فليجر في سائر ما حصل الاجماع على افتراضه فنفاه أو تحريمه فأثبته، وأجاب عنه الزنجاني بأن مستحل الخمر لا نكفره لانه خالف الاجماع فقط، بل لانه خالف ما ثبت ضرورة أنه من دين محمد (ص) والاجماع والنص عليه.
اه.
(قوله: وخرج بالقيود المذكورة فيه) أي في جلد من شرب المسكر، وهي كونه مكلفا مختارا عالما بتحريم الخمر شرب لغير تداو خمرا (قوله: فلا حد على من الخ) أي ولا حرمة أيضا في معظمها (وقوله: بشئ منها) أي من أضدادها (قوله: من صبي الخ) بيان لشئ (قوله: ومكره) منه المصبوب في حلقه قهرا، ويجب عليه أن يتقايأه بعد زوال الاكراه (قوله: وجاهل بتحريمه) بخلاف ما لو كان عالما به وجهل وجوب الحد عليه فإنه يجب عليه الحد لانه كان من حقه حيث علم
الحرمة أن يمتنع عن الشرب فلما شرب مع ذلك غلظ عليه بإيجاب الحد.
وقوله أو بكونه خمرا: أي أو جاهل بكونه خمرا كأن شربه يظنه ماء أو نحوه فلا حد عليه للعذر ويصدق في دعواه الجهل بيمينه (قوله: إن قرب الخ) قيد في عدم حده بالجهل (قوله: ولا على من شرب لتداو) أي ولا حد على من شرب الخمر للتداوي.
(قوله: وإن وجد غيرها) أي غير الخمر من الطاهرات للشبهة وهو غاية لعدم الحد بشربها للتداوي (قوله: وإن حرم التداوي بها) أي بصرفها، وهو غاية ثانية لما ذكر، وإنما حرم التداوي بها لانه (ص) لما سئل عن التداوي به قال إنه ليس بدواء ولكنه داء.
وصح خبر إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها وما دل عليه القرآن أن فيها منافع إنما هو قبل تحريمها، وأما بعده فالله سبحانه وتعالى سلبها منافعها.
وخرج بصرفها ما إذا استهلكت في دواء فيجوز التداوي به إذا لم يجد ما يقوم مقامه من الطاهرات كالتداوي بالنجس غير الخمر كلحم الميتة والبول بالشرط المذكور.
(قوله: فائدة) أي بيان ضابط حرمة شرب الخمر (قوله: كل الخ) مبتدأ خبره حرم قليله الخ (قوله: من خمر) بيان للشراب، وهي المتخذة من عصير العنب، (وقوله: أو غيرها) أي غير الخمر، وهو المتخذ من نقيع التمر والزبيب وغيره (قوله: حرم قليله وكثيره) قال في المغني: وخالف الامام أبو حنيفة في القدر الذي لا يسكر من نقيع التمر والزبيب غيره، واستند لاحاديث معلولة بين الحفاظ، وأيضا أحاديث التحريم متأخرة فوجب العمل بها.
اه.
(قوله: لخبر الصحيحين) أي ولخبر أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره وخبر ما أسكر كثيره قليله حرام (قوله: ويحد شاربه وإن لم يسكر) أي حسما لمادة الفساد كما حرم تقبيل الاجنبية والخلوة بها لافضائه إلى الوطئ المحرم (قوله: أي متعاطيه) تفسير لقوله شاربه: أي أن المراد بالشارب المتعاطي له سواء كان بالشرب أو غيره، كما في المغني، وعبارته.
تنبيه: المراد بالشارب المتعاطي شربا كان أو غيره، سواء فيه ليتفق على تحريمه والمختلف فيه، وسواء جامدة ومائعه مطبوخه ونيئه، وسواء أتناوله معتقدا تحريمه أم إباحته على المذهب لضعف أدلة الاباحة.
اه.
(قوله: وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات) أي ما عدا جامد الخمر، أما هو فيحد متعاطيه كما مر (قوله: فلا حد فيها) أي الجامدات وقوله وإن حرمت: الصواب حذف هذه والاقتصار على ما بعده لان الكلام فيما حرم من الجامدات.
تأمل (قوله: بل التعزير) أي بل فيها التعزير (قوله: ككثير البنج الخ) تمثيل لما حرم من الجامدات (قوله: والحشيشة) أي وككثير الحشيشة.(4/176)
واعلم: أن العلماء قد ذكروا في مضار الحشيشة نحو مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية: منها أنها تورث النسيان والصداع وفساد العقل والسل والاستسقاء والجذام والبرص وسائر الامراض وإفشاء السر وإنشاء الشر وذهاب الحياء وعدم المروءة وغير ذلك، ومن أعظم قبائحها أنها تنسي الشهادة عند الموت، وجميع قبائحها موجود في الافيون والبنج ونحوهما.
ويزيد الافيون بأن فيه تغيير الخلقة، كما هو مشاهد من أحوال من يتعاطاه، وما أحسن ما قيل في الحشيشة: قل لمن يأكل الحشيشة جهلايا خسيسا قد عشت شر معيشة دية العقل بدرة فلماذا يا سفيها قد بعتها بحشيشة ؟ والبدرة كما في القاموس كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف درهم (قوله: ويكره أكل يسير منها) أي من هذه الثلاثة، والمراد باليسير أن لا يؤثر في العقل، ولو تخديرا وفتورا، وبالكثير ما يؤثر فيه كذلك، فيجوز تعاطي القليل مع الكراهة، ولا يحرم، ولكن يجب كتمه على العوام لئلا يتعاطوا كثيره ويعتقدوا أنه قليل، وقوله من غير قصد المداومة: مفهومه أنه إذا تعاطاه مع قصدها حرم.
فانظره (قوله: ويباح) أي أكل ما ذكر من الثلاثة (قوله: لحاجة التداوي) مطلقا سواء كان كثيرا أم قليلا وإن كان ظاهر عبارته أنه مختص بالقليل.
قال في الروض وشرحه.
فرع: مزيل العقل من غير الاشربة كالبنج والحشيشة حرام لازالته العقل لا حد فيه لانه لا يلذ ولا يطرب ولا يدعو قليله إلى كثيره بل فيه التعزير، وله تناوله ليزيل عقله لقطع عضو متأكل.
اه.
(قوله: أربعين جلدة) مفعول مطلق لقوله ويجلد: أي يجلده الامام أو نائبه جلدات أربعين، وذهبت الائمة الثلاثة إلى أنها ثمانون، ويجب توالي الضربات ليحصل الزجر والتنكيل فلا يجوز أن يفرق على الايام والساعات لعدم حصول الايلام المقصود من الحدود، والضابط أنه إن تخلل زمن يزول فيه الالم الاول لم يكف على الاصح، ويحد الذكر قائما والانثى جالسة ويجعل عند المرأة محرم أو امرأة تلف عليها ثيابها إذا انكشفت ويجعل عند الخنثى محرم لا رجل أجنبي ولا امرأة أجنبية، ويكفي الحد المذكور ولو تعدد الشرب مرارا كثيرة قبل الحد وحديث الامر بقتل الشارب في المرة الرابعة منسوخ بالاجماع (قوله: إن كان حرا) سيأتي محترزه (قوله: ففي مسلم الخ) دليل على أنها أربعون (قوله: يضرب في الخمر) أي في شربه (قوله: أربعين) أي في غالب أحواله (ص)، وإلا فقد جلد ثمانين كما في جامع عبد الرزاق.
اه.
ح ل (قوله: فيجلد عشرين جلدة) أي لانه حد يتبعض فتنصف على الرقيق كحد الزنا (قوله: وإنما يجلد الامام الخ) دخول على المتن (قوله: إن ثبت) أي شربه الخمر، وقوله بإقراره أو شهادة رجلين: أي لان كلا من الاقرار وشهادة من ذكر حجة شرعية، ولا يشترط فيهما تفصيل، بل
يكفي الاطلاق في إقراره من شخص بأنه شرب خمرا وفي شهادة بشرب مسكر بأنه شرب فلان خمرا، ولا يحتاج أن يقول وهو مختار عالم لان الاصل عدم الاكراه والغالب من حال الشارب علمه بما يشربه، فنزل الاقرار والشهادة عليه (قوله: لا بريح الخ) أي لا يثبت شرب الخمر بريح خمر وهيئة سكر وقئ لاحتمال أن يكون شرب غالطا أو مكرها، والحد يدرأ بالشبهة، وكذلك لا يثبت برجل وامرأتين لان البينة ناقصة والاصل براءة الذمة.
وكتب سم على قول التحفة وهيئة سكر وما نصه تقدير هيئة الظاهر أنه غير ضروري.
اه.
(قوله: وحد عثمان) مبتدأ خبره اجتهاد له وقوله بالقئ متعلق بحد، وقوله اجتهاد له أي لسيدنا عثمان رضي الله عنه: أي فقد أثبت رضي الله عنه الحد لشارب الخمر بالقئ (قوله: ويحد الرقيق
__________
(1) (قوله كما في القاموس الخ) عبارته: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار.
اه.
فتأمل وحرر اه.
مصححة.
حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 12(4/177)
أيضا) أي كما يحد بإقراره أو بشهادة رجلين.
وقوله بعلم السيد: أي أنه شرب الخمر.
وقوله دون غيره: أي غير الرقيق فلا يحده القاضي بعلمه، والفرق أنه جاز للسيد ذلك لاصلاح ملكه.
تتمة: لا يحد السكران في حال سكره لان المقصود منه الردع والزجر والتنكيل.
وذلك لا يحصل مع السكر بل يؤخر وجوبا إلى إفاقته ليرتدع، فإن حد قبلها ففي الاعتداد به وجهان أصحهما، كما قاله البلقيني، الاعتداد به ولا في المسجد لخبر أبي داود وغيره: لا تقام الحدود في المساجد ولاحتمال أن يتلوث من جراحة تحدث (قوله: جزم صاحب الاستقصاء) عبارة التحفة.
تنبيه: جزم صاحب الاستقصاء بحل إسقائها للبهائهم وللزركشي احتمال أنها كالآدمي في امتناع إسقائها إياها للعطش.
قال: لانها تثيره فيهلكها فهو من قبيل إتلاف المال اه.
والاولى تعليله بأن فيه إضرارا لها وإضرار الحيوان حرام وإن لم يتلف.
قال: والمتجه منع إسقائها لها لا لعطش لانه من قبيل التمثيل بالحيوان وهو ممتنع، وفي وجه غريب حل إسقائها للخيل لتزداد حموا أي شدة في جريها، قال: والقياس حل إطعامها نحو حشيش وبنج للجوع، وإن تخدرت، ويظهر جوازه لآدمي جاع.
ولم يجد غير ذلك وإن تخدرت لان المخدر لا يزيد في الجوع.
اه.
(قوله: بحل إسقائها) أي الخمر، فالاضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي إسقاء الشخص إياخا، وقوله للبهائم متعلق بالمصدر (قوله: وللزركشي احتمال) مبتدأ وخبره وقوله أنها الخ: المصدر المؤول بدل من احتمال أو خبر لمبتدأ
محذوف، وقوله في حرمة إسقائها: أي الخمر، (وقوله: لها) أي للبهائم (قوله: ورابعها) أي ورابع الحدود وقوله قطع السرقة: هي لغة أخذ الشئ خفية، وشرعا أخذ المال خفية من حرز مثل بشروط.
وهي من الكبائر لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن وفي رواية: إذا فعل ذلك فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه فإن تاب تاب الله تعالى عليه وقوله عليه السلام: لعن الله السارق: يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده والمراد بالبيضة بيضة الحديد التي تساوي ربع دينار والمراد بالحبل حبل تساوي قيمته ما ذكر وإلا نافى ما يأتي من أن شرط القطع في المسروق أن يساوي ربع دينار، وقوله عليه السلام: لا يحل لاحد أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه وقوله عليه السلام: إن دم المسلم وعرضه وماله حرام (قوله: ويقطع الخ) أي لقوله تعالى: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) * ولما نظم أبو العلاء المعري البيت الذي شكك به على أهل الشريعة في الفرق بين الدية والقطع في السرقة وهو: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار ؟ أجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله: وقاية النفس أغلاها وأرخصها وقاية المال فافهم حكمه الباري ويروي: عز الامانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري وقال ابن الجوزي لما سئل عن ذلك: لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت: وأركان السرقة الموجبة للقطع ثلاثة: مسروق وسارق وسرقة.
ويشترط في المسروق كونه ربع دينار أو ما قيمته ذلك، وكونه محرزا بحرز مثله، وألا يكون للسارق فيه ملك، وأن لا يكون له فيه شبهة، ويشترط في السارق: أن يكون بالغا عاقلا مختارا ملتزما للاحكام
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 38.(4/178)
عالما بالتحريم وأن لا يكون مأذونا له من المالك (قوله: أي الامام) يعني أن الذي يستوفي القطع في غير الرقيق الامام أو نائبه فلو فوضه للسارق لم يقع الموقع، بخلاف ما لو فوضه للمسروق منه فيقع الموقع، وإن امتنع من التفويض له مخافة
أن يردد الآلة عليه فيؤدي إلى إهلاكه أو قطعها أحد بلا إذن الامام عزر لافتياته وتعديه عليه ولا يضمن شيئا وإن مات بالسراية لانها مستحقة وما تولد من قطعها تولد من مستحق.
اه.
ش ق (قوله: وجوبا) أي حال كون القطع وجوبا: أي واجبا للامر به في الآية السابقة، وهو الوجوب.
ويمتنع العفو عنه بعد رفع الامر إليه، وأما ما نقل عن سيدنا معاوية رضي الله عنه أنه عفا عن سارق حين أنشدته أمه: يميني أمير المؤمنين أعيذها بعفوك أن تلقى نكالا يشينها فلا خير في الدنيا وكانت خبيثة إذا ما شمالي فارقتها يمينها فهو مذهب صحابي فلا يرد (قوله: بعد طلب المالك) متعلق بيقطع أي يقطع الامام بعد طلب صاحب المال للقطع وقوله وثبوت السرقة: أي عنده بما يأتي ولا يقطع قبل ذلك، فلو قطع لا يقع الموقع (قوله: كوع يمين) مفعول يقطع: أي تقطع يده اليمنى من مفصل الكوع ولو كانت معيبة أو ناقصة، كفاقدة الاصابع أو زائدتها خلقة أو عروضا، وإن سرق مرارا قبل قطعه لاتحاد السبب، كما لو زنى أو شرب مرارا فإنه يكتفي بحد واحد، كما مر، فإن سرق ثانيا بعد قطعه قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، فإن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى كذلك، فإن سرق رابعا قطعت رجله اليمنى فإن سرق بعد ذلك عزر، ولا يقتل، كما سيذكره، وقوله بالغ: مجرور بإضافة يمين إليه، ويشترط أيضا أن يكون عاقلا مختارا ملتزما للاحكام، فلا قطع على صبي ومجنون ومكره وحربي (قوله: سرق الخ) الجملة صفة لبالغ، وقوله: أي أخذ خفية تفسير ليسرق (قوله: ربع دينار) مفعول سرق: أي سرق ربع دينار أي فصاعدا لخبر مسلم: لا تقطع يد سارق إلا في ربع دينار فصاعدا.
واعلم: أن العبرة في المضروب من الذهب بالوزن فقط فلاتعتبر فيه القيمة، والعبرة في غير المضروب بالوزن والقيمة معا فلو كان وزنه دون ربع دينار فلا قطع به، وإن بلغت قيمته ربع دينار كخاتم وزنه دون ربع دينار وبلغ بالصنعة ربع دينار فأكثر فلا نظر لقيمة الصنعة، ولو كان وزنه ربع دينار فأكثر ولم تبلغ قيمته ذلك فلا قطع به أيضا كربع دينار سبيكة أو حليا أو نحو ذلك كقراضة الذهب لا يساوي ربعا مضروبا، والعبرة في غير الذهب ولو من الفضة بالقيمة فقط، فلو سرق من الفضة ما يبلغ قيمته ربع دينار قطع به وإن لم يبلغ وزنه ذلك، وكذا لو سرق شيئا يساوي ذلك حتى المصحف وكتب العلم الشرعي وما يتعلق به وكتب شعر نافع مباح، وكذا الكتب التي لا يحل الانتفاع بها إن بلغت قيمة ورقها وجلدها نصابا وإناء النقدين إن بلغ بدون صنعته نصابا إلا إن أخرجه من الحرز ليظهر كسره فلا قطع حينئذ، وكذا كل ما
سلط الشرع على كسره كمزمار وطنبور وصنم وصليب لان إزالة المعصية مطلوبة شرعا فصار شبهة لكن محل ذلك إن قصد بإخراجه تكسيره فإن قصد السرقة وبلغ مكسره نصابا قطع به لانه سرق نصابا من حرز مثله كما لو كسره في الحرز ثم أخرجه وهو يبلغ نصابا فإنه يقطع به كما يقطع بإناء الخمر أو إناء البول إن بلغ نصابا وقصد بإخراجه السرقة، فإن قصد بإخراجه إراقته فلا قطع لان ذلك مطلوب شرعا ولا قطع فيما لا يتمول كخمر ولو محترمة وخنزير وكلب ولو معلما وجلد ميتة بلا دبغ لان ما ذكره لا قيمة له.
نعم: إن صار الخمر خلا قبل إخراجه من الحرز أو دبغ الجلد قبل ذلك ولو بدبغ السارق به وكل منهما يساوي نصابا قطع به ويقطع بثوب رث، أي بال، في جيبه تمام نصاب وإن جهله السارق لانه أخرج نصابا من حرز مثله بقصد السرقة، والجهل بجنسه لا يؤثر كالجهل بصفته (قوله: أي مثقال) تفسير للدينار، وقوله ذهبا: تمييز لمثقال (قوله: مضروبا خالصا) حالان من ربع دينار: أي حال كون الربع الذي يقطع به مضروبا، فلا يقطع بما إذا كان ربع دينار سبيكة ولا يساوي قيمة مضروب كما سيذكره وحال كونه خالصا فلا يقطع بما إذا كان ربعا مغشوشا (قوله: وإن تحصل من مغشوش) أي أن المعتبر في المسروق أن يكون وزنه ربع دينار خالصا ولو تحصل ذلك من مغشوش(4/179)
مسروق (قوله: أو قيمته) معطوف على ربع دينار: أي أو سرق ما يساوي قيمة ربع دينار من عروض ودراهم، وقوله بالذهب الخ: الباء بمعنى من وهي متعلقة بمحذوف حال من المضاف إليه العائد على ربع الدينار: أي حال كون ذلك الربع المعتبر تقويم غيره به من الذهب المضروب الخالص.
قال في التحفة: فإن لم تعرف قيمته بالدنانير قوم بالدراهم ثم هي بالدنانير، فإن لم يكن بمحل السرقة دنانير انتقل لاقرب محل إليها فيه ذلك، كما هو قياس نظائره.
اه.
(قوله: وإن كان الربع لجماعة) أي يقطع به ولو كان لجماعة اتحد حرزهم فلا يشترط في الربع اتحاد المالك (قوله: فلا يقطع الخ) مفهوم قوله مضروبا.
(وقوله: بكونه) أي المسروق ربع دينار، (وقوله: سبيكة) حال من ربع دينار: أي حال كونه سبيكة: أي غير مضروب، (وقوله: أو حليا) معطوف على ربع دينار: أي أو بكونه حليا، (وقوله: لا يساوي) أي كل من السبيكة والحلي ربعا مضروبا، والمراد قيمتهما لا تساوي ربع دينار خالصا مضروبا (قوله: من حرز) متعلق بسرق: أي سرق ذلك من حرز مثله، فلا قطع فيما إذا أخذه من غير حرزه لان المالك مكنه منه بتضييعه، ولذلك قال (ص): لا قطع في شئ من الماشية إلا فيما أواه المراح أي أو ما يقوم مقامه من حافظ يراها (قوله: أي موضع الخ) تفسير للحرز، وفيه إشارة إلى أنه اسم مصدر بمعنى اسم المفعول: أي محرز فيه.
(وقوله: يحرز فيه) أي يحفظ فيه مثل ذلك المسروق
وقوله عرفا: أي أن المحكم في الحرز العرف لانه لم يضبط في الشرع ولا في اللغة فرجع فيه إلى العرف، وضبطه الغزالي بما لا يعد صاحبه مضيعا له (قوله: ولا قطع الخ) مفهوم قيد ملحوظ في كلامه وهو أن لا يكون للسارق فيما سرقه شبهة، (وقوله: بما للسارق فيه شركة) أي بمسروق فيه شركة وإن قل نصيبه فيه لان له في كل جزء حقا وذلك شبهة، (وقوله: ولا بملكه) أي ولا قطع بأخذ ملكه من يد غيره ولو بالدعوى بأن ادعى بعد أن سرقه أنه ملكه فلا يقطع به لاحتمال ما ادعاه فيكون شبهة.
وسمى هذا الامام الشافعي رضي الله عنه السارق الظريف (قوله: وإن تعلق به نحو رهن) غاية لقوله ولا بملكه: أي لا يقطع بملكه، وإن كان مرهونا أو مؤجرا (قوله: ولو اشترك اثنان) هذا مفهوم مرجع ضمير سرق وهو البالغ: إذ منطوقة أن الذي تقطع يده هو البالغ الذي سرق ربع دينار ومفهومه أنه إذا كانا بالغان سرقا ربع دينار لا تقطع يدهما، (وقوله: في إخراج نصاب) هو هنا ربع دينار بخلافه في الزكاة (قوله: لم يقطع واحد منهما) أي من المشتركين، وذلك لان كل واحد لم يسرق نصابا، والمراد لم يقطع ولا واحد ولو قال لم تقطع يدهما لكان أولى لئلا يوهم أن المراد نفي قطع واحد فقط فيصدق بإثباته للاثنين مع أنه لا يصح ذلك (قوله: وخرج بسرق ما لو اختلس الخ) الاختلاس أخذ المال جهرا مع الاعتماد على الهرب والنهب أخذه كذلك مع الاعتماد على القوة الغلبة (قوله: معتمدا الهرب) حال من فاعل اختلس (قوله: أو انتهب) معطوف على اختلس، وقوله معتمدا القوة: حال أيضا من فاعل انتهب (قوله: فلا يقطع بهما) أي بالاختلاس والنهب ومثلهما ما لو خان بجحد نحو وديعة.
وقوله للخبر الصحيح به: أي الوارد به أي بعدم القطع في الاختلاس والنهب ولفظه: ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع صححه الترمذي، وقوله ولامكان دفعهم: الاولى دفعهما، أي المختلس والمنتهب، ولو زاد بعد قوله أو انتهب أو خان لوافق ما في الخبر وناسب جمع الضمير لكن يبقى عليه أن يجمع الضمير في قوله فلا يقطع بهما.
والقصيد بهذا: التعليل بيان الفرق بين السارق وبين غيره ممن ذكره، وحاصله أن السارق يأخذ المال خفية ولا يتأتى منعه بالسلطان أو غيره وكل من المختلس والمنتهب يأخذ المال جهرة معاينة فيتأتى منعه بالسلطان أو غيره، والخائن يعطيه المالك المال بنفسه فربما يشهد عليه فيتأتى أخذ حقه منه بالحاكم إذا خان بعد ذلك، فإن لم يشهد عليه فهو المقصر (قوله: بخلاف السارق) أي فإنه لا يتأتى دفعه بالسلطان لانه أخذ المال(4/180)
خفية، فلذلك إذا اطلع عليه تقطع يده (قوله: لا حال كون المال مغصوبا) أفاد به أن مغصوبا حال مما قبله وهو ربع دينار، والمراد بالمال ربع الدينار، ولو عبر به لكان أنسب بما قبله (قوله: فلا يقطع سارقه) أي يد سارق المال
المغصوب.
(وقوله: من حرز الغاصب) متعلق بسارقه، ويعلم بالاولى عدم قطع يد سارقه من غير حرز الغاصب (قوله: وإن لم يعلم) أي السارق (قوله: لان مالكه الخ) علة لعدم قطع يد سارق المال المغصوب: أي لا يقطع لان مالك المال لم يرض بإحرازه في حرز الغاصب (قوله: أو حال كونه فيه) أفاد به أيضا أن الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال مما قبله أيضا وهو ربع دينار (قوله: فلا قطع الخ) مفرع على قوله أو حال كونه في مكان مغصوب.
(وقوله: أيضا) أي كما أنه لا يقطع فيما إذا كان المال المسروق مغصوبا (قوله: لان الغاصب الخ) علة لعدم قطع يد السارق من حرز مغصوب: أي وإنما لم تقطع يده لان الغاصب للموضع الذي أحرز فيه ماله ممنوع: أي شرعا من أن يحرز فيه ماله (قوله: بخلاف نحو مستأجر ومعار) أي بخلاف حرز مؤجر أو معار وسرق منه فيقطع السارق منه لان المستأجر والمستعير مستحقان لمنافعه (قوله: ويختلف الحرز الخ) الانسب ذكره بعد قوله عرفا (قوله: باختلاس الاموال) إنما اختلف باختلافها لانه قد يكون الشئ حرزا في مال دون مال: أي فصحن الدار وصفتها حرز لخسيس آنية، وأما نفيسها فحرزه بيوت الدور وبيوت الخانات وبيوت الاسواق المنيعة وخزانة وصندوق حرز حلي ونقد ونحوهما نوم بنحو صحراء أو كمسد وشارع على متاع أو توسده حرز له ورأسه حرز لعمامته وجيبه حرز لما فيه وأصبعه حرز لخاتمه ورجله حرز لمداسه، وقوله والاحوال: أي ويختلف ذلك باختلاف الاحوال فقد يكون الشئ حرزا في حال دون حال: فالدار المنفصلة عن العمارة حرز في حال ملاحظة قوي يقظان بها ولو مع فتح الباب أو نائم مع إغلاقه والمتصلة بالعمارة حرز بإغلاق الباب مع ملاحظ ولو نائما أو ضعيفا ومع غيبته زمن أمن نهارا لا مع فتحه ونومه ليلا أو نهارا ولا مع غيبته زمن خوف ولو نهارا أو زمن أمن ليلا أو والباب مفتوح فليست حرزا، (وقوله: والاوقات) أي ويختلف ذلك باختلاف الاوقات فقد يكون الشئ حرزا في وقت دون وقت بحسب صلاح أحوال الناس وفسادها وقوة السلطان وضعفه (قوله: فحرز الثوب) أي النفيس، وهو تفريع على اختلافه باختلاف الاموال، (وقوله: والنقد) أي ونحوه كاللؤلؤ (قوله: الصندوق المقفل) أي ونحوه من كل موضع حصين خزانة (قوله: والامتعة) أي وحرز الامتعة الدكاكين وقوله وثم حارس: قيد في كون الدكاكين حرزا للامتعة: أي ويشترط في كونها حرزا أن يكون عندها حارس يحرسها على العادة، وهذا بالنسبة لليل، أما بالنسبة إلى النهار فيكفي إرخاء نحو شبكة وشراع لان الجيران والمارة ينظرونها.
قال في الروض وشرحه: وإن ضم العطار أو البقال أو نحوهما الامتعة وربطها بحبل على باب الحانوت أو أرخى عليها شبكة أو خالف لو حين على باب حانوت فحرزه بذلك بالنهار، ولو نام فيه أو غاب عنه لان الجيران والمارة ينظرونها، ثم قال: والحانوت المغلق بلا حارس حرز لمتاع البقال في زمن الامن ولو ليلا لا
لمتاع البزاز ليلا.
اه.
(قوله: ونوم بمسجد) مبتدأ خبره حرز له.
(وقوله: أو شارع) أي أو صحراء.
(وقوله: على متاع) متعلق بنوم.
(وقوله: ولو بتوسدة) أي نومه على المتاع حرز له، سواء كان مفترشا له أو متوسده، أي جاعلا له كالوسادة التي يوضع عليها الرأس عند النوم.
ومحل هذا فيما كان التوسد حرزا له، وإلا كأن توسد كيسا فيه نقد أو جوهر فلا يكون حرزا له (قوله: لا إن وضعه) أي لا إن كان النائم وضع المتاع بقربه، ومثل النائم الذاهل عنه، والاولى حذف لا وزيادة الواو، وعبارة الروض: وإن وضع متاعه بقربه في صحراء أو مسجد أو شارع وأعرض عنه كأن ولاه ظهره أو ذهل عنه شاغل أو نام فليس بمحرز.
اه.
(قوله: بلا ملاحظ) أي حارس، فإن كان هناك ملاحظ قوي ولا زحمة أو كثر الملاحظون ولو وجدت فهو حرز له فيقطع من سرقة.
(وقوله: يمنع) أي ذلك الملاحظ.
(وقوله: بقوة) أي يمنعه بسبب قوة، (وقوله: أو(4/181)
استغاثة) أي أو يمنعه بسبب استغاثة: أي طلب من يغيثه على دفع السارق (قوله: أو انقلب) أي النائم عنه: أي عن متاعه.
(وقوله: ولو بقلب السارق) أي سواء كان انقلابه عنه بنفسه أو بقلب السارق فلا قطع به لزوال الحرز قبل أخذه.
قال في النهاية: وأما قول الجويني وابن القطان لو وجد جملا صاحبه نائم عليه فألقاه عنه وهو نائم قطع فمردود، فقد صرح البغوي بعدمه لانه قد رفع الحرز ولم يهتكه، وقد علم من كلامهم الفرق بين هتك الحرز ورفعه من أصله.
اه.
(وقوله: هتك الحرز) أي كما في نقب السارق الجدار.
(قوله: ورفعه من أصله) أي إزالته من أصله كما هنا فإن نومه على متاعه حرز له، فإذا قلبه عنه فقد زال ذلك الحرز (قوله: فليس حرزا له) جواب إن (قوله: ويقطع) أي السارق (قوله: بمال وقف) التركيب توصيفي، كما يدل عليه تفسيره بعد، ويصح جعله إضافيا على جعل الاضافة من إضافة الموصوف للصفة (قوله: أي بسرقة مال موقوف على غيره) فإن وقف عليه أو كان هو أحد الموقوف عليهم فلا قطع لانه مستحق له، وكذلك لا يقطع لو كان السارق أبا الموقوف عليه أو ابنه للشبهة، ثم أنه لا فرق في القطع بسرقة المال الموقوف على غيره بين أن يكون الملك فيه لله أو للموقوف عليه أو للواقف (قوله: ومال مسجد) أي ويقطع بسرقة مال مسجد.
قال البجيرمي: ويلحق به ستر الكعبة فيقطع سارقه على المذهب إن خيط عليها لانه حينئذ محرز، وينبغي أن يكون ستر المنبر كذلك إن خيط عليه، ولا قطع بسرقة مصحف موقوف للقراءة فيه في المسجد ولو غير قارئ لشبهة الانتفاع به بالاستماع للقارئ منه كقناديل الاسراج.
اه.
(قوله: كبابه) تمثيل لمال المسجد، ومثل الباب ما أعد لتحصينه وعمارته وأبهته كالسقوف والشبابيك (قوله: وقنديل زينة) أي القنديل المعد للزينة، وسيأتي مفهومه (قوله: لا بنحو حصره) أي لا يقطع بسرقة نحو
حصره من كل ما يفرش فيه (قوله: وقناديل تسرج) أي ولا يقطع بسرقة قناديل تسرج فيه (قوله: وهو مسلم) قيد في عدم القطع: أي محل عدم قطعه بسرقة ما ذكر من الحصر والقناديل إذا كان السارق له مسلما أما إذا كان ذميا فيقطع به.
قال زي: وكذا مسلم لا يستحق الانتفاع بها بأن اختصت بطائفة ليس هو منهم كما هو قضية التعليل.
اه.
(قوله: لانها) أي الحصر والقناديل ونحوهما، وهو علة لعدم القطع بسرقة ما ذكر: أي وإنما لم تقطع يده بسرقتها لانها إنما أعدت للانتفاع بها، وذلك السارق أحد المستحقين للانتفاع فله شبهة الانتفاع.
قال في التحفة: فكان كبيت المال.
اه.
(قوله: ولا بمال صدقة) معطوف على لا بنحو حصره: أي ولا يقطع بسرقة مال صدقة، (وقوله: أي زكاة) تفسير للصدقة هنا (قوله: وهو مستحق لها) قيد في عدم قطع السارق من مال الصدقة، أي محل عدم قطعه إذا كان السارق مستحقا لها، (وقوله: بوصف فقر) الباء سببية متعلقة بمستحق، أي مستحق للصدقة بسبب وجود وصف فقر فيه، (وقوله: غيره) أي غير وصف الفقر ككونه غازيا أو غارما (قوله: ولو لم يكن الخ) الاولى التفريع بالفاء لان المقام يقتضيه ولو شرطية جوابها قوله قطع، (وقوله: له) أي للسارق.
(وقوله: فيه) أي في مال الصدقة، (وقوله: كغنى الخ) تمثيل للسارق الذي ليس له حق في مال الصدقة (قوله: وليس غارما) هو على ثلاثة أقسام، كما تقدم في باب الزكاة، والمراد به هنا من استدان دينا لتسكين فتنة بين طائفتين فيعطى ما يقضى به دينه ولو كان غنيا ترغيبا للناس في هذه المكرمة، (وقوله: لاصلاح ذات البين) أي لاصلاح الحال الواقع بين القوم، والمراد لتسكين الفتنة الواقعة بين القوم (قوله: قطع) أي الغني: أي يده (قوله: لانتفاء الشبهة) علة للقطع: أي وإنما قطع لان شبهة الانتفاع منتفية عنه (قوله: ولا بمال مصالح) معطوف أيضا على بنحو حصر، أي ولا يقطع بسرقة مال يصرف في مصالح المسلمين كعمارة المساجد وسد الثغور ونحو ذلك (قوله: كبيت المال) أي الذي لم يفرز لغيره، أما ما أفرز لغيره ممن له سهم مقدر، كذوي القربى، فيقطع به، وعبارة المنهاج مع شرح م ر: ومن سرق بيت المال وهو مسلم إن أفرز لطائفة ليس هو منهم قطع لانتفاء الشبهة، وإلا بأن لم يفرز فالاصح أنه إن(4/182)
كان له حق في المسروق كمال مصالح ولو غنيا فلا يقطع.
اه.
(قوله: لان له) أي للسارق في بيت المال حقا، وهو علة لعدم قطع السارق من بيت المال، (وقوله: لان ذلك الخ) علة للعلة، أي وإنما كان له فيه حق وإن كان غنيا لان ذلك قد يصرف الخ.
(وقوله: فينتفع به) أي بما ذكر من المساجد والرباطات، (وقوله: من المسلمين) أفاد به أنه يشترط لعدم القطع الاسلام، فلو كان ذميا وسرق من مال المصالح قطع به، ولا نظر إلى إنفاق الامام عليه عند الحاجة لانه إنما ينفق
عليه للضرورة وبشرط الضمان كما في الانفاق على المضطر، وأما انتفاعه بالقناطر والرباطات فللتبعية من حيث أنه قاطن ببلاد الاسلام، لا لاختصاصه بحق فيه (قوله: ولا بمال بعض) معطوف أيضا على لا بنحو حصر الخ: أي ولا يقطع بسرقة مال بعض للسارق، (وقوله: من أصل أو فرع) بيان للبعض، وفي هذا البيان نظر.
إذ الاصل ليس بعضا من الفرع ولو عبر كغيره بقوله ولا بمال أصل أو فرع لكان أولى، وعبارة الروض وشرحه: ولا يقطع بمال فرعه وإن سفل وأصله وإن علا لما بينهما من الاتحاد ولان مال كل منهما مرصد لحاجة الآخر، ومنها أن لا تقطع يده بسرقة ذلك المال، بخلاف سائر الاقارب.
اه.
وكما لا يقطع الاصل والفرع بسرقة مال الآخر لا يقطع رقيق كل منهما بسرقة مال الآخر لان القاعدة أن من لا يقطع بمال لا يقطع به رقيقه (قوله: وسيد) معطوف على بعض: أي ولا يقطع رقيق بسرقة مال سيده لان يده كيده ولشبهة استحقاقه النفقة في مال سيده ولو مبعضا أو مكاتبا لانه قد يعجز نفسه فيصير قنا كما كان، ولذلك لا يقطع السيد بسرقة مال مكاتبه (قوله: لشبهة استحقاق النفقة) تعليل لعدم القطع في المسألتين سرقة مال البعض ومال السيد: أي وإنما لم تقطع يد السارق من مال البعض أو السيد لوجود الشبهة وهي استحقاق النفقة، (وقوله: في الجملة) أي من بعض الوجوه، وهو ما إذا كان البعض المنفق عليه فقيرا وما إذا كان الرقيق غير مكاتب لان المكاتب نفقته على نفسه لا على سيده (قوله: والاظهر قطع أحد الزوجين بالآخر) أي لعموم الادلة وشبهة استحقاقها النفقة والكسوة في ماله لا أثر لها لانها مقدرة محدودة، وبه فارقت المبعض والقن وأيضا، فالفرض أنه ليس لها عنده شئ منها، فإن فرض أن لها شيئا من ذلك حال السرقة وأخذته بقصد الاستيفاء لم تقطع ومقابل الاظهر قولان: الاول لا قطع على واحد من الزوجين للشبهة لانها تستحق النفقة وهو يستحق الحجر عليها، الثاني يقطع الزوج دونها لان لها حقوقا في ماله، بخلافه، ومال إلى هذا الاذرعي.
أفاده المغني (قوله: أي بسرقة الخ) أفاد به أن في الكلام مضافين مقدرين بعد الباء الجارة لاجل تصحيح العبارة، (وقوله: ماله) أي الآخر.
(وقوله: المحرز عنه) أي المحفوظ عن السارق بسبب جعله في حرزه (قوله: فإن عاد الخ) مرتبط بقوله ويقطع، أي الامام كوع يمين بالغ (قوله: بعد قطع يمناه) أي من مفصل الكوع، وخرج به ما لو سرق قبل قطع يمناه فإنه يكتفي بقطعها، كما علم مما مر، (وقوله: إلى السرقة ثانيا) متعلق بعاد (قوله: فتقطع رجله اليسرى) أي بعد اندمال يده اليمنى لئلا يفضي التوالي إلى الهلاك، وهكذا يقال فيما بعده.
(وقوله: من مفصل الساق والقدم) أي من المفصل الذي بين الساق والقدم (قوله: فإن عاد ثالثا) أي إلى السرقة بعد قطع رجله اليسرى (قوله: فتقطع يده اليسرى من كوعها) أي من مفصل كوعها وهو، كما تقدم أول الكتاب الذي يلي إبهام اليد (قوله: فإن عاد رابعا) أي إلى
السرقة بعد قطع يده اليسرى، وقوله فتقطع رجله اليمنى.
واعلم: أنه إنما كان القطع من خلاف لئلا يفوت عليه جنس المنفعة من جهة واحدة فتضعف حركته كما في قطع الطريق، وقد روى الامام الشافعي رضي الله عنه بإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال في السارق إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله وحكمة قطع اليد والرجل أنهما آلة السرقة، بالاخذ والنقل، ومحل ما ذكر من الترتيب إذا كان له أربع، إذ هو الذي يتأتى فيه الترتيب،(4/183)
أما إذا لم يكن إلا بعض الاربع فيقطع في الاولى ما يقطع في الثانية، بل يقطع في الاولى ما يقطع في الرابعة، بأن لم يكن له إلا رجل واحدة يمنى لانه لما لم يوجد ما قبلها تعلق الحق بها (قوله: ثم إن سرق بعد قطع ما ذكر) أي من أعضائه الاربعة وذلك كأن سرق بفمه أو رأسه (قوله: عزر ولا يقتل) أي على المشهور لانه لم يبق في نكاله بعدما ذكر إلا التعزير (قوله: وما روى) مبتدأ خبره منسوخ، (قوله: قتله) أي السارق بعد المرة الرابعة (قوله: أو مؤول) أي وإذا كان غير منسوخ بالفرض، فهو مؤول بأنه عليه السلام إنما قتله بعد المرة الرابعة لكون السارق استحل السرقة (قوله: بل ضعفه الخ) ما تقدم من الجواب بالنسخ أو التأويل مبني على تسليم أن المروي عنه (ص) صحيح ثم انتقل عنه إلى الجواب بأن المروي: لا يحتج به لانه ضعيف أو منكر (قوله: ومن سرق مرارا الخ) هذا مفهوم تقييد القطع ثانيا وثالثا ورابعا بما إذا كان العود حصل بعد القطع (قوله: لم يلزمه) أي السارق المتكررة منه السرقة وقوله إلا حد واحد: أي كما لو زنى أو شرب مرارا فإنه يكتفي فيه بحد واحد (قوله: فتكفي يمينه عن الكل) أي فيكفي قطع يمينه عن كل المرات، (وقوله: لاتحاد السبب) أي وهو السرقة، (وقوله: فتداخلت) أي الحدود: أي اندرج بعضها في بعض لوجود الحكمة وهي الزجر ولاتحاد أسبابها، وإنما تعددت الكفارة فيما لو لبس أو تطيب في الاحرام في مجالس مع اتحاد السبب لان فيه حقا لآدمي لصرفها إليه فلم تتداخل، بخلاف الحد، (قوله: وتثبت السرقة برجلين) هذا بالنسبة للقطع مع المال، أما بالنسبة للمال فقط فتثبت برجل وامرأتين وبرجل ويمين لكن بعد دعوى المالك أو وكيله المال فلو شهدوا حسبة لم يثبت بشهادتهم أيضا لان شهادتهم منصبة إلى المال، وشهادة الحسبة بالنسبة إليه غير مقبولة (قوله: كسائر العقوبات) أي فإنها تثبت برجلين.
(وقوله: غير الزنا) أي أما هو فلا يثبت إلا بأربعة، كما تقدم، (قوله: وإقرار من سارق) معطوف على رجلين: أي وتثبت أيضا بإقرار السارق بالمال الذي سرقه، وقوله بعد دعوى عليه: قيد في الاقرار، فلو أقر به قبل دعوى من المالك عليه ثبت
به المال فقط ولا يثبت به القطع إلا إن طلب المالك ماله (قوله: مع تفصيل) متعلق بتثبت بالنسبة للرجلين وللاقرار (قوله: بأن تبين الخ) تصوير للتفصيل: أي والتفصيل مصور ببيان السرقة: أي أخذ المال خفية، وذلك لانه ربما أخذه بالاختلاس أو النهب فلا قطع وببيان المسروق منه هل هو زيد أو عمرو، وذلك لانه ربما أن يكون أصلا أو فرعا فلا قطع بالسرقة منه وببيان قدر المسروق كربع دينار لانه قد لا يكون نصابا فلا قطع وببيان الحرز كصندوق أو خزانة، وذلك لانه قد يكون حرزا للمسروق فلا قطع (قوله: وتثبت السرقة) أي بالنسبة للقطع مع المال، (وقوله: خلافا لما اعتمده جمع) أي من أنه لا يقطع بها، وعللوه بأن القطع حق لله تعالى وهو لا يثب ت باليمين المردودة، وصنيع عبارته يفيد أن معتمد الجمع المذكور ضعيف عنده، وهو خلاف ما عليه شيخه من اعتماده وعبارته: والمنقول المعتمد لا قطع كما لا يثبت بها حد الزنا.
