا أربع
***(1/490)
[1/493]
ركعات ، فليوتر بثلاث ، ثم يُصَلِّي الصبح . قَالَ ابْنُ المواز : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يوتر بواحدة ، و يُصَلِّي الصبح كلها في الوقت . و قال أشهب : في كتاب ابن سحنون : إذا طلع الفجر و لم يوتر ، و قد تقدَّم له شفع فليوتر ، إلا أن يكون ممن يرى التَّنَفُّل بعد الفجر ، فليشفع و إن كان يُكْرَهُ . و من المجموعة قَالَ ابْنُ وهب ، عن مالك : ربما أوترتُ بعد الفجر ، و إنما ذلك لمن لم يستيقظ من الليل . قال عنه ابن نافع : نعم يوتر بعد الفجر ، و لكن إن كان ذلك يكثر عليه ، فليوتر قبل أن ينام . قال عنه عليٌّ , و ابْن الْقَاسِمِ : و لا ينبغي أن يتعمَّد ذلك .
و من المجموعة ، قال عليٌّ ، عن مالك : و إذا ذكر الوتر ، و قد أقيمت الصبح ، فليخرج فليُصَلِّيها ، و لا يخرج لركعتي الفجر . و قال المغيرة : إن ذكرها في الصبح ، فلا يقطعْ . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و روى مطرف ، عن مالك : إن ذكرها في الصبح ، فليقطع . كان إمامًا أو مأمومًا أو وحده ، إلا أن يُسْفِرَ جدًّا . و روى مثله ابْن الْقَاسِمِ , و ابن وهب . و روى أيضًا ابن وهب عنه ، أنه قال : إن شاء تمادى مع الإمام ، ثم أوتر و أعاد الصبح . و قاله ابن عبد الحكم . و إن لم يذكرْ حتى سلَّمَ ، فلا يقول أحدٌ : إنه يقضي الوتر .
و في الجزء الثاني في باب السهو في الوتر و النوافل بقية من مسائل الوتر ، و في باب إعادة الصلاة في جماعة ذِكْرُ إعادة الوتر ، و في باب قيام الليل في هذا الكتاب ذِكْرُ القنوت في الوتر ، و غير ذلك من مسائل الوتر .
ما جاء في ركعتي الفجر
من الْعُتْبِيَّة ، أشهب عن مالك ، قال ركعتا الفجر يُسْتَحَبُّ العمل بهما . قيل : فهل بلغك أن النبي صلى الله عليه و سلم ركعهما حين قام عن الصبح ؟ قال : ما
***(1/491)
[1/494]
سمعت . قال عنه ابْن الْقَاسِمِ : الوتر أوجب منهما ، و كان ابن عمر لا يركعهما في السفر . قال أشهب ، في المجموعة ، في كتاب الحج : هما سنة ، ليستا كالوتر ، كما ليس غسل العيدين كغسل الجمعة و دخول مكة . و قال مالك ، في ( المختصر ) : ليستا بسنة ، و قد عمل بهما المسلمون ، و لا ينبغي تركهما . قَالَ ابْنُ المواز : قَالَ ابْنُ عبد الحكم و أصبغ : ليستا بسُنَّة ، و هما من الرغائب . و من المجموع ، قال عليٌّ ، عن مالك : و أما القراءة فيهما ، فما سمعت فيها بشيء معلوم ، إلا التخفيف في القراءة ، و أَحَبُّ إِلَيَّ بأم القرآن سرًّا . قال عنه ابْن الْقَاسِمِ : يقرأ فيهما بأم القرآن و سورة من قصار المُفَصَّلِ ، و أما أنا فما أزيد على أم القرآن في كل ركعة . قال عنه عليٌّ : و ليُتِمَّ ركوعهما و سجودهما و لا يُطَوِّلُ جدًّا . و روى ابن وهب في موطئه ، عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ فيهما بـ {قل يا أيها الكافرون} ، و {قل هو الله أحد} . و في بعض الكتب أنه
***(1/492)
[1/495]
ذَكَرَ الحديث لمالك فأعجبه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في الأولى بأم القرآن و { آمَنَ الرَّسُولُ } (البقرة : 285) . و في الثانية بأم القرآن و { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } (آل عمران : 64) . الآيتين . قال : و من اقتصر على {قل يا أيها الكافرون} . و {قل هو الله أحد} . فهو أَحَبُّ إِلَيَّ من أم القرآن وحدها . قال : و أنا أستحبُّ الضجعة التي بين ركعتي الفجر و صلاة الصبح و صلاته إياهما في بيته أَحَبُّ إِلَيَّ . و من أصل سماع ابن وهب ، قيل : فمن ركع أيضطجع على شقِّه الأيمن ؟ قال : لا . يريد لا يفعله استنانًا؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يجعله استنانًا ، و كان ينتظر المؤذِّنَ حتى يأتيه .
***(1/493)
[1/496]
و من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابْن الْقَاسِمِ ، قيل لمالك : فمن وجد الناس قد صَلَّوْا في المسجد ، أيركع للفجر ؟ قال : نعم ، إلاَّ أن يُسْفِرَ جدًّا . قيل : فإذا أصابهم في التشهد ، فجلس معهم فتشهد و سلَّمَ معهم ، أيركع ؟ قال : يبدأ بالمكتوبة . قيل : فمسجد الجامع أيُصَلِّي في رحابه . يريد و الإمام يُصَلِّي . قال : غير ذلك أَحَبُّ إِلَيَّ ، و إن سمع الإقامة خارج المسجد ، فإن خاف أن تفوته الصلاة فلا يركعهما ، و يدخل مع الإمام ، و إن لم يَخَفْ ذلك ، فليركعهما ، و أراه في سعة . إن دخل و لم يركع . قال : و إن صَلَّى ركعة ، و خاف فوت الصلاة ، فليدخل معهم . قيل فمن ركعهما في بيته ثم أتى المسجد ؟ قال : كلُّ ذلك قد فعله الناس ، و في ذلك سعة . فأما إن كان مصبحًا ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أن يجلس . و من الْعُتْبِيَّة ، روى عنه ابْن الْقَاسِمِ : كلٌّ واسعٌ ، و قد رأيت من فعله ، و أَحَبُّ إِلَيَّ أن لا يركع . و قال قبل ذلك : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يركع . و رواه عنه ابن وهب ، و ابن نافع . و قال سحنون : لا يعيدهما في المسجد . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و به أخذ ابن وهب و أصبغ ؛ لأن لا يعيدهما .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال عنه أشهب : و من سمع الإقامة بالطريق ، فليركع للفجر بطريقه . قال عنه ابْن الْقَاسِمِ : و إذا أخذ المؤذِّنُ في الإقامة ، و لم يركع الإمام للفجر ، فلا يخرج لذلك أولاً ، و لا يُسْكِتُه ، و ليُصَلِّ ، و أكره أن يُصَلِّيَها الرجل في أفنية المسجد المتصلة به ، و الإمام يُصَلِّي . و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ
***(1/494)
[1/497]
نافع ، عن مالك : و من سمع الإقامة قبل يدخل المسجد ، و لم يركعهما ، فإن قرب من المسجد ، دخل و يركعهما ، و إن كان متنحيًا شيئًا ركعهما و دخل . قال عنه ابْن الْقَاسِمِ : ما لم يَخَفْ فوت الركعة . و لم يذكر القرب .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن ركع للفجر فظنَّ أنه طلع ، ثم تبين له أنه لم يطلعْ ، فلا يعيدهما؛ لأنه كالمتحري . قاله ابن الماجشون ، و ذكر أن ربيعة و القاسم و سالمًا كان ينوبهم ذلك فلا يعيدون . قال أشهب في المجموعة : إذا ركعهما و لا يوقن بالفجر لم تجزياه . و من سماع ابن وهب ، قال : و لا يركع للفجر قبل الفجر . و قال في من ركع ركعة قبل الفجر و ركعة بعده ، قال : غير هذا أَحَبُّ إِلَيَّ . قال في المختصر : فلا تجزيانه . قيل في من أتى المسجد في الغيم ، فتوَخَّى طلوع الفجر ، فركعهما فيه : لا بأس بذلك . و من المختصر ، من لم يركع للفجر و صَلَّى ، فإن صلاهما إذا طلعت الشمس ، فحسن ، و ليس ذلك بلازم ، و لا أُحِبُّ للمسافر أن يَدَعَ ركعتي الفجر ، و أُحِبُّ له أن يركع بعد المغرب ركعتين ، و ليس ذلك بلازم .
في صلاة العيدين ، و على من هي ، و أين تُصَلَّى
و الخروج إليها ، و الغُسْل لها ، و التكبير في
ذلك
قال مالك في المختصر : و صلاة العيدين سُنَّةٌ لأهل الآفاق ، و يُسْتَحَبُّ الغُسْل و الزينة و الطيب في كل عيد ، و الغُسْل قبل الفجر فيهما واسع . و ينزل إليها مَنْ
***(1/495)
[1/498]
على ثلاثة أميال . و يُسْتَحَبُّ المشي إليهما . و لا أذان فيهما و لا إقامة . و وقتهما أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ ، و قد حلَّتِ الصلاة, و يغدو الغادي حين تطلع الشمس, و يخرج الخارج من طريق و يرجع من طريق ، و لا ينصرف أحد حتى يفرغ الإمام من خطبته .
و من الْعُتْبِيَّة ، روى أشهب ، عن مالك ، قال : و إنما يُجَمِّعُ في صلاة العيدين من تلزمه الجمعة . قال عيسى ، عن ابْن الْقَاسِمِ : و إن شاء من لا تلزمهم الجمعة أن يُصَلّوهما بإمام فعلوا ، و لكن لا خطبة عليهم ، و إن خطب فحسن . و لو تركوا الجمعة و هي عليهم ، فعليهم أن يُصَلّوا العيدين بخطبة و جماعة .
و من المجموعة ، ابْن الْقَاسِمِ ، عن مالك ، في القرية فيها عشرون رجلاً : أرى أن يُصَلّوا العيدين . قال عنه ابن نافع : ليس ذلك إلاَّ على من عليه الجمعة . قال أشهب : أستحِبُّ ذلك لهم ، و إن لم تلزمهم الجمعة . و الجمعة لا تُسْتَحَبُّ؛ لأنها فرض لا تجزئ من لا تجب عليه . قال أشهب ، عن مالك : و يُنْزَلُ لها من ثلاثة أميال .
و واسع أن يُغْتَسل لها قبل الفجر ، و لا يجوز أن ينوي به الجمعة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و أفضل أوقات الغُسْل لها بعد صلاة الصبح .
و من المجموعة ، أشهب ، عن مالك : و لا أُحِبُّ أن يسافر أحد حتى يصليها إلاَّ من عذر .
قال عنه عليٌّ : و من غدا إليها قبل طلوع الشمس ، فلا بأس به ، و لكن لا يُكَبِّرُ
***(1/496)
[1/499]
حتى تطلع الشمس . و لا ينبغي للإمام أن يأتي المصلي حتى تحين الصلاة . قال عنه أشهب : و يُكَبِّرُ الرجل من حين يغدو إلى المُصَلَّى ، إلى أن يرقى الإمام المنبر ، ثم إذا كبَّرَ في خطبته كبَّرَ معه .
قال عنه عليٌّ : و السُّنَّة الخروج فيها إلى المصلى ، إلاَّ لأهل مكة ، فالسُّنَّة صلاتهم إياها في المسجد . قال عنه ابن وهب : و من استطاع فليمش إلى العيدين . قال عنه عليٌّ : و مَن بَعُدَ فلا بأس أن يركب ، و نحن نمشي و مكاننا قريب . و ذكر ابن حبيب ، أن مالكًا يَسْتَحِبُّ المشي إلى العيدين و الجمعة لمَنْ قوي ، و قد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه و سلم ، و عن السلف .
و من المجموعة ، قال أشهب : و خروج المنبر لها واسع ، فعل أو ترك . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : عن مالك : لا يُخرج المنبر لها ، من شأنه أن يخطب إلى جانبه . قال عنه عليٌّ ، في المجموعة : و من لم يخرج لها من ضعفة الناس ، فلا ينبغي للإمام أن يأمر من يُصَلِّي بهم و يخطب . و من انصرف منها ، و كانت طريقه على مسجد النبي صلى الله عليه و سلم ، فيُسْتَحَبُّ له أن يركع فيه .
قال عنه ابن نافع : و لا بأس أن تخرج المتجالَّة إلى الجمعة و العيدين ، و ليس بواجب . قال أشهب : و للرجل منعُ عبيده من الخروج إليهما ، و لا يمنعهم من صلاة الجمعة ، إلاَّ أن يضرَّ به فيما يحتاجهم فيه . قال أشهب : و لا أرى لأهل منى المقيمين بها ممن لم يَحُجَّ أن يُصَلُّوا العيد في جماعة ؛ لبدعة ذلك بمنى ، و لو صلاها مُصَلٍّ لنفسه لم أرَ بذلك بأسًا .
***(1/497)
[1/500]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من فاتته صلاة العيد فلا بَأْسَ أَنْ يجمعها مع نفر من أهله ، و هي تجب على النساء ، و العبيد ، و المسافرين ، و من يؤمر بالصلاة من الصبيان يؤمر بها .
و من الْعُتْبِيَّة ابن القاسم ، عن مالك : و من غدا إلى العيد ، فلا يكبر إلاَّ عند طلوع الشمس ، و عند الإسفار البين في طريقه ، و في المصلى حتى يخرج الإمام ، تكبيرا وسطا لا خفض و لا رفع . والخروج إليها بعد طلوع الشمس عمل الفقهاء عندنا . قال مالك في المختصر : و يأتي الإمام إلى العيدين ماشيا مظهرا للتكبير حتى يدخل قبله مصلاه فيحرم للصلاة و لا يؤذن له و لا يقام . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : من السنة أن يجهر في طريقه إليها بالتكبير و التهليل و التحميد جهرًا ، يسمع من يليه وفوق ذلك شيئا, حتى يأتي الإمام فيكبر ، فيكبروا لتكبيره تكبيرًا ظاهرًا دون الأول . و يخرجون إليها عند طلوع الشمس أو قربه ، و أما الإمام فلا يخرج حتى ترتفع الشمس و تحل السجدة السبحة و فوق ذلك قليلا ، إن كان في ذلك رفق بالناس . و من اغتدى فلا يُكَبِّر حتى يسفر ، و أَحَبُّ إِلَيَّ من التكبير : ا? أكبر ، ا? أكبر ، لا إله إلاَّ ا? ، و ا? أكبر ، ا? أكبر ، و ? الحمد على ما هدانا ، اللهم اجعلنا من الشاكرين ؛ لقول ا? تعالى : {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة : 185) . وكان أصبغ يزيد : الله أكبر كبيرا ,وسبحان الله بكرة و أصيلا , و لا حول و لا قوة إلاَّ بالله . و ما زدت أو نقصت أو قلت غيره فلا حرج .
و من (المجموعة) ، على ، عن مالك : و إذا لم يثبت عندهم أنه يوم عيد إلاَّ بعد الزوال ، فلا يخرجوا لها ، و لا يصلوها ، و لا في الغد . و إن كان قبل الزوال فذلك عليهم . و كذلك روى ابن وهب ، و أشهب .
***(1/498)
[1/501]
صفة صلاة العيدين ، وذكر السهو فيها ،
و الحدث و الرعاف ، و من أدرك بعضها ،
و التَّنَفُّل قبلها و بعدها
قال مالك ، في(المختصر) وغيره : و التكبير في صلاة العيدين سبع في الأولى بتكبير ا?حرام ، وخمس في الأخرى سوى التكبيرة التي يقوم بها من السجود ، و ليس بين التكبير صمت ، إلاَّ قدر ما يكبر الناس ، و التكبير قبل القراءة ، فإن قرأ قبل التكبير ، أعاد القراءة وسجد بعد السلام . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يقف بين كل تكبيرتين هنية قدر ما يكبر الناس , و ليس بين التكبير دعاء . و إن سها عن شيء من التكبير , سجد قبل السلام . و لا يقضي تكبير ركعة في ركعة أخرى .
قال أشهب , في (المجموعة) : و إن بدأ بالخطبة قبل الصلاة أعادها بعد الصلاة , و إن لم يفعل فذلك مجزئ , و قد أساء . و من (الواضحة) , قال : والخطبة في الجمعة قبل الصلاة ، و إن لم يفعل فذلك مجزئ ، و قد أساء . و من (الواضحة) ، قال : والخطبة في الجمعة قبل الصلاة ، و أما الثلاث المسنونات ، فبعد الصلاة ؛ العيدين و الاستسقاء . و أحدث مروان تبدئة الخطة في العيدين . و أحدث هشام الأذان و ا?قامة لها . وجعل ا?مام بين يديه حربة تستره إن لم بكن جدار . و كذلك فعل النبي صلى الله عليه و سلم .
وَ رَوَى ابن كنانة . وَ مُطَرِّف ، أن مالكا استحب رفع اليدين فيهما مع كل تكبيرة . و هو أَحَبُّ إِلَيَّ من رواية ابن القاسم ، وكل وسع . و من (المجموعة) ،
***(1/499)
[1/502]
عليٌّ ، عن مالك ، و ليس رفع اليدين فيهما مع كل تكبيرة سنة ، و لا بَأْسَ عَلَى مَنْ فعله ، و أَحَبُّ إِلَيَّ في الأولى فقط . و يقرأ : {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (الليل : 1) ونحوها . وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَ رَوَى أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ في العيدين بـ{ق } و {اقْتَرَبَتِ} . و هو أَحَبُّ إِلَيَّ . وذكر غير ابن حبيب ، أن النعمان بن بشير روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قرأ فيها بـ{سَبِّح} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} .
قال حبيب : وليجهر من خلفه بالتكبير جهرًا يسمع من يليه ، و لا بَأْسَ أَنْ يزيد في جهره ليسمع من يقرب منه ممن لا يسمع ا?مام و يجعل التكبير . من أتى و ا?مام في قراءة الثانية ، فليكبر للإحرام ، ثم يكبر خمسة ، فإذا قضى كبر ستة والسابعة قد كبرها للإحرام . قال : و لو كان التكبير لا يقضي ، كما قال ابن الماجشون ، ما كان عَلَى مَنْ لا يسمع تكبير ا?مام أن يتحدى التكبير ، فيكبر .
و من (المجموعة) ، علي ، عن مالك : و من فاته بعض التكبير قضاه . قال عبد الملك : إن كان بين تكبير ا?مام فرج يكبر ما فاته منه قبل القراءة ، فليس ذلك
***(1/500)
[1/503]
عليه ، كما لو جاء في القراءة ، فإنما عليه أن يحرم . قال عبد الملك : و من أدرك الركعة الآخرة منها ، فلم يقل أحد إنه يكبر إذا قضى سبعا ، فيصير مفتتحا مرتين ، و الافتتاح لا يقضى . قال عبد الملك : و قال بعض أصحابنا : يكبر ستة . و لا أقوله ، و ما علمت تكبير يقضي ، و لا يكون فيما يقضي قبل تكبير ، و إنما يقضى تكبير الجنازة لأنه بدل من عدد الركوع . وذكر ابن حبيب قول ابن الماجشون ، وذكر عن ستة من أصحاب مالك ، أن التكبير يقضى . قال : وبه أخذ أصبغ ، و هو أحب إلينا . و من (العتبية) معه ، روى عيسى ، عن القاسم : و من سبقه ا?مام بالتكبير ، فليدخل معه ، و يكبر سبعا ، و إن وجده راكعًا دخل معه ، وكبر تكبيرة واحدة ، وركع ، و لا شيء عليه . و إن وجده قد رفع رأسه ، أو قام في الثانية ، فليقض ركعة يكبر فيها سبعا ، و إن وجده في التشهد ، أحرم وجلس ، فإذا سلم ا?مام ، قام فصلى ركعتين ، يكبر في الأولى سبعا ، و في الثانية خمسًا . قال عيسى : و قد قال أَيْضًا : يكبر في الأولى ما بقى عليه ستا ابن القاسم ، و إن وجده قائم في الثانية ، خمسا . و قال ابن وهب : لا يكبر إلاَّ واحدة . قال ابن القاسم ، عن مالك ، في (المجموعة) : إن وجده في التشهد ، فأَحَبُّ إِلَيَّ أن يحرم معه ، ثم يأتي بالصلاة على سنتها إذا سلم ا?مام ، يكبر سبعًا و خمسًا . و قال ابن القاسم : يحسب تكبيرة إحرامه ، فإذا قام كبر بقية السبع الأولى . و قال أشهب : يحسب إحرامه ، و ما ذلك عليه بواجب ، ولكنه أَحَبُّ إِلَيَّ أن يقطع ، و يتم صلاته . قال ابن القاسم و علي ، عن مالك : و من جاءوا ?مام يخطب ، فليجلس ، و لا يصلي . قال عنه علي : ولم يبلغني أن أحدًا صَلَّى بعد انصراف ا?مام ، فمن فعل فليكبر سبعا و خمسا . قال ، في (المختصر) : و من فاتته ، فلا بَأْسَ أَنْ يصليها في المصلى أو في غيره ، فإن صلى في المصلي فليصبر إلى فراغ الخطبة .
***(2/1)
[1/504]
قال عبد الملك : و من نسى فيها تكبيرة ا?حرام ، أو شك فيها و قد كبر غيرها ، فذكر بعد الرفع من الركعة ، فليتماد رجاء أن تجزئه ، فإذا سلم ، فإن شاء أعاد أو ترك . قال ابن المواز : و قال أشهب : و إذا كبر ا?مام في الأولى أكثر من سبع ، و في الثانية أكثر من خمس ، فلا يتبع ، و كذلك إن كبر في الجنازة خامسة ، فليسكتوا حتى يسلم فيسلموا . و قال ابن القاسم : يقطعوا في الخامسة . قال أشهب : و إن فاتته تكبيرتان ، فلا يكبر الخامسة ، وليقض بعد سلامه .
و من (المجموعة) ، قال أشهب : و من أحدث في صلاة العيدين ، فلينصرف ، و كذلك في الجنازة ، يتيمم أن لم يحضره الماء . و ينصرف للرعاف ، و يعود إلى موضع الجنازة فيتم تكبيره ، و إلى المصلي فيتم صلاة العيد و إن كان ا?مام يخطب ، فإن أتمها في بيته ، فلا حرج . و إن رعف قبل يحرم للجنازة ، وقبل يركع في صلاة العيد ، و يخاف إن انصرف أ يفوتاه ، فليتماد ، فصلاته إياهما بالنجاسة أولى من فواتها . و إن كره ذلك ، فلينصرف ، و يعيد صلاة العيد إن شاء . و من (كتاب ابن حبيب) ، إذا صلوا في المسجد لمطر ، فروى أشهب وابن وهب ، عن مالك ، أنه لا بَأْسَ بالتنفل فيه بعدها ، و لا يتنفل قبلها . و قاله أصبغ . و به أقول . وَ رَوَى عنه ابن القاسم ، أن له أن يتنفل في المسجد قبلها و بعدها . قال : وله أن يتنفل في بيته قبلها و بعدها . و قال قوم : هي سبحة ذلك اليوم ، فليقتصر عليها إلى الزوال . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و هو أَحَبُّ إِلَيَّ . و استحب في موضع آخر نحو رواية ابن وهب عن مالك .
ذكر الخطبة في العيدين وسنتها
من (المجموعة) ، قال أشهب : وخرج المنبر في العيدين واسع ؛ أُخْرِجَ أو
***(2/2)
[1/505]
تُرِكَ . قال مالك ، من (كتاب ابن حبيب) : لا يخرجه ، من شأنه أن يخطب إلى جانبه .
و من (المجموعة) ، أشهب ، عن مالك : و ليكبر ا?مام إذا رقي المنبر في خطبته الثانية ، و ليس لذلك حد ، و ينصت له فيها ، و في الاستسقاء . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وليجلس أول خطبته ، ثم يفتتحها بسبع تكبيرات ، و يجلس بين الخطبتين ، و يكبر الناس كلما كبر . وكان مالك يقول : يفتتح بالتكبير ، و يكبر بين أضعافها . ولم يحده . و ما ذكرناه مروي عن عبيد ا? بن عبد ا? بن عتبة بن مسعود . و قال به مُطَرِّف ، وابن الماجشون ، وابن عبد الحكم ، و أصبغ . وَ رَوَى عن أبي هريرة أنه يفتتح الأولى بخمس عشرة تكبيرة . و الأول أَحَبُّ إِلَيَّ . و أَحَبُّ إِلَيَّ إن كان الفطر أن يذكر في خطبته الفطرة وسنتها ، و يحض الناس على الصدقة ، و إن كان أضحى ذكر الأضحية وسنتها ، و أمر بالزكاة ، و علمهم فرضها وحذرهم تضييعها .
قال مالك : و إذا أحدث في الخطبة فيها أو في الاستسقاء تمادي ، لأنها بعد الصلاة ، و لا ينصرف أَيْضًا غيره بحدث و هو يخطب .
و من (المجموعة) ، ابن نافع ، عن مالك : و يكبر مع ا?مام كلما كبر في خطبته ، ولينصت له و يستقبل ، و ليس من تكلم في ذلك كمن تكلم في خطبة الجمعة . و كذلك في رواية علي وابن وهب و أشهب . قال عنه ابن القاسم : و لا ينصرف قبل الخطبة أحد إلاَّ من ضرورة وعذر و كذلك من شهدها ممن ليست عليه ؛ من عبد وصبي وامرأة . قال أشهب : و إن بدأ بالخطبة ، أعادها بعد الصلاة ، فإن لم يفعل ، فقد أساء وتجزئه . و قد تقدم هذا .
***(2/3)
[1/506]
في التكبير . أيام التشريق دبر الصلوات ، وهل
يكبر دبر الصلوات في غيرها بأرض العدو أو
غيرها
من (الواضحة) ، و ينبغي لأهل مني ؛ ا?مام وغيره ، أن يكبروا أول النهار ، ثم إذا ارتفع ، ثم إذا زالت الشمس ، ثم العشي . و كذلك فعل عمر . و أما أهل الآفاق وغيرهم ، ففي خروجهم إلى المصلى ، ثم في دبر الصلوات ، و يكبر في خلال ذلك و لا يجهرون ، والحاج يجهرون به في كل الساعات إلى الزوال من اليوم الرابع ، فيرمون ، ثم ينصرفون بالتكبير و التهليل حتى يصلوا الظهر والعصر بالمحصب ، ثم ينقطع التكبير . و من (المجموعة) ، روى علي ، عن مالك ، في التكبير دبر الصلوات : ا?أكبر ا? أكبر ا? أكبر . و في موضع آخر من روايته ، ونحن نستحسن ثلاثا ، فمن زاد أو نقص ، فلا حرج . وَ رَوَى ابن القاسم و أشهب ، أنه لم يحد فيه ثلاثا . و في (المختصر) ، عن مالك : ا? أكبر ا? أكبر ، لا إله إلاَّ ا? ، و ا? أكبر ا? أكبر ، و ? الحمد . و قاله أشهب . و في موضع آخر ، أنه رواه عن مالك .
ويكبر بإثر الفرائض النساء و العبيد و الصبيان . قال عبد الملك ، فأما بأثر النوافل فلا ، و لا في الأسواق والمساجد في ليل و لا نهار . قال أشهب : و لا يكبرهما من يسجد للسهو بعد السلام ، إلاَّ بعد سجوده وسلامه ، و كذلك من يقضي ما فاته ، فبعد قضائه . و من (كتاب ابن سحنون) : و من قضي صلاة من أيام التشريق بعد زوالها ، فلا تكبير عليه .
و من (العتبية) ، قال ابن القاسم ، عن مالك : و التكبير خلف
***(2/4)
[1/507]
الصلوات _ يريد الخمس _ في أرض العدو . محدث أحدثه المسودة ، و كذلك دبر المغرب والصبح في بعض البلدان .
قال عنه أشهب : و التكبير في الفطر من حين يغدو إلى أن يرقي ا?مام المنبر . قال عنه ابن عبد الحكم : و يكبر تكبيرة في الخطبة . و قد تقدم هذا .
و من (المختصر) ، و من نسي التكبيرة بعد الصلاة أيام التشريق ، فليكبر مادام في مجلسه ، فإذا قام منه ، فلا شيء عليه و يكبر الناس دبر الصلوات .
قال محمد ابن سحنون : اختلف في التكبير أيام التشريق ، فروى عن ابن عمر أنه كان يكبر في صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الصبح من اليوم الرابع .
وبه قال الحسن ، و أبو بكر بن عبد الرحمن ، و ابن حزم ، و عطاء بن أبي رباح ، و يحيى بن سعيد ، و ربيعة ، و مالك ، و عبد العزيز . وَ رَوَى عن زيد بن ثابت ، أنه يبدأ من الظهر من يوم النحر ، فيكبر إلى صلاة العصر من اليوم الرابع . و اختلف عن ابن عباس ، فقيل : أنه يكبر من صلاة الظهر من يوم النحر . وقيل : من الصبح من يوم النحر إلى صلاة الظهر من اليوم الرابع . وَ رَوَى عنه ، وعن عمر بن الخطاب ، و علي بن أبي طالب ، أنهم كانوا يكبرون من صلاة الصبح من يوم عرفة إلى صلاة العصر من اليوم الرابع . وعن ابن مسعود : من صلاة الصبح من يوم عرفة ، إلى صلاة العصر من يوم النحر . قال محمد بن
***(2/5)
[1/508]
الجهم : ليس في ذلك حديث للنبي صلى الله عليه و سلم يعتمد عليه ، و وجدنا ا? سبحانه يقول : {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ} (البقرة : 200) . فكان قضاء النسك الذي يخرج به من الحج طواف ا?فاضة يوم النحر ، فأول صلاة ترد بعد ذلك صلاة الظهر . و كذلك روى عن ابن عمر . وَ رَوَى عن ابن عباس ، أنه كان يبدأ من صلاة الظهر من يوم النحر . و قاله سعيد بن جبير ، و الحسن ، و عمر بن عبد العزيز . و أما من بدأ من صلاة الفجر يوم عرفه ، فلا دليل له من كتاب و لا سنة و لا قياس . و أجمعوا أن التكبير في صلاة الظهر من يوم النحر واجب ، فلا نزول عن ذلك حتى يأتي دليل يمنعه . فإن قيل : فلم قلتم : يكبر أيام التشريق ؟ قلت : لقول ا? تعالى : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (البقرة : 203) . فإن قال : فلم قطعت في اليوم الرابع ، فكبرت في الصبح و قطعت ، ولم تقطع في العصر ؟ قلت : لأن الناس بمنى آخر صلاتهم بها صلاة الصبح ، فإذا زالت الشمس رموا و نفروا ، ودليل آخر أَيْضًا ، أنه عمل أهل المدينة ، الذي هو أثبت الروايات . و قال مالك : إنه الأمر المجمع عليه عندنا . وهذا أقوى شيء . و قال بكير : سألت أبا بكر بن حزم وغيره ، فكلهم قال ذلك . و قال يحيى بن سعيد ، و ابن أبي سلمة : و أما من قال يقطع يوم النحر . فمتفق في كل النواحي على أن لا يعمل به . فإن قيل : روى عن ابن مسعود . قيل له : فهلا قلت بما روى عن علي ، فهو أتم ، و قد روينا عن ابن مسعود بخلاف ما ذكرت عنه : حديثا موسى بن هارون ، قال : حدثنا أبو
***(2/6)
[1/509]
بكر - يعني ابن أبي شيبة - قال: حدثنا وكيع ، عن حسن ، عن أبي إسحاق ، عن [أبي]
الأحوص ، عن عبد ا? ، أنه كان يكبر أيام التشريق : ا? أكبر ، ا? أكبر ، إلى آخره . فهذا أولى من الشاذ من الروايات .
في التحية بالدعاء في العيدين
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : روى مُطَرِّف ، و ابن كنانة ، عن مالك ، أنه سئل عن قول الرجل لأخيه في العيدين : تقبل ا? منا و منك ، وغفر لنا ولك . فقال ما أعرفه و لا أنكره . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لم يعرفه سنة ، ولم ينكره ؛ لأنه قول حسن ، ورأيت من أدركت من أصحاب لا يبدأون به ، و لا ينكرونه عَلَى مَنْ قاله لهم ، و يردون عليه مثله ، ولا بَأْسَ عندي أن يبتدئ به . وَ رَوَى غير ابن حبيب ، أن واثلة بن الأسقع رد مثله عَلَى مَنْ قال له ، و أن مكحولاً كرهه . وَ رَوَى عن عبادة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، أنه فعل اليهود .
ما جاء في صلاة الخسوف
و من ( المختصر) ، قال مالك : صلاة الخسوف سنة ، فإذا خسفت الشمس ، خرج ا?مام إلى المسجد ، وخرج الناس معه ، فيدخل المسجد بغير أذان و لا إقامة ، ثم يكبر تكبيرة واحدة ، ثم يقرأ سرا بأم القرآن ، ثم يقرأ بعدها قراءة طويلة بنحو سورة البقرة ، ثم يركع طويلا نحو قراءته ، ثم يرفع فيقول : سمع ا?
***(2/7)
[1/510]
لمن حمده . ثم يقرأ بأم القرآن ، ثم يقرأ قراءة طويلة نحو سورة آل عمران ، ثم يركع نحو قراءته ، ثم يرفع فيقول : سمع ا? لمن حمده . ثم يسجد سجدتين تامتين لا تطويل فيهما ، ثم يقوم فيقرأ ، و يفعل كفعله في الأولى ، إلاَّ أن القراءة دون ما قبلها ، يقرأ أولا بنحو سورة النساء ، وبع رفع رأسه بنحو سورة المائدة ، مع أم القرآن قبل كل سورة ، ثم يسجد ، و يتشهد ، و يسلم ، و يستقبل الناس ، فيذكرهم و يخوفهم ، و يأمرهم إذا رأوا ذلك أن يدعوا ا? ، ويكبروا ، و ينصرفوا ، و لا يصلي في غير حين الصلاة ، فإن خسفت ، فإنما فيه الدعاء ، و لا قيام عليهم ، و لا استقبال القبلة ، و لو صنعه أحد لم أر به بأسا . و يصليها أهل البدو والحضر ، و من في السفر يصلي بهم رجل منهم . و يصليها رجل وحده . و من فاتته مع ا?مام ، فليس عليه أن يصليها ، فإن فعل ما دامت الشمس منكسفة ، فلا بَأْسَ .
و من (العتبية) ، أشهب ، عن مالك ، و إذا رفع رأسه من الركعة الأولى في خسوف الشمس ، افتتح بأم القرآن .
و من (كتاب) ابن حبيب ، وهي سنة عن الرجال ، والنساء ، و من عقل الصلاة من الصبيان ، والمسافرين ، والعبيد .
و للإمام إن شاء أن يصليها في المسجد تحت سقفه ، أو في صحنه ، و إن شاء خارجا في البراز . قاله أصبغ .
و أحب للإمام إذا سلم منها ، أن يحول وجهه إلى الناس ، فيذكرهم ، و يخوفهم ، و يأمرهم بالعتق والصدقة وذكر ا? و التقرب إليه .
***(2/8)
[1/511]
و وقتها من حين تخسف الشمس إلى أن تحرم الصلاة بعد العصر . قاله مُطَرِّف وابن الماجشون وابن عبد الحكم و أصبغ ، ولم يروا قول ابن القاسم إلى الزوال . و لا يصلي في طلوع الشمس قبل أن تبرز وتحل الصلاة ، وَ لَكِن يقف الناس يدعون ، و يذكرون ا? ، فإن تمادت صلوها ، و أن انجلت حمدوا ا? ولم يصلوها .
و من (العتبية) ، أشهب ، عن مالك ، و إذا صلاها أهل البادية فلا بَأْسَ أَنْ يومها أحدهم .
و من (المجموعة) ، روى ابن وهب ، عن مالك ، أنها تصلى في وقت صلاة ، و إن كان بعد الزوال . وَ رَوَى ابن القاسم ، لا تصلى بعد الزوال . وَ رَوَى عنه علي ، لا تصلى بعد العصر وَ لَكِن يجمع الناس ، فيدعون و يكبرون و يرغبون .
و من هي عليه فلم يصلها ، فلا يقضيها . قال أشهب : و من لم يقدر أن يصليها مع ا?مام من النساء والضعفاء ، فلهم أن يصلوها فرادي وبإمام ، و مع الناس أَحَبُّ إليَّ لمن قدر .
قال عنه علي : و يفزع الناس في خسوف القمر إلى الجامع ، فيصلون أفذاذًا ، و يكبرون . و يدعون . قال أشهب : يفزع إلى الصلاة ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم . والنافلة ركعتان . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال ابن العباس : خسف القمر بعهد
***(2/9)
[1/512]
النبي صلى الله عليه و سلم ، فلم يجمعنا إلى الصلاة معه ، كما فعل في خسوف الشمس ، فرأيته صلى ركعتين فأطالهما ، و ما رأيته صَلَّى نافلة فطولها ، ثم انصرف . و من أصل (كتاب عبد العزيز ابن أبي سلمة) ، وذكر صلاة خسوف الشمس ، و أن النبى صلى الله عليه و سلم جمع الناس فيها ، ولم يبلغنا أنه جمعهم لخسوف القمر . قال : فنحن إذا كنا فرادى في خسوف القمر صلينا هذه الصلاة ؛ لقول النبي صلى الله عليه و سلم : «فأفزعوا إلى الصَّلاَة» .
قال أشهب ، في (المجموعة) : والصلاة أيضًا حسنة في غير ذلك ، من ريح شديد ، أو ظلمة ، فرادى أو جماعة ، إذا لم يجمعهم ا?مام ، و يحملهم عليه ، وَ لَكِن يجتمع النفر يومهم أحدهم ، و يدعون و يومر في مثل هذا الأفزاع بالصلاة ، وَ رَوَى نحو ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم .
ما جاء في صلاة الاستسقاء
قال مالك ، في (المختصر) : وصلاة الاستسقاء سنة ، فإذا خرج ا?مام إليها ، خرج من منزله ماشيا ، متواضعا غير مظهر لفخر و لا زينة ، راجيا لما عند ا? عز و جل ، و لا يكبر في ممشاه حتى يأتي مصلاه ، فيقدم بالناس بلا أذان و لا إقامة ، فيكبر تكبيرة واحدة ، ثم يقرأ بأم القرآن وسورة جهرا ، ثم يركع و يسجد ، ثم يصلي ركعة اخرى كذلك ، و يتشهد و يسلم ، و يستقبل الناس للخطبة ، يبدأ فيجلس ، فإذا اطمأن الناس قام متوكئا على عصا أو قوس ، فإذا فرغ من خطبته
***(2/10)
[1/513]
الأولى جلس ، ثم قام فخطب ، فإذا فرغ من خطبته استقبل القبلة فحول رداءه ما على ظهره منه يلي السماء ، و ما كان يلي السماء يجعله يلي ظهره ، ثم يستسقى ا? عز وجل ، و يدعو ، و يفعل الناس كفعله ، و هو قائم ، وهم قعود ، ثم ينزل و ينصرف ، و ليس على الناس صيام قبل الاستسقاء ، {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} (البقرة : 184) . قال محمد بن عبد الحكم : و قال الليث : يحول ا?مام رداءه ، و لا يحول الناس أرديتهم .
و من (كتاب ابن حبيب) : و من سنتها أن يخرج الناس مشاة في بذلهم ، و لا يلبسون ثياب الجمعة ، بسكينة و وقار ، متواضعين متخشعين ، متضرعين وجلين ، إلى مصلاهم ، فإذا ارتفعت الشمس ، خرج ا?مام ماشيا متواضعا في بذلته ، متوكئا على عصا أو غير متوكئ ، حتى يأتى المصلى ، فيصلى ركعتين ، يجهر فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المفصل في كل ركعة ، ثم يقوم فيجلس في مقام خطبته مستقبلا للناس جلسة خفيفة ، ثم يقوم متوكئا على عصا فيخطب خطبتين يجلس بينهما ، فيأمر بطاعة ا? سبحانه ، و يحذر عن معصيته و من بأسه ونقمته ، و يحض على الصدقة و الاجتهاد في الدعاء أن يرفع عنهم المحل ، حتى إذا لم يبق من الخطبة الآخرة غير الدعاء و الاستغفار ، استقبل القبلة ، ثم حول رداءه مكانه قائمًا ما على الأيمن على الأيسر ، و ما على الأيسر على الأيمن ، و يحول الناس جلوسا ، ثم يرفع يديه ، ظهورهما إلى السماء تلقاء وجهه و يدعو ، و يفعل الناس مثله جلوا و يبتهلون بالدعاء ، و أكثر ذلك الاستغفار حتى يطول ذلك ، و يرتفع النهار ، ثم إن شاء ا?مام انصرف على ذلك ، و إن شاء تحول إليهم فكلمهم بكلمات ، ورغبهم في الصدقة و التقرب إلى ا? سبحانه ، ثم ينكفي منصرفا . وهذا الذي استحب أصبغ ، و هو أَحَبُّ إليَّ . وكان مالك يرى رفع اليدين في الاستسقاء للناس و للإمام و بطونهما إلى الأرض . وذلك العمل عند
***(2/11)
[1/514]
الاستكانة والخوف و التضرع ، و هو الرهب ، فأما عند الرغبة و المسألة ، فبسط الأيدي ، و هو الرغب ، و هو معنى قول تعالى : {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (الأنبياء : 90) و {خَوْفًا وَطَمَعًا} (السجدة : 16) .
وَ رَوَى أنه عليه الصلاة والسلام رفع يديه في الاستسقاء . و فعله عمر .
و من (المجموعة) روى علي ، عن مالك ، أنه استحسن رفع الأيدي في الاستسقاء . قال عنه ابن القاسم : إذا فرغ الخطبة ، استقبل القبلة ، فحول رداءه ما على الأيمن على الأيسر ، و ما على الأيسر على الأيمن ، و لا يقلبه فيجعل الأعلى الأسفل و الأسفل الأعلى . و قال عنه علي : يحول رداءه بين ظهران خطبته .
و قال ابن الماجشون : بعد صدر منها ، ثم يحول رداءه من ورائه ، يأخذ ما على عاتقه الأيسر فيخلعه ، و يمر به من ورائه ، فيضعه على منكبه الأيمن ، و يجعل ما على الأيمن على الأيسر ، و يبدأ بيمينه في العمل . و قد ذكرنا قوله في (المختصر) .
قال ابن الماجشون : و يرفع يديه و يدعو ، و ليس على النساء تحويل أرديتهن ، و لا يتكشفن ، ثم يحول إليهم وجهه ، فيتم خطبته ، و يحض على الخير ، و يكثر الاستغفار .
***(2/12)
[1/515]
يستنزل به ا?جابة ، و كذلك ذكر ا? سبحانه ، عن من رضى من أنبيائه ، وليومروا قبل ذلك بما يرقهم ، و يدخل عليهم سبب خشوع ، و أن يصوموا اليوم واليومين والثلاثة . وهذا قول مالك ، و أبي المغيرة ، و من حضرنا استسقاء من ولاتنا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وليأمرهم ا?مام أن يصبحوا صيامًا ، و قد فعله عمر ، و لو أمرهم بالصادقة وصيام ثلاثة أيام كان أَحَبُّ إِلَيَّ . و قد فعله موسى بن نصير بإفريقية ، وخرج بالناس ، فجعل الصبيان على حدة ، و النساء على حدة ، وا?بل والبقر على حدة ، و أهل الذمة على حدة ، وصلى وخطب ، ولم يدع في الخطبة لأمير المؤمنين ، فقيل له في ذلك ، فقال : ليس هو يوم ذلك . و دعا ، و دعا الناس إلى نصف النهار . و استحسن ذلك بعض علماء المدينة ، و قال : أراد استجلاب رقة القلوب بما فعل . و من (موطا ابن وهب) ، أن النبي صلى الله عليه و سلم حين استسقى نظر إلى السماء ، و رفع يديه حذو وجهه ، و حول رداءه ، و استغفر ا? و استسقاه . و في حديث مالك ، أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول : «اللهم اسق عبادك و بهيمتك ، و انشر رحمتك ، و أحيي بلدك الميت» . كان يردد هولاء الكلمات في دعائه .
قال ابن وهب : و لا بَأْسَ إن استسقى أياما متوالية . و لا بَأْسَ أَنْ يستسقى في إبطاء النيل . قال أصبغ : قد فعل ذلك عندنا بمصر خمسة وعشرون يوما متوالية
***(2/13)
[1/516]
يستسقون على سنة صلاة الاستسقاء ، وحضر ذلك ابن القاسم ، وابن وهب ، ورجال صالحون ، ينكرون .
و من (العتبية) ، قال أشهب ، عن مالك : و لا بَأْسَ بالاستسقاء بعد المغرب والصبح و قد فعل عندنا ، و ما هو بالأمر القديم . قيل : إن أهل برقة إذا كان مطرهم وزرعوا وسال أوديتهم بما يشربون ، فأتاهم مطر ، فزرعوا عليه ولم يسل واديهم بما يشربون ، أيستسقون ؟ قال : نعم . قيل له : إنه قيل : إنما الاستسقاء إذا لم يكن مطر ، و أنتم قد مطرتم ما زرعتم عليه زرعا كثيرا . فقال : ما قالوا شيئا ، و لا بَأْسَ بذلك .
قال و لا يكبر في الاستسقاء إلاَّ في ا?حرام . و من (المجموعة) قال أشهب : و وسع أن يخرج فيها بالمنبر أولا يخرج . و من (المجموعة) قال ابن الماجشون : و ليس في الغدو إليها جهر بتكبير و لا استغفار إلاَّ في الخطبة ، فإنه يستغفر فيها ، و يصل به كلامه ، و يأمرهم به .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يمنع اليهود والنصارى من الاستسقاء ، و التطوف بصلبهم ، وشركهم إذا برزوا بذلك ، و ينحوا به عن الجماعة ، و يمنعوا من إظهار الزنى وشرب الخمر .
وكره ابن وهب التنفل قبل صلاة الاستسقاء وبعدها . وبه أقول . و أجازه ابن القاسم . و من (المجموعة) ، روى علي ، عن مالك ، أنه لا بَأْسَ بالتنفل قبلها وبعدها .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مالك : و من فاتته ، فإن شاء صلاها ، و إن شاء ترك .
***(2/14)
[1/517]
في سجود القرآن ، وسجود الشكر
قال مالك : أجمع الناس على أن عزائم سجود القرآن إحدى عشرة سجدة ، ليس في المفصل منها شيء . يقول : أجمعوا عليه . قال غيره : قال أكثر : أهل العلم : إنها عزائم . و قال بعضهم : العزائم أكثر منها و أما في المفصل فلا يسجد فيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يسجد في {وَالنَّجْم} بعد ما قدم المدينة . و قال ابن عباس : السجود في القرآن إحدى عشرة سجدة ، و ليس في المفصل سجود . و قال ابن عمر . و هو قول ابن المسيب ، و الحسن ، و عكرمة ، و مجاهد ، و سعيد بن جبير ، و طاوس ، و عطاء .
و من (كتاب ابن حبيب) ، قال : وقيل العزائم إحدى عشرة . وقيل : أربع عشرة . و أرى أن يسجد في خمسة عشرة سجدة ؛ سجداتان منها في الحج ، وسجدة في {وَالنَّجْم} ، وسجدة في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، وسجدة في {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} كما جاء في الحديث .
قال محمد بن عبد الحكم : وذهب ابن وهب إن يسجد في خمس عشرة سجدة .
***(2/15)
[1/518]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يسجد في الأعراف في آخرها ، و في الرعد : {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} (الرعد : 15) . و في النحل : {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (النحل : 50) . و في سبحان : {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (الإسراء : 109) . و في مريم : {سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (مريم : 58) . و في الحج ، السجدة الأولى : {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} (الحج : 18) ، و الثانية : {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج : 77) . و في الفرقان : {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان : 60) . و في النمل : {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } (النمل : 26) . و في الم تنزيل : {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة : 15) . و في ص : {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ} (ص : 24 ، 25) . و قال غيره : السجدة في قوله : { وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} (ص : 24) . و كذلك في (مختصر الوقار) .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : في حم تنزيل : {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (فصلت : 37) . قاله علي ، وابن مسعود ، و في قول ابن عباس : {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } (فصلت : 38) . وكل واسع ، و الأول أحب إلينا ، وبه قال مالك ، والليث ، ونافع القارئ . و في النجم ، في خاتمتها ، و كذلك : {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (الانشقاق : 1) . و : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (العلق : 1) . و من قرأ سورة في آخرها سجدة ، فسجد ، ثم قام ، فإن شاء ركع ، و إن شاء قرأ من الأخرى شيئا ثم ركع .
***(2/16)
[1/519]
و إذا مر المعلم والمتعلم المحتلم بسجدة ، فقال ابن القاسم : يسجدان اول مرة ، ثم لا يسجدان . و قال ابن عبد الحكم و أصبغ : ليس ذلك عليهما أولاً و لا آخرًا . و قال ابن نافع ، عن مالك في (المجموعة) مثل قول ابن القاسم . وَ رَوَى ابن القاسم ، وابن وهب عن مالك ، في الغلام اليفاع يعرضه أبوه ، فيمر بالسجدة ، فليس عليه أن يسجدها إذا كان على وجه التعليم ، و كذلك المعلم ، وهذا يكثر عليه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إذا جاوزها القارئ بشيء يسير فليسجدها ، و يقرأ من حيث انتهى . و إن كان كثيرا رجع إلى السجدة فقرأها وسجدها ، ثم رجع إلى حيث انتهى من القراءة ، و إذا لم يسجدها قارئها ، فلا يسجد من جلس إليه و قال مُطَرِّف ، . وابن الماجشون ، وابن عبد الحكم ، و أصبغ ، و أعاب قول ابن القاسم في ذلك .
قال مُطَرِّف ، وابن الماجشون : و لا يرخص في سجودها بعد العصر و إن لم تتغير الشمس ، و يسجد بعد الصبح ما لم تسفر ، كما يركع حينئذ الطائف و لا يركع بعد العصر . وهذا خلاف قول ابن القاسم . وروايته .
قال : و يسجدها الماشي إذا قرأها ، و ينزل لها الراكب إلاَّ في سفر ا?قصار ، فليسجد على دابته إيماء .
قال ابن المواز : قال أشهب : و لا يقرأ ا?مام في الخطبة يوم الجمعة سجدة ، فإن فعل فلينزل . فيسجدها و يسجد الناس معه ، فإن لم يفعل فليسجدوا ، ولهم في الترك سعة ؛ لأنهم إمامهم ، و ينبغي أن يعيد قراءتها إذا صلى و يسجد . و من (المجموعة) ، روى علي ، عن مالك ، أنه لا ينزل و لا يسجدها ؛ فإن العمل على آخر فعل عمر . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يقرأ ا?مام السجدة فيما يسر فيه . و من (العتبية) ،
***(2/17)
[1/520]
روى أشهب ، عن مالك ، أنه كره للإمام قراءة سورة فيها سجدة ، إلاَّ أن يكون من خلفه قليل لايخاف أن يخلط عليهم . وَ رَوَى عنه ابن وهب ، في موضع آخر : و لا بَأْسَ أَنْ يقرأ ا?مام باسجدة في الفريضة .
قال عنه ابن القاسم : و أكره أن يجلس الرجل للقوم يقرأ لهم ، فإذا قرأ سجد وسجدوا ، و لا يجلس إليه .
قال عيسى ، عن ابن القاسم : و من قرأ سجدة ، فركع بها ، فإن تعمد ذلك ، أجزأته الركعة في الفريضة والنافلة مع كراهتي لذلك ، وليقرأها في الثانية و يسجد ، و إن كان ذلك سهوا ، فذكر و هو راكع ، فليخر ساجدا ، و يقوم و يبتدي القراءة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يسجد بعد السلام إذا كان أطال الركوع . يريد : اطمأن في ركوعه . وا? أعلم . قال ابن القاسم : و إن لم يذكر حتى أتم الركعة ، ألغاها .
وَ رَوَى أشهب ، عن مالك ، أنها تجزئه ركعه و إن ركعها ساهيا عن السجدة . و كذلك روى علي ، عن مالك ، في (المجموعة) ، قال : و يقرأ السجدة فيها بقى من صلاته ، و يسجد بعد السلام . و قال مثل المغيرة ، إلاَّ في سجود السهو ، فلم يره . و قال : إن ذكر و هو راكع ، مضى ركعته ، وترك السجدة ، و لا سهو عليه .
قال أبو محمد : ينبغي أن يكون معنى قوله : (ركع ساهيا) . أي يسهو عن السجدة ، وقصد إلى الركعة قياما و يؤخر للسجود ، فلما انحنى صلبه على ذلك نسى السجدة ، فيبقى راكعا ؛ فلهذا لا تجزئه الركعة ، لأنه نوى بانحطاطه السجود الذي ليس بفريضة ، و لا يجزئه غير فرضه ـ وا? أعلم ـ إلاَّ على قول من يرى أنه إذا ظن أنه في النافلة ، فصلى ركعة ، ثم يذكر أنه في فريضة ، فإنها تجزئه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَ رَوَى جميع أصحاب مالك أنها تجزئه ، إلاَّ ابن القاسم .
***(2/18)
[1/521]
قال : و إذا قرأها في الأولى فلم يسجد ، فليقرأها في الثانية و إن كانت فريضة ، و يسجد . واختلف قول ابن القاسم في الفريضة . و إذا كانت آخر الصلاة فهو في سعة أن يقرأها بعد فراغه و يسجد ، أو لا يقرأها . و كذلك لو كان في النافلة فخرج إلى أخرى .
و من (المجموعة) ، قال علي ، وابن نافع ، عن مالك : و إن سجد السجدة ، ثم سجد معها ثانية سهوا ، فليسجد بعد السلام .
قال عنه علي : و لو سجد في أية قبلها يظن أنها السجدة ، فليقرأ السجدة في باقي صلاته ، و يسجد بعد السلام .
و من (المجموعة) ، قال علي ، عن مالك ، في الجالس يسجد إيماءا ، بأثر صلاة ، أو عند دعاء أو رقه يجدها . قال : ما أحبه ، ولم أر أحدا من العلماء فعله .
و من (العتبية) ، روى أشهب ، عن مالك ، فِي مَنْ بلغه شيء يحبه ، فسجد شكرا ? . قال : لا ليس من أمر الناس . و أنكر ما روى فيه عن أبي بكر في فتح اليمامة ، و قال : فتح ا? سبحانه على النبي صلى الله عليه و سلم ، فما سمعت أن هذا فعل ، إذا كان أمر بين ، لا يأتيك أنهم فعلوه ، فدغه . قال عنه ابن القاسم ، في (المجموعة) : و قد فعله بعض أمراء بني أمية ، ولم يكن معه فقه .
في قيام رمضان ، في صلاة الليل ، وذكر
الاستعاذة ، وقنوت الوتر
من( كتاب ابن حبيب) ، قال : ورغب النبي صلى الله عليه و سلم في قيام رمضان من غير أن
***(2/19)
[1/522]
يأمر بعزيمة ، فقام الناس وحدانا ، منهم في بيته ، و منهم في المسجد ، فمات عليه الصلاة والسلام على ذلك ، و في أيام أبي بكر وصدر من خلافة عمر ، ثم رأى عمر أن يجمعهم على إمام ، فأمر أبيًّا ، و تميمًا الداري ، أن يصليا بهم إحدى عشرة ركعة بالوتر ، وكانوا يقرأون بالمائتين ، فيثقل عليهم ، فخفف في القيام وزيد في الركوع . وكانوا يقومون بثلاثة وعشرون ركعة بالوتر ، وكان يقرأ بالبقرة تم ثمان ركعات ، وربما قرأها في اثنى عشرة ركعة . وقيل : كان يقرأ من ثلاثين آية إلى عشرين ، إلى يوم الحرة ، فثقل عليهم طول القيام ، فنقصوا من القراءة وزيد في الركوع ، فجعل ستة وثلاثين ركعة والوتر بثلاث ، فمضى الأمر على ذلك .
***(2/20)
[1/523]
قال : و أمر عمر بن عبد العزيز في أيامه أن يقرأ في كل ركعة بعشرة آيات . وكره مالك أن ينقص من ذلك ، أو يمد القرأءة ، أو يطرب تطريبا فاحشا . قال : و إذا أمهم من لا يحفظ إلاَّ المفصل يردد ، فهو أَحَبُّ إليَّ ممن يومهم في الصحف ليختم ، فإما إن لم يحفظ إلاَّ مثل سور المغرب ونحوها ، فليومهم نظرا . ؟ قال : و لا بَأْسَ أَنْ يحزن القارئ قراءته من غير تطريب و لا ترجيع يشبه الغناء ، أوتحزينا فاحشا يشبه النوح ، أو يميت به حروفه ، و أما المرتل فيه يستحسن من ذي الصوت الحسن .
و لا بَأْسَ أَنْ يصلى من حول المسجد في دورهم بصلاة ا?مام ، إذا سمعوا التكبير . و لا بَأْسَ أَنْ يسمع الناس رجل بتكبير ا?مام ، وصلاتهم جائزة ، و لا يفعله في الفرائض .
و من (العتبية) ، قال ابن القاسم ، عن مالك : قد جاء في صلاة الليل إحى عشرة ركعة ، وثلاث عشرة ركعة ، و أكثر ذلك أَحَبُّ إليَّ وكره لمن بقي عليه حزبه أن يقرأه في مسيره إلى صلاة الصبح ، و قال يقرأ في السوق ، بل في الصلاة ، و في المسجد .
وَ رَوَى عنه أشهب ، قال : و لا بَأْسَ بالصلاة خلف من يصلي القيام بالناس بإجارة ، إن كان بأس فعليه . قال وكره أن يجهر القارئ في قيام رمضان بالاستعاذة ، وليستعذ في نفسه إن شاء ، وتركه أحب الى . فقيل : يقول : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم ، {وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} (المؤمنون : 98) ، أن ا? هو السميع العليم . فكرهه . قيل : أيستعيذ من الشيطان ؟ قال : لا ، ولكنه أيسر . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لم ير مالك بأس بالاستعاذة في رمضان جهرا ، وذلك
***(2/21)
[1/524]
في أول افتتاح القارئ . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و أحب إلى أن يفتتح بالاستعاذة في كل ركعة ، وعن أول السورة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من دخل والناس في القيام ، ولم يصل العشاء ، فإن شاء صلاها في المسجد والناس في قيامهم فإذا فرغ دخل معهم ، و إن شاء دخل معهم من أول و أخرها لإلى انصرافهم فيما بين ثلث الليل ونصفه . و قال ابن وهب وابن نافع ، عن مالك ، في(المجموعة) : فليصليها لنفسه وهم في قيامهم ، و لا يركع ، بركوعهم . قال عنه ابن القاسم : وليصلها وسط الناس . و قال في موضع آخر : يصلي في مؤخر المسجد . قال عنه ابن نافع ، فِي مَنْ أحرم بتنفل بين ألاشفاع ، ثم قام الناس للصلاة : فيتم ركعته معهم . قال عنه ابن القاسم ، في (العتبية) : (و من أدرك الركعة الآخرة من الركعتين الأوليين من الترويحة ، فلا يسلم مع ا?مام ، وليصحبه في الثالثةـ يريد : و هو يصلي لنفسه ـ قال : فإذا قام ا?مامجلس هو فتشهد وسلم ، ثم دخل معه ، وقضى ركعة) ، وَ رَوَى أشهب مثله عن مالك ، و قال : و يتوخى أن يوافق ركوعه ركوعهم . وحكى ابن حبيب ، أن ابن القاسم قال : يدخل معهم في التي قاموا اليها ، و يتبعهم فيها . و أعاب ذلك ، و قال : إنما يتوخى أ ، يوافق ركوعه ، و لا يتبعهم . و أظن ابن حبيب إنما تأول على ابن القاسم ما ذكر عنه ، و إنا أراد : نصحبهم بصلاته ، و كذلك روايته عن مالك .
و من (العتيبة) ، روى أبو زيد ، عن ابن القاسم ، فِي مَنْ نسي السلام في قيام
***(2/22)
[1/525]
رمضان حتى دخل في ثالثة مع ا?مام ، فيجلس يتشهد و يسلم و يسجد بعد السلام ، ثم يدخل معهم ، و إن ذكر و هو راكع ، تمادى و سجد لسهوه . و قد خففه .
و من (المجموعة) ، قال ابن القاسم ، عن مالك ، في القنوت في الوتر : ليس من الأمر القديم و قال نحوه علي عن مالك ، و تقدم بقية القول في القنوت ، في باب الوتر .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من قام رمضان مع الناس ، و هو يريد إذا انصرف أن يركع في بيته ، فلا يوتر معهم ، وليؤخره حتى يصلى خاتمة صلاته ، و إن لم يرد ذلك ، فليوتر .
جامع القول في صلاة النوافل
من(العتبية) ، ابن القاسم عن مالك ، و في التنفل في المسجد ، قال : هو شأن الناس في النهار ، يهجرون لذلك ، وفى الليل في البيوت و هو اعلم بنيته إن صحت ، وكان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي بالليل في بيته .
قال : و من شأن الناس في قيام الليل يرفعون أصواتهم للقراءة ، و هو أحب إلى . و أكره طول السجود في النافلة في المسجد ، و أكره الشهرة . و التنفل في البيوت أحب إلى منها في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم إلاَّ للغرباء ، ففيه أحب إلى . قال : في موضع آخر : والطواف بالبيت للغرباء أَحَبُّ إليَّ من التنقل لأهل مكة أَحَبُّ إليَّ .
قال ابن القاسم عن مالك ، في (العتبية) : و من دخل المسجد الحرام فليبدأ
***(2/23)
[1/526]
بالطواف قبل الركوع و أما في مسجد النبي صلى الله عليه و سلم فليبدأ بالركوع قبل السلام على النبي صلى الله عليه و سلم . وكل ذلك واسع . قال ابن القاسم : والركوع قبل السلام على النبي صلى الله عليه و سلم أَحَبُّ إليَّ .
قال : وكره مالك لمن يحيي الليل كله . قال : ولعله يصلي الصبح مغلوبا ، و في رسول ا? صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة ، كان يصلي أدني من ثلثي الليل ونصفه . قال و إذا أصابه النوم فليرقد حتى يذهب عنه . ثم رجع فقال : لا بَأْسَ به ما لم يضر بصلاة الصبح . قال : و لا أحب لمن يغلب عليه النوم أن يصلي جل ليلته حتى تأتيه صلاة الصبح و هو ناعس ، و إن كان أنما يدركه كسل وفتور فلا بَأْسَ بذلك . قال : والصلاة أَحَبُّ إليَّ من مذاكرة الفقه . وَ رَوَى عنه في موضع آخر ، أن العناية بالعلم أفضل إذا صحت فيه النية . و يذكر عن سحنون ، أنه قال : يلزم أثقلهما عليه . قيل : و التنفل بين الظهر والعصر ؟ قال : إنما كانت صلاة القوم بالليل ، وبالهاجرة . و قال : قال ابن المسيب ، و قد رأى من تنفل بين الظهر والعصر ليست هذه العبادة ، إنما العبادة الفكر في أمر ا? والورع عن محارم ا? . و في موضع آخر ، أنه رأى عبد الملك بن مروان يصلي حينئذ . و في موضع آخر ، قال مالك : إنما كانت عبادتهم الصلاة في آخر الليل وبالهاجرة ، والورع والفكر ، و من (المجموعة) ، قال عنه ابن القاسم : كأني رأيته يكره الصلاة بين الظهر والعصر . قال : وقيل لمالك ، فِي مَنْ يريد يطول التنفل ، فيبدأ بركعتين خفيفتين ، فأنكر ذلك ، و قال : يركع كيف شاء و أما إن كان هذا شأن من يريد طول التنفل فلا . قيل لأشهب : أطول القيام أحب إليك أم كثرة السجود ؟ قال : كل حسن ، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم لبعض أصحابه و قد سأله في أمر الدين : «أعني على نفسك بكثرة السجود» . وسئل النبي صلى الله عليه و سلم : أي الصلاة أفضل ؟ قال :
***(2/24)
[1/527]
«طول القنوت» . و إنه لأَحَبُّ إليَّ كثرة القراءة ، على سعة ذلك كله . قال عنه ابن القاسم ، في الذي يتنفل بالنهار ، أيسمع نفسه ؟ قال : إن كان خاليًا لا يسمع أحدا فلا بَأْسَ بذلك . قال عنه ابن نافع : لا بَأْسَ بالجهر في النافلة بالنهار ، ولعله أقوى له . قال ابن نافع : و لا يرفع صوته جدًّا . قال عنه ابن نافع : و لا بَأْسَ أَنْ يتنفل بأم القرآن فقط .
و من (العتبية) ، من سماع ابن القاسم ، قيل : فقراءة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} مرارًا في الركعة ؟ فكرهه ، و قال هذا مما أحدثوا . و قال يحيى بن يحيى : قال ابن القاسم : و من قرأ بقية الختمة في ركعة ، ثم أراد أن يبتدي فيها القرآن ، فلا يقرأ بأم القرآن في ركعته هذه ثانية ، وَ لَكِن يبتدي بالبقرة .
قال عنه ابن القاسم ، في (المجموعة) : وكان عبيد ا? بن عبد ا? بن عتبية ، و عامر بن عبد ا? لا ينصرفان من صلاتهما لأحد يجلس إليهما . قال مالك : و هو أَحَبُّ إليَّ ، إلاَّ في حاجة خفيفة ، أو من يسأل عن مسألة تنزل به ، وشبه ذلك ، و إلاَّ فلا . قال عنه ابن القاسم ، في (العتبية) ، قيل فأى موضع من مسجد النبي صلى الله عليه و سلم أحب إليك الصلاة فيه ؟ قال : مصلى النبي صلى الله عليه و سلم ـ قال ابن القاسم : هو العمود المخلق ـ و أما الفريضة فالصف الأول .
***(2/25)
[1/528]
قيل لمالك : أيتنفل الرجل و يقول : إن كنت ضيعت في حداثتي فهذه قضاء تلك ؟ قال : ما هذا من عمل الناس .
قال : و من ذكر العصر ، فلما صلى منها ركعة ذكرأنه صلاها ، فليشفعها بأخرى ، و ليس كمن قصد التنفل بعد العصر . وذكر مثله ابن حبيب عن ملك ، و قال : فإن ذكر قبل أن يركع قطع ، و لو كانت غير العصر لتنفل على إحرامه ركعتين .
و من (المجموعة) ، قال أشهب : و للرجل أن يصلى النوافل في أي ساعة شاء من ليل أو نهار ، إلاَّ ساعتين ؛ إذا صلى الصبح إلى أن ترتفع الشمس ، وبعد العصر إلى المغرب ، و أما الصلاة نصف النهار إلى أن تزول الشمس ، فلا أرى بذلك بأسا ، والذي ثبت وتتابعت به الآثار عن النبي صلى الله عليه و سلم ، النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس : و قال ابن القاسم : عن مالك : سئل مالك عن الصلاة نصف النهار و قال لم يزل من عمل الناس ، والعباد عندنا يهجرون فيصلون بذلك في الجمعة وغيرها ، و ما ادركت الناس إلاَّ على ذلك . و من (الموطأ) ، روى مالك أن عمر بن الخطاب كان يتنفل بالهاجرة . قال ابن القاسم ، عن مالك ، أنه قال : بعض الشيوخ كان يركع عند النداء للمغرب يريد إنكارا لما فعل .
قال أشهب : و من افتتح النافلة على أن يصليها أربعا أو ستا ، فإن استفاق و هو راكع في الثالثة ، فليجلس و لا يرفع ، و يسلم ، و لا قضاء عليه ، و لو قطع لم يقض إلاَّ ركعتين ، إلاَّ أن يقطع بعد عقد الثانية فليعد أربعا ، و يسلم من كادل ركعتين ، و لو قطع ساهيا لم يكن عليه قضاء ، و لو تنفل أربعا ، وتعمد ترك القراءة فيها ، فلا يقضى إلاَّ ركعتين ، و لو قطع ساهيا لم يقضى شيئا ، و لو ترك القراءة عامدا في الثانية مع الرابعة أومع الثالثة ، لم يكن إلاَّ ركعتين .
***(2/26)
[1/529]
و من افتتح على أربع ، فصلى خلفه رجل ، فسلم المأموم من اثنتين ، فلا يقضي ؛ لأنه خرج بتأويل . و من افتتح في نافلة في وقت لا يجوز فيه التنفل ، قطع متى ما استفاق لذلك ، و لا قضاء عليه .
و من (أمهات أشهب) ، و من افتتح النافلة ركعتين جالسا ، فلا بَأْسَ أَنْ يقوم إن يشاء ، و قد فعله النبي صلى الله عليه و سلم ، فأما إن افتتحها قائما ، فأراد أن يجلس من غير عذر ، فقد لزمه تمامها . بما نوي فيها من القيام ، و لا يجوز أن يخفف من ذلك ، فإن فعل أعاد ، و لو غلبه عن ذلك غالب فلا قضاء عليه . و لو نظر ركعتين قياما ، فأخذ فيهما ، فغلبه عنهما ، فليقضيهما . وابن القاسم يرى في الذي افتتحها قائما ، أن له أن يجلس غيها إن شاء .
في الاجتماع للقراءة بألحان ، أو بغير ألحان ،
أو للتعليم
من (العتبية) ، قال ابن القاسم : قال مالك : لا بَأْسَ بما يفعل بمصر ، يقرئ الرجل النفر يفتح عليهم . قال : والقراءة في المسجد محدث ، ولن يأتي آخر الأمه بأهدي مما كان عليه سلفها ، والقرآن حسن . قيل : فالنفر في المسجد ، و إذا حف أهله جعلوا رجلا حسن الصوت يقرأ لهم ؟ فكرهه . قيل : فقول عمر لأبي موسى : ذكرنا ربنا ؟ قال : ما سمعت بهذا قط . وكره القرآن بالألحان ، و قال : اتخذوا ذلك للأكل عليه . وكره اجتماع النفر يقرأون في سورة واحدة .
***(2/27)
[1/530]
في الدعاء و رفع اليدين
من (العتبية) ، قال ابن القاسم : قال مالك : قال أبو سلمة لرجل يدعو يرفع يديه ، فأنكر عليه ، و قال : لا تقلصوا تقليص اليهود . قيل : فيقول في دعائه : (يأ? ، يارحمن) ؟ قال : نعم ، و(اللهم) أبين عندي ، وبه دعت الأنبياء عليهم السلام . وكره أن يقوم بأثر الصلاة ليدعو قائما .
وعن الدعاء عند ختمة القرآن ، قال : ما علمته من عمل الناس ، و ما أرى أن يفعل . وكره للقوم أن يقفوا يدعون ، و لا عند خروجهم من المسجد ، أو عند دخولهم ، وكره أن يقول في دعائه : (ياسيدى) أو (ياحنان) ، وليدعوا بما في القرآن ، وبما دعت الأنبياء عليهم السلام .
و من (المجموعة ) ، ابن القاسم ، عن مالك ، فِي مَنْ يمسح وجهه بيديه في آخر دعائه و قد بسط كفيه قبل ذلك ، فأنكره ، و قال : ما علمته .
قال : و أكره أن يدعو الرجل على نفسه بالموت ، ولعله ذلك لحال . يرجوها ، أ, لكراهية مصيبة ، فما أحب ذلك . و من ( العتبية) ، ابن القاسم ، قال في موضع آخر : و قد كان عمر يحب الحياة ، و إنما دعا على نفسه بالموت خوف الغير . قال غيره : و كذلك فعل عمر بن عبد العزيز . وَ رَوَى في الحديث للنبي صلى الله عليه و سلم أن يقال : «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي» .
***(2/28)
[1/531]
و من (العتبية) ، ابن القاسم ، عن مالك : و أكره أن يجلس أهل الآفاق يوم عرفة في المساجد للدعاء ، و من اجتمع إليه الناس يومئذ ، فيكبرون و يدعون ، فلينصرف عنهم ، و مقامه في منزله أحب الى فإذا حضرت الصلاة ، رجع فصلى في المسجد .
باب في مس المصحف ، و ذِكْرِ حليته و شكله ،
و شيء من ذِكْرِ القراءة ، و ذِكْرِ ما يعلق من
القرآن يستشفي به
من (العتبية) ، من سماع أشهب : وكره مالك تزيين المصاحف بالخواتم و أن يعشر بالحمرة ، و قال : يعشر بالسواد ، و لا بَأْسَ أَنْ يحلي بالفضة و لا بَأْسَ أَنْ يشكل منها ما يتعلم فيه الغلمان ، فأما أمهات المصاحف فلا وكرهه . وكره أن يكتب القرآن أجزاء ، أسداسا و أسباعا . و من (المجموعة) ، ابن القاسم : وكره مالك أن يكتب القرآن في المصحف ، ولم ير بأسا لمعلم أن يكتب السورتين والخمس ونحوها يتعلم فيها الصبيان . قال عنه ابن وهب : إنه كره أن يكتب في المصاحف خواتم السور ، يكتب في خاتمة السورة : فيها كذا وكذا آيه . قال : أكره ذلك في أمهات المصاحف ، و أ ، يشكل إلاَّ فيما يتعلم فيه الولدان . قال : ولقد نهيت عبد الصمد أن يكتب مصحفا بالذهب . قال عنه ابن القاسم : وقيل
***(2/29)
[1/532]
للزبير في قراءة قرأها : إن الناس يقرأون على غير هذا ؟ قال وددت أني أقرأ قراءتهم ، وَ لَكِن جرى لساني . قيل : فيقرأ : {فامضوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } كما روى عن عمر ؟ قال : هذا واسع في (يمضون) و ( يقيمون) و (يعلمون) . قال عنه ابن وهب : إن بلالا كان يقرأ من هذه السورة وهذه السورة ، و لا أراه كان يحسن إلاَّ ذلك ، والذي يقرأ هكذا و هو مستقيم في دينه أَحَبُّ إليَّ من الآخر . قال عنه ابن القاسم و ابن وهب ، في الهذ في القراءة ، قال : من الناس من إذا هذ كان أخف عليه ، و إذا رتل أخطأ ، و من الناس من لا يحسن يهذ ، والناس في هذا على قدر حالاتهم و ما يخفف عليهم ، وكل واسع .
و من (العتبية) ، أشهب ، عن مالك : و لا بَأْسَ بما يعلق على الحائض والصبي في العنق من القرآن ، إذا أخرز عليه ، أو جعل في شيء يكنه ، و لا بَأْسَ أَنْ يكتب ذلك للحبلى ، أو شيء من ذكر ا? تعالى و أسمائه يعلق عليها ، فأما ما لا يعرف ، والكتاب العبراني ، فأكرهه . وكره العقد في الخيط . و في كتاب الطهارات باب في مس المصحف وقراءة القرآن ، فيه بقيه هذا .
باب جامع في المسجد ، وفيه شيء من ذكر
الشعر
من ( العتبية) ، من سماع ابن القاسم ، وعن المساجد يتخذ في القرى للضيفان يبيتون فيها و يأكلون ، فخفف ذلك . وكره الأكل في المسجد ، كما يفعل في رمضان ، و قال في شربة السويق : لو خرج إلى بابه فشربه ، ولموضع المضمضة أَيْضًا . و قال أَيْضًا : أما الشربة من السويق ، والطعام الخفيف ، فأرجوا و أما
***(2/30)
[1/533]
الألوان فلا يعجبني ، و لا في رحابه . و أرخص لعبيد الدار أن يأتيه فيه طعامه . و من (المجموعة) ، ابن نافع عن مالك ، وعم القوم يفطرون فيه على كعك وتمر منزوع النوى وزبيب ، ثم يخرجون فيتمضمضون ، قال : أرجو أن يكون خفيفا ، و قد أكثروا من هذا حتى إن صلاة لتقام و هو في أفواههم ، و ما هذا عندنا ، و إن الرجل عندنا ليخرج بالشربة من السويق إلى خارجه ، ورب رجل يضعف عن القيام ، فأرجو له سعة غيما خف . و إنما كرهه للمضمضة ، غلو خرج و أكل وتمضمض ، فنعم . قال عنه علي : و يشرب فيه الماء ، فأما الطعام فلا ، إلاَّ المعتكف ، أو مضطرا أو مجتازا ، و لا أحب أن يتخذ فيه فراشا للجلوس أو وسادة ، و لا بَأْسَ أَنْ يضطجع فيه للنوم .
قال عنه ابن نافع ، قيل : يصلي في مسجد قصص بزبل الدواب فيها إن قصص بذلك ؟ قال : فد يضطر إلى المسجد ، فيصلي فيه و لا يعلم هل ذلك فيه .
و من (العتبية) ، من سماع ابن القاسم : و لا أحب لمن له منزل أن يبيت في المسجد . وسهل فيه للضيف ، و من لا منزل له ، و قد كان أضياف النبي صلى الله عليه و سلم يبيتون في المسجد .
***(2/31)
[1/534]
و لا بَأْسَ بالمساجد في الأفنية التي يدخلها الكلاب والدجاج أن يصلي فيها . وكره المراوح أن تجعل في المسجد .
و لا بَأْسَ بتعليق التمر فيه من الأوقاف ، لأكل الناس منه ، و قد فعل بعهد النبي صلى الله عليه و سلم .
وكره أن يوتى بالصبي إلى المسجد ، إلاَّ صبي لا يعبث و قد بلغ موضع الأدب . وكره أن يتنخم على حصيره و يدلك . و أنكر القاسم بن محمد على رجل تمضمض فيه من سويق شربه ، فاحتج عليه بالنخامة ، فقال له : النخامة أمر لابد منه . وكره مالك تقليم الأظفار ، وقتل النمل والبرغوث في المسجد ، ودفنهما فيه . و التنخم تحت الحصير أَحَبُّ إليَّ من ذلك في النعلين ، إلاَّ أن لا يصل إلى حصيره . قال مالك : و إنهم لينكرون تشبيك الأصابع في المساجد ، و ما به بأس . و إنما يكره في الصلاة . وكره تقليم الأظفار ، وقص الشارب فيه ، و إن أخذه في ثوبه و أخرجه . وكره دفن الشعر و الأظفار .
و من سماع أشهب ، و من نسي الحصباء في يده أو نعليه ، فإن ردها إلى المسجد فحسن ، و ما ذلك عليه . وَ رَوَى عنه ابن القاسم ، في (المجموعة) : لا بَأْسَ أَنْ يطرحها .
و من (العتبية) ، أشهب وكره مالك أن يؤتى بالمراوح إلى المسجد . و قال
***(2/32)
[1/535]
في النصارى الذين كانوا يبيتون في المسجد : لو أمروا أن لا يدخلوا إلاَّ من الباب الذي يلي عملهم . و ينظر في قبر النبي صلى الله عليه و سلم كيف يكشف . ولم يعجبه أن يستر بالخيش ، ولينظر فيه .
و لا يبنى مسجد بقرب مسجد ضرارا ، فأما لصلاح وخير فلا بَأْسَ به . قال سحنون ، في قرية فيها مسجد ، فأراد قوم بناء آخر : فإن كان فيها محمل من يعمر فيهما فحسن ، و إن قل أهلها ، و يخاف من تعطيل أحدهما ، فلا يبنى
قال مالك : و ما سمعت في الكراث و البصل ، و ما أحب أن يوذى الناس . و قال في موضع آخر : هما مثل الثوم ، و قال ابن القاسم ، في (كتاب ابن المواز) . و قال في الفجل : إن كان يوذي و يظهر ، فلا يدخل من أكله المسجد قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ روى أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «من أكل من خضراتكم هذه ذوات الريح ، فلا يقربنا في مساجدنا» . قال عطاء : هي الثوم و البصل و الكراث و الفجل . وكره مجاهد لمن يريد قيام الليل أن يأكل الثوم والكراث .
***(2/33)
[1/536]
و من (العتبية) ، أشهب عن مالك ، (وكان عمر يقعد في المسجد بعد الظهر ، و قال : مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت ) . قال موسى عن ابن القاسم : كره مالك أن يكتب في قبلة المسجد شيء ، من القرآن و التزاويق ، وكره كتابته في القراطيس ، فكيف في الجدار .
قال عبد المالك بن الحسن : قال ابن وهب : و لا يوقد في ناحية من المسجد نار ، و لا تغسل فيه الأرجل من الطين ، و لا ينادى فيه للجنائز ، وَ لَكِن على أبواب المسجد .
أشهب ، عن مالك : و للمتجالة أن تخرج إلى المسجد و لا تكثر الترداد ، و للشابة أن تخرج إليه المرة بعد المرة ، وتخرج في جنائز أهلها .
قال سحنون و لا بَأْسَ أَنْ يجعل في بيته محرابا مثل حنية المسجد .
و من (كتاب ابن سحنون) ، قيل سحنون ، فِي مَنْ في جواره مسجد : أيجاوزه إلى غيره ؟ قال : أما إلى الجامع فنعم ، و أما إلى غيره فلا . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إلاَّ أن يكون إمامه لا يرضى .
