إلى عدل
فإذا فعل سلم الثمن للبائع والمبيع للمشتري يبدأ بأيهما شاء
( قلت فإن كان الثمن معينا سقط القولان الأولان ) سواء كان الثمن نقدا أم عوضا كما صرح به في الشرح الصغير وزوائد الروضة
ولا ينافي ذلك تصوير الرافعي في الشرح الكبير سقوطهما في بيع عرض بعرض قال الشارح لأن سكوته عن النقد لا ينفيه
( وأجبرا في الأظهر والله أعلم ) لاستواء الجانبين لأن الثمن المعين كالمبيع في تعلق الحق بالعين
أما إذا كان نائبا عن غيره كالوكيل وناظر الوقف والحاكم في بيع أموال المفلس وعامل القراض فإنه لا يجبر على التسليم بل لا يجوز له ذلك حتى يقبض الثمن فلا يأتي إلا إجبارهما أو إجبار المشتري ولا يأتي قول الإعراض عنهما لأن الحال لا يحتمل التأجيل
قال الإمام ولو تبايع وليان أو وكيلان لم يأت سوى إجبارهما
( وإذا سلم البائع ) بإجبار أو بدونه ( أجبر المشتري ) على التسليم في الحال ( إن حضر الثمن ) في المجلس لأن التسليم واجب عليه ولا مانع منه
وإذا أصر المشتري على الامتناع لا يثبت للبائع حق الفسخ كما سيأتي في كتاب الفلس
والمراد بحضور الثمن حضور عينه إن كان معينا أو نوعه الذي يقضى منه إن كان في الذمة فإن ما في الذمة قبل قبضه لا يسمى ثمنا إلا مجازا
( وإلا ) أي وإن لم يحضر الثمن ( فإن كان ) المشتري ( معسرا ) بالثمن فهو مفلس ( فللبائع الفسخ بالفلس ) وأخذ المبيع لما سيأتي في بابه وحينئذ فيشترط فيه حجر القاضي وإن افتضت عبارة المصنف كالروضة وأصلها أنه يستقل بذلك من غير توقف على حجر الحاكم
وفي افتقار الرجوع بعد الحجر إلى إذن الحاكم وجهان أشهرهما كما قال الرافعي أنه لا يفتقر
( أو موسرا وماله بالبلد أو بمسافة قريبة ) وهو دون مسافة القصر ( حجر عليه في ) المبيع وفي جميع ( أمواله ) وإن كانت وافية بدينه ( حتى يسلم ) الثمن لئلا يتصرف في ذلك بما يبطل حق البائع
وهذا يسمى بالحجر الغريب قال السبكي والفرق بينه وبين حجر الفلس حيث اعتبر فيه نقص ما له مع المبيع عن الوفاء أن الفلس سلطه البائع على المبيع باختياره رضي بذمته بخلافه هنا هذا إذا لم يكن محجورا عليه بفلس وإلا لم يحجر عليه أيضا هذا الحجر لعدم فائدته لأن حجر الفلس يتمكن فيه من الرجوع إلى عين ماله بشرطه الآتي وهذا الحجر يخالفه في ذلك وفي كونه لا يتوقف على ضيق المال كما مر ولا يتوقف على فك القاضي بل ينفك بمجرد التسليم كما جزم به الإمام وتبعه البلقيني وإن خالف في ذلك الإسنوي وجعله كحجر الفلس
( فإن كان ) ماله ( بمسافة القصر ) فأكثر ( لم يكلف البائع الصبر إلى إحضاره ) لتضرره بذلك ( والأصح أن له الفسخ ) ولا يحتاج هنا حجر خلافا لبعض المتأخرين لتعذر تحصل الثمن كالإفلاس به
والثاني ليس له الفسخ بل يباع المبيع ويؤدى حقه من الثمن كسائر الديون
( فإن صبر ) البائع إلى إحضار المال ( فالحجر ) يضرب على المشتري ( كما ذكرنا ) في المبيع وفي جميع أمواله حتى يسلم الثمن لما مر
( وللبائع حبس مبيعه حتى يقبض ثمنه ) كله الحال أصالة ( إن خاف فوته بلا خلاف ) وكذا للمشتري حبس الثمن المذكور إن خاف فوت المبيع بلا خلاف
( وإنما الأقوال ) السابقة ( إذا لم يخف ) أي البائع ( فوته ) أي الثمن وكذا المشتري فوت المبيع ( وتنازعا في مجرد الابتداء ) بالتسليم لأن الإحبار عند خوف الفوات بالهرب أو تمليك المال أو نحو ذلك فيه ضرر ظاهر
أما الثمن المؤجل فليس للبائع حبس المبيع به وإن حل قبل التسليم كما مر لرضاه بتأخيره
تنبيه كان الأولى للمصنف أن يقول ولكل بائع ومشتر حبس ما بذله حتى يقبض عوضه ليشمل المشتري كما قررته ولكن إنما صرح بالبائع لأنه قدم تصحيح إجباره فذكر شرط وجوبه
ولو استبدل عن الثمن ثوبا مثلا
____________________
(2/75)
قال القفال ليس له الحبس لأنه أبطل حقه من الحبس بنقله إلى العين إذ حق الحبس لاستيفاء عين الثمن وقد بدله
لكن عبارة الروضة ولو صالح من الثمن على مال فله إدامة حبسه لاستيفاء العوض
قال الولي العراقي ولعل الأول مجمول على ما إذا استبدل عينا والثاني على ما إذا استبدل دينا اه
والمعتمد إطلاق عبارة الروضة كما جرى عليه ابن المقري في روضه
خاتمة اختلاف المكتري والمستأجر في الابتداء بالتسليم كاختلاف البائع والمشتري في ذلك وما قيل من أن اختلاف المسلم والمسلم إليه كذلك مردود كما قاله شيخنا لأن الإجبار إنما يكون بعد اللزوم كما مر والسلم إنما يلزم بعد قبض رأس المال والتفرق من المجلس
ولو تبرع البائع بالتسليم لم يكن له حق الحبس وكذا لو أعاره البائع للمشتري قال الزركشي والمراد من العارية نقل اليد كما قالوه في إعارة المرتهن الرهن للراهن وإلا فكيف تصح الإعارة من غير مالك وقال غيره صورتها أن يؤجر عينا ثم يبيعها لغير مستأجرها ثم يستأجرها من المستأجر ويعيرها للمشتري قبل القبض ولو أودعه له كان له استرداده إذ ليس له في الإيداع تسليط بخلافه في الإعارة
وتلفه في يد المشتري بعد الإيداع كتلفه في يد البائع كما قاله القاضي أبو الطيب في الشفعة وله استرداده أيضا فيما إذا خرج الثمن زيوفا كما قاله ابن الرفعة وغيره
ولو اشترى شخص شيئا بوكالة اثنين وفي نصف الثمن عن أحدهما كان للبائع الحبس حتى يقبض الكل بناء على أن الاعتبار بالعاقد أو باع منهما ولكل منهما نصف وأعطى أحدهما البائع النصف من الثمن سلم إليه البائع نصفه من المبيع لأنه سلمه جميع ما عليه بناء على أن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري
باب التولية أصلها تقليد العمل ثم استعملت فيما يأتي ( والإشراك ) مصدر أشركه أي صيره شريكا ( والمرابحة ) وهي مفاعلة من الربح وهو الزيادة على رأس المال
وفيه أيضا المحاطة من الحط وهو النقص ولم يترجم لها قال ابن شهبة إما لإدخالها في المرابحة كما فعل الإمام لأنها في الحقيقة ربح المشتري وإما لأنه ترجم للأشرف من القسمين واكتفى به عن الآخر كقوله تعالى { سرابيل تقيكم الحر } أي والبرد
وأهمل المساومة
ثم شرع في النوع الأول من الترجمة فقال إذا ( اشترى ) شخص ( شيئا ) بمثلي ( ثم قال ) بعد قبضه ولزوم العقد وهو عالم بالثمن ( لعالم بالثمن ) قدرا وصفة بإعلام المشتري أو غيره أو لجاهل به ثم علم به قبل قبوله كما قاله الزركشي ( وليتك هذا العقد ) سواء قال بما اشتريت أم سكت ( فضل ) كقوله قبلته أو توليته ( لزمه مثل الثمن ) جنسا وقدرا وصفة
أما إذا اشتراه بعرض فإن عقد التولية لا يصح إلا ممن ملك ذلك العرض
نعم لو قال قام علي بكذا وقد أوليتك العقد بما قام علي أو ولت المرأة في صداقها بلفظ القيامة أو قاله الرجل في عوض الخلع صح كما جزم به ابن المقري في الأول ومثلها البقية
( وهو ) أي عقد التولية ( بيع في شرطه ) أي في سائر شروطه كالتقابض في الربوي والقدرة على التسليم لأن حد البيع صادق عليه
( وترتب ) جميع ( أحكامه ) من تجديد شفعة إذا كان المبيع شقصا مشفوعا عفا عنه الشفيع في العقد الأول
وقضية كونها أي التولية بيعا أن للمولي مطالبة المتولي بالثمن مطلقا وهو كذلك وإن قال الإمام ينقدح أنه لا يطالبه حتى يطالبه بائعه
وليس للبائع مطالبة المتولي وإن توقف فيه الإمام ومن بقاء الزوائد المنفصلة للمولي وغير ذلك لأنه ملك جديد
( لكي لا يحتاج ) عقد التولية ( إلى ذكر الثمن ) بل يكتفي العلم به عن ذكره لأن خاصيته البناء على الثمن الأول وإن لزمه أحكام البيع
( ولو حط ) بضم الحاء ( عن المولي ) بكسر اللام ( بعض الثمن ) كما في المحرر ( انحط عن المولى ) بفتحها لأن
____________________
(2/76)
خاصية التولية التنزيل على الثمن الأول
وشمل كلامه حط البائع ووارثه ووكيله فإن كان الحط للبعض قبل التولية لم تصح التولية إلا بالباقي
ولو حط عنه الكل قبل التولية ولو بعد اللزوم أو بعدها وقبل لزومها لم تصح لأنها حينئذ بيع بلا ثمن أو بعدها وبعد لزومها صحت وانحط الثمن عن المتولي لأنها وإن كانت بيعا جديدا فخاصيتها التنزيل على ما استقر عليه الثمن الأول فهي في حق الثمن كالبناء وفي حق نقل الملك كالابتداء حتى تتجدد فيه الشفعة كما مر
ولو كذب المولي في اختياره بالثمن فكالكذب فيه في المرابحة وسيأتي
قال ابن الرفعة وظاهر كلامهم أنه لا فرق في التولية بين كون الثمن حالا وكونه مؤجلا وفيما إذا كان الثمن مؤجلا ووقعت بعد الحلول نظر فيجوز أن يقال يكون الأجل في حق الثاني من وقتها وأن يقال يكون من حين العقد الأول فيلزمه الثمن حالا
والأول أشبه لأن الأجل من صفات الثمن وقد شرطوا المثلية في الصفة
ثم شرع في النوع الثاني فقال ( والإشراك في بعضه ) أي المشتري ( كالتولية في كله ) في جميع ما مر من الشروط والأحكام لأن الإشراك تولية في بعض المبيع
( إن بين البعض ) بأن صرح بالمناصفة أو غيرها من الكسور لتعيينه فلو قال أشركتك في النصف كان له الربع بربع الثمن إلا أن يقول بنصف الثمن فيتعين النصف كما صرح به المصنف في نكته لمقابلته بنصف الثمن إذ لا يمكن أن يكون شريكا بالربع بنصف الثمن لأن جملة المبيع مقابلة بالثمن فنصفه بنصفه
تنبيه اعترض على المصنف في إدخاله الألف واللام على بعض وحكي منعه عن الجمهور فإن ذكر بعضا ولم يبينه لم يصح للجهل
( ولو أطلق ) الإشراك ( صح ) أيضا ( وكان ) المشتري بينهما ( مناصفة ) كما لو أقر بشيء لزيد وعمرو ( وقيل لا ) يصح للجهل بقدر المبيع وثمنه
فرع للشريك الرد بعيب على الذي أشركه فإذا رد عليه رد هو على الأول
وقضية كلام الأكثرين أنه لا يشترط ذكر العقد وقال الإمام وغيره يشترط ذكره بأن يقول أشركتك في بيع هذا أو في هذا العقد ولا يكفي أشركتك في هذا وهذا ظاهر كما نقله صاحب الأنوار وأقره وعليه أشركتك في بيع هذا أو في هذا العقد ولا يكفي أشركتك في هذا وهذا ظاهر كما نقله صاحب الأنوار وأقره وعليه أشركتك في هذا كناية
ثم شرع في النوع الثالث فقال ( ويصح بيع المرابحة ) من غير كراهة لعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع }
( بأن يشتريه ) شيئا ( بمائة ) مثلا ( ثم يقول ) لغيره وهما عالمان بذلك ( بعتك ) بمائتين أو ( بما اشتريت ) أي بمثله أو برأس المال أو بما قام على أو نحو ذلك
( وربح درهم لكل عشرة ) أو في أو على كل عشرة
( أو ربح ده يازده ) لأن الثمن معلوم فكان كبعتك بمائة وعشرة
وروي عن ابن مسعود أنه كان لا يرى بأسا بأزده وده دوازده
وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ينهى عن ذلك وعن عكرمة أنه حرام وعن إسحاق أن البيع يبطل به حمل على ما إذا لم يبين الثمن
وده بالفارسية عشرة ويازده أحد عشر أي كل عشرة ربحها درهم وده دوازده كل عشرة ربحها درهمان فلو كان الثمن دراهم معينة غير موزونة أو حنطة مثلا معينة غير مكيلة لم يصح البيع مرابحة
فرع له أن يضم إلى الثمن شيئا ويبيعه مرابحة كأن يقول اشتريت بمائة وبعتك بمائتين وربح درهم لكل عشرة أو ربح ده يازده وكأنه قال بعتكه بمائتين وعشرين
ويجوز أن يكون الربح من غير جنس الثمن قيل ل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ما سبب كثرة مالك قال ما كتمت عيبا ولا رددت ربحا
ثم شرع في النوع الرابع الذي لم يترجم له فقال ( و ) يصح بيع ( المحاطة ) ويقال لها المواضعة والمخاسرة ( كبعتكه ) أي كقول من ذكر لغيره وهما عالمان بالثمن بعتكه
( بما اشتريت ) أي بمثله أو برأس المال أو بما قام علي أو نحو ذلك
( وحط ده يازده ) أو وحط درهم لكل عشرة أو في أو على كل عشرة فيقبل ( ويحط من كل أحد عشر واحد ) كما أن الربح في مرابحة ذلك واحد من أحد عشر فلو اشتراه بمائة فالثمن تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم أو بمائة وعشرة فالثمن مائة
____________________
(2/77)
( وقيل ) يحط ( من كل عشرة ) واحد كما زيد في المرابحة على كل عشرة واحد
ولو قال يحط درهم من كل عشرة فالمحطوط العاشر لأن ( من ) تقتضي إخراج واحد من العشرة بخلاف اللام وفي وعلى
والظاهر في نظيره من المرابحة كما قاله شيخي الصحة مع الربح وتحمل ( من ) على في أو على تجوزا وقرينة التجوز قوله وربح درهما إلخ وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين
( وإذا قال بعت ) لك ( بما اشتريت ) أو برأس المال ( لم يدخل فيه سوى الثمن ) الذي استقر عليه العقد عند لزومه لأنه المفهوم من ذلك وهذا صادق بما فيه حط عما عقد به العقد أو زيادة عليه في زمن الخيار
ولو حط جميع الثمن في مدة الخيار بطل العقد على الأصح كما لو باع بلا ثمن قاله الشيخان قبيل الكلام على الاحتكار
قال الدميري حادثة وقع في الفتاوى أن رجلا باع ولده دارا بثمن معلوم ثم أسقط عنه جميع الثمن قبل التفرق من المجلس فأجيب فيها بأنه يصير كمن باع بلا ثمن وهو غير صحيح فتستمر الدار على ملك الوالد اه
وما قالوه هو الموافق لكلام الشيخين
أما إذا وقع الحط بعد لزوم العبد فإن كان بعد المرابحة لم يتعدد الحط إلى المشتري وإن كان قبلها فإن حط الكل لم يجز بيعه بقوله قام على ويجوز بلفظ اشتريت وإن حط البعض أجيز بلفظ الشراء ولا يجوز بلفظ القيام إلا بعد إسقاط المحطوط
( ولو قال ) بعتك ( بما قام علي دخل مع ثمنه أجرة الكيال ) للثمن المكيل ( والدلال ) للثمن المنادى عليه أي إن اشترى به المبيع كما أفصح بهما ابن الرفعة في الكفاية والمطلب
( والحارس والقصار والرفاء ) بالمد من رفأت الثوب بالهمز وربما قيل بالواو
( والصباغ ) للمبيع في الصور الأربع
( وقيمة الصبغ ) له
( وسائر المؤن المرادة للاسترباح ) كأجرة المكان وأجرة الختان في الرقيق وأجرة الطبيب إذا اشتراه مريضا وأجرة تطيين الدار وعلف تسمين وكذا المكس المأخوذ كما نقلاه عن صاحب التتمة وأقراه لأن جميع ذلك من مؤن التجارة
أما المؤن المقصودة للبقاء كنفقة الرقيق وكسوته وعلف الدابة غير الزائد للتسمين وأجرة الطبيب إذا حدث المرض فلا تحسب ويقع ذلك في مقابلة الفوائد المستفادة من المبيع
ولو جنى العبد ففداه أو غصب فبذل مؤنة في استرداده لم يحسب ذلك عند الأكثرين
تنبيه ليس معنى قوله دخل مع ثمنه إلخ أن مطلق ذلك يدخل فيه جميع الأشياء مع الجهل بها لقوله بعد ذلك وليعلما ثمنه أو ما قام به وفي معنى قوله قام علي ثبت علي بكذا
واستشكل الإمام تصوير أجرة الكيال والدلال فإنهما على البائع وصوره ابن الرفعة بما تقدم
قال الإسنوي وصورة أخرى وهي أن يتردد في صحة ما اكتاله البائع فيستأجر من يكتاله ثانيا ليرجع عليه إن ظهر نقص
وصوره ابن الأستاذ أيضا بأن يكون اشتراه جزافا ثم كاله بأجرة ليعرف قدره قال الأذرعي وفيه توقف وأقرب منه أن يشتري مع غيره صبرة ثم يقتسماها كيلا فأجرة الكيال عليهما
( ولو قصر بنفسه أو كال ) أو طين ( أو حمل أو تطوع به شخص لم تدخل أجرته ) مع الثمر في قوله قام علي لأن عمله ما تطوع به غيره لم يقم عليه وإنما قام عليه ما بذله
وطريقه أن تقول بعتكه بكذا وأجرة عملي أو عمل المتطوع عني وهي كذا أو ربح كذا وفي معنى أجرة عمله أجرة مستحقة بملك أو غيره كمكتري وعمل غلامه كعمله
ولو صبغه بنفسه حسبت قيمة الصبغ فقط لأنه عين ومثله ثمن الصابون في القصارة
( وليعلما ) أي المتبايعان ( ثمنه ) أي المبيع وجوبا في نحو بعت بما اشتريت ( أو ما قام به ) في نحو بعت بما قام علي
( فلو جهله أحدهما بطل ) أي لم يصح البيع ( على الصحيح ) لجهالة الثمن
والثاني يصح لسهولة معرفته لأن الثمن الثاني مبني على الأول
والثالث إن علم المشتري الثاني قدر الثمن في المجلس صح إلا فلا
( وليصدق البائع ) وجوبا ( في قدر الثمن ) الذي استقر عليه العقد أو ما قام به المبيع عليه فيما إذا
____________________
(2/78)
أخبر بذلك في بيع المرابحة وفي صفته كصحة وتكسر وخلوص وغش
( و ) في ( الأجل ) لأن بيع المرابحة مبني على الأمانة لاعتماد المشتري نظر البائع ورضاه لنفسه ما رضيه البائع مع زيادة أوسط
تنبيه لو حذف المصنف لفظة قدر لكان أخصر وأعم ليشمل ما زدته
وكلامه يقتضي اشتراط تعيين قدر الأجل مطلقا وهو كذلك لأن الأجل يقابله قسط من الثمن وإن قال الزركشي الظاهر أنه لا يجب إلا إن كان خارجا عن العادة
ولو واطأ صاحبه فباعه ما اشتراه بعشرة ثم اشتراه منه بعشرين ليخبر به في المرابحة كره وقيل يحرم واختاره السبكي والأقوى في الروضة ثبوت الخيار
قال الزركشي القائل بثبوت الخيار لم يقل بالكراهة بل بالتحريم كما أشار إليه صاحب الاستقصاء وهو الذي يظهر لأن ما أثبت الخيار يجب إظهاره كالعيب قال وعليه ففي جزم النووي بالكراهة مع تقوية القول بثبوت الخيار نظر
ولو اشترى شيئا بمائة ثم خرج عن ملكه واشتراه بخمسين وجب الإخبار بالخمسين
( و ) يجب أن يصدق في ( الشراء بالعرض ) فيذكر أنه اشتراه بعرض قيمته كذا ولا يقتصر على ذكر القيمة لأن البائع بالعرض يشدد فوق ما يشدد البائع بالنقد وسواء في ذلك باعه مرابحة بلفظ الشراء أم بلفظ القيام كما قالاه وإن قال الإسنوي إنه غلط وإن الصواب أنه إذا باع بلفظ القيام يتقصر على ذكر القيمة
في ( بيان العيب ) القديم ( الحادث عنده ) بآفة أو جناية تنقص القيمة أو العين لأن الغرض يختلف بذلك ولأن الحادث ينقص به المبيع ولا يكفي فيه تبيين العيب فقط ليوهم المشتري أنه كان عند الشراء كذلك وأن الثمن المبذول كان في مقابلته مع العيب
ولو كان به عيب قديم ثم اطلع عليه بعد الشراء أو رضي به وجب بيانه أيضا وبيان أنه اشتراه من طفله أو بدين مماطل أو معسر لأن الغرض يختلف بذلك
ولو أخذ أرش عيب وباع بلفظ قام على حط الأرش أو بلفظ ما اشتريت ذكر صورة ما جرى به العقد مع العيب وأخذ الأرش لأن الأرش المأخوذ جزء من الثمن
وإن أخذ الأرش عن جناية كأن قطعت يد الرقيق وقيمته مائة ونقص ثلاثين مثلا وأخذ من الجاني نصف القيمة خمسين فالمحطوط من الثمن الأقل من أرش النقص ونصف القيمة إن باع بلفظ قام علي فإن كان نقص القيمة أكثر من الأرش كستين حط ما أخذ من الثمن ثم أخبر مع إخباره بقيامه عليه بالباقي بنصف القيمة
وإن باع بلفظ ما اشتريت ذكر الثمن والزيادة
( فلو قال ) اشتريته ( بمائة ) وباعه مرابحة ( فبان ) أنه اشتراه ( بتسعين ) بإقراره أو حجة ( فالأظهر أنه يحط الزيادة وربحها ) لأنه تمليك باعتماد الثمن الأول فتحط الزيادة عنه كما قال في الشفعة إذا أخذت بما أخبر به المشتري وكان العقد لم ينعقد إلا بما بقي
والثاني لا يحط شيء لأنه قد سمى عوضا وعقد به والبيع صحيح على القولين لأنه غره والتغرير لا يمنع الصحة كما لو روج عليه معيبا
( و ) الأظهر بناء على الحط ( أنه لا خيار للمشتري ) ولا للبائع أيضا سواء أكان المبيع باقيا أم تالفا فلو أسقط لفظ المشتري لشملهما
أما المشتري فلأنه إذا رضي بالأكثر فبالأقل من باب أولى وأما البائع فلتدليسه
والثاني يثبت الخيار وهو وجه في البائع وقيل قول
أما المشتري فلأنه قد يكون له غرض في الشراء بذلك المبلغ لإبرار قسم أو إنفاذ وصية وأما البائع فلأنه لم يسلم له ما سماه
قال السبكي وهو على الفور فيما يظهر
ولو لم يبين الأجل أو العيب أو شيئا مما يجب ذكره ثبت للمشتري الخيار لتدليس البائع عليه بترك ما وجب عليه وقد علم من ذلك أنه لا سقوط في غير الكذب
ويندفع ضرر المشتري بثبوت الخيار له وإن قال الإمام و الغزالي بالسقوط وهو حط التفاوت
( ولو ) غلط البائع فنقص من الثمن كأن قال اشتريته بمائة وباعه مرابحة ثم ( زعم أنه ) أي الثمن الذي اشترى به ( مائة وعشرة ) مثلا ( وصدقه المشتري ) في ذلك ( لم يصح البيع ) الواقع بينهما مرابحة ( في الأصح ) لتعذر إمضائه مزيدا فيه العشرة المتبوعة بربحها لأن العقد لا يحتمل الزيادة وأما النقص فهو معهود بدليل الأرش
( قلت الأصح صحته ) كما لو غلط المشتري بالزيادة ولا تثبت العشرة
____________________
(2/79)
( والله أعلم ) وللبائع الخيار في الأصح
فإن قيل طريقة المصنف مشكلة حيث راعى هنا المسمى وهناك العقد
أجيب بأن البائع هناك نقص حقه فنزل الثمن على العقد الأول ولا ضرر على المشتري وهنا يزيد فلا يلتفت إليه
( وإن كذبه ) أي البائع المشتري ( ولم يبين ) أي البائع ( لغلطه وجها محتملا ) بفتح الميم
( لم يقبل قوله ) لأنه رجوع عن إقرار تعلق به حق آدمي
( ولا بينته ) إن أقامها عليه لتكذيبه لها بقوله الأول
( وله تحليف المشتري أنه لا يعرف ذلك في الأصح ) لأنه قد يقر عند عوض اليمين عليه
والثاني لا كما لا تسمع بينته
وعلى الأصح إن حلف أمضى العقد ما حلف عليه وإن نكل عن اليمين ردت على البائع بناء على الأظهر من أن اليمين المردودة كالإقرار فيحلف على البت أن ثمنه المائة والعشرة
قال الشارح تبعا لغيره وللمشتري حينئذ الخيار أي على الوجه الضعيف القائل بثبوت الزيادة وأما على المعتمد فلا يثبت له وللبائع الخيار
وقال الشيخان كذا أطلقوه وقضية قولنا أن اليمين المردودة كالإقرار أن يعود فيه ما ذكرنا حالة التصديق أي فلا خيار للمشتري وهذا هو المعتمد كما قال في الأنوار إنه هو الحق قال وما ذكراه من إطلاقهم غير مسلم فإن الإمام والمتولي والغزالي أوردوا أنه كالتصديق اه
فإن قيل قول الشيخين كذا أطلقوه إلخ ما فائدته مع أنا لو قلنا إنها كالبينة كان الحكم كذلك أجيب بأن فائدة قولهما المذكور إحالة الحكم فيه على ما ذكراه فإنهما لم يذكرا حكم إقامة البينة ليحيلا عليه فظهر أن ما بحثناه جار على القولين وهذا لا يأتي على القولين إلا فيما إذا بين لغلطه وجها محتملا كما سيأتي وإلا فلا يصح إلا على القول بأنها كالإقرار كما يعلم من البناء المتقدم
( وإن بين ) لغلطه وجها محتملا
كقوله جاءني كتاب على لسان وكيلي بأنه اشتراه بكذا فبان كذبا عليه أو تبين لي بمراجعة جريدتي أني غلطت من ثمن متاع إلى غيره ( فله التحليف ) كما سبق لأن العذر يحرك ظن صدقه
( والأصح ) على التحليف ( سماع بينته ) التي يقيمها بأن الثمن ما ذكره
والثاني لا لتكذيبه لها
قال في المطلب وهذا هو المشهور والمنصوص عليه
خاتمة لو اتهب بشرط الثواب ذكره وباع به مرابحة أو اتهبه بلا عوض أو ملكه بإرث أو وصية أو نحو ذلك ذكر القيمة وباع بها مرابحة ولا يبيع بلفظ القيام ولا الشراء ولا رأس المال لأن ذلك كذب وله أن يقول في عبد هو أجرة أو عوض خلع أو نكاح ( أو صالح به عن دم قام علي بكذا أو بذكر أجرة المثل في الإجارة ومهره في الخلع والنكاح والدية في الصلح ولا يقول اشتريت ولا رأس المال كذا لأنه كذب
والدراهم في قولهم اشتريته بكذا أو بعتكه به وربح درهم يكون من نقد البلد سواء أكان الثمن من نقد البلد أم لا وهذا عند الإطلاق فإن عينا أن يكون الربح من جنس الثمن الأول أو من غير جنسه عمل به كما يؤخذ من كلام الزركشي
باب بيع ( الأصول والثمار ) وغيرهما
قال المصنف في تحريره الأصول الشجر والأرض والثمار جمع ثمر وهو جمع ثمرة
قال السبكي أخذ المصنف هذه الترجمة من التنبيه ولم أرها لغيرهما
وقال الأذرعي ذكرها منصور التميمي في المستعمل
وهو جمع بين ترجمتي بابين متجاورين للشافعي أحدهما باب ثمر الحائط يباع أصله والآخر باب الوقت الذي يحل فيه بيع الثمار
واعلم أن اللفظ المتناول غيره في عقد البيع سبعة الأول الأرض أو نحوها فإذا ( قال بعتك ) أو رهنتك ( هذه الأرض ) أو العرصة ( أو الساحة ) وهي الفضاء بين الأبنية ( أو البقعة وفيها بناء وشجر ) فإن باعها أو رهنها بما فيها من أشجار وأبنية دخلت في العقد جزما
____________________
(2/80)
ولو بقوله بعتك أو رهنتك الأرض بما فيها أو عليها أو بها أو بحقوقها وفي قوله بحقوقها وجه أنها لا تدخل في البيع ويأتي مثله في الرهن ووجهه أن حقوق الأرض إنما تقع على الممر ومجرى الماء إليها ونحو ذلك
وإن استثناها ك بعتك أو رهنتك الأرض دون ما فيها لم تدخل في العقد جزما وإن أطلق ( فالمذهب أنه يدخل ) البناء والشجر الرطب ( في البيع دون الرهن ) لأن البيع قوي بدليل أنه ينقل الملك فاستتبع بخلاف الرهن وهذا هو المنصوص فيهما
والطريق الثاني القطع بعدم الدخول فيهما لخروجهما عن مسمى الأرض وحمل نصه في البيع على ما إذا قال بحقوقها
والثالث فيهما قولان بالنص والتخريج أحدهما عدم الدخول لما مر والثاني يدخلان لأنهما للدوام فأشبها أجزاء الأرض ولهذا يلحقان بها في الأخذ بالشفعة
وعلى الأول كل ما ينقل الملك من نحو هبة كوقف وصدقة ووصية كالبيع وما لا ينقله من نحو عارية كإقراد الرهن
أما الشجر اليابس فلا يدخل كما صرح به ابن الرفعة و السبكي تفقها وهو قياس ما يأتي من أن الشجر لا يتناول غصنه اليابس
فإن قيل بيع الدار يتناول ما فيها من وتد ونحوه فيكون هنا كذلك أجيب بأن ذلك أثبت فيها للانتفاع به مثبتا فصار كجزئها بخلاف الشجرة اليابسة ولهذا لو عرش عليها عريش نحو عنب أو جعلت دعامة لجدار أو غيره صارت كالوتد فتدخل في البيع
وعد البغوي شجر الموز مما يندرج في البيع وهو المعتمد كما صححه السبكي وإن خالف في ذلك الماوردي
ولا يدخل في بيع الأرض مسيل الماء وشربها وهو بكسر الشين المعجمة نصيبها من القناة والنهر المملوكين حتى يشرطه كأن يقول بحقوقها وهذا كما قال السبكي في الخارج عن الأرض أما الداخل فيها فلا ريب في دخوله
ويخالف ذلك ما لو استأجر أرضا لزرع أو غراس فإن ذلك يدخل مطلقا لأن المنفعة لا تحصل بدونه
تنبيه دخول الفاء في قول المصنف فالمذهب معترض من جهة العربية فإنه لم يتقدمه شرط ولا ما يقتضي الربط ولذا قدرت في كلامه إذا وقد وقع له مثل هذا في الجراح وغيره
( وأصول البقل التي تبقى ) في الأرض ( سنتين ) أو أكثر بل أو أقل كما قاله جماعة منهم الماوردي ونقله عن نص الأم وقال الأذرعي إنه المذهب
ويجز ما ذكر مرارا ( كالقت ) وهو بالقاف والتاء المثناة علف البهائم ويسمى القرط والرطبة والفصفصة بكسر الفاءين وبالمهملتين
( والهندبا ) بالمد والقصر والقضب بالمعجمة والقصب الفارسي والكراث والكرفس والنعناع
أو تؤخذ ثمرته مرة بعد أخرى كالنرجس والبنفسج والقطن الحجازي والبطيخ والقثاء
( كالشجر ) لأن هذه المذكورات للثبات والدوام فتدخل في البيع دون الرهن على الخلاف المتقدم
والثمرة الظاهرة وكذا الجزة بكسرة الجيم الموجودة عند بيع الأرض المشتملة على ما يجز مرارا للبائع بخلاف الثمرة الكامنة لكونها كالجزء من الشجرة والجزة غير الموجودة فيدخلان في بيع الأرض وعلى عدم دخول الجزة يشترط على البائع قطعها وإن لم تبلغ أوان الجز لئلا تزيد فيشتبه المبيع بغيره بخلاف الثمرة التي لا يغلب اختلاطها فلا يشترط فيها ذلك وأما غيرها فكالجزة كما يعلم مما يأتي
وما ذكر من اشتراط القطع هو ما جزم به الشيخان كالبغوي وغيره واعتبار كثيرين وجوب القطع من غير اعتبار شرط محمول على ذلك قال في التتمة إلا القصب أي الفارسي فهو بالصاد المهملة كما قاله الأذرعي خلافا لما ضبطه الإسنوي من أنه بالمعجمة فلا يكلف قطعه حتى يكون قدرا ينتفع به
وشجر الخلاف بتخفيف اللام كالقصب في ذلك
فإن قيل الوجه التسوية بين المستثنى والمستثنى منه فإما أن يعتبر الانتفاع في الكل أو لا يعتبر
أجيب بأن تكليف البائع قطع ما استثني يؤدي إلى أنه لا ينتفع به من الوجه الذي يراد الانتفاع به بخلاف غيره ولا بعد في تأخير وجوب القطع حالا لمعنى بل قد عهد تخلفه بالكلية وذلك في بيع الثمرة من مالك الشجرة كما سيأتي
( ولا يدخل ) في مطلق بيع الأرض كما في المحرر والروضة وأصلها أو قال بحقوقها كما قاله القمولي وغيره
( ما يؤخذ ) بقلع أو قطع ( دفعة ) واحدة ( كحنطة وشعير وسائر ) أي باقي ( الزرع ) كالفجل والجزر وقطن خراسان والثوم والبصل لأنه ليس للدوام فأشبه
____________________
(2/81)
منقولات الدار
تنبيه عد الشيخان مما يؤخذ دفعة السلق بكسر السين واعترضهما جماعة بأنه مما يجز مرارا وأجاب عنه الأذرعي بأنه نوعان نوع يؤخذ دفعة واحدة وهو ما أراده الشيخان ونوع مما يجز مرارا وهو المعروف بمصر وأكثر بلاد الشام
( ويصح بيع الأرض المزروعة ) قال الشارح هذا الزرع الذي لا يدخل ( على المذهب ) كما لو باع دارا مشحونة بأمتعة
والطريق الثاني تخريجه على القولين في بيع الدار المستأجرة لغير المشتري أحدهما البطلان
وفرق الأول بأن يد المستأجر حائلة أما الزرع الذي يدخل فلا يمنع الصحة بلا خلاف فتقييد الشارح لأجل محل الخلاف ولأجل قوله ( وللمشتري الخيار إن جهله ) أي الزرع الذي لا يدخل بأن كان قد رآها قبله
قال الأذرعي أو لم يسترها الزرع أي كأن رآها من خلاله
فإن قيل إذا رآها من خلاله لا خيار له
أجيب بأنه جهل كونه باقيا إلى الشراء وإلا فكيف يتصور أنه رأى الزرع وله الخيار نعم إن تركه له البائع ولا يملكه إلا بتمليك أو قصر زمن التفريغ سقط خياره أما العالم بذلك فلا خيار له لتقصيره
نعم إن ظهر أمر يقتضي تأخير الحصاد عن وقته المعتاد فله الخيار
( ولا يمنع الزرع ) المذكور ( دخول الأرض في يد المشتري وضمانه إذا حصلت التخلية في الأصح ) لوجود التسليم في عين المبيع
والثاني يمنع كما تمنع الأمتعة المشحونة بها الدار من قبضها
وفرق الأول بأن تفريغ الدار متأت في الحال غالبا بخلاف الأرض
( والبذر ) بالذال المعجمة ( كالزرع ) فالبذر الذي لا ثبات لنباته ويؤخذ دفعة واحدة لا يدخل في بيع الأرض ويبقى إلى أوان الحصاد ومثله القلع فيما يقلع وللمشتري الخيار إن جهله وتضرر به وصح قبضها مشغولة به ولا أجرة له مدة بقائه فإن تركه له البائع سقط خياره وعليه القبول ولو قال أخذه وأفرغ الأرض وأمكن في زمن يسير ولم يضر سقط خياره
والبذر الذي يدوم كنوى النخل وبزر الكراث ونحوه من البقول حكمه في الدخول في بيع الأرض كالشجر
( والأصح ) وفي الروضة قطع الجمهور ( أنه لا أجرة للمشتري مدة بقاء الزرع ) قال الشارح الذي جهله وأجاز كما لا أرش في الإجازة بالعيب اه
ولأنه بالإجازة رضي بتلف المنفعة تلك المدة فأشبه ما لو باع دارا مشحونة بأمتعة فإنه لا أجرة لمدة التفريغ والثاني له الأجرة قال في البسيط لأن المنافع متميزة عن المعقود له أي فليست كالعيب
أما إذا كان عالما فلا أجرة له جزما فتقييد الشارح لأجل محل الخلاف
( ولو باع أرضا مع بذر أو زرع ) بها ( لا يفرد بالبيع ) عنها أي لا يصح بيعه وحده
والزرع الذي لا يفرد بالبيع كبر لم ير كأن يكون في سنبله أو كان مستورا بالأرض كالفجل والبذر الذي لا يفرد بالبيع هو ما لم ير أو تغير بعد رؤيته أو امتنع عليه أخذه كما هو الغالب
( بطل ) البيع ( في الجميع ) جزما للجهل بأحد المقصودين وتعذر التوزيع
نعم إن دخل فيها عند الإطلاق بأن كان دائم الثبات صح البيع في الكل وكأنه ذكره تأكيدا كما قاله المتولي وغيره وإن فرضوه في البذر
فإن قيل يشكل إذا لم يره قبل البيع ببيع الجارية مع حملها
أجيب بأن الحمل غير متحقق الوجود بخلاف ما هنا فاغتفر فيه ما لا يغتفر في الحمل
( وقيل في الأرض قولان ) أحدهما كالأول والثاني الصحة فيها بجميع الثمن
تنبيه ذكر في المحرر البذر بعد صفة الزرع وقدمه في الكتاب قيل لتعود الصفة إليه أيضا فيخرج بها ما رؤي قبل العقد ولم يتغير وقدر على أخذه فإنه يفرد بالبيع
ولم ينبه في الدقائق على ذلك وقد أطلق البذر في الروضة كأصلها ولم يقل المصنف لا يفردان لأن المعروف في العطف ب أو إفراد الضمير والزرع الذي يفرد بالبيع كالقصيل الذي لم يسنبل أو سنبل وثمرته ظاهرة كالذرة والشعير
( ويدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة ) أو المثبتة ( فيها ) لأنها من
____________________
(2/82)
أجزائها فإن كانت تضر بالزرع أو الغرس فهو عيب إن كانت الأرض تقصد لذلك مثبت للخيار
( دون المدفونة ) فيها كالكنوز فلا تدخل فيها كبيع دار فيها أمتعة
( ولا خيار للمشتري إن علم ) الحال ولو ضر قلعها
نعم إن جهل ضررها وكان لا يزول بالقلع أو تتعطل به مدة لمثلها أجرة فله الخيار كما قاله المتولي
( ويلزم البائع ) القلع و ( النقل ) تفريغا لملك المشتري بخلاف الزرع لأن له أمدا ينتظر
وللبائع التفريغ أيضا وإن ضر المشتري ويلزمه تسوية حفر الأرض الحاصلة بالقلع قال في المطلب بأن يعيد التراب المزال بالقلع من فوق الحجارة مكانه أي وإن لم يسو إذ يبعد أن يقال يسويها بتراب آخر من مكان خارج أو مما فيها لأن في الأول إيجاب عين لم تدخل في البيع وفي الثاني تغير المبيع ولا أجرة عليه لمدة ذلك وإن طالت
( وكذا ) لا خيار للمشتري ( إن جهل ) الحال ( ولم يضر قلعها ) بأن لم تنقص الأرض به ولم يحوج النقل والتسوية إلى مدة لمثلها أجرة سواء أضر تركها أم لا ويلزم البائع النقل وتسوية الأرض ولا أجرة عليه لمدة ذلك كما مر
( وإن ضر ) قلعها بأن نقصت به الأرض أو أحوج التفريغ وتسوية الأرض لمدة لمثلها أجرة ( فله الخيار ) ضر تركها أم لا ولا يسقط خياره بقول البائع أنا أغرم لك الأجرة والأرش للمنة فلو ترك الحجارة وتركها لا يضر المشتري سقط خياره
فإن قيل في ذلك منة أيضا
أجيب بأن المنة التي فيها حصلت بما هو متصل بالمبيع شبه جزأه بخلافها في تلك وهذا الترك إعراض لا تمليك فللبائع الرجوع فيه ويعود برجوعه خيار المشتري
نعم لو وهبها له واجتمعت شروط الهبة حصل الملك ولا رجوع للبائع فيها فإن فقد منها شرط فهو إعراض كالترك لأنه إذا بطل الخصوص بقي العموم
( فإن أجاز ) حيث ثبت له الخيار ( لزم البائع ) القلع و ( النقل ) تفريغا لملك المشتري
( و ) لزمه ( تسوية الأرض ) كما سبق سواء أنقل قبل القبض أو بعده
فلو رضي البائع بتركها قال الإسنوي ففيه ما سبق
تنبيه ظاهر عبارة الشيخين أنه لو جهل ضرر الترك فقط أنه لا خيار له
واستدرك النسائي و الإسنوي عليهما بأن مقتضى كلام غيرهما ثبوته لأنه قد يطمع في أن البائع قد يتركها له
ورد هذا الاستدراك بأن طمعه في تركها لا يصلح علة لثبوت الخيار ولا يقاس ثبوته على ثبوته فيما لو ضر قلعها دون تركها كما مر لأنه ثم جاهل بها وهنا عالم بها
( وفي وجوب أجرة المثل مدة النقل ) إذا نقل البائع في مدة لمثلها أجرة ( أوجه أصحها تجب إن نقل بعد القبض لا قبله ) حيث خير المشتري لأن التفريغ المفوت للمنفعة مدة جناية من البائع وهي مضمونة عليه بعد القبض لا قبله لما مر أن جنايته قبل القبض كالآفة
والثاني تجب مطلقا بناء على أنه يضمن جنايته قبل القبض
والثالث لا تجب مطلقا لأن إجازة المشتري رضا بتلف المنفعة مدة النقل
ويجري الخلاف كما قالا في وجوب الأرش فيما لو بقي في الأرض بعد التسوية عيب وإن استبعده السبكي
قال البلقيني فلو باع البائع الأحجار بطريقه فهل يحل المشتري محل البائع أو تلزمه الأجرة مطلقا لأنه أجنبي عن البائع لم أقف فيه على نقل والأصح الثاني اه
وهذا أوجه مما قاله بعض المتأخرين من عدم اللزوم
أما إذا لم يخير فإنه لا أجرة له وإن طالت مدة التفريغ ولو بعد القبض
تنبيه هل تجب أجرة مدة تفريغ الأرض من الزرع كمدة تفريغها من الحجارة وإن لم تجب لمدة بقائه كما مر قال بعض المتأخرين نعم
والأوجه كما قال شيخي عدم الوجوب لأنها تابعة لمدة بقائه
ولو أحدث المشتري في هذه الأرض غرسا وهو جاهل بالأحجار ثم علم بها فله
____________________
(2/83)
المطالبة بالقلع تفريغا لملكه ويضمن البائع نقصا حدث بالقلع في الغراس ولا خيار للمشتري إن اختص النقص المذكور بالغراس لأن الضرر راجع لغير المبيع ولأن الغراس عيب في الأرض البيضاء وقد حدث عنده فإن نقصت الأرض بالأحجار فله قلع الغراس والفسخ إن لم يحصل بالغرس وقلع المغروس نقص في الأرض وإلا فهو عيب حدث عنده يمنع الرد ويوجب الأرش
وإن أحدث الغرس عالما بالأحجار فله المطالبة بالقلع تفريغا لملكه كما مر ولا يضمن البائع أرش نقص الغراس
ولو كان فوق الأحجار زرع لأحدهما ترك إلى أوان حصاده لأن له أمدا ينتظر بخلاف الغراس ولا أجرة لمدة بقائه وإذا قلعها البائع بعد الحصاد فعليه تسوية الأرض كما صرح به في الروضة
ثم شرع في اللفظ الثاني وهو البستان فقال ( ويدخل في بيع البستان ) وهو فارسي معرب وجمعه بساتين
والباغ وهو البستان بالعجمية والكرم والحديثة والجنينة عند الإطلاق
( الأرض والشجر والحيطان ) المحيطة بها لدخولها في مسمى البستان بل لا يسمى بستانا بدون حائط كما قاله الرافعي
( وكذا ) يدخل ( البناء ) الذي فيه ( على المذهب ) وقيل لا يدخل وقيل في دخوله قولان وهي الطرق المتقدمة في دخوله في بيع الأرض
ويدخل عريش توضع عليه قضبان العنب كما صرح به الرافعي في الشرح الصغير وجرى عليه ابن المقري في روضه
ولا تدخل المزارع التي حول هذه المذكورات لأنها ليست منها ولو قال بعتك هذه الدار البستان دخلت الأبنية والأشجار جميعا أو هذه الحائط البستان أو هذه المحوطة دخل الحائط المحيط وما فيه من شجر وبناء
ثم شرع في اللفظ الثالث وهو القرية ونحوها فقال ( و ) يدخل ( في بيع القرية ) عند الإطلاق ( الأبنية ) من سور وغيره ( وساحات ) وأشجار ( يحيط بها السور ) بخلاف الخارج عنه ( لا المزارع ) والأشجار التي حولها فلا تدخل ( على الصحيح ) ولو قال بعتكها بحقوقها لأن العرف لا يقتضي دخولها ولهذا لا يحنث من حلف لا يدخل القرية بدخولها
والثاني تدخل
والثالث إن قال بحقوقها دخلت وإلا فلا فإن لم يكن لها سور دخل ما اختلط ببنائها من المساكن والأبنية
ولا تدخل الأبنية الخارجة عن السور المتصلة به كما هو مقتضى كلام الشيخين وإن قال الإسنوي فيه نظر وسكت الرافعي عن الحريم وقد صرح بدخول حريم الدار في بيعها فيأتي مثله هنا
وسكت المصنف عن دخول السور قال السبكي ولا بد منه لأنه داخل تحت اسمها
وحيث دخل السور دخلت المزراع التي من داخله كما بحثه بعض المتأخرين ومثل القرية فيما مر الدسكرة وتقال لقصر حوله بيوت وللقرية والأرض المستوية والصومعة والبيوت الأعاجم يكون فيها الشراب والملاهي
ثم شرع في اللفظ الرابع وهو الدار فقال ( و ) يدخل ( في بيع الدار ) عند الإطلاق ( الأرض ) إجماعا إذا كانت مملوكة للبائع فإن كانت موقوفة أو محتكرة لم تدخل ويثبت الخيار للمشتري إذا كان جاهلا بذلك
( وكل بناء ) من علو أو سفل لأن الدار اسم للبناء والأرض
وتدخل الأجنحة والرواشن والدرج والمراقي المعقودة والسقف والآجر والبلاط المفروش الثابت في الأرض
( حتى حمامها ) المثبت لأنه من مرافقها
وحكي عن النص أن حمامها لا يدخل
وحمله الربيع على حمامات الحجاز وهي بيوت من خشب تنقل
تنبيه قوله حمامها مرفوع قيل لأن حتى عاطفه كالواو واعترض بأن ابن مالك ذكر أن عطف الخاص على العام يختص بالواو فالأحسن أن تكون ابتدائية والخبر محذوف أي يدخل
ويدخل شجر رطب مغروس فيها أما اليابس فلا يدخل لأنه لا يدخل في بيع الأرض كما صرح به الرافعي في الشرح الكبير وتدخل حريمها بشجره الرطب إن كانت في طريق لا ينفذ فإن كانت في طريق نافذ فلا حريم لها
( لا المنقول كالدلو والبكرة ) بإسكان الكاف أشهر من فحتها
( والسرير ) غير المسمر والدفين فلا يدخل في بيع الدار لأن اسمها لا يتناوله
( وتدخل الأبواب المنصوبة وحلقها ) بفتح اللام وغلقها المثبت والخوابي ومعاجن الخبازين وخشب القصارين
( والإجانات ) المثبتة وهي بكسر الهمزة وتشديد الجيم ما يغسل فيها
( والرف والسلم ) بفتح اللام ( المسمران ) ومثل التسمير التطيين
( وكذا ) يدخل ( الأسفل من حجري الرحى على الصحيح ) لثباته والثاني لا يدخل لأنه منقول
وإنما أثبت لسهولة
____________________
(2/84)
الارتفاق به كيلا يتزحزح عند الاستعمال
( و ) يدخل ( الأعلى ) أيضا من الحجرين ( ومفتاح غلق مثبت في الأصح ) وهو بفتح اللام ما يغلق به الباب لأنهما تابعان لشيء مثبت بخلاف مفتاح القفل فإن القفل لا يدخل لأنه غير مثبت
والثاني لا يدخلان نظرا إلى أنهما منقولان
والخلاف مبني على دخول الأسفل صرح به في الشرح والمحرر وأسقطه من الروضة كالمنهاج وأسقط منه تقييد الإجانات بالمثبتة وحكاية وجه فيها وفي المسألتين بعدها ولفظ المحرر وكذا الإجانات والرفوف المثبتة والسلالم المسمرة والتحتاني من حجري الرحى على أصح الوجهين
ففهم المصنف أن التقييد وحكاية الخلاف لما ولياه فقط
وتدخل ألواح الدكاكين وكل منفصل يتوقف عليه نفع متصل كرأس التنور وصندوق البئر والطاحون وآلات السفينة
فإن قيل لم يقيدوا ألواح الدكاكين بالمنصوبة كما فعلوا في باب الدار لماذا أجيب بأن العادة جارية في انفصال ألواح الدكاكين بخلاف باب الدار
فرع لا يدخل في بيع الدار ونحوها إذا كان بها بئر ماء ماء البئر الحاصل حالة البيع كالثمرة المؤبرة وماء الصهريج فإن لم يشرط دخوله في العقد فسد لاختلاطه بالحادث فلا يصح بيعه وحده ولا بد من شرط دخوله ليصح البيع بخلاف ماء الصهريج
ويدخل في بيعها المعادن الباطنة كالذهب والفضة لا الظاهرة كالملح والنورة والكبريت فحكم الظاهر كالماء الحاصل في أنه لا يصح بيع ماذ كر ولا تدخل هي فيه إلا بشرط دخولها
ثم شرع في اللفظ الخامس وهو الحيوان فقال ( و ) يدخل ( في بيع الدابة نعلها ) وبرتها وهي حلقة تجعل في أنفها إن لم يكونا ذهبا أو فضة وإلا فلا يدخلان للعرف فيهما ولحرمة استعمالهما حينئذ
ولا يدخل في بيعها العذار والمقود واللجام والسرح اقتصارا على مقتضى اللفظ
( وكذا ) تدخل ( ثياب العبد ) التي عليه ( في بيعه في الأصح ( للعرف ( قلت الأصح لا تدخل ثياب العبد ) في بيعه ( والله أعلم ) ولو كانت ساترة العورة اقتصارا على مقتضى اللفظ والأمة كالعبد كما في شرح مسلم ومثلها الخنثى
ولا يدخل القرط الذي في أذن الرقيق ولا الخاتم الذي في يده بلا خلاف وجعلوا المداس كذلك والقياس أن يكون كالثياب
ثم شرع في اللفظ السادس وترجم له بفرع فقال فرع إذا ( باع شجرة ) رطبة وأطلق ولو مع الأرض تبعا أو بالتصريح ( أدخل عروقها ) إن لم يشرط قطعها ( وورقها ) لأن ذلك من مسماها ولا فرق في دخول الورق بين أن يكون من فرصاد وسدر وحناء وتوت أبيض أو غيره لما ذكر
( وفي ورق التوت ) الأبيض الأنثى المبيع شجرته في الربيع وقد خرج ( وجه ) أنه لا يدخل وكذا في ورق النبق
وصحح ابن الرفعة أو ورق الحناء لا يدخل وعلل عدم الدخول فيما ذكر أنه كثمر سائر الأشجار
والتوت بتاءين على الفصيح وفي لغة أنه بالمثلثة في آخره
( و ) دخل ( أغصانها إلا اليابس ) فلا يدخل لأن الرطبة تعد من أجزائها بخلاف اليابسة إذا كانت الشجرة رطبة كما مر لأن العادة فيه القطع كالثمرة
تنبيه شمل كلامه أغصان شجر الخلاف وفيه خلاف فقد صرح الإمام في موضع بالدخول وفي آخر بعدمه وجمع بينهما بما قاله القاضي أن الخلاف نوعان ما يقطع من أصله فتدخل أغصانه وما يترك ساقه وتؤخذ أغصانه فلا تدخل
ويدخل أيضا الكمام وهي بكسر الكاف أو عية الطلع وغيره ولو كان ثمرها مؤبرا لأنها تبقى ببقاء الأغصان ومثلها العرجون كما بحثه شيخنا وإن قال بعضهم إنه لمن له الثمرة
قال الإسنوي وتعبير المصنف يقتضي أنه لا فرق في العروق والأوراق بين اليابسة وغيرها وهو مقتضى إطلاق الرافعي أيضا وقد صرح به في الكفاية لكن في العروق خاصة اه
ويؤخذ من اقتصار صاحب الكفاية على العروق أن الأوراق اليابسة لا تدخل وهو الأوجه كما قال شيخي لأن الورق أولى بعدم الدخول من
____________________
(2/85)
الغصن اليابس
( ويصح بيعها بشرط القلع ) وتدخل العروق ( أو القطع ) ولا تدخل كما مر بل تقطع عن وجه الأرض
( وبشرط الإبقاء ) ويتبع الشرط
( والإطلاق ) بأن لم يشرط قلعا ولا قطعا ولا إبقاء ( يقتضي الإبقاء ) في الشجرة الرطبة للعادة بخلاف اليابسة كما سيأتي
( والأصح أنه ) أي الشأن ( لا يدخل ) في بيعها ( المغرس ) بكسر الراء موضع غرسها حيث أبقيت لأن اسم الشجرة لا يتناوله فليس له بيعه ولا أن يغرس بدلها إذا قلعت
( لكن يستحق ) المشتري ( منفعته ) فيجب على مالكه أو مستحق منفعته بإجارة أو وصية أن يمكنه منه ( ما بقيت الشجرة ) تبعا لها
ولو بذل مالكه أرش القلع لمالكها وأراد قلعها فإنه يجب عليه إبقاؤها ولا يجوز له قلعها
ولو تفرخت منها شجرة أخرى فهل يستحق إبقاءها إلحاقا لها بما يتحدد في الأصل من العروق والغلظ أو يؤمر بقطعها لكونها لم تكن حالة العقد أو يفرق بين ما جرت العادة في استخلافه وبين ما لم تجر به قال بعضهم فيه احتمالات
قال في المطلب وما يعلم استخلافه كشجر الموز فلا شك في وجوب بقائه اه
والثاني يدخل لاستحقاقه منفعته لا إلى غاية
قال الإسنوي ولقائل أن يقول هل محل الخلاف فيما يسامت الشجرة من الأرض دون ما يمتد إليه أغصانها أم الخلاف في الجميع فإن كان الثاني فيلزم أن يتجدد للمشتري كل وقت ملك لم يكن اه
والأوجه ما قاله غيره وهو ما يسامت أصل الشجرة خاصة والموضع الذي ينتشر فيه عروق الشجرة حريم للمغرس حتى لا يجوز للبائع أن يغرس إلى جانبها ما يضر بها
ويجري الخلاف فيما لو باع أرضا واستثنى لنفسه شجرة هل يبقى لها مغرسها أو لا وفيما إذا باع أرضا فيها ميت مدفون هل يبقى له مكان الدفن أو لا كما قاله الرافعي في أول الدفن
( ولو كانت ) الشجرة المبيعة مع الإطلاق ( يابسة لزم المشتري القلع ) للعادة في ذلك
وتعبيره بالقلع أولى من تعبير المحرر بالقطع لأنه يقتضي أن العروق لا تدخل
وليس مرادا فإن شرط قطعها أو قلعها لزمه الوفاء به أو إبقاءها بطل البيع كما لو اشترى ثمرة مؤبرة وشرط عدم قطعها عند الجذاذ
نعم إن كان له في إبقائها غرض مقصود كأن كانت مجاورة لأرضه وقصد أن يضع عليها جذوعا أو بناء أو نحوه كعريش صح كما قاله الأذرعي وغيره
ثم شرع في ذكر ثمر المبيع وهو المقصود منه ولو مشموما كالورد فقال ( وثمرة النخل المبيع أن شرطت للبائع أو المشتري عمل به ) سواء أكانت قبل التأبير أم بعده وفاء بالشرط ولو شرط غير المؤبرة للمشتري كان تأكيدا كما قاله المتولي وإن قال السبكي ينبغي أن يكون كشرط الحمل
( وإلا ) بأن لم تشرط لواحد منهما بأن سكت عن ذلك
( فإن لم يتأبر منها شيء فهي ) كلها ( للمشتري وإلا ) بأن تأبر منها شيء ( فللبائع ) أي فهي كلها له
والأصل في ذلك خبر الصحيحين من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع مفهومه أنها إذا لم تؤبر تكون الثمرة للمشتري إلا أن يشرطها البائع وكونها في الأول للبائع صادق بأن يشرط له أو يسكت عن ذلك وكونها في الثاني للمشتري صادق بذلك
وألحق بالنخل سائر الثمار وبتأبير كلها تأبير بعضها بتبعية غير المؤبر للمؤبر لما في تتبع ذلك من العسر
والتأبير تشقيق طلع الإناث وذر طلع الذكور فيه ليجيء رطبها أجود مما لم يؤبر والعادة الإكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقق بنفسه ويثبت ربح الذكور إليه
وقد لا يؤبر بشيء ويتشقق الكل والحكم فيه كالمؤبر اعتبارا بظهور المقصود ولذلك عدل المصنف عن قول المحرر لم تكن مؤبرة إلى ما قاله
وشمل طلع الذكور فإنه يشقق بنفسه ولا يشقق غالبا وفيما لم يتشقق منه وجه أنه للبائع أيضا لأنه لا ثمر له حتى يعتبر ظهورها بخلاف طلع الإناث
وتسمى ذكور النخل فحالة بضم الفاء وتشديد الحاء المهملة والمقصود من طلعها الكش بضم الكاف وبالشين المعجمة وهو ما يلقح به الإناث وهو غير ظاهر حتى يتشقق
____________________
(2/86)
وليس المقصود منه الأكل
( وما يخرج ثمره بلا نور ) بفتح النون أي زهر ( كتين وعنب ) وفستق بفتح التاء ويجوز ضمها وجوز
( إن برز ثمره ) أي ظهر ( فللبائع وإلا ) بأن لم يبرز ( فللمشتري ) لأن البروز هنا كالتشقق في الطلع ولا يعتبر تشقق الطلع الأعلى من نحو جوز بل هو للبائع مطلقا لاستتاره بما هو من صلاحه ولأنه لا يظهر بتشقق الأعلى منه
وإن ظهر بعض التين أو العنب فما ظهر للبائع وما لم يظهر فللمشتري كما في التتمة والتهذيب وإن توقف فيه الشيخان وجزم بالتوقف صاحب الأنوار وفرق الأثمة بينه وبين طلع النخل بأن ثمرة النخل ثمرة عام واحد وهو لا يحمل فيه إلا مرة والتين ونحوه يحمل حملين مرة بعد أخرى فكانت الأولى للبائع والثانية للمشتري
وكالتين فيما ذكر الجميز ونحوه كالقثاء والبطيخ لا يتبع بعضه بعضا لأنها بطون بخلاف ما مر في ثمرة النخل ونحوه فإنها تعد حملا واحدا
( وما خرج في نوره ثم سقط ) نوره ( كمشمش ) بكسر ميميه وحكي فتحهما ورمان ( وتفاح ) ولوز ( فللمشتري إن لم تنعقد الثمر ) لأنها كالمعدومة
( وكذا ) هي له أيضا ( إن انعقدت ولم يتناثر النور في الأصح ) إلحاقا لها بالطلع قبل تشققه لأن استتارها بالنور بمنزلة استتار ثمرة النخل بكمامه
والثاني يلحقها به بعد تشققه لاستتاره بالقشر الأبيض فتكون للبائع
( وبعد التناثر للبائع ) قطعا لظهورها وصرح في التنبيه بأن ما لم يظهر من ذلك تابع لما ظهر
تنبيه عدل المصنف عن قول المحرر يخرج المناسب للتقسيم بعده قال الشارح كأنه لئلا يشتبه بما قبله
وما يقصد منه الورد ضربان ما يخرج من كمام ثم ينفتح كالورد الأحمر إنم بيع أصله بعد تفتحه فللبائع كالطلع المتشقق أو قبله فلمشتري وما يخرج ظاهرا كالياسمين فإن خرج ورده فللبائع وإلا فللمشتري وتشقق جوز قطن يبقى أصله سنتين فأكثر كتأبير النخل فيتبع المستتر غيره وما لا يبقى أصله أكثر من سنة إن بيع قبل تكامل قطنه لم يجز إلا بشرط القطع كالزرع سواء أخرج الجوز أم لا ثم إن لم يقطع حتى خرج الجوز فهو للمشتري لحدوثه في ملكه وإن بيع بعد تكامل قطنه وتشقق جوزه صح العقد لظهور المقصود ودخل القطن في البيع
فإن قيل إذا تشقق يكون كالثمرة المؤبرة كما جزم به القاضي فلا يدخل في البيع
أجيب بأن الشجرة المؤبرة مقصودة كثمار سائر الأعوام ولا مقصود هنا سوى الثمرة الموجودة وإن لم يتشقق جوزه لم يصح العقد لاستتار قطنه بما ليس من صلاحه
( ولو باع نخلات بستان مطلعة ) بكسر اللام أي خرج طلعها
( وبعضها ) قال الشارح أي من حيث الطلع ( مؤبر ) دون بعض واتحد الجنس والعقد ( فللبائع ) طلعها جميعه المؤبر وغيره لما مر
وخرج بقوله من حيث الطلع اختلاف النوع واختلاف الجنس فإن الأول يتبع على الأصح والثاني لا يتبع جزما
( فإن أفرد ما لم يؤبر ) بالبيع واتحد النوع ( فللمشتري ) طلعه ( في الأصح ) لما مر والثاني هو للبائع اكتفاء بدخول وقت التأبير عنه وأما المؤبر فللبائع
ولو باع نخلة وبقيت ثمرتها للبائع ثم خرج طلع آخر كان له أيضا كما صرحا به قالا لأنه من ثمرة العام قال شيخنا قلت وإلحاقا للنادر بالأعم الأغلب
( ولو كانت ) أي النخلات المذكورة ( في بساتين ) أي المؤبرة في بستان وغيرها في بستان واتحد العقد والجنس والمالك ( فالأصح إفراد كل بستان بحكمه ) سواء أتباعدا أم تلاصقا
والثاني هما كالبستان الواحد
أما إذا تعدد العقد أو اختلف الجنس أو تعدد المالك أفرد كل بحكمه جزما
( وإذا بقيت الثمرة للبائع ) بشرط أو غير ( فإن شرط القطع لزمه ) وفاء بالشرط ( وإلا ) بأن أطلق أو شرط الإبقاء وهو مزيد على المحرر والروضة وأصلها ( فله تركها إلى ) زمن ( الجداد )
____________________
(2/87)
تحكيما للعادة كما يجب تبقية الزرع إلى أوان الحصاد وإبقاء المتاع في السفينة في اللجة إلى الوصول إلى الشرط
وهو بفتح الجيم وكسرها وإهمال الدالين كما في الصحاح وحكي إعجامهما
ثم إذا جاء أوان الجداد ليس له الصبر حتى يأخذها على التدريج ولا تأخرها إلى تناهي نضجها بل المعتبر في ذلك العادة لو كانت الثمرة من نوع يعتاد قطعه قبل النضج كالموز الأخضر في بلاد لا ينتهي فيها كلف البائع قطعها على العادة
ويستثنى من التبقية صورتان الأولى إذا تعذر سقي الثمرة لانقطاع الماء وعظم ضرر الشجر بإبقائها فليس له إبقاؤها
الثانية إذا أصابتها آفة ولا فائدة في تركها فليس له إبقاؤها
( ولكل منهما ) أي المتبايعين في الإبقاء ( السقي إن انتفع به الشجر والثمر ) أو أحدهما ( ولا منع للآخر ) منه لعدم ضرره
تنبيه عبارة المهذب والوسيط إن لم يتضرر الآخر ويؤخذ منها عدم المنع عند انتفاء الضرر والنفع لأنه تعنت قاله السبكي وغيره
قال شيخنا وقد يتوقف فيه إذ لا غرض للبائع حينئذ فكيف يلزم المشتري تمكينه اه
وهذا هو الظاهر كما قاله شيخي
( وإن ضرهما لم يجز إلا برضاهما ) معا فليس لأحدهما السقي إلا برضى الآخر لأنه يدخل عليه ضررا فإن رضيا بذلك جاز
فإن قيل إذا رضيا بذلك ففيه إفساد للمال وهو حرام
أجيب بأن الإفساد غير محقق
وقيل يحمل كلامهم على ما إذا كان يضرهما من وجه دون وجه
( وإن ضر أحدهما ) أي ضر الشجر ونفع الثمر أو العكس ( وتنازعا ) أي المتبايعان في السقي ( فسخ العقد ) لتعذر إمضائه إلا بإضرار أحدهما
والفاسخ له المتضرر كما يؤخذ من غضون كلامهم واعتمده شيخي وقيل الحاكم وجزم به وصححه السبكي وقيل كل من العاقدين واستظهره الزركشي
تنبيه شمل كلام المصنف ما لو ضر السقي أحدهما ومنع تركه حصول زيادة للآخر وهو كذلك لاستلزام منع حصولها له انتفاعه بالسقي
وذكر في الروضة احتمالين للإمام
( إلا أن يسامح المتضرر ) فلا فسخ حينئذ لزوال النزاع
فإن قيل في ذلك إضاعة مال وهي محرمة
أجيب بأن في ذلك إحسانا ومسامحة
نعم الكلام في المالكين المطلقي التصرف لا من يتصرف لغيره أو لنفسه وهو غير مطلق التصرف
( وقيل لطالب السقي ) وهو البائع في الصورة الأولى والمشتري في الثانية ( أن يسقي ) ولا يبالي بضرر الآخر لأنه قد رضي به حين أقدم على هذا العقد
فلا فسخ على هذا أيضا وحيث احتاج البائع إلى سقي ثمرته فالمؤنة عليه
وأما الماء الذي يسقى منه فقال في المطلب ظاهر كلام الأصحاب أنه الماء المعد لسقي تلك الأشجار ملكه المشتري أو لا
( ولو كان الثمن يمتص رطوبة الشجر ) والسقي ممكن بالماء المعد له ( لزم البائع أن يقطع ) ثمرته ( أو يسقي ) الشجر دفعا لضرر المشتري لو تعذر السقي لانتقطاع الماء تعين القطع
ثم شرع في اللفظ السابع وهو الثمار وهو يتناول نواها وقمعها في ضمن فصل فقال فصل في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما ( يجوز بيع الثمر بعد بدو ) أي ظهور ( صلاحه ) وسيأتي بيانه ( مطلقا ) من غير شرط قطع ولا تبقية
( وبشرط قطعه وبشرط إبقائه ) سواء أكانت الأصول لأحدهما أم لغيره لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر قبل بدو صلاحها رواه الشيخان
فيجوز بعد بدوه وهو صادق بكل من الأحوال الثلاثة
والمعنى الفارق بينهما أمن العاهة بعده غالبا لفلظها وكبر نواها وقبله تسرع إليه لضعفه فيفوت بتلفه الثمن وبه يشعر قوله صلى الله عليه وسلم أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يستحق أحدكم مال أخيه
( وقبل الصلاح إن بيع منفردا عن الشجر
____________________
(2/88)
لا يجوز ) أي لا يصح البيع ويحرم للخبر المذكور ( إلا بشرط القطع ) في الحال وهو معنى قول ابن المقري منجزا
( وأن يكون المقطوع منتفعا به ) كلوز وحصرم وبلح فيجوز حينئذ بالإجماع المخصص للخبر السابق فدخل في المستثنى منه ما ينتفع به وبيع بغير شرط القطع أو بيع شرطه معلقا ووجه المنع في الثانية تضمن التعليق التبقية
وما ( لا ) ينتفع به ( ككمثري ) بفتح الميم المشددة وبالمثلثة الواحدة كمثراة ذكره الجوهري وذكر هذا الشرط المعلوم من شروط البيع قال الشارح للتنبيه عليه
فروع لو باع ثمرة على شجرة مقطوعة لم يجب شرط القطع لأنها لا تبقى عليها فيصير كشرط القطع ولأنها لا تنمو ولا يغني اعتياد القطع عن شرطه لعموم الخبر
ولو باع بشرط القطع ورضي البائع بإبقائه جاز
ولو أبقاها مدة ثم قطعها لزمته أجرتها إن كان البائع طالبه وإلا فلا قاله الخوارزمي والشجرة أمانة في يد المشتري لتعذر تسليم الثمرة بدونها بخلاف ما لو اشترى نحو سمن وقبضه في ظرف البائع فإنه مضمون عليه لتمكنه من التسليم في غيره
( وقيل إن كان الشجر للمشتري ) والثمرة للبائع كأن وهب الثمرة لإنسان أو باعها له بشرط القطع ثم اشتراها منه أو أوصى بها الإنسان فباعها لمالك الشجرة ( جاز ) بيع الثمرة له ( بلا شرط ) لاجتماعهما في ملك شخص واحد فأشبه ما لو اشتراهما معا
وصحح هذا الوجه في الروضة في باب المساقاة وليس في الرافعي هنا تصريح بترجيح ونقلا هنا عن الجمهور تصحيح الأول لعموم النهي قال الإسنوي وهو المعروف فلتكن الفتوى عليه
( قلت فإن كان الشجر للمشتري وشرطنا القطع ) كما هوالأصح ( لم يجب الوفاء به والله أعلم ) إذ لا معنى لتكليفه قطع ثمره عن شجره
وليس لأحد الشريكين أن يشتري نصيب شريكه من الثمر قبل بدو صلاحه بنصيبه من الشجر إلا بشرط القطع كغير الشريك ويصير كل الثمر له وكل الشجر للآخر فيتعين على المشتري قطع جميع الثمر لأنه التزم بذلك قطع ما اشتراه ويدفع الشجر لصاحبه
وإن اشترى نصيب شريكه من الثمر بغير نصيبه من الشجر لم يصح وإن شرط القطع لتكليف المشتري قطع ملكه عن ملكه المستقر له قبل البيع
( وإن بيع ) الثمر ( مع الشجر ) ولم يفصل الثمن ( جاز بلا شرط ) لقطعه لأن الثمر هنا تبع للأصل وهو غير متعرض للعاهة وبهذا فارق بيع الثمرة من مالك الشجرة
( ولا يجوز بشرط قطعه ) لأن فيه حجرا على المشتري في ملكه أما إذا فصل الثمن كأن قال بعتك الشجرة بدينار والثمرة بنصف دينار فلا بد من شرط القطع لانتفاء التبعية
ولو استثنى البائع الثمرة غير المؤبرة لم يجب شرط القطع لأنه في الحقيقة استدامة لملكها فله الإبقاء إلى أوان الجداد
ولو صرح بشرط الإبقاء جاز كما في الروضة وهو أحد نصين للشافعي رضي الله تعالى عنه كما أفاده البلقيني ولم يطلع بعضهم على هذا النص فزعم أن المنصوص خلافه
ولو باع نصف الثمر على الشجر مشاعا قبل بدو الصلاح من مالك الشجر أو من غيره بشرط القطع صح إن قلنا للقسمة إفراز وهو الأصح لإمكان قطع النصف بعد القسمة فإن قلنا إنها بيع لم يصح لأن شرط القطع لازم له ولا يمكن قطع النصف إلا بقطع الكل فيتضرر البائع بقطع غير المبيع فأشبه إذا باع نصفا معينا من سيف وبعد بدو الصلاح يصح إن لم يشرط القطع فإن شرطه ففيه ما تقرر
ويصح بيع نصف الثمر مع الشجر كله أو بعضه ويكون الثمر تابعا
( ويحرم ) ولا يصح ( بيع الزرع ) والمراد به ما ليس بشجره
( الأخضر في الأرض ) إذا لم يبد صلاحه ولو كان بقلا وكان البقل يجز مرارا
( إلا بشرط قطعه ) كالثمر قبل بدو صلاحه أو قلعه كما في المحرر
فإن باعه من غير شرط أو بشرط إبقائه لم يصح البيع
( فإن بيع ) الزرع المذكور ( معها ) أي الأرض ( أو ) وحده ( بعد اشتداد الحب ) أو بدو صلاح البقول ( جاز بلا شرط ) لأن الأول كبيع الثمر مع الشجر والثاني كبيع الثمرة بعد
____________________
(2/89)
بدو الصلاح
تنبيه كلامهم قد يوهم اعتبار اشتداد جميع الحب وليس مرادا فقد ذكر المتولي وغيره أنه إذا اشتد بعض السنابل كان كبدو الصلاح في بعض الثمار
وقد اكتفوا في التأبير بطلعة واحدة وفي بدو الصلاح بحبة واحدة وقياسه هنا أنه يكتفي باشتداد سنبلة واحدة
قال الأذرعي وفي النفس من ذلك في الجميع شيء
وقال الزركشي كل ذلك مشكل
ولا يصح بيع البطيخ والباذنجان ونحوهما قبل بدو الصلاح إلا بشرط القطع وإن بيع من مالك الأصول لما مر ولو باعه مع أصوله فكبيع الثمرة مع الشجرة على ما بحثه الرافعي بعد أن نقل عن الإمام والغزالي وجوب شرط القطع لتعرض أصله للعاهة بخلاف ما إذا باعهما مع الأرض لأنه كالشجرة فلا يحتاج إلى شرط القطع
وجزم الحاوي بما بحثه الرافعي وصححه السبكي والإسنوي وغيرهما وهو المعتمد وقال ابن الرفعة إنه المنقول وما قاله الإمام من تفقهه اه
فإن باع ذلك بعد بدو صلاحه ولو لبعضه دون أصوله أو باع أصوله دونه وغلب اختلاط حادثه بالموجود لم يصح إلا بشرط القطع لأن بيعه بدون ذلك يفضي إلى تعذر إمضاء العقد فإن أمن الاختلاط جاز بغير شرط كما يجوز بيع ما لا يغلب اختلاطه كذلك بأن ندر أو استوى فيه الأمران أو لم يعلم حاله
( ويشترط لبيعه ) أي الزرع ( وبيع الثمر بعد بدو الصلاح ظهور المقصود ) من الحب والثمر لئلا يكون بيع غائب ( كتين وعنب ) لأنهما مما لا كمام له
( وشعير ) لظهوره في سنبله
( وما لا يرى حبه كالحنطة والعدس ) بفتح الدال والسمسم ( في السنبل لا يصح بيعه دون سنبله ) لاستتاره ( ولا معه في الجديد ) لأن المقصود منه مستتر بما ليس من صلاحه كالحنطة في تبنها بعد الدياس أي يشتد فيجوز ولم يفصل بين حب وحب
وأجيب بحمله على الشعير ونحوه جمعا بين الدليلين
فإنه لا يصح قطعا
والقديم الجواز لأن بقاءه فيه من مصلحته ولخبر مسلم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنبل حتى يبيض أي يشتد فيجوز ولم يفصل بين حب وحب وأجيب بحمله على الشعير ونحوه جمعا بين الدليلين
والأرز كالشعير وقيل كالحنطة
والذرة نوعان بارز الحبات كالشعير وفي كمام كالحنطة
ولا يصح بيع الجزر والفجل ونحوهما كالثوم والبصل في الأرض لاستتار مقصودها وعد في الروضة من ذلك السلق وهو محمول على أحد نوعيه وهو ما يكون مقصوده مغيبا في الأرض
أما ما يظهر مقصوده على وجهها وهو المعروف بأكثر بلاد مصر والشام فيجوز بيعه كالبقل ويصح بيع ورقها بشرط القطع كالبقول
( ولا بأس بكمام ) وهو بكسر الكاف وعاء الطلع وغيره ( ولا يزال إلا عند الأكل ) كالرمان والعلس والموز والبطيخ والباذنجان والأرز في سنبله لأن بقاءه فيه من مصلحته
ولا يخالف ما ذكر في العلس والأرز عدم صحة السلم فيهما كما سيأتي في بابه لأن البيع يعتمد المشاهدة بخلاف السلم فإنه يعتمد الأوصاف وهي لا تفيد الغرض في ذلك لاختلاف القشر خفة ورزانة ولأن السلم عقد غرر فلا يضم إليه غرر آخر بلا حاجة إليه
وما نقل عن فتاوى المصنف من أن الأصح جواز السلم في الأرز محمول على المقشور
( وما له كمامان كالجوز واللوز والباقلا ) وهي بتشديد اللام مقصورا الفول
( فلا يباع في قشره الأسفل ) لأن بقاءه فيه من مصلحته
( ولا يصح في الأعلى ) لا على الشجر ولا على الأرض لاستتاره بما ليس من مصالحه
نعم يصح بيع قصب السكر في قشره الأعلى كما في الاستقصاء ونقله في المطلب عن الماوردي ووجه بأن قشره الأسفل كباطنه لأنه قد يمص معه فصار كأنه في قشر واحد كالرمان ولأن قشره الأعلى لا يستر جميعه
وما قيل من أن الشافعي رضي الله تعالى عنه أمر الربيع ببغداد أن يشتري له الباقلا الرطب رد بأن هذا نصه في القديم ونص في الجديد على خلافه وبأن في صحة ذلك توقفا لأن الربيع إنما صحب الشافعي بمصر لا ببغداد لكن قال بالصحة كثيرون
( وفي قول يصح إن كان رطبا ) لتعلق الصلاح به حيث أنه يصون الأسفل ويحفظ رطوبة اللب واللوبيا كالفول كما قاله الدارمي وغيره
____________________
(2/90)
وعلم من تقييد المصنف الخلاف بالرطب امتناعه إذا جف قطعا وصرح به في زيادة الروضة إذا لم نجوز بيع الغائب
وفي الروضة وأصلها يجوز بيع اللوز في القشر الأعلى قبل انعقاد الأسفل لأنه مأكول كله كالتفاح ونقله في المجموع عن الأصحاب وقاس بعضهم عليه ما كان في معناه
تنبيه قول المصنف كمامان معترض لأن الكام جمع كم بكسر الكاف وكمامة كما قاله الجوهري وجرى عليه المصنف في التحرير فالأولى أن يقول قشران أو كمان أو كمامتان بزيادة التاء لأن مراده فردان من أفراد الأكمة كما قاله الإسنوي
قال ابن الرفعة والكتان إن بدا صلاحه يظهر جواز بيعه لأن ما يغزل منه ظاهر والساس في باطنه كالنوى في التمر لكن هذا لا يميز في رأى العين بخلاف التمر والنوى اه
ويظهر أن محله إذا لم يبع مع بزره بعد بدو صلاحه وإلا فلا يصح كالحنطة في سنبلها
( وبدو صلاح ) الأشياء صيرورتها إلى الصفة التي تطلب فيها غالبا ففي ( الثمر ظهور مبادي النضج ) بضم النون وفتحها ( والحلاوة فيما لا يتلون ) منه بأن يتموه ويلين كما في المحرر وغيره
وقال الشارح وكأن المصنف رأى في إسقاطه أنه لا حاجة إليه مع ما قبله
وفي تكملة الصحاح للصغاني تموه ثمر النخل والعنب إذا امتلأ ماء وتهيأ للنضج
وقوله فيما إلخ متعلق بظهور وبدو
( وفي غيره ) وهو ما يتلون أي بدو الصلاح فيه ( بأن يأخذ في الحمرة أو السواد ) أو الصفرة كالبلح والعناب والمشمش والإجاص بكسر الهمزة وتشديد الجمي وفي نحو القثاء بأن يجنى مثله غالبا للأكل وفي الحبوب اشتدادها وفي نحو ورق التوت تناهيه وفي نحو الورد انفتاحه
فائدة جعل الماوردي بدو الصلاح على ثمانية أقسام أحدها باللون كصفرة المشمش وحمرة العناب وسواد الإجاص وبياض التفاح ونحو ذلك
ثانيها الطعم كحلاوة قصب السكر وحموضة الرمان إذا زالت المرارة
ثالثها النضج في التين والبطيخ ونحوهما وذلك بأن تلين صلابته
رابعها بالقوة والاشتداد كالقمح والشعير
خامسها بالطول والإمتلاء كالعلف والبقول
سادسها بالكبر كالقثاء
سابعها بانشقاق كمامه كالقطن والجوز
ثامنها بانفتاحه كالورد وورق التوت
( ويكفي بدو صلاح بعضه وإن قل ) لصحة بيع كله من شجرة أو أشجار متحدة الجنس ولو حبة واحدة من عنب أو يسر أو نحوه لأن الله تعالى امتن علينا فجعل الثمار لا تطيب دفعة واحدة إطالة لزمن التفكه
فلو اشترط في المبيع طيب جميعه لأدى أن لا يباع شيء لأن السابق قد يتلف أو تباع الحبة بعد الحبة وفي كل منهما حرج
فإن اختلف الجنس كرطب وعنب بدا الصلاح في أحدهما فقط وجب شرط القطع في الآخر وأما النوع فلا يضر اختلافه كالبرني والصيحاني كما هو ظاهر كلام الرافعي كما إذا اختلف النوع في التأبير كما مر وإن كان في كلام القاضي أبي الطيب ما يدل على أنه يضر
( ولو باع ثمرة بستان أو بساتين بدا صلاح بعضه ) واتحد جنسه ( فعلى ما سبق في التأبير ) فيتبع ما لم يبد صلاحه ما بدا صلاحه في البستان أو في كل من البساتين وإن اختلف النوع بخلاف الجنس فلا يتبع جنس غيره ولو بدا صلاح بعض ثمر أحدهما دون الآخر فلا تبعية على الأصح بل لا بد من شرط القطع في ثمر الآخر
( ومن باع ما بدا صلاحه ) من ثمر أو زرع وأبقى ( لزمه سقيه ) إن كان مما يسقى ( قبل التخلية وبعدها ) قدر ما ينمو به ويسلم من التلف والفساد لأنه من تتمة التسليم الواجب كالكيل في المكيل والوزن في الموزون
فلو شرط كونه على المشتري بطل البيع لأنه مخالف لمقتضاه فإن باعه بشرط قطعه لم يلزمه السقي بعد التخلية ولو باع الثمرة لمالك الشجرة لم يلزمه سقي كما هو ظاهر كلامهم لانقطاع العلقة بينهما
وظاهر كلامهم أن الثمرة لو كبرت وكان لا يتأتى قطعها إلا في زمن طويل يحتاج فيه إلى السقي أنا نكلفه ذلك وإن قال الأذرعي فيه نظر ويستمر اللزوم إلى أوان الجذاذ
( ويتصرف مشتريه ) أي الثمن ( بعدها ) أي التخلية من كل وجه
هذا إن اشتراه قبل أوان الجذاذ أما بعده
____________________
(2/91)
فقد تقدم في الكلام على القبض أن كلام الرافعي هناك يقتضي توقف قبضها على النقل
( ولو عرض مهلك بعدها ) أي التخلية من الآفات السماوية ( كبرد ) بفتح الراء وإسكانها كما ضبطه المصنف بخطه أو حر أو جراد أو حريق ( فالجديد أنه من ضمان المشتري ) لأن التخلية كافية في جواز التصرف فكانت كافية في جواز نقل الضمان قياسا على العقار والقديم من ضمان البائع لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح
وأجيب بحمله على الندب أو على ما قبل التخلية جمعا بين الأدلة
تنبيه تمثيله بالبرد يفهم أن محل القولين أن يكون المهلك سماويا وهو كذلك ما قدرته في كلامه
فإن سرق أو غصب فهو من ضمان المشتري قطعا لإمكان الحفظ منه والتغريم وقيل بطرد القولين ومحلهما أيضا ما لم يكن بسبب ترك البائع السقي وإلا فالمذهب القطع بأنها من ضمان البائع وما إذا باع الثمرة دون الشجرة وإلا فهي من ضمان المشتري قطعا وما إذا باع الثمر من غير مالك الشجر وإلا فهي من ضمانه قطعا لانقطاع العلائق بينهما
ولو عرض المهلك بعد إمكان الجذاذ فكذا في أشبه القولين عند الرافعي
ولو تعيب بالجائحة فلا خيار للمشتري على الجديد أما قبل التخلية فلا يتصرف فيه المشتري وهو من ضمان البائع كنظائره
( فلو تعيب ) الثمر المبيع منفردا من غير مالك الشجرة ( بترك البائع السقي فله ) أي المشتري ( الخيار ) على القولين لأن الشرع ألزم البائع التنمية بالسقي والتعييب بتركه كالتعييب قبل القبض حتى لو تلف بذلك انفسخ العقد أيضا
هذا إذا لم يتعذر السقي وإلا بأن غارت العين أو انقطع النهر فلا خيار له كما صرح به أبو علي الطبري ولا يكلف في هذه الحالة تحصيل ماء آخر كما هو قضية نص الأم من كلام الجويني في السلسلة
فإن آل التعييب إلى التلف والمشتري عالم به ولم يفسخ لم يغرم له البائع في أحد وجهين كما رجحه بعض المتأخرين
( ولو بيع ) ثمر ( قبل ) بدو ( صلاحه بشرط قطعه ولم يقطع حتى هلك ) بجائحة ( فأولى بكونه من ضمان المشتري ) ما لم يشترط قطعه بعد بدو الصلاح لتفريطه بترك القطع المشروط
وهذه المسألة مزيدة على الروضة مذكورة في أصلها
تنبيه فرض المصنف المسألة تبعا للمحرر فيما قبل الصلاح وكذا في الشرحين وفرض في الروضة فيما بعد بدوه وحكمها عند شرط القطع واحد فالأولى حذف التقييد ولذلك أطلق البغوي و الخوارزمي الخلاف فيما إذا باع بشرط القطع ليشمل الحالين
( ولو بيع ) تمر أو زرع بعد بدو الصلاح ولو لبعضه ( يغلب تلاحقه واختلاط حادثة بالموجود كتين ) وبطيخ ( وقثاء لم يصح ) البيع لعدم القدرة على تسليمه ( إلا أن يشترط على المشتري قطع ثمره ) أو زرعه خوفا من الاختلاط المانع من التسليم فيصح حينئذ البيع لزوال المحذور
واحترز ب يغلب عما إذا نذر الاختلاط فإن البيع يصح مطلقا وبشرط القطع وبشرط الإبقاء سواء أعلم عدم الاختلاط أم لم يعلم كيف الحال
ولو استوى الأمران فالظاهر كما قاله بعض المتأخرين أنه يلحق بالنادر
( ولو حصل الاختلاط ) قبل التخلية فيما يغلب فيه التلاحق والاختلاط أو ( فيما يندر فيه فالأظهر أنه ينفسخ البيع ) لبقاء عين المبيع وتسليمه ممكن بالطريق الآتي
( بل يتخير المشتري ) بين الفسخ والإجازة لأن الاختلاط عيب حدث قبل التسليم
والثاني ينفسخ لتعذر تسليم المبيع
ونقل هذا عن تصحيح الأكثرين
وعلى الأول ( فإن سمح له البائع بما حدث سقط خياره في الأصح ) لزوال المحذور ويملكه كما قال ابن المقري بالإعراض كما في الإعراض عن السنابل
فإن قيل تقدم أنه لا يملك النعل بالإعراض عنها فلم لا كان
____________________
(2/92)
هنا كذلك أجيب بأن عود النعل إلى المشتري متوقع ولا سبيل هنا إلى تمييز حق البائع
والثاني لا يسقط لما في قبوله من المنة
وكلام المصنف و الرافعي تبعا للإمام و الغزالي يقتضي إثبات الخيار للمشتري أولا حتى يجوز له المبادرة إلى الفسخ فإن بادر البائع أولا فسامح سقط خياره وهو كذلك وإن قال في المطلب إنه مخالف لنص الشافعي والأصحاب فإنهم خيروا البائع أولا فإن سمح بحقه أقر العقد وإلا فسخ
وقضية كلام الرافعي وتعليله أنه خيار عيب يستقل به المشتري وهو كذلك وإن نقل في الكفاية عن الماوردي أن الفاسخ هو الحاكم
وخرج بقبل التخلية التي قدرتها في كلامه ما لو وقع الاختلاط بعدها فلا يخير المشتري بل إن توافقا على قدر فذاك وإلا صدق صاحب اليد بيمينه في قدر حق الآخر
وهل اليد بعد التخلية للبائع أو للمشتري أو لهما فيه أوجه وقضية كلام الرافعي ترجيح الثاني
ولو اشترى شجرة وعليها ثمرة للبائع يغلب تلاحقها لم يصح إلا بشرط قطع البائع ثمرته فإن شرط فلم يقطع أو كانت مما يندر تلاحقها وجرى الاختلاط كما سبق في ثمار المشتري لم ينفسخ بل من سمح بحقه لصاحبه أجبر صاحبه على القبول وإن تشاحا فسخ العقد كما مر
ولو باع جزة من القت مثلا بشرط القطع فلم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان ويجريان أيضا فيما لو باع حنطة فانصب عليها مثلها قبل القبض وكذا في المائعات
ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها فالصحيح الإنفساخ لأن ذلك يورث الإشتباه وهو مانع من صحة العقد لو فرض ابتداء وفي نحو الحنطة غاية ما يلزم الإشاعة وهي غير مانعة
( ولا يصح بيع الحنطة في سنبلها بصافية ) من التبن ( وهو المحاقلة ولا ) بيع ( الرطب على النخل بتمر وهو المزابنة ) للنهي عنهما في خبر الصحيحين
وفي رواية للشافعي والمحاقلة أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة والمزابنة أن يبيع التمر على رؤوس النخل بمائة فرق من التمر
قال الرافعي إن كان هذا التفسير مرفوعا فذاك وإن كان من الراوي فهو أعرف بتفسير ما رواه
ولعدم العلم بالمماثلة فيهما ولأن المقصود من البيع في المحاقلة مستتر بما ليس من صلاحه ولأنه حنطة وتبن بحنطة فبطل لقاعدة مد عجوة
فلو باع شعيرا في سنبله بحنطة وتقابضا في المجلس جاز لأن المبيع مرئي والمماثلة ليست بشرط لاختلاف الجنس أو باع زرعا قبل ظهور الحب بحب جاز لأن الحشيش غير ربوي
ويؤخذ من ذلك أنه إذا كان ربويا اعتيد أكله كالحلبة امتنع بيعه بجنسه وبه جزم الزركشي
والمحاقلة مأخوذة من الحقل بفتح الحاء وسكون القاف جمع حقلة وهي الساحة الطيبة التي لا بناء فيها ولا شجر سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقله
والمزابنة مأخوذة من الزبن بفتح الزاي وسكون الباء وهو الدفع لكثرة الغبن فيها فيريد المغبون دفعه والغابن إمضاءه فيتدافعان
تنبيه فائدة ذكر هذين الحكمين تسميتهما بما ذكر وإلا فقد علما مما مر
( ويرخص في ) بيع ( العرايا ) جمع عرية وهي ما يفردها مالكها للأكل لأنها عن حكم جميع البستان
( وهو بيع الرطب على النخل ) خرصا ( بتمر في الأرض ) كيلا ( أو العنب في الشجر ) خرصا ( بزبيب ) في الأرض كيلا
هذا مستثنى من بيع المزابنة لما في صحيحين عن سهل بن أبي حثمة بالحاء المهملة المثلثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالثاء المثلثة بالتمر بالتاء المثناة كما قاله المصنف في شرح مسلم ورخص في بيع العرية أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطبا
وقيس به العنب بجامع أن كلا منهما زكوي يمكن خرصه ويدخر يابسه
وأفهم كلامه أنهما لو كانا معا على الشجر أو على الأرض أنه لا يصح وهو كذلك خلافا لبعض المتأخرين لأن الرخصة يقتصر فيها على ما ورد وأنه لا يصح بيع الرطب بالرطب وهو كذلك كما مر في باب الربا
وكالرطب البسر بعد بدو صلاحه لأن الحاجة إليه كالحاجة إلى الرطب ذكره الماوردي و الروياني قيل ومثله الحصرم
ورد بأن الحصرم لم يبد به صلاح العنب وبأن الخرص لا يدخله لأنه لم يتناه كبره بخلاف البسر فيهما
تنبيه محل الجواز في العرايا ما لم يتتعلق بالثمر زكاة كأن خرصت عليه وضمن أو قلنا الخرص تضمين أو لنقصها
____________________
(2/93)
عن النصاب أو لكفر صاحبها
ومحل الرخصة ( فيما دون خمسة أوسق ) تحديدا بتقدير الجفاف بمثله لما روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق شك داود بن حصين أحد رواته فأخذ الشافعي بالأقل في أحد قوليه
ويجوز في الخمسة في القول الآخر ولا يجوز فيما زاد عليها قطعا وحيث زاد على ما دونها يبطل في الجميع على المشهور ولا يخرج على تفريق الصفقة كما مرت الإشارة إليه في فصلها لأنه صار ربا فبطل جميعه
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنهي كفي في النقص عن الخمسة ما ينطلق عليه الاسم حتى قال المارودي يكفي نقص ربع مد
والمتجه كما قال بعض المتأخرين أن ذلك يكفي بل لا بد من زيادة على تفاوت ما يقع بين الكيلين فإن ربع المد والمد يقع التفاوت به بين الكيلين غالبا لا سيما في الخمسة أوسق
والمراد بالخمسة أو ما دونها إنما هو من الجاف وإن كان الرطب الآن أكثر فإن تلف الرطب أو العنب فذاك وإن جفف وظهر تفاوت بينه وبين التمر أو الزبيب فإن كان قدر ما يقع بين الكيلين لم يضر وإن كان أكثر تبين بطلان العقد
( ولو زاد ) على ما دونها ( في صفقتين ) كل منهما دونها ( جاز ) قياسا على الصفقة الأولى وبتعدد الصفقة بتعدد العقد والمشترك قطعا وبتعدد البائع على الأصح
وإنما نظروا هنا إلى جانب المشتري أكثر حيث قطعوا فيه بالتعدد دون جانب البائع عكس ما قالوه في الرد بالعيب لأن الرطب هو المقصود والتمر تابع فلو باع رجلان مثلا لرجلين صفقة جاز فيما دون عشرين لا فيما فوقه وفي الروضة فيما دون عشرة قال الزركشي وغيره وهو سبق قلم وليس كذلك وإنما فرعه على وجه ضعيف وهو أن الصفقة لا تتعدد بتعدد البائع
( ويشترط ) في صحة بيع العرايا ( التقابض ) في المجلس ( بتسليم التمر ) أو الزبيب إلى البائع ( كيلا والتخلية في ) رطب ( النخل ) أو عنب الكرم لأنه مطعوم بمطعوم
تنبيه لو عبر بقوله بتسليم الجاف كيلا والتخلية في الرطب والعنب كان أولى كما يعلم مما قدرته
( والأظهر أنه لا يجوز ) بيع مثل العرايا ( في سائر الثمار ) أي باقيها كالخوخ والمشمش واللوز مما يدخر يابسه لأنها متفرقة مستورة بالأوراق فلا يتأتى الخرص فيها
والثاني يجوز كما جاز في العنب بالقياس
( و ) الأظهر ( أنه ) أي بيع العرايا ( لا يختص بالفقراء ) بل يجري في الأغنياء لإطلاق الأخبار فيه
والثاني يختص بهم لما روى الشافعي عن زيد بن ثابت أن رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس وعندهم فضل قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر
وأجاب الأول بضعف الحديث
وبتقدير صحته فهذه حكمة المشروعية ثم قد يعم الحكم كما في الرمل والاضطباع في الطواف
تنبيه محل الخلاف في اعتبار حاجة المشتري أما حاجة البائع فلا تعتبر قطعا
وقال مالك تعتبر حاجة البائع
خاتمة قال الجرجاني و المتولي ضابط الغني في هذا الباب من عنده نقد فمن لا نقد عنده فقير وإن ملك أموالا كثيرة ولو اشترى العرية من يجوز له شراؤها ثم تركها حتى صارت تمرا جاز
وقال أحمد يبطل العقد لأن شرط صحة العقد عنده أن يأخذها كلها أهلها رطبا
باب اختلاف المتبايعين أو من يقوم مقامهما في كيفية العقد ( إذا اتفقا ) أي المتبايعان ( على صحة البيع ثم اختلفا في كيفيته كقدر الثمن )
____________________
(2/94)
وما يدعيه البائع أكثر كما نبه عليه الرافعي في الصداق كأن يدعي عشرة والمشتري تسعة
( أو صفته ) كأن قال البائع بصحاح والمشتري بمكسرة
أو جنسه كقول البائع بذهب والمشتري بفضة وقد صرح به في المحرر
( أو الأجل ) بأن أثبته المشتري ونفاه البائع
( أو قدره ) كشهر ويدعي المشتري أكثر أو يقول البائع بعتكه بشرط رهن أو كفيل فينكر المشتري
( أو قدر المبيع ) كقول البائع بعتك صاعا من هذه الصبرة بدرهم فيقول المشتري بل صاعين
أو اختلفا في اشتراط كون المبيع كاتبا مثلا ( ولا بينة ) لأحدهما أو لكل منهما بينة وتعارضتا بأن لم يؤرخا بتاريخين ( تحالفا ) لخبر مسلم اليمين على المدعى عليه وكل منهما مدعى عليه كما أنه مدع
وتخصيصه البيع بالذكر جرى على الغالب لأن التحالف يجري في سائر عقود المعاوضات حتى القراض والجعالة والصلح عن دم طردا للمعنى
ولا أثر لقدرة كل من العاقدين على الفسخ في الأولين بلا تحالف ولا لعدم رجوع كل منهما إلى عين حقه في الثالث
ويؤخذ مما ذكر أن التحالف يجري في زمن الخيار وهو المعتمد كما صرح به ابن يونس و النسائي و الأذرعي وغيرهم
وقد قال الشافعي والأصحاب بالتحالف في الكتابة مع جوازها من جانب الرقيق
وما استند إليه ابن المقري في قوله بعدم التحالف في زمن الخيار بإمكان الفسخ في زمنه أجيب عنه بأن التحالف لم يوضع للفسخ بل عرضت اليمين رجاء أن ينكل الكاذب فيتقرر العقد بيمين الصادق
واحترز لقوله واتفقا على صحة البيع عما إذا لم يتفقا على الصحة أو اتفقا عليها في عقد ولكن اختلفا هل ذلك العقد بيع أو هبة فلا تحالف كما سيأتي آخر الباب
والمراد بالاتفاق على الصحة وجودها ففي الروضة كأصلها لو قال بعتك بألف فقال بخمسمائة وزق خمر حلف البائع على نفي سبب الفساد ثم يتحالفان
وبقوله ولا بينة أي أو تعارضت البينتان كما مر عما إذا أقام أحدهما بينة فإنه يعمل بها
وشمل كلامه ما إذا كان المتبايعان مالكين أو وكيلين أو مالكا ووكيلا
وفي تحالف الوكيلين وجهان رجح المصنف منهما التحالف وفائدته الفسخ أو أن ينكل أحدهما فيحلف الآخر ويقضى له
وليس لنا صورة يحلف فيها الوكيل على الأصح غيرها لأنه لم يثبت لغيره بيمينه شيئا وإنما يرجع الحال بعد التحالف على الفسخ الذي أوجبه الشرع
تنبيه يستثنى من التحالف مسائل منها ما لو تقابلا في العقد ثم اختلفا بعد الإقالة في قدر الثمن فلا تحالف بل القول قول البائع لأنه غارم
ومنها ما لو اختلفا في عين المبيع والثمن معا كأن يقول بعتك هذا العبد بمائة درهم فيقول بل هذه الجارية بعشرة دنانير فلا تحالف جزما إذا لم يتواردا على شيء مع اتفاقهما على بيع صحيح واختلفا في كيفيته بل يحلف كل منهما على نفي دعوى صاحبه على الأصل
ومنها ما لو اختلف ولي محجور مع مستقل وكان المبيع تالفا وكانت القيمة التي يرجع إليها عند الفسخ بالتحالف أكثر من الشيء الذي سماه فإنه لا تحالف ويؤخذ بقول البائع لأنه إذا حصل الفسخ رجع الحال إلى غرم القيمة وهي أكثر من قوله كما ذكر نظير ذلك في الصداق
ولو اختلفا في عين المبيع فقط واتفقا على الثمن أو اختلفا في قدره تحالفا إن كان الثمن معينا وكذا إن كان في الذمة كما اقتضى كلام الرافعي هنا ترجيحه وصححه في الشرح الصغير خلافا لما جرى عليه ابن المقري تبعا للإسنوي من عدم التحالف
ولو أقام البائع بينة أن المبيع هذا العبد والآخر بينة أنه الجارية ولم تؤرخ البينتان سلمت للمشتري ويقر العبد في يده إن كان قبضه وإلا فيترك عند القاضي حتى يدعيه كما جزم به ابن أبي عصرون وقال أبو الحسن السلمي إنه الصحيح وقيل يجبر المشتري على قبوله
فإن أرختا قضى بمقدمة التاريخ ويأتي إيضاح ذلك في محله
وإذا أخذه القاضي أنفق عليه من كسبه إن كان كسوبا وإلا باعه إن رأى المصلحة في بيعه وحفظ ثمنه وله ذلك في الحالة الأولى أيضا كما قاله الشيخ أبو حامد
وإذا وقع التحالف ( فيحلف كل ) منهما ( على نفي قول صاحبه وإثبات قوله ) لما مر من كونه مدعيا ومدعى عليه فينفي ما ينكره ويثبت ما يدعيه
نعم إنما يحلف الثاني بعد أن يعرض عليه ما حلف عليه الأول فينكر كما قاله المحاملي
( ويبدأ ) في اليمين ( بالبائع ) ندبا لحصول الغرض مع
____________________
(2/95)
تقديم المشتري وقيل وجوبا واختاره السبكي
وإنما بدأ به لأن جانبه أقوى لأن المبيع يعود إليه بعد الفسخ المترتب على التحالف ولأن ملكه على الثمن قد تم بالعقد وملك المشتري على المبيع لا يتم إلا بالقبض
( وفي قول ) يبدأ ( بالمشتري ) ون البائع يدعي عليه زيادة ثمن والأصل براءة ذمته منها ولأن المبيع في ملكه فيقوى جانبه
( وفي قول يتساويان ) لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فلا ترجيح
وعلى هذا ( فيتخير الحاكم ) فيمن يبدأ به منهما ( وقيل يقرع ) بينهما كما لو حضرا معا للدعوى فيبدأ بمن خرجت قرعته
قال الإمام وتقديم أحد الجانبين مخصوص بما إذا باع عرضا بثمن في الذمة أما إذا كانا معينين أو في الذمة فلا يتجه إلا التسوية
والزوج في الصداق كالبائع فيبدأ به لقوة جانبه ببقاء التمتع له كما قوي جانب البائع بعود المبيع إليه ولأن أثر التحالف يظهر في لالصداق لا في البضع وهو باذله فكان كبائعه
( والصحيح أنه يكفي كل واحد ) منهما ( يمين تجمع نفيا ) لقول صاحبه ( وإثباتا ) لقوله لأن الدعوى واحدة ومنفي كل منهما في ضمن مثبته فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والإثبات ولأنها أقرب لفصل الخصومة
والثاني أنه يفرد النفي بيمين والإثبات بأخرى لأنه مدع ومدعى عليه
وكان التعبير بالمذهب أولى كما في الروضة لأن الأول منصوص مقطوع به
وقوله ويكفي فيه إشعار بجواز العدول إلى اليمين وهو الظاهر وإن أفهم كلام الماوردي خلافه
( ويقدم ) في اليمين ( النفي ) ندبا لا وجوبا لحصول المقصود بكل منهما
( فيقول ) البائع في قدر الثمن مثلا والله ( ما بعت بكذا ولقد بعت بكذا ) ويقول المشتري والله ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا
وهذه الكيفية هي المشهورة في كلام الأصحاب
وقال الصيمري يقول البائع ما بعت إلا بكذا ويقول المشتري ما اشتريت إلا بكذا لأنه أسرع إلى فصل القضاء ويلزمه الإكتفاء أيضا إنما بعت بكذا وإنما اشتريت بكذا
والصحيح أن ذلك لا يكفي لأنهم إنما يكتفون في ذلك بالتصريح
تنبيه يفهم من كلام المصنف أنه لا يحتاج إلى صيغة حصر وهو كذلك وإن كانت عبارة الروضة في البائع ما بعت بكذا وإنما بعت بكذا وفي المشتري ما اشتريت بكذا وإنما اشتريت بكذا إذ لا حاجة إلى الحصر بعد النفي
( وإذا تحالفا فالصحيح أن العقد لا ينفسخ ) بنفس التحالف لأن البينة أقوى من اليمين ولو أقام كل منهما بينة لم ينفسخ فبالتحالف أولى
( بل إن تراضيا ) على ما قاله أحدهما أقر العقد
قال القاضي ولا رجوع لمن رضي صاحبه وإن سمح أحدهما للآخر بما ادعاه أجبر الآخر وإن أعرضا عن الخصومة أعرض عنهما كما نقله الإسنوي عن القاضي
ويفهمه كلام ابن المقري في شرح إرشاده وإن فهم بعض المتأخرين عنه خلافه
( وإلا ) بأن استمر نزاعهما ( فيفسخانه أو أحدهما ) لأنه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه الرد بالعيب
( أو الحاكم ) لقطع النزاع
وحق الفسخ بعد التحالف ليس على الفور فلو لم يفسخا في الحال كان لهما بعد ذلك على الأشبه في المطلب لبقاء الضرر المحوج للفسخ
( وقيل إنما يسفخه الحاكم ) لأنه فسخ مجتهد فيه فلا يفسخ أحدهما وصححه جمع
ومقابل الصحيح أنه ينفسخ بالتحالف
ولا بد أن يكون التحالف عند حاكم فلو تحالفا بأنفسهما لم يكن لأيمانهما تأثير في فسخ ولا لزوم قاله الماوردي وغيره
والمحكم كالحاكم كما بحثه بعض المتأخرين
وإذا فسخا انفسخ ظاهرا وباطنا كالإقالة وكذا إن فسخ القاضي أو الصادق منهما لتعذر وصولهما إلى حقهما كما في الفسخ بالإفلاس فلكل منهما التصرف فيما عاد إليه
وإن فسخ الكاذب لم ينفسخ باطنا لترتبه على أصل كاذب
وطريق الصادق إنشاء الفسخ إن أراد الملك فيما عاد إليه وإن لم يرده فإن أنشأ الفسخ أيضا فذاك وإلا فقد ظفر بمال من ظلمه فيتملكه إن كان من جنس حقه وإلا فيبيعه ويستوفي حقه من ثمنه
وللمشتري وطء الجارية المبيعة حال النزاع وقبل التحالف على الأصح لبقاء ملكه وفي جوازه فيما بعده
____________________
(2/96)
وجهان أوجههما كما قال شيخنا جوازه كما اقتضاه تعليلهم ببقاء ملكه
( ثم ) بعد الفسخ ( على المشتري رد المبيع ) إن كان باقيا في ملكه ولم يتعلق به حق ثالث بزوائده المتصلة لأنها تابعة للأصل دون المنفصلة قبل الفسخ ولو قبل القبض لأن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله وكذا على البائع رد الثمن
ومؤنة الرد على الراد كما يفهم من التعبير برد لأن كل من كان ضامنا للعين كانت مؤنة ردها عليه
( فإن ) تلف شرعا ( كأن وقفه أو أعتقه أو باعه أو ) تعلق به حق لازم كأن ( كاتبه أو ) تلف حسا كأن ( مات لزمه قيمته ) إن كان متقوما وإن زادت على ثمنه ومثله إن كان مثليا على المشهور كما في المطلب خلافا لما تفهمه عبارة المصنف من وجوب القيمة وإن صححه في الحاوي
( وهي قيمته يوم التلف ) حقيقة أو حكما ( في أظهر الأقوال ) إذ مورد الفسخ العين والقيمة بدل عنها فلتعتبر عند فوات أصلها
وفارق اعتبارها بما ذكر اعتبارها لمعرفة الأرش بأقل قيمتي العقد والقبض كما مر بأن النظر إليها ثم لا ليغرم بل ليعرف منها الأرش وهنا المغروم القيمة فكأن اعتبار حالة الإتلاف أليق ذكره الرافعي
والثاني قيمة يوم القبض لأنه قيمة يوم دخوله في ضمانه
والثالث أقل القيمتين يوم العقد ويوم القبض
والرابع أقصى القيم من يوم القبض إلى قيمة يوم التلف لأن يده يد ضمان فتعتبر أعلى القيم
تنبيه ظاهر كلام المصنف أن التحالف يجري عند بقاء العوض وتلفه
واعترض بالرد بالعيب فإنه لا يجري بعد التلف
وأجيب بأن الرد يعتمد المردود والفسخ يعتمد العقد وبأن الرد يلحقه الأرش فلا ضرورة إليه بخلاف الفسخ
( وإن تعيب رده مع أرشه ) وهو ما نقص من قيمته لأن الكل مضمون على المشتري بالقيمة فكان بعضه مضمونا ببعضها ووطء الثيب ليس بعيب فلا أرش له وإن كان قد رهنه فإن شاء البائع أخذ القيمة أو انتظر الفكاك
فإن قيل قد ذكروا في الصداق أنه لو طلقها قبل الوطء وكان الصداق مرهونا وقال انتظر الفكاك للرجوع فلها إجباره على قبول نصف القيمة لما عليها من خطر الضمان فالقياس هنا إجباره على أخذ القيمة
أجيب بأن المطلقة قد حصل لها كسر بالطلاق فناسب جبرها بإجابتها بخلاف المشتري
وإن كان قد آجره رجع فيه مؤجرا ولا ينتزعه من يد المكتري حتى تنقضي المدة والمسمى للمشتري وعليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية من وقت الفسخ إلى انقضائها
( واختلاف ورثتهما ) أو وارث أحدهما مع الآخر ( كهما ) أي كاختلافهما فيما مر لأنها يمين في مال فقام الوارث مقام المورث كاليمين في دعوى المال
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الاختلاف قبل القبض أو بعده ولا بين أن يحصل بين الورثة ابتداء أو بين المورثين ثم يموتان قبل التحالف
ويحلف الوارث في الإثبات على البت وعلى نفي العلم في النفي ويجوز للوارث الحلف إذا غلب على ظنه صدق مورثه
( ولو قال بعتكه بكذا فقال بل وهبتنيه ) أو رهنتنيه ( فلا تحالف ) لأنهما لم يتفقا على عقد واحد
( بل يحلف كل ) منهما ( على نفي دعوى الآخر ) كسائر الدعاوي
( فإذا حلف رده ) لزوما ( مدعي الهبة ) أو الرهن ( بزوائده ) متصلة كانت أو منفصلة لأنه لا ملك له ولا أجرة عليه لاتفاقهما على عدم وجوبها
فإن قيل كيف يرد الزوائد المنفصلة مع اتفاقهما على حدوثها في ملك الراد بدعواه الهبة وإقرار البائع له بالبيع فهو كمن وافق على الإقرار بشيء وخالف في الجهة أجيب بأن دعوى الهبة لا تستلزم الملك لتوقفها على القبض بالإذن ولم يوجد وبأن كلا منهما قد أثبت بيمينه نفي دعوى الآخر فتساقطتا ولو سلم عدم تساقطهما فمدعي الهبة لم يوافق المالك على ما أقر له به من البيع فلا يكون كالمسألة المشبهة بها فالعبرة بالتوافق على نفس الإقرار لا على لازمه
( ولو ادعى ) أحدهما ( صحة البيع والآخر فساده ) كأن ادعى اشتماله على شرط فاسد ( فالأصح تصديق مدعي الصحة بيمينه ) لأن الأصل عدم المفسد والظاهر في العقود الجارية بين المسلمين الصحة
____________________
(2/97)
والثاني يصدق مدعي الفساد لأن الأصل عدم العقد الصحيح
وإنما رجح الأصل الأول لاعتضاده بتشوف الشارع إلى إلزام العقود
واستثنى من ذلك مسائل منها ما إذا باع ذراعا من أرض وهما يعلمان ذرعاتها فادعى أنه أراد ذراعا معينا مبهما وادعى المشتري الإشاعة فالمصدق البائع لأنه أعرف بإرادته
ومنها ما إذا قال السيد كاتبتك وأنا مجنون أو محجور علي وعرف له ذلك فإنه المصدق ومثله قول الروياني فيما لو اختلفا فيما يكون وجوده شرطا كبلوغ البائع كأن باعه ثم قال لم أكن بالغا حين البيع وأنكر المشتري واحتمل ما قاله البائع صدق بيمينه لأن الأصل عدم البلوغ
وأما إذا قال السيد كاتبتك على نجم واحد وقال الرقيق بل على نجمين فإن الرقيق هو المصدق كما رجحه المصنف
ومنها ما لو قال مشتري المغصوب كنت أظن القدرة على تسليمه وأنا الآن لا أقدر فهو المصدق كما أفتى به القفال لاعتضاده بقيام الغصب
ومنها ما إذا اختلفا هل وقع الصلح على إنكار أو اعتراف فالمصدق مدعي وقوعه على إنكاره لأنه الغالب كما سيأتي في بابه
ومنها ما إذا قال المرتهن أذنت في البيع بشرط رهن الثمن وقال الراهن بل مطلقا فالمصدق المرتهن هكذا قاله الزركشي
قال شيخنا وليس مما نحن فيه لأن الاختلاف بعد تسليم الحكم المذكور لم يقع من العاقدين ولا من نائبهما
ولو قال المشتري رأيت المبيع وأنكر البائع أو قال المشتري اشتريت ما لم أره فالمصدق مدعي الصحة وكذا لو باع الثمرة قبل بدو الصلاح أو الزرع في الأرض ثم اختلفا هل شرط القطع أو لا أو قالت المرأة وقع العقد بلا ولي ولا شهود وأنكر الزوج فالمصدق مدعي الصحة
تنبيه هذا الاختلاف قد علمت أنه يجري في غير البيع كالنكاح وغيره فلو قال المصنف ولو ادعى صحة العقد لكان أولى
( ولو اشترى عبدا ) مثلا معينا وقبضه ( فجاء بعبد معيب ليرده فقال البائع ليس هذا المبيع صدق البائع بيمينه ) لأن الأصل السلامة وبقاء العقد
( وفي مثله في السلم ) بأن يقبض المسلم المؤدى عن المسلم فيه ثم يأتي بمعيب فيقول المسلم إليه ليس هذا المقبوض ( يصدق المسلم في الأصح ) بيمينه أن هذا هو المقبوض لأن الأصل بقاء شغل ذمة المسلم إليه بالمسلم فيه
والثاني يصدق المسلم إليه كالبيع
وفرق الأول بأن المدعي هنا لم يعترف بقبض ما ورد عليه العقد والأصل بقاء شغل ذمة المنكر وهناك اعترف بقبضه ووقع الاختلاف في سبب الفسخ والأصل عدمه
وقيدت العبد في كلامه بالمعين احترازا عن المبيع الموصوف في الذمة فإنه كالمسلم فيه
والثمن المعين كالمبيع المعين فيصدق المشتري في الأصح
خاتمة لو قبض المبيع مثلا مكيلا أو موزونا ثم ادعى نقصا فإن كان قدرا يقع مثله في الكيل أو الوزن صدق بيمينه لاحتماله مع عدم مخالفته الظاهر وإلا فلا يصدق لمخالفته الظاهر ولأنهما اتفقا على القبض والقابض يدعي الخطأ فيه فعليه البينة كما لو اقتسما ثم جاء أحدهما وادعى الخطأ فيه تلزمه البينة
ولو باعه أو رهنه عصيرا فوجده خمرا أو وجد فيه فأرة ميتة وقال هكذا قبضته منك وأنكر البائع صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه لأن الأصدق عدم المفسد ولو اختلفا في القبض صدق المشتري
ولو باع شخص شيئا فظهر أنه كان لابنه أو موكله فوقع اختلاف كأن قال الابن باع أبي مالي في الصغر لنفسه متعديا وقال الموكل باع وكيلي مالي متعديا وقال المشتري لم يتعد الولي ولا الوكيل صدق المشتري بيمينه لأن كلا من الأب والوكيل أمين فلا يتهم إلا بحجة
باب في معاملة الرقيق ذكر الشيخ في التنبيه هذا الباب عقب القراض لمشاركه له في اتحاد المقصود وهو تحصيل الربح بالإذن في التصرف
وذكره الشافعي رضي الله تعالى عنه هنا وترجم له بمداينة العبيد وتبعه الرافعي ثم تبعهما المصنف
قال الإمام تصرفات
____________________
(2/98)
الرقيق ثلاثة أقسام ما لا ينفذ وإن أذن فيه السيد كالولايات والشهادات وما ينفذ بغير إذنه كالعبادات والطلاق والخلع وما يتوقف على إذنه كالبيع والإجارة وهذا هو مقصود الباب
وقد شرع المصنف في بيان ذلك فقال ( العبد ) قال ابن حزم لفظ العبد يشمل الأمة فكأنه قال الرقيق الذي يصح تصرفه لنفسه لو كان حرا كما قاله الماوردي
( إن لم يؤذن له في التجارة لا يصح شراؤه بغير إذن سيده في الأصح ) لأنه محجور عليه لحق سيده والثاني يصح لتعلق الثمن بالذمة ولا حجر لسيده فيها ونسب هذا الماوردي إلى الجمهور وقطع بعضهم بالأول
ولو كان لرجلين عبد فأذن له أحدهما في التجارة لم يصح حتى يأذن له الآخر كما لو أذن له في النكاح لا يصح حتى يأذن له الآخر
( و ) على الأول ( يسترده ) أي المبيع ( البائع ) أي له طلب رده ( سواء كان في يد العبد أو ) يد ( سيده ) لأنه لم يخرج عن ملكه ويسترد الثمن السيد إذا أداه الرقيق من ماله لما ذكر ومؤنة الرد على من في يده العين كما مرت الإشارة إليه في الباب السابق
تنبيه كان الأولى أن يقول سواء أكان في يد العبد أم سيده فحذف الهمزة والإتيان بأو لغة قليلة
( فإن تلف ) المبيع ( في يده ) أي العبد ( تعلق الضمان بذمته ) فيطالب به بعد العقد لثبوته برضا مالكه ولم يأذن فيه السيد والضابط فيما يتلفه العبد أو يتلف تحت يده إن لزم بغير رضا مستحقه كإتلاف أو تلف بغصب تعلق الضمان برقبته ولا يتعلق بذمته في الأظهر وإن لزم برضا مستحقه كما في المعاملات فإن كان بغير إذن السيد تعلق بذمته يتبع به بعد عتقه سواء أرآه السيد في يد العبد فتركه أم لا أو بإذنه تعلق بذمته وكسبه ومال تجارته
( أو ) تلف ( في يد السيد فللبائع تضمينه ) أي السيد لوضع يده عليه ( وله ) أي البائع ( مطالبة العبد ) أيضا ( بعد العتق ) لتعلقه بذمته لا قبله لأنه معسر
ولو قبضه السيد وتلف في يد غيره كان للبائع مطالبة السيد أيضا
( واقتراضه ) وكذا سائر عقود المعاوضات ما عدا النكاح ( كشرائه ) في جميع ما مرص
أما النكاح فلا يصح جزما
وقول الزركشي وغيره قد يستثنى من ذلك ما لو باع المأذون مع ماله فإنه لا يشترط تجديد إذن من المشتري على الأظهر في النهاية كما قاله ابن الرفعة أي لأن علم المشتري بأن العبد مأذون له منزل منزلة إذنه في بيع المال الذي اشتراه مع ضعيف لأن بيع السيد الرقيق المأذون حجر له كما سيأتي وسكوت السيد لا يكفي كما سيأتي أيضا
( وإن أذن له ) سيده ( في التجارة تصرف ) بالإجماع كما نقله الرافعي لأن المنع لحق السيد وقد زال قال وشرط في التنبيه أن يكون العبد بالغا رشيدا وهو معنى قول الماوردي المتقدم ولا ينافي ذلك قول الأذرعي لم أجده في الحاوي في مظانه
وقوله والعقل يبعد أن لا يصح إذنه لعبده الفاسق والمبذر ممنوع إذ لا يزيد بالإذن على تصرف الحر
( بحسب الإذن ) لأن تصرفه مستفاد من الإذن فاقتصر على المأذون فيه ولا يشترط قبول الرقيق
( فإن أذن ) له ( في نوع ) كالثياب أو في وقت كشهر كذا أو في بلد ( لم يتجاوزه ) كالوكيل وعامل القراض
قال الإسنوي وفهم من تعبيره بإن الشرطية أن تعيين النوع لا يشترط لأنها تستعمل فيما يجوز أن يوجد وأن لا يوجد ولا تستعمل فيما لا بد منه إذا قال والأمر كذلك اه
ويستفيد بالإذن في التجارة كل ما يندرج تحت اسمها وما كان من لوازمها وتوابعها كالنشر والطي وحمل المتاع إلى الحانوت ورد بعيب ومخاصمة نفي عهدة والمراد المخاصمة الناشئة عن المعاملة أما مخاصمة الغاصب والسارق ونحوهما فلا كما صرح به الرافعي في عامل القراض وهذا مثله
فإن لم ينص على شيء تصرف بحسب المصلحة في كل الأنواع والأزمنة والبلدان
ولو أعطاه ألفا وقال له اتجر فيه فله أن يشتري بعين الألف وبقدره في ذمته ولا يزيد
فإن اشترى في ذمته ثم تلف الألف قبل تسليمه
____________________
(2/99)
للبائع لم ينفسخ عقده بل للبائع الخيار إن لم يوفه السيد وإن اشترى بعينه انفسخ العقد كما لو تلف المبيع قبل القبض
ولو قال له اجعله رأس مالك وتصرف واتجر فله أن يشتري بأكثر من الألف وله أن يأذن له في التجارة من غير إعطاء مال فيشتري بالإذن في الذمة ويبيع كالوكيل
ولا يحتاج في الإذن في الشراء في الذمة إلى تقييد بقدر معلوم لأنه لا يثبت في ذمة السيد بخلاف الوكيل
( وليس له ) بالإذن في التجارة ( نكاح ) لنفسه ولا لرقيق التجارة لأن اسمها لا يتناوله
( ولا يؤجر نفسه ) بغير إذن سيده لأنه لا يملك التصرف في رقبته فكذا في منفعته فإن أذن له جاز وله أن يؤجر مال التجارة أثيابها ورقيقها ودوابها
( ولا يأذن لعبده ) أي الذي اشتراه للتجارة ( في تجارة ) بغير إذن سيده لعدم الإذن له في ذلك فإن أذن له فيه جاز وينعزل الثاني بعزل السيد له وإن لم ينزعه من يد الأول وإضافة عبد التجارة إليه لتصرفه فيه
وهذا في التصرف العام فإن أذن له في تصرف خاص كشراء ثوب جاز كما صححه الإمام وجزم به الغزالي و ابن المقري وإن كان في مقتضى كلام البغوي المنع لأنه يصدر عن رأيه وإنه لا غنى له عن ذلك وفي منعه منه تضييق عليه
( ولا يتصدق ) ولو عبر ب يتبرع كان أعم ليشمل الهبة والعارية وغيرهما لأنه ليس من أهل التبرع
ولا يتخذ دعوة وهي بتثليث الدال كما قاله ابن مالك وفتحها أشهر الطعام المدعو إليه
ولا ينفق على نفسه من مال التجارة وقول ابن الرفعة لو غاب السيد فالوجه الجواز للعرف المطرد به محمول على عدم وجدان حاكم يراجعه في ذلك
ولا يسافر بمال التجارة إلا بإذن السيد ولا يبيع بدون ثمن المثل ولا نسيئة قال المتولي وله أن يشتري بالنسيئة بلا إذن
( ولا يعامل سيده ) ولا رقيقه المأذون له في التجارة ببيع وشراء وغيرهما لأن تصرفه للسيد ويد رقيق السيد كالسيد بخلاف المكاتب
ولا يتمكن من عزل نفسه بخلاف الوكيل
ولا يشتري من يعتق على سيده فإن أذن له صح الشراء وعتق إن لم يكن الرقيق مديونا وإلا ففيه التفصيل في إعتاق الراهن المرهون بين الموسر والمعسر كما جرى عليه ابن المقري تبعا للإسنوي
( ولا ينعزل بإباقه ) قطعا لأنه معصية لا توجب الحجر
وله التصرف في البلد الذي أبق إليه على الصحيح إلا أن خص السيد الإذن ببلده فإن عاد إلى الطاعة تصرف جزما
ولو أذن لأمته في التجارة ثم استولدها لم تنعزل لبقائهاعلى ملكه واستحقاقه منافعها
( ولا يصير ) الرقيق ( مأذونا له بسكوت سيده على تصرفه ) لأن ما الإذن فيه شرط لا يكفي فيه السكوت كبيع مال غيره وهو ساكت
( ويقبل إقراره بديون المعاملة ) ولو لأصله وفرعه لقدرته على الإنشاء وهذه المسألة أعادها المصنف في باب الإقرار والكلام عليها هناك أنسب
ولو أحاطت به الديون فأقر بشيء أنه استعاره قبل منه وقيل لا ذكره شريح في روضه
فرع لو باع السيد العبد المأذون له أو أعتقه صار محجورا عليه لأن إذنه له استخدام لا توكيل وقد خرج عن أهليته
وفي معنى ذلك ما يزيل الملك كهبة ووقف وفي كتابته وجهان أوجههما وجزم به في الأنوار أنها حجر وإجارته كما بحثه شيخنا كذلك
وتحل ديونه المؤجلة عليه بموته كما تحل الديون التي على الحر بموته وتؤدى من الأموال التي كانت بيده
( ومن عرف رق عبد لم يعامله ) أي لم تجز له معاملته حفظا لما له ( حتى يعلم الإذن ) له ( بسماع سيده أو بينة أو شيوع بين الناس ) لأن الأصل عدم الإذن
والمراد بالعلم غلبة الظن لأن البينة والشيوخ لا يفيدان إلا الظن
قال السبكي وينبغي جوازه بخبر عدل واحد لحصول الظن به وإن لم يكف عند الحاكم إلحاقا له بالشفعة وكما يكفي سماعه من السيد والشيوع
وتبعه الأذرعي ثم قال ويكفي خبر من يثق به من عبد وامرأة بل يظهر أنه أولى من شيوع لا يعرف أصله
وذكر نحوه الزركشي قال وهل المراد بالبينة ما يقام عند الحاكم أو إخبار عدلين له الظاهر الثاني
وهذه الأبحاث كلها ظاهرة لأن المقصود أن يغلب على الظن إذن السيد
( وفي الشيوع وجه ) أنه لا يكفي لأن
____________________
(2/100)
الحجر محقق والزوال مشكوك فيه لأنه قد ينشأ من غير أصل فإن لم يعرف رقه ولا حريته جاز له معاملته لأن الأصل والغالب في الناس الحرية
( ولا يكفي قول العبد ) أنا مأذون لي لأنه منهم
فلو عامله فبان مأذونا له صح كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا ومثله عامل من أنكرت وكالته أو من عرف سفهه ثم تبين أنه في الأولى وكيل وفي الثانية رشيد
ولو قال المأذون له حجر علي سيدي لم تصح معاملته وإن كذبه سيده لأن العقد باطل بزعم العاقد فلا يعامل بقول غيره وتكذيب الآذن لا يستلزم الإذن له كما لو قال ابتداء لا أمنعك من التصرف لا يستلزم ذلك لأن عدم المنع أعم من الإذن
نعم لو قال كنت أذنت له وأنا باق عليه جازت معاملته وإن أنكر الرقيق ذلك كما ذكره الزركشي
ويؤخذ منه أن محل منع معاملته فيما إذا كذبه السيد أن يكون المعامل له سمع الإذن من غير السيد وإلا جازت معاملته قال شيخنا بل ينبغي أن يقال حيث ظن كذب العبد جازت معاملته ثم إن تبين خلافه بطلت وإلا فلا
وهو حسن
ولمن علمه مأذونا له وعامله أن لا يسلم إليه العوض حتى يقيم بينة بالإذن خوفا من خط إنكار السيد وينبغي كما قال الزركشي تصويرها بما إذا علم الإذن بغير البينة وإلا فليس له الامتناع لزوال المحذور والأصل دوام الإذن
تنبيه كان الأولى للمصنف أن يقول ومن عرف رق شخص لأن العبد معلوم الرق
( فإن باع مأذون له ) شيئا ( وقبض الثمن فتلف في يده فخرجت السلعة مستحقة رجع المشتري ببدلها ) أي بدل ثمنها فهو حذف مضاف فليس سهو كما قيل وفي الروضة وأصلها والمحرر وبعض نسخ المنهاج ببدله أي الثمن وهو أوضح
( على العبد ) ولو بعد العتق لأنه المباشر للعقد فتتعلق به العهدة كعامل المضاربة والوكيل فإن لرب الدين مطالبتهما ولو بعد العزل سواء دفع لهما رب المال الثمن أم لا وإذا غرما رجع بخلاف العبد إذا غرم بعد عتقه لا يرجع على سيده على الأصح في الروضة لأن ما غرمه مستحق بالتصرف السابق على عتقه وتقدم السبب كتقدم المسبب فالمغروم بعد العتق كالمغروم قبله وهكذا كما لو أعتق السيد عبده الذي أجره في أثناء مدة الإجارة لا يرجع عليه بأجرة مثله للمدة التي بعد العتق
( وله ) أي المشتري ( مطالبة ) السيد به ( أيضا ) لأن العقد له فكأنه البائع والقابض للثمن
( وقيل لا ) يطالبه لأنه بالإذن قد أعطاه استقلالا وقصر طمع الذي يعامله على ما في يده وذمته
( وقيل إن كان في يد العبد وفاء فلا ) يطالبه لحصول الغرض بما في يده وإلا فيطالب
( ولو اشترى ) المأذون ( سلعة ففي مطالبة السيد بثمنها هذا الخلاف ) بتعليله ( ولا يتعلق دين التجارة برقبته ) لأنه ثبت برضا مستحقه كالصداق ولا بمهر الأمة المأذونة لأنه بدل بضعها وهو لا يتعلق به الديون فكذا بدله
ولا تتعلق أيضا بسائر أموال السيد كأولاد المأذون
( ولا بذمة سيده ) وإن أعتقه أو باعه لأنه وجب بمعاوضة مقصودة أذن فيها السيد فيكون متعلقا بالكسب كالنفقة في النكاح
فإن قيل ما ذكر مخالف لقوله قبل ذلك بنحو سطر أن السيد يطالب ببدل الثمن التالف في يد العبد وبثمن السلعة التي اشتراها أيضا وقد وقع الموضعان كذلك في الشرح والمحرر والروضة وقال السبكي سبب هذا التناقض أن المذكور أولا هو طريقة الإمام وقال في البسيط إنها ظاهر المذهب وأشار في المطلب إلى تضعيفها وثانيا هو طريقة الأكثرين من العراقيين والخراسانيين ونص الأم يشهد له فجمع الرافعي بينهما فلزم منه ما لزم وتبعه الإسنوي و الأذرعي على ذلك
أجيب بأنه لا يلزم من المطالبة بشيء ثبوته في الذمة بدليل مطالبة القريب بنفقة قريبه والموسر بنفقة المضطر واللقيط إذا لم يكن له مال والمراد أنه يطالب ليؤدي مما في يد العبد لا من غيره ولو مما كسبه العبد بعد الحجر عليه وصارت كالوارث في التركة يطالب بالوفاء بقدرها فقط وفائدة مطالبة السيد بذلك إذا لم يكن في يد العبد مال احتمال أنه يؤديه لأن له به علقة في الجملة وإن لم يلزم ذمته فإن أداه برئت ذمة العبد وإلا فلا
( بل يؤدى من مال
____________________
(2/101)
التجارة ) أصلا وربحا لاقتضاء العرف والإذن ذلك
( وكذا من كسبه ) الحاصل قبل الحجر عليه ( بالاصطياد ونحوه ) كالاحتطاب ( في الأصح ) لتعلقه به كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح
والثاني لا كسائر أموال السيد
وعلى الأول إن بقي بعد الأداء شيء من الدين يكون في ذمة الرقيق إلى أن يعتق فيطالب به أما كسبه بعد الحجر فلا يتعلق به في الأصح في أصل الروضة لانقطاع حكم التجارة بالحجر
( ولا يملك العبد بتمليك سيده في الأظهر ) الجديد لأنه ليس أهلا للملك لأنه مملوك فأشبه البهيمة
والثاني وهو القديم يملك لقوله صلى الله عليه وسلم من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع رواه الشيخان دل إضافة المال إليه على أنه يملك
وأجاب الأول بأن إضافته فيه للاختصاص لا للملك إذ لو كانت للملك لنافاه جعله لسيده وعلى القول بالملك هو ملك ضعيف يملك السيد انتزاعه منه ولا تجب فيه الزكاة وليس للعبد التصرف فيه إلا بإذن السيد
واحترز بقوله بتمليك سيده عن الأجنبي فإنه لا يملك بتمليكه جزما قاله الرافعي في الوقف في الكلام على الموقوف عليه وفي الظهار وفي تكفير العبد بالصوم وأجرى فيه الخلاف الماوردي و القاضي
والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالقن فلا يملكون شيئا بخلاف المبعض والمكاتب
ولو ملك المبعض ببعضه الحر مالا فاشترى به جارية ملكها ولم يحل له وطؤها ولو بإذن سيده لأن بعضه مملوك والوطء يقع بجميع بدنه لا ببعضه الحر فقط وليس للمكاتب وطء أمته ولو بالإذن لضعف ملكه وللخوف من هلاك الأمة بالطلق
خاتمة لو قبل الرقيق ولو سفيها هبة أو وصية بلا إذن صح وإن نهاه سيده على القبول لأنه اكتساب لا يعقب عوضا كالاحتطاب ودخل ذلك في ملك السيد قهرا نعم إن كان الموهوب أو الموصى به أصلا للسيد أو فرعا له تجب عليه نفقته حال القبول لنحو زمانة أو صغر لم يصح القبول ونظيره قبول الولي لموليه ذلك
كتاب السلم ويقال له السلف يقال أسلم وسلم وأسلف وسلف
والسلم لغة أهل الحجاز والسلف لغة أهل العراق قاله الماوردي
سمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس وسلفا لتقديم رأس المال
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } الآية
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في السلم رواه الشافعي رضي الله تعالى عنه
وخبر الصحيحين من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم
( وهو بيع ) شيء ( موصوف في الذمة ) قال الشارح هذه خاصته المتفق عليها أي وأما لفظ السلم فيشترط فيه على الأصح كما سيأتي
قال الزركشي وليس لنا عقد يختص بصيغة إلا هذا والنكاح
ويؤخذ من كون السلم بيعا أنه لا يصح إسلام الكافر في الرقيق المسلم وهو الأصح كما في المجموع وإن صحح الماوردي صحته وتبعه السبكي ومثل الرقيق المسلم الرقيق المرتد كما مر في باب البيع
( يشترط له مع شروط البيع ) المتوقف صحته عليها غير الرؤية لأن سلم الأعمى يصح كما مر في باب البيع ليصح هو أيضا
( أمور ) ستة ( أحدها تسليم رأس المال ) وهو الثمن ( في المجلس ) أي مجلس العقد قبل لزومه لأن اللزوم كالتفرق كما مر في باب الخيار إذ لو تأخر لكان في معنى بيع الدين بالدين إن كان رأس المال في الذمة ولأن في السلم غررا فلا يضم إليه غرر تأخير تسليم رأس المال
ولا بد من حلول رأس المال كما قاله القاضي أبو الطيب كالصرف ولا يغني عنه شرط تسليمه في المجلس فلو تفرقا قبل قبض رأس المال أو ألزماه بطل العقد أو قبل تسليم بعضه بطل فيما لم يقبض وفيما يقابله من المسلم فيه وصح في الباقي بقسطه قالا كما لو اشترى شيئين فتلف أحدهما
____________________
(2/102)
قبل القبض فيؤخذ منه ثبوت الخيار وبه صرح في الأنوار وإن جزم السبكي بخلافه
ولو قال المسلم أقبضتك بعد التفرق وقال المسلم إليه قبله ولا بينة صدق مدعي الصحة كما علم مما مر وإن أقاما بينتين قدمت بينة المسلم إليه لأنها مع موافقتها الظاهر ناقلة والأخرى مستصحبة
ولا يكفي قبض المسلم في الحال في المجلس عن قبض رأس المال لأن تسليمه فيه تبرع وأحكام البيع لا تبنى على التبرعات
تنبيه أفهم كلام المصنف أنه لو قال أسلمت إليك المائة التي في ذمتك مثلا في كذا أنه لا يصح السلم وهو كذلك
( فلو أطلق ) ك أسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا ( ثم عين ) الدينار ( وسلم في المجلس ) قبل التخاير ( جاز ) ذلك لأن المجلس حريم العقد فله حكمه فإن تفرقا أو تخايرا قبله بطل العقد
( ولو أحال ) المسلم المسلم إليه ( به ) أي رأس المال ( وقبضه المحال ) وهو المسلم إليه ( في المجلس فلا ) يجوز ذلك سواء أذن في قبضه المحيل أم لا لأن بالحوالة يتحول الحق إلى ذمة المحال عليه فهو يؤديه عن جهة نفسه لا عن جهة المسلم
نعم إن قبضه المسلم من المحال عليه أو من المسلم إليه بعد قبضه بإذنه وسلم إليه في المجلس صح وإن أمره المسلم بالتسليم إليه ففعل لم يكف لصحة السلم لأن الإنسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره لكن يصير السلم إليه وكيلا للمسلم في قبضه ذلك ثم السلم يقتضي قبضا آخر ولا يصح قبضه من نفسه
وإن جرت الحوالة من السلم إليه على رأس المال وتفرقا قبل التسليم بطل العقد وإن جعلنا الحوالة قبضا لأن المعتبر هنا القبض الحقيقي ولهذا لا يكفي عنه الإبراء
نعم إن أمر المسلم إليه المسلم بالتسليم إلى المحتال ففعل في المجلس صح القبض وكان المحتال وكيلا فيه عن المسلم إليه فيصح العقد على خلاف ما مر في إحالة المسلم
والفرق ما وجهوا به ذلك من أن القبض فيه بقبض عن غير جهة السلم بخلافه هنا والحوالة في المسألتين بكل تقدير فاسدة لتوقف صحتها عن صحة الإعتياض عن المحال به وعليه وهي منتفية في رأس مال السلم ولأن صحتها تستلزم صحة السلم بغير قبض حقيقي
تنبيه قوله وقبضه المحال ليس شرطا بل غاية فلو لم يقبضه فأولى بالبطلان فلو قال وإن قبض كان أولى
ولو صالح عن رأس المال لم يصح لعدم قبض رأس المال في المجلس
ولو كان رأس المال رقيقا فأعتقه المسلم إليه قبل القبض لم يكن قبضا ثم إن تفرقا بعد القبض بأن صحة العقد لوجود الشرط ونفذ العتق على المعتمد كما جزم به الشيخ عبد الغفار القزويني
وهو أحد وجهين في الروضة صححه أبو عبدالله الحجازي في مختصرها
وإن تفرقا قبله بطل العقد ولو كان الرقيق يعتق على المسلم إليه فقياس ما ذكر الصحة إن قبضه قبل التفرق وإلا فلا
( ولو قبضه ) المسلم إليه في المجلس ( وأودعه المسلم ) قبل التفرق ( جاز ) لأن الوديعة لا تستدعي لزوم الملك وكذا يجوز لوروده إليه عن دينه كما اقتضاه كلام أصل الروضة في باب الربا وصححه في المهمات هنا ك البغوي خلافا لما نقلاه عن الروياني هنا وأقراه لأن تصرف أحد العاقدين في مدة خيار الآخر إنما يمتنع إذا كان مع غير الآخر لأن صحته تقتضي إسقاط ما ثبت له من الخيار أما معه فيصح ويكون ذلك إجازة منهما
( ويجوز كونه ) أي رأس المال ( منفعة ) معلومة كما يجوز جعلها ثمنا أو أجرة وصداقا
( وتقبض بقبض العين ) لأنه لما تعذر القبض الحقيقي اكتفي بهذا لأنه الممكن في قبض المنفعة لأنها تابعة لها
ومن هنا يؤخذ أنه لو جعل رأس المال عقارا غائبا ومضى في المجلس زمن يمكن فيه المضي إليه والتخلية صح لأن القبض فيه بذلك وهو كذلك
وقضية كلامه أنه لو كانت المنفعة متعلقة ببدنه كتعليم سورة وخدمة شهر صح وبه صرح الروياني ولم يطلع عليه الإسنوي فبحثه لكن استثنى منه ما لو سلم نفسه ثم أخرجها من التسليم لأن الحر لا يدخل تحت اليد
قال شيخنا وما استثناه مردود إذ لا يمكنه إخراج نفسه كما في الإجارة
( وإذا فسخ السلم ) بسبب يقتضيه كانقطاع المسلم فيه عند حلوله ( ورأس المال باق ) لم يتعلق به حق ثالث ( استرده بعينه ) وليس للمسلم إليه إبداله سواء أورد العقد عليه أم على الذمة ثم عين في المجلس
( وقيل
____________________
(2/103)
للمسلم إليه رد بدله إن عين في المجلس دون العقد ) لأن العقد لم يتناول عينه
وأجاب الأول بأن المعين في المجلس بمثابة المعين في العقد أما إذا كان تالفا فإنه يسترد بدله من مثل أو قيمة
ولو أسلم دراهم أو دنانير في الذمة حمل على غالب نقد البلد فإن لم يكن غالب بين النقد المراد وإلا لم يصح كالثمن في المبيع أو أسلم عرضا في الذمة وجب ذكر قدره وصفته
( ورؤية رأس المال ) المثلي ( تكفي عن معرفة قدره في الأظهر ) كالثمن والمبيع المعين فإن اتفق فسخ وتنازعا في القدر فالقول قول المسلم إليه لأنه غارم
والثاني لا يكفي بل لا بد من معرفة قدره بالكيل في المكيل أو الوزن في الموزون
وقول الشارح والذرع في المذروع مرجوح فإنه ليس بمثلي لأنه قد يتلف وينفسخ السلم فلا يدري بم يرجع
واعترض بإتيان مثل ذلك في الثمن والمبيع
أما رأس المال المتقوم فتكفي رؤيته عن معرفة قيمته قطعا وقيل فيه القولان ومحل الخلاف إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة ولا فرق في جريان الخلاف بين السلم الحال والمؤجل
( الثاني ) من الأمور المشروطة ( كون المسلم فيه دينا ) لأن لفظ المسلم موضوع له
فإن قيل الدينية داخلة في حقيقة السلم فكيف يصح جعلها شرطا لأن الشرط خارج عن المشروط أجيب بأن الفقهاء قد يريدون بالشرط ما لا بد منه فيتناول حينئذ جزء الشيء
( فلو قال أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد ) فقبل ( فليس بسلم ) قطعا لانتفاء الدينية
( ولا ينعقد بيعا في الأظهر ) لاختلاف اللفظ فإن اسم السلم يقتضي الدينية والدينية مع التعيين يتناقضان
والثاني ينعقد بيعا نظرا للمعنى
( ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعتك انعقد بيعا ) اعتبارا باللفظ وهذا هو الأصح في أصل الروضة وصححه البغوي وغيره ولم يصرح في الشرحين هنا بترجيح
( وقيل سلما ) قطعا لانتفاء الدينية
( ولا ينعقد بيعا في الأظهر ) لاختلاف اللفظ فإن اسم السلم يقتضي الدينية والدينية مع التعيين يتناقضان
والثاني ينعقد بيعا نظرا للمعنى
( ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم فقال بعتك انعقد بيعا ) اعتبارا بالمعنى
واللفظ لا يعارضه لأن كل سلم بيع كما أن كل صرف بيع فإطلاق البيع على السلم إطلاق له على ما يتناوله
وهذا ما رجحه العراقيون ونقله الشيخ أبو حامد عن النص وجرى عليه الشيخ في التنبيه ونبهت عليه في شرحه بأنه وجه صححه ابن الصباغ وقال الإسنوي الفتوى عليه
ومحل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم فلو قال بعتك سلما أو اشتريته سلما فسلم كما جزم به الشيخان في تفريق الصفقة
تنبيه تقييد المصنف المسألة بالدراهم المعينة ليس بشرط بل لو كانت في الذمة كانت على الخلاف المتقدم أيضا
( الثالث ) من الأمور المشروطة ما تضمنه قوله ( المذهب أنه إذا أسلم وضع لا يصلح للتسليم أو يصلح ولحمله ) أي المسلم فيه ( مؤنة اشترط بيان محل ) بفتح الحاء أي مكان ( التسليم ) للمسلم فيه لتفاوت الأغراض فيما يراد من الأمكنة في ذلك ( وإلا ) بأن صلح للتسليم ولم يكن لحمله مؤنة ( فلا ) يشترط ما ذكر ويتعين مكان العقد للتسليم للعرف
ويكفي في تعيينه أن يقول تسلم لي في بلدة كذا إلا أن تكون كبيرة كبغداد والبصرة ويكفي إحضاره في أولها ولا يكلف إحضاره إلى منزله
ولو قال في أي البلاد شئت فسد أو في أي مكان شئت من بلد كذا فإن اتسع لم يجز وإلا جاز أو ببلد كذا وبلد كذا فهل يفسد أو يصح وينزل على تسليم النصف بكل بلد وجهان أصحهما كما قال الشاشي الأول
قال في المطلب والفرق بين تسليمه في بلد كذا وتسليمه في شهر كذا حيث لا يصح اختلاف الغرض في الزمان دون المكان
ومقابل المذهب ستة طرق ذكرها الرافعي فلينظرها في شرحه من أراد
ومتى شرطنا التعيين فتركه بطل وحيث لم نشرطه فذكره تعين فلو عين مكانا فخرب بكسر الراء وخرج عن صلاحية التسليم تعين أقرب موضع صالح له إليه على الأقيس في الروضة من ثلاثة أوجه
وما ذكره في السلم المؤجل أما الحال فيتعين فيه موضع العقد للتسليم
نعم إن كان
____________________
(2/104)
غير صالح للتسليم اشترط البيان كما قاله ابن الرفعة فإن عينا غيره تعين بخلاف المبيع المعين لأن السلم يقبل التأجيل فقبل شرطا يتضمن تأخير التسليم بخلاف البيع
والمراد بموضع العقد تلك المحلة لا نفس موضع العقد
والثمن في الذمة كالمسلم فيه والثمن المعين كالبيع المعين وفي زيادة الروضة قال في التتمة كل عوض ملتزم في الذمة أي غير مؤجل من نحو أجرة وصداق وعوض خلع له حكم السلم الحال إن عين لتسليمه مكان تعين وإلا تعين موضع العقد لأن كل عوض ملتزم في الذمة يقبل التأجيل كالمسلم فيه فيقبل شرطا يتضمن تأخير التسليم كما مر
( ويصح ) السلم ( حالا ومؤجلا ) بأن يصرح بهما
أما المؤجل فبالنص والإجماع وأما الحال فبالأولى لبعده عن الغرر
فإن قيل الكتابة لا تصح بالحال وتصح بالمؤجل
أجيب بأن الأجل فيها إنما وجب لعدم قدرة الرقيق والحلول ينافي ذلك
فإن قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أجل معلوم
أجيب بأن المراد العلم بالأجل لا الأجل كما في الكيل والوزن بدليل الجواز بالذرع وإنما يصح حالا إذا كان المسلم فيه موجودا عند العقد وإلا اشترط فيه الأجل كالكتابة وليس لنا عقد يشترط فيه الأجل غيرهما
فإن قيل ما فائدة العدول من البيع إلى السلم الحال أجيب بأن فائدته جواز العقد مع غيبة المبيع فإن المبيع قد لا يكون حاضرا مرئيا فلا يصح بيعه وإن أخره لإحضاره ربما فات على المشتري ولا يتمكن من الإنفساخ إذا هو متعلق بالذمة
( فإن أطلق ) عن الحلول والتأجيل وكان المسلم فيه موجودا ( انعقد حالا ) كالثمن في البيع المطلق والأجرة فإن لم يكن المسلم فيه موجودا لم يصح
( وقيل لا ينعقد ) لأن المعتاد في السلم التأجيل فحمل المطلق عليه فيكون كما لو ذكر أجلا مجهولا
وعلى الأول لو ألحقا به أجلا في المجلس لحق على الأصح كما لا يجوز تعيين رأس المال فيه ولو صرحا بالأجل في العقد ثم أسقطاه في المجلس سقط وصار العقد حالا ولو حذفا فيه المفسد لم ينقلب العقد الفاسد صحيحا
( ويشترط ) في المؤجل ( العلم بالأجل ) بأن يكون معلوما مضبوطا فلا يجوز بما يختلف كالحصاد وقدوم الحاج والميسرة للحديث المار أول الباب ولا يصح التأقيت بالشتاء والصيف والعطاء إلا أن يريد العاقدان وقتها المعين فيصح
( فإن عين ) العاقدان ( شهور العرب أو الفرس أو الروم جاز ) لأنها معلومة مضبوطة
ويصح التأقيت بالنيروز وهو نزول الشمس برج الميزان وبالمهرجان وهو بكسر الميم وقت نزولها برج الحمل وبعيد الكفار كفصح النصارى وفطير اليهود إن عرفها المسلمون ولو عدلين منهم أو المتعاقدان بخلاف ما إذا اختص الكفار بمعرفتها إذ لا يعتمد قولهم
نعم إن كانوا عددا كثيرا يمتنع تواطؤهم على الكذب جاز كما قاله ابن الصلاح لحصول العلم بقولهم
فإن قيل لم اكتفى هنا بمعرفة العاقدين الأجل أو معرفة عدلين ولم يكتف بذلك في صفات المسلم فيه كما سيأتي أجيب بأن الجهالة هنا راجعة إلى الأجل وهناك راجعة إلى المعقود عليه فجاز أن يحتمل هنا ما لا يحتمل هناك
( وإن أطلق ) الشهر ( حمل على الهلالي ) وهو ما بين الهلالين لأنه عرف الشرع وذلك بأن يقع العقد أول الشهر ( فإن انكسر شهر ) بأن وقع العقد في أثنائه والتأجيل بأشهر ( حسب الباقي ) بعد الأول المنكسر ( بالأهلة وتمم الأول ثلاثين ) مما بعدها لأنه لما تعذر الهلالي في المنكسر رجعنا إلى العدد ولا يكفي المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد
نعم لو وقع العقد في اليوم الأخير من الشهر اكتفي بالأشهر بعده بالأهلة تامة كانت أو ناقصة ولا يكمل اليوم مما بعدها إن نقص آخرها كما هو قضية كلام المصنف لأنها مضت عربية كوامل
والسنة المطلقة تحمل على الهلالية دون غيرها لأنها عرف الشرع قال تعالى { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج }
فإن عقد في آخر يوم من الشهر وفي معناه ليلته فكل السنة هلالية إن نقص الشهر الأخير وإن كمل انكسر اليوم الأخير الذي عقدا فيه فيكمل منه المنكسر ثلاثين يوما لتعذر اعتبار الهلال فيه دون البقية
وإن عقدا بعد لحظة من المحرم وأجلا بسنة مثلا فهو منكسر وحده فيكمل من السنة الثانية
وإن أجلا
____________________
(2/105)
بسنة شمسية وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم إلا جزءا من ثلثمائة جزء من يوم أولها الحمل وربما جعل النيروز أو رومية وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم أو فارسية وهي ثلثمائة وخمسة وستون يوما كل شهر ثلاثون يوما ويزاد في الآخر خمسة صح لأنها معلومة مضبوطة
ولو قالا إلى يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا حل بأول جزء منه ولو قالا في يوم كذا أو شهر كذا أو سنة كذا لم يصح على الأصح أو قالا إلى أول شهر كذا أو آخره صح وحمل على الجزء الأول كما قاله البغوي وغيره
( والأصح صحة تأجيله بالعيد وجمادى ) وربيع ونفر الحج
( ويحمل على الأول ) من ذلك لتحقق الاسم به والثاني لا بل يفسد لتردده بين الأول والثاني
ولو قال بعد عيد الفطر إلى العيد حمل على الأضحى لأنه الذي يلي العقد قاله ابن الرفعة
فصل ( يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه عند وجوب التسليم ) لأن المعجوز عن تسليمه يمتنع بيعه فيمتنع السلم فيه
فإن قيل هذا من شروط البيع المذكورة قبل فلا حاجة لذكره
أجيب بأنه ذكره ليرتب عليه الفروع الآتية ولأن المقصود بيان محل القدرة وهو حالة وجوب التسليم وهي تارة تقترن بالعقد لكون السلم حالا وتارة تتأخر عنه لكونه مؤجلا كما مر بخلاف المبيع المعين فإن المعتبر اقتران القدوة فيه بالعقد مطلقا فإذا أسلم في منقطع عند الحلول كالرطب في الشتاء لم يصح وكذا لو ظن تحصيله بمشقة عظيمة كقدر كثير من الباكورة وهي أول الفاكهة
( فإن كان يوجد ببلد آخر صح ) لسلم فيه ( إن اعتيد نقله ) غالبا منه ( للبيع ) ونحوه من المعاملات وإن بعدت المسافة للقدرة عليه
( وإلا ) بأن لم يعتد نقله لنحو البيع منه غالبا بأن نقل له نادرا ولم ينقل منه أصلا أو ينقل منه لغير المعاملة كالهدية ( فلا ) يصح السلم فيه لعدم القدرة عليه
فإن قيل سيأتي أن المسلم فيه إذا انقطع إن وجد فيما دون مسافة القصر وجب تحصيله وإلا فلا ولم يعتبروا هنا قرب المسافة
أجيب بأنه لا مؤنة لنقله هنا على المسلم إليه فحيث اعتيد نقله غالبا للمعاملة من محل إلى محل التسليم صح وإن تباعدا بخلافها فيما يأتي فإنها لازمة له فاعتبر قرب المسافة لخفة المؤنة عليه
واعتبار محل التسليم فيما ذكر أولى من اعتبار محل العقد كما قاله شيخنا
( ولو أسلم فيما يعم ) وجوده ( فانقطع في محله ) بكسر الحاء أي وقت حلوله
( لم ينفسخ في الأظهر ) لأن السلم فيه يتعلق بالذمة فأشبه إفلاس المشتري بالثمن
والثاني ينفسخ كما لو تلف المبيع قبل القبض
وأجاب الأول بما تقدم
والمراد بانقطاعه أن لا يوجد أصلا أو يوجد ببلد بعيد وهو مسافة القصر أو ببلد آخر ولو نقل لفسد ولم يوجد إلا عند قوم لا يبيعونه أو يبيعون بأكثر من ثمن مثله بخلاف ما إذا غلا سعره فإنه يحصله وهذا هو مراد المصنف في الروضة بقوله ويجب تحصيله وإن غلا سعره لا أن المراد أنه يباع بأكثر من ثمن مثله لأن الشارع جعل الموجود بأكثر من قيمته كالمعدوم كما في الرقبة وماء الطهارة وأيضا الغاصب لا يكلف ذلك على الأصح
وفرق بعضهم بين الغصب وهذا بما لا يجدي
ويجري الخلاف فيما إذا قصر المسلم إليه في الدفع حتى انقطع أو حل الأجل بموت المسلم إليه قبل وجود المسلم فيه أو تأخر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين ثم حضر بعد انقطاعه
وعلى الأول ( فيتخير المسلم بين فسخه والصبر حتى وجد ) فيطالب به دفعا للضرر
تنبيه قد يفهم من إطلاقه الخيار أنه على الفور والأصح أنه على التراخي فإن أجاز ثم بدا له أن يفسخ مكن منه ولو أسقط حقه من الفسخ لم يسقط
( ولو علم قبل المحل ) بكسر الحاء ( انقطاعه عنده فلا خيار قبله في الأصح ) لأنه لم يدخل وقت وجوب التسليم
والثاني نعم لتحقق العجز في الحال
تنبيه قصر المصنف الخلاف على الخيار وهو جار في الإنفساخ أيضا فلو قال كالروضة لم يتنجز حكم الانقطاع
____________________
(2/106)
في الأصح لكان أحسن
( و ) يشترط ( كونه ) أي المسلم فيه ( معلوم القدر كيلا ) فيما يكال ( أو وزنا ) فيما يوزن للحديث المار أول الباب
( أو عدا ) فيما يعد ( أو ذرعا ) فيما يذرع قياسا على ما قبلهما
فإن قيل لم خص في الحديث الكيل والوزن أجيب بأن ذلك لغلبتهما وللتنبيه على غيرهما
( ويصح المكيل ) أي سلمه ( وزنا وعكسه ) أي لموزون الذي يتأتى كيله كيلا
وحمل الإمام إطلاق الأصحاب جواز كيل الموزون على ما يعد الكيل في مثله ضابطا فيه بخلاف نحو فتات المسك والعنبر لأن للقدر اليسير منه مالية كثيرة والكيل لا يعد ضابطا فيه نقله عن الرافعي وسكت عليه ثم ذكر أنه يجوز السلم في اللآليء الصغار إذا عم وجودها كيلا ووزنا وقال في الروضة هذا مخالف لما تقدم عن الإمام
فكأنه اختار هنا ما تقدم من إطلاق الأصحاب
وأجاب عنه البلقيني بأنه ليس مخالفا له لأن فتات المسك والعنبر ونحوهما مما لا يعد الكيل فيه ضابطا لكثرة التفاوت بالنقل على المحل وتركه وفي اللؤلؤ لا يحصل بذلك تفاوت كالفول والقمح فيصح فيه بالكيل فلا مخالفة
فالمعتمد تقييد الإمام وبه جزم المصنف في تصحيح التنبيه
واستثنى الجرجاني وغيره النقدين أيضا فلا يسلم فيهما إلا بالوزن وينبغي أن يكون الحكم كذلك في كل ما فيه خطر في التفاوت بين الكيل والوزن كما قاله ابن يونس
فإن قيل لم لا يتعين هنا في المكيل الكيل وفي الموزون الوزن كما في باب الربا أجيب بأن المقصود هنا معرفة القدر وثم المماثلة بعادة عهده صلى الله عليه وسلم
( ولو أسلم في مائة صاع حنطة ) مثلا ( على أن وزنها كذا ) أو في ثوب مثلا صفته كذا ووزنه كذا وذرعه كذا ( لم يصح ) لأنه يعز وجوده بخلاف الخشب لأن زائده ينحت قاله الشيخ أبو حامد وأقراه
فإن قيل يعتبر فيه ذكر العرض والطول والثخانة وبالنحت تزول إحدى هذه الصفات
أجيب بأن وزنه على التقريب كما سيأتي في اللبن
تنبيه لو قال المصنف مائة صاع كيلا كان أولى لأن الصاع اسم للوزن
( ويشترط الوزن في البطيخ ) بكسر الباء ( والباذنجان ) بفتح المعجمة وكسرها ( والقناء ) بالمثلثة والمد ( والسفرجل ) بفتح الجيم ( والرمان ) وما أشبه ذلك مما لا يضبطه الكيل لتجافيه في المكيال كالرانج وقصب السكر والبقول
ولا يكفي فيها العد لكثرة التفاوت فيها
والجمع فيها بين الوزن والعد مفسد لأنه يحتاج معه إلى ذكر الجرم فيورث عزة الوجود
وقول السبكي ولو أسلم في عدد من البطيخ مثلا كمائة بالوزن في الجميع دون كل واحد جاز اتفاقا ممنوع كما قال شيخي لأنه يشترط ذكر حجم كل واحدة فيؤدي إلى عزة الوجود
قال الرافعي ولا يجوز السلم في البطيخة الواحدة والسفرجلة الواحدة لأنه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها وذلك يورث عزة الوجود
( ويصح ) السلم ( في الجوز واللوز بالوزن ) لا بالعد ( في نوع يقل اختلافه ) بغلظ قشورها ورقتها بخلاف ما لا يقل اختلافه بذلك فلا يصح السلم فيه لاختلاف الأغراض في ذلك
وهذا التقييد استدركه الإمام على إطلاق الأصحاب الجواز وسكت عليه الرافعي وجزم به المحرر والمصنف هنا وفي الروضة لكنه قال في شرح الوسيط بعد ذكره له والمشهور في المذهب ما أطلقه الأصحاب ونص عليه الشافعي
قال الإسنوي والصواب التمسك بما قاله في شرح الوسيط لأنه متسع لا مختصر اه
وهذا هو المعتمد ويؤيده كما قال ابن شهبة إطلاق الشيخين في باب الربا جواز بيع الجوز بالجوز وزنا واللوز باللوز كيلا مع قشرهما ولم يشترطا فيه هذا الشرط مع أن الربا أضيق من السلم
( وكذا ) يصح السلم فيما ذكر ( كيلا في الأصح ) قياسا على الحبوب والتمر
والثاني لا لتجافيهما في الميكال
ومحل الخلاف في غير الجوز الهندي أما هو فيتعين فيه الوزن جزما ولا يصح بالعد
ولو عبر المصنف بالأظهر لكان أولى لأن الخلاف قولان لا وجهان
قال السبكي ويجوز الكيل والوزن في البندق والفستق قال ولا أظن فيهما خلافا وعبارة الروضة موهمة للخلاف فيهما اه
وإنما يجوز السلم في هذه الأشياء في القشر الأسفل فقط
نعم لو أسلم في اللوز
____________________
(2/107)
الأخضر قبل انعقاد القشرة السفلى جاز لأنه مأكول كله كالخيار قاله الأذرعي وتقدم ذلك في البيع لأن قولهم في القشر الأسفل يخرجه لأن هذا لا قشر له أسفل
ويجوز في المشمش كيلا ووزنا وإن اختلف نواه كبرا وصغرا
( ويجمع في اللبن ) بكسر الباء ( بين العد والوزن ) ندبا فيقول مثلا عشر لبنات زنة كل واحدة كذا لأنها تضرب عن اختيار فلا يؤدي إلى عزة الوجود فالواجب فيه العد والأمر في وزنه على التقريب
ويشترط أن يذكر الطول والعرض والثخانة لكل لبنة وأنه من طين معروف
( ولو عين مكيالا فسد ) السلم ولو كان حالا ( إن لم يكن ) ذلك الكيل ( معتادا ) ككوز لا يعرف قدر ما يسع لأن فيه غررا لأنه قد يتلف قبل قبض ما في الذمة فيؤدي إلى التنازع بخلاف بيع ملئه من هذه الصبرة فإنه يصح لعدم الغرر
( وإلا ) بأن كان الكيل معتادا بأن عرف قدر ما يسع ( فلا ) يفسد السلم ( في الأصح ) ويلغو تعيينه كسائر الشروط التي لا غرض فيها ويقوم مثل المعين مقامه فلو شرطا أن لا يبدل بطل العقد
وتعيين الميزان والذراع والصنجة في معنى تعيين المكيال
فلو شرط الذرع بذراع يده ولم يكن معلوم القدر لم يصح لأنه قد يموت قبل القبض والثاني يفسد لتعرض الكيل ونحوه للتلف
ولو اختلفت المكاييل والموازين والذرعان فلا بد من تعيين نوع منها إلا أن يغلب نوع فيحمل الإطلاق عليه كما في أوصاف المسلم فيه
فرع لو قال أسلمت إليك في ثوب أو في صاع بر مثل هذا الثوب أو البر لم يصح لأن المشار إليه قد يتلف كما في مسألة الكوز
وإن قال أسلمت إليك في ثوب مثل ثوب قد وصف قبل ذلك ولم ينسيا وصفه صح وفارقت ما قبلها بأن الإشارة إلى المعين لم تعتمد الصفة
( ولو أسلم في ثمر قرية صغيرة ) أو بستان أو ضيعة أي في قدر معلوم منه ( لم يصح ) لأنه قد ينقطع بجائحة ونحوها فلا يحصل منه شيء وذلك غرر ولا حاجة إليه
وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين السلم الحال والمؤجل وهو كذلك أو ثمر ناحية ( أو ) قرية ( عظيمة ) أي في قدر معلوم منه ( صح في الأصح ) لأنه لا ينقطع غالبا
وهل يتعين أو يكفي الإتيان بمثله فيه احتمالان للإمام قال ابن شهبة والمفهوم من كلامهم الأول والثاني أنه كتعيين المكيال لعدم الفائدة
تنبيه لم يتعرضوا لضابط الصغيرة والكبيرة ونقل ابن كج عن الشافعي ما يقتضي أن الكبيرة ما يؤمن فيها الانقطاع والصغيرة بخلافه فالعبرة بكثرة الثمار وقلتها والثمرة مثال فغيرها مثلها
قال الزركشي كان ينبغي ذكر هذه المسألة في شروط القدرة على التسليم لأنه يوجب عسرا إلا في شرط معرفة المقدار فإنها ليست منه في شيء
( و ) يشترط لصحة السلم ( معرفة الأوصاف التي يختلف بها الغرض اختلافا ظاهرا ) وينضبط بها المسلم فيه وليس الأصل عدمها لتقريبه من المعاينة ولأن القيمة تختلف بسببها
وهذا الشرط معطوف على قوله أول الفصل ويشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه كما قدرته في كلامه
وكان ينبغي أن يقدم شرط كونه موصوفا ينضبط بالصفات ثم العلم بها فإن لم تعرف لم يصح السلم لأن البيع لا يحتمل جهل المعقود عليه وهو عين فلان لا يحتمل وهو دين أولى وخرج بالقيد الأول ما يتسامح بإهمال ذكره كالكحل والسمن في الرقيق كما سيأتي وبالثاني ما لا ينضبط كما سيأتي أيضا وبالثالث كون الرقيق قويا على العمل أو ضعيفا أو كاتبا أو أميا أو نحو ذلك فإنه وصف يختلف به الغرض اختلافا ظاهرا مع أنه لا يجب التعرض له لأن الأصل عدمه
( و ) يشترط ( ذكرها في العقد ) مقربة به ليتميز المعقود عليه فلا يكفي ذكرها قبله ولا بعده ولو في مجلس العقد
نعم إن توافقا قبل العقد وقالا أردنا في حالة العقد ما كنا اتفقنا عليه صح كما قاله الإسنوي وهو نظير من له بنات وقال لآخر زوجتك بنتي ونويا معينة ولا بد أن يكون ذلك
( على وجه لا يؤدي إلى عزة الوجود ) لأن السلم غرر كما مر فلا يصح إلا فيما يوثق بتسليمه
والعزة هنا بمعنى القلة يقال شيء عزيز أي قليل
( فلا يصح ) السلم ( فيما لا ينضبط
____________________
(2/108)
مقصوده كالمختلط المقصود الأركان ) التي لا تنضبط ( كهريسة ومعجون وغالية وخف ) ونعل ( وترياق مخلوط ) لعدم انضباط أجزائها لأن الغالية مركبة من مسك وعنبر وعود وكافور كما في الروضة وفي تحرير المصنف مركبة من دهن ومسك وعنبر
ومثل الغالية الند وهو بفتح النون مسك وعنبر وعود خلط بغير دهن
والخف والنعل كل منهما مشتمل على ظهارة وبطانة وحشو والعبارة لا تفي بذكر أقدارها وأوصافها
أما الخفاف المتخذة من شيء واحد ومثلها النعال فيصح السلم فيها إن كانت جديدة واتخذت من غير جلد كالثياب المخيطة والأمتعة
واحترز بالترياق المختلط عما هو نبات واحد أو حجر فإنه يجوز السلم فيه وهو بتاء مثناة أو دال مهملة أو طاء كذلك مكسورات ومضمومات فهذه ست لغات ذكرها المصنف في دقائقه ويقال أيضا دراق وطراق
ومثل ذلك القسي وهو بكسر القاف والسين وتشديد الياء جمع قوس ويجمع أيضا على أقواس مركبة من خشب وعظم وعصب
والنبل المريش بفتح الميم وكسر الراء وإسكان الياء بوزن كريم لاختلاف وسطه وطرفيه دقة وغلظة وتعذر ضبطه أما النبل قبل خرطه وعمل الريش عليه فيصح لتيسر ضبطه
ولا يصح السلم في الحنطة المختلطة بالشعير ولا في الأدهان المطيبة بطيب من نحو بنفسج وبان وورد بأن خالطها شيء من ذلك أما إذا روح سمسمها بالطيب المذكور واعتصر فإنه لا يضر
( والأصح صحته في المختلط المنضبط ) الأجزاء ( كعتابي ) وهو مركب من قطن وحرير ( وخز ) وهو مركب من إبريسم ووبر أو صوف لسهولة ضبط كل جزء من هذه الأجزاء
تنبيه ما المراد بالانضباط قيل أن يعرف العاقدان أن اللحمة من أحدهما والسدى من الآخر وقيل معرفة الوزن
رجح الأول السبكي والثاني الأذرعي وهو الظاهر لأن القيم والأغراض تتفاوت بذلك تفاوتا ظاهرا وعليه ينطبق قول الرافعي في الشرح الصغير لسهولة معرفة اختلاطها وأقدارها
( وجبن وأقط ) كل منهما فيه مع اللبن المقصود الملح
والإنفحة من مصالحه وهي بكسر الهمزة وفتح الفاء وتخفيف الحاء المهملة على المشهور كرش الخروف والجدي ما لم يأكل غير اللبن فإن أكل فكرش وجمعها أنافح
ويجوز في باء الجبن السكون والضم مع تخفيف النون وتشديدها والجيم مضمومة في الجميع وأشهر هذه اللغات إسكان الباء وتخفيف النون
( وشهد ) بفتح الشين وضمها مركب من عسل النحل وشمعه خلقة فهو شبيه بالتمر وفيه النوى
( وخل تمر أو زبيب ) هو يحصل من اختلاطهما بالماء الذي هو قوامه
ومقابل الأصح في السبعة ينفي الانضباط فيها قائلا بأن كلا من الحرير والملح والشمع والماء وغيره يقل ويكثر
والسمك المملح كالجبن
تنبيه كلام المصنف قد يوهم أن هذه الأمثلة من أمثلة القسم المتقدم وهو المختلط المقصود الأركان وليس مرادا بل من أمثلة النوع الثالث من المختلطات وهو أن يقصد أحد الخليطين والآخر للإصلاح كما هو في الشرح والروضة وأشار إليه في المحرر بقوله وكذا الجبن فقطعهما عما قبلهما وحينئذ يتعين أن لا تكون مجرورة بالكاف عطفا على العتابي بل مجرورة ب في عطفا على المختلط
وإدخاله الشهد في هذا النوع تبع فيه المحرر وليس منه بل هو نوع رابع كما ذكراه في الشرح والروضة وهو المختلط خلقة فلو قدمه أو أخره لكان أولى
ويصح السلم في اللبن والسمن والزبد ويشترط ذكر جنس حيوانه ونوعه ومأكوله من مرعى أو علف معين بنوعه ويذكر في السمن أنه جديد أو عتيق ولا يصح في حامض اللبن لأن حموضته عيب إلا في مخيض لا ماء فيه فيصح فيه
ولا يضر وصفه بالحموضة لأنها مقصودة فيه واللبن المطلق يحمل على الحلو وإن جف ويذكر طراوة الزبد وضدها
ويصح السلم في اللبن كيلا ووزنا ويوزن برغوته ولا يكال بها لأنها لا تؤثر في الميزان
ويذكر نوع الجبن وبلده ورطوبته ويبسه الذي لا تغير فيه أما ما فيه تغير فلا يصح فيه لأنه معيب وعليه يحمل منع الشافعي السلم في الجبن القديم
والسمن يوزن ويكال وجامده الذي يتجافى في المكيال يوزن كالزبد واللبأ المجفف أما غير المجفف فكاللبن وما نص عليه في الأم من أنه يصح السلم في الزبد كيلا ووزنا يحمل على زبد لا يتجافى في المكيال
ولا يصح في الكشك وكافه الأولى مفتوحة لعدم ضبط حموضته
____________________
(2/109)
( لا الخبز ) أي لا يصح السلم فيه ( في الأصح عند الأكثرين ) لتأثير النار فيه تأثيرا لا ينضبط ولأن ملحه يقل ويكثر
والثاني وصححه الإمام ومن تبعه وحكاه المزني عن النص الصحة لأن ناره مضبوطة والملح غير مقصود
تنبيه كان الأولى للمصنف تأخير هذه المسألة إلى الكلام على منع السلم في المطبوخ والمشوي لأن منع السلم فيه لعدم ضبط تأثير ناره فيه لا لأجل الخليط وهو الملح لما مر في الجبن والأقط
والأشبه كما قال الإسنوي أن النبيذ كالخبز
( ولا يصح ) السلم ( فيما يندر وجوده كلحم الصيد بموضع العزة ) أي محل يعز وجوده فيه لانتفاء الوثوق بتسليمه
نعم لو كان السلم فيه حالا وكان المسلم فيه موجودا عند المسلم إليه بموضع يندر فيه صح كما في الاستقصاء
( ولا فيما لو استقصي وصفه ) الواجب ذكره في السلم ( عز وجوده ) لما مر ( كاللآليء الكبار واليواقيت ) وغيرهما من الجواهر النفيسة لأنه لا بد فيها من التعرض للحجم والوزن والشكل والصفاء واجتماع هذه الأمور نادر
وخرج باللآليء الكبار وهي ما تطلب للزينة الصغار وهي ما تطلب للتداوي وضبطها الجويني بسدس دينار أي تقريبا كما قالاه فإنه يصح كما مر ولا يصح في العقيق لشدة اختلافه كما قاله الماوردي بخلاف البلور فإنه لا يختلف ومعياره الوزن
( وجارية وأختها ) أو خالتها أو عمتها ( أو ولدها ) أو شاة وسخلها لأن اجتماعهما بالصفات المشروطة فيهما نادر
فإن قيل سيأتي أنه لو شرط كون الرقيق كاتبا أو الجارية ماشطة فإنه يندر ذلك مع اجتماع الصفات ومع ذلك يصح
أجيب بأن ذلك وصف يسهل تحصيله بالإكتساب بخلاف البنوة والأخوة وهذا الجواب لا يأتي في السلم الحال لأنه يجب تسليمه في الحال فلا يتمكن مع ذلك من التأخير للتعليم
تنبيه إطلاق المصنف المنع يقتضي أنه لا فرق في الأمة بين الزنجية وغيرها وهو كذلك وإن قيده الإمام بمن تكثر صفاتها بخلاف الزنجية وجرى عليه الغزالي
فرع ( يصح ) السلم ( في الحيوان ) لأنه ثبت في الذمة قرضا في خبر مسلم ففيه أنه صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا فقيس على القرض السلم وعلى البكر غيره من سائر الحيوان
وروى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم أمر عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أن يأخذ بعيرا ببعيرين إلى أجل وهذا سلم لا فرض لما فيه من الفضل والأجل
وحديث النهي عن السلف في الحيوان قال ابن السمعاني في الاصطلام غير ثابت وإن خرجه الحاكم
( فيشترط ) في السلم ( في الرقيق ذكر نوعه كتركي ) ورومي وحبشي لاختلاف الغرض بذلك وإن اختلف صنف النوع وجب ذكره كخطابي أو رومي
( و ) ذكر ( لونه ) إن اختلف ( كأبيض ) وأسود
( ويصف ) سواده بصفاء أو كدورة و ( بياضه بسمرة أو شقرة ) فإن لم يختلف لون الصنف كزنجي لم يجب ذكره
( و ) ذكر ( ذكورته وأنوثته ) أي أحدهما فلا يصح في الخنثى
( وسنه ) كأبن عشر سنين أو محتلم كذا قالاه
قال الأذرعي والظاهر أن المراد به أول عام الاحتلام أو وقته وإلا فابن عشرين سنة محتلم
ويعتمد قول الرقيق في الاحتلام وفي السن إن كان بالغا وإلا فقول سيده إن علمه وإلا فقول النخاسين أي الدلالين بظنونهم
( وقده ) أي قامته ( طولا وقصرا ) أو ربعة فيذكر أحدا من ذلك لاختلاف الغرض بها
( وكله ) أي الوصف والسن والقد ( على التقريب ) حتى لو شرط كونه ابن عشر مثلا بلا زيادة ولا نقص لم يصح لندرته
تنبيه لم يذكر في المحرر التقريب إلا بالنسبة إلى السن وكذا هو في الشرحين والروضة
قال ابن النقيب وما ذكره المصنف حسن إن ساعده عليه نقل
وقال الأذرعي وما اقتضته عبارته من أن كل ذلك على التقريب لم
____________________
(2/110)
أره لغيره والظاهر أن الأمر كما قال وإنما خصوا السن بذلك لئلا يظن أن المراد حقيقة التجديد فغيره أولى بأن يكون على التقريب لكن إنما يظهر ذلك في اللون والقد لا في النوع والذكورة والأنوثة فلا يقال فيها على التقريب ففي العبارة قلاقة اه
ولذلك حملت عبارته على المراد لأن هذا معلوم أنه لا يدخله التقريب
وكلام المصنف قد يوهم عدم اشتراط الثيوبة أو البكارة والأصح الاشتراط
( ولا يشترط ذكر الكحل ) بفتح الكاف والحاء وهو سواد يعلو جفون العين كالكحل من غير اكتحال
( و ) لا ( السمن ) في الأمة ( ونحوهما ) كالدعج وهو شدة سواد العين مع سعتها وتكلثم الوجه وهو استدارته وثقل الأرداف ودقة الخصر والملاحة
( في الأصح ) لسامح الناس بإهمالها
والثاني يشترط لأنها مقصودة لا تؤدي إلى عزة الوجود
وتختلف القيمة بسببها وينزل في الملاحة على أقل درجاتها ومع ظهور هذا وقوته المعتمد الأول
وسن ذكر مفلج الأسنان أو غيره وجعد الشعر أو سبطه وصفة الحاجبين لا سائر الأوصاف التي تؤدي إلى عزة الوجود كأن يصف كل عضو على حياله بأوصافه المقصودة وإن تفاوت به الغرض والقيمة لأن ذلك يورث العزة
ولو شرط كون الرقيق يهوديا أو كاتبا أو مزوجا صح بخلاف كونه شاعرا لأن الشعر طبع لا يمكن تعلمه فيعز وجوده بالأوصاف المذكورة وبخلاف خفة الروح وعذوبة الكلام وحسن الخلق للجهالة
ولو شرط كونه زانيا أو سارقا أو قاذفا صح لا كونها مغنية أو عوادة ونحو ذلك
وفرق بأنها صناعة محرمة وتلك أمور تحدث كالعمى والعور قال الرافعي وهذا فرق لا يقبله ذهنك وقال الزركشي الفرق صحيح إذ حاصله أن الغناء والضرب بالعود لا يحصل إلا بالتعليم وهو محظور وما أدى إلى المحظور محظور بخلاف الزنا والسرقة ونحوهما فإنها عيوب تحدث من غير تعلم
وفرق بوجه الحر وهو أن الغناء ونحوه لا بد فيه مع التعلم من الطبع القابل لذلك وهو غير مكتسب فلم يصح
وهذا أولى إذ يعتبر على الأول أن يكون الغناء محظورا بآلة محرمة بخلافه على هذا مع أن التحقيق أن الغناء ليس محرما مطلقا وإنما المحرم إذا كان بآلة في الهيئة الاجتماعية
ولو أسلم جارية صغيرة في كبيرة صح كإسلام صغير الإبل في كبيرها فإن كبرت بكسر الباء أجزأت عن المسلم فيه وإن وطئها كوطء الثيب وردها بالعيب
( و ) يشترط ( في الإبل ) والبقر والغنم ( والخيل والبغال والحمير الذكورة والأنوثة والسن واللون والنوع ) لاختلاف الغرض والقيمة بذلك فيقول في الإبل بخاتي أو عراب أو هن نتاج بني فلان أو بلد بني فلان
وفي بيان المصنف المختلف أرحبية أو مهرية لاختلاف الغرض بذلك
وفي الخيل عربي أو تركي أو من خيل بني فلان لطائفة كثيرة
قال الجرجاني وينسب البغال والحمير إلى بلد فيقول مصري أو رومي وكذا الغنم فيقول تركي أو كردي
ولو اختلف صنف النوع فعلى ما سبق في الرقيق
واستثنى الماوردي من اللون الأبلق فلا يصح السلم فيه لعدم انضباطه ولا في الحيوان الحامل من أمة أو غيرها لأنه لا يمكن وصف ما في البطن
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنه لا يشترط ذكر القدر وهو كذلك فقد نقل الرافعي اتفاق الأصحاب عليه وقال الماوردي ليس للإخلال به وجه
أجيب بأن له وجها يعرف مما وجه به عدم اشتراط الدعج ونحوه
ويندب في غير الإبل ذكر ألوانه المخالفة لمعظم لونه كالأغر والمحجل واللطيم بفتح اللام وهو من الخيل ما سالت غرته في أحد شقي وجهه قال الجوهري
( و ) يشترط ( في الطير النوع والصغر وكبر الجثة ) أي أحدهما والسن إن عرف ويرجع فيه للبائع كما في الرقيق والذكورة أو الأنوثة إن أمكن التمييز وتعلق به غرض
فرع قال الأذرعي الظاهر أنه لا يجوز السلم في النحل وإن جوزنا بيعه لأنه لا يمكن حصره بعدد ولا وزن ولا كيل وأنه يجوز السلم في أوزة وفراخها ودجاجة وفراخها إذا سمي عددها
وما قام في هذه كما قال شيخنا مردود إذ هي داخلة في قولهم حكم البهيمة وولدها حكم الجارية وولدها
( و ) يشترط ( في اللحم لحم بقر ) عراب أو
____________________
(2/111)
جواميس ( أو ضأن أو معز ذكر خصي رضيع معلوف أو ضدها ) أي ضد ما ذكر والرضيع والفطيم من الصغير
أما الكبير فمنه الجذع والثني فيذكر أحدهما
ولا يكفي في المعلوفة العلف مرة أو مرات بل لا بد أن ينتهي إلى مبلغ يؤثر في اللحم كما قاله الإمام وأقراه
وظاهر ذلك أنه لا يجب قبول الراعية وإن كانت في غاية السمن وهو كذلك وإن قال في المطلب الظاهر وجوب قبولها قيل لأن الراعية بسمنها أطيب من المعلوفة لأن الراعية تتردد في المرعى والمعلوفة مقيمة فيكون سمنها أغث
ولا فرق في صحة السلم في اللحم بين جديده وقديده ولو مملحا وإن كان عليه عين الملح لأنه من مصلحته
ويصح السلم في الشحم والكبد والألية والطحال ونحو ذلك
ويذكر جنس حيوانها ونوعه وصفته إن اختلف به غرض وفي السمك والجراد حيا وميتا حيث عم ويذكر في الحي العد وفي الميت الوزن
ويبين كون اللحم ( من فخذ ) بإعجام الذال ( أو كتف أو جنب ) أو غيره من سمين أو هزيل لاختلاف الغرض بذلك
وكل ما قرب من الماء والمرعى كان أطيب فلحم الرقبة أطيب لقربه ولحم الفخذ أدون لبعده
( ويقبل عظمه على العادة ) عند الإطلاق لأنه كالنوى من التمر فإن شرط نزعه جاز ولم يلزمه قبوله
ولا يلزمه قبول الرأس والرجل من الطير ولا الذنب الذي لا لحم عليه من السمك ومقتضى كلام الروضة وأصله أنه يلزمه قبول رأس السمك لكن نص في البويطي على عدم لزومه
ويلزمه قبول جلد يؤكل عادة مع اللحم كجلد الخروف والجدي الصغيرين والطير والسمك قاله الماوردي
ولا مدخل للخصاء والعلف وضدهما في لحم الصيد
ولا بد من ذكر ما يصاد به من أحبولة أو سهم أو جارحة أو كلب أو فهد فإن صيد الكلب أطيب لطيب نكهته
( و ) يشترط ( في الثياب الجنس ) كقطن أو كتان والنوع والبلد الذي ينسج فيه إن اختلف به الغرض وقد يغني ذكر النوع عنه وعن الجنس
( والطول والعرض والغلظ والدقة ) بالدال المهملة هما بالنسبة إلى الغزل
( والصفاقة والرقة ) بالراء هما بالنسبة إلى النسج
والأولى انضمام بعض الخيوط إلى بعض مأخوذة من الصفق وهو الضرب والثانية عدم ذلك
وقد يستعمل الدقيق موضع الرقيق وبالعكس
( والنعومة والخشونة ) لاختلاف الغرض بذلك والمراد ذكر أحد كل متقابلين بعد الأولين معهما
تنبيه سكت الشيخان تبعا للجمهور عن ذكر اللون وذكر في البسيط اشتراطه في الثياب قال الأذرعي وهو متعين في بعض الثياب كالحرير والقز والوبر وكذا القطن ببعض البلاد منه أبيض ومنه أشقر خلقة وهو عزيز وتختلف الأغراض والقيم بذلك اه
وجوابه ما مر في الدعج ونحوه
( ومطلقه ) أي الثوب عن القصر وعدمه ( يحمل على الخام ) دون المقصور لأن القصر صفة زائدة قال الشيخ أبو حامد فإن أحضر المقصور كان أولى وقضيته أنه يجب قبوله
قال السبكي وغيره إلا أن يختلف الغرض به فلا يجب قبوله وهذا أوجه
( ويجوز في المقصور ) لأن القصر وصف مقصود مضبوط ولا يجوز في الملبوس لأنه لا ينضبط
ويجوز في القمص والسراويل ونحوهما إذا كان ذلك جديدا ولو مغسولا إن ضبطه طولا وعرضا وسعة وضيقا
( و ) يجوز في ( هما صبغ غزله قبل النسج كالبرود ) إذا بين ما صبغ به وكونه في الشتاء أو الصيف واللون وبلد الصبغ كما قاله الماوردي
( والأقيس صحته في المصبوغ بعده ) أي النسج كما في الغزل المصبوغ ( قلت الأصح منعه ) لأن الصبغ بعده يسد الفرج فلا تظهر معه الصفاقة بخلاف ما قبله
( وبه قطع الجمهور ) وهو المنصوص في البويطي ( والله أعلم ) وفرق في الأمر بينه وبين ما صبغ غزله ثم نسج بأن الغزل إذا صبغ ثم نسج يكون السلم في الثوب وإذا صبغ بعد النسج فكأنه أسلم الثوب
____________________
(2/112)
والصبغ معا والصبغ مجهول
فروع يصح السلم في البقول كالكراث والبصل والثوم والفجل والسلق والنعنع والهندبا وزنا فيذكر جنسها ونوعها ولونها وكبرها وصغرها وبلدها
ولا يصح في السلجم والجزر إلا بعد قطع الورق لأن ورقهما غير مقصود
ويصح في الأشعار والأصواف والأوبار فيذكر نوع أصله وذكورته أو أنوثته لأن صوف الإناث أنعم واستغنوا بذلك عن ذكر اللين والخشونة وبلده واللون والوقت كخريفي أو ربيعي والطول أو القصر والوزن
ولا يقبل إلا منقى من بعر ونحوه كشوك ويجوز شرط غسله ويصح في القطن فيذكر فيه أو في محلوجه أو غزله مع نوعه البلد واللون وكثرة لحمه وقلته ونعومته أو خشونته ورقة الغزل أو غلظه وكونه جديدا أو عتيقا إن اختلف به الغرض ويأتي ذلك في نحو الصوف كما ذكره ابن كج
ومطلق القطن يحمل على الجاف وعلى ما فيه الحب ويصح في حبه لا في القطن في جوزه ولو بعد الشق لاستتار المقصود بما لا مصلحة فيه بخلاف الجوز واللوز كما مر
قال الماوردي ولا يجوز السلم في الكتان على خشبه ويجوز بعد الدق أي وبعد النفض فلا يصح قبل ذلك أو المراد بالدق النفض فيذكر بلده ولونه وطوله أو قصره ونعومته أو خشونته ودقته أو غلظه وعتقه أو حداثته إن اختلف الغرض بذلك
ولا في القز وفيه دوده حيا أو ميتا لأنه يمنع معرفة وزن القز أما بعد خروجه منه فيجوز
ويصح في أنواع العطر العامة الوجود كالمسك والعنبر والكافور والعود والزعفران لانضباطها فيذكر الوصف من لون ونحوه والوزن والنوع
( و ) يشترط ( في التمر ) أو الزبيب أن يذكر ( لونه ) كأبيض أو أحمر ( ونوعه ) كمعقلي أو برني ( وبلده ) كمصري أو بغدادي ( وصغر الحبات وكبرها ) أي أحدهما لأن صغير الحب أقوى وأشد
( وعتقه ) بكسر العين كما قاله الإسنوي وبضمها كما نقله ابن الملقن عن ضبط المصنف بخطه
( وحداثته ) أي أحدهما لاختلاف الغرض بذلك
ويستحب أن يبين عتق عام أو عامين أو نحو ذلك فإن أطلق فالنص الجواز وينزل على مسمى العتق ويبين كما قال الماوردي أن الجفاف على النخل أو بعد الجذاذ فإن الأول أبقى والثاني أصفى
ويستثنى من جواز السلم في التمر التمر المكنوز في القواصر وهو المسمى بالعجوة فإنه لا يصح السلم فيه كما نقله الماوردي عن الأصحاب لأنه لا يمكن استيفاء صفته المشروطة بعد كنازه قال الدميري ولأنه لا يبقى على صفة واحدة غالبا
ولو أسلم في تمر منزوع النوى ففي صحته وجهان في الحاوي يظهر منهما الصحة
والرطب كالتمر فيما ذكر ومعلوم أنه لا جفاف فيه
( والحنطة وسائر الحبوب كالتمر ) في الشروط المذكورة فيبين نوعها كالشامي والمصري والصعيدي والبحيري ولونه فيقول أبيض أو أحمر أو أسمر
قال السبكي وعادة الناس اليوم لا يذكرون اللون ولا صغر الحبات وكبرها وهي عادة فاسدة مخالفة لنص الشافعي والأصحاب فينبغي أن ينبه عليها
فروع يصح السلم في الأدقة فيذكر فيها ما مر في الحب إلا مقداره ويذكر فيها أيضا أنه يطحن برحى الدواب أو الماء أو غيره وخشونة الطحن أو نعومته
ويصح في النخالة كما قاله ابن الصباغ إن انضبطت بالكيل ولم يكثر تفاوتها فيه بالإنكباس وضده
ويصح في التبن
قال الروياني وفي جوازه في السويق والنشاء وجهان المذهب الجواز كالدقيق
ويجوز السلم في قصب السكر بالوزن أي في قشره الأسفل ويشترط قطع أعلاه الذي لا حلاوة فيه كما قاله الشافعي وقال المزني وقطع مجامع عروقه من أسفله
ولا يصح السلم في العقار لأنه إن عين مكانه فالمعين لا يثبت في الذمة وإلا فمجهول
( و ) يشترط ( في العسل ) أي عسل النحل وهو المراد عند الإطلاق بأن يذكر زمانه ومكانه ولونه فيقول ( جبلي أو بلدي ) لاختلاف الغرض بذلك لأن الجبلي أطيب