اه.
ومثلها النهاية والمغني (قوله: بيمين الخ) متعلق بتثبت.
وقوله رد: يحتمل قراءته بصيغة المصدر ويكون مجرورا بالاضافة وهي من إضافة الموصوف إلى الصفة: أي يمين مردودة ويحتمل قراءته بصيغة الماضي والجملة صفة، وتذكير الضمير فيه باعتبار الحلف.
وقوله من المدعى عليه: متعلق برد وهو السارق، وقوله على المدعي: متعلق أيضا برد، وهو المسروق منه (قوله: لانها) أي اليمين المردودة، وهو علة لثبوت السرقة باليمين المردودة (قوله: وقبل رجوع مقر بالنسبة لقطع) قال سم: ولو أقر بالسرقة ثم رجع ثم كذب رجوعه قال الدارمي لا يقطع، ولو أقر بها ثم أقيمت عليه(4/184)
البينة ثم رجع، قال القاضي سقط عنه القطع على الصحيح لان الثبوت كان بالاقرار.
اه (قوله: بخلاف المال) أي بخلاف الرجوع بالنسبة للمال (قوله: فلا يقبل رجوعه) أي عن إقراره.
وقوله فيه: أي في المال، وقوله: لانه: أي المال حق آدمي: أي وهو مبني على المشاحة، بخلاف القطع فإنه حق الله وهو مبني على المسامحة (قوله: ومن أقر بعقوبة لله تعالى) خرج حق الآدمي فلا يحل التعريض بالرجوع عنه وإن لم يفد الرجوع فيه شيئا، ووجهه بأن فيه حملا على محرم فهو كمتعاطي العقد الفاسد، وقوله أي بموجبها، بكسر الجيم، أي سببها (قوله: كزنا الخ) تمثيل لموجب العقوبة (قوله: ولو بعد دعوى) غاية في الاقرار: أي ولو كان إقراره بعد دعوى عليه (قوله: فلقاض) الفاء واقعة في جواب من الشرطية والجار والمجرور خبر مقدم، وقوله: بعد تعريض الخ: مبتدأ مؤخر (قوله: أي يجوز له) تفسير مراد لقوله فلقاض، والمراد يجوز له ذلك جوازا مستوي الطرفين، فهو جائز وليس بمندوب، وبما ذكر صح الاستدراك بعد، وأفاد به أنه ليس المراد بالجواز ما ذكر، بل المراد به الندب، وإنما جاز ذلك له سترا للقبيح ولخبر الترمذي وغيره من ستر مسلما ستره الله
في الدنيا والآخرة (قوله: الاجماع على ندبه) أي التعريض.
قال في النهاية: والمعتمد الاول، أي عدم الندب، اه (قوله: وحكاه) أي الاجماع على ندبه (قوله: وقضية تخصيصهم القاضي الخ) يفهم التخصيص من تقديم الجار والمجرور (قوله: حرمته) أي التعريض، (وقوله: على غيره) أي غير القاضي (قوله: وهو) أي ما اقتضاه التخصيص من التحريم (قوله: ويحتمل أن غير القاضي الخ) هو من مقول قول شيخه.
وقوله أولى: أي بالجواز من القاضي.
قال في النهاية: وهو الاوجه.
اه (قوله: لامتناع التلقين عليه) علة للاولوية: أي وإنما كان غير القاضي أولى بالجواز منه لان القاضي يمتنع عليه أن يلقن الخصم الحجة ولا يمتنع ذلك على غيره، فإذا جاز التعريض من القاضي الذي يمتنع عليه ذلك فلان يجوز من غيره بالاولى (قوله: تعريض له) أي للمقر: قال في التحفة: إن كان جاهلا بوجوب الحد وقد عذر على ما في العزيز ولكن توقف الاذرعي، ويؤيد توقفه أن له التعريض لمن علم أن له الرجوع، فكذا لمن علم أن عليه الحد.
اه.
وقوله برجوع عن الاقرار: متعلق بتعريض: أي تعريض بالرجوع عنه (قوله: أو بالانكار) معطوف على قوله برجوع: أي أو تعريض بالانكار أي لموجب العقوبة لا للمال.
وعبارة التحفة: وأفهم قوله بالرجوع أنه لا يعرض له بالانكار لانه فيه حملا على الكذب، كذا قيل، وفيه نظر لما مر في الزنا أن إنكاره بعد الاقرار الرجوع عنه.
ثم رأيتهم صرحوا بأن له التعريض بالانكار وبالرجوع، ويجاب عما علل به بأن تشوف الشارع إلى درء الحدود الغي النظر إلى تضمن الانكار للكذب على أنه ليس صريحا فيه فخف أمره اه.
وانظر كيف يصور التعريض بالانكار بموجب الحد ؟ ولعل صورة ذلك أن يقول له لعلك ما سرقت، لعلك ما زنيت ويبدأ ذلك بحرف النفي، وعليه فيكون التعريض بالرجوع أعم منه لانه لا يختص بحرف النفي (قوله: فيقول الخ) بيان لصور التعريض بالرجوع.
وقوله لعلك فاخذت هذا بالنسبة للتعريض بالرجوع عن الاقرار بالزنا.
(وقوله: أو أخذت من غير حرز) أي أو لعلك أخذت من غير حرز، وهذا بالنسبة للتعريض بالرجوع عن السرقة، (وقوله: أو ما علمته خمرا) أي أو لعلك شربته وأنت لم تعلم بأنه خمر وهذا بالنسبة للتعريض بالرجوع عن الاقرار بشرب الخمر (قوله: لانه الخ) علة لجواز التعريض (قوله: عرض لماعز) أي المقر بالزنا بقوله لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت (قوله: وقال) أي عليه الصلاة والسلام.
وقوله ما أخالك، بكسر الهمزة، على الافصح، ويفتحها على القياس: أي ما أظنك (قوله: وخرج بالتعريض التصريح) أي بالرجوع أو بالانكار (قوله:(4/185)
كارجع) تمثيل للتصريح بالرجوع.
وقوله أو أجحده: تمثيل للتصريح بالانكار (قوله: فيأثم) أي القاضي وقوله به: أي
بالتصريح (قوله: لانه الخ) علة للاثم به (قوله: ويحرم التعريض عند قيام البينة) أي لما فيه من تكذيب الشهود (قوله: ويجوز للقاضي أيضا) أي كما يجوز له التعريض لمن أقر الخ (قوله: بالتوقف في حد الله تعالى) أي بالتوقف في أداء الشهادة فيما يوجب حد الله تعالى كشرب الخمر والزنا وغير ذلك وعبارة المغني وهل للحاكم أن يعرض للشهود بالتوقف في حدود الله تعالى ؟ وجهان، أصحهما في زيادة الروضة نعم إن رأى المصلحة في الستر وإلا فلا.
قال الاذرعي: ولم يصرحوا بأن التصريح لا يجوز أو مكروه، والظاهر أن مرادهم الاول.
اه (قوله: إن رأى) أي القاضي.
(وقوله: المصلحة في الستر) أي على من اتصف بشئ من هذه القاذورات (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم ير المصلحة في الستر فلا يجوز التعريض لهم بالتوقف (قوله: وبه يعلم) أي بعموم قوله، وإلا فلا الصادق بما يترتب على ذلك من المفسدة كضياع المسروق ونحوه.
وقوله أنه: أي القاضي أو الحال أو الشأن، (وقوله: لا يجوز له) أي للقاضي، (وقوله: التعريض) أي للشهود في التوقف عند أداء الشهادة، (وقوله: ولا لهم التوقف) أي ولا يجوز للشهود التوقف عن ذلك وإن عرض القاضي لهم به، (وقوله: وإن ترتب على ذلك) أي على التوقف عن أداء الشهادة فيما يوجب حد الله كالسرقة، (وقوله: ضياع المسروق) أي المال المسروق، وقوله أو حد الغير: بالرفع عطف على ضياع: أي أو ترتب على ذلك وجوب حد على الغير كأن شهد ثلاثة بالزنا فيجب على الرابع أن لا يتوقف في الشهادة ولا يجوز للقاضي التعريض له به لئلا يتوجه على الثلاثة حد القذف.
تنبيه: لم يتعرض المؤلف للشفاعة في الحد، ثم رأيت المغني نص على ذلك فقال: وأما الشفاعة في الحد فقال المصنف في شرح مسلم أجمع العلماء على تحريمها بعد بلوغ الامام وأنه يحرم تشفيعه فيه، وأما قبل بلوغ الامام فأجازها أكثر العلماء إن لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان لم يشفع.
اه (قوله: خاتمة في قاطع الطريق) أي في حكم مانع المرور في الطريق، فالقاطع بمعنى المانع: مأخوذ من القطع بمعنى المنع.
وقطع الطريق هو البروز لاخذ مال أو لقتل أو إرعاب مكابرة اعتماد على القوة ويثبت برجلين، لا برجل وامرأتين كالسرقة، ولذلك ذكر عقبها والاصل فيه قوله تعالى: * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض) * أي أن يقتلوا إن قتلوا ولم يأخذوا المال، أو يصلبوا مع القتل إن قتلوا وأخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال فقط، أو ينفوا من الارض إن أخافوا السبيل ولم يقتلوا، ولم يأخذوا المال، كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما بذلك، فحمل كلمة أو: على التنويع، لا على التخيير (قوله: لو
علم الامام قوما) أي ملتزمين للاحكام مختارين مكلفين ولو حكما.
وخرج بالقيود المذكورة أضدادها فليس المتصف بها أو بشئ منها من حربي ولو معاهدا أو صبي أو مجنون أو مكره قاطع طريق، وقوله يخيفون الطريق: أي المار فيها بسبب وقوفهم فيها، ولا بد أن يكون لهم شوكة: أي قوة بحيث يقاومون من يبرز إليهم، وخرج بذلك المختلسون لانتفاء الشوكة فيهم فليسوا بقطاع، بل حكمهم قودا أو ضمانا كحكم غيرهم (قوله: ولم يأخذوا مالا) أي نصاب سرقة فيصدق بما لو أخذوا دون ذلك ويلزمهم في هذه الصورة مع التعزير رده (قوله: ولا قتلوا نفسا) أي ولم يقتلوا أحدا ممن يمر عليهم
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 33.(4/186)
(قوله: عزرهم) أي الامام، وهو جواب لو، (وقوله: وجوبا) أي تعزيرا واجبا عليه (قوله: بحبس) متعلق بعزر، (وقوله: وغيره) أي غير الحبس بما يراه الامام من ضرب وغيره لارتكابهم معصية لا حد فيها ولا كفارة وللامام ترك ذلك إذا رآه مصلحة، وإنما وجب التعزير لاجل ردعهم عن هذه الورطة العظيمة (قوله: وإن أخذ القاطع المال) أي نصاب السرقة، ولا بد أن يكون من حرز مثله ولا شبهة له فيه وإلا فلا قطع كما مر في السرقة، (وقوله ولم يقتل) خرج به ما إذا قتل وسيذكر حكمه (قوله: قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى) أي وجوبا فلو قطع الامام مع اليد اليمنى الرجل اليمنى ضمن الرجل بالقود إن كان عامدا، وإلا فبالدية، ولا تجزئ عن قطع اليسرى لمخالفة قوله تعالي: * (من خلاف) * (قوله: فإن عاد) أي لقطع الطريق وأخذ المال ولم يقتل أيضا، (وقوله: فرجله اليمنى) أي فتقطع رجله اليمنى ويده اليسرى (قوله: وإن قتل) أي عمدا عدوانا ولم يأخذ نصابا قتله الامام حتما، فلو قتل خطأ أو شبه عمد أو لا عدوانا بأن قتل مرتدا أو زانيا محصنا أو تاركا للصلاة بعد أمر الامام أو من يستحق عليه القصاص فلا يقتل (قوله: وإن عفا الخ) غاية في قتله (قوله: وإن قتل) أي عمدا عدوانا كما مر (قوله: وأخذ نصابا) أي نصاب السرقة وهو ربع دينار كما مر.
(وقوله: قتل أي قتله الامام أو نائبه) أي يأمر بذلك.
(وقوله: ثم صلب) أي على خشبة أو نحوها.
(وقوله: بعد غسله الخ) أي إن كان مسلما.
(وقوله: ثلاثة أيام) أي صلب ثلاثة أيام، ومحله إن لم يتفجر قبلها، فإن تفجر أنزل.
وإنما صلب بعد القتل زيادة في التنكيل وزجرا لغيره ولذلك لا يقام عليه الحد إلا في مكان يشاهده فيه من ينزجر به، وإنما كان ثلاثة أيام ليشتهر الحال ويتم النكال ولان لها في الشرع اعتبارا في مواضع كثيرة ولا غاية لما زاد عليها، فلذلك لم يعتبر في الشرع غالبا (قوله: ثم ينزل) أي ثم بعد صلبه ثلاثة أيام على نحو خشبة مثلا ينزل ويدفن (قوله: وقيل يبقى وجوبا حتى يتهرى) أي
ولو زاد على ثلاثة أيام (قوله: وفي قول يصلب حيا) أي لانه عقوبة فيفعل به حيا.
وقوله قليلا: قال في التحفة: الذي يظهر أن المراد به أدنى زمن ينزجر به عرفا غيره.
اه.
واعلم: أن محل قتله وصلبه هو محل محاربته إلا أن لا يمر به من ينزجر به فأقرب محل إليه.
خاتمة: نسأل الله حسن الختام تسقط عقوبات تخص القاطع من تحتم قتل وصلب وقطع رجل، وكذا يد بتوبته عن قطع الطريق قبل القدرة عليه لقوله تعالى: * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) * بخلاف ما لا تخصه، كالقود وضمان المال، فلا يسقط عنه بها أما توبته بعد القدرة عليه فلا يسقط بها شئ من ذلك وإن صلح عمله لمفهوم الآية، والفرق أن التوبة قبل القدرة لا تهمة فيها وبعدها فيها تهمة دفع الحد، ولا تسقط سائر الحدود المختصة بالله تعالى كحد زنا وسرقة وشرب خمر بالتوبة لانه (ص) حد من ظهرت توبته، وقيل تسقط بها قياسا على حد قاطع الطريق.
نعم: تارك الصلاة يسقط حده بها مطلقا، وهذا الخلاف بحسب الظاهر، أما فيما بينه وبين الله فحيث صحت توبته سقط بها سائر الحدود قطعا، ومن حد لم يعاقب في الآخر على ذلك لحديث: أيما عبد أصاب شيئا مما نهى الله عنه، ثم أقيم عليه حده كفر الله عنه ذلك الذنب نعم: يعاقب على الاصرار عليه إن لم يتب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 34.(4/187)
فصل في التعزير أي في بيان موجبه وما يحصل به، والتعزير لغة التأديب وشرعا تأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة، كما يؤخذ من كلامه، والاصل فيه قبل الاجماع آية * (واللاتي تخافون نشوزهن) * الآية، فأباح الضرب عند المخالفة، فكان فيه تنبيه على التعزير، وقوله (ص) في سرقة التمر إذا كان دون نصاب غرم مثله وجلدات نكال رواه أبو داود والنسائي بمعناه، وروى البيهقي أن عليا رضي الله عنه سئل عمن قال للرجل يا فاسق يا خبيث ؟ فقال يعزر، وهو يفارق الحد من ثلاثة أوجه: أحدها اختلافه باختلاف الناس، والثاني جواز الشفاعة والعفو عنه بل يستحبان، والثالث التالف به مضمون، خلافا لابي حنيفة ومالك رضي الله عنهما، (قوله: ويعزر أي الامام أو نائبه) أي أو السيد أو الاب أو الزوج، كما سيذكره، (قوله: لمعصية) متعلق بيعزر، واللام تعليلية: أي يعزر لاجل صدور معصية، (وقوله لا حد لها) أي المعصية،
وهو قيد خرج به المعصية التي فيها الحد كالزنا فلا تعزير فيه، (وقوله: ولا كفارة) خرج المعصية التي توجب الكفارة كالتمتع بالطيب في الاحرام فلا تعزير أيضا فيه (قوله: سواء كانت) أي المعصية وهو تعميم فيها، (وقوله: حقا لله تعالى) أي كشهادة الزور وموافقة الكفار في أعيادهم ونحوها ومسك الحيات ودخول النار وغير ذلك.
(وقوله: أم لآدمي) أي أم حقا لآدمي، وقوله كمباشرة الخ تمثيل له (قوله: غالبا) راجع لقوله ويعزر ولقوله لمعصية ولقوله لا حد لها ولا كفارة بدليل كلام الشارح الآتي، فبين محترز التقييد بالغلبة في الثاني بقوله: وقد يشرع التعزير بلا معصية الخ، وفي الاول بقوله: وقد ينتفي مع انتفاء الحد الخ، وفي الثالث بقوله وقد يجامع التعزير الكفارة الخ (قوله: كمن يكتسب باللهو) أي كالطبل والنفير.
فللامام أن يعزره وإن لم يكن مثله معصية، ومثله الصبي والمجنون إذا فعلا ما يعزر عليه البالغ العاقل فيعزران وإن لم يكن فعلهما معصية.
(وقوله: الذي لا معصية فيه) يعلم بالاولى التعزير على اكتساب اللهو الذي فيه معصية ولا حد فيها ولا كفارة كاللعب بالاوتار.
قال البجيرمي: ومن ذلك ما جرت به العادة في مصر من اتخاذ من يذكر حكاية مضحكة وأكثرها أكاذيب فيعزر على ذلك الفعل ولا يستحق ما يأخذ عليه، ويجب رده إلى دافعه وإن وقعت صورة الاستئجار، لانه على ذلك الوجه فاسد.
اه.
(قوله: وقد ينتفي) أي التعزير في ارتكار معصية.
(قوله: كصغيرة الخ) أي وكما في قطع شخص أطراف نفسه (قوله: لحديث الخ) دليل لانتفاء التعزير مع انتفاء الحد والكفارة (قوله: أقيلوا ذوي الخ) أي تجاوزوا عنها ولا تؤاخذوهم عليها.
(وقوله: عثراتهم) جمع عثرة، وهي الصغيرة التي لا معصية فيها - كما هو أحد وجهين - وقيل أول زلة ولو كبيرة صدرت من مطيع (قوله: إلا الحدود) أي فلا تقيلوهم فيها (قوله: وفي رواية
__________
(1) سورة النساء، الاية: 34.(4/188)
زلاتهم) أي بدل عثراتهم (قوله: وفسرهم) أي ذوي الهيئات (قوله: بمن ذكر) أي بمن لا يعرف بالشر.
وعبارة المغني: اقتضى كلام المصنف ثلاثة أمور: الاول تعزير ذي المعصية التي لا حد فيها ولا كفارة، ويستثنى منه مسائل: الاولى إذا صدر من ولي لله تعالى صغيرة فإنه لا يعزر - كما قاله ابن عبد السلام - قال: وقد جهل أكثر الناس فزعموا أن الولاية تسقط بالصغيرة، ويشهد لذلك حديث أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود رواه أبو داود، قال الامام الشافعي رحمه الله تعالى: والمراد بذوي الهيئات الذين لا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة.
ولم يعلقه بالاولياء لان ذلك لا يطلع عليه.
فإن قيل: قد عزر عمر رضي الله عنه غير واحد من مشاهير الصحابة رضي الله عنهم وهم رؤوس الاولياء وسادات
الامة ولم ينكره أحد ؟.
أجيب: بأن ذلك تكرر منه، والكلام هنا في أول زلة زلها مطيع الخ.
اه.
(قوله: وقيل هم) أي ذوو الهيئات.
(وقوله: أصحاب الصغائر) أي مع عدم الاصرار عليها - كما هو ظاهر - (قوله: وقيل من يندم الخ) أي وقيل هم من يندم على الذنب ويتوب منه، وظاهره أنه لا فرق في الذنب بين أن يكون كبيرة أو صغيرة، وإلا لساوى هذا القيل ما قبله.
(قوله: وكقتل من رآه يزني بأهله) معطوف على قوله كصغيرة: أي فمن رأى شخصا يزني بأهله: أي وهو محصن فقتله انتفى عنه الحد والكفارة والتعزير لعذره.
ومقتضى السياق أن قتله المذكور معصية، لان الكلام في إرتكاب معصية إنتفى فيها التعزير مع انتفاء الحد والكفارة، وهو كذلك.
ولا ينافيه قوله بعد: ويحل قتله باطنا لان ذلك مفروض فيمن ثبت زناه بأربعة.
(وقوله: المذكور بعد) مفروض فيمن لم يثبت زناه - كما ستقف عليه - ويفرق بين من ثبت زناه فلا يجوز قتله بإمكان رفعه للحاكم، وبين من لم يثبت زناه، فلا يجوز قتله بعذره حيث رآه، يزني بأهله، وعجز عن إثباته.
(وقوله: لاجل الحمية) أي ويعذر في ذلك لاجل الحمية: أي إرادة المنع عما يطلب منه حمايته.
وفي المختار: الحمية العار والانفة.
اه.
(قوله: ويحل قتله باطنا) الضمير يعود على من رآه يزني بأهله، والعبارة فيها سقط يعلم من عبارة التحفة، ونصها بعد قوله: وكقتل من رأى الخ: هذا إن ثبت ذلك، وإلا حل له قتله باطنا، وأقيد به ظاهرا.
اه.
(وقوله: هذا إن ثبت الخ) أي ما ذكر من إنتفاء الحد والكفارة والتعزير إن ثبت زناه بأربعة، فإن لم يثبت، حل قتله باطنا، ولكن يؤخذ منه القود ظاهرا (قوله: وقد يجامع التعزير الكفارة) أي وقد يجامع الحد أيضا، كما لو قطعت يد السارق، وعلقت في عنقه زيادة في نكاله.
وقد تجتمع الثلاثة الحد والكفارة والتعزير: كما لو زنى بأمه في جوف الكعبة في رمضان وهو صائم معتكف محرم، فإنه يلزمه العتق لافساده صوم يوم من رمضان بالجماع، ويلزمه البدنة لافساده الاحرام بالجماع، ويلزمه الحد للزنا والتعزير لقطع الرحم وانتهاك البيت.
(قوله: كمجامع حليلته في نهار رمضان) أي فيجب فيه التعزير مع الكفارة والقضاء، ومثله المظاهر فإنه يجب عليه التعزير معها، واليمين الغموس: أي الفاجرة، سميت بذلك لانها تغمس صاحبها في النار، أو في الاثم، فيجب فيها ذلك أيضا (قوله: ويحصل التعزير) دخول على المتن (قوله: بضرب غير مبرح) أي غير شديد مؤلم.
قال في المغني: فإن علم أن التأديب لا يحصل إلا بالضرب المبرح فعن المحققين أنه ليس له فعل المبرح ولا غيره.
قال الرافعي: ويشبه أن يقال يضربه ضربا غير مبرح، إقامة لصورة الواجب.
قال في المهمات.
وهو
ظاهر.
اه (قوله: أو صفع) معطوف على ضرب: أي ويحصل التعزير بصفع (وقوله: وهو) أي الصفع.
وقوله بجمع الكف - بفتح الجيم - أي ضمها مع الاصابع، وليس بقيد، بل مثله بسطها (قوله: أو حبس) معطوف على ضرب: أي(4/189)
ويحصل التعزير بحبس (قوله: حتى عن الجمعة) أي حتى يحبسه عن حضور الجمعة (قوله: أو توبيخ بكلام) أي ويحصل التعزير بتوبيخ: أي تهديد بكلام، لانه يفيد الرد والزجر عن الجريمة (قوله: أو تغريب) أي ويحصل التعزير بتغريب عن بلده إلى مسافة القصر: إذ هو إلى ما دونها ليس بتعزير كما مر في الزنا (قوله: أو إقامة من مجلس) أي ويحصل التعزير بإقامته من المجلس (قوله: ونحوها) أي ويحصل التعزير بنحو المذكورات، ككشف رأس، وتسويد وجه، وحلق رأس لمن يكرهه، وإركابه حمارا منكوسا، والدوران به كذلك بين الناس (قوله: مما يراها) بيان لنحوها: أي من كل عقوبة يراها الخ (وقوله: المعزر) أي الامام أو نائبه.
وقوله جنسا وقدرا: منصوبان على التمييز أي من جهة جنسها وقدرها بحسب ما يراد تأديبا.
والحاصل: أمر التعزير مفوض إليه لانتفاء تقديره شرعا، فيجتهد فيه جنسا، وقدرا، وانفرادا، واجتماعا، فله أن يجمع بين الامور المتقدمة، وله أن يقتصر على بعضها، بل له تركه رأسا بالنسبة لحق الله تعالى، لاعراضه (ص) عن جماعة إستحقوه، كالغال في الغنيمة: أي الخائن فيها، وكلاوي شدقه في حكمه (ص) للزبير رضي الله عنه.
ولا يجوز ترك التعزير إن كان لآدمي، وتجوز الشفاعة فيه، وفي غيره من كل ما ليس بحد، بل تستحب لقوله تعالى: * (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها) * ولخبر الصحيحين، عن أبي موسى أن النبي (ص) كان إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه وقال: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء.
(قوله: لا بحلق لحية) معطوف على بضرب: أي لا يحصل التعزير بحلق لحية، وصريحه عدم الاجزاء به.
قال سم على المنهج: وليس كذلك، بل يجزئ وإن كان لا يجوز، ونص عبارته: صريح هذا الكلام أن حلق اللحية لا يجزئ في التعذير لو فعله الامام، وليس كذلك فيما يظهر، والذي رأيته في كلام غيره، أن التعزير لا يجوز بحلق اللحية، وذلك لا يقتضي عدم الاجزاء، ولعله مراد الشارح.
اه.
(قوله: وظاهره) أي ظاهر منع التعزير بحلق اللحية حرمة حلقها لاجله (قوله: وهو) أي المنع من التعزير بالحلق المقتضي للتحريم، إنما يتأتى على القول بحرمة الحلق مطلقا.
(وقوله: أما على كراهته الخ) أي أما إن جرينا على القول بكراهة الحلق، فلا وجه لمنع التعزير به.
وقال في
النهاية لا يعزر بحلق لحية، وإن قلنا بكراهته وهو الاصح.
اه (وقوله: إذا رآه الامام) أي رأى التعزير بحلق اللحية زاجرا له عن الجريمة، قال في التحفة بعده: فإن قلت: فيه تمثيل وقد نهينا عن المثلة.
قلت: ممنوع لامكان ملازمته لبيته حتى تعود، فغايته أنه كحبس دون سنة.
اه.
(قوله: ويجب أن ينقص التعزير الخ) أي لخبر من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين رواه البيهقي.
(وقوله: عن أربعين ضربة) هذا إذا كان التعزير بالضرب، فإن كان بالحبس أو بالتغريب، فيجب أن ينقص عن سنة في الحر، وفي غيره يجب أن ينقص عن نصف سنة.
(قوله: وعزر أب) أي بضرب وغيره وهذا ما بعده كالاستثناء من قوله ويعزر أي الامام أو نائبه لمعصية الخ.
وصرح في المغني بالاستثناء المذكور وعبارته: وقضية كلامه أنه لا يستوفيه: أي التعزير إلا الامام، واستثنى منه مسائل: الاولى: للاب والام ضرب الصغير والمجنون زجرا لهما عن سئ الاخلاق،
__________
(1) سورة النساء، الاية: 85.(4/190)
وإصلاحا لهما.
قال شيخنا: ومثلهما السفيه.
وعبارة الدميري: وليس للاب تعزير البالغ وإن كان سفيها على الاصح، وتبعه ابن شهبة، الثانية: للمعلم أن يؤدب من يتعلم منه، لكن بإذن الولي، الثالثة: للزوج ضرب زوجته لنشوزها، ولما يتعلق به من حقوقه عليها، وليس له ذلك لحق الله تعالى لانه لا يتعلق به، الرابعة: للسيد ضرب رقيقه لحقه اه.
بحذف (قوله: وألحق به الخ) أي وألحق الرافعي الام بالاب في تعزيرها الصغير.
قال ع ش: ظاهره وإن لم تكن وصية، وكان الاب والجد موجودين، ولعل وجهه أن هذا لكونه ليس تصرفا في المال، بل لمصلحة تعود على المحجور عليه، سومح فيه ما لم يسامح في غيره.
اه.
(قوله: وإن علت) أي الام فلها أن تعزر (قوله: ومأذونه) معطوف على أب: أي وعزر مأذون الاب أيضا (قوله: كالمعلم) أي فإذا أذن له الاب بالتعزير فله ذلك ولو كان بالغا، وإذا لم يأذن له فيه، فليس له ذلك - كما في التحفة والنهاية - وقال في شرح الروض: قال الاذرعي وسكت الخوارزمي وغيره عن هذا التقييد، والاجماع الفعلي مطرد من غير إذن.
اه.
وشمل المعلم: الشيخ مع الطلبة، فله تأديب من حصل منه ما يقتضي تأديبه فيما يتعلق بالتعلم.
قال البجيرمي: وليس منه ما جر ت به العادة من أن المتعلم إذا توجه عليه حق لغيره يأتي صاحب الحق للشيخ، ويطلب منه أن يخلصه من المتعلم منه، فإذا طلبه الشيخ منه ولم يوفه فليس له ضربه ولا تأديبه على الامتناع من
توفية الحق، فلو عزره الشيخ بالضرب وغيره حرم عليه ذلك لانه لا ولاية له عليهم.
اه.
(قوله: صغيرا) مفعول عزر.
(وقوله: وسفيها) أي أو مجنونا (قوله: بارتكابهما) الباء سببية متعلقة بعزر: أي عزر الاب أو مأذونه، صغيرا أو سفيها بسبب ارتكابهما ما لا يليق.
(وقوله: زجرا لهما الخ) أي منعا لهما عن الاتصاف بذميم الاخلاق: أي وإصلاحا لهما، وهو علة التعزير (قوله: وللمعلم الخ) مكرر مع قوله كالمعلم وأيضا هذا يقتضي عدم إشتراط الاذن، وما تقدم يقتضي الاشتراط (قوله: وعزر زوج زوجته لحقه) أي بالنسبة لحق نفسه (وقوله: كنشوزها) تمثيل له: أي فإذا نشزت - أي أو تركت حقا من الحقوق المتعلقة به - فله تعزيرها على ذلك (قوله: لا لحق الله تعالى) أي لا يعزرها بالنسبة لحق الله تعالى، ومحله - كما في التحفة والنهاية - ما لم يبطل أو ينقص شيئا من حقه، وإلا كأن شربت خمرا، فحصل نفور منها، له سبب ذلك، أو نقص تمتعه بها بسبب رائحة الخمر، فله تعزيرها على ذلك (قوله: وقضيته) أي قضية منع تعزيرها لحق الله تعالى.
وقوله أنه لا يضربها على ترك الصلاة: أي لانها حق الله تعالى (قوله: وأفتى بعضهم) هو ابن البزري (وقوله: بوجوبه) أي ضربها على ترك الصلاة قال في التحفة: وبحث ابن البزري - بكسر الموحدة - أنه يلزمه أمر زوجته بالصلاة في أوقاتها وضربها عليها، وهو متجه حتى في وجوب ضرب المكلفة، لكن لا مطلقا، بل إن توقف الفعل عليه، ولم يخش أن يترتب عليه مشوش للعشرة يعسر تداركه.
اه.
وتقدم الكلام على هذه المسألة في أول الكتاب (قوله: كما قال شيخنا) أي في فتح الجواد وعبارته: وأفتى بعضهم بوجوبه، والاوجه جوازه - كما بينته مع ما يتعلق به في الاصل - اه.
(قوله: وللسيد تعزير رقيقه لحقه وحق الله تعالى) أي لان سلطنته أقوى من غيره ولما مر في الزنا (قوله: وإنما يعزر من مر) الفعل مبني للمعلوم، وفاعله ما بعده، وهو واقع على الاب ومأذونه والزوج والسيد، ويحمل بناؤه للمجهول وما بعده نائب فاعل، ويكون واقعا على المحجور والزوجة والرقيق.
(وقوله: بضرب) أي إن كان التعزير به (وقوله: غير مبرح) أي شديد مؤلم كما مر (قوله: فإن لم يفد تعزيره) أي من ذكر.
(وقوله: إلا بمبرح) أي بضرب مبرح (قوله: ترك) أي التعزير رأسا، وهذا بخلاف التعزير الصادر من الامام فإنه يعزر بضرب غير مبرح، وإن لم يفد كما مر عن المغني نقلا عن الرافعي.
وفي فتح الجواد: ويعزر من مر، وإن لم يفد إلا نحو الزوجة إذا لم يفد تعزيره إلا بمبرح فيترك لانه مهلك، أي(4/191)
قد يؤدي إلى الهلاك، ومنه يؤخذ حد المبرح بأنه ما خشي منه هلاك ولو نادرا.
اه.
(وقوله: وغيره لا يفيد) أي ولان غير المبرح لا يفيد شيئا فلا حاجة إليه.
(قوله: وسئل شيخنا الخ) تأييد لقوله وإنما يعزر من مر بضرب غير مبرح الخ (قوله: عن عبد مملوك) متعلق بسئل (قوله: عصى) أي العبد (قوله: وخالف أمره الخ) هذا هو معنى العصيان.
فلو قال بأن خالف أمره ولم يخدمه الخ لكان أولى (قوله: هل لسيده الخ) هذه صورة السؤال (قوله: أن يضربه) أي عبده المذكور (قوله: أم ليس له ذلك) أي أم ليس له أن يضربه ضربا غير مبرح (قوله: وإذا ضربه) أي العبد العاصي (قوله: ورفع به) أي رفع العبد أو غيره بسبب ضربه المبرح: أي شكا سيده، فالفعل مبني للمجهول، والجار والمجرور نائب فاعله (قوله: فهل للحاكم أن يمنعه) أي السيد (قوله: أم ليس له ذلك) أي أم ليس للحاكم أن يمنعه عن ذلك (قوله: وإذا منعه الحاكم) أي عن الضرب المبرح، وقوله مثلا: أي أو نائبه (قوله: ولم يمتنع) أي السيد عن الضرب المبرح (قوله: فهل للحاكم أن يبيع العبد ويسلم ثمنه الخ) لم يجب عن هذه المسألة بالصراحة، وإن كان يعلم بالمفهوم من قوله أنه يباع عليه: أي يبيعه قهرا عليه، والذي يبيع كذلك هو الحاكم.
ومن المعلوم أن المبيع ملك للسيد، وقيمته كذلك، فيسلمها الحاكم له (قوله: وبماذا يبيعه) أي وإذا أراد بيعه فبأي شئ يبيع العبد به، فما ركبت مع ذا وجعلتا كلمة واحدة، ويحتمل عدم التركيب، فتكون ما إستفهامية، وذا موصولة بدل من ما والعائد محذوف: أي وبما الذي يبيعه به والاظهر الاول (قوله: بمثل الثمن) بدل من الجار والمجرور قبله، والقياس ذكر أداة الاستفهام قبله لتضمن المبدل منه معنى همزة الاستفهام عملا بقول ابن مالك: وبدل المضمن الهمز يلي همزا، كمن ذا ؟ أسعيد أم علي ؟ (قوله: أو بما قاله المقومون) أي أو يبيعه بما يقوله المقومون: أي للسلع (قوله: أو بما انتهت الخ) أي أو يبيعه بما انتهت: أو وصلت إليه الرغبات في وقت البيع (قوله: فأجاب) أي العلامة عبد الرحمن بن زياد رحمه الله (قوله: إذا امتنع الخ) إذا شرطية جوابها جملة فللسيد الخ.
(وقوله: الخدمة الواجبة عليه) أي على العبد.
(وقوله: أن يضربه على الامتناع) أي من الخدمة المذكورة.
(وقوله: ضربا غير مبرح) مفعول مطلق مبين للنوع.
(وقوله: إن أفاد الضرب المذكور) هو غير المبرح (قوله: وليس له أن يضربه ضربا مبرحا) مقابل قوله فللسيد أن يضربه ضربا غير مبرح (قوله: ويمنعه) أي السيد (قوله: من ذلك) أي من الضرب المبرح (قوله: فإن لم يمتنع) أي السيد.
(قوله: من الضرب المذكور) هو المبرح، وفيه إظهار في مقام الاضمار (قوله: فهو) أي السيد: أي حكمه (قوله: كما لو كلفه من العمل ما لا يطيق) أي كحكم السيد الذي كلف رقيقه من العمل ما لا يطيق، وسيذكره قريبا.
(وقوله: بل أولى) أي بل هذا الذي لم يمتنع من الضرب المذكور، أولى من الذي كلف رقيقه ما ذكر بالحكم الذي سيذكر (قوله: إذا الضرب الخ) علة
للاولية (قوله: بجامع التحريم) أي في كل من الضرب المبرح، ومن التكليف بما لا يطاق، وهذا بيان لوجه الشبه في(4/192)
قوله فهو كما لو كلفه الخ، ولو قدمه على الاضراب وعلته لكان أولى (قوله: أنه يباع عليه) بدل من أنه الاولى وجواب إذا محذوف يدل عليه هذا البدل.
ولو قال وأفتى بأنه يباع عليه مملوكه إذا كلفه الخ لكان أولى (قوله: وهو ما انتهت إليه الخ) أي ثمن المثل ما انتهت إليه، أي وصلت إليه ووقفت عنده رغبة الراغبين في دفعه لشراء ذلك العبد.
(وقوله: الرغبات) بفتح الغين، جمع رغبة بسكونها، (وقوله: في ذلك الزمان) أي زمان البيع (وقوله: والمكان) أي مكانه، وهو بلد السيد التي العبد فيها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/193)
فصل في الصيال أي في بيان حكمه: أي وفي بيان حكم الختان وإتلاف البهائم.
فهذا الفصل معقود لذلك كله - كما ستقف عليه - وإنما ذكر عقب التعزير لانه يناسبه في مطلق التعدي.
إذ التعزير سببه التعدي على حق الله أو حق عباده.
والاصل في الصيال قبل الاجماع قوله تعالى * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) * وتسمية الثاني إعتداء مشاكلة، وإلا فهو جزاء للاعتداء الاول.
وخبر البخاري أنصر أخاك ظالما أو مظلوما والصائل ظالم ونصره منعه من ظلمه وفي مسند الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من أذل عنده مسلم فلم ينصره وهو قادر أن ينصره أذله الله تعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة (قوله: وهو) أي الصيام لغة ما ذكر.
وأما شرعا: فهو الوثوب على معصوم بغير حق.
(وقوله: الاستطالة) أي فهو مأخوذ من صال إذا استطال وعطف الوثوب عليها تفسير: أي الهجوم والعدو والقهر (قوله: يجوز للشخص الخ) أي عند غلبة ظن صياله، فلا يشترط لجواز الدفع تلبس الصائل بصياله حقيقة.
(وقوله: دفع كل صائل) أي ولو آدمية حاملا، فإذا صالت على إنسان، ولم تندفع إلا بقتلها مع حملها، جاز على المعتمد ولا ضمان، وفرق بينها وبين الجانية حيث يؤخر قتلها بأن المعصية هناك قد انقضت، وهنا موجودة مشاهدة حال دفعها، وهي الصيال، وكذا يقال في دفع الهرة الحامل إذا صالت على طعام أو نحوه.
اه.
ش ق (قوله: مسلم الخ) تعميم في الصائل، وسيأتي التعميم في المصول عليه.
(قوله: مكلف وغيره) تعميم ثان في الصائل أيضا وغير المكلف كصبي ومجنون وبهيمة (قوله: على معصوم) متعلق بصائل.
وخرج غيره، كالحربي والمرتد وتارك الصلاة، بعد أمر الامام، فلا يجوز
للشخص دفع الصائل عنهم، وله دفع مسلم عن ذمي، ووالد عن ولده، وسيد عن عبده، لانهم معصومون (قوله: من نفس الخ) بيان للمعصوم: أي المصول عليه، وهو كالتعميم: أي لا فرق في المصول عليه بين أن يكون نفسا، أو طرفا، أو منفعة، أو بضعا، أو غير ذلك.
قال في النهاية: فإن وقع صيال على الجميع في زمن واحد ولم يمكن إلا دفع واحد فواحدة قدم النفس ومن يسري إليها كالجرح فالبضع، فالمال الخطير فالحقير، أو وقع الصيال على صبي يلاط به، أو امرأة يزني بها، قدم الدفع عنها كما هو أوجه احتمالين، واقتضاه كلامهم، لان حد الزنا مجمع عليه ولما يخشى من اختلاف الانساب المنظور له شرعا.
اه.
وقال ابن حجر: في الصورة الاخيرة يقدم الدفع عن الصبي الملوط به، لان اللواط لا طريق إلى حله.
وقال الخطيب: يتخير بينهما التعارض المعنيين (قوله: أو طرف) - بفتحتين - العضو كما مر (قوله: أو منفعة) إن كان المراد منفعة الطرف، فلا حاجة إلى ذكرها، لانه يلزم من إبطاله إبطالها - كما قاله سم - وإن كان المراد منفعة دار، أو دابة مثلا بأن يسكن الاولى، ويركب الثانية، فظاهر ولا يغني عنه ما قبله ولا يقال إن منفعة ما ذكر داخلة في مال لانا نقول هي لا تسمى مالا في العرف، وإن قوبلت بمال (قوله: أو بضع) بوزن قفل: أي قبلا كان أو دبرا،
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 194.(4/194)
من آدمي أو بهيمة ولو بضع حربية، والدفع عن بعضها لا لاحترامها، بل من باب إزالة المنكر، وإن كان الواطئ لها حربيا، لان الزنا لم يبح في ملة من الملل.
(قوله: مقدماته) أي البضع: أي مقدمات الحال فيه، وهو الوطئ (قوله: أو مال) معطوف على نفس.
(وقوله: وإن لم يتمول) أي يقابل بمال.
وقال في شرح المنهج: أو مال وإن قل، واختصاص كجلد ميتة.
اه.
واستشكل ذلك بما مر في السرقة من إشتراط نصاب لقطع اليد.