و من (المجموعة) ، ابن القاسم عن مالك ، أيكتب ذكر الحق في المسجد ؟ قال : أما الشيء الخفيف فلا بَأْسَ به ، و أما الشيء يطول فلا أحبه . قال : و لا بَأْسَ أَنْ يقضى الرجل الرجل فيه ذهبا ، فأما بمعنى التجارة والصرف فلا أحبه . و قال في السؤال في المسجد ، وهم يلحون و يبكون ، قال : ينهوا عن ذلك . قال محمد ابن عبد الحكم : لا يعطون في المسجد .
قال مالك : و لا ينبغى رفع الصوت في المسجد في العلم و لا في غيره ، وكان الناس ينهون عن ذلك .
***(2/34)
[1/537]
قال سحنون في (كتاب) آخر : و لا يعلم فيه الصبيان ، و لا يجلس فيه للخياطة . قال ابن حبيب : و إنما يكره من الشعر في المسجد وغيره مثل ما فيه الغناء والهجاء والباطل ، و لا بَأْسَ بغير ذلك منه في المسجد وغيره ، و قد أنشد حسان النبي صلى الله عليه و سلم في المسجد ، ورأيت ابن الماجشون مع محمد بن عبد السلام ينشدان فيه الشعر ، و يذكران أيام العرب ، و قد كان اليربوعي و الضحاك بن عثمان ينشدان فيه مالكًا ، و يحدثانه بأيام العرب ، فيصغي إليهما .
و كره مالك أن يدخل إليه بالخيل والبغال لينقل إليه ما يحتاج من مصالحه . قال ولينقل ذلك على ا?بل والبقر لطهارة ما يخرج منها .
وكره أن يجلس فيه على الفراش ، أو يتكأ على وسادة ، و أرخص في الخمر والمصليات أن يتقي بها برد الحصباء .
قال مالك : و من دمى فوه في المسجد ، فلينصرف حتى يزول عنه ، و إن كان في غير المسجد فليبصق حتى ينقطع ، و لا يقطع صلاته ، إلاَّ إن كثر جدًّا . و في غير (الواضحة) ، إن كان خفيفا فليرسله من فيه إرسالا في غير المسجد . وكره مالك أن يتوضأ في المسجد ، و إن كان في طست . وَ رَوَى موسى بن معاوية ، عن ابن القاسم ، لا بَأْسَ أَنْ يتوضأ في صحنه وضوءا طاهرا . و قال سحنون : و لا ينبغي ذلك . وهذا في الكتاب الطهارة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وجاء النهي أن تكون المطاهر إلاَّ خارجا منه في رحابه ، و على أبوابه .
وكره مالك قتل البرغوث والقملة في المسجد ، و قال : و ينحى من موضع دب
***(2/35)
[1/538]
من المسجد ، أو يصرها في ثوبه . و أجاز قتلها وقتل البرغوث في الصلاة في غير المسجد ، وقتل البرغوث في المسجد عنده أخف من قتل القملة فيه .
باب جامع
من (العتبية) ، ابن القاسم ، قال مالك : أول من جعل المقصورة مروان حين طعنه اليماني ، و لا بَأْسَ أَنْ يجعل خاتمه في يمينه للحاجة يذكرها ، أو يجعل في إصبعه خيطا لذلك . وكره النوم بعد المغرب . قيل : فبعد الصبح ؟ قال : لا أعلم حراما .
قال : وسمع ابن رواحة ، و هو مقبل ، النبي صلى الله عليه و سلم يقول و هو على المنبر : «اجلسوا» . فجلس حيث سمعه في الطريق .
و من سماع أشهب ، قال مالك : فالمسجد الذي أسس على التقوى مسجد النبي صلى الله عليه و سلم . قال : وعمر الذي قدم قبلته ، و قال : لولا أنى رأيت النبي صلى الله عليه و سلم يريد تقديمها ما فعلت . ثم قدمها عثمان إلى موضعها اليوم .
قال : وكان أسد بن الحضير يصلي ، فاضطربت فرسه ، فنظر فلم ير شيئا ، فرفع رأسه إلى السماء ، فرأى شيئا يظله ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : «تلك الملائكة تسمع لقراءتك» . قال : وكان نقيبا .
و قال : و يقال : قبلة النبي صلى الله عليه و سلم قبالة الميزاب .
***(2/36)
[1/539]
قال ابن المسيب : صلى النبي صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس بعد الهجرة بالمدينة ستة عشرا شهرا ، ثم حولت القبلة قبل بدر بشهرين . قال ابن عمر : وجاء من أخبر الناس وهم في الصلاة بنسخ القبلة ، فاستداروا إليها في الصلاة .
قيل فالرجل يصلي ? سبحانه ، ثم يقع في نفسه أنه يحب أن يعلم بذلك ، أو يحب أن يلقى في طريق المسجد ؟ قال إذا كان أول ذلك ? لم يضره ذلك إن شاء ا? و إن المرء ليحب أن يكون صالحا ، وربما كان هذا من الشيطان ليمنعه ذلك ، ولما قال النبي صلى الله عليه و سلم : «ما شجرة لا يسقط ورقها في شتاء و لا صيف ؟ » قال ابن عمر : فوقع في نفسى أنها النخلة ، و أردت أن أقوله . فقال له عمر : لأن تكون قلته أَحَبُّ إليَّ من كذا و كذا . و مثل هذا يكون في القلب لا يملك ، قال ا? تعالي : {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} (طه : 39) . و قال : {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ } (الشعراء : 84) .
قال : وكان عمر بن عبد العزيز يخرج ، أراه ، آخر الليل يصلي ، وكان حسن الصوت ، فيقول ابن المسيب لبرد : اطرد هذا القارئ عني ، فقد آذاني .
***(2/37)
[1/540]
فسكت ، فعاوده ، فقال برد : ليس المسجد لنا . فسمعه عمر ، فأخذ نعليه وتنحى .
ورأى سعد بن أبي وقاص رجلا بين عينيه سجدة ، فقال : منذ كم أسلمت ؟
فقال : منذ كذا و كذا . فقال سعد : فأنا أسلمت منذ كذا ، فهل ترى بين عيني شياء .
قال : وطعن أبو لؤلؤة عمر قبل أن يدخل في الصلاة .
قال سحنون : أكره أن يجعل الثوب على النار لعله العمل . و لا بَأْسَ به على الشمس . وخفف المهاميز لهمز الدواب .
***(2/38)
[1/541]
كتاب الجنائز
في توجيه الميت ، وتلقينه ، و إغماضه إذا قضى
قال أبو محمد عبد ا? بن أبي زيد : و من (الواضحة) ، قال مالك : لا أحب ترك توجيه الميت إلى القبلة إن استطيع ذلك ، و من (المجموعة) ، ابن القاسم عن مالك ، في التوجيه ، قال : ما علمته من القديم . و قال هو ابن وهب عنه : و ينبغي أن يوجه غلي القبلة على شقه الأيمن ، فإن لم يقدر فعلي ظهره ورجلاه في القبلة . ونحوه في (الموطأ) ، و في ( المختصر) . و قاله ابن وهب ، في (العتبية) : قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَ رَوَى التوجيه عن علي بن أبي طالب وجماعة من السلف ، فإن لم يقدر على ذلك لشدة نزلت به ، أو لغير ذلك ، أو لنسيان ، أو شغل ، فلا حرج ، ولقد أغمي على ابن المسيب في مرضه ، فوجه ، فأفاق فأنكر فعلهم به ، و قال : على ا?سلام حييت ، و عليه أموت وليهننى مضجعي ما كنت بين أظهركم . قال : و أراه إنما كره عجلتهم بذلك قبل نزول حقيقته ، فلا أحب أن يوجه إلاَّ أن يغلب و يعاين ، وذلك عند إحداد نظره ، وشخوص بصره ، و ينبغي أن يلقن بلا إله ا? و يغمض بصره إذا قضى . وَ رَوَى أن النبي صلى الله عليه و سلم أمر بذلك . وَ رَوَى أنه قال : «من كان آخر قوله لا إله إلاَّ ا? حرم على النار» .
قال مالك ، في (المختصر) : و لا بَأْسَ أَنْ تغمضه الحائض والجنب . قال غيره : ا?غماض سنة ، أغمض النبي صلى الله عليه و سلم أبا سلمة ، و أغمض أبو بكر رسول ا? صلى الله عليه و سلم .
***(2/39)
[1/542]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ و يستحب أن يقال عنده : {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الصافات : 181 ، 182) ، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (الصافات : 61) ، {وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } (هود : 65) . و يقال عند إغماضه بسم ا? ، و على وفاة رسول ا? صلى الله عليه و سلم ، اللهم يسر عليه أمره ، وسهل عليه موته ، و أسعده بلقائك ، واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه .
ويستحب ألا يجلس عنده إلاَّ افضل أهله و أحسنهم هديا وقولا ، و لا يكون عليه وقربه ثوب غير طاهر ، و لا تحضره الحائض ، و لا يحضره الكافر . و أن يقرب منه رائحه طيبة من بخور أو غيره . و لا بَأْسَ أَنْ يقرأ عنده {يس} ، و إنما كره مالك ذلك أن يكون استنانًا . و قال في (المجموعة) ابن نافع عن مالك ، و أشهب عنه ، في ( العتبية) : ليس القراءة عنده وا?جمار من عمل الناس .
في غسل الميت ، وسترعورته ، وهل يُحْلَقُ له
شَعْرٌ أو يُقَصُّ له ظُفْرٌ ؟
قال الرسول صلى الله عليه و سلم للنسوة في ابنته : «اغسلنها ثلاثا أو خمسا ، أو أكثر ، بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا» . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : والسنة أن يكون الغسل وترًا .
***(2/40)
[1/543]
قال النخعي : غسله وتر ، كفنه وتر ، وتجميره وتر ، وغسل ابن عمر سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل ثلاثًا فالأولي صب عليه قراحًا والثانية غسل رأسه ولحيته وجسده بالماء والسدر بدأ برأسه ولحيته ثم بسقه الأيمن ثم بالأيسر ثم الثالثة بماء و شيء من كافور . و قال مثله النخعي إلاَّ أنه قال : يبدأ فيوضأ . قال ابن سيرين : يغسل ثلاثا فإن خرج منه شيء ، غسل خمسا فإن خرج منه شيء غسل سبعا ، لا يزاد على ذلك . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يوضأ كما يتوضأ الحي ، و يدخل الماء في فيه ثلاثا و يستر عورته من سرته إلى ركبتيه ، و إن احتاج إلى عصر بطنه فعل برفق و لا يعقص رأسه . قال أشهب . في كتاب ( ابن عبدوس) : و واسع أن يسرح رأسه أَوَّلاً يسرح . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وليلوى ماقصح من مفاصله برفق ، و إن احتاج إلى مباشرة فرجه جعل على يديه خرقه و أدخلها من تحت المئزر ، لا يزيله عنه . قال في (المختصر) : لا يفضى بيده إلى فرجه إلاَّ و على يده خرقة ، إلاَّ لأمر لابد منه . و من (كتاب ابن سحنون) و ينبغي إذا جرد للغسل أن لا يطلع عليه إلاَّ الغاسل و من يليه ، و يستر عورته بمئزر . و يستحب أن يجعل على صدره و وجهه خرقة أخرى ، و يوضع على أحد شقيه للغسل ، و يقلب كذلك . وذكر هذا كله ونحوه عن أشهب . قال أشهب ، في (المجموعة) : و إن وضع على شقه الأيمن
***(2/41)
[1/544]
أو الأيسر ، فلا بَأْسَ ، و إن أسندته صدرك أو مسك لك أو لم يسنده فلا بَأْسَ . قال (في كتاب ابن سحنون) ، عن أشهب : و إذا عصر بطنه فليأمر من يصب عليه الماء أن لا يقطع مدام ذلك . و يغسل ما أقبل منه و ما أدبر ، والخرقة على يده ، ثم يغسل تلك الخرقة و يغسل يده ، و يأخذ خرقة أخرى على يده للغسل ، و يدخاها في فيه لينظف أسنانه ، و ينقي أنفه . قال : و يغسله أولا بالماء وحده ، و يغسل فيها لحيته ورأسه بالسدر ، و يوضئه وضوء الصلاة ، ثم يغسله في الثانية بالماء والسدر ؛ جسده و لحيته و رأسه ، و يوضئه . و أنكر سحنون تكرير وضوئه . قال أشهب : و في ترك و وئه سعة . و الآخرة بالكافور ، كانت الثالثة أو الخامسة ، فإن لم يجد فبغيره من الطيب إن وجد ، و إن احتاج فيها إلى عصر بطنه ، لما يخاف ، فعل . و إن خرج منه شيء . أعاد وضوئه . وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : يعم غسل جسده بالماء وحده في الغسلة الأولى ، ثم يغسله في الثانية بغاسول بلده إن لم يجد السدر ، و إن لم يجد فبالماء وحده و من (المجموعة) : و إن لم يحتج إلى غسل رأسه بغاسول لنقائه تركه . ثم الثالثة بماء وكافور وحده . و من(المجموعة) ، قال أشهب : فإن اشتدت مؤنه الكافور ترك . قال : والدر لغسل رأسه ولحيته أحب إلى ، فإن لم يكن فغاسول أو غيره مما ينقى ، و واسع بالماء وجده سخنا أو باردا . و كذلك لمالك ، في (المختصر) . قال : و لا بَأْسَ بالحرض والنطرون إن لم يتيسر السدر . قال أشهب : فإن وضى فحسن ، و إن لم يوضأ فواسع ، و كذلك يجزى الجنب الحى فكيف بالميت و يجعل على يده خرقة لمباشرة وجهه و إن احتاج إلى مباشرته بغير خرقة فواسع إن شاء ا? . و لا بَأْسَ أَنْ ينقى أنفه و يغسل وفاه ، و يمضمض ، وتركه غير ضيق .
***(2/42)
[1/545]
قال موسى ، عن ابن القاسم ، في (العتبية) : و يعمل لشعر المرأة ما أحبوا من لفه ، و أما الصفر فلا أعرفه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لا بَأْسَ بضفره . قالت أم عطية : ضفرنا شعر بنت رسول ا? صلى الله عليه و سلم ثلاث ضفائر ، ناصيتها ، وقرنيها ، و ألقي من خلفها . قال مالك ، في سماع ابن وهب : و يوضأ الصبي إذا غسل . و من (كتاب ابن القرطي) و لا يؤخر غسل الميت بعد خروج نفسه ، و لا يغسل بماء زمزم ميت ، و لا نجاسه و إنما يكره غسل الميت بماء الورد و القرنفل من ناحية السرف ، و إلاَّ فهو جائز ؛ إذ لم يغسل للطهر ، و هو إكرام للقاء الملكين قال أبو محمد : و ما ذكر ابن القرطي في ماء زمزم لا وحه له عند مالك و أصحابه ، و إن كان يعني في قوله بماء الورد والقرنفل أنه لا يغسل بغيره من الماء القراح ، فليس هذا قول أهل المدينة . قال أشهب ، في (المجموعة) : و أَحَبُّ إليَّ أن لا يحلق له عانه أو يقص له ظفر ولينق ما بها من وسخ . و كذلك قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ . و قال : لا ينتف له شعر ، و ما سقط من جسده من شعر أو غيره جعل معه في أكفانه . قال ابن سيرين : لا يؤخذ منه شعر ، و لا تقلم أظفاره ، إلاَّ أن يكون عند نزول الموت به فإذا مات فلا . و قال سحنون ، في (كتاب ابنه) : إن كان ذلك يتأدى به للمريض ، فلا بَأْسَ به ، و إن كان ليهيأ بذلك للموت ، فلا يفعل . و من (المجموعة) ، قال أشهب : و إذا فرغت من غسله نشفته في ثوب و قد أمرت ثانية بل ذلك بتجمير ثيابه . قال غيه : فليلبسنه ما يلبس منهما ، ثم يكفنه .
***(2/43)
[1/546]
في الميت ؛ هل ينجس الثوب الذي ينشف
به ، و ما يصيبك من مائه ، وهل على غاسله
غسل ، أو على حامله وضوء ، وهل تغسله
الحائض و الجنب ؟
من (المجموعة) قال أشهب : و ينشف الميت بثوب . قال سحنون : و لا ينجس ذلك الثوب الذي ينشف الميت به . و قال : محمد بن عبد الحكم يرى أنه ينجس بذلك الثوب . قال ، في (كتاب ابن القرطي) . لا يصلى به حتى يغسل ، و لا بالماء الذي يصيبه من مائه . قال مالك ، في (المختصر) : و يغتسل من غسل ميتا أحب إلينا ، و ليس عَلَى مَنْ حمله وضوء . وَ رَوَى عنه ابن القاسم في (العتبية) ، أنه رأى أن يغسل غاسل الميت . و قال : عليه ادركت الناس . و استحبه ابن القاسم . وَ رَوَى مثله أشهب في (المجموعة) ، و أستحبه . وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لا غسل عليه و لا وضوء و قاله جملة من الصحابة و التابعين ، وذكر حديث أسماء . و قاله مالك . و قال : فإن اغتسل من غير إيجاب فحسن . قال غيره ، في (كتاب آخر) : إنما أستحب له أن يغسل لئلا يتوقي ما يصيبه منه ، فلا يكاد يبالغ في أمره ؛ لتحفظه ، و إذا وطن على الغسل فتمكنه أكثر ، و إنما قيل : (و من حمله فليتوضأ) . يعني بذلك : ليصلى عليه إذا بلغ المصلى ، ولئلا ينصرف و لا يصلي عليه . قال ابن القرطي : واختلف في غسل الجنب
***(2/44)
[1/547]
الميت ، و إجازته أحب إلينا . وليكثر الغاسل من ذكر ا? . و أجاز محمد بن عبد الحكم للجنب أن يغسله . و من ( المجموعة) ، قال ابن القاسم ، عن مالك : لا أحب للجنب أن يغسل الميت ، وذلك جائز للحائض . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وتغسل الحائض الميت ، و لا ينبغي ذلك للجنب من رجل أو امرأة . قاله مالك والثورى . روى من (المجموعة) ابن القاسم عن مالك : و لا وضوء عَلَى مَنْ أفضى بيده إلى جسد الميت ، أو حنطه ، أو حلمه ، و إن أصاب يده شيء مما يخرج منه غسل ما أصابه فقط . قال أشهب : و أَحَبُّ إليَّ أن يغتسل غاسل الميت توقيا ؛ لما عسى أن يصيبه من أذى من الميت ، فإن لم يفعل ، ورأى أنه لم يصبه شيء ، فذلك واسع . قال أشهب : و من أصابه من الماء الذي غسل به الميت شيء ، فغسل ذلك أوجب من الأول ؛ فإن لم يفعل ورأى أنه لم يصبه شيء ، و صَلَّى ، ولم يعلم أن ذلك الماء أصابه شيء من أذى الميت ، فلا شيء عليه . قال ، في (كتاب ابن القرطي) : و من اغتسل عند الموت ، لم يكتف بذلك الغسل إن مات .
في غسل من جدر أو شدخ وشبهه ، وغسل
بعض الجسد ، أو الميت ينبش ، و من غسل
هل يؤخر تكفينه أو حمله ؟ و في الموتى
يكثرون ، والعمل في غسلهم ودفنهم
قال مالك ، في ( المختصر) : و إذا كان به قروح تنسلخ أو جراح فليؤخذ غيره ، و لا ينكأ ذلك . و من (العتبية) ، موسى عن ابن القاسم : و من وجد مشدخا لا يقدر أن يغسل ، صب عليه الماء صبا ، و كذلك المجدور ، و من غمرته القروح ، و من إذا مس تسلخ ، فليصب عليه الماء ، و يرفق به قال مالك :
***(2/45)
[1/548]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و من ما لا يبلغ منه إلى ما يفرط و ينفسخ . و من (المجموعة) قال علي عن مالك : و من وجد تحت الهدم ، و قد تهشم رأسه وعظامه ، والمجدور والمتسلخ ، فليغسلا ، ما لم يتفاحش ذلك منهما . و من (العتبية) ، موسى عن ابن القاسم ، و إذا وجد من الميت ، مثل يد أو رجل أو رأس ، فلا يغسل ، و لا يغسل إلاَّ ما يصلي عليه . و قاله مالك في سماع ابن وهب . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و قال عبد العزيز : يغسل ما أصيب من ، و يصلى عليه . و من (العتبية) ، يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، في الميت ينبش قبره ، قال : لا يعاد غسله ، وليكفن و يدفن . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا ينبغي أن يغسل الميت إلاَّ بأن يحمل بأثر ذلك ، فإن تأخر حمله بعد الغسل إلى غد ، فلا يعاد غسله ، و ما خرج منه غسل ، و ما أصاب الكفن منه . قاله أصبغ ، وغيره . وَ رَوَى مثله علي عن مالك ، في (المجموعة) ، فيما يخرج منه بعد الغسل . و من (العتبية) ، روى عيسى عن ابن القاسم ، قال : و إذا غسل بالعشي . وكفن من الغد ، أجزأه ذلك الغسل .
قال ابن حبيب : و لا بَأْسَ عند الوباء ، و ما يشتد على الناس من غسل الموتى لكثرتهم أن يجتزأ منه بغسلة واحدة ، بغير وضوء ، و يصب الماء عليهم صبا ، و لو نزل الأمر الفظيع ، فكثر فيه الموتى جدًّا ، و موت الغرقى ، فلا بَأْسَ أَنْ يقبروا بغير غسل إذا لم يوجد من يغسلهم ، و يجعل منهم النفر في القبر . و قاله أصبغ ، وغيره من أصحاب مالك . وَ رَوَى عن الشعبي ، قال : رمسوهم رمسا .
في جنب و ميت معهما ما يكفي أحدهما
من (العتبية) ، قال عبد الملك بن الحسن ، عن ابن وهب ، في رجلين في
***(2/46)
[1/549]
سفر ، معهما من الماء ما يكفي أحدهما فمات أحدهما و أجنب الآخر ، فالحي أولي به من الميت ، و ييمم الميت ، وَ رَوَى موسى بن معاوية ، عن ابن القاسم ، أنه إن كان الماء للميت ، غسل به و إن كان بينهما ، كان الحي أولي به . قال يحيى بن عمر ، و يكون عليه قيمة حصة الميت لورثته .
في غسل أحد الزوجين صاحبه ، والسيد يغسله
من فيه بقية رق من إمائه
قال مالك ، في (المختصر) ، و من (كتاب ابن سحنون) : و لا بَأْسَ أَنْ يغسل أحدالزوجين صاحبه من غير ضرورة ، و لا يطلع أحدهم على عورة صاحبه . و كذلك في سماع ابن وهب ، زكذلك قال مالك في (المجموعة) تستر عورته . قال أشهب : تغسله زوجه و إن لم يبن بها . قال ابن سحنون ، عن أبيه : و كذلك يغسلها هو . وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يغسل أحد الزوجين صاحبه ، والميت منهما عريانا من غير ضرورة ، قال : ولها أن تغسله و إن تزوجت غيرره ، إذا وضعت حملها قبل دفنه ، و يتزوج هو أختها و يغسلها . قال ابن الماجشون : ولها أن تجففه وتكفنه ، و لا تحنطه ، إذ هي حاد ، إلاَّ أن تضع حملها قبل ذلك كانت حاملا ، أو تكون بموضع ليس فيه من يحنطه ، فلتفعل ، و لا يمس بالطيب إلاَّ الميت . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و أَحَبُّ إليَّ إذا نكح أختها أن لا يغسلها ، و ليس بحرم . و قال أشهب . و أجاره ابن القاسم ، في (المجموعة) . و إن كان جنبا ثم كرهه . و من (كتاب ابن سحنون) ، قال أشهب : و يغسل أحد الزوجين صاحبه مجردا . قال ابن سحنون : يعنى ستر عورته . و هو قول أصحابنا .
قال ابن سحنون : و إذا لم يقدر الزوج أن ينفرد بغسل زوجته ، ولم يجد من يعينه
***(2/47)
[1/550]
عليها من نساء ، أو من ذوى محارمها من الرجال ، فلييممها إلى المرفقين . و كذلك إذا مات الرجل و معه امرأته ، أو أحد من ذوات محارمه ، فعلوا ذلك به قال : و يقضى للزوجين بغسل زوجته و إجنانها ، و لا يقضى لها على أوليائه بغسله . وذكر ابن المواز ، في آخر كتاب طلاق السنة ، عن ابن القاسم ، أن المرأة أحق بغسل زوجها إذا مات في الحضر ، و إن كان عنده من الرجال من يغسله ، و كذلك الرجل في زوجته . قال محمد : يريد أن كل واحد منهما أولى بغسل صاحبه من غيره . و ليس للمسلم غسل زوجته النصرانية ، و لا تغسله هي إلاَّ بحضرة المسلمين . و للأمة غسل سيدها و إن ولدت منه ، و للعبد غسل زوجته الأمة ، ولها أن تغسله ، من غير أن يقضى بذلك لواحد منهما ، إلاَّ أن تكون زوجته حرة ، و يأذن له السيد في غسلها ، فيقضى له بذلك .
و إذا مات أحد الزوجين ، فظهر أن بينهما محرم ، فلا يغسل الحي الميت .
قال أبو محمد : يريد إن كان ثم من يلي غسل الميت . و قال : و إن وجد نكاحهما فاسدا ، لا يقران عليه ، كنكاح المحرم ، والشغار ، ونحوه ، فلا يغسل الحي الميت . و كذلك نكاح المريض والمريضة ، إذ لا يتورثان ، لأن من أصحابنا من يفسخ النكاح و إن صحا ، و قد كان مالك يقوله . و إن كان فساد في الصداق ، فذلك لهم بعد البناء . فإن لم يبن ، فلا يغسله . و إن ظهر بأحدهما جنون أو جذام أو برص ، فالغسل جائز لهما ، و كذلك إن زوجها ولي وثم أولى منه . و أما بعقد أجنبي ، وهي من ذوات القدر ، و وليها حاضر ، فلا . و كذلك التي عقدت على نفسها ، و أما أمة غرته أنها حرة ، فيها بقية رق ، ولى العقد من يجوز
***(2/48)
[1/551]
عقده ، فالغسل بينهما ، و إن وليه من لا يجوز عقده فلا غسل بينهما ، و لو غرها الزوج أنه حر ، و هي حرة ، فالغسل بينهما .
و من (العتبية) : قال موسى ، قال ابن القاسم ، و لا بَأْسَ أَنْ يغسل الرجل من يحل له مثل أمته ، و أم ولده ، و مدبرته ، كالزوجة ، من غير ضرورة في الحضر . و أما مكاتبته فلا . قال ابن سحنون ، عن أبيه مثله . و قال : زكذلك المعتق بعضها ، والمعتقه إلى أجل ، و من له فيها شرك . وكل من لا يحل له وطوها . من (المجموعة) ابن القاسم و أشهب : و يغسل السيد أمته ، و أم ولده ، و مدبرته ، وتغسله . قال أشهب : كان يطأها أم لا . قال ابن القاسم : و إذا طلق امرأته ، ثم مات و هي في العدة ، والطلاق واحدة ، فلا تغسله . قال أشهب : و إن كان الطلاق بائنا أو أعتق أم ولده ، فلا تغسله ، و لو نكحها نكاحا فاسدا ، ثممات ، لم تغسله ، إذ لا ترثه . و من (كتاب أبي الفرج) ، روى ابن نافع ، عن مالك ، في المطلقة واجدة تموت قبل الرجعة ، أنها تغسله . وهذا خلاف قول ابن القاسم ، قياسه على قول مالك في التي لا يراها قبل يرتجع .
في غسل ذوى المحارم بعضهم بعضا ، والمرأة
تموت لا نساء معها ، والرجل يموت لا رجال
معه ، وغسل النساء الصَّبِيّ ، والرجال
الصبية
من (العتبية) ، قال أشهب ، عن مالك ، و في (كتاب ابن سحنون) ، قال ابن وهب ، عن مالك ، في امرأة ماتت بفلاة ، و معها ابنها : يغسلها . قال : ما أحب أن يلى ذلك منها . قيل : أييممها ؟ قال : يصب الماء عليها من وراء
***(2/49)
[1/552]
الثوب أحب إلى . قال موسى ، عن ابن القاسم : و يغسله ذوات محارمه من فوق الثوب ، إن لم يكن معه غيرهن . قال : وتستر المرأة عورة أخيها و أبنها . و من (المختصر) و إذا مات و ليس معه إلاَّ إمه أو ابنته أو أخيه ، فلا بَأْسَ أَنْ يغسلنه ، ما لم يطلعن على عورته . و إن ماتت امرأة و معها أبوها أو أخوها أو ابنها ، و لا نساء معها ، فلا بَأْسَ أَنْ يغسلها في درعها ، و لا يطلع على عورتها . و من (كتاب ابن سحنون) ، قال أشهب : و أَحَبُّ إِلَيَّ في أمه و أخيه أن ييممها ، و كذلك المرأة في ابنها . قال سحنون : لا أعلم من يقول غيره من أصحابنا ، وقول مالك أحب إلى قال أشهب و لو فعل ذلك رجوت أن يكون واسعا . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، في المرأة تموت لا نساء معها و معها من ذوى المحارم ، مثل الأب و الابن و الأخ و العم و الخال ، فإنه يغسلها و عليها ثوب يصب الماء صبا من تحته ، و لا يلصقه بجسدها فيصف إذا ابتل عورتها ، وَ لَكِن يجافيهما قدر ، فإن لم يجد الماء يممها إلى المرافق ، و إنما تيمم إلى الكوعين إن لم يحضرها إلاَّ رجال من غير محارمها ، كان معهم ماء أو لم يكن ، و لو كان معهم امرأة كتابية ، علموها الغسل ، فغسلتها ، و كذلك رجل مات بين نساء ليسوا بمحارمه ، و معهن رجل نصرانى أو يهودي ، فليعلمنه الغسل ، فيغسله . قال ذلك كله مالك ، والثوري . و قال أشهب ، في (المجموعة) : لا يلي ذلك كافر و لا كافرة و إن وصف لهما و لا يؤتمن على ذلك كافر . و قال سحنون : يدعو الكافر لغسله . و كذلك الكافرة في المسلمة ، ثميتحاطون بالتيمم فيهما . و من (العتبية) ، قال محمد بن خالد ، عن ابن القاسم ، في التي تموت في سفر لا نساء معها و لا ذو محرم ، أنها تيمم . يريد بذلك إلى الكوعين قبل : فتدفن في ثيابها ؟ قال : يفعل بها أفضل ما يقدر عليه .
***(2/50)
[1/553]
قيل لمالك : في سفرها معهم ، لا نساء معهما و لا ذو محرم ، للحج ، كيف تركب ؟ قال : يتطأطأ لها الرجل فتستوي عليه ، ثم تركب . وهذا إذا لم يقدر لها على أفضل من ذلك . و من (المجموعة) ، قال ابن القاسم وابن وهب ، عن مالك ، فِي مَنْ مات و ليس معه إلاَّ ذوات محارمه : فإنهن يغسلنه و يسترنه . قال ابن القاسم : يسترن عورته . و كذلك المرأة تموت ليس معها إلاَّ أبوها أو ابنها أوذو محرم منها ، فليغسلنها من فوق الثوب . و أنكر ذلك مالك في رواية ابن غانم ، واحتج بقول النبي صلى الله عليه و سلم للسائل عن الاستئذان على أمه ، فقال : «أتحب أن تراها عريانة ؟ » قال أشهب : و إن غسلها من فوق الثوب فواسع . قال مالك : وَ لَكِن أكرهه للتعرض أن تقع يده على ما لا يصلح أن يجد لجسته من جسدها و عورتها ، وَ لَكِن ييممها إلى المرفقين ، كذلك المرأة تكون مع ميت ذي مَحْرَمٍ منها ؛ أمه أو أخيه ، فتيممه أَحَبُّ إليَّ ، و إن غسلته رجوت سعة . و من (كتاب الشرح) نسب إلى ابن سحنون ، قال : سألت سحنونا عن قول مالك ، في رجل مات و ليس معه إلاَّ النساء يريد لسن بذوات محارمه ، فييممنه إلى المرفقين ، فيصلين عليه صفا واحدا أفذاذا . أرأيت إن تمت الصلاة ، ثم جاء رجال قبل أن يدفن و معهم الماء ؟ قال : لا يغسل ، و لا يصلى عليه ثانية ، و قد أجزأ ما فعل النساء في وقت يجوز لهن ذلك ، و لو غسل ودفن بلا صلاة ، لم أر بذلك بأسا ، و الأول أَحَبُّ إليَّ .
و من (المجموعة) ، و لا بَأْسَ أَنْ تغسل المرأة الصَّبِيّ ابن ست سنين أو سبع ، و لا بَأْسَ أَنْ يغسل الرجل الصبية الصغيرة إذا احتيج إلى ذلك . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يغسل النساء الصَّبِيّ ابن سبع سنين و ما قاربها و لا يغسل الرجل الصبية بنت سبع
***(2/51)
[1/554]
سنين و نحوها ، إلاَّ الصغيرة جدًّا . قال ذلك مالك و أصحابه ، وذكر نحوه في (المجموعة) عن مالك في الصبي . و قال : أشهب ، في الصبية : إذا كانت تشتهى مثلها فلا يغسلها الرجال ، وذلك يتقى منها قبل اتقائه من الصبي . و قال ابن القاسم : لا تغسل التي لم تبلغ . قال عنه ابن مزين : و إن صغرت جدًّا . و في سماع ابن وهب ، أن مالكًا أجاز للنساء غسل الصبي ابن سبع سنين .
في تكفين الميت ، وتحنيطه
من (الواضحة) ، ونحوه لأشهب من (المجموعة) ، قال : فإذا فرغت من غسل الميت ، نشفت بلله في ثوب عورته مستورة ، و قد أجمرت ثيابه قبل ذلك وترا ، و إن أجمرتها شفعا فلا حرج ، ثم تبسط الثوب الأعلي . قال أشهب : اللفافة التي هي أوسع أكفانه ، ثم الأوسع فالأوسع من باقيها . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : فتذر على الأولى من الحنوط ، ثم على الذي هكذا إلى الذي يلي جسده فيذر عليه أَيْضًا . قال أشهب : و إن جعل الحنوط في لحيته ورأسه والكافور فواسع . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : ثم يجعل الكافور عليه مساجده ، من وجهه وكيفيه وركبتيه و قدميه ، و يجعل منه في عينيه ، و في فيه ، و أذنيه ، و مرفقيه ، و إبطيه ، ورفغيه ، و على القطن الذي يجعل بين فخذيه لئلا يسيل منه شيء و يشده بخرقة إلى حجز مئزره .
قال سحنون و يسد دبره بقطنة فيها ذريرة ، و يبالغ فيه برفق .
قال ابن حبيب : و يسد مسام رأسه بقطن عليه كافور إلى فيه و منخريه ، ثم يعطف الثوب الذي يلي جسده يضم الأيسر إلى الأيمن ، الأيمن عليه ، كما يلتحف
***(2/52)
[1/555]
في حياته . و قاله أشهب ، في (المجموعة) ، و قال : و إن عطفت الأيمن أولا فلا بَأْسَ ، و يفعل هكذا في كل ثوب ، و يجعل عليه الحنوط إلاَّ الثوب الآخر ، فلا يجعل على ظاهر كفنه حنوطا ، ثم يشد الثوب عند رأسه وعند رجليه ، فإذا الحدته في القبر حللته . و من (المجموعة) ، قال أشهب : و إن تركت عقدة فلا بَأْسَ ، ما لم تنتثر أكفانه .
وفي (كتاب ابن القرطي) : و يخاط الكفن على الميت و لا يترك بغير خياطة . قال أشهب ، في (المجموعة) : وتكفن المرأة نحو ذلك ، و إن جمرت أو تركت ، فذلك واسع ، و لا بَأْسَ أَنْ تكفن المرأة في ثوب واحد ، بخلاف الصلاة .
قال أشهب : و إن قمص الرجل فواسع ، و لا يقمص أَحَبُّ إليَّ .
و من (العنبية) ، قال يحيى ، عن ابن القاسم : و أَحَبُّ إليَّ في المرأة أن توزر وتخمر ، وتدرج في ثلاثة أثواب إن وجد لذلك سعة .
و من (المختصر) ، ورواه ابن وهب ، في (المجموعة) ، قال مالك : و لا بَأْسَ أَنْ يكفن الميت فوق القميص ، و لا بَأْسَ أَنْ يحنط بالمسك والعنبر و ما يتطيب به الحي .
قال في (المجموعة) : وليل تحنيط المحرم غير محرم ، وليغط رأسه كما يغطي بالمدفن .
قال أشهب : و يسدل خمار المرأة فوق الكفن ، أو تحته ، أو فوق الدرع إن كان ، أو تحته . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و استحب مالك أن تعم الميت وتخمر الميتة .
قال مُطَرِّف : و يجعل من العمامة تحت حلقه كالحي ، و يترك منها قدر ذراع يغطى
***(2/53)
[1/556]
به وجهه ، و كذلك يترك من خمار المرأة كذلك . و من (العتبية) ، قال يحيى بن يحيى : و استحب ابن القاسم أن لا يقمص الميت ، و لا يعمم ، و أن يدرج في ثلاثة أثواب بيض إجراجا .
في صفة كفن الميت ، وعدد أثوابه ، والقصد فيه ، والوصية
به ، وكفن المديان ينبش ، والكفن يتلف
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : والقصد في الكفن أحب إلينا من المغالاة فيه ، وَ رَوَى ذلك عن أبي بكر و عمر ، رضي ا? عنهما .
قال أشهب ، في (المجموعة) : والكفن في الخلق والجديد سواء ، و ليس على أحد غسله إذا لم يخف نجاسة ، ولم يكن وسخا ، و واسع في البرود ، والبياض أحب إلينا .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : و ليس عليك غسل الخلق من الكفن إن لم يكن وسخا ، و لا خفت عليه نجاسة ، وربما كان الجديد أولي بأن يخاف ذلك فيه ، واليقين في طهارة الخلق أكثر قال أبو محمد : يريد من جديد قد لبس ولم يغسل .
و من (كتاب) آخر ، قال النبي صلى الله عليه و سلم : «البسوا البياض ، وكفنوا فيها موتاكم ، فإنها من خير ثيابكم» .
***(2/54)
[1/557]
و من (المختصر) ، و ليس في كفن الميت حد ، والوتر أحب إلينا ، و لا بَأْسَ أَنْ يكفن الميت في غير وتر . و كذلك قال عنه ابن وهب ، في (المجموعة) .
قال مالك في موضع آخر : وثوبين أَحَبُّ إليَّ من ثوب .
قال في (المختصر) : كفن النبي صلى الله عليه و سلم في ثلاثة أثواب ، وكفن النبي صلى الله عليه و سلم الشهداء يوم أحد اثنين في ثوب ، وكفن ابن عمر ابنه في
***(2/55)
[1/558]
خمسة أثواب ، وكفن أبو بكر في ثوب فيه مشق .
و من (المجموعة) ، قال ابن القاسم : والوتر أَحَبُّ إليَّ مالك في الكفن ، و إن لم يوجد للمرأة إلاَّ ثوبان ، لفت فيهما ، و كذلك من لم يبلغ من صبي وصبية فالوتر أَحَبُّ إليَّ مالك فيه .
قال أشهب ، وسحنون : وهذا فِي مَنْ راهق ، فأما الصغير فالخرقة تكفيه . وذكر أشهب أن أبا بكر كفن في ثوبين .
وَ رَوَى ابن القاسم عن مالك ، أنه كفن في ثلاثة . قال أشهب : و لا بَأْسَ بالكفن في ثوب للرجل والمرأة ، و لا أحب أن يقصر عن ثوبين للرجل لمن وجد ؛ لأن الثوب الواجد يصف ما تحته .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : أَحَبُّ إليَّ مال في الكفن خمسة أثواب ؛ يعد فيها العمامة والمئزر والقمص ، و يلف في ثوبين ، وذلك في المرأة ألزم ؛ لأنها تحتاج إلى مئزر يشد بعصائب من حقويها إلى ركبتيها ، ودرع وخمار ، وثوبين تدرج فيهما .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وثوبان أحب إلينا من ثوب ، وثلاثة أحب إلينا من أربعة .
***(2/56)
[1/559]
يريد الوتر ، و يريد في الأول الستر .
قال ابن القرطي : والمرأة في عدد أثواب الكفن أكثر من الرجل ، و أقله لها خمسة ، و أكثر سبعة ، و لا ينقص الرجل الذي يجد من ثلاثة ، و يكفن في مثل هيئته في حياته إن تشاح الورثة .
قال أشهب ، في (المجموعة) : و لا يكفن رجلان في ثوب إلاَّ من ضرورة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يستحب للرجل أن يوصي أن يكفن ، في ثيابه التي يشهد فيها الجماعات والصلوات ، وثوبي إحرامه إن حج ؛ رجاء بركة ذلك ، فقد أعطي النبي صلى الله عليه و سلم مئزره في ابنته ، و قال : «أشعرنها إياه» . و أعطي ثوبه الذي يلي جلده إلى ولد عبد ا? بن أبي ابن سلول ،
***(2/57)
[1/560]
يكفن فيه أباه . و أوصى سعد بن أبي وقاص في جبة صوف ، شهد فيها بدرا ، أن يكفن فيها .
والعلماء يحبون البياض في الكفن . والحبر مستحب لمن قوى عليه ، وَ رَوَى نحوه للنبي صلى الله عليه و سلم ، وَ رَوَى أنه عليه السلام كفن في ثلاثة أثواب ، فقيل : إنها بيض ، وقيل : إن أحدهما حبرة .
من (المختصر) وغيره ، قال مالك : والكفن والحنوط ـ يريد جميع مون الميت في إقباره إلى أن يوارى ـ من رأس المال . قال : والرهن أولي من الكفن ، والكفن أولي من الدين ، و من أوصي أن يكفن في سرف ، و أوصي بمثل ذلك في حنوطه وقبره ، فلا يجاز في رأس ماله ، إلاَّ ما يجوز لمثله لو لم يوص . و قال ابن القاسم ، و أشهب . وَ رَوَى علي ، عن مالك
***(2/58)
[1/561]
في (المجموعة) ، أنه لا يجوز من ذلك إلاَّ ما يكفن فيه مثله .
قال سحنون : وسكني الزوجة في دار ، قد نقد الميت كراها ، أولي من الكفن . قال ابن سحنون ، عن أبيه ، فِي مَنْ أوصي أن يكفن في رف ،
قال : يجعل در القصد في رأس ماله ، والزائد في ثلثه . قال ابن القرطي : وقيل : الزائد على السداد ميراثا ، وهذا هو المستعمل .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قيل لمالك ، في امرأة أوصت في ثياب لها ، كانت تلبسها ، أن تكفن فيها ، فأراد ابنها أن يشترى لها جددا بدلها ، فكره له ذلك . ورواه أشهب ، عن مالك في (العتبية) .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال ابن سيرين : إذا ولي أحدكم أخاه ، فليحسن كفنه .
و من (العتبية) قال سحنون ، فِي مَنْ أوصى أن يكفن في ثوب واحد ، فزاد بعض الورثة ثوبا آخر ، فقام في ذلك الآخرون : فإن كان في التركة محمل لذلك ، فلا ضمان على الذي فعله . قال ابن القرطي : و إذا أوصي بشيء يسير في كفنه و حنوطه ، لم يكن لبعض الورثة الزيادة فيه بغير ممالأة من جميعهم .
قال ابن سحنون عن أبيه ، في غريب لا يعرف له أهل ، مات عن
***(2/59)
[1/562]
دينار أو دينارين . قال : لا بَأْسَ في مثل هذا اليسير أن يجعل كله في كفنه وحنوطه وقبره .
قال سحنون في (العتبية) : و من اشترى كفنا لميت ، فتلف في يده ، فبل أن يبلغ به ، و هو وصي أو رسول ورثة بالغين ، فلا يضمن ، و من ابتاعه ، على أنه إن مات و إلاَّ رده ، لم يجز البيع .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال اصبغ : و من نبش ، فلا يلزم ورثته تكفينه ثانية في بقية ماله ، إلاَّ أن يشاءوا ، أو يحتسب فيه محتسب .
قال ابن سحنون : فإن وجد الكفن الأول بعد أن دفن ، فهو ميراث .
و من (العتبية) ، قال يحيى بن يحيى : قال ابن القاسم : إذا نبش الميت وعري ، لم تعد عليه الصلاة ، و على ورثته أن يكفنوه ثانية و من بقية تركته ، و إن كان عليه دين محيط ، فالكفن الثاني أولي .
قال سحنون : فإن قسم ماله ، فليس ذلك على ورثته ، و إن كان قد أوصى بثلثه ، فلا يكفن من ثلث و لا من غيره . قال عنه ابنه : إلاَّ أن يكون ذلك بحدثان دفنه ، ولم يقسم ماله ، فليكن ثانية من رأس ماله .
***(2/60)
[1/563]
في التكفين في الحرير ، والخز ، والمصبغ
قال مالك في (المختصر) : و لا يكفن في حرير ، و لا في خز ، و لا معصفر ، إلاَّ ان يضطر إليه .
و من (المجموعة) قال عنه ابن وهب : وكره التكفين في الخز والمعصفر ، إلاَّ أن لا يوجد غيره . قال ابن القاسم : للرجل والمرأة . قال عنه علي في المعصفر والمزعفر : لا بَأْسَ به للرجل والنساء ، قد كفن أبو بكر في ثوب مصبوغ ، أمرهم بغسله . فإما أن يكون أراد بغسله تطهيره ، أو ذهاب لونه . و لا يكره العلم الحرير في الكفن .
قال أصبغ في (العتبية) : لا يكفن في الحرير ، رجل و لا امرأة ، إلاَّ أن لا يوجد غيره ، و لا يلبس الرجل ما سداه حرير ، و إن كان قلنسوة ، و يحنث بلباسها الحالف أن لا يلبس حريرا .
وفي سماع ابن وهب : قيل لمالك في الرجل الميت يدفن في الثوب فيه الحرير ؟ قال : ما يعجبني ، فإن فعل ، فأرجو أن يكون في سعة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بَأْسَ أَنْ تكفن المرأة في الحرير ، والخز ، والمعصفر المقدم ، و ما جاز لها لبسه في الحياة ، أو للرجل لبسه في الحياة ، فالكفن لها أو له فيه مباح ، ما لم يرد بذلك السمعة والنفخ ؛ لأنه ليس
***(2/61)
[1/564]
في محل ذلك ، و لا بَأْسَ في كفن الرجل بالعلم الحرير ، و لا بالثوب الذي يغسل ، و يبقي فيه أثر الزعفران ، أو عصفر أو مشق .
و من (العتبية) ، قال عيسى ، عن ابن القاسم : لا بَأْسَ تكفن المرأة في الورس والزعفران ، وكره مالك المعصفر إن وجد غيره .
فِي مَنْ يلزم الرجل أن يكفنه و يقبره
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال ابن سحنون : و يقضي على الرجل بتكفين زوجته ، ملية ، كانت أو فقيرة ، كالنفقة . ورواه عن مالك . وذكر العتبي عن ابن الماجشون مثله ، و أن روايته عن مالك ، إنما ذلك عليه في فقرها .
قال غير ابن حبيب : و كذلك تكفين من تلزمه نفقته ، من والديه و ولده وعبيده . و قال أصبغ : لا يلزمه في أحد ممن ذكرنا إلاَّ في عبيده . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و الأول أصوب ، كما لا نقطع حقه بموته من ماله في كفن نفسه ، و كذلك في كفن من ذكرنا ، يلزمه إذا ماتوا .
و قال سحنون ، في (العتبية) مثل قول أصبغ ، أنه لا يلزمه الكفن في أحد ، إلاَّ في عبيده ، مسلمين كانوا أو كفارا ، هذا في القياس ، و أما في الاستحسان ، فيلزمه في الولد الصغار والبنات الأبكار ، فأما الزوجة
***(2/62)
[1/565]
و الأبوان ، فلا . وَ رَوَى عنه في الزوجة أنه استحسن أن يكفنها الزوج ، إن كانت فقيرة .
وذكر العتبي ، عن ابن الماجشونفي كفن الزوجة ، أنه على الزوج و إن كانت ملية ، و أن روايته عن مالك ، أن ذلك عليه ؛ إنما هو في فقرها ، و إن كانت ملية ، ففي مالها . قال : و كذلك خادم زوجته ، والعبد المخدم في قبضته ، أخدم إياه غيره ، فيموت العبد و لا مال له ، وكان ينفق عليه ، و يزكي للفطر عنه .
قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في الزوجة ، إن كانت بكرا ، فعلى أبيها ، فإن دخلت ، فليس ذلك على الأب ، و لا على الزوج ، و إن كان لها ولد ، فذلك على ولدها . قال أبو محمد : يريد في عدمها .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : ليس على الزوج تكفين زوجته الفقيرة .
ثم استحسن أم يكفنها . واختلف قوله في ابنته البكر ، وابنه الصغير ، فإذا دعي الزوج إلى البناء ، لزمه الكفن في أحد قوليه . وكفن الأمة ذات الزوج ، على سيدها ، والزوج حرا أو عبد .
و من ذهب إلى أن على الزوج الكفن ، فله أن يقول : و إن كانت أمة فذلك عليه ، كالنفقة في قول من يرى النفقة . قال غيره : و من عليك تكفينه ، فعليك جميع مصالحه إلى مواراته .
***(2/63)
[1/566]
في تقبيل الميت ، وتعجيل دفنه ،
و ا?يدان بجنازته
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بَأْسَ بتقبيل الميت قبل غسله وبعد غسله ، قد قَبَّل النبي صلى الله عليه و سلم عثمان بن مظعون ميتًا ، و قَبَّل أبو بكر النبي صلى الله عليه و سلم ميتًا .
ويستحب أن لا يحبس الميت ، و أن يوخذ في أمره ، و يسرع خراجه ، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : «أسرعوا بجنائزكم» . و قال معاذ : نهينا أن نبطي بموتانا . قال عروة : و لا يؤخر من لا يرجي خيره ، و لا يؤمن شره .
***(2/64)
[1/567]
وقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وليستأني بالغريق ، فربما غمر الماء قلبه ، ثم يفيق ، يروى ذلك عن علي بن أبي طالب ، أنه تأني به يوما وليلة .
ويكره ا?يذان بالجنازة ، إذا كان ثم من يقوم بالحمل والدفن ، ونهى عنه ابن مسعود . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : فأما خاصة إخوان الرجل ، من يحزنه أمره ، و يشركه في حزنه ، فليوذنهم . و إنما يكره إئذان العامة .
و من (العتبية) ، من سماع ابن القاسم ، وكره أن يؤذن بالجنازة على أبواب المساجد ، أو يصاح خلفه : استغفروا له ، و استخف أن يؤذن بها في الخلق ، من غير رفع صوت .
و من (المجموعة) ، قال علي ، عن مالك ، في أهل البادية ، يبعثون إلى أهل المحال حولهم ينذرونهم ، قال : إنه ليفعل ذلك في البادية والحضر ، ما لم يكن بعيدا ، فأما ما يعرف من إيذان الجيران في المحال ، و من لعله يحب أن لا يفوته ، فلا بَأْسَ به .
***(2/65)
[1/568]
في هيئة النعش وفرشه ،
وتغطية الميت بثوب ، و التقبب على نعش المرأة
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يكره إعظام النعش ، و أن يفرش تحت الميت قطيفة حرير أو قطيفة حمراء ، و لا يكره ذلك في المرأة ، و لا يفرش غلا ثوب طاهر ، و لا يجعل الطيب فوق الكفن ، و لا بَأْسَ أَنْ يجعل فوق الكفن ثوب يستره غير الكفن ، كالساج ونحوه ، و ينزع عند الجادة ، و لا بَأْسَ أَنْ يجعل على نعش المرأة البكر والثيب الساج ، أو الرداء الموشي ، أو البياض وغيره ، ما لم يجعل مثل الأخمرة الملونة ، فلا أحب ذلك .
و من (العتبية) موسى ، عن ابن القاسم : و لا يترك ستر المرأة بقبة في سفر أو حضر ، إذا وجد لذلك . و قد استحسنه عمر حين قفل بزينب زوج النبي صلى الله عليه و سلم ، و لا حد لطولها . و يكره ما أحدث من المباهاة والفخر فيه ، حتى صار عندهم يتزين به . قال مالك : و أول من فعل ذلك به زينب . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، و قال الواقدي : أول من قبب عليه النعش فاطمة بنت رسول ا? صلى الله عليه و سلم .
***(2/66)
[1/569]
وجه العمل في حمل الميت ، والمسير به ، واتباعه ، والمشي
أمامه ، و التزاحم على نعشه ، و الترجل ، و التحسر ، وهل يتبع
بنار ، أو يرفع الصوت بالدعاء له ، أو يجلس قبل أن يوضع ،
أو ينصرف قبل أن يقبر
من (العتبية) ، قال ابن القاسم : كره مالك لمن على غير وضوء أن يحمل الجنازة ، لينصرف إذا بلغت ، ولم ير به في رواية أشهب بأسا .
قال بعض أصحابنا : و ما جاء أن يتوضأ من حمله ، أى ليكون متوضئا ، حتى إذا بلغت صُلِّيَ عليها ، لا على أن حمله يوجب الوضوء ، وَ لَكِن يكره له أن ينصرف ، و لا يصلي عليه .
و من سماع ابن غانم ، قال أشهب : وحمل جنازة الصبي على الأيدي أَحَبُّ إليَّ من الدابة والنعش ، فإن حمل على الدابة ، لم أر به بأسا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بَأْسَ بحمل الجنازة على دابة ، إذا لم يوجد من يحملها . قال : و يستحب أن يحمل الرجل الجنازة من جوانب السرير الأيسر ، و هو يمين الميت ، فيضعه على منكبه الأيمن ، ثم يختم بمقدمه الأيمن ، و هو يسار الميت ، وَ رَوَى ذلك عن غير واحد من الصحابة و التابعين ، وكان مالك يوسع في ذلك ؛ أن يبدأ بما شاء ، و يحمل كيف شاء ، أو لا يحمل ، و يحمل
***(2/67)
[1/570]
بعض جوانبه ، و يدع بعضا والفضل فيما ذكرت لك .
قال مالك ، في (المختصر) : و لا بَأْسَ بحمل سريره من داخله وخارجه ، و يبدأ من أي نواحيه شاء ، و لا بَأْسَ بالعقود قبل أن يوضع ، و لا يتبع بنار ، و لا ينادي ليستغفر لها .
قال أشهب ، في (المجموعة) : كره الصحابة أن يتبع الميت بمجمر .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إنما كره ذلك تفاؤلا بالنار في هذا المقام ، أن يتبعه .
قال وسمع سعيد بن جبير ، الذي يقول : استغفروا له . فقال : لا غفر ا? لك . قال : و لا يمشي بالجنازة الهوينا ، وَ لَكِن مشية الرجل الشاب في حاجته .
قال النخعي ، كانوا يقو لون : انشطوا بها ، و لا تدبوا بها دبيب اليهود .
قال مُطَرِّف ، عن مالك : ولم يزل شأن الناس الازدحام على حمل جنازة الرجل الصالح ، ولقد انكسر تحت سالم بن عبد ا? نعشان ، وكسر تحت عائشة ثلاثة أنعش ، وذلك حسن ما لم يكن فيه أذى ، وكان الصديق والفاروق يمشون أمام الجنازة . قال ابن أشهب : والمشي خلفها من خطأ السنة . وَ رَوَى عن علي بن أبي طالب ، أن المشي خلفها أفضل . و أراه واسعا للاختلاف .
ويكره أن يشيعها راكبا ، تقدمها أو تأخر عنها ، قال النخعي : كانوا
***(2/68)
[1/571]
يكرهون . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَ لا بَأْسَ أن يرجع راكبا بعد الدفن . و من (المجموعة) ، قال ابن القاسم ، وابن نافع ، عن مالك : و مشي الرجال أمام الجنازة أفضل . قال عنه ابن نافع : و أما النساء فخلف الجنازة ، و لا يكونوا بين يديها في أعقاب الرجال ؛ لأن حامليها رجال من خلفهم . و في (كتاب) ابن القرطي : و يكون الرجال المشاة أمامها ، والركبان من خلفها ، والنساء من وراء ذلك أن يشهد نها ، ما لم يكثرن الترداد .
و لا توضع على الرقاب حتى يتكامل من يشيعها ، و لا بَأْسَ أَنْ يجلس الماشي قبل أن توضع ، و لا ينزل الراكب حتى توضع .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وكره مالك التحسر في الجنازة . و قاله ابن القاسم ، عن ابن مالك ، في (العتبية) : بئس العمل نزع الأردية في الجنائز .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و قد استخف ذلك للقرب الخاص ، و قد يفعل ذلك في العالم والفاضل الخاص من أصحابه . و قد رئي عبد ا? بن عون
***(2/69)
[1/572]
في جنازة محمد بن سيرين في قميص . وتحسر مصعب ، و هو أمير ، في جنازة الأحنف .
و قال الأعمش : أحسن من يحمل الجنازة ، الذي يمشي بين عمودي النعش ، والذي يقول : استغفروا له غفر ا? لكم . والذي يقول : ارفعوا على نسائكم . والذي يمسك النعش من خلفه . قال مُطَرِّف ، وابن الماجشون : أما الذي يمشي بين عمودي النعش ، فلا بَأْسَ به للقرب والخاص ، و يكره للعامة . و قد رئي سعد بن أبي وقاص في جنازة عبد الرحمن بن عوف بين العمودين ، قد حمل السرير على كاهله ، وفعله عمر بأسيد بن الحضير ، وفعله عثمان بسرير أمه ، وزيد بن ثابت بأمه ، وابن عمر بأبي هريرة . و أما الذي خلف النعش ، فإن كان من أهل الميت ، و أحد الأربعة الراتبين تحت النعش ، فذلك له ، و إلاَّ فلا .
و من (المجموعة) ، قال أشهب : و لا بَأْسَ بالجلوس عند القبر قبل أن توضع ، إذا كان معها من يكفي أمرها و إقبارها ، و لا بَأْسَ بانصرافهم إذا بلغت القبر ، و إن لم يقبروا إذا بقي معها من يلي ذلك ، وَ لَكِن أخشي ذريعة ذلك أن ينصرفوا عنها ، حتى لا يبقي من يكتفي به في إقبارها ، و يقول قائل لما لا يكفي : هذا يكفي .
***(2/70)
[1/573]
قال ابن القاسم ، عن مالك : لا بَأْسَ أَنْ ينصرفوا ، فأما قبل الصلاة عليها ، فلا أراه إلاَّ لحاجة ، أو لعلة . قال ابن القاسم : ذلك واسع لحاجة ، أو لغير حاجة ، وليست بفريضة ـ يريد تخصه ـ إذا قام بها غيره . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بَأْسَ أَنْ يمشي مع الجنازة ما أحب ، و ينصرف إن شاء قبل أن يصلي عليها . و قاله جابر بن عبد ا? . وله أن يجلس عند القبر قبل أن توضع ، و من وقف حتى توضع عن الأعناق ، وحتي توارى ، فحسن . و هو من عمل الناس ، و من لم يفعل ، فلا حرج .
وَ رَوَى عن سحنون ، أنه حضر جنازة ، فجلس ليدفنها ، فأتي بأخرى للصلاة عليها ، فأبى أن يصلي عليها ، و قال : حتى يفرغ ما نحن فيه .
في حمل الميت من بلد إلى بلد
قبل أن يدفن أو بعد ، و في تحوله بعد أن دفن
من قبر إلى قبر
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لا بَأْسَ أَنْ يحمل الميت من البادية إلى الحاضرة ، و من موضع إلى موضع آخر يدفن فيه . و قد مات سعيد بن زيد و سعد بن أبي وقاص بالعقيق ، فحملا إلى المدينة ، و مات سعيد بن عبد العزيز
***(2/71)
[1/574]
بالجرف ، فحمل إلى المدينة . وهذا كله رواه ابن وهب ، كما ذكر ابن حبيب . و أصيب يوم الجمل فدفن ، فرأى إنسان في المنام : انقلوه ، فنقل ، فدفن في مكان آخر .
و من (المجموعة) ، قال علي ، عن مالك : و لا بَأْسَ أَنْ يحمل الميت إلى المصر فدفن ، إن كان مكانا قريبا . و في الموطأ ذكر الذين جرف السيل قبريهما ، فنقلا إلى مكان آخر .
و من (كتاب البخارى) ، ذكر الحديث ، أن جابر بن عبد ا? قتل أبوه يوم أحد ، فدفنه جابر مع رجل آخر ، ثم لم تطب نفسه أن يتركه مع آخر في قبر . قال : فاستخرجته بعد ستة أشهر ، فإذا هو كيوم وضعته ، هنية ، غير أذنه . قال في الحديث الآخر ، و قد ذكر إخراجه وزاد : فأخرجته فجعلته في قبر على حدة .
في البكاء على الميت والنياحة ،
وخروج النساء ، و في صلاتهن ، و في الطعام
يصنع لأهل الميت
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و قد أبيح البكاء على الميت قبل الموت
***(2/72)
[1/575]
وبعده ، ما لم يرفع به الصوت ، و يكون معه كلام يكره ، أو اجتماع من النساء ، وبكي النبي صلى الله عليه و سلم و إبراهيم يجود بنفسه ، فقيل له ، فقال : «تدمع العين ، و يجزن القلب ، و لا نقول ما يسخط الرب ، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ، و وعد صدق ، وقضاء مقضي ، وسبيل مأتي ، و أن الآخر منا لاحق بالاول ، لحزنا عليك ، و وجدنا بك أشد من وجدنا وجزنا هذا ، و إنا بك إبراهيم لمحزونون» . ثم استرجع عليه الصلاة والسلام ، و أكثر من حمد ا? تعالي . ونعي إلى عائشة بعض أهلها ، فرفعت طرف خمارها ورداءها على وجهها ، وانتحبت ساعة ، ثم سكتت وقالت : لا بَأْسَ بهذه الدمعة أن تراق ، ما لم يفعل معها ما لا يصلح و لا ينبغي . و مر النبي صلى الله عليه و سلم بجنازة يبكي عليها ، من غير نياحة ، فانتهرهن عمر ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : «دعهن يا ابن الخطاب ، فإن العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد حديث» . والنياحة من بقايا أمر الجاهلية . ونهي
***(2/73)
[1/576]
عنها النبي صلى الله عليه و سلم ، و أغلظ فيها . و ينبغي أن ينهي عن ذلك ، و يضرب عليه . وضرب عمر نائحة بالدرة ، حتى انكشف رأسها ، وضرب من أصاب ممن جلس إليها من النساء . و في الحديث قال : « لعنت النائحة ، والسامعة ، والشاقة جيبها ، واللاطمة وجهها » . و يطره اجتماع النساء للبكاء سرا أو علانية ، و قد نهي عمر النساء في موت أبي بكر أن يبكين ، وفرق جمعهن . و كذلك في موت خالد بن الوليد ، ونهي عمر أهله أن يبكوا عليه . وقيل : إنه قيل : دعهن يذرفن من دموعهن على أبي سليمان . و نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن لطم الخدود ، وشق الجيوب ، وضرب الصدور ، والدعاء بالويل والثبور . و قال : «ليس منا من خلق ، و لا
***(2/74)
[1/577]
فرق ، و لا دلق ، و لا سلق» . وذلك حلق الشعر ، وتخريق الثياب ، ودلق : ضرب الخدود ، وتمريش الوجوه ، وسلق : الصياح في البكاء ، والقبيح من القول . وقوله : {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (الممتحنة : 12) . قال الحسن : لا يَنُحْنَ ، و لا يَشْقُقْنَ ، و لا يَخْبِشْنَ وَجْهًا ، و لا ينشرن شعرا ، و لا يَدْعِينَ وَيْلاً .
ويكره خروج النساء في الجنائز ، و إن كن غير نوائح ، و لا بواك ، في جنائز الخاص من قرابتهن وغيرهم . و ينبغي للإمام منعهن من ذلك ، و قال النبي صلى الله عليه و سلم لمن رأي منهن : «ارجعن مأزورات غير مأجورات» .
و من (العتبية) ، ابن القاسم ، عن مالك ، وعن النساء
***(2/75)
[1/578]
يخرجهن على الجنائز ، على الرحائل و مشاة . قال : قد كن يخرجن قديما ، و قد خرجت أسماء تقود فرس الزبير وهي حامل ، و ما أرى بأسا إلاَّ في الأمر المستنكر .
قال أشهب : و إذا صلى النساء على الجنازة ، صلين خلف صفوف الرجال ، كالمكتوبه .
و من (المجموعة) ، قال ابن نافع ، عن مالك ، و هو في (العتبية) من سماع أشهب ، في بعث الطعام لأهل الميت : إن كان ليس في ذلك نياحة فليبعث ، و أرى أن يمنع النساء من شق الجيوب ، وضرب الوجوه ، وشبه ذلك . و قال في رواية أشهب : إنه ليغظني ، وَ لَكِن لا يقدر على تغيير ذلك إلاَّ السلطان .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : أخبرني مُطَرِّف أن مالكا لم ير بأسا بأرسال الطعام إلى أهل الميت ، من الجار والصديق ، عند شغلهم بميتهم ، إلاَّ أن يرسل لاجتماعهم للنياحة ، فيكره ذلك .
و قال عليه الصلاة والسلام ، في نعي جعفر : «اصنعوا لأهله طعاما ، وابعثوا به إليهم ، فقد جاء ما يشغلهم» .
***(2/76)
[1/579]
في شهود الجنائز وفضلها
و هل يقام للجنازة إذا أقبلت
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : روى أن أول ما يجزى ا? به وليه المؤمن ، أن يغفر لكل من شيعه ، و صُلِّيَ عليه . وَ رَوَى أنه لم يجتمع مائة لميت ، يجتهدون له في الدعاء إلاَّ غفرت ذنوبه بهم . و قد روى نحوه ، في أربعين رجلا يصلون عليه . وَ رَوَى أنه صلى ا? عليه و سلم كان إذا دعي إلى جنازة ، سأل عنها ، فإن أثني عليها خيرا ، صُلِّيَ عليها ، و إن أثني عليها شرا ، قال لأهلها : «شأنكم بها» . ولم يُصَلِّ عليها .
قال مالك : وكان مجاهد و سليمان بن يسار يقولان : شهود الجنائز أفضل من صلاة النوافل ، والجلوس في المسجد .
و قال ابن المسيب و زيد بن أسلم : النوافل و الجلوس في المسجد أفضل .
***(2/77)
[1/580]
حتى إنه لم يخرج سعيد من المسجد إلى جنازة علي بن حسين ، و رأى أن ما فعل أفضل ، وانقلع الناس من المسجد لشهوده ، إلاَّ سعيد . وكان مالك يري ذلك ، إلاَّ في جنازة الرجل الذي يرجي بركته ، فإن شهوده أفضل .
وذكر في (العتبية) ابن القاسم ، عن مالك مثله ، و قال : إلاَّ أن يكون حق ، من جوار ، أو قرابة ، أو أحد يرجي بركة شهوده . يريد في فضله . قال ابن القاسم : ذلك ، في جميع المساجد . وذهب ابن القرطي ، إلى أنه في الجامع خاصة .
و قال ابن وهب ، عن مالك ، فِي مَنْ مات ، وكان يعرف بالفسق والشر ، قال : لا تشهده ، ودع غيرك يصلي عليه .
و قال ابن المسيب : رب جنازة ملعونة ، ملعون من يشهدها .
و من (المجموعة) ، قال علي : روى مالك ، أن النبي صلى الله عليه و سلم ، كان يقوم في الجنازة ، ثم جلس بعد . وبه يأخذ مالك ، أن يجلس و لا يقوم . قال علي : و هو أَحَبُّ إليَّ . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال ابن الماجشون في قوم جلوس ، ينتظرون جنازة : فليس عليهم واجبا إذا رأوها أقبلت أن يقوموا قربت
***(2/78)
[1/581]
منهم أو بعدت ، وَ لَكِن القيام لها من عمل البر ، يؤجر فاعله ، و لا شيء عَلَى مَنْ لم يعمل به .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن مرت به ، فلا يعرض عنها ، فإن ذلك من الجفاء في الأدب والدين ، و قد روي فيه ، أن يقف حتى تلحقه ، و ما روي أن النبي عليه السلام ، كان يقوم في الجنازة ، ثم جلس بعد ، إنما هو توسعة على أمته ، فمن جلس ، ففي سعة ، و من قام ، فمأجور ، و كذلك إلى أن يقبر . و قال غيرة : القيام لها منسوخ .
في الاستكانة في الجنازة ،
و كراهة الضحك فيها
من كتاب ابن حبيب : و يكره الضحك ، و الاشتغال فيها بالحديث والخوض . وكان يرى على النبي صلى الله عليه و سلم فيها كآبة ، و يرون أنه يحدث نفسه بأمر الموت ، و ما هو صائر إليه .
و تَأَلَّى ابن مسعود أن لا يكلم رجلاً رآه ضحك في جنازة . وسمع أبو قلابة فيها صوت قاص ، فقال : كانوا يعظمون الموت بالسكينة . قال مُطَرِّف بن عبد ا? : وكان الرجل يلقي الخاص من إخوانه في الجنازة ، له عنه عهد ، فما يزيده على التسليم ، ثم يعرض عنه ، حتى كأن له عليه موجدة ، اشتغالا بما هو فيه ، فإذا خرج من الجنازة ، ساءله عن حاله ،
***(2/79)
[1/582]
و لاطفه ، وكان منه أحسن ما كان يعهد . و من (العتبية) من سماع أشهب ، قال أسيد بن الحضير : لو كنت في حالتي كلها مثلي في ثلاث مواطن ؛ إذا ذكرت النبي صلى الله عليه و سلم ، و إذا قرأت سورة البقرة ، و إذا شهدت جنازة ، ما شهدت جنازة ، فحدثت نفسي إلاَّ بما تقول و يقال لها حتى أنصرف .
فِي مَنْ هو أحق بالصلاة على الميت ،
من أوليائه ، وكيف إن قدم أقربهم أجنبيا ،
أو أوصي به الميت ، و من أولي بإنزال المرأة في قبرها
و من قول مالك و أصحابه ، مما ذكر ابن عبدوس في كتابه ، وابن حبيب في كتاب ، وذكره عدد كثير من أصحاب مالك ، وكتاب ابن حبيب أوعب ، أن الابن وابن الابن ، أولي بالصلاة على الجنازة من الأب ، و الأب أولي من الأخ ، و الأخ أولي من ابن الأخ ، وابن الأخ أولي من الجد ، والجد أولي من العم ، والعم أولي من ابن العم ، وابن العم ـ و إن بعد ـ أولي من مولي النعمة ، وكلهم أولي من الزوج ، و هو أولي بإنزالها في قبرها .
قال سحنون في كتاب ابنه : و يغسلها إن شاء ، من غير ضرورة . و قد تقدم هذا .
***(2/80)
[1/583]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن أراد الأقعد من الأولياء أن يوكل بالصلاة أجنبيا ، فذلك له ، و ليس لمن تحته من أولياء كلام ، كالنكاح يوكل به . قاله ابن الماجشون ، و أصبغ .
و من (العتبية) : روي أشهب ، عن مالك ، في مولي لامرأة ماتت ، فقدم ابنها ابن عم له ، بصلي عليها ، فقال له ابن أخي المرأة : أنا أحق ممن قدمت ، و أنت صبي لا أمر لك . قال : هو كما قال ابن أخي المرأة ، وذلك له .
وفي سماع ابن القاسم ، ابنها أحق بالصلاة عليها من أخيها . قال ابن عبد الحكم : فإن أراد ابنها أن يستخلف غيره ، كان عصبة المرأة أولي من المستخلف . و من (العتبية) : قال عبد ا? بن عمر بن غانم ، عن مالك : و إذا أوصيى الميت يصلي عليه رجل ، و وليه حاضر ، فالموصي إليه أحق ، و مازال الناس يختارون لجنائزهم أهل الفضل ، من الصحابة و التابعين ، وكان الناس يتبعون أبا هريرة و ابن عمر لذلك .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ينبغي لولي الميت إذا حضر رجل له فضل أن يقدمه وكلم علي بن أبي طالب ، رضي ا? عنه ، في جنازة ، يصلي عليها ، فقال :
***(2/81)
[1/584]
إنا لقائمون ، و ما يصلي على رجل إلاَّ عمله . قال علي ، عن مالك ، في (المجموعة) : و ينبغي أن يفعل ذلك من سئل غيه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : والموصي إليه بالصلاة أولي من أولياء ، و من الولي لو حضر . و قد ذكر هذا عن مالك ، في كتاب آخر ، قال مالك ، في سماع ابن وهب ، فِي مَنْ أوصي أن يصلي عليه مولاه ، وله أقارب ، قال : أرى أن يطاع ، ولعله رغب في صلاحه . و من (المجموعة) : قال سحنون : الموصى إليه بالصلاة أحق من الولي ، و قد قال مالك : إذا أوصى على خير ، ولم تكن عداوة بينه وبين وليه ، فذلك نافذ ، و إن كان لعداوة بينهما ، لم يجز ، والولي أحق .
قال سحنون في المرأة : يدخلها زوجها في قبرها مع ذى محرم منها ، و يكون زوجها في وسطها ، فإن لم يكن لها قرابة ، فالنساء يلين ذلك ، فإن لم يكن ، فأهل الصلاة من الرجال . قال ابن القاسم : إن لم يكن لها قرابة ، فأهل الصلاح من الرجال . ولم يذكر النساء . وا? أعلم .
في الجنازة يحضرها الأمير ، والقاضي ، و إمام الصلاة ،
أو من له الفضل ، مع أوليائها ، و في الجنازتين تحضران ،
لكل واحدة ولي ، من أحق بالصلاة في ذلك كله
من (الواضحة) : و إذا حضر الجنازة الوالي الأكبر الذي تؤدي إليه الطاعة ،
***(2/82)
[1/585]
فهو أحق بالصلاة عليها من أوليائها ، و ليس ذلك لقاضيه ، و لا لصاحب شرطته ، و لا غيره ، و إن كانت الصلاة إليهم . و قال ابن القاسم : إن ذلك لكل من كانت إليه الخطبة . و قال مُطَرِّف بن عبد ا? ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغ : إن ذلك ليس لمن إليه الصلاة ، من صاحب شرطته ، أو قاض ، أو خليفة الوالي الأكبر على الصلاة ، و إنما ذلك للأمير الذي تؤدي إليه الطاعة . قال : و لما مات الحسن بن علي ، قدم عليه الحسين سعيد بن العاص ، أمير المدينة يومئذ .
و من (المجموعة) قال ابن القاسم ، و علي : قال مالك : و إمام المصر إذا حضر أحق من الوالي ، و كذلك القاضي ، و صاحب الشرطة ، إن كانت الصلاة إلى من كان منهما . قال سحنون : و من إليه الصلاة ، من قاض أو صاحب شرطة ، أولي من الوالي إذا حضر ، و كذلك أمير الجند ، إذا كانت الخطبة ، والقاضي إذا لم تكن له الصلاة ، كغيره من الناس في هذا ، و من وكله أمير الجند على الصلاة ، و ليس للذي وكله شرطه ،
***(2/83)
[1/586]
و لا ضرب حد ، و لا صرة ، فلا حكم لهذا في الصلاة ، و إنما يكون صاحب الصلاة والمنبر أحق من الأولياء ، إذا كان سلطان الحكم ، من قضاء ، أو شرطة ، و إلاَّ فهو كسائر الناس في ذلك .
قال عبد الملك بن الحسن ، عن ابن وهب : و إذا حضر القاضي فهو أحق من الوالي ، و ليس هو كصاحب الشرط في هذا . قال : و إن حضر القرشي ، وله والصلاح ، فأحب لوليه أن يقدمه .
و من (العتبية) ، قال ابن القاسم : قال مالك : و قد صلى صهيب على عمر . و قال في رواية أشهب : أظن ذلك لأنه قال : يصلي لكم صهيب ، ثلاثا . قال مالك ، في جنازة رجل و جنازة امرأة حضرا : فليجمعا في صلاة واحدة ، و أحق بالصلاة . عليهما من أوليائهما من له الفضل و السن ، كان من أولياء المرأة أو من أولياء الرجل ، و كان الناس يتخيرون لجنائزهم أهل الفضل .
و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال ابن الماجشون : إن أولياء الرجل أحق بالصلاة عليهما ، و قد فعل ذلك يوم ماتت أم كلثوم بنت علي ، و مات ابنها زيد
***(2/84)
[1/587]
ماتا معًا و حضر ابن عمر ، و الحسين فقدم ابن عمر ؛ لأنه ولي ابنها زيد .
ما يجب من الصلاة على الجنازة ،
و عدد التكبير عليها ، و أين يقف ا?مام منها ،
واختلف في الصلاة على الجنازة ، فقيل : فريضة يحملها من قام يها لقول ا? تعالي : {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} (التوبة : 84) ، فدَلَّ ذلك على أنه مأمور بالصلاة على غيرهم . و قاله غير واحد من البغداديين من أصحابنا .
و قال أشهب : واجب على الناس الصلاة على موتاهم . قال سحنون في كتاب ابنه : الصلاة عليها فرض يحمله بعضهم عن بعض ، فمن حضر قام به ، فإن لم يحضروا جميعا ، كانوا تاركين لفرض . و قال أصبغ : الصلاة على الموتى سنة واجبة . قال عبد العزيز بن أبي سلمة : وكل تكبيرة من صلاة الجنازة كركعة من الصلاة ، و أكثر الفرائض أربع ركعات ، واختار على الجنائز أربع تكبيرات .
***(2/85)
[1/588]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، وغيره : و قد كبر النبي صلى الله عليه و سلم على النجاشي أربعا ، و كذلك على قبر السوادء ، ثم استقر فعله على أربع ، و مضي به عمل الصحابة . و من (العتبية) : قال ابن القاسم ، عن مالك : و إن كان ا?مام ممن يكبر خمسا ، فليقطع المأموم من بعد الرابعة و لا يتبعه . و كذلك في سماع ابن وهب ، قال ابن المواز : قال ابن القاسم : يقطع و لا يتبعه . و قال أشهب : يسكن ، ف‘ذا كبر الخامسة سلم بسلامه . و كذلك روى ابن حبيب ، عن ابن الماجشون ، عن مالك ، و قال به هو وَ مُطَرِّف كقول أشهب .
***(2/86)
[1/589]
و من (المجموعة) ، قال أشهب : و إذا كبر المأموم الخامسة مع ا?مام ، فلا تجزئه مما فاته ، وليقضها . وخالفه أصبغ ، و هو في باب بعد هذا .
و من (العتبية) ، أشهب ، عن مالك : والرفع في كل تكبيرة واسع .
قال عنه ابن وهب في سماعه : إنه استحب رفع اليدين على الجنازة في كل تكبيرة ، وذكره ابن حبيب ، واختاره ، وذكر أن أَحَبُّ إليَّ مُطَرِّف ، وابن الماجشون ، الرفع في الأولى فقط . قال ابن عبدوس : وَ رَوَى علي عن مالك ، أنه استحب أن لا يرفع إلاَّ في الأولى فقط . قال ابن القاسم : و كذلك رأيته يفعل إذا صلى على الجنازة . وذكر حبيب ، أن ابن القاسم ، لم يكن في الأولى . قال أبو محمد : والمعروف عن ابن القاسم ، أنه يرفع في الأولى ، بخلاف ما ذكر عنه ابن حبيب .
قال أشهب ، في (المجموعة) : و يقف ا?مام من الميت ، عند وسطه أَحَبُّ إليَّ ، وذلك واسع ، و إن تيامن إلى صدره ، فحسن .
وفي (المدونة) ، وَ رَوَى عن ابن مسعود ، أنه يقف في المرأة عند منكبيها . و في كتاب آخر ، روى عن أبي هريرة ، أنه يقف في المرأة عند
***(2/87)
[1/590]
وسطها . و قال : ولأنه يسترها على الناس ، وَ رَوَى سمرة ، أن النبي صلى الله عليه و سلم فعله على امرأة .
ورأيت لابن غانم أنه روى عن مالك ، أنه يقف عند وسط المرأة .
قال ابن القرطي : وحيث وقف ا?مام من الجنازة في الرجل والمرأة ، جاز .
و من (العتبية) ، ابن القاسم ، عن مالك : و يسلم واحدة ، يسمع نفسه و من يليه ، و يسلم من خلفه في أنفسهم . يريد متكلمين . قال : و إن أسمعوا من يليهم ، فلا بَأْسَ . وَ رَوَى عنه ابن غانم ، أن يرد على ا?مام من سمع سلامه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مالك : و ليس عليهم رد السلام على ا?مام .
قال مالك في (المجموعة) : وبلغني أن ابن عمر ، كان يسلم في
***(2/88)
[1/591]
الجنازة . و إني لأستحب ذلك . و من غير (العتبية) ، قال ابن القاسم : و إذا لم يكن في صلاة الجنازة إلاَّ نساء ، صلين عليها أفذاذا . و من كتاب آخر ، و أشهب يقول : تؤمن واحدة منهن ، تقوم وسطهن .