( صيفي أو خريفي أبيض أو أصفر ) لتفاوت الغرض بذلك ويبين مرعاه كما نص عليه في الأم قال الماوردي فإن النحل يقع على الكمون والصعتر فيكون دواء ويقع على أنوار الفاكهة وغيرها فيكون داء
قال الأذرعي وكأن هذا في موضع يتصور فيه رعي هذا بمفرده وهذا
____________________
(2/113)
بمفرده وفيه بعد
( ولا يشترط العتق والحداثة ) وإن شرطه الماوردي لأن الغرض لا يختلف فيه بذلك لأن العسل لا يتغير وإن قال بعضهم في عدم تغيره نظر بدليل أن كل شيء يحفظ به
( ولا يصح ) السلم ( في المطبوخ والمشوي ) أي الناضج بالنار لأن تأثير النار فيهما لا ينضبط
ويصح في كل ما دخلته نار مضبوطة كالصابون والسكر والفانيذ واللبأ والدبس كما صححه المصنف في تصحيح التنبيه في كل ما دخلته نار لطيفة ومثل ببعض المذكورات وإن خالف في ذلك ابن المقري في روضه تبعا للإسنوي
ويؤيد الأول صحة السلم في الآجر المطبوخ وعليه يفرق بين بابي الربا والسلم بضيق باب الربا
فإن قيل قول المصنف كغيره إن نار ما ذكر لطيفة خلاف المشاهد وهو كلام من لا عهد له بعمل السكر
أجيب بأن مراده باللطيفة المضبوطة كما عبرت به
وصرح الإمام ببيع الماء المغلي بمثله فيصح السلم فيه وفي ماء الورد لأن ناره لطيفة كما جزم به الماوردي وغيره وفي العسل المصفى بالنار لأن تصفيته بها لا تؤثر لأن ناره لطيفة للتمييز وإن أفهم قوله ( ولا يضر تأثير الشمس ) في العسل وغيره خلافه لعدم اختلافه فيجوز السلم في المصفى بهما
ويصح في الشمع والقند والخزف والفحم لما مر
قال الأذرعي والظاهر جوازه في المسموط لأن النار لا تعمل فيه عملا له تأثير
( والأظهر منعه ) أي السلم ( في رؤوس الحيوان ) لاشتمالها على أبعاض مختلفة من المناخر والمشافر وغيرها ويتعذر ضبطها
والثاني الجواز بشرط أن تكون منقاة من الشعر والصوف موزونة قياسا على اللحم بعظمه
وفرق الأول بأن عظمها أكثر من لحمها عكس سائر الأعضاء
أما إذا لم تنق من الشعر ونحوه فلا يصح السلم فيها جزما
ولا يحتاج المصنف إلى تقييدها بكونها نيئة لأن ذلك يخرج بقوله ولا يصح السلم في المطبوخ إلخ
ولا يصح في الأكارع وإن كانت نيئة منقاة لما فيها من الأبعاض المختلفة ويقال فيها كوارع وأكرع جمع كراع قال المصنف وهو من الدواب ما دون كعوبها والجوهري مستدق الساق والشائع إطلاقه عليهما
( ولا يصح ) السلم ( في مختلف ) أجزائه ( كبرمة معمولة ) وهي القدر ( وجلد ) على هيئته ( و ) معمول نحو ( كوز وطس ) بفتح الطاء ويقال له طشت ولم يذكره في المحرر
( وقمقم ومنارة ) بفتح الميم ( وطنجير ) وهو بكسر الطاء الدست ويجوز فتحها كما قاله المصنف وإن قال الجوهري فتحها من لحن الناس
( ونحوها ) كالأباريق والحباب بكسر المهملة وبالموحدة جمع حب بضمها وهي الخابية
والأسطال الضيقة الرأس لندرة اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة ولتعذر ضبطها إما لاختلاف الأجزاء في الدقة والغلظ كالجلد أو لمخالفة أعلاها أو وسطها لأسفلها كالأمثلة المذكورة
أما قطع الجلد فيجوز السلم فيها وزنا لانضباطها لأن جملتها مقصودة وما فيها من التفاوت يجعل عفوا
ولا يصح في الرق لما ذكر
تنبيه تقييده البرمة بالمعمولة للاحتراز عن المصبوبة في القالب كما سيأتي فيكون ذلك قيدا في كل ما بعده إلا الجلد كما قدرته في كلامه فكان ينبغي تقديمه وعطف هذه الأشياء عليه أو عكسه لمغايرته لها
قال الأشموني والمذهب جواز السلم في الأواني المتخدة من الفخار ولعله محمول على غير ما مر
( ويصح ) السلم ( في الأسطال المربعة ) لعدم اختلافها والمدورة كالمربعة كما صرح به سليم في التقريب وقال الأذرعي إنه الصواب واقتضاه كلام الشيخ أبي حامد
ويصح في كل ما لا يختلف من ذلك مضروبا كان أو مصبوبا كما صرح به الماوردي
ولو شرط كون السطل من نحاس ورصاص جميعا لم يصح نص عليه في الأم قال لأنهما لا يخلطان فيعرف قدر كل واحد منهما
( وفيما صب منها ) أي المذكورات كما اقتضاه كلام الشرح والروضة أي من أصلها المذاب ( في قالب ) بفتح اللام أفصح من كسرها كالهاون بفتح الواو مربعا كان أم لا لأن ذلك لا يختلف
فروع يصح السلم في المنافع كتعليم القرآن لأنها تثبت في الذمة كالأعيان
ويصح في الذهب والفضة ولو غير
____________________
(2/114)
مضروبين كغيرهما لا إسلام أحدهما في الآخر ولو حالا وقبضا في المجلس لتضاد أحكام السلم والصرف لأن السلم يقتضي استحقاق قبض أحد العوضين في المجلس دون الآخر والصرف يقتضي استحقاق قبضهما فيه
ويؤخذ من ذلك أن سائر المطعومات كذلك
وهذا إذا لم ينويا بالسلم عقد الصرف والأصح إذا كان حالا وتقابضا في المجلس لأن ما كان صريحا في بابه ولم يجد نفاذا في موضوعه يكون كناية في غيره
ويصح في الورق ويبين فيه العدد والنوع والطول والعرض واللون والدقة أو الغلظ والصفة أو الزمان كصيفي أو شتوي
ويصح في الحديد والرصاص والنحاس ويشترط ذكر جنسها ونوعها وذكورة الحديد وأنوثته قال الماوردي وغيره والذكر الفولاذ والأنثى اللين الذي يتخذ منه الأواني ونحوها
( ولا يشترط ) فيما يسلم فيه ( ذكر الجودة والرداءة في الأصح ) لما ذكره بقوله ( ويحمل مطلقه ) منهما ( على الجيد ) للعرف
والثاني يشترط لاختلاف الغرض بهما فيفضي تركهما إلى النزاع
ورد بالحمل المذكور
وعلى كلا القولين ينزل على أقل الدرجات فلو شرط الأجود لم يصح على الأصح لأن أقصاه غير معلوم وإن شرط الرداءة فإن كانت رداءة النوع صح على الأصح لانضباط ذلك أو رداءة العبب لم يصح لأنها لا تنضبط إذ ما من رديء إلا ويوجد رديء آخر خير منه وإن شرط الأردأ صح على الأصح لأن طلب أردأ من المحضرعناد
( ويشترط ) مع ما مر من اشتراط كون الأوصاف معروفة في نفسها ( معرفة العاقدين الصفات ) فلو جهلاها أو أحدهما لم يصح كالبيع ( وكذا غيرهما ) أي معرفة عدلين غير العاقدين ( في الأصح ) ليرجع إليهما عند تنازع العاقدين
والثاني لا يشترط معرفة غيرهما
وعلى الأول يخالف ما تقدم في الأجل من الإكتفاء بمعرفة العاقدين أو معرفة عدلين في التأخيل بنحو شهور الروم وتقدم الفرق ثمت بينهما
فصل في بيان أداء غير المسلم فيه عنه ووقت أداء المسلم فيه ومكانه ( لا يصح أن يستبدل عن المسلم فيه غير جنسه ) كالبر عن الشعير ( ونوعه ) كالتمر البرني عن المعقلي لأن الأول اعتياض عن المسلم فيه وتقدم أنه ممتنع مع تعليله والثاني يشبه الإعتياض عنه
تنبيه الحيلة في الإعتياض أن يفسخا السلم ثم يعتاض عن الثمن الذي في ذمة المسلم إليه
( وقيل يجوز في نوعه ) لأن الجنس يجمعهما فكان كما لو اتحد النوع واختلفت الصفة ولهذا تحرم التفاضل بينهما ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة
( و ) لكن ( لا يجب ) قبوله لأنه دون حقه
( ويجوز ) إعطاء ( أجود ) من المشروط صفة ( ويجب قبوله في الأصح ) لأن الإمتناع منه عناد ولإشعار بذله بأنه لم يجد سبيلا إلى براءة ذمة بغيره وذلك يهون أمر المنة التي يعلل بها الثاني
والثاني لا يجب لما فيه من المنة كما لو أسلم إليه في خشبة خمسة أذرع فجاءتها ستة فإنه لا يجب عليه قبولها
وفرق الأول بأن الجودة والرداءة لا يمكن فصلها لأنها تابعة بخلاف زيادة الخشبة
نعم إن كان على المسلم ضرر في قبوله كأن أسلم إليه في عبد أو أمة فجاءه بفرعه أو أصله أو زوجته أو زوجها لم يجب قبوله وإن جاءه بأخيه أو عمه فوجهان وجه المنع وهو الظاهر أن من الحكام من يحكم بعتقه عليه ذكره الماوردي
تنبيه تفاوت الرطب والتمر تفاوت نوع لا تفاوت وصف وكذا ما سقي بماء السماء وبماء الأرض والعبد الهندي والعبد التركي فلا يجب عليه قبول الآخر
ولا يجوز ولا يصح أن يقبض ما أسلم فيه كيلا بالوزن ولا عكسه ولا بكيل أو وزن غير الذي وقع عليه العقد كأن باع صاعا فاكتاله بالمد
ولا يزلزل المكيال ولا يضع الكف على جوانبه بل
____________________
(2/115)
يملؤه ويصب على رأسه بقدر ما يحمل
ويسلم التمر جافا ولو في أول جفافه لأنه قبل جفافه لا يسمى تمرا ولا يجزيء ما تناهى جفافه حتى لم يبق فيه نداوة لأن ذلك نقص كما ذكره ابن الرفعة و السبكي وغيرهما
ويسلم الرطب غير مشدخ وهو البسر يعالج بالغمر ونحوه حتى يتشدخ أي يترطب وهو المسمى بالمعمول في بلاد مصر
وتسلم الحنطة ونحوها نقية من التراب والمدر والشعير ونحو ذلك وقليل التراب ونحوه يحتمل في الكيل لأنه لا يظهر فيه لا في الوزن لظهوره فيه ومع احتماله في الكيل إن كان لإخراج التراب ونحوه مؤنة لم يلزمه قبوله كما حكاه في الروضة وأقره
( ولو أحضره ) أي المسلم فيه المؤجل ( قبل محله ) بكسر الحاء أي وقت حلوله
( فامتنع المسلم من قبوله لغرض صحيح بأن كان حيوانا ) يحتاج لمؤنة لها وقع كما قيده في المحرر بذلك فلو قصرت المدة لم يكن له الامتناع
( أو وقت غارة ) والأفصح إغارة كما استعمله المصنف في باب الهدنة
أو كان تمرا أو لحما يريد أكله عند المحل طريا أو كان مما يحتاج إلى مكان له مؤنة كالحنطة الكثيرة
( لم يجبر ) على قبوله لتضرره وإن كان للمؤدي غرض صحيح في التعجيل
تنبيه لو عبر بقوله ( كأن ) ليشمل ما ذكرته لكان أولى من التعبير ( بأن ) لأنه يوهم الحصر فيما ذكره وليس مرادا ولكن يكثر في كلام الشيخين الإتيان ( بأن ) بدل كأن ولكنه خلاف المصطلح عليه
وقوله أو وقت غارة تقديره أو لوقت وقت غارة فلا يصح عطفه على خبر كان
( وإلا ) بأن لم يكن للمسلم غرض صحيح في الامتناع ( فإن كان للمؤدي غرض صحيح ) في التعجيل ( كفك رهن ) أو براءة ضامن ( أجبر ) المسلم على القبول لأن امتناعه حينئذ تعنت
( وكذا ) يجبر عليه لخوف انقطاع الجنس عند الحلول أو ( لمجرد غرض البراءة ) أي براءة ذمة المسلم إليه ( في الأظهر ) وكذا لا لغرض كما اقتضاه كلام الروض لأن الأجل حق المدين وقد أسقطه فامتناعه من قبوله محض تعنت
فإن قيل قد ذكروا في باب المناهي أن المدين إذا أسقط الأجل لا يسقط حتى لا يتمكن المستحق من مطالبته
أجيب بأن الإسقاط هنا وسيلة إلى الطلب المؤدي للبراءة والدفع محصل لها نفسها فكان أقوى مع أن الأجل لم يسقط في الموضعين
والثاني لا يجبر للمنة
وعلم مما تقرر أنه لو تعارض غرضاهما فالمرعي جانب المستحق على الأصح كما أفهمه كلام المصنف فإنه لم ينظر إلى غرض المؤدي إلا عند عدم غرض المستحق ويجبر الدائن على قبول كل دين حال إن كان غرض المؤدي غير البراءة وعليه أو على الإبراء إن كان غرضه البراءة
قال السبكي هذا إذا أحضره من هو عليه فإن تبرع به غيره فإن كان عن حي لم يجب القبول للمنة وإلا فإن كان المتبرع الوارث وجب القبول لأنه يخلص التركة لنفسه أو غيره ففيه تردد جواب القاضي اه
والظاهر عدم الوجوب وحيث ثبت الإجبار وأصر على الامتناع قبضه الحاكم له
تنبيه لو أحضر المسلم فيه الحال في مكان التسليم لغرض غير البراءة أجبر المسلم على قبوله أو لغرضها أجبر على القبول أو الإبراء
وقد يقال بالتخيير في المؤجل والحال المحضر في غير مكان التسليم أيضا وجرى عليه صاحب الأنوار في الثاني
والذي يقتضيه كلام الروضة وأصلها وهو الأوجه الإجبار فيهما على القبول فقط والفرق أن المسلم في مسألتنا استحق التسليم فيها لوجود زمانه ومكانه فامتناعه عنه محض عناد فضيق عليه بطلب الإبراء بخلاف ذينك
( ولو وجد المسلم المسلم إليه بعد المحل ) بكسر الحاء
( في غير محل التسليم ) بفتحها وهو مكانه المتعين بالعقد أو الشرط وطالبه بالمسلم فيه ( لم يلزمه ) أي المسلم إليه ( الأداء إن كان لنقله ) من محل التسليم إلى محل الظفر ( مؤنة ) ولم يتحملها المسلم عن المسلم إليه لعدم التزامه لها ولتضرره بذلك بخلاف ما لا مؤنة لنقله كدراهم لا مؤنة لنقلها أو تحملها المسلم فإنه يلزمه الأداء إذ لا ضرر عليه حينئذ
تنبيه أشار المصنف بنفي الأداء خاصة إلا أن له الدعوى عليه وإلزامه بالسفر معه إلى مكان التسليم أو بالتوكيل
____________________
(2/116)
ولا يحبس
( ولا يطالبه بقيمته للحيلولة على الصحيح ) لامتناع الإعتياض عنه كما مر لكن له الفسخ واسترداد رأس المال كما لو انقطع المسلم فيه
( وإن ) أحضره المسلم إليه في غير محل التسليم ف ( امتنع ) المسلم ( من قبوله هناك لم يجبر ) على قبوله ( إن كان لنقله ) إلى محل التسليم ( مؤنة أو كان الموضع ) المحضر فيه أو الطريق ( مخوفا ) لتضرره بذلك فإن رضي بأخذه لم تجب له مؤنة النقل بل لو بد لها لم يجز له قبولها لأنه كالإعتياض
( وإلا ) بأن لم يكن لنقله مؤنة ولا كان الموضع أو الطريق مخوفا ( فالأصح إجباره ) على قبوله لتحصل له براءة الذمة
والخلاف مبني على القولين السابقين في التعجيل قبل الحلول لغرض البراءة وقد مر تعليلهما
فصل في القرض وهو بفتح القاف أشهر من كسرها ومعناه القطع ويطلق اسما بمعنى الشيء المقرض ومصدرا بمعنى الإقراض
( الإقراض ) وهو تمليك الشيء على أن يرد بدله
وسمي بذلك لأن المقرض يقطع للمتقرض قطعة من ماله وتسميه أهل الحجاز سلفا
( مندوب ) إليه بقوله تعالى { وافعلوا الخير } وقوله صلى الله عليه وسلم من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه رواه مسلم
وفي صحيح ابن حبان عن ابن مسعود من أقرض مسلما درهما مرتين كان له كأجر صدقة مرة
فإن قيل يعارض هذا ما روى ابن ماجة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أرأيت مكتوبا على باب الجنة ليلة أسري بي الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل قد يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة
أجيب بأن الحديث الأول أصح لأن هذا تفرد به زيد بن خالد الشامي وهو ضعيف عند الأكثرين
وقال ابن عمر الصدقة إنما يكتب لك أجرها حين تتصدق بها وهذا يكتب لك أجره ما كان عند صاحبه
نعم قد يجب لعارض كالمضطر وقد يحرم كما إذا غلب على ظنه أنه يصرفه في معصية وقد يكره كما إذا غلب على ظنه أنه يصرفه في مكروه
وفي الروضة في باب الشهادات أنه إنما يجوز الإقتراض لمن علم من نفسه القدرة على الوفاء إلا أن يعلم المقرض أنه عاجز عن الوفاء
ولا يحل له أن يظهر الغنى ويخفي الفاقة عند القرض كما لا يجوز إخفاء الغنى وإظهار الفاقة عند أخذ الصدقة
تنبيه كان ينبغي للمصنف أن يقول مندوب إليه كما قدرته في كلامه وصرح به صاحب التنبيه وكذا في المحكم وغيره لكن المعروف جره باللام تقول ندبته لكذا فانتدب له ذكره الجوهري
أما المندوب فهو الشخص نفسه
وأركانه صيغة وعاقد ومعقود عليه كالبيع
وبدأ بالأول منها فقال ( وصيغته ) أي إيجابه ( أقرضتك أو أسلفتك ) هذا ( أو خذه بمثله أو ملكتكه على أن ترد بدله ) أو خذه واصرفه في حوائجك ورد بدله كما في أصل الروضة وأسقطه المصنف للاستغناء عن واصرفه في حوائجك
وتقدم في البيع أن خذه بكذا أو نحوه كناية فيه فيأتي مثله هنا
ولو اقتصر على ملكتك فهو هبة في الظاهر والقول في ذكر البدل فيما لو اختلفا فيه قول الآخذ بيمينه لأن الأصل عدم ذكره والصيغة ظاهرة فيما ادعاه وبهذا فارق ما لو اختلفا في كون العقد بيعا أو هبة حيث يحلف كل على نفي دعوى الآخر
( ويشترط قبوله ) أي الإقراض ( في الأصح ) كسائر المعاوضات
وشرط القبول الموافقة في المعنى كالبيع فلو قال أقرضتك ألفا فقبل خمسمائة أو بالعكس لم يصح وإن فرق بعضهم بأن المقرض متبرع فلا يضر قبول بعض المسمى أو الزائد عليه نعم القرض الحكمي كالاتفاق على اللقيط المحتاج وإطعام الجائع وكسوة العاري لا يفتقر إلى إيجاب وقبول
والثاني لا يشترط لأن القرض مكرمة وإباحة إتلاف بشرط الضمان وظاهر أن الالتماس من المقرض ك اقترض مني يقوم مقام الإيجاب ومن المقترض
____________________
(2/117)
كأقرضني يقوم مقام القبول كما في البيع
تنبيه ظاهر كلامه أن الإيجاب لا خلاف فيه وليس مرادا فقد قال القاضي و المتولي الإيجاب والقبول ليسا بشرط بل إذا قال أقرضني كذا فأعطاه إياه أو بعث إليه رسولا فبعث إليه المال صح القرض
قال الأذرعي والإجماع الفعلي عليه وهو الأقوى والمختار ومن اختار صحة البيع بالمعاطاة كالمصنف قياسه اختيار القرض بها وأولى بالصحة
قال الغزي وهو سهو لأن شرط المعاطاة بذل العوض والتزامه في الذمة وهو مفقود هنا
ثم شرع في الركن الثاني فقال ( و ) يشترط ( في المقرض ) بكسر الراء زيادة على ما مر في البيع ( أهلية التبرع ) فيما يقرضه لأن القرض فيه شائبة تبرع ولو كان معاوضة محضة لجاز للولي غير القاضي قرض مال موليه لغير ضرورة واللازم باطل
وأما القاضي فيجوز له من غير ضرورة وإن صحح السبكي منعه بشرط يسار المقترض وأمانته ويأخذ رهنا إن رأى ذلك وله أن يقرض من مال المفلس إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة إلى أن يجتمع المال كله كما نقل عن النص
تنبيه لم يتعرض المصنف كأصله لشرط المستقرض ولا يشترط فيه إلا أهلية المعاملة
ويفهم من كلام المصنف أن الأعمى يصح قرضه واقتراضه إلا أن قبضه لا يكفي
وأورد على المصنف المحجور عليه بسفه فإن تدبيره تبرع وكذا وصيته وتبرعه بمنفعة بدنه الخفيفة ولا يصح إقراضه فلو قال التبرع الناجز بالمال أو ما قدرته لخرج عن ذلك
وقد يجاب بأن الألف واللام أفادت العموم فكأنه قال أهلية جميع التبرعات
ثم شرع في الركن الثالث فقال ( ويجوز إقراض ما يسلم فيه ) لصحة ثبوته في الذمة ولأنه صلى الله عليه وسلم أقترض بكرا وقيس غيره عليه
وقضية كلامه صحة إقراض الدراهم والدنانير المغشوشة لصحة السلم فيها بناء على جواز المعاملة بها في الذمة وهو الراجح ولأنها مثلية ولا فرق في ذلك بين أن يعرف قدر الغش أو لا وإن قيده السبكي بما إذا عرف ومنعه الروياني مطلقا والمراد ما يسلم في نوعه وإلا فالمعين لا يسلم فيه
والمقرض لا فرق فيه بين أن يكون معينا أو في الذمة حتى إذا قال أقرضتك ألفا وقيل المقترض ثم تفرقا ثم سلم إليه ألفا صح إن لم يطل الفصل لأن الظاهر أنه دفع الألف عن القرض وإلا فلا يصح
وعلله في الروضة تبعا للمذهب فقال لأنه لا يمكن البناء مع طول الفصل
أما لو قال أقرضتك هذه الألف مثلا وتفرقا ثم سلمها إليه لم يضر وإن طال الفصل
( إلا الجارية التي تحل للمقترض ) فلا يجوز إقراضها له ولو غير مشتهاة ( في الأظهر ) لأنه قد يطؤها ويردها لأنه عقد جائز من الطرفين يثبت الرد والاسترداد فيصير في معنى إعارة الجواري للوطء وهو ممتنع
وخرج بذلك ما لو جعل رأس المال جارية يحل للمسلم إليه وطؤها وكان المسلم فيه جارية أيضا فإن له أن يردها عن المسلم فيه كما تقدم لأن العقد لازم من الجهتين
والثاني يجوز قياسا على ما لو وهب ولده جارية يحل له وطؤها مع جواز استرجاع الأب لها بعد وطء الولد
وأجاب الأول بأن عقد الهبة لازم من جهة المتملك وبأن عقد القرض مدلوله إعطاء شيء والرجوع فيه أو في بدله فكان كالإعارة بخلاف الهبة
واحترز بقوله تحل للمقترض عما لا تحل له لمحرمية أو تمجس أو نحوه فإنه يجوز أن يقرضها له
وقضية كلامهم جواز إقراض الملاعنة للملاعن إذ علة المنع خوف الوطء والرد وهي منتفية وإن قال الأذرعي الظاهر المنع لتحريم الخلوة وغيرها وأن الأمة التي لا تحل له في الحال كأخت الزوجة وعمتها وخالتها كذلك
قال الإسنوي وفيه نظر والمتجه المنع وكلام بعضهم يشعر به اه
وهو الظاهر
وفرق بين المجوسية ونحوها وبين هؤلاء بأنه يقدر على حل أخت زوجته وعمتها وخالتها بأن يطلق زوجته بخلاف حل المجوسية ونحوها وقضية الفرق أن المطلقة ثلاثا يحل قرضها مطلقا وأنه يمتنع أقراض الخنثى لامتناع السلم فيه وهو ظاهر
وما قيل من جواز إقراضه لأن المانع وهو كونه جارية لم يتحقق قال الزركشي خطأ
ويجوز إقراض الأمة للخنثى كما قاله المصنف في شرح مسلم وإن نظر فيه السبكي بأنه قد يصير واضحا فيطؤها ويردها وأنه يمتنع على الملتقط تملك الجارية الملتقطة التي تحل له وبه صرح الجرجاني
قال الأذرعي وقد يفرق بأن ظهور المالك بعيد اه
والفرق أظهر
قال في الروضة ولا يجوز إقراض المنافع لأنه لا يجوز السلم فيها
ويؤخذ
____________________
(2/118)
من تعليله أن محله في منافع العين المعينة أما التي في الذم فيجوز إقراضها لجواز السلم فيها ولا يجوز إقراض ماء القناة للجهل به
( وما لا يسلم فيه ) كالجارية وولدها والجواهر ونحوها ( لا يجوز إقراضه في الأصح ) لأن ما لا ينضبط أو يندر وجوده يتعذر أو يتعسر رد مثله
والثاني يجوز كالبيع
والخلاف مبني على أن الواجب في المتقوم المثل أو القيمة كما صرح به في المحرر إن قلنا بالأول وهو الأظهر لم يجز وإلا جاز واستثني قرض ذلك جواز من الخبز وزنا لإجماع أهل الأمصار على فعله في الأعصار بلا إنكار وإن صحح البغوي في التهذيب المنع وقيل يجوز عددا أيضا ورجحه الخوارزمي في الكافي
وصرح الماوردي بأنه لا يجوز إقراض العقار كما لا يجوز السلم فيه وما نقله ابن الرفعة عن الأصحاب واقتضاه كلام الشيخين في الشفعة جواز إقراض جزء من دار محمول كما قاله السبكي على ما إذا لم يزد الجزء على النصف فإن له حينئذ مثلا فيجوز إقراضه كغيره
ولا يصح قرض الروبة لاختلافها بالحموضة وهي بضم الراء خميرة من اللبن الحامض تلقى على الحليب ليروب
قال في الروضة وذكر في التتمة وجهين في إقراض الخمير الحامض أحدهما الجواز ورجحه بعض المتأخرين وهو الظاهر لاطراد العادة به خلافا لما جزم به في الأنوار من المنع
قال السبكي والعبرة بالوزن كالخبز
ولا يشترط في قرض الربوي القبض في المجلس وإلا لجاز في غيره شرط الأجل واللازم باطل
ويشترط العلم بقدر المقرض فلو أقرضه كفا من دراهم مثلا لم يصح نعم إن أقرضه على أن يستبين قدره ويرد بمثله فإنه يصح كما في الأنوار
ويجوز إقراض الموزون مكيلا وعكسه إن لم يتجاف المكيال كالسلم
( ويرد ) في القرض ( المثل في المثلي ) لأنه أقرب إلى حقه ولو في نقد بطل التعامل به
( و ) يرد ( في المتقوم المثل صورة ) لأنه صلى الله عليه وسلم اقترض بكرا ورد رباعيا وقال إن خياركم أحسنكم قضاء رواه مسلم ولأنه لو وجبت قيمته لافتقر إلى العلم بها
وينبغي كما قال ابن النقيب اعتبار ما فيه من المعاني كحرفة الرقيق وفراهة الدابة فإن لم يتأت اعتبر مع الصورة مراعاة القيمة
( وقيل القيمة ) كما لو أتلف متقوما وعليه فالمعتبر قيمته يوم القبض إن قلنا يملك بالقبض وبالأكثر من وقت القبض إلى التصرف إن قلنا يملك بالتصرف
والقول في الصفة أو القيمة عند الإختلاف فيهما قول المستقرض بيمينه لأنه غارم وأداء القرض في الصفة والزمان والمكان كالمسلم فيه ومعلوم أنه لا يكون إلا حالا
( ولو ظفر ) المقرض ( به ) أي المقترض ( في غير محل الإقراض وللنقل ) من محله إلى غيره ( مؤنة طالبه بقيمة بلد الإقراض ) لأنه محل التملك يوم المطالبة ولأنه وقت استحقاقها
وإنما جاز ذلك لجواز الإعتياض عنه بخلاف نظيره في السلم كما مر فعلم أنه لا يطالبه بمثله إذا لم يتحمل مؤنة حمله لما فيه من الكلفة وأنه يطالبه بحمل ما لا مؤنة لحمله وهو كذلك فالمانع من طلب المثل عند الشيخين وكثير مؤنة الحمل وعند جماعة منهم ابن الصباغ كون قيمة بلد المطالبة أكثر من قيمة بلد الإقراض
ولا خلاف في الحقيقة كما قال شيخي بين كلام الشيخين وغيرهما لأن من نظر إلى المؤنة ينظر إلى القيمة بطريق الأولى لأن المراد حصول الضرر وهو موجود في الحالين
وينقطع بأخذ القيمة حق المقرض لأنها للفيصولة لا للحيلولة فلو اجتمعا ببلد الإقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل ولا للمقترض استردادها
( ولا يجوز ) الإقراض في النقد وغيره ( بشرط ) جر نفع للمقرض كشرط ( رد صحيح عن مكسر أو ) رد ( زيادة ) أو رد جيد عن رديء ويفسد بذلك العقد على الصحيح لحديث كل قرض يجر منفعة فهو ربا وهو إن كان ضعيفا فقد روى البيهقي معناه عن جمع من الصحابة
والمعنى فيه أن موضوع العقد الإرفاق فإذا شرط فيه لنفسه حقا خرج عن موضوعه فمنع صحته
( ولو رد هكذا ) أي زائدا في القدر أو الصفة ( بلا شرط فحسن ) بل مستحب للحديث السابق إن خياركم أحسنكم قضاء ولا يكره للمقرض أخذه ولا أخذ هدية المستقرض بغير شرط قال الماوردي والتنزه عنه أولى قبل رد البدل
وأما ما رواه
____________________
(2/119)
البخاري وغيره مما يدل على الحرمة فبعضه شرط فيه أجل وبعضه محمول على اشتراط الهدية في العقد
وفي كراهة الإقراض ممن تعود رد الزيادة وجهان أوجههما الكراهة
( ولو شرط ) أو يرد ( مكسرا عن صحيح ) أو رديئا عن جيد ( أو أن يقرضه غيره ) أو شيئا آخر ( لغا الشرط ) أي لا يعتبر
( والأصح أنه لا يفسد العقد ) لأنه وعد بإحسان لا جر منفعة للمقرض بل للمقترض والعقد عقد إرفاق فكأنه زاد في الإرفاق
والثاني يفسد لمنافاته مقتضى العقد
فإن قيل هذا هو المصحح في نظيره من الرهن كما سيأتي فيحتاج إلى الفرق
أجيب بقوة داعي القرض لأنه سنة بخلاف الرهن
وأيضا وضع القرض على جر المنفعة إلى المستقر فكيف يفسد القرض باشتراطه
( ولو شرط أجلا فهو كشرط مكسر عن صحيح إن لم يكن للمقرض غرض ) لإرتفاق المستقرض بالأجل فعلى هذا يصح العقد ولا يلزم الأجل على الصحيح لأنه عقد يمتنع فيه التفاضل فامتنع فيه الأجل كالصرف لكن يندب الوفاء بالأجل لأنه وعد كما في تأجيل الدين الحال
قال ابن الرفعة وغير الأجل مما ذكر في معناه
نعم إن أوصى بذلك أو نذره لزم إنفاذ وصيته والوفاء بالنذر لكن هذا بتأجيل بل تأخير طلب مع حلول الدين ويظهر أثر هذا في الزكاة
( وإن كان ) للمقرض غرض في الأجل ( كزمن نهب ) والمستقرض مليء كما قيداه في الشرح والروضة ( فكشرط صحيح عن مكسر في الأصح ) لما فيه من جر المنفعة فيفسد العقد والثاني يصح ويلغو الشرط
( وله ) أي للمقرض ( شرط رهن وكفيل ) وإشهاد وإقرار به عند حاكم لأن ذلك توثقة للعقد لا زيادة فيه فله إذا لم يوف المقترض به الفسخ على قياس ما ذكر في اشتراطها في البيع وإن كان له الرجوع بلا شرط كما سيأتي لأنه يبقى رجوع بلا سبب
( ويملك القرض ) أي المقرض ( بالقبض ) وإن لم يتصرف فيه كالموهوب وأولى لأن للعوض مدخلا فيه ولأنه لو لم يملك به لامتنع عليه التصرف فيه
( وفي قول ) يملك ( بالتصرف ) المزيل للملك بمعنى أنه يتبين به الملك قبله
وفائدة الخلاف تظهر في المنفعة وفيما لو استقرض من يعتق عليه
( وله ) أي للمقرض ( الرجوع في عينه ما دام باقيا ) في ملك المقترض ( بحاله في الأصح ) لأن له طلب بدله عند فقده فالمطالبة بعينه أولى لأنه أقرب منه ويلزم المقترض رده
والثاني لا يرجع فيه بل للمقترض أن يؤدي حقه من موضع آخر كسائر الديون
والخلاف على القول بأنه يملك بالقبض وإلا رجع به جزما
واحترز بقوله بحاله عما لو وجده مرهونا أو مكاتبا أو جنى فتعلق الأرش برقبته فإنه لا رجوع له
ولو رده المقترض بعينه لزم المقرض قبوله قطعا إن نقص فله قبوله مع الأرش أو مثله سليم قاله الماوردي
ولو زاد رجع في زيادته المتصلة دون المنفصلة
ويرد على المصنف ما لو وجده مؤجرا أو مدبرا أو معلقا عتقه بصفة فإنه يرجع فيه مع صدق أنه ليس بحاله فلو عبر بقوله ما لم يبطل به حق لازم لكان أولى ولا أرش له فيما إذا وجده مؤجرا بل يأخذه مسلوب المنفعة
ولو زال ملكه ثم عاد فوجهان وقياس نظائره الرجوع وبه جزم العمراني وإن أفهم كلام المصنف خلافه ( والله أعلم )
فائدة روى ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من استقرض في حاجة غير مكروهة فالله معه وكان راويه عبدالله بن جعفر يقول كل ليلة لوكيله اقترض لي شيئا لأبيت والله معي
خاتمة لو قال لغيره خذ من مالي الذي لي في جهة زيد ألفا قرضا فأخذها منه فإن كان ما في جهة زيد دينا عليه لم يصح قرضها لأن الإنسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره وإنما ذلك توكيل بقبض الدين فلا بد من قرض جديد أو عينا كوديعة صح قرضا
قال الماوردي ولو قال لغيره اقترض لي مائة ولك علي عشرة فهو جعالة فلو أن
____________________
(2/120)
المأمور أقرضه من ماله لم يستحق العشرة
ولو قال لغيره ادفع مائة قرضا علي إلى وكيلي فلان فدفع ثم مات الآمر فليس للدافع مطالبة الآخذ لأنه لم يأخذه لنفسه وإنما هو وكيل عن الآمر وقد انتهت وكالته بموته وليس للآخذ الرد عليه فإن رد ضمنه للورثة وحق الدافع يتعلق بتركه الميت عموما لا بما دفع خصوصا لأن الحق قد انتقل للغير
قال القرطبي لا يمتنع القرض للإعراض لقصة أبي ضمضم وهي ما رواه ابن عدي في الكامل والبزار والبيهقي وأبو داود في المراسيل لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة وحث عليها قال اللهم إني أتصدق بعرضي على من ناله من خلقك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا فنادى أين المتصدق بعرضه فقال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد قبل صدقتك
وفي الحديث أقرض من عرضك ليوم عرضك
كتاب الرهن هو لغة الثبوت والدوام ومنه الحالة الراهنة أي الثابتة
وقال الماوردي هو الاحتباس ومنه { كل نفس بما كسبت رهينة }
و شرعا جعل عين مال وثيقة بدين يستوفي منها عند تعذر وفائه
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى { فرهان مقبوضة } وخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم رهن درعه عند يهودي يقال له أبو الشحم على ثلاثين صاعا من شعير لأهله ثم قيل إنه افتكه قبل موته لخبر نفس المؤمن معلقة بدينه أي محبوسة في القبر غير منبسطة مع الأرواح في عالم البرزخ وفي الآخرة معوقة عن دخول الجنة حتى يقضى عنه وهو صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك
والأصح أنه لم يفتكه لقول ابن عباس توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي والخبر محمول على غير الأنبياء تنزيها لهم أو على من لم يخلف وفاء أي وقصر
أما من لم يقصر بأن مات وهو معسر وفي عزمه الوفاء فلا تحبس نفسه
فإن قيل هلا اقترض رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين أجيب بأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بيانا لجواز معاملة أهل الكتاب وقيل لأنه لم يكن عند أحد من مياسير أهل المدينة من المسلمين طعام فاضل عن حاجته
والوثائق بالحقوق ثلاثة شهادة ورهن وضمان
فالأولى لخوف الجحد والأخيرتان لخوف الإفلاس وأركان الرهن أربعة صيغة وعاقد ومرهون ومرهون به
وقد بدأ المصنف رحمه الله تعالى بالأول فقال ( لا يصح إلا بإيجاب وقبول ) أو ما يقوم مقامهما على الشرط المعتبر في البيع لأنه عقد مالي فافتقر إليهما كالبيع
والقول في المعاطاة والاستيجاب مع الإيجاب والاستقبال مع القبول هنا كالبيع وقد مر بيانه
وصورة المعاطاة هنا كما ذكره المتولي أن يقول له أقرضني عشرة لأعطيك ثوبي هذا رهنا فيعطي العشرة ويقبضه الثوب
( فإن شرط فيه ) أي الرهن ( مقتضاه كتقدم المرتهن به ) أي المرهون عند تزاحم الغرماء ليستوفي منه دينه ( أو ) شرط فيه ( مصلحة للعقد كالإشهاد ) به ( أو ما لا غرض فيه ) كأن يأكل الرقيق المرهون كذا ( صح العقد ) في الأقسام الثلاثة كالبيع ولغا الشرط الأخير
____________________
(2/121)
( وإن شرط ما يضر المرتهن ) وإن لم ينتفع به الراهن كشرط أن لا يبيعه إلا بعد شهر أو بأكثر من ثمن المثل أو لا يبيعه عند المحل أو يكون مضمونا أو لا يقدم به ( بطل الرهن ) أي عقده لإخلال الشرط بالغرض منه
( وإن نفع ) الشرط ( المرتهن وضر الراهن كشرط ) زوائد المرهون أو ( منفعته للمرتهن بطل الشرط ) لحديث كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل
( وكذا ) يبطل ( الرهن في الأظهر ) لمخالفة الشرط مقتضى العقد كالشرط الذي يضر المرتهن
والثاني لا يبطل بل يلغو الشرط ويصح العقد لأنه تبرع فلم يؤثر فيه ذلك كالقرض وتقدم الفرق بينهما
ولو شرط ما يضر الراهن أو المرتهن في بيع بطل البيع أيضا لفساد الشرط ومحل البطلان إذا أطلق المنفعة فإن قيدها وكان الرهن مشروطا في بيع كقوله وتكون منفعته لي سنة فهو جمع بين بيع وإجارة في صفقة وهو جائز
( ولو شرط أن تحدث زوائده ) أي المرهون كصوفه وثمره وولده ( مرهونة فالأظهر فساد الشرط ) لأنها معدومة ومجهولة
والثاني لا لأن الرهن عند الإطلاق إنما لم يتعد للزائد لضعفه فإذا قوي بالشرط سرى
واحترز بالزوائد عن الأكساب فإن اشتراطها باطل على القولين
قال الماوردي ولو شرط أن تكون المنافع مرهونة بطل قطعا
( و ) الأظهر ( أنه متى فسد ) الشرط المذكور ( فسد العقد ) يعني أنه يفسد بفساد الشرط
وهذان القولان هما القولان في فساد الرهن بفساد شرط المنافع للمرتهن وقد مر توجيههما فلو قال كشرط منفعته للمرتهن أو ( أن تحدث زوائده مرهونة إلخ ) كان أخصر وأوضح
ثم شرع في الركن الثاني وهو العاقد فقال ( وشرط العاقد ) من راهن ومرتهن ( كونه مطلق التصرف ) أي بأن يكون من أهل التبرع مختارا كما في البيع ونحوه
( فلا يرهن الولي ) أبا كان أو غيره
( مال الصبي والمجنون ولا يرتهن لهما ) أما الراهن فلأنه يمنع من التصرف في المرهون فهو جبس لمالهما بغير عوض
وأما الارتهان فلأن الولي في حال الاختيار لا يبيع إلا بحال مقبوض قبل التسليم فلا ارتهان
والسفيه والمجنون كالصبي فيما ذكر فلو قال ولا يرهن الولي مال محجوره لشمله أو يقول الولي ويطلق
( إلا لضرورة أو غبطة ظاهرة ) فيجوز له الرهن والإرتهان فيهما دون غيرهما
مثالهما للضرورة أن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من غلة أو حلول دين أو نفاق متاع كأسد وأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه
ومثالهما للغبطة أن ما يساوي مائة على ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة وهو يساوي مائتين وأن يرتهن على ثمن ما يبيعه نسيئة لغبطة كما سيأتي في باب الحجر
وإنما يجوز بيع ماله مؤجلا لغبطة من أمين غني وبإشهاد وأجل قصير في العرف ويشترط كون المرهون وافيا بالثمن فإن فقد شرط من ذلك بطل البيع
وإن باع ماله نسيئة أو أقرضه لنهب ارتهن جوازا إن قاضيا وإلا فوجوبا فإن خاف تلف المرهون فالأولى أن لا يرتهن لأنه قد يتلف ويرفعه إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف المرهون
تنبيه قد علم مما تقرر أنه لو عبر بما قدرته لكان أولى من التعبير بمطلق التصرف الذي فرع عليه قوله فلا يرهن الولي لأنهم صرحوا بأنه مطلق التصرف في مال محجوره غير أنه لا يتبرع به وحيث جاز الرهن والإرتهان جاز للأب والجد أن يعاملاه بأنفسهما ويتوليا الطرفين وليس لغيرهما ذلك
ورهن المكاتب وارتهانه كالولي فيما ذكر وكذا العبد المأذون له في التجارة إن أعطاه سيده مالا وإلا فإن اتجر بجاهه بأن قال له سيده اتجر بجاهك ولم يعطه مالا فكمطلق التصرف ما لم يربح فإن ربح بأن حصل في يده مال كان كما لو أعطاه مالا
قال الزركشي وحيث منعنا المكاتب فيستثنى رهنه وارتهانه مع السيد وما لو رهن على ما يؤدي به النجم الأخير لإفضائه إلى العتق
ثم شرع في الركن الثالث وهو المرهون فقال ( وشرط الرهن ) أي المرهون ( كونه عينا ) يصح بيعها ( في الأصح ) فلا يصح رهن دين ولو ممن هو عليه لأنه غير مقدور على تسليمه
والثاني يصح رهنه تنزيلا له منزلة العين
ولا يصح رهن منفعة جزما كأن يرهن سكنى داره مدة لأن المنفعة تتلف فلا يحصل بها استيثاق
ومحل
____________________
(2/122)
المنع في الإبتداء فلا ينافي كون المرهون دينا أو منفعة بلا إنشاء كما لو مات عن المنفعة وعليه دين أو أتلف المرهون فبدله في ذمة الجاني رهن على الأرجح في زوائد الروضة ولا رهن عين لا يصح بيعها كوقف ومكاتب وأم ولد
( ويصح رهن المتاع ) كرهن كله من الشريك وغيره ولا يحتاج إلى إذن الشريك ويقبض بتسليم كله كما في البيع فيكون بالتخلية في غير المنقول وبالنقل في المنقول
ولا يشترط إذن الشريك في القبض إلا فيما ينقل لأنه لا يحصل قبضه إلا بالنقل كما مر
ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك فإن أبى الإذن فإن رضي المرتهن بكونه في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض وإن تنازعا نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما ويؤجره إن كان مما يؤجر وتجري المهايأة بين المرتهن والشريك كجريانها بين الشريكين
( و ) يصح رهن ( الأم ) قال الشارح من الإماء ( دون ولدها ) غير المميز
( وعكسه ) أي رهنه دونها لأن الملك فيهما باق فلا تفريق وهو في الأم عيب يفسخ به البيع المشروط فيه الرهن إن جهل المرتهن كونها ذات ولد
فإن قيل ما فائدة قول الشارح من الإماء مع أن المتن أعم من ذلك أجيب بأنه حمل كلامه على كلام الأصحاب إذ كلامهم في الأمة وأيضا جميع الأحكام الآتية إنما تتأتى فيها
( وعند الحاجة ) إلى توفية الدين من ثمن المرهون ( يباعان ) معا حذرا من التفريق بينهما المنهي عنه
( ويوزع الثمن ) عليهما كما قال ( والأصح أن تقوم الأم وحدها ) إذا كانت هي المرهونة فتقوم موصوفة بكونها ذات ولد حاضنة له
فإذا قيل قيمتها مائة مثلا حفظ
( ثم ) تقوم ( مع الولد ) فإذا قيل قيمتهما مائة وخمسون مثلا ( فالزائد ) على قيمتها وهو خمسون ( قيمته ) فيوزع الثمن على هذه النسبة فيكون للمرتهن ثلثا الثمن يقضى منه الدين وللرهن الثلث لا تعلق المرتهن به
والأصح في صورة رهن الولد دونها أن التقويم ينعكس فيقوم الولد وحده محضونا مكفولا ثم مع أمه فالزائد قيمة الأم وحكم الولد مع الأب وغيره ممن يمتنع التفريق بينهما كحكمه مع الأم
( ورهن الجاني والمرتد كبيعهما ) وتقدم في البيع أنه لا يصح جميع الجاني المتعلق برقبته مال بخلاف المتعلق بها قود أو بذمته مال وفي الخيار أنه يصح بيع المرتد
وإذا صح رهن الجاني لا يكون مختارا للفداء بخلاف بيعه على وجه لأن محل الجناية باق في الرهن بخلافه في البيع
ورهن المحارب صحيح أيضا كبيعه
( ورهن المدبر ) وهو المعلق عتقه بموت سيده باطل على المذهب وإن جاز بيعه لما فيه من الغرر لأن السيد قد يموت فجأة فيبطل مقصود الرهن
وقيل يجوز كبيعه قال في الروضة وهو قوي في الدليل
وقيل على قولين مبنيين على أن التدبير وصية أو تعليق عتق بصفة فإن قلنا بالأول جاز وكان رجوعا أو بالثاني فلا وهذه الطريقة أقرب إلى القياس
( و ) رهن ( المعلق عتقه بصفة تتقدم على حلول الدين ) بأن يتيقن الحلول بعد وجود الصفة
وكذا لو احتمل الأمران أو علمت المقارنة أو لم تعلم بل كان ( يمكن سبقها حلول الدين باطل على المذهب ) إذا لم يشرط بيعه قبل وجدوها لما فيه من الغرر لأنه رهن ما لا يمكن الاستيفاء منه
وقيل فيه قول آخر إنه يجوز وهو مخرج من رهن ما يتسارع إليه الفساد
وفرق الأول بأن الظاهر في هذا من جهة الراهن بيعه إذا خشي تلفه وجعل ثمنه رهنا
والظاهر في ذلك بقاؤه على الوفاء به لغرضه في تحصيل العتق فإن شرط بيعه قبل وجود الصفة أو تيقن حلوله قبلها بأن رهنه بحال أو مؤجل يحل قبل وجودها بزمن يسع البيع صح الرهن جزما
ولا بد من هذا القيد فيما إذا كان الدين حالا وإذا كان كذلك فالمدبر لا يعلم فيه ذلك فسقط ما قيل إن التدبير تعليق عتق بصفة على الأصح فكان ينبغي أن يصح بالدين الحال كالمعلق عتقه بصفة كما قاله البلقيني أو يمنع فيهما كما قاله السبكي وقال إنه مقتضى إطلاق النصوص اه
وفرق بعضهم بأن العتق في المدبر آكد منه في المعلق عتقه بصفة بدليل أنهم اختلفوا في جواز بيعه دون المعلق بصفة أي ولأن بعض المذاهب يمنع صحة بيع المدبر فإن لم يبع المعلق عتقه بصفة حتى وجدت عتق كما رجحه ابن المقري بناء على أن العبرة في العتق المعلق بحال التعليق لا بحال وجود الصفة وللمرتهن الخيار بالعتق في فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن جهل التعليق كما في رهن الجاني
( ولو رهن ما يسرع فساده ) بمؤجل
____________________
(2/123)
يحل بعد الفساد أو معه أو قبله بزمن لا يسع البيع
( فإن أمكن تجفيفه كرطب ) يجيء منه ثمر أو عنب يجيء منه زبيب أو لحم طري يتقدد
( فعل ) حفظا للرهن والمجفف له هو المالك ومؤنته عليه كما قاله صاحب المطلب
أما إذا كان يحل قبل فساده بزمن يسع البيع فإنه يباع على حاله
( وإلا ) أي وإن لم يكن تجفيفه كالثمرة التي لا تجفف واللحم الذي لا يتقدد والبقول ينظر ( فإن رهنه بدين حال أو مؤجل يحل قبل فساده ) بزمن يسع بيعه فيه على العادة ( أو ) يحل بعد فساده أو معه لكن ( شرط ) في هاتين الصورتين ( بيعه ) عند إشرافه على الفساد ( وجعل الثمن رهنا ) مكانه ( صح ) الرهن في الصور كلها لانتفاء المحذور
فإن قيل شرط جعل ثمنه رهنا ينافيه ما يأتي من أن الإذن في بيع المرهون بشرط جعل ثمنه رهنا لا يصح
أجيب بأن ذلك اغتفر هنا للحاجة
( ويباع ) المرهون وجوبا في الصورتين الأخيرتين ( عند خوف فساده ) عملا بالشرط وحفظا للوثيقة وكذا يباع في الصورتين الأولتين كما في الروضة وأصلها
( ويكون ثمنه رهنا ) مكانه في الصور كلها بلا إنشاء عقد
( وإن شرط منع بيعه ) قبل الحلول ( لم يصح ) الرهن لمنافاة الشرط المقصود التوثق
( وإن أطلق ) بأن لم يشرط واحدا منهما ( فسد ) الرهن ( الأظهر ) لتعذر الوفاء منه لأن البيع قبل المحل لم يؤذن فيه وليس من مقتضى الرهن
وهذا ما عزاه الرافعي في الشرح الكبير إلى تصحيح العراقيين وهو المعتمد
والثاني يصح وعزاه الرافعي في الشرح الصغير إلى تصحيح الأكثرين وقال الإسنوي إن الفتوى عليه
ويباع عند تعرضه للفساد لأن الظاهر أنه لا يقصد إتلاف ماله
( وإن لم يعلم هل يفسد ) المرهون ( قبل ) حلول ( الأجل صح ) الرهن المطلق ( في الأظهر ) لأن الأصل عدم فساده قبل الحلول
والثاني يفسد لجهلنا إمكان البيع عند المحل وهو نظير ما صححه في المعلق عتقه بصفة لا يعلم تتقدم أو تتأخر
وفرق الأول بأن سبب الفساد ثم وهو التعليق موجود عند ابتداء الرهن بخلافه هنا وبأن علامة الفساد هنا تظهر دائما بخلافها ثم وبأن الشخص ليس له غرض في إتلاف ماله وله غرض في عتقه لتشوف الشارع إليه
ولو أذن الراهن للمرتهن في بيع المرهون ففرط بأن تركه أو لم يأذن له وترك الرفع إلى القاضي كما بحثه الرافعي وقواه المصنف ضمن
فإن قيل سيأتي أنه لا يصح بيع المرتهن إلا بحضرة المالك فينبغي حمل الصورة الأولى عليه
أجيب بأن بيعه ثم إنما امتنع في غيبة المالك لكونه للاستيفاء وهو متهم بالاستعجال في ترويج السلعة بخلافه هنا فإن غرضه الزيادة في الثمن ليكون وثيقة له
ولو رهن الثمن مع الشجر صح مطلقا إلا إن كان الثمر لا يتجفف فله حكم ما يسرع إليه الفساد فيصح تارة ويفسد أخرى ويصح في الشجر مطلقا ووجهه عند فساده في الثمرة البناء على تفريق الصفقة
وإن رهن الثمرة مفردة فإن كانت لا تتجفف فهي كما يتسارع إليه الفساد وقد تقدم حكمه وإن كانت تتجفف جاز رهنها ولو قبل بدو الصلاح وبغير شرط قطع لأن حق المرتهن لا يبطل باحتياجها بخلاف البيع فإن حق المشتري يبطل
ولو رهنها بمؤجل يحل قبل الجداد وأطلق الرهن بأن لم يشرط القطع ولا عدمه لم يصح لأن العادة في الثمار الإبقاء إلى الجداد فأشبه ما لو رهن شيئا على أن لا يبيعه عند المحل إلا بعد أيام ويجبر الراهن على إصلاحها من سقي وجداد وتجفيف ونحوها فإن ترك إصلاحها برضا المرتهن جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما وهما مطلقا التصرف وليس لأحدهما منع الآخر من قطعها وقت الجداد أما قبله فلكل منهما المنع إن لم تدع إليه ضرورة
ولو رهن ثمرة يخشى اختلاطها بدين حال أو مؤجل يحل قبل الاختلاط أو بعده بشرط قطعها قبله صح إذ لا مانع وإن أطلق الرهن صح على الأصح فإن اختلط قبل القبض حيث صح العقد انفسخ لعدم لزومه أو بعده فلا ثم إن اتفقا على كون الكل أو البعض رهنا فذاك وإلا فالقول قول الراهن في قدره بيمينه
ورهن ما اشتد حبه من الزرع كبيعه فإن رهنه مع الأرض أو منفردا وهو بقل فكرهن الثمرة مع
____________________
(2/124)
الشجرة أو منفردة قبل بدو الصلاح وقد مر
( وإن رهن ما لا يسرع فساده فطرأ ما عرضه للفساد ) قبل الحلول ( كحنطة ابتلت لم ينفسخ الرهن بحال ) وإن تعذر تجفيفها لأن الدوام أقوى من الإبتداء
ألا ترى أن الآبق لا يصح بيعه ولو أبق بعد البيع وقبل القبض لم ينفسخ فكذا هنا وسواء طرأ قبل القبض أم بعده بل يجبر الراهن عند تعذر تجفيفه على بيعه وجعل ثمنه رهنا مكانه حفظا للوثيقة
( ويجوز أن يستعير شيئا ليرهنه ) بدينه لأن الرهن توثق وهو يحصل بما لا يملكه بدليل الإشهاد والكفالة بخلاف بيع ملك غيره لنفسه لا يصح لأن البيع معاوضة فلا يملك الثمن من لا يملك المثمن
وشمل كلامهم الدراهم والدنانير فتصح إعارتهما لذلك وهو المتجه كما قاله الإسنوي وإن لم تصح إعارتهما لغير ذلك
( وهو ) أي عقد الاستعارة بعد الرهن ( في قول عارية ) أي باق عليها لم يخرج عنها من جهة المعير إلى ضمان الدين في ذلك الشيء وإن كان يباع فيه كما سيأتي
( والأظهر أنه ضمان دينا ) من المعير ( في رقبة ذلك الشيء ) المرهون لأنه كما يملك أن يلزم ذمته دين غيره فينبغي أن يملك إلزام ذلك عين ماله لأن كلا منهما محل حقه وتصرفه فعلم أنه لا تعلق للدين بذمته حتى لو مات لم يحل الدين ولو تلف المرهون لم يلزمه الأداء
( فيشترط ) على هذا ( ذكر جنس الدين ) ككونه ذهبا أو فضة ( وقدره ) كعشرة أو مائة ( وصفته ) من صحة وتكسر وحلول وتأجيل لاختلاف الأغراض بذلك كما في الضمان
( وكذا المرهون عنده ) فيشترط ذكره ( في الأصح ) لما مر
والثاني لا يشترط لضعف الغرض فيه
ولا يشترط شيء مما ذكر على قول العارية
ومتى خالف ما عينه له بطل الرهن على القولين للمخالفة لا إن رهن بأقل مما عينه له كأنه عين له ألف درهم فرهنه بمائة فلا يبطل لرضا المعير به في ضمن رضاه بالأكثر
هذا إذا كان من جنسه فلو قال ارهنه بمائة دينار فرهنه بمائة درهم لم يصح لاختلاف الأغراض بذلك ولو رهنه بأزيد مما عينه بطل في الجميع لا في الزائد فقط للمخالفة وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين ولو استعاره ليرهنه عند واحد فرهنه عند اثنين أو عكسه لم يصح لاختلاف الأغراض بذلك إذ في الأولى قد يبيع أحد المرتهنين المرهون دون الآخر فيتشقص الملك على المعير وفي الثانية لا ينفك منه شيء بأداء بعض الدين بخلاف ما لو رهنه من اثنين فإنه ينفك بأداء نصيب أحدهما ما يخصه من المرهون
ولو قال له المالك ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي من غير قبول المضمون له كفى وكان كالإعارة للرهن
( فلو تلف ) المرهون المعار بعد رهنه أو بيع في جنايته ( في يد المرتهن فلا ضمان ) على المرتهن بحال لأنه أمين ولا على الراهن على قول الضمان لأنه لم يسقط الحق عن ذمته ويضمنه على قول العارية
أما إذا تلف في يد الراهن فعليه ضمانه لأنه مستعير ولم يتم عليه حكم الضمان
ولو أعتقه المالك فكإعتاق المرهون فينفذ قبل قبض المرتهن له مطلقا وبعده من الموسر دون المعسر
ولو أتلفه إنسان أقيم بدله مقامه كما قال الزركشي إنه ظاهر كلامهم
( ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن ) على القولين وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى إذ لا وثوق به
وأفهم جواز الرجوع قبل قبضه وهو كذلك على القولين لعدم لزومه وللمرتهن حينئذ فسخ بيع شرط فيه رهن ذلك إن جهل الحال
وإذا كان الدين مؤجلا وقبض المرتهن المعار فليس للمالك إجبار الراهن على فكه ( فإذا حل الدين أو كان حالا ) وأمهله المرتهن فللمالك ذلك فإن طالبه وامتنع من أداء الدين ( روجع المالك للبيع ) فقد يريد فداءه لأن المالك لو رهن عن دين نفسه لوجبت مراجعته فهنا أولى
( و ) بعد ذلك ( يباع ) المعار ( إن لم يقض الدين ) من جهة المالك أو لراهن على القولين وإن لم يأذن المالك وسواء أكان الراهن معسرا أم موسرا كما يطالب الضامن في
____________________
(2/125)
الذمة مع يسار الأصيل وإعساره
( ثم يرجع المالك ) على الراهن ( بما بيع به ) المرهون لانتفاع الراهن به في دينه سواء بيع بقيمته أم بأكثر أم أقل بقدر يتغابن الناس بمثله
هذا على قول الضمان وأما على قول العارية فيرجع بقيمته إن بيع بها أو بأقل كذا بأكثر عند الأكثرين لأن العارية بها تضمن
وقال القاضي أبو الطيب وجماعة يرجع بما بيع به لأنه ثمن ملكه قال الرافعي وهذا أحسن
زاد في الروضة هذا هو الصواب
وإن قضى من جهة الراهن انفك الرهن ورجع المالك في عين ماله فإن قضاه المالك انفك الرهن ورجع بما دفعه على الراهن إن قضى بإذنه وإلا فلا رجوع له كما لو أدى دين غيره في غير ذلك
فإن قيل الرهن بالإذن كالضمان به فيرجع وإن قضى بغير الإذن أيضا
أجيب بأن محل ذلك إذا قضى من ثمن المرهون كما مر أما إذا قضى من غيره كما هنا فلا
وحاصله قصر الرجوع فيهما على محل الضمان وهو هنا رقبة المرهون وثم ذمة الضامن فإن أنكر الراهن الإذن فشهد به المرتهن للمعير قبل لعدم التهمة ويصدق الراهن في عدم الإذن لأن الأصل عدمه
ولو رهن شخص شيئا من ماله عن غيره يأذنه صح ويرجع عليه إن بيع بما بيع به أو بغير إذنه صح ولم يرجع عليه بشيء كنظيره في الضمان فيهما
ولو قال المديون لغيره أرهن عبدك مثلا بديني من فلان فرهنه فهو كما لو قبضه ورهنه
ثم شرع في الركن الرابع وهو المرهون به مترجما بفصل فقال فصل شرط المرهون به كونه دينا فلا يصح الرهن بالعين مضمونة كانت كالمغصوب كما سيأتي أو أمانة كالمودوع ومال القراض لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة فلا يثبت في غيرها ولأنها لا تستوفي من ثمن المرهون وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع
ومن هنا يؤخذ بطلان ما جرت به عادة بعض الناس من كونه يقف كتابا
وبشرط أن لا يعار أو لا يخرج من مكان يحبسه فيه إلا برهن وبه صرح الماوردي وإن أفتى القفال بخلافه
وبحث السبكي بحثا حسنا وهو أن الواقف إن عنى الوقف الشرعي لم يصح أو اللغوي وهو أن يكون المرهون تذكرة صح وإن لم يعرف له إرادة فالأقرب صحته ويحمل على الثاني تصحيحا للكلام ما أمكن
واعترض الزركشي قوله إن الأقرب صحته وحمله على اللغوي بأن الأحكام الشرعية لا تتبع اللغة إذ كيف يحكم بالصحة مع أنه لا يجوز له حبسه شرعا وأي فائدة في الصحة حينئذ اه
وضعف بعضهم ما أفتى به القفال بأن الراهن أحد المستحقين والراهن لا يكون مستحقا إذ المقصود بالرهن الوفاء من ثمن المرهون عند التلف وهذا الموقوف لو تلف بغير تعد ولا تفريط لم يضمن وعلى إلغاء الشرط لا يجوز إخراجه برهن لتعذره ولا بغيره فكأنه قال لا يخرج مطلقا
نعم إن تعسر الانتفاع به في المحل الموقوف فيه ووثق بمن ينتفع به فيغير ذلك المحل أنه يرده إلى محله بعد قضاء حاجته جاز إخراجه كما أفتى به بعض المتأخرين
ويشترط في الدين ثلاثة شروط أحدها كونه ( ثابتا ) فلا يصح بغيره سواء أوجد سبب وجوبه كنفقة زوجته في الغد أم لا كرهنه على ما سيقرضه كما سيأتي لأن الرهن وثيقة حق فلا تقدم عليه كالشهادة
فلو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه كان مأخوذا على جهة سوم الرهن فإذا استحقت المنفعة أو استقرض لم يصر رهنا إلا بقبض جديد
ثانيها كونه معلوما للعاقدين فلو جهلاه أو أحدهما لم يصح كما في الضمان ذكره المتولي وغيره ونص الأم بشهد له
ثالثها كونه ( لازما ) فلا يصح بما لا يلزم ولا يؤول إلى اللزوم كمال الكتابة كما سيأتي لأنه لا فائدة في الوثيقة مع تمكن المديون من إسقاط الدين
ثم شرع المصنف في بعض محترزات الشروط التي ذكرها فقال ( فلا يصح بالعين المغصوبة والمستعارة في الأصح ) لما مر والثاني يصح كضمانها لترد بجامع التوثق
وفرق الأول بأن ضمانها لا يجر لو لم تتلف إلى ضرر بخلاف الرهن بها فيجر إلى ضرر دوام الحجر في المرهون
تنبيه لو عبر بالعين المضمونة لكان أخصر وأشمل لتناوله المأخوذ ببيع فاسد والمأخوذ بسوم والمبيع والصداق قبل القبض بل لو اقتصر على العين لكان أولى ليشمل غير المضمون كالمودوع كما مر
وهذه المسائل خرجت عن
____________________
(2/126)
الصحة بقوله دينار
( ولا بما سيقرضه ) لما مر وعن ذلك الدخل في الدين بتجوز احترز بقوله ثابتا
( ولو ) امتزج الرهن بسبب ثبوت الدين كأن ( قال أقرضتك هذه الدراهم وارتهنت بها عبدك فقال اقترضت ورهنت أو قال بعتكه بكذا وارتهنت الثوب به فقال اشتريت ورهنت صح في الأصح ) لأن شرط الرهن في ذلك جائز فمزجه أولى لأن التوثق فيه آكد لأنه قد لا يفي بالشرط
والثاني لا يصح قال الرافعي وهو القياس لأن أحد شقي العقد قد تقدم على ثبوت الدين
وأجاب الأول بأن ذلك اغتفر لحاجة التوثق وبهذا يعلم أنه لا حاجة هنا في صورة البيع إلى تقدير وجود الثمن وانعقاد الرهن عقبه بخلاف ما لو قال أعتق عبدك عني بكذا فأعتقه عنه فإنه يقدر الملك له ثم يعتق عليه لاقتضاء العتق تقدم الملك
وهذا الترتيب الذي ذكره المصنف شرط وضابطه أن يتقدم الخطاب بالقرض مثلا على الخطاب بالرهن وجواب القرض على جواب الرهن
وقال بعتك أو زوجتك أو أجرتك بكذا على أن ترهنني كذا فقال اشتريت أو تزوجت أو استأجرت ورهنت صح كما رجحه ابن المقري وإن لم يقل الأول بعد ارتهنت أو قبلت لتضمن هذا الشرط الاستيجاب
ومن صور مزج الرهن أن يقول بعني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب فيقول بعت وارتهنت
( ولا يصح ) الرهن ( بنجوم الكتابة ) لما سلف
( ولا يجعل الجعالة قبل الفراغ ) من العمل لأن لهما فسخها متى شاء
فإن قيل الثمن في مدة الخيار كذلك مع أنه يصح كما سيأتي
أجيب بأن موجب الثمن البيع وقد تم بخلاف موجب الجعل وهو العمل
وعن المسألتين احترز بقوله لازما
وصورة المسألة أن يقول من رد عبدي فله دينار فيقول شخص ائتني برهن وأنا أرده ومثله إن رددته فلك دينار وهذا رهن به ولو قال من جاء به فله دينار وهذا رهن به لم يصح
( وقيل يجوز بعد الشروع ) في العمل لانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم ما بعد الفراغ منه فيصح قطعا للزوم الجعل به
( ويجوز ) الرهن ( بالثمن في مدة الخيار ) لأنه آيل إلى اللزوم والأصل في وضعه اللزوم بخلاف جعل الجعالة
وظاهر أن الكلام حيث قلنا ملك المشتري المبيع ليملك البائع الثمن كما أشار إليه الإمام ولا شك أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم تمض مدة الخيار دخلت المسألة في قوله لازما بتجوز
قال الإسنوي وغيره ولا يغني عن الثابت اللازم لأن الثبوت معناه الوجود في الحال
واللزوم وعدمه صفة للدين في نفسه لا يتوقف على وجود الدين كما يقال دين الفرض لازم ودين الكتابة غير لازم فلو اقتصر على الدين اللازم لورد عليه ما سيقرضه ونحوه مما لم يثبت
وقال ابن الصلاح ولأن الالتزامات لا يكتفى بها في المخاطبات وهما وصفان مقصودان يحترز بهما عن عدم الثبوت واللزوم
ولا فرق في الدين بين المستقر كدين القرض وثمن المبيع المقبوض وغير المستقر كثمن المبيع قبل قبضه
والأجرة قبل الانتفاع في إجارة العين والصداق قبل الدخول أما الأجرة في إجارة الذمة فلا يصح الرهن بها لعدم لزومها في الذمة إذ يلزم قبضها في المجلس قبل التفرق فهي كرأس مال السلم
ويصح بالمنفعة في إجارة الذمة لأنها في إجارة العين لأنها في الأولى دين بخلافها في الثانية
ويصح بمال المسابقة لأن الأصل في عقدها اللزوم لا بالدية قبل الحلول لأنها لم تثبت ولهذا تسقط بطرو الموت والجنون بخلافها بعد الحلول لثبوتها في الذمة
ولا بالزكاة ولو بعد الحلول لعدم ثبوتها قبله ولعدم الدين بعده كما اقتضاه كلام الإسنوي و ابن المقري لتعلقها بالعين شركة
والمعتمد الجواز بعد الحول كما في أصل الروضة لأن الزكاة قد تجب في الذمة ابتداء كزكاة الفطر ودواما بأن تلف المال بعد الحول
وبتقدير بقائه فالتعلق به ليس على سبيل الشركة الحقيقية لأن له أن يعطي من غيرها بغير رضا المستحقين قطعا فصارت الذمة كأنها منظور إليها
( و ) يجوز ( بالدين ) الواحد ( رهن بعد رهن ) لأنه زيادة في الوثيقة ويصيران كما لو رهنهما معا
( ولا يجوز أن يرهنه المرهون ) قال الشارح بالنصب مفعول
____________________
(2/127)
ثان
( عنده بدين آخر ) مع بقاء رهنه الأول ( في الجديد ) وإن وفى بالدينين وكانا من جنسين كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن
والقديم الجواز ونص عليه في الجديد أيضا كما تجوز الزيادة على الرهن بدين واحد
وفرق الأول بأن الدين يشغل الرهن ولا ينعكس والزيادة في الرهن شغل فارغ فيصح والزيادة في الدين شغل مشغول فلا يصح
نعم لو جنى الرقيق المرهون ففداه المرتهن بإذن الراهن ليكون رهنا بالدين والفداء جاز لأنه من مصالح الرهن لتضمنه استيفاءه ومثله لو أنفق المرتهن على المرهون بإذن الحاكم لعجز الراهن عن النفعة أو غيبته ليكون مرهونا بالدين والنفقة وكذا لو أنفق عليه بإذن الراهن كما قاله القاضي أبو الطيب والروياني وإن نظر فيه الزركشي
ولو رهن الوارث التركة التي عليها الدين ولو غير مستغرق لها من غريم الميت بدين آخر لم يصح كالعبد الجاني وتنزيلا للرهن الشرعي منزلة الرهن الجعلي
( ولا يلزم ) الرهن من جهة الراهن ( إلا بقبضه ) أي المرهون لقوله تعالى { فرهان مقبوضة } فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقييد به فائدة ولأنه عقد تبرع يحتاج إلى القبول فلا يلزم إلا بالقبض كالهبة والقرض
ولا ترد الوصية لأنها إنما تحتاج إلى المقبول فيما إذا كان الموصى له معينا فللراهن الرجوع فيه قبل القبض أما المرتهن لنفسه فلا يلزم في حقه بحال وقد يتصور فسخه للرهن بعد قبضه كأن يكون الرهن مشروطا في بيع ويقبضه قبل التفرق من المجلس ثم يفسخ البيع فينفسخ الرهن تبعا
قال الرافعي في باب الخيار والمراد بالقبض القبض المعهود في البيع ولا بد أن يكون القبض والإقباض كاثنين
( ممن يصح ) منه ( عقده ) أي عقد الرهن فلا يصح شيء منهما من غيره كصبي ومجنون ومحجور سفه
( وتجري فيه ) أي في كل من القبض والإقباض ( النيابة ) كالعقد ( لكن لا يستنيب ) المرتهن في القبض ( الراهن ) ولا نائبه في الإقباض لئلا يؤدي إلى اتحاد القابض والمقبض
خرج بذلك ما لو كان الراهن وكيلا في عقد الرهن فقط أو وليا فرشد موليه مثلا فإنه يجوز للمرتهن أن يستنيبه في القبض لانتفاء العلة مع أن عبارة المصنف تقتضي عدم الصحة في ذلك فلو قال لكن لا يستنيب مقبضا من راهن أو نائبه لكان أولى وكان ينبغي أن يقول ولا عكسه لأن الراهن لو قال للمرتهن وكلتك في قبضه لنفسك لم يصح
فإن قيل أطلقوا أنه لو أذن له في قبضه صح وهو إنابة في المعنى
أجيب بأن إذنه إقباض منه لا توكيل
( ولا ) يستنيب ( عبده ) أي الراهن ولو كان مأذونا له في التجارة أو مدبرا لأن يده كيد مولاه
( وفي المأذون له وجه ) أنه يصح لانفراده باليد والتصرف كالمكاتب
وفرق الأول بأن السيد متمكن من الحجر عليه وأم الولد كالقن
فإن قيل لو وكل رجل العبد في شراء نفسه من مولاه صح مع أنه لا يصح فيما لو وكل مولاه فليست هنا يد العبد كيد مولاه
أجيب بأن شراء العبد نفسه من مولاه صحيح في الجملة لتشوف الشارع إلى العتق فلم ينظروا فيه إلى تنزيل العبد منزلة مولاه في ذلك
( ويستنيب مكاتبه ) لاستقلاله باليد والتصرف كالأجنبي ومثله المبعض إذا كان بينه وبين سيده مهايأة ووقع القبض في نوبته وإن وقع التوكيل في نوبة السيد ولم يشترط فيه القبض في نوبته
( ولو رهن ) ماله بيد غيره منه كأن رهن ( وديعة عند مودع أو مغصوبا عند غاصب ) أو مؤجرا عند مستأجر أو مقبوضا بسوم عند مستام أو معارا عند مستعير ( لم يلزم ) هنا الرهن ( ما لم يمض زمن إمكان قبضه ) أي المرهون كنظيره في البيع لأنه لو لم يكن في يده لكان اللزوم متوقفا على هذا الزمان وابتداء زمن إمكان القبض من وقت الإذن فيه لا العقد
وأفهم أنه لا يشترط ذهابه إليه وهو الأصح
( والأظهر اشتراط إذنه ) أي الراهن ( في قبضه ) لأن يده كانت عن غير جهة الرهن ولم يقع تعرض للقبض عنه
والثاني لا يشترط لأن العقد مع صاحب اليد يتضمن الإذن
ولو رهن الأب ماله عند طفله أو عكسه اشترط فيه مضي زمن الإمكان وقصد الأب للقبض كالإذن فيه
( ولا يبرئه ارتهانه عن الغصب ) وإن لزم لأنه وإن كان
____________________
(2/128)
عقد أمانة فالغرض منه التوثق وهو لا ينافي الضمان بدليل ما لو رهنه شيئا فتعدى فيه فإنه لا يبطل الرهن وكذا لا يبرأ المستعير بالرهن وإن منعه المعير الانتفاع لما مر ويجوز له الانتفاع بالمعار الذي ارتهنه لبقاء الإعارة وإن رجع المعير فيه امتنع ذلك عليه وللغاصب إجبار الراهن على إيقاع يده عليه ليبرأ من الضمان ثم يستعيره منه بحكم الرهن وليس للراهن إجباره على رد المرهون إليه ليوقع يده عليه ثم يستعيره منه المرتهن بحكم الرهن إذ لا غرض له في براءة المرتهن
( ويبرئه ) عن الغصب ( الإيداع في الأصح ) لأن الإيداع ائتمان وهو ينافي الضمان بدليل أنه لو تعدى في الوديعة لم يبق أمينا بخلاف الرهن
والثاني لا يبرئه كالرهن ورد بما مر
ولو أبرأ الغاصب من ضمان المغصوب وهو باق لم يبرأ لأن الأعيان لا يبرأ منها إذ الإبراء إسقاط ما في الذمة أو تمليكه
وكذا لو أبرأه عن ضمان ما يثبت في ذمته بعد تلفه لأنه إبراء عما لم يجب
ولو أجره المغصوب أو قارضه فيه أو وكله في التصرف فيه أو زوجه إياه لم يبرأ لما علم مما مر في رهنه منه
نعم إن تصرف في مال القراض أو فيما وكل فيه بريء لأنه سلمه بإذن مالكه وزالت عنه يده وكذا كل من كانت يده ضمان كالمستعير والمستام
وقد علم مما تقرر أن هذا الحكم لا يختص بالارتهان ولا بالغصب
( ويحصل الرجوع عن الرهن قبل القبض بتصرف يزيل الملك كهبة مقبوضة ) وبيع وإعتاق لزوال محل الرهن ( وبرهن مقبوض وكتابة ) لتعلق حق الغير به
تنبيه تقييده تبعا للرافعي الهبة والرهن بالقبض يقتضي أن ذلك بدون قبض لا يكون رجوعا وهو موافق لتخريج الربيع وتنظيره في الأصح
والذي نقله السبكي وغيره عن النص أنه رجوع وهو المعتمد وقال الأذرعي والصواب على المذهب حذف لفظ القبض في الهبة والرهن جميعا لأنها زيادة موهمة
وقضية إطلاق المصنف تبعا لغيره الكتابة أنه لا فرق فيها بين الصحيحة والفاسدة في الجزم بها وإلحاق الفاسد بالتدبير في جريان الخلاف أشبه لأنها تعليق عتق بصفة
( وكذا تدبير ) يحصل به الرجوع ( في الأظهر ) لأن مقصوده العتق وهو مناف للرهن
والثاني لا لأن الرجوع عن التدبير ممكن
( وبإحبالها ) منه أو من أبيه كما في فتاوى القاضي لتعلق العتق به
( لا الوطء ) بغير إحبال وإن أنزل وكانت ممن تحبل لأنه ليس سببا لزوال الملك
( و ) لا ( التزويج ) إذ لا تعلق له بمورد الرهن سواء أكان المزوج عبدا أم أمة بل رهن المزوج ابتداء صحيح كالإجارة ولو حل الدين المرهون قبل انقضائها لأن رهن المؤجر وبيعه صحيحان
( ولو مات العاقد ) الراهن أو المرتهن ( قبل القبض ) للمرهون ( أو جن ) أو أغمي عليه ( أو تخمر العصير أو أبق العبد ) قبل القبض فيهن أيضا ( لم يبطل الرهن في الأصح ) أما الموت فلأن مصير الرهن إلى اللزوم فلا يتأثر بموته كالبيع في زمن الخيار ووجه مقابله أنه جائز كالوكالة
وعلى الأول يقوم وارث الراهن مقامه في الإقباض ووارث المرتهن مقامه في القبض
وأما الإغماء والجنون فمرتبان على الموت فإن قلنا لا يبطل ثم فهنا أولى وإلا فوجهان وعلى الأصح يقوم من ينظر في مال المجنون مقامه في القبض والإقباض
والمغمى عليه تنتظر إفاقته وحجر الفلس أو السفه على أحدهما كالجنون على المذهب وأما في التخمر والإباق فبالقياس على ما لو كان بعد القبض لاغتفار ما يقع في الدوام ووجه مقابله اختلاله في حال ضعف الرهن وعدم لزومه
وعلى الأول يبطل حكم الرهن للعصير ولو بعد القبض ما دام متخمرا لخروجه عن المالية فإن تخلل عاد رهنا كما عاد ملكا
وللمرتهن الخيار في البيع المشروط فيه الرهن سواء تخلل أم لا إن كان قبل القبض لنقصان الخل عن العصير في الأول وفوات المالية في الثاني أما بعد القبض فلا خيار له لأنه متخمر في يده فلو قبضه خمرا وتخلل استأنف القبض لفساد القبض الأول بخروج العصير عن المالية لا العقد لوقوعه حال المالية ولا بطلان قطعا في الموت أو الجنون أو الإباق بعد القبض
ولو ماتت الشاة المرهونة في يد الراهن أو المرتهن فدبغ المالك
____________________
(2/129)
أو غيره جلدها عاد ملكا للراهن ولم يعد رهنا لأن ماليته حدثت بالمعالجة بخلاف الخل
فإن قيل قد يحدث بها أيضا كنقله من شمس إلى ظل وعكسه وقد يقع الجلد في مدبغه من غير معالجة
أجيب بأن ذلك نادر فألحق بالغالب
نعم إن أعرض عنه المالك فدبغه غيره فهو له وخرج عن الرهن كما صرح به الأذرعي
( وليس للراهن المقبض تصرف ) مع غير المرتهن بغير إذنه ( يزيل الملك ) كالهبة والبيع والوقف لأنه لو صح لفاتت الوثيقة
وأما معه أو بإذنه فسيأتي أنه يصح
( لكن ) إذا لم يصح تصرفه ( في إعتاقه أقوال أظهرها ينفذ ) بالمعجمة ( من الموسر ) بقيمة المرهون
وبحث البلقيني بأن المعتبر اليسار بأقل الأمرين من قيمة المرهون ومن قدر الدين وهو كما قال الزركشي التحقيق دون المعسر لأنه عتق يبطل به حق الغير ففرق فيه بين الموسر والمعسر كعتق الشريكين فإن أيسر ببعضها عتق القدر الذي أيسر بقيمته
وإقدام الموسر على العتق جائز كما اقتضاه نص الشافعي كما قاله البلقيني وغيره واقتضاه كلام الرافعي وغيره في باب النذر وإن نقل الرافعي عن الإمام في بحث التنازع في جناية المرهون أنه يمتنع إقدامه عليه
والثاني ينفذ مطلقا ويغرم المعسر إذا أيسر القيمة وتصير رهنا
والثالث لا ينفذ مطلقا وإن احترز بقوله في إعتاقه عن الحكم بعتقه لا بإعتاق الراهن بل بالسراية كما إذا رهن نصف عبد ثم أعتق باقيه فإنه يعتق إن نفذنا إعتاقه وكذا إن لم ننفذه في الأصح
لكن يشترط اليسار على الأصح لأن هذا حكم من الشرع بعتقه لا إعتاقه
( و ) على الأول ( يغرم قيمته ) جبرا لحق المرتهن وتعتبر قيمته ( يوم ) أي وقت ( عتقه ) وتصير ( رهنا ) أي مرهونة من غير حاجة إلى عقد وإن حل الدين أو تصرف في قضاء دينه إن حل
( وإذا لم ننفذه ) لكونه معسرا أو على القول بأنه لا ينفذ مطلقا ( فانفك ) الرهن بإبراء أو غيره ( لم تنفذ في الأصح ) لأنه أعتقه وهو لا يمكن إعتاقه فأشبه ما لو أعتق المحجور عليه بالسفه ثم زال عنه الحجر
والثاني ينفذ لزوال المانع
وعلى الأول لو بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق أيضا كما فهم من المتن بطريق الأولى
ولو استعار من يعتق عليه ليرهنه ثم رهنه ثم ورثه هل يعتق عليه لأنه عتق قهري من الشرع أو لا لتعلق الوثيقة به والأوجه أن يقال إن كان موسرا عتق وإلا فلا
( ولو علقه ) أي عتق المرهون في حال الرهن بفكاك الرهن وانفك عتق إذ لم يوجد حال الرهن إلا التعليق وهو لا يضر
أو علقه ( بصفة ) أخرى كقدوم زيد ( فوجدت ) بعد انفكاك الرهن بأن انفك مع وجودها أو قبله عتق أيضا لما مر
أو وجدت ( وهو رهن فكالإعتاق ) فيما مر فيفصل فيه بين الموسر وغيره لأن التعليق مع وجود الصفة كالتنجيز
( أو ) وجدت ( بعده ) أي بعد فكاك الرهن أو معه ( نفذ ) العتق ( على الصحيح ) والثاني يقول التعليق باطل كالتنجيز في قول
ولو رهن نصف عبده مثلا ثم أعتق نصفه فإن أعتق نصفه المرهون عتق مع باقيه إن كان موسرا أو غير المرهون أو أطلق عتق غير المرهون من الموسر وغيره ويسري إلى المرهون على الموسر أخذا مما مر
وينفذ عتق المرهون من الموسر عن كفارته لا عن كفارة غيره بسؤاله لأنه بيع إن وقع بعوض وإلا فهبة وهو ممنوع منها
فإن قيل يرد على ذلك ما لو مات الراهن فانتقلت العين إلى وارثه فأعتقها عن مورثه وكذا إن لم يرهنه ولكن مات وعليه دين فإنه ينتقل إلى الوارث مرهونه ومع ذلك يجوز إعتاقه عن مورثه كما هو حاصل كلام الرافعي في باب الوصية وعلله بأن إعتاقه كإعتاقه
أجيب بأن الوارث خليفة مورثه ففعله كفعله في ذلك ولأن الكلام في إعتاق الراهن نفسه وفي الرهن الجعلي لا غيرهما ومعلوم أن الإعتاق على المرتهن جائز كالبيع منه
فرع المبعض إذا كان له على سيده دين فرهن عنده نصفه صح ولا يجوز أن يعتقه إلا بإذنه إذا كان معسرا فإن كان موسرا صح بغير إذنه كالمرتهن الأجنبي فبهما
( ولا ) يصح ( رهنه لغيره ) أي غير المرهون عنده لمزاحمته حق
____________________
(2/130)
الأول فيفوت مقصود الرهن
وأما الرهن عنده فتقدم الخلاف فيه
( ولا التزويج ) من غيره لأنه يقل الرغبة وينقص القيمة سواء في ذلك العبد والأمة زوج الأمة لزوجها الأول أم لغيره خلية كانت عند الراهن أو مزوجة
فإن زوج فالنكاح باطل لأنه ممنوع منه قياسا على البيع وأما التزويج منه فيصح كما قال الزركشي
واحترز بذلك عن الرجعة فإنها تصح لتقدم حق الزوج
( ولا الإجارة ) من غيره ( إن كان الدين حالا أو يحل قبلها ) أي قبل انقضاء مدتها لأنها تنقص القيمة وتقل الرغبات عند الحاجة إلى البيع
فإن حل بعدها أو مع انقضائها صحت إذا كان المستأجر ثقة لانتفاء المحذور حاله البيع ويصح أيضا إذا احتمل التقدم والتأخر والمقارنة أو اثنين منها كما هو قضية كلام المصنف وإن قال الإسنوي فيه نظر
أما الإجارة منه فتصح ويستمر الرهن وخرج بذلك الإعارة فتجوز إذا كان المستعير ثقة
( ولا الوطء ) لما فيه من النقص في البكر وخوف الإحبال فيمن تحبل وحسما للباب في غيرها
نعم لو خاف الزنا لو لم يطأ جاز له وطؤها كما بحثه الأذرعي
واحترز بالوطء عن بقية التمتعات كاللمس والقبلة فيجوز كما جزم به الشيخ أبو حامد وجماعة وقال الروباني وجماعة بحرمتها خوف الوطء
قال شيخنا وغيره وقد يجمع بينهما بحمل الثاني على ما إذا خاف الوطء والأول على ما إذا أمنه اه
وهو جمع حسن
( فإن وطيء ) ولو عالما بالتحريم فلا حد عليه ولا مهر وإذا أحبل ( فالولد حر ) نسيب لأنها علقت به في ملكه وعليه أرش البكارة إن افتضها لإتلافه جزءا من المرهون
وإن شاء قضاه من الدين أو جعله رهنا ويعزر العالم بالتحريم
( وفي نفوذ الاستيلاد أقوال الإعتاق ) السابقة أظهرها ينفذ من الموسر دون المعسر ويفعل في قيمتها ما تقدم ويباع على المعسر منها بقدر الدين وإن نقصت بالتشقيص رعاية لحق الإيلاد بخلاف غيرها من الأعيان المرهونة بل يباع كله دفعا للضرر عن المالك لكن لا يباع شيء من المستولدة إلا بعد أن تضع ولدها لأنها حامل بحر وبعد أن تسقيه اللبأ وجد مرضعة خوفا من أن يسافر بها المشتري فيهلك ولدها
وإن استغرقها الدين أو عدم من يشتري البعض بيعت كلها بعدما ذكر للحاجة إليه في الأولى وللضرورة في الثانية وليس للراهن أن يهبها المرتهن بخلاف البيع لأن البيع إنما جوز للضرورة
( فإن لم تنفذه فانفك ) الرهن من غير بيع ( نفذ ) الاستيلاد ( في الأصح ) بخلاف نظيره في الإعتاق لأنه قول يقتضي العتق في الحال فإذا رد لغا والإيلاد فعل لا يمكن رده وإنما يمنع حكمه في الحال لحق الغير فإذا زال حق الغير ثبت حكمه
أما إذا انفك ببيع فإن الإيلاد لا ينفك إلا إذا ملك الأمة
ولو ملك بعضها فهل يسري إلى باقيها إذا كان موسرا لم أر من ذكره والظاهر أنه يسري كمن ملك بعض من يعتق عليه وهو نظير المسألة بلا شك
( فلو ماتت ) هذه الأمة التي أولدها الراهن ( بالولادة ) أو نقصت بها وهو معسر حال الإيلاد ثم أيسر ( غرم قيمتها ) وقت الإحبال في الأولى تكون ( رهنا ) من غير إنشاء مكانها والأرش في الثانية يكون رهنها معها كذلك ( في الأصح ) لأنها تسبب في هلاكها أو نقصها بالإحبال بغير استحقاق وله أن يصرف ذلك في قضاء دينه
والثاني لا يغرم لعبد إضافة الهلاك أو النقص إلى الوطء ويجوز كونه من علل وعوارض
وموت أمة الغير بالولادة من وطء شبهة يوجب قيمتها لما مر لا من وطء زنا ولو بإكراه لأنها لا تضاف إلى وطئه لأن الشرع قطع نسب الولد عنه
ولو وطيء حرة بشهة فماتت بالولادة لم يجب عليه دينها لأن الوطء سبب ضعيف وإنما أوجبنا الضمان في الأمة لأن الوطء بسبب الاستيلاء عليها والعلوق من آثارها فأدمنا به اليد والاستيلاء والحرة لا تدخل تحت اليد والاستيلاء
ولا شيء عليه في موت زوجته أمة كانت أو حرة بالولادة لأنه تولد من مستحق
( وله ) أي الراهن ( كل انتفاع لا ينقصه ) أي المرهون
والأفصح تخفيف القاف قال تعالى { ثم لم ينقصوكم شيئا } ويجوز تشديدها
( كالركوب ) والاستخدام ( والسكنى ) لخبر الدارقطني والحاكم الرهن مركوب ومحلوب وخبر البخاري الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا
وقيس على ذلك ما أشبهه كلبس وإنزاء فحل على أنثى يحل الدين قبل ظهور حملها أو تلد قبل حلوله بخلاف ما إذا كان يحل قبل ولادتها أو بعد ظهور حملها فليس له الإنزاء عليها لامتناع بيعها دون حملها لأنه غير مرهون
وإذا أخذ الراهن المرهون للانتفاع الجائز فتلف في يده من غير تقصير لم يضمنه كما قال الروياني
____________________
(2/131)
( لا البناء والغراس ) في الأرض المرهونة ولو كان الدين مؤجلا ولم يلتزم قلعهما عند فراغ الأجل لنقص القيمة بذلك فإن التزم ذلك جاز له كما نص عليه في الأم وجرى عليه الدارمي وهو كما قال بعض المتأخرين ظاهر إذا لم يحدث قلعه نقصا في الأرض ولا تطول مدته بحيث تضر بالمرتهن
وله زراعة ما يدركه قبل حلول الدين أو معه كما بحثه شيخنا إن لم ينقص الزرع قيمة الأرض إذ لا ضرر على المرتهن وإذا حل الدين قبل إدراكه لعارض ترك إلى الإدراك
( فإن ) كانت قيمتها تنقص بذلك الزرع أو كان الزرع مما يدرك بعد الحلول أو ( فعل ) البناء والغراس ( لم يقلع ) ما ذكر ( قبل ) حلول ( الأجل ) لاحتمال قضاء الدين من غير الأرض ( وبعده ) يقلع ( إن لم تف الأرض ) أي قيمتها ( بالدين وزادت به ) أي القلع ولم يأذن الراهن في بيعه مع الأرض ولم يحجر عليه بفلس لعلق حق المرتهن بأرض فارغة
أما إذا وفت قيمة الأرض بالدين أو لم تزد بالقلع أو أذن الراهن فيما ذكر أو حجر عليه فلا يقلع بل يباع مع الأرض في الأخيرتين ويوزع الثمن عليهما ويحسب النقص في الثالثة على الزرع أو البناء أو الغراس إن كانت قيمة الأرض فيها بيضاء أكثر من قيمتها مع ما فيها
وليس للراهن السفر بالمرهون وإن قصر سفره لما فيه من الخطر بلا ضرورة فإن دعت ضرورة إلى ذلك كأن جلا أهل بلد لخوف أو قحط أو نحو ذلك كان له السفر به
( ثم إن أمكن الانتفاع ) بالمرهون بما أراده الراهن منه ( بغير استرداد ) له كأن يرهن رقيقا له صنعة يمكنه أن يعملها عند المرتهن
( لم يسترده ) من المرتهن لأجل عملها عنده
( وإلا ) أي وإن لم يمكن الانتفاع به بغير استرداد كأن يكون دارا يسكنها أو دابة يركبها أو عبدا يخدمه ( فيسترد ) للحاجة إلى ذلك
نعم لا يسترد الجارية إلا إذا أمن من غشيانها لكونه محرما لها أو ثقة وله أهل
ثم ما لا يدوم استيفاء منافعه عند الراهن يرده عند عدم الحاجة إليه فيرد عبد الخدمة والدابة إلى المرتهن ليلا ويرد الحارس نهارا
تنبيه ظاهر عبارة المصنف تشمل ما لو كان الرقيق يحسن الخياطة وأراد السيد الراهن أن يأخذه للخدمة أنه لا يمكن من أخذه وليس مرادا فلو زاد ما قدرته في كلامه لكان أولى
( ويشهد ) المرتهن على الراهن بالاسترداد للانتفاع في كل استرداده ( إن اتهمه ) شاهدين كما قاله الشيخان قال في المطلب أو رجلا وامرأتين لأنه في المال
وقياسه الإكتفاء بواحد ليحلف معه فإن وثق به لم يكلف الإشهاد
قال الشيخان لا كل مرة أي لا يشهد أصلا فهو نفي للمقيد بقيده كقولهم لا ضب فيها ينحجر أي لا ضب ولا انحجار
فسقط ما قيل إن ظاهر كلامهما الإشهاد في بعض المرات وإنه مخالف لقول الحاوي
ويشهد له ظاهر العدالة
فرع لا تزال يد البائع عن المحبوس بالثمن لاستيفاء منافعه لأن ملك المشتري غير مستقر بل يستكسب في يده المشتري
( وله ) أي الراهن ( بإذن المرتهن ما معناه ) من التصرفات والانتفاعات من غير بدل لأن المنع كان لحقه وقد زال بإذنه فيحل الوطء فإن لم تحبل فالرهن بحاله وإن أحبلها أو أعتق أو باع أو وهب نفذ وبطل الرهن
قال في الذخائر فلو أذن له في الوطء فوطيء ثم أراد العود إلى الوطء منع لأن الإذن يتضمن مرة إلا أن تحبل من تلك الوطأة فلا منع لأن الرهن قد بطل اه
وظاهر كلام الأصحاب أن له الوطء فيمن لم تحبل ما لم يرجع المرتهن
( وله ) أي المرتهن ( الرجوع ) عن الإذن ( قبل تصرف الراهن ) لأن حقه باق كما للمالك أن يرجع قبل تصرف الوكيل
( فإن تصرف ) بعد رجوعه بغير إعتاق وإيلاد وهو موسر ( جاهلا برجوعه فكتصرف وكيل جهل عزله ) من موكله وسيأتي في
____________________
(2/132)
بابه أن الأصح عدم النفوذ فإن كان عالما برجوعه فلا ينفذ قطعا
وأما تصرفه بالإعتاق والإحبال إذا كان موسرا فنافذ كما علم مما مر
وللمرتهن الرجوع فيما وهب الراهن أو رهن بإذن المرتهن قبل قبض الموهوب أو المرهون لأنه إنما يتم بالقبض
ولا رجوع فيما أذن له في بيعه في زمن الخيار لأن البيع مبني على اللزوم والخيار دخيل فيه إنما يظهر أثره في أثره في حق من له الخيار
ومتى تصرف بإعتاق أو نحوه وادعى الإذن وأنكره المرتهن صدق بيمينه لأن الأصل عدم الإذن وبقاء الرهن
فإن نكل حلف الراهن وكان كما لو تصرف بإذنه فإن لم يحلف الراهن وكان التصرف بالعتق أو الإيلاد حلف العتيق والمستولدة لأنهما ينبتان الحق لأنفسهما بخلافه في نكول المفلس أو وارثه حيث لا يحلف الغرماء لأنهم يثبتون الحق للمفلس أولا
( ولو أذن في بيته ) أي المرهون فباعه والدين مؤجل فلا شيء له على الراهن ليكون رهنا مكانه لبطلان الرهن أو حال قضي حقه من ثمنه وحمل إذنه المطلق على البيع في غرضه
وإن أذن له في البيع أو الإعتاق ( ليعجل المؤجل من ثمنه ) أو من غير الثمن في البيع أو من قيمته أو من غيرها في الإعتاق بأن شرط ذلك ( لم يصح البيع ) لفساد الإذن سواء كان الدين حالا أو مؤجلا
تنبيه لو عبر المصنف بقوله بشرط أن يعجل كما قدرته في كلامه تبعا للمحرر والحاوي لكان أولى فإنه لا يلزم من عبارة المصنف الاشتراط وقد قال السبكي في هذه الصورة الذي يظهر أنه ليس بشرط فلا يلتفت إليه ويصح الإذن والبيع
قال فالوجه حمله على أنه صرح بالشرط كما صوره الأصحا
قال ولا شك أنه لو قالأذنت لك في بيعه لتعجل ونوى الاشتراط كان كالتصريح به وإنما النظر إذا أطلق هل نقول ظاهره الشرط أو لا والأقرب المنع
( وكذا لو شرط ) في الإذن في بيعه أو إعتاقه ( رهن الثمن ) أي القيمة أي جعله مرهونا مكانه لم يصح ( في الأظهر ) وإن كان الدين حالا لما ذكر وفساد الشرط بجهالة الثمن عند الإذن
والثاني يصح البيع ويلزم الراهن الوفاء بالشرط ولا تضر الجهالة في البدل لأن الرهن قد ينتقل من العين إلى البدن شرعا كما لو أتلف المرهون فجاز أن ينتقل إليه شرطا
ولو قال المرتهن للراهن اضرب المرهون فضربه فمات لم يضمن لتولده من مأذون فيه فإن قال له أدبه فضربه فمات فعليه ضمانه لأن المأذون فيه هنا ليس مطلق الضرب بل ضرب تأديب وهو مشروط بسلامة العاقبة كما لو أدب الزوج زوجته أو الإمام إنسانا كما سيأتي إن شاء الله تعالى في ضمان المتلفات
فصل فيما يترتب على لزوم الرهن ( إذا لزم الرهن ) بالإقباض ( فاليد فيه ) أي المرهون ( للمرتهن ) لأنها الركن الأعظم في الوثوق
( ولا تزال إلا للانتفاع كما سبق ) وهذا في الغالب وإلا فقد لا تكون له اليد كما لو رهن رقيقا مسلما أو مصحفا من كافر أو سلاحا من حربي فيوضع عند من له تملكه وما لو رهن أمة فإن كانت صغيرة لا تشتهى أو كان المرتهن محرما لها أو ثقة من امرأة أو ممسوح أو من أجنبي عنده حليلته أو محرمه أو امرأتان ثقتان وضعت عنده وإلا فعند محرما لها أو ثقة ممن مر والخنثى كالأمة لكن لا يوضع عند امرأة أجنبية
( ولو شرطا ) أي الراهن والمرتهن ( وضعه ) أي المرهون ( عند عدل جاز ) لأن كلا منهما قد لا يثق بصاحبه وكما يتولى العبد الحفظ يتولى القبض أيضا كما اقتضاه كلام ابن الرفعة
وخرج بعقد الفاسق فلا يوضعانه عنده إذا كانا متصرفين أو أحدهما عن الغير كولي ووكيل وقيم ومأذون له وعامل قراض ومكاتب حيث يجوز لهم ذلك وإلا فيجوز
وعلى هذا يحمل قول الشرحين والروضة عند ثالث فعبارة المصنف أولى لأن مفهومها فيه تفصيل
وهو لا يرد والقول قول العدل في دعوى الهلاك والرد للمرتهن فإن أتلفه خطأ أو أتلفه غيره أخذ منه البدل وحفظه بالإذن الأول أو أتلفه عمدا أخذ منه البدل ووضع عند آخر ولو أتلفه مكرها فكما لو أتلفه خطأ
قال الأذرعي ولو شرطا وضعه بعد اللزوم عند الراهن
____________________
(2/133)
صح كما هو مقتضى كلام ابن الرفعة وإن اقتضى كلام الغزالي خلافه
( أو عند اثنين ) مثلا ( ونصا على اجتماعهما على حفظه أو الانفراد به فذاك ) ظاهر أنه يتبع الشرط فيه
( وإن أطلقا فليس لأحدهما الانفراد ) بحفظه ( في الأصح ) كنظيره في الوكالة والوصاية فيجعلانه في حرز لهما كما في النص على اجتماعهما
فإن انفرد أحدهما بحفظه ضمن نصفه قال في الأنوار فإذا سلم أحدهما للآخر ضمنا معا النصف
والثاني له الانفراد لما في اجتماعهما منا لمشقة
وللموضوع عنده المرهون أن يرده على العاقدين أو إلى وكيلهما وليس له أن يرده إلى أحدهما بلا إذن فإن غابا ولا وكيل لهما رده إلى الحاكم فإن رده إلى أحدهما بلا إذن من الآخر فتلف ضمنه والفرار على القابض
ولو غصبه المرتهن من العدل أو غصب العين شخص من مؤتمن كمودع ثم ردها إلى من غصبها منه بريء بخلاف من غصب من الملتقط اللقطة قبل تمكلها ثم ردها إليه لم يبرأ لأن المالك لم يأتمنه
ولو غصب العين من ضامن مأذون له كالمستعير ثم ردها إليه بريء كما جزم به صاحب الأنوار ولا ينقل المرهنون عند آخر إلا إن اتفق العاقدان عليه فحينئذ يجوز ولو بلا سبب
( ولو مات العدل ) الموضوع عنده ( أو فسق ) أو عجز عن حفظه أو زاد فسق الفاسق أو حدثت عداوة بينه وبين أحدهما وطلبا أو أحدهما نقله نقل و ( جعلاه حيث يتفقان ) سواء كان عدلا أم فاسقا بشرطه المتقدم ( وإن تشاحا وضعه الحاكم عند عدل ) يراه لأنه العدل قطعا للنزاع ولو كان في يد المرتهن فتغير حاله فكتغير حال العدل
فإن قيل ما صورة التشاحح لأنه إن كان قبل القبض فالتسليم غير واجب وإجبار الحاكم إنما يكون في واجب وإن كان بعده فلا يجوز نزعه ممن هو في يده إلا باتفاقهما كما مر
أجيب بأن صورتها فيما إذا كان الرهن مشروطا في بيع أو وضعاه عند عدل ففسق أو مات كما هو ظاهر كلام المصنف
وكان الأولى أن يقول فإن تشاحا كالروضة ليشير إلى التفريع
( ويستحق بيع المرهون عند الحاجة ) لوفاء الدين إن لم يوف من غيره ( ويقدم المرتهن بثمنه ) على سائر الغرماء لأن ذلك فائدة الرهن وكذا يستحق بيعه في جنايته وعند الإشراف على التلف قبل الحلو
واستنبط ابن الرفعة من استحقاق البيع أنه لا يجب على الراهن الوفاء من غير الرهن كما صرح به الإمام ورده السبكي واختار أنه يجب الوفاء إما من الرهن وإما من غيره إذا كان أسرع وطالب المرتهن به فإنه يجب تعجيلا للوفاء وهذا هو الظاهر
( ويبيعه الراهن أو وكيله بإذن المرتهن ) لأن له فيه حقا
( فإن لم يأذن ) أي المرتهن ( قال له الحاكم تأذن ) في بيعه ( أو تبريء ) هو بمعنى الأمر أي ائذن أو أبريء دفعا لضرر الراهن
( ولو طلب المرتهن بيعه فأبى الراهن ) ذلك ( ألزمه القاضي قضاء الدين أو بيعه فإن أصر ) الراهن أو المرتهن على الامتناع أو أقام المرتهن حجة بالدين الحال في غيبة الراهن ( باعه الحاكم ) عليه ووفى الدين من ثمنه دفعا لضرر الآخر
وظاهر أنه لا يتعين بيعه فقد يجد له ما يوفي به الدين من غير ذلك
وقد وقع أن شخصا رهن دارا بدين ثم غاب وله دار أخرى غير مرهونة فادعى المرتهن على الغائب عند حاكم وأثبت الرهن والدين وكانت كل من الدارين يمكن وفاء الدين من ثمنها فترك القاضي الدار المرهونة وباع الدار التي ليست بمرهونة
فاختلف المفتون في ذلك فمنهم من أفتى بالجواز لأن الواجب الوفاء من مال المديون فلا فرق بين المرهون وغيره كما لو لم يكن بالدين رهن ومنهم من أفتى بعدم الجواز لأن لبيع المرهون مستحق دون غيره فلا وجه لبيع غيره مع إمكان بيعه
وأولى من ذلك ما أفتى به السبكي من أن للحاكم بيع ما يرى بيعه من المرهون وغيره لأن له ولاية على الغائب فيفعل ما يراه مصلحة فإن كان للغائب نقد حاضر من جنس الدين وطلبه المرتهن وفاه منه وأخذ
____________________
(2/134)
المرهون فإن لم يكن له نقد حاضر وكان بيع المرهون أروج وطلبه المرتهن باعه دون غيره ولو باعه الراهن عند العجز عن استئذان المرتهن والحاكم صح كما هو قضية كلام الماوردي ولو لم يجد المرتهن عند غيبة الراهن بينة أو لم يكن ثم حاكم في البلد فله بيعه بنفسه كالظافر بغير جنس حقه
فرع شخص رهن عينا بدين مؤجل وغاب من له الدين فأحضر الراهن المبلغ إلى الحاكم وطلب منه قبضه ليفك الرهن هل له ذلك أجاب السبكي بأن له ذلك وهو ظاهر
( ولو باعه المرتهن بإذن الراهن فالأصح أنه إن باعه بحضرته صح ) البيع ( وإلا فلا ) لأنه يبيعه لغرض نفسه فيتهم في الغيبة بالإستعجال وترك التحفظ دون الحضور
والثاني يصح مطلقا كما لو أذن له في بيع غيره
والثالث لا يصح مطلقا لأن الإذن له فيه توكيل فيما يتعلق بحقه إذ المرتهن مستحق للبيع
ومحل هذه الأقوال إذا كان الدين حالا ولم يعين له الثمن ولم يقل استوف حقك من ثمنه فإن كان الدين مؤجلا صح جزما أو عين له الثمن صح على غير الثالث لانتفاء التهمة أو قال بعه واستوف حقك من ثمنه لم يصح على غير الثاني لوجود التهمة
وإذن الوارث لغرماء الميت في بيع التركة والسيد للمجني عليه في بيع الجاني كإذن الراهن للمرتهن في بيع المرهون
( ولو شرط ) بضم أوله ( أن يبيعه ) أي المرهون ( العدل ) عند المحل ( جاز ) وصح هذا الشرط
( ولا يشترط مراجعة الراهن ) في البيع ( في الأصح ) لأن الأصل بقاء الإذن الأول
والثاني تشترط لأنه قد يكون له غرض في بقاء العين وقضاء الحق من غيرها
واحترز بالراهن عن المرتهن فيتشرط مراجعته قطعا كما نقله الرافعي عن العراقيين بأنه ربما أمهل أو أبرأ وقال الإمام لا خلاف أنه لا يراجع لأن غرضه توفية الحق
والمعتمد الأول لأن إذنه في البيع قبل القبض لا يصح بخلاف الراهن
وينعزل العدل بعزل الراهن وموته لا المرتهن وموته لأنه وكيله في البيع
وإذن المرتهن شرط في صحته لكن يبطل إذنه بعزله وبموته فإن جدده له لم يشترط تجديد توكيل الراهن له لأنه لم ينعزل وإن جدد الراهن إذنا له بعد عزله له اشترط إذن المرتهن لانعزال العدل بعزل الراهن
( فإذا باع ) العدل وقبض الثمن ( فالثمن عنده من ضمان الراهن ) لأنه ملكه والعدل أمينه فما تلف في يده يكون من ضمان المالك ويستمر ذلك ( حتى يقبضه المرتهن ) فإن ادعى العدل تلف الثمن عنده ولم يبين السبب صدق بيمينه وإن بينه ففيه التفصيل الآتي في الوديعة وإن ادعى أنه سلمه للمرتهن فأنكر صدق بيمينه لأن الأصل عدم التسليم
وإذا رجع بعد حلفه على الراهن رجع الراهن على العدل
ولو صدقه في التسليم أو كان قد أذن له فيه أو لم يأمره بالإشهاد لتقصيره بترك الإشهاد
فإن قال له أشهدت وغاب الشهود أو ماتوا فصدقه الراهن أو قال له لا تشهد أو أدى بحضرة الراهن لم يرجع لاعترافه له في الأولتين ولإذنه له في الثانية ولتقصيره في الرابعة
( ولو تلف ثمنه في يد العدل ثم استحق المرهون ) المبيع ( فإن شاء المشتري رجع على العدل ) لوضع يده عليه ( وإن شاء ) رجع ( على الراهن ) لإلجائه المشتري شرعا إلى التسليم للعدل بحكم توكيله
( والقرار عليه ) أي الراهن لما ذكر فيرجع العدل بعد غرمه عليه
تنبيه ظاهر كلامه أنه لا فرق بين تلفه بتفريط وغيره وليس مرادا بل إذا كان بتقصيره فإنه يقتصر في الضمان عليه كما قال السبكي أنه الأقرب
نعم إن نصبه الحاكم للبيع لموت الراهن أو غيبته أو غير ذلك لم يكن طريقا في الضمان حيث لا تقصير لأنه نائب الحاكم والحاكم لا يضمن فكذا هو
( ولا يبيع العدل ) المرهون ( إلا بثمن مثله حالا من نقد بلده ) كالوكيل فإن أخل بشيء منها لم تصح البيع لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن
____________________
(2/135)
به الناس لأنهم يتسامحون فيه
قال الإسنوي والمتجه إلحاق الراهن والمرتهن به ورده الزركشي بأن الحق لهما لا يعدوهما فيجوز بغير ذلك بخلاف العدل
ورد عليه بأن الكلام في كل منهما منفردا
نعم محله في بيع الراهن كما قاله الزركشي فيما إذا نقص عن الدين فإن لم ينقص عنه كما لو كان المرهون يساوي مائة والدين عشرة فباعه بإذن المرتهن بالعشرة صح إذ لا ضرر على المرتهن في ذلك
ولو قال الراهن للعدل لا تبعه إلا بالدراهم وقال المرتهن لا تبعه إلا بالدنانير لم يبع بواحد منهما لاختلافهما في الإذن كذا أطلقه الشيخان ومحله كما قال الزركشي إذا كان للمرتهن فيه غرض وإلا كأن كان حقه دراهم ونقد البلد دراهم وقال الراهن بعه بالدراهم المرتهن بالدنانير فلا يراعى خلافه ويباع بالدراهم كما قطع به القاضي أبو الطيب و الماوردي وغيرهما
وإذا امتنع على العدل البيع بواحد منهما باعه الحاكم بنقد البلد وأخذ به حق المرتهن إن لم يكن من نقد البلد أو باع بجنس الدين وإن لم يكن من نقد البلد إن رأى ذلك
( فإن زاد ) في الثمن ( راغب ) يوثق به زيادة لا يتغابن الناس بمثلها بعد لزوم البيع لم تؤثر ولكن يستحب أن يستقبل المشتري ليبيعه بالزيادة للراغب أو للمشتري إن شاء أو زاد الراغب
( قبل انقضاء الخيار ) للمجلس أو الشرط ( فليفسخ ) أي العدل البيع ( وليبعه ) له أو للمشتري إن شاء
ولو باعه ابتداء من غير فسخ صح وكان البيع فسخا وهو أولى لأنه قد يفسخ فيرجع الراغب
فلو لم يفعل ما ذكر انفسخ لأن زمن الخيار كحالة العقد وهو يمتنع عليه أن يبيعه بمثل الثمن وهناك راغب بزيادة فلو رجع الراغب عن الزيادة فإن كان قبل التمكين من بيعه فالبيع الأول بحاله وإلا بطل واستؤنف من غير افتقار إلى إذن جديد إن كان الخيار لهما أو للبائع لعدم انتقال الملك وإلا فلا بد من إذن جديد
( ومؤنة المرهون ) من نفقة رقيق وكسوته وعلف دابة وأجرة سقي أشجار وجداد ثمار وتجفيفها ورد آبق ونحو ذلك ( على الراهن ) المالك بالإجماع إلا ما روي عن الحسن البصري أنها على المرتهن
( ويجبر عليها لحق المرتهن على الصحيح ) حفظا للوثيقة
والثاني لا يجبر عند الامتناع ولكن يبيع القاضي جزءا منه فيها بحسب الحاجة إلا أن تستغرق المؤنة الرهن قبل الأجل فيباع ويجعل ثمنه رهنا
وعلى الأول لو غاب المالك أو أعسر فكهرب الجمال وسيأتي في الإجارة
تنبيه قال الإسنوي قوله ويجبر عليها إلخ حشو لا حاجة إليه بل يوهم أن الإيجاب متفق عليه فلو حذفه كان أصوب نعم لو حذف الواو من قوله ويجبر زال الإبهام خاصة اه
وهذا ممنوع إذ كلام الروضة صريح في أن الخلاف في الإجبار وعدمه فقط وقد مر أن كون المؤنة على المالك مجمع عليه إلا ما حكي عن الحسن البصري
فإن قيل يستثنى من كلامهم المؤن المتعلقة بالمداواة كالفصد والحجامة وتوديج الدابة وهو بمنزلة الفصد في الآدميين والمعالجة بالأدوية فلا تجب عليه
أجيب بأن هذه لا تسمى مؤنة فلم يتناولها كلامهم ولهذا ذكرها المصنف عقب ذلك بقوله ( ولا يمنع الراهن من مصلحة المرهون كفصد وحجامة ) ومعالجة بالأدوية والمراهم حفظا لملكه فدل ذلك على عدم دخولها فيما تقدم
( وله ) ختان الرقيق إن لم يخف منه وكأن يندمل قبل الحلول سواء في ذلك الصغير والكبير كما أطلقه الجمهور لأنه لا بد منه والغالب فيه السلامة
وله قطع السلعة واليد المتأكلة والمداواة إذا غلبت السلامة وإلا امتنع عليه ذلك
وله نقل المزدحم من النخل إذا قال أهل الخبرة نقلها أنفع وقطع البعض منها لإصلاح الأكثر والمقطوع منها مرهون بحاله وما يحدث من سعف وجريد وليف غير مرهون وكذا ما كان ظاهرا منها عند العقد كالصوف بظهر الغنم
وله رعي الماشية في الأمن نهارا ويردها إلى المرتهن أو العدل ليلا وله أن ينتجع بها إلى الكلأ ونحوه لعدم الكفاية في مكانها ويردها إلى عدل يتفقان عليه أو ينصبه الحاكم ويجوز للمرتهن الانتجاع بها للضرورة كما يجوز له نقل المتاع من بيع غير محرز إلى محرز فإن انتجعا إلى مكان واحد فذاك أو إلى مكانين فلتكن مع الراهن ويتفقان على عدل يبيت عنده أو ينصبه الحاكم كما مر
( وهو ) أي المرهون ( أمانة في يد المرتهن ) لخبر الرهن
____________________
(2/136)
من راهنه أي من ضمان راهنه له غنمه وعليه غرمه
وقال الشافعي وهذا أفصح ما قاله العرب الشيء من فلان أي من ضمانه
فلو شرط كونه مضمونا لم يصح الرهن
( ولا يسقط بتلفه شيء من دينه ) كموت الكفيل بجامع التوثق
تنبيه قوله ولا يسقط بالواو أحسن من حذفها في المحرر والروضة وأصلها لأنها تدل على ثبوت حكم الأمانة مطلقا ويتسبب عدم السقوط عنها
ولا يلزمه ضمانه بمثل أو قيمة إلا إن استعار الراهن أو تعدى فيه أو منع من رده بعد سقوط الدين والمطالبة أما بعد سقوطه وقبل المطالبة فهو باق على أمانته
فروع ليس للراهن أن يقول للمرتهن أحضر المرهون وأنا أقضى دينك إذ لا يلزمه الإحضار ولو بعد قضاء الدين وإنما عليه التمكين كالمودع والإحضار وما يحتاج إليه من مؤنة على رب المال
ولو قال خذ هذا الكيس واستوف حقك منه فهو أمانة في يده إلى أن يستوفي فإذا استوفاه صار مضمونا عليه
ولو قال خذه بدراهمك وكانت الدراهم التي فيه مجهولة القدر أو كانت أكثر أو أقل من دراهمه لم يملكه ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد وإن كانت معلومة بقدر حقه ملكها إذا لم يكن للكيس قيمة وإلا فهو من مسألة قاعدة مد عجوة
( وحكم فاسد العقود ) الصادرة من رشيد ( حكم صحيحها في الضمان ) وعدمه لأن العقد إن اقتضى صحيحه الضمان بعد التسليم كالبيع والإعارة ففاسده أولى أو عدمه كالرهن والهبة بلا ثواب والعين المستأجرة ففاسدة كذلك لأن واضع اليد أثبتها بإذن مالكها ولم يلتزم بالعقد ضمانا
والمراد بما ذكر التسوية في أصل الضمان لا في الضامن ولا في المقدار فإنهما قد لا يستويان
وخرج بزيادة الصادر من رشيد ما لو صدر من غيره ما لا يقتضي صحيحه الضمان فإنه مضمون واستثني من طرد هذه القاعدة ومن عكسها مسائل فمن الأول ما إذا قال قارضتك على أن الربح كله لي فهو قراض فاسد ولا يستحق العامل أجرة وما لو قال ساقيتك على أن الثمرة كلها لي فهو فاسد ولا يستحق العامل أجرة
والأولى عدم استثناء هاتين الصورتين لأنهما لم يدخلا في هذه القاعدة لأن المراد بها ما يقتضي فساده ضمان العوض المقبوض والمالك هنا لم يقبض عوضا فاسدا والعامل رضي بإتلاف منافعه وباشر إتلافها وما لو صدر عقد الذمة من غير الإمام فهو فاسد ولا جزية فيه على الذمي
قال ابن السبكي وهذه لا تستثنى أيضا لأن القائل بعدم الوجوب لا يقول بفسادها بل يجعل الصادر لغوا غير عقد صحيح ولا فاسد أي فإتلاف الحربي غير مضمون فلم تلزمه عوض المنفعة كما لو دخل دارنا وأقام فيها مدة ولم يعلم به الإمام
ومن الثاني الشركة فإنه لا يضمن كل من الشريكين عمل الآخر مع صحتها ويضمنه مع فاسدها فإذا خلطا ألفا بألفين وعملا فصاحب الألفين يرجع على صاحب الألف بثلث أجرة مثله وصاحب الألف يرجع بثلثي أجرته على صاحب الألفين
وما لو صدر الرهن أو الإجارة من متعد كغاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر فللمالك تضمينه وإن كان القرار على المتعدي مع أنه لا ضمان في صحيح الرهن والإجارة
ولو قيل في هذه القاعدة كل عين لا تعدي فيها وكانت مضمونة بعقد صحيح كانت مضمونة بفاسد ذلك العقد وما لا فلا لم يرد كما قال شيخي وغيره شيء من هذه المسائل المستثنيات
ومن فروع هذه القاعدة ما ذكره بقوله ولو شرط كون المرهون مبيعا له عند الحلول فسد أي الرهن لتأقيته والبيع لتعليقه ( وهو ) أي المرهون في هذه الصورة ( قبل المحل ) بكسر الحاء أي وقت الحلول ( أمانة ) لأنه مقبوض بحكم الرهن الفاسد وبعده مضمون بحكم الشراء الفاسد
واستثنى الزركشي ما إذا لم يمض بعد زمن الحلول زمن يتأتى فيه القبض وتلف ضمان ومن ذلك ما لو رهنه أرضا وأذن له في غرسها بعد شهر فهي قبل الغرس أمانة بحكم الرهن وبعده عارية مضمونة بحكم العارية
تنبيه قد تتناول عبارة المصنف ما لو علق ذلك على عدم القضاء فقال رهنتك وإذا لم أقضك عند الحلول فهو مبيع منك ولا شك في فساد البيع في هذه الصورة
وأما الرهن فالظاهر كما قال السبكي صحته وكلام الروياني يقتضيه
____________________
(2/137)
وكذا إذا لم يأت بذلك على سبيل الشرط بل رهنه رهنا صحيحا وأقبضه ثم قال إذا حل الأجل فهو مبيع منك بكذا فقبل فالبيع باطل والرهن صحيح بحاله
( ويصدق المرتهن في دعوى التلف بيمينه ) إذا لم يذكر سببه فإن ذكره ففيه التفصيل الآتي في الوديعة
والمقصود من هذه المسألة هو عدم الضمان ولم يصرح به المصنف وإلا فالمعتدي كالغاصب يصدق بيمينه في ذلك
( ولا يصدق في ) دعوى الرد على الراهن ( عند الأكثرين ) لأنه قبضه لغرض نفسه كالمستعير كما أن المستأجر لا يصدق في دعوى الرد على المؤجر لذلك ويصدق عند غيرهم بيمينه كالمودع
ضابط كل من ادعى الرد على من ائتمنه يصدق بيمينه إلا المرتهن والمستأجر
( ولو وطىء المرتهن المرهونة ) من غير إذن الراهن ( بلا شبهة ) منه ( فزان ) فعليه الحد ويجب المهر إن أكرهها بخلاف ما إذا طاوعته
( ولا يقبل قوله جهلت تحريمه ) أي الوطء ( إلا أن يقرب عهده بالإسلام أو ينشأ ببادية بعيدة عن العلماء ) فيقبل قوله لدفع الحد لأنه قد يخفي عليه بخلاف غيره ويجب المهر
وينبغي أن يكون الحكم كذلك فيما إذا كانت المرهونة لأبيه أو أمه وادعى جهل تحريمها عليه كما نص عليه الشافعي في الأم
واحترز بقوله بلا شبهة عما إذا ظنها زوجته أو أمته فإنه لا حد عليه ويجب المهر
قال الأذرعي إن أراد الأئمة بقرب الإسلام من قدم من دار الحرب ونحوها فذاك وأما مخالطونا من أهل الذمة فلا ينقدح فرق بينهم وبين الأغنياء من عوامنا فإما أن يصدقوا أو لا اه
والظاهر إطلاق كلام الأصحاب
والمراد جهل تحريم وطء المرهونة كأن قال ظننت أن الارتهان يبيح الوطء وإلا فكدعوى جهل تحريم الزنا
قال الشارحي وقوله فزان أي فهو زان كما في المحرر جواب لو بمعنى إن مجردة عن زمان انتهى وهو جواب عما يقال لو نفسها لا تجاب بالفاء أجاب بأنهم أجروها مجرى إن
وقال مجردة عن الزمان لأنها تقتضي الاستقبال وقال فهو زان لأن جوابها لا يكون إلا جملة
( وإن وطىء بإذن الراهن ) المالك لها ( قبل دعواه جهل التحريم ) للوطء مطلقا ( في الأصح ) لأن التحريم بعد الإذن لما خفي على عطاء مع أنه من علماء التابعين لا يبعد خفاؤه على العوام
والثاني لا يقبل لبعد ما يدعيه إلا أن يقرب عهده بالإسلام أو ينشأ بعيدا عن العلماء
وإذا قبل قوله في ذلك ( فلا حد ) عليه
وأفهم كلامهم أنه لو لم يدع الجهل أنه يحد وهو كذلك
( ويجب المهر إن أكرهها ) أو جهلت التحريم كأعجمية لا تعقل
( والولد حر نسيب ) في هذه الصورة وفي صورة انتفاء الحد السابقتين لأن الشبهة كما تدرأ الحد تثبت النسب والحرية
( وعليه قيمته للراهن ) لتفويته الرق عليه
قال الزركشي وينبغي أن يستثنى منه ما لو كان يعتق على الراهن كما سيأتي في نكاح الأمة
وإذا ملك المرتهن هذه الأمة لم تصر أم ولد له لأنها علقت به في غير ملكه
نعم لو كان أبا للراهن صارت أم ولد له بالإيلاد كما هو معلوم في النكاح
ولو ادعى بعد الوطء أنه كان ملكها فنكل الراهن وحلف فالولد رقيق كأمه فإن نكل الراهن فحلف المرتهن أو ملكها صارت أم الولد له والولد حر لإقراره كما لو أقر بحرية عبد في يد غيره ثم ملكه
( ولو أتلف المرهون وقبض بدله ) أو لم يقبض كما في زيادة الروضة ( صار رهنا ) لقيامه مقامه ويجعل في يد من كان الأصل في يده ولا يحتاج إلى إنشاء رهن بخلاف بدل الموقوف إذا أتلف فإن الأصح أنه لا بد من إنشاء الوقف فيه
والفرق أن القيمة يصح أن تكون رهنا ولا يصح أن تكون وقفا
ولا يضر كونه دينا قبل قبضه في الثانية وإن اقتضى كلام المصنف خلافه لأن الدين إنما يمتنع رهنه ابتداء كما مرت الإشارة إليه عند شرط المرهون كونه عينا
( والخصم في البدل ) المالك ( الراهن ) أو المعير للمرهون لأنه
____________________
(2/138)
المالك للرقبة والمنفعة
( فإن لم يخاصم لم يخاصم المرتهن في الأصح ) وإن تعلق حقه بما في الذمة لأنه غير مالك وله إذا خاصم المالك حضور خصومته لتعلق حقه بالبدل
والثاني يخاصم لأن حقه تعلق بما في الذمة
ويجري الخلاف فيما لو غصب المرهون ومحل الخلاف إذا تمكن المالك من المخاصمة أما لو باع المالك العين المرهونة فللمرتهن المخاصمة جزما كما أفتى به البلقيني واستظهره ابن شهبة
( فلو ) جنى رقيق على الرقيق المرهون و ( وجب قصاص اقتص الراهن ) منه أو عفا مجانا
( وفات الرهن ) لفوات محله بلا بدل
هذا إذا كانت الجناية في النفس فإذا كانت في طرف أو نحوه فالرهن باق بحاله
ولو أعرض الراهن عن القصاص والعفو بأن سكت عنهما لم يجبر على أحدهما لأنه يملك إسقاطه فتأخيره أولى
( فإن وجب المال بعفوه ) عن القصاص على مال ( أو بجناية خطأ ) أو شبه عمد أو عمد يوجب مالا لعدم المكافأة مثلا صار المال مروهنا ولو لم يقبض كما مر
( ولم يصح عفوه ) أي الراهن عنه لتعلق حق المرتهن به
تنبيه قول بعض المتأخرين ثم محل كون ما ذكر رهنا في الذمة إذا كان الجاني غير الراهن وإلا فلا يصير مرهونا إلا بالغرم إذ لا فائدة في كونه مرهونا في ذمته بخلافه في ذمة غيره ممنوع إذ فائدته أنه يقدم به على الغرماء
وقول الماوردي ومحل ما ذكر في الجناية إذا نقصت القيمة بها ولم يزد الأرش فلو لم تنقص بها كأن قطع ذكره وأنثياه أو نقصت بها وكان الأرش زائدا على ما نقص منها فازالمالك بالأرش كله في الأولى وبالزائد على ما ذكر في الثانية ممنوع أيضا لأن حق المرتهن تعلق بذلك فهو كما لو زاد سعر المرهون بعد رهنه
ولو اقتصر المصنف على قوله فإن وجب المال ليشمل ما لو وجب المال ابتداء بجناية عمد لا قصاص فيها كما قدرته في كلامه كالهاشمة أو لكون الجاني أصلا لكان أولى
( ولا ) يصح ( إبراء المرتهن الجاني ) لأنه غير مالك ولا يسقط بإبرائه حقه من الوثيقة إلا إن أسقطه منها
( ولا يسري الرهن إلى زيادته ) أي المرهون ( المنفصلة كثمرة وولد ) وصوف ولبن وبيض ومهر جارية لأنه عقد لا يزيل الملك عن الرقبة فلا يسري إليها كالإجارة بخلاف المتصلة كسمن وكبر وتعليم فإنها تتبع الأصل لعدم تمييزها
( فلو رهن حاملا وحل الأجل وهي حامل بيعت ) كذلك لأنا إن قلنا الحمل يعلم وهو الأصح فكأنه رهنهما معا وإلا فقد رهنها والحمل محض صفة
تنبيه عبارة المحرر ولو رهن حاملا ومست الحاجة إلى البيع وهي حامل بعد فتباع في الدين وهي أعم من عبارة الكتاب لشمولها البيع في جناية مثلا
( وإن ولدته بيع معها في الأظهر ) بناء على أن الحمل يعلم فهو رهن
والثاني لا يباع معها بناء على أن الحمل لا يعلم فهو كالحادث بعد العقد
( وإن كانت حاملا عند البيع دون الرهن فالولد ليس برهن في الأظهر ) بناء على أنه يعلم
والثاني نعم بناء على مقابله فيتبع كالصفة
تنبيه قضية كلامه أن مقابل الأظهر أن الولد يكون مرهونا وليس مرادا لأنه مفرع على أن الحلم لا يعلم فكيف يرهن وإنما المراد أنه يباع معها كالسمن
وعلى الأول يتعذر بيعها حتى تضع قال ابن المقري تبعا للإسنوي إن تعلق به حق ثالث بوصية أو حجر فلس أو موت أو تعلق الدين برقبة أمه دونه كالجانية والمعارة للرهن أو نحوها وذلك لأن استثناء الحمل متعذر وتوزيع الثمن على الأم والحمل كذلك لأن الحمل لا تعرف قيمته
أما إذا لم يتعلق به أو بها شيء من ذلك فإن الراهن يلزم بالبيع أو بتوفية الدين فإذا امتنع من الوفاء من جهة أخرى أجبره الحاكم على بيعها إن لم يكن له مال غيرها ثم إن تساوى الثمن والدين فذاك وإن فضل من الثمن شيء أخذه المالك وإن نقص طولب بالباقي
ولو رهن نخلة ثم أطلعت استثنى طلعها عند بيعها ولا يمنع بيعها مطلقا بخلاف الحامل
____________________
(2/139)
فصل إذا ( جنى المرهون ) على أجنبي جناية تتعلق برقبته ( قدم المجني عليه ) على المرتهن لأنه لا حق له في غير الرقبة فلو قدم المرتهن عليه لضاع حقه
وأما المرتهن فحقه متعلق بها وبالذمة فلا يفوت بفواتها
ولو أمر سيده بالجناية وهو مميز فلا أثر لإذنه في شيء إلا في الإثم أو غير مميز أو أعجمي يعتقد وجوب طاعة سيده في كل ما يأمره به فالجاني هو السيد
ولا يتعلق برقبة العبد قصاص ولا مال ولا يقبل قول السيد أنا أمرته بالجناية في حق المجني عليه لأنه يتضمن قطع حقه عن الرقبة بل يباع العبد فيها وعلى سيده قيمته لتكون رهنا مكانه لإقراره بأمره بالجناية
وأمر غير السيد العبد بالجناية كالسيد فيما ذكر كما ذكروه في الجنايات وصرح به الماوردي هنا
( فإن اقتص ) المستحق في النفس أو غيرها بأن أوجبت الجناية قصاصا ( أو بيع ) المرهون كله أو بعضه ( له ) أي لحق المجني عليه بأن أوجبت الجناية مالا أو عفا على مال
( بطل الرهن ) فيما اقتص أو بيع لفوات محله
نعم إن وجبت قيمته كأن كانت تحت يد غاصب لم يفت الرهن بل تكون قيمته رهنا مكانه فلو عاد المبيع إلى ملك الراهن لم يكن رهنا
تنبيه قد علم من اقتصاره على القصاص والبيع أنه لو سقط حق المجني عليه بعفو أو فداء لم يبطل
( وإن جنى ) المرهون ( على سيده فاقتص بطل ) الرهن في المقتص نفسا كان أو طرفا كما صرح به في المحرر
تنبيه قال الإسنوي التاء في اقتص مفتوحة والضمير يعود إلى المستحق فيشمل السيد والوارث والسلطان فيمن لا وارث له ولا يصح ضمها لأنه لا يتعدى إلا بمن
وقال الشارح بضم التاء وقدر منه
والأولى أولى لسلامتها من التقدير ولكن يؤيد الشارح ما يأتي في ضبط عفي من قوله ( وإن عفي على مال لم يثبت على الصحيح ) لأن السيد لا يثبت له على عبده مال ابتداء
( فيبقى رهنا ) كما كان
والثاني يثبت المال ويتوصل به إلى فك الرهن
ومحل الخلاف في غير الأمة التي استولدها السيد المعسر أما هي فإن الاستيلاد لا ينفذ في حق المرتهن ولا تباع في الجناية على السيد جزما لأن المستولدة لو جنت على أجنبي لا تباع بل يفديها السيد فتكون جنايتها على سيدها في الرهن كالعدم
تنبيه قوله عفي بضم العين كما نقل عن خط المصنف ليشمل عفو السيد والوارث لكنه معترض من جهة اصطلاحه فإن الخلاف في عفو السيد وجهان وفي عفو الوارث قولان فثبوت المال في الأول ضعيف والثاني قوي
وأتى بالفاء لأنه مفرع على الصحيح
وعلى مقابله هو رهن أيضا لكن يباع في الجناية ويبطل الرهن
ولو جنى على سيده خطأ كان العفو فلو قال وإن وجد سبب المال لكان أشمل
( وإن قتل ) المرهون ( مرهونا لسيده عند ) مرتهن ( آخر فاقتص ) السيد منه ( بطل الرهنان ) لفوات محلهما ( وإن ) عفى على غير مال صح كما مر وإن عفى على مال أو ( وجب مال ) بجناية خطأ أو نحوه ( تعلق به ) أي المال ( حق مرتهن القتيل ) والمال متعلق برقبة القاتل ( فيباع ) إن لم تزد قيمته على الواجب بالقتل
( وثمنه ) إن لم يزد على الواجب ( رهن ) وإلا فقدر الواجب منه لأنه يصير نفسه رهنا
( وقيل يصير رهنا ) ولا يباع لأنه لا فائدة في البيع إذا كان الواجب أكثر من قيمته أو مثلها
ودفع بأن حق المرتهن في ماليته لا في عينه ولأنه قد يرغب فيه بزيادة فيتوثق مرتهن القاتل بها فإن كان الواجب أقل من قيمته فعلى الأول يباع منه بقدر الواجب ويبقى الباقي رهنا فإن تعذر بيع بعضه أو نقص به بيع الكل وصار الزائد رهنا عند مرتهن القتيل وعلى الثاني ينتقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل
تنبيه محل الخلاف إذا طلب الراهن النقل ومرتهن القتيل البيع فأيهما يجاب فيه الوجهان
أما إذا طلب الراهن البيع ومرتهن القتيل النقل فالمجاب الراهن إذ لا حق للمرتهن في عينه
ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد الطرفين فهو المسلوك قطعا أو الراهن ومرتهن القتيل على نقل القاتل أو بعضه إلى المرتهن ليكون رهنا فليس لمرتهن
____________________
(2/140)
القاتل المنازعة وطلب البيع لأنه فائدة له في ذلك
قال الرافعي ومقتضى التعليل بتوقع راغب أنه له ذلك
( فإن كانا ) أي القاتل والمقتول ( مرهونين عند شخص ) أو أكثر ( بدين واحد نقصت الوثيقة ) بفتح النون والصاد المهملة كما لو مات أحدهما
تنبيه لو قال عند مستحق لكان أولى ليشمل ما قدرته إذ لا فرق في ذلك بين الواحد وغيره
( أو بدينين ) عند شخص وتعلق المال برقبة القاتل ( وفي نقل الوثيقة ) به إلى دين القتيل ( غرض ) أي فائدة للمرتهن ( نقلت ) وإلا فلا
فلو كان أحد الدينين حالا والآخر مؤجلا أو كان أحدهما أطول أجلا من الآخر فللمرتهن التوثق بثمن القاتل لدين القتيل فإن كان حالا فالفائدة استيفاؤه من ثمن القاتل في الحال أو مؤجلا فقد توثق ويطالب بالحال وإن اتفق الدينان قدرا وحلولا وتأجيلا وقيمة القتيل أكثر من قيمة القاتل أو مساوية لها لم تنقل الوثيقة لعدم الفائدة وإن كان قيمة القاتل أكثر نقل منه قدر قيمة القتيل
وحيث قيل بالنقل للقاتل أو بعضه فالمراد به أن يباع ويصير ثمنه رهنا مكان القتيل لا رقبته لما مر
ولو اختلف جنس الدينين بأن كان أحدهما دنانير والآخر دراهم واستويا في المالية بحيث لو قوم أحدهما بالآخر لم يزد ولم ينقص لم يؤثر خلافا لما وقع في الوسيط من تأثيره فقد قال الشيخان إنه مخالف لنص الشافعي والأصحاب كلهم ولا أثر لاختلافهما في الاستقرار وعدمه كأن يكون أحدهما عوض مبيع قبل القبض أو صداقا قبل الدخول والآخر بخلافه
ولو كان بأحدهما ضامن فطلب المرتهن نقل الوثيقة من الدين الذي بالضمان إلى الآخر حتى يحصل له التوثق فيهما
أجيب كما هو قضية كلام المصنف واستظهره بعض المتأخرين لأنه غرض وقضيته أنه لو قال المرتهن بيعوه وضعوا ثمنه مكانه فإني لا آمن جنايته مرة أخرى فتؤخذ رقبته فيها ويبطل الرهن أنه يجاب لأنه غرض وفي إجابته وجهان بلا ترجيح رجح الزركشي منهما المنع وهو الظاهر كسائر ما يتوقع من المفسدات ثم نقل عن أبي خلف الطبري ما حاصله أنه المذهب
ولو اقتص السيد من القاتل فاتت الوثيقة ( ولو تلف المرهون بآفة ) سماوية ( بطل ) الرهن لفواته
تنبيه شمل تعبيره بالتلف تخمر العصير وقضيته أنه لو عاد خلا لا يعود رهنا وتقدم أن الأصح عوده
وقد يرد على تقييده بالآفة ما لو أذن المرتهن للراهن في ضرب المرهون فضربه وتلف منه فإنه ينفسخ الرهن كما نص عليه في الأم وجرى عليه الأصحاب
( وينفك ) الرهن ( بفسخ المرتهن ) ولو بدون الراهن لأن الحق له وهو جائز من جهته
نعم التركة إذا قلنا إنها مرهونة بالدين وهو الأصح وأراد صاحب الدين الفسخ لم يكن له ذلك لأن الرهن لمصلحة الميت فالفك يفوتها
وخرج بالمرتهن الراهن فلا ينفك بفسخه للزومه من جهته
( وبالبراءة من ) جميع ( الدين ) بأي وجه كان ولو بحوالة المرتهن على الراهن
ولو اعتاض عن الدين عينا انفك الرهن فلو تلفت أو تقايلا في المعاوضة قبل قبضها عاد المرهون رهنا
( فإن بقي شيء منه ) أي من الدين وإن قل ( لم ينفك شيء من الرهن ) بالإجماع كما نقله ابن المنذر وكحق حبس المبيع وعتق المكاتب ولأنه وثيقة لجميع أجزاء الدين فلو شرط كلما قضي من الحق شيء من انفك من الرهن بقدره فسد الرهن لاشتراط ما ينافيه كما قاله الماوردي
( ولو رهن نصف عبد بدين ونصفه بآخر ) في صفقة أخرى ( فبرىء من أحدهما انفك قسطه ) لتعدد الصفقة بتعدد العقد
( ولو رهناه ) بدين ( فبريء أحدهما ) مما عليه ( انفك نصيبه ) لتعدد الصفقة بتعدد العاقد ولو اتحد وكيلهما قال الإمام لأن المدار على اتحاد الدين وعدمه
ومتى تعدد المستحق أو المستحق عليه تعدد الدين بخلاف البيع فإن العبرة فيه بتعدد الوكيل واتحاده لأنه عقد
____________________
(2/141)
ضمان فنظر فيه إلى المباشر له بخلاف الرهن
ولو رهنه عند اثنين فبريء من دين أحدهما انفك قسطه لتعدد مستحق الدين
فإن قيل ما يأخذه أحدهما من الدين لا يختص به بل هو مشترك بينهما فكيف تنفك حصته من الرهن بأخذه أجيب بأن ما هنا محله إذا لم تتحد جهة دينهما أو إذا كانت البراءة بالإبراء لا بالأخذ
ولو رهن عبدا استعاره من اثنين ليرهنه ثم أدى نصف الدين وقصد فكاك نصف العبد أو أطلق ثم جعله عنه انفك نصفه نظرا إلى تعدد المالك بخلاف ما إذا قصد الشيوخ أو أطلق ثم جعله عنهما أو لم يعرف حاله
فروع لو رهن شخص آخر عبدين في صفقة وسلم أحدهما له كان مرهونا بجميع الدين كما لو سلمهما وتلف أحدهما
ولو مات الراهن عن ورثته ففدى أحدهم نصيبه لم ينفك كما في المورث ولأن الرهن صدر ابتداء من واحد وقضيته حبس كل المرهون إلى البراءة من كل الدين بخلاف ما لو فدى نصيبه من التركة فإنه ينفك لأن تعلق الدين بالتركة إما كتعلق الرهن به فهو كما لو تعدد الراهن أو كتعلق الأرش بالجاني فهو كما لو جنى العبد المشترك فأدى أحد الشريكين نصيبه ينقطع التعلق عنه
ولو مات المرتهن عن ورثة فوفى أحدهم ما يخصه من الدين لم ينفك نصيبه كما قاله السبكي كما لو وفى مورثه بعض دينه وإن خالف في ذلك ابن الرفعة
فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به ( اختلفا ) أي الراهن والمرتهن ( في ) أصل ( الرهن ) كأن قال رهنتني كذا فأنكر
( أو ) في ( قدره ) أي الرهن بمعنى المرهون كأن قال رهنتني الأرض بأشجارها فقال بل الأرض فقط
أو في عينه ك هذا العبد فقال بل الجارية
أو قدر المرهون به ك مائتين فقال بل مائة
( صدق الراهن ) أي المالك ( بيمينه ) وإن كان المرهون بيد المرتهن لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن
تنبيه لو عبر بالمالك كما قدرته لكان أولى لأن الراهن قد يكون مستعيرا وأيضا هو ليس براهن لكن قال الشارح إطلاقه على المنكر بالنظر إلى المدعي
وقوله ( إن كان رهن تبرع ) أي ليس مشروطا في بيع قيد في التصديق
( وإن شرط ) الرهن المختلف فيه بوجه مما ذكر ( في بيع تحالفا ) كما لو اختلفا في سائر كيفيات البيع
تنبيه شملت عبارته ما لو اتفقا على اشتراط الرهن في بيع واختلفا في الوفاء كأن قال المرتهن رهنت مني المشروط رهنه وهو كذا فأنكر الراهن مع أنه لا تحالف حينئذ لأنهما لم يختلفا في كيفية البيع الذي هو موقع التحالف بل يصدق الراهن بيمينه وللمرتهن الفسخ إن لم يرهن
وهذه المسألة علم حكمها من قوله في اختلاف المتبايعين اتفقا على صحة البيع واختلفا في كيفيته فلا يحتاج إلى ذكرها هنا
( ولو ادعى ) على اثنين ( أنهما رهناه عبدهما بمائة ) وأقبضاه إياه ( وصدقه أحدهما فنصيب المصدق رهن بخمسين ) مؤاخذة له بإقراره ( والقول في نصيب الثاني قوله بيمينه ) لما سلف
( وتقبل شهادة المصدق عليه ) أي المكذب لخلوها عن جلب النفع ودفع الضرر عنه
فإن شهد معه آخر أو حلف المدعي معه ثبت رهن الجميع
ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن نصيبه وأن شريكه رهن أو سكت عن شريكه وشهد عليه قبلت شهادته فربما نسي وإن تعمد فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق ولهذا لو تخاصم اثنان في شيء ثم شهدا في حادثة قبلت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في التخاصم
فإن قيل ما ذكر من أن الكذبة الواحدة غير مفسقة محله عند عدم انضمام غيرها إليها كجحد حق واجب وهذا بتقدير تعمده يكون جاحدا لحق واجب عليه فيفسق بذلك
أجيب بأن شرط كون الجحد مفسقا أن يفوت المالية على الغير وهنا لم يفوت إلا حق الوثيقة
فإن قيل محل ذلك إذا لم يصرح المدعي بظلمها بالإنكار بلا تأويل وإلا فلا تقبل شهادتهما لأنه ظهر منه
____________________
(2/142)
ما يقتضي تفسيقهما
أجيب بمنع أنه بذلك ظهر منه هذا إذ ليس كل ظلم خال عن تأويل مفسقا بدليل الغيبة
ولو ادعيا على واحد أنه رهنهما عبده وأقبضه لهما وصدق أحدهما قبلت شهادة المصدق للمكذب إن لم يكن شريكه فيه وسيأتي بيان ذلك في الشهادات إن شاء الله تعالى مبسوطا
( ولو اختلفا ) أي الراهن والمرتهن ( في قبضه ) أي المرهون ( فإن كان في يد الراهن أو في يد المرتهن وقال الراهن غصبته صدق الراهن بيمينه ) لأن الأصل عدم لزوم الرهن وعدم إذنه في القبض
( وكذا إن قال أقبضته عن جهة أخرى ) كإجارة أو إيداع يصدق بيمينه ( في الأصح ) المنصوص لأن الأصل عدم إذنه في القبض عن الرهن
والثاني يصدق المرتهن لاتفاقهما على قبض مأذون فيه والراهن يريد صرفه إلى جهة أخرى وهو خلاف الظاهر لتقدم العقد المحوج إلى القبض
ولو اتفقا على الإذن في القبض وتنازعا في قبض المرتهن فالمصدق من المرهون في يده
( ولو أقر ) الراهن ( بقبضه ) أي المرتهن المرهون ( ثم قال لم يكن إقراري عن حقيقة فله تحليفه ) أي المرتهن أنه قبض المرهون
( وقيل لا يحلفه إلا أن يذكر لإقراره تأويلا كقوله أشهدت على رسم القبالة ) قبل حقيقة القبض
والرسم الكتابة والقبالة بفتح القاف والباء الموحدة الورقة التي يكتب فيها الحق المقر به أي أشهدت على الكتابة الواقعة في الوثيقة لكي آخذ بعد ذلك أو ظننت حصول القبض بالقول أو ألقي إلي كتاب على لسان وكيلي أنه أقبض ثم خرج مزورا لأنه إذا لم يذكر تأويلا يكون مناقضا بقوله لإقراره
وأجاب الأول بأنا نعلم أن الوثائق في الغالب يشهد عليها قبل تحقق ما فيها فأي حاجة إلى تلفظه بذلك وكان ينبغي أن يقول المصنف ولو أقر بإقباضه لأن به يلزم الرهن
تنبيه قضية كلامه أنه لا فرق بين أن يكون الإقرار في مجلس الحكم بعد الدعوى أم لا وهو كذلك كما هو مقتضى كلام العراقيين وجزم ابن المقري وإن قال القفال إنه ليس له التحليف إذا كان الإقرار في مجلس الحكم وإنما يعتبر إقرار الراهن بالإقباض إذا أمكن فلو كان بمكة مثلا فقال رهنته اليوم داري بالشام وأقبضته إياها وهما بمكة فهو لغو نص عليه
قال القاضي أبو الطيب وهذا يدل على أنه لا يحكم بما يمكن من كرامات الأولياء أي لأن هذه الأمور لا يعول عليها في الشرع
( ولو قال أحدهما ) أي الراهن أو المرتهن ( جنى المرهون ) بعد القبض ( وأنكر الآخر صدق المنكر بيمينه ) لأن الأصل عدم الجناية وبقاء الرهن وإذا بيع في الدين فلا شيء للمقر له على الراهن بإقراره ولا يلزم تسليم الثمن إلى المرتهن المقر لإقراره
( ولو قال الراهن ) بعد القبض ( جنى قبل القبض ) المرهون سواء أقال جنى بعد الرهن أم قبله وأنكر المرتهن ( فالأظهر تصديق المرتهن بيمينه في إنكاره ) الجناية صيانة لحقه فيحلف على نفي العلم لأن الراهن قد يواطىء مدعي الجناية لغرض إبطال الرهن
والثاني يصدق الراهن لأنه أقر في ملكه بما يضره
تنبيه محل القولين إذا عين المجني عليه وصدقه وادعاه وإلا فالرهن باق بحاله قطعا ودعوى الراهن زوال الملك كدعواه الجناية
( والأصح أنه إذا حلف ) المرتهن ( غرم الراهن للمجني عليه ) لأنه حال بينه وبين حقه فهو كما لو قتله
والثاني لا يغرم لأنه أقر بما لا يقبل إقراره به فكأنه لم يقر
تنبيه كان الأولى التعبير بالأظهر كما في الشرحين والروضة فإن الخلاف قولان وهما القولان المشهوران في
____________________
(2/143)
الغرم للحيلولة
وقوله ( وأنه يغرم الأقل من قيمة العبد وأرش الجناية ) كجناية أم الولد لامتناع البيع يقتضي أن الخلاف وجهان وهو طريقان أصحهما القطع بذلك
والثانية قولان كما في فداء العبد الجاني أظهرهما بالأقل من قيمته وأرش الجناية وثانيهما الأرش بالغا ما بلغ فكان ينبغي التعبير بالمذهب
وقوله ( وأنه لو نكل المرتهن ردت اليمين على المجني عليه ) لأن الحق له ( لا على الراهن ) لأنه لم يدع لنفسه شيئا يقتضي أيضا أنهما وجهان
والأصح أن الخلاف قولان أصحهما ما مر والثاني ترد على الراهن لأنه المالك والخصومة تجري بينه وبين المرتهن
( فإذا حلف ) المردود عليه منهما ( بيع ) العبد ( في الجناية ) إن استغرقت الجناية قيمته وإلا بيع منه بقدرها ولا يكون الباقي رهنا لثبوت الجناية باليمين المردودة ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه لأنه الذي فوته بنكوله
( ولو أذن ) المرتهن ( في بيع المرهون فبيع ) وقال رجعت عن الإذن وأنكر الراهن رجوعه فالقول قول الراهن بيمينه لأن الأصل عدم الرجوع
( و ) لو ( رجع عن الإذن وقال ) بعد البيع ( رجعت قبل البيع وقال الراهن ) بل ( بعده فالأصح تصديق المرتهن ) بيمينه لأن الأصل عدم البيع والرجوع في الوقت المدعى إيقاع كل منهما فيه فيتعارضان فيه ويبقى الرهن
والثاني يصدق الراهن لأنه أعرف بوقت بيعه وقد سلم له المرتهن الإذن
والثالث قول السابق منهما وهو الصحيح في نظيره من الرجعة وفي اختلاف الوكيل والموكل في أن العزل قبل البيع أو بعده
( ومن عليه ألفان ) مثلا ( بأحدهما رهن ) أو كفيل أو هو ثمن مبيع محبوس به والآخر خال عن ذلك ( فأدى ألفا وقال أديته عن ألف الرهن ) أو نحوه مما ( صدق بيمينه ) لأنه أعلم بقصده وكيفية أدائه سواء اختلفا في نيته أم لفظه
فالعبرة في جهة الأداء بقصد المؤدي حتى يبرأ بقصده الوفاء ويملكه المديون وإن ظن الدائن إيداعه وكما أن العبرة في ذلك بقصده فكذا الخيرة فيه إليه ابتداء إلا فيما إذا كان على المكاتب دين معاملة فإذا أراد الأداء عن دين الكتابة والسيد الأداء عن دين المعاملة فيجاب السيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الكتابة وتفارق غيرها مما ذكر بأن دين الكتابة فيها معرض للسقوط بخلاف غيرها
وإنما اعتبر قصد المكاتب عند عدم التعرض للجهة لتقصير السيد بعدم التعيين ابتداء
( وإن لم ينو ) حال الدفع ( شيئا جعله عما شاء ) منهما كما في زكاة المالين الحاضر والغائب
( وقيل يقسط ) عليهما لعدم أولوية أحدهما على الآخر
والتقسيط قيل على قدر الدينين كما جزم به الإمام وقيل بالتسوية كما جزم به صاحب البيان وغيره وهو أوجه كما رجحه بعض المتأخرين فيما لو دفع المال عنهما فإنه يقسط عليهما
ولو مات قبل التعين قام وارثه مقامه كما أفتى به السبكي فيما إذا كان بأحدهما كفيل قال فإن تعذر ذلك جعله بينهما نصفين
وإذا عين فهل ينفك الرهن من وقت اللفظ أو التعيين يشبه أن يكون كما في الطلاق المبهم
ولو تبايع مشركان درهما بدرهمين وسلم من التزم الزيادة درهما ثم أسلما فإن قصد بتسليمه الزيادة لزمه برىء ولا شيء عليه وإن قصدهما وزع عليهما وسقط باقي الزيادة ولو لم يقصد الأصل وإن قصد الأصل شيئا عينه لما شاء منهما
فصل في تعلق الدين بالتركة ( من مات وعليه دين تعلق بتركته ) المنتقلة إلى الوارث مع وجود الدين كما سيأتي
( تعلقه بالمرهون ) لأنه أحوط للميت إذ يمتنع على هذا تصرف الوارث فيه جزما بخلاف إلحاقه بالجناية فإنه يأتي فيه الخلاف في البيع
واغتفر هنا جهالة المرهون به لكونه من جهة الشرع
( وفي قول كتعلق الأرش بالجاني ) لأنه ثبت من غير اختيار المالك وقيل كحجر الفلس واختاره في المطلب وهو قول الفوراني والإمام للتسوية بينه وبين
____________________
(2/144)
الموت في قوله صلى الله عليه وسلم من مات أو أفلس
ومحل الخلاف إذا لم تكن التركة مرهونة رهنا اختياريا فإن كان لم تتعلق الديون المرسلة في الذمة بالتركة
تنبيه قضية كلامه أن الدين لو كان أكثر من قدر التركة فوفى الوارث قدرها فقط أنها لا تنفك من الرهنية ولا سيما قوله بعد يستوي الدين المستغرق وغيره وليس مرادا بل الأصح أنها تنفك
( فعلى ) الأول ( الأظهر يستوي الدين المستغرق وغيره ) في رهن التركة فلا ينفذ تصرف الوارث في شيء منها ( في الأصح ) كالمرهون
والثاني إن كان الدين أقل تعلق بقدره من التركة ولا يتعلق بجميعها لأن الحجر في مال كثير بشيء حقير بعيد
تنبيه مقتضى كلامه ك الرافعي في كتبه أن هذا الخلاف لا يتأتى على القول بأنه كتعلق الجناية لكن حكى في المطلب الخلاف عليه قال الإسنوي فالصواب أن يقول فعلى القولين
وأجاب الشارح عن ذلك بأنهم رجحوا في تعلق الزكاة على القول بأنها تتعلق بالمال تعلق الأرش برقبة العبد الجاني أنها تتعلق بقدر هامته وقيل بجميعه ويأتي ترجيحه هنا فيخالف المرجح على الأرش للمرجح على الرهن فقوله فعلى الأظهر إلخ صحيح انتهى
لكن الزكاة تخالف ما هنا لأن مبناها على المساهلة فما قاله الشارح بحسب ما فهمه والأولى أن يجاب كما قال شيخي بأن الخلاف على الأول أقوى
ويستثنى من إلحاقه بالرهن ما لو أدى وارثه قسط ما ورث فإنه ينفك نصيبه بخلاف ما لو رهن ثم مات لا ينفك إلا بوفاء جميع الدين وتقدم الفرق بينهما
( ولو تصرف الوارث ولا دين ) لا ( ظاهر ) ولا خفي ( فظهر دين ) أي طرأ ولو عبر به لكان أولى لأن ما يجب بالرد الآتي في عبارته لم يكن خفيا ثم ظهر بل لم يكن ثم كان كما يفهم مما قدرته في كلامه لكن سببه متقدم
وقوله ( برد ) أولى منه كرد ( مبيع بعيب ) أتلف البائع ثمنه ليشمل ما لو حفر بئرا عدوانا في حياته ومات ثم تردى فيها شخص وليس له عاقلة
وقوله ولا دين احترز به عما إذا كان الدين مقارنا وعلم به فالتصرف باطل وكذا إن جهله كما في زيادة الروضة
( فالأصح أنه لا يتبين فساد تصرفه ) لأنه كان سائغا له في الظاهر
والثاني يتبين فساده إلحاقا لما ظهر من الدين بالدين المقارن لتقدم سببه
تنبيه محل الخلاف إذا كان البائع موسرا وإلا لم ينفذ البيع جزما
( لكن ) على الأول ( إن لم يقض الدين فسخ ) تصرفه ليصل المستحق إلى حقه
تنبيه قوله إن لم يقض قال في الدقائق بضم الياء ليعم قضاء الوارث والأجنبي اه
وأولى منه إن لم يسقط الدين لأنه يعم القضاء والإبراء وغيرهما
تنبيه قد يقتضي كلامه أن الوارث الموسر لو أعتق عبد التركة ولم يقض الدين أنه ينفسخ وليس مرادا بل نفوذه أولى من نفوذ عتق الراهن الموسر لأن التعلق هنا طارىء على التصرف فينفذ عتقه واستيلاده وعليه الأقل من الدين وقيمة الرقيق
( ولا خلاف أن للوارث إمساك عين التركة وقضاء الدين من ماله ) لأنه خليفة المورث والمورث كان له ذلك لكن لو أوصى بدفع عين إليه عوضا عن دينه أو على أن تباع ويوفي دينه من ثمنها عمل بوصيته وليس للوارث إمساكها والقضاء من غيرها لأن تلك العين قد تكون أطيب كما قالاه في باب الوصية
ولو كان الدين أكثر من التركة فقال الوارث آخذها بقيمتها وأراد الغرماء بيعها لتوقع زيادة راغب أجيب الوارث لأن الظاهر أنها لا تزيد على القيمة وللناس غرض في إخفاء تركات مورثهم عن شهرتها للبيع فإن طلبت بزيادة لم يأخذها الوارث بقيمتها كما صرح به ابن المقري
قال الزركشي ومحل كون ذلك للوارث إذا لم يتعلق الدين بعين التركة فإن تعلق لم يكن له ذلك فليس للوارث إمساك كل مال القراض وإلزام العامل أخذ نصيبه منه من غيره كما نقله في الكفاية عن
____________________
(2/145)
البحر
( والصحيح ) وحكي عن النص ( أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث ) لأن تعلقه بها لا يزيد على تعلق حق المرتهن بالمرهون والمجني عليه بالجاني وذلك لا يمنع الإرث فكذا هذا
والثاني يمنع لقوله تعالى { من بعد وصية يوصي بها أو دين } أي من بعد إعطاء وصية أو إيفاء دين إن كان حيث قدم الدين على الميراث
وأجيب بأن تقديمه عليه لقسمة لا يقتضي أن يكون مانعا منه وإذا كان الدين لا يمنع الإرث ( فلا يتعلق بزوائد التركة ككسب ونتاج ) لأنها حدثت في ملك الوارث أما على المنع فيتعلق بها تبعا لأصلها
خاتمة قال السبكي رحمه الله تعالى قد غلط جماعة من المفتين في زماننا في فرع وهو إذا كان الدين على الميت للوارث فظنوا أنه يسقط منه بقدر إرثه حتى إذا كان حائزا سقط الجميع والصواب أنه يسقط منه ما يلزمه أداؤه لو كان لأجنبي وهو نسبة إرثه من الدين إن كان مساويا للتركة أو أقل وما يلزم الوارث أداؤه إن كان أكثر ويستقر له نظيره في الميراث ويقدر أنه أخذ منه ثم أعيد إليه عن الدين وهذا سبب سقوطه وبراءة ذمة الميت منه ويرجع على بقية الورثة ببقية ما يجب أداؤه وعلى قدر حصصهم وقد يفضي الأمر إلى التقاص إن كان الدين لوارثين
كتاب التفليس هو لغة النداء على المفلس وشهرته بصفة الإفلاس المأخوذ من الفلوس التي هي أخس الأموال
و شرعا جعل الحاكم المديون مفلسا بمنعه من التصرف في ماله
والأصل فيه ما رواه الدارقطني وصحح الحاكم إسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله في دين كان عليه وقسمه بين غرمائه فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ليس لكم إلا ذلك
والمفلس في العرف من لا مال له وفي الشرع من لا يفي ماله بدينه كما قال ذاكر الحكمة ( من عليه ديون ) لآدمي لازمة ( حالة زائدة على ماله يحجر عليه ) وجوبا في ماله إن استقل أو على وليه في مال موليه إن لم يستقل ( بسؤال الغرماء ) ولو بنوا بهم كأوليائهم لأن الحجر لحقهم
وفي النهاية أن الحجر كان على معاذ بسؤال الغرماء فلا حجر بدين الله تعالى وإن كان فوريا كما قاله الإسنوي خلافا لما بحثه بعض المتأخرين ولا بدين غير لازم كنجوم كتابة لتمكن المدين من إسقاطه
( ولا حجر بالمؤجل ) لأنه لا يطالب به في الحال
تنبيه لا يخفى أن لفظ الديون لا مفهوم له فإن الدين الواحد إذا زاد على المال كان كذلك وكذا قوله الغرماء
ولا بد من تقييد الدين باللازم كما قدرته في كلامه ليخرج دين الكتابة كما مر وما ألحق به من ديون المعاملة التي على المكاتب لسيده وقضية كلامه أنه لا حجر عليه إذا لم يكن له مال وتوقف فيه الرافعي فقال يجوز منعا له من التصرف فيما عسى أن يحدث باصطياد ونحوه وهو كما قاله ابن الرفعة مخالف للنص والقياس إذ ما يحدث له إنما يحجر عليه فيه تبعا للموجود وما جاز تبعا لا يجوز قصدا ولا يحجر على المفلس إلا الحاكم لأنه يحتاج إلى نظر واجتهاد
وأما أصل الحجر فلأن فيه مصلحة للغرماء فقد يختص بعضهم بالوفاء فيضر الباقين وقد يتصرف فيه فيضيع حق الجميع
قال ابن الرفعة وهل يكفي في لفظ الحجر منع التصرف أو يعتبر أن يقول حجرت بالفلس إذ منع التصرف من أحكام الحجر فلا يقع به الحجر وجهان أوجههما كما قال شيخي الأول
قال في الروضة ويجب على الحاكم الحجر إذا وجدت شروطه أي سواء أكان بسؤال الغرماء أو المفلس
قال وقول كثير من أصحابنا فللقاضي الحجر ليس مرادهم أنه مخير فيه أي بل إنه جاز بعد امتناعه قبل الإفلاس وهو صادق بالواجب
وقول السبكي هذا ظاهر إذا تعذر البيع حالا وإلا فينبغي عدم وجوبه لأنه ضرر بلا فائدة ممنوع كما قاله شيخنا بل له فوائد منها المنع من التصرف
____________________
(2/146)
فيما عساه يحدث باصطياد ونحوه
والمراد بماله ماله العيني المتمكن من الأداء منه أما ما لا يتمكن من الأداء منه كمغصوب وغائب فغير معتبر
أما المنافع فإن كان متمكنا من تحصيل أجرتها اعتبرت كما قاله بعض المتأخرين وإلا فلا
وأما الدين فإن كان حالا على مليء مقر أي أو عليه بينة اعتبر كما قاله الإسنوي وإلا فلا
قال ابن الرفعة ولو كان المال مرهونا لم أر فيه نقلا والفقه منع الحجر إذ لا فائدة فيه
ورد بأن له فوائد منها المنع من صحة التصرف بإذن المرتهن
( وإذا حجر بحال لم يحل المؤجل في الأظهر ) وفي الروضة المشهور لأن الأجل مقصود له فلا يفوت عليه
والثاني يحل لأن الحجر يوجب تعلق الدين بالمال فسقط الأجل كالموت
وفرق الأول بخراب الذمة بالموت
ولو جن المديون لم يحل دينه كما صححه المصنف في تنقيحه وما وقع في أصل الروضة من تصحيح الحلول به نسب فيه إلى السهو ولا يحل إلا بالموت أو الردة المتصلة به أو استرقاق الحربي كما جزم به الرافعي في كتاب الكتابة في الحكم الثاني منها ونقله عن النص
( ولو كانت الديون بقدر المال فإن كان كسوبا ينفق من كسبه فلا حجر ) لعدم الحاجة إليه بل يلزمه الحاكم بقضاء الديون فإن امتنع باع عليه أو أكرهه عليه
قال الإسنوي فإن التمس الغرماء الحجر عليه أي عند الامتناع حجر في أظهرالوجهين وإن زاد ماله على دينه اه
وهذا يسمى الحجر الغريب فليس مما نحن فيه
( وإن لم يكن كسوبا وكانت نفقته من ماله فكذا ) لا حجر عليه ( في الأصح ) لتمكنهم من المطالبة في الحال
والثاني يحجر عليه كيلا يضيع ماله في النفقة
ودفع بما ذكر وهذا محترز قوله زائدة على ماله
( ولا يحجر بغير طلب ) من الغرماء ولو بنوا بهم لأنه لمصلحتهم وهم ناظرون لأنفسهم فإن كان الدين لمحجور عليه ولم يسأل وليه فللحاكم الحجر من غير سؤال لأنه ناظر في مصلحته وهذا محترز قوله بسؤال الغرماء
تنبيه اقتضى كلامه أنه لا يحجر لدين الغائب وهو كذلك إذ ليس للحاكم استيفاء مال الغياب من الذمم وإنما له حفظ أعيان أموالهم
ومحله كما قال الفارقي إذا كان المديون ثقة مليئا وإلا لزم الحاكم قبضه قطعا
قال الإسنوي وكلام الشافعي في الأم يدل على أن الدين إذا كان به رهن يقبضه الحاكم
( فلو طلب بعضهم ) الحجر ( ودينه قدر يحجر به ) بأن زاد على ماله ( حجر ) لوجود شرط الحجر
ثم لا يختص أثر الحجر بالملتمس بل يعمهم ( وإلا ) بأن لم يزد الدين على ماله ( فلا ) حجر لأن دينه يمكن وفاؤه بكماله فلا ضرورة إلى طلب الحجر وقيل المعتبر أن يزيد دين الجميع على ماله لا الملتمس فقط وجرى عليه ابن المقري لقول المصنف في زيادة الروضة وهو قوي
( ويحجر بطلب المفلس ) ولو بوكيله ( في الأصح ) لأن له فيه غرضا ظاهرا وهو صرف ماله إلى ديونه
وروي أن الحجر على معاذ كان بالتماس منه قاله الرافعي
قال السبكي وصورته أنه يثبت الدين بدعوى الغرماء والبينة أو الإقرار أو علم القاضي وطلب المديون الحجر دون الغرماء وإلا لم يكن له طلبه
والثاني لايحجر لأن الحق لهم في ذلك والحجر ينافي الحرية والرشد وإنما حجر بطلب الغرماء للضرورة فإنهم لا يتمكنون من تحصيل مقصودهم إلا بالحجر خشية الضياع بخلافه فإن غرضه الوفاء وهو متمكن منه ببيع أمواله وقسمها على غرمائه
وتقدم أن الحجر واجب بسؤاله كسؤال الغرماء فالخلاف في الوجوب لا في الجواز خلافا لبعض المتأخرين
( فإذا حجر ) عليه بطلب أو بدونه ( تعلق حق الغرماء بماله ) كالرهن عينا كان أو دينا أو منفعة حتى لا ينفذ تصرفه فيه بما يضرهم ولا تزاحمهم فيه الديون الحادثة
وشمل كلامهم الدين المؤجل حتى لا يصح الإبراء منه وإن قال الإسنوي الظاهر خلافه
قال البلقيني وتصح إجازته لما فعل مورثه مما يحتاج إليها لأنها تنفيذ على الأصح
وخرج بحق الغرماء حق الله تعالى كزكاة ونذر وكفارة فلا تتعلق بمال المفلس كما جزم به في الروضة
____________________
(2/147)
وأصلها في الأيمان ولم يقيده بفوري ولا بغيره وهو يقوي ما مر فيقدم حق الآدمي
وقد مرت الإشارة إلى هذه المسألة في باب من تلزمه الزكاة
تنبيه يستثنى من إطلاقه ما لو حجر عليه في زمن خيار البيع فإنه لا يتعلق حق الغرماء بالمعقود عليه فيجوز له الفسخ والإجازة على خلاف المصلحة في الأصح
( وأشهد ) الحاكم ندبا وقيل وجوبا ( على حجره ) أي المفلس وأشهره بالنداء عليه ( ليحذر ) من معاملته
قال العمراني فيأمر مناديا ينادي في البلد أن الحاكم حجرعلى فلان ابن فلان
( ولو ) تصرف تصرفا ماليا مفوتا في الحياة بالإنشاء مبتدأ كأن ( باع ) أو اشترى بالعين ( أو وهب أو أعتق ) أو أجر أو وقف أو كاتب ( ففي قول يوقف تصرفه ) المذكور ( فإن فضل ذلك عن الدين ) لارتفاع القيمة أو إبراء الغرماء أو بعضهم ( نفذ ) أي بان أنه كان نافذا ( وإلا ) أي وإن لم يفضل ( لغا ) أي بان أنه كان لاغيا ( والأظهر بطلانه ) في الحال لتعلق حقهم به كالمرهون ولأنه محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر كالسفيه
قال الأذرعي ويجب أن يستثنى من منع الشراء بالعين ما لو دفع له الحاكم كل يوم نفقة له ولعياله فاشترى بها فإنه يصح جزما فيما يظهر وأشار إليه بعضهم وهو ظاهر وسيأتي ما يخرج بهذه القيود
( فلو باع ماله ) كله أو بعضه لغريمه بدينه كما صرح به في المحرر أو ( لغرمائه بدينهم ) من غير إذن القاضي ( بطل ) البيع ( في الأصح ) لأن الحجر يثبت على العموم ومن الجائز أن يكون له غريم آخر
والثاني يصح لأن الأصل عدم غيرهم وبالقياس على بيع المرهون من المرتهن
والقولان مفرعان على بطلان البيع لأجنبي السابق كما أفادته الفاء أما بإذن القاضي فيصح
واحترز بقوله بدينهم عما إذا باعه ببعض دينهم أو بعين فإنه كالبيع من أجنبي لأنه لا يتضمن ارتفاع الحجر عنه بخلاف ما إذا باع بكل الدين فإنه يسقط ولو باعه لأجنبي بإذن الغرماء لم يصح في الأصح
وخرج بالتصرف المالي التصرف في الذمة كما قال ( ولو ) تصرف في ذمته كأن ( باع سلما ) طعاما أو غيره ( أو اشترى ) شيئا بثمن ( في الذمة ) أو باع فيها لا بلفظ السلم أو اقترض أو استأجر ( فالصحيح صحته ويثبت ) المبيع والثمن ونحوهما ( في ذمته ) إذ لا ضرر على الغرماء فيه
والثاني لا يصح كالسفيه
تنبيه لو قال فلو تصرف في ذمته كما قدرته في كلامه تبعا للرافعي لكان أولى
( ويصح نكاحه وطلاقه وخلعه ) ورجعته ( واقتصاصه ) أي استيفاؤه القصاص وإذا طلبه أجيب كما صرح به في المحرر
( وإسقاطه ) أي القصاص ولو مجانا وهذا من إضافة المصدر إلى مفعوله إذ لا يتعلق بهذه الأشياء مال
ويصح استلحاقه النسب ونفيه باللعان
أما خلع الزوجة والأجنبي المفلسين فلا ينفذ منهما في العين وفي الذمة الخلاف في السلم وفي نفوذ استيلاده خلاف قيل يصح كالمريض والراجح عدم النفوذ قال شيخي لأن حجر الفلس أقوى من حجر المريض بدليل أنه يتصرف في مرض الموت في ثلث ماله
وخرج بقيد الحياة ما يتعلق بما بعد الموت وهو التدبير والوصية فيصح وخرج بقيد الإنشاء الإقرار كما قال ( ولو أقر بعين أو دين وجب قبل الحجر ) بمعاملة أو إتلاف أو نحو ذلك ( فالأظهر قبوله في حق الغرماء ) كما لو ثبت بالبينة وكإقرار المريض بدين يزاحم غرماء الصحة ولعدم التهمة الظاهرة وعلى هذا لو طلب الغرماء تحليفه على ذلك لم يحلف على الأصح لأنه لو امتنع لم يفد امتناعه شيئا إذ لا يقبل رجوعه على الصحيح
والفرق بين الإنشاء والإقرار أن مقصود الحجر منع التصرف فألغي إنشاؤه والإقرار إخبار والحجر لا يسلب العبارة عنه
ويثبت عليه الدين بنكوله عن الحلف مع حلف المدعي كإقراره والثاني لا يقبل إقراره في حقهم لئلا تضرهم المزاحمة ولأنه ربما واطأ المقر له
____________________
(2/148)
قال الروياني في الحلية والاختيار في زماننا الفتوى به لأنا نرى مفلسين يقرون للظلمة حتى يمنعوا أصحاب الحقوق من مطالبتهم وحبسهم
وهذا في زمانه فما بالك بزماننا
تنبيه إنما عبر بقوله وجب ولم يقل لزم كم في المحرر والشرح والروضة ليدخل ما وجب ولكنه تأخر لزومه
( وإن أسند وجوبه إلى ما بعد الحجر ) إسنادا مقيدا ( بمعاملة أو ) إسنادا ( مطلقا ) بأن لم يقيده بمعاملة ولا غيرها ( لم يقبل في حقهم ) فلا يزاحمهم بل يطالب به بعد فك الحجر
أما في الأولى فلتقصير من عامله وأما في الثانية فلتنزيل الإقرار على أقل المراتب وهو دين المعاملة
فلو لم يسند وجوبه إلى ما قبل الحجر ولا إلى ما بعده قال الرافعي فقياس المذهب تنزيله على الأقل وهو جعله كإسناده إلى ما بعد الحجر
فإن كان ما أطله دين معاملة لم يقبل لاحتمال تأخر لزومه أو دين جناية قبل لأن أقل مراتبه أن يكون كما لو صرح به بعد الحجر
فإن لم يعلم أهو دين معاملة أو جناية لم يقبل لاحتمال تأخره وكونه دين معاملة
قال في الروضة وهذا التنزيل ظاهر إن تعذرت مراجعة المقر وإلا فينبغي أن يراجع فإنه يقبل إقراره
قال السبكي وهذا صحيح لا شك فيه ويحمل كلام الرافعي على ما إذا لم تتفق المراجعة اه
وينبغي أن يأتي مثل ذلك في الصورة الثانية في المتن
وأفتى ابن الصلاح بأنه لو أقر بدين وجب بعد الحجر واعترف بقدرته على وفائه قبل وبطل ثبوت إعساره أي لأن قدرته على وفائه شرعا يستلزم قدرته على وفاء بقية الديون
( وإن قال عن جناية ) بعد الحجر ( قبل في الأصح ) فيزاحمهم المجني عليه لعدم تقصيره
والثاني أنه كما لو قال عن معاملة
والحاصل أن ما لزمه بعد الحجر إن كان برضا مستحقه لم يقبل في حقهم أو لا يرضاه قبل
تنبيه لو عبر بالمذهب كما في الروض لكان أولى فإن أصح الطريقين أنه كما لو أسند لزومه إلى ما قبل الحجر حتى يقبل في الأظهر
( وله أن يرد بالعيب ) أو الإقالة ( ما كان اشتراه ) قبل الحجر ( إن كانت الغبطة في الرد ) وليس كما لو باع بها لأن الفسخ ليس تصرفا مبتدأ فيمتنع منه وإنما هو من أحكام البيع الذي لم يشمله الحجر
وقضية كلامهم جواز رده حينئذ دون لزومه وبه صرح القاضي إذ ليس فيه تفويت الحاصل وإنما هو امتناع من الاكتساب
فإن قيل نقل عن النص أن من اشترى في صحته شيئا ثم مرض واطلع فيه على عيب والغبطة في رده ولم يرد حسب ما نقصه العيب من الثلث فدل على أنه تفويت وقضيته لزوم الرد
أجيب بأن الضرر اللاحق للغرماء بترك الرد قد يجبر بالكسب بعد بخلاف الضرر اللاحق للورثة بذلك
تنبيه كلام المصنف شامل لرد ما اشتراه قبل الحجر وما اشتراه في الذمة بعد وصورة الغبطة فيه أن يبيعه المالك من المفلس وهو جاهل بفلسه والقدر الذي يأخذه بالمضاربة أكثر من قيمته
أما العالم فلا يتصور فيه الغبطة لعدم ضرر الغرماء بمزاحمته
أما إذا كانت الغبطة في الإبقاء فلا رد له لما فيه من تفويت المال بلا غرض
وقضية كلامه أنه لا يرد أيضا إذا لم تكن غبطة أصلا لا في الرد ولا في الإبقاء وهو كذلك لتعلق حقهم به فلا يفوت عليهم بغير غبطة
ولو منع من الرد عيب حادث لزم الأرش ولا يملك المفلس إسقاطه
( والأصح تعدي الحجر إلى ما حدث بعده بالاصطياد ) والهبة ( والوصية والشراء ) في الذمة ( إن صححناه ) أي الشراء وهو الراجح لأن مقصود الحجر وصول الحقوق إلى أهلها وذلك لا يختص بالموجود
والثاني لا يتعدى إلى ما ذكر كما أن حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدى إلى غيرها
فإن قيل يستثنى على الأول من إطلاق المصنف ما لو اتهب أباه أو أوصى له به فإنه لا يتعدى إليه بل يعتق وليس للغرماء تعلق به
أجيب بأنه لا حاجة لاستثنائه لأن ملكه لم يستقر عليه حتى يقال لم يحجر عليه فيه وإنما الشرع قضى بحصول العتق
____________________
(2/149)
تنبيه قضية إطلاقه تبعا لغيره أنه لا فرق على الأول بين أن يزيد ماله مع الحادث على الديون أم لا وهو كذلك لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الإبتداء وإن قال الإسنوي فيه نظر
( و ) الأصح ( أنه ليس لبائعه ) أي المفلس في الذمة ( أن يفسخ ويتعلق بعين متاعه إن علم الحال ) لتقصيره ( وإن جهل فله ذلك ) لعدم تقصيره لأن الإفلاس كالعيب فيفرق فيه بين العلم والجهل
والثاني له ذلك لتعذر الوصول إلى عين الثمن
والثالث ليس له ذلك مطلقا وهو مقصر في الجهل بترك البحث وعلى التعلق له أن يزاحم الغرماء بثمنه
( و ) الأصح ( أنه إذا لم يمكن التعلق بها ) أي بعين متاعه ( لا يزاحم الغرماء بالثمن ) لأنه دين حادث بعد الحجر برضا مستحقه فلا يزاحم الغرماء الأولين بل إن فضل شيء عن دينهم أخذه وإلا انتظر اليسار
والثاني يزاحم به لأنه في مقابلة ملك جديد راد به المال
تنبيه يجري الخلاف في كل دين يحدث بعد الحجر برضا مستحقه بمعاوضة أما الإتلاف وأرش الجناية فيزاحم في الأصل لأنه لم يقصر فلا يكلف الانتظار
ولو حدث دين تقدم سببه على الحجر كانهدام ما أجره المفلس وقبض أجرته وأتلفها ضارب به مستحقه سواء أحدث قبل القسمة أم لا
تنبيه قوله إذا لم يمكن بميم بعد الياء في أكثر النسخ ونسب لنسخة المصنف ويقع في بعضها يكن
قال الولي العراقي وفي كل منهما نقص يعني أن وجه النقص في يكن لفظة له وفي يمكن لفظة الهاء أي يمكنه وعبارة المحرر إذا لم يكن له
قال السبكي فحذف المصنف لفظة له اختصارا أو التبس على بعض النساخ فكتب إذا لم يكن اه
وقال الأذرعي معنى يمكن صحيح هنا ولعل نسخة المصنف بخطه يكن فغيرها ابن جعوان أو غيره ب يمكن لأنها أجود من يكن بمفردها
فصل فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما ( يبادر القاضي ) ندبا كما قالاه تبعا للبسيط وإن أوهمت عبارة الوسيط والوجيز الوجوب ( بعد الحجر ) على المفلس ( ببيع ماله وقسمه ) أي قسم ثمنه ( بين الغرماء ) على نسبة ديونهم لئلا يطول زمن الحجر عليه ومبادرة لبراءة ذمته وإيصال الحق لذويه
ولا يفرط في الاستعجال لئلا يطمع فيه بثمن بخس
( ويقدم ) في البيع ( ما يخاف فساده ) كالفواكه والبقول لئلا يضيع ثم ما يتعلق به حق كالمرهون ( ثم الحيوان ) لحاجته إلى النفقة ولأنه معرض للتلف
ويستثنى منه المدبر فقد نص في الأم على أنه لا يباع حتى يتعذر الأداء من غيره
قال الزركشي وهو صريح في أنه يؤخر عن الكل صيانة للتدبير عن الإبطال
( ثم المنقول ) لأنه يخشى ضياعه بسرقة ونحوها
ويقدم الملبوس على النحاس ونحوه قاله الماوردي
( ثم العقار ) بفتح العين أفصح من ضمها
ويقدم البناء على الأرض قاله الماوردي
وإنما أخر العقار لأنه يؤمن عليه من الهلاك والسرقة
وظاهر كلام الشيخين أن هذا الترتيب واجب وقال في الأنوار إنه مستحب
والظاهر كما قال الأذرعي أن الترتيب في غير ما يسرع فساده وغير الحيوان مستحب لا واجب
وقد تقتضي المصلحة تقديم بيع العقار أو غيره إذا خيف عليه من ظالم أو نحوه فالأحسن تفويض الأمر إلى اجتهاد الحاكم ويحمل كلامهم على الغالب وعليه بذل الوسع فيما يراه الأصلح
تنبيه محل ما ذكر من الترتيب إذا لم يكن في ماله ما تعلق به حق كالجاني والمرهون فإن كان قدم بيعه بعد ما يخشى فساده كما قدرته في كلامه فإن فضل شيء قسم أو بقي شيء ضارب به المرتهن أو المجني عليه
( وليبع ) ندبا ( بحضرة المفلس ) بتثليث الحاء والفتح أفصح
أو وكيله ( وغرمائه ) أو وكيلهم لأن ذلك أنفى للتهمة وأطيب للقلوب ولأن المفلس يبين ما في ماله من عيب فلا يرد ومن صفة مطلوبة فيرغب فيه ولأنه أعرف بثمن ماله فلا يلحقه غبن ولأن الغرماء
____________________
(2/150)
قد يزيدون في السلعة
قال الأذرعي ولا يتعين البيع بل للحاكم تمليك الغرماء أعيان ماله إن رآه مصلحة اه
والأولى أن يتولى البيع المالك أو وكيله بإذن الحاكم ليقع الإشهاد عليه ولا يحتاج إلى بينة بأنه ملكه بخلاف ما لو باع الحاكم لا بد أن يثبت أنه ملكه كما قاله ابن الرفعة تبعا للماوردي و القاضي إذ بيع الحاكم حكم بأنه له ويوافقه قول الرافعي في القرائض قسم الحاكم يتضمن الحكم بموت المفقود
وكلام جماعة يقتضي الإكتفاء باليد وحكى السبكي في ذلك وجهين ورجح الإكتفاء باليد قال وهو قول العبادي وكذا نقله الزركشي
ثم قال الأذرعي وأفتى ابن الصلاح بما يوافقه والإجماع الفعلي عليه والأول أظهر
تنبيه لا يختص هذا الحكم بالمفلس بل كل مديون ممتنع ببيع القاضي عليه
لكن في غير المفلس لا يتعين فيه البيع بل القاضي مخير بينه وبين إكراهه على البيع كما في زيادة الروضة عن الأصحاب ولذلك اقتصر المصنف على المفلس لتعين ذلك فيه
قال السبكي والذي يظهر أن تخييره إنما هو عند طلب المدعي الحق من غير تعيين طريق فإن عينه تعين
قال القاضي وعزى ذلك إلى القفال الكبير
قال ابنه في التوشيح وقد يقال ليس للمدعي حق في إحدى الخصال حتى تتعين بتعينه وإنما حقه في خلاص حقه فليعتمد القاضي بما شاء من الطرق اه
وهذا هو الظاهر
وإذا قلنا بعدم الإكتفاء باليد قال ابن الرفعة فيتجه أن يتعين الحبس إلى أن يتولى الممتنع من الوفاء البيع بنفسه
( وليبع ) ندبا ( كل شيء في سوقه ) لأن طالبه فيه أكثر والتهمة فيه أبعد ويشهر بيع العقار ليظهر الراغبون فلو باع في غير سوقه بثمن مثله جاز
نعم إن تعلق بالسوق عرض معتبر للمفلس أو للغرماء وجب
قال الإسنوي ومحله كما قاله الماوردي إذا لم يكن في نقله مؤنة كبيرة فإن كانت ورأى الحاكم المصلحة في استدعاء أهل السوق فعل
قال الزركشي ومحله أيضا إذا ظن عدم الزيادة في غير سوقه
وإنما يبيع ( بثمن مثله ) فأكثر ( حالا من نقد البلد ) وجوبا كما صرح به في المحرر لأن التصرف لغيره فوجب فيه رعاية المصلحة كالوكيل والمصلحة ما ذكره
نعم إن رضي المفلس والغرماء بالبيع نسيئة أو بغير نقد البلد جاز كما قاله المتولي وإن نظر فيه السبكي وقال لاحتمال غريم آخر
ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوقهم جاز
ولو باع ماله بثمن مثله ثم ظهر راغب بزيادة وجب القبول في المجلس وفسخ البيع فإن لم يقبل فسخ الحاكم عليه
قال الروياني في التجربة وقد ذكروا في عد الرهن والوكالة أنه إذا لم يفسخ ومضى زمن يمكن فيه البيع انفسخ بنفسه فقياسه هنا كذلك
ولو تعذر من يشتري مال المفلس بثمن مثله من نقد البلد وجب الصبر قال المصنف في فتاويه بلا خلاف
فإن قيل المرهون يباع بالثمن الذي دفع فيه بعد النداء والاشتهار وإن شهد عدلان أنه دون ثمن مثله قال ابن أبي الدم بلا خلاف
أجيب بأن الراهن التزم ذلك حيث عرض ملكه للبيع
ونظير الراهن المسلم إليه فإنه يلزمه تحصيل المسلم فيه إذا وجده بأكثر من ثمن مثله أو بثمن غال كما مر في بابه لأنه التزامه
( ثم إن كان الدين ) من ( غير جنس النقد ) الذي بيع به أو من غير نوعه ( ولم يرض الغريم إلا بجنس حقه ) أو نوعه ( اشترى ) له لأنه واجبه
( وإن رضي جاز صرف النقد إليه إلا في السلم ) ونحوه مما يمتنع الإعتياض فيه كبيع في الذمة وكمنفعة واجبة في إجارة الذمة فلا يجوز صرفه إليه وإن رضي لامتناع الإعتياض
وأورد ابن النقيب عن المصنف نجوم الكتابة فليس للسيد الإعتياض عنها على الأصح
ولا يرد كما قال الولي العراقي لأن النجوم لا يحجر لأجلها فليست مرادة هنا
( ولا يسلم ) الحاكم أو مأذونه ( مبيعا قبل قبض ثمنه ) احتياطا فإن فعل ضمن كالوكيل والضمان بقيمة المبيع وقيل بالثمن وقيل بأقل الأمرين
فعلم أنه لا يجوز البيع بمؤجل وإن حل قبل أوان القسمة لأن البيع بمؤجل يجب تسليمه قبل قبض الثمن
قال السبكي وينبغي أن يكون محل ضمان الحاكم إذا فعله جاهلا أو معتقدا تحريمه فإن فعله باجتهاد أو تقليد صحيح لم يضمن لأن خطأه غير مقطوع به
فإن قيل يستثنى من إطلاق المصنف ما لو باع شيئا لأحد الغرماء وعلم أنه يحصل له عند المقاسمة مثل الثمن الذي اشترى به فأكثر فإنه يجوز أن يسلم له قبل قبض الثمن والأحوط بقاء الثمن في ذمته لا أخذه وإعادته
____________________
(2/151)
إليه
أجيب بأنه إن كان الثمن من جنس دينه جاء التقاص وإن لم يكن من جنسه ورضي به حصل الإعتياض فلم يحصل تسليم مع بقاء الثمن على كل تقدير
( وما قبضه ) الحاكم من ثمن أموال المفلس ( قسمه ) ندبا على التدريج ( بين الغرماء ) لتبرأ منه ذمته ويصل إليه المستحق فإن طلب الغرماء القسمة وجبت كما يؤخذ من كلام السبكي الآتي
( إلا أن يعسر لقلته ) وكثر الديون ( فيؤخره ) أي الحاكم ذلك ( ليجتمع ) ما يسهل قسمته دفعا للمشقة فيقرضه أمينا موسرا قال السبكي ترتضيه الغرماء قال الأذرعي وغيره مماطل
فإن فقد أودعه ثقة ترتضيه الغرماء ولا يضعه عند نفسه لما فيه من التهمة
قال الأذرعي ولك أن تقول إذا كان الحال يقتضي تأخير القسمة وأنه إذا أخذه أقرضه فينبغي أنه إذا كان المشتري ممن يجوز إقراضه منه أن يترك في ذمته إلى وقت القسمة ولا وجه لقبضه منه ثم السعي في إقراضه وقد لا يجد مقترضا أهلا اه
وهو بحث حسن
ولو اختلفت الغرماء فيمن يقرضه أو يودع عنده أو عينوا غير ثقة فمن رآه القاضي من العدول أولى فإن تلف عند المودع من غير تقصير فمن ضمان المفلس
قال الشيخان فإن طلب الغرماء القسمة ففي النهاية إطلاق القول بأنه يجيبهم والظاهر خلافه اه
والأوجه كما قال شيخنا ما أفاده كلام السبكي من حمل هذا على ما إذا ظهرت مصلحة في التأخير وما في النهاية على خلافه فلو كان الغريم واحدا سلمه إليه أولا فأولا لأن إعطاءه للمستحق أولى من إقراضه أو إيداعه
تنبيه يستثنى من القسمة عليهم المكاتب إذا حجر عليه وعليه نجوم كتابة وأرش جناية ودين معاملة فالأصح تقديم دين المعاملة ثم الأرش ثم النجوم
وإنما قدم دين المعاملة عليهما لأن لهما تعلقا آخر بتقدير العجز عنهما وهو الرقبة
وإنما قدم الأرش على النجوم لأنه مستقر والنجوم معرضة للسقوط وتقدم أنه لا حجر بالنجوم وهذا بخلاف المديون وغير المحجور عليه فإنه يقسم كيف شاء وهو ظاهر بالنسبة لصحة التصرف
أما بالنسبة للجواز فينبغي كما قال السبكي أنهم إذا استووا وطالبوا وحقوقهم على الفور أن تجب التسوية
( ولا يكلفون ) أي الغرماء عند القسمة ( بينة ) أو إخبار حاكم ( بأن لا غريم غيرهم ) لأن الحجر يشتهر فلو كان ثم غريم لظهر
ويخالف نظيره في الميراث لأن الورثة أضبط من الغرماء وهذه شهادة على نفي يعسر مدركها فلا يلزم من اعتبارها في الأضبط اعتبارها في غيره
قال في الروضة ولأن الغريم الموجود تيقنا استحقاقه لما يخصه وشككنا في مزاحمه وهو بتقدير وجوده لا يخرجه عن استحقاقه له في الذمة
ولا يتحتم مزاحمة الغريم لأنه لو أبرأ أو أعرض أخذ الآخر الجميع والوارث بخلافه في جميع ذلك
تنبيه لو قال المصنف ولا يكلفون الإثبات بأن لا غريم غيرهم لكان أولى ليشمل ما زدته في كلامه
( فلو قسم فظهر غريم ) يجب إدخاله في القسمة أي انكشف أمره
( شارك بالحصة ) ولم تنقض القسمة لأن المقصود يحصل بذلك فلو قسم ماله وهو خمسة عشر على غريمين لأحدهما عشرون وللآخر عشرة
فأخذ الأول عشرة والآخر خمسة ثم ظهر غريم له ثلاثون رجع على كل منهما بنصف ما أخذه
فإن أتلف أحدهما ما أخذه وكان معسرا جعل ما أخذه كالمعدوم وشارك من ظهر الآخر وكان ما أخذه كأنه كل المال فلو كان المتلف آخذا الخمسة استرد الحاكم من آخذ العشرة ثلاثة أخماسها لمن ظهر ثم إذا أيسر المتلف أخذ منه الآخران نصف ما أخذه وقسماه بينهما بنسبة دينهما وقس على ذلك
واحترز بقوله ظهر عما إذا حدث بعد القسمة فإنه لا يضارب إلا إذا كان سببه متقدما كما إذا أجر دارا وقبض أجرتها ثم انهدمت بعد القسمة فإنه يضارب على الصحيح
( وقيل تنقض القسمة ) كما لو اقتسمت الورثة ثم ظهر وارث آخر فإن القسمة تنقض على الأصح
وفرق الأول بأن حق الوارث في عين المال بخلاف حق الغريم فإنه في قيمته وهو يحصل بالمشاركة
ولو ظهر الثالث وحصل للمفلس مال قديم أو حادث بعد الحجر صرف منه إليه بقسط ما أخذه الأولان والفاضل يقسم على الثلاثة