وأجيب بأن ما ينزجر به السارق - وهو قطع اليد - أمر محقق، لا يجوز العدول عنه لنص القرآن، فاشترط له أن يكون المال المسروق محققا، وهو ربع دينار فأكثر، وما ينزجر به الصائل، كقتل غير محقق، لعدم النص عليه، فيجوز العدول عنه إلى ما دونه، فلم يشترط تقدير المال المصول عليه.
(وقوله: على ما اقتضاه إطلاقهم) راجع للغاية: أي إن عدم إشتراط التمول في المال، جار على ما اقتضاه إطلاق الفقهاء المال الذي يجوز الدفع عنه: أي أنهم لم يقيدوه بقليل ولا كثير.
قال في التحفة بعده: ويؤيده أن الاختصاص هنا
كالمال مع قولهم: قليل المال خير من كثير الاختصاص، ويحتمل تقييد نحو الضرب بالمتمول.
اه.
(وقوله: تقييد نحو الضرب) أي تقييد الدفع بنحو الضرب، كالقطع والقتل.
(وقوله: بالمتمول) أي بأخذ الصائل متمولا (قوله: كحبة بر) مثال لغير المتمول (قوله: أو إختصاص) معطوف على نفس، ويصح عطفه على مال، وهكذا كل معطوف بأو يجوز عطفه على الاول وعلى ما قبله.
(وقوله: كجلد ميتة) تمثيل للاختصاص.
(قوله: سواء كانت) أي المذكورات من النفس وما بعدها (قوله: وذلك) أي ما ذكر من جواز دفع الصائل، ثابت للحديث الصحيح (وقوله: أن الخ) بدل من الحديث، أو عطف بيان له.
(وقوله: قتل) بالبناء للمجهول.
(وقوله: دون دمه) أي لاجل الدفع عن دمه الخ.
قال القرطبي: دون في الاصل ظرف مكان بمعنى أسفل وتحت، وهو نقيض فوق، وقد استعملت في هذا الحديث بمعنى لاجل (قوله: ويلزم منه) أي من كونه شهيدا إذا قتل، وهذا بيان لوجه دلالة الحديث على جواز دفع الصائل.
وحاصله أنه لما جعل المقتول لاجل الدفع شهيدا دل التزما على أن له القتل والقتال، كما أن من قتله أهل الحرب لما كان شهيدا، كان له القتل والقتال.
(وقوله: أي وما يسري إليهما) أي أو ما يؤدي إلى القتل والقتال.
(وقوله: كالجرح) مثال له.
(قوله: بل يجب) إضراب انتقالي.
(قوله: إن لم يخف الخ) قيد في وجوب الدفع بالنسبة لنفس الغير وبضعه: أي فإن خاف لا يجب عليه لحرمة الروح.
(وقوله: الدفع) فاعل يجب.
(قوله: عن بضع) متعلق بالدفع، ولا فرق فيه بين أن يكون الصائل كافرا أو غيره.
(قوله: ومقدماته) أي البضع كالقبلة والمفاخذة والمعانقة.
(قوله: ولو من غير أقاربه) أي يجب الدفع، ولو كان البضع لغير أقاربه: أي ولو كان لبهيمة.
(قوله: ونفس) أي له أو لغيره أو هو معطوف على بضع.
(وقوله: ولو مملوكة) أي ولو كانت النفس المصول عليها مملوكة، فإنه يجب الدفع عنها.
(قوله: قصدها) أي النفس.
(قوله: أو مسلم غير محقون الدم) أي غير معصوم الدم بأن كان مهدرا.
(قوله: كزان محصن الخ) تمثيل لغير محقون الدم.
(قوله: وقاطع طريق تحتم قتله) أي بأن أخذ المال وقتل.
(قوله: فيحرم الاستسلام لهم) أي للكافر والبهيمة وغير محقون الدم، وذلك لان الاستسلام للكافر فيه ذل ديني، والبهيمة تذبح لاستبقاء الآدمي، فلا وجه للاستسلام لها.
وغير المعصوم كذلك.
(قوله: فإن قصدها) أي النفس له أو لغيره.
(قوله: لم يجب الدفع) أي دفع المسلم الصائل عن النفس.
(قوله: بل يجوز(4/195)
الاستسلام) ومحله إذا لم يكن المصول عليه ملكا توحد في ملكه، أو عالما توحد في زمانه وكان في بقائه مصلحة عامة، وإلا فيجب الدفع عنه، ولا يجوز الاستسلام.
(قوله: بل يسن) أي الاستسلام (وقوله: للامر به) أي في خبر كن خير
ابني آدم - أي قابيل وهابيل - وخيرهما المقتول - وهو هابيل - لكونه استسلم للقاتل ولم يدفع عن نفسه ولذا استسلم سيدنا عثمان رضي الله عنه وقال لعبيده - وكانوا أربعمائة - من ألقى منكم سلاحه فهو حر.
(قوله: ولا يجب الدفع عن مال) حله ما لم يتعلق به حق، كرهن وإجارة، وإلا وجب الدفع عنه.
(وقوله: لا روح فيه) خرج ما فيه روح كبهيمة، فإنه يجب الدفع عنها لكن بشرط أن يقصد الصائل إتلافها، وأن لا يخاف الدافع على نفسه.
(وقوله: لنفسه) متعلق بمحذوف صفة لمال، ومفهومه أنه إذا كان لغيره يجب الدفع عنه مطلقا، وليس كذلك بل لا يجب إلا إذا كان مال محجوره أو وديعة تحت يده، أو وقفا.
نعم: جرى الغزالي على وجوب الدفع عن مال الغير مطلقا إن أمكنه من غير مشقة بدن، أو خسران مال، أو نقص جاه، فيمكن أن يكون الشارح تبعه في ذلك.
تأمل.
(قوله: وليدفع) أي الشخص المصول عليه، وهو شروع في بيان كيفية الدفع.
(وقوله: الصائل) مفعوله.
(وقوله: المعصوم) سيأتي محترزه.
(قوله: بالاخف فالاخف) أي من الانواع التي يتأتى الدفع بها.
(قوله: إن أمكن) أي الدفع بالاخف وسيأتي محترزه.
(قوله: كهرب فزجر الخ) بيان للاخف على الترتيب: أي فيبدأ بالهر ب لانه أخف من غيره، فإذا لم يندفع به فبالزجر بالكلام: أي نهيه به فإذا لم يندفع به فبالاستغاثة، أو التحصن من الصائل بحصن يستتر فيه، فإذا لم يندفع به بالضرب، فإذا لم يندفع به فبقطع عضو من أعضائه، فإذا لم يندفع به بالقتل ولا قود عليه ولا دية ولا كفارة.
ومحل وجوب الترتيب بين الزجر والاستغاثة إن ترتب على الاستغاثة ضرر أقوى من الضرر المترتب على الزجر، كأن يترتب عليه إمساك حاكم جائر، وإلا فلا ترتيب بينهما.
وظاهر المنهاج عدم الترتيب بينهما مطلقا.
(قوله: لان ذلك الخ) علة لوجوب الدفع بالاخف فالاخف: أي وإنما وجب الدفع بذلك لانه إنما جوز للضرورة.
(قوله: ولا ضرورة للاثقل) أي الاشد ضررا.
(قوله: مع إمكان الاخف) أي مع إمكان الدفع بالاخف.
(قوله: فمتى خالف) أي المصول عليه الترتيب المذكور.
(قوله: وعدل إلى رتبة) أي أشد.
(قوله: مع إمكان الاكتفاء) أي الدفع.
(وقوله: بدونها) أي الرتبة المعدول إليها.
(قوله: ضمن بالقود وغيره) أي كالدية والكفارة.
وقيمة البهيمة والرقيق.
(قوله: نعم الخ) استدراك من وجوب البدء بالاخف فالاخف المقتضي لوجوب الترتيب.
(وقوله: بينهما) أي بين الصائل والدافع.
(قوله: واشتد الامر عن الضبط) أي خرج الامر: أي أمر الدافع عن ضبطه بالترتيب السابق (قوله: مراعاة الترتيب) جواب لو، ولو اختلفا في ذلك صدق الدافع.
(قوله: أيضا) لا محل لها هنا، ويمكن أن يلتمس لها محل من الاستدراك المذكور: أي أن محل رعاية الترتيب في الفاحشة، كما أن محلها في غير حالة التحام القتال.
(قوله: فلو رآه الخ) مفرع على مفهوم في غير الفاحشة: أي أما فيها فتسقط رعاية
الترتيب، فلو رآه الخ.
وفاعل رأى يعود على الدافع، ومفعوله يعود على الصائل.
(قوله: فله) أي الدافع أن يبدأه في الدفع بالقتل، ويسقط الترتيب.
(قوله: وإن اندفع بدونه) غاية في جواز بدئه بالقتل: أي له ذلك وإن اندفع المولج في أجنبية بدون القتل.
قال سم: كلام الشيخين مصرح بخلاف هذا، وعبارة العباب كالروض، وأصله: فإن اندفع بغير القتل فقتله، فالقود إن لم يكن محصنا.
اه.
ولهذا قال شيخنا الشهاب الرملي: المعتمد خلاف ما قاله الماوردي والروياني وأنه يجب الترتيب حتى في الفاحشة.
اه.
(قوله: لانه) أي المولج في أجنبية.
(وقوله: في كل لحظة مواقع) أي مجامع لها.
(وقوله: لا يستدرك) السين والتاء زائدتان، والمراد لا يدرك: أي لا يحصل منعه من الوقاع بالاناة بوزن(4/196)
قناة: أي بالتأني والتراخي، يعني أن اللحظة التي يدفع فيها بالاخف فالاخف هو مواقع فيها، والقصد منعه منه رأسا، ولا يكون ذلك إلا بالقتل، وفيه أن العلة المذكورة لا تظهر إلا بالنسبة لما إذا لم يندفع عن الوقاع إلا بالقتل، أما بالنسبة لما إذا كان يندفع بغيره فلا تظهر، لانه لا يصدق عليه أنه في كل لحظة مواقع لا يحصل منعه منه بالاناة، لانه قد انكف بغيره عن الوقاع.
(قوله: قاله) أي ما ذكر من البدء بالقتل.
(قوله: وقال شيخنا) أي في فتح الجواد.
(وقوله: وهو) أي ما قاله الماوردي الخ من بدئه بالقتل.
(وقوله: في المحصن) أي بأن كان بالغا عاقلا واطئا في نكاح صحيح كما مر، وإنما كان ما ذكر ظاهرا فيه لاستحقاقه القتل بفعله هذه الفاحشة.
(قوله: أما غيره) أي غير المحصن.
(قوله: فالمتجه أنه لا يجوز قتله إلا إن أدى الخ) أي فإن لم يؤد الدفع بغير القتل إلى ما ذكر، لم يجز الدفع بالقتل، وهذا يفيد أنه قد ينكف عن الوقاع بغير القتل.
(قوله: وإذا لم يمكن الخ) محترز قوله وإن أمكن (وقوله: أما إذا كان الصائل الخ) محترز قوله المعصوم، فهو جار على اللف غير المرتب.
(قوله: فرع) مناسبة ذكره هنا من حيث وجوب الدفع، وإلا فليس فيه صيال إلا أن يقال أن مرتكب المنكر صائل مجازا على الشرع من حيث عدم امتثاله له.
(قوله: يجب الدفع عن منكر) أي ولو أدى إلى القتل، ولا ضمان عليه بل يثاب على ذلك.
وعبارة التحفة: قال الامام ولا يختص الخلاف بالصائل، بل من أقدم على محرم، فهل للآحاد منعه حتى بالقتل ؟ قال الاصوليون لا، وقال الفقهاء نعم.
قال الرافعي وهو المنقول، حتى قالوا لمن علم شرب خمر، أو ضرب طنبور في بيت شخص، أن يهجم عليه ويزيل ذلك، فإن أبوا قاتلهم، فإن قتلهم فلا ضمان عليه، ويثاب على ذلك.
وظاهر أن محل ذلك: ما لم يخش فتنة من وال جائر، لان التغرير بالنفس والتعرض لعقوبة ولاة الجور ممنوع.
اه.
ومثله في النهاية والروض وشرحه.
(قوله: ولو للقاتل) أي ولو كان الحيوان ملكا للقاتل، فله منعه من قتله لحرمة الروح.
وخرج بالقتل التذكية، فليس له منعه منها إن كان مما يذكى وكان ملكا للمذكي - كما هو ظاهر - (قوله: ووجب ختان الخ) مناسبة ذكره هنا من حيث أن من تعدى بختان الصبي أو المجنون من غير إذن الولي، وهلك المختون ضمنه، كما أن من تعدى في دفع الصائل بعدم الترتيب في المراتب السابقة يضمن أيضا.
(وقوله: للمرأة والرجل) خرج الخنثى فلا يجب ختنه بل لا يجوز على ما في الروضة والمجموع لان الجرح مع الاشكال ممنوع.
(قوله: حيث لم يولدا مختونين) أي فإن ولدا كذلك فلا يجب الختان.
فائدة: روي أن نبينا (ص) ولد مختونا - كثلاثة عشر نبيا - وقد نظمهم المسعودي في قوله: وإن ترد المولود من غير قلفة بحسن ختان نعمة وتفضلا من الانبياء الطاهرين فهاكم ثلاثة عشر باتفاق أولي العلا فآدم شيث ثم نوح بنيه شعيب للوط في الحقيقة قد تلا وموسى وهود ثم صالح بعده ويوسف زكرياء فافهم لتفضلا وحنظلة يحيى سليمان مكملا لعدتهم في الخلف جاء لمن تلا
__________
(1) سورة النحل، الاية: 123.(4/197)
ختاما لجمع الانبياء محمد عليهم سلام الله مسكا ومندلا والمندل: اسم لعود البخور، وغلب غير آدم عليه، وإلا فهو لم يولد.
انتهى.
ع ش.
(قوله: لقوله تعالى الخ) دليل لوجوب الختان.
(وقوله: أن اتبع ملة إبراهيم) يعني أن الذي لم يوح إليك فيه شئ، وكان في ملة إبراهيم فاتبعه، وحينئذ يكون إتباعه فيه بوحي من عند الله تعالى، لا أنه تابع له فيه بلا وحي.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ومنها) أي ومن ملة إبراهيم الختان: أي بوجوبه كما في المهذب، فدل على المدعي، واندفع ما يقال لم يعلم أن الختن عنده واجب أو مندوب، والامر بالاتباع يشملهما.
اه.
بجيرمي.
(قوله: اختتن) أي إبراهيم بالقدوم، اسم موضع، وقيل آلة للنجار.
(وقوله: وهو ابن ثمانين سنة) وقيل وهو ابن مائة وعشرين، والاول أصح.
وقد يحمل الاول على حسبانه من النبوة، والثاني من الولادة.
(قوله: وقيل واجب الخ) أي الختان واجب الخ.
(قوله: ونقل) أي
هذا القيل (قوله: ببلوغ وعقل) متعلقان بيجب.
(قوله: إذ لا تكليف قبلهما) أي قبل البلوغ والعقل، وهو علة لوجوب الختان بما ذكر.
(قوله: فيجب) أي الختن بعدهما: أي البلوغ والعقل فورا.
قال في التحفة: إلا إن خيف عليه منه فيؤخر، حتى يغلب على الظن سلامته منه، ويأمره به حينئذ الامام، فإن امتنع أجبره ولا يضمنه إن مات إلا أن يفعله به في شدة حر أو برد فيلزمه نصف ضمانه.
ولو بلغ مجنونا لم يجب ختانه.
اه.
(قوله: وبحث الزركشي الخ) عبارة فتح الجواد: وبحث الزركشي وجوبه على ولي مميز توقفت صحة صلاته عليه لضيق القلفة، وعدم إمكان غسل ما تحتها من النجاسة فيه نظر، لانه لم يخاطب بوجوب الغسل حتى يلزم وليه ذلك.
اه.
(قوله: فالواجب الخ) شروع في بيان كيفية الختن.
(قوله: في ختان) الاولى في ختن، لانه المصدر وهو الفعل، وأما الختان فهو موضع القطع.
(قوله: قطع ما يغطي حشفته) أي وهو القلفة - بضم القاف - قال ع ش: وينبغي أنها إذا نبتت بعد ذلك لا تجب إزالتها لحصول الفرض بما فعل أولا.
اه.
(قوله: حتى تنكشف) أي الحشفة كلها.
(قوله: والمرأة الخ) أي والواجب في ختان المرأة قطع جزء يقع عليه اسم الختان وتقليله أفضل لخبر أبي داود وغيره أنه (ص) قال للخاتنة: أشمي ولا تنهكي فإنه أحظى للمرأة وأحب للبعل أي لزيادته في لذة الجماع، وفي رواية: أسرى للوجه أي أكثر لمائه ودمه.
(قوله: من اللحمة) متعلق بقطع.
(قوله: فوق ثقبة البول) حال من اللحمة: أي حال كونها فوق ثقبة البول وهو توكيد لما قبله.
(قوله: تشبه) أي اللحمة الكائنة فوق ما ذكر.
(قوله: عرف الديك) - بضم العين - اللحمة الحمراء التي في رأسه (قوله: وتسمى) أي اللحمة المذكورة (قوله: ونقل الاردبيلي) هو بهزة مفتوحة، وراء ساكنة، ثم دال مفتوحة، وباء مكسورة، صاحب الانوار.
(قوله: ولو الخ) جملة الشرط، والجواب مفعول نقل.
أي نقل هذا اللفظ.
(قوله: كان) أي الذي يراد ختنه.
(وقوله: ضعيف الخلقة) خبر كان.
(قوله: بحيث الخ) تصوير لضعيف الخلقة، أي أنه مصور بحالة هي أنه لو ختن لخيف عليه الهلاك.
(قوله: لم يختن) جواب لو الاولى، فلو خولف وختن، ضمنه من ختنه بالقود أو بالمال بشرطهما من المكافأة في القود والعصمة في المال كما مر.
ومن ختن مطيقا فمات، لم يضمنه إن كان وليا أو مأذونه، فإن كان أجنبيا ضمنه لتعديه بالمهلك كذا في شرح المنهج.
(قوله: إلا أن يغلب على الظن سلامته) أي فإنه يختن (قوله: ويندب تعجيله سابع الخ) أي لانه (ص) ختن الحسن والحسين رضي الله عنهما يوم سابعهما ويكره قبل السابع، ولا يحسب من السبعة، يوم ولادته، لانه كلما أخر قوي عليه.
وبه فارق العقيقة، حيث حسب فيها يوم الولادة من السبعة، ولانها بر فندب الاسراع(4/198)
إليه.
(قوله: فإن أخر) أي الختن عنه: أي سابع يوم الولادة.
(قوله: ففي الاربعين) أي فيختن في الاربعين من الولادة.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يختن في الاربعين، فيختن في السنة السابعة.
قال ع ش: وبعدها ينبغي وجوبه على الولي إن توقفت صحة الصلاة عليه.
اه.
وهو مؤيد لبحث الزركشي السابق.
(قوله: لانها) أي السنة السابعة وقت أمر الصبي بالصلاة.
(قوله: لم يختن) أي بعد موته في الاصح.
(قوله: ويسن إظهار الخ) قال في التحفة بعده: كذا نقله جمع منا عن ابن الحاج المالكي، وسكتوا عليه، وفيه نظر، لان مثل هذا إنما يثبت بدليل ورد عنه (ص)، فإن أريد أن ذلك أمر استحساني لم يناسبه الجزم بسنيته، وظاهر كلامهم في الولائم، أن الاظهار سنة فيهما، إلا أن يقال لا يلزم من ندب وليمة الختان إظهاره في المرأة.
اه.
(قوله: وأما مؤنة الختان) أي من أجرة الخاتن وشراء أدوية وغير ذلك.
(قوله: ففي مال المختون) أي لانه لمصلحته.
(قوله: ثم على الخ) أي ثم إن لم يكن عنده مال، فهي واجبة على من تلزمه مؤنته.
(قوله: ويجب أيضا) أي كما يجب الختان.
(قوله: قطع سرة المولود) الاولى سر - بحذف التاء - لان السرة لا تقطع.
إذ هي الموضع الذي يقطع منه السر، والمخاطب بقطعها الولي إن حضر، وإلا فمن علم به عينا تارة، وكفاية أخرى، كإرضاعه لانه واجب فوري لا يقبل التأخير.
فإن فرط فلم يحكم القطع أو نحو الربط الآتي ضمن.
(وقوله: بعد ولادته) أي عقبها.
(قوله: بعد نحو ربطها) متعلق بقطع (قوله: لتوقف الخ) علة لوجوب القطع بعد نحو الربط.
(وقوله: عليه) أي على القطع المذكور (قوله: وحرم تثقيب أنف مطلقا) أي لصبي أو صبية.
وعبارة التحفة: ويظهر في خرق الانف بحلقة تعمل فيه من فضة أو ذهب أنه حرام مطلقا، لانه لا زينة في ذلك يغتفر لاجلها إلا عند فرقة قليلة، ولا عبرة بها مع العرف العام، بخلاف ما في الآذان فإنه زينة للنساء في كل محل.
اه.
قال ع ش: ومع حرمة ذلك فلا يحرم على من فعل به ذلك وضع الخزام للزينة، ولا النظر إليه.
اه.
(قوله: وأذن صبي) أي وحرم تثقيب أذن الصبي، والاولى لصبي: إذ لفظ أذن من المتن فهو منون.
(قوله: قطعا) صريح في أنه لا خلاف في حرمته، وليس كذلك، لان العلامة الرملي استوجه الجواز مطلقا في الصبي والصبية - كما يعلم من عبارته فلتراجع - (قوله: وصبية على الاوجه) أي وحرم تثقيب أذن صبية على الاوجه.
(قوله: لتعليق الخ) متعلق بتثقيب.
(وقوله: الحلق) جمع حلقة (قوله: كما صرح به الخ) أي كما صرح بتحريم تثقيب الاذن في الصبي والصبية الغزالي وغيره.
(قوله: لانه) أي التثقيب، وهو تعليل للحرمة.
(قوله: لم تدع إليه حاجة) أي لم تدع إلى ذلك الايلام حاجة.
(قوله: وجوزه) أي التثقيب في خصوص الاذن مطلقا للصبي والصبية، وليس راجعا لتثقيب الانف أيضا، كما قد يتبادر من كلامه.
(قوله: واستدل) أي الزركشي.
(قوله: بما في حديث أم زرع).
إعلم، أن هذا الحديث أفرده الائمة بالتصنيف، وله ألقاب كثيرة أشهرها ما ذكره.
وله أيضا طرق كثيرة بعضها موقوف، وبعضها مرفوع، والمرفوع - كما في رواية عبد الله بن مصعب - عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخل علي رسول الله (ص) فقال: يا عائشة: كنت لك كأبي زرع لام زرع.
فقلت: يا رسول الله: وما حديث أبي زرع وأم زرع ؟ قال: جلست إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا، فقالت الاولى: زوجي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل.
قالت الثانية: زوجي لا أثير خبره إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.
قالت الثالثة: زوجي العشنق إن أنطق أو أطلق، وإن أسكت أعلق.
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل(4/199)
عما عهد.
قالت السادسة: زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث.
قالت السابعة: زوجي عياياء أو غياياء طباقاء كل داء، له داء شجك، أو فلك أو جمع كلالك.
قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد.
قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع ؟ أناس من حلي أذني، وملا من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلى نفسي.
وجدني في أهل غنيمة بشق، فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح، أم أبي زرع.
فما أم أبي زرع ؟ عكومها رداح، وبيتها فساح.
ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع ؟ مضجعه كمسل شطبه ؟ وتشبعه ذراع الجفرة.
بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع ؟ طوع أبيها، وطوع أمها، ومل ء كسائها، وغيظ جارتها.
جارية أبي زرع.
فما جارية أبي زرع ؟ لا تبث حديثنا تبثيثا، ولا تنقث ميرتنا تنقيثا، ولا تملا بيتنا تعشيشا.
قالت: خرج أبو زرع والاوطاب تمخض، فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعما ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا، وقال: كلي أم زرع وميري أهلك، فلو جمعت كل شئ أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع: قالت عائشة رضي الله عنها: فقال لي رسول الله (ص): كنت لك كأبي زرع لام زرع وحيث سقنا الحديث بتمامه، فلنتمم الفائدة بشرح كلماته بالاختصار تبركا بذلك.
فقوله في الحديث قالت الاولى: زوجي لحم جمل غث،
أي كلحم الجمل شديد الهزال في الرداءة.
وقوله: على رأس جبل أي كائن ذلك اللحم على رأس جبل.
وقوله: لا سهل فيرتقي أي ليس ذلك الجبل سهلا فيصعد إليه.
وقوله: ولا سمين أي ذلك اللحم فينتقل إلى البيوت.
والكلام على اللف غير المرتب.
والمقصود من ذلك: المبالغة في تكبره، وسوء خلقه مع كونه مكروها رديئا.
وقوله: قالت الثانية زوجي لا أثير خبره: أي لا أظهره.
قوله: إني أخاف أن لا أذره أي لا أترك عدم ترك الخبر بأن أذكره والمقصود أنها تريد أن لا تذكر خبره، لانها تخاف الشقاق والفراق وضياع العيال، لانها إن تذكره تذكر عجره وبجره: أي سائر عيوبه الظاهرة والخفية.
وقوله: قالت الثالثة: زوجي العشنق - بعين مهملة وشين معجمة مفتوحتين ونون مفتوحة مشددة - وهو الطويل المستكره في طوله النحيف.
قوله: إن أنطق أطلق أي إن أنطق بعيوبه تفصيلا يطلقني لسوء خلقه، ولا أحب الطلاق لحاجتي إليه.
(وقوله: وإن أسكت أعلق) أي وإن أسكت عن عيوبه يصيرني معلقة، وهي المرأة التي لا هي مزوجة بزوج ينفع، ولا مطلقة تتوقع أن تتزوج.
وقوله: وقالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، أي في الاعتدال وعدم الاذى وسهولة أمره - كما بينته بقولها بعد لا حر ولا قر - أي لا ذو حرارة مفرطة، ولا ذو قر بفتح القاف، أي برودة.
وبقولها: لا مخالفة ولا سآمة) أي لا ذو مخافة ولا ذو سآمة.
(وقوله: وقالت الخامسة زوجي إن دخل فهد) أي فهو كالفهد بفتح الفاء والهاء، وفي الوثوب علي لارادة الجماع، أو في النوم والتمرد، فهو يحتمل المدح والذم.
وقوله: وإن خرج أسد: أي فهو كالاسد أي في فضل قوته وشجاعته، أو في غضبه وسفهه فيحتمل أيضا المدح والذم.
(وقوله: ولا يسأل عما عهد) أي علم في بيته من مطعم ومشرب وغيرهما، إما تكرما وإما تكاسلا، فهو محتمل أيضا للمدح والدم.
وقوله: وقالت السادسة: زوجي إن أكل لف - بتشديد الفاء - أي كثر وخلط صنوف الطعام، ومرادها أنه إن أكل لم يبق شئ للعيال، وأكل الطعام بالاستقلال.
(وقوله: وإن شرب اشتف) أي شرب الشفافة بضم الشين، وهي بقية الماء في قعر الاناء.
(وقوله: وإن اضطجع التف) أي وإن اضطجع التف في ثيابه وتغطى بلحاف منفردا في ناحية وحده، ولا يباشرها فلا نفع فيه.
(وقوله: ولا يولج الكف ليعلم البث) أي ولا يدخل يده تحت ثيابها عند مرضها ليعلم الحزن والمرض.
والمراد لا شفقة عنده عليها حتى في حال مرضها فكأنه أجنبي.
(وقوله: وقالت السابعة: زوجي عياياء) بفتح العين المهملة وتحتيتين بينهما ألف وهو من الابل الذي عيى من الضراب، ومرادها أنه عنين لا يقدر على الجماع.
(وقوله: أو غياياء) بفتح الغين المعجمة وتحتيتين كالذي قبله: أي ذو غي وهو الضلالة أو الخيبة.
(وقوله: طباقاء بفتح أوله ممدودا) أي أحمق تنطبق عليه الامور فلا يهتدي لها.
(وقوله: كل داء له دواء) أي كل داء يعرف في الناس فهو داء له.
والمراد أنه اجتمع فيه سائر العيوب(4/200)
والمصائب.
وقوله: شجك بتشديد الجيم وكسر الكاف أي جرحك إن ضربك.
وقوله: أو فلك - بتشديد اللام وكسر الكاف أيضا - بمعنى كسرك.
(وقوله: أو جمع كلا) أي من الجرح والكسر لك.
والمراد أنه ضروب لها، فإن ضربها شجها أو كسر عظمها، أو جمع الشج والكسر، لسوء عشرته مع الاهل.
(وقوله: وقالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب) أي كمس الارنب في اللين والنعومة.
(وقوله: والريح ريح زرنب) أي وريحه كريح الزرنب، وهو نوع من النبات طيب الرائحة.
(وقوله: قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد) أي شريف الذكر، ظاهر الصيت.
وقوله: طويل النجاد - بكسر النون - حمائل السيف، وطولها يستلزم طول القامة، وهو المراد.
وقوله: عظيم الرماد، أي عظيم الكرم والجود على سبيل الكناية.
(وقوله: قريب البيت من الناد) أي قريب المنزل من النادي الذي هو مجتمع القوم.
(وقوله: وقالت العاشرة: زوجي مالك) أي اسمه مالك.
وقوله: وما مالك ؟ استفهام تعظيم وتفخيم، فكأنها قالت: مالك شئ عظيم، لا يعرف لعظمته، فهو خير مما يثنى عليه به.
وقوله: مالك خير من ذلك: أي من كل زوج سبق ذكره.
وقوله: له إبل كثيرات المبارك: جمع مبرك، وهو محل بروك البعير.
وقوله: قليلات المسارح: جمع مسرح، وهو محل تسريح الماشية، والمراد أنه لاستعداده للضيفان يتركها باركة بفناء بيته كثيرا، ولا يوجههما للرعي إلا قليلا، حتى إذا نزل به ضيف كانت حاضرة عنده، ليسرع إليه بلبنها أو لحمها.
وقوله: إذا سمعت صوت المزهر - بكسر الميم - أي العود الذي يضرب به عند الغناء.
وقوله: أيقن أنهن هوالك أي منحورات للضيف.
وقوله: قالت الحادية عشرة زوجي أبو زرع، وما أبو زرع ؟ الاستفهام للتعظيم.
وقوله: أناس من حلي أذني: أي ملا أذني من الحلى، وهذا هو محل إستدلال الزركشي، ونظر في التحفة في الاستدلال به، بأن وجود الحلي فيهما لا يدل على حل ذلك التخريق السابق.
وقوله: وملا من شحم عضدي: المراد وجعلني سمينة بالتربية في التنعم، وخصت العضدين بالذكر، لانهما إذا سمنا يسمن سائر الجسد.
وقوله: وبجحني فبجحت إلى نفسي: أي فرحني وعظمني، ففرحت وعظمت إلى نفسي.
وقوله: وجدني في أهل غنيمة بالتصغير: أي في أهل غنم قليل.
وقوله: بشق - بفتح الشين - اسم موضع: وقوله: فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق: أي فحملني إلى أهل خيل ذات صهيل، وإبل ذات أطيط، وبقر تدوس الزرع، ومنق ينق الحب وينظفه، وقوله: فعنده أقول فلا أقبح: أي فأتكلم عنده بأي كلام فلا ينسبني إلى القبح، لكرامتي عليه ولحسن كلامي لديه.
وقوله: وأرقد فأتصبح: أي فأنام إلى أن يدخل الصباح، ولا يوقظني لخدمته.
وقوله: وأشرب فأتقمح: أي أروى وأدع
الماء لكثرته عنده، مع قلته عند غيره.
وقوله: أم أبي زرع: لما مدحت أبا زرع، انتقلت إلى مدح أمه.
وقوله، فما أم أبي زرع ؟ إستفهام تعظيم وتفخيم.
وقوله: عكومها رداح: بضم العين والكاف، وفتح الراء والدال، أي أعدالها عظيمة ثقيلة، وقوله: وبيتها فساح - بفتح الفاء - أي واسع.
وقوله: ابن أبي زرع: لما مدحت أبا زرع وأمه، انتقلت إلى مدح ابنه.
وقوله: مضجعه كمسل شطبة: أي محل اضطجاعه - وهو الجنب - كشطبة مسلولة من جريد النخل.
والمراد أنه في غاية اللطافة.
وقوله: وتشبعه ذراع الجفرة: فيه إشارة إلى قلة أكله.
وقوله: بنت أبي زرع.
لما مدحت أبا زرع وأمه وابنه، انتقلت إلى مدح بنته.
وقوله: طوع أبيها وطوع أمها: أي هي مطيعة لهما بارة بهما.
وقوله: وملئ كسائها أي مالئة لكسائها لضخامتها وسمنها، وهذا ممدوح في النساء.
وقوله: وغيظ جارتها: المراد منها ضرتها، وإنما أغاظتها لغيرتها منها بسبب مزيد جمالها وحسنها.
وقوله: جارية أبي زرع: لما مدحت من تقدم، انتقلت إلى مدح جاريته.
وقوله: لا تبث حديثنا تبثيثا أي لا تنشر كلمنا الذي نتكلم به فيما بيننا نشرا، لديانتها.
وقوله: ولا تنقث ميرتنا تنقيثا: أي لا تنقل طعامنا نقلا لامانتها وصيانتها.
وقوله: ولا تملا بيتنا تعشيشا: أي لا تجعل بيتنا مملوءا من القمامة والكناسة، حتى يصير كأنه عش الطائر، بل تصلحه وتنظفه لشطارتها.
وقوله: قالت - أي أم زرع - خرج أبو زرع: أي من البيت لسفر والاوطاب تمخض، بالبناء للمجهول، أي أسقية اللبن تحرك لاستخراج الزبد من اللبن.
وقوله: فلقي: أي أبو زرع في سفره.
وقوله: يلعبان من تحت خصرها برمانتين: المراد أنها ذات كفل عظيم، بحيث إذا استلقت، يصير تحت وسطها فجوة يجري فيها الرمان، فيلعب ولداها برمي الرمانتين.
وقوله: فطلقني ونكحها: أي فبسبب ذلك طلقني وتزوج علي.
وقوله: رجلا سريا: أي شريفا.
وقوله: ركب شريا: بفتح الشين وتشديد الياء: أي فرسنا.
وقوله: وأخذ خطيا - بتشديد(4/201)
الطاء المكسورة - أي رمحا.
وقوله: وأراح علي نعما ثريا: أي أدخل علي نعما كثيرة.
وقوله: وأعطاني من كل رائحة زوجا: أي أعطاني من كل بهيمة اثنين اثنين.
وقوله، وقال كلي أم زرع: أي وقال لي ذلك الرجل الذي تزوجته، كلي ما تشائين يا أم زرع.
وقوله: وميري أهلك أي أعطيهم الميرة: أي الطعام.
وقوله: فلو جمعت كل شئ الخ تعني أن جميع ما أعطاها، لا يساوي أصغر شئ حقير مما لابي زرع.
وفي ذلك إشارة إلى قولهم: ما الحب إلا للحبيب الاول ولذلك كانت السنة تزوج البكر.
(وقوله: كنت لك كأبي زرع لام زرع) أي في الالفة والعطاء - لا في الفرقة
والخلاء - فالتشبيه ليس من كل وجه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قوله: أنه لا بأس به) أي أن تثقيب الاذن لا بأس به مطلقا.
(قوله: لانهم) أي العرب (وقوله: كانوا يفعلونه) أي التثقيب (وقوله: فلم ينكر عليهم الخ) هذا هو محل الاستدلال، وفيه نظر، لان التثقيب سبق في الجاهلية، وسكوت النبي (ص) لا يدل على حله.
وزعم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع لا يجدي هنا، لانه ليس فيه تأخير ذلك، إلا لو سئل عن حكم التثقيب، أو رأى من يفعله، أو بلغه ذلك، فهذا هو وقت الحاجة.
وأما شئ وقع وانقضى، ولم يعلم هل فعل بعد أو لا، فلا حاجة ماسة لبيانه، نعم لو كان نقل أنهم استمروا على فعله بعد الاسلام، ولم ينكر عليهم رسول الله (ص)، لصلح الاستدلال به، ولم يثبت ذلك - كما نقله في التحفة عن الغزالي ونصها - نعم، صرح الغزالي وغيره بحرمة تثقيب أذن الصبي أو الصبية، لانه إيلام لم تدع إليه حاجة.
قال الغزالي: إلا إن يثبت فيه من جهة النقل رخصه ولم تبلغنا، وكأنه أشار بذلك إلى رد ما قيل مما جرى عليه قاضيخان من الحنفية في فتاويه إلى آخر الشرح.
(قوله: وفي الرعاية) اسم كتاب.
(قوله: يجوز) أي التثقيب في الاذن (قوله: لغرض الزينة) أي بتعليق الحلي.
(قوله: ومقتضى كلام شيخنا في شرح المنهاج) عبارته.
والحاصل: أن الذي يتمشى على القواعد حرمة ذلك في الصبي مطلقا، لانه لا حاجة له فيه يغتفر لاجلها ذلك التعذيب، ولا نظر لما يتوهم أنه زينة في حقه ما دام صغيرا، لان الحق أنه لا زينة فيه بالنسبة إليه، وبفرضه هو عرف خاص ولا يعتد به إلا في الصبية لما عرف أنه زينة مطلوبة في حقهن قديما وحديثا، وقد جوز (ص) اللعب لهن للمصلحة، فكذا هذا.
وأيضا جوز الائمة لوليها صرف مالها فيما يتعلق بزينتها، لبسا وغيره، مما يدعو الازواج إلى خطبتها، وإن ترتب عليه فوات مال لا في مقابل، تقديما لمصلحتها المذكورة، فكذا هنا ينبغي أن يغتفر هذا التعذيب لاجل ذلك.
على أنه تعذيب سهل محتمل، وتبرأ منه سريعا، فلم يكن في تجويزه لتلك المصلحة مفسدة بوجه.
فتأمل ذلك فإنه مهم.
اه.
(قوله: لما عرف أنه) أي التثقيب في الاذن زينة.
والمراد أنه سبب في الزينة الحاصلة بتعليق الحلي، وإلا فنفس التثقيب لا يعد زينة.
(قوله: قديما وحديثا) أي جاهلية وإسلاما.
(قوله: تتمة) أي في بيان حكم ما تتلفه البهائم.
(قوله: من كان مع دابة) أي سواء كان مالكها، أو مستعيرها، أو مستأجرها، أو غاصبها، أو وديعها، أو مرتهنها، وسواء كان من ذكر راكبها، أو سائقها، أو قائدها.
وإذا اجتمع الثلاثة(4/202)
- أعني الراكب والسائق والقائد - فيختص الضمان بالراكب على الارجح من وجهين، ولو كان أعمى ثانيهما يكون الضمان أثلاثا، وخص ع ش كون الضمان على الراكب على الارجح، بما إذا كان الزمام بيده، وإلا فالضمان على من الزمام بيده.
ولو اجتمع سائق وقائد دون راكب، فالضمان عليهما نصفين، ولو كان عليها راكبان فالضمان على المقدم منهما، لان سيرها منسوب إليه، وقيل عليهما لان اليد لهما.
نعم، إن لم ينسب إلى المقدم فعل، كصغير ومريض لا حركة له، وجب الضمان على المؤخر وهو الرديف وحده، لان فعلها حينئذ منسوب إليه، وكذا لو كان المقدم غير ملتزم للاحكام كحربي.
هذا إن كانا على ظهرها، فإن كان في جنبيها متحاذيين، كأن كانا في محارة أو شقدف فالضمان عليهما.
فلو ركب في الوسط ثالث، اختص الضمان به عند العلامة الرملي، وعند غيره الضمان على الثلاثة.
(وقوله: يضمن الخ) أي غالبا، ومن غير الغالب قد لا يضمن، كأن أركب أجنبي صبيا أو مجنونا بغير إذن الولي، فأتلفت شيئا فالضمان على الاجنبي، وكأن نخسها إنسان بغير إذن راكبها، فرمحت فأتلفت شيئا، فالضمان على الناخس.
فلو كان بإذنه فالضمان عليه، وكأن ند بعيره، أو انفلتت دابته من يده، فأفسدت شيئا، فلا ضمان عليه لغلبتها له حينئذ، وكأن كانت الدواب مع راع فهاجت ريح، وأظلم النهار فتفرقت منه، وأتلفت زرعا مثلا، فلا ضمان على الراعي في الاظهر للغلبة، بخلاف ما لو تفرقت لنومه، فأتلفت شيئا فإنه يضمنه لتفريطه.
(وقوله: ما أتلفته ليلا ونهارا) قال في المنهج وشرحه: أي أو ما تلف ببولها أو روثها أو ركضها ولو معتادا بطريق، لان الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة - كما في الجناح والروشن - وهذا ما جزم به في الروضة، وأصلها في باب محرمات الاحرام، وهو المنقول عن نص الام والاصحاب، وجزم به في المجموع، وفيه إحتمال للامام بعدم الضمان، لان الطريق لا تخلو منه، والمنع منها لا سبيل إليه، وعلى هذا الاحتمال جرى الاصل، كالروضة وأصلها هنا.
اه.
(وقوله: وعلى هذا الاحتمال الخ) اعتمده أيضا في النهاية والتحفة، ومحل الضمان فيما أتلفته الدابة إذا لم يقصر صاحبه، فإن قصر كأن وضعه بطريق، أو عرضه لها، فلا ضمان لتفريطه، فهو المضيع لماله.
(قوله: وإن كانت وحدها) أي وإن كانت الدابة سائرة وحدها: أي وقد أرسلها في الصحراء، على الاصح في الروضة.
وقال الرافعي: إنه الوجه.
أما لو أرسلها في البلد، فيضمن مطلقا لمخالفته العادة.
قال في التحفة: وقضيته أن العادة لو اطردت به - أي بإرسالها في البلد - أدير الحكم عليها أيضا كالصحراء، إلا أن يفرق بغلبة ضرر المرسلة بالبلد، فلم تقو فيها العادة على عدم الضمان.
ويؤيده قول الرافعي: إن الدابة في البلد تراقب ولا ترسل وحدها.
اه.
(وقوله: لم يضمن صاحبها الخ) أي للحديث الصحيح بذلك، الموافق للعادة في حفظ نحو الزرع
نهارا، وحفظ الدابة ليلا، ومن ثم لو جرت عادة بلد بعكس ذلك، إنعكس الحكم، أو بحفظها فيهما - أي ليلا ونهارا - ضمن فيهما - كما بحثه البلقيني - وقياسه أنها لو جرت بعدمه فيهما لم يضمن فيهما اه.
تحفة.