ذكر الدعاء للميت في الصلاة عليه ، وترك القراءة ،
وهل يدعي بعد الرابعة ، و ما يدعي به للطفل
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، قال مالك : ليست القراءة على الجنازة مما يعمل به ببلدنا . و كذلك في سماع ابن وهب ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَ رَوَى ترك القراءة عليها عن علي ، و عمر ، و ابن عمر ، و جابر ، و أبي هريرة ، و كثير من الصحابة ، و كثير من التابعين ، و إنما قال النبي صلى الله عليه و سلم : « أخلصوا بالدعاء » . قال ابن القاسم ، في (المجموعة) : و إذا والى ا?مام بين التكبير ، ولم يدع ، فليعد الصلاة عليها . قال سحنون : و يدعو بعد الرابعة ، كما يدعو بين كل تكبيرتين ، ثم يسلم .
وفي غير موضع لأصحابنا : إذا كبر الرابعة سلم . و كذلك في كتاب ابن
***(2/89)
[1/592]
حبيب ، وغيره ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَ رَوَى أن ابن عمر ، كان يدعو بعد الرابعة لنفسه و لوالديه .
قال أشهب في (المجموعة) : لا يجهر ا?مام ، و لا من خلفه بشيء من الدعاء ، و إن أسمع ذلك إلى من يليه ، فلا بَأْسَ به .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : وَ رَوَى في الدعاء على الميت روايات ، فيها من الدعاء ما يقرب بعضه من بعض ، وكل ما دعي به من ذلك ، حسن مجزئ .
قال مالك في (المختصر) : يجتهد للميت بالدعاء بما تيسر ، و لا قراءة في ذلك . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و أَحَبُّ إليَّ أن يخص الميت بالدعاء .
قال : و يثني على ا? تعالى و يصلي على نبيه ، في التكبيرة الأولى ، ثم يدعو للميت ، ثم يدعو له في الثانية ، و إذا كبرت الثالثة ، قلت : اللهم اغفر لحينا و ميتنا . إلى آخر ما ذكرناه ، ثم أكبر الرابعة ، ثم أسلم تسليمة تلقاء وجهي ، أتيامن قليلا ، أسمع بها نفسي ، و من يليني ، وكان ابن مسعود ، يكرر الدعاء للميت ، في كل تكبيرة ، وكان ابن عمر يدعو لنفسه و لوالديه بعد الرابعة .
***(2/90)
[1/593]
قال عبد ا? : و قد جمعت مما عن السلف ، من الدعاء للميت ، مما في كتاب ابن حبيب ، وغيره مما جاء عن ابن مسعود ، و أبي هريرة ، و عوف بن مالك ، و عن عثمان ، و عن غيره ، و جعلت فيه ، ما استحسن ابن حبيب ، و غيره ، من الثناء على ا? سبحانه ، والصلاة على نبيه ، و ذلك أن يقول إذ كبر الأولى : الحمد ? الذي أضحك و أبكي ، و الحمد ? الذي أمات و أحيا ، والحمد ? الذي يحيي الموتى . اللهم صل على محمد ، و على آل محمد ، كما صليت على إبراهيم ، و آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم إنه عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك ، كان يشهد أن لا إله إلاَّ أنت ، و أن محمدا عبدك ورسولك ، و أنت خلقته ، و أنت هديته للإسلام ، و أنت أمته ، و أنت تحييه ، و أنت أعلم بسره و علانيته ، جئنا سفعاء له ، فشفعنا فيه ، اللهم إنا نستجير . يحيل جوارك له ، إنك ذو وفاء له وارحمه ، و اعف عنه وعافه ، و أكرم نزله ، و وسع مدخله ، واغسله بماء وثلج وبرد ، ونقه من الخطايا والذنوب ، كما ينقي الثوب
***(2/91)
[1/594]
الأبيض من الدنس ، و أبدله دارا خيرا من داره ، و أهلا خيرا من أهله ، وزوجا خيرا من زوجه . و لا تقل في المرأة ، و أبدلها زوجا خيرا من زوجها . إذ قد تكون له زوجة في الجنة ، فتكون مقصورة عليه . و أفسح له في قبره ، و ألحقه بنبيه ، و أنت راض عنه ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه ، و إن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته ، اللهم وجاف الرض عن جنبيه ، وافتح أبواب السماء لروحه ، و لا تحرمنا أجره ، و لا تفتنا بعده ، اللهم إنه قد نزل بك ، و أنت خير منزل به ، وترك الدنيا وراء ظهره ، وافتقر إلى رحمتك ، و أنت غني عن عذابه ، اللهم جازه بإحسانه إحسانا ، وبسيئاته غفرانا ، وثبت عند المسأله منطقه ، و لا تبتله في قبره بما لا طاقة له به . وتقول هذا الدعاء في كل تكبيرة ، فإذا كبرت الرابعة ، قلت اللهم اغفر لحينا و ميتنا . وحاضرنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا و أنثانا ، إنك تعلم متقلبنا و مثوانا ، اللهم من أحيينه منا ، فأحيه على ا?سلام ، و من توفيته منا ، فتوفه على ا?يمان ، و اجعل في الموت راحتنا ، و قرة أعيننا ، و أسعدنا بلقائك ، و اغفر لنا و لوالدينا ، ولسلفنا الصالح ، و أئمتنا ، و من سبقنا با?يمان ، و للمؤمنين والمؤمنات ، الأحياء منهم و الأموات . و يسلم ، و أما الدعاء للمرأة ، فمثل ذلك ، و يجرى ذكرها
***(2/92)
[1/595]
على التأنيث ، و لا يقل : و أبدلها زوجا خيرا من زوجها . على ما ذكرنا .
و أما الدعاء للطفل ، قال ابن وهب ، عن مالك ، في (المجموعة) : يسأل ا? له الجنة : و يستعاذ له من النار ، ونحو ذلك من الكلام ، كما روى عن أبي هريرة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : يكبر الأولى فيقول ما ذكرنا من حمد ا? ، والصلاة على نبيه فقط ، ثم يكبر الثانية و يقول : اللهم إنه عبدك ، وابن عبدك ، أنت خلقته ، و أنت قبضته إليك ، و أنت عالم بما كان عاملا به وصائرا إليه ، اللهم جاف الأرض عن جنبيه ، و أفسح له في قبره ، وافتح أبواب السماء لروحه ، و أبدله دارا خيرا من داره ، و أعذه من عذاب القبر ، وعذاب النار ، وصيره إلى جنتك برحمتك ، و ألحقه بصالح سلف المسلمين ، في كفالة إبراهيم ، واجعله لنا ولأبويه سلفا وذخرا ، وفرطا و أجرا . و في موضع آخر : وثقل به موازينهم و أعظم به أجورهم و لا تحرمنا و إياهم أجره ، و لا يفقتنا و إياهم بعده . تقول ذلك بإثر كل تكبيرة . و يدعو بعد الرابعة بما ذكر ، على مذهب من يدعو بعد الرابعة .
***(2/93)
[1/596]
في الصلاة على الصغير ، و المنفوس المستهل ، و غسله ، و هل
يصلى عَلَى مَنْ لم يسهل ، و على السقط ، و في المرأة الكافرة تموت
و هي حامل من مسلم
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، وغيره : قال مالك : و يصلى على المو لود ، إذا استهل صارخا بالصوت . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن كان خفيا ، غسل وصلي عليه ، و صلى النبي صلى الله عليه و سلم على ابنه إبراهيم ، ابن ستة عشر شهرًا . و قد تقدم ذكر الدعاء للطفل .
و من (العتبية) ، قال أشهب : سئل مالك عن الصلاة على المنفوس في المنزل قال : ما علمت ذلك . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مُطَرِّف : كره مالك ذلك . وَ رَوَى مُطَرِّف عن العمرى ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه صلى على صبي في جوف داره ، ثم أرسله إلى المقبرة ، ولم يتبعه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : أرى ذلك من عذر ، لأنه كبر وذهب بصره . قال : و ليس العطاس باستهلال ، و لا الرضع و لا الحركة ، و إن أقام يوما يتحرك و يتنفس ، و يفتح عينيه حتى يسمع له صوت ، و إن كان خفيفا فيجب له حكم
***(2/94)
[1/597]
الموارثة ، والصلاة عليه ، و إلاَّ فهو كالسقط . و من كتاب آخر ، أن ابن وهب يرى الرضع ، كالاستهلال بالصراخ . و من (المجموعة) ، ابن القاسم ، عن مالك : لايرث ولايورث ، و لا يسمى ، ولايغسل ، و لا يصلي عليه ، حتى يستهل . قال ابن الماجشون : بالصراخ ، و هو ما لا بد منه ، إن كان حيا لا يرضع ، و لا يتبين له حياة إلاَّ والصراخ قبلها ، فأما العطاس ، فيكون من الريح ، ليس بفعله . والبول يكون من استرخاء المواسك ، و يكون من الميت ، والصراخ فعل الحي .
قال غيره : و ليس الحركة دليل الحياة البينة ، و قد كان يتحرك في البطن .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا أحب دفن السقط ، و من لم يستهل إلاَّ في المقبرة ، و لا بَأْسَ أَنْ يغسل عنه الدم ، و يلف في خرقة و لا يحنط ، و إن دفن في المنزل فجائز . و كذلك روى علي بن زياد ، عن مالك ، في (المجموعة) ، أن يغسل عنه الدم ، لا كغسل الميت .
قال ابن عبدوس : قال علي ، عن مالك ، في أم ولد المسلم تموت نصرانية حاملا منه قال : يليها أهل دينها ، وتدفن في مقابرهم ؛ لأنه لا
***(2/95)
[1/598]
حرمة لجنينها حتى يولد .
في النفساء تموت و قد استهل منفوسها ، أو لم يستهل ،
هل يحمل معها ، أو يجمعان في الصلاة ؟
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا بَأْسَ إذا ماتت النفساء أن يحمل منفوسها معها ، فإن استهل ، جعل على يسارها ، مما يلي ا?مام إذا وقف للصلاة عليها ـ يريد إن كان ذكرا ـ و إن كان لم يستهل ، جعل عن يمينها ، أو ناحية من النعش ، لتكون هي تلي ا?مام ، و ينوي بالصلاة والدعاء المرأة وحدها في هذا ، و لا بَأْسَ أَنْ يدفن معها ، إن شاءوا في اللحد أو في ناحية منه ، أو في لحد آخر ، استهل أو لم يستهل .
في حكم الصغير من السبي يسلم ، أو يسلم أحد
أبويه ، أو ينوي مبياعه إدخاله في ا?سلام في الصلاة عليه إن مات ، و في الموارثة ، والقود ، وغيره ، و إسلام الكبير
الأعجمي عن تعليم
قال ابن عبدوس : روى ابن القاسم ، عن مالك ، في الصغير ـ يريد الكتابي ـ يسبي ، فيبتاعه رجل أو يقع في سهمه ، فمات عنده ، فلا يصلي عليه .
***(2/96)
[1/599]
قال ابن القاسم : و كذلك إن نوى سيده ، أن يدخله في ا?يلام . و قال ابن الماجشون : إذا لم يكن معه أبواه ، ولم ينته إلى أن يتدين بدين أو يدعي ، و قد ابتاعه مسلم قبله ، فله حكم المسلم في الصلاة عليه ، والدفن ، والموارثة ، والعتق ، والقود ، والمعاقلة .
قال ابن سحنون : وَ رَوَى نحوه ، معن بن عسى ، عن مالك ، أنه يصلي عليه . و قال معن بن عيسى ، في (العتبية) ، عن مالك : إذا كان مع أبويه ، لم يكره على ا?سلام ، و إن كان وحده ، أمر با?سلام . يريد من الكتابيين .
قال ابن عبدوس : رواية ابن القاسم أولي ؛ لأن لهم حكم الكفر ، وهي الأكثر والغالب ، لأنه قد ولد في دار الكفر مع أبويه ، و لا ينتقل عنه إلاَّ بإسلام أبيه ، أو قد يجيب إلى ا?سلام ، و قد عقل ا?سلام . فإن قيل : فأنت لا تبيعهم من أهل الذمة ، و لا تفاديهم بالمال . قلت : لا أفعل ؛ لأني أجبرهم على ا?سلام إذا لم يكن معهم أحد أبويهم .
و قد قال سحنون : أما مفاداة مسلم بهم ، فنعم ، و أما بالمال ، فلا .
وَ رَوَى ابن نافع ، عن مالك ، أن صغار الكتابيين ، وكبار المجوس ، يجبرون على ا?سلام ، و لا يباعون من أهل الذمة .
قال ابن الماجشون : و من سبي من الكتابيين ، من النساء و من
***(2/97)
[1/600]
المراهقين ، فليقروا على دينهم . قال هو والمغيرة : و يجبر كبار المجوس على ا?سلام .
قال سحنون : و إن كان مع الصبي الكتابي أحد أبويه ، أم أو أب ؛ كان تبعا له في دينه ، وله حكمه ، و كذلك الذمية تزني ، فولدها على دينها ، و كذلك المسبية منهم معها ولد ، فهو على دينها ، و يصدق أنه ولدها في التفرقة ، والدين ، و لا يصدق في الأنساب والمواريث .
قال سحنون : و لو سبيت و معها بنت ، كان لنا أن نفاديها بالمال ، و لو لم تكن الأم معها ، لم تفادي بمال ؛ لأنا نجبرها على ا?سلام . قال ابن القاسم ، عن مالك ، من مات من صغار الكتابيين من السبي ، لم يصل عليه حتى يجيب إلى ا?سلام بأمر يعرف .
قال ابن القاسم : إذا كان ممن يعقل ما أجاب إليه . و كذلك ذكر في (العتبية) ، عن مالك ، قال : و لا تنفع نية مالكه أن يجعله في ا?سلام .
قال عنه ابن وهب : إذا قال : لا إله إلاَّ ا? . عن تعليم ، صلي عليه . قال عنه علي : و إذا صلى الصبي من السبي ، ثم مات ، صلي عليه . وَ رَوَى هو وابن القاسم ، عن مالك ، أنه إن اشتري مع أحد أبويه ، فأسلم من معه منهما ، أنه يصلي عليه إن مات ، و إن اشتري صبيا ليس معه أحد أبويه ، فصلى قبل أن يبلغ الحلم ، ثم مات صُلِّيَ عليه ،
***(2/98)
[1/601]
و كذلك إن أجاب إلى ا?سلام بأمر يعرف . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إذا عرف ما أجاب إليه .
قال ابن وهب ، في كتاب آخر : إسلام الأم إسلام لولدها .
قال سحنون : إن لم يكن معه أبوه فهو على دين أمه ، و كذلك الذمية تأتي بولد من زنى ، فهو على دينها .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : من كان من صغار الكتابيين ، وكبار المجوس ، فإذا ملكه مسلم ، و نوى به ا?سلام ، ثم مات بحدثان ملكه وفوره ، فلا يصلى عليه ، و لا يجزئ في تلك الحال عتقه عن رقبة واجبة ، و أما إن ارتفع عن حداثة ذلك وفوره ، و قد شرع الصغير شريعة ا?سلام ، و زياه بزيه ، و إن لم يبلغ مبلغ الفهم لما أريد منه ، فهو في تلك الحال يجزئ في العتق الواجب ، و يصلى عليه إن مات ، و يوارث و يقاد له ، و يؤخذ من عاقلته الدية في الخطأ ؛ لأنه ممن يجبر علي ا?سلام ، إن كبر و هو علي دين مالكه ، هذا إن لم يكن مع الكتابي أبوه ، و لا يلتفت إلى أمه ، فإن كان معه أبوه ، فحكمه حكمه في ا?سلام و الكفر ، كانا في ملك واحد أو في ملكين . قاله كله مطرف ، و ابن الماجشون ، و ذكراه ، عن مالك ، و غيره ، و قاله أصبغ . و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إنما هذا في صغار المجوس ، و أما في
***(2/99)
[1/602]
صغار الكتابيين ، فحتى يكبر و يجيب إلى ا?سلام ، أو يكون بإسلام أبيه مسلما . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و هذا في من ولد في ملك المسلمين ، من الكتايين ، و لا يجبر علي ا?سلام ، فأما من سبي منهم ، ليس معه أبوه ، فهو كالصغير المجوسي ، و أما الكبير المجوسي يسبى ، فلا يصلى عليه إن مات ، و لا يجزئ في رقبة واجبة ، حتي يسلم بقول ، أو عمل يفهم عنه به قصد ا?سلام ، غير أنه يكره كبار المجوس علي ا?سلام ، و لا يكره كبار الكتابيين ، و لم يختلفوا في هذا ، و لا في أنه يمنع الكتابييون من شراء سبي المجوس ، من صغار و كبار ، و من شراء صغار سبي الكتابيين .
و قال مالك : و من اشترى حاملا من السبي ، فولدت عنده ، فمات ولدها ، فلا يصلى عليه . قال ابن حبيب : لأنه ولد عندنا . قال سحنون ، و غيره : بل إنما هذا لأنا نجعله على دين من معه ، من أبويه .
قال ابن عبدوس : وروى ابن القاسم ، عن مالك ، في عتق الرضيع ، أن من صلى و صام ، أحب إلي ، و إن فعل لقصر النفقة أجزأه . و كذلك قال في عتق الأعجمي : يشتريه . يريد و هو كبير ـ من غير أهل الكتاب . و رواه عنه أشهب ، أنه يجزئه الرضيع في كفارة اليمين ، و أما
***(2/100)
[1/603]
في القتل ، فهو أيضا يجزئه ، و لكن من صلى و صام في القتل أحب إلي . قال ابن القاسم ، و أشهب : و لا يعتق مجوسيا عن واجب حتى يعقل ا?سلام ، و ينحو نحوه . و قاله سحنون . و قال : لا يجزئه الصغير العجمي ، إلا أن يجيب إلى ا?سلام ، و أما الرضيع ، فإن كان سبي و معه أحد أبويه مسلما ، أجزأه ، و إلا لم يجزه إن كان وحده .
و قد تقدم ذكر الصغير يسلم أحد أبويه .
قال ابن عبدوس : و اختلف في هذا الأصل في قولهم ، فمرة يجعلونه في حكم المسلمين ، و مرة يرفعونه إلى بلوغه .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و أشهب : إذا أسلم الصغير ، و قد عقل ا?سلام ، فله حكم المسلمين في الصلاة عليه ، و يباع على النصراني ، إن ملكه ؛ لأن مالكا قال : لو أسلم و قد عقل ا?سلام ، ثم بلغ فرجع ، جبر عليه . قال أشهب : و إن لم يعقل ذلك ، و لا بلغ مبلغه لم أجبر الذمي على بيعه ، و لا يؤخذ الصبي بإسلامه ، إن بلغ . و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في صبية مجوسية لم تحض : فلا يطأها من ملكها ، حتى يجبرها على ا?سلام ، إذا كانت تعقل ما يقال لها ؛ فجعل إسلامها حينئذ يبيح وطأها . و أنكره سحنون ، و قال : يحتاط في الوطء إلى أن تبلغ ، و تثبت على إسلامها .
و قال ابن القاسم ، في الصبي الذمي الذي زوجه أبوه مجوسية ، فأسلم الصبي : إنه لا يعجل الفرقة بينه و بين زوجته حتى يبلغ ، و يقيم
***(2/101)
[1/604]
على إسلامه ، إذ لو ارتد قبل الحلم لم يقتل . فلم ير إسلامه يوجب الفرقة . فينبغي لو مات بعد أن أسلم ، أن ترثه زوجته ، و لو أسلمت زوجته و هي صغيرة ، وقعت الفرقة بإسلامها ، كما تباع عليه لو كانت أمة . قال ابن عبدوس : فكيف تقع الفرقة بإسلامها ، و لا تقع بإسلامه في صغرهما ؟ و قال سحنون : في إسلام الزوج اختلاف من أصحابنا . قال المغيرة : إذا أسلم ابن اثني عشر سنة ، و أبواه كافران كارهان لذلك ، ثم مات ، قال : و هو مسلم و لا يرثانه ، و قد أجاز عمر وصية من في سنه ، و هو ممنوع من ماله . قال سحنون مثله ، و أنه أحسن ما سمع ، و ميراثه للمسلمين .
قال المغيرة : و لو مات الأب و الولد حتى أوقف ميراثه ، فإن رجع الغلام نصرانيا قبل يبلغ ورث أباه و إن لم يبلغ ، و إن مات قبل البلوغ ، فميراث الأب لورثته دون الغلام .
و قال مالك ، في من أسلم و له ولد مراهق : فليوقف ميراثه منه إلى بلوغه ، فإن أسلم أخذه ، و إلا لم يرثه .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و لا ينظر إلى قوله قبل يبلغ : إني أسلم . أو : لا أسلم .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال ابن وهب ، عن مالك ، في عبد أو أمة لا
***(2/102)
[1/605]
تعرف ا?سلام ، فقيل لها : قولي : لا إله إلا ا? . ففهمتها و قالتها بإشارة أو بغير إشارة : فإنه يصلى عليها و إن لم تصل .
و من ( الْعُتْبِيَّة ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إذا شهد الأعجمي : لا إله إلا ا? . عن تعليم ، ثم مات ، صلي عليه و إن لم يصل .
في الصلاة علي المرتد الصغير ، و من أسلم في صغره ،
ثم رجع بعد بلوغه أو قبل ، أو أسلم الأب و ثبت الولد كافرا
قال ابن عبدوس : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و من ارتد قبل أن يبلغ ثم مات ، لم يصل عليه ، و لم تؤكل ذبيحته . قال سحنون : و هو يكره على ا?سلام قبل يبلغ ـ يريد بغير قتل ـ قال : و ميراثه إن مات لورثته من المسلمين ، فكذلك ينبغي أن يصلى عليه ، و كيف يورث با?سلام و لا يصلى عليه ؟ و لو كانت له زوجة لورثته . فمن رأى أن لا يصلى عليه ، ينبغي أن يجعل ردته فرقة لزوجته .
و قال سحنون ، في من أسلم من النصارى و المجوس قبل يبلغ ، ممن عقل ا?سلام ثم ارتد : إنه يجبر على ا?سلام . و قاله ابن القاسم .
قال سحنون : إن مات قبل يبلغ فميراثه لأهله . قال ابن القاسم : و لو
***(2/103)
[1/606]
بلغ على ذلك و هو يأبى ا?سلام . قال مالك : يكره بالتهديد و بالضرب أبدا . و وقف عن القتل .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و لو أسلم و قد عقل ، ثم تمادى مسلما حتى بلغ ، ثم ارتد ، فهذا يقتل . و قاله أشهب ، و عبد الملك ؛ لأنه يثبت على ا?سلام بعد بلوغه . قالا : و لو ارتد قبل يحتلم ، يجبر بالتهديد و المشقة ، فإن أبى ضرب ، فإن بلغ كذلك ، لم يقتل ، و يتمادى عليه بما ذكرنا . و لأن إسلامه كان ضعيفا . و قاله سحنون .
قال المغيرة : يقتل بعد البلوغ إذا تمادى ، و بلغ كذلك ، و لم يرجع .
قال ابن عبدوس : و من ارتد من أولاد المسلمين في هذا الحال أدب ، فإن تمادى بعد البلوغ على ذلك ، فلم يختلف أصحابنا في قتلهم .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و من أسلم و له أولاد صغار ، أبناء خمس سنين و نحوها ، فلهم حكم ا?سلام في الموارثة و غيرها .
و قاله أكثر الرواة . و أنكر سحنون قوله عن مالك ، في من أسلم و له ولد صغار ، فأقرهم أبوهم حتى بلغوا اثنى عشر سنة ، فأبوا ا?سلام ، فقال لا يجبروا . قال سحنون : و قال بعض الرواة : إنهم يجبرون و هم مسلمون ، و هو قول أكثر المدنيين .
***(2/104)
[1/607]
في الصلاة على ولد المسلم ، يولد مخبولا ،
و من جن بعد البلوغ ، و القول في مصير
أولاد المسلمين و الكافرين
من ( الْعُتْبِيَّة ) ، قال أصبغ ، عن ابْن الْقَاسِمِ ، في ولد المسلم يولد مخبولا ، أو يصيبه ذلك قبل يبلغ ، قال : ما سمعت فيهم شيئا ، غير أن ا? سبحانه يقول : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور : 21]
. فأرجو أن يكونوا معهم ، و أما من أصيب بعد الحلم ، فقد سمعت بعض العلماء من أهل الفضل ، أنه يطبع على عمله كمن مات . و من كتاب آخر ، أن المجنون و المخبول و المعتوه يصلى عليهم .
و جاء في الحديث في المجانين : ( توقد لهم نار يوم القيامة ، فيقال لهم : اقتحموها . فمن علم ا? أنه لو وهبه في الدنيا عقلا أطاعه ، فإنه يدخلها و لا يضره ، و يدخل الجنة ، و من علم ا? أنه لا يطيعه لو عقل لم يدخلها ، فأدخل النار) . و ا? أعلم .
***(2/105)
[1/608]
و لم يختلف العلماء في أطفال المؤمنين أنهم في الجنة . و أما أطفال الكفار فقد اختلف فيهم ، فروي حديث ، أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : «ا? أعلم بما كانوا عاملين» . و روي أنهم خدم لأهل الجنة . و في بعض الأحاديث أنهم مع آبائهم . و ا? أعلم بذلك ، و لا يقطع في هذا إلا بالأخبار المستفيضة المجتمع على معناها . و ا? أعلم .
في الصلاة على الصغير المنبوذ ،
و الكبير المجهول ، و بالبلد مسلمون و نصارى
و من ( كتاب ) ابن حبيب ، قال في المنبوذ يوجد ميتا ، أو يوجد حيا ثم يموت صغيرا : إنه يصلى عليه ، و إن وجد في كنيسة ، و إن كان عليه زي النصارى ، إذا كان في نادي المسلمين و جماعتهم ، و أما كبير وجد ميتا ، أو غريب طرأ إلى بلد ، و لا يعلم أنه كان مسلما ، فلا يصلى عليه ، فإن كان مختونا وعليه زي ا?سلام ، حتى يعلم أنه كان مسلما ، إذا كان بموضع فيه مسلمون و نصارى ؛ لأنهم قد يختنون و يلبسون زي المسلمين إذا خالطوهم ، و الفرق بين الصغير و الكبير ، أن الصغير المنبوذ
***(2/106)
[1/609]
يجبر على ا?سلام إذا كبر ، و إن وجده كتابي . فلا يقر بيده ، و الكبير المجهول لا يجبر على ا?سلام ، فلا يصلى عليه إلا بيقين ، و لكن يوارى في الأرض ، و لا يستقبل به قبلتنا و لا قبلة غيرنا ، و لا يقصد به مقبرة أحد . هكذا : قال لي مطرف ، و ابن الماجشون ، قالا لي : إلا أن يوجد بمدينة الرسول صلى الله عليه و سلم مختونا ، في هيئة المسلمين ، فليدفن مع المسلمين ؛ لأنه لا يكون بها غير مسلم .
و قاله ابْن الْقَاسِمِ ، و أصبغ . قال أبو محمد : يريد و يصلى عليه .
و من ( الْعُتْبِيَّة ) ، قال يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسم ، في المنبوذ يموت قبل يعرف الصلاة ، و في ذلك البلد أهل كتاب : فليصل عليه ، و يلحق بأحرار المسلمين ، في العقل عن قاتله ، و ترك أخذه أحب إلي ، إلا أن يخشى عليه أن يهلك إن ترك . و إذا وجد ميت بفلاة ، لا يدرى ما هو ، فليوار بلا غسل و لا صلاة . و كذلك لو وجد في مدينة في زقاق .
و قال عبد الملك بن الحسن ، عن ابن وهب ، في الذي يوجد بفلاة ، فلا
***(2/107)
[1/610]
يدرى أمسلم هو أو نصراني : فليجر اليد على ذكره من فوق الثوب ، فإن كان مختونا غسل و صلي عليه ، و إن لم يكن مختونا وري .
و قال ابن كنانة ، في قوم لفظهم البحر : فإن عرف أنهم مسلمون فليدفنوا . و في كتاب ابن سحنون : ينظر إلى العلامات فيستدل بها ، فإن عميت العلامات نظر ؛ فإن كان الغالب ممن ، يختلف في البحر المسلمون ، صلي عليهم ، و ينوى بالدعاء المسلمون ، و إن كانت مراكب الشرك الغالبة في ذلك البحر ، فلا يصلى عليهم .
و من المجموعة ، قال أشهب ، في رجل مات فلا يدرى أمسلم هو أم كافر : فلا يغسل و لا يصلى عليه ، إلا أن يكون عليه زي الإسلام ، من حصاب أو غيره ، فيصلى عليه و ينوى بذلك إن كان مسلما .
قال ابن القاسم ، في ميت بفلاة ، لا يدرى أمسلم هو أم كافر : فلا يوارى و لا يُصَلَّى عليه . قال سحنون : هذا بفلاة من فلوات الشرك ، فأما بفلاة من فلوات المسلمين ، فإنه يغسل و يُصَلَّى عليه .
***(2/108)
[1/611]
في الموتى فيهم كافر لا يعرف ،
هل يُصَلِّي عليهم ؟
من الْعُتْبِيَّة ، قال موسى ، عن ابْن الْقَاسِمِ ، في نفر من المسلمين ، فيهم رجل كافر لا يعرف ، ماتوا تحت هدم : فليغسلوا و يُصَلى عليهم أجمع ، و ينوي بالصلاة المسلمين منهم .
قال سحنون : و إن مات رجلان تحت هدم ، أحدهما يهودي ، و لأحدهما مال ، فلم يعرف المسلم و لا ذو مال ، قال : يغسلان و يكفنان من ذلك المال ، و يُصَلِّي عليهما ، و النية للمسلم ، و يدفنان ، و يبقى المال موقوفا ، و إذا وجدوا عشرة موتى مسلمين ، إلاَّ واحد كافر ، لا يعرف ، فعل لهم كذلك ، و كذلك إن كان فيهم واحد مسلم مجهول ، و الباقون يهود ، فليصل عليهم بعد الغسل ، و ينوي بالدعاء للمسلم . و قاله أشهب ، إذا كان فيهم واحد يهودي ، فسقط عليهم جدار ، فلم يعرف المسلم بعينه ، فيصل عليهم و ينوي المسلمين .
و أما الجماعة فيهم مسلم واحد ، فلا يُصَلى عليهم حتى يعرف المسلم بعينه ، فيصلى عليه و إلاَّ فلا .
***(2/109)
[1/612]
في الذمي يموت ، و ليس معه إلاَّ المسلمون ، هل يواروه ،
و في المسلم يموت أبوه الكافر ، هل يلي أمره
أو يعزى فيه ، أو مات الابن هل يليه أبوه ؟
من المجموعة ، قال علي بن زياد ، عن مالك ، في ذمي مات ليس معه أحد من أهل دينه ، قال : يوارى ؛ فإن له ذمة . قال عنه ابْن الْقَاسِمِ ، في مسلم مات أبوه الكافر : فلا يغسله ، و لا يتبعه ، و لا يدفنه ، إلاَّ أن يخشى أن يضيع ، فيواريه . قال أشهب : و لا يستقيل به متعمدا قبلة أحد .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و أشهب : و إن مات الابن المسلم ، فلا يوكل إلى أبيه في شيء من أمره ، من غسل و لا غيره . قال أشهب : فأما سيره معه و دعاءه له ، فلا يمنع منه .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : قال مالك : و لا يعزى المسلم بأبيه الكافر ؛ يقول الله تعالى : {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا } [الأنفال : 72]
. فمنعهم الميراث و قد أسلموا حتى يهاجروا . و بعد هذا باب في التعزية للمسلم و الكافر و باب في حضور المسلم جنازة قريبه الكافر .
في الصلاة على قتلى الخوارج ،
و أهل البدع ، و أهل المعصية
من الْعُتْبِيَّة ، من سماع موسى بن معاوية ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في
***(2/110)
[1/613]
قوم ثاروا على خارجي فقتل من أصحاب الخارجي ، و من القائمين عليهم نفر ، و ليس منهم من أراد نصرة في دين ، و إنما طلبوا الدنيا أو فئتين من المسلمين ، فتقع بينهم قتلى : فإن هؤلاء يغسلون و يُصَلى عليهم ، الظالم و المظلوم ، و يدفنون ، و ليفعل ذلك بهم الإمام ، و لا يكره عليه أحد ، و كذلك طائفتان من الخوارج ، الحرورية و القدرية و غيرهم ، يقع بينهم قتلى . فعلى من قربوا منهم أن يواروهم ، و يغسلوهم ، و يُصَلُّوا عليهم ، و ذلك استحسان و ليس بواجب و أعرف لسحنون أن ذلك واجب .
قال سحنون ، في موضع آخر : إنما تترك الصلاة على الخوارج أدبا لهم ، فإذا خيف أن يضيعوا غسلوا ، و صَلَّى عليهم . و في باب الشهداء بقية من معنى هذا الباب .
في الصلاة على من قتل بقود ، أو في حد أو قاتل
نفسه ، و الصلاة على أهل الكبائر ، و على ولد الزنى
من المجموعة ، قال علي : قال مالك : يُصَلَّى على كل مسلم ،
***(2/111)
[1/614]
و لا يخرجه من حق الإسلام حدث أحدثه ، و لا جرم اجترمه .
قال عنه ابْن الْقَاسِمِ : يُصَلَّى على قاتل نفسه ، و يورث ، و يُصَلي الناس على من قتله الإمام في قود ، أو رجم في زنى ، دون الإمام . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في قوم بغوا على أهل قرية ، أرادوا حربهم أو لصوص ، فقتلهم أهل القرية : فإنه يُصَلَّى عليهم ، إلاَّ الإمام ؛ لأنه كان لو رفعوا إليه قتلهم ، أو قاتلهم إن امتنعوا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يُصلى على كل موحد ، و إن أسرف على نفسه بالكبائر . و روى أن النبي صلى الله عليه و سلم ، صَلَّى على امرأة ماتت من نفاس من زنى . و فعله ابن عمر . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إنما يشفع للمسيء .
و قَالَ ابْنُ سيرين : ما حرم الله الصلاة على أحد من أهل القبلة ، إلاَّ على ثمانية عشر رجلا من المنافقين . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إنما ذلك ليعلم أن الصلاة عليهم لا تترك لجرمهم ، فأما الرجل في خاصته ، فإنما ينبغي أن يرغب في شهود من يرجى بركة شهوده . و كذلك قَالَ ابْنُ وهب ، عن مالك في سماعه : إنه لا ينبغي للرجل في خاصته أن يرغب في حضور مثل هؤلاء .
***(2/112)
[1/615]
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ وهب ، و علي ، قال مالك : لم أسمع من أحد ينكر الصلاة على ولد الزنى ، و على أمه .
و من الْعُتْبِيَّة ، أشهب ، عن مالك ، في جارية غارت عليها سيدتها ، فشربت نورة فقتلت نفسها ، قال : يُصَلى عليها . وكذلك قال ، في رجل سجن فخاف أن يعذب ، فقتل نفسه .
قال موسى ، عن ابْن الْقَاسِمِ ، في المحارب يسعى الإمام اجتهاده في صلبه ، إن شاء صلبه حيا و طعنه ، و إن شاء قتله ثم صلبه ، فإن قتله قبل الصلب ، فليصل عليه ، و لا يُصَلِّي عليه الإمام ، ثم يصلب . و أما إن صلبه حيا ، فقال سحنون : ينزل ، فيغسل ، و يُصَلى عليه ، و يدفن . و فيما فعل من صلبه كفاية . و قَالَ ابْنُ الماجشون : يصف تلقاء خشبته ، و يُصَلَّى عليه .
جامع القول في الشهيد ، و الصلاة عليه ، و في غير ذلك من
شأنه ، و في من قتل مظلوما ، أو قتله لصوص أو خوارج
قال أبو محمد : و هذا الباب قد كتبت في كتاب الجهاد بابًا مثله ، فيه زيادة على ما هاهنا .
و من سماع ابن وهب ، قيل لمالك : أبلغك أن النبي صلى الله عليه و سلم ، صَلَّى على
***(2/113)
[1/616]
حمزة حين استشهد ، فكبر عليه سبعين تكبيرة ؟ قال : ما سمعت ذلك ، و لا بلغني أنه صَلَّى على أحد من الشهداء . و من ( كتاب ابن سحنون ) من السير قال أشهب : الشهيد الذي لا يغسل و لا يُصَلَّى عليه ، من مات في المعركة ، فقضي . فأما من حمل إلى أهله فمات فيهم ، أو مات في أيدي الرجال ، أو بقي في المعركة حتى مات ، فإنه يغسل و يُصَلَّى عليه . قال سحنون : قوله : يبقى في المعركة . يقول : في الحياة البينة ، التي لا يقتل قاتلها إلاَّ بالقسامة . و إذا راموهم بأحجار أو نار أو رماح ، فوجد في المعركة من قد مات بأحد هذه الوجوه ، فلا يدري أبفعل المشركين أو بغير فعلهم ، فهو على أنه بفعلهم حتى يظهر خلافه ، إن كان وقع بينهم لقاء أو حرب أو مراماة ، و إلاَّ غسل و صلي عليه .
و من الْعُتْبِيَّة قًال أشهب : و إذا قتل في المعركة و هو جنب ، فإنه لا يغسل و لا يُصَلَّى عليه . و قاله ابن الماجشون . قال أصبغ : و إذا أغار المشركون في بعض الثغور ، فقتلوا المسلمين في منازلهم في غير
***(2/114)
[1/617]
ملاقاة و لا معترك ، فقال ابْن الْقَاسِمِ : يغسلون و يُصَلَّى عليهم ، بخلاف من قتل في المعترك و الزحف . قَالَ ابْنُ وهب : هم كالشهداء في المعترك ، حيث ما نالهم القتل منهم في معترك أو مزاحفة . و بقول ابن وهب أقول . قال أصبغ : سواء ناصبوهم ، أو قاتلوهم مغافصة نياما أو غافلين ، فهم كشهداء المعترك . و كذلك إن كان في من قتل امرأة ، أو صبية ، أو صبي صغير ، قتلوا بسلاح أو غير سلاح ، فليفعل بهم مثل ما يفعل بالشهداء الرجال البالغين .
من ( كتاب ابن سحنون ) : و لو قتل المسلمون في المعترك مسلما ، ظنوا أنه من العدو ، أو ما درست الخيل من الرجالة ، فإن هؤلاء يغسلون و يُصَلَّى عليهم .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : لا يدفن مع الشهيد ما عليه من السلاح ؛ من درع و سيف . مالك : و لا ينزع فروه ، و لا خفه ، و لا قلنسوته . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : قتلوه بحجر ، أو بخنق ، أو بعصى ، في معترك أو في غير معترك ، فإنه كالشهيد في المعترك . و قاله أشهب . قالا : و لو أغار العدو على قرية مسلمين ، فدفعوا عن أنفسهم ، فقتلوا ، فهم كالشهداء في المعترك .
قال أشهب : و كذلك من قتل من الرجال و النساء و الولدان في
***(2/115)
[1/618]
المعترك ، ممن يقاتل و يدفع عن نفسه ، فأما من قتل من الرجال والنساء و الولدان ، ليس على وجه القتال ، فأرى أن يغسلوا و يكفنوا و يُصَلَّى عليهم .
قال سحنون : كل من قتله العدو ، من صغير أو كبير ، قاتل أو لم يقاتل ، أو امرأة أو رجل ، في معترك ، أو غير معترك ، أو دخل عليهم في بيوتهم ، فلهم حكم الشهداء ، و يدفنوا بدمائهم .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أصبغ : و الشهيد إذا غزاه العدو فليكفن ، و إن كان عليه ثيابه ، فأراد أولياءه أن يزيدوه ثيابًا ، فلا بأس بذلك .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : و لا ينزع عن الشهيد قلنسوة ، و لا منطقة . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و لا خفيه . و قَالَ ابْنُ نافع : و لا فروة ، و قال مطرف : و لا خاتمه ، إلاَّ أن يكون نفيس الفص ، و لا منطقته ، إلاَّ أن يكون لها خطب ، و أما إن كان ما فيها من الفضة يسيرا ، فلا تنزع . و لم يقع قول مطرف ، و ابن نافع ، في رواية يحيى بن عبد العزيز .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و يصنع بقبور الشهداء ما يصنع بغيرهم ، من الحفر و اللحد . قَالَ ابْنُ نافع ، و على : قال مالك : و من قتل مظلوما ، أو قتله لصوص قتل غيلة ، أو في معركة ، فإن هؤلاء يغسلون
***(2/116)
[1/619]
و يكفنون و يحنطون و يُصَلَّى عليهم .
قال عنه ابْن الْقَاسِمِ : و كذلك كل مقتول أو ميت ، بهدم أو غرق ، و الشهداء السبعة المذكورون في الحديث . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و من قتل في قتال البغي ، من الباغين ، أو المبغي عليهم ، فإنهم يغسلون و يُصَلَّى عليهم .
قال أشهب ، في القوم بأرض العدو ، يجدون واحدا منهم مقتولا ، لا يدرون من قتله : أنه يغسل و يُصَلَّى عليه ، و لو علم أن أحدا من العدو قتله في قتال بعصى ، لم يغسل ، و لم يصل عليه . و بقية القول في هذا الباب في كتاب الجهاد لابن حبيب ، و سحنون .
في الصلاة على بعض الجسد أو على الغائب
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ ، قال مالك : لا يُصَلى على الرأس وحده ، و لا على يد أو رجل ، و لا على رأس مع يدين و رجلين ، و أن لا يُصَلَّى إلاَّ على البدن أو أكثره ، مجتمعا غير مقطع . و نحوه في ( المختصر ) ، أنه
***(2/117)
[1/620]
لا يغسل منه رأس أو يد أو رجل ، كما لا يُصَلَّى عليه .
و في رواية ابْن الْقَاسِمِ ، في ( المجموعة ) و في الْعُتْبِيَّة ، من سماع موسى عن ابْن الْقَاسِمِ ، أن مالكا قال : إذا كان جل البدن مجتمعا أو مقطعا ، صَلَّى عليه ، و غسل ، و إن لم يكن جله ، فلا ، و لكن يدفن ذلك بلا غسل و لا صلاة . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و قاله الشعبي .
و قال عبد العزيز بن أبي سلمة : يغسل ما وجد منه ، و يُصَلَّى عليه ، كان رأسا أو يدا أو رجلا أو عضوا ، و ينوي بالصلاة عليه الميت . و قد دفن عروة رجله بعد أن غسلها ، فكفنها و لم يصل عليها ؛ لأنها من حي . و إنما ينوى بذلك أن يُصَلَّى على صاحب الرجل الميت لا الحي .
قال عبد العزيز : و إن استوقن أنه غرق أو قتل ، أو أكلته السباع ، و لم يوجد منه شيء ، صلي عليه ، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم بالنجاشي .
***(2/118)
[1/621]
و به قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ . قال غيره : هذا من خواص النبي صلى الله عليه و سلم ؛ و ذلك أن الأرض رفعت له ، و علم يوم مات فيه ، و نعاه لأصحابه يوم موته ، و خرج بهم ، فأمهم في الصلاة عليه قبل أن يوارى . و الله أعلم . و لم يفعل هذا أحد بعده ، و لا صَلَّى أحد على النبي صلى الله عليه و سلم بعد أن ووري ، و في الصلاة عليه أعظم الرغبة ، فهذه أدلة الخصوص .
و من المجموعة ، قال أشهب : و إذا وجد البدن بلا رأس و لا أطراف ، صلي عليه ، و لا يُصَلَّى على الرأس و الأطراف فقط ، و لو و جب هذا ، وجب أن يُصَلَّى على أصابعه أو أسنانه أو أنفه ، و إني مع ذلك لا أدري لعل صاحبه حي ، و لو علمت بموته لم أصل على ذلك ، و لو وجد أحد شقيه طولا مع رأسه ، أو نصفه عرضا مع رأسه ، لم يصل عليه .
في الصلاة على الجنازة في المسجد ،
أو في المقبرة ، أو في الدور
و من سماع ابن وهب ، قال مالك : لا يُصَلَّى على الجنازة في المسجد ، إلاَّ أن يضيق المكان .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لو صلي على الجنازة في المسجد ، ما كان ضيقا ،
***(2/119)
[1/622]
لما رُوِيَ من الصلاة على سهيل فيه ، و على عمر فيه .
قَالَ ابْنُ سحنون : و صلاة النبي صلى الله عليه و سلم على سهيل فيه ، أمر قد تركه ، و فعل غيره حين خرج في النجاشي إلى المصلى ، و هذا أخف ، و مع أن حديث سهيل منقطع . قال غيره : و قد قيل : كثر الناس في جنازته ، فضاق بهم الموضع ، ثم لم يفعله بعد ذلك ، و استدام الصلاة في المصلى ، حتى أنكر الناس على عائشة ما أمرت به ، من إدخال جنازة سعد فيه ، لتصلي هي عليها . و مع ذلك ، فهو ذريعة إلى إصراف المسجد إلى غير ما جعل له من الصلوات ، و قد ينفجر فيه الميت ، أو يخرج منه شيء ، فترك ذلك أولى من غير وجه ، كما تركه النبي صلى الله عليه و سلم ، و استدام غيره . و عمر إنما صلي عليه
***(2/120)
[1/623]
فيه لأنه قد دفن مع النبي صلى الله عليه و سلم .
و من كتاب ( المبسوط ) ، لإسماعيل القاضي ، قال إسماعيل القاضي : و لا بأس بالصلاة على الجنازة في المسجد ، إن احتيج إلى ذلك ، و ما أنكر الناس من أمر سعد ، دليل على أن العمل الدائم الصلاة على الجنائز في موضع الجنائز بقرب المسجد ، ولعل الصلاة على سهيل كانت قبل يتخذ ذلك الموضع ، و لعلهم إنما صَلَّوْا على عمر في المسجد لأنه أوسع عليهم ، لكثرة من صَلَّى عليه ، و هذا كله واسع إذا احتيج إليه . و أما ما حدثنا به عاصم بن علي ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « من صَلَّى على جنازة في المسجد ، فلا شيء له » . فهذا إسناد ضعيف . و لا بأس بذلك إذا احتيج إليه .
و من المجموعة ، ابن وهب ، عن مالك : و لا بأس أن يُصَلَّى على الجنازة وسط القبور . قيل لأشهب : أيصلى عليها في الجبانة ، أم في الدور ؟ قال : كل مجزئ ، و بعد الخروج بها أَحَبُّ إِلَيَّ .
***(2/121)
[1/624]
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : كره مالك الصلاة على المنفوس في المنزل . و روى مطرف ، أن ابن عمر صَلَّى على صبي في جوف دارهم ، ثم بعث به إلى المقبرة ، و لم يتبعه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ما أرى ذلك إلاَّ من عذر ؛ لأنه كبر ، و كف بصره . و قد تقدم هذا في باب آخر . و لم ير مالك بصلاة المكتوبة في المقبرة بأسا ، في المواضع الطاهرة ، و أن يُصَلَّى فيها على الجنازة . و قد صَلَّى النبي صلى الله عليه و سلم فيها على الجنائز ، و صَلَّى فيها أبو هريرة على عائشة .
في الصلاة على الجنازة بعد الصبح ،
و بعد العصر ، أو في الليل
من المجموعة ، قَالَ ابْنُ وهب ، عن مالك : إذا حضرت الجنازة قبل المغرب ، فليصلوا عليها بعد المغرب أصوب ، فإن صَلَّوْا قبل المغرب ، فلا بأس بذلك . قال عنه ابن وهب ، في سماعه : لا يُصَلَّى عليها عند غروب الشمس حتى تغرب ، إلا أن يخاف عليها .
و كذلك في ( المختصر ) ، قال عنه علي : و لا بأس بالصلاة عليها في الليل ، و لا يُصَلَّى عليها إلاَّ في وقت صلاة .
قال أشهب : و إذا حضرت قبل صلاة المغرب فليبدءوا بالمكتوبة بما شاءوا ، إلاَّ
***(2/122)
[1/625]
أن يخافوا على الجنازة فسادا ، أو فوات الصلاة ، فليبدءوا بما يخاف عليه ، و أما العصر و الصبح ، فأحب إلي أن يبدءوا بالجنازة ، إلاَّ أن يخاف على الصلاة ، فيبدءوا بها ، و إن صَلَّوْا عليها عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، فلا إعادة عليهم .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إن دفنت فلا يعيدوا عليها ، و قد أرخص مالك أن يُصَلَّى عليها في هذه الساعات إن خيف عليها .
و قال مالك : يُصَلَّى عليها بعد العصر ، ما لم تصفر الشمس ، و بعد الصبح ما لم تسفر ، و لا يُصَلَّى عليها في الإسفار ، و لا في اصفرار الشمس بعد العصر ، إلاَّ أن يخاف عليها .
قال في ( المختصر ) : عندما تهم الشمس أن تطلع ، و عندما تهم أن تغرب ، و يصفر أثرها بالأرض ، فلا يُصَلَّى عليها ، إلاَّ أن يخاف عليها .
قال أشهب : لا أكره الصلاة عليها نصف النهار ، كما لا أكره التنفل حينئذ ، و لم يثبت النهي عن الصلاة حينئذ ، و ثبت النهي عند طلوع الشمس و عند غروبها .
***(2/123)
[1/626]
في الصلاة على الجنائز ، إذا اجتمعت ،
و كيف توضع
من ( الواضحة ) : إذا اجتمعت الجنائز ، جمعت في صلاة واحدة ، فإن كانا رجلين ، جعل أفضلهما مما يلي الإمام و إن كان أصغر سنا ؛ فإن استويا في الحال ، فليل الإمام أسنهما ، فإن كان ذكرا و أنثى ؛ فالذكر يلي الإمام و إن كان صغيرا ، فإن كان رجل وصبي و امرأة ؛ فالرجل يلي الإمام ، ثم الصبي ، ثم المرأة ، و إن كان حر و عبد ، فالحر يلي الإمام ، و إن صغر ، و أما عبد و امرأة ، فالعبد يلي الإمام . هكذا قال لي من لقيت من أصحاب مالك عن مالك . و رُوِيَ عن كثير من الصحابة و التابعين ، و قد تقدم ذكر المنفوس و أمه ، من يتقدم منهما ، في باب المنفوس .
و من الْعُتْبِيَّة ، أشهب ، عن مالك : و إن كانوا رجلين و امرأتين ؛ جعل الرجلان مما يلي الإمام سطرا ، و إلاَّ واحدا خلف واحد ، و المرأتان خلفهما سطرا ، فإن كثروا
***(2/124)
[1/627]
جعلوا سطرين أو أكثر .
قَالَ ابْنُ كنانة ، في رجلين : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يكونا واحدا خلف واحد ، فإن جعلا سطرا فواسع ، و إن كثروا جعلوا سطرا و الإمام وسطهم .
قال عيسى : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، في رجلين أحدهما أحسن حالا من الآخر ، و الآخر أشرف : فليل الإمام أحسنهما حالا . و قاله سحنون .
و من المجموعة : ذكر رواية ابْن الْقَاسِمِ ، في الجنائز تجتمع ، أن مالكا قال : يجعل واحدا خلف واحد . ثم رجع فقال : ذلك واسع كذلك ، أو يجعلوا صفا ، و يقف الإمام وسطهم . و إن كن نساء فكذلك ، قال أشهب ، عن مالك نحوه .
قال أشهب : و أَحَبُّ إِلَيَّ في القليل ، الاثنين و الثلاثة ، واحدا خلف واحد ، و إن كثروا ، جعلوا صفين أو ثلاثة ، و شبه ذلك . و ذلك كله واسع .
و قال علي ، عن مالك : و إن كانوا رجالا و نساء . فالرجال يلون الإمام ، و يجعل رجل خلف رجل ، و امرأة خلف امرأة .
قال أشهب : أو سطرا واحدا أو اثنين ، و يكون النساء إلى القبلة ، على
***(2/125)
[1/628]
ما جعل عليه الرجال و لا أحب أن يجعلن على خلاف ما جعل عليه الرجال إذا تكافئوا ، فإن جعلن على خلافهم ؛ رجوت أن يكون واسعا ، فإن كان معهم صغار ، فالرجال يلون الإمام ، ثم ذكور الصبيان ، ثم النساء ، ثم إناث الصبيان . و ذكر ابن حبيب ، عن مطرف ، و عبد الملك ، مثل ما تقدم ، و قال : و إن كانوا أكثر من اثنين و ثلاثة ، و كانوا رجالا أو نساء ، أو رجالا و نساء ؛ جعل أفضلهم يلي الإمام ، ثم من يليه خلفه إلى القبلة ، ثم من يليه خلفه إلى القبلة ، إلى آخرهم ، و أما إن كثروا ، مثل العشرين و الثلاثين ، فلا بأس أن يجعلوا صفين و ثلاثة ، ممدودة عن يمين الإمام و يساره ، و يقدم الأفضل و الأسن إلى الإمام و قربه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إذا اجتمعت جنازتان و ثلاثة ؛ لم ينظر إلى ولي أحدهم ، و لكن يقدم أفضلهم و أسنهم . قال مالك : و كذلك إن كانت واحدة رجلا ، و الأخرى امرأة .
و قَالَ ابْنُ الماجشون : أولياء الرجل أحق . و احتج بصلاة ابن عمر على أم كلثوم ، و ابنها زيد ، بمحضر الحسين . و قد تقدم هذا في باب
***(2/126)
[1/629]
الجنازة ، يحضرها الوالي مع الأولياء .
في الجنازتين ينوي الإمام بالصلاة أحدهما ،
و من خلفه ينويهما جميعا ، و في الجنازة لا يدري من
صَلَّى عليها أرجل هي أم امرأة
من الْعُتْبِيَّة ، من سماع عبد الله بن عمر بن غانم ، رواية عون بن يوسف ، قال مالك : في إمام يُصَلِّي على جنازتين ، فجهل فنوى بالصلاة أحدهما ، و من خلفه ينويهما جميعا ، فقال : تعاد الصلاة على التي لم يصل عليها الإمام ، دفنت أو لم تدفن ، إلاَّ أن تتغير ، فيصلون على قبرها بإمام .
و من ( المبسوط ) لإسماعيل القاضي ، قَالَ ابْنُ نافع ، عن مالك ، في من يُصَلِّي على الجنازة ، و يظنها رجلا ، و هي امرأة ، فيقول : اللهم اغفر له . أو هي رجل ، يظنها امرأة ، فيقول : اغفر لها . أيعيد الصلاة ؟ قال : الصلاة تامة إن شاء الله ، و لا أرى بهذا بأسا ، و قد يُصَلَّى على الجنازة بالليل ، أو يأتي و قد وضعت ، و هو في آخر الناس ، و لم يأت
***(2/127)
[1/630]
ليعرف امرأة هي أو رجل ، فذلك واسع إن شاء الله .
في مَنْ دُفِن و لم يُصَلَّ عليه ، أو لم يُغَسَّلْ ،
أو نُسِيَ عليه بعض التكبير ، أو كبر عليه بغير دعاء ،
أو دفن في مقبرة النصارى
من المجموعة ، قال علي ، عن مالك ، في مسلم مات ليس معه إلاَّ نصارى ، فقبروه بغير غسل ، و جعلوا وجهه إلى غير القبلة : فإنه يُنْبَشُ ، ما لم يتغيَّرْ ، فيُغَسَّلُ ، و يُكَفَّنُ ، و يُحنَّط ، و يُصَلَّى عليه ، و يُقْبَرُ إلى القبلة .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : و كذلك إن نسوا أو جهلوا ، فقبروه بغير صلاة ، فإنه يُخرج بحدثان ذلك حَتَّى يُغَسَّلَ و يُصَلَّى عليه .
قال أشهب : و إذا وُضع في لحده ، و جُعل عليه اللبن ، أو جُعل الثرى مكان اللبن ، و لم يُهَلْ عليه التراب ، ثم ذُكِرَ أنه لم يُغَسَّلْ ، فليُخرج ، فيُغَسَّل ، ثم يُصَلَّى عليه ، و إن غُسِّلَ ، و لم يُصَلَّ عليه ، أُخْرِجَ فصُلِّيَ عليه ، فأما إن أهالوا عليه التراب ، فليُترك ، و إن لم يُصَلَّ عليه ، فلا يُنْبَش .
و قاله سَحْنُون ، فِي الصَّلاَةِ ينسونها عليه ، و إلاَّ فلا يُصَلَّى عليه في قبره ، و لْيَدْعُوا له ، و لا أجعل ذريعة إلى الصلاة على الجنائز في القبور . و قال
***(2/128)
[1/631]
سَحْنُون في كتاب ابنه : إذا دُفِنَ بغير صلاة ، فلا يُصَلَّى على قبره ، إلاَّ أن يكون ليس في إخراجه ضرر ، و لا طولٌ و لا تغيُّرٌ فليُخرج ، و يُصَلَّى عليه .
و من الْعُتْبِيَّة ، و قال عيسى بن دينار ، عَنِ ابْنِ وهب ، في الميِّتِ يُقبر و قد نسوا الصلاة عليه ، فذكروا عندما أرادوا الانصراف ، قال : سمعت في هذا أنه لا يُنْبَشُ ، و لْيُصَلُّوا على قبره بأربع تكبيرات و إمام . قال يحيى بن يحيى : لا يُنْبَشُ قَرُبَ ذلك أو بعُدَ ، و لْيُصَلُّوا على قبره .
و رَوَى عيسى ، و موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، أنه يُخْرَجُ بحضرة ذلك ، حَتَّى يُصَلُّوا عليه ، فإن خافوا أن يكون قد تغيَّر ، صَلَّوْا على قبره . و قاله عيسى . قال عنه موسى ، و كذلك إن نسُوا غَسْلَه مع الصلاة عليه .
قال سَحْنُون في المجموعة : فإن ذكروا أنه لم يُغَسَّلْ ، فإن لم يَخرجوا من القبر ، أُخرج و غُسِّلَ ، و إن وارَوْه ، تُرِكَ و لا يُنْبَشُ إذا تفاوت .
و من الْعُتْبِيَّة ، رَوَى محمد بن خالد ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في
***(2/129)
[1/632]
الغائب ، يَقْدَمُ ، فيجدُ امرأته النصرانية قد دُفِنَتْ و ولده منها ، في مقبرة النصارى . فإن كان بحضرة ذلك ، لم يَخَفْ أن يكون تغيَّرَ ، فليُخْرجه إلى مقبرة المسلمين ، فإن خاف تغيُّرَه فليَدَعْه .
و رَوَى عنه عيسى في نصرانية عرض عليها ختنها الإسلام ، فأجابت و غسلت ثيابها ، و قالت : كيف أقول ؟ فقال قولي : أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، و أشهد أن محمدًا عبده و رسوله ، و أن عيسى روح الله و كلمته . فقالت ذلك كله ثم ماتت ، فدُفِنَتْ في قبور النصارى ، قال : أرى أن تُنْبَشَ ، و تُغَسَّل ، و يُصَلَّى عليها و تُدْفَنَ مع المسلمين ، إلاَّ أن تكون تغيَّرَتْ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إذا تُرِكَ بعضُ التكبير في صلاة الجنازة ، جهلاً أو نسيانًا ، فإن كان بقرب ما رُفعت ، أُنزلت ، فأتمَّ بقية التكبير مع الناس ، ثم سلَّمَ ، فإن تطاول ذلك و لم تُدْفَنْ ، ابتُدئ عليها الصلاة ، و إن دُفِنَتْ تُركت و لم تُكشف ، و لا تعاد الصلاة عليها . و ذكر في الْعُتْبِيَّة نحوه .
زاد زيادٌ شبطون ، عن مالك ، قال : و لو والى بين التكبير ،
***(2/130)
[1/633]
فلْتُعَدْ عليها الصلاة .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : إلاَّ أن يكون بينهما دعاء ، و إن قلَّ جدًّا ، فلا تعاد الصلاة عليها .
في مَنْ صُلِّيَ عليه إلى غير القبلة ، أو جُعِلَ في لحده كذلك ،
أو جُعل رأسه موضع رِجْلَيْهِ في قبره ،
أو فِي الصَّلاَةِ عليه ، أو صَلَّوْا عليه جلوسًا أو ركوبًا
و من الْعُتْبِيَّة قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إذا صُلِّيَ عليه إلى غير القبلة ، ثم دُفِنَ ، فلا شيء عليهم . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن لم يَتَغَيَّر .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إن لم يُوارَ ، فأستحسن أن يُصَلَّى عليه ، و ليس بواجب .
قال سَحْنُون : و لا تعاد الصلاة عليه ، و كذلك لو صَلَّوْا عليه و رأسه موضع رِجْلَيْهِ . و قاله أشهب . قال موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة : إذا جُعل الرأس موضع الرجلين فِي الصَّلاَةِ ، لم تُعِد الصلاة و أجزأهم ، و إن لم يُدْفَن .
***(2/131)
[1/634]
قال أشهب ، في المجموعة : إن صَلَّوْا عليها إلى غير القبلة ، ثم علموا كما سَلَّمَ فليعيدوا الصلاة ، ما لم يخافوا فسادها ، فإذا خيف ذلك ، دُفِنَتْ ، و لا تعاد عليها الصلاة ، تعَمَّدوا ذلك أو لم يتعمَّدوا . و إذا جُعل في اللحد إلى غير القبلة أو على شقِّه الأيسر ، فقال ابن القاسم ، و أشهب ، و سَحْنُون : فإن لم يُوارُوه ، أو ألقوا عليه يسيرًا من التراب ، فليُحَوَّل إلى ما يَنْبَغِي ، و إن فرغوا من دفنه تُرِكَ . و كذلك رَوَى موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، إذا جُعِلَ على شِقِّه الأيسر .
و قال سَحْنُون : إذا جعلوا رأسه موضع رِجْلَيْهِ ، أو جعلوا وجهه مستدبر القبلة ، و قد وارَوْه ، و لم يخرجوا من القبر ، فلينزعوا عنه التراب ، و يجعلونه على ما يَنْبَغِي ، و إن خرجوا من القبر ، و واروا القبر ، فليتركوه ، و لا يُنْبَشُ .
و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ في هذا ، أنه يُخْرَجُ بحدثان دفنه ، فإن طال و خيف عليه التَّغَيُّرُ ، تُرك كذلك .
و قال أشهب في المجموعة : و إذا صَلَّوْا على الجنازة و هم جلوس أو ركوب ، فلا يجزئهم ، و ليعيدوا .
***(2/132)
[1/635]
في إمام الجنازة يُحْدِثُ ، أو يذكر جنابة ،
أو صلاة ، أو يضحك ، أو يرعف
من الْعُتْبِيَّة رَوَى موسى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، و هو عنه في المجموعة ، في إمام ذكر أنه صَلَّى على جنازة و هو جنب ، و قد دفنت ، أو لم تدفن ؛ فالصلاة مجزئة ، و لا تعاد . قال هو ، و أشهب : و هو كمن فاتته ، و لم يصل عليها ، و تجزى من خلفه ، كصلاة الفريضة . و كذلك لو كان بعض من خلفه جنبا أو على غير وضوء ، فلا شيء عليه و إن لم يدفن .
و رَوَى موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة ، في إمام الجنازة إذا قهقه فِي الصَّلاَةِ ، فليقطعوا جَمِيعًا و يبدءوا ، و كذلك إن أحدث متعمدا ، و إن أحدث غير متعمد ، أو رعف ، فليقدم غيره ، كان وليا لها ، أو لم يكن ، و إن انصرف و لم يستخلف ، فليقدم أحدهم فيتم بهم . و لو ذكر فيها صلاة نسيها ، فليتماد حَتَّى يتم بهم و يسلم ، و يُصَلِّي ما ذكر ، كان وليها أو إمام المصر ، أو غيره .
***(2/133)
[1/636]
و كذلك ذكر ابن حبيب ، عَنِ ابْنِ المَاجِشُون ، و أصبغ . قَالَ ابْنُ سَحْنُون : قال أشهب : إذا قهقه إمام الجنازة ، أو تكلم متعمدا ، فليقدموا من يتم بهم بقية التكبير ، و يبتدئ هو خلف المستخلف .
و قال سَحْنُون : بل يَنْتَقِض عليهم ، و يبتدئون . و كذلك إن تكلم عامدا . و لا سجود في سهو صلاة الجنازة .
في مَنْ فاته بعض التكبير على الجنازة ، و كيف إن كان الإمام
يكبر خمسا ، و من لم يعلم ببعض تكبير الإمام حَتَّى سلم
من المجموعة ، قال علي بن زياد ، عن مالك ، في مَنْ أتى و قد فاته بعض التكبير في الجنازة ، قال : يدعو ، و لا يكبر حَتَّى يكبر الإمام فيكبر معه ، فإذا سلم الإمام ، قضى ما فاته من التكبير متتابعا . قال عنه ابن نافع : قيل : فإن فاته التكبير كله ، يكبر عليه ؟ قال : لا أعلمه .
قال في المختصر : إذا سبقه الإمام ببعض التكبير ؛ فذكر مثل رِوَايَة علي عنه . و قال أيضًا : يكبر و لا ينتظره .
قَالَ ابْنُ عبد الحكم : و الأول أَحَبُّ إِلَيْنَا . قال عنه أشهب ، في
***(2/134)
[1/637]
العتبية : يكبر الآن وَاحِدَة ، ثم يقف على ما سبق به ، كما يحرم في المكتوبة و قد سبق بتكبير سوى الإِحْرَام ، فلا يكبر غيرها ، فإذا سلم إمام الجنازة ؛ قضى هذا ما بَقِيَ عليه من التكبير تباعا .
قال عنه علي ، في المجموعة : و لا يدعو . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إن دعا ، فبدعاء خفيف ، إلاَّ أن يتأخر رفعها ، فيتمهل في دعائه . و إذا قضى بالتكبير اجتزأ بالتكبيرة التي أحرم بها ، و لا يقضيها .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال أَصْبَغُ : و إذا فاته تكبيرتان و الإمام يكبر خمسا ، فليكبر معه الثلاث ، و يحتسب بالخامسة ، فإذا سلم الإمام ، كبر واحدة .
قال سَحْنُون : و قال أشهب : لا يكبر معه الخامسة ، و إن كبرها معه فلا يعتد بها ، و ليقض كل ما فاته . و قد تقدم هذا الباب آخر .
و من المجموعة ، ابن القاسم ، عن مالك ، في إمام الجنازة يشرع في التكبير ، فلا يدري الناس ما كبر من كثرتهم ، فسلم
***(2/135)
[1/638]
الإمام ، و لم يكبر هذا إلاَّ تكبيرتين : فليكبر ما بَقِيَ ، و ليجعل به حَتَّى يفرغ . و كذلك في سماع ابن وهب .
في الجنازة ، هل يُصَلِّي عليها من خاف فوتها بالتيمم ،
وهل يُصَلِّي عليها قبل الدفن من فاتته ؟
من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و علي ، و ابن وهب ، عن مالك ، في مَنْ حضرته الجنازة ، و ليس على وضوء ، فيخاف إن تَوَضَّأَ أن تفوته ، قال : لا يتَيَمَّم ، و لا يُصَلِّي عليها بِالتَّيَمُّمِ في وجود الماء ، في حضر و لا في سفر .
و من ( الموطأ ) ، رَوَى مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أنه كان يقول : لا يُصَلِّي على الجنازة إلاَّ طاهر . قال أشهب : و كذلك لو أحدث فِي الصَّلاَةِ ، إلاَّ مسافر لا ماء معه ، و إذا انصرف فتوضأ ، فليس عليه أن يرجع ، و إن أدرك ؛ إلاَّ أن يشاء .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إذا جاء قوم و قد سلم إمام الجنازة ، فلا يجلس ليصلي عليها الذين أتوا أفذاذا .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لم ير مالك التَّيَمُّم للجنازة ، يخاف فواتها في الحضر ، إلاَّ في موضع يجوز التَّيَمُّم فيه للصلاة . و كان ابن شهاب ،
***(2/136)
[1/639]
و يحيى بن سعيد ، و النخعي ، و الشعبي ، يرون إذا خاف فواتها ، أن يتَيَمَّم لها ، و إن كان في الحضر . و بذلك أخذ الليث ، و ابن وهب . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و الأمر في ذلك ، واسع . و رَوَى أن عليا كان إذا فاتته الجنازة قال : إنا لله و إنا إليه راجعون ، اللهم ارفع درجته في المهتدين ، و اخلف عقبه في الغابرين ، و تحتسبه عندك يا رب العالمين ، اللهم لا تحرمنا أجره ، و لا تفتنا بعده . و قد تقدم في باب آخر هل يُصَلِّي على القبر إذا لم يصل على الميت .
في الميت يدفن و قد ابتلع مالا ، أو جوهرا ،
أو الْمَرْأَة تموت تموت بجمع
من الْعُتْبِيَّة ، قال أَصْبَغُ ، في مَنْ أبضع معه مال ، فابتلعه خوف اللصوص ، أو كان المال لنفسه ، ثم مات قال يشق جوفه ثم يخرج منه الدنانير ، إن كان لها قدر . و رَوَى أبو زيد ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ فيه ، إذا ابتلع جوهرا لنفسه ، أو وديعة عنده ، لخوف لصوص ، فقال : يشق
***(2/137)
[1/640]
جوفه و يخرج ذلك ، كان له أو لغيره . و ذكر مثل ذلك ابن حبيب ، عَنْ أَصْبَغَ ، فيما كان له بال . و اختلف فيه قول سَحْنُون في كتاب ابنه ، فقال : يشق فيما له بال . و قال : لا يشق و إن كثر . و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لا يشق جوفه ، و لو كانت جوهرة تسوى ألف دينار ، و قد قالت عائشة : كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا .
و قد قالوا فِي الْمَرْأَةِ ، تموت بجمع وولدها يضطرب : إنه يستأنى به حَتَّى يموت . فكيف هذا . و من المجموعة ، قال سَحْنُون : يبقر على ولدها ، إذا علمت حياته ، و رجي خلاصه ، و كذلك من ابتلع دنانير ، ثم مات ، فلا بأس أن يبقى عليها [ قال ]
أبو محمد : . و الذي ذكر ابن حبيب هو قول ابن القاسم . قَالَ ابْنُ القرطي : و يَدُلُّ على أنه لا يبقر عليه قول الله تعالى : { وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا } [الحج : 2]
. و لو قدر النساء على إخراجه برفق من مخرج الولد كان حسنا . و قال محمد ابن عبد الحكم في كتاب آخر : رأيت بمصر رجلا مبقورا ، على رمكة مبقورة .
***(2/138)
[1/641]
في الميت يوارى ، و قد نسوا في القبر مالا ،
أو ثوبا أو غيره
من (كتاب ابن سَحْنُون ) : و إذا ذكر بعد الدفن أنهم نسوا في القبر كيسا ، أو ثوبا لرجل ، فإن كان بحدثان ذلك ، نبش ، و أخرجوا ذلك ، فإن طال ذلك ، و شاءوا أن يعطوا صاحب الثوب قيمة ثوبه ، فذلك لهم ، و إلاَّ فلهم أن ينبشوه ، و يخرجوا ما نسوا .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال سَحْنُون : و لو ادعى رجل أن الثوب الذي على الكفن له ، و قد دفن به ، أو كان خاتمًا أو دنانير ادعاها ، فإن كان ذلك يعرف ، أو أَقَرَّ له به أهل الميت ، و لم يدعوه لهم أو للميت ، جعل له سبيل إلى إخراج ثوبه ، و كذلك الخاتم و الدنانير ، و إذا كان الثوب الذي سجوه به للميت ، و كان نفيسا ، فليخرج ، و إن لم يكن كثير الثمن ترك ، و إن كان لغير الميت ، فشح به صاحبه ، كشف عنه ، و أخذ ثوبه ، نفيسا كان أو غيره .
و من سماع عيسى ، من ابن القاسم : و إذا دفن في ثوب ليس له ، فلينبش لإخراجه لربه ، إلاَّ أن يطول أو يروح الميت ، فلا أرى إلى ذلك سبيلا .
***(2/139)
[1/642]
في إنزال الميت في قبره ، و من ينزل المرأة ،
و في سترة القبر ، و ما يدعى للميت عند إقباره
من الْعُتْبِيَّة ، قال موسى بن معاوية : حدثني جرير ، عن مسعر ، قال : كان يقال : إذا دلي الميت في قبره ، قال له القبر : ما أعددت لبيت الوحدة ، و بيت الوحشة ، و بيت الدود . و حدثني جرير ، عن وكيع ، عن مالك بن مغول ، عن عبيد بن عمير نحوه .
و من المجموعة ، قال علي ، عن مالك : ليس في عدد من ينزل القبر سنة ، في شفع و لا وتر ، و لا بأس أن ينزل فيه الرجل بخفيه أو نعليه . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : واسع أن يلي إقبار الميت الشفع و الوتر . قَالَ ابْنُ المسيب : و الذين دلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم في قبره أربعة ؛ العباس ، و علي ، و الفضل بن عباس ، و صالح مولاه ، و هو شقران ، و هم ولوا غسله ، و تكفينه ، و إحباءه . و اختلف في الرابع ، فقال ابن المسيب : هو صالح . و قال موسى بن عقبة : هو أسامة بن زيد . و قال الشعبي : عبد الرحمن بن عوف .
و من المجموعة ، قال أشهب : و إذا وضع الميت في اللحد ، قال : بسم الله ، و على ملة رسول الله ، اللهم ، تقبله بأحسن قبول . و إن دعي
***(2/140)
[1/643]
له بغير ذلك فحسن ، و إن تُرِكَ ذلك فواسع . قال : و إن أُدْخِلَ من القبلة ، أو سُلَّ من ناحية رأسه من الشق الأيسر ، و أنت في القبر ، فواسعٌ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و إدخاله من ناحية القبلة أَحَبُّ إِلَيَّ . قال : و يُلْحَدُ الميت على شقه الأيمن إلى القبلة ، و يَمُدُّ يده اليمنى على جسده ، و يَعْدِلُ رأسه بالثرى ؛ لئلا يتصوب ، و يعْدِل رِجْلَيْهِ ، و يَرْفُق في ذلك . و يَحُلُّ عُقَدَ كفنه إن عُقِدَ . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و مما يُسْتَحَبُّ أن يقال عند ذلك ، و قد بلغني ذلك مفترقًا فجمعته : بسم الله ، و بالله ، و إلى الله ، و على مِلَّة رسول الله ، و ملة إبراهيم حنيفًا مسلمًا ، و ما كان من المشركين ، اللهم افسح له في قبره ، و نَوِّر له فيه ، و لقِّنْه حُجَّته ، و وَسِّعْ عليه حفرته ، و ألحقه بنبيِّه ، و أنت راضٍ عنه ، اللهم نَزَل بك صاحبنا هذا ، و أنت خير منزول له ، اللهم اجعل ما خرج إليه خيرًا مما خلَّفَ وراء ظهره ، اللهم و قِهِ فتنة القبر و عذاب جهنَّم ، اللهم أَسْلَمَهُ إليك الأهلُ و المالُ و العشيرة ، و ذنبه عظيم فاغفر له . قال : و يلي إنزال الْمَرْأَة في قبرها
***(2/141)
[1/644]
مع زوجها من حضر من ذوي محارمها ، فإن لم يكونوا ، فمن حضر من أهل الفضل ، و ليكونوا في أعلاها ، و الزوج في أسفلها ، فإن لم يكن زوج ، فأقربهم إليها من ذوي محارمها ، فإن لم يكونوا ، فأهل الصلاح مِمَّنْ حضرها ، إلاَّ أن يُوجد نساء يلين ذلك من القواعد وذوات الأسنان ، و لهن عليه قوة ، بلا مضرَّة عليهن فيه ، و لا عورة منكشفة ، فهن أولى من الرجال ، إذا لم يكن ذو رحم منها . و قال أَصْبَغُ ، في ذلك : و ليستر قبرها بثوب . و كذلك فُعِلَ بزينب بنت جحش ، و هي أَوَّل من مات من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم . قال أشهب في المجموعة : و ما أكره أن يُسْتَرا القبر في دفن الرجال ، و أما الْمَرْأَة فهو الذي يَنْبَغِي ، و ذلك واسع في الرجال .
و من الْعُتْبِيَّة ، قال موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، قال : و سَتْرُ القبر للمرأة بثوب مما يَنْبَغِي فعله ، فإن لم يكن من محارمها مَنْ يقبرها ، فأهل الصلاح أولى بذلك . قال : و زوجها أحق بإنزالها في قبرها من الأب و الولد . قال سَحْنُون في المجموعة : يُنْزِلها الزوج مع ذي محرم منها ، و يكون الزوج في وسطها ، فإن لم يكن لها ذو محرم فليُدْخِلها
***(2/142)
[1/645]
النساء في قبرها ، فإن لم يكن فأهل الفضل .
و قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إن لم يكن قرابة لها ، فأهل الفضل من الرجال . و لم يذكر النساء ، و قد تقدَّم هذا في باب آخر : و ذِكْر مَنْ أنزل عائشة في قبرها ، في باب الدفن ليلاً .
في الميت في البحر كيف يُوارى ، و كيف إن ألقاه
البحر بعد أن صُلِّيَ عليه ، و أُلقي فيه
من الْعُتْبِيَّة ، حدثنا موسى بن معاوية ، عن حفص بن عتاب ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال في الميت في البحر : يُغَسَّل و يُكَفَّنُ ، و يُحَنَّطُ ، و يُصَلَّى عليه ، و يُرْبَطُ في رجله شيء يُثَقَّلُ به ، و يُلْقى في الماء .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إذا طمعوا بالبَرِّ من يومهم ، و شبه ذلك حبسوه حَتَّى يدفنوه في البر ، و إن يئسوا من البر في مثل ذلك ، غُسِّل و كُفِّن و حُنِّط و صُلِّيَ عليه حين يموت ، و ألقوه في البحر ، و لا يحبسوه أيامًا . و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ مثله ، و قال : و يشدُّوا عليه أكفانه ، و يُلقوه في الماء ، مستَقْبِل القبلة ، مُحَرَّفًا على شقِّه الأيمن . و كذلك قَالَ ابْنُ
***(2/143)
[1/646]
المَاجِشُون ، و ابن القاسم ، و أصبغ ، و لا يُثَقِّلوا رجله بشيء ليغرق ، كما يفعل من لا يعرف ، و إن ألقاه البحر على ضفَّته ، فحقٌّ على من وجده أن يدفنه . و قال سَحْنُون في كتاب ابنه : إن طمعوا بالبر صبروا ، مثل يوم و نحوه ، ما لم يخافوا عليه ، فإن خافوا عليه غُسِّلَ و صُلِّيَ عليه إلى القبلة ، و إن دار المركب أداروه ، و إن غلبهم ذلك ، صَلَّوْا عليه بقدر طاقتهم ، و يُثَقَّل بشيء إن قدروا .
في جمع الْمَيِّتَيْنِ في قبر أو كفن
من الْعُتْبِيَّة و في سماع ابن غانم ، من مالك ، رِوَايَة عون ، قال أشهب : لا أُحِبُّ أن يُكَفَّن رجلان في ثوب ، إلاَّ عن ضرورة ، فإن فعلوا لضرورة ، أو لغير ضرورة ، قدَّموا في اللحد أفضلهما ، و لا يُجعل بينهما حاجز من الصعيد ، و لمن فعل ذلك من غير ضرورة حظُّه من الإساءة .
قال موسى بن معاوية ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ : و إذا دُفِنَ الرجال و النساء و الصبيان في قبر من ضرورة ، جُعِلَ الرجال مما يلي القبلة ، و الصبيان من ورائهم ، و النساء من وراء الصبيان ، و أما فِي الصَّلاَةِ ،
***(2/144)
[1/647]
فيلي الإمام الرجال ، ثم الصبيان ، ثم النساء . و في باب جمع الجنائز فِي الصَّلاَةِ ، و في باب الصلاة على المنفوس من هذا .
في اللحد و الشق ، و إكفائه بِاللَّبِنِ أو غيرها ، و الحثان
في القبر ، و إعماقه ، و تسنيمه ، و رشِّه و الدفن في التابوت
في القبر ، و هل يُدفن على الموتى ، و من دُفن في قبر
لغيره ، أو أرضه
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و اللحد أفضل من الشق ، و قد أُلحد النبي صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و عمر ، و لا أُحِبُّ ترك اللحد إلاَّ لتُربة تنهلُّ ، أو أمر لا يُستطاع . قَالَ ابْنُ مزين ، و غيره : و اللحد أن يُحفر في الحرف في حائط القبر ، و يُدخل فيه الميت ، و يُسَدُّ باللَّبِنِ . قال مالك في الْعُتْبِيَّة ، في سماع ابن غانم : اللحد و الشقُّ كلٌّ واسع ، و اللحد أَحَبُّ إِلَيَّ .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و يُستحبُّ ألا يُعَمَّقَ القبر جدًّا , و لكن قدر عَظْمِ
***(2/145)
[1/648]
الذراع . قال عمر بن عبد العزيز : لا تُعَمِّقوا قبري . قال : و يُنْصَبُ على اللحد اللَّبِنُ ، كذلك فُعِل بالنبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر .
و يُكْرَه التابوت ، قال موسى ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ في الْعُتْبِيَّة : أكره الدفن في التابوت ، و السُّنَّة اللَّبِنُ ، و أما اللوح فلا أراه إلاَّ أن لا يوجد لبن و لا آجُرٌّ . و ذكر سَحْنُون في كتاب الشرح المنسوب إلى ابنه ، أنه قال : لم أرَ أحدًا مِنْ أَصْحَابِنَا ، و لا سمعت عنه أنه كَرِهَ اللوح ، غير ابن القاسم ، و لا أرى به بأسًا ، و أما التابوت فلا يُدْفَن فيه .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، و أشهب : لا بأس أن يُجعل على اللحد اللَّبِنُ ، أو القصب أو اللوح ، و ذلك خفيف . قال أشهب : و لا أُحِبُّ من ذلك ما كان على وجه السرف و الفخر . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و لا يَنْبَغِي اللوح ، و لا الآجرُّ ، و القراميد ، و القصب ، و لا الحجارة ، و أشَرُّ ذلك التابوت ، و أفضله اللَّبِنُ ، فإن لم يوجدْ ، فاللوحُ خيرٌ من القراميد ،
***(2/146)
[1/649]
و القراميد خير من الآجرِّ ، و الآجرُّ خير من الحجارة ، و الحجارة خير من القصب ، و القصب خير من سنِّ التراب ، و سن التراب خير من التابوت ، و لم يبلغني سنُّ التراب عن أحد مِمَّنْ مضى ، غير عمرو بن العاص أمر به في نفسه . و يُسْتَحَبُّ سدُّ الخلل الذي بين اللَّبِنِ ، و لقد أمر به النبي صلى الله عليه و سلم في ابنه إبراهيم ، و قال : « إِنَّ ذَلِكَ لا يُغْنِي عَنْهُ ، وَ لَكِنَّهُ أَقَرُّ لِعَيْنِ الْحَيِّ» . و قال : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ عَمَلاً ، أَنْ يُحْسِنَهُ» . و في حديث آخر : «أَنْ يُتْقِنَهُ» .
و يُسْتَحَبُّ لمن كان على شفير القبر أن يحثو فيه ثلاث حثيات من التراب ، و ليس بلازم ، و قد فعله النبي صلى الله عليه و سلم في قبر عثمان بن مظعون ، و ليس على إلزام ، و قد وقف سالم على شفير قبر ، فانصرف و لم يَحْثُ فيه .
قَالَ ابْنُ سَحْنُون ، عن أبيه ، قال مالك : لا أعرف حثيان التراب في القبر ثلاثًا ، و لا أقلَّ و لا أكثر ، و لا سمعت عن أمر به . و الذين يَلُون
***(2/147)
[1/650]
دفنها يلون ردَّ التراب عليها .
و من المجموعة ، قال أشهب : و أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُسَنَّمَ القبر ، و إن رُفِعَ فلا بأس . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : أَحَبُّ إِلَيَّ أن يُسنَّم و لا يُرفَعَ . و رُوِيَ أن قبر النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر مُسَنَّمَةٌ . قال : و من شأنهم رشُّ الماء على القبر ليشتَدَّ . رُوِيَ أنه فُعِلَ ذلك بقبر النبي صلى الله عليه و سلم .
قال : و إذا صادف الحافر للقبر قبرًا ، فليَرُدَّ ترابه و يَدَعْه ، فإن حُرمة كسر عظامه ميِّتًا كَحُرْمَتِهِ حيًّا . و من كتاب آخر أن عمر بن عبد العزيز اشترى موضعًا دُفِنَ فيه من ذُمِّيّ من أهل الصلح . و ذكر مالك في الموطأ أن عروة قال : ما أُحِبُّ أن أُدفن بالبقيع ، إِنَّمَا هو أحد رجلين إما ظالم ، فلا أحب أن أكون معه ، و إما صالح فلا أحب أن تُنْبَشَ لي عظامه .
***(2/148)
[1/651]
قال سَحْنُون في الْعُتْبِيَّة : قال بعض العلماء : من حفر قبرًا في المقبرة لوليه ، فجاء غيره فدفن فيه ، فعلى فاعل ذلك أن يحفر للأول قبرا مثله في المقبرة . قال أبو بكر : عليهم قيمة حفر القبر .
و من المجموعة ابن القاسم ، عن مالك ، في قوم كان لهم فناء ، يرمون فيه عرضا لهم ، ثم غابوا فاتخذ مقبرة ، ثم جاءوا فأرادوا تسويتها ، و أن يرموا فيها عرضهم ، قال : أما ما قدم من ذلك ، فذلك لهم ، و أما الشيء الجديد ، فلا أحب لهم ذلك . قال أبو محمد : أراد لأنه من الأفنية ، و ليس من الأملاك المحوزة ، و لو كان من ذلك ، لكان لهم الانتفاع بظاهرها . و رَوَى ذلك عن علي بن أبي طالب ، قال : واروني في بطنها ، و انتفعوا بظهرها .
في إقبار الميت ، و الصلاة عليه ليلا
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال مُطَرِّف : و لا بأس بالصلاة على الجنازة ليلاً
***(2/149)
[1/652]
و بالدفن ليلاً . و قاله ابن شهاب ، و ابن أبي حازم . و قد دُفن الصديق ليلاً ، و فاطمة ، و عائشة ، ليلاً . و ماتت فاطمة لثلاث خلون من رمضان ؛ بعد النبي صلى الله عليه و سلم بستة أشهر . و ماتت عائشة في خلافة معاوية ، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة من رمضان سنة ثمان و خمسين ، و أمرت أن تدفن في ليلتها ، و صَلَّى عليها أبو هريرة . و نزل في قبرها ابنا الزبير ؛ عبد الله ، و عروة ، ابنا أختها أسماء ، و القاسم و عبد الله ، ابنا أخيها محمد ، و عبد الملك ابن أخيها عبد الرحمن .
في البناء على القبور ، و تجصيصها ، و الكتاب عليها ، و بناء
الْمَسَاجِد عليها ، و الجلوس و المشي و زيارتها
من الْعُتْبِيَّة ، من سماع ابن القاسم : و كره مالك أن يرصص على القبور بالحجارة و الطين ، أو يبنى عليها بطوب أو حجارة . قال : و كره هذه الْمَسَاجِد المتخذة على القبور . فأما مقبرة دائرة يبنى فيها مسجد يُصَلَّى فيه ، لم أر به بأسا .
و كره ابن القاسم : أن يجعل على القبر بلاطة ، و يكتب فيها ، و لم
***(2/150)
[1/653]
ير بالحجر و العود ، و الخشبة بأسا ، يعرف الرجل به قبر وليه ، ما لم يكتب فيه ، و لا أرى قول عمر و لا تجعلوا على قبري حجرا . إلاَّ أنه أراد من فوقه ، على معنى البناء .
و من ( كتاب ابن حبيب ) : و نهى عن البناء عليها ، و الكتاب ، و التجصيص ، و رَوَى جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم نهى أن ترفع القبور ، أو يبنى عليها ، أو يكتب فيها ، أو تقصص – و رَوَى : تجصص – و أمر بهدمها و تسويتها بالأرض . و فعله عمر . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : تقصص أو تجصص ، يعني تبيض بالجير أو بالتراب الأَبْيَض ، و الْقَصَّة : الجير و هو الجص . و يَنْبَغِي أن تسوى تسوية تسنيم . و لا بأس أن يوضع في طرف القبر الحجر الواحد ؛ لئلا يحفر موضعه إذا عفا أثره . و لا بأس بالجلوس على القبور ، و إِنَّمَا نهي عن الجلوس عليها للمذاهب للغائط و البول .
***(2/151)
[1/654]
و كذلك فسر مالك ، و خارجة بن زيد . و قد رَوَى ذلك مفسرًا للنبي صلى الله عليه و سلم . و كان علي بن أبي طالب يتوسدها ، و يجلس عليها .
و لا بأس بالمشي على القبر إذا عفا ، فأما و هو منسم ، و الطريق دونه ، فلا أحب ذلك ؛ لأن في ذلك كسر تسنيمه ، و إباحته طريقا . و قد رَوَى للنبي صلى الله عليه و سلم النهي عن ذلك .
و لا بأس بزيارة القبور ، و الجلوس إليها ، و السَّلام عليها عند المرور بها ، و قد فعل ذلك النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد قدم ابن عمر من سفر ، و قد مات أخوه عاصم ، فذهب إلى قبره و دعا له و استغفر . و في غير ( كتاب ابن حبيب ) ، و رثاه فقال :
***(2/152)
[1/655]
فإن تك أحزان و فائض دمعة = جرين دَمًا من داخل الجوف منقعا
تجرعتها في عاصم و احتسبتها = فأعظم منها ما احتسبنا تجرعا
فليت المنايا كن خلفن عاصما = فعشنا جَمِيعًا أو ذهبن بنا معا
دفعنا بك الأيام حَتَّى إذا دنت = تريدك لم نستطع لها عنك مدفعا
و قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و فعلته عائشة لما مات أخوها عبد الرحمن ، و هي غائبة ، فلما قدمت أتت قبره ، فدعت له و استغفرت . قال : و ربما خرج النبي صلى الله عليه و سلم إلى البقيع يستغفر لهم . و كان عليه الصلاة و السَّلام إذا سلم على أهل القبور ، يقول : «السَّلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين و المسلمين ، يرحم الله المستقدمين منا و المستأخرين ، و إنا بكم إن شاء الله لاحقون ، اللهم ارزقنا أجرهم ، و لا تفتنا بعدهم » . و القول في ذلك واسع ، بقدر ما يحضر منه . و يَدُلُّ على التسليم على
***(2/153)
[1/656]
أهل القبور ، ما جاء من السنة ، في السَّلام على النبي عليه الصلاة و السَّلام ، و أبي بكر ، و عمر ، مقبورين . و قد آتى النبي صلى الله عليه و سلم قبور شهداء أحد ، فسلم عليهم و دعا لهم . و من المجموعة ، قال علي : سئل مالك عن زيارة القبور ، فقال : قد كان نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك ، ثم أذن فيه . فلو فعل ذلك إنسان و لم يقل إلاَّ خيرا ، لم أر به بأسا ، و ليس من عمل الناس . و رَوَى عنه أنه كان يضعف زيارتها .
قَالَ ابْنُ القرطي : و إِنَّمَا أذن في ذلك ليعتبر بها ، إلاَّ للقادم من سفر و قد مات وليه في غيبته ، فيدعو له و يرحم عليه . و تؤتى قبور الشهداء بأحد ، و يسلم عليهم ، و يؤتى قبر النبي صلى الله عليه و سلم ، و يسلم عليه ، و على ضجيعيه .
***(2/154)
[1/657]
في بقاء الروح ، و ذكر النفس و الروح ،
و ذكر فتنة القبر
قال أبو محمد : و من قول أهل السنة ، و أئمة الدين في الأرواح ، أنها باقية ، فأرواح أهل السعادة منعمة إلى يوم الدين ، و أرواح أهل الشقاء معذبة إلى يوم يبعثون . قال الله تعالى في الشهداء : { أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } إلى قوله : {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ } [آل عمران : 169 ، 170]
الآية . و هذا و الذين من خلفهم بعد في الدنيا . و قال في آل فرعون : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر : 46]
. و هذا قبل قيام الساعة : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر : 46]
. و قال : { فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر : 42]
. و لم يقل : فيميت التي قضى عليها الموت . فوفاة النفوس والأرواح تُوَفِّي قبض ، لا تُوَفِّي بلا شيء . قال الله عَزَّ وَ جَلَّ : { تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام : 61]
. و ذلك زوال الروح عن الجسد . و قال في الكفار : { وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ } [الأنعام : 93]
. و لم يقل : إنهم يميتوا أنفسهم . و قال في قول من قال من الموتى : { رَبِّ ارْجِعُونِ } [المؤمنون : 99]
، فهذا قول الروح ، و إذا كان الشهداء قبل يوم القيامة أحياء
***(2/155)
[1/658]
يرزقون ، فكذلك لا يدفع أن يكون من سعد بطاعته ، أن تكون روحه حيا منعما ، و يتفاضلون في الدرجات ، و قد تظاهرت الأحاديث بنعيم أرواح المؤمنين بعد الموت ، قبل القيامة ، و أنها تأوى إلى قناديل معلقة تحت العرش ، و أنها تعلق في شجر الجنة ، يقول : تأكل كما قال في الشهداء : { يُرْزَقُونَ } [آل عمران : 169]
. و هذا لا يدفعه إلاَّ زائغ أو ملحد . و أما حديث في حواصل طير ، فليس بصحيح ، و الصحيح ما ذكرنا ، مما يؤيده القرآن ؛ و لأن الروح لا يرجع إلاَّ إلى جسده الذي كان فيه ، و بذلك جاء الحديث في النفخ في الصور ، ليخرج به الأرواح ، كل روح إلى جسده . و اختلف في النفس و الروح ، فقيل : إنهما اسمان بمعنى واحد . و إليه ذهب غير واحد مِنْ أَصْحَابِنَا ، منهم سعيد بن محمد الحداد . و ذكر أصبغ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، في الْعُتْبِيَّة : أنه سمع عبد الرحيم بن خالد يقول : بلغني أن الروح له جسد ، و يدان ، و رجلان ، و رأس ، و عينان ، يسل من الجسد سلا . و في رِوَايَة ابن حبيب ، عن
***(2/156)
[1/659]
أصبغ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، عن عبد الرحيم ، أن النفس هي التي لها جسد مجسد قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و هي جسد مخلق مركب عليه خلق ، و خلق في جوفه خلق ، يسل من الجسد عند الوفاة ، بخلقها و صورتها ، و يبقى الجسد جثة . و ذكر ابن الْقُرْطِيِّ في ( كتابه ) ، نحو رِوَايَة ابن حبيب . ذكرها عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ ، و قال : و الروح كالماء الجاري فيها . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و الروح هو النفس الجاري الداخل و الخارج ، فلا حياة للنفس إلاَّ به ، فالنفس هي التي تلذ و تفرح ، و تألم و تغفل ، و تسمع و تبصر ، و تتكلم الروح لا تلذ و لا تألم ، و لا تعرف شَيْئًا . و النفس تقبض عند النوم ، كما قال الله تعالى ، و تبقى الروح لا تعرف شَيْئًا . و النفس هي التي تَرَى في منامها ، و تألم و تحزن و تفرح ، فمن انقضى أجله تبع روحه نفسه في المنام ، فكان ذلك توفيه ، و هو من قول الله تعالى : { يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا } [الزمر : 42]
. فهي التي ترجع إلى جسدها ما بَقِيَ من تمام أجلها . و منه قول النبي صلى الله عليه و سلم ، عند المضطجع : « اللهم إن أمسكت نفسي ، فاغفر لها و ارحمها ، و إن أرسلتها ، فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك » . و منه قول الله تعالى : { ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ
***(2/157)
[1/660]
فِيهِ } [الأنعام : 60]
. يقول من وفات نومكم ، و { لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى } [الأنعام : 60]
، أجل الموت : { ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ } [الأنعام : 60]
، يقول : بالموت . فليست تموت الأنفس و الأرواح ، و إِنَّمَا تموت الأجساد بخروج النفس ، ثم هي حية عند الله باقية . فهذا ما في ( كتاب ابن حبيب ) ، و لم يقل أصبغ في رِوَايَة العتبي : إن النفس غير الروح . و لا ذكر النفس ، و إِنَّمَا قال : الروح هو الذي له جسد مجسد ، و الله أعلم ، و الذي ذكر في الحديث ؛ « أن أرواح المؤمنين تأوي إلى قناديل » . و لم يذكر النفس ، و الله أعلم . و كيف كان ذلك ، فلا شك أن الأرواح الخارجة من الأجساد باقية .
في التعزية بمصيبة الموت ،
و هل يعزى الكافر ؟
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و قد جاء في تعزية المصاب ثواب كثير ، و جاء أن الله يلبس الذي عزاه لباس التقوى . و رَوَى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا عزى قال : « بارك الله لك في الباقي ، و أجرك في الفاني » . و عزى النبي صلى الله عليه و سلم امرأة بابنها فقال : « إن لله ما أخذ ، و له ما أبقى ، و لكل أجل مسمى ، و كل إليه راجع ، فاحتسبي و اصبري ، فإنما الصبر عند أَوَّل الصدمة » . و كان
***(2/158)
[1/661]
محمد بن سيرين إذا عزى قال : أعظم الله أجرك ، و أعقبك عقابًا ، نافعًا لدنياك و أخراك . و كان مكحول يقول : أعظم الله أجرك ، و جبر مصيبتك ، و أحسن عقباك ، و غفر لمتوفاك . قال .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و كل واسع بقدر ما يحضر الرجل ، و يقدر منطقه ، و أنا أقول : أعظم الله أجرك على مصيبتك ، و أحسن عزاك عنها ، و عقباك منها ، و غفر لميتك و رحمه ، و جعل ما خرج إليه خيرا مما خرج منه . و قال غيره : و أحسن التعزية ما جاء بها الحديث : « أجركم الله في مصيبتكم ، و أعقبكم منها خيرا ، إنا لله و إنا إليه راجعون » . و أصيب عمر بن عبد العزيز بامرأة من أهله ، فلما دفنت و رجع معه القوم ، فأرادوا تعزيته عند منزله ، فدخل و أغلق الباب و قال : إنا لا نعزى في النساء . و فعله عبد الملك ، فقال : لعنبسة بن سعيد : ما أتى بك ؟ فقال لأشاركك في مصيبتك ، و أعزيك في ابنتك . فقال له : مهلا ، فإنا لا نعزى في النساء .
و لغير ابن حبيب ، عن مالك ، أنه قال : إن كان ، فبالأم . قال غيره : و كل واسع . و قد قال النبي عليه الصلاة والسلام : «من مات له ثلاثة من
***(2/159)
[1/662]
الولد » . و لم يذكر ذكرًا أو أنثى . و قال الله تعالى : { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة : 106]
. و قال النبي صلى الله عليه و سلم : « ليعزى المسلمون في مصائبهم بالمصيبة بي » . و جعل المصيبة بالزوجة الصالحة ، و القرين الصالح ، مصيبة . و قد أمر الله بالاسترجاع للمصائب فقال : { الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ } [البقرة : 156]
الآية . و هذا من الاستسلام لله تعالى و الاحتساب ، و إِنَّمَا المصيبة من حرم الثواب . يريد فلم يبق له ما أسف عليه ، و لا استفاد عوضا منه .
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : قال النخعي : كانوا يكرهون التعزية عند القبور . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و ذلك واسع الدين ، و أما في الأب ، فأن يعزى الرجل في منزله .
و من المجموعة ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك : و لا يعزى المسلم بأبيه الكافر ، يقول الله تعالى : { مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [الأنفال : 72]
.
***(2/160)
[1/663]
و في ( كتاب ابن سَحْنُون ) : و يعزى الذمي في وليه ، إن كان له جوار يقول : أخلف الله لك المصيبة ، و جزاه أفضل ما جزى به أحدًا من أهل دينه .
قَالَ ابْنُ سَحْنُون : و لا تعزى الْمَرْأَة الشابة ، و تعزى المتجالة ، و تركه أحسن . و كذلك السَّلام عليهن في الطريق ، و أما إذا دخلت البيت فسلم .
في حضور المسلم جنازة الكافر ،
أو حمله ، أو الْقِيَام على قبره ، و حضور
الكافر للمسلم
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لا يحمل المسلم نعش الكافر ، و لا يمشي معه ، و لا يقوم على قبره ، و لا يحمل الكافر نعش المسلم ، و لا بأس أن يقوم على قبره ، وأن يحفره ، و يطرح عليه التراب ، و لو مات لمسلم كافر يلزمه أمره ، مثل الأب و الأم و الأخ و شبهه ، فلا بأس أن يحضره ، و يلي أمره و كفنه ، حَتَّى يخرجه ، و يبرأ به إلى أهل دينه ، فإن كفى دفنه ، و أمن الضيعة عليه ، فلا يتبعه ، و إن خشي ذلك ، فليتقدمهم إلى قبره ، و إن لم يخش ضيعته ، و أحب أن يحضر دفنه ، فليتقدم أمام جنازته ، معتزلا منه و مِمَّنْ يحمله ، و قد رَوَى أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن في ذلك ، أن يتقدم
***(2/161)
[1/664]
أمام جنازته .
قال عطاء : و من ماتت أمه النصرانية ، فله أن يكفنها ، و يقوم عليها ، و يمشي معها معتزلا منها . قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و الركوب و المشي في ذلك سواء . قال مالك : و لا بأس أن يقوم بأمرها كله ، ثم يسلمها إلى أهل دينها ، و لا يصحبها إلاَّ أن يخشى عليها الضيعة ، فيتقدمها إلى قبرها ، و لا يدخلها فيه ، إلاَّ أن لا يجد من يكفيه ذلك . و قد تقدم في باب الصلاة على الصغير ، و في الكافر يموت بين المسلمين ، ما يشبه ما في هذا الباب .
ما جاء في موت الغريب
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : و رَوَى عن أبي هريرة ، أنه قال : ما من أحد خلق من تربة إلاَّ أعيد فيها ، و أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : « لا غربة على المؤمن ،
***(2/162)
[1/665]
ما مات مؤمن بأرض عراء ، غابت عنه فيها بواكيه ، إلاَّ بكت عليه السماء و الأرض » . و قال : « إذا مات في غير مولده ، قيس له في الجنة من مولده إلى منقطع أثره » .
في ضرب الفسطاط على القبر
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : ضرب الفسطاط على قبر الْمَرْأَة أجوز منه على قبر الرجل ، لما يستر منها عند إقبارها ، و قد ضربه عمر على قبر زينب بنت جحش ، فأما على قبر الرجل فأجيز ، و كره ، و من كرهه ، فإنما كرهه من جهة النفخة و السمعة ، و كرهه أبو هريرة ، و أبو سعيد الخدري ، و ابن المسيب ، و قد ضربه محمد بن الحنفية على قبر ابن عباس ، أقام عليه ثلاثة أَيَّام . فأراه واسعًا ، و لا بأس أن يقر عليه ليومين و الثلاثة ، و يبات فيه إذا خيف من نبش ، أو غيره . و إن عائشة ضربته على قبر أخيها ، فنزعه ابن عمر .
***(2/163)
[1/666]
في مَنْ جمع له ثمن كفن ، فكفن في غيره ،
و في مَنِ ابتاع كفنا لمنازع ، على أنه إن لم يمت رده
من الْعُتْبِيَّة ، قال أَصْبَغُ : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ، عن مالك ، في مَنْ جمع له ثمن كفن ، ثم كفنه رجل من عنده ، فأراد غرماؤه أو ورثته أخذ الدراهم التي جمعت له و بقيت : فليس لهم ذلك و لترد إلى أهلها . قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إلا أن يدعوها الورثة ، و هو أَحَبُّ إِلَيَّ أن يفعلوا .
قال أَصْبَغُ : و من ابتاع كفنا لمنازع ، على أنه لم يمت رده ، لم يجز البيع ، فإن فات ، فالقيمة له ، كانت أقل من الثمن أو أكثر ، و لو كانت الثياب أخذت لنصراني ، ثم ردت ، لم يكن على ربها غسلها . و هذا خفيف .
تم كتاب الجنائز بحمد الله و حسن عونه ، و صَلَّى الله على محمد
نبيه و على آله و صحبه و سلم تسليمًا(2/164)
***
[2/5]
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصوم و الاعتكاف(1) في الصوم ، و الفطر لرؤية الهلال(2) ، و ذكر صوم يوم الشكِّ ، و مَن رأى الهلال وحده
قال مالك و أصحابه : لا يُصام رمضان و لا يُفْطَرُ إلا لرؤية الهلال ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : «فإِنْ غُمًّ عَلَيْكم ، فاقْدُرُوا له»(3) . قال أشهب في غير كتاب : فإن غُمَّ أُكْمِل شعبان ثلاثين يومًا ، فإن غُمَّ هلال شوال أُكْمِل رمضان ثلاثين يومًا(4) .
قال مالك و أصحابه : و لا يُصام يوم الشكِّ ؛ تحرِّيًا لسحاب أو غيرها ؛ لأنه إنما يُتَحَرَّى عند ارتفاع الأدلَّة . و الله تعالى قد جعل الأهلَّة مواقيت للناس ، فإن غُمَّ شهر لم يُغَمُّ ما قبله و لنهي النبي صلى الله عليه و سلم عن الصوم إلا
***
__________
(1) سقط من الأصل .
(2) في الأصل : (هلال شوال) .
(3) أخرجه مسلم في باب وجود صوم رمضان لرؤية الهلا ، من كتاب الصيام .
(4) نص الحديث «صوموا لؤيته ، و أفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين» .(1/1)
[2/6]
لرؤيته ؛ و لأن الشهر يكون تسعًا و عشرين(1) .
و من المَجْمُوعَة قال ابن وهب ، عن مالك : إنه سمع(2) أهل العلم ينهون عن صيام يوم الشكِّ ، و لا يرون بصيامه تطوُّعًا بأسًا . و كذلك قال عبد الملك ، و قاله مالك في المختصر و غيره . قال عنه ابن وهب : إنه سمع أهل العلم يقولون : و لا يُجْزئ من صامه تحريًا(3) و إن وافقه .
قال في الواضحة : و ليفطر متى أفاق لذلك ، و لو لم يَبْقَ من النهار إلا ما لا ذِكْرَ له .
و كذلك إن صام يوم أَحَدٍ و ثلاثين ، خَوْفًا أَنْ يكون أوَّل يوم من صيامه و لم يكن من /رمضان فليفطر ، إذ لا يجوز له صوْم يوم الفطر .
و من المَجْمُوعَة قال ابن القاسم عن مالك : و مَنْ رأى هلال رمضان أو شوال وَحْده فليُعْلِم الإمام . قال أشهب : فإن عَلِمَ من نفسه أنَّه غيرُ عَدْل ، فإن كان مَسْتُورًا و قد يُقْبَلُ ، فعليه أَنْ يشهدَ . و إن كان مَكْشوفًا فأحَبُّ إليَّ أَنْ يَشْهَد ، و ما هو بالواجب عليه .
قال ابن القاسم ، و أشهب ، و ابن وهب عن مالك قال : و مَنْ رآهُ وَحْدَه فلْيَصُمْ هو ، و إن كان هلال شوال فلا يُفْطِر . قال عبدُ الملك :
***
__________
(1) نص الحديث : «إنما الشهر تسع و عشرون ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، و لا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له» .
(2) في الأصل : (يسمع) .
(3) سقط من (ب) .(1/2)
[2/7]
للذريعة إلى الفساد . قال أشهب : وَ لْيَنْوِ الفطر بقلبه ، و يَكُفَّ عن الأكلِ و الشُّرْب ، و ليس عليه فيما بينه و بين الله في الأكل شيء من قِبَلِ الصيام ، و لكنْ عليه من باب التَّغْرير بنفسه في هَتْك عِرْضِه . قال أبو زيد في الْعُتْبِيَّة(1) عن ابن القاسم : إلا مُسافِرٌ وحْدَه في مَفَازٍ(2) فإنه يُفْطِرُ .
و من المَجْمُوعَة قال أشهب : و إذا ظُهِرَ عليه –يريد في الحَضَر- فإن لم يكن ذَكَرَ ذلك قَبْلَ يؤخذ عُوقِبَ إنْ لم يكن مأمونًا ، و إن كان ذَكَرَ ذلك قَبْلَ ذلك و أفشاه ، إن(3) كان من أهل القناعة و الرضا ، فلا يُعاقَبُ ، ثم يُتَقَدَّم إليه في الإمساك عن المُعاودة ، فإن عادَ عُوقِبَ إلا أنْ يَكُونَ من أهل الدينِ و المروءة فلا يُعاقَب ، و ليُعَنَّفْ و يُغَلَّظْ في عِظَتِه .
قال(4) أشهب : و إذا رأى هلال رمضان وَحده ، ثم أفطر فلْيُكَفِّرْ إلا أَنْ يُفطِر متَأَوِّلاً . قال ابن حبيب : إنْ أَفْطَرَه و هو يَعْلَمُ أنَّ عليه صومه فإنه يُكَفِّرُ .
ذكر ما يُصام به أو يُفْطَرُ
من الشهادة على الهلال ، أو الاستفاضة فيه
قال مالك ، في غير كتاب : لا يُصام أو يُفطرُ في رمضان إلا بشاهدين عدلين . و كذلك في إقامة الحج و غيره .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، عن مالك : إنْ شَهِدَ شهود ليسوا بالرضا في العدالة ، و لا يُعْرَفُونَ بسفه . قال : لا يُصام بهؤلاء و لا يفطر .
قال أشهب : و كذلك إن كانا شاهِدَيْن ، أحدهما عدلٌ ، و لا بشهادة صالحي
***
__________
(1) بيان 2/314 .
(2) في الأصل : (همار) .
(3) في (ز) : (أو) .
(4) بعده في الأصل : (و) .(1/3)
[2/8]
الأرقاء ، و لا مَن فيه عَلَقَةُ رِقٍّ ، و لا النسوان و الصبيان .
قال محمد بن عبد الحكم ، في "كتابه ، في الأحكام" : و لو شَهِدَ شاهدان في الهلال فاحتاج القاضي إلى(1) أَنْ يكشفَ عنهما ، و ذلك يتأخَّرُ ، فليس على الناس(2) صيام ذلك اليوم ، و إن زكُّوا بعد ذلك أمرَ الناس بالقضاء ، و إنْ كان في الفطر فلا شيء عليهم فيما ضامُوا .
قال محمد بن عبد الحكم : و مَن رأى هلال رمضان وحده فصام لذلك ثلاثين يومًا ، ثم لم يرَ الناس الهلال ، و السماء صاحية . قال(3) : هذا مُحَالٌ . و يدل ذلك(4) أنَّه غلط ، أو شُبِّهَ عليه .
و من "المَجْمُوعَة" ، من(5) رواية ابن نافع ، عن مالك ، و هو في سماع أشهب ؛ في شاهدين/ شهدا على هلال شعبان ، فَيُعَدُّ لذلك ثلاثون يوماً ، ثم لم يرَ الناس الهلال ليلة أحدَ و ثلاثين يوماً ، و السماء صاحيةٌ و لا يُرَى . قال : هذان شهيدا سَوْءٍ .
و أخبرنا(6) أبو بكر قال : رَوَى(7) ابن وَضَّاح ، عن سحنون ، في عدلين شَهِدَا(8) في الهلال ، و السماء صاحية ، و لا (يَشهدُ غيرهما)(9) ، فقال : و أيُّ رِيبةٍ أكبر من هذا؟
***
__________
(1) سقط من (ب) .
(2) في (ب) : (القاضي) .
(3) سقط من (ب) .
(4) في (ب) : (بذلك) .
(5) في الأصل : (عن) .
(6) في (ب) : (أخبرت) .
(7) في (ب) : (أخبرنا) .
(8) في الأصل : (شهيدا) .
(9) في (ب) : (شهد غيرهما) .(1/4)
[2/9]
أبو بكر : قال لنا يحيى بن عمر : و يجوز عندي شهادة رجلين(1) ، في الصَّحْوِ ، في الصوم و الفطر . قال غيرُه من أصحابنا : و معنى قول سحنون هذا ، في المصر الكبير(2) العظيم . و الصَّحْوُ : البَيِّنُ . أنَّه يَبْعُدُ أنْ (يتفرَّدَ هذان)(3) برؤيته ، و يُقْدَحُ بذلك ريبة في شهادتهما . قال يحيى بن عمر : و لو شَهِدَ شاهد على هلال رمضان ، و آخر على هلال شوال ، لم يقطعوا(4) بشهادتهما . و قيل لسحنون : أرأيت إن أخبرك الرجل الفاضل (أنَّه رآه؟)(5) قال : و لو كان مثل عمر بن عبد العزيز ما (صُمتُ بشهادته)(6) ، و لا أفطرت ، و لا يجب ذلك إلا بشاهدين .
و ذكر ابن حبيب ، عن ابن الماجشون ، و ذكره ابن سحنون عنه ، أنَّه إذا رأى هلال رمضان عامَّة بلد(7) (و غمَّهُم عليه)(8) بالرؤية ، إلا(9) بالشهادة عند حاكم(10) . فذلك يُجزئ مَن لم يَعلم به منهم ، و يُجزئه الصومُ و إن لم يثبته . و كذلك الغافل ، و المريض ، و الجاهل لا يَعلم ، و كذلك مَن قَرُبَ من البلد على الليلة . (و نحو ما هو كحاضر بها)(11)/ في ذلك .
قال سحنون : لا يُجزئ أحداً منهم إلاَّ مَن علم قبل الفجر ، و بيَّتَ الصومَ
***
__________
(1) في (ب) : (عدلين) .
(2) سقط من الأصل ، و (ز) .
(3) في (ب) : (ينفر هاذان) .
(4) في (ب) : (يفطر) .
(5) في الأصل : (المرأة) .
(6) في (ب) : (صحت شهادته) .
(7) في (ز) : (بلده) .
(8) في (ب) : (عمهم علمه) .
(9) في (ب) : (أو) .
(10) في الأصل ، (ز) : (حكم) .
(11) في (ب) : (و نحوها هم كحاضرتها) .(1/5)
[2/10]
قبلَ الفجر . قال محمد بن عبد الحكم : و قد يأتي مَن رؤيته ما يُشتهر ، حتى لا يُحتاج فيه إلى الشهادة و التعديل ، مثلَ أنْ تكون قرية كبيرة ، فيراه فيها الرجال و النساء و العبيد ، ممن لا يمكن فيهم التواطؤ على باطل ، فيلزم الناس الصوم بذلك من باب استفاضة الأخبار ، لا من باب الشهادات . قال ابن عبد الحكم : و رأيتُ أهل مكة يذهبون في هلال الموسم في الحج مذهبا ، لا أدري من أين أخذوه؟ إنهم لا يقبلون في الشهادة في الهلال في الموسم إلا أربعين رجلا ، و قيل عنهم خمسون . و القياسُ(1) أَنْ يجوز فيه شهيدا عدل ، كما يجوز في الدماء و الفروج ، و لا أعلم شيئا فيه أكثر من شاهدين إلا الزنا .
(قال عبد الله)(2) : و أخبرت عن أحمد بن ميسر الإسكندراني(3) أنَّه قال : إذا أخبرك عدل أن الهلال قد ثبت ، عند الإمام ، و أمر بالصيام(4) ، أو نُقلَ ذلك إليك عن بلد آخر ، لَزِمَكَ العمل على خبره ، من باب قبول خبر الصادق لا(5) من باب الشهادة . قال أبو محمد : كما أن الرجل يَنقِل إلى أهله و ابنته البكر مثل ذلك ، فيلزمهم تبييت الصوم بقوله . و بعد هذا ذِكْرُ مَنْ يَثبُتُ عنده ذلك ، ممن يُعنى بالهلال ، من قاضٍ أو عالمٍ به .
***
__________
(1) بعده في (ز) : (من) .
(2) سقط من الأصل .
(3) هو أحمد بن خالد بن ميسر الإسكندراني ، أبو بكر ، انتهت إليه رياسة الفقه بمصر بعد ابن المواز ، و هو راوي كتبه ، و عليه تفقه ، و ألف كتابا في الإقرار و الإنكار ، توفي سنة تسع و ثلاثمائة ، ترتيب المدارك 5/52 ، 53 .
(4) في الأصل : (بالصلاة) .
(5) سقط من الأصل .(1/6)
[2/11]
في الهلال يَثْبُتُ رؤيته / عند أهل بلد هل(1)
يَلْزَم غيرهم أَنْ يعملوا على ذلك؟ أو يَثبُتَ عند عالِمٍ بعَيانِه ،
و يكون القاضي ممن لا يُعْبأُ به ، هل يلزم مَن ببلده؟
من " المَجْمُوعَة" روى ابن القاسم ، و ابن وهب ، عن مالك : أنَّه قال : و إذا صام أهل بلد ثم جاءهم أنَّ أهلَ بلدٍ غيرهم صاموا قبلهم ، فإن استُوقِنَ ذلك فليقضُوا .
قال ابن القاسم : و إذا جاءهم أنَّ أهل بلد آخر رأَوْه ، فإن كان الذين رأوْه عدولا ، لَزِمَ هؤلاء القضاءُ ، قال : و إذا جاءهم صحةُ الفطرِ بعد الزوال ، فليَفْطُرُوا . قال عنه ، في "العُتْبِيَّةِ"(2) : و لا يُصَلُّوا العيد بعد الزوال .
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : إذا رأى هلال رمضان عامَّة بلد و غَمَّهم عِلمه بالرؤية رؤية ظاهرةً من غيرِ طلبِ الشهادة ، لزم غيهم من أهل البلدان قضاؤه ممن لم يعلم . و إن كان(3) إنَّما صاموه بطلب شهادة و تيقن و تعديل ، لم يلزم غيهم من أهل البلدان بذلك قضاء إلا بما ثبت ، عند مَن عليهم من الحكام ، و لكن يلزم أهل البلد الذي ثبتَ ذلك عند قاضيهم بالشهادة ، هم و مَن تقرَّبَ منهم من حاضرتهم ، و ليقضِ مَن أفطر منهم و لم يعلم ، إلاَّ أنْ يكتبَ أمير المؤمنين إلى بلد بما عنده من شهادة أو رؤية إلى مَن لم يره ، فيلزمهم قضاؤه ، فالخليفة في المسلمين كأمير المصر في قراياها ، و العمل على كتاب أهل مصر يلزم أعراضها . قال : و هذا قول مالك
***
__________
(1) سقط من الأصل .
(2) البيان والتحصيل 2/318 .
(3) في (ز) : (كانوا) .(1/7)
[2/12]
و أصحابه(1) . و قال عبد الملك : و إذا كان موضع ليس فيه غمامٌ ، يَنْعَقِدُ أمرهم في الصوم و الهلال ، أو كان مع مَن يَصْنَعُ ذلك ، فينبغي أَنْ يَرْعَوا ذلك و يَتَفَقَّدُوه ، فمَن ثبت ذلك برؤية نفسه ، أو برؤية مَن يَثِقُ به صام عليه و أفطر ، و حُمِلَ عليه مَن اقْتَدَى به .
في رؤية الهلال قبل الزوال أو بعده
من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهب ، و ابن وهب : عن مالك : و مَن رأى هلال شوال نهارا ، فلا يفطر و هو للليلة التي تأتي . قال أشهب : فإنْ أفطر فليقضِ ، و لا يُكَفِّرْ ؛ لأنَّه مُتأوِّلٌ . و رَوَى أشهبُ ، عن مالك : أنَّه لا يفترق عندي(2) أُرِيَ قبل الزوال أو بعده ، فهو لليلة التي تأتي .
قال في " المختصر" فلا يُفطِرُ في هلال شوال ، و إن كان في هلال رمضان ، لم يَكُفَّ عن الأكل ، قال ابن مَزينٍ ، و ابن وهب : يُفَرَّقُ بين رؤيته قبل الزوال وبعده ، فيُرى ، إن أُرِيَ(3) قبل الزوال ، فهو لليلة الماضية ، فإن أُرِيَ بعد الزوال ، فهو لليلة التي تأتي . و كذلك قال ابن حبيب . و ذكر هو و ابنُ حبيبٍ . أنَّ ذلك مفسَّرٌ فيما رُوي عن عمر(4) .
قال ابن الجهم : و هذا لا يصح و إنما رواه شباك(5) ، و هو مجهول .
قال غيره : و أما في رواية مالك ، عن عمرَ فليس فيها / للزوال ذِكْرٌ ، و لا
***
__________
(1) في (ز) : (أصحابنا) .
(2) في الأصل ، (ز) : (عنده) .
(3) في (ز) : (رأى) .
(4) نصه : عن إبراهيم النخعي ، قال : كتب عمر إلى عتبة بن فرقد : إذا رأيتم الهلال نهارًا قبل أن تزول الشمس تمام ثالثين فأفطروا ، و إذا رأيتموه بعد أن تزول الشمس فلا تفطروا حتى تمسوا . أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 4/163 ، و من طريقه في السنن الكبرى 4/213 .
(5) في (ب) ، (ز) : (سماك) ، و هو شباك الضبي الكوفي ، كان ثقة و لكنه يدلس ، تهذيب التهذيب 4/302 ، 303 .(1/8)
[2/13]
فرْقَ بين ذلك . و هو قول ابن عباسٍ ، و ابنِ عمر .
في التَّبْييت في الصيام
قال مالكٌ ، و أصحابه : لا صيامَ إلاَّ لمَنْ بيَّتَهُ ؛ لأنَّ الله سبحانه يقولُ : {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}(1) . فأمر بصوم جميع النهار ، و لا وصولَ إلى ذلك إلا بتقدمة التبييت قبل أول شيء منه . و قال النبي صلى الله عليه و سلم : «مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قبلَ الفجرِ ، فلا صِيَامَ لَه» . و هو حديث معروف ، (أورده ابن وهب و غيره)(2) .
و من "كتاب" ابن حبيب ، ذكر هذا الحديث أيضاً . و قال : و مَن باتَ لا يريدُ الصومَ ، ثم نوى الصومَ قبل الفجرِ فذلك يُجْزِئُهُ .
و من " المَجْمُوعَة " ، قال أشهب : و لا يُجْزِئُهُ أَنْ ينويَ الصومَ بعدَ الفجرِ ، و لو جاز هذا لأجزأ الحائضَ بطُهرٍ بعد الفجرِ أنْ تصوم ، و لا يُجزئُ إلا ما قال الله سبحانه : {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} إلى قوله : {اللَّيْلِ}(3) . فأوجب صوم جميع النهار لا بعضه .
قال : و ليس عليه التبييت في صوم التتابع ، في فرض أو(4) نذر ، إلا
***
__________
(1) سورة البقرة 187 .
(2) سقط من الأصل ، (ب) ، و الحديث أخرجه أبو داود في : باب النية في الصيام من كتاب الصيام ، سنن أبي داود 1/571 .
(3) سورة البقرة : 187 .
(4) في (ز) : (و لا) .(1/9)
[2/14]
في أول يوم منه . و لو نسيَ صيامه بعد ذلك ، فبيَّت إلى(1) أَنْ يُصْبِحَ(2) فيه مُفطراً ، فلا يُجْزِئُهُ حتى يعودَ(3) فيه بنيةِ التبييت . و عليه ، إذا أصبحَ و لم يُبيِّتْه قضاؤُه ، و يَصِلُه و لا يُفطرُ ذلك اليوم .
قال مالك ، في "المختصر" ، و"كتاب" ابن حبيب : و ليس على الناس التبييت في كل ليلة من رمضان ، (و لو كانت)(4)/ (من شأنه سَرْدُ الصيام)(5) ، و لا على من شانه صومُ يومٍ بعينه .
وقال أبو بكر الأبهريُّ : يُشبه أنْ يكون قول مالكٍ في ترك التبييت لمَنْ عَوَّدَ نفسه صوم يوم بعينه ، أو سرد الصيام استحساناً . و القياس أنَّ عليه التبييت كل ليلة ؛ لجواز فِطْره .
و من "العُتبية"(6) قال موسى ، عن ابن القاسم : قال مالك : و أمَّا المسافرُ فلا يُجْزِئُهُ إلا التبييت في كل ليلة من رمضان . قال غيره : لأنَّه كان له الفِطرُ في كل يوم أو أَنْ يصومَ ، وجبَ عليه(7) التبييت في كلِّ ليلةٍ .
قال محمد بن الجهم : والذي يقضي رمضانَ ، عليه التبييتُ(8) في كلِّ ليلةٍ تفترقه . قال أبو محمد : وتبيَّنَ لي أن مَن سافرَ في رمضان فأفطرَ ثم قَدِمَن أنَّ عليه أَنْ يأتَنِفَ التبييت ، كذلك المرأة تحيض ثم تطهر ، والرجل يمرض ثم يَفيق ، و قد جرت مسألة لمالك في الاعتكاف تدل على ذلك .
***
__________
(1) في الأصل : (يصح) .
(2) في (ز) : (يجدد) .
(3) سقط من الأصل .
(4) سقط من (ز) .
(5) البيان و التحصيل 2/338 .
(6) في (ز) : (أن يفطر) .
(7) سقط من (ز) .
(8) سقط من الأصل .(1/10)
[2/15]
قال ابن حبيب : قال ابن الماجشون : و مَن أصبح في رمضان بعد أوله(1) ينوي الفطر ناسياً ، فلا شيء عليه . قال ابن حبيب : بخلاف أول يوم منه .
قال ابن عبدوس : قال ابن القاسم ، و ابن وهب ، عن مالك : و لو أصبح أول يوم منه صائماً مُتطوعاً ، و لم يعلم فلا يُجْزِئُهُ وليَقْضهِ .
قال ابن حبيب : مَن بيَّتَ الفطرَ في رمضانَ حتَّى أصبحَ جره فليَقضِ و يُكفِّرْ .
(و من "المَجْمُوعَة")(2) ؛ قال أشهب : و مَن شأنه صوم يوم الخميس فمرَّ به ، و لم يعلم حتى أصبح فيه أجزأه ، إن كان شأنه ألا يفطره ، و إنْ كان ربما أفطره ، لم يجزه حتى يبيته إلا أَنْ يقول : أصوم كل خميسٍ ، إلا ما بين إفطاره وذكره غيره ، عن مالك .
قال ابن نافع ، عن مالك في ناذر صوم(3) الخميس يصوم يوم الأربعاء يظنه الخميس : فأَحَبُّ إِليَّ أَنْ يُتمَّه ، و يصومَ الخميس ، و إن أفطر الأربعاء ، فهو في سَعَةٍ ، و إن أصبح يوم الخميس يظنه الأربعاء ، فليمضِ على صيامه ، و لا شيء عليه . و يكفيه من تبييته ما مضى من إيجابه . واختُلِفَ عن ابنِ القاسم ، في إيجاب القضاء عليه .
و من "كتاب" ابن حبيب : و مَنْ نَوَى صيام يوم بعينه ، فأصبح فجره ، و لم يعلم أجزأه . و لو أكل فيه و لم يعلم ، يَكُفُّ و لا يقضيه ، و لو كان واجباً
***
__________
(1) في (ز) : (أول يوم منه) .
(2) سقط من (ز) .
(3) سقط من الأصل .(1/11)
[2/16]
قضاه . و إذا نذر صيام يوم الخميس ، فأصبح فيه ينوي الفطر ، و لا يعلم أنَّه الخميس ، فإنه يُجْزِئُهُ ، إلا أَنْ يأكل فيه قبل علمه ، فليَقضه ، و لو كان تطوعاً لم يقضه .
و من "الْعُتْبِيَّة"(1) ، روى ابن القاسم ، عن مالك ، في ناذر صيام يوم الخميس يمر به و لا يَعلم . و يصوم يوم الجمعة يظنه هو ، انَّه يُجْزِئُهُ قضاؤه .
قال : و كره مالكٌ أنْ يجعلَ على نفسه صياماً يرتبه ، وليضم إنْ شاء من غيرِ نذرٍ .
قال عيسى ، عن ابن القاسم : و لو قُدِّمَ الطعامُ فيه ، و لم يعلم ، ثم(2) عَلِمَ أنَّه يوم نذره ، فكَفَّ ، فإنَّه يُجْزِئُهُ . قال مالك : و إيجابه الأول يكفيه .
ابن القاسم : و لو أصبح في الأربعاء صائماً يظنه الخميس الذي نذر ، فعليه تمام الأربعاء ، وصيام الخميس .
ابن القاسم : و لو أصبح في الخميس فافطر يظنه الأربعاء ، فليكفَّ عن الكلِ ، و يقضه .
و من "المختصر" ، و"الواضحة" قال مالك : و مَنْ قال : إنْ تسحَّرت صمتُ و إلا فلا .
و من "المختصر" ، قال مالكٌ : والتبييت أَنْ يطلع الفجر و هو عازم على الصيام ، و له قبل الفجر أني ترك ، أو(3) يَعزمَ . فإذا طلع الفجر ، فهو(4) على آخر ما عزم عليه من فِطرٍ ، أو صيامٍ . قال في موضع آخرَ : إذا بيَّتَ
***
__________
(1) البيان و التحصيل 2/304 .
(2) في الأصل : (به) .
(3) في (ز) : (و) .
(4) في الأصل : (و هو) .(1/12)
[2/17]
أول الليل الصوم ، فليس عليه أَنْ يكون ذاكراً لذلك على الفجر .
قال ابن حبيب : و مَن نوى أَنْ يصبح صائماً فهو بالخيار ، إن شاءَ تمادَى ، و إن شاء ترك ، ما لم يطلع الفجر .
في تعجيل الفطر ، وتأخير السحور ،
و في من شكَّ في الفجر ، أو في الغروب ، وكيف عن أكل بعد شكه ، و هل يُصدِّقُ المؤذِّنَ
من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : يُستحبُّ تأخير السحور ، ما لم يدخل إلى الشكِّ في الفجر ، و من عجَّله فواسع ، يُرجى له من الأجر ما يُرجى لمن أخَّره إلى آخر أوقاته .
قال ابن نافع ، عن مالكٍ : و إذا غَشِيَتْهُمُ(1) الظُّلْمَةُ فلا يُفطروا حتى يُوقنوا بالغروب . (قال أشهب)(2) : و واسعٌ تعجيل الفطر بالغروب ، وتأخيره للحاجة ينوب ، و يُكره أنْ يُؤخروه(3) تنطُّعاً ، يتقي إلا يُجْزِئُهُ . و هو معنى الحديث في أن لا يُؤَخَّرَ(4) .
قال ابن حبيب : و لا ينبغي تأخير الفطر حتى يرى النجوم ، و ما جاء أنَّه فِعل أهل المشرق – يُريدُ النصارى منهم – و يفعله اليهود . وَ لا بَأْسَ لمَنْ رأى سَواد الليل أنْ يُفطِرَ قبل أنْ يُصَلَّى . و يُؤذَّنَ – (و قد فعله أبو بكر ، و عمرُ – و هو)(5) من موضع يطلع منه الفجر ، تنبعث منه الظلمة . و إنما
***
__________
(1) في الأصل : (غشيهم) .
(2) سقط من الأصل ، (ز) .
(4) في (ز) : (يؤخره) . و الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند 2/45 . و ابن أبي شيبة في المصنف 3/12 ، و البيهقي في السنن الكبرى 4/237 .
(5) في (ز) : (و ذلك إذا رأى سواد الليل أن يفطر قبل يصلي و يؤذن ، و ذلك إذا رأى سواد الليل قد طلع) . و انظر : مصنف ابن أبي شيبة 3/11-13 .(1/13)
[2/18]
يُكْرَهُ تأخير الفِطر استناناً ، وتدَيُّناً . فأمَّا لغير ذلك فلا . كذلك قاله لي أصحاب مالك . (و ذكر ابن حبيب حديث "الموطأ" ، فقال فيه : إن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان كانا يفطران في رمضان حين ينظران على الليل الأسود . والذي في "الموطأ"(1) : أنَّ عمرَ بن الخطاب ، وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أَنْ يُفطرا ، و يُفطران بعد الصَّلاَة ، و ذلك في رمضان . و لم يأتِ ابن حبيب بحديث "الموطأ" على وجهه)(2) .
قال ابن حبيب ورُوِيَ عن ابن عباس ، في مَن شكَّ في الفجر ، أنْ يأكل حتى يوقنَ به(3) . و هو القياس ؛ لقول الله تعالى : {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} .
قال ابن الماجشون : فهو العلم به ، و ليس الشك علماً به ، و لكن الاحتياط أحبُّ إلينا أنْ لا يأكل في الشك . قاله مالكٌ : فإنْ أكلَ بعد شكِّهِ ، فعليه القضاءُ ، و لا يُكفِّرُ .
قال ابن حبيب : و القضاء استحبابٌ ، إلا أنْ يعلمَ أنَّه أكل بعد الفجر ، فيصير واجبا ، كمَن أفطر وظنَّ انَّه قد أمسى ، ثم ظهرت الشمس .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن وهب ، عن مالكٍ : و مَن قال له رجل : إنَّك تسحرت في الفجر ، و قال آخر : قبل الفجر ، فأرَى أَنْ يقضيَ . قال أشهب : و مَن أكل و هو شاك في الفجر فإنما عليه القضاء ، و كذلك لو جامع ، و كذلك لو فعل ذلك و هو لا يشط في الفجر - يريد أنَّه لم يطلع ثم شك – أنَّه يقضي في كل صيام واجب ، و لا قضاء عليه في التطوع ،
***
__________
(1) سقط من الأصل .
(2) في : باب ما جاء في تعجيل الفطر من كتاب الصيام ، الموطأ 1/289 .
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه 3/25 ، 26 .(1/14)
[2/19]
إلا أَنْ يُعَاوِدَ الفطر .
قال ابن حبيب : و يجوز له تصديق المؤذن العارف العدل ، فإن سَمِعَ الأذان ، و هو يأكل و لا علم له ، (بالفجر فليَكُفَّ و يسأل المؤذن عن ذلك الوقت فيعمل على قوله)(1) فإن لم يكن عنده عدلاً ، و لا عارفًا فليقضِ . و إن كان في قضاء رمضان فليقض . و مُباحٌ له فطر ذلك اليوم ، أو التمادي .
و إن كان في تطوع أتمَّه ، و لا قضاء عليه ، قال : و مَن طلع عليه الفجر و هو يأكل أو يطأ ، فليُلْقِ ما في فيه ، و يَنزل عن امرأته ، و يُجزئه إلا أَنْ يُخَضْخِضَ(2) الواطئُ بعد ذلك . قال ابن القاسم ، و قال ابن الماجشون : أما في الواطئ فليقضِ ؛ لأن إزالته لفرجه جماع بعد الفجر ، و لكن لم يبتدئه ، و لا تعمَّدَه ، و لا شيء عليه في الطعام ؛ لأنَّ طرحه ليس بأكل .
في الصوم في السفر في رمضان ، و غيره
و من قول مالك في "الموطأ"(3) أن الصوم في السفر في رمضان أحبُّ إليه(4) . و قال في "المختصر" : ذلك له واسع ؛ صام أو أفطر .
و من "المَجْمُوعَة" قال أشهب : الصوم له أحبُّ إليَّ ، إذ هو في حرمة الشهر ، و المفطر فيه يُكفِّرُ ، و لا يُكفِّرُ في قضائه ، فحرمة قضائه دون حرمته ، فكذلك أجرُه فيه يُرجى أَنْ يكون أكثرَ من قضائه ، كما الخطبة فيه أعظمُ .
وقاله مالك ، و قال : وكلٌّ واسعٌ . و قال ابن حبيبٍ : الصوم له أفضلُ
***
__________
(1) سقط من الأصل .
(2) في الأصل : (يحصحص) . و الخضخضة : أن يُوشي الرَّجُل ذكره حتى يمذي . لسان العرب (خ ض ض) .
(3) لا يوجد هذا القول في الموطأ ، و انظره 1/294 ، 295 .
(4) في (ز) : (إليَّ لمن قوي عليه) .(1/15)
[2/20]
للتَّقَوِّي(1) . كما جاء أنَّ فِطرَ يوم عرفة للحاجِّ أفضلُ(2) .
و قد استحبَّ كثير من السلف الفطر في السفر ، و هو أشبه بتيسير الدِّين ، قال الله تعالى : {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}(3) . كان ابن عمر يُفطِرُ في السفر(4) ، على تشدده . والفطر في السفر آخر فعل النبي صلى الله عليه و سلم بعد الفتح(5) . و كان ابن الماجشون ، و أبوه عبد العزيز يَستحبَّانِ الفطر فيه(6) .
و من "المختصر" ، و إنما الفطر(7) في سفر الإقصار . قال في "المَجْمُوعَة" أشهب ، عن مالك : و إذا أفطر في سفر أقلَّ من ثمانية و أربعين مِيلاً ، فذلك واسعٌ فيما قاربها . قال عنه ابن نافعٍ : و إذا قدم المسافر بلداً يُقيم فيه اليوم واليومين ، فله الفطر حتى ينويَ إقامة أربعة أيامٍ . و كذلك في "المختصر" .
***
__________
(3) سورة البقرة 185 .
(6) بعده في (ز) : (قال مالك) .
(7) في (ز) : (يفطر) .(1/16)
[2/21]
و من "الْعُتْبِيَّة"(1) ابن القاسم ، عن مالك : و مَن سافر يوماً واحداً فله أنْ يُفطِرَ ؛ يريد إذا برز قبل الفجر .
قال : وللمسافر في البحر أنْ يُفطر . قال عنه ابنُ وهب ، في "المَجْمُوعَة" : و إذا أفطر المسافر أياماً لمرض أصابه(2) ، فله قضاؤها في سفره و إن شاء أخَّرها ، والتعجيل أحبُّ إليَّ . و إذا أفطر في السفرِ فلا بأسَ أنْ يطأَ أهله .
قال مالكٌ ، في "الموطأ"(3) : و مَن لَزِمَهُ صومُ شهرين متتابعين في كتاب الله سبحانه ، فليس له أَنْ يفطر في ذلك ، إلا من مرض ، أو امرأة تَحيضُ . و ليس لهان يسافر فيُفطِرَ .
وقال في "المختصر" ، (و "كتاب : ابن حبيب)(4) : و من تطوع بالصوم في السفرِ ، ثم تعمَّدَ الفطرَ فليس القضاء عليه بالواجب ، كما هو الحضر . و قال محمد بن عبد الحكم : يجب قضاؤهُ(5) .
و من "المَجْمُوعَة" قال ابن القاسم ، عن مالك : وَ لا بَأْسَ بالتنفل بالصوم في السفر . قال عنه ابن وهب ، في مَن صوم الاثنين والخميس فسافرَ : فإن لم تكن له نيةٌ فليَصُمْهما في السفر ، فإن شقَّ عليه فليُفطِرْ و يقضِ .
قال في "المختصر" : و مَن سافر في شهري ظهاره فأفطرَ ، فليبتدئْ ،
***
__________
(1) البيان والتحصيل 2/314 .
(2) بعده في (ز) : (فيه) .
(3) في باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر ، من كتاب الصيام الموطأ 1/301 .
(4) سقط من (ز) .
(5) في (ز) : (القضاء) .(1/17)
[2/22]
بخلاف المرض .
في المسافر يفطر بعد التبييت ،
أو قبل أَنْ يخرج ، أو بعد أَنْ يقدم ، وكيف إن قدم مُفطراً(1) ،
أو يفطر بعد أن كسر ، و ما تعذَّرَ له من التأويل في ذلك
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن الماجشون : و مَن يريد السفر في صباح يومه فواجب عليه أَنْ يبيت الصومَ . و المسافرُ إذا علم انَّه يدخل بيتَهُ آخر النهار فله أنْ يُبيِّتَ الفطر ، و إن علمَ أنَّه يدخل أوَّلَه ، أحببتُ له تبييت الصوم .
وقال ابن وهب ، و أشهب ، و ابن نافع و كذلك في "المختصر" ، عن مالكٍ ، من أول هذا الفصل ، و قال : و مَن قدم مُفطراً فليس عليه أَنْ يكفَّ عن (أكل و لا وطءِ)(2) من ألقى من نسائه ، و قد طَهُرَتْ .
و من : كتاب : آخرَ قال بعضُ أصحابنا : فإنْ كانت نصرانيَّةً و هي طاهرٌ في يومها فليس له وطؤها ؛ لأنَّها(3) متعديةٌ فيما تركت من الإسلام والصوم .
قال ابن حبيب : و كذلك مَن أفاق من إغماءٍ(4) نهاراً ، أو(5) امرأةٌ طَهُرَتْ من حيضٍ فيه أو حاضت فلا تُؤمرُ بالكفِّ عن الأكل .
و من "المختصر" ، مَن بيَّتَ الصومَ في السفر في رمضان ، ثم أفطر متعمداً فعليه القضاءُ – واختلف قوله في الكفارة – و إن كفَّرَ فهو أحبُّ إلينا من غير إيجابٍ .
***
__________
(1) في الأصل : (مقصرًا) .
(2) في (ز) : (الأكل و لا عن وطء) .
(3) بعده في (ز) : (هي) .
(4) في (ز) : (إغمائه) .
(5) في الأصل : (و) .(1/18)
[2/23]
و من "الْعُتْبِيَّة"(1) روى موسى ، عن ابن القاسم ، أنَّ مالكاً ، و الليثَ(2) قالا ، في مَن بيَّتَ الصوم في السفرِ ، ثم أفطر مُتأولاً بأكلٍ ، أو جِماعٍ فإنَّ عليه الكفارة .
قال في "المختصر" : و مَن أصبح في الحضر صائماً ، ثم عزم على السفر فأفطر قبل يخرج ، فعليه الكفارة مع القضاء .
و رَوَى عيسى ، في "الْعُتْبِيَّة"(3) ، عن ابن القاسم ، في مَن أصبحَ في الحضرِ(4) يريد السفرَ من يومه ، فأكل قبل يخرج ، ثم خرج لسفره ، فلا كفارة عليه ؛ لأنَّه متأوِّلٌ .
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن سحنون ، و قال عبد الملك ابن الماجشون مثله ، و قال : و قد فعله أنس بن مالكٍ . قال ابن الماجشون : إلا أَنْ يكسر(5) عن السفر في يومه ، فلابدَّ من الكفارة .
وقال أشهب : لا يُكَفِّرُ ، خرج أو لم يخرج ؛ لأنَّه غيرُ منتهك . و إلى هذا(6) رجع سحنون ، بعد أن قال : إنَّه لا يُعذر ، (و عليه الكفارة ، خرج أم لا)(7) ، و لم يره كالقائلة : اليوم أحيضُ . فأفطرتْ ، ثم حاضتْ ؛ لأنَّ المسافر يُحدث السفر ، والحائض لا تُحدثُ الحيض .
وقال ابن حبيب : إذا حدث له سفرٌ فأكل في المصر ، فإنْ كان قبلَ
***
__________
(1) البيان و التحصيل 2/345 .
(2) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي ، المصري ، أبو الحارث ، إمام ثقة ثبت فقيه مشهور . توفي سنة خمس و سبعين و مائة ، تهذيب التهذيب 8/459-465 .
(3) البيان والتحصيل 2/335 .
(4) في (ز) : (المصر) .
(5) أي فتر عن أمر السفر .
(6) في (ز) : (قول عبد الملك) .
(7) سقط من الأصل .(1/19)
[2/24]
أنْ يأخذ في أُهْبَةِ(1) السفر ، فليكفِّر تمادَى أو كسر ؛ لأنَّه تأويل بعيدٌ ، و إن كان بعد أن أخذ في أُهْبَةِ السفرِ أكلَ ، فإنْ خرجَ من فوره لم يكفرْ .
قاله ابن الماجشون ، و ابن القاسم . قال(2) : و قد أساء ، و أجمع العلماء انَّه إنْ لم يأكل حتى فصل أنَّه لا يُكفِّرُ ، و أنَّ له أنْ يُفطِرَ ، إلا أنَّ مالكاً استحبَّ له التمادِيَ في يومه إّذا سافر نهاراً . والذي ذكر ابن حبيبٍ أنَّه إجماعٌ قد اختُلِفَ فيه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، في مَن أراد سفراً مطرٌ ، فأفطر . فليُكَفِّرْ مع القضاء . و هذا تأويل لا يُعذر به .
قال أشهب : و مَن خرج صائماً على سفر ، ثم أفطر لم يُكفِّرْ ، للتأويل ، لقول الله تعالى : {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}(3) . فكما لو عرض ليَ المرضُ نهاراً أفْطَرْتُ ، فكذلك السفر . و قال المغيرة ، و ابن كنانةَ : عليه أنْ يُكَفِّرَ .
و إن أصبح في السفر صائماً ، ثم افطر ، فقال مالك ، في رواية ابن القاسم : يُكفِّرُ ، و قال عنه ابن نافع (و أشهب : إنْ أفطر)(4) من جهد لَحِقه وشدَّة فلا يكفر ، و إن تلذذ بإصابة أهله ، فأخاف عليه . و قال عبد الملك : إنِ ابتدأ بإصابة أهله ، كفَّر ، و إنِ ابْتدأ بأكلٍ(5) ، أو شربٍ ، لم يُكفِّرْ .
زاد عنه ابن حبيب : و إن وَطِئَ بعد ذلك . قال : و قال مُطرِّفٌ : سواءٌ أفطر بمصابٍ أو غيره لا يُكفِّرُ ، و هو مخيَّرٌ في الإفطار ، بيَّت الصيام أو لم يُبيِّتْه .
***
__________
(1) في الأصل : (هيئة) .
(2) سقط من الأصل .
(3) سورة البقرة 185 .
(4) سقط من الأصل .
(5) في الأصل : (فأكل) .(1/20)
[2/25]
قال عبد الملك : و قد أفطر النبي صلى الله عليه و سلم بالكديد للتَّقَوِّي(1) ، و ليس الوطءُ ممَّا يُقوِّي . و قال المغيرة : هو كَمَنْ أفطر في قضاء رمضان . و قال ابن كنانة نحوه . و قال أشهبُ : إنْ أفطر تأويلاً لم يُكفِّرْ ، و إنْ أفطر خُلُوعاً(2) وفِسْقاً كَفَّرَ .
قال : و إنْ أصبح في السفر في رمضان صائماً ، فأصابه ما لا يخاف فيه على نفسه ، من شدةِ عطشٍ ، وشهوته في الماء ، فلا يُفْطِرْ لذلك ، فإنْ فعل فلا يُكَفِّرْ ، إذ ليس بمُستَخِفٍّ . و مَن دخل من سفر نهاراً ثم أفطر فليُكفِّرْ ، و لا يُعذر بهذا التأويل .
و رَوَى ابن أشرسَ(3) ، عن مالك ، في مسافرٍ أصبح صائماً فجهده الصوم فمدَّ يده على الطعام ليأكل ، ثم ذكر أنه لا ماء معه ، فتركَ ، قال : أحَبُّ إليَّ أنْ يَقْضِيَ(4) احْتياطاً . قال أبو محمد : و أعرف رواية أخرى أنَّه لا شيء عليه ، و هو جُلُّ قوله/ إنَّ النيَّةَ لا تُوجب شيئاً حتى يفارقها عملٌ . و كذلك في غير الصوم حتى يدخل بنيته في عمل أو قول .
في صيام الجُنُبِ ، والحائضِ
و في المُغمَى عليه يُفِيقُ ، و ما يحدثُ من ذلك في الصوم ، أو ينكشفُ فيه قبل الفجر ، أو بعده
من "المَجْمُوعَة" قال أشهب : لم يختلف العلماء أنَّه لا بأس أَنْ يصبح
***
__________
(1) حديث إفطاره صَلَّى الله عليه و سلم بالكديد تقدم تخريجه في صفحة 18 .
(2) في (ز) : (قلوعًا) .
(3) في الأصل : (أسوس) . و هو عبد الرحيم أو العباس بن أشرس الأنصاري التونسي ، أبو مسعود ، سمع من مالك و ابن القاسم ، و كان أحفظ للرواية شديد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر . رياض النفوس 1/252 ، 253 .
(4) في الأصل : (أقضى) .(1/21)
[2/26]
الصائم جنباً . قال أشهب : و هو كمَن صام على غير(1) وضوء ، و لو أقام جُنُباً بقية نهاره لم يفسد صومه . قال ابن نافع : قال مالك ، في الجُنُبِ في السفرِ يتيمَّمُ . قال : يصم كذلك ، و ما للصيام والجنابة .
و إذا رأتِ الحائضُ الطهرَ قبل الفجرِ فتوانت في الطهر حتى الفجر ، فصومها مُجزئٌ . قاله ابن القاسم ، و أشهب ، وعبد الملك . ورواه أشهب عن مالك في "الْعُتْبِيَّة" .
قال عبد الملك : و إن أخذت في الطهر حين رأته بغير تَوانٍ ، فلم يَتِمَّ إلا بعد الفجر ، فهي فيه كالحائض .
وقال ابن القاسم ، و ابن وهب ، عن مالك : و إذا رأتْ في رمضان الصُّفْرَةَ أو الكدرةَ ، فلتُفطِرْ . و إذا رأت دَفعةً من دمٍ في يوم ، ودَفعةً دونه(2) في غدٍ ، ثم انقطع ، فلتُفطر في اليومين ، وتغتسل إذا انقطع . قال عنه ابنُ القاسم : و إذا رأتِ الطُّهرَ في(3) أوَّل النهار فلا تدع الفِطرَ بقيَّة يومها ، و أنكر ما قيل عن الأوزاعي : إنْ لم تكن أكلتْ فلتُتمَّ صيام ذلك اليوم .
قال : ولقد احتمل عظيماً مَنْ أفتى بهذا ، و إنْ كان لرجلا صالحاً ، ولكنكم كلَّفْتُمُوه فتكلف .
قال : و إن شكت أطهرت قبل الفجر ، أو بعده ، فلتتم صيام ذلك اليوم ، وتَقضه . قال ابن حبيب : و إذا رأتْ في ثوبها دم حَيْضَةٍ في رمضان ، لا تدري متى أصابها ، وصَلَّتْ أياماً(4) ، فتُفطر وتقضِ يوماً واحدا من
***
__________
(1) سقط من الأصل .
(2) في (ز) : (دونها) .
(3) سقط من (ز) .
(4) بعده في الأصل : (كذلك) .(1/22)
[2/27]
الصوم ، وتُعد الصَّلاَة من أحدث لُبْسة لَبِسَته . هذا إن كانت تنزعه(1) ، و إن كانت لا تنزعه(2) فتعيد الصَّلاَة من أول ما لبسته . و هذه المسألة(3) مذكورة في كتاب الطهارة مع ما يشبهها(4) .
قال مالك ، في "المختصر" : و إذا رأتِ الحامل الدم فلتُفطر ما لم يَطُلْ ، و لا تفطر إذا رأت الماء الأبيض .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : و إذا أغمي على الصائم بعد الفجر أكثر نهاره لم يُجزه ، و ليقضِ . قال أشهب : إنما يقضي استحباباً و لو أخبر(5) أنَّه ما عرف ، و لا يفطر بقية نهاره .
و لو أغمي عليه آخر النهار فأقام أياما ، فيوم إغمائه فقط يُجْزِئُهُ . قال ابن نافع ، عن مالك : إذا أغمي عليه في ارتفاع الضحى؟ ، فأفاق حين أمسى ، فأَحَبُّ إليَّ أَنْ يقضي . و قال ابن نافع : يُجْزِئُهُ . قال ابن حبيب ، عن مطرف ، و ابن الماجشون : إذا أغمي عليه بعد الفجر في أول النهار فأفاق حين أمسن أنَّه يُجْزِئُهُ . و حكى ابن حبيب ، عن ابن القاسم : إذا أغميَ عليه بعد الفجر فأفاق نصف النهار ، أو أغمي عليه نصف النهار فأفاق آخر النهار ، فعليه القضاء . هذا خلاف ما روى عنه سحنون ، في "المدونة" .
وقال : قال(6) ابن الماجشون : و الإغماء الذي يفسد به الصوم/ مَن يُغمى عليه قبل الفجر و يفيق بعده . إنما ذلك إذا تقدمه مرض ، أو كان بأثره متصلا به . فأما ما قل من الإغماء ، و لم يكن بمرض . فهو ككسر(7) ، أو نوم .
***
__________
(1) في الأصل : (تبرعه) .
(3) سقط من الأصل .
(4) في الأصل : (ما شبهها) .
(5) في (ز) : (أجتزأ) .
(6) سقط من (ز) .
(7) في الأصل : (كسدر) .(1/23)
[2/28]
فلو طلع عليه الفجر و هو كذلك ، ثم تخلى عنه ، فإنه يُجْزِئُهُ صومه . و قال ابن سحنون ، عن أبيه : لا ينظر إلى المرض . قال : و كذلك قال ابن القاسم ، و أشهب . و في باب صيام الصغير تمام القول في المغمى عليه .
في صيام الصغير ، و المجنون ، والسفيه ، و المغمى عليه
قال ابن حبيب : كان عروة يأمر بنيه بالصلاة إذا عقلوا ، و(1) بالصوم إذا طاقوه . قال ابن الماجشون : يلزموه إذا أطاقوه ، و(2) يؤمروا بقضاء ما أفطروا بعد الطاقة ، (إلا ما كان عن غلبة ، أو عجزت عنه طاقتهم . و إذا عجز الصبي عن الصيام بعد طاقته عليه)(3) ، ثم قوي عليه ، فليقض ، إلا أَنْ يتصل عجزه فيكون اليوم الذي بدأ فيه بالصوم ثم عجز عنه فأفطره ، كمتقدم أيامه . قال : و إذا بلغ الغلام والجارية ، جُبرا على الصوم (أطاقاه أو)(4) لم يُطيقاه . فإنْ تأخر الاحتلام والحيض ، فإذا بلغ خمس عشرة سنة من المولد ، فإن جُهل المولد ، فإذا نبتا ، فإن لم ينبتا ، حُملا على التقدير والتحري ، إلا أَنْ يطيقا دون ذلك .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال مالك ، في رواية ابن القاسم ، في صيام الصبيان قال : يؤمرون به إذا بلغوا . و في رواية ابن وهب : يجب عليهم إذا بلغوا . و قال أشهب : لا يجب إلا البلوغ ، و يستحب لهم بالطاقة عليه .
قال أبو محمد : والذي ذكر ابن حبيب ، عن ابن الماجشون ، في حدِّ البلوغ ، أنَّه خمسَ عشرة سنة هو قول ابن وهب ، و المعروف من قول ابن مالك و أكثر أصحابه ، إذا فُقد الحيض و الاحتلام و الإنبات ، رُفعا على سنٍّ لا يبلغه أحدٌ
***
__________
(2) سقط من الأصل .
(3) سقط من (ز) .
(4) في الأصل : (لطاقه أو) .(1/24)
[2/29]
إلا احتلم . و ذلك من سبع عشرة سنة على ثمانيَ عشرة سنة(1) أكثره . و ما رُوِيَ أن النبي صلى الله عليه و سلم أجاز ابن عمر يوم الخندق ، ابن خمس عشرة سنة(2) ، ليس بحجة(3) ؛ لأنَّه عليه السلام لم يسأله ، و لا غيره عن مولد ، و إنما يَنظر بعينهن فمن أطاق القتال في رأيِ العين أجازه ، والذي جاء في الحديث : «انظرُوا إلى مُؤْتَزَرِه فإن جرت عليه المواسي فاضربوا عنقه»(4) . هو أولَى ، والبلوغ أقصى ذلك ، إلا أن ما يكون عليه من حدٍّ ، و قيل : يُتهم أن لا يُقرَّ بالاحتلام ، فيُعمل فيعه بالإنبات ، و ما كان من شيءٍ بينه و بين الله ، قيل له : عن بلغت لَزِمَكَ(5) هكذا . قال يحيى بن عمر : و هو قول حسن . و قال بعض أصحابنا : إذا احتلمت المرأة فهو بلوغ أيضاً و إن لم تحض .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافع (عن مالك)(6) : و إذا أفاق المجنون قضى ما أفطر من صيام رمضان . قال عنه ابن القاسم : و إن بلغ كذلك .
وقاله أشهب . و إن أقام سنين فلا يُكفِّر تكفير المفرِّطِ في القضاء
***
__________
(1) سقط من (ز) .
(3) في (ز) : (حجة) .
(5) في الأصل : (لومك) .
(6) سقط من الأصل .(1/25)
[2/30]
(إلا أَنْ يُفيق و يُفرط في القضاء فيُكفِّرَ عن كلِّ يومٍ)(1) أمكنه قضاؤه . قالوا : و لا يقضى الصَّلاَة عن إغمائه .
وقال ابن حبيب : و قال لي المدنيون من أصحاب مالك : و إنما يُقضى الصوم في مثل خمس سنين و نحوها ، فأما عشرةٌ ، أو خمس عشرة ، فلا قضاء عليه . وذكروه عن مالكٍ . و قاله أصبغ . و ما أفطر والسفيه فعليه فيه القضاء ، والكفارة عن كل يوم .
في صوم النصرانيِّ يُسلِّمُ وصوم من مُلِكَ
من رقيق العَجَمِ و المجوس
من "المَجْمُوعَة" قال أشهب : و مَن أسلمَ قبل الفجر فليَصُمْ ذلك اليومَ ، و إنْ أسلم بعد الفجرِ فله أنْ يأكل ذلك اليوم و يشرب ، و يطأ أهله . و قال عبد الملك : يُستحبُّ له أنْ يَكُفَّ عن ما يفعل المُفطِرُ ، و قد تقدَّمَ في باب المسافر يُفطر ، قولٌ في وطئهِ النصرانية إذا قدم .
و من "الْعُتْبِيَّة(2) ، قال ابن القاسم ، عن مالك ، وعن الرقيق العجم يُشترون في رمضان ، و هم(3) بالبلد مقيمون ، يُجيبون إلى الإسلام ، و يُعَلَّمُون الصَّلاَة ، فيُصلُّون ، و يريدون الأكل فيُجبرون ، و لا يَفقهون . قال : يُرفق بهم ، و يُطعمُون حتى يعلموا ، و يَعرفوا الإسلامَ . و رَوَى عنه أشهب نحوه ، في علوج الصقالبة ، و قال : يُطعمون أياماً حتى يصوموا ، و يَنظروا(4) فيه . و ذكر عنه ابن وهب في "المَجْمُوعَة" نحوه . و قال ابنُ نافعٍ : أرى أَنْ يُجبروا على الصيام ، و يُمنعوا الطعام .
***
__________
(1) سقط من الأصل .
(2) البيان و التحصيل 1/291 .
(3) في الأصل : (هو) .
(4) في الأصل : (ينظر) .(1/26)
[2/31]
في صيام ألسير ، أو غيره ببلدِ الحربِ تحرياً ، و في مَن صام رمضان قضاءً في غيره ، من فرض أو واجب
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، و أشهب ، وعبد الملك ، في الأسير ، أو التاجر ببلد الحرب ، يُشكل(1) عليه رمضانُ : أنَّه يتحرَّى . قال عيسى ، عن ابن القاسم ، في "الْعُتْبِيَّة"(2) فإن تحرى سنين ، ثم قدم فلم يدرِ أصام قبله ، أو بعده ، فلْيُعِدْ كلَّ ما صام حتى يُوقنَ أنَّه صادفه أو صام بعده . و قال عبد الملك ، في "المَجْمُوعَة" : لا شيء عليه ؛ لأنَّه قد(3) فعل ما يقدر عليه حتى يُوقن أنَّه صام قبله فيقضي . و لو صام ثلاثة أعوام شعبانَ شعبانَ ، فليُعد الشهر الأول ، ثم كل شعبانَ بعدَه قضاءً عن ما قبله . و قال مثله كله سحنون ، في "كتاب" ابنِه . قال أبو محمد : يريد بقوله : يُعيد الشهر الأول< يريد يُلغي الشعبان الأول ، فلا يُجْزِئُهُ ، و ليس يَعني الرمضان الأول ؛ لأنَّ عنه وقع الشعبان الثاني ، والشعبان الثالث عن الرمضان الثاني ، و يبقى عليه الرمضان الثالث فيقضيه . و ذكر ابن القاسم في "المدونة" ، أنَّه بلغه ، عن مالك أنَّه إنْ صام قبله لم يُجزه ، و إن صام بعده أجزأه .
قال ابن القاسم ، و أشهب ، وعبد الملك : و إن صام شهرا تطوعاً فصادف رمضان لم يُجزه . قال عبد الملك : بخلاف ما يُجزئُ من تطوَّعَ الطوافَ عن واجبه ؛ لأنَّ نوافل الصوم إذا قُطعت بعلمه لم تُقضَ ، و نوافل الحجِّ إذا قُطعت بغلبةٍ ، أو فوتٍ فإنها تُقضَى ، و يُقضَى فاسده ، و يلزم في تطوُّعِهِ ما يلزم في فرضه و هو مفترق .
***
__________
(1) في الأصل : (يشتكل) .
(2) البيان و التحصيل 2/331 .
(3) سقط من (ز) .(1/27)
[2/32]
و من "الْعُتْبِيَّة"(1) ، قال عيسى ، عن ابن القاسم : و لو صام رمضان لنذر عليه و لو يعلم ، لم يُجزه عن نذره ، و لا عن رمضانَ . و قال عنه يحيى بن يحيى ، في مَن صام رمضان قضاءً عن رمضان عليه : فلا يُجْزِئُهُ لواحدٍ منهما . و قاله أشهب في "المَجْمُوعَة" . ورواية يحيى هذه عن ابن القاسم خلاف قوله في "المدونة" . قال ابن حبيب(2) : إذا صامه قضاءً عن رمضانَ آخر ، أو لنذر عليه ، أو لظهارٍ لم يُجْزه عن شيء من ما صامه عنه ، وعن رمضانَ قبله أو لنذرٍ أو ظِهارٍ ، لأجزأه عن هذا الرمضانَ ، و يُعيد كل ما كان عليه(3) متقدِّمًا . و قاله أصبغ : و قد اختلف في معنى جواب ابن القاسم ، في "المدونة" في قوله : يُجْزِئُهُ لفريضته(4) ، و يقضي الآخر .