نعم إن كان دينه حادثا فلا مشاركة له في المال
____________________
(2/152)
القديم وتقدم أن الدين إذا تقدم سببه فكالقديم
ولو غاب غريم وعرف قدر حقه قسم عليه وإن لم يعرف فإن أمكنت مراجعته وجب الإرسال إليه وإن لم تمكن مراجعته ولا حضوره رجع في قدره إلى المفلس فإن حضر وظهر له زيادة فهو كظهور غريم بعد القسمة
ولو تلف بيد الحاكم ما أفرزه للغائب بعد أخذ الحاضر حصته أو إفرازها فعن القاضي أن الغائب لا يزاحم من قبض
( ولو خرج شيء باعه ) المفلس ( قبل الحجر مستحقا والثمن ) المقبوض ( تالف فكدين ظهر ) سواء أتلف قبل الحجر أم بعده لثبوته قبل الحجر
وخرج بقوله والثمن تالف ما إذا كان باقيا فإنه يرده
فإن قيل قوله فكدين ظهر لا معنى للكاف بل هو دين ظهر حقيقة
أجيب بأن معناها مثل كما في قوله تعالى { ليس كمثله شيء } فكأنه قال فمثل الدين اللازم دين ظهر من غير هذا الوجه وحكمه ما سبق فيشارك المشتري الغرماء من غير نقض القسمة أو مع نقضها
والمراد بالمثل البدل ليشمل القيمة في المتقوم
( وإن استحق شيء باعه الحاكم ) أو أمينه والثمن المقبوض تالف ( قدم المشتري بالثمن ) أي بمثله على باقي الغرماء لئلا يرغب الناس عن شراء مال المفلس فكان التقديم من مصالح الحجر كأجرة الكيال ونحوها من المؤن
( وفي قول يحاص الغرماء به ) كسائر الديون لأنه دين في ذمة المفلس ودفع بما مر
وليس الحاكم ولا أمينه طريقا في الضمان لأنه نائب الشرع
( وينفق ) الحاكم من مال المفلس عليه و ( على من عليه نفقته ) من زوجة وقريب وأم ولد وخادم ( حتى يقسم ماله ) لأنه موسر ما لم يزل ملكه عنه ومحله في الزوجة التي نكحها قبل الحجر أما المنكوحة بعده فلا بخلاف الولد المتجدد له
وفرق بينهما بعدم الاختيار في الولد بخلاف الزوجة
ولا فرق في المملوك بين القديم والحادث بعد الحجر لأنه مال وفيه نفع للغرماء
فإن قيل لو أقر السفيه بولد ثبت نسبه وأنفق عليه من بيت المال فهلا كان المفلس كذلك أجيب بأن إقرار السفيه بالمال ربما يقتضيه لا يقبل بخلاف إقرار المفلس فإنه يقبل على الصحيح وغايته هنا أن يكون قد أقر بدين وإقراره به مقبول ويجب أداؤه فبالأولى وجوب الإنفاق لأنه وقع تبعا كثبوت النسب تبعا لثبوت الولادة بشهادة النسوة
فإن قيل هلا كان إقراره كتجديد الزوجة أجيب بأن الإقرار به واجب بخلاف التزوج
فإن قيل قد يكون الآخر واجبا بأن ظلمها في القسم وطلقها على القول بوجوبه كما سيأتي في بابه
أجيب بأنه يمكنه الخروج من ذلك بأن تسامحه من حقها ولا كذلك النسب ولو اشترى أمة في ذمته بعد الحجر وأولدها وقلنا بنفوذ إيلاده فالأوجه كما اقتضاه كلامهم أنه ينفق عليها وفارقت الزوجة لقدرتها على الفسخ بخلاف أم الولد
وينفق على الزوجة نفقة المعسرين على المعتمد الموافق لنص الشافعي خلافا للروياني من أنه ينفق نفقة الموسرين
وعلل بأنه لو أنفق نفقة المعسرين لما أنفق على القريب
ورد بأن اليسار المعتبر في نفقة الزوجة غير المعتبر في نفقة القريب لأن الموسر في نفقته من يفضل ماله عن قوته وقوت عياله وفي نفقة الزوجة من يكون دخله أكثر من خرجه وبأن نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان بخلاف القريب فلا يلزم من انتفاء الأول انتفاء الثاني
واعلم أنهم ذكروا في ولي الصبي أنه لا ينفق على قريبه إلا بعد الطلب فليكن هنا مثله بل أولى لمزاحمة حق الغرماء
تنبيه لو عبر ب يمون بدل ينفق لكان أولى ليشمل النفقة والكسوة والإسكان والإخدام وتكفين من مات منهم قبل القسمة لأن ذلك كله عليه
( إلا أن يستغني ) المفلس ( بكسب ) لائق به فلا ينفق الحاكم عليه ولا عليهم من ماله بل من كسبه فإن لم يوف كمل من ماله أو فضل منه شيء أضيف إلى المال
أما غير اللائق فكالعدم كما صرحوا به في قسم الصدقات وسكتوا عنه هنا
ولو رضي بما لا يليق به وهو مباح لا يمنع منه قال الأذرعي وكفانا مؤنته
ولو امتنع من اللائق به فقضية كلام المتن والمطلب أن ينفق من ماله لأنه صدق عليه أنه لم يستغن من كسبه
____________________
(2/153)
واختاره الإسنوي
وقضية كلام المتولي خلافه واختاره السبكي
والأول أنسب بقاعدة الباب من أنه لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل وهو أنسب من قول الولي العراقي من أنه لو فصل بين أن يتكرر ذلك منه ثلاث مرات فأكثر وبين أن يوجد منه مرة أو مرتين لم يبعد
( ويباع مسكنه وخادمه ) ومركوبه ( في الأصح ) المنصوص ( وإن احتاج إلى خادم ) ومركوب ( لزمانته ومنصبه ) لأن تحصيلهما بالكراء يسهل فإن تعذر فعلى المسلمين
والثاني يبقيان للمحتاج إذا كانا لائقين به دون النفيسين
وهو مخرج من نصه في الكفارات أيضا
وفرق الأول بأن حقوق الآدميين أضيق ولا بد لها
وتباع البسط والفرش ويسامح في حصير ولبد قليلي القيمة
( ويترك له دست ثوب يليق به ) حال فلسه كما قاله الإمام إن كان في ماله وإلا اشتري له لأن الحاجة إلى الكسوة كالحاجة إلى النفقة
فلو كان يلبس قبل الإفلاس فوق ما يليق بمثله رد إلى اللائق أو دون اللائق تقتيرا لم يزد عليه
تنبيه قال الإسنوي الضمير في له عائد على لفظ من المذكور في النفقة وحينئذ فيدخل فيه نفسه وعياله ونقله الزركشي عن البغوي وغيره
( وهو قميص وسراويل ) ومنديل ( وعمامة ومكعب ) أي مداس
( ويزاد في الشتاء جبة ) محشوة أو ما في معناها كفروة لأنه يحتاج إلى ذلك ولا يؤجر غالبا
ويترك له أيضا طيلسان وخف ودراعة بضم المهملة يلبسها فوق القميص أو نحوها مما يليق إن لاق به ذلك لئلا يحصل الإزدراء بمنصبه
وتزاد المرأة مقنعة وغيرها مما يليق بها
وسكتوا عما يلبس على الرأس تحت العمامة قال الإسنوي والذي يظهر إيجابه وذكر نحوه الأذرعي وهو ظاهر ويقال لما تحتها القلنسوة ومثلها تكة اللباس
تنبيه قال العبادي يترك للعالم كتبه وتبعه ابن الأستاذ وقال تفقها يترك للجندي المرتزق خيله وسلاحه المحتاج إليهما بخلاف المتطوع بالجهاد فإن وفاء الدين أولى له إلا أن يتعين عليه الجهاد ولا يجد غيرها
أما المصحف فيباع قال السبكي لأنه محفوظ فلا يحتاج إلى مراجعته ويسهل السؤال عن الغلط من الحفظة بخلاف كتب العلم
قال صاحب التهذيب في الفتاوى ويبيع أي القاضي آلات حرفته إن كان مجنونا ومفهومه أنها لا تباع إن كان عاقلا والأصح كما في الأنوار خلافه
وقال ابن سريج يترك له رأس مال يتجر فيه إن لم يحسن الكسب إلا به
قال الأذرعي وأظن أن مراده اليسير كما قاله الدارمي أما الكثير فلا إلا برضاهم
( ويترك له قوت يوم القسمة ) وسكناه كما في الوجيز ( لمن عليه نفقته ) لأنه موسر في أوله بخلاف ما بعده
قال في المهمات والمراد اليوم بليلته كما صرح به البغوي في التهذيب ونقله المصنف في تعليقه على المهذب وارتضاه اه
فإن قسم ليلا يلحق به اليوم الذي بعده قياسا على الليلة ويترك ما يجهز به من مات منهم ذلك اليوم أو قبله مقدما به على الغرماء
هذا كله إذا كان بعض ماله خاليا عن تعلق حق لمعين فإن تعلق بجميع ماله حق لمعين كالمرهون فلا ينفق عليه ولا على عياله منه
( وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب أو يؤجر نفسه لبقية الدين ) لقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } أمر بانتظاره ولم يأمر باكتسابه ولقوله صلى الله عليه وسلم في خبر معاذ ليس لكم إلا ذلك
ولا يلزمه ترك القصاص الواجب له بجناية عليه أو على غيره كرقيقه بالأرش لأنه في معنى الكسب
نعم إن وجب الدين بسبب عصى به كإتلاف مال الغير عمدا وجب عليه الإكتساب كما نقله الإسنوي عن ابن الصلاح ثم قال وهو واضح لأن التوبة من ذلك واجبة وهي متوقفة في حقوق الآدميين على الرد بل نقل الغزالي في باب التوبة من الإحياء أن من استطاع الحج ولم يحج حتى أفلس فعليه الخروج فإن لم يقدر مع الإفلاس فعليه أن يكتسب من الحلال قدر الزاد فإن لم يقدر فعليه أن يسأل الناس ليصرف إليه من الزكاة أو الصدقة ما يحج به فإن مات قبل الحج مات عاصيا
فهذا أبلغ مما نقل عن ابن الصلاح فإن الحج من حقوق الله تعالى
____________________
(2/154)
والتحقيق كما قال شيخنا أن وجوب ذلك ليس لإيفاء الدين بل للخروج من المعصية وليس الكلام فيه
فإن قيل يجب الإكتساب في نفقة القريب مع أن الدين أقوى منها فإنها تسقط بمضي الزمان بخلافه فهلا كان ذلك مثلها أجيب بأن قدر النفقة يسير والدين لا ينضبط قدره وأيضا نفقة القريب فيها إحياء بعضه فلزمه الإكتساب له كما يلزمه الإكتساب لإحياء نفسه بخلاف الدين
قال ابن الرفعة هذا كله في الحر أما الرقيق المأذون له في التجارة إذا قسم ما بيده للغرماء وبقي عليه دين وقلنا يتعلق دين التجارة بكسبه وهو الأصح لزمه أن يكتسب للفاضل اه
وفيه نظر
ولا يمكن المفلس من تفويت حاصل لمنافاته غرض الحجر فليس له ولا لوارثه العفو عن المال الواجب بجناية لما فيه من تفويت الحاصل
( والأصح وجوب إجارة أم ولده والأرض الموقوفة عليه ) مثلا لبقية الدين لأن منافعها كالأعيان ولهذا يضمنان بقوتهما في يد الغاصب بخلاف منافع الحر فيصرف بدلهما إلى الدين ويؤجران مرة بعد أخرى إلى البراءة فإن المنافع لا نهاية لها
قال الرافعي ومقتضى هذا إدامة الحجر إلى البراءة وهو كالمستبعد
قال البلقيني ليس هذا مقتضاه وإنما مقتضاه أحد أمرين إما أن ينفك الحجر بالكلية وإما أن ينفك بالنسبة إلى غير الموقوف والمستولدة ويبقى فيهما وتبعه الإسنوي على ذلك
قال الزركشي والمراد إذا كان يحصل منهما ما يزيد على قدر نفقته ونفقة من يمونه قبل قسمة المال فإنها يقدمان في المال الحاصل فالمنزل منزلته أولى اه
لكن إنما تقدم نفقته ونفقة من يمونه قبل قسمة المال
وقياسه أن يقال ينفق عليه وعلى من يمونه من أجرة أم الولد والموقوف عليه أن يؤجر
والثاني لا تجب لأن المنفعة لا تعد مالا حاصلا
قال الأذرعي والظاهر أن الموصى بمنفعته له كالمستولدة والموقوف
قال في الروضة وأفتى الغزالي بأنه يجبر على إجارة الموقوف أي بأجرة معجلة ما لم يظهر تفاوت بسبب تعجيل الأجرة إلى حد لا يتغابن به الناس في غرض قضاء الدين والتخلص من المطالبة اه
ومثله المستولدة ومحله في الوقف إذا لم يكن شرط الوقف في إجارته شرطا فإن شرط شيئا اتبع قاله القاضي أبو بكر الشاشي في فتاويه
تنبيه لو قال المصنف والموقوف عليه لكان أخصر وأشمل
( وإذا ادعى ) المدين ( أنه معسر أو قسم ماله بين غرمائه وزعم أنه لا يملك غيره وأنكروا ) ما زعمه ( فإن لزمه الدين في معاملة مال كشراء أو قرض فعليه البينة ) بإعساره في الصورة الأولى وبأنه لا يملك غيره في الثانية لأن الأصل بقاء ما وقعت عليه المعاملة
وقضية التوجيه المذكور أن المراد بالمال ما يبقى أما ما لا يبقى كاللحم فالظاهر أنه كالقسم الآتي
تنبيه قضية كلامه أن الإعسار لا يثبت باليمين المردودة وليس مرادا فإنه لو ادعى على غريمه علمه بإفلاسه أو تلف ماله حلف على نفيه فإن نكل حلف وثبت إفلاسه
وقضيته أيضا أنه لا يكفي علم القاضي بإعساره وبه صرح الإمام قال لأنه ظن لا علم
لكن ذكر الشيخان في الكلام على القضاء بالعلم هو الظن المؤكد لا مدلوله الحقيقي وقضيته أنه يقتضي به هنا وهو الظاهر
( وإلا ) بأن لزمه الدين لا في معاملة مال ( فيصدق بيمينه في الأصح ) سواء لزمه باختياره كضمان وصداق أم بغير اختياره كأرش جناية وغرامة متلف لأن الأصل العدم
وهذا التعليل يدل على أن صورة المسألة فيمن لم يعرف له مال قبل ذلك ولذا قال في التنبيه فإن كان قد عرف له مال قبل ذلك حبس إلى أن يقيم البينة على إعساره
والثاني لا يصدق إلا ببينة لأن الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا وكذا علله الرافعي واعترضه في الكفاية بأن هذا التعليل لا يستقيم فيما إذا قسم ماله لأن مقتضى الظاهر قد تحقق وعمل به
والثالث إن لزمه الدين باختياره لم يصدق إلا ببينة أو بغير اختياره صدق بيمينه
والفرق أن الظاهر أنه لا يشغل ذمته باختياره بما لا يقدر عليه
ومحل التفصيل المذكور ما إذا لم يسبق منه إقرار بالملاءة فلو أقر بها ثم ادعى الإعسار ففي
____________________
(2/155)
فتاوى القفال لا يقبل قوله إلا أن يقيم بينة بذهاب ماله
فرع لو حلف أن يوفي زيدا دينه في وقت كذا ثم ادعى الإعسار قبل الأجل عدم الحنث إلا أن يعرف له مال كذا أجابني به شيخي
وهي مسألة كثيرة الوقوع
( وتقبل بينة الإعسار ) وإن تعلقت بالنفي لمكان الحاجة كالبينة على أن لا وارث سوى هؤلاء
( في الحال ) قياسا على غيرها
( وشرط شاهد ) ليقبل وهو اثنان ( خبره باطنه ) أي المعسر لطول جوار أو مخالطة ونحوها فإن المال يخفى فلا يجوز الاعتماد على ظاهر الحال
فإن عرف القاضي أن الشاهد بهذه الصفة فذاك وإلا فله اعتماد قوله إنه بها كذا نقلاه عن الإمام وهو صرح بنقل ذلك عن الأئمة
وذكر الشيخان في الكلام على التزكية أن القاضي لا بد أن يعرف أن المزكي من أهل الخبرة أو أن يعرف من عدالته أنه لا يزكي إلا بعد وجودها
قال الإسنوي وينبغي أن يكون هذا مثله اه
وهو ظاهر
هذا في الشاهد بالإعسار أما الشاهد بالتلف فلا يشترط فيه الخبرة الباطنة وحينئذ فيصدق بيمينه في إعساره
( وليقل ) أي شاهد الإعسار وهو اثنان كما مر
( هو معسر ولا يمحض النفي كقوله لا يملك شيئا ) لأنه لا يمكنه الاطلاع عليه بل يجمع بين نفي وإثبات فيقول كما قال الشيخان هو معسر لا يملك إلا قوت يومه وثياب بدنه
قال البلقيني وهذا غير صحيح لأنه قد يكون مالكا لغير ذلك وهو معسر كأن يكون له مال غائب بمسافة القصر فأكثر ولأن قوت يومه قد يستغنى عنه بالكسب وثياب بدنه قد تزيد على ما يليق به فيصير موسرا بذلك فالطريق أن يشهد أنه معسر عاجز العجز الشرعي عن وفاء شيء من هذا الدين أو ما في معنى ذلك اه
وهو حسن
وأفاد التعبير بالشاهدين أنه لا يكفي رجل وامرأتان ولا رجل ويمين وأنه لا يشترط ثلاثة
وأما قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم لمن ذكر له أن جائحة أصابت ماله وسأله أن يعطيه من الصدقة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه فمحمول على الاحتياط
وسكوت المصنف عن تحليفه مع بينة الإعسار يشعر بأنه لا حاجة إليه وليس مرادا بل يجب تحليفه على إعساره باستدعاء الخصم لجواز أن يكون له مال في الباطن
ولو كان الحق لمحجور عليه أو غائب أو جهة عامة لم يتوقف التحليف على الطلب وإنما يحلف بعد إقامة البينة كما قاله القفال
ولا يحلف من أقام البينة على إتلاف ماله بلا خلاف لأن فيه تكذيب البينة
وله تحليف الغرماء أنهم لا يعرفون إعساره إذا ادعاه عليهم فإن نكلوا حلف وثبت إعساره كما مر وإن حلفوا حبس فإن ادعى ثانيا وثالثا وهكذا أنه بان لهم إعساره حلفوا حتى يظهر للحاكم أن قصده الإيذاء ولو ثبت إعساره فادعوا بعد أيام أنه استفاد مالا وبينوا الجهة التي استفاد منها فلهم بحليفه إلا أن يظهر منهم قصد الإيذاء
وإذا شهد على مفلس بالغني فلا بد من بيان سببه لأن الإعدام لما لم يثبت إلا من أهل الخبرة كذلك الغني قاله القفال في فتاويه
ولو وجد في يد المعسر مالا فأقر به لشخص وصدقه أخذه منه ولا حق فيه للغرماء
ولا يحلف المعسر أنه ما واطأ المقر له على الإقرار لأنه لو رجع عن إقراره لم يقبل وإن كذبه المقر له أخذه الغرماء ولا يلتفت إلى إقراره به لآخر لظهور كذبه في صرفه عنه وإن أقر به لغائب انتظر قدومه فإن صدقه أخذه وإلا أخذه الغرماء
ولو أقر به لمجهول لم يقبل منه كما اقتضاه كلامهم وصرح به الروياني وغيره
والظاهر كما قال الأذرعي أن الصبي ونحوه كالغائب
نعم إن صدقه الولي فلا انتظار
ولو تعارض بينتا إعسار وملاءة كلما شهدت إحداهما جاءت الأخرى فشهدت بأنه في الحال على خلاف ما شهدت به فهل يقبل ذلك أبدا ويعمل بالمتأخر أفتى ابن الصلاح بأنه يعمل بالمتأخر منهما وإن تكررت إذا لم ينشأ من تكرارها ريبة ولا تكاد بينة الإعسار تخلو عن ريبة إذا تكررت
( وإذا ثبت إعساره ) عند القاضي ( لم يجز حبسه ولا ملازمته بل يمهل حتى يوسر ) للآية السابقة بخلاف من لم يثبت إعساره فيجوز حبسه وملازمته
نعم الأصل ذكرا كان أو غيره وإن علا لا يحبس بدين الولد كذلك وإن سفل ولو صغيرا أو زمنا لأنه عقوبة
ولا يعاقب الولد بالولد ولا فرق بين دين النفقة وغيرها
وكذا لا يحبس المكاتب بالنجوم ولا المستأجر عينه وتعذر عمله في الحبس تقديما لحق المستأجر كالمرتهن فإن
____________________
(2/156)
خيف هربه استوثق عليه القاضي على حسب ما يراه ولأن العمل مقصود بالاستحقاق في نفسه بخلاف الحبس ليس مقصودا في نفسه بل يتوصل به إلى غيره ذكره في الروضة في باب الإجارة عن فتاوى الغزالي وأقره
قال السبكي وعلى قياسه لو استعدى على من استؤجر عينه وكان حضوره للتحاكم يعطل حق المستأجر ينبغي أن لا يحضر ولا يعترض باتفاق الأصحاب على إحضار المرأة البرزة وحبسها وإن كانت مزوجة لأن للإجارة أمدا ينتظر
ويؤخذ مما قاله أنا الموصي بمنفعته كالمستأجر إن أوصى بها مدة معينة وإلا فكالزوجة
فروع لا يحبس المريض ولا المخدرة ولا ابن السبيل بل يوكل بهم ولا الصبي ولا المجنون ولا أبو الطفل والوكيل والقيم في دين لم يجب بمعاملتهم وتحبس الأمناء في دين وجب بمعاملتهم
ولا يحبس العبد الجاني ولا سيده ليؤدي أو يبيع بل يباع عليه إذا وجد راغب وامتنع من البيع والفداء وعلى الموسر الأداء فورا بحسب الإمكان إن طولب لقوله صلى الله عليه وسلم مطل الغني ظلم إذ لا يقال مطله إلا إذا طالبه فدافعه
فإن امتنع أمره الحاكم به
فإن امتنع وله مال ظاهر وهو من جنس الدين وفى منه أو من غيره باع الحاكم عليه ماله وإن كان المال في غير محل ولايته كما صرح به القاضي والقمولي أو أكرهه مع التعزير بحبس أو غيره على البيع أما قبل المطالبة فلا يجب الأداء وإن كان سبب الدين معصية
ولا ينافيه الوجوب في هذه الحالة للخروج من المعصية لأن الكلام في الوجوب للحلول
ولو التمس غريم الممتنع من الأداء الحجر عليه في ماله أجيب لئلا يتلف ماله فإن أخفاه وهو معلوم وطلب غريمه حبسه حبس وحجر عليه أولا حتى يظهره فإن لم ينزجر بالحبس ورأى الحاكم ضربه أو غيره فعل ذلك وإن زاد مجموعه على الحد ولا يعزره ثانيا حتى يبرأ من الأول
ولصاحب الدين الحال ولو ذميا منع المديون الموسر بالطلب من السفر المخوف وغيره بأن يشغله عنه برفعه إلى الحاكم ومطالبته حتى يوفيه دينه لأن أداءه فرض عين بخلاف السفر
نعم إن استناب من يوفيه من مال الحاضر فليس له منعه أما صاحب المؤجل فليس له منعه من السفر ولو كان مخوفا كجهاد أو الأجل قريبا إذ لا مطالبة به في الحال
ولا يكلف من عليه المؤجل رهنا ولا كفيلا ولا إشهادا لأن صاحبه هو المقصر حيث رضي بالتأجيل من غير رهن وكفيل وله السفر صحبته ليطالبه عند حلوله بشرط أن لا يلازمه ملازمة الرقيب لأن فيه إضرارا به
( والغريب العاجز عن بينة الإعسار يوكل القاضي به ) وجوبا ( من يبحث ) أي اثنان يبحثان بقدر الطاقة ( عن حاله فإذا غلب على ظنه إعساره شهد به ) لئلا يخلد في الحبس
وظاهر كلام المصنف أنه لا يحبس بل يوكل به في الإبتداء وكلام الشرح والروضة في فصل التزكية يقتضيه لكن ظاهر كلامهما هنا أنه يفعل ذلك معه وهو في الحبس ويدل لهذا التعليل المذكور
ولا يأثم المحبوس المعسر بترك الجمعة لأنه معذور وللقاضي منع المحبوس منها إن اقتضته المصلحة ومن الاستمتاع بالزوجة ومحادثة الأصدقاء لا من دخولها لحاجة كحمل طعام وله منعه من شم الرياحين للترفه إلا لحاجة كمرض لا منعه من عمل صنعة في الحبس وإن كان مماطلا
ونفقته واجبة على نفسه وعليه أجرة الحبس لأنها أجرة المكان
ولو حبست امرأة في دين قال ابن المقري تبعا لأصله لم يأذن فيه الزوج سقطت نفقتها مدة الحبس ولو ثبت الدين ببينة كما لو وطئت بشبهة واعتدت فإنها تسقط وإن كانت معذورة
ومفهوم ذلك أنه لوأذن لها في الاستدانة لم تسقط نفقتها والأوجه كما قال شيخنا تبعا للأذرعي أنها لا نفقة لها كما لو أذن لها في الحج ولم يخرج معها فإنه لا نفقة لها
ولو لزمه حق آخر حبس بهما ولم يطلق بقضاء أحدهما دون الآخر
ويخرج المحبوس من الحبس لسماع الدعوى عليه ويخرج المجنون من الحبس مطلقا والمريض إن لم يجد ممرضا فإن وجده فلا وإن كان لا يحبس ابتداء
ومن ثبت إعساره أخرج ولو بغير إذن الغريم لزوال المقتضى
فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه ( من باع ولم يقبض الثمن حتى حجر على
____________________
(2/157)
المشتري بالفلس ) أي بسبب إفلاسه والمبيع باق عنده بالشروط الآتية
( فله ) أي البائع ( فسخ البيع واسترداد المبيع ) لحديث الصحيحين من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به وكون الثمن غير مقبوض يحتاج إلى إضماره في الحديث وقول الراوي فيه عند رجل أو إنسان شك منه
ولا يحتاج في الفسخ إلى حكم حاكم بل يفسخه بنفسه على الأصح ولو حكم حاكم بمنع الفسخ لم ينقض كما صححه المصنف وإن قال الإصطخري بنقضه
ولو وقع البيع ممن يلزمه التصرف بالغبطة كأن يكون مكاتبا أو وليا والغبطة في الفسخ وجب عليه في ذلك
أما من أفلس ولم يحجر عليه أو حجر عليه للسفه فلا رجوع كما أفهمه كلامه وأفهم أيضا امتناع الفسخ بالبيع الواقع في حال الحجر أي لغير الجاهل كما مر
تنبيه قوله ولم يقبض الثمن المراد لم يقبض منه شيئا بدليل قوله واسترداد المبيع
أما إذا قبض بعض الثمن فسيذكره بعد
وقوله واسترداد المبيع قد يوهم منع استرداد بعضه وليس مردا لأنه مصلحة للغرماء كما يرجع الوالد في بعض ما وهبه لولده بخلاف الرد بالعيب لأنه يضر بالبائع وملك المفلس مبيع كله
وقيد الأذرعي الرجوع بما إذا لم يحصل به ضرر بالتشقيص على الغرماء
وقال السبكي لا يلتفت إلى ذلك
واقتصر عليه شيخنا في شرح الروض وهو المعتمد
( والأصح أن خياره ) أي الفسخ ( على الفور ) كخيار العيب بجامع دفع الضرر
والثاني كخيار الرجوع في الهبة للولد
وفرق الأول بحصول الضرر هنا بخلاف ذلك
وعلى الأول لو ادعى الجهل بالفورية كان كالرد بالعيب بل أولى لأن هذا يخفى على غالب الناس بخلاف ذلك
( و ) الأصح ( أنه لا يحصل الفسخ بالوطء ) للأمة ( والإعتاق ) للرقيق ( والبيع ) والهبة ونحو ذلك وتلغو هذه التصرفات كما لا يحصل بها في الهبة للولد
والثاني يحصل كالبائع في زمن الخيار
وفرق الأول بأن ملك المشتري ثم ليس بمستقر فجاز الفسخ بما ذكر بخلاف مسألتنا
ومحل الخلاف إذا نوى بالوطء الفسخ وقلنا هذا الفسخ لا يفتقر إلى حاكم كما مر وإلا فلا يحصل به قطعا
ويحصل الفسخ ب فسخت البيع و نقضته و رفعته وكذا بقوله رددت الثمن أو فسخت البيع فيه في الأصح
( وله الرجوع ) في عين ماله الفسخ ( في سائر المعاوضات ) التي ( كالبيع ) وهي المحضة كالإجارة والقرض والسلم لعموم الحديث السابق فإذا أجره دارا بأجرة حالة لم يقبضها حتى حجر عليه فله الرجوع في الدار بالفسخ تنزيلا للمنفعة منزلة العين في البيع أو سلمه الدراهم قرضا أو رأس مال سلم حال أو مؤجل فحل
ثم حجر عليه والدراهم باقية بالشروط الآتية فله الرجوع فيها بالفسخ
وخرج بالمعاوضة غيرها كالهبة وبالمحضة غيرها كالنكاح والصلح عن دم العمد لأنها ليست في معنى المنصوص عليه لانتفاء العوض في الهبة ونحوها ولتعذر استيفائه في البقية
وأما فسخ الزوجة بإعسار زوجها بالمهر أو النفقة كما سيأتي في بابه فلا يختص بالحجر
( وله ) أي للرجوع في البيع ( شروط منها كون الثمن حالا ) عند الرجوع فلا يصح رجوع حال وجود الأجل لأن المؤجل لا يطالب به
ومن هذا يؤخذ أن الإجارة المستحق فيها أجرة كل شهر عند مضيه أنه لا فسخ فيها لأنه لا يتأتى الفسخ قبل مضي الشهر لعدم الحلول ولا بعده لفوات المنفعة فهو كتلف المبيع نبه عليه ابن الصلاح في فتاويه
نعم لو أجر شيئا بأجرة بعضها حال وبعضها مؤجل فالظاهر كما قال شيخنا أنه يفسخ في الحال بالقسط
تنبيه يندرج في كلام المصنف ما لو وقع الشراء بالحال وما لو اشترى بمؤجل وحل قبل الحجر وهو الأصح وما لو حل بعده وهو الأصح في الشرح الصغير وقال في زيادة الروضة إنه الأصح في الوجيز وسكت عليه ولا ترجيح في الكبير
( و ) منها ( أن يتعذر حصوله ) أي الثمن ( بالإفلاس ) أي بسببه
( فلو ) انتفى الإفلاس و ( امتنع من دفع الثمن مع يساره أو هرب ) عطف على امتنع أو مات مليئا وامتنع الوارث من التسليم ( فلا فسخ في الأصح ) لأن
____________________
(2/158)
التوصل إلى إخذه بالحاكم ممكن فإن فرض عجزفنادر لا عبرة به
والثاني يثبت لتعذر الوصول إليه حالا وتوقعه مآلا فأشبه المفلس
واحترز أيضا بالإفلاس عما إذا تعذر حصوله بانقطاع جنس الثمن لأن له الإعتياض عنه واستشكله الإسنوي بأن المعقود عليه إذا فات جاز الفسخ لفوات المقصود منه وقد جزم به الرافعي في فوات المبيع وذكر أيضا أن إتلاف الثمن المعين كإتلاف المبيع حتى يقتضي التخيير وإذا جاز الفسخ لفوات عينه مع إمكان الرجوع إلى جنسه ونوعه فلفوات الجنس أولى
وأجيب بأن الملك ههنا قوي إذ العوض في الذمة فبعد الفسخ وهناك الملك ضعيف لأن صورة المسألة أن المعقود عليه معين وأنه فات بإتلاف الأجنبي قبل القبض فساغ الفسخ بل فيها قول أن العقد ينفسخ كالتلف بآفة سماوية
تنبيه يفهم كلامه أنه لو كان بالثمن ضامن مقر مليء لم يرجع وهو كذلك ولو كان الضمان بلا إذن كما رجحه ابن المقري لإمكان الوصول إلى الثمن من الضامن فلم يحصل التعذر بالإفلاس
فلو كان جاحدا ولا بينة أو معسرا رجع لتعذر الثمن بالإفلاس وكذا لا يرجع لو كان به رهن يفي به ولو مستعارا لما مر فإن لم يف به فله الرجوع فيما يقابل ما بقي له
( ولو قال الغرماء ) أي غرماء المفلس أو قال وارثه لمن له حق الفسخ ( لا تفسخ ونقدمك بالثمن فله الفسخ ) لما في التقديم من المنة وخوف ظهور غريم آخر وقيل ليس له الفسخ
تنبيه وقع في الروضة آخر الباب أنه لو قال الغرماء للقصار خذ أجرتك ودعنا نكن شركاء صاحب الثوب أجبر على الأصح كالبائع إذا قدمه الغرماء بالثمن
واختلف الناس في هذا التنبيه فقال بعضهم وهم وقع في نسخة سقيمة من الشرح وهو في غيرها على الصواب والأولى أن يقال إنه تفريع على الوجه القائل بعدم الفسخ
ومحل الخلاف إذا قدموه من مال المفلس فإن قدموه من مال أنفسهم فله الفسخ قطعا
ولو مات المشتري مفلسا وقال الوارث لا تفسخ وأقدمك من التركة فكالغرماء أو من مالي فوجهان والأقرب إجابته كما جزم به ابن المقري لأن التركة مال المورث فأشبه فك المرهون ولأن الوارث خليفة المورث فله تخليص المبيع
ولو تبرع بالثمن أحد الغرماء أو كلهم أو أجنبي كان له الفسخ لما في ذلك من المنة وإسقاط حقه فإن أجاب المتبرع ثم ظهر غريم آخر لم يزاحمه فيما أخذه لأنه في وجه لا يدخل في ملك المفلس وفي وجه يدخل فيه لكن ضمنا وحقوق الغرماء إنما تتعلق بما دخل ملكه أصالة أما لو أجاب غير المتبرع فللذي ظهر أن يزاحمه
ثم إن كانت العين باقية لم يرجع فيما يقابل ما زوحم به في أحد احتمالين يظهر ترجيحه لأنه مقصر حيث أخر حق الرجوع مع احتمال ظهور غريم يزاحمه
( و ) منها ( كون المبيع ) أو نحوه ( باقيا في ملك المشتري ) للخبر السابق
( فلو فات ) ملكه عنه حسا كالموت أو حكما كالعتق والوقف والبيع والهبة ( أو كاتب العبد ) أو الأمة كتابة صحيحة ( فلا رجوع ) لخروجه عن ملكه في الفوات وفي الكتابة هو كالخارج عن ملكه
وليس للبائع فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع لأن حق الشفعة كان ثابتا حين تصرف المشتري لأنه يثبت بنفس البيع وحق الرجوع لم يكن ثابتا حين تصرف لأنه إنما يثبت بالإفلاس والحجر
تنبيه قد يفهم كلامه أنه لو زال ملكه ثم عاد لا رجوع وهو الأصح في زيادة الروضة كما هو المصحح في الهبة للولد وإن صحح في الشرح الصغير الرجوع وأشعر برجحانه كلام الكبير وقال الإسنوي إنه الأصح
وعلى هذا لو عاد الملك بعوض ولم يوف الثمن إلى بائعه الثاني فهل الأول أولى لسبق حقه أو الثاني لقرب حقه أو يشتركان ويضارب كل بنصف الثمن إن تساوى الثمنان فيه أوجه في الشرحين والروضة بلا ترجيح رجح منها ابن الرفعة الثاني وبه قطع الماوردي و ابن كج وغيرهما
والاستيلاد كالكتابة كما في الروضة وأصلها ووقع في فتاوى المصنف أنه يرجع ولعله غلط من ناقله عنه فإنه قال في التصحيح إنه لا خلاف في عدم الرجوع في الإستيلاد
ومنها أن لا يتعلق بالمبيع حق لازم كرهن وجناية توجب مالا معلقا بالرقبة فلو زال التعلق جاز الرجوع وكذا لو عجز المكاتب فلو قال البائع
____________________
(2/159)
للمرتهن أنا أدفع إليك حقك وآخذ عين مالي فهل يجبر المرتهن أو لا وجهان
قال الأذرعي ويجب طردهما في المجني عليه وقياس المذهب ترجيح المنع
ولو أقرضه المشتري لغيره وأقبضه إياه ثم حجر عليه أو باعه وحجر عليه في زمن الخيار قال الماوردي فللبائع الرجوع فيه كالمشتري
قال البلقيني ويتخرج عليه ما لو وهب المشتري المتاع لولده وأقبضه له ثم أفلس فللبائع الرجوع فيه كالواهب له
قال ويلزم على ما قاله الماوردي أنه لو باع المشتري لآخر ثم أفلسا وحجر عليهما كان للبائع الأول الرجوع ولا بعد في التزامه اه
هذا والمعتمد كما قاله شيخي أنه لا رجوع في القرض ولا في الهبة لولده لأنه زال عن ملكه فهو داخل في كلام الأصحاب
وأما البيع بشرط الخيار فإن كان للمشتري فكذلك لما ذكر وإلا فله الرجوع لعدم خروجه عن ملكه وكذا لا رجوع لو كان العوض صيدا فأحرم البائع لأنه ليس أهلا لملكه حينئذ
وعبارة المصنف في التصحيح لم يرجع ما دام محرما وهو يقتضي أن له الرجوع إذا حل من إحرامه
وقال البلقيني إنه قياس الفقه
قال الأذرعي ولو كان المبيع كافرا فأسلم بيد المشتري والبائع كافر رجع على الأصح وبه جزم المحاملي وغيره كما في الرد بالعين لما في المنع منه في الضرر بخلاف المشتري اه
فإن قيل هلا كان الحكم في الصيد كذلك أجيب بقرب زوال المانع في تلك بخلاف هذه وبأن العبد المسلم يدخل في ملك الكافر ولا يزول بنفسه قطعا بخلاف الصيد مع المحرم فلا فائدة في الرجوع
( ولا يمنع ) الرجوع ( التزويج ) ولا التدبير ولا تعليق العتق ولا الإجارة بناء على جواز بيع المؤجر وهو الأصح فيأخذه مسلوب المنفعة إن شاء ولا يرجع بأجرة المثل لما بقي من المدة كما يفهمه كلام ابن الرفعة وإن شاء ضارب
تنبيه قد علم مما تقرر أن شروط الرجوع تسعة الأول كونه في المعاوضة المحضة كالبيع الثاني أن يرجع عقب العلم بالحجر
الثالث أن يكون رجوعه بقوله فسخت البيع ونحوه مما مر
الرابع أن يكون عوضه غير مقبوض فإن كان قبض شيئا منه ثبت الرجوع فيما يقابل الباقي
الخامس أن يكون عدم استيفاء العوض لأجل الإفلاس
السادس كون العوض دينا فإن كان عينا قدم بها على الغرماء
السابع حلول الدين
الثامن كونه باقيا في ملك المفلس
التاسع أن لا يتعلق به حق لازم كرهن
ولو كان المبيع شقصا مشفوعا ولم يعلم الشفيع بالبيع حتى أفلس مشتري الشقص وحجر عليه أخذه الشفيع لا البائع لسبق حقه وثمنه للغرماء كلهم يقسم بينهم بنسبة ديونهم
( ولو تعيب ) المبيع بأن حصل فيه نقص لا يفرد بعقد ( بآفة ) سماوية سواء أكان النقص حسيا كسقوط يدام لا كنسيان حرفة
( أخذه ) البائع ( ناقصا أو ضارب ) الغرماء ( بالثمن ) كما لو تعيب المبيع قبل قبضه فإن للمشتري أخذه ناقصا أو تركه وكالأب إذا رجع في الموهوب لولده وقد نقص وهذا مستثنى من قاعدة ما ضمن كله ضمن بعضه
ومن ذلك الشاة المعجلة في الزكاة إذا وجدها تالفة يضمنها أو ناقصة يأخذها بلا أرش وعللوه بأنه نقص حدث في ملكه فلا يضمنه كالمفلس
وقد يضمن البعض ولا يضمن الكل وذلك فيما إذا جنى على مكاتبه فإنه إن قتله لم يضمنه وإن قطع عضوه ضمنه
( أو بجناية أجنبي ) تضمن جنايته ( أو البائع ) بعد القبض ( فله أخذه ويضارب من ثمنه بنسبه نقص القيمة ) وإن كان للجناية أرش مقدر فإذا كان قيمة الرقيق مثلا مع قطع اليدين مائة وبدونه مائتين فيأخذه ويضارب بنصف الثمن
أما الأجنبي الذي لا تضمن جنايته كالحربي فجنايته كالآفة وكذا البائع قبل القبض
( وجناية المشتري ) فيها طريقان أصحهما أنها كجناية البائع على المبيع قبل القبض وفيها وجهان أحدهما أنها ( كآفة في الأصح ) والثاني أنها كجناية الأجنبي
والطريق الثاني القطع بالثاني فكان الأولى التعبير بالمذهب
( ولو تلف ) ما يفرد بعقد كأن تلف ( أحد العبدين ) أو الثوبين ( ثم أفلس ) وحجر عليه ولم يقبض البائع شيئا من الثمن ( أخذ الباقي وضارب
____________________
(2/160)
بحصة التالف ) لأنه ثبت له الرجوع في كل منهما بل لو كانا باقيين وأراد الرجوع في أحدهما مكن من ذلك كما مرت الإشارة إليه
تنبيه قوله ثم أفلس غير قيد فلو تلف أحدهما بعد فلسه كان الحكم كذلك
( فلو كان قبض بعض الثمن رجع في الجديد ) على ما يأتي بيانه لأن الإفلاس سبب يعود به كل العين فجاز أن يعود به بعضها كالفرقة في النكاح قبل الدخول يعود بها جميع الصداق إلى الزوج تارة وبعضه أخرى
( فإن تساوت قيمتهما وقبض نصف الثمن أخذ الباقي بباقي الثمن ) ويكون ما قبضه في مقابلة التالف كما لو رهن عبدين بمائة وأخذ خمسين وتلف أحد العبدين كان الباقي مرهونا بما بقي من الدين
( وفي قول ) مخرج ( يأخذ نصفه بنصف باقي الثمن ويضارب بنصفه ) وهو ربع الثمن ويكون المقبوض في مقابلة نصف التالف ونصف الباقي وصحح في الروضة طريقة القطع بالأول والقديم لا يرجع به بل يضارب بباقي الثمن لأنه قد ورد في الحديث فإن كان قد قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء رواه الدارقطني وأجيب بأنه مرسل
تنبيه كان ينبغي أن يقول ولو بالواو وحذف كان لئلا يفهم التصوير بالتلف وهو لا يختص به فإنه لو قبض بعض الثمن ولم يتلف من المبيع شيء جرى القولان فعلى الجديد يرجع في المبيع بقسط الباقي من الثمن فلو قبض نصفه رجع في النصف قاله المتولي وعلى القديم يضارب
( ولو زاد المبيع زيادة متصلة كسمن و ) تعلم ( صنعة ) وكبر شجرة ( فازالبائع بها ) من غير شيء يلزمه لها فيرجع فيها مع الأصل
وكذا حكم الزيادة في جميع الأبواب إلا الصداق فإن الزوج إذا فارق قبل الدخول لا يرجع بالنصف الزائد إلا برضا الزوجة كما سيأتي
ولو تغيرت صفة المبيع كأن زرع الحب فنبت قال الإسنوي فالأصح على ما يقتضيه كلام الرافعي أنه يرجع
( والمنفصلة كالثمرة ) المؤبرة ( والولد ) الحادثين بعد البيع ( للمشتري ) لأنها تتبع الملك بدليل الرد بالعيب
( ويرجع البائع في الأصل ) دونها لأن الشارع إنما أثبت له الرجوع في المبيع فيتقصر عليه
( فإن كان الولد ) أي ولد الأمة ( صغيرا ) لم يميز ( وبذل ) بالمعجمة ( البائع قيمته أخذه مع أمه ) لأن التفريق ممتنع ومال المفلس كله مبيع فأجيب البائع
تنبيه قال الإسنوي هل المراد بكونه يأخذ الولد أن يأخذه بالبيع أو يستقل بأخذه وهو الظاهر من إطلاق عبارتهم فيه نظر اه
والأول أوجه
قال بعض المتأخرين وهو نظير ما إذا أراد المعير التملك أي للغراس والبناء في الأرض المعارة
وهل يشترط في صحة الرجوع في الأم رجوعه في الولد أيضا حذرا من التفريق أم يكفي اشتراطه والإنفاق عليه قبل ذلك الأوجه الأول أيضا
وعلى الثاني لو لم يفعل بعد الشرط والاتفاق هل يجبر عليه أو ينقص الرجوع أو يتبين بطلانه الأوجه الثاني
( وإلا ) أي وإن لم يبذلها ( فيباعان ) معا ( وتصرف إليه حصة الأم ) من الثمن وحصة الولد للغرماء فرارا من التفريق الممنوع منه وفيه إيصال كل منهما إلى حقه
وكيفية التقسيط كما قاله الشيخ أبو حامد أن تقوم الأم ذات ولد لأنها تنقص به وقد استحق الرجوع فيها ناقصة ثم يقوم الولد ويضم قيمة أحدهما إلى قيمة الآخر ويقسم عليهما
وقيل يجوز التفريق للضرورة
( وقيل لا رجوع ) إذا لم يبذل القيمة بل يضارب لما فيه من التفريق من حين الرجوع إلى البيع
تنبيه عبارة المصنف قلقة ومعناها أنه إذا لم يبذل البائع قيمة الولد الأصح أنه تباع الأم والولد معا ويصرف ما يخص الولد إلى المفلس وما يخص الأم إلى البائع
والثاني لا يصرف إليه حصة الأم بل يبطل حقه من
____________________
(2/161)
الرجوع ويضارب بالثمن
( فإن كانت ) الدابة المبيعة ( حاملا عند الرجوع دون البيع أو عكسه ) بالنصب أي حاملا عند البيع دون الرجوع بأن انفصل الولد قبله
( فالأصح ) وفي الروضة فالأظهر ( تعدي الرجوع إلى الولد ) وجه الأصح في الصورة الأولى أن الحمل تابع في البيع فكذا في الرجوع ووجه مقابله أن البائع إنما يرجع فيما كان موجودا حال البيع والحمل ليس كذلك فيرجع في الأم فقط قال الجويني قبل الوضع و الصيدلاني وغيره بعد الوضع
قال في الروضة الأول ظاهر كلام الأكثرين
فإن قيل الوجه الثاني هو الصحيح في نظائر المسألة من الرهن والرد بالعيب ورجوع الوالد في الهبة فهلا كان هناك كذلك أجيب بأن الرهن ضعيف بخلاف الفسخ لنقله الملك والرد بالعيب ورجوع الولد في هبته بأن سبب الفسخ هنا نشأ من جهة المفلس فلم تراع جهته بخلافه ثم
وأما الصورة الثانية فالخلاف فيها مفرع على أن الحمل يعلم فكأنه باع يعنين فيرجع فيهما أو لا يعلم فلا يرجع فيه ولما كان الأصح العلم كان الأصح الرجوع
ولو كانت حاملا عندهما رجع فيها حاملا قطعا ولو حدث بينهما وانفصل فقد مر أنه للمشتري وبذلك يكون للمسألة أربعة أحوال
قال الأذرعي ولو وضعت أحد توأمين عند المشتري ثم رجع البائع قبل وضع الآخر هل يكون الحكم كما لو لم تضع شيئا أو يعطي كل منهما حكمه أو كيف الحال وهل يفترق الحال بين أن يموت المولود أو لا مع بقاء حمل الجنين أو لا فرق اه
والأوجه أن يقال إن كانت حاملا عندالبيع فهما للبائع وهذه الحالة داخلة في كلام الأصحاب وإن حدث الحمل عند المشتري فلكل حكمه
قال شيخي وقد رجح الشيخان مثل ذلك في الكتابة
وقال بعض المتأخرين قياس الباب مع ما هو معلوم من توقف الأحكام على تمام انفصال التوأمين ترجيح الأول من غير فرق بين الحالين
وهل يقال بمثل ذلك في تأبير البعض أو أن ما لم يؤبر تابع لما أبر ينبغي اعتماد الثاني ويفرق بينهما بشدة اتصال الحمل
وأيضا صرحوا بأن ما لم يؤبر يتبع المؤبر
( واستتار الثمر بكمامه ) بكسر الكاف وهو أوعية الطلع
( وظهوره بالتأبير ) أي تشقق الطلع ( قريب من استتار الجنين وانفصاله ) فإذا كانت الثمرة على النخل المبيع عند البيع غير مؤبرة وعند الرجوع مؤبرة فهي كالحمل عند البيع المنفصل قبل الرجوع فيتعدى الرجوع إليها على الراجح
( و ) هي ( أولى بتعدي الرجوع ) إليها من الحمل لأنها مشاهدة موثوق بها بخلافه ولذلك قطع بعضهم بالرجوع فيها
ولو حدثت الثمرة بعد البيع وهي غير مؤبرة عند الرجوع رجع فيها على الراجح لما مر في نظير ذلك من الحمل
قال الشارح وهذه المسألة لا تتناولها عبارة المصنف اه
ودفع بذلك الاعتراض عليه بأن هذه أولى بعدم تعدي الرجوع
ولو كانت الثمرة غير مؤبرة عند البيع والرجوع رجع فيها جزما
ولو حدثت الثمرة بعد البيع وهي عند الرجوع مؤبرة فهي للمشتري
ومتى رجع البائع في الأصل من الشجر أو الأرض وبقيت الثمرة أو الزرع فللمفلس والغرماء ما تركه إلى وقت الجداد بلا أجرة
( ولو غرس ) أي المشتري ( الأرض ) المبيعة له ( أو بنى ) فيها ثم أفلس وحجر عليه قبل أداء الثمن واختار البائع الرجوع في الأرض ( فإن اتفق الغرماء والمفلس على تفريغها ) من الغراس والبناء ( فعلوا ) لأن الحق لهم لا يعدوهم وتجب تسوية الحفر وغرامة أرش النقص من مال المفلس إن نقصت بالقلع
وهل يقدم البائع به على سائر الغرماء لأنه لتخليص ماله وإصلاحه أو يضارب به كسائر الغرماء وجهان الأكثرون على الأول وجزم به في الكفاية وأنكر الرافعي حكاية خلاف فيه
( وأخذها ) يعني البائع برجوعه لأنها عين ماله لم يتعلق بها حق لغيره وليس له أن يلزمهم بأخذ قيمة الغراس والبناء ليتملكهما مع الأرض لأن المبيع قد سلم له
فإن قيل لم رجع بأرش النقص مع أنه لا يرجع به فيما لو وجد المبيع ناقصا بل يرجع فيه من غير شيء أجيب بأن النقص هنا حصل بعد رجوعه
( وإن امتنعوا ) من القلع ( لم يجبروا ) عليه لأن المشتري
____________________
(2/162)
حين بنى وغرس لم يكن متعديا بل وضعه بحق فيحترم
( بل له ) أي البائع ( أن ) يضارب الثمن وله أن ( يرجع ) في الأرض ( ويتملك الغراس والبناء بقيمته ) أي له جميع الأمرين لما سيأتي
( وله ) بدل تملك ما ذكر ( أن يقلع ويضمن أرش النقص ) لأن مال المفلس مبيع وكله الضرر يندفع بكل واحد من الأمرين فأجيب البائع لما طلب منهما بخلاف ما لو أفلس بعد زرعه الأرض ورجع البائع فيها فإنه لا يتمكن من تملك الزرع بالقيمة لأن له أمدا ينتظر فسهل احتماله بخلاف الغراس والبناء
وإن اختلفوا بأن طلب المفلس القلع والغرماء أخذ القيمة من البائع ليتملكه أو بالعكس أو وقع هذا الاختلاف بين الغرماء فطلب بعضهم البيع وبعضهم القيمة من البائع عمل بالمصلحة
( والأظهر أنه ليس له أن يرجع فيها ويبقى الغراس والبناء للمفلس ) لما فيه من الضرر بنقص قيمتها فإن الغراس بلا أرش والبناء بلا مقر ولا ممر ناقص القيمة والرجوع إنما شرع لدفع الضرر فلا يزال ضرر البائع بضرر المفلس والغرماء فعلى هذا يضارب الغرماء بالثمن أو يعود إلى بذل قيمتهما أو قلعهما مع غرامة أرش النقص
قال الإسنوي وكتب المصنف على حاشية الروضة قوله يعود إشارة إلى أنه لو امتنع من ذلك ثم عاد إليه مكن
والثاني له ذلك كما لو صبغ الثوب ثم حجر عليه قبل أداء الثمن فإنه يرجع فيه دون الصبغ ويكون المفلس شريكا معه بالصبغ
وفرق الأول بأن الصبغ كالصفة التابعة للثوب
( ولو كان المبيع ) له مثليا كأن كان ( حنطة فخلطها بمثلها أو دونها فله ) أي للبائع بعد الفسخ ( أخذ قدر المبيع من المخلوط ) أما في الخلط بالمثل فظاهر وأما في الدون فيكون مسامحا كنقض العيب ولو طلب البيع وقسمة الثمن لم يجب إليه في الأصح كما لا يجبر الشريك على البيع
هذا إذا خلطه المشتري فلو خلطه أجنبي أي يضمن ضارب البائع بنقص الخلط كما في العيب قاله الزركشي
( أو ) خلطها ( بأجود ) منها ( فلا رجوع في المخلوط في الأظهر ) بل يضارب بالثمن فقط لأن الطريق الموصل إلى أخذه وهو القسمة متعذر هنا لأنه لا سبيل إليها بإعطاء قدر حقه منه لأن فيه ضررا بالمفلس ولا بإعطاء ما يساوي حقه منه لأنه ربا
والثاني له الرجوع ويباعان ويوزع الثمن على نسبة القيمة
وعلى الأول لو قل الأجود بحيث لا يظهر به زيادة في الحس ويقع مثله بين الكيلين فالوجه القطع بالرجوع كما قاله الإمام وأقره الشيخان
تنبيه حكم سائر المثليات حكم الحنطة فيما مر كما يعلم مما قدرته في كلامه
ولو كان المختلط من غير جنس المبيع كزيت بشيرج فلا رجوع لعدم جواز القسمة لانتفاء التماثل فهو كالتالف
( ولو طحنها ) أي الحنطة المبيعة له ( أو قصر الثوب ) المبيع له ثم حجر عليه قبل أداء الثمن ( فإن لم تزد القيمة ) بما فعله بأن ساوت أو نقصت ( رجع ) البائع في ذلك ( ولا شيء للمفلس ) فيه لأنه مبيع موجود من غير زيادة
وإن نقصت فليس للبائع غيره ( وإن زادت ) عليها ( فالأظهر أنه ) أي المبيع ( يباع ) ويصير المفلس شريكا بالزيادة إلحاقا لها بالعين لأنها زيادة حصلت بفعل محترم متقوم فوجب أن لا يضيع عليه بخلاف الغاصب
( وللمفلس من ثمنه بنسبة ما زاد ) بالعمل مثاله قيمة الثوب خمسة وبلغ بالقصارة ستة فللمفلس سدس الثمن وللبائع إمساك المبيع لنفسه وإعطاء المفلس حصة الزيادة كما صححه الشيخان
والثاني لا شركة للمفلس في ذلك لأنها أثر كسمن الدابة بالعلف وكبر الشجرة بالسقي والتعهد
وفرق الأول بأن الطحن أو القصارة منسوب إليه بخلاف السمن وكبر الشجرة فإن العلف والسقي يوجدان كثيرا ولا يحصل السمن والكبر فكأن الأثر فيه غير منسوب إلى فعله بل محض صنع الله تعالى ولهذا لا يجوز الاستئجار على تكبير الشجرة وتسمين الدابة بخلاف القصارة والطحن
تنبيه كلامه قد يفهم أن البائع لو أراد أخذه ودفع الزيادة للمفلس لا يمكن من ذلك وليس مرادا بل له ذلك
____________________
(2/163)
كما مر فلو حذف المصنف أنه يباع وقال في الأظهر أن للمفلس بنسبة ما زاد لأفهم ذلك
وأشار المصنف بالطحن والقصر إلى ضابط صور القولين وهو صنع ما يجوز الاستئجار عليه ويظهر أثره فيه كخبز الدقيق وذبح الشاة وشي اللحم وضرب اللبن من تراب الأرض ورياضة الدابة وتعليم الرقيق القرآن أو حرفة
وإنما اعتبر الظهور لأن حفظ الدابة وسياستها يستأجر عليه ولا تثبت به الشركة لأنه لا يظهر بسببه أثر على الدابة
( ولو صبغه ) أي المشتري الثوب ( بصبغة ) ثم حجر عليه ( فإن زادت القيمة ) بسبب الصبغ ( قدر قيمة الصبغ ) كأن تكون قيمة الثوب أبيض أربعة والصبغ درهمين فصار بعد الصبغ يساوي ستة
( رجع ) البائع في الثوب ( والمفلس شريك بالصبغ ) لأن المبيع هو الثوب خاصة فيباع ويكون الثمن بينهما أثلاثا
وفي كيفية الشركة وجهان بلا ترجيح في كلام الشيخين أصحهما كما صححه ابن المقري
وقال السبكي نص الشافعي في نظير المسألة من الغصب يشهد له أن كل الثوب للبائع وكل الصبغ للمفلس كما لو غرس الأرض
والثاني يشتركان فيهما جميعا لتعذر التمييز كما في خلط الزيت
أما إذا زادت بارتفاع سوق أحدهما فالزيادة لمن ارتفع سعر سلعته فلو زادت بارتفاع سوقهما وزعت عليهما بالنسبة وهكذا في صورة القصارة والطحن فلو حصلت الزيادة بسبب ارتفاع الأسواق لا بسببهما فلا شيء للمفلس معه ولهذا قدرت في كلامه بنسبة ما زادت من العمل
وللبائع إمساك الثوب وبذل ما للمفلس من قيمة الصبغ والقصارة وإن كان قابلا للفصل كما يبذل قيمة الغراس والبناء ولا ينافي هذا قولهم إنه شريك لأن أموال المفلس تباع إما للبائع أو لغيره
( أو ) زادت القيمة ( أقل ) من قيمة الصبغ وسعر الثوب بحاله كأن صارت خمسة ( فالنقص على الصبغ ) لأن أجزاءه تتفرق وتنقص والثوب قائم بحاله فيباع وللبائع معه أربعة أخماس الثمن وللمفلس خمسة وإن لم يزد الثوب شيئا فلا شيء للمفلس وإن نقصت قيمة الثوب فلا شيء للبائع معه
( أو ) زادت ( أكثر ) من قيمة الصبغ كأن صارت تساوي في مثالنا ثمانية ( فالأصح أن الزيادة ) كلها ( للمفلس ) لأنها حصلت بفعله فيباع الثوب وله نصف الثمن
والثاني أنها للبائع كالسمن فيكون له ثلاثة أرباع الثمن وللمفلس ربعه
والثالث أنها توزع عليهما فيكون للبائع ثلثا الثمن وللمفلس ثلثه
( ولو اشترى منه الصبغ ) وصبغ به ثوبا له ثم حجر عليه فللبائع الرجوع إن زادت قيمة الثوب مصبوغا على ما كانت عليه قبل الصبغ فيكون شريكا فيه فإن نقصت حصته عن ثمن الصبغ فالأصح أنه إن شاء قنع وإن شاء ضارب بالجميع أو اشترى الصبغ ( والثوب ) من واحد وصبغه به ثم حجر عليه ( رجع ) البائع ( فيهما ) أي في الثوب بصبغه لأنهما عين ماله ( إلا أن لا تزيد قيمتهما على قيمة الثوب ) قبل الصبغ بأن ساوتها أو نقصت عنها ( فيكون فاقدا للصبغ ) لاستهلاكه كما مر فيضارب بثمنه مع الرجوع في الثوب من جهته بخلاف ما إذا زادت وهو الباقي بعد الاستثناء فهو محل الرجوع فيهما
فإن كانت الزيادة أكثر من قيمة الصبغ فالمفلس شريك بالزائد عليها وقيل لا شيء له وإن كانت أقل لم يضارب بالباقي أخذا مما تقدم في القصارة بل إن شاء قنع به وإن شاء ضارب بثمنه
( ولو اشتراهما ) أي الثوب والصبغ ( من اثنين ) الثوب من واحد والصبغ من آخر وصبغه به ثم حجر عليه وأراد البائعان الرجوع ( فإن لم تزد قيمته مصبوغا على قيمة الثوب ) قبل الصبغ بأن ساوت أو نقصت ( فصاحب الصبغ فاقد ) له فضارب بثمنه وصاحب الثوب واجد له فيرجع فيه ولا شيء له في صورة النقص أخذا مما مر في القصارة
( وإن زادت بقدر قيمة الصبغ اشتركا ) في الرجوع في الثوب
وعبارة المحرر فلهما الرجوع ويشتركان فيه وهي أولى من عبارة المصنف وفي كيفية الشركة ما مر
( وإن زادت ) ولم تف بقيمتهما فالصبغ ناقص فإن شاء بائعه قنع به وإن شاء ضارب بثمنه أو زادت ( على قيمتهما ) أي
____________________
(2/164)
الثوب والصبغ جميعا ( فالأصح أن المفلس شريك لهما ) أي البائعين ( بالزيادة ) على قيمتها فإذا كانت قيمة الثوب أربعة مثلا والصبغ درهمين وصارت قيمته مصبوغا ثمانية فالمفلس شريك لهما بالربع
والثاني لا شيء له والزيادة لهما بنسبة مالهما
تنبيه للمفلس والغرماء قلع الصبغ إن اتفقوا عليه ويغرمون من نقص الثوب كالبناء والغراس ولصاحب الصبغ الذي اشتراه المفلس من غير صاحب الثوب وقلعه ويغرم نقص الثوب ولمالك الثوب قلعه مع غرم نقص الصبغ قاله المتولي
ومحل ذلك إذا أمكن قلعه بقول أهل الخبرة وإلا فيمنعون منه نقله الزركشي عن ابن كنج في الأولى وفي معناه الأخيرتان
خاتمة أفتى ابن الصلاح وغيره في رجل ثبت إعساره ثم كتب عليه مسطور بدين وأشهد عليه أنه مليء به أنه يثبت بذلك يساره لتمكنه من صرف ما استدانه وإقراره بالملاء به يسري إلى كل دين
ولو أخفى شخص بعض ماله فنقص الموجود عن دينه فحجر عليه ورجع البائع في عين ماله وتصرف القاضي في باقي ماله ببيعه وقسم ثمنه بين غرمائه ثم بان أنه لا يجوز الحجر عليه لم ينقض تصرفه إذ للقاضي بيع مال الممتنع من قضاء دينه وصرفه في دينه ورجوع البائع في العين المبيعة لامتناع المشتري من أداء الثمن مختلف فيه وقد حكم به القاضي معتقدا جوازه بخلاف ما إذا لم يعتقد ذلك فينقض تصرفه
باب الحجر هو لغة المنع و شرعا المنع من التصرفات المالية
والأصل فيه قوله تعالى { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح } الآية وقوله تعالى { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا }
وقد فسر الشافعي رضي الله عنه السفيه بالمبذر والضعيف بالصبي والكبير بالمختل والذي لا يستطيع أن يمل بالمغلوب على عقله فأخبر الله تعالى أن هؤلاء ينوب عنهم أولياؤهم فدل على ثبوت الحجر عليهم
والحجر نوعان نوع شرع لمصلحة الغير و ( منه حجر المفلس ) أي الحجر عليه في ماله كما سبق بيانه ( لحق الغرماء والراهن للمرتهن ) في العين المرهونة ( والمريض للورثة ) فيما زاد على الثلث حيث لا دين
قال الزركشي تبعا للأذرعي وفي الجميع إن كان عليه دين مستغرق
والذي في الشرح والروضة في الوصايا عند ذكر ما يعتبر من الثلث أن المريض لو وفي دين بعض الغرماء فلا يزاحمه غيره إن وفى المال جميع الديون وكذا إن لم يوف على المشهور وقيل لهم مزاحمته كما لو أوصى بتقديم بعض الغرماء بدينه لا تنفذ وصيته فكلام الزركشي إنما يأتي على هذا
( والعبد لسيده ) والمكاتب لسيده ولله تعالى ( والمرتد للمسلمين ) أي لحقهم
( ولها أبواب ) تقدم بعضها وبعضها يأتي
وأشار المصنف بقوله منه إلى أن هذا النوع لا ينحصر فيما ذكره وهو كذلك فقد ذكر الإسنوي أنواع الحجر لحق الغرماء ثلاثين نوعا غير ما ذكره المصنف فليراجع ذلك من المهمات
ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه وهو ما ذكره بقوله ( ومقصود الباب حجر المجنون والصبي والمبذر ) بالمعجمة وسيأتي تفسيره
وحجر كل من هذه الثلاثة أعم مما بعده
وزاد الماوردي نوعا ثالثا وهو ما شرع للأمرين يعني مصلحة نفسه وغيره وهو المكاتب ومن له أدنى تمييز فكالصبي المميز في الحجر عليه في التصرفات المالية وإن نظر في ذلك السبكي
( فبالجنون تنسلب الولايات ) الثابتة بالشرع كولاية النكاح أو بالتفويض كالإيصاء والقضاء لأنه إذا لم يل أمر نفسه فأمر غيره أولى
فإن قيل لم عبر بالإنسلاب دون الامتناع هل لذلك من فائدة أجيب بنعم وذلك لأن الامتناع لا يفيد السلب بخلاف
____________________
(2/165)
عكسه بدليل أن الإحرام مانع من ولاية النكاح ولا يسلب ولهذا يزوج الحاكم دون الأبعد
( واعتبار الأقوال ) له وعليه في الدين والدنيا كالإسلام والمعاملات لعدم قصده وسكت المصنف عن الأفعال
فمنها ما هو معتبر كإحباله وإتلافه مال غيره وتقرير المهر بوطئه وترتب الحكم على إرضاعه والتقاطه واحتطابه واصطياده وعمده عمد على الصحيح أي حيث كان له نوع تمييز
ومنها ما هو غير معتبر كالصدقة والهدية ولو أحرم شخص ثم جن فقتل صيدا لم يلزمه جزاؤه كما مر في بابه والصبي كالمجنون في الأقوال والأفعال إلا أن الصبي المميز يعتبر قوله في إذن الدخول وإيصال الهدية ويصح إحرامه بإذن وليه كما مر في بابه وتصح عبادته وله إزالة المنكر ويثاب عليه كالبالغ قاله في زيادة الروضة في باب الغصب
وأما إسلام سيدنا علي رضي الله تعالى عنه فكان الحكم إذ ذاك منوطا بالتمييز
وألحق القاضي بالمجنون النائم والأخرس الذي لا يفهم
قال الأذرعي وفيه نظر إذ لا يتخيل أحد أن النائم يتصرف عليه وليه وأما الأخرس المذكور فإنه لا يعقل وإن احتيج إلى إقامة أحد مقامه فينبغي أن يكون هو الحاكم اه
وهو كما قال وإنما ألحقه به في عدم صحة تصرفه فلا ولي له مطلقا وإن قال بعض المتأخرين لعل كلام القاضي محمول على نائم أحوج طول نومه إلى النظر في أمره وكان الإيقاظ يضره مثلا
( ويرتفع ) حجر المجنون ( بالإفاقة ) من الجنون من غير احتياج إلى فك وقضيته عود الولايات واعتبار الأقوال نعم لا تعود ولاية القضاء ونحوه إلا بولاية جديدة
( وحجر الصبي يرتفع ببلوغه رشيدا ) لقوله تعالى { وابتلوا اليتامى } الآية والإبتلاء الاختبار والامتحان والرشد ضد الغي كما مر في خطبة الكتاب وفي سنن أبي داود لا يتم بعد الاحتلام والمراد من إيناس الرشد العلم به
وأصل الإيناس الإبصار ومنه { آنس من جانب الطور نارا } أي أبصر
تنبيه قوله رشيدا عبر به جماعة ومنهم من قال بالبلوغ
قال الشيخان ليس هذا اختلافا محققا بل من قال بالأول أراد الإطلاق الكلي ومن قال بالثاني أراد حجر الصبا وهذا أولى لأن الصبا سبب مستقل بالحجر وكذا التبذير وأحكامهما متغايرة ومن بلغ مبذرا فحكم تصرفه حكم تصرف السفيه لا حكم تصرف الصبي اه
قال الإسنوي كلام الكتاب لا يستقيم إن قريء بلفظ الصبا بكسر الصاد وإن قريء بفتحها استقام لكنه بعيد عن كلامه اه
قال ابن شهبة والمحفوظ قراءته بفتحها ولا بعد فيه فليتأمل اه
ولو بلغ وادعى الرشد وأنكره وليه لم ينفك الحجر عنه ولا يحلف الولي كالقاضي والقيم بجامع أن كلا أمين ادعى انعزاله ولأن الرشد يوقف عليه بالاختبار فلا يثبت بقوله
قال الأذرعي ولأن الأصل يعضد قوله بل الظاهر أيضا لأن الظاهر في قريب العهد بالبلوغ عدم الرشد فالقول قوله في دوام الحجر إلا أن تقوم بينة بالرشد
( والبلوغ ) يحصل إما ( باستكمال خمس عشرة سنة ) قمرية كما صرح به في المحرر تحديدية كما قاله المصنف في الأصول والضوابط وكما يؤخذ من كلامه الآتي لخبر ابن عمر عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ورآني بلغت رواه ابن حبان وأصله في الصحيحين وابتداؤها من انفصال جميع الولد
والمراد بقول ابن عمر وأنا ابن أربع عشرة سنة أي طعنت فيها وبقوله وأنا ابن خمس عشرة سنة أي استكملتها لأن غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث والخندق كان في جمادى سنة خمس
فائدة قال القمولي قال الشافعي رد النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصحابة وهم أبناء أربعة عشر لأنه لم يرهم بلغوا ثم عرضوا عليه وهم أبناء خمسة عشر فأجازهم منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وابن عمر
( أو خروج المني ) لوقت إمكانه من ذكر أو أنثى لقوله تعالى { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } ولخبر رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم
والحلم الاحتلام وهو لغة ما يراه النائم والمراد به هنا خروج المني في نوم أو يقظة بجماع أو غيره وقيل لا يكون في النساء لأنه نادر فيهن
____________________
(2/166)
تنبيه تعبيره بخروج المني أعم من تعبير أصله بالاحتلام قاله في الدقائق
وأجيب عن أصله بأنه تبع في ذلك لفظ الحديث وبما مر من أنه المراد
وكلام المصنف يقتضي تحقق خروج المني فلو أتت زوجة صبي يمكن بلوغه بولد لأكثر من ستة أشهر لحقه ولا يحكم ببلوغه به وهو المنصوص ونقله الرافعي في باب اللعان عن الأصحاب لأن الولد يلحق بالإمكان والبلوغ لا يكون إلا بتحقيقه وعلى هذا لا يثبت إيلاده إذا وطيء أمة وأتت بولد وهو كذلك وإن صوب البلقيني ثبوته والحكم ببلوغه
وحكى النجوري في المسألة قولين أحدهما هذا والثاني يكون به بالغا وأجراهما في أنه هل يستقر به كل المهر أو لا
( ووقت إمكانه استكمال تسع سنين ) قمرية بالاستقراء
وأفهم قوله استكمال أنها تحديدية وهو كذلك كما مر وإن بحث بعض المتأخرين أنها تقريبية كالحيض لأن الحيض ضبط له أقل أو أكثر فالزمن لا يسع أقل الحيض والطهر وجوده كالعدم بخلاف المني
ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى وقيل وقته في الذكر نصف العاشرة وقيل تمامها وقيل وقته في الأنثى أول التاسعة وقيل نصفها
( ونبات ) شعر ( العانة ) الخشن الذي يحتاج في إزالته لنحو حلق ( يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر ) ومن جهل إسلامه لخبر عطية القرظي قال كنت في سبي بني قريظة فكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني في السبي رواه ابن حبان والحاكم والترمذي وقال حسن صحيح
وقول المصنف يقتضي أن ذلك ليس بلوغا حقيقة بل دليل له وهو كذلك ولهذا لو لم يحتمل وشهد عدلان أن عمره دون خمس عشرة سنة لم يحكم ببلوغه بالإنبات قاله الماوردي وقضيته أنه دليل البلوغ بالسن
قال السبكي والذي يظهر أنه علامة على أحد الأمرين لا بعينه
وقال الإسنوي يتجه أنه دليل للبلوغ بأحدهما
ووقت إمكان نبات العانة وقت الاحتلام ذكره الرافعي وأسقطه من الروضة
ويجوز النظر إلى عانة من احتجنا إلى معرفة بلوغه على الأصح للحديث وقيل يمس من فوق حائل وقيل يدفع إليه شمع أو نحوه فيلصقه
تنبيه قوله نبات العانة يقتضي أن العانة هي المنبت لا النابت وفيه خلاف لأهل اللغة وخرج بها شعر الإبط واللحية فليس دليلا للبلوغ لندورهما دون خمس عشرة سنة ولأن إنباتهما لو دل على البلوغ لما كشفوا العانة في وقعة بني قريظة لما فيه من كشف العورة مع الاستغناء عنه
وفي معناهما الشارب وثقل الصوب ونهود الثدي ونتف طرف الحلقوم وانفراق الأرنبة ونحو ذلك
وقوله ولد الكافر يقتضي كونه علامة في الذكر والأنثى وهو كذلك وإن نقل السبكي عن الجوزي أنه ليس علامة في حق النساء لأنهن لا يقتلن
والخنثى لا بد أن ينبت على فرجيه معا كما صرح به الماوردي و الدارمي وغيرهما
( لا المسلم في الأصح ) فلا يكون علامة على بلوغه لسهولة مراجعة آبائه وأقاربه من المسلمين بخلاف الكفار ولأنه متهم فربما استعجل الإنبات بالمعالجة دفعا للحجر وتشوفا للولايات بخلاف الكافر فإنه يفضي به إلى القتل أو ضرب الجزية
وهذا جرى على الأصل والغالب وإلا فالأنثى والخنثى والطفل الذي تعذرت مراجعة أقاربه المسلمين لموت أو غيره حكمهم كذلك فإن الخنثى والمرأة لا جزية عليهما مع أن الحكم فيهما ما ذكر
ومن تعذرت مراجعة أقاربه المسلمين لا يحكم ببلوغه بما ذكر مع فقدان العلة فقد جروا في تعليلهم على الغالب
( وتزيد المرأة حيضا ) لوقت إمكانه على ما ذكر من السن وخروج المني ونبات العانة الشامل لها كما مر
( وحبلا ) كذا قاله جمع من الأصحاب وزيفه الماوردي و الروياني لأنه يستدل بالإنزال لأن الولد يخلق من الماءين فإذا وضعت المرأة حكمنا بحصول البلوغ قبل الوضع بستة أشهر ولحظة وهذا هو مرادهم بلا شك فإن كانت مطلقة وأتت بولد يلحق بالزوج حكمنا ببلوغها قبل الطلاق بلحظة
تنبيه سكت المصنف عن الخنثى المشكل وحكمه أنه لو أمنى بذكره وحاض بفرجه حكم ببلوغه في الأصح فإن وجد أحدهما أو كلاهما من أحد فرجيه فلا يحكم ببلوغه عند الجمهور لجواز أن يظهر من الآخر ما يعارضه
وقال الإمام ينبغي الحكم ببلوغه بأحدهما كالحكم بالاتضاح به ثم يغير إن ظهر خلافه
قال الرافعي وهو الحق
وسكت
____________________
(2/167)
عليه المصنف والمعتمد الأول
وأما قول الإمام كالحكم بالاتضاح به ففرق ابن الرفعة بين الحكم بالبلوغ بذلك وبين الحكم بالذكورة والأنوثة بأن احتمال ذكورته مساو لاحتمال أنوثته فإذا ظهرت صورة مني به أو حيض في وقت إمكانه غلب على الظن الذكورة أو الأنوثة فتعين العمل به مع أنه لا غاية بعده محققة تنتظر ولا يحكم بالبلوغ لأن الأصل الصبا فلا نبطله بما يجوز أن يظهر بعده ما يقدح في ترتب الحكم عليه مع أن لنا غاية تنتظر وهي استكمال خمس عشرة سنة
وأما قوله ثم يغير إن ظهر خلافه فقال الأذرعي تغيير الحكم فيما يمكن من الأقوال والأفعال التي تبقى معها الحياة ظاهر لكن إذا حكمنا ببلوغه رتبنا عليه أثره من القتل بقود وردة وغيرهما مع بقاء الشك في البلوغ وفيه بعد اه
وقال المتولي إن وقع ذلك مرة لم يحكم ببلوغه وإن تكرر حكمنا به
قال المصنف وهو حسن غريب
قال الإسنوي الاستدلال بالحيض على الأنوثة وبالمني عليها أو على الذكورة شرطه التكرار والإمام و الرافعي استندا في تصويب الأخذ بأحد الأمرين إلى القياس على الأخذ بالذكورة أو الأنوثة فعلم أن صورة ذلك في التكرار أيضا اه
فعلم من ذلك أن كلام الإمام موافق لكلام المتولي
فإن قيل لا منافاة بين الحيض وخروج المني من الذكر لما مر أنه يجب الغسل بخروج المني من غير طريقه المعتاد أجيب بأن محل ذلك مع انسداد الأصل وهو منتف هنا
( والرشد صلاح الدين والمال ) جميعا كما فسر به ابن عباس وغيره قوله تعالى { فإن آنستم منهم رشدا }
وفي وجه أنه صلاح المال فقط
فإن قيل الرشد الواقع في الآية نكرة وهو في سياق الإثبات فلا يعم لذلك مال ابن عبد السلام إلى هذا الوجه
أجيب بأن النكرة الواقعة في سياق الشرط تعم كما صرح به إمام الحرمين
وشملت عبارة المصنف الكافر فيعتبر فيه ما هو صلاح عندهم في الدين والمال كما نقله في زيادة الروضة عن القاضي أبي الطيب وغيره وأقره
ثم بين صلاح الدين بقوله ( فلا يفعل محرما يبطل العدالة ) من كبيرة أو إصرار على صغيرة ولم تغلب طاعاته على معاصيه
واحترز بالمحرم عما يمنع قبول الشهادة لإخلاله بالمروءة كالأكل في السوق فإنه لا يمنع الرشد لأن الإخلال المختلف فيه بالمروءة ليس بحرام على المشهور
وحكى بعضهم في ذلك ثلاثة أوجه ثالثها إن كان تحمل شهادة حرم عليه وإلا فلا
ولو شرب النبيذ المختلف فيه فعن التجريد والاستذكار إن كان يعتقد حله لم يؤثر أو تحريمه فوجهان
وينبغي أنه يؤثر
وإصلاح المال بقوله ( ولا يبذر بأن يضيع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة ) ونحوها وهو ما لا يحتمل غالبا كما سيأتي في الوكالة بخلاف اليسير كبيع ما يساوي عشرة بتسعة وهذا كما قال شيخي إذا كان جاهلا بالمعاملة أما إذا كان عالما وأعطى أكثر من ثمنها فإن الزائد صدقة خفية محمودة
( أو رميه ) أي المال وإن قل ( في بحر ) أو نار أو نحو ذلك
( أو إنفاقه في محرم ) ولو صغيرة لما فيه من قلة الدين
تنبيه التبذير الجهل بمواقع الحقوق والسرف الجهل بمواقع الحقوق قاله الماوردي في آداب الدين والدنيا وكلام الغزالي يقتضي ترادفهما
ولو عبر المصنف بالإضاعة أو الغرامة كان أولى من التعبير بالإنفاق لأنه يقال فيما أخرج في الطاعة ويقال في المكروه والمحرم ضيع وخسر وغرم كما مرت الإشارة إلى ذلك في خطبة الكتاب
( والأصح أن صرفه ) أي المال وإن كثر ( في الصدقة و ) باقي ( وجوه الخير ) كالعتق ( والمطاعم والملابس التي لا تليق بحاله ليس بتبذير ) أما في الأولى فلأن له في الصرف الخير عوضا وهو الثواب فإنه لا سرف في الخير كما لا خير في السرف
وحقيقة السرف ما لا يكسب حمدا في العاجل ولا أجرا في الآجل ومقابل الأصح فيها يكون مبذرا إن بلغ مفرطا في الإنفاق فإن عرض له ذلك بعد البلوغ مقتصدا فلا وأما في الثانية فلأن المال يتخذ لينتفع به ويلتذ ومقابل الأصح فيها يكون تبذيرا عادة
____________________
(2/168)
تنبيه قضية كون الصرف في المطاعم والملابس التي لا تليق به ليس بتبذير لأنه ليس بحرام وهو كذلك
فإن قيل قال الشيخان في الكلام على الغارم وإذا كان غرمه في معصية كالخمر والإسراف في النفقة لم يعط قبل التوبة وجعله في المهمات تناقضا
أجيب بأنهما مسألتان فالمذكور هنا في الإنفاق من خالص ماله فلا يحرم والمذكور هناك في الاقتراض من الناس ويتبسط فيها وهو لا يرجو الوفاء من سبب ظاهر فهو حرام
وقد صرح في الروضة بأنه يحرم على الإنسان أن يقترض مال غيره وليس عنده ولا له ما يوفيه منه
( ويختبر رشد الصبي ) في الدين والمال لقوله تعالى { وابتلوا اليتامى } أي اختبروهم
أما في الدين فبمشاهدة حاله في العبادات وتجنب المحظورات وتوقي الشبهات ومخالطة أهل الخير
وإنما عبر بالصبي وإن كانت الأنثى كذلك لأنه يذكر المرأة بعد
( و ) أما في المال فإنه ( يختلف ب ) اختلاف ( المراتب فيختبر ولد التاجر بالبيع والشراء ) على الخلاف الآتي فيهما ( والمماكسة فيهما ) وهو طلب النقصان عما طلبه البائع وطلب الزيادة على ما يبذله المشتري
وإذا اختبر في نوع من التجارة كفى ولا يحتاج إلى الاختبار في جميعها كما ذكره الشيخ أبو حامد في تعليقه وولد السوقة كولد التاجر
تنبيه قضية كلامه صحة البيع والشراء من ولد التاجر والأصح عدم الصحة كما سيأتي فلو عبر بالمماكسة في البيع والشراء لكان أولى وأخصر
( و ) يختبر ( ولد الزراع بالزراعة والنفقة على القوام بها ) أي إعطاؤهم الأجرة وهم الذين استؤجروا على القيام بمصالح الزرع كالحرث والحصد والحفظ
( و ) يختبر ( المحترف بما يتعلق بحرفته ) أي حرفة أبيه وأقاربه كما قاله في الكافي فيختبر ولد الخياط مثلا بتقدير الأجرة وولد الأمير ونحوه بأن يعطي شيئا من ماله لينفقه في مدة شهر في خبز ولحم وماء ونحوه كما قاله في الكفاية تبعا لجماعة ثم نقل عن الماوردي أنه يدفع إليه نفقة يوم في مدة شهر ثم نفقة أسبوع ثم نفقة شهر
قال بعض المتأخرين وهذا إنما يأتي على رأي من يقول بصحته اه
وقد يقال المراد أنه يمتحن بذلك فإن أراد العقد عقد الولي كما سيأتي
تنبيه الحرفة الصنعة قاله الجوهري سميت بذلك لأنه ينحرف إليها
ويختبر من لا حرفة لأبيه بالنفقة على العيال لأنه لا يخلو من له ولد عن ذلك غالبا
( و ) تختبر ( المرأة بما يتعلق بالغزل والقطن ) من حفظ وغيره
والغزل يطلق على المصدر وعلى المغزول قال الإسنوي والظاهر أن المصنف إنما أراد المصدر يعني أنها هل تجتهد فيه أو لا
وقال الأذرعي قوله بما يتعلق بالغزل والقطن أي في بيتها إن كانت مخدرة وإن كانت برزة ففي بيع الغزل وشراء القطن اه
والأولى حمل كلام المتن على ما هو أعم من ذلك كما قدرته أولا
وهذا كما قاله السبكي فيمن يليق بها الغزل والقطن أما بنات الملوك ونحوهم فلا تختبر بذلك بل بما يعمله أمثالها
( وصون الأطعمة عن الهرة ) وهي الأنثى والذكر هر وتجمع الأنثى على هرر كقربة وقرب والذكر على هررة كقرد وقردة
( ونحوها ) كالفأرة والدجاجة لأن بذلك يتبين الضبط وحفظ المال وعدم الانخداع وذلك قوام الرشد
وقيل إن المبتذلة كالرجل في الاختبار قاله الصيمري
والخنثى تختبر بما يختبر به الذكر والأنثى جميعا ليحصل العلم بالرشد كما قاله ابن المسلم
( ويشترط تكرر الاختبار مرتين أو أكثر ) بحيث يغلب على الظن رشده فلا يكفي مرة لأنه قد يصيب فيها اتفاقا
( ووقته ) أي الاختبار ( قبل البلوغ ) لآية { وابتلوا اليتامى } واليتيم إنما يقع على غير البالغ
والمراد بالقبلية الزمن القريب للبلوغ بحيث يظهر رشده ليسلم إليه المال كما أشار إليه الإمام عن الأصحاب
( وقيل بعده ) ليصح تصرفه ورد بأنه يؤدي إلى أن يحجر على البالغ الرشيد إلى أن يختبر وهو باطل
والمخاطب بالاختبار على الأول كل ولي
____________________
(2/169)
وعلى الثاني وجهان أحدهما كذلك والثاني الحاكم فقط
ونسب الجوري الأول إلى عامة الأصحاب والثاني إلى ابن سريج
ويختبر المرأة النساء والمحارم كما نقله ابن كج عن نص المختصر والبويطي
( فعلى الأول الأصح ) بالرفع ( أنه لا يصح عقده ) لما مر من بطلان تصرفه ( بل ) يسلم إليه المال و ( يمتحن في المماكسة فإذا أراد العقد عقد الولي ) لما تقرر من بطلان تصرفه
والثاني يصح عقده للحاجة
وعلى الوجهين لو تلف المال في يد الممتحن لم يضمنه الولي لأنه مأمور بالتسليم إليه
وينبغي أن يختبر السفيه أيضا فإذا ظهر رشده عقد لأنه مكلف
( فلو بلغ غير رشيد ) لاختلال صلاح الدين أو المال ( دام الحجر ) عليه لمفهوم الآية السابقة فيتصرف في ماله من كان يتصرف فيه قبل بلوغه
وقوله دام الحجر أي الجنس لا حجر الصبا لانقطاعه بالبلوغ كما مر ويخلفه غيره
( وإن بلغ رشيدا انفك ) الحجر عنه ( بنفس البلوغ ) أو غير رشيد ثم رشد فبنفس الرشد ( وأعطي ماله ) ولو امرأة فيصح تصرفها حينئذ ولا يحتاج إلى إذن الزوج
وأما ما رواه أبو داود لا تتصرف المرأة إلا بإذن زوجها فأشار الشافعي إلى ضعفه وعلى تقدير صحته فمحمول على الأولى
( وقيل يشترط فك القاضي ) لأن الرشد يحتاج إلى نظر واجتهاد
ورد بأنه حجر ثبت بغير حاكم فلم يتوقف زواله على إزالة الحاكم كحجر المجنون
وإنما جمع المصنف بين الانفكاك وأعطاء المال ليحترز عن مذهب مالك في المرأة فإنه قال لا يسلم المال إلى المرأة حتى تتزوج فإذا تزوجت يدفع إليها بإذن الزوج ولا ينفذ تبرعها بما زاد على الثلث ما لم تصر عجوزا فقال له الشافعي أرأيت لو تصدقت بثلث مالها ثم بثلث الثلثين ثم بثلث الباقي هل يجوز التصرف الثاني والثالث إن جوزت سلطتها على جميع المال بالتبرع وإن منعت منعت الحر البالغ العاقل من ماله ولا وجه له
( فلو بذر بعد ذلك ) أي بعد بلوغه رشيدا ( حجر ) أي حجر القاضي ( عليه ) لا غيره من أب وجد لأنه في محل الاجتهاد وإنما حجر عليه لآية { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } أي أموالهم لقوله تعالى { وارزقوهم فيها واكسوهم } ولخبر خذوا على يد سفهائكم رواه الطبراني بإسناد صحيح
ونقل الروياني عن الشافعي أن القاضي إذا حجر عليه استحب أن يرد أمره إلى الأب والجد فإن لم يكن فسائر العصبات لأنهم أشفق
ويسن له أن يشهد على حجر السفيه وإن رأى النداء عليه ليتجنب في المعاملة فعل وعلى هذا لو عاد رشيدا لم يرتفع الحجر إلا برفع القاضي له كما لا يثبت إلا به
( وقيل يعود الحجر بلا إعادة ) كالجنون وتصرفه قبل الحجر عليه صحيح والمشهور أن هذا هو السفيه المهمل ويطلق أيضا على من بلغ غير رشيد وهذا لا يصح تصرفه فالخلاف في التسمية فقط
ولا حجر بالغبن في تصرف دون تصرف لتعذر اجتماع الحجر وعدمه في شخص واحد ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لمن قال له إنه يخدع في بعض البيوع من بايعت فقل لا خلابة
ولا حجر بالشحة على النفس مع اليسار لينفق بالمعروف لأن الحق له
وقيل يحجر عليه قال الماوردي والقائل به لم يرد حقيقة الحجر فإنه صرح بأنه لا يمنع من التصرف ولكن ينفق عليه بالمعروف من ماله إلا أن يخاف عليه إخفاء ماله لشدة شحه فيمنع من التصرف فيه لأن هذا أشد من التبذير
( ولو فسق ) مع صلاح تصرفه في ماله بعد بلوغه رشيدا ( لم يحجر عليه في الأصح ) لأن الأولين لم يحجروا على الفسقة
والثاني يحجر عليه كالاستدامة وكما لو بذر
وفرق الأول بين استدامته بالفسق المقترن بالبلوغ وبين ما هنا بأن الأصل ثم بقاؤه وهنا ثبت الإطلاق والأصل بقاؤه وبينه وبين الحجر يعود التبذير بأن الفسق لا يتحقق به إتلاف المال ولا عدم إتلافه بخلاف التبذير
( و ) على أنه لا بد من حجر القاضي في عود التبذير ( من حجر عليه لسفه ) أي سوء تصرف ( طرأ فوليه القاضي ) لأنه الذي يعيد الحجر عليه إذ ولاية الأب ونحوه قد زالت
____________________
(2/170)
فينظر من له النظر العام
( وقيل وليه في الصغر ) كما لو بلغ سفيها
ومحل الخلاف ما إذا قلنا بعود الحجر بنفسه وإلا لم ينظر إلا القاضي قطعا قاله الروياني
ولو شهد عدلان بسفه رجل وفسرا قبلت شهادتهما حسبة
( ولو طرأ جنون فوليه وليه في الصغر ) وهو الأب ثم الجد
( وقيل ) وليه ( القاضي ) والفرق بين التصحيحين أن السفه مجتهد فيه فاحتاج إلى نظر الحاكم بخلاف الجنون
( ولا يصح من المحجور عليه لسفه بيع ) ولو بغبطة ( ولا شراء ) ولو في الذمة لمنافاة الحجر ( ولا إعتاق ) في حال حياته لو بعوض كالكتابة لما مر
أما بعد الموت كالتدبير والوصية فالمذهب الصحة ولو لزمه كفارة يمين أو ظهار صام كمعسر لئلا يضيع ماله
وأما كفارة القتل فالصحيح في المطلب أن الولي يعتق عنه فيها لأن سببها فعل وهو لا يقبل الدفع بخلاف كفارة اليمين والظهار
وقضية الفرق أنه يكفر في كفارة الجماع بالمال
قال السبكي وكل ما يلزمه في الحج من الكفارات المخيرة لا يكفر عنه إلا بالصوم وما كان مرتبا يكفر عنه بالمال لأن سببه فعل أي مع ترتبه وإلا فما قبله سببه فعل أيضا وقضيته أنه يكفر عنه في كفارة الجماع بالمال وهو الأوجه كما قاله شيخنا
( و ) لا ( هبة ) منه
أما الهبة له فالأصح في زوائد الروضة صحتها لأنه ليس بتفويت بل تحصيل
ولا يصح قبول الوصية كما اقتضاه كلام أصل الروضة وجزم به ابن المقري لأنه تصرف مالي وجزم الماوردي و الروياني و الجرجاني بالصحة لقبول الهبة والمعتمد الأول
والفرق بينهما كما قال شيخي أن قبول الوصية تملك بخلاف قبول الهبة وأيضا قبول الهبة يشترط فيه الفور وربما يكون الولي غائبا فتفوت بخلاف الوصية
قال الماوردي وإذا صححنا قبول ذلك لا يجوز تسليم الموهوب والموصى به إليه فإن سلمهما إليه ضمن الموصى به دون الموهوب لأنه ملك الموصى به بقبوله بخلاف الموهوب
( و ) لا ( نكاح ) يقبله لنفسه ( بغير إذن وليه ) لأنه إتلاف للمال أو مظنة إتلافه
وقوله بغير إذن وليه قال الشارح قيد في الجميع وقال غيره يعود إلى النكاح فقط فإنه الذي يصح بالإذن دون ما قبله كما سيأتي
وإنما قال الشارح ذلك لأجل الخلاف الآتي وإلا فكلام غيره أنسب
أما قبول النكاح بالوكالة فيصح كما قاله الرافعي في الوكالة وأما الإيجاب فلا يصح مطلقا لا أصالة ولا وكالة أذن الولي أم لا
( فلو اشترى أو اقترض ) من رشيد ( وقبض ) بإذنه أو إقباضه ( وتلف المأخوذ في يده ) قبل المطالبة له برده ( أو أتلفه فلا ضمان في الحال ولا بعد فك الحجر سواء علم حاله من عامله أو جهل ) لأن من عامله سلطه على إتلافه بإقباضه إياه وكان من حقه أن يبحث عنه قبل معاملته
وظاهر كلام المصنف كالروضة وأصلها أنه لا يضمن ظاهرا ولا باطنا وبه صرح الإمام و الغزالي والذي نص عليه في الأم في باب الإقرار أنه يضمن بعد انفكاك الحجر عنه وهذا هو الظاهر
أما لو قبضه من غير رشيد أو من رشيد بغير إذنه وإقباضه أو تلف بعد المطالبة فإنه يضمنه كما نقل القطع به في الصورتين الأولتين في الروضة عن الأصحاب وجزم به ابن المقري في الثالثة وفاقا لتصريح الصيدلاني
ولا معنى لاقتصار المصنف على الشراء والقرض فإنه لو نكح بلا إذن ووطىء لم يلزمه شيء كما صرح به المصنف في باب النكاح ولو بقيت العين في يده حتى صار رشيدا وتمكن من ردها ثم تلفت ولم يردها ضمنها كما لو استقل بإتلافها قاله الدارمي في شرح المختصر
قال في المهمات وهو ظاهر
تنبيه قوله سواء علم حاله من عامله أو جهل قال ابن شهبة لغة شاذة والمعروف أعلم حاله أم جهل بزيادة الهمزة مع علم وبأم موضع أو
ولا ينافي ذلك قول الشارح في غير هذا الموضع سمع سواء علي قمت أو قعدت
( ويصح بإذن الولي نكاحه ) على ما سيأتي في باب النكاح فإن المصنف أعاد هذه المسألة هناك بشروطها وسنتكلم عليها
____________________
(2/171)
هناك إن شاء الله تعالى
( لا التصرف المالي في الأصح ) لأن عبارته مسلوبة كما لو أذن لصبي
والثاني يصح كالنكاح وقال الإمام في كتاب النكاح إنه المذهب
وفرق الأول بأن المقصود بالحجر عليه حفظ المال دون النكاح
ومحل الوجهين إذا عين له الولي قدر الثمن وإلا لم يصح جزما ومحلهما أيضا فيما إذا كان بعوض كالبيع فإن كان خاليا عنه كعتق وهبة لم يصح جزما
واستثنى من إطلاقه مسائل منها ما لو وجب عليه قصاص فصالح بغير إذن وليه على الدية أو أكثر فليس للولي منعه
ومنها عقد الجزية فإنه يصح منه مباشرته بدينار وإن لم يأذن له الولي ولا يصح منه ولا من الولي بزيادة عليه وفرق بينه وبين المصالحة على أكثر من الدية بأن صيانة الروح عن القصاص قد لا تحصل إلا بزيادة عليه بخلاف عقد الذمة فإن الإمام يجب عليه العقد عند إعطاء الدينار وعقد الهدنة كالجزية
ومنها ما لو وجب له قصاص فإن له العفو على مال وكذا مجانا على المذهب كما ذكره المصنف قبيل كتاب الديات
ومنها ما لو سمع قائلا يقول من رد علي عبدي فله كذا فرده استحق الجعل كما يأتي في الجعالة لأن الصبي يستحقه فالبالغ السفيه أولى
ومنها ما لو قبض دينه بإذن وليه قال الرافعي اعتد به في أرجح الوجهين عند الحناطي
ومنها ما لو وقع في أسر ففدى نفسه بمال فإنه يصح كما يصح منه عقد الجزية
ومنها ما لو فتحنا بلدا للسفهاء على أن تكون الأرض لنا ويؤدون خراجها فإنه يصح كالجزية
ومنها ما لو أجر نفسه بماله التبرع به من منافعه وهو ما ليس عمله مقصودا في كسبه فإنه يصح
ومنها ما لو انتهى الأمر في المطاعم إلى الضرورة قال الإمام الوجه عندي القطع بتجويز تصرفاته
( ولا يصح إقراره ) بالنكاح كما لا يصح نشؤه ولا ( بدين ) في معاملة أسند وجوبه إلى ما ( قبل الحجر أو ) إلى ما ( بعده ) كالصبي ولا يقبل إقراره بعين في يده في حال الحجر ( وكذا بإتلاف المال ) أو جناية توجب المال ( في الأظهر ) كدين المعاملة
والثاني يقبل لأنه إذا باشر الإتلاف يضمن فإذا أقر به قبل
ورد بأن الصبي يضمن بإتلافه ولا يقبل إقراره به جزما
تنيه أفهم تعبيره بعدم الصحة أنه لا يطالب به في حال الحجر ولا بعد فكه
ومحله في الظاهر وأما فيما بينه وبين الله تعالى فيجب عليه بعد فك الحجر أداؤه إذا كان صادقا في إقراره كما نص عليه في الأم ولو أقر بعد رشده أنه كان أتلف ما لا لزمه الآن قطعا كما نقله في زيادة الروضة في باب الإقرار عن ابن كج
( ويصح ) إقراره ( بالحد والقصاص ) لعدم تعلقهما بالمال ولبعدالتهمة ولو كان الحد سرقة قطع ولا يلزمه المال ولو عفا مستحق القصاص بعد إقراره على مال ثبت لأنه تعلق باختيار غيره لا بإقراره
( و ) يصح ( طلاقه ) ورجعته ( وخلعه ) زوجته بمثل المهر وبدونه
( و ) يصح ( ظهاره ) وإيلاؤه وإيلاده ( ونفيه النسب ) لما ولدته زوجته ( بلعان ) ولما ولدته أمته بحلف لأن هذه الأمور ما عدا الخلع لا تعلق لها بالمال الذي حجر لأجله
وأما الخلع فلأنه إذا صح طلاقه مجانا فبعوض أولى إلا أن المال يسلم إلى وليه وهو خاص بالرجل كما تقرر للمعنى المذكور وصرح به المصنف في باب الخلع وإن كان مطلاقا وسيأتي إن شاء الله تعالى بيانه في النكاح تسري جارية إن احتاج إلى الوطء فإن كرهها أبدلت
تنبيه لو حذف قوله بلعان لكان أخصر وأعم لشموله نفي ما يلحقه من أمته فإن السيد لا يلاعن بل يحلف على النفي كما مر ويصح استلحاقه النسب وينفق عليه من بيت المال
قال في زيادة الروضة ولو أقر باستيلاد أمته لم يقبل قوله اه
نعم إن ثبت أن الموطوءة فراش له وولدت لمدة الإمكان ثبت الاستيلاد قاله السبكي لكنه في الحقيقة لم يثبت بإقراره
( وحكمه في العبادة ) الواجبة مطلقا والمندوبة البدنية ( كالرشيد ) لاجتماع الشرائط فيه
أما المندوبة المالية كصدقة التطوع فليس هو فيها كالرشيد ( لكن لا يفرق الزكاة بنفسه ) لأنه ولاية وتصرف مالي
نعم إن أذن له الولي وعين له المدفوع إليه صح صرفه كنظيره في الصبي المميز وكما يجوز للأجنبي توكيله فيه ولا بد أن يكون
____________________
(2/172)
ذلك بحضرة الولي أو من ينوب عنه كما بحثه الأذرعي لأنه قد يتلف المال إذا خلا به أو يدعي صرفه كاذبا وكالزكاة في ذلك الكفارة ونحوها
ويصح نذره في الذمة بالمال لا بعين ماله والمراد بصحة نذره فيما ذكر ثبوته في الذمة إلى ما بعد الحجر
( وإذا أحرم ) حال الحجر ( بحج فرض ) أصلي أو قضاء أو منذور قبل الحجر وكذا بعده إذا سلكنا به مسلك واجب الشرع وهو الأصح ( أعطي الولي كفايته لثقة ينفق عليه في طريقه ) ولو بأجرة أو يخرج الولي معه كما مر في كتاب الحج خوفا من تفريطه فيه
وظاهر أن الحكم كذلك إذا أراد السفر للإحرام وأن العمرة كالحج فيما ذكر
ولو أفسد حجه المفروض بالجماع في حال سفهه لزمه المضي فيه والقضاء ويعطيه الولي نفقة القضاء كما هو مقتضى إطلاق المصنف
ومقتضى إطلاقهم كما قال الإسنوي أن الحج الذي استؤجر قبل الحجر على أدائه له حكم ما تقدم
تنبيه كان الأولى حذف اللام من الثقة لأن أعطى يتعدى إلى مفعولين بنفسه
( وإن أحرم ) حال الحجر ( بتطوع ) من حج أو عمرة أو بنذر بعد الحجر وسلكنا به مسلك جائز الشرع وهو الرأي المرجوح ( وزادت مؤنة سفره ) لإتمام النسك أو إتيانه ( عن نفقته المعهودة ) في الحضر ( فللولي منعه ) من الإتمام أو الإتيان به صيانة لماله
وظاهر كلام المصنف أنه يصح إحرامه بدون إذن وليه
قال الإسنوي وفي الفرق بينه وبين الصبي المميز نظر وفرق السبكي بينهما باستقلال السفيه
( والمذهب أنه كمحصر فيتحلل ) لأنه ممنوع من المضي
والطريق الثاني وجهان أحدهما هذا والثاني لا يتحلل إلا بلقاء البيت كمن فقد زاده وراحلته
( قلت ويتحلل بالصوم إن قلنا لدم الإحصار بدل ) وهو الأظهر كما مر في الحج ( لأنه ممنوع من المال ) أما إذا قلنا لا بدل له فإنه يبقى في ذمة المحصر قال في المطلب ويظهر أنه يبقى في ذمة السفيه أيضا
( ولو كان له في طريقه كسب قدر زيادة المؤنة لم يجز منعه والله أعلم ) لأن الإتمام بدون التعرض للمال ممكن
قال في المطلب وفيه نظر إذا كان عمله مقصودا بالأجرة بحيث لا يجوز له التبرع به
قال الأذرعي وفي النظر نظر لأنه وإن كان كذلك لا يعد مالا حاصلا فلا يلزمه تحصيله مع غناه بخلاف المال الموجود في يد الولي
قال الغزالي وما ذكره ابن الرفعة و الأذرعي كلاهما عجيب فإن المسألة مفروضة فيما إذا كان الكسب في طريقه فقط كما هو ظاهر عباراتهم أما إذا أحرم بتطوع قبل الحجر ثم حجر عليه قبل إتمامه فإنه كالواجب كما ذكره في الروضة وأصلها في الحج
فصل فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله ( ولي الصبي أبوه ) بالإجماع
ولو عبر بالصغير لكان أولى
وقال ابن حزم إن الصبي يشمل الصبية كما قال إن العبد يشمل الأمة
( ثم جده ) أبو الأب وإن علا كولاية النكاح وتكفي عدالتهما الظاهرة لوفور شفقتهما فإن فسقا نزع القاضي المال منهما كما ذكراه في باب الوصية
وهل ينعزلان بالفسق وجهان حكاهما القاضي وحسين والإمام في باب العارية وينبغي الانعزال وعليه لو فسق بعد البيع وقبل اللزوم ففي بطلانه وجهان قال السبكي وينبغي أن يكون أصحهما أنه لا يبطل ويثبت الخيار لمن بعده من الأولياء
ولا يعتبر إسلامهما إلا أن يكون الولد مسلما فإن الكافر يلي ولده الكافر لكن لو ترافعوا إلينا لم نقرهم ونلي نحن أمرهم بخلاف ولاية النكاح لأن المقصود بولاية المال الأمانة وهي في المسلمين أقوى والمقصود بولاية النكاح الموالاة وهي في الكافر أقوى قاله الماوردي
( ثم وصيهما ) أي وصى من تأخر موته منهما لأنه يقوم مقامه وشرطه العدالة كما سيأتي في الوصية
( ثم القاضي ) أو أمينه لخبر السلطان ولي من لا ولي له رواه الترمذي وحسنه
____________________
(2/173)
والحاكم وصححه
ولو كان اليتيم ببلد وماله في آخر فالولي قاضي بلد المال لأن الولاية عليه ترتبط بما له كمال الغائبين لكن محله في تصرفه فيه بالحفظ والتعهد بما يقتضيه الحال مع الغبطة اللائقة إذا أشرف على التلف
أما تصرفه فيه بالتجارة والاستنماء فالولاية عليه لقاضي بلد اليمين لأنه وليه في النكاح فكذا في المال كما نقله في أصل الروضة عن الغزالي وأقره
قال شيخنا ووقع للإسنوي عزو ما يخالف ذلك إلى الروضة وأصلها فاحذره
قال الأذرعي وعلى ما في أصل الروضة فلقاضي بلده العدل الأمين أن يطلب من قاضي بلد ماله إحضاره إليه عند أمن الطريق لظهور المصلحة له فيه وليتجر له فيه ثم أو يشتري له به عقارا ويجب على قاضي بلد المال إسعافه بذلك
وحكم المجنون حكم الصبي في ترتيب الأولياء وكذا من بلغ سفيها
تنبيه قضية تعبيره بالصبي أنه لا ولاية للمذكورين على مال الأجنة وصرحا به في الفرائض في الكلام على ميراث الحمل لكن بالنسبة إلى الحاكم فقط ومثله البقية
قال الجرجاني وإذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين فعلى المسلمين النظر في حال محجورهم وتولي حفظ ماله
( ولا تلي الأم في الأصح ) كولاية النكاح
والثاني تلي بعد الأب والجد وتقدم على وصيهما لكمال شفقتها
وكذا لا ولاية لسائر العصبات كالأخ والعم
نعم لهم الإنفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية لأنه قليل فسومح به قاله في المجموع في إحرام الولي عن الصبي
قال شيخنا ومثله المجنون والسفيه اه
أما السفيه فواضح وأما المجنون ففيه نظر
نعم إن حمل على من له نوع تمييز فهو ظاهر ولعله مراده
( ويتصرف ) له ( الولي بالمصلحة ) وجوبا لقوله تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } وقوله تعالى { وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح }
وقضية كلامه كأصله أن التصرف الذي لا خير فيه ولا شر ممنوع منه إذ لا مصلحة فيه وهو كذلك كما صرح به الشيخ أبو محمد و الماوردي
ويجب على الولي حفظ مال الصبي عن أسباب التلف واستنماؤه قدر ما تأكله المؤن من نفقة وغيرها إن أمكن ولا تلزمه المبالغة
ولو خاف الولي استيلاء ظالم على مال اليتيم فله بذل بعضه لتخليصه وجوبا ويستأنس له بخرق السيد الخضر السفينة
وإذا كان للصبي أو السفيه كسب أي يليق به أجبره الولي على الاكتساب ليرتفق به في ذلك وندب أن يشتري له العقار بل هو أولى من التجارة إذا حصل من ريعه الكفاية كما قاله الماوردي هذا إن لم يخف جورا من سلطان أو غيره أو خرابا للعقار ولم يجد به ثقل خراج
وله أن يسافر بمال الصبي والمجنون وقت الأمن والتسفير به مع ثقة ولو بلا ضرورة من نحو حريق أو نهب لأن المصلحة قد تقتضي ذلك لا في نحو بحر وإن غلبت السلامة لأنه مظنة عدمها
قال الإسنوي ولا يركب بالصبي البحر وإن غلبت سلامته كماله
وفرق غيره بأنه إنما حرم ذلك في ماله لمنافاته غرض ولايته عليه في حفظه وتنميته بخلافه هو فيجوز أن يركبه البحر إذا غلبت السلامة كما يجوز إركاب نفسه والفرق أظهر والصواب كما قال الأذرعي عدم تحريم إركاب البهائم والأرقاء والحامل عند غلبة السلامة خلافا للإسنوي في الجميع
( ويبني دوره ) ومساكنه ( بالطين والآجر ) أي الطوب المحرق لأن الطين قليل المؤنة وينتفع به بعد النقض والآجر يبقى
( لا اللبن ) أي الطوب الذي لم يحرق ( والجص ) أي الجبس لأن اللبن قليل البقاء ويتكسر عند النقض والجبس كثير المؤن ولا تبقى منفعته عند النقض بل يلصق بالطوب فيفسده
تنبيه قوله والجص بالواو هي عبارة المحرر والروضة والشرح الصغير وعبارة الكبيرة أو الجص بأو وهي أولى لأنها تدل على الامتناع في اللبن سواء أكان مع الطين أم الجص وعلى الامتناع في الجص سواء أكان مع اللبن أم الآجر وهو كذلك
ويفهم المنع فيما عداهما
والمجنون والسفيه كالصبي فيما ذكر
وما ذكره من اقتصار البناء بالطين والآجر نص عليه الشافعي وجرى عليه الجمهور
واختار كثير من الأصحاب جواز البناء على عادة البلد كيف كان واختاره الروياني واستحسنه الشاشي والقلب إليه أميل
وفي البيان بعدما نقل ما ذكره المصنف عن النص وهذا في البلاد التي يعز فيها وجود الحجارة فإن كان في بلد توجد فيه الحجارة كانت أولى من الآجر لأنها أكثر بقاء وأقل
____________________
(2/174)
مؤنة
ويشترط في البناء للمحجور عليه كما قال ابن الصباغ أن يساوي كلفته وقيل هذا قل أن يوجد
قال بعضهم وهذا في التحقيق منع للبناء
وقوله ويبني دوره قد يفهم أنه لا يبتدىء له بناء العقار وليس مرادا
وقال بعض فقهاء اليمن إنما يبنيه إذا لم يكن الشراء أحظ
قال ابن الملقن وهو فقه ظاهر
ولا يشتري له ما يسرع فساده وإن كان مربحا قاله المارودي
ولا ( يبيع عقاره ) لأن العقار أسلم وأنفع مما عداه ( إلا لحاجة ) كنفقة وكسوة بأن لم تف غلة العقار بهما ولم يجد من يقرضه أو لم ير المصلحة في الاقتراض أو خاف خرابه
قال في البحر وكذا لو كان اليتيم ببلد وعقاره في آخر ويحتاج إلى مؤنة في توجيه من يجمع الغلة فيبيعه ويشتري ببلد اليتيم أو يبني فيه مثله
قال الإسنوي ويظهر أيضا جواز بيعه بثمن مثله دفعا لرجوع الواهب إذا كان أصلا له
( أو غبطة ظاهرة ) كأن يرغب فيه شريك أو جار بأكثر من ثمن مثله وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن أو خيرا منه بكله أو يكون ثقيل الخراج أي المغارم مع قلة بيعه
تنبيه قوله ظاهرة من زيادة المنهاج على بقية كتب الشيخين
قال الإمام وضابط تلك الزيادة أن لا يستهين بها العقلاء بالنسبة إلى شراء العقار وكالعقار فيما ذكر آنية القنية من نحاس وغيره كما نقله ابن الرفعة عن البندنيجي
قال وما عداهما لا يباع أيضا إلا لغبطة أو حاجة لكن يجوز لحاجة يسيرة وربح قليل لائق بخلافهما
وينبغي كما قال ابن الملقن أنه يجوز بيع أموال التجارة من غير تقييد بشيء بل لو رأى البيع بأقل من رأس المال ليشتري بالثمن ما هو مظنة للربح جاز كما قاله بعض المتأخرين ولو طلب ماله بأكثر من ثمن مثله وجب بيعه إن لم يحتج إليه ولم يكن عقارا يحصل له منه كفايته
قال الروياني ولو ترك الولي عمارة عقار محجوزة حتى خرب مع القدرة أثم وهل يضمن كما في ترك علف الدابة أو لا كما في ترك التلقيح وجهان جاريان فيما لو ترك إيجاره مع القدرة أوجههما كما قال شيخنا عدم الضمان فيهما ويفارق ترك العلف بأن فيه إتلاف روح بخلاف ما هنا
قال القفال ويضمن ورق الفرصاد إذا تركه حتى مات أو تلف وكأنه قاسه على سائر الأطعمة
ولو امتنع من بيع ماله لتوقع زيادة فتلف المال فلا ضمان
قال العبادي ولو أجر بياض أرض بستانه بأجرة وافية بمقدار منفعة الأرض وقيمة الثمر ثم ساقى على شجره على سهم من ألف سهم لليتيم والباقي للمستأجر كما جرت به العادة قال ابن الصلاح في فتاويه الظاهر صحة المساقاة قال الإسنوي وهي مسألة نفيسة
ولا يجوز لغير القاضي من الأولياء أن يقرض من مال الصبي والمجنون شيئا إلا لضرورة كحريق أو نهب أو أن يزيد سفرا يخاف عليه فيه
أما القاضي فله ذلك مطلقا لكثرة أشغاله ولا يقرضه إلا لمليء أمين ويأخذ رهنا إن رأى في ذلك مصلحة وإلا تركه ولا يودعه أمينا إلا عند عدم التمكن من إقراضه
( وله بيع ماله بعرض ونسيئة للمصلحة ) التي يراها فيهما كأن يكون في الأول ربح وفي الثاني زيادة لائقة أو خاف عليه من نهب أو إغارة
( وإذا باع نسيئة أشهد ) على البيع وجوبا ( وارتهن به ) أي بالثمن رهنا وافيا به ويشترط أن يكون المشتري موسرا ثقة والأجل قصيرا عرفا احتياطا للمحجور عليه فإن لم يفعل ذلك ضمن
قال السبكي وبطل البيع على الأصح
قال وقال الإمام الأصح أنه لا يبطل إذا كان المشتري مليئا اه
والأوجه كلام السبكي ولا يجزيء فيه الكفيل عن الارتهان
نعم لا يلزم الأب والجد الارتهان من نفسهما له والدين عليهما بأن باعا ماله لأنفسهما نسيئة لأنهما أمينان في حقه ويحكم القاضي بصحة بيعهما مال ولدهما إذا رفعاه إليه وإن لم يثبتا أن بيعهما وقع بالمصلحة لأنهما غير متهمين في حق ولدهما وفي وجوب إقامتهما البينة بالعدالة ليسجل لهما وجهان أحدهما الإكتفاء بالعدالة الظاهرة كشهود النكاح
والثاني نعم كما يجب إثبات عدالة الشهود ليحكم
وينبغي كما قال ابن العماد أن يكون هذا هو الأصح بخلاف ما مر لأن ذاك في جواز ترك الحكم لهما على الولاية وهذا فيما إذا طلبا منه أن يسجل لهما بخلاف الوصي والأمين فإنه يجب إقامتهما البينة بالمصلحة وبعد التهمة
ويقبل قول المحجور عليه بعد الكمال أنهما باعا ماله ولو غير عقار بلا مصلحة فيلزمهما
____________________
(2/175)
البينة بخلاف الأب والجد فلا يلزمهما البينة بل البينة عليه لأنهما لا يتهمان لوفور شفقتهما
ولا يبيع الوصي مال الطفل أو المجنون لنفسه ولا مال نفسه له ولا يقتص له ولي ولو أبا ولا يعفو عن القصاص نعم له العفو على الأرش في حق المجنون الفقير بخلاف الصبي كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الجنايات لأن الصبا له غاية ينتظر بخلاف الجنون
ولا يعتق رقيقه في غير الكفارة المرتبة ولا يكاتبه ولا يدبره ولا يعلق عتقه بصفة ولا يطلق زوجته ولو بعوض لخبر إنما الطلاق لمن أخذ بالساق رواه ابن ماجة والدارقطني
ولا يصرف ماله في المسابقة ولا يشتري له إلا من ثقة
قال ابن الرفعة ولا يظهر جواز شراء الجواري للتجارة لغرر الهلاك وله أن يزرع له كما قاله ابن الصباغ
( ويأخذ له بالشفعة أو يترك بحسب المصلحة ) التي رآها في ذلك لأنه مأمور بفعلها
فيجب الأخذ إذا كانت المصلحة فيه ويحرم إذا كانت المصلحة في تركه فلو استوت المصلحة في الأخذ والترك فهل يحرم الأخذ أو يجب أو يتخير فيه ثلاثة أوجه حكاها في البحر تبعا للماوردي والأول هو مقتضى كلام المصنف وقال الإسنوي هو مقتضى كلام الرافعي في آخر الشفعة وقال في المطلب هنا والنص يفهمه والآية تشهد له أي قوله تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } فإنها دالة على المنع عند الإستواء لورودها بصيغة التفصيل
ولو ترك الولي الأخذ مع الغبطة فيه ثم كمل المحجور عليه كان له الأخذ لأن ترك الولي حينئذ لم يدخل تحت ولايته فلا يفوت بتصرفه بخلاف ما إذا تركها لعدم الغبطة ولو في الأخذ والترك معا كما مر
ولو أخذ الولي مع الغبطة ثم كمل المحجور عليه وأراد الرد لم يمكن منه كما صرح به في الروضة والقول قوله بيمينه في أن الولي ترك الأخذ مع الغبطة ويلزم الولي البينة إلا على أب أو جد قال إني تركتها لغبطة فلا يقبل قوله عليه
( ويزكي ماله ) وجوبا لأنه قائم مقامه وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الزكاة
( وينفق عليه بالمعروف ) في طعام وكسوة وغيرهما مما لا بد منه بما يليق به في إعساره ويساره فإن قتر أثم وإن أسرف أثم وضمن ويخرج عنه أرش الجناية وإن لم يطلب ذلك منه
فإن قيل الدين الحال لا يجب أداؤه إلا بعد الطلب كما مر في كتاب التفليس وأرش الجناية دين
أجيب بأن ذلك ثبت بالاختيار فتوقف وجوب أدائه على طلبه بخلاف ما هنا
وينفق على قريبه بعد الطلب منه كما ذكره الشيخان لسقوطها بمضي الزمان قال الإسنوي وما ذكراه من توقف نفقة القريب على الطلب لا يستقيم إذا كان المنفق عليه مجنونا أو طفلا أو زمنا يعجز عن الإرسال ونحو ذلك اه
وهو ظاهر
نعم إن كان له ولي خاص ينبغي اعتبار طلبه وكالصبي في ذلك المجنون والسفيه
ولا أجرة للولي ولا نفقة في مال محجوره فإن كان فقيرا وشغل بسببه عن الاكتساب أخذ الأقل من الأجرة والنفقة بالمعروف قال تعالى { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } وكالأكل غيره من بقية المؤن وإنما خص بالذكر لأنه أعم وجوه الانتفاع
وله أن يستقل بالأخذ من غير مراجعة الحاكم
ولو نقص أجر الأب أو الجد أو الأم إذا كانت وصية عن نفقته وكان كل منهم فقيرا تممها من مال محجوره لأنها إذا وجبت بلا عمل فمعه أولى
وإذا أخذ لفقر به ثم أيسر لا يجب عليه رد البدل على الأظهر في زيادة الروضة
هذا كله في الولي غير الحاكم أما هو فليس له ذلك لعدم اختصاص ولايته بالمحجور عليه بخلاف غيره حتى أمينه كما صرح به المحاملي
وللوالي خلط ماله بمال الصبي ومواكلة للارتفاق إذا كان للصبي فيه حظ قال تعالى { وإن تخالطوهم فإخوانكم } وإلا امتنع قال تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن }
ويسن للمسافرين خلط أزوادهم وإن تفاوتوا في الأكل لأخبار صحيحة وردت فيه
ولا يجب على الولي أن يشتري لموليه إلا بعد استغنائه عن الشراء لنفسه فإن لم يستغن عنه قدم نفسه وإن تضجر الأب وإن علا فله الرفع إلى القاضي لينصب قيما بأجرة من مال محجوره وله أن ينصب غيره بها بنفسه
( فإذا ادعى ) الصغير ( بعد بلوغه على الأب والجد بيعا ) لماله ولو عقارا ( بلا مصلحة صدقا باليمين ) لأنهما لا يتهمان لوفور شفقتهما
ومقتضى ذلك كما قاله الإسنوي قبول الأم إذا كانت وصية وكذا من في معناها
____________________
(2/176)
كإنائها وهو كذلك
( وإن ادعاه على الوصيي والأمين ) أي منصوب القاضي ( صدق هو بيمينه ) للتهمة في حقهما وقيل يصدق الولي مطلقا لأن الأصل عدم الخيانة وقيل لا يصدق مطلقا بل لا بد من بينة وقيل يصدق الأب والجد مطلقا وغيرهما في غير العقار لأن العقار يحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره
وإذا قلنا لا يقبل قول الوصي والأمين فمحله في غير أموال التجارة أما فيها فالظاهر كما قال الزركشي قبول قولهما لعسر الإشهاد عليهما فيها
ودعواه على المشتري من الولي كدعواه على الولي فيقبل قوله عليه إن اشترى من غير الأب والجد لا إن اشترى منهما
ولو أقام من لم يقبل قوله من الولي والمحجور عليه بينة بما ادعاه حكم له بها ولو بعد الحلف كما في المحرر
تنبيه سكت المصنف عن الدعوى على القاضي وكلام التنبيه يقتضي أنه كالوصي والأمين واختاره الشيخ تاج الدين الفزاري وقال السبكي لم أر للأصحاب تصريحا به والقول قوله بلا يمين إن كان في زمن حكمه وتوقف فيما إذا كان معزولا
ثم اعتمد بعد ذلك أنه يقبل قوله بلا يمين مطلقا وهذا هو الظاهر لأنه نائب الشرع
خاتمة سئل السبكي عن يتيم تحت حجر الشرع له مال يعامل في ناظر الأيتام بإذن الحاكم ثم إن اليتيم سكن قرية من قرى القدس ومضت مدة يتحقق فيها بلوغه ولم يعلم هل بلغ رشيدا أو لا هل تجوز له المعاملة في ماله بعد مدة البلوغ المذكورة وإخراج الزكاة من ماله أو لا فقال لا تجوز المعاملة في ماله ولا إخراج الزكاة منه في هذه الحالة
ويعضد ذلك قول الأصحاب أن الولي إذا أجر الصبي مدة يبلغ فيها بالسن لم يصح فيما زاد على البلوغ
وسئل عن امرأة سفيهة تحت الحجر أقامت بينة برشدها ثم حضر وليها فأقام بينة بسفهها أيهما تقدم فقال تقدم بينة السفه لأن معها زيادة علم وصورة المسألة أن تشهد بينة الرشد في الوقت الفلاني فتشهد تلك البينة بأنها كانت في ذلك الوقت تشرب الخمر مثلا أما إذا أطلقت فالوجه تقديم بينة الرشد
باب الصلح وما يذكر معه من التزاحم على الحقوق والتنازع فيها هو لغة قطع النزاع و شرعا عقد يحصل به ذلك
وهو أنواع صلح بين المسلمين والكفار وبين الإمام والبغاة وبين الزوجين عند الشقاق وصلح في المعاملة وهو مقصود الباب والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى { والصلح خير } وخبر الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا رواه ابن حبان وصححه
والكفار كالمسلمين في ذلك وإنما خصهم بالذكر لانقيادهم إلى الأحكام غالبا
والصلح الذي يحل الحرام أن يصالح على خمر ونحوه أو من دراهم على أكثر منها والذي يحرم الحلال أن يصالح زوجته على أن لا يطلقها ونحو ذلك ولفظه يتعدى للمتروك ب من و عن وللمأخوذ ب على والباء غالبا
( وهو قسمان أحدهما يجري بين المتداعيين وهو نوعان أحدهما صلح على إقرار فإن جرى على عين غير المدعاة ) كما إذا ادعى عليه دارا فأقر له بها وصالحه عنها بمعين كثوب ( فهو بيع ) للعين المدعاة من المدعي للمدعى عليه ( بلفظ الصلح ) ويسمى صلح المعاوضة ( تثبت فيه أحكامه ) أي البيع ( كالشفعة والرد بالعيب ومنع تصرفه ) في المصالح عليه ( قبل قبضه واشتراط التقابض إن اتفقا ) أي المصالح عنه والمصالح عليه ( في علة الربا ) وغير ذلك من أحكامه كاشتراط التساوي إذا كان جنسا ربويا واشتراط القطع في بيع الزرع الأخضر وجريان التحالف
____________________
(2/177)
عند الاختلاف وفساده بالغرر والشرط الفاسد والجهل لأن حد البيع يصدق على ذلك
أما إذا صالح على دين فإنه إن كان ذهبا أو فضة فهو بيع أيضا وإن كان عبدا أو ثوبا مثلا موصوفا بصفة السلم فهو سلم وسكت الشيخان عن ذلك لظهوره
ولو أبدل المصنف عين ب غير لدخل ذلك لكن لا ينعقد السلم بلفظ البيع كما تقدم في بابه
( أو ) جرى الصلح من العين المدعاة ( على منفعة ) لغير العين المدعاة كخدمة عبد مدة معلومة ( فإجارة تثبت أحكامها ) أي الإجارة في ذلك لأن حد الإجارة يصدق على ذلك
أما إذا صالح على منفعة العين المدعاة فإنها إعارة تثبت أحكامها فإن عين مدة فإعارة مؤقتة وإلا فمطلقة
( أو ) جرى الصلح ( على بعض العين المدعاة ) كربعها ( فهبة لبعضها ) الباقي ( لصاحب اليد ) عليها فتثبت ( أحكامها ) أي الهبة المقررة في بابها من اشتراط القبول وغيره لصدق حدها على ذلك فتصح في البعض المتروك بلفظ الهبة والتمليك ونحوهما
( ولا يصح بلفظ البيع ) له لعدم الثمن ( والأصح صحته بلفظ الصلح ) ك صالحتك من الدار على ربعها لأن الخاصية التي يفتقر إليها لفظ الصلح هي سبق الخصومة وقد حصلت
والثاني لا يصح لأن لفظ الصلح يتضمن المعاوضة ولا عوض هناك للمتروك ومحال أن يقابل الإنسان ملكه بملكه
وحمله الأول على الهبة تنزيلا لهذا اللفظ في كل موضع على ما يليق به كلفظ التمليك ويسمى هذا صلح الحطيطة
( ولو قال من غير سبق خصومة صالحني عن دارك ) مثلا ( بكذا ) فأجابه ( فالأصح بطلانه ) لأن لفظ الصلح يستدعي سبق الخصومة سواء أكانت عند حاكم أم لا
والثاني يصح لأنه معاوضة فلم يشترط فيه ذلك قياسا على البيع
ومحل الخلاف عند عدم النية فأما إذا استعملاه ونويا البيع فإنه يكون كتابة بلا شك كما قال الشيخان وإن رده في المطلب
( ولو صالح من دين ) يجوز الاعتياض عنه ( على ) غيره ( عين ) أو دين قال الإسنوي أو منفعة ( صح ) لعموم الأدلة سواء أعقد بلفظ البيع أو الصلح أو الإجارة أما ما لا يصح الاعتياض عنه كدين السلم فإنه لا يصح
تنبيه قوله على عين وقع في نسخة المصنف تبعا للمحرر ولو عبر ب غير كما قدرته في كلامه لكان أولى لأن لفظه عين تنافي كما قال الفزاري تفصيله الآتي بقوله فإن كان العوض عينا إلى قوله أو دينا
وقال السبكي إنه يوجد في بعض نسخ المحرر على عوض وهو الصواب لتقسيمه إياه بعد إلى عين ودين اه
وأجاب الشارح عن هذا كما سيأتي التنبيه عليه
( فإن توافقا ) أي الدين المصالح عنه والعوض المصالح عليه ( في علة الربا ) كالصلح عن فضة بذهب ( اشترط قبض العوض في المجلس ) حذرا من الربا فإن تفرقا قبل قبضه بطل الصلح
ولا يشترط تعيينه في العقد على الأصح ( وإلا ) قال الشارح أي وإن لم يتوافق المصالح منه الدين والمصالح عليه في علة الربا فجعله منقطعا عن الأول ومثله بقوله كالصلح عن فضة بحنطة أو ثوب
( فإن كان العوض عينا لم يشترط قبضه في المجلس في الأصح ) كما لو باع ثوبا بدراهم في الذمة لا يشترط قبض للثوب في المجلس
والثاني يشترط لأن أحد العوضين دين فيشترط قبض الآخر في المجلس كرأس مال السلم
( أو ) كان العوض ( دينا ) كصالحتك عن دراهمي التي عليك بكذا ( اشترط تعيينه في المجلس ) ليخرج عن بيع الدين بالدين
( وفي قبضه ) في المجلس ( الوجهان ) أصحهما لا يشترط وإن كانا ربويين اشترط لما سبق الاستبدال عن الثمن
ولو أحال المصنف عليه لاستغنى عن هذا التفصيل
وإن كان العوض منفعة قبضها بقبض محلها فيه
قال الإسنوي ويتجه تخريج اشتراطه على الخلاف فيما إذا لو صالح على عين
( وإن صالح من دين على بعضه ) كربعه ( فهو إبراء عن باقيه ) لأنه معناه فتثبت فيه أحكامه
وعلم من كلامه أن الصلح عن الدين
____________________
(2/178)
ينقسم إلى معاوضة وحطيطة كالعين وأفهم أنه لا يشترط قبض الباقي في المجلس لأنه لم يجعل هذا العقد معاوضة بل إبراء
وهل يعود الدين إذا امتنع المبرأ من أداء الباقي أم لا وجهان أصحهما عدم العود
( ويصح بلفظ الإبراء والحط ونحوهما ) كالوضع والإسقاط لما في الصحيحين عن كعب بن مالك طلب من عبدالله بن أبي حدرد دينا له عليه فارتفعت أصواتهما في المجلس حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهما ونادى يا كعب فقال لبيك يا رسول الله فأشار بيده أن ضع الشطر فقال قد فعلت فقال صلى الله عليه وسلم قم فاقضه
وإذا جرى ذلك بصيغة الإبراء ك أبرأتك من خمسمائة من ألف الذي لي عليك أو نحوهما مما تقدم ك وضعتها أو أسقطتها عنك لا يشترط القبول على المذهب سواء أقلنا الإبراء إسقاط أم تمليك
( و ) يصح ( بلفظ الصلح في الأصح ) ك صالحتك عن الألف الذي لي عليك على خمسمائة والخلاف كالخلاف في الصلح من العين على بعضها بلفظ الصلح فيؤخذ توجيهه مما تقدم
وهل يشترط القبول في هذه الحالة فيه خلاف مدركه مراعاة اللفظ أو المعنى والأصح على ما دل عليه كلام الشيخين هنا اشتراطه ولا يصح هذا الصلح بلفظ البيع كنظيره في الصلح عن العين
تنبيه مقتضى كلام المصنف البطلان فيما لو كانت الخمسمائة المصالح بها معينة وهو ما رجحه القاضي والإمام وقطع به القفال وصوبه في المهمات وجرى عليه ابن المقري لأن تعيينها يقتضي كونها عوضا فيصير بائعا الألف بخمسمائة
ومقتضى كلام أصل الروضة الصحة وجرى عليه البغوي و المتولي و الخوارزمي وهو المعتمد لأن الصلح من الألف على بعضه إبراء للبعض واستيفاء للباقي فلا فرق بين المعين وغيره
( ولو صالح من ) دين ( حال على مؤجل مثله ) جنسا وقدرا وصفة ( أو عكس ) أي صالح من مؤجل على حال مثله كذلك ( لغا ) الصلح لأنه وعد في الأولى من الدائن بإلحاق الأجل وصفة الحلول لا يصح إلحاقها وفي الثانية وعد من المديون بإسقاط الأجل وهو لا يسقط
والصحة والتكسير كالحلول والتأجيل
( فإن عجل ) الدين ( المؤجل صح الأداء ) وسقط الأجل لصدور الإيفاء والاستيفاء من أهلهما
نعم إن ظن المؤدي صحة الصلح لم يسقط الأجل واسترد ما عجله كمن ظن أن عليه دينا فأداه فبان خلافه فإنه يسترد كما قال السبكي قطعا
وهذه المسألة فرد من أفراد قاعدة متكررة وهي إذا شرط عليه شيء من التصرفات لا يلزمه الوفاء به كما لو شرط بيعا في بيع ففعل المشروط عليه جاهلا ببطلان العقد المشروط كأن أتى بالبيع الثني فهل ينفذ لكونه تصرفا صحيحا في نفسه أو لا لكونه وفاء بالشرط الفاسد فيه خلاف
وقد اضطرب الترجيح في هذه القاعدة كما بينه في المهمات ثم قال وقد تظافرت نصوص الشافعي على البطلان فلتكن الفتوى عليه ولا عبرة بما عداه
( ولو صالح من عشرة حالة على خمسة مؤجلة برىء من خمسة وبقيت خمسة حالة ) لأنه سامح بحط البعض ووعد بتأجيل الباقي والوعد لا يلزم والحط صحيح
( ولو عكس ) بأن صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة ( لغا ) الصلح لأن صفة الحلول لا يصح إلحاقها والخمسة الأخرى إنما تركها في مقابلة ذلك فإن لم يحصل الحلو لا يصح الترك والصحة والتكثير كالحلول والتأجيل
تنبيه قد علم مما تقرر أن أقسام الصلح ستة البيع والإجارة والعارية والهبة والسلم والإبراء
وبقي منها أشياء أخرى منها الخلع ك صالحتك من كذا على أن تطلقني طلقة
ومنها المعاوضة من دم العمد ك صالحتك من كذا على ما تستحقه على من قصاص
ومنها الجعالة ك صالحتك من كذا على رد عبدي
ومنها الفداء كقوله للحربي صالحتك من كذا على إطلاق هذا الأسير
ومنها الفسخ كأن صالح من السلم فيه على رأس المال وكأنه تركها كغيره لأخذها مما ذكر
( النوع الثاني الصلح على الإنكار ) أو السكوت من المدعى عليه كما قاله في المطلب عن سليم الرازي وغيره كأن ادعى
____________________
(2/179)
عليه شيئا فأنكره أو سكت ثم صالح عنه
( فيبطل إن جرى على نفس المدعى ) كأن يدعي عليه دارا فيصالح عليها بأن يجعلها للمدعي أو للمدعى عليه كما يصدق بذلك عبارة المصنف وكلا الصورتين باطل
وفي الروضة وأصلها إن جرى على غير المدعى كأن يصالحه عن الدار بثوب أو دين
قال الشارح وكأن نسخة المصنف من المحرر عين فعبر عنها بالنفس ولم يلاحظ موافقة ما في الشرح فهما مسألتان حكمهما واحد اه
غيري حتى أسقيك نسأل الله سبحانه وتعالى من فضلهويريد بذلك دفع اعتراض المصحح
وقال الدميري عبارة المحرر غير وكأن الراء تصحفت على المصنف بالنون فعبر عنها بالنفس
فإن قيل التعبير بالنفس لا يستقيم لأن على والباء يدخلان على المأخوذ و من و عن على المتروك
أجيب بأن ذلك جرى على الغالب كما مرت الإشارة إليه وبأن المدعى المذكور مأخوذ ومتروك باعتبارين غايته أن إلغاء الصلح في ذلك للإنكار ولفساد الصيغة باتحاد العوضين
وإنما امتنع الصلح على غير إقرار خلافا للأئمة الثلاثة قياسا على ما لو أنكر الخلع والكتابة ثم تصالحا على شيء
ولأن المدعي إن كان كاذبا فقد استحل من المدعى عليه ماله وهو حرام وإن كان صادقا فقد حرم عليه ماله الحلال فدخل في قوله صلى الله عليه وسلم إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا
فإن قيل الصلح لم يحرم الحلال ولم يحلل الحرام بل هو على ما كان عليه من التحريم والتحليل
أجيب بأن الصلح هو المجوز له الإقدام على ذلك في الظاهر وأما فيما بينه وبين الله تعالى فسيأتي
ولو أقيمت عليه بينة بعد الإنكار جاز الصلح كما قاله الماوردي لأن لزوم الحق بالبينة كلزومه بالإقرار
ولو أقر ثم أنكر جاز الصلح وإذا تصالحا ثم اختلفا في أنهما تصالحا على إقرار أو إنكار فالذي نص عليه الشافعي أن القول قول مدعي الإنكار لأن الأصل أن لا عقد
فإن قيل لو تنازع المتعاقدان هل وقع العقد صحيحا أو فاسدا كان القول قول مدعي الصحة كما مر فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الظاهر والغالب جريان البيع على الصحة والغالب وقوع الصلح على الإنكار ولو ادعى عليه عينا فقال رددتها عليك ثم صالحه وقال البغوي في فتاويه إن كانت في يده أمانة لم يصح الصلح لأن القول قوله فيكون صلحا على إنكار وإن كانت مضمونة فقوله في الرد غير مقبول وقد أقر بالضمان فيصح الصلح ويحتمل بطلانه فإنه لم يقر أن عليه شيئا اه
والأول أظهر
وإن صالح على الإنكار فإن كان المدعي محقا فيحل له فيما بينه وبين الله تعالى أن يأخذ ما يبذل له قاله الماوردي وهو صحيح في صلح الحطيطة وفيه فرض كلامه
وما إذا صالح عن غير المدعى ففيه ما يأتي في مسألة الظفر قاله الإسنوي قال ولو أنكر فصولح ثم أقر كان الصلح باطلا قاله الماوردي
فإن قيل إذا أقر بأنه كان ملكا للمصالح حال الصلح فينبغي الصحة لاتفاقهما على أن العقد جرى بشروطه في علمهما أو في نفس الأمر
أجيب بأن شرط صحة الصلح الإقرار وهو منتف حال العقد
ويصح إبراء المنكر ولو بعد التحليف ولو تصالحا بعد التحليف لم يصح كما لو تصالحا قبله
( وكذا ) يبطل الصلح ( إن جرى على بعضه في الأصح ) أي المدعى كما لو كان على غير المدعى
والثاني يصح لاتفاقهما على أن البعض مستحق للمدعى ولكنهما مختلفان في جهة الاستحقاق واختلافهما في الجهة لا يمنع الأخذ
ويستثنى من محل الوجهين ما إذا كان المدعى دينا وتصالحا عن ألف على خمسمائة في الذمة فإنه لا يصح جزما لأن الصحيح إنما هو تقدير الهبة وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع بخلاف ما إذا صالحه على خمسمائة معينة فإنه لا يصح جزما لأن الصحيح إنما هو تقدير الهبة وإيراد الهبة على ما في الذمة ممتنع بخلاف ما إذا صالحه على خمسمائة معينة فإنه لا يصح في الأصح
ويستثنى من بطلان الصلح على الإنكار مسائل منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم كما سيأتي إذ لم يبذل أحد عوضا من خالص ملكه
ومنها ما إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ومات قبل الاختيار أو طلق إحدى زوجتيه ومات قبل البيان أو التعيين ووقف الميراث بينهن فاصطلحن
ومنها ما لو تداعيا وديعة عند رجل فقال لا أعلم لأيكما هي أو دارا في يدهما فأقام كل بينة ثم اصطلحا
( وقوله ) بعد إنكاره ( صالحني على الدار ) مثلا ( التي تدعيها ليس إقرارا في الأصح ) لاحتمال أن يريد قطع الخصومة لا غير
والثاني إقرار لتضمنه الاعتراف كما لو قال ملكي
ودفع بما مر
وعلى الأول يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلح إنكار
أما إذا قال ذلك ابتداء قبل إنكاره فإنه يبطل جزما ولو قال يعني
____________________
(2/180)
العين التي تدعيها أو هبنيها أو زوجني هذه الأمة أو أبرئني مما تدعيه فإقرار لأنه صريح في التماس التملك
أو قال أعرني أو أجرني لم يكن إقرارا في أحد وجهين يظهر كما قال شيخنا ترجيحه لأن الإنسان قد يستعير ملكه ويستأجره من مستأجره
ولكن يظهر كما قال شيخنا أيضا أنه إقرار بأنه مالك للمنفعة
ولو قال صالحني عن دعواك فليس بإقرار جزما
( القسم الثاني ) من الصلح ( يجري بين المدعي والأجنبي
فإن قال ) الأجنبي ( وكلني المدعى عليه في الصلح ) عن المدعى به ( وهو مقر لك ) به في الظاهر أو فيما بيني وبينه ولم يظهره خوفا من أخذ المالك له كما صرح بالقسمين في المحرر ( صح ) الصلح بينهما لأن دعوى الإنسان الوكالة في المعاملات مقبولة ومحله كما قال الإمام و الغزالي إذا لم يدع المدعى عليه الإنكار بعد دعوى الوكالة فإن ادعاه كان عزلا فلا يصح الصلح عنه
ثم إن كان المدعى عينا وصالح على بعض المدعى أو على عين للمدعى عليه أو على دين في ذمة المدعى عليه صح وصار المصالح عنه ملكا للموكل له إن كان الأجنبي صادقا في الوكالة وإلا فهو شراء فضولي وقد مر حكمه في كتاب البيع
ويرد على إطلاق اعتبار الإقرار ما لو قال الأجنبي وكلني في المصالحة لقطع الخصومة وأنا أعلم أنه لك فإنه يصح الصلح في الأصح عند الماوردي وجزم به في التنبيه وأقره في التصحيح وجريت عليه في شرحه
قال في الروضة ولو قال هو منكر ولكنه مبطل فصالحني له على عبدي هذا لتنقطع الخصومة بينكما وكان المدعى دينا فإن المذهب صحة الصلح وإن كان المدعى عينا لم يصح على الأصح والفرق أنه لا يمكن تمليك الغير عين مال بغير إذن ويمكن قضاء دينه بغير إذنه
ولو صالح الوكيل عن الموكل على عين مال نفسه أو على دين في ذمته بإذنه صح العقد ووقع للآذن ويرجع المأذون عليه بالمثل في المثلي والقيمة في المتقوم لأن المدفوع قرض لا هبة
وخرج بقول المصنف وكلني إلخ ما لو تركه فهو شراء فضولي فلا يصح كما مر
وبقوله وهو مقر لك ما لو اقتصر على قوله وكلني في مصالحتك فلا يصح بناء على الأصح في أن قوله صالحني عما تدعيه ليس إقرارا
ولو كان المدعى دينا فقال الأجنبي وكلني المدعى عليه بمصالحتك على نصفه أو ثوبه فصالحه صح كما لو كان المدعى عينا
أو على ثوبي هذا لم يصح لأنه بيع شيء بدين غيره وهذا هو المعتمد كما جزم به ابن المقري تبعا للمصنف خلافا للزركشي ومن تبعه في التسوية بين الدين والعين
تنبيه يرد على إطلاق المصنف اعتبار التوكيل ما لو قال الأجنبي صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة فإنه يصح سواء أكان بإذنه أم لا لأنه قضاء دين غيره بغير إذنه جائز قاله في زيادة الروضة
( ولو صالح ) الأجنبي عن العين ( لنفسه ) بعين ماله أو بدين في ذمته ( والحالة هذه ) أي أن الأجنبي قائل بأنه مقر لك بالمدعى أو نحو ذلك مما مر ( صح ) الصلح للأجنبي وإن لم تجر معه خصومة لأن الصلح ترتب على دعوى وجواب خلافا للجويني في قوله يأتي فيه الخلاف فيما إذا قال من غير سبق خصومة صالحني
( وكأنه اشتراه ) بلفظ الشراء
أما إذا صالح الأجنبي عن الدين ففيه الخلاف في بيع الدين لغير من عليه ولو قال صالحني عن الألف الذي لك على فلان على خمسمائة صح ولو بلا إذن لجواز الاستقلال بقضاء دين الغير كما مر
تنبيه أشار المصنف بقوله وكأنه اشتراه إلى اشتراط كونه بيد المدعى عليه بوديعة أو عارية أو نحو ذلك مما يجوز بيعه معه فلو كان مبيعا قبل القبض لم يصح
وعبارة الروضة كما لو اشتراه قال ابن الملقن وهي أولى من عبارة الكتاب لأنه شراء حقيقة فلا معنى للتشبيه اه
والظاهر كما قال ابن شهبة أن التشبيه في كلتا العبارتين فليست إحداهما أولى من الأخرى
( وإن كان ) المدعى عليه ( منكرا وقال الأجنبي هو مبطل في إنكاره ) لأنك صادق عندي فصالحني لنفسي فإن كان المدعى به عينا ( فهو شراء مغصوب فيفرق بين قدرته على انتزاعه ) فيصح ( وعدمها ) فلا يصح
____________________
(2/181)
ويكفي للصحة قوله أنا قادر على انتزاعه
وإن كان المدعى به دينا ففيه الخلاف السابق
أما إذا صالحه على المدعى عليه لتنقطع الخصومة عنه كأن قال صالحني له بعبدي هذا صح الصلح عن الدين لا عن العين لأنه لا يمكنه أن يملك غيره عينا بغير إذنه بخلاف قضاء دينه كما مر
( وإن لم يقل هو مبطل ) مع قوله هو منكر وصالح لنفسه أو للمدعى عليه ( لغا الصلح ) لأنه اشترى منه ما لم يثبت ملكه له
تنبيه شمل كلامه امتناع ثلاث صور إحداها أن يقول هو محق
الثانية لا أعلم حاله
الثالثة لم يذكر شيئا
وهذه الثالثة قال الإسنوي لم يصرح بها في الروضة ولا في أصلها وقال السبكي إن الأمر فيها كما يفهمه إطلاق الكتاب
ولو وقف مكانا وأقر به لمدع له غرم قيمته لإحالته بينه وبينه بوقفه فإن أنكر وصالح عنه أجنبي جاز الصلح لأنه بذل مال في قربة
ولو صالح متلف العين مالكها نظر فإن كان بأكثر من قيمتها من جنسها أو بمؤجل لم يصح الصلح لأن الواجب قيمة المتلف حالة فلم يصح الصلح على أكثر منها ولا على مؤجل لما في ذلك من الربا وإن كان بأقل من قيمتها أو بأكثر بغير جنسها جاز لفقد المانع
ولو أقر بمحصل فصالح عنه وهما يعرفانه صح الصلح وإن لم يسمه أحد منهما كما لو قال بعتك الشيء الذي أعرفه أنا وأنت
ولو وكل المنكر في الصلح عنه أجنبيا جاز كما قاله أبو العباس وجرى عليه ابن المقري لأن الإنكار حرام للكذب والإضرار فإن أراد إزالة الضرر جاز كمن أذنب ذنبين وأراد التوبة من أحدهما وكالوارث يجهل أمر التركة فله التوكيل في الصلح لإزالة الشبهة عنه وقيل لا يجوز وجرى عليه أبو إسحق لأنه مع الإنكار ألجأ إلى بيعه منه ولا يحل لأحد أن يلجىء غيره إلى بيع ماله وإنكار حق الغير حرام فلو بذل للمنكر مالا ليقر بالمدعى ففعل لم يصح الصلح لبنائه على فاسد ولا يلزم المال وبذله لذلك وأخذه حرام ولا يكون مقرا بذلك في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما جزم به ابن كج وغيره
فصل في التزاحم على الحقوق المشتركة ( الطريق النافذ ) بمعجمة ويعبر عنه بالشارع وقيل بينه وبين الطريق اجتماع وافتراق لأنه مختص بالبنيان ولا يكون إلا نافذا والطريق يكون ببنيان وصحراء ونافذا وغير نافذ ويذكر ويؤنث
( لا يتصرف فيه ) بالبناء للمفعول ( بما يضر المارة ) في مرورهم فيه لأن الحق فيه للمسلمين كافة
وتعبير المصنف بما يضر أولى من قول المحرر بما يبطل المرور لأن كل ما أبطل المرور ضر بخلاف العكس فعبارة المصنف أعم نبه عليه في الدقائق
( و ) على هذا ( لا يشرع ) أي يخرج ( فيه جناح ) أي روشن ( ولا ساباط ) أي سقيفة على حائطين والطريق بينهما ( يضرهم ) أي كل من الجناح والساباط لما تقدم ( بل يشترط ارتفاعه ) أي كل منهما ( بحيث يمر تحته ) الماشي ( منتصفا ) من غير احتياج إلى أن يطأطىء رأسه لأن ما يمنع ذلك إضرار حقيقي
ويشترط مع هذا أن يكون على رأسه الحمولة العالية كما قاله الماوردي وأن لا يظلم الموضع كما اقتضاه كلام الشافعي وأكثر الأصحاب ولا عبرة بالإظلام الخفيف
ولو أحوج الإشراع إلى وضع الرمح على كتف الراكب بحيث لا يتأتى نصبه لم يضر لأن وضعه على كتفه لا ضرر فيه
( وإن كان ممر الفرسان والقوافل فليرفعه بحيث يمر تحته المحمل ) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية
( على البعير مع أخشاب المظلة ) بكسر الميم كما في الدقائق فوق المحمل لأن ذلك قد يتفق وإن كان نادرا
والأصل في جواز ذلك أنه صلى الله عليه وسلم نصب بيده ميزابا في دار عمه العباس رواه الإمام أحمد والبيهقي وقال إن الميزاب كان شارعا لمسجده صلى الله عليه وسلم
ولو كان له داران في جانبي الشارع فحفر تحت الطريق سردابا من إحداهما إلى الأخرى وأحكم أزجه بحيث يؤمن الانهيار لم يمنع لأنه لا فرق بين أن يرتفق بهذا الطريق أو بما تحته من غير ضرر على
____________________
(2/182)
المارين بخلاف المفسد المملوك فليس له ذلك بغير إذن أهله كما يؤخذ مما سيأتي في وضع الجناح بغير إذن أهله فإن فعل ما منع منه أزيل لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار في الإسلام رواه ابن ماجة وغيره وهو حسن والمزيل له الحاكم لا كل أحد لما فيه من توقيع الفتنة لكن لكل أحد مطالبته بإزالته لأنه من إزالة المنكر
تنبيه ما أفهمه من جواز إخراج الجناح غير المضر هو في المسلم أما الكافر فليس له الإشراع إلى شوارع المسلمين على الصحيح وإن جاز استطراقه لأنه كإعلاء البناء على المسلم في المنع
قال في المطلب وسلوك أهل الذمة طرقات المسلمين ليس على استحقاق ملك بل إما بطريق التبع للمسلمين أو بما يبذلونه من الجزية إذا قلنا إنها في مقابلة سكنى الدار ويجري الخلاف في آبار حشوشهم إذا أرادوا حفرها في أفنية دورهم
قال الأذرعي ويشبه أن لا يمنعوا من إخراج الجناج ولا من حفر آبار حشوشهم في محالهم وشوارعهم المختصة بهم دار الإسلام كما في رفع البناء وهو بحث حسن
وقضية إطلاق المصنف جواز إخراج الجناح إلى الطريق بشرط أنه يجوز إخراج جناح تحت جناح صاحبه إذ لا ضرر أو فوقه إن لم يضر بالمار على جناح صاحبه أو مقابله إن لم يبطل انتفاع صاحبه وكذا موضعه أيضا إذا انهدم أو هدمه وإن كان على عزم إعادته ولو بحيث لا يمكن معه إعادته وهو كذلك كما لو قعد لاستراحة ونحوها في طريق واسع ثم انتقل عنه يجوز لغيره الارتفاق به ويصير أحق به
فإن قيل قياس اعتبار الإعراض في القعود فيه للمعاملة بقاء حقه هنا إذا عاد إليه كما بحثه الرافعي
أجيب بأن إشراع الجناح إنما يكون بطريق التبع لاستحقاق الطروق وعند سقوط استحقاق الطروق ثابت لكل المسلمين فذلك من كان أحق به لمشاركته في السبب والانتفاع بالمقاعد ليس تبعا لغيره فلذلك من سبق كان أحق به ما لم يعرض عنه وبأن المعاملة لا تدوم بل الانتقال عنها ثم العود إليها ضروري فاعتبر الإعراض بخلاف ما هنا فاعتبر الانهدام
نعم يستثنى من ذلك ما لو بنى دارا في موات وأخرج لها جناحا ثم بنى آخر دارا تحاذيه واستمر الشارع فإن حق الأول يستمر وإن انهدم جناحه فليس لجاره أن يخرج جناحه إلا بإذنه لسبق حقه بالإحياء ومن سبق إلى أكثر الهواء كأن أخذ هواء الطريق لم يكن للآخر منعه
وحكم الشارع الموقوف حكم غيره فيما مر كما اقتضاه كلام الشيخين وإن توقف فيه في المطلب
والطريق ما جعل عند إحياء البلد أو قبله طريقا أو وقفه المالك ولو بغير إحياء كذلك وشرح في الروضة نقلا عن الإمام بأنه لا حاجة في ذلك إلى لفظ
قال في المهمات ومحله فيما عدا ملكه أما فيه فلا بد من لفظ يصير به وقفا على قاعدة الأوقاف اه
وهذا ظاهر
وحيث وجدنا طريقا اعتمدنا فيه الظاهر ولا يلتفت إلى مبدأ جعله طريقا
فإن اختلفوا عند الإحياء في تقديره قال المصنف جعل سبعة أذرع لخبر الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف في الطريق أن يجعل عرضه سبعة أذرع
وقال الزركشي مذهب الشافعي اعتبار قدر الحاجة والحديث محمول عليه اه
وهذا ظاهر فإن كان أكثر من سبعة أو من قدر الحاجة على ما مر لم يجز لأحد أن يستولي على شيء منه وإن قل ويجوز إحياء ما حوله من الموات بحيث لا يضر بالمار
أما إذا كانت الطريق مملوكة يسبلها مالكها فتقديرها إلى خيرته والأفضل له توسيعا
( ويحرم الصلح على إشراع الجناح ) أو الساباط بعوض وإن صالح عليه الإمام لأن الهواء لا يفرد بالعقد
وإنما يتبع القرار كالحمل عن الأم ولأنه إن ضر لم يجز فعله وإن لم يضر فالمخرج مستحقه وما يستحقه الإنسان في الطريق لا يجوز أخذ العوض عنه كالمرور
( و ) يحرم ( أن يبنى في الطريق دكة ) بفتح الدال أي مصطبة أو غيرها
( أو يغرس شجرة ) ولو اتسع الطريق وأذن الإمام وانتفى الضرر لمنع الطروق في ذلك المحل ولتعثر المار بهما عند الازدحام ولأنه إن طالت المدة أشبه موضعهما الإملاك وانقطع أثر استحقاق الطروق فيه بخلاف الأجنحة ونحوها
واستشكل التعليل الأول بجواز غرس الشجرة بالمسجد مع الكراهة والثاني بجواز فتح الباب إلى درب منسد إذا سمره
وأجيب عن الأول بأن محل جواز غرس الشجرة بالمسجد إذا كان لعموم المسلمين بدليل أنهم لا يمنعون من الأكل من ثمارها وقضيته جواز مثل ذلك في الشارع حيث لا ضرر وهو كذلك
وعن الثاني بأن الحق في الدرب المنسد لخاص وهو قائم على ملكه وحافظ له بخلاف الشارع فانقطاع الحق
____________________
(2/183)
عند طول المدة أقرب
( وقيل إن لم يضر ) ذلك المار ( جاز ) كإشراع الجناح
وفرق الأول بما مر
وقضية كلامهم منع إحداث دكة وإن كانت بفناء داره وهو الظاهر كما جزم به ابن الرفعة وإن قال السبكي بجوازه عند انتفاء الضرر
ولا يضر عجن الطين في الطريق إذا بقي مقدار المرور للناس كما قاله العبادي
ومثله إلقاء الحجارة فيه للعمارة إذا تركت بقدر مدة نقلها أو ربط الدواب فيه بقدر حاجة النزول والركوب
وأما ما يفعل الآن من ربط دواب العلافين في الشوارع للكراء فهذا لا يجوز ويجب على ولي الأمر منعهم وقد أفتيت بذلك مرارا لما في ذلك من الضرر
ولو رفع التراب من الشارع وضرب منه اللبن وغيره وباعه صح مع الكراهة كما في فتاوى القاضي
( و ) الطريق ( غير النافذ يحرم الإشراع ) للجناح ( إليه لغير أهله ) بلا خلاف وإن لم يضر بغير رضاهم لأنه ملكهم فأشبه الإشراع إلى الدور
( وكذا ) يحرم الإشراع ( لبعض أهله في الأصح ) كسائر الأملاك المشتركة تضرروا بذلك أم لا ( إلا برضا الباقين ) فيجوز ضر أم لا
والثاني يجوز بغير رضاهم إن لم يضر لأن كل واحد منهم يجوز له الانتفاع بقراره فيجوز بهوائه كالشارع
وعلى الوجهين يحرم الصلح على إشراعه بمال لما مر
ويعتبر إذن المكتري كما أفتى به البغوي ويقاس به الموصى له بالمنفعة
ولو رضي بعضهم ببعض بذلك امتنع عليهم الركوع كما صرح به الماوردي لأنه لا سبيل إلى قلعه مجانا لوضعه بحق ولا إلى قلعه مع غرم الأرش لأنه شريك وهو لا يكلف ذلك ولا إلى إبقائه بأجرة لأن الهواء لا أجرة له كما مر
وقضية ذلك أن الإخراج لو كان فيما لا حق للمخرج فيه بأن كان باب داره وصدر السكة كان لمن رضي الرجوع ليقلع ويغرم أرش النقص وهو ظاهر
تنبيه لو قال المصنف إلا برضا المستحقين لكان أولى لوجهين أحدهما ليعود الاستثناء إلى المسألة الأولى أيضا وهي ما إذا كان المشرع غيري حتى أسقيك نسأل الله سبحانه وتعالى من فضلهمن غير أهله فإنه لا يصح التعب
الثاني لئلا يتوهم اعتبار إذن من بابه أقرب إلى رأس السكة لمن بابه أبعد وهو وجه والأصح خلافه بناء على استحقاق كل إلى بابه لا إلى آخر الدرب كما يعلم من قوله الآتي
( وأهله ) أي الدرب غير النافذ ( من نفذ باب داره إليه لا من لاصقه جداره ) من غير نفوذ بابه فيه لأن أولئك هم المستحقون للانتفاع فهم الملاك دون غيرهم
تنبيه لو قال من له المرور فيه إلى ملكه لكان أولى ليشمل ما لو كان له فيه فرن أو حانوت أو نحو ذلك
( وهل الاستحقاق في كلها ) أي الطريق المذكورة وهي تذكر وتؤنث ( لكلهم ) لأنهم ربما احتاجوا إلى التردد والارتفاق بكله لطرح القمامات عند الإدخال والإخراج
( أم تختص شركة كل واحد بما بين رأس الدرب ) وهو عربي وقيل معرب
( وباب داره وجهان أصحهما الثاني ) لأن ذلك القدر هو محل تردده ومروره وما عداه هو فيه كالأجنبي من السكة ولأهل الدرب المذكور قسمة صحته كسائر المشتركات القابلة للقسمة ولو أراد الأسفلون لا الأعلون سدما بينهم أو قسمته جاز بخلاف الأعلين ولو اتفقوا على سد رأس السكة لم يمنعوا منه ولم يفتحه بعضهم بغير رضا الباقين
نعم إن سده بآلة نفسه خاصة فله فتحه بغير رضاهم ولو امتنع بعضهم من سده لم يكن للباقين ذلك
ولو وقف بعضهم داره مسجدا أو وجد ثم مسجد شاركهم المسلمون في المرور إليه فيمنعون من السد والقسمة
ولا يجوز الإشراع عند الضرر وإن رضي أهل السكة لحق سائر المسلمين ويجوز الإشراع الذي لا يضر وإن لم يرض أهله ومحله إذا لم يكن المسجد حادثا وإلا فإن رضي به أهل الدرب فكذلك وإلا فلهم المنع من الإشراع إذ ليس لأحد الشركاء إبطال حق البقية من ذلك
وكالمسجد فيما ذكر ما سبل ووقف على جهة عامة كبئر ومدرسة ورباط نبه على ذلك الزركشي
تنبيه كان ينبغي له أن يقول في كله كما في غيره مما قدمه لأنه عائد إلى غير النافذ وهو مذكر واستغنى عما
____________________
(2/184)
قدرته في كلامه تبعا للشارح وقد أتى في المحرر بجميع الضمائر مؤنثة لكونه عبر أولا بالسكة ولما عبر المصنف بغير النافذ عدل عن تأنيث الضمائر إلى تذكيرها إلا هذه اللفظة
وقوله لكلهم كان الأولى أن يقول لكل منهم فإنه لا نزاع في استحقاق كلها لكلهم أي لمجموعهم فإن الكل يطلق على الكل المجموعي والكل التفصيلي
فإن قيل إذا كان الاستحقاق لهم خاصة فلم جاز لغيرهم دخوله بغير إذنهم أجيب بأن هذا من الحلال المستفاد بقرينة الحال
قال الزركشي وقضيته أنه لا يجوز الدخول إذا كان فيهم محجور عليه لامتناع الإباحة منه ومن وليه وقد توقف الشيخ عز الدين في مسائل قريبة من ذلك كالشرب من أنهارهم والظاهر كما قال بعض المتأخرين الجواز وإن كان الورع خلافه ومن ذلك ما قاله الأصحاب من أنه يجوز المرور بملك غيره إذا لم يصر طريقا للناس
قال العبادي في طبقاته وعليه يحمل إطلاق الأكثرين الجواز ومحله فيما جرت العادة بالمسامحة بالمرور فيه وقد قيل إن السلطان محمود لما قدم مرو استقبله أهل البلد وفيهم القفال الكبير والقاضي أبو عاصم العامري أحدهما عن يمين السلطان والآخر عن يساره وازدحموا فتعدى فرس القفال عن الطريق إلى أرض مملوكة لإنسان فقال السلطان للعامري هل يجوز أن يتطرق في ملك الغير بغير إذنه فقال له سل الشيخ فإنه إمام لا يقع فيما لا يحل في الشرع فسمع القفال ذلك فقال يجوز السعي في أرض الغير إذا لم يخش أن يتخذ بذلك طريقا ولا عاد ضرره على المالك بوجه آخر كالنظر في مرآة الغير والاستظلال بجداره
( وليس لغيرهم فتح باب إليه للاستطراق ) إلا بإذنهم لتضررهم فإن أذنوا جاز لهم الرجوع ولو بعد الفتح كالعارية
قال الإمام ولا يغرمون شيئا بخلاف ما لو أعار أرضا للبناء ونحوه ثم رجع فإنه لا يقلع مجانا
قال الرافعي ولم أره لغيره والقياس عدم الفرق
وفرق في المطلب بينهما بما فيه نظر
والأولى ما فرق به شيخنا من أن الرجوع هناك يترتب عليه القلع وهو خسارة فلم يجز الرجوع مجانا بخلافه هنا لا يترتب على خسارة لعدم اقتضائه لزوم سد الباب وخسارة فتحه إنما ترتبت على الإذن لا على الرجوع مع أن فتحه لا يتوقف على الإذن وإنما المتوقف عليه الاستطراق
( وله فتحه إذا سمره ) بالتخفيف ويجوز التشديد ( في الأصح ) لأن له رفع جداره فبعضه أولى
والثاني لا لأن فتحه يشعر بثبوت حق الاستطراق فيستدل به عليه
وما صححه تبعا للمحرر هو ما صححه في تصحيح التنبيه وهو المعتمد وإن قال في زيادة الروضة إن الأفقه المنع فقد قال في المهمات والفتوى على الجواز فقد نقله ابن حزم عن الشافعي
تنبيه لو حذف لفظ سمره لكان أخصر وأشمل فإن الخلاف جار فيما إذا فتحه للاستضاءة وكذا لو قال لا أدخل منه ولا أخرج كما قاله في البيان
نعم لو ركب على المفتوح للاستضاءة شباكا أو نحوه جاز جزما كما نقله الإسنوي وغيره عن جمع
( ومن له فيه باب ) أو ميزاب ( ففتح آخر أبعد من رأس الدرب ) من بابه الأصلي ( فلشركائه ) أي لكل منهم ( منعه ) إذا كان بابه أبعد من الباب الأول سواء أسد الأول أم لا لأن الحق لغيره بخلاف من بابه بين المفتوح ورأس الدرب أو مقابل المفتوح كما في الروضة عن الإمام أي المفتوح القديم كما فهمه السبكي وغيره
وفهم البلقيني أنه الجديد واعترض عليه بأن المقابل للمفتوح مشارك في القدر المفتوح فيه فله المنع
( فإن كان أقرب إلى رأسه ولم يسد الباب القديم فكذلك ) أي لشركائه منعه لأن انضمام الثاني إلى الأول يورث زحمة ووقوف الدواب في الدرب فيتضررون به وقيل يجوز واختاره الأذرعي وضعف التوجيه بالزحمة بتصريحهم بأن له جعل داره حماما وحانوتا مع أن الزحمة ووقوف الدواب في السكة وطرح الأثقال بكثرة أضعاف ما عساه يقع نادرا في فتح باب آخر للدار اه
وربما يجاب بأن موضع فتح الباب لم يكن له فيه استحقاق بخلاف جعل داره ما ذكر
( وإن سده فلا منع ) لأنه ترك بعض حقه
ويجوز لمن داره في آخر الدرب تقديم بابه فيما يختص به وجعل ما بين الدار وآخر
____________________
(2/185)
الدرب دهليز
قال الإسنوي ولو كان له دار بوسط السكة وأخرى بآخرها فالمتجه أنه يجوز لمن داره بينهما منعه من تقديم باب المتوسطة إلى آخر السكة لأنه وإن كان شريكا في الجميع لكان شركته سببها إنما هو إليها خاصة وقد يبيع لغيره فيستفيد زيادة الاستطراق
ولو كان له في السكة قطعة أرض فبناها دورا وفتح لكل واحدة بابا جاز قاله البغوي في فتاويه ) ( ومن له داران تفتحان ) بفتح الفوقانية أوله ( إلى دربين ) مملوكين ( مسدودين أو ) درب مملوك ( مسدود وشارع ففتح بابا بينهما لم يمنع في الأصح ) لأنه يستحق المرور في الدرب ورفع الحائل بين الدارين تصرف في ملكه فلم يمنع حقه
وتبع المصنف ك الرافعي في تصحيح هذا البغوي وهو المعتمد
والثاني وهو ما نقله في الروضة عن العراقيين عن الجمهور وجرى عليه ابن المقري المنع لأنه في صورة الأولى يثبت لكل من الدارين استطراقا في الدرب الآخر لم يكن له وفي الثانية يثبت للملاصقة للشارع حقا في المسدود لم يكن لها
تنبيه قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في جريان الخلاف بين أن يبقي البابين على حالهما أو يسد أحدهما وهو كذلك وإن خصه الرافعي بما إذا سد باب أحدهما وفتح الباب لغرض الاستطراق
وقوله مسدودين أو مسدود وشارع كان الأولى أن يقول مملوكين أو مملوك وشارع كما قدرته في كلامه لأنه لا يلزم من السد الملك بدليل ما لو كان في أقصاه مسجد أو نحوه كما مر
وقوله تفتحان هو بالمثناة فوق في أوله لأن الدار مؤنثة وكذا كل فعل كان فاعله ضميرا لغائبتين قاله المصنف في الدقائق
قال أبو حيان وبه ورد السماع قال تعالى { فيهما عينان تجريان } وقال { أن تزولا } وقال { امرأتين تذودان }
وجوز ابن فارس فيه الياء من تحت
( وحيث منع فتح الباب فصالحه أهل الدرب بمال صح ) لأنه انتفاع بالأرض بخلاف إشراع الجناح لأن هناك بذل مال في مقابلة الهواء المجرد
هذا إذا صالحوه على الاستطراق أما إذا صالحوه على مجرد الفتح بمال فلا يصح قطعا
ثم إن قدروا للاستطراق مدة فهو إجارة وإن أطلقوا أو شرطوا التأبيد فهو بيع جزء شائع من الدرب له وينزل منزلة أحدهم كما لو صالح رجلا على مال ليجري في أرضه ماء النهر كان ذلك تمليكا لمكان النهر بخلاف ما لو صالحه بمال على فتح باب من داره أو أن يجري الماء على سطحه فإنه وإن صح لا يملك شيئا من الدار والسطح لأن السكة لا تراد إلا للاستطراق فإثباته فيها يكون نقلا للملك وأما الدار والسطح فلا يقصد بهما الاستطراق وإجراء الماء
وقيد الأذرعي الجواز في تقدير المدة وعدمه بما إذا لم يكن بالدرب مسجد ونحوه كدار موقوفة على معين أو غيره وإلا فلا يجوز إذ البيع لا يتصور في الموقوف وحقوقه
قال وأما الإجارة والحالة هذه فيتجه فيها تفصيل لا يخفى على الفقيه استخراجه
ولو أذن صاحب الدرب لإنسان في حفر سرداب تحت داره ثم باعها فللمشتري أن يرجع كما كان للبائع قاله العبادي
( ويجوز ) للمالك ( فتح الكوات ) في جداره في الدرب النافذ وغيره سواء أكان من أهل الدرب أم من غيرهم سواء أكان للاستضاءة أم لا أذنوا أم لا لأنه تصرف في ماله لأن له إزالة جواره وجعل شباك مكانه
والكوات جمع كوة بفتح الكاف الطاقة وفي لغة غريبة بضمها والواو مشددة فيهما وجمعها المصنف جمع تصحيح وفي كافة اللغتان ويجمع جمع تكسير فتجمع المفتوحة على كواء بالكسر مع المد والقصر والمضمومة على كوى بالضم والقصر
تنبيه غالب ما تفتح الكوات للاستضاءة
وله نصب شباك عليها بحيث لا يخرج منه شيء فإن خرج هو أو غطاؤه كان كالجناح قال السبكي فليتنبه لهذا فإن العادة أن يعمل في الطاقات أبواب تخرج فيمنع من هواء الدرب
هذا في حق من ليس له فتح للاستطراق فإن كان له ذلك فلا منع من أبواب الطاقات
وقضية إطلاق المصنف أنه لا فرق بين الجواز بين كون الكوة عالية أو لا وهو كذلك وإن قيده الجرجاني بما إذا كانت عالية لا يقع النظر منها إلى دار جاره فقد صرح الشيخ أبو حامد بجواز فتح كوة في ملكه مشرفة على جاره وعلى حريمه وليس
____________________
(2/186)
للجار منعه لأنه إذا أراد رفع جميع الحائط لم يمنع منه فإذا رفع بعضه لم يمنع
( والجدار بين مالكين ) لبناءين ( قد يختص ) أي ينفرد ( به أحدهما ) ويكون ساترا للآخر ( وقد يشتركان فيه فالمختص ) به أحدهما ( ليس للآخر وضع الجذوع ) بالمعجمة أي خشبه ( عليه بغير إذن في الجديد ولا يجبر المالك ) له إن امتنع من وضعها لخبر لا يحل لامريء من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس رواه الحاكم بإسناد على شرط الشيخين في معظمه وكل منهما منفرد في بعضه
ولخبر لا ضرر ولا ضرار في الإسلام قال المصنف حديث حسن رواه ابن ماجة والدارقطني
وقياسا على سائر أمواله ونقله البغوي في شرح السنة عن أكثر أهل العلم
والقديم يجوز ذلك ويجبر المالك لحديث الشيخين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لا يمنعن جار جاره أن يضع خشبة في جداره ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم عنها أي عن السنة معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم بالتاء المثناة من فوق أي بينكم وروي بالنون ومعناه أيضا بينكم فإن الكتف هو الجانب قال البيهقي ولم نجد في السنة ما يعارض هذا الحديث ولا تصح معارضته بالعمومات
وأجاب عنه الأصحاب بأنه محمول على الندب لقوة العمومات المعارضة وبأن الضمير في جداره لصاحب الخشب أي لا يمنع جاره أن يضع خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضوء ونحوه
قال الإسنوي ويتأيد بأنه القياس الفقهي والقاعدة النحوية فإنه أقرب من الأول فوجب عود الضمير إليه
تنبيه قد يقتضي التعبير بالجديد أن مقابله قديم محض وليس مرادا بل هو منصوص عليه في الجديد أيضا حكاه البويطي عن الشافعي وهو من رواة الجديد
وظاهره أن القول القديم مطلق وليس مرادا بل له شروط أن لا يحتاج المالك إلى وضع جذوعه عليه وأن لا يزيد الجار في ارتفاع الجدار وأن لا يبني عليه أزجا وأن لا يضع عليه ما لا يحمله الجدار ولا يضر به وأن لا يملك الجار شيئا من جدار البقعة التي يريد تسقيفها وأن لا يملك إلا جدارا واحدا
وقد يفهم من التعبير بالوضع اختصاص الخلاف بذلك وأنه لا يجوز إدخال الجذوع في الحائط قطعا وليس مرادا بل الخلاف جار فيه أيضا
وفرض المصنف الخلاف في الجدار بين المالكين يخرج الساباط إذا أراد أن يبنيه على شارع أو درب غير نافذ وأن يضع طرف الجذوع على حائط جاره المقابل فلا يجوز ذلك إلا بالرضا قطعا قاله المتولي وغيره لأن هذا الجدار ليس بين مالكين
فإن قيل قوله ولا يجبر المالك قد يفهم أنه مجزوم به وأن القولين إنما هما في الجواز ابتداء وليس مرادا فلو حذفه لكان أولى
أجيب بأنه فرعه على الجديد
( فلو رضي ) المالك بالوضع ( بلا عوض ) وقلنا بعدم الإجبار ( فهو إعارة ) لصدق حدها عليه فيستفيد بها المستعير الوضع مرة واحدة حتى لو رفع جذوعه أو سقطت بنفسها أو سقط الجدار فبناه صاحبه بتلك الآلة لم يكن له الوضع ثانيا في الأصح لأن الإذن إنما يتناول مرة فقط
( وله ) أي للمالك ( الرجوع قبل البناء عليه ) قطعا ( وكذا بعده في الأصح ) كسائر العواري
والثاني لا رجوع له بعد البناء لأن مثل هذه العواري يراد بها التأبيد كالإعارة لدفن الميت
( وفائدة الرجوع تخييره بين أن يبقيه ) أي الموضوع المبني عليه ( بأجرة أو يقلع ) ذلك ( ويغرم أرش نقصه ) وهو ما بين قيمته قائما ومقلوعا كما في إعارة الأرض للبناء أو الغراس وليس له التملك لذلك بقيمته وإن قال الزركشي إن قضية كلام أكثر العراقيين أن له ذلك
بخلاف من أعار أرضا للبناء أو الغراس فإن له بعد رجوعه أن يتملكه بقيمته لأن الأرض أصل فجاز أن تستتبع والجدار تابع فلا يستتبع
( وقيل فائدته طلب الأجرة ) في المستقبل ( فقط ) لأن القلع يضر المستعير لأن الجذوع إذا ارتفعت أطرافها عن جدار لا تستمسك على الجدار الآخر والضرر لا يزال بالضرر
____________________
(2/187)
( ولو رضي بوضع الجذوع والبناء عليها بعوض ) على قول منع الإجبار ( فإن أجر رأس الجدار للبناء ) عليها ( فهو إجارة ) كسائر الأعيان التي تستأجر للمنافع لكن لا يشترط فيها بيان المدة في الأصح لأنه عقد يرد على المنفعة وتدعو الحاجة إلى دوامه فلم يشترط فيه التأقيت كالنكاح
والثاني يشترط وكلاما لمصنف يقتضيه
قال الزركشي نعم لو كانت الدار وقفا عليه وأجره فلا بد من بيان المدة قطعا كذا ذكره القاضي حسين
( وإن قال بعته للبناء عليه أو بعت حق البناء عليه فالأصح أن هذا العقد ) الواقع بلفظ البيع أو بلفظ الصلح كما في الكفاية ( فيه شوب بيع ) لكونه مؤبدا
( و ) شوب ( إجارة ) لأن المستحق به منفعة فقط إذ لا يملك المشتري فيه عينا فلو كان إجارة محضة لاشترطنا تأقيتها أو بيعا محضا لكان رأس الجدار لصاحب الجذوع
والثاني أن هذا العقد بيع يملك به مواضع رؤوس الجذوع
والثالث أنه إجارة مؤبدة للحاجة
واحترز بقوله للبناء عليه عما إذا باعه وشرط أن لا يبني عليه فإنه جائز قطعا وينتفع به بما عد البناء من مكث عليه وغيره وكذا لو باعه ولم يتعرض للبناء بالكلية كما ذكره الماوردي وحكم البناء على الأرض أو السقف أو الجدار بلا جذوع كذلك
تنبيه قوله شوب قال في الدقائق إنه الصواب وإن قول بعضهم شائبة محض تصحيف
قال السبكي لا يظهر لي وجه التصحيف في ذلك لأن الشوب الخلط ويطلق على المخلوط به وهو المراد هنا والشائبة يشاب بها فكل منهما صواب
وقال الإسنوي التعبير بالتصحيف هنا لا مدخل له بل صوابه التحريف
( فإذا بنى ) بعد قوله بعته للبناء أو بعت حق البناء وقلنا بالأول ( فليس لمالك الجدار نقضه ) أي نقض بناء المشتري ( بحال ) أي لا مجانا ولا مع إعطاء أرش نقصه لأنه يستحق الدوام بعقد لازم
نعم إن اشترى مالك الجدار حق البناء من المشتري جاز كما صرح به المحاملي و أبو الطيب وحينئذ يتمكن من الخصلتين اللتين جوزناهما لو أعار لزوال استحقاق صاحب الجذوع
تنبيه سكت الشيخان عن تمكين البائع من هدم حائط نفسه ومن منع المشتري أن يبني إذا لم يكن بنى ولا شك كما قاله الإسنوي أنه لا يتمكن منهما
ولو وجدنا الجذوع موضوعة عن الجدار ولم نعلم كيف وضعت فالظاهر أنها وضعت بحق فلا تنقض ويقضى باستحقاقهما دائما فلو سقط الجدار وأعيد فله إعادتها بلا خلاف لأنا حكمنا بأنها وضعت بحق وشككنا في المجوز للرجوع ولمالك الجدار نقضه إن كان مستهدما وإلا فلا كما في زيادة الروضة
( ولو انهدم الجدار ) بعد بناء المشتري أو قبله ( فأعاده مالكه ) باختياره ولا يلزمه ذلك في الجديد ( فللمشتري ) أولى منه فللمستحق
( إعادة البناء ) في الأولى وابتداؤه في الثانية بتلك الآلات وبمثلها لأنه حق ثبت له
ولو لم يبنه المالك فأراد صاحب الجذوع إعادته من ماله ليبني عليه قال الإسنوي كان له ذلك كما صرح به جماعة وقال السبكي إنه قضية كلام الأصحاب
وفهم مما قدرته في كلام المصنف أن العقد لا ينفسخ بعارض هدم أو انهدام وهو كذلك كما ذكره في أصل الروضة لالتحاقه بالبيوع وإن كان قضية تعليل الرافعي وقول المصنف فللمشتري اختصاص ذلك بما إذا وقع العقد بلفظ البيع ونحوه
فأما إذا أجره إجارة مؤقتة فيجري في انفساخها الخلاف في انهدام الدار المستأجرة
وخرج بانهدام ما لو هدمه شخص من مالك أو غيره فإن المشتري يطالب بقيمة حق وضع بناءه على الجدار للحيلولة بينه وبين حقه سواء أبنى أم لا مع غرم أرش البناء إن كان قد بنى وإلا فلا أرش فإن أعيد الجدار استعيدت القيمة لزوال الحيلولة وله البناءان لم يكن بنى وإعادته إن كان قد بنى
تنبيه لا يغرم الهادم أجرة البناء لمدة الحيلولة قال الإمام لأن الحق على التأبيد وما لا يتقدر لا ينحط عما لا يتناهى
قال الإسنوي وفي كلامه إشارة إلى الوجوب فيما إذا وقعت الإجارة على مدة والمتجه عدم الوجوب لأن
____________________
(2/188)
وجوب الأجرة للحيلولة إنما محله عند قيام العين ولم يصرحوا بوجوب إعادة الجدار على مالكه وينبغي أن يقال إن هدمه مالكه ابتداء عدوانا فعليه إعادته وإن هدمه أجنبي أو مالكه وقد استهدم لم تجب لكن يثبت للمشتري الفسخ إن كان ذلك قبل التخلي اه
والمعتمد أنه لا يجب على المالك إعادته مطلقا كما هو ظاهر كلام الأصحاب
ويغرم الأجنبي للمالك أرش الجدار مسلوبا منفعة رأسه وإذا أعاده المالك استرد من المشتري ما أخذه في نظيرها
( وسواء كان الإذن ) في وضع البناء على غير أرض ( بعوض أو بغيره يشترط بيان قدر الموضع المبني عليه طولا وعرضا ) وبيان محله ( وسمك الجدران ) بفتح السين ( وكيفيتها ) أي الجدران أهي مجوفة أو منضدة وهي ما التصق بعضها إلى بعض من حجر أو غيره ( وكيفية السقف المحمول عليها ) أهو من أزج وهو العقد المسمى بالقبو أو خشب أو غير ذلك لأن الغرض يختلف بذلك
ولا يشترط التعرض لوزن الآلة في الأصح وتغني مشاهدة الآلة عن كل وصف
فائدة ارتفاع الجدار من الأرض سمك بفتح السين والمنزول منه إليها عمق بضم العين المهملة لا طول وعرض له بل طوله امتداده من زاوية البيت مثلا إلى زاويته الأخرى وعرضه هو البعد النافذ من أحد وجهيه إلى الآخر
وقد تقدم أن الأولى للمصنف أن يزيد همزة قبل كان ويأتي ب أم عوضا عن أو وقد وقع للمصنف مثل هذا في مواضع كثيرة
( ولو أذن في البناء على أرضه كفى بيان قدر محل البناء ) لأن الأرض تحمل كل شيء فلا يختلف الغرض إلا بقدر مكان البناء
وينبغي كما قال الأذرعي بيان قدر حفر الأساس طولا وعرضا وعمقا لاختلاف الغرض به فإن المالك قد يحفر سردابا أو غيره تحت البناء لينتفع بأرض ويمنع من ذلك مزاحمة تعميق الأساس
( وأما الجدار المشترك ) بين اثنين مثلا ( فليس لأحدهما وضع جذوعه عليه بغير إذن ) من الآخر ( في الجديد ) والقديم له ذلك كالقديم في الجار وقد سبق توجيههما وهو هنا أولى
( وليس له ) أي أحدهما ( أن يتد فيه وتدا ) بكسر التاء فيهما وفتحها في الثاني
( أو يفتح ) فيه ( كوة ) أو يترب كتابه منه أو نحو ذلك مما يضايق فيه عادة
( إلا بإذنه ) أو علمه برضاه كغيره من المشتركات
وأفهم جواز الفتح وغيره بالإذن لكن يشترط في الفتح أن لا يكون بعوض وإلا كان صلحا على الضوء والهواء المجرد
قال ابن الرفعة وإذا فتح بالإذن فليس له السد إلا بالإذن أيضا لأنه تصرف في ملك الغير
( وله أن يستند إليه ) ( و ) أن ( يسند ) إليه ( متاعا ) بقيد زاده بقوله ( لا يضر وله ) ولغيره ( ذلك في جدار الأجنبي ) لأنه لا ضرر على المالك فلا يتضايق فيه بل له ذلك ولو منعه المالك لأن منعه عناد محض بل ادعى الإمام في المحصول الإجماع فيه
فإن قيل قضية كلامهم في باب العارية أنه لا يجوز الاستناد إلى جدار الغير بغير إذنه
أجيب بأن ذلك محمول على استناد يضر
وللشريكين قسمة الجدار عرضا في كمال الطول وهذه صورته وطولا في كمال العرض وهذه صورته لكن بالتراضي لا بالجبر فلو طلب أحدهما وامتنع الآخر لم يجبر لاقتضاء الإجبار القرعة وهي ممتنعة هنا لأنها ربما أخرجت لكل منهما ما يضر الآخر في انتفاعه بملكه
وكيف يقسم الجدار هل يشق بالمنشار أو يعلم بعلامة كخط فيه وجهان الظاهر كما قال شيخنا جواز كل منهما ولا نظر في الأول أن شق الجدار إتلاف له وتضييع لأنهما يباشران القسمة لأنفسهما فهو كما لو هدماه واقتسما النقض ويجبر على قسمة عرصة الجدار ولو كان عرضا في كمال الطول ليختص كل منهما بما يليه فلا يقتسمانها بالقرعة لئلا يخرج بها لكل منهما ما يلي الآخر بخلاف ما إذا اقتسماها طولا في كمال العرض
وفارق ما ذكر في عرصة الجدار ما مر فيه بأنها مستوية وتتيسر قسمتها غالبا بخلافه وسيأتي إيضاح ذلك إن شاء الله تعالى في باب
____________________
(2/189)
القسمة
( وليس له إجبار شريكه على العمارة في الجديد ) ولو بهدم الشريكين للمشترك لاستهدام أو لغيره كما لا يجبره على زراعة الأرض المشتركة ولأن الممتنع يتضرر أيضا بتكليفه العمارة والضرر لا يزال بالضرر
نعم يجبر في الأرض على إجارتها على الصحيح وبها يندفع الضرر القديم ونص عليه في البويطي الإجبار صيانة للأملاك المشتركة عن التعطيل وأفتى بهذا ابن الصلاح واختاره الغزالي وصححه جماعة
وقيل إن القاضي يلاحظ أحوال المتخاصمين فإن ظهر له أن الامتناع لغرض صحيح أو شك في أمره لم يجبره وإن علم أنه عناد أجبره
قال في الروضة ويجري ذلك في النهر والقناة والبئر المشتركة واتخاذ سترة بين سطحيهما وإصلاح دولاب بينهما تشعث إذا امتنع أحدهما من التنقية أو العمارة
ولو هدم الجدار المشترك أحد الشريكين بغير إذن الآخر لزمه أرش النقص لا إعادة البناء لأن الجدار ليس مثليا وعليه نص الشافعي في البويطي وإن نص في غيره على لزوم الإعادة
ولا يجبر أحد الشريكين على سقي النابت من شجر وغيره كما صرح به القاضي وغيره خلافا للجوزي ولا إعادة السفل لينتفع به صاحب العلو فلو كان علو الدار لواحد وسفلها لآخر وانهدمت فليس للأول إجبار الثاني على إعادة السفل ولا للثاني إجبار الأول على معاونته في إعادته
والسفل والعلو بضم أولها وكسره
( فإن أراد ) الشريك ( إعادة منهدم بآلة لنفسه لم يمنع ) ليصل إلى حقه بذلك
واعترض القاضي أبو الطيب و ابن الصباغ بذلك فقالا أساس الجدار مشترك فكيف جوزتم بناءه بآلة نفسه وأن ينتفع به بغير إذن شريكه وقال السبكي العرصة مشتركة ولا حق لأحدهما على الآخر في الاستبداد بها ولا سيما وهو يمكنه المقاسمة فإن الصحيح جواز المقاسمة في ذلك بالتراضي عرضا في كمال الطول وبها يندفع الضرر اه
وصور صاحب التعليقة على الحاوي المسألة بما إذا كان الأس للباني وحده وجرى عليه البارزي وصاحب الأنوار والمنقول ما في المتن
وأجيب عما ذكر بأن له حقا في الحمل فكان له إعادة الجدار لأجله
وقضيته أنه إذا لم يكن عليه بناء ولا جذوع لا يكون له إعادته مع أن ظاهر كلامهم الإطلاق وهو المعتمد وإن كان مشكلا
( ويكون المعاد ملكه يضع عليه ما شاء وينقضه إذا شاء ) لأنه بآلته ولا حق لغيره فيه
نعم لو كان لشريكه عليه جذع خير الباني بين تمكين الشريك من إعادته ونقض بناءه ليبني معه الآخر ويعيد جزعه
( ولو قال الآخر لا تنقضه وأغرم لك حصتي ) أي قمية ما يخصني ( لم يلزمه إجابته ) على الجديد كابتداء العمارة
أما على القديم وهو لزوم العمارة فعليه إجابته
ولو عمر البئر أو النهر لم يمنع شريكه من الانتفاع بالماء لسقي الزرع وغيره وله منعه من الانتفاع بالدولاب والآلات التي أحدثها
( وإن أراد إعادته بنقضه المشترك فللآخر منعه ) كسائر الأعيان المشتركة
وأفهم كلام المصنف جواز الإقدام عليه عند عدم المنع وقال في المطلب إنه مفهوم كلامهم بلا شك
والنقض بكسر النون وضمها وجمعه أنقاض قاله في الدقائق
( ولو تعاونا على إعادته ) بأنفسهما أو بغيرهما ( بنقضه عاد مشتركا كما كان ) قبل إعادته فلو شرطا زيادة لأحدهما لم يصح على الصحيح لأنه شرط عوض من غير معوض
( ولو انفرد أحدهما وشرط له الآخر زيادة جاز وكانت في مقابلة عمله في نصيب الآخر ) وقد صور الرافعي ذلك بصورتين إحداهما وهي الأقرب إلى عبارة المصنف أن يعيد ذلك بالنقض المشترك فيصير له الثلثان ويكون السدس في مقابلة عمله ومحله إذا جعل له الزيادة من النقض والعرصة في الحال فإن شرطه بعد البناء لم يصح لأن الأعيان لا تؤجل
الصورة الثانية أن تكون الإعادة بآلته فإذا شرط له الآخر السدس كما مر فقد قابل ثلث الآلة المملوكة له وعمله بسدس العرصة المبني عليها ولا بد من العلم بالآلات وبصفات الجدران كما قاله الرافعي
____________________
(2/190)
تتمة لصاحب العلو بناء السفل بماله ويكون المعاد ملكه ويأتي فيه ما مر في الجدار المشترك ولصاحب السفل السكنى في المعاد لأن العرصة ملكه وليس له الانتفاع به بفتح كوة وغرز وتد ونحوهما وللأعلى هدمه لأنه ملكه وكذا للأسفل إن بناه الأعلى قبل امتناع الأسفل من البناء ما لم يبن الأعلى علوه فإن بناه فللأسفل تملك السفل بالقيمة وليس له هدمه أما إذا بنى السفل بعد امتناع الأسفل فليس له تملكه ولا هدمه لتقصيره سواء أبنى عليه الأعلى علوه أم لا
ويؤخذ من هذه أن له البناء بآلة نفسه وإن لم يمتنع الأسفل منه ومثله الشريك في الجدار المشترك ونحوه وهو كذلك وإن قيل في ذلك وقفة
ولصاحب العلو وضع الأثقال المعتادة على السقف المملوك للآخر أو المشترك بينهما وللآخر الاستكنان به والتعليق المعتاد به كثوب ولو بوتد يتده لأنا لو لم نجوز له ذلك لعظم الضرر وتعطلت المنافع
فإن قيل قد مر أن الجدار المشترك ليس لأحد الشريكين أن ينتفع به بما يضايق فيه عادة فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك أجيب بأن الأعلى ثبت له الانتفاع قطعا فثبت للأسفل ذلك تسوية بينهما وفي الجدار لم يثبت لأحدهما ذلك فلم يثبت للآخر تسوية بينهما
ويجوز غرز الوتد لصاحب العلو فيما يليه في أحد وجهين قال شيخنا هو الظاهر
( ويجوز أن يصالح على إجراء الماء و ) على ( إلقاء الثلج في ملكه ) أي المصالح معه ( على مال ) لأن الحاجة تدعو إلى ذلك لكن محله في الماء المجلوب من نهر ونحوه إلى أرضه والحاصل إلى سطحه من المطر