(قوله: إلا أن يفرط في ربطها) أي أن الضمان عليه فيما أتلفته ليلا، إلا إذا لم يفرط في ربطها، بأن أحكمه وأغلق الباب واحتاط على العادة، فخرجت ليلا لنحو حلها، أو فتح لص للباب، فإنه لا ضمان عليه حينئذ لعدم تقصيره.
(قوله: وإتلاف نحو هرة) دخل فيه الطير والنحل، فقولهم لا ضمان بإرسال الطير والنحل، محمول على غير العادي الذي عهد إتلافه.
سم.
وقال: ق ل على الجلال: إنه لا ضمان مطلقا، كما قاله شيخنا ز ي وخ ط، وخالفهما شيخنا م ر اه.
بجيرمي.
(وقوله: عهد إتلافها) أي الهرة، والاولى إتلافه بتذكير الضمير، والمراد عهد ذلك منه مرتين أو ثلاثا.
وقيل يكتفي بمرة.
وخرج به التي لم يعهد ذلك منها، فلا ضمان فيه على الاصح، لان العادة جرت بحفظ الطعام عنها لا ربطها.
(وقوله: ضمن) - بفتح الضاد وتشديد الميم المفتوحة - وضميره المستتر يعود على المبتدأ وهو إتلاف، والجملة خبره.
(وقوله: مالكها) أي نحو الهرة، والاولى أيضا أن يكون مالكه بتذكير الضمير.
ولو قال كما في شرح المنهج مضمن لذي اليد لكان أولى، لايهامه تخصيص ذلك بالمالك، وليس كذلك إذ المستعير والمستأجر ونحوهما كالمالك.
(وقوله: إن قصر في ربطه) أي نحو(4/203)
الهرة، لان هذا ينبغي أن يربط، ويكفى شره، وخرج به ما إذا أحكم ربطه وأغلق الباب واحتاط على العادة، فانحل من رباطه، أو فتح لص الباب، فخرج وأتلف فلا ضمان.
(قوله: وتدفع الهرة الضارية) أي المفترسة التي عهد منها ذلك.
(وقوله: على نحو طير) متعلق بمحذوف صفة: أي الضارية الجانية على نحو طير.
وسيأتي محترزه.
(قوله: كصائل) متعلق بتدفع (وقوله: برعاية الترتيب السابق) متعلق أيضا بتدفع: أي تدفع بالاخف فالاخف، كما في الصائل.
ولو أخر قوله كصائل عنه لكان أنسب.
(قوله: ولا تقتل ضارية ساكنة) أي لا يجوز قتلها حال كونها ساكنة غير جانية على شئ.
(وقوله: خلافا لجمع) أي قالوا إنها تقتل، إلحاقا لها بالفواسق الخمس المأمور بقتلها، فلا يعصمها الاقتناء ووضع اليد عليها.
تتمة: لو كان بداره كلب عقور، أو دابة جموح، ودخلها شخص بإذنه ولم يعلمه بالحال، فعضه الكلب، أو جمحته الدابة، ضمنه ولو كان الداخل بصيرا، فإن دخل بلا إذنه، أو أعلمه، فلا ضمان لانه المتسبب في هلاك نفسه، وكذا لو كان ما ذكر خارجا عن داره، ولو كان بجانب بابها، فلا ضمان لان ذلك ظاهر يمكن الاحتراز عنه.
والله سبحانه
وتعالى أعلم.(4/204)
باب الجهاد أي باب في بيان أحكام الجهاد: أي القتال في سبيل الله مأخوذ من المجاهدة، وهي المقاتلة في سبيل الله.
واعلم، أنه ورد في الجهاد من الآيات والاخبار ما يطول ذكره ويتعذر حصره، فمن الاول قوله تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) * وقوله تعالى: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) * وقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) * وقوله تعالى: * (أذن الذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير) * وقوله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) * الآية.
ومن الثاني قوله (ص): جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم وقوله عليه السلام: اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله، فواق نافة وجبت له الجنة.
والفواق ما بين الحلبتين، وقوله عليه السلام: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والارض وقوله عليه السلام: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار.
وقوله عليه السلام: لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا.
وقوله عليه السلام: من رمى بسهم في سبيل الله كان له كعدل محرر وقوله عليه السلام: من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة.
يعني حسنات.
وقد ورد في فضل الشهادة أيضا شئ كثير: فمن ذلك قوله تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون.
فرحين بما آتاهم الله من فضله) * وقوله تعالى: * (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم.
سيهديهم ويصلح بالهم.
ويدخلهم الجنة عرفها لهم) * وقوله (ص): إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلية الايمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الاكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار: الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.
واعلم، أنه ينبغي لكل مسلم أن ينوي الجهاد في سبيل الله، ويحدث نفسه به حتى يسلم من الوعيد الوارد في ترك ذلك، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شبهة من النفاق وينبغي الاكثار من سؤال الشهادة.
قال عليه الصلاة والسلام: من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه.
نسأل الله العظيم أن يمن علينا بالشهادة وبالحسنى وزيادة.
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 216.
(2) سورة البقرة، الاية: 193.
(3) سورة التوبة، الاية: 5.
(4) سورة الحج، الاية: 39.
(5) سورة التوبة، الاية: 111.
(6) سورة آل عمران، الاية: 169.
(7) سورة محمد، الاية: 4.(4/205)
(قوله: هو) أي الجهاد فرض كفاية، أما كونه فرضا فبالاجماع.
وأما كونه على الكفاية فلقوله تعالى: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى) * ففاضل بين المجاهدين والقاعدين، ووعد كلا الحسنى وهي الجنة، والعاصي لا يوعد بها.
ولا يفاضل بين مأجور ومأزور.
وقال تعالى: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) * أي ومكثت طائفة * (ليتفقهوا) * أي الماكثون * (في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * فحثهم على أن تنفر طائفة فقط.
فدل ذلك على أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين.
(قوله: كل عام) أي لفعله (ص) إياه كل عام منذ أمر به، وكإحياء الكعبة فإنه فرض كفاية في كل عام.
(وقوله: ولو مرة) أي ولو فعل في كل عام مرة، فإنه يكفي، والمرة في الجهاد هي أقله.
وعبارة المغني: أقل الجهاد مرة في السنة كإحياء الكعبة، ولقوله تعالى: * (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) *.
قال مجاهد: نزلت في الجهاد، ولان الجزية تجب بدلا عنه، وهي واجبة في كل سنة، فكذا بدلها، فإن زاد على مرة فهو أفضل.
وتحصل الكفاية بأن يشحن الامام الثغور بمكافئين للكفار، مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد الامراء، أو بأن يدخل الامام أو نائبه دار الكفر بالجيوش لقتالهم، ووجوب الجهاد وجوب الوسائل لا المقاصد: إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية، وما سواها من الشهادة.
وأما قتل الكفار فليس بمقصود، حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد.
اه.
بحذف.
ثم إن محل الاكتفاء فيه بمرة إذا لم يحتج إلى زيادة، احتيج إليها،
زيد بقدر الحاجة.
(قوله: إذا كان الخ) قيد لكونه فرض كفاية: أي أنه فرض كفاية في كل عام إذا كان الكفار حالين في بلادهم لم ينتقلوا عنها.
(قوله: ويتعين) أي الجهاد، أي يكون فرض عين، والملائم أن يقول وفرض عين الخ.
(وقوله: إذا دخلوا بلادنا) أي بلدة من بلاد المسلمين ومثل البلدة القرية وغيرها.
(قوله: كما يأتي) أي في المتن في قوله وإن دخلوا بلدة لنا تعين الخ.
(قوله: وحكم فرض الكفاية) أي مطلقا جهادا كان أو غيره.
(قوله: أنه إذا فعله من فيهم كفاية) أي لمقاومة الكفار، وإن لم يكونوا من أهل فرض الجهاد، كالصبيان والمجانين والنساء، وذلك لانه أقوى نكاية في الكفار (وقوله: سقط الحرج) أي الاثم (وقوله: عنه) أي عن الفاعل إن كان من أهله.
(وقوله: وعن الباقين) أي الذين لم يفعلوا الجهاد لحصول الكفاية بفعل من فيه كفاية (قوله: ويأثم الخ) داخل في حكم فرض الكفاية.
(وقوله: من لا عذر له من المسلمين) فإن كان به عذر فلا يأثم.
(وقوله: إن تركوه) أي كلهم.
(وقوله: وإن جهلوا) أي يأثمون بالترك، وإن كانوا جاهلين بفرضية الجهاد عليهم.
قال في التحفة: أي وقد قصروا في جهلهم به، أخذا من قولهم لتقصيرهم، كما لو تأخر تجهيز ميت بقرية: أي ممن تقضي العادة بتعهده، فإنه يأثم وإن جهل موته، لتقصيرهم بعدم البحث عنه.
اه.
(قوله: وفروضها) أي الكفاية كثيرة، ولما كان شأن فروض الكفاية مهما لكثرتها وخفائها، ذكر جملة منها هنا.
(قوله: كقيام بحجج دينية) أي وقيام بحل مشكلة في الدين، وإنما كان ما ذكر من فروض الكفايات لتندفع الشبهات، وتصفو الاعتقادات عن تمويهات المبتدعين، ومعضلات الملحدين، ولا يحصل كمال ذلك إلا بإتقان قواعد علم الكلام، المبنية على الحكميات والالهيات.
ومن ثم قال الامام: لو بقي الناس على ما كانوا عليه في صفوة الاسلام، لما أوجبنا التشاغل به، وربما نهينا عنه - أي كما جاء عن الائمة كالشافعي، بل جعله أقبح مما عدا الشرك.
فأما الآن - وقد ثارت البدع ولا سبيل إلى تركها تلتطم - فلا بد من إعداد ما يدعي به إلى المسلك الحق، وتحل به الشبهة فصار الاشتغال بأدلة المعقول، وحل الشبهة من فروض الكفايات، وأما من استراب في أصل من أصول الاعتقاد فيلزمه السعي في إزالته،
__________
(1) سورة النساء، الاية: 95.
(2) سورة التوبة، الاية: 122.
(3) سورة التوبة، الاية: 122.(4/206)
حتى تستقيم عقيدته.
اه.
تحفة.
(قوله: وهي البراهين الخ) أي أن الحجج هي البراهين الدالة على إثبات الصانع سبحانه وتعالى، وإثبات ما يجب له سبحانه وتعالى من الصفات المتقدم بيانها في أول الكتاب، وإثبات ما يستحيل عليه
منها.
(قوله: وعلى إثبات النبوات) أي والبراهين الدالة على إثبات ما يتعلق بالانبياء مما يجب لهم من الصفات، ويستحيل عليهم منها.
(قوله: وما ورد به الشرع) أي من كل ما أخبر به الشارع (ص) من البعث، والنشور، والحساب، والعقاب، ودخول الجنة، وغير ذلك.
(قوله: وعلوم شرعية) أي وكقيام بعلوم شرعية، فهو معطوف على بحجج.
(وقوله: كتفسير الخ) تمثيل لها.
(وقوله: زائد) صفة لفقه: أي وفرض الكفاية منه القيام بالزائد على ما لا بد منه، أما القيام بما لا بد منه فهو فرض عين.
(قوله: وما يتعلق بها) معطوف على علوم شرعية، وليس معطوفا على تفسير الخ.
لافادته أنه من العلوم الشرعية مع أنه ليس منها.
والمراد بما يتعلق بالعلوم الشرعية، ما تتوقف عليه من علوم العربية، وأصول الفقه، وعلم الحساب، المضطر إليه في المواريث والاقارير والوصايا، فتجب الاحاطة بذلك كله لشدة الحاجة إليه.
(قوله: بحيث يصلح للقضاء والافتاء) مرتبط بعلوم شرعية، والباء لتصوير القيام بها، الذي هو فرض كفاية: أي ويتصور القيام بها المسقط للحرج، بأن يتلبس بحالة هي أن يصلح للقضاء أو الافتاء.
قال في النهاية: وإنما يتوجه فرض الكفاية في العلم على كل مكلف حر ذكر غير بليد مكفي ولو فاسقا، غير أنه لا يسقط به لعدم قبول فتواه، ويسقط بالعبد والمرأة في أوجه الوجهين.
وبقوله غير بليد مع قول المصنف رحمه الله تعالى كابن الصلاح، أن الاجتهاد المطلق انقطع من نحو ثلاثمائة سنة، يعلم أنه لا إثم على الناس اليوم بتعطيل هذا الفرض، وهو بلوغ درجة الاجتهاد المطلق، لان الناس صاروا كلهم بلداء بالنسبة إليها.
أي إلى درجة الاجتهاد.
اه.
ومثله في التحفة.
(قوله: للحاجة إليهما) أي إلى القضاء والافتاء، وهو علة لتصوير القيام بها بما ذكر.
(قوله: ودفع ضرر معصوم) يصح عطفه على قيام، أي وكدفع ضرر الخ، ويصح عطفه على حجج: أي وكالقيام بدفع.
قال في النهاية: هل المراد بدفع ضرر من ذكر ما يسد الرمق أم الكفاية ؟ قولان أصحهما ثانيهما، فيجب في الكسوة ما يستر كل البدن، على حسب ما يليق بالحال من شتاء وصيف.
ويلحق بالطعام والكسوة ما في معناهما، كأجرة طبيب، وثمن دواء، وخادم منقطع، - كما هو واضح.
اه.
(وقوله: معصوم) خرج غيره كالحربي والمرتد وتارك الصلاة، فلا يجب دفع ضررهم.
(قوله: من مسلم الخ) بيان للمعصوم.
(قوله: جائع) صفة لمعصوم.
(وقوله: لم يصل لحالة الاضطرار) أما إذا وصل إليها فيجب إطعامه على كل من علم به، ولو لم يزد ما عنده عن كفاية سنة، وإن كان يحتاجه عن قرب.
(قوله: أو عار) معطوف على جائع.
(قوله: أو نحوهما) أي نحو الجائع والعاري كمريض.
(قوله: والمخاطب به) أي بدفع الضرر عمن ذكر.
(قوله: بما زاد) متعلق بموسر.
(قوله: عند اختلاف الخ) متعلق بالمخاطب: أي أن المخاطب بدفع الضرر الموسر عند عدم انتظام بيت المال، وعدم
وفاء الزكاة، أو نحوها بكفايته، فإن لم يختل ما ذكر، أو وقت الزكاة بها، لا يكون الموسر هو المخاطب به، بل يكون دفع ضرره من بيت المال أو من الزكاة.
(وقوله: وعدم وفاء زكاة) أي أو نذر أو وقف أو وصية، بسد حاجات المحتاجين.
(قوله: وأمر بمعروف) أي وكأمر بمعروف أو قيام بأمر الخ، فهو بالجر معطوف على قيام أو على حجج كما تقدم.
واعلم أنه ورد في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الآيات والاخبار شئ كثير لا يكاد يحصر، فمن الاول قوله تعالى: * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) * ومن
__________
(1) سورة آل عمران، الاية: 104.(4/207)
الثاني قوله عليه السلام: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.
وذلك أضعف الايمان وفي رواية أخرى: ليس وراء ذلك - يعني الانكار بالقلب - من الايمان مثقال ذرة وقوله عليه الصلاة والسلام: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
(قوله: أي واجبات الخ) تفسير للمعروف: أي أن المراد به شيئان واجبان، الشرع والكف عن محرماته.
(وقوله: فشمل) أي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تفريع على تفسيره المعروف بما ذكر.
وبيان ذلك أنه إذا أريد بالمعروف ما يشمل الكف عن المحرم، وأريد من الامر الامر اللغوي، وهو الطلب سواء عبر عنه بصيغة الامر الاصطلاحي، أو بصيغة النهي، صدق ذلك بالنهي عن المنكر.
إذ هو طلب الكف عن المحرم.
والقصد من ذلك كله دفع ما يرد على اقتصاره على الامر بالمعروف، من أن مقتضاه أن النهي عن المنكر، ليس من فروض الكفاية، مع أنه منها.
وحاصل الجواب أن عبارته صادقة به أيضا، فلا إيراد.
(قوله: لكن محله) أي محل وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(وقوله: مجمع عليه) صفة لكل من واجب ومن حرام، والمجمع عليه منهما هو ما علم وجوبه بالنسبة للاول، وتحريمه بالنسبة للثاني من الدين بالضرورة.
والاول: كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، والثاني: كالزنا واللواط وشرب الخمر.
وخرج بالمجمع عليه المختلف فيه منهما، فليس القيام به من فروض الكفاية، فلا يأمر الشافعي الحنفي بالبسملة في الفاتحة، كما أنه لا ينهى المالكي عن استعمال الماء القليل الواقع فيه نجاسة لم تغيره، ولا يرد حد الشافعي حنفيا شرب نبيذا يري إباحته لضعف أدلته، ولان العبرة بعد الرفع للقاضي بإعتقاده فقط.
(قوله: أو في اعتقاد الفاعل) معطوف على مجمع عليه: أي أو واجب أو حرام في اعتقاد الفاعل، فله أن يأمر به أو ينهى عنه، وإن كان على
خلاف اعتقاده.
قال في النهاية: ولا ينكر العالم مختلفا فيه، حتى يعلم من فاعله اعتقاد تحريمه له حال ارتكابه، لاحتمال أنه حينئذ قلد القائل بحله أو أنه جاهل بحرمته، أما من ارتك ب ما يرى إباحته بتقليد صحيح، فلا يحل الانكار عليه.
اه.
(قوله: والمخاطب به) أي بالامر بالمعروف الشامل للنهي عن المنكر (قوله: لم يخف الخ) قال في الروض وشرحه: ولا يسقط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا لخوف منهما على نفسه أو ماله أو عضوه أو بضعه، أو لخوف مفسدة على غيره أكثر من مفسدة المنكر الواقع، أو غلب على ظنه أن المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادا.
اه.
(قوله: وإن علم عادة الخ) غاية لقوله والخاطب به كل مكلف: أي هو مخاطب بما ذكر، وإن علم عادة أن أمره أو نهيه لا يفيد المأمور أو المنهي شيئا.
قال في الروض وشرحه: ولا يختص الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمسموع القول، بل عليه - أي على كل مكلف - أن يأمر وينهى وإن علم بالعادة أنه لا يفيد، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، فلا يسقط ذلك عن المكلف بهذا العلم، لعموم خبر: من رأى منكم الخ، ولا يشترط في الآمر والناهي كونه ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه، بل عليه أن يأمر وينهى نفسه وغيره، فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر.
اه.
(قوله: بأن يغيره) تصوير للنهي عن المنكر المندرج تحت الامر بالمعروف.
وعبارة فتح الجواد بعد قوله والمخاطب به الخ: فعليه إنكاره حينئذ بأن يغيره الخ.
اه.
(قوله: بكل طريق أمكنه) أي بكل شئ ممكن له يزيل به المنكر.
(وقوله: من يد الخ) بيان للطريق (وقوله: فاستغاثة بالغير) أي يستغيث بغيره لاجل أن يعينه على إزالة المنكر.
(قوله: فإن عجز) أي عن تغيير بيده الخ.
(وقوله: أنكره بقلبه) قال في التحفة.
تنبيه: ظاهر كلامهم أن الامر والنهي بالقلب من فروض الكفاية، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه أنه فرض عين، لان المراد منهما به الكراهة والانكار به، وهذا لا يتصور فيه أن يكون إلا فرض عين.
فتأمله فإنه مهم نفيس.
اه.(4/208)
(قوله: وليس لاحد البحث الخ) قال سيدنا الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه الدينية.
واعلم، أنه ليس بواجب على أحد أن يبحث عن المنكرات المستورة، حتى ينكرها إذا رآها، بل ذلك محرم لقوله تعالى: * (ولا تجسسوا) * ولقول النبي عليه السلام: من يتتبع عورة أخيه يتتبع الله عورته الحديث، وإنما الواجب هو الامر بالمعروف عندما ترى التاركين له في حال تركهم، والانكار للمنكر كذلك، فاعلم هذه الجملة فإنا رأينا كثيرا من الناس يغلطون فيها.
ومن المهم أن لا تصدق ولا تقبل كل ما ينقل إليك من أفعال الناس وأقوالهم المنكرة، حتى تشاهد
ذلك بنفسك أو ينقله إليك مؤمن تقي لا يجازف ولا يقول إلا الحق، وذلك لان حسن الظن بالمسلمين أمر لازم، وقد كثرت بلاغات الناس بعضهم على بعض، وعم التساهل في ذلك، وقلت المبالاة، وارتفعت الامانة، وصار المشكور عند الناس من وافقهم على أنفسهم - وإن كان غير مستقيم لله - والمذموم عندهم من خالفهم - وإن كان عبدا صالحا - فتراهم يمدحون من لا يستأهل المدح لموافقته إياهم، وسكوته على باطلهم، ويذمون من يخالفهم وينصحهم في دينهم.
هذا حال الاكثر إلا من عصم الله، فوجب الاحتراز والتحفظ والاحتياط في جميع الامور، فإن الزمان مفتون، وأهله عن الحق ناكبون، إلا من شاء الله منهم - وهم الاقلون - اه (قوله: والتجسس) هو البحث عما ينكتم عنك من عيوب المسلمين وعوراتهم، فحينئذ عطفه على البحث مرادف.
(قوله: واقتحام الدور) أي الدخول فيها من غير إذن صاحبها.
(قوله: بالظنون) متعلق بكل من المصادر السابقة.
(قوله: نعم الخ) استدراك من قوله ليس لاحد الخ.
لانه يوهم أنه ليس له ذلك، ولو أخبره ثقة بشخص اختفى بمنكر الخ، مع أنه ليس كذلك، فدفع هذا الايهام بالاستدراك المذكور.
(قوله: بمن اختفى بمنكر الخ) أي لارادة فعل منكر لا يتدارك لو فعل كالقتل والزنا، فإنه لا يمكن تداركهما بعد حصولهما، بخلاف ما يتدارك كالغصب والسرقة فلا يلزمه فيه ذلك، فإنه يمكن تدارك المغصوب بعد غصبه، والمسروق بعد سرقته.
(قوله: لزمه ذلك) أي ما ذكر من البحث والتجسس واقتحام الدور.
(قوله: ولو توفق الانكار) أي للمنكر: أي إزالته.
(وقوله: على الرفع للسلطان) متعلق بتوقف.
(قوله: لم يجب) أي الرفع إلى السلطان.
(قوله: لما فيه) أي في الرفع.
(وقوله: من هتك حرمة) أي من كشف وفضيحة حرمة المرتكب، وقد أمرنا بسترها ما أمكن.
(وقوله: وتغريم مال) أي تغريم السلطان المرتكب مالا، وهذا إن كان المنكر الذي ارتكبه فيه تغريم ماله، أو كان السلطان جائرا يأخذ مالا نكالا.
(قوله: وله) أي لابن القشيري، (وقوله: احتمال بوجوبه) أي الرفع للسلطان.
(وقوله: إذا لم ينزجر) أي مرتكب المنكر إلا بالرفع إليه (قوله: وهو) أي هذا الاحتمال الاوجه.
(قوله: صريح فيه) أي في هذا الاحتمال.
تتمة: يجب على الامام أن ينصب محتسبا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كانا لا يختصان بالمحتسب، فيتعين عليه الامر بصلاة الجمعة إذا اجتمعت شروطها، وكذا بصلاة العيد وإن قلنا إنها سنة.
فإن قيل: قال الامام: معظم الفقهاء على أن الامر بالمعروف في المستحب مستحب، وهنا مستحب.
أجيب: بأن محله في غير المستحب، ولا يقاس بالوالي غيره، ولهذا لو أمر الامام بصلاة الاستسقاء أو صومه صار واجبا، ولا يأمر المخالفين له في المذهب بما لا يجوزونه، ولا ينهاهم عما يرونه فرضا عليهم أو سنة لهم.
اه.
مغني.
(قوله: وتحمل شهادة) أي وكتحمل شهادة أو قيام بتحمل شهادة فيجري عليه ما مر من العطف على قيام، أو على حجج، فهو من فروض الكفاية.
(قوله: على أهل له) أي للتحمل: أي بأن يكون مكلفا حرا ذا مروءة وعدالة.
(قوله:
__________
(1) سورة الحجرات، الاية: 12.
حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 14(4/209)
حضر إليه) أي إلى الاهل الذي يجب عليه التحمل.
(قوله: أو طلبه) أي أو طلب المشهود عليه الاهل الذي يريد التحمل.
(وقوله: إن عذر بعذر جمعة) قيد في كون التحمل يجب بالطلب: أي محل وجوبه عليه بالطلب إن عذر: أي الطالب المشهود عليه، فإن لم يعذر لا يجب التحمل بالطلب.
وعبارة المغني: وتحمل الشهادة إن حضر المشهود عليه، فإن دعا الشاهد المتحمل، لم يجب عليه إلا إن دعاه قاض أو معذور بمرض أو نحوه.
اه.
(قوله: وأدائها) أي وكأداء الشهادة والقيام بأداء الشهادة فهو من فروض الكفاية.
(وقوله: إن كان أكثر من نصاب) قيد في كونه فرض كفاية: أي محل كون الاداء فرض كفاية على المتحمل إن كان أكثر من نصاب.
والنصاب في الشهود يختلف، ففي نحو الزنا أربعة، وفي الاموال والعقود رجلان، أو رجل وامرأتان، ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح وطلاق وعتق رجلان.
وهكذا وسيذكر ذلك في باب الشهادة.
(قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يكن المتحمل أكثر من نصاب، بل كان نصابا فقط، فيكون الاداء فرض عين.
قال في المغني.
تنبيه: التحمل يفارق الاداء من جهة أن التحمل فرض كفاية على الناس، والاداء على من تحمل دون غيره.
قاله الماوردي في باب الشهادة: وفرض الاداء أغلظ من فرض التحمل لقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) * اه.
(قوله: وكإحياء الخ) عطف على قوله كقيام.
وانظر لم أعاد العامل ؟ والاولى عدم ذكره لكون المعطوفات على نسق واحد، فإحياء الكعبة - أي قصدها بالنسك من جمع - يحصل بهم للشعار فرض كفاية كل عام.
(وقوله: بحج وعمرة) فلا يكفي إحياؤها بأحدهما، ولا بغيرهما كالصلاة والاعتكاف.
تنبيه: قاله في المغني: ولا يشترط في القائمين بهذا الفرض قدر مخصوص، بل الفرض أن يحجها كل سنة بعض المكلفين.
قاله في المجموع.
قال الاسنوي: ويتجه اعتباره من عدد يظهر بهم الشعار اه.
ونوزع في ذلك.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وبين المتطوع بالحج، لان إحياء الكعبة بالحج من فروض الكفايات فكل، وقد
يجيئون كل سنة للحج، فهم يحيون الكعبة، فمن كان عليه فرض الاسلام حصل ما أتى به سقوط فرضه، ومن لم يكن عليه فرض الاسلام كان قائما بفرض الكفاية فلا يتصور حج التطوع ؟.
أجيب: بأن هنا جهتين من حيثيتين: جهة التطوع من حيث أنه ليس عليه فرض الاسلام، وجهة فرض الكفاية من حيث الامر بإحياء الكعبة، فيصح أن يقال هو تطوع من حيث أنه ليس فرض عين، وأن يقال فرض كفاية من حيث الاحياء، وبأن وجوب الاحياء لا يستلزم كون العبادة فرضا، لان الواجب المتعين قد يسقط بالمندوب، كاللمعة المغفلة في الوضوء تغسل في الثانية أو الثالثة، والجلوس بين السجدتين بجلسة الاستراحة.
وإذا سقط الواجب المتعين بفعل المندوب، ففرض الكفاية أولى.
ولهذا تسقط صلاة الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي.
ولو قيل يتصور ذلك في العبيد والصبيان والمجانين لكان وجيها.
اه.
(قوله: وتشييع جنازة) أي وكتشييع جنازة، فهو فرض كفاية، ومثله غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه.
(قوله: ورد سلام) أي وكرد سلام، أي جوابه، فهو فرض كفاية إذا كان المسلم مسلما مميزا غير متحلل به من صلاة، أما كونه فرضا فلقوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * وأما كونه كفاية فلخبر: يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم.
(وقوله: مسنون) صفة السلام، وخرج به غير المسنون مما سيذكره في قوله ولا يندب السلام على قاضي حاجة الخ فلا يجب رده.
(قوله: عن جمع) عن بمعنى على، وهي ومجرورها متعلق بسلام: أي أن رد السلام الكائن على جماعة فرض كفاية عليهم، إذا قام به واحد منهم سقط الحرج عن
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 283.
(2) سورة النساء، الاية: 86.(4/210)
الباقين.
(قوله: أي اثنين فأكثر) ولا بد أن يكونوا مكلفين، أو سكارى لهم نوع تمييز سمعوه.
(قوله: ويختص) أي الرد بالثواب.
(قوله: فإن ردوا كلهم) أي كل المسلم عليهم.
(وقوله: ولو مرتبا) أي ولو كان ردهم مرتبا، وليس في آن واحد.
(قوله: أثيبوا) أي كلهم.
(وقوله: ثواب الفرض) أي فرض الكفاية.
(قوله: كالمصلين على الجنازة) أي فإنهم يثابون كلهم ثواب الفرض.
فإن قلت: لم لم يسقط الفرض برد الصبي بخلاف نظيره في الجنازة ؟.
قلت: لان القصد ثم الدعاء، وهو منه أقرب للاجابة، والقصد هنا الامن، وهو ليس من أهله.
(قوله: ولو سلم جمع مرتبون) أي أو دفعة.
(قوله: فرد مرة) أي فأجابهم بجواب واحد.
(وقوله: قاصدا جميعهم) أي قاصدا الرد على جميعهم: (وقوله: وكذا لو أطلق) أي لم يقصد شيئا.
وخرج بذلك ما إذا قصد الابتداء فلا يسقط به الفرض.
(قوله: أجزأه) أي الرد عن الجميع.
(قوله: ما لم يحصل فصل ضار) أي بين السلام والجواب، فإن حصل فصل ضار فلا يجزئه، وفيه أنه كيف يتصور عدم وجود فصل ضار بالنسبة لغير السلام الاخير المتصل بالجواب، إذا كان المسلمون كثيرا، وسلم واحد بعد واحد كما هو فرض المسألة.
ثم رأيت في المغني ما يؤيد الاشكال ونص عبارته: وظاهر كلام المجموع أنه لا فرق بين أن يسلموا دفعة واحدة أو متفرقين، وهو كما قاله بعض المتأخرين ظاهر فيما إذا سلموا دفعة واحدة، أما لو سلموا واحدا بعد واحد، وكانوا كثيرين، فلا يحصل الرد لكلهم: إذ قد مر أن شرط حصول الواجب، أن يقع متصلا بالابتداء.
اه.
(قوله: سلام امرأة على امرأة) أي فإنه مسنون.
(قوله: أو نحو محرم) بالجر عطف على امرأة: أي سلامها على نحو محرم، والاولى حذف لفظ نحو، لان ما اندرج تحته صرح به بعد.
(قوله: أو سيد أو زوج) أي أو سلامها على زوج أو سيد.
(قوله: وكذا على أجنبي) أي وكذا دخل في المسنون، سلامها على رجل أجنبي، والحال أنها عجوز لا تشتهي.
(قوله: ويلزمها) أي المرأة.
(وقوله: في هذه الصورة) أي صورة كونها عجوزا لا تشتهي.
(وقوله: رد سلام الرجل) أي إذا سلم الرجل عليها وهي عجوز لا تشتهي، لزمها أن ترد عليه، لان سلامه عليها مسنون كسلامها عليه.
(أما مشتهاة الخ) مفهوم قوله لا تشتهي.
والحاصل: يحرم الرد عند اختلاف الجنس بشروط أربعة: كون الانثى وحدها، وكونها مشتهاة، وكون الرجل وحده، وانتفاء المحرمية ونحوها: كالزوجية.
(قوله: ومثله) أي ومثل الرد في حرمته منها ابتداؤه منها، فإنها حرام.
(قوله: ويكره رد سلامها) أي يكره على الاجنبي أن يرد سلام المشتهاة.
(وقوله: ومثله) أي الرد في الكراهة، ابتداء السلام منه عليها.
(قوله: والفرق) أي بين ابتدائها وردها حيث حرما، وبين رده وابتدائه حيث كرها.
(وقوله: أن ردها) أي الاجنبية المشتهاة على الاجنبي.
(وقوله: وابتداءها) أي ابتداء السلام منها عليه.
(وقوله: يطمعه لطمعه فيها أكثر) في بعض نسخ الخط إسقاط لفظة لطمعه، وهو الصواب الموافق لما في التحفة، وإلا لزم تعليل الشئ بنفسه.
والمراد أن كلا من ردها سلام الاجنبي، أو ابتدائها بالسلام عليه، يطمع ذلك الاجنبي فيها طمعا أكثر من طمعه فيها الحاصل برده عليها، أو ابتدائها به.
(قوله: بخلاف ابتدائه ورده) أي فلا يطمعه كل منهما فيها أكثر.
(قوله: قاله شيخنا) أي قال ما ذكر(4/211)
من قوله ودخل في قولي مسنون، لا الفرق فقط، وإن كان هو ظاهر عبارته كما يعلم من الوقوف على عبارة شيخه في التحفة.
(قوله: ولو سلم) أي أجنبي.
(وقوله: على جمع نسوة) التركيب إضافي أو توصيفي.
(قوله: وجب الخ) جواب لو، (وقوله: رد إحداهن) فلو رددن كلهن جاز وأثبن ثواب الفرض، فالتقييد بإحداهن ليس بمتعين.
قال في المغني: ولا يكره أي الرد على جمع نسوة أو عجوز، لانتفاء خوف الفتنة، بل يندب الابتداء به منهن على غيرهن وعكسه.
اه.
(قوله: إذ لا يخشى فتنة حينئذ) أي حين إذ كن جمعا، وهو علة وجوب الرد.
(قوله: وخرج بقولي عن جمع الواحد) أي المسلم عليه الواحد.
(وقوله: فالرد فرض عين عليه) أي جواب السلام يكون فرض عين عليه، لكن إن كان مكلفا.
(قوله: ولو كان المسلم الخ) غاية في كونه فرض عين.
(قوله: ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت) أي فلا تسقط سنية الابتداء إلا برفع الصوت، ولا تسقط فرضية الرد إلا بذلك أيضا.
(وقوله: بقدر ما يحصل به السماع) أي أنه يرفع كل من المبتدئ والراد صوته بقدر ما يحصل به سماع كل للآخر سماعا محققا، ولو بالنسبة لثقيل السمع.
قال في الاذكار: وأقل السلام الذي يصير به مسلما مؤديا سنة السلام، أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه، فإن لم يسمعه، لم يكن آتيا بالسلام، فلا يجب الرد عليه.
وأقل ما يسقط به فرض رد السلام، أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلم، فإن لم يسمعه، لم يسقط عنه فرض الرد.
ذكرهما المتولي وغيره.
قلت: والمستحب أن يرفع صوته رفعا يسمعه به المسلم عليه، أو عليهم سماعا محققا، وإذا تشكك في أنه يسمعهم زاد في رفعه واحتاط.
واستثنى ما إذا سلم على إيقاظ عندهم نيام، فالسنة أن يخفض صوته بحيث يحصل سماع الايقاظ ولا يستيقظ النيام.
اه.
(قوله: نعم الخ) إستدراك على إشتراط حصول السماع المحقق.
(وقوله: إن مر الخ) فاعل مر يعود على المسلم، وكذلك ضمير يبلغه، وباقي الضمائر يعود على المسلم عليه.
والمعنى: إذا سلم شخ ص وهو مار بسرعة على آخر، وبعد عنه بحيث أنه إذا رد عليه، لم يبلغ المسلم صوته يجب على ذلك الآخر المسلم عليه، أن يرفع صوته طاقته، ولا يجب عليه أن يسعى خلفه، سواء بلغه صوته أم لا.
(قوله: ويجب اتصال الرد بالسلام) أي الصادر من المسلم نفسه، أو من المبلغ، فالاتصال في كل شئ بحسبه.
فلا يعترض.
ويقال أن ذاك ظاهر فيما لو كان السلام حصل من المسلم مشافهة، أما إذا كان بالتبليغ، فلا يتصور: أي فلو فصل بينهما كلام أجنبي، أو سكوت طويل، لم يسقط به الفرض.
(قوله: كإتصال قبول الخ) أي نظير وجوب إتصال قبول البيع بإيجابه.
(قوله: ولا بأس بتقديم عليك الخ) أي بأن يقول فيه كما سيأتي، وعليك وعليه السلام، فالفصل بعليك غير مضر، لانه ليس بأجنبي، أو هو مستثنى، كما عبر به بعضهم.
(قوله: وحيث زالت الفورية) أي في الرد، أي لم يحصل رد فورا، والانسب بما قبله أن يقول وحيث لم يحصل الاتصال.
(وقوله: فلا قضاء) أي فلا يقضى الرد، بل يفوت عليه ويأثم بذلك.
قال سم: ويؤيد عدم القضاء، أو يصرح به، قول الاذكار: فصل قال الامام أبو محمد القاضي حسين، والامام أبو الحسن الواحدي وغيرهما: ويشترط أن يكون الجواب على الفور، فإن أخره ثم رد، لم يعد جوابا، وكان آثما بترك الرد.
اه.
فقوله لم يعد جوابا وكان آثما الخ: يقتضي ذلك، إذ لو كان يقضى، لم يقل بترك الرد: كأن يقول بتأخير الرد.
اه.
(قوله: خلافا لما يوهمه كلام الروياني) أي من أنه يقضى إذا زالت الفورية.
(قوله: ويجب في الرد على الاصم الخ) به يعلم الفرق بين ثقيل السمع وبينه.(4/212)
(قوله: أن يجمع) أي الراد ليحصل الافهام، ويسقط عنه فرض الجواب.
(وقوله: بين اللفظ والاشارة) أي بنحو اليد.
ويغني عن الاشارة علمه بأن الاصم فهم بقرينة الحال، والنظر إلى فهمه الرد عليه.
كذا في شرح الروض.
(قوله: ولا يلزمه الرد الخ) أي ولا يلزم الاصم الرد على من سلم عليه، إلا أن جمع له من سلم عليه بين اللفظ والاشارة.
قال في الروض وشرحه.
وتجزئ إشارة الاخرس إبتداء وردا، لان إشارته قائمة مقام العبارة.
(قوله: وابتداؤه أي السلام) يؤخذ من قوله إبتداؤه، أنه لو أتى به بعد تكلم لم يعتد به.
نعم: يحتمل في تكلم سهوا أو جهلا، وعذر به أنه لا يفوت الابتداء به فيجب جوابه.
اه.
تحفة.
(قوله: عند إقباله) أي على شخص مسلم.
(وقوله: أو انصرافه) أي عنه: أي إذا أراد أن ينصرف عنه، يسن للمنصرف إبتداء السلام عليه.
(قوله: على مسلم) متعلق بالسلام.
وخرج به الكافر، فلا يسن السلام عليه، بل يحرم - كما سيذكره - (قوله: غير نحو فاسق أو مبتدع) سيأتي محترزهما.
(قوله: حتى الصبي المميز) غاية في المسلم: أي يسن السلام عليه، ولو كان صبيا مميزا.
(قوله: وإن ظن عدم الرد) غاية في سنية إبتداء السلام على مسلم.
فلو أخرها عن قوله سنة لكان أولى (قوله: سنة) قال الحليمي: وإنما كان الرد فرضا والابتداء سنة، لان أصل السلام أمان ودعاء بالسلامة، وكل اثنين أحدهما آمن من الآخر، يجب أن يكون الآخر آمنا منه، فلا يجوز لاحد إذا سلم عليه غيره أن يسكت عنه لئلا يخافه.
اه.
واعلم: أن أصل السلام ثابت بالكتاب والسنة والاجماع، أما الكتاب فقد قال سبحانه وتعالى: * (فإذا دخلتم بيوتا
فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) *.
وقال تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) *.
وقال تعالى: * (فقالوا سلاما قال سلام) *.
وأما السنة ففي الصحيحين: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلا سأل رسول الله (ص): أي الاسلام خير ؟ قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعر ف.
وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: خلق الله عزوجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك.
فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله.
فزادوه رحمة الله.
وفيهما عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله (ص) بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار القسم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.
أو لا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم.
(قوله: عينا للواحد) حال من سنة: أي حال كون السنة عينا: أي سنة عين من الواحد.
(قوله: وكفاية للجماعة) أي وسنة كفاية إذا كان من جماعة، فإذا فعله واحد منهم، فقد أدى المطلوب وسقط الطلب به عن الباقين.
قال ابن رسلان في زبده: والسنة المثاب من قد فعله ولم يعاقب امرؤ إن أهمله ومنه مسنون على الكفاية كالبدء بالسلام من جماعة (قوله: كالتسمية للاكل) أي فإنها سنة عين من الواحد، وكفاية من الجماعة.
(قوله: لخبر الخ) دليل على سنية إبتداء السلام: أي وإنما كان سنة لخبر: إن أولى الناس بالله - أي برحمته، أو بدخول جنته - أي من بدأهم بالسلام.
__________
(1) سورة النور، الاية: 61.
(2) سورة النساء، الاية: 86.
(3) سورة الذاريات، الاية: 25.(4/213)
(قوله: وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل) أي من الرد، وإن كان واجبا.
(قوله: كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره) أي مع أن الابراء سنة، والانظار واجب.
(قوله: وصيغة إبتدائه السلام عليكم) أي وصيغة رده: وعلكيم السلام، أو سلام
ولو ترك الواو جاز - وإن كان ذكرها أفضل - فإن عكس فيهما، بأن قال في الابتداء عليكم السلام، وقال في الرد السلام عليكم، جاز وكفى.
فإن قال في الرد وعليكم وسكت عن السلام لم يجز: إذ ليس فيه تعرض للسلام.
(قوله: وكذا عليكم السلام) أي وكذلك يكفي في صيغة الابتداء عليكم السلام بتقديم الخبر.
(قوله: أو سلام) معطوف على لفظ السلام: أي وكذا يكفي عليكم سلام، بالتنكير وتقديم الخبر.
(قوله: لكنه مكروه) أي لكن الاتيان في الابتداء بعليكم السلام، أو عليكم سلام مكروه، فضمير لكنه يعود على ما بعد، وكذا لا على قوله أو سلام فقط.
وعبارة النهاية: ويجزئ مع الكراهة عليكم السلام، ويجب فيه الرد، وكعليكم السلام عليكم سلام.
اه.
(وقوله: للنهي عنه) أي في خبر الترمذي وغيره.
(قوله: ومع ذلك) أي مع كونه مكروها.