قال يحيى بن عمر : لم أوقف سحنون عن الآخر(5) ، و لا على الآخر(6) ، و أنا أقول بقول أشهبَ ، و لا يُجزي عن واحد منهما . و قاله ابن القاسم .
و ذكر أبو الفرج(7) أنَّ قول ابن القاسم ، يريد الذي في "المدونة" ، أنَّه يُجْزِئُهُ عن الشهر الذي حضر ، و يقضي الأول .
وقال علي بن جعفر التلبانيُّ(8) : إن معنى قوله : إنَّمَا يُجْزِئُهُ ، عن الماضي . قال أشهب في "مدونته" : و لا كفارة عليه في هذا . يريد أشهب ، إلا كفارة التفريط ، فهي عليه . و قيل عن ابن الْمَوَّاز : لا يُجزئُ عن
***
__________
(1) البيان و التحصيل 2/337 ، 338 .
(2) سقط من (ز) .
(3) سقط من (ز) .
(4) سقط من (ز) .
(5) في الأصل : (الأجر) .
(6) في الأصل : (الأجر) .
(7) أبو الفرج المكي ، كان من أهل العلم .
(8) علي بن جعفر بن أحمد التلباني ، أبو الحسن القاضي .(1/28)
[2/33]
عن واحدٍ منهما ، و يُكفِّرُ عن الأول بمُدٍّ لكلِّ يومٍ ، و يُكفِّرُ عن كلِّ يومٍ من هذا كفَّارة المتعمِّدِ . قال أبو محمد : يريد إن لم يُعذر بجهلٍ و لا تأويلٍ ، و هذا شيء بلغني عن ابن الْمَوَّاز ، و لم يقع له عندنا كتاب الصوم .
والصواب ما قال أشهب ، أن لا كفارة في هذا .
في صوم الشيخ ، و الحامل ، و المرضع ، و المُستعطش ، و ما يجب بإفطارهم
اختُلِفَ في نسخ قوله تعالى : {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِساَكِينَ}(1) . وقُرئت {مِسْكِينٍ} ، و قُرئت {يُطَوَّقُونَهُ} ، و قيل : إنَّها باقية في الشيخ الزَّمِنِ ، و الحامل ، و المُرضعِ ، و المستعطشِ . قال ابنُ حبيبٍ رُوِيَ عن ابنِ عمرَ ، و ابن عباسٍ ، وكثير من التابعين أنَّهم قالوا في الحامل ، و المُرضِعِ ، و المُستعطِشِ : يُفطرون ، يُطعِمون ، يريدُ مُدًّا مُدًّا لكل يوم . قال ابن حبيب : يعنونَ من غير إيجابٍ . و قال القاسم(2) ، و سالمٌ(3) ، و ربيعةُ(4) : لا إطعامَ عليهم . يعنونَ واجباً ، و كان أنسٌ إذ كَبِرَ يُفطرُ ، و يُطعمُ مُدًّ لكل يوم .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهب : و الحامل ، و المرضع ، و الشيخ الفاني ، و المستعطش ، كالمريض لا إطعام عليهم واجباً ، و أشدهم المرضعُ ؛ لأنَّها تُفطر من أجل غيرها ، فأحبُّ لها أن تُطعم ، و إن أصابت مَن يُرضعُ
***
__________
(1) سورة البقرة 184 ، و انظر : تفسير الطبري 2/133-142 .
(2) القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي ، أبو عبد الرحمن .
(3) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي ، أبو عمر .
(4) ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي المدنيز(1/29)
[2/34]
لها ، فلا تفطر ، و أستحِبُّ للشيخ الزَّمِنِ ، وللحاملِ أنْ يُطعِمَا ؛ لأنَّه و إنْ كان الشيخ كالمريض فلا يرجو قضاءً . قال ابن الماجشون : إذا أفطرتِ الحاملُ لضعفٍ بها ، وضررٍ ، فلا إطعام عليها . ولتقضِ وكلُّ مَن أُمرَ من غيرها بإطعامِ مُدٍّ و القضاء فليُخرجه حين يقضي . و قال ابنُ وهبٍ ، عن مالكٍ و لا إطعامَ على المستعطش .
قال ابن حبيبٍ في الحامل : إذا خافت على نفسها ، فلتُفطر و لا تُطعم ، و إنْ خافت على ولدها أطعمت مُدًّا لكل يومٍ ، و إنْ أمِنَت الوجهين فلا تُفطر .
و المرضعُ إذا جفَّ لبنُهَا مع الصوم ، و لا تجد ما تسترضع به للولد فلتفطر ، و تُطعِم ، و تقضِ . و يُستحبُّ للمستعطش أَنْ يُطعِمَ مُدًّ لكل يومٍ ؛ لأنَّه غيرُ مريض ، و هو مغلوب كالمرضعِ ، والكبير .
و من "الْعُتْبِيَّة"(1) ، ابن القاسم ، عن مالك ، في مرضعٍ نذرت أن تصوم بقية شهر ، فاشتدَّ عليها الحرُّ ، قال/ تُفطِرُ وتُطعِكُ وتقضي بعد ذلك .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : و مَن نذر صيام الدهر فكبِرَ حتى ضعف عن الصوم . قال : فلا شيء عليه ، كمَن نذر صوم يوم الجمعةِ فمَرِضَه (و في "المدونة" قولٌ ، عن مالك في المرضع و الحامل)(2) .
فيما يُعذرُ به الصائمُ في الفطر ، من المرض ، أو من رَمَدٍ ، أو عَطَشٍ ، أو شَرَقٍ ، أو غيره و مَن أفطرَ لعُذْرٍ ، ثم زال عنه ، هل يتمادى مفطراً في يومه
من "المَجْمُوعَة" قال أشهب ، في مريضٍ : لو تكلّف الصوم لعذرٍ ، أو الصائم قائماً لعذرٍ ، إلاَّ أنَّه بمشقةٍ وتعب : فليفطرْ ، و يُصلِّ جالساً ، ودِينُ
***
__________
(1) البيان و التحصيل 2/319 .
(2) سقط من الأصل .(1/30)
[2/35]
اللهِ يسرٌ . و منه و مِن "العُتْبِيَّة" قال ابن نافع ، عن مالك ، قال : رأيتُ ربيعةَ أفطرَ في مرضٍ له ، لو كان غيره! قلت : يَقوَى على الصوم ، فإنما ذلك بقدرِ طاقة الناس .
قال بعض أصحابنا في "كتاب" آخر : و هو معروف من قولنا : إنَّ المريض إذا خاف إن صام يوماً أحدثَ عليه زيادة في علَّتِهِ ، أو ضُرًّا في بصره ، أو غيَّر من أعضائه ، فله أَنْ يُفطِر .
قال عنه ابن نافع ، في "المَجْمُوعَة" ، في مَن به حُمَّى رِبْعٍ(1) تُصيبه يوماً و تَغِبُّهُ يومين ، فله الفطر في يوم تُصيبه ، وليَصُمِ اليومين ما دام رمضان . فإذا جاز فليؤخر القضاء حتى يتقوَّى . و قال في الذي يلقى الروم بأرض العدوِّ صائماً فيخاف على نفسه ، أيُفطِرُ؟ قال : نعم(2) إن ضَعُفَ ، والصوم بأرضهم(3) يَسهل لبردها . قيل له : عليه الحديد والسلاح ، قال : فلينظر عن خاف على نفسه . قال عنه ابن وهب : إنَّه سُئلَ ، عن مَن أصابه عطشٌ شديدٌ ، أيُفطِرُ؟ فقال : الله أعلم بخلقه ، و ما أذِنَ لهم فيه ، ثم قال : قالت عائشة : لو نُهِيَ الناس عن حاجم الخمر لقال قائل : لو ذاقه!
قال عنه ابن نافع ، في مَن أصابه بعد العصر شَرَقٌ ، خاف منه على نفسه ، فشرب له الماء : فعليه القضاء . و قال عنه ابن نافع ، في المستعطش : إذا أفطر ليس عليه إلا القضاء .
و من "العُتْبِيَّة"(4) عيسى ، عن ابن القاسم ، في الأرعن(5) يصيبه
***
__________
(1) الربع في الحمى : إتيانها في اليوم الرابع ، و ذلك أن يُحَمَّ يومًا و يترك يومين لا يحم ، و يحم في اليوم الرابع .
(2) في الأصل : (بعض) .
(3) في (ز) : (بأوطانهم) .
(4) البيان و التحصيل : 2/335 .
(5) في النسخ : (الأرمد) ، و المثبت من البيان و التحصيل , و الضربان : التحرك بقوة ، و هو الصداع .(1/31)
[2/36]
الضربان : إنْ جاءه من ذلك ما يحتاج معه إلى الفطر أفطر ، و هو مَرَضٌ من ألأمراض ، و قد ارخص مالكٌ لصاحب الحَقْنِ(1) الشديد إذا أُلْجِئَ أنْ يُفطِرَ و يتداوى .
قال عنه أصبغ في الصائم في رمضان ، يُتعبه الحر و العطش : فهو في سَعَةٍ أَنْ يُفطِر إذا بلغ منه ، و لم يَقْوَ . قال أصبغ : في سفرٍ أو حضرٍ إذا خاف على نفسه موتا أو مرضاً . قال ابن القاسم : والذي يصيبه الضربان من الخوَى في رمضان ، فهو مرضٌ ، فإذا بلغ منه ما يجهده فليفطر .
قال ابن سحنون ، عن أبيه ، في الذي يفطر في العطش : أنَّ له بعد ذلك أَنْ يتمادى مفطراً ، و يطأَ ، و يأكلَ . و أعاب قول مَن قال : لا يفعل . و قال ابن حبيب : لا يفطر بعد أن (شرب ، و زال)(2) عطشه . و كذلك ذهب في الميتة ، أنَّه لا يأكل منها المضطرُّ(3) إلا ما يُقيم الرَّمقَ . وقو لمالكٍ : إِنَّه يَشبعُ منها ، و يتزوَّدُ ؛ فإذا احتاج إليها ، و إلا طرحها . قال ابن حبيب أيضاً : و كذلك لو استسعط(4) لضرورة فوصل الماء بذلك على حلقه ، أو داوى حفراً به لضرورة ، أوش رب الماء لعطش ، أو حرٍّ ، فهؤلاء يؤمرون بالكفِّ بعد ذلك ، فإنْ أكلوا جهلاً ، أو تأويلاً ، أو متعمدين ، لم يُكفِّروا ؛ لأنَّهم بمحلّ يُشبه المرض . قال : و لو استسعَطَ تداوياً لغير ضرورة جهلا ، فهذا إنْ أفطرَ بعد ذلك متعمداً كفَّر ، و إن افطر متأولاً لم يُكفِّرْ . و كذلك المحتقنُ لضرورة أو لغير ضرورة ، على تصرُّفِ ذلك في المُسْتَسْعِطِ .
***
__________
(1) في البيان : (الخوي) ، و هو خلو الجوف من الطعام ، و يقال للرعاف .
(2) في الأصل : (يشرب) .
(3) في الأصل : (المفطر) .
(4) الاستسعاط : هو صب الدواء في الأنف .(1/32)
[2/37]
في الصائم يفطر متأولا ، ما يُعذر به من ذلك في رفع الكفارة ، و ما لا يُعذر به
قال ابن حبيب : كلُّ متأوِّلٍ في الفطر فلا يكفِّرُن إلا في التأويل البعيد ، مثل أَنْ يغتاب ، أو يحتجمَ ، فيتأوَّلَ أنَّه أفطر بذلك ، أو يقول : اليوم تأتيني(1) الحُمَّى ، أو تقول المرأة : اليوم أحيض . فتفطر أول النهار .
و من "العُتْبِيَّة"(2) ، قال عيسى ، عن ابن القاسم في مَن احتجم في رمضان ، فتأوَّلَ أنَّ له الفطر فأكل . فليس عليه إلا القضاءُ . قال أصبغ : هذا تأويلٌ بعيدٌ . قال عنه عيسى ، في القوم يصومون رمضان فيوم ثلاثين(3) منه أُري الهلال نصف النهار ، فأفطر قوم : فلا يلزمهم القضاء ؛ لأنَّه على التأويل .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، و أشهب : و من أكل في نهار رمضان ناسياً ، فظنَّ أنَّ صومه فسدَ فعاودَ الأكل متعمِّداً لظنِّهِ ، فعليه القضاءُ فقط . قال أشهب : لأنَّه متأوِّلٌ . و كذلك إن أصبح جُنباً فظنَّ أنَّ صومه فسدَ فأفطر .
قال عبد الملك ، في مَن افطر ناسياً ثم أكل في يومه عامداً : فليكفِّرْ . و قاله المغيرة في مَن ظنَّ أنَّ الشمسَ غربت فأكل ، ثم ظهرت فأصاب أهله .
فليكفِّرْ . و كذلك في "كتاب" ابن حبيب ، قال : إذا أفطر ناسياً ثم تأوَّلَ فوطئَ فلابدَّ من الكفارة في هذا ، و إن أكل بعد ذلك جاهلاً ، أو متأوِّلاً ، فلا كفارة عليه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال المغيرة ، و ابن الماجشون ، في امرأة أفطرت
***
__________
(1) في الأصل : (تأتي) .
(2) البيان و التحصيل 2/336 .
(3) بعده في الأصل : (يوم) .(1/33)
[2/38]
ثم حاضت آخر النهار ، أو مرضت" ، فقد لزمها الكفارة . و قاله أشهبُ . قال ابن القاسم : لم يعذرها مالك بأن تقولَ : اليومَ أحيضُ . قال أشهب : في " كتاب" ابن عبدوس : و لو أصبح ينوِي الفطرَ في رمضان فظنَّ أنَّ صومه قد فسد فأكل فليكفِّرْ ، فإنْ لم يأكل و لم يشرب ، لم يُكفِّرْ .
وليقضِ ، أقام على نيَّتِهِ أو انصرف (و في باب التبييت في الصوم قول ابن القاسم و غيره في هذا أنَّه يُكفِّرُ)(1) ، و قد تقدَّم في باب المسافر يُفطر و في غيره شيءٌ من مسائل التأويل في الفطر .
في مَن افطر مُكرهاً ، أو أُدخل حَلقه
شيءٌ لم يتعمَّدْه ، أو امرٌ غالبٌ ، من ذباب ، أو عُودٍ ، أو ماءٍ ، أو دقيقٍ ، أو غُبار ، أو غيره
و قد رفع النبي صلى الله عليه و سلم المأثمَ في الخطأ ، والنسيان ، و الإكراه(2) ، فلا يُكفِّرُ المُكرهُ(3) على الفطر ، و ليقضِ كما أمر الله المريضَ بعدَّةٍ من أيام أُخر .
قال ابن القاسم ، و أشهبُ ، في "المَجْمُوعَة" ، في مَن صُبَّ الماء في حلقه مُكرهاً أو نائماً ، أو جُومعتِ امرأةٌ نائمةٌ(4) في نهار رمضانَ : فليَقْضُوا ، و لا يُكفرُوا . و كذلك في كلِّ صومٍ واجبٍ ، و يَصِلُوا القضاء بما
***
__________
(1) سقط من الأصل .
(2) أخرجه ابن ماجه .
(3) في الأصل : (للكره) .
(4) سقط من الأصل .(1/34)
[2/39]
كان متعمداً(1) متتابعاً ، و لا يَقضُوا في التطوع .
قال ابن حبيب : على من أكرههم في رمضان الكفارة . و كذلك واطئُ امرأته مُكرهةً في نهار رمضان . وليَكُفُّوا عن الأكل و يَقْضُوا .
و من "كتاب" ابن سحنون ، ذكر (قول ابن)(2) القاسم ، و أشهبُ ، في واطئ زوجته مكرهة ، أنَّه يُكفِّرُ عنها . قال سحنون : لا شيءَ عليه ؛ لأنَّها لم يلزمها فهو من أَنْ يلزمه أبعدُ . و قاله محمد بن عبد الحكم . قال سحنون : بخلاف الحج ؛ لأنَّ خطأه ، وعَمْده ، و إكراهه سواءٌ . قال بعض اصحابنا ، في "كتاب" آخر : و إنْ وَطِئَ أمَته كفَّرَ عنها و إنْ طاوعته - يريد : لأنَّه في الأمَةِ ، و إن طاوعت ، كالإكراه للرقِّ ، و كذلك لا تُحدُّ المستحقَّة بوطء السيد و إن طاوعته .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال المغيرة ، وعبد الملك ، و أشهب ، في الصائم يغمس رأسه في الماء ، فيغلبه فيدخل إلى حلقه ، من انف ، أو فمٍ – قال في "الواضحة" : أو أُذنٍ – فليقضِ في الواجب .
قال أشهب : و لا يقضي في التطوع إلا أَنْ يُفطر بعد ذلك . قال ابن حبيبٍ : و إن أشكل عليه فليقضِ . قال أشهب : و من كال دقيقاً فدخل غُباره في حلقه ، فإنْ أيقن أنَّه دخل حلقه فليقضِ في رمضان والواجب ، و لا يقضي في التطوع . قال محمد : و ليس في الغبار يدخل حلق الصائم قضاءٌ ؛ لأنَّه امر غالبٌ . و لم يعذره أشهب بغُبارِ الدقيق . قال عبد الملك بن الماجشون ، وسحنون : الغبار أمر غالب فلا يفطر به . قال ابن القاسم ، عن مالك ، في الذباب يدخل حلقه ، أو فلقه حبة بين أسنانه ، فلا قضاء
***
__________
(1) سقط من (ز) .
(2) في الأصل : (ابن) .(1/35)
[2/40]
عليه . قال أشهب : أحبُّ إلي أَنْ يقضي ، و ليس بالبينِ . قال بن الحكم ، عن أشهب : و أما عن تعمَّدَ ذلك فليقضِ . قال أبو محمد : يريد إنْ أمكنه طرحها .
و من "المَجْمُوعَة" : قال عبد الملك في الذباب ، والحصاة ، و العود يُبْدَرُ في حلق الصائم : فليقضِ . و أما الغابر فلا اعلم أحداً اوجبَ فيه شيئاً ، و ذلك انَّه أمرٌ غالبٌ . و قاله سحنون .
و من "العُتْبِيَّة"(1) ، أصبغ عن ابن القاسم ، في الذباب يدخل حلقه ، لا يقدر على ردِّه لا في فريضةٍ و لا نافلةٍ ، فلاق ضاء عليه .
في ذوق الطعام للصائم و مضغه ، و مُداواة الحَفَرِ ، و ابتلاع ما بين أسنانه ، و ابتلاع الحصاة و النواة و نحوها ، و ازدرادِ النُّخامةِ و لحسِ المدادِ
من "المَجْمُوعَة" قال ابن نافع ، عن مالك : و أكره للصائم مضغ الطعام للصبي ، ولحسَ المداد ، فإن دخل جوفه منه شيء فليقضِ . و مَن صام من الصبيان فليجتنب ذلك ، و لا يذوق الصائم المِلحَ ، و العسلَ ، و إنْ لم يدخل جوفه . قال عبد الملك : و إن وصل إلى جوفه من غير تعمُّدٍ فليقضِ ، و إنْ تعمَّد فليُكفِّرْ ، و ما يكون في فِيهِ من سحوره فيَمُجُّه ، لأذانٍ سَمِعَه(2) فلا شيء عليه . قال أشهب : و أكره له لَحْسَ المداد ، و مضغ العَلكِ ، وذوق القدر ، و العسل ، في الفرض والنافلة .
و من "كتاب" ابن حبيب : و يُكره له ذوق الخلِّ و العسل ، و مضغ اللِّبان و العَلَكِ ، و لمسُ العقبِ ، و لحسُ المدادِ ، و المضغُ للصبيِّ ، فإنْ فعل شيئاً
***
__________
(1) البيان و التحصيل 2/346 .
(2) في الأصل : (يسمعه) .(1/36)
[2/41]
من ذلك ثم مَجَّه ، فلا شيء عليه ، فإنْ جاز منه على حلقه شيءٌ ساهياً فليقضِ ، و إنْ تعمَّدَ فليُكفَّرْ و يَقضِ . وكلُّ ما تلزمه فيه الكفارة في رمضانَ من هذا أو غيره ، ففيه في التطوُّعِ القضاءُ . وكلُّ ما ليس فيه إلا القضاءُ في رمضان ، فليس في التطوع قضاءٌ . و أما في قضاء رمضان ، وكل صوم واجبٍ ففيه القضاءُ في هذا ، في الوجهين . فإذا ابتلع ما بين أسنانه من حَبَّةِ التينة ، وفَلقةِ الحريرةِ(1) قال في "المختصر" : جاهلاً ، فقد اساء ، و لا شيء عليه . قال ابن حبيب : و إنْ تعمَّدَ ذلك على علمٍ به ، فذلك سواءٌ ما لم يأخذه في الأرض إلى فيه ، فيلزمه الكفَّارة في عَمْدِهِ ؛ لاستخفافه بصومِهِ (لا لأنَّه غِذاءٌ يُغذِّيهِ)(2) . و قال محمد بن عبد الحكم : قال أشهب : إذا ازْدَرَدَ فَلقة حبَّةٍ بين اسنانه فعليه القضاءُ . قال ابو محمد ، يريد : و(3) يُمكنه طرحها ، و إلا فهو كالأمر الغالب في الذباب ، و نحوه . قال ابن حبيب : زمَن كانفي فمه حَصاةٌ ، أو لَوزةٌ ، أو لؤلؤةٌ ، أو نَواةٌ ، أو مدرةٌ ، أو عودٌ ، فسبقَ على حلقه ، ففيه القضاءُ ، في السهو والغلبة . و إن تعمَّدَ ذلك تعبُّثاً فليُكفِّرْ . قاله ابن الماجشون ، و قاله سحنون في "كتاب" ابنِه ، في ذلك و لم يذكر النَّواةَ ، و إلى هذا رجعَ فيما لا غذاء له . و كذلك في ابتلاعِ الخيطِ ، و كان يقولُ فيما لا غِذَاء له : لا يُكفِّرُ و يقضي . و قال مالكٌ ، في "المختصر"(4) : و مَن ابتلع حصاةٌ عامِداً فعليه القضاءُ . قال ابن سحنون : أخبرني معنُ بنُ عيسى ، أنَّ مالكاً قال : إنَّ الحصاةَ خفيفةٌ يدخل حلقَ الصائم . قال سحنون : معناه عندي حَصاةٌ تكونُ بين الأسنان مثلَ
***
__________
(1) في الأصل : (الجريدة) ، و الحريرة : الحساء من الدسم و الدقيق ، و قيل : هو الدقيق الذي يطبخ بلبن . (لسان العرب) .
(2) في الأصل : (لا لأنه يعينه) .
(3) سقط من الأصل .
(4) سقط من (ز) .(1/37)
[2/42]
قوله (في فلقة الحبةِ ؛ لأنها ضرورةٌ ، و أما لو ابتدأ أخذها من الأرضِ حصاةً أو)(1) فلقةَ حبَّةٍ فابتلعها عامداً لَزِمَه القضاءُ والكفَّارةُ . قال ابنُ حبيبٍ : و قاله أصبغُ ، عن ابنِ القاسم : ما كان من ذلك له غذاء مثلُ النواةِ و المُدرةِ ، فعليه القضاءُ ، في السهو والغلبةِ ، و في عَمْدِهِ الكفَّارةُ ، و ما كان لا غذاء له كالحصاةِ ، و اللَّوْزَةِ ، فلا يَقضي في سهوه ، و يقضي في العَمدِ ، و الأول أحبُّ إلينا .
و من "العُتْبِيَّة"(2) ، أصبغ ، عن ابن القاسم : و مَن في فيهِ حَصاةٌ أو نَواةٌ يَعْبَثُ بها ، فنزلت في حلقه . فلا قضاء عليه في النافلة ، و لا قضاء عليه في الذباب يدخل حلقه ، لا يقدر على ردِّهِ ، لا في فريضة و لا نافلة . و أما في ابتلاع النواة يَعبثُ بها ففيها الكفارة مع القضاء في الفريضة . والذي ذكر ابن حبيبٍ ها هنا في الحصاة والنواةِ ، عن ابن القاسم ، فهو في "العُتْبِيَّة"(3) ، عن أصبغ .
و من "المَجْمُوعَة" قال أشهب : و أحبُّ إليَّ لصاحب الحَفَرِ أن لا يُداويه إلا بالليل ، فإنْ فعله نَهاراً فلا شيء عليه ، و إنْ خاف ضرراً في صبرهِ به على الليل . فلا بأس به في نهاره . قال ابنُ حبيبٍ : و يُكره له مداواةُ (الحفرِ بفيهِ)(4) ، إلا أَنْ يَكبُرَ فيصير مرضاً ، فيداويه و يقضي ؛ لأنَّ الدواءَ يَصِلُ على حلقه .
قال ابن سحنون ، عن أبيه ، في البلغم يخرج من صدر الصائم ، و من رأسه ، فيصير على طرف لسانه ، و يُمكنه طرحه ، فيبتلعه(5) ساهياً : فعليه القضاءُ .
وشكَّ في الكفارة في عمده ، و لم يشكَّ في القضاء . و قال : أرأيت(6) لو
***
__________
(1) سقط من الأصل .
(2) البيان و التحصيل 2/346 .
(3) البيان و التحصيل 2/346 .
(4) سقط من الأصل .
(5) في الأصل : (فليبتلعه) .
(6) في الأصل : (و رأيت) .(1/38)
[2/43]
أخذها من الأرض متعمِّداً ألا(1) يُكفِّرُ!! قال ابنُ حبيبٍ : و مَن تنخَّمَ ثم ابتلع نُخامته من بين بَهَواتِه ، أو بعد فِصالها إلا طرف لسانه فقد أساء ، و لا شيء عليه . و لو كان قَلْساً(2) فرّدَّه فُصُولهِ ، و إمكانِ خروجه ، فليقضِ . و يُكفِّرْ في عمده وجهله ، و عليه فس سهوه القضاء بخلاف النُّخامةِ ، و هذا طعامٌ وشرابٌ .
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، عن مالك : لا بأسَ أنْ يُمضمض الصائم من العطش ، و أنْ يغتسل ، وَ لا بَأْسَ أنْ يبتلع ريقه .
في الكحل ، والسَّعُوط للصائم ، و ما يُجعلُ
في الأذن ، و ما يُستنشق ، من دُهنٍ ، (أو بُخُورٍ أو غيره)(3)
من "كتاب" ابن حبيب (قال ابن الماجشون)(4) : وَ لا بَأْسَ بالكحلِ بالإثمدِ للصائم و ليس ذلك مما يُصامُ منه ، و لو كُره لذكروه كما ذكروه في المُحرَّمِ . و أمَّا الكحل الذي يُعمل بالعقاقير ، و يُوجد طَعمه ، و يَخرقُ على الجوف ، فأكرهه ، و الإثمدُ لا يوجد طعمه و إن كان مُمسكاً ، و إنما يوجد في المسكِ طعمُ ريحهِ لا طعم ذوقه . و كذلك اشتمامه للدُّهن في أنفه وشاربِه ، و إنما يجدُ طعمَ ريحهِ إلا أنْ يَكثُرَ فيصير كالسَّعُوطِ يصير على حلقه ، و ذلك مكروه و أكره أنْ يمسَّ شفتيه الدُّهنُ . قال ابن الماجشون : و إنما يُفطر بما يصل إلى حلقه من طعم ذوق الشيء لا من طعم ريحهِ .
قال أبو محمد : أخبرني بعض أصحابنا ، عن محمد بن لُبابة(5) أنه قال : مَن استنشق بُخوراً لم يُفطر ، و يكره له ذلك .
***
__________
(1) بعده في الأصل : (أن) .
(2) القلس : ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه و ليس بقيء ، فإن عاد فهو قيئ .
(3) في الأصل : (و نحوه) .
(4) سقط من الأصل .
(5) محمد بن عمر بن لبابة القرطبي ، أبو عبد الله ، كان إماماً في الفقه .(1/39)
[2/44]
قال ابن حبيب : قال مُطرَّفٌ ، و ابن عبد الحكم ، و أصبغُ : لا بأسَ بالكحلِ والدُّهنِ للصائم ، وكَرِهَ له ابن القاسم الكحل . و قال ابن حبيب : لا يجوز للصائم أنْ يَصبَّ في أُذنيه دُهناً ، و نهى عنه مالك . و مَن اكتحل بكُحلِ(1) العقاقير الذي يوجد طعمه في الحلق و يصل إلى الجوف ، فعليه القضاء في رمضان ، و في قضائه في النذر الواجب ، و لا شيء عليه في التطوُّعِ .
و من "المَجْمُوعَة" قال ابن نافع ، عن مالكٍ : و لا أحبُّ له استتنشاقَ الدُّهنِ ليس في خياشيمه خِيفةَ أنْ يذهبَ في رأسه . قال أشهب : و إذا صبَّ في أُذنيه دهناً ، فإن وصلَ إلى حلقهِ ، فليقضِ في الواجب والتطوُّعِ .
قال ابن وهب ، عن مالك ، في المُستَسْعِطِ ، وصبِّ الدُّهنِ في الأذن : إنْ لم يصل على حلقهِ ، فلا شيء عليه ، و إن وصل فليقضِ . قال ابنُ القاسم : و لا يُكفرُ . قال أشهب : و يدلُّ على كراهية الاستسعاط قولُ النبيِّ صلى الله عليه و سلم : «وبالغ في الاستنشاق ما لم تكن صائماً»(2) . و أرى على المستسعط القضاء ، إذ لا يكاد يَسلمُ أَنْ يصل على حلقه . و أمَّا المُحْتَقِنُ فلا شكَّ فيه
***(1/40)
[2/45]
و ليقضيا في الواجب والتطوع ؛ لأنهما متعمدان ، و لا يُفطرا و لا يكفرا ، إنْ كانا في رمضان . قال ابن سحنون : لا تجب الكفارة فيما يُستدخل من غيرِ الفمِ ، من عينٍ ، أو أذنٍ ، أو نحوها ، أو تعمَّدَ ذلك . و هو يصلُ إلى حلقه ، و إنما الكفارة فيما يتعمد إدخاله من الفم على الحلق .
في القيء ، و القَلْسِ ، والحُقنة ، والسواك ، والحِجامة (للصائم)
و من "المَجْمُوعَة" قال ابن وهب ، عن مالك : و مَن ذَرَعه القيءُ في صيامه ، فبقيت منه بقيةٌ وجدَ منها عناء فاستقاء ، فليقضِ . قال أشهب : و إن استقاءَ في التطوُّعِ فليُفطِرْ و يقضِ . و لو لم يُفطر فليقض . و قاله ابن القاسم ، و قال ابو زيد ، في "العُتْبِيَّة" ، عن ابن القاسم : أحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ .
وقال ابنُ حبيبٍ : مَن استقاءَ فقاءَ في التطوُّعِ فلا يقضِ . قاله مالكٌ بخلاف الفرض . و القيءُ الغالبُ إذا عرف صاحبه أنَّه رجع على حلقه منه ، بعد وصوله إلى فيه ، فليقضِ في الواجب ، و لا يقضِ في التطوعِ .
وقال أبو الفرج البغدادي : و مَن استقاءَ متعمداً عابثاً لغير مرضٍ و لا عُذرٍ ، فهذا لو سئل عنه مالكٌ : لألزمه الكفارة إنْ شاء الله . و ذكر أبو بكر الأبهري : أنَّ ابن الماجشون ألزمه الكفارة في تعمُّدِ القيء عابثاً . قال غيره : و إنما ألزم المُستقيءَ القضاءَ ، و إنْ كان شيئاً خارجاً ، لما لا ]
أمن أنْ يكونَ
***(1/41)
[2/46]
جاز على حلقه منه في تردده ، و هو الذي استدعى ذلك .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافع ، عن مالك ، و إذا قلس فظهر على لسانه القَلْسُ ، فنسيَ ، فابتلع منه ، فلا قضاء عليه . قال ابن نافع : إذا كان يقدر أنْ يُلقيه فليقضِ . و قاله ابن القاسم . و قال ابن حبيب : و إذا ردَّ القَلْسَ بعد فصوله ، و إمكان طرحه فعليه القضاء والكفارة في عَمده وجهله ، و عليه في سهوه القضاءُ ، و ليس كالنُّخامة ، و هذا طعام وشراب . و ذكر ابن سحنون ، عن أبيه ، في مَنْ تقيَّأَ بلغماً ، أو طعاماً ، ثم ردَّ شيئاً منه على جوفه متعمداً ، انَّ عليه الكفارة .
و من "المَجْمُوعَة" قال أشهب : و على المحتقنِ القضاءُ في الواجب والتطوعِ ؛ لأنَّه متعمِّدٌ ؛ و ذلك يصل على جوفه ، و لكن لا يُكفِّرُ إنْ كان في رمضان .
قال مالك ، في "المختصر" : و لا يحتقن الصئم ، وَ لا بَأْسَ بالسُّتورِ إذا احتاج إليها .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن وهب عن مالك : لا يستاكُ الصائم بالعودِ الأخضرِ ؛ لأنَّ له طعماً وحرارة تنحلف لذلك الفمِ . قال عنه ابن القاسم : و ليستاك بما يَبُلُّ من اليالس . قال ابن حبيب : يُكره السواك بالأخضرِ ؛ لأنَّ طعمه يسقي الريقَ . و لو مجَّ ما يجتمع في فيه ، و هو في النافلةِ أخفُّ . و يُكره للجاهل الذي لا يُحسنُ إلقاءَه ، و مَن جهل أنْ يَمُجَّ ما يجتمع بفيهِ منه حتى وصل إلى حلقه فليقضِ في الواجب ، و لا يكفرْ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن وهب : قال مالك : لا أرى أنْ يحتجمَ قَوِيٌّ و لا ضعيفٌ في صومه خِيفَةَ أنْ يَضْعُفَ . قال ابن حبيب : و إنما كُرِهَتْ
***(1/42)
[2/47]
للتغريرِ . و قد احتجمَ النبي صلى الله عليه و سلم و هو صائم .
في القُبلة ، و المُباشرة ، والنظرِ للصائم ، والتذكُّرِ
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : شدَّدَ مالكٌ في القُبلة للصائم ، في الفرض و التطوُّعِ . قال أشهبُ : و لمسُ اليدِ أيسرُ منها ، و القُبلَةُ أيسرُ من المباشرة ، و المباشرةُ أيسرُ من العبثِ بالفرجِ على شيء من الجسدِ ، و تركُ ذلك كله أحبُّ إلينا .
قال أشهب : و كذلك في النظر ، و عليه إذا أمذى القضاءُ ، و يُتمُّ صومَ يومِهِ ، إن كان تطوُّعاً . و من "المختصر" : و لا أحبُّ للصائم في فرضٍ ، أو تطوُّعٍ ، أنْ يُباشرَ ، أو يُقبِّلَ ، فإنْ فعلَ و لم يُمذِ فلا شيء عليه ، و إن أمذى فعليه القضاء .
و من "المَجْمُوعَة" ابن نافع عن مالك : و إذا قبَّلَ في صوم التطوُّعِ فأمذى فليقض .
و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسم عن مالك : و إذا نظر نظرة من غير تعمُّدٍ فليقضِ ، و إن قبَّلها فالتذَّ و أنْعَظَ و لم يُمْذِ فليقضِ .
قال عيسى ، عن ابن الاسم : لاي قضي إلا أَنْ يُمذيَ ، إلا في المباشرة ، فإنَّه يقضي إذا أنعظ و إن لم يُمْذِ . و أنكر سحنون أيضاً قولَ ابنِ القاسمِ هذا .
***(1/43)
[2/48]
و رَوَى ابن القاسم ، عن مالكٍ في المباشرة : أنَّه إذا التذَّ و أنعظَ و لم يُمذِ ، فأحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ . و قال ابن الماجشون : و مُطرِّفٌ : لا يقضي إلا أنْ يُمذِيَ ، و إن أنعظَ في مباشرةٍ أو غيرها .
قال ابن حبيب : و القُبلةُ من الدواعي ، فمَن كان يُخامره بها اللذة ، و لا يَملِكُ نفسه بعدها ، فلا يُقبِّلْ . قال : و القُبلةُ ، و المُلاعبةُ ، والجّسَّةُ ، و المباشرةُ ، و المحادثة ، و إدامة النظر ، يُنقصُ أجر الصائم ، و إن لم يُفطره . و مالكٌ يُشدِّدُ في القُبلة في الفريضة ، و يُرخِّصُ فيها في التطوُّعِ ، وتَركها أحبُّ إليه من غير ضيق . و يُشدِّدُ فيها على الشابِّ في الفريضة ما لا يُشدِّدُ على الشيخِ ، و لا يقضي في قُبلةٍ وجسَّةٍ و نحوها ، و إن أنعظَ حتى يُمذيَ . قاله مُطرِّفٌ ، و ابن الماجشون ، ولابنِ القاسم فيه استحسانٌ . و إذا نظرَ غيرَ متعمِّدٍ فأمذى ، فلا يقضي . فإنْ أمْنَى فليقضِ ، و لا يُكفِّرْ حتَّى يستديمَ النظر .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن وهب ، عن مالك : و مَن قبَّلَ امرأته في رمضانَ ، أو نظرَ إليها متجردة ، فلم يصرف بصره عنها حتى أنزل ، فعليه الكفارة . و كذلك المرأة يُصيبها ذلك إذا تعمَّدَا . و قاله ابن القاسم ، و أشهب في متابعة النظرِ ، قال أشهبُ : و لا كفارة في هذا في غير رمضان في واجب ، أو تطوعٍ ولْيُتِمَّه و يقضيه . قالا : و لو لم يتابع النظر لم يكفر . قال أشهب : و لو كان في تطوُّعٍ أو نذرٍ أفطرَ وقضاه ، و لا يُكفِّرُ فيهما . قال : و كذلك في القُبلة ، و المباشرة ، وال مسِ ، إذا ردَّدَه ، و إذا لم يردِّدْه ، مثلَ اختلاف ذلك في النظرِ . و في رواية ابنِ القاسمِ : إنَّ ذلك سواءٌ إلا في النظرِ .
***(1/44)
[2/49]
قال ابن القاسم ، عن مالك : إذا أمذى في تذَكُّرِ امرأته فإنْ لم يُتابع ذكرها فهو خفيفٌ . قال ابن القاسم : فإنْ تابع ذِكرها حتى أنعظَ فليقضِ . فإن أنزلَ كفَّرَ . قال : قال عنه ابن وهبٍ : و إذا دنا منها في التطوُّعِ فأمذى فليقضِ . ورواه ابنُ القاسم في الملاعبةِ . و قاله المغيرة في المُغازلة بالكلام ، و إنْ أمْنَى كفَّرَ . و كذلك المُستمني .
في الصائم يُفطر ناسياً بوطءٍ ، أو طعامٍ ،
أو تلذُّذٍ ، أو يَطْلُعُ عليه الفجرُ و هو يفعل ذلك و لا يعلم
من "الواضحة" ، قال ابن الماجشون ، و ابن نافعٍ ، عن مالك : إنَّ مَن وطِئَ في نهار رمضانَ ناسياً فعليه الكفارة . و قاله ابن الماجشون . واحتجَّ أنَّ الذي قال النبي صلى الله عليه و سلم : وَطِئْتُ أهلي . و لم يذكر عمْداً و لا سهواً .
***(1/45)
[2/50]
قال ابن حبيب : و هو أحبُّ إليَّ من قولِ ابنِ القاسمِ . و قال ابنُ الماجشون : و أمَّا مَن طلع عليه الفجر ، و لم يعلم و هو يطأُ ، ثم تبيَّنَ له انَّه وَطِيءَ بعد طلوعه ، فلا كفارة عليه ، بخلاف الناسي ، و قال : لأنَّه كان على أصلِ الإباحةِ في الليل حتَّى يتبين له الفجر . قال : و كذلك مَنْ ظنَّ أنَّ الشمسَ قد غربت فوَطِيءَ ، ثم ظهرت ، واحتج في إسقاط الكفارة عليه ؛ لأنَّه مأمورٌ بتعجيل الفطر ، وتقدَّمَ في باب تعجيل الفطر ذكر مَن طلعَ عليه الفجرُ و هو يَطَأُ أو يأكلُ .
قال ابن الماجشون في "المَجْمُوعَة" في مَن افطر ناسياً ، ثم اكل أو وطيءَ متعمداً . قال في "كتاب" ابن حبيبٍ : أو وطِيءَ خاصَّةً متأولاً فليُكفِّرْ .
قال ابنُ عبدوسٍ : و قاله المغيرةُ ، و لم يرَ ابنُ القاسم ، ـ و أشهبُ عليه كفَّارة ، قال أشهبُ : لأنَّه مُتَأوِّلٌ . و قد تقدَّمَ هذا في باب فطر الصائم متأولاً .
و من "العُتْبِيَّة" (ابن القاسم) عن مالك : و مَن اكل ناسياً في التطوُّعِ فأحبُّ له انْ يقضيَ ، و ليس بواجبٍ عليه . و من "كتاب" ابنِ سحنون ، قال عبد الملكِ ، وسحنون : إنَّ المصابَ سهواً يقطعُ تتابع المُظاهر لقول الله تعالى : {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} . و كذلك القُبلَة و المُباشرة ، و يقطَع الاعتكافَ . ثم رجع سحنون في المُظاهرِ في القُبلةِ ، فقال : أمَّ القُبلَةُ فلا تقطع صيامه . قيلَ : في ليلٍ أو نهارٍ ، و لا يكونُ أشدَّ من قُبلته في رمضانَ ، و ليس كالمعتكفِ ؛ لأنَّ هذا وَطِيءَ غيرَ التي يُظاهر منها .
***(1/46)
[2/51]
و من "العُتْبِيَّة" قال مطرف ، في المُظاهر ، و المعتكفِ يُقبِّلُ امرأته ليلاً أو نهاراً : إنهما أفسدا ما هما فيه . و كذلك في جسِّهما إياهما . و أمَّا الصائمُ فلا يقضي إلا أَنْ يُمذي . و أما الحاجُّ فحَجُّه تامٌّ و يَهدي . قال : و إذا نسيَ أنْ يَصِلَ قضاءَ ما افطر لعذرٍ . أو ظنَّ أنَّ صومه فرغ فأفطر ، فهذا يقطع التتابع بخلاف الفطر ناسياً .
في الكفارة في الفطر في رمضان ، و ما يوجبها
من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهب : إنما الكفارة في الفطر في رمضان فِسْقاً بغير تأويلٍ ، فأمَّا في واجبٍ من ظِهارٍ ، أو قتلِ نفسٍ أو غيره ، أو قضاءِ رمضانَ ، فلا ، إلا التوبة .
قال ابن القاسم : قال مالك : في مَن يُفطِر في رمضانَ ، بعد أنْ يحتلمَ ، أياماً ، فعليه عن كل يوم كفارة .
قال ابن القاسم ، في مَن نوى بعد الفجر ، ثم لم يُفطِرْ : فأحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ ، و ليس بواجب . قال ابن حبيب : و مَن نوى الفطر بعد الفجر نهاره لم يفطر بالنية . و إذا بيَّتَ الفطر في رمضان حتى أصبح فليكفر ، و يقضِ .
و من "المَجْمُوعَة" قال ابن القاسم : إذا أصبح ينوي الفطر في رمضانَ فليقضِ . و يكفر . و قال أشهب : يقضي و لا يكفر . وتقدَّم هذا في باب التبييت .
قال ابن سحنون ، عن أبيه ، قال : قال ابن القاسم ، في مَن نوى الإفطار
***(1/47)
[2/52]
في يوم من رمضان نهاره كلُّه : أنَّه يقضي و يُكفِّرُ . و أنا أرى ألا كفارة عليه حتى يبيِّتَ الفطر ، و أما إن نواه في نهاره فإنما يقضي استحباباً .
وقال مالك ، في "المختصر" – و قاله ابن القاسم ، و أشهب ، في "المَجْمُوعَة" قال : وحدُّ ما يُفطرُ به الصائم من الطعام والشراب ما جاوزَ اللَّهَاةَ . و من الجماع مغيبُ الحَشَفَةِ . قال مالكٌ ، في "المَجْمُوعَة" : أو إنزالُ الماء الدافق متلذذاً (من غير احتلام) .
قال المغيرة ، فِي مَنْ أكره امرأته على الوطء : فليُكفِّرْ عنها بعتقٍ ، أو طعامٍ ، والولاء لها . و إذا أكره أمَتَه ، فأحبُّ إليَّ أنْ يُكفِّرَ عنها بالطعام ، وعن نفسه بالعتق . فإنْ أعتقها قبل أَنْ يكفر عنها ، فالإطعام عنها لازمٌ له . و في باب مَن اُكره على الفطر من هذا ، و الاختلاف في الكفارة عن المكرهة .
وقول سحنون ، و غيره : لا كفارة عليه عنها ، و لا عليها .
قال أشهب : و يُكفِّرُ متعمِّدُ الفطرِ في رمضانَ بغير رقبةٍ – يريد مؤمنةٍ – أو صيام شهرين متتابعين ، أو غطعام ستين مسكيناً حِنطةٌ . قال مالك ، في "المختصر" ، و غيره : مدًّا لكل مسكين . و قال أشهبُ : وغداءً وعشاءً ، و الإطعام أحبُّ إلينا ، ثم الغداءُ و العشاءُ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن الماجشون : استحبَّ مالكٌ ، و غيره من اصحابنا الإطعام ؛ لأنَّه كان المفعولَ في الحديث .
قال (ابن وهب) : و ما فعلَ من ذلك أجزاه ، و أحبُّ إلينا العتق ، ثم
***(1/48)
[2/53]
الصومُ ، ثم الإطعام .
و من "كتاب" آخر لبعض أصحابنا : و يُكفِّرُ العبدُ ، و الأمَةُ بالصيام ، إلا أَنْ يَضُرَّ ذلك بالسيد ، فيبقى دَيناُ عليهما ، إلا أنْ يأذن لهما السيدُ في الإطعام . و إنْ فعلَ العبدُ ذلك لمَن يلزمه أنْ يُكفِّرَ عنه فهي جنايةٌ ، إمَّا أنْ يُسلمه السيد فيهما ، أو يفديه بالأقلِّ من ذلكن أو من قيمته . و لو طَلَبَتِ المفعول ذلك بها ، أُخِذَ ذلك . وتَصُومُ عن نفسها لم يُجزئها و إن رضيَ السيدُ ؛ لأنَّه لم يجبْ لها فيصير ثمناً للصيامِ . والصيام لا ثمن له . و قد تقدم قول سحنون في المُكرهة .
قال مالكٌ ، في غير كتاب : و لا كفارة في قضاء رمضانَ ، و لا في شيءٍ من الصيامِ الواجبِ سِوَى رمضانَ .
في كفارة التفريطِ في قضاء رمضان
من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهب : و مَن فرَّطَ في قضاء رمضان حتى دخَلَ عليه رمضان آخرُ ، و قد أمكنه القضاءُ قبله ، فقد لزمه كفارة التفريط مُدًّا لكلِّ يومٍ – يريدُ من حِنْطَةٍ – فإنْ شاء عَجَّلَه قبل فراغِ هذا الرمضانِ الثاني ، و إنْ شاء أخَّره حتَّى يزولَ و يأخذَ في قضاء رمضان الأول . وتعجيلُه أحبُّ إلينا ، و لو عجَّلَ كفارةَ التفريطِ قبل دخول الرمضان الثاني ، ثم لم يَصُمْ حتَّى دخل الثاني لم يُجْزِه ما كفَّر قبلَ وجو به . فإنْ كان عليه عشرون يوماً فلمَّا بَقِيَ لرمضان الثاني عشرة أيامٍ كفر عن عشرين لم يُجزِه منها إلا عشرة ، و كذلك لا يُجزئُ المتمتع أَنْ يصومَ عن التمتعِ قبل أنْ يُهِلَّ بالحجِّ . و في الباب الذي يلي هذا من هذا المعنى .
***(1/49)
[2/54]
و من "المَجْمُوعَة" قال أشهب ، و ابن القاسم : و مَن أفطر في سفرٍ أو مرض ، فمات قبل يقدَمَ من سفره ، أو يفيق من مرضهِ ، فلا شيء عليه ، و إنْ فرط بعد قدومهِ ، أو إفاقته أياماً حتى دخلَ رمضان آخر ، و لم يَصُمْ ثم مات فبعددِ تلك الأيامِ يلزمه مُدٌّ لكلِّ يومٍ . و قاله ابن القاسم ، عن مالك . قال أشهب : يُجْزِئُهُ مُدٌّ لكلِّ يومٍ بالمدينة و مكَّةَ ، وليخرجْ بغيرهما مُدًّا وثُلثاً ؛ يريدُ الوسط من شبعِ كل بلدٍ . و ابنُ القاسمِ : و لا كفارة عليه مما بقي من الرمضان الأول ، و قاله أشهبُ ، في المريضِ ، و لم يذكر المسافر .
قال ابن حبيب : و المرضع إذا أفطرت ، و أمكنها القضاءُ ففرَّطَتْ حتَّى دخلَ رمضانُ آخر ، فلتُطعِم عن كلِّ يومٍ مُدَّيْنِ ، مُدًّا للرضاع ، و مُدًّا للتفرقة .
و من "كتاب : أبي الفرج ، أنَّه رُوِيَ عن مالك ، في مَن فرَّطَ في قضاء رمضان ، حتَّى لَزِمَتْهُ الكفارة فلم يُوصِ بها ، فلا يلزم ورثته شيءٌ . ورُوِيَ عنه ، أنَّه يكونُ في ثلثه ، و إنْ لم يوص بها مبداه ، والزكاة يبدأُ عليها .
والذي ذكر أبو الفرج ، من هذه الرواية غيرُ ما عندنا من أصلِ مالكٍ .
وقال سحنون ، في "كتاب" ابنِهِ ، في متعمِّدِ الفِطْرِ في رمضان يُفرِّطُ في القضاءِ أيضاً على رمضان آخر : فإنَّه يقضي و يُكفِّرُ للتعمُّدِ ، و يُكفِّرُ للتفريط بمُدٍّ لكلِّ يومٍ .
***(1/50)
[2/55]
فِي مَنْ عليه قضاء رمضان ، هل يؤخره أو يبدئُ عليه غيره أو يفرقه ، و مَن تعمَّدَ الفطر فيه ، و مَن لم يتعمَّدْ
قال ابن حبيب : و من عليه قضاء رمضان ، فلا ينبغي له أَنْ يتطوع بالصوم قبله ، وقبل نذرٍ عليه و نرجو أَنْ يكون واسعاً إنْ بدأ بتطوُّعٍ ممَّا يُرَغَّبُ فيه ، مثل عاشوراءَ ، أو أيامِ العشرِ ، و نحو ذلك .
قال في "العُتْبِيَّة" ، من سماع ابن القاسم : (قال مالك) : و من عليه قضاءُ رمضانَ فلا أحبُّ أنْ يصومَ يومَ عاشوراءَ قبلَه ، و أرجو أَنْ يكونَ خفيفاً . و لا باسَ أنْ يصومه قضاءً من رمضان .
و من "العُتْبِيَّة" ، ابن القاسم ، عن مالك : و مَن رهقه رمضانُ ، و عليه صومُ تَمَتُّعٍ ، وقضاءُ رمضانَ ، فإنْ كان في الأيام ما يكفي لذلك بدأ بالتمتعِ . و إنْ لم يكن بدا بقضاء رمضان .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهب : و مَن فرَّطَ في قضاء رمضان فهو في سَعَةٍ ما لم يدخل رمضان آخرُ ، أو يَمُتْ . (قبل أَنْ يقضيه) . و له تأخيره (و إن أمكنه القضاء إلى ما يكون بينه و بين الرمضان الآخر ما يصوم فيه ما لزمه قبل يدخل الثاني ما لم يمُتْ قبل ذلك ، و إن بقي إلى الثاني ايام أقلُّ ممَّا بقيَ عليه ، فصامها فليس في سَعَةٍ ممَّا نقصَ من
***(1/51)
[2/56]
ذلك ، ورُوِيَ نحوُه عن عائشة . و إذا لم يزل مريضاً من ألأول إلى انقضاء الثاني فليبدأْ إذا أفاق بالأول ، فإن بدأ بالثاني أجزأه .
و إذا كان عليه قضاء رمضانَ ، وصيامُ ظِهارٍ ، بدأ بأيِّهما شاء إلاَّ أنْ لا يُدركهما قبل رمضان ثانٍ ، فليبدأْ بقضاءِ رمضانَ . قال : وليبدأْ بقضاءِ رمضانَ قبلَ نَذْرٍ نَذْرَه قبلَه . قال ابن القاسم ، عن مالك : و لا يبدأ بالتطوعِ قبله ، و لا قبل النَّذْرِ .
قال عنه ابن نافعٍ : و إنْ صام تطوُّعاً فذكرَ أنَّ عليه قضاءً من رمضانَ فليُتمَّ يوم التطوُّعِ ، ثم يقضِ ما عليه ، و قد أخطأ في تطوُّعهِ قبله .
قال أشهبُ : كما لا ينبغي أَنْ يتطوَّعَ بالحجِّ قبل الفريضة ، و هو في الصَّلاَة أخفُّ ، ما لم يَخَفْ فواتَ وقتها . يريدُ : و أمَّا إنْ ذكر صلاةً قد خرج وقتُها فلْيُبَادِرْ بها .
قال ابن القاسم ، و أشهب : و مَن عليه نذْرُ شهرٍ بعينه فأفطره ، فأحبُّ إلينا قضاؤه مُتتابعاً ، و يُجزيه إنْ فرَّقه . و كذلك قضاءُ رمضانَ . قال ابنُ حبيبٍ : التتابُعُ في قضاء رمضان أحبُّ إلى مالك . و قال ابن عمرَ : إنْ أفطرَ متتابعاً فلْيُتابِعْه ، و إنْ أفطرَه متفرِّقاً ، فله أَنْ يُفرِّقَه .
و من "المَجْمُوعَة" قال مالك ، و مَن تسحَّرَ في قضاء رمضانَ في
***(1/52)
[2/57]
الفجرِ و لا يعلم – قال في "المختصر"" تَسَحَّرَ فيه و لا يعلمُ . قال في "الكتابين" : أو ناسياً فله أَنْ يأكلَ فيه ، و يقضيَ . و المستحبُّ له أَنْ يتمادى ، و يقضيَ . و كذلك ذكر ابن حبيبٍ . قال في "المختصر" : و إن كان متطوِّعاً مضَى في صومهن و لا قضاء عليه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهب : كلُّ ما لم يذكر الله سبحانه فيه التتابع ، فإنْ فرَّقَه أجزأه ، وبئس ما صنع . قال ابن نافعٍ ، في امرأةٍ طال مرضها و عليها رمضانُ ، فصامتْ فصَعُبَ ، عليها الصومُ يوماً وتُفطِرُ يوماً .
قال : نَعَمْ بقدرِ طاقتها .
في متعمدِ الفطر ، في قضاء التطوُّعِ ، أو في قضاء رمضان ، و في مفسدِ قضاء الحجِّ
قال يحيى بن يحيى ، في "العُتْبِيَّة" ، عن ابن القاسم : و إذا أفطرَ في التطوُّعِ من غير عُذْرٍ فليقضه ، ثم إن أفطرَ في القضاء من غير عُذْرٍ فليقضِ يومين ، و إذا أفطر في قضاء رمضانَ ، فليقضِ يوماً مكانه ، ثم إن أفطرَ في قضاءِ القضاءِ فعليه يومين ، و أمَّا مَن أفسدَ حِجَّه فلزمه القضاءُ ، فأفسدَ القضاءَ أيضاً . فعليه حجتين و هَدْيَيْن . و رَوَى سحنون ، عن ابن وهبٍ أنَّه ليس عليه إلاَّ حجَّةٌ واحدة ، و هديين ، و رَوَى الأول ، عن عيسى ، عن ابنِ القاسم .
و ذكر عن مالك ، في إفطاره في قضاء القضاء ، أنَّه يقضي يومين . و قال أيضاً ليس ليه إلاَّ يومٌ واحدٌ . و رَوَى سحنون ، عن ابنِ القاسم ، في موضعٍ آخرَ ، أنَّ عليه يومينِ و ليس بواجبٍ عليه .
***(1/53)
[2/58]
في مَن أفطر رمضانَ كُلَّه فقَضى شهراً
أقلَّ عدداً من أيَّامِهِ أو أكثرَ
(قال أبو محمد) : أخبرنا أبو بكر بن محمد ، قال : روى ابن وهب ، عن مالك ، في مَن أفطر رمضانَ كلَّه في سَفَرٍ أو مرض ، فكان تسعاً و عشرين ، فأخذ في قضائه شهراً ، فكان ثلاثين : أنَّه يصومه كله . و إن كان شهرُ القضاءِ تسعةً و عشرينَ ، ورمضانُ ثلاثين أجزأه .
قال أبو بكر بن محمد ، و قال محمد بن عبد الحكم : إنما عليه أَنْ يصومَ عدَّةَ أيامِ التي أفطر .
في شهريِ الظهارِ ، هل يبدأ فيهما من ذي القعدةِ ، أو من شوال
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : يُرجِّحُ مالكٌ في مُبتدئِ صومِ كفَّارة الظِّهار ، أو القتلِ ، من ذي القعدةِ . و قال : عسى أنْ يُجْزِئُهُ إنْ جَهِلَ ، و يبتدئَ أحبُّ إليَّ .
قال في "المختصر" : و من عليه صوم شهرين متتابعين ، فبدأ بذي القعدة . فإن فعل ذلك متعمِّداً يَعلمُ أنَّه يَمُرُّ بأيامِ النَّحرِ فليبتدئِ الشهرين ، و إن نسيَ أو غفل ، فإنِ ابتدأهما فهو أحبُّ إلينا و أحوط له . فإنْ أفطر يومَ النحر ، وصام أيام التشريق ، فإنْ وصل اليوم الذي أفطره
***(1/54)
[2/59]
رجوتُ أنْ يُجْزِئُهُ ، و يبتدئَ أحبُّ إلينا .
قال في "المدونة" ، فِي مَنْ صام لظهار فَمَرِضَ ، ثمَّ صحَّ في أيام النحر :
فلا يصومها وليَصُم الرابع من أيام منًى .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهب : و لا يبتدئُ من ذي القعدةِ في شهورِ نذرها متتابعات ، فإن فعل فليقطَعْ صيامه متى ما استفاق ، و يبدأ في وقتٍ لا يُعارضه في صومه ما يجب فطره . فإن كثرت شهور النذر ، حتى لا يسلم من ذلك ، فليبتدئ فيما يكونُ أقلَّ عليه فيما يُعارضه من هذه الأيام ، وليَخُصَّ يوم الفطر والنحر بالاجتهاد في السامة منه . و إن لم يقل في نذره في نذرع متتابعاتٍ ، و لا نواها فلا يقطع صيامه إلا أنْ يكون لم يمضِ منه إلا يوم أو يومان ، و ما ذلك بلازم له وليتمادى ، أو يُفطِرْ من الأيام ما نُهِيَ عن صيامه ، و يقضيه و غيره مما افطر بعد ذلك ؛ لأنَّه ليس عليه تتابعها ، و لم يدخل تلك الأيام في نذره ، و لو نذر ما لم يقضها ؛ لأنَّه نذر معصيةٍ ، و لا يجوز أنْ يصومَ بعد ذلك بظهاره شعبان ، ثم يصوم رمضان لفرضه ، ثم شوال لظهاره ، و لو قرن إلى شوالٍ شهراً آخرَ لظهارهِ أجزأه . يريدُ أشهب : (إذا قضى يوم الفطر و وصله بآخرِ صومهِ ، قال ابن القاسم و أشهب : و من صام لظهاره رمضانَ والشهرَ الذي قبله جاهلاً ، يريدُ أنْ يقضي رمضانَ بغير ذلك ، فلا يُجْزِئُهُ عن ظهاره و لا عن رمضانَ) قال أشهب : و كذلك لو جهل فنوى به لرمضان ولظهاره لم يُجزِه لواحدٍ منهما . قال أشهب : لو صام في آخرِ كفَّارتِهِ يوماً من قضاء رمضانَ ، فإنَّه يُبطل ما صام قبلَه لظهاره ، و كذلك لو نوى برمضان عن رمضانَ وظهاره .
قال ابنُ حبيبٍ : لا ينبغي أَنْ يبتدئَ صومَ ظِهارٍ ، أو قتلٍ ، أو كفارة رمضانَ ، في ذي القعدة ، فإنْ فعل أجزأه و يصلُ قضاءَ أيام النحر الثلاثة ، و كذلك يُجْزِئُهُ إنْ بدأَ في شعبان فصام رمضانَ لفرضهِ . وشوالاً
***(1/55)
[2/60]
لكفارته ، يريدُ و يقضي يوم الفطرِ و يصله . و لو نوى برمضان فرضه وكفارته لم يُجزه لواحدٍ منهما و هذا في باب تقدَّم .
في مَن صام لظهارين فوصلهما ، ثم ذكر يوماً أو يومين
من "العُتْبِيَّة" ، قال سحنون ، عن ابن القاسم ، في مَن صامَ لظهارين فوصل أربعة أشهر ثم ذكر يومين ، لا يدري من أيِّ ظِهارٍ : فليصمْ يومين ، و يأتي بشهرين .
و من "كتاب" ابن عبدوس ، و ابن سحنون ، قال عبد الملكِ : إنْ وصلهما ، ثم ذكر يومين أفطرهما نِسياناً – قال في "كتاب" ، ابن سحنون : أو خطأً ، فأقلُّ ما يُجْزِئُهُ يومٌ يصله بالشهرين الآخرين ، ثم يأتي بشهرين ؛ لأنَّ أكثر ما عليه أنْ يكونَ يوماً من آخر الكفارة الأولى ، و يوماً من أول الثانية . و لو افطر ثلاثة أيام متتابعة فليصل الآخرة بيومين ، ثم يبتدئ كفارة . و لو وصل ثلاثة كفارات ، ثم ذكر يومين متصلين ، فليأتِ بيومٍ وكفارتين . قال أبو محمد ، و على أصل ابن القاسم : يأتي يومين يصلهما بآخر كفارة ، و يقضي كفارتين ، و كذلك لو كانتا كفارتين صام يومين في آخرهما ، ثم صام كفارة . وقولُه أوَّلاً ؛ لأنَّه لا ينبغي أنْ يزولَ عن كفارةٍ حتَّى يُصلِحَهَا على ابعد الاحتمال فيها ، كما أنَّ مَن ذكر سجدةً لا يدري من أيِّ ركعة ، أنَّه لا يدعُ الركعةَ التي هو فيها حتى يُصلحها على إمكان ذلك فيها . و إنْ كان لابد له من أنْ يأتي بركعةٍ ، و كان ينبغي على قول عبدِ الملكِ أن لا يسجدَ و يأتي بركعةٍ و هذا إنما هو قول لأشهبَ ذكره عنه البرقيُّ في الصَّلاَة ، و ليس بالقويِّ .
***(1/56)
[2/61]
في مَن لَزِمَه شهران متتابعان فسافر ، هل يُفطِر ، وكيف إن مرض في سفره فأفطر ، وكيف إن أفطر في الحضرِ لمرضٍ ، أو نسيانٍ ، أو لعذرٍ ، أو تعمَّدَ الفِطر
من "المَجْمُوعَة" : أشهبُ ، عن مالكٍ ، و هو في "الموطأ : و من لزمه صوم شهرين متتابعين ، في كتاب الله عزَّ وجلَّ ، فليس له أنْ يُفطِرَ في السفرِ . قال أشهبُ : فإنْ فعلَ ائتنفَ كلّ ما صام . قال المغيرةُ : بخلاف المرض ؛ لأنَّ السفرَ هو أدخله على نفسه . قال مالك ، في "المختصر" ، مثله . وتقدَّمَ هذا في باب السفر .
قال ابن القاسم ، عن مالكٍ ، في "المَجْمُوعَة" و لو مرضَ في السفرِ فأفطرَ ، فإنْ كان مرضاً أهاجه السفرُ فليبتدئْ ، و إن كان لغير حرٍّ أو بردٍ فليَبْنِ ، ولكني أخاف أنِ السفرَ سببُ ذلك . و من الأمور أمورٌ مشكلةٌ ، و كأنَّه أحبَّ أنْ يبتدئَ ، و هو أحبُّ إليَّ . قال ابن القاسم ، و ابن وهب ، و أشهبُ عنه ، فِي مَنْ صام شهري التتابع ، ثم أفطر لمرض ، أو امرأة ، تحيضُ ، فإنَّه يبني بعد رؤيةِ الطُّهرِ في الحائضِ ، وبعد الصحَّةِ في المريضِ متصلاً ، و يُجزئُ ذلك و إنْ أخَّرا ذلك عن الاتصال يوماً واحداً . ائتنفا ، و كذلك لا يُقطع التتابع للأكل سهواً ، أو ظنًّا أنَّ الشمسَ غَرُبَتْ ، أو في الفجرِ و لا يعلم . قال ابن القاسم : و كذلك إن تقيَّأ فيه ، أو صبَّ أحدٌ الماءَ في حلقه مكرهاً في ذلك . قال أشهبُ : وليمضِ على صيامه في ذلك اليوم ، في ذلك كله ، فإنْ لم يفعل فليبتدئْ صيامه إلا في المرض والحيضِ ، فالفطرُ مُتِّصِلٌ فيهما . قال المغيرة ، وعبد الملك : و إن ظنَّ أنَّه أكملَ العِدَّةَ ، فبيَّتَ الفطرَ ، فأصبح و نيَّتُه الفطرُ فليأتنفِ الشهرين ، و هذا عامدٌ بخلاف المفطِرِ
***(1/57)
[2/62]
ناسياً . قال عبدُ الملك : و لو نسيَ أَنْ يصلَ قضى ما مَرِض فيه بالشهرين ، فهو كالعامدِ و يبتديءُ ، و إذا أفطر عامداً أبطل ما تقدم من صومه بعد ذلك يُحسبُ له إن بنى عليه فأتمَّ شهرين .
في من نذر صيام أيام بأعيانها فأفطرَ ناسياً ، أو لعذرٍ من مرضٍ ، أو لغيره ، أو لسفرٍ ، وكيفَ إن أفطرَ عامداً
قال ابنُ القاسم في "المدونة" ، في ناذر صيام عشرة أيام بأعيانها ، أو شهرٍ بعينهِ ، فصامَ بعضها ، ثم تسحَّرَ في الفجرِ ، و لم يعلمْ ، أو أكل ناسياً ، فليمضِ على صيامه ، و يقضِ يوماً مكانه . قال سحنون ، في "كتاب" ابنه : لا قضاءَ عليه في ذلك ، و هو كما لو مرضها .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافعٍ : و مَن نذر صوم شهرٍ بعينه فمرضه ، فلا يقضيه ، إلا أنْ ينوي أَنْ يجعله كرمضان يقضيه ، فليفعلْ . قال عبد الملكِ : إنْ كان شهراً و يوماً يُرْجَى بركته فَنَذَرَهُ فأفطرَ بغلبةٍ ، فلا يقضيه . قال المغيرةُ ، و أشهبُ : كلُّ ما كان بعينه فلا يقضيه إن مرضه .
قال أشهبُ : و لكن استحبُّ له القضاءَ . و كذلك ناذرُ حَجِّ عامٍ بعينه يمنعه فيه مرض ، أو سلطانٌ ، يريدُ قبلَ أنْ يُحْرِمَ .
قال ابنُ القاسم ، عن مالكٍ ، في ناذرِ صيامِ رمضانَ عامَه بالمدينة ، فمرضه ، فلا شيء عليه . فإن شُغلَ عن ذلك ، فليَصُمْ فيها رمضانَ فابلاً .
قال ابن القاسم ، و أشهبُ ، في مَن نذر صيام هذه العشرة الأيام بأعيانها فتسحَّرَ في الفجرِ في يومٍ منها ، و لم يعلم و أكل ناسياً فليقضه .
قال أشهبُ :
***(1/58)
[2/63]
و يُستحبُّ أَنْ يصِلَه ، فإن لم يصله فلا شيء عليه . و لو تعمَّدَ الأكل ، في بقية ذلك اليوم لم يأتنفِ الصيامَ ، و كذلك لو أفطر يوماً فإنَّمَا عليه قضاءُ يومٍ .
و من "المَجْمُوعَة" قال أشهبُ : و مَن قال : لله عليَّ صومُ غَدٍ ، فأفطرَه عامداً فليقضه ، و لا كفارة عليه .
و من "العُتْبِيَّة" ، عيسى ، عن ابن القاسم ، فِي مَنْ حلف بالله ، أو بطلاقٍ ، لَيَصُومنَّ غداً ، فأفطر ناسياً ، فلا شيء عليه . قال المغيرةُ : و إذا نذرَ شهراً بعينه فصام أوَّلَه ، ثم مرضَ ، صمَّ صحَّ في بقيَّةٍ منه ، فليس عليه إلا صومُ ما بقي منه . و إن تركَ عشرةَ أيَّامٍ من أوَّلِهِ بغيرِ عُذْرٍ . ثم مَرِضَ باقيه ، فليقضِ الشهر كلَّه . و لو ترك عشرة أيامٍ من أوله ، ثم نذر فابتدأَ صومَ باقيه فصام يوماً ، ثم مرض بقيته فليس عليه إلا قضاء العشرة الأولى التي ترك تفريطاً . و لو ترك الشهر كله ناسياً كان عليه قضاؤه ، و قد ذكرنا قول سحنون ، في هذا الأصل .
قال المغيرةُ ، في أصل "كتابه" : لو افطرَ عشرة أيامٍ من أوَّلِهِ من غير عُذْرٍ ، صام باقيه ، أضاف إليه العشرة التي أفطرَ و أجزأه . و لو صام أوله ، و أفطر عشرة أيامٍ من آخره ، ائتنف شهراً و لم يُجزه أَنْ يبني . قال : لأنَّه شرطَ شهراً متتابعاً فلا يُجزيه تفريقه . و عليه أنْ يبتدئَ ثلاثين
***(1/59)
[2/64]
يوماً متتابعةً ، إلا أَنْ يكون الشهرُ الذي نذر كان تسعاً و عشرين يوماً فليس عليه إلا عدة أيامه .
و من "العُتْبِيَّة" روى أبو زيدٍ عن ابنِ القاسمِ في مَن نذرَ إن شفاه الله أَنْ يصومَ شوَّالاً ، فأفاق في نصفه ؛ فليس عليه إلا صيام باقيه .
في مَن نذرَ أنْ يصومَ شهراً ، أو عاماً ، بغيرِ عينه ، فبدأ في بعض الشهر ، أو في أوَّلِهِ ، و هل له أنْ يُفرِّقَه ، و هل عليه قضاؤها في ذلك مما لا يُصام ، و العامُ بعينه ، أو بغير عينه
من "المَجْمُوعَة" ، روى ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، في مَن نَذَرَ صوم شهر بغير عينه ، فله أنْ يبدأَ في الهلالِ فيُجزئَه ، بلغَ الهلالُ ثلاثين يوماً ، أو تسعةً و عشرين ، فإنْ بدأَ دونَ الهلالِ أكملَ ثلاثين يوماً . قال أشهبُ : و كذلك إذا فرَّقَ . قال ابن حبيبٍ : و لو أخذ فيه من أوله ثم قَطَعَه .
و من "المَجْمُوعَة" قال ابنُ القاسم ، عن مالكِ : و كذلك ناذِرُ شهرين غير معينين ، و لا متتابعين ، فإنْ شاء للأهلَّةِ أجزأه ، و إن فرَّقهما فستُّونَ يوماً ، وغ ، بدأ في بعض شهرٍ ، وتمادى فيهما فيصير للأهلَّةِ شهرٌ ، و يبني على الأيام التي قبله تمام ثلاثين يوماً . و كذلك في ناذر شهرين متتابعين يبدأ في بعض شهرٍ . وكذبك المُعْتَدَّةُ ، يموتُ زوجُهَا في بعض الشهر ، فَتَعْتَدُّ تلك الأيام ، ثم ثلاثة أشهرٍ بالأهلَّةِ ، ثم تكمل على الأيام الأولى تمام الثلاثين يوماً ،
***(1/60)
[2/65]
و عشرة أيامٍ . و قاله أشهبُ ، وعبد الملك ، في الصومِ . قال عبد الملك : و من نذر صيام ستين يوماً ، فليس له في نقص الأشهرِ تخفيفُ صيام للأهلَّةِ ، أو لغيرها .
قال ابنُ حبيبٍ ، قال ابنُ الماجشون ، في ناذر شهرٍ بغيرِ عينهِ : إنْ بدأ في نصف الشهر ، فليُكْمِلْ ثلاثين يوماً على ما صام منه كان ناقصاً ، أو تامًّا .
قال ابنُ الماجشون : و قيل : إنَّ النصفَ الأولَ ، و إنْ كان أربعة عشرَ يوماً فليعتدَّ به نصفاً ، و يُتبعه خمسةَ عشرَ يوماً . و الأول أحبُّ إلينا . و ذكر ذلك ابن سحنون ، عنه ، و قال : في القول الذي أعابَ . و كذلك إنْ حلفَ ليُكَلِّمَنَّ فلناً قبل أَنْ يمضي نصف الشهر فكلَّمَه يوم خمسة عشرَ ، بعد العصر ، ثم نقصَ الشهر يوماً ، أنَّه لا يحنَثُ ؛ لأنَّ العملَ في النصف الأول على خمسة عشرَ ، لا على أربعة عشر و نصف في نقصه وبعضه ، فكذلك لا يكون الأربعة عشر نصفاً من الناقص .
و من "المختصر" : و إذا لزمه شهران غيرُ مُعيَّنَيْن فبدأ من رأسِ الهلالِ ، ثم مرضَ ، أو كانت امرأة فحاضتْ ، فإنَّمَا تَتِمُّ على عددِ الشهرِ كان تسعةَ و عشري أو ثلاثين .
و من "المَجْمُوعَة" : واختلف قولُ مالكٍ في ناذر سنةٍ بعينها ، هل يقضي
***(1/61)
[2/66]
ما لا يُصام منها . و قال أشهبُ : أحَبُّ إليَّ أنْ يقضيَ ، إن كانت بعينها ، أو نواها تِباعاً ، و ما ذلك عليه بواجبٍ ؛ لأنَّه لو نذرَ صيامَ يومِ الفطرِ ، و أيام النحرِ ، فقد نذر معصيةً ، فكذلك ناذر شهور فيها ذلك ، إلا اليوم الرابع من أيام التشريق فليفطره ، و يقضه أحبُّ إليَّ ، و ليس بواجبٍ ، و لا قضاءَ عليه فيما مرض في شهرٍ بعينه .
و رَوَى ابن القاسم ، عن مالكٍ أنَّه : يصوم اليومَ الرابعَ أيامَ النحرِ ، و يومَ الفطرِ إلاَّ أنْ ينويَ إلا يقضيها . قال عنه ابن وهبٍ : إنْ نذرَ سنةً ، فإن نوى التي هو فيها فلا يقضي رمضان ، و لا ما لا يُصامُ ، و إنْ نوى سنةً سِوَى رمضان ، فهو كما أراد . و إن لم ينوِ له نية فليصُمَ اثنى عشر شهراً ليس فيها رمضانُ ، و لا ما لا يُصامُ من الأيام .
قال مالكٌ ، في "المختصر" : إن نذر سنة بغير عينها ، فليقضِ رمضانَ ، و يُفطِرْ يوم الفطر ، و يوم النحر ، و أيام مِنًى الثلاثة و يقضها .
قال ابنُ حبيبٍ : لأنَّ السنة بغير عينها فكأنه لم ينذر الرابع بعينه ، فلذلك أمرَ أنْ يُفطِرَه ، و يقضيه . قال : و لو كانت بعينها لم يكن عليه قضاءٌ ، لما فيه من مرضٍ ، أو حيضٍ في المرأةِ ، و لا رمضانَ ، و لا ليومِ الفطرِ و أيام النحر الثلاثة ، و أمَّا اليومُ الرابع فيصومه ؛ لأنَّه يلزم من نذره ، أو نذر ذا الحجة ، أو سنة بعينها ، و لا يصومه متطوِّعٌ ، و لا يقضي فيه صومٌ . قال ابنُ حبيبٍ : و مَن نّرَ صومَ سنةٍ بغير عينها ، أو شهرٍ غير معيَّنٍ أو أيامٍ ، فابنُ كنانةَ يقولُ : يتابعها حتى ينويَ التفرقة ، و ابن القاسم يجيز له التفرقة في ذلك كله حتى ينويَ التتابع . و ابن الماجشونُ يوجبُ في الشهر والسنةِ أو جزءٍ من شهرٍ أَنْ يتابع حتى ينويَ التفرقة ، و أما أياماً ، فله أَنْ يُفرِّقَها
***(1/62)
[2/67]
حتى ينوي التفرقة ، و أما أياما ، فله أَنْ يُفرِّقَهَا حتَّى ينويَ المتابعُ . و هذا قول ابن شهاب ، و به أقولُ . (قال ابن الماجشون) : و ناذر صيام سنةٍ بغيرِ عينها عليه أنْ يُتابعَن و يصلَ صيامه بقضاء رمضانَ منها ، و يوم الفطر ، و أيام الأضحى الأربعة ؛ لنهي النبيِّ صلى الله عليه و سلم عن صيامها ، فإنْ أفطر يوماً واحداً قبلَ أَنْ يصلَ ذلك بالسنة ، ابتدأ السنة ، و كذلك قضاه لما افطر بمرضٍ ، و إنما أمر بفطر اليوم الرابع ، و يقضيه ؛ لأنها سنة بغير عينها ، و لو كانت بعينها لم يُفطره . و كذلك في "المختصر" .
في من نذر صوم يومٍ ، يقدم فيه فلانٌ ، أو يوم
يقدم هو ، أو نذر صيام يومٍ بعينه فأُنسيه ، أو نذر أَنْ يصومَ هذا اليوم شهراً ، أو قال : هذا اليوم شهراً
من "المَجْمُوعَة" ، من نذر صيام اليوم الذي يقدم فيه فلان ، فقدم فلان ليلاً ، فليصُم صبيحة ليلته . قاله ابنُ القاسم ، و أشهبُ ، وعبدُ الملكِ . و إن قدمَ نهاراً و لم يعلمْ ، فابنُ القاسمِ يقولُ : لا شيء عليه . و قال أشهبُ ، وعبد الملكِ : يقضيهِ . قال أشهبُ : و لو كان قد بيَّتَ صومَه تطوُّعاً ، أو لقضاء رمضانَ ، أو لغيره ، فلا يُجْزِئُهُ لنذره ، و لا لما صامه له . قال ابنُ
***(1/63)
[2/68]
الماجشون : و لو علمَ أنَّه يدخل أول النهار ، فبيَّتَ الصومَ لم يُجزه ؛ لأنَّه صامَه قبل وجو به . قال عنه ابن حبيبٍ : وليصم اليوم الذي يليه . و قال أشهبُ ، و أصبغُ . و قال ابن القاسمِ : إنْ مرضه ، أو قدم نهاراً ، فلا شيء عليه . وبالأول أقول .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : و لو قَدِمَ فلانٌ ليلة الفطر ، أو يومه ، فلا قضاء عليه ، و لا صومَ كناذرِ صومِ غَدٍ ، فكان يوم الأضحى ، و هو يعلم ، أو لا يعلم . و إن نذر صيام يوم قدومه أبداً لزمه ، إلا أنْ يُوافق يوماً لا يحل صيامه فلا يصومه ، و لا يقضيه . و لو قدم ليلة الاثنين ، و هي ليلة الفطر ، فلا يصوم صبيحتها و لا كل اثنين يوافق ما لا يحل صيامه فيما يُستقبلُ ، و لا يقضيه . و كذلك روى ابنُ القاسمِ ، و ابنُ وهبٍ ، عن مالكٍ . قال : و لا يقضي ما مرض فيه من ذلك إلا أنْ ينويَ قضاءه ، وقضاء ما يلزمه فطره ، فيلزمه ذلك . و قال ابن وهبٍ : قال مالكٌ ، حين سأتله عن هذا : أخسر الناسِ مَن باع دِينه بدُنْياه ، و أخسرُ منه مَن باع دينه بدُنيا غيره . قال مالكٌ : فلا تحمل لأحدٍ منه على ظهرك .