أما غسالة الثياب والأواني فلا يجوز الصلح على إجرائها على مال لأنه مجهول لا تدعو الحاجة إليه وإن خالف في ذلك البلقيني وقال إن الحاجة إليه أكثر من حاجة البناء على الأرض
وشرط المصالحة على إجراء ماء المطر على سطح غيره أن لا يكون له مصرف إلى الطريق إلا بمروره على سطح جاره قاله الإسنوي
ومحل الجواز في الثلج إذا كان في أرض الغير لا في سطحه لما فيه من الضرر
ويشترط معرفة السطح الذي يجري منه الماء سواء أكان ببيع أو إجارة أو إعارة لأن المطر يقل بصغره ويكثر بكبره ومعرفة قدر السطح الذي يجري إليه وقوته وضعفه فإنه قد يتحمل قليل الماء دون كثيره ولا يضر الجهل بقدر ماء المطر لأنه لا يمكن معرفته لأنه عقد جوز للحاحة
ثم إن عقد على الأول بصيغة الإجارة فلا بد من بيان موضع الإجراء وبيان طوله وعرضه وعمقه وقدر المدة إن كانت الإجارة مقدرة بها وإلا فلا يشترط بيان قدرها كنظيره فيما مر في بيع حق البناء
ولا بد أن يكون الموضع محفورا وإلا فلا يصح لأن المستأجر لا يملك الحفر
وإن عقد بصيغة البيع بأن قال بعتك مسيل الماء وجب بيان الطول والعرض لا بيان العمق لأنه ملك القرار أو بعتك حق مسيل الماء فكما مر في بيع حق البناء
وإن عقد بصيغة الصلح انعقد بيعا كما اقتضاه كلام الكفاية ولا حاجة في العارية إلى بيان لأنه يرجع فيها متى شاء والأرض تحمل ما تحمل بخلاف السقف كما مر
وليس للمستحق في المواضع كلها دخول الأرض من غير إذن مالكها إلا لتنقية النهر وعليه أن يخرج من أرضه ما يخرجه من النهر تفريعا لملك غيره
وليس لمن أذن له في إجراء المطر على السطح أن يطرح الثلج عليه ولا أن يترك الثلج حتى يذوب ويسيل إليه ومن أذن له في إلقاء الثلج لا يجري المطر ولا غيره ولو كان مجرى ماء في ملك غيره فادعى المالك أنه كان عارية قبل قوله كما أفتى به البغوي
واحترز المصنف بقوله إجراء الماء عن الماء كما لو كان له نهر جار فصالحه إنسان على أن يسقي زرعه منه بساقية لم يصح لأن المعقود عليه الماء والمملوك الماء الموجود دون ما ينبع والخيلة فيه كما قاله القاضي حسين أن يبيع قدرا من النهر والماء تابع
تنبيه قد يفهم من قوله في ملكه أنه قيد وليس مرادا بل يجوز ذلك في الأرض الموقوفة والمستأجرة لكن يعتبر هنا التأقيت لأن الأرض غير مملوكة فلا يمكنه العقد عليها مطلقا وأن يكون هناك ساقية إذ ليس له إحداث ساقية أبدا
فرعان الأول المصالحة عن قضاء الحاجة من بول أو غائط وطرح الكناسة في ملك الغير على مال عقد فيه شائبة بيع وإجارة وكذا المصالحة عن المبيت على سقف غيره
الثاني للشخص تحويل أغصان شجرة لغيره مالت
____________________
(2/191)
إلى هواء ملكه الخالص أو المشترك امتنع مالكها من تحويلها وله قطعها ولو بلا إذن قاض إن لم يمكن تحويلها ولا يصح الصلح على بقاء الأغصان بمال فإن اعتمدت على الجدران صح الصلح عنها يابسة لا رطبة لزيادتها فلا يعرف قدرها وثقلها وانتشار العروق في أرضه كانتشار الأغصان في هواء ملكه وكذا ميل الجدار إلى هواء الدار
قال في المطلب وليس له إذا تولى القطع والهدم بنفسه طلب أجرة على ذلك
قال ولو دخل الغصن المائل إلى هواء ملكه في برنية ونبت فيها أترجة وكبرت قطع الغصن والأترجة لتسلم البرنية لاستحقاق قطعهما قبل ذلك قاله الماوردي و الروياني ثم قالا وهذا بخلاف ما لو بلع حيوان غيره جوهرة فإنه لا يذبح لأن له حرمة
( ولو تنازعا ) أي اثنان ( جدارا بين ملكيهما فإن اتصل ببناء أحدهما بحيث يعلم أنهما بنيا معا ) كأن دخل نصف لبنات كل منهما في الآخر أو بنى الجدار على خشبة طرفها في ملكه وليس منها شيء في ملك الآخر أو كان له عليه أزج وهو العقد قد أميل من مبتدأ ارتفاعه عن الأرض ( فله اليد ) عليه وعلى الخشبة المذكورة لظهور أمارة الملك بذلك فيحلف ويحكم له به إلا أن تقوم بينة بخلافه
ولو كان الجدار مبنيا على تربيع أحد الملكين زائدا أو ناقصا بالنسبة إلى ملك الغير فهو كالمتصل بجدار أحدهما اتصالا لا يمكن إحداثه ذكره في التنبيه وأقره المصنف في تصحيحه
تنبيه قال الإسنوي قول المصنف إنهما بكسر الهمزة لأن حيث لا تضاف إلا إلى جملة
ورد بأن حيث هنا مضافة إلى يعلم وأن إذا وقعت بعد العلم تكون مفتوحة
( وإلا ) أي وإن لم يحصل الاتصال المذكور بأن كان منفصلا من جدارهما أو متصلا بهما اتصالا يمكن إحداثه أو لا يمكن أو متصلا بأحدهما اتصالا لا يمكن إحداثه بأن وجد الاتصال في بعضه أو أميل الأزج الذي عليه بعد ارتفاعه أو بني الجدار على خشبة طرفاها في ملكيهما
( فلهما ) اليد عليه لعدم المرتهن
وعبارة المحرر والروضة وأصلها فهو في أيديهما وذلك أولى من عبارة المصنف فليتأمل
تنبيه أفهم كلامه أنه لا يحصل الترجيح بغير ذلك فلا ترجيح بالنقش بظاهر الجدار كالصور والكتابات المتخذة من جص أو آجر أو غيره ولا بالجذوع كما سيأتي ولا بتوجيه البناء وهو جعل إحدى جانبيه وجها كأن يبني بلبنات مقطعة ويجعل الأطراف الصحاح إلى جانب ومواضع الكسر إلى جانب ولا بمعاقد القمط بكسر القاف وإسكان الميم وبضمهما لكنه بضمهما جمع قماط والمراد به معنى قمط وهو حبل رقيق يشد به الجريد ونحوه
وإنما لم يرجح بهذه الأشياء لأن كون الجدار بين الملكين علامة قوية في الاشتراك فلا يغير بأسباب ضعيفة معظم القصد بها الزينة كالتجصيص والتزويق
( فإن أقام أحدهما بينة ) أنه له ( قضي له ) به لأن البينة مقدمة على اليد وتكون العرصة تبعا على الأصح
( وإلا ) أي وإن لم يكن لأحدهما بينة أو أقامها كل منهما ( حلفا ) أي حلف كل منهما على نفي استحقاق صاحبه للنصف الذي في يده ولا يلزمه أن يتعرض لإثباته كما نقله الشيخان عن النص
وأنه مستحق النصف الذي بيد صاحبه لأن كل واحد منهما مدعى عليه ويده على النصف فالقول قوله فيه كالعين الكاملة
وقيل يحلف كل منهما على الجميع لأنه يدعيه
( فإن حلفا أو نكلا ) عن اليمين ( جعل ) الجدار ( بينهما ) بظاهر اليد فينتفع كل به مما يليه على العادة
( وإن حلف أحدهما ) ونكل الآخر كما في المحرر ( قضي له ) أي بالكل
وتتضح مسألة الحلف بما ذكروه في الدعاوي والبينات وهو أنه إذا حلف من بدأ القاضي بتحليفه ونكل الآخر بعده حلف الأول اليمين المردودة ليقضي له بالجميع وإن نكل الأول ورغب الثاني في اليمين فقد اجتمع عليه يمين النفي للنصف الذي ادعاه صاحبه ويمين الإثبات للنصف الذي ادعاه هو فهل تكفيه الآن يمين واحدة يجمع فيها النفي والإثبات أم لا بد من يمين للنفي وأخرى للإثبات وجهان أصحهما الأول فيحلف أن الجميع له ولا حق لصاحبه فيه أو يقول لا حق له في النصف الذي يدعيه والنصف الآخر لي
( ولو كان لأحدهما عليه جذوع لم يرجح ) بذلك لأنها لا تدل على الملك لأنها تشبه
____________________
(2/192)
الأمتعة فيما لو تنازع اثنان دارا بيدهما ولأحدهما فيها أمتعة فإذا تحالفا بقيت الجذوع بحالها لاحتمال أنها وضعت بحق من إعارة أو إجارة أو بيع أو قضاء قاض يرى الإجبار على الوضع
والذي ينزل عليه منها الإعارة لأنها أضعف الأسباب فلمالك الجدار قلع الجذوع بالأرش أو الإبقاء بالأجرة
( والسقف بين علوه ) أي الشخص ( وسفل غيره كجدار بين ملكين فينظر أيمكن حداثه بعد ) بناء ( العلو ) بأن يكون السقف عاليا فيثقب وسط الجدار ويوضع رأس الجذوع في الثقب ويسقف فيصير البيت الواحد بيتين ( فيكون في يدهما ) لاشتراكهما في الانتفاع به فإنه ساتر لصاحب السفل وأرض لصاحب العلو
( أو لا ) يمكن إحداثه بعد بناء العلو كالأزج الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلو ( فلصاحب السفل ) يكون لاتصاله ببنائه
خاتمة لو كان السفل لأحدهما والعلو لآخر وتنازعا في الدهليز أو العرصة فمن الباب إلى المرقى مشترك بينهما لأن لكل منهما يدا وتصرفا بالاستطراق ووضع الأمتعة وغيرهما والباقي للأسفل لاختصاصه به يدا وتصرفا
وإن تنازعا في المرقى الداخل وهو منقول فإن كان في بيت لصاحب السفل فهو في يده أو في غرفة لصاحب العلو فهو في يده أو منصوبا في موضع الرقي فلصاحب السفل كسائر المنقولات كما قاله ابن خيران وقال في الروضة إنه الوجه
وإن كان المرقى مثبتا في موضعه كالسلم المسمر فلصاحب العلو لأنه المنتفع به وكذا إن كان مبنيا ولم يكن تحته شيء فإن كان تحته بيت فهو بينهما كسائر السقوف أو موضع جرة أو نحوها فلصاحب العلو عملا بالظاهر مع ضعف منفعة الأسفل
ولو تنازعا في حيطان السفل التي عليها الغرفة فالمصدق صاحب السفل فإنها في يده أو في حيطان الغرفة فالمصدق صاحب العلو لأنها في يده
باب الحوالة هي بفتح الحاء أفصح من كسرها ومعناها في اللغة الانتقال من قولهم إذا انتقل عنه وتغير
وفي الشرع عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة ويطلق على انتقاله من ذمة إلى أخرى والأول هو غالب استعمال الفقهاء
والأصل فيها قبل الإجماع خبر الصحيحين مطل الغني ظلم فإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع بإسكان التاء في الموضعين أي فليحتل كما رواه هكذا البيهقي ويسن قبولها على مليء لهذا الحديث
وصرفه عن الوجوب القياس على سائر المعاوضات
وخبر لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفس منه
ويعتبر في الاستحباب كما بحثه الأذرعي أن يكون المليء وافيا ولا شبهة في ماله
المليء بالهمزة الغني والمطل إطالة المدافعة والأصح أنها بيع دين بدين جوز للحاجة ولهذا لم يعتبر التقابض في المجلس وإن كان الدينان ربويين فهو بيع لأنها إبدال مال بمال لأن كل واحد ملك بها ما لم يملك فكأن المحيل باع المحتال ما له في ذمة المحال عليه بما للمحتال في ذمته وقيل استيفاء وهو المنصوص في الأم فكأن المحتال استوفى ما على المحيل وأقرضه المحال عليه قال ابن الحداد والتفريع على قول البيع لم أره مستمرا
وأركانها ستة محيل ومحال عليه ودين للمحتال على المحيل ودين للمحيل على المحال عليه وصيغة وكلها تؤخذ من كلامه الآتي وإن سمي بعضها شرط كما قال ( يشترط لها ) لتصح ( رضا المحيل والمحتال ) لأن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء فلا يلزم بجهة وحق المحتال في ذمة المحيل فلا ينتقل إلا برضاه لأن الذمم تتفاوت
والأمر الوارد للاستحباب كما مر وقيل للإباحة
وطريق الوقوف على تراضيهما إنما هو الإيجاب والقبول على ما مر
____________________
(2/193)
في البيع
وعبر كغيره هنا بالرضا تنبيها على أنه لا يجب على المحتال الرضا بالحوالة وتوطئه لقوله ( لا المحال عليه في الأصح ) فلا يشترط رضاه لأنه محل الحق والتصرف كالعبد المبيع ولأن الحق للمحيل فله أن يستوفيه بغيره كما لو وكل غيره بالاستيفاء
والثاني يشترط رضاه بناء على أن الحوالة استيفاء ولا يتعين لفظ الحوالة بل هو أو ما يؤدي معناه ك نقلت حقك إلى فلان أو جعلت ماأستحقه على فلان لك أو ملكتك الدين الذي لي عليه بحقك وقوله أحلني كبعني في البيع فتصح الحوالة به
ولا تنعقد بلفظ البيع مراعاة للفظ وقيل تنعقد مراعاة للمعنى كالبيع بلفظ السلم
ولو قال أحلتك على فلان بكذا ولم يقل بالدين الذي لك عليه قال البلقيني فهو كناية كما يؤخذ مما يأتي أنه لو قال أردت بقولي أحلتك الوكالة صدق بيمينه
والأوجه كما قال شيخي أنه صريح لكن يقبل الصرف كغيره من الصرائح التي تقبله
( ولا تصح على من دين عليه ) بناء على الأصح من أنها بيع إذ ليس للمحيل على المحال عليه شيء يجعله عوضا عن حق المحتال
( وقيل تصح برضاه ) بناء على أنها استيفاء إلخ
فقبوله ضمان لا يبرأ به المحيل وقيل يبرأ
وعلى الأول لو تطوع بقاء دين المحيل كان قاضيا دين غيره وهو جائز
( وتصح بالدين اللازم ) وهو ما لا خيار فيه ولا بد أن يجوز الاعتياض عنه كالثمن بعد زمن الخيار وإن لم يستقر كالصداق قبل الدخول والموت والأجرة قبل مضي المدة والثمن قبل قبض المبيع بأن يحيل به المشتري البائع على ثالث
( وعليه ) كذلك بأن يحيل البائع غيره على المشتري سواء اتفق الدينان في سبب الوجوب أم اختلفا كأن كان أحدهما ثمنا والآخر قرضا أو أجرة فلا تصح بالعين لما مر أنها بيع دين بدين ولا بما لا يجوز الاعتياض عنه كدين السلم فلا تصح الحوالة به ولا عليه وإن كان لازما
ولا تصح الحوالة للساعي ولا للمستحق بالزكاة ممن هي عليه ولا عكسه وإن تلف النصاب بعد التمكن لامتناع الاعتياض عنها وتصح على الميت لأنه لا يشترط رضا المحال عليه
وإنما صحت عليه مع خراب ذمته لأن ذلك إنما هو بالنسبة للمستقبل أي لا تقبل ذمته شيئا بعد موته وإلا فذمته مرهونة بدينه حتى يقضى عنه
ولا تصح على التركة لعدم الشخص المحال عليه
( و ) تصح بالدين ( المثلي ) كالنقود والحبوب ( وكذا المتقوم ) بكسر الواو كالعبد والثوب ( في الأصح ) لثبوته في الذمة بعقد السلم ولزومه
والثاني لا إذ المقصود من الحوالة إيصال الحق من غير تفاوت ولا يتحقق فيما لا مثل له
وقضيته أن المثل لا خلاف فيه وليس مرادا بل قيل إنها لا تصح إلا بالأثمان خاصة كما قاله في الكفاية
( و ) تصح ( بالثمن في مدة الخيار ) بأن يحيل المشتري البائع على إنسان ( وعليه ) بأن يحيل البائع إنسانا على المشتري ( في الأصح ) لأنه آيل إلى اللزوم بنفسه والجواز عارض فيه
والثاني لا يصحان لعدم اللزوم الآن
وعلى الأول يبطل الخيار بالحوالة بالثمن لتراضي عاقديها ولأن مقتضاها اللزوم فلو بقي الخيار فات مقتضاها وفي الحوالة عليه يبطل في حق البائع رضاه بها لا في حق مشتر لم يرض فإن رضي بها بطل في حقه أيضا في أحد وجهين رجحه ابن المقري وهو المعتمد ثم قال فإن فسخ المشتري البيع بطلت اه
إن قيل هذا مخالف لعموم ما قالوه من أن الحوالة على الثمن لا تبطل بالفسخ
أجيب بأن الفسخ بالخيار مستثنى ولا بعد كما قال شيخي في ذلك وإن استبعده بعض المتأخرين لأن العقد مزلزل
فإن قيل صحة الحوالة زمن الخيار مشكل إذا كان الخيار للبائع أو لهما لأن الثمن لم ينتقل عن ملك المشتري
أجيب بأن البائع إذا أحال فقد أجاز فوقعت الحوالة مقارنة لذلك وذلك كاف
فإن قيل هذا مشكل بامتناع بيع البائع الثمن في زمن الخيار إذا كان له أجيب بأنهم لما توسعوا في بيع الدين بالدين توسعوا في بيعه فيما ذكر بخلاف ذلك
( والأصح صحة حوالة المكاتب سيده بالنجوم ) لوجود اللزوم من جهة السيد والمحال عليه فيتم الغرض منها ولصحة الاعتياض عنها في قول نص عليه في الأم
وفرق البلقيني بينها وبين دين السلم بأن السيد إذا احتال بمال الكتابة لا يتطرق إليه أن يصير
____________________
(2/194)
الدين لغيره لأنه إن قبضه قبل التعجيز فواضح وإلا فمال المكاتب قد صار بالتعجيز للسيد بخلاف دين السلم قد ينقطع المسلم فيه فيؤدي إلى أن لا يصل المحتال إلى حقه
( دون حوالة السيد ) غيره ( عليه ) أي المكاتب بمال الكتابة فلا يصح لأن الكتابة جائزة من جهة المكاتب فلا يتمكن المحتال من مطالبته وإلزامه
والثاني يصحان أما الحوالة من المكاتب فلما مر وأما عليه فبناء على أنها استيفاء
والثالث لا يصحان أما عليه فلما مر وأما منه فبناء على أنها بيع والإعتياض عن نجوم الكتابة غير صحيح
واحترز المصنف بالنجوم عما إذا كان للسيد عليه دين معاملة وأحال عليه فإنه يصح كما في زوائد الروضة
ولا نظر إلى سقوطه بالتعجيز لأن دين المعاملة لازم في الجملة وسقوطه إنما هو بطريق التبعية بخلاف نجوم الكتابة
ولا يصح بجعل الجعالة ولا عليه قبل تمام العمل ولو بعد الشروع فيه لعدم ثبوت دينها حينئذ بخلافه بعد التمام
( ويشترط العلم ) أي علم كل من المحيل والمحتال ( بما يحال به وعليه قدرا ) كمائة ( وصفة ) معتبرة في السلم كما قاله في الكفاية لأن المجهول لا يصح بيعه إن قلنا إنها بيع ولا استيفاؤه إن قلنا إنها استيفاء
وسكت عن الجنس لأنه يستغنى عنه بالصفة لتناولها له لغة
( وفي قول تصح بإبل الدية وعليها ) والأظهر المنع للجهل بصفتها
وصور المصنف في نكت التنبيه المسألة بقوله كأن يجني رجل موضحة ثم يجني المجني عليه على آخر موضحة فيجب عليه خمس من الإبل فيحيل المجني عليه أولا وهو الجاني ثانيا المجني عليه ثانيا على الجاني أولا بالخمس من الإبل
( ويشترط تساويهما ) أي المحال به وعليه ( جنسا ) فلا تصح بالدراهم على الدنانير وعكسه
( وقدرا ) فلا تصح بخمسة على عشرة وعكسه لأن الحوالة معاوضة ارتفاق جوزت الحاجة فاعتبر فيها الاتفاق فيما ذكر كالفرض
( وكذا حلولا وأجلا ) وقدرا لأجل
( وصحة وكسرا ) وجودة ورداءة ( في الأصح ) وفي الروضة الصحيح إلحاقا لتفاوت الوصف بتفاوت القدر
والثاني إن كان النفع فيه للمحتال جاز وإلا فلا فيحل بالمؤجل والمكسر على الحال الصحيح وبأبعد الأجلين على الأقرب بخلاف العكس في الجميع وكأنه تبرع بالزيادة
وانقلب على المصنف في الروضة بعض هذه الأمثلة فقال بالصحيح على المكسر وبالجيد على الرديء ونسب للسهو
ولو أحال بمؤجل على مؤجل حلت الحوالة بموت المحال عليه ولا تحل بموت المحيل لبراءة الحوالة
تنبيه أفهم كلام المصنف أنه لا يعتبر اتفاقهما في الرهن ولا في الضمان وهو كذلك بل لو أحاله بدين أو على دين به رهن أو ضامن انفك الرهن وبرىء الضامن لأن الحوالة كالقبض بدليل سقوط حبس المبيع والزوجة فيما إذا أحال المشتري بالثمن أو الزوج بالصداق ويفارق المحتال الوارث في نظيره من ذلك بأن الوارث خليفة مورثه فيما يثبت له من الحقوق
ولو شرط العاقد في الحوالة رهنا أو ضمينا فهل يجوز أو لا رجح ابن المقري الأول وصاحب الأنوار الثاني وحمل شيخي الأول على ما إذا شرط ذلك على المحال عليه والثاني على ما إذا شرط ذلك على المحيل وهو بعيد إذ المحال عليه لا مدخل له في العقد فالمعتمد كلام صاحب الأنوار
ولا يثبت في عقدها خيار شرط لأنه لم يبن على المعاينة ولا خيار مجلس في الأصح
وإن قلنا إنها معاوضة لأنها على خلاف القياس والمحيل قيل يثبت بناء على أنها استيفاء وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الخيار
( ويبرأ بالحوالة المحيل عن دين المحتال عليه دين المحيل ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه ) أي يصير في ذمته
أو معنى صيرورته في ذمته أن الأول باق بعينه لكن تغير محله إن قلنا الحوالة استيفاء وهذا ظاهر المتن وبمعنى أنه لزم الذمة ويكون الذي انتقل إليه المحتال غير الذي كان له إن قلنا إنها بيع وقد مر أنه الأصح وما ذكر هو فائدة الحوالة
( فإن تعذر ) أخذه من المحال عليه ( بفلس ) طرأ بعد الحوالة ( أو جحد ) منه للدين أو للحوالة ( وحلف ) وقوله ( ونحوهما )
____________________
(2/195)
من زيادته على كتب الرافعي وعلى الروضة وأشار به إلى التعذر بامتناعه لشوكته أو بموته موسرا بعد موت البينة
( لم يرجع ) أي المحتال ( على المحيل ) كما لو أخذ عوضا عن الدين وتلف في يده فلو شرط عليه الرجوع بشيء من ذلك لم تصح الحوالة في أحد أوجهه رجحه الأذرعي وغيره وهو ظاهر لاقترانها بشرط يخالف مقتضاها
تنبيه لو عبر بالإنكار لكان أعم لأن الجحود لغة الإنكار مع العلم وهو يدخل في عبارته الإقالة حتى لو صدر بين المحيل والمحتال تقايل في الحوالة لم يرجع على المحيل ينبني على صحة الإقالة في الحوالة والنقل فيها عزيز
وقد قال البلقيني إنه كشف عن ذلك مصنفات كثيرة فلم يجد التصريح بها وأن الذي ظهر له الجواز لأن الصحيح أنها بيع والمعتمد عدم صحة الإقالة فيها فقد جزم الرافعي بأنه لا تجوز الإقالة في الحوالة ذكر ذلك في أوائل التفليس في أثناء تعليل في الكلام على موت المشتري مفلسا قبل وفاء الثمن
وقال المتولي الحوالة من العقود اللازمة ولو فسخت لا تنفسخ
( فلو كان ) المحال عليه ( مفلسا عند الحوالة وجهله المحتال فلا رجوع له ) لأنه مقصر بترك البحث فأشبه من اشترى شيئا هو مغبون فيه
( وقيل له الرجوع إن شرط يساره ) لا خلاف الشرط فأشبه ما لو شرط كون العبد كاتبا فأخلف
ورد بأن فوات الكتابة ليس نقصا لأنه لو لم يشرطه فلا خيار له لعدمه بل هو فوات فضيلة والإعسار نقص كالعيب فلو ثبت الرجوع عند الشرط لثبت عند عدمه ولو بان المحال عليه عبدا لغير المحيل لم يرجع المحتال أيضا بل يطالبه بعد عتقه أو عبدا له لم تصح الحوالة وإن كان كسوبا ومأذونا له وكان لسيده في ذمته دين قبل ملكه لسقوطه عنه بملكه
قال ابن الرفعة ولو قبل المحتال الحوالة بغير اعتراف بالدين كان قبولها متضمنا لاستجماع شرائط الصحة فيؤاخذ بذلك لو أنكر المحال عليه وله تحليف المحيل أنه لا يعلم براءته في أحد وجهين يظهر ترجيحه
( ولو أحال المشتري ) البائع ( بالثمن فرد المبيع بعيب ) أو نحوه كتحالف أو إقالة ( بطلت في الأظهر ) لارتفاع الثمن بانفساخ البيع
والثاني لا تبطل كما لو استبدل عن الثمن ثوبا فإنه لا يبطل برد المبيع ويرجع بمثل الثمن
وسواء في الخلاف أكان الفسخ بعد قبض المبيع ومال الحوالة أم قبله وعلى الأول يعود الثمن ملكا للمشتري ويرده البائع إليه إن كان قد قبضه وهو باق أو بدله إن تلف ولا يرده إلى المحال عليه فإن رده إليه لم تسقط عنه مطالبة المشتري لأن الحق له وقد قبضه البائع بإذنه فإذا لم يقع عن البائع يقع عنه ويتعين حقه فيما قبضه البائع حتى لا يجوز إبداله إن بقيت عينه
وإبراء البائع المحال عليه عن الدين قبل الفسخ كقبضه له فيما ذكر فللمشتري مطالبته بمثل المحال به
( أو ) أحال ( البائع ) شخصا ( بالثمن ) على المشتري ( فوجد الرد ) للمبيع بعيب أو نحوه كما مر ( لم تبطل على المذهب ) سواء أقبض المحتال أم لا
والطريق الثاني طرد القولين في المسألة قبلها
وفرق الأول بتعلق الحق هنا بثالث وهو الذي انتقل إليه الثمن فلم يبطل حقه بفسخ المتعاقدين كما لو تصرف البائع في الثمن ثم رد المشتري ما اشتراه بعيب فإن تصرفه لا يبطل
ويؤخذ من هذا الفرق أن البائع في المسألة الأولى لو أحال على من أحيل عليه لم تبطل تعلق الحق بثالث وهو الظاهر
وعلى المذهب لا يرجع المشتري على البائع بالثمن إلا بعد تسليمه وإن كانت الحوالة كالقبض لأن الغرم إنما يكون بعدالقبض حقيقة لا حكما لكن له مطالبته بطلب القبض منه ليرجع على البائع
فرع لو أحالها زوجها بصداقها ثم طلقها قبل الدخول أو انفسخ النكاح قبله بردتها أو بعيب أو بخلف شرط لم تبطل الحوالة ويرجع الزوج عليها بكل الصداق إن انفسخ النكاح وبنصفه إن طلق
فإن قيل الحق هنا لم يتعلق بثالث فكان ينبغي البطلان كالمسألة الأولى
أجيب بأن الصداق أثبت من غيره ولهذا لو زاد زيادة متصلة لم يرجع بها إلا برضاها بخلاف البيع ونحوه
( ولو باع عبدا وأحال بثمنه ) على المشتري ( ثم اتفق المتبايعان والمحتال على حريته
____________________
(2/196)
أو ثبتت ببينة ) يقيمها العبد أو شهدت حسبة ( بطلت الحوالة ) لأنه بان أن لا ثمن حتى يحال به فيرد المحتال ما أخذه على المشتري ويبقى حقه كما كان وهكذا كل ما يمنع صحة البيع ككونه مستحقا
ومحل إقامة العبد البينة إذا تصادق المتبايعان بعد بيعه لآخر كما صورها القاضي أبو الطيب إذ لا يتصور إقامته لها قبل بيعه لأنه محكوم بحريته بتصادقهما فإن لم يصدق المحتال فلا تسمع دعواه ولا بينته نبه عليه ابن الرفعة وغيره
ومثله شهادة الحسبة لأنها إنما تقام عند الحاجة ولا حاجة قبل البيع
ولا يتصور أن يقيم البينة بالحرية المتبايعان لأنهما كذباها بالبيع كذا قالاه هنا وذكر في آخر كتاب الدعوى أنه لو باع شيئا ثم ادعى أنه كان وقفا عليه أو أنه باعه وهو لا يملكه ثم ملكه إن قال حين باع هو ملكي لم تسمع دعواه ولا بينته وإن لم يقل ذلك سمعت كما نص عليه في الأم
قال العراقيون وغلط الروياني من قال بخلافه اه
ويمكن حمل ما هنا على ما هناك ومحل الخلاف كما بحثه الزركشي وغيره إذا لم يذكر البائع تأويلا فإن ذكره كأن قال كنت أعتقه ونسيت أو اشتبه علي سمعت قطعا كنظيره فيما لو قال لا شيء لي على زيد ثم ادعى عليه دينا
تنبيه المراد بالبطلان هنا عدم الصحة لأن الحوالة لم يتقدم لها صحة بخلاف البطلان في الرد بالعيب ونحوه فإنه بطريق الانفساخ
( وإن كذبهما المحتال ) في الحرية ( ولا بينة حلفاه على نفي العلم ) بها لأن هذه قاعدة الحلف على النفي الذي لا يتعلق به فيقول والله لا أعلم حريته
وعبارته قد توهم توقف الحلف على اجتماعهما والموافق للقواعد أنه يحلف لمن استحلفه منهما أما البائع فلغرض بقاء ملكه في الثمن وأما المشتري فلغرض رفع المطالبة
لكنه إذا حلفه أحدهما لم يحلفه الثاني كما قال شيخي إنه الأوجه لأن خصومتهما واحدة وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين
( ثم ) بعد حلفه ( يأخذ المال من المشتري ) لبقاء الحوالة ثم يرجع به المشتري على البائع في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما رجحه الرافعي في الشرح الصغير وجرى عليه ابن المقري لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة
ورجح البغوي الوجه الآخر لأنه يقول ظلمني المحتال بما أخذه والمظلوم لا يرجع إلا على ظالمه فإن نكل المحتال عن اليمين حلف المشتري على الحرية
وتبين بطلان الحوالة بناء على أن اليمين المردودة كالإقرار أما إذا جعلناها كالبينة إذ لا فائدة في التحليف كما قاله ابن الرفعة
( ولو قال المستحق عليه ) للمستحق ( وكلتك لتقبض لي ) ديني من فلان ( وقال المستحق أحلتني ) به
( أو قال ) الأول ( أردت بقولي أحلتك ) به ( الوكالة وقال المستحق بل أردت ) بذلك ( الحوالة صدق المستحق عليه بيمينه ) لأنه أعرف بإرادته والأصل بقاء الحقين
قال البلقيني ومن هذا يؤخذ أن أحلتك فيما يذكر كناية وقد قدمت ما فيه وعلى كلامه لو لم يكن له إرادة فلا حوالة ولا وكالة
( وفي الصورة الثانية وجه ) بتصديق المستحق بيمينه لأن الظاهر منعه
ومحل الخلاف إذا قال أحلتك بمائة على زيد ونحو ذلك أما إذا قال أحلتك بالمائة التي لك علي بالمائة التي لي على زيد فالقول قول المستحق قطعا لأن ذلك لا يحتمل غير الحوالة
تنبيه أشار المصنف بقوله المستحق والمستحق عليه إلى أن صورة المسألة أن يتفقا على الدين فلو أنكر مدعي الوكالة الدين في الحالة الأولى صدق بيمينه قطعا وكذا في الثانية عند الجمهور
فإذا حلف المستحق عليه في الصورتين الأولتين واندفعت الحوالة إنكار الآخر الوكالة انعزل فليس له قبض فإن كان قد قبض المال قبل الحلف برىء الدافع له لأنه محتال أو وكيل ووجب تسليمه للحالف إن كان باقيا وبدله إن كان تالفا وحقه عليه باق
فإن خشي امتناع الحالف من تسليم حقه له كان له في الباطن أخذ المال وجحد الحالف لأنه ظفر بجنس حقه من مال الحالف وهو ظالمه
ولو تلف المقبوض مع القابض بلا تفريط منه لم يطالبه الحالف لزعمه الوكالة والوكيل أمين ولم يطالب هو الحالف لزعمه الإستيفاء
____________________
(2/197)
أو تلف معه بتفريط طالبه لأنه صار ضامنا وبطل حقه لزعمه استيفاءه
( وإن قال ) المستحق عليه ( أحلتك فقال ) المستحق ( وكلتني ) أو قال أردت بقولك أحلتك الوكالة ( صدق الثاني بيمينه ) في الأولى جزما لأن الأصل بقاء حقه
وفي الثانية في الأصح
ويظهر أثر فائدة هذا الخلاف عند إفلاس المحال عليه
وإذا حلف المستحق في الصورتين اندفعت الحوالة ويأخذ حقه من الآخر ويرجع به الآخر على المحال عليه في أحد وجهين رجحه ابن المقري تبعا لاختيار ابن كج
فإن كان قد قبضه فله تملكه لحقه لأنه من جنس حقه وإن تلف بلا تفريط لم يضمن لأنه وكيل وهو أمين أو بتفريط ضمن وتقاصا
خاتمة للمحتال أن يحيل غيره وأن يحتال من المحال عليه على مدينه
ولو أجر جندي إقطاعه وأحال ببعض الأجرة على المستأجر ثم مات تبين بطلان الإجارة فيما بعد موته من المدة وبطلان الحوالة فيما يقابله وتصح الإجارة في المدة التي قبل موت المؤجر فتصح الحوالة بقدرها ولا يرجع المحال عليه بما قبضه المحتال منه من ذلك ويبرأ المحيل منه
ولو أقرض شخص اثنين مائة مثلا على كل واحد منهما خمسون وتضامنا فأحال بها شخصا على أن يأخذ من أيهما شاء جاز في أصح الوجهين وقيل لا يجوز لأنه لم يكن له إلا مطالبة واحد فلا يستفيد بالحوالة زيادة صفة ووجه الأول أنه لا زيادة في القدر ولا في الصفة
قال الإسنوي ولو أحال على أحدهما بخمسين فهل تنصرف إلى الأصلية أو توزع أو يرجع إلى إرادة المحيل فإن لم يرد شيئا صرفه بنيته فيه نظر وفائدته فكاك الرهن الذي يأخذه أي بخمسين اه
والقياس كما قال شيخنا الرجوع إلى إرادته
ولو أقام بينة أن غريمه الدائن أحال عليه فلانا الغائب سمعت وسقطت مطالبته له فإن لم يقم بينة صدق غريمه بيمينه
ولا يقضى بالبينة للغائب بأن تثبت بها الحوالة في حقه حتى لا يحتاج إلى إقامة بينة إن قدم في أحد وجهين رجحه ابن سريج إذ لا يقضى بالبينة للغائب والوجه الثاني يقضى بها وهو احتمال لابن الصباغ لأنه إذا قدم يدعي على المحال عليه لا المحيل وهو مقر له فلا حاجة إلى إقامة البينة
باب الضمان هو لغة الالتزام وشرعا يقال الالتزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من هو عليه أو عين مضمونة ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك ويسمى الملتزم لذلك ضامنا وضمينا وحميلا وزعيما وكافلا وكفيلا وصبيرا وقبيلا
قال الماوردي غير أن العرف جار بأن الضمين مستعمل في الأموال والحميل في الديات والزعيم في الأموال العظام والكفيل في النفوس والصبير في الجميع
والأصل فيه قبل الإجماع أخبار كخبر الزعيم غارم رواه الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فقال هل ترك شيئا قالوا لا قال هل عليه دين قالوا ثلاثة دنانير فقال صلوا على صاحبكم قال أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلي دينه فصلى عليه
وذكرت في شرح التنبيه ما له بهذا الخبر تعلق وإنما لم أستدل بقوله تعالى { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } لأنه شرع من قبلنا وهو ليس بشرع لنا على الصحيح وإن ورد في شرعنا ما يقرره خلافا لبعض المتأخرين
وأركان ضمان المال خمسة ضامن ومضمون له ومضمون عنه ومضمون به وصيغة وكلها تؤخذ من كلامه كما ستراه
وبدأ بشرط الضامن فقال ( شرط الضامن ) ليصح ضمانه ( الرشد ) وهو كما تقدم في باب الحجر صلاح الدين والمال لأن الضمان تصرف مالي فلا يصح من مجنون وصبي ومحجور عليه بسفه لعدم رشدهم
تنبيه يرد على طرد هذه العبارة المكره والمكاتب إذا ضمن بغير إذن سيده والأخرس الذي لا تفهم إشارته
____________________
(2/198)
ولا يحسن الكتابة والنائم فإنهم رشداء ولا يصح ضمانهم
وعلى عكسها السكران المتعدي بسكره ومن سفه بعد رشده ولم يحجر عليه والفاسق فإنهم يصح ضمانهم وليسوا برشداء
فلو عبر بأهلية التبرع والاختيار لسلم من ذلك
فإن قيل يرد عليه الصبي أيضا فإنه وصف الصبيان في كتاب الصيام بالرشد
أجيب بأن المراد بالرشد هنا صلاح الدين والمال كما مر والصبي ليس كذلك وإطلاق الرشد عليه هناك مجاز
ولو ضمن شخص ثم قال كنت وقت الضمان صبيا وكان في سن محتمل قبل قوله بيمينه وكذا لو قال كنت مجنونا ( وعرف له جنون سابق صدق ) وهذا بخلاف ما لو زوج أمته ثم ادعى ذلك فإن الأصح تصديق الزوج كما دل عليه كلام الرافعي قبيل الصداق لأن الأنكحة يحتاط فيها غالبا والظاهر أنها تقع بشروطها وإن نظر في ذلك الأذرعي بأن أكثر الناس يجهل الشروط
والغالب على العقود التي تنفرد بها العامة الاختلاف
( وضمان محجور عليه بفلس ) في ذمته ( كشرائه ) بثمن فيها والأصح صحته كما سبق ويطالب بما ضمنه إذا انفك عنه الحجر وأيسر
( وضمان عبد بغير إذن سيده ) مأذونا كان أو غيره ( باطل في الأصح ) لأنه إثبات مال في الذمة بعقد فلم يصح كالنكاح
نعم إن ضمن سيده صح لأن ما يؤدي منه ملكه
فإن قيل قد صرحوا بصحة خلع الأمة بغير إذن سيدها مع أنه إثبات مال في الذمة فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الأمة قد تحتاج إلى الخلع لسوء عشرة الزوج ولا ضرورة إلى الضمان
والثاني يصح ويتبع به إذا عتق وأيسر إذ لا ضرر على السيد كما لو أقر بإتلاف مال وكذبه السيد
( ويصح بإذنه ) حتى عن العبد لأن المنع إنما كان لحقه وقد زال بالإذن
ولا يجب عليه أن يضمن وإن كان الإذن بصيغة الأمر كما يؤخذ من اقتصار المتن على الصحة بخلاف البيع ونحوه من التصرفات لأنه لا سلطة للسيد على ذمة عبده
قال الإسنوي وهل يشترط معرفة السيد قدر الدين فيه نظر والمتجه اشتراطه بناء على تعلقه بمال السيد لا بذمة العبد اه
أما سيده فلا يصح ضمان رقيقه له لأنه يؤدي من كسبه وهو لسيده فهو كما لو ضمن المستحق لنفسه
وقضية ذلك صحة ضمان المكاتب لسيده وهو كذلك
وإذا أدى الرقيق ما ضمنه عن الأجنبي بالإذن من سيده بعد العتق فحق الرجوع له أو قبل العتق فحق الرجوع لسيده أو أدى ما ضمنه عن السيد فلا رجوع له وإن أداه بعد عتقه كما اقتضاه كلام الروضة وجزم به ابن المقري
وفارقت هذه ما قبلها بأن منفعة الرقيق فيها وقعت للسيد فكأنه استوفاها حال رقه كمسألة الإجارة بخلافها في تلك فإنها وقعت للأجنبي فكان الرجوع عليه
( فإن عين ) السيد ( للأداء كسبه أو غيره ) من أموال السيد ( قضى منه ) لتصريحه بذلك
نعم إن قال له اضمن في مال التجارة وعليه دين وحجر القاضي عليه باستدعاء الغرماء لم يؤد مما في يده لأن تعلق حق الغرماء سابق
أما إذا لم يحجر عليه فيتعلق بالفاضل عن حقوق الغرماء رعاية للجانبين
( وإلا ) بأن اقتصر له على الإذن في الضمان ( فالأصح أنه إن كان مأذونا له في التجارة تعلق ) غرم الضمان ( بما في يده ) وقت الإذن في الضمان ربحا ورأس مال ( وما يكسبه بعد الإذن ) له في الضمان كما في المهر
فإن قيل لم اعتبروا في الكسب هنا حدوثه بعد الإذن وثم حدوثه بعد النكاح أجيب بأن الدين المضمون كان موجودا حال الإذن في الضمان فتعلق بما بعد الإذن بخلاف المهر وسائر مؤن النكاح
( وإلا ) أي وإن لم يكن مأذونا له في التجارة ( فيما ) أي فيتعلق غرم الضمان بما ( يكسبه ) بعد الإذن فيه
والوجه الثاني يتعلق بذمته في القسمين يتبع به بعد العتق
والثالث في الأول يتعلق بما يكسبه بعد الإذن فقط
والرابع يتعلق بذلك وبالربح الحاصل في يده فقط
والثالث في الثاني يتعلق برقبته وأم الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة
والمبعض إذا لم تجز بينه وبين سيده مهايأة أو جرت وضمن في نوبة سيده كالقن فيما ذكر أما إذا جرت مهايأة في المبعض فإنه يصح الضمان إذا ضمن في نوبته ولو بغير إذن سيده ويصح ضمان
____________________
(2/199)
المكاتب بإذن سيده لا بدونه كسائر تبرعاته
ويؤخذ مما مر أنه لو ضمن سيده صح
وأما العبد الموقوف فقال في المطلب ينبغي أن يجزم بعدم صحة ضمانه إذا قلنا بالمشهور أنه لا يصح عتقه لعدم فائدته
قال والظاهر أن الموصى برقبته دون منفعته أو بالعكس كالقن لكن هل المعتبر إذن مالك الرقبة أو المنفعة يشبه أن يكون فيه خلاف يلتفت إلى أن ضمان القن يتعلق برقبته أو بذمته أو بكسبه
قال الأذرعي وفيه نظر لأنه إذا أوصى بمنفعته أبدا فلا سبيل إلى التعلق بكسبه بإذن مالك الرقبة بمفرده فأما أن يعتبر إذنهما جميعا أو لا يصح اه
والأوجه كما قال شيخي اعتبار إذنهما لأن الضمان يتعلق بالأكساب النادرة وهي لمالك الرقبة خلافا لبعض المتأخرين من أن الأوجه اعتبار إذن الموصى له بالمنفعة بناء على الشق الأخير من كلام المطلب
ويصح ضمان المرأة بغير إذن زوجها كسائر تصرفاتها
ثم شرع في شرط المضمون له وهو الركن الثاني فقال ( والأصح اشتراط معرفة المضمون له ) وهو مستحق الدين لتفاوت الناس في استيفاء الدين تشديدا وتسهيلا وأفتى ابن الصلاح وغيره بأن معرفة وكيل المضمون له كمعرفته و ابن عبد السلام وغيره بخلافه وجرى بين ابن الصلاح وابن عبد السلام في ذلك محاورات
والأول أوجه لأن كثيرا من الناس لا يوكل إلا من هو أشد منه في الطلب فيكون الموكل أسهل منه في ذلك غالبا
وقال الأذرعي الظاهر المختار الصحة لأن أحكام العقد تتعلق بالوكيل وقد وقع الإجماع الفعلي على المعاملة للأيتام والمحجورين الذين لا يعرفهم المدين بحال والمماراة فيه جمود لا يليق ب ابن عبد السلام فمن دونه اه
والثاني لا يشترط لظاهر الآية وحديث أبي قتادة المتقدم فإنه ضمن لمن لا يعرفه ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يسأله هل يعرفه أو لا فكان على عمومه
تنبيه قوله معرفة المضمون له أي معرفة الضامن والمضمون له كما أفصح به في التنبيه والحاوي فأضاف المصدر إلى المفعول وهو قليل
قال في المطلب والمراد معرفته بالعين لا الاسم والنسب كما دل عليه كلام الماوردي ولا المعاملة كما قاله صاحب المعين
( و ) الأصح على الأول ( أنه لا يشترط قبوله ) للضمان ( و ) لا ( رضاه ) لعدم التعرض لذلك في حديث أبي قتادة السابق
والثاني يشترط الرضا ثم القبول لفظا
والثالث يشترط الرضا دون القبول لفظا
تنبيه لو زاد لا قبل رضاه كما قدرتها تبعا للمحرر لكان أولى لأن المقصود نفي كل منهما ومع حذفها لا يستفاد إلا نفي الهيئة الاجتماعية وحينئذ فيصدق الكلام بالوجه الثالث
ثم شرع في ذكر المضمون عنه حرا كان أو رقيقا موسرا أو معسرا وهو الركن الثالث فقال ( ولا يشترط رضا المضمون عنه ) وهو المدين ( قطعا ) لأن قضاء دين الغير بغير إذنه جائز فالتزامه أولى وكما يصح الضمان عن الميت اتفاقا وإن لم يخلف وفاء
( ولا معرفته في الأصح ) قياسا على رضاه إذ ليس ثم معاملة
والثاني يشترط ليعرف هل هو موسر أو ممن يبادر إلى قضاء دينه أو يستحق اصطناع المعروف أو لا
ورد بأن اصطناع المعروف لأهله ولغير أهله معروف
ثم شرع في شرط المضمون وهو الركن الرابع فقال ( ويشترط في المضمون ) وهو الدين أو العين المضمونة ( كونه ) حقا ( ثابتا ) حال العقد فلا يصح ضمان ما لم يجب سواء أجرى سبب وجوبه كنفقة ما بعد اليوم للزوجة وخادمها أم لا كضمان ما سيقرضه لفلان لأن الضمان وثيقة بالحق فلا يسبقه كالشهادة فيصح بنفقة اليوم للزوجة وما قبله لثبوته لا بنفقة القريب لمستقبل كما مر في نفقة الزوجة
وفي يومه وجهان صح الأذرعي وغيره منهما المنع أيضا لأن سبيلها سبيل البر والصلة لا سبيل الديون ولهذا تسقط بمضي الزمان وضيافة الغير
ويكفي في ثبوت الحق اعتراف الضامن لا ثبوته على المضمون عنه فلو قال شخص لزيد على عمرو مائة وأنا ضامنه فأنكر عمرو فلزيد مطالبة القائل في الأصح ذكره الرافعي في الإقرار بالنسب
تنبيه قوله ثابتا صفة لموصوف محذوف أي حقا ثابتا كما قدرته في كلامه وهو ما صرح به الرافعي في كتبه والمصنف في الروضة فيشمل الأعيان المضمونة كما قدرته في كلامه أيضا وسيأتي التنبيه عليها والدين سواء كان مالا أم عملا في الذمة بالإجارة بخلاف الرهن فإنه لما لم يصح على الأعيان صرح فيه بالدين فقال هناك ويشترط كونه
____________________
(2/200)
دينا ثابتا
( وصحح ) في ( القديم ضمان ما سيجب ) كثمن ما سيبيعه أو ما سيقرضه لأن الحاجة قد تدعو إليه
( والمذهب صحة ضمان الدرك ) بفتح الراء وسكونها وهو التبعة أي المطالبة والمؤاخذة وإن لم يكن له حق ثابت لأن الحاجة قد تدعو إلى معاملة الغريب ويخاف أن يخرج ما يبيعه مستحقا ولا يظهر به فاحتيج إلى التوثق به
ويسمى أيضا ضمان العهدة لالتزام الضامن ما في عهدة البائع رده
والعهدة في الحقيقة عبارة عن الصك المكتوب فيه الثمن ولكن الفقهاء يستعملونه في الثمن لأنه مكتوب في العهدة مجازا تسمية للحال باسم المحل
( بعد قبض الثمن ) لأنه إنما يضمن ما دخل في يد البائع ولا يدخل الثمن في ضمانه إلا بقبضه
وخرج بعد قبضه الثمن ما لو ثبت دين على غائب فباع الحاكم عقاره من المدعي بدينه وضمن له الدرك شخص إن خرج المبيع مستحقا فإنه لا يصح الضمان قاله البغوي لعدم القبض ونحوه ما في فتاوى ابن الصلاح لو أجر المديون وقفا عليه بدينه وضمن ضمان الدرك
ثم إن بطلان الإجارة لمخالفتها شرط الواقف لا يلزم الضامن شيء من الأجرة لبقاء الدين الذي هو أجرة بحاله فلم يفت عليه شيء
( وهو ) أي ضمان الدرك ( أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا ) أو إن أخذ بشفعة سابقة على البيع ببيع آخر ( أو معيبا ) ورده المشتري ( أو ناقصا ) إما لرداءته أو ( لنقص الصنجة ) التي وزن بها وهي بفتح الصاد فارسية وعربت والجمع صنج ويقال سنجة بالسين خلافا لابن السكيت
وهذا كالمستثنى من بطلان ما سيجب ووجه صحته ما مر
وفي قول وهو باطل لأنه ضمان ما لم يجب
ورد بأنه إن خرج المبيع كما ذكر تبين وجوب رد الثمن
وقطع بعضهم بالأول وعليه يشترط علم الضامن بقدر الثمن فإن جهله لم يصح
وكيفية ضمان الدرك بالثمن أن يقول للمشتري ضمنت لك عهدة الثمن أو دركه أو خلاصك منه فإن قال ضمنت لك خلاص المبيع لم يصح لأنه لا يستقل بتخليصه إذا استحق فإن شرط في البيع كفيلا بخلاص المبيع بطل البيع لفساد الشرط وإن ضمن درك الثمن وخلاص المبيع معا صح ضمان الدرك دون ضمان خلاص المبيع تفريقا للصفقة
ولا يختص ضمان الدرك بالثمن بل يجري في المبيع فيضمنه للبائع إن خرج الثمن المعين مستحقا أو أخذ بشفعة سابقة أو معيبا أو ناقصا إما لرداءته أو لنقص الصنجة ولو ضمن عهدة فساد مبيع بغير الاستحقاق أو عهدة العيب أو التلف قبل قبض المبيع صح للحاجة إليه ولا يدخل ذلك تحت ضمان العهدة بأن يقول ضمنت لك عهدة أو درك الثمن أو المبيع من غير ذكر استحقاق أو غيره مما ذكر لأن المتبادر منه إنما هو الرجوع بسبب الاستحقاق
ولو خص ضمان الدرك بنوع كخروج المبيع مستحقا لم يطالب بجهة أخرى ولو خرج بعض المبيع مستحقا طولب الضامن بقسط المستحق
تنبيه قد يفهم كلام المصنف عمد صحة ضمان العهدة للمستأجر وفيه وجهان حكاهما الشيخان في باب الإجارة رجح منهما ابن الرفعة الصحة وهو الظاهر
ويصح ضمان عهدة المسلم فيه بعد أدائه للمسلم إن استحق رأس المال المعين ولا يصح ضمان رأس المال للمسلم إن خرج المسلم فيه مستحقا لأنه في الذمة ولا استحقاق فيه يتصور وإنما يتصور في المقبوض
فرع لو اختلف الضامن والبائع في نقص الصنجة صدق الضامن بيمينه لأن الأصل براءة ذمته أو البائع والمشتري صدق البائع بيمينه لأن ذمة المشتري كانت مشغولة بخلاف الضامن فيما ذكر
وإذا حلف البائع طالب المشتري بالنقص لا الضامن إلا إن اعترف أو قامت بينة
قال في المطلب والمضمون في هذا الفصل ليس هو رد العين وإلا فكان يلزم أن لا تجب قيمته عند التلف بل المضمون ماليته عند تعذر رده قال وهذا لا شك فيه عندي وإن لم أراه مسطورا
فائدة قال ابن سريج لا يضمن درك المبيع إلا أحمق وهو كقول الإمام الشافعي رضي الله عنه لا يدخل في الوصية إلا أحمق أو لص وأراد به الغالب في الناس
( وكونه ) أي المضمون دينا ( لازما ) غير مستقر كالمهر قبل
____________________
(2/201)
الدخول أو الموت وثمن المبيع قبل قبضه ودين السلم للحاجة إلى التوثق لأنه آيل إلى الاستقرار
( لا كنجوم كتابة ) لأن للمكاتب إسقاطها بالفسخ فلا معنى للتوثق عليه
ويصح الضمان عن المكاتب بغيرها لأجنبي لا للسيد بناء على أن غيرها يسقط أيضا عن المكاتب بعجزه وهو الأصح
فإن قيل قد مر أن الحوالة تصح من السيد عليه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الحوالة يتوسع فيها لأنها بيع دين بدين جوز للحاجة
( ويصح ضمانة الثمن في مدة الخيار في الأصح ) لأنه آيل إلى اللزوم بنفسه فألحق باللازم
والثاني لا لعدم لزومه في الحال
وأشار الإمام إلى أن تصحيح الضمان مفرغ على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع أما إذا منعه فهو ضمان ما لم يجب
وما أشار إليه هو المتجه حتى لو كان الخيار لهما أو للبائع وحده لم يصح الضمان وهذا يخالف الحوالة أيضا لأنها تصح في زمن الخيار مطلقا لما مر
( وضمان الجعل ) في الجعالة ( كالرهن به ) وتقدم أنه يصح الرهن بعد الفراغ من العمل قطعا ولا يصح قبله ولو بعد الشروع في الأصح فلو قال شخص من رد عبدي فله دينار فضمنه عنه ضامن قبل مجيء العبد لم يصح لأنه غير لازم كمال الكتابة
والفرق بين الجعل والثمن في مدة الخيار أنه لا يصير إلى اللزوم إلا بالعمل بخلاف الثمن فإنه يؤول إليه بنفسه كما مر
( وكونه ) أي المضمون ( معلوما ) جنسا وقدرا وصفة وعينا ( في الجديد ) لأنه إثبات مال في الذمة لآدمي بعقد فأشبه البيع والإجارة فلا يصح ضمان المجهول ولا غير المعين كأحد الدينين
والقديم لا يشترط ذلك لأن معرفته متيسرة
ومحل الخلاف في مجهول يمكن الإحاطة به مثل أنا ضامن ما بعت من زيد كما مثل به في المحرر فإن قال لشيء منه بطل جزما
تنبيه جملة الشروط التي اعتبرها المصنف تبعا للرافعي ثلاثة كونه ثابتا لازما معلوما
قال في المهمات وبقي للمضمون شرط رابع ذكره الغزالي وأهمله الشيخان وهو كونه قابلا لأن يتبرع به الإنسان على غيره فيخرج القصاص وحد القذف والأخذ بالشفعة اه وكان الأولى أن يقول وحق الشفعة اه
وهذا الشرط كما قال بعض المتأخرين ضرره أكثر من نفعه فإنه يرد على طرده حق القسم للمظلومة فإنه يصير في ذمة الزوج ويصح التبرع به على غيره ولا يصح ضمانه للمرأة وعلى عكسه دين الزكاة فإنه يصح ضمانه مع أنه لا يصح التبرع به على غيره وكذلك الدين الذي تعلق به حق الله تعالى يصح ضمانه ولا يصح التبرع به على غيره وكذلك الدين للمريض المعسر أو الميت المعسر يصح ضمانه ولا يصح التبرع به
تتمة يصح ضمان رد كل عين ممن هي في يده مضمونة عليه كمغصوبة ومستعارة ومستامة ومبيع لم يقبض كما يصح بالبدن بل أولى لأن المقصود هنا المال
ويبرأ الضامن بردها للمضمون له ويبرأ أيضا بتلفها فلا يلزمه قيمتها كما لو مات المكفول ببدنه لايلزم الكفيل الدين ولو ضمن قيمة العين إن تلفت لم يصح لعدم ثبوت القيمة
ومحل صحة ضمان العين إذا أذن فيه واضع اليد أو كان الضامن قادرا على انتزاعه منه نقله شارح التعجيز عن الأصحاب
أما إذا لم تكن العين مضمونة على من هي بيده كالوديعة والمال في يد الشريك والوكيل والوصي فلا يصح ضمانها لأن الواجب فيها التخلية دون الرد
( والإبراء ) من العين باطل جزما وكذا ( من ) الدين ( المجهول ) جنسا أو قدرا أو صفة ( باطل في الجديد ) لأن البراءة متوقفة على الرضا ولا يعقل مع الجهالة
والقديم أنه صحيح لأنه إسقاط محض كالإعتاق
ومأخذ القولين أنه تمليك أو إسقاط فعلى الأول يشترط العلم بالمبرأ منه وعلى الثاني لا فيصح
قال في الروضة في باب الرجعة المختار أنه من المسائل التي لا يطلق فيها ترجيح بل يختلف الترجيح بحسب المسائل لقوة الدليل وضعفه اه
والتحقيق فيه كما أفاده شيخي أنه إن كان في مقابلة طلاق اشترط علم كل من الزوج والزوجة لأنه يؤول إلى المعاوضة وإلا فهو تمليك من المبرىء إسقاط عن المبرأ عنه فيشترط علم الأول دون الثاني
وطرق الإبراء من المجهول أنه يذكر عددا يتحقق أنه يزيد على قدر الدين كمن لا يعلم هل له عليه خمسة أو عشرة فيبرئه من خمسة عشر مثلا
إلا من إبل الدية )
____________________
(2/202)
فيصح الإبراء منها على القولين وإن كانت مجهولة الصفة لأنه اغتفر ذلك في إثباتها في ذمة الجاني فيغتفر في الإبراء تبعا له
( ويصح ضمانها في الأصح ) كالإبراء ولأنها معلومة السن والعدد ويرجع في صفتها إلى غالب إبل البلد
والثاني لا لجهالة وصفها والإبراء مطلوب فوسع فيه بخلاف الضمان
فالوجهان على الجديد ويصح على القديم جزما
وعلى القول بصحة الضمان يرجع ضامنها إذا ضمنها بالإذن وغرمها بمثلها لا بقيمتها كالقرض كما جزم به ابن المقري
ولا يصح ضمان الدية عن العاقلة قبل الحلول لأنها غير ثابتة بعد ولو سلم ثبوتها فليست لازمة ولا آيلة إلى اللزوم عن قرب بخلاف الثمن في مدة الخيار
فروع لو ملكه مدينه ما في ذمته برىء منه من غير نية أو قرينة ولو لم يقبل كالإبراء ولو أبرأ أحد خصميه مبهما لم يصح ولو أبرأ وارث عن دين مورثه ولو لم يعلم بموته ثم تبين موته صح كما في البيع ولو ضمن عنه زكاته صح كدين الآدمي
ويعتبر الإذن عند الأداء إذا ضمن عن حي فإن ضمن عن ميت جاز الأداء عنه وإن انتفى الإذن كما ذكره الرافعي في باب الوصية
ولو استحل منه من غيبة اغتابها ولم يعينها له فأحله منها فهل يبرأ منها أو لا وجهان أحدهما نعم لأنه إسقاط محض كمن قطع عضوا من عبد ثم عفا سيده عن القصاص وهو لا يعلم عين المقطوع فإنه يصح
والثاني لا لأن المقصود رضاه ولا يمكن الرضا بالمجهول
ويفارق القصاص بأن العفو عنه مبني على التغليب والسراية بخلاف إسقاط المظالم وبهذا جزم المصنف في أذكاره قال لأنه قد يسامح شيء دون شيء
وزعم الأذرعي أن الأصح خلافه أخذا مما ذكره في باب الشهادة من أن مقتضى كلام الحليمي وغيره الجزم به وهذا هو الظاهر
( ولو قال ضمنت مالك على زيد من درهم إلى عشرة فالأصح صحته ) لانتفاء الغرر بذكر الغاية
والثاني لا يصح لجهالة المقدار فإنه متردد بين الدرهم والعشرة
( و ) الأصح على الأول ( أنه يكون ضامنا لعشرة ) إن كانت عليه أو أكثر منها إدخالا للطرفين في الالتزام
( قلت الأصح لتسعة والله أعلم إدخالا للطرف الأول لأنه مبدأ الالتزام وقيل لثمانية إخراجا للطرفين
فإن قيل رجح المصنف في باب الطلاق أنه لو قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث وقوع الثلاث وقياسه تعين العشرة
أجيب بأن الطلاق محصور في عدد فالظاهر استيفاؤه بخلاف الدين
ولو ضمن ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية كما في الإقرار ولو كان جاهلا بقدر الدين وقال ضمنت دراهمك التي على فلان صح في ثلاثة كما هو مقتضى كلام أصل الروضة في التفويض في الصداق لدخولها في اللفظ بكل حال
فصل في كفالة البدن وتسمى أيضا كفالة الوجه ( المذهب صحة كفالة البدن ) في الجملة لأنه سيأتي منعها في حدود الله تعالى
وهي التزام إحضار المكفول إلى المكفول له للحاجة إليها واستؤنس لها بقوله تعالى { لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به }
وفي قول لا تصح لأن الحر لا يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه
والطريق الثاني القطع بالأول
وقول الشافعي كفالة البدن ضعيفة أراد من جهة القياس
( فإن كفل بدن من عليه مال لم يشترط العلم بقدره ) لأنه تكفل بالبدن لا بالمال ( و ) لكن ( يشترط كونه ) أي المال ( مما يصح ضمانه ) فلا تصح الكفالة ببدن المكاتب للنجوم التي عليه لأنه لا يصح ضمانها كما مر
تنبيه قوله كأصله من عليه مال يوهم أن الكفالة لا تصح ببدن من عنده مال لغيره وليس مرادا بل تصح وإن كان المال أمانة كوديعة لأن الحضور مستحق عليه فيشمله الضابط الآتي
( والمذهب صحتها ببدن من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحد قذف ) وتعزير لأنه حق لازم فأشبه المال
وفي قول لا تصح لأن العقوبة مبنية على الدفع فتقطع
____________________
(2/203)
الذرائع المؤدية إلى توسيعها
وقطع بعضهم بالأول وبعضهم بالثاني
( و ) المذهب ( منعها في حدود الله تعالى ) كحد الخمر والزنا والسرقة لأنها يسعى في دفعها ما أمكن
والطريق الثاني قولان ثانيهما الصحة كحدود الآدميين
وقول الأذرعي محل المنع في حدود الله تعالى ما لم يتحتم استيفاء العقوبة فإن تحتم فيشبه أن يحكم بالصحة ضعيف كما نبه عليه بعض المتأخرين
تنبيه الضابط لصحة الكفالة وقوعها بإذن من المكفول مع معرفة الكفيل له ببدن من لزمه إجابة إلى مجلس الحكم أو استحق إحضاره إليه عند الاستعداء للحق كالكفالة ببدن امرأة يدعي رجل زوجيتها لأن الحضور مستحق عليها أو ببدن رجل تدعي امرأة زوجيته أو ببدن امرأة لمن ثبتت زوجيته وكذا عكسه كما بحثه شيخنا وكأن يكون الزوج موليا
( وتصح ) الكفالة ( ببدن صبي ومجنون ) بإذن الولي لأنه قد يستحق إحضارهما لمجلس الحكم لإقامة الشهادة ليشهد على صورتهما في الإتلافات وغيرها إذا تحملوا الشهادة كذلك ولم يعرفوا اسمهما ونسبهما
ويطالب الكفيل وليهما بإحضارهما عند الحاجة إليه فإن صدرت بغير إذن الولي فكالكفالة ببدن البالغ العاقل بغير إذنه
قال الأذرعي والظاهر أنه يعتبر في كفالة بدن السفيه إذن وليه ويحتمل خلافه اه
والأول أظهر
( و ) ببدن ( محبوس وغائب ) بإذنه كما سيأتي في عموم اللفظ لأن حصول المقصود متوقع وإن تعذر تحصيل الغرض في الحال كما يصح ضمان المعسر المال
ولا فرق فيه بين أن يكون في موضع يلزمه الحضور إلى مجلس الحكم أم لا حتى لو أذن ثم انتقل إلى بلد بها حاكم أو إلى فوق مسافة العدوى فوقعت بعد ذلك صحت ووجب عليه الحضور معه لأجل إذنه في ذلك بل لو كان فوق مسافة القصر كما يؤخذ مما سيأتي
( و ) ببدن ( ميت ليحضره فيشهد ) بفتح الهاء ( على صورته ) إذا تحمل كذلك ولم يعرف اسمه ونسبه
ومن المعلوم أن محل ذلك قبل دفنه وقبل تغيره ولا نقل من بلد إلى آخر فإن حصل شيء من ذلك لم تصح الكفالة
قال في المطلب ويظهر اشتراط إذن الوارث إذا اشترطنا إذن المكفول اه
وهو كما قال لكن محله كما قال شيخنا فيمن يعتبر إذنه وإلا فالمعتبر إذن وليه
ودخل في الوارث بيت المال وبقي ما لو مات ذمي عن غير وارث وانتقل ماله فيئا لبيت المال وظاهر كلامهم عدم الاكتفاء بإذن الإمام وهذا هو الظاهر
( ثم إن عين ) الكفيل في الكفالة ( مكان التسليم تعين ) تبعا لشرطه ( وإلا ) بأن لم يعين مكانا ( فمكانها ) أي الكفالة يتعين كما في السلم فيهما
وكلامهم يفهم أنه لا يشترط بيان موضع التسليم وإن لم يصلح له موضع التكفل كاللجة أو كان له مؤنة وهو مخالف لنظيره في السلم المؤجل فيحتمل أن يلحق به ويحتمل خلافه أخذا بمفهوم كلامهم
ويفرق بأن السلم عقد معاوضة والتكفل محض التزام وهذا هو الظاهر ويحمل على أقرب موضع صالح للتسليم
( ويبرأ الكفيل بتسليمه ) أو بتسليم وكيله ( في مكان التسليم ) المذكور ( بلا حائل كمتغلب ) يمنع المكفول له عنه لقيامه بما وجب عليه فإن أحضره مع وجود الحائل لم يبرأ الكفيل لعدم الانتفاع بتسليمه
تنبيه قضية كلامه عدم البراءة بتسليمه في غير مكان التسليم وهو كذلك إن كان للمكفول له غرض في الامتناع كفوت حاكم أو معين وإن امتنع لا لغرض تسلمه الحاكم عنه لأن التسلم حينئذ لازم له فإذا امتنع منه ناب عنه الحاكم فيه فإن لم يكن حاكم سلمه إليه وأشهد به شاهدين ويبرأ بتسليمه للمكفول له محبوسا بحق لإمكان إحضاره ومطالبته بالحق بخلاف ما إذا كان محبوسا بغير حق لتعذر تسليمه
( وبأن يحضر المكفول ) في مكان التسليم ( ويقول ) للمكفول له ( سلمت نفسي عن جهة الكفيل ) كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل الدين
ولو سلم نفسه عن الكفيل فأبى أن يقبله قال الماوردي أشهد المكفول أنه قد سلم نفسه عن كفالة فلان وبرىء الكفيل منها
وقياس
____________________
(2/204)
ما تقدم أنه يتعين الرفع إلى الحاكم ثم الإشهاد
تنبيه إطلاق المصنف يشمل الصبي والمجنون يسلمان أنفسهما عن جهة الكفيل
قال الأذرعي وفيه وقفة إذ لا حكم لقولهما ولم أره نصا والظاهر أنه إن قبل حصل التسليم وإلا فلا اه
وهو حسن
( ولا يكفي مجرد حضوره ) من غير قوله سلمت نفسي عن الكفالة لأنه لم يسلمه إليه ولا أحد عن جهته فلو سلمه إليه أجنبي عن جهة الكفيل بإذنه برىء أو بغير إذنه فلا إن لم يقبل
فإن قيل ولا يلزمه القبول برىء الكفيل
ولو تكفل به رجلان معا أو مرتبا فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر
وإن قال سلمته عن صاحبي كان كما لوكان الدين رهنان فانفك أحدهما لا ينفك الآخر
ولو كفل رجل لرجلين فسلم إلى أحدهما لم يبرأ من حق الآخر
ولو تكافل كفيلان ثم أحضر أحدهما المكفول به برىء محضره من الكفالة الأولى والثانية وبرىء الآخر من الثانية لأن كفيله سلمه ولم يبرأ من الأولى لأنه لم يسلم هو ولا أحد عن جهته
ولو أبرأ المكفول له الكفيل من حقه برىء وكذا لو قال لا حق لي على الأصيل أو قبله في أحد وجهين قال الأذرعي إنه الأقرب كما يبرأ الأصيل بإقراره المذكور
( فإن غلب ) المكفول ( لم يلزم الكفيل إحضاره إن جهل مكانه ) لعدم إمكانه فأشبه المعسر بالدين والقول قوله أنه لا يعلم
( وإلا ) بأن علم مكانه ( فيلزمه ) إحضاره ولو كان فوق مسافة القصر كغيبة مال المديون إلى هذه المسافة فإنه يؤمر بإحضاره وسواء كان غائبا عند الكفالة كما مر أو غاب بعدها بشرط أمن الطريق ولم يذهب إلى من يمنعه وما يغرمه الكفيل من مؤنة السفر في هذه الحالة في ماله
( ويمهل مدة ذهاب وإياب ) على العادة لأنه الممكن
قال الإسنوي وينبغي أن يعتبر مع ذلك مدة إقامة المسافرين للإستراحة وتجهيز المكفول وهو كما قال شيخنا ظاهر في مسافة القصر فأكثر بخلاف ما دونها
وقال الأذرعي والظاهر إمهاله عند الذهاب والعود لانتظار رفقة يأمن بهم وعند الأمطار والثلوج الشديدة والأحوال المؤذية التي لا تسلك عادة ولا يحبس مع هذه الأعذار اه
وهذا ظاهر
( فإن مضت ) أي المدة المذكورة ( ولم يحضره حبس ) قال الإسنوي إن لم يؤد الدين لأنه مقصر فلو أداه ثم قدم الغائب فالمتجه أن له استرداده
وقال الغزي الأقرب عدم استرداده لأنه متبرع بالأداء لتخليص نفسه اه
والأول أوجه لأنه ليس متبرعا وإنما غرمه للفرقة
وينبغي كما قال شيخي أن يلحق بقدومه تعذر حضوره بموت ونحوه حتى يرجع به وإذا حبس أديم حبسه إلى أن يتعذر إحضار الغائب بموت أو جهل بموضعه أو إقامة عند من يمنعه قاله في المطلب
( وقيل إن غاب إلى مسافة القصر ) فأكثر ( لم يلزمه إحضاره ) كالولي وشاهد الأصيل فإن غيبتهما إلى هذه المسافة كالغيبة المنقطعة
( والأصح أنه إذا مات ودفن أو لم يدفن ) أو هرب أو توارى ( لا يطالب الكفيل بالمال ) لأنه لم يلتزمه وإنما ضمن النفس ولم يتمكن من إحضارها
والثاني يطالب
تنبيه ظاهر إطلاق المصنف أنه لا فرق في جريان الخلاف بين أن يخلف المكفول وفاء أم لا
قال الإسنوي تبعا للسبكي وظاهر كلامهم اختصاصه بما إذا لم يخلف ذلك اه
واحترز بالمال عن العقوبة فإنه لا يطالب بها جزما
قال الإسنوي وتقييد المصنف تبعا للمحرر بالدفن إنما يستقيم أن لو تكلم في بطلان الكفالة وأما الوجهان في المطالبة فيستوي فيها قبل الدفن وبعده اه
ولهذا قدرت في كلامه أو لم يدفن وقبل الدفن إن احتيج إلى إحضاره لإقامة الشهادة على عينه أحضره الكفيل بالشروط المتقدمة ولا شيء على من تكفل ببدن رقيق فمات أو زوجة فماتت
( و ) الأصح ( أنه لو شرط في الكفالة أنه يغرم المال إن فات التسليم ) كقوله كفلت بدنه بشرط الغرم أو على إني أغرم
( بطلت ) لأنه
____________________
(2/205)
شرط ينافي مقتضاها بناء على أنه لا يغرم عند الإطلاق
والثاني يصح بناء على مقابله
فإن قيل هلا بطل الشرط فقط كما لو أقرضه بشرط رد مكسر عن صحيح أو لشرط الخيار للمضمون له أو ضمن المؤجل بشرط الحلول بجامع أنه زاد خيرا أجيب بأن المشروط في تلك صفة تابعة وفي هذه أصل بفرد بعقد والتابع يغتفر فيه ما لا يغتفر في الأصل
ولو قال كفلت بدنه فإن مات فعلي المال صحت الكفالة وبطل التزام المال قاله الماوردي
وهو كما قال الزركشي محمول على ما إذا لم يرد به الشرط وإلا بطلت
( و ) الأصح ( أنها لا تصح بغير رضا المكفول ) الذي يعتبر إذنه أو الولي حيث لا يعتبر بناء على أن الكفيل لا يغرم المال عند العجز فلا فائدة لها إلا حضور المكفول وهو لا يلزمه الحضور مع الكفيل حينئذ
والثاني تصح بناء على أنه يغرم فيلزمه المال لأنه عاجز عن إحضاره
تنبيه علم من كلام المصنف أنه لا يشترط رضا المكفول له وهو الأصح كما لا يشترط رضا المضمون له فلو تكفل به بلا إذن منه لم تلزمه إجابة الكفيل فليس للكفيل مطالبته وإن طالب المكفول له الكفيل كما في ضمان المال بغير إذن إلا إن سأله المكفول له إحضاره كأن قال له أحضره إلى القاضي فإنه إذا أحضره باستدعاء القاضي وجب عليه لكنه ليس بسبب الكفالة بل لأنه وكيل صاحب الحق وعلى هذا لا بد من اعتبار مسافة العدوى
وإنما اعتبر استدعاء القاضي لأن صاحب الحق لو طلب إحضار خصمه إلى القاضي لم يلزمه الحضور معه بل يلزمه أداء الحق إن قدر عليه وإلا فلا شيء عليه
وإذا امتنع الكفيل من إحضار المكفول في هاتين الصورتين لم يحبس أما في الصورة الأولى وهي فيما إذا لم تلزمه الإجابة فإنه حبس على ما لا يقدر عليه وأما في الثانية وهي فيما إذا قال له أحضره إلى القاضي فلأنه وكيل
تتمة لو مات الكفيل بطلت الكفالة ولا شيء للمكفول له في تركته لأنه لا يلزمه مال كما مر ولو مات المكفول له لم تبطل ويبقى الحق لورثته كما في ضمان المال فلو خلف ورثة وغرماء وأوصياء لم يبرأ الكفيل إلا بالتسليم إلى الجميع ويكفي التسليم إلى الموصى له عن التسليم إلى الوصي في أحد وجهين كما رجحه بعض المتأخرين أي إذا كان الموصى له محصورا لا كالفقراء ونحوهم كما قال الأذرعي
فصل في بيان الصيغة وهي الركن الخامس للضمان الشامل للكفالة معبرا عن ذلك بالشرط فقال ( يشترط في الضمان ) للمال ( والكفالة ) للبدل صيغة لتدل على الرضى وهي ( لفظ ) صريح أو كناية ( يشعر بالتزام ) كغيره من الحقول وفي معناه الكتابة وإشارة أخرس مفهمة ( كضمنت ) لك ( دينك عليه ) أي فلان ( أو تحملته أو تقلدته ) أو التزمته ( أو تكفلت ببدنه أو أنا بالمال ) الذي على زيد ( أو بإحضار الشخص ضامن أو كفيل أو زعيم أو حميل ) أو قبيل أو علي ما على فلان لثبوت بعض ذلك بالنص والباقي بالقياس مع اشتهار لفظ الكفالة بين الصحابة فمن بعدهم
وكل هذه الألفاظ صرائح ومن ألفاظ الكفالة خل عن فلان والدين الذي عليه عندي أو دين فلان إلي
ولو تكفل فأبرأه المستحق ثم وجده ملازما للخصيم فقال خله وأنا على ما كنت عليه من الكفالة صار كفيلا لأنه إما مبتدىء بالكفالة بهذا اللفظ أو مخبر به عن كفالة واقعة بعد البراءة
فإن قيل لو قال سيد المكاتب له بعد فسخ الكتابة أقررتك على الكتابة لم تعد فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الضمان محض غرر وغبن فيكفي فيه ذلك من الملتزم بخلاف الكتابة ونحوها
ولو قال تكفلت بجسمه أو روحه فهو كقوله تكفلت ببدنه
ولو تكفل بجزء شائع كالثلث أو ما لا يبقى الشخص بدونه كالكبد والقلب والرأس والروح والدماغ فهو كقوله تكفلت ببدنه كما قاله صاحب التنبيه وأقره عليه المصنف في تصحيحه وجريت عليه في شرحه وليس في الشرحين والروضة تصريح بتصحيح أما ما يبقى الشخص بدونه كاليد والرجل فلا يكفي
وتقدم الجواب في كتاب البيع عن قولهم كل ما صح تعليقه كالطلاق تصح إضافته
____________________
(2/206)
إلى الجزء وما لا كالبيع فلا
والكفالة لا يصح تعليقها كما سيأتي ويصح إضافتها إلى الجزء
تنبيه ذكر في المحرر كالشرحين والروضة لفظة لك بعد ضمنت كما قدرتها في كلامه فحذفها المصنف تنبيها على أن ذكرها ليس بشرط وقال الأذرعي إنه الظاهر
( ولو قال أؤدي المال أو أحضر الشخص فهو وعد ) بالالتزام لا يلزم الوفاء به لأن الصيغة لا تشعر بالالتزام
قال في المطلب إلا أن صحبته قرينة الالتزام فيلزم
( والأصح أنه لا يجوز تعليقهما ) أي الضمان والكفالة ( بشرط ) ك إذا جاء رأس الشهر فقد ضمنت ما على فلان أو تكفلت ببدنه لأنهما عقدان فلا يقبلان التعليق كالبيع
والثاني يجوز لأن القبول لا يشترط فيهما فجاز تعليقهما كالطلاق
والثالث يمتنع تعليق الضمان دون الكفالة لأن الكفالة مبنية على الحاجة
( و ) الأصح أنه ( لا ) يجوز ( توقيت الكفالة ) ك أنا كفيل بزيد إلى شهر وبعده أنا بريء
والثاني يجوز لأنه قد يكون له غرض في تسليمه في هذه المدة بخلاف المال فإن المقصود منه الأداء فلهذا لا يجوز تأقيت الضمان قطعا كما يشعر به كلام المصنف
ولا يجوز شرط الخيار في الضمان للضامن ولا في الكفالة للكفيل لمنافاته مقصودها ولا حاجة إليه لأن الملتزم فيهما على يقين من الغرر
أما شرطه للمستحق فيصح لأن الخيرة في الإبراء والطلب إليه أبدا وشرطه للأجنبي كشرطه للضامن
ولو أقر بأنه ضمن أو كفل بشرط خيار مفسد أو قال الضامن أو الكفيل لا حق على من ضمنت أو تكفلت به أو قال الكفيل برىء المكفول صدق المستحق بيمينه وإن نكل حلفا وبرأنا دون المضمون عنه والمكفول به ويبطل الضمان بشرط إعطاء مال لا يحسب من الدين وتبطل الكفالة بقوله كفلت زيدا على أن لي عليك كذا وبقوله تكفلت بزيد فإن أحضرته وإلا فبعمرو وبقوله أبرىء الكفيل وأنا كفيل المكفول
( ولو نجزها ) أي الكفالة ( وشرط تأخير الإحضار ) بمعلوم كأن جعله ( شهرا جاز ) لأنه التزام لعمل في الذمة فجاز مؤجلا كالعمل في الإجارة
واحترز بقوله نجزها عن تأجيل الكفالة فإنه لا يصح ومن وقع في كلامه جواز تأجيلها فهو متجوز وإنما مراده شرط تأخير الإحضار كما ذكره المصنف
وبقوله شهرا عن التأجيل بمجهول كالحصاد فإنه لا يصح
ولو أحضره قبل الأجل فكما سبق في المكان الذي شرط التسليم فيه
( و ) الأصح ( أنه يصح ضمان الحال مؤجلا أجلا معلوما ) لأن الضمان تبرع والحاجة تدعو إليه فصحح على حسب ما التزمه ويثبت الأجل في حق الضامن على الأصح فلا يطالب الضامن إلا كما التزم
ولا نقول التحق الأجل بالدين الحال وإنما يثبت عليه مؤجلا ابتداء لأن الحال لا يؤجل إلا في صورتين الأولى إذا أوصى أن لا يطالب إلا بعد شهر مثلا فإن الوصية صحيحة ويعمل بها
الثانية إذا نذر أن لا يطالبه إلا بعد سنة مثلا قاله المتولي والثاني لا يصح الضمان للمخالفة ووقع في بعض نسخ المحرر تصحيحيه
قال في الدقائق والأصح ما في بقية النسخ والمنهاج اه
ولو ضمن المؤجل مؤجلا بأجل أطول من الأول فكضمان الحال مؤجلا
تنبيه شمل قوله ضمان الحال من تكفل كفالة شرط فيها تأخير الإحضار ببدن من تكفل بغيره كفالة لم يشرط فيها ذلك ولهذا كانت أولى من قول المحرر ضمان المال الحال
( و ) الأصح ( أنه يصح ضمان المؤجل حالا ) لأنه تبرع بالتزام التعجيل فصح كأصل الضمان والثاني لا يصح لما مر
( و ) الأصح على الأول ( أنه لا يلزمه التعجيل ) كما لو التزمه الأصيل والثاني يلزمه لأن الضمان تبرع لزوم فلزمته الصفة كما لو نذر عتق عبد مؤمن
وعلى الأول هل يثبت الأجل في حقه مقصودا أو تبعا لقضاء حق المشابهة وجهان وتظهر فائدتهما فيما لو مات الأصيل والحالة هذه فإن جعلناه في حقه تابعا حل عليه وإلا فلا كما لو مات المضمون له والراجح الثاني كما قاله صاحب التعجيز في شرحه
فإن قيل يشكل تصحيح ضمان المؤجل حالا وعكسه بعدم صحة ما لو رهن على الدين الحال وشرط في الرهن أجلا وكذا عكسه كما صرح
____________________
(2/207)
به الماوردي فإن كلاهما وثيقة
أجيب بأن الشرط في المرهون إذا كان ينفع الراهن ويضر بالمرتهن أو بالعكس لم يصح وهذا الضرر حاصل للراهن إما بحبس المرهون حتى يحل الدين وإما بيعه في الحال قبل حلوله
( وللمستحق ) أي المضمون له أو وارثه ( مطالبة الضامن والأصيل ) بالدين اجتماعا وانفرادا أو يطالب أحدهما ببعضه والآخر بباقيه
أما الضامن فلحديث الزعيم غارم وأما الأصيل فلأن الدين باق عليه
فإن قيل يلزم من مطالبتهما أنه إذا كان له مائة أنه يطالب بمائتين لأنه يطالب كل منهما بمائة وذلك ممنوع
أجيب بأن الممنوع ليس في المطالبة إنما الممنوع في المرتب عليها وهو الأخذ وليس له إلا أخذ أحدهما والتحقيق أن الدين الذي على الضامن هو الذي على الأصيل لا غيره والذمتان مشغولتان به كالرهنين بدين واحد
قال الماوردي ولو أفلس الضامن والمضمون عنه فقال الضامن للحاكم بع أولا مال المضمون عنه وقال المضمون له أريد أن أبيع مال أيكما شئت
قال الشافعي إن كان الضمان بالإذن أجيب الضامن وإلا فالمضمون له
وإذا رهن رهنا وأقام ضامنا خير المستحق بين بيع الرهن ومطالبة الضامن على الصحيح
تنبيه قد يقتضي كلام المصنف أنه لو قال رجلان لآخر ضمنا مالك على زيد وهو ألف مثلا أنه يطالب كل منهما بجميع الألف
وفي المسألة وجهان أحدهما هذا وصححه المتولي كما لو قالا رهنا عبدنا هذا بالألف الذي لك على فلان فإن حصة كل منهما رهن بجميع الألف
والثاني أنه لا يطالبه إلا بالنصف فقط وصححه الماوردي و البندنيجي كما لو قالا اشترينا عبدك بألف وصوب الأول السبكي وقال لأن الضمان توثقة كالرهن
قال المتولي ويخالف الشراء لأن الثمن عوض الملك فبقدر ما يحصل للمشتري من الملك يجب عليه من الثمن بخلاف الضمان لا معاوضة فيه
وقال الأذرعي القلب إلى الثاني أميل لأنه المتيقن وشغل ذمة كل واحد بالزائد مشكوك فيه اه
واختلف أيضا علماء عصرنا في الإفتاء في ذلك وأنا أقول كما قال الأذرعي
وتعبير المصنف بالمستحق أعم من تعبير أصله والروضة بالمضمون له فإنه يشمل الوارث كما قررت به كلامه لكنه قد يدخل فيه المحتال مع أنه لا يطالب الضامن لأن ذمته قد برئت بالحوالة ولو ضمن الضامن آخر والآخر آخر وهكذا طالب المستحق الجميع
( والأصح أنه لا يصح ) الضمان ( بشرط براءة الأصيل ) لمنافاة الشرط لمقتضى الضمان وكذا لو ضمن بشرط براءة ضامن قبله أو كفل بشرط براءة كافل قبله
والثاني يصح الضمان والشرط لما رواه جابر في قصة أبي قتادة للميت قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء
فقال نعم فصلى عليه
قال الحاكم صحيح الإسناد
وأجاب الأول بأن المراد بقوله بريء إنما في المستقبل
والثالث يصح الضمان فقط ويبطل الشرط كما لو أعتق عبدا بشرط أن يعطيه شيئا
( ولو أبرأ ) المستحق ( الأصيل ) من الدين ( برىء الضامن ) منه لسقوطه ( ولا عكس ) أي لو أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل لأنه إسقاط وثيقة فلا يسقط بها الدين كفك الرهن نعم يبرأ معه من بعده من الملتزمين لأنه فرعه فيبرأ ببراءته دون من قبله
تنبيه في معنى الإبراء أداء الدين والاعتياض والحوالة به وعليه وقول ابن الملقن لو عبر بقوله برىء كان أشمل لم يصح في قوله ولا عكس فإنه لو برىء الكفيل بالأداء برىء الأصيل فالإبراء في الثانية متعين
( ولو مات أحدهما ) والدين مؤجل ( حل عليه ) لخراب ذمته وكذا لو استرق ( دون الآخر ) فلا يحل عليه لأنه يرتفق بالأجل
فإن كان الميت الأصيل فللضامن أن يطالب المستحق بأخذ الدين من تركته أو إبرائه هو لأن التركة قد تهلك فلا يجد مرجعا إذا غرم وإن كان الميت الضامن وأخذ المستحق الدين من تركته لم يكن لورثته الرجوع على المضمون عنه الآذن في الضمان قبل حلول الأجل
تنبيه محل ما ذكره المصنف إذا كان الضمان في الذمة فإن كان عينا معينة كما لو أعاره عينا ليرهنها وقلنا بالصحيح أنه ضمان دين في رقبة ذلك الشيء فمات المعير لا يحل الدين كما قاله ابن الصلاح في فتاويه قال وإنما يحل الدين
____________________
(2/208)
الذي في الذمة لتبرأ ذمته منه وهذا في عين فزال المحذور
( وإذا طالب المستحق الضامن ) بالدين ( فله مطالبة الأصيل بتخليصه بالأداء ) للدين المضمون له ليبرأ الضامن
هذا ( إن ضمن بإذنه ) لأنه الذي أوقعه في المطالبة كما أنه يغرمه إذا غرم
ومعنى التخليص أنه يؤدي دين المضمون له ليبرأ الضامن
إما إذا ضمن بغير إذنه فليس له مطالبته لأنه لم يسلطه عليه
قال في المطلب ولو كان الأصيل محجورا عليه كصبي فللضامن بإذن وليه إن طولب طلب الولي بتخليصه ما لم يزل الحجر فإن زال توجه الطلب على المحجور عليه
ويقاس بالصبي المجنون والمحجور عليه بسفه سواء أكان الضامن بإذنهما قبل الجنون والحجر أم بإذن وليهما بعد ذلك
تنبيه قد يفهم اقتصار المصنف على المطالبة أن الضامن إذا حبس لا يحبس الأصيل وهو كذلك إذ لم يفت عليه قبل تسليمه شيء قال في المطلب ولا ملازمته
وصحح السبكي جواز الحبس لأن الأصيل لا يعطي شيئا إذا علم أنه لا يحبس وحينئذ فلا يبقى لتجويز المطالبة فائدة
( والأصح أنه لا يطالبه ) بتخليصه ( قبل أن يطالب ) هو بالدين كما لا يغرمه قبل أن يغرم
والثاني يطالب بتخليصه كما لو استعار عينا للرهن ورهنها فإن للمالك مطالبته بفكها
وفرق الأول بأن الرهن محبوس بالدين وفيه ضرر ظاهر بخلاف الضامن وعلى الأول ليس له أن يقول للمضمون له إما أن تبرئني من الحق وإما أن تطالبني به لأطالب المضمون عنه كما قاله البندنيجي
ومحل الخلاف إذا كان الدين حالا وإلا فليس له مطالبته قطعا ولا يطالب الضامن بالإذن الأصيل بالمال ما لم يسلمه فلو دفع إليه الأصيل المال بلا مطالبة وقلنا لا يملكه وهو الأصح فعليه رده ويضمنه إن تلف كالمقبوض بشراء فاسد فلو قال له اقض به ما ضمنت عني فهو وكيل والمال أمانة في يده ولو أبرأ الضامن الأصيل أو صالح عما سيغرم في ماله أو رهنه الأصيل شيئا بما ضمنه أو أقام به كفيلا لم يصح لأن الضامن لا يثبت له حق بمجرد الضمان ولو شرط الضامن في ابتداء الضمان أن يرهنه الأصيل شيئا أو يقيم له به ضامنا فسد الضمان لفساد الشرط
( وللضامن ) الغارم ( الرجوع على الأصيل إن وجد إذنه في الضمان والأداء ) لأنه صرف ماله إلى منفعة الغير بإذنه
هذا إن أدى من ماله أما لو أخذ من سهم الغارمين فأدى به الدين فإنه لا يرجع كما ذكروه في قسم الصدقات خلافا للمتولي
( وإن انتفى ) إذنه ( فيهما ) أي الضمان والأداء ( فلا ) رجوع لتبرعه ولأنه لو كان له الرجوع لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على الميت بضمان أبي قتادة
( وإن أذن في الضمان فقط ) وسكت عن الأداء ( رجع في الأصح ) لأنه أذن في سبب الأداء
والثاني لا يرجع لانتفاء الإذن في الأداء
ويستثنى من إطلاق المصنف الرجوع ما إذا ثبت الضمان بالبينة وهو منكر كأن ادعى على زيد وغائب ألفا وأن كلا منهما ضمن ما على الآخر بإذنه فأنكر زيد فأقام المدعي بينة وغرمه لم يرجع زيد على الغائب بالنصف لكونه مكذبا للبينة فهو مظلوم بزعمه فلا يرجع على غير ظالمه
وما لو ضمن عبد ما في ذمة سيده لأجنبي وأدى بعد العتق فإنه لا يرجع أي في الأصح وما لو قال الضامن بالإذن لله علي أن أؤدي دين فلان ولا أرجع به فإنه إذا أدى لا يرجع
( ولا عكس في الأصح ) لا رجوع فيما إذا ضمن بغير الإذن وأدى بالإذن لأن وجوب الأداء بسبب الضمان ولم يأذن فيه
والثاني لايرجع لأنه أسقط الدين عن الأصيل بإذن
ويستثنى من إطلاق المصنف عدم الرجوع ما لو أدى بشرط الرجوع فإنه يرجع كغير الضامن وحيث ثبت الرجوع فحكمه حكم القرض حتى يرجع في المتقوم بمثله صورة كما قاله القاضي حسين
( ولو أدى مكسرا عن صحاح أو صالح عن مائة بثوب قيمته خمسون فالأصح أنه لا يرجع إلا بما غرم ) لأنه الذي بذله
والثاني يرجع بالصحاح والمائة لحصول براءة الذمة والنقصان جرى من رب المال مسامحة للضامن
ولو باعه الثوب
____________________
(2/209)
بمائة وتقاصا أو قال بعتك الثوب بما ضمنته لك عن فلان فلا صح البيع ورجع بما ضمنه
ولو صالح الضامن المستحق من الدين على بعض أو أدى إليه البعض وأبرأه من الباقي رجع بما أدى وبرىء فيهما وبرىء الأصيل عن الباقي في صورة الصلح دون صورة البراءة لأن الصلح يقع عن أصل الدين وبراءة الضامن إنما تقع عن الوثيقة
فروع لو أحال المستحق على الضامن ثم أبرأ المحتال الضامن هل يرجع الضامن على الأصيل أو لا رجح الجلال البلقيني الأول والمعتمد الثاني لقول الأصحاب إذا غرم رجع بما غرم وهذا لم يغرم
ومثل ذلك ما لو وهبه المستحق الدين فإنه لا يرجع بخلاف ما لو قبضه منه ثم وهبه له فإنه يرجع كما لو وهبت المرأة الصداق للزوج ثم طلقها قبل الدخول فإنه يرجع عليها بنصفه بخلاف ما لو أبرأته منه قبل قبضها فإنه لا يرجع عليها بشيء
ولو ضمن ذمي لذمي عن مسلم دينا فصالح صاحبه على خمر لغا الصلح فلا يبرأ المسلم كما لو دفع الخمر بنفسه
ولو ضمن شخص الضامن بإذنه وأدى الدين للمستحق رجع على الضامن لا على الأصيل ثم يرجع الأول على الأصيل فإن كان بغير إذنه لم يرجع على الأول لعدم إذنه ولا الأول على الأصيل لأنه لم يغرم شيئا
( ومن أدى دين غيره بلا ضمان ولا إذن فلا رجوع ) له عليه لتبرعه وفارق ما لو أوجر طعامه مضطرا قهرا أو وهو مغمى عليه حيث يرجع عليه لأنه ليس متبرعا بل يجب عليه خلاصه من الهلاك ولما فيه من التحريض على مثل ذلك
ويستثنى من إطلاق المصنف ما لو أدى الولي دين محجوره بنية الرجوع أو ضمن عنه كذلك فإنه يرجع كما قاله القفال وغيره وما لو صار الدين إرثا للضامن فإن له الرجوع لانتقال الدين إليه ولو كان الضمان بغير إذن
( وإن أذن ) له في الأداء ( بشرط الرجوع رجع ) عليه وفاء بالشرط ( وكذا إن أذن ) له ( مطلقا ) عن شرط الرجوع فإنه يرجع ( في الأصح ) إذا أدى بقصد الرجوع للعرف
والثاني لا إذ ليس من ضرورة الإذن الرجوع
وفي معنى الإذن التوكيل في الشراء إذا دفع الثمن فإنه يرجع على الراجح لتضمن التوكيل إذنه بدفع الثمن بدليل أن للبائع مطالبته بالثمن والعهدة
ولو أذن له في الأداء فضمن لم يرجع لأنه أدى عن الضمان وهو غير مأذون فيه
ولو ضمن شخص الضامن بإذن الأصيل رجع عليه كما لو قال لغيرهأد ديني فأداه
( والأصح أن مصالحته ) أي المأذون ( على غير جنس الدين لا تمنع الرجوع ) لأن قصد الآذن حصول البراءة وقد حصلت
والثاني تمنع لأنه إنما أذن في الأداء دون المصالحة فهو متبرع
تنبيه لم يبين المصنف بم يرجع وهو إنما يرجع بالأقل من الدين المضمون وقيمة المؤدى فلو صالح بالإذن عن عشرة دراهم على ثوب قيمته خمسة أو عن خمسة على ثوب قيمته عشرة لم يرجع إلا بخمسة
( ثم إنما يرجع الضامن والمؤدي ) بالإذن من غير ضمان ( إذا أشهد بالأداء رجلين أو رجلا وامرأتين ) لثبوت الحق بذلك ويعتبر في الشاهد العدالة
نعم لو أشهد مستورين فبانا فاسقين كفى على الأصح لإتيانه بحجة ولتعذر إطلاعه على الباطن فكان معذورا
( وكذا رجل ليحلف معه على الأصح ) إذ الشاهد مع اليمين حجة
والثاني لا لأنهما قد يترافعان إلى حنفي لا يقضي بشاهد ويمين فكان ذلك ضربا من التقصير
ورده الإمام بأنه لم يشترط أحد إشهاد من يتفق العلماء على قبوله
تنبيه قوله ليحلف معه يقتضي اشتراط العزم على الحلف عند الإشهاد فلو لم يقصده كان كمن لم يشهد وبه صرح في الحاوي
والظاهر أنه لو حلف معه رجع وإن لم يغرم عند الإشهاد
قال الأذرعي ولو قيل إن كان حاكم البلد حين الدفع والإشهاد حنفيا فهو مقصر لم يبعد اه
والظاهر إطلاق كلام الأصحاب
ولا يكفي إشهاد من يسافر قريبا إذ لا يفضي إلى المقصود
( فإن لم يشهد ) أي الضامن بالأداء وأنكر رب الدين أو سكت ( فلا رجوع ) له ( إن أدى
____________________
(2/210)
في غيبة الأصيل وكذبه ) لأن الأصيل عدم الأداء وهو مقصر بعدم الإشهاد
( وكذا إن صدقه في الأصح ) لأنه لم ينتفع بأدائه لأن المطالبة باقية
والثاني يرجع لاعترافه بأنه أبرأ ذمته بإذنه
ومحل الخلاف إذا لم يأمره الأصيل بالإشهاد أو بتركه فإن أمره به لم يرجع جزما أو بتركه رجع جزما كما قاله الدارمي
ولو لم يشهد ثم أدى ثانيا وأشهد هل يرجع بالأول لأنه المبرىء للذمة أو بالثاني لأنه المسقط للضمان فيه وجهان تظهر فائدتهما فيما لو كان أحدهما صحاحا والآخر مكسرا مثلا قال في الروضة ينبغي أن يرجع بأقلهما فإن كان الأول فهو بزعمه مظلوم بالثاني وإن كان الثاني فهو المبرىء لكونه أشهد به والأصل براءة ذمة الأصيل من الزائد
( فإن صدقه المضمون له ) وكذبه المضمون عنه ولا بينة ( أو أدى بحضرة الأصيل ) مع تكذيب المضمون له ( رجع على المذهب ) أي الراجح من الوجهين في المسألتين لسقوط الطلب في الأول وعلم الأصيل بالأداء في الثانية
والثاني في الأولى يقول تصديق رب الدين ليس حجة على الأصيل وتصديق ورثة رب الدين المطلقين التصرف كتصديقه
وهل تصديق الإمام حيث يكون لبيت المال كتصديق الوارث الخاص أو تصديق غرماء من مات مفلسا كتصديق رب الدين قال الأذرعي لم أر فيه شيئا وهو موضع تأمل اه
والظاهر كما قاله بعض المتأخرين عدم الإلحاق لأن المال لغيره وفي الثانية يقول لم ينتفع الأصيل بالأداء لترك الإشهاد
وأجيب بأنه المقصود بترك الإشهاد وهذا ظاهر إذا لم يشرط عليه الإشهاد فإن شرطه عليه فيظهر أنه لا يرجع لعدم توفيته بالشرط
ويقاس بما ذكر في الضامن المؤدي في الأحوال المذكورة
خاتمة لو قال أشهدت بالأداء شهودا وماتوا أو غابوا أو طرأ فسقهم فكذبه الأصيل في الإشهاد فالقول قول الأصيل بيمينه لأن الأصل عدم براءة ذمته وعدم الإشهاد وإن كذبه الشهود فكما لم لو يشهد
فإن قيل لو أقرت امرأة بنكاح بحضرة شاهدين فكذباها لا يقدح في إقرارها فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنها ثم لو أقرت بحق عليها فلم يلغ بإنكارهما وهذا هنا يريد أن يثبت له حقا
ولو قال الشهود لا ندري وربما نسينا لا رجوع كما رجحه الإمام وجعله أولى بذلك من دعواه موت الشاهد
ولو باع من اثنين شيئا وشرط أن يكون كل منهما ضامنا للآخر بطل البيع قال السبكي ورأيت ابن الرفعة في حسبته يمنع أهل سوق الرقيق من البيع مسلما ومعناه إلزام المشتري بما يلحق البائع من الدلالة وغيرها قال ولعله أخذه من هذه المسألة ولا يختص ذلك بالرقيق
وهذا إن كان مجهولا فإن كان معلوما فلا وكأنه جعله جزءا من الثمن بخلاف مسألة ضمان أحد المشتريين للآخر لا يمكن فيها ذلك
قال الأذرعي لكنه هنا شرط عليه أمرا آخر وهو أن يدفع كذا إلى جهة كذا فينبغي أن يكون مبطلا مطلقا اه
وهذا هو الظاهر
كتاب الشركة بكسر الشين وسكون الراء وحكي فتح الشين وسكون الراء وكسرها وشرك بلا هاء
قال تعالى { وما لهم فيهما من شرك } أي نصيب
وهي لغة الاختلاط وشرعا ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على جهة الشيوع
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء } الآية وخبر السائب بن زيد كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث وافتخر بشركته بعد المبعث وخبر يقول الله تعالى أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما رواه أبو داود والحاكم وصحح إسنادهما
والمعنى أنا معهما بالحفظ والإعانة فأمدهما بالمعونة في أموالهما وأنزل البركة في تجارتهما فإذا وقعت بينهما الخيانة رفعت البركة والإعانة عنهما وهو معنى خرجت من بينهما
ومقصود الباب شركة تحدث بالاختيار بقصد التصرف وتحصيل الربح وليست عقدا مستقلا
____________________
(2/211)
بل هي في الحقيقة وكالة وتوكيل كما يؤخذ مما سيأتي
( هي ) أي الشركة من حيث هي ( أنواع ) أربعة الأول ( شركة الأبدان كشركة الحمالين وسائر المحترفة ) كالخياطين والنجارين والدلالين
( ليكون بينهما كسبهما ) بحرفتيهما ( متساويا ومتفاوتا مع اتفاق الصنعة ) كنجار ونجار
( أو اختلافها ) كخياط ونجار
( و ) الثاني ( شركة المفاوضة ) بفتح الواو بأن يشتركا ( ليكون بينهما كسبهما ) قال الشيخ في التنبيه بأموالهما وأبدانهما
( وعليهما ما يعرض ) بكسر الراء ( من غرم ) سواء أكان بغصب أم بإتلاف أم ببيع فاسد
وسميت مفاوضة من تفاوضا في الحديث شرعا فيه جميعا
وقيل من قولهم قوم فوضى بفتح الفاء أي مستوون
( و ) الثالث ( شركة الوجوه بأن يشترك الوجيهان ) عند الناس ( ليبتاع كل منهما بمؤجل ) ويكون المبتاع ( لهما فإذا باعا كان الفاضل عن الأثمان ) المبتاع بها ( بينهما ) أو أن يتفق وجيه وخامل على أن يشتري الوجيه في الذمة ويبيع الخامل ويكون الربح بينهما أو على أن يعمل الوجيه والمال للخامل وهو في يده والربح بينهما
قال في أصل الروضة ويقرب منه ما ذكره الغزالي أن يدفع خامل مالا إلى وجيه ليبيعه بزيادة ويكون له بعض الربح
وأشهر هذه التفاسير الثلاثة الأول
( وهذه الأنواع ) الثلاثة ( باطلة )
أما الأول وهي شركة الأبدان فلعدم المال فيها ولما فيها من الغرر إذ لا يدري أن صاحبه يكسب أم لا ولأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة ويكون الدر والنسل بينهما وقياسا على الإحتطاب والاصطياد
وأما الثاني وهي شركة المفاوضة فلاشتمالها على أنواع من الغرر ولهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة فلا باطل أعرفه في الدنيا
أشار إلى كثرة الغرر والجهالات فيها
نعم إن أراد كل منهما بلفظ المفاوضة شركة العنان كأن قالا تفاوضنا أو اشتركنا شركة عنان جاز بناء على صحة العقود بالكنايات
وأما الثالث وهي شركة الوجوه فلعدم المال المشترك فيها الذي يرجع إليه عند انفساخ العقد ثم ما يشتريه أحدهما في التصوير الأول والثاني ملكه له ربحه وعليه خسرانه وفي التصوير الثالث قراض فاسد لاستبداد المالك باليد
نعم إن وكل أحدهما الآخر أن يشتري عينا وقصد المشتري الشراء لهما فإنهما يصيران شريكين في العين المأذون فيها ولو حصل شيء في النوعين الأولين من اكتساب المشتركين له منفردين أو مجتمعين فإنه يقسم على أجرة المثل لا بحسب الشرط كما صرح به في أصل الروضة في الأول واقتضاه كلامه في الثاني
( وشركة العنان صحيحة ) بالإجماع وهي أن يشتركا في مال لهما ليتجرا فيه على ما سيأتي بيانه
العنان بكسر العين من عن الشيء ظهر إما لأنها أظهر الأنواع أو لأنه ظهر لكل من الشريكين مال الآخر أو من عنان الدابة قال السبكي وهو المشهور
وإما لاستواء الشريكين في ولاية الصرف والفسخ واستحقاق الربح بقدر المالين كاستواء طرفي العنان أو لمنع كل منهما الآخر التصرف كما شاء كمنع العنان الدابة أو لمنع الشريك نفسه من التصرف في المشترك وهو يطلق التصرف في سائر أمواله كمنع الآخذ لعنان الدابة إحدى يديه من استعمالها كيف شاء ويده الأخرى مطلقة يستعملها كيف شاء
وقيل من عن الشيء عرض لأن كلا منهما قد عرض له أن يشارك الآخر
وقيل بفتح العين من عنان السماء أي سحابه لأنها علت كالسحاب بصحتها وشهرتها ولهذا اتفقوا على صحتها كما مر
ونقل الإسنوي عن القاضي عياض أنها بالفتح أيضا من عن إذا ظهر
وأركانها ثلاثة صيغة وعاقدان ومال وزاد بعضهم رابعا وهو العمل
وبدأ المصنف منها بالصيغة معبرا عنها بالشرط كما تقدم مثل ذلك في البيع فقال ( ويشترط فيها ) أي شركة العنان صيغة وهي
____________________
(2/212)
( لفظ يدل على الإذن ) من كل منهما للآخر ( في التصرف ) لمن يتصرف من كل منهما أو من أحدهما لأن المال المشترك لا يجوز لأحد الشريكين التصرف فيه إلا بإذن صاحبه ولا يعرف الإذن إلا بصيغة تدل عليه
تنبيه في معنى اللفظ ما مر في الضمان فلو قال ما يدل على الإذن لكان أولى فإن قال أحدهما للآخر اتجر أو تصرف اتجر في الجميع فيما شاء وإن لم يقل فيما شئت كالقراض
ولا يتصرف القائل إلا في نصيبه ما لم يأذن له الآخر فيتصرف في الجميع أيضا
فإن شرط أن لا يتصرف أحدهما في نصيب نفسه لم يصح العقد لما فيه من الحجر على المالك في ملكه ومتى عين له جنسا أو نوعا لم يتصرف في غيره
ولا يعتبر فيما عينه أن يعم وجوده ذكره المحاملي وغيره بخلاف القراض
والفرق أن المقصود من القراض حصول الربح حتى لا يضيع عمل العامل والربح لا يحصل فيما لا يعم والمقصود من الشركة الإذن في التصرف فأشبهت الوكالة
( فلو اقتصرا ) أي كل منهما ( على اشتركنا لم يكف ) في الإذن المذكور ( في الأصح ) ولا يتصرف كل منهما إلا في نصيبه لاحتمال كون ذلك إخبارا عن حصول الشركة في المال ولا يلزم من حصولها جواز التصرف بدليل المال الموروث شركة
والثاني يكفي لفهم المقصود منه عرفا
نعم على الأول إن نويا بذلك الإذن في التصرف كان إذنا كما جزم به السبكي
ثم شرع في شرط العاقدين وهما الركن الثاني فقال ( و ) يشترط ( فيهما أهلية التوكيل والتوكل ) في المال لأن كلا منهما يتصرف في ماله بالملك وفي مال الآخر بالإذن فكل منهما موكل ووكيل
ومحله كما قال في المطلب إذا أذن كل منهما للآخر في التصرف وإلا فيشترط في الآذن أهلية التوكيل وفي المأذون له أهلية التوكل حتى يصح أن يكون الأول أعمى دون الثاني
وقضية كلامهم جواز الشركة للولي في مال محجوره وهو كذلك كالقراض وإن نظر فيه بعض المتأخرين بل أولى لأن فيه إخراج جزء من مال محجوره وهو الربح بخلاف الشركة
ويؤيد الجواز أيضا ما سيأتي من أنه لو مات أحد الشريكين وله وارث غير رشيد ورأى الولي المصلحة في الشركة استدامها
قال الأذرعي وعلى الجواز لا يجوز للولي أن يشارك فاسقا لأنه يشترط أن يكون الشريك بحيث يجوز إيداع مال المحجور عنده اه
وهو كما قال بعض المتأخرين ظاهر فيما إذا كان الشريك هو المتصرف دون ما إذا كان الولي المتصرف
ويكره مشاركة الكافر ومن لا يحترز عن الربا ونحوه وإن كان التصرف مشاركهما كما نقله ابن الرفعة عن البندنيجي لما في أموالهما من الشبهة
ولو شارك المكاتب غيره لم يصح كما قاله ابن الرفعة إن كان هو المأذون له أي ولم يأذن له السيد لما فيه من التبرع بعمله ويصح إن كان هو الآذن فإن أذن له صح مطلقا
ثم شرع في شرط المال وهو الركن الثالث فقال ( وتصح ) الشركة ( في كل مثلي ) أما النقد الخالص فبالإجماع وأما المغشوش ففيه وجهان أصحهما كما في زوائد الروضة جوازه إن استمر رواجه
وأما غير النقدين من المثليات كالبر والشعير والحديد فعلى الأظهر لأنه إذا اختلط بجنسه ارتفع التمييز فأشبه النقدين
ومن المثلي تبر الدراهم والدنانير فتصح الشركة فيه فما أطلقه الأكثرون هنا من منع الشركة فيه مبني على أنه متقوم كما نبه عليه في أصل الروضة وسوى بينه وبين الحلي والسبائك في ذلك
( دون المتقوم ) بكسر الواو إذ لا يمكن الخلط في المتقومات لأنها أعيان متميزة وحينئذ قد يتلف مال أحدهما أو ينقص فلا يمكن قسمة الآخر بينهما
( وقيل تختص بالنقد المضروب ) الخالص من الدراهم والدنانير كالقراض
تنبيه كلام المصنف يفهم أن غير المضروب يسمى نقدا وليس مرادا
( ويشترط خلط المالين بحيث لا يتميزان ) لما مر في امتناع المتقوم
ولا بد من كون الخلط قبل العقد فإن وقع بعده في المجلس لم يكف على الأصح أو بعد مفارقته لم يكف جزما إذ لا اشتراك حال العقد بعد ذلك
( ولا يكفي الخلط مع ) إمكان التمييز بنحو ( اختلاف جنس )
____________________
(2/213)
كدراهم ودنانير ( أو صفة كصحاح ومكسرة ) وحنطة جديدة وحنطة عتيقة أو بيضاء وسوداء أو بيضاء وحمراء لإمكان التمييز وإن كان فيه عسر فإن خلطا حينئذ وتلف نصيب أحدهما تلف عليه فقط وتعذرت الشركة في الباقي
تنبيه قضية كلام المصنف أنه لا يشترط تساوي المثلين في القيمة وهو كذلك
فلو خلطا قفيزا مقوما بمائة بقفيز مقوم بخمسين صح وكانت الشركة أثلاثا بناء على قطع النظر في المثلي عن تساوي الأجزاء في القيمة وإلا فليس هذا القفيز مثلا لذلك القفيز وإن كان مثليا في نفسه
ولو كان كل منهما يعرف ماله بعلامة لا يعرفها غيره ولا يتمكن من التمييز هل تصح الشركة نظرا إلى حال الناس أو لا نظرا إلى حالهما قال في البحر يحتمل وجهين اه
والظاهر عدم الصحة أخذا من عموم كلام الأصحاب
( هذا ) أي اشتراط الخلط ( إذا أخرجا مالين وعقدا فإن ملكا مشتركا ) مما تصح فيه الشركة أو لا كالعروض كما هو ظاهر إطلاق المصنف وإن قيده الشارح بالقسم الأول ( بإرث وشراء وغيرهما وأذن كل ) منهما ( للآخر في التجارة فيه تمت الشركة ) لأن المعنى المقصود بالخلط حاصل ( والحيلة في الشركة في ) باقي ( العروض ) من المتقوم كالثياب ( أن يبيع كل واحد ) منهما ( بعض عرضه ببعض عرض الآخر ) سواء أتجانس العوضان أم اختلفا أو يبيع كل واحد منهما بعض عرضه لصاحبه بثمن في الذمة ثم يتقاصا
( ويأذن له ) بعد التقابض وغيره مما شرط في البيع ( في التصرف ) فيه
وهذا كما قال الإمام أبلغ في الاشتراك أي من خلط المالين لأن ما من جزء هنا إلا وهو مشترك بينهما وهناك وإن وجد الخلط فمال كل واحد ممتاز عن مال الآخر وحينئذ فيملكانه بالتسوية إن بيع نصف بنصف وإن بيع بثلثين أو ربع بثلاثة أرباع لأجل تفاوتهما في القيمة ملكاه على هذه النسبة أيضا
هذا إذا لم يشرطا في التبايع الشركة فإن شرطاها فسد البيع كما نقله في الكفاية عن جماعة وأقره ولا يشترط عليهما بقيمة العوضين
تنبيه كان الأولى أن يقول ومن الحيلة لأن منها ما ذكرته بعد كلامه وأن يقول في باقي العروض كما قدرته في كلامه أو في المنقولات لأن الشركة في المثليات جائزة بالخلط مع أنها من العروض إذ العرض ما عدا النقد وأن يقول ثم يأذن فإنه يجب تأخير الإذن عن البيع ليقع الإذن بعد الملك والقدرة على التصرف وأن يحذف لفظة كل فإنه لو باع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر وتقاصا حصل الغرض
ولعل مراده كما قال بعض المتأخرين كل واحد على البدل وقال الشارح كل محتاج إليه في الإذن ونسبة البيع إليه بالنظر إلى المشتري بتأويل أنه بائع للثمن
( ولا يشترط ) في الشركة ( تساوي قدر المالين ) أي تساويهما في القدر كما في المحرر وغيره بل تثبت الشركة مع تفاوتهما على نسبة المالين لأنه لا محذور فيه إذ لا محذور فيه إذ الربح والخسران على قدر المالين كما سيأتي
( والأصح أنه لا يشترط العلم بقدرهما ) أي بقدر كل من المالين أهو النصف أم غيره ( عند العقد ) إذا أمكن معرفته من بعد بمراجعة حساب أو وكيل لأن الحق لا يعدوهما وقد تراضيا بخلاف ما لا يمكن معرفته
والثاني يشترط وإلا يؤدي إلى جهل كل منهما بما أذن فيه وبما أذن له فيه
ومأخذ الخلاف أنه إذا كان بين اثنين مال مشترك كل منهما جاهل بقدر حصته فأذن كل منهما للآخر في التصرف في نصيبه منه يصح الإذن في الأصح ويكون الثمن بينهما كالمثمن ولو جهلا القدر وعلما النسبة بأن وضع أحدهما الدراهم في كفة الميزان ووضع الآخر بإزائها مثلها صح جزما كما قاله الماوردي وغيره ولو اشتبه ثوباهما لم يكشف للشركة كما في أصل الروضة لأن ثوب كل منهما متميز عن الآخر
( ويتسلط كل منهما على التصرف ) إذا وجد الإذن من الطرفين ( بلا ضرر ) كالوكيل ( فلا يبيع نسيئة ) للغرر ( ولا بغير نقد البلد ولا ) يبيع ولا يشتري
____________________
(2/214)
( بغبن فاحش ) كالوكيل
فلو خالف في ذلك لم يصح تصرفه في نصيب شريكه ويصح في نفسه فتنفسخ الشركة في المشتري أو في المبيع ويصير مشتركا بين البائع أو المشتري والشريك فإن اشترى بالغبن في الذمة اختص الشراء به فيزن الثمن من ماله
( ولا يسافر به ) أي المال المشترك لما في السفر من الخطر فإن سافر ضمن فإن باع صح البيع وإن كان ضامنا
نعم إن عقد الشركة بمفازة لم يضمن بالسفر إلى مقصده لأن القرينة قاضية بذلك
ومثل ذلك كما قاله بعض المتأخرين ما لو جلا أهل بلد لقحط أو عدو ولم تمكنه مراجعة الشريك أن له السفر بالمال بل يجب عليه
( ولا يبعضه ) بضم الياء المثناة من تحت وسكون الموحدة أي يدفعه لمن يعمل فيه متبرعا لأنه لم يرض بغير يده فإن فعل ضمن
هذا كله إن فعله ( بغير إذن ) من شريكه لما مر أنها في الحقيقة توكيل وتوكل فإن أذن له في شيء مما مر ذكره جاز
نعم لا يستفيد بمجرد الإذن في السفر ركوب البحر بل لا بد من التنصيص عليه كنظيره في القراض وسيأتي في الوكالة أنه لو قال الموكل للوكيل بع بكم شئت أن له البيع بالغبن الفاحش ولا يجوز بالنسيئة ولا بغير نقد البلد أو قال له بع بما شئت فله البيع بغير نقد البلد ولا يجوز بالغبن ولا بالنسيئة ولو قال كيف شئت فله البيع بالنسيئة ولا يجوز بالغبن ولا بغير نقد البلد فيأتي مثل ذلك هنا
ثم بين المصنف رحمه الله تعالى أن عقد الشركة جائز من الطرفين بقوله ( ولكل ) من الشريكين ( فسخه متى شاء ) كالوكالة ( وينعزلان عن التصرف ) جميعا ( بفسخهما ) أي بفسخ كل منهما
( فإن ) لم يفسخا ولا أحدهما ولكن ( قال أحدهما ) للآخر ( عزلتك أو لا تتصرف في نسيبي ) انعزل المخاطب و ( لم ينعزل العازل ) فيتصرف في نصيب المعزول لأن العازل لم يمنعه أحد بخلاف المخاطب فإن أراد المخاطب عزله فليعزله
( وتنفسخ بموت أحدهما وبجنونه وبإغمائه ) كالوكالة ولا ينتقل الحكم في الثالثة عن المغمى عليه لأنه لا يولي عليه فإذا أفاق تخير بين القسمة واستئناف الشركة ولو بلفظ التقرير إن كان المال عرضا
واستثنى في البحر إغماء لا يسقط به فرض الصلاة فلا فسخ به لأنه خفيف قاله ابن الرفعة
وظاهر كلامهم خلافه
وعلى ولي الوارث غير الرشيد في الأولى والمجنون في الثانية استئنافها لهما ولو بلفظ التقرير عند الغبطة فيها بخلاف ما إذا انتفت الغبطة فعليه القسمة
أما إذا كان الوارث رشيدا فيتخير بين القسمة واستئناف الشركة إن لم يكن على الميت دين ولا وصية وإلا فليس له ولا لولي غير الرشيد استئنافها إلا بعد قضاء دين أو وصية لغير معين كالفقراء لأن المال حينئذ كالمرهون والشركة في المرهون باطلة فإن كانت الوصية لمعين فهو كأحد الورثة فيفصل فيه بين كونه رشيدا أو غير رشيد
وتنفسخ أيضا بطرق الحجر بالسفه والفلس في كل تصرف لا ينفذ منها كنظيره في الوكالة وتنفسخ بطرق الاسترقاق والرهن كما بحثه الإسنوي
( والربح والخسران على قدر المالين ) باعتبار القيمة لا الإجزاء شرطا ذلك أو لا ( تساويا ) أي الشريكان ( في العمل أو تفاوتا ) فيه لأن ذلك ثمرتهما فكان على قدرهما كما لو كان بينهما شجرة فأثمرت أو شاة فنتجت
( فإن شرطا خلافه ) بأن شرط التساوي في الربح والخسران مع التفاضل في المالين أو التفاضل في الربح والخسران مع التساوي في المالين ( فسد العقد ) لأنه مخالف لموضوع الشركة
ولو شرطا زيادة في الربح للأكثر منهما عملا بطل الشرط كما لو شرطا التفاوت في الخسران ( فيرجع كل ) منهما ( على الآخر بأجرة عمله في ماله ) أي الآخر كالقراض إذا فسد وكذا يجب لكل منهما ذلك عند فساد الشركة بغير ما ذكر
تنبيه يرد على إطلاق المصنف ما لو تساويا في المال وتفاوتا في العمل وشرط الأقل للأكثر عملا لم يرجع بالزائد على الأصح لأنه عمل متبرعا
ولو تساويا في أجرة العمل وقع التقاص في الجميع إن تساويا في المال أيضا وفي بعضه إن
____________________
(2/215)
تفاوتا فيه ولو تساويا مالا لا عملا وشرط زيادة لمن عمل منهما أكثر قاص صاحبه بربع أجرة عمله ورجع عليه بما زاد وهو ربعها ولو شرطت الزيادة لواحد منهما إن زاد عمله فزاد عمل الآخر لم يستحق شيئا يرجع به على الأول وإن تفاوتا في المال لتبرعه بما زاد من عمله
( وتنفذ التصرفات ) منهما لوجود الإذن
( والربح ) بينهما ( على قدر المالين ) لأنه مستفاد منهما وقد أبطلنا الشركة فرجع إلى الأصل
( ويد الشريك يد أمانة ) كالمودع والوكيل ( فيقبل قوله في الرد ) أي في رد نصيب الشريك
أما لو ادعى رد الكل وأراد طلب نصيبه فلا يكون القول في طلبه
( و ) في ( الخسران و ) في ( التلف ) إن ادعاه بلا سبب أو بسبب خفي كالسرقة ( فإن ادعاه ) أي التلف ( بسبب ظاهر ) كحريق وجهل ( طولب ببينة بالسبب ثم ) بعد إقامتها ( يصدق في التلف به ) بيمينه فإن عرف الحريق دون عمومه صدق بيمينه أو وعمومه صدق بلا يمين
والمصنف ذكر هذه المسألة مبسوطة في آخر باب الوديعة
( ولو قال من في يده المال ) من الشريكين ( هو لي وقال الآخر ) هو ( مشترك أو ) قالا ( بالعكس ) أي قال من في يد المال هو مشترك وقال الآخر هو لي
( صدق صاحب اليد ) بيمينه لأنها تدل على الملك وقد ادعى صاحبها جميع المال في المسألة الأولى ونصفه في الثانية
( ولو قال ) صاحبه ( اقتسمنا وصار ) ما في يدي ( لي ) وقال الآخر لا بل هو مشترك ( صدق المنكر ) بيمينه لأن الأصل عدم القسمة
وإن ادعى كل منهما أنه ملك هذا الرقيق مثلا بالقسمة وحلفا أو نكلا جعل مشتركا وإلا فللحالف
( ولو اشترى ) أحدهما ( شيئا وقال اشتريته للشركة أو لنفس وكذبه الآخر ) بان عكس ما قاله ( صدق المشتري ) لأنه أعرف بقصده وسواء ادعى أنه صرح بالشركة أو نواها والغالب أن الأول يقع عند ظهور الخسران والثاني عند ظهور الربح
تتمة لو اشترى شيئا فظهر كونه معيبا فادعى أنه كان اشتراه للشركة ليرد حصته لم يقبل أو له على البائع لأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه فليس له تفريق الصفقة عليه قاله المتولي و العمران
خاتمة لو أخذ شخص جملا لرجل مثلا وراوية لآخر ليسقي الماء باتفاقهم والحاصل بينهم لم يصح عقد الشركة لأنها منافع أشياء متميزة والماء الحاصل بالاستيقاء للمستقي إن كان ملكه أو مباحا وقصده لنفسه أو أطلق وعليه لكل من صاحبيه أجرة مثل ماله فإن قصد الشركة بالاستقاء في المباح فهو بينهم لجواز النيابة في تملك المباحات وقسم بينهم على قدر أجرة أمثالهم لحصوله بمنافع مختلفة بلا ترجيح بينهم
ولو اشترك مالك أرض ومالك بذر ومالك آلة حرث مع رابع يعمل على أن الغلة بينهم لم يصح ذلك شركة لعدم اختلاط المالين ولا إجارة لعدم تقدير المدة والأجرة ولو قراضا إذ ليس لواحد منهم رأس مال يرجع إليه فيتعين حينئذ أن يكون الزرع لمالك البذور ولهم عليه أجرة المثل إن حصل من الزرع شيء وإلا فلا أجرة لهم
فإن قيل العامل في القراض الفاسد يستحق الأجرة مطلقا حصل ربح أو لا والمعنى الذي هنا موجود ثم
أجيب بأن ذلك وجد فيه صورة القراض وما هنا لم يوجد فيه ذلك ولا صورة شركة ولا إجارة بل أقرب الأشياء به الجعالة الفاسدة والعامل فيها إنما يستحق أجرة المثل إذا وجد فيها الغرض
ولو قال شخص لآخر سمن هذه الشاة مثلا ولك نصفها أو هاتين على أن لك إحداهما لم يصح ذلك واستحق أجرة المثل للنصف الذي سمنه للمالك وهذه المسألة مما عمت بها البلوى في قرى مصر في الفراريج يدفع كاشف الناحية أو ملتزم البلد إلى بعض البيوت المائة أو الأكثر أو الأقل ويقول ربوها ولكم نصفها فيجب على ولي الأمر ومن له قدرة على منع ذلك أن يمنع من يفعل هذا فإن فيه ضررا عظيما
____________________
(2/216)
كتاب الوكالة هي بفتح الواو وكسرها لغة التفويض يقال وكل أمره إلى فلان فوضه إليه واكتفى به ومنه توكلت على الله
وشرعا تفويض شخص ما له فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته
والأصل فيها من الكتاب قوله تعالى { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } وأما قوله تعالى { فابعثوا أحدكم بورقكم هذه } وقوله { اذهبوا بقميصي هذا } فهذا شرع من قبلنا والصحيح أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا وإن ورد في شرعنا ما يقرره
ومن السنة أحاديث كثيرة منها خبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم بعث السعاة لأخذ الزكاة ومنها توكيله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري في نكاح أم حبيبة ومنها توكيله أبا رافع في قبول نكاح ميمونة ومنها توكيله عروة البارقي في شراء الشاة
وانعقد الإجماع على جوازها ولأن الحاجة داعية إليها فإن الشخص قد يعجز عن قيامه بمصالحه كلها بل قال القاضي حسين وغيره إن قبولها مندوب إليه لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } ولخبر والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه
وأركانها أربعة موكل ووكيل وموكل فيه وصيغة
وقد شرع في شرط الركن الأول فقال ( شرط الموكل صحة مباشرته ما وكل ) بفتح الواو ( فيه ) وهو التصرف المأذون فيه ( بملك ) كتوكيل نافذ التصرف في ماله ( أو ولاية ) كتوكيل الأب أو الجد في مال موليه
( فلا يصح توكيل صبي ولا مجنون ) ولا مغمى عليه ولا نائم في التصرفات ولا فاسق في نكاح ابنته إذ لا تصح مباشرتهم لذلك فإذا لم يقدر الأصل على تعاطي الشيء فنائبه أولى أن لا يقدر
واحترز بالملك والولاية عن الوكيل فإنه لا يوكل عند الإطلاق على تفصيل يأتي فإنه ليس بمالك ولا ولي
( ولا ) يصح توكيل ( المرأة ) أجنبيا ( و ) لا ( المحرم ) بضم الميم حلالا ( في النكاح ) أما المرأة فإنها لا تزوج نفسها فلا توكل فيه
أما لو أذنت للولي بصيغة الوكالة فإنه يصح كما نقله في البيان عن النص وصوبه في الروضة
وأما المحرم فللنهي عنه في صحيح مسلم
وصورة توكيله أن يوكل ليعقد له أو لموليه حال الإحرام فإن وكله ليعقد له بعد التحلل أو أطلق صح لأن الإحرام يمنع الإنعقاد دون الإذن كما سيأتي ذلك في النكاح وطرده القاضي فيما لو وكله ليشتري له هذا الخمر بعد تخلله وكذا لو وكل حلال محرما ليوكل حلالا بالتزويج على الأصح لأنه سفير محض وإن كان إطلاق المصنف يقتضي المنع في المسائل الثلاث واختاره السبكي
( ويصح توكيل الولي ) وهو الأب والجد ( في حق الطفل ) في النكاح والمال والوصي والقيم في المال فيوكل الولي عن الطفل أو عن نفسه أو عنهما معا
وفائدة كونه وكيلا عن الطفل أنه لو بلغ رشيدا لم ينعزل الوكيل بخلاف ما إذا كان وكيلا عن الولي وكالطفل المجنون والمعتوه والسفيه والمحجور عليه ونحوهم
ولو حذف المصنف الطفل لكان أولى ليشمل هؤلاء
قال الأذرعي وما ذكر هنا في توكيل الوصي هو الصحيح وقضية كلام الشيخين في الوصايا أنه لا يوكل ولا يصح توكيله أي فيما يتولى مثله فعليه يمكن حمل ما هنا على ذلك لكن الظاهر كما قال شيخنا الإطلاق
ويصح توكيل السفيه والمفلس والعبد فيما يستقلون به من التصرفات ولا يصح فيما لا يستقلون به إلا بعد إذن الولي والغريم والسيد ويصح توكيل أصناف الزكاة في قبضها لهم قال في الخادم وإن كان الوكيل لا يجوز له أخذها كما صرح به القفال في فتاويه
( ويستثنى ) من هذا الضابط المذكور طردا وعكسا صور فمن صور الثاني وهو من لا تصح منه المباشرة لا يصح منه التوكيل ( توكيل الأعمى في البيع والشراء ) ونحوهما مما يتوقف على الرؤية كالإجارة والأخذ بالشفعة ( فيصح ) وإن لم يقدر
____________________
(2/217)
على مباشرته للضرورة
والمستحق لقطع طرف أو لحد قذف فيصح أن يوكل في استيفائه مع أنه يمتنع عليه استيفاؤه
وما لو وكل المشتري بإذن البائع من يقبض الثمن منه البائع مع أنه يمتنع قبضه من نفسه
وما لو وكلت امرأة رجلا بإذن الولي لا عنها بل عنه أو مطلقا في نكاح موليته فيصح فإن كانت الموكلة هي المولية فكذلك في أحد وجهين رجحه ابن الصباغ و المتولي
وما لو وكلت مالكة الأمة وليها في تزويج الأمة فإنه يصح وإن لم تملك هي تزويجها
ومن الأول وهو أن كل من صحت منه المباشرة بالملك والولاية صح منه التوكيل الولي غير المجبر إذا أذنت له موليته في النكاح ونهته عن التوكيل فإنه لا يوكل
وما إذا جوزنا لصاحب الدين أن يكسر الباب ويأخذ ما يجده فإنه لا يجوز له التوكيل فيه كما صرح به جماعة ويحتمل جوازه عند عجزه
وما إذا طلق إحدى زوجتيه أو أعتق إحدى رقيقيه أو أسلم على أكثر من أربع لا يوكل في التعيين ولا في الاختيار إلا إذا عين للوكيل المعين أو المختار فهو كالتوكيل في الرجعة والأصح فيها الصحة كما سيأتي فيصح
وما لو استحق المسلم قصاصا من مسلم لا يوكل في استيفائه كافرا
والسفيه المأذون له في النكاح ليس له التوكيل فيه فإن حجره لم يرتفع إلا عن مباشرته والوكيل لا يستقل بالتوكيل فيما يقدر عليه
والتوكيل في الإقرار ممتنع على الصحيح وفي رد المغصوب والمسروق مع قدرته على الرد بنفسه لا يجوز كما قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام
وليس للمسلم أن يوكل كافرا في نكاح مسلمة
ثم شرع في شرط الركن الثني وهو الوكيل فقال ( وشرط الوكيل صحة مباشرته التصرف ) المأذون فيه ( لنفسه ) وإلا فلا يصح توكله لأن تصرف الشخص لنفسه أقوى من تصرفه لغيره فإن تصرفه له بطريق الأصالة ولغيره بطريق النيابة فإذا لم يقدر على الأقوى لا يقدر على الأضعف بطريق الأولى فلا يصح توكيل مغمى عليه و ( لا صبي و ) لا ( مجنون ) ولا نائم ولا معتوه لسلب ولا يتهم ( وكذا المرأة والمحرم ) بضم الميم ( في ) عقد ( النكاح ) إيجابا وقبولا لسلب عبارتهما فيه
ولا يصح توكيل المرأة في الرجعة ولا في الاختيار للنكاح إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة ولا في الاختيار للفراق إلا إذا عين للمرأة من يختارها أن يفارقها وأما إذا لم يعين فقد تقدم أنه لا يصح من الرجل أيضا
والخنثى كالمرأة كما قاله ابن المسلم في أحكام الخناثى وذكره في شرح المذهب تفقها قال ولو بان ذكرا فعلى الخلاف فيما لو باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا
( لكن الصحيح اعتماد قول صبي ) مميز مأمون ( في الإذن في دخول دار وإيصال هدية ) لتسامح السلف في مثل ذلك وهو توكيل من جهة الآذن والمهدي
والثاني لا كغيره إذا لم يحتف بخبره قرينة فإن احتفت به وأفادت العلم جاز الاعتماد على خبره جزما وهو في الحقيقة عمل بالعلم لا بخبره
قال الماوردي و الروياني ويعتمد قوله في إخباره بطلب صاحب الوليمة
والكافر والفاسق كالصبي في ذلك بل قال المصنف في شرح مسلم لا أعلم في جواز اعتمادهما خلافا
تنبيه محل عدم صحة توكيل الصبي فيما لا تصح منه مباشرته فيصح توكيل الصبي المميز في حج تطوع وفي ذبح أضحية وتفرقة زكاة لصحة مباشرته لذلك
( والأصح صحة توكيل عبد في قبول نكاح ) ولو بغير إذن سيده إذ لا ضرر على السيد فيه
( ومنعه في الإيجاب ) ولو بإذن سيده لأنه إذا لم يزوج بنت نفسه فبنت غيره أولى
والثاني صحته فيهما
والثالث منعه فيهما
واعلم أن اعتماد قول الصبي في الإذن في الدخول وإيصال الهدية وتوكيل العبد في قبول النكاح بغير إذن سيده مستثنى من عكس الضابط وهو من لا تصح مباشرته لنفسه لا يصح توكيله وقد أشار المصنف إلى استثنائها بقوله لكن على وجه الاستدراك
ويستثنى معها مسائل أيضا منها توكيل الشخص في نكاح أخت زوجته وكذا من تحته أربع في نكاح امرأة ومنها توكيله في نكاح محرمة كأخته ومنها توكيل الموسر في قبول نكاح أمة ومنها توكيل السفيه في قبول النكاح بغير إذن وليه فإنه يجوز ومنها توكيل المسلم كافرا في شراء مسلم ومنها توكيل
____________________
(2/218)
المرأة في طلاق غيرها ومنها المرتد يجوز أن يكون وكيلا لغيره وإن لم يجز تصرفه في ماله واستثنى المتولي ما إذا حجر عليه وأقراه وأما توكيله لغيره في التصرفات المالية فموقوف على الأظهر عندهما وكذا انقطاع التوكيل إذا وكل ثم ارتد وكذا كما في المهمات إنما يستقيم الوقف هنا على القديم القائل بوقف العقود وجزم في المطلب بأن ردة الموكل عزل دون ردة الوكيل وليس بظاهر بل الظاهر أنه ليس بعزل بناء على عدم زوال ملكه
ومنها توكيل المسلم كافرا في طلاق المسلمة وقد يتصور وقوع طلاق كافر على مسلمة بأن تسلم أولا ويتخلف ثم يطلقها في العدة ثم يسلم قبل انقضائها فإن طلاقه واقع عليها
تنبيه يشترط في الوكيل أيضا تعيينه فلو قال لاثنين وكلت أحدكما في بيع داري مثلا أو قال أذنت لكل من أراد بيع داري أن يبيعها لم يصح
نعم لو قال وكلتك في بيع كذا مثلا وكل مسلم صح كم بحثه شيخنا قال وعليه العمل
ويشترط في وكيل القاضي أن يكون عدلا وفي وكيل الولي في بيع مال المولي عدم الفسق
ويصح توكيل السكران بمحرم كسائر تصرفاته بخلاف السكران بماء كدواء فإنه كالمجنون
ويصح توكيل المفلس ولو لزمته عهدة فيما وكل فيه كما يصح شراؤه
مهمة هل المراد في شرط الوكيل صحة مباشرته التصرف لنفسه في جنس ما وكل فيه في الجملة أو في عينه خلاف والأصح أن المراد صحة مباشرته لذلك الجنس وإن امتنع عليه الصرف لنفسه في بعض أفراده فيصح استثناء كثير من المسائل السابقة ولذلك قال الزركشي لا حاجة لاستثناء الأعمى من الضابط المتقدم فإن الأعمى يصح بيعه في الجملة وهو السلم ويصح شراؤه نفسه فهو مالك لمطلق البيع والشراء وإنما امتنع في الكل لأمر خارج ألا ترى أن البصير لو ورث عينا غائبة فوكل في بيعها جاز وإن لم يصح منه البيع ثم شرع في شروط الركن الثالث وهو الموكل فيه وله ثلاثة شروط بدأ بالشرط الأول منها فقال ( وشرط الموكل فيه أن يملكه الموكل ) حين التوكيل لأنه إذا لم يملكه كيف يأذن فيه
تنبيه قال الأذرعي هذا فيمن يوكل في مال نفسه وإلا فالولي والحاكم وكل من جوز ناله التوكيل في مال الغير لا يملكون الموكل فيه فكان ينبغي أن يقول الموكل أو الموكل عنه
قال الغزي وهو عجيب لأن المراد التصرف الموكل فيه لا محل التصرف
قال بعض المتأخرين بل ما قاله هو العجيب بل المراد محل التصرف بلا شك بدليل ما سيأتي
وأما الكلام على التصرف الموكل فيه فقد مر أول الباب
( فلو وكل ببيع ) أو إعتاق ( عبد سيملكه وطلاق من سينكحها ) وتزويج بنته إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها وقضاه دين سيلزمه ( بطل ) أي لم يصح ( في الأصح ) لأنه إذا لم يباشر ذلك بنفسه حال التوكيل فكيف يستنيب غيره والثاني يصح ويكتفي بحصول الملك عند التصرف
تنبيه صورة مسألة الكتاب أن يفرد مالا يملكه كما يشعر به تعبيره فإن جعله تبعا لحاضر كبيع مملوك وما سيملكه ففيه احتمالان للرافعي والمنقول عن الشيخ أبي حامد وغيره الصحة كما لو وقف على ولده الموجود وما سيحدث له من الأولاد
ولو وكله ببيع عين يملكها وأن يشتري له بثمنها كذا فأشهر القولين صحة التوكيل بالشراء كما ذكره صاحب المطلب وقياس ذلك صحة توكيله بطلاق من سينكحها تبعا لمنكوحته
ونقل ابن الصلاح عن الأصحاب أنه يصح التوكيل ببيع ثمرة شجرة قبل إثمارها ويوجه بأنه مالك لأصلها وأفتى بأنه إذا وكله في المطالبة بحقوقه دخل فيه ما يتجدد من هذه الحقوق
( و ) الشرط الثاني ( أن يكون قابلا للنيابة ) لأن الوكالة إنابة فما لا يقبلها كاستيفاء حق القسم بين الزوجات لا يقبل التوكيل
( فلا يصح في عبادة ) لأن المقصود منها الابتلاء والاختبار بإتعاب النفس وذلك لا يحصل بالتوكيل
( إلا بالحج ) والعمرة عند العجز ( وتفرقة زكاة ) وكفارة ونذر وصدقة ( وذبح ) هدي وجبران وعقيقة
____________________
(2/219)
( وأضحية ) وشاة وليمة ونحوها لأدلة في بعض ذلك والباقي في معناه
ويستثنى من ذلك أيضا الرمي بمنى وركعتا الطواف تبعا للحج والعمرة فلو أفردهما بالتوكيل لم يصح
وصب الماء على أعضاء المتطهر والتيمم عند العجز وفي استثناء هاتين الصورتين نظر لأن المتوضىء والمتيمم حقيقة هو العاجز
وصوم الولي عن الميت كما مر في بابه
واعتذر الزركشي عن استثناء العتق والكتابة والوقف التي استثناها القاضي أبو الطيب بأن نية العبادة غير معتبرة فيها
قال الروياني ولا يجوز التوكيل في غسل الميت لأنه من فروض الكفايات
والأوجه كما قال الأذرعي الجواز لأنه يجوز الاستئجار عليه
وخرج بالعبادة التوكيل في إزالة النجاسة فيصح لأنها من باب التروك ولذلك لا يشترط فيه النية على الأصح
( ولا ) يصح ( في شهادة ) لأنا احتطنا فيها ولم يقم غير لفظها مقامها فألحقت بالعبادة ولأن الحكم منوط بعلم الشاهد وهو غير حاصل للوكيل
فإن قيل الشهادة على الشهادة باسترعاء ونحوه جائزة كما سيأتي فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ذلك ليس بتوكيل كما صرح به القاضي أبو الطيب و ابن الصباغ بل شهادة على شهادة لأن الحاجة جعلت المتحمل عنه بمنزلة الحاكم المؤدى عنه عند حاكم آخر
( و ) لا في ( إيلاء ) لأنه حلف بالله تعالى واليمين لا تدخلها النيابة
( و ) لا في ( لعان ) لأنه يمين أو شهادة والنيابة لا تصح في واحد منهما
( و ) لا في ( سائر ) أي باقي ( الأيمان ) لأنها تشبه العبادة لتعلقها بتعظيم الله تعالى
ولا في النذر وتعليق الطلاق والعتاق إلحاقا لها باليمين
( ولا في الظهار في الأصح ) لأن المغلب فيه معنى اليمين لتعلقه بألفاظ وخصائص كاليمين
والثاني يلحقه الطلاق وعليه قال في المطلب ولعل صورته أن يقول أنت على موكلي كظهر أمه أو جعلت موكلي مظاهرا منك
ولا في المعاصي كالقذف والسرقة والقتل لأن حكمها يختص بمرتكبها لأن كل شخص بعينه مقصود بالامتناع منها
فإن قيل كيف يجري الخلاف في الظهار مع كونه معصية أجيب بأنه ليس المقصود نفس المعصية بل ترتب الكفارة وتحريم الوطء قهرا كالتوكيل في الطلاق البدعي ولذلك يصح التوكيل فيما يحرم ويوصف بالصحة كمبيع حاضر لباد والبيع وقت النداء
ولا في ملازمة مجلس الخيار فينفسخ العقد بمفارقة الموكل لأن التعبد في العقد منوط بملازمة العاقد
( ويصح ) التوكيل ( في طرفي بيع وهبة وسلم ورهن ونكاح وطلاق ) منجز ( وسائر العقود ) الضمان والصلح والإبراء والشركة والحوالة والوكالة والإجارة والقراض والمساقاة والأخذ بالشفعة
أما النكاح والشراء فبالنص وأما الباقي فبالقياس
( والفسوخ ) المتراخية كالإيداع والوقف والوصية والجعالة والضمان والشركة والفسخ بخيار المجلس والشرط
ويستثنى من التوكيل في الفسوخ التوكيل في فسخ نكاح الزوائد على أربع فإنه لا يجوز كما مر أما الفسخ الذي على الفور فينظر فيه إن حصل عذر لا يعد به مقصرا بالتوكيل فكذلك وإلا فلا يصح التوكيل فيه للتقصير
قال في المطلب وصيغة الضمان والحوالة والوصية بالوكالة جعلت موكلي ضامنا لك كذا أو أحلتك بمالك على موكلي من كذا بنظيره مما له على فلان أو موصيا لك بكذا
( و ) في ( قبض الديون وإقباضها ) لعموم الحاجة إلى ذلك
أما الأعيان فتارة يصح التوكيل في قبضها وإقباضها كالزكاة فللأصناف أن يوكلوا في قبضها لهم وللمالك أن يوكل في دفعها لهم وتارة يصح التوكيل في قبضها دون إقباضها مع القدرة على ردها كالوديعة لأنه ليس له دفعها لغير مالكها فلو سلمها لوكيله بغير إذن مالكها كان مفرطا لكنها إذا وصلت إلى مالكها خرج الموكل عن عهدتها قال الإسنوي وعن الجوهري ما يقتضي استثناء العيال كالابن وغيره اه
وهو حسن للعرف في ذلك وإذا كان في المفهوم تفصيل لا يرد
تنبيه إطلاق المصنف الديون يشمل المؤجل قال الزركشي وقد يتوقف في صحة التوكيل فيه لأن الموكل لا يتمكن من المطالبة به ولا شك في الصحة لو جعلناه تابعا للحال
( و ) في ( الدعوى والجواب ) للحاجة إلى ذلك وإن لم يرض الخصم لأنه محض حقه وسواء كان ذلك في مال أم في غيره إلا في حدود الله تعالى كما سيأتي
( وكذا ) يصح
____________________
(2/220)
التوكيل ( في تملك المباحات كالإحياء والاصطياد والاحتطاب في الأظهر ) لأنها أحد أسباب الملك فأشبه الشراء فيحصل الملك للموكل إذا قصده الوكيل له
والثاني المنع والملك فيها للوكيل لأن سبب الملك وهو وضع اليد قد وجد منه فلا ينصرف عنه بالنية
تنبيه هذا الخلاف مخرج فتارة يعبر عنه بالقولين كما هنا وتارة بالوجهين كما في أصل الروضة
ولا يصح التوكيل في الالتقاط كما في الاغتنام فلو وكله فيه فالتقطه كان له دون الموكل تغليبا لشائبة الولاية لا لشائبة الاكتساب
و ( لا ) يصح ( في الإقرار في الأصح ) بأن يقول وكلتك لتقر عني لفلان بكذا فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا أو جعلته مقرا بكذا لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة والثاني يصح لأنه قول يثبت به الحق فأشبه الشراء
وعلى الأول يكون الموكل مقرا لإشعار ذلك بثبوت ذلك الحق عليه
وقيل ليس بإقرار كما أن التوكيل بالإبراء ليس بإبراء ومحل الخلاف إذا قال وكلتك لتقر عني لفلان بكذا كما مثلته فلو قال أقر عني لفلان بألف له علي كان إقرارا قطعا ولو قال أقر له علي بألف لم يكن إقرارا قطعا صرح به صاحب التعجيز
( ويصح ) التوكيل ( في استيفاء عقوبة آدمي كقصاص وحد قذف ) كسائر الحقوق بل قد يجب التوكيل في حد القذف وكذا في قطع الطرف كما ذكره المصنف في موضعه
تنبيه قد يفهم كلامه المنع في حدود الله تعالى وليس مرادا بل يجوز للإمام لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز اذهبوا به فارجموه وفي غيرها واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها
وكذا من السيد في حد رقيقه وإنما يمتنع إثباتها لبنائها على الدرء
نعم قد يقع إثباتها بالوكالة تبعا بأن يقذف شخص آخر فيطالبه بحد القذف فله أن يدرأ عن نفسه بإثبات زناه بالوكالة وبدونها فإذا ثبت أقيم عليه الحد
ومحل صحة التوكيل فيما ذكره المصنف إذا وكله بعد الثبوت فإن وكله قبله ففيه وجهان حكاهما الماوردي والظاهر منهما عدم الصحة
( وقيل لا يجوز ) استيفاؤها ( إلا بحضرة الموكل ) لاحتمال العفو في الغيبة فلا يمكن تداركه بخلاف غيره
ورد بأن احتمال العفو كاحتمال رجوع الشهود فيما إذا ثبت ببينة فإنه لا يمتنع الاستيفاء في غيبتهم
تنبيه المحكي بقيل قول من طريقة والثانية القطع به والثالثة القطع بمقابله
والثالث من الشروط العلم بما يجوز فيه التوكيل بوجه ما وقد أشار إلى ذلك بقوله ( وليكن الموكل فيه معلوما من بعض الوجوه ) حيث يقل معه الغرر ( ولا يشترط علمه من كل وجه ) لأن تجويز الوكالة للحاجة يقتضي المسامحة فيه فيكفي أن يكون معلوما من وجه يقل معه الغرر للوكيل بخلاف ما إذا كثر
( فلو قال وكلتك في كل قليل وكثير ) لي أو من أموري ( أو في كل أموري أو فوضت إليك كل شيء ) أو أنت وكيلي فتصرف كيف شئت أو نحو ذلك ( لم يصح ) التوكيل لكثرة الغرر فيه
تنبيه قضية كلامهم عدم الصحة في ذلك وإن كان تابعا لمعين وهو كذلك وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين إذ يدخل في هذا أمور لو عرض تفصيلها على الموكل كطلاق زوجاته وعتق أرقائه والتصدق بجميع ماله لاستنكره وقد منع الشارع بيع الغرر وهو أخف خطرا من هذا
وقد علم بذلك الفرق بين هذا وبين ما مر فيما يصح تبعا
( وإن قال ) وكلتك ( في بيع أموالي ) وقبض ديوني واستيفائها ( وعتق أرقائي ) ورد ودائعي ومخاصمة خصمائي ونحو ذلك ( صح ) وإن جهل الأموال والديون ومن هي عليه والأرقاء والودائع ومن هي عنده والخصوم وما فيه الخصومة لأن الغرر فيه قليل بخلاف ما لو قال بع بعض مالا أو طائفة أو سهما منه أو بع هذا أو هذا فإنه لا يصح لكثرة
____________________
(2/221)
الغرر ولو قال بع أو أوه مالي أو اقض من ديوني ما شئت أو أعتق أو بع من عبيدي من شئت صح في البعض لا في الجميع فلا يأتي الوكيل بالجميع لأن من للتبعيض
فإن قيل لو قال للوكيل طلق من نسائي من شاءت فله أن يطلق كل من شاءت الطلاق فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المشيئة في هذه مستندة إلى كل منهن فلا تصدق مشيئة واحدة بمشيئة غيرها فكان ذلك في معنى أي امرأة شاءت منهن الطلاق طلقها بخلافها فيما مر فإنها مستندة إلى الوكيل فصدقت مشيئته فيما لا يستوعب الجميع فلا يتمكن من مشيئته فيما يستوعبه احتياطا
ولو قال تزوج لي من شئت صح كما لو قال بع من مالي ما شئت ولو قال أبريء فلانا عما شئت من مالي صح و ليبق منه شيئا أو عن الجميع فأبرأه عنه أو عن بعضه صح أو أبرئه عن شيء منه أبرأه عن أقل ما يطلق عليه الاسم كما قاله المتولي
ويكفي في صحة الوكالة بالإبراء علم الموكل بقدر الدين وإن جهله الوكيل والمديون
( وإن وكله في شراء عبد وجب بيان نوعه ) كتركي أو هندي
ولا يكفي ذكر الجنس كعبد لاختلاف الأغراض بذلك وإن تباينت أوصاف نوع وجب بيان الصنف كخطابي وقفجاقي
ولا يشترط استيفاء أوصاف السلم ولا ما يقرب منها اتفاقا
وإن وكله في شراء رقيق وجب مع بيان النوع ذكر الذكورة والأنوثة تقليلا للغرر فإن الأغراض تختلف بذلك ولو قال اشتر لي عبدا كما تشاء لم تصح لكثرة الغرر
( أو ) في ( دار وجب بيان المحلة ) أي الحارة ( والسكة ) بكسر السين أي الزقاق والعلم بالبلد ونحوها من ضرورة ذلك
وفي شراء الحانوت يبين السوق ليقل الغرر وقس على ذلك
هذا كله إذا لم يكن للتجارة وإلا فلا يجب فيه ذكر نوع ولا غيره بل يكفي اشتر ما شئت من العروض أو ما فيه حظ كما صرح به الماوردي و المتولي واقتضاه كلام الرافعي
ولو وكله أن يزوجه امرأة ولم يعينها لم يصح التوكيل صرح به في الروضة في هذا الباب بخلاف ما لو قال زوجني من شئت فإنه يصح كما صرح به في الروضة في باب النكاح كما في الوكالة بشراء عبد لم يصفه بخلاف الأول فإنه مطلق ودلالة العام على إفراده ظاهرة بخلاف المطلق لا دلالة له على فرد فلا تناقض في عبارته كما ادعاه بعضهم
و ( لا ) يجب بيان ( قدر الثمن في الأصح ) فيما ذكر لأن غرضه قد يتعلق بواحد من ذلك النوع نفيسا كان أو خسيسا وقال في التهذيب يكون إذنا في أعلى ما يكون منه
والثاني يجب بيان قدره كمائة أو غايته كأن يقول من مائة إلى ألف لظهور التفاوت
ثم شرع في الركن الرابع وهو الصيغة فقال ( ويشترط ) في الصيغة ( من الموكل لفظ ) ولو كناية ( يقتضي رضاه ) وفي معناها ما مر في الضمان ( كوكلتك في كذا أو فوضته إليك أو أنت وكيلي فيه ) أو أقمتك مقامي أو أنبتك كما يشترط الإيجاب في سائر العقود لأن الشخص ممنوع من التصرف في مال غيره إلا برضاه
( فلو قال بع أو أعتق حصل الإذن ) لأنه أبلغ مما سبق وإن كان كما قال الرافعي لا يسمى إيجابا وإنما هو قائم مقامه وإليه يشير قول المصنف حصل الإذن
( ولا يشترط القبول ) من الوكيل ( لفظا ) لأن التوكيل إباحة ورفع حجر فأشبه إباحة الطعام
وعلى هذا لا يشترط في صحة الوكالة علم الوكيل بها فلو تصرف قبل علمه فكبيع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا
( وقيل يشترط ) فيه كغيره
( وقيل يشترط في صيغ العقود كوكلتك دون صيغ الأمر كبيع وأعتق ) إلحاقا لصيغ العقد بالعقود والأمر بالإباحة
تنبيه قد يشترط على الأول القبول لفظا فيما لو كان الإنسان عين معارة أو مستأجرة أو مغصوبة فوهبها لآخر فقبلها وأذن له في قبضها ثم إن الموهوب له وكل في قبضها المستعير أو المستأجر أو الغاصب اشترط قبوله لفظا ولا يكفي الفعل وهو الإمساك لأنه استدامة لما سبق فلا دلالة فيه على الرضا بقبضه عن الغير
واحترز بقوله ( لفظا ) عن القبول معنى
____________________
(2/222)
فإنه إن كان بمعنى الرضا فلا يشترط أيضا على الصحيح لأنه لو أكرهه على بيع ماله أو طلاق زوجته أو نحو ذلك صح كما قاله الرافعي في الطلاق أو بمعنى عدم الرد فيشترط جزما فلو قال لا أقبل أو لا أفعل بطلت فإن ندم بعد ذلك جددت له
ومر أن المفهوم إذا كان فيه تفصيل لا يرد
وتكفي الكتابة والرسالة في الوكالة ( ولا يصح تعليقها بشرط ) من صفة أو وقت كقوله إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر فقد وكلتك بكذا أو فأنت وكيلي فيه
( في الأصح ) كسائر العقود
والثاني يصح كالوصية
وفرق الأول بأن الوصية تقبل الجهالة فتقبل التعليق وعلى الأول ينفذ تصرفه في ذلك عند وجود الشرط لوجود الإذن وينفذ أيضا تصرف صادف الإذن حيث فسدت الوكالة لا أن يكون الإذن فاسدا كقوله وكلت من أراد بيع داري فلا ينفذ التصرف كما قاله الزركشي
تنبيه هل يجوز الإقدام على التصرف بالوكالة الفاسدة قال ابن الرفعة لا يجوز ولكن استبعده ابن الصلاح
وهذا هو الظاهر لأن هذا ليس من تعاطي العقود الفاسدة لأنه يقدم على عقد صحيح
( فإن نجزها وشرط للتصرف شرطا جاز ) ك وكلتك ببيع عبدي وبعه بعد شهر فتصح الوكالة ولا يتصرف إلا بعد الشهر
ويصح تأقيتها ك وكلتك شهرا فإذا مضى الشهر امتنع على الوكيل التصرف
( ولو قال وكلتك ومتى ) أو إذا أو مهما ( عزلتك فأنت وكيلي ) فيه أو قد وكلتك ( صحت في الحال في الأصح ) لوجود الإذن
والثاني لا تصح لاشتمالها على شرط التأبيد وهو التزام العقد الجائز
وأجيب بمنع التأبيد بما ذكر كما سيأتي
( و ) على الأول ( في عوده وكيلا بعد العزل الوجهان في تعليقها ) لأنه علق الوكالة ثانيا على العزل والأصح عدم العود لأن الأصح فساد التعليق
والثاني تعود الوكالة مرة واحدة
وعلى الأول ينفذ تصرفه للإذن كما مر فطريقه في أنه لا ينفذ تصرفه أن يكرر عزله فيقول عزلتك عزلتك فإن كان التعليق ب كلما تكرر العود بتكرر العزل وينفذ تصرفه على الأول لما مر
وطريقه في أنه لا ينفذ تصرفه أن يوكل غيره في عزله لأن المعلق عليه عزل نفسه إلا إن كان قد قال إن عزلتك أو عزلك أحد عني فلا يكفي التوكيل بالعزل بل يتعين أن يقول كلما عدت وكيلي فأنت معزول فيمتنع تصرفه
فإن قيل هذا تعليق للعزل عن الوكالة فهو تعليق قبل الملك لأنه لا يملك العزل عن الوكالة التي لم تصدر منه فهو كقوله إن ملكت فلانة فهي حرة أو نكحتها فهي طالق وهو باطل
أجيب بأن العزل المعلق إنما يؤثر فيما يثبت فيه التصرف بلفظ الوكالة المعلقة السابقة على لفظ لا فيما يثبت بلفظ الوكالة المتأخرة عنه إذ لا يصح إبطال العقود قبل عقدها
فإن قيل إذا كان تصرفه نافذا مع فساد الوكالة فما فائدة صحتها أجيب بأن الفائدة في ذلك استقرار الجعل المسمى إن كان بخلاف الفاسدة فإنه يسقط ويجب أجرة المثل كما أن الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق المسمى ويوجب مهر المثل وإن لم يؤثر في النكاح
( ويجريان ) أي الوجهان في تعليق الوكالة ( في تعليق العزل ) كقوله إذا طلعت الشمس فأنت معزول
أصحهما عدم صحته أخذا من تصحيحه في تعليقها لكن العزل أولى بصحة التعليق من الوكالة كما في الروضة كأصلها لأنه لا يشترط فيه قبول قطعا
وعلى الأصح السابق يمتنع من التصرف عند وجود الشرط لوجود المنع كما رجحه الإسنوي كما أن التصرف ينفذ في الوكالة الفاسدة بالتعليق عند وجود الشرط لوجود الإذن
فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المطلقة والمقيدة بالبيع لأجل وما يذكر معهما وأعلم أن للوكالة أربعة أحكام الأول الموافقة في تصرف الوكيل المقتضي اللفظ الصادر من الموكل أو القرينة كما قال ( الوكيل بالبيع مطلقا ) أي توكيلا لم يقيد بشيء ( ليس له البيع بغير نقد البلد ) لدلالة القرينة العرفية عليه فإن كان في البلد نقدان لزم البيع بأغلبهما
____________________
(2/223)
فإن استويا فبأنفعهما للموكل فإن استويا تخير فإن باع بهما ولو في عقد واحد جاز كما قاله الإمام و الغزالي
تنبيه المراد بالبلد بلد البيع لا بلد التوكيل لكن لو سافر بما وكل فيه إلى بلد بغير إذن وباعه فيها اعتبر نقد بلد حقه أن يبيع فيها
وقوله مطلقا نصب على الحال وكان الأولى أن يقول بمطلق البيع فإن صورته أن يقول وكلتك لتبيع بكذا ولا تتعرض لبلد ولا أجل ولا نقد كما قدرته في كلامه تبعا للشارح بخلاف البيع المطلق لتقييد البيع بقيد الإطلاق وإنما المراد البيع لا يفيد
( ولا ) يبيع ( بنسيئة ) وإن كان أكثر من ثمن المثل لأن مقتضى الإطلاق الحلول لأنه المعتاد غالبا
( ولا بغبن فاحش وهو ما لا يحتمل غالبا ) بخلاف اليسير وهو ما يحتمل غالبا كدرهم في عشرة فيصح البيع به
ويختلف المحتمل كماقال الروياني باختلاف أجناس الأموال فلا تعتبر النسبة في المثال المتقدم ولهذا قال ابن أبي الدم والعشرة إن تسومح بها في المائة فلا يتسامح بالمائة في الألف ولا بالألف في العشرة آلاف فالصواب الرجوع للعادة
ولو باع بثمن المثل وثم راغب موثوق به بزيادة لا يتغابن بمثلها لم يصح لأنه مأمور بالمصلحة
ولو وجد الراغب في زمن الخيار فالأصح أنه يلزمه الفسخ فإن لم يفعل انفسخ كما مر مثل ذلك فيعدل الرهن ومحله كما قال الأذرعي إذا لم يكن الراغب مماطلا ولا متجوها ولا ماله أو كسبه حرام
فائدة ثمن المثل نهاية رغبات المشتري
( فلو ) خالف و ( باع على أحد هذه الأنواع ) لم يصح على المذهب ( و ) إذا ( سلم المبيع ضمن ) لتدنيه ويسترده إن بقي وإلا غرم الموكل من شاء من المشتري والوكيل قيمته سواء أكان مثليا أم متقوما كما ذكره الرافعي وإن بحث بعض المتأخرين التفصيل بين المثلي والمتقوم
وقرار الضمان على المشتري وإذا استرده فله بيعه بالإذن السابق كما في بيع العدل الرهن بخلاف ما لو رد عليه بعيب أو فسخ البيع المشروط فيه الخيار للمشتري وحده لا يبيعه ثانيا بالإذن السابق والفرق أنه لم يخرج عن ملك الموكل في الأول وخرج عن ملكه في الثاني وإذا خرج عن ملكه انعزل الوكيل
أما قبل التسليم فلا ضمان عليه لأن ما قاله هذيان
تنبيه لو قال لم يصح وضمن كما قدرته لكان أولى إذ لا يلزم من الضمان عدم الصحة
ولو قال له بع بكم شئت صح بيعه بالغبن الفاحش ولا يصح بالنسيئة ولا بغير نقد البلد
أو بما شئت أو بما تيسر صح بيعه بالعروض ولا يصح بالغبن الفاحش ولا بالنسيئة
ولا يصح بالغبن الفاحش ولا بغير نقد البلد
أو بما عز وهان صح بيعه بالغبن الفاحش وبالعروض ولا يصح بالنسيئة أو كيف شئت صح بيعه بالنسيئة وذلك لأن كم للعدد فشمل القليل والكثير وما للجنس فشمل النقد والعرض لكنه في الأخيرة لما قرن بعز وهان شمل عرفا القليل والكثير أيضا وكيف للحال فشمل الحال والمؤجل
( فإن وكله ) في الصيف في شراءجمد لم يشتره في الشتاء ولا في الصيف بعده أو ( ليبيع مؤجلا وقدر الأجل فذاك ) ظاهر ويجوز أن يبيعه إلى ذلك الأجل ولا يزيد عليه فإن نقص عنه أو باع حالا صح البيع إن لم يكن فيه على الموكل ضرر من نقص ثمن أو خوف أو مؤنة حفظ أو نحوها من الأغراض
نعم إن عين له المشتري فيظهر كما قال الإسنوي المنع لظهور قصد المحاباة كما يؤخذ مما سيأتي في تقدير الثمن
( وإن أطلق ) الأجل ( صح ) التوكيل ( في الأصح وحمل على المتعارف في مثله ) حملا للمطلق على المعهود كما تقدم في النقود فإن لم يكن عرف راعى الأنفع للموكل
وقد يفهم كلام المصنف البطلان في هذه الصورة
ويشترط الإشهاد قياسا على عامل القراض وبه صرح القاضي
والثاني لا يصح لاختلاف الغرض بتفاوت الأجل طولا وقصرا وقيل يصح ولا يزيد على سنة لتقدير الديون المؤجلة بها شرعا كالجزية والدية فلو أخر المصنف قوله في الأصح إلى بعد قوله وحمل على المتعارف لعلم منه الخلاف في المسألة الثانية أيضا
( و ) الوكيل بالبيع والشراء مطلقا ( لا يبيع ) ولا يشتري ( لنفسه و ) لا ل ( ولده الصغير ) ونحوه من محاجيره
____________________
(2/224)
ولو أذن له فيه لتضاد غرضي الاسترخاص لهم والاستقصاء للموكل وكذا لو قدر له الثمن ونهاه عن الزيادة لأن الأصل عدم جواز اتحاد الموجب والقابل وإن انتفت التهمة ولأنه لو وكله ليهب من نفسه لم يصح وإن انتفت التهمة لاتحاد الموجب والقابل ولو وكله في هبة أو تزويج أو استيفاء حد أو قصاص أو دين من نفسه لم يصح لذلك
ومقتضى ذلك منع توكيل السارق في القطع وهو ما صرح به في أصل الروضة هنا لكن صرحوا في باب استيفاء القصاص بخلافه وهو الأوجه
ولو وكله في طرفي عقد ونحوه كمخاصمة لم يأت بهما لما مر وله اختيار طرف منهما
ويصح توكيله في إبراء نفسه بناء على أنه لا يشترط القبول في الإبراء وفي إعتاقها والعفو عنها من قصاص أو حد قذف
( والأصح أنه ) أي الوكيل بالبيع مطلقا ( يبيع لأبيه ) وسائر أصوله ( وابنه البالغ ) وسائر فروعه المستقلين لأنه باع بالثمن الذي لو باع به لأجنبي لصح فلا تهمة حينئذ فهو كما لو باع من صديقه
والثاني لا لأنه متهم بالميل إليهم كما لو فوض إليه الإمام أن يولي القضاء من شاء لا يجوز له تفويضه إلى أصوله ولا فروعه
وفرق الأول بأن لنا هنا مرادا ظاهرا وهو ثمن المثل ولأن فيه تزكية لأصوله وفروعه بخلاف الوكالة
( و ) الأصح ( أن الوكيل بالبيع له قبض الثمن ) الحال إن لم يمنعه الموكل من قبضه ( و ) له ( تسليم المبيع ) إن كان مسلما إليه إن لم ينه عن تسليمه لأنهما من مقتضيات البيع
والثاني لا لعدم الإذن فيهما وقد يرضاه للبيع دون القبض
ومحل الخلاف إذا لم يكن القبض شرطا فإن كان كالصرف ونحوه فله القبض والإقباض قطعا أما إذا كان الثمن مؤجلا ولو حل أو حالا ونهاه عن قبضه لم يملك قبضه قطعا ولو قال له امنع المشتري من المبيع فسدت الوكالة لأن منع الحق عمن يستحق إثبات يده عليه حرام ويصح البيع بالإذن وإن قال لا تسلم المبيع له لم يفسد لأنه لم يمنعه من أصل التسليم المستحق بل من تسليمه بنفسه وبهذا فرق بين هذه وما قبلها فيسلم الموكل المبيع للمشتري عن الوكيل في الصورتين
وخرج بالبيع الهبة فليس للوكيل فيها التسليم قطعا لأن الملك فيها لا يقع بالعقد بخلاف البيع
تنبيه سكت المصنف عن حكم الوكيل بالشراء وهو كالوكيل بالبيع فله قبض المبيع وله تسليم الثمن إن كان مسلما إليه ولم ينهه عن تسليمه
( ولا يسلمه ) أي وكيل البائع المبيع ( حتى يقبض الثمن ) لما في التسليم قبله من الخطر
( فإن خالف ضمن ) لتعديه قيمته كما قاله الرافعي وقت التسليم
وقضيته أنه لا فرق في غرم القيمة بين المثلي والمتقوم وهو كذلك لأنه للحيلولة فإذا غرمها ثم قبض الثمن دفعه إلى الموكل واسترد المغروم
هذا إذا سلمه مختارا فإن ألزمه الحاكم بتسليم المبيع قبل القبض ففي البحر الأشبه أنه لا يضمن وهو حسن
( وإذا وكله في شراء ) شيء موصوف أو معين كما يقتضيه كلام الشيخين ( لا يشتري معيبا ) أي يمتنع عليه ذلك لأن الإطلاق يقتضي السلامة بخلاف عامل القراض لأن المقصود الربح وقد يكون في المعيب
( فإن اشتراه ) أي المعيب في الذمة وهو يساوي مع المعيب ما اشتراه به ( وقع ) الشراء ( عن الموكل إن جهل ) المشتري ( المعيب ) إذ لا ضرر على المالك لتخييره ولا تقصيره من جهة الوكيل لجهله ولا خلل من جهة اللفظ لإطلاقه
نعم لو نص له على السليم فالوجه كما قال الإسنوي أنه لا يقع للموكل لأنه غير المأذون فيه
تنبيه قوله في الذمة يوهم أنه إذا اشتراه بعين مال الموكل لا يقع له وليس مرادا بل يقع له لكن ليس للوكيل الرد لأنه لا يمكن انقلاب العقد له بحال فلا يتضرر بخلاف الشراء في الذمة ففائدة التقييد أولا بالذمة إخراج المذكور آخرا وهو رد الوكيل فلو قيد الأخير فقط فقال للموكل الرد وكذا للوكيل إن اشترى في الذمة لكان أولى
( وإن علمه فلا ) يقع عن الموكل ( في الأصح ) لأنه غير مأذون فيه سواء أساوى ما اشتراه أم زاد
والثاني يقع له لأن الصيغة مطلقة ولا نقص في المالية
( وإن لم يساوه لم يقع عنه ) أي الموكل ( إن علمه ) أي الوكيل لتقصيره وقد يهرب
____________________
(2/225)
البائع فلا يتمكن الموكل من الرد فيتضرر
( وإن جهله وقع ) على الموكل ( في الأصح ) كما لو اشتراه بنفسه جاهلا
والثاني لا لأن الغبن يمنع الوقوع عنه مع السلامة فعند العيب أولى
وأجاب الأول بأن الخيار يثبت في المعيب فلا ضرر بخلاف الغبن
( وإذا وقع ) الشراء ( للموكل ) في صورتي الجهل ( فلكل من الوكيل والموكل الرد ) بالعيب أما الموكل فلأنه المالك والضرر لاحق به وأما الوكيل فلأنه نائبه ولأنا لو لم نجوزه له لكان المالك ربما لا يرضى به فيتعذر الرد لكونه فوريا ويبقى للوكيل فيتضرر به
أما إذا قلنا إنه يقع للموكل في صورة العلم فيرده الموكل وحده كما فهم من التقييد المذكور وإن أوهم كلام المصنف خلافه والعيب الطارىء قبل القبض كالمقارن في جواز الرد كما نقله في الكفاية عن مقتضى كلام القاضي أبو الطيب وأقره
ولو رضي بالعيب الموكل أو قصر في الرد فيما إذا اشترى الوكيل في الذمة لم يرده الوكيل إذ لاحظ له في الفسخ بخلاف عامل القراض لحظة في الربح
ولو رضي به الوكيل أو قصر في الرد رده الموكل لبقاه حقه هذا إذا سماه الوكيل في الشراء أو نواه وصدقه البائع وإلا وقع الشراء للوكيل لأنه اشترى في الذمة ما لم يأذن فيه الموكل فانصرف إليه
ويقع الشراء في صورتي العلم للوكيل أيضا أما إذا علمه واشترى بعين مال الموكل فإن الشراء لم يصح
فرع لو قال البائع للوكيل أخر الرد حتى يحضر الموكل لم يلزمه إجابته وإن أخر فلا رد له لتقصيره ولو ادعى البائع على الوكيل رضا الموكل بالعيب واحتمل رضاه به باحتمال بلوغ الخبر إليه فإن حلف الوكيل على نفي العلم رد وإن نكل وحلف البائع لم يرد لتقصيره بالنكول
فإن حضر الموكل في الصورة الأولى وصدق البائع في دعواه فله استرداد المبيع منه أو في الثانية وصدق البائع فكذلك
وإن كذبه وقع الشراء للموكل وله الرد خلافا للبغوي نبه عليه في أصل الروضة
أما إذا لم يحتمل رضاه فلا يلتفت إلى دعوى البائع
( وليس للوكيل أن يوكل بلا إذن إن تأتى منه ما وكل فيه ) لأن المالك لم يرض بتصرف غيره ولا ضرورة كالمودع لا يودع
( وإن لم يتأت ) منه ذلك ( لكونه لا يحسنه أو لا يليق به فله التوكيل ) إذ تفويض مثل ذلك إليه إنما يقصد منه الاستنابة وقضيته امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله أو اعتقاده خلاف ما هو عليه وهو كما قال الإسنوي ظاهر
( ولو كثر ) الموكل فيه ( وعجز ) الوكيل ( عن الإتيان بكله فالمذهب أنه يوكل فيما زاد على الممكن ) غيره لأن الضرورة دعت إليه فيما لا يمكن بخلاف الممكن وقيل يوكل في الجميع لأنه ملك التوكيل في البعض فيوكل في الكل وهذه طريقة
والثاني لا يوكل في الممكن وفي الزائد عليه وجهان
والثالثة في الكل وجهان
ولو وكله فيما يمكنه عادة ولكنه عاجز عنه لسفر أو مرض فإن كان التوكيل في حال علمه بسفره أو مرضه جاز له أن يوكل وإن طرأ العجز فلا خلافا للجويني قاله في المطلب
وكطرق العجز ما لو جهل الموكل حال توكيله ذلك كما يؤخذ مما مر آنفا عن الإسنوي
تنبيه هل المراد بالعجز أن لا يتصور القيام بالجميع بذل المجهود أو أنه لا يقوم به إلا بكلفة عظيمة فيه وجهان في النهاية والبسيط أظهرهما الثاني كما يؤخذ من كلام مجلي في الذخائر
وحيث وكله في هذه الأقسام فإنما يوكل عن موكله فإن وكل عن نفسه فالأصح في زيادة الروضة المنع
( ولو أذن ) الموكل ( في التوكيل وقال ) للوكيل ( وكل عن نفسك ففعل فالثاني وكيل الوكيل ) عملا بإذن الموكل وقيل إنه وكيل الموكل وكأنه قال أقم غيرك مقامك
( و ) على الأول ( الأصح أنه ينعزل ) أي الثاني ( بعزله ) أي الأول ( وانعزاله بموته أو جنونه أو عزل موكله له
والثاني لا ينعزل بذلك بناء على أنه وكيل عن الموكل
وعلى الأول للموكل أيضا عزل الثاني لأنه فرع الفرع كما ينعزل
____________________
(2/226)
بموته وجنونه
تنبيه جزم المصنف بأن الثاني وكيل الوكيل وحكايته وجهان مع ذلك في انعزاله بعزل الوكيل وانعزاله غير صحيح في المعنى ومخالف لما في الشرح والروضة من حكاية خلاف في البناء وبناء العزل عليهما كما تقرر
( وإن قال ) له ( وكل عني ) ففعل ( فالثاني وكيل الموكل ) لأنه مقتضى الإذن
( وكذا لو أطلق ) بأن قال وكل ولم يقل عني ولا عنك ( في الأصح ) لأن توكيل الأول له تصرف وقع بإذن الموكل فيقع عنه
والثاني أنه وكيل الوكيل وكأنه قصد تسهيل الأمر عليه كما لو قال الإمام أو القاضي لنائبه استنب فاستناب فإنه نائب عنه لا عن منيبه
وفرق الأول بأن القاضي ناظر في حق غير الموكل كما قاله الماوردي والوكيل ناظر في حق الموكل
( قلت وفي هاتين الصورتين ) وهما ما إذا قال عني أو أطلق ( لا يعزل أحدهما الآخر ولا ينعزل بانعزاله ) فإنه ليس وكيلا عنه ففي الأولى جزما وفي الثانية على الأصح
قال ابن النقيب ولو سكت عن هذا لفهم من التفريع ولكنه أراد زيادة الإيضاح اه
وللموكل عزل أيهما شاء
( وحيث جوزنا للوكيل التوكيل ) عنه أو عن الموكل ( يشترط أن يوكل أمينا ) رعاية لمصلحة الموكل
تنبيه ظاهر إطلاق المصنف أنه لا يجوز توكيل غير الأمين ولو نص له على الثمن والمشتري وهو كذلك وإن كان فيه احتمال لصاحب المطلب لأنها استنابة عن الغير
( إلا أن يعين الموكل غيره ) أي الأمين فيتبع تعيينه فله أن يوكله لإذنه فيه
ولو علم الوكيل فسق المعين دون الموكل قال الإسنوي فيظهر تخريجه على ما إذا وكله في شراء معين فاطلع الوكيل على عيبه دون الموكل وقد سبق أنه لا يشتريه فتستثنى هذه المسألة من كلامه
ولو عين له فاسقا فزائد فسقه امتنع عليه توكيله كما قاله الزركشي كنظيره فيما لو زاد فسق عدل الرهن
هذا كله فيمن وكل عن نفسه أما الموكل عن غيره كالولي فلا يجوز لوكيله أن يوكله ولا غيره
تنبيه مقتضى التعبير بالتعيين أنه إذا عمم فقال وكل من شئت لا يجوز توكيل غير الأمين وهو كذلك
فإن قيل قد قالوا في النكاح إن المرأة إذا قالت زوجني ممن شئت جاز تزويجها من الأكفاء وغيرهم فقياسه الجواز هنا بل أولى لأنه لم يصح ولا خيار لها وهنا يستدرك لأنه إذا وكل فاسقا فباع بدون ثمن المثل لا يصح أو اشترى معينا ثبت الخيار
أجيب بأن المقصود بالتوكيل في التصرف في الأموال حفظها وتحصيل مقاصد الموكل فيها وهذا ينافيه توكيل الفاسق بخلاف الكفاءة فإنها صفة كمال وقد تسامح المرأة بتركها لحاجة القوت أو غيره وقد يكون غير الكفء أصلح لها والظاهر أن الموكل هنا إنما قصد التوسعة عليه بعدم التعيين بشرط النظر له بالمصلحة
( ولو وكل ) الوكيل ( أمينا ) في الصورتين السابقتين ( ففسق لم يملك الوكيل عزله في الأصح والله أعلم ) لأنه أذن له في التوكيل دون العزل
والثاني يملك عزله لأن الإذن في التوكيل يقتضي توكيل الأمناء فإذا فسق لم يجز استعماله فيجوز عزله
فصل فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة بغير أجل وما يتبعها لو ( قال بع لشخص معين ) كزيد ( أو في زمن ) معين كيوم الجمعة ( أو مكان معين ) كسوق كذا ( تعين ) ذلك
أما الشخص فلأنه قد يقصد تخصيصه بتلك السلعة وربما كان ماله أبعد عن الشبهة
نعم إن دلت قرينة على إرادة الريح وأنه لا غرض له في التعيين إلا ذلك فالمتجه كما قال الزركشي جواز البيع من غير المعين
وأما الزمان فلأن احتياجه إلى البيع قد يكون فيه خاصة
وفائدة التقييد بالزمان أنه لا يجوز قبله ولا بعده وذلك متفق عليه في البيع والعتق فلو قال له بع أو أعتق يوم الجمعة مثلا لم يجز له ذلك قبله ولا بعده والمتجه كما قال الإسنوي انحصار يوم الجمعة في الذي يليه حتى لا يجوز ذلك في مثله
____________________
(2/227)
من جمعة أخرى
وأما الطلاق فلو وكل به في وقت معين فطلق قبله لم يقع أو بعده فكذا على المعتمد مراعاة لتخصيص الموكل كما صرح به في الروضة في كتاب الطلاق نقلا عن البوشنجي وأشار إليه هنا بعد نقله عن الداركي أنه يقع بعده لا قبله لأن المطلقة فيه مطلقة بعده لا قبله وما قاله الداركي غريب مخالف لنظائره
وأما المكان فإن ظهر له الغرض في تعيينه لكون الراغبين فيه أكثر أو النقد فيه أجود فواضح وإلا فقد يكون له فيه غرض خفي لا يطلع عليه
وتعيينه إذا لم يكن للموكل غرض ظاهر هو المعتمد كما رجحه الشيخان ولذلك قال ( وفي المكان وجه إذا لم يتعلق به غرض ) صحيح أنه لا يتعين وإن قال الإسنوي إنه الراجح فقد نص عليه الشافعي وجمع وقال الزركشي نص عليه الشافعي وجمهور الأصحاب
وعلى الأول محله إذا لم يقدر الثمن فإن قدره لم يتعين المكان إلا إن نهاه عن البيع في غيره فيتعين البيع فيه وإن عين للبيع بلدا أو سوقا فنقل الموكل فيه إلى غيره ضمن الثمن والمثمن وإن قبضه وعاد به كنظيره من القراض للمخالفة
قال في أصل الروضة بل لو أطلق التوكيل في البيع في بلد فليبع فيه فإن نقله ضمن
تنبيه في عبارة المصنف تساهل فإن كان يحكي بها لفظ الموكل فيكون قوله معين من تتمة لفظ الموكل فمدلوله بع من معين لا مبهم وكذا القول في الزمان والمكان وليس ذلك مرادا كما يفهم مما مثلت به وعبارة المحرر قال بع من فلان أو في وقت كذا أو كذا أو عين مكانا وهو تعبير حسن
فروع لو قال اشتر عبد فلان وكان فلان قد باعه فللوكيل شراؤه من المشتري ولو قال طلق زوجتي ثم طلقها الزوج فللوكيل طلاقها أيضا في العدة قاله البغوي في فتاويه
ولو باع الوكيل ليلا فإن كان الراغبون فيه مثل النهار صح وإلا فلا قاله القاضي في تعليقه
ولو قال بع من زيد فباع لوكيله لم يصح بخلاف نظيره في النكاح فيصح لأنه لا يقبل نقل الملك والبيع يقبله وقياسه عدم الصحة فيما لو قال بع من وكيل زيد فباع من زيد
( وإن قال بع ) هذا ( بمائة لم يبع بأقل ) منها ولو يسيرا وإن كان بثمن مثله لأنه مخالف للإذن وهذا بخلاف النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به عند الإطلاق لأنه قد يسمى ثمن المثل بخلاف دون المائة لا يسمى مائة
( وله أن يزيد ) عليها لأن المفهوم من ذلك عرفا إنما هو منع النقص وقيل لا يزيد لأن المالك ربما كان له غرض في إبرار قسم وكما لو زاد في الصفة بأن قال بمائة درهم مكسرة فباع بمائة صحيحة
تنبيه قوله له يشعر بجواز البيع بالمائة وهناك راغب بزيادة وليس مرادا فإن الأصح في زيادة الروضة المنع لأنه مأمور بالاحتياط والغبطة فلو وجده في زمن الخيار لزمه الفسخ فلو لم يفسخ انفسخ البيع قياسا على ما مر
( إلا أن يصرح بالنهي ) عن الزيادة فتمتنع لأن النطق أبطل حق العرف
تنبيه يرد على حصره الاستثناء ما لو قال بع لزيد بمائة فإنه ليس له الزيادة قطعا لأنه ربما قصد إرفاقه
فإن قيل لو وكله بالخلع بمائة جاز له أن يزيد عليها ولم يحملوه على ذلك
أجيب بأن الخلع يقع غالبا عن شقاق وذلك قرينة دالة على عدم قصد المحاباة ولذلك قيد ابن الرفعة المنع في الأولى بما إذا كانت المائة دون ثمن المثل لظهور قصد المحاباة بخلاف ما إذا كانت ثمن المثل فأكثر
فإن قيل لو وكله أن يشتري عبد زيد بمائة كان له أن يشتريه بأقل منها ولم يحملوه على ذلك
أجيب بأن البيع لما كان ممكنا من المعين وغيره كان تعيينه ظاهرا في قصد إرفاقه وشراء العين لما لم يمكن من غير المذكور ضعف احتمال ذلك المقصد فظهر قصد التعريف
فروع لو قال له بع العبد بمائة فباعه بمائة وثوب أو دينار صح لأنه حصل غرضه وزاد خيرا
ولو قال له بع بألف درهم فباع بألف دينار لم يصح إذ المأتي به ليس مأمورا به ولا مشتملا عليه
ولو قال اشتر بمائة لا بخمسين جاز الشراء بالمائة وبما بينها وبين الخمسين لا بما عدا ذلك
ولو قال بع بمائة لا بمائة وخمسين لم يجز النقص عن المائة ولا استكمال المائة والخمسين ولا الزيادة عليها للنهي عن ذلك ويجوز ما عداه
ولو قال لا تبع أو لا تشتر
____________________
(2/228)
بأكثر من مائة مثلا فاشترى أو باع بثمن المثل وهو مائة أو دونها لا أكثر جاز لإتيانه بما أمر به بخلاف ما إذا اشترى أو باع بأكثر من مائة للنهي عنه
( ولو قال اشتر بهذا الدينار شاة ووصفها ) بصفة ( فاشترى به شاتين بالصفة ) المشروطة ( فإن لم تساو واحدة ) منهما ( دينارا لم يصح الشراء للموكل ) وإن زادت قيمتهما جميعا على الدينار لفوات ما موكل فيه
( وإن ساوته ) أو زادت عليه ( كل واحدة ) منهما ( فالأظهر الصحة ) للشراء ( وحصول الملك فيهما للموكل ) لحديث عروة السابق في بيع الفضولي ولأنه حصل غرضه وزاد خيرا كما لو قال بع بخمسة دراهم فباعه بعشرة منها وليس له بيع إحداهما ولو بدينار ليأتي به وبالأخرى إلى الموكل وإن فعل عروة ذلك كما مر لعدم الإذن فيه وأما عروة فلعله كان مأذونا له في بيع ما رآه مصلحة من ماله صلى الله عليه وسلم
والوكالة في بيع ما سيملكه تبعا لبيع ماهو مالكه صحيحة كما مر
والثاني يقول إن اشترى في الذمة فلموكل واحدة بنصف دينار والأخرى للوكيل ويرد على الموكل نصف دينار وإن اشترى بعين الدينار فقد اشترى شاة بإذن وشاة بغير إذن فيبطل في شاة بناء على تفريق الصفقة كما مر
تنبيه قوله وإن ساوته كل واحدة هو طريقة والأصح في زيادة الروضة أن الشرط أن تكون إحداهما فقط مساوية للدينار ولو لم تساوه الأخرى
واحترز بقوله ووصفها عما إذا لم يصفها فإن التوكيل لم يصح
والمعتبر في الوصف ما سبق في التوكيل بشراء عبد كما أشعر به كلام الرافعي هنا قال الإسنوي وهو واضح
( ولو أمره بالشراء بمعين ) أي بعين ماله كما في المحرر ( فاشترى في الذمة لم يقع للموكل ) لمخالفته لأنه أمره بعقد ينفسخ بتلف العين فأتى بما لا ينفسخ بتلفها ويطالب بغيره ويقع العقد للوكيل إن لم يصرح بالسفارة وكذا إن صرح على الأصح
( وكذا ) لا يصح ( عكسه ) وهو فيما إذا قال له اشتر في الذمة وادفع هذا في ثمنه فاشترى بعينه لم يقع الشراء للموكل
( في الأصح ) لمخالفته لأنه أمره بعقد لا ينفسخ بتلف العين فأتى بما ينفسخ بتلفها
وقد يكون غرض الموكل تحصيل المبيع على كل حال وعلى هذا لا يقع لواحد منهما
والثاني يقع له لأنه زاد خيرا حيث لم يلزم ذمته شيئا
ولو دفع إليه شيئا وقال اشتر لي كذا وأطلق تخير بين الشراء بعينه وفي الذمة لتناول الشراء لهما ولو قال اشتر بهذا تخير أيضا على المعتمد وإن خالف في ذلك الإمام والشيخ أبو علي الطبري وقالا يتعين الشراء بعينه لأن الأول هو الذي اقتضاه كلامهم في الكلام على مسألة الشاة حيث فرقوا على مقابل الأظهر بين الشراء بعين الدينار والشراء في الذمة
( ومتى خالف ) الوكيل ( الموكل في بيع ماله ) بأن باعه على غير الوجه المأذون فيه ( أو ) في ( الشراء بعينه ) بأن اشترى له بعين ماله على وجه لم يأذن له فيه ( فتصرفه باطل ) لأن الموكل لم يرض بخروج ملكه على ذلك الوجه
ولو قال اشتر لفلان بألف في ذمته فهو كشرائه بعين مال الغير كما قاله الرافعي في الشرط الثالث من شروط البيع
( ولو اشترى في الذمة ) غير المأذون فيه ( ولم يسم الموكل وقع ) الشراء ( للوكيل ) وإن نوى الموكل لأن الخطاب وقع منه وإنما ينصرف بالنية إلى الموكل إذا كان موافقا لإذنه فإن خالف لغت نيته
( وإن سماه فقال البائع بعتك فقال اشتريت لفلان فكذا ) يقع الشراء للوكيل ( في الأصح ) وتلغو تسمية الموكل في القبول لأنها غير معتبرة في الشراء فإذا سماه ولم يمكن صرفها إليه صار كأنه لم يسمه
والثاني يبطل العقد لأنه صرح بإضافته إلى
____________________
(2/229)
الموكل وقد امتنع إيقاعه له فألغي
( وإن قال بعت موكلك زيدا فقال اشتريت له فالمذهب بطلانه أي العقد لأنه لم يجر بين المتعاقدين مخاطبة ولم يصرح في الروضة ولا أصلها بمقابل المذهب
ويؤخذ من هذا التعليل أن ذلك في موافق الإذن وفي الكفاية حكاية وجهين في المسألة وفي المطلب لو قال بعتك لموكلك فلان فقال قبلت له صح جزما أو بعتك لنفسك وإن كنت تشتريه للغير فلا أبيعه لك فاشتراه للغير لم يصح بلا خلاف
ولو لم يصرح البائع بلفظ الموكل بل باسمه فقال بعت زيدا فقال المشتري اشتري له ونوياه فكالتعبير بالموكل
تنبيه قضية كلام المصنف عدم وجوب تسمية الموكل في العقد ويستثنى من ذلك مسائل منها ما إذا وكل شخص عبدا أن يشتري نفسه من سيده فيجب أن يقول اشتريت نفسي منك لموكلي لأن قوله اشتريت نفسي صريح في اقتضاء العتق فلا يندفع بمجرد النية ومنها ما إذا وكل العبد أجنبيا في شراء نفسه من سيده فإنه يجب تصريحه بإضافته إلى العبد فلو أطلق ونوى وقع للوكيل لأن المالك قد لا يرضى بعقد يتضمن الإعتاق قبل قبض الثمن
ومنها ما لو قال اشتر لي عبد فلان بثوبي هذا مثلا ففعل
ومنها وكيل المتهب يجب أن يسميه في القبول وإلا فيقع العقد له لجريان الخطاب معه بغير ذكر الموكل ولا تكفي النية في وقوع العقد لموكله لأن الواهب قد يسمح بالتبرع له دون غيره
نعم إن نواه الواهب أيضا وقع عنه كما بحثه الأذرعي وغيره