(وقوله: يجب الرد فيه) أي في هذا المكروه.
(قوله: بخلاف وعليكم السلام) أي فإنه لا يجب فيه الرد، لانه لا يصلح لابتداء السلام، لتقدم واو العطف.
(قوله: والافضل في الابتداء والرد الخ) قال النووي في الاذكار: إعلم أن الافضل أن يقول المسلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع، وإن كان المسلم عليه واحدا ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله وعليكم.
وممن نص على أن الافضل في المبتدئ أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الامام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه الحاوي في كتاب السير، والامام أبو سعيد المتولي من أصحابنا في كتاب صلاة الجمعة وغيرهما.
ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام ثم جلس.
فقال النبي (ص) عشر.
ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرده عليه فجلس، فقال عشرون.
ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال ثلاثون قال الترمذي حديث حسن.
وفي رواية لابي داود من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه زيادة على هذا: قال: ثم أتى آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال أربعون، وقال: هكذا تكون الفضائل.
اه.
(قوله: حتى في الواحد) أي يأتي المبتدئ بصيغة الجمع، ولو كان المسلم عليه واحدا، ويأتي الراد بذلك أيضا، ولو كان المسلم عليه واحدا.
(وقوله: لاجل الملائكة) أي نظرا لمن معه من الملائكة.
قال ابن العربي: إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو سلمت على أحد في الطريق، فقلت السلام عليكم، فأحضر في قلبك كل عبد صالح لله في الارض والسماء، وميت وحي، فإن من في ذلك المقام يرد عليك، فلا يبقى ملك مقرب، ولا روح مطهر، يبلغه سلامك إلا ويرد عليك، وهو دعاء فيستجاب فيك فتفلح، ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيم في
جلاله المشتغل به، فأنت قد سلمت عليه في هذا الشمول، فإن الله ينوب عنه في الرد عليك، وكفى بهذا شرفا لك حيث يسلم عليك الحق.
فليته لم يسمع أحد ممن سلمت عليه، حتى ينوب الله عن الكل في الرد عليك.
اه.
مناوي.
(قوله: وزيادة الخ) أي والافضل زيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته، لما تقدم آنفا عن النووي، ولما روي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل يمر بالنبي (ص) يرعى دواب أصحابه فيقول السلام عليك يا رسول الله، فيقول له النبي (ص) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه.
فقيل يا رسول الله تسلم على هذا سلاما ما تسلمه على أحد من(4/214)
أصحابك.
قال وما يمنعني من ذلك وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلا.
(قوله: ولا يكفي الافراد للجماعة) أي ولا يكفي الافراد في السلام على الجماعة فلا يجب عليهم الرد.
(قوله: ولو سلم كل) أي من اثنين تلاقيا.
(قوله: فإن ترتبا) أي السلامان بأن تقدم أحدهما على الآخر.
(وقوله: كان الثاني جوابا) أي كان السلام الثاني كافيا في الرد: أي إن قصد به الرد أو أطلق أو شرك أخذا مما بعده.
(وقوله: ما لم يقصد) أي المسلم الثاني به: أي بسلامه الابتداء وحده، فإن قصده وحده لم يكف عن الجواب، فيجب عليه رد السلام على من سلم عليه أولا.
(قوله: وإلا لزم كلا الرد) أي وإن لم يترتبا، بأن وقع سلامهما دفعة واحدة، لزم كلا منهما أن يرد سلام الآخر.
(قوله: يسن إرسال السلام) أي برسول أو بكتاب.
(وقوله: للغائب) أي الذي يشرع له السلام عليه لو كان حاضرا بأن يكون مسلما غير نحو فاسق أو مبتدع (قوله: ويلزم الرسول التبليغ) أي ولو بعد مدة طويلة، بأن نسي ذلك ثم تذكره لانه أمانة.
اه.
ع ش (قوله: لانه) أي السلام المرسل أمانة.
(قوله: ويجب أداؤها) أي الامانة.
قال بعضهم: والظاهر أنه لا يلزم المبلغ قصد محل الغائب، بل إذا اجتمع به وذكر بلغه.
اه.
ونظر فيه في التحفة، وقال: بل الذي يتجه أنه يلزمه قصد محله حيث لا مشقة شديدة عرفا عليه، لان أداء الامانة ما أمكن واجب.
اه.
(قوله: ومحله) أي ومحل لزوم التبليغ عليه.
(وقوله: ما إذا رضي) أي لفظا والاولى حذف لفظ ما والاقتصار على ما بعده.
(وقوله: بتحمل تلك الامانة) أي وهي السلام المرسل للغائب.
(قوله: أما لو ردها) أي تلك الامانة (وقوله: فلا) أي فلا يلزمه التبليغ.
(قوله: وكذا إن سكت) أي وكذا لا يلزمه التبليغ إن سكت ولم يردها لفظا.
قال في التحفة بعده أخذا من قولهم لا ينسب لساكت قول، وكما لو جعلت بين يديه وديعة فسكت.
ويحتمل التفصيل بين أن تظهر منه قرينة تدل على الرضا وعدمه.
اه.
(قوله: وقال بعضهم الخ) عبارة التحفة: ثم رأيت بعضهم قال: قالوا يجب على الموصى به تبليغه ومحله الخ.
اه.
فالشارح تصرف فيها حتى جعل قوله ومحله الخ من
كلامه وأنه تابع فيه لشيخه مع أنه من مقول البعض، كما يعلم من آخر عبارة التحفة.
(وقوله: يجب على الموصى به تبليغه) يعني إذا أوصى شخص آخر أن يبلغ سلامه على زيد مثلا بعد موته، فيجب على ذلك الشخص الموصى - بفتح الصاد - بالسلام التبليغ.
(قوله: ومحله) أي ومحل وجوب التبليغ على الوصي.
(وقوله: إن قبل الوصية) أي لانه يبعد تكليفه الوجوب بمجرد الوصية.
(وقوله: يدل على التحمل) أي تحمل أمانة السلام.
(قوله: ويلزم المرسل إليه الرد فورا) أي إن أتى الرسول بصيغة معتبرة، كأن قال له فلان يقول لك السلام عليك، أو أتى المرسل بها، كأن قال السلام على فلان فبلغه عني، فقال الرسول له: زيد يسلم عليك.
والحاصل، لا بد في وجوب الرد، من صيغة شرعية من المرسل أو الرسول، بخلاف ما إذا لم توجد من واحد منهما، كأن قال المرسل سلم لي على فلان، فقال الرسول لفلان زيد يسلم عليك، فلا يجب الرد.
(قوله: وبه الخ) معطوف على باللفظ: أي ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ أو بالكتابة، فيما إذا أرسل له السلام في كتاب فيلزم الرد إما باللفظ أو بالكتابة.
(قوله: ويندب الرد) أي في ضمن رده على المرسل، كما يعلم من التفريع بقوله فيقول الخ.
(قوله: والبداءة به) أي ويندب البداءة بالمبلغ في صيغة رد السلام.
(قوله: فيقول الخ) بيان لكيفية(4/215)
صيغة الرد على المبلغ، مع البداءة به وعلى المرسل: أي فيقول المرسل إليه في الرد عليهما، وعليك وعليه السلام.
(قوله: للخبر المشهور فيه) أي في ندب الرد على المبلغ مع البداءة به، وذلك الخبر هو ما رواه أبو داود في سننه، عن غالب القطان عن رجل قال له: حدثني أبي عن جدي قال: بعثني أبي إلى رسول الله (ص) فقال: ائته فأقرئه السلام، فأتيته فقلت إن أبي يقرئك السلام، فقال عليك السلام وعلى أبيك السلام.
(قوله: ندب البداءة بالمرسل) أي بأن يقول وعليه وعليك السلام.
(قوله: ويحرم أن يبدأ به) أي بالسلام ذميا، وذلك للنهي عنه في خبر مسلم، فإن بان من سلم عليه معتقدا أنه مسلم ذميا، استحب له أن يسترد سلامه، بأن يقول له رد علي سلامي.
والغرض من ذلك أن يوحشه، ويظهر له أنه ليس بينهما ألفة.
وروي أن ابن عمر سلم على رجل، فقيل له إنه يهودي فتبعه، وقال له: رد علي سلامي.
قال النووي في الاذكار: روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه.
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم.
وروينا في صحيح البخاري، عن
ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) قال: إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك، فقل وعليك.
ثم قال: قال أبو سعيد: لو أراد تحية ذمي فعلها بغير السلام، بأن يقول هداك الله، وأنعم الله صباحك.
قلت: هذا الذي قاله أبو سعيد لا بأس به إذا احتاج إليه، وأما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئا، فإن ذلك بسط له وإيناس، وإظهار صورة مودة، ونحن مأمورون بالاغلاظ عليهم، ومنهيون عن ودهم فلا نظهره.
والله أعلم.
اه.
(قوله: ويستثنيه) أي الذمي وجوبا إن كان ذلك الذمي مع مسلم.
قال النووي في الاذكار أيضا: إذا مر على جماعة فيهم مسلمون، أو مسلم وكفار، فالسنة أن يسلم عليهم، ويقصد المسلمين أو المسلم.
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أسامة رضي الله عنه أن النبي (ص) مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود، فسلم عليهم النبي (ص).
اه.
(قوله: ويسن لمن دخل الخ) قال في الروض وشرحه: ومن دخل داره فليسلم ندبا على أهله، لخبر أنس أنه (ص) قال له: يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك وعلى أهلك رواه الترمذي، وقال حسن صحيح، أو دخل موضعا خاليا عن الناس فليقل ندبا، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
لما روى مالك في موطئه، أنه بلغني أنه يستحب ذلك، وقال تعالى: * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) * وليقل ندبا قبل دخوله، بسم الله، ويدعو بما أحب، ثم يسلم بعد دخوله لخبر أبي داود، إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني أسألك خير المولج وخير المدخل.
بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا، ثم يسلم على أهله.
اه.
(قوله: ولا يندب السلام على قاضي حاجة الخ) أي للنهي عنه، ولان مكالمته بعيدة عن المروءة والادب، ولا يندب أيضا على من في الحمام.
قال الرافعي: لانه بيت الشيطان، ولاشتغاله بالغسل.
اه.
(وقوله: بول) مضاف إليه لفظ حاجة، والاضافة فيه للبيان.
(قوله: ولا على شارب) أي ولا يندب على شارب: أي في فمه جرعة ماء على قياس ما بعده.
(وقوله: لشغله) أي المذكور من الشارب والآكل، بما في فيه من الماء واللقمة.
(قوله: ولا على فاسق) أي ولا يندب السلام على فاسق.
قال الامام النووي في الاذكار: وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه، فينبغي أن لا يسلم عليهم ولا يرد عليهم السلام، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء.
فإن اضطر إلى السلام على
__________
(1) سورة النور، الاية: 61.(4/216)
الظلمة، بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة على دينه أو دنياه أو غيرهما، إن لم يسلم عليهم.
قال الامام أبو بكر بن العربي: قال العلماء يسلم وينوي أن السلام من أسماء الله تعالى: المعنى الله عليكم رقيب.
اه.
(قوله: بل يسن تركه) أي ترك السلام فيثاب عليه.
(وقوله: على مجاهر بفسقه) حال من ضمير تركه، أو متعلق بنفس الضمير، بناء على القول بجواز ذلك إذا عاد على ما يجوز التعلق به.
(قوله: ومرتكب ذنب عظيم) الذي يظهر أنه معطوف على مجاهر، ومثله ما بعده.
ثم رأيت العلامة الرشيدي صرح به مستدلا بعبارة التحفة المماثلة لعبارة شارحنا.
فتحصل أن هؤلاء لا يسن إبتداء السلام عليهم.
ويسن تركه بحيث يثاب عليه، وما عداهم من مرتكب ذنب غير عظيم، وهو مخف لا يسن السلام عليه فقط، وأما تركه فليس بسنة، بل هو مباح.
(قوله: إلا لعذر) يحتمل إرتباطه بقوله ولا على فاسق، ويحتمل إرتباطه بقوله بل يسن تركه.
قال ع ش: ومن العذر خوفه أن يقطع نفقته.
(قوله: أو خوف مفسدة) عطف على عذر من عطف الخاص على العام.
إذ العذر شامل لخوف المفسدة.
(قوله: ولا على مصل الخ) أي ولا يندب السلام على مصل الخ.
والحاصل، ضابط من لا يندب السلام عليه كل شخص مشغول بحالة لا يليق بالمروءة القرب منه فيها.
كذا في شرح الروض.
(قوله: ولا رد عليهم) أي ولا رد واجب عليهم: أي على قاضي الحاجة ومن بعده، لان من لا يستحب السلام عليه لا يلزمه رده لو سلم عليه، إلا ما استثنى.
(قوله: إلا مستمع الخطيب) أي إذا سلم عليه.
(وقوله: فإنه يجب عليه ذلك) أي الرد.
أي مع أن السلام عليه مكروه، وقيل لا يجب عليه الرد، لتقصير المسلم عليه.
وعبارة المغني: وإذا سلم على حاضر الخطبة وقلنا بالجديد لا يحرم عليهم الكلام، ففي الرد ثلاثة أوجه: أصحها عند البغوي وجوب الرد، وصححه البلقيني، والثاني استحبابه، والثالث جوازه.
اه.
(قوله: بل يكره الرد لقاضي الحاجة الخ) أي لانه يسن لهم عدم الكلام مطلقا.
(قوله: ويسن) أي الرد للآكل المتقدم، وهو الذي سلم عليه واللقمة بفمه.
(وقوله: وإن كانت اللقمة بفيه) أي يسن للآكل المذكور الرد سواء كانت اللقمة باقية بفمه أو لا.
(قوله: نعم: يسن الخ) استثناء من الآكل، وهو في الحقيقة مفهوم التقييد بقوله سابقا في فمه اللقمة، فإنه يفهم منه أنه إذا لم تكن في فمه يندب السلام عليه، وإذا ندب وجب رده.
وعبارة المغني: واستثنى الامام من الآكل، ما إذا سلم عليه بعد الابتلاع.
وقبل وضع لقمة أخرى، فيسن السلام عليه، ويجب عليه الرد، وكذا من في محل نزع الثياب في الحمام - كما جرى عليه الزركشي وغيره - اه.
(قوله: ويسن الرد لمن في الحمام) الاخصر حذف قوله: ويسن الرد.
ويكون قوله ولمن الخ معطوفا على للآكل وهو
الاولى أيضا، ليكون قوله باللفظ مرتبطا برد الآكل أيضا.
(قوله: وملب) أي ويسن الرد لملب.
قال النووي: والملبي يكره أن يسلم عليه، لانه يكره له قطع التلبية، فإن سلم عليه، رد السلام باللفظ.
نص عليه الشافعي وأصحابنا.
اه.
(قوله: ولمصل الخ) أي ويسن الرد لمن سلم عليه وهو في الصلاة أو الاذان أو الاقامة بالاشارة بالرأس أو باليد أو بغير ذلك.
قال النووي في الاذكار: وأما المصلي فيحرم عليه أن يقول وعليكم السلام، فإن فعل ذلك بطلت صلاته إن كان عالما بتحريمه، وإن كان جاهلا لم تبطل على أصح الوجهين عندنا، وإن قال عليه السلام - بلفظ الغيبة - لم تبطل صلاته، لانه دعاء ليس بخطاب، والمستحب أن يرد عليه في الصلاة بالاشارة، ولا يتلفظ بشئ، وإن رد بعد الفراغ من الصلاة فلا بأس.
وأما المؤذن فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد، لان ذلك يسير لا يبطل الاذان ولا يخل به.
اه.
وما جرى عليه الشارح في الاذان من رده بالاشارة، وإلا فبعد الفراغ خلاف ما ذكر.
(قوله: بالاشارة) متعلق بما تعلق به.(4/217)
(قوله: لمصل الخ) أي ويسن الرد بالاشارة لمصل الخ.
(قوله: وإلا فبعد الفراغ) أي وإن لم يرد من ذكر من المصلي والمؤذن والمقيم بالاشارة، فليرد بعد الفراغ: أي من الصلاة أو الاذان أو الاقامة.
وما ذكر من سنية الرد بالاشارة أو بعد الفراغ هو الاوجه.
وقيل يجب بعد الفراغ.
وعبارة المغني: ولو سلم على المؤذن لم يجب حتى يفرغ.
وهل الاجابة بعد الفراغ واجبة أو مندوبة ؟ لم يصر جوابه.
والاوجه - كما قال البلقيني - أنه لا يجب.
اه.
(قوله: أي إن قرب الفصل) أي بين السلام والرد: قال ع ش: بأن لا يقطع القبول عن الايجاب في البيع.
اه.
(قوله: ولا يجب) أي الرد.
(وقوله: عليهم) أي على الآكل، ومن في الحمام ومن بعده.
وقد نظم الجلال السيوطي المسائل التي لا يجب فيها الرد فقال: رد السلام واجب إلا على من في صلاة أو بأكل شغلا أو شرب أو قراءة أو أدعية أو ذكر أو في خطبة أو تلبية أو في قضاء حاجة الانسان أو في إقامة أو الاذان أو سلم الطفل أو السكران أو شابة يخشى بها افتتان أو فاسق أو ناعس أو نائم أو حالة الجماع أو تحاكم أو كان في حمام أو مجنونا فواحد من بعده عشرونا وقوله: أو شابة يقرأ بتخفيف الباء للضرورة.
(قوله: ويسن عند التلاقي) أي في طريق.
وخرج بالتلاقي ما إذا كان القوم جلوسا، أو وقوفا، أو مضجعين، وورد عليهم غيرهم، فالوارد يبدأ بالسلام مطلقا سواء كان صغيرا أو كبيرا، قليلا أو كثيرا.
(قوله: سلام صغير الخ) فلو عكس، بأن سلم الكبير على الصغير، أو الواقف على الماشي، أو الماشي على الراكب، لم يكره، وإن كان خلاف السنة (وقوله: وماش على واقف) أي أو جالس أو مضطجع.
(وقوله: وراكب عليهم) أي ويسن سلام راكب على كبير وماش وواقف، ولو كان الراكب صغيرا.
(قوله: وقليلين على كثيرين) أي ويسن سلام قليلين على كثيرين.
قال في شرح الروض: فلو تلاقى قليل ماش، وكثير راكب، تعارضا.
اه.
(وقوله: تعارضا) أي فلا أولوية لاحدهما على الآخر.
(قوله: وحتى الظهر) أي عند السلام.
(وقوله: مكروه) أي لخبر: أن رجلا قال: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له ؟ قال: لا.
قال أفيلتزمه ويقبله ؟ قال: لا.
قال فيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال: نعم رواه الترمذي.
ولا يغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح، أو غيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله (ص)، قال الله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) *.
وعن الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طريق الهدي ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين.
ومحل كراهة التقبيل، إذا لم يكن لنحو صلاح، أما إذا كان لذلك فلا يكره - بل يندب - كما سينص عليه قريبا.
(قوله: وقال كثيرون حرام) أي خصوصا إن وصل إلى حد الركوع (قوله: وأفتى النووي بكراهة الانحناء بالرأس) معتمد (قوله: وتقبيل الخ) معطوف على الانحناء: أي وأفتى بكراهة تقبيل الخ، ومحلها في غير تقبيل الامرد الحسن الوجه، أما هو فيحرم بكل حال - سواء قدم من سفر أم لا - والمعانقة كالتقبيل، بل أولى.
(وقوله: لا سيما لنحو غني) أي خصوصا إذا كان لنحو غني.
ودخل تحت نحو: ذو
__________
(1) سورة الحشر، الاية: 7.(4/218)
ثروة وشوكة ووجاهة.
(وقوله: لحديث الخ) تعليل لكراهة التقبيل لنحو غني.
(وقوله: من تواضع) أي من أظهر التواضع، سواء كان بتقبيل أو قيام، أو غير ذلك.
(قوله: ويندب ذلك) أي التقبيل: قال الامام النووي في الاذكار: إذا أراد تقبيل غيره، إن كان ذلك لزهده وصلاحه، أو علمه، أو شرفه، وصيانته، أو نحو ذلك من الامور الدينية لم يكره، بل يستحب.
وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فهو مكروه شديد الكراهة.
وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز، فأشار إلى أنه حرام.
روينا في سنن أبي داود عن زارع رضي الله عنه - وكان في وفد عبد
القيس - قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي (ص) ورجله، ثم قال: وأما تقبيل الرجل خد ولده الصغير وأخيه، وقبلة غير خده من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة فسنة، وكذلك قبلته ولد صديقه وغيره من صغار الاطفال على هذا الوجه، وأما التقبيل بالشهوة فحرام بالاتفاق، وسواء في ذلك الوالد وغيره، بل النظر إليه بالشهوة حرام إتفاقا: على القريب والاجنبي.
اه.
(قوله: ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة) أي إكراما وبرا وإحتراما له لا رياءا.
(وقوله: من نحو صلاح) بيان للفضيلة.
(وقوله: أو ولادة) أي ويسن القيام لمن له ولادة: كأب أو أم.
(وقوله: أو ولاية) أي ولاية حكم: كأمير وقاض.
(قوله: مصحوبة بصيانة) قال ع ش: راجع للجميع.
اه.
والمراد بالصيانة: العفة والعدالة، ومفهومها أنه لو كان كل ممن ذكر ليس فيه صيانة، بأن كان فاسقا أو ظالما، فلا يسن له القيام (قوله: أو لمن يرجى خيره) أي ويسن القيام لمن يترقب خيره، قال السيد عمر البصري: لعل المراد الخير الاخروي - كالمعلم - حتى لا ينافي الحديث المار.
اه.
(وقوله: أو يخشى شره) أي يخاف شره لو لم يقم له.
(قوله: ويحرم على الرجل أن يحب الخ) أي للحديث الحسن من أحب أن يتمثل الناس له قياما، فليتبوأ مقعده من النار.
(قوله: ويسن تقبيل الخ) أي لما روي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله (ص) في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي (ص) يجر ثوبه، فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن.
(قوله: كتشميت عاطس) أي فهو سنة عندنا، واختلف أصحاب مالك في وجوبه: فقال القاضي عبد الوهاب هو سنة، ويجزئ تشميت واحد من الجماعة، كمذهبنا، وقال ابن مزين يلزم كل واحد منهم، واختاره ابن العربي المالكي اه.
أذكار.
(قوله: بالغ) سيذكر مقابله.
(قوله: حمد الله تعالى) قيد وسيذكر محترزه، ولا بد أيضا أن لا يزيد عطاسه على ثلاث، وأن لا يكون بسبب، وإلا فلا يسن التشميت.
(قوله: بيرحمك الله) أي أن التشميت يكون بيرحمك الله، أو ربك، أو بيرحمكم الله، أو رحمكم الله.
(قوله: وصغير مميز) معطوف على بالغ، وهو مفهومه: أي وكتشميت صغير مميز، ولم يقيد في التحفة والنهاية الصغير بكونه مميزا، ولعل ما جرى عليه الشارح هو الظاهر، لان التشميت لا يسن إلا بعد الحمد، وإذا كان غير مميز فلا يتصور منه حمد.
(وقوله: بنحو أصلحك الله) أي تشميت الصغير يكون بما يناسبه، كأصلحك الله، أو أنشأك الله إنشاء صالحا، أو بارك الله فيك، ولم يفرق النووي في الاذكار بين ما يشمت به الكبير والصغير.
(قوله: فإنه) أي التشميت سنة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى، كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا
تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان.
قال العلماء: والحكمة في ذلك أن العطاس سببه محمود، وهو خفة الجسم التي تكون لقلة الاخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لانه يضعف الشهوة ويسهل الطاعة، والتثاؤب بضد ذلك.
(قوله: على الكفاية إن سمع جماعة) أي العطاس والحمد عقبه، فالمفعول(4/219)
محذوف.
فإذا شمت واحد سقط الطلب عن الباقين، لكم الافضل أن يشمته كل واحد منهم، للحديث المتقدم.
(قوله: وسنة عين إن سمع واحد) قال في الاذكار.
فإن كانوا جماعة فسمعه بعضهم دون بعض، فالمختار أنه يشمته من سمعه دون غيره.
وحكى ابن العربي خلافا في تشميت الذي لم يسمع الحمد، إذا سمع تشميت صاحبه، فقيل يشمته لانه عرف عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل لا لانه لم يسمعه.
اه.
(قوله: إذا حمد الله الخ) أعاده لاجل بيان إشتراط العقبية، وبيان أن الحمد سنة عين للعاطس.
ولو قال أولا حمد الله عقب عطاسه بأن الخ، ثم قال بعد قوله فإنه سنة عين كالحمد للعاطس، فإنه يسن الخ لكان أخصر وأسبك.
(وقوله: عقب عطاسه) لم يقيد به في التحفة والنهاية وشرح الروض والاذكار فليراجع.
(قوله: بأن لم الخ) تصوير للعقبية.
(وقوله: بينهما) أي العطاس والحمد.
(وقوله: فوق الخ) أي مقدار فوق الخ.
فلفظ فوق صفة لموصوف محذوف هو الفاعل، أو لفظ فوق هي الفاعل لانها من الظروف المتصرفة.
(قوله: فإنه يسن له) أي للعاطس عينا (وقوله: أن يقول عقبه) أي العطاس وذلك لحديث: إذا عطس أحدكم فليحمد الله تعالى.
(قوله: وأفضل منه) أي من الحمد لله، الحمد لله رب العالمين.
(وقوله: وأفضل منه) أي من الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على كل حال، وذلك لحديث: من عطس أو تجشى فقال: الحمد لله على كل حال، رفع الله عنه سبعين داء، أهونها الجذام.
فائدة: من قال بعد العطاس عقب حمدا لله: اللهم ارزقني مالا يكفيني، وبيتا يأويني، واحفظ علي عقلي وديني، واكفني شر من يؤذيني: أعطاه الله سؤاله.
اه.
بجيرمي.
(قوله: من لم يحمده) أي أو قال لفظا آخر غير الحمد.
(وقوله: عقبه) الاولى إسقاطه لانه ليس داخلا في المخرج بالحمد، أو يقول وخرج بقولي عقبه ما إذا لم يحمده عقبه.
(قوله: فلا يسن التشميت له) أي للعاطس الذي لم يحمد الله تعالى عقبه.
(قوله: فإن شك) أي شخص في أن العاطس حمد أو لا.
(قوله: قال) أي الشاك.
(وقوله: يرحم الله من
حمده) أي ولا يقول رحمك الله بالخطاب.
(قوله: ويسن تذكيره الحمد) أي ويسن تذكير من عطس، ولم يحمد الله تعالى الحمد، لانه إعانة على معروف، ولما روي من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص - أي وجع الضرس - واللوص - أي وجع الاذن - والعلوص - وهو وجع البطن - ونظمها بعضهم فقال: من يبتدي عاطسا بالحمد يأمن من شوس ولوص وعلوص، كذا وردا (قوله: وعند توالي العطاس يشمته لثلاث) أي لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد ثلاث.
قال النووي في الاذكار: واختلف العلماء فيه - أي في المزكوم - فقال ابن العربي المالكي قيل يقال له في الثانية إنك مزكوم، وقيل يقال له في الثالثة، وقيل في الرابعة، والاصح أنه في الثالثة.
قال والمعنى فيه، أنك لست ممن يشمت بعد هذا، لان هذا الذي بك زكام ومرض لا خفة العطاس.
فإن قيل: فإذا كان مرضا فكان ينبغي أن يدعى له ويشمت، لانه أحق بالدعاء من غيره.
فالجواب: أنه يستحب أن يدعى له، لكن غير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت.
اه.(4/220)
(قوله: ويسر به) أي بالحمد المصلي.
قال في الاذكار: إذا عطس في صلاته، يستحب أن يقول الحمد لله ويسمع نفسه، هذا مذهبنا.
ولاصحاب مالك ثلاثة أقوال: أحدها، هذا، واختاره ابن العربي، والثاني: يحمد في نفسه، والثالث: قاله سحنون، لا يحمد جهرا ولا في نفسه.
اه.
(قوله: ويحمد في نفسه الخ) أي يجري ألفاظ الحمد في قلبه في غير أن يتلفظ بها إن كان العاطس مشغولا ببول ونحوه كغائط.
وبالتفسير المذكور حصل الفرق بينه وبين الحمد سرا وحاصله أن معنى الحمد سرا، أن يتكلم به بحيث يسمع نفسه، ومعنى الحمد في نفسه إجراؤه على قلبه من غير أن يتكلم به، ويثاب على هذا الحمد.
وليس لنا ذكر يثاب عليه من غير لفظ إلا هذا - كما تقدم أول الكتاب في آداب داخل الخلاء -.
(قوله: ويشترط رفع) أي رفع الصوت.
(وقوله: بكل) أي من الحمد والتشميت.
(وقوله: بحيث يسمعه صاحبه) أي بحيث يسمع أحدهما الآخر، فالحمد يرفع صوته بالحمد بحيث يسمعه المشمت، والمشمت يرفع صوته بالتشميت، بحيث يسمعه الحامد.
(قوله: ويسن للعاطس وضع شئ عى وجهه وخفض صوته ما أمكنه) أي لما روي
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله (ص) إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض - أو غض - بها صوته.
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): إن الله عزوجل يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول: التثاؤب الرفيع والعطشة الشديدة من الشيطان.
(قوله: وإجابة مشمته) أي ويسن للعاطس أن يجيب مشمته: أي من قال له يرحمك الله.
(وقوله: بنحو الخ) متعلق بإجابة.
(قوله: للامر به) الاولى بها: أي بإجابة المشمت، وذلك في قوله (ص): إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم.
أي شأنكم.
(قوله: ويسن للمتثائت الخ) أي للحديث المتقدم.
(قوله: وستر فيه الخ) أي ويسن له ستر فمه عند التثاؤب: لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه، فإن الشيطان يدخل.
(وقوله: ولو في الصلاة) أي ولو كان التثاؤب في الصلاة، ولا ينافيه ما تقدم في باب الصلاة، من أنه يكره للمصلي وضع يده على فمه، لان محله إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب وشبهه.
(وقوله: بيده اليسرى) متعلق بستر.
(قوله: ويسن إجابة الداعي) أي المنادي له.
(وقوله: بلبيك) بأن يقول له لبيك فقط، أو لبيك وسعديك.
ويسن أيضا أن يرحب بالقادم عليه، بأن يقول له مرحبا، وأن يدعو لمن أحسن إليه، بأن يقول جزاك الله خيرا، أو حفظك الله ونحوهما، للاخبار المشهورة بذلك.
(قوله: والجهاد فرض كفاية الخ) شروع في بيان شروط الجهاد الذي هو فرض كفاية، أما الذي هو فرض عين، فلا تشترط فيه هذه الشروط كما سيذكره.
(قوله: على كل مسلم) أي فلا جهاد على كافر ولو ذميا، لقوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * فخاطب به المؤمنين دون غيرهم، ولان الذمي إنما بذل الجزية لنذب عنه، لا ليذب عنا.
(قوله: مكلف) أي بالغ عاقل ولو حكما، فدخل السكران المتعدي، فلا جهاد على صبي لان النبي (ص) رد ابن عمر يوم أحد - وكان إذ ذاك ابن أربع عشرة سنة - وأجازه يوم الخندق، وكان إذ ذاك ابن خمس عشرة سنة، ولا على مجنون لقوله تعالى: * (ليس على الضعفاء) * الآية، قيل هم المجانين لضعف عقولهم، وقيل الصبيان لضعف أبدانهم (قوله: لرفع القلم عن غيرهما) أي عن غير البالغ والعاقل.
(قوله: ذكر) أي واضح الذكورة، فلا جهاد
__________
(1) سورة التوبة، الاية: 123.
(2) سورة التوبة، الاية: 91.(4/221)
على امرأة وخنثى مشكل لضعفهما غالبا، ولقوله تعالى: * (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) *.
ولفظ المؤمنين ينصرف للرجال دون النساء، ولخبر البيهقي وغيره: عن عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد ؟ قال: نعم.
جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة.
وتسمية الحج جهادا لكونه مشتملا على مجاهدة النفس بالتعب والمشقة.
(قوله: لضعف المرأة عنه) أي عن الجهاد، ومثلها الخنثى.
(قوله: حر) أي كله.
(قوله: فلا يجب على ذي رق) أي ذكرا كان أو أنثى (وقوله: ولو مكاتبا) أي أو مدبرا.
(قوله: وإن أذن له سيده) أي فلا يجب عليه، ولو أمره به فلا يجب عليه امتثال أمره لان الجهاد ليس من الاستخدام المستحق للسيد، فإن الملك لا يقتضي التعريض للهلاك.
نعم: للسيد استصحاب غير المكاتب معه في الجهاد للخدمة.
(قوله: لنقصه) أي ذي الرق أي ولقوله تعالى: * (وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) *.
ولا مال للرقيق، ولا نفس له يملكها، فلم يشمله الخطاب.
(قوله: مستطيع) أي للجهاد بأن يكون صحيحا واجدا ما يكفيه ذهابا وإيابا، فاضلا عن مؤنة من تلزمه مؤنته كذلك.
والحاصل، الاستطاعة المعتبرة في الحج معتبرة هنا، ما عدا أمن الطريق، فليس معتبرا هنا وإن اعتبر في الحج، فلو كان الطريق مخوفا من كفار، أو لصوص مسلمين، لا يمتنع الجهاد.
لان مبناه على إرتكاب المخاوف، فيحتمل فيه ما لا يحتمل في الحج.
(قوله: له) أي للمستطيع (وقوله: سلاح) أي يصلح لقتال العدو.
(قوله: فلا يجب) أي الجهاد على غير مستطيع، وذلك لقوله تعالى: * (ليس على الاعمى حرج، ولا على الاعرج حرج، ولا على المريض حرج) *.
(قوله: كأقطع) أي لليدين أو الرجلين أو الواحدة منهما.
(قوله: وفاقد معظم أصابع يده) أي أو أشل معظمها، وإنما لم يجب الجهاد مع ذلك، لان المقصود منه البطش والنكاية، وهو مفقود فيهما.
وخرج بمعظم فقد الاقل.
وبقوله أصابع يده فقد معظم أصابع رجليه فلا أثر فيهما، لامكان البطش والنكاية بذلك.
(قوله: ومن به عرج بين) أي ولو في رجل واحدة.
وخرج بالبين العرج اليسير الذي لا يمنع المشي، فإنه لا يؤثر.
(قوله: أو مرض تعظم مشقته) أي بأن كان يمنعه من الركوب والقتال إلا بمشقة شديدة، بحيث لا تحتمل عادة، كحمى مطبقه، بخلاف المرض الذي لا يمنعه عن ذلك، كصداع خفيف، ووجع ضرس، وحمى خفيفة، فإنه لا يؤثر.
(قوله: وكعادم مؤن) أي لنفسه.
(وقوله: ومركوب) أي وكعادم مركوب حسا أو شرعا.
(وقوله: في سفر قصر) قيد في المركوب، فهو ليس بشرط، إلا إن كان السفر سفر قصر، فإن كان دونه لم يشترط إن كان قادرا على المشي، وإلا اشترط.
(قوله: فاضل ذلك) نعت لكل من قوله مؤن، وقوله
مركوب، واسم الاشارة يعود عليه أيضا.
والمعنى وكعادم المؤن المركوب الفاضلين على مؤنة من تلزمه مؤنته، وذلك صادق بأن لا يوجد أصلا وأوجدا، لكن غير فاضلين عن ذلك لان النفي المأخوذ من عادم يصح تسليطه على المقيد والقيد معا، أو على القيد فقط.
(قوله: ولا على من لبس له سلاح) أي ولا يجب الجهاد على من ليس عنده سلاح (قوله: لان عادم ذلك الخ) علة لعدم وجوبه على من ليس عنده سلاح: أي وإنما لم يجب لان عادم السلاح لا تحصل به النصرة على العدو.
(قوله: وحرم على مدين) أي ولو والدا.
(قوله: موسر) أي بأن كان عنده أزيد مما يبقى للمفلس فيما يظهر، ويلحق بالمدين وليه.
(وقوله: عليه) أي الموسر.
(وقوله: دين حال) سيذكر محترزه.
(قوله: لم يوكل الخ) أي فإن وكل
__________
(1) سورة الانفال، الاية: 65.
(2) سورة الصف، الاية: 11.
(3) سورة الفتح، الاية: 17.(4/222)
من يؤديه عنه من ماله الحاضر، فلا يحرم السفر، لكن بشرط أن تثبت الوكالة، ويعلم الدائن بالوكيل.
(قوله: سفر) فاعل حرم.
(وقوله: بالجهاد) متعلق بسفر.
(قوله: وغيره) أي وغير الجهاد، كحج وتجارة.
(قوله: وإن قصر) أي السفر.
قال في التحفة: يظهر ضبط القصير هنا بما ضبطوه به في التنفل على الدابة، وهو ميل أو نحوه، وحينئذ.
فليتنبه لذلك، فإن التساهل يقع فيه كثيرا.
اه.
(قوله: وإن لم يكن مخوفا) غاية في الحرمة: أي يحرم السفر وإن لم يكن مخوفا بأن كان آمنا.
(قوله: أو كان لطلب علم) غاية ثانية.
أي يحرم وإن كان لاجل طلب العلم، ولا حاجة لهذه الغاية، لاندراج طلب العلم في قوله أو غيره.
(قوله: رعاية لحق الغير) علة للحرمة: أي وإنما حرم السفر رعاية وحفظا وتقديما للدين الذي هو حق الغير.
وقال في شرح المنهج: تقديما لفرض العين على غيره.
اه.
(قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل رعاية حق الغير، ورد في صحيح مسلم: القتل في سبيل الله يكفر كل شئ إلا الدين.
أي فلا يكفره، لكونه حق الغير.
(قوله: بلا إذن غريم) أي دائن، والجار والمجرور متعلق بحرم أو بسفر: أي فإن كان بإذنه فلا يحرم لرضاه بإسقاط حقه.
قال في النهاية والتحفة: نعم لا يتعرض للشهادة، بل يقف وسط الصف، أو حاشيته، حفظا للدين.
اه.
(قوله: وهو من أهل الاذن) أي والحال أن ذلك الغريم من أهل الاذن: أي والرضا بأن كان مكلفا رشيدا، فلو لم يكن من أهل الاذن، حرم السفر مطلقا ولو أذن، ولا يجوز لوليه أن يأذن في السفر.
ولو أذن فإذنه لاغ لا يتعد به.
(قوله: ولو كان الغريم ذميا الخ) غاية في حرمة السفر بلا إذن: أي يحرم السفر بلا إذن الغريم، ولو كان ذلك الغريم ذميا، أو كان رهن وثيق في الدين، أو
ضامن موسر.
(قوله: قال الاسنوي الخ) حاصل ما استفيد من نقل ما ذكر أن بعضهم إشترط لجواز السفر بالاذن، أن يكون ذلك الاذن لفظا، وأن السكوت غير كاف، وبعضهم لم يشترط ذلك، وقال متى لم يحصل منع باللفظ، جاز السفر مطلقا - سواء حصل بإذن اللفظ أو لا -.
(قوله: معتمدا) حال من فاعل قال، (وقوله: في ذلك) أي في أن السكوت ليس بكاف.
(وقوله: على ما فهم) بالبناء للمجهول.
(وقوله: هنا) أي في باب الجهاد.
(قوله: والبندنيجي) بباء مفتوحة، فنون ساكنة، فدال مفتوحة، فنون مكسورة.
(قوله: والقزويني) بقاف مفتوحة، وزاي ساكنة.
(قوله: لا بد في الحرمة) أي حرمة السفر.
(قوله: من التصريح بالمنع) أي منع الغريم السفر.
(قوله: ونقله) أي نقل ما قاله هؤلاء من أنه لا بد من التصريح.
(قوله: إن كان معسرا) مفهوم قوله موسرا.
(قوله: أو كان الدين مؤجلا) أي ولا يحرم السفر، بل ولا يمنع منه إن كان الدين مؤجلا، لانه لا مطالبة لمستحقيه الآن.
نعم: له الخروج معه ليطالبه به عند حلوله.
(وقوله: إن قرب حلوله) غاية لعدم الحرمة.
(وقوله: بشرط الخ) تقييد للغاية.
(وقوله: لما يحل له فيه القصر) أي لمكان يحل له: أي للمسافر القصر كخارج السور العمران.
(وقوله: وهو مؤجل) أي والحال أن الدين باق على تأجيله، فإن حل قبل وصوله لما يحل له القصر منه، حرم السفر ومنع منه، لانه حينئذ في البلد.
(قوله: وحرم السفر لجهاد الخ) السفر ليس بقيد بالنسبة للجهاد، لانه يحرم الجهاد بلا إذن من الاصل مطلقا - سواء وجد سفر أم لا - وذلك لان بره فرض عين، ولقوله (ص) لمن استأذنه في الجهاد، وقد أخبره أنهما أي الوالدين له، ففيهما فجاهد، وصح ألك والدة ؟ قال: نعم.
قال انطلق فأكرمها، فإن الجنة تحت رجليها.
(قوله: بلا إذن أصل) متعلق بحرم أو بالسفر.
(قوله: مسلم) خرج الكافر، فلا يحرم(4/223)
الجهاد بلا إذنه، لانه لا يجب استئذانه، لاتهامه بمنعه له حمية لدينه، وإن كان عدوا للمقاتلين.
(قوله: أب وأم) بدل من أصل.
(قوله: وإن عليا) أي الاب والام، وكان القياس وإن علوا - بالواو - لانه واوي، يقال علا يعلو، ثم رأيت إن علا جاء بالواو والياء، فيقال في مضارعه يعلو ويعلى.
وعليه فما هنا على إحدى اللغتين.
اه.
ع ش.
بزيادة.
(قوله: ولو أذن من هو أقرب منه) غاية في حرمة السفر بلا إذن: أي يحرم السفر بلا إذن من أحد الاصول، وإن أذن له أصل أقرب من المانع، كأن منعه جده وأذن له أبوه.
(قوله: وكذا يحرم الخ) أي كما أنه يحرم السفر للجهاد وحج التطوع بلا إذن أصل، يحرم السفر للتجارة بلا إذنه.
(وقوله: لم تغلب فيه السلامة) ظاهره أنه قيد حتى في السفر القصير.
وعبارة المغني صريحة في كونه قيدا في الطويل، أما القصير فيجوز مطلقا ونصها.
تنبيه: سكت المصنف عن حكم السفر المباح كالتجارة، وحكمه أنه إن كان قصيرا فلا منع منه بحال، وإن كان طويلا، فإن غلب الخوف فكالجهاد، وإلا جاز على الصحيح بلا إستئذان.