قال ابنُ حبيبٍ : و من نذر صوم يومٍ يقدمُ فيه بلد كذا ، فقدم نهاراً فليقضِ . و إن قدم ليلاً فليصبح صائماً ، و لو مرض فيه ، أو كان مريضاً ، فليقضه ؛ لأنَّه لم يقصد إلى تعيين اليوم ، إنما قصدَ أنْ يصومَ شكراً و قد نوى تعجيله فليصمه في أول ما يصحُّ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال سحنون : قال ابن القاسمِ : و من نذر
***(1/64)
[2/69]
صيامَ يومِ يقدم فلان أبداً ، فقدم في يوم ، فنسيه ، فليصم آخر يومٍ من الجمعة و أولها السبت .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : و من نذر صوم يومٍ بعينه ، فنسيه ، فقال : يصوم يوماً أيَّ يومٍ شاء ، قال : يصوم آخر يومٍ من الجمعة ، كأنَّه قضَى له أنْ يقدمَ ، ثم رجعَ ، فقال : يصوم أيام الجمعة كلها . و لو نذر أَنْ يصومه أبداً فنسيه فليصم الدهر كله . قال : و من قال لله علي أن أصوم هذا الشهر يوماً ، فعليه أَنْ يصوم يوما منه واحداً ، و إن نذر أَنْ يصوم هذا اليوم شهراً ، فليصم مثل ذلك اليوم ثلاثين يوماً .
جامع بقية مسائل النذور في الصوم
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : و من نذر صوم غدٍ ، فكان يوم فطرٍ ، أو أضحى و هو يعلم ، أو لا يعلمُ ، فلا شيء عليه . قال أشهبُ : و كذلك المرأة تنذر صيام أيام حيضتها ، إلا أن تعني مثلها ، أو مثل عددها ، فلا تقضي . قال أشهبُ : و مَن نذر صوم غدٍ فأفطره عامداً ، فليقضه . و لا كفارة عليه .
و من "العُتْبِيَّة" ، من سماع أشهبَ ، و من نذر إن خلَّصه الله من كذا أَنْ يصوم الاثنين والخميس أبداً ، فسافر فيهما ، قال : ذلك على نيته ، فإن لم ينوِ شيئاً فليصمهما في السفرِ ، فإن شقَّ عليه أفطر وقضاهما .
وعن امرأة نذرت يوماً تصومه أبداً ، ثم نذرت صيام سنةٍ ، فلا قضاء
***(1/65)
[2/70]
عليها لذلك اليوم ، إذا قضت السنة .
قال عيسى ، عن ابن القاسم ، فِي مَنْ نذر في سفره صيام خمسة أيامٍ في أهله إنْ شفاه الله فقدم فلم يصم ، ثم سافر ، فليصمهما في السفر و يُجزئه .
قال : و من قال : لله عليَّ صيامُ هذه السنة ، و هي سنة وثمانين ، و قد مضى نصفها ، قال : عليه صيام اثني عشر شهراً .
و من "الواضحة"، قال ابن الماجشون : و من نذر صيام الدهر ، فأفطر يوماً ناسياً ، فلا شيء عليه ، و إنْ أفطره عامداً فعليه كفارة من افطر يوما من رمضان أو لا يجد له قضاءً .
وقال سحنون في "كتاب" ابنهِ : كفارته إطعام مسكينٍ . قال سحنون : و إن لزمته كفارة يمينٍ بالصومِ ، فليصم ثلاثة ايامٍ عن يمينه ، و يطعم عن كلِّ يومٍ مُدًّا .
قال ابنُ حبيبٍ : و من نذر صيام الدهر ، أو نذر صيام الاثنين والخميس ، ثم لزمه صوم شهرين لظهاره ، فليصمهما لظهاره ، و لا شيء عليه لما نذر من صيام الدهر ، أو من الأيام المُسمَّاةِ . قاله مالكٌ . و على قولِ سحنون ، يُطْعِمُ عدَّة ما صام لكلِّ يومٍ مُدًّا ، و هو أدنى الكفارة في الصوم ، كفارة التفريط ، و مسألة من نذر إن رزقه الله كذا ليصومنَّ ثلاثة أيامٍ ، فَرُزِقَ أقلَّ من ذلك ، فصام قبل تمام ذلك . في كتاب الأيمان والنذور .
و من سماع ابن القاسم ، و من نذر صياماً بمكَّة ، أو بالمدينة ، أو شيءٍ من الثغورِ يُرْجَى بركته ، لزمه ذلك . و إن نذر أَنْ يصوم بالعراق و نحوها ، صامَ بموضعه .
***(1/66)
[2/71]
في الصائم متطوعاً ، هل يفطر لقسمٍ ، أو لرضاء أبويه ، أو يختار الفطر ليقضيه ، هل له ذلك؟ أو لسفرٍ ، أو لغيره ، وجامع الفطر في التطوُّعِ
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، و أشهبُ ، عن مالكٍ : لا ينبغي لمن دخل في صومٍ أو غيره من أعمال البرِّ ، أَنْ يقطعه حتى يُتمَّه ، إلا لضرورة تلحقه كما يفعل في الفرض .
قال عنه أشهب ، و ابن نافع : و إن زاره أهله فعزموا عليه أَنْ يفطرَ ، فلا يفعل .
قال عنه ابن القاسم ، في "العُتْبِيَّة" : إنَّ حسين بنَ رستم حضرَ صنيعاً عند رجلٍ له شرفٌ ، فأراده على الفطر ، و ألحَّ عليه ، وصيامه تطوُّعٌ ، فأبى ، و قال : أكره أن أُخْلِفَ الله ما وعدته .
و من "الواضحة" قال : و قد قال ابنُ عمر : ذلك الذي يلعبُ بصومهِ .
و هو كلّه في "كتاب" ابنِ حبيبٍ .
قال ابن حبيبٍ : قال مطرِّفٌ : و إنْ حَلَفَ عليه رجلٌ بالطلاقِ ، أو العتقِ ، و المشي ، وشبهه فليحنثه ، و لا يفطر ، إلا أنْ يكون لذلك وجهٌ ، وليحنثه ، في اليمين بالله ، و إن حلف هو ليفطرنَّ ، كفَّرَ ، إلاَّ في أبويه يعزمان عليه على فطرهِ ، فأحبُّ إليَّ أنْ يطيعهما ، و إن لم يحلفا إذا كان رِقَّةً منهما لإدامة صومه هذا .
***(1/67)
[2/72]
قال مالك : فِي مَنْ يكثر الصوم ، أو يسرده ، فأمرته أمُّه بالفطر فليطعها .
و قد فعله رجال من أهل الفضل .
و من "المَجْمُوعَة" ، ابن القاسم ، عن مالك : و إنْ سافرَ في صومِ التطوُّعِ فأفطرَ ، أو تطوَّعَ به في السفرِ فأفطرَ ، فليقضِ ، إلا أنْ يُلجئه إلى ذلك حرٌّ ، أو عطشٌ ، أو مرضٌ ، فلا يقضي .
قال مالك ، في المختصر ، فِي مَنْ تطوَّعَ في السفرِ ، ثم أفطر متعمداً فليس قضاؤه بواجبٍ عليه كما هو في الحضر – يريدُ ، و أحبُّ إليَّ أنْ يقضيَ – قال : و لو أصبح في الحضر صائماً ، ثم سافر فأفطرَ ، فليس قضاؤه بالواجب .
و في "كتاب" ابن حبيبٍ ، عن مالكٍ ، إنْ تطوَّعَ في السفرِ ، ثم افطرَ من غير عذرٍ ، فلا قضاء عليه . و أما في الحضر ، أو يسافر بعد أنْ يُصبح فأفطر لغير عذر فليقضِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، ابن نافع ، عن مالكٍ ، في المفطر متعمداً في التطوُّعِ بأكلٍ أو وطءٍ ، فليس لكفِّه عن الطعامِ بعد ذلك وجهٌ ، و قد أساءَ ؛ يريدُ ، و يقضي .
قال أشهب : و إذا سافر في التطوع فأخذه حَرٌّ ، أو عطشٌ ، و لم يخف منه على نفسه ، فأفطر فليقضِ ، إلا أَنْ يخافَ فيه ، فلا يقضي .
***(1/68)
[2/73]
في صيام العبد تطوعاً بغير إذن سيده ، أو الحُرِّ بغير إذن أبويه ، وصيام المرأة بغير إذن الزوج ، مسلمةً أو نصرانيَّةً
قال ابن حبيبٍ : و إذا علمت الزوجة ، والسريَّةُ ، و أم الولد حاجة الرجلِ إليها فلا تصوم إلا بإذنه ، فإن أذنَ فلا يقربها حتى تفطر ، و إن كان غائباً أو مُسِنًّا لا ينشطُن فلا أذن له عليها . و أما الأَمةُ للخدمة غير أمِّ الولدِ والسُّرِّيَّةِ ، فلا إذن عليهن إلا أنْ يَضْعُفْنَ عن الخدمةِ فيستأذنه حضرَ أو غابَ .
و كذلك ذكورُ العبيدِ إلا في قضاءِ رمضانَ فلا إذن على جميع من ذكرنا فيه و إن أُضعفَ جميعهم .
و من "المَجْمُوعَة" ذكر غيرُ واحدٍ من أصحاب مالكٍ ، عن مالكٍ نحوَ ذلك .
وقال أشهبُ : لا تصوم الزوجة إلا بإذن الزوجِ ، و المملوكُ بإذنِ السيِّدِ ، و إن صاما فلا يجوز لهما الفطر إلى الليل – يريد إلا أَنْ يُكرههما .
قال ابن وهب ، عن مالكٍ ، في الرجل تأمره أمُّه بالفطر : فإن كان ممن يسرد الصيام أو يكثر منه ، فليطعْهَا . و قد فعل ذلك رجالٌ من أهلِ الفضلِ بأمِّهاتهم . و قد تقدم هذا في باب الصيام تطوُّعاً .
و من "العُتْبِيَّة" قال أصبغ ، عن ابن القاسم : و لا يُكره المسلم زوجته النصرانية على الفطرِ في صومها الذي هو من دينها وشريعتها ، و لا على أكل ما يجتنبون في صومٍ أو غيره ، قال أصبغُ : و لا عليه منعُها
***(1/69)
[2/74]
إياه ، و لا له أنْ يمنعَهَا من ذلك كَرْهاً ، وتلا : {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} .
في صيام أيام منًى ، و يوم عرفةَ ، وعاشوراءَ و الأيام البيضِ
من "المَجْمُوعَة" روى عدد من اصحابِ مالكٍ ، أنَّه لا يصوم يومَ الفطرِ و يوم النحر أحدٌ . و أما اليومان بعد يوم النحر فإنما يصومهما المتمتع .
و قد رويَ عنه في "المختصر" ، في مبتدئِ صومِ الظِّهَارِ من ذي القعدة – نَسِيَ أو عقل – فأفطر يوم النحر ، وصام أيام منًى ، و وصل قضاءَ يوم النحرِ بصيامهِ : رجوتُ أنْ يُجْزِئُهُ ، و يبتدئُ أحبُّ إليَّ . قال عنه غيرُ واحدٍ : إنَّ اليومَ الرابعَ لم يختلف قولُه فيه انَّه يصومه من نذره ، و أن يَصِلَ فيه صياماً واجباً ، و لا يبتدئَ فيه ، و لا يُصام تطوُّعاً . قال ابن حبيبٍ : اليومُ الرابعُ من أيام منًى لا يصومه متطوِّعٌ ، و لا يقضي فيه نرٌ . و يصومه مَن نذره ، أو نذر ذا الحجة .
وقال أشهبُ : و إنْ صام يوماً من أيام منًى متطوِّعاً أو يقضي به واجباً ، فليفطر متى ما ذكر من نهاره ، و إن أتمَّه لم يُجزه عن واجبٍ . قال عنه ابن نافع : أحبُّ إليَّ أنْ لا يُصامَ أيامَ منًى في الفديةِ . و ما سمعت ذلك إلا في المتمتع .
قال ابن وهب : وفطرُ يومِ عرَفَةَ للحاجِّ أحبُّ إلينا ؛ لأنَّه أقوى له . قال أشهبُ : و لا شكَّ أنَّه يُرْجَى في صيامه لغيرِ الحاجِّ ما لا يُرْجَى في صيام غيره ،
***(1/70)
[2/75]
وفطره للحاجِّ أحبُّ إلينا ؛ لئلا يَضْعُفَ عن الدعاءِ ، و قد افطره النبي صلى الله عليه و سلم في الحجِّ .
قال أشهبُ : وصيام يوم عاشوراءَ مستحبٌّ ، لما يُرْجَى من ثواب ذلك و ليس بواجب .
و من "العُتْبِيَّة" ، و "المَجْمُوعَة" ، ابن القاسم : سئل مالكٌ عن صيام الأيام الغرِّ يوم ثلاثة عشرَ ، و أربعة عشرَ ، وخمسة عشرَ ، قال : ما هذا ببلدنا ، و كره تعمُّدَ صومها ، و قال : الأيام كلها لله عزَّ وجلَّ . وكَرِهَ أنْ يجعلَ على نفسه صومَ يومٍ يُؤَقِّتُه أو شهرٍ .
قال عنه ابن وهبٍ : و إنَّه لعظيمٌ أنْ يجعلَ على نفسه شيئاً كالفرضِ و لكن يصوم إذا شاءَ ، و يُفطِرُ إذا شاء . قال ابن حبيبٍ : رُوِيَ أنَّ صيام الأيام البيضِ صيامُ الدهر ، و كذلك في صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهرٍ ، يوم أول يومٍ منه ، و يوم عشرة ، و يوم عشرين . وبلغني أنَّ هذا صوم مالك بن أنس .
***(1/71)
[2/76]
جامعٌ في صيام الأيام ، والدهر ، والوصال ، وسرد الصيام ، و هل يصوم أحدٌ عن أحدٍ
و من "المَجْمُوعَة" قال جماعة ، عن مالكٍ ، من أصحابه : و لا بأسَ أنْ يُصَامَ يوم السبتِ . و أعظم أَنْ يقالَ يوماً لا يصام فيه ، و لا يحتجم .
و أنكر ما ذكر فيه . و قال : لا بأس أَنْ يصام يوم الجمعة مفرداً . و قاله في "المختصر" في اليومين . قال ابن حبيبٍ : و قد رغب في صيام يومِ الجمعة ، وجاء أنَّه شاهدٌ ، و أنَّ المشهودَ يوم عرفة .
قال مالك : ورأيتُ بعضَ العلماء يصومُ يوم الجمعة ، و أراه كان يتحراه و ما سمعت مَن ينكر صيامه منفرداً ، ورُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم كان يصوم الاثنين ، والخميس ، و ما استكملَ شهراً إلا رمضانَ . و رُوِيَ أنَّ الأعمال تُعرضُ في الاثنين والخميس ، و أنَّ مريمَ بنتَ عمرانَ كانت
***(1/72)
[2/77]
تصومهما . قال ابن القاسم ، و أشهبُ ، و ابنُ وهبٍ ، عن مالكٍ ، في "المَجْمُوعَة" : وَ لا بَأْسَ بصيام الدهر إذا أفطر يوم الفطر ، و يوم النحر ، و أيام منًى . قال مالكٌ : و قد سردَ الصيام قومٌ صالحون من الصحابة ، والتابعين ، وسرد ابن المسيَّبِ ، و كان (عامر بنُ عبد الله بن الزبير) يواصلُ ليلة سبعٍ ، وليلةَ سبعَ عشرةَ وليلةَ سبعٍ و عشرين من رمضان .
قال ابن حبيبٍ : صيام الدهر حَسَنٌ لمن قوي عليه ، و إنما نُهِيَ عنه إذا صام فيه ما نهي عن صيامه ، قالته عائشة رضي الله عنها . و كان نُوحٌ عليه السلام يصوم الدهر ، وسرد الصيام صالحون من السلف منهم عمرُ ، وعثمان ، وعائشة ، و غيرهم ، وكثيرٌ من التابعين ، و هو صوم عيسى ابن مريم عليه السلام ، و كان داود النبي عليه السلام يصوم يوماً و يفطِرُ يوماً ، و هو أحبُّ الصيام إلى الله سبحانه . و كان النبي صلى الله عليه و سلم يصوم حتى يُقالَ : لا يُفطِرُ ، و يُفطِرُ حتى يُقالَ : لا يصومُ .
***(1/73)
[2/78]
و من "المَجْمُوعَة" قال مالك : وترك الوصال أحب إليَّ ، وةقد رغَّبَ النبي صلى الله عليه و سلم في تعجيل الفطر ، وتأخير السحور ، و نُهِيَ عن الوصال . و كره مالك الوصال من السحر إلى السحرِ ، و قال في "المختصر" : و من الليل إلى الليل . و قال في "المَجْمُوعَة" : أيصوم بليلٍ؟ و أنكر حديث ابنِ الهاد أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم أرخصَ فيه – يريد في الوصال . قال أشهبُ : و مَن أخذ في صيام أيامٍ عليه فأجمعَ على وصالها ، فليدعْ ذلك ، و يقطعه بأكلٍ أو شربٍ متى ما استفاق لذلك من الليل ، فإنْ أتمَّهَا بالوصال أجزأه و قد أساء .
***(1/74)
[2/79]
قال مالكٌ في الموطَّأ و غيره : و لم أسمع عن احدٍ من صاحب وتابعٍ أنَّه قالَ : يصومُ أحدٌ عن أحد]
، و يُصلِّي عنه . قال أشهبُ : في واجبٍ أو تطوُّعٍ . و كذلك عمل البدنِ كله بخلاف الأموال .
ذِكر بعض ما رُوي في فضل صوم رمضان ، وقيامه ، والنفقة فيه
من "الواضحة" ، رُويَ أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم قال في رمضان : «مَنْ صَامَهُ وقَامه احْتِسَاباً وَجَبَتْ لَه الجَنَّةُ» . و في رواية مالكٍ : «مَنْ قامه إِيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لَه مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ» . و في حديثِ آخرَ ؛ أنَّه صلى الله عليه و سلم قال : «شهرُ خيرٍ وبركةٍ يَغْشَاكُم اللهُ فيه بالرحمةِ ، و يَحُطُّ فيه الخطايا و يَسْتَحِبُّ فيه الدُّعَاءَ ، و يَنْظُرُ اللهُ إلى تَنَافُسِكُم ، و يباهِي بكمُ الملائِكَةَ ، فأَروا الله مِن أنفسِكُم خيراً ، فإنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ فيه رَحْمَةَ اللهِ» . ورُوي أنَّ : النفقة
***(1/75)
[2/80]
فيه كالنفقة في سبيل الله ، و أنَّ لله في كلِّ ليلةٍ خمسمائة ألفِ عتيقٍ من النار إلا مُفطراً على حرامٍ أو مُسكرٍ أو أذى مسلم .
في الترغيب في صيام العشر ، وعاشوراء ، و يوم عرفة ، و يوم منًى ، و يوم التروية ، و أشهر الحرم ، و شعبان ، و شوال ، و اتباع رمضان بستة أيام منه
و من "الواضحة" و مما رُوي من الترغيب في صيام العشر ، و يوم التروية ، و يوم عرفة ، أنَّ صيام يومٍ من العشر كصيام شهرين من غيره ، و أنَّ صيام يوم التروية كصيام سنةٍ ، وصيام عرفة كصيام سنتين ، و أنَّ العملَ في العشر أفضل من سائر السنة . و قيل : إنَّ يوم
***(1/76)
[2/81]
عرفة اليوم المشهود . و ما رُوي من تجاوز الله فيه عن العبادِ ، وفِطْره للحاجِّ أفضلُ ، ليقْوَى على الدعاء ، قاله عمر بن الخطاب ، و أفطره النبي صلى الله عليه و سلم في الحجِّ . وصيامُ عاشوراء مُرغَّبٌ فيه ، و ليس بلازمٍ ، و يُقال : إنَّ فيه تِيب على آدم عليه السلامُ ، و فيه اسْتوتْ سفينةُ نُوحٍ عليه السلامُ على الجُودِيِّ .
و فيه فلق الله البحرَ لموسى عليه السلامُ ، واغرقَ فرعون وقومه ، و فيه وُلِدَ عيسى ابنُ مريم عليه السلامُ ، و فيه خرجَ يُونسُ عليه السلامُ من بطنِ الحُوتِ ، و فيه خرج يوسف عليه السلام من الجُبِّ ، و فيه تاب الله عزَّ وجلَّ على قومِ يونسَ ، و فيه تُكسَى الكعبةُ كلَّ عامٍ ، و قد خُصَّ بشيءٍ أنَّ مَن لم يُبَيِّتْ صومَه حتى أصبح أنَّ له أنْ يصومه ، أو باقيه إنْ أكل . رُويَ ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم و هن غير واحدٍ من السلفِ ، منهم ابن سيرينَ ، وسعيدُ ابنُ جُبيرٍ ، و كان ابنُ عباسٍ يوالي صومَ اليومين ؛ خوفاً أنْ يفوته ، و كان يصومه السفر . وفعله ابنُ شهابٍ ، وجاءَ في الترغيب فيه ، في النفقة فيه على العيال ، و رُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم صامَ أشهرَ الحرمِ ، و هي : المحرمُ ورجبٌ ، وذو القعدة ، وذو الحِجَّةِ . فهذا عددها من سنةٍ واحدةٍ و هو أولَى أَنْ يُعدَّ من عامين لقولِ الله تعالى : {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} . فقد خصَّهَا وفضَّلَهَا ، و يُقال : تُضَعَّفُ فيها السيئاتُ كما تُضَعَّفُ الحسناتُ ، و قد جاءَ
***(1/77)
[2/82]
الترغيبُ أيَاً في صيام ثلاثة أيامٍ من كلِّ شهر منها ، فأعظم منها بأعظمَ ممَّا في باقيه . فيومُ سبعةٍ و عشرين من رجبٍ فيه بعثَ الله محمداً صلى الله عليه و سلم . و يوم خمسةٍ و عشرين من ذي القعدة أُنزلتِ الكعبةُ على آدمَ عليه السلامُ ، و معها الرحمةُ واليومُ الثالثُ من المُحرَّمِ دَعَا زكريا ربَّه فاستجابَ له . و في أول يومٍ من عشر ذي الحجة وُلِدَ إبراهيم عليه السلامُ . و قد رُغِّبَ في صيام شعبان ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم يصومُ فيه أكثرَ من غيره . وقيلَ : فيه ترفع العمال ، ورغَّبَ في صيام يوم نصفهِ ، وقيام تلك الليلة ، ورُوِيَ في صيام شوالٍ فضائل ، وجاء في مَن أتبعَ رمضانَ بستَّةِ أيام من شوَّالٍ كان كصيام الدهر ، أو صيام سنةٍ .
قال مُطرِّفٌ : و إنَّمَا كره مالكٌ صيامها لئلا يُلحقَ أهلُ الجهلِ ذلك
***(1/78)
[2/83]
برمضانَ . و أما من رغبَ في ذلك لما جاء فيه ، فلم يَنْهَه . و قد كره ابنُ عباسٍ صومَ رجبٍ كله خيفةَ أنْ يرى جاهلٌ أنَّه مفترضٌ ، ورُوِيَ أنَّ النبي عليه السلامُ امرَ بفطرِ نصفِ شعبانَ الآخرِ .
جامعٌ في فضلِ الصيامِ ، و إخفائهِ ، و ما ينبغي من صون اللسان فيه ، و مَن فطَّرَ صائماً
تمن "الواضحة" : رُويَ أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم قال : «الصيامُ بابُ العبادةِ ، و إنَّه جُنَّةٌ من النَّارِ ، و إنَّ في الجَنَّةِ باباً يُقالُ له الرَّيَّانُ ، يَدْخُلُ منه الصائمُونَ ، وخَلُوفُ فَمِ الصَّائمِ أطيبُ عند اللهِ من ريحِ المسكِ» . والصبرُ هو
***(1/79)
[2/84]
الصومُ في قول الله تعالى : {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} . و رُوِيَ أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم قال ، في قول الله تعالى : {السَّائِحُونَ} . قال : {الصائمون} .
قال ابنُ حبيبٍ : وبيان ذلك أنَّ الله تعالى إذا ذكرَ السائحين في القرآن لم يذكر الصائمين ، و إذا ذكر الصائمين لم يذكر الصائحين . و قال أبو هريرة : مَن فطرَ صائماً كان له مثل أجرهِ . و لا بأسَ أنْ يقولَ الرجلُ : إني صائمٌ . معتذراً ، و لا يقوله مُحدِّثاً به متزيناً .
وقال النبي صلى الله عليه و سلم للذي قال : ما أفطرت منذ كذا . قالَ : "ما صمتَ ، و لا فطرتَ" . و أمر النبي صلى الله عليه و سلم مَن يُفطِرُ أنْ يُفطرَ على تمرٍ ، فإنَّه بركةٌ ، أو على الماءِ فإنَّه طَهُورٌ" .
***(1/80)
[2/85]
و رُوِيَ أنه ، قال عليه الصَّلاَة والسلامُ : «مَن لم يَدَعْ – في صيامه – قولَ الزُّورِ و العملَ به ، فليس لله حاجةٌ أنْ يَدَعَ طعامَه وشرابه» . و ينبغي أنْ يُنزِّهَ صومَه عن الرَّفثِ ، و اللَّغْوِ ، والخَنَا ، و الإفْكِ ، و المُنازعةِ ، و المِرَاءِ .
قال مجاهد : مَن سلِمَ صومُه من الغيبةِ ، والكذبِ ، سَلِمَ صومُه . و قال النبي صلى الله عليه و سلم «و إنِ امرؤٌ قاتَلَه أوْ شاتمَه فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ» . قال غيرُ ابنِ حبيبٍ : يقولُ لنفسهِ : إنِّي صائمٌ . يُصَبِّرُ نفسَه بذلك عن الفحشاءِ و الباطلِ .
و من "كتاب" آخرَ في معنى ما رُوِيَ : «كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلاَّ الصومَ ، فإنَّه لي و أنَا أجزي بِهِ» . يقولُ : كلُّ عملٍ يظهرُ على الجوارحِ فمنزله مكتوبٌ يكتبه الحَفَظَةُ إلا الصوم ، فإنَّه يعتقده بقلبهِ ، و يعلمه الله منه فيجازيه عليه بعلمه .
و من "العُتْبِيَّة" ، أشهبُ ، عن مالكٍ : أنَّه كرِهَ للرجلِ أنْ يعملَ لأهلِ
***(1/81)
[2/86]
المسجدِ طعاماً يُفطرون عليه ، فأُكره إجابتهم له في ذلكن و لا يجيبوا إلى مَن دعاهم ، و هو يزرون عليه و يُغمضون .
تمَّ كتاب الصوم ، والحمدُ لله ربِّ العالمين ، وصلى الله على محمَّدٍ خَاتم النبيين و آله وسلمَ تسليماً .
***(1/82)
[2/87]
كتاب الاعتكاف
في عددِ أيَّام الاعتكاف ، و أقلَّه ، و هل يكون في غير المسجد ، و أين يُعتكفُ من المسجد ، و هل يُكرهُ الاعتكاف لأحدٍ
من "الواضحة" قال : و أعلى الاعتكافِ – يريدُ في الاستحبابِ – عشرةُ أيامٍ ، و أدناه يوم وليلةٌ . و قد اعتكفَ النبي صلى الله عليه و سلم العشرَ الأُولَ من رمضانَ (واعتكفَ النبيُّ صلى الله عليه و سلم العشرَ الأُولَ من رمضانَ (واعتكفَ العشرَ الوُسْطَى) ، واعتكفَ العشرَ الأواخرَ .
واعتكافُها أفضلُ . و إذا اعتكفَ يوماً وليلةً ، بدا بالليلة قبلَ الفجرِ .
***(1/83)
[2/88]
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسم : قال مالكٌ : ما أعرِفُ الاعتكافَ يوماً و يومين من أمر الناسِ . و قد قال أيضاً : إنَّه لا بأس به . و لا بأسَ به عندي . و قد رُويَ أنَّ أقلَّه يومٌ وليلةٌ .
وقال في "المدونة" : لا أرى أنْ يعتكِفَ اقلَّ من عشرةِ أيامٍ ، فإنْ نذَرَ دونها لَزِمَه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابنُ القاسمِ ، عن مالكٍ : و ليعتكفْ غي عَجُزِ المسجدِ ورِحابِهِ . فذلك الشأنُ فيه . قال عنه ابنُ وهبٍ : و لم أسمع أنَّه اضطرب بما يُبات فيه ، و لم أرَه إلا في مؤَخَّرِ المسجدِ .
قال عبدُ الملكِ : و له أنْ يعتكفَ في مسجدٍ غيرِ الجامعِ إذا كان ينقضي قبلَ الجمعةِ ، أو يكون موضعاً لا تَجِبُ فيه الجمعةُ ، قال ابنُ حبيبٍ : و أكره أنْ يعتكفَ في الصومعة ، أو فوق المسجدِ ، أو خارجه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابنُ وهبٍ : و المرأةُ في الاعتكافِ مثلُ الرجلِ . قال ابنُ القاسم : و لا تعتكفُ في مسجدِ بيتها . قال عبد الملك : ولها ، وللعبدِ – يريدُ بإذنِ السيدِ - الاعتكاف في مسجدٍ غيرِ الجامعِ إذ لا جمعةَ عليهما . قال عبدُ الملك : و إذا اعتكفَ في مسجدٍ غير الجامع أياماً لا يأخذه فيها الجمعة ، ثم مرض فجاءت الجمعة و هو في معتكفه ، فليخرج إليها ، و لا ينتقضُ اعتكافه ؛ لأنَّه دخلَ بما يجوز له . قال عبد الملكِ : و لا يعتكفُ في غير الجامع ؛ لأنَّه إذا خرجَ إلى الجمعةِ فسدَ اعتكافه .
***(1/84)
[2/89]
و قال ابنُ الجهمِ : قال مالكٌ : يخرجُ على الجمعةِ و يتمُّ اعتكافه في الجامعِ . قال عنه ابنُ نافعٍ : ما زلتُ أفكِّرُ في تَرْكِ الصحابةِ و الاعتكافَ ، و قد اعتكفَ النبي صلى الله عليه و سلم حتى قبضه الله سبحانه ، و هم أتبعُ الناسِ لأموره و آثاره ، حتى أخذ بنفسي أنَّه كالوصالِ الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه و سلم ، فقيل له : إنك تواصل ، فقال : «إنِّي لستُ كهيئتكُم ، إنِّي أَبِيتُ يُطعمنِي ربِّي و يَسقيني» . و ليس الاعتكافُ بحرامٍ ، و أراهم تركوه لشدَّتِهِ ، و أنَّ ليلَه و نهاره سواءٌ . قال مالكٌ : لم أرَ ممن أدركتُ مَنِ اعتكفَ إلاَّ أبا بكر بنَ عبد الرحمنِ قالوا : واسمُه المغيرةُ و هو ابن أخي أبي جهلٍ ، و هو احَدُ فقهاءِ تابعي المدينة ، و في باب الاعتكاف في الثُّغورِ مسألةُ مَنِ اعتكفَ في مسجدِ قريتهِ .
ما يلزم من الصوم في الاعتكاف ، والجِوَارِ ، و متى يدخلُ معتكفه ، و متى يخرجُ
من "المَجْمُوعَة" قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : و لا بأسَ بالاعتكاف في غير رمضانَ ، و لا يكون إلاَّ بصومٍ . والجِوارُ له حُكمُ الاعتكافِ ، إلا جِوَارَ
***(1/85)
[2/90]
مكَّةَ يُقيمُ النهار ، و ينقلب بالليلِ ، فهذا له أني فطر فيه و يطأ أهله .
قال عبد الملكِ : وللرجل أَنْ يعتكفَ في قضاء رمضانُ و في كلِّ صومٍ وجبَ عليه ، و أمَّا مَن نذر اعتكافاً ، فلا يعتكف في صوم واجبٍ عليه من رمضانَ ، و لا في قضائه و لا في كفارةٍ ، و نحو ذلك ؛ لأنَّه لزمه الصومُ بنذرهِ للاعتكافِ فلا يُجْزِئُهُ منه صومٌ قد لزمه بغير ذلك ، كما لو نذر شيئاً لم يَجُزْ له أنْ يجعله في حَجَّةِ الفريضةِ ، و قاله سحنون في "كتاب" ابنهِ .
قال ابنُ وهبٍ ، عن مالكٍ : و يدخلُ مُعتكفُ العشرِ الأواخرِ مُعتكفه إذا غربتِ الشمسُ من ليلةِ أحدٍ وعِشرين ، و يُصلِّي المغربَ فيه و يُقيمُ . قال : و يخرجُ على المصلَّى من المسجدِ يؤتَى إليه بثيابهِ ، ثم من المصلَّى ينقلبُ على أهله ، و لا يدخلُ الحمَّامَ لغُسْلِ العيدِ و ليغتسل بموضع كان يتوضأ . قال سحنون : و هذا خير من رواية ابنِ القاسمِ ، في قوله : إن خرجَ ليلةَ الفطر من المسجدِ لم يضرَّه . قال مالكٌ : إنَّما يرجعُ على أهلهِ إذا أمسى من آخر اعتكافه مَنِ اعتكفَ وَسَطَ الشهر . قال في "المختصر" : العشرةُ الوسْطَى من الشهر ، أو العشرةُ الأُولَى . فأنَّا مَن يتَّصِلُ اعْتكافه بيومِ الفطر ، فلا يرجع حتى يشهدَ العيد .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال سحنون : إذا خرج ليلة الفطر من مُعتكفه فَسَدَ اعْتكافه ؛ لأنَّ ذلك سُنَّةٌ مُجتمعٌ عليها . يريدُ في مبيته ليلة الفطر في معتكفه .
وقاله عبد الملك .
قال عبد الملك : و إذا فعل في ليلة الفطر ما ينقضُ الاعتكافَ بطلَ اعتكافه ،
***(1/86)
[2/91]
لاتصالها به كاتصال ركعتي الطواف . قال سحنون ، في كتاب ابنه : هذا خلاف قول ابن القاسم و غيره ، و لا أقول به . وقول سحنون هذا خلاف قوله في "العُتْبِيَّة" .
قال عبد الملك ، في "المَجْمُوعَة" : و إذا دخل في اعتكافه قبل الفجرِ ، فلا يُحسب ذلك اليوم فيما ألزم نفسه من الاعتكاف ، فإن كان عشرة أيام ائتنف عشرة أيامٍ بعده بكمال لياليها ، إلا أنه في هذا اليوم الذي ترك بعضَ ليلتهِ مُعتكفٌ ، فإن فعل فيه ما يقطعُ الاعتكاف لزمه ما يلزم المعتكف ، و كذلك في العقيقة لا يُحسبُ فيها مثل ذلك . قال سحنون : أما العقيقة ، فإذا ولد قبل الفجر ، فإنه محسوب .
ما ينهَى عنه المعتكف من الخروج و من الأعمال
قال ابنُ حبيبٍ : وليُقبلِ المعتكفُ على الذكر و الصلاة في الليل والنهارِ بقدرِ طاقته ، و لا لا يخرج للصلاةِ على جنازةِ أبويه . و قال ابن القاسم ، في "العُتْبِيَّة" ، عن مالكٍ قال : إذا مرض أحدُ أبويه فليخرج إليه و يبتدئِ اعْتكافه . قال ابن عبدوسٍ : قال ابن نافع ، عن مالكٍ : و لا يُصَلِّي على الجنازة و إن اتصلت صفوفها بداخل المسجد . قال ابن حبيب : و لا يُحرم عليه ممَّا يَحرمُ على المحرم إلاَّ مُلامسته النساءَ . و أمَّا طِيبٌ ، وحلق شعرٍ ، وقَصَّ ظُفرٍ ، وقتل دوابٍّ ، وعقد نكاحٍ له أو لغيره ، فلا يحرم عليه إذا كان في مجلسهِ ، إلا أنَّه يُكره له الاشتغال بشيءٍ من هذا . قال في
***(1/87)
[2/92]
"المدونة" : و لا يَحلقُ شعره ، و يَقُصُّ أظفاره ، إلاَّ خارج المسجد .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافع ، عن مالكٍ : و إذا قرب منزله كَرِهْتُ له دخوله لحاجة الإنسان ، إلاَّ أَنْ يكون غيرَ مسكونٍ ، فإنْ كان أهله في العلوِّ فدخل السُّفْلَ ، فلا بأس به . و لا يأكل في منزله و إن قرب .
و له أَنْ يأكل في رحبة المسجدِ ، و لا يأكل فوقَه . و كره أَنْ يخرج فيأكل بين يدي المسجد ، وليأكل في المسجد فذلك واسعٌ له . و أمَّا في داخل المنارة و يغلِقُ عليه بابها فلا بأس به . واختلف قولُه في صعود المنارة فوق المسجدِ للأذان .
قال ابن القاسم ، و ابن عبد الحكم ، في "المختصر" : واكره له أَنْ يدخل بيت القناديل وشبهها في المسجد يعتزلُ فيها للصلاةِ ، و مَنِ اعتكفَ بمكَّةَ ، فلا بأس أَنْ يدخل الكعبة .
و من "المَجْمُوعَة" قال عنه ابن نافع : قيل : فإنْ كان ليس له مَنْ يأتيه بطعامهِ ، أيذهب ليأتي به؟ فقال : ولِمَ يعتكف؟ لو أن الناس لم يتكلَّفُوا إلا ما يطيقون . ثم قال : إن كان قريباً . قيل : فيسيرُ به على باب المسجدِ؟ قال : نعم ما قرب أحبُّ إليَّ . قيل : فالمعتكفون يبعثون أحدهم ليشتري طعامهم من عند بابِ المسجدِ؟ قيل : أرجو أَنْ يكون واسعاً . قيل : فيرسلونه على بعضهم ، يدعوهم على العشاء في المسجد؟ قال : أرجو أَنْ يكون واسعاً . قال عبدُ الملك : أمَّا شراء مصالحه من طعامه ، و ما لابدَّ له منه ، إذا لم يكن له كافٍ ، فجائزٌ .
***(1/88)
[2/93]
قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : وَ لا بَأْسَ أَنْ يخرج لغُسْلِ الجمعةِ على الموضع الذي يتوضأُ منه . وَ لا بَأْسَ أَنْ يخرج يغتسلُ للحرِّ يُصيبه .
قال عنه ابن نافع : وَ لا بَأْسَ أنْ يأتيه أصحابه يسلِّمُونَ عليه ، و يقعدونَ عنده و هو مريضٌ ، إذا لم يكونوا معتكفين . و لا بأسَ أنْ يتحدَّثَ مع مَن يأتيه إذا لم يُكثرْ . قال عنه ابن وهبٍ : وتركُ كتابة العلمِ أحبُّ إليَّ . و قال عنه ابن نافع : إنْ كان في ناحيتهِ وقربهِ ، فلا بأسَ . قال عنه ابن نافعٍ : و إنْ كان حكماً فلا يحكمْ إلاَّ بالأمرِ الخفيفِ . قال : والولاةُ عندنا يعتكفون .
قال مالكٌ : و لا يعجبني إذا أصابته جنابة أول الليل ، أَنْ يقيمَ حتَّى يُصبِحَ ، ثم يغتسل . و أجاز مالكٌ ، أنْ يكتبَ الرسالة الخفيفة ، و يقرأ مثلها ، و يكره الكثيرة .
قال عنه ابن وهب : و لا يكره للمعتكفة أن تتزيَّنَ وتلبسَ الحُليَّ . قال غيره : و لا يتكلم فيما لا يعنيه ، و له أَنْ يلبسَ جيِّدَ الثيابِ و يأكل طيِّبَ الطعامِ ، و يتطيَّبَ ، و يحتجمَ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : قيل لمالكٍ ، في المؤذن يعتكفُ ، أيدور فوق المنارِ؟ قال : عسى به . وضعَّفَه ، و قال : ما رأيت مؤذناً يعتكفُ . و قد كره له الأذان غير مرة ، و أجازه . والكراهية أحبُّ إليَّ ، و لا يخرج لمداواة رَمَدٍ بعينيه . وليأته مَن يعالجها . قال عنه ابن نافع : و لا يخرج لأداء شهادة عند سلطانٍ ، و لكن يؤديها في المسجد .
***(1/89)
[2/94]
و من "العُتْبِيَّة" ، قال أبو زيد : قال مطرِّفٌ : و لا بأسَ على المعتكفِ أَنْ يكونَ إماماً ، و ما سمعتُ أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم أمرَ غيره أَنْ يؤُمَّ حين اعتكف .
قال ابن القاسم ، عن مالك : و أكره له صعود المنار . و قد كره له الأذان و إن كان مؤذناً ، و قال عن مالكٍ : إنَّه كره له أَنْ يُرَقِّعُ ثوبَهن أو يكتبَ المصاحفَ في المسجدِ . قيل : فالرجل في المسجد في رمضانَ ، و منزله بعيدٌ يأتيه الطعامُ فيأكله في المسجدِ . قال : أرجو أنْ يكونَ خفيفاً . و كره السواك في المسجدِ ، من أجل ما يلقى من الفم بأثرهِ .
قال عنه ابن وهب ، في "المَجْمُوعَة" ، في المعتكفِ يحتلمُ في الشتاءِ فيخاف من الماء الباردِ : فلا ينبغي له أَنْ يدخل الحمام ليطهر فيه بالماء الحار .
و كذلك في "المختصر" ، قال يحيى بن عمرَ : ولمعتكف أَنْ يجمع بين النَّاسِ في ليلةِ المطرِ في المسجدِ .
و من "كتاب" ابن سحنون ، وعن مَن اعتكفَ في أحدِ هذه الحصُونِ على البحر ، فيصلِّي الإمامُ خارجاً ، أو على ظهرِ المسجد؟ قال : فلا يخرج المعتكف معه لذلك ، وليُصَلِّ وحده لموضعه . و في باب ما ينتقض به الاعتكاف شيءٌ من ذكر ما يخرج له المعتكف .
ما ينتقض به الاعتكافُ من الأحداث ، و ما له أَنْ يخرج له و ما ليس له
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : الوطءُ للمعتكفِ سهواً ، أو عمداً يُفسِدُ اعتكافه . و كذلك القُبلَةُ ، و المُباشرةُ ، كالظِّهَارِ ، والفِطْرِ متعمِّداً ،
***(1/90)
[2/95]
يفسده ، و أمَّا سهواً فيقضي و يبني . قال عبد الملك : و يُتِمُّ صيام يومِهِ إنْ كان في غير رمضانَ . قال ابنُ حبيبٍ : إذا أفطر سهواً ، لم يلزمه قضاءُ ذلك اليوم بصيامٍ و لا باعتكافٍ ؛ لأنَّه تطوُّعٍ ، إلا أنْ يكونَ ذلك الاعتكافُ قد نذره ، فعليه قضاءُ يومٍ واصلاً باعتكافه ، فإنْ لم يصله ابتدأ الاعتكاف .
قال العتبيُّ : قال ابو زيد : قال مُطرِّفٌ ، و قال ابنُ سحنون : قال عبد الملك ، وسحنون : إنَّ الوطءَ سهواً ، و القُبلةَ ، و المباشرةَ ، قال مطرِّفٌ : والجّسَّةَ سهواً تُبطل الاعتكافَ ، وتقطع تتابع الظِّهَار ، ثم رجعَ سحنون عن القُبلة في المظاهرِ ، أنَّ ذلك لا يقطع صيامه . قال : بخلاف المعتكف الذي لا يطأ النساءَ . و المُظاهر له وطءُ غير زوجته في ليله .
قال عبد الملك : و إذا خرجت المعتكفة للحيضة ، صم طهرت في بعض النهار فلترجعْ ، ثم لا تكفُّ عن الأكل في يومها ، و لو مسَّهَا زوجها ، أو باشرها و هي حائضٌ فسدَ اعتكافها . و كذلك المريضُ يخرج في مرضه ، ثم يفعل هذا . يريد : و يبتدئُ الاعتكاف .
قال ابن حبيبٍ : مَن خرج من معتكفه اشتغالاً عنه ، ببيعٍ ، أو شراءٍ ، أو عيادةٍ ، أو شهودِ جنازة ، أو لسفرٍ ، أو في حضرٍ ، لحاجةٍ ، يُنقضُ اعتكافه ، ما لم يخرج لحاجةِ الإنسان ، أو لغسلِ جنابةٍ ، أو لغسلِ جمعةٍ ، أو لشراء طعامه ، إن لم يجد من يكفيه ذلك ، أو لمرض غالب. يريدُ : أو تحيض امرأة .
وقاله كله مالكٌ ، في غير الواضحة .
قال ابن سحنون ، عن أبيه : و مَن دخل في اعتكافه في رمضانَ ، و نَوَى اعتكافه كله ، ثم اراد أَنْ يخرج فيه لحجّنافلةٍ غير الفريضةِ . قال : لا يفعلُ ، فإن فعل ، فعليه قضاء ما وجب عليه من الاعتكاف . يريد : في صومٍ .
***(1/91)
[2/96]
يريدُ : و يبتدئُ الاعتكافَ كله لقطعِ التتابعِ . يريدُ : و كذلك لو خرج لحَجِّهِ الفريضة بعد أنْ دخلَ في الاعتكاف .
في المعتكف يمرض و المعتكفة تحيض ، أو تَطْلُقُ ، وكيف البِنَاءُ في ذلك ، و العملُ
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافع : قال مالك : في المعتكف إذا مرض فلم يقدر على الصوم فأفطرَ ، وبَقِيَ في المسجد ، قال : لا ، وليخرج حتَّى يُفيقَ و يبني .
قال عنه ابن القاسم : و إذا حاضت المعتكفة فخرجتن فإنَّهَا إذا طَهُرَتْ فلترجع في بقية النهار ، و لا تؤخر ، و كذلك المريض يصحُّ في بعض النهار ، و لا يعتدان بذلك اليوم . و رَوَى أبو زيدٍ ، عن ابن القاسم ، عن مالكٍ ، في "العُتْبِيَّة" ، أنها إذا خرجت للحيضةِ ، فلها أن تخرج ، في حوائجها على السوق ، وتصنع ما أرادت إلا لذة الرجال من قُبلةٍ ، أو جسَّةٍ ، و نحوها .
قال سحنون : هذا لا اعرفه ، و هي في بيتها في حرمة الاعتكافِ ، و لكن لا تدخل المسجد .
قال ابن القاسم : و لو طلِّقَتْ قبل أن ترجع إلى المسجدِ ، فلترجع إلى المسجد ، وتعتدَّ فيه . و كذلك لو طلقها زوجها ، و هي فيهن أو مات عنها ، فلا تخرج ، و كذلك المُحرمة .
و من "المَجْمُوعَة" ، ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : و إذا خرجتْ
***(1/92)
[2/97]
للحيضةِ ، فلا تعتدُّ بيومٍ تطهرُ في نهارهِن و لكن ترجع إلى المسجد ، إلا أن تطهر قبل الفجرِ ، وتنوي الصيام فتدخل حين تصبح فيجزئها . و إن أخرت ذلك ، أو فطرت فيه ، ائتنفت . و ذلك مثل الصيام ، يريدُ : المتتابعَ . قال أبو محمد : قوله : وتنوي الصيام . دليلٌ أنَّ مَن مرض في رمضان ثم أفاقَ ، أو امراةٌ حاضتْ ثم طهرتْ ، أو مسافر قد سافر فيه ثم رجع ، أنهم يأتنفون التبييت الأول يوم يبتدئونَ بالصوم فيه ؛ لأنَّ الاعتكاف يُجْزِئُهُ البياتُ في أوَّلهِ ، و إن كان تطوُّعاً فيه فعل مالكٌ ، تأتنف النيَّةَ إذا رجعتْ .
وقال سحنون : لا يُجزئها ذلك اليوم ، و إنْ طهرت قبل الفجر و نَوَتِ الصيام ، حتى يكون دخولها من أول الليل ، كابتداءِ الاعتكاف .
قال عبد الملك : و إذا طهرت في بعض النهار فرجعتْ ، فلا تكفَّ عن الأكل ، و لو مسَّهَا زوجها أو باشرها و هي حائضٌ فسد اعتكافها .
و كذلك المريض يخرج لمرضه ، ثم يفعل هذا . قال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : إذا خرج لمرضٍ ثمَّ صحَّ فرجعَ فأخذه العيدُ قبل تمام عُكوفهِ . فليخرج على العيد ثم يرجع إلى المسجد ، و لا يرجع ذلك اليوم إلى بيتهِ . و قال عنه أشهبُ : بل يرجع من المُصلَّى على بيتهِ ؛ في ذلك البيتِ فإذا انقضى رجعَ على المسجدِ كقولِ ابنِ القاسمِ .
وقال ابن سحنون ، عن أبيه : لا يشهد العيدَ وليُقِمْ في المسجد ، و إن كان
***(1/93)
[2/98]
مفطراً ، قال عنه عبدُ الملكِ : في مَن اعتكفَ العشرَ الأُولَ من ذي الحِجَّةِ ، فمرض في بعضها ، ثم صحَّ فليرجعْ ، و يُفطِرْ يومَ العيدِ و أيامَ التشريقِ و يخرج يوم العيد ، و يرجع على المسجدِ ، و إن كانت امرأةً ، أو عبداً ، فلا يخرجان . و قال ابن القاسم : أمَّا اليوم الرابع فإنَّه يصومه ناذره ، و مَن كان في تتابع صيامٍ . و في باب ما ينهى عنه المُعتكفُ من الخروجِ مسألةُ مَنِ اعتكفَ في مسجدٍ غير الجامعِ ، ممَّا لا يأخذه الجمعة ، فمَرِضَ ثم صحَّ فرجعَ ، فجاءته الجمعة .
ما يلزمُ من الاعتكاف بالنَّذْرِ أو بالدخولِ فيه ، و مَن يَلزَمُه – إذا مَرِضَ – قضاؤُه و مَن لا يلزمه
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم : الاعتكافُ بالنيَّةِ والدُّخُولِ فيه ، أو بالنَّذْرِ بلسانه ، و إنْ لم يدخل فيه . و مَن نذر أنْ يعتكفَ ليلةً لزمه يزومٌ وليلةٌ . و قال في "كتاب" ابنهِ : لا شيء عليه ، إذ لا صيامَ في الليلِ ، و لو نذرَ اعتكاف يومٍ ، لزمه يومٌ وليلةٌ . و يدخل اعتكافه عند غروب الشمسِ من ليلتهِ ، و إن دخل قبل الفجر فاعتكف يومَه لم يُجزه ، و إن أضافَ إليه الليلةَ المستقبلة لم يُجْزِئُهُ أيضاً ، و لكن يبتدئ يوماً ثانياً مع ليلته المتقدمة فيجزئه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عبد الملك : و مَن نوَى اعتكافاً فله تركه قبلَ أنْ يدخلَ فيه . قال عبد الملك : ، وسحنون : و إذا اعتكف في خمسٍ بقين من رمضان ، و نواها من خمسٍ من شوَّالٍ ، أو دخلَ في غيره ينوي عُكُوفَ
***(1/94)
[2/99]
عشرة أيامٍ على أَنْ يفطر منها بعد خمسة أيامٍ يوماً ، هذه نيته ، فإنَّا ننهاه عن ذلك قبل الدخول فيه . فإذا دخل فيه لم يلزمه إلاَّ الخمسة الأولى ، و لا يلزمه الأيام التي بعد فطره ، قال أبو محمد : يريد إلا أَنْ يكون نذرها بلسانه .
و من "كتاب" ابن سحنون ، عن أبيه : و إذا اعتكف في رمضان فمرض أو كانت امرأة فحاضتْ ، ثم خرج رمضانُ ، ثم أفاقَ ، فعليه إذا أفاق قضاءُ الصومِ ، و ليعتكفْ فيه . و أمَّا لو كان في غير رمضانَ مثلَ أنْ ينذر شهراً بعينِهِ ، فلا قضاء عليه لمَّا مرض فيه . الأوَّلُ لمَّا لزمه قضاءُ صومِ ما مَرِضَ فيه لزمه الفطر فيه . و في غير رمضان لا يلزمه قضاء الصوم فسقطَ بذلك عند الاعتكاف ، وفرَّقَ ابنُ عبدوسٍ في غير رمضانَ ، بين أَنْ يأتيه المرضُ ، قبل أَنْ يدخل في اعتكافه ، و بين أَنْ يمرض بعد أن دخلَ فيه ، فقال : أمَّا إنْ مرض قبل أَنْ يدخلَ فيه في غير رمضانَ ، فلا يلزمه شيءٌ ممَّا مرض منه .
يريدُ و هي أيامٌ بأعيانها قدَّرَهَا . و أمَّا إنْ مرض بعد أن دخل فيه فهذا يقضي ما مرض فيه ، قال : لأنَّه في مرضه قد بقي عليه حرمة العُكُوفِ وسَاوَى سَحنون بينَ ذلك في "كتاب" ابنه ، و قال : لا يقضي ما مرض فيه في غير رمضانَ ، مرض قبل يدخل فيه أو بعد أن دخل فيه .
و من كتاب ابنِ القُرطِيِّ : و مَن أذن لزوجته أو لعبدهِ في الاعتكاف فله أنْ يمنعهما منه ما لم يدخلا فيه ، و ما نذر العبدُ من الاعتكاف فإنَّه إن عتق لزمه ، و لا يلزم الكافر يُسلمُ ما نذر منه في كفره ، إلاَّ أنَّا نستحبُّ له ذلك
***(1/95)
[2/100]
لحديثِ عمرَ فيما نذر من الاعتكاف في الجاهلية يريد : أنَّ العبدَ نذرَ اعتكافاً بغير عينهِ . و لو كانت أياماً بعينها فزالت و قد منعه فيها السيِّدُ ثم عتق ، فلا يلزمه قضاءٌ .
قال ابنُ عبدوسٍ في التي نذرت اعتكاف شعبانَ فحاضت في وسطِه : فإنَّ عليها أنْ تقضيَ ما حاضت فيه وتصله ، فإذا حالَ بينها و بين ذلك رمضانُ فلا يُجزئها أنْ تعتكفَ فيه ؛ لأنَّ صومه واجبٌ فلا يُجزئها عن نذرها ، و لكن يبقى في حرمةِ الاعتكاف حتَّى يخرج رمضانُ وتفطِرَ يومَ الفطر وتُصلِّي قضاءَ ما بقيَ عليها بعد يومِ الفطر متصلاً به .
في الاعتكاف في الثُّغُورِ و مَنِ اعتكف في مسجدِ قريةٍ ، لا يُجَمَّعَ فيها
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : لا بأسَ بالاعتكاف في الشتاء و المواجيرِ ، و لا ينبغي ذلك في زمنِ الخوفِ . قيل : أفيُعْتَكَفُ فيها في الصيف؟ قال : ذلك يختلفُ ، رُبَّ ليالٍ يُرْجَى بركتها ، ولعلَّ في الثَّغْرِ مَن يكتفَى بهم لكثرتهم ، فمثلُ هذا من سعةٌ . قال ، عنه أشهبُ ، في "العُتْبِيَّة" : قلتُ : أفيعتكفُ في الثغور على البحر و غيره؟ قال : ما أدري
***(1/96)
[2/101]
ما هذا أيذهبُ على الثغورِ يعتكفُ كأنَّه كرهه .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال عنه ابن القاسم ، في مَن منزله على أميالٍ من الفسطاطِ أيعتكف في مسجدِ قريتهِ ، و هو لا يُجَمَّعُ فيه و هو يأتي الفسطاطَ لصلاةِ الجمعة ، قال : اعتكافه في قريتهِ أحبُّ إليَّ من صلاةِ الجمعةِ بالفسطاط .
***(1/97)
[2/102]
باب ما جاء في ليلة القدر
قال ابنُ حبيبٍ : رُويَ انَّ ليلةَ القدرِ هي الليلة المباركة في قول الله سبحانه : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} . و قال عز وجلَّ : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} . يعني : القرآن جملةً على سماءِ الدنيا ، ثم أُنزلَ بعد ذلك شيئاً شيئاً . وجعلها الله من ألف شهرٍ في تفضيلِ العملِ فيها و أخفاها ليجتهد في إصابتها ليكون أكثر لأجرهم ، والذي كثرت الأخبار به أنَّها من رمضانَ في العشر الأواخر . و رُوِيَ في السبعِ الأواخر . و قال النبي صلى الله عليه و سلم : «التمسوهَا في كلِّ وترٍ» . فتأوَّلَ أبو سعيدٍ الخُدريُّ أنَّها ليلةُ أحدٍ و عشرينَ من قولِ النبي صلى الله عليه و سلم : «لقد رأيتني أسجدُ في صبيحتها في ماءٍ وطينٍ» . قال الخُدريُّ : فرأيتُ أثرَ الطينِ على جبهته ، و أنفه صبيحةَ هذه الليلةِ . و قال النبي صلى الله عليه و سلم للذي قال له إنِّي شاسعُ
***(1/98)
[2/103]
الدارِ فمُرني بليلةٍ أُنزل فيها . فأمره أَنْ ينزل ليلةَ ثلاثٍ و عشرين . قال أنسُ بنُ مالكٍ : و كان النبي صلى الله عليه و سلم فيها أشدَّ اجتهاداً من سائرِ الشهر .
و كان يقوم في غيرها و ينام ، و كان يُحيي ليلةَ ثلاثٍ و عشرينَ ، وليلةَ أربعٍ و عشرين .
قال ابن حبيبٍ : يتحرَّاها أَنْ يتمَّ الشهر أو ينقص ، فيتحراها في أول ليلةٍ من السبعِ البواقي فإذا كان الشهر تامًّا كان أوَّلُ السبعِ ليلةَ أربعٍ و عشرين و إن نقص فأوَّل السبعِ ليلةُ ثلاثٍ و عشرين . و كان ابنُ عبَّاسٍ يقولُ : إنَّها لسبعٍ بقين من الشهر ، تماماً ، فكان يراها ليلة أربعٍ و عشرين و هي أوَّلُ ليلةٍ من السبع الأواخر على التمامِز و قاله بلالٌ . و كان ابنُ عباسٍ يُحيي ليلةَ ثلاثٍ و عشرين ، وليلى أربعٍ على هذا . و قال غيرُ ابنِ حبيبٍ ، عن ابن عباسٍ : إنَّه تاوَّل أنَّها ليلة سبعٍ و عشرين ، وعدَّ من سورتها كلمةً كلمةً فكانت الكلمة السابعة و العشرون قوله {هي} وبقي تمام السورة : {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} و رُوِيَ عن عمرَ بنِ الخطابِ أنَّها ليلةُ سبعٍ
***(1/99)
[2/104]
و عشرين . و رُوِيَ أن ابن عباس تأوَّل هذا حين سأله عمرُن و في روايةِ ابنِ حبيبٍ ، تأوَّلَ أنَّها لسبعٍ بقين .
قال ابن حبيبٍ : و كان ابنُ مسعودٍ فيما رُوي عنه يقولُ : إنَّها في الشهر كله . و قال تحرُّوها ليلةَ سبع عشرة ، وليلة إحدى و عشرين ، وليلة ثلاثٍ و عشرين ، و رُوِيَ عن ابن مسعودٍ في السنة كلها ، فمَنْ قامَ السنة أصابها . فقال : أُبيُّ بن كعبٍ : قد عَلِمَ أنَّها في رمضانَ و لكن أرادَ : لئلا يَتَّكِلَ الناسُ . قال أُبيُّ : و هي ليلةُ سبعٍ و عشرين ، بالآيةِ التي أنبأنا النبيُّ صلى الله عليه و سلم أنَّ الشمسَ في صبيحتها تطلع لا شعاع لها . قال عبد الله : و الأحاديث الصحيحة على أنَّها في العشر الأواخر .
قال ابن حبيبٍ : و أحوطُ ذلك أنْ يتحرَّى في العشر الأواخر كلها ، و قد جاء أنَّ النبي صلى الله عليه و سلم كان يُوقظُ أهله فيهن . و رُوِيَ انَّه عليه السلامُ : «التمسوها في تاسعةٍ ، أو سابعةٍ ، أو خامسةٍ ، أو ثالثةٍ ، أو آخرِ
***(1/100)
[2/105]
ليلةٍ» لتاسعةٍ ، ليلة أحدٍ و عشرين ، والسابعة ليلةُ ثلاثٍ و عشرين ، والخامسة ، والثالثة . على هذا يُؤخذُ العدد من أول العشر ألأواخر على تمام الشهر و نقصانه . و كذلك قال مالك .
و من غير "كتاب" ابنِ حبيبٍ : أنْ بعضَ العلماء ذكر أنَّ ليلة القدر قد يختلف كونُهَا في ليالي العشر الأواخر إلا أنها تكون في وترٍ منها ، إلا أنَّ العدد مبدوءٌ من اول العشرة .
***(1/101)
[2/106]
***(1/102)
[2/107]
كتاب الزكاةِ
ذِكرُ ما يجبُ فيه الزكاةُ من العينِ ، و غيره من الأنعامِ ، والحبوبِ ، والثمارِ ، و ما لا زكاةَ فيه
من "المَجْمُوعَة" قال ابن نافع ، وعليُّ بن زيادٍ ، و غيرُهما ، عن مالكٍ ، قال : أمر الله سبحانه بالزكاةِ جملةً في كتابهِ ، ففسَّرَ النبي صلى الله عليه و سلم ما اجملَ الله منها . قال : و لم يختلف عندنا أنَّه لا زكاة إلا في العينِ ، والحَرْثِ ، و الماشيةِ . و قال بعضُ أصحابهِ : قبضَ النبي صلى الله عليه و سلم خمسةَ أواقٍ فأكثرَ ، من الرقةِ . و أجمعَ العلماءُ على أنْ عَدَلُوا ذلك بعشرين ديناراً .
و رَوَى الناس في العشرين الدينار حديثاً ليس بذي إسنادٍ قويٍّ إلاَّ أن النَّاسَ تلقَّوه بالعمل . و نصَّ عليه الصَّلاَة والسلامُ على الأخذِ من خمسةِ أوسقٍ فأكثر ، فأخذ سعاته من التمرِ ، والبُرِّ ، والشعيرِ . و نصَّ على ما يُزَكَّى من
***(1/103)
[2/108]
الإبل ، والبقرِ ، والغنمِ ، و لم يجعل في الخيل صدقةً . فهذه الأُصولُ التي بنى عليها العلماء .
و من "كتاب" ابن سحنون ، عن ابن نافعٍ ، قال مالكٌ ، في قول الله تبارك وتعالى : {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} : سمعتُ مَن يقولُ : إنَّها الزكاةُ . و ذلك أحبُّ ما سمعنا إليَّ .
وقال في قوله تعالى : {و آتوا الزكاة} : هي زكاة الأموالِ كلها من العينِ ، والثمرِ ، والحَبِّ ، و الماشية ، و زكاة الفطر .
وقال في موضعٍ آخرَ ، عن ابنِ نافعٍ : سُئلَ عن الزكاة المقرونة بالصلاة ، قال : زكاة الأموالِ . قيل : فزكاة الفطر منها . قال : هي ممَّا سنَّ الرسولُ صلى الله عليه و سلم وفرضَ .
وقال ابن كنانةَ : يعني زكاة العين ، والحَرْثِ ، و الماشية . و أمَّا زكاةُ الفطرِ فرضها النبي صلى الله عليه و سلم فهي لازمة على من وجدها . و قال ابن دينار : وسمعت فيه اختلاف الناسِ ، و أحبُّ إليَّ أنَّها زكاة العينِ ، و الماشية ، والثمار ، والزرعِ ، و قال المغيرة : و هي من العين ، و الماشية .
و من "المَجْمُوعَة" قال ابن نافعٍ ، وعليٌّ : قال مالكٌ : والنبيُّ صلى الله عليه و سلم قد فسَّر ما أجمل الله من الزكاةِ في كتابه ، فأخذ الزكاة من البُرِّ ، والشعيرِ ، فشبَّه العلماءُ بذلك ما أشبهه من الحبوبِ ، فكان الأرزُ بالعراق أكثرَ من البُرِّ بها ، والذرة باليمن أكثرَ . و كذلك ألحقوا الزيتون بما يشبهه ، فلا زكاة من الثمار إلا في النخلِ ، و العنب ، والزيتون . قيل : فلم يأتِ انَّه أُخذَ من الزيتون بالشام ، و المغرب زكاة . ولعلهم تركوه ؛ لأنَّ عليه الخراجَ .
***(1/104)
[2/109]
و قال في "المختصر" : كل ما كان من تمرٍ أو عنبٍ ، أو زيتونٍ ، أو حبٍّ يُدَّخَرُ وتأكله الناسُ – يريدُ و هو لهم قُوتٌ و أصلُ مَعاشٍ – ففيه الزكاة في خمسةِ أوسقٍ فأكثر . فيما سقتِ السماءُ العشرُ . وفيما يُسقى بالنَّضْحِ نصف العُشرِ كما جاءت السنة . قال : والحبوب التي تُزكَّى ، القمح ، و الشعير ، و السُّلْتُ ، و الذرة ، و الدُّخْنُ ، و الأرز ، و الحِمَّصُ ، و اللوبيا ، و العدس ، و الجُلبان ، و البسيلة ، و الفول ، و الجُلجُلان ، و التُّرمسِ . و ليس في الحلبةِ زكاة ، و لا في الخضر زكاة ، وشذَّ ابن حبيبٍ ، في الفواكه فقال : في الثمار كلها مُدخرها و غير مدخرها إذ كانت ذوات أصول فخالف أهل المدينة . قال مالك : السنَّةُ المجتمع عليها عندنا أنَّه لا زكاة في الفواكه ، و لا في الخضر كلها ، و لا في القصبِ زكاة . قال غيره : و لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم و لا عن الخلفاء أنَّ أحداً منهم أخذ الزكاة من ذلك ، و ليس هذا من الحوادث . فهو كنقلِ التواتر .
و من "العُتْبِيَّة" ، و منه من "المَجْمُوعَة" ، ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، في الترمس الزكاة ، و ليس في الحلبة الزكاة ، و لا في العصفر والزعفران ، و لا في العسل ، و لا في الخيل .
***(1/105)
[2/110]
و من "كتاب" آخر ، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : «لي سعلى المسلم في عبده ، و لا في فرسه صدقةٌ» .
قال ابن نافع : قال مالكٌ : و ليس في شيء من التوابل زكاة ، و لا في الفستق و لا في القطن .
قال عنه ابن وهب : و ما علمت أنَّ في حَبِّ القِرْطِمِ ، وبذرِ الكتانَ زكاةً . قيل : إنَّه يُعصرُ منهما زيت كثيرٌ . قال : ففيه الزكاة إذا كثرَ . هكذا قال ابنُ القاسم ، في "كتاب ابنِ الْمَوَّاز" : لا زكاة في بذر الكتان ، و لا في زيته إذ ليس بعيشٍ . و قال المغيرة ، وسحنون ، و قال أصبغ : فيه الزكاة و هو أعمُّ نفعاً من زيت حَبِّ القِرْطِمِ ، والتُّرمسِ من القِطَانِيِّ ففي ذلك الزكاة ، و في حبِّ القرطم الزكاة . قال : و لا زكاة في يابس الفواكه ، و لا في قصب السكر . قال ، في موضعٍ آخرَ : و لا في ثمر البحائر .
قال ابن حبيبٍ : و لا زكاة في اللؤلؤِ ، و الجوهرِ ، و المسكِ ، و العنبرِ ، إلاَّ من اتخذه للتجارة فهو كسائر العروض .
في من له مائتا درهم ، أو عشرون ديناراً ، تنقصُ يسيراً أو كثيراً ، و هي تجوز بجوازِ الوازنة ، وكيف إن لم تَجُزْ ، و هي تبلغ إذا صرفت ما فيه الزكاة
من "المختصر" ، قال مالك : و مَن له عشرون ديناراً ينقصُ نقصاناً
***(1/106)
[2/111]
يسيراً ، و يجوز بجواز الوازنة ففيها الزكاة . ولي سفي أقلَّ من ذلك زكاةٌ . و كذلك في نقصان مائتي درهم و نحوه في "الموطأ" .
قال في "كتاب ابن الْمَوَّاز" : إذا نقصت نقصاناً بيِّناً فلا زكاة فيها ، إلاَّ أنْ تجوزَ بجوازِ الوازنة ، و كذلك إذا نقص كلُّ دينارٍ حبتين ، أو ثلاثَ حبَّاتٍ ، و هي تجوزُ بجواز الوازنة .
و من "العُتْبِيَّة" قال سحنون ، عن ابن القاسم ، في مَن له مائتا درهم ليست كيلاً بالأندلس ، و هي تجوزُ بجوازِ الوازنةِ ، فل زكاة فيها إلاَّ أنْ ينقصَ عن الكيلِ شيئاً قليلاً . و قاله سحنون أيضاً .
و في "الموطأ" أنَّ ابن عمر بن عبد العزيز كتب : أن إذا نقصت العشرون ديناراً ثُلُثَ دينارٍ فلا تأخذ منها شيئاً . و ذكر ابن مزينٍ ، عن عيسى عن ابن القاسمِ ، قال : لم يأخذ مالك بهذا . وقوله : لا زكاة فيها إذا نقصت نقصاناً يسيراً أو كثيراً ، إلا مثلَ الحبَّةِ والحبتين ، و نحو ذلك فإنَّ فيها الزكاة ، و كذلك الدراهم .
قال ابن حبيبٍ : و إذا نقصت العشرون ديناراً في العدد ديناراً ، أو نقصت المائتا درهم درهماً . فلا زكاة فيها ، فإنْ لم تنقص في العدد ، و نقصت في الوزنِ أقلَّ ممَّا ذكرنا ، أو أكثرَ و هي تجوز بجواز الوازنة بالبلد فُرادَى ، ففيها الزكاة .
***(1/107)
[2/112]
قال : و كذلك مَن له بهذا البلد فِضَّةٌ ، وزنها مائتا درهم بهذه الدراهم الفرادى تجوز بجواز الوازنة فليُزَكِّهَا ربع عشرها . و كذلك الذهبُ . قال : و ما لا يجوز بجواز الوازنة من المسكوكِ . فحكمه حكم تِبره ، و إذا كانت دراهمهم تجوز على ذخل عشرةٍ و مائةٍ عدداً في المائة الكيلِ كالأندلسِ ، ففيها الزكاة . و كذلك لو كان دخلها أكثرَ ، و لو كانت ببلدٍ لا يجوز في الفُراَدَى إلاَّ كيلاً ، فلا زكاة فيها ، يريدُ على العددِ .
و إذا نقصت الفضَّةُ عن وزنِ دراهم البلد درهماً ، أو الذهب عن وزن عشرين ديناراً مضروبة ثلث دينارٍ ، لم تجب فيها الزكاة بخلاف المسكوك الذي يجوز بجواز الوازنة . و كذلك فسَّرَ لي مَن لَقِيتُ من أصحاب مالكٍ في ذلك كله ، و ذكر ابنُ مَزِينٍ ، عن عيسى بن دينارٍ : أنَّه لا ينظر على العددِ في دراهم الأندلس ، و لا زكاة إلاَّ في عشرين ديناراً كيلاً ، أو مائتي درهم كيلاً ، إلاَّ أن تنقصَ يسيراً . و يجوز بجواز الوازنة عدداً أو كيلاً .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى أشهبُ ، أنَّ مالكاً قال : ليس في أُوقيةِ الذهب وزنٌ يُعلمُ ، و أُوقيةُ الفضَّةِ أربعون درهماً . يريدُ : من وزن سبعة دنانير عشرة دراهم .
قال مالكٌ ، في "الموطأ" في مَن له مائةٌ وستُّون درهماً وصرفها ببلدةِ ثمانية بدينارٍ ، فلا زكاة عليه . و كذلك أقلُّ من عشرين ديناراً صرفها مائتي درهم فلا يُزكِّي . يريدُ : إلاَّ أن يصرفها . وذكره ابن عبدوسٍ ، و ذكر عن ابنِ الماجشون ، أنَّه قال : و ما جرى بين الناس وجاز بين الناس
***(1/108)
[2/113]
من الفرادى من الذهب ، والفضة بجواز المجموع فله حُكمه في الزكاة .
في ما يجمع في الزكاة من العين ، والحّبِّ ، و الماشيةِ ، و هل يخرج عن الورقِ ذَهَباً ، أو عن الذَّهبِ ذَهَباً ، أو عن الذَّهبِ وَرِقاً
قال أشهبُ ، في "المَجْمُوعَة" ، و هو من قول مالكٍ : إنَّه يُجمعُ في الزكاةِ العينُ بعضه إلى بعضٍ ، تِبره و مسكُوكه و مَصوغه ، جيِّدُه ورديئه ، كان فضَّةً أو ذهباً أو كليهما . و يُخرج من كلِّ صنفٍ ربع عُشره . و كذلك من الجيِّدِ والرديءِ . قال فيه ، و في "كتاب ابن الْمَوَّاز" ، و هو أيضاً مِن قولِ مالكٍ : فإنْ كان له ذَهَبٌ وفضَّةٌ ، فليحسب الفضة وزن عشرة دراهم بدينارٍ ، و لا يحسب ذهبه بالدراهم صَرفاً ، و لكن وزنه كان دنانير أو غير مسكُوكٍ . كانت الفضة مسكوكة أو غير مسكوكة . و كذلك في جيِّدها ورديئها .
قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه ، عن ابن نافع ، عن مالكٍ ، في مَن له تسعةَ عشرَ ديناراً ، و تسعة دراهم ، فلا زكاة عليه حتى تتمَّ عشرة دراهم أو يصرفها بدينارٍ .
قال ابن عبدوسٍ : قال سحنون : و له أَنْ يخرج عن الذهب ورقاً ، و ذلك أجوز له من أنْ يخرج عن الدراهم ذهباً ؛ لأنَّه قد يرى في الدينار أَنْ يفرقه على جماعتهم فيصرفه لذلك .
***(1/109)
[2/114]
و قال مالكٌ ، في "المختصر" ، و"كتاب" ابن الموازِ : و له أَنْ يُخرجَ قيمةَ ما يلزمه عن الذهبِ وَرِقاً ، قلَّ أو كثرَ ، وقيمة ما يلزمه عن الوَرِقِ ذَهَباً إنْ شاء ، إلاَّ أنَّه لا يُخرج القيمة إلاَّ جيداً . و لا يُجْزِئُهُ أَنْ يُخرج قيمة الفضَّةِ الرديئةِ دراهم جِياداً .
قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه : و مَن لزمه دينارُ زكاةٍ ، وبحضرته مساكين كثيرٌ ، فصرفَ ديناراً لِيُفرِّقَه بينهم ، فوجدَ في الدراهم درهماً رديئاً ، و لم يجد الذي صرفه منه . قال : على المُزكِّي أَنْ يُبْدِلَه للمساكين .
و من "الواضحة" : و من له ذهَبٌ ، وفضَّة ، فلزمه عن اللذهب أقلُّ من دينارٍ ، فله أَنْ يُخرج منه ربع عُشره قطعةَ ذهبٍ ، أو صرْفَ ذلك من الدراهم ، بصرف يومه ما لم ينقصْ صرفَ يومَه عن عشرةِ دراهمَ في الدينار ، فليُخرج عن صرف عشرة . و كذلك مَن لزمه دينارٌ فأراد أنْ يُخرجه دراهم . و قال ابن الْمَوَّاز : يُخرج القيمةَ ، قلَّ ذلك أم كَثُرَ . وقول ابن الْمَوَّاز القياسُ .
و من "العُتْبِيَّة" روى أشهبُ ، عن مالكٍ ، و هو في "كتاب" ابنِ حبيبٍ : و مَن له نُقرةُ ذَهَبٍ ، ودنانيرُ ، فليُخرجْ رُبْعَ عُشرِ كل صنفٍ . و مَن له نقرةٌ وحَلْيٌ ، فليُخرجْ ربع عشر ذلك منه ، أو من غيره ، قال ابن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : و له أَنْ يقطع قطعةً من الذهبِ ، أو من الفضةِ عمَّا لزمه ، و لا يقطع ذلك من الدينار .
***(1/110)
[2/115]
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : مضَى صَرْفُ الزكاة عشرة دراهم بدينارٍ ، لمَّا جعل النبي صلى الله عليه و سلم عشرين ديناراً يَعْدِلُ مائتي درهم . يريدُ : في ضمِّ بعضها إلى بعض . قال : و مضى صرف الدِّيَةِ ، وصرف القطعِ اثنا عشر درهماً ، فلا يُؤتنفُ الآن لذلك كله صرفُ غيره .
قال : وتُجمعُ القِطنيَّةُ في الزكاةِ . قال عبد الملك : والتُّرْمُسُ معها .
قال ابن نافع ، عن مالكٍ : والكِرْسِنَّةُ معها . و من غير "كتاب" ، و هو من قولِ مالكٍ : إنَّ السُّلْتَ و العَلَسَ يُجمع مع البُرِّ والشَّعيرِ ، وبقيَّةُ الفول في جميع الحبوب في أبواب زكاة الحبوبِ ، وتُجمع الضأنُ ، و المعز ، والبقرُ ، والجواميسُ ، و الإبلُ ، مع البُختِ ، وتمام هذا في أبواب زكاة الماشية .
في زكاة الحَلْيِ ، و ما يُرصَّعُ منه بجوهرٍ و ما يُحَلَّى به السيف و غيره ، وذِكر آنية الذهب والفضة ، و ما يُقتنى أو يتَّجَرَ به من ذلك كلِّهِ
قال مالك ، في "المختصر" : لا زكاة في الحَلْي من ذهب ، أو فضةٍ ، يُتَّخذُ لِلِّباسِ ، و كذلك ما انكسر منه مما يريدُ أهله إصلاحه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالك : إنْ حبسَ ليصلح للباسِ قلا يُزَكَّى ، فإن نوى أنْ يصلحه لِيُصْدِقَه امرأته فلْيُزَكِّهِ . و قال أشهبُ : لا
***(1/111)
[2/116]
يزكيه . و أنكره محمد . قال ابن حبيبٍ : و ما كَسَبَ الرجلُ من الحَلْي يرصد به امرأة يتزوجها ، أو جارية يبتاعها . فقال أشهب ، و أصبغُ : لا يزكيه . و قال ابن القاسم ، و ابن عبد الحكمِ ، و المدنيون من أصحاب مالك : يُزكيه . و به أقول ؛ لأنَّه لي سمن لباسهِ ، و لا صار إلى ما أملَ منه .
قال : و لو جَلَى لنفسهِ سيفاً أو منطقةً ، و ليس ذلك من لباسه ، ولكنه أعدَّه للعاريَّة ، أو ليرصدَ به ولداً ، فلا زكاة عليه ، في حليته .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن وهب ، عن مالكٍ ، في المرأة تتخذ حَلْيَ الذهبِ ، و فيه الجوهرُ لتُكريه . قال : ما أظنُّ فيه زكاة . و قال في رواية ابنِ القاسمِ : لا زكاة فيه ، و إنْ كانت مُعَنَّسَةً ممن لا تلبسه و هي تُكريه . قال : و ما أحِبُّ كراءه و ليس بحرامٍ . و قال ابن القاسم : لا بأس به
قال مالكٌ : و إذا ورث الرجل حَلْياً فأبقاه لعلَّه يحتاج إليه أو لا يحتاج ، فليزكِّه, و كذلك مَن عنده حَلْيٌ مكسورٌ لا يريد إعارته . وليزكه في كل عامٍ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال عنه أشهب ، في امرأةٍ لها حليٌ تلبسه ، ثم يبدو لها في بيعه ، قال : لا تُزكِّيه .
***(1/112)
[2/117]
قال ابن حبيبٍ : لا زكاة في حلي النساءِ ، و إنِ اتَّخذنه للكراءِ فقط ، أو للعارية ، و كذلك ما أعدَّتْه المرأةُ لا للباسِ ، و لكن لابنةٍ عسى انْ يكون لها ، فلا زكاة فيه, و إن اتخذه الرجل للكراءِ فليُزَكِّهِ ، إذ ليس مِن لباسه . و إن اتخذ مالَه اتِّخاذَه من حلية السيفِ ، و المِنطقةِ فل زكاة عليه فيه . و لو اتخذت امرأةٌ حَلْياً لا للباسِ ، و لا للكراءِ ، و لا للعاريةِ ، و لكن عُدَّةً للدهرِ إذا احتاجت إلي شيءٍ باعته فيه ، فعليها زكاته ، و لو اتخذته أولا للباسِ ، فلما كَبِرَتْ نَوتْ فيه إذا احتاجته أنفقته . قد قيل : لا تُزكِّيه إلاَّ أن تكسره . و أنا أرى عليها زكاته احتياطاً . قال مطرِّفٌ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ عنده حَلْيٌ لا ينتفعُ به للباسِ : إن عليه زكاته .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال أشهب ، عن مالكٍ ، في الحليِ المربوطِ بالحجارة : هو كالعرض لا يزكيه حتى يبيعه ، كان ما فيه من الذهب جُلَّه ، أو أقلَّه . يريدُ : و هو لغير القِينَةِ . قال أشهب : إلاَّ المَدِينَ فيُقَوِّمُه بما فيه .
وقاله مالكٌ ، في السيفِ المُحلَّى : و إن كان نصله تبعاً لفضته واشتراه للتجارة ، فلا يزكيه غير المدين حتى يبيعه .