قال الزركشي وقياس ما ذكر في الهبة يجري مثله في الوقف والوصية والإعارة والرهن والوديعة وغيرها مما لا عوض فيه اه
ولا ينحصر ذلك فيما لا عوض فيه كما يعلم مما تقدم
ومنها وكيل النكاح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابه
ثم شرع في الحكم الثاني من أحكام الوكالة وهو الأمانة فقال ( ويد الوكيل يد أمانة وإن كان بجعل ) لأنه نائب عن الموكل في اليد والتصرف فكانت يده كيده وإن الوكالة عقد إرفاق ومعونة والضمان مناف لذلك ومنفر عنه فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد
( فإن تعدى ) في العين بلبس أو ركوب أو نحو ذلك ( ضمن ) بخلاف ما لو تلف بلا تعد كغيره من الأمناء فيهما
ومن التعدي أن يضيع منه ولا يدري كيف ضاع وكذا لو وضعه في موضع ثم نسيه
وهل يضمن بتأخير ما وكل في بيعه وجهان أوجههما كما قال بعض المتأخرين عدم الضمان
( ولا ينعزل ) بالتعدي ( في الأصح ) لأن الوكالة إذن في التصرف والأمانة حكم يترتب عليها ولا يلزم من إرتفاعها ارتفاع أصلها كالرهن
والثاني ينعزل كالمودع
وأجاب الأول بأن الوديعة ائتمان محض
نعم إن كان وكيلا لولي أو وصي فالمتجه كما قال الأذرعي وغيره انعزاله كالوصي بفسق إذ لا يجوز إبقاء ماله بيد غير عدل
فإن قيل هذا مردود لأن الفسق لا يمنع الوكالة وإن منع الولاية ولكن الممنوع إبقاء المال بيده
أجيب بأن هذا هو المردود فإن الأول هو المنقول فإنهم قالوا الوكيل ينعزل بالفسق فيما العدالة شرط فيه
تنبيه محل الوجه الثاني إذا تعدى بالفعل فإن تعدى بالقول كما لو باع بغبن فاحش ولم يسلم لا ينعزل جزما لأنه لم يتعد فيما وكل فيه
وعلى الأول لو باع وسلم بالمبيع زال الضمان عنه لأنه أخرجها من يده بإذن مالكها ولا يضمن الثمن لأنه لم يتعد فيه ولو رد المبيع عليه بعيب عاد الضمان لعود اليد
فإن قيل هذا إنما يأتي إذا قلنا إن الفسخ يرفع العقد من أصله لا من حينه والمعتمد أنه يرفعه من حينه لا من أصله فلا يعود الضمان أجيب بأن المعتمد عود الضمان والفسخ وأن رفع العقد من حينه لا من أصله لا يقطع النظر عن أصله بالكلية
وتقدم أنه لو تعدى بسفره بما وكل فيه وباعه فيه ضمن ثمنه وإن تسلمه وعاد من سفره فيكون مستثنى مما مر
ولو امتنع الوكيل من التخلية بين الموكل والمال ضمن إن لم يكن عذر كالمودع فإن كان له عذر ككونه مشغولا بطعام لم يضمن
ثم شرع في الحكم الثالث من أحكام الوكالة وهو العهدة فقال ( وأحكام العقد تتعلق بالوكيل دون الموكل فيعتبر في الرؤية ولزوم
____________________
(2/230)
العقد بمفارقة المجلس والتقابض في المجلس حيث يشترط ) كالربوي ورأس مال السلم ( الوكيل دون الموكل ) لأن الوكيل هو العاقد حقيقة وله الفسخ بخيار المجلس وكذا بالخيار المشروط له وحده كما قاله بعض المتأخرين وإن رضي الموكل ببقائه بخلاف ما مر في المعيب من أن الموكل إذا رضي به ليس للوكيل الرد لأنه لدفع الضرر عن المالك وليس منوطا باسم المتعاقدين كما نيط به كل الفسخ بخيار المجلس لخبر البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وخيار الشرط بالقياس على خيار المجلس ولأن ملكه ثم قد ثم عليه بخلافه هنا
( وإذا اشترى الوكيل طالبه البائع بالثمن إن كان دفعه إليه الموكل ) للعرف سواء اشترى بعينه أم في الذمة ولتعلق أحكام العقد بالوكيل وله مطالبة الموكل أيضا على المذهب كما ذكراه في باب معاملات العبيد
( وإلا ) بأن لم يدفعه إليه ( فلا ) يطالبه ( إن كان الثمن معينا ) لأنه ليس في يده وحق البائع مقصور عليه
( وإن كان ) الثمن ( في الذمة طالبه ) به دون الموكل ( إن أنكر وكالته أو قال لا أعلمها ) لأن الظاهر أنه يشتري لنفسه والعقد وقع معه
تنبيه مسألة عدم العلم من زيادته من غير تمييز
( وإن اعترف بها طالبه أيضا في الأصح كما يطالب الموكل ويكون الوكيل كضامن والموكل كأصيل ) لأن العقد وإن وقع للموكل لكن الوكيل فرعه ونائبه ووقع العقد معه فلذلك جوزنا مطالبتهما فإذا غرم رجع بما غرمه على الموكل
والثاني لا يطالب الوكيل بل الموكل فقط لأن العقد وقع له والوكيل سفير محض
والثالث لا يطالب الموكل بل الوكيل فقط لأن الالتزام وجد معه
( وإذا قبض الوكيل بالبيع الثمن ) حيث يجوز له ( وتلف في يده وخرج المبيع مستحقا رجع عليه المشتري ) ببدل الثمن ( وإن اعترف بوكالته في الأصح ) لحصول التلف في يده
والثاني يرجع به على الموكل وحده لأن الوكيل سفير محض
( ثم ) على الأول إذا غرم الوكيل ( يرجع الوكيل على الموكل ) بما غرمه لأنه غره هذا إذا لم يكن الوكيل منصوبا من جهة الحاكم وإلا فلا يكون طريقا في الضمان لأنه نائب الحاكم والحاكم لا يطالب فكذا نائبه
( قلت وللمشتري الرجوع على الموكل ابتداء ) أيضا ( في الأصح والله أعلم ) لأن الوكيل مأمور من جهته ويده كيده وإذا غرم لا يرجع به على الوكيل لأن قرار الضمان عليه
والثاني لا يرجع على الموكل لأنه تلف تحت يد الوكيل وقد بان فساد الوكالة
ولو تلف الثمن تحت يد الموكل والحال ما ذكر ففي مطالبة الوكيل وجهان أظهرهما كما قال الأذرعي مطالبته
وهذا الخلاف جميعه يأتي في وكيل المشتري إذا تلف المبيع في يده ثم ظهر استحقاقه
فرع وكيل المستقرض كوكيل المشتري فيطالب ويرجع بعد الغرم على الموكل
تنبيه المقبوض للوكيل بالشراء الفاسد يضمنه الوكيل سواء أتلف في يده أم في يد موكله لوضع يده عليه بغير إذن شرعي ويرجع إذا غرم على الموكل لأن قرار الضمان عليه كما مر
ثم شرع في الحكم الرابع وهو الجواز مترجما له بفصل فقال فصل الوكالة ولو بجعل ( جائزة من الجانبين ) أي من جانب الموكل لأنه قد يرى المصلحة في ترك ما وكل
____________________
(2/231)
فيه أو في توكيل آخر ومن جانب الوكيل لأنه قد لا يتفرع فيكون اللزوم مضرا بهما
هذا إذا لم يكن عقد الوكالة باستئجار فإن كان بأن عقد بلفظ الإجارة فهو لازم وهذا لا يحتاج إلى استثنائه
وإن عقدت بلفظ الوكالة وشرط فيها جعل معلوم قال الرافعي فيمكن بناؤه على أن الاعتبار بصيغ العقود أو بمعانيها
وهذان الاحتمالان نقلهما الروياني وجهين وصحح منهما الأول على القاعدة الغالبة في ذلك وهو المعتمد كما جزم به الجويني في مختصره لأن الإجارة لا تنعقد بلفظ الوكالة وعلى هذا أيضا لا يحتاج إلى استثنائه
( فإذا عزله الموكل في حضوره ) أي أتى بلفظ العزل خاصة ( أو قال ) في حضوره ( رفعت الوكالة أو أبطلتها ) أو أزالتها أو فسختها أو نقضتها أو صرفتها ( أو أخرجتك منها انعزل ) منها لدلالة كل من الألفاظ المذكورة عليه
( فإن عزله وهو غائب انعزل في الحال ) لأنه رفع عقد لا يعتبر فيه الرضا فلا يحتاج إلى العلم كالطلاق وقياسا على ما لو وكل أحدهما والآخر غائب
( وفي قول لا ) ينعزل ( حتى يبلغه الخبر ) ممن تقبل روايته كالقاضي
وفرق الأول بتعلق المصالح الكلية بالقاضي فيعظم الضرر بنقض الأحكام وفساد الأنكحة وغير ذلك بخلاف الوكيل
قال الإسنوي ومقتضاه أن الحاكم في واقعة خاصة حكمه حكم الوكيل اه
قال ابن شهبة ومقتضاه أيضا أن الوكيل العام كوكيل السلطان لا ينعزل قبل بلوغ الخبر لعموم نظره كالقاضي ولم يذكروه اه
وربما يلتزم ذلك ولا يصدق موكله بعد التصرف في قوله كنت عزلته إلا ببينة فينبغي له أن يشهد على عزله
ولو تلف المال في يده بعد عزله لم يضمنه ولو باعه جاهلا بعزله فالبيع باطل فإن أسلمه للمشتري ضمنه كالوكيل إذا قتل بعد العفو تلزمه الدية والكفارة خلافا لما بحثه الروياني من عدم الضمان
ولو عزل المودع الوديع وهو غائب لم ينعزل حتى يبلغه الخبر وفرق بينه وبين الوكيل بأن الوديع أمين والوكيل بتصرف والعزل يمنع صحة التصرف ولذلك قلنا الوكيل باق على أمانته بعد عزله كما مر
وذكر الرافعي في العارية أنه لو عزل المعير المستعير لم ينعزل حتى يبلغه الخبر
ولو عزل أحد وكيليه مبهما لم يتصرف واحد منهما حتى يميز للشك في أهليته
( ولو قال ) الوكيل ( عزلت نفسي أو رددت الوكالة ) أو فسختها أو خرجت منها أو نحو ذلك كأبطلتها ( انعزل ) لدلالة ذلك عليه وإن كانت صيغة الموكل صيغة أمر وقيل إن كانت صيغته صيغة أمر كأعتق وبع لم ينعزل لأن ذلك إذن وإباحة فأشبه ما لو أباح الطعام لغيره فإنه لا يرتد برد المباح له
وعلى الأول فإن قيل كيف ينعزل بذلك مع قولهم لا يلزم من فساد الوكالة فساد التصرف لبقاء الإذن أجيب بأن العزل أبطل ما صدر من الموكل من الإذن في التصرف فلو قلنا له التصرف لم يفد العزل شيئا بخلاف المسألة المستشهد بها فإنه إذا فسد خصوص الوكالة لم يوجد ما ينافي عموم الإذن ولا فرق بين أن يكون الموكل غائبا أو حاضرا لأنه قطع للعقد فلا يفتقر إلى حضور من لايعتبر رضاه كالطلاق
قال الأذرعي ولو علم الوكيل أنه لو عزل نفسه في غيبة موكله لاستملك المال قاض جائز أو غيره فينبغي أن يلزمه البقاء على الوكالة إلى حضور موكله أو أمينه على المال كما سيأتي في الوصي اه
تنبيه يستثنى من إطلاق المصنف ما لو وكل السيد عبده في تصرف مالي فإنه لا ينعزل بعزل نفسه لأنه من الاستخدام الواجب
( وينعزل ) أيضا ( بخروج أحدهما ) أي الموكل والوكيل ( عن أهلية التصرف بموت أو جنون ) وإن زال عن قرب لأنه لو قارن منع الانعقاد فإذا طرأ قطعه
قال في المطلب والصواب أن الموت ليس بعزل بل تنتهي الوكالة به كالنكاح
قال الزركشي وفائدة عزل الوكيل بموته انعزال من وكله عن نفسه إن جعلناه وكيلا عنه اه
وقيل لا فائدة لذلك في غير التعاليق
( وكذا إغماء ) ينعزل به ( في الأصح ) إلحاقا له بالجنون
والثاني لا ينعزل لأنه لم يلتحق بمن يولي عليه واختاره السبكي تبعا للإمام وغيره
وعلى الأول يستثنى الوكيل في رمي الجمار
____________________
(2/232)
فإنه لا ينعزل بإغماء الموكل كما مر في الحج ومن الواضح أنه لا ينعزل بالنوم وإن خرج به عن أهلية التصرف
تنبيه لو اقتصر المصنف على قوله بخروج أحدهما عن أهلية التصرف لكان أخصر وأشمل ليشمل ما لو حجر عليه بسفه أو فلس أو رق فيما لا ينفذ منه أو فسق فيما العدالة شرط فيه
( و ) ينعزل أيضا ( بخروج محل التصرف عن ملك الموكل ) بالبيع ونحوه كإعتاق ما وكل فيه لاستحالة بقاء الولاية والحالة هذه ولو عاد إلى ملكه لم تعد الوكالة
ومثل خروجه عن ملكه ما لو أجره أو كاتبه لإشعاره بالندم على البيع وكذا الإيصاء والتدبير وتعليق العتق كما بحثه البلقيني وغيره وبالرهن مع القبض كما قال ابن كج قال الشيخان وكذا بتزويج الجارية
فمن المتأخرين من أخذ بمفهوم ذلك وقال بخلاف العبد كما أفهمه كلام الشيخين ومنهم من جعله مثالا وقال العبد كالأمة واعتمده شيخي وهو الظاهر إذ لا فرق بين الجارية والعبد في ذلك
وهذه الصور قد ترد على المصنف لأن محل التصرف لم يخرج عن ملك الموكل
ولا ينعزل بتوكيل وكيل آخر ولا بالعرض على البيع
وفي عزل الوكيل بطحن الموكل الحنطة الموكل بيعها وجهان وقضية ما في التتمة كما قال الأذرعي وغيره الانعزال هذا إذا ذكر اسم الحنطة وإلا فالأوجه أنه لا ينعزل كما هو قضية كلام الروضة
ولو وكل عبده في تصرف ثم أعتقه أو باعه أو كاتبه انعزل لأن إذن السيد له استخدام كما مر لا توكيل وقد زال ملكه عنه بخلاف ما لو وكل عبد غيره فباعه سيده أو أعتقه أو كاتبه فإنه لا ينعزل بذلك لكن يعصي العبد بالتصرف إن لم يأذن له مشتريه فيه لأن منافعه صارت مستحقة له
( وإنكار الوكيل الوكالة لنسيان ) لها ( أو لغرض ) له ( في الإخفاء ) كخوف أخذ ظالم المال الموكل فيه ( ليس بعزل ) لعذره
( فإن تعمد ) إنكارها ( ولا غرض ) له فيه ( انعزل ) بذلك لأن الجحد حينئذ رد لها والموكل في إنكارها كالوكيل في ذلك
وما أطلقه الشيخان في التدبير من جحد الموكل أنه يكون عزلا محمولا كما قال ابن النقيب على ما هنا
فروع لو وكله ببيع عبد أو شرائه لم يعقد على بعضه لضرر التبعيض
نعم إن باع البعض بقيمة الجميع صح كما ذكره المصنف في تصحيحه هذا إن لم يعين المشتري كما قاله الزركشي وإلا لم يصح لقصده محاباته
ولو أمره أن يشتري بالعبد ثوبا فاشتراه ببعضه جاز ولو قال له بع هؤلاء العبيد أو اشترهم جاز له أن يفرقهم في عقود وأن يجمعهم في عقد
نعم إن كان الأحظ في أحدهما تعين
ولو قال بعهم أو اشترهم صفقة لم يفرقها لمخالفة أمره أو قال بعهم بألف لم يبع واحدا بأقل من ألف لجواز أن لا يشتري أحد الباقين بباقي الألف فإن باعه بألف صح وله بيع الباقين بثمن المثل
ولو قال له اطلب حقي من زيد فمات زيد لم يطالب وارثه لأنه غير المعين أو اطلب حقي الذي على زيد طالب وارثه
ولو قال له أبرىء غرمائي لم يبرىء نفسه لأن المخاطب لا يدخل في عموم أمر المخاطب له على الأصح فإن قال وإن شئت فأبرىء نفسك فله ذلك كما لو وكل المديون بإبراء نفسه
ولو قال أعط ثلثي للفقراء صح أو لنفسك لم يصح لتولي الطرفين
ولو قال له بع هذا ثم هذا لزمه الترتيب امتثالا لأمر موكله
ولو وكله في شراء جارية ليطأها لم يشتر له من تحرم عليه كأخته ولو بلغه أن زيدا وكله فإن صدق المخبر تصرف وإلا فلا
( وإذا اختلفا في أصلها ) بأن قال وكلتني في كذا فقال ما وكلتك
( أو صفتها بأن قال وكلتني في البيع نسيئة أو الشراء بعشرين ) مثلا ( فقال ) الموكل ( بل نقدا أو بعشرة صدق الموكل بيمينه ) لأن الأصل عدم الإذن فيما ذكره الوكيل ولأن الموكل أعرف بحال الإذن الصادر منه
وصورة المسألة الأولى كما قال الفارقي إذا كان بعد التصرف أما قبله فلا فائدة في الخصومة لأنه إذا ادعى عليه فأنكر الموكل الوكالة انعزل فلا حاجة لقولنا القول قوله بيمينه
تنبيه قوله صدق الموكل بيمينه فيه تسمح لأنه في الأولى ليس بموكل إلا أن يراد أنه موكل بزعم الوكيل
____________________
(2/233)
( ولو اشترى ) الوكيل ( جارية بعشرين ) درهما مثلا وهي تساوي عشرين فأكثر ( وزعم أن الموكل أمره ) بالشراء بها ( فقال ) الموكل ( بل ) أنت ( بعشرة و ) لا بينة لواحد منهما أو لكل منهما بينة وتعارضا ( حلف ) الموكل ثم ينظر ( فإن اشترى ) الوكيل الجارية ( بعين مال الموكل وسماه في العقد وقال ) المال له ( أو ) لم يسمه لكن قال ( بعده ) أي العقد ( اشتريته أي المذكور والأولى اشتريتها أي الجارية ( لفلان والمال له وصدقه البائع ) فيما ادعاه أو قامت بذلك بينة ( فالبيع باطل ) في الصورتين لأنه ثبت بتسمية الوكيل في الأولى وتصديق البائع أو البينة في الثنية أن المال والشراء لغير العاقد وثبت بيمين من له المال أنه لم يأذن في الشراء بذلك القدر فيلغو الشراء والجارية لبائعها وعليه رد ما أخذه
تنبيه محل البطلان فيما ذكر إذا لم يوافق البائع المشتري على وكالته بالقدر المذكور وإلا فالجارية باعتراف البائع ملك للموكل فيأتي فيه التلطف الآتي كما نبه عليه البلقيني
( وإن كذبه ) البائع في الصورة الثانية فيما قال بأن قال إنما اشتريت لنفسك والمال لك ولست وكيلا في الشراء المذكور ) ولا بينة ( حلف على نفي العلم بالوكالة ) الناشئة عن التوكيل وإلا فهو ليس وكيلا في زعم البائع
فإن قيل كيف يستقيم الحلف على نفي العلم والحلف إنما يكون على حسب الجواب وهو إنما أجاب بالبت وكيف يصح أيضا الاقتصار على تحليفه على نفي الوكالة مع أنه لو أنكرها واعترف بأن المال لغيره كان كافيا في إبطال البيع فينبغي الحلف عليهما كما يحنث بهما جميعا بل يكفي التحليف على المال وحده لما ذكرنا أجيب عن الأول بأن تحليفه على البت يستلزم محذورا وهو تحليفه على البت في فعل الغير لأن معنى قوله لست وكيلا فيما ذكر أن غيرك لم يوكلك وعلى الثاني بأنه إنما حلف على نفي العلم بالوكالة خاصة لأنها على خلاص الأصل والمال لوكيل بمقتضى الأصل وهو ثبوت يده عليه فلم تقبل دعواه أنه للغير بما يبطل به حق البائع
( ووقع الشراء للوكيل ) ظاهر أو يسلم إلى البائع الثمن المعين ويرد للموكل بدله ( وكذا ) يقع الشراء للوكيل ظاهرا ( إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل ) في العقد بأن نواه وقال اشتريت له والمال له وكذبه البائع فيحلف كما مر وظاهر أنه لو صدقه البائع بطل الشراء كما قاله القمولي لاتفاقهما على وقوع العقد للموكل وثبوت كونه بغير إذنه بيمينه وكأنهم سكتوا عنه لأن الغالب أنه إذا لم يسم الموكل لا يتصور معه ذلك
( وكذا ) يقع الشراء للوكيل ظاهرا ( إن سماه وكذبه البائع في الأصح ) بأن قال له أنت مبطل في تسميتك ولم تكن وكيله والوجهان هنا هما الوجهان المتقدمان في قول المصنف وإن سماه فقال البائع بعتك إلخ وقد مر تعليلهما
( وإن صدقه ) البائع في التسمية ( بطل الشراء ) لاتفاقهما على وقوع العقد للموكل وثبت كونه بغير إذنه بيمينه وإن سكت عن تصديقه وتكذيبه وقع الشراء للوكيل كما يؤخذ من قول المصنف وإن سماه فقال البائع بعتك إلخ
( وحيث حكم بالشراء للوكيل ) مع قوله إنه للموكل ( يستحب للقاضي أن يرفق ) أي يتلطف ( بالموكل ليقول للوكيل إن كنت أمرتك ) بشراء جارية ( بعشرين فقد بعتكها بها ) أي بالعشرين ( ويقول هو اشتريت لتحل له ) باطنا إن كان صادقا في أنه أذن له بعشرين ولا يضر التعليق المذكور في صحة البيع للضرورة إليه ولأنه تصريح بمقتضى العقد فإنه لو قال بعتك كان معناه إن كنت أذنت فأشبه قوله بعتك إن شئت وليس لنا بيع يصح مع التعليق إلا في هذه فإن تجز الموكل البيع صح قطعا ولا يكون ذلك إقرارا بما قاله الوكيل لأنه يقوله بأمر الحاكم للمصلحة وإن لم يجب الموكل إلى ما ذكر أو لم يسأله القاضي
فإن
____________________
(2/234)
كان الوكيل صادقا فهي للموكل وعليه للوكيل الثمن وهو لا يؤديه وقد ظفر الوكيل بغير جنس حقه وهو الجارية فله بيعها وأخذ ثمنها وإن كان كاذبا لم يحل له وطؤها ولا التصرف فيها ببيع أو غيره إن كان الشراء بعين مال الموكل لبطلانه وفي هذه يحتاج القاضي إلى التلطف بالبائع مع التلطف بالموكل وإن كان في الذمة حل ما ذكر للوكيل لوقوع الشراء له
وذكر المتولي كما في الروضة وأصلها أنه إذا كان كاذبا والشراء بالعين أنه يكون كما لو كان صادقا فيكون قد ظفر بغير جنس حقه لتعذر رجوعه على البائع بحلفه
( ولو قال ) الوكيل ( أتيت بالتصرف المأذون فيه ) من بيع أو غيره ( وأنكر الموكل ) ذلك ( صدق الموكل ) بيمينه لأن الأصل عدم التصرف وبقاء ملك الموكل
( وفي قول ) يصدق ( الوكيل ) لأن الموكل قد ائتمنه فعليه تصديقه
ومحل الخلاف إذا وقع النزاع قبل العزل وإلا فالمصدق الموكل قطعا لأن الوكيل غير مالك لإنشاء التصرف حينئذ
ولو اتفقا على التصرف ولكن قال الموكل عزلتك قبله وقال الوكيل بل بعده فكنظيره في الرجعة وسيأتي
( وقول الوكيل في تلف المال مقبول بيمينه ) لأنه أمين كالمودع فلا بد فيه من التفصيل المذكور في الوديعة كما أشار إليه الرافعي في كتاب الرهن
تنبيه مقصود المصنف عدم الضمان ولو لم يصرح به وإلا فالغاصب وكل من يده ضامنة يقبل قوله في التلف
( وكذا ) يقبل قوله ( في الرد ) على الموكل لأنه ائتمنه ولا فرق بين أن يكون بجعل أو لا لأنه إن كان بغير جعل فقد أخذ العين بمحض غرض المالك فأشبه المودع وإن كان بجعل فلأنه إنما أخذ العين لنفع المالك انتفاعه هو إنما هو بالعمل في العين لا بالعين نفسها ولا فرق بين أن يكون قبل العزل أو لا خلافا لما في المطلب
( وقيل إن كان ) وكيلا ( بجعل فلا ) يقبل قوله في الرد لأن أخذالعين لمصلحة نفسه فأشبه المرتهن
وفرق الأول بأن المرتهن تعلقه بالمرهون قوي بدليل تعلقه ببدله عند التلف بخلاف الوكيل
تنبيه محل قبول قول الوكيل في الرد ما لم تبطل أمانته أما لو طالبه الموكل فقال ما قبضته منك فأقام الموكل الينة على قبضه فقال الوكيل رددته إليك أو تلف عندي ضمنه ولا يقبل قوله في الرد لأنه بطلت أمانته بالجحود وتناقضه ودعوى الجاني تسليم ما جباه إلى الذي استأجره على القبول أيضا
( ولو ادعى ) الوكيل ( الرد على رسول الموكل وأنكر الرسول صدق الرسول ) بيمينه لأنه لم يأتمنه فلا يقبل قوله عليه
( ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل ) في ذلك ( على الصحيح ) لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه فليقم البينة عليه
والثاني يلزمه لأنه معترف بإرساله ويد رسوله كيده فكأنه ادعى الرد عليه
ولو صدقه الموكل على الدفع إلى رسوله لم يغرم الوكيل كما قاله الأذرعي إنه الأصح
ولو اعترف الرسول بالقبض وادعى التلف في يده لم يلزم المالك الرجوع إليه لأن الأصل عدم القبض
( ولو قال قبضت الثمن ) حيث يجوز له قبضه بأن وكل في البيع مطلقا أو مع قبض الثمن ( وتلف ) في يدي أو دفعته إليك ( وأنكر الموكل ) قبض الوكيل له
( صدق الموكل إن كان ) الاختلاف ( قبل تسليم المبيع ) لأن الأصل بقاء حقه وعدم القبض
( وإلا ) بأن كان بعد تسليم البيع ( فالوكيل ) هو المصدق بيمينه ( على المذهب ) لأن الموكل ينسبه إلى تقصير وخيانة بتسليم المبيع قبل القبض والأصل عدمه
وفي وجه أن المصدق الموكل لأن الأصل بقاء حقه
والطريق الثاني في المصدق منهما في الحالين القولان في دعوى الوكيل التصرف وإنكار الموكل فلو أذن له في التسليم قبل القبض أو في البيع بمؤجل أو في القبض بعد الأجل فهو كما قبل التسليم إذ لا خيانة بالتسليم وإذا صدقنا الوكيل فحلف ففي براءة المشتري
____________________
(2/235)
وجهان أصحهما كما قال البغوي لا يبرأ لأن الأصل عدم القبض
وإنما قبلنا قول الوكيل في حقه لائتمانه إياه وعلى نقل هذا اقتصر الرافعي في الشرح الصغير ورجح الوجه الآخر الإمام ونقله ابن الرفعة عن القاضي حسين وصححه الغزالي في بسيطه
ولو قال الموكل للوكيل قبضت الثمن فادفعه إلي فقال الوكيل لم أقبضه صدق الوكيل بيمينه وليس للموكل مطالبة المشتري به لاعترافه ببراءة ذمته ولا مطالبة الوكيل بعد حلفه إلا إن سلم الوكيل المبيع بلا إذن فإنه يغرم للموكل قيمة المبيع للحيلولة لاعترافه بالتعدي بتسليمه قبل القبض فلا يشكل بكون القيمة أكثر من الثمن الذي لا يستحق غيره
( ولو ) دفع إلى شخص مالا و ( وكله بقضاء دين ) عليه ( فقال قضيته ) به ( وأنكر المستحق ) قضاءه ( صدق المستحق بيمينه ) لأنه لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه ولأن الموكل لو ادعى القضاء لم يصدق لأن الأصل عدم القضاء فكذا نائبه
وإذا حلف المستحق طالب الموكل بحقه لا الوكيل
( والأظهر أنه لا يصدق الوكيل على الموكل إلا ببينة ) أو شاهد ويحلف معه لأنه وكله في الدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه الإشهاد عليه وعلى هذا فيأتي فيه ما سبق في رجوع الضامن من الإكتفاء بالمستور وبالواحد ومن التفصيل بالأداء بين الحضرة والغيبة وقبول قول الموكل بيمينه في أنه لم يحضر وغير ذلك مما مر
والثاني يصدق عليه لأن الموكل قد ائتمنه فأشبه ما لو ادعى الرد عليه
( وقيم اليتيم إذا ادعى دفع المال إليه بعد البلوغ ) والرشد ( يحتاج إلى بينة على الصحيح ) لأنه لم يأتمنه حتى يكلف تصديقه وكذا ولي السفيه إذا ادعى الدفع إليه بعد رشده ويخالف ذلك الإنفاق لأنه يعسر إقامة البينة عليه
والثاني يقبل قوله مع يمينه لأنه أمين فأشبه المودع
وأما الوصي فقد ذكره المصنف في آخر الوصية وجزم فيه بأنه لا يصدق
قال الإسنوي ولو عكس المصنف كما فعل الماوردي لجزم في القيم بعدم التصديق وتردد في الوصي لكان أولى لأن الوصي أقرب إلى التصديق لأن الأب أو الجد أقامه مقام نفسه اه
ورد عليه بأن ما فعله المصنف أولى لأن القيم في معنى القاضي فكان أعلى مرتبة وأقرب إلى التصديق
وهذا الرد مردود لأن الأب والجد أعلى مرتبة من القاضي
تنبيه مراد المصنف بقيم اليتيم كما قاله الإسنوي منصوب القاضي فقط وهو اصطلاح الإمام و الرافعي وغيرهما خلافا لابن الملقن في قوله وهو من قوم بأمره أبا كان أو جدا أو وصيا أو حاكما إذ لا يتم مع الأب والجد في معناه
وعلى هذا لم يتعرض الشيخان للأب والجد والمشهور فيهما كما قاله في المطلب عدم القبول أيضا وإن جزم السبكي بقبول قولهما تبعا للماوردي
وقضية كلام الحاوي أن الحاكم كالأب وألحقه أبو الطيب بالوصي وهو قضية كلام التنبيه
قال الأذرعي وعلى تقدير أن يقبل قوله فيجب أن يكون ذلك في القاضي العدل الأمين كما ذكره الأصحاب في باب الوديعة بل لا يجوز لغير الأمين وضع يده على مال اليتيم ونحوه اه
والمجنون كاليتيم والإفاقة كالبلوغ
( وليس لوكيل ولا مودع ) ولا غيرهما ممن يقبل قوله في الرد كالشريك وعامل الغراض ( أن يقول بعد طلب المالك ) ماله ( لا أرد المال إلا بإشهاد في الأصح ) لأن قوله في الرد مقبول بيمينه فلا حاجة إليه
والثاني له ذلك حتى لا يحتاج إلى يمين فإن الأمناء يحترزون عنها ما أمكنهم
( وللغاصب ومن لا يقبل قوله في الرد ذلك ) أي التأخير إلى الإشهاد كما أشار إليه المصنف من عدم قبول قوله سواء أكان عليه بينة بالأخذ أم لا وقيل إن لم يكن عليه بينة بالأخذ ليس له طلب الإشهاد لتمكنه من أن يقول ليس له عندي شيء ويحلف عليه
ورد بأنه ربما رفعه إلى قاض يرى الاستفصال كالمالكي فيسأله هل هو غصب أو لا فإن قيل التوبة واجبة على الفور من الغصب وهي لا تحصل إلا برد المغصوب فكيف يجوز التأخير لطلب الأشهاد أجيب بأن ذلك لأجل الضرورة لأنه ربما طولب به ثانيا
____________________
(2/236)
تنبيه تعبير المصنف بالرد لا يشمل من عليه الدين كالمقترض وحكمه حكم من لا يقبل قوله في الرد فلو عبر بالدفع لشمله
( ولو قال رجل ) لمن عنده مال لمستحقه ( وكلني المستحق بقبض ماله عندك من دين أو عين وصدقه ) من عنده المال في ذلك ( فله دفعه إليه ) لأنه محق بزعمه فإن سلم إليه الحق فأنكر المستحق وكالته فإن كان عينا وبقيت أخذها أو أخذها الدافع وسلمها إليه فإن تلفت طالب ببدلها من شاء منهما
ومن غرم منهما لا يرجع على الآخر لاعترافهما أن الظالم غيرهما فلا يرجع إلا على ظالمه إلا إن قصر القابض لها فتلفت وغرم المستحق الدافع لها فإنه يرجع على القابض لأنه وكيل عنده والوكيل يضمن بالتقصير وكذا يرجع عليه كما في الأنوار إن شرط الضمان عليه إن أنكر المالك وإن كان الحق دينا لم يطالب به المستحق إلا غريمه لأن القابض فضولي بزعمه والمقبوض ليس حقه وإنما هو مال المديون
وإذا غرمه فله استرداده من القابض إن كان باقيا لأنه مال من ظلمه وقد ظفر به وإن كان تالفا فإن كان بلا تفريط لم يغرمه وإلا غرمه
هذا كله إن صرح بتصديقه في دعواه الوكالة كما هو فرض المسألة وإلا فله مطالبته والرجوع عليه بما قبضه منه دينا كان أو عينا
وقد علم من هذا التفصيل أنه لا فرق بين أن يكون المدعى به دينا أو عينا فيجوز له دفعه عند التصديق وإن قيده بعض المتأخرين من عند نفسه بالدين
ولا يقال إن ذلك تصرف في ملك الغير بغير إذنه إذ غلبة الظن في ذلك كافية
( والمذهب أنه لا يلزمه ) الدفع إليه ( إلا ببينة على وكالته ) لاحتمال إنكار المستحق لها
والطريق الثاني فيه قولان أحدهما هذا وهو المنصوص والثاني وهو مخرج من مسألة الوارث الآتية يلزمه الدفع إليه بلا بينة لاعترافه باستحقاقه الأخذ
( ولو قال ) لمن عليه دين ( أحالني ) مستحقه ( عليك ) به وقبلت الحوالة ( وصدقه ) في ذلك ( وجب الدفع ) إليه ( في الأصح ) لأنه اعترف بانتقال الحق إليه
والثاني لا يجب إلا ببينة لاحتمال إنكار صاحب الحق الحوالة
تنبيه جحد المحيل الحوالة كجحد الموكل الوكالة كذا قالاه
ولا يخفى أن الدافع مصدق للقابض على أن ما قبضه صار له بالحوالة وأن المستحق ظلمه فيما أخذه منه فينبغي كما قال شيخنا أن لا يرجع على القابض فتخالف الحوالة الوكالة في ذلك
( قلت وإن قال ) من عنده حق لمستحقه ( أنا وارثه ) المستغرق لتركته كما قيده في الكفاية أو وصى له أو موصى له منه ( وصدقه ) من عنده الحق في ذلك ( وجب الدفع ) إليه ( على المذهب والله أعلم ) لأنه اعترف بانتقال الحق إليه
والطريق الثاني فيه قولان أحدهما هذا وهو المنصوص
والثاني وهو مخرج من مسألة الوكيل السابقة لا يجب الدفع إليه إلا ببينة على إرثه لاحتمال أنه لا يرثه الآن لحياته ويكون ظن موته خطأ
وإذا سلمه ثم ظهر المستحق حيا وغرمه رجع الغريم على الوارث والوصي والموصى له بما دفعه إليهم لتبين كذبهم بخلاف صور الوكالة لا رجوع فيها في بعض صورها كما مر لأنه صدقه على الوكالة وإنكار المستحق لا يرفع تصديقه وصدق الوكيل لاحتمال أنه وكله ثم جحد وهذا بخلافه
خاتمة لو صدق الموكل بقبض دين أو استرداد وديعة أو نحوه مدعي التسليم إلى وكيله المنكر لذلك لم يغرم الموكل مدعي التسليم بترك الإشهاد ويفارق ما لو ترك الوكيل بقضاء الدين الإشهاد حيث يغرمه الموكل بأن الوكيل يلزمه الاحتياط للموكل فإذا تركه غرم بخلاف الغريم
ويجوز عقد النكاح والبيع ونحوهما بالمصادقة على الوكالة به ثم بعد العقد إن كذب الوكيل نفسه لم يؤثر وإن وافقه من وقع العقد لأن فيه حقا للموكل إلا أن يقيم من وقع له العقد بينة بإقراره أنه لم يكن مأذونا له في ذلك فيؤثر فيه
____________________
(2/237)
كتاب الإقرار هو لغة الإثبات من قولهم قر الشيء يقر قرارا إذا ثبت وشرعا إخبار عن حق ثابت على المخبر فإن كان بحق له على غيره فدعوى أو لغيره على غيره فشهادة هذا إذا كان خاصا فإن اقتضى شيئا عاما فإن كان عن أمر محسوس فهو الرواية وإن كان عن حكم شرعي فهو الفتوى
ويسمى الإقرار اعترافا أيضا
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى { أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري } أي عهدي { قالوا أقررنا } وقوله تعالى { كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم } قال المفسرون شهادة المرء على نفسه هو الإقرار
وخبر الصحيحين اغديا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها
والقياس لأنا إذا قبلنا الشهادة على الإقرار فلأن نقبل الإقرار أولى
وأجمعت الأمة على المؤاخذة به
وأركانه أربعة مقر ومقر له وصيغة ومقر به وقد بدأ المصنف منها بالأول فقال ( ويصح من مطلق التصرف ) وهو المكلف الذي لا حجر عليه ويعتبر فيه أيضا الاختيار وأن لا يكذبه الحس ولا الشرع كما سيأتي
( و ) على هذا ( إقرار الصبي والمجنون ) والمغمى عليه ومن زال عقله بعذر كشرب دواء وإكراه على شرب خمر ( لاغ ) لامتناع تصرفهم
وسيأتي حكم السكران إن شاء الله تعالى في كتاب الطلاق
تنبيه الأصل أن من قدر على الإنشاء قدر على الإقرار ومن لا فلا
واستثني من الأول إقرار الوكيل بالتصرف إذا أنكره الموكل فلا ينفذ وإن أمكنه إنشاؤه ومن الثاني إقرار المرأة بالنكاح والمجهول بحريته أو رقه وبنسبه والمفلس ببيع الأعيان والأعمى بالبيع ونحوه والوارث بدين على مورثه والمريض بأن كان وهب وارثه وأقبضه في الصحة فكل من هؤلاء يصح إقرارهم بما ذكر ولا يمكنهم إنشاؤه
قال ابن عبد السلام قولهم من ملك الإنشاء ملك الإقرار هو في الظاهر وأما في الباطن فبالعكس أي لأنه إذا ملكه باطنا فهو ملكه فليس له أن يقر به لغيره
( فإن ادعى ) الصبي أو الصبية ( البلوغ بالاحتلام ) أو ادعته الصبية بالحيض ( مع الإمكان ) له بأن كان في سن يحتمل البلوغ وقد مر بيان زمن الإمكان في بابي الحيض والحجر ( صدق ) في ذلك لأنه لا يعرف إلا من جهته والمراد بالاحتلام الإنزال في يقظة أو منام
( ولا يحلف ) عليه وإن فرض ذلك في خصومة وادعى خصمه صباه ليفسد معاملته لأنه إن كان صادقا فلا حاجة إلى اليمين وإلا فلا فائدة فيها لأن يمين الصبي غير منعقدة
ولو طلب غاز سهمه من المقاتلة وادعى البلوغ بالاحتلام وجب تحليفه إن اتهم وأخذ السهم
فإن لم يحلف لم يعط شيئا
فإن قيل هذه الصورة تشكل على ما قبلها
أجيب بأن الكلام فيما مر في وجود البلوغ في الحال وفي هذه في وجوده فيما مضى لأن صورتها أن تنازع الصبي بعد انقضاء الحرب في بلوغه حال الحرب
لكن يشكل على هذا ما لو طلب إثبات اسمه في الديوان فإنه يحلف والأولى في الجواب كما أفاده شيخي أن يقال إن لم يرده مزاحمة غيره في حقه كطلب السهم وإن لم يثبت له استحقاقا كطلب إثبات اسمه في الديوان لم يحلف وإلا حلف
وإذا لم يحلف فبلغ مبلغا يقطع فيه ببلوغه قال الإمام فالظاهر أيضا أنه لا يحلف على أنه كان بالغا حينئذ لأنا إذا حكمنا بموجب قوله فقد أنهينا الخصومة نهايتها
وأقره الرافعي في الشرح الكبير وجزم به في الشرح الصغير من غير عزو
( وإن ادعاه بالسن ) بأن قال استكملت خمس عشرة سنة ( طولب ببينة ) عليه وإن كان غريبا لإمكانها
ولو أطلق الإقرار بالبلوغ ولم يعين نوعا ففي تصديقه وجهان في فتاوى القاضي أوجههما كما اختاره الأذرعي الاستفسار أي أمكن وإلا فالقبول وكذا إذا أطلقت البينة فإن قالت بالسن فلا بد من بيان قدره لأن البلوغ به مختلف فيه نبه عليه شيخي
ولو أقر الرشيد بإتلافه مالا في صغره قبل كما لو قامت به
____________________
(2/238)
بينة
ومحله كما بحثه البلقيني إذا لم يكن على وجه لا يسقط عن المحجور عليه فإن كان كذلك كالمقترض فلا يؤاخذ به
( والسفيه والمفلس سبق حكم إقرارهما ) في بابي الحجر والتفليس
ومما لم يسبق إقرار المفلس بالنكاح وهو مقبول بخلاف السفيه فلا يقبل
ويقبل إقرار السفيهة لمن صدقها كالرشيدة إذ لا أثر للسفه من جانبها
والفرق بين إقرار السفيهة والسفيه بذلك في إقرارها تحصيل مال وفي إقراره تفويته
( ويقبل إقرار الرقيق بموجب ) بكسر الجيم ( عقوبة ) كقصاص وشرب خمر وزنا وسرقة بالنسبة إلى القطع لبعد التهمة في ذلك لأن النفوس مجبولة على حب الحياة والاحتراز عن الآلام روي أن عليا قطع عبدا بإقراره
ولو عفا مستحق القصاص على مال تعلق برقبة العبد وإن كذبه السيد
فائدة لا يصح الإقرار على الغير إلا هنا وفي إقرار الوارث بوارث آخر قاله صاحب التعجيز
ويضمن مال السرقة في ذمته إن لم يصدقه السيد يتبع به إذا عتق فإن صدقه أخذ المال إن كان باقيا وإلا بيع في الجناية إن لم يفده السيد
ولا يتبع بعد العتق بما زاد على قيمته إذ لا يجتمع التعلق بالرقبة مع التعلق بالذمة والدعوى عليه فيما يقبل إقراره وإلا فعلى سيده لأن الرقبة المتعلق بها المال حقه فإن قال المدعي لي بينة فقل تسمع الدعوى عليهما لانتفاء التهمة وهو ما نقله في الروضة هنا عن البغوي والراجح أنه لا تسمع على العبد كما في الدعاوى نبه عليه الإسنوي وغيره وسيأتي ثم فيه زيادة بيان
وإن أقر من نصفه حر مثلا بدين إتلاف لزمه نصف ما أقر بإتلافه ولا يقبل إقراره على سيده إلا أن يصدقه فيتعلق نصف ما أقر به بجزئه الرقيق والظاهر كما قال شيخنا أن ما لزم ذمته في نصفه الرقيق لا يجب تأخير المطالبة به إلى العتق لأنها إنما أخرت في كامل الرق لعدم ملكه والبعض يملك
( ولو أقر بدين جناية لا توجب عقوبة ) أي حدا أو قصاصا كجناية الخطأ والغصب والإتلاف ( فكذبه السيد تعلق بذمته دون رقبته ) للتهمة ويتبع به إذا عتق
أما ما أوجب عقوبة غير حد أو قصاص ففي تعلقه برقبته أقوال أظهرها لا يتعلق أيضا
قال الإسنوي واحترازه عن ذلك الخلاف مع كونه لم يذكره غير مستقيم واحترز بقوله فكذبه أي أو سكت عما إذا صدقه فإنه يتعلق برقبته ويباع ما لم يكن مرهونا ولا جانيا إن لم يفده بأقل الأمرين من قيمته وقدر الدين فإذا بيع أو فداه السيد وقد بقي من الدين شيء لا يتبع بما زاد على قيمته إذا عتق لأنه إذا ثبت التعلق بالرقبة فكأن الحق انحصر فيها
تنبيه لا يقبل إقرار السيد على رقيقه بموجب عقوبة ولا بدين معاملة ويقبل إقراره عليه بدين جناية ويتعلق برقبته فلو بيع وبقي شيء لم يطالب به بعد العتق بإتلاف مال لغيره قبل عتقه لزمه دون سيده فإن ثبت بالبينة أنه كان جنى لزم السيد لتقصيره من عامله بخلاف الجناية
( ويقبل ) على السيد ( إن كان ) مأذونا له في التجارة لقدرته على الإنشاء ( ويؤدي من كسبه وما في يده ) كما مر في بابه
نعم لو كان المأذون اشترى شراء فاسدا أو أقر بما لا يتعلق بالتجارة كالقرض فلا يقبل على السيد لأن الأذن لم يتناول ذلك
تنبيه محل قبول إقراره إذا لم يحجر عليه السيد فلو أقر بعد الحجر عليه بدين معاملة أضافه إلى الإذان لم تقبل إضافته
فإن قيل إقرار المفلس بعد الحجر في حق الغرماء مقبول فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن إقرار العبد يؤدي إلى فوات حق السيد بخلاف غرماء المفلس إذ يبقى لهم الباقي في ذمة المفلس
ولو أطلق الإقرار بالدين قبل الحجر عليه لم يقبل على السيد ومحله كما قال الإسنوي وغيره إذا تعذرت مراجعته فإن أمكنت روجع
وقد ذكر المصنف
____________________
(2/239)
في الصورة هذا الاستدراك في إقرار المفلس وهو نظير مسألتنا
وإقرار المكاتب في البدن والمال كالحر ويؤديه مما في يده فإن عجز نفسه ولا مال معه فديون معاملاته يؤديه بعد عتقه وأرش جناياته في رقبته تؤدى من ثمنه
( ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي ) بمال عينا كان أو دينا كإقرار الصحيح ويكون من رأس المال بالإجماع كما قاله الغزالي
ولو أراد الوارث تحليف المقر له على الاستحقاق لم يكن له ذلك كما حكاه ابن الملقن وأقره
( وكذا ) يقبل إقراره به ( الوارث على المذهب ) كالأجنبي لأن الظاهر أنه محق لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب فيها الفاجر وفي قول لا يصح لأنه متهم بحرمان بعض الورثة والطريق الثاني القطع بالقبول
ويجري الخلاف في إقرار الزوجة يقبض صداقها من زوجها في مرض موتها وفي إقراره لوارث بهبة أقبضها له في حال صحته
تنبيه الخلاف في الصحة أما التحريم فعند قصد الحرمان لا شك فيه كما صرح به جمع منهم القفال في فتاويه وقال إنه لا يحل للمقر له أخذه اه
وإذا ادعى بقية الورثة على المقر له أنه لا حقيقة لإقرار مورثهم له فأحلف أنه أقر لك بحق لازم كان يلزمه الإقرار به فعليه أن يحلف فإن نكل حلف بقية الورثة وقاسموه ولا يشكل ذلك بما تقدم عن ابن الملقن لأن التهمة في الوارث أشد منها في الأجنبي ولذلك اختار الروياني مذهب مالك وهو أنه إن كان متهما لم يقبل إقراره وإلا قبل قال الأذرعي وهو قوي
وقد يغلب على الظن بالقرائن كذبه بل يقطع به في بعض الأحوال فلا ينبغي لمن يخشى الله أن يقضي أو يفتي بالصحة مطلقا وإن ساعده إطلاق الشافعي والأصحاب ولا شك فيه إذا علم أن قصده الحرمان نعم لو أقر لمن لا يستغرق الإرث ومعه بيت المال فالوجه إمضاؤه في هذه الإعصار لفساد بيت المال اه
والخلاف في الإقرار بالمال أما لو أقر بنكاح أو عقوبة فيصح جزما وإن أفضى إلى المال بالعفو أو بالموت قبل الاستيفاء لضعف التهمة
( ولو أقر في صحته بدين ) لإنسان ( وفي مرضه ) بدين لآخر لم يقدم الأول بل يتساويان كما لو ثبتا بالبينة
( ولو أقر في صحته أو مرضه ) بدين لإنسان ثبت ببينة ( وأقر وارثه بعد موته ) بدين ( لآخر لم يقدم الأول في الأصح ) لأن إقرار الوارث كإقرار المورث لأنه خليفته فكأنه أقر بدينين
والثاني يقدم الأول لأن بالموت تعلق بالتركة فليس للوارث صرفها عنه
قال البلقيني ولو أقر الوارث لمشاركة في الإرث وهما مستغرقان كزوجة وابن أقر لها بدين على أبيه وهي مصدقة له ضاربت بسبعة أثمان الدين مع أصحاب الديون لأن الإقرار صدر ممن عبارته نافذة في سبعة أثمان فعملت عبارته فيها كعمل عبارة الحائز في الكل اه
فروع لو ادعى إنسان على الوارث أن المورث أوصى له بثلث ماله مثلا وآخر بأن له عليه دينا مستغرقا وصدق الوارث مدعي الوصية ثم مدعي الدين المستغرق أو بالعكس أو صدقهما معا قدم الدين لو ثبتا بالبينة
ولو أقر المريض لإنسان بدين ولو مستغرقا ثم أقر لآخر بعين قدم صاحبها كعكسه لأن الإقرار بالدين لا يتضمن حجرا في العين بدليل نفوذ تصرفه فيها بغير تبرع
ولو أقر بإعتاق أخيه في الصحة عتق وورث إن لم يحجبه غيره أو بإعتاق عبد في الصحة وعليه دين مستغرق لتركته عتق لأن الإقرار إخبار لا تبرع
( ولا يصح إقرار مكره ) بما أكره عليه لقوله تعالى { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } جعل الإكراه مسقطا لحكم الكفر فبالأولى ما عداه
وصورة إقراره أن يضرب ليقر فلو ضرب ليصدق في القضية فأقر حال الضرب أو بعده لزمه ما أقر لأنه ليس مكرها إذ المكره من أكره على شيء واحد وهذا إنما ضرب ليصدق ولا ينحصر الصدق في الإقرار ولكن يكره إلزامه حتى يراجع ويقر ثانيا
قال المصنف وقبول إقراره حال الضرب مشكل لأنه قريب من المكره ولكنه ليس مكرها وعلله بما مر ثم قال وقبول إقراره بعد الضرب فيه نظر إن غلب على ظنه إعادة الضرب إن لم يقر وقال الأذرعي الولاة
____________________
(2/240)
في هذا الزمان يأتيهم من يتهم بسرقة أو قتل أو نحوهما فيضربونه ليقر بالحق ويراد بذلك الإقرار بما ادعاه خصمه والصواب أن هذا إكراه سواء أقر في حال ضربه أم بعد وعلم أنه إن لم يقر بذلك لضرب ثانيا اه
وهذا متعين
ثم شرع في الركن الثاني فقال ( ويشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به ) لأنه حينئذ يصادق محله وصدقه محتمل وبهذا يخرج ما إذا أقرت المرأة بصداقها عقب النكاح لغيرها أو الزوج ببدل الخلع عقب المخالعة لغيره أو المجني عليه بالأرش عقب استحقاقه لغيره لأن صدق هؤلاء غير محتمل
فإن قيل الحصر في هذه الثلاثة غير مستقيم فإن المتعة والحكومة والمهر الواجب عن وطء شبهة وأجرة بدن الحر كذلك أجيب بأنها راجعة إلى الثلاث فالحكومة ترجع إلى الأرش والمتعة والمهر الواجب عن وطء شبهة يرجع إلى الصداق
وأما ما ذكر من عدم صحة الإقرار بأجرة بدن الحر فممنوع فإن الحر يحتمل أن يكون قد أجر بدنه قبل ذلك ثم وكله المستأجر في إجارة نفسه ولا فرق فيما ذكر بين الدين والعين حتى لو أعتق عبدا ثم أقر له هو أو غيره عقب عتقه بدين أو عين لم يصح إذ أهلية الاستحقاق لم تثبت له إلا في الحال ولم يجز بينهما ما يوجب المال
( فلو قال لهذه الدابة ) أو لدابة فلان ( علي كذا فلغو ) لأنها ليست أهلا للاستحقاق فإنها غير قابلة للملك في الحال ولا في المآل ولا يتصور منها تعاطي السبب كالبيع ونحوه بخلاف الرقيق كما سيأتي
نعم لو أضافه إلى ممكن كالإقرار بمال من وصية ونحوها صح كما قاله الماوردي
ومحل البطلان كما قاله الأذرعي في المملوكة أما لو أقر لخيل مسبلة فالأشبه الصحة كالإقرار لمقبرة ويحمل على أنه من غلة وقف عليها أو وصية لها وبه صرح الروياني واقتضى كلامه أنه لا خلاف فيه
( فإن قال ) علي ( بسببها لمالكها ) كذا ( وجب ) لأنه إقرار للمالك لا لها وهي السبب إما بجناية عليها وإما باستيفاء منفعتها بإجارة أو غصب ويكون المقر به ملكا لمالكها حين الإقرار
فإن لم يقل ( لمالكها ) واقتصر على قوله بسببها لم يلزم أن يكون المقر به لمالكها في الحال بل يسأل ويحكم بموجب بيانه إذ يحتمل أن يكون المقر به لغير مالكها كأن تكون أتلفت شيئا على إنسان وهي في يد المقر
( ولو قال لحمل هند ) علي أو عندي ( كذا بإرث ) من أبيه مثلا ( أو وصية ) له من فلان أو بغيرهما مما يمكن في حقه ( لزمه ) ذلك لأن ما أسنده إليه ممكن والخصم في ذلك ولي الحمل
ولا بد من تعيين الحامل كما أشار إليه بهند لأن إبهامها يلزم منها إبهام المقر له وإبهامه مبطل للإقرار ثم إن انفصل ميتا فلا حق له في الإرث والوصية وغيرهما مما أسند إليه ويكون المقر به لورثة المورث أو الموصي أو لغيرهم مما أسند إليه أو حيا لدون ستة أشهر من حين سبب الاستحقاق كما قاله الإسنوي استحق وكذا ستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين ما لم تكن أمه فراشا
ثم إن استحق بوصية فله الكل أو بإرث من الأب وهو ذكر فكذلك أو أنثى فلها النصف وإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية وأثلاثا إن أسنده إلى إرث واقتضت جهته ذلك فإن اقتضت التسوية كولدي أم سوى بينهما في الثلث
وإن أطلق الإقرار بالإرث سألناه عن الجهة وعملنا بمقتضاها فإن تعذرت مراجعة المقر قال في الروضة فينبغي القطع بالتسوية قال الإسنوي وهو متجه
( وإن أسنده إلى جهة لا تمكن في حقه ) كقوله أقرضني أو باعني شيئا ( فلغو ) للقطع بكذبه في ذلك وهذا ما صححه في الروضة قال وبه قطع في المحرر والذي في الشرحين فيه طريقان أصحهما القطع بالصحة
والثاني على القولين في تعقب الإقرار بما يرفعه
قال الأذرعي وطريقة التخريج جزم بها أكثر العراقيين وطريقة القطع بالصحة ذكرها المراوزة وما صححه النووي ممنوع ولم أر من قطع بإلغاء الإقرار وما عزاه للمحرر بناء على ما فهمه من قول المحرر وإن أسنده إلى جهة لا تمكن فهو لغو من أنه أراد فالإقرار لغو وليس مرادا بل مراده فالإسناد لغو بقرينة كلام الشرحين وذكر مثله صاحب الأنوار والزركشي وهو كما قال شيخنا حسن ومشيت عليه في شرح التنبيه
( وإن أطلق ) الإقرار أي لم يسنده إلى شيء ( صح في الأظهر )
____________________
(2/241)
وحمل على الجهة الممكنة في حقه وإن ندر حملا لكلام المكلف على الصحة ما أمكن
والثاني لا يصح لأن الغالب أن المال لا يجب إلا بمعاملة أو جناية ولامتناع المعاملة مع الحمل ولا جناية عليه فيحمل إطلاقه على الوعد وعلى الصحة في هاتين الحالتين إن انفصل الحمل ميتا فلا شيء له للشك في حياته فيسأل القاضي المقر حسبة عن جهة إقراره من إرث أو وصية ليصل الحق إلى مستحقه
وإن مات المقر قبل البيان بطل كما صرح به البغوي وغيره فإن انفصل حيا للمدة المعتبرة فالكل له ذكرا كان أو أنثى وإن انفصل ذكر وأنثى فهو لهما بالسوية
وإن ألقت حيا وميتا جعل المال للحي لأن الميت كالمعدوم
ولو قال لهذا الميت علي كذا ففي البحر عن والده أن ظاهر لفظ المختصر يقتضي صحة الإقرار وأنه يمكن القطع بالبطلان لأن المقر له لا يتصور ثبوت الملك له حين الإقرار والظاهر الأول
والإقرار للمسجد والرباط والقنطرة كالإقرار للحمل
ولو أقر لطفل وأطلق صح قطعا لأنه من أهل المعاملة بواسطة وليه
ويشترط لصحة الإقرار عدم تكذيب المقر له المقر كما يؤخذ من قوله ( وإذا كذب المقر له المقر ) بمال ( ترك المال ) المقر به ( في يده ) دينا كان أو عينا ( في الأصح ) لأن يده تشعر بالملك ظاهرا والإقرار الطارىء عارضه التكذيب فسقط
والثاني ينزعه الحاكم ويحفظه إلى ظهور مالكه
تنبيه ظاهر كلام المصنف يقتضي تخصيص الخلاف بالمعين لقوله ترك المال في يده وبه جزم القاضيان أبو الطيب و الحسين والمعتمد أنه لا فرق كما تقرر
وإذا بقي المال في يده قال الزركشي فينبغي أن يجوز له جميع التصرفات فيه ما خلا الوطء لاعترافه بتحريم ذلك عليه بل ينبغي أن يمتنع عليه جميع التصرفات حتى يرجع اه
والظاهر كما قال شيخنا أنه إن كان ظانا أن المال للمقر له امتنع عليه التصرف وإلا فلا
( فإن رجع المقر في حال تكذيبه ) أي المقر له ( وقال غلطت ) في الإقرار أو تعمدت الكذب ( قبل قوله في الأصح ) بناء على أن المال يترك في يده
والثاني لا بناء على أن الحاكم ينزعه منه إلى ظهور مالكه
تنبيه تقييده بحال تكذيب المقر له يوهم أنه لو رجع المقر له وصدقه أنه لا يكون كذلك وليس مرادا فإن الأصح أن رجوع المقر له غير مقبول ولا يصرف إليه إلا بإقرار جديد لأن نفيه عن نفسه بطريق المطالبة بخلاف المقر فإن نفيه عن نفسه بطريق الالتزام فكان أضعف
فلو قال المصنف بعد تكذيبه لشمل حالتي التكذيب وبعده
والظاهر كما قال شيخنا أن تكذيب وإرث المقر له كتكذيبه حتى لو أقر لميت أو لمن مات بعد الإقرار فكذبه الوارث لم يصح
أما في حق غيره فيصح كما لو أقر بجناية على المرهون وكذبه المالك فإنه وإن لم يصح في حق المالك صح في حق المرتهن حتى يستوثق بأرشها
ولو قال بيدي مال لا أعرف مالكه نزعه القاضي منه لأنه إقرار بمال ضائع فهو إقرار صحيح
فإن قيل إنه لو قال علي مال لرجل أو لواحد من بني آدم لايكون إقرارا لفساد الصيغة فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن ما هنا في العين وما هناك في الدين كما أجاب به السبكي ويشير إليه كلام أصل الروضة
ولو قام رجل في المسألة الثانية وقال أنا المراد بالإقرار لم يصدق بل المصدق المقر بيمينه فعلم أنه يشترط أن يكون المقر له معينا نوع تعيين بحيث يتوقع منه الدعوى والطلب كقوله لأحد هؤلاء الثلاثة علي كذا
فروع لو أقرت له امرأة بالنكاح وأنكر سقط حقه قال المتولي حتى لو رجع بعد وادعى نكاحها لم يسمع إلا أن يدعي نكاحا مجددا
وإنما احتيج لهذا الاستثناء لأنه يعتبر في صحة إقرار المرأة بالنكاح تصديق الزوج لها فاحتيط له بخلاف غيره
ولو أقر لآخر بقصاص أو حد قذف وكذبه سقط وكذا حد سرقة وفي المال ما مر من كونه يترك في يده
ولو أقر له بعبد فأنكره لم يحكم بعتقه لأنه محكوم برقه فلا يرفع إلا بيقين بخلاف اللقيط فإنه محكوم بحريته بالدار فإذا أقر ونفاه المقر له بقي على أصل الحرية
ولو أقر له بأحد عبدين وعينه فرده وعين الآخر لم يقبل فيما عينه إلا ببينة وصار مكذبا للمقر فيما عينه
ثم شرع في الركن الثالث مترجما له بفصل فقال
____________________
(2/242)
فصل في الصيغة ( قوله لزيد كذا صيغة إقرار ) وجهه الإسنوي بأن اللام تدل على الملك ومحله كما قال هو وغيره إذا كان المقر به معينا كهذا الثوب فيجب عليه أن يسلمه له إن كان بيده أو انتقل إليها وإن لم يكن كألف أو ثوب فلا بد أن يضيف إليه شيئا من الألفاظ الآتية ك علي أو عندي أو نحو ذلك وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله صيغة إقرار ولم يقل لزمه
( وقوله علي ونفي ذمتي للدين ) الملتزم في الذمة لأنه المتبادر منه عرفا وهذا عند الإطلاق لما سيأتي أنه يقبل التفسير في علي بالوديعة
تنبيه لو عبر المصنف ب أو هنا فقال علي أو في ذمتي كما عبر به في الروضة وفيما سيأتي فقال معي أو عندي لكان أولى لئلا يوهم أن المراد الهيئة الاجتماعية
( ومعي وعندي للعين ) لأنهما ظرفان فيحمل كل منهما عند الإطلاق على عين له بيده فلو ادعى أنها وديعة وأنها تلفت أو أنه ردها صدق بيمينه
وقوله قبلي بكسر القاف وفتح الموحدة للعين والدين كما جرى عليه ابن المقري تبعا لما رجحه الشيخان بحثا بعد نقلهما عن البغوي أنه للدين
قال الإسنوي ولو أتى بلفظ يدل على العين وآخر على الدين كأن قال له علي ومعي عشرة فالقياس أنه يرجع إليه في تفسير بعض ذلك بالعين وبعضه بالدين
( ولو قال ) إنسان لآخر ( لي عليك ألف فقال ) له ( زن أو خذ أو زنه أو خذه أو اختم عليه أو اجعله في كيسك ) أو هي صحاح ( فليس بإقرار ) لأنه ليس بالتزام وإنما يذكر في موضع الاستهزاء
( ولو قال ) له ( بلى أو نعم أو صدقت ) أو أجل أو جير أو أي بمعنى نعم ( أو أبرأتني منه أو قضيته أو أنا مقر به فهو إقرار ) أما الثلاثة الأول فلأنها ألفاظ موضوعة للتصديق وفي معناها ما ذكر معها
وأما دعوى الإبراء والاقتضاء فلأنه قد اعترف بالشغل وادعى الإسقاط والأصل عدمه
وفي الروضة وأصلها فيما لو قال لي عليك ألف فقال صدقت أو نحوه يشبه محل كونه إقرارا إذا لم توجد قرينة تصرفه للاستهزاء والتكذيب كالأداء والإيراد أي كيفية أداء الكلمة وإيرادها من الضحك وغيره كتحريك الرأس عجبا وإنكارا اه
فإن وجد منه ذلك ففيه خلاف لتعارض اللفظ والقرينة كما لو قال لي عليك ألف فقال مستهزئا لك علي ألف فإن المتولي حكى فيه وجهين وقضية كلامه كما في المهمات أن الأصح اللزوم
تنبيه لو اقتصر على قوله أبرأتني فليس بإقرار وكذا قوله للحاكم قد أقر أنه أبرأني أو أنه قد استوفى مني الألف قاله القفال في فتاويه
وهو حيلة لدعوى البراءة مع السلامة من التزام ومثل ذلك ما لو قال قد أبرأتني من هذه الدعوى فلا يكون مقرا بالحق
وأما قوله أنا مقر به فقضية التعليل الآتي في أنا مقر به تقييد حكم أنا مقر بما إذا خاطبه فقال أنا مقر لك به وإلا فيحتمل الإقرار به لغيره قاله الرافعي وأسقطه من الروضة وأجاب عنه السبكي بأن الضمير عائد إلى الألف التي له أي فلا يقبل قول المقر أردت به غيرك كما لا يقبل تفسيره الدراهم بالناقصة إذا لم يصلها بالكلام وكانت دراهم البلد تامة إذ الجواب منزل على السؤال
( ولو قال أنا مقر ) ولم يقل به ( أو أنا أقر به فليس بإقرار ) أما الأول فلجواز أن يريد الإقرار ببطلان دعواه أو بوحدانية الله تعالى وأما الثاني فلاحتمال الوعد بالإقرار في ثاني الحال
فإن قيل لو قال لا أنكر ما تدعيه كان إقرارا مع احتمال الوعد فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن العموم إلى النفي أسرع منه إلى الإثبات بدليل النكرة فإنها تعم في حيز النفي دون الإثبات
قال الرافعي ولك أن تقول هب أن هذا الفرق متين لكنه لا ينفي الاحتمال وقاعدة الباب الأخذ باليقين
وأجيب أيضا بأن المفهوم عرفا من لا أنكر ما تدعيه أنه إقرار بخلاف أنا أقر به
( ولو قال أليس ) أو هل كما في المطلب ( لي عليك كذا فقال بلى أو نعم فإقرار ) لأنه المفهوم منهما ( وفي نعم ) في صورة المتن ( وجه ) أنه ليس بإقرار لأنه موضوع للتصديق فيكون مصدقا له في النفي بخلاف بلى فإنها لرد النفي ونفي النفي إثبات
قال ابن عباس رضي الله عنهما
____________________
(2/243)
في قوله تعالى { ألست بربكم قالوا بلى } لو قالوا نعم كفروا
فهذا هو مقتضى اللغة ورجحه ابن الرفعة
وأجاب الأول بأن النظر في الإقرار إلى العرف وأهله يفهمون الإقرار بنعم فيما ذكر
واختار الغزالي في المنخول التفصيل بين النحوي وغيره كما في نظيره من الطلاق وبه أجاب ابن يونس في المحيط
ولو قال ليس لي عليك ألف فقال بلى أو نعم فالمتجه كما قال الإسنوي أن يجعل بلى إقرارا دون نعم
فروع لو قال في جواب من ادعى عليه بألف ما لك علي أكثر من ألف لم يكن إقرارا لأن نفي الزائد عليه لا يوجب إثباته ولا إثبات ما دونه ونعم إقرار بالعبد مثلا لمن قال اشتر عبدي كما أنه إقرار به لمن قال أعتق عبدي لا لمن قال اشتر هذا العبد لأنه لم يعترف له إلا بكونه يملك بيعه لا نفسه
ولو قال في جواب دعواه لا تدم المطالبة وما أكثر ما تتقاضى لم يكن إقرارا لعدم صراحته قاله ابن العماد
ولو قال في جواب دعوى عين بيده اشتريتها أو ملكتها منك أو من وكيلك كان إقرارا لتضمن ذلك الملك للمخاطب عرفا
ولم ينظروا إلى احتمال كون المخاطب وكيلا في البيع ولا إلى احتمال كون الوكيل باع ملك غير المخاطب لعبده عن المقام بخلاف قوله ملكتها على يدك لا يكون إقرارا لأن معناه كنت وكيلا في تمليكها
( ولو قال اقض الألف الذي ليعليك فقال نعم أو أقضي غدا أو أمهلني يوما أو حتى أقعد أو أفتح الكيس أو أجد ) أي المفتاح مثلا أو أبعث من يأخذه أو أمهلني حتى أصرف الدراهم أو أقعد حتى تأخذ أو لا أجد اليوم ( فإقرار في الأصح ) لأنه المفهوم من هذه الألفاظ عرفا
والثاني لا لأنها ليست صريحة في الالتزام
قال الإسنوي وما ما ذكره من اللزوم في أقضي غدا ونحوه مما عري عن الضمير العائد على المال المدعى به مردود بل يتعين أن يكون التصوير عند انضمام الضمير كقوله أعطه ونحوه فإن اللفظ بدونه محتلم أن يراد به المذكور وغيره على السواء ولهذا كان مقرا في قوله أنا مقر به دون أنا مقر ولو قال كان لك علي ألف أو كانت لك عندي دار فليس بإقرار لأنه لم يعترف في الحال بشيء والأصل براءة الذمة ولا ينافي ذلك ما في الدعاوى من أنه لو قال كان ملكك أمس كان مؤاخذا به لأنه ثم وقع جوابا للدعوى وهنا بخلافه فطلب فيه اليقين
ولو قال أسكنتك هذه الدار حينا ثم أخرجتك منها كان إقرارا له باليد لأنه اعترف بثبوتها من قبل وادعى زوالها ولا ينافي ذلك ما في الإقرار من أنه لو قال كان في يدك أمس لم يؤاخذ به لأنه هنا أقر له بيد صحيحة بقوله أسكنتكها بخلافه ثم لاحتمال كلامه أن يده كانت عن غصب أو سوم أو نحوه
وقوله لمن شهد عليه ولو واحدا بشيء هو صادق أو عدل ليس بإقرار حتى يقول فيما شهد به ولو قال إذا شهد علي شاهدان بألف مثلا فهما صادقان لزمه في الحال وأن يشهدا عليه لأنهما لا يكونا صادقين إلا أن كان عليه الألف الآن بخلاف ما لو قال إذا شهدا علي بألف صدقتهما لأن غير الصادق قد يصدق ولأن ذلك وعد
وخرج بالألف ما لو قال ما يشهد به شاهدان علي فهما صادقان عدلان فليس بإقرار بل تزكية وتعديل كما نقله الرافعي في التزكية عن الهروي وأقره كما قاله في المهمات
ولو لم يأت بصيغة الشهادة بل قال إذا قال زيد إن لعمرو علي كذا فهو صادق كان الحكم كذلك كما ذكره ابن العماد
ولو قال أقرضتك كذا فقال كمن تمن به علي أو لاقترضت منك غيره كان إقرارا بخلاف ما لو قال لمن قال له لي عليك كذا لزيد علي أكثر مما لك بفتح اللام فإنه لا شيء عليه لواحد منهما لاحتمال أنه قاله استهزاءا أو أنه أراد له علي من الحرمة والكرامة أكثر مما لك
أما لو قال من مالك بكسر اللام أو له علي مال أكثر من مالك أو له علي أكثر مما ادعيت فهو إقرار لزيد
ولو كتب لزيد علي ألف أو كتبه غيره فقال اشهدوا علي بما فيه لغا لأن الكتابة بلا لفظ ليست إقرارا ويؤخذ من ذلك أنها من الأخرس عند القرينة المشعرة ليست لغوا ولو لقن إقرارا أو غيره بغير لغته وقال لم أفهمه وأمكن عدم فهمه له بأن لم يكن له مع أهل تلك اللغة اختلاط صدق بيمينه ولو قال أقررت وأنا صبي أو مجنون أو مكره وأمكن الصبا وعهد الجنون أو كانت أمارة على الإكراه من جنس أو ترسيم أو نحو ذلك صدق بيمينه لظهور ما قاله ولأن الأصل
____________________
(2/244)
بقاء ما كان على ما كان فإن لم يمكن الصبا ولم يعهد الجنون ولم تكن أمارة لم يصدق والأمارة إنما تثبت باعتراف المقر له أو بالبينة أو باليمين المردودة فإن قامت بينة في الصور الثلاث بكون المقر حين إقراره كان بالغا في الأولى أو عاقلا في الثانية أو مختارا في الثالثة عمل بها ولا يصدق لتكذيبه البينة
ثم شرع في الركن الرابع مترجما بفصل أيضا فقال فصل يشترط في المقر به وهو كل ما جازت المطالبة به ( أن لا يكون ملكا للمقر ) حين يقر به لأن الإقرار ليس إزالة عن الملك وإنما هو إخبار عن كونه مملوكا للمقر له فلا بد من تقديم المخبر عنه على الخبر
( فلو قال داري أو ثوبي أو ديني الذي على زيد لعمرو فهو لغو ) لأن الإضافة إليه تقتضي الملك له فينافي إقراره لغيره إذ هو إخبار بحق سابق عليه كما مر فحمل على الوعد والهبة
ولو قال الدار التي اشتريتها لنفسي أو ورثتها من أبي ملك لزيد لم يصح أيضا إلا أن يريد الإقرار فيصح وكذا لو قال داري لفلان وأراد الإقرار لأنه أراد بالإضافة إضافة سكنى ذلك ذكر ذلك البغوي في فتاويه
قال الأذرعي بعد نقله كلام البغوي ويتجه أن يستفسر عند إطلاقه ويعمل بقوله بخلاف قوله داري التي هي ملكي له للتناقض الصريح
واستشكل الإسنوي عدم صحة الإقرار في الأولتين إذ لم يرده بأن الملكين لم يتواردا على وقت واحد
وأجيب بأن الموافق لقاعدة الباب بالأخذ باليقين كما سيأتي عدم الصحة ولو قال مسكني أو ملبوسي لفلان صح إذ لا منافاة لأنه قد يسكن ويلبس ملك غيره
ولو قال الدين الذي كتبته على زيد لعمرو صح لاحتمال أنه وكيل فلو طالب عمرو زيدا فأنكر فإن شاء عمرو أقام بينة بإقرار المقر أن الدين الذي كتبه على زيد له ثم يقيم بينة عليه بالمقر به وإن شاء قام بينة بالمقر به ثم بينة بالإقرار
فرع قال المصنف في فتاويه لو كان بالدين المقر به رهن أو كفيل انتقل إلى المقر له بذلك
وفصل الشيخ تاج الدين الفزاري فقال إن أقر أن الدين صار لزيد ينتقل بالرهن لأن صيروروته إليه إنما تكون بالحوالة وهي تبطل الرهن وإن أقر أن الدين كان له بقي الرهن بحاله
وهذا التفصيل هو الظاهر ومثل الرهن الكفيل
( ولو قال هذا ) العبد مثلا ( لفلان وكان ملكي إلى أن أقررت به فأول كلامه إقرار وآخره لغو ) فيطرح آخر ويؤخذ بأوله لأنه مشتمل على جملتين مستقلتين
ولو شهدت بينة بأن زيدا أقر بأن هذا ملك لعمرو وكان ملك زيد إلى أن أقر به لم تقبل وفارقت المقر بأنها تشهد على غيرها فلا يقبل قولها إلا إذا لم يتناقض والمقر يشهد على نفسه فيؤاخذ بما يصح من كلامه ولو قال ملكي هذا لفلان صح الإقرار أيضا كما صرح به الإمام واقتضاه كلام الرافعي وهو إقرار بعد إنكار
( وليكن المقر به ) من الأعيان ( في يد المقر ) حسا أو شرعا ( ليسلم بالإقرار للمقر له ) لأنه إذا لم يكن في يده كان كلامه إما دعوى عن الغير بغير إذنه أو شهادة بغير لفظها فلا تقبل
تنبيه كونه في يد المقر شرط لإعمال القرار وهو التسليم لا شرط لصحته فلا يقال إنه لاغ بالكلية فإنه إذا حصل بيده لزمه تسليمه إليه كما سيأتي
واستثني من ذلك مسائل الأولى ما إذا باع شيئا بشرط الخيار له أو لهما ثم ادعاه رجل فأقر البائع في مدة الخيار له به صح وانفسخ البيع لأن له الفسخ
الثانية ما لو باع الحاكم مال الغائب بسبب اقتضاه ثم قدم وادعى أنه كان قد تصرف فيه قبل بيع الحاكم فإنه يقبل منه كما نقله الرافعي قبيل كتاب الصداق عن النص
الثالثة لو وهب لولده عينا ثم أقبضه إياها ثم أقر بها لآخر فإنه يقبل إقراره أفتى بذلك صاحب البيان لكنه كما قال الأذرعي مفرع على أن تصرف الواهب رجوع والأصح خلافه
ومحل ما ذكره المصنف إذا كان في يده لنفسه أما إذا كان في يده لغيره كمحجوره ووقف هو ناظر عليه لم يصح إقراره
وخرج بما قدرته في كلامه الدين فلا يتأتى فيه
____________________
(2/245)
ما ذكر
( فلو أقر ) بشيء ( ولم يكن في يده ) حال الإقرار ( ثم صار ) فيها ( عمل بمقتضى الإقرار ) لوجود شرط العمل به فيسلم للمقر له
( فلو ) قال هذا وهو في يده غيره مرهون عند زيد فحصل في يده بيع في دين زيد عملا بإقراره السابق
وإن ( أقر بحرية عبد في يد غيره ثم اشتراه ) صح وإن اعتقد المشتري حريته استنقاذا للعبد من أسر الرق وتنزيلا للعقد على قول من صدقه الشرع وهو البائع لكونه ذا يد
( وحكم بحريته ) بعد انقضاء مدة خيار البائع وترفع يد المشتري عنه لوجود الشرط
هذا كله إذا اشتراه لنفسه فلو اشتراه لموكله لم يحكم بحريته لأن الملك يقع ابتداء للموكل وكما لو اشترى أباه بالوكالة
تنبيه إنما صور المصنف المسألة بالشراء لأجل ثبوت الخيار الآتي في كلامه فإنه لو ملكه بغير الشراء كالإرث والوصية حكم بحريته
ولو عبر بحرية شخص بدل عبد لكان أولى لئلا يتناقض الحرية إلا أن يريد كما قال الولي العراقي بالعبد المدلول العام لا الخاص الذي هو الرق
( ثم إن كان قال ) في صيغة إقراره ( هو حر الأصل فشراؤه افتداء ) له من جهة المشتري كما ذكره في المحرر فلا يثبت له أحكام الشراء لأن اعترافه بحريته مانع له من ذلك
وأما البائع ففيه الخلاف الآتي كما صرح به في المطلب فيثبت له الخياران وإن كان ظاهر عبارة المصنف أنه افتداء من جهته أيضا
فإذا مات المدعي حريته بعد الشراء فما له لوارثه الخاص فإن لم يكن فلبيت المال وليس للمشتري أخذ شيء منه لأنه بزعمه ليس للبائع كما مر واعترف المشتري بأنه كان مملوكا ولكن اعتقد مالكه قبل شراء البائع له كاعترافه بأنه حر الأصل لكنه هنا يورث بالولاء بشرطه ويأخذ المشتري من تركته أقل الثمنين
( وإن قال أعتقه ) البائع وهو يسترقه ظلما ( فافتداء ) أي فشراؤه حينئذ افتداء ( من جهته ) أي المشتري ( وبيع من جهة البائع على المذهب ) عملا بزعم كل منهما وقيل بيع من الجهتين تغليبا لجانب البائع وقيل افتداء من الجهتين تغليبا لجانب المشتري
تنبيه اختلف في قوله على المذهب فقال السبكي يرجع إلى البائع والمشتري
وقال الإسنوي يعود إلى البائع فقط فإن الطريقين فيه ويفوته الخلاف في المشتري فلو قال فافتداء من جهته على الصحيح كان أحسن
وقال ابن النقيب الأول أقرب إلى ظاهر العبارة والثاني أقرب إلى ما في نفس الأمر
( فيثبت فيه ) على الأول ( الخياران ) أي خيار المجلس والشرط ( للبائع فقط ) ويثبت له أيضا الفسخ بالعيب دون المشتري لأنه من جهته افتداء فلا يثبت له شيء من ذلك وولاؤه موقوف لأن البائع لم يعترف بعتقه والمشتري يعتقه فإن مات بلا وارث بغير الولاء وخلف تركة فصدق البائع المشتري بعتقه ورثه البائع ورد الثمن للمشتري وإن لم يصدقه فللمشتري أخذ قدر الثمن من تركته ويوقف الباقي إن كان لأنه إما كاذب في حريته فكل الكسب له أو صادق فالكل للبائع إرثا بالولاء وقد ظلمه بأخذ الثمن منه وتعذر استرداده وقد ظفر بماله
أما إذا كان له وارث بغير الولاء فإن لم يكن مستغرقا فله من ميراثه ما يخصه وفي الباقي ما مر وإلا فجميع ميراثه له وليس للمشتري أخذ شيء منه لأنه بزعمه ليس للبائع إلا إذا كان البائع يرث بغير الولاء كأن كان أخا للعبد لم يرث بل يكون الحكم كما لو لم يكن وارث بغير الولاء كما اقتضاه التعليل وصرح به البلقيني وغيره ولو مات العبد قبل قبض المشتري له استرد الثمن من البائع إن كان سلمه له ولا يطالبه البائع به إن لم يسلمه له لأنه لا حرية في زعمه وقد تلف المبيع قبل القبض بخلاف ما لو اشترى من يعتق عليه فمات قبل قبضه فإنه يلزم المشتري الثمن لأن العبد عتق عليه بالاتفاق وعتقه وقع قبضا ولو قال إنه حر وأطلق استفسر فإن تعذر حمل على أنه حر الأصل
فروع لو أقر بعبد في يده لزيد وأقر العبد أنه لعمرو سلم لزيد لأنه في يد من يسترقه لا في يد نفسه فإن أعتقه
____________________
(2/246)
زيد فولاؤه له لأن الولا لمن أعتق
وهل أكسابه الحاصلة بعد عتقه لعمرو لإقراره بأنه كان له أولا لأن استحقاق الأكساب فرع الرق ولم يثبت وجهان أرجحهما كما قال الزركشي الثاني فتكون الأكساب مستحقة للعتيق
ولو أقر أن عمرا غصب عبدا من زيد ثم اشتراه من عمرو صح الشراء استنقاذا لملك الغير كما يستنقذ الحر وأخذه زيد ولا يثبت للمشتري الخياران كما قاله الإمام لأنهما إنما يثبتان لمن يطلب الشراء ملكا لنفسه أو مستنيبه
ولو أقر بحرية أمة لغيره فاستأجرها لزمته الأجرة أو نكحها لزمه المهر وليس له في الأولى استخدامها بغير رضاها ولا وطؤها في الثانية إلا إذا كان نكحها بإذنها وسيدها عنده ولي بالولاء كأن قال أنت أعتقتها أو بغيره كأن كان أخاها قال الماوردي وسواء أحلت له الأمة أم لا لاعترافه بحريتها وقال السبكي وغيره وينبغي أن لا يصح إلا أن يكون ممن تحل له الأمة لأن أولادها يسترقون كأمهم اه
وهذا هو الظاهر ويؤيده ما أفتى به شيخي فيمن أوصى بأولاد أمته لآخر ثم مات وأعتقها الوارث فلا بد في تزويجها من الشروط المذكورة في تزويج الأمة نعم المسموح له أن يتزوج بها
ثم شرع في بيان الإقرار بالمجهول فقال ( ويصح الإقرار بالمجهول ) سواء أكان ابتداء أم جوابا عن دعوى لأن الإقرار إخبار عن حق سابق والشيء يخبر عنه مفصلا تارة ومجملا أخرى إما للجهل به أو لثبوته مجهولا بوصية ونحوها أو لغير ذلك ويخالف الإنشاءات حيث لا تحتمل الجهالة احتياطا لابتداء الثبوت وتحرزا عن الغرر
قال السبكي والمبهم كأحد العبدين في معنى المجهول
( فإذا قال له علي شيء قبل تفسيره بكل ما يتمول ) وهو كما قال الإمام ما يسد مسدا أو يقع موقعا من جلب نفع أو دفع ضرر وإن نظر فيه الأذرعي
( وإن قل ) كفلس لصدق اسم الشيء عليه فلو امتنع من التفسير أو فسره ولكن نوزع فيه فقد ذكره المصنف في أثناء الفصل الذي بعد هذا
( ولو فسره بما لا يتمول ) أي لا يتخذ مالا ( لكنه من جنسه كحبة حنطة ) أو قمع باذنجانة أو قشرة فستقة أو جوزة ( أو ) فسره ( بما ) لا يتمول لكنه ليس من جنسه و ( يحل اقتناؤه ككلب معلم ) لصيد أو قابل لتعليمه ( وسرجين ) وهو الزبل وكذا بكل نجس يقتنى كجلد ميتة يطهر بالدباغ وخمر محترمة ( قبل في الأصح ) لصدق كل منهما بالشيء مع كونه محترما يحرم أخذه ويجب رده والأصل براءة ذمته من غيره
والثاني لا يقبل فيهما لأن الأول لا قيمة له فلا يصح التزامه بكلمة علي والثاني ليس بمال وظاهر الإقرار المال
تنبيه لو قال بدل معلم مقتنى لدخل ما زدته وكلب الماشية ونحوه لكنه يفهم من قوله بعد أن لا يقبل في كلب لا نفع فيه ولو فسره بحق شفعة أو حد قذف أو رد وديعة قبل لما مر
( ولا يقبل ) تفسيره ( بما لا يقتنى ) أي بشيء لا يحل اقتناؤه ( كخنزير وكلب لا نفع فيه ) من صيد ونحوه وجلد لا يطهر بالدبغ وميتة لا يحل أكلها وخمر غير محترمة إذ ليس فيها حق ولا اختصاص ولا يجب ردها فلا يصدق بها قوله علي
وقضية التعليل كما قال الإسنوي وغيره قبول تفسيره بالخمرة غير المحترمة إذا كان المقر له ذميا لأن على غاصبها ردها له إذا لم يتظاهر بها ولو فسر بميتة لا يحل أكلها لمضطر قبل كما رجحه الإمام خلافا للقاضي
ولو قال بدل علي لهعندي شيء أو غصبت منه شيئا صح تفسيره بما لا يقتنى إذ ليس في لفظه ما يشعر بالتزام حق إذ الغصب لا يقتضى التزاما وثبوت مال وإنما يقتضي الأخذ قهرا بخلاف قوله علي
وربما يستشكل ذلك بأن الغصب هو الاستيلاء على مال الغير أو حق الغير فكيف يقبل تفسيره بما ليس بمال ولا حق
( ولا ) يقبل تفسيره أيضا ( بعيادة ) لمريض ( و ) لا ( رد سلام ) لبعد فهمهما في معرض الإقرار إذ لا مطالبة بهما لكن إن قال له علي حق قبل تفسيره بهما
فإن قيل الحق أخص من الشيء فكيف يقبل في تفسير الأخص ما لا يقبل في تفسير الأعم أجيب بأن الحق يطلق عرفا على ذلك بخلاف الشيء فيقال في العرب له علي حق ويراد به ذلك وفي الخبر حق المسلم على المسلم خمس وذكر منها عيادة المريض ورد السلام فاعتبار الإقرار بما لم يطالب في محله
____________________
(2/247)
إذا لم يسع اللفظ عرفا فيما لا يطالب به
ولو قال غصبك أو غصبتك ما تعلم لم يصح إذ قد يريد نفسه فإن قال أردت غير نفسك قبل لأنه غلظ على نفسه وإن قال غصبتك شيئا ثم قال أردت نفسك لم يقبل وقضيته أن الحكم كذلك لو قال غصبتك شيئا تعلمه وهو ظاهر ويفرق بينه وبين ما مر في غصبتك ما تعلم بأن شيئا اسم تام ظاهر في المغايرة بخلاف ما
( ولو أقر بمال ) مطلق ( أو مال عظيم أو كبير ) بموحدة بعد الكاف بخطه ( أو كثير ) بمثلثة بعد الكاف بخطه وجليل أو خطير أو وافر أو نفيس أو أكثر من مال فلان أو مما في يده أو مما يشهد به الشهود عليه أو مما حكم به الحاكم على فلان أو نحو ذلك ( قبل تفسيره بما قل منه ) أي من المال وإن لم يتمول كحبة حنطة وإن كثر مال فلان
أما عند الاقتصار على المال فلصدق الاسم عليه والأصل براءة الذمة من الزيادة وأما عند وصفه بالعظمة ونحوها فلاحتمال أن يريد ذلك بالنسبة إلى الفقير أو الشحيح أو باعتبار كفر مستحله وعقاب غاصبه وصواب باذله لمضطر ونحوه
وأما كونه أكثر من مال فلان فمن حيث أنه أحل منه أو أنه دين لا يتعرض للتلف وذلك عين تتعرض له
وقد قال الشافعي رضي الله تعالى عنه أصل ما أبني عليه الإقرار أن ألزم اليقين وأطرح الشك ولا استعمل الغلبة
قال الشيخ أبو علي أي ما غلب على الناس اه
والمراد باليقين في كلامه ما يشمل الظن القوي كما قال الهروي وغيره الشافعي يلزم في الإقرار باليقين وبالظن القوي لا بمجرد الظن والشك ويقبل منه ذلك إذا وصف المال بضد ما ذكر كقوله مال حقير أو قليل أو خسيس أو طفيف أو نحو ذلك من باب أولى ويكون وصفه بالحقارة ونحوها من حيث احتقار الناس له أو فناؤه
ولا يخالف ما ذكروه هنا من أن حبة البر ونحوها مال كما ذكر ما قالوه في باب البيع من أنها لا تعد مالا فإن كونها لا تعد مالا لعدم تمولها لاينفي كونها مالا كما يقال زيد لا يعد من الرجال وإن كان رجلا فكل متمول مال ولا ينعكس
فإن قيل كيف يحكي الخلاف في قبول التفسير بها في قوله شيء ويجزم بالقبول في مال أو مال عظيم ونحوه بل ينبغي أن يعكس ذلك
أجيب بأنه إنما لم يذكر الخلاف هنا لأنه يخفى أن الجواب هنا مفرع على الأصل هناك
( وكذا ) يقبل تفسيره ( بالمستولدة ) للمقر له ( في الأصح ) لأنها تؤجر وينتفع بها وتجب قيمتها إذا أتلفها أجنبي وإن كانت لا تباع
والثاني لا لخروجها عن اسم المال المطلق إذ لا يصح بيعها
ولا فرق على الأول في قبول تفسيره بها بين أن يقول له علي مال كما في الروضة وأصلها والمحرر أو يقول له عندي مال وإن قيل المناسب في صورة التفسير بها هو الثاني
ولو فسره بوقف عليه قال الرافعي فيشبه أن يخرج على الخلاف في الملك اه
وقضيته أنه لا يقبل على الأظهر ويؤيده ما صرحا في كتاب الأيمان من أنه لو حلف لا مال له لم يحنث بالموقوف إن قلنا الملك فيه لله تعالى أي وهو الأظهر أو للواقف وإن قلنا فكالمستولدة
و ( لا ) يقبل تفسيره ( بكلب و ) لا ( جلد ميتة ) ونحوهما من النجاسات لانتفاء اسم المال عنهما
( وقوله ) أي المقر ( له ) أي لزيد مثلا علي ( كذا كقوله ) علي ( شيء ) فيقبل تفسيره بما مر فيه لأنها أيضا مبهمة وهي في الأصل مركبة من كاف التشبيه واسم الإشارة ثم نقلت فصار يكنى بها عن العدد وغيره ويجوز استعمالها في النوعين مفردة ومركبة ومعطوفة تقول نزلنا بدار كذا وبكذا كذا أو بكذا وكذا وهكذا في العدد
( وقوله ) له علي ( شيء شيء أو كذا كذا ) ولو زاد على مرتين من غير عطف ( كما لو لم يكرر ) لأن ما بعد الأول يحتمل التأكيد بل هو ظاهر فيه فيؤخذ باليقين فإن قال أردت الاستئناف عمل به لأنه غلظ على نفسه
( ولو ) كرر مع العطف كأن ( قال ) له علي ( شيء وشيء أو كذا وكذا وجب شيئان ) متفقان أو مختلفان بحيث يقبل كل منهما في تفسير شيء لاقتضاء العرف المغايرة
( ولو قال ) له علي ( كذا درهما أو رفع الدرهم أو جره ) أو سكنه ( لزمه درهم )
____________________
(2/248)
لأن كذا مبهم وقد فسره بدرهم والنصب فيه جائز على التمييز والرفع على أنه عطف بيان أو بدل كما قاله الإسنوي أو خبر مبتدأ محذوف كما قاله غيره وقال السبكي إنه لحن
وقال ابن مالك وأما تجويز الفقهاء الرفع فخطأ لأنه لم يسمع من لسانهم
والجر لحن عند البصريين وهو لا يؤثر في الإقرار كما لا يؤثر في الطلاق ونحوه والسكون كالجر كما قاله الرافعي ووجه بأنه أدون من المرفوع والمنصوب لاختلافهم في أنه يلزمه درهم أو دونه فحملوه عليه لاحتمال إرادته
فإن قيل ينبغي أن يلزمه عشرون في حال النصب كما قيل به لأنه أقل عدد يميز بمفرده منصوب
أجيب بأن الإقرار لا ينبني على هذا المأخذ وإلا للزم في حالة الجر مائة لأنه أقل عدد يميز بمفرده مجرور ولم يقل به أحد
فإن قيل في حال الجر ينبغي أن يلزمه بعض درهم كما قيل به وتقديره كذا من درهم
أجيب بأن كذا إنما تقع على الآحاد لا على كسورها
( والمذهب أنه لو قال كذا وكذا ) أو كذا ثم كذا ( درهما بالنصب ) تمييزا ( وجب درهمان ) لأنه أقر بشيئين مبهمين وعقبهما بالدرهم منصوبا فالظاهر أنه تفسير لكل منهما
وعلله في المطلب بأن التمييز وصف والوصف المتعقب لشيئين يعود إليهما الشافعي ولا يحسن التأكيد مع وجود عاطف وفي قول يلزمه درهم لجواز أن يريد تفسير اللفظين معا بالدراهم وفي قول يلزمه درهم وشيء
أما الدراهم فلتفسير الثاني وأما الشيء فلأول الباقي على إبهامه والطريق الثاني القطع بالأول
فإن قيل ينبغي أن يلزمه أن يقول أحد وعشرون كما قيل لأنه أقل عدد معطوف يميز بمنصوب
أجيب بمثل ما مر
( و ) المذهب ( أنه لو رفع أو جر ) الدرهم ( فدرهم ) والمعنى في الرفع هما درهم
والطريق الثاني قولان ثانيهما درهمان لأنه يسبق إلى الفهم أنه تفسير لهما وأنه أخطأ في إعراب التفسير وأما في الجر فلأنه لما كان ممتنعا عند جمهور النحاة وكان لا يظهر له معنى في اللغة وفي العرف يفهم منه تفسير ما سبق حمل عليه بخلاف النصب فإنه تمييز صحيح فيعود إليهما كما مر
ولم ينقل الرافعي في هذه خلافا بل جزم بدرهم لكن قال الماوردي عن الشافعي وجوب درهمين
( ولو حذف الواو فدرهم في الأحوال ) المذكورة رفعا ونصبا وجرا لاحتمال التأكيد
قال الإسنوي ولم يتعرض الشيخان ولا ابن الرفعة للسكون في هذا القسم أي حذف الواو ولا الذي قبله
وقياس ما سبق عن الرافعي في الإفراد من جعله كالمخفوض لأنه أدون أن يكون كذلك في التركيب والعطف أيضا قال ويتحصل من ذلك اثنتا عشرة مسألة لأن كذا إما أن يؤتى بها مفردة أو مركبة أو معطوفة والدرهم إما أن يرفع أو ينصب أو يجر أو يسكن ثلاثة في أربعة يحصل ما ذكر والواجب في جميعها درهم إلا إذا عطف ونصب تمييزها فدرهمان
وجزم ابن المقري تبعا للبلقيني بأن ثم كالواو أي والفاء كذلك ولو قال كذا بل كذا ففيه وجهان حكاهما الماوردي أحدهما يلزمه شيء واحد والثاني يلزمه شيئان وهذا وجه لأنه لا يسوغ رأيت زيدا بل زيدا إذا عنى الأول وإنما يصح إذا عنى غيره
( ولو قال ) له علي ( ألف ودرهم قبل تفسير الألف بغير الدراهم من المال كألف فلس كما في عكسه وهو درهم وألف ولأن العطف إنما وضع للزيادة ولم يوضع للتفسير وسواء أفسره بجنس واحد أم أجناس قال القاضي حسين ولو قال ألف ودرهم فضة فينبغي أن يكون الألف أيضا فضة اه
وهو ظاهر بخلاف ما لو قال له علي ألف وقفيز حنطة فإن الألف مبهمة إذ لا يقال ألف حنطة ويقال ألف فضة ولو قال له علي ألف درهم برفعهما أو نصبهما أو خفضهما منونين أو نصب الدراهم أو خفضه أو سكنه أو نصب الألف منونا ورفع الدرهم أو خفضه أو سكنه كان له تفسير الألف بما عدده ألف وقيمته درهم وكأنه قال ألف مما قيمة لألف منه درهم
( ولو قال له علي ) خمسة وعشرون درهما أو ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما أو ألف وخمسة عشر درهما أو ألف ونصف درهم ( فالجميع ) من الخمسة والعشرين وما بعدها ( دراهم على الصحيح ) لأنه جعل الدرهم تمييزا فالظاهر
____________________
(2/249)
أنه تمييز لكل من المذكورات بمقتضى العطف
والظاهر كما قال شيخنا أنه لو رفع الدرهم أو نصبه في الأخيرة كان الحكم كذلك ولا يضر فيه اللحن وأنه لو رفعه أو نصبه فيها لكن مع تنوين نصف أو رفعه أو خفضه في بقية الصور لزمه ما عدده العدد المذكور وقيمته درهم أخذا مما مر في ألف درهم منونين مرفوعين
والوجه الثاني يقول الخمسة في مثال المصنف مجملة والعشرون مفسرة بالدراهم مكان العطف فألحقت بألف ودرهم
قال المتولي وعلى هذا لو قال بعتك هذا الثوب بمائة وخمسين درهما لا يصح البيع ولم يقل به أحد اه
ولو قال له علي خمسة عشر درهما فالكل دراهم جزما لأنهما اسمان جعلا اسما واحدا فالدرهم تفسير له
( و ) المعتبر في الدراهم المقر بها دراهم الإسلام وإن كانت دراهم البلد أكثر منها وزنا ما لم يفسره المقر بما يقبل تفسيره فعلى هذا ( لو قال الدراهم التي أقررت بها ناقصة الوزن ) كدراهم طرية كل درهم منها أربعة دوانق ( فإن كانت دراهم البلد ) أو القرية التي أقر بها ( تامة الوزن ) أي كاملة بأن يكون وزن كل درهم منها ستة دوانق ( فالصحيح قبوله ) أي التفسير بالناقصة ( إن ذكره متصلا ) بالإقرار كما في الاستثناء
والثاني لا يقبل لأن اللفظ صريح في التام صنفا وعرفا والأول يمنع دعوى الصراحة
( ومنعه إن فصله عن الإقرار ) ويلزمه دراهم تامة إلا أن يصدقه المقر له لأن اللفظ وعرف المحل ينفيان ما يقوله
والثاني يقبل لأن اللفظ محتمل له والأصل براءة الذمة
وتقدم في الزكاة معرفة الدراهم التام فليراجع
وإذا قبلنا تفسيره بالناقصة روجع كما صرح به الصيمري فإن تعذر بيانه نزل على أقل الدراهم
( وإن كانت ) دراهم المحل المذكور ( ناقصة قبل ) قوله ( إن وصله ) بالإقرار جزما لأن اللفظ والعرف يصدقانه فيه
( وكذا إن فصله ) عنه ( في النص ) حملا لكلامه على عرف المحل كما في المعاملات وفي وجه لا يقبل حملا لإقراره على وزن الإسلام
ويجري الخلاف فيما إذا أقر بمحل أوزانهم فيه أكثر من دراهم الإسلام فإن قال أردت الإسلامي متصلا قبل على الصحيح أو منفصلا فلا
( والتفسير بالمغشوشة ) من الدراهم ( كهو ) أي التفسير ( بالناقصة ) ففيها الخلاف والتفصيل السابقان في الناقصة لأن الغش نقص في الحقيقة
ولو فسرها بجنس من الفضة رديء أو بدراهم سكتها غير جارية في ذلك المحل قبل تفسيره ولو منفصلا كما لو قال له علي ثوب ثم فسره بجنس رديء أو بما لا يعتاد أهل البلد لبسه
ويخالف تفسيره بالناقص لدفع ما أقر به بخلافه هنا ويخالف البيع حيث يحمل على سكة البلد لأن البيع إنشاء معاملة والغالب أنها في كل محل تقع بما يروج فيه والإقرار إخبار عن حق سابق يحتمل ثبوته بمعاملة في غير ذلك المحل فيرجع إلى إرادته
ولو فسر الدراهم بما لا فضة فيه كالفلوس لم يقبل لأنها لا تسمى دراهم سواء أقاله مفصولا أم موصولا
نعم إن غلب التعامل بها ببلد بحيث هجر التعامل بالفضة وإنما تؤخذ عوضا عن الفلوس كالديار المصرية في هذه الأزمان فينبغي كما قاله بعض المتأخرين أن يقبل وإن ذكره منفصلا
وقوله له على دريهم بالتصغير أو درهم صغير لزمه درهم صغير القدر وازن إن كان بمحل أوزانهم فيه وافية لأن الدرهم في صريح الوازن
والوصف بالصغير يجوز أن يكون في الشكل وأن يكون بالإضافة إلى الدرهم البغلي فلا يترك الصريح بالاحتمال
فإن كان بمحل أوزانهم ناقصة قبل قوله أنه أراد منها ولزمه درهم ناقص منها وإن قال له علي درهم كبير وفي المحل دراهم كبار القدر وزان متسعة لزمه درهم واسع منها كما في التنبيه عملا بالاسم واللفظ لأنه أمكن اجتماعهما
ويجب بقوله له علي دراهم كثيرة أو قليلة ثلاثة ولا يشترط تساويها في الوزن بل يكفي أن تكون الجملة زنة ثلاثة دراهم
ويجب بقوله له علي أقل عدد الدراهم درهمان لأن الواحد ليس بعدد
( ولو قال له علي من درهم إلى عشرة لزمه تسعة في الأصح ) إخراجا للطرف الأخير وإدخالا للأول لأنه مبدأ الالتزام وقيل عشرة إدخالا للطرفين وقيل ثمانية إخراجا لهما كما لو قال عندي أو بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار
____________________
(2/250)
فإنهما لا يدخلان
وفرق الأول بأن المقر به أو المبيع هناك الساحة وليس الجدار منها بخلاف الدراهم
قال بعض المتأخرين وذكر الجدار مثال فالشجرة كذلك بل لو قال من هذه الدراهم إلى هذه الدراهم فكذلك فيما يظهر لأن القصد التحديد لا التقييد اه
وما بحثه في الدراهم ممنوع بالفرق المذكور
وهذه المسألة قد سبق ذكرها في الضمان فالحكم فيه وفي الإقرار والإبراء والوصية واليمين والنظر واحد
فإن قيل قد قالوا فيما لو قال لزوجته أنت طالق من واحدة إلى ثلاث أنه يقع عليه الثلاث فقياسه لزوم العشرة هنا
أجيب بأن عدد الطلاق محصور فأدخلوا فيه الطرفين بخلافه هنا وإن قال له علي ما بين الدرهم والعشرة أو ما بين الدرهم إلى العشرة لزمه ثمانية إخراجا للطرفين لأن ما بينهما لا يشملهما
( وإن قال ) له علي ( درهم في عشرة فإن أراد المعية ) بأن قال أردت مع العشرة دراهم له ( لزمه أحد عشر ) درهما لأن في تستعمل بمعنى مع كما في قوله تعالى { فادخلي في عبادي }
فإن قيل قد جزموا فيما لو قال له علي درهم مع درهم أنه يلزمه درهم واحد لاحتمال أن يريد مع درهم لي فمع نية مع أولى
أجيب بأن قصد المعية في قوله درهم في عشرة بمثابة حرف العطف والتقدير له درهم وعشرة ولفظ المعية مرادف لحرف العطف بدليل تقديرهم في جاء زيد وعمرو بقولهم مع عمرو بخلاف قوله له علي درهم مع درهم فإن مع فيه لمجرد المصاحبة والمصاحبة تصدق بمصاحبة درهم لدرهم غيره ولا يقدر فيها عطف عطف بالواو ولهذا لا يلزمه إلا درهم إلا أن يريد مع درهم آخر يلزمني فيلزمه درهمان
وأيضا فقوله درهم مع درهم صريح في المعية و درهم في عشرة صريح في الظرفية فإذا نوى بالثانية المعية لزمه الجميع عملا بنيته وإن أراد به المعية لم يصح تقدير المعية بالمصاحبة لدرهم آخر لأن فيه تكثير المجاز وهو ممتنع
وأيضا امتنع ذلك لأن المعية مستفادة لا من اللفظ بل من نيته فلو قدر معه مجازا لإضمار لكثر المجاز وأما قوله درهم مع درهم آخر فهو ظاهر في المعية المطلقة فإذا أطلق لم يلزمه إلا درهم فحصل الفرق من وجهين
فإن قيل سلمنا وجوب أحد عشر فينبغي أن يلزمه درهم ويرجع في تفسير العشرة إليه كما لو قال له علي ألف ودرهم فإن الألف مبهمة ويرجع في تفسيرها إليه
أجيب بأن قوله ألف ودرهم فيه عطف الدرهم على الألف والألف مبهم وههنا بالعكس فإن عطف العشرة تقديرا على الدرهم والدرهم غير مبهم فكانت العشرة من جنسه لأن الأصل مشاركة المعطوف للمعطوف عليه
وأجيب أيضا بما قدرته في كلامه لكن الجواب الأول أولى لأنه يشمل ما إذا لم تعلم له إرادة
( أو ) أراد ( الحساب ) وهو يعرفه ( فعشرة ) تلزمه لأنها موجبة عندهم فإن لم يعرف الحساب فدرهم وإن قال أردت ما يريده الحساب كما بحثه في الكفاية فإنه الصحيح في نظيره من الطلاق
( وإلا ) بأن لم يرد المعية ولا الحساب وأراد الظرف ( فدرهم ) لأنه المتيقن
فصل في بيان أنواع من الإقرار مع ذكر التعليق بالمشيئة وبيان صحة الاستثناء وقد بدأ بالقسم الأول فقال لو ( قال له عندي سيف في غمد ) بكسر الغين المعجمة ( أو ثوب في صندوق ) بضم الصاد ( لا يلزمه الظرف ) لأنه لم يقر به إذ الظرف غير المظروف والإقرار يعتمد اليقين
( أو غمد فيه سيف أو صندوق فيه ثوب لزمه الظرف وحده ) لا المظروف لما مر وهكذا كل ظرف ومظروف لا يكون الإقرار بأحدهما إقرارا بالآخر فلو قال له عندي جارية في بطنها حمل أو خاتم فيه أو عليه أو دابة في حافرها نعل أو قمقمة عليها عروة أو فرس عليها سرج لزمته الجارية والدابة والقمقمة والفرس لا الحمل والنعل والعروة والسرج ولو عكس عكس الحكم
ولو قال له عندي جارية وأطلق وكانت حاملا لم يدخل الحمل لأنه الجارية لم تتناوله بخلاف البيع لأن الإقرار إخبار عن حق سابق كما مر وربما كانت الجارية له دون الحمل بأن كان موصى به ولهذا لو قال هذه الدابة لفلان إلا حملها صح ولو قال بعتكها
____________________
(2/251)
إلا حملها لم يصح والشجرة كالجارية والثمر كالحمل فيما ذكر
ولو قال له عندي خاتم وكان فيه دخل في الإقرار لأن الخاتم يتناوله فإن قال لم أرد الفص لم يقبل منه لأنه رجوع عن بعض ما أقر به وإنما لم يتناوله في خاتم فيه أو عليه كما مر لقرينة الوصف الموقع في الشك
( أو ) قال له عندي ( عبد على رأسه عمامة ) بكسر العين وضمها ( لم تلزمه العمامة على الصحيح ) لما مر
والثاني تلزمه لأن العبد له يد على ملبوسه ويده كيد سيده
ورد بأنه لو باعه لم تدخل في البيع فكذا في الإقرار إذ الضابط في ذلك كما قاله القفال وغيره أن كل ما يدخل تحت مطلق البيع يدخل تحت الإقرار وما لا فلا إلا الثمرة غير المؤبرة والحمل والجدار فإنها تدخل في البيع ولا تدخل في الإقرار لبنائه على اليقين وبناء البيع على العرف
( أو ) قال له عندي ( دابة بسرجها ) أو عبد بعمامته ( أو ثوب مطرز ) بتشديد الراء ( لزمه الجميع ) لأن الباء بمعنى مع كما مر والطراز جزء من المطرز وإن ركب عليه بعد نسجه
قال ابن الرفعة ويظهر أن قوله عليه طراز كقوله مطرز اه
وقال ابن الملقن يظهر عدم اللزوم اه
أي كخاتم عليه وهذا أولى
ولو قال له علي ألف في هذا الكيس لزمه ألف وإن لم يكن فيه شيء لاقتضاه على اللزوم ولا نظر إلى ما عقب به فإن وجد فيه دون الألف لزمه تمام الألف كما أنه لو لم يكن فيه شيء لأنه لم يعترف بشيء في ذمته على الإطلاق
وفرق أيضا بين المنكر والمعرف بأن الإخبار عن المنكر الموصوف في قوة خبرين فأمكن قبول أحدهما وإلغاء الآخر والإخبار عن المعرف الموصوف يعتمد الصفة فإذا كانت مستحيلة بطل الخبر كله
( ولو قال ) له ( في ميراث أبي ) أو من ميراث أبي ( ألف ) أي ألف درهم ( فهو إقرار على أبيه بدين )
فإن قيل لم لا يصح تفسيره أيضا بالوصية والرهن عن دين الغير أو نحو ذلك كما لو قال له في هذا العبد ألف فإنه يصح أن يفسر بذلك أجيب بأن قوله في ميراث أبي ألف إقرار بتعلق الألف بعموم الميراث فلا يقبل منه دعوى الخصوص بتفسيره بشيء مما ذكر لأن العبد المفسر بجنايته أو رهنه مثلا لو تلف ضاع حق المقر له في الأول وانقطع حق تعلقه بعين من التركة في الثاني فيصير كالرجوع عن الإقرار بما يرفع كله أو بعضه
وقضيته أنه لو فسر هنا بما يعم الميراث وأمكن قبل وأنه لو قال ثم وله عبيد له في هذه العبيد ألف وفسر بجناية أحدهم لم يقبل
وخرج بالألف الجزء الشائع كقوله له في ميراث أبي نصفة أو ثلث فلا يكون دينا على الأب وإلا لتعلق بجميع التركة ذكره الإسنوي ثم قال والظاهر صحة الإقرار لاحتمال أنه أوصى له بذلك الجزء وقبله وأجازه الوارث إن كان زائدا على الثلث
وهذا أوجه من قول السبكي إنه ينبغي أن يكون قوله له في ميراث أبي نصفه كقوله له في ميراثي نصفه وأن يكون قوله له فيه ثلثه إقرارا له بالوصية بالثلث
( ولو قال ) له ( في ميراثي من أبي ) أو في مالي أو من مالي ( ألف فهو وعد هبة ) أي وعده بأن يهبه الآلف هذا إذ لم يرد به الإقرار ولم يذكر ما يدل على الالتزام لأنه أضاف الميراث إلى نفسه ثم جعل لغيره جزءا منه واحتمل كونه تبرعا بخلافه فيما قبلها
فإن أراد به الإقرار أو ذكر ما يدل على الالتزام كقوله له في ميراثي من أبي ألف أو له في مالي ألف بحق لزمني أو بحق ثابت لزمه ما أقر به
( ولو ) كرر المقر الدرهم بلا عطف كأن ( قال له علي درهم درهم ) ولو زاد في التكرير على ذلك ولو ألف مرة وسواء أكان في مجلس أو مجالس عند حاكم أو عند غيره ( لزمه درهم ) لاحتمال إرادة التأكيد
( فإن ) كرر الدرهم مع العطف كأن ( قال ) له علي درهم ( ودرهم ) أو درهم ثم درهم ( لزمه درهمان ) لأن العطف يقتضي المغايرة و ثم كالواو وأما الفاء فالنص فيها لزوم درهم إذا لم يرد العطف لأنها تأتي لغيره فيؤخذ باليقين
فإن قيل لو قال أنت طالق فطالق لزمه طلقتان فهلا كان يلزمه درهمان أجيب بأنه قد
____________________
(2/252)
يريد فدرهم لازم لي أو أجود منه ومثله لا ينقدح في الطلاق وبأن الإنشاء أقوى وأسرع نفوذا ولهذا يتعدد اللفظ به في يومين بخلاف الإقرار
واعترض الرافعي الفرق الأول بأنه قد يريد فطالق مهجورة أو لا تراجع أو خير منك أو نحوه
وأجيب بأن ذلك صرف للصريح عن مقتضاه
أما إذا أراد بالفاء العطف فيلزمه درهمان كما في العطف بالواو
ومثل الطلاق الثمن فلو قال بعتك بدرهم فدرهم فقبل لزمه درهمان لأنه إنشاء لا إخبار
( ولو قال له ) علي ( درهم ودرهم ودرهم لزمه بالأولين درهمان ) لاقتضاء العطف التغاير كما مر ( وأما الثالث فإن أراد ) به ( تأكيد الثاني ) بعاطفه ( لم يجب به شيء ) عملا بنيته ( وإن نوى ) به ( الاستئناف لزمه ثالث ) عملا بإرادته ( وكذا إن نوى ) به ( تأكيد الأول أو أطلق ) بأن لم ينو به شيئا ( في الأصح ) لأن التأكيد في الأول ممنوع للفصل والعطف ولهذا اتفقوا على لزوم درهمين في قوله درهم ودرهم ومقابل الأصح فيها يلزمه درهمان لأن الثاني في قوله درهم ودرهم معطوف على الأول فامتنع تأكيده وهنا الثالث معطوف على الثاني على رأي فأمكن أن يؤكد الأول به
وأما الثانية فلأن تأكيد الثاني بالثالث وإن كان جائزا لكنه إذا دار اللفظ بين التأسيس والتأكيد كان حمله على التأسيس أولى فعلى هذا لو كرر ألف مرة فأكثر لزمه بعدد ما كرر
ومقابل الأصح فيها يلزمه درهمان لأنه وإن كان الأصل التأسيس لكن عارضه كون الأصل براءة الذمة فتعارضا فتساقطا فلم يبق للثالث مقتض فاقتصرنا على الدرهمين
تنبيه لو عبر في الثانية بالمذهب كما في الروضة لكان أولى فإن الأكثرين قطعوا بها وقيل قولان كنظيره من الطلاق
وفرق الأولون بأن التأكيد في الطلاق أكثر لأنه يقصد به التخويف والتهديد والعطف ب ثم كالواو فيما ذكر لكن لو عطف ب ثم في الثالث كقوله درهم ودرهم ثم درهم لزمه ثلاثة بكل حال إذ لا بد من اتفاق حرف العطف في المؤكد والمؤكد
فروع لو قال له علي درهم بل درهم أو لا بل أو لكن درهم لزمه درهم لأنه ربما قصد الاستدراك فتذكر أنه لا حاجة إليه فقصد الأول
وإن قال له علي درهم بل درهمان أو لا بل أو لكن درهمان لزمه درهمان لتعذر نفي ما قيل بل أولكن لاشتمال ما بعدها عليه
فإن قيل لو قال أنت طالق طلقه بل طلقتين لزمه ثلاث فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الطلاق إنشاء فإذا أنشأ طلقة ثم أضرب عنها إلى إنشاء طلقتين لا يمكن إنشاء إعادة الأولى مع الثانية لأن تحصيل الحاصل محال والإقرار إخبار فإذا أخبر بالبعض ثم أضرب عن الإخبار به إلى الإخبار بالكل جاز دخول البعض في الكل
هذا إذا لم يعين الدرهمين ولم يختلف الجنس فإن عينهما أو اختلف الجنس كقوله له هذا الدرهم بل هذان الدرهمان أو هل علي درهم لا بل دينار لزمه ثلاثة دراهم في الأول ودرهم ودينار في الثاني لعدم دخول ما قبل بل فيما بعدها ولا يقبل رجوعه عنه وكاختلاف الجنس اختلاف النوع والصفة
ولو قال له علي درهمان بل درهم أو لا بل درهم أو درهم ودرهم بل درهم لزمه درهمان مؤاخذة له بإقراره الأول
ولو قال له علي درهم ودرهمان لزمه ثلاثة دراهم ولو قال له علي درهم مع درهم أو فوق أو تحت درهم أو معه أو فوقه أو تحته درهم لزمه درهم فقط لأنه ربما يريد مع أو فوق أو تحت درهم لي أو معه أو فوقه أو تحته درهم لي أو يريد فوقه في الجودة وتحته في الرداءة ومعه في أحدهما
ويلزمه درهمان فيما لو قال له علي درهم قبل أو بعد درهم أو قبله أو بعده درهم لاقتضاء القبلية والبعدية المغايرة وتعذر التأكيد
وفرقوا بين الفوقية والتحتية وبين القبلية والبعدية بأنهما يرجعان إلى المكان فيتصف بهما نفس الدرهم والقبلية والبعدية يرجعان إلى الزمان ولا يتصف بهما نفس الدرهم فلا بد من أمر يرجع إليه التقدم والتأخر وليس إلا الوجوب عليه
وهنا اعتراض للرافعي ذكرته في الجواب عنه في شرح
____________________
(2/253)
التنبيه
( ومتى أقر بمبهم ) ولم يمكن معرفته بغير مراجعته ( كشيء وثوب وطولب بالبيان فامتنع فالصحيح أنه يحبس ) لأن البيان واجب عليه فإذا امتنع منه حبس كالممتنع من أداء الدين وأولى لأنه لا وصول إلى معرفته إلا منه
والثاني لا يحبس لإمكان حصول الغرض بدون الحبس
أما إذا أمكن معرفته بغير مراجته كقوله له علي من الدراهم قدر ما باع به فلان فرسه فلا يحبس بل نرجع إلى ما أحال عليه وكذا لو أمكن معرفته باستخراجه من الحساب كقوله لزيد علي ألف إلا نصف ما لعمرو علي ولعمرو علي ألف إلا ثلث ما لزيد علي
ومن طرق معرفة ذلك أن تجعل لزيد شيئا وتقول لعمرو ألف إلا ثلث شيء فتأخذ نصفه وهو خمسمائة إلا سدس شيء وتسقطه من ألف زيد يبقى خمسمائة وسدس شيء وذلك يعدل الشيء المفروض لزيد لأنه جعل له ألفا إلا نصف ما لعمرو فتسقط سدس شيء بسدس شيء يبقى خمسة أسداس شيء في مقابلة خمسمائة فيكون الشيء التام ستمائة وهو ما لزيد فإذا أخذت ثلثها وهو مائتان وأسقطته من الألف بقي ثمانمائة وهو ما أقر به لعمرو
( ولو بين ) المقر إقراره المبهم تبينا صحيحا ( وكذبه المقر له ) في ذلك ( فليبين ) جنس الحق وقدره ( وليدع ) به ( والقول قول المقر ) بيمينه ( في نفيه ) ثم إن فسره ببعض الجنس المدعى به كمائة ودعوى المقر له مائتان فإن قال المقر له أراد المقر بالمبهم المائة ثبتت باتفاقهما وحلف المقر على نفي الزيادة وإن قال أرادهما حلف على نفي الزيادة وعلى نفي الإرادة لهما يمينا واحدة لاتحاد الدعوى فإن نكل حلف المدعي على الاستحقاق لهما لا على إرادة المقر لهما لأنه لا اطلاع له عليها وإن كذبه في استحقاق ما فسر به بطل الإقرار فيه وإلا ثبت
ولو اقتصر على دعوى الإرادة وقال ما أردت بكلامك ما وقع التفسير به وإنما أردت كذا لم يسمع منه ذلك لأن الإقرار والإرادة لا يثبتان حقا فعليه أن يدعي الحق لنفسه
فإن مات المقر قبل البيان طولب به الوارث فإن امتنع وقفت التركة كلها لا أقل منها حتى يبين الوارث لأنها وإن لم تدخل في التفسير مرتهنة بالدين
ولا يخالف صحة التفسير بالسرجين ونحوه لأنها لم تتيقن عدم إرادة المال فيمتنع التصرف في الجميع احتياطا
فإن بين المقر له زيادة على ما فسر به الوارث صدق الوارث بيمينه كالمقر وتكون يمينه على نفي إرادة مورثه زيادة لأنه قد يطلع في حال مورثه على ما لا يطلع عليه غيره
وهنا سؤالان ذكرتهما مع جوابهما في شرح التنبيه
( ولو أقر له ) أي لشخص ( بألف ) مثلا في يوم ( ثم أقر له بألف في يوم آخر لزمه ألف فقط ) وإن كتب بذلك وثيقة وأشهد عليه فيها لأن الإقرار إخبار ولا يلزم من تعدده تعدد المخبر عنه وهذا يقتضي أن النكرة إذا أعيدت كانت عين الأولى
ولو عرف الألف في اليوم الثاني كان أولى بالاتحاد
( وإن اختلف القدر ) المقر به في اليومين ولم يتعذر دخول أحد الإقرارين في الآخر كأن أقر بخمسة ثم بعشرة أو عكس ( دخل الأقل في الأكثر ) إذ يحتمل أنه ذكر بعض ما أقر به في أحدهما
هذا إذا أمكن الجمع بين الإقرارين ( فلو ) تعذر كأن ( وصفهما بصفتين مختلفتين ) كصحاح ومكسرة ( أو أسندهما إلى جهتين ) كبيع وقرض ( أو قال قبضت يوم السبت عشرة ثم قال قبضت يوم الأحد عشرة لزما ) أي القدران في الصور الثلاث لأن اتحادهما غير ممكن
فإن قيد أحدهما وأطلق الآخر لم يتعدد وحمل المطلق عليه كما أشار إليه المصنف بقوله صفتين
وأما قوله مختلفتين فلا حاجة إليه وإن ذكره المحرر في الصفتين لا يكونان إلا مختلفتين كما لم يحتج إليه في الجهتين إذ لم يقل فيهما مختلفتين لأنهما لا يكونان إلا كذلك
( ولو قال له علي ألف من ثمن خمر أو كلب أو ) له علي ( ألف ) لكن ( قضيته ) وذكر ذلك متصلا ( لزمه الألف في الأظهر ) عملا بأول الإقرار وإلغاء
____________________
(2/254)
لآخره لأنه وصل به ما يرفعه فأشبه قوله له علي ألف لا تلزمني
والثاني لا يلزمه شيء لأن الكل كلام واحد فتعتبر جملته ولا يتبعض كقوله لا إله إلا الله لا يكون كفرا وإيمانا أما إذا فصله عن الإقرار فيلزمه جزما
ولو قدمه كقوله له علي من ثمن خمر ألف لم يلزمه جزما كما في الروضة وأصلها
وظاهر إطلاقهم في مسألة التقديم أنه لا فرق بين المسلم والكافر لأن الكفار إذا ترافعوا إلينا إنما نقرهم على ما نقرهم عليه لو أسلموا
ولو قال كان من ثمن خمر فظننته يلزمني حلف المقر له على نفيه رجاء أن يقر أو يرد اليمين عليه فيحلف المقر أو لا يلزمه
قال الإمام وكنت أود لو فصل بين أن يكون المقر جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزمه وبين أن يكون عالما فيعذر الجاهل دون العالم لكن لم يصر إليه أحد من الأصحاب
وقال الأذرعي كنت أود لو فصل فاصل بين أن يكون المقر يرى جواز بيع الكلب الصائد كما هو مذهب جماعة من العلماء وبين أن لا يكون كذلك بل كثير من عوامنا الذين لا مذهب لهم يظنون جواز بيعه ولزوم ثمنه اه
لكن فائدة ذلك التحليف كما مر كما لو أقر بأنه لا دعوى له على عمرو ثم خصص ذلك في شيء كأن قال إنما أردت في عمامته وقميصه لا في داره وبستانه فإنه لا يقبل وله تحليف المقر له أنه ما علمه قصد ذلك
( ولو قال ) له علي ألف ووصله بقوله ( من ثمن عبد ) أو هذا العبد مثلا ثم قال ولو منفصلا ( لم أقبضه ) سواء قال ( إذا سلمه سلمت ) أم لا وأنكر المقر له البيع وطلب الألف ( قبل على المذهب ) لأن ما ذكره آخر إلا يرفع ما قبله ( وجعل ثمنا ) أي أجري عليه أحكامه حتى لا يجبر على التسليم إلا بعد قبض العبد
والطريق الثاني طرد القولين في المسألة قبلها أحدهما لا يقبل عملا بأول كلامه
تنبيه قوله من ثمن عبد لا بد من ذكره متصلا كما مر فإن فصله لم يقبل
وقوله إذا سلمه سلمت لا حاجة إليه كما تقرر وكذا قوله وجعل ثمنا مع قبول دعواه أنه ثمن ولهذا لم يذكره في الروضة
وإنما نكر المصنف العبد ولا فرق بين تنكيره وتعريفه كما قدرته في كلامه لأن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه يوافق عند التعريف ويخالف عند التنكير فأشار إلى النص على خلافه
ولو قال اشتريت من زيد عبدا بألف إن سلم سلمت قبل جزما كما قاله البغوي وغيره أو قال أقرضني ألفا ثم ادعى أنه لم يقبضه قبل قوله كما قال الماوردي وظاهره أنه لا فرق بين أن يذكره متصلا أو منفصلا لكن في الشامل إن قاله منفصلا لا يقبل وهذا أوجه
ثم شرع في القسم الثاني وهو بيان التعليق بالمشيئة فقال ( ولو قال له علي ألف إن شاء الله ) أو إن لم يشأ الله أو إلا أن يشاء الله أو إن شئت أو إن شاء فلان ( لم يلزمه شيء على المذهب ) سواء أقدم الألف على المشيئة أم لا لأنه لم يجزم بالالتزام بل علقه بالمشيئة ومشيئة الله تعالى وعدمها مغيبة عنا ومشيئة غير الله لا توجب شيئا
وقال الثاني إنه على القولين في قوله من ثمن خمر لأن آخره يرفع أوله
وفرق الأول بأن دخول حرف الشرط على الجملة يصير الجملة جزءا من الجملة الشرطية وحينئذ يلزم تغيير معنى أول الكلام وقوله من ثمن خمر لا يغير ذلك بل هو لبيان جهته فلا يلزم من إلغاء الإقرار عند التعليق وعدم تبعيضه حذرا من جعله جزء الجملة جملة برأسها أن يتبعض في الخمر ونحوه
ولو قال له علي ألف إن جاء رأس الشهر مثلا لم يلزمه لما مر إلا إن قصد التأجيل ولو بأجل فاسد فيلزمه ما أقر به ولكن من عقب إقراره بذكر أجل صحيح متصل ثبت الأجل بخلاف ما إذا لم يذكره صحيحا كقوله إذا قدم زيد وما إذا كان صحيحا لكن ذكره منفصلا
تنبيه يشترط قصد الاستثناء قبل فراغ الإقرار وأن يتلفظ به بحيث يسمع من يقر به وأن لا يقصد بمشيئة الله تعالى التبرك
ولو قال ابتداء كان له علي ألف قضيته لم يلزمه شيء لأنه لم يلتزم في الحال شيئا ولو واطأ الشهود على الإقرار بما ليس عنده أو عليه ثم أقر بشيء لزمه ما أقر به كقوله له علي الألف لا يلزمني
( ولو قال ) له علي ( ألف لا يلزم لزمه ) لأنه غير منتظم فلا يبطل به الإقرار وكذا لو قال له علي ألف لا أو ألف أو لا بإسكان الواو
____________________
(2/255)
( ولو قال له علي ألف ثم جاء بألف وقال ) بعد الفصل كما يفهم من ثم ( أردت به هذا وهو وديعة فقال المقر له لي عليك ألف آخر ) غير ألف الوديعة وهو الذي أردته بإقرارك ( صدق المقر في الأظهر بيمينه ) لأن الوديعة يجب عليه حفظها والتخلية بينها وبين مالكها فكأنه أراد ب علي الإخبار عن هذا الواجب وقد تستعمل علي بمعنى عندي وفسر بذلك قوله تعالى { ولهم علي ذنب }
وكيفية اليمين أن يحلف أنه لا يلزمه تسليم ألف آخر إليه وأنه ما أراد بإقراره إلا في هذه قاله القاضي
والثاني يصدق المقر له بيمينه أن له عليه ألفا آخر لأن كلمة علي ظاهرة في الثبوت في الذمة والوديعة لا تثبت في الذمة أما إذا قال له علي ألف وديعة متصلا فإنه يقبل على المذهب
( فإن كان قال ) له علي ألف ( في ذمتي أو دينا ) ثم جاء بألف وفسر بالوديعة كما سبق ( صدق المقر له ) بيمينه إن له عليه ألفا آخر ( على المذهب ) لأن العين لا تكون في الذمة ولا دينا
والطريق الثاني حكاية وجهين ثانيهما القول فيه قول المقر لجواز أن يريد ألفا في ذمتي إن تلفت الوديعة لأني تعديت فيها
تنبيه قضية كلام المصنف أن محل الخلاف فيما إذا جاء بألف وقال هي هذه أما لو قال له في ذمتي ألف ثم جاء بألف وقال الألف الذي أقررت به كان وديعة وتلف وهذا بدله قبل لجواز أن يكون تلف لتفريطه فيكون البدل ثابتا في ذمته وهذا ما اقتضاه كلام القاضي وغيره وقال ابن الرفعة إنه المشهور
ولو وصل دعواه الوديعة بالإقرار كقوله له علي ألف في ذمتي وديعة لم يقبل خلافا لما جرى عليه بعض المتأخرين من القبول فهو نظير ما لو قال من ثمن خمر بعد قوله له علي ألف لأنه يدعي في الوديعة التلف فلا يلزمه شيء كما ذكره بقوله ( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( فإذا قبلنا التفسير بالوديعة فالأصح أنها أمانة فيقبل دعواه ) أي المقر ( التلف ) للوديعة ( بعد الإقرار ) بتفسيره ( ودعوى الرد ) بعده لأن هذا شأن الوديعة
والثاني تكون مضمونة حتى لا يقبل دعواه التلف والرد نظرا إلى قوله علي الصادق بالتعدي فيها
وأجاب الأول بصدق وجوب حفظها
تنبيه قوله بعد الإقرار متعلق بالتلف وخرج به ما لو كان دعوى التلف والرد قبل الإقرار فإنه لا يقبل كما قاله السبكي وجرى عليه الإسنوي لأن التالف والمردود لا يكون عليه
( وإن قال له عندي أو معي ألف صدق في دعوى الوديعة والرد والتلف ) بعد الإقرار ( قطعا والله أعلم ) لأن عندي و معي مشعران بالأمانة
( ولو أقر ببيع أو هبة وإقباض ) فيها ( ثم قال كان ) ذلك ( فاسدا وأقررت لظني الصحة لم يقبل ) في قوله بفساده لأن الاسم يحمل عند الإطلاق على الصحيح
( وله تحليف المقر له ) لإمكان ما يدعيه وجهات الفساد قد تخفى عليه ولا يقبل منه البينة لتكذيبها بإقراره السابق
( فإن نكل ) عن الحلف ( حلف المقر ) إنه كان فاسدا ( وبرىء ) من البيع والهبة أي حكم ببطلانها لأن اليمين المردودة له كالإقرار وكالبينة وكلاهما يحصل الغرض
تنبيه لو عبر بدل قوله وبرىء ب حكم ببطلانهما كما قدرته في كلامه تبعا للمحرر والروضة لكان أولى لأن النزاع في عين لأنها هي التي يرد عليها البيع والهبة لا في دين
واحترز بقوله وإقباض لو اقتصر على الإقرار بالهبة فإنه لا يكون مقرا بالإقباض فإن قال وهبته له وخرجت منه أو ملكه لم يكن إقرارا بالقبض لجواز أن يريد الخروج إليه منه بالهبة نعم إن كان بيد المقر له كان إقرارا بالقبض وكذا إن كان أقبضته له وأمكن وإن لم يكن بيد المقر له ولو قال وهبته له وقبضه بغير رضاي فالقول قوله لأن الأصل عدم الرضى نص عليه والإقرار بالقبض هنا كالإقرار به في
____________________
(2/256)
الرهن فإذا قال لم يكن إقراري عن حقيقة فله تحليف المقر له أنه قبض الموهوب وإن لم يذكر لإقراره تأويلا
( ولو قال هذه الدار ) مثلا التي في يدي ( لزيد ) لا ( بل لعمرو أو غصبتها من زيد ) لا ( بل ) غصبتها ( من عمرو ) نزعت من يده و ( سلمت لزيد ) لأن من أقر بحق لآدمي لا يقبل رجوعه عنه
( والأظهر أن المقر ) بعد تسليمها لزيد ( يغرم قيمتها لعمر بالإقرار ) لأنه حال بينه وبين ملكه بإقراره الأول والحيلولة سبب الضمان كما لو غصب عبدا فأبق من يده
والثاني لا يغرم له لأن الإقرار الثاني صادف ملك الغير فلا يلزمه به شيء كما لو أقر بالدار التي بيد زيد لعمرو ولو قال غصبتها من زيد وغصبها زيد من عمرو سلمها لزيد لسبق إقراره وغرم لعمرو القيمة لأنه وصل إقراره الثاني بالأول أو لا تسلمها زيد بنفسه أو سلمها له الحاكم للحيلولة بإقراره الأول والحيلولة توجب الضمان كالإتلاف
ولو عطف ب ثم ففي الوسيط أنه يغرم أيضا
ولو قال غصبتها من زيد وعمرو سلمت إليهما أو غصبتها من زيد وغصبتها من عمرو فالحكم كذلك في أحد وجهين رجحه السبكي
ولو قال غصبتها من زيد والملك فيها لعمرو سلمت لزيد لأنه اعترف له بالملك ولا يغرم لعمرو لجواز كونها ملك عمرو وهي في يد زيد بإجارة أو وصية بمنافعها أو نحو ذلك كرهن
ثم شرع في القسم الثالث وهو بيان الاستثناء وهو إخراج ما لولاه لدخل فيما قبله ب إلا أو نحوها وهو من الإثبات نفي ومن النفي إثبات فقال ( ويصح الاستثناء ) في الإقرار وغيره لكثرة وروده في القرآن وغيره وهو مأخوذ من الثني بفتح الثاء المثلثة وسكون النون وهو الرجوع ومنه ثنى عنان دابته إذا رجع فلما رجع في الإقرار ونحوه عما اقتضاه لفظة سمي استثناء
واصطلاحا إخراج لما بعد إلا وأخواتها من حكم ما قبلها في الإيجاب وإدخاله في النفي
هذا ( إن اتصل ) بالمستثنى منه بحيث يعد معه كلاما واحدا عرفا فلا يضر الفصل اليسير بسكتة تنفس أو وعي أو تذكر أو انقطاع صوت كما نص عليه في الأم بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي ولو يسيرا
وفي الكافي لو قال له علي ألف درهم الحمد لله إلا مائة لزمه الألف ولو قال ألف درهم أستغفر الله إلا مائة صح الاستثناء وهذا هو المعتمد خلافا لابن المقري لأن قوله أستغفر الله لاستدراك ما سبق منه
ولا بد أن ينوي الاستثناء قبل فراغ الإقرار كما مرت الإشارة إليه
( ولم يستغرق ) أي الاستثناء المستثنى منه كقوله له علي خمسة إلا أربعة فإن استغرقه كقوله له علي خمسة إلا خمسة فباطل لأنه رفع ما أثبته
ولا يجمع مفرق بالعطف في المستثنى أو المستثنى منه أو فيهما إن حصل بجمعه استغراق أو عدمه لأن واو العطف وإن اقتضت الجمع لا تخرج الكلام عن كونه ذا جملتين من جهة اللفظ الذي يدور عليه الاستثناء وهذا مخصص لقولهم إن الاستثناء يرجع إلى جميع المعطوفات لا إلى الأخير فقط فلو قال له علي درهمان ودرهم أو درهم ودرهم ودرهم إلا درهما لزمه ثلاثة لأن المستثنى منه إذا لم يجمع مفرقه كان الدرهم الواحد مستثنى من درهم واحد فيستغرق فيلغو
ولو قال له علي درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ودرهما ودرهما لزمه ثلاثة لأنه إذا لم يجمع مفرق المستثنى والمستنثى منه كان المستثنى درهما من درهم فيلغو وقس على ذلك
( فلو قال له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية لزمه تسعة ) لأن الاستثناء من الإثبات نفي وعكسه كما مر
والطريق فيه وفي نظائره أن يجمع كل ما هو إثبات وكل ما هو نفي ويسقط المنفي من المثبت فيكون الباقي هو الواجب فالعشرة والثمانية في هذا المثال مثبتان وهما ثمانية عشرة والتسعة منفية فإذا أسقطتها من الثمانية عشر يبقى تسعة فإن قال مع ذلك إلا سبعة وهكذا إلى الواحد لزمه خمسة لأن العدد المثبت ثلاثون والمنفي خمسة وعشرون فإذا أسقطتها بقي خمسة
ولك طريق آخر وهي أن تخرج المستثنى الأخير مما قبله وما بقي منه يخرج مما قبله فتخرج الواحد من الاثنين وما بقي تخرجه من الثلاثة وما بقي تخرجه من الأربعة وهكذا حتى ينتهي إلى الأول ولك أن تخرج الواحد من الثلاثة ثم ما بقي من الخمسة ثم ما بقي من السبعة ثم ما بقي من التسعة وهذا أسهل من الأول ومحصل له فما بقي فهو المطلوب
____________________
(2/257)
فروع لو قال له علي عشرة إلا خمسة أو ستة لزمه أربعة لأن الدرهم الزائد مشكوك فيه هذا إن تعذرت مراجعته كما إذا قال أنت طالق طلقة واحدة أو اثنتين فإنه يعين
فإن قيل هلا لزمه خمسة لأنه أثبت عشرة واستثنى خمسة وشككنا في استثناء الدرهم السادس أجيب بأن المختار أن الاستثناء لبيان ما لم يرد بأول الكلام لا أنه إبطال ما ثبت ولو قال له علي شيء إلا شيئا أو مال إلا مال أو نحو ذلك فكل من المستثني والمستثنى منه مجمل فليفسرهما فإن فسر الثاني بأقل مما فسر به الأول صح الاستثناء والإلغاء
ولو قال له علي ألف إلا شيئا أو عكس فالألف والشيء مجملان فيفسرهما ويجتنب في تفسيره الاستغراق
ولو قال له علي ألف إلا درهما فالألف مجمل فليفسره بما فوق الدرهم فلو فسره بما قيمته درهم فما دونه لغا الاستثناء والتفسير للاستغراق
ولو قال ليس له على شيء إلا خمسة لزمه خمسة أو قال ليس له علي عشرة إلا خمسة لم يلزمه شيء لأن العشرة إلا خمسة خمسة فكأنه قال ليس له علي خمسة فجعل النفي الأول متوجها إلى مجموع المستثني والمستثنى منه وإن خرج عن قاعدة أن الاستثناء من النفي إثبات
وإنما لزمه في الأول خمسة لأنه نفي مجمل فيبقى عليه ما استثناه ولو قدم المستثنى على المستثنى منه صح كما قاله الرافعي في أول كتاب الأيمان
( ويصح ) الاستثناء ( من غير الجنس ) أي جنس المستثنى منه ( كألف ) من الدراهم ( إلا ثوبا ) لوروده في القرآن وغيره ومنه قوله تعالى { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } وقوله تعالى { ما لهم به من علم إلا اتباع الظن }
( ويبين بثوب قيمته دون ألف ) حتى لا يستغرق
فإن فسره بثوب قيمته ألف بطل التفسير وكذا الاستثناء على الأصح فيلزمه ألف لأنه بين ما أراد بالاستثناء فكأنه تلفظ به وهو مستغرق
ولو قال له علي ألف إلا دينارا رجع في تفسير الألف إليه وأسقط منه الدينار لما مر
حيلة لو كان لشخص على آخر ألف درهم وله عليه قيمة عبد أو ثوب أو عشرة دنانير ويخاف إن أقر له جحده قال ابن سراقة فطريقه أن يقول له علي ألف درهم إلا عبدا أو إلا ثوبا أو إلا عشرة دنانير فإن الحاكم يسمع إقراره ويستفسره فإن فسره بأقل من ألف حلفه أن جميع ما عليه ذلك ولم يلزمه غيره وتقوم قيمة العبد أو الثوب أو الدنانير ويسقطها من الألف
( و ) يصح الاستثناء ( من المعين ) كما يصح من المطلق سواءا كان المستثنى مجهولا أم معلوما ( كهذه الدار له إلا هذا البيت أو هذه الدراهم له إلا ذا الدرهم ) أو هذا القطيع له إلا هذه الشاة لأنه إخراج بلفظ متصل فهو كالتخصيص
وعلله الشافعي رحمه الله تعالى في الأم بأنه كلام صحيح ليس بمحال
( وفي المعين وجه شاذ ) أنه لا يصح الاستثناء منه لأن الإقرار بالمعين يقتضي الملك فيها تضمينا فيكون الاستثناء رجوعا بخلاف الإقرار بالدين
ثم أشار إلى صحة الاستثناء المجهول من المعين فقال ( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح لو كان المستثنى مجهولا كما ( لو قال هؤلاء العبيد له إلا واحدا قبل ) وإن كان المستثنى مجهولا كما لو قال له علي عشرة إلا شيئا إذ إلا فرق بين المعين والدين
( ورجع في البيان إليه ) لأنه أعرف بمراده ويلزمه البيان فإن مات قام وارثه مقامه كما قاله القاضي حسين
( فإن ماتوا إلا واحدا وزعم أنه المستثنى صدق بيمينه ) أنه الذي أراده إذا كذبه المقر له ( على الصحيح والله أعلم ) لاحتمال ما ادعاه
والثاني لا يصدق للتهمة
أما لو قتلوا إلا واحدا وزعم أنه المستثنى فإنه يصدق قطعا لبقاء أثر الإقرار وهو القيمة
ويؤخذ من ذلك أنه لو قال غصبتهم إلا واحدا فماتوا وبقي واحد وزعم أنه المستثنى أنه يصدق لأن أثر الإقرار باق وهو الضمان
فروع لو أقر أحد الشريكين لثالث بنصف الألف المشترك بينهما تعين ما أقر به في نصيبه وهذا فرع من قاعدة الحصر والإشاعة وفيها اضطراب ولذا قال الزركشي الحق أنه لا يطلق فيها ترجيح بل تختلف باختلاف الأبواب والمأخذ كما في الرجعة والنذر ونظائرهما
ولو أقر لورثة أبيه بمال وكان هو أحدهم ولم يدخل لأن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه
وهذا عند الإطلاق كما قاله السرخسي فإن نص على نفسه دخل ولو قال له علي ألف إلا أن يبدو لي
____________________
(2/258)
ففيه وجهان في العدة والبيان قال المصنف لعل الأصح أنه إقرار اه
لا يلزمه شيء كما نقله الهروي عن النص كما إذا قال له علي ألف إلا أن يشاء الله ولو قال غصبت داره ولو بإسكان الهاء وقال أردت داره الشمس أو القمر لم يقبل قوله لأن غصب ذلك محال فلا تقبل إرادته
وإن أقر البائع بالبيع في زمن الخيار له أولها لأحد انفسخ البيع لأن له الفسخ حينئذ بخلاف ما لو أقر بعد انقضاء الخيار له أو لها أو كان للمشتري لعجزه عن الفسخ
ولو أقر أو أوصى بثياب بدنه دخل فيه كل ما يلبسه حتى الفروة لا الخلف لأنه ليس من مسمى الثياب
فصل في الإقرار بالنسب وهو القرابة وجمعه أنساب
وهو على قسمين الأول أن يلحق النسب بنفسه والثاني بغيره
وقد بدأ بالقسم الأول فقال لو ( أقر ) البالغ العاقل الذكر ولو عبدا وكافرا وسفيها ( بنسب ) لغيره ( إن ألحقه بنفسه ) ك هذا ابني أو أنا أبوه وإن كان الأول أولى لكون الإضافة فيه إلى المقر ( اشترط لصحته ) أي هذا الإلحاق أمور أحدها ( أن لا يكذبه الحس ) بأن يكون في سن يمكن أن يكون منه فلو كان في سن لا يتصور كونه منه أو كان قد قطع ذكره وأنثياه من زمن يتقدم على زمن العلوق به لم يثبت نسبه لأن الحس يكذبه وهذا بالنسبة إلى النسب أما بالنسبة إلى العتق فسيأتي
ولو قدمت كافرة بطفل وادعاه رجل وأمكن اجتماعهما أو احتمل أنه أنفذ إليها ماء فاستدخلته لحقه وإلا فلا
( و ) ثانيها أو ( لا ) يكذبه ( الشرع ) وتكذيبه ( بأن يكون ) المستلحق بفتح الحاء ( معروف النسب من غيره ) أو ولد على فراش نكاح صحيح لأن النسب الثابت من شخص لا ينتقل إلى غيره سواء أصدقه المستلحق أم لا
( و ) ثالثها ( أن يصدقه المستلحق ) بفتح الحاء ( إن كان أهلا للتصديق ) بأن يكون مكلفا لأن له حقا في نسبه وهو أعرف به من غيره
تنبيه أهمل المصنف من الشروط أن لا يكون منفيا بلعان الغير عن فراش نكاح صحيح فإن كان لم يصح استلحاقه لغير النافي
أما المنفي بوطء شبهة أو نكاح فاسد فيجوز لغيره أن يستلحقه لأنه لو نازعه فيه قبل النفي سمعت دعواه وأن لا يكون ولد زنا وأن لا يكون المستلحق بفتح الحاء رقيقا للغير ولا عتيقا صغيرا أو مجنونا فإن كان لم يصح استلحاقه محافظة على حق الولاء للسيد بل يحتاج إلى البينة فإن صدقه الكبير العاقل قبل كما رجحه ابن المقري خلافا لما رجحه صاحب الأنوار من عدم القبول
والرقيق باق على رقه لعدم التنافي بين النسب والرق لأن النسب لا يستلزم الحرية والحرية لم تثبت
وإن كان الرقيق له وهو بيده ولم يمكن لحوقه به كأن كان أسن منه لغا قوله وإن أمكن لحوقه به لحقه الصغير والمجنون والمصدق له وعتقوا
أما ثابت النسب من غيره أو المكذب له فلا يلحقانه ويعتقان عليه مؤاخذة له باعترافه بحريتهما ولا يرثان منه كما لا يرث منهما
ثم إن أقر بأم ففي زوائد الروضة للعمراني عن ابن اللبان إن قرار الشخص بالأم لا يصح لإمكان إقامة البينة على الولادة وأقره في الكفاية
ولو أقر بأب فكذبه أو سكت لم ينبت الاستلحاق
أو ابن ( فإن كان بالغا فكذبه ) أو قال لا أعلم وكذا لو سكت كما في الروضة والشرحين هنا وإن صحح في الشرح والروضة في فصل التسامع في الشهادة إن سكوت البالغ في النسب كالإقرار ( لم يثبت ) نسبه ( إلا ببينة ) كسائر الحقوق ويثبت أيضا باليمين المردودة وإن لم تصدق بذلك عبارة المصنف
ولو استلحق بالغا عاقلا وصدقه ثم رجعا لا يسقط النسب لأن النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق كالثابت بالافتراش
( وإن استلحق صغيرا ) أو مجنونا ( ثبت ) نسبه بالشروط السابقة ما عدا التصديق لأن إقامة البينة على النسب عسرة والشارع قد اعتنى به وأثبته بالإمكان فلذلك أثبتناه بالاستلحاق إذا لم يكن المقر به أهلا للتصديق
( فلو بلغ ) الصغير أو أفاق المجنون ( وكذبه ) بعد كماله ( لم يبطل ) نسبه ( في الأصح ) فيهما لأن النسب يحتاط له فلا يندفع بعد ثبوته كالثابت بالبينة
وليس للمقر به تحليفه لأنه لو رجع لم
____________________
(2/259)
يقبل
والثاني يبطل فيهما لأنا حكمنا به حين لم يكن أهلا للإنكار وقد صار والأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما
فإن قيل ما ذكر في المجنون يخالفه ما لو قال لمجنون هذا أبي حيث لا يثبت نسبه حتى يفيق ويصدق وقد قال الروياني ما أدري ما الفرق بينهما إلا أن يقال الابن بعد الجنون يعود إلى ما كان عليه في صباه بخلاف الأب
أجيب بأن أصل هذا الماوردي ورأيه أن المجنون البالغ لا يصح استلحاقه إلا إن أفاق وصدق ولا يشكل باستلحاق الميت لليأس من عوده وهذا رأي مرجوح فإذا لا فرق بين هذا أبي و هذا ابني كما أفاده شيخي
( ويصح أن يستلحق ميتا صغيرا ) ولو بعد أن قتله ولا يبالي بتهمة الميراث ولا بتهمة سقوط القود لأن النسب يحتاط فيه ولهذا لو نفاه في الحياة أو بعد الموت ثم استلحقه بعد موته لحقه وورثه
( وكذا كبير ) ميت يصح استلحاقه ( في الأصح ) لأن الميت ليس أهلا للتصديق فصح استلحاقه كالمجنون والصغير
والثاني لا يصح لفوات التصديق وهو شرط لأن تأخير الاستلحاق إلى الموت يشعر بإنكاره لو وقع في حياته
ويجري الوجهان فيمن جن بعد بلوغه عاقلا ولم يمت لأنه سبق له حالة يعتبر فيها تصديقه وليس من الآن من أهل التصديق
( و ) على الأول ( برئه ) أي الميت المستلحق
ولا نظر إلى التهمة لأن الإرث فرع النسب وقد ثبت نسبه
ومسألة الإرث مزيدة على المحرر والروضة
فائدة لو نفي الذمي ولده أي الصغير أو المجنون ثم أسلم لا يحكم بإسلام الولد لأنا حكمنا بأن لا نسب بينهما فلا يتبعه في الإسلام فلو مات هذا الولد وصرفنا ميراثه لأقاربه الكفار ثم استلحقه النافي حكم بالنسب وتبين أنه صار مسلما بإسلامه تبعا ويسترد ميراثه من ورثته الكفار وتصرف له
( ولو استلحق اثنان ) فأكثر ( بالغا ثبت لمن صدقه ) منهما أو منهم أو لاجتماع الشرائط فيه دون الآخر فإن صدقهما أو لم يصدق واحد منهما عرض على القائف كما سيأتي إن شاء الله تعالى قبيل باب العتق
( وحكم الصغير ) إذا استلحقه اثنان فأكثر ( يأتي في ) كتاب ( اللقيط إن شاء الله تعالى ) ويأتي فيه أيضا حكم استلحاق العبد والمرأة
( ولو قال لولد أمته ) غير المزوجة والمستفرشة له ( هذا ولدي ثبت نسبه ) عند اجتماع شروطه
ولا بد في تتمة التصوير أن يقول منها كما في التنبيه كذا قاله في الروضة
ولعله لأجل الخلاف في قوله ( ولا يثبت الاستيلاد في الأظهر ) وإلا فلا يحتاج إليه لثبوت النسب وإنما لم يثبت الاستيلاد لاحتمال أنه أولدها بنكاح أو شبهة ثم ملكها
قال الرافعي وهذا أشبه بقاعدة الإقرار وهو البناء على اليقين
والثاني وصححه جمع يثبت حملا على أنه أولدها بالملك والأصل عدم النكاح
( وكذا ) لا يثبت الاستيلاد في الأظهر ( لو قال ) هذا ( ولدي ولدته في ملكي ) لاحتمال أن يكون قد أحبلها قبل الملك بما مر ثم اشتراها حاملا فولدت في ملكه
( فإن قال علقت به في ملكي ) أو هذا ولدي استولدتها به في ملكي أو هذا ولدي منها وملكي عليها مستمر من عشر سنين مثلا وكان الولد ابن نحو سنة ( ثبت الاستيلاد ) لانتفاء الاحتمال كما قاله الرافعي وتبعه المصنف
فإن قيل يحتمل أنها كانت مرهونة ثم أولدها وهو معسر فبيعت في الدين ثم اشتراها وقلنا بأنها لا تصير مستولدة على رأي
أجيب بأن هذا احتمال بعيد لا يعول عليه ولكن لو كان مكاتبا قبل إقراره فلا يثبت الاستيلاد حتى ينفي احتمال أنه أحبلها زمن كتابته لأن إحبال المكاتب لا يثبت أمية الولد كما سيأتي إن شاء الله تعالى آخر الكتاب
ولو قال يد فلان ابني أو أخي أو يد في هذه الأمة مستولدتي ليس إقرارا بالنسب ولا بالاستيلاد إذا جعلنا نظيره في الطلاق إنه يقع على الجزء ثم يسري وهذا هو الراجح وإن جعلناه عبارة عن الجملة على رأي مرجوح كان إقرارا بالنسب والاستيلاد ذكره الرافعي في كتاب الطلاق عن التتمة
( فإن كانت فراشا له لحقه ) الولد عند الإمكان ( بالفراش )
____________________
(2/260)
بأن أقر بوطئها ( من غير استلحاق ) لقوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وتصير أم ولد
( وإن كانت مزوجة فالولد للزوج ) عند إمكان كونه منه لأن الفراش له
( واستلحاق السيد ) له باطل ) للحوقه بالزوج شرعا
فرع لو أقر بأنه لا وراث له إلا أولاده هؤلاء وزوجته هذه قال ابن الصلاح يثبت حصر ورثته فيهم بإقراره كما يعتمد إقراره في أصل الإرث يعتمد في حصره فإنه من قبيل الوصف له
وفي فتاوى القاضي ما يدل له
ثم شرع في القسم الثاني فقال ( وأما إذا ألحق النسب بغيره ) ممن يتعدى النسب منه إلى نفسه ( كهذا أخي ) وعبارة الروضة وأصلها هذا أخي ابن أبي وأمي وفيه إشارة إلى الإلحاق بالأم وسيأتي الكلام على ذلك
( أو ) هذا ( عمي فيثبت نسبه من الملحق به ) إذا كان رجلا لأن الورثة يخلفون مورثهم في حقوق والنسب من جملتها
وإنما مثل المصنف بمثالين ليعرفك أنه لا فرق بين أن يتعدى النسب منه إلى نفسه بواسطة واحدة كالأب في قوله هذا أخي أو ثنتان كالجد في قوله هذا عمي وقد يكون بثلاثة كابن العم
تنبيه إنما قيدت الملحق به بكونه رجلا لأن استلحاق المرأة لا يقبل على الأصح كما ذكره المصنف في كتاب اللقيط كما مرت الإشارة إليه فبالأولى استلحاق وارثها وإن كان رجلا لأنه خليفتها
قال الإسنوي وهو واضح وكذا جزم به ابن اللبان ونقله عنه العمراني في زوائده أن الإقرار بالأم لا يصح كمامر لإمكان إقامة البينة على الولادة كما في استلحاق المرأة اه
لكن قول الأصحاب لا بد من موافقة جميع الورثة ولو بزوجية وولاء كما سيأتي يشمل الزوجة والزوج ويدل لذلك عبارة الروضة وهي ويشترط موافقة الزوج والزوجة على الصحيح اه
وصورته في الزوج أن تموت امرأة وتخلف ابنا وزوجا فيقول الابن لشخص هذا أخي فلا بد من موافقة الزوج فهذا استلحاق بامرأة وهذا كما قال الزركشي في خادمه يرد على اللبان و العمراني في قولهما إن الاستلحاق بالمرأة لا يصح
وفرق شيخي بين استلحاق الوارث بها وبين عدم صحة استلحاقها بأن إقامة البينة تسهل عليها بخلاف الوارث خصوصا إذا تراخى النسب
وإنما يثبت ذلك ( بالشروط السابقة ) فيما إذا ألحقه بنفسه ( ويشترط كون الملحق به ميتا ) فلا يلحق بالحي ولو مجنونا لاستحالة ثبوت نسب الشخص مع وجوده بقول غيره فلو صدق الحي ثبت نسبه بتصديقه
والاعتماد في الحقيقة على التصديق لا على المقر وأما تصديق ما بينهما من الوسائط ففي المهذب أنه لا بد منه وهو مقتضى كلام الحاوي
وخالف في البيان وقال إن كان بينهما اثنان بأن أقر بعم فقال بعض أصحابنا يشترط تصديق الأب والجد والذي يقتضيه المذهب أنه يكفي تصديق الجد فإنه الأصل الذي ثبت النسب به ولو اعترف به وكذبه ابنه لم يؤثر تكذيبه فلا معنى لاشتراط تصديقه
قال الإسنوي وما قاله صحيح لا شك فيه اه
وهذا ظاهر
فإن قيل ما صورة هذه المسألة لأن الذي بين المقر والمقر به إن كان وارثا فالمقر غير وارث فلا يعتبر إقراره وإن كان غير وارث فلا يعتبر تصديقه أجيب بأنه غير وارث وقد يعتبر تصديقه لأن في إثبات النسب بدونه إلحاقا به وهو أصل المقر ويبعد إثبات نسب الأصل بقول الفرع بخلاف ما إذا ألحق النسب بنفسه فإن فيه إلحاقا بأصوله وفروعه لكنه بطريق الفرعية عن إلحاقه بنفسه ولا يبعد تبعية الأصل للفرع
( ولا يشترط ) في إلحاق النسب بغيره ( أن لا يكون نفاه ) الميت ( في الأصح ) فيجوز إلحاقه به كما لو استلحقه النافي
والثاني يشترط ما ذكر لما في إلحاقه من العار على الميت والوارث لا يفعل إلا ما فيه حظ المورث وصححه ابن الصلاح وقال الأذرعي القلب إليه أميل
( ويشترط كون المقر ) في إلحاق النسب بغيره ( وارثا ) بخلاف غيره كرقيق وقاتل وأجنبي ( حائزا ) لتركة الملحق به واحدا كان أو أكثر فلو مات وخلف ابنا واحدا فأقر بأخ آخر ثبت نسبه وورث أو مات عن ابنين وبنات فلا بد
____________________
(2/261)
من اتفاقهم جميعا وكذا يعتبر موافقة الزوج والزوجة كما مر والمعتق لأنهم من الورثة
تنبيه كلام المصنف يقتضي عدم صحة استلحاق الإمام فيمن إرثه لبيت المال لأنه ليس بوارث لأن إرثه إنما هو من جهة الإسلام
والذي في الشرح الكبير عن العراقيين وقال في الشرح الصغير إنه الأقرب وصححه في الروضة أن حكمه في ذلك حكم الوارث فللإمام أن يلحق النسب به ولا بد أن يوافق فيه غير الحائز
ودخل في كلامه الحائز بواسطة كأن أقر بعم وهو حائز تركة أبيه الحائز تركة جده الملحق به فإن كان قد مات أبوه قبل جده فلا واسطة صرح به في أصل الروضة
قال ابن الرفعة وهو يفهم أنه يعتبر كون المقر حائزا لميراث الملحق به لو قدر موته حين الإلحاق وكلامهم بأباه لأنهم قالوا لو مات مسلم وترك ولدين مسلما وكافرا ثم مات المسلم وترك ابنا مسلما وأسلم عمه الكافر فحق الإلحاق بالجد لابن ابنه المسلم لا لابنه الذي أسلم بعد موته ولو كان كما قيل لكان الأمر بالعكس اه
ويصح إلحاق المسلم الكافر بالمسلم وإلحاق الكافر المسلم بالكافر ( والأصح أن المستلحق لا يرث ) كذا في نسخة المصنف كما حكاه السبكي
قال الشيخ برهان الدين وهو يقتضي أنه مع كون المقر حائزا أن المستلحق لا يرث وهذا لا يعرف بل هو خلاف النقل والعقل والظاهر أنه سقط هنا شيء إما من أصل المصنف وإما من ناسخ وصوابه أن يقول وإن لم يكن حائزا فالأصح إلخ كما يؤخذ من بعض النسخ اه
ويوجد في بعضها فلو أقر أحد الابنين دون الآخر فالأصح إلخ وهو كلام صحيح ولعله هو المراد من النسخة الأولى
وحاصله أنه إذا أقر أحد الحائزين بثالث وأنكره الآخر أو سكت أن المستلحق لا يرث ويدل لذلك كما قال الولي العراقي في قوله ( ولا يشارك المقر في حصته ) ظاهرا لعدم ثبوت نسبه فهو قرينة ظاهرة على أن صورة المسألة إقرار بعض الورثة إذ لو كان المقر حائزا لم يكن له حصة بل جميع الإرث له
والثاني يرث بأن يشارك المقر في حصته دون المنكر
أما في الباطن فهل على المقر إذا كان صادقا أن يدفع إليه شيئا فيه وجهان أصحهما في أصل الروضة
نعم وهل يشارك بنصف ما في يده أو بثلثه وجهان أصحهما الثاني
وإذا قلنا لا يرث لعدم ثبوت نسبه حرم على المقر بنت المقر به وإن لم يثبت نسبها مؤاخذة له بإقراره كما ذكره الرافعي ويقاس بالبنت من في معناها وفي عتق حصة المقر إذا كان المقر به عبدا من التركة كأن قال أحدهما لعبد فيها إنه ابن أبينا وجهان أوجههما أنه يعتق لتشوف الشارع إلى العتق
( و ) الأصح ( أن البالغ ) العاقل ( من الورثة لا ينفرد بالإقرار ) لأنه غير حائز للميراث
والثاني ينفرد به ويحكم بثبوت النسب في الحال احتياطا للنسب
وعلى الأول ينتظر بلوغ الصغير وإفاقة المجنون فإذا بلغ الأول وأفاق الثاني ووافق البالغ العاقل ثبت النسب حينئذ ولا بد من موافقة الغائب أيضا
وتعتبر موافقة وارث من مات قبل الكمال أو الحضور فإن لم يرث من ذكر غير المقر ثبت النسب كما يؤخذ من قوله ( و ) الأصح ( أنه لو أقر أحد الوارثين ) الحائزين بثالث ( وأنكر الآخر ومات ولم يرثه إلا المقر ثبت النسب ) وإن لم يجدد إقرارا بعد الموت لأن جميع الميراث صار له
فإن قيل قد ثبت النسب في هذه الصورة المذكورة مع أن الإقرار لم يصدر من الوارث الحائز فإنه ما صار حائزا إلا بعد الإقرار
أجيب بأن الحيازة تعتبر حالا أو مآلا
والثاني لا يثبت لأن إقرار الفرع مسبوق بإنكار الأصل وهو المورث
وخرج بقوله وأنكر الآخر ما لو سكت فإنه يثبت جزما لأنه لم يسبق تكذيب أصله فإن حلف المنكر أو الساكت ورثة غير المقر اعتبر موافقتهم
( و ) الأصح ( أنه لو أقر ابن حائز ) مشهور النسب لا ولاء عليه ( بأخوة مجهول فأنكر المجهول نسب المقر ) بأن قال أنا ابن الميت ولست أنت ابنه ( لم يؤثر فيه ) إنكاره لشهرته ولأنه لو أثر فيه لبطل نسب المجهول فإنه الثابت بقول المقر فإنه لم يثبت بقول المقر إلا لكونه حائزا
وإذا لم يؤثر فيه ثبت نسب المجهول كما قال ( ويثبت أيضا نسب المجهول ) لأن الوارث الحائز قد استلحقه
والثاني يؤثر الإنكار فيحتاج المقر إلى البينة على نسبه
والثالث لا يثبت نسب المجهول لزعمه أن المقر ليس بوارث
وعلى الأول لو أقر الحائز والمجهول بنسب ثالث فأنكر الثالث نسب الثاني سقط نسبه لأنه ثبت نسب الثالث فاعتبر موافقته في ثبوت نسب الثاني وهذا من باب قولهم أدخلني أخرجك
ولو أقر بأخو بن مجهولين معا فكذب كل منهما الآخر أو صدقه ثبت نسبهما لوجود الإقرار من الحائز وإن صدق أحدهما الآخر فكذبه الآخر سقط نسب المكذب بفتح الذال دون نسب المصدق إن لم يكونا توأمين وإلا فلا أثر لتكذيب الآخر ولأن المقر بأحد التوأمين مقر بالآخر
ولو كان المنكر اثنين والمقر واحدا للمقر تحليفهما فإن نكل أحدهما لم ترد اليمين على المقر لأنه لا يثبت بها نسبا ولا يستحق بها إرثا
ولو أقر الورثة بزوجية امرأة للمورث ثبت لها الميراث كما لو أقروا بنسب شخص وكذا لو أقروا بزوج للمرأة
وإن أقر البعض وأنكر البعض لم يثبت لها ميراث في الظاهر كنظيره من النسب أما في الباطن فكما تقدم في النسب
وخرج بمن لا ولاء عليه من عليه ولاء فإنه إذا أقر بأخ أو أب فإنه لا يقبل لما فيه من الإضرار بالسيد بخلاف ما لو أقر بنسب ابن فإنه يقبل لأن به حاجة إلى استلحاق الابن لأنه لا يتصور ثبوت نسبه من جهة غيره إلا ببينة بخلاف الأب والأخ فإنه يتصور ثبوته من جهة أبيهما ولأنه قادر على إنشاء الاستيلاد فصح إقراره به
( و ) الأصح ( أنه إذا كان الوارث الظاهر بحجبه المستلحق ) بفتح الحاء ( كأخ أقر بابن للميت ثبت النسب ) للابن لأن الوارث الحائز في الظاهر قد استلحقه
( ولا إرث ) له للدور الحكمي وهو أن يلزم من إثبات الشيء نفيه وهنا يلزم من إرث الابن عدم إرثه لأنه لو ورث لحجب الأخ فيخرج عن كونه وارثا فلم يصح إقراره ولو أقر به الأخ والزوجة لم يرث معهما لذلك وكما لو اشترى شخص أباه في مرض موته فإنه يعتق عليه ولا يرث
ولو خلف بنتا أعتقته فأقرت بأخ لها فهل يرث أو لا وجهان أوجههما نعم لأنه لا يحجبها بل يمنعها عصوبة الولاء
ولو مات عن بنت وأخت فأقرتا بابن له سلم للأخت نصيبها لأنه لو ورث لحجبها
ولو ادعى مجهول على أخي الميت أنه ابن الميت فأنكر الأخ ونكل عن اليمين فحلف المدعي اليمين المردودة ثبت نسبه ولم يرث لما مر في إقرار الأخ
خاتمة لو أقر ابنان من ثلاثة بنين بأخ لهم وشهدا له عند إنكار الثالث قبلت شهادتهما لأنها لا تجر لهما نفعا بل ضررا
ولو أقر بأخ وقال منفصلا أردت من الرضاع لم يقبل لأنه خلاف الظاهر ولهذا لو فسر بأخوة الإسلام لم يقبل
فإن قيل قد قال العبادي لو شهد أنه أخوه لا يكتفى به لأنه يصدق بأخوة الإسلام فكان ينبغي أن يكون هنا كذلك
أجيب بأن المقر يحتاط لنفسه بما يتعلق به فلا يقر إلا عن تحقيق فإن ذكره متصلا قبل
____________________
(2/262)
كتاب العارية بتشديد الياء بخطه وقد تخفف وفيها لغة ثالثة عارة بوزن ناقة
وهي اسم لما يعار ولعقدها من عار إذا ذهب وجاء ومنه قيل للغلام الخفيف عيار لكثرة ذهابه ومجيئه
وقيل من التعاور وهو التناوب وقال الجوهري كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار وعيب
واعترض عليه بأنه صلى الله عليه وسلم فعلها كما سيأتي ولو كانت عيبا ما فعلها وبأن ألف العارية منقلبة عن واو فإن أصلها عورية وأما ألف العار فمنقلبة عن ياء بدليل عيرته بكذا
وحقيقتها شرعا إباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } وفسر جمهور المفسرين قوله تعالى { ويمنعون الماعون } بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض كالدلو والفأس
____________________
(2/263)
والإبرة
وقال علي و ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الماعون الزكاة والطاعة
وقال عكرمة أعلاها الزكاة وأدناها عارية المتاع
وقال البخاري هو المعروف كله
وهي مندوب إليها ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم استعار فرسا من أبي طلحة فركبه وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد جيد أنه صلى الله عليه وسلم استعار درعا من صفوان بن أمية يوم حنين فقال أغصب يا محمد فقال بل عارية مضمونة
قال الروياني وغيره وكانت واجبة أول الإسلام للآية السابقة ثم نسخ وجوبها وصارت مستحبة أي أصالة وقد تجب كإعارة الثوب لدفع حر أو برد وإعارة الحبل لإنقاذ غريق والسكين لذبح حيوان محترم يخشى موته
وأفتى أبو عبدالله الزبيدي بوجوب إعارة كتب الحديث إذا كتب صاحبها اسم من سمعه ليكتب نسخة السماع
قال الزركشي والقياس أن العارية لا تجب عينا بل هي أو النقل إذا كان الناقل ثقة وقد تحرم كإعارة الصيد من المحرم والأمة من أجنبي وإعارة الغلمان لمن عرف باللواط وقد تكره كإعارة العبد المسلم من كافر
وأركانها أربعة معير ومستعير ومعار وصيغة وقد بدأ المصنف بأولها رحمه الله تعالى مبينا لشرطه فقال و ( شرط المعير صحة تبرعه ) وأن يكون مختارا لأن العارية تبرع بإباحة المنفعة فلا تصح ممن لا يصح تبرعه كصبي وسفيه ومفلس ومكاتب بغير إذن سيده ولا من مكره
فإن قيل يرد على المصنف جواز إعارة السفيه بدن نفسه إذا كان عمله ليس مقصودا في كسبه لاستغنائه بماله عنه
أجيب بأن ذلك لا يسمى عارية لأن بدنه في يده وكان الأولى أن يقول تبرع ناجز لأن السفيه أهل للتبرع بالوصية ولا تصح عاريته
تنبيه قضية كلامهم أن المفلس لا يعير العين
قال الإسنوي والمتجه جوازه إذا لم يكن في الإعارة تعطيل للنداء عليها كإعارة الدار يوما وهو ظاهر كما قاله بعض المتأخرين إذا لم تكن المنفعة تقابل بأجرة وإلا فيمتنع
( و ) شرط على الصحيح لأنه غير مالك للمنفعة وإنما أبيح له الأشفاع ولهذا لا يؤجر والمستبيح لا يملك نقل ما أبيح له بدليل للمعير أيضا
( ملكه المنفعة ) ولو بوصية أو وقف وإن لم يملك العين لأن الإعارة ترد على المنفعة دون العين
وقيد ابن الرفعة جواز الإعارة من الموقوف عليه إذا كان ناظرا وهو واضح
( فيعير مستأجر ) لأنه مالك للمنفعة ( لا مستعير ) أن الضيف لا يبيح لغيره ما قدم له
والثاني يعير كما أن للمستأجر أن فإن أذن له المالك صحت الإعارة
قال الماوردي ثم إن لم يسم من يعير له فالأول على عاريته وهو المعير من الثاني والضمان باق عليه وله الرجوع فيها وإن ردها الثاني عليه بريء وإن سماه انعكس هذا الحكم
( و ) لكن ( له ) أي المستعير ( أن يستنيب من يستوفي المنفعة له ) كأن يركب الدابة المستعارة وكيله الذي هو مثله أو دونه في حاجته أو زوجته أو خادمه لأن الانتفاع راجع إليه بواسطة المباشرة
فإن قيل يرد على قيد ملك المنفعة صحة إعارة الكلب للصيد مع أنه لا يملك وصحة إعارة الأضحية والهدي المنذورين مع خروجهما عن ملكه وصحة إعارة الإمام مال بيت المال من أرض وغيرها مع أنه ليس ملكا له
أجيب بأن هذه الأمور ليست عارية حقيقة بل شبيهة بها وبأنهم أرادوا هنا بملك المنفعة ما يعم الاختصاص بها والتصرف فيها إلا بطريق الإباحة
قال شيخنا وعلى هذا لا يرد ما عليه العمل من إعارة الصوفي والفقيه مسكنهما بالرباط والمدرسة وما في معناهما اه
أي على القول بجواز ذلك والمعتمد أنه لا يجوز كما قاله الأذرعي وغيره
تنبيه قضية كلام المصنف أنه ليس للأب أن يعير ولده الصغير وهو ما أطلقه صاحب العدة وهو محمول كما في زيادة الروضة على خدمة تقابل بأجرة وأما ما لا يقابل بأجرة لحقارته فالظاهر الذي يقتضيه أفعال السلف أنه لا منع منه إذا لم يضر بالصبي
وقال الروياني يجوز أن يعير ولده لخدمة من يتعلم منه ويؤيده قصة أنس في الصحيح
ولو استعار كتابا يقرأ فيه فوجد فيه خطأ لا يصلحه إلا أن يكون قرآنا فيجب كما قاله العبادي تقييده بالإصلاح يعلم أن ذلك لو كان يؤدي إلى نقص قيمته لرداءة خط ونحوه امتنع لأنه إفساد لماليته لا إصلاح أما الكتاب الموقوف فيصلح جزما خصوصا ما كان خطأ محضا لا يحتمل التأويل
وسكت المصنف عن شرط المستعير وهو الركن الثاني وشرطه أن
____________________
(2/264)
يكون أهلا للتبرع عليه بعقد فلا تصح لمن لا عبارة له كصبي ومجنون وبهيمة كما لا تصح الهبة منهم
قال في المهمات وقضية ذلك صحة استعارة السفيه إذ الصحيح صحة قبوله الهبة والوصية لكن كيف تصح استعارته مع أنها مضمونة لا جرم جزم الماوردي وغيره بعدم صحتها اه
وقضيته صحتها منه ومن المجنون والصبي بعقد وليهما إذا لم تكن مضمونة كأن استعار من مستأجر وهو واضح
ثم شرع في شرط الركن الثالث فقال ( و ) شرط ( المستعار كونه منتفعا به ) فلا يعار ما لا ينفع كالحمار الزمن
وأما ما توقع نفعه في المستقبل كالجحش الصغير فالذي يظهر فيه أن العارية إن كانت مطلقة أو مؤقتة بزمن يمكن الإنتفاع به فيه صحت وإلا فلا ولم أر من تعرض لذلك
فإن قيل يشترط في الإجارة أن يكون النفع موجودا عند العقد
أجيب بأن تلك مقابلة بعوض وليس هذه كذلك
وكان ينبغي أن يقول انتفاعا مباحا ليخرج ما ينتفع به انتفاعا محرما كآلات الملاهي فإنه لا تصح إعارته وأن تكون منفعة قوية فلا يعار النقدان إذ منفعة التزيين بهما والضرب على طبعهما منفعة ضعيفة قل ما تقصد ومعظم منفعتهما في الإنفاق والإخراج نعم إن صرح بالتزيين أو الضرب على طبعهما أو نوى ذلك كما بحثه شيخنا صحت لاتخاذه هذه المنفعة مقصدا وإن ضعفت
وينبغي مجيء هذا الاستثناء في المطعوم بالآتي كما قاله بعض المتأخرين
( مع بقاء عينه ) كالعبد والثوب فلا يعار المطعوم ونحوه فإن الإنتفاع به إنما هو بالاستهلاك فانتفى المقصود من الإعارة
قال الإسنوي ويدخل في الضابط ما لو استعار قيم المسجد أحجارا أو أخشابا يبني بها المسجد مع أنه لا يجوز كما أفتى به البغوي لأن حكم العواري جواز استردادها والشيء إذا صار مسجدا لا يجوز استرداده
( وتجوز إعارة جارية لخدمة امرأة أو ) ذكر ( محرم ) للجارية لعدم المحذور في ذلك وفي معنى المرأة والمحرم الممسوح وزوج الجارية ومالكها كأن يستعيرها من مستأجرها أو الموصى له بمنفعتها والشيخ الهرم وكذا الطفل قياسا على ما سيأتي في غير المشتهاة وكذا المريض إذا لم يجد من يخدمه غير المرأة فيجوز إعارة الجارية لخدمته
وخرج بذلك الذكر الأجنبي فلا تجوز إعارتها له لخوف الفتنة إلا أن تكون صغيرة لا تشتهى أو قبيحة يؤمن من الأجنبي عليها فلا يحرم كما في الروضة لانتفاء خوف الفتنة وإن رجح بعض المتأخرين المنع فيهما
وقال الإسنوي الصواب الجواز في الصغيرة دون الكبيرة
قال الزركشي ويلحق بالمشتهاة الأمرد الجميل لا سيما من عرف بالفجور
قال الأذرعي وفي جواز إعارة الأمة المسلمة للكافرة الأجنبية منها لخدمتها التي لا تنفك عن رؤيتها معها نظر
وقال الزركشي لا وجه لاستثناء الذمية فإنه إنما يحرم نظر الزائد على ما يبدو في المهنة وفيما وراء ذلك يمكن معه الخدمة اه
وهذا أوجه
قال الإسنوي وسكتوا عن إعارة العبد للمرأة وهو كعكسه بلا شك
ولو كان المستعير أو المعار خنثى امتنع احتياطا والمفهوم من الإمتناع فيه وفي الأمة الفساد كالإجارة للمنفعة المحرمة وهو ما بحثه في أصل الروضة وهو المعتمد وإن جزم ابن الرفعة بالصحة
فإن قيل قد صرحوا بجواز إجارة الأمة المشتهاة والوصية بمنافعها للأجنبي فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن المستأجر والموصى له يملكان المنفعة فيعيران ويؤجران لمن يخلو بها إن امتنع عليهما الإنتفاع بأنفسهما والإعارة إباحة له فقط فإذا لم يستبح بنفسه لم يكن له فائدة
( ويكره ) كراهة تنزيه كما جزم به الرافعي ( إعادة ) وإجارة ( عبد مسلم لكافر ) لأن فيها امتهانا وقيل تحرم واختاره السبكي
ويكره أن يستعير أو يستأجر أحد أبويه وإن علا للخدمة صيانة لهما عن الإذلال
نعم إن قصد باستعارته واستئجاره لذلك توقيره فلا كراهة فيهما بل هما مستحبان كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره في صورة الإستعارة
وأما إعارة وإجارة الوالد نفسه لولده فليستا مكروهتين وإن كان فيهما إعانة على مكروه قال القرافي لأن نفس الخدمة غير مكروهة وإنما كانت الكراهة في جانب الولد لمكان الولادة فلم تتعد لغيره بخلاف إعارة الصيد من المحرم فإن العبادة يجب احترامها لحق الله تعالى وهو شامل لكل مكلف
لو قال أعرني دابة فقال أدخل الدار فخذ ما أردت صحت الإعارة فإنه لا يشترط تعيين المستعار عند الإعارة وخالفت الإجارة بأنها معاوضة والغرر لا يحتمل فيها
____________________
(2/265)
فرع يحرم إعارة السلاح والخيل للحربي والمصحف وما في معناه للكافر وإعارة الصيد للمحرم فإن استعاره فتلف في يده ضمن الجزاء لله تعالى والقيمة لمالكه
ولو استعار حلال من محرم فتلف في يده لم يضمنه له لأنه غير مالك وعلى المحرم الجزاء لله تعالى لأنه متعد بالإعارة إذ يلزمه إرساله
ويجوز إعارة فحل للضراب وكلب للصيد لأنها تبرع بخلاف الإجارة فإنها معاوضة
ولو أعاره شاة أو دفعها له وملكه درها ونسلها لم يصح وإلا لم يضمن آخذها الدر والنسل لأنه أخذها بهبة فاسدة ويضمن الشاة بحكم العارية الفاسدة
فلو أباحهما له أو استعار منه الشاة لأخذ ذلك أو الشجرة ليأخذ ثمرها أو البئر ليأخذ ماءها أو الجارية ليأخذ لبنها جاز وكان إباحة للدر والنسل والثمرة والماء واللبن وعلى هذا قد تكون العارية لاستفادة عين وليس من شرطها أن يكون المقصود مجرد المنفعة بخلاف الإجارة فالشرط في العارية أن لا يكون فيها استهلاك للمعار لا أن لا يكون فيها استيفاء عين
قال الإسنوي التحقيق أن الدر والنسل ليس مستفادا بالعارية بل بالإباحة والمستعار هو الشاة لمنفعة وهي التوصل لما أبيح له وكذا الباقي اه
وهو كلام متين لم أره لغيره
فإن ملكه در الشاة ونسلها أو أباحها له وشرط عليه علفها فهو بيع وإجارة فاسدان فيضمن الدر والنسل بحكم البيع الفاسد دون الشاة لأنه أخذها بإجارة فاسدة كمن أعطى سقاء شيئا ليشرب فأعطاه كوزا فانكسر في يده فإنه يضمن الماء لأنه أخذ بشراء فاسد دون الكوز لأنه أخذه بإجارة فاسدة فإن كان الماء أكثر مما يشربه لم يضمن الزائد لأنه في يده أمانة فإن سقاه مجانا فانكسر الكوز ضمنه لأنه أخذه بإعارة فاسدة دون الماء لأنه أخذه بهبة فاسدة
ثم شرع في شرط الركن الرابع فقال ( والأصح ) في ناطق ( اشتراط لفظ ) في الصيغة لأن الانتفاع بمال الغير يعتمد إذنه ( كأعرتك ) هذا أو أعرتك منفعته وإن لم يضفه إلى العين كما في نظيره من الإجارة
( أو أعرني ) أو خذه لتنتفع به لأن ذلك يدل على الرضا القلبي فأنيط الحكم به
( ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر ) كما في إباحة الطعام
ولا يشترط اللفظ من جانب المعير بخلافه في الوديعة فإنها مقبوضة لغرض المالك وغرضه لا يعلم إلا بلفظ من جانبه والعارية بالعكس فاكتفي فيها بلفظ المستعير
ولا يكفي الفعل من الطرفين إلا فيما سيأتي استثناؤه
فرع لو أضاف شخصا وفرش له لينام فيه وقال قم ونم فيه فقام أو فرش بساطا في بيت وقال لآخر اسكن فيه تمت العارية
والثاني لا يشترط اللفظ حتى لو رآه حافيا فأعطاه نعلا أو عاريا فألبسه قميصا أو فرش له مصلى أو وسادة أو نحو ذلك كان ذلك عارية وهو ما جرى عليه المتولي بناء منه على أنه لا يشترط فيها اللفظ قال بخلاف ما لو دخل فجلس على فراش مبسوط لأنه لم يقصد به انتفاع شخص بعينه والعارية لا بد فيها من تعيين المستعير اه
وعلى الأول يكون ما جرى عليه المتولي إباحة كا جرى عليه ابن المقري لقضاء العرف به وإن كان في كلام أصله ما يقتضي تقرير المتولي على ما قاله
ويستثنى من اشتراط اللفظ ما إذا اشترى شيئا وسلمه له في ظرف فالظرف معار في الأصح
وما لو أكل المهدى إليه الهدية في ظرفها فإنه يجوز إن جرت العادة بأكلها منه كأكل الطعام من القصعة المبعوث فيها وهو معار فيضمنه بحكم العارية لا إن كان للهدية عوض وجرت العادة بالأكل منه فلا يضمنه بحكم الإجارة الفاسدة فإن لم تجر العادة بذلك ضمنه في الصورتين بحكم الغصب
قال الأذرعي ولا خفاء في جواز إعارة الأخرس المفهوم الإشارة واستعارته بها وبكتابته والظاهر كما قاله ابن شهبة جوازها بالمكاتبة من الناطق كالبيع وأولى بالمراسلة
فرع يجوز تعليق الإعارة وتأخير القبول ففي الروضة وأصلها أنه لو رهنه أرضا وأذن له في غراسها بعد شهر فهي بعد الشهر عارية غرس أم لا وقبله أمانة حتى لو غرس قبله قلع
( ولو قال أعرتكه ) أي فرسي مثلا ( لتعلفه ) أو على أن تعلفه بعلفك ( أو لتعيرني فرسك ) أو بخمسة دراهم مثلا ( فهو إجارة ) نظرا للمعنى ( فاسدة ) لجهالة العلف في الأولى والعوض في الثانية والمدة في الثالثة
( توجب أجرة المثل ) إذا مضى بعد قبضه زمن لمثله أجرة
وقيل إنه عارية فاسدة نظرا للفظ فلا تجب الأجرة
وأما العين فمضمونه على الثاني دون الأول وهذا عند جهل العوضين كما
____________________
(2/266)
فرضه المصنف
أما لو قال أعرتكها شهرا من الآن بعشرة أو لتعيرني فرسك سنة من الآن ففيه وجهان أحدهما أنه إجارة صحيحة نظرا للمعنى والثاني عارية صحيحة نظرا للفظ وأصحهما كما في الأنوار الأول
تنبيه قضية كلام الشيخين أن نفقة المستعار ليست على المستعير بل على المالك وهو كذلك لأنها من حقوق الملك كما نقله المصنف في نكت التنبيه وسكت عليه وإلا لم يكن شرطه مفسدا وإن كان في تعليق القاضي حسين أنها على المستعير
( ومؤنة الرد ) للعارية إذا كان لها مؤنة ( على المستعير ) من المالك أو المستأجر أن نحوه كالموصى له بالمنفعة لقوله صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى تؤديه حسنه الترمذي وصححه الحاكم
وأنه أخذها لنفسه بخلاف الوديعة
هذا إن رد على من استعار منه فلو استعار من المستأجر أو الموصى له بالمنفعة ورد على المالك فمؤنة الرد عليه كما لو رد عليه المستأجر ويجب على المستعير الرد عند طلب المالك إلا إذا حجر على المالك المعير فإنه لا يجوز الرد إليه بل إلى وليه
ولو استعار مصحفا أو عبدا مسلما من مسلم ثم ارتد وطلبه لم يجز الرد إليه
ثم شرع في أحكام العارية وهي ثلاثة الأول الضمان وقد ذكره بقوله ( إن تلفت ) أي العين المستعارة عند المستعير ( لا باستعمال ) لها مأذون فيه ( ضمنها وإن لم يفطر ) لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم أول الباب بل عارية مضمونة ولأنه مال يجب رده لمالكه فيضمن عند تلفه كالمستام فلو أعارها بشرط أن تكون أمانة لغا الشرط كما ذكره الشيخان ولم يتعرضا لصحتها ولا لفسادها
ومقتضى كلام الإسنوي صحتها وإليه يوميء تعبيرهما بأن الشرط لغو
فرع لو أعار عينا بشرط ضمانها عند تلفها بقدر معين فسد الشرط دون العارية كما قاله المتولي وإن قال الأذرعي فيه وقفة
وفي كيفية ضمان العارية خلاف ذكره المصنف آخر الباب
وسكت عن ضمان الأجزاء إذا أتلفت والأصح أنها كالعين وقيل لا يضمنها إلا بالتعدي
ولو استعار حمارة معها جحش فهلك لم يضمنه لأنه إنما أخذه لتعذر حسبه عن أمه وكذا لو استعارها فتبعها ولدها ولم يتعرض المالك له بنفي ولا إثبات فهو أمانة
قاله القاضي ولو استعار عبدا عليه ثياب لم تكن مضمونة عليه لأنه لم يأخذها ليستعملها بخلاف إكاف الدابة قاله البغوي في فتاويه
واستثنى من ضمان العارية مسائل منها جلد الأضحية المنذورة فإن إعارته جائزة ولا يضمنه المستعير إذا تلف في يده كما قاله القاضي و البلقيني لابتناء يده على يد من ليس بمالك
ومنها المستعار للرهن إذا تلف في يد المرتهن لا ضمان عليه ولا على المستعير كما تقدم في باب الرهن
ومنها لو استعار صيدا من محرم فتلف في يده لم يضمنه في الأصح
ومنها ما لو أعار الإمام شيئا من بيت المال لمن له حق في بيت المال فتلف في يد المستعير فلا ضمان لكن قد تقدم أن هذا ليس بعارية ومثله لو استعار الفقيه كتابا موقوفا على المسلمين لأنه من جملة الموقوف عليهم وقد أفتى الأذرعي بأن الفقيه لا يضمن الكتاب الموقوف على المسلمين إذا استعاره وتلف في يده من غير تفريط
ومنها ما لو أصدق زوجته منفعة أو صالح على منفعة أو جعل رأس مال السلم منفعة فإنه إذا أعارها مستحق المنفعة شخصا فتلفت تحت يده لم يضمن على الأصح
( والأصح أنه ) أي المستعير ( لا يضمن ما ينمحق ) أي يتلف بالكلية ( أو ينسحق ) أي ينقص كما في المحرر ( باستعمال ) مأذون فيه لحدوثه عن سبب مأذون فيه فأشبه قوله اقتل عبدي أو اقطع يده
والثاني يضمن لحديث على اليد ما أخذت حتى تؤديه فإذا تعذر الرد ضمنه
( والثالث ) وهو من زيادة المصنف ( يضمن المنمحق ) دون المنسحق لأن مقتضى الإعارة الرد ولم يوجد في المنمحق فيضمنه بخلاف المنسحق
تنبيه تلف الدابة بركوب أو حمل معتادين كالإنمحاق وتعيبها بذلك كالإنسحاق
ولو أعار سيفا يقاتل به فانكسر في القتال لم يضمنه كانسحاق الثوب قاله الصيمري
ويستثنى الهدي والأضحية المنذوران يجوز إعارتهما
قال في أصل الروضة في الأضحية وإن نقصا بذلك ضمن اه
فإن أراد المستعير فهو صريح في الاستثناء وإن أراد المعير لزم منه ضمان المستعير أيضا
وصرح الزركشي أيضا بضمان المعير ثم قال وليس لنا عارية جائزة مع العلم بالحال يضمن المعير فيها
____________________
(2/267)
إلا هذه الصورة أي إذا كان ذلك بعد دخول الوقت والتمكن من الذبح وإلا فلا ضمان على المعير ولا على المستعير لأن يد المعير يد أمانة كالمستأجر نبه على ذلك ابن العماد
( والمستعير من مستأجر ) إجارة صحيحة ( لا يضمن ) التالف ( في الأصح ) لأنه نائبه وهو لا يضمن
والثاني يضمن كالمستعير من المالك فإن كانت الإجارة فاسدة ضمنا معا والقرار على المستعير كما قاله البغوي في فتاويه
فإن قيل فاسد كل عقد كصحيحه فكان ينبغي هنا عدم الضمان
أجيب بأن الفاسدة ليست حكم الصحيحة في كل ما يقتضيه بل في سقوط الضمان بما يتناوله الإذن لا بما اقتضاه حكمها والمستعير من الموصى له بالمنفعة الموقوفة عليه حيث يجوز له الإعارة كالمستعير من المستأجر
قال البلقيني والضابط لذلك أن تكون المنفعة مستحقة لشخص استحقاقا لازما وليست الرقبة له فإذا أعار لا يضمن المستعير منه وسيأتي حكم المستعير من الغاصب في بابه
ولو استعار فقيه كتابا موقوفا على المسلمين شرط واقفه أن لا يعار إلا برهن بحرز قيمته فسرق من حرزه لا ضمان لأنه مستحق تلف في يده بلا تفريط وإن سمي عارية عرفا
قال الماوردي ولا يجوز أن يؤخذ على العارية رهن ولا ضامن فإن شرط فيها ذلك بطلت
( ولو تلفت دابته في يد وكيل ) له ( بعثه في شغله أو ) تلفت ( في يد من سلمها إليه ليروضها ) أي يعلمها المشي من غير تفريط ( فلا ضمان ) على واحد منهما لأنه لم يأخذها لغرض نفسه بل لغرض المالك
هذا إذا ركبها في الرياضة فإن ركبها في غيرها فتلفت ضمن وهكذا لو دفع إليه غلامه ليعلمه حرفة فاستعمله في غيرها
ولو أركب المالك دابته منقطعا في الطريق تقربا لله تعالى فتلفت ضمنها سواء التمس الراكب أم ابتدأه المركب وإن أردفه فتلفت بغير الركوب فعليه نصف الضمان
ولو وضع متاعه على دابة شخص وقال له سيرها ففعل فتلفت بغير الوضع ضمنها كسائر العواري وإن كان عليها متاع لغيره فتلفت بذلك ضمن منها بقسط متاعه لأنه مستعير منها بقسطه مما عليه حتى لو كان عليهامثل متاعه ضمن نصفها فإن سيرها مالكها بغير أمر الواضع فتلفت لم يضمن الواضع لأنها تحت يد مالكها بل يضمن المالك متاعه إذ له طرحه عنها
ولو حمل صاحب الدابة متاع شخص بسؤال الشخص فهو معير أو بسؤاله هو فهو وديع
( وله ) أي المستعير ( الانتفاع ) بالمعار ( بحسب الإذن ) لرضا المالك به دون غيره
وقضية كلامه أنه لو أعاره دابة ليركبها إلى موضع ولم يتعرض للكروب في الرجوع أنه لا يركبها في الرجوع لكن في الشرح والروضة أو أخر الإجارة عن العبادي أن له الركوب في الرد وأقراه بخلاف الدابة المستأجرة إلى موضع فليس له ركوبها في الرجوع على الأصح
والفرق أن الرد لازم للمستعير فالإذن يتناول ركوبها في العود بالعرف والمستأجر لا رد عليه وإن استعار للكروب إلى موضع فجاوزه ضمن أجرة ذهاب مجاوزته عنه ورجوعه إليه تعذيبه
وهل له الرجوع بها إلى مكانها الذي استعارها منه أو لا وجهان أحدهما لا لأن الإذن قد انقطع بالمجاوزة فيسلمها إلى حاكم تلك البلد