والوالد الكافر في هذه الاسفار كالمسلم ما عدا الجهاد - كما مر.
اه.
(قوله: لا سفر لتعلم فرض) قال في النهاية، ومثله كل واجب عيني وإن كان وقته متسعا، لكن يتجه منعهما له من خروج لحجة الاسلام قبل خروج قافلة أهل بلده: أي وقته عادة لو أرادوه، لعدم مخاطبته بالوجوب إلى الآن.
اه.
(قوله: ولو كفاية) أي ولو كان الفرض كفاية، من علم شرعي، كطلب درجة الفتوى أو آلة له، كطلب نحو أو صرف أو منطق.
(قوله: فلا يحرم) أي السفر لما ذكر، لكن بشرط أن يكون أمنا أو قل خطره، ولم يجد ببلده من يصلح لكمال ما يريده، أو رجا بقرينة زيادة فراغ، أو إرشاد أستاذ، وأن يكون رشيدا، وأن لا يكون أمرد جميلا، إلا أن يكون معه محرم يأمن على نفسه.
(وقوله: عليه) أي الفرع.
(وقوله: وإن لم يأذن) أصله غاية في عدم الحرمة.
(قوله: وإن دخلوا الخ) المناسب تقديم هذا على قوله وحرم سفر الخ، لانه مرتبط بقوله والجهاد فرض كفاية، وذكره في المنهج مفهوم قيد ذكره لقوله الجهاد فرض كفاية، وذلك القيد هو قوله والكفار ببلادهم.
وكان الاولى للشارح أن يذكر القيد المذكور بعد قوله والجهاد فرض كفاية، وقبل قوله على كل مكلف الخ، كما صنع في المنهج، وكما صنع هو نفسه أول الباب فانظره.
ثم إن الدخول ليس بقيد، فمثله ما لو صار بينهم وبين البلدة دون مسافة القصر.
(وقوله: بلدة) مثل البلدة القرية.
(وقوله: لنا) أي المسلمين، ومثل كونها لنا كونها للذميين.
ولو زاد الشارح لفظة مثلا بعد قوله بلدة، وقوله لنا لكان أولى.
(قوله: تعين الخ) جواب إن (وقوله: على أهلها) أي البلدة التي لنا أو للذميين.
(قوله: أي يتعين الخ) تفسير مراد لتعين الجهاد.
(قوله: الدفع بما أمكنهم) أي بأي شئ أطاقوه، ولو بحجارة أو عصا.
(قوله: وللدفع مرتبتان الخ) القصد من هذا بيان كيفية الدفع، وأن فيها تفصيلا.
(قوله: أن يحتمل الحال اجتماعهم) أي يمكن اجتماعهم، بأن لم يهجم عليهم العدو.
(وقوله: وتأهبهم للحرب) أي إستعدادهم له.
(قوله: فوجب الدفع) الفاء للتفريع، والاولى التعبير بالمضارع: أي ففي هذه المرتبة يجب الدفع مطلقا من غير تقييد بشئ.
(وقوله: على كل منهم) أي على كل واحد واحد من أهل البلد، وممن دون مسافة القصر.
(وقوله: بما يقدر عليه) متعلق بالدفع الواجب عليه.
(قوله: حتى على الخ) أي يجب الدفع حتى على من لا يلزمه الجهاد.
(قوله: نحو فقير الخ) تمثيل لمن لا يلزمه الجهاد.
(قوله: بلا إذن ممن مر) أي من الاصل ورب الدين والسيد: أي والزوج، وإن لم يتقدم له ذكر.
(قوله: ويغتفر ذلك) أي عدم وجود الاذن في هؤلاء.
(وقوله:(4/224)
لهذا الخطب العظيم) أي لهذا الامر العظيم الذي هو دخول الكفار في بلاد المسلمين.
(وقوله: الذي لا سبيل لاهماله) أي تركه، أي هذا الخطب.
(قوله: وثانيتهما) أي ثانية المرتبتين أن يغشاهم الكفار: أي يهجموا عليهم ويحيطوا بهم.
(قوله: ولا يتمكنون) أي المسلمون.
(وقوله: من اجتماع) أي اجتماعهم.
(وقوله: وتأهب) أي تأهبهم للقتال.
(قوله: فمن قصده كافر الخ) الفاء للتفريع على المرتبة الثانية: أي ففي هذه المرتبة الثانية كل من قصده الخ.
(وقوله: وعلم أنه) أي من قصده الخ، ومثل العلم غلبة الظن.
وسيأتي محترزه في الفروع.
(وقوله: يقتل إن أخذه) أي أخذه الكافر (قوله: فعليه الخ) أي فيجب على من قصده كافر، والجملة جواب من.
(قوله: وإن كان ممن لا جهاد عليه) غاية في الوجوب، وهو بعيد بالنسبة للصبي.
(قوله: لامتناع الاستسلام لكافر) أي لانه ذل ديني.
(قوله: فروع الخ) الاسبك والاخصر أن يحذف لفظة فروع وما بعدها إلى قوله ولو أسروا الخ ويذكر مفهوم قوله قبل الفروع، وعلم أنه يقتل إن أخذه بأن يقول فإن لم يعلم أنه يقتل، بأن جوز أسرا وقتلا الخ، ثم يقول بعد ذلك ولو أسروا الخ.
(قوله: وجوز أسرا) أي من غير قتل.
(وقوله: وقتلا) الواو بمعنى أو: أي أو جوز قتلا: أي بعد الاسر.
(قوله: فله قتال الخ) أي فيجوز له إذا جوز الاسر، وجوز القتل، أن يقاتل، ويجوز له أن يستسلم لهم.
(قوله: إن علم الخ) قيد في الاستسلام: أي محل جوازه له، إن علم أو ظن ظنا قويا، أنه إن إمتنع من الاستسلام يقتل يقينا.
(قوله: وأمنت المرأة الخ) أي وإن أمنت المرأة التي قصدها كافر فعل الفاحشة فيها إن أسرت.
(قوله: وإلا تعين) أي وإن لم يعلم أنه إن امتنع من الاستسلام يقتل، ولم تأمن المرأة فعل الفاحشة فيها تعين الجهاد، ولا يجوز الاستسلام، لانه حينئذ ذل ديني.
(قوله: فمن علم أو ظن الخ) هذا مفهوم قوله وجوز أسرا وقتلا، لان مفهومه أنه إن لم يجوز ذلك، بل تيقن أو غلب على ظنه أنه إن أخذ قتل، إمتنع عليه الاستسلام.
(قوله: كما مر آنفا) أي قبيل الفروع في قوله فمن قصده كافر الخ.
(قوله: ولو أسروا) أي الكفار.
(وقوله: يجب النهوض إليهم) أي وجوبا عينيا كدخولهم دار نابل هذا أولى: إذ حرمة المسلم أعظم.
(قوله: على كل قادر) متعلق بالنهوض أو بيجب: أي يجب النهوض على كل قادر، أي ولو كان قنا.
(قوله: لخلاصه) اللام تعليلية متعلقة بيجب: أي يجب النهوض لاجل خلاص المسلم المأسور من أيدي الكفار.
(قوله: إن رجى) أي الخلاص ولو على ندور، فإن لم يرج خلاصه، تركناه للضرورة.
(قوله: ولو قال لكافر الخ) عبارة التحفة: ويسن للامام - بل وكل موسر - عند العجز عن خلاصه مفاداته بالمال، فمن قال لكافر الخ.
اه.
وهي أولى بالزيادة التي زادها قبل قوله فمن الخ.
(قوله: لزمه) أي لزم
من قال للكافر ما ذكر المال له.
(قوله: ولا يرجع) أي الدافع للكافر ذلك المال.
(وقوله: به) أي المال.
(قوله: إلا إن أذن الخ) أي إلا إن أذن الاسير له في أن يفديه بمال، بأن قال له أفدني بمال، فحينئذ يرجع على الاسير به.
(وقوله: وإن لم يشترط له الرجوع) غاية في الرجوع على الاسير إذا أذن: أي يرجع عليه إذا أذن له في المفاداة، وإن لم يقل وترجع به علي.
ففاعل يشترط يعود على الاسير، وضمير له يعود على القائل للكافر ما تقدم.
(قوله: وتعين) أي الجهاد.
(قوله: وإن كان في أهلهم) الاولى في أهلها: أي البلدة التي دخلوها، ثم وجدت ذلك في بعض نسخ الخط.
(قوله: لانهم في(4/225)
حكمهم) أي لان من كان دون مسافة القصر، في حكم أهل البلدة التي دخلوها.
(قوله: وكذا من كان الخ) أي وكذا يتعين الجهاد على من كان على مسافة القصر.
(وقوله: إن لم يكف أهلها) أي البلدة التي دخلوها (وقوله: ومن يليهم) أي ومن يلي أهل البلدة التي دخلوها، وهم من على دون مسافة القصر.
(قوله: فيصير) أي الجهاد.
(وقوله: فرض عين في حق من قرب) أي وهم من على دون مسافة القصر.
(قوله: وفرض كفاية) بالنصب معطوف على فرض عين: أي ويصير فرض كفاية.
(وقوله: في حق من بعد) أي وهم من على مسافة القصر، ولا يظهر تفريع هذا على ما قبله إلا لو زاد بعد قوله وكذا على من كان على مسافة القصر بقدر الكفاية، فيفهم منه حينئذ أنه لا يلزم جميعهم الخروج، بل يكفي في سقوط الحرج عنهم خروج قوم منهم فيهم كفاية.
ولعل في كلامه سقطا من الناسخ وهو ما ذكر.
(قوله: وحرم على من هو من أهل فرض الجهاد) خرج من هو ليس من أهله كمريض وامرأة، فلا حرمة عليه بانصرافه.
(وقوله: انصراف عن صف) خرج به ما لو لقي مسلم مشركين، فإنه يجوز إنصرافه عنهما، وإن طلبهما ولم يطلباه.
(قوله: بعد التلاقي) أي تلاقي الصفين فإن كان قبله فلا يحرم (قوله: وإن غلب على ظنه الخ) غاية في الحرمة، أي يحرم الانصراف وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت في الصف قتل.
وكتب سم.
على قول التحفة وإن غلب على ظنه إلى آخره ما نصه: إلا فيما يأتي قريبا عن بعضهم.
اه.
(وقوله: إلا فيما يأتي الخ) سيذكره المؤلف أيضا بقوله وجزم بعضهم الخ (قوله: لعده الخ) أي ولقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) * (وقوله: الفرار من الزحف) أي الفرار من الصف، لاجل زحف الكفار إلى جهة صف المسلمين.
(وقوله: من السبع الموبقات) أي المهلكات.
وقد تقدم بيانها غير مرة.
(قوله: ولو ذهب سلاحه الخ) مثله ما لو مات مركوبه وأمكنه الجهاد راجلا، فيمتنع عليه الانصراف.
(قوله: على تناقض فيه) أي على تناقض في عدم جواز الانصراف، وقع في كلامهم (قوله: وجزم بعضهم بأنه) أي الحال
والشأن.
(وقوله: إذا غلب ظن الهلاك بالثبات) بثباته في الصف.
(وقوله: من غير نكاية فيهم) أي من غير أن يحصل منه نكاية: أي قتل وإثخان في الكفار.
قال في المصباح: نكيت في العدو أنكى، والاسم النكاية إذا قتلت وأثخنت.
اه.
بحذف.
(وقوله: وجب الفرار) أي لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *.
(قوله: إذا لم يزيدوا الخ) متعلق بحرم: أي حرم الانصراف إذا لم يزيدوا على مثلينا.
وعبارة المنهج: إن قاومناهم.
اه.
وقال في شرحه: وإن زادوا على مثلينا، كمائة أقوياء عن مائتين وواحد ضعفاء، ثم قال: وخرج ما إذا لم نقاومهم، وإن لم يزيدوا على مثلينا، فيجوز الانصراف، كمائة ضعفاء عن مائتين إلا واحدا أقوياء.
اه.
وهي أولى لان العبرة بالمقاومة لا بالعدد، ولا ينافي ذلك الآية، فإنها ينظر فيها للمعنى، وهو المقاومة المأخوذة من قوله صابرة، وعبارة التحفة: وإنما يراعي العدد عند تقارب الاوصاف، ومن ثم لم يختص الخلاف بزيادة الواحد ونقصه، ولا براكب وماش، بل الضابط - كما قاله الزركشي كالبلقيني - أن يكون في المسلمين من القوة ما يغلب على الظن أنهم يقاومون الزائد على مثليهم، ويرجون الظفر بهم، أو من الضعف ما لا يقاومونهم.
اه.
(قوله: للآية) هي قوله تعالى: * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله.
والله مع الصابرين) *.
وهي خبر بمعنى الامر: أي لتصبر مائة لمائتين.
(قوله: وحكمة الخ) أي الحكمة في كوننا مأمورين بالصبر على مقاتلة ضعفنا من الكفار،
__________
(1) سورة الانفال، الاية: 15.
(2) سورة البقرة، الاية: 195.
(3) سورة الانفال، الاية: 66.(4/226)
أن المسلمين يقاتلون على إحدى الحسنيين: إما الفوز بالشهادة إن قتلوا، وإما الفوز والظفر بالغنيمة مع حصول الاجر إن لم يقتلوا.
وأما الكفار فإنما يقاتلون على الفوز والظفر بالدنيا فقط، فكان الحاصل للمسلمين بسبب الجهاد ضعف ما هو حاصل للكفار، فوجب عليهم أن يصبروا على ملاقاة ضعفهم من الكفار.
(قوله: أما إذا زادوا الخ) مفهوم قوله إذا لم يزيدوا على مثلينا.
(وقوله: كمائتين وواحد عن مائة) قد علمت أن العبرة بالمقاومة وعدمها، لا بالعدد.
فلا تغفل.
(قوله: فيجوز الانصراف) أي عن الصف (وقوله: مطلقا) أي غلب على الظن الهلاك أم لا، بلغوا اثني عشر ألفا أم لا.
(قوله: وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا) أي زادوا على مثلينا أم لا.
(وقوله: إذا بلغ الخ) قيد في الحرمة.
(قوله: لخبر الخ) علة للحرمة.
(وقوله: لن يغلب) بالبناء للمجهول ونائب فاعله ما بعده.
(وقوله: من قلة متعلق به) أي
لن يغلب جيش جيشا بلغ اثني عشر ألفا من أجل قلته، بل هو إذا بلغ هذا المقدار فهو كثير ولا يعد قليلا، فيفهم الخبر حينئذ أنه لا يجوز الانصراف لانهم كثير.
(قوله: وبه خصت الآية) أي وبهذا الخبر خصت الآية السابقة المقتضية أن المسلمين إنما يقاتلون الضعف ولو زادوا على اثني عشر ألفا، فيقال أن محل ذلك ما لم يبلغ المسلمون هذا المقدار، فإن بلغوه قاتلوا مطلقا ولو زاد الكفار على ضعفهم.
(قوله: أن الغالب على هذا العدد) أي الذي في الحديث.
(وقوله: الظفر) أي بالاعداد ولو زاد الكفار على ضعفهم.
(قوله: فلا تعرض فيه) أي في الحديث، وهذا هو محط الجواب.
(قوله: كما هو) أي كون المراد منه ما ذكر واضح.
(قوله: وإنما يحرم الانصراف) أعاده لاجل الاستثناء بعده وإلا فهو مصرح به فيما قبل.
ولو قال ومحل حرمة الانصراف إذا لم يكن متحرفا الخ، لكان أولى وأخصر.
(وقوله: إن قاومناهم) المناسب لعبارته أن يقول إن لم يزيدوا على مثلينا.
(قوله: إلا متحرفا لقتال الخ) إستثناء من عموم الاحوال: أي يحرم إنصراف المسلم عن الصف في جميع الاحوال، إلا في حالة كونه متحرفا لقتال: أي مائلا عن محله ومنتقلا عنه، لاجل مصلحة القتال، بأن كان قصد به الانتقال لمكان أرفع من مكانه، أو أصوب منه، ليكمن من العدو، أو في حالة كونه متحيزا: أي ذاهبا إلى فئة من المسلمين يستنجد بها: أي يستنصر بها على العدو فلا يحرم.
(قوله: ولو بعيدة) أي ولو كانت الفئة التي قصدها بعيدة.
(قوله: ويرق الخ) شروع في بيان ما يفعل بالاسرى.
(وقوله: ذراري) جمع ذرية وهم الصغار.
قال في المصباح: الذرية فعلية من الذر وهم الصغار، وتجمع على ذريات، وقد تجمع على ذراري، وقد أطلقت الذرية على الآباء مجازا.
اه.
(قوله: وعبيدهم) أي ويرق عبيدهم.
قال في شرح المنهج: والمراد برق العبيد إستمراره لا تجديده.
اه.
وقيل أن الرق الذي فيهم يزول بالاسر، ويخلفه رق آخر لنا، ومثلهم المبعضون بالنسبة لبعضهم الرقيق، ويأتي في بعضهم الحر التخير بين المن والفداء والاسترقاق، لا القتل تغليبا لحقن الدم.
(وقوله: ولو مسلمين) غاية في رق العبيد، أي يرق عبيدهم ولو كانوا مسلمين كاملين.
(قوله: بأسر) متعلق بيرق، والمراد به الاستيلاء والقهر.
(قوله: كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر) الكاف للتنظير في كون الحربي إذا قهر حربيا آخر أسترقه بذلك.
(قوله: أي يصيرون الخ) تفسير مراد لارقاق الذراري والعبيد بالاسر.
(قوله: ويكونون) أي الذين استرقوا بالاسر.
(وقوله: كسائر أموال الغنيمة) أي فيخمسون الخمس لاهله والباقي للغانيمن، لانه (ص) كان يقسم السبي كما(4/227)
يقسم المال.
(قوله: ودخل في الذراري الخ) في دخول المجانين والنسوان البالغين نظر: إلا أن يكون على سبيل
المجاز، بأن يراد بالذراري، كل من ينتمي للكفار ممن تجب مؤنته عليهم.
(قوله: ولا حد) أي لازم.
(قوله: إن وطئ غانم) أي واحد من الغانمين.
(قوله: أو أبوه) أي أو أبو الغانم.
(وقوله: أو سيده) أي سيد الغانم (وقوله: أمة) مفعول وطئ.
(قوله: في الغنيمة) الجار والمجرور صفة لامة، أي أمة كائنة في الغنيمة التي غنهما المسلمون.
(قوله: ولو قبل اختيار التملك) غاية لعدم الحد: أي لا يحد، ولو قبل أن تدخل في ملكه، والدخول فيه يكون باختيار التملك: بأن يقول اخترت نصيبي ذلك لان الملك في الغنيمة إنما يحصل بعد إختيار كل التملك لنصيبه.
(قوله: لان فيها شبهة ملك) علة لعدم الحد: أي وإنما لم يحد بوطئ أمة الغنيمة، لان فيها شبهة الملك.
(قوله: ويعزر عالم بالتحريم) أي يعزره الامام بما يراه: أي ويلزمه المهر للشبهة، كوطئ الاب جارية ابنه، فإن أحبلها لم يثبت الاستيلاد وإن كان موسرا لعدم الملك، ولزمه أرش الولادة لحصة غيره.
كذا في شرح الروض.
(قوله: لا جاهل به) أي لا يعزر جاهل بالتحريم، لكن بشرط أن يكون معذورا بأن قرب الخ.
(قوله: فرع الخ) لما ذكر أن ذراري الكفار يسترقون بالاصل، فرع على ذلك أنه يحكم عليهم بالاسلام تبعا للمسلمين الذين أسروهم، وذكر في ضمن ذلك تبعيتهم فيه أيضا لاحد الاصول.
(قوله: يحكم بإسلام غير بالغ) أي ذكرا كان أو أنثى أو خنثي والمجنون البالغ كالصغير، سواء بلغ مجنونا أو بلغ عاقلا ثم جن على الاصح.
(قوله: ظاهرا وباطنا) وقد يحكم عليه بالاسلام ظاهرا فقط، كما لو وجد لقيط في دار الاسلام، أو في دار كفار وفيها مسلم، فإنه يحكم عليه تبعا للدار، والفرق بين من يحكم عليه بالاسلام ظاهرا وباطنا وبين من يحكم عليه به ظاهرا فقط، أنه في الاول لو وصف الكفر بعد بلوغه يصير مرتدا فيستتاب، فإن تاب ترك وإلا قتل، وفي الثاني يتبين أنه كافر أصلي وليس مرتدا.
(قوله: إما تبعا للسابي المسلم) أي ولو كان غير مكلف، ويشترط لتبعيته له أن يكون منفرد عن أبويه، بحيث لا يكون معه أحدهما في جيش واحد غنيمة واحدة، فإن لم يكن كذلك فلا يتبع السابي له، بل يتبع أحد أبويه، لان تبعية الاصل أقوى من تبعية الفرع.
(قوله: ولو شاركه كافر) أي يحكم عليه بالاسلام تبعا للسابي المسلم، ولو شاركه في السبي كافر تغليبا لجانب المسلم.
(قوله: وإما تبعا لاحد أصوله) أي من جهة الاب أو الام وإن لم يكونوا وارثين وإن بعدوا.
فإن قيل: إطلاق ذلك يقتضي الحكم على جميع الاطفال بالاسلام، بإسلام أبيهم آدم عليه الصلاة السلام.
أجيب: بأن الكلام في جد ينسب إليه بحيث يعرف به.
(قوله: وإن كان إسلاما قبل علوقه) أي يحكم عليه بالاسلام تبعا وإن كان إسلام أحد أصوله قبل علوقه: أي قبل
أن تعلق به أمه أي تحمل، وفيه أنه لا معنى لهذه الغاية وذلك لانه إن أسلم أحد أصوله قبل العلوق أو عنده، فقد انعقد الحمل مسلما بالاجماع.
ولا يقال أنه حكم بالاسلام فيه تبعا، وإن أسلم بعد العلوق، فالحكم بالاسلام يكون على الحمل لا على الصبي - كما صرح به الباجوري - وعبارته: ومثل الصبي الحمل في إسلامه بإسلام أحد أبويه أو أحد أصوله: وصورة ذلك أن تحمل به أمه في حال كفر أبويه وسائر أصوله، ثم يسلم أحد أبويه أو أحد أصوله قبل انفصاله، أو بعده وقبل تمييزه أو بعده وقبل بلوغه، أما لو كان أحد أبويه أو أحد أصوله مسلما وقت علوقه فقد انعقد مسلما بالاجماع، ولا يضر ما يطرأ بعد ذلك من ردة أحد أبويه أو أحد أصوله.
اه.
تنبيه: خرج بقوله تبعا في الصورتين إسلامه إستقلالا، كأن نطق بالشهادتين فلا يعتد به، وذلك لان نطقه(4/228)
بالشهادتين إما خبر أو إنشاء، فإن كان خبرا فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء فهو كعقوده وهي باطلة.
وأما إسلام سيدنا علي رضي الله عنه فقد اختلف في وقته، فقيل إنه كان بالغا حين أسلم - كما نقله القاضي أبو الطيب عن الامام - وقيل إنه أسلم قبل بلوغه - وعليه الاكثرون - وأجاب عنه البيهقي بأن الاحكام إنما صارت معلقة بالبلوغ بعد الهجرة.
قال السبكي: وهو الصحيح.
(قوله: فلو أقر أحدهما) أي المحكوم عليه بالاسلام تبعا للسابي، أو المحكوم عليه به تبعا لاحد الاصول، (وقوله: فهو مرتد من الآن) أي من وقت إقراره بالكفر، لا كافر أصلي، وحينئذ يستتاب، فإن تاب ترك، وإلا قتل - كما مر -.
(قوله: ولا إمام أو أمير) أي أمير جيش.
(قوله: خيار في أسير كامل) أي من الكفار الاصليين: أما إذا كان من المرتدين، فلا خيار فيه بل يطالبه الامام أو الامير بالاسلام فقط.
(قوله: ببلوغ الخ) متعلق بكامل: أي أن كماله يكون ببلوغ وعقل وذكورة وحرية، فإن لم يكمل بما ذكر بأن كان صبيا، أو مجنونا، أو أنثى، أو خنثى، أو رقيقا، فلا خيار فيه، بل يسترق بمجرد الاسر فقط، كما مر.
(قوله: بين أربع خصال) متعلق بخيار: أي هو مخير بين أربع خصال، وهذا بالنسبة لغير المبعضين، أما هم فيتخير فيهم الامام بين ثلاثة أشياء فقط، كما مر.
(قوله: من قتل الخ) بيان للاربع الخصال، ثم إن محل القتل إذا كان فيه إخماد شوكة الكفار وإعزاز المسلمين وإظهار قوتهم.
(وقوله: بضرب الرقبة لا غير) أي لا بتحريق وتغريق ولا بغير ذلك من أنواع القتل.
(قوله: ومن عليه) أي إنعام عليه، وهو معطوف على قتل.
(وقوله: بتخلية سبيله) متعلق بمن: أي من عليه بتخلية سبيله بفكه وإطلاقه من الاسر من غير مقابل، ويفعل ذلك الامام إذا كان فيه إظهار عز المسلمين.
(قوله: وفداء) معطوف على قتل أيضا - وهو بكسر الفاء مع المد أو بفتحها مع
القصر - (وقوله: بأسرى منا) أي برد أسرى من المسلمين إلينا، ومثلهم الذميون.
والمراد يدفع لهم أسراهم، ويدفعون إلينا أسرانا.
(قوله: أو مال) معطوف على أسرى: أي أو فداء بأخذ مال منهم سواء كان من مالهم أو من مالنا تحت أيديهم.
(قوله: فيخمس) أي المال الذي نأخذه كبقية أموال الغنيمة.
(قوله: أو بنحو سلاحنا) معطوف على بأسرى، أي أو فداء بأخذ نحو سلاحنا الذي أخذوه منا.
(قوله: ويفادي سلاحهم بأسرانا) يعني نعطيهم سلاحهم الذي أخذناه منهم برد أسرانا إلينا.
(قوله: لا بمال) أي لا يفادى سلاحهم الذي أخذناه بدفع مال إلينا.
قال في التحفة: إلا إن ظهرت فيه مصلحة لنا ظهورا تاما لا ريبة فيه، فيجوز ويفرق بينه وبين منع بيع السلاح لهم مطلقا: أي ولو ظهرت مصلحة فيه، بأن ذلك فيه إعانتهم إبتداء من الآحاد، فلم ينظر فيه لمصلحة، وهذا أمر في الدوام يتعلق بالامام، فجاز أن ينظر فيه إلى مصلحة.
اه.
بزيادة.
(قوله: وإسترقاق) معطوف على قتل أي ومن إسترقاق: أي ضرب الرق ولو لوثني أو عربي، أو بعض شخص إذا رآه مصلحة، ولا يسري الرق إلى باقيه على الاصح فيكون مبعضا.
(قوله: فيفعل الخ) مفرع على قوله ولامام خيار الخ.
وأشار به إلى أن التعبير بالخيار فيه مسامحة، لانه إنما يكون عند استواء الخصال.
(قوله: الاحظ للمسلمين) أي الاصلح والانفع للمسلمين: أي وللاسلام، وذلك لان حظ المسلمين ما يعود إليهم من الغنائم وحفظ مهجهم، ففي الاسترقاق والفداء حظ للمسلمين، وفي المن والقتل حظ للاسلام.
هذا إن ظهر له الاحظ، فإن لم يظهر له حبسهم حتى يظهر له الاحظ فيفعله، لآنه أمر راجع إلى الاجتهاد لا إلى التشهي، فيؤخر لظهور الصواب.
تنبيه: قال في التحفة: لم يتعرضوا فيما علمت إلى أن الامام لو اختار خصلة له الرجوع عنها أولا، ولا إلى أن اختياره هل يتوقف على لفظ أو لا ؟ والذي يظهر لي في ذلك تفصيل لا بد منه.
أما الاول فهو أنه لو اختار خصلة ظهر له بالاجتهاد أنها الاحظ.
ثم ظهر له به أن الاحظ غيرها، فإن كانت رقا لم يجز له الرجوع عنها مطلقا، لان الغانمين وأهل الخمس ملكوا بمجرد ضرب الرق، فلم يملك إبطاله عليهم، أو قتلا جاز له الرجوع عنه تغليبا لحقن الدماء ما أمكن، وإذا جاز رجوع مقر بنحو الزنا بمجرد تشهيه وسقط عنه القتل بذلك، فهنا أولى، لان هذا محض حق الله تعالى، وذاك(4/229)
فيه شائبة حق آدمي، أو فداء، أو من، لم يعمل بالثاني لاستلزامه نقض الاجتهاد بالاجتهاد من غير موجب، كما لو اجتهد الحاكم وحكم، ولا ينقض حكمه باجتهاد بان، نعم، إن كان اختياره أحدهما: لسبب ثم زال ذلك السبب، وتعينت المصلحة في الثاني عمل بقضيته، وليس هذا نقض اجتهاد باجتهاد، بل بما يشبه النصر لزوال موجب الاول بالكلية.
وأما
الثاني فهو أن الاسترقاق لا بد فيه من لفظ يدل عليه، ولا يكفي فيه مجرد الفعل بالاستخدام، لانه لا يستلزمه، وكذا الفداء، نعم، يكفي فيه لفظ ملتزم البدل مع قبض الامام له من غير لفظ، بخلاف الخصلتين الاخيرتين لحصولهما بمجرد الفعل اه.
(وقوله: أما الاول) أي أما التفصيل في الاول، وهو كونه لو اختار خصلة له الرجوع أولا.
(وقوله: وأما الثاني) أي وأما التفصيل في الثاني وهو كون اختياره هل يتوقف على لفظ أم لا ؟ (قوله: ومن قتل أسيرا الخ) قال في الاقناع.
تنبيه: لا يقتل من ذكر: أي النساء والصبيان والمجانين والعبيد للنهي عن قتل النساء والصبيان والباقي في معناهما، فإن قتلهم الامام ولو لشرهم وقوتهم، ضمن قيمتهم للغانمين كسائر أموال الغنيمة وقوله: فإن قتلهم الامام: مثل الامام غيره، وهذا في قتل الناقصين.
أما قتل الكاملين، فإن كان بعد اختيار الامام القتل أو قبله، فلا ضمان إلا لتعزير، وإن كان بعد اختيار الامام للفداء.
فإن كان بعد قبضه الفداء، وقبل وصول الكافر لمأمنه ضمن بالدية، ويأخذ الامام منها قدر للفداء والباقي لورثته، وإن كان بعد وصوله لمأمنه فلا ضمان.
وأما إن كان القتل بعد المن، فإن كان قبل وصوله لمأمنه، ضمن بالدية لورثته.
وإن كان بعد وصوله لمأمنه فلا ضمان اه.
بجيرمي.
(قوله: أو كاملا) أي أو قتل أسيرا كاملا، وكماله بما مر.
(وقوله: قبل التخيير فيه) متعلق بقتل المقدر: أي قتله قبل أن يختار الامام فيه شيئا من الخصال الاربع.
ومفهومه أنه إذا كان بعد التخيير لا شئ عليه أصلا، لا تعزير ولا غيره، مع أنه ليس كذلك بل فيه تفصيل يعلم من عبارة البجيرمي المارة آنفا.
(وقوله: عزر) أي القاتل وهو جواب أن المقدرة مع شرطها (قوله: وإسلام كافر كامل) خرج الناقص فلا يعتد بإسلامه إلا تبعا وسيذكر حكمه.
(قوله: بعد أسر) أي وقبل اختيار الامام فيه شيئا، فإن كان بعد اختيار الامام فيه خصلة من الخصال، تعينت ما عدا القتل اه.
بجيرمي.
(قوله: يعصم دمه من القتل) الجملة خبر إسلام.
(قوله: لخبر الخ) دليل على عصمة دم من أسلم الخ.
(قوله: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله، أو يقال أن لا إله إلا الله صارت علما على الشهادتين.
اه.
ز ي (قوله: فإذا قالوها) أي كلمة التوحيد.
(قوله: وأموالهم) فيه أن الاموال لا تعصم بإسلامه بعد الاسر، فمحل الاستدلال قوله دماءهم، وكان الاولى ذكر هذا الخبر بعد قوله وإسلامه قبله يعصم دما ومالا اه.
بجيرمي (قوله: إلا بحقها) أي بحق الدماء والاموال والانساب التي تقتضي جواز قتلهم وأخذ أموالهم.
اه.
ع ش.
وذلك كالقود والزكاة.
(قوله: ولم يذكر هنا) أي ولم يذكر المصنف هنا: أي في إسلامه بعد الاسر، كما ذكره بعد في قوله وإسلامه قبله، وكان حق التعبير أن
يقول: ولم أذكر بهمزة التكلم إلا أن يقال أنه ارتكب التجريد.
(قوله: وماله) مفعول يذكر.
(قوله: لانه) أي الاسلام بعد الاسر (وقوله: لا يعصمه) أي المال، لان المقدور عليه بعده غنيمة.
(قوله: إذا اختار الامام رقه) قال الرشيدي: قضية هذا القيد أنه إذا اختار غير الرق يعصم ماله، وانظره مع قوله الآتي ومن حقها - أي الاموال - أن ماله المقدور عليه بعد الاسر غنيمة، ولم أر هذا القيد في غير كلامه، وكلام التحفة.
اه.
(قوله: ولا صغار أولاده) معطوف على قوله وماله: أي ولم يذكر هنا صغار أولاده.
(قوله: للعلم بإسلامه الخ) عبارة التحفة للعلم بإسلامهم تبعا له من كلامه الآتي: إذ التقيد فيه بقبل الظفر، لافادة عموم العصمة، ثم بخلافها هنا لما ذكر في المال، وأما صغار أولاده فالملحظ في الصورتين(4/230)
واحد وزعم المخالفة بين ما هنا.
وثم وأن عموم ذلك مقيد بهذا، فلا يتبعونه في إسلامه بعد الظفر، ولا يعصمون به عن الرق ليس في محله لتصريحهم بتبعيتهم له قبل الظفر، فبعده كذلك.
اه.
فلعل في العبارة سقطا من الناسخ يعلم من العبارة المذكورة.
(وقوله: تبعا له) أي لاصله الذي أسلم.
(قوله: وإن كانوا الخ) غاية في التبعية: أي يتبعونه في الاسلام، وإن كانوا بدار الحرب.
(وقوله: أو أرقاء) أي أو كانوا أرقاء، بأن سباهم مسلمون، أو قهرهم حربيون.
(قوله: وإذا تبعوه) أي الاصل الذي أسلم.
(وقوله: وهم أحرار) أي والحال أنهم، أي صغار أولاده أحرار.
(قوله: لم يرقوا) جواب إذا.
(قوله: لامتناع طرو الرق الخ) علة لعدم إسترقاقهم.
(وقوله: على من قارن إسلامه حريته) أي على الشخص الذي قارن إسلامه حريته.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل إمتناع طرو الطرق على من ذكر.
(وقوله: أجمعوا على أن الحر المسلم) خرج الرقيق المسلم، فيسبي ويسترق إذا كان للحربين كما تقدم.
(وقوله: لا يسبي) أي لا يؤسر.
(وقوله: ولا يسترق) عطف لازم على ملزوم، لانه يلزم من عدم صحة سبيه عدم صحة استرقاقه.
(قوله: أو أرقاء) معطوف على أحرار: أي وإذا تبعوه في الاسلام وهم أرقاء، لم ينقض رقهم: أي فلا يعصمهم إسلام أبيهم من الرق، لان أمرهم تابع لساداتهم، لانهم من أموالهم.
(قوله: ومن ثم) يعني ومن أجل أن الرق لا ينقض بطرو إسلامهم تبعا لابيهم، بل يستمر رقهم مع الاسلام.
(وقوله: ثم حكم بإسلامه) أي ذلك الصغير (وقوله: تبعا لاصله) أي أصل ذلك الصغير بأن أسلم أحد أصوله.
(وقوله: جاز سببه واسترقاقه) أي صح سبي ذلك الصغير واسترقاقه: أي لانه رقيق لحربي، ولم ينقض رقه بإسلامه تبعا، ورقيق الحربي يجوز سبيه واسترقاقه أي لانه رقيق لحربي، ولم ينقض رقه بإسلامه تبعا، ورقيق الحربي يجوز سبيه واسترقاقته ولو كان مسلما.
(قوله: ويبقى الخيار الخ) مرتبط بالمتن يعني أن إسلامه إنما يعصمه من
القتل فقط، ويبقى الخيار في باقي الخصال، كما أن من عجز عن الاعتاق في كفارة اليمين يبقى خياره في الباقي من خصالها.
(وقوله: من المن الخ) بيان لباقي الخصال (قوله: ومحل جواز المفاداة الخ) قال ع ش: ينبغي أن مثله: أي الفداء المن بالاولى مع إرادته الاقامة بدار الحرب.
اه.
(قوله: إن كان له ثم) أي في دار الكفر عشيرة: أي جماعة يأمن معها على نفسه وماله، فإن لم يكن له ثم عشيرة كما ذكر، لا تجوز مفاداته ومثلها المن.
(قوله: وإسلامه قبله) هذا مفهوم قوله: وإسلام كافر بعد أسر.
(قوله: أي قبل أسر) أي أسر الامام أو أمير الجيش، (وقوله: بوضع أيدينا عليه) متعلق بأسر.
(قوله: يعصم دما الخ) الجملة خبر إسلامه.
(قوله: أي نفسا الخ) أشار بهذا التفسير إلى أنه ليس المراد بالدم سفكه بالقتل، كالدم المتقدم فيمن أسلم بعد الاسر، بل المراد به النفس.
والمراد عصمتها من القتل ومن غيره كالرق (فقوله: عن كل ما مر) أي من الخصال السابقة من القتل والرق والمفاداة.
(قوله: ومالا) أي ويعصم مالا: أي من غنمه.
(قوله: بدارنا أو دراهم) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمالا: أي مالا كائنا بدار المسلمين، أو بدار الكفار.
(قوله: وكذا فرعه الحر الصغير) أي وكذا يعصم إسلامه فرعه الحر الصغير، لتبعيته له في الاسلام.
وقيد بالحر.
لان الرقيق يسبى ويسترق ولا يمنعه الاسلام كما علمت (وقوله: الصغير) خرج الكبير فلا يعصمه إسلام أصله.
(وقوله: والمجنون عند السبي) أي وكذا يعصم ولده المجنون عند الاسر.
ولو طرأ جنونه بعد البلوغ كما مر.
ومثل الصبي والمجنون الحمل، ة فيعصمه إسلام أبينه، لانه يتبعه في الاسلام كما مر.
نعم، إن سبيت أمه قبل إسلام أبيه، ثبت رقه(4/231)
بسبي الام مع الحكم بإسلامه تبعا لابيه، ولكن لا يبطل إسلامه رقه كالمنفصل.
(وقوله: عن الاسترقاق) متعلق بيعصم المقدر بعد كذا.
(قوله: لا زوجته) يعني أن إسلام الكافر لا يعص زوجته عن الاسترقاق ولو كانت حاملا لاستقلالها.
فإن قيل: إذا عقد الكافر الجزية، عصم زوجته الموجودة حين عقد الجزية عن استرقاقها، فكان الاسلام أولى بذلك.
(أجيب) بأن الزوجة تستقل بالاسلام، فلا تجعل فيه تابعة، لان ما يمكن إستقلال الشخص به لا يجعل فيه تابعا لغيره، ولا تستقل ببذل الجزية فتجعل فيه تابعة، لان ما لا يمكن إستقلال الشخص به يجعل فيه تابعا لغيره.
(قوله: فإذا سبيت) أي زوجته.
(وقوله: ولو بعد الدخول) غاية لقوله انقطع نكاحه: أي ينقطع النكاح، ولو كان السبي حصل بعد الدخول بها، وهي للرد على القائل بأنه إن كان السبي بعد الدخول بها إنتظرت العدة، فلعلها تعتق فيها
فيدوم النكاح كالردة.
(قوله: انقطع نكاحه حالا) أي انفسخ نكاحه حالا: أي حال السبي، وذلك لامتناع إمساك الامة الكافرة في نكاح المسلم، كما يمتنع إبتداء نكاحها.
(قوله: وإذا سبي زوجان أو أحدهما) أي وكانا حرين، أو أحدهما حرا فقط، ورق بأن كان غير مكلف، أو أرقه الامام بأن كان مكلفا.
أما لو كانا رقيقين، سواء سبيا أم أحدهما، فلا ينقطع نكاحهما: إذ لم يحدث رق، وإنما انتقل الملك من شخص إلى آخر، وذلك لا يقطع النكاح، كالبيع والهبة.
(قوله: إنفسخ النكاح بينهما) محله في سبي زوج صغير أو مجنون أو مكلف إختار الامام رقه، فإن من عليه، أو فادى به، إستمر نكاحه حيث لم يحكم برق زوجته، بأن سبي وحده وبقيت بدار الحرب.
(قوله: لما في خبر مسلم الخ) دليل لانفساخ النكاح بينهما إذا سبيا أو أحدهما.
(قوله: أنهم) أي الصحابة، وهو بيان لما في خبر مسلم.
(قوله: يوم أوطاس) بفتح الهمزة كما في المختار.
وقال ق ل: هو بضم الهمزة أفصح من فتحها: اسم واد من هوازن عند حنين.
اه.
(قوله: من وطئ المسبيات المتزوجات) أي اللائي كن متزوجات قبل السبي.
(قوله: والمحصنات) أي وحرمت عليكم المحصنات، فهو معطوف على ما قبله في الآية.
(قوله: فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات) أي واستثنى منهم من سبي منهن، فأحل نكاحهن، وهذا يدل على أنه ينفسخ بالسبي النكاح، وإلا لم يحل نكاحهن.
(قوله: فرع) الاولى فرعان.
(قوله: لو ادعى أسير) أي كامل إذ الدعوى لا تسمع إلا منه، وإنما ادعى ذلك لاجل أن لا يصح سبيه، فلا يصح إسترقاقه.
(قوله: قد أرق) أي قد اختار الامام رقه، ومفهومه أنه إذا ادعاه قبل أن يرق يقبل حتى بالنسبة للرق فانظره.
(قوله: لم يقبل في الرق) أي لم يقبل ما ادعاه بالنسبة للرق، فيستدام الرق الذي اختاره الامام فيه، أما بالنسبة للقتل والمفاداة فيقبل.
(قوله: ويجعل مسلما الآن) أي ويحكم بإسلامه من وقت دعواه ذلك.
(قوله: ويثبت الخ) هذا كالتقييد لقوله لم يقبل: أي أن محل عدم قبوله إذا لم يثبت إسلامه الذي ادعاه بالبينة، فإن ثبت بها، وهي رجل وامرأتان، قبلت فلا يصح أسره ولا استرقاقه ولا غير ذلك.