و رَوَى عنه ابن القاسم ، و ابن وهبٍ ، أنَّه يُزكِّي وزنَ ما فيه من ذهبٍ ، أو فضَّةٍ . يريدُ : تحرياً ، و إنْ كان تبعاً للنصْلِ ، و لا يُزَكِّي الجوهرَ حتَّى يبيعَ . و كذلك المصحف . يريدُ : في غير المَدِين .
و رَوَى ابنُ عبد الحكم ، عن ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، أنَّه إنْ كان
***(1/113)
[2/118]
ما في السيف و المصحف من الحلية تبعاً لهن فلا زكاة فيه .
و من "كتاب" ابنِ القُرْطِيِّ : و يُزَكِّي ما حُلِّيَ به سرجٌ ، أو لِجامٌ ، أو مِنطقة ، أو سكين ، أو سريرٌ ، أو مرآةٌ ، أو زجاجٌ ، أو أزرارٌ ، أو أقفالٌ للثيابِ للرجالِ خاصَّةً ، وقضيبٌ للأطفال والكبار ، و أغشيةٌ لغير القرآن ، و ما يجري مجرى خلا مصحفٍ ، وسيفٍ ، وخاتمٍ ، وحَلْيٍ للنساءِ و أحرازٍ من القرآنِ ، و ما يتخذه النساءُ لشعورهنَّ ، و أزرارِ جيو بهنَّ ، و أقفالِ ثيابهنَّ ، و ما يجري مجرى لباسهنَّ ، فلا زكاة فيه ، و ليس كما يتَّخِذْنَه للمرايا ، و أقفالِ الصناديقِ ، وتحليةِ المِخَدَّاتِ ، و الأسِرَّةِ و المقدماتِ ، وشبه ذلك .
و أما حِلية الدَّرْقِ ، وجميع الحرابِ فبخلاف السيوفِ ، و ما اتُّخِذَ مِن حَلْيِ ذكور الأطفال ، فيُزَكَّى .
و ما كان في جدارٍ من ذهبٍ ، أو فضةٍ ، لو تكلَّفَ إخراجه ، خرج منه – بعد اجرِ مَن يعمله – شيءٌ فليُزَكِّه ، و إن لم يخرج منه إلا قدرُ أجرِ عملهِ فلا شيء فيه . و من اتَّخذَ أنفاً من ذهبٍ ، أو ربطَ به أسنانه ، فلا زكاة فيه .
***(1/114)
[2/119]
في الحلي ، أو العُروضِ تُورثُ أو تُقتنى
أو يشترى و ما تنقله النيةُ على القِنْيَةِ ، أو على التجارة من ذلك ، و ما لا تنقله ، و ما بيع بعد ذلك
و من "كتاب " ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسم : وشِراءُ الحليِ وفائدته بميراثٍ أو غيره سواءٌ ، بخلاف السلعِ ، فليعمل في الحلي على نيته ، إنْ نَوَى به التجارة ، زكاهُ ، و إن نوى به القِنْيَةَ ، لم يُزكِّه . و أما السلع فإنما يُحملُ فيها على النية في الشراء فقط . فأما فائدتها بمُوَرِّثٍ أو هبةٍ ، فنيَّتُه فيها التجارة أو القنية سواء لا زكاة فيها ، إلا أن تكون ماشيةً ، ففيها الزكاةُ كانت شِراءً للقنيةِ ، أو للتجارةِ ، أو فائدةً بمُورثٍ أو غيره . فلا يفترق فيها ذلك ، و لا في العين . و لو نوى فيما ورث من آنية الذهب والفضَّةِ القنيةَ لم ينفعه . وليُزَكِّ وزنها دون القيمة ، و إن كثرتْ . و ما اشتريتْ من السلعِ للقنية ، قيمتها إنْ بعتهَا كالفائدةِ و لا تضرُّ النيَّةُ فيما وَرِثَ منها ، و قالَه كلَّه مالكٌ و أصحابه .
***(1/115)
[2/120]
قال في بابٍ آخر : و ما ابْتعتَ من السلعِ للقنيةِ لم يضرَّ إخراجها بعد ذلك بالنية للتجارةِ . و ما اشترِيَ منها أو من الحيوان للتجارةِ ، ثم صرفَهُ إلى القنيةِ ، ثم باعه ، فاختلِفَ فيه ؛ فقيل : يرجع على اصلهِ . وقيلَ : ياتنف بثمنهِ حَوْلاً . فقولُ ابنِ القاسمِ وروايته عن مالكٍ : أنَّه لا يُزكِّي ثمنه ؛ لأنَّه صارَ قنيةٌ . و قال أشهبُ : يرجع إلى أصله و يُزكِّي ثمنه . ورواه عن مالكٍ ، و قال : لا تُغيِّرُه نيَّةُ القنية ، و لا تغيرُ ما اشترى إلى القنية أَنْ ينويَ به التجارةَ ، و لا يلزمه شيءٌ إنْ باعه . و اتفقا في المُكاتبِ يؤدي شيئاً ثم يعجزُ ، أنَّه يرجعُ إلى أصله إنْ كان من التجارة .
قال ابن القاسم : لأنَّ ما ودَّى كالغلَّةِ . و قال أشهبُ : لأنَّه رجعَ على أصلهِ فلم تغيره نيةُ القنيةِ فيه . و قال ابنُ حبيبٍ : فِي مَنِ اشترى عرضاً للقنيةِ ، ثم باعه بعد مُدَّةٍ فليأتنف به حولاً ، و لو ابتاعه أولاً للتجارةِ ، ثم صرفه للقنية ، ثم باعه ، فقال مالكٌ : يُزكِّي ثمنه . و قال بعض أصحابه : لا يزكيه . و ما ابتاعَ من دارٍ للغلَّةِ ثم باعها بعد عامٍ فقال مالكٌ : يُزكِّي ثمنها مكانه . و قيل : يأتنف به حولاً . و الأول أحبُّ إليَّ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و ما اشترى الرجلُ من دارٍ للسُّكنَى ، أو حيوانٍ ، أو عروضٍ للاتِّخَاذِ ، ثم بدا له فباعه فثمنه فائدةٌ ، وغلَّةُ ما اشترى للتجارةِ فائدةٌ . قال : و ما اشترى للغلَّةِ ، ثم باعه لحَوْلٍ ، فروَى ابنُ القاسمِ ، عن مالكٍ : أنَّه يُزكِّي ثمنه ، ثم رجع فقال : لا يُزكِّي ،
***(1/116)
[2/121]
و هو كالفائدةِ . و بهذا أخذ ابن القاسم . قال ابن القاسمِ ، في "المَجْمُوعَة" : ورواه عنه ابن وهبٍ ، وبالقولِ الأول اخذ ابنُ نافعٍ ، ورَوَوا كلُّهم القولين . و أمَّا غُلَّتُه ففائدةٌ . و كذلك في "كتاب" ابنِ سحنونٍ ، من روايةِ عليٍ ، و ابنِ نافعٍ ، عن مالكٍ ، فيما اشترى للغلَّةِ من دارٍ ، أو عبدٍ ، و نحوهِ . و ذكر القولين جميعاً ، واختيار ابن نافع .
و من "كتاب" ابنِ الْمَوَّاز ، قال مالكٌ ، فيما يُشترى لوجهين كمَنِ ابتاع الأمَةَ للوطءِ أو للخدمةِ ، و إن وجدَ ثمناً باع . فقال : ثمنها كالفائدة . و قال في رواية أشهب : أنّه يُزكِّي ثمنها . و أما الذي يشتريها للقنية لا ينوي بها بيعاً و لا يرصده ، و لا يهم به ، فهذا عن باع ائتنف بالثمنِ حَوْلاً إذا قبضه, و بهذا أخذ ابن الْمَوَّاز .
و مَن ورِثَ سِلْعاً ، أو وُهِبتْ له ، فلا تضرّه نِيَّتُه فيها للتجارة ، و يأتنفُ إنْ باعها بثمنها حَولاً من يوم قبضهن و إنْ طال مُقامه عند المبتاعِ . و لو قبضه ، ثم أولجه في سلعةٍ مكانه ، ثم باعها بعد سنينَ ، فليُزَكِّ ثمنها لعامٍ واحدٍ بعد قبضه ، و لو باعها قبل حولٍ من يومِ قبضهِ المالَ ، فلينتظرْ تمامه ، و لو اشترى السلعةَ الثانية للقنيةِ لائتنفَ بثمنِهَا حولاً من يومِ يقبضه ،
***(1/117)
[2/122]
و يأتنفُ بما يقبضُ من ثمنِ غلاَّتِ الثمارِ حولاً .
و من "المَجْمُوعَة" ، و "كتاب" ابن سحنونٍ ، روى ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، فِي مَنِ ابتاع طعاماً للتجارةِ ، ثم بدا له أَنْ يُنفقه على عياله ، ثم باع منه ما فيه الزكاةُ : فليُزَكِّه . و كذلك مَن يشتري طعاماً فيدَّخره لينفقه على عِياله ثم باع منه باقيه بما فيه الزكاة ، فليُزكِّه .
قال ابن سحنونٍ : قال المغيرة ، فِي مَنْ بَنَى داراً ، ثم باعها بعد حولٍ : فإنْ بناها للتجارةِ وابْتاعَ القاعةَ للتجارة ، زكَّى الثمنَ كله لحلولهِ ، و إنْ بلغَ ما فيه الزكاة ، و إن كانت القاعة للقنية ، زكَّى ما قابل البنيانَ من الثمنِ ، إنْ بلغَ ما فيه الزكاةُ .
في زكاة الفائدة بسبب الميراثِ و الهباتِ والصِّلاتِ ، و ما يتأخرُ قبضه من ذلك ، و في قبض الوصيِّ والوكيل
من "كتاب " ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : وكلُ ما أفادَ الرجلُ من ميراثٍ أو هبةٍ ، أو ديةٍ ، أو غلَّةٍ ، أو غير ذلك ، فليأتنف بذلك حولاً من يوم يقبضه ، هو أو وكيله
قال مالك : و إن ورث مالاً فلم يعلم به سنين ، فلا يُزكِّه حتَّى يقبضَه هو أو
***(1/118)
[2/123]
وكيله . قال عنه ابن وهب في روايتِهِ : فيزكيه لعام واحدٍ . و كذلك في رواية ابن نافع ، وعليٍّ ، في "المَجْمُوعَة" . ورويا أيضاً مثلَ روايةِ ابنِ القاسمِ : أنَّه يأتنف حولاً قال ابن الْمَوَّاز و رَوَى عنه ابن وهبٍ أيضاً مثلَ ابنِ القاسمِ انَّه يأتنف حولاً من يومِ يقبضه و كذلك ما باعه السلطان مِن تَرِكَةٍ ، و أوقفه ليَقْسِمَه . فأقام سنين . قال ، عنه ابن عبد الحكم : و كذلك لو تركه للوارثِ بعد علمهِ به سنينَ لبُعدِ البلدِ أو لم يعلم به .
قال عنه ابن وهبٍ : فإنْ قبضه وكيله ، حُسِبَ من يوم قبضه الوكيل حولاً ، و قد يُتاجر عنه الوكيل دهراً .
قال عنه ابن القاسم : إن حَبَسَه عنه الوكيل سنين ثم قبضه ، لم يُزكِّه إلاَّ لعامٍ واحدٍ . قال أصبغُ : بل لكلِّ عامٍ . قال محمد : بل لعامٍ واحدٍ ؛ لأنَّ حبسَ الوكيلِ إيَّاه تعدِّياً ضَمِنَه به . و كذلك لو كان له عُذْرٌ من خوفِ طريقٍ ، أو مغلوباً ، أو غير ذلك ما لا يقدر أَنْ يأتي ، و لا تصلُ أنت إليه .
فأمَّا إن كان معه في بلدٍ يقدر على أخذه فتركه ، فليزكه لكلِّ عامٍ . و كذلك إنْ حبسه بإذنه أو كان مُفوَّضاً إليه .
وقال أشهبُ ، في "المَجْمُوعَة" مثل قول ابن القاسم في الميراث . و كذلك لو كان بيدِ وصيٍّ . واختلف قولُه في قبضِ الوصيِّ : فقال ألاَّ يكون قبضاً على كيبرٍ ، و قال : بل هو قبض كانوا كباراً كلهم ، أو صغاراً كلهم ، أو صغاراً وكباراً . قال : و إن لم يَلِ على الكبار فإنَّ له الاقتضاءَ ،
***(1/119)
[2/124]
والنظرَ ، والبيعَ . و قال المغيرةُ : و إذا لم يَعْلَمِ الوارثُ بالميراث فوضع له القاضي المال بيد رجلٍ ، فليُزكِّه لماضي السنين . و إن ضمنه لأحدٍ ، فليُزكِّه إذا قبضه لعامٍ واحدٍ . قال ابن القاسم ، و أشهبُ : و أمَّا الثمارُ و الماشيةُ ، فه يؤخذُ منها كل سنةٍ . قال أشهب : و لا يزكِّي العين عن غائب .
و من "كتاب " ابن الْمَوَّاز : و إذا قبض الوصيُّ مال التركة ، فقال أشهب مرة : إنَّ قبضه للأكابر بغير إذنهم ، و لا يزكُّوا إلا بعد حول من يوم قبضوا . وروياه عن مالكٍ . قال ابن القاسم : و لا يُزكِّي عن الصغارِ قبل القَسْمِ . وليأتنف لهم الحول بعد القسم .
وقال أشهبُ : قبضُه للصغارِ قبضٌ يُوجب الزكاةَ عليهم . محمَّدٌ : و هذا من قول أشهبَ : إنَّ قبضه للكبار قبضٌ . وقولُ ابنِ القاسمِ أحبُّ إليَّ .
قال مالكٌ : و إذا لم يُزكِّ الوصيُّ عن الصغير ماله حتَّى كَبِرَ فقبضه ، فليُزكِّه لما مضى .
***(1/120)
[2/125]
قال ابن حبيبٍ : قال مُطرِّفُ : إن لم يعلم بالميراث فليأتنف به بعد قبضه حولاً ، و إن عَلِمَ به و لم يقدرْ أَنْ يصلَ إليه فليُزكِّه إذا قبضه لعامٍ واحدٍ .
و إن كان يقدر على أخذه زكَّاه لكلِّ عامٍ مضَى من السنين . و إن أوْدعه له سلطانٌ بيدِ عَدْلٍ ، فليُزكِّه لماضِ السنين . و إن لم يعلم به .
وقاله عبد الملك ، و أصبغ .
و في باب زكاة المدين العرضُ يورثُ فيُباع هل يُزكَّى؟
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ ، و ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، في امرأةٍ أهدتْ إلى أمير المؤمنين هديَّةً فأجازها بمالٍ : فلا زكاة عليها فيه .
قال ابن حبيبٍ : و لا زكاة في عطيَّةِ السلطانِ ، و إنَّمَا كان أبو بكرٍ ، وعثمان ، يأخذان من الأُعطيةِ زكاةَ غير الأعطيةِ و معاويةُ الذي زَكَّى الأُعطيةَ بعينها .
في زكاة فائدة ما يؤخذ في صداقٍ ، أو ديةٍ ، أو غلَّةٍ
من "كتاب" ابنِ الموازِ ، قال مالكٌ : كلُّ ما يُؤخذ في صداقٍ ، أو ديَةٍ ، أو كتابةٍ ، أو غلَّةِ العبيدِ ، و المساكنِ ، و ثمن صوفِ الغنمِ ، و ما يؤخذ في الجراحِ والنَّفْسِ ، فتلكَ فوائدُ يأتنف بها مَن أخذها
***(1/121)
[2/126]
حولاً من يوم قبضها . و لو قبض عن ذلك عَرَضاً لا زكاةَ فيه ، فأقامَ عنده سنينَ ، ثم باعه بتأخير سنةٍ ، فإذا قبض ثمنه ، فلا يُزكِّيه حتَّى يأتنف به حولاً من يوم يقبضه . وصداقُ المرأةِ فائدةٌ فإن نُكحتْ على نخلٍ فيها ثمرةٌ لم تَطِبْ ، يريدُ فؤطتْهَا ، و قد أُبِّرتْ فزكاتها عليها . و إنْ نُطحتْ على غَنَمٍ معيَّنَةٍ ، فعليها زكاتها لحولٍ من يوم العقدِ . و إن كانت عند الزوج فإنْ طلَّقَهَا قبل البناءِ ، قال أشهبُ : فنصيبُ الزوج كالفائدة في الاستحسان ؛ لأنَّه لم يكن ينتفع منها بغلَّةٍ . و القياس أنَّهما كالخليطين ، و لا يأتنف الزوجُ حولاً .
و مَن قاله لم أعِبْه عليه ؛ لأنَّه كان لها ضامناً ، و هذا قولُ ابنِ القاسمِ ، أنَّه كالخليطِ لها .
قال محمد : قولُ أشهبَ أحبُّ إليَّ ؛ لأنَّ حولَهَا قد انتقضَ بعقد النكاح .
و لو كان على قولِ ابنِ القاسمِ لبقيت على حولها الذي كان عند الزوجِ ، و هذا ليس بقولهما ، و لا قول مالكٍ . و قال سحنونٌ مثل قول ابن الموَّاز .
قال محمد : والغلة قبل الطلاق في هذا بينهما . و أمَّا النفقة فقد قيل على الزوجة ، و إنَّما أرى أنها من الغلة ، إلاَّ أَنْ يُجاورها فلا ترجع على الزوجِ بشيءٍ و هو استحسانٌ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : و لو نُكحتْ على دنانيرَ معينةٍ ، أو غير معينةٍ ، فلا تُزكِّيها حتى تقبضها ، ثم تأتنفَ بها حولاً ؛ لأنها في ضمان الزوجِ ، و ليس القصدُ فيها التعيين .
***(1/122)
[2/127]
قال ابن القاسم ، عن مالكٍ : و إذا وهَبْته مهرَهَا ، فلا زكاة عليه فيه مَلِيًّا كان أو معدماً . و في الجزء الثاني في باب زكاة العريَّةِ و الهبةِ ذِكْرُ مَنِ انتزعَ من عبده مالاً ، أو زرعاً ، على مَن زكاته؟
في زكاة فوائد الغلات ، من المساكنِ ، و العبيدِ ، والحيوانِ ، و غيرها ، وغلَّةِ المُشتري من المساكنِ ، و المُكتَرَى منهان و ما يُؤاجرُ به المرءُ نفسَه
من قول مالكٍ ، و أصحابه : إن غلَّةَ ما اشْتُرِيَ للتجارة أو للكراءِ ، أو للقنيةِ ، أو وُرِثَ ، فذلك كله فائدةٌ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و ما اتخذته المرأة من الحَلْيِ لتكريَه فغلَّتُه فائدةٌ و كذلك غلةُ كلِّ ما يُشترى للتجارة أو للقِنية ؛ من رِباعٍ أو غيرها .
قال : و أمَّا مَنِ اكترى داراً ليكريها ، فما اغْتلَّ من هذه مما فيه الزكاةُ فليُزكِّه لحولٍ من يوم زكَّى ما نقد في كرائها ، لا من يومِ اكتراها . و هذا إذا اكتراها للتجارة والغلَّةِ ؛ لأنَّ هذا مُتَّجَرٌ . و أمَّا إنِ اكتراها للسكنى فأكراها لأمرٍ حدثَ له أو لأنَّه أُرغبَ فيها ، فلا يُزَكِّي غلتها و إن كثرت إلا لحولٍ من يوم يقبضها .
قال أشهبُ : لا زكاة عليه في غلَّتها ، و إنِ اكتراها للتجارةِ ، وغلَّةُ
***(1/123)
[2/128]
ما اكترى للتجارةِ كغلة ما اشترى للتجارة كان مديراً ، أو غير مدير .
قال مالك : و يأتنف المدير بغلَّة ما يشتري للتجارة حولاً من يوم يقبضه ، و يُقوِّمُ الرِّقابَ مع ما يُقوِّمُ لحوله ، و ما انتزعت من مال عبدك ، فهو فائدةٌ ، و لو انتزعتَ منه تمراً أو زرعاً بعد طيبهِ ، فلا زكاة عليك فيه . و إن كان قبل طيبه فزَكِّهِ ، و كذلك ما يؤخذ من المكاتبِ ، و من المُخدمِ .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عيسى بن دينارٍ ، عن ابن القاسمِ ، فيمن أكْرَى دارَه ثلاثَ سنين بثلاث مائة دينار ، فقبضها بعد ثلاث سنين ، فليأتنف بها حولاً من يوم قبضها ، و كذلك دِيَةٌ قبضها بعد ثلاث سنين . وغلَّةُ دُورِ التجارةِ و غيرها يأتنف بما يقبضُ فيها حولاً .
قال ابن القاسمِ : إلاَّ أنْ يتركَ قبضَ كراء الثلاث سنين هَرَباً من الزكاةِ . قال أصبغُ : ليس هذا بشيءٍ وتركه أخذ ذلك هَرَباً ، أو غير هَرَبٍ ، قادرٌ على أخذه ، أو غير قادرٍ سواء لا شيء عليه ، و يأتنف من يوم قبضَ حولاً .
لو باع أبواب دارٍ ابْتاعها للتجارة بعد الحولِ ، لزكَّى الثمنَ مكانَه بخلاف ما اغْتلَّ منها .
قال عيسى ، عن ابن القاسم : و مَن أكْرَى دارَه خمسَ سنين بمائةِ دينارٍ فانْتَقَدَهَا ، وحال عليها الحولُ ، و ليس له غيرها ، فإن وقع للسَّنَةِ الماضية من
***(1/124)
[2/129]
الكراء عشرةٌ بقيَ عليه دينٌ تسعونَ ديناراً ، فإنْ سويتها الدارُ زكَّى المائة كلها ، و إن سويتْ ثلاثين زكَّاها مع العشرة ، ثم كلُّ ما سَكَنَ شيئاً زكَّى حصَّته ، و ذلك أنَّه قد تنهدمُ الدار فيرُدُّ ما قبضَ . و ذكر ابنُ سحنونٍ ، عن أبيه مثله سواءً . و ذكر عنه العتبيُّ ، و ابن عبدوسٍ ، أنَّه قال : بل يُزَكِّي المائة كلها ، و الهَدْمُ طارئٌ . و قد تستحقُّ أيضا السلعةُ التي باع فلا ينظرُ إلى هذا .
قال في "المَجْمُوعَة" : لا أبالي سَوِيَتِ الدارُ الكراءَ ، أو لم تَسْوِه ، كما يُزكِّي ثمنَ ما باع من السِّلعِ و قد تستحقُّ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و مَن آجرَ نفسه ثلاثَ سنينَ بستِّينَ ديناراً ، وقبضها و مضتْ سنةٌ ، فليُزَكِّ عشرين فقط ، إلاَّ أنْ يكونَ له عَرْضٌ يفي بما بَقِيَ فيُزكِّيه . و كان قد قال محمد : إنْ لم يكن له عَرَضٌ أَنْ يُزكِّي تسعةَ عشرَ و نصفاً أيضا ، و يجعل بدلها بقيَّة العشرين التي زكَّى ثم رجع عنه ، و قال : أستحسنُ أن لا يجعل ما زكَّى من العين في ديته ، و الأول هو القياس .
قال أبو محمد : و ينبغي على قول سحنون أَنْ يُزكِّيَ الجميعَ كما قال في الدار .
و من "كتاب" ابنِ سحنون ، قال مالكٌ ، فِي مَنْ آجرَ نفسه سنةً بمائتي درهم وانتقدها قبلَ يعملَ شيئاً : فليأتنف بها حولا من يوم قبضها .
***(1/125)
[2/130]
قال ابن الْمَوَّاز : قال ابن القاسمِ ، فِي مَنِ اكترى داراً سنة بمائةِ دينارٍ – قال أبو محمد : يريدُ التجارةِ – ثم أكراها سنة بمائتين فقبضها لتمام حولٍ : فليُزكِّ المائتين . و قاله ابن القاسمِ ، في "المَجْمُوعَة" ، و قال : إذا لم تكن المائة التي اكترى هو بها عليها دَيْنٌ ، أو كانت عليه وعنده بها وفاءٌ ، و إلاَّ فليُزكِّ المائةَ .
قال ابن الْمَوَّاز : قال أصبغُ : إذا لم تكن المائة عليه دَيناً ، أو كانت عليه وعنده بها وفاءٌ ، فليُزكِّ ما قبض مكانه لتمام الحولِ . قال : و يُزكِّي لتمام أربعة اشهرٍ من يوم اكترى كلَّما مضى شهرٌ أخرج زكاة ثمانية دنانير وثلث حصَّةِ الشهرِ من ثلثي المائة التي لم تُزَكِّ .
قال أبو محمد/ هكذا وقع كلامُ أصبغُ في "كتاب" ابنِ الموازِ : و أراه قد سقط منه شيءٌ ، و أرى أنَّ الذي سقطَ أو معناه : فإنْ كان تمامُ الحولِ لأربعة أشهر من يوم اكتراها ، يريد : حولَ المائة ، التي نقد فليُزكِّ حينئذٍ مائةً وثلثَ المائة ؛ لأنَّه وجبَ للأربعة أشهرٍ الماضية ، و هي ثُلُثُ السنةِ ثلثُ المائتين ، وعندَه ما يَسْوِي ثلثَ المائتين أيضا ، و هو كراءُ الثمانية أشهرٍ الباقية على حساب ما اكْتَرَى هو بمائةٍ في السنةِ فله
***(1/126)
[2/131]
عهدة ذلك على المُكري فيُزكِّي لهذا مائةً وثلثاً ، و يبقى عليه ثلثُ مائةٍ ، فإنَّه لا وفاء له بها . فكلما مضى له شهرٌ ، زَكَّى حصَّته من الثلثي مائةٍ الباقية .
وقال محمد : و مَنِ اكترى داراً سنةً بمائةٍ ليكريها فنقد المائة و ليس له غيرها ، و قد مضى من حول المائة ستة أشهرٍ ، ثم أقامت الدارُ بيدهِ شهرين ، ثم أكراها بمائتي دينار نقداً ، يريد محمد : بقية السنةِ ، و هي عشرة أشهر – وقبض المائتين . قال : فإنَّه إذا مضى من العقدِ . يريدُ : من عقده مع مكتريها منه – أربعة أشهر – يريدُ : و هو تمام حوله – زكَّى ما استحقَّ و هو ثلثا مائةٍ فثلث مائةٍ رأس مالِه ، وثلثُ مائةٍ ربحٌ . فقال محمد : يُزكِّي ثلثي مائةٍ لا يعتدلُ ؛ لأنَّه أكراها بعد شهرين من السنةِ فكانَّه إنَّما أكراها العشرة أشهرٍ الباقية له فيها ، فإذا مضى أربعة أشهرٍ من العشرة إلا شهراً التي أكراها هو وفاءَ حولِ مائته التي نقد ، فإنما تقع الأربعة الأشهر خُمسا المائتين ؛ و ذلك ثمانون ديناراً . قال ابن الْمَوَّاز : و لم آمره أَنْ يُزكِّيَ الباقيَ الذي هو كالدَّيْنِ عليه و إن كان عندَه منه عَوِضٌ من ماله في الدار على مُكتريه ؛ لأنَّه لم يَحُلْ عليهن و لا له بيده حقٌّ و لا تمَّ الأجلُ فيستوجبه و لكن كلَّمَا مضى من السنةِ شيءٌ زكَّى حصَّته و هو يقع لكلِّ خمسةَ عشرَ يوماً ثمانيةَ
***(1/127)
[2/132]
دنانيرَ وثلثاً ، فإنْ صعُبَ عليه إحصاءُ ذلك زَكَّى لكلِّ شهرٍ تسعة عشرَ إلاَّ ثلثاً ، و إلاَّ فبقدر ما يُحْصَى و يُقدِّرُ .
قال (أبو محمد) : والذي قال محمد ، من هذا لا يصحُّ إلا على كِرَاءِ سنةٍ ، و هو لم يكُنْ بها سنةً إذا لم يَبْقَ له فيها إلاَّ عشرةَ أشهرٍ ، وقوله : إنَّه لا يُزكِّي من حصته ما لم يسكنْ ، شيءٌ لا يتبينُ ؛ لأنَّه عندَه وفاءٌ بما بقي عليه من لحوقِ ديتِهِ بانهدام الدار وربح المال منه ، فأمَّا أنْ يعتبرَ بهذا على هذا كما قال أصبغُ ، و إلاَّ زكَّى الجميع على قول سحنونٍ ، لنَّ الهدمَ أمرٌ طارئٌ . قال في "كتاب" ابنِ سحنونٍ ، و نسبه لبعض المدنيين ، فِي مَنِ اشترى بما على مُكاتبه بزًّا للتجارةِ ثم باعه بعد سنينَ : إنَّه يُزكِّي الثمنَ لحولٍ واحدٍ . و قيل : إنَّما هذا إن كلن المكاتبُ اشتراه سيِّدُه ، و أمَّا إنْ كان عندَه بميراثٍ أو فائدةٍ فلا يُزكِّي حتَّى يأتنفَ بالمالِ حولاً . و هذا خلافُ مالكٍ و ابنِ القاسمِ ، والكتابةُ عندهما عِلَّةٌ و كذلك ما أُخذَ منها .
في زكاةِ الغلاَّتِ و أثمانها و ذكر ما يؤخذ فيها من عِوَضٍ ، أو في الأشياءِ الموروثةِ و المُقتناةِ من ثمرٍ ، وكيف إنْ بيعتِ الثمارُ مع الرِّقابِ أو بعدَ أن حرثَ ، أو صوفِ الغنمِ
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، وعليٌّ ، و ابنِ نافعٍ ، عن مالكٍ ،
***(1/128)
[2/133]
فِي مَنْ باع ثمرةَ نخلٍ ابتاعها للتجارةِ بعد أنْ زكَّى الثمرةَ : فليأتنف بثمنِ الثمرةِ حولاً من يوم يقبضه ، و لو باع الرقاب بعد ذلك ، فحولُ ثمنها حولٌ آخرُ ، من يومِ زكَّى ما ابتاعها به ، أو أفاده .
قال عنه عليٌّ ، و ابن نافعٍ : و لو ابتاع زرعاً للتجارةِ ، يريدُ مع ارضه ، فزكَّاه ثم باعه ، فليأتنف بثمنهِ حولاً من يوم يقبضه .
قال ابن نافعٍ : و هذا إن كان حين ابتاعه مع الأرضِ ، لم يبْدُ صلاحه . قال ابن القاسم ، و أشهبُ : و يُقوِّمُ المديرُ رقابَ نخلةٍ و لا يُقوِّمُ الثمرةَ .
قال أشهبُ : و كذلك صوفُ الغنمِ كانت للقنيةِ ، أو للتجارةِ ، و لو باعها والصُّوفُ عليها زكَّى جميع الثمنِ ، يحولُ ثمنُ الرِّقابِ إنْ كانت للتجارةِ ، و إنْ جَزَّه ثم باعه معها ، فظنَّ الثَّمنَ ، فما وقفَ للصُّوفِ ائتنفَ به حولاً . و لو باع النخلَ بثمرها المُزهِي أو باعها معها بعد أن جَزَّهَا ، فليُزَكِّ خَرْصَ الثمرةِ زكاة الثمرِ ، و يُزَكِّ ثمن النخلِ لحولِ أصلها ، و يأتنف بما يقع للثمرةِ حولاً من يوم يقبضه . قال في كتاب ابن الْمَوَّاز : بعد فضِّ الثمنِ ، على الثمرةِ ، و على الرقاب . و كذلك روى عيسى عن ابن القاسمِ في "العُتْبِيَّة" : إذا باعها بثمرها بعد زهوها .
قال : و لو باع الجميع بعَرَضٍ لنَظَرَ إذا باع العَرَضَ حصةَ الأصولِ ، فزكَّاهَا خاصَّةً . قال أصبغُ : فإنْ باعها مع الأصلِ ، قبل طيبها ، زكَّى جميعَ الثمرِ ، لحولِ المالِ ، وتصيرُ كصوفِ الغنمِ و مالِ العبدِ ، فإنِ انتزعَ
***(1/129)
[2/134]
مالَه قبل الحولِ ، صار له فائدةٌ .
قال : و لو اشترى شجرَ جَوزٍ ، وشبهه ممَّا لا يُزكِّي ، فباعها بثمرها بعدَ طيبهِ ، لزكَّى جميعَ الثمنِ ، لحولهِ . و لو جزَّه صار كالغلَّةِ ، لا يُزكِّي ثمنَه ، و إن باعه مع الأصول في صفقةٍ ، و يأتنف بحصته حولاً ، و كذلك بيعه لصوفِ الغنمِ بعد الجزِّ مع الرقابِ . قال أشهبُ : و لو لم يَجزها ، زكَّى ثمنَ الجميع .
قال ابن سحنون ، عن أبيه في الغنمِ : و إنِ اشتريتْ للتجارةِ فما بيعَ من صوفها فائدةٌ مثلَ غلَّةِ الدُّورِ للتجارة ، إلاَّ أنْ يبيعَ الغنمَ وصوفها عليها ، فليُزكِّ الثمنَ كله للحولِ من يوم زكَّى ثمنها ، و لو باعه معها بعد أنْ جَزَّه ، لم يزكِّ حصَّةَ الصوفِ من الثمن .
و من "كتاب" ابن سحنون ، قال مالكٌ : ليس في رِسْلِ الغنمِ صدقةٌ ، و أنَّ عليها الحول ، و ذلك ما يباع من صوفها ولبنها وسمنها وجُبنها وشَعرها و وبرها ، وشبه ذلك ، و يؤتنف بثمنهِ حولاً . و قال أشهب في "المَجْمُوعَة" : و لو اكترى أرضاً للتجارةِ ، واشترى حِنطةً فزرعها للتجارةِ ، فزكَّى الحَبَّ لحولٍ أو لأحوالٍ فلا يزكِّيه ، وليأتنف بثمنه حولاً من يوم يقبضه ، كان مديراً أو غير مديرٍ . و قال ابن القاسمِ : يُزكِّي ثمنَ الحَبِّ إذا قبضه إلاَّ أن تكون الأرض لهن أو زرعه في أرضِ الكراءِ لقوتهِ ، و لو كان مديراً و لم يبعه ، و له مال سواه يُزكيه ، فليُقَوِّمِ الحَبَّ و يُزكِّه لحولٍ من يومِ زكَّاه حَبًّا ، و كذلك حول ثمنه إنْ باعه
***(1/130)
[2/135]
و لا يحسب زكاته لحول إدارته ، و أما الذي لا يدير فلا يزكِّيه إلا بعدَ بيعه وقبضِ ثمنه ، فيزكيه لحول من يوم زكاه حبًّا .
قال ابن نافع ، وعليٍّ : قال مالك : و مَن جمعَ مِلحاً كثيراً ثم باعه بعد سنين ، فليأتنف حولاً .
قالا عن مالكٍ : و مَن ورث عَرَضاً ، ثم باعه بعرَضٍ للتجارةِ ، أو باع طعاماً من زرعه بعرضٍ للتجارة ، فلا زكاة عليه في ثمنِ العَرَضِ ، إن باعه حتَّى يحولَ عليه الحولُ من يوم باعه – يريدُ : وقبض ثمنه . قالا عنه : ولوِ اشترى بما على مُكاتبه بُرًّا للتجارةِ ثم باعه بعد أعوامٍ ، أنَّه يزكِّي الثمن حين يبيع البُرِّ زكاةً واحدةً – يريدُ إذا قبضه – و في باب المدير ذكر من ورث عرضاً ثم باعه بدَينٍ أو بنقدٍ و الاختلاف فيه .
قال سحنونٌ في "كتاب" ابنِه : و قيل إنَّما هذا على أنَّ المُكاتب اصلُه للتجارةِ ، فأمَّا إن كان للقنيةِ ، فليأتنف بالثمنِ حولاً من يوم يقبضه . و قد تقدمت هذه المسألة .
قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة" فِي مَنِ اسْتُهلكتْ له سلعةٌ للقنيةِ فأخذ في قيمتها سلعة للتجارة ، فإنَّه إنْ باعها لحولٍ من يوم أخذها فليُزكِّ ثمنها .
***(1/131)
[2/136]
في العبد يُعتقُ والنصرانيِّ يُسلِمُ
هل عليهما زكاةٌ في مالٍ أو ثمرةٍ أو حَبٍّ أو غير ذلك؟
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز قال مالكٌ : و إذا أعتق العبدُ و أسلمَ النصرانيُّ فمالهُ كالفائدةِ .
قال في " كتاب" ابن سحنونٍ : كان عيناً أو غنماً أو تمراً . قاله مالكٌ في "كتاب" ابن الموازِ ، و نحوه في "كتاب" ابنِ سحنونٍ : و ما كان له من ثمرةٍ مَزْهِيَّةٍ أو زرعٍ قد طاب ، فلا زكاة فيه . قال سحنونٌ : و لا في ثمنهِ .
قال مالكٌ : و ما لم يَطِبْ من ثمرةٍ أو زرعٍ ، فليُزَكِّياه لطيبهِ ، و كذلك المُدبَّرُ و أمُّ الولَدِ إذا أُعتقا ، و عليهم أجمعُ زكاة الفطرِ ، إنْ وقع العتقُ و الإسلامُ يومَ الفطرِ ، في أنفسهم ، وعبيدهم المسلمين . قال مالكٌ : و هو في المعتقِ آكدُ منه فِي مَنْ أسلمَ ، و الأُضحيةُ فيهما أبْيَنُ . ورُوي عن مالكٍ ، في زكاة الفطر ، عن من أسلمَ يومَ الفطرِ ، أنَّها أحبُّ إليه . و قال أشهبُ ، في المعتق يوم الفطر : يزكِّي عن نفسه ، و يُزكِّي عنه سيده .
في زكاة مال المفقودِ والصبيِّ و المجنونِ و الأسير
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، و أشهبُ : وتُزكَّى أموالُ المجانينِ ، كالصبيانِ . و إذا كان وصيُّ اليتيمِ لا يُزكِّي مالَه ، فليُزكِّه
***(1/132)
[2/137]
اليتيمُ ، إذا قبضه لماضي السنين – يريدُ ، و لو كان الوصيُّ يُسلفه سنين لم يُزكِّه إلاَّ لعامٍ واحدٍ من يومِ ضمنه الوصيُّ .
و قد ذكرنا في باب الفائدة بالميراث زكاة الوصيِّ عن الأصاغر العينِ ، و إنَّما هذا في معنى قولهم : إذا لم يَخَفْ أنْ يُتعقَّبَ بأمرٍ ، و كان يُخالفه ذلك ، فأمَّا إن لم يخف له ، و هو لا يأمنُ أنْ يُتعقَّبَ بأمرٍ لاختلاف الناسِ في زكاةِ مالِ الصبيِّ العين فلا يزكِّي عنه ، كما قالوا : إذا وجد في التركة مسكراً ، وخافَ التَّعَقُّبَ فلا يكسره .
قال ابن حبيبٍ : وليُزَكِّ وليُّ اليتيمَ ماله ، و يُشهِدْ ، فإن لم يُشهد و كان مأموناً ، صُدِّقَ ، و إن استنفقَ مالَ يتيمه ، و له به فلاءٌ ، وخافَ أنْ يُغرَّرَ له به ، فلا بأس بذلك ، و قال القاسمُ بنُ محمدٍ ، و كان ابنُ عمرَ يُسلِفُه و يسْتَلِفُه ، و إذا لم يكن له فلاءٌ فلا يُسلفه .
قال ابنُ القاسمِ في "المَجْمُوعَة" : وتُزكَّى ماشيةُ الأسيرِ و المفقودِ وزرعهما ، و نخلهما ، و لا يُزكَّى ناضحهما ، يريدُ : لما عسى أنْ يكون لهما عذرٌ يسقطها ، و لا يُسقطُ بذلك في غير العين ، و أمَّا غيرُ العينِ مِن ماشيةٍ أو حَبٍّ أو ثمرٍ ، فيُزكِّي عن من ذَكَرْنَا من صبيٍّ و غيرِه بكلِّ حالٍ .
باب في زكاة المال اللُّقطةِ أو الوديعةِ أو المدفونِ أو المغصوبِ
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن نافعٍ ، وعليٍّ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ ضاع
***(1/133)
[2/138]
له مالٌ ، فرجع إليه بعد أعوامٍ : فلا يزكِّه إلا لهام واحد .
قال عنه ابن نافعٍ : و كذلك الودائعُ و اللُّقَطَةُ و المال المغصوبُ يرجع .
و قال المغيرةُ في اللقُطة ترجع إلى ربِّها بعد سنينَ : فليزكه لكل سنةٍ ، كالمال يدفنه في بيتهِ ، ثم يَضِلُّ عنه مكانه . و قال مثله ابن سحنونٍ عن أبيه .
وقاله في الذي دفنَ مالاً و نَسِيَ موضعه .
قال ابن القاسم : ثمَّ وجده . وذُكِرَ عن ابن القاسمِ فيه ، إنْ نَسِيَ موضعه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ ، و ابنِ وهبٍ ، عن مالكٍ ، في ملتقطِ اللُّقطةِ تُقيم عنده سنين لا يريد أكلها و لا صدقتها . فلا زكاة عليه فيها ، فإنْ رجعتْ إلى ربِّهَا ، فليُزكِّهَا لعامٍ واحدٍ ، و كذلك إنْ حَبَسَهَا ليتصدَّقَ بها عن ربِّهَا ، فإنْ حبسها ليأكلها ، فليُزكِّها لحولٍ من يومِ نَوَى ذلك ، إنْ كان له بها وفاءٌ مِن عَرَضٍ ، ثم إنْ أخذها ربُّهَا بعد أعوامٍ ، زكَّاها لعامٍ واحدٍ .
قال ابن القاسم في "المَجْمُوعَة" : إذا عرَّف بها سنةً ، ثم نوى حبسها لنفسهِ للحديثِ ، فإن لم يُحرِّكها فلا زكاة عليه فيها ، فإنْ
***(1/134)
[2/139]
حركها فمن يومئذٍ دخلت في ضمانه ، و يُزكِّي على حولٍ من يومئذٍ ، وذُكِرَ مثله في "كتاب" ابنِ سحنونٍ : و قال : فإنْ حبسها لنفسهِ بعد تعريفِ سنةٍ ، فأقامت عندَه بعد ذلك حولاً لا يُحرِّكها ، قال : لاا يُزكِّيها ؛ لأنَّه لم يضمنها لذلك حَّى يُحرِّكها . قال سحنونٌ : لا ادري ما هذا . و قد قال المغيرةُ ، في ملتقط اللُّقطَةِ : يترك أَنْ يعرِّفَها ، و أخفاها ؛ لأنْ تخفى له ثم تلفتْ عنده ، أنَّه يضمنها حين أراد أكلها ، و لا زكاة على ربِّهَا ، إذا ظهرت على ذلك منها ، قال : فإذا ضمنها بهذا لزمته الزكاة ، فكذلك الذي أجمعَ على حبسها لنفسهِ بعدَ تعريفه سنةً بها منه أخذاً بالحديث ، في قولهِ : "و إلا فشأنك بها" فقد ضمنها و عليه زكاتها ، إن كان عنده عَرَضٌ مثلُ كَفَافِ دَيْنِهِ ، و قال : فإنْ أنفقها بعد الحولِ ثم مات ، قال : تخرج من ماله و إن لم يوص بها ، و يُحاصُّ بها غرماؤه ، ثم يضعها الإمام بيدِ مَن يرضاه من ورثته أو غيرهم موقوفة لصاحبها ، ما رُجيتْ له حياة .
قال سحنونٌ : هذا يدلُّكَ أنَّ حكمها حُكمُ الدَّيْنِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز قال مالكٌ : مَن غُضِبَ له مالٌ ، أو ظُلِمَهُ ، أو سقطَ منه أو ضاعَ ، ثم وجده بعد أعوامٍ ، فليُزكِّه لعامٍ واحدٍ . و قاله ابنُ القاسمِ ، و أشهبُ ، و غيرهما من اصحاب مالكٍ . و هو قول مالك .
و أمَّا لو دفنه أو رفعه فنسيَ موضعه ثم وجده بعد سنين ، فليُزكِّه لكل سنةٍ ، قاله مالك . قال محمدٌ : إلاَّ أنْ يدفنه في صحراءَ ، أو في موضعٍ لا يُحاطُ به ، فهو كالمغصُوبِ والتالفِ . فأمَّا في البيتِ و الموضعِ الذي يُحاطُ به ، ثم يجده في موضعه فليُزكِّه لكل عام .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال سحنون ، في اللقطة مثلَ قول المغيرة : إنَّه
***(1/135)
[2/140]
كالمالِ المدفونِ ، إلاَّ أنْ يتسلفه ملتقطه فيصير كالدَّيْنِ ، و كذلك الوديعة . قال أشهبُ : و يُقبل قولُ المُودعِ و الملتقطِ انَّه يتسلّفُ ذلك ، أو تركَ ، و لو أسلفها المُودع لغيره ، صارتْ كالدَّيْنِ ، قال سحنونٌ ، عن المغيرةِ : فإن لم يعرِّف بها ملتقطها ، و أخفاها لتبقى له ، فهو لها ضامنٌ ، فإن أخذها ربُّها بعد أعوامٍ ، زكَّاها لعامٍ واحدٍ ، و إن لم يفعل هذا و لا أراد بها هلاكاً و لا أنْ يتسلفها ، فليُزكِّ ربُّها عن كل عامٍ .
قال ابن الْمَوَّاز : قال مالكٌ : لا يُزكِّي المودع زكاةَ ما أودعَ . قال محمد : و زكاتها على ربِّه إن حال الحولُ .
قال ابن حبيبٍ : و إذا أنفقه من هو بيده ، وعَلِمَ ربُّها بذلك ، فذلك كالدَّيْنِ يُزكِّيه ربُّه إذا قبضه .
و مَن غُصِبَ منه ماله ، فكان يرجوه أو يئسَ منه ، فأقام سنين ، ثم رُدَّ إليه بطَوْعٍ أو بحكمٍ ، فلا يُزكِّيه و لا لعامٍ واحدٍ ، وليأتنف به حولاً . قاله مالك ، بخلاف الدين و ذكر ما رُوِيَ في "الموطأ" من زكاةِ المالِ الذي أخذه بعضُ الولاةِ ظلماً ، ثم رَدَّه فلم يأخذ بما روي فيه . قال ابن حبيبٍ : وقوله في الحديثِ ؛ لأنَّه قد كان مالَ ضمانٍ يُرتجى
***(1/136)
[2/141]
المال الذي لا يُرجَى يُحبسُ عن صاحبه كرهاً ، و ما رُجيَ من الدَّيْنِ فليس بضمانٍ .
وقال عن مالكٍ : و إذا دفنَ مالاً و نَسِيَ موضعه ، ثم وجده ، فليُزكِّه لماضي السنين ، لأنَّه عرَضٌ به التلف ، بخلاف ما يسقط منهن قال : و ما سقطَ منه ، فإن كان راجياً له بأسباب تُقوِّي رجاءَه ، حتَّى اتَّصلَ ذلك بوجودهِ ، فليُزكِّه لعامٍ واحدٍ ، و إنْ كان على إياسٍ ائتنف به حولاً .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، مَن غُصِبَتْ ماشيته فرُدَّتْ إليه بعد اعوامٍ ، فقال ابن القاسمِ : لا يُزكِّيها إلا لعامٍ واحدٍ كالعينِ .
قال أشهبُ : إنْ كانت السُّعَاةُ تزكِّيها أجزأه ، و إلاَّ وَدَى عنها لكل عامٍ على ما يُوجد عنده ، و كذلك مَن غُصِبَتْ منه نخلةٌ ، ثم رُدَّت إليه واخذ ثمرتها كلَّ عامٍ ، فإن لم يُزكِّ فليزكها ، و العين ليس له أَنْ يطلبَ الغاصبَ بربحهِ .
و مَن له خمسٌ من الإبلِ فُقِدَ منها بعيرٌ ، ثم جاء المتصدِّقُن فلا شيء عليه . قال ابن القاسمِ : فإنْ أخذه بعد ذلك زكَّاه مكانه ، ثم يكون من يومئذٍ حوله . قال محمد : و أحبُّ إليَّ إن كان أيسَ منه أنْ يأتنف به حولاً . من يوم أخذه ، و إن كان على رجاءٍ منه ، زكَّى للعام الأولِ . و كذلك العبدُ في زكاةِ الفطرِ ، أنَّه يُزكِّي عن الآبقِ المرتجى ، ولايُزكِّي عن الآخر .
في زكاةِ المالِ يُبْضَعُ أو يُوهَبُ أو يُعْزَلُ لشراء قوتٍ وكسوةٍ
و من "العُتْبِيَّة" روى أشهبُ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ بَعَثَ بمالِ الشراءِ
***(1/137)
[2/142]
طعاماً لقوته ، فأخذه الحَوْلُ قبل يشتري به ، فإنَّه يُزكِّيه .
قال ابن نافع في "المَجْمُوعَة" : و إنْ جاءه الطعام و هو كثير لالا ينفعه مثله في خمسِ سنينَ ، وشبه ذلك ، فإنَّه إذا باع بعدَ الحولِ ما يُجاوزُ قوتَ مثله ، زكَّى ثمنَه .
قال سحنونٌ في "العُتْبِيَّة" ، عن ابن القاسمِ ، و مَن بعثَ بمالٍ على أفريقيةَ فحلَّ حولُه ، فإنْ لم يعلمْ حاله و لا كم هو أخَّرَ حتَّى يقدَمَ فيُزكِّيه ، لما مضى .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، ذُكِرَ عن مالكٍ ، في مالِ القراضِ ، إذا كان العاملُ غائباً عنه ببلدٍ بعيدٍ لا يدري ما حاله و لا حال ما في يديه و لا ما حدثَ عليه ، فلا يُزكِّي حتى يعلم ذلك ، أو يرجع إليه . قال : بمنزلة المدير يُجَهِّزُ على بعض البلدان ، فيأتي شهرُ زَكَاتِهِ ، و لا يدري ما حال مالِهِ فلا يُزكِّيه حتى يرجع إليه ، أو يأتيه علمه بالأمنِ عليه ، فيركيه لماضي السنين ، و قاله أصبغ .
و من "العُتْبِيَّة" من سماع ابن القاسمِ ، و مَن بعثَ بعشرةِ دنانير لشراء ثوبٍ لزوجتهِ ، فحلَّ حولُه قبل الشراءِ ، فليُزكِّه . قال أصبغُ : و لو أشهدَ بذلك حين بعثه ، لم يزكِّ ، و لو مات كانت لمن أشهد له ، و كذلك لو أبطأ عنه الساعي ، فعزل ضحايا لأهلهِ ، و أشهد عليها ، فلا يُزكِّيها إن
***(1/138)
[2/143]
جاء الساعي ، و إن لم يكن أشهد فليُزكِّهَا . رواه أبو زيدٍ .
قال سحنونٌ ، عن ابن القاسمِ : و مَن تصدَّقَ بمالٍ على رجلٍ وعزله له ، فإن لم يقبله زكَّاه ربُّه لماضي السنين ، و إن قبله استقبل حولاً ، و لم يُسقطْ منه الزكاة ، يريدُ : فيما مضى .
و في "كتاب" ابنِ سحنون : إن قبلها ائتنف المُعطِي بها حولاً ، و يسقُطُ منها زكاة ما مضى ، و إن لم يقبلها ، زكَّاها ربُّها لماضي السنين .
في زكاة المالِ يُفاد شيئاً بعد شيءٍ ، وحكم الفوائدِ في أحوالها و نمائها ، و ما يُضَمُّ منها بعضه على بعضٍ
و من قولِ مالكٍ ، و أصحابه : مَن أفاد مالاً بعد مالٍ ، فإنَّه إن كان الأوَّلُ ليس فيه ما يُزكِّي ، فهو يضمُّ إلى ما بعده ، حتَّى يبلُغَ عِدَّةَ مالِ الزكاةِ ، ثم ما أفاد بعد ذلك ، كان له حَوْلٌ مؤتنفٌ . فإنْ كان المالُ الأوَّلُ فيه الزكاةُ ، فلكلِّ ما أفيدَ بعده حولٌ مؤتنفٌ ، و إنْ كثرت الفوائد حتى يضيقَ عليه أَنْ يُحصِيَ أحوالَهَا ، فليضم الأول إلى ما بعده من الفوائد مما يَخِفُّ به عليه إحصاءه أحواله ، حتى يصيرها على حولين أو ثلاثة ، و نحوه مما يَقْدِرُ ، أَنْ يحصيه ، فإن لم يكن ذلك ، صَعُبَ عليه ضَمُّ جميعها على
***(1/139)
[2/144]
آخرها . و أمَّا فيما يكثرُ عليه من تقاضي الديونِ ، فليضم آخر ذلك على أوَّله . و كذلك قال سحنونٌ ، و غيره .
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ : و مَن أفادَ عشرة دنانير فأقامت بيدهِ ستةَ أشهرٍ ، ثم أفاد عشرة فأكثر ، فليضم الأولى إلى الآخرة ، فإن تَجَرَ في الأولى فصارت عشرين ديناراً قبل حول الثانيةِ بشهرٍ ، فليُزكِّ الولى مكانه بربحها ، و يُزكِّ الثانية لحولها ، و إنْ قلَّتْ فإن أنفقها قبل حولها ، فلا شيء عليه ، و لو أنفق الأولى بعد حولها قبل أن تبلغ عشرين ديناراً ، ثم حال حولُ العشرةِ الثانيةِ ، فقال أشهبُ/ يُزكِّي عنها وعن التي أنفق ، لأنَّا إنما أجزنا زكاتها خوفاً ألاَّ تبلغ الثانية إلى حولها . و قال ابنُ القاسمِ : لا يزكِّي الثانية كانت الأولى مزكاة أو لم تكن ، إلاَّ أنْ تبقى الأولى ، أو يبقى منها ما لو ضُمَّ إلى الثانيةِ بلغَ مال الزكاةِ ، فليُزكِّ الثانية مع الأولى إلا أَنْ يكون زكَّى الأولى ، فليُزكِّ الثانية فقط لحولها ، و إذا كان يُزكِّي الفائدتين ، كل واحدةٍ لحولها ، ثم رجع إلى ما لا زكاة فيه لو جُمعا ، فإنْ جمعهما حولَ آخرهما ، و هما ناقصان ، بطَلَ أنْ يكون لهما حولانِ ، بعد ذلك ، -يريد و إن نميا – و لو تَجَرَ في ألأولى ، فصار فيها الزكاة قبل أَنْ يجمعهما حول ، فليزكيها حينئذٍ ، و ينتقل حولها إلى هذا الوقت ، ثم إذا حلَّ حول الثانية زكَّاها إذا كان فيها ، و في الأولى ما في
***(1/140)
[2/145]
مثله الزكاةُ ، و كذلك لو جمعهما في تجارةٍ فَرَبِحَ فصار ما في الزكاة ، قبل حول الثانية فليقضِ الربحَ عليهما ، ثم يزكِّي كل مالٍ لحولهِ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال عيسى ، عن ابن القاسمِ ، فِي مَنْ أفادَ عشرينَ ديناراً ، ثم عشرين بعد ذلك : فليُزكِّ كل فائدةٍ لحولها ، فإن نقصتات أو نقصت إحداهما بعد أن زكَّاها للحولين ، فإنَّه يبقيان كذلك ، يُزكِّي كلَّ مالٍ لحوله ما دام فيهما إذا جمعا ما فيه الزكاة ، و إنْ حلَّ حولُ الأولى ، و ليس فيهما ما فيه الزكاة ، فلا يُزكِّي شيئاً ، ثمَّ إن نما أحدهما قبل حول الثانية ، فصارت مع الأخرى ما فيه الزكاة ، فليُزكِّ الأولى حينئذٍ ، و ينتقل حولها إلى اليوم ، و يبقى حول الثانيةِ . و لو لم يربح شيئاً حتَّى حلَّ حولُ الثانيةِ ، صار حولهما واحداً . و قاله كله مالك . و كذلك في "كتاب" ابن حبيبٍ ، و "المَجْمُوعَة" .
و من "كتاب" ابن سحنون ، و من أفاد خمسة عشر ديناراً ، ثم على ستَّةِ أشهرٍ أفاد ثلاثة دنانير فخلطَ المالين ، ثم أخذ من جملتها ثلاثة فتجر فيها فربح ثلاثة ، فليقسم الربحَ على المالين فينوبُ الخمسة عشرَ ديناران و نصفٌ ، والثلاثة نصف دينارٍ ، و يبقى المالان على حولهما . يريدُ : حول آخرهما . و لو ربح ستة دنانير ، وقع للمالِ الأول خمسةٌ فيصير بربحه ما فيه الزكاة ، فيزكيه لحوله ، و المالُ الثاني لحوله يريد إن كان هذا الربح قبل أنْ
***(1/141)
[2/146]
يضمهما حولُ آخرهما . قال : و لو أخذهما حولٌ من يوم خلطهما –يريد أو أخذهما حولُ الآخرةِ – و إن لم يمضِ لتاريخِ خلطهما حولٌ . قال : فلا يرجعانِ إلى حولينِ ، و يبقى حولهما واحداً . و لو تجرَ في أحد المالين فربح فيه ستة دنانير ، ثم لم يدرِ أيهما هو ، فليزكيهما على حولِ آخرهما ، و لا يقضه بالشكِّ فقد يُزكِّي للأول قبل حوله .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال سحنون : و لو بلغت الفائدة الأولى ما فيه الزكاة ، فزكاها لحولها ثم اقرضها رجلاً ، أو اشترى بها سلعة للتجارة ، ثم حلَّ حولُ الثانية ، و لا زكاة فيها – أراه يريدُ : و ليس بمديرٍ – قال : فلا يُزكِّي إلا أنْ يقبضَ من ذلك الدَّيْنِ ، أو يبيع من تلك السلعة ما إن ضمَّه على الثانيةِ بلغَ ما فيه الزكاة ، فليُزكِّ الثانية لحولها و لا يُزكِّي ما اقتضى أو باع ، إلا لحوله من يوم زكاه .
قال ابن القاسم : و إن انفق الأولى ، و ليس في الثانيةِ ما فيه الزكاة ، وثَمَّ فائدةٌ ثالثةٌ ، فليضمَّ الثانية إلى حول الثالثة ، فإذا حلَّ زكَّاها إن بلغا ما فيه الزكاة ، و لو بقيَ من الأولى التي زكاها خمسةٌ والثانية عشرةٌ والثالثة خمسةٌ ، فليُزكِّ الثانية مع الثانية لحول الثالثة ، و هما خمسة عشرَ ، وتبقيةُ الأولى التي زكَّاها تمامُ ما فيه الزكاة ، و لا يُزكِّي بقية الأولى الآمن لأنَّه لا يُزكِّي مالٌ في حولٍ مرتين .
***(1/142)
[2/147]
قال غيره : إلاَّ أَنْ يدورَ على بقية الأولى حولٌ يوافق حول الثالثة ، فليُزكِّ الجميع لوقتٍ واحدٍ .
قال أبو محمد : إذا كانت الأولى عشرين ، والثانية والثالثة عشرة عشرة ، فزكَّى الأولى لحولها ، ثم رجعت إلى خمسةٍ قبل حولِ الثانيةِ ، ثم جاء حول الثانية فلا يُزكِّيها حتى يبقى من الأولى عشرةٌ فأكثرُ ، أو تصيرَ الثانية خمسةَ عشرَ ، و أمَّا لو جرتِ الزكاة في جميع هذه الفوائد فزكَّاها ثم صارت ألأولى خمسة ، فليزكِّ الثانية ، و كذلك الثالثة ما دام في جميع الثلاثة ما فيه الزكاة .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسمِ : و مَن أفاد خمسين ثم عشرة بعدها ، فزكَّى الخمسين لحولها ، ثم أتلفها قبل حولِ العشرةِ ، ثم جاء حولُ العشرةِ ، فلا يزكيها إلا أَنْ يبقى من الخمسين عشرة فأكثر ، بخلاف أنْ لو كانت العشرة في دَينٍ له ، أو عَرَضٍ له حولٌ فأكثر ، قبل يزكِّي الخمسين ، فهذا يُزكِّي العشرة إذا قبضها بعد حول الخمسين و إتلافها ، إلا أنْ تتلفَ الخمسون قبل حول العشرة .
***(1/143)
[2/148]
في زكاةِ الدَّيْنِ و ما يتفاوت قبضه منه ، أو مِن بيعِ العَرَضِ ، و زكاة ما يقارن ذلك من الفوائد باتِّفاقِ حولٍ أو اختلافه ، و زكاة الدين قبل قبضه ، و العرضِ قبلَ بيعه
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و"المختصر" قال مالكٌ : و مَن له دَيْنٌ لي سله غيره ، قد مضى له حولٌ فأكثرُ ، فكان يأخذُ منه ديناراً بعد دينارٍ ، فينفقه أو يسلفه ، فلا يُزكِّي حتى يقبضَ تمام عشرين ديناراً فيزكِّي عن عشرين ، ثم يزكِّي كل ما يقبض و إن قلَّ ، وحولُ ما يقبض بعد العشرين من يوم يقبضه ، فإن كَثُرَ عليه فلم يحصه ، فليرد
ما شاء منه إلى ما قبله .
قال في "المختصر" : و كذلك ما بيعَ من عروضه شيئاً بعد شيءٍ يكثُرُ عليه ، فليضمَّ ما شاء من ذلك إلى ما قبله كالدَّيْنِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و أمَّا في كثرةِ الفوائد شيئاً بعد شيءٍ فيختلط عليه ، فليَرُدَّ الأول إلى الآخر ، ثم يريدُ ما شاء من ذلك ممَّا يمكنه ضبطه و لا يختلط عليه .
قال عبد الملك في "المَجْمُوعَة" : إذا كثر عليه ما يقتضي من الدَّيْنِ بعد العشرين التي زكَّى منه ، فليَرُدَّ الآخر إلى ألأول ، و قالله ابنُ نافعٍ ، وعليٌّ ، عن مالكٍ . و كذلك قال ابن القاسمِ في العَرَضِ يبيع منه بعد الحولِ
***(1/144)
[2/149]
شيئاً بعد شيءٍ ، فيكثر الآخر إلى ما قبله .
قال سحنونٌ : فأمَّا في كثرةِ الفوائد فليردَّ الأول إلى الآخرِ . و قال ابنُ حبيبٍ : يرُدُّ الآخر إلى ألأول ، في الفوائد والديون ، قال ابو محمد : وقولُ مالكٍ وسحنونٍ أصحُّ ؛ لئلا تؤدي قبلَ حولِهَا ، والدَّيْنُ قد حلَّ حوله ، إلاَّ أنَّا لا نعلم أيقبض أم لا ، و قد اختلف في زكاته قبل قبضه .
قال ابن الْمَوَّاز : فابن القاسمِ يقولُ : لا يجزيه . و أشهب يقولُ : يُجْزِئُهُ . و هو محسِنٌ . و قد اختلف قول ابنِ عمرَ في زكاة الدَّيْنِ . و قال ابن شهابٍ : يزكِّي قبل قبضه .
قال ابن القاسم : كما لا يُجزئُ عند مالكٍ زكاة العَرَضِ قبل بيعهِ ، فكذلك زكاة الدين قبل قبضه .
قال ابن حبيبٍ : و قال أشهبُ : في العرضِ لا يُجْزِئُهُ زكاته قبل بيعهِ .
و من "المَجْمُوعَة" قال ابن نافعٍ ، وعليٍّ ، عن مالكٍ لو لَزِمَ زكاةُ الدَّيْنِ قبل قبضهِ ، و العَرَضُ قبل بيعهِ ، لزم أَنْ يخرج عن الدَّيْنِ دَيْنٌ ، وعن العَرَضِ منه .
قال ابن الْمَوَّاز : قال ابن القاسم : و مَن له دَيْنٌ على مَلِيٍّ مأمونٍ ، يتركه عليه أعواماً ، و لو شاء أخذه ، و هو يعرضه عليه ، فيتركه ، أو كان على عديمٍ ثم افاد ، فقضاه ، فذلك سواءٌ عند مالكٍ ، لا يزكيه إلاَّ لعامٍ واحدٍ بعد قبضهِ .
قال مالكٌ : و لو كان ما اقتضى من الدَّيْنِ إنَّما تمَّ عشرين ديناراً بربحٍ ربحه فيه ، ثم يُزَكِّ ما يقتضي و لو قلَّ ، و لو هلك ذلك بعد أن
***(1/145)
[2/150]
زكَّاه –محمد : بسببه أو بغير سببه – فليُزكِّ ما يقبض بعد ذلك و إن قلَّ ، و كذلك إذا باع من العرضِ بالدينارِ ، و ينفقه ثم يبيع بعد ذلك بشيءٍ آخر ، فليُحصِ ذلك على تمام عشرين ديناراً ، فيزكيها ، كما ذكرنا .
فأمَّا إنْ هلكَ في الدَّيْنِ –محمد ، و هذا إذا أنفق ما كان يقبضُ – أو أتلفه ، فأمَّا إنْ هلك بغير سببهِ قبل تمام العشرين ، فليس عليه زكاةُ ما تِلف ذلك من دِينٍ ، أو من ثمنِ عَرَضٍ . و قال سحنونٌ في "المَجْمُوعَة" : هلك بسببه أو بغير سببهِ ، و هو سَوَاءٌ و عليه زكاته . و قاله ابنُ القاسمِ ، و أشهبُ .
قال أشهبُ ، و ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، في مَن قبضَ من دَيْنٍ له حَوْلٌ تسعة عشرَ ديناراً ، ثم قبض بعد شهرٍ ديناراً ، فليُزكِّ العشرين يوم قبضِ الدينار و يكون من يومئذٍ حولٌ لها ، فيزكيها لحولها ، و إن نقصتها الزكاة ، إذا كان بيده ممَّا اقتضى بعدهما ما إن ضمَّ إليها ، وجبت فيها الزكاة ، كالفائدتين – يريدُ : يصير ما يقبض بعد العشرين منفرداً لحولٍ فيزكِّي ذلك لحولهِ و العشرين لحولها ، ما دام في جميعها ما تجب فيه الزكاة ، كالفائدتين . قال ابن القاسم : و من له مائة دينارٍ لها حولٌ ، ثم أفاد عشرين فلم يمضِ للفائدةِ حولٌ حتى يقبضَ عشرةً من الدَّينِ ، فلا يزكيها حتى يَحِلَّ حولُ الفائدة أة يقبض عشرةً أخرى قبلَ ذلك ، و لو استهلك العشرةَ
***(1/146)
[2/151]
الأولى قبل حول الفائدةِ ، ثم حلَّ حولُ الفائدةِ فزكَّاها ، فلا يزكِّي ما استهلكَ حتَّى يقبضَ من الدَّيْنِ عشرةً أخرى ، فأكثر ، إلا أنَّه يُزكِّي ما يقتضي من الدَّيْنِ بعد زكاةِ الفائدةِ قلْ ذلك أو كثرَ ، و لا يُزكِّي معه العشرةَ التي استهلكَ قبل حولِ الفائدةِ حتى يقبضَ بعد حولِ الفائدةِ تمامَ عشرين ديناراً بالذي استهلكَ ، فيُزكِّي حينئذٍ ما استهلك مع هذا الآخر .
قال ابن القاسمِ : و مَن أفاد عشرين ديناراً ، فأسلفَ منها خمسةٌ ، وبقيت خمسةَ عشرَ بيدهِ حتَّى حلَّ حولها ، ثم تَلِفَتْ أو استهلكها ، ثم قبضَ الخمسةَ ، فليُزكِّ الآن عن عشرين .
قال عبدُ الملكِ : و مَن له مائة دينارٍ بيده ، و له مائة دينٌ ، وحولهما مختلفٌ ، فاقتضى من الدين عشرةٌ قبل حولها ، فإنْ كان حولُ الدِّينِ قبلُ ، فلا يُزكِّي العشرة حتَّى يحلَّ حولُ المائة العين ، و إن كان حولُ العينِ كان قبل فحلَّ فزكَّاه ، ثم انفقه قبلَ حولِ الدَّيْنِ ، ثم اقتضى شيئاً مِن الدين ، فلا يُزكِّي حتَّى يقتضيَ تمام عشرينَ بالعشرةِ الأولى .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسم : و مَن أفاد ديناراً و له دَيْنٌ كثيرٌ فمضى للدينارِ حولٌ ، ثم أنفقه ، ثم اقتضى تسعةَ عشرَ ديناراً ، فليزكِّهَا مع الدينار ، إلاَّ أنْ يكونَ إنَّما أنفقه قبل حول الدين ، و من اقتضى من دَيْنٍ له حولٌ ديناراً فَتَجَرَ فيه فصار عشرين ديناراً ، فليزكّ أحداً و عشرين ديناراً فقط ، لأنَّ الزكاة
***(1/147)
[2/152]
وجبت في الدينار الثاني يومَ قبضهن كمَن حَلَّتْ عليه زكاة عشرين ديناراً بيده فلم يزكِّهَا حتى تجرَ فيها ، فصارت أربعين ، فإنَّمَا يُزكِّي عشرين ثم يرتقب الحول الثاني . و ما ذُكرَ عن مالكٍ أنَّه يزكي الربح لحولٍ من يومِ ربحهِ . ليس بقوله وقولِ أصحابه ، و هي رواية ابن عبد الحكم و أشهب عنه ، و قد ذكرها أيضا سحنون ، و أنكرَ منها ما أنكر ابن الْمَوَّاز ، قال ابن الْمَوَّاز : و لو غُصِبَتِ العشرون منه أو أتلفها ، لضمنَ زكاتها بتعديه بتأخيرها .
ابن سحنونٍ قال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ له دراهم ديناً في مثلها الزكاةُ ، فأخذ فيها ذهباً بعد حولٍ : فإنَّمَا عليه زكاةُ المأخوذ ، و كذلك لو أخذ عن الذهبِ وَرِقاً ، إنْ كان في المأخوذ ما يُزكِّي ، و لا يبالي كان أصل الدينِ فيه الزكاة ، أو لا زكاة في مثله ، و لو عَرَضاً لم يُزكِّه حتَّى يبيعه .
قال ابن الْمَوَّاز : و من أفاد عشرةَ دنانير فأسلفَ منها خمسة ، ثم اشترى بخمسةٍ منها سلعةً ، فباعها للحولِ بخمسةِ عشر فأنفقها ، ثم اقتضى الخمسة ، فقال ابن القاسمِ و أشهب : يزكِّي عن عشرين الآن من هذه الخمسة .
قال محمد : و لو تلفت الخمسة عشرَ بغيرِ سببهِ بعد حولها ثم اقتضى الخمسةَ فلا شيء عليه ، و لو هلكت بانتفاعه و إنفاقه لزمته زكاتها إذا قبض الخمسةَ . يريدُ : يُزكِّي عشرين . قاله ابن القاسم و أشهب . و ليس كالتي اختلفا فيها ؛ تلك أنفق الأولى قبل حولِ الآخرة ، و هذه بعد الحول .
قال محمد : و لو هلكت بغيرِ سببه لم يزكِّ ، كمال وجبت فيه الزكاة هلكَ بيدك بغيرِ تفريط وبقيَ منه ما لا زكاة فيه . قال ابن حبيبٍ : و لو أسلفَ الخمسة بعد الحولِ ، أو أنفقها ثم اشترى بالخمسة الأخرى سلعةً ،
***(1/148)
[2/153]
فباعها بخمسة عشر ، فليزكِّ عن عشرين و إن لم يقبض الخمسة السلف . قال أبو محمد : وقولُ ابن حبيبٍ هذا على غير قولِ ابنِ القاسم .
وقال أشهبُ في غير "كتاب" ابن حبيبٍ : إذا أنفق الخمسة قبل الشراء أو بعده ، فلا زكاة عليه حتى يبيع بعشرين .
في زكاة من عليه ديْنٌ ، وكيف إن كان عليه صدَاقٌ ، أو نفقةٌ ، أو زكاةٌ فرَّطَ فيها ، و ذكر النفقات التي تلزمه
من "المختصر" ، قال مالكٌ : و مَن حلَّتْ عليه زكاة العينِ و عليه دَيْنٌ مثله ، فلا زكاة عليهن فإن كان فيما معه فضلٌ عن دينه تجب في مثله الزكاة زكاه ، و لو كان له عَرَضٌ قيمته مثل ما عليه ، زكَّى ما معه ، و إن كانت قيمة العرضِ تفي ببعضِ دينه أزال من العين تمامه ، وزكَّى ما بقي ، إن كان في مثله الزكاة .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و إنَّمَا يُسقطُ الدين زكاة العين فقط ، كان ذلك الدين عرضاً ، أو طعاماً ، أو ماشيةً ، أو غيرها ، و لا يسقط بالدينِ زكاةُ ماشيةٍ ، و لا حَبٍّ ، و لا ثمرٍ ، و لا معدنٍ ، و لا رِكازٍ ، و لو كان إنَّمَا تسلَّفه فيما أحيا به الزرع والثمر ، وقَوِيَ به على المعدن والركاز ، لم يسقط ذلك عنه شيئاً من ذلك ، و يُخرج أيضاً خُمسَ الركازِ ، و أمَّا في زكاة الفطر فِي مَنْ عنده عبدٌ ، و عليه عبدٌ مثله ، فابن القاسم لا يوجب فيه زكاة الفطر . و أشهبُ يوجبها .
***(1/149)
[2/154]
و من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : و لم يَثْبُتْ أنَّ الأئمة قالوا ذلك عند أخذهم زكاة الفطر ، والحَبِّ ، والثمرِ ، و الماشية ، أَنْ يسقطوا زكاة ذلك بالدينِ ، و قد قالوه في العين ، و كان عثمان ينادي به عند الحولِ فِي مَنْ عليه دَينٌ .
قال أشهبُ : والدَّيْنُ اولَى من زكاة العين ، فرَّطَ فيها أو لم يُفرِّطْ ، و هو أولَى مما فرط فيه ، من زكاة ماشيةٍ ، أو حَبٍّ ، أو ثمرٍ ، فليس ما لم يفرِّط فيه من ذلك ، و الماشية والثمرُ والحَبُّ قائمٌ . قال المغيرة : إذا لزمته زكاةٌ في زرعٍ أو ثمرةٍ ، فاستقرضها ، فلي للسلطان محاصةُ غرمائِهِ بذلكن و لو مات لم يطلب ورثته ، و هم إنَّما يرثونَ بعد الدَّيْنِ – يريدُ ففارق الديون – قال ابن الْمَوَّاز : و الهاربُ عن الساعي تكونُ الزكاة في ذمته ، و لو تخلَّفَ عنه الساعي لم يضمنها .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و مَن لم يُؤَدِّ زكاةَ عشرينَ ديناراً لزمته ، وفرَّطَ فيها حتَّى سُرِقَتْ ، فالزكاةُ في ذمتهِ .
قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : وتُباعُ عروضه فيما فرَّطَ فيه من الزكاةِ . قال محمد ابن الموازِ : إنْ تركَ أداءَ الزكاةِ أعواماً عن عشرين ديناراً ، و له عروضٌ تفي بذلك ، فعليه زكاة عامِ سلفَ عن عشرين ديناراً كاملةً ، و إنْ أحاطَ ذلك بها كلها أو بِجُلِّهَا .
***(1/150)
[2/155]
قال : و رَوَى ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ له عشرون ديناراً ، فلم يركِّها ثلاث سنينَ ، جَهِلَ أو فرَّطَ ، ثم اناب ، فليس عليه إلاَّ نصفُ دينارٍ . قال ابو محمد : يريدُ : و لا عرض عنده ، نوى ما لزمه من ذلك . و رَوَى يحيى بن يحيى ، عن ابن القاسمِ ، فِي مَنْ لزمه إخراج عشرين ديناراً زكاةً ، فلم يخرجها حتى ذهب مالُه فلم يبقَ منه إلاَّ ثلاثونَ ديناراً عند حولٍ آخر ، قال : فليَرُدَّ العشرين التي عليه ، و لا يُزَكِّ العشرة الباقية ، لأنَّ العشرين دَيْنٌ عليه . قال : و لو أنَّ عنده عَرَضاً يَسوى العشرين التي عليه فلا يحسبُ ذلك فيه ، بخلاف ديونِ الناسِ ، و لا يَحْسِبُ ما عليه من الزكاةِ ، إلاَّ في المال الذي معه ، فإنْ بقي منه ذلك عشرون ديناراً زكَّاها ، و إلاَّ لم يُزكِّ . و قال ابن الموازِ : إنَّما هذا عند مالكٍ ، و ابنِ القاسمِ ، إذا لم يكن له عَرَضٌ ، و لو كان له عرضٌ فيه كَفَافُ ما عليه من ذلك ، لزكَّى الجميع .
وقال ابن القاسمِ في "المدونة" : و قاله مالكٌ : إنَّ مهرَ الزوجةِ تسقُطُ به الزكاةُ . و هذا القياسُ . و قال ابن حبيبٍ : تسقطُ الزكاةُ بكل ديْنٍ ، إلاَّ مهورَ النساءِ إذ ليس شأنهنَّ القيامُ به ، إلاَّ في موتٍ أو فِراقٍ ، وعندما يتزوَّجُ عليها ، فلم يكن في القوَّةِ كغيره . و ذكر أنَّ القاسم بن محمد قالَه .
و ما ذكر ابن حبيبٍ من هذا ، خلافُ ما رُوِيَ عن مالكٍ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال أصبغُ : و مَن بقي لتمامِ حولِهِ شهران ، فتسلَّفَ
***(1/151)
[2/156]
مالاً فأبقاه بيده ، أو أدخله في تجارته ، فإن كان له به وفاءٌ فهو كمالهِ ، يزكيه معه إذا خلطَ به ، وجرتْ فيه التجارة قبل الحول . قال أبو محمد : و هذه المسألة مخالفةٌ لأصولهم ، والذي تسلَّفَ كالفائدة له حوله ، واراه تأوَّلَ ، أنَّه لمَا تسلَّفه على ما بيده جعله كأنَّه منه ، و هذا بعيدٌ .
قال ابن الْمَوَّاز : و اتَّفقَ ابنُ القاسمِ و أشهبُ ، أنَّ نفقةَ الزوجةِ إذا حلَّت تُسقطُ الزكاة ، و إن لم يكن يقضيه . و إنَّ نفقةَ الأبوينِ لا يسقطها إلاَّ أنْ يكون يقضيه ، واختلفا في الولدِ ، فجعله ابنُ القاسمِ كالأبوينِ . وجعله أشهبُ كالزوجةِ . و به أقول ؛ لأنَّ نفقته عليه لم تسقطْ ، فيؤتنف فيها حكمٌ . و في "المدونة" في الأبوين خلافُ هذا عن ابن القاسمِ . و في رواية ابنِ حبيبٍ ، عن أشهبَ ، أنَّ نفقة الولدِ كالوالدين ، لا تسقط بها الزكاة إلاَّ أنْ يكونَ يقضيه .
وقال أشهبُ في "المَجْمُوعَة" : و إذا فرضَ عليه القاضي لزوجته عشرة دراهم في كلِّ شهرٍ ، ثم لم يجبْ عليه من العشرةِ شيءٌ حتَّى حلَّ الحولُ ، فعليه الزكاةُ ؛ لأنَّ الزكاةَ وجبتْ و لا دينَ عليه . قال ابن الموازِ : و أمَّا المرأة في زكاتها ، فلا يلزمها نفقةُ ولدها و لا رضاعهن إلاَّ في عدمِ الأبِ في الرضاعِ و مثلها لا يرضعُ ، و هي مليَّةٌ فلتسترضعْ له ، و كذلك في موتِ الأبِ ، و لا مالَ لهم . قال ابن القاسم : و ينفقُ الأُ على البكرِ ، و يقال له في خادمها : إمَّا أنفقتَ عليها وزكَّيتَ للفطرِ ، و إلاَّ فبِعْهَا . و قال أشهبُ : لا شيءَ عليه إذا لها خادمٌ ، و لو لم يبقَ من ثمنها غيرُ درهم ، و الابنة صغيرةٌ أو كبيرةٌ .
***(1/152)
[2/157]
قال ابن الْمَوَّاز : يُنظرُ ، فإن كان لابد لها من خدمتها ، فعليه النفقةُ عنها وعن خادمها ، و كذلك في بنيه الذكور ، و إلى هذا يرجع ابن القاسم ، و أشهبُ . و إن كان للولدِ بدٌّ من خدمتها ، فلا نفقة للولدِ عليه ، وليكتبْ عليه حتى يبيعَ ، و يستوفي . و قال ابن القاسم أيضاً : إذا حبستها لخدمة ولدك لزمتك النفقة والزكاة عنها ، إلاَّ أَنْ يؤاجرها أو يبيع . و قال أشه بفي "المَجْمُوعَة" : و من قَدِمَ من سفرٍ ، و قد أنفقت زوجته سلفاً عليه ، فإن كان مليًّا في طُولِ غيبته فما لزمه من ذلك سقطَ عنه الزكاة في مثله من ما حلَّ عليه ، و إن كان فيها أو في بعضها لا مال له ، لم يلزمه في مُدَّةِ عُدمهِ نفقةٌ .