وثانيهما نعم وهو الأوجه وصححه السبكي وتبعه البلقيني
كما لا ينعزل الوكيل عن وكالته بتعديه بجامع أن كلا منهما عقد جائز ولا يلزمه على هذا أجرة الرجوع
ونظير ذلك ما لو سافر بواحدة من نسائه بالقرعة وزاد مقامه في البلد الذي مضى إليه قضى الزائد لبقية نسائه وفي قضاء الرجوع وجهان أصحهما الإفضاء
ولو أودعه ثوبا مثلا ثم أذن له في لبسه فإن لبسه صار عارية وإلا فهو باق على كونه وديعة
ولو استعار صندوقا فوجد فيه دراهم أو غيرها فهي أمانة عنده كما لو طرحت الريح ثوبا في داره فإن أتلفها ولو جاهلا بها أو تلفت بتقصيره ضمنها
ثم شرع في الحكم الثاني وهو تسلط المستعير على الإنتفاع المأذون فيه فقال ( فإن أعاره ) أرضا ( لزراعة حنطة ) مثلا ( زرعها ) لأذنه فيها ( ومثلها ) أو دونها في الضرر فإن قال ازرع البر فله زرع الشعير والباقلاء ونحوهما كالجلبان ( 1 ) والحمص لأن ضررها في الأرض فوق ضرر ما ذكر وليس له أن يزرع ما فوقه كالذرة والقطن والأرز
هذا ( إن لم ينهه ) عن غيرها فإن نهاه عنه لم يكن له زرعه تبعا لنهيه كما لو قال ( اشتر بمائة ولا تشتر بخمسين ) ولو عين
____________________
(2/268)
نوعا ونهى عن غيره اتبع صرح به في المحرر
( أو ) أعاره أرضا ( لشعير ) يزرعه فيها ( لم يزرع فوقه كحنطة ) لأن ضررها أعظم من ضرره فإن خالفه وزرع ما ليس له زرعه كأن أذن في البر فزرع الذرة جاز للمعير قلعه مجانا فلو مضت مدة لمثلها أجرة فهل يلزمه أجرة المثل أو ما بين زراعة البر وزراعة الذرة احتمالان أوجههما كما يؤخذ من قول المتولي فإن فعل فكالغاصب الأول وبه جزم في الأنوار
تنبيه تنكير المصنف للحنطة والشعير يوهم أنه إذا أشار إلى شيء معين منهما وأعاره لزراعته جواز الانتقال عنه كما هو الصحيح في الإجارة والمتجه كما قال الإسنوي هنا منعه ولهذا عرفها في المحرر
وصرح في الشعير بما لا يجوز بقوله لم يرزع فوقه وفي الحنطة بما يجوز بقوله ومثلها لدلالة كل منهما على الآخر
( ولو أطلق ) المعير ( الزراعة ) أي الإذن فيها كقوله أعرتك للزراعة أو لتزرعها ( صح ) عقد الإعارة ( في الأصح ويزرع ما شاء ) لإطلاق اللفظ
والمراد كما قال الأذرعي أن يزرع ما شاء مما اعتيد زرعه هناك ولو نادرا حملا للإطلاق على الرضا بذلك
والثاني لا يصح لتفاوت ضرر المزروع
قال الشيخان ولو قيل يصح ويتقصر على أخفها ضررا لكان مذهبا ورده البلقيني بأن المطلقات إنما تنزل على الأقل إذا كان بحيث لو صرح به لصح وهذا لو صرح به لم يصح لأنه لا يوقف على حد أقل الأنواع ضررا فيؤدي إلى النزاع والعقود تصان عن ذلك
تنبيه مثل ما ذكره المصنف بل أولى ما أعاره ليزرع ما شاء لأنه عام لا مطلق
( وإذا استعار لبناء أو ) لغرس ( غراس فله الزرع ) إن لم ينهه لأنه أخف
وقيل لا لأنه يرخي الأرض فإن نهاه لم يفعله
( ولا عكس ) أي إذا استعار للزرع فلا يبني ولا يغرس لأن ضررهما أكثر ويقصد بهما الدوام
( والصحيح ) وفي الروضة الأصح ( أنه لا يغرس مستعير لبناء وكذا العكس ) أي لا يبني مستعير لغراس لاختلاف الضرر فإن ضرر البناء في ظاهر الأرض أكثر من باطنها والغراس بالعكس لانتشار عروقه
والثاني يجوز ما ذكر لأن كلا من الغراس والبناء للتأييد
تنبيه موضع المنع في الغراس ما يراد للدوام
أما ما يغرس للنقل في عامه ويسمى الفسيل بالفاء وهو صغار النخل فكالزرع كما نقله الرافعي عن الجويني
قال السبكي وسكتوا عن البقول ونحوها مما يجز مرة بعد أخرى ويحتمل إلحاق عروقه بالغراس كما في البيع إلا أن يكون مما ينقل أصله فيكون كالفسيل الذي ينقل
( و ) الصحيح ( أنه لا تصح إعارة الأرض مطلقا بل يشترط تعيين نوع المنفعة ) من زرع أو غيره قياسا على الإجارة
والثاني تصح واختاره السبكي قال ولا يضر الجهل لأنه يحتمل فيها ما لا يحتمل في الإجارة
ونقل ابن الرفعة الصحة عن العراقيين وجزم به جماعة من الخراسانيين فالخلاف قوي مع أن كلام المصنف يقتضي ضعفه
وعلى الأول لو قال أعرتكها لتنتفع بها كيف شئت أو بما بدا لك ففي الصحة وجهان أصحهما كما في المطلب الصحة وقال السبكي ينبغي القطع به وقد صحح الشيخان في نظيره من الإجارة الصحة
والعارية به أولى وعلى هذا فقيل ينتفع بها كيف شاء وقيل ينتفع بما هو العادة في المعار
قال الرافعي وهو أحسن اه
وهو المعتمد كما جرى عليه ابن المقري في روضه
قال الرافعي والوجه القطع بأن إطلاق الإعارة لا يسلط على الدفن لما فيه من ضرر اللزوم تنبيه ذكر المصنف الأرض مثال لما ينتفع به بجهتين فأكثر كالدابة تصلح للركوب والحمل أما ما ينتفع به بوجه واحد كالبساط الذي لا يصلح إلا للفراش فلا حاجة في إعارته إلى بيان لكونه معلوما بالتعيين
ثم شرع في الحكم الثالث وهو الجواز مترجما له بفصل فقال
____________________
(2/269)
فصل لكل منهما أي للمعير والمستعير ( رد العارية متى شاء ) وإن كانت مؤقتة والمدة باقية لأنها مبرة من المعير وارتفاق من المستعير فلا يليق بها الإلزام
ورد المعير بمعنى رجوعه كما في المحرر ولو عبر به لكان أولى كما عبر به في الوديعة
( إلا إذا ) كانت العارية لازمة كمن ( أعار ) أرضا ( لدفن ) لميت محترم وفعل المستعير ( فلا يرجع ) أي المعير في موضعه الذي دفن فيه وامتنع على المستعير ردها فهي لازمة من جهتهما ( حتى يندرس أثر المدفون ) بأن يصير ترابا لا يبقى منه شيء غير عجب الذنب وهو مثل حبة خردل في طرف العصعص لا جميع العصعص ولما كان لا يكاد يتحقق بالمشاهدة لم يتعرض المصنف لاستثنائه فإنه لا يبلى أبدا
وإنما امتنع الرجوع محافظة على حرمة الميت ولهما الرجوع قبل وضعه فيه لا بعد وضعه وإن لم يوار بالتراب كما رجحه في الشرح الصغير خلافا لما قاله المتولي من جواز الرجوع
وليس في الروضة وأصلها تصريح بترجيح
قال الأذرعي وكلام النهاية والبسيط يوافق كلام المتولي ولم أر من صرح بخلافه اه
وصورة ذلك بعد البلى إذا أذن المعير في تكرار الدفن وإلا فقد انتهت العارية وإذا امتنع الرجوع قبل البلى لا يستحق المعير أجرة كما صرح بذلك البغوي و الماوردي وغيرهما لأن العرف غير قاض به والميت لا مال له وللمعير سقي شجر بالأرض التي بها القبر إن أمن ظهور شيء من الميت وإلا امتنع عليه ولو أظهره السيل من قبره قال الماوردي و الروياني يجب إعادته لأنه قد صار حقا له مؤبدا
قال ابن الرفعة وقد يوجه بأن دفنه على الفور وفي تأخيره إلى حفر غيره ونقله إليه تأخير للواجب
ويؤخذ من ذلك أن السيل إن حمله إلى موضع مباح يمكن دفنه فيه من غير تأخير منع إعادته وهو كذلك وعلى المعير لولي الميت مؤنة حفر ما رجع فيه قبل الدفن لأنه المورط له
فإن قيل لو بادر المعير إلى زراعة الأرض بعد تكريب المستعير لها لم يلزمه أجرة التكريب كما في فتاوى البغوي فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الدفن لا يمكن إلا بالحفر بخلاف الزراعة فإنها ممكنة بدون التكريب ولا يلزمه الطم لما حفره لأنه بالإذن
تنبيه أورد على حصره الاستثناء فيما ذكره مسائل منها ما لو كفن الميت أجنبي وقلنا إن الكفن باق على ملك الأجنبي كما هو الأصح في زيادة الروضة في كتاب السرقة فهو عارية لازمة كما قاله في الوسيط أي من الجانبين فلو نبش الميت سبع وأكله فقد انتهت العارية فيرجع إلى المعير ولا يسمى راجعا في العارية
ومنها ما لو قال أعيروا داري بعد موتي لزيد شهرا لم يكن للمالك وهو الوارث الرجوع قبل الشهر كما قالاه في التدبير
ومنها ما لو نذر المعير أن لا يرجع إلا بعد سنة مثلا أو نذر أن يعيره سنة مثلا امتنع الرجوع قبل السنة قاله الرافعي في التدبير
ومنها ما لو أعار سفينه فوضع المستعير فيها متاعا ثم طلبها المعير في اللجة لم يجب لذلك لأجل الضرر لا للزومها قاله البندنيجي و الروياني قال ابن الرفعة ويظهر أن له الأجرة من حين الرجوع كما لو أعاره أرضا لزرع فرجع قبل انتهائه
ومنها ما لو أعاره دابة أو سلاحا أو نحو ذلك للغزو فالتقى الصفان فليس له الرجوع في ذلك حتى ينكشف القتال قاله الخفاف في الخصال
ومنها ما لو أراد الصلاة المفروضة فأعاره ثوبا ليستر به عورته أو ليفرشه في مكان نجس ففعل وكان الرجوع مؤديا إلى بطلان الصلاة قال الإسنوي فيحتمل منعه وهو متجه ويحتمل الجواز وتكون فائدته طلب الأجرة اه
ونقل الزركشي في الخادم عن البحر أنه ليس للمعير الاسترداد ولا للمستعير الرد إلا بعد فراغ الصلاة وفي شرح المهذب عن الماوردي وغيره أن المعير لو رجع في الصلاة نزعه وبنى ولا إعادة عليه بلا خلاف اه
والأولى كما قال شيخي أن يقال في استعارة السترة للصلاة إن استعارها ليصلي فيها الفرض فهي لازمة من جهتهما أو لمطلق الصلاة فهي لازمة من جهة المستعير فقط إن أحرم فيها بفرض وجائزة من جهتهما إن أحرم بنفل ويحمل ما ذكر على هذا التفصيل
ومنها ما لو استعار سترة يستتر بها في الخلوة فهي لازمة من جهة المستعير أيضا
ومنها ما لو استعار دارا لسكنى المعتدة فهي لازمة من جهة المستعير أيضا
ومنها ما لو استعار سلاحا ونحوه ليدفع به عما يجب الدفع عنه كما هو مبين في كتاب الصيال
ومنها ما إذا استعار ما يدفع به أذى الحر والبرد المهلكين
ومنها ما إذا استعار ما ينجو به من الغرق ويطفيء به الحرق
____________________
(2/270)
ويقاس بذلك ما في معناه
( وإذا أعار للبناء أو الغراس ولم يذكر مدة ) بأن أطلق ( ثم رجع ) بعد أن بنى المستعير أو غرس ( إن كان ) المعير ( شرط ) عليه ( القلع ) فقط أو شرطه ( مجانا ) أي بلا أرش لنقصه ( لزمه ) قلعه عملا بالشرط فإن امتنع فللمعير القلع
ويلزم المستعير تسوية الحفر إن شرطت وإلا فلا
تنبيه قوله مجانا كذا هو في الروضة وكتب الرافعي قال السبكي و الإسنوي والصواب حذفه كما فعله جمهور الأصحاب فإنه يقتضي لولا الذي قدرته فيه أنه لا يؤمر بالقلع مجانا إلا عند التنصيص عليه وليس مرادا فإنه خلاف ما نص عليه في الأم والمختصر
ولعل المصنف احترز به عما لو شرط القلع وغرامة الأرش فإنه يلزمه ولو اختلف المعير والمستعير هل شرط القلع بأرش أو لا فقال الأذرعي الظاهر تصديق المعير كما لو اختلفا في أصل العارية لأن من كان القول قوله في شيء كان القول قوله في صفته
( وإلا ) أي وإن لم يشرط عليه القلع ( فإن اختار المستعير القلع قلع ) بلا أرش لأنه ملكه وقد رضي بنقصانه ( ولا يلزمه تسوية الأرض في الأصح ) في المحرر لأن الإعارة مع العلم بأن للمستعير أن يقلع رضا بما يحدث من القلع
( قلت الأصح تلزمه ) التسوية ( والله أعلم ) لأنه قلع باختياره
ولو امتنع منه لم يجبر عليه فيلزمه إذا قلع رد الأرض إلى ما كانت عليه ليرد كما أخذ وهذا هو الأظهر في الشرحين وقال في الروضة إنه قول الجمهور وإن ما في المحرر ضعيف وقال السبكي إن كان الكلام في حفر حصلت في مدة العارية لأجل الغرس والبناء فالأمر كما في المحرر وإن كان في حفر حصلت من القلع زائدة على ما حصل قبل ذلك فالراجح وجوب التسوية ثم قال فتلخص للفتوى الفرق بين الحفر لأجل الغراس والبناء وبين الحفر للقلع وهذا الحمل متعين
تنبيه محل الخلاف كما قاله ابن الملقن إذا كانت الحفر الحاصلة في الأرض على قدر الحاجة فإن كانت زائدة على حاجة القلع لزمه طم الزائد قطعا
( وإن لم يختر ) أي المستعير القلع ( لم يقلع ) أي المعير ( مجانا ) لأنه وضع بحق فهو محترم ( بل للمعير الخيار بين أن يبقيه بأجرة ) أي أجرة مثله ( أو يقلع ويضمن أرش النقص ) وهو قدر التفاوت ما بين قيمته قائما ومقلوعا كما في الكفاية
( قيل أو يتملكه ) أي بعقد ولا يلحق بالشفيع كما يؤخذ في كلام الرافعي
( بقيمته ) أي مستحق القلع حين التملك كما قاله العمراني فإن قيمته تنقص على هذا التقدير
ووجه مقابله إن ذلك بيع فلا بد فيه من التراضي
وتخييره بين الثلاث هو المعتمد وفاقا للإمام و الغزالي وصاحب الحاوي الصغير والأنوار وغيرهم ومقتضى كلام الروضة وأصلها في الصلح خلافا لما فيها هنا من تخصيص التخيير بالأول والثالث
وأما وقع في الكتاب تبعا لأصله من التخيير بين التبقية بالأجرة وبين القلع مع غرامة الأرش دون التملك بالقيمة لم يذكراه في الشرحين والروضة وجها فضلا عن تصحيحه بل لم يذكره غيرهما إلا ما يوهمه كلام التنبيه بل قال الزركشي تبعا للبلقيني ليس في المسألة خلاف كما زعمه الشيخان بل الكل متفقون على التخيير بين الثلاث ونسبه الإمام إلى كافة الأصحاب
تنبيه محل التخيير بين الثلاث إذا كان في الأرض نقص وكان المعير غير شريك ولم يكن على الغراس ثمر لم يبد صلاحه وإلا فيتعين القلع في الأول والتبقية بأجرة المثل في الثاني وتأخير التخيير إلى بعد الجداد كمال الزرع في الثالث لأن له أمدا ينتظر وإذا لم يرض الشريك في الثاني بالأجرة أعرض الحاكم عنهما
ومحله أيضا إذا لم يوقف البناء والغراس وإلا قال ابن الرفعة وغيره فيتعين تبقيتهما بالأجرة و الزركشي يتخير بين ذلك وبين قلعهما بالأرش وهذا أوجه
ومحله أيضا إذا لم يوقف الأرض وإلا فيتخير بين الثلاث لكن لا يقلع بالأرش إلا إذا كان أصلح للوقف من التبقية بالأجرة ولا يتملك بالقيمة إذا كان في شرط الواقف جواز تحصيل مثل ذلك البناء والغراس من ريعه وبذلك
____________________
(2/271)
أفتى ابن الصلاح في نظيره من الإجارة
فرع لو قطع شخص غصنا له ووصله بشجرة غيره فثمرة الغصن لمالكه لا لمالك الشجرة كما لو غرسه في أرض غيره ثم إن كان الوصل بإذن المالك فليس له قطعة مجانا بل يتخير المالك بين أن يبقيه بالأجرة أو يقلعه مع غرامه أرش النقص ولا يتملكه بالقيمة وإن قلنا فيما مر أنه يتملك بالقيمة البناء والغراس للفرق الواضح
( فإن لم يختر ) أي المعير واحدة من الخصال التي خير فيها ( لم يقلع مجانا ) أي ليس له ذلك ( إن بذل ) بالذال المعجمة أي أعطى ( المستعير الأجرة ) لانتفاء الضرر ( وكذا إن لم يبذلها في الأصح ) لأن المعير مقصر بترك الاختيار راض بإتلاف منافعه
والثاني يقلع لأنه بعد الرجوع لا يجوز الانتفاع بماله مجانا
( ثم ) على الأصح ( قيل يبيع الحاكم الأرض وما فيها ) من بناء وغراس ( ويقسم بينهما ) على ما يذكره بعد فصلا للخصومة
( والأصح أنه ) أي الحاكم ( يعرض عنهما حتى يختارا شيئا ) أي يختار المعير ماله اختياره ويوافقه المستعير عليه لينقطع النزاع بينهما
تنبيه في نسخة المصنف إثبات الألف في يختارا كما رأيتها بخطه وهو ما في المحرر ولكن الذي في أكثر نسخ الشرحين وفي الروضة بخط المصنف يختار بغير ألف وصحح بخطه على موضع سقوط الألف قال السبكي وهو أحسن وقال الإسنوي إنه الصواب لأن اختيار المعير كاف في فصل الخصومة اه
وقال الأذرعي إن الوجه إثباتها
ثم حكى عن جماعة أنهم عبروا عن الوجه الأصح بأن يقال لهما انصرفا حتى تصطلحا على شيء قال فأفهم ذلك أن قوله يختارا أثبت في النقل وأعم ولم أر في شيء من نسخ الشرحين إسقاط الألف اه
وهذا أوجه وهو الذي حليت عليه عبارة المصنف تبعا للشارح فإن المعير قد يختار ما لا يجبر عليه المستعير ولا يوافقه عليه
ثم فرع المصنف على الإعراض عنهما حتى يختارا فقال ( وللمعير دخولها والإنتفاع بها ) في مدة المنازعة لأنها ملكه وله الاستظلال بالبناء والغراس قال الإمام والظاهر لزوم الأجرة مدة التوقف
وجزم في البحر بأن لا أجرة له وهو أوجه لأن الخبرة في ذلك إليه
( ولا يدخلها المستعير بغير إذن ) من المعين ( للتفرج ) لأنه لا ضرورة به إليه فكان كالأجنبي
تنبيه التفرج لفظة مولدة لعلها من انفراج الهم وهو انكشافه كما قاله المصنف في تحريره ولو قال بدلها بلا حاجة لكان أولى
( ويجوز ) الدخول ( للسقي ) للغراس ( والإصلاح ) له أو للبناء صيانة لملكه عن الضياع ويجوز أيضا لأخذ ثمر أو جريد أو نحو ذلك من غراسه
نعم لو تعطل نفع الأرض على مالكها بدخوله لم يلزمه أن يمكنه من دخولها إلا بأجرة كما نقله الرافعي عن التتمة وأقره
تنبيه فهم مما تقرر في المعير عدم جواز الإستناد إلى البناء والغراس وبه قطع القاضي أبو الطيب و ابن الصباغ وغيرهما وحكاه القاضي حسين ثم استشكله بما مر في الصلح من جواز هذا في جدار الأجنبي
وأجيب بحمل ما هنا على ما فيه ضرر فإذا لا فرق وإن فرق بأن المعير حجر على نفسه لعدم اختياره فلهذا منع بخلاف الأجنبي
( ولكل ) من المعير والمستعير ( بيع ملكه ) من صاحبه ومن غيره كسائر الأملاك فإن باع المعير لثالث يتخير المشتري كما كان يختير البائع وإن باع المستعير كان المعير على خيرته وللمشتري الفسخ إن جهل الحال ولو باعا معا بثمن واحد جاز للضرورة ويوزع الثمن عليهما قال المتولي كما في رهن الأم دون الولد وقال البغوي يوزع الثمن على قيمة الأرض مشغولة بالغراس أو البناء وعلى حصة ما فيها وحده فحصة الأرض للمعير وحصة ما فيها للمستعير وبهذا جزم ابن المقري في روضه
( وقيل ليس للمستعير بيعه لثالث ) لأن ملكه غير مستقر فإن للمعير تملكه بالقيمة
وأجاب الأول بأن هذا لا يمنع البيع كما في بيع الشقص المشفوع
____________________
(2/272)
تنبيه قد يفهم كلامه أن للمعير بيعه لثالث قطعا وليس مرادا بل فيه وجه صححه الماوردي و الروياني لأن مدة بقاء البناء والغرس مجهولة
ولو أجر المعير الأرض فالمتجه كما قال الإسنوي الصحة إن أمكن التفريغ قبل مضي زمن لمثله أجرة
( والعارية المؤقتة ) لبناء أو غراس أو غيره ( كالمطلقة ) فيما مر من الأحكام إذا انتهت المدة أو رجع فيها لكن في المؤقتة يجوز له أن يغرس ويبني المرة بعد الأخرى ما لم تنقص المدة أو يرجع المعير وفي المطلقة لا يفعل ذلك إلا مرة واحدة
فإن قلع ما بناه أو غرسه لم يكن له إعادته إلا بإذن جديد إلا إن صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى ذكره الشيخان في الكلام على الزرع وغير الغراس والبناء في معناهما
فإن فعل عالما أو جاهلا برجوعه أو بعد انقضاء المدة قلع مجانا وكلف تسوية الأرض كالغاصب في حالة العلم وكذلك ما نبت بحمل السيل إلى أرض غيره في حالة الجهل
( وفي قول له القلع فيها ) أي المؤقتة ( مجانا إذا رجع ) بعد المدة ويكون هذا فائدة التأقيت ومقابله يقول فائدته طلب الأجرة
تنبيه محل هذا القول بعد المدة كما قدرته وهو بعدها لا يحتاج إلى رجوع فكان الأولى التعبير بالإنتهاء دون الرجوع
( وإذا أعاره ) أرضا ( لزراعة ) مطلقا ( ورجع ) المعير ( قبل إدراك الزرع
فالصحيح أن عليه الإبقاء إلى الحصاد ) لأنه محترم وله أمد ينتظر بخلاف البناء والغراس
ومقابل الأصح وجهان أحدهما له قلعه ويغرم أرش النقص والثاني له التملك بالقيمة في الحال
وعلى الأول إن كان الزرع مما يعتاد قلعه فصيلا كلف القلع وكذا إن لم ينقص بالقلع كما في المطلب وإن لم يعتد قلعه
( و ) الصحيح وفي الروضة الأصح ( أن له الأجرة ) من وقت الرجوع إلى الحصاد لأن الإباحة انقطعت بالرجوع فأشبه ما إذا أعار دابة ثم رجع في الطريق فإن عليه نقل متاعه إلى مأمن بأجرة المثل
والثاني لا أجرة له لأن منفعة الأرض إلى الحصاد كالمستوفاة بالزرع
ثم أشار إلى ما هو كالمستثنى مما قبله بقوله ( فلو عين ) المعير ( مدة ) للزراعة ( ولم يدرك ) أي الزرع ( فيها لتقصيره ) أي المستعير ( بتأخير الزراعة قلع ) المعير الزرع ( مجانا ) لما أشار إليه من كونه مقصرا ويلزمه أيضا تسوية الأرض وإن قصر بالزرع ولم يقصر بالتأخير كأن كان على الأرض سيل أو ثلج أو نحو ذلك لا يمكن معه الزرع ثم زرع بعد تمكنه وهو لا يدرك في المدة فالحكم كذلك
أما إذا لم يحصل منه تقصير فإنه لا يقلع مجانا بل يكون كما لو أعار مطلقا سواء أكان عدم الإدراك لحر أم برد أم مطر أم لقلة المدة المعينة أم لأكل الجراد رؤوس الزرع فنبت ثانيا
قال الإسنوي وذكر الرافعي في الإجارة أنه إذا أبدل الزرع المعين بغيره كان كالتقصير بالتأخير فيأتي مثله هنا أيضا
( ولو حمل السيل ) أو نحوه كهواء ( بذرا ) لغيره ( إلى أرضه فنبت ) فيها ( فهو ) أي النابت ( لصاحب البذر ) بإعجام الذال لأنه عين ماله تحول إلى صفة أخرى فلم يزل ملكه عنه فيجب رده إليه إن حضر وعلمه وإلا فيرده إلى القاضي لأنه نائب الغائب ويحفظ المال الضائع
تنبيه شمل إطلاقه ما لو كان المحمول لا قيمة له كحبة أو نواة لم يعرض عنها مالكها وهو الأصح كما في زيادة الروضة
( والأصح أنه ) أي المالك ( يجبر على قلعه ) أي ما ذكر لأن مالك الأرض لم يأذن له
والثاني لا يجير لأنه غير متعد فهو كالمستعير
وعلى الأول يلزمه تسوية الأرض لأن ذلك لتخليص ملكه ولا أجرة عليه للمدة التي قبل القلع كما في المطلب لعدم فعله
أما إذا أعرض عنها مالكها وكان ممن يصح إعراضه فهي لمالك الأرض
تنبيه قول المصنف بذرا أي ما سيصير مبذورا تسمية لاسم المفعول بالمصدر ففيه تجوز من وجهين فلو لم ينبت المحمول الذي لم يعرض عنه مالكه لزم رده إليه إن حضر وإلا فللقاضي كما مر
ثم شرع في الاختلاف بين المالك وذوي اليد فقال ( ولو ركب ) شخص ( دابة ) لغيره ( وقال لمالكها أعرتنيها فقال ) له مالكها ( بل أجرتكها ) مدة
____________________
(2/273)
كذا بكذا
( أو اختلف مالك الأرض وزارعها كذلك فالمصدق المالك على المذهب ) إذا اختلفا بعد مضي مدة لمثلها أجرة والدابة باقية لأن المنافع تصح المعاوضة عليها كالأعيان
ولو اختلفا في العين بعد تلفها كأن أكل طعام غيره وقال كنت أبحته لي وأنكر المالك فإنه يصدق بيمينه فكذا هنا فيحلف على النفي والإثبات وله أجرة المثل في الأصح المنصوص وقيل المسمى وقيل الأقل منها
والمراد بتصديق المالك في استحقاق الأجرة لا في أنه يصدق في عقد الإجارة حتى يتمكن الآخر من أخذ المنافع إذا كان الاختلاف في أول المدة أو في أثنائها فإن نكل المالك لم يحلف الراكب ولا الزارع لأنهما لا يدعيان الإعارة وليست لازمة وقيل يحلفان ونسب للقاضي حسين للتخليص من غرم
والثاني يصدق الراكب والزارع لأن المالك وافقهما على إباحة المنفعة لهما والأصل براءة ذمتهما من الأجرة التي يدعيها
والثالث يصدق المالك في الأرض دون الدابة لأن الدواب يكثر فيها الإعارة بخلاف الأرض
أما إذا لم تمض مدة لمثلها أجرة فالمصدق الراكب والزارع فيحلف ما أجرتني لأنه لم يتلف شيئا حتى نجعله مدعيا لسقوط بدله
وإن وقع ذلك بعد تلف الدابة فإن تلفت عقب الأخذ فالراكب مقر بالقيمة لمنكرها فترد برده أو بعد مضي مدة لمثلها أجرة فالراكب مقر بالقيمة لمنكر لها وهو يدعي الأجرة فيعطي قدر الأجرة من القيمة بلا يمين ويحلف للزائد فيما إذا زادت على القيمة
( وكذا ) يصدق المالك على المذهب ( لو قال ) الراكب أو الزارع ( أعرتني فقال ) المالك ( بل غصبت مني ) وقد مضت مدة لمثلها أجرة والعين باقية لأن الأصل عدم الإذن فيحلف ويستحق أجرة المثل
والثاني أن القول قول المستعير لأن الظاهر أن تصرفه بحق
( فإن تلفت العين ) بما يوجب ضمان العارية قبل ردها ( فقد اتفقا على الضمان ) لأن كلا من المغصوب والمستعار مضمون ( لكن الأصح أن العارية تضمن بقيمة يوم التلف لا بأقصى القيم ولا بيوم القبض ) وهما مقابل الأصح
( فإن كان ما يدعيه المالك ) بالغصب ( أكثر ) من قيمة يوم التلف ( حلف للزيادة ) لأن غريمه ينكرها وأما المتفق عليه فيأخذه بلا يمين لموافقة غريمه على استحقاقه وإليه يشير قوله حلف للزيادة ولا يضر اختلاف الجهة
تنبيه قضية كلام الشيخين في كتبهما أنه لا فرق في ضمانه بالقيمة بين المتقوم والمثلي قال الإسنوي وهو كذلك ففي الحاوي والمهذب والبحر إن ضمناه المتقوم بالأقصى أوجبنا المثل في المثلي وإن ضمناه بقيمة يوم التلف وهو الأصح ففي المثلي القيمة أيضا فما في كتب الشيخين ماش على الصحيح وجزم به في الأنوار واقتضاه كلام جمع وحينئذ يصير مستثنى من قاعدة أن المثلي يضمن بالمثل
وقال ابن أبي عصرون يضمن المثلي بالمثل وجرى عليه السبكي وقال شيخنا وهو الأوجه
وقول المصنف لكن إلخ مسألة مستقلة وهي أن العارية هل تضمن بقيمة يوم التلف بغير الاستعمال المأذن فيه أو بالأقصى أو بيوم القبض وفيه أوجه أصحها بقيمة يوم التلف فلا وجه للاستدراك
تتمة لو قال المالك غصبتني وقال الراكب أجرتني صدق المالك بيمينه لأن الأصل بقاء استحقاق المنفعة فيسترد العين إن كانت باقية وله فيما إذا انقضت مدة لها أجرة أخذ قدر المسمى بلا يمين لأن الراكب مقر له به ويحلف للزائد على المسمى وقيمة المعين إن تلفت
ولو قال المالك غصبتني وقال ذو اليد أودعتني صدق المالك بيمينه وأخذ القيمة إن تلفت العين وأجرة المثل إن مضت مدة لها أجرة
ولو ادعى لمالك الإجارة وذو اليد الغصب فإن لم تتلف العين ولم تمض مدة لها أجرة صدق ذو اليد بيمينه فإن مضت فالمالك مدع للمسمى وذو اليد مقر له بأجرة المثل فإن لم يزد المسمى عليها أخذه بلا يمين وإلا حلف للزائد
ولو ادعى المالك الإعارة وذو اليد الغصب فلا معنى لنزاع فيما إذا كانت العين باقية ولم تمض مدة لها أجرة وإن مضت فذو اليد مقر بالأجرة لمنكرها وإن تلفت قبل مضي مدة لها أجرة فإن لم يزد أقصى القيم على قيمة يوم التلف أخذ القيمة بلا يمين وإلا فالزيادة مقر بها ذو اليد لمنكرها وإن مضت مدة لها أجرة فالأجرة مقر بها ذو اليد لمنكرها
خاتمة لو اختلف المعير والمستعير في رد العارية فالقول قول المعير بيمينه لأن الأصل عدم الرد مع أن المستعير قبض العين لمحض حق نفسه
ولو استعمل المستعير العارية جاهلا برجوع المعير لم يلزمه أجرة
فإن قيل الضمان لا فرق فيه بين الجهل وعدمه
أجيب بأن ذلك عند عدم تسليط المالك وهنا بخلافه والأصل بقاء السلطة وبأنه المقصر بترك الإعلام
فإن قيل الجواب الثاني مشكل بوجوب الدية على الوكيل إذا اقتص جاهلا بعزل المستحق
أجيب بأنه مقصر بتوكله في القود لأنه غير مستحق إذ العفو فيه مطلوب فضمن زجرا له عن التوكل فيه
____________________
(2/274)
كتاب الغصب ( هو ) لغة أخذ الشيء ظلما وقيل أخذه ظلما جهارا
وشرعا ( الإستيلاء على حق الغير عدوانا ) أي على وجه التعدي
ويرجع في الإستيلاء للعرف وذكر في الكتاب أمثلة يتضح بها ستأتي
قال المصنف ولا يصح قول من قال علي مال الغير لأنه يخرج المنافع والكلب والسرجين وجلد الميتة وخمر الذمي وسائر الاختصاصات كحق التحجر
واختار الإمام أنه الإستيلاء على مال الغير بغير حق قال ولا حاجة إلى التقييد بالعدوان بل يثبت الغصب وحكمه بغير عدوان كأخذه مال غيره يظنه ماله
وقول الرافعي والأشبه التقييد به والثابت في هذه الصورة حكم الغصب لا حقيقته قال شيخنا ممنوع وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الإثم مطلقا وليس مرادا وإن كان غالبا
وقال شيخي الذي يتحصل في تعريفه من كلام الأصحاب أن الغصب ضمانا وإثما الإستيلاء على مال الغير عدوانا وضمانا الإستيلاء على مال الغير بغير حق وإنما الإستيلاء على حق الغير عدوانا
فإن قيل يرد على التعريف السرقة فإنه صادق بها وليست غصبا
أجيب بأنها غصب أيضا وإن كانت من حيث أنها سرقة يترتب عليها حكم زائد على الغصب بشرطه
وقال بعضهم إن السارق والمختلس خرج بقوله الإستيلاء فإن الإستيلاء ينبني على القهر والغلبة
وأخذ مال الغير على وجه المحاباة وهو كاره له في معنى الغصب كما قاله الزركشي
وقال في الإحياء من طلب من غيره مالا بحضرة الناس فدفعه إليه بباعث الحياء والقهر لم يملكه ولا يحل له التصرف فيه
والغصب كبيرة وإن لم يبلغ المغصوب نصاب سرقة وفي الكفاية عن الماوردي الإجماع على أن من فعله مستحلا أي وهو ممن لا يخفى عليه تحريمه كان كافرا ومن فعله غير مستحل كان فاسقا
والأصل في تحريمه آيات منها قوله تعالى { ويل للمطففين } الآية وإذا كان هذا في التطفيف وهو غصب القليل فما ظنك بغصب الكثير ومنها قوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل
وأخبار منها خبر الصحيحين إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم ومنها خبرهما أيضا من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين
ومعنى طوقه كلف حمله وقيل يجعل في حلقه كالطوق
ثم شرع المصنف في الأمثلة التي يتضح بها فقال ( فلو ركب دابة أو جلس على فراش ) لغيره ( فغاصب وإن لم ينقل ) ذلك ولم يقصد الاستيلاء لحصول الغاية المطلوبة من الاستيلاء وهي الانتفاع على وجه التعدي
تنبيه قضية إطلاق المصنف الغصب بالجلوس على الفراش أنه لا فرق بين حضور المالك وغيبته وهو كذلك
وما ذكره في أصل الروضة من أن المالك إذا حضر ولم يزعجه وكان بحيث يمنعه التصرف في ذلك أن قياس ما يأتي في العقار إن يكون غاصبا لنصفه فقط ليس في الحقيقة نظيره وإنما نظيره كما قال شيخي أن يجلس معه على الفراش ويمكن حمل كلام أصل الروضة على ذلك
وكلام المنصف قد يفهم أن غير الدابة والفراش من المنقولات أنه لا بد فيها
____________________
(2/275)
من النقل وبه صرح صاحب التعجيز فقال المعتبر في المنقول النقل إلا في الدابة والفراش فإن الإستيلاء عليهما يتم بالركوب والجلوس بدليل أنهما لو تنازعا فيه جعلت اليد له
والمعتمد أنه لا فرق بينهما وبين غيرهما فاستخدام العبد كركوب الدابة كما ذكره ابن كج
( ولو دخل داره ) أي دار غيره بعياله أو بدونهم على هيئة من يقصد بالسكنى وإن لم يقصد الإستيلاء ( وأزعجه عنها ) أي أخرجه منها كما فسره ابن سيده ( أو أزعجه وقهره على الدار ) بما يصير به قابضا في بيعها وهو التسلط على التصرف ( ولم يدخل ) ها ( فغاصب ) أما في الأولى فلأن وجود الاستيلاء يغني عن قصده وأما في الثانية فلأنه لا يعتبر في قبضها دخولها والتصرف فيها
ولكن لا بد من قصد الإستيلاء كما قاله الماوردي والإمام وإليه أشار المصنف بقوله وقهره على الدار فإن وجد الإزعاج فقط في الثانية أو لم يقصد السكنى في الأولى كمن يهجم الدار لإخراج صاحبها كظالم ولا يقيم فلا يكون غاصبا لشيء منها ولا يضمنها
( وفي الثانية ) أي فيما إذا أزعجه وقهره ولم يدخل ( وجه واه ) أي ضعيف جدا مجاز عن الإسقاط أنه لا يكون غاصبا لأن أهل العرف لا يطلقون على ذلك أنه غاصب
وأما أمتعة الدار فإن منع الغاصب المالك منها كان غاصبا لها وإلا فلا قاله القاضي و المتولي
( ولو سكن بيتا ) من الدار ( ومنع المالك منه دون باقي الدار فغاصب للبيت فقط ) لقصده الاستيلاء عليه دون باقي الدار
( ولو دخل بقصد الاستيلاء وليس المالك فيها ) ولا من يخلفه من أهل ومستأجر ومستعير ونحو ذلك ( فغاصب ) لها وإن ضعف الداخل وقوي المالك لحصول الاستيلاء في الحال وأثر قوة المالك وسهولة إزالته لا تمنع في الحال
أما إذا دخل لا على قصد الإستيلاء بل ينظر هل تصلح له أو ليأخذ مثلها أو نحو ذلك فإنه لا يكون غاصبا حتى لو انهدمت حينئذ لم يضمنها
( وإن كان ) المالك فيها ( ولم يزعجه فغاصب لنصف الدار ) لاستيلائه مع المالك عليها ( إلا أن يكون ) الداخل ( ضعيفا لا يعد مستوليا على صاحب الدار ) فلا يكون غاصبا لشيء منها وإن قصد الاستيلاء إذ لا عبرة بقصد ما لا يتمكن منه وإنما هذا وسوسة وحديث نفس ولا يكون في صورة المشاركة السابقة غاصبا للنصف
قال السبكي وقياس ما ذكر هنا يقتضي أنه لو انعكس الحال فكان المالك ضعيفا والداخل بقصد الاستيلاء قويا كان غاصبا للجميع
قال الأذرعي وفيه نظر لأن يد المالك الضعيف موجودة فلا معنى لإلغائها بمجرد قوة الداخل اه
وهذا كما قال شيخي أوجه
تنبيه حيث لا يجعل غاصبا لا يلزمه أجرة كما دل عليه كلام القاضي في فتاويه فإنه قال لو دخل سارق ولم يمكنه الخروج وتخبأ في الدار ليلة فلا أجرة عليه لأن اليد للمالك
وقال الأذرعي ما ذكره القاضي مشكل لا يوافق عليه اه
وهذا أوجه لأنه صدق عليه أنه استمر في داره ليلة بغير إذنه
ولو دفع إلى عبد غيره شيئا ليوصله إلى بيته بغير إذن مالكه كان غاصبا له قاله القاضي وطرد ذلك فيما إذا استعمله في شغل
وفي فتاوى البغوي أنه لا يضمن إلا إذا اعتقد طاعة الأمر وهذا أيضا أوجه
قال البغوي ولو أن الزوج بعث عبد زوجته في شغل دون إذنها ضمنه بكل حال لأن عبد المرأة قد يرى طاعة زوجها فهو كالأعجمي في حق الأجنبي
وسئل ابن الصلاح عن رجل أخاف مملوكا لغيره بسبب تهمة فهرب لوقته فأجاب بأنه لا يضمنه إن لم يكن نقله من مكان إلى مكان لقصد الاستيلاء اه
وقوله نقله إلخ ليس بقيد بل مسكه بيده كاف
ولو استولى على حيوان فتبعه ولده الذي من شأنه أن يتبعه أو هادي الغنم فتبعه الغنم لم يضمن التابع في الأصح إذ لم يستول عليه وكذا لو غصب أم النحل لا يضمنه إلا إن استولى عليه خلافا لصاحب المطلب
( وعلى الغاصب الرد ) للمغصوب على الفور عند التمكن وإن عظمت المؤنة في رده ولو كان
____________________
(2/276)
غير متمول كحبة بر أو كلب يقتنى للحديث المار على اليد ما أخذت حتى تؤديه فلو لقي المالك بمفازة والمغصوب معه فإن استرده لم يكلف أجرة النقل
وإن امتنع فوضعه بين يديه برىء إن لم يكن لنقله مؤنة
ولو أخذه المالك وشرط على الغاصب مؤنة النقل لم يجز لأنه نقل ملك نفسه ذكر ذلك البغوي
وفي الشرح والروضة في آخر الباب عن المتولي أنه لو رد الدابة لإصطبل المالك برىء إن علم المالك به مشاهدة أو إخبار ثقة ولا يبرأ قبل العلم وأقراه
ولو غصب من المودع والمستأجر والمرتهن برىء بالرد إليهم لا إلى الملتقط لأنه غير مأذون له من جهة المالك وفي المستعير والمستام وجهان أوجههما أنه يبرأ لأنهما مأذون لهما من جهة المالك لكنهما ضامنان
ولو أخذ من عبد شيئا ثم رده إليه فإن كان سيده دفعه إليه كملبوس العبد وآلات يعمل بها برىء وكذا لو أخذ الآلة من الأجير وردها إليه لأن المالك رضي به قاله البغوي في فتاويه
تنبيه قضية كلام المصنف أنه لا يجب على الغاصب مع رد عين المغصوب شيء
ويستثنى مسألة يجب فيها مع الرد القيمة وهي ما لو غصب أمة فحملت بحر في يده ثم ردها لمالكها فإنه يجب عليها قيمتها للحيولة لأن الحامل بحر لا تباع ذكره المحب الطبري قال وعلى الغاصب التعزير لحق الله تعالى واستيفاؤه للإمام ولا يسقط بإبراء المالك
واستثنى البلقيني من وجوب الرد صورا إحداها إذا ملكه الغاصب بالغصب وذلك في حربي غصب مال حربي ولا يملك الغاصب بالغصب إلا في هذه الصورة لأن مال الحربي غير محترم
الثانية لو غصب خيطا وخاط به جرح حيوان محترم فلا ينزع منه ما دام حيا أي إذا كان يتألم به
الثالثة غصب عصيرا عصر بقصد الخمرية فتخمر عنده يريقه ولا يرده
الرابعة كل عين غرمنا الغاصب بدلها لما حدث فيها وهي باقية لا يجب ردها على المالك كما في الحنطة تبتل بحيث يسري إلى الهلاك ونحو ذلك
ويستثنى من وجوب الرد على الفور مسألتان الأولى ما لو غصب لوحا وأدرجه في سفينته وكانت في لجة وخيف من نزعه هلاك محترم في السفينة ولو للغاصب على الأصح فلا ينزع في هذه الحالة
ثانيهما تأخيره للإشهاد وإن طالبه المالك
فإن قيل هذا مشكل كما قاله بعضهم لاستمرار الغصب
أجيب بأنه زمن يسير اغتفر للضرورة لأن المالك قد ينكره وهو لا يقبل قوله في الرد
( فإن تلف عنده ) متمول بآفة أو إتلاف كله أو بعضه ( ضمنه ) بالإجماع
أما غير المتمول كحبة بر أو كلب يقتنى وزبل وحشرات ونحو ذلك فلا يضمنه ولو كان مستحق الزبل قد غرم على نقله أجرة لم نوجبها على الغاصب
تنبيه يستثنى من ضمان المتمول إذا تلف مسائل منها ما لو غصب الحربي مال مسلم أو ذمي ثم أسلم أو عقدت له ذمة بعد التلف فإنه لا ضمان ولو كان باقيا وجب رده
ومنها لو غصب عبدا وجب قتله لحق الله تعالى بردة ونحوها فقتله فلا ضمان على الأصح
ومنها الرقيق غير المكاتب إذا غصب مال سيده وأتلفه لم يضمنه
ومنها لو قتل المغصوب في يد الغاصب واقتص المالك من القاتل فإنه لا شيء على الغاصب لأن المالك أخذ بدله قاله في البحر
قال الإسنوي وقوله تلف لا يتناول ما إذا أتلفه هو أو أجنبي لكنه مأخوذ من باب أولى ولذا قلت أو إتلاف لكن لو أتلفه المالك في يد الغاصب بأو أتلفه من لا يعقل أو من يرى طاعة الآمر بأمر المالك برىء من الضمان
نعم لو صال المغصوب على المالك فقتله دفعا لم يبرأ الغاصب سواء أعلم أنه عبده أم لا لأن الإتلاف بهذه الجهة كتلف العبد نفسه
وخرج بقول المصنف عنده ما لو تلف بعد الرد إلى المالك فإنه لا ضمان واستثني من ذلك ما لو رده على المالك بإجارة أو رهن أو وديعة ولم يعلم المالك فتلف عند المالك فإن ضمانه على الغاصب وما لو قتل بعد رجوعه إلى المالك بردة أو جناية في يد الغاصب فإنه يضمنه
ثم شرع المصنف في مسائل ذكرها الأصحاب استطرادا يقع فيها الضمان بلا غصب بل بمباشرة كالإتلاف أو سبب كفتح القفص
وقد بدأ بالأول فقال ( ولو أتلف مالا في يد مالكه ضمنه ) بالإجماع واستثني من ذلك مسائل منها كسر الباب ونقب الجدار في مسألة الظفر
ومنها ما إذا لم يتمكن من دفع الصائل إلا بعقر دابته وكسر سلاحه ونحو ذلك
ومنها ما إذا لم يتمكن من إراقة الخمر إلا بكسر آنيته ومنها ما يتلفه الباغي على العادل
____________________
(2/277)
وعكسه حالة الحرب وكذا ما يتلفه الحربيون علينا وما يتلفه العبد على سيده
وما لو أتلف العبد المرتد والمحارب وتارك الصلاة والحيوان الصائل بقتله بيد مالكه
ولو دخل دكان حداد وهو يطرق الحديد فطارت شرارة فأحرقت ثوبه كان هدرا وإن دخل بإذن الحداد
وخرج بالإتلاف التلف فلا يضمنه كما لو سخر دابة ومعها مالكها فتلفت لا يضمنها كما قاله في كتاب الإجارة إلا إذا كان السبب منه كما لو اكترى لحمل مائة فحملت زيادة عليها وتلفت بذلك وصاحبها معها فإنه يضمن قسط الزيادة وسيأتي بسط ذلك في باب الإجارة إن شاء الله تعالى
ثم شرع في الثاني وهو السبب فقال ( ولو فتح رأس زق ) بكسر الزاي وهو السقاء ( مطروح على الأرض فخرج ما فيه بالفتح ) وتلف ( أو ) زق ( منصوب فسقط بالفتح ) لتحريكه الوكاء وجذبه ( وخرج ما فيه ) وتلف أو بتقاطر ماء فيه وابتلال أسفله به ولو كان التقاطر بإذابة شمس أو حرارة أو ريح مع مرور الزمان فسال ما فيه وتلف ( ضمن ) لأنه باشر الإتلاف في الأولين والإتلاف ناشىء عن فعله في الباقي سواء أحضر المالك وأمكنه التدارك فلم يفعل أم لا كما لو قتل عبده أو حرق ثوبه وأمكن الدفع فلم يفعل كما ذكره القمولي
واحترز بقوله فخرج ما فيه بالفتح عما إذا كان جامدا فخرج بتقريب نار إليه فإن الأصح أن الضمان على المقرب
( وإن سقط ) الزق بعد فتحه له ( بعارض ريح ) أو نحوها كزلزلة ووقوع طائر أو جهل الحال فلم يعلم سبب سقوطه كما جزم به الماوردي وغيره ( لم يضمن ) لأن التلف لم يحصل بفعله وليس فعله في الأولى مما يقصد به تحصيل ذلك العارض وللشك في الموجب في الثانية وفارق حكم الأولى إذابة الشمس بأن طلوع الشمس محقق فلذلك قد يقصده الفاتح بخلاف الريح
تنبيه أفهم كلامه أن الريح لو كانت هابة عند الفتح ضمن وهو الظاهر كما يؤخذ من الفرق المذكور ومن تفرقتهم بين المقارن والعارض فيما إذا أوقد نارا في أرضه فحملها الريح إلى أرض غيره فأتلفت شيئا
ولو قلب الزق غير الفاتح فخرج ما فيه ضمنه دون الفاتح
ولو أزال ورق العنب ففسدت عناقيده بالشمس ضمنه أو ذبح شاة رجل فهلكت سخلتها أو حمامة فهلك فرخها ضمنها لفقد ما يعيشان به
فإن قيل لو حبس المالك على ما شبته ولو ظلما فهلكت لم يضمنها فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن التالف هنا جزء أو كالجزء من المذبوح بخلاف الماشية مع مالكها وبأنه هنا أتلف غذاء الولد المتعين له بإتلاف أمه بخلافه ثم
ولو أراد سوق الماء إلى النخل أو الزرع فمنعه ظالم من السقي حتى فسدت لم يضمن كما في زوائد الروضة كما لو حبس المالك عن الماشية خلافا لما صححه في الأنوار من الضمان
ولو حل رباط سفينة فغرقت بحله ضمنها أو بعارض ريح أو نحوه فلا لما مر فإن لم يظهر حادث فوجهان أوجههما كما قاله الزركشي عدم الضمان للشك في الموجب كما مر
( ولو فتح قفصا عن طائر وهيجه فطار ) في الحال ( ضمنه ) بالإجماع كما قاله الماوردي لأنه ألجأه إلى الفرار كإكراه الآدمي
( وإن اقتصر على الفتح فالأظهر أنه إذا طار في الحال ضمن ) لأن طيرانه في الحال يشعر بتنفيره
( وإن وقف ثم طار فلا ) يضمنه لأن طيرانه بعد الوقوف يشعر باختياره
والثاني يضمنه مطلقا لأنه لو لم يفتح لم يطر
والثالث لا يضمن مطلقا لأن له قصدا واختيارا والفاتح متسبب والطائر مباشر والمباشرة مقدمة على السبب
ويجري الخلاف فيما لو حل رباط بهيمة أو فتح بابا فخرجت وضاعت وفيما لو حل قيد رقيق مجنون أو فتح عليه الباب بخلاف الرقيق العاقل ولو كان آبقا لأنه صحيح الاختيار فخروجه عقب ما ذكر يحال عليه
ولو أخذته هرة بمجرد الفتح وقتلته وإن لم تدخل القفص أو لم يعهد ذلك منها كما بحثه شيخنا أو طار فصدم جدار فمات أو كسر في خروجه قارورة أو القفص ضمن ذلك لأنه ناشىء من فعله ولأن فعله في الأولى بمعنى إغراء الهرة
وقضية هذا التعليل أن محل ذلك فيما إذا كانت الهرة حاضرة وإلا فلا ضمان كعروض ريح بعد
____________________
(2/278)
فتح الزق
ولو كان الطائر في أقصى القفص فأخذ يمشي قليلا قليلا ثم طار فكطيرانه في الحال كما قاله القاضي قال ولو كان القفص مفتوحا فمشى إنسان على بابه ففزع الطائر وخرج ضمنه ولو أمر طفلا أو مجنونا بإرسال طائر في يده فأرسله فهو كفتح القفص عنه كما قاله الماوردي و الروياني
فروع لو حل رباط عن علف في وعاء فأكلته في الحال بهيمة ضمن
فإن قيل قد صرح الماوردي بأنه لو حل رباط بهيمة فأكلت علفا أو كسرت إناء لم يضمن سواء اتصل ذلك بالحل أم لا فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنه إنما لم يضمن في تلك لأنه لم يتصرف في التالف بل في المتلف عكس ما هنا
ولو خرجت البهيمة عقب فتح الباب ليلا فأتلفت زرعا أو غيره لم يضمنه الفاتح كما جزم به ابن المقري خلافا لما في الأنوار إذ ليس عليه حفظ بهيمة الغير عن ذلك
ولو وقف طائر على جداره فنفره لم يضمنه لأن له منعه من جداره وإن رماه في الهواء ولو في هواء بارد فقتله ضمنه إذ ليس له منعه من هواء داره
ولو فتح الحرز فأخذ غيره ما فيه أو دل عليه اللصوص فلا ضمان عليه إذ لم تثبت يده على المال وتسببه بالفتح في الأولى قد انقطع بالمباشرة نعم لو أخذ غيره بأمره وهو أعجمي أو ممن يرى طاعة أمره فعليه الضمان لا على الأخذ
ولو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا وضاع لم يضمنه لأنه لم يستول عليه
تنبيه كان الأولى أن يقول المصنف عن طير بلا ألف إذ هو غير طائر في القفص وقد اعترض المصنف في نكته على التنبيه بذلك
وأجيب بأن الذي قاله جمهور أهل اللغة أن الطائر مفرد والجمع طير
( والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان وإن جهل صاحبها ) أي الأيدي ( الغصب ) وكانت أيدي أمانة لأنه وضع يده على ملك غيره بغير إذنه والجهل ليس مسقطا للضمان بل للإثم فيطالب المالك من شاء منهما نعم يستثنى الحاكم وأمينه فإنهما لا يضمنان بوضع اليد على وجه الحفظ والمصلحة للمغصوب منه
ومن انتزع المغصوب ليرده لمالكه إن كان الغاصب حربيا ورقيقا للمالك لا غيرهما وإن كان معرضا للضياع كما في الروضة وأصلها في باب اللقطة خلافا للسبكي فيما إذا كان معرضا للضياع
تنبيه قد يفهم كلام المصنف أنه لو زوج الغاصب المغصوبة وهلكت عند الزوج أن الزوج يطالب بقيمتها
والمذهب أنه لا يطالب بها بخلاف المودع لأن كونها في حيال الزوج ليس كحلول المال في اليد وينبغي كما قاله الزركشي تخصيصه بما إذا تلف بغير الولادة وإلا فيضمنها كما أولد أمة غيره بشبهة وماتت بالولادة فإنه يضمنها على الأصح كما قاله الرافعي في الرهن
( ثم إن علم ) من ترتبت يده على يد الغاصب الغصب ( فكغاصب من غاصب ) حكمه ( فيتسقر عليه ضمان ما تلف عنده ) لأن حد الغصب صادق عليه ويطالب بكل ما يطالب به الغاصب ولا يرجع على الأول إن غرم ويرجع عليه الأول إن غرم
نعم إن كانت القيمة في يد الأول أكثر فالمطالب بالزيادة هو الأول خاصة وإليه أشار المصنف بقوله فيستقر عليه ضمان ما تلف عنده
تنبيه لو أبرأ المالك الغاصب الأول لا يبرأ الثاني وإن أبرأ الثاني برىء الأول لأن الثاني هو الذي يتقرر عليه الضمان والأول كالضامن عنه قاله القفال في فتاويه
( وكذا ) يستقر على من ترتبت يده على يد الغاصب ( إن جهل ) الغصب ( وكانت يده في أصلها يد ضمان كالعارية ) والبيع والقرض والسوم لأنه دخل على الضمان فلم يغره الغاصب
( وإن ) جهل و ( كانت ) يده ( يد أمانة ) بلا اتهاب ( كوديعة ) وقراض ( فالقرا على الغاصب ) دونه لأنه دخل على أن يده نائبة عن يد الغاصب لكنه طريق في الضمان فإن غرم الغاصب لم يرجع على الأمين وإن غرم هو رجع على الغاصب ومثله ما لو صال المغصوب على شخص فأتلفه فلو كان هو المالك لم يبرأ الغاصب
أما لو وهب الغاصب المغصوب من شخص فقرار الضمان على الموهوب له على الأظهر لأنه وإن كانت يده ليست يد ضمان إلا أنه أخذه
____________________
(2/279)
للتملك
ولو ضاع المغصوب من الغاصب فالتقطه إنسان جاهل بحاله فإن أخذه للحفظ أو مطلقا فهو أمانة وكذا إن أخذه للتملك ولم يتملك فإن تملكه صارت يده يد ضمان
( ومتى أتلف الآخذ من الغاصب مستقلا به ) أي الإتلاف وهو من أهل الضمان ( فالقرار عليه مطلقا ) أي سواء كانت يده يد ضمان أو أمانة لأن الإتلاف أقوى من إثبات اليد العادية
تنبيه احترز بقوله مستقلا عما إذا حمله الغاصب عليه وفيه تفصيل وهو إن كان لغرض الغاصب كذبح الشاة وطحن الحنطة فالقرار على الغاصب أو لا لغرض كإتلاف المال فعلى المتلف لأنه حرام أو لغرض المتلف فقد ذكره بقوله ( وإن حمله الغاصب عليه بأن قدم له طعاما مغصوبا ضيافة فأكله فكذا ) القرار على الآكل ( في الأظهر ) لأنه المتلف وإليه عادت المنفعة
والثاني أن القرار على الغاصب لأنه غر الآكل
وعلى الأول لو قال هو ملكي فالقرار على الآكل أيضا فلا يرجع بما غرمه على الغاصب لكن بهذه المقالة إن غرم الغاصب لم يرجع على الآكل لأن دعواه الملك اعتراف منه بأن المالك ظلمه بتغريمه ولا يرجع على غير من ظلمه
وإذا قدمه لعبد ولو بإذن مالكه فالأكل جناية منه يباع فيها لتعلق موجبها برقبته فلو غرم الغاصب رجع على قيمة العبد بخلاف ما لو قدمه لبهيمة فأكلته وغرم الغاصب فإنه لا يرجع على المالك إن لم يأذن وإلا رجع عليه
( وعلى هذا ) أي الأظهر في أكل الضيف ( لو قدمه ) أي الغاصب ( لمالكه ) أو لم يقدمه له ( فأكله ) جاهلا بأنه له ( برىء الغاصب ) لأنه باشر إتلاف ماله باختياره
وعلى الثاني لا يبرأ لجهل المالك به
أما إذا كان عالما بأنه له فإن الغاصب يبرأ قطعا
تنبيه إنما يبرأ الغاصب بذلك إذا لم يعد المغصوب هالكا كالهريسة وإلا فلا يبرأ لأن الغاصب يملكه في هذه الحالة فهو إنما أكل مال الغاصب فيلزم الغاصب البدل للمالك ولهذا قال الزبيري لو غصب سمنا وعسلا ودقيقا وصنعه حلوا وقدمه لمالكه فأكله لم يبرأ قطعا لأنه بالخلط صار كالتالف وانتقل الحق إلى القيمة ولا تسقط عندنا ببذل غيرها إلا برضا مستحقها ولو مع العلم بذلك اه
ويبرأ الغاصب أيضا بإعارته أو بيعه أو إقراضه للمالك ولو جاهلا بأنه له لأنه باشر أخذ ماله باختياره لا بإيداعه ورهنه وإجارته وتزويجه منه والقراض معه فيه جاهلا بأنه له لأن التسلط فيها غير تام بخلاف ما إذا كان عالما
والتزويج شامل للذكر والأنثى ومحله في الأنثى ما لم يستولدها فإن استولدها أي وتسلمها برىء الغاصب
ولو قال الغاصب للمالك أعتقه عني أو أعتقه عنك فأعتقه ولو جاهلا بأنه له عتق وبرىء الغاصب كما رجحه ابن المقري وصرح به السبكي ويقع العتق عن المالك لا عن الغاصب على الصحيح في أصل الروضة
والأوجه معنى كما قال شيخنا أنه يقع عن الغاصب ويكون ذلك بيعا ضمنا إن ذكر عوضا وإلا فهبة بناء على صحة البيع فيما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا
فصل في بيان ما يضمن به المغصوب وغيره ( تضمن نفس الرقيق ) المغصوب ( بقيمته ) بالغة ما بلغت ولو زادت على دية الحر كسائر الأموال ( أتلف ) بجناية ( أو أتلف تحت يد عادية ) بتخفيف الياء تأنيث عاد بمعنى متعد لأنه مال متقوم فوجبت قيمته كسائر الأموال المتقومة
تنبيه لو قال تحت يد ضامنة بدل عادية لكان أولى ليشمل المستام والمستعير وغيرهما ويخرج الحربي وعبد المالك وقد يقال إنه لما كان الباب معقودا للتعدي اختار التعبير بالعادية
( و ) تضمن ( أبعاضه التي لا يتقدر أرشها من الحر ) كالبكارة وجرح البدن والهزال ( بما نقص من قيمته ) بالإجماع تلف أو أتلف كما في سائر الحيوانات
____________________
(2/280)
تنبيه استثنى المتولي ما إذا كانت الجناية فيما يتقدر كاليد وكان الناقص أكثر من مقدره أو مثله فلا توجب جميعه لأنه يؤدي إلى أن يزيد على موجب الجناية أو يساويه بإدخال خلل في العضو على نفس العضو
لكن الحاكم يوجب فيه حكومة باجتهاده قال البلقيني وهذا تفصيل لا بد منه وإطلاق من أطلق محمول عليه اه
وهذا كما قال شيخنا إنما يأتي في غير الغاصب أما فيه فيضمن بالنقص مطلقا والكلام إنما هو فيه
( وكذا ) تضمن الأبعاض ( المقدرة ) كاليد والرجل بما نقص من قيمته ( إن تلفت ) بآفة سماوية لأن الساقط من غير جناية لا يتعلق به قصاص ولا كفارة ولا يضرب على العاقلة فأشبه الأموال
تنبيه أفهم قوله بما نقص من قيمته أنه لو لم تنقص القيمة كما لو سقط ذكره وأنثياه كما هو الغالب من عدم تنقيص القيمة لم يلزمه شيء قطعا وهو كذلك
( وإن أتلفت ) بجناية ( فكذا ) تضمن بما نقص من قيمته ( في القديم ) قياسا على البهيمة لأنه حيوان مملوك
( وعلى الجديد تتقدر من الرقيق ) لأنه يشبه الحر في كثير من الأحكام ( والقيمة فيه كالدية في الحر ففي يده ) ولو مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد ( نصف قيمته ) هذا إذا كان الجاني غير الغاصب وإن كان في يد الغاصب كما قاله شيخنا في شرح الروض كما يضمن يد الحر بنصف دية وسيأتي بسط ذلك في آخر الديات إن شاء الله تعالى فإن المصنف أعادها هناك
أما الغاصب ذو اليد العادية فيلزمه أكثر الأمرين من أرشه ونصف قيمته لاجتماع الشبهين فلو كان الناقص بقطعها ثلثي قيمته لزماه النصف بالقطع والسدس باليد العادية نعم إن قطعها المالك ضمن الغاصب الزائد على النصف فقط نقله الأذرعي عن الروياني
وقياسه أنه لو قطعها أجنبي أنه يستقر عليه الزائد على النصف ولو قطع الغاصب منه أصبعا زائدة وبرىء ولم تنقص قيمته قال ابن سريج لا شيء عليه وقال أبو إسحاق يلزمه ما نقص ويقوم قبل البرء والدم سائل للضرورة اه
وهذا أوجه
ولو قطعت يده قصاصا أو حدا فكالآفة كما صححه البلقيني والمبعض يعتبر بما فيه من الرق كما ذكره الماوردي ففي قطع يده مع ربع الدية أكثر الأمرين من ربع القيمة ونصف الأرش
تنبيه قد علم من كلام المصنف أن في يدي الرقيق قيمته واستثنى منها مسألة وهي ما إذا اشترى عبدا ثم قطع يديه في يد البائع فلا يجعل قابضا للعبد ويجب ما نقص من قيمته فإنا لو أوجبنا القيمة لزم أن يكون المشتري قابضا للعبد والعبد المقطوع في يد البائع حكاه الإمام عن ابن سريج وقال إنه من محاسن تفريعاته اه
وفي هذا نظر بل يأخذه المشتري بالثمن ولا أرش له لحصول ذلك بفعله
( و ) يضمن ( سائر ) أي باقي ( الحيوان ) غير الآدمي ( بالقيمة ) تلف أو أتلف وتضمن أجزاؤه تلفت أو أتلفت بما نقص من قيمته لأنه مملوك لا يشبه الحر في أكثر أحكامه فأوجبنا فيه ما نقص قياسا على الجهاد
ولو جنى على بهيمة حامل فألقت جنينا حيا ثم مات من ألم الجناية فهل تجب قيمته حيا أو أكثر الأمرين من قيمته ونقص الأم بالولادة قولان في النهاية أوجههما كما قال شيخي الثاني
تنبيه ما قررت به كلام المصنف من أن ذلك شامل للحيوان ولأجزائه تبعا لابن النقيب أولى من اقتصار الإسنوي على أجزائه
هذا كله في غير الغاصب أما هو فيضمن ما ذكر بأقصى قيمه من حين الغصب إلى حين التلف
ويستثنى من إطلاق المصنف قتل الصيد في الحرم فيضمن بمثله من النعم لأجل النص فيه
( وغيره ) أي الحيوان من الأموال قسمان ( مثلي ومتقوم ) بكسر الواو وقيل بفتحها لأن المال إن كان له مثل فهو المثلي وإلا فالمتقوم
( والأصح أن المثلي ما حصره كيل أو وزن وجاز السلم فيه ) فخرج بقيد الكيل والوزن ما يعد كالحيوان أو يذرع كالثياب وبجواز السلم فيه الغالية والمعجون ونحوهما لأن المانع من ثبوت ذلك في الذمة بعقد السلم مانع من ثبوته بالتلف والإتلاف
____________________
(2/281)
وشمل التعريف الرديء نوعا أما الرديء عيبا فليس بمثلي لأنه لا يجوز السلم فيه
فإن قيل يرد على هذا الحد القمح المختلط بالشعير فإنه لا يجوز السلم فيه مع أن الواجب فيه المثل فيخرج القدر المحقق منهما
أجيب بأن إيجاب رد مثله لا يستلزم كونه مثليا كما في إيجاب رد مثل المتقوم في القرض وبأن امتناع السلم في جملته لا يوجب امتناعه في جزأيه الباقيين بحالهما ورد المثل إنما هو بالنظر إليهما والسلم فيهما جائز
قال الزركشي وقد يمنع رد مثله لأنه بالاختلاط انتقل من المثلي إلى المتقوم للجهل بالقدر لكن أورد عليه خل التمر فإنه متقوم ويحصره الكيل أو الوزن ويجوز السلم فيه
ثم شرع في أمثلة يتضح بها الضابط فقال ( كماء ) قال في المطلب بارد إذ الحار متقوم لدخول النار فيه
قال الأذرعي وهذا يطرق غيره من المائعات وعلى هذا فهو خارج بقولهم وجاز السلم فيه لكن في الكفاية في باب الربا عن الإمام أنه يجوز بيع الماء المسخن بعضه ببعض اه
وهذا هو المعتمد
( وتراب ) ورمل ( ونحاس ) بضم النون بخطه وحكي كسرها وحديد ( وتبر ) وهو الذهب الخارج من المعدن الخالص عن ترابه قبل أن يصاغ وبعضهم أطلقه على الفضة أيضا وأطلقه الكسائي على الحديد والنحاس
( ومسك ) وعنبر ( وكافور ) وثلج وجمد ( وقطن ) ولو بحبه كما صرح به الرافعي في السلم
قال الإسنوي ولم يستحضر في المطلب ما قاله الرافعي هناك فقال أما قبل نزع حبه فالذي يظهر القطع بأنه متقوم وأما الصوف فقال الشافعي يضمن بالمثل إن كان له مثل
قيل وهذا توقف منه في أنه مثلي أم لا ومع هذا فهو كالقطن
( وعنب ) ورطب وسائر الفواكه الرطبة على الأصح في الشرح والروضة وهذا هو المعتمد وإن صححا فيهما في باب زكاة المعشرات عن الأكثرين أن الرطب والعنب غير مثليين وتقدم الكلام عليهما هناك
( ودقيق ) ونخالة كما في فتاوى ابن الصلاح وكذا الحبوب الجافة والأدهان والألبان والخلول التي ليس فيها ماء والسمن والمخيض والدراهم والدنانير الخالصة والمغشوشة والمكسرة والسبيكة ( لا غالية ومعجون ) لأنهما مختلطان من أجزاء مختلفة فهما مما خرج بقيد جواز السلم
( فيضمن المثلي بمثله ) لأنه أقرب إلى حقه ولأن المثل كالنص لأنه محسوس والقيمة كالاجتهاد
( تلف أو أتلف ) زاد في المحرر تحت اليد العادية لقوله لها في أول الفصل فحذفها المصنف فورد عليه المستعير والمستام فإنهما يضمنان المثلي بالقيمة كما تقدم التنبيه عليه في المستعير فكان الأحسن ذكره هنا وحذفه هناك لكن لما كان كلامه في الغصب استغنى عن ذلك
تنبيه استثني من ذلك مسائل إحداها إذا خرج المثلي عن أن يكون له قيمة كمن غصب جمدا في الصيف أو ماء في مفازة وتلف أو أتلفه هناك بلا غصب ثم اجتمع المالك والغاصب أو المتلف في الشتاء في الأولى أو على ماء نهر في الثانية لزمه قيمة المثل في الصيف في الأولى وفي مثل تلك المفازة في الثانية ثم إذا اجتمعا في الصيف أو في مثل تلك المفازة فلا تراد
ثانيها لو غصب مثليا له مؤنة كأن نقل المالك برا من مصر إلى مكة ثم غصبه شخص هناك ثم طالبه مالكه به في مصر فإنه يلزمه قيمته بمكة كما أفتى به شيخي لأجل المؤنة
ثالثها لو صار المثلي متقوما كجعله الدقيق خبزا أو صار المتقوم مثليا كجعله الشاة لحما أو صار المثلي مثليا آخر كجعله السمسم شيرجا ثم تلف عنده أخذ المالك المثل في الثلاثة مخيرا في الثالث منها بين المثلين إلا أن يكون الآخر أكثر قيمة فيؤخذ هو في الثالث وقيمته في الأولين وهذا محل الاستثناء أما لو صار المتقوم متقوما آخر كحلي صبغ من إناء غير ذهب ولا فضة فيجب فيه أقصى القيم كما يعلم مما يأتي في غير المثلي
رابعها لو تراضيا على أخذ القيمة مع وجود المثل جاز في أحد وجهين قطع به المتولي وهو المعتمد كما رجحه ابن المقري فعلى هذا لا يتعين ضمان المثلي بالمثل إلا إذا لم يرض مالكه بأخذ القيمة
خامسها لو غصب مثليا وتلف ثم ظفر بالغاصب في غير بلد التلف على ما سيأتي
سادسها إذا وجده بأكثر من ثمن مثله لأن وجوده بأكثر من ثمن مثله كالمعدوم ولو غصب حليا من ذهب وزنه عشرة دنانير مثلا وقيمته عشرون دينارا أو تلف ضمن التبر بمثله لأنه مثلي كما مر والصنعة بقيمتها لأنها متقومة من نقد البلد وإن كان من جنس الحلي ولا ربا لاختصاصه بالعقود وهذا ما نقله في أصل الروضة عن البغوي
____________________
(2/282)
وجرى عليه ابن المقري ويوافقه ما سيأتي في الدعوى
ونقل في أصل الروضة أيضا عن الجمهور أنه يضمن الجميع بنقد البلد والأول أوجه
فإن كانت الصنعة محرمة كالإناء من أحد النقدين ضمنه بمثله وزنا كالسبيكة وغيرها مما لا صنعة فيه كالتبر
سابعها إذا تعذر المثل كما قال ( فإن تعذر ) المثل بأن لم يوجد بمحل الغصب ولا حوله فيما دون مسافة القصر كما في السلم أو منعه من الوصول إليه مانع ( فالقيمة ) لأنه لما تعذر المثل أشبه ما لا مثل له بالكلية
ولو وجد المثل بعد أخذ القيمة فليس لأحدهما ردها وطلبه في الأصح كما اقتضاه كلام الشرح والروضة وإن مال السبكي إلى مقابله وللمغصوب منه أن يصير حتى يوجد المثل ولا يكلف أخذ القيمة لأنها لم تتعين بخلاف غيرها من الديون إذا دفعها وهي في ذمته وامتنع صاحب الحق من قبضها حيث يجبر
( والأصح أن المعتبر أقصى قيمه ) بفتح الياء وكسر الميم جمع قيمة بسكون الياء
( من وقت الغصب إلى تعذر المثل ) أي إذا كان المثل موجودا عند التلف فلم يسلمه حتى فقده كما صرح به في المحرر والمراد أقصى قيم المثل
كما صححه السبكي كما هو ظاهر كلام الأصحاب خلافا لبعض المتأخرين القائل بأن المراد المغصوب لأن المغصوب بعد تلفه لا تعتبر الزيادة الحاصلة فيه بعد التلف لأن وجود المثل كبقاء عين المغصوب لأنه كان مأمورا برده كما كان مأمورا برد المغصوب فإذا لم يفعل غرم أقصى قيمه أما إذا كان المثل مفقودا عند التلف فالأصح وجود الأكثر من الغصب إلى التلف كما قاله الشيخان
ومقابل الأصح أحد عشر وجها قيل قيمة يوم المطالبة وقيل يوم التلف وقيل يوم فقد المثل
( ولو نقل المغصوب المثلي إلى بلد آخر فللمالك أن يكلفه رده ) إلى بلده إذا علم مكانه ليرده كما أخذه
( و ) له ( أن يطالبه ) مع ذلك كما نبه عليه الإسنوي ( بالقيمة في الحال ) أي قبل الرد للحيلولة بينه وبين ملكه إن كان بمسافة بعيدة وإلا فلا يطالب إلا بالرد قاله الماوردي
وهذا كما قال الأذرعي فيما إذا لم يخف هرب الغاصب أو تواريه وإلا فالوجه عدم الفرق بين المسافتين
فإن قيل في عبارة المصنف تكرار فإن هذا داخل في قوله وعلى الغاصب الرد فإن هذه بعض تلك فإن تلك أعم من المثلي ومن المتقوم المستقر في بلد الغاصب والمنقول عنه بنقل الغاصب أو بغيره
أجيب بأنه إنما ذكره هنا لأنه لو اقتصر على أن له المطالبة بالقيمة في الحال لتوهم أنه ليس له سوى ذلك مع أن له الجمع بينهما كما تقرر وإنما لم يغرم المثل في المثلي كما قال الإسنوي إنه القياس لأنه لا بد من التراد فقد يرتفع السعر وينخفض فيلزم الضرر والقيمة شيء واحد وهذه القيمة يملكها الآخذ على الأصح وإلا لما سدت مسد المغصوب وهو كملك القرض كما صرح به القاضي حسين والإمام لأنه ينتفع به على حكم رده أو بدله عند رد العين وليس لنا موضع يجتمع فيه ملك البدل والمبدل على المذهب إلا هذه
والقيمة الواجبة أقصى القيم من الغصب إلى الطلب فقول المصنف في الحال متعلق بقوله يطالبه لا بالقيمة
وينبغي كما قال الإسنوي إذا زادت القيمة بعد هذا أن يطالب لأنه باق على ملكه
تنبيه قول المصنف إلى بلد آخر يفهم أن النقل إلى دار أخرى بالبلد لا يسلط على طلب القيمة وهو ظاهر إذا أمكنه إحضاره في الحال وإلا كان له ذلك كما قاله الأذرعي
( فإذا رده ) أي المغصوب ( ردها ) أي القيمة إن كانت باقية وإلا فبدلها لزوال الحيلولة
ويجب على الغاصب رد المغصوب إذا عاد بعد أخذ القيمة واسترجاع القيمة جزما بخلاف ما لو غرم القيمة لإعزاز المثل ثم وجد المثل فإنه لا يرد على الأصح
والفرق أن المغصوب عين حقه والمثل بدل حقه ولا يلزم من تمكينه من الرجوع إلى عين حقه تمكينه من الرجوع إلى بدل حقه فإن اتفقا على ترك التراد فلا بد من بيع بشروطه
ويجب على الغاصب أجرة المغصوب إلى وصوله للمالك ولو أعطى القيمة للحيلولة وكذا حكم ضمان زوائده وأرش جنايته وليس للمغصوب منه إمساك الدراهم المبدولة إذا كانت باقية وغرامة مثلها كما في زوائد الروضة لما مر أنها كالقراض فيردها بزوائدها المتصلة دون المنفصلة ويتصور زيادتها بأن يدفع عنها حيوانا فينتج أو شجرة فتثمر كما قاله العمراني أو بأن يكون ببلد يتعامل أهله بالحيوان كما قاله بعضهم
____________________
(2/283)
تنبيه قضية كلام المصنف أنه لا يسترد القيمة إلا إذا رد العين واستثنى من ذلك ما لو أخذ السيد قيمة أم الولد للحيلولة ثم مات السيد قبل ردها فإن الغاصب يسترد القيمة كما قاله في المطلب ويلتحق بذلك ما لو أعتقها أو أعتق العبد المغصوب
ويفهم من قول المصنف فإذا رده ردها أنه ليس للغاصب حبس المغصوب لاسترداد القيمة وهو كذلك وإن حكى القاضي حسين عن النص أن له ذلك
( فإن تلف ) المغصوب المثلي ( في البلد المنقول إليه طالبه بالمثل ) حيث ظفر به ( في أي البلدين ) شاء لأنه كان له مطالبته برد العين فيهما
ويؤخذ من ذلك كما قال الإسنوي أن له المطالبة في أي موضع أراد من المواضع التي وصل إليها في طريقه بين البلدين
تنبيه قول المصنف في البلد المنقول إليه ليس بقيد فإنه لو أعاده الغاصب إلى بلد الغصب فتلف فيه لم يسقط التخيير
( فإن فقد المثل ) حسا بأن لم يوجد أو شرعا بأن منع من الوصول إليه مانع أو وجد بزيادة على ثمن مثله ( غرمه ) المالك ( قيمة أكثر البلدين قيمة ) لأنه كان يجوز له المطالبة بالمثل فيهما بل يطالبه بأكثر قيم البقاع التي وصل إليها المغصوب كما صرح به الروياني لما ذكر
( ولو ظفر ) المالك ( بالغاصب ) للمثلي أو المتلف بغير غصب بأن وجده ( في غير بلد التلف ) والمثل موجود ( فالصحيح أنه إن كان لا مؤنة لنقله كالنقد ) اليسير ( فله مطالبته بالمثل ) إذ لا ضرر على واحد منهما في ذلك ( وإلا ) بأن كان لنقله مؤنة ( فلا مطالبة ) له ( بالمثل ) ولا للغاصب أو المتلف أيضا تكليفه قبوله لما فيه من المؤنة والضرر
( بل يغرمه قيمة بلد التلف ) لأن تعذر الرجوع إلى المثل كالانقطاع
والثاني له المطالبة بالمثل مطلقا كما لو أتلف مثليا في وقت الرخص له طلبه في وقت الغلاء
والثالث إن كانت قيمة ذلك البلد مثل قيمة بلد التالف أو أقل طالبه بالمثل وإلا فلا ونقله الإسنوي عن جمع كثير
تنبيه اقتصار المصنف على قيمة بلد التلف محله إذا لم ينقل المغصوب عن موضعه فإن نقل فقد مر أنه يجب أكثر البقاع قيمة
ولو تراضيا على المثل قال في أصل الروضة لم يكن له تكليفه مؤنة النقل
ولو أخذ المثل على أن يغرم له مؤنة النقل لم يجز كما قاله البغوي
ولو ظفر بالمتلف الذي ليس بغاصب في غير مكان التلف فحكمه حكم الغاصب فيما ذكره المصنف
ثم لما فرغ من ذكر المثلي شرع في ذكر المتقوم فقال ( وأما ) المغصوب ( المتقوم فيضمن بأقصى قيمه من ) وقت ( الغصب إلى ) وقت ( التلف ) لأنه في حال زيادة القيمة غاصب مطالب بالرد فإذا لم يرد ضمن بدله بخلاف ما لو رده بعد الرخص فإنه لا يضمن شيئا لأنه مع بقاء العين يمكن توقع الزيادة في المستقبل فلم تغير بالكلية
ولا فرق في اختلاف القيمة بين تغير السعر أو تغير المغصوب في نفسه ولا عبرة بالزيادة بعد التلف وإنما تجب القيمة من نقد بلد التلف كذا قالاه وهو محمول كما قال الإسنوي على ما إذا لم ينقله إلا فيتجه كما في الكفاية اعتبار البلد الذي تعتبر القيمة فيه وهو أكثر البلدين قيمة كما مر في المثلي وفي البحر عن والده ما يقاربه
تنبيه يستثنى من ضمان المتقوم بالقيمة ما لو تلف المال الزكوي في يده بعد الحول بلا عذر فإنه يضمنه بالمثل الصوري وإن قلنا الزكاة تتعلق بالعين تعلق شركة لأنه لو فعل ذلك مع بقاء المال لأجزأه فتعين عند عدمه حكاه في الكفاية في قسم الصدقات عن الأصحاب
والعبرة بالنقد الغالب فإن غلب نقدان وتساويا عين القاضي واحدا كما قاله الرافعي في كتاب البيع
( وفي الإتلاف ) للمتقوم ( بلا غصب ) يضمن ( بقيمة يوم التلف ) لأنه لم يدخل في ضمانه قبل ذلك وما بعده فلا وجود له
وتعتبر القيمة في موضع الإتلاف إلا إذا كان لا يصلح كالمفازة فيعتبر بأقرب البلاد كما في الكافي
( فإن ) نقص كأن ( جنى ) على متقوم بيد مالكه أو من يخلفه في اليد وقيمته مائة ( وتلف ) بعد
____________________
(2/284)
ذلك ( بسراية ) وقيمته خمسون ( فالواجب الأقصى أيضا ) وهو المائة لأنا إذا اعتبرنا الأقصى في اليد العادية فلأن يعتبر في نفس الإتلاف أولى
( ولا تضمن الخمر ) سواء أكانت لمسلم أم لغيره محترمة أم لا إذ لا قيمة لها كالدم والميتة وسائر الأعيان النجسة
والنبيذ كالخمر مع أن اسمها لا يتناوله عند الأكثرين ولكن لا يريقه إلا بأمر حاكم مجتهد يرى ذلك كما قاله الماوردي لئلا يتوجه عليه الغرم فإنه عند أبي حنيفة مال والحاكم المقلد الذي يرى إراقته كالمجتهد في ذلك
قال الأذرعي وكأن الكلام مفروض فيما إذا كان المتجاهر به مستحله مذهبا أو تقليدا أما إذا كان ممن يرى تحريمه فالظاهر أنه في حقه كالخمر المجمع عليها وهل العامي الذي لا يتبع مذهبا كهذا أو يصرف لمستبيح فيه احتمال اه
واعترض بأن توقي الغرم عند من يراه لا فرق فيه بين من يعتقد تحريمه وغيره فلا وجه لما قاله
وذكر المصنف في الدقائق أن الحشيشة مسكرة وعلى هذا فيتجه كما قال الإسنوي إلحاقها بالخمر
ولا ضمان في المتنجس من المائع في أحد وجهين يظهر ترجيحه لعدم صحة بيعه وأما إناء الخمر ونحوه فيجوز كسره إذا لم يقدر على الإراقة إلا به أو كان الإناء ضيق الرأس أو لو اشتغل بإراقته أدركه الفساق ومنعوه أو كان يضيع زمانه ويتعطل شغله ذكره الغزالي
وللولاة كسر آنية الخمر والنبيذ زجرا وتأديبا دون الآحاد وقد فعل ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم
قال الإسنوي وهو من النفائس المهمة
( ولا تراق ) الخمر ونحوها ( على ذمي ) لأنهم يقرون على الانتفاع بها كما قاله في الكفاية
( إلا أن يظهر شربها أو بيعها ) أو غيرهما كهبتها ولو من مثله فتراق عليه لأن في إظهار ذلك استهانة بالإسلام كإظهارهم كفرهم والإظهار هو الاضطلاع عليه من غير تجسس والخنزير كالخمر في ذلك
هذا إذا كانوا بين أظهرنا فإن انفردوا بقرية مثلا فلا يعترض عليهم إذا تظاهروا بالخمر ونحوها كما سيأتي بسط ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الجزية
( وترد عليه ) إذا لم يظهرها وجوبا ( إن بقيت العين ) لما سبق من تقريرهم عليها والمؤنة على الآخذ في الأصح في الشرح والروضة في باب الجزية فهو مستثنى من قاعدة من لا يضمن العين لا يضمن ردها
قال في الأم ومن تعرض لهم زجر فإن عاد أدب
( وكذا ) ترد الخمرة ( المحترمة ) إن بقيت وما ألحق بها ( إذا غصبت من مسلم ) عليه لأن له إمساكها لتصير خلا
أما غير المحترمة فلا ترد عليه بل تراق
والمحترمة كما قال الرافعي هنا هي التي عصرت من غير قصد الخمرية وهو أولى من قوله في الرهن هي التي عصرت بقصد الخلية فالتي عصرت بغير قصد شيء محترمة على الأول دون الثاني
ومن أظهر خمرا وزعم أنها خمر خل قال الإمام لم يقبل منه قال الأذرعي إلا أن يكون معلوم الورع مشهور التقوى وإلا لاتخذ الفساق ذلك ذريعة إلى اقتناء الخمر بإظهارها وأنهم عصروها للخلية اه
وهو تفصيل حسن وهو مأخوذ من قول الإمام
ولو اطلعنا على خمر ومعها مخايل تشهد بأنها خمر خل فالمذهب أنا لا نتعرض لها
( والأصنام ) والصلبان ( وآلات الملاهي ) كالطنبور ( لا يجب في إبطالها شيء ) لأن منفعتها محرمة لا تقابل بشيء
وقضية التعليل كما قال الإسنوي أن ما جاز من آلات اللهو كالدف يجب الأرش على كاسره
وفي أواني الذهب والفضة خلاف مبني على حل الاتخاذ
( والأصح أنها لا تكسر الكسر الفاحش ) لإمكان إزالة الهيئة المحرمة مع بقاء بعض المالية
نعم للإمام ذلك زجرا وتأديبا على ما قاله الغزالي في إناء الخمر بل أولى
( بل تفصل لتعود كما قبل التأليف ) لزوال الاسم بذلك
والثاني لا يجب تفصيل الجميع بل بقدر ما لا يصلح للاستعمال ولا يكفي إزالة الأوتار فقط جزما لأنها منفصلة عنها
والثالث تكسر حتى تنتهي إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة لا الأولى ولا غيرها
ولو زاد في الكسر على المشروع غرم التفاوت بينه وبين المشروع ولو اختلفا في الزيادة على الحد المشروع وادعى صاحب الآلة الزيادة وأنكر المتلف قال الزركشي ينبغي أن يصدق صاحب الآلة كما يصدق المالك فيما لو أراق شيئا وقال المالك كان عصيرا وقال المتلف بل خمرا فإن المالك يصدق بيمينه كما قاله البغوي في فتاويه إذ الأصل بقاء المالية
____________________
(2/285)
( فإن عجز المنكر ) على الأول ( عن رعاية هذا الحد ) أي التفصيل المذكور ( لمنع صاحب المنكر أبطله كيف تيسر ) وإن زاد على ما مر لأن صاحبه مفرط ولا يجوز إحراقها ما لم يتعين طريقا للإزالة لأن رضاضها متمول
ويشترك في جواز إزالة المنكر الرجل والمرأة والخنثى ولو أرقاء وفسقة قال الإسنوي وفي حفظي أنه ليس للكافر إزالته
وجزم ابن الملقن في العدة أنه ليس للكافر ذلك ويشهد له قول الغزالي في الإحياء ومن شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون المنكر مسلما قال لأن ذلك نصرة للدين فكيف يكون من غير أهله وهو جاحد لأصل الدين وعدو له والصبي المميز يثاب كما يثاب البالغ قال في الإحياء وليس لأحد منعه من إزالة سائر المنكرات كما ليس له منع البالغ فإنه وإن كان غير مكلف فهو من أهل القرب وإنما يجب على قادر مكلف
( وتضمن ) بأجرة المثل ( منفعة الدار والعبد ونحوهما ) من كل ما له منفعة يستأجر عليها كالكتاب والدابة والمسك ( بالتفويت ) كأن يطالع في الكتاب أو يركب الدابة أو يشم المسك ( والفوات في يد عادية ) بأن لم يفعل ذلك ولا غيره كإغلاق الدار لأن المنافع متقومة فكانت مضمونة بالغصب كالأعيان سواء أكان مع ذلك أرش أم لا كما سيأتي
فإن تفاوتت الأجر في مدة ضمن كل مدة بما يقابلها وكان للمغصوب صنائع وجب أجرة أعلاها إن لم يمكن جمعها وإلا فأجرة الجميع كخياطة وحراسة وتعليم قرآن
أما ما لا يؤجر لكونه غير مال ككلب أو لكونه محرما كآلات اللهو أو لغير ذلك كالحبوب فلا تضمن منفعته فلو اصطاد بالكلب شيئا كان له كما لو غصب شبكة أو قوسا فاصطاد بهما فإن اصطاد له العبد شيئا فالمصيد لسيده ولو كان غير مميز كما صرح به الروياني ويضمن الغاصب أجرته في زمن صيده أيضا
( ولا تضمن منفعة البضع ) وهو الفرج ( إلا بتفويت ) بالوطء فيضمنه بمهر المثل كما سيأتي ولا يضمن بالفوات لأن اليد لا تثبت عليه بل اليد على منفعته للمرأة بدليل أن السيد يزوج أمته المغصوبة ولا يؤجرها لأن يد الغاصب حائلة
( وكذا ) لا تضمن ( منفعة بدن الحر ) إلا بالتفويت ( في الأصح ) فإن حبسه ولم يستوف منفعته لم يستحق شيئا وإن كان صغيرا لأن الحر لا يدخل تحت اليد فمنافعه تفوت تحت يده
والثاني أنها تضمن بالفوات أيضا لأن منافعه تقوم في الإجارة الفاسدة فأشبهت منافع الأموال
واحترز بالمنفعة عن نفس الحر فلا يضمن بالغصب وقد ذكره المصنف في باب السرقة فقال ولا يضمن حر بيده ولو ذكره هنا كان أولى وعن ثياب الحر المستولى عليه فلا تدخل في ضمان المستولى صغيرا كان المستولى عليه أو كبيرا قويا كان أو ضعيفا
تنبيه منفعة المسجد والشارع والرباط والمقبرة وأرض عرفات ونحوها ملحقة ببدن الحر تضمن بالتفويت لا بالفوت فلو شغل بقعة من المسجد بمتاعه لزمه أجرتها إن لم يغلقه وإلا لزمه أجرة الكل فإن أغلقه بلا وضع متاع ومنع الناس من الصلاة فيه فلا ضمان عليه لأن المسجد لا تثبت عليه اليد ومثله في ذلك البقعة
( وإذا نقص المغصوب ) عند الغاصب ( بغير استعمال ) كسقوط يد العبد بآفة وعماء ( وجب الأرش ) للنقص ( مع الأجرة ) للفوات لأن السبب مختلف ويضمن بأجرة المثل سليما قبل النقص ومعيبا بعده
( وكذا ) يجب الأرش مع الأجرة ( لو نقص به ) أي الاستعمال ( بأن ) أي كأن ( بلي الثوب ) باللبس ( في الأصح ) لأن كلا منهما يجب ضمانه عند الانفراد فكذا عند الاجتماع
والثاني أن الواجب أكثر الأمرين من الأجرة والأرش لأن النقصان نشأ من الاستعمال وقد قوبل بالأجرة فلا يجب ضمان آخر
ودفع بأن الأجرة في مقابلة الفوات لا الاستعمال
فصل في اختلاف المالك والغاصب وضمان نقص المغصوب وما يذكر معها
لو ( ادعى ) الغاصب ( تلفه )
____________________
(2/286)
أي المغصوب ولم يذكر سببا أو ذكر سببا خفيا كسرقة وسيأتي ضبط ذلك في الوديعة ( وأنكر المالك ) ذلك ( صدق الغاصب بيمينه على الصحيح ) لأنه قد يكون صادقا ويعجز عن البينة فلو لم يصدقه لأدى إلى تخليد حبسه والثاني يصدق المالك بيمينه لأن الأصل بقاؤه
( فإذا حلف ) الغاصب ( غرمه المالك ) بدل المغصوب من المثل أو القيمة ( في الأصح ) لعجزه عن الوصول إلى عين ماله بيمين الغاصب والثاني لا لبقاء العين في زعمه
( ولو اختلفا في قيمته ) بعد الاتفاق على الهلاك أو حلف الغاصب عليه ( أو ) اختلفا ( في الثياب التي على العبد المغصوب ) كأن قال المالك هي لي وقال الغاصب بل هي لي ( أو ) اختلفا ( في عيب خلقي ) كأن قال الغاصب ولد أكمه أو عديم اليد وقال المالك كان سليما وإنما حدث عندك
( صدق الغاصب بيمينه ) في المسائل الثلاث
أما في الأولى فلأن الأصل براءة ذمته من الزيادة وعلى المالك البينة فإن أقام المالك بينة على أن القيمة أكثر مما قاله الغاصب من غير تقدير سمعت وكلف الغاصب الزيادة على ما قاله إلى حد لا تقطع البينة بالزيادة عليه وقيل إنها لا تسمع ومال إليه ابن الرفعة
وإن أقامها على الصفات ليقومه المقومون بتلك الصفات لم تقبل لكن يستفيد المالك بإقامتها إبطال دعوى الغاصب مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات وصار كما أقر الغاصب بالصفات وذكر قيمة حقيرة فيؤمر بالزيادة إلى حد اللائق وإن أقامها بقيمته قبل الغصب لم تسمع على الصحيح
وأما في الثانية فلأن يد الغاصب على العبد وما عليه أو خرج بالعبد الحر فلا تثبت يد غاصبه أو سارقه على ثيابه كما مرت الإشارة إليه
وأما في الثالثة فلأن الأصل العدم والبينة ممكنة
( و ) في الإختلاف ( في عيب حادث ) بعد تلفه كأن قال الغاصب كان سارقا أو أقطع ( يصدق المالك بيمينه في الأصح ) لأن الأصل والغالب السلامة
والثاني يصدق الغاصب لأن الأصل براءة ذمته
ولو رده الغاصب وبه عيب وقال غصبته هكذا وقال المالك بل حدث عندك صدق الغاصب بيمينه لأن أصل براءة ذمته عما يزيد على تلك الصفة
فإن قيل لا يتقيد ذلك برد المغصوب بل لو تلف كان الحكم كذلك أخذا من التعليل المذكور ومن مسألة الطعام الآتية
أجيب بأن الغاصب في التلف قد لزمه الغرم فضعف جانبه بخلافه بعد الرد
( ولو رده ) أي المغصوب ( ناقص القيمة ) بسبب الرخص ( لم يلزمه شيء ) لبقائه بحاله والذي فات إنما هو رغبات الناس
( ولو غصب ثوبا ) مثلا ( قيمته عشرة ) مثلا ( فصارت بالرخص درهما ثم لبسه ) مثلا ( فصارت نصف درهم فرده لزمه خمسة
وهي قسط التالف من أقصى القيم ) لأن الناقص باللبس نصف الثوب فيلزمه قيمته أكثر ما كانت من الغصب إلى التلف وهو في المثال المذكور خمسة والنقصان الباقي وهو أربعة ونصف سببه الرخص وهو غير مضمون ويجب أيضا مع الخمسة أجرة اللبس كما علم مما مر
ولو عادت العشرة باللبس إلى خمسة ثم بالغلاء إلى عشرين لزمه مع رده خمسة فقط وهي الفائتة باللبس لامتناع تأثير الزيادة الحاصلة بعد التلف بدليل أنه لو تلف الثوب كله ثم زادت القيمة لم يغرم الزيادة
ولو اختلف المالك والغاصب في حدوث الغلاء قبل التلف باللبس فقال المالك حدث قبله وقال الغاصب بل بعده صدق الغاصب بيمينه لأنه الغرم
( قلت ولو غصب خفين ) أي فردي خف فكل واحد يسمى خفا ( قيمتهما عشرة فتلف أحدهما ورد الآخر وقيمته درهمان أو أتلف أحدهما ) في يده ( غصبا ) له فقط ف أتلف معطوف على غصب
( أو في يد مالكه )
____________________
(2/287)
والقيمة لهما وللباقي ما ذكر ( لزمه ثمانية في الأصح والله أعلم ) خمسة للتالف وثلاثة لأرش ما حصل من التفريق عنده فالثمانية قيمة ما تلف أو أتلفه وأرش التفريق الحاصل بذلك
والثاني يلزمه درهمان قيمة ما تلف أو أتلفه
تنبيه خرج بقوله في يد مالكه ما لو أتلفه في يد الغاصب فإنه لا يلزمه إلا درهمان وهما قيمته وحده
ونبه بالخفين على إجراء الخلاف في كل فردين لا يصلح أحدهما إلا بالآخر كزوجي النعل ومصراعي الباب وأجراه الدارمي في زوجي الطائر إذا كان يساوي مع زوجه أكثر
واتفقوا على أنه لا يقطع بسرقة أحدهما إذا لم يبلغ وحده نصابا وإن ضمناه إياه لأنه كان نصابا في الحرز حال الانضمام ونقص بالتفريق حال الإخراج فضمناه لأنه يضمن الأقصى مع وضع اليد ولم يقطعهما اعتبارا بحالة الإخراج
( ولو حدث ) في المغصوب ( نقص يسري إلى التلف بأن ) أي كأن ( جعل ) الغاصب ( الحنطة ) المغصوبة ( هريسة ) أو الدقيق عصيدة ( فكالتالف ) حكمه لأنه لو ترك بحاله لفسد فكأنه هلك فيغرم بدل كل المغصوب من مثل أو قيمة
( وفي قول يرده مع أرش النقص ) قياسا على التعييب الذي لا يسري
وفي ثالث يتخير بين الأمرين واستحسنه في الشرح الصغير
وعلى الأول هل تبقى الهريسة أو العصيدة للغاصب لأنا ألحقناه بالهالك أو للمالك كما لو قتل شاة لغيره يكون المالك أحق بجلدها وجهان أصحهما كما جزم المصنف في نكته الأول وفرق بينه وبين مسألة الجلد بأن المالية هنا باقية بخلاف الشاة
ومثل الشاة ما لو نجس الزيت مثلا فإنه يغرم بدله والمالك أحق بزيته
تنبيه أشار المصنف بالتمثيل إلى أن صورة المسألة إذا حدث النقص بفعل الغاصب فلو حدث في يده كما لو نقص الطعام بنفسه أخذه المالك مع الأرش
أما ما لا يسري إلى التلف فيجب أرشه كما ( ولو جنى ) الرقيق ( المغصوب ) في يد الغاصب ( فتعلق برقبته مال ) ابتداء أو وجب عليه قصاص فعفى على مال ( لزم الغاصب تخليصه ) لأنه نقص حدث في يده فلزم تخليصه ( بالأقل من قيمته والمال ) الواجب بالجناية لأن الأقل إن كان هو القيمة فهو الذي دخل في ضمانه وإن كان هو المال فهو الذي وجب
ويجب عليه أيضا أرش العيب الذي اتصف به وهو كونه صار جانيا على ما ذكر الرافعي في البيع
( فإن تلف ) الرقيق الجاني ( في يده ) أي الغاصب ( غرمه المالك ) أقصى قيمة من الغصب إلى التلف
( وللمجني عليه تغريمه ) أي الغاصب إن لم يكن غرمه لأن جناية المغصوب مضمونة عليه
( وأن يتعلق بما أخذه المالك ) من الغاصب بقدر حقه لأنه بدل الرقبة التي حقه متعلق بها
( ثم ) إذا أخذ المجني عليه حقه من تلك القيمة ( يرجع المالك ) بما أخذه منه ( على الغاصب لأن ما أخذه المالك لم يسلم له
تنبيه مقتضى قوله ثم يرجع أنه ليس للمالك مطالبة الغاصب بالأرش قبل أن يأخذ المجني عليه القيمة منه وهو كذلك كما صرح به الإمام لأنه ربما يبرىء المجني عليه الغاصب وذلك يمنعه من الرجوع
نعم له مطالبته بالأداء كما يطالب به الضامن المضمون عنه كما قاله ابن الرفعة
( ولو رد العبد ) الجاني ( إلى المالك فبيع في الجناية رجع المالك بما أخذه ) منه ( المجني عليه على الغاصب ) لأن الجناية حصلت حين كان مضمونا عليه
ولو جنى الرقيق في يد الغاصب أولا ثم في يد المالك وكل من الجنايتين مستغرقة قيمته بيع فيهما وقسم ثمنه بينهما نصفين وللمالك الرجوع على الغاصب بنصف القيمة للجناية المضمونة عليه وللأول التعلق به كما في المسألة السابقة
فإن أخذه من المالك رجع به المالك على الغاصب مرة أخرى ويسلم له المأخوذ ثانيا لأن الأول أخذ تمام القيمة والثاني لم يتعلق حقه
____________________
(2/288)
إلا بالنصف وقد أخذه
( ولو غصب أرضا فنقل ترابها ) بكشطه من وجه الأرض ( أجبره المالك على رده ) إلى محله كما كان قبل نقله إن كان باقيا ولو غرم عليه أضعاف قيمته
( أو رد مثله ) إن كان تالفا لما مر أن التراب مثلي فإن تعذر رد مثله غرم الأرش كما نص عليه في الأم وهو ما بين قيمتها بترابها وقيمتها بعد نقله منها
( و ) أجبره المالك أيضا على ( إعادة الأرض كما كانت ) قبل النقل من انبساط وارتفاع أو انخفاض لإمكانه
تنبيه خرج بما قيدت به المسألة ما لو أخذ التراب من مكان واحد بحيث صار مكانه حفرة فإن المصنف ذكره بعد ذلك وما إذا كان المأخوذ من القمامات ففي المطلب أنه لا يتعلق بها ضمان عند تلفها فإنها محقرة
ومقتضى كلامه وجوب ردها إن كانت باقية وهو كذلك كما قاله الإسنوي
( وللناقل الرد ) له ( وإن لم يطالبه المالك ) أو منعه كما جرى عليه ابن المقري ( إن كان له فيه ) أي النقل ( غرض ) كأن ضيق ملكه أو ملك غيره أو كان المنقول إليه شارعا وخشي منه ضمانا أو حصل في الأرض نقص وكان ذلك النقص يزول بالرد لدفع الضرر عنه
( وإلا ) بأن لم يكن له فيه غرض كأن نقله منها إلى موات أو من أحد طرفيها إلى الآخر ( فلا يرده بلا إذن في الأصح ) لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه وعلى هذا لو استقل به كان للمالك تكليفه الرد إلى المحل الذي نقله منه إليه
والثاني له الرد بلا إذن لأنه رد ملكه إلى محله
تنبيه محل الخلاف إذا لم يمنعه المالك من الرد فإن منعه لم يرد جزما أو منعه من بسطه حيث كان له الرد لم يبسطه وإن كان في الأصل مبسوطا
( ويقاس بما ذكرنا ) من نقل التراب بالكشط ( حفر البئر وطمها ) فعليه الطم بترابها إن بقي وبمثله إن تلف إن أمره المالك بالطم وإلا بأن كان له فيه غرض استقل به وإلا فلا في الأصح
واستشكل الإسنوي الطم بمثله التراب التالف بأنه إذا تلف يجب في ذمة الغاصب مثله والواجب في الذمجة إنما يملك بقبض صحيح فكيف يستقيم الرد بدون الإذن اه
ولعلهم اغتفروا ذلك للحاجة
ومن الغرض هنا ضمان التردي فإن منعه المالك من الطم ورضي باستدامتها فليس له الطم ويندفع عنه الضمان
فإن اقتصر على منعه من الطم فكذلك في أحد وجهين نقله الروياني و ابن الرفعة عن الأصحاب
ولو كان الغاصب قد طوى البئر بآلة نفسه فليس له نقلها وللمالك إجباره عليه فإن وهبها منه لم يلزمه القبول في الأصح
( وإذا أعاد ) الغاصب ( الأرض كما كانت ولم يبق ) فيها ( نقص فلا أرش ) عليه للمالك لعدم الموجب له ( لكن عليه أجرة المثل لمدة الإعادة ) من الرد والطم وغيرهما وإن كان آتيا بواجب كما يلزمه أجرة ما قبلها
تنبيه عبارة الروضة لمدة الحفر والإعادة وهي كما قال السبكي أزيد فائدة لولا ما قدرناه
( وإن بقي نقص ) في الأرض بعد الإعادة ( وجب أرشه معها ) أي الأجرة لاختلاف سببهما
( ولو غصب زيتا ونحوه ) من الأدهان كالشيرج والسمن ( وأغلاه فنقصت عينه دون قيمته ) كأن ( غصب صاعا قيمته ) درهم فصار إلى نصف صاع قيمته درهم ( رده ) لبقاء العين ( ولزمه مثل الذاهب ) منه ( في الأصح ) ولا يجبر نقصه لزيادة قيمته
كما لو خصى العبد فزادت قيمته فإنه يضمن قيمته على الجديد
والثاني لا يلزمه جبر النقصان إذ ما فيه من الزيادة والنقصان حصل من واحد فيجبر النقصان بالزيادة
( فإن نقصت القيمة فقط ) كأن لم تنقص عن الصاع بل نقصت قيمته كأن صارت نصف درهم
____________________
(2/289)
( لزمه الأرش ) جبرا له
( وإن نقصتا ) أي العين والقيمة جميعا ( غرم الذاهب ورد الباقي مع أرشه إن كان نقص القيمة أكثر ) من نقص العين كأن صار الصاع نصف صاع يساوي أقل من نصف درهم فإن لم تنقص القيمة كأن صار نصف الصاع يساوي نصف درهم فلا أرش وإن لم ينقص واحد منهما فلا شيء غير الرد
ولو غصب عصيرا فأغلاه فنقصت عينه دون قيمته لم يضمن مثل الذاهب لأن الذاهب منه مائية لا قيمة لها والذاهب من الدهن دهن متقوم وفارق نظيره في الفلس حيث يضمن بدل الذاهب للبائع كالزيت لأن ما زاد بالإغلاء ثم للمشتري فيه حصة فلو لم يضمن المشتري ذلك لأجحفنا بالبائع والزائد بالإغلاء هنا للمالك فانجبر به الذاهب
ومثل إغلاء العصير ما لو صار العصير خلا أو الرطب تمرا ونقصت عينه دون قيمته لا يضمن مثل الذاهب وأجراه الماوردي و الروياني في اللبن إذا صار جبنا ونقص كذلك وتعرف النسبة بوزنهما
( والأصح أن السمن ) الطارىء في المغصوب عند الغاصب ( لا يجبر نقص هزال ) حصل ( قبله ) عنده كأن غصب جارية سمينة فهزلت عنده ثم سمنت عنده فعادت القيمة فإنه يردها وأرش السمن الأول لأن الثاني غير الأول حتى لو زال الثاني ردها وأرش السمنين
والوجه الثاني يجبر كما لو جنى على عين فابيضت ثم زال البياض وعود الحسن كعود السمن
تنبيه أشار بقوله نقص هزال إلى أن السمن المفرط الذي لا تنقص القيمة بزواله غير مضمون وهو كذلك
ولو انعكس الحال بأن كانت معتدلة فسمنت في يد الغاصب سمنا مفرطا ونقصت قيمتها ردها
وهل يغرم أرش النقص قال في الكفاية لا لأنها لم تنقص حقيقة ولا عرفا
وقال الإسنوي نعم وهو الأوجه لأن الأول مخالف لقاعدة تضمين نقص القيمة
ويجري الخلاف فيما لو كسر الحلي أو الإناء ثم أعاده بتلك الصنعة
( و ) الأصح ( أن تذكر صنعة نسيها ) المغصوب عند الغاصب ( يجبر النسيان ) سواء استذكرها عند الغاصب وهو ظاهر أم عند المالك كما بحثه في المطلب وشملته عبارة المصنف لأنه عين الأول فصار كما لو لم ينسها بخلاف السمن فإنه زيادة في الجسم محسوسة مغايرة لتلك الأجزاء الذاهبة
والثاني لا يجبر كالسمن
ورد بما مر
ولو تعلم الصنعة عند الغاصب بعد نسيانها فكالتذكر كما قاله الرافعي أو عند المالك فلا كما قال الإسنوي إنه المتجه
ولو تعلمت الجارية المغصوبة الغناء فزادت قيمتها به ثم نسيته لم يضمنه قال في أصل الروضة لأنه محرم كما في كسر الملاهي
وهو محمول على غناء يخاف منه الفتنة لئلا ينافي ما صححه في الشهادات أنه مكروه
وكالجارية فيما ذكر العبد وما نقله في أصل الروضة فيه من لزوم القيمة محمول على ذلك
ولو أتلف ديك الهراش أو كبش النطاح ضمنه غير مهارش أو ناطح لأن ذلك محرم
تنبيه مرض الرقيق المغصوب أو تمعط شعره أو سقط سنه ينجبر بعوده كما كان ولو عاد بعد الرد للمالك بخلاف سقوط صوف الشاة وورق الشجر فإنه لا ينجبر بعوده كما كان لأنه متقوم ينقص به وصحة الرقيق وشعره وسنه غير متقوم
( وتعلم صنعة ) عند الغاصب ( لا يجبر نسيان ) صنعة ( أخرى ) عنده قطعا وإن كان أرفع من الأولى لاختلاف الأغراض
( ولو غصب عصيرا فتخمر ثم تخلل ) عنده ( فالأصح أن الخل للمالك ) لأنه عين ماله وإن انتقل من صفة إلى صفة
( وعلى الغاصب الأرش إن كان الخل أنقص قيمة ) من العصير لحصوله في يده فإن لم تنقص قيمته اقتصر عليه
والثاني يلزمه مثل العصير لأنه بالتخمر كالتالف
والخل على هذا قيل للغاصب والأصح أنه للمالك لأنه فرع ملكه
ويجري الخلاف فيما لو غصب بيضا فتفرخ أو حبا فنبت أو بزر قز فصار قزا
تنبيه احترز بقوله ثم تخلل عما لو تخمر ولم يتخلل فإنه يلزمه رد مثله لفوات المالية وعليه إراقة الخمر إن عصرت
____________________
(2/290)
بقصد الخمرية وإلا فلا يجوز له إراقتها لاحترامها
( ولو غصب خمرا فتخللت ) عنده ( أو جلد ميتة ) يطهر بالدباغ ( فدبغه فالأصح أن الخل والجلد للمغصوب منه ) لأنهما فرع ما اختص به فإذا تلفا في يده ضمنهما
والثاني هما للغاصب لحصول المالية عنده
وقضية تعليل الأول إخراج الخمرة غير المحترمة وبه جزم الإمام وسوى المتولي بينهما وهو كما قال شيخنا أوجه إلا إن أعرض المالك عنها فلا يجب ردها عليه وليس للمالك استردادها وإعراض المالك عن الجلد كإعراضه عن الخمر وإذا لم يعرض عنه فيجب على الغاصب الرد لعموم الخبر ولأنه منتفع به
ولو أتلف شخص جلدا غير مدبوغ فادعى المالك أنه مذكى والمتلف أنه ميتة صدق المتلف بيمينه لأن الأصل عدم التذكية
فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة وغيرها والزيادة أثر وعين فالأثر لاحق للغاصب فيه كما قال ( زيادة المغصوب إن كانت أثرا محضا كقصارة ) لثوب وخياطة بخيط منه وطحن حنطة وضرب السبائك دراهم وضرب الطين لبنا وذبح الشاة وشيها
( فلا شيء للغاصب بسببها ) لتعديه بعمله في ملك غيره بخلاف المفلس حيث كان شريكا للبائع فإنه عمل في ملكه
( وللمالك تكليفه رده ) أي المغصوب ( كما كان إن أمكن ) كرد الدراهم سبائك واللبن طينا لأنه متعد بفعله ولا يغرم أرش ما كان زاد بصنعته لأن فواته بأمر المالك فإن لم يمكن كالقصارة فليس له إجباره بل يأخذه بحاله
( وأرش النقص ) إن نقص عما كان قبل الزيادة
وإذا رضي المالك بما يمكن إعادته بحاله أجبر الغاصب على تسليمه له بحاله وعلى غرم أرش النقص إن كان إلا أن يكون له غرض في الإعادة كأن خشي على نفسه من بقائها ضررا من تغرير أو غيره كمن ضرب الدراهم بغير إذن السلطان أو على غير عياره فله إبطالها وإن لم يرض به المالك بخلاف ما إذا لم يخش سواء أرضي المالك ببقائها أم سكت عن الرضا والمنع
نعم لو ضرب الشريك الطين لبنا أو السبائك دراهم بغير إذن شريكه جاز له كما أفتى به البغوي أن ينقضه وإن رضي شريكه بالبقاء ينتفع بملكه كما كان
ثم شرع في القسم الثاني وهو العين فقال ( وإن كانت ) أي الزيادة ( عينا كبناء وغراس كلف القلع ) لها وأرش النقص إن كان وإعادتها كما كانت وأجرة المثل إن مضت مدة لمثلها أجرة
ولو أراد المالك تملكها بالقيمة أو إبقاءها بأجرة لم يلزم الغاصب إجابته في الأصح لإمكان القلع بلا أرش بخلاف المستعير
تنبيه قد يفهم كلامه أنه ليس للغاصب القلع بغير رضا المالك وليس مرادا بل لو أراد القلع فليس للمالك منعه
ولو بادر لذلك أجنبي غرم الأرش وقيل لا غرم لأنه غير محترم
ورد بأن عدم احترامه بالنسبة إلى مستحق الأرض لا مطلقا
ولو كان الغراس والبناء مغصوبين من آخر فلكل من مالكي الأرض والبناء والغراس إلزام الغاصب بالقلع وإن كانا لصاحب الأرض فإن رضي المالك به لم يكن للغاصب قلعه ولا شيء عليه وإن طالبه بالقلع فإن كان له فيه غرس لزمه قلعه مع أرش النقص وإلا فوجهان أحدهما وهو الظاهر نعم لتعديه والثاني لا لأنه عيب
وسكت المصنف عن نماء المصغوب كما لو اتجر الغاصب في المال المغصوب فالربح له في الأظهر فإذا غصب دراهم واشترى شيئا في ذمته ونقد الدراهم في ثمنها وربح رد مثل الدراهم لأنها مثلية إن تعذر عليه رد ما أخذه وإلا وجب عليه رده بعينه أما إذا اشترى بعينه فالجديد بطلانه
ولو غصب أرضا وبذرا من واحد وبذر الأرش به فللمالك تكليفه إخراج البذر منها وأرش النقص وإن رضي المالك ببقاء البذر في الأرض لم يكن للغاصب إخراجه
ولو زوق الغاصب الدار المغصوبة بما لا يحصل منه شيء بقلعه لم يجز له قلعه إن رضي ببقائه المالك وليس للمالك إجباره عليه كما في الروضة خلافا للزركشي كالثوب إذا قصره
( وإن صبغ ) الغاصب ( الثوب ) المغصوب ( بصبغه ) وكان الحاصل تمويها لا يحصل منه الإنصباغ عين مال فكالتزويق فيما مر
وإن حصل منه ذلك ( وأمكن فصله ) منه كأن كان الصبغ غير منعقد ( أجبر عليه في الأصح )
____________________
(2/291)
قياسا على البناء والغراس والثاني لا لما فيه من ضرر الغاصب لأنه يضيع بفصله بخلاف البناء والغراس
وعلى الأول لو تركه الغاصب للمالك ليدفع عنه كلفة القلع لم يجبر على قبوله في أصح الوجهين ولو رضي المالك بإبقائه كان للغاصب الفصل إن لم ينقص الثوب بالفصل وكذا إن نقص وإذا تراضيا على القلع فذاك أو على الإبقاء فهما شريكان
( وإن لم يمكن ) فصله كأن كان الصبغ منعقدا ( فإن لم تزد قيمته ) أي الثوب بالصبغ ولم تنقص كأن كان يساوي عشرة والصبغ خمسة فصار مصبوغا يساوي عشرة لا لانخفاض سوق الثياب بل لأجل الصبغ
( فلا شيء للغاصب فيه ) لعدم الزيادة ولا شيء عليه لعدم النقص
( وإن نقصت ) قيمته كأن صار يساوي ثمانية ( لزمه الأرش ) لأن النقص حصل بفعله
( وإن زادت ) قيمته بالصبغ كأن صار يساوي خمسة عشر في مثالنا ( اشتركا فيه ) أي الثوب هذا بصبغه وهذا بثوبه أثلاثا ثلثاه للمغصوب منه وثلثه للغاصب فشركتهما ليست على الإشاعة بل كل منهما يملك ما كان له مع ما يخصه من الزيادة
فلو حصل فيهما أو في أحدهما نقص لانخفاص سعر أحدهما أو زيادة لارتفاعه عمل به فيكون النقص أو الزيادة لاحقا لمن انخفض أو ارتفع سعر ماله وإن حصل ذلك بسبب اجتماع الثوب والصبغ أي بسبب العمل فالنقص على الصبغ لأن صاحبه هو الذي عمل والزيادة بينهما لأن الزيادة الحاصلة بفعل الغاصب إذا إذا أسندت إلى الأثر المحض تحسب للمغصوب منه وأيضا الزيادة قامت بالثوب والصبغ فهي بينهما
ولو بذل صاحب الثوب للغاصب قيمة الصبغ ليتملكه لم يجب إليه سواء أمكن فصله أم لا بخلاف البناء والغراس في العارية لتمكنه هنا من القلع مجانا بخلاف المعير
ولو أراد أحدهما الإنفراد ببيع ملكه لثالث لم يصح إذ لا ينتفع به وحده كبيع دار لا ممر لها نعم لو أراد المالك بيع الثوب لزم الغاصب بيع صبغه معه لأنه متعد فليس له أن يضر بالمالك بخلاف ما لو أراد الغاصب بيع صبغه لا يلزم مالك الثوب بيعه معه لئلا يستحق المتعدي بتعديه إزالة ملك غيره
تنبيه احترز المصنف بقوله بصبغة عن صورتين الأولى أن يكون الصبغ مغصوبا من آخر فهما شريكان كما لو كان الصبغ للغاصب فإن حصل في المغصوب نقص باجتماعهما اختص النقص بالصبغ كما مر وغرم الغاصب لصاحب الصبغ قيمة صبغه وإن أمكن فصله فلكل منهما تكليفه الفصل فإن حصل به نقص فيهما أو في أحدهما غرمه الغاصب وإن لم يمكن فصله بأن كان الحاصل تمويها فكما سبق في التزويق ففي هذه الصورة زيادة على ما تقدم
الصورة الثانية أن يكون الصبغ لمالك الثوب فالزيادة له لا للغاصب لأنها أثر محض والنقص على الغاصب فيغرم أرشه وللمالك إجباره على فصله إن أمكن وليس للغاصب فصله إذا رضي المالك بالإبقاء وكذا لو سكت كما قال الإسنوي إنه القياس
فرع لو طيرت الريح ثوبا إلى مصبغة شخص فانصبغ فيها اشتركا في المصبوغ مثل ما مر ولم يكلف أحدهما البيع ولا الفصل ولا الأرش وإن حصل نقص إذ لا تعدي
( ولو خلط المغصوب بغيره ) سواء أخلط بجنسه كحنطة بيضاء بحنطة حمراء أم بغير جنسه كبر بشعير ( وأمكن التمييز لزمه ) التمييز لسهولته ولإمكان رد عين ما أخذه
( وإن شق ) عليه تمييز جميعه وجب عليه تمييز ما أمكن
( فإن تعذر ) كأن خلط الزيت بمثله أو بشيرج ( فالمذهب أنه كالتالف ) لا مشتركا سواء أخلطه بمثله أم بأجود أم بأردأ لتعذر رده وملكه الغاصب
( فله ) أي المغصوب منه ( تغريمه ) أي الغاصب ( وللغاصب أن يعطيه من غير المخلوط ) لأن الحق فيه انتقل إلى ذمته وله أيضا أن يعطيه منه إن خلطه بمثله أو بأجود منه لا بأردأ لأنه دون حقه إلا برضاه فله أخذه ولا أرش له وكان مسامحا ببعض حقه وإلا أخذ مثل ماله
والطريق الثاني قولان أحدهما هذا والثاني يشتركان في المخلوط وللمغصوب منه قدر حقه من المخلوط
قال السبكي والذي أقوله وأعتقده وينشرح صدري له أن القول بالهلاك باطل لأن فيه تمليك الغاصب مال المغصوب منه بغير رضاه بل
____________________
(2/292)
بمجرد تعديه بالخلط
وأطال الكلام في ذلك
وقال الزركشي إذا قلنا إنه كالتالف ويملكه الغاصب فلا يتصرف فيه وهو محجور عليه فيه حتى يعطي المالك بدله
وهو كما قال ابن شهبة ظاهر قال ولم أره لغيره
تنبيه قضية إطلاقهم أن خلط الدراهم بمثلها بحيث لا تتميز هلاك وهو كذلك كما قاله بعض المتأخرين وهو أوجه من قول ابن الصباغ وغيره إنهما يشتركان والفرق بأن كل درهم متميز في نفسه بخلاف الزيت ونحوه منتقض بالحبوب
ولو اختلط الزيتان أو نحوهما بانصباب ونحوه كصب بهيمة أو برضا مالكهما فمشترك لعدم التعدي فإن كان أحدهما أراد إجبار صاحبه على قبول المختلط لأن بعضه عين حقه وبعضه خير منه لا صاحب الأجود فلا يجبر على ذلك فإن أخذ منه فلا أرش له لعدم التعدي وإلا بيع المختلط وقسم الثمن بينهما بنسبة القيمة فإن أراد قسمة غير المتفاضلين في القيمة على نسبة القيمة لم يجز للتفاضل في الكيل ونحوه
أما لو خلط المغصوب بغير جنسه كالزيت بالشيرج ودقيق الحنطة بدقيق الشعير فإن تراضيا على الدفع منه أو ببيعه وقسمة ثمنه جاز لأن الحق لا يعدوهما ولأن التفاضل جائز مع اختلاف الجنس وإن امتنع أحدهما لم يجبر الممتنع لأنه كالهالك فلا يلزم الغاصب ببذل ما لم يجب عليه ولا المغصوب منه بقبول ما لم يجب له فيغرم المثل وقيل يباعان ويقسم الثمن على نسبة القيمتين ولو لم يكن غصب كأن انصب أحدهما على الآخر فمشترك بينهما لما مر
ولو غصب زيتين أو نحوهما من اثنين فأكثر وخلطهما قال ابن المقري فهو كما لو غصب زيتا وخلطه بزيته وهو مقتضى كلام أصله
وقال البلقيني المعروف عند الشافعية أنه لا يملك شيئا عنه ولا يكون كالهالك وهذا أوجه ومما يؤيده كما قال شيخي ما نقل عن فتاوى المصنف أنه لو غصب دراهم من جماعة وخلطها ودفع لكل منهم قدر حقه جاز له أخذه والتصرف فيه وإن دفع لأحدهم فقط صار مشتركا بين الجميع
وفرق بينه وبين ما إذا خلطه بمال نفسه بأنه تبع للملوك له فاستتبع بخلاف مال الأجنبيين لا أولوية لأحدهما على الآخر
( ولو غصب خشبة ) مثلا ( وبنى عليها ) في ملكه أو غيره كمنارة مسجد ( أخرجت ) أي بلزومه إخراجها وردها إلى مالكها إن لم تتعفن ولو تلف عليه بسبب الإخراج أضعاف ما قيمتها لتعديه وعليه أرش نقصها إن حدث فيها نقص وأجرة مثلها إن مضت مدة لمثلها أجرة أما إذا تعفنت بحيث لو أخرجت لم يبق لها قيمة فهي كالتالفة
( ولو أدرجها ) أي الغاصب ( في سفينة فكذلك ) أي يلزمه ما مر إلا أن تتعفن ( إلا أن يخاف ) من إخراجها من السفينة ( تلف نفس أو مال معصومين ) ولو للغاصب كأن كانت السفينة في اللجة والخشبة في أسفلها فإنها لا تنزع وإنما لم تنزع لأنها لا تدوم في البحر فيسهل الصبر إلى الشط أي وتؤخذ القيمة للفرقة أو نحوه كرقراق بخلاف هدم البناء لرد اللوح بل يأخذ القيمة للحيلولة إلى تيسر النزع
وخرج بالمعصومين نفس الحربي وماله وبالخوف المذكور ما لو كانت السفينة على الأرض أو مرساة على الشط أو نحوه أو كانت الخشبة في أعلاها
قال الإسنوي وينبغي أن يلحق بالتلف ما يبيح التيمم قال الولي العراقي إلا الشين وجرى عليه الزركشي
والأوجه عدم الاستثناء في الآدمي كما يؤخذ من قولهم ولو خاط شيئا بمغصوب لزمه نزعه منه ورده إلى مالكه إن لم يبل وإلا فالهالك لا من جرح حيوان محترم يخاف بالنزع هلاكه أو ما يبيح التيمم فلا يجوز نزعه منه لحرمته إلا أنه لا يؤثر ذلك الشين في غير الآدمي بخلاف الآدمي كما في التيمم
ولو شد بمغصوب جبيرة كان كما لو خاط به جرحه ذكره المتولي
ولا يذبح لنزعه مأكول ولا غيره ولو كان للغاصب للنهي عن ذبح الحيوان لغير أكله ويضمنه لأنه أحال بينه وبين مالكه
ولو خاط به الغاصب جرحا لآدمي بإذنه فالقرار عليه ولو جهل الغصب كما لو قرب له طعاما مغصوبا فأكله وينزع الخيط المغصوب من الميت ولو آدميا وإنما لم ينزع في الحياة لحرمة الروح
وينزع من حي غير محترم كمرتد وزان محصن وكلب لا ينتفع به
وحيث لا يجوز نزعه يجوز غصبه له ابتداء ليخاط به جرحه إن لم يوجد خيط حلال وحيث يجوز نزعه لا يجوز غصبه ليخاط به الجرح
( ولو وطىء ) الغاصب الأمة ( المغصوبة عالما بالتحريم ) لوطئها مختارا ( حد ) لأنه زنا سواء أكانت عالمة أم جاهلة
نعم الأب ونحوه
____________________
(2/293)
لا حد عليه ( وإن جهل ) تحريمه لاشتباهها عليه أو لقرب عهده بالإسلام أو لبعده عن العلماء أو أكره عليه ( فلا حد ) عليه لعذره
( وفي الحالين ) أي حالتي علمه وجهله ( يجب المهر ) لأنه استوفى المنفعة وهي غير زانية لكن في حالة الجهل يجب مهر واحد وإن تكرر الوطء وفي حالة العلم يتعدد
وإن وطئها مرة جاهلا ومرة عالما وجب مهران وسيأتي بسط ذلك في باب الصداق إن شاء الله تعالى
( إلا أن تطاوعه ) في الوطء عالمة بالتحريم ( فلا يجب ) لها مهر ( على الصحيح ) لأنها زانية وقد نهى عن مهر البغي وهي الزانية
والثاني يجب لأنه لسيدها فلا يسقط بطواعيتها فيه كما لو أذنت في قطع يدها
وأجاب الأول بأن المهر وإن كان للسيد فقد عهدنا أنه يتأثر بفعلها كما لو ارتدت قبل الدخول
( وعليها الحد إن ) طاوعته و ( علمت ) بالتحريم لزناها
وهذا أيضا قيد فيما قبله كما قدرته فإن جهلته أو أكرهت عليه فلا حد
وسكت المصنف عن أرش البكارة ولا شك في وجوبه ولا يسقط بمطاوعتها كما لا يسقط أرش طرفها بإذنها في قطعه
وتقدم في باب الخيار أنه يجب لها هنا أرش بكارة ومهر ثيب والفرق بين ما هنا وما هناك
( ووطء المشتري من الغاصب كوطئه ) أي الغاصب ( في الحد والمهر ) وأرش البكارة أيضا إن كانت بكرا لاشتراكهما في وضع اليد على ملك الغير بغير حق فيأتي فيه ما ذكر في حالتي العلم والجهل إلا أن جهل المشتري قد ينشأ من الجهل بكونها مغصوبة فإنه يقبل قوله في ذلك
( فإن غرمه ) أي المهر للمالك ( لم يرجع به ) المشتري ( على الغاصب في الأظهر ) لأنه باشر الإتلاف
والثاني يرجع إن جهل الغصب لأنه لم يدخل في العقد على ضمانه فيرجع به على البائع لأنه غره بالبيع
ويجري الخلاف في أرش البكارة أيضا فلا يرجع به على الأظهر كما قاله الرافعي وإن خالف في ذلك جمع لأنه بدل جزء منها أتلفه
( وإن أحبل ) الغاصب أو المشتري منه حال كونه ( عالما بالتحريم ) للوطء ( فالولد رقيق ) للسيد ( غير نسيب ) لأنه من زنا وإن انفصل حيا فمضمون على الغاصب أو ميتا بجناية فبدله للسيد أو بغيرها ففي وجوب ضمانه على المحبل وجهان أوجههما كما قال شيخنا نعم كما هو ظاهر النص لثبوت اليد عليه تبعا لأمه والثاني لا لأن حياته غير متيقنة
ويجري الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميتا وعلى الأول تعتبر قيمته يوم الانفصال لو كان حيا ونسب في المهمات ترجيح الثاني للرافعي لكن قال الأذرعي إن ما ذكره غلط صريح فإن الموضع الذي نقل عنه إنما قاله الرافعي في الجاهل بالتحريم وما نحن فيه في العالم اه
وحاصله أنه انتقل نظره من مسألة إلى أخرى
( وإن جهل ) من ذكر التحريم ( فحر نسيب ) للشبهة بالجهل والمشهور كما قاله في المطلب أنه انعقد حرا لا رقيقا ثم عتق
( وعليه ) للسيد ( قيمته ) بتقدير رقه لتفويته رقه بظنه ( يوم الانفصال ) حيا لأن التقويم قبله غير ممكن وعليه أيضا أرش نقص الولادة
( ويرجع بها ) أي بالقيمة ( المشتري على الغاصب ) لأنه غره بالبيع لأن مقتضاه أن يسلم له الولد من غير غرامة
ووقع في الروضة بخط المصنف ولا برجع ونسب لسبق القلم
ويرجع أيضا بأرش نقص الولادة كما نقل الرافعي عن العراقيين القطع به فإن انفصل ميتا بجناية فعلى الجاني ضمانه بالغرة وللمالك مطالبة الغاصب أو المشتري منه قياسا عليه بعشر قيمة الأم لأنا نقدره رقيقا في حقه
ثم إن كانت الغرة أكثر فالزائد لورثة الجنين أو أقل ضمن الغاصب أو المشتري منه للمالك عشر قيمة الأم كاملا وسيأتي في الجنايات إن شاء الله تعالى أن بدل الجنين المجني عليه تحمله العاقلة
قال المتولي والغرة تجب مؤجلة فلا يغرم الغاصب حتى يأخذ الغرة وتوقف الإمام فيه
وإن انفصل ميتا بغير جناية فلا شيء فيه لعدم تيقن حياته
ويخالف ما لو انفصل رقيقا ميتا حيث قلنا فيه بالضمان كما مر لأن الرقيق يدخل تحت اليد فجعل تبعا للأم ولو انفصل حيا حياة غير مستقرة ثم مات وجب ضمانه لأنا تيقنا حياته
____________________
(2/294)
تنبيه اقتصار المصنف على المشتري قد يوهم أن المنهب من الغاصب لا يرجع عليها بها وفيه وجهان رجح البلقيني منهما الرجوع لأنه دخل على أن لا يضمنها
فرع لو أذن المال للغاصب أو للمشتري منه في وطء الأمة المغصوبة ووطىء وجب عليه المهر في أحد وجهين رجحه ابن القطان وقيمة الولد في أحد طريقين رجحه غيره
( ولو تلف المغصوب عند المشتري ) من الغاصب ( وغرمه ) لمالكه ( لم يرجع به ) أي بما غرمه على الغاصب سواء كان عالما أم جاهلا وإنما يرجع عليه بالثمن لأن المبيع بعد القبض من ضمان المشتري
وقيل يرجع من المغروم بما زاد على قدر الثمن ونقل عن صاحب التقريب
( وكذا ) لا يرجع بالأرش الذي غرمه ( لو تعيب عنده ) بآفة ( في الأظهر ) لأن التعييب بآفة من ضمان المشتري
والثاني يرجع للتغرير بالبيع أما إذا كان بفعله فإنه لا يرجع قطعا
( ولا يرجع ) عليه ( بغرم منفعة استوفاها ) كاللبس والركوب والسكنى ( في الأظهر ) وهما القولان في المهر ومر توجيههما
( ويرجع ) عليه ( بغرم ما تلف عنده ) من منفعة بغير استيفاء ( وبأرش نقص ) بالمهملة ( بنائه وغراسه إذا نقض ) بالمعجمة من جهة مالك الأرض ( في الأصح ) في المسألتين لأنه غره بالبيع
والثاني في الأولى ينزل التلف عنده منزلة إتلافه وفي الثانية يقول كأنه بالبناء والغراس يتلف ماله
تنبيه ثمرة الشجرة ونتاج الدابة وكسب العبد كالمنفعة كما جزم به في الروضة
قال السبكي ويمكن إدخاله في كلام المصنف ولولا أنه شامل لذلك لقال وما فات لأنها العبارة المستعملة في المنفعة اه
ولا يرجع بما أنفق على الرقيق ولا بما أدى من خراج الأرض كما صححه الرافعي
ولو زوج الغاصب الأمة المغصوبة ووطئها الزوج أو استخدمها جاهلا وغرم المهر أو الأجرة لم يرجع لأنه استوفى مقابلها بخلاف المنافع الفائتة عنده فإنه يرجع بغرمها
( وكل ما ) أي شيء ( لو غرمه المشتري رجع به ) على الغاصب كأجرة المنافع الفائتة تحت يده ( لو غرمه الغاصب ) ابتداء ( لم يرجع به على المشتري ) لأن القرار عليه لا على المشتري
( وما لا فيرجع ) أي وكل ما لو غرمه المشتري لا يرجع به على الغاصب كالمنافع التي استوفاها لو غرمه الغاصب ابتداء رجع به الغاصب على المشتري لأن القرار عليه
نعم إن سبق من الغاصب اعتراف بالملك لم يرجع قطعا لأنه يقول الذي ظلمني هو المدعي والمظلوم لا يرجع إلا على من ظلمه
ولو غرم قيمة العين وقت الغصب لكونها أكثر لم يرجع بالزائد على الأكثر من قيمة وقت قبض المشتري إلى التلف لأنه لم يدخل في ضمان المشتري ولا تستثنى هذه الصورة لأن المشتري لا يغرم الزائد فلا يصدق به الضابط المذكور
فائدة تكتب ما من كل ما إذا كانت غير ظرف كما هنا مفصولة وإلا فموصولة ك كلما رأيت زيدا فأكرمه
( قلت ) كما قال الرافعي في الشرح ( وكل من انبنت ) بنون فموحدة فنون فمثناة من فوق بضبط المصنف ( يده على يد الغاصب ) غير المشتري ( كالمشتري ) في الضابط المذكور في الرجوع وعدمه ( والله أعلم )
قال الإسنوي وقد سبق في أول الباب بيان ذلك فقال والأيدي المترتبة على يد الغاصب أيدي ضمان إلخ
فتأمل ما قاله هناك وقيد به ما أطلقه هنا
خاتمة لو وقع فصيل في بيت أو دينار في محبرة ولم يخرج الأول إلا بهدم البيت والثاني إلا بكسر المحبرة فإن كان الوقوع بتفريط صاحب البيت والمحبرة فلا غرم على مالك الفصيل والدينار وإلا غرم الأرش فإن كان الوقوع بتفريطهما فالوجه كما قال الماوردي أنه إنما يغرم النصف لاشتراكهما في التفريط كالمتصادمين
ولو أدخلت بهيمة رأسها في قدر ولم تخرج إلا بكسرها كسرت لتخليصها ولا تذبح المأكولة لذلك
ثم إن صحبها مالكها فعليه الأرش لتفريطه فإن لم يكن معها فإن تعدى صاحب القدر بوضعها بموضع لا حق له فيه أو له فيه حق لكنه قدر على دفع البهيمة فلم يدفعها فلا أرش له ولو تعدى كل من مالك القدر والبهيمة فحكمه حكم ما مر عن الماوردي
ولو ابتلعت بهيمة جوهرة لم تذبح لتخليصها وإن كانت مأكولة بل يغرم مالكها إن فرط في حفظها قيمة الجوهرة للحيلولة فإن ابتلعت ما يفسد بالإبتلاع غرم قيمته للفيصولة
ولو ابتاعها بطعام معين فأكلته قبل قبضه بوجه مضمون استقر العقد ووقع ذلك قبضا للثمن وإلا انفسخ العقد أو بعد قبضه فقد أتلفت مالا للبائع فلا ينفسخ العقد
ولو غصب لؤلؤة ودجاجة فابتلعت الدجاجة اللؤلؤة يقال له إن لم تذبح الدجاجة غرمناك قيمة اللؤلؤة فإن ذبحتها غرمناك أرش الدجاجة
ولو غصب لؤلؤة مثلا وابتلعها وأمكن إخراجها بشرب دواء هل يلزمه ذلك أو لا أفتى القفال بأنه لا يلزمه بل يغرم القيمة أي للحيلولة كما مر
ولو غصب ثوبا فتنجس عنده لم يجز له تطهيره بغير إذن مالكه ولا يكلف تطهيره فإن طهره فنقص ضمن أرش النقص وإن لم يطهره فعليه مؤنة التطهير وأرش نقصه إن نقص
ويضمن الغاصب نقص الشباب بالكبر ونقص النهود بتدلي الثدي ونقص المرودة بالإلتحاء ونقص الفحل بالضراب أو نحو ذلك
والولد الحاصل بضراب الفحل لمالك الأم وإن كانت للغاصب ولا شيء على الغاصب للإنزاء بلا نقص لأنه لا يقابل بمال
____________________
(2/295)
كتاب الشفعة وهي بضم الشين وإسكان الفاء وحكي ضمها
لغة مأخوذة من الشفع بمعنى الضم على الأشهر من شفعت الشيء ضممته ومنه شفع الأذان سميت بذلك لضم نصيب الشريك إلى نصيبه أو بمعنى التقوية أو الزيادة وقيل من الشفاعة
وشرعا حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض
والأصل فيها خبر البخاري عن جابر رضي الله عنه قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة وفي رواية له في أرض أو ربع أو حائط والربع المنزل والحائط البستان
والمعنى فيه ضرر مؤنة القسمة أو استحداث المرافق كالمصعد والمنور والبالوعة في الحصة الصائرة إليه وقيل دفع ضرر المشاركة
قال الشيخ عز الدين والعفو عنها أفضل إلا أن يكون المشتري نادما أو مغبونا وذكرت عقب الغصب لأنها تؤخذ قهرا فكأنها مستثناة من تحريم أخذ مال الغير قهرا
وحكى ابن المنذر فيها الإجماع لكن نقل الرافعي عن جابر بن زيد من التابعين إنكارها قال الدميري ولعل ذلك لم يصح عنه
وأركانها ثلاثة مأخوذ وآخذ ومأخوذ منه والصيغة إنما تجب في التمليك كما سيأتي
وقد شرع المصنف في بيان الركن الأول
فقال ( ولا تثبت ) الشفعة في ( منقول ) كالحيوان والثياب سواء أبيعت وحدها أم مضمومة إلى أرض للحديث المار فإنه يخصها بما تدخله القسمة والحدود والطرق وهذا لا يكون في المنقولات ولأن المنقول لا يدوم بخلاف العقار فيتأبد فيه ضرر المشاركة والشفعة تملك بالقهر فناسب مشروعيتها عند شدة الضرر
والمراد بالمنقول ابتداء لتخرج الدار إذا انهدمت بعد ثبوت الشفعة فإن نقضها يؤخذ بالشفعة
تنبيه قول المصنف لا تثبت أولى من قول التنبيه لا تجب
( بل في أرض وما فيها من بناء ) وتوابعه الداخلة في مطلق البيع من أبواب منصوبة ورفوف مسمرة ومسامير ومفاتيح غلق مثبت ودولاب ثابت وحجر الطاحونة ونحوها كغطاء تنور
( و ) من ( شجر تبعا ) لها وفي معنى الشجر أصل ما يجز مرارا كالقت والهندباء
وشرط تبعية البناء والشجر للأرض أن تباع الأشجار مع البياض الذي يتخللها أو مع البستان كله فلو باع شقصا من جداره وأساسه
____________________
(2/296)
فقط أو من أشجار ومغارسها فقط فإنه لا شفعة على الأصح لأن الأرض هنا تابعة
قال السبكي وينبغي أن تكون صورة المسألة حيث صرح بدخول الأساس والمغرس في البيع وكانا مرئيين قبل ذلك فإنه إذا لم يرهما وصرح بدخولهما لم يصح البيع في الأرض
فإن قيل كلامهم في البيع يقتضي أنه إذا قال بعتك الجدار وأساسه أنه يصح وإن لم ير الأساس
أجيب بأن المراد بذلك الأساس الذي هو بعض الجدار كحشو الجبة أما الأساس الذي هو مكان البناء فهو عين منفصلة لا تدخل في البيع عند الإطلاق على الأصح فإذا صرح به اشترط فيه شروط المبيع
قال الإسنوي واحترز بقوله تبعا عما إذا باع أرضا وفيها شجرة جافة شرطا دخولها في البيع فإنه لا يؤخذ بالشفعة لأنها لم تدخل بالتبع بل بالشرط
( وكذا ثمر لم يؤبر ) تثبت فيه تبعا للأرض ( في الأصح ) لأنه يتبع الأصل في البيع فيتبعه في الأخذ قياسا على البناء والغراس ولو لم يتفق الأخذ لها حتى أبرت لدخولها في مطلق البيع
والثاني لا لأنه لا يراد به التأبيد
وعلى الأول لا فرق بين إن انقطع أم لا وكذا كل ما دخل في البيع ثم انقطعت تبعيته فإنه يؤخذ بالشفعة كما لو انفصلت الأبواب بعد البيع ويأخذ الشفيع الشجر بثمرة حدثت بعد البيع ولم تؤبر عند الأخذ لأنها قد تبعت الأصل في البيع فتبعته في الأخذ بخلاف ما إذا أبرت عنده فلا يأخذها لانتفاء التبعية
أما المؤبرة عند البيع إذا دخلت بالشرط فلا تؤخذ لما سبق من انتفاء التبعية فتخرج بحصتها من الثمن كالزرع والجزة الظاهرة التي لا تدخل في مطلق البيع مما يتكرر ويبقى كل ما لا يأخذه من ثمرة وزرع وجزة إلى أوان الجذاذ
( ولا شفعة في حجرة بنيت على سقف غير مشترك ) بأن اختص به أحد الشريكين فيها أو غيرهما إذ لا أرض لها فهي كالمنقولات
( وكذا ) سقف ( مشترك في الأصح ) لأن السقف الذي هو أرضها لا ثبات له أيضا
والثاني يجعله كالأرض
ولو كان السفل مشتركا بين اثنين والعلو لأحدهما فباعه ونصيبه من السفل فالشفعة في نصيبه من السفل لا في العلو لأنه لا شركة له فيه وهكذا لو كانت الأرض مشتركة وفيها أشجار لأحدهما فباعه مع نصيبه منها فالشفعة في الأرض بحصتها من الثمن لا في الشجر
( وكل ما لو قسم بطلت منفعته المقصودة كحمام ورحى ) أي طاحونة صغيرين لا يجيء منهما حمامان وطاحونتان كما ذكره في باب القسمة ( لا شفعة فيه في الأصح ) هذا الخلاف مبني على ما مر من أن علة ثبوت الشفعة دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق إلخ والثاني مبني على أن العلة دفع ضرر الشركة فيما يدوم
وكل من الضررين حاصل قبل البيع ومن حق الراغب فيه من الشريكين أن يخلص صاحبه منهما بالبيع له فإذا باع لغيره سلطه الشرع على أخذه منه لما روى مسلم عن جابر قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة ( لم تقسم ) ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به
تنبيه المراد بإمكان القسمة أن يكون في الأرض دون الآلات كحجر الطاحون فإنه لا يمكن قسمه حجرين وعبر في المحرر بالطاحونة فعدل المصنف إلى الرحى وهما مترادفان كما قاله الجوهري
قال السبكي ولا أدري بأي معنى عدل عن عبارة المحرر وفي بلادنا أن الطاحون يطلق على المكان والرحى على الحجر ومن المعلوم أن الحجر ليس المراد هنا فإنه منقول والشفعة إنما تثبت فيه تبعا للمكان فالمراد المكان المعد للطحن اه
قال ابن شهبة فتعبير المحرر أولى
ويثبت لمالك عشر الدار الصغيرة إن باع مالك تسعة الأعشار نصيبه لأنه لو طلب من مالك العشر القسمة أجبر عليها بخلاف ما لو باع مالك العشر نصيبه فإن الشفعة لا تثبت للآخر لأمنه من القسم إذ لا فائدة فيها فلا يجاب طالبها لتعنته
ولو باع نصيبه من أرض تنقسم وفيها بئر ماء لا تنقسم ويسقى منها ثبتت الشفعة في الأرض دون البئر بخلاف الشجر النابت في الأرض لأنه ثابت في محل الشفعة والبئر مباينة عنه
ثم شرع في بيان الركن الثاني وهو الأخذ فقال ( ولا شفعة إلا لشريك ) في رقبة العقار فلا تثبت للجار لخبر البخاري المار ولا للشريك في غير رقبة العقار كالشريك في المنفعة فقط كأن ملكها بوصية ولو قضى بالشفعة للجار حنفي لم ينقض حكمه ولو كان
____________________
(2/297)
القضاء بها لشافعي كنظائر من المسائل الاجتهادية
وتثبت لذمي على مسلم ومكاتب على سيد كعكسهما
ولو كان للمسجد شقص من دار مشتركة بشراء أو هبة ليصرف في عمارته ثم باع شريكه نصيبه كان للقيم أن يأخذ بالشفعة إن رآه مصلحة ولو كان لبيت المال شريك في أرض فبلغ شريكه كان للإمام الأخذ بالشفعة إن رآه مصلحة
ولا شفعة لصاحب شقص من أرض مشتركة موقوف عليه إذا باع شريكه نصيبه ولا شريكه إذا باع شريك آخر نصيبه كما أفتى به البلقيني لامتناع قسمة الوقف عن الملك ولانتفاء ملك الأول عين الرقبة
نعم ما اختاره الروياني والمصنف من جواز قسمته عنه لا مانع من أخذ الشافعي وهو المعتمد إن كانت القسمة قسمة إفراز
( ولو باع دارا وله شريك في ممرها ) فقط التابع لها فإن كان دربا غير نافذ ( فلا شفعة له فيها ) لانتفاء الشركة فيها فأشبه ما لو باع عقارا غير مشترك وشقصا مشتركا
( والصحيح ثبوتها في الممر ) بحصته من الثمن ( إن كان للمشتري طريق آخر إلى الدار أو أمكن فتح باب ) لها ( إلى شارع ) أو إلى ملكه لإمكان الوصول إليها من غير ضرر وإن احتاج إحداث الممر إلى مؤنة على الأصح ( وإلا ) أي وإن لم يكن شيء من ذلك ( فلا ) تثبت فيه لما فيه من إضرار المشتري والضرر لا يزال بالضرر
والثاني تثبت فيه والمشتري هو المضر بنفسه بشرائه هذه الدار
والثالث المنع مطلقا إذا كان في اتخاذ الممر عسر أو مؤن لها وقع لأن فيه ضررا ظاهرا
تنبيه محل الخلاف إذا لم يتسع الممر فإن اتسع بحيث يمكن أن يترك للمشتري منه شيء يمر فيه تثبت الشفعة في الباقي قطعا وفي المقدار الذي لا يتأتى المرور بدونه الخلاف
قال ابن الرفعة أما الدرب النافذ فغير مملوك فلا شفعة في ممر الدار المبيعة منه قطعا
ولو باع نصيبا ينقسم من ممر لا ينفذ فلأهله الشفعة لأنهم شركاء فيه ولو باع نصيبه من الممر خاصة ففي الروضة وأصلها أن للشريك الشفعة إن كان منقسما
فإن قيل الممر من حريم الدار وهو لا يصح بيعه ولأنه يؤدي إلى بقاء الدار بلا ممر فهو كمن باع دارا واستثنى لنفسه منها بيتا والأصح في زيادة الروضة بطلانه
أجيب بأن الدار متصلة بملكه أو شارع
ولو اشترى من له دار لا ممر لها نصيب أحد الشريكين في ممر ثبتت الشفعة وإن لم يكن للمشتري تحصيل ثمر كما هو ظاهر كلام أصل الروضة لأن الممر ليس من حقوق الدار قبل البيع وبهذا فارقت مسألة الكتاب
والشركة في صحن الحان دون بيوته وفي مجرى الماء دون الأرض وفي بئر المزرعة دون المزرعة كالشركة في الممر فيما مر
ثم شرع في بيان الركن الثالث وهو المأخوذ بالشفعة فقال ( وإنما تثبت ) الشفعة للشريك القديم ( فيما ملك ) أي في شيء ملكه الشريك الحادث ( بمعاوضة ) محضة كالبيع أو غير محضة كالمهر
أما البيع فبالنص والباقي بالقياس عليه بجامع الاشتراك في المعاوضة مع لحوق الضرر فلا تثبت الشفعة فيما ملك بغير معاوضة كإرث وهبة بلا ثواب ووصية وفسخ
أما المملوك بالإرث فلأنه قهري فلم يضر بالشريك بخلاف المشتري فإنه كان من حقه أن لا يدخل على الشريك ضررا فلما لم يفعل تسلط الشريك عليه وأما ما ملك بالهبة والوصية والفسخ فلأنه لا عوض فيها فتؤخذ به
وصورة مسألة الفسخ أن يعلم بالبيع فلم يأخذ ثم انفسخ بعيب أو إقالة أو فلس أو نحو ذلك
أما إذا لم يعلم بالبيع إلا بعد صدور الفسخ فإن له رد الفسخ والأخذ بالعقد الأول
وقوله ( ملكا لازما ) قيد مضر لا حاجة إليه لثبوت الشفعة في مدة خيار المشتري كما سيأتي
وعدم ثبوتها في مدة خيار البائع أو خيارهما كما سيأتي إنما هو لعدم الملك الطارىء لا لعدم اللزوم نعم لو شرط الخيار في الثمن للبائع لم تثبت الشفعة إلا بعد لزومه لئلا يبطل خياره نبه عليه الإسنوي
( متأخرا ) سببه ( عن ) سبب ( ملك الشفيع )
ثم شرع في أمثلة المعاوضة المذكورة فقال ( كمبيع ومهر وعوض خلع و ) عوض ( صلح دم ) في جناية العمد فإن كانت خطأ أو شبه عمد فالواجب فيها إنما هو الإبل والمصالحة عنها باطلة على الأصح لجهالة صفاتها
____________________
(2/298)
تنبيه تقييد الصلح بالدم ليس لإخراج الصلح عن المال فإنه تثبت الشفعة فيه قطعا وإنما خصصه ليكون منتظما في سلك الخلع من حيث أنه معاوضة غير محضة
وقوله ( ونجوم ) أي وعوض صلح عن نجوم كتابة كأن ملك المكاتب شقصا فصالح سيده به عن النجوم التي عليه وإلا فالشقص لا يكون نجوم كتابة لأن عوضها لا يكون إلا دينا والشقص لا يتصور ثبوته في الذمة
وهذا مبني على صحة الاعتياض عن النجوم وهو وجه نص عليه في الأم وصححه السبكي والصحيح المنع كما صححاه في كتاب الكتابة لأنه غير مستقر كالمسلم فيه
وقوله ( وأجرة ورأس مال سلم ) هما معطوفان على مبيع فلو جعلهما قبل المهر كان أولى لئلا يتوهم عطفهما على خلع فيصير المراد عوض أجرة وعوض رأس مال سلم وليس مرادا لأن رأس مال السلم لا يصح الاعتياض عنه
ولو قال لمستولدة إن خدمت أولادي بعد موتي سنة فلك هذا الشقص فخدمتهم فلا شفعه فيه لأنه وصية
( ولو شرط في البيع الخيار لهما ) أي المتبايعين ( أو ) شرط ( للبائع ) وحده ( لم يؤخذ ) ذلك الشقص ( بالشفعة حتى ينقطع الخيار ) سواء أقلنا الملك في زمنه للبائع أم للمشتري أم موقوف
تنبيه قوله لهما من زيادته ولا حاجة إليه فإن المانع ثبوته للبائع
( وإن شرط للمشتري وحده فالأظهر أنه يؤخذ ) بالشفعة ( إن قلنا الملك ) في زمن الخيار ( للمشتري ) وهو الراجح كما سبق في باب الخيار ( وإلا ) بأن قلنا الملك في زمنه للبائع أو موقوف ( فلا ) يؤخذ بالشفعة زمنه لأن ملك البائع غير زائل على التقدير الأول وغير معلوم الزوال على التقدير الثاني
تنبيه كلامه يشعر بأن الخلاف في هذا الشق قولان وليس مرادا بل هو وجهان
وما ذكر في خيار الشرط يجري في خيار المجلس ويتصور انفراد أحدهما بإسقاط الآخر خيار نفسه فلو عبر بثبت الخيار لكان أولى
وقد علم بما تقرر أن مجرد البيع ونحوه لا يكفي في ثبوت الشفعة بل لا بد فيه من ملك المشتري أو من في معناه كما أشار إليه المصنف بقوله فيما ملك
( ولو وجد المشتري بالشقص ) بكسر المعجمة اسم للقطعة من الشيء ( عيبا وأراد ) المشتري ( رده بالعيب وأراد الشفيع أخذه ويرضى بالعيب فالأظهر إجابة الشفيع ) حتى لا يبطل حقه من الشفعة لأن حقه سابق على حق المشتري فإنه ثابت بالبيع وحق المشتري في الرد ثابت بالإطلاع
والثاني إجابة المشتري لأن الشفيع إنما يأخذ إذا استقر العقد وسلم عن الرد ويجري الخلاف إذا كان الثمن معيبا كعبد وأراد البائع رده
وعلى الأول لو رد المشتري قبل مطالبة الشفيع كان للشفيع أن يرد الرد ويأخذه في الأصح وهل يفسخ الرد أو يتبين أنه كان باطلا وجهان صحح السبكي الأول وفائدتهما كما قال في المطلب الفوائد والزوائد من الرد إلى الأخذ ويلتحق بالرد بالعيب الرد بالإقالة
ولو أصدقها شقصا ثم طلقها قبل الدخول فللشفيع أخذ النصف الذي استقر لها وكذا العائد للزوج لثبوت حق الشفيع بالعقد والزوج إنما ثبت حقه بالطلاق ومثله ما لو أفلس المشتري قبل الأخذ
تنبيه جزم المصنف بأن الخلاف قولان وعبارة الروضة قولان وقيل وجهان
ثم شرع في محترز قوله متأخرا عن ملك الشفيع فقال ( ولو اشترى اثنان ) معا ( دارا أو بعضها فلا شفعة لأحدهما على الآخر ) لاستوائهما في وقت حصول الملك
تنبيه أورد عليه ما لو باع أحد الشريكين نصيبه بشرط الخيار له فباع الآخر نصيبه في زمن الخيار بيع بت
____________________
(2/299)
فالشفعة للمشتري الأول إذا لم يشفع بائعه لتقدم سبب ملكه على سبب ملك الثاني لا للثاني وإن تأخر عن ملكه ملك الأول لتأخر سبب ملكه عن سبب ملك الأول وكذا لو باعا مرتبا بشرط الخيار لهما دون المشتري سواء أجازا معا أم أحدهما قبل الآخر فلو عبر المصنف بسبب الملك كما قدرته كان أولى من تعبيره بالملك
وتثبت الشفعة لكل من الشركاء وإن كان المشتري من جملتهم كما يشير إليه قوله ( ولو كان للمشتري شرك ) بكسر المعجمة بخط المصنف أي نصيب ( في الأرض ) كأن تكون بين ثلاثة أثلاثا فباع أحدهم نصيبه لأحد شريكيه ( فالأصح أن الشريك لا يأخذ كل المبيع ) وهو مثلث في هذا المثال ( بل ) يأخذ ( حصته ) أي نصيبه منه وهي في هذا المثال السدس لاستوائهما في الشركة
والثاني يأخذ الجميع وهو الثلث ولا حق فيه للمشتري لأن الشفعة تستحق على المشتري فلا يستحقها على نفسه
وأجاب الأول بأنا لا نقول استحقها على نفسه بل دفع الشريك عن أخذ نصيبه فلو قال المشتري خذ الكل أو اتركه وقد أسقطت حقي لك لم تلزمه الإجابة ولم يسقط حق المشتري من الشفعة
تنبيه قوله في الأرض مثال لا حاجة إليه
ثم شرع في كيفية الأخذ بالشفعة فقال ( ولا يشترط في التملك بالشفعة حكم حاكم ) بها لثبوتها بالنص ( ولا إحضار الثمن ) كالبيع بجامع أنه تملك بعوض
وكان ينبغي أن يقول ولا ذكر الثمن
( ولا حضور المشتري ) ولا رضاه كالرد بالعيب ( و ) لكن ( يشترط لفظ من الشفيع كتملكت أو أخذت بالشفعة ) ونحو ذلك كاخترت الأخذ بالشفعة ويقوم مقام اللفظ إشارة الأخرس المفهمة ولا يكفي المعاطاة كما مر في البيع ولا أنا مطالب بالشفعة ونحو ذلك
تنبيه عدم اشتراط هذه الأمور الثلاثة قال ابن الرفعة مشكل بما سيذكره عقبه من أنه لا بد من أحد هذه الأمور أو ما يلزم منه أحدها ثم قال وأقرب ما يمكن أن يحمل عليه أن مجموع الثلاثة لا تشترط
قال الإسنوي وهذا الحمل لا يستقيم مع تكرار لا النافية بل الحمل الصحيح أن كل واحد بخصوصه لا يشترط
قال الزركشي ما قاله ابن الرفعة عجيب منه لأن المراد هنا الأخذ بالشفعة وهو قوله أخذت بالشفعة وهو لا يشترط فيه شيء من ذلك لثبوته بالنص وأما حصول الملك فيشترط فيه ما سيأتي
قال ابن شهبة ويرد هذا قول المصنف ولا يشترط في التملك بالشفعة اه
وهذا لا يرده لأنه قال لأن المراد ولذلك قال شيخنا في منهجه لا يشترط في ثبوتها قال في شرحه وهو مراد الأصل كغيره بقوله ولا يشترط في التملك
( ويشترط مع ذلك ) أي اللفظ المذكور ( إما تسليم العوض إلى المشتري ) أو التخلية بينه وبينه إذا امتنع
( فإذا تسلمه ) من الشفيع أو خلى بينه وبينه عند الامتناع ( أو ألزمه القاضي التسلم ) بضم اللام ثم امتنع منه أو قبضه القاضي عنه ( ملك الشفيع الشقص ) لأنه وصل إلى حقه في الحالة الأولى ومقصر فيما بعدها
( وإما رضي المشتري بكون العوض في ذمته ) أي الشفيع ( بالشفعة ) أي ثبوت حقها كما قاله في المطلب لا بالملك ( إذا حضر مجلسه وأثبت حقه ) في الشفعة واختار التملك ( فيملك به ) أي القضاء ( في الأصح ) لأن اختيار التملك قد تأكد بحكم الحاكم
والثاني لا يملك بذلك لأنه لم يرض بذمته
تنبيه اشتراط المصنف أحد هذه الأمور يفهم أنه لا يكفي التملك عند الشهود وهو كذلك كما هو أظهر الوجهين
____________________
(2/300)
في الوجيز ورجحه ابن المقري ولو عند فقد القاضي كما هو ظاهر كلامهم وإن قال ابن الرفعة لا يبعد التفصيل كما في مسألة هرب الجمال حيث يقوم الإشهاد مقام القضاء لأن الضرر هناك أشد منه هنا
ويشترط في التملك أيضا أن يكون الثمن معلوما للشفيع وإذا ملك الشفيع الشقص بغير الطريق الأول وهو تسليم العوض لم يكن له أن يتسلم الشقص حتى يؤدي الثمن وإن تسلمه المشتري قبل أداء الثمن ولا يلزم المشتري أن يؤخر حقه بتأخير البائع حقه فإن غاب ماله أمهل ثلاثة أيام فإن مضت ولم يحضر الثمن فسخ الحاكم التملك وقيل يبطل بلا فسخ وليس للشفيع خيار مجلس لما مر في بابه
( ولا يتملك شقصا لم يره الشفيع على المذهب ) بناء على منع بيع الغائب وقيل يتملكه قبل الرؤية بناء على صحة بيع الغائب وله الخيار عند الرؤية وليس للمشتري منعه من الرؤية
والطريق الثاني القطع بالأول لأن الأخذ بالشفعة قهري لا يناسبه إثبات الخيار فيه
تنبيه أشعر اقتصاره على رؤية الشفيع أنه لا يشترط أن يراه المأخوذ منه وهو كذلك قال الإسنوي وسببه أنه قهري
ويتصور ذلك في الشراء بالوكالة وفي الأخذ من الوارث
فرع لا يتصرف الشفيع في الشقص قبل قبضه وإن سلم الثمن للمشتري وله الرد بالعيب عليه فإن قبضه بإذن المشتري وأفلس بالثمن رجع فيه المشتري كما في البيع في ذلك كله وللمشتري التصرف فيه بعد الطلب وقبل التملك لأنه ملكه بخلافه بعد التملك كما سيأتي
فصل فيما يؤخذ به الشقص وفي الاختلاف في قدر الثمن مع ما يأتي معهما ( إذا اشترى ) شخص شقصا من عقار ( بمثلي ) كبر ونقد ( أخذه ) منه ( الشفيع بمثله ) إن تيسر لأنه أقرب إلى حقه فإن لم يتيسر وقت الأخذ فبقيمته
ولو قدر الثمن بغير معيار الشرع كقنطار حنطة أخذه بمثله وزنا على الأصح في الرافعي في باب القرض وقيل يكاد ويؤخذ بقدره كيلا وحكاه في الكفاية عن الجمهور
( أو بمتقوم ) كعبد وثوب ( فبقيمته ) لتعذر المثل
قال ابن الرفعة ويظهر أن الشفيع لو ملك الثمن قبل الأخذ تعين الأخذ به لا سيما المتقوم لأن العدول عنه إنما كان لتعذره ويحتمل خلافه لما فيه من التضييق اه
والأول أوجه
وتعتبر القيمة ( يوم ) أي وقت ( البيع ) لأنه وقت إثبات العوض واستحقاق الشفعة ولا اعتبار بما يحدث بعدها لحدوثه في ملك البائع
( وقيل يوم ) أي وقت ( استقراره بانقطاع الخيار ) كما يعتبر الثمن حينئذ
وجرى على هذا القول في التنبيه ونبهت في شرحه على ضعفه
ولو جعل الشريك الشقص رأس مال سلم أخذه الشفيع بمثل المسلم فيه إن كان مثليا وبقيمته إن كان متقوما أو صالح به عن دين أخذه بمثله أو قيمته كذلك أو صالح به عن دم عمد أو استأجر به أو أمتعه أخذه بقيمة الدية وقت الصلح أو أجرة المثل لمدة الإجارة أو متعة حال الإمتاع وإن أقرضه أخذه بعد ملك المستقرض بقيمته ويصدق الدين فيما ذكر بالحال
ويقابله قوله ( أو ) اشترى ( بمؤجل فالأظهر ) الجديد وجزم به جمع ( أنه ) أي الشفيع لا يأخذ بمؤجل بل هو ( مخير بين أن يعجل ) الثمن للمشتري ( ويأخذ ) الشقص ( في الحال أو يصير إلى المحل ) بكسر المهملة بخطه وهو الحلول ( ويأخذ ) بعد ذلك ولا يسقط حقه بتأخيره لعذره لأنا لو جوزنا له الأخذ بالمؤجل لأضررنا بالمشتري لأن الذمم تختلف
وإن ألزمناه الأخذ في الحال بنظيره من الحال أضررنا بالشفيع لأن الأجل يقابله قسط من الثمن فكان ذلك دافعا للضررين وجامعا للحقين
ولا يجب على الشفيع إعلام المشتري بالطلب على أشهر الوجهين في الشرحين وما وقع في أصل الروضة من أن عليه ذلك نسب لسبق القلم
والثاني يأخذه بالمؤجل تنزيلا له منزلة المشتري
والثالث يأخذه بسلعة لو بيعت إلى ذلك الأجل لبيعت بذلك القدر
____________________
(2/301)
تنبيه لو اختار على الأول الصبر إلى الحلول ثم عن له أن يعجل الثمن ويأخذ قال في المطلب فالذي يظهر أن في ذلك له وجها واحدا قال الأذرعي وغيره وهو ظاهر إذا لم يكن زمن نهب يخشى منه على الثمن المعجل الضياع
ولو كان الثمن منجما قال الماوردي فالحكم فيه كالمؤجل فيعجل أو يصبر حتى يحل كله وليس له كلما حل نجم أن يعطيه ويأخذ بقدره لما فيه من تفريق الصفقة على المشتري
قال ولو رضي المشتري بدفع الشقص وتأجيل الثمن إلى محله وأبى الشفيع إلا الصبر إلى المحل بطلت الشفعة على الأصح ولو حل الثمن على المشتري بموته أو نحوه كردة لا يتعجل الأخذ على الشفيع بل يستمر على خيرته ولو مات الشفيع فالخيرة لوارثه
( ولو بيع شقص وغيره ) مما لا شفعة فيه من منقول كنقد أو أرض أخرى لا شركة فيها للشفيع صفقة واحدة ( أخذه ) أي الشقص لوجود سبب الأخذ دون غيره ( بحصته ) أي بقدرها ( من القيمة ) باعتبار القيمة وقت البيع لأنه وقت المقابلة فلو كان الثمن مائة وقيمة الشقص ثمانين وقيمة المضموم إليه عشرين أخذ الشقص بأربعة أخماس الثمن ويبقى المضموم للمشتري بالخمس الباقي فقوله بحصته من القيمة لا يعطي هذا المعنى لولا ما قدرته
ولا خيار للمشتري بتفريق الصفقة عليه لدخوله عالما بالحال وبهذا فارق ما مر في البيع من امتناع أفراد المعيب بالرد
قال الأذرعي وظاهره أنه لو جهل الحال ثبت له الخيار ولم أر من صرح به اه
والظاهر كما قال شيخنا أنهم جروا في ذكر العلم على الغالب
( ويؤخذ ) الشقص ( الممهور ) لامرأة ( بمهر مثلها ) وقت نكاحها ( وكذا ) يؤخذ بمهر مثلها وقت خلعها ( عوض الخلع ) سواء أكان أقل من قيمته أم لا لأن البضع متقوم وقيمة مهر المثل
تنبيه محل الأخذ بالشفعة في ذلك إذا كان الشقص معلوما فلو أمهرها شقصا غير معلوم كان لها مهر مثلها ولا شفعة لأنه مجهول نص عليه في الأم
( ولو اشترى بجزاف ) بتثليث جيمه كما مر في باب الربا نقدا كان أو غيره كمذروع مكيل ( وتلف ) الثمن قبل العلم بقدره ( امتنع الأخذ ) بالشفعة لتعذر الوقوف على الثمن والأخذ بالمجهول غير ممكن
وهذا من الحيل المسقطة للشفعة وهي مكروهة لما فيها من إبقاء الضرر لا في دفع شفعة الجار الذي يأخذ بها عند القائل بها
وصورها كثيرة منها أن يبيع الشقص بأكثر من ثمنه بكثير ثم يأخذ به عرضا يساوي ما تراضيا عليه عوضا عن الثمن أو يحط عن المشتري ما يزيد عليه بعد انقضاء الخيار
ومنها أن يبيعه بمجهول مشاهد ويقبضه ويخلطه بغيره بلا وزن في الموزون أو ينفقه أو يتلفه
ومنها أن يشتري من الشقص جزءا بقيمة الكل ثم يهبه الباقي
ومنها أن يهب كل من مالك الشقص وآخذه للآخر بأن يهب له الشقص بلا ثواب ثم يهب له الآخر قدر قيمته فإن خشي عدم الوفاء بالهبة وكلا أمينين ليقبضاهما منهما معا بأن يهبه الشقص ويجعله في يد أمين ليقبضه إياه ويهبه الآخر قدر قيمته ويجعله في يد أمين ليقبضه إياه ثم يتقابضا في حالة واحدة
ومنها أن يشتري بمتقوم قيمته مجهولة كفص ثم يضعه أو يخلطه بغيره فإن كان غائبا لم يلزم البائع إحضاره ولا الإخبار بقيمته
فإن قيل هذا يخالف ما سبق من أنه ليس للمشتري منع الشفيع من رؤية الشقص إذا منعناه أخذ ما لم ير
أجيب بأن هذا لا حق له على البائع بخلاف المشتري
( فإن عين الشفيع قدرا ) لثمن الشقص كقوله للمشتري اشتريته بمائة درهم ( وقال المشتري لم يكن ذلك الثمن ( معلوم القدر حلف على نفي العلم ) بقدره لأن الأصل عدم علمه به
ويخالف هذا ما لو ادعى على غيره ألفا فقال لا أعلم كم لك علي حيث لا يكفي ذلك منه إذ المدعى هنا هو الشقص لا الثمن المجهول وبتقدير صدق المشتري لا يمكنه الأخذ بالشفعة فكان ذلك إنكارا لولاية الأخذ ولا يكفيه أن يحلف أنه اشتراه بمجهول لأنه قد يعلمه بعد الشراء
ولو قال المشتري لم أشتر بذلك القدر حلف كذلك وللشفيع بعد حلف المشتري أن يزيد في قدر الثمن ويحلفه ثانيا وثالثا وهكذا حتى ينكل المشتري
____________________
(2/302)
فيسند بنكوله فيحلف على ما عينه ويشفع لأن اليمين قد يسند إلى التخمين كما في جواز الحلف على خط أبيه إذا سكنت نفسه إليه
ولا يكون قوله نسيت قدر الثمن الذي اشتريت به عذرا بل يطلب منه جواب كاف
تنبيه قضية كلام المصنف أن المشتري إذا حلف سقطت الشفعة وهو كذلك كما صرح به في نكت التنبيه
وقيل إن الشفعة موقوفة إلى أن يتضح الحال وحكاه القاضي حسين عن النص
( وإن ادعى ) الشفيع ( علمه ) أي المشتري بالثمن ( ولم يعين ) له ( قدرا لم تسمع دعواه في الأصح ) لأنه لم يدع حقا له
والثاني تسمع ويحلف المشتري أنه لا يعلم قدره
واحترز المصنف بقوله تلف عما لو كان باقيا فإنه يضبط ويأخذ الشفيع بقدره
ولو قامت بينة بأن الثمن كان ألفا وكفا من الدراهم هو دون المائة يقينا فقال الشفيع أنا آخذه بألف ومائة كان له الأخذ كما في فتاوى الغزالي لكنه لا يحل للمشتري قبض تمام المائة
( وإذا ظهر الثمن ) الذي دفعه مشتري الشقص ( مستحقا ) لغيره ببينة أو بتصديق من البائع والمشتري والشفيع كما قاله المتولي وذلك بعد أخذ الشفيع الشقص ( فإن كان معينا ) كأن اشترى بهذه المائة ( بطل البيع ) يعني بان بطلانه لأن أخذ عوضه لم يأذن فيه المالك وسواء أكان الثمن عوضا أم نقدا لأن النقد عندنا يتعين بالعقد كالعرض
( و ) بطلت ( الشفعة ) لترتبها على البيع
ولو خرج بعض الثمن مستحقا بطل فيما يقابله من المبيع والشفعة دون الباقي تفريقا للصفة ( وإلا ) بأن اشترى بثمن في ذمته ودفع عما فيها فخرج المدفوع مستحقا ( أبدل ) المدفوع ( وبقيا ) أي البيع والشفعة لأن إعطاءه عما في الذمة لم يقع الموقع فكان وجوده كعدمه وللبائع استرداد الشقص إن لم يكن تبرع بتسليمه وحبسه إلى أن يقبض الثمن
تنبيه خروج الدنانير أو الدراهم نحاسا كخروج الثمن مستحقا
ولو خرج الثمن رديئا تخير البائع بين الرضا به والاستبدال فإن رضي به لم يلزم المشتري الرضا بمثله بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد كذا قاله البغوي وأقره الرافعي
قال المصنف وفيه احتمال ظاهر
قال الأذرعي ولم يتبين لي وجهه والظاهر أن الغرض بعد لزوم العقد
وقال البلقيني ما قاله البغوي جار على قوله فيما إذا ظهر العبد الذي باع به البائع معيبا ورضي به أن على الشفيع قيمته سليما لأنه الذي اقتضاه العقد
وقال الإمام إنه غلط وإنما عليه قيمته معيبا حكاهما في الروضة قال فالتغليظ بالمثلي أولى قال والصواب في كلتا المسألتين ذكر وجهين
والأصح منهما اعتبار ما ظهر أي لا ما رضي به البائع
وهذا هو الظاهر وبه جزم ابن المقري في المعيب
( وإن دفع الشفيع ) ثمنا ( مستحقا ) لغيره ( لم تبطل شفعته ) جزما ( إن جهل ) كونه مستحقا بأن اشتبه عليه بماله وعليه إبداله ( وكذا ) لا تبطل شفعته ( إن علم ) كونه مستحقا ( في الأصح ) إن كان الثمن معينا ك تملكت الشقص بهذه الدراهم لأنه لم يقتصر في الطلب والأخذ
والثاني يبطل لأنه أخذ بما لا يملكه فكأنه ترك الأخذ مع القدرة وعلى الأول يتبين أنه لم يملكه فيحتاج إلى تملك جديد
فإن كان الثمن في الذمة لم تبطل جزما وعليه إبداله كما مر وإن دفع رديئا لم تبطل شفعته علم أو جهل
( وتصرف المشتري في الشقص ) المشفوع ( كبيع ) وهبة ( ووقف وإجارة ) ورهن وغير ذلك ( صحيح ) لأنه ملكه وإن كان غير لازم كتصرف المرأة في الصداق قبل الدخول
( وللشفيع نقض ما لا شفعة فيه ) مما لا يستحق به الشفعة لو وجد ابتداء ( كالوقف ) والهبة والإجارة وحكم جعله مسجدا كالوقف كما قاله ابن الصباغ
( وأخذه ) أي الشقص بالشفعة لأن حقه سابق على هذا التصرف فلا يبطل به
فإن قيل حق فسخ البائع بالفلس يبطل بتصرف المشتري وحق رجوع المطلب قبل الدخول إلى نصف الصداق يبطل بتصرف المرأة فيه فهلا كان هنا كذلك أجيب بأنهما لا يبطلان بالكلية بل ينتقلان إلى البدل
____________________
(2/303)
ولا كذلك حق الشفيع
( ويتخير ) الشفيع ( فيما فيه شفعة كبيع ) وإصداق ( بين أن يأخذ )
( بالبيع الثاني ) أو الإصداق ( أو ينقضه أو يأخذ )
( بالأول ) لما مر
وفائدته أن الثمن في الأول قد يكون أقل أو الجنس فيه أسهل
والمراد بالنقض الفسخ ثم الأخذ بالشفعة بل الأخذ بها وإن لم يتقدمه لفظ فسخ قبله كما استنبطه في المطلب من كلامهم خلافا لما يقتضيه كلام أصل الروضة
فإن قيل تصرف الأب فيما وهب لولده لا يكون رجوعا فلا يكفي فهلا كان هنا كذلك أجيب بأن الأب هو الواهب فلا بد أن يرجع عن تصرفه بخلاف الشفيع
تنبيه لو عبر بالإبطال أو الفسخ كان أولى فإن النقض رفع الشيء من أصله كما مرت الإشارة إليه في باب أسباب الحدث
فرع لو بنى المشتري أو غرس أو زرع في المشفوع ولم يعلم الشفيع بذلك ثم علم قلع ذلك مجانا لعدوان المشتري نعم إن بنى أو غرس في نصيبه بعد القسمة ثم أخذ بالشفعة لم يقلع مجانا
فإن قيل القسمة تتضمن غالبا رضا الشفيع بتملك المشتري
أجيب بأن ذلك يتصور بصور منها أن يظهر المشتري أنه هبة ثم تبين أنه اشتراه أو أنه اشتراه بثمن كثير ثم ظهر أنه بأقل أو يظن الشفيع أن المشتري وكيل للبائع ولبناء المشتري وغراسه حينئذ حكم بناء المستعير وغراسه إلا أن المشتري لا يكلف تسوية الأرض إذا اختار القلع لأنه كان متصرفا في ملكه فإن حدث في الأرض نقص فيأخذه الشفيع على صفته أو يترك ويبقى زرعه إلى أوان الحصاد بلا أجرة وللشفيع تأخير الأخذ بالشفعة إلى أوان الحصاد لأنه لا ينتفع به قبله
وفي جواز التأخير إلى أوان جداد الثمرة فيما إذا كان في الشقص شجر عليه ثمرة لا تستحق بالشفعة وجهان أوجههما لا والفرق أن الثمرة لا تمنع من الانتفاع بالمأخوذ بخلاف الزرع
ولو ادعى المشتري إحداث بناء وادعى الشفيع أنه قديم صدق المشتري كما في الشامل وإن توقف فيه في المطلب ولو اختلف المشتري والشفيع في قدر الثمن الذي اشترى به الشقص أو قيمته إن تلف ولا بينة ( صدق المشتري ) بيمينه لأنه أعلم بما باشره من الشفيع وينبغي كما قال الزركشي أن محل ذلك إذا لم يدع ما يكذبه الحس كما لو ادعى أن الثمن ألف دينار وهو يساوي دينارا لم يصدق فإن نكل المشتري حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه فإن كان لأحدهما بينة قضي له فإن أقاما بينتين تعارضتا على الأصح وإنما لم يتحالفا كالمتبايعين لأن كلا من المتبايعين مدع ومباشر للعقد وههنا المشتري لا يدعي والشفيع لم يباشر
وإن اختلف المشتري والبائع في قدر الثمن لزم الشفيع ما ادعاه المشتري وإن ثبت ما ادعاه البائع لاعتراف المشتري بأن البيع جرى بذلك والبائع ظالم بالزيادة وتقبل شهادة الشفيع للبائع لعدم التهمة دون المشتري لأنه متهم في تقليل الثمن
ولو فسخ البيع بالتحالف أو نحوه بعد الأخذ بالشفعة أقرت الشفعة وسلم المشتري قيمة الشقص للبائع أو تحالفا قبل الأخذ أخذ بما حلف عليه البائع لأن البائع اعترف باستحقاق الشفيع الآخذ بذلك الثمن فيأخذ حقه منه وعهدة المبيع على البائع لتلقي الملك منه
( وكذا ) يصدق المشتري بيمينه ( لو أنكر الشراء ) للشقص بأن قال لم أشتره سواء أقال معه ورثته أو اتهبته أم لا
أو أنكر ( كون الطالب ) للشقص ( شريكا ) أو كون ملكه مقدما على ملكه فإنه يصدق أيضا بيمينه لأن الأصل عدم ذلك
ويحلف على حسب جوابه في الأولى وعلى نفي العلم في الأخيرتين فإن نكل حلف الطالب على البت واستحق الشفعة
( فإن اعترف الشريك ) القديم وهو البائع ( بالبيع ) للمشتري المنكر للشراء والمشفوع بيده أو بيد المشتري
وقال إنه وديعة له أو عارية أو نحو ذلك ( فالأصح ثبوت الشفعة ) لطالب الشقص لأن إقراره يتضمن إثبات حق المشتري وحق الشفيع فلا يبطل حق الشفيع بإنكار المشتري كما لا يبطل حق المشتري بإنكار الشفيع
والثاني لا تثبت لأن الشفيع يأخذه من المشتري فإذا لم يثبت الشراء لم يثبت ما يتفرع عليه
( ويسلم الثمن إلى
____________________
(2/304)
البائع إن لم يعترف بقبضه ) من المشتري وعليه عهدة الشقص لتلقي الملك منه وكأن الشفيع هو المشتري
فلو امتنع من قبضه من الشفيع كان له مطالبة المشتري به في أحد وجهين رجحه شيخنا وهو الظاهر لأن ماله قد يكون أبعد عن الشبهة
فإن حلف المشتري فلا شيء عليه فإن نكل حلف البائع وأخذ الثمن منه وكانت عهدته عليه
( وإن اعترف ) البائع بقبضه ( فهل يترك ) الثمن ( في يد الشفيع أم يأخذه القاضي ويحفظه ) فإنه مال ضائع ( فيه خلاف سبق في الإقرار نظيره ) في قول المتن هناك إذا كذب المقر له المقر ترك المال في يده في الأصح
فصرح هناك بالأصح وصرح هنا بذكر المقابل له أيضا فالمراد سبق أصل الخلاف لا أن الوجوه كلها سبقت في الإقرار
تنبيه قوله في يد الشفيع كان الأولى أن يقول في ذمته فإنه لا يتعين إلا بالقبض وهو لم يقبض
وتسمح المصنف في استعمال أم بعد هل وإلا فالأصل أن أم تكون بعد الهمزة و أو بعد هل
ولو ادعى المشتري شراء الشقص وهو في يده والبائع غائب للشفيع أخذه على الأصح كما في الروضة وأصلها خلافا لما صححه المصنف في نكت التنبيه ويكتب القاضي في السجل أنه أخذه بالتصادق ليكون الغائب على حجته
ولو قال المشتري اشتريته لغيري نظر إن كان المقر له حاضرا ووافق على ذلك انتقلت الخصومة إليه وإن أنكر أو كان غائبا أو مجهولا أخذ الشفيع الشقص بلا ثمن لئلا يؤدي إلى سد باب الشفعة وإن كان طفلا معينا فإن كان عليه للمقر ولاية فكذلك وإلا انقطعت الخصومة عنه
هذا كله فيما إذا استحق الشفعة واحد أما لو استحقها جمع فحكمه ما ذكره المصنف بقوله ( ولو استحق ) بالملك ( الشفعة جمع ) من الشركاء ( أخذوا ) بها في الأظهر ( على قدر الحصص ) من الملك لأنه حق مستحق بالملك فقسط على قدره كالأجرة والثمرة فلو كانت الأرض بين ثلاثة لواحد نصفها ولآخر سدسها فباع الأول حصته أخذ الثاني سهمين والثالث سهما
( وفي قول ) أخذوا ( على ) قدر ( الرؤوس ) التي للشركاء فيقسم النصف في المثال المذكور بين الشريكين سواء لأن سبب الشفعة أصل الشركة
واختار هذا جمع من المتأخرين بل قال الإسنوي إن الأول خلاف مذهب الشافعي
ولو مات مالك أرض عن ابنين ثم مات أحدهما عن ابنين فباع أحدهما نصيبه ثبتت الشفعة للعم والأخ لاشتراكهما في الملك والنظر في الشفعة إلى ملك الشريك لا إلى سبب ملكه لأن الضرر المحوج إلى إثباتها لا يختلف
وكذا الحكم في كل شريكين ملكا بسبب وغيرهما من الشركاء ملك بسبب آخر فباع أحدهما نصيبه مثاله بينهما دار فباع أحدهما نصيبه أو وهبه لرجلين ثم باع أحدهما نصيبه فالشفعة بين الأول والثاني لما مر
وإن مات شخص عن بنتين وأختين وخلف دارا فباعت إحداهن نصيبها شفع الباقيات كلهن لا أختها فقط
( ولو باع أحد الشريكين ) في عقار مناصفة ( نصف حصته لرجل ) مثلا ( ثم ) قبل أخذ الشريك الأول بالشفعة والعفو عنها باع ( باقيها لآخر فالشفعة في النصف الأول للشريك القديم ) لأنه ليس معه في حال البيع شريك إلا البائع لا يأخذ بالشفعة ما باعه
( والأصح أنه إن عفا ) الشريك القديم ( عن النصف الأول ) بعد البيع الثاني ( شاركه المشتري الأول في النصف الثاني ) لأن ملكه قد سبق البيع الثاني واستقر بعفو الشريك القديم عنه فيستحق مشاركته
( وإلا ) بأن لم يعف الشريك القديم عن النصف الذي اشتراه بل أخذه منه ( فلا ) يشارك الأول القديم لزوال ملكه
والوجه الثاني يشاركه مطلقا لأنه الشريك حالة الشراء
والثالث لا يشاركه مطلقا لأن الشريك القديم تسلط على ملكه فكيف يزاحمه
تنبيه أشار المصنف ب ثم إلى أن صورة المسألة أن يقع البيعان على الترتيب فإن وقعا معا فمعلوم أن الشفعة فيهما معا للأول خاصة
وعلم بما تقرر من أن العفو بعد البيع الثاني أنه لو عفا قبله اشتركا فيه قطعا أو أخذ قبله انتفت
____________________
(2/305)
قطعا
( والأصح أنه لو عفا أحد شفيعين سقط حقه ) من الشفعة كسائر الحقوق المالية ( وتخير الآخر بين أخذ الجميع وتركه ) كالمنفرد ( وليس له الاقتصار على حصته ) لئلا تتبعض الصفقة على المشتري
والثاني يسقط حق العافي وغيره كالقصاص
وأجاب الأول بأن القصاص يستحيل تبعيضه وينتقل إلى بدله
تنبيه قوله وتخير الآخر إلخ في حيز الأصح كما تقرر فلو قال وأن الآخر يخير كان أصرح في إفادة الخلاف
وما ذكره في شفعة ثبتت لعدد ابتداء فلو كان لشقص شفيعان فمات كل عن ابنين ثم عفا أحدهم سقط حقه وانتقل للثلاثة فيأخذون الشقص أثلاثا
( و ) الأصح ( أن ) الشفيع ( الواحد إذا أسقط بعض حقه سقط كله ) كالقصاص
والثاني لا يسقط منه شيء كعفوه عن بعض حد القذف
والثالث يسقط ما أسقطه ويبقى الباقي لأنه حق مالي يقبل الانقسام
( ولو حضر أحد شفيعين ) وغاب الآخر ( فله ) أي الحاضر ( أخذ الجميع في الحال ) لا الاقتصار على حصته لئلا تتبعض الصفقة على المشتري لو لم يأخذ الغائب إذ يحتمل أنه زال ملكه بوقف أو غيره أو لا رغبة له في الأخذ
فلو رضي المشتري بأن يأخذ الحاضر حصته فقط قال السبكي فالذي يتجه أن يكون كما لو أراد الشفيع الواحد أن يأخذ بعض حقه والأصح منعه
( فإذا ) أخذ الحاضر الجميع ثم ( حضر الغائب شاركه ) فيه لأن حقه ثابت فحضوره الآن كحضوره من قبل وما استوفاه الحاضر من المنافع والثمرة والأجرة لا يشاركه فيه الغائب كما أن الشفيع لا يشارك المشتري فيه
( والأصح أن له تأخير الأخذ إلى قدوم الغائب ) وإن كان الأخذ بالشفعة على الفور لعذره لأن له غرضا ظاهرا في أنه لا يأخذ ما يؤخذ منه ولأنه قد لا يقدر إلا على أخذ البعض الآن
والثاني لا لتمكنه من الأخذ
ولو استحق الشفعة ثلاثة كأن كانت دار لأربعة بالسواء فباع أحدهم نصيبه واستحقها الباقون فحضر أحدهم أخذ الكل أو ترك أو أخر لحضورهما كما مر
فإن أخذ الكل وحضر الثاني ناصفه بنصف الثمن كما لو لم يكن إلا شفيعان
وإذا حضر الثالث أخذ من كل ثلث ما في يده لأنه قدر حصته ولو أراد أخذ ثلث ما في يد أحدهما فقط جاز كما لو يجوز للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين فقط
واعلم أن للثاني أخذ الثلث من الأول لأنه لا يفوت الحق عليه إذ الحق ثبت لهم أثلاثا فإن حضر الثالث وأخذ نصف ما في يد الأول أو ثلث ما في يد كل من الأول والثاني وكان الثاني في الثانية قد أخذ من الأول النصف استووا في المأخوذ أو أخذ الثالث ثلث الثلث الذي في يد الثاني فله ضمه إلى ما في يد الأول ويقتسمانه بالسوية بينهما فتصح قسمة الشقص من ثمانية عشر فإنه يأخذ ثلث الثلث وهو واحد من تسعة يضمه إلى ستة منها فلا تصح على اثنين فتضرب اثنين في تسعة فللثاني منها اثنان في المضروب فيها بأربعة يبقى أربعة عشر بين الأول والثالث لكل منهما سبعة وإذا كان ربع الدار ثمانية عشر فجملتها اثنان وسبعون وإنما كان للثالث أخذ ثلث الثلث من الثاني لأنه يقول ما من جزء إلا ولي منه ثلثه
ولو استحق الشفعة حاضر وغائب فعفا الحاضر ثم مات الغائب فورثه الحاضر أخذ الكل بالشفعة وإن كان قد عفا أولا لأنه الآن يأخذ بحق الإرث
تنبيه إنما يضر تفريق الصفقة في شقص العقد الواحد فإن تعدد العقد بتعدد المشتري أو البائع لم يضر وقد أشار إلى الأول بقوله ( ولو اشتريا ) أي اثنان ( شقصا ) من واحد ( فللشفيع أخذ نصيبهما ونصيب أحدهما ) فقط إذ لا تفريق عليه
( ولو اشترى واحد من اثنين فله ) أي الشفيع ( أخذ حصة أحد البائعين في الأصح ) لتعدد الصفقة بتعدد البائع فصار كما لو ملكه بعقدين
والثاني لا لأن المشتري ملك الجميع فلا يفرق ملكه عليه
ولو باع شقصين
____________________
(2/306)
من دار صفقة جاز أخذ أحدهما ولو اتحد فيهما الشفيع لأنه لا يفضي إلى تبعيض الشيء الواحد
ولو اشترياه من اثنين جاز الشفيع أخذ ربعه أو نصفه أو ثلاثة أرباعه أو الجميع
ولو وكل أحد الثلاثة شريكه ببيع نصيبه فباع نصيبهما صفقة بالإذن في بيعه كذلك أو بدونه لم يفرقها الثالث بل يأخذ الجميع أو يتركه لأن الاعتبار بالعاقد لا بالمعقود عليه
ولو كانت دار بين اثنين فوكل أحدهما الآخر في بيع نصف نصيبه مطلقا أو مع نصيب صاحبه صفقة فباع كذلك فللموكل إفراد نصيب الوكيل بالأخذ بالشفعة بحق النصف الباقي له لأن الصفقة اشتملت على ما لا شفعة للموكل فيه وهو ملكه وعلى ما فيه شفعة وهو ملك الوكيل فأشبه من باع شقصا وثوبا بمائة
تنبيه قد سبق في البيع أن الصفقة تتعدد بتعدد البائع قطعا وبتعدد المشتري على الأصح وقد عكسوا هنا فقطعوا بتعددها بتعدد المشتري والخلاف في تعدد البائع والفرق يؤخذ من التعليل في ذلك
( والأظهر أن الشفعة ) بعد علم الشفيع بالبيع ( على الفور ) لأنها حق ثبت لدفع الضرر فكان على الفور كالرد بالعيب
والمراد بكونها على الفور هو طلبها وإن تأخر التمليك كما نبه عليه ابن الرفعة تبعا للعمراني
ومقابل الأظهر أقوال أحدها تمتد إلى ثلاثة أيام
وثانيها تمتد مدة تسع التأمل في مثل ذلك الشقص
وثالثها أنها على التأبيد ما لم يصرح بإسقاطها أو يعرض به كبعه لمن شئت
تنبيه استثنى بعضهم عشر صور لا يشترط فيها الفور وغالبها في كلام المصنف لكن لا بأس بجمعها الأولى لو شرط الخيار للبائع أو لهما فإنه لا يأخذ بالشفعة ما دام الخيار باقيا
الثانية له التأخير لانتظار إدراك الزرع وحصاده على الأصح
الثالثة إذا أخبر بالبيع على غير ما وقع من زيادة في الثمن فترك ثم تبين خلافه فحقه باق
الرابعة إذا كان أحد الشفيعين غائبا فللحاضر انتظاره وتأخير الأخذ إلى حضوره
الخامسة إذا اشترى بمؤجل
السادسة لو قال لم أعلم أن لي الشفعة وهو ممن يخفى عليه ذلك
السابعة لو قال العامي لم أعلم أن الشفعة على الفور فإن المذهب هنا وفي الرد بالعيب قبول قوله
الثامنة لو كان الشقص الذي يأخذ بسببه مغصوبا كما نص عليه البويطي فقال وإن كان في يد رجل شقص من دار فغصب على نصيبه ثم باع الآخر نصيبه ثم رجع إليه فله الشفعة ساعة رجوعه إليه نقله البلقيني
التاسعة الشفعة التي يأخذها الولي لليتيم ليست على الفور بل في حق الولي على التراخي قطعا حتى لو أخرها أو عفا عنها لم يسقط لأجل اليتيم صرح به الإمام وغيره
العاشرة لو بلغه الشراء بثمن مجهول فأخر ليعلم لا يبطل قاله القاضي حسين
وقد تقدمت هذ الصورة وأنها مخالفة لما في نكت التنبيه
( فإذا علم الشفيع ) واحدا كان أو أكثر ( بالبيع ) مثلا ( فليبادر ) عقب علمه بالشراء ( على العادة ) ولا يكلف البدار على خلافها بالعدو ونحوه بل يرجع فيه إلى العرف فما عده العرف تقصيرا وتوانيا كان مسقطا وما لا فلا
وسبق في الرد بالعيب كثير من ذلك وذكر هنا بعضه فلو جمعهما في موضع وأحال لآخر عليه لكان أولى لأن الحكم في البابين واحد
تنبيه محل المبادرة بالطلب عقب العلم إذا لم يثبت للشفيع خيار المجلس وهو الأصح كما مر
واحترز بالعلم عما إذا لم يعلم فإنه على شفعته ولو مضى سنون
ولا يكلف الإشهاد على الطلب إذا سار طالبه في الحال أو وكل في الطلب فلا تبطل الشفعة بتركه كما في الشرح والروضة خلافا لما صححه المصنف في تصحيح التنبيه
( فإن كان ) للشفيع عذر ككونه ( مريضا ) مرضا يمنع من المطالبة لا كصداع يسير أو محبوسا ظلما أو بدين وهو معسر وعاجز عن البينة ( أو غائبا عن بلد المشتري ) غيبة حائلة بينه وبين مباشرة الطلب كما جزم به السبكي في شرحه ( أو خائفا من عدو فليوكل ) في طلبها ( إن قدر ) على التوكيل فيه لأنه الممكن
ويعذر الغائب في تأخير الحضور للخوف من الطريق إذا لم يجد رفقة تتعمد والحر والبرد المفرطين
( وإلا ) بأن عجز عن التوكيل ( فليشهد على الطلب ) لها عدلين أو عدلا وامرأتين ولا يكفي واحد ليحلف معه قاله الروياني وغيره لأن بعض القضاة لا يحكم به فلم يستوثق لنفسه
لكن قياس ما قالوه في
____________________
(2/307)
الرد بالعيب الاكتفاء به وهو كما قال الزركشي الأقرب وبه جزم ابن كج في التجريد
( فإن ترك ) الشفيع ( المقدور عليه منهما ) أي التوكيل والإشهاد في محله وترتيبه ( بطل حقه في الأظهر ) لتقصيره في الأولى ولإشعار السكوت مع التمكن من الإشهاد بالرضا في الثانية