(قوله: ولو ادعى أسير أنه مسلم) تأمله، فإن كان المراد أنه ادعى إسلامه قبل أسره، فهو عين ما قبله: وإن كان المراد بعد أسره، فانظر لم فصل فيه بقوله فإن أخذ من دارنا الخ.
ولم يفصل فيما إذا ادعى أنه أسلم قبل الاسر ؟ والظاهر أن المراد الاول، وقصده بيان تقييد قوله فيما تقدم، لم يقبل
__________
(1) سورة النساء، الاية: 24.(4/232)
في الرق المقتضي قبوله بالنسبة لغير الرق.
(قوله: ويجعل مسلما من الآن) بما إذا أخذناه من دارنا، فإن أخذناه من
دارهم فلا يقبل مطلقا، ولا يحكم عليه بالاسلام، لكن كان المناسب والاخصر في التعبير، حيث كان هذا هو المراد، أن يقول بعد قوله ويجعل مسلما من الآن إن أخذناه من دارنا، فإن أخذناه من دارهم فلا.
وفيه أن هذا يقتضي أنهم يجوز قتلهم إذا أخذناهم من ديارهم، ولو قالوا: نحن مسلمون فانظره.
ثم رأيت ع ش بحث في ذلك واختار استفسارهم.
وعبارته.
فرع: لو أسر نفر فقالوا: نحن مسلمون أو أهل ذمة، صدقوا بأيمانهم إن وجدوا في دار الاسلام.
وإن وجدوا في دار الحرب لم يصدقوا.
جزم به الرافعي في آخر الباب.
اه.
سم على منهج.
وقضية عدم تصديقهم جواز قتلهم مع قولهم نحن مسلمون، وقد يقال، القياس إستفسارهم، فإن نطقوا بالشهادتين تركوا، وإلا قتلوا الخ.
اه.
(قوله: وإذا أرق الحربي) بالبناء للمجهول: أي وإذا أرق الامام أو أمير الجيش الحربي.
(قوله: وعليه دين لمسلم أو ذمي) مثل من عليه دين، من له الدين، فإذا أرق، فإن كان دينه على مسلم أو ذمي لم يسقط، وإن كان على حربي سقط.
والحاصل، صور لمقام ستة، لانه إذا أرق من عليه الدين، إما أن يكون دينه لمسلم أو ذمي أو حربي، وإذا أرق من له الدين، إما أن يكون من عليه الدين مسلما أو ذميا أو حربيا.
ولا يسقط في هذه الصور كلها، إلا دين حربي على مثله إذا أرق أحدهما.
(قوله: لم يسقط) أي الدين، فيقضي من ماله إن غنم بعد رقه، وإن زال ملكه عنه بالرق قياسا للرق على الموت، فإن غنم قبل رقه أو معه لم يقض منه، فإن لم يكن له مال، أو لم يقض منه، بقي في ذمته إلى أن يعتق فيطالب به.
اه.
شرح المنهج.
(قوله: وسقط) أي الدين إن كان لحربي مفهوم قوله: لمسلم أو ذمي.
والفرق بين الحربي وغيره، أن مال الاول غير محترم، بخلاف الثاني.
(قوله: ولو اقترض حربي من حربي) أي أو كان له عليه دين معاوضة كصداق.
(قوله: أو غيره) بالجر معطوف على حربي المجرور بمن: أي أو اقترض حربي من غير الحربي، من مسلم أو ذمي أو معاهد أو مستأمن.
(قوله: أو اشترى) أي الحربي.
(وقوله: منه) أي حربي آخر.
(قوله: ثم أسلما) أي الحربيان معا أو مرتبا، أو أعطيا الجزية، أو أخذا أمانا.
وعبارة المنهج: ثم عصم أحدهما بإسلام أو أمان مع الآخر أو دونه.
اه.
(قوله: لم يسقط) أي الدين الملتزم بعقد القرض أو الشراء.
(قوله: لالتزامه) أي الدين، وهو علة لعدم السقوط.
(وقوله: بعقد صحيح) أي وهو القرض أو البيع.
(قوله: ولو أتلف) مفهوم قوله: إقترض أو اشترى المقتضي وجود عقد: إذ الاتلاف لا
عقد فيه.
(وقوله: على حربي) ليس بقيد كما يفهم من قوله الآتي، ولو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه.
(قوله: فأسلما) أي الحربيان معا أو مرتبا.
(قوله: أو أسلم المتلف) في شرح الروض وكإسلامهما إسلام أحدهما، وتقييد الاصل بإسلام المتلف لبيان محل الخلاف.
اه.
(قوله: فلا ضمان) أي على المتلف.
(قوله: لانه) أي المتلف لم يلتزم: أي في ذمته شيئا بعقد.
(وقوله: حتى يستدام حكمه) أي حكم الملتزم بالعقد، وهو الضمان.
وأفهم التعليل المذكور أن ما اقترضه المسلم أو الذمي من الحربي يستحق المطالبة به، وإن لم يسلم لالتزامه بعقد.
أفاده ع ش.
(قوله: ولان الحربي الخ) معطوف على لانه لم يلتزم الخ.
(قوله: فأولى مال الحربي) أي فمال الحربي المتلف أولى(4/233)
بعدم الضمان.
(قوله: لو قهر حربي دائنه) أي لو قهر حربي مديون دائنه الحربي.
(وقوله: أو سيده) أي أو قهر عبد حربي سيده الحربي.
(وقوله: أو زوجة) أي أو قهر حربي زوجه، أي زوجته فإطلاق الزوج بلا تاء على المرأة هو القياس.
ومثله ما لو قهرت امرأة زوجها.
(قوله: ملكه) أي ملك القاهر المقهور.
(وقوله: وارتفع الدين) أي سقط بالنسبة للصورة الاولى.
(قوله: والرق) أي وارتفع الرق بالنسبة للصورة الثانية.
(قوله: والنكاح) أي وارتفع النكاح بالنسبة للصورة الثالثة.
(قوله: وإن كان المقهور كاملا) أي ملكه وارتفع ما ذكر، وإن كان المقهور كاملا ببلوغ وعقل وحرية وذكورة.
قال في شرح الروض: قال الامام: ولم يعتبروا في القهر قصد الملك، وعندي لا بد منه، فقد يكون للاستخدام أو غيره.
اه.
(قوله: وكذا إن كان القاهر بعضا للمقهور) أي وكذا يملكه إن كان القاهر ولدا للمقهور، أو والدا له.
فمراده بالبعض ما يشمل الاصل والفرع، وإن كان في إطلاقه على الاصل تسمح.
(قوله: ولكن ليس للقاهر) أي الاصل أو الفرع.
(قوله: بيع مقهوره البعض) أي الاصل أو الفرع.
(قوله: لعتقه عليه) أي بعد ثبوت الملك بالقهر يعتق عليه.
(قوله: خلافا للسمهودي) مقتضى السياق أنه يخالف في عدم جواز البيع.
(قوله: مهمة) أي تتعلق بما يسبى من بلاد الروم ونحوها.
وحاصل الكلام على ذلك أنه إن كان حرا مسلما، فلا يصح سبيه، ولا استرقاقه كما مر، وإن كان كافرا، فإن علم أن السابي له كافر صح سبيه واسترقاقه وجاز شراؤه وسائر التصرفات فيه، أو علم أنه مسلم سباه باختلاس أو نهب أو غير ذلك، فإن علم أن الامام خمسه كسائر أموال الغنيمة، أو قال كل من أخذ شيئا فهو له.
فكذلك يصح شراؤه وسائر التصرفات قطعا.
وإن علم أنه لم يخمسه، أو لم يقل ذلك، فلا يصح شراؤه ولا سائر التصرفات قطعا.
ووقع الخلاف
فيما إذا احتمل أن السابي كافر، واحتمل أنه مسلم، والمعتمد أنه يصح شراؤه للاحتمال الاول.
(قوله: في السراري) جمع سرية.
(وقوله: والارقاء) معطوف على ما قبله، من عطف العام على الخاص.
(قوله: المجلوبين) أي المأخوذين.
(قوله: من الروم والهند) أي ونحوهما، كالترك والسودان.
(قوله: وحاصل معتمد مذهبنا فيهم) أي في السراري والارقاء المجلوبين من الروم والهند.
(قوله: إن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم) أي بأن علم أنه غنيمة تخمست وقسمت أو جهل ذلك.
(قوله: يحل شراؤه) أي من لم يعلم كونه غنيمة، لم تتخمس ولم تقسم.
(قوله: وسائر التصرفات فيه) أي ويحل فيه سائر التصرفات، كالهبة والعتق والرهن والاجارة.
(قوله: لاحتمال الخ) علة لحل ذلك: أي وإنما حل شراؤه، لاحتمال أن الذي أسره حربي أو ذمي.
(قوله: فإنه لا يخمس عليه) علة للعلة: أي وإنما حل شراؤه إذا احتمل أن سابيه حربي أو ذمي، لان مأسور الحربي أو الذمي لا يخمسه الامام عليه، بل يستقل به، لكونه ليس غنيمة للمسلمين.
(قوله: وهذا) أي كون الآسر له حربيا أو ذميا، كثير لا نادر.
(قوله: فإن تحقق أن آخذه مسلم) أي وأنه لم يخمسه الامام ولم يقسمه.
وهذا مفهوم قوله من لم يعلم كونه الخ.
(وقوله: بنحو سرقة) متعلق بآخذه.
(قوله: لم يجز شراؤه) أي لانه غنيمة للمسلمين، وهي لا تملك إلا بعد التخميس والقسمة.
(قوله: أنه لا يخمس عليه) أن وما بعدها في تأويل مصدر بدل من الوجه الضعيف، أو عطف بيان.
(قوله: فقول جمع(4/234)
الخ) مبتدأ خبره جملة يتعين حمله الخ، وهذا جواب شرط مقدر تقديره.
وإذا علمت أن حاصل معتمد مذهبنا ما ذكر من التفصيل فقول جمع الخ.
(قوله: ظاهر الخ) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده، والجملة مقول القول.
وفي التحفة تظاهر بصيغة الماضي بمعنى اتفق.
(وقوله: على منع وطئ السراري) أي على حرمة ذلك لعدم صحة شرائهن.
(قوله: إلا أن ينصب الخ) أي إلا أن يولي الامام من يقسم الغنائم، فإن ولي فلا منع.
(وقوله: ولا حيف) أي ولا جور وظلم موجود في القسمة، بأن يعطى كل ذي حق حقه، أما إذا وجد حيف، بأن أعطى بعض الغانمين وحرم الباقين، فيمتنع وطؤهن.
(قوله: يتعين حمله) أي القول المذكور.
(وقوله: على ما علم) أي تيقن أن الغانم له: أي للمذكور من السراري المسلمون.
(قوله: وإنه لم يسبق) أي وعلم أنه لم يسبق الخ.
(قوله: من أخذ شيئا فهو له) فاعل يسبق.
أي لم يسبق من أميرهم هذا اللفظ.
(قوله: لجوازه) أي لجواز أن يسبق من الامير المذكور ذلك: أي صحته عند الائمة الثلاثة.
وعبارة المؤلف في آخر باب الزكاة: ولا يصح شرط الامام من أخذ شيئا فهو له، وفي قول يصح وعليه الائمة الثلاثة.
اه.
وإذا
جاز قول الامير المذكور، جاز الاخذ بقوله - كما في الرشيدي - وعبارته: إذ بقوله المذكور كل من أخذ شيئا اختص به، أي عند الائمة الثلاثة، لا عند الشافعي، إلا في قول ضعيف له.
اه.
وإذا جاز الاخذ بقول الامير، لصحته عند الائمة الثلاثة، فيصح وطئ السراري، ويبطل قول جمع ظاهر الكتاب الخ، إلا أن يحمل على ما ذكره المؤلف.
(قوله: وفي قول الشافعي) معطوف عل عند الائمة الثلاثة، أي ولجوازه في قول ضعيف للشافعي.
(قوله: بل زعم التاج الفزاري الخ) وعليه فيحمل وطئ السراري مطلقا لصحة شرائهن.
(قوله: وله أن يحرم الخ) معطوف على اسم إن وخبرها: أي وزعم الفزاري أن للامام أن يحرم الخ.
(قوله: لكن رده) أي ما زعمه التاج الفزاري.
(وقوله: المصنف) أي النووي.
(وقوله: بأنه) متعلق برده.
(قوله: وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس) أي والمخلص لمن وقع في يده شئ من الغنائم التي لم تخمس يقينا، بشراء أو هبة أو وصية، أن يدفعه لمستحقه إن كان معلوما، ثم بعد ذلك إن شاء اشتراه منه بعقد جديد، ويحل وطؤه حينئذ.
(قوله: وإلا فللقاضي) أي وإن لم يعلم المستحق: أي ولم ييأس منه بدليل التشبيه الآتي، فيرده للقاضي ليحفظه عنده حتى يعلم المستحق فيعطيه له.
(قوله: كالمال الضائع) الكاف للتنظير: أي أن هذه الغنائم التي لم تخمس، نظير المال الضائع في أنه يدفع للقاضي ليحفظه عنده.
(قوله: أي الذي الخ) بيان لقيد المال الضائع، ومثله في القيد المذكور من وقع بيده من الغنائم.
(قوله: وإلا) أي بأن وقع اليأس من مالكه، كأن ملك بيت المال، وعلى قياسه يقال هنا إذا وقع اليأس من مستحق الغنيمة، يكون ملكا لبيت المال.
(قوله: فلمن له فيه الخ) تفريع على كونه لبيت المال: أي وإذا صار ملكا له، فلكل من كان له في بيت المال حق الظفر به: أي بالمال الضائع الذي أيس من مالكه.
(قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن من كان له حق في بيت المال له الظفر به، كان المعتمد فيمن وصل له شئ: أي أعطي شيئا يستحقه من بيت المال حل أخذه، وإن كان بقية المستحقين مظلومين.
(وقوله: كما مر) يعني في كلام التحفة في كتاب قسم الفئ والغنيمة، وعبارته هناك.
فائدة: منع السلطان المستحقين حقوقهم من بيت المال.
ففي الاحياء قيل: لا يجوز لاحدهم أخذ شئ منه أصلا لانه مشترك ولا يدري حصته منه، وهذا غلو.
وقيل يأخذ كفاية يوم بيوم.
وقيل كفاية سنة.
وقيل ما يعطى إذا كان قدر(4/235)
حقه، والباقون مظلومون.
وهذا هو القياس لان المال ليس مشتركا بين المسلمين، ومن ثم من مات وله فيه حق لا يستحقه وارثه.
اه.
وخالفه ابن عبد السلام فمنع الظفر في الاموال العامة لاهل الاسلام، ومال المجانين والايتام.
وما
ذكره الغزالي أوجه مما ذكره ابن عبد السلام.
اه.
بحذف.
(قوله: نعم الورع الخ) مرتبط بقوله يحل شراؤه في أول المبحث: يعني أنه إذا لم يعلم كونه غنيمة لم تخمس، يحل شراؤه وسائر التصرفات، لكن الورع لمريد التسري الخ.
ويحتمل أن يكون مرتبطا بقوله قريبا حل له أخذه.
ويدل للاول صنيع النهاية، وقوله المؤلف بعد أن يشتري ثانيا.
إذ هو يدل على أنه وقع الشراء منه أولا، وفي صورة حل الاخذ ليس فيه شراء أصلا.
(وقوله: أن يشتري ثانيا) أي بثمن ثان غير الذي اشترى به أولا.
ويشترط أن يكون ثمن مثلها.
اه.
ع ش.
(وقوله: واليأس) بالرفع عطف على عدم التخميس: أي ولان الغالب اليأس من معرفة مالكها: أي السراري (قوله: فيكون) أي الذي لم يخمس، وأيس من معرفة مالكه.
(وقوله: ملكا لبيت المال) أي ككل ما أيس من معرفة مالكه.
اه.
رشيدي.
(قوله: تتمة) أي في ذكر مسائل تتعلق بالهدنة، وهي مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة مجانا أو بعوض، لا على سبيل الجزية، وهي جائزة لا واجبة.
والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (براءة من الله ورسوله) * الآية، وقوله: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) *.
وأركانها ثلاثة.
الاول العاقد: وهو الامام أو نائبه إن كانت الهدنة للكفار مطلقا، أو لاهل إقليم كالروم والهند، لان فيها خطرا عظيما بترك الجهاد فاختصت بهما، فإن كانت لبعض كفار إقليم، جاز أن يكون الوالي، وأن يكون الامام، وإنما يعقدها من ذكر لمصلحة، كضعفنا بقلة عدد وأهبة، وكرجاء إسلام، أو بذل جزية، أو إعانتهم لنا، أو كفهم عن الاعانة علينا.
الثاني المدة: وهي أربعة أشهر فأقل إن كان بنا قوة، وعشر سنين فأقل إن كان بناضعف.
فمتى زادت المدة على أربعة أشهر في الحالة الاولى، أو على عشر سنين في الحالة الثانية، بطل العقد في الزائد، وصح في الجائز تفريقا للصفقة، فإن لم يذكر في عقد الهدنة مدة أصلا بطل مطلقا، لانه يقتضي التأبيد.
الثالثة الصيغة: وهي كهادنتكم أو وادعتكم مثلا على ترك القتال مدة كذا.
وإذا صحت الهدنة وجب علينا الكف عنهم وفاء بالعهد حتى تنقضي مدتها، أو ينقضوها هم بتصريح منهم بنقضها أو بقتالنا أو قتل مسلم أو ذمي بدارنا عمدا.
(قوله: يعتق رقيق حربي) هو تركيب إضافي، والمراد قنه مطلقا ولو مستولدة أو مكاتبا.
(وقوله: إذا هرب) أي من سيده الحربي.
(وقوله: ثم أسلم) أي بعد الهرب.
(وقوله: ولو بعد الهدنة) أي ولو وقع الاسلام بعد الهدنة، فإنه يعتق عليه، لان الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض.
قال في الروض وشرحه: ولو هاجر قبل الهدنة أو بعدها ثم أسلم عتق، لانه إذا جاء قاهرا لسيده ملك نفسه بالقهر فيعتق، أو أسلم ثم هاجر قبل الهدنة، فكذا يعتق لوقوع قهره حال
الاباحة، أو بعدها فلا يعتق لان أموالهم محظورة حينئذ، فلا يملكها المسلم بالاستيلاء.
اه.
(قوله: أو أسلم ثم هرب قبلها) أي الهدنة.
(وقوله: وإن لم يهاجر إلينا) غاية لعتقه بما ذكر: أي يعتق عليه بما ذكر، وإن لم يهاجر: أي يأت إلى المسلمين.
(قوله: لا عكسه) أي لا يعتق في عكس المذكور.
(قوله: بأن أسلم الخ) تصوير للعكس.
(قوله: ثم هرب) أي بعد الاسلام.
(قوله: فلا يعتق) أي على سيده الحربي، لان أموالهم محظورة علينا حينئذ، فلا يملكها المسلم بالاستيلاء - كما تقدم -.
(قوله: لكن لا يرد إلى سيده) إستدراك من عدم عتقه حينئذ، دفع به ما يتوهم منه من تمكين السيد منه.
(قوله: فإن لم يعتقه الخ) مقابل لمحذوف، أي فإن عتقه أو باعه عن مسلم فذاك واضح، وإن لم يعتقه ولم
__________
(1) سورة التوبة، الاية: 1.
(2) سورة الانفال، الاية: 61.(4/236)
يبعه عليه باعه الامام على مسلم، أو دفع له قيمته من بيت المال وأعتقه عن كافة المسلمين، والولاء يكون لهم جميعا.
(قوله: وإن أتانا بعد الهدنة) فاعل الفعل قوله بعد حر ذكر مكلف.
(وقوله: وشرط رد من جاء منهم إلينا) الجملة حالية: أي والحال أنهم شرطوا علينا في عقد الهدنة أن نرد إليهم من جاء منهم إلينا.
(قوله: مسلما) حال من فاعل جاء، أو من فاعل أتانا، وهو قوله حر، ولو رفعه وجعله صفة رابعة لكان أولى.
(قوله: فإن لم تكن الخ) جواب إن أتانا: أي وإن أتانا، من ذكر مسلما ففيه تفصيل، فإن لم تكن له عشيرة: أي جماعة ثم، أي في بلاد أهل الحرب تحميه، فلا يجوز رده إليهم.
وإن كان له ثم عشيرة تحميه رد إليهم بطلبهم إياه، فإن طلبه غير عشيرته لم يرد، وإن كان يحميه إلا أن يقدر المطلوب على قهر الطالب والهرب منه فيرد إليه، وعليه حمل رد النبي (ص) أبا بصير لما جاء في طلبه رجلان، فقتل أحدهما في الطريق، وهرب منه الآخر.
(قوله: بالتخلية بينه وبين طالبه) تصوير للرد، فمعنى رده إليهم أن يخلي بينه وبين طالبه.
(قوله: بلا إجبار الخ) أي أنه يخلي بينه وبين طالبه من غير أن نجبره على الرجوع مع طالبه، لحرمة إجبار المسلم على إقامته بدار الحرب، ولا يلزم المطلوب الرجوع مع طالبه، بل لا يجوز له إن خشي فتنة، وذلك لانه لم يلتزمه، إذ العاقد غيره، ولهذا لم ينكر (ص) على أبي بصير إمتناعه ولا قتله لطالبه، بل سره ذلك، ومن ثم سن أن يقال له سرا لا ترجع، وإن رجعت فاهرب متى قدرت أفاده في التحفة.
(قوله: وكذا لا يرد الخ) أي كما أنه لا يرد من ليس له ثم عشيرة تحميه، كذلك لا يرد صبي ومجنون، وهو مفهوم قوله مكلف.
(وقوله: وصفا الاسلام أم لا) أي نطقا بالشهادتين أم لا، وإنما قال وصفا ولم يقل أسلما لعدم صحة الاسلام منهما.
(قوله: وامرأة) أي
وكذا لا ترد امرأة: أي لئلا يطأها زوجها أو يتزوجها حربي.
(وقوله: وخنثى) أي وكذا لا يرد خنثى وهما مفهوم قوله ذكر، وبقي عليه مفهوم قوله حر، وهو الرقيق، فلا يرد أيضا، لانه جاء مسلما مراغما لسيده، وتقدم بيان كونه يعتق عليه أم لا.
(قوله: أي لا يجوز ردهم) تفسير مراد لقوله وكذا لا يرد الخ، أفاد به حكمه وهو عدم الجواز.
(قوله: لضعفهم) علة لعدم جواز ذلك: أي لا يجوز لضعفهم.
أي الصبي والمجنون والمرأة والخنثى.
قال في التحفة.
فإن كمل الصبي أو المجنون واختيارهم مكناه منهمم.
اه.
(قوله: ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد) أي وهرب منا إليهم وقد شرطوا علينا أن لا يردوا من جاءهم مرتدا آمنا.
قال في المنهج وشرحه: ولو شرط عليهم في الهدنة رد مرتد جاءهم منا، لزمهم الوفاء به عملا بالشرط سواء كان رجلا أم أمرأة، حرا أو رقيقا، فإن أبوا فناقضو العهد لمخالفتهم الشرط، وجاز شرط عدم رده: أي مرتد جاءهم منا، ولو امرأة ورقيقا فلا يلزمهم رده، لانه (ص) شرط ذلك في مهادنة قريش، ويغرمون مهر المرأة وقيمة الرقيق، فإن عاد إلينا رددنا لهم قيمة الرقيق دون مهر المرأة، لان الرقيق بدفع قيمته يصير ملكا لهم، والمرأة لا تصير زوجة.
اه.
(قوله: دون الحر المرتد) أي إذا ذهب إليهم فلا يلزمهم شئ فيه.
إذ لا قيمة للحر.
خاتمة: نسأل الله حسن الختام، العقود التي تفيد الكفار الامن ثلاثة: الهدنة، والامان، والجزية.
وقد علمت ما يتعلق بالهدنة، وأنها تختص بالامام أو نائبه.
وأما الامان فلا يختص به، بل يجوز لكل مسلم مختار غير صبي ومجنون وأسير، ولو امرأة وعبدا وفاسقا وسفيها أمان جماعة من أهل الحرب محصورين قبل أسر، وذلك لقوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * وخبر الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم - أي يتحملها ويعقدها مع الكفار أدناهم - فمن أخفر مسلما - أي نقض عهده - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وخرج بمسلم
__________
(1) سورة التوبة، الاية: 6.(4/237)
الكافر، فلا يصح أمانه لانهم متهم، وبمختار المكره، وبما بعده الصبي والمجنون والاسير، فلا يصح أمانهم.
وخرج بالمحصورين غيرهم.
وضابطه أن يؤدي الامان إلى إبطال الجهاد في تلك الناحية، فلا يصح من الآحاد حينئذ أمان، لابطاله شعار الدين وأعظم مكاسب المسلمين، وإنما ينعقد الامان بإيجاب صريح: كأمنتك، وأجرتك، ولا تخف، ولا بأس عليك، أو كناية نحوكن كيف شئت.
ومنها الكتابة، وبقبول للامان ولو بما يشعر به كترك القتال.
ويدخل في الامان للحربي بدارنا، ماله وأهله من ولده الصغير والمجنون وزوجته إن كان بدارنا، وكذا ما معه من مال غيره إن كان المؤمن له
الامام.
فإن أمنه غيره لم يدخل أهله ولا ما يحتاجه من ماله إلا بشرط دخولهما، وكذا يدخلان فيه إن كانا بدارهم، وشرط دخولهما إمام لا غيره.
وأما الجزية فتختص بالامام أو نائبه كالهدنة، وهي لغة اسم لخراج مجعول على أهل الذمة، وشرعا مال يلتزمه كافر بعقد مخصوص.
والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * وما رواه البخاري من أنه (ص) أخذها من مجوس هجر وقال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وما رواه أبو داود من أخذه لها من أهل نجران.
وفسر إعطاء الجزية في الآية بالتزامها بالعقد والصغار فيها بالتزام أحكامنا التي يعتقدونها كحرمة زنا وسرقة، بخلاف التي لا يعتقدونها كحرمة شرب مسكر، ونكاح مجوسي محارم، فإنهم لا يلتزمونها، لانه لا يلزمهم الانقياد إلا للاحكام التي يعتقدونها.
وأركانها خمسة: عاقد، ومعقود له، ومكان، ومال، وصيغة.
وشرط فيها ما مر في البيع من نحو إتصال الايجاب بالقبول، وهي إيجابا كأقررتكم، أو أذنت في إقامتكم بدارنا على أن تلتزموا كذا وتنقادوا لحكمنا، وقبولا كقبلنا ورضينا.
وشرط في العقاد كونه إماما أو نائبه، فلا يصح عقدها من غيره لانها من الامور الكلية، فيحتاج إلى نظر واجتهاد، وشرط في المعقود له كونه متمسكا بكتاب كتوراة وإنجيل وزبور حرا ذكرا غير صبي ومجنون.
وشرط في المكان قبوله للتقرير، فيمنع كافر ولو ذميا إقامة بالحجاز، وهو مكة والمدينة واليمامة وطرقها وقراها كالطائف لمكة، وخيبر للمدينة.
وشرط في المال عند قوتنا كونه دينارا فأكثر كل سنة عن كل واحد، لقوله (ص) لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: خذ من كل حالم - أي محتلم - دينارا رواه أبو داود وغيره.
ويسن للامام أن يشاحح غير الفقير عند العقد في قدر ما يعقد به، بأن يقول للمتوسط لا أعقد إلا بدارين، وللموسر لا أعقد إلا بأربعة دنانير.
ويسن للامام أيضا أن يشرط عليهم الضيافة لمن يمر عليهم من المسلمين المجاهدين وغيرهم.
ويتضمن عقد الجزية أربعة أشياء: أحدها: أن يؤدوا الجزية بالذلة والصغار.
ثانيها: أن تجري عليهم أحكام المسلمين فيضمنون ما يتلفونه عليهم من نفس ومال.
ثالثها: أن لا يذكروا الاسلام إلا بخير.
رابعها: أن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين، كرفع بناء لهم على بناء جار مسلم، وكإيوائهم من يطلع على عورات المسلمين، وكدلالتهم أهل الحرب على عورة لنا، وكدعائهم مسلما للكفر، وكزنا ذمي بمسلمة، فإن فعلوا ذلك إنتقض عهدهم.
ويجب على الامام إذا اختلطوا بنا أن يأمرهم بلبس الغيار، وهو تغير اللباس، بأن يخيط الذمي على ثوبه شيئا يخالف لون ثوبه، وشد الزنار - وهو خيط غليظ يشد في الوسط فوق الثياب - وبغير ذلك مما هو مذكور في المطولات.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة التوبة، الاية: 29.(4/238)
باب القضاء أي في بيان أحكام القضاء: من كونه فرض كفاية، أو فرض عين، أو مندوبا، أو مكروها، أو حراما.
وما يتعلق بذلك من شروط القاضي.
وإنما أخر إلى هنا لانه لا يجري في جميع ما قبله.
من معاملات وغيرها.
(قوله: أي الحكم بين الناس) أي المترتب على الولاية، وهذا معنى القضاء شرعا: أما لغة: فهو إحكام الشئ بكسر الهمزة: أي إتقانه وإمضاؤه، أي تنفيذه، وله معنى أيضا عند المتكلمين وهو إيجاد الله الاشياء مع زيادة الاحكام والاتقان عند الماتريدية منهم، أو إرادة الله الاشياء في الازل على ما هي عليه فيما لا يزال عند الاشاعرة منهم.
(قوله: والاصل فيه) أي والدليل عليه قبل الاجماع.
(قوله: قوله تعالى) أي وقوله تعالى: * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس) *.
(قوله: وأن احكم بينهم) أي اقض بينهم.
(قوله: وأخبار) أي والاصل فيه أخبار.
(قوله: وفي رواية بدل الاولى) أي قوله فله أجران.
(وقوله: فله عشرة أجور) لا ينافي هذا الرواية الاولى لان الاخبار بالقليل لا ينفي الكثير، ولجواز أنه أعلم أولا بالاجرين فأخبر بهما، ثم بالعشرة فأخبر بها.
(قوله: أجمع المسلمون على أن هذا) أي ما في خبر الصحيحين من كون المصيب له أجران، أو عشرة أجور، والمخطئ له أجر واحد.
(قوله: في حاكم الخ) أي مفروض في حاكم عالم مجتهد.
(قوله: أما غيره) أي أما حاكم غير العالم المجتهد.
(قوله: فآثم بجميع أحكامه) أي لانه لا يجوز له الحكم حينئذ.
(قوله: وإن وافق الصواب) غاية في إثمه بذلك.
قال في التحفة بعد الغاية: وأحكامه كلها مردودة لان إصابته اتفاقية.
اه.
وعبارة المغني مثلها ونصها: ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا، لان إصابته اتفاقية ليست عن أصل شرعي.
اه.
وإذا علمت ما ذكر تعلم أن في عبارته سقطا من النساخ، وهو المعلل بالعلة التي ذكرها: أعني لان إصابته إتفاقية.
وقوله في التحفة وأحكامه كلها مردودة: محله كما سيأتي، وكما في الرشيدي.
ما لم يولد ذو شوكة، وإلا فلا تكون مردودة.
(قوله: وصح خبر القضاة ثلاثة الخ).
يحكى أنه كانت القضاة في بني إسرائيل ثلاثة، فمات أحدهم، فولي مكانه غيره، ثم قضوا ما شاء الله أن يقضوا، ثم بعث الله لهم ملكا يمتحنهم، فوجد رجلا يسقي بقرة على ماء، وخلفها عجلة، فدعاها الملك وهو راكب فرسا، فتبعتها العجلة فتخاصما، فقالا: بيننا القاضي، فجاءا إلى القاضي الاول فدفع إليه الملك درة كانت معه، وقال له احكم
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 49.
(2) سورة المائدة، الاية: 42.
(3) سورة النساء، الاية: 105.(4/239)
بأن العجلة لي.
قال بماذا أحكم ؟ قال: أرسل الفرس والبقرة والعجلة، فإن تبعت الفرس فهي لي.
فأرسلها فتبعت الفرس فحكم بها له، وأتبا القاضي الثاني فحكم كذلك، وأخذ درة.
وأما القاضي الثالث فدفع له الملك درة وقال له: احكم بيننا.
فقال له: إني حائض.
فقال الملك: سبحان الله: أيحيض الذكر ؟ فقال له القاضي: سبحان الله أتلد الفرس بقرة ؟ وحكم بها لصاحبها.
اه.
فشني على الاربعين.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: من ولي قضاء المسلمين ثم غلب عدله جوره فله الجنة، وإن غلب جوره عدله فله النار أخرجه أبو داود.
وقال عليه السلام: عج حجر إلى الله تعالى وقال: إلهي وسيدي عبدتك كذا وكذا سنة ثم جعلتني في أس كنيف، فقال أما ترضى إن عدلت بك عن مجالس القضاة ؟ رواه ابن عساكر.
ولذلك امتنع الاكابر من قبول القضاء لما عرض عليهم: كابن عمر رضي الله عنهما، فإنه امتنع منه لما سأله عثمان رضي الله عنه القضاء، وعرض على الحسين بن منصور النيسابوري قضاء نيسابور، فاختفى ثلاثة أيام، ودعا الله فمات في اليوم الثالث، وامتنع منه الامام الشافعي رضي الله عنه لما استدعاه المأمون لقضاء الشرق والغرب، وامتنع منه الامام أبو حنيفة رضي الله عنه لما استدعاه المنصور فحبسه وضربه.
وحكى القاضي الطبري وغيره أن الوزير ابن الفرات طلب أبا علي بن خيران لتولية القضاء، فهرب منه، فختم على دوره نحوا من عشرين كما قيل فيه: وطينوا الباب على أبي علي عشرين يوما ليلي فما ولي وقال بعض القضاة: وليت القضاء وليت القضالم يك شيئا توليته فأوقعني في القضاء القضاوما كنت قدما تمنيته وقال آخر: فيا ليتني لم أكن قاضياويا ليتها كانت القاضية (قوله: وفسر الاول) أي فسر النبي (ص) الاول، فالمفسر هو النبي، كما تدل عليه عبارة الخطيب ونصها: وقد روى
الاربعة والبيهقي والحاكم أن النبي (ص) قال: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة.
فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق وقضى به، واللذان في النار: رجل عرف الحق فجار في الحكم، ورجل قضى للناس على جهل.
(قوله: والاخيران) بكسر الخاء: أي وفسر الاخيران: أي فسرهما النبي (ص) - كما علمت -.
(قوله: وما جاء في التحذير عنه) أي وما ورد عن النبي (ص) في التحذير عن القضاء.
(قوله: فقد ذبح بغير سكين) هو كناية عن هلاكه بسبب القضاء.
(قوله: محمول) خبر ما جاء الخ.
(وقوله: على عظم الخطر فيه) أي في القضاء: أي فينبغي ترك الدخول فيه.
(قوله: أو على من يكره له القضاء) فيه أن الكراهة لا توجب هذا الوعيد الشديد.
اه.
بجيرمي.
وفي المغني ما نصه: وورد من الترغيب والتحذير أحاديث كثيرة، ولا شك أنه - أي القضاء - منصب عظيم إذا قام العبد بحقه، ولكنه خطر والسلامة فيه بعيدة، إلا إن عصمه الله تعالى.
وقد كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما لما كان قاضيا ببيت المقدس: أن الارض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس المرء عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي، فإن كنت تبرئ فنعما لك، وإن كنت مطببا فاحذر أن تقتل أحدا فتدخل النار.
فما بالك بمن ليس بطبيب ولا مطبب ؟.
اه.
(قوله: وهو) مبتدأ خبره فرض كفاية.
(قوله: أي قبول الخ) تفسير للضمير الواقع مبتدأ.
(وقوله: من متعددين صالحين له) أي(4/240)
القضاء.
(قوله: فرض كفاية) أما كونه فرضا فلقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط) *.
وأما كونه على الكفاية، فلانه أمر بمعروف أو نهي عن منكر.
وهما على الكفاية.
وقد بعث النبي (ص) عليا إلى اليمن قاضيا، فقال: يا رسول الله بعثتني أقضي بينهم وأنا شاب لا أدري ما القضاء ؟ فضرب النبي (ص) صدره وقال: اللهم اهده وثبت لسانه.
قال: فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما شككت في قضاء بين اثنين.
واستخلف النبي (ص) عتاب بن أسيد على مكة واليا وقاضيا، وقلد معاذا قضاء اليمن، وبعث عمر رضي الله عنه أبا موسى الاشعري إلى البصرة، فلو كان القضاء فرض عين لم يكف واحد.
أفاده في المغني.
(قوله: في الناحية) هي مسافة العدوى دون ما زاد.
(قوله: بل أسنى الخ) أي بل القضاء أسنى: أي أفضل فروض الكفايات، وذلك للاجماع مع الاضطرار إليه، لان طباع البشر مجبولة على التظالم، وقل من ينصف من نفسه.
والامام الاعظم مشتغل بما هو أهم منه، فوجب من يقوم به، وكان أسنى فروض الكفاية.
(قوله: فإن امتنع الصالحون له) أي للقضاء.
(وقوله: منه) متعلق بامتنع، فالضمير يعود على القضاء أيضا.
(وقوله: أثموا) أي وأجبر الامام أحدهم.
(قوله: أما تولية الخ) مقابل قوله هو: أي قبوله.
وعبارة المغني: وخرج بقبول التولية إيقاعها للقاضي من
الامام فإنها فرض عين عليه.
اه.
(قوله: في إقليم) أي كالهند وجاوى والحجاز.
(قوله: ففرض عين عليه) أي على الامام، ويتعين على قاضي الاقليم أن يولي تحته فيما عجز عنه.
(قوله: ثم على ذي شوكة) أي ثم هو فرض عين على ذي شوكة إن لم يوجود الامام.
(قوله: ولا يجوز إخلاء الخ) والمخاطب بذلك الامام أو من فوض إليه الامام الاستخلاف: كقاضي الاقليم.
(وقوله: مسافة العدوى) هي التي خرج منها بكرة - أي من طلوع الفجر - لبلد الحاكم رجع إليها يومه بعد فراغ زمن المخاصمة المعتدلة من دعوى وجواب وإقامة بينة حاضرة وتعديلها.
والعبرة بسير الاثقال لانه منضبط.
(وقوله: عن قاض) أي أو خليفته.
(قوله: فرع لا بد من تولية من الامام أو مأذونه الخ) فيه أن هذا عين قوله أولا أما تولية الامام أو نائبه ففرض عين الخ، فكان الاسبك والاخصر أن يقول بعد قوله ثم على ذي شوكة، ثم على أهل الحل والعقد الخ.
وبعد قوله معارضا للباقين يأتي بقوله أولا، ولا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض، ثم يأتي بقوله ومن صريح التولية الخ.
واعلم أنه يشترط في التولية أن تكون للصالح للقضاء، فإن لم يكن صالحا له لم تصح توليته، ويأثم المولي - بكسر اللام - والمولى - بفتحها - ولا ينفذ حكمه، وإن أصاب فيه إلا للضرورة، بأن ولي سلطان ذو شوكة مسلما فاسقا، فينفذ قضاؤه للضرورة لئلا تتعطل مصالح الناس - كما سيذكره - روى البيهقي والحاكم: من استعمل عاملا على المسلمين، وهو يعلم أن غيره أفضل منه - وفي رواية رجلا على عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه - فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.
(قوله: فإن فقد الامام فتولية) يقرأ بالجر: أي فلا بد من تولية.
(وقوله: أهل الحل والعقد) أي حل الامور وعقدها من العلماء ووجوه الناس المتيسر اجتماعهم.
(قوله: أو بعضهم) أي بعض أهل الحل والعقد، ولو كان واحدا لكن مع رضا الباقين.
(قوله: ولو ولاه) أي الصالح للقضاء.
(وقوله: أهل جانب من البلد) أي من أهل الحل والعقد.
(قوله: صح) أي ما ذكر من التولية، ولو قال صحت بتاء التأنيث لكان أولى.
(وقوله: فيه) أي في ذلك الجانب.
(وقوله: دون
__________
(1) سورة النساء، الاية: 135.
حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 16(4/241)
الآخر) أي دون الجانب الآخر من البلد، فلا تصح التولية بالنسبة إليه، لكن محله إن لم يرض به أهله إلا صحت.
(قوله:
ومن صريح التولية الخ) مرتبط بمحذوف، أي ويشترط في صحة التولية الصيغة من إيجاب وقبول، ومن صريح التولية أي إيجابا بتوليتك، أو قلدتك القضاء.
(قوله: ومن كنايتها) أي التولية.
(قوله: عليك فيه) متعلقان بكل من عولت واعتمدت.
(قوله: ويشترط القبول) أي من المولى بفتح اللام.
(وقوله: لفظا) أي بأن يقول قبلت ذلك أو توليته.
(قوله: وكذا فورا الخ) أي وكذا يشترط أن يكون فورا فيما إذا كان المولى - بفتح اللام - حاضرا.
(قوله: وعند بلوغ الخبر في غيره) أي ويشترط أن يكون القبول عند بلوغ خبر التولية بكتاب أو برسول فيما إذا كان غير حاضر.
(قوله: وقال جمع محققون الخ) معتمد.
قال سم: لا يعتبر القبول لفظا، بل يكفي فيه الشروع بالفعل كالوكيل - كما أفتى بذلك شيخنا الشهاب الرملي - نعم: يرتد بالرد.
اه.
(قوله: ومن تعين في ناحية) أي للقضاء بأن لم يوجد في ناحيته أي بلده، ومن على دون مسافة العدوى صالح له غيره.
(قوله: لزمه قبوله) أي القضاء للحاجة إليه.
(قوله: وكذا طلبه) أي وكذا يلزمه طلبه القضاء إن تعين له.
وفي المغني ما نصه: تنبيه: محل وجوب الطلب إذا ظن الاجابة - كما بحثه الاذرعي - فإن تحقق أو غلب على ظنه عدمها لما علم من فساد الزمان وأئمته لم يلزمه، فإن عرض عليه لزمه القبول، فإن امتنع عصى، وللامام إجباره على الاصح، لان الناس مضطرون إلى علمه ونظره، فأشبه صاحب الطعام إذا منعه المضطر، فإن قيل أنه بامتناعه حينئذ يصير فاسقا، ويحمل قولهم يجبر على أنه يؤمر بالتوبة أولا، فإذا تاب أجبر: أجيب بأنه لا يفسق بذلك، لانه لا يمتنع غالبا إلا متأولا للتحذيرات الواردة في الباب، واستشعاره من نفسه العجز، وعدم اعتماده على نفسه الامارة بالسوء، وكيف يفسق من امتنع متأولا تأويلا سائغا أداه اجتهاده إليه ؟ وأن المنجي له من عذاب الله وسخطه له، عدم التلبس بهذا الامر.