في المديان هل يحسب ما عليه في دَينٍ له ، أو فيما يقتنى من عروضه ، أو في نصابِ ماشيته ، أو فيما له زكاة ، من المعدنِ ، أو الحَبِّ ، أو مال ينفرد بحول ، أو في قيمة مكاتبه ، و مُدبِّرهِ ، و المُعتقِ إلى أجلٍ ، و الآبقِ ، وشبه ذلك
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ ، و أشهبُ : و يجعلُ
***(1/153)
[2/158]
لمن حلَّت عليه زكاةُ مالِه من الجين الذي يرتجى قضاؤه فيما عليه من الدين ، و يزكِّي ما بيده ، و قال سحنون : بل يجعل قيمة الدين الذي له فيما عليه . و قال عيسى : ، عن ابن القاسمِ ، في "العُتْبِيَّة" : إن كان دَينهُ على غير مَلِيٍّ ، فليحسبْ قيمته . يدلُّ على قوله هذا ، أنَّه إن كان مليًّا حَسَبَ عدده . يريدُ : و الله أعلم : إن كان حالاً ، و إنْ كان إلى أجلٍ ، فينبغي أنْ يحسبَ قيمته ، لأنَّه لو فَلَسَ هذا كان كذلك يفعل بدينه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و يجعل في دَينهِ كلَّ ما يباع في التفليس ، و لا يجعل في ذلك ثيابه التي يلبس ، و يجعل دابته ، وسَرجه ، وسلاحه ، وخَاتمه .
قال أشهبُ : لا يحسبُ خَاتمه . و قال في ثوبي جمعته : إنْ كان لباسُ مثلهما سَرفاً بيعا في الدَّيْنِ . و قال ابن الْمَوَّاز : لم يختلف أصحابُ مالكٍ ، أنَّه يَحسبُ فيه رقاب مدبَّرِيه .
وقال سحنون في "المَجْمُوعَة" : و لا يجعل ذلك في رقابهم ، و لا في خدمتهم ، إذ لا يباعوا – يريد في حياته – قال ابن الْمَوَّاز : قال ابن القاسم : و يحسب قيمةَ كتابة مكاتبيه في دَينه . و قال أشهبُ : قيمتهم مكاتبين بقدرِ ما عليهم . و قال في "المَجْمُوعَة" : قيمة المكاتب مكاتباً بما عليه .
***(1/154)
[2/159]
قال ابنُ الْمَوَّاز : و قال أصبغُ : بل قيمته عبداً أحبُّ إليَّ . و قال ابن حبيبٍ : عن أشهب ، و أصبغ : قيمته عبداً . و قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة" : و يُقوِّمُ قيمةَ خدمةِ المُعتقِ إلى أجلٍ . قال أصبغُ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : على أَنْ يشتريَ بغررها . قال أشهبُ في "المَجْمُوعَة" : و لو خدمَ و هو عبدَه سنين أو عمراً ، قُوِّمتْ رقبته على أنَّه يأخذه إلى تلك المدة ، و لو كان غيره أخدمه مدَّة ، حُسبتْ قيمةُ الخدمة تلك المدة في دَينه .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عيسى ، عن ابن القاسم ، قال : و إن كانت له ماشيةٌ يزكيها ، فليجعلها في دَينه ، و يُزكِّ عينه . و كذلك في "كتاب" ابن سحنونٍ ، و ابن الْمَوَّاز .
وقال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، فِي مَنْ له أربعون شاةً ، و عليه مثلها دَيناً وعنده عشرون ديناراً ، فحلَّ حولُ ذلك كله ، فأخذ الساعي شاةً : فانظر فإن كان قيمةُ التسعة وثلاثين شاةً الباقية مثل قيمة ما عليه فأكثر ، فليُزكِّ العشرين ديناراً ، و إلاَّ فلا زكاة عليه فيها . و قال سحنونٌ و نحوه ، في "كتاب ابنه" .
و من "العُتْبِيَّة" من رواية عيسى ، عن ابن القاسمِ ، و هو عنه في "المَجْمُوعَة" ، فِي مَنْ له مائتا دينارٍ ، حولُ كل مائةٍ على حدةٍ ، و عليه دَينٌ : فليُزكِّ ، و إذا حلَّ حولُ الأولى جعلَ الثانية في دَينه ، وزكَّى الأولى – يريد : و لا يزكِّي الثانية ، لأنَّ الدَّينَ يذهب بأحدهما لابدَّ - .
***(1/155)
[2/160]
و في "كتاب" ابن حبيبٍ : يُزكِّي كل مائةٍ في حولها ، و يجعل دَينه في الأخرى ، و في آخر باب زكاة ما رَبِحَ ، فيما لم يتعدَّ فيه من هذا .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و نحوه لسحنونٍ ، و إذا وجدَ في المعدنِ مائةَ دينارٍ فزكَّاها ، و معه مائة أخرى ؛ يريدُ حلَّ حولها ، و عليه مائةٌ ، فليجعل في دَينهِ ما بقي من المائة المعدنية بعد الزكاة ، و يزكِّي مثلَ ذلك من المائة الأخرى – يريد إنْ لم يكُنْ له عَرَضٌ يسوي ما بقي منها .
قال ابن الْمَوَّاز : قال ابن القاسم : و لا يحسب قيمة عبده الآبق . قال أشهبُ : إن كان إباقته قريباً يرجى ، قُوِّمَ على غرره – يريدُ أن لو بيع وجعله في دينهن و إن طال أمره فلا يحسبه .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى أبو زيدٍ ، عن ابن القاسمِن فِي مَنِ ابتاع طعاماً بمائة دينارٍ ، فأكرى عليه بثلاثين ديناراً ، فباعَ منه للكراء ؛ يريدُ بعد الحولِ بثلاثين ، فإنَّه يزكيها ، لأنَّ باقي القمح في دَينه ، ثم عن باع باقيه لم يزكِّ منه قدر الثلاثين التي كانت عِوَضاً لدَينهِ ، وزكَّى ما زاد عليها و إن قلَّ ، لأنَّه مضافٌ إلى الثلاثين . التي باع بها أولاً وزكَّاها . و كذلك في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و قال : و لو كان عنده عَرَضٌ يَسوى ثلاثين غيرَ الطعام لزكَّى جميع ثمنهِ إذا باعه أو يُقدِّرُ ما عنده من العرضِ ، يزكِّي من الثلاثين .
قال أبو محمد : أرى هذا على أصل القائلِ في مائتين حولهما
***(1/156)
[2/161]
مختلف ، و عليه دَينٌ مائةٍ ، إنَّه إنَّمَا يزكِّي مائة واحدة ، و قد تقدَّمَ الاختلاف فيها .
في من عليه فأحال به على دَينٍ له
عند الحولِ ، و في المديان يوهب له الدين عند الحول ، أو يَحدثُ له مِلكُ عَرَضٍ يَسواه قبلَ الحولِ أو بعده
و من "العُتْبِيَّة" من رواية أصبغَ ، قال ابن القاسم و من له مائة دينارٍ دَينٌ و عليه مثلها ، و هما حالتان و قد حلَّ حولهما ، قال ابن القاسم في "كتاب" محمد : و مَن كانت عنده مائة دينارٍ ، و هي عليه دَينٌ ، و ليس له من العروضِ شيءٌ ، و له على رجلٍ مائةُ دينارٍ و قد حلَّتَا جميعاً . قال في الكتابين : فأحال بالتي عليه على التي له ، فعلى قابضها الزكاة ، و على الذي أحال بها زكاتها – يريدُ : لأنَّ عندَه وفاءٌ بها ، و هي المائة التي في يديه – قال محمدٌ ؛ لأنَّ قبضَ المحتال به كقبضِ مُحيلِه .
قال ابن الْمَوَّاز : و على دافعها زكاتها ، إن كان له بها وفاءٌ . قال : و مَن أودعكَ مائةَ دينارٍ ، فأسلفتَها رجلاً ، ثم أحَلْتَ عليه ربِّها ، بعد سنينَ فقبضها ، فعلى قابضها زكاتها لعامٍ واحدٍ . و قال في دافعها الآن و مُسلِّفِهَا :
***(1/157)
[2/162]
فمن كان له منهما عَرَضٌ يسواها ، فليزكها و إلا فلا .
قال أشهبُ : فيمن تسلَّفَ عشرين ، فأقامت بيدهِ سنة ، ثم وهبها له ربُّها فليزكِّها الموهوب مكانه ، و لو وهبها لغيره لم يكن على الموهوب فيها زكاة ، و لا على الواهب . قال محمدٌ : أمَّا الواهب فيزكيها ؛ لأنَّ يدَ القابضِ لها كيده . و قاله ابن القاسم . و إنَّما تكونُ الزكاةُ فيها من العشرين بعينها .
و من : "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال : و من له مائة دينارٍ و عليه مثلها فأفادَ عَرَضاً قبلَ الحولِ بشهرٍ يفي بها . قال ابن القاسمِ : لا يُزكِّي حتَّى يكونَ العَرَضُ عنده من أوَّلِ الحولِ . و قال أشهب : و لا يُبالي أفاده عند الحولِ أو قبله ، يجعل دَينه فيه ، و يُزكِّي ما فيه . و كذلك إن أفاده بعد الحولِ زكَّاه حينئذٍ ، و كان من يومئذٍ حوله . قال محمد : و بهذا نقول . و به أخذ أصحاب ابنِ القاسمِ .
قال أشهبُ : و كذلك لو تصدَّقَ بالدَّينِ ربُّه على الغريم ، أو وهبه له عند الحولِ ، أو بعده لزكَّى مكانه ، و قاله أصبغ . و رَوَى ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، أنَّه لا يزكِّيه حتَّى يأتيَ حولٌ من يومِ وُهِبَ له .
قال في "العُتْبِيَّة" عيسى ، عن ابن القاسمِ : و كذلك لو أفاد بعدَ الحولِ مائةُ فقضى بها دَينه ، فإنَّه يأتنفُ بما في يديه حولاً من يومئذٍ .
***(1/158)
[2/163]
قال ابن الْمَوَّاز : و قد قال ابن القاسم في مَن يتسلَّفُ مالاً ، وعنده عَرَضٌ لا وفاءَ فيه له يومئذٍ ، فلم يأتِ الحولُ حتَّى صار فيه وفاءٌ بالدَّيْنِ أو انتقصَ عند الحولِ ، قال : فإنَّمَا يُنظرُ إلى قيمته يومَ حلَّ الحولُ ، فإن كان فيه وفاءٌ زكَّى ما معه أو مبلغُ ما يفي به . قال : و هذه جيدةٌ تَرُدُّ ما قال في غيرها . و كذلك إذا أفاد العَرَضُ عند الحول ، أو وُهِبَ له الدين .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ فِي مَنْ له مائة دينارٍ بيدهِ و عليه مائة دينار ، فلمَّا حلَّ حولُ ما بيده ، أفاد مائة دينارٍ فقضاها في دَينه ، أنَّه لا زكاة عليه في المائة التي بيده ، لأنَّ الحولَ حلَّ عليها ، و ليس هو من أهل الزكاة ، ثم إن تَجَرَ فيهال فربح فيها عشرين ديناراً ، فإنَّه يُزكِّي العشرينَ مكانه ؛ لأنَّ الأصل حال عليه الحول وسقطت زكاته بالدين ، وتكون للمائة حلها ، وحولُ الربحِ يومَ زكَّاه . قال عبد الله : و لو قال : قد سقطَ الدينُ لمَّا قضاه بالدينِ الذي له ، و يُزكِّي المائة التي معه ، لكان أبين .
في زكاة ما ربح فيما لم ينقد فيه ، أو فيما نقدَ بعضَ ثمنهِ ، وفيما ابتاعه بدَينٍ ، وفيما غصبَ ثمنه ، أو تسلفه و نقده
من "كتاب " ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسم ، عن مالكٍ فِي مَنْ بيده مائةُ
***(1/159)
[2/164]
دينارٍ ، فاشترى بها سلعةً ، ثم باعها قبل ينقدَ فيها فربح ثلاثين ديناراً و قد حال على مائته الحولُ : أنَّه يُزكِّي الربحَ مع ماله الذي كان بيده . قال عنه ابن وهبٍ : و لو لم تكن تلك المائةُ ، كان ربحه فائدةً . و قال عنه أشهبُ ، في الذي عنده المائةُ : يأتنف بالربحِ حولاً . محمدٌ : و هذا أحبُّ إلينا ، و لكن يكون حول الربحِ من يوم أحال واشترى . قال ابن القاسمِ : و إلى هذا رجعَ مالكٌ ، أنَّ حولَ الربحِ من يوم أحال الأصل ، لأنَّ ثمنها في ذمتهن و المائة التي بيده لم تصل إلى البائعِ و لا ضمنها ، و نيته أَنْ ينقدها في غدٍ أو على شهر سواء ، و لا ينبغي أَنْ يشترط أَنْ ينقدها بعينها ، إلا أنَّه ضامنٌ لها .
محمدٌ : و معنى قولِ أشهبَ في روايته : إنَّ حولَ الربحِ من يوم ربحه ، إذا باعها قبلَ أنْ يأتيَ عليها الحولُ عندَه ، وقضى ثمنها ، وبقيَ الربحُ فليزكِّه لحولٍ من يوم ربحهن إن كان فيه عشرون ديناراً فأكثر ، و إن أقام الدين عنده إلى تمام الحول و لا عرض عنده ، زكَّى الربح مكانهن و إن لم يكن فيه عشرون دينارا . و إن كان له عرضٌ يَسوي دينه ، زكَّى ثمنها كله .
قال محمد : و أحبُّ إلينا بأنْ يكون حولُ الربحِ من يومِ اشترى السلعة . و إن باع قبلَ الحولِ إذا بقي الربح بيده على تمامه ، و في مثله الزكاةُ . و قد قاله مالكٌ في مَنِ اشترى سلعةً بدَينٍ فباعها ، وقضى الثمنَ ، وبقي الربحُ
***(1/160)
[2/165]
في يده على تمام حولٍ من يومِ الشراءِ على ما ذكرنا .
و في "العُتْبِيَّة" ذكر المسألة ، ورواية القاسمِ فيها . قال : و رَوَى أشهبُ أنْ يُزكِّيَ الثلاثين الربحَ لحولٍ من يومِ نضتْ ، كفائدة من غيرِ ربحٍ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، روى أشهبُ ، عن مالكٍ في مَنِ اشترى سِلْعَةً بمائةِ دينارٍ ، و لا مالَ له فَرَبِحَ فيها ثلاثين ديناراً بعدَ أن أقامت بيده حولاَ فليُزكِّ الثلاثين مكانه ، و لو كان عندَه عَرَضٌ لزكَّى قدرَ ما بقي به العرضُ . قال أشهبُ : و لم يراعِ مالكٌ متى ملكَ العَرَضُ .
قال ابن القاسمِ : و من سلفَ عَرَضاً فتَجَرَ فيه حولاً ، فَربِحَ مالاً ، فرَدَّ ما تسلَّف ، فليُزكِّ الربحَ فقط ، إنْ لم يكن له عَرَضٌ يفي بشيءٍ من دينه .
و رَوَى ابن القاسمِ ، و ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ تسلَّفَ مائة دينارٍ ، فربح فيها عشرين بعد حولٍ ، فليزك العشرين . و إلى هذا رجع مالكٌ . محمدٌ : و لو كان له عرضٌ يفي بدينه ، زكَّى الجميعَ .
قال ابن القاسم فِي مَنْ غصَبَ مائة دينارٍ ، فتَجَرَ فيها فربح مائة دينارٍ : فليُزكِّ مائة دينارٍ ، و يجعل مائة في دَينهِ إنْ لم يكن له عرضٌ . قال مالكٌ فِي مَنْ بيده مائة دينارٍ يُزكِّيها فاشترى سلعةً بثمانين إلى سنةٍ ، فحلَّتْ فزكَّى ناضَّةً ، ثم باع السلعة بربحٍ ، فليعزِلْ دَينه و يقضه إن كان حلَّ و يُزكِّ ما بقيَ
***(1/161)
[2/166]
من ربحٍ . و لو كان له عرضٌ يفي بدينه زكَّى ثمنها كله بربحه .
وقال ابن القاسم : و من تسلَّفَ مائة دينارٍ ، فبقيت بيده إلى آخر الحولِ ، ثم اشترى بها سلعةً ، فباعها بعد الحولِ بمائتين ، فليجعل مائةً في دَينهِ إنْ لم يكن له عَرَضٌ ، و يزكِّ مائةً . قيل له : قيل لي عنك ، إنّ الربحَ كالفائدةِ ، لأنَّه لم يحدث له وفاءُ الدينِ ، إلاَّ عندَ الحولِ . فقال : كذبَ عليَّ من قال هذا . و ذكر ابنُ سحنونٍ هذه المسألةَ ، و أنَّ ابنَ نافعٍ ، وعليًّا رَوَيَا ، عن مالكٍ ، أنَّه يُزكِّي الربحَ . و أنَّ المغيرةَ روى عنه انَّه يأتنفُ الربحَ حولاً .
قال سحنونٌ : رواية عليٍّ أحسنُ أَنْ يُزكِّيَ الربحَ مكانه . و ذكر ابنُ حبيبٍ : إنَّ قولَ مالكٍ اختلفَ في زكاةِ الربحِ . قال مطرِّفٌ : و لو كان له في ثمنها دينارٌ واحدٌ أو أقلُّ ، و لم يختلف قولُ مالكٍ في هذا ، أنَّه يُزكِّي الربحَ .
قال في "كتاب" ابن سحنون ، ابن نافع ، عن مالكٍ ، و إذا اشترى سلعةً بمائتين فنقدَ فيها أربعين ، لي سمعه غيرُها ، ثم باعها بثلاثمائة عند الحولِ : فليُزكِّ الأربعين ، و ما قابلها من الربحِ ، و ما بقي فهو فائدةٌ .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى عيسى ، عن ابن القاسمِ ، فِي مَنْ له مال يُزكِّيه فحلَّ حوله ، و لم يبقَ منه إلا عشرة ، ثم تسلَّفَ بعد الحولِ بشهورٍ عشرين ، فتجرَ في الثلاثين فربح مالاً . فليعولِ العشرين الدَّيْنَ و يُزكِّ الربحَ كله مع العشرة ، كما قال مالكٌ ، في مَن له ثمانون ديناراً ، فاشترى سلعةً بمائتي دينارٍ ، و نقدَ الثمانين ، أو لم ينقدها ، فإذا حال حولُ الثمانين ، زكَّى معها جميعَ ذلك الربح ، و كذلك مَن له عشرةُ دنانير حالَ عليها
***(1/162)
[2/167]
حولٌ ، فاشترى سلعة بمائة دينار ، و نقدَ فيها العشرة ، فليُزكِّ معها الفضل إذا اجتمع ما فيه الزكاة .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و مَن تسلَّف مائة دينارٍ فدفعها قراضاً ، فربح العامل فيها لتمام الحول خمسين ، فليُزكِّ دافعها عن خمسي ما بيده ، لأنَّه يزكِّي على خمسةٍ و عشرين الربح ، ثم يجعلها عِوَضاً من مثلها من دينه ، و يُزكِّ العامل خمسي ما بيده . و قال أيضاً لا يزكي الدافع للمائة إلاَّ خمسَ ما بيده ، و كذلك العاملُ . و إلى هذا رجع محمد ، أنَّه لا يجعل في الدين ما زكَّى من العين ، قال محمد : و لم أجدْ لهذا معنًى : والصواب أنَّه إن كان فيما يصيبُ العاملَ ودافع المالِ إليه ما في مثله الزكاة ، زكَّى كل واحدٍ منهما جُزْأهُ كلَّه ، و كذلك إنْ ربحا أربعين زكَّى هذا عن عشرين ، و هذا عن عشرين .
في زكاة أهل الإدارات
قال مالك في "المختصر" ، في صفة المدير : هو الذي يبيع و يشتري ، لا يُحصي ما يخرج منه و لا ما يدخل عليه ، يبيع بعشرةٍ و يقتضي عشرين ، و يبيع بكثيرٍ ، و يأخذ قليلاً مثل أهل الحوانيت ، لا يقدر أحدهم أَنْ يحصيَ حولَ مالِه ، فليكن له شهر من السنة يُحصي فيه عينه ، و يحسب دَينه إنْ كان في مَلاءٍ وثِقَةٍ و يُقوِّمُ ما عنده من عروض ، و يزكِّي الجميع ، و أمَّا مَن كان له مالٌ أو مالان إنَّمَا يضعه في سلعةٍ أو سلعتين ، ثم يبيع فيعرف حولَ كلِّ مالٍ ، فهذا إنَّما يزكِّي العين ، و لا يزكِّي العَرَضَ حتى يبيعه فيزكيه لعام واحدٍ ، و إن باعَ بعد سنينَ ؛ لأنَّ هذا يحفظُ أحواله ، و المديرُ لا يقدرُ
***(1/163)
[2/168]
أَنْ يحفظ أحواله ، و لا يحيط بها .
و من "كتاب"ابن الْمَوَّاز : و المدير الذي كلما باع اشترى لا يحصي ذلك ، و لا أرى له في نضوضِ مالِه من أهلِ الحوانيت ، و المُجهزين إلى البلدانِ ، يبعثُ شيئاً ، و يأتي بشيءٍ ، و يشتري آخر ، فهذا يُقوِّمُ و يزكِّي .
و رَوَى ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، في "المَجْمُوعَة" ، في من بارتْ عليه سلعته ، قال : فأمَّا الذي يُحصي مالَه – يريدُ : أحواله – فإنَّه إذا باع زكَّى، و أمَا الذي لا يُحصِي أيجيزه ذلك؟ و مثل المجهِّزين إلى البلدان أَنْ يأتيه مالٌ و يبعثَ بآخرَ ، و يغيبَ عنه آخر ، فليقوِّمُوا في شهرٍ من السنةِ ، كلَّ عامٍ ، و يُزكُّوا ما حضرَ وغابَ – يريدُ إذا عرف أنَّه قد وصلَ إلى قرارٍ - و قد بيَّنه في باب آخر ، فقال له رجلٌ : إني كلما جاءني شيءٌ زكيته لا أقدر على أكثر من هذا ، و ما انظر إلى حول . قال : ما اعرف هذا من عملِ الناسِ ، و أمَّا في بادئ الرأيِ فما صنعت إلا خيراً ، إذا اختلط عليك ذلك ، فأخرج من كلِّ ما دخل إليك ، إذا طابت بذلك نفسُك . و كذلك روى ابن القاسم ، قال : إلاَّ أن التقويم أحبُّ إليَّ . قال أشهبُ : المدير الذي يبيع بما لا يزكِّي ، ثم يشتري لا يترقب ، و لا يقدرُ يحصي ذلك .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، عن مالكٍ : و لا يُقوِّمُ مالاً يرتجيه من دَينٍ ، كان عيناً أو عَرَضاً . و قال المغيرةُ : لا يُزكِّي المديرُ و لا غيرُ المديرِ دَينه ، حتى يقبضه فيزكيه لعامٍ واحدٍ .
و في "كتاب" ابن حبيبٍ : إنَّ دَيْنَ المدير إن كان قرضاً أقرضه ، فلا يُزكِّيه حتى يقبضه ، و إن كان من تجارةٍ حَسِبَه . و كذلك قال يحيى بن عمر .
***(1/164)
[2/169]
قال ابن عبدوسٍ : قال عبد الملكِ : و ما بار عليه من السلعِ ، واحتُبِسَ عنه من الدين ، فلا يزكيه حتى يقبضه عيناً . و قال سحنون في موضع آخر : إذا بار عليه العرضُ عامين ، خرجَ من حَدِّ الإدارة . و قال عبدُ الملكِ : و ما كان له من دَيْنٍ مؤجَّلٍ فليقومه . و قال ابنُ مَزِينٍ ، عن ابن نافعٍ ، مثل قولِ سحنونٍ ، في العرض يبور عامين . قال : و قال مالكٌ : يقوِّمه .
قال ابن الْمَوَّاز : قال ابن القاسم : و يُزكِّي المدير دَينه المرتجى و هو حالٌ ، و إن مطلَ به ، أو لم يأخذه سنين ، و كذلك العَرَضُ ، و إن بارَ عليه سنين . و يَحْسِبُ عدد دَينهِ لا قيمته ، إلاَّ أنْ يكونَ عروضاً فيقومه . و قال أبو زيدٍ : و إنْ كلن دَينه مؤجلاً ، فلا يزكِّي إلا ما حلَّ منه ، و لم أجدْ له فيه قوة ، وقول مالكٍ ، و ابن القاسمِ ، و أشهب : إنَّه يزكيه ، إن كان من مالِ الإدارةِ .
قال ابن حبيبٍ : و إن اقرضَ دَيناً ، فلا يزكيه حتى يقبضه فيزكيه لعامٍ واحدٍ ، إلاَّ أَنْ يتركه هذا المدير فراراً من الزكاة ، فليزكه لكل عامٍ ، و يُزكِّ ديونه التي من التجارة ، إلاَّ ما كان على عديمٍ ، فليزكِّه لكلِّ عامٍ قيمته .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و غيره ، في الذي يمكنه أخذه فيدعه ، أنَّه لا زكاة عليه فيه حتى يقبضه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ : و إذا أدارَ التجارة أحدَ عشرَ
***(1/165)
[2/170]
شهراً ، ثم بدا له فتركَ ذلك ، فهذا لا يزكِّي ديونه حتَّى يقبضها ، و لا عروضه حتى يبيعَ . قال ابن القاسمِ : و إذا حلَّ الحولُ – قال في موضعٍ آخر – أو جاز الحولُ و لم يَنِضَّ له عينٌ ، و هو يديرُ العرضَ بالعرضِ ، ثم نضَّ له شيءٌ ، و إنْ قَلَّ فليُزكِّ حينئذٍ ما نضَّ ما لم يَنِضَّ بالقيمةِ ، ثم يحسبُ من يومئذٍ حوله . و كذلك في كتاب ابن الْمَوَّاز : و قال ابن الْمَوَّاز : و قال أشهب : و ليسَ هذا مديراً حتى يكون له شهرٌ من السنةِ يُقوِّمُ فيه ، و هذا لا يزكِّي إن باع شيئاً ، حتى يبيع بعشرين ديناراً فيزكيها .
قال عنه ابن عبدوسٍ : إنْ كان له شهرٌ يُقوِّمُ فيه فليُزكِّ للحولِ نَضَّ له درهمٌ أو أقلُّ أو أكثرُ ، و إنْ لم يكن له شهرٌ و إنَّمَا يُزكِّي ما يقبضُ فلا يزكِّي حتى يبيع بما فيه الزكاة ، و يقبضه أو يضمَّه إلى ما جرتْ فيه الزكاة ممَّا يبيعُ أو يقبض .
و ذكر ابن مزينٍ ، في الذي يبيع العرضَ بالعرضِ ، عن ابن القاسمِ و غيره : إنَّ هذا لا زكاة عليه حتى يَنِضَّ له شيءٌ و لو درهماً ، بعد حولٍ مِن يومِ أدارَ . فقال ابن القاسمِ : يُزكِّي حينئذٍ و يكون يومئذٍ حوله . و قال أشهبُ : لا يقوِّمُ شيئاً حتَّى يمضيَ له حولٌ من يوم باع بذلك العين ، لأنَّه من يومئذٍ دخلَ في حال المدير ، و قال ابن نافعٍ : لا يُزكِّي الآنَ ، و لكن يُحصي كلَّ ما باع من العينِ ، فإذا تمَّ عشرين ديناراً زكَّى عن عشرين ، ثم يزكِّي كل ما يَنِضُّ بعدها ، و إن قلَّ و لا تقوَّمُ عليه . واستحسنه عيسى . قيل لعيسى : فإذا قوَّمَ وزكَّى بما نضَّ له ، أيصيرُ مديراً من يومئذٍ؟ قال : إن رجع يديرُ العَرَضَ بالعرضِ ، فهو بحاله الأول . فإن نضَّ له أيضا شيءٌ في داخلِ السنةِ قوَّمَ ، و إن قلَّ وزكَّى لتمامِ حولٍ من يومِ التقويمِ
***(1/166)
[2/171]
الأول بقيَ معه ما نضَّ ، أو أنفقه ، أو تلفَ ، و قال ابن حبيبٍ ، في الذي يديرُ العَرَضَ بالعرض السنة كلها : لا يَنِضُّ له شيءٌ يُقوِّمُ و يزكّي كمن ينضُّ له ، ما قلَّ أو كثر . قاله مطرِّفٌ ، و ابن الماجشون ، عن مالكٍ . قال ابن حبيبٍ : والذي قال ابن القاسم : من خلافِ هذا في روايته انفردَ به .
و ذكر ابن القاسمِ في "المدونة" ، عن مالكٍ في المدير : إذا لم ينضَّ له شيءٌ في السنةِ أنَّه لا يُزكِّي حتى ينضَّ له شيءٌ فيقوِّمَ و يُزكِّي . و قال نحوه يحيى بن سعيدٍ . قال ابن حبيبٍ : و مَن كان يديرُ بعضَ مالهِ وبعضَه لا يديره فإنْ كان متناصفاً زَكَّى كل مال على حصته ، و إن كان أحدهما أكثرَ بالأمر المتباين فالأقلُّ حكمٌ للأكثرِ . قاله ابن الماجشون و غيره .
و من "العُتْبِيَّة" ، روى أبو زيدٍ ، عن ابن القاسمِ ، أنَّه إن أدار أكثر مالهِ ، زكَّى ماله كله على الإدارة ، و إن أدار أقلَّه زكَّى المُدارَ فقط كل عامٍ .
وقال أصبغُ : إن أدارَ نصفه أو ثلثه و نوَى في الباقي مثل ذلك أدار ذلك ، زكَّى جميعه على ألإدارةِ . و إن عزمَ فيما أبقى أن لا يدخله في الإدارةِ ، فلا يزكيه حتى يبيع . و قال سحنونٌ : إذا حلَّتْ زكاة المدير و ليس بيده من العين ما يؤدي ، فليبعْ من عروضه ، و يُخرج . فإن أخَّرَ ذلك حتى تلفتِ العروض
***(1/167)
[2/172]
ضمن الزكاة .
قال في "كتاب" ابنه عن ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : إمَّا أنْ يبيع عرضاً و يقسمه في الزكاة أو يخرج عرضاً بقيمته إلى أهلها من أيِّ صنفٍ ، شاء من عروضه . قال سحنونٌ : بل يبيع من عروضه ، و يخرج عيناً و يزيد في المسألة أنَّه كان ينضُّ له في السنة ، إلاَّ أنَّه لم يكن معه فب آخر السنة عينٌ .
قال ابن عبدوسٍ : قال عبد الملك : و إذا كان عندَ المديرِ عَرَضٌ ، ورثه أو اقتناه فإنَّه إن باعه بنقدٍ فليستقبل بثمنه حولاً و إن باعه بدَينٍ فقد سلكَ به مسلكاً من التجارة ، وليزكِّ ثمنه يومَ يقبضه .
وقال في "كتاب" ابن حبيبٍ : إذا مضى له حولٌ من يوم باعه إلى يوم يقبض ثمنه ، و قاله المغيرة . و هذا خلاف قول ابن القاسمِ و غيره .
قال ابن القاسمِ : لا يقوِّمِ المدير كتابة مكاتبه كما لا يقوِّمُ رقبةَ عبده الذي أخدمه .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : لا يقوِّمُ المدير غنمه التي يزكيها ، لأنَّ عليه انتظار الساعي . و قال أشهبُ : عن كان مجيءُ الساعي قريباً من شهرٍ تقويمه فلا يقومها ، و إن كان بعيداً فليقومها و يزكها مع مالهِ ، ثم يكون من يومئذٍ حولها لزكاة رقابها . محمدٌ : و الأول أحبُّ إلينا . قال مالكٌ : و إذا كانت أقلَّ من أربعين ، قوَّمها إلاَّ أنْ تكونَ للقنيةِ و ما جزَّ من صوفِ غنمهِ و أخذَ من غلَّةِ عبيده ، و ذلك من مال الإدارة ، فهو فائدةٌ .
وقال سحنونٌ في "العُتْبِيَّة" ، في المدير له سفينةٌ اشتراها يُكريها ،
***(1/168)
[2/173]
قال : لا يُقَوِّمْها مع ما يقوِّمُ أنظرُ –أراه يريدُ و قد اشتراها للكراءِ و لو اشتراها للتجارةِ لقومها ، و في باب زكاة فوائد الغلات تمام هذا .
قال مالكٌ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و "العُتْبِيَّة" : و مَن له مالٌ غائبٌ لا يعلم خبره ، فلا يزكيه حتى يعلم ما حالها أو يرجع إليه فيزكيه لماضي السنين . و في باب زكاة المال المبضعِ ، وباب زكاة القراض من هذا .
في زكاة مال القراض
من "كتاب " ابن الْمَوَّاز ، و فيه من "المَجْمُوعَة" ، قال مالكٌ و أصحابه : لا يزكِّي مالُ القراض حتى ينضَّ ، و يرجع إلى ربِّه . قال مالكٌ : و إن قام بيدِ العاملِ سنين فليزكِّه ربه ، إذا قبضه عن كل عام]
مضى .
قال ابن القاسم : يريدُ إن كان العامل يديرُ ، و إن كان ربُّ المال يديرُ ، و العامل لا يدير ، فلا يزكِّي العامل حصته إلا عند المقاسمةِ ، و أمَّا ربُّ المالِ فإنَّه إذا شهرُ زكاتهِ زكَّى مالَه زكَّى ماله بيد العاملِ ، إن كان من مالِ الإدارةِ ، و يقوِّمُ سلع القراضِ ، فيزكِّي رأس مالهِ ، وحصَّة ربحه . قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : و لو أخَّر ذلك انتظار المحاسبة فضاع ، لضمن زكاة كل سنةٍ مضتْ . قال فيه ، و في "العُتْبِيَّة" : و إن كان غائباً عنه ببلدٍ
***(1/169)
[2/174]
نائيةٍ لا يدري ما حدث عليه ، أخَّرَ ذلك إلى أَنْ يرجع إليه فيزكِّي عن كلِّ سنةٍ بقدرِ ما كان المال فيها . قال ابن حبيبٍ : فإن هلك المالُ لم يضمن الزكاة . قال ابن الْمَوَّاز : و إذا كان العامل يديرُ ، فلا يزكِّي واحدٌ منهما ما اقام حتى ينضَّ للمحاسبةِ ، فيزكِّي كلُّ واحدٍ حصته عن كلِّ سنةٍ مضَتْ بقدرِ ما كان المالُ فيها على التأخُّرِ ، و إن لم يكنِ العاملُ يديرُ ، لم يزكِّ هو حينئذٍ إلاَّ لسنةٍ واحدةٍ . قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه : و إن أقام بيده ثلاث سنين ، و هو مديرٌ فكان في أول سنةٍ مائة ، و في الثانية مائتين ، و في الثالثة ثلاث مائة ، زكَّى عمَّا كان لكلِّ سنةٍ ، إلاَّ ما حَطَّتِ الزكاة . و لو رجعَ في العام الثالثِ مائةً ، لم يزكِّ إلاَّ عن مائةٍ ، كلَّ سنةٍ إلاَّ ما حَطَّتِ الزكاة ، و لا يضمن ما هلك من الربح .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و لا يزكِّي العاملُ في غيبته عن ربِّ المال شيئاً . قال أشهبُ : إلا أنْ يأمره أو يؤخذ بذلك فيجزيه ، و يحسبَ عليه في رأس ماله . و رُوِيَ عن سحنونٍ ، أنَّه قال : و لو أقام بيده سنة ، فإن كان لم يظعن و المال عينٌ ، فليُزكِّه ربُّه ، و إن شغل بعضه ، فليس عليه أَنْ يزكِّيَ ما بقيَ حتى يتفاصلا .
***(1/170)
[2/175]
و كذلك في "كتاب" ابن سحنونٍ . قال مالكٌ : و إنَّما على العاملِ إذا تفاصلا من الزكاةِ بقدرِ حصته و إن قلَّتْ . فلو ربح عشرين ورأس المال عشرون ، كان عليه ربع دينارٍ ، قال : و أمَّا ثمرة المساقاتِ ، فهي كلها مقسومة بينهما ، فيبدأ فيها بالزكاة ، و إن لم تكن إلاَّ خمسة أوسقٍ ، ثم يقتسمان ما بقي ، و كان جميعه لربِّ الأصولِ ، و كأنَّه يُعطي للعاملِ إجارةً ، لزمته . قال ابن الْمَوَّاز : و كذلك في القراضِ إن كان رأس المالِ مع جميع الربح عشرون ديناراً على رواية أشهب ، فهو مالٌ وجبت فيه الزكاةُ ، و ما يأخذ العامل كأنَّه إجارةٌ .
أبو محمد : وبقية القولِ في هذا في باب بعد هذا .
و من "كتاب" ابن حبيبٍ : و لا يخرج زكاة القراض ، و إن عمل به سنين إلاَّ المفاصلةِ ، غابَ ربُّ المالِ أو حضرَ ، و إن فعل ذلك جهلاً أو فعله العامل ، مضى ذلك و لم يجبرا برَدَّ ذلك وضيعةً ، إن كانت بخلاف ما يأخذ قبل المفاصلة من ربحٍ . قال : و إذا كان ربُّ المال يدير وحده ، و العامل لا يدير ، فليزكِّ ربُّ المال جميع المال إن كان عيناً . و إن
كان عرضاً فليقوِّمْ مع إدارته سلعَ القراضِ كلها بجميع ما فيها من ربحٍ ، و يزكِّ عند المفاصلة رأس مالهِ وحصَّةَ ربحه ، و إن كان العامل غائباً بعيد الغيبة فلا يزكِّي حتى يعلم حاله ، أو يرجع إليه ، فيزكِّي لكل عام بقدرِ ما كان المال فيه ، فإن تلف المالُ فلا زكاة عليه ، و إذا حلَّ حولُ ربِّ المالِ ، و هو مديرٌ لستَّةِ أشهرٍ من يومِ أخذه العاملُ ، فزكَّى ربُّ المالِ ذلك مع مالهِ ،
***(1/171)
[2/176]
وانتظر ربُّ المالِ ، ثم اقتسما لتمام حولٍ من يومِ عملَ فيه ، زكَّى العاملُ ما نابه ، وانتظر ربُّ المال حوله . قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه ، فِي مَنْ له مائة دينار ، دفعَ منها تسعين قراضاً وبقيت بيده عشرة حتى حال الحولُ ، فلا يزكيها حتى يقبض القراضَ ، فإن كان القراضُ تدار فيه زكاةٌ مع العشرةِ لكل عامٍ ، و إن كان لا يُدارُ ، زكَّى الجميع لعامٍ واحدٍ و مَن اخذ قراضاً فأقام بيده ، فلم يعمل به حتى حلَّ عليه الحولُ عنده فليزَكِّه ربُّهن و ليعمل العامل مما بقي ، و إن اشغل منه شيئاً حتى لا يكون لربِّه أخذه ، فلا يزكه حتى يقبضه .
في اشتراط الزكاة في القراض و في المساقاة على أحدهما
من "الواضحة" : و إذا اشترط أحدهما على الآخر زكاة الربحِ فهو جائزٌ ، فإن تفاضلا قبل الحولِ ، أو كان ذلك لا زكاة فيه ، فمشترطُ ذلك على صاحبه يأخذ ربع عشر الربح لنفسهِ ، ثم يقتسمان ما بقيَ كما لو شرطَ لأجنبيٍّ ثلثَ الربحِ ، فيأبَى مَن أخذه ، فهو لمشترطه منهما .
و ذكر ابن حبيبٍ ، أنَّ ابن القاسم يكره أَنْ يشترط العاملُ على ربِّ المالِ زكاةَ المالِ والربحِ . قال ابن حبيبٍ : و ذلك جائزٌ . و ما ذكر ابن حبيبٍ ، عن ابنِ القاسمِ ، في هذا هو في "الأسدية" . و ذكر في "المدونة" ، ما دلَّ على أنَّه جائزٌ عنده .
***(1/172)
[2/177]
و من "المَجْمُوعَة" ، روى ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، أنَّه إنِ اشترط في المساقاة الزكاةَ على ربِّ المالِ أو على العاملِ فهو جائزٌ ، و إن لم يصيبا خمسةَ أوسقٍ ، و قد شرطا الزكاة على العامل ، فإنَّ عشر ذلك أو نصفَ العشر في سقي النَّضْحِ لربِّ الحائطِ خالصاً . و قال سحنونٌ : يكون لربِّ المال ممَّا أصابا خمسةُ أعشارٍ و نصف عشرٍ ، وللعاملِ أربعة أعشار و نصف عشر ، لأنَّ ربَّ المالِ اشترط عليه أَنْ يؤدي عشر نصيبه ، فيرجع ذلك إليه . و قال غيره : و يقسَّمُ ما اصابا على تسعة أجزاءٍ ، خمسةٌ لربِّ المالِ ، و أربعة للعاملِ . و قال ابن الْمَوَّاز في "كتاب" القراضِ : قال مالكٌ : إن اشترط على الساقي زكاة الثمرة كلها ، فلم يصيبا خمسةَ أوسقٍ ، فليأخذ ربُّ المال من حصة العامل ، كما اشترط .
في الزكاة في مال القراض عن رقابِ الغنمِ
وعن العبيد في زكاة الفطرِ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، روى ابن القاسمِ ، و أشهبَ ، عن مالكٍ ، أنَّ زكاة الفطر عن عبيد القراض على ربِّ المالِ في رأسِ مالهِ ، بخلاف
***(1/173)
[2/178]
النفقةِ . و قال أشهبُ : إن بقوا بربحٍ جُعلَ على الربحِ من ذلك بمقدارهِ .
قال ابن القاسمِ ، عن مالكٍ : و كذلك زكاة الغنمِ على ربِّ المالِ ، في رأس ماله . قال محمدٌ : و هذا أحب إلينا .
و من "المَجْمُوعَة" روى ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، مثل قول أشهب : أنَّه إن كان في العبيدِ فضلٌ ، كان على الفضلِ بمقدارهِ ، و إلاَّ فذلك على ربِّ المالِ في رأس ماله . و قال ابن حبيبٍ : هو كالنفقةِ مُلغاةٌ ، ورأس المالِ هو العدد الأول . و أمَّا في الغنم فيجتمع عليها في الرواية عن مالكٍ ، من المدنيين والبصريين ، أنَّ زكاتها على ربِّ المالِ ، من هذه الغنم لا من غيرها ، فيطرح قيمة الشاة المأخوذة من أصل المالِ ، من هذا الغنمِ فيكون ما بقيَ رأسُ المالِ .
قال ابن حبيبٍ : و هي تفارق زكاة الفطرِ ؛ لأنَّ هذه من رقابها تُزكَّى ، والفطرة شيءٌ مأخوذٌ من غير العبيدِ ، و ذلك مختلفٌ فيه . فروَى ابن وهبٍ ، و ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، أنَّ ذلك على ربِّ المال في رأس ماله . و قالا به . و قال أشهبُ و أصبغُ : زكاتهم من مال القراضِ ، ثم يكون ما بقيَ هو رأس المال ، جعلا ذلك كالماشيةِ ، و هي لا تشبه ذلك ، والذي أقولُ : إنَّها كالنفقةِ ، ورأس المال هو العدد الأول .
في زكاة القراضِ يتفاصَلانِ فيه قبل الحولِ أو يتفاصلان
بعد الحولِ ، و المالُ بربحهِ عشرون ديناراً أو أقلُّ ، أو يكونُ أحدهما عبداً أو نصرانيًّا أو مِدْياناً
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و إذا عمل في القراضِ أقلَّ من حولٍ ، ثم
***(1/174)
[2/179]
تفاصلا فصادفَ ذلك حول ربِّ المالِ ، فقال ابن الاسمِ : لا زكاة على العاملِ . و قالِ أشهبُ : على العاملِ الزكاةُ و إن نابه درهمٌ واحدٌ . و قال ابن الْمَوَّاز : و هذا أحبُّ إليَّ . و قد رواه ابن القاسمِ ، عن مالكٍ ، وخالفه .
قال أشهبُ : و إن تفاصلا قبل حولِ ربِّ المالِ ، فلا زكاة على العاملِ فيما نابه ، و إن كثرَ حتى يأتيَ له حولٌ من يوم نضَّ بيدهِ .
و ذكر ابن عبدوسٍ ، عن أشهبَ ، مثل ذلك في العملِ به اقلَّ من حولٍ ، فصادفه حولُ ربِّ المالِ : إنَّ على العامل الزكاة . قال : و قاله عبدُ الملكِ . قال : و كذلك لو كان العامل عبداً أو مدياناً ، أخذَ العبدُ نخلاً مُساقاةً ، و قاله ابنُ نافعٍ وسحنونٌ .
وقال ابن القاسم ، و ابن وهبٍ و أشهبُ ، عن مالكٍ : و إذا كان العامل مِدياناً فلا يُزكِّي من ربحه ، إلاَّ ما فضل هن دينه ، قال ابن الْمَوَّاز : و هذا استحسانٌ . قال مالكٌ : و أمَّا إنْ كان ربُّ المال عبداً و عليه دَينٌ محيطٌ فلا شيء على العاملِ ، قلَّ ربحه أو كثر ، و كذلك إنْ كان نصرانيًّا ، و إنْ كنَّا نكره أن نقارضه ، و كذلك قال عبد الملك ، وسحنونٌ في "كتاب" ابن سحنونٍ .
قال ابن الْمَوَّاز : قال أشهبُ : و إن أخذ عشرة دنانير قراضاً فربح فيها خمسةً ، ولربِّ المالِ مالٌ حلَّ حولُه ، إنْ ضمَّه على هذا صار فيه الزكاةُ – يريدُ : قد حلَّ على أصل هذا حولٌ . قال : فليُزكِّ العاملُ حصته كمُساقٍ
***(1/175)
[2/180]
أصابَ أربعة أوسقٍ ، ولربِّ المالِ حائطٌ آخرُ أصابَ فيه أوسقاً ، فليَضُمَّ ذلك و يُزكِّ و يقتسما ما بقيَ ، و به يأخذ سحنونٌ .
و من "المَجْمُوعَة" : و من بيده مائة دينار فدفع منها عشرةً قراضاً ، فعملَ بها العاملُ حولاً فربحَ خمسةً ، فلا زكاة على العاملِ ، و إن لزمت ربِّ المالِ الزكاة ، و قاله ابن القاسمِ .
و من "العُتْبِيَّة" قال أصبغُ : و إذا عَمِلَ العاملُ في المال سنةً ، فأخذ ربحه فزكَّاه ، و له مال لا زكاة فيه ، له عنده حولٌ ، فإنَّه لا يزكيه و لا يضمُّه إلى ربحِ القراضِ ، و إن كان فيه مع ربحِ القراضِ عشرون ديناراً ، و كذلك العامل في المساقاةِ ، إن أصابه وسَقان ، و أصابَ في حائطٍ له ثلاثة أوسقٍ ، فل زكاة عليه في حائطه ، وليُزكِّ ما أصابَ من المساقاة ، إن كان في نصيبه و نصيب ربِّ الحائط ما فيه الزكاة .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، روى أشهبُ ، عن مالكٍ ، فِي مَنْ أخذ تسعةَ عشرَ ديناراً قِراضاً فعمل بها حولاً فربح ديناراً . فإنَّ على العاملِ الزكاةَ في ما نابه و على ربِّ المال ، و لم يرَ ابنُ القاسمِ على العاملِ زكاة ، حتى يكون في نصيبه ما فيه الزكاة ، يريدُ : أو يكون في حظِّ ربِّ المالِ وحصَّةِ ربحهِ ما فيه الزكاة ، و إلاَّ فلا زكاة عليهما ، عند ابن القاسم . قال محمدُ بنُ الْمَوَّاز : وخالفه فيه أصحابه و هو خلاف قول مالكٍ . و قال سحنون بقولِ مالكٍ ، وخالف ابن القاسم . و قال ابن القاسم في "المدونة" : لا يزكِّي العامل حتى يكونَ في مالِ ربِّ المالِ مع حصته من الربحِ ما فيه الزكاة .
و من "المَجْمُوعَة" قال أشهب : وربحه دينارٌ في التسعة عشر ، كما لو ربح ديناراً في تسعةٍ وثلاثين بعد حولٍ ، فإذا وُجِدَت في رأسِ المالِ مع جميع ربحهما ما فيه الزكاة فعليهما الزكاة في ذلك المال ، و قاله ابن
***(1/176)
[2/181]
القاسم في المُساقاة ، وأباه في القراضِ . و أخذ سحنونٌ بقولِ أشهبَ .
و كذلك ذكرَ ابنُ الموازِ ، عن أشهبَ من قوله وروايته ، و قال : قال أشهب : و هو مالٌ وجَبَتْ فيه الزكاة ، وصار ما يأخذ العامل ، و لو هلك كإجارةِ أجيرٍ ، و لم أجعل ذلك على ربِّ المال في ماله كالإجارة ، لأنِّي أصبت هذا الربح في ضمان العامل و لو هلك ، و الإجارة قد ضمنها ربُّ المال بكل حالٍ ، و كذلك احتجَّ سحنونٌ في هذا الأصلِ في "كتاب" ابنه .
قال ابن الْمَوَّاز : و إسقاط الزكاة عن العامل في القراض لدَينٍ عليه ليس بالقويِّ ، و هو مذهب ابن القاسمِ . قال : إلاَّ أَنْ يكونَ له عَرَضٌ يُكافئه أو يفضل بعد دَينه و لو درهم فليزكِّه ، و أمَّا دَينُ ربِّ المالِ ، فإن كان يغترق ماله وربحه ، فلا زكاة عليه ، و لا على العاملِ ، و إذا كان يفضل بعد الدين من المال وربحه العامل ما فيه الزكاة ، فليزكِّها تلك الفضلة و يقتسما .
قال أشهبُ : و إنَّما يجب على العامل بوجو بها على ربِّ المال وتسقط بسقوطها عنه .
محمدٌ : و ذلك إن كان دَينُ ربِّ المالِ يغترق رأس المال وربحها ؛ لأنَّ له حكمَ الأصلِ و ما يأخذ العامل كإجارة تُؤدَّى .
وقال ابن القاسم فِي مَنْ تسلَّف دينارٍ و لا عرض له ، فقارض بها رجلا فربح بعد الحول أربعين ديناراً : فليزكِّيَا و إن ربح أقلَّ من أربعين ديناراً
***(1/177)
[2/182]
فلا زكاة عليهما . قال محمدٌ : و هذا على أصله الذي ذهب إليه . قال محمد : بل لو ربح عشرين ديناراً لزكَّيا . فإذا فضل بعدَ الدين ما فيه الزكاةُ ، فليزكيا ، كان ذلك كله للعاملِ وحدَه أو بعضه لربِّ المالِ ، وبعضه للعاملِ ، كما لو أنَّ عنده عَرَضٌ يفي بالدَّيْنِ لزكَّيا الجميعَ و إنَّمَا الحكمُ للأصلِ ، و لو كان الأصل لعبدٍ لم يلزم العامل الزكاة ، فإذا لزم الأصل زكاة فما يخرج منه للعامل كإجارةِ يأخذها . قال عبد الملكِ : فإن كان العامل عبداً وربُّ المالِ حرًّ ، فليزكِّ العاملُ حصته . قال عبد الملكِ : و هذا الصوابُ ، و ما أُسقطَ أنَّا الزكاةَ عن العاملِ بدَيْن عليه إلاَّ استحساناً .
قال مالكٌ : و ما اخَذَ المُساقاةُ من حصته من الثمرةِ بعد أنْ زكَّيَاهَا ، فهو فائدةٌ ، يأتنف بثمنها إن باعهان إذا قبضه .
في زكاة القراضِ يرجع إلى ربِّه بعضه قبلَ الحول ،
أو اشترى به أصولاً ، فباع الثمرة برأسِ المالِ ، ثم باع الأصولَ
من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، قال ابن القاسمِ : و مَن أخذَ مائة دينارٍ قراضاً ، فعمِلَ بها عشرةَ أشهرٍ فنَضَّتْ مائة دينار ، فأخذها ربُّ المالِ وبقيت سِلَعٌ بيعت للحولِ بثلاثين ديناراً ، فلا يُزكِّي العاملُ حتَّى يُباعَ بأربعين ديناراً ؛ لأنَّ المعاملة إنَّما رجعت في السلعِ الباقيةِ ، و لو تعاملا على الثلاثين للعاملِ ، فبيعت بثلاثين ، فلا زكاة عليه حتى ينيبَ منها ربُّ المالِ ، منها ما فيه الزكاة ، و كذلك لو تعجَّلَ بعضَ رأسِ المالِ قبل الحولِ .
***(1/178)
[2/183]
وذكرها ابن الْمَوَّاز ، و قال : فإذا باع السلعة الباقية بأربعين فلا زكاة على العامل في نصيبه ، و لو قال له ربُّ المال حين أخذ المالَ : بعنِي نصف السلعة قراضاً . فلا خير فيه ؛ لأنَّه شريكٌ له فيها . و قال سحنونُ ، في "كتاب" ابنه : عليهما الزكاة على ما ذكرت لك – يريدُ : من قول مالكٍ ، في رواية أشهبَ ، فِي مَنْ أخذ تسعة عشر ديناراً قراضاً ، فنضَّ له للحولِ عشرون . قال ابن الْمَوَّاز ، في المائة : و لو كان إنَّمَا ردَّ عليه خمسةً وتسعين لعشرةٍ أشهرٍ ، وبقيت خمسةٌ في السلعِ ، فبيعت للحولِ بخمسةٍ و عشرين ، فوقعَ في "كتاب" ابن الْمَوَّاز في هذا أنَّ ابنَ القاسمِ يقول :
لا زكاة على العاملِ حتى يبيع بخمسةٍ و أربعين و إنَّما ذكر هذا على رواية ذكرها عن ابن القاسم ، خلاف ما يعرف عنه ، و ذكر ابن الْمَوَّاز أنَّها خلاف قول مالكٍ ، و أصحاب ابن القاسم ، أنَّ العامل في القراض لا يزكِّي حتى ينيبه في ربحه خاصَّةً عشرون ديناراً ، و لم أرَ هذه الرواية في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و هي شاذةٌ أو غلطٌ في "الكتاب" .
قال محمدٌ : و أمَّا على ما تقدم من قول نالكٍ ، فعليهما الزكاة . و قاله أصبغُ : قال محمدٌ : و إنَّما يزكي العامل الذي رَدَّ خمسةً وتسعين قبل الحولِ ، ثم باع ما بقي بعد الحولِ بخمسةٍ و عشرين نصف دينارٍ ، يخرج ربع عشر ذلك النصف ؛ لأنَّه إنَّمَا يقع للخمسةِ الباقيةِ من رأسِ المالِ دينارٌ واحدٌ .
***(1/179)
[2/184]
من العشرين الربح ، فله نصفه فيزكيه ، و ذلك إذا كان بقي بيدِ ربِّ المالِ ما يُوجبُ عليه الزكاة ، يريدُ محمدٌ : ما إذا ضمَّه على ما يقع له من هذا من بقية رأس ماله ، وحصته من الربح الخمسة والتسعين التي انفصل فيها الأمر ، و هي تسعة دنانير و نصف ، وجميع ما ربح في الخمسة و هو دينارٌ ، يريدُ : فإن كان لربِّ المالِ مع هذا أربعة دنانير و نصفٌ ، مضى له حولٌ، إن كان ذلك مع هذا وزكَّى العاملُ نصف الدنانير ، الذي نابه في الخمسة ، و لم يزكِّ التسعة و نصف التي نابته من ربح الخمسة وتسعين .
و هذا على المذهب الذي اختاره محمد من رواية أشهب ، عن مالك في التسعة عشر دينارا لقراضٍ ، يربح فيها ديناراً للحولِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و مَن أخذ مائة دينارٍ قراضاً فاشترى بها نخلاً فأثمرت ، فباع الثمرة بمائة ، و الأصول بمائةٍ بعد حولٍ فزكاةُ الثمرة منها ، ثم للعاملِ ربعُ ما صحَّ بعد ذلك من ثمنها ، و لا زكاة عليه فيه ؛ لأنَّه قد زكَّى ثمراً ، ثم يكون له ربع ثمنِ الرقابِ أيضاً ، فيزكيه و ذلك خمسةُ و عشرون ديناراً ، يُخرج نصف دينارٍ و يزكِّي ربُّ المالِ خمسة وسبعين ، و لو كان ثمن الثمرة خمسين ، فذلك الثلث يُسقِطُ عن العاملِ زكاة ثلثِ مصابته ، و يزكِّي الثلثين . و لو كان اشترى أصول تينٍ أو جوزٍ ، فباع الثمرةَ بمائةٍ ، و الأصول بمائةٍ فنصيب العاملِ خمسونَ ديناراً ، فنصفه من ثمنِ
***(1/180)
[2/185]
غلَّةٍ لا يزكيها ، و يزكي خمسة و عشرين ، و كذلك يزكي رب المال نصف ما يصير إليه ، و لو باع الأصول بثمرها في صفقةٍ واحدةٍ ، و لم يجددها و قد طابت ، لزكَّى عن كلِّ شيءٍ ، و أمَّا ما يزكِّي من الثمار فبيعه مع الأصول أو مفترق سواء ، و قد تقدم في بابٍ آخرَ .
في زكاة المال يعطى الرجل على أنَّ له ربحه أو يحبسُ عليه ، و زكاة المال يوقف للسلفِ
من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ؛ قال مالكٌ : و مَن أعطى رجلاً مائة دينارٍ ليعمل بها لنفسهِ ، و يأكل فضلها خمس سنين ، فل زكاة على ربِّها حتى يقبضها ، فيزكيها لعامٍ واحدٍ ، و هي بيدِ الذي عمل بها كالسلفِ و لا زكاة عليه فيها . قال ابن الْمَوَّاز : إلاَّ أَنْ يربح فيها للحولِ ما فيه الزكاةُ ، أو يكون عندَه عَرَضٌ يجعل فيه الدَّين أو بعضه ، و إذا نضَّ له منها عشرون ديناراً للحولِ ، فإنْ كان فيما له من السلعِ منها أو من غيرها وفاءٌ لدَينهِ ، زكَّى العشرين و إلا فلا . و أمَّا لو قال له : اعمل بها قراضاً وربحها لك ، فهذا لا يَضُمُّها و زكاتها على ربِّها لعامٍ واحدٍ ، و إن قبضها بعد أعوامٍ ؛ يريدُ : و هو قراضٌ . قال : و زكاة ربحها على ما ذكرنا في
***(1/181)
[2/186]
القراضِ ، و إنْ ردها قبل الحولِ فليأتنف بالربحِ حولاً ، وذكرها في "المَجْمُوعَة" ، و لم يذكر دفعها قراضاً ، و ذكر ابن القاسمِ ، و ابن وهبٍ روياها عن مالكٍ .
و من "العُتْبِيَّة" ، قال عيسى ، عن ابن القاسمِ : إنْ قال له : اتَّجِرْ بها ولك ربحها ، و لا ضمان عليك ، فلا زكاة على مَن هي بيده ، فإذا قبضها ربُّها زكاها لعامٍ واحدٍ ، إلاَّ أنْ يكون مديراً . و قال سحنون : هي كالسلفِ ، و عليه ضمانها كالمال المحبسِ ، و قال ابن حبيبٍ : إذا قال له : ربحها لك ، و لا ضمان عليك . فلا زكاة على المعطي في رأس المالِ ، و إذا تمَّ الربح عشرين ديناراً ، ائتنف به حولاً ، و إن قبضها ربُّها بعد سنينَ ، زكَّاها لعامٍ واحدٍ .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، عن مالكٍ : و مَن حُبستْ عليه دنانير سنة يعمل بها ، فلا زكاة عليه فيها ، إلاَّ أنْ يكون عندَه عَرَضٌ يفي بها . و قاله أشهبُ ، قال : إذا رجعت على الورثة ففيها الزكاةُ .
وقال ابن نافعٍ ، عن مالكٍ : و مَن أُعْطِيَ ألفَ درهمٍ ليأكل ربحها ، و لا ضمان عليه فيها ، فلا ضمان عليه ، والربح له ، والزكاة على دافعها إذا قبضها .
قال مالكٌ في المالِ يوقفُ ليتسلَّفَ : إنَّ فيه الزكاةَ . ورواه ابن القاسمِ ، و أشهبُ ، و وقف فيه في رواية أشهب . و قال أشهبُ : فيه الزكاة . قال ابن القاسمِ في
***(1/182)
[2/187]
روايته : كان على مجهولين أو مُعيَّنَيْنِ ففيه الزكاةُ كلما رجع ، إن أقام أحوالاً . وبعد هذا باب في زكاة ما يوقف ليفرَّقَ ، أو للغلةِ .
في زكاة الأموال توقف لتفرق أعيانها ،
أو لتفرق غلتها ، أو نسل الماشية ، أو ربح المال أو النخلُ
تُطعَمُ ثمرتها سنينَ ، والزرعُ يُوصى به
من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن القاسم ، عن مالكٍ : في الحوائطِ المُحبسةِ في السبيلِ ، أو على المساكين ، أو على قومٍ معينين ، ففي ذلك الزكاة . و قال عبد الملكِ : إذا حُبستْ على مَن له الزكاة ، فلا زكاة فيها ، و إنْ كان على غيرهم زُكِّيَتْ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ؛ قال : و ما حُبِسَ أصله ، ليفرقَ ما يتولد منه من غلَّةٍ أو ربحٍ أو ولادةٍ ، فإنْ كان الصل ممَّا يزكي من عين أو ماشيةٍ فالزكاة في الأصل جاريةٌ كل عامٍ كان على معينين ، أو في السبيلِ ، أو في المساكين ، و إذا كانت أصول نخلٍ يُفرَّقُ ثمرتها ، و الأصول حُبُسٌ ، إن كانت على معينين معروفين ، فلا زكاة إلاَّ على مَن في حَظِّهِ ، ما فيه الزكاةُ ، و إذْ كانت على غير معينين مثل في السبيلِ ، أو في المساكين ، أو على قيسٍ ، وشبه ذلك ، فالزكاة في جملة الثمرة ، إنْ
***(1/183)
[2/188]
كان فيها خمسةُ أوسقٍ فأكثر . و قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه : سَوَاءٌ حُبِسَتِ النخلُ على معينين أو غير معينين ، فالزكاة تؤخذُ منها مبدَأةً . و أمَّا من أطعمَ قوماً ثمرَ نخلاتٍ أعواماً ، فالزكاة عند مالكٍ ، على الذي أطعمهم . و أنا أرى أنْ أُحَلِّفَهُ بالله ما أراد حملَ الزكاة عنهم ، ثم تؤخذ الزكاة من ثمرتهم مبدأةً ، و إن لم يصيبوا ، إلا خمسة أوسقٍ ، وسواء اسلم النخلَ إليهم ، أو بقيت بيدهِ ، فإنْ كان فيهما أربعة اوسقٍ ، و قد بقي لنفسهِ من النخلِ بقيَّةً ، فليضمَّ ثمرة ذلك على هذا ، فإنْ بلغ خمسة أوسقٍ ، أخذ من كل نخلةٍ بقدرها بعد يمينه ، و كذلك مُعرِي النخلاتِ ، و قد يرى بها على مَن أعراها له ، أو بقيت بيده يلي سقيها و يدلُّ أنَّ في الأصلِ الزكاةَ ، أنَّ النصرانيَّ يُساقيه المسلمُ ، فيؤخذ من الأصلِ الزكاةُ . وتمامُ هذا في باب زكاةِ العريَّةِ و الهباتِ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز و من "كتاب" ابن عبدوسٍ ، من رواية ابن القاسمِ و أشهبَ ، عن مالكٍ ، و إذا كانت دنانير يفرقُ أصلها ، فلم تفرق حتى أتاها الحولُ ، فلا زكاة فيها . قال في "كتاب" ابن الْمَوَّاز : كانت على معينين أو مجهولينَ ، أو في السبيل ، كانت وصيَّةً ، أو في الصحةِ .
قال ابن القاسمِ : و كذلك الإبلُ والبقرُ والغنمُ تُفرَّقُ رقابها في السبيلِ ، أو تباع ؛ لتفرقَ أثمانها ، فيأتي عليها الحولُ قبلَ تُفرقُ . فل زكاة فيها كالعينِ ، قاله مالكٌ .
قال أشهبُ ، في المواشي : إذا كانت تُفرَّقُ على غير معينين ، فهي
***(1/184)
[2/189]
كالعينِ ، و إن كانت تفرَّقُ على معينين ، فهم كالخلطاء في الزكاة على من في حظِّه منهم ما فيه الزكاة منها ، و أمَّا في العين تُفرَّقُ على معينين فلا شيء عليهم ، و إن كان نصيب كل واحدٍ ما فيه الزكاةُ ، و إن بقيت تفرَّقُ على مجهولين ، فالعينُ و الماشيةُ سواءٌ ، لا زكاة في ذلك . ورواه ابن القاسمِ و أشهبُ في العين عن مالكٍ . و في الباب الذي قبل هذا القولُ في المالِ الذي يوقف ليسلَّفَ .
قال ابن القاسمِ : و المواشي إذا حُبستْ ففيها الزكاةُ ، كانت على معينين ، أو مجهولين ، و لو لم يقع للمعينين إلا شاةٌ شاةٌ ؛ لأنَّها موقوفة على ملكِ مُحبسها ، إذا كان إنَّما يُفرِّقُ من لبنٍ وصوفٍ ، و أمَّا إنْ سَبَّلَ أولادها ؛ لتفرَّقَ مع غلتها ، فإن كانت على معينين ، فإن كان يقع لكلِّ واحدٍ من أولاد المعينين ما فيه الزكاةُ ، إنْ كان للأولاد حولٌ من يوم ولدوا و إن لم يقبض ، و إن كانت تفرق على المساكين ، أو في السبيلِ ، فتأخرت حولاً من يوم الولادة ، ففي جملتها الزكاةُ ، إنْ كان فيها ما فيه الزكاةُ ، و مَن أوصى بثلثِ زرعه الأخضر للمساكين ، فإنْ كان في ثلثه خمسة أوسقٍ ، زكَّى و لا نفقة على المساكين فيه ، و إن كان على قومٍ معروفين فلا زكاة على مَن في حظِّهِ الزكاةُ ، وعيهم النفقةُ ، و هم كالورثةِ .
***(1/185)
[2/190]
فِي مَنْ عجَّل إخراج زكاته أو أخَّرها ،
و في الزكاة تتلفُ ، و قد أخرجها ، أو يتلف المالُ
قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه ، عن ابن نافعٍ ، عن قيسِ بنِ سلمانَ ، عن ابنِ شهابٍ ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه و سلم كان يُجْلِسُ عبدَ الرحمن بن عوفٍ في كلِّ مُحَرَّمٍ ، فيقولُ لهم عبدُ الرحمن : مَن كان عليه دَينٌ فليُؤَدِّهِ ، و من أراد أَنْ يستحدثَ نفقةً ، فليستحدثها حتى تؤدُّوا مما بقي من أموالكم الزكاة .
قال مالكٌ : و مَن اُخذتْ منه زكاة زرعهِ قبلَ حصادهِ ، و هو قائمٌ في سنبلِهِ فهو يُجْزِئُهُ ، و لا أُحبُّ أنْ يتطوَّعَ بها من قبلِ نفسهِ . و قال في مَن أُخذت منه زكاة مالٍ : لم يجب عليه فيه زكاةٌ ، فليس له أَنْ يَحْسِبَ بذلك من زكاة مال آخرَ يلزمه زكاته .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال ابن القاسم ، عن مالكٍ : لا يجوزُ أنْ يُعَجِّلَ الرجلُ إخراجَ زكاةِ مالهِ ، وحرثهِ ، و ماشيته إلاَّ بقربِ الحولِ ، أو قبله باليسيِر ، و أحبُّ إليَّ حتَّى يَحِلَّ . و قاله أشهبُ . قال محمدٌ : لا يُجْزِئُهُ إلا ما كان قبل الحولِ بيومٍ أو يومين ، والفضلُ ألا يفعلَ ، فأمَّا إن بَعُدَ فلا يُجْزِئُهُ .
و من "العُتْبِيَّة" قال أشهبُ و مَن أخرج زكاته قبل محلها أَعَادَ . قال عيسى : قال ابن القاسم : لا أُحبُّ له أَنْ يفعلَ إلا بالأمر القريبِ ، و أرى الشهرَ قريباً على ترجيفٍ وكُرْهٍ . قال ابن حبيبٍ : قال ( مَن لقيتُ ) مِن أصحاب مالك : إنه لا يُجْزِئُهُ إلا فيما قَرُبَ ، مثلَ خمسةِ ايامٍ و عشرةٍ قبلَ الحولِ . و قال أشهبُ : لا يُجْزِئُهُ . وبالأول أقول .
***(1/186)
[2/191]
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و رَوَى أشهبُ ، عن مالكٍ ، و الليثِ ، إذا أخرجها قبل محلها لم يجزه ، واحتجَّا بالصلاةِ .
قال عنه ابن وهب : و إن أخذها منه الساعي قبل محلها جبراً ، لم تُجْزِئه .
قال ابن القاسمِ : و إن أخذه بزكاة زرعه بعدما يبس ، أو بزكاة غنمه ، أو ماله قبل محلِّهِ ، فإنْ كان بقربِ محلها أجزأه . والزرع أبيتهن و رَوَى ابن عبد الحكم ، عن مالكٍ ، سئل إذا أخذها منه قبل إبانها . قال : إنما السبيل على الذين يظلمون الناس .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال مالكٌ : و إذا عجَّل زكاة ماشيته ، أو حبه ، أو ماله عن عامِ أو عامين ، لم يُجْزِئُهُ . و قال عنه ابن وهبٍ ، في قولِ الصديقِ : لو منعوني عقالاً . قال : هو الفريضة من الإبلِ ، لا الخيلِ .
قال ابن وهبٍ : و هو البعير .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : و من أخرج زكاته بعد محلها بأيامٍ يسيرةٍ فهلكت فإنه يضمنها . محمدٌ : ما لم يكن عند الحولِ وقربه .
قال : و كذلك إنْ أخرجها قبل الحولِ بأيام يسيرةٍ فتلفت ، فإنَّه يضمنُ .
محمدٌ : ما لم يكن قبله بيومٍ أو يومين ، و في الوقت الذي لو أخرجها فيه لأجزائه ، فإنَّه يُزكِّي ما بقي لا ما تلف .
قال محمدٌ : و أما إن أخرجها بعد الحولِ بيومٍ وشبهه فتلفت ، فأرجو
***(1/187)
[2/192]
ألا يكونَ عليه غيرها ، و لو أخرجها حينَ وجبتْ فتلفت ، أجزأته ، ثم إن ذهبَ مالُه ولَحِقَه دَيْنٌ ، ثم وجدها فلينقذها و لا شيء عليه فيها لأهلِ الدين ، و كذلك روى أبو زيدٍ ، عن ابن القاسم في "العُتْبِيَّة" .
قال ابن الْمَوَّاز : قال ابن القاسمِ : قال مالكٌ : و إن خرصَ الكرم والثمر للزكاة ، ثم اجتيحَ ، فإنْ بقيَ بعد الجائحةِ خمسةُ أوسقٍ فأكثر زكَّاهُ ، و إلاَّ فلا شيء عليه ، و كذلك ما هلك في الأندرِ والجرين ، إلاَّ أنْ يهلكَ بعد أنْ يدخل المخازن .
قال ابن سحنونٍ : قال المغيرة : و إذا عزل عشرةً ثم استقرضه أو أكله أو باعه فقد ضمنه ، فإنْ فَلِسَ لم يحاصَّ بها السلطان غرماءَه ، لأنَّه لو مات لم يلزم إخراجها إلاَّ بوصيَّةٍ من ثلثه .
و من "المَجْمُوعَة" ، قال ابن وهبٍ ، عن مالكٍ : و مَن اخرج زكاته حين لزمته فتلفت ، قال : يُجْزِئُهُ . و إن كان بعد محلها بأيامٍ ، فهو ضامنٌ . قال ابن القاسمِ : و كذلك زكاة الفطر . قال عليٌّ ، عن مالكٍ : و كذلك لو بعث بها عند محلها إلى الأمام مع مَن يثق به ، أو ذهبَ هو بها فذهبت ، فلا يضمن ؛ لنَّ سنتها أنْ يأتيَ بها الناسُ إلى الإمامِ . قال ابن نافعٍ : ما لم يؤخرْ ذلك عن إبانه . قال عنه ابن سحنونٍ : أو يعجله قبلَ محله . قال ابن نافعٍ : و لو بعثَ بصدقةٍ حَرْثِهِ أو ماشيته مع رسولٍ ، لضمنَ ، إذ الشأنُ فيها مجيءُ المصدقِ لأخذها ، و كذلك في "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، و مثله في "كتاب" ابن سحنونٍ ، وزاد عن ابنِ نافعٍ ، عن مالكٍ : فأمَّا لو أخرج
***(1/188)
[2/193]
زكاة العينِ من صندوقه فوضعها في ناحيةِ بيتهِ فذهبت فهو ضامنٌ ، لأنَّه لم يخرجها ما كانت في بيته . قال : و ليستْ كالماشيةِ تلك لا تُزَكَّى حتَّى يأتيَها المصدِّقُ فيزكيها على ما يجد فيها ، و أمَّا العينُ فحين يَحِلُّ حولُه يُخرجُ زكاته ، و الماشية والطعام يرتقب بهما الساعي ، إلاَّ أنَّ الطعامَ مثل العينِ في غيبةِ ربِّه عليه .
قال مالكٌ : و إنْ عزل زكاة قبل يأتيه المصدِّقُ فتلف أنَّه لا يُجْزِئُهُ ، لأنَّه ليس عليه ذك ، إنَّمَا عليه إذا جاء المصدق أعطاه ، فعلى ذهان أنْ يُخرج زكاةَ ما بقي ، إنْ بقي خمسةُ أوسقٍ فأكثر ، و لا يُخرج عمَّا تلف .
و من "المَجْمُوعَة" ، و"كتاب" ابن سحنونٍ ، قال أشهبُ : و إذا كان هو يلي إخراج زكاة زرعه ، فعزلَ عشرة ليفرقهن ثم لم يُفرِّطْ في تفريقه حتى ضاع ، فلا شيء عليه ، و لا فيما بقي ، و إن فرَّطَ ضَمِنَ ، و إنْ لم يمن هو يلي إنفادَ ذلك ، و إنَّمَا يأخذه المصدِّقُ ، ثم يُجْزِئُهُ إن تلف ما عزل ، و عليه زكاة ما بقي . و ذكر ابن الْمَوَّاز في "كتابه" قولَ ابن القاسمِ في ذلك ، أنَّه يُجْزِئُهُ مجملاً ، ثم ذكر قول أشهبَ . و قال : و نحن على قول أشهبَ . و لكن إنْ أدخله منزله بعد انتظار منه للمساكين فطال ذلك وخاف ضياعه ، فلا ضمان عليه بعد ذلك .
و من "كتاب" ابن سحنونٍ ، عن مالكٍ ، قال مالكٌ : و إذا دخلَ منزله ما أصابَ من حَبٍّ أو ثمرٍ ممَّا فيه الزكاة ، فهو ضامنٌ لزكاتهِ ، إن تلف ، و قاله أشهبُ ، إلاَّ ما ضاع في المِربدِ والجرين ، فلا يُضمنُ ، لأنَّ عليه زكاة ما بقي منه ، إن بقي خمسةُ أوسقٍ . و قال مالكٌ : في مَن جدَّ ثمرته فيعزلها
***(1/189)
[2/194]
فتسرق أو تحرقُ ، و قد خُرِّصَتْ عليه . قال : يضمنها ، و يغرم بخلاف ما لو أُصيبَ في رءوس النخلِ .
و من "المَجْمُوعَة" ، ابن وهبٍ ، عن مالكٍ ، فيمن خرجَ لسفره ، و أمرَ مَن يبيعَ عروضاً له ، و يُخرج من ثمنها خمسةَ أوسقٍ دنانير زكاةً عليه فبلغه أنَّها لم تُبعْن فليؤدِّ ما عليه ، و ما يؤخر لقدومه إلاَّ أنْ يقربَ قبل قدرِ الشهرِ ، قال : لا إلاَّ أنْ يقرب و يقوِّمَ عروضهن إن كان مديراً .
و من "المَجْمُوعَة" و"كتاب" ابن الْمَوَّاز : وليخرج المسافر زكاته بموضعٍ هو به ، و كذلك لو كان ماله بمصر و هو بالمدينةِ ، إلاَّ أَنْ يخاف أنْ يحتاج فيقطع به ، وليؤخرها إلى بلدهِ . و في باب تفرقة الزكاة بقية القول في هذا . قال ابن سحنونٍ ، عن أبيه : قال عليٌّ، عن مالكٍ ، في مَن حملَ زكاة العينِ ليؤديها ، فوجدَ سلعةً فابتاعها بها وباعها بربحٍ ، فالربح له وليؤدِّ ما عليه .
في الرجل يعرف بمنعٍ زكاته
و من "المَجْمُوعَة" ، قال مالكٌ : و مَن عَلِمَ الإمامُ منه أنَّه لا يُزكِّي فليأخذه بالزكاة ، قال أشهبُ : و يحسنُ أدبه عن كان الوالي يقسِّمها ، و إن كان على غير ذلك فلا يعرض له .
قال في "كتاب" ابن شعبان : و إن عرف بمنعها ، و لم يظهر له مال سُجنَ ، و إن كانوا أهل بلدٍ قُوتلوا ، و لا يقاتلوا على منعٍ زكاة الفطر .
***(1/190)
[2/195]
و من "العُتْبِيَّة" ، قال ابن القاسم : قال مالكٌ : كتب عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى عامل له في رجلٍ منعَ زكاةَ مالهِ أَنْ يتركه ، فندم الرجل فأداها فقبلها منه عمرُ . و هذا في "الموطأ .
و من "كتاب" ابن الْمَوَّاز ، قال مالكٌ : إذا كان الإمام عدلاً فعلى الرجلِ دفعُ زكاته إليه . قال أشهبُ : إن كان عدلاً يُقسِّمُها على العدلِ بغير تفريطٍ و لا ضيعةٍ ، وامَّا على غير ذلك فلا يلزمه ، قال مالكٌ ، و ابن القاسمِ : و إن طلبه بها فقال : قد أخرجتها . فإن كان الإمام عدلاً ، فلا يقبل منه إن كان مثل عمر بن عبد العزيز . و قال أشهبُ : يقبل قولَه إن كان صالحاً ، و إن كان متَّهماً بمنعِ الزكاةِ فلا يقبل منه ، و إن كان إمامٌ غيرُ عدلٍ فليصدقه . و ما أراه بفاعلٍ . و مسألة مَن ترك أنْ يخرج زكاة عشرين ديناراً سنين ، في باب زكاة من عليه دَينٌ .
في من مات و عليه زكاة ، كما حلَّتْ ، أو فرَّطَ فيها و قد أوصَى بإخراجها أو لم يوصِ
من "المَجْمُوعَة" ، قال أشهبُ : عن مالكٍ : و مَن مات قبل الحولِ بيومٍ ، فلا زكاة عليه و لا على ورثته ، قال ابن القاسمِ : و إنْ مات بعدَ الحولِ ، فما حلَّ عليه و لم يُفرِّطْ ، أو قدمَ عليه ، فأمر بإخراجها في مرضهِ أو أوصى به ، فذلك من رأس ماله . قاله مالكٌ : قال ابن القاسمِ : و إنْ
***(1/191)
[2/196]
لم يوصِ لم يجبر ورثته و أُمروا بذلك . و قال أشهبُ : هي من رأسِ ماله و إن لم يُوصِ بها ، إن لم يفرط كالزرع يطيب والثمر يُزهي قبل موتِهِ ، قال ابن الْمَوَّاز : قاله مالكٌ في الزرع والثمرِ . و قاله أشهبُ : في زكاة الفطر إن مات يوم الفطر أو ليلته ، و لم يوصِ فهي من رأس مالِه و قال ابنُ القاسمِ : لا يجبر ورثته إلاَّ أنْ يُوصي بها ، فتكن من رأس ماله .
و من "المَجْمُوعَة" ؛ قال أشهبُ : و لو ضمَّ زرعه وجدَّ ثمره ، وفرَّطَ في زكاته ، لم يلزم ورثته إلاَّ أنْ يشاءوا ، فإنْ أوصى بها فللإمام أخذهم بها .
قال ابن القاسمِ و أشهبُ : قال مالكٌ : و إن حلَّ موت حول الماشيةِ و لم يأتِ الساعي حتى مات ربُّها ، فلا شيء على الورثةِ ، وهب لا تجب إلاَّ لمجيء الساعي ، قال عنه عليٌّ و ابن نافعٍ : بخلاف الثمرة ، يموت و قد طابت تلك يخرج قبل القسم ؛ لأنَّها خرصت على الميت ، قال أشهبُ : العينُ والحَبُّ بخلاف