والثاني لا يبطل لأنه قد يلحقه في الأولى منه أو مؤنة وفي الثانية أن الإشهاد إنما هو لإثبات الطلب عند الحاجة
تنبيه مقتضى كلامه تعين التوكيل في الغيبة وليس مرادا ففي فتاوى البغوي أنه لو كان الشفيع غائبا فحضر عند قاضي بلد الغيبة وأثبت الشفعة وحكم له بها ولم يتوجه إلى بلد البيع أو الشفعة لا تبطل لأنها تقررت بحكم القاضي قال السبكي فثبت أن الغائب مخير بين التوكيل وبين الرفع إلى الحاكم وقياسه كذلك إذا كان الشفيع حاضرا والمشتري غائبا
ولو خرج بنفسه لم يكلف التوكيل كما صرح به الدارمي فهو مخير بين المبادرة بنفسه وبوكيله مع القدرة
ولا يختص التوكيل بحالة المرض ونحوها وإنما اقتصر المصنف وغيره على التوكيل عند العجز لأن التوكيل حينئذ يتعين طريقا لا لأنه يمتنع مع القدرة على الطلب بنفسه
وحيث ألزمناه الإشهاد فلم يقدر عليه لم يلزمه أن يقول تملكت الشقص كما مر أنه الأصح في الرد بالعيب
( فلو ) علم الحاضر بالبيع و ( كان في صلاة أو حمام أو طعام ) أو قضاء حاجة ( فله الإتمام ) ولا يكلف قطعها
ولا يلزمه الاقتصار في الصلاة على أقل ما يجزىء أي بل له أن يستوفي المستحب فإن زاد عليه فالذي يظهر أنه لا يكون عذرا
ولو حضر وقت الصلاة أو الطعام أو قضاء الحاجة جاز له أن يقدمها وأن يلبس ثوبه فإذا فرغ طالبه بالشفعة وإن كان في ليل فحتى يصبح
ولو لقي الشفيع المشتري في غير بلد الشقص فأخر الأخذ إلى العودة إلى بلد الشقص بطلت شفعته لاستغناء الأخذ عن الحضور عند الشقص
( ولو أخر ) الطلب لهما ( وقال لم أصدق المخبر ) ببيع الشريك الشقص ( لم يعذر ) جزما ( إن أخبره عدلان ) أو عدل وامرأتان بذلك لأنها شهادة مقبولة
( وكذا ) إن أخبره ( ثقة ) حر أو عبد أو امرأة ( في الأصح ) لأنه إخبار وإخبار الثقة مقبول
والثاني يعذر لأن البيع لا يثبت بالواحد
( ويعذر إن أخبره من لا يقبل خبره ) كفاسق وصبي لأنه معذور وهذا إذا لم يبلغ المخبرون للشفيع حد التواتر فإن بلغوا ولو صبيانا أو كفارا أو فساقا بطل حقه
ولو قال فيما إذا أخبره عدلان جهلت ثبوت عدالتهما وكان يجوز أن يخفى عليه ذلك قبل قوله لأن رواية المجهول لا تسمع قاله ابن الرفعة
ولو قال أخبرني رجلان وليسا عدلين عندي وهما عدلان لم تبطل شفعته لأن قوله محتمل
( ولو أخبر ) الشفيع ( بالبيع بألف فترك ) الشفعة ( فبان ) بأقل كأن بان ( بخمسمائة بقي حقه ) في الشفعة لأنه لم يتركه زهدا بل للغلاء فليس مقصرا ويبقى حقه أيضا لو كذب عليه في تعيين المشتري أو عدده أو قدر المبيع أو جنس الثمن أو نوعه أو حلوله أو قصر أجله فترك
( وإن بان بأكثر ) مما أخبر به أو أخبر ببيع جميعه بألف فبان أنه باع بعضه بألف ( بطل ) حقه لأنه إذا لم يرغب فيه بالأقل فبالأكثر أولى ويبطل أيضا لو أخبر ببيع الشقص بكذا مؤجلا فترك فبان حالا لأنه متمكن من التعجيل إن كان يقصده
( ولو لقي ) الشفيع ( المشتري فسلم عليه ) أو سأل عن الثمن ( أو قال ) له ( بارك الله ) لك ( في صفقتك لم يبطل ) حقه
أما في الأولى فلأن السلام سنة قبل الكلام وأما في الثانية فلأن جاهل الثمن لا بد له من معرفته وقد يريد العارف إقرار المشتري وأما في الثالثة فلأنه قد يدعو بالبركة ليأخذ صفقة مباركة وكذا لو جمع بين السلام والدعاء كما اقتضاه كلام المحاملي في التجريد
( وفي الدعاء وجه ) أنه يبطل به حق الشفعة لإشعاره بتقرير بيعه
وهذا الخلاف كما قال الإسنوي إذا زاد لفظة لك كما قدرته في كلامه
( ولو باع الشفيع حصته ) أو أخرجها عن ملكه بغير بيع كهبة
____________________
(2/308)
( جاهلا بالشفعة فالأصح بطلانها ) لزوال سببها وهو الشركة
والثاني لأنه كان شريكا عند البيع ولم يرض بسقوط حقه
تنبيه كلامه يعم جهله بالبيع وجهله بثبوت الشفعة أو بفوريتها مع علمه بالبيع وحكم ذلك حكم ما سبق في الرد بالعيب
واحترز بالجهل عن العلم فيبطل جزما هذا إذا باع جمع حصته فإن باع بعضها عالما فالأظهر أنها تبطل لأنه إنما استحقها بجميع نصيبه فإذا باع بعضه بطل بقدره وإذا بطل البعض بطل الكل كما لو عفا عن بعض الشقص المشفوع أو جاهلا فلا كما في زيادة الروضة لعذره مع بقاء الشركة
ولو زال البعض قهرا كأن مات الشفيع وعليه دين قبل الأخذ فبيع بعض حصته في دينه جبرا على الوارث وبقي باقيها له كان له الشفعة كما قاله ابن الرفعة لانتفاء تخيل العفو عنه خاتمة لا يصح الصلح عن الشفعة بحال كالرد بالعيب وتبطل شفعته إن علم بفساده فإن صالح عنها في الكل على أخذ البعض بطل الصلح لأن الشفعة لا تقابل بعوض وكذا الشفعة إن علم ببطلانه وإلا فلا كما جزم به في الأنوار
ولو باع حصته بشرط الخيار جاهلا ففسخ ثم علم فلا شفعة كما نقل عن المرشد وللمفلس الأخذ بالشفعة والعفو عنها
ولا يزاحم المشتري الغرماء بل يبقي ثمن ما اشتراه في ذمة الشفيع إلى أن يوسر وله الرجوع فيما اشتراه إن جهل فلسه وللعامل في القراض أخذها فإن لم يأخذها جاز للمالك أخذها فلو اشترى العامل بمال القراض شقصا من شريك المالك لم يشفع المالك لأن الشراء وقع له فلا يمكن الأخذ من نفسه لنفسه
فإن كان العامل شريك البائع في الشقص المبيع منه كان له الأخذ بالشفعة لنفسه ولو ظهر في المال ربح لأنه لا يملك منه شيئا بالظهور
وإن باع المالك شقصه الذي هو من مال القراض فلا شفعة للعامل لأنه ليس بشريك وإن ظهر ربح لذلك فللشفيع تكليف المشتري بقبض الشقص ليأخذه منه وله أيضا الأخذ من البائع كما صرح به المقري وعهدته على المشتري لانتقال الملك إليه منه
وعفو الشفيع قبل البيع وشرط الخيار وضمان العهدة على المشتري لا يسقط كل منها شفعته
وإن باع شريك الميت فلوارثه أن يشفع لا لولي الحمل لأنه لا يتيقن وجوده وإن وجبت الشفعة للميت وورثه الحمل أخرت لانفصاله فليس لوليه الأخذ له قبل انفصاله لذلك وللوارث الشفعة ولو استغرق الدين التركة
ولو باع الورثة في الدين بعض دار الميت لم يشفعوا وإن كانوا شركاء له فيها لأنهم إذا ملكوها كان المبيع جزءا من ملكهم فلا يأخذ ما خرج عن ملكه بما بقي منه وأما أخذ كل منهم نصيب الباقي بالشفعة فلا مانع منه
ولو توكل الشفيع في بيع الشقص لم تبطل شفعته في الأصح
كتاب القراض هو بكسر القاف لغة أهل الحجاز مشتق من القرض وهو القطع لأن المالك يقطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها وقطعة من الربح
أو من المقارضة وهي المساواة لتساويهما في الربح أو لأن المال من المالك والعمل من العامل
وأهل العراق يسمونه المضاربة لأن كلا منهما يضرب بسهم في الربح ولما فيه غالبا من السفر والسفر يسمى ضربا
وجمع المصنف بين اللغتين في قوله القراض والمضاربة
والأصل فيه الإجماع والقياس على المساقاة لأنها إنما جوزت للحاجة من حيث أن مالك النخيل قد لا يحسن تعهدها ولا يتفرغ له ومن يحسن العمل قد لا يملك ما يعمل فيه
وهذا المعنى موجود في القراض فكان الأولى تقديم المساقاة على خلاف ترتيب المصنف وهو كما قيل رخصة خارج عن قياس الإجارات كما خرجت المساقاة عن بيع ما لم يخلق والحوالة عن بيع الدين بالدين والعرايا عن المزابنة
واحتج له الماوردي بقوله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم وبأنه صلى الله عليه وسلم ضارب لخديجة بمالها إلى الشام وأنفذت معه عبدها ميسرة
وأما ( القراض والمضاربة ) والمقارضة شرعا فهو ( أن يدفع ) أي المالك
____________________
(2/309)
( إليه ) أي العامل ( مالا ليتجر ) أي العامل ( فيه والربح مشترك ) بينهم فخرج ب يدفع عدم صحة القراض على منفعة كسكنى الدار وعدم صحته على دين سواء أكان على العامل أم غيره وخرج بقوله والربح مشترك الوكيل والعبد المأذون
تنبيه قال السبكي قد يشاحج المصنف في قوله أن يدفع ويقال القراض العقد المقتضي للدفع لا نفس الدفع اه
وأركانه خمسة مال وعمل وربح وصبغة وعاقدان
ثم شرع في شرط الركن الأول فقال ( ويشترط لصحته كون المال ) فيه ( دراهم أو دنانير خالصة ) بالإجماع كما نقهل الجويني وقال في الروضة بإجماع الصحابة
( فلا يجوز على تبر ) وهو الذهب والفضة قبل ضربهما وقال الجوهري لا يقال تبر إلا للذهب
( و ) لا على ( حلي مغشوش ) من الدراهم والدنانير وإن راجعت وعلم قدرغشتها وجوزنا التعامل بها لأن الغش الذي فيها عرض
وخالف في ذلك السبكي فقال يقوى عندي أن أفتي بالجواز وأن أحكم به إن شاء الله تعالى
( و ) لا على ( عروض ) مثلية كانت أو متقومة ولو فلوسا لأن القراض عقد غرر إذ العمل فيه غير مضبوط والربح غير موثوق به وإنما جوز للحاجة فاختص بما يروج غالبا ويسهل التجارة به وهو الأثمان ويجوز أني كون دراهم ودنانير معا وعبارة المحرر ويكون نقدا وهو الدراهم والدنانير قال ابن الرفعة والأشبه صحة القراض على نقد أبطله السلطان
قال الأذرعي وفيه نظر إذ عز وجوده أو خيف عزته عند المفاصلة اه
وهذا هو الظاهر
( و ) لا بد أن يكون المال المذكور ( معلوما ) فلا يجوز على مجهول القدر دفعا لجهالة الربح بخلاف رأس مال السلم فإنه لم يوضع على الفسخ بخلافه
ولاعلى مجهول الصفة كما قاله ابن يونس ومثلها الجنس
قال السبكي ويصح القراض على غير المرئي لأنه توكيل
وأن يكون ( معينا ) فلا يجوز على ما في ذمته أو ذمة غيره كما في المحرر وغيره ولا على إحدى الصرتين لعدم التعيين ( وقيل يجوز على إحدى الصرتين ) المتساويتين في القدر والجنس والصفة فيتصرف العامل في أيتهما شاء فيتعين القراض لا بد أن يكون ما فيهما معلوما
نعم على الأول لو قارضه على دراهم أو دنانير غير معينة ثم عينها في المجلس صح كما صححه في الشرح الصغير واقتضاه كلام الروضة وأصلها كالصرف والسلم وقيل لا يصح وبه قطع البغوي و الخوارزمي وهو مقتضى كلام المصنف كأصله
تنبيه مقتضى كلامه عدم صحة القراض في إحدى الصرتين على الأول وإن عينت في المجلس وهو ظاهر لفساد الصيغة وإن اقتضى كلام بعض المتأخرين الصحة
ويستثنى من اشتراط التعيين ما لو خلط ألفين بألف لغيره ثم قال قارضتك على أحدهما وشاركتك في الآخر فإنه يجوز مع عدم تعيين ألف القراض وينفرد العامل بالتصرف في ألف القراض ويشتركان في التصرف في باقي المال ولا يخرج على الخلاف في جمع الصفقة الواحدة عقدين مختلفين لأنهما يرجعان إلى التوكيل في التصرف
ولو كان بين اثنين دراهم مشتركة فقال أحدهما للآخر قارضتك على نصيبي منها صح ولو قارض المودع أو غيره على الوديعة أو الغاصب على المغصوب صح وبرىء الغاصب بتسليم المغصوب لمن يعامل لأنه سلمه بإذن مالكه وزالت عنه يده لا بمجرد القراض
ولو قال شخص لآخر اقبض ديني من فلان فإذا قبضته فقد قارضتك عليه لم يصح لتعليقه ولو قال اعزل مالي الذي في ذمتك فعزله ولم يقبضه ثم قارضه عليه لم يصح لأنه لا يملك ما عزله بغير قبض
ولو اشترى له في ذمته وقع العقد للآمر لأنه اشترى له بإذنه والربح للآمر لفساد القراض وعليه للعامل أجرة مثله
( و ) أن يكون ( مسلما إلى العامل ) وليس المراد اشتراط تسليم المال إليه حال العقد أو في مجلسه وإنما المراد أن يستقل العامل باليدعليه والتصرف فيه ولهذا قال ( فلا يجوز ) ولا يصح الإتيان بما ينافي ذلك وهو ( شرط كون المال في يد المالك ) أو غيره ليوفي منه ثمن ما اشتراه العامل
ولا شرط مراجعته في
____________________
(2/310)
التصرف لأنه قد لا يجده عند الحاجة
( ولا ) شرط ( عمله ) أي المالك ( معه ) أي العامل لأن انقسام التصرف يفضي إلى انقسام اليد
تنبيه قضية كلامه كالمحرر أن هذا من محترز قوله مسلما إلى العامل وليس مرادا بل هو شرط آخر وهو استقلال العامل بالتصرف فكان الأولى أن يقول وأن يستقل بالتصرف فلا يجوز شرط عمله معه
ولو شرط كون المال تحت يد وكيله وأن يكون معه مشرف مطلع على عمله من غير توقف في التصرف على مراجعته لم يصح أخذا من التعديل السابق نبه عليه الإسنوي
( ويجوز شرط عمل غلام ) أي عبد ( المالك معه ) معينا له لا شريكا له في الرأي ( على الصحيح ) كشرط إعطاء بهيمة له ليحمل عليها
والثاني لا يجوز كشرط عمل السيد لأن يد عبده يده
وأجاب الأول بأن عبده وبهيمته مال فجعل عملهما تبعا للمالك بخلاف المالك وبخلاف عبده إذا جعله شريكا للرأي فيما مر ويشترط أن يكون العبد والبهيمة معلومين بالرؤية أو الوصف
وتعبير المصنف بغلامه يشمل أجيره الحر فالظاهر كما قال شيخنا أنه كعبده لأنه مالك لمنفعته
وقد ذكر الأذرعي مثله في المساقاة
وإنما جعلت الغلام في كلامه بمعنى العبد لأنه متفق عليه ولو شرط لعبده جزءا من الربح صح وإن لم يشرط عمله معه لرجوع ما شرط لعبده إليه
تنبيه سكوت المصنف عن بيان نوع ما يتجر فيه العامل مشعر بأنه لا يشترط ويحمل الإطلاق على العرف وهو الصحيح في الروضة وإن جزم الجرجاني باشتراطه
ثم شرع في الركن الثاني وهو العمل فقال ( ووظيفة العامل التجارة ) وهي الاسترباح بالبيع والشراء
فائدة الوظيفة بظاء مشالة ما يقدر عليه الإنسان في كل يوم ونحوه
( و ) كذا ( توابعها ) مما جرت العادة أن يتولاه بنفسه ( كنشر الثياب وطيها ) وزرعها وغير ذلك مما سيأتي
ومنه أن ما يلزم العامل فعله إذا استأجر عليه يستأجر عليه من ماله وما لا يلزمه إذا استأجر عليه يستأجر عليه من مال القراض
وخرج بالتجارة استخراج العامل الربح باحتراف كما يشير إليه قوله ( فلو قارضه ليشتري حنطة ) مثلا ( فيطحن ) ويعجن ( ويخبز ) ويبيع ذلك ( أو ) يشتري ( غزلا ) مثلا ( ينسجه ويبيعه ) والربح بينهما ( فسد القراض في الصورتين ) لأن القراض شرع رخصة للحاجة وهذه الأعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها فلم تشملها الرخصة والعامل فيها ليس متجرا بل محترفا فليست من وظيفة العامل
فلو اشترى الحنطة وطحنها من غير شرط لم ينفسخ القراض فيها في الأصح ثم إن طحن بغير الإذن فلا أجرة له ولو استأجر عليه لزمته الأجرة ويصير ضامنا وعليه غرم ما نقص بالطحن فإن باعه لم يكن الثمن مضمونا عليه لأنه لم يتعد فيه وإن ربح فالربح بينهما كما شرطا
ولو شرط أن يستأجر العامل من يفعل ذلك من مال القراض وحظ العامل التصرف فقط قال في المطلب يظهر الجواز
قال الأذرعي وفيه نظر لأن الربح لم ينشأ عن تصرف العامل وقد قال القاضي حسين لو قارضه على أن يشتري الحنطة ويخزنها مدة فإذا ارتفع سعرها باعها لم يصح لأن الربح ليس حاصلا من جهة التصرف وفي البحر نحوه
وهذا هو الظاهر بل لو قال على أن تشتري الحنطة وتبيعها في الحال فإنه لا يصح
ويشترط أن لا يضيق المالك على العامل في التصرف ( و ) حينئذ ( لا يجوز أن يشرط عليه شراء ) بالمد بخطه ( متاع معين ) كهذه الحنطة أو هذا الثوب ( أو ) شراء ( نوع يندر وجوده ) كالخيل البلق والياقوت الأحمر والخز الأدكن ( أو ) شرط عليه ( معاملة شخص ) بعينه كلا تبع إلا لزيد أو لا تشتر إلا منه لإخلاله بالمقصود لأن المتاع المعين قد لا يربح والنادر قد لا يجده والشخص المعين قد لا يعامله وقد لا يجد عنده ما يظن أن فيه ربحا
قال في الحاوي ويضر تعيين الحانوت دون السوق لأن السوق كالنوع العام والحانوت كالعرض المعين
تنبيه أفهم كلام المصنف أن النوع إذا لم يندر وجوده أنه يصح ولو كان ينقطع كالفواكه الرطبة وهو كذلك
____________________
(2/311)
لانتفاء التعيين
وكذا إن ندر وكان بمكان يوجد فيه غالبا قاله الماوردي و الروياني
ولو نهاه عن هذه الأمور صح لأنه يمكنه شراء هذه السلعة والشراء والبيع من غير زيد
ولو قارضه على أن يصارف مع الصيارفة فهل يتعينون عملا بالشرط فتفسد المصارفة مع غيرهم أولا لأن المقصود بذلك أن يكون تصرفه صرفا لا مع قوم بأعيانهم وجهان أوجههما الأول أن ذكر ذلك على وجه الاشتراط وإلا فالثاني ولا يشترط تعين ما يتصرف فيه بخلاف الوكالة والفرق أن للعامل حظا يحمله على بذل المجهود بخلاف الوكيل وعليه الإمتثال لما عينه إن عين كما في سائر التصرفات المستفادة بالإذن فالإذن في البز يتناول ما يلبس من المنسوج لا الأكسية ونحوها كالبسط عملا بالعرف لأن بائعها لا يسمى بزازا
( ولا يشترط بيان مدة القراض ) بخلاف المساقاة لأن مقصود القراض وهو الربح ليس له وقت معلوم بخلاف الثمرة ولأنهما قادران على فسخ القراض بخلاف المساقاة ولو قال قارضتك ما شهئت أو ما شئت جاز لأن ذلك شأن العقود الجائزة
ولا يصح إلا أن يعقد في الحال فإن علقه في شرط كأن قال إذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك أو علق تصرفه كأن قال قارضتك الآن ولا تتصرف حتى ينقضي الشهر لم يصح
أما في الأولى فكما في البيع ونحوه وأما في الثانية فكما لو قال بعتك هذا ولا تملكه إلا بعد شهر
ولو دفع إليه مالا وقال إذا مت فتصرف فيه بالبيع والشراء قراضا على أن لك نصف الربح لم يصح وليس له التصرف بعد موته لأنه تعليق ولأن القراض يبطل الموت لو صح
( فلو ذكر مدة ) كشهر لم يصح لإخلال التأقيت بمقصود القراض فقد لا يربح في المدة وإن عين مدة كشهر
( ومنعه التصرف ) أو البيع كما في المحرر ( بعدها فسد ) العقد لما مر
( وإن منعه الشراء ) فقط كأن قال لا تشتر ( بعدها ) ولك البيع ( فلا ) يفسد البيع ( في الأصح ) لحصول الاسترباح بالبيع الذي له فعله بعد الشهر
ويؤخذ من التمثيل بشهر كما في التنبيه أن تكون المدة كما قال الإمام يتأتى فيها الشراء لغرض الربح بخلاف نحو ساعة
تنبيه ظاهر عبارة المصنف كغيره أنه أقت القراض بمدة ومنعه الشراء بعدها وليس مرادا بل المراد أنه لم يذكر تأقيتا أصلا كقوله قارضتك ولا تتصرف بالشراء بعد شهر فإن القراض المؤقت لا يصح سواء أمنع المالك العامل التصرف أم البيع كما مر أم سكت أم الشراء كما قاله شيخنا في شرح منهجه ولو كانت المدة مجهولة كمدة إقامة العسكر قال الماوردي فيه وجهان اه
والظاهر منهما عدم الصحة
ثم شرع في الركن الثالث وهو الربح فقال ( ويشترط اختصاصهما بالربح ) فلا يجوز شرط شيء منه الثالث إلا عبد المالك كما مر أو عبد العامل فإن ما شرط له يضم إلى ما شرط لسيده
تنبيه جرى المصنف رحمه الله تعالى هنا على القاعدة من دخول الباء على المقصور خلاف تعبير المحرر والروضة كأصلها من دخولها على المقصور عليه حيث قالوا يشترط اختصاص الربح بهما
( واشتراكهما فيه ) ليأخذ المالك بملكه والعامل بعمله فلا يختص به أحدهما
تنبيه لا يغني الشرط الأول عن هذا خلافا لمن قال ذلك لأنه إذا انفرد به أحدهما صدق عليه اختصاصهما به إذا لم يشرط فيه شيء لثالث
( ولو قال قارضتك على أن كل الربح لك فقراض فاسد ) في الأصح نظرا للفظ
( وقيل قراض صحيح ) نظرا للمعنى
( وإن قال ) للمالك كله أي الربح ( لي فقراض فاسد ) في الأصح لما مر فيستحق العالم حينئذ على المالك في الأولى أجرة عمله دون الثانية وينفذ تصرفه فيهما كما سيأتي
( وقيل ) هو ( إبضاع ) أي توكيل بلا جعل لما مر أيضا والإبضاع بعث المال مع من يتجر فيه متبرعا
والبضاعة المال المبعوث
ويجري الخلاف فيما لو قال أبضعتك على أن نصف الربح لك أو كله لك هل هو قراض فاسد أو إبضاع ولو قال خذه وتصرف فيه والربح كله لك فقرض صحيح أو كله لي فإبضاع
وفارقت هذه المسألة المتقدمة بأن اللفظ فيها صريح في عقد آخر
ولو اقتصر
____________________
(2/312)
على قوله أبضعتك كان بمثابة قوله تصرف والربح كله لي فيكون إبضاعا كما هو مقتضى كلامهم قال في المطلب وكلام الفوراني وغيره يدل عليه
ولو دفع إليه دراهم وقال اتجر فيها لنفسك حمل على أنه قرض في أحد وجهين يظهر ترجيحه كما قاله بعض المتأخرين والوجه الآخر أنه هبة
ولو قال خذ المال قراضا بالنصف مثلا صح في أحد وجهين رجحه الإسنوي أخذا من كلام الرافعي فعلى هذا لو قال المالك أردت أن النصف لي فيكون فاسدا أو ادعى العامل العكس صدق العامل بيمينه لأن الظاهر معه قاله سليم
( و ) يشترط ( كونه ) أي الإشراك في الربح ( معلوما بالجزئية ) كالنصف أو الثلث
ثم شرع في محترز قوله معلوما بقوله ( فلو قال ) قارضتك ( على أن لك ) أو لي ( فيه شركة أو نصيبا ) أو جزءا أو شيئا من الربح أو على أن تخصني بدابة تشتريها من رأس المال أو تخصني بركوبها أو بربح أحد الألفين مثلا ولو كانا مخلوطين أو على أنك إن ربحت ألفا لك نصفه أو ألفين فلك ربعه ( فسد ) القراض في جميع ذلك للجهل بقدر الربح في الأربعة الأول وبعينه في الأخيرة ولأن الدابة في صورتها الثانية ربما تنقص بالاستعمال ويتعذر التصرف فيها ولأنه خصص العامل في التي تليها وفي صورتها الأولى بربح بعل المال
( أو ) أن الربح ( بيننا فالأصح الصحة ويكون نصفين ) كما لو قال هذه الدار بيني وبين فلان فإنها تجعل بينهما نصفين
والثاني لا يصح لاحتمال اللفظ لغير المناصفة فلا يكون الجزء معلوما كما لو قال بعتك بألف دراهم ودنانير
ولو قال قارضتك على أن الربح بيننا أثلاثا لم يصح كما في الأنوار للجهل بمن له الثلث ومن له الثلثان ولو قال قارضتك كقراض فلان وهما يعلمان القدر المشروط صح وإلا فلا ولو قال قارضتك ولك ربع سدس العشر صح وإن لم يعلما قدره عند العقد لسهولة معرفته كما لو باعه مرابحة وجهلا حال العقد حسابه
( ولو قال لي النصف ) مثلا وسكت عن جاب العامل ( فسد في الأصح ) لأن الربح فائدة المال فيكون للمالك إلا أن ينسب منه شيء إلى العامل ولم ينسب إليه شيء
والثاني يصح ويكون النصف الآخر للعامل
( وإن قال لك النصف ) مثلا وسكت عن جانبه ( صح على الصحيح ) لأن الذي سكت عنه يكون للمالك بحكم الأصل فكان كقوله لك النصف ولي النصف بخلاف الصورة السابقة
والثاني لا يصح كالتي قبلها
ثم شرع في محترز قوله بالجزئية فقال ( ولو شرط لأحدهما ) مالك أو عامل ( عشرة ) بفتح العين والشين بالنصب من الربح والباقي للآخر أو بينهما كما صرح به في المحرر ( أو ) شرط لأحدهما ( ربح صنف ) من مال القراض أو شرط له النصف ودينارا مثلا أو إلا دينارا ( فسد ) القراض لانتفاء العلم بالجزئية ولأن الربح قد ينحصر فيما قدره أو في ذلك النصف فيؤدي إلى اختصاص أحدهما بالربح وهو خلاف وضع القراض
ولو قال قارضتك ولم يتعرض للربح فسد القراض لأنه خلاف وضعه
ثم شرع في الركن الرابع وهو الصيغة مترجما له بفصل فقال فصل يشترط لصحة القراض صيغة وهي ( إيجاب ) ك قارضتك أو ضاربتك أو عاملتك أو بع واشتر على أن الربح بيننا نصفين فلو قال اشتر ولم يذكر البيع لم يصح في الأصح
( وقبول ) متصل بالإيجاب بالطريق المعتبر في البيع ولو في قوله خذه واتجر فيه أو اعمل فيه لأنه عقد معاوضة يختص بمعين كالبيع
تنبيه تسمح المصنف في إطلاق الشرط على الصيغة فإنها ركن كما مر وعبارة المحرر لا بد في القراض من الإيجاب والقبول هي أظهر في المراد من عبارة المتن لدلالة كلمة في على دخولهما في ماهية القراض
وتقدم له مثل ذلك في البيع وقدمنا هناك أن مراده بالشرط ما لا بد منه وعلى هذا فهو مساو لعبارة المحرر
وقيل يكفي القبول بالفعل كما في الوكالة والجعالة إن كانت صيغة الإيجاب لفظ أمر ك خذ فيكفي أخذ الدراهم مثلا فلو كانت لفظ عقد كقارضتك فلا بد في القبول
____________________
(2/313)
من اللفظ كما يقتضيه كلام المحرر والروضة وأصلها والأصح المنع مطلقا لما مر أنه عقد معاوضة إلخ فلا يشبه الوكالة لأنها مجرد إذن ولا الجعالة لأنها لا تختص بعين
ثم شرع في الركن الخامس وهو العاقدان ذاكرا لشرطهما فقال ( وشرطهما ) أي المالك والعامل ( كوكيل وموكل ) في شرطهما لأن القراض توكيل وتوكل بعوض فيشترط أهلية التوكيل في المالك وأهلية التوكل في العامل فلا يكون واحد منهما سفيها ولا صبيا ولا مجنونا ولا رقيقا بغير إذن سيده
ولولي المحجور عليه من صبي ومجنون وسفيه أن يقارض من يجوز إيداعه المال المدفوع إليه سواء أكان الولي أبا أم جدا أم وصيا أم حاكما أم أمينه نعم إن تضمن العقد الإذن في السفر اتجه كما في المطلب كونه كإرادة الولي السفر بنفسه
وأما المحجور عليه بالفلس فلا يصح أن يقارض ويصح أن يكون عاملا ويصح القراض من المريض ولا يحسب ما زاد على أجرة المثل من الثلث لأن المحسوب منه ما يفوته من ماله والربح ليس بحاصل حتى يفوته وإنما هو شيء يتوقع حصوله وإذا حصل حصل بتصرف العامل بخلاف مساقاته فإنه يحسب فيها ذلك من الثلث لأن الثمار فيها من عين المال بخلافه
( ولو قارض العامل ) شخصا ( آخر بإذن المالك ليشاركه ) ذلك الآخر ( في العمل والربح لم يجز في الأصح ) لأن القراض على خلاف القياس وموضوعه أن يكون أحد العاقدين مالكا لا عمل له والآخر عاملا ولو متعددا لا ملك له وهذا يدور بين عاملين فلا يصح
والثاني يجوز كما يجوز للمالك أن يقارض شخصين في الإبتداء وقواه السبكي وقال في شرح التعجيز إنه الذي قطع به الجمهور ورد بما مر
تنبيه احترز بقوله ليشاركه في العمل عن إذنه له في ذلك لينسلخ هو من القراض ويكون فيه وكيلا عن المالك والعامل هو الثاني فإنه يصح جزما كما لو قارضه المالك بنفسه
ومحله كما قال ابن الرفعة إذا كان المال مما يجوز عليه القراض فلو دفع ذلك بعد تصرفه وصيرورته عرضا لم يجز
قال الماوردي ولا يجوز عند عدم التعيين أن يقارض إلا أمينا والأشبه في المطلب أنه ينعزل بمجرد الإذن له في ذلك إن ابتدأه المالك به لا إن أجاب به سؤاله فيه
( وبغير إذنه فاسد ) مطلقا سواء أقصد المشاركة في عمل وربح أم ربح فقط أم قصد الإنسلاخ لأن المالك لم يأذن فيه ولم يأتمن على المال غيره كما لو أراد الوصي أن ينزل وصيا منزلته في حياته يقيمه في كل ما هو منوط به فإنه لا يجوز كما قاله الإمام
قال السبكي ولو أراد ناظر وقف شرط له النظر إقامة غيره مقامه وإخراج نفسه من ذلك كان كما مر في الوصي
قال وقد وقعت هذه المسألة في الفتاوى ولم أتردد في أن ذلك ممنوع
( فإن تصرف ) العامل ( للثاني ) بغير إذن المالك ( فتصرف غاصب ) تصرفه فيضمن ما تصرف فيه لأن الإذن صدر ممن ليس بمالك ولا وكيل
( فإن اشترى في الذمة ) وسلم ما أخذه من مال القراض فيما اشتراه وربح ( وقلنا بالجديد ) وهو أن الربح كله للغاصب ( فالربح ) هنا جميعه ( للعامل الأول في الأصح ) لأن الشراء صحيح والتسليم فاسد فيضمن الثمن الذي سلمه ويسلم له الربح سواء أعلم بالحال أم لا كما صرح به سليم الرازي
وقوله ( وعليه للثاني أجرته ) من زيادته من غير تمييز لأنه لم يعمل مجانا
فإن قلنا بالقديم وهو أن الربح للمالك إذ لو جعلناه للغاصب لاتخذه الناس ذريعة إلى الغصب فالأصح عليه من خلاف منتشر أن الربح نصفه للمالك ونصفه بين العاملين سواء
( وقيل هو ) أي الربح في المسألة المذكورة ( للثاني ) من العاملين واختاره السبكي لأنه لم يتصرف بإذن المالك فأشبه الغاصب
تنبيه هذا الجديد الذي ذكره لم يتقدم له ذكر في الكتاب فلا تحسن الإحالة عليه وقد صرح في المحرر هنا بمسألة الغاصب وذكر القولين فيها ثم فرع على الجديد مسألة الكتاب وهو حسن فأسقط المصنف مسألة الغاصب وهي أصل لما ذكره فاختل
وإنما أحال عليه في الروضة مع عدم ذكره له هنا لتقدم ذكره له في البيع والغصب
____________________
(2/314)
وسكت المصنف عن التفريع على القديم
( وإن اشترى ) هذا الثاني ( بعين مال القراض فباطل ) شراؤه على الجديد القائل ببطلان شراء الفضولي وأما القديم المقابل له فقائل بالوقف
هذا كله إن بقي المال فإن تلف في يد العامل الثاني وعلم بالحال فغاصب فقرار الضمان عليه وإن جهل فعلى العامل الأول
( ويجوز أن يقارض ) في الإبتداء المالك ( الواحد اثنين ) كزيد وعمرو ( متفاضلا ومتساويا ) فيما شرط لهما من الربح فيشترط لزيد ثلث الربح ولعمرو سدسه أو يشرط لهما بالسوية بينهما لأن عقد الواحد مع اثنين كعقدين وعند التفاضل لا بد أن يعين مستحق الأكثر كما مثلنا
هذا إذا أثبت لكل منهما الاستقلال فإن شرط على كل واحد مراجعة الآخر قال الإمام لم يجز قال الرافعي ولم أر أن الأصحاب يساعدونه عليه قال في المهمات والأمر كذلك وقال البلقيني ما قاله الإمام الأصحاب يساعدونه عليه فالوجه القطع به فإن من شرط القراض الاستقلال بالتصرف وهنا ليس كذلك اه
وهذا هو الظاهر
( و ) يجوز أيضا أن يقارض ( الإثنان ) عاملا ( واحدا ) لأن ذلك كعقد واحد ثم إن تساويا فيما شرط فذاك وإن تفاوتا كأن شرط أحدهما النصف والآخر الربع فإن أيهما لم يجز أو عينا جاز إن علم بقدر ما لكل منهما
( و ) يكون ( الربح بعد نصيب العامل بينهما ) أي المالكين ( بحسب المال ) فإن كان مال أحدهما ألفين والآخر ألفا وشرط للعامل نصف الربح اقتسما نصفه الآخر بينهما أثلاثا على نسبة ماليهما فإن شرطا غير ما تقتضيه النسبة فسد العقد لما فيه من شرط الربح لمن ليس بمالك ولا عامل
( وإذا فسد القراض نفذ تصرف العامل ) للإذن فيه كما في الوكالة الفاسدة وليس كما لو فسد البيع لا ينفذ تصرف المشتري لأنه إنما يتصرف بالملك ولا ملك في البيع الفاسد
هذا إذا قارضه المالك بماله أما إذا قارضه بمال غيره بوكالة أو ولاية فلا كما قاله الأذرعي
( والربح ) كله حين الفساد ( للمالك ) لأنه نماء ملكه وعليه الخسران أيضا
( وعليه للعامل أجرة مثل عمله ) وإن لم يكن ربح لأنه عمل طامعا في المسمى فإذا فات وجب رد عمله عليه وهو متعذر فتجب قيمته وهي الأجرة وقيل لا يستحق أجرة عند عدم الربح وهو القياس لأن القراض الصحيح لا يستحق فيه شيئا عند عدم الربح
تنبيه ظاهر كلامهم أنه يستحق الأجرة سواء أعلم بالفساد أم لا
قال السبكي ولعل سببه أنه أذن أن يعمل بعوض فلا يحبط عمله
( إلا إذا قال ) المالك ( قارضتك وجميع الربح لي ) وقبل العامل ( فلا شيء له في الأصح ) لأنه عمل مجانا غير طامع في شيء
والثاني له أجرة المثل كسائر أسباب الفساد وصححه ابن الرفعة
( ويتصرف العامل محتاطا ) في تصرفه كالوكيل وحينئذ يجب عليه أن يحبس المبيع حتى يقبض الثمن الحال
و ( لا ) يتصرف ( بغبن ) فاحش في بيع أو شراء ( ولا نسيئة ) في ذلك ( بلا إذن ) من المالك في الغبن والنسيئة لأنه في الغبن يضر بالمالك وفي النسيئة ربما هلك رأس المال فتبقى العهدة متعلقة بالمالك فيتضرر أيضا فإن أذن جاز ويجب الإشهاد في البيع نسيئة
وقياس ما مر في الوكالة بأداء الدين ونحوه الإكتفاء بشاهد واحد وبمستور قاله الإسنوي فإن ترك الإشهاد ضمن
قال الأذرعي ويجب أن يكون البيع من ثقة مليء كما مر في بيع المحجور
وفي الثمن الحال لا يلزمه الإشهاد لعدم جريان العادة به في البيع الحال ويحبس المبيع إلى قبض الثمن كما مر
فإن سلم المبيع قبل قبض الثمن ضمن إلا أن يأذن له الملك في ذلك فلا يضمن للإذن
قال الماوردي ولا يجوز عند الإذن بالنسيئة أن يشتري أو يبيع سلما لأن عقد السلم أكثر غررا نعم إن أذن له في الشراء سلما جاز أو في البيع سلما لم يجز بينهما بوجود الحظ غالبا في الشراء دون البيع والأوجه كما قال شيخنا جوازه في صورة البيع أيضا لوجود الرضا من الجانبين
وليس له أن
____________________
(2/315)
يشتري شيئا بثمن مثله وهو لا يرجو حصول ربح فيه لأن الإذن لا يقتضيه قاله الماوردي ولا يشتري بغير جنس رأس المال
قال الماوردي ولو شرط على العامل البيع المؤجل دون الحال فسد العقد
( وله البيع بعرض ) لأن الغرض الربح وقد يكون فيه بخلاف الوكيل
وأما البيع بغير نقد البلد فلا يجوز كما صرح به جمع منهم الروياني و المحاملي وفرق السبكي بأن نقد غير البلد لا يروج فيها فيتعطل الربح بخلاف العرض
وله شراء المعيب ولو بقيمته معيبا عند المصلحة وليس له ولا للمالك رده بالعيب
( وله ) أي العامل عند الجهل ( الرد بعيب تقتضيه ) أي الرد ( مصلحة ) وإن رضي المالك لأن للعامل حقا في المال فلا يمنع منه رضا المالك بخلاف الوكيل لأنه لا حق له في المال
تنبيه اعترض تعبير المصنف بأن جملة تقتضيه مصلحة لا تصح كونها صفة للرد لأنه معرفة والجملة في معنى النكرة ولا كونها حالا من الرد لأنه مبتدأ ولا يجيء الحال منه عند الجمهور ولا حالا من الضمير العائد على الرد المستتر في الجار والمجرور الواقع خبرا لتقدمه على المبتدأ ولا يتحمل حينئذ ضميرا عند سيبويه
أجيب إما بجعل لام الرد للجنس فيكون في معنى النكرة فيصح وصفه بجملة تقتضيه فهو كقوله تعالى وآية لهم الليل نسلخ منه النهار وإما بجعل الجملة صفة عيب والتقدير بعيب يقتضي الرد به مصلحة حينئذ فلم توصل النكرة إلا بنكرة
وإما بصحة مجيء الحال من المبتدأ كما صرح به ابن مالك في كتاب له يسمى سبك المنظوم تبعا لسيبويه
وإما بجعل الرد فاعلا بالظرف وإن لم يعتمد كما ذهب إليه الأخفش وغيره وإن منعه سيبويه وحينئذ يصح مجيء الحال منه والشارح اقتصر على الجواب الأول
( فإن اقتضت ) المصلحة ( الإمساك ) للمعيب ( فلا ) يرده العامل ( في الأصح ) لإخلاله بمقصود العقد
والثاني له الرد كالوكيل
وأجاب الأول بأن الوكيل ليس له شراء المعيب بخلاف العامل إذا رأى فيه ربحا كما مر فلا يرد ما فيه مصلحة بخلاف الوكيل فإن استوى الرد والإمساك كان له الرد قطعا كما قاله في البسيط ويجب على العامل مراعاة المصلحة في الرد والإمساك
وتعبير المصنف بالمصلحة أولى من تعبير الروضة بالغبطة وهي الزيادة على القيمة زيادة لها بال ولا يشترط ذلك
( وللمالك الرد ) لما اشتراه العامل معيبا حيث جاز للعامل الرد وأولى لأنه مالك الأصل
( فإن اختلفا ) أي المالك والعامل في الرد والإمساك ( عمل بالمصلحة ) في ذلك لأن كلا منهما له حق
قال في الاستقصاء ويتولى الحاكم ذلك
فإن استوى الأمران قال في المطلب يرجع إلى العامل إن جوزنا له شراء المعيب بقيمته أي وهو الأصح كما مر إن رأى فيه مصلحة
تنبيه حيث ينقلب العقد للوكيل فيما مر في الوكالة ينقلب للعامل هنا
( ولا يعامل ) العامل ( المالك ) بمال القراض لأنه يؤدي إلى بيع ماله بماله ولا فرق في ذلك بين أن يظهر في المال ربح أو لا فإن عامله بغيره صح
ولو كان له عاملان كل واحد منهما منفرد بمال فهل لأحدهما الشراء من الآخر فيه وجهان في العدة والبيان أصحهما لا
( ولا يشتري للقراض بأكثر من رأس المال ) وربحه لأن المالك لم يرض بأن يشغل العامل ذمته إلا بذلك فإن فعل لم يقع الزائد لجهة القراض
فلو كان رأس المال وحده أو مع ربحه مائة فاشترى عبدا بمائة ثم اشترى آخر بعين المائة فالثاني باطل سواء اشترى الأول بالعين أم في الذمة لأنه إن اشتراه بالعين فقط صارت ملكا للبائع بالعقد الأول فإن اشترى في الذمة فقد صارت مستحقة الصرف لعقد الأول وإن اشترى الثاني في الذمة وقع للعامل حيث يقع للوكيل إذا خالف
( ولا ) يشتري ( من يعتق على المالك ) لكونه أصله أو فرعه أو كان أقر بحريته أو كان أمة مستولدة له وبيعت لكونها مرهونة
هذا إذا كان ( بغير إذنه ) في ذلك لأن مقصود العقد تحصيل الربح وهذا خسران كله بخلاف الوكيل في شراء عبد غير معين فإنه يصح أن يشتري بللموكل من لا يعتق عليه ويعتق عن الموكل لقرينة قصد
____________________
(2/316)
الربح هنا
أما بإذنه فيصح ويعتق على المالك إن لم يكن في المال ربح ويكون الباقي هو رأس المال إن بقي شيء وإلا ارتفع القراض وكذا إن كان فيه ربح ويغرم المالك نصيب العامل من الربح ولو أعتق المالك عبدا من مال القراض كان الحكم فيه كذلك
تنبيه قوله بغير إذنه قال الأذرعي الظاهر أنه مقصور على الثانية وهو شراء من يعتق عليه ويحتمل عوده إلى التي قبلها أيضا ولم أره نصا اه
وهذا هو الظاهر
وسكت المصنف عما لو اشترى العامل من يعتق عليه وحكمه أنه إن اشتراه بالعين صح ولا عتق وإن اشتراه في الذمة للقراض فحيث صححنا الشراء بعين مال القراض أوقعناه عن القراض وحيث لم يصح هناك أوقعناه عن العامل وعتق عليه وظاهر أنه لو اشترى زوجته للقراض صح أيضا وأنه لا ينفسخ نكاحه
وليس للمالك ولا للعامل أن ينفرد بكتابة عبد القراض كما في الجواهر فإن كاتباه صح والنجوم قراض فإن عتق وثم ربح شارك العامل المالك في الولاء بقدر ماله من الربح
( وكذا زوجه ) من ذكر أو أنثى ولا يشتريه بغير إذنه ( في الأصح ) للضرر بالمالك بسبب انفساخ نكاحه
والثاني يجوز إذ قد يكون مربحا وأما الضرر في حقه فمن جهة أخرى بخلاف شراء القريب لفواته بالكلية
تنبيه قول المصنف رحمه الله زوجه أولى من قول المحرر زوجته بالتاء قبل الهاء لما مر
( ولو فعل ) العامل ما منع منه من الشراء بأكثر من رأس المال وشراء من يعتق عليه وشراء زوج المالك ( لم يقع ) ذلك الشراء في الصورة المذكورة ( للمالك ) لئلا يتضرر بذلك ( ويقع ) الشراء ( للعامل إن اشترى في الذمة ) لما سبق في الوكالة
هذا إن لم يصرح بالسفارة للقراض فإن صرح بها لزمه الثمن من ماله فإن أداه من مال القراض ضمنه وإن اشترى بعين مال القراض لم يصح وكذا إن اشترى في الذمة بشرط أن ينقد الثمن من مال القراض قاله الروياني
( ولا يسافر بالمال ) ولو كان السفر قريبا والطريق آمنا ولا مؤنة في السفر ( بلا إذن ) من المالك لأن السفر مظنة الخطر
نعم لو قارضه بمحل لا يصلح للإقامة كالمفازة فالظاهر كما قاله الأذرعي أنه يجوز له السفر به إلى مقصده المعلوم لهما
ثم ليس له بعد ذلك أن يحدث سفرا إلى غير محل إقامته فإن أذن له جاز بحسب الإذن وإن أطلق الإذن سافر لما جرت به العادة من البلاد المأمونة فإن سافر بغير إذن أو خالف فيما أذن له فيه ضمن ولو عاد من السفر
ثم إن كان المتاع بالبلد الذي سافر إليه أكثر قيمة أو تساوت القيمتان صح البيع واستحق نصيبه من الربح وإن كان متعديا بالسفر ويضمن الثمن الذي باع به مال القراض في سفره وإن عاد الثمن من السفر لأن سبب الضمان وهو السفر لا يزول بالعود وإن كان أقل قيمة لم يصح البيع إلا أن يكون النقص قدرا يتغابن به
ولا يسافر في البحر إلا أن نص له عليه فلا يكفي فيه الإذن في السفر لخطره نعم إن عين له بلدا ولا طريق له إلا البحر كساكن الجزائر التي يحيط بها البحر كان له أن يسافر فيه وإن لم ينص له عليه والإذن محمول عليه قاله الأذرعي وغيره
والمراد بالبحر الملح كما قاله الإسنوي
قال الأذرعي وهل يلحق به الأنهار العظيمة كالنيل والفرات لم أر فيه نصا اه
والأحسن أن يقال إن زاد خطرها على خطر البر لم يجز إلا أن ينص له عليه كما قاله ابن شهبة
( و ) لا يتصدق من مال القراض ولو بكسرة لأن العقد لم يتناوله
( ولا ينفق منه على نفسه حضرا ) جزما ( وكذا سفرا في الأظهر ) كما في الحضر لأن له نصيبا من الربح فلا يستحق شيئا آخر ولأن النفقة قد تكون قدر الربح فيؤدي إلى انفراده به وقد تكون أكثر فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال وهو ينافي مقتضاه فلو شرط له النفقة في العقد فسد
والثاني ينفق منه بالمعروف ما يزيد بسبب السفر كالإداوة والخف والسفرة والكراء لأنه حبسه عن الكسب والسفر لأجل القراض فأشبه حبس الزوجة بخلاف الحضر ويحسب هذا من الربح فإن لم يكن فهو خسران لحق المال وما يأخذه الرصدي والخفير يحسب من مال القراض وكذا المأخوذ ظلما كأخذ المكسة كما قاله الماوردي
( وعليه ) أي العامل ( فعل ما يعتاد ) فعله من أمثال من عمال القراض بحسب العرف ( كطي الثوب ) ونشره وسبقا في قول
____________________
(2/317)
المتن ووظيفة العامل التجارة إلخ
( و ) عليه أيضا ذرع الثوب وإدراجه في الصندوق و ( وزن الخفيف كذهب ) وفضة ( ومسك ) لاقتضاء العرف ذلك ( لا الأمتعة الثقيلة ) فليس عليه وزنها ( و ) لا ( نحوه ) بالرفع بخطه أي ليس عليه نحو وزنها كحملها ونقلها من الخان مثلا للسوق وعكسه لجريان العرف بالاستئجار لذلك
( وما لا يلزمه ) كأجرة كيل وحفظ ( له الاستئجار عليه ) من مال القراض لأنه من تتمة التجارة ومصالحها ولو فعله بنفسه لم يستحق أجرة
وما يلزمه فعله لو اكترى عليه من فعله فالأجرة في ماله لا في مال القراض فلو شرط على المالك الاستئجار عليه من مال القراض حكى الماوردي فيه وجهين والظاهر منهما عدم الصحة
( والأظهر ) عند الأكثرين كما في المحرر ( أن العامل يملك حصته من الربح ) الحاصل بعمله ( بالقسمة ) للمال ( لا بالظهور ) للربح إذ لو ملك به لكان شريكا في المال حتى لو هلك منه شيء هلك من المالين وليس كذلك بل الربح وقاية لرأس المال
والثاني يملك بالظهور قياسا على المساقاة
وفرق الأول بأن الربح وقاية لرأس المال بخلاف نصيب العامل من الثمار لا يجبر به نقص النخل وعلى الأول له فيه قبل القسمة حق مؤكد يورث عنه ويقدم به على الغرماء لتعلقه بالعين ويصح إعراضه عنه ويغرمه له المالك بإتلافه المال أو استرداده
تنبيه لا يستقر ملك العامل بالقسمة بل إنما يستقر بتنضيض رأس المال وفسخ العقد لبقاء العقد قبل الفسخ مع عدم تنضيض المال حتى لو حصل بعد القسمة نقص جبر بالربح المقسوم أو تنضيض المال والفسخ بلا قسمة المال لارتفاع العقد والوثوق بحصول رأس المال أو تنضيض رأس المال فقط واقتسام الباقي مع أخذ المالك رأس المال
وكالأخذ الفسخ كما عبر به ابن المقري
( وثمار الشجر والنتاج ) لأمة أو بهيمة ( وكسب الرقيق ) من صيد واحتطاب وقبول وصية وهبة ( والمهر ) وأجرة الأراضي والدواب ( الحاصلة ) كل منهما ( من مال القراض ) المشترى به شجر ورقيق وأرض وحيوان للتجارة إذا حصل في مدة التربص لبيع كل من الأمور المذكورة ( يفوز بها المالك ) في الأصح لأنها ليست من فوائد التجارة
أما لو اشترى حيوانا حاملا فيظهر كما قال الإسنوي تخريجه على نظيره من الفلس والرد بالعيب وغيرهما
( وقيل مال قراض ) لأن حصول هذه الفوائد بسبب شراء العامل الأصل
تنبيه إطلاقه المهر أحسن من تقييد الروضة بوطء الشبهة إذ التقييد به ليس مرادا كما قاله الأذرعي بل يجري في الوطء بالزنا مكرهة أو مطاوعة وهي ممن لا يعتبر مطاوعتها أو بالنكاح
ويحرم على كل من المالك والعامل وطء جارية القراض سواء أكان في المال ربح أم لا إذ لا يتحقق انتفاء الربح في المتقومات إلا بالتنضيض
فإن قيل هذه العلة تنافي ما سيأتي من أن العامل لو وطىء ولا ربح أنه يحد إن كان عالما فإنها تقتضي عدم الحد
أجيب بأن المقتضي لعدم الحد عند ظهور الربح إنما هو شبهة الملك وهي منتفية لانتفاء ظهور الربح ويحرم على كل منهما تزويجها لأنه ينقصها فيضر بالآخر وليس وطء المالك فسخا للقراض ولا موجبا مهرا ولا حدا واستيلاده كإعتاقه فينفذ ويغرم للعامل حصته من الربح فإن وطئها العامل عالما بالتحريم ولا ربح حد لعدم الشبهة وإلا فلا حد للشبهة ويثبت عليه المهر ويجعل في مال القراض كما قاله الشيخان
فإن قيل هذا إنما يأتي على طريقة الإمام لا على طريقة الجمهور من أن مهر الإمام يختص به المالك كما مر
أجيب بأن وطء العامل كالتصرف في مال القراض فالمهر كالربح بخلاف وطء الأجنبي
( والنقص الحاصل ) في مال القراض ( بالرخص ) أو العيب أو المرض الحادثين ( محسوب من الربح ما أمكن ) الحساب منه ( ومجبور ) ذلك النقص ( به ) أي الربح لاقتضاء العرف ذلك
____________________
(2/318)
تنبيه لو حذف المصنف قوله بالرخص لكان أولى ليشمل ما قدرته
( وكذا لو تلف بعضه ) أي مال القراض ( بآفة ) سماوية كحرق وغرق ( أو غصب أو سرقة ) وتعذر أخذه أو أخذ بدله ( بعد تصرف العامل ) فيه بالبيع أو الشراء محسوب من الربح ( في الأصح ) قياسا على ما مر
والثاني لا لأنه نقص لا تعلق له بتصرف العامل وتجارته بخلاف الحاصل بالرخص وليس ناشئا من نفس المال بخلاف المرض والعيب
( وإن تلف ) بما ذكر ( قبل تصرفه ) فيه ببيع أو شراء ( فمن ) أي فيحسب ما تلف من ( رأس المال ) لا من الربح ( في الأصح ) لأن العقد لم يتأكد بالعمل
والثاني من الربح لأنه بقبض العامل صار مال قراض
تنبيه احترز بقوله لو تلف بعضه عن تلف كله فإن القراض يرتفع سواء أتلف بآفة سماوية أم بإتلاف المالك أم العامل أم أجنبي لكن يستقر نصيب العامل من الربح في الثانية كما مر ويبقى القراض في البدل إن أخذه في الرابعة والخصم في البدل المالك إن لم يكن في المال ربح والمالك والعامل إن كان فيه ربح
وبحث الشيخان في الثالثة بعد نقلهما فيها ما ذكر عن الإمام أن العامل كالأجنبي وبه صرح المتولي واختاره السبكي لكن القاضي قال بما قال به الإمام وهو المعتمد والفرق بينه وبين الأجنبي أن له الفسخ فجعل إتلافه فسخا كالمالك بخلاف الأجنبي
فإن قيل هذا منقوض بأن للمشتري في زمن الخيار فسخ البيع ومع ذلك ليس إتلافه فسخا
أجيب بأن وضع البيع على اللزوم فلم يكن إتلاف المبيع فسخا بخلاف القراض
ولو قتل عبد القراض وقدره في المال ربح فالقصاص مشترك بينهما فليس لأحدهما الإنفراد به فإن عفا العامل عن القصاص سقط ووجبت القيمة كما لو عفا المالك
أجيب بأنه وإن لم يملكه به ثبت له به في المال حق مؤكد كما مر والقصاص مبني على الدرء كما سيأتي فإن لم يكن في المال ربح فللمالك القصاص والعفو مجانا وإن تلف مال قراض اشترى بعينه شيئا قبل تسليمه انفسخ البيع والقراض أو في الذمة وتلف قبل الشراء انقلب الشراء للعامل فيرتفع القراض وإن تلف بعد الشراء وقع للمالك فلو كان المال مائة وتلف لزمه مائة أخرى
فصل في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين مع ما يأتي معهما
( لكل ) منهما ( فسخه ) أي عقد القراض متى شاء من غير حضور الآخر ورضاه لأن القراض في ابتدائه وكالة وفي انتهائه إما شركة وإما جعالة وكلها عقود جائزة
ويحصل الفسخ بقوله فسخت عقد القران أو رفعته أو أبطلته أو لا تنصرف بعد هذا أو نحو ذلك وباسترجاع المال فإن استرجع بعضه انفسخ فيه وبقي في الباقي وبإعتاقه واستيلاده له كالوكالة
ولو حبس العامل ومنعه التصرف أو باع ما اشتراه العامل للقراض عزل كما رجحه المصنف
فإن قيل ينبغي أن يكون كإنكار الموكل الوكالة كما جرى عليه ابن المقري تبعا للإسنوي فيفرق به كونه لغرض أو لا
أجيب بأن الفقه ما قاله المصنف لأن صورة ذلك في الوكالة أن يسأل عنها المالك فينكرها وصورته في القراض أن ينكره ابتداء حتى لو عكس انعكس الحكم
وللعامل بعد الفسخ بيع مال القراض إذا توقع فيه ربحا كأن ظفر بسوق أو براغب فلا يشتري لارتفاع العقد مع كونه لاحظ له فيه
( ولو مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه انفسخ ) عقد القران كالوكالة وللعامل إذا مات المالك أو جن الاستيفاء والتنضيض بغير إذن الورثة في الأولى والولي في الثانية اكتفاء بإذن العاقد كما في حال الحياة وكالجنون الإغماء المفهوم بالأولى بخلاف ما لو مات العامل فإن ورثته لا تملك المبيع بدون إذن
____________________
(2/319)
المالك لأنه لم يرض بتصرفهم فإن امتنع المال من الإذن في البيع تولاه أمين من جهة الحاكم
ولا يقرر ورثة المالك العامل على القراض كما لا يقرر المالك ورثة العامل عليه لأن ذلك ابتداء إقراض وهو لا يصح على العرض فإن نص المال ولو من غير جنس المال جاز تقرير الجميع فيكفي أن تقول ورثة المالك للعامل قررناك على ما كنت عليه مع قبوله أو يقول المالك لورثة العامل قررتكم على ما كان مورثكم عليه مع قبولهم لفهم المعنى
وكالورثة وليهم وكالموت الجنون والإغماء فيقرر المالك بعد الإفاقة منها وولي المجنون مثله قبل الإفاقة
ويجوز التقرير على المال الناجز قبل القسمة لجواز القراض على المشاع فيختص العامل بربح نصيبه ويشتركان في ربح نصيب الآخر مثاله المال مائة وربحها مائتان مناصفة وقرر العقد مناصفة فالعامل شريك الوارث بمائة فإذا بلغ مال القراض بستمائة فلكل منهما ثلثمائة إذا للعامل من الربح القديم مائة وربحها مائة ورأس المال في التقرير مائتان للوارث وربحهما مائتان فمقسوم بينهما
ولو قال البائع بعد فسخ البيع للمشتري قررتك على البيع صح بخلاف النكاح لأنه لا بد فيه من لفظ التزويج أو الإنكاح كما سيأتي
( ويلزم العامل الاستيفاء ) لدين مال القراض ( إذا فسخ أحدهما ) أو هما أن انفسخ كأن باع بنقد ثم انفسخ القراض قبل توفير الثمن لأن الدين ناقص وقد أخذ منه ملكا تاما فليرد كما أخذ سواء كان في المال ربح أم لا
تنبيه قضية إطلاقه كغيره الاستيفاء أنه يلزمه استيفاء رأس المال والربح معا وهو كذلك كما صرح به في المرشد وإن كان ظاهر كلام المهذب أنه إنما يلزمه استيفاء رأس المال وصرح به ابن يونس
فإن قيل يدل لهذا تصريحهم بأن في العروض لا يلزمه إلا تنضيض رأس المال فقط
أجيب بأن القراض مستلزم لشراء العروض والمالية فيه محققة فاكتفي بتنضيض رأس المال فقط بخلاف الدين ولو رضي المالك بقبول الحوالة جاز
ولو قال المصنف ويلزمه الاستيفاء إذا انفسخ كان أولى ليشمل ما قدرته لأن حكم الفسخ والانفساخ في ذلك سواء
( و ) يلزم العامل أيضا ( تنضيض رأس المال إن كان ) عند الفسخ ( عرضا ) وطلب المالك تنضيضه سواء أكان في المال ربح أم لا
ولو كان المال عند الفسخ ناضا لكنه من غير جنس رأس المال أو من جنسه ولكن من غير صفته كالصحاح والمكسرة فكالعروض
ولو أبطل السلطان النقد الذي جرى عليه القراض والمال عرض رد من الأول كما في زيادة الروضة وقيل من الحادث فإن لم يطلب المالك التنضيض لم يجب إلا أن يكون المال المحجور عليه وحظه في التنضيض فيجب
ولو قال المالك لا تبع ونقسم العروض بتقويم عدلين أو قال أعطيك نصيبك من الربح ناضا أجيب وكذا لو رضي بأخذ العروض من العامل بالقيمة ولم يزد راغب كما جزم به ابن المقري فلو حدث بعد ذلك غلاء لم يؤثر
وخرج بقدر رأس المال الزائد عليه فلا يلزمه تنضيضه بل هو عرض اشترك فيه اثنان لا يكلف أحدهما بيعه نعم لو كان بيع بعضه ينقص قيمته كالعبد لزمه تنضيض الكل كما بحثه في المطلب
( وقيل لايلزمه ) أي العامل ( التنضيض إذا لم يكن ربح ) إذ لا فائدة له فيه
ودفع بأن في عهده أن يرد لما أخذ كما مر
( ولو استرد المالك بعضه ) أي مال القراض ( قبل ظهور ربح وخسران ) فيه ( رجع رأس المال إلى ) ذلك ( الباقي ) بعد المسترد لأنه لم يترك في يده غيره فصار كما لو اقتصر في الإبتداء على إعطائه له
( وإن استرد ) المالك بغير رضا العامل ( بعد ) ظهور ( الربح فالمسترد ) منه ( شائع ربحا ورأس مال ) على النسبة الحاصلة من جملة الربح ورأس المال لا يلحقه حكم الباقي لاستقرار ملك العامل على ما يخصه من الربح فلا يسقط بما يحصل من النقص بعد
أما إذا كان الاسترداد برضا العامل فإن قصد هو والمالك الأخذ من الأصل اختص به أو من الربح فكذلك لكن يملك العامل مما بيده مقدار ذلك على الإشاعة وإن أطلقا
____________________
(2/320)
حمل على الإشاعة وحينئذ الأشبه كما قال ابن الرفعة أن تكون حصة العامل قرضا نقله عنه الإسنوي وأقره ثم قال وإذا كان الاسترداد بغير رضاه لا ينفذ تصرفه في نصيبه وإن لم يملكه بالظهور
( مثاله رأس المال مائة ) من الدراهم ( والربح عشرون ) منها ( واسترد ) المالك من ذلك ( عشرين فالربح ) في هذا المثال ( سدس ) جميع ( المال ) وحينئذ ( فيكون المسترد ) وهو العشرون ( سدسه ) بالرفع بخطه وهو ثلاثة دراهم وثلث يحسب من الربح فيستقر للعامل المشروط منه وهو درهم وثلثان إن شرط له نصف الربح
( وباقيه ) أي المسترد وهو ستة عشر وثلثان ( من رأس المال ) فيعود رأس المال إلى ثلاثة وثمانين وثلث فلو عاد ما في يده إلى ثمانين لم يسقط ما استقر له بل يأخذ منها درهما وثلثي درهم ويرد الباقي وهو ثمانية وسبعون درهما وثلث درهم
تنبيه كون العامل يأخذ مما في يده خارجا عن القواعد كما قاله ابن الرفعة وتبعه الإسنوي لأنه لما جعل المسترد شائعا لزم أن يكون نصيب العامل في عين المال المسترد إن كان باقيا وفي ذمة المالك إن كان تالفا ولا يتعلق بالمال الباقي إلا برهن أو نحوه ولم يوجد حتى لو أفلس لم يتقدم به بل يضارب
( وإن استرد ) المالك بعضه ( بعد ) ظهور ( الخسران فالخسران موزع على المسترد والباقي ) بعده وحينئذ ( فلا يلزم جبر حصة المسترد ) وهو عشرون ( لو ربح ) المال ( بعد ذلك
مثاله المال ) أي رأس المال ( مائة والخسران ) الحاصل فيه ( عشرون ثم استرد ) المالك ( عشرين فربع العشرين ) التي هي جميع الخسران ( حصة المسترد ) منها خمسة فكأنه استرد خمسة وعشرين
( ويعود ) بعد ذلك ( رأس المال ) الباقي بعد المسترد وبعد حصته من الخسران ( إلى خمسة وسبعين ) لأن الخسران إذا وزعناه على الثمانين خص كل عشرين خمسة والعشرون المستردة حصتها خمسة فيبقى ما ذكره فلو ربح بعد ذلك شيئا قسم بينهما ربحا على حسب ما شرطاه
( ويصدق العامل بيمينه في قوله لم أربح ) شيئا ( أو لم أربح إلا كذا ) عملا بالأصل فيهما
ولو أقر بربح ثم ادعى غلطا أو كذبا ثم قال غلطت في الحساب أو كذبت فيما قلت خوفا من انتزاع المال من يدي لم يقبل قوله لأنه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه وله تحليف المالك سواء أذكر شبهة أم لا
فإن ادعى بعد ذكر الكذب أو بعد إخباره بالربح خسارة صدق بيمينه إن احتمل ذلك مثل أن يعرض في الأسواق كساده قاله القاضي حسين و المتولي فإن لم يحتمل لم يقبل
ويصدق أيضا فيما تضمنه قوله أو اشتريت هذا الشيء للقراض وإن كان خاسرا ( أولى ) وإن كان رابحا لأنه مأمون وهو أعرف بقصده ولأنه في الثانية في يده
تنبيه محل قبول قوله أنه اشتراه لنفسه إذا وقع العقد على الذمة لأن التعويل فيه على النية أما إذا ادعى أنه اشتراه لنفسه وأقام المالك بينة أنه اشتراه بعين مال القراض فهل يحكم به للقراض أو لا فيبطل العقد فيه وجهان رجح ابن المقري منهما الثاني وبه صرح الماوردي و الشاشي و الفارقي وغيرهم كما نقله عنهم الأذرعي وغيره لأنه قد يشتري لنفسه بمال القراض عدوانا
ورجح صاحب الأنوار الأول ثم قال قال الإمام و الغزالي و القشيري وكل شراء وقع بمال القراض لا شك في وقوعه له ولا أثر لنية العامل أي لإذن المالك له في الشراء
والثاني أوجه كما اعتمده شيخي
( أو ) قال العامل ( لم تنهني عن شراء كذا ) كالعبد لأن الأصل عدم النهي
( و ) يصدق العامل أيضا
____________________
(2/321)
( في قدر رأس المال ) لأن الأصل عدم دفع الزيادة وهذا حيث لا ربح فإن كان فهل يصدق العامل أو المالك أو يتحالفان أوجه أصحها أولها وعلى هذا لو قارض اثنين على أن نصف الربح له والباقي بينهما سواء فربحا وأحضرا ثلاثة آلاف فقال المالك رأس المال ألفان وصدقه أحدهما وأنكر الآخر وحلف أنه ألف فله خمسمائة لأنها نصيبه بزعمه وللمالك ألفان من رأس المال لاتفاقه مع المعترف عليه وله ثلثا خمسمائة من الربح والباقي منها للمقر لاتفاقهم على أن ما يأخذه المالك من الربح مثلا ما يأخذه كل من العاملين وما أخذه المنكر كالتالف
ويصدق العامل أيضا فيما إذا اختلفا في جنس رأس المال أو صفته ( و ) في ( دعوى التلف ) لأنه مأمون فهو كالمودع ففيه التفصيل الآتي في باب الوديعة
( وكذا ) يصدق في ( دعوى الرد ) لمال القراض على المال ( في الأصح ) لأنه ائتمنه كالوكيل
والثاني كالمرتهن والمستأجر
وفرق الأول بأن العامل إنما أخذ العين لمنفعة المالك وانتفاعه هو بالعمل فيها لا بها بخلاف المرتهن والمستأجر
فائدة كل أمين ادعى الرد على من ائمتنه يصدق بيمينه إلا المرتهن والمستأجر
( ولو اختلفا ) في أن العامل وكيل أو مقارض صدق المالك ولا أجرة للعامل أو ( في ) القدر ( المشروط له ) أي العامل كأن قال شرطت النصف فقال المالك بل الثلث ( تحالفا ) كاختلاف المتبايعين في قدر الثمن فلا ينفسخ بالتحالف بل يفسخانه أو أحدهما أو الحاكم كما في زيادة الروضة عن البيان وإن أشعر كلام المصنف بأنه يفسخ بمجرد التحالف وصرح به الروياني
( وله ) أي العامل حينئذ ( أجرة المثل ) لعمله بالغة ما بلغت لتعذر رجوع عمله إليه فوجب له قيمته وهو الأجرة
ولو كان القراض لمحجور عليه ومدعي العامل دون الأجرة فلا تحالف كنظيره من الصداق
خاتمة لو اشترى العامل ولو ذميا خمرا أو أم ولد أو نحوهما مما يمتنع بيعه وسلم الثمن للبائع ولو جاهلا ضمن لأن الضمان لا يختلف بالعلم والجهل
ولو قارضه المالك ليجلب من بلد إلى بلد لم يصح لأن ذلك عمل زائد على التجارة
وإن قارضه على مالين في عقدين فخلطهما ضمن لتعديه في المال بل إن شرط في العقد الثاني بعد التصرف في المال الأول ضم الثاني إلى الأول فسد القراض في الثاني وامتنع الخلط لأن الأول استقر حكمه ربحا وخسرانا وإن شرط قبل التصرف صح وجاز الخلط وكأن دفعها إليه معا نعم إن شرط الربح فيهما مختلفا امتنع الخط
ويضمن العامل أيضا لو خلط مال القراض بماله أو قارضه اثنان فخلط مال أحدهما بمال الآخر ولا ينعزل بذلك عن التصرف كما نقله الإمام عن الأصحاب
وإذا اشترى بألفين لمقارضين له عبدين فاشتبها عليه وقعا له وغرم لهما الألفين لتفريطه بعدم الإفراد
ولو دفع إلى شخص مالا وقال إذا مت فتصرف فيه قراضا على أن لك نصف الربح مثلا لغا لأنه تعليق ولو صح لبطل بالموت
ولو جنى عبد القراض فداه المالك من مال نفسه لا من مال القراض كما لو أبق فإن نفقه رده على المالك وإن كان في المال ربح بناء على أن العامل إنما يملك حصته بالقسمة فإن قلنا بالظهور فعليهما الفداء
كتاب المساقاة لما شابهت القراض في العمل في شيء ببعض نمائه وجهالة العوض والإجارة في اللزوم والتأقيت جعلت بينهما
وهي مأخوذة من السقي بفتح السين وسكون القاف المحتاج إليه فيها غالبا لا سيما في الحجاز فإنهم يسقون من الآبار لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤنة
وحقيقتها أن يعامل غيره على نخل أو شجر عنب ليتعهده بالسقي والتربية على أن الثمرة لهما
والأصل فيها قبل الإجماع خبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر وفي رواية دفع إلى يهود خيبر نخلها وأرضها بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع
والحاجة داعية إليها لأن مالك الأشجار قد لا يحسن تعهدها أو لا يتفرغ له ومن
____________________
(2/322)
يحسن ويتفرغ قد لا يملك الأشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو اكترى المالك لزمته الأجرة في الحال وقد لا يحصل له شيء من الثمار ويتهاون العامل فدعت الحاجة إلى تجويزها
وأركانها خمسة عاقد ومورد العمل والثمار والعمل والصيغة
ثم شرع في شرط الركن الأول فقال ( تصح من جائز التصرف ) لنفسه لأنها معاملة على المال كالقراض
تنبيه لو قال إنما تصح لكان أولى ليفيد الحصر
( ولصبي ومجنون ) وسفيه ( بالولاية ) عليهم عند المصلحة للاحتياج إلى ذلك
تنبيه لو عبر بالمحجور عليه لكان أخصر وأحصر لشموله ما قدرته
وهذا الشرط يعتبر أيضا في العامل وفي معنى الولي ناظر الوقف وكذا الإمام في بساتين بيت المال وما لا يعرفه مالكه وكذا بساتين الغائب كما قاله الزركشي قال ومقتضى كلام الماوردي أنه ليس لعامل القراض المساقاة فإن عمله في حق المالك لا في حق نفسه بخلاف المساقي
ثم شرع في الركن الثاني وهو مورد العمل فقال ( وموردها ) أصالة أي ما ترد صيغة عقد المساقاة عليه ( النخل ) للخبر السابق ولو ذكورا كما اقتضاه إطلاق المصنف وصرح به الخفاف ويشترط فيه أن يكون مغروسا معينا مرئيا
( و ) مثله ( العنب ) لأنه في معنى النخل بجامع وجوب الزكاة وتأتي الخرص
تنبيه إنما لم يقل الكرم بدل العنب لورود النهي عن تسميته به قال صلى الله عليه وسلم لا تسموا العنب كرما إنما الكرم الرجل المسلم رواه مسلم
قيل سمي كرما من الكرم بفتح الراء لأن الخمر المتخذة منه تحمل عليه فكره أن يسمى به وجعل المؤمن أحق بما يشتق من الكرم يقال رجل كرم بإسكان الراء وفتحها أي كريم
وثمرات النخل والأعناب أفضل الثمار وشجرهما أفضل الشجر بالاتفاق
واختلفوا في أيهما أفضل والراجح أن النخل أفضل لورود أكرموا عماتكم النخل المطعمات في المحل وإنها خلقت من طهينة آدم
والنخل مقدم على العنب في جميع القرآن ومر في زكاة الفطر أن التمر خير من الزبيب
وشبه صلى الله عليه وسلم النخلة بالمؤمن وأنها تشرب برأسها وإذا قطع ماتت وينتفع بأجزائها وهي الشجرة الطيبة المذكورة في القرآن فكانت أفضل
وليس في الشجر شجر فيه ذكر وأنثى يحتاج الأنثى فيه إلى الذكر سواه وشبه صلى الله عليه وسلم عين الدجال بحبة العنب لأنها أصل الخمرة وهي أم الخبائث
( وجوزها القديم في سائر الأشجار المثمرة ) كالتين والتفاح للحاجة واختاره المصنف في تصحيح التنبيه والجديد المنع لأنها رخصة فنختص بموردها ولأنه لا زكاة في ثمرها فأشبهت غير المثمرة ولأنها تنمو من غير تعهد بخلاف النخل والعنب
وعلى المنع لو كانت هذه الأشجار بين النخل أو العنب فساقي عليها معه تبعا جاز وإن كانت كثيرة كما هو مقتضى كلام الروضة وإن قيدها الماوردي بالقليلة كما تجوز المزارعة تبعا للمساقاة
تنبيه احترز المصنف بالأشجار وهي ما لها ساق عما لا ساق له كالبطيخ وقصب السكر وبالمثمرة عن غيرها كالتوت الذكر وما لا يقصد ثمره كالصنوبر فلا تجوز المساقاة عليه على القولين وعلى الجديد لا تجوز على المقل على الأصح في الروضة وإن قال في المهمات الفتوى على الجواز
فإن قيل قد قلتم غير الشجر هو الذي لا ساق له وقد قال تعالى { وأنبتنا عليه شجرة من يقطين }
أجيب بأنها كانت شجرة على خلاف العادة في القرع معجزة لسيدنا يونس صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وسلم كما كانت تأتيه وعلة صباحا ومساء يشرب من لبنها حتى قوي
( ولا تصح المخابرة وهي عمل ) العامل في ( الأرض ) أي المعاملة عليها كما عبر به في المحرر ولو عبر به لكان أولى لأن العمل من وظيفة العامل فلا يفسر العقد به
( ببعض ما يخرج منها ) كنصف ( والبذر من العامل ولا ) تصح ( المزارعة
____________________
(2/323)
وهي هذه المعاملة ) أي المخابرة ( و ) لكن ( البذر ) فيها يكون ( من الما للنهي عن الأولى في الصحيحين وعن الثانية في مسلم
والمعنى في المنع فيهما أن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بالإجارة فلم يجز العمل عليها ببعض ما يخرج منها كالمواشي بخلاف الشجرة فإنه لا يمكن عقد الإجارة عليه فجوزت المساقاة للحاجة
واختار في الروضة جوازهما مطلقا تبعا لابن المنذر و الخطابي وغيرهما
وتأولوا الأحاديث على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى واختاره الماوردي
ولا تصح المشاطرة المسماة أيضا بالمناصبة بموحدة بعد صاد مهملة كالتي تفعل بالشام وهي أن يسلم إليه أرضا ليغرسها من عنده والشجر بينهما
وفي فتاوى القفال أن الحاصل في هذه الصورة للعامل ولمالك الأرض أجرة مثلها عليه
ومن زارع على أرض بجزء من الغلة فعطل بعض الأرض أفتى المصنف بأنه يلزمه أجرة ما عطل منها وخالفه الشيخ تاج الدين الفزاري وقال بعدم اللزوم وهو أوجه
( فلو كان بين النخل ) أو العنب ( بياض ) وهو أرض لا زرع فيها ولا شجر ( صحت المزارعة عليه مع المساقاة على النخل ) أو العنب تبعا للمساقاة وتعسر الإفراد وعليه حمل خبر الصحيحين أول الباب
تنبيه اقتصر المصنف هنا وفي الروضة على ذكر النخل وكان الأولى له ذكر العنب معه كما قدرته فإنه قال في التصحيح إنه الصواب
وإنما يجوز ذلك ( بشرط اتحاد العامل ) فيهما فلا يصح أن يساقي واحدا ويزارع آخر لأن الاختلاف يزيل التبعية
وليس المراد باتحاده اشتراط كونه واحدا بل أن لا يكون من ساقاه غير من زارعه فلو ساقى جماعة وزارعهم بعقد واحد صح
( و ) بشرط ( عسر إفراد النخل بالسقي و ) عسر إفراد ( البياض بالعمارة ) وهي الزراعة لانتفاع النخل بسقي الأرض وتقليبها
وعبر في الروضة بالتعذر ومراده التعسر كما هنا فإن أمكن ذلك لم تجز المزارعة لعدم الحاجة
تنبيه لو كان بين النخل بياض بحيث تجوز المزارعة عليه تبعا للمساقاة وكان فيه زرع موجود ففي جواز المزارعة وجهان بناء على القولين في جواز المساقاة على ثمرة موجودة
وقضيته كما قال الزركشي ترجيح الجواز فيما لم يبد صلاحه فحينئذ لا اختصاص للتعبير بالبياض المجرد
وتبع المصنف في الجمع بين عسر إفراد النخل بالسقي والبياض بالعمارة الروضة كأصلها والذي اقتصر عليه الجمهور ذكر عسر إفراد النخل بالسقي والعمل واقتصر الغزالي في كتبه على عسر إفراد البياض المتخلل بالعمارة وما قاله المصنف أوجه
( والأصح أنه يشترط ) في عهد المساقاة والمزارعة ( أن لا يفصل ) بضم أوله وفتح ثالثه بخطه أي لا يفصل العاقدان ( بينهما ) بل يؤتى بهما على الاتصال لتحصل التبعية فلو ساقاه على النصف مثلا فقبل ثم زارعه على البياض لم تصح المزارعة لأن تعدد العقد يزيل التبعية
والثاني يجوز الفصل بينهما لحصولهما لشخص واحد
تنبيه محل الخلاف كما قال الدارمي حيث بقي من مدة المساقاة ما يمكن فيه المزارعة وإلا امتنع جزما
( و ) الأصح أنه يشترط ( أن لا يقدم المزارعة ) على المساقاة لأنها تابعة والتابع لا يقدم على متبوعه
والثاني يجوز تقديمها وتكون موقوفة إن ساقاه بعدها بأن صحتها وإلا فلا
وفهم من الأول أنه لا يغني لفظ أحدهما عن الآخر ولكن لو أتى بلفظ يشملهما ك عاملتك على النخل والبياض بالنصف فيهما كفى بل حكى فيه الإمام الاتفاق
قال الدارمي ويشترط أيضا بيان ما يزرعه بخلاف إجارة الأرض للزراعة لأنه هناك شريك فلا بد من علمه به بخلاف الآخر إذ لا حق له في الزرع
والأصح ( أن كثير البياض كقليله ) في صحة المزارعة عليه لأن الغرض عسر الإفراد والحاجة لا تختلف
والثاني لا لأن الكثير لا يكون تابعا
____________________
(2/324)
تنبيه النظر في الكثير إلى مساحة الأرض ومغارس الشجر لا إلى زيادة النماء على الأصح في زيادة الروضة
( و ) الأصح ( أنه لا يشترط تساوي الجزء المشروط من الثمر ) في المساقاة ( والزرع ) في المزارعة بل يجوز أن يشرط للعامل نصف التمر وربع الزرع مثلا
والثاني يشترط لأن التفاضل يزيل التبعية وصحح هذا المصنف في نكت التنبيه
( و ) الأصح ( أنه لا يجوز أن يخابر تبعا للمساقاة ) لعدم ورود ذلك
والثاني يجوز ذلك كالمزارعة
وأجاب الأول بأن المزارعة في معنى المساقاة من حيث أنه ليس على العامل فيها إلا العمل بخلاف المخابرة فإنه يكون عليه العمل والبذر
( فإن أفردت أرض ) قراح أو بياض متخلل بين النخل أو العنب بالمخابرة فالمغل للعامل لأن الزرع يتبع البذر وعليه للمالك أجرة مثل الأرض أو ( بالمزارعة فالمغل للمالك ) لأنه نماء ملكه ( وعليه للعامل أجرة ) مثل ( عمله و ) عمل ( دوابه و ) عمل ما يتعلق به من ما يتعلق به من ( آلاته ) كالبقر إن كانت له سواء حصل من الزرع شيء أم لا أخذا من نظيره في القراض وذلك لأنه لم يرض ببطلان منفعته إلا ليحصل له بعض الزرع فإذا لم يحصل له وانصرف كل المنفعة إلى المالك استحق الأجرة
فإن قيل المنقول عن المتولي في نظيره من الشركة الفاسدة فيما إذا أتلف الزرع بآفة أنه لا شيء للعامل لأنه لم يحصل للمالك شيء وصوبه المصنف فيكون الحكم هناكذلك
أجيب بأن العامل هنا أشبه به في القراض من الشركة على أن الرافعي قال في كلام المتولي لا يخفى عدوله عن القياس الظاهر
ولو كان البذر منهما فالغلة لهما ولكل على الآخر أجرة ما انصرف من منافعه على حصة صاحبه
ثم شرع في حيلة تسقط الأجرة وتجعل الغلة مشتركة بين المالك والعامل في الصورة السابقة فقال ( وطريق جعل الغلة لهما في صورة إفراد الأرض بالمزارعة ولا أجرة ) لأحدهما على الآخر تحصل بصورتين إحداهما ( أن يستأجره ) أي المالك العامل ( بنصف البذر ) شائعا ( ليزرع له النصف الآخر ) في الأرض ( ويعيره نصف الأرض ) شائعا
ومن هنا يؤخذ جواز إعارة المشاع المفيدة إسقاط الأجرة بخلاف ما إذا لم يعره نصفها واستأجره لزراعة نصف البذر فزرع جميعه فإنه يلزمه أجرة نصف الأرض
والطريق الثاني ما أشار إليه بقوله ( أو يستأجره ) أي العامل ( بنصف البذر ) شائعا ( ونصف منفعة الأرض ) كذلك ( ليزرع ) له ( النصف الآخر ) من البذر ( في النصف الآخر ) بفتح الخاء ويجوز كسرها على معنى المتأخر ( من الأرض ) فيكونان شريكين في الزرع على المناصفة ولا أجرة لأحدهما على الآخر لأن العامل يستحق من منفعة الأرض بقدر نصيبه من الزرع والمالك من منفعته بقدر نصيبه من الزرع
فإن قيل ما الفرق بين الطريقين أجيب بأنه في الأولى جعل الأجرة عينا وفي الثانية عينا ومنفعة وفي الأولى متمكن من الرجوع بعد الزراعة في نصف الأرض ويأخذ الأجرة وفي الثانية لا يتمكن
ويفترقان أيضا في أنه لو فسد منبت الأرض في المدة لزمه قيمة نصفها على الأول دون الثاني لأن العارية مضمونة
تنبيه قد توهم عبارته الحصر في الطريقين وليس مرادا بل من ذلك أن يقرض المالك العامل نصف البذر ويؤجره نصف الأرض بنصف عمله ونصف منافع دوابه وآلاته ومنه أن يعيره نصف الأرض والبذر منهما ثم يعمل العامل فالمغل بينهما ولا تراجع لأن كلا منها متطوع لكن البذر في هذا ليس كله من المالك
وطريق جعل الغلة لهما في المخابرة ولا أجرة أن يستأجر العامل نصف الأرض بنصف البذر ونصف عمله ومنافع دوابه وآلاته أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع ولا بد في هذه الإجارات من رعاية الرؤية وتقدير المدة وغيرهما من شروط الإجارة
ثم شرع في الركن الثالث وهو الثمار مترجما له بفصل فقال
____________________
(2/325)
فصل فيما يشترط في عقد المساقاة ( يشترط ) فيه ( تخصيص الثمر بهما ) أي المالك والعامل فلا يجوز شرط بعضه لغيرهما ( واشتراكهما فيه ) فلا يجوز شرط كل الثمرة لأحدهما ( والعلم ) أي علمهما ( بالنصيبين بالجزئية ) وإن قل كجزء من ألف جزء ( كالقراض ) في جميع ما سبق ومما سبق الصحة فيما إذا قال بيننا وفيما إذا قال على أن لك النصف
وقول المصنف بالجزئية قد يوهم الفساد هنا وليس مرادا
ولو ساقاه على نوع بالنصف وآخر بالثلث صح العقدان إذا عرفا قدر كل من النوعين وإلا فلا لما فيه من الغرر فإن المشروط فيه الأقل قد يكون أكثر وإن ساقاه على النصف من كل منهما صح وإن جهلا قدرهما
وخرج بالثمر الجريد والكرناف والليف فلا يكون مشتركا بينهما بل يختص به المالك كما جزم به في المطلب تبعا للماوردي وغيره قال ولو شرط جعله بينهما على حسب ما شرطناه في الثمن فوجهان في الحاوي اه
والظاهر منهما الصحة كما نقله الزركشي عن الصيمري
ولو شرط للعامل بطل قطعا
ولا يصح كون العوض غير الثمر فلو ساقاه بدراهم أو غيرها لم تنعقد مساقاة ولا إجارة إلا إذا فصل الأعمال وكانت معلومة
ولو ساقاه على نوع بالنصف على أن يساقيه على آخر بالثلث فسد الأول للشرط الفاسد وأما الثاني فإن عقده جاهلا بفساد الأول فكذلك وإلا فيصح
تنبيه لا قلب في كلام المصنف كما قال بعض الشراح من أن حقه أن يقول يشترط تخصيصهما بالثمر لأن المصنف مشى هنا على الاستعمال العرفي من دخول الباء على المقصور عليه ومشى في باب القراض حيث قال فيه ويشترط اختصاصهما بالربح على الاستعمال اللغوي من دخول الباء على المقصور وقد نبه على الاستعمالين بعض المحققين فقال في قوله تعالى { إياك نعبد } معناه نخصك بالعبادة ولو قيل نخص العبادة بك كان استعمالا عرفيا
( والأظهر صحة المساقاة بعد ظهور الثمر ) لأنه أبعد عن الغرر للوثوق بالثمر فهو أولى بالجواز
والثاني لا يصح لفوات بعض الأعمال ( لكن ) محل الصحة ( قبل بدو الصلاح ) إذا جعل عوض العامل من الثمرة الموجودة لبقاء معظم العمل أما بعده فلا يجوز قطعا وكذا لو ساقاه على النخل المثمر وعلى ما يحدث من ثمر العام
ويشترط في الشجر المساقى عليه أن يكون مغروسا كما مر
( و ) على هذا ( لو ساقاه على ودي ) وهو بواو مفتوحة وداخل مكسورة ومثناة تحتية مشددة صغار النخل ( ليغرسه ويكون الشجر لهما لم يجز ) إذا لم ترد المساقاة على أصل ثابت وهي رخصة فلا تتعدى موردها ولأن الغرس ليس من أعمال المساقاة فأشبه ضم غير التجارة إلى عمل القراض
تنبيه ليس الشجر بقيد فلو قال ولك نصف الثمرة لم يصح أيضا
وإذا عمل في الصورتين فله أجرة المثل على المالك إن توقعت الثمرة في المدة وإلا فلا في الأصح وله أجرة الأرض أيضا إن كانت له
ولو كان الغراس للعامل والأرض للمالك فلا أجرة له ويلزمه أجرة الأرض
( ولو كان ) الودي ( مغروسا ) وساقاه عليه ( وشرط له جزءا من الثمر على العمل فإن قدر ) في عقد المساقاة عليه ( مدة يثمر ) الودي ( فيها غالبا ) كخمس سنين ( صح ) العقد ولا يضر كون أكثر المدة لا ثمر فيها كما لو ساقاه خمس سنين
والثمرة يغلب وجودها في الخامسة خاصة فإن اتفق أنه لم يثمر لم يستحق العامل شيئا كما لو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر
( وإلا ) أي وإن قدر مدة لا يثمر فيها غالبا ( فلا ) تصح لخلوها عن العوض كالمساقاة على شجرة لا تثمر فإن وقع ذلك وعمل العامل لم يستحق أجرة إن علم أنها لا تثمر في تلك المدة وإلا استحق ويرجع في المدة المذكورة لأهل الخبرة بالشجر في تلك الناحية كما يقتضيه كلام الدارمي
( وقيل إن تعارض الاحتمالان ) في الإثمار وعدمه وليس أحدهما أظهر ( صح ) العقد لأن الثمر مرجو كالقراض
____________________
(2/326)
فإن الربح مرجو الحصول فإن أثمرت استحق وإلا فلا شيء له
وأجاب الأول بأن هذا عقد على عوض غير موجود ولا الظاهر وجوده فأشبه السلم فيما لا يوجد غالبا وعلى هذا فله الأجرة وإن لم يثمر لأنه عمل طامعا
( وله مساقاة شريكه في الشجر إذا ) استقل الشريك بالعمل فيها و ( شرط ) المالك ( له ) أي الشريك ( زيادة على حصته ) كأن يكون الشجر بينهما نصفين فيشرط له ثلثي الثمرة ليكون السدس عوض عمله فإن شرط له مقدار نصيبه أو دونه لم يصح إذ لا عوض لاستحقاقه ذلك بالملك بل شرط عليه في مسألة ما دون نصيبه أن يترك بعض ثمرته أيضا
فإن عمل لم يستحق أجرة لأنه لم يطمع في شيء وإن شرط له كل الثمرة فسد العقد لكن يستحق الأجرة لأنه عمل طامعا وقيده الغزالي كإمامه تفقها بما إذا لم يعلم الفساد وعدم التقييد أوجه كما مر في القراض
أما إذا لم يستقل الشريك بالعمل بأن شرط معاونته له في العمل فإن العقد يفسد كما لو ساقى أجنبيا بهذا الشرط فإن عاونه واستوى عملهما فلا أجرة لأحد منهما على الآخر وكذا لا أجرة للمعاون إذا زاد عمله بخلاف الآخر إذا زاد عمله فله أجرة عمله بالحصة على المعاون لأنه لم يعمل مجانا
واستشكل السبكي مسألة الكتاب بأن عمل الأجير يجب كونه في خالص ملك المستأجر قال والخلاص من هذا أن يقال صورة المسألة إذا قال ساقيتك على نصيبي حتى لا يكون العمل المعقود عليه واقعا في المشترك وبهذا صور أبو الطيب المسألة تبعا لما أفهمه كلام المزني لكن كلام غيرهما يقتضي عدم الفرق وهو ظاهر كلام الكتاب اه
والذي ينبغي أن يقال إن قال ساقيتك على كل الشجر لم يصح أو قال ساقيتك على نصيبي أو أطلق صح والظاهر كما قال شيخنا صحة مساقاة أحد الشريكين على نصيبه أجنبيا ولو بغير إذن شريكه الآخر
ولو ساقى الشريكان ثالثا لم يشترط معرفته بحصة كل منهما إلا إن تفاوتا في المشروط له فيشترط معرفته بحصة كل منهما
( ويشترط ) لصحة المساقاة ( أن لا يشرط ) المالك في عقدها ( على العامل ما ليس من جنس أعمالها ) التي جرت عادة العامل بها كحفر بئر فإن شرطه لم يصح العقد لأنه استئجار بعوض مجهول واشتراط عقد في عقد
تنبيه كان الأولى أن يقدم المصنف على هذه المسألة بيان أعمال المساقاة ليعرف أن شرط غيرها مفسد كما جرى على ذلك في كتاب القراض حيث قال فيه ووظيفة العامل كذا ثم قال فلو قارضه ليشتري حنطة إلخ
ويشترط أيضا أن لا يشترط على المالك في العقد ما على العامل كذا قالاه ومقتضاه أنه لو شرط السقي على المالك أن العقد يبطل وهو كذلك وبه صرح في البحر وسيأتي التنبيه على ذلك
ثم شرع في الركن الرابع وهو العمل فقال ( و ) يشترط ( أن ينفرد ) العامل ( بالعمل ) فلو شرط عمل المالك معه فسد بخلاف ما لو شرطا عمل غلام المالك معه بلا شرط يد ولا مشاركة في تدبير فإنه يصح على المذهب المنصوص ولا بد من معرفته بالرؤية أو الوصف ونفقته على المالك بحكم الملك
وإن شرطت في الثمرة بغير تقدير جزء معلوم لم يصح لأن ما يبقى يكون مجهولا أو شرطت على العامل وقدرت صح لأن العمل عليه فلا يبعد أن تلزمه مؤنة من يعمل معه وهو كاستئجار من يعمل معه ولو لم يقدر صح أيضا والعرف كاف لأنه يتسامح بمثله في المعاملات
وإن شرط العامل عمل الغلام في حوائج نفسه أو استئجار معاون له بجزء من الثمر أو من غيرها من مال المالك لم يصح العقد أما في الأولى فظاهر وأما في الثانية فلأن قضية المساقاة أن تكون الأعمال ومؤنها على العامل أما إذا جعلت الأجرة من مال العامل فإنها تصح
( و ) يشترط أيضا أن ينفرد ( باليد في الحديقة ) ليتمكن من العمل متى شاء فلو شرط كونها في يد المالك أو بيدهما لم يصح
فائدة الحديقة أرض ذات شجر قاله الليث
وقال أبو عبيدة وهي الحائط أي البستان
وقال الغزالي إنما يقال حديقة البستان عليه حائط
( و ) يشترط ( معرفة العمل ) جملة لا تفصيلا كما يشعر به قوله ( بتقدير المدة كسنة أو أكثر ) إلى مدة تبقى فيها العين غالبا للاستغلال فلا تصح مطلقة ولا مؤبدة لأنها عقد لازم فأشبهت الإجارة
تنبيه قد يفهم كلامه أنها لا تجوز على أقل من سنة وليس مرادا بل أقل مدتها ما يطلع فيها الثمر ويستغنى
____________________
(2/327)
عن العمل
وإنما ذكر السنة لأنها محل وفاق وفيما زاد عليها فيه خلاف
فإذا ساقاه أكثر من سنة صح وإن لم يبين حصة كل سنة فإن فاوت بين السنين لم يضر ووقع في الروضة لم يصح وهو تحريف
وإن شرط ثمر سنة معينة من السنين والأشجار بحيث تثمر كل سنة لم يصح العقد وإن ساقاه عشر سنين مثلا لتكون الثمرة بينهما ولم تتوقع إلا في العاشرة صح وتكون السنين بمثابة الأشهر من السنة الواحدة وفارقت ما قبلها لأنه شرط له فيها سهم من جميع الثمرة بخلافه في تلك فإن أثمر قبل العاشرة فلا شيء للعامل في الثمرة لأنه لم يطمع في شيء
تنبيه السنة المطلقة في التأجيل عربية فإن شرطا رومية أو غيرها وعرفا صح وإلا فلا
وإن انقضت المدة وعلى النخيل طلع أو بلح فللعامل حصته منه وعلى المالك التعهد إلى الجداد وإن قال صاحب المرشد إن التعهد عليهما لأن الثمرة مشتركة بينهما ولا يلزم العامل أجرة لتبقية حصته على الشجر إلى حين الإدراك لأنه يستحقها ثمرة مدركة بحكم العقد وإن أدرك الثمر قبل انقضاء المدة لزم العامل أن يعمل البقية بلا أجرة فإن لم يحدث الثمر إلا بعد المدة فلا شيء للعامل
( ولا يجوز التوقيت ) لمدة المساقاة ( بإدراك الثمر في الأصح ) لجهالته بالتقدم تارة والتأخر أخرى
والثاني ينظر إلى أنه المقصود والمراد بالإدراك كما قاله السبكي الجداد
ثم شرع في الركن الخامس وهو الصيغة فقال ( وصيغتها ) أي المساقاة أو ( ساقيتك على هذا النخل ) أو العنب ( بكذا ) من ثمره كنصفه لأنه الموضوع لها
( أو سلمته إليك لتتعهده ) أو اعمل في نخيلي أو تعهد نخيلي بكذا لأدائه معناه
وهذه الثلاثة يحتمل أن تكون كناية وأن تكون صريحة قاله في الروضة كأصلها
ومقتضى كلام الإمام والماوردي والشاشي وغيرهم الأول وقال ابن الرفعة الأشبه الثاني وهو ظاهر كلام ابن المقري وغيره وهو الظاهر
تنبيه أفهم قوله بكذا أنه لا بد من ذكر العوض فلو سكت عنه لم يصح
وفي استحقاقه الأجرة وجهان أوجههما عدم الاستحقاق
ولو ساقاه بلفظ الإجارة لم يصح على الأصح في الروضة كأصلها قالوا لأن لفظ الإجارة صريح في عقد آخر فإن أمكن تنفيذه في محله نفذ فيه كما سيأتي وإلا فالإجارة فاسدة
قال الإسنوي وتصحيح عدم الانعقاد مشكل مخالف للقواعد فإن الصريح في بابه إنما يمنع أن يكون كناية في غيره إذا وجد نفاذا في موضوع وقوله لزوجته أنت علي كظهر أمي ناويا الطلاق فلا تطلق ويقع الظهار بخلاف قوله لأمته أنت طالق فهو كناية في العتق لأنه لم يجد نفاذا في موضوعه ومسألتنا من ذلك اه
ولما كان الإشكال قويا قلت تبعا لشيخنا قالوا فإن وجدت الإجارة بشروطها كأن استأجره بنصف الثمرة الموجودة أو كلها بعد بدو الصلاح وكذا قبله بشرط القطع ولم يكن النصف شائعا كأن شرط له ثمرة معينة صح ولو قال ساقيتك بالنصف مثلا ليكون أجرة لك لم يضر لسبق لفظ المساقاة
( ويشترط ) فيها ( القبول ) لفظا من الناطق للزومها كإجارة وغيرها وتصح بإشارة الأخرس المفهمة ككتابته
( دون تفصيل الأعمال ) فيها فلا يشترط التعرض له في العقد ( ويحمل المطلق في كل ناحية على العرف الغالب ) فيها في العمل إذ المرجع في مثله إلى العرف هذا إذا عرفاه فإن جهلاه أو أحدهما أو لم يكن عرف وجب التفصيل
تنبيه قضية كلامه أن الحمل المذكور يجري وإن عقد بغير لفظ المساقاة وهو كذلك وبه صرح ابن يونس وإن كان كلام الروضة قد يفهم أنه لا يجري إلا في لفظها
( و ) يجب على ( العامل ) عند الإطلاق ( ما ) أي عمل ( يحتاج إليه لصلاح الثمر واستزادته مما يتكرر في كل سنة ) في العمل ولا يقصد به حفظ الأصل ( كسقي ) إن لم يشرب بعروقه ويدخل في السقي توابعه من إصلاح طرق الماء وفتح رأس الساقية وسدها عند السقي فلو شرط السقي على المالك فقيل يجوز ونص عليه في البويطي لأن المساقاة تجوز على النخل البعلي وهو الذي يشرب بعروقه والمشهور
____________________
(2/328)
أن ما على العامل إذا شرط على المالك يبطل العقد
وأما ما يشرب بعروقه فحكى الماوردي فيه ثلاثة أوجه أحدها أن سقيها على العامل
والثاني على المالك
والثالث أي وهو الظاهر يجوز اشتراطه على المالك وعلى العامل فإن أطلق صح ويكون على العامل
( وتنقية ) بئر و ( نهر ) أي مجرى الماء من الطين ونحوه ( وإصلاح الأجاجين التي يثبت فيها الماء ) وهي الحفر حول الشجر يجتمع فيها الماء ليشربه شبهت بالأجاجين التي يغسل فيها
( وتلقيح ) للنخل وهو وضع شيء من طلع الذكور في طلع الإناث وقد يستغني بعض النخيل عن الوضع المذكور لكونها تحت ريح الذكور فيحمل الهواء ريح الذكور إليها
( وتنحية ) أي إزالة حشيش مضر كما في الروضة ولو عبر بالكلأ لكان أولى لأن الكلأ يقع على الأخضر واليابس والحشيش لا يطلق إلا على اليابس على المشهور
( و ) تنحية ( قضبان مضرة ) بالشجر وقطع الجريد وصرفه عن وجوده العناقيد لتصيبها الشمس ويتيسر قطفها عند الإدراك وتقليب الأرض بالمساحي ونحو ذلك مما هو مذكور في المطولات لاقتضاء العرف ذلك
تنبيه إنما قيدت كلامه بعمل ليخرج الطلع الذي يلقح به والقوصرة التي يجعل فيها العناقيد حفظا عن الطيور والزنابير والمنجل والمعول بكسر ميميهما والثور وآلته من المحراث وغيره فإن ذلك على المالك لأنه عين وإنما يكلف العامل العمل
وإنما اعتبر التكرار لأن ما لا يتكرر يبقى أثره بعد فراغ المساقاة وتكليفه العامل إجحاف به
( و ) عليه أيضا ( تعريش ) أي إصلاح العريش التي ( جرت به عادة ) لتلك البلد التي يطرح الكروم فيها على العريش وهو أن ينصب أعوادا ويظللها ويرفع العنب عليها
قال المتولي ونصب الأقصاب فيما يكون على القصب
( وكذا ) عليه ( حفظ الثمر ) على الشجر من السراق ومن الطيور والزنابير بجعل كل عنقود في وعاء يهيئه المالك كقوصرة وعن المشمش بجعل حشيش أو نحوه فوقه عند الحاجة
( و ) عليه ( جداده ) أي قطعه وحفظه في الجرين من السراق ونحوهم ( وتجفيفه في الأصح ) لأنها من مصالحه
والخلاف راجع للمسائل الثلاث لكنه في الروضة عبر في الثانية والثالثة بالصحيح
والثاني ليس عليه لأن الحفظ خارج عن أعمال المساقاة وكذا الجداد والتجفيف لأنهما بعد كمال الثمر
تنبيه قيد في الروضة وأصلها الوجوب في التجفيف على العامل بما إذا اطردت العادة به أو شرطاه وليس هذا القيد من محل الخلاف وألحق ابن المقري بالتجفيف في ذلك الحفظ والجداد وهو ظاهر وإذا لزم التجفيف وجب تسوية الجرين ونقله إليه وتقليبها في الشمس إن احتيج إليه
وكل ما وجب على العامل كان له استئجار المالك عليه وكل ما وجب على المالك لو فعله العامل بإذن المالك استحق الأجرة
فإن قيل ينبغي أن لا يستحق أجرة بمجرد الإذن كما لو أمر بغسل ثوبه
أجيب بأن إذنه في ذلك بمنزلة أمره بقضاء دينه لا كأمره بغسل ثوبه
( و ) كل ( ما قصد به حفظ الأصل ) أي أصل الثمر وهو الشجر ( ولا يتكرر كل سنة كبناء الحيطان ) للبستان ( وحفر نهر جديد ) له وإصلاح ما انهار من النهر ونصب الدولاب والأبواب ( فعلى المالك ) لاقتضاء العرف ذلك وعليه أيضا خراج الأرض الخراجية
تنبيه قوله كبناء الحيطان قد يوهم أن وضع الشوك على الجدار والترقيع اليسير الذي يتفق في الجدار ليس على المالك وليس مرادا بل الأصح أن ذلك بحسب العادة
وتعبيره ب جديد قد يشعر بأن ما انهار من النهر يكون على العامل وليس مرادا بل هو على المالك وما نقله السبكي عن النص من إن الثاني على المالك محمول على ما إذا اطردت العادة من كونهما على المالك أو العامل
( والمساقاة لازمة ) أي عقد لازم من الجانبين كالإجارة بجامع أن العمل فيهما في أعيان تبقى بحالها بخلاف القراض لا تبقى أعيانه بعد العمل فأشبه الوكالة
فإن قيل القول بلزومها مشكل
____________________
(2/329)
أنها إذا وردت على الذمة أشبهت بيع الدين بالدين لأن العمل دين على العامل والثمرة وإن لم تكن دينا إلا أنها معدومة فهي في معنى الدين وبيع الدين بالدين مجمع على بطلانه وقال السبكي لم يتبين لي دليل قوي على لزومها وكنت أود لو قال أحد من أصحابنا بعدم لزومها حتى كنت أوافقه
أجيب عن الأول بأن بيع الدين بالدين قد جوز للحاجة كما في الحوالة وهذه أولى لشدة الحاجة إليها وعن الثاني بما مر من القياس على الإجارة
ويملك العامل فيها حصته بالظهور بخلاف القراض لأن الربح فيه وقاية لرأس المال بخلاف الثمرة نعم إن عقدت المساقاة بعد ظهور الثمرة ملكها بالعقد
وفي فروع ابن القطان أن العامل لو قطع الثمرة قبل أن تبلغ كان متعديا قال ولا شيء له
والأول ظاهر والثاني لا يأتي على القول بأن العامل يملك حصته بالظهور
ثم فرع على اللزوم قوله ( فلو هرب العامل ) أو مرض أو عجز بغير ذلك ( قبل الفراغ ) من عملها ( وأتمه المالك ) بنفسه أو ماله ( متبرعا ) بالعمل أو بمؤنته عن العامل ( بقي استحقاق العامل ) كتبرع الأجنبي بأداء الدين
تنبيه لا يختص الحكم المذكور بالهرب بل لو تبرع عنه بحضوره كان كذلك
وقوله وأتمه المالك ليس بقيد بل لو تبرع عنه بجميع العمل كان كذلك
والمالك أيضا ليس بقيد فلو فعله أجنبي متبرعا عن العامل فكذلك سواء أجهله المالك أم علمه ولا يلزم المالك إجابة الأجنبي المتطوع
وقد يفهم من قيد التبرع أنه لو عمل في مال نفسه ولم يقصد التبرع عنه لم يستحق العامل وكذا لو تبرع الأجنبي عن المالك كما في الجعالة ويحتمل أن يقال يستحق ويفرق بينه وبين الجعالة باللزوم وهذا هو الظاهر وإن قال السبكي الأقرب الأقرب الأول
( وإلا ) بأن لم يوجد متبرع ( استأجر الحاكم عليه ) بعد رفع الأمر إليه وثبوت كل من المساقاة وهرب العامل وتعذر طلبه كأن لم يعرف مكانه
( من يتمه ) من مال العامل ولو كان ماله عقارا
وهل تجعل نفس الأرض أو بعضها أجرة أو تباع ويجعل منها أجرة يجب على الحاكم أن يفعل ما فيه المصلحة فإن لم يكن له مال فإن كان بعد بدو الصلاح باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة واستأجر بثمنه وإن كان قبل بدو الصلاح سواء أظهرت الثمرة أم لا اقترض عليه من المالك أو أجنبي أو بيت المال إن لم يجد من يعمل بأجرة مؤجلة مدة إدراك الثمر لتعذر بيع بعضه وحده للحاجة إلى شرط قطعه وتعذره في الشائع واستأجر بما اقترضه ويقضيه العامل بعد زوال المانع أو يقضيه الحاكم من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح فإن وجد العمل بذلك استغنى عن الاقتراض وحصل الغرض
ولو استأجر الحاكم المالك أو أذن له في الإنفاق فأنفق ليرجع رجع كما لو اقترض منه ومتى تعذر الاقتراض وغيره قبل خروج الثمرة وبعد بدو صلاحها لم يفسخ المالك لأجل الشركة
ولا تباع الثمرة بشرط القطع لتعذر قطعها للشيوع إلا إن رضي المالك ببيع الجميع فيصح البيع وقول الروضة هنا وأن يشتري المالك نصيب العامل بغير شرط القطع لأن لصاحب الشجر أن يشتري الثمر قبل بدو الصلاح بغير شرط القطع ضعيف بل قال الزركشي ما وقع في أصل الروضة هنا سبق قلم
وإن كان ذلك قبل خروج الثمرة فله الفسخ وللعامل أجرة ما عمل
تنبيه يستأجر الحاكم أيضا إذا كان العامل حاضرا وامتنع من العمل كما قاله صاحب المعين اليمني
وظاهر كلام المصنف أنه يكتري وإن كانت المساقاة واردة على العين والذي جزم به صاحب المعين اليمني و النشائي المنع في الواردة على العين لتمكن المالك من الفسخ وهذا هو الظاهر
وقولهم استقرض واكترى عنه يفهم أنه ليس له أن يساقي عنه وهو كذلك
( فإن لم يقدر ) أي المالك ( على ) مراجعة ( الحاكم ) إما لكونه فوق مسافة العدوى أو حاضرا ولم يجبه إلى ما التمسه ( فليشهد على ) العمل بنفسه أو ( الإنفاق إن أراد الرجوع ) بما يعمله أو ينفقه لأن الإشهاد حال العذر كالحكم ويصرح في الإشهاد بإرادة الرجوع فإن لم يشهد كما ذكر فلا رجوع له وإن لم يمكنه الإشهاد فلا رجوع له أيضا لأنه عذر نادر
____________________
(2/330)
تنبيه متى أنفق وأشهد ثم اختلف المالك والعامل في قدر النفقة ففي المصدق منهما احتمالان للإمام رجح السبكي منهما قول المالك
ولم يصرح الشيخان بالمسألة وكلامهما في هرب الجمال يقتضي تصديق العامل فإنهما رجحا قبول قول الجمال وعللاه بأن المنفق لم يستند إلى ائتمان من جهة الحاكم فيكون هنا كذلك
( ولو مات ) العامل المساقي في ذمته قبل تمام العمل ( وخلف تركة أتم الوارث العمل منها ) بأن يستأجر عليه لأنه حق وجب على مورثه فيؤدي من تركته كغيره
وفي معنى التركة نصيبه من الثمرة قاله القاضي وغيره
( وله أن يتم العمل بنفسه أو بماله ) إن اختار ويستحق المشروط ولا يجب عليه الوفاء من عين التركة كغيره من الديون وعلى المالك تمكينه إن كان عارفا بعمل المساقاة أمينا وإلا استأجر الحاكم من التركة فإن لم يخلف تركة لم يقترض عليه لأن ذمته خربت بخلاف الحي
أما إذ كانت المساقاة على عين العامل فإنها تنفسخ بالموت كالأجير المعين ولا تنفسخ بموت المالك في أثناء المدة بل يتم العامل ويأخذ نصيبه
ولو ساقى البطن الأول البطن الثاني ثم مات الأول في أثناء المدة وكان الوقف وقف ترتيب فينبغي أن تنفسخ كما قاله الزركشي لأنه لا يكون عاملا لنفسه قال ويلغز به فيقال مساقاة تنفسخ بموت العاقد أي المالك
واستثنى من ذلك الوارث أي إذا ساقى المورث من يرثه ثم مات المورث فإن المساقاة تنفسخ لما مر
( ولو ثبتت خيانة عامل ) فيها بإقراره أو ببينة أو يمين مردودة ( ضم إليه مشرف ) إلى أن يتم العمل ولا تزال يده لأن العمل حق عليه ويمكن استيفاؤه منه بهذا الطريق فتعين سلوكه جمعا بين الحقين وأجرة المشرف عليه
نعم لو لم تثبت الخيانة ولكن ارتاب المالك فيه فإنه يضم إليه مشرف وأجرته حينئذ على المالك
( فإن لم يتحفظ به ) أي المشرف أزيلت يده بالكلية و ( استؤجر ) عليه ( من مال العامل ) من يتم العمل تعذر استيفاء العمل الواجب عليه منه والقدرة عليه بهذا الطريق
نعم إن كانت المساقاة على عينه فظاهر كما قال الأذرعي أنه لا يستأجر عنه بل يثبت للمالك الخيار
( ولو خرج الثمر ) بعد العمل ( مستحقا ) لغير المساقي كأن أوصى بثمن الشجر المساقى عليه أو خرج الشجر مستحقا ( فللعامل على المساقي أجرة المثل ) لعمله لأنه فوت منافعه بعوض فاسد فيرجع ببدلها
هذا إذا عمل جاهلا بالحال فإن علم الحال فلا شيء له وكذا إذا كان الخروج قبل العمل
ولو اختلفا في قدر المشروط للعامل ولا بينة لأحدهما أو لهما بينتان وسقطتا تحالفا وفسخ العقد كما في القراض وللعامل على المالك أجرة عمله إن فسخ العقد بعد العمل وإن لم يثمر الشجر وإلا فلا أجرة له وإن كان لأحدهما بينة قضي له بها
وتصح الإقالة في المساقاة كما قاله الزركشي قال فإن كان هناك ثمرة لم يستحقها العامل
خاتمة بيع المالك شجر المساقاة قبل خروج الثمر لا يصح لأن للعامل حقا فيها فكأن المالك استثنى بعضها وأما بعده فصحيح ويكون العامل مع المشتري كما كان مع البائع وليس للبائع بيع نصيبه من الثمرة وحدها بشرط القطع لتعذر قطعه لشيوعه
وقول القاضي في فتاويه إذا شرط المالك على العامل أعمالا تلزمه فأثمرت الأشجار والعامل لم يعمل بعض تلك الأعمال استحق من الثمرة بقدر ما عمل فإن عمل نصف ما لزمه استحق نصف ما شرط له مبني على أن العامل ليس بشريك والراجح أنه شريك فيستحق حصته وإن لم يعمل وبذلك أفتى شيخي
والمساقي المالك في ذمته أن يساقي غيره ثم إن شرط له مثل نصيبه أو دونه فذلك ظاهر أو أكثر صح العقد فيما يقابل قدر نصيبه دون الزائد تفريقا للصفقة ولزمه للزائد أجرة المثل فإن كانت المساقاة على عينه وعامل غيره انفسخت بتركه العمل لا بمجرد العقد وكانت الثمرة للمالك ولا شيء للعامل الأول والثاني عليه الأجرة إن جهل الحال وإلا فلا
ولو أعطى شخص آخر دابة ليعمل عليها أو يتعهدها وفوائدها بينهما لم يصح العقد لأنه في الأولى يمكنه إيجار الدابة فلا حاجة إلى إيراد عقد عليها فيه
____________________
(2/331)
غرر وفي الثانية الفوائد لا تحصل بعمله
ولو أعطاها له ليعلفها من عنده بنصف درها ففعل ضمن له المالك العلف
وقول الروضة بدل النصف نسب إلى سبق قلم وضمن الآخر المالك نصف الدر وهو القدر المشروط له لحصوله بحكم بيع فاسد ولا يضمن الدابة لأنها غير مقابلة بعوض فإن قال لتعلفها بنصفها ففعل فالنصف المشروط مضمون على العالف لحصوله بحكم الشراء الفاسد دون النصف الآخر
كتاب الإجارة بكسر الهمزة في المشهور وحكى ابن سيده ضمها وصاحب المستعذب فتحها
وهي لغة اسم للأجرة ثم اشتهرت في العقد
وشرعا عقد على منفعة مقصود معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم فخرج ب منفعة العين وب مقصودة التافهة كاستئجار بياع على كلمة لا تتعب وب معلومة القراض والجعالة على عمل مجهول
ويقابله لما ذكر منفعة البضع فإن العقد عليها لا يسمى إجارة
فإن قيل منفعة البضع لم تدخل حتى يحتاج إلى إخراجها فإن الزوج ما ملك المنفعة وإنما ملك أن ينتفع
أجيب بأن قولهم على منفعة ليس فيه أنه ملك المنفعة فلهذا أخرجت بقابلة للبذل و بعوض هبة المنافع والوصية بها والشركة والإعارة وبمعلوم المساقاة والجعالة على عمل معلوم بعوض مجهول كالحج بالرزق ودلالة الكافر لنا على قلعة نحاربهم منها نعم بر عليه بيع حق الممر ونحوه والجعالة على عمل معلوم بعوض معلوم
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } وجه الدلالة أن الإرضاع بلا عقد تبرع لا يوجب أجرة وإنما يوجبها ظاهر العقد فتعين
وخير الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجرته وخبر البخاري أنه صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه استأجرا رجلا من بني الديل يقال له عبدالله بن الأريقط وخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وأمر بالمؤاجرة وخبر ابن ماجة والبيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قال أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه
وروي أن عليا أجر نفسه من يهودي فاستقى له كل دلو بتمرة حتى بلغ بضعا وأربعين دلوا
والحاجة داعية إليها إذ ليس لكل أحد مركوب ومسكن وخادم فجوزت لذلك كما جوز بيع الأعيان
وأركانها أربعة عاقدان وصيغة وأجرة ومنفعة وقد بدأ بشرط الركن الأول فقال ( شرطهما ) أي المؤجر والمستأجر إن لم يتقدم لهما ذكر لدلالة الإجارة عليهما ( كبائع ومشتر ) في شرطهما وتقدم بيانه ثم
نعم إسلام المشتري شرط فيما إذا كان المبيع عبدا مسلما ورهنا لا يشترط فيصح من الكافر استئجار المسلم كما في قصة علي رضي الله تعالى عنه إجارة ذمة وكذا إجارة عين على الأصح مع الكراهة كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه لكن يؤمر بإزالة ملكه عن المنافع على الأصح في شرح المهذب بأن يؤجره لمسلم
وعلم من قوله كبائع أن الأعمى لا يكون مؤجرا وإن جاز له إجارة نفسه
تنبيه يرد على طرده السفيه فإنه يجوز له إجارة نفسه فيما ليس بمقصود من عمله كما مر في باب الحجر لأنه لما جاز أن يتطوع على غيره بالعمل فأولى بعوض بخلاف المقصود من عمل مثله
ويرد على عكسه ما لو أجر السيد عبد نفسه فإنه لا يصح وإن صح أن يبيعه نفسه كما ذكره المصنف في فتاويه
والشريكان في العقار إذا تنازعا المهايأة أجر القاضي عليهما ويرجع في المدة إلى اجتهاد القاضي كما بحثه الزركشي
ثم شرع في الركن الثاني فقال ( والصيغة ) نحو قول المؤجر ( آجرتك هذا ) الثوب مثلا ( أو أكريتك ) إياه ( أو ملكتك منافعه سنة بكذا ) وإن لم يقل من الآن كما سيأتي ( فيقول ) المستأجر فورا ( قبلت أو استأجرت أو اكتريت ) أو استكريت
تنبيه قوله والصيغة مبتدأ لا معطوف وما بعده خبره وهو قوله أجرتك هذا إلخ
ولا يجوز كون سنة ظرفا أي مفعولا فيه ل آجرتك لأنه إنشاء وزمنه يسير بل المعنى آجرتك واستمر أنت على ذلك سنة كما قيل بذلك في قوله تعالى { فأماته الله مائة عام } أن المعنى فأماته الله واستمر على ومعنى أجرتك سنة أي
____________________
(2/332)
منافع سنة ذلك مائة عام وإلا فزمن الإماتة يسير
وأما نحو آجرتك الدار سنة فالدار مفعول ثان و سنة ظرف بفعل مقدر مأخوذ من آجرتك أي لتنتفع بها سنة ولا يجوز كون سنة مفعولا لأن آجر لا يتعدى إلى مفاعيل
ووزن آجر كما قال ابن الحاجب فاعل كضارب لا أفعل كأكرم
ويجوز تقدم لفظ القابل ولو بقبلت كما يؤخذ من التشبيه بالبيع وبالكتابة وبالاستيجاب والإيجاب وبإشارة الأخرس المفهمة وبالكتابة كالبيع ومن الكنايات هنا اسكن داري شهرا بكذا أو جعلت لك منفعتها بكذا
والخلاف في المعاطاة في البيع جار هنا وفي الرهن والهبة كما نقله في كتاب البيع من المجموع عن المتولي وآخرين قال في التوشيح ولا أدري هل يختار النووي صحة المعاطاة فيها كما اختاره في البيع أو لا والأظهر لا فإنه لا عرف فيها بخلاف البيع
تنبيه اعلم أن مقصودالإجارة المنافع وهي مورد العقد عند الجمهور إذ لو كان موردها العين لامتنع رهن العين المستأجرة والمرهونة وقيل موردها العين ليستوفى منها المنفعة لأن المنافع معدومة
قال الشيخان ويشبه أن لا يكون خلافا محققا لأن من قال بالثاني لا يعني به أن العين تملك بالإجارة كما تملك بالبيع ومن قال بالأول لا يقطع النظر عن العين بالكلية
ونازع في ذلك ابن الرفعة بأن في البحر وجها أن حلي الذهب لا تجوز إجارته بالذهب وحلي الفضة لا تجوز إجارته بالفضة ولا يظهر له وجه إلا على التخريج بأن المؤجر العين فقد صار خلافا محققا ونشأ عنه الاختلاف في هذا الفرع
وقال ابن الملقن تظهر فائدة الخلاف في إجارة المستأجر قبل قبضه إن قلنا مورد العقد العين صحت الإجارة وإلا فسدت لأن المنافع غير مقبوضة
( والأصح انعقادها ) أي الإجارة ( بقوله ) أي المؤجر لدار مثلا ( آجرتك ) أو أكريتك ( منفعتها ) سنة مثلا بكذا فيقبل المستأجر فهو كما لو قال آجرتكها ويكون ذكر المنفعة تأكيدا كقول البائع بعتك عين هذه الدار ورقبتها
والثاني المنع لأن لفظ الإجارة وضع مضافا للعين لأن المنفعة لا منفعة لها فكيف يضاف العقد إليها وجعل في المطلب هذا من فوائد الخلاف في أن موردها العين أو المنفعة
( و ) الأصح ( منعها ) أي منع انعقادها ( بقوله بعتك منفعتها ) لأن لفظ البيع موضوع تلك الأعيان فلا يستعمل في المنافع كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة وكلفظ البيع لفظ الشراء
والثاني يجوز لأنها صنف من البيع وهو قول ابن سريج وجزم به في التنبيه وصححه جمع من المتأخرين ك الإسنوي و الأذرعي
وهذه المسألة من فوائد الخلاف أيضا في أن مورد العقد هل العين أو المنفعة والصحة على قول العين والمنع على قول المنفعة وعليه لا يكون البيع كناية فيها أيضا لأن بعتك ينافي قوله سنة فلا يكون صريحا ولا كناية خلافا لما بحثه بعض المتأخرين من أنه فيه كناية
هذا كله في إجارة العين أما إجارة الذمة فيكفي فيها ألزمت ذمتك بكذا عن لفظ الإجارة ونحوها فيقول قبلت كما في الكافي أو التزمت
( وهي ) أي الإجارة ( قسمان ) أحدهما إجارة ( واردة على عين ) أي علي منفعة مرتبطة بعين ( كإجارة العقار ودابة أو شخص ) وقوله ( معينين ) صفة دابة أو شخص غلب فيه المذكر على المؤنث على الأصل ولو قال معين بالإفراد لوافق المعروف لغة من أن العطف ب أو يقتضي الإفراد ولهذا أجيب عن قوله تعالى { إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما } بأن المراد التنويع وبه يجاب عن المصنف هنا وفي كثير من الأبواب
( و ) القسم الثاني إجارة واردة ( على الذمة كاستئجار دابة موصوفة ) لحمل مثلا ( وبأن يلزم ذمته ) أي الشخص عملا ( خياطة أو بناء ) أو غير ذلك ويقول الآخر قبلت أو اكتريت
وإنما جعل المصنف العقار من قسم الواردة على عين واقتصر عليه لأنه لا يثبت في الذمة والقسم الثاني يتصور فيه الأمران
والسفن هل تلحق بالدواب أو بالعقار لم يتعرضوا له والأقرب إلحاقها بالدواب كما قاله الجلال البلقيني
تنبيه تقسيم الإجارة إلى واردة على العين وواردة على الذمة لا ينافي تصحيحهم أن موردها المنفعة لا العين لأن
____________________
(2/333)
المراد بالعين ثم ما يقابل المنفعة وهنا ما يقابل الذمة ولهذا قدرت في كلامه ما يدل لذلك
( ولو قال ) شخص لآخر ( استأجرتك لتعمل ) لي ( كذا فإجارة عين ) في الأصح للإضافة إلى المخاطب كقوله استأجرتك لهذه الدابة
( وقيل ) إجارة ( ذمة ) نظرا إلى المعنى لأن المقصودحصول العمل من جهة المخاطب فكأنه قال استحقيت كذا عليك فله تحصيله بغيره وبنفسه
ورد هذا بأنه لم يجر لفظ الذمة ولا اللفظ ظاهر فيه وقد قطعوا بالأول في كتاب الحج فمثلوا استئجار عين الشخص للحج ب استأجرتك لتحج عني أو عن ميتي ولم يحكموا فيه الخلاف
( ويشترط في ) صحة ( إجارة الذمة تسليم الأجرة في المجلس ) قطعا إن عقدت بلفظ السلم كرأس مال السلم لأنها سلم في المنافع وكذا إن عقدت بلفظ الإجارة في الأصح نظرا إلى المعنى فلا يجوز فيها تأخير الأجرة ولا الاستبدال عنها ولا الحوالة بها ولا عليها ولا الإبراء منها
تنبيه لا يعلم من كلامه وجوب كون الأجرة حالة وهو لا بد منه لأنه لا يلزم من القبض الحلول
( وإجارة العين لا يشترط ) في صحتها ( ذلك ) أي تسليم الأجرة ( فيها ) في المجلس معينة كانت الأجرة أو في الذمة كالثمن في البيع
ثم إن عين لمكان التسليم مكانا تعين وإلا فموضع العقد كما نقله في باب السلم من زيادة الروضة عن التتمة وأقره
( ويجوز ) في الأجرة ( فيها ) أي إجارة العين ( التعجيل ) للأجرة ( والتأجيل ) فيها ( إن كانت ) تلك الأجرة كالثمن ويجوز الاستبدال عنها والحوالة بها وعليها والإبراء منها فإن كانت معينة لم يجز التأجيل لأن الأعيان لا تؤجل
( وإن أطلقت ) تلك الإجارة ( تعجلت ) فتكون حالة كالثمن في البيع المطلق
( وإن كانت معينة ) أو مطلقة كما في الروضة وأصلها أو في الذمة كما قاله المتولي وإن أفهم كلام المصنف خلافه ( ملكت في الحال ) بالعقد ملكا مراعى بمعنى أنه كلما مضى جزء من الزمان على السلامة بان أن المؤجر استقر ملكه من الأجرة على ما يقال ذلك
أما استقرار جميعها فباستيفاء المنفعة أو بتفويتها كما سيأتي في كلامه آخر الباب ولو ذكره هنا كان أولى
ولو تنازعا في البداءة بالتسليم فكما مر في البيع كما قاله المتولي وأقره خلافا للماوردي في قوله لا يجب تسليم الأجرة ما لم يسلم العين المستأجرة إلى المستأجر
تنبيه كما يملك المؤجر الأجرة بالعقد يملك المستأجر المنفعة المعقود عليها وتحدث في ملكه بدليل جواز تصرفه فيها في المستقبل
ولو أجر الناظر الوقف سنين وأخذ الأجرة لم يجز له دفع جميعها للبطن الأول وإنما يعطي بقدر ما مضى من الزمان فإن دفع أكثر منه فمات الآخذ ضمن الناظر تلك الزيادة للبطن الثاني قاله القفال
قال الزركشي وقياسه أنه لوأجر الموقوف عليه لا يتصرف في جميع الأجرة لتوقع ظهور كونه لغيره بموته اه
وهو كما قال السبكي محمول على ما إذا طالت المدة أما إذا قصرت فيتصرف في الجميع لأنه ملكه في الحال أما صرفها في العمارة فلا منع منه بحال
ثم شرع في الركن الثالث ذاكرا لشرطه فقال ( ويشرط كون الأجرة ) التي في الذمة ( معلومة ) جنسا وقدرا وصفة كالثمن في البيع فإن كانت معينة كفت مشاهدتها إن كانت على منفعة معينة على المذهب أو في الذمة على الأصح
فإن قيل يردعلى اشتراط العلم بها صحة الحج بالرزق كما جزم به في الروضة مع أن الرزق مجهول
أجيب بأن ذلك ليس بإجارة بل نوع جعالة يغتفر فيها الجهل بالجعل وعلى اشتراط العلم بالأجرة
( فلا تصح ) استئجار الدار مثلا ( بالعمارة ) كأجرتكها بما تحتاج إليه من عمارة أو بدينار مثلا تعمرها به لأن العمل بعض الأجرة وهو مجهول فتصير الأجرة مجهولة فإن أجره الدار بدراهم معلومة بلا شرط وأذن له في صرفها في العمارة صح
قال ابن الرفعة ولم يخرجوه على اتحاد القابض والمقبض لوقوعه ضمنا
وإذا أنفق واختلفا في القدر المنفق صدق المنفق بيمينه إن ادعى قدرا محتملا كما جزم به ابن الصباغ وغيره
( و ) لا يصح أيضا إجارة دابة شهرا مثلا بنحو ( العلف ) بسكون اللام وفتحها بخطه الأول مصدر
____________________
(2/334)
والثاني اسم لما يعلف به كرياضتها للجهلة
( ولا ) يصح أيضا استئجار سلاخ ( ليسلخ ) الشاة ( بالجلد ) الذي عليها ( ولا ) طحان على أن ( يطحن ) البر مثلا ( ببعض الدقيق ) منه كربعه ( أو بالنخالة ) منه للجهل بثخانة الجلد وبقدر الدقيق والنخالة ولعدم القدرة على الأجرة حالا
وقد روى الدارقطني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قفيز الطحان وفسر بأن يجعل أجرة الطحن قفيزا مطحونا
والضابط في هذا أن تجعل الأجرة شيئا يحصل بعمل الأجير
قال السبكي ومنه ما يقطع في هذه الأزمان من جعل أجرة الجابي العشر مما يستخرجه
قال فإن قيل لك نظير العشر لم تصح الإجارة أيضا وفي صحته جعالة نظر اه
والظاهر فيها البطلان للجهل بالجعل
تنبيه أطلق المصنف الطحن وصورته أن يقول لتطحن الكل أو يطلق فإن قال لتطحن ما وراء الصاع المجعول أجرة صح كما قاله الماوردي
( ولو استأجرها ) أي المرأة ( لترضع رقيقا ببعضه ) كربعه ( في الحال جاز على الصحيح ) ولا أثر لكون عملها يقع في مشترك كمساقاة شريكه إذا شرط له زيادة من الثمرة فإنه يجوز وإن كان عمله يقع في مشترك كما قال إليه الإمام و الغزالي
وقال ابن النقيب إطلاق نص الأم أنه لا يجوز كونه أجيرا على شيء هو شريك فيه اه
والتحقيق ما اختاره السبكي من أنه وإن كان الاستئجار على الكل لم يجز وهو مراد النص كأن يقول لغير شريكه اكتريتك لتطحن لي هذه الويبة بربعها ولشريكه فيها اكتريتك بربعها لتطحن لي حصتي أو على حصته فقط جاز كقوله لغير شريكه اكتريتك بربعها لتطحن لي باقيها ولشريكه فيها اكتريتك بربعها لتطحن لي باقي حصتي منها وعلى هذا ينزل كلامهم
ثم شرع في الركن الرابع وهو المنفعة وله خمسة شروط مبتدئا بأول الشروط فقال ( و ) يشترط ( كون المنفعة متقومة ) لم يرد بالمتقومة هنا مقابلة المثلية بل ما لها قيمة ليحسن بدل المال في مقابلتها كاستئجار دار للسكنى والمسك والرياحين للشم فإنها إذا لم تكن لها قيمة إما لحرمتها أو لخستها أو قلتها يكون بذل المال في مقابلتها سفها وتبذيرا
وهذا الشرط معطوف على قوله ب معلومة كما يعلم من التقدير
وضابط ما يجوز استئجاره كل عين ينتفع بها مع بقاء عينها منفعة مباحة معلومة مقصودة تضمن باليد وتباح بالإباحة
ثم فرع على اشتراط تقويم المنفعة قوله ( فلا يصح استئجار ) تفاحة للشم لأنها تافهة لا تقصد له فهي كحبة بر في البيع فإن كثر التفاح صحت الإجارة لأن منه ما هو أطيب من كثير من الرياحين
ولا استئجار ( بياع على كلمة لا تتعب ) قائلها ( وإن ) كانت إيجابا وقبولا و ( روجت السلعة ) إذ لا قيمة لها
لكن لو استؤجر عليها ولم يتعب بتردد أو كلام فلا شيء له وإلا فله أجرة المثل
فإن قيل ذلك غير معقود عليه فهو متبرع به
أجيب بأنه لما كان المعقود عليه لا يتم إلا به عادة نزل منزلته
أما ما يحصل فيه التعب من الكلمات كما في بيع الثياب والعبيد ونحوهما مما يختلف ثمنه باختلاف المتعاقدين فيصح الاستئجار عليه ويلحق بما ذكره المصنف ما إذا استأجره ليعلمه آية لا تعب فيها كقوله تعالى { ثم نظر } كما صرحوا به في الصداق وكذا على إقامة الصلاة إذ لا كلفة فيها بخلاف الأذان فإن فيه كلفة مراعاة الوقت
قال الرافعي وليست صافية من الإشكال وتقوي الصحة بالتبعية للأذان
وفي الإحياء لا يجوز أخذ عوض على كلمة يقولها طبيب بدواء ينفرد به بمعرفته إذ لا مشقة عليه في التلفظ به بخلاف ما لو عرف الصيقل الماهر إزالة إعوجاج السيف والمرآة بضربة واحدة فإن له أخذ العوض وإن كثر لأن هذه صناعات يتعب في تعليمها ليكتسب بها ويخفف عن نفسه التعب
وأقنى القفال بأنه لا يصح استئجار له وهذا هو الظاهر وإن قال الأذرعي المختار ما قاله الغزالي
( وكذا دراهم ودنانير للتزيين ) للحوانيت ونحوها ( وكلب ) معلم ( للصيد ) ونحوه كحراسة ماشية أو زرع أو درب لا يجوز استئجار كل من ذلك ( في الأصح ) في الجميع لأن منفعة التزيين بالنقد غير متقومة فلا تقابل بمال بخلاف إعارتها للزينة كما مر في بابها والكلب لا قيمة لعينه فكذا لمنفعته
والثاني ينازع في مثل ذلك
ومثل التزيين في ذلك الصرب على سكتها والوزن بها أما إذا لم يصرح بالتزيين أو لم يكن الكلب
____________________
(2/335)
معلما فلا يصح الاستئجار جزما
وخرج بالكلب الخنزير فلا تصح إجارته جزما والمتوالد منهما كذلك كما قاله بعض المتأخرين
وخرج بالدراهم والدنانير الحلي فتجوز إجارته حتى بمثله من ذهب أو فضة
ولو استأجر شجرة للاستظلال بظلها أو الربط بها أو طائرا للأنس بصوته كالعندليب أو لونه كالطاووس صح لأن المنافع المذكورة مقصودة متقومة
ويصح الاستئجار في الهرة لدفع الفأر والشبكة والفهد والبازي للصيد لأن لمنافعها قيمة
ثم شرع في الشرط الثاني فقال ( و ) يشترط في المنفعة أيضا ( كون المؤجر قادرا على تسليمها ) حسا أو شرعا ليتمكن المستأجر منها والقدرة على التسليم تشمل ملك الأصل وملك المنفعة فيدخل المستأجر فله إيجار ما استأجره وكذا للمقطع أيضا إجارة ما أقطعه له الإمام كما في فتاوى المصنف قال لأنه مستحق لمنفعته وخالف في ذلك الشيخ تاج الدين الفزاري وجماعة من علماء عصره فأفتوا بالبطلان فإن المقطع لم يملك المنفعة وإنما أبيح له الانتفاع بها كالمستعير
والأولى كما قال الزركشي التفصيل بين أن يأذن له الإمام في الإيجار أو يجري عرف عام كديار مصر فيصح وإلا فيمتنع
وعلى اشتراط القدرة ( فلا يصح استئجار آبق ومغصوب ) لغير من هما في يده ولا يقدر على انتزاع المغصوب عقب العقد أما الغاصب أو القادر على انتزاع المغصوب عقب العقد أو من وقع الآبق في يده فيصح الاستئجار منه
تنبيه يؤخذ من اشتراط القدرة على تسليم المنفعة أنه لا يصح استئجار العبد المنذور عتقه أو المشروط عتقه على المشتري وبه صرح في المجموع
( و ) لا يصح استئجار ( أعمى ) إجارة عين ( للحفظ ) فيما يحتاج للنظر ولا أخرس للتعليم أما لو استأجر واحدا منهما لحفظ شيء بيده أو جلوسه خلف باب للحراسة ليلا فإنه يصح
وخرج بإجارة العين إجارة الذمة فيصح منهما مطلقا لأنها سلم وعلى المسلم إليه تحصيل المسلم فيه بأي طريق كان
ولا استئجار غير القارىء لتعليم القرآن في إجارة لعين ولو اتسعت المدة ليعلمه قبل تعليمه لأن المنفعة مستحقة من عينه والعين لا تقبل التأجيل بخلافها في إجارة الذمة لأنها سلم في المنافع كما مر
( و ) لا استئجار ( أرض للزراعة لا ماء لها دائم ) أي مستمر ( ولا يكفيها المطر المعتاد ) ولا ما في معناه كثلج ونداوة ولا تسقى بماء غالب الحصول لعدم القدرة على التسليم
ومجرد الإمكان لا يكفي كإمكان عود الآبق والمغصوب نعم لو قال المكرى أنا أحفر لك بئرا وأسقي أرضك منها أو أسوق الماء إليها من موضع آخر صحت الإجارة كما قاله الروياني
أما لو استأجرها للسكنى فإنه يصح وإن كانت بمحل لا يصلح لها كالمفازة
( ويجوز ) استئجارها للزراعة ( إن كان لها ماء دائم ) من عين أو بئر أو نهر ولو صغيرا ( وكذا ) يجوز ( إن كفاها المطر المعتاد أو ماء الثلوج المجتمعة ) في نحو جبل ( والغالب حصولها في الأصح ) لأن الظاهر حصول الغالب
والثاني لا يجوز لعدم الوثوق لحصول ما ذكر
ويجوز استئجار أراضي مصر للزراعة بعد ريها بالزيادة
وكذا قبله على الأصح إن كانت تروى من الزيادة الغالبة كخمسة عشر ذراعا فما دونها كما نقله في الكفاية عن أبي الطيب و ابن الصباغ واقتضاء كلام الشيخين وقال السبكي وما يروى من خمسة عشر كالموثوق به عادة وما يروى من ستة عشر وسبعة عشر غالب الحصول وإن كان الاحتمال متطرقا إلى السبعة عشر قليلا وإلى السبعة عشر كثيرا اه
بل الغالب في زماننا وصول الزيادة إلى السبعة عشر والثمانية عشر
ويصح استئجار الأرض للزراعة قبل انحسار الماء عنها وإن سترها عن الرؤية لأن الماء من مصلحتها كاستتار الجوز واللوز بالقشر
فإن قيل ينبغي عدم الصحة لأن الانتفاع عقب العقد شرط والماء يمنعه
أجيب بأن الماء من مصالح الزرع وبأن صرفه ممكن في الحال بفتح موضع ينصب إليه فيتمكن من الزرع حالا كاستئجار دار مشحونة بأمتعة يمكن نقلها في زمن لا أجرة له هذا إن وثق بانحصاره وقت الزراعة وإلا فلا يصح
وإن كانت الأرض على شط نهر والظاهر أنه يغرقها وتنهار في الماء لم يصح استئجارها لعدم القدرة على تسليمها وإن احتمله ولم يظهر جاز لأن الأصل والغالب السلامة
وإن استأجرها أرضا للزراعة وأطلق دخل فيها شربها إن اعتيد
____________________
(2/336)
دخوله بعرف مطرد وهو بكسر الشين بخلاف ما لو باعها لا يدخل لأن المنفعة هنا لا تحصل بدونه
أو شرط في العقد فإن اضطرب العرف فيه أو استثنى الشرب ولم يوجد شرب غيره لم يصح العقد للاضطراب في الأول وكما لو استثنى ممر الدار في بيعها في الثاني فإن وجد شرب غيره صح لزوال المانع بالإغتناء عن شربها
( والامتناع الشرعي ) لتسليم المنفعة ( كالحسي ) في حكمه
تنبيه استثنى من هذه القاعدة مسائل منها ما لو رأى المتيمم ماء في صلاته التي تسقط القضاء ثم تلف امتنع عليه التنفل بعد السلام بذلك التيمم مع أنه رآه وهو ممنوع من استعماله شرعا لأجل الصلاة ولم يجعلوه كما لو رآه وثم مانع منه حسي كسبع وعدو
ومنها ما ذكروه في الإيلاء أن المانع إذا قام بالمرأة إن كان حسيا منع من ضرب المدة أو شرعيا فلا في بعض الصور
ومنها الإقالة فإنها تجوز بعد تلف المبيع ولا تجوز بعد بيع المبيع أو إجارته
ومنها ما لو فقد إحدى رجليه ولبس الخف على الأخرى فإنه يجوز أن يمسحه ولو كانت عليلة بحيث لا تغسل لم يمسح خف الأخرى على الصحيح
ثم فرع على القاعدة المذكورة قوله ( فلا يصح استئجار لقلع سن صحيحة ) لحرمة قلعها وفي معناها ككل عضو سليم من آدمي أو غيره في غير قصاص
أما العليلة فيصح الاستئجار لقلعها إن صعب الألم وقال أهل الخبرة إن قلعها يزيل الألم وأما المستحق قلعها في قصاص فيجوز له لأن الاستئجار في القصاص واستيفاء الحدود جائز
وفي البيان أن الأجرة على المقتص منه إذا لم ينصب الإمام جلادا يقيم الحدود ويرزقه من مال المصالح
ولو كان السن صحيحا ولكن انصب تحته مادة من نزلة ونحوها وقال أهل الخبرة لا تزول المادة إلا بقلعها فالأشبه كما قال الأذرعي جواز القلع لضرورة
واليد المتأكلة كالسن الوجعة وكذا الفصد والحجامة
فإن قيل ما الفرق بين هذا وبين استئجار البياع على كلمة لا تتعب أجيب بأن الفصد ونحوه جوز للحاجة ولو استأجره لقلع سن وجعة فبرئت انفسخت الإجارة لتعذر القلع فإن لم تبرأ ومنعه من قلعها لم يجبر عليه ويستحق الأجرة بتسليم نفسه ومضي مدة إمكان العمل لكنها تكون غير مستقرة حتى لو سقطت رد الأجرة كمن مكنت الزوج فلم يطأها ثم فارق
ويفارق ذلك ما لو حبس الدابة مدة إمكان السير حيث تستقر عليه الأجرة لتلف المنافع تحت يده
( ولا ) استئجار مسلمة ( حائض ) أو نفساء أو مستحاضة إجارة عين ( لخدمة مسجد ) وإن أمنت التلويث وجوزنا العبور لاقتضاء الخدمة المكث أو التردد وهي ممنوعة منه
أما الكافرة إذا أمنت التلويث فالأشبه الصحة كما قاله الأذرعي بناء على الأصح من تمكين الكافر الجنب من المكث بالمسجد لأنها لا تعتقد حرمته
ولو استأجر عين امرأة مسلمة لكنس مسجد فحاضت أو نفست انفسخت الإجارة فلو دخلت وكنست عصت ولم تستحق أجرة
وفي معنى خدمة المسجد تعليم القرآن وفي معنى الحائض المستحاضة ومن به جراحة نضاحة إذا لم يأمن التلويث
وأما إجارة من ذكر في الذمة فتصح
ولا استئجار لتعليم التوراة والإنجيل والسحر والفحش والنجوم والرمل ولا لختان الصغير الذي لا يحتمل ولا لختان الكبير في شدة الحر والبرد ولا لتثقيب الأذن ولو لأنثى ولا للزمر والنياحة وحمل الخمر غير المحترمة لا للإراقة ولا لتصوير الحيوانات وسائر المحرمات وجعل في التنبيه من المحرمات الغناء وفيه كلام ذكرته في شرحه
ولا يجوز أخذ العوض على شيء من ذلك كبيع الميتة أما الاستئجار على حمل الخمر للإراقة أو حمل المحترمة فجائز كنقل الميتة إلى المزبلة
وكما يحرم أخذ الأجرة على المحرم يحرم إعطاؤها إلا لضرورة كفك الأسير وإعطاء الشاعر لئلا يهجوه الظالم ليدفع ظلمه والحاكم ليحكم بالحق فلا يحرم الإعطاء عليها
( وكذا ) حرة ( منكوحة ) لغير المستأجر تملك منافع نفسها ولا تجوز إجارتها إجارة عين كما قاله القاضي حسين وغيره ( لرضاع أو غيره ) مما لا يؤدي لخلوة محرمة ( بغير إذن الزوج في الأصح ) لأن أوقاتها مستغرقة بحقه
والثاني يجوز لأن محله غير محل النكاح إذ لا حق له في لبنها وخدمتها لكن له فسخها حفظا لحقه
تنبيه استثني من كلام المصنف ما لو كان الزوج غائبا غيبة بعيدة أو كان طفلا فأجرت نفسها لعمل تعمله في
____________________
(2/337)
منزله بحيث تظن فراغها منه قبل تمكنه من التمتع بها فإنه يصح كما قاله الأذرعي وقول الغزي إن هذا ضعيف لأن منافعها مستحقة للزوج بعقد النكاح ممنوع فإن الزوج لم يستحق المنافع وإنما استحق أن ينتفع وهو متعذر
وخرج بالحرة الأمة فإن لسيدها أن يؤجرها نهارا بغير إذن زوجها لأن له الانتفاع بها
نعم المكاتبة كالحرة كما قاله الأذرعي إذ لا سلطنة للسيد عليها والعتيقة الموصى بمنافعها أبدا لا يعتبر إذن الزوج في إيجارها كما قاله الزركشي
وبغير المستأجر المنكوحة له فيجوز له استئجارها ولو لولده منها وبتملك منافعها ما لو كانت مستأجرة العين فلا يصح أن تؤجر نفسها قطعا
فإن قيل قد عمت البلوى باستئجار العكامين للحج وقد أفتى السبكي بمنعه لأن الإجارة وقعت على أعينهم للعكم فكيف يستأجرون بعد ذلك أجيب بأنه لا مزاحمة بين أعمال الحج والعكم إذ يمكنه فعلها في غير أوقات العكم لأنه لا يستغرق الأزمنة
وبإجارتها إجارة عين ما لو التزمت عملا في ذمتها فإن العقد يصح وإن لم يأذن الزوج وبغير إذن ما لو أذن فإنه يصح قطعا لأن المنع كان لحقه وليس لمستأجرها منع الزوج من وطئها في أوقات فراغها خوف الحبل وانقطاع اللبن على الأصح في زيادة الروضة
فإن قيل قياس منع الراهن من وطء الأمة المرهونة بغير إذن المرتهن منع الزوج من وطء الزوجة بغير إذن المستأجر كما قال به الروياني ونقله الإمام عن الأصحاب
أجيب بأن الراهن يملك منافع الأمة وقد حجر على نفسه بالرهن ولا كذلك الزوج
( ويجوز تأجيل المنفعة ) إلى أجل معلوم ( في إجارة الذمة ) لأن الدين يقبل التأجير كما لو أسلم في شيء إلى أجل معلوم فإن أطلق كان حلا
وقوله ( كألزمت ذمتك الحمل ) لكذا ( إلى مكة ) مثلا ( أول شهر كذا ) تبع فيه المحرر وظاهره أنه تأجيل صحيح وهو المنصوص في البويطي لكن الأصح كما في الروضة وأصلها في السلم عن الأصحاب أنه لو قال أول شهر رمضان بطل لأنه يقع على جميع النصف الأول فلو مثل كالشرحين والروضة بغرة شهر كذا لكان أولى
ويمكن أن يريد بالأول المستهل فيكون مساويا للتمثيل بالغرة
( ولا يجوز ) ولا يصح ( إجارة عين لمنفعة مستقبلة ) كإجارة الدار السنة المستقبلة أو سنة أولها من الغد
واحترز بالعين عن إجارة الذمة كما مر
فإن قيل يرد على الكتاب ما لو استأجره لعمل لا يعمل إلا بالنهار وعقد الإجارة ليلا وأطلق فإنه يصح وإن كان الحال يقتضي تأخير العمل كما لو أجر أرضا للزراعة في وقت لا يتصور المبادرة فيه إلى زراعتها
أجيب بأن قوله المنفعة مستقبلة يدل على أن ذلك وقع في لفظ العقد
ثم استثنى المصنف من قوله ولا يجوز إلخ مسألتين أشار إلى الأولى بقوله ( فلو أجر ) المالك ( السنة الثانية لمستأجر الأولى قبل انقضائها جاز ) ذلك ( في الأصح ) لاتصال المدتين مع اتحاد المستأجر كما لو أجر منه السنتين في عقد واحد
فإن قيل إن العقد الأول قد ينفسخ فلا يتحقق الاتصال
أجيب بأن الشرط ظهوره فلا يقدح عروض الانفساخ
والوجه الثاني لا يجوز كما لو أجرها لغيره وصححه جمع
واحترز بقوله قبل انقضائها عما لو قال أجرتكها سنة فإذا انقضت فقد أجرتكها سنة أخرى فإن العقد الثاني لا يصح كما لو علق بمجيء الشهر
تنبيه لو قال المصنف لمستحق منفعة السنة الأولى لكان أولى لشموله صورتين ذكرهما القفال في فتاويه إحداهما الموصى له بالمنفعة مدة يجوز للوارث أن يؤجره مدة ثانية قبل فراغ المدة الموصى له بها الثانية المعتدة بالأشهر المستحقة للسكنى بدار تصح إجارتها لها قبل فراغ العدة مدة مستقبلة
وإن استؤجرت الدار من المستأجر الأول فللمالك أن يؤجرها السنة الأخرى من الثاني لأنه المستحق الآن للمنفعة لا من الأول كما جزم به صاحب الأنوار لأنه الآن غير مستحق للمنفعة خلافا لما أفتى به القفال من ترجيح صحة الإجارة من الأول دون الثاني
ويجوز لمشتري العين المستأجرة أن يؤجرها من المستأجر من البائع السنة الثانية قبل فراغ الأولى لاتحاد المستأجر خلافا لابن المقري وكذا لو أجر الوارث ما أجره مورثه للمستأجر منه لما مر
هذا كله إذا لم يحصل فصل بين السنتين وإلا فلا تصح الثانية قطعا
وشمل كلامهم المطلق والوقف إلا إن شرط الواقف أن لا يؤجر الوقف أكثر من سنة فأجره الناظر سنة في عقد آخر قبل مضي المدة فإن العقد الثاني لا يصح كما أفتى به ابن الصلاح وإن بحث ابن الأستاذ الصحة
ولو أجر عينا فأجرها المستأجر لغيره ثم
____________________
(2/338)
تقابل المؤجر والمستأجر الأول صحت الإقالة كما قاله السبكي ولم تنفسخ الثانية كما قاله بعض المتأخرين وهو ظاهر ويخالف نظيره في البيع بانقطاع علقته بخلاف الإجارة
ولو أجره حانوتا أو نحوه مما يستمر الانتفاع به عادة أيام شهر لا لياليه أو عكسه لم يصح لأن زمان الانتفاع لم يتصل بعضه ببعض بخلاف العبد والدابة فيصح لأنهما عند الإطلاق للإجارة يرفهان في الليل أو غيره على العادة لأنهما لا يطيقان العمل دائما
ثم أشار إلى المسألة الثانية بما تضمنه قوله ( ويجوز كراء العقب في الأصح ) المنصوص جمع عقبة بضم العين وهي النوبة لأن كلا منهما يعقب صاحبه ويركب موضعه
( وهو ) أي كراء العقب ( أن يؤجر دابة رجلا ) مثلا ( ليركبها بعض الطريق ) يعني كنصفه أو ربعه أو نحو ذلك والمؤجر البعض الآخر تناوبا مع عدم شرط البداءة بالمؤجر سواء أشرطاها للمستأجر أم أطلقا أو قالا ليركب أحدنا وسواء وردت الإجارة على العين أم الذمة لثبوت الاستحقاق حالا والتأخير الواقع من ضرورة القسمة
أما إذا اشترطا أن يركبها المؤجر أولا فإن العقد باطل في إجارة العين لتأخير حق المكتري وتعلق الإجارة بالمستقبل
( أو ) يؤجرها ( رجلين ) مثلا ( ليركب هذا أياما ) معلومة ( وذا أياما ) كذلك تناوبا ( ويبين البعضين ) في الصورتين إن لم يكن عادة فإن كان هناك عادة مضبوطة بزمان أو مسافة اتبعت
( ثم يقتسمان ) أي المكتري والمتكري في الأولى والمكتريان في الثانية الركوب بالتراضي على الوجه المبين أو المعتاد فإن تنازعا في الإبتداء أقرع
ومقابل الأصح أوجه أصحها المنع في الصورتين لأنها إجارة أزمان منقطعة
والثاني تصح في الصورة الثانية لاتصال زمن الإجارة فيها دون الأولى
والثالث تصح فيهما إن كانت في الذمة ولا تصح إن كانت معينة
واعلم أن قضية قوله أياما بصيغة الجمع جواز كون النوبة ثلاثة أيام فأكثر وهذا قد يخالفه قول الروضة وأصلها ليس لأحدهما طلب الركوب ثلاثا والمشي ثلاثا للمشقة قال السبكي والحق أنه يجوز أن يشارطا عليه إلا أن يكون فيه ضرر على البهيمة وكلام الروضة محمول على أنه بعد استقرار الأمر على يوم ونحوه ليس له طلب ثلاث قال الولي العراقي كلام الروضة محمول على ما إذا كانت العادة يوما اه
فإن اتفقا على ذلك ولم يحصل ضرر للماشي ولا للدابة جاز كما نقله في الثانية في البيان وبحثه بعضهم في الأولى
والزمان المحسوس في المناوبة زمن السير دون النزول كما قاله المتولي حتى لو نزل أحدهما للاستراحة أو لعلف الدابة لم يحسب زمن النزول لأن نفس الزمان غير مقصود وإنما المقصود قطع المسافة
ولو استأجر اثنان دابة لا تحملهما حمل الاستئجار على التعاقب وأن كانت تحملهما ركباها جميعا
ولو استأجر دابة ليركبها بعض الطريق متواليا صح قطعا أو أطلق أو استأجر نصفها إلى موضع كذا صحت الإجارة مشاعة كبيع المشاع ويقتسمان الزمان أو المسافة فإن تنازعا في البداءة أقرع بينهما كما مر
تنبيه يضاف إلى ما استثناه المصنف من المسألتين السابقتين مسائل الأولى ما لو أجر الشخص نفسه ليحج عن غيره إجارة عين قبل وقت الحج فإنه يصح إن لم يتأت تأديته من بلد العقد إلا بالسير قبله وكان بحيث يتهيأ للخروج عقبه
الثانية أنه يصح استئجار دار مثلا ببلد آخر وإن كان التسليم لا يتأتى إلا بقطع المسافة
الثالثة أنه يصح استئجار دار مشحونة بأمتعة يمكن نقلها في زمن يسير لا يقابل بأجرة
الرابعة ما سبق من صحة استئجار أرض للزراعة وعليها الماء قبل انحساره
فرع استئجار ما لا منفعة فيه في الحال كجحش صغير فاسد لأن الإجارة موضوعة على تعجيل المنافع بخلاف المساقاة على ما لا يثمر في تلك السنة ويثمر بعدها لأن تأخير الثمار يحتمل في كل مساقاة
ثم شرع في الشرط الثالث مترجما له بفصل فقال فصل ( يشترط ) في إجارة عين أو ذمة فيما له منافع كدار ( كون المنفعة ) في كل منهما ( معلومة ) عينا صفة وقدرا ولم يقل وكون المنفعة معلومة كما قال سابقا وكون المؤجر قادرا على تسليمها لكثرة أبحاث هذا الشرط فلا يصح
____________________
(2/339)
إيجار أحد عبديه ولا إجارة الغائب ولا إجارة مدة غير مقدرة
واستثني من ذلك دخول الحمام فإنه جائز بالإجماع كما حكاه في المجموع في باب بيع الغرر مع اختلاف حال الداخلين في المكث واستعمال الماء
والأصح أن الذي يأخذه الحمامي أجرة الحمام وما يسكب به الماء والإزار وحفظ الثياب أما الماء فغير مضبوط على الداخل والحمامي أجير مشترك لا يضمن على المذهب
وقيل إن الذي يأخذه ثمن الماء وأجرة الحمام وما يسكب به وحفظ الثياب وصححه السبكي تبعا لابن أبي عصرون
ثم إن لم يكن للعين المعينة سوى منفعة واحدة كالبساط للفرش حمل الإطلاق عليها وإن كان له منافع كالأرض والدابة وجب البيان كما قال ( ثم تارة تقدر ) المنفعة ( بزمان ) فقط ( كدار ) أي كإجارة دار وثواب وإنار ( سنة ) معينة متصلة بالعقد فيقول أجرتك هذه الدار بالسكنى سنة فإن قال على أن تسكنها لم يصح كما في البحر
ولو أجره شهرا مثلا وأطلق صح وجعل ابتداء المدة من حينئذ لأنه المفهوم المتعارف وإن قال ابن الرفعة لا بد أن يقول من الآن
ولا تصح إجارة شهر من هذه السنة وبقي فيها أكثر من شهر للإبهام فإن لم يبق فيها غيره صح
وقوله أجرتك من هذه السنة كل شهر بدرهم أو أجرتك كل شهر منها بدرهم فاسد لأنه لم يعين فيها مدة فإن قال أجرتك هذه السنة كل شهر بدرهم صح لأنه أضاف الإجارة إلى جميع السنة بخلافه في الصورة السابقة
ولو قال أجرتك هذا الشهر بدينار وما زاد فبحسابه صح في الشهر الأول
قال في المجموع وأجمعوا على جواز الإجارة شهرا مع أنه قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين
قال الزركشي لكن إذا أجره شهرا معينا بثلاثين درهما كل يوم منه بدرهم فجاء الشهر تسعة وعشرين بطل كما لو باع الصبرة بمائة درهم كل صاع بدرهم فخرجت تسعين مثلا
( وتارة ) تقدر ( بعمل ) أي محله من غير مدة ( كدابة ) معينة أو موصوفة للركوب ( إلى مكة ) مثلا ( وكخياطة ذا الثوب ) المعين لأن هذه المنافع معلومة في أنفسها فلم تفتقر إلى تقدير المدة
تنبيه قد يوهم كلامه تعين التقدير بالعمل في ذلك وليس مرادا بل يجوز تقديره بالزمان أيضا فيقول أجرني هذه الدابة لأركبها إلى موضع كذا أو لأركبها شهرا أو أجرني عبدك ليحفظ لي هذا الثوب أو يخيط لي شهرا
وفي البيان وغيره من كتب العراقيين المنافع ثلاثة أقسام قسم لا تقدر فيه المنفعة إلا بالمدة كالعقار والرضاع والتطيين والتجصيص لأن منافع العقار وتقدير اللبن إنما ينضبط بالزمان وسمك التطيين والتجصيص لا ينضبط رقة وثخانة وكما في الاكتحال فإن قدر الدواء لا ينضبط ويختلف بحسب الحاجة وتقدر المداواة بالمدة لا بالبرء والعمل فإن برىء قبل تمام المدة انفسخت الإجارة في الباقي
وقسم لا تقدر فيه المنفعة إلا بالعمل كبيع الثوب والحج وقبض شيء من فلان
وقسم يجوز فيه الأمران كالدابة والخياطة
هذا في إجارة العين فلو قال ألزمت ذمتك الخياطة يوما أو شهرا لم يصح لأنه لم يعين عاملا يخيط ولا محلا للخياطة بل يشترط أن يبين الثوب وما يريد به من قميص أو غيره والطول والعرض وأن يبين الخياطة أهي رومية أو فارسية إلا أن تطرد عادة بنوع فيحمل المطلق عليه
قال في الروضة الرومي بغرزتين والفارسي بغرزة
فلو أعطاه ثوبا وقال إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فنصفه لم يصح العقد للإبهام فإن خاطه كيف اتفق كان له أجرة المثل
تنبيه تارة نصبت على المصدر ومعناها الوقت والحين والعامل فيه مقدر ويجمع على تارات كساعة وساعات وفسرها الجوهري بالمرة
( فلو جمعهما ) أي الزمان والعمل ( فاستأجره ) أي شخصا ( ليخيطه ) أي الثوب ( بياض النهار لم يصح في الأصح ) للغرر فقد يتقدم العمل أو يتأخر كما لو أسلم في قفيز حنطة بشرط كون وزنه كذا لا يصح لاحتمال أن يزيد أو ينقص
وبهذا الدفع ما قاله السبكي من أنه لو كان الثوب صغيرا يقطع بفراغه في اليوم فإنه يصح ومر أنه لو قصد التقدير بالعمل وذكر اليوم أي شرطه للتعجيل فينبغي أن يصح
والثاني يصح إذ المدة مذكورة للتعجيل فلا تورث الفساد وهذا بحث السبكي
( ويقدر تعليم القرآن بمدة ) كشهر كما لو استأجر خياطا ليخيط له شهرا وقيل
____________________
(2/340)
لا يجوز لتفاوت السور والآيات في سهولة الحفظ وصعوبته
تنبيه قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في ذلك بين الاستئجار لجميع القرآن أو لبعضه وليس مرادا بل المراد ما يسمى قرآنا
أما إذا استأجره مدة لجميعه فإنه لا يصح على الأصح فإن فيه جمعا بين الزمان والعمل وحينئذ كان ينبغي للمصنف أن يقول تعليم قرآن بالتكبير فإن الشافعي رضي الله عنه نص في باب التدبير على أن القرآن بالألف واللام لا يطلق إلا على جميعه
فإذا قدر التعليم بمدة كشهر هل يدخل الجميع أو لا أفتى الغزالي بأن أيام السبوت مستثناة في استئجار اليهودي شهرا لاطراد العرف به
قال البلقيني ويقاس عليه الأحد للنصارى والجمع في حق المسلمين كذلك
( أو تعيين سور ) أو سورة أو آيات من سورة كذا من أولها أو آخرها للتفاوت في ذلك
ويشترط علم المتعاقدين بما يقع العقد على تعليمه فإن لم يعلماه وكلا من يعلم ذلك ولا يكفي أن يفتح المصحف ويقول تعلمني من هنا إلى هنا لأن ذلك لا يفيد معرفة المشار إليه بسهولة أو صعوبة
تنبيه أفهم كلام المصنف أنه لا يشترط أن يبين قراءة نافع ونحوه إذ الأمر فيها قريب وقضيته أن يعلمه ما شاء من القراءات لكن قال الماوردي و الروياني تفريعا على ذلك يعلمه الأغلب من قراءة البلد كما لو أصدقها دراهم فإنه يتعين غالب دراهم البلد أي فإن لم يكن فيها أغلب علمه ما شاء من ذلك وهذا أوجه
فإن عين له قراءة تعينت فإن أقرأه غيرها لم يستحق أجرة في أحد وجهين يظهر ترجيحه ولا يشترط رؤية المتعلم ولا اختبار حفظه وهو نظير ما ذكروه في المسابقة من أنه يشترط معرفة حال الفرس
نعم يشترط تعيينه فلو وجد ذهنه في الحفظ خارجا عن عادة أمثاله ثبت له الخيار كما قاله ابن الرفعة
ولو كان ينسى فهل على الأجير إعادة تعليمه أو لا المرجع في ذلك إلى العرف الغالب فإن لم يكن عرف غالب فالأوجه كما قال شيخنا اعتبار ما دون الآية فإذا علمه بعضها فنسيه قبل أن يفرغ من باقيها لزم الأجير إعادة تعليمها ولا يشترط تعيين الموضع الذي يقرأ فيه
ويشترط في المتعلم أن يكون مسلما أو يرجى إسلامه فإن لم يرج لم يعلم كما لا يباع المصحف من الكافر وقضية هذا القياس جواز بيع المصحف من الكافر إذا رجي إسلامه وليس مرادا
فرع الإجارة للقرآن على القبر مدة معلومة أو قدرا معلوما جائزة للانتفاع بنزول الرحمة حيث يقرأ القرآن ويكون الميت كالحي الحاضر سواء أعقب القرآن بالدعاء أم جعل أجر قراءته له أم لا فتعود منفعة القرآن إلى الميت في ذلك ولأن الدعاء يلحقه وهو بعدها أقرب إلى الإجابة وأكثر بركة ولأنه إذا جعل أجرة الحاصل بقراءته للميت فهو دعاء بحصول الأجر له فينتفع به فقول الشافعي رضي الله تعالى عنه إن القراءة لا تحصل له محمول على غير ذلك
( وفي البناء ) أي الاستئجار له على أرض أو غيرها كسقف ( يبين الموضع ) للجدار ( والطول ) وهو الامتداد من إحدى الزاويتين إلى الأخرى ( والعرض ) وهو ما بين وجهي الجدار ( والسمك ) وهو بفتح السين بخطه الارتفاع ( و ) يبين أيضا ( ما يبنى به ) الجدار من طين ولبن أو آجر أو غيره ( إن قدر بالعمل ) لاختلاف الأغراض به فإن قدر بالزمان والبناء على الأرض لم يحتج إلى بيان شيء من ذلك
نعم يحتاج إلى بيان ما يبني به كما قاله العمراني لاختلاف الغرض ومحل هذا وما ذكره المصنف إذا لم يكن ما يبني به حاضرا وإلا فمشاهدته تغني عن تبيينه ويبين في النساخة عدد الأوراق وأسطر الصفحة وقدر القطع والحواشي ويجوز التقدير فيها بالمدة ويبين في الرعي المدة وجنس الحيوان ونوعه ويجوز العقد على قطيع معين وعلى قطيع في الذمة ولو لم يبين فيه العدد اكتفي بالعرف كما قاله ابن الصباغ وجرى عليه ابن المقري
ويبين في الاستئجار لضرب اللبن إذا قدر بالعمل العدد والقالب بفتح اللام طولا وعرضا وسمكا إن لم يكن معروفا وإلا فلا حاجة إلى التبيين وإن قدر بالزمان لم يحتج إلى ذكر العدد كما صرح به العمراني وغيره
( وإذا صلحت الأرض ) بضم اللام وفتحها ( لبناء وزراعة وغراس ) أو لاثنين من هذه الثلاثة ( اشترط تعيين المنفعة ) في الصورتين لاختلاف الضرر اللاحق باختلاف منافع هذه الجهات فإن أطلق لم يصح
أما إذا لم تصلح إلا لجهة واحدة فإنه يكفي
____________________
(2/341)
الإطلاق فيها كأراضي الأحكار فإنه يغلب فيها البناء وبعض البساتين فإنه يغلب فيه الغراس
( ويكفي ) في أرض استؤجرت لزرع ( تعيين الزراعة عن ذكر ما يزرع ) فيها كقوله أجرتكها للزراعة أو لتزرعها فيصح ( في الأصح ) لقلة التفاوت بين أنواع الزرع ويزرع ما شاء للإطلاق
قال الرافعي وكان يحتمل أن ينزل على أقل الدرجات وما بحثه حكاه الخوارزمي وجها
والثاني لا يكفي لأن ضرر الزرع مختلف
ويجري في قوله لتبني أو لتغرس لتفاوت الإختلاف في ذلك وإن توقف فيه السبكي
نعم إن أجر على غيره بولاية أو نيابة لم يكف الإطلاق لوجوب الاحتياط قاله السبكي وغيره في مسألة المتن وغيرها كذلك
( ولو قال لننتفع بها بماشئت صح ) في الأصح ويصنع ما شاء لرضاه به لكن يشترط عدم الإضرار
قال ابن الصلاح في فتاويه فعليه أن يريح المأجور ما جرت به العادة كما في إراحة الدابة
( وكذا ) يصح ( لو قال ) له ( إن شئت فازرع ) أي الأرض ( وإن شئت فاغرس في الأصح ) ويتخير بينهما لأنه رضي بالغراس والزرع أهون
والثاني لا يصح للإبهام
قال السبكي لا بد في تصوير هذه المسألة من زيادة ما شئت فيقول إن شئت فازرع ما شئت أو اغرس ما شئت فإن لم يزد ما ذكر عاد الخلاف في وجوب تعيين ما يزرع اه
وهذا ظاهر مما تقدم
ولو قال أجرتكها لتزرع أو تغرس أو فازرع واغرس ولم يبين القدر أو لتزرع نصفا وتغرس نصفا ولم يخص كل نصف بنوع لم يصح العقد في الثلاثة للإبهام لأنه في الأولى جعل له أحدهما لا بعينه حتى لو قال ذلك على معنى أنه يفعل أيهما شاء صح كما نقل عن التقريب فتكون كالمسألة المتقدمة
وفي الثانية لم يبين كم يزرع وكم يغرس وفي الثالثة لم يبين المغروس والمزروع فصار كقوله بعتك أحد هذين العبدين بألف والآخر بخمسائة
( ويشترط في إجارة دابة لركوب ) إجارة عين أو ذمة ( معرفة الراكب بمشاهدته ) له ( أو وصف تام ) لجثته لينتفي الغرر
تنبيه لم يبين المراد بالوصف التام فقيل بأن يصفه بالضخامة أو الثخانة ليعرف وزنه تخمينا وقيل يصفه بالوزن ولم يرجحا شيئا والأرجح الأول كما رجحه الحاوي الصغير
( وقيل لا يكفي الوصف ) فيه وتتعين المشاهدة لأن الخبر ليس كالمعاينة كما ورد به الخبر
( وكذا الحكم فيما يركب عليه من محمل ) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية ( وغيره ) من نحو زامله ( إن كان له ) أي المتكري
وذكر في الإجارة ولم يطرد فيه عرف فإنه يشترط معرفته بمشاهدته أو وصفه التام
واحترز بقوله إن كان له عما إذا كان الراكب مجردا ليس له ما يركب عليه فإنه لا حاجة إلى ذكر ما يركب عليه ويركبه المؤجر على ما شاء من نحو سرج على ما يليق بالدابة فإن اطرد فيه عرف فلا حاجة إلى ذكره ويحمل على المعهود
وبهذا سقط قول الأذرعي يطلب الجمع بين هذا وبين قولهم بعد ذلك أن الأصح في السرج اتباع العرف
تنبيه ما ذكره المصنف لا يختص بما يركب عليه بل لو كان معه نحو زاملة كان الحكم كذلك وقد صرح به في المحرر فلا وجه لإهمال المصنف له
ويشترط رؤية الوطء وهو الذي يفرش في المحمل ليجلس عليه أو وصفه والغطاء الذي يستظل به ويتوقى به من المطر وقد لا يكون فيحتاج إلى شرطه ويشترط رؤيته أو وصفه إلا إذا اطرد به عرف فيكفي الإطلاق ويحمل على العرف ويأتي مثله في الوطاء كما صرح به الروياني وغيره فإن كان للمحمل طرف فكالغطاء
( ولو شرط ) في الإجارة ( حمل المعاليق ) جمع معلوق بضم الميم وهو ما يعلق على البعير كسفرة وقدر وقصعة ( مطلقا ) أي من غير رؤية ولا وصف ( فسد العقد في الأصح ) لاختلاف الناس فيه فربما قلت وربما كثرت
والثاني يصح ويحمل على الوسط المعتاد
تنبيه محل الخلاف في المعاليق إذا كانت فارغة فإن كان فيها ماء أو طعام فكسائر المحمولات
( وإن لم يشرطه )
____________________
(2/342)
أي حمل المعاليق ( لم يستحق ) بالبناء للمفعول حملها في الأصح لاختلاف الناس فيه
وقيل يستحق لأن العادة تقتضيه
قال الإمام والمعاليق تختلف باختلاف المركوب فمعاليق الحمار دون معاليق البعير
تنبيه محل الخلاف في دابة يحمل عليها ذلك أما إذا استأجر دابة بسرج فإنه لا يستحق حملها قطعا
( ويشترط في إجارة ) الدابة إجارة ( العين ) لركوب ( تعيين الدابة ) فلا يصح أن يؤجره إحدى هاتين الدابتين للإبهام
( في اشتراط رؤيتها الخلاف في بيع الغائب ) والأظهر الاشتراط
تنبيه لم يحترز بالتعيين عن الوصف في الذمة لأن إجارة العين لا تكون في الذمة بل أراد بالتعيين مقابل الإبهام لتخرج الصورة المتقدمة
ولا يشترط معرفة الذكورة والأنوثة خلافا للزركشي لأن المشاهدة كافية
( و ) يشترط ( في إجارة الذمة ) لركوب دابة ( ذكر الجنس ) لها كالإبل والخيل ( والنوع ) كبخاتي وعراب ( والذكورة أو الأنوثة ) لاختلاف الأغراض بذلك فإن الأنثى أسهل سيرا والذكر أقوى ولا بد من ذكر صفة السير كبحر أو قطوف أو مهملج لأن معظم الغرض يتعلق بكيفية السير
والبحر الواسع المشي والقطوف بفتح القاف البطيء السير والمهملج بكسر اللام حسن السير في سرعة
( ويشترط فيهما ) أي إجارتي العين والذمة للركوب ( بيان قدر السير كل يوم ) إن كان قدرا تطيقه الدابة غالبا وهو يختلف باختلاف الطرق سهولة وصعوبة وبالأوقات كزمن وحل أو ثلج أو مطر
ويشترط أيضا فيهما بيان وقت السير أهو الليل أو النهار والنزول في القرى أو الصحراء
( إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة فينزل ) قدر السير عند الإطلاق ( عليها ) فإن شرط شيء مما ذكر اتبع فإن زاد في يوم على المشروط أو نقص عنه فلا يجبران من اليوم الثاني بزيادة أو نقص بل يسيران على الشرط ولو أراد أحدهما زيادة أو نقصا لخوف أجيب إن غلب على الظن الضرر به أو لغصب أو لخوف ولم يغلب على الظن الضرر به فلا يجاب
( ويجب في الإيجار للحمل ) إجارة عين أو ذمة ( أن يعرف ) مؤجر الدابة ( المحمول ) لاختلاف تأثيره وضرره ( فإن حضر رآه ) إن لم يكن في ظرف ( وامتحنه بيده إن كان في ظرف ) تخمينا لوزنه فإن لم يمكن امتحانه باليد كفت الرؤية ولا يشترط الوزن في الحالين
تنبيه قوله إن كان في ظرف يوهم أن ما يستغني عن الظرف كالأحجار والأخشاب لا يمتحن باليد وليس مرادا فلو قال وامتحنه بيده إن أمكن لكان أولى
( وإن غاب ) المحمول ( قدر بكيل ) في مكيل ( أو وزن ) في موزون أو مكيل فإن الوزن في كل شيء أولى وأحصر
( و ) أن يعرف ( جنسه ) أي المحمول الغائب لاختلاف تأثيره في الدابة كما في الحديد والقطن فإن الحديد يثقل في محل أقل من القطن والقطن يعمها ويتثاقل بالربح فلو قال مائة رطل مما شئت صح بل وبدون مما شئت كما نقله الإمام عن قطع الأصحاب ويكون رضا منه بأضر الأجناس
هذا في التقدير بالوزن فإنه يغني عن ذكر الجنس أما إذا قدر بالكيل فلا يغني قوله عشرة أقفزة مما شئت عن ذكر الجنس لكثرة الاختلاف في الكيل وقلته في الوزن وأين ثقل الملح من ثقل الذرة ويحسب من المائة الظرف إن ذكره كقوله مائة رطل حنطة بظرفها فإن قال مائة رطل حنطة أو مائة قفيز حنطة لم يحسب الظرف فيشترط حينئذ معرفته إن كان يختلف فإن كان هناك غرائز متماثلة اطرد العرف باستعمالها حمل مطلق العقد عليها فإن قال لتحمل عليها ما شئت لم يصح للإضرار بها بخلاف إجارة الأرض لزرعها ما شاء لأن الدابة لا تطيق كل ما تحمل
( لا جنس الدابة و ) لا ( صفتها )
____________________
(2/343)
فلا تجب معرفتها في إجارة دابة لحمل
( إن كانت إجارة ذمة ) بخلاف ما مر فيها في الركوب لأن المقصود هنا تحصيل المتاع في الموضع المشروط فلا يختلف الغرض باختلاف حامله
( ألا أن يكون المحمول زجاجا ) بتثليث الزاي ( ونحوه ) كخزف فلا بد من معرفة حال الدابة في ذلك صيانة له وفي معنى ذلك كما قال القاضي حسين أن يكون في الطريق وحل أو طين
أما إجارة عين دابة لحمل فيشترط رؤيتها كما في إجارة العين للركوب
فصل في الاستئجار للقرب وفيه إشارة إلى الشرط الرابع وهو حصول المنفعة للمستأجر
والقرب على قسمين ما يحتاج إلى نية وما لا يحتاج والقسم الثاني إن كان فرض كفاية فإما أن يكون شائعا في الأصل أو لا
وقد شرع فيما هو شائع في الأصل فقال ( لا تصح ) من إمام وغيره ( إجارة مسلم ) ولو عبدا ( لجهاد ) لأنه يقع عنه ولأنه إذا حضر للصف تعين عليه
واحترز بالمسلم عن الذمي وهو صحيح بالنسبة إلى الإمام أما الآحاد فيمتنع على الأصح كما ذكره في كتاب السير
ثم شرع فيما يحتاج إلى نية فقال ( ولا عبادة ) أي لا تصح إجارته لعباده ( تجب لها نية ) كالصلاة والصوم إذ القصد منها امتحان المكلف بكسر نفسه بفعلها ولا يقوم الأجير مقامه في ذلك
وهل يستحق الأجير أجرة ما عمل لم يصرحوا به لكن قضية قولهم في النفقات إن كان كل ما لا يصح الاستئجار عليه لا يستحق فاعله أجره للعمل وإن عمل طامعا في الأجرة عدم الاستحقاق
( إلا ) الاستئجار لقربة من ( حج ) أو عمرة وركعتي طواف تبعا لهما عن ميت أو عاجز كما مر في كتابه
( وتفرقة زكاة ) وصوم عن ميت وذبح هدي وأضحية ونحوها فيجوز
وضابط هذا أن كل ما تدخله النيابة من العبادة يجوز الاستئجار عليه وما لا فلا
ثم شرع فيما هو فرض كفاية غير شائع في الأصل فقال ( وتصح ) الإجارة ( لتجهيز ميت ) كغسله وتكفينه ( ودفنه وتعليم القرآن ) أو بعضه ونحو ذلك مما هو فرض كفاية وليس بشائع في الأصل وإن تعين على الأجير في الأصح قال الرافعي لأنه غير مقصود بفعله حتى يقع عنه ولا يضر عروض تعينه عليه كالمضطر فإنه يتعين إطعامه مع تغريمه البدل
وروى البخاري خبر إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله
ومعنى عدم شيوع فرض الكفاية في الأصل في تجهيز الميت أن تجهيز الميت يختص بالتركة ثم بمال من تلزمه نفقته فإن لم يكن فعلى أغنياء المسلمين القيام بها وفي تعليم القرآن أن التعليم بالمؤمن يختص بمال من تلزمه ثم بمال نفقته فإن لم يكن فعلى أغنياء المسلمين القيام بها
تنبيه احتج بعضهم على جواز أخذ الأجرة على فرض الكفاية بعامل الصدقة فإنها أجرة على الأصح
وذكر الدفن بعد التجهيز من ذكر الخاص بعد العام لدخوله فيه كما يعلم مما قدرته
ولا تكرار في ذكر التعليم لأنه هنا من حيث أنه عبادة وفيما مر من حيث التقدير
وقد مر عن النص أن القرآن بالتعريف لا يطلق إلا على جميعه وحينئذ فكان ينبغي تنكيره فإن بعضه كذلك كما قدرته في كلامه
وتقييده التعليم بالقرآن قد يفهم امتناع الاستئجار لتدريس العلم وهو كذلك نعم إن عين أشخاصا ومسائل مضبوطة يعلمها لهم جاز وإن تعين على الأجير كنظيره فيما مر وينبغي كما قال شيخنا أن يأتي مثله في الاستئجار للقضاء
ويصح الاستئجار لشعار غير فرض كالأذان كما مر في بابه مع زيادة والأجرة تؤخذ عليه بجميع صفاته ولا يبعد استحقاقها على ذكر الله تعالى كتعليم القرآن لا على رفع الصوت ولا على رعاية الوقت ولا على الحيلتين كما قيل بكل منهما
ولا يصح الاستئجار للإمامة ولو نافلة كالتراويح لأن فائدتها من تحصيل فضيلة الجماعة لا تحصل للمستأجر بل للأجير
ويصح الاستئجار للمباحات كالاصطياد كما جزم به الإمام
ويصح استئجار بيت ليتخذه مسجدا يصلي فيه وصورته كما قال صاحب الانتصار أن يستأجر للصلاة أما إذا استأجره ليجعله مسجدا بلا يصح فلا بخلاف
والشرط الخامس في المنفعة أن لا يتضمن عقد الإجارة استيفاء عين قصدا فاستئجار البستان لثمرته والشاة لصوفها أو نتاجها أو لبنها لا يصح لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة
____________________
(2/344)
قصدا بخلاف ما إذا تضمن استيفاءها تبعا للضرورة أو حاجة كما يشير إليه قوله ( و ) تصح الإجارة ولو من زوج كما سبق ( لحضانة ) أي حضانة امرأة لولد ( وإرضاع ) له ( معا ) نصب على الحال للحاجة إليهما ( ولأحدهما فقط ) أما الحضانة فلأنها نوع خدمة وهي نوعان صغرى وكبرى وسيأتي بيانهما
وأما الإرضاع فلقوله تعالى { فإن أرضعن لكم } الآية
وإذا جاز الاستئجار على الإرضاع وحده فله مع الحضانة أولى
فالحاجة داعية إلى ذلك ومر أن الاستئجار على الإرضاع يقدر بالمدة فقط
ويجب تعيين الرضيع قال في البحر وإنما يعرف بالمشاهدة أي أو بالوصف كما يؤخذ من كلام الحاوي لاختلاف شربه باختلاف سنه وتعيين موضع الإرضاع أهو بيته أو بيتها لأنه في بيته أشد توثقا به وفي بيتها أسهل عليها
قال الرافعي وعلى المرضعة أن تأكل وتشرب كل ما يكثر به اللبن وللمكتري تكليفها بذلك
وقال ابن الرفعة الذي قاله المارودي أي و الصيمري و الروياني إن له منعها من أكل ما يضر بلبنها اه
وهذا أظهر ويوافقه قولهم في النفقات للزوج منع زوجته من تناول ما يضر بها
وإذا لم يقبل الرضيع ثديها ففي انفساخ الإجارة وجهان في تعليق القاضي وينبغي عدم الانفساخ وثبوت الخيار ففي الحاوي والبحر أن الطفل إذا لم يشرب لبنها لقلة في اللبن فهو عيب يثبت للمستأجر الفسخ ولو سقته لبن غيرها استحقت الأجرة إن كانت إجارة ذمة وإلا فلا
تنبيه ظاهر كلام المصنف صحة الاستئجار على إرضاع اللبأ وهو كذلك وإن كان إرضاعه واجبا على الأم كما يعلم من باب النفقات خلافا للزركشي
ويشترط في الإجارة للرضاع بلوغ المرضعة تسع سنين كما في البيان
وخرج بالمرأة البهيمة كاستئجار الشاة لإرضاع سخلة أو طفل فلا يصح لعدم الحاجة كما صرح به في الروضة في الأولى و البلقيني في الثانية قال بخلاف استئجار المرأة لإرضاع السخلة فالظاهر صحته
( والأصح أنه لا يستتبع أحدهما الآخر ) في الإجارة لأنهما منفعتان يجوز إفراد كل منهما بالعقد فأشبه سائر المنع
والثاني نعم للعادة بتلازمهما
ثم شرع في بيان الحضانة فقال ( والحضانة ) الكبرى ( حفظ صبي ) أي جنسه الصادق بالذكر والأنثى ( وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه ) وتطهيره من النجاسات ( ودهنه ) بفتح الدال اسم للفعل وأما بالضم ففي الروضة كأصلها أنه على الأب فإن جرى عرف البلد بخلافه فوجهان اه
والظاهر منهما اتباع العرف
( وكحله ) وإضجاعه ( وربطه في المهد ) وهو سرير الرضيع ( وتحريكه ) على العادة ( لينام ونحوها ) مما يحتاج إليه الرضيع لاقتضاء اسم الحضانة عرفا لذلك ولحاجة الرضيع إليها
واشتقاقها من الحضن بكسر الحاء وهو ما تحت الإبط وما يليه لأن الحاضنة تجعل الولد هنالك
والإرضاع ويسمى الحضانة الصغرى أن تلقمه بعد وضعه في حجرها مثلا الثدي وتعصره
عند الحاجة
تنبيه إذا استأجر للحضانة والإرضاع فالأصح أن المعقود عليه كلاهما لأنهما مقصودان وقيل اللبن والحضانة تابعة وقيل عكسه
وإذا استأجر للرضاع فقط فالأصح أن المعقود عليه الحضانة الصغرى واللبن تابع لقوله تعالى { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } علق الأجرة بفعل الإرضاع لا باللبن ولأن الإجارة موضوعة للمنافع كما مر وإنما الأعيان تبع للضرورة
( ولو استأجر لهما ) أي الحضانة والإرضاع ( فانقطع اللبن فالمذهب انفساخ العقد في الإرضاع ) ويسقط قسطه من الأجرة ( دون الحضانة ) فلا ينفسخ العقد فيها بناء على الراجح من خلاف تفريق الصفقة ولو أتى باللبن من محل آخر ولم يتضرر الولد جاز
ويصح استئجار القناة وهي الجدول المحفور للزراعة بمائها الجاري إليها من النهر للحاجة لا استئجار قرارها دون الماء بأن استأجرها ليكون أحق بمائها الذي يتحصل فيها بالمطر والثلج في المستقبل لأنه استئجار لمنفعة مستقبلة بخلاف ما لو استأجرها ليجري فيها الماء أو ليحبس الماء فيها حتى يجتمع فيها السمك
ويصح استئجار البئر للاستقاء من مائها للحاجة لا استئجار الفحل للضراب كما مر في باب
____________________
(2/345)
البيوع المنهي عنها
( والأصح ) وعبر في المحرر بالمشهور وفي الروضة كأصلها بالمذهب ( أنه لا يجب حبر ) بكسر الحاء اسم للمداد ( و ) لا ( خيط و ) لا ( كحل ) ولا ذرور ولا صبغ ولا طلع نخل ( على وراق ) أي ناسخ وفي الصحاح أنه الذي يورق ويكتب أما بياع الورق فيقال له كاغدي
( و ) لا على ( خياط و ) لا ( كحال ) وصباغ وملقح في استئجارهم لذلك اقتصارا على مدلول اللفظ والأعيان لا تستحق بالإجارة وأمر اللبن على خلاف القياس للضرورة
( قلت صحح الرافعي في الشرح الرجوع فيه ) أي المذكور ( إلى العادة ) للناس إذ لا ضبط في الشرع ولا في اللغة ولم يعبر الرافعي بالأصح بل بالأشبه
ثم قال ( فإن اضطربت ) أو لم يكن عادة كما فهم بالأولى ( وجب البيان وإلا ) أي وإن لم يبين ( فتبطل ) أي لم تنعقد ( الإجارة والله أعلم ) لأن اللفظ عند تردد العادة وعدم التقييد يلتحق بالمجملات
تنبيه قضية كلام الإمام أن التردد في ذلك إذا كان العقد على الذمة فإن كان على العين لم يجب غير نفس العمل وهذا هو الظاهر
ولا يؤخذ من كلام المتن ترجيح في هذه المسألة بل فائدته أنه نقل اختلاف ترجيح الرافعي في المحرر والشرح اللهم إلا أن يقال إن إيراد كلام الشرح على جهة الاستدراك يشعر بترجيحه بدليل أنه لما ذكر في الروضة تصحيحه لم يتعقبه بما في المحرر وقد يقال بترجيح ما في المحرر لأنه لما استدرك عليه بما في الشرح لم يرجحه والأوجه الأول
وإذا أوجبنا الحبر ونحوه على الوراق ونحوه لم يجب تقديره وإن لم نوجبه عليه وشرط عليه فسد العقد
ويلحق بما ذكر قلم النساخ ومرود الكحال وإبرة الخياط وأما الاستئجار على عمل النعال فإن ابتاع النعال النعلين والشراكين ثم استأجره بأجرة معلومة على العمل صح وإلا فلا كما نقل عن نص الأم وصوبه الزركشي
ولقائل أن يقول ما الفرق بين هذا وبين الصباغ والخياط مع أن العادة جارية بذلك ولا يبعد أن يقال فيه باطراد العادة ولم أر من ذكره
فصل فيما يجب على مكرى دارا ودابة وبدأ بالأول فقال ( يجب ) عليه ( تسليم مفتاح الدار إلى المكتري ) إذا سلمها إليه لتوقف الإنتفاع عليه فإن لم يسلمه فللمكتري الخيار ولا يأثم المكري بالمنع من التسليم لما سيأتي وتنفسخ الإجارة في مدة المنع كما قاله القاضي وإذا تسلمه المكتري فهو في يده أمانة فلا يضمنه بلا تفريط وإذا ضاع منه بلا تفريط ولم يبدله المكري له ثبت له الفسخ ولا يجبر المكري على الإبدال
هذا في مفتاح غلق مثبت أما القفل المنقول ومفتاحه فلا يستحقه المكتري وإن اعتيد ولا يثبت له بمنعه منهما خيار لأن الأصل عدم دخول المنقول في العقد الواقع على العقار والمفتاح تابع للغلق
( و ) ليس على المستأجر ( عمارتها ) بل هي ( على المؤجر ) سواء أقارن الخلل العقد كدار لا باب لها أم عرض لها دواما وسواء أكان لا يحتاج لعين زائدة كإقامة مائل أم يحتاج كبناء وتطيين وليس المراد بكونها على المؤجر أنه يجبر على عمارتها بدليل قوله ( فإن بادر وأصلحها ) بالعمارة فذاك ( وإلا فللمكتري الخيار ) إن نقصت المنفعة لتضرر فإذا وكف البيت أي قطر سقفه في المطر لترك التطيين ثبت الخيار في تلك الحالة فإذا انقطع زال الخيار إلا إذا حصل بسببه نقص وهذا في الخلل الحادث أما المقارن للعقد إذا علم به فلا خيار له كما جزم به في أصل الروضة وإن نظر فيه بعضهم
تنبيه محل عدم وجوب العمارة في المطلق أما الوقف فيجب على الناظر عمارته حيث كان فيه ريع كما أوضحوه في كتاب الوقف وفي معناه المتصرف بالإحتياط كولي المحجور عليه بحيث لو لم يعمر فسخ المستأجر الإجارة وتضرر
____________________
(2/346)
المحجور عليه
ولا يلزم المؤجر أن يدفع عن العين المؤجرة الحريق والنهب وغيرهما وإنما عليه تسليم العين ورد الأجرة إن تعذر الاستيفاء
وإذا سقطت الدار على متاع المستأجر لم يلزم المؤجر ضمانه ولا أجرة تخليصه كما أفتى به الغزالي
ولو غصبت العين المؤجرة وقدر المالك على انتزاعها لزمه كما بحثه في الروضة هنا ولكن اعترض بأن ما بحثه هنا يخالف ما قاله آخر الباب من أنه لا يلزمه أن يدفع عنها الحريق والنهب وغيرهما كما مر وأجيب بأن ما هناك فيما بعد التسليم أو فيما لا يقدر على انتزاعه إلا بكلفة وما هنا بخلافه فلزمه ذلك لكونه من تمام التسليم أو لعدم الكلفة
وهذا هو المعتمد وإن قال بعض المتأخرين الأوجه عدم اللزوم في الحالين
( وكسح ) أي رفع ( الثلج عن السطح ) في دوام الإجارة ( على المؤجر ) لأنه كعمارة الدار فإن تركه وحدث به عيب ثبت للمكتري الخيار ومحله كما قال ابن الرفعة في دار لا ينتفع ساكنها بسطحها كما لو كانت جملونات وإلا فيظهر أنه كالعرصة
( وتنظيف عرصة الدار ) وهي بقعة بين الأبنية ليس فيها بناء كما مر في باب الألفاظ المطلقة وجمعها عراص وعرصات
( عن ثلج وكناسة على المكتري ) إن حصلا في دوام المدة
وأما الثلج فلأنه يتوقف عليه كمال الانتفاع لا أصله وهو مما يتسامح بنقله عرفا
نعم إن انقضت المدة أجبر على نقل الكناسة دون الثلج قاله في المطلب
ولو كان التراب أو الرماد أو الثلج الخفيف موجود عند العقد فالذي يظهر كما قاله ابن الرفعة أن إزالته على المؤجر إذ يحصل به التسليم التام
ونقل رماد الحمام وغيره في الإنتهاء من وظيفة المستأجر في أحد وجهين يظهر ترجيحه تبعا لابن الرفعة
وتفريغ البالوعة ومنتقع الحمام والحش على المكتري في الدوام ما لم تنقض المدة وعلى المالك في الإبتداء والإنتهاء
وفارق حكم الإنتهاء هنا حكمه فيما قبله بأن الحادث هنا مع انقضاء المدة ضروري بخلافه ثم
ويجب على المؤجر تسليم بئر الحش والبالوعة وهما فارغان
وليس المراد بكون ما ذكر على المؤجر أو المستأجر إجباره عليه بل إنه من وظيفته كما عبر به في بعض الصور حتى إذا ترك المؤجر ما عليه ثبت للمستأجر الخيار أو المستأجر ما عليه وتعذر الإنتفاع لا خيار له
ويمنع مستأجر دار للسكنى من طرح الرماد والتراب في أصل حائط الدار ومن ربط الدابة فيها إلا إن اعتيد ربطها فيها فإنه لا يمنع كما قاله الأذرعي
ثم شرع في الثاني فقال ( وإن أجر دابة لركوب ) إجارة عين أو ذمة وأطلق ( فعلى المؤجر إكاف ) وقد مر ضبطه في خيار العيب
والأولى أن يفسر هنا بغير البرذعة لقوله ( وبرذعة ) بفتح الباء وذال معجمة وحكي إهمالها
وفسرها الجوهري بالحلس الذي يلقى تحت الرحل
ومن يفسر الإكاف بالبرذعة كصاحب الفصيح يشكل عليه عطف المصنف البرذعة عليه إلا أن يحمل على عطف التفسير
( وحزام ) بكسر الحاء بخطه ما يشد به الإكاف
( وثفر ) بمثلثة وفاء مفتوحة بخطه ما يجعل تحت ذنب الدابة سمي بذلك لمجاورته ثفر الدابة بسكون الفاء وهو حياؤها ( وبرة ) بضم الموحدة وتخفيف الراء حلقة تجعل في أنف البعير
( وخطام ) بكسر الخاء المعجمة خيط يشد في البرة ثم يشد في طرف المقود بكسر الميم لأن التمكين واجب عليه ولا يحصل بدون ذلك والعرف مطرد به
تنبيه إنما تجب هذه الأمور عند إطلاق العقد في إجارة الذمة للكروب
وإن شرط ما ذكر على المؤجر أو المستأجر أو شرط عدم ذلك ك أجرتك هذه الدابة عريا بلا حزام ولا إكاف ولا غيرهما اتبع الشرط
( وعلى المكتري محمل ) وقد مر ضبطه في كتاب الحج
( ومظلة ) يظلل بها على المحمل ومر ضبطها في باب الصلح
( ووطاء وغطاء ) بكسر أولهما ممدودين والأول ما يفرش في المحمل والثاني ما يغطى به
( وتوابعها ) كالحبل الذي يشد به المحمل على البعير أو أحد المحملين على الآخر وهما على البعير أو الأرض لأن هذه الأمور تراد لكمال الانتفاع وذلك غير مستحق بالإجارة
( والأصح ) وفي المحرر الأشبه ( وفي السرج ) للفرس المؤجر ( اتباع العرف ) في موضع الإجارة قطعا للنزاع
____________________
(2/347)
والثاني على المؤجر كالإكاف
( وظرف المحمول على المؤجر في إجارة ) الدابة للحمل إجارة ( الذمة ) لأنه التزم النقل فليهيء أسبابه والعادة مؤيدة له
( وعلى المكتري في إجارة العين ) لأنه ليس عليه إلا تسليم الدابة بالإكاف ونحوه كما سيأتي
( وعلى المؤجر في إجارة الذمة الخروج مع الدابة ) بنفسه ونائبه ( لتعهدها ) وصونها ( و ) عليه أيضا ( إعانة الراكب في ركوبه ) الدابة ( ونزوله ) عنها ( بحسب الحاجة ) وتراعى العادة في كيفية الإعانة فينيخ البعير لامرأة وضعيف بمرض أو هرم أو سمن مفرط ونحوها ويقرب الحمار والبغل من مكان مرتفع ليسهل عليه الركوب لأنه التزم النقل والتبليغ ولا يتم إلا بهذه الأمور
ولا يلزمه إناخة البعير لقوي كما قاله الماوردي فإن كان على البعير ما يتعلق به لركوبه تعلق به وركب وإلا شبك الجمال بين أصابعه ليرقى عليها ويركب والاعتبار في القوة والضعف بحالة الركوب لا بحالة العقد
وعليه أيضا الوقوف لينزل الراكب لقضاء الحاجة والطهارة وصلاة الفرض وانتظار فراغه منها ولا يلزمه المبالغة في التخفيف ولا القصر ولا الجمع وليس له التطويل ولو كان عادته ذلك فإن طول قال الماوردي فللمؤجر الفسخ
وليس له أيضا النزول لما يتأتى فعله على الدابة كأكل وشرب ونافلة
وله النوم على الراحلة في وقت العادة دون غيرها لأن النائم يثقل وفي لزوم الرجل القوي النزول المعتاد للإراحة وفي العقبات وجهان قال المصنف وينبغي أن يكون الأصح وجوبه في العقبة فقط
ولا يجب النزول على المرأة والمريض والشيخ العاجز قال المصنف وينبغي أن يلحق بهم من له وجاهة ظاهرة وشهرة يحل مروءته في العادة المشي
( و ) على المؤجر المذكور ( رفع المحمل ) بكسر الميم بخطه على ظهر الدابة ( وحطه ) على ظهرها
وقوله ( وشد المحمل ) بكسر الميم بخطه يصدق بشد أحد المحملين إلى الآخر وهما على الأرض وهو الأصح
( وحله ) لاقتضاء العرف ذلك ( و ) المؤجر ( ليس عليه في إجارة ) دابة لركوب أو حمل إجارة ( العين إلا التخلية بين المكتري والدابة ) لا إعانته في الركوب ولا حمل ونحوها
والمراد بالتخلية التمكين من الارتفاع بالدابة وليس المراد أن قبضها بالتخلية لئلا يخالف قبض المبيع
ويشترط في قبض الدابة سوقها أو قودها كما قاله الرافعي ولا يكفي ركوبها كما قاله المصنف
تنبيه مؤنة الدليل وسائق الدابة وأجرة الخفير وحفظ المتاع في المنزل والدلو الرشاء في الاستئجار للاستقاء كالظرف فيما مر
وأما حفظ الدابة فعلى صاحبها إلا أن يكون قد سلمها إليه ليسافر عليها وحده فيلزمه الحفظ صيانة لها لا بحكم الإجارة قاله المتولي
وإذا استأجر دابة ليركبها إلى موضع معين فوصله لم يكن له ردها معه إلا بإذن المالك بل يسلمها لقاضي ذلك الموضع أو إلى أمين فإن تعذر استصحبها معه حيث يذهب ولا يركبها إلا أن تكون جموحا كالوديعة
( وتنفسخ ) الإجارة في ( إجارة العين ) في المستقبل ( بتلف الدابة ) المستأجرة ولا تبدل لفوات المعقود عليه بخلاف إجارة الذمة فإنها تبدل
( ويثبت الخيار ) على التراخي قاله الماوردي خلافا لابن السكري من أنه على الفور
( بعيبها ) المقارن إذا جهل والحادث لتضرره بالبقاء
والمراد بالعيب هنا ما يؤثر في المنفعة أثرا يظهر له تفاوت في الأجرة لا في القيمة لأن مورد العقد المنفعة قاله الأذرعي وغيره
وحيث كان له الخيار وأجاز لزم المسمى فلو لم يعلم بالعيب حتى مضت المدة فات الخيار وله الأرش وإن علم به في الأثناء وفسخ فله الأرش وإن لم يفسخ فلا أرش للمستقل ويتجه كما قال الغزي وجوبه فيما مضى كما في كل المدة
تنبيه خشونة مشي الدابة ليس بعيب كما جزم به وخالف ابن الرفعة فجعله عيبا وصوبه الزركشي قال وبه جزم الرافعي في عيب المبيع اه
وجمع بين ما هنا وبين ما هناك بأن المراد هنا خشونة لا يخاف منها السقوط بخلافه هنا
____________________
(2/348)
( ولا خيار ) للمكتري ( في إجارة الذمة ) بعيب دابة أحضرها المكري ( بل يلزمه الإبدال ) كما لو وجد بالمسلم فيه عيبا لأن المعقود عليه في الذمة بصفة السلامة وهذا غير سليم فإذا لم يرض به رجع إلى ما في الذمة
تنبيه سكت المصنف في هذه الحالة عن عدم انفساخها بالتلف مع أنه صرح به في المحرر قال الزركشي لأنه يعلم من نفيه الخيار بالعيب من طريق أولى
وفيما قاله نظر
وإذا لم تنفسخ بإتلافها أبدلت فإن عجز عن إبدالها فالظاهر كما قال الأذرعي ثبوت الخيار
وليس للمكري أن يبدل الدابة المسلمة عن الإجارة في الذمة بغير إذن المكتري إذ للمكتري إجارتها بعد قبضها والاعتياض عنها لا قبل قبضه عما التزم له المكري لأن إجارة الذمة كالسلم وتبدل هذه عند العيب بخلاف المعينة كما مر ولو أفلس المؤجر قدم بمنفعتها على الغرماء على الأصح
وليس للمستأجر في إجارة العين أن يؤجر العين المؤجرة قبل قبضها من أجنبي وفي إجارتها للمؤجر وجهان قال المصنف الأصح صحتها منه اه
ويفرق بين الإجارة والبيع بأنه يتسامح في المنافع ما لا يتسامح في الأعيان
( والطعام المحمول ) لا ليصل بل ( ليؤكل ) في الطريق ( يبدل إذا أكل في الأظهر ) كسائر المحمولات إذا باعها أو تلفت
والثاني لا يبدل لأنه العادة في الزاد أن لا يبدل
تنبيه محل الخلاف إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر المنزل الذي هو فيه وإلا أبدل قطعا
واحترز بقوله إذا أكل عما إذا تلف كله أو بعضه بسرقة أو غيرها فإنه يبدل جزما
وهذا كله عند الإطلاق فإن شرط شيء اتبع وأما الماء المحمول إذا شرب فإنه يبدل بلا خلاف كما صرح به بعض شراح التنبيه لتطابق اللفظ والعرف على الإبدال
ولو حمل التاجر متاعا يبيعه في طريقه فباع بعضه ففي فروع ابن القطان يحمل على العرف ويتجه أن يقال هو مثل الزاد اه
والأوجه الأول
فصل في باب الزمن الذي تقدر المنفعة به وبيان من يستوفيها وغير ذلك ( يصح عقد الإجارة مدة ) معلومة ( تبقى فيها العين ) المؤجرة ( غالبا ) لإمكان استيفاء المعقود عليه ولا يقدر بمدة إذ لا توقيف فيه والمرجع في المدة التي تبقى فيها العين غالبا إلى أهل الخبرة فيؤجر الدار والرقيق ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنة أو سنتين على ما يليق به والأرض مائة سنة أو أكثر
( وفي قول لا يزاد على سنة ) لاندفاع الحاجة بها
( وفي قول ) على ( ثلاثين ) سنة لأنها نصف العمر الغالب
تنبيه قضية إطلاق المصنف أنه لا فرق في ذلك بين الوقف والمطلق وهو المشهور
ويستثنى من إطلاقه صور إحداها ما إذا شرط الواقف أن لا يؤجر وقفه إلا سنة ونحوها فإنه يتبع شرطه على الأصح
ثانيها إجارة الإقطاع لا تجوز أكثر من سنة كما نقله الغزي عن ابن جماعة وأقره
ثالثها المنذور إعتاقه كقوله إن شفى الله مريضي فلله علي أن أعتق هذا العبد بعد سنة لم تجز إجارته أكثر من المدة كما قاله البلقيني لئلا يؤدي إلى استمرار الإجارة عليه بعد عتقه بناء على الأصح من أن من أجر عبد نفسه ثم أعتقه لا تنفسخ الإجارة
رابعها المعلق عتقه بصفة قال البغوي إن تحقق عدم وجود الصفة قبل انقضاء الأجل صحت الإجارة وإلا فيجب أن لا تجوز كالصبي وقال في الروضة ينبغي أن تصح وإن تحقق وجود الصفة قبل انقضاء الأجل لجواز أن يبيعه فيرتفع التعليق وبيع المستأجر صحيح على الأصح فالاستثناء من كلام البغوي
خامسها إجارة المرهون بغير إذن المرتهن على دين مؤجل فإنه يعتبر في الصحة أن يكون الدين مؤجلا بأجل يحل بعد انقضاء مدة الإجارة أو معها
سادسها إجارة الولي الصبي أو ماله فإنه لا بد فيها من أنه لا يجاوز مدة بلوغه بالسن فلو كان عمره عشر سنين فأجره عشر سنين بطل في الزائد على مدة البلوغ وفي الباقي قولا تفريق الصفقة بخلاف ما لو أجره مدة لا يبلغ فيها بالسن وإن احتمل بلوغه بالاحتلام لأن الأصل بقاء الصبي
وهذا الخلاف في أكثر مدة الإجارة أما أقلها فقال الماوردي أقل مدة تؤجر الأرض فيها للزراعة مدة زراعتها وأقل مدة تؤجر الدار للسكنى يوم لأن ما دونه تافه لا يقابل بعوض
ويستثنى من اشتراط بيان المدة في الإجارة مسائل الأولى
____________________
(2/349)
سواد العراق فإن الأصح أن عمر رضي الله تعالى عنه أجره على التأبيد واحتمل ذلك للمصلحة الكلية
ثانيها أجمعوا على جواز إجارة الدار وغيرها شهرا مع أنه قد يكون ثلاثين يوما وقد يكون تسعة وعشرين كما مر عن المجموع
ثالثها عقد الجزية إذا قلنا إنها عقد إجارة على إقامتهم في دارنا وهو الأصح
رابعها استئجار العلو لحق البناء ولإجراء الماء لا يشترط فيه بيان المدة على المذهب كما مر في باب الصلح
خامسها استئجار الذمي للجهاد من غير تبيين المدة يجوز للضرورة قاله في الشامل في باب الغنيمة
سادسها استئجار الإمام للأذان من بيت المال كل شهر بكذا كما مر في فصل الأذان
والمنفعة المستحقة بعقد الإجارة تتوقف على مستوف ومستوفى منه وبه وفيه وأشار إلى الأول بقوله ( وللمكتري استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره ) كما يجوز أن يؤجر ما استأجره من غيره لكن يشترط أمانة من سلمها إليه فلو شرط استيفاء ما عليه بنفسه لم يصح كما لو باعه عينا وشرط أن لا يبيعها و لابن الرفعة في ذلك نظر
تنبيه تعبير بالمنفعة قد يخرج الاستئجار لإفادة عين كالرضاع والبئر ليستقي منها مع أن الحكم واحد في الجميع
وأفهم قوله بغيره جواز إعارة المكتري المنفعة لغيره وقد جزم به في المتن في باب العارية
وإذا جاز الاستيفاء بغيره ( فيركب ) في استئجار دابة للركوب مثله ضخامة ونحافة وطولا وعرضا وقصرا أدونه فيما ذكر
( ويسكن ) في استئجار دار للسكنى ( مثله ولا يسكن ) إذا كان بزازا مثلا ( حدادا و ) لا ( قصارا ) لزيادة الضرر بدقهما وكذا يلبس الثوب مثله ودونه
وينبغي في اللابس المماثلة في النظافة لأن فيه استيفاء عين المنفعة المستحقة بغير زيادة
ولعل ضابط المسألة أن يساوي المستأجر في الضرر بالعين المستأجرة ويعبر عن هذا بأن المستوفي يجوز إبداله
واستثنى جمع منهم الجرجاني ما لو قال لتسكنها وتسكن من شئت للإذن كما لو قال إزرع ما شئت وللأذرعي في ذلك نظر
وأشار للثاني بقوله ( وما يستوفي منه ) المنفعة ( كدار ودابة معينة ) هو قيد في الدابة لأن الدار لا تكون إلا معينة ولو كان قيدا فيها لوجب التثنية
( لا يبدل ) لأنه معقود عليه فأشبه المبيع ولهذا تنفسخ الإجارة بتلفه ويرد بالعيب
تنبيه يستثنى من مفهوم المتن جواز الإبدال إذا لم تكن معينة ما إذا أسلم دابة عما في الذمة فإنها لا تبدل بغير رضاه في الأصح كما مر
وأشار إلى الثالث بقوله ( وما يستوفى ) المنفعة ( به كثوب وصبي عين ) الأول في عقد إجارة ( للخياطة و ) الثاني لأجل ( الارتضاع ) أو التعليم ( يجوز إبداله ) أي ما ذكر بمثله ( في الأصح ) وإن لم يرض الأجير لأنه ليس معقودا عليه وإنما هو طريق للاستيفاء فأشبه الراكب والمتاع المعين للحمل
والثاني المنع كالمستوفى منه وجرى عليه في أصل الروضة في باب الخلع وجرى عليه البلقيني و ابن المقري في روضه ورجح الأول في شرح إرشاده ورجحه الرافعي في الشرح الصغير وهو المعتمد
وسكت المصنف عن المستوفى فيه وحكمه أنه يجوز إبداله كأن استأجر دابة لركوب في طريق له إبدال الطريق بمثله أو دونه
تنبيه قول المصنف عين أشار به إلى ما نقلاه عن الشيخ أبي علي وأقراه أن محل الخلاف إذا التزم في ذمته خياطة ثوب معين أو حمل متاع معين أما لو استأجر دابة معينة لركوب أو حمل متاع فلا خلاف في جواز إبدال الراكب والمتاع
وفرق بأن العقد والحالة هذه يتناول المدة بدليل استقرار الأجرة بتسليمها وإن لم يركب وإذا كان في الذمة تناول العقد العمل المستوفى به فكأنه معقود عليه وللإمام نحوه
ولو اعتاض عن منفعة بمنفعة جاز قطعا
وكان الأولى للمصنف أن يقول وعينا بالتثنية فإنه صفة لصبي وثوب وإيقاع ضمير المفرد موضع التثنية شاذ
فرع لو استأجر ثوبا للبس لم ينم فيه ليلا عملا بالعادة ولو كان الثوب التحتاني كما هو ظاهر كلام الأصحاب فطريقه إذا أراد النوم فيه أن يشرطه وينام في الثوب التحتاني نهارا ساعة أو ساعتين أو نحو ذلك وأما الفوقاني فلا
____________________
(2/350)
ينام فيه ولا يلبسه كل وقت بل عند التجمل في الأوقات التي جرت العادة فيها بالتجمل كحالة الخروج إلى السوق ونحوه ودخول الناس عليه وبنزعه في أوقات الخلوة عملا بالعرف وليس له أن يتزر بقميص استأجره للبسه ولا برداء استأجره للارتداء به وله أن يرتدي ويتعمم بما استأجره للبس والاتزار
ولو استأجر ثوبا يوما كاملا فمن طلوع الفجر إلى الغروب إذ النهار من طلوع الفجر إلى الغروب وقيل من طلوع الشمس إلى الغروب
أو يوما وأطلق فمن وقت العقد إلى مثله أو لثلاثة أيام دخلت الليالي المشتملة عليها
( ويد المكتري على ) المستأجر من ( الدابة والثوب ) وغيرهما ( يد أمانة مدة الإجارة ) جزما فلا يضمن ما تلف فيها بلا تقصير إذ لا يمكن استيفاء حقه إلا بوضع اليد عليها وعليه دفع متلفاتها كالمودع
تنبيه لو قال على المستأجر كما قدرته بدل على الدابة والثوب لكان أخصر وأشمل
( وكذا بعدها ) إذا لم يستعملها ( في الأصح ) استصحابا لما كان كالمودع فلا يلزمه ردها بل التخلية بينها وبين المالك كالوديعة
والثاني يد ضمان
وقال السبكي إنها بعد المدة أمانة شرعية كثوب ألقته الريح بدار فإن تلفت عقب انقضاء المدة قبل التمكن من الرد على المالك أو إعلامه فلا ضمان جزما أما إذا استملها فإنه يضمنها قطعا
تنبيه لو انفسخت الإجارة بسبب ولم يعلم المستأجر المالك بالانفساخ بعد علمه به ومنافعها لتقصيره بعدم إعلامه فإن أعلمه أو لم يعلمه لعدم علمه أو كان هو عالما به لم يضمن لأنه أمين ولا تقصير منه
( ولو ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب ) أو غيره كحرث واستقاء ( ولم ينتفع بها ) وتلفت ( لم يضمن ) قيمتها لأنها بيده أمانة
وسواء أتلفت في المدة أو بعدها على الأصح
( إلا إذا انهدم عليها اصطبل ) وهو عجمي معرب
( في وقت ) للانتفاع
( ولو انتفع بها ) فيه خارجا عن اصطبلها وقت الانهدام مع جريان العادة للانتفاع بها ذلك الوقت كالنهار ( لم يصبها الهدم ) بل تسلم فإنه يضمنها حينئذ لأن التلف حصل بربطها فيه بخلاف ما إذا تلف بانهدام سقف في وقت لم تجر العادة باستعمالها فيه كجنح الليل في الشتاء
وبذلك علم أن الضمان بذلك ضمان جناية لا ضمان يد وإن تردد فيه السبكي
قال الزركشي وسكتوا عما لو سافر بها فتلفت فينبغي أن يأتي فيها التفصيل فيقال إن سافر في وقت لم تجر العادة بالسير فيه فتلفت بآفة أو نقصت ضمن ولو ترك الانتفاع بها في وقت مرض أو خوف عرض له فتلفت بذلك لم يضمن كما بحثه الأذرعي في الخوف أخذا من كلام الإمام
تنبيه إنما قيد المصنف المسألة بالربط ليستثني منها وإلا لو تلف في مدة الانتفاع كان الحكم كذلك
ولو حمل قدرا للرد على دابة فانكسرت القدر بتعثرالدابة فإن كان لا يستقل بحملها أو كان لا يليق به حملها كما قاله الزركشي لم يضمن وإلا ضمن لتقصيره إذ العادة أن القدر لا ترد على الدابة مع استقلال المستأجر بحملها
( ولو تلف المال ) أو بعضه ( في يد أجير ) قبل العمل فيه أو بعده ( بلا تعد ) منه فيه ( كثوب استؤجر لخياطته أو صبغه ) بفتح الصاد بخطه لأن المراد المصدر ما لا يصبغ به
( لم يضمن إن لم ينفرد ) ذلك الأجير ( باليد ) وفسر عدم الانفراد بها بقوله ( بأن قعد المستأجر معه أو أحضر منزله ) ولم يقعد وكذا لو حمله المتاع ومشى خلفه كما قاله القاضي حسين لأن يد المالك ثابتة على العين حكما وإنما استعان بالأجير في شغله كالمستعين بالوكيل
( وكذا إن انفرد ) باليد سواء المشترك والمنفرد وإن انتفى ما ذكر في القسم قبله لا يضمن
( في أظهر الأقوال ) والثاني يضمن كالمستام لأنه أخذه لمنفعة نفسه
ودفع بأنه أخذه لمنفعة المستأجر أيضا فلا يضمن كعامل القراض
وقال الربيع اعتقاد الشافعي أنه لا ضمان
____________________
(2/351)
على الأجير وأن القاضي يقضي بعلمه وكان لا يبوح به خشية قضاة السوء وأجراء السوء
وقال الفارقي بعد أن صحح الأول إلا أن عمل به أي بالثاني لفساد الناس
قال ولي نحو ثلاثين سنة ما أفتيت بواحد من القولين ولاحكمت إلا بالمصلحة
( والثالث يضمن ) الأجير ( المشترك ) وفسر المشترك بقوله ( وهو من التزم عملا في ذمته ) كعادة القصارين والخياطين
وسمي مشتركا لأنه إن التزم العمل لجماعة فذاك أو لواحد أمكنه أن يلتزم لآخر مثله فكأنه مشترك بين الناس
( لا ) الأجير ( المنفرد وهو من أجر نفسه مدة معينة لعمل ) لغيره لا يمكنه شرعا التزام مثله لآخر في تلك المدة سمي بذلك لانفراد المستأجر بمنفعته في تلك المدة
والفرق أن المنفرد منافعه مختصة بالمستأجر في المدة قيده كيد الوكيل على الموكل بخلاف المشترك
تنبيه قول المصنف مدة معينة ليس بقيد لأن المأخذ كونه أوقع الإجارة على عينه وقد يقدر بالعمل دون المدة كعكسه
واحترز بقوله بلا تعد عما إذا تعدى فيضمن مطلقا قطعا كما لو أسرف الخباز في الوقود أو ترك الخبز في النار حتى احترق أو ضرب على التأديب والتعليم الصبي فمات لأن تأديبه بغير الضرب ممكن
ومتى اختلفا في التعدي عمل بقول عدلين من أهل الخبرة فإن لم يجدهما فالقول قول الأجير وحيث ضمنا الأجير
فإن كان بتعد فبأقصى قيمة من وقت القبض إلى وقت التلف وإن كان بغيره فبوقت التلف
فرع الأجير لحفظ الدكان مثلا لا ضمان عليه إذا أخذ ما فيه لأنه لا بد له على المال
قال القفال وهو بمنزلة الحارس في السكة لو سرق من بيت من بيوت السكة لم يكن عليه شيء
ويعلم منه كما قال الزركشي أن الخفراء لا ضمان عليهم
( ولو دفع ثوبا ) بلا استئجار ( إلى قصار ليقصره أو ) إلى ( خياط ليخيطه ) أو نحو ذلك كغسال يغسله ( ففعل ) ذلك ( ولم يذكر ) له ( أجرة فلا أجرة له ) على الأصح المنصوص وقول الجمهور لأنه لم يلتزم له عوضا فصار كقوله أطعمني فأطعمه
قال في البحر ولأنه لو قال أسكني دارك شهرا فأسكنه لا يستحق عليه أجرة بالإجماع
( وقيل له ) أجرة مثل لاستهلاك الدافع عمله
( وقيل إن كان معروفا بذلك العمل ) بأجرة ( فله ) أجرة المثل
وقال الشيخ عز الدين تجب له الأجرة التي جرت بها العادة لذلك العمل وإن زادت على أجرة المثل
( وإلا ) أي وإن لم يكن معروفا بذلك العمل ( فلا ) أجرة له
( وقد يستحسن ) هذا الوجه لدلالة العرف على ذلك وقيامه مقام اللفظ كما في نظائره وعلى هذا عمل الناس وقال الغزالي إنه الأظهر وقال الشيخ عز الدين إنه الأصح وحكاه الروياني في الحلية عن الأكثرين وقال إنه الاختيار وقال في البحر وبه أفتي وأفتى به خلائق من المتأخرين
وإذا قلنا لا أجرة له على الأصح فمحله كما قال الأذرعي إذا كان حرا مطلق التصرف أما لو كان عبدا أو محجورا عليه بسفه ونحوه فلا إذ ليسوا من أهل التبرع بمنافعهم المقابلة بالأعواض
واحترز بقوله ولم يذكر أجرة عما إذا قال مجانا فلا يستحق شيئا قطعا وما لو ذكر أجرة فيستحقها جزما وإن كانت صحيحة فالمسمى وإلا فأجرة المثل
ولو عرض بذكر أجرة ك أعمل وأنا أرضيك أو أعمل وما ترى مني إلا ما يسرك أو نحو ذلك كقولك حتى أحاسبك استحق أجرة المثل كما في البيان وغيره
وقد ترد هذه على المصنف لأنه لم يذكر في هذه أجرة إلا أن يكون مراده ولم يذكر أجرة لا تصريحا ولا تعريضا
ويستثنى من الخلاف المذكور في المتن مسائل إحداها عامل المساقاة إذا عمل ما ليس من أعمالها بإذن المالك فإنه يستحق الأجرة كما مر في بابها قال بعضهم ولا تستثنى لأن عمله تابع لما فيه أجرة فقد تقدم ذكر الأجرة في الجملة
ثانيها عامل الزكاة فإنه يستحق العوض ولو لم يسم قال الزركشي ولا تستثنى لأن الأجرة ثابتة له بنص القرآن فهي مسماة شرعا وإن لم يسمها الإمام
ثالثها عامل القسمة بأمر الحاكم فللقاسم الأجرة من غير تسمية
____________________
(2/352)
كذا استثناها بعضهم ونازع في التوشيح في استثنائها وقال إنه كغيره وهو الظاهر
وأما داخل الحمام بلا إذن من الحمامي فإنه يلزمه الأجرة وإن لم يجر لها ذكر
والفرق بينه وبين القصار ونحوه أن هؤلاء صرفوا منافعهم لغيرهم والداخل للحمام استوفى منفعة الحمام بسكونه فإن أذن له في الدخول فالحمام فيه كالأجير كما قالوا به فيمن دخل سفينة بإذن صاحبها حتى أتى الساحل فإنه كالأجير فيما ذكر أي فلا أجرة له فإن دخلها بغير إذن استحق عليه الأجرة
قال في المطلب ولعله فيما إذا لم يعلم به مالكها حتى سيرها وإلا فيشبه أن يكون كما لو وضع متاعه على دابة غيره فسيرها مالكها فإنه لا أجرة على مالكه ولا ضمان
فرع ما يأخذه الحمامي أجرة الحمام والآلة من سطل وإزار ونحوها وحفظ المتاع لا ثمن الماء كما مرت الإشارة إليه لأنه غير مضبوط فلا يقابل بعوض فالحمامي مؤجر للآلة وأجير مشترك في الأمتعة فلا يضمنها كسائر الأجراء والآلة غير مضمونة على الداخل لأنه مستأجر لها ولو كان مع الداخل الآلة ومن يحفظ المتاع كان ما يأخذه الحمامي أجرة الحمام فقط
( ولو تعدى المستأجر بأن ضرب الدابة أو كبحها ) بموحدة ومهملة ويقال بميم بدل الموحدة ويقال بمثناة فوقية بدل الموحدة أيضا ويقال أكبح
والمعنى أن المستأجر جذبها باللجام لتقف
وقوله ( فوق العادة ) قيد في المسألتين
( أو أركبها أثقل منه أو أسكن حدادا أو قصارا ) وهما أشد ضررا مما استأجر له ( ضمن العين ) أي دخلت في ضمانه لتعديه والقرار على المستعمل الثاني إن علم الحال وإلا فعلى الأول إن كانت يد الثاني يد أمانة كالمستأجر فإن كانت يد ضمان كالمستعير فالقرار عليه كما أوضحوه في الغصب نبه عليه الإسنوي وغيره
فإن قيل ما ذكروه في الغصب فيمن ترتبت يده على يد الغاصب وهنا ترتبت يده على يد المستأجر والأصح أن المستعير من المستأجر لا يضمن
أجيب بأنه بإركابه من هو أثقل منه صار في حكم الغاصب ولهذا ضمن العين ويؤيد قولهم أنه لو أركب مثله فجاوز العادة في الضرب كان الضمان على الثاني دون الأول لأنه لم يتعد أما الضرب المعتاد إذا أفضى إلى تلف فلا يوجب ضمانا
فإن قيل ضرب الزوج زوجته الضرب المعتاد يوجب الضمان
أجيب بأن تأديبها ممكن باللفظ وعلى تقدير الظن بأنه لا يفيد إلا الضرب فهو اجتهاد فاكتفى به للإباحة دون سقوط الضمان
ولو ارتدف مع مكتريي دابة ركباها ثالث عدوانا ضمن الثلث إن تلفت توزيعا على رؤوسهم لا على قدر أوزانهم لأن الناس لا يوزنون غالبا
ولو سخر رجلا وبهيمته فماتت في يد صاحبها قبل استعمالها فلا ضمان على المسخر لأنها في يد صاحبها أما بعد استعمالها فهي معارة
تنبيه أشار المصنف بالأمثلة المذكورة إلى أن التعدي في رقبة العين المستأجرة ليخرج ما لو أجر الأرض لزرع حنطة فزرع الذرة فإنه لا يكون ضامنا للأرض على الأصح في زيادة الروضة لأنه تعدى في المنفعة لا الرقبة ويلزمه أجرة المثل للذرة و ( كذا ) يصير ضامنا ( لو اكترى ) دابة ( لحمل مائة رطل من حنطة فحمل ) عليها ( مائة شعيرا أو عكس ) بأن اكتراها لحمل مائة رطل شعير فحمل عليها مائة حنطة لأن الحنطة أثقل فيجتمع ثقلها في موضع واحد والشعير أخف فيأخذ من ظهر الدابة أكثر فالضرر مختلف
وقيس على الحنطة والشعير كل مختلفين في الضرر كالقطن والحديد
قال القاضي الحسين وسواء أتلفت بذلك السبب أم بغيره لأن يده صارت يد عدوان
ويبدل بالقطن الصوف والوبر لأنهما مثله في الحجم لا الحديد ويبدل بالحديد الرصاص والنحاس لأنهما مثله في الحجم لا القطن
( أو ) أكتراها ( لعشرة أقفزة شعير فحمل ) عشرة ( حنطة ) فإنه يصير ضامنا للدابة لأنها أثقل
والأقفزة جمع قفيز وهو مكيال يسع إثني عشر صاعا
( دون عكسه ) لخفة الشعير مع استوائهما في الحجم
( ولو اكترى ) دابة ( لمائة ) أي لحمل مائة رطل حنطة مثلا ( فحمل ) عليها ( مائة ) منها ( وعشرة لزمه أجرة المثل للزيادة ) مع المسمى على المشهور لتعديه بذلك
____________________
(2/353)
تنبيه أشار بتمثيله بالعشرة إلى أن الزائد قد لا يتسامح به كالذي يقع به التفاوت بين الكيلين فإنه لا أجرة له ولا ضمان بسببه
ولو اكترى مكانا لوضع أمتعة فيه فزاد عليها نظرت فإن كان أرضا فلا شيء عليه وإن كان غرفة لزمه المسمى وأجرة المثل للزائد على قياس ما مر في مسألة الدابة
( وإن تلفت ) تلك الدابة ( بذلك ) الزائد ( ضمنها ) ضمان يد ( إن لم يكن صاحبها معها ) لأنه صار ضامنا لها بحمل الزائد
( فإن كان ) صاحبها معها ( ضمن ) المستأجر ( قسط الزيادة ) فقط ضمان جناية مؤاخذة له بقدر جنايته
( وفي قول نصف القيمة ) لأنها تلفت بمضمون وغيره فقسطت القيمة عليهما كما لو جرحه واحد جراحة جراحات
وفرق الأول بتيسر التوزيع هنا بخلاف الجراحات لأن نكاياتها لا تنضبط
تنبيه قوله بذلك يحترز به عما إذا تلفت بغيره فإنه يضمنها عند انفراده باليد لأنه ضمان باليد لا عند عدم انفراده بها لأنه ضمان بالجناية وإذا كان في المفهوم تفصيل فلا يرد
( ولو سلم ) المستأجر ( المائة والعشرة إلى المؤجر فحملها ) بميم مشددة ( جاهلا ) بالزيادة كأن قال له هي مائة كاذبا فصدقه فتلفت الدابة بها ( ضمن المكتري على المذهب ) كما لو أتلفها بنفسه لأن أعداد المجهول وتسليمه إلى المؤجر بعد عقد الإجارة كالإلجاء إلى الحمل شرعا فكان كشهادة شهود القصاص
وفيما يضمنه القولان والطريق الثاني على القولين في تعارض الغرر والمباشرة
تنبيه لو قال فكما لو حملها المكتري لكان أولى ليعم الضمان وأجرة الزيادة
وخرج بالجاهل العالم بالزيادة فإن قال له المستأجر احمل هذه الزيادة فأجابه فقد أعاره إياها لحمل الزيادة فلا أجرة لها
وإن تلفت الدابة لا بسبب العارية ضمن القسط أما بسببها فلا ضمان كما علم من باب العارية
وإن لم يقل له المستأجر شيئا فحكمه مذكور في قوله ( ولو وزن المؤجر وحمل ) الدابة ( فلا أجرة للزيادة ) تعمد ذلك أم لا علم المستأجر بالزيادة وسكت أم جهلها لعدم الإذن في نقلها
( ولا يضمن ) المستأجر الدابة ( إن تلفت ) إذ لا يد ولا تعدي وللمستأجر مطالبة المؤجر بردها إلى المنقول منه وليس للمؤجر ردها دون رضاه وله مطالبته بالبدل للحيلولة
فلو غرم له بدلها ثم ردها إلى مكانها استرده وردها إليه
ولو كان المؤجر وحمل المستأجر فكما لو كان بنفسه وحمل سواء أكان عالما بالزيادة أم لا
ولو وضع المستأجر المائة والعشرة على الدابة فسيرها المؤجر فكما لو حملها المؤجر
ولو كان أجنبي وحمل بلا إذن في الزيادة فهو غاصب للزائد وعليه أجرته للمؤجر ورده إلى المكان المنقول منه إن طالبه المستأجر وعليه ضمان الدابة على التفصيل المذكور في المستأجر من غيبة صاحبها وحضرته على ما مر
وإن حمل بعد كيل الأجنبي المائة والعشرة أحد المتكاريين ففيه التفصيل السابق بين الغرر وعدمه وإن اختلفا في الزيادة أو قدرها فالقول قول المكتري بيمينه لأن الأصل عدم الزيادة
ولو وجد المحمول على الدابة ناقصا عن المشروط نقصا يؤثر وقد كاله المؤجر حط قسطه من الأجرة إن كانت الإجارة في الذمة لأنه لم يتلف بالمشروط وكذا إن كانت إجارة عين ولم يعلم المستأجر النقص فإن علمه لم يحط شيء من الأجرة لأن التمكين من الاستيفاء قد حصل وذلك كاف في تقرير الأجرة
أما النقص الذي لا يؤثر كالذي يقع به التفاوت بين الكيلين أو الوزنين فلا عبرة به
( ولو أعطاه ) أي خياطا ( ثوبا ليخيطه ) وأذن له المالك في قطعه ( فخاطه قباء وقال ) للمالك ( أمرتني بقطعه قباء فقال ) المالك للخياط ( بل ) أمرتك بقطعه ( قميصا ) فعليك الأرش ( فالأظهر تصديق المالك بيمينه ) كما لو اختلفا في أصل الإذن فيحلف أنه ما أذن له في قطعه قباء ولا يحتاج أن يتعرض للقميص
والثاني يصدق الخياط بيمينه لأن المالك يدعي عليه الأرش والأصل براءة ذمته
____________________
(2/354)
تنبيه لو عبر المصنف بالمذهب لكان أولى فإن في المسألة طرقا أصحها طريقة القولين
( و ) على الأول ( لا أجرة عليه ) أي المالك للخياط إذا حلف المالك لأن عمل الخياط صار حينئذ غير مأذون فيه
( وعلى الخياط أرش النقص ) لأنه إذا انتفى الإذن فالأصل الضمان
وفي الأرش الواجب وجهان أحدهما ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا لأنه أثبت بيمينه أنه لم يأذن في قطعه قباء
والثاني ما بين قيمته مقطوعا قميصا ومقطوعا قباء لأن أصل القطع مأذون فيه
وصحح الأول الإمام وغيره وقال الإسنوي إنه الأصح وصحح الثاني جمع واختاره السبكي وقال لا يتجه غيره وهذا هو المعتمد
وللخياط نزع خيطه وعليه أرش النزع إن حصل به نقص وله منع المالك من شد خيط في خيط الخياطة يجره في المدروز مكانه إذا نزع لأنه تصرف في ملك غيره فلا يجوز إلا برضاه
وحيث قلنا لا أجرة للخياط له أن يدعي بها على المالك فإن نكل ففي تجديد اليمين عليه وجهان قال في زيادة الروضة وينبغي أن يكون أصحهما التجديد وهذه قضية مستأنفة
ولو قال المالك للخياط إن كان هذا الثوب يكفيني قميصا فاقطعه فقطعه ولم يكفه ضمن الأرش لأن الإذن مشروط بما لم يوجد
وإن قال له في جوابه هو يكفيك فقال اقطعه فقطعه ولم يكفه لم يضمن لأن الإذن مطلق
ولو جاء الخياط مثلا بثوب وقال للمالك هذا ثوبك فأنكره صدق الخياط بيمينه كما قاله البندنيجي فإذا حلف فقد اعترف للمالك بشيء وهو ينكره
فصل في انفساخ عقد الإجارة والخيار في الإجارة وما يقتضيهما
وقد شرع في بيان ذلك فقال ( لا تنفسخ الإجارة ) عينا كانت أو ذمة ولا تفسخ ( بعذر ) في غير المعقود عليه لمؤجر أو مستأجر
فالأول كمريض مؤجر دابة عجز عن خروجه معها الذي هو من أعمال الإجارة حيث كانت الدابة غير معينة
والثاني ( كتعذر وقود حمام ) على مستأجر
والوقود بفتح الواو بخطه ما يوقد به من حطب وغيره وبضمها مصدر وقدت النار
( وسفر ) بفتح الفاء عرض المستأجر دار مثلا لا بسكونها كما وقع للسبكي في أنه لا بد للمسافر من رفقة وهم السفر أي المسافرون يتعذر خروجهم
( و ) كعروض ( مرض مستأجر دابة السفر ) عليها
والمعنى في الجميع أنه لا خلل في المعقود عليه والاستنابة من كل منهما ممكنة
ومحل عدم الانفساخ في غير العذر الشرعي أما هو كمن استأجر شخصا لقلع سن مؤلمة فزال الألم فإن الإجارة تنفسخ كما مر أوائل الباب لتعذر قلعها حينئذ شرعا
تنبيه يستثنى من ذلك إجارة الإمام ذميا للجهاد وتعذر لصلح حصل قبل مسير الجيش فإنه عذر للإمام يسترجع به كل الأجرة كما قاله الماوردي وإفلاس المستأجر قبل تسليم الأجرة ومضي المدة فإنه يوجب للمؤجر الفسخ كما أطلقه في الروضة وأصلها في باب التفليس
وعدم دخول الناس الحمام المستأجر بسبب فتنة حادثة أو خراب الناحية ليس بعيب يثبت الخيار كما قاله الزركشي خلافا للروياني إذ لا خلل في المعقود عليه
( ولو استأجر أرضا لزراعة فزرع فهلك الزرع بجائحة ) أصابته من سيل أو شدة برد أو حر أو أكل جراد أو غير ذلك
( فليس له الفسخ ولا حط شيء من الأجرة ) لأن الجائحة لحقت زرع المستأجر لا منفعة الأرض
فلو تلفت الأرض بجائحة أبطلت قوة الإنبات انفسخت الأجرة في المدة الباقية فلو تلف الزرع قبل تلف الأرض وتعذر إبداله قبل الانفساخ بتلفها لم يسترد من المسمى لما قبل التلف شيئا كما رجحه ابن المقري لأن صلاحية الأرض لو بقيت لم يكن للمستأجر فيها نفع بعد فوات الزرع وأما بعد التلف فيسترد ما يقابله من المسمى لبطلان العقد فيه
وإن تلفت الأرض أولا استرد أجرة المستقبل وكذا الماضي كما في جواهر القمولي وإن اقتضى كلام ابن المقري خلافه
( وتنفسخ ) الإجارة ( بموت الدابة والأجير المعينين ) وكذا معين غيرهما
____________________
(2/355)
لكن الإنفساخ في الزمن ( المستقبل ) لفوات المعقود عليه وهو المنفعة قبل قبضها كما ينفسخ البيع بتلف المبيع قبل قبضه
تنبيه لا فرق بين أن يكون الموت بآفة سماوية أو بغيرها كإتلاف المستأجر
فإن قيل لو أتلف المشتري المبيع استقر عليه الثمن فهلا كان المستأجر كذلك أجيب بأن البيع ورد على العين فإذا أتلفها صار قابضا لها والإجارة واردة على المنافع ومنافع الزمن المستقبل معدومة لا يتصور ورود الإتلاف عليها
ولو قال المصنف وتنفسخ بتلف العين المستأجرة لكان أخصر وأشمل واستغنى عما قدرته
( لا ) في الزمن ( الماضي ) إذا كان بعد القبض ولمثله أجرة ( في الأظهر ) لاستقرارها بالقبض
( فيستقر قسطه من المسمى ) موزعا على قيمة المنفعة لا على الزمان فلو كانت مدة الإجارة سنة مثلا ومضي نصفها وأجرة مثله ضعف أجرة مثل النصف الباقي وجب من المسمى ثلثاه وإن كان بالعكس فثلثه والإعتبار بقيمة المنفعة حالة العقد لا بما بعده قاله القاضي حسين
والثاني ينفسخ فيه أيضا لأن العقد واحد وقد انفسخ في البعض فلينفسخ في الباقي
أما إذا كان قبل القبض أو بعده ولم يكن لمثله أجرة فإنه ينفسخ في الجميع
واحترز بالمعين عما في الذمة فلا ينفسخ بتلفهما لأن العقد لم يرد عليهما فإذا أحضرا وماتا في خلاف المدة أبدلا كما مر
( ولا تنفسخ ) الإجارة ولو ذمة كما في البسيط ( بموت العاقدين ) أو أحدهما بل تبقى إلى انقضاء المدة لأنها عقد لازم فلا تنفسخ بالموت كالبيع ويخلف المستأجر وارثه في استيفاء المنفعة
وإنما انفسخت بموت الأجير المعين لأنه مورد العقد لا لأنه عاقد فلا يستثنى من عدم الإنفساخ لكن استثنى منه مسائل منها ما لو أجر عبده المعلق عتقه بصفة فوجدت مع موته فإن الإجارة تنفسخ على الأصح كما اقتضاه كلام الرافعي
ومنها ما لو أجر أم ولده ومات في المدة فإن الإجارة تنفسخ بموته خلافا لما اقتضاه كلام الرافعي في باب الوقف
ومنها المدبر فإنه كالمعلق عتقه بصفة
ومنها موت البطن الأول كما سيأتي
ومنها الموصى له بمنفعة دار مثلا مدة عمره
وما قيل من أن الوصية بالمنفعة إباحة لا تمليك فلا تصح إجارتها مردود بأن ذلك محله كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الوصية بأن ينتفع بالدار لا بمنفعتها كما هنا
ورد بعضهم استثناء هاتين المسألتين بأن الإنفساخ ليس لموت العاقد بل لانتهاء حقه بالموت وليس الرد بظاهر
( و ) لا تنفسخ أيضا بموت ( متولي ) أي ناظر ( الوقف ) من حاكم أو منصوبه أو من شرط له النظرعلى جميع البطون
ويستثنى من إطلاقه ما لو كان الناظر هو المستحق للوقف وأجر بدون أجرة المثل فإنه يجوز له ذلك كما صرح به الإمام وغيره فإذا مات في أثناء المدة انفسخت كما قاله ابن الرفعة
( ولو أجر البطن الأول ) من الموقوف عليهم العين الموقوفة ( مدة ومات ) البطن المؤجر ( قبل تمامها ) وشرط الواقف لكل بطن منهم النظر في حصته مدة استحقاقه فقط ( أو أجر الولي صبيا ) أو ماله ( مدة لا يبلغ فيها ) الصبي ( بالسن فبلغ ) فيها ( بالاحتلام ) وهو رشيد كما قاله الماوردي وغيره ( فالأصح انفساخها ) فيما بقي من المدة ( في الوقف ) لأن الوقف انتقل استحقاقه بموت المؤجر لغيره ولا ولاية له عليه ولا نيابة
( لا ) في ( الصبي ) فلا تنفسخ لأن الولي بنى تصرفه على المصلحة
والثاني لا تنفسخ في الوقف كالملك وتنفسخ في الصبي لتبين عدم الولاية فيما بعد البلوغ أما الماضي من المدة فلا تنفسخ فيه
ولو كانت المدة يبلغ فيها بالسن بطلت الإجارة فيما بعد البلوغ وفيما قبله قولا تفريق الصفقة
ولو أجر الولي مال المجنون فأفاق في أثناء المدة فكبلوغ الصبي بالاحتلام أما إذا بلغ الصبي سفيها فهو كالصبي في استمرار الولاية عليه
تنبيه لو أجر أحد الموقوف عليهم المشروط له النظر بالأرشدية ثم مات انفسخت الإجارة في نصيبه خاصة كما أشار إليه الأذرعي واعتمده الغزي في الفتوى
وقول المصنف البطن الأول ليس بقيد بل كل البطون كذلك
قال الزركشي واحترز بقوله البطن الأول عما لو كان المؤجر الحاكم أو الواقف أو منصوبه ومات عن البطن الأول كما أوضحه
____________________
(2/356)
ابن الرفعة فالصحيح عدم الإنفساخ لأن العاقد ناظر للكل قال ولو أجر الناظر للبطن الثاني فمات البطن الأول انتقلت منافع الوقف إليهم فتنفسخ الإجارة لأنه صار مستحق المنافع ولا يستحق لنفسه على نفسه
( و ) الأصح ( أنها تنفسخ ) في المستقبل ( بانهدام ) كل ( الدار ) لزوال الاسم وفوات المنفعة بخلاف المبيع المقبوض لا ينفسخ البيع بتلفه في يد المشتري لأن الإستيلاء في البيع حصل على جملة المبيع والإستيلاء على المنافع المعقود عليها لا يحصل إلا شيئا فشيئا
تنبيه لو هدمها المستأجر كان الحكم كذلك كما صرح به البغوي
وأما قول الشيخين في النكاح إن المستأجر لو خرب الدار ثبت له الخيار فهو محمول على تخريب يحصل به تعييب لا هدم كامل ولهذا زدت في المتن كل ليخرج ما لو انهدم بعضا فإنها لا تنفسخ بل يثبت للمستأجر الخيار
نعم إن أمكن إصلاحه في الحالة وأصلحه المؤجر سقط خيار المستأجر
و ( لا ) تنفسخ الإجارة بسبب ( انقطاع ماء أرض استؤجرت لزراعة ) لبقاء الاسم مع إمكان زرعها بغير الماء المنقطع ( بل يثبت الخيار ) للعيب وهو على التراخي لأن بسببه تعذر قبض المنفعة وذلك يتكرر بمرور الزمان
هذا إن لم يسق المؤجر الماء إليها من موضع آخر مع بقاء وقت الزراعة ولم تمض مدة لمثلها أجرة وإلا فلا خيار
تنبيه الإنفساخ في الأولى وثبوت الخيار في الثانية هو المنصوص عليه فيهما ومنهم من نقل وخرج وجعل في المسألتين قولين وإذا لم يمكن زراعة الأرض بغير الماء المنقطع فقضية ما ذكر أنه تنفسخ الإجارة وهو كما قال بعض المتأخرين ظاهر
فرع تعطيل الرحى لانقطاع الماء والحمام لخلل الأبنية أو لنقص الماء في بئر ونحوه كانهدام الدار كما ذكراه في الشرح والروضة آخر الباب وقضيته الإنفساخ والقياس ثبوت الخيار كانقطاع ماء الأرض لبقاء اسم الحمام والرحى كما أشار إليه في المهمات
( وغصب الدابة ) وندها ( وإباق العبد ) بغير تفريط من المستأجر إذا وقعت الإجارة على عينهما ( يثبت الخيار ) لتعذر الإستيفاء وإذا فسخ انفسخ فيما بقي من المدة وفيما مضى الخلاف السابق في موت الدابة المعينة
نعم إن بادر المؤجر وانتزع من الغاصب ورد النادة والآبق قبل مضي مدة لمثلها أجرة سقط خيار المستأجر وإنما لم تنفسخ الإجارة لبقاء عين المعقود عليه
فإن أجازوا التقدير بالعمل كبعير يركبه إلى مكة استوفاه متى قدر عليه لأن المنفعة المقدرة بعمل وإن وجب تسليمها عقب العقد لا تفوت بمضي الزمان أو بالزمان انفسخت الإجارة فيما انقضى منه واستعمل العين في الباقي فإن لم يفسخ وانقضت المدة انفسخت الإجارة فإن كان بتفريط من المستأجر لزمه المسمى كما لو فرط في الرقبة ضمنها قاله الماوردي
وليس للمستأجر مخاصمة الغاصب كالمستعير والمودع
نبيه محل الخلاف في غصب الأجنبي أما إذا غصبها المالك بعدالقبض أو قبله بامتناعه من الإقباض فطريقان أحدهما كغصب الأجنبي وأصحهما القطع بالإنفساخ وإن غصبها المستأجر ويتصور بأخذها من المالك بغير إذنه قبل انقضاء الإجارة استقرت الأجرة عليه وفي إجارة الذمة لا خيار وعلى المؤجر الإبدال
( ولو أكرى جمالا ) بعينها أو في الذمة وسلم عينها ( وهرب وتركها عند المكتري ) فلا فسخ له ولا خيار أيضا بل إن شاء تبرع بمؤونتها وإلا ( راجع القاضي ليمونها ) ومن يقوم بحفظها ( من مال الجمال فإن لم يجد له مالا ) ولم يكن في الجمال فضل ( اقترض ) القاضي ( عليه ) من المكتري أو أجنبي أو بيت المال ( فإن وثق ) القاضي ( بالمكتري دفعه ) أي ما اقترضه ( إليه ) وإن اقترضه منه لينفقه عليها ( وإلا ) بان لم يثق به ( جعله ) أي ما اقترضه القاضي ( عنده ثقة ) ينفق عليها ( وله ) أي القاضي إن لم يجد مالا يقترضه كما في الروضة وأصلها ( أن يبيع منها قدر النفقة ) عليها وعلى متعهدها
____________________
(2/357)
تنبيه أفهم قوله فإن لم يجد له مالا أنه لو كان في الجمال المتروكة زيادة على حاجة المستأجر لا يقترض عليه كما صرح به العراقيون بل يبيع الفاضل عن الحاجة
وأشار بقوله منها إلى أنه لا يجوز له بيع جميعها خشية أن تأكل أثمانها وبه صرح جمع
قال الأذرعي والظاهر أنه في إجارة الذمة إذا رأى المصلحة في بيعها ويكتري للمستأجر من ثمنها كان له ذلك حيث يجوز له بيع مال الغائب للمصلحة
( ولو أذن ) القاضي ( للمكتري في الإنفاق ) على الجمال ومتعهدها ( من ماله ) أو مال غيره ( ليرجع ) بما أنفقته عليها وعلى متعهدها ( جاز في الأظهر ) كما لو اقترض ثم دفع إليه ولأنه محل ضرورة فقد لا يجد القاضي من يقرضه أو لا يراه
والثاني المنع ويجعل متبرعا
تنبيه أفهم كلام المصنف أنه متى أنفق بغير إذن الحاكم لم يرجع ومحله إذا أمكن فإذا لم يمكن كأن لم يكن حاكم أو عسر إثبات الواقعة عنده فأنفق وأشهد على ما أنفق ليرجع رجع ويحفظها القاضي بعد المدة أو يبيع منها بقدر ما اقترض وإن خشي أن تأكل نفسها لو باع بعضها باع الكل والقول قوله في قدر ما أنفق إذا ادعى نفقة مثله في العادة لأنه أمين
واحترز بقوله أولا وتركها عما لو أخذها الجمال معه
وحكمه أن الإجارة إن كانت في الذمة اكترى الحاكم عليه من ماله فإن لم يجدله مالا اقترض عليه واكترى فإن تعذر الإكتراء عليه فللمستأجر الفسخ وإن كانت إجارة عين فله الفسخ كما إذا ندت الدابة
( ومتى قبض المكتري ) العين المؤجرة ( الدابة أو الدار ) أو غيرهما في إجارة عين أو ذمة ( وأمسكها حتى مضت مدة الإجارة استقرت الأجرة ) عليه ( وإن لم ينتفع ) لتلف المنافع تحت يده فيستقر عليه البدل كالمبيع إذا تلف في يد المشتري
وسواء أترك الإنتفاع اختيارا أم لعذر كخوف الطريق أو لعدم الرفقة مع أنه لو خرج في حالة الخوف ضمنها
وليس له فسخ ولا إلزام المكري باسترداد الدابة إلى تيسير الخروج لأنه إذا خاف من الخروج إلى تلك البلدة أمكنه السير إلى بلد آخر واستعمالها تلك المدة وإذا مضت المدة فليس له الانتفاع فإن فعل لزمه أجرة المثل مع المسمى
تنبيه أفهم قوله قبضها أن المؤجر لو عرضها عليه فامتنع أو وضعها بين يديه أو خلى بينه وبين الدار ومضت مدة الإجارة أن الأجرة لا تستقر وليس مرادا بل تستقر عليه الأجرة كما في البحر وغيره
( وكذا لو اكترى دابة لركوب إلى موضع ) معين ( وقبضها ) أو عرضت عليه فامتنع أو وضعها بين يديه كما مر ( و ) لم يسر حتى ( مضت مدة إمكان السير إليه ) فإن الأجرة تستقر عليه لوجود التمكين من المؤجر
وهذه الصورة في الإجارة المقدرة بالعمل والتي قبلها في المقدرة بالمدة
( وسواء فيه ) أي المذكور من هاتين المسألتين ( إجارة العين والذمة )
وقوله ( إذا سلم ) المؤجر ( الدابة الموصوفة ) للمستأجر قيد في إجارة الذمة لتعين حقه بالتسلم وحصول التمكين فإن لم يسلمها إليه لم يستحق عليه الأجرة لأن المعقود عليه في الذمة فلا يستقر بدله من غير استيفاء كالمسلم فيه
تنبيه تقييد المصنف المسألة بالدابة قد يوهم أنه لو عقد على منفعة الحر ولم يستعمله حتى مضت المدة لا تستقر الأجرة وليس مرادا وإن قال به القفال بل تستقر كما قاله الأكثرون
فلو قال المصنف أولا ومتى قبض المكتري المؤجر لشمل هذه المسألة
ثم أشار لفرع من قاعدة أن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه بقوله ( وتستقر في الإجارة الفاسدة ) سواء أقدرت بعمل أم بمدة ( أجرة لمثل ) سواء أكانت أكثر من المسمى أم لا
( بما يستقر به المسمى في الصحيحة ) سواء انتفع بها أم لا بخلاف المهر في النكاح الفاسد لا يجب إلا بالوطء إذ اليد لا تثبت على منافع البضع
وإنما لزمه أجرة المثل لأن الإجارة كالبيع والمنفعة كالعين والبيع الفاسد كالصحيح في الضمان بالقبض
____________________
(2/358)
فكذا الإجارة
تنبيه يستثنى من التسوية التخلية فإنها تكفي في قبض العقار في الإجارة الصحيحة ولا تكفي في الفاسدة بل لا بد من القبض الحقيقي وكذا الوضع بين يديه يكفي في الصحيحة دون الفاسدة وكذا لو عرض المؤجر العين على المستأجر في الإجارة الفاسدة فامتنع لم تستقر الأجرة لأن الأجرة إنما تستقر بعقد صحيح ويتمكن فيه من استيفاء المنفعة أو بأن تتلف المنفعة تحت يده ولم يوجد أحدهما وعلى المستأجر في الفاسدة رد العين المؤجرة وليس له حبسها لاسترداد الأجرة كما في التتمة
قاعدة كل عقد فسد سقط فيه المسمى إلا إذا عقد الإمام الذمة مع الكفار على سكنى الحجاز فسكنوا ومضت المدة فيجب المسمى لتعذر أجرة المثل لأنهم استوفوا المنفعة وليس لمثلها أجرة إذ لا مثل لها تعتبر أجرته فرجع إلى المسمى
وخرج بالفاسدة الباطلة كاستئجار صبي بالغا على عمل فعمله فإنه لا يستحق شيئا
( ولو أكرى عينا مدة ولم يسلمها ) المكري ( حتى مضت ) تلك المدة ( انفسخت ) تلك الإجارة لفوات المعقود عليه قبل قبضه سواء استوفى المكري تلك المنفعة أم لا وسواء أمسكها لقبض الأجرة أم لغيره
فإن مضى بعد المدة ثم سلمها انفسخت في الماضي وثبت الخيار في الباقي
( ولو لم يقدر ) في الإجارة ( مدة وأجر ) له دابة ( لركوب إلى موضع ) معين ( ولم يسلمها ) إليه ( حتى مضت مدة ) إمكان ( السير ) إليه ( فالأصح أنها ) أي الإجارة ( لا تنفسخ ) لأن هذه الإجارة معلقة بالمنفعة لا بالزمان فلم يتعذر الإستيفاء
والثاني تنفسخ كما لو حبسها المكتري تلك المدة فإن الأجرة تستقر عليه
وأجاب الأول بأنا لو لم نقدر عليه الأجرة لضاعت المنفعة على المكري وعلى الأول لا خيار للمكتري كما لا خيار للمشتري إذا امتنع البائع من تسليم المبيع ثم سلمه
تنبيه احترز المصنف بالعين عن إجارة الذمة إذا لم يسلم ما تستوفي منه المنفعة حتى مضت المدة التي يمكن فيها استيفاؤها فلا فسخ ولا انفساخ قطعا لأنها دين تأخر وفاؤه
( ولو أجر عبده ثم أعتقه ) أو باعه أو وقفه ( فالأصح ) المنصوص في الأم وعبر في الروضة بالصحيح ( أنها لا تنفسخ الإجارة ) لأن السيد تبرع بإزالة ملكه ولم تكن المنافع له وقت العتق فلم يصادف العتق إلا الرقبة مسلوبة المنفعة
والثاني تنفسخ كموت البطن الأول
تنبيه احترز المصنف بقوله ثم أعتقه عما لو علق عتقه بصفة ثم أجره فوجدت الصفة في أثناء المدة فإنه يعتق وتنفسخ الإجارة وعما لو أجر أم ولده ثم عتقت بموته فإن الإجارة تنفسخ كما اقتضاه كلام الروضة وأصلها هنا وإن اقتضى كلامهما في باب الوقف خلافه
ولو أجر أمته مدة ثم استولدها ثم مات في أثناء المدة لم تنفسخ كما قاله ابن الرفعة لتقدم استحقاق المنفعة على سبب العتق
( و ) الأصح ( أنه لا خيار للعبد ) في فسخ الإجارة بعد العتق لأن سيده تصرف في خالص ملكه فلا ينقض ويستوفي المستأجر منفعته
والثاني له الخيار كالأمة تعتق تحت عبد
قال الروياني وهو غلط لأن خيارها ثبت لنقصه ولم يرض وقت العقد وهذا المعنى مفقود هنا
( والأظهر ) على الأول أنه لا ( يرجع على سيده بأجرة ما بعد العتق ) إلى انقضاء المدة
والثاني يرجع بأجرة مثله لتفويت السيد له ودفع هذا ومقابل الأصح في الأولتين بأن الإعتاق يتناول الرقبة خالية عن المنفعة بقية مدة الإجارة ولا نفقة على السيد وينفق عليه من بيت المال لأن السيد قد زال ملكه عنه وهو عاجز عن تعهد نفسه
تنبيه أفهم كلام المصنف أمرين أحدهما أنه لو مات المؤجر ثم أعتقه وارثه أنه لا يرجع العبد بشيء عليه قطعا وهو كذلك لأنه لم يعقد عليه عقدا ثم نقضه
ثانيهما أنه لو أقر بعتق سابق على الإجارة عتق ولم يقبل في بطلان الإجارة وأنه يغرم للعبد أجرة مثله وهو كذلك كما نقلاه عن الشيخ أبي علي قبيل كتاب الصداق وأقره
وكما لا
____________________
(2/359)
تنفسخ الإجارة بطرو الحرية ولا تنفسخ بطرو الرق
فلو استأجر مسلم حربيا فاسترق أو استأجر منه دارا في دار الحرب ثم ملكها المسلمون لم تنفسخ الإجارة وإن أجر دارا بعبد ثم قبضه وأعتقه ثم انهدمت فالرجوع بقيمته ولو ظهر بالعبد عيب بعد العتق وفسخ المستأجر الإجارة ملك العتيق منافع نفسه لأنه صار مستقلا
فإن قيل لو بيع المؤجر وانفسخت الإجارة أن المنفعة ترجع للبائع لا للمشتري كما يأتي آخر الباب فكان القياس أنها ترجع للسيد كما رجحه الإسنوي أجيب بأن العتق لما كان متقربا به والشارع متشوقا إليه كانت منافع العتيق له نظر المقصود العتق من كمال تقربه بخلاف البيع ونحوه ولو أجر المكاتب نفسه ثم عجزه سيده انفسخت الإجارة لزوال ملكه عن نفسه ولا تصح مكاتبة المؤجر إذ لا يمكنه التصرف لنفسه
( ويصح بيع ) العين ( المستأجرة ) قبل إنقضاء مدة الإجارة ( للمكتري ) لأنها بيده من غير حائل فأشبه بيع المغصوب من الغاصب
( ولا تنفسخ الإجارة في الأصح ) لأن الملك لا ينافيها ولهذا يستأجر ملكه من المستأجر
والثاني تنفسخ كما لو اشترى زوجته فإن النكاح ينفسخ
وأجاب الأول بأنه إنما ينتقل إلى المشتري ما كان للبائع والبائع حين البيع ما كان يملك المنفعة بخلاف النكاح فإن السيد يملك منفعة بضع أمته المزوجة بدليل أنها لو وطئت بشبهة كان المهر للسيد لا للزوج
تنبيه قول المصنف في الأصح راجع إلى الإنفساخ أما البيع فصحيح قطعا كما في أصل الروضة
( ولو باعها ) المؤجر أو وهبها ( لغيره ) أذن المستأجر أم لا ( جاز في الأظهر ) لأن ثبوت العقد على المنفعة لا يمنع بيع الرقبة كالأمة المزوجة
والثاني لا يجوز لأن يد المستأجر مانعة من التسليم
وأجيب بأن العين تؤخذ منه وتسلم للمشتري ثم تعاد إليه يستوفي منفعتها إلى آخر المدة ويعفى عن القدر الذي يقع التسليم فيه لأنه يسير لا يثبت فيه خيار المستأجر كما لو انسدت بالوعة الدار فلا خيار لأن زمن فتحها يسير
تنبيه ما أطله المصنف من الصحة تبع فيه الجمهور ومحله إذا كانت الإجارة مقدرة بالمدة فإن قدرت بعمل غير مقدر بمدة كأن استأجر دابة للركوب إلى بلد كذا فعن أبي الفرج الزازان البيع ممتنع قولا واحدا لجهالة مدة السير ذكره البلقيني
ويقاس بالبيع ما في معناه
ويستثنى من محل الخلاف مسألة هرب الجمال السابقة فإنه يباع من الجمال قدر النفقة قالا ولا يحرج على الخلاف في بيع المستأجر لأنه محل ضرورة والبيع الضمني كأعتق عبدك عني على كذا فأعتقه عنه وهو مستأجر فإنه يصح قطعا لقوة العتق كما نقلاه عن القفال في كفارة الظهار وأقراه
( ولا تنفسخ ) الإجارة بما ذكر قطعا كما لا ينفسخ النكاح ببيع الأمة المزوجة من غير الزوج فتبقى في يد المستأجر إلى انقضاء المدة وللمشتري الخيار إن جهل الإجارة وكذا إن علمها وجهل المدة كما قاله الرافعي في باب بيع الأصول والثمار ولو قال علمت بالإجارة ولكن ظننت أن لي أجرة ما يحدث على ملكي من المنفعة قال الغزالي في فتاويه ثبت له الخيار إنما كان ممن يشتبه عليه ذلك
وأجاب أبو بكر الشاشي بالمنع
قال الزركشي والأول أوجه لأنه مما يخفى
فإن علمها ولم يكن ذلك فلا خيار ولا أجرة وإن جهل ثم علم وأجاز فلا أجرة له لبقية المدة كما قاله البغوي
ولو وجد المستأجر به عيبا وفسخ الإجارة أو عرض ما تنفسخ به الإجارة فمنفعته بقية المدة للبائع في أحد وجهين رجحه ابن المقري لا للمشتري لأنه لم يملك منافع تلك المدة ولأن الفسخ يرفع العقد من حينئذ لا من أصله
خاتمة لو ألزم ذمته نسج ثوب على أن ينسجه بنفسه لم يصح التزامه لأنه غرر فإنه ربما يموت قبل النسج
ولو استأجر شخصا لخدمة ولو مطلقا عن ذكر وقتها وتفصيل أنواعها صح
وحمل الإطلاق على العرف في المستأجر والأجير رتبة وذكورة وأنوثة ومكانا ووقتا وغيرها
وإن استأجر للخبز بين أن ما يخبزه أرغفة أو أقراص غلاظ أو رقاق وأنه يخبز في فرن أو تنور وحطب الخباز كحبر النساخ فيعتبر فيه العرف
وعلى الأجير لغسل الثياب أجرة من يحملها إليه لأن حملها إليه من تمام الغسل إلا إن شرطت الأجرة فتلزمه
ولو استعار دابة ليركبها إلى بلد فركبها إليه ردها إلى المكان الذي سار منه ولو راكبا لها لأن الرد لازم له فالإذن يتناوله بالعرف
____________________
(2/360)
بخلاف المستأجر كما مر إذ لا رد عليه
ولو استأجره لكتابة صك في بياض وكتبه غلطا أو بلغة أخرى غير التي عينها له أو غير الناسخ ترتيب الكتاب بحيث لا يمكن البناء عليه سقطت أجرته وضمن نقصان الورق
ولو استأجره لخياطة ثوب فخاط نصفه مثلا ثم تلف استحق النصف من المسمى إن كان العمل في ملك المستأجر أو بحضرته لأنه حينئذ يقع العمل مسلما وإلا فلا يستحق شيئا
ولو تلفت جرة حملها الأجير نصف الطريق لم يستحق شيئا
والفرق أن الخياطة تظهر على الثوب فوقع العمل مسلما بظهور أثره والحمل لا يظهر أثره على الجرة فعلم بذلك أنه يعتبر في وجوب القسط وقوع العمل مسلما وظهور أثره على المحل
وغرق الأرض تنفسخ به الإجارة كانهدام الدار فإن توقع انحساره في المدة انفسخت الإجارة فيما مضى وثبت للمستأجر الخيار وإن غرق بعضها انفسخ العقد فيه وله الخيار في الباقي في بقية المدة
وهل الخيار على الفور أو التراخي اختلف مفتو عصرنا فيه والأوجه الأول كما أفتى به شيخي لأنه خيار عيب
وضمان العهدة من شخص للمستأجر جائز ويرجع عليه عند ظهور الاستحقاق
وإن توجه الحبس على أجير العين ولم يمكن العمل في الحبس أخرجه القاضي منه مدة العمل تقديما لحق المستأجر ويستوثق عليه مدة العمل إن رآه كأن خاف هربه أما أجير الذمة فليطالب بتحصيل العمل بغيره فإن امتنع حبس بالحقين
ولو أكره بعض الرعية شخصا على غسل ميت لزمه أجرة المثل أو الإمام وللميت تركه وجبت فيها وإلا ففي بيت المال إن وسع وإلا فلا شيء
وللأب إيجار إبنه الصغير المميز لإسقاط نفقته عنه وله استئجاره كما يشتري ماله
ولو أجر الأب لإبنه عينا ثم مات أحدهما وورثه الآخر لم تنفسخ الإجارة لأنها تجتمع مع الملك وفائدة عدم الإنفساخ عدم تعلق الدين بالعين المستأجرة
ولو خلف المؤجر إبنين أحدهما مستأجر منه دون الآخر فالرقبة بينهما بالإرث والإجارة مستمرة
ولو استأجر سفينة فدخل فيها سمك ففيه وجهان حكاهما ابن جماعة في فروعه أوجهها أنه للمستأجر لأنه ملك منافع السفينة ويده عليها فكان أحق به
كتاب إحياء الموات وما يذكر معه قال الرافعي في الشرح الصغير الموات الأرض التي لا ماء لها ولا ينتفع بها أحد
وقال الماوردي و الروياني حد الموات عند الشافعي ما لم يكن عامرا ولا حريما لعامر قرب من العامر أو بعد
وكلام المتن يوافق ذلك حيث قال هنا ( الأرض التي لم تعمر قط ) وقال فيما بعد ولا يملك بالإحياء حريم معمور
والأصل فيه قبل الإجماع أخبار كخبر من عمر أرضا ليست لاءحد فهو أحق بها رواه البخاري والتمليك به مستحب كما ذكره في المهذب ووافق عليه المصنف لحديث من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العوافي أي طلاب الرزق منها فهو صدقة رواه النسائي وغيره وصححه ابن حبان
قال ابن الرفعة وهو قسمان أصلي وهو ما لم يعمر قط وطارىء وهو ما خرب بعد عمارة الجاهلية
ولا يشترط في نفي العمارة التحقق بل يكفي عدم تحققها بأن لا يرى أثرها ولا دليل عليها من أصل شجر ونهر وجدر وأوتاد ونحوها وحكمها ( إن كانت ) تلك الأرض ( ببلاد الإسلام فللمسلم ) أي يجوز له ( تملكها بالإحياء ) وإن لم يأذن له فيه الإمام اكتفاء بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وردت به الأحاديث المشهورة ولأنه مباح كالإحتطاب والإصطياد لكن يستحب استئذانه خروجا من الخلاف
نعم لو حمى الإمام لنعم الصدقة موضعا من الموات فأحياه شخص لم يملكه إلا بإذن الإمام لما فيه من الإعتراض على الأئمة
تنبيه تعبير المصنف بالتملك قد يفهم من التكليف لأن الصبي والمجنون لا يتملكان بل يملكان وكلام القاضي أبي الطيب يفهم لكن الأصح أنه لا فرق كما صرح به الماوردي و الروياني
ويرد على قوله فللمسلم ما لو تحجر مسلم
____________________
(2/361)
مواتا ولم يترك حقه ولم تمض مدة يسقط فيها حقه فلا يحل للمسلم تملكه وإن كان لو فعل ملكه وإن حمل الجواز في كلامه على الصحة فلا إيراد
ويستثنى من إطلاقه تملك الأرض التي لم تعمر ما تعلق بها حق المسلمين عموما كالطريق والمقبرة وكذا عرفة ومزدلفة ومنى وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم لنعم الصدقة كما ذكره بعد ومن مفهوم قوله لم تعمر قط ما كان معمورا في الجاهلية ثم خرب وبقي آثار عمارتهم فللمسلم تملكه كما سيذكره
وما عمره الكافر في موات دار الإسلام فإنه لا يملكه كما قال ( وليس هو ) أي إحياء الأرض المذكورة ( لذمي ) ولا لغيره من الكفار كما فهم بالأولى وإن أذن له فيه الإمام لأنه استعلاء وهو ممتنع عليهم بدارنا
فلو أحيا ذمي أرضا نزعت منه ولا أجرة عليه فلو نزعها منه مسلم وأحياها ملكها وإن لم يأذن له الإمام كما في زيادة الروضة إذ لا أثر لفعل الذمي فإن بقي له فيها عين نقلها
ولو زرعها الذمي وزهد فيها صرف الإمام الغلة في المصالح ولا يحل لأحد تملك الغلة وللذمي والمستأمن الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد بدارنا ونقل تراب من موات دارنا لا ضررعلينا فيه أما الحربي فيمنع من ذلك لكن لو أخذ شيئا من ذلك ملكه كما قاله المتولي
( وإن كانت ) تلك الأرض ( ببلاد الكفار ) دار حرب وغيرها ( فلهم إحياؤها ) مطلقا لأنه من حقوق دارهم ولا ضرر علينا فيه فيملكونه بالإحياء كالصيد
( وكذا للمسلم ) أيضا إحياؤها ( إن كانت مما لا يذبون ) بكسر المعجمة وضمها أي يدفعون ( المسلمين عنها ) كموات دارنا ولا يملكها بالإستيلاء لأنها غير مملوكة لهم حتى يملك عليهم
فإن ذبوهم عنها فليس له إحياؤها كما صرح به في المحرر
واقتضاه كلام المصنف كالمعمور من بلادهم
وإذا استولينا عليها وهم يذبون عنها فالغانمون أحق بإحياء أربعة أخمساها وأهل الخمس أحق بإحياء الخمس فإن أعرض كل الغانمين عن إحياء ما يخصهم فأهل الخمس أحق به كالمتحجر لأنهم شركاؤهم فكانوا أحق به اختصاصا
فإن صالحناهم على أن البلد لنا وهم يسكنون بجزية فالمعمور منها فيء ومواتها الذي كانوا يذبون عنه يتحجر لأهل الفيء على الأصح فيحفظه الإمام لهم فلا يكون فيئا في الحال
أو صالحناهم على أن البلد لهم فالمتحجر في ذلك الموات لهم تبعا للمعمور كما إن تحجر موات دارنا لنا تبعا للمعمور
فإن فني الذميون فكنائسهم في دار الإسلام كسائر أموالهم التي فنوا عنها ولا وارث لهم
وبيع النصارى التي في دار الإسلام لا تملك بالإحياء
والمراد بدار الإسلام كل بلدة بناها المسلمون كبغداد والبصرة أو أسلم أهلها عليها كالمدينة واليمن أو فتحت عنوة كخيبر وسواد العراق أو صلحا على أن تكون الرقبة لنا وهم يسكنونها بخراج وإن فتحت على أن الرقبة لهم فمواتها كموات دار الحرب ولو غلب الكفار على بلدة يسكنها المسلمون كطرسوس لا تصير دار حرب
( وما كان معمورا ) من بلاد الإسلام أو غيرها وإن خصصه بعض الشراح ببلاد الإسلام ( فلمالكه ) إن عرف مسلما كان أو ذميا أو نحوه أو لوارثه ولا يملك ما خرب منه بالإحياء
نعم استثنى الماوردي ما أعرض عنه كافر قبل القدرة عليه فإنه يملك بالإحياء
تنبيه شمل كلامه ما كان معمورا في الحال أو معمورا في الزمن السابق ثم اندرس بل هو في هذا أظهر وأولى من قول المحرر والمعمور لا يدخل الإحياء فيه بل هو لماكله
( فإن لم يعرف ) مالكه ( والعمارة إسلامية فمال ) أي فهذا المعمور مال ( ضائع ) لأنه لمسلم أو ذمي أو نحوه وأمره إلى الإمام في حفظه إلى ظهور مالكه أو بيعه وحفظ ثمنه أو استقراضه على بيت المال
تنبيه لو خربت قرية للمسلمين وتعطلت ولم يعرف مالكها فهل للإمام إعطاؤها لمن يعمرها وجهان أوجههما أن له ذلك أخذا من قول السبكي
وكل ما لا يعرف مالكه ولا يرجى ظهوره فهو لبيت المال فيجوز للإمام أن يأذن فيه كسائر مال بيت المال
ويؤخذ منه أيضا ما عمت به البلوى من أخذ العشور والمكوس وجلود البهائم ونحوها التي تذبح وتؤخذ من ملاكها بغير اختيارهم وغير ذلك وتصير بعد ذلك لا يعرف ملاكها أنها تصير لبيت المال
( وإن كانت ) أي العمارة ( جاهلية ) بأن كان عليها آثار عماراتهم ( فالأظهر ) وحكى جمع الخلاف على وجهين ( أنه ) أي ما كان
____________________
(2/362)
معمورا جاهليا ثم خرب ( يملك بالإحياء ) إذ لا حرمة لملك الجاهلية
والثاني المنع لأنها ليست بموات
تنبيه محل الخلاف إذا كانت ببلادهم وهم لا يذبون عنه وإلا فظاهر أنه لا يملك بالإحياء كما علم مما مر
وإن شككنا في معمور أنه عمر في الجاهلية أو الإسلام قال في المطلب فيه الخلاف المذكور في الركاز الذي جهل حاله أي وقد تقدم أنه لقطة
والأرض العامرة إذا لبسها رمل أو غرقها ماء فصارت بحرا ثم زال الرمل أو الماء فهي لمالكها إن عرف وما ظهر من باطنها يكون له ولو لبسها الوادي بتراب آخر فهي بذلك التراب له كما في الكافي وإلا فإن كانت إسلامية فمال ضائع أو جاهلية فتملك بالإحياء على ما مر
وأما الجزائر التي تربيها الأنهار فإن كان أصلها من أراضي بلاد كما هو مشاهد في نهر النيل فحكمها حكم تلك البلدة وإلا بأن ربيت من أرض النهر وليست حريما لمعمور فهي موات وإن وقع الشك في ذلك فأمرها لبيت المال
هذا ما يظهر من كلامهم ولم أر من حقق هذا المحل
( ولا يملك بالإحياء حريم معمور ) لأن مالك المعمور مستحق لمرافقه ولهذا سمي حريما لتحريم التصرف فيه على غيره
تنبيه قد يفهم كلامه أن الحريم غير مملوك وهو وجه والأصح خلافه لكنه لا يباع وحده كما قاله أبو عاصم العبادي كما لا يباع شرب الأرض وحده
( وهو ) أي الحريم ( ما تمس الحاجة إليه لتمام الانتفاع ) بالمعمور وإن حصل أصل الانتفاع بدونه
تنبيه كان الأولى تقديم بيان الحريم على حكمه لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره
( فحريم القرية ) المحياة ( النادي ) وهو المجلس الذي يجتمعون فيه يندون أي يتحدثون
ولا يسمى المجلس ناديا إلا والقوم فيه ويطلق النادي على أهل المجلس أيضا
وعبارة المحرر مجتمع النادي وهي أولى
نعم إن قدر في كلام المصنف مضاف محذوف وهومجتمع ساوى تعبير المحرر
( ومرتكض الخيل ) بفتح الكاف وهو مكان سوقها
أي إذا كانوا خيالة كما قاله الإمام وغيره
( ومناخ الإبل ) بضم الميم بخطه وهو الموضع الذي تناخ فيه إذا كانوا أهل إبل على قياس ما قاله الإمام
( ومطرح ) السرجين والقمامات و ( الرماد ونحوها ) كمراح غنم وسيل ماء وملعب صبيان
وكذا المرعى والمحتطب المستقلان القريبان كما قاله الإمام وكذا البعيدان كما قاله البغوي واقتضاه كلام القاضي وغيره
وينبغي كما قال الأذرعي أن يكون محله إذا لم يفحش بعدهما عن القرية وكانا بحيث يعدان من مرافق القرية أما إذا لم يستقلا ولكن كان يرعى ويحتطب منهما عند خوف البعد فليسا بحريم
( وحريم البئر ) المحفورة ( في الموات موقف النازح ) منهما وهو القائم على رأس البئر ليستقي
أما المحفورة في ملكه فيعتبر فيها العرف
تنبيه عبارة المحرر البئر المحفورة في الموات وهي حسنة فإن عبارة المصنف مشكلة من حيث الإعراب إذ لا يصح قوله في الموات أن يكون حالا من المضاف إليه إذ شرط الحال من المضاف إليه أن يكون المضاف عاملا فيها أو يكون المضاف جزءا من المضاف إليه أو كجزئه وهنا ليس كذلك
وقد يقال إن حريم البئر كجزئها فيكون كقوله تعالى { اتبع ملة إبراهيم حنيفا }
( والحوض ) بالرفع وكذا المعطوفات بعده عطف على موقف
والمراد به ما يصب النازح فيه ما يخرجه من البئر وكذا عبر في المحرر وغيره بمصب الماء
ومراد المصنف أن الحريم موضع الحوض وكذا يقدر الموضع في المعطوفات على الحوض
( والدولاب ) بضم الدال أشهر من فتحها فارسي معرب إن كان الإستقاء به كما قيداه في الروضة وأصلها
( ومجتمع الماء ) الذي يطرح فيه ما يخرج من الحوض لسقي الماشية والزرع وبهذا يندفع ما قيل أن ذكر المجتمع مع الحوض تكرار
( ومتردد ) النازح من ( الدابة ) إن استقى بها أو الآدمي أما البئر المتخذة للشرب فيعتبر حريمها بموضع وقوف المستقي منها
ولو حفر بئرا في موات بحيث نقص به ماء الأولى منع في الأصح وعليه
____________________
(2/363)
فهو معتبر في حريم الموات
( وحريم الدار ) المبنية ( في الموات مطرح رماد وكناسة وثلج ) في بلد يثلج فيه للحاجة إلى ذلك
( وممر في صوب الباب ) ليتوقف الانتفاع بها عليه والمراد بصوب الباب جهته وليس المراد منه استحقاقه قبالة الباب على امتداد الموات بل لغيره إحياء ما في قبالة الباب إذا ألقى له ممرا ولو احتاج إلى انعطاف وإزورار
وفناء جدران الدار وهو ما حواليها من الخلاء المتصل بها ليس حريما لها في أوجه وجهين نقله ابن الرفعة عن النص و الزركشي عن الأكثرين ولكن يمنع من حفر بئر بقربها ومن سائر ما يضر بها كإلصاق جداره أو رمله بها لأنه تصرف بما يضر ملك غيره
( وحريم آبار القناة ) المحياة ( ما لو حفر فيه ) أي الحريم ( نقص ماؤها أو خيف ) عليها ( الانهيار ) أي السقوط
ويختلف ذلك باختلاف الأراضي صلابة ولينا ولا يحتاج إلى موقف نازح ولا شيء مما مر في بئر الاستقاء بل إلى حفظها وحفظ مائها
أما لو حفر بئرا في ملكه ثم حفر آخر بئرا في ملكه فلا يمنع وإن نقص ماء غيره والفرق أن الحفر في الإبتداء تملك فلا يمكن منه إذا تضرر به الغير وهنا كل متصرف في ملكه فلا يمنع منه
تنبيه ما جعله المصنف حريما هو بالنسبة إلى حفر الآبار لا مطلقا فإنه يجوز لغيره أن يبني في الحريم المذكور كما قاله الزركشي
ومحله أيضا إذا انتهى الموات إليه فإن كان ثم ملك قبل تمام حد الحريم فالحريم إلى انتهاء الموات
وضبط المصنف بخطه أبآر بهمزة بعد الموحدة الساكنة ويجوز تقديم الهمزة على الموحدة وقلبها ألفا قال الجار بردي والأول أكثر استعمالا
( والدار المحفوفة بدور ) بأن أحييت كلها معا ( لا حريم لها ) إذ ليس جعل موضع حريما لدار أولى من جعله حريما لأخرى
تنبيه قوله المحفوفة ليس بقيد بل مثلها كل ما لا موات حوله ومنه غير المحفوفة إذا كانت بطريق نافذ كما قاله الرافعي في باب بيع الأصول والثمار لأنه لعامة المسلمين بخلاف ما إذا كانت في غير نافذ
( ويتصرف كل واحد ) من الملاك ( في ملكه على العادة ) في التصرف وإن تضرر به جاره أو أدى إلى إتلاف ماله كمن حفر بئر ماء أو حش فاختل به جدار جاره أو تغير بما في الحش ماء بئره لأن في منع المالك من التصرف في ملكه مما يضر جاره ضررا لا جابر له
( فإن تعدى ) بأن جاوز العادة في التصرف ( ضمن ) ما تعدى فيه لافتياته
( والأصح أنه يجوز ) للشخص ( أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حماما ) ولفظه مذكر وطاحونة ومدبغة ( واصطبلا ) وفرنا ( وحانوته في البزازين حانوت حداد ) وقصار ونحو ذلك كأن يجعله مدبغة
لكن ( إذا احتاط وأحكم الجدران ) إحكاما يليق بما يقصده لأنه يتصرف في خالص ملكه وفي منعه إضرار به
والثاني المنع للإضرار به
ورد بأن الضرر لا يزال بالضرر
وعلى الأول لو فعل ما الغالب فيه ظهور الخلل في حيطان الجار كدق عنيف يزعج الحيطان أو حبس الماء في ملكه بحيث تسري النداوة إلى جدار الجار فالأصح المنع
والحاصل كما قاله الزركشي منع ما يضر الملك دون المالك ويستثنى منه ما تقدم قريبا من أنه لو حفر بئرا في ملكه يلزم من حفره سقوط جدار جاره أنه يجوز له
واستثنى بعضهم من ذلك أيضا ما لو كان له دار في سكة غير نافذة فليس له جعلها مسجدا ولا حماما ولا حانوتا ولا سبيلا إلا بإذن الشركاء كما قال شيخنا وفيه نظر
ووجهه أن الشخص لا يمنع من التصرف في ملكه وهذا هو المعتمد كما مر في باب الصلح
ولو دق فاهتز الجدار فانكسر ما كان معلقا فيه قال العراقيون فإن سقط في حالة الدق ضمن وإلا فلا وقال القاضي لا ضمان في الحالين وهذا هو الظاهر
تنبيه لو أخر المصنف قوله فإن تعدى ضمن عن قوله الأصح إلخ لكان أولى
( ويجوز إحياء موات الحرم )
____________________
(2/364)
كما يملك عامره بالبيع وغيره ( دون عرفات ) فلا يجوز إحياؤها ( في الأصح ) وإن كانت من غير الحرم لتعلق الوقوف بها كالحقوق العامة من الطرق ومصلى العيد في الصحراء وموارد الماء
وقد عمت البلوى بالعمارة على شاطى النيل والخلجان فيجب على ولي الأمر ومن له قدرة منع من يتعاطى ذلك
والثاني إن ضيق امتنع وإلا فلا
( قلت ومزدلفة ومنى كعرفة والله أعلم ) فلا يجوز إحياؤهما في الأصح لحق المبيت والرمي وإن لم يضق به المبيت والمرمى
وقد عمت البلوى بالبناء بمنى وصار ذلك لا ينكر فيجب على ولي الأمر هدم ما فيها من البناء والمنع من البناء فيها
تنبيه ظاهر كلامه أن هذا الحكم منقول وأن خلاف عرفة يجري فيه وبه صرح في التصحيح
والذي في الروضة أن ذلك على سبيل البحث فإنه قال ينبغي أن يكون الحكم في أرض منى ومزدلفة كعرفات لوجود المعنى وقال ابن الرفعة ينبغي القطع لضيقه بخلاف عرفات
قال الإسنوي والمتجه المنع من البناء بمزدلفة ولو قلنا بما رجحه الرافعي من استحباب المبيت بها لكونه مطلوبا حينئذ
فينبغي أن يكون المحصب كذلك لأنه يستحب للحجيج إذا نفروا أن يبيتوا به قال الولي العراقي لكنه ليس من مناسك الحج فمن أحيا شيئا منه ملكه اه
وهذا هو المعتمد
( ويختلف الإحياء بحسب الغرض ) والرجوع فيه إلى العرف فإن الشرع أطلقه ولا حد له في اللغة فيرجع فيه إليه كالقبض والحرز في السرقة وهو في كل شيء بحسبه والضابط التهيئة للمقصود
( فإن أراد ) إحياء الموات ( مسكنا اشترط ) فيه لحصوله ( تحويط البقعة ) بآجر أو لبن أو قصب بحسب عادة ذلك المكان
تنبيه قضية كلام الشيخين الإكتفاء بالتحويط بذلك من غير بناء ونص في الإمام على اشتراط البناء وهو المعتمد كما في التنبيه وغيره
( و ) اشترط أيضا ( سقف بعضها ) ليتهيأ للسكنى وفيه وجه أنه لا يشترط
( وتعليق ) بعين مهملة أي نصب باب لأن العادة في المنازل أن يكون لها أبواب وما لا ( باب ) له لا يتخذ مسكنا
( وفي ) تعليق ( الباب وجه ) أيضا أنه لا يشترط لأن فقده لا يمنع السكنى وإنما ينصب لحفظ المتاع
ولو قال وفيهما وجه كان أولى فإن في السقف أيضا وجها كما مر
تنبيه أفهم كلامه أن السكنى لا تشترط في إحياء ما ذكر وبه صرح المتولي وغيره
( أو ) أراد إحياء الموات ( زريبة دواب ) أو نحوها كحظيرة لجمع ثمار وغلات وغيرها ( فتحويط ) بالبناء بما جرت به العادة
ولا يكفي نصب سعف وأحجار من غير بناء لأن المجتاز بفعل ذلك والمتملك لا يقتصر عليه عداة
( لا سقف ) فلا يشترط في إحياء الزريبة لأن العادة فيها عدمه
ولو حوط لها ببناء من طرف واقتصر في الباقي على نصب أحجار أو سعف قال القاضي كفى وخالفه الخوارزمي والأوجه الأول
( وفي ) نصب ( الباب الخلاف ) السابق في المسكن
ولو حفر قبرا في موات كان إحياء لتلك البقعة وملكه كما قال الزركشي كما لو بنى فيها ولم يكن بخلاف ما لو حفر قبرا في أرض مقبر مسبلة فإنه لا يختص به إذا السبق فيها بالدفن لا بالحفر
( أو ) أراد إحياء الموات ( مزرعة ) بفتح الراء أفصح من ضمها وكسرها
( فجمع التراب ) ونحوه كحجر وشوك ( حولها ) يشترط في إحيائها لينفصل المحي عن غيره لجدار الدار ولا حاجة إلى التحويط لأنه العرف
( وتسوية الأرض ) بطم المنخفض وكسح المستعلي وحرثها إن لم تزرع إلا به وتلبين ترابها ولو بما يساق إليها لتتهيأ للزراعة
( وترتيب ماء لها ) بشق ساقية من نهر أو بحفر بئر أو قناة أو نحو ذلك
تنبيه أفهم تعبيره ب ترتيب أنه لا يشترط السقي بالفعل وهو كذلك فإذا حفر طريقه ولم يبق إلا إجراؤه كفى وإن لم يجر فإن هيأه ولم يحفر طريقه كفى أيضا في أحد وجهين ورجحه في الشرح الصغير
هذا ( إن لم يكفها المطر
____________________
(2/365)
المعتاد ) فإن كفاها لم يحتج لترتيب الماء
ويستثنى من ترتيب الماء صورتان إحداهما أراضي الجبال التي لا يمكن سوق الماء إليها ولا يكفيها المطر المعتاد فإنها تملك بالحراثة وجمع التراب في أحد وجهين اقتضى كلام الرافعي ترجيحه ونقله الخوارزمي عن سائر الأصحاب
الثانية أراضي البطائح وهي بناحية العراق غلب عليها الماء فالشرط في إحيائها حبس الماء عنها عكس غيرها ذكره الماوردي و الروياني وغيرهما
و ( لا ) يشترط في إحيائها ( الزراعة في الأصح ) لأنه استيفاء منفعة الأرض وهو خارج عن الإحياء كما لا يعتبر في إحياء الدار سكناها
والثاني يشترط إذ الدار لا تصير محياة إلا إذا جعل فيها عين مال المحيي فكذا المزرعة وما يبذر فيها يقال له زريعة بتخفيف الراء وجمعها زرائع وأما الحصاد فلا يشترط جزما
( أو ) أراد إحياء الموات ( بستانا فجمع التراب ) يشترط حول الأرض كالمزرعة
وحكم الكرم حكم البستان
( والتحويط حيث جرت العادة به ) عملا بها وإن جرت بتحويط ببناء اشترط أو بقصب أو شوك كفى أو اكتفت بجمع تراب كفى فعلم بذلك أنه لا يشترط الجمع بين التحويط وجمع التراب
وعبارة المصنف تقتضي اشتراط جمع التراب مع التحويط وليس مرادا إذ لا معنى له فلو قيد التراب بحالة عدم التحويط كان أولى
وعبارته توهم أيضا أنه لا يشترط شيء من ذلك في موضع إن لم يعتد
وعبارة الروضة والشرحين ولا بد من التحويط والرجوع فيما يحوط به إلى العادة
( وتهيئة ماء ) على ما سبق في المزرعة
( ويشترط ) في إحياء الموات بستانا ( الغرس على المذهب ) وقيل لا يشترط كالزرع في المزرعة
وفرق الأول بينهما بأن اسم المزرعة يقع على الأرض قبل الزرع بخلاف البستان قبل الغرس ولأن الغرس للدوام فالتحق ببناء الدار بخلاف الزرع ومن شرط الزرع في المزرعة شرط الغرس في البستان بطريق الأولى فهذه طريقة ثانية قاطعة بالإشتراط
تنبيه قد يفهم كلامه الإكتفاء بغرس البعض وهو كذلك كما صححه في البسيط لكن يشترط كما قال الأذرعي غرس ما يسمى به بستانا
ويبعد الإكتفاء بغرس شجرة أو شجرات في أرض واسعة ولا يشترط أن يثمر الغراس
وسكت المصنف عن نصب الباب وظاهره أنه لا يشترط وهو كذلك وإن صرح الحاوي الصغير تبعا للغزالي باشتراطه
ويشترط في إحياء البئر خروج الماء وطي البئر الرخوة أرضها بخلاف الصلبة وفي إحياء بئر القناة خروج الماء وجريانه
ولو حفر نهرا ممتدا إلى النهر القديم بقصد التملك ليجري فيه الماء ملكه ولو لم يجره كما لا يشترط السكنى في إحياء المسكن
( ومن شرع في عمل إحياء ) لنوع فغيره لنوع آخر ملكه بما يحيي به ذلك النوع كأن شرع في عمل بستان ثم قصد أن يجعله مزرعة ملكه بما تملك به المزرعة
وكلام ابن المقري في روضه محمول على ذلك لا على ما حمله شيخنا عليه من أنه لو حوط البقعة ملكها وإن قصد المسكن لأنه مما تملك به الزريبة لو قصدها
واعترضه بأنه احتمال للإمام مخالف لكلام الأصحاب
ولو شرع في عمل إحياء ( ولم يتمه ) كأن حفر أساسا أو جمع ترابا ( أو أعلم ) عطف على شرع أي جعل له علامة العمارة ( على بقعة بنصب أحجار أو غرز خشبا ) فيها أو نحو ذلك كأن خط خطا أو جمع ترابا حولها ( فمتحجر ) لذلك المحل في الصور المذكورة لأنه بذلك منع غيره منه
( وهو أحق به ) من غيره يعني مستحاله دون غيره لحديث أبي داود من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له ولأن الإحياء يفيد الملك فليفد الشروع فيه الإمتناع كالاستيام مع الشراء
وهذه الأحقية أحقية احتصاص لا ملك لأن سببه الإحياء ولم يوجد
ولها شرطان أحدهما أن لا يزيد على قدر كفايته فإن خالف كان لغيره أن يحيي ما زاد على كفايته كما قاله المتولي وقيل لا يصح بحجره أصلا
الثاني القدرة على تهيئة الإكمال فلو تحجر ما يعجز عن إحيائه كان لغيره إحياء الزائد كما مر
ولما كانت أحقية المتحجر ما يحجره قد توهم أحقية الملك استدرك المصنف بقوله ( لكن الأصح ) المنصوص ( أنه لا يصح بيعه ) أي أحقية
____________________
(2/366)
اختصاص المتحج كما قاله الإمام وغيره ولا هبته كما قاله الماوردي خلافا للدارمي لأن حق التملك لا يباع ولا يوهب كحق الشفعة ولكن له نقله إلى غيره وإيثاره به كإيثار بجلد الميتة قبل الدباغ ويصير الثاني أحق به ويورث عنه
والثاني يصح بيعه وبه قال أبو إسحاق وكأنه يتبع حق الاختصاص كبيع علو البيت للبناء والسكنى دون أسفله
فإن قيل ما استدركه المصنف مستدرك كما قيل فإن عدم البيع مناسب لعدم الملك المفهوم من لفظ الأحقية
أجيب بأن قوله أحق وأعم فيصدق بالأحقية مع الملك فيقتضي صحة البيع فلذلك دفعه بقوله لكن إلخ
تنبيه قال الزركشي والعجب من احتجاجهم لمنع البيع بحق الشفعة مع أن أبا إسحاق يخالف فيه أيضا وكذلك في مقاعد الأسواق وهل يجري خلافه في المساجد والريط ونحوها الظاهر المنع فيمتنع الإعتياض عنها قطعا لأنها عين ولا منفعة كما قطعوا به في امتناع العوض على حق القسم ويشبه أن يكون النزول عن الوظائف مثله لأنه ملك أن ينتفع بها لا المنفعة اه
( و ) الأصح ( أنه لو أحياه ) شخص ( آخر ملكه ) وإن عصى بذلك كما لو دخل في سوم أخيه واشترى
والثاني لا يملكه لئلا يبطل حق غيره
تنبيه محل الخلاف إذا لم يعرض عن العمارة فإن أعرض عنها ملكه المحيي قطعا
قال الرافعي والخلاف في هذه المسألة شبيه بما إذا عشش الطائر في ملكه وأخذالفرح غيره هل يملكه وكذا لو توحل طير في أرضه أو وقع الثلج فيها ونحو ذلك اه
وقد وقع في ذلك اضطراب وسيأتي تحريره إن شاء الله تعالى في آخر الوليمة
( ولو طالت مدة التحجر ) ولم يحي ويرجع في طولها للعرف ( قال له السلطان ) أو نائبه ( أحي أو اترك ) ما تحجرته
لأنه ضيق على الناس في حق مشترك فمنع منه كما لو وقف في شارع
( فإن استمهل ) المتحجر ( أمهل مدة قريبة ) يستعد فيها للعمارة وتقديرها إلى رأي الإمام وقيل تقدر بثلاثة أيام وقيل بعشرة أيام
فإذا مضت المدة ولم يعمر بطل حقه من غير رفع إلى سلطان
وقضية هذا أنه لا يبطل حقه بمضي المدة بلا مهلة وهو ما بحثه الشيخ أبو حامد لكنه خلاف منقوله الذي جزم به الإمام من أنه يبطل بذلك لأن التحجر ذريعة إلى العمارة وهي لا تؤخر عنه إلا بقدر أسبابها ولهذا لا يصح تحجر من لا يقدر على تهيئة لأسباب كمن تحجر ليعمر في قابل وكفقير تحجر إذا قدر فوجب إذا أخر وطال الزمان أن يعود مواتا كما كان
وقال السبكي ينبغي إذا عرف الإمام أنه لا عذر له في تطويل المدة انتزعها منه في الحال وكذا إن لم تطل المدة وعلم أنه معرض عن العمارة
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في طلب الإمهال بين أن يكون يعذر أو بغيره وبه صرح الروياني وهو خلاف قضية كلام الروضة وأصلها فإنهما قالا فإن ذكر عذرا أو استمهل أمهل مدة قريبة اه
وهذا هو الظاهر كما يؤخذ من كلام السبكي السابق
( ولو أقطعه الإمام مواتا ) لا لتمليك رقبته ( صار ) بمجرد الإقطاع ( أحق بإحيائه ) من غيره يعني مستحقا له دون غيره
( كالمتحجر ) لتظهر فائدة الإقطاع
ولو قال المصنف صار كالمتحجر لكان أخصر وأشمل ليأتي فيه سائر أحكام التحجر
لكن يستثنى هنا كما قال الزركشي ما أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يملكه الغير بإحيائه قياسا على أنه لا ينقض ما حماه أما إذا أقطعه لتمليك رقبته فيملكه كما ذكره المصنف في مجموعه في باب الركاز
والأصل في الإقطاع خبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير وخبر الترمذي وصححه أنه صلى الله عليه وسلم أقطع وائل بن حجر أرضا بحضرموت
تنبيه هل يلحق المندرس الضائع بالموات في جواز الإقطاع فيه وجهان أصحهما في البحر نعم بخلاف الإحياء
فإن قيل هذا ينافي ما مر من جعله كالمال الضائع
أجيب بأن المشبه لا يعطي حكم المشبه به في جميع الوجوه والحاصل أن هذا مقيد لذاك
وأما إقطاع العامر فعلى قسمين إقطاع تمليك وإقطاع استغلال والأول أن يقطع الإمام ملكا أحياه بالأجراء والوكلاء أو اشتراه أو وكيله في الذمة فيملكه المقطع بالقبول والقبض إن أبدا أو أقت بعمر المقطع وهو
____________________
(2/367)
العمري ويسمى معاشا والأملاك المتخلفة عن السلاطين الماضية بالموت والقتل ليست بملك للإمام القائم بل لورثتهم إن تبينوا وإلا فكالأموال الضائعة
ولا يجوز إقطاع أراضي الفيء تمليكا ولا إقطاع الأراضي التي اصطفاها الأئمة لبيت المال من فتوح البلاد إما بحق الخمس وإما باستطابة نفوس الغانمين ولا إقطاع أراضي الخراج صلحا
وفي إقطاع أراضي من مات من المسلمين ولا وارث له وجهان والظاهر منهما المنع
ويجوز إقطاع الكل معاشا
الثاني أن يقطع غلة أراضي الخراج
قال الأذرعي ولا أحسب في جواز الإقطاع للاستغلال خلافا إذا وقع في محله لمن هو من أهل النجدة قدرا يليق بالحال من غير مجازفة اه
أي فيملكها المقطع له بالقبض ويختص بها من قبله
فإن أقطعها من أهل الصدقات بطل وكذا من أهل المصالح وإن جاز أن يعطوا من مال الخراج شيئا لكن بشرطين أن يكون بمال مقدر قد وجب بسبب استباحته كالتأذين والإمامة وغيرهما وأن يكون قد حل المال ووجب لتصح الحوالة به
ويخرج بهذين الشرطين عن حكم الإقطاع
وإن أقطعها من القضاة ومن كتاب الدواوين جاز سنة واحدة وهل تجوز الزيادة عليها وجهان أصحهما المنع إن كان جزية والجواز إن كان أجرة
ويجوز إقطاع الجندي من أرض عامرة للاستغلال بحيث تكون منافعها له ما لم ينزعها الإمام وقضية قول المصنف في فتاويه إنه يجوز له إجارتها أنه يملك منفعتها
قال بعض المتأخرين وما يحصل للجندي من الفلاح من مغل وغيره فحلال بطريقه وما يعتاد أخذه من رسوم ومظالم فحرام
والمقاسمة مع الفلاح حيث البذر منه منعها الشافعي رضي الله تعالى عنه وغيره وحينئذ فالواجب على الفلاح أجرة الأرض وإذا وقع التراضي على أخذ المقاسمة عوضا من أجرة الأرض وإن كان ذلك جائزا فحق على الجندي المتورع أن يرضي الفلاح في ذلك ولا يأخذ منه إلا ما يقابل أجرة الأرض
وإن كان البذر من الجندي فجميع المغل له وللفلاح أجرة مثل ما عمل فإن رضي الفلاح عن أجرته بالمقاسمة جاز
( ولا يقطع ) الإمام ( إلا ) شخصا ( قادرا على الإحياء و ) يكون ما يقطعه له ( قدرا يقدر عليه ) لو أراد إحياءه لأنه منوط بالمصلحة
تنبيه المراد بالقدرة ما يعم الحسية والشرعية فلا يقطع الذمي في دار الإسلام ( وكذا التحجر ) فلا يتحجر الشخص إلا أن يقدر على الإحياء وقدرا يقدر على إحيائه فإن زاد فالأقوى في الروضة أن لغيره إحياء الزائد كما مرت الإشارة إليه
( والأظهر أن للإمام ) أو نائبه ( أن يحمي ) بفتح أوله ويجوز ضمه أي يمنع عامة المسلمين ( بقعة موات لرعي نعم جزية ) وهو ما يؤخذ بدلا عن النقد المأخوذ في الجزية وفيما إذا قال قوم نؤدي الجزية باسم الصدقة
( و ) لرعي نعم ( صدقة ) تطوع ( و ) لرعي نعم ( ضالة ) وتستعمل الضالة في غير النعم أيضا
( و ) لرعي نعم شخص ( ضعيف عن النجعة ) بضم النون وهي الإبعاد في طلب المرعى بأن يمنع الناس من رعيها بحيث لا يضرهم بأن يكون قليلا من كثير بحيث تكفي بقيته الناس لأنه صلى الله عليه وسلم حمى النقيع بالنون وقيل بالباء لخيل المسلمين رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه
والثاني المنع لخبر لا حمى إلا لله ولرسوله رواه البخاري
تنبيه أهمل المصنف خيل المجاهدين وهي أحق من غيرها إذ الحمى الوارد في الحديث كان لها
قال الأذرعي ويشبه أن يلحق بها الظهر الذي يحتاجون إليه في الغزو
وكان الأحسن للمصنف تقديم ضالة أو تأخيرها حتى لا ينقطع النظير عن النظير
ويحرم على الإمام وغيره من الولاة أن يأخذ من أصحاب المواشي عوضا عن الرعي في الحمى أو الموات بلا خلاف وكذا يحرم عليه أن يحمي الماء العد أي العذب لشرب خيل الجهاد وإبل الصدقة والجزية وغيرهما
( و ) الأظهر ( أن له ) أي الإمام ( نقض ) أي رفع ( ما حماه ) وكذا ما حماه غيره من الأئمة إن ظهرت المصلحة في نقضه وإن أوهمت عبارته اختصاص النقد بالحامي فإنه قول مرجوح
وقوله ( للحاجة ) إليه أي عندها كما في المحرر بأن ظهرت المصلحة فيه بعد ظهورها في الحمى
و للحاجة متعلق ب نقض لا ب ما حماه وليس هذا من نقض الاجتهاد بالاجتهاد
الثاني المنع لتعينه تلك الجهة كما لو عين بقعة لمسجد أو مقبرة
وعلى الأول لو
____________________
(2/368)
أحياه محي بإذن الإمام ملكه وكان الإذن منه نقضا وليسه له أن يجيبه بغير إذنه لما فيه من الاعتراض على تصرف الإمام وحكمه
أما ما حماه صلى الله عليه وسلم فليس لأحد من الأئمة نقضه لأنه نص عليه فلا ينقض ولا يغير بحال ولو استغني عنه فمن زرع فيه أو غرس أو بنى قلع
وحكى صاحب الرونق قولا وصححه أنه لا يجوز نقض ما حماه الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم
قال السبكي وهذا غريب لكنه مليح فإن فعلهم أعلى من فعل كل إمام بعدهم
( ولا يحمي ) الإمام ( لنفسه ) قطعا لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولم يقع ذلك منه وعليه يحمل خبر البخاري السابق الذي استدل به القول المرجوح
وخرج بالإمام ونائبه غيرهما فليس له أن يحمي
وليس للإمام أن يدخل مواشيه ما حماه للمسلمين لأنه من الأقوياء ويندب له ولنائبه أن ينصب أمينا يدخل فيه دواب الضعفاء ويمنع منه إدخال دواب الأقوياء فإن رعاه قوي منع منه ولا يغرم شيئا
قال في الروضة وليس هذا مخالفا لما ذكرناه في الحج أن من أتلف شيئا من نبات النقيع ضمنه على الأصح لأن ما هنا في الرعي فهو من جنس ما أحمي له وما هناك في الإتلاف بغيره
ولا يعزر أيضا قال ابن الرفعة ولعله فيمن جهل التحريم وإلا فلا ريب في التعزير اه
ولعلهم سامحوا في ذلك كما سامحوا في الغرم
فصل في حكم المنافع المشتركة ( منفعة الشارع ) الأصلية ( المرور ) فيه لأنه وضع لذلك
وتقدمت هذه المسألة في الصلح وعبر المصنف هناك عن الشارع بالطريق النافذ وذكرت هنا توطئة لما بعدها
وخرج بالأصلية المنفعة بطريق التبع المشار إليها بقوله ( ويجوز الجلوس به ) ولو في وسطه ( لاستراحة ومعاملة ونحوهما ) كانتظار رفيق وسؤال وله الوقوف فيه أيضا
قال ابن الصباغ وللإمام مطالبة الواقف بقضاء حاجته أو الإنصراف
هذا كله ( إذا لم يضيق على المارة ) فيه لقوله صلى الله عليه وسلم لا ضرر ولا ضرار في الإسلام
( ولا يشترط ) للجلوس في الشارع ( إذن الإمام ) لإطباق الناس عليه من غير نكير
تنبيه شمل إطلاقه الذمي وفي ثبوت هذا الإرتفاق له وجهان أوجههما كما قال ابن الرفعة وتبعه السبكي الثبوت وإن لم يأذن الإمام
وليس للإمام ولا لغيره من الولاة أن يأخذ ممن يرتفق بالجلوس في الشارع ولو لبيع ونحوه عوضا قطعا قاله في زيادة الروضة
قال السبكي وقد رأينا في هذا الزمان من وكلاء بيت المال من يبيع من الشارع ما يقول إنه يفضل عن حاجة المسلمين وهذا لا يقتضيه قول أحد لأن البيع يستدعي تقدم الملك ولو جاز ذلك لجاز بيع الموات ولا قائل به
قال ابن الرفعة وفاعل ذلك لا أدري بأي وجه يلقى الله تعالى
قال الأذرعي وفي معنى ذلك الرحاب الواسعة بين الدور في المدن فإنها من المرافق العامة كما صرح به في البحر
وقد نقل في الشامل الإجماع على منع إقطاع المرافق العامة وللإمام أن يقطع بقعة ارتفاقا لا بعوض ولا تمليكا فيصير المقطع أحق به كالمتحجر ولا يجوز لأحد تملكه بالإحياء
ويجوز الإرتفاق أيضا بغير الشارع كالصحاري لنزول المسافرين إن لم يضر النزول بالمارة
وأما الإرتفاق بأفنية المنازل في الأملاك فإن أضر ذلك بأصحابها منعوا من الجلوس فيها إلا بإذنهم وإلا فإن كان الجلوس على عتبة الدار لم يجز إلا بإذن مالكها وله أن يقيمه ويجلس غيره
ولا يجوز أخذ أجرة على الجلوس في فناء الدار ولو كانت الدار لمحجور عليه لم يجز لوليه أن يأذن فيه وحكم فناء المسجد كفناء الدار
( وله ) أي الجالس في الشارع ( تظليل مقعده ) أي موضع قعوده في الشارع ( ببارية ) بتشديد التحتانية كما في الدقائق وحكي تخفيفها نوع ينسج من قصب كالحصير
( وغيرها ) مما لا يضر بالمارة كثوب وعباءة لجريان العادة به فإن كان مثبتا ببناء لم يجز كبناء الدكة
وله وضع سرير في أحد احتمالين لصاحب الكافي يظهر ترجيحه ويختص الجالس بمكانه ومكان متاعه ومعامليه وليس لغيره أن يضيق عليه في المارة بحيث يضر به في الكيل والوزن والأخذ والعطاء فله أن
____________________
(2/369)
يمنع واقفا بقربه إن منع رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه
وليس له منع من قعد لبيع مثل متاعه إذا لم يزاحمه فيما يختص به من المرافق المذكورة
( ولو سبق إليه ) أي مكان من الشارع ( اثنان ) وتنازعا في موضع منه ( أقرع ) بينهما لعدم المزية
( وقيل يقدم الإمام ) أحدهما ( برأيه ) كمال بيت المال
وهذا كما قال الدارمي إذا كانا مسلمين أما إذا كان أحدهما مسلما والآخر ذميا فالمسلم مقدم مطلقا
( ولو جلس فيه للمعاملة ) أو للحرفة كالخياطة ( ثم فارقه ) أي موضع جلوسه ( تاركا ) للمعاملة أو ( للحرفة أو منتقلا إلى غيره بطل حقه ) بمفارقته لإعراضه عنه
قال الأذرعي وسواء فيه المقطع وغيره فيما أراه
( وإن فارقه ) ولو بلا عذر ( ليعود ) إليه ( لم يبطل ) حقه منه لخبر مسلم إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به
وإذا فارقه بالليل فليس لغيره مزاحمته في اليوم الثاني وكذا الأسواق التي تقام في كل أسبوع أو في كل شهر مرة إذا اتخذ فيها مقعدا كان أحق به في النوبة الثانية ولو أراد غيره الجلوس فيه مدة غيبته إلى أن يعود جاز إن كان لغير معاملة وكذا المعاملة على الأصح
( إلا أن تطول مفارقته ) له بعذر أو بغيره ( بحيث ينقطع معاملوه عنه ويألفون ) في معاملتهم ( غيره ) فيبطل حقه وإن ترك فيها شيئا من متاعه لأن الغرض من الموضع المعين أن يعرف فيعامل
تنبيه قضية إطلاقه أنه لا فرق بين أن يجلس بإقطاع الإمام أو لا وهو كذلك كما صححه في أصل الروضة
وقيل لا يبطل فيما إذا جلس بإقطاع الإمام وجزم به في التنبيه وأقره المصنف في تصحيحه وجزم به في نكته
وخرج ب جلس لمعاملة ما لو جلس لاستراحة أو نحوها فإنه يبطل حقه بمفارقته وكذا لو كان جوالا وهو من يقعد كل يوم في موضع من السوق فإنه يبطل بمفارقته
ويكره الجلوس في الشارع للحديث ونحوه إلا أن يعطي الطريق حقه من غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ورد في تفسيره بذلك في الخبر
( ومن ألف من المسجد موضعا يفتي فيه ) الناس ( ويقرىء ) القرآن أو الحديث أو الفقه أو غيرها من العلوم المتعلقة بعلوم الشرع كنحو وصرف ولغة فحكمه ( كالجالس في ) مقعد في ( شارع لمعاملة ) في التفصيل السابق
تنبيه فهم من إلحاق المصنف المسجد بالشارع أنه لا يشترط فيه إذن الإمام وهو كذلك كما قاله الإمام إذ المساجد لله تعالى وإن قيده الماوردي بصغار المساجد قال وأما كبارها والجوامع فيعتبر فيه إذن الإمام إن كان عادة البلد الاستئذان فيه
وقد يخرج بقوله يفتي ويقرىء جلوس الطالب لكن في زيادة الروضة أن مجلس الفقيه حال تدريس المدرس في مجلس أو مدرسة الظاهر فيه دوام الاختصاص اه
وهذا هو المعتمد إذا كان أهلا للجلوس فيه كما قاله الأذرعي أما إذا كان لا يفيد ولا يستفيد فلا معنى له
( ولو جلس فيه ) أي المسجد ( لصلاة لم يصر أحق به في ) صلاة ( غيرها ) لأن لزوم بقعة معينة للصلاة غير مطلوب بل ورد فيه نهي وبقاع المسجد لا تختلف بخلاف مقاعد الأسواق
فإن قيل هذا ممنوع لأن ثواب الصلاة في الصف الأول أفضل من غيره
أجيب بأن الصف الأول ينحصر في بقعة بعينها
فإن قيل قد تفوته فضيلة القرب من الإمام
أجيب بأن له طريقا إلى تحصيله بالسبق الذي طلبه الشارع
تنبيه أفهم كلام المصنف الأحقية في تلك الصلاة حتى لو استمر إلى وقت صلاة أخرى فحقه باق وهو كذلك
وشمل ما لو كان الجالس صبيا وهو الأصح في شرح المهذب
ويلحق بالصلاة الجلوس في المسجد لسماع وعظ أو حديث أي أو قراءة في لوح مثلا وكذا من يطالع منفردا بخلاف من يطالع لغيره ولم أر من تعرض لذلك وهو ظاهر
( فلو فارقه ) قبل الصلاة ( لحاجة ) كإجابة داع ورعاف وقضاء حاجة ( ليعود ) بعد فراغ حاجته ( لم يبطل اختصاصه )
____________________
(2/370)
به ( في تلك الصلاة في الأصح ) وعبر في الروضة بالصحيح
( وإن لم يترك ) في ذلك الموضع ( إزاره ) أو نحوه كسجادة لحديث مسلم المار
والثاني يبطل كغيرها من الصلاة
تنبيه محل الخلاف إذا لم تقم الصلاة في غيبته أما لو أقيمت واتصلت الصفوف فالوجه كما قال الأذرعي وغيره سد الصف مكانه
وقضية كلامه طرد الخلاف فيما لو كان دخل لانتظار الصلاة قبل دخول وقتها وخرج قبل دخول وقتها ليعود وهو كذلك وإن قال الأذرعي لم أر فيه تصريحا اه
وقول الزركشي ينبغي أن يستثنى من حق السبق ما لو قعد خلف الإمام وليس أهلا للاستخلاف أو كان ثم من هو أحق منه بالإمامة فيؤخر ويقدم الأحق موضعه لخبر ليليني منكم أولو الأحلام والنهى
ممنوع إذ الصبي إذا سبق إلى الصف الأول لا يؤخر
مسألة وهي كثيرة الوقوع لو بسط شخص شيئا في مسجد مثلا ومضى أو بسط له كان لغيره تنحيته كما جزم به الرافعي في باب الجمعة خلافا للمروزي
ولو نوى اعتكاف أيام في المسجد فخرج لما يجوز الخروج له في الإعتكاف وعاد كان أحق بموضعه وخروجه لغير ذلك ناسيا كذلك كما بحثه شيخنا
وإن نوى اعتكافا مطلقا فهو أحق بموضعه ما لم يخرج من المسجد كما صرح به في الروضة
ويندب منع من يجلس في المسجد لمبايعة وحرفة إذ حرمته تأبى اتخاذه حانوتا وتقدم في باب الإعتكاف أن تعاطي ذلك فيه مكروه
ولا يجوز الإرتفاق بحريم المسجد إذ أضر بأهله ولا يجوز للإمام الإذن فيه حينئذ وإلا جاز
ويندب منع الناس من استطراق حلق القراء والفقهاء في الجوامع وغيرها توقيرا لهم
( ولو سبق رجل إلى موضع من رباط مسبل ) في طريق أو طرف بلد وهو ممن يسكنه مثله ( أو ) سبق ( فقيه إلى مدرسة أو صوفي ) وهو واحد الصوفية ( إلى خانقاه ) وهي مكان الصوفية ( لم يزعج ) منه سواء أذن له الإمام أم لا
( ولم يبطل حقه ) منه ( بخروجه لشراء حاجة ) كشراء طعام ( ونحوه ) كصلاة وحمام سواء أخلف فيه غيره أم متاعه أم لا وسواء أدخله بإذن الإمام أم لا إلا إن شرط الواقف أن لا يسكن أحد إلا بإذن الإمام بخلاف ما إذا خرج لغير حاجة
تنبيه ظاهر قوله لو سبق إلخ أنه لا يحتاج في الدخول إلى إذن الناظر وليس مرادا للعرف كما أفتى به ابن الصلاح والمصنف وإن حمله ابن العماد على ما إذا جعل الواقف للناظر أن يسكن من شاء ويمنع من شاء لما في ذلك من الإفتيات على الناظر
وإن سكن بيتا وغاب ولم تطل غيبته عرفا ثم عاد فهو باق على حقه وإن سكنه غيره لأنه ألفه مع سبقه إليه
ولا يمنع غيره من سكناه مدة غيبته على أن يفارقه إذا حضر فإن طالت غيبته بطل حقه
ولو طال مقام المرتفق في شارع ونحوه كمسجد لم يزعج إلا في الربط الموقوفة على المسافرين فلا يزادون على ثلاثة أيام بلياليها إلا لخوف أو مطر
ولو شرط الواقف مدة لم يزد عليها وعند الإطلاق يعمل بالعرف فيقيم الطالب في المدرسة الموقوفة على طلبة العلم حتى يقضي غرضه أو يترك التعلم والتحصيل فيزعج ويؤخذ من هذا كما قاله السبكي أنه إذا نزل في مدرسة أشخاص للاشتغال بالعلم وحضور الدرس وقدر لهم من الجامكية ما يستوعب قدر ارتفاع وقفها لا يجوز أن ينزل زيادة عليهم بما ينقص ما قرر لهم من المعلوم لما في ذلك من الإضرار بهم
وفي فوائد المهذب للفارقي في آخر زكاة الفطر يجوز للفقهاء الإقامة في الربط وتناول معلومها ولا يجوز للمتصوف القعود في المدارس وأخذ شيء منها لأن المعنى الذي يطلق به اسم المتصوف موجود في حق الفقيه وما يطلق به اسم الفقيه غير موجود في الصوفي
ويجوز لكل أحد من المسلمين دخول المدارس والأكل والشرب والنوم فيها ونحو ذلك مما جرى العرف به لا السكنى إلا الفقيه أو بشرط الواقف
فرع النازلون بموضع في البادية في غير مرعى البلد لا يمنعون ولم يزحموا بفتح الحاء على المرعى والمرافق إن ضاقت فإن استأذنوا الإمام في استيطان البادية ولم يضر نزولهم بابن السبيل راعى الأصلح في ذلك وإذا نزلوها بغير
____________________
(2/371)
إذن وهم غير مضرين بالسابلة لم يمنعهم من ذلك إلا إن ظهر في منعهم مصلحة فله ذلك
فصل في حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض ( المعدن ) وسبق بيانه في باب زكاته
وهو نوعان ظاهر وباطن فالمعدن ( الظاهر وهو ما خرج ) أي برز جوهره ( بلا علاج ) أي عمل وإنما العمل والسعي في تحصيله وقد يسهل وقد لا يسهل ( كنفط ) وهو بكسر النون أفصح من فتحها وإسكان الفاء فيهما ما يرمى به
قال الزركشي وهو يكون على وجه الماء في العين وفي الصحاح أنه اسم لدهن
( وكبريت ) وهو بكسر أوله عين تجري ماء فإذا جمد ماؤها صار كبريتا أبيض وأصفر وأحمر وأكدر ويقال إن الأحمر الجوهر ولهذا ضربوا به المثل في العزة فقالوا أعز من الكبريت الأحمر يقال إن معدنه خلف بلاد وادي النمل الذي مر به سليمان صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء يضيء في معدنه فإذا فارقه زال ضوؤه
( وقار ) وهو الزفت ويقال فيه قير
( ومومياء ) وهو بضم الميم الأولى وبالمد وحكي القصر شيء يلقيه الماء في بعض السواحل فيجمد فيه فيصير كالقار وقيل إنه أحجار سود باليمن خفيفة فيها تخويف
وأما التي تؤخذ من عظام الموتى فهي نجسة
( وبرام ) بكسر الموحدة جمع برمة بضمها حجر يعمل منه القدر
( وأحجار رحى ) وأحجار نورة ومدر وجص وملح مائي وكذا جبلي إن لم يحوج إلى حفر وتعب
( لا يملك بالإحياء ) هذا خبر قوله المعدن
وقوله ( ولا يثبت فيه اختصاص بتحجر ولا إقطاع ) من سلطان معطوف على الخبر لأن هذه الأمور مشتركة بين الناس مسلمهم وكافرهم كالماء والكلأ لأنه صلى الله عليه وسلم أقطع رجلا ملح مأرب فقال رجل يا رسول الله إنه كالماء العد أي العذب قال فلا إذن رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان
وظاهر هذا الحديث وكلام المصنف أنه لا فرق في الإقطاع بين إقطاع التمليك وإقطاع الإرفاق وهو كذلك وإن قيد الزركشي المنع بالأول
وليس للإمام أن يقطع أرضا ليأخذ حطبها أو حشيشها أو صيدها ولا بركة ليأخذ سمكها
ولا يدخل في هذه الأشياء تحجر كما لا يدخل إقطاع وقد مر في زكاة المعدن أنه يطلق على المخرج وهو المراد هنا وعلى البقعة وإذا كان كذلك فلا تساهل في عبارة المصنف كما قيل
وأما البقاع التي تحفر بقرب الساحل ويساق إليها الماء فينعقد فيها ملحا فيجوز إحياؤها وإقطاعها
( فإن ضاق نيله ) أي الحاصل منه على اثنين مثلا جاء إليه ( قدم السابق ) إليه ( بقدر حاجته ) منه لسبقه ويرجع فيها إلى ما تقتضيه عادة أمثاله كما قاله الإمام وأقراه وقيل إن أخذ لغرض دفع فقر أو مسكنة مكن من أخذ كفاية سنة أو العمر الغالب على الخلاف الآتي في قسم الصدقات
( فإن طلب زيادة ) على حاجته ( فالأصح إزعاجه ) إن زوحم عن الزيادة لأن عكوفه عليه كالتحجر
والثاني يأخذ منه ما شاء لسبقه
( فلو جاءا ) إليه ( معا ) ولم يكف الحاصل منه لحاجتهما وتنازعا في الإبتداء ( أقرع ) بينهما ( في الأصح ) لعدم المزية
والثاني يجتهد الإمام ويقدم من يراه أحوج
والثالث ينصب من يقسم الحاصل بينهما
تنبيه ظاهر كلامه أنه لا فرق بين أن يأخذ أحدهما للتجارة والآخر للحاجة أم لا وهو المشهور
ولو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا قدم المسلم كما بحثه الأذرعي نظير ما مر في مقاعد الأسواق
( والمعدن الباطن وهو ما لا يخرج ) أي يظهر جوهره ( إلا بعلاج كذهب وفضة وحديد ) ورصاص ( ونحاس ) وفيروزج وياقوت وعقيق وسائر الجواهر المبثوثة في طبقات الأرض ( لا يملك بالحفر والعمل ) في موات بقصد التملك ( في الأظهر ) كالمعدن الظاهر
والثاني يملك بذلك إذا قصد التملك كالموات
وفرق الأول بأن الموات يملك بالعمارة وحفر المعدن تخريب ولأن الموات إذا ملك يستغني المحيي عن العمل والنيل مبثوث في طبقات الأرض يحوج كل يوم إلى حفر وعمل نعم هو أحق به
وإذا طال
____________________
(2/372)
مقامه ففي إزعاجه الخلاف السابق في الظاهر
ولو ازدحهم عليه اثنان وضاق عنهما فعلى ما سبق من الأوجه في المعدن الظاهر ولقطعة ذهب أبرزها السيل أو أتى بها حكم المعدن الظاهر
تنبيه سكوت المصنف عن الإقطاع هنا يفهم جوازه وهو الأظهر لأنه صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحرث المعادن القبلية رواه أبو داود وهي بفتح القاف والباء الموحدة قرية بين مكة والمدينة يقال لها الفرع بضم الفاء وإسكان الراء
وهذا الإقطاع إقطاع إرفاق كمقاعد الأسواق وقيل تمليك كإقطاع الموات
( ومن أحيا موتا فظهر فيه معدن باطن ) كذهب ( ملكه ) جزما لأنه بالإحياء ملك الأرض بجميع أجزائها ومن أجزائها المعدن بخلاف الركاز فإنه مودع فيها ومع ملكه له لا يجوز له بيعه على الأصح في الروضة لأن مقصود المعدن النيل وهو مجهول فلو قال مالكه لشخص ما استخرجته منه فهو لي ففعل فلا أجرة له أو قال فهو بيننا فله أجرة النصف أو قال له كله لك فله أجرته والحاصل مما استخرجه في جميع الصور للمالك لأنه هبة مجهول وخرج بظهر ما إذا كان عالما بأن بالبقعة المحياة معدنا فاتخذ عليه دارا ففيه طريقان أحدهما أنه على القولين في تملكه بالإحياء وهو قضية إطلاق المحرر فيكون الراجح عدم تملكه لفساد القصد وهو المعتمد كما هو في بعض نسخ الروض المعتمدة
والطريق الثاني القطع بأنه يملكه ورجحه في الكفاية
وخرج بالباطن الظاهر فلا يملكه بالإحياء إن علمه لظهوره من حيث إنه لا يحتاج إلى علاج
أما إذا لم يعلمه فإنه يملكه كما في الحاوي نقله عنه الشارح وهو المعتمد
فحاصله أن المعدنين حكمهما واحد وإن أفهمت عبارة المصنف أن الظاهر لا يملك مطلقا
وأما بقعة المعدنين فلا يملكها بالإحياء مع علمه بهما لفساد قصده لأن المعدن لا يتخذ دارا ولا مزرعة ولا بستانا أو نحوها
تنبيه إنما خص المعدن بالذكر لأن الكلام فيه وإلا فمن ملك أرضا بالإحياء ملك طبقاتها حتى الأرض السابعة
( والمياه المباحة من الأودية ) كالنيل والفرات ودجلة ( والعيون ) الكائنة ( في الجبال ) ونحوها من الموات وسيول الأمطار ( يستوي الناس فيها ) لخبر الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلا والنار رواه ابن ماجة بإسناد جيد فلا يجوز لأحد تحجرها ولا للإمام إقطاعها كما نقله القاضي أبو الطيب و ابن الصباغ وغيرهما
ولو حضر اثنان فصاعدا أخذ كل ما شاء فإن ضاق وقد جاءا معا قدم العطشان لحرمة الروح فإن استويا في العطش أو في غيره أقرع بينهما وليس للقارع أن يقدم دوابه على الآدميين بل إذا استووا استؤنفت القرعة بين الدواب
ولا يحمل على القرعة المتقدمة لأنهما جنسان وإن جاءا مترتبين قدم السابق بقدر كفايته إلا أن يكون مستقيا لدوابه والمسبوق عطشان فيقدم المسبوق
والمراد بالمباح ما لا مالك له واحترز به عن الماء المملوك وسيذكره
فرع كل أرض وجد في يد أهلها نهر لا تسقى تلك الأرض إلا منه ولم يدر أنه حفر أو انحفر حكم لهم بملكه لأنهم أصحاب يد وانتفاع
والظاهر كما قال الأذرعي أن صورة المسألة أن يكون منبعه من أراضيهم المملوكة لهم أما لو كان منعه بموات أو كان يخرج من نهر عام كدجلة فلا بل هو باق على الإباحة
قال الزركشي ولو كان على الماء المباح قاطنون فأهل النهر أولى به قاله أبو الطيب
وفي معنى ذلك حافات المياه التي يعم جميع الناس الإرتفاق بها فلا يجوز تملك شيء منها بإحياء ولا بابتياع من بيت المال ولا غيره وقد عمت البلوى بالأبنية على حافات النيل كما عمت بالقرافة مع أنها مسبلة اه
وقد مرت الإشارة إلى بعض ذلك
( فإن أراد قوم سقي أراضيهم ) بفتح الراء بلا ألف بعدها ( منها ) أي المياه المباحة ( فضاق ) الماء عنهم وبعضها أعلى من بعض ( سقي الأعلى فالأعلى ) ولو كان زرع الأسفل قبل أن ينتهي الماء إليه فلا يجب على من فوقه إرساله إليه كما قاله أبو الطيب
( وحبس كل واحد ) منهم ( الماء حتى يبلغ الكعبين ) لأنه صلى الله عليه وسلم قضى بذلك رواه أبو داود بإسناد حسن وهذا ما عليه الجمهور
وقال
____________________
(2/373)
الماوردي ليس التقدير بالكعبين في كل الأزمان والبلدان لأنه مقدر بالحاجة والحاجة تختلف وبه جزم المتولي وقال السبكي إنه قوي جدا
والحديث واقعة حال يحتمل أن التقدير فيها لما اقتضاه حالها ولولا هيبة الحديث وخوفي سرعة تأويله وحمله لكنت أختاره لكن أستخير الله فيه حتى ينشرح صدري ويقذف الله فيه نور المراد لنبيه صلى الله عليه وسلم اه
والمراد بالأعلى المحيى قبل الثاني وهكذا لا الأقرب إلى النهر
وعبروا بذلك جريا على الغالب من أن من أحيا بقعة يحرص على قربها من الماء ما أمكن لما فيه من سهولة السقي وخفة المؤنة وقرب عروق الغراس من الماء ومن هنا يقدم الأقرب إلى النهر إن أحيوا دفعة أو جهل السابق منهم وهو المعتمد وإن قال الأذرعي ولا يبعد الإقراع
وخرج بضاق ما إذا اتسع بأن كان يكفي جميعهم فيرسل كل منهم الماء في ساقيته إلى أرضه
( فإن كان في الأرض ) الواحدة ( ارتفاع ) لطرف منها ( وانخفاض ) لآخر منها ( أفرد كل طرف بسقي ) لأنهما لو سقيا معا لزاد الماء في المنخفضة على القدر المستحق وطريقه كما في الروضة أن يسقي المنخفض حتى يبلغ الكعبين ثم يسده ثم يسقي المرتفع
والظاهر كما قال السبكي أنه لا يتعين البداءة بالأسفل بل لو عكس جاز
ومرادهم أنه لا يزيد في المستغلة على الكعبين وصرح في الاستقصاء بالتخيير بين الأمرين وهو ظاهر
ولو احتاج الأعلى إلى السقي مرة أخرى قبل وصوله للأسفل قدم
ولو تنازع متحاذيان بأن تحاذت أرضهما أو أرادا شق النهر من موضعين متحاذيين تعينت القرعة إذ لا مزية لأحدهما على الآخر وهذا كما قال الأذرعي إذا أحيا دفعة أو جهل أسبقهما ولا ينافي هذا ما تقدم من أنه يقدم الأعلى فيما إذا أحيوا معا أو جهل الأسبق لأنه إنما قدم هناك لقربه من النهر ولا مزية هنا مع أنه قيل بالإقراع كما مر
ولو أراد شخص إحياء أرض موات وسقيها من هذا النهر فإن ضيق على السابق منع من الإحساء لأنهم استحقوا أرضهم بمرافقها والماء من أعظم مرافقها وإلا فلا منع وقضية ذلك أنه لا يتقيد المنع بكونه أقرب إلى رأس النهر وهو كذلك كما هو ظاهر كلام الروضة خلافا لابن المقري
تنبيه عمارة هذه الأنهار من بيت المال ولكل من الناس بناء قنطرة عليها يمرون عليها وبناء رحى عليها إن كانت الأنهار في موات أو في ملكه فإن كانت من العمران جاز مطلقا إن كان العمران واسعا وبإذن الإمام إن كان ضيقا ويجوز بناء الرحى أيضا إن لم يضر بالملاك وإلا فلا كإشراع الجناح في الشارع فيهما
( وما أخذ من هذا الماء ) المباح ( في بناء ) أو حوض مسدود المنافذ أو بركة أو حفرة في أرض أو نحو ذلك ( ملك على الصحيح ) كالإحتطاب والإحتشاش والإصطياد وحكى ابن المنذر فيه بالإجماع وقال ابن الصلاح في فتاويه الدولاب الذي يديره الماء إذا دخل إناء في كيزانه ملكه صاحب الدولاب كما بذلك لو استقاه بنفسه والثاني لا يملك الماء بحال بل يكون بحرزه أولى به من غيره
وعلى الأول لو رده إلى محله لم يصر شريكا به باتفاق الأصحاب
وهل يحرم عليه رده لأن فيه ضياع مال كما لو رمى في البحر فلسا فإنه يحرم عليه ظاهر كلامهم عدم الحرمة
وقد سئلت عن هذه المسألة قبل ذلك وما أجبت فيها بشيء وقد ظهر لي الآن عدم الحرمة لما قيل من أن الماء لا يملك بحال
وخرج بالإناء ونحوه الداخل في ملكه بسيل فإنه لا يملكه بدخوله في الأصح فلو أخذه غيره ملكه وإن كان دخوله في ملكه بغير إذنه حراما
ومن حفر نهرا ليدخل فيه الماء من الوادي فالماء باق على إباحته لكن مالك النهر أحق به ولغيره الشرب وسقي الدواب والاستعمال منه ولو بدلو لجريان العرف بذلك
( وحافر بئر بموات ) لا للتملك بل ( للارتفاق ) بها لنفسه مدة إقامته هناك كمن ينزل في الموات ويحفر للشرب وسقي الدواب
( أولى بمائها ) من غيره فيما يحتاج إليه كسقي ماشيته وزرعه ( حتى يرتحل ) لحديث من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به
أما ما فضل عن حاجته قبل ارتحاله فليس له منع ما فضل عنه لشرب أو ماشية وله منع غيره من سقي الزرع به فإذا ارتحل صار البئر كالمحفورة للمارة أو لا بقصد شيء فإن عاد فهو كغيره
قال الأذرعي هذا إذا ارتحل معرضا أما لو كان لحاجة عازما
____________________
(2/374)
على العود فلا إلا أن تطول غيبته اه
وهو حسن
وإعراضه عنها كارتحاله كما اقتضاه كلام الروياني
تنبيه كان ينبغي للمصنف أن يقول لارتفاق نفسه كما قدرته في كلامه ليخرج ما لو حفرها لإرتفاق المارة فإن الحافر كأحدهم أو حفرها لا بقصد شيء فإنه لا يختص بها على الأصح بل هو كواحد من الناس وتصير مشتركة بين الناس وإن لم يتلفظ بوقف كما صرح به الصيمري و الماوردي قالا ولو حفر لنفسه ثم أراد سدها ليس له ذلك لأنه قد تعلق بها حق الماشية بظهور مائها فلم يكن له إبطاله
( و ) البئر ( المحفورة ) في الموات لا للمارة بل ( للتملك أو في ملك يملك ) الحافر ( ماءها في الأصح ) لأنه نماء مسلكه كالثمرة واللبن والشجر النابت في ملكه
والثاني لا يملكه لخبر الناس شركاء في ثلاث السابق
ويجري الخلاف كما قال الروياني في كل ما ينبع في ملكه من لفظ وقير وملح ونحوها
( وسواء ملكه ) على الصحيح ( أم لا ) على مقابله ( لا يلزمه بذل ما فضل عن حاجته لزرع ) وشجر ( ويجب ) بذل الفاضل منه عن شربه لشرب غيره من الآدميين وعن ماشيته وزرعه لغيره ( لماشية ) ولو أقام غيره ثم
وقوله ( على الصحيح ) يمكن عوده إلى عدم الوجوب للزرع وإلى الوجوب للماشية فإن الخلاف فيهما وذلك لخبر الصحيحين لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ أي من حيث أن الماشية إنما ترعى بقرب الماء فإذا منع من الماء فقد منع من الكلأ
والمراد بالماشية هنا الحيوانات المحترمة
وأطلق المصنف الحاجة وقيدها الماوردي بالناجزة قال فلو فضل عنه الآن واحتاج إليه في ثاني الحال وجب بذله لأنه يستخلف هذا إن كان هناك كلأ مباح ولم يجد ماء مبذولا له ولم يحرزه في إناء ونحوه وإلا فلا يجب بذله
وإنما وجب بذله للماشية دون الزرع لحرمة الروح وقيل يجب للزرع كالماشية وقيل لا يجب للماشية كالماء المحرز
ولا يجب بذل فضل الكلأ لأنه لا يستخلف في الحال ويتمول في العادة وزمن رعيه يطول بخلاف الماء
وحيث لزمه بذل الماء للماشية لزمه أن يمكنها من ورود البئر إن لم يضر به فإن ضر به لم يلزمه تمكينها وجاز للرعاة استقاء الماء لها
وبما تقرر علم ما في كلام المصنف من الإجحاف وحيث وجب البذل لم يجز أخذ عوض عليه وإن صح بيع الطعام للمضطر لصحة النهي عن بيع فضل الماء رواه مسلم ولا يجب على من وجب عليه البذل إعارة آلة الإستقاء
ويشترط في بيع الماء التقدير بكيل أو وزن لا بري الماشية والزرع والفرق بينه وبين جواز الشرب من ماء السقاء بعوض أن الإختلاف في شرب الآدمي أهون منه في شرب الماشية والزرع
تنبيه الشرب وسقي الدواب من الجداول والأنهار المملوكة إذا كان السقي لا يضر بمالكها جائز إقامة للإذن العرفي مقام اللفظي قاله ابن عبد السلام ثم قال نعم لو كان النهر لمن لا يعتبر إذنه كاليتيم والأوقاف العامة فعندي فيه وقفة والظاهر الجواز
( والقناة ) أو العين ( المشتركة ) بين جماعة ( يقسم ماؤها ) عند ضيقه عنهم ( بنصب خشبة ) مستوية الطرفين والوسط موضوعة بمستوى من الأرض
وقوله ( في غرض النهر ) متعلق بنصب
( فيها ثقب ) بضم المثلثة أو له بخطه ولو قرئت بنون مضمومة جاز
( متساوية ) تلك الثقب ( أو متفاوتة على قدر الحصص ) من القناة أو العين لأنه طريق في استيفاء كل واحد حصته فلو كان لواحد النصف ولآخر الثلث ولآخر السدس جعل فيها ست ثقب للأول ثلاثة وللثاني اثنان وللثالث واحد ويجوز تساوي الثقب مع تفاوت الحقوق كأن يأخذ صاحب الثلث ثقبة والآخر ثقبتين هذا إن علم قدر الحصص فإن جهل قسم على قدر الأرض على الأصح في زيادة الروضة لأن الظاهر أن الشركة بحسب الملك
ويصنع كل واحد بنصيبه ما شاء لكن لا يسوقه لأرض لا شرب لها من النهر لأنه يجعل لها شربا لم يكن
أما إذا اتسع ماء القناة أو العين بحيث يحصل لكل قدر حاجته لم يحتج لما ذكر
( ولهم ) أي الشركاء ( القسمة مهايأة ) وهي أمر يتراضون عليه كأن يسقي كل منهم يوما أو بعضهم يوما وبعضهم أكثر بحسب حصته ويستأنس
____________________
(2/375)
لذلك بقوله تعالى { لها شرب ولكم شرب يوم معلوم } وكسائر الأملاك المشتركة ولكل منهم الرجوع متى شاء فإن رجع وقد أخذ نوبته قبل أن يأخذ الآخر نوبته فعليه أجرة نوبته من النهر للمدة التي أخذ نوبته فيها
ويمنع أحدهم من توسيع النهر ومن تضييقه ومن تقديم رأس الساقية التي يجري فيها الماء ومن تأخيره ومن إجراء ما يملكه فيه ومن بناء قنطرة ورحى عليه ومن غرس شجرة على حافته إلا برضا الباقين كما في سائر الأملاك المشتركة وعمارته بحسب الملك
تنبيه قوله مهايأة منصوب إما على الحال على المبتدأ أو هو القسمة بناء على صحة الحال منه كما ذهب إليه سيبويه وغيره أو على أنها مفعول بفعل محذوف بتقدير ويقسم مهايأة ويجوز كون القسمة فاعلة بالظرف بناء على قول من جوز عمل الجار بلا اعتماد وهم الكوفيون وعليه فنصب مهايأة على الحال من الفاعل
خاتمة لا يصح بيع ماء البئر والقناة منفردا عنهما لأنه يزيد شيئا فشيئا ويختلط المبيع بغيره فيتعذر التسليم
فإن باعه بشرط أخذه الآن صح ولو باع صاعا من ماء راكد صح لعدم زيادته أو من جار فلا لأنه لا يمكن ربط العقد بمقدار مضبوط لعدم وقوفه
ولو باع ماء القناة مع قراره والماء جار لم يصح البيع في الجميع للجهالة وإن أفهم كلام الروضة البطلان في الماء فقط عملا بتفريق الصفقة
فإن اشترى البئر وماءها الظاهر أو جزأيهما شائعا وقد عرف عمقها فيهما صح وما ينبع في الثانية هو مشترك بينهما كالظاهر بخلاف ما لو اشتراها أو جزأها الشائع دون الماء أو أطلق لا يصح لئلا يختلط الماءان
ولو سقى زرعه بماء منصوب ضمن الماء ببدله والغلة له لأنه المالك للبذر فإن غرم البدل وتحلل من صاحب الماء كانت الغلة أطيب له مما لو غرم البدل فقط
ولو أشعل نارا في حطب مباح لم يمنع أحدا الانتفاع بها ولا الاستصباح منها فإن كان الحطب له فله المنع من الأخذ منها لا الإصطلاء بها ولا الاستصباح منها
4 كتاب الوقف هو والتحبيس والتسبيل بمعنى
وهو لغة الحبس يقال وقفت كذا أي حبسته ولا يقال أوقفته إلا في لغة تميمية وهي رديئة وعليها العامة
وهو عكس حبس فإن الفصيح أحبس وأما حبس فلغة رديئة
وشرعا حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود ويجمع على وقوف وأوقاف
والأصل فيه قوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } فإن أبا طلحة لما سمعها رغب في وقف بيرحاء وهي أحب أمواله
وقوله تعالى { وما يفعلوا من خير فلن يكفروه } وخبر مسلم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له
والولد الصالح هو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد ولعل هذا محمول على كمال القول وأما أصله فيكفي فيه أن يكون مسلما
والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف كما قاله الرافعي فإن غيره من الصدقات ليست جارية بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها ناجزا
وأما الوصية بالمنافع لو إن شملها الحديث فهي نادرة فحمل الصدقة في الحديث على الوقف أولى وفي الصحيحين أن عمر رضي الله تعالى عنه أصاب أرضا بخيبر فقال يا رسول الله ما تأمرني فيها فقال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق بها عمر على أن لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث
وهو أول وقف في الإسلام على المشهور
وقال جابر رضي الله تعالى عنه ما بقي أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا وقف وقفا وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه في القديم بلغني أن ثمانين صحابيا من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات
و الشافعي يسمى الأوقاف الصدقات المحرمات
وأركانه أربعة واقف موقوف وموقوف عليه وصيغة
وقد شرع في الركن الأول فقال ( شرط الواقف صحة عبارته ) دخل في ذلك الكافر فيصح
____________________
(2/376)
منه ولو لمسجد وإن لم يعتقده قربة اعتبارا باعتقاد وإن قال الواحدي لا يصح منه اعتبارا باعتقاده وخرج الصبي والمجنون فلا يصح وقفهما
ودخل في قوله ( وأهلية التبرع ) المبعض والمريض مرض الموت ويعتبر وقفه من الثلث وخرج المكاتب والمحجور عليه بسفه أو فلس ولو بمباشرة الولي وهذا الشرط يغني عن الأول فإنه يلزم منه صحة العبارة
ولا بد أن يكون مختارا فلا يصح من مكره ولا يعتبر كون الوقف معلوما للواقف فدل على صحة وقف ما لم يره وهو ما صححه في زيادة الروضة تبعا لابن الصلاح وقال لا خيار له إذا رآه وعلى هذا يصح وقف الأعمى وهو كذلك وإن لم يصرحوا به فيما علمت
تنبيه كان ينبغي للمصنف أن يقول وأهلية التبرع في الحياة فإن السفيه أهل للتبرع بعد الموت ومع ذلك لا يصح وقفه
نعم لو قال وقفت داري على الفقراء بعد موتي صح لأنه تخص وصيته
ثم شرع في شرط الركن الثاني فقال ( و ) شرط ( الموقوف ) مع كونه عينا معينة مملوكة ملكا يقبل النقل ويحصل منها فائدة أو منفعة يستأجر لها ( دوام الانتفاع به ) انتفاعا مباحا مقصودا فخرج بالعين المنفعة والوقف الملتزم في الذمة كما سيأتي وبالمعينة وقف أحد داريه وبالمملوكة ما لا يملك
واستثنى من اعتبار الملك وقف الإمام شيئا من أرض بيت المال فإنه يصح كما صرح به القاضي حسين وإن توقف فيه السبكي سواء أكان على معين أم جهة عامة وأفتى به المصنف وأفتى به أبو سعيد بن أبي عصرون للسلطان نور الدين الشهيد متمسكا بوقف عمر رضي الله تعالى عنه سواد العراق ونقله ابن الصلاح في فوائد حلته عن عشرة أو يزيدون ثم وافقهم على صحته ونقل صاحب المطلب في باب قسم الفيء والغنيمة صحته عن النص وفي الشرح والروضة لو رأى الإمام وقف أرض الغنيمة كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه جاز إذا استطاب قلوب الغانمين في النزول عنها بعوض أو بغيره وبقبول النقل أم الولد والحمل فإنه لا يصح وقفه منفردا وإن صح عتقه
نعم إن وقف حاملا صح فيه تبعا لأمه كما صرح به شيخنا في شرح الروض وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين
والمراد بالفائدة اللبن والثمرة ونحوهما وبالمنفعة السكنى واللبس ونحوهما وبيستأجر لها وبدوام الإنتفاع الطعام ونحوه كما سيأتي ويستثنى من ذلك وقف الفحل للضراب فإنه جائز ولا تجوز إجارته ومن دوام الإنتفاع المدبر والمعلق عتقه بصفة فإنه يصح وقفهما مع أنه لا يدوم النفع بهما لأنهما يعتقان بموت السيد ووجود الصفة ويبطل الوقف وب مباحا وقف آلات الملاهي فلا يصح وقفهما وإن كان فيهما منفعة قائمة لأنها غير مباحة وب مقصودا وقف الدراهم والدنانير للتزيين فإنه لا يصح على الأصح المنصوص
تنبيه يصح الوقف بالشروط المتقدمة وإن انتفى النفع حالا كوقف عبد وجحش صغيرين وزمن يرجى برؤه وكمن أجر أرضا ثم وقفها وهذه حيلة لمن يريد إبقاء منفعة الشيء الموقوف لنفسه مدة بعد وقفة
( لا مطعوم وريحان ) برفعهما فلا يصح وقفهما ولا ما في معناهما لأن منفعة المطعوم في استهلاكه
وعلل في الروضة كأصلها عدم صحة وقف الريحان بسرعة فساده وقضيته تخصيصه بالرياحين المحصورة أما المزروعة فيصح وقفها للشم كما قال المصنف في شرح الوسيط إنه الظاهر لأنه يبقى مدة وفيه منفعة أخرى وهي التنزه
وقال الخوارزمي و ابن الصلاح يصح وقف المشموم الدائم نفعه كالمسك والعنبر والعود
ويطلق الريحان على كل نبت رطب غض طيب الريح فيدخل الورد لريحه
( ويصح وقف عقار ) من أرض أو دار بالإجماع ( و ) وقف ( منقول ) كعبد وثوب لقوله صلى الله عليه وسلم وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا فإنه احتبس أدراعه وأعبده رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
و أعبده رواه المتولي بالباء الموحدة جمع عبد وقال السبكي الصواب أعتده بالتاء المثناة جمع عتاد وهو كل ما أعده من السلاح والدواب كما قاله الخطابي وجماعة
واتفقت الأمة في الأعصار على وقفه الحصر والقناديل والزلالي في المساجد من غير نكير ( و ) وقف ( مشاع ) من عقار أو منقول لأن عمر رضي الله تعالى عنه وقف مائة سهم من خيبر مشاعا رواه الشافعي
ولا يسري إلى الباقي لأنها من خواص العتق
____________________
(2/377)
تنبيه ظاهر كلامه كغيره أنه يصح وقف المشاع مسجدا وبه صرح ابن الصلاة وقال يحرم المكث فيه على الجنب تغليبا للمنع وتجب القسمة لتعينها طريقا
قال السبكي والقول بوجوبها مخالف للمذهب المعروف يعني من منع قسمة الوقف من المطلق إلا أن يكون فيه نقل صريح بخصوصه وأفتى البارزي بجواز المكث فيه ما لم يقسم كما يجوز للجنب حمل المصحف مع الأمتعة واعترضه السبكي بأن محل جواز حمل المصحف مع الأمتعة إذا لم يكن مقصودا اه
وكلام ابن الصلاح هو الظاهر كما قاله ابن شهبة
وتستثنى هذه الصورة من منع قسمة الوقف من المطلق للضرورة ولا فرق بين أن يكون الموقوف مسجدا هو الأقل أم لا
فإن قيل ينبغي عدم حرمة المكث فيما إذا كان الموقوف مسجدا أقل كما أنه لا يحرم حمل التفسير إذا كان القرآن أقل على المحدث
أجيب بأن المسجدية هنا شائعة في جميع أجزاء الأرض غير متميزة في شيء منها فلم يمكن تبعية الأقل للأكثر إذ لا تبعية إلا مع التمييز بخلاف القرآن فإنه متميز عن التفسير فاعتبر الأكثر ليكون الباقي تابعا ومر في باب الإعتكاف أنه لا يصح الإعتكاف فيه
( لا عبد وثوب ) مثلا ( في الذمة ) سواء في ذلك ذمته وذمة غيره كأن يكون له في ذمة غيره عبد أو ثوب بسلم أو غيره فلا يصح وقفهما إذ لا ملك والوقف إزالة ملك عن عين
نعم يصح وقفهما بالتزام نذر في ذمة الناذر كقوله لله علي وقف عبد أو ثوب مثلا ثم يعينه بعد ذلك
( ولا ) يصح ( وقف حر نفسه ) لأن رقبته غير مملوكة كما لا يهب نفسه
ولا يصح وقف المنفعة دون الرقبة مؤقتة كانت كالإجارة أو مؤبدة كالوصية لأن الرقبة أصل والمنفعة فرع والفرع يتبع الأصل
( وكذا مستولدة وكلب معلم ) أو قابل للتعليم كما بحثه السبكي ( وأحد عبديه ) لا يصح وقف واحد منهم ( في الأصح ) لأن المستولدة آيلة إلى العتق وليست قابلة للنقل إلى الغير وبهذا فارقت صحة وقف المعلق عتقه بصفة والكلب غير مملوك وأحد العبدين مبهم
والثاني يصح في أم الولد قياسا على صحة إجارتها وفي الكلب كذلك على رأي وفي أحد العبدين قياسا على عتقه
وفرق الأول بأن العتق أنفذ بدليل سرايته وتعليقه أما غير المعلم والقابل للتعليم فلا يصح وقفه جزما
( ولو وقف بناء أو غرسا في أرض مستأجرة لهما ) أو مستعارة كذلك أو موصى له بمنفتها ( فالأصح جوازه ) سواء أكان الوقف قبل انقضاء المدة أم بعده كما صرح به ابن الصلاح أو بعده رجوع المعير لأن كلا منهما مملوك يمكن الانتفاع به في الجملة مع بقاء عينه ويكفي دوامه إلى القلع بعد مدة الإجارة أو رجوع المعير
والثاني المنع لأنه معرض للقلع فكأنه وقف ما لا ينتفع به
تنبيه ظاهر كلامهم أنه لو غرس أو بنى بعد انقضاء مدة الإجارة أو رجوع المعير أنه لا يصح وقفه وهو كذلك لأنه غير موضوع بحق ولذا قال شيخنا في منهجه وبناء وغراس وضعا بأرض بحق اه
ولو قلع البناء بعد انقضاء مدة الإجارة أو رجوع المعير بقي وقفا كما كان إن نفع فإن لم ينفع فهل يصير ملكا للواقف أو للموقوف عليه وجهان قال الإسنوي والصحيح غيرهما وهو شراء عقار أو جزء من عقار ويقاس بالبناء في ذلك الغراس
وقال السبكي الوجهان بعيدان وينبغي أن يقال الوقف باق بحاله وإن كان لا ينتفع به لأنا لو جعلناه ملكا للموقوف عليه أو للواقف لجاز بيعه وبيع الوقف ممتنع اه
وكلام الإسنوي هو الظاهر إن كان الغراس ما بقي يصلح إلا للإحراق وصارت آلة البناء لا تصلح له وإلا فكلام السبكي وأرش النقص الحاصل بقطع الموقوف يسلك به مسلكه فيشترى به شيء ويوقف على تلك الجهة
فرع لو شرط الواقف صرف أجرة الأرض المستأجرة من ريع الموقوف هل يصح الوقف أو لا قيل لا يصح لأن الأجرة دين في ذمته فأشبه ما لو وقف على قضاء دينه
وقال ابن دقيق العيد الظاهر الصحة ووقف البناء لا يمنع وجوب إجرة القرار فإذا شرط صرف الأجرة من ريعه فقد شرط ما يوافق مقتضى العقد ولا ينافيه شرعا قال الزركشي وقد صرح ابن الأستاذ بأن الأجرة من ريع الوقف إن شرط الواقف ذلك أو سكت عنه اه
وما بحثه ابن دقيق العيد
____________________
(2/378)
وقاله ابن الأستاذ غير الصورة المختلف فيها لأن تلك في إجارة استأجرها الوقف قبل الواقف ولزمت الأجرة ذمته وما قالاه في أجرة المثل إذا بقي الموقوف بها
والذي ينبغي أن يقال في الصورة الأولى أنه إن شرط أن يوفي منه ما مضى من الأجرة فالبطلان أو المستقبل فالصحة وكذا إن أطلق ويحمل على المستقبل
فإن قيل الأجرة لازمة لذمته على كل حال قبل الوقف
أجيب بأنها إنما تستقر شيئا فشيئا بحسب ما يمضي من الزمان
تنبيه قوله لهما أي للبناء والغراس
ثم شرع في الركن الثالث وهو على قسمين معين وغيره وقد بدأ بالقسم الأول فقال ( فإن وقف على معين ) من ( واحد ) أواثنين ( أو جمع اشترط إمكان تمليكه ) في حال الوقف عليه بوجوده في الخارج فلا يصح الوقف على ولده وهو لا ولد له ولا على فقير أولاده ولا فقير فيهم فإن كان فيهم فقير وغني صح ويعطي منه أيضا من افتقر بعد كما قاله البغوي وبكونه أهلا لتملك الموقوف
( فلا يصح ) الوقف ( على جنين ) لعدم صحة تملكه وسواء أكان مقصودا أم تابعا حتى لو كان له أولاد وله جنين عند الوقف لم يدخل نعم إن انفصل دخل معهم إلا أن يكون الواقف قد سمى الموجودين أو ذكر عددهم فلا يدخل كما قاله الأذرعي
تنبيه قد علم مما ذكر أن الوقف على الميت لا يصح لأنه لا يملك به صرح الجرجاني ولا على أحد هذين الشخصين لعدم تعيين الموقوف عليه
( ولا ) يصح ( على العبد نفسه ) أي نفس العبد سواء أكان له أم لغيره لأنه ليس أهلا للملك
( فلو أطلق الوقف عليه ) فإن كان له لم يصح لأنه يقع للواقف وإن كان لغيره ( فهو وقف على سيده ) كما في الهبة والوصية والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة حكمهم كذلك
وأما المكاتب فإن كان مكاتب نفسه لم يصح الوقف عليه كما جزم به الماوردي وغيره نظير ما في إعطاء الزكاة له أو مكاتب غيره صح كما جزم به الماوردي أيضا وجرى عليه ابن المقري لأنه يملك
فإن عجز بان أن الوقف منقطع الإبتداء لأنه يسترجع منه ما أخذه وإن عتق وقد قيد الوقف بمدة الكتابة بان أنه منقطع الإنتهاء فيبطل استحقاقه وينتقل الوقف إلى من بعده فإن أطلقه دام استحقاقه وفي معنى التقييد ما لو عبر بمكاتب فلان
وأما الوقف على المبعض فالظاهر كما قال شيخنا أنه إن كان مهايأة وصدر الوقف عليه يوم نوبته فكالحر أو يوم نوبة سيده فكالعبد وإن لم تكن مهايأة وزع على الرق والحرية وعلى هذا يحمل إطلاق ابن خير أن صحة الوقف عليه
ولو أراد مالك المبعض أن يقف نصفه الرقيق على نصفه الحر فالظاهر كما قال السبكي الصحة كما لو أوصى به لنصفه الحر
ويصح الوقف على الأرقاء الموقوفين لخدمة الكعبة ونحوها كقبره صلى الله عليه وسلم وبيت المقدس كالوقوف على علف الدواب المرصدة في سبيل الله
ولا يصح الوقف على الدار وإن قال علي عمارتها لأنها لا تملك إلا إن قال وقفت هذا على هذه الدار لطارقها لأن الموقوف عليه حقيقة طارقوها وهم يملكون
وإلا إن كانت موقوفة لأن حفظ عمارتها قربة فهو كالوقف على مسجد أو رباط
( ولو أطلق الوقف على بهيمة ) مملوكة أو قيده بعلفها ( لغا ) الوقف عليها لأنها ليست أهلا للملك بحال كما لا تصح الهبة لها ولا الوصية
( وقيل ) هو في المعنى ( وقف على مالكها ) فيصح كالوقف على العبد
وفرق الأول بما مر بخلاف العبد فإنه أهل له بتمليك سيده في قول فإن قصد مالكها فهو وقف عليه
وخرج بالمملوكة الموقوفة كالخيل الموقوفة في الثغور ونحوها فيصح الوقف على علفها كما مرت الإشارة إليه وأما المباحة كالوحوش والطيور المباحة فلا يصح الوقف عليها جزما
نعم يستثنى من ذلك كما قال الغزالي حمام مكة فيصح الوقف عليه
( ويصح ) الوقف من مسلم أو ذمي ( على ذمي ) معين كصدقة التطوع وهي جائزة عليه ولكن يشترط في صحة الوقف عليه أن لا يظهر فيه قصد معصية فلو قال وقفت على خادم الكنيسة لم يصح كما لو وقف على حصرها كما قاله في الشامل وغيره وأن يكون ممن يمكن تمليكه فيمتنع وقف المصحف وكتب العلم والعبد المسلم عليه والجماعة المعينون كالواحد وسيأتي الكلام في الوقف على أهل الذمة
____________________
(2/379)
أو اليهود أو نحو ذلك
قال الأذرعي ويشبه أن يكون المعاهد والمستأمن كالذمي إن حل بدارنا ما دام فيها فإذا رجع صرف إلى من بعده
وقال الزركشي مقتضى كلامهم أنه كالحربي وجزم به الدميري والأول أوجه
ولم يتعرضوا لما لو لحق الذمي الموقوف عليه بدار الحرب ماذا يفعل بغلة الموقوف عليه وينبغي أن تصرف إلى من بعده أخذا من كلام الأذرعي المتقدم
و ( لا ) يصح الوقف على ( مرتد وحربي و ) لا وقف الشخص على ( نفسه في الأصح ) المنصوص في الثلاثة أما في الأولى والثانية فلأنهما لا دوام لهما مع كفرهما والوقف صدقة جارية فكما لا يوقف ما لا دوام له لا يوقف على من لا دوام له أي مع كفره فلا يرد الزاني المحصن فإنه يصح الوقف عليه مع أنه مقتول
والثاني يصح عليهما كالذمي
ونص المصنف في كتب التنبيه على الخلاف بقوله وقفت على زيد الحربي أو المرتد كما يشير إليه كلام الكتاب
أما إذا وقف على الحربيين أو المرتدين فلا يصح قطعا
وأما الثالثة فلتعذر تمليك الإنسان ملكه لنفسه لأنه حاصل وتحصيل الحاصل محال
والثاني يصح لأن استحقاق الشيء وقفا غير استحقاقه ملكا
ومثل وقفه على نفسه ما لو وقف على الفقراء وشرط أن يأخذ معهم من ريع الوقف لفساد الشرط
وقول عثمان رضي الله تعالى عنه في وقفه بئر رومة دلوي فيها كدلاء المسلمين ليس على سبيل الشرط بل إخبار بأن للواقف أن ينتفع بوقفه العام كالصلاة بمسجد وقفه
ولو وقف على نفسه وحكم به حاكم نفذ حكمه ولم ينقض لأنها مسألة اجتهادية
ويستثنى من عدم صحة الوقف على النفس مسائل منها ما لو وقف على العلماء ونحوهم كالفقراء واتصف بصفتهم أو على الفقراء ثم افتقر أو على المسلمين كأن وقف كتابا للقراءة ونحوها أو قدرا للطبخ فيه أو كيزانا للشرب بها ونحو ذلك فله الإنتفاع معهم لأنه لم يقصد نفسه
ومنها ما لو وقف على أولاد أبيه الموصوفين بكذا وذكر صفات نفسه فإنه يصح كما قاله القاضي الفارقي و ابن يونس وغيرهما واعتمده ابن الرفعة وإن خالف فيه الماوردي ومنها ما لو شرط النظر لنفسه بأجرة المثل لأن استحقاقه لها من جهة العمل لا من جهة الوقف فينبغي أن لا تستثنى هذه الصورة فإن شرط النظر بأكثر منها لم يصح الوقف لأنه وقف على نفسه
ومنها أن يؤجر ملكه مدة يظن أن لا يعيش فوقها منجمة ثم يقفه بعد على ما يريد فإنه يصح الوقف ويتصرف هو في الأجرة كما أفتى به ابن الصلاح وغيره والأحوط أن يستأجره بعد الوقف من المستأجر لينفرد باليد ويأمن خطر الدين على المستأجر
ومنها أن يرفعه إلى حاكم يرى صحته كما عليه العمل الآن فإنه لا ينقض حكمه كما مر ولو وقف وقفا ليحتج عنه منه جاز كما قاله الماوردي وليس هذا وقفا على نفسه لأنه لا يملك شيئا من غلته فإن ارتد لم يجز صرفه في الحج وصرف إلى الفقراء فإن عاد إلى الإسلام أعيد الوقف إلى الحج عنه ولو وقف على الجهاد عنه جاز أيضا فإن ارتد فالوقف على حاله لأن الجهاد يصح من المرتد بخلاف الحج
ثم شرع في القسم الثاني فقال ( وإن وقف ) مسلم أو ذمي ( على جهة معصية كعمارة الكنائس ) ونحوها من متعبدات الكفار للتعبد فيها أو حصرها أو قناديلها أو خدامها أو كتب التوراة والإنجيل أو السلاح لقطاع الطريق ( فباطل ) لأنه إعانة على معصية والوقف شرع للتقرب فهما متضادان وسواء فيه إنشاء الكنائس وترميمها منعنا الترميم أو لم نمنعه
ولا يعتبر تقييد ابن الرفعة عدم صحة الوقف على الترميم بمنعه فقد قال السبكي أنه وهم فاحش لاتفاقهم على أن الوقف على الكنائس باطل وإن كانت قديمة قبل البعثة فإذا لم نصحح الوقف عليها ولا على قناديلها وحصرها فكيف نصححه على ترميمها وإذا قلنا ببطلان وقف الذمي على الكنائس ولم يترافعوا إلينا لم نتعرض لهم حيث لا يمنعون من الإظهار فإن ترافعوا إلينا أبطلناه وإن أنفذه حاكمهم لا ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة فلا نبطله بل نقره حيث نقرها
أما عمارة كنائس غير التعبد ككنائس نزول المارة فيصح الوقف عليها كما قاله الزركشي و ابن الرفعة وغيرهما كالوصية كما سيأتي
( أو ) وقف على ( جهة قربة ) أي يظهر قصد القربة فيها لقرينة قوله بعد أو جهة لا تظهر فيها القربة وإلا فالوقف كله قربة
( كالفقراء والعلماء ) والقراء والمجاهدين ( والمساجد )
____________________
(2/380)
والكعبة والربط ( والمدارس ) والثغور وتكفين الموتى ( صح ) لعموم أدلة الوقف
تنبيه ظاهر كلام الرافعي في قسم الصدقات أن فقير الزكاة والوقف واحد فما منع من أحدهما منع من الآخر وعلى هذا يجوز الصرف على المساكين أيضا
وقال في الروضة من زوائده آخر الباب الأصح أن لا يعطي من وقف الفقراء فقيرة لها زوج يمونها ولا المكفي بنفقة أبيه
والمراد بالعلماء أصحاب علوم الشرع كما ذكره في الروضة
ويدخل في الوقف على الفقهاء من حصل في علم الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي وإن قل لا المبتدىء من شهر ونحوه وللمتوسط بينهما درجات يجتهد المفتي فيها
والورع للمتوسط الترك وإن أفتى بالدخول كما نقله المصنف عن الغزالي
وفي الوقف على المتفقهة من اشتغل بالفقه مبتدئة ومنتهية وفي الوقف على الصوفية النساك الزاهدون المشتغلون بالعبادة في غالب الأوقات المعرضون عن الدنيا وإن ملك أحدهم دون النصاب أو لا يفي دخله بخرجه ولو خاط ونسج أحيانا في غير حانوت أو درس أو وعظ أو كان قادرا على الكسب أو لم يلبسه الخرقة شيخ فلا يقدح شيء من ذلك في كونه صوفيا بخلاف الثروة الظاهرة ويكفي فيه مع ما مر التزيي بزيهم أو المخالطة
وفي الوقف على سبيل البر أو الخير أو الثواب أقرباء الواقف فإن لم يوجدوا فأهل الزكاة غير العاملين والمؤلفة وفي الوقف على سبيل الله الغزاة الذين هم أهل الزكاة فإن جمع بين سبيل الله وسبيل البر وسبيل الثواب كان ثلث للغزاة وثلث لأقارب الواقف وثلث لأصناف الزكاة غير العامل والمؤلفة
( أو ) وقف على ( جهة لا تظهر فيها القربة كالأغنياء ) وأهل الذمة والفسقة ( صح في الأصح ) نظرا إلى أن الواقف تمليك
والثاني لا نظرا إلى ظهور قصد القربة
والثالث يصح على الأغنياء ويبطل على أهل الذمة والفسقة
وتمثيل المصنف بالأغنياء قد يرشد إليه واستحسنه في أصل الروضة بعد قوله الأشبه بكلام الأكثرين ترجيح كونه تمليكا فيصح الوقف على هؤلاء يعني على الأغنياء وأهل الذمة والفساق
وهذا هو المعتمد ولذلك أدخلته في كلام المصنف
وممن صرح بصحة الوقف على اليهود والنصارى الماوردي في الحاوي والصيمري في شرح الكفاية وهو المذكور في الشامل والبحر والتتمة لأن الصدقة عليهم جائز
تنبيه لم يتعرضوا لضابط الغنى الذي يستحق به الوقف على الأغنياء
قال الأذرعي والأشبه الرجوع فيه إلى العرف
وقال غيره إنه الذي يحرم عليه الصدقة إما لملكه أو لقوته وكسبه أو كفايته بنفقة غيره وهذا أولى
ولو وقف على الأغنياء وادعى شخص أنه غني لم يقبل إلا ببينة بخلاف ما لو وقف على الفقراء وادعى شخص أنه فقير ولم يعرف له مال فيقبل بلا بينة نظرا للأصل فيهما
وقد علم من كلام المصنف أن الشرط انتفاء المعصية لا وجود ظهور القربة
فإن قيل قد مر أن الوقف على علف الطيور المباحة لا يصح ولا معصية فيه بل فيه قربة فقد ورد في الخبر إن في كل كبد حراء أجرا
أجيب بأن بطلان الوقف ليس من هذه الحيثية بل من حيثية كونها ليست أهلا للملك كما سبق
ولا يصح الوقف على تزويق المسجد أو نقشه كما في الروضة هنا في آخر الباب ولا على عمارة القبور لأن الموتى صائرون إلى البلى فلا يليق بهم العمارة
قال الإسنوي وينبغي استثناء قبور الأنبياء والعلماء والصالحين كنظيره في الوصية
قال صاحب الذخائر وينبغي حمله على عمارتها ببناء القباب والقناطر عليها على وجه مخصوص لا بنائها نفسها للنهي عنه اه
وهذا ظاهر
ويصح الوقف على المؤن التي تقع في البلد من جهة السلطان ووقف بقرة أو نحوها على رباط إذا قال ليشرب لبنها من ينزل أو ليباع نسلها ويصرف ثمنه في مصالحه فإن أطلق قال القفال لم يصح وإن كنا نعلم أنه يريد ذلك لأن الإعتبار باللفظ
قال الأذرعي والظاهر أن ما قاله القفال بناء على طريقته من أنه إذا وقف شيئا على مسجد كذا لا يصح حتى يبين جهة مصرفه وطريقة الجمهور تخالفه اه
فالمعتمد كما قال شيخنا هنا الصحة أيضا
ثم شرع في الركن الرابع فقال ( ولا يصح ) الوقف ( إلا بلفظ ) من ناطق يشعر بالمراد كالعتق بل أولى وكسائر التمليكات وفي معناه إشارة الأخرس المفهمة وكتابته بل وكتابة الناطق مع نيته كالبيع بل أولى
تنبيه يستثنى من اشتراط اللفظ ما إذا بنى مسجدا في موات ونوى جعله مسجدا فإنه يصير مسجدا ولم يحتج
____________________
(2/381)
إلى لفظ كما قاله في الكفاية تبعا للماوردي لأن الفعل مع النية مغنيان هنا عن القول
ووجهه السبكي بأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه مسجدا وإنما احتيج للفظ لإخراج ما كان ملكه عنه وصار للبناء حكم المسجد تبعا
قال الإسنوي وقياس ذلك إجراؤه في غير المسجد أيضا من المدارس والربط وغيرها وكلام الرافعي في إحياء الموات يدل له
والظاهر كما قال شيخنا أنه لو قال أذنت في الإعتكاف فيه صار مسجدا بذلك لأن الإعتكاف لا يصح إلا في مسجد بخلاف الصلاة
ثم لفظ الواقف ينقسم إلى صريح وكناية وقد شرع في القسم الأول فقال ( وصريحه ) كأن يقول ( وقفت كذا ) على كذا فإن لم يقل على كذا لم يصح
( أو ) يقول ( أرضي موقوفة عليه ) لاشتهاره لغة وعرفا
وإنما قال موقوفة لينبه على أنه لا فرق بين الفعل والمشتق منه
( والتسبيل والتحبيس صريحان ) أيضا أي المشتق منهما ( على الصحيح ) لتكررهما شرعا واشتهارهما عرفا قاله المتولي وما نقل عن الصحابة وقف إلا بهما
والثاني هما كنايتان لأنهما لم يشتهرا اشتهار الوقف
( ولو قال تصدقت بكذا صدقة محرمة أو ) صدقة ( موقوفة أو ) صدقة ( لا تباع ولا توهب فصريح في الأصح ) المنصوص في الأم لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف وهذا صريح بغيره وما قبله صريح بنفسه
والثاني هو كناية لاحتمال التمليك المحض
تنبيه قوله كغيره و لا توهب بالواو محمول على التأكيد وإلا فأحد الوصفين كاف كما رجحه الروياني وغيره وجزم به ابن الرفعة
واستشكل السبكي حكاية الخلاف في قوله صدقة موقوفة مع جزمه أولا بصراحة أرضي موقوفة فكيف إذا اجتمع مع غيره يجيء الخلاف فضلا عن قوته
قال ولولا وثوقي بخط المصنف والمنهاج عندي بخطه لكنت أتوهم أن مكان موقوفة مؤبدة كما ذكره أكثر الأصحاب تبعا للشافعي
قال ابن النقيب لك الخلاف محكي من خارج لأن في صراحة لفظ الوقف وجها فطرد مع انضمامه لغيره لكنه ضعيف أي فلا يناسب أن يعبر بالأصح
وقال غيره إن موقوفة من طغيان القلم ويكون القصد كتابة لفظة مؤبدة كما قاله الشافعي والجمهور فسبق القلم إلى كتابة موقوفة
فإن قيل لفظ التحريم كناية على الصحيح والقاعدة أن الكناية إذا انضم إليها من الألفاظ ما يدل على المراد كقوله أنت بائن بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا لا تخرج عن كونها كناية فهلا كانت هذا كالطلاق أجيب بأن صرائح الطلاق محصورة بخلاف الوقف وبأن قوله بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا غير مختص بالطلاق بل يدخل فيه الفسوخ والزائد في ألفاظ الوقف يختص بالوقف وبأن قوله تصدقت يقتضي زوال الملك وله محملان محمل الصدقة التي تحتمل الملك ومحمل الصدقة التي هي الوقف فالزائد يعين المحمل الثاني بخلاف الطلاق
( وقوله تصدقت فقط ليس بصريح ) في الوقف ولا يحصل به الوقف ( وإن نوى ) الوقف لتردد اللفظ بين صدقة الفرض والتطوع والصدقة الموقوفة
( إلا أن يضيف إلى جهة عامة ) كالفقراء ( وينوي ) الوقف فيحصل بذلك
وظاهر هذا أنه يكون صريحا حينئذ
وظاهر كلام الرافعي في كتبه والمصنف في الروضة عدم الصراحة وإنما إضافته إلى الجهة العامة صيرته كناية حتى تعمل فيه النية وهو كما قال الزركشي الصواب لأن الصريح لا يحتاج إلى نية
أما إذا أضيف إلى معنى واحد أو أكثر فلا يكون وقفا على الصحيح بل ينفذ فيما هو صريح وهو محض التمليك كما في الروضة وأصلها
تنبيه هذا كله كما قال الزركشي بالنسبة إلى الظاهر أما في الباطن فيصير وقفا فيما بينه وبين الله تعالى كما صرح به جمع منهم ابن الصباغ و سليم و المتولي وغيرهم
( والأصح أن قوله حرمته ) للفقراء مثلا ( أو أبدته ) عليهم ( ليس بصريح ) بل هو كناية لأنهما لا يستعملان مستقلين وإنما يؤكد بهما الألفاظ السابقة
والثاني هو صريح لإفادة الغرض كالتسبيل ويجري الخلاف أيضا فيما لو قال حرمته و أبدته
تنبيه أفهم كلام المصنف أنه لا يشترط في الوقف أن يقول أخرجته عن ملكي وهو كذلك وإن حكى الإمام فيه
____________________
(2/382)
احتمالين
( و ) الأصح ( أن قوله جعلت ) هذه ( البقعة مسجدا ) وإن لم يكن لله ( تصير به ) أي بمجرد هذا اللفظ ( مسجدا ) لأن المسجد لا يكون إلا وقفا فأغنى لفظه عن لفظ الوقف ونحوه
والثاني وعليه جمع كثير أن القول المذكور لا يصيره مسجدا لعدم ذكر شيء من ألفاظ الوقف
وإن قال جعلت البقعة مسجدا لله تعالى صارت مسجدا جزما وكذا إن قصد بقوله جعلت البقعة مسجدا لوقف كما صرح به القاضي حسين
ولو قال وقفتها للصلاة كان صريحا في الوقف كفاية في وقفه مسجدا فيحتاج إلى نية
ولو بنى بيتا وأذن في الصلاة فيه لم يصر بذلك مسجدا وإن صلى فيه ونوى جعله مسجدا وقد تقدم أن النية تكفي فيما إذا بناه في موات
( و ) الأصح ( أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله ) متصلا بالإيجاب إن كان من أهل القبول وإلا فقبول وليه كالهبة والوصية وهذا هو الذي قاله الجوزي و الفوراني وصححه الإمام وأتباعه وعزاه الرافعي في الشرحين للإمام وآخرين وصححه في المحرر ونقله في زيادة الروضة عنه مقتصرا عليه وجرى عليه في الكتاب
والثاني لا يشترط واستحقاقه المنفعة كاستحقاق العتيق منفعة نفسه بالإعتاق قال السبكي وهذا ظاهر نصوص الشافعي في غير موضع واختاره الشيخ أبو حامد و سليم و الماوردي والمصنف في الروضة في السرقة ونقله في شرح الوسيط عن الشافعي واختاره ابن الصلاح وجرى عليه شيخنا في منهجه
قال في المهمات ووافقه قول الرافعي لو قال وقفت عليه زوجته انفسخ النكاح
قال في الوسيط والذي رأيته في نسخ الرافعي فلو وقف بحذف لفظة قال وهو الصواب أي فيكون الوقف قد تم بإيجاب وقبول بخلاف الأول فإنه ينفسخ بمجرد قول الواقف وقفت عليه زوجته فيكون مفرعا على عدم القبول
وبالجملة فالأول هو المعتمد
وإلحاق الوقف بالعتق ممنوع لأن العتق لا يرد بالرد ولا يبطل بالشروط المفسدة بخلاف الوقف في ذلك باتفاق القائلين بأنه ينتقل إلى الله تعالى
وعلى هذا يستثنى ما إذا وقف على إبنه الحائز ما يخرج من ثلثه فإن قضية كلامهم في باب الوصية لزوم الوقف بمجرد اللفظ وبه صرح الإمام
ولا يشترط على القول بالقبول القبض على المذهب وشذ الجوزي فحكى قولين في اشتراطه في المعين
تنبيه قضية كلام المصنف ترجيح اشتراط القبول في البطن الثاني والثالث لأنهم يتلقون الوقف من الواقف قال السبكي والذي يتحصل من كلام الشافعي والأصحاب أنه لا يشترط قبولهم وإن شرطنا قبول البطن الأول وأنه يريد بردهم كما يرتد برد الأول على الصحيح فيهما وجرى على هذا ابن المقري
وعلى هذا فإن ردوا فمنقطع الوسط أو رد الأول بطل كالوكالة والوصية والوقف
أما الوقف على جهة عامة كالفقراء أو على مسجد أو نحوه فلا يشترط فيه القبول جزما لتعذره
فإن قيل لم لم يجعل الحاكم نائبا في القبول كما جعل نائبا عن المسلمين في استيفاء القصاص
أجيب بأن القصاص لا بد له من مباشر فلذلك جعل نائبا فيه بخلاف هذا ولم يشترطوا قبول ناظر المسجد بخلاف ما لو وهب للمسجد شيء فإنه لا بد من قبول ناظره وقبضه كما لو وهب شيء لصبي
وقوله جعلته للمسجد كناية تمليك لا وقف فيشترط قبول الناظر وقبضه كما مر
( ولو رد ) الموقوف عليه المعين العين الموقوفة ( بطل حقه ) سواء ( شرطنا القبول ) من المعين ( أم لا ) كالوصية والوكالة
ولو رجع بعد الرد لم يعد له وقول الروياني يعود له إن رجع قبل حكم الحاكم به لغيره مردود كما نبه عليه الأذرعي
نعم لو وقف على وارثه
الحائز لتركته شيئا يخرج من الثلث لزم ولم يبطل حقه برده كما نقله الشيخان في باب الوصايا عن الإمام
تنبيه يشترط في الوقف أربعة شروط الأول التأبيد كالوقف على من لم ينقرض قبل قيام الساعة كالفقراء أو على من ينقرض ثم على من لا ينقرض كزيد ثم الفقراء فلا يصح تأقيت الوقف كما تضمنه قوله ( ولو قال وقفت هذا ) على كذا ( سنة ) مثلا ( فباطل ) هذا الوقف لفساد الصيغة
فإن أعقبه بمصرف ك وقفته على زيد سنة ثم على الفقراء صح وروعي فيه شرط الواقف كما نقله البلقيني عن الخوارزمي
تنبيه ما ذكر محله فيما لا يضاهي التحرير أما ما يضاهيه كالمسجد والمقبرة والرباط كقوله جعلته مسجدا سنة
____________________
(2/383)
فإنه يصح مؤبدا كما لو ذكر فيه شرطا فاسدا قاله الإمام وتبعه غيره أي وهو لا يفسد بالشرط الفاسد
( ولو قال وقفت على أولادي أو على زيد ثم نسله ) ونحوه مما لا يدوم ( ولم يزد ) على ذلك من يصرف إليه بعدهم ( فالأظهر صحة الوقف ) لأن مقصود الوقف القربة والدوام وإذا بين مصرفه ابتداء سهل إدامته على سبيل الخير ويسمى منقطع الآخر
والثاني بطلانه لانقطاعه
وعلى الأول ( فإذا انقرض المذكور فالأظهر أنه يبقى وقفا ) لأن وضع الوقف على الدوام كالعتق
والثاني يرتفع الوقف ويعود ملكا للواقف أو وارثه إن مات
( و ) الأظهر على الأول ( أن مصرفه ) عند انقراض من ذكر ( أقرب الناس إلى الواقف يوم انقراض المذكور ) لأن الصدقة على الأقارب من أفضل القربات وفي الحديث صدقتك على غير رحمك صدقة وعلى رحمك صدقة وصلة
ويختص المصرف وجوبا كما صرح به الخوارزمي وغيره بفقراء قرابة الرحم لا الإرث في الأصح فيقدم ابن بنت على ابن عم
فإن قيل الزكاة وسائر المصارف الواجبة عليه شرعا لا يتعين صرفها ولا الصرف منها إلى الأقارب فهلا كان الوقف كذلك أجيب بأن الأقارب مما حث الشارع عليهم في تحبيس الوقف لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة أرى أن تجعلها في الأقربين فجعلها في أقاربه وبني عمه
وأيضا الزكاة ونحوها من المصارف الواجبة لها مصرف متعين فلم تتعين الأقارب وهنا ليس معنا مصرف متعين والصرف إلى الأقارب أفضل فعيناه
والثاني يصرف إلى الفقراء والمساكين لأن الوقف يؤول إليهم في الإنتهاء
وعلى الأول فإن لم يكن له أقارب صرف الإمام الريع إلى مصالح المسلمين كما حكاه الروياني عن النص وقيل يصرف إلى الفقراء والمساكين
تنبيه هذا إذا كان الواقف مالكا مستقلا فإن وقف الإمام من بيت المال على بني فلان ثم انقرضوا قال الزركشي لم يصرف إلى أقارب الإمام بل في المصالح قال وهذا أصح وإن لم يذكروه
وقد وقع في الفتاوى ولو لم يعرف أرباب الوقف فمصرفه كما في منقطع الآخر
( ولو كان الوقف منقطع الأول كوقفته على ) ولدي ولا ولد له أو على مسجد سيبني أو على ( من سيولد لي ) ثم الفقراء ( فالمذهب بطلانه ) لأن الأول باطل لعدم إمكان الصرف إليه في الحال فكذا ما ترتب عليه
والطريق الثاني فيه قولان أحدهما الصحة وصححه المصنف في تصحيح التنبيه ولو وقف على بعض ورثته في المرض ولم يجز الباقون أو على مبهم ثم الفقراء فمنقطع الأول
تنبيه تمثيل المصنف لمنقطع الأول ناقص فكان ينبغي أن يزيد ما قدرته وإلا فهو منقطع الأول والآخر ولا خلاف في بطلانه كما قاله القاضي وغيره
( أو ) كان الوقف ( منقطع الوسط ) بفتح السين ( كوقفت على أولادي ثم ) على ( رجل ) منهم ( ثم ) على ( الفقراء فالمذهب صحته ) لوجود المصرف في الحال والمآل والخلاف هنا مبني على الخلاف في منقطع الآخر وأولى بالصحة لما ذكر
وعلى الأول بعد أولاده يصرف للفقراء لا لأقرب الناس إلى الواقف لعدم معرفة أمد الانقطاع فإن قال وقفت على أولادي ثم على العبد نفسه ثم على الفقراء كان منقطع الوسط أيضا ولكن في هذه الصورة يصرف بعد أولاده لأقرباء الواقف مثل ما مر في منقطع الآخر والشارح جعل صورة المتن كهذه الصورة وتبعه كثير من الشراح وليس كذلك ولم أر من نبه على التفرقة بين الصورتين غير ابن المقري في روضه وتبعه على ذلك شيخنا في شرح منهجهه
ثم شرع في الشرط الثاني وهو بيان المصرف فقال ( ولو اقتصر على ) قوله ( وقفت ) كذا ولم يذكر مصرفه ( فالأظهر بطلانه ) لعدم ذكر مصرفه
فإن قيل لو قال أوصيت بثلث مالي ولم يذكر مصرفا أنه يصح ويصرف للمساكين فهلا كان هنا كذلك كما يقول به مقابل الأظهر واختاره الشيخ أبو حامد ومال إليه السبكي
____________________
(2/384)
فيما إذا قال وقفت هذا لله أجيب بأن غالب الوصايا للمساكين فحمل الإطلاق عليه بخلاف الوقف وبأن الوصية مبنية على المساهلة فتصح بالمجهول والنجس بخلاف الوقف
قال الأذرعي ويشبه أنه لو نوى المصرف واعترف به صح ظاهرا ونازعه الغزي في ذلك فإنه لو قال طلقت ونوى امرأته لا تطلق لأن النية إنما تصح فيما يحتمله اللفظ وليس هنا لفظ يدل على المصرف أصلا اه
وهذا أظهر
ولو بين المصرف إجمالا كقوله وقفت هذا على مسجد كذا كفى وصرف إلى مصالحه عند الجمهور وإن قال القفال لا يصح ما لم يبين الجهة فيقول على عمارته ونحوه
ثم شرع في الشرط الثالث وهو التنجيز فقال ( ولا يجوز تعليقه كقوله