اه.
(قوله: ولو ببذل مال) أي إن قدر عليه فاضلا عما يعتبر في الفطرة.
(قوله: وإن خاف من نفسه الميل) أي يلزمه القبول والطلب وإن خاف من نفسه الجور والظلم، وإذا تولاه احترز عنه كسائر فروض الاعيان.
(قوله: فإن لم يتعين فيها) أي في ناحيته بأن وجد من يصلح له غيره.
(قوله: كره للمفضول القبول والطلب) وذلك لما روي، عن عبد الرحمن بن سمرة أنه قال له النبي (ص): لا تسأل الامارة.
ومحل كراهة ما ذكر حيث لم يتميز المفضول بكونه أطوع في الناس، أو أقرب إلى القلوب، أو أقوى في القيام في الحق، أو ألزم لمجلس الحكم، وإلا جاز له القبول والطلب من غير كراهة.
(قوله: إن لم يمتنع الافضل) فإن امتنع فهو كالمعدوم، ولا يكره للمفضول ذلك.
(قوله: ويحرم طلبه) أي القضاء، قال في الروض وشرحه: وإن كان هناك قاض، فإن كان غير مستحق للقضاء فكالمعدوم، وإن كان مستحقا له، فطلب عزله، حرام وإن
كان مفضولا، فإن فعل - أي عزل وولى غيره - نفذ للضرورة: أي عندها وأما عند تمهد الاصول الشرعية فلا ينفذ، صرح به الاصل فيما إذا بذل مال لذلك، والظاهر أنه بدونه كذلك.
اه.
(قوله: بعزل صالح له) أي للقضاء، فإن كان غير صالح له فلا يحرم طلبه بعزله، بل يسن ولو ببذل المال.
واعلم أن الذي تحصل من كلامه أن قبول القضاء تعتريه الاحكام الخمس - ما عدا الاباحة - فيجب إذا تعين في الناحية، ويندب إن لم يتعين، وكان أفضل من غير، ويكره إن كان مفضولا ولم يمتنع الافضل، ويحرم بعزل صالح ولو مفضولا.
(قوله: وشرط قاض) هو مفرد مضاف فيعم (قوله: كونه أهلا الخ) فيه إحالة على مجهول، إلا أن يقال إتكل في ذلك على شهرته.
(وقوله: للشهادات كلها) أي لسائر أنواعها، إذ هي تتنوع بحسب المشهود به إلى سبعة أنواع، كما(4/242)
سيأتي بيانيا في بابها.
(قوله: بأن يكون مسلما) قال الماوردي: وما جرت به عادة الولاة من نصب رجل من أهل الذمة فتقليد رياسة وزعامة: أي سيادة لا تقليد حكم وقضاء.
اه.
(قوله: مكلفا) أي بالغا عاقلا.
(قوله: حرا) أي كله.
(قوله: ذكرا) أي يقينا.
(قوله: عدلا) العدالة لغة التوسط، وشرعا ملكة في النفس، تمنع من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة - كما تقدم.
(قوله: سميعا) إنما اشترط السمع فيه، لان الاصم لا يفرق بين إقرار، وإنكار، وإنشاء، وإخبار.
(وقوله: ولو بالصياح) غاية في كونه سميعا: أي ولو كان لا يسمع إلا بالصياح في أذنيه فإنه يكفي ولا يضر إلا الصمم الشديد، بحيث لا يسمع أصلا.
(قوله: بصيرا) أي ولو بإحدى عينيه، ولو كان يبصر نهارا فقط دون من يبصر ليلا فقط.
قاله الاذرعي.
وخالفه الرملي ومن تبعه فيمن يبصر ليلا فقط، فقال يكفي كونه يبصر ليلا فقط، كما يكفي كونه يبصر نهارا فقط.
فائدة: البصر قوة في العين تدرك به المحسوسات، كما أن البصيرة قوة في القلب تدرك بها المعقولات، فالبصيرة للقلب بمنزلة البصر للعين.
(قوله: فلا يولى من ليس كذلك) أي من ليس مستكملا للشروط المذكورة، بأن يكون كافرا، أو صبيا، أو مجنونا أطبق جنونه أولا، أو رقيقا كله أو بعضه، أو أنثى، أو خنثى، أو فاسقا، أو أصم، أو أعمى، فلا يصح توليتهم لنقصهم.
(قوله: ولا أعمى) فيه أنه مندرج في قوله من ليس كذلك فلاي شئ أفرده.
(قوله: وهو من يرى الخ) عبارة التحفة: فلا يولى أعمى ومن يرى الشبح الخ.
اه.
فلعل لفظه هو: زائدة من النساخ.
(قوله: الشبح) أي الجسم.
(وقوله: ولا يميز الصورة) أي ولا يميز صورة ذلك الشبح، هل هي صورة زيد أو عمرو، أو غير ذلك ؟ (قوله: وإن
قربت) أي لا يميزها مطلقا مع القرب ومع البعد.
(قوله: بخلاف من يميزها إذا قربت) أي الصورة فإنه يصح توليته.
(قوله: بحيث يعرفها) تصوير لتمييزه إياها.
والمراد بحيث يعرف أنها صورة زيد مثلا.
(قوله: ولو بتكلف الخ) أي ولو كانت معرفتها بتكلف ومزيد تأمل، فإنه يصح توليته.
(قوله: وإن عجز عن قراءة المكتوب) أي فإنه يصح توليته.
(قوله: واختير صحة ولاية الاعمى) أي واختار بعضهم صحة ولاية الاعمى مستدلا بأنه (ص): استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة وغيرها من أمور المدينة رواه الطبراني.
وأجاب المانعون ولايته باحتمال أنه استخلفه في الامور العامة من الحراسة وما يتعلق بها، لا في خصوص الحكم الذي الكلام فيه.
(قوله: كافيا للقيام بمنصب القضاء) أي بأن يكون ذا يقظة تامة، وقوة على تنفيذ الحق بحيث لا يؤتى من غفلة: أي لا يصاب في الحكم، بأن يحكم بخلاف الحق من أجل غفلته، ولا يخدع من غرة: أي لا يخدع عن الحق بسبب غرور شخص له.
قال في المغني: وفسر بعضهم الكفاية اللائقة بالقضاء، بأن يكون فيه قوة على تنفيذ الحق بنفسه، فلا يكون ضعيف النفس جبانا.
فإن كثيرا من الناس يكون عالما دينا، ونفسه ضعيفة عن التنفيذ والالزام والسطوة، فيطمع في جانبه بسبب ذلك.
اه.
(قوله: فلا يولى مغفل) هو الذي لا يضبط الامور بأن يكون مختل النظر والفكر، لكبر أو مرض أو غير ذلك.
(قوله: ومختل نظر) أي فكر، وعطفه على ما قبله من عطف التفسير.
(وقوله: بكبر أو مرض) الباء سببية متعلق بكل من مغفل ومختل نظر.
(قوله: مجتهدا) أي اجتهادا مطلقا لانه المنصرف إليه اللفظ عند الاطلاق، وبدليل بيانه الآتي، والاجتهاد في الاصل بدل المجهود في طلب المقصود، ويرادفه التحري والتوخي، ثم استعمل في استنباط الاحكام من الكتاب والسنة.
وخرج به مجتهد المذهب، وهو من يستنبط الاحكام من قواعد إمامه كالمزني، ومجتهد الفتوى، وهو من يقدر على الترجيح في الاقوال كالرافعي والنووي، والمقلد الصرف وهو الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه والترجيح بين الاقوال.
(قوله: فلا يصح تولية جاهل) أي بالاحكام الشرعية.
(قوله: ومقلد) أي ولا يصح تولية مقلد لامام من الائمة الاربعة.
(قوله: وإن حفظ الخ)(4/243)
غاية في عدم صحة تولية المقلد.
(قوله: لعجزه عن إدراك غوامضه) أي مسائل مذهب إمامه الصعبة.
قال في التحفة بعده: وتقرير أدلته إذ لا يحيط بهما إلا مجتهد مطلق.
اه.
وقال في النهاية: المقلد هو من حفظ مذهب إمامه، لكنه غير عارف بغوامضه، وقاصر عن تقرير أدلته، لانه لا يصلح للفتوى، فالقضاء أولى.
اه.
(قوله: والمجتهد) أي المطلق.
(قوله: من يعرف بأحكام القرآن) الباء زائدة.
وفي الكلام حذف مضافين: أي من يعرف أنواع محال الاحكام، ليتمكن
من استنباطها منها، ويقدر على الترجيح فيها عند تعارض الادلة.
(قوله: من العام الخ) بيان للمضاف الاول من المضافين اللذين قدرتهما، وليس بيانا للاحكام في كلامه، كما يفيده صنيعه: إذ العام ليس حكما، وإنما هو محل له، والعام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر كقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) *.
والخاص بخلافه كقوله عليه الصلاة والسلام: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر.
والمجمل ما لم تتضح دلالته كقوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) *.
وقوله: * (خذ من أموالهم صدقة) *.
لانه لم يعلم منها قدر الواجب، والمبين هو ما اتضحت دلالته، والمطلق ما دل على الماهية بلا قيد كآية الظهار.
والمقيد ما دل على الماهية بقيد كآية القتل.
والنص ما دل دلالة قطعية، والظاهر ما دل دلالة ظنية.
قال في جمع الجوامع: المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وهو نص إن أفاد معنى لا يحتمل غيره كزيد، وظاهر إن احتمل غيره مرجوحا كأسد.
اه.
والناسخ كآية: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *.
والمنسوخ كآية: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول) *.
والمحكم كقوله تعالى: * (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) * فهذه نص في أنه لا يماثله شئ في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والمتشابه كقوله تعالى: * (الرحمن على العرش استوى) *.
(قوله: وبأحكام السنة) معطوف على بأحكام القرآن.
والمراد أن يعرف أنواع محال الاحكام من السنة أيضا - كما تقدم - والسنة هي الاحاديث الشريفة، وهي كل ما نسب للنبي (ص) من الاقوال والافعال والهم والتقرير، كأن فعل بعض الصحابة شيئا أو قال شيئا بحضرة النبي (ص) وأقره عليه.
(قوله: من المتواتر الخ) بيان لما قدرته أيضا وليس بيانا لنفس الاحكام - كما مر -.
(قوله: وهو) أي المتواتر ما تعددت طرقه، بأن رواه جمع عن جمع يؤمن من تواطؤهم على الكذب.
قال البجيرمي: المتواتر ما ترويه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عن جماعة كذلك في جميع الطبقات، والآحاد ما يرويه واحد عن واحد أو أكثر ولم يبلغوا عدد التواتر.
اه.
(قوله: والآحاد) بالجر عطف على المتواتر، (قوله: وهو) أي الآحاد: أي حديثهم.
(وقوله: باتصال رواته) أي المصور باتصال رواته، فالباء للتصوير، وكان الملائم لما قبله، أي يأتي به في صورة التعريف بأن يقول وهو ما اتصلت رواته الخ.
(قوله: ويسمى) أي المتصل باتصال الخ المرفوع (قوله: أو إلى الصحابي) معطوف على قوله إليه: أي أو باتصال رواته إلى الصحابي ولم يرفع إلى النبي (ص).
(قوله: ويسمى) أي المتصل إلى الصحابي الموقوف.
(قوله: والمرسل) بالجر أيضا عطف على المتواتر.
(وقوله: وهو قول التابعي الخ) أي فهو ما سقط منه الصحابي، كما قال في البيقونية:
ومرسل منه الصحابي سقط
__________
(1) سورة محمد، الاية: 33.
(2) سورة النور، الاية: 56.
(3) سورة التوبة، الاية: 103.
(4) سورة البقرة، الاية: 234.
(5) سورة البقرة، الاية: 240.
(6) سورة الشورى، الاية: 11.
(7) سورة طه، الاية: 5.(4/244)
وهذا اصطلاح المحدثين.
وأما اصطلاح الفقهاء والاصوليين، فهو ما سقط من سنده راو أو أكثر، سواء كان من أوله أو من آخره أم بينهما.
وعبارة ق ل في حاشية شرح الورقات، وأما اصطلاح المحدثين: فالمرسل ما سقط منه الصحابي، وما وقف على الصحابي موقوف، وما وقف على التابعي مقطوع، وما سقط منه راو منقطع، أو راويان فمنقطع من موضعين إن كان بغير اتصال، وإلا فمعضل، وما سقط أوله معلق، وما أسند إلى النبي (ص) مرفوع.
اه.
(قوله: أو بحال الرواة) معطوف على بأحكام القرآن، وأو بمعنى الواو: أي ويعرف بحال الرواة لانه يتوصل به إلى تقرير الاحكام.
(قوله: قوة وضعفا) منصوبان على التمييز: أي من جهة القوة ومن جهة الضعف.
(قوله: وما تواتر ناقلوه) أي بلغوا عدد التواتر، وهو مستأنف.
(قوله: وأجمع السلف) عبارة التحفة: نعم ما تواتر ناقلوه، أو أجمع السلف على قبوله لا يبحث عن عدالة ناقليه.
اه.
فعليه تكون الواو بمعنى أو.
(قوله: وله الخ) أي للمجتهد الاكتفاء بتعديل إمام لراوي الحديث: أي قوله أنه عدل.
(وقوله: عرف) أي المجتهد.
(وقوله: صحة مذهبه) أي الامام.
(قوله: في الجرح والتعديل) أي جرح الرواة وتعديلهم: أي بيان أنهم عدول أو غير عدول.
(قوله: ويقدم عند التعارض الخ) بيان لكيفية الترجيح عند تعارض الادلة.
(قوله: والناسخ والمتصل والقوي) أي وتقدم هذه الثلاثة على مقابلها، وهو المنسوخ والمنقطع والضعيف.
(قوله: ولا تنحصر الاحكام الخ) قال في النهاية: ولا ينحصر ذلك في خمسمائة آية، ولا خمسمائة حديث، للاستنباط في الاولى من القصص والمواعظ وغيرهما أيضا، ولان المشاهدة قاضية ببطلانه في الثاني.
فإن أراد القائل بالحصر في ذلك بالنسبة للاحاديث الصحيحة السالمة من الطعن في سند أو نحوه، أو الاحكام الخفية الاجتهادية، كان له نوع قرب على أن قول ابن الجوزي أنها ثلاثة آلاف ونحوه، مردود بأن غالب الاحاديث لا تكاد تخلو عن حكم، أو أدب شرعي، أو سياسة دينية، ويكفي اعتماده فيها على أصل مصحح عنده يجمع غالب أحاديث الاحكام
كسنن أبي داود: أي مع معرفة اصطلاحه، وما للناس فيه من نقل ورد.
اه.
(قوله: خلافا لزاعمهما) أي زاعم انحصار الاحكام في خمسمائة آية وخمسمائة حديث.
(قوله: وبالقياس) معطوف على بأحكام القرآن: أي وبأن يعرف بالقياس.
(وقوله: بأنواعه) أي القياس، والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور قبله.
(قوله: من الجلي الخ) بيان للانواع الثلاثة.
(قوله: وهو) أي الجلي.
(قوله: ما يقطع فيه بنفي الفارق) أي بين المقيس والمقيس عليه.
(قوله: كقياس ضرب الولد على تأفيفه) أي في التحريم الثابت بقوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) *.
ومثله قياس من فوق الذرة بها في قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) *.
(قوله: أو المساوي) معطوف على الجلي.
(قوله: وهو) أي المساوي.
(وقوله: ما يبعد فيه انتفاء الفارق) الصواب وجود الفارق.
وعبارة التحفة: وهو ما يبعد فيه الفارق.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: كقياس إحراق مال اليتيم على أكله) أي في التحريم الثابت بقوله تعالى: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) *.
(قوله: أو الادون) معطوف على الجلي أيضا.
(قوله: وهو ما لا يبعد فيه انتفاء
__________
(1) سورة الاسراء، الاية: 23.
(2) سورة الزلزلة، الاية: 7.
(3) سورة النساء، الاية: 10.(4/245)
الفارق) عبارة التحفة: وهو مالا يبعد فيه ذلك: أي وجود الفارق، وهي الصواب.
(قوله: كقياس الذرة على البر) الذي في التحفة والنهاية: كقياس التفاح على البر بجامع الطعم، وهو أولى: إذ قياس الذرة على البر من القياس المساوي، لانه يبعد فيه وجود الفارق بينهما، إذ القصد منهما واحد، وهو الاقتيات، بخلاف قياس التفاح على البر، فإنه لا يبعد فيه وجود الفارق، بل هو قريب، إذ القصد من التفاح التفكه والتلذذ - بخلاف البر فالقصد منه الاقتيات -.
(قوله: وبلسان العرب) معطوف على بأحكام القرآن أيضا: أي وبأن يعرف بلسان العرب: أي كلامهم لغة ونحوا وصرفا وغيرها، لانه لا بد منها في فهم الكتاب والسنة.
إذ بها يعرف عموم اللفظ وخصوصه، وإطلاقه وتقييده، وإجماله وبيانه، وصيغ الامر والنهي، والخبر والاستفهام والاسماء والافعال والحروف.
(قوله: وبأقوال العلماء) معطوف على بأحكام القرآن: أي وبأن يعرف بأقوال العلماء إجتماعا واختلافا، لئلا يخالفهم في اجتهاده.
(قوله: ولو فيما يتكلم فيه فقط) أي يكفي معرفة الاقوال ولو في المسألة التي يتكلم فيها، فلا يشترط أن يعرف أقوال العلماء في كل مسألة، بل في المسألة التي يريد النظر فيها، بأن يعلم أن قوله فيها لا يخالف إجماعا.
(قوله: اجتماع ذلك كله) أي معرفته أحكام القرآن والسنة والقياس ولسان
العرب وأقوال العلماء.
(قوله: إنما شرط للمجتهد المطلق) أي وقد فقد من بعد الخمسمائة بحسب ما يظهر لنا، فلا ينافي أنه في نفس الامر يوجد، وأقله قطب الغوث، فإنه لا يكون إلا مجتهدا.
اه.
بجيرمي.
وفي المغني ما نصه: قال ابن دقيق العيد: ولا يخلو العصر عن مجتهد، إلا إذا تداعى الزمان وقربت الساعة، وأما قول الغزالي والقفال إن العصر خلا عن المجتهد المستقل، فالظاهر أن المراد مجتهد قائم بالقضاء، فإن العلماء يرغبون عنه.
وهذا ظاهر لا شك فيه.
اه.
(قوله: أما مقيد) هو صادق بمجتهد المذهب، وبمجتهد الفتوى، وبالمقلد الصرف.
(قوله: لا يعدو مذهب إمام خاص) أي لا يتجاوزه.
(وقوله: فليس عليه الخ) جواب أما.
(قوله: وليراع فيها) أي في قواعد إمامه: أي بأن يقدم الخاص منها على العام، والمقيد على المطلق، والنص على الظاهر وهكذا.
(قوله: في قوانين الشرع) أي قواعده.
(قوله: فإنه مع المجتهد الخ) أي فإن المقيد الذي لا يعدو قواعد إمامه بالنسبة لامامه المجتهد، كالمجتهد بالنسبة لنصوص الشرع، فقواعد إمامه في حقه كنصوص الشرع في حق إمامه.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنه مع المجتهد الخ.
(وقوله: لم يكن له عدول عن نص إمامه) أي لا يجوز له أن يعدل عن نص إمامه، كما لا يسوغ للمجتهد أن يعدل عن نص الشرع.
(قوله: فإن ولى سلطان) أي مطلقا ذا شوكة كان أم لا: بأن حبس أو أسر ولم يخلع، فإن أحكامه تنفذ.
(قوله: ولو كافرا) لم يذكر هذه الغاية في التحفة، ولا في النهاية، ولاغيرهما، وهي مشكلة.
إذ السلطان يشترط فيه أن يكون مسلما، وأما الكافر فلا تصح سلطنته، ولا تنعقد إمامته.
ولو تغلب، ولو أخرها عن قوله أو ذو شوكة، وجعلها غاية له، لانه ممكن أن يكون كافرا، أو عن قوله غير أهل، وجعلها غاية له، وتكون بالنسبة للثاني للرد على الاذرعي القائل بعدم نفوذ تولية الكافر القضاء، لكان أولى.
تأمل.
(قوله: أو ذو شوكة غيره) أي غير السلطان.
(قوله: في بلد) متعلق بمحذوف حال: أي حال كون ذي الشوكة في بلد، أي ناحية.
(وقوله: بأن انحصرت قوتها) أي البلدة فيه، أي ذي الشوكة، والباء لتصوير كونه له شوكة في بلده.
وعبارة التحفة والنهاية: بأن يكون بناحية انقطع غوث السلطان عنها، ولم يرجعوا إلا إليه.
اه.
(قوله: غير أهل) مفعول ولى.
(قوله: كمقلد الخ) تمثيل لغير الاهل.
(قوله: أي مع علمه) أي(4/246)
المولي - بكسر اللام - سلطانا أو ذا شوكة.
(وقوله: بنحو فسقه) أي المولى - بفتح اللام -.
(قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يعلم به.
(وقوله: ولو علم فسقه لم يوله) الواو للحال: أي والحال أنه لو كان يعلم بفسقه لم يوله.
(وقوله: فالظاهر الخ) جواب إن الشرطية المدغمة في لا النافية (وقوله: كما جزم به شيخنا) أي في فتح الجواد.
(قوله: وكذا لو زاد الخ) أي
وكذا لا ينفذ حكمه لو زاد فسقه، بأن كان يشرب الخمر في الجمعة مرة، فصار يشرب على خلاف العادة.
(قوله: أو ارتكب مفسقا آخر) أي بأن كان يزني فصار يزني ويشرب الخمر.
(قوله: على تردد فيه) أي فيما بعد كذا ممن زاد فسقه، أو ارتكب مفسقا آخر.
(قوله: وجزم بعضهم بنفوذ توليته) أي الفاسق مطلقا.
(وقوله: وإن ولاه غير عالم بفسقه) هذا هو الفارق بين ما جزم به بعضهم وبين ما ذكره قبل.
(قوله: وكعبد الخ) معطوف على قوله كمقلد.
(قوله: نفذ ما فعله) أي المولى سلطانا، أو ذا شوكة.
(قوله: من التولية) بيان لما.
(قوله: وإن كان الخ) غاية في نفوذ التولية: أي تنفذ التولية وإن كان هناك: أي في الناحية المولى عليها غير الاهل مجتهد عدل.
(قوله: على المعتمد) متعلق بنفذ.
(قوله: فينفذ قضاء) مفرع على نفوذ التولية.
(قوله: للضرورة) قال البلقيني يستفاد من ذلك، أنه لو زالت شوكة من ولاه بموت أو نحوه، انعزل لزوال الضرورة، وأنه لو أخذ شيئا من بيت المال على ولاية القضاء، أو جوامك في نظر الاوقاف، استرد منه، لان قضاءه إنما نفذ للضرورة، ولا كذلك المال.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وإن نازع كثيرون فيما ذكر) أي في نفوذ قضاء من ولاه للضرورة إذا كان فاسقا.
(وقوله: وأطالوا) أي في النزاع.
(وقوله: وصوبه الزركشي) أي وقال أنه لا ضرورة إليه، بخلاف المقلد.
قال في التحفة بعده وهو عجيب، فإن الفرض أن الامام أو ذو الشوكة هو الذي ولاه عالما بفسقه، بل أو غير عالم به على ما جزم به بعضهم، فكيف حينئذ يفرع إلى عدم تنفيذ أحكامه المترتب عليه من الفتن ما لا يتدارك خرقه، وقد أجمعت الامة - كما قاله الاذرعي - على تنفيذ أحكام الخلفاء الظلمة، وأحكام من ولوه ؟ اه.
(قوله: وما ذكر في المقلد الخ) أي ما ذكر في المقلد من أنه إذا ولاه سلطان، أو ذو شوكة، تنفذ توليته محله إن كان ثم مجتهد، وإلا نفذت ولو من غير ذي شوكة.
ولا يخفى ما في عبارة شيخه المذكورة.
إذ قوله سلطان صادق بذي الشوكة وغيره - كما صرح به هو -.
وإذا كان كذلك فلا معنى للتقييد الذي ذكره بل لا يتأتى.
نعم، يصير للتقييد المذكور معنى لو أبقى عبارة المنهاج على حالها، وهي فإن تعذر جمع هذه الشروط، فولى سلطان له شوكة فاسقا، أو مقلدا، نفذ قضاؤه للضرورة.
ففيها تخصيص التولية بذي الشوكة، وحينئذ فيصح قوله، وما ذكر محله الخ.
ثم رأيت الرشيدي اعترض على قول النهاية المضاهي لقول شيخه المذكور بما نصه: قوله: وما ذكر في المقلد محله الخ، هذا إنما يتأتى لو أبقى المتن على ظاهره الموافق لكلام غيره، وأما بعد أن حوله إلى ما مر، فلا موقع لهذا هناك.
وحاصل المراد - كما يؤخذ من كلامهم - أن السلطان إذا ولى قاضيا بالشوكة، نفذت توليته مطلقا - سواء كان هناك أهل للقضاء أم لا - وإن ولاه لا بالشركة، أو ولاه قاضي القضاة كذلك، فيشترط في صحة توليته فقد أهل للقضاء.
انتهى.
(قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يكن هناك مجتهد
نفذت تولية المقلد، ولو صدرت من غير ذي شوكة، كسلطان محبوس أو مأسور ولم يخلع كما مر.
(قوله: وكذا الفاسق) أي ومثل المقلد فيما ذكر من التفصيل الفاسق.
(قوله: فإن كان هناك عدل الخ) تصريح بما علم من التشبيه.
(قوله: اشترطت شوكة) أي في المولي (ص) بكسر اللام -.
(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن هناك عدل، فلا تشترط الشوكة.(4/247)
(قوله: كما يفيد ذلك) أي التفصيل المذكور.
(قوله: الحق الخ) مقول قول ابن الرفعة.
(قوله: والاوجه أن قاضي الضرورة يقضي بعلمه) أي يحكم بما علمه إن شاء: كأن يدعي شخص على شخص بمال، وقد رآه القاضي أقرضه إياه أو سمعه يقر به، فله أن يحكم عليه بما علمه ويثبت المال عنده.
(قوله: ويحفظ مال اليتيم) أي وله أن يحفظ مال اليتيم.
(قوله: ويكتب لقاض آخر) أي وله أن يكتب لقاض آخر، فيما إذا ادعى عنده على غائب بمال مثلا، وثبت عنده بالبينة، فله أن يكتب إلى قاضي بلد الغائب ليستوفي له من مال الغائب الحاضر عنده.
(قوله: خلافا للحضرمي) أي الشيخ إسماعيل الحضرمي في قوله ليس لقاضي الضرورة أن يحكم بعلمه الخ.
(قوله: يلزمه بيان مستنده) أي إذا سئل عنه كما أفصح به في التحفة، وسيأتي أيضا، والمراد بمستند ما استنده إليه من بينة، أو نكول، أو نحو ذلك.
اه.
رشيدي.
وذلك كأن يقول مثلا، ثبت عندي بالبينة أن المال المدعى به عندك، وحكمت عليك به.
(قوله: ولا يقبل قوله حكمت بكذا الخ) قال في التحفة: وكأنه لضعف ولايته، ثم قال: ومحله إن لم يمنع موليه من طلب بيان مستنده اه.
(وقوله: من غير بيان مستنده فيه) أي فيما حكم به.
(قوله: ولو طلب الخصم) أي المدعى عليه.
(قوله: تبيين الشهود) أي عينهم كزيد وعمرو مثلا.
(قوله: لزم القاضي) أي الفاسق، والمقام للاضمار.
فلو قال لزمه لكان أولى.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يبينهم لم ينفذ حكمه.
(قوله: يندب للامام) أي أو نائبه.
(قوله: أن يأذن الخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر نائب فاعل يندب: أي يندب له إذنه للقاضي المولى - بفتح اللام - في الاستخلاف ليكون أسهل له، وأقرب لفصل الخصومات، ويتأكد ذلك عند اتساع الخطة، فبان نهاه الامام عنه لم يستخلف استخلافا عاما لعدم رضاه بنظر غيره، فإن كان ما فوض له أكثر مما يمكنه القيام به، اقتصر على المتمكن وترك الاستخلاف.
أما الاستخلاف الخاص كتحليف وسماع بينة، فقطع القفال بجوازه للضرورة إلا أن ينص على المنع منه.
أفاده م ر.
(قوله: وإن أطلق التولية) أي بأن لم يأذن له في الاستخلاف ولم ينهه عنه.
(وقوله: استخلف فيما لا يقدر عليه) أي فيما عجز عنه لحاجته إليه.
(وقوله: لا غيره) أي لا يستخلف في غيره ما لا يقدر عليه، وهو المقدور عليه، لان قرينة الحال تقتضي عدم الاستخلاف فيه.
(وقوله: في الاصح) مقابله يقول يستخلف مطلقا فيما عجز عنه وغيره.
تنبيه: يشترط في الخليفة ما شرط في القاضي من كونه أهلا للشهادات كلها ومجتهدا، إلا إن استخلف في أمر خاص كسماع بينة وتحليف، فيكفي علمه بما يتعلق به من شروط البينة والتحليف، ويحكم الخليفة باجتهاده أو باجتهاد مقلده - بفتح اللام - إن كان مقلدا، ولا يجوز أن يشرط عليه أن يحكم بخلاف اجتهاده أو اجتهاد مقلده - بفتح اللام - لانه يعتقد بطلانه، والله تعالى إنما أمر بالحكم بالحق.
(قوله: مهمة) أي في بيان كون القاضي يحكم باجتهاده إن كان مجتهدا، أو باجتهاد مقلده إن كان مقلدا.
(قوله: يحكم القاضي) أي أو خليفته كما مر.
(قوله: باجتهاده) أي بما أداه إليه اجتهاده من المسائل.
(قوله: إن كان مجتهدا) أي اجتهادا مطلقا.
(قوله: أو اجتهاد مقلده) أي أو يحكم باجتهاد مقلده، أي إمامه فهو بفتح اللام.
(وقوله: إن كان) أي القاضي.
(وقوله: مقلدا) بكسر اللام (قوله: وقضية كلام الشيخين الخ) أقره سم (قوله: وقال الماوردي وغيره يجوز) أي الحكم بغير مذهب مقلده - بفتح اللام - (قوله: وجمع ابن عبد السلام(4/248)
والاذرعي) أي بين قضية كلام الشيخين وقول الماوردي.
(وقوله: بحمل الاول) أي قضية كلام الشيخين.
(قوله: وهو) أي من لم ينته لما ذكر.
(قوله: المقلد الصرف) أي المحض، وبينه بقوله بعد الذي لم يتأهل للنظر: أي أن المقلد الصرف هو الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه، والترجيح بين الاقوال.
(قوله: والثاني الخ) أي وحمل الثاني، وهو قول الماوردي.
(وقوله: على من له أهلية لذلك) أي للنظر والترجيح.
قال في التحفة بعده: ومنع ذلك الحسباني من جهة أن العرف جرى بأن تولية المقلد مشروطة بأن يحكم بمذهب مقلده، وهو متجه - سواء الاهل لما ذكر وغيره - لاسيما إن قال له في عقد التولية على عادة من تقدمك، لانه لم يعتد لمقلد حكم بغير مذهب إمامه.
اه.
(قوله: ونقل ابن الرفعة الخ) مؤيد لكلام الشيخين.
(قوله: وقال الغزالي لا ينقض) عبارة التحفة: وما أفهمه كلام الرافعي عن الغزالي من عدم النقض، بناء على أن للمقلد تقليد من شاء، وجزم به في جمع الجوامع.
قال الاذرعي: بعيد، والوجه - بل الصواب - سد هذا الباب من أصله، لما يلزم عليه من المفاسد التي لا تحصى.
اه.
وقال غيره المفتي على مذهب الشافعي: لا يجوز له الافتاء بمذهب غيره ولا ينفذ منه: أي لو قضى به لتحكيم أو تولية لما تقرر عن ابن الصلاح.
نعم، إن انتقل لمذهب آخر بشرطه وتبحر فيه، جاز له الافتاء به.
اه.
(قوله: وتبعه الرافعي) أي تبع الغزالي الرافعي في قوله لا ينقض.
(وقوله: بحثا) أي أنه بحث ذلك من غير نص.
(قوله: وشيخنا في بعض كتبه) أي وتبعه شيخنا في بعض كتبه.
(قوله: فائدة) أي في بيان التقليد.
وحاصل الكلام عليه أن التقليد هو الاخذ والعمل بقول المجتهد من غير معرفة دليله، ولا يحتاج إلى التلفظ به، بل متى استشعر العامل أن عمله موافق لقول إمام فقد قلده، وله شروط ستة: الاول: أن يكون مذهب المقلد - بفتح اللام - مدونا.
الثاني: حفظ المقلد - بكسر اللام - شروط المقلد - بفتح اللام - في تلك المسألة.
الثالث: أن لا يكون التقليد مما ينقض فيه قضاء القاضي.
الرابع: أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالاسهل، وإلا فتنحل ربقة التكليف من عنقه.
قال ابن حجر: ومن ثم كان الاوجه أن يفسق به، وقال الرملي الاوجه أنه لا يفسق وإن أثم به.
الخامس: أن لا يعمل بقول في مسألة ثم يعمل بضده في عينها، كأن أخذ نحو دار بشفعة الجوار تقليدا لابي حنيفة، ثم باعها ثم اشتراها فاستحق واحد مثله بشفعة الجوار، فأراد أن يقلد الامام الشافعي ليدفعها، فإنه لا يجوز.
السادس: أن لا يلفق بين قولين تتولد منهما حقيقة واحدة مركبة، لا يقول كل من الامامين بها، وزاد بعضهم شرطا سابعا: وهو أنه يلزم المقلد اعتقاد أرجحية أو مساواة مقلده للغير.
وقال في التحفة: الذي رجحه الشيخان جواز تقليد المفضول مع وجوه الفاضل، وزاد بعضهم أيضا شرطا ثامنا: وهو أنه لا بد في صحة التقليد أن يكون صاحب المذهب حيا، وهو مردود بما اتفق عليه الشيخان وغيرهما من جواز تقليد الميت وقالا - وهو الصحيح - قال في التحفة: ومن أدى عبادة اختلف في صحتها من غير تقليد للقائل بالصحة، لزمه إعادتها إذا علم بفسادها حال تلبسه بها، لكونه عابثا حينئذ، أما من لم يعلم بفسادها حال تلبسه بها، كمن مس فرجه مثلا، فنسيه أو جهل التحريم وقد عذر به، فله تقليد الامام أبي حنيفة رضي الله عنه في إسقاط القضاء إن كان مذهبه صحة صلاته، مع عدم تقليده له عند الصلاة.
اه.
بالمعنى.
(وقوله: فله تقليد الامام أبي حنيفة) قال سم وهو صريح في جواز التقليد بعد الفعل.
اه.
(قوله: إذا تمسك العامي) مثله غيره من العلماء الذين لم يبلغوا رتبة الاجتهاد كما ذكره سم عند قول التحفة قال الهروي: مذهب أصحابنا أن العامي لا مذهب له الخ.
فانظره إن شئت.
(قوله: لزمه التمذهب) أي المشي والجري على مذهب معين من المذاهب الاربعة.(4/249)
(قوله: لا غيرها) أي غير المذاهب الاربعة، وهذا إن لم يدون مذهبه، فإن دون جاز كما في التحفة ونصها: يجوز تقليد كل من الائمة الاربعة، وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته، فالاجماع الذي نقله غير واحد على منع تقليد الصحابة، يحمل على ما فقد فيه شرط من ذلك.
اه.
(قوله: ثم له) أي ثم يجوز له الخ.
قال ابن الجمال: (إعلم) أن الاصح من كلام المتأخرين - كالشيخ ابن حجر وغيره - أنه يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب من المذاهب المدونة ولو بمجرد التشهي، سواء انتقل دواما أو في بعض الحادثة، وإن أفتى أو حكم وعمل بخلافه ما لم يلزم منه التلفيق.
اه.
(قوله: وإن عمل بالاول) أي بالمذهب الاول كمذهب الشافعي.
(قوله: الانتقال إلى غيره) أي غير الاول بالكلية: كأن ينتقل من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنهما.
(قوله: أو في المسائل) أي أو الانتقال في بعض مسائل لغير مذهبه.
(وقوله: بشرط الخ) مرتبط به: أي يجوز له أن يقلد في بعض المسائل بشرط أن لا يتتبع الرخص.
(قوله: بأن يأخذ الخ) تصوير لتتبع الرخص.
(قوله: فيفسق به) أي بتتبع الرخص، وهذا ما جرى عليه ابن حجر.
أما ما جرى عليه الرملي فلا يفسق به، ولكنه يأثم، كما مر.
(قوله: وفي الخادم الخ) هذا كالتقييد لما قبله، فكأنه قال محل اشتراط عدم تتبع الرخص فيمن لم يبتل بالوسواس، أما هو فيجوز له ذلك.
(وقوله: عن بعض المحتاطين) أي الذين يأخذون بالاحوط في أعمالهم.
(قوله: لئلا يزداد) أي الوسواس، وهو علة الاولوية، (وقوله: فيخرج) بالنصب عطف على يزداد: أي فيخرج بسبب زيادة الوسواس عن الشرع مثلا، وابتلى بالوسواس في النية في الوضوء، أو بقراءة الفاتحة خلف الامام، وصار يصرف أكثر الوقت في الوضوء أو في الصلاة، فله أن يترك النية ويقلد الامام أبا حنيفة فيه فإنها سنة عنده، أو يقلده في ترك الفاتحة خلف الامام، حتى يذهب عنه الوسواس.
(قوله: ولضده) أي والاولى لضد من ابتلي بالوسواس، وهو الذي لم يبتل به.
(قوله: الاخذ بالاثقل) أي بالاشد.
(قوله: لئلا يخرج عن الاباحة) أي عن لمباح لو لم يأخذ بالاثقل.
(قوله: وأن لا يلفق الخ) معطوف على قوله أن لا يتتبع الرخص: أي وبشرط أن لا يلفق: أي يجمع بين قولين.
(قوله: يتولد الخ) أي ينشأ من القولين اللذين لفق بينهما حقيقة واحدة متركبة، كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس، ومالك في طهارة الكلب، في صلاة واحدة، فلا يصح تقليده المذكور، لانه لفق فيه بين قولين نشأ منهما حقيقة واحدة، وهي الصلاة لا يقول بصحتها كلا الامامين.
(قوله: وفي فتاوى شيخنا الخ) مؤيد لاشتراط عدم التلفيق.
(قوله: لزمه أن يجري على قضية مذهبه) أي على ما يقتضيه مذهب ذلك الامام الذي قلده في تلك المسألة.
(وقوله: وجميع ما يتعلق بها) أي بتلك المسألة: أي من استكمال شروطها، ومراعاة مصححاتها، واجتناب مبطلاتها.
(قوله: فيلزم من انحرف الخ) تعبيره بالماضي فيه وفيما بعده لا يلائم قوله بعد أن يمسح الخ، فإنه للاستقبال وانحرف وصلى للمضي، فلا بد من ارتكاب تأويل في الاول، بأن يجعل بمعنى المضارع، أو في الثاني بأن يجعل بمعنى الماضي: أي فيلزم الشافعي الذي قصده أن ينحرف عن عين القبلة، ويصلي إلى جهتها
مقلدا للامام أبي حنيفة رضي الله عنه أن تكون طهارته على مذهبه، بأن يكون يمسح في الوضوء قدر الناصية، وأن لا يسيل منه دم بعد الوضوء، فإنه ناقض له عنده، أو فيلزم الشافعي الذي انحرف وصلى إلى الجهة مقلدا للامام أبي حنيفة(4/250)
في ذلك أنه كان قد مسح الخ.
(وقوله: وأن لا يسيل الخ) معطوف على أن يمسح، (قوله: وما أشبه ذلك) أي ما ذكر من مسح قدر الناصية وعدم سيلان الدم، والمشبه لذلك فعل كل ما هو شرط لصحة الصلاة عند الامام أبي حنيفة رضي الله عنه، وترك كل ما هو مبطل لها عنده.
(قوله: وإلا) أي بأن لم يمسح قدر الناصية، أو سال منه دم بعد الوضوء، كانت صلاته باطلة.
(قوله: فليتفطن لذلك) أي للشرط المذكور.
(قوله: ووافقه) أي الشيخ ابن حجر.
(قوله: وزاد) أي العلامة عبد الله أبو مخرمة.
(قوله: قد صرح بهذا الشرط) أي وهو أن من قلد إماما في مسألة لزمه الجريان على قضية مذهبه فيها.
(قوله: وقال شيخنا المحقق ابن زياد الخ) فيه مخالفة لابن حجر ومن وافقه فيما إذا كان التركيب من قضيتين.
(قوله: إن الذي فهمناه من أمثلتهم) أي التي يجوز فيها التقليد والتي لا يجوز.
(قوله: إن التركيب القادح) أي المضر في التقليد.
(قوله: إنما يمتنع) صوابه إنما يوجد.
(قوله: إذا كان) أي التركيب وقع في قضية واحدة، كالطهارة أو الصلاة.
(قوله: فمن أمثلتهم) أي للتقليد المضر (قوله: إذا توضأ ولمس) أي الاجنبية.
(قوله: تقليدا لابي حنيفة) أي في عدم نقض الوضوء باللمس.
(قوله: واقتصد تقليدا للشافعي) أي في عدم نقض الوضوء بذلك.
(قوله: ثم صلى) أي بذلك الوضوء.
(قوله: لاتفاق الامامين) أي الشافعي وأبي حنيفة.
(وقوله: على بطلان ذلك) أي الوضوء لانتقاضه باللمس عند الشافعي، وبخروج الدم عند أبي حنيفة.
(قوله: وكذلك) أي مثل هذا المثال في البطلان.
(وقوله: إذا توضأ ومس) أي فرجه.
(وقوله: تقليدا للامام مالك) أي في عدم نقض الوضوء.
(وقوله: ولم يدلك) أي لم يتبع الامام مالكا في الدلك، بل تبع الامام الشافعي في عدمه.
(قوله: ثم صلى) أي بذلك الوضوء المجرد عن الدلك.
(قوله: لاتفاق الامامين) أي الشافعي ومالك.
(وقوله: على بطلان طهارته) أي لانه مس وهو مبطل عند الشافعي، ولم يدلك وهو مبطل عند الامام مالك.
(قوله: بخلاف ما إذا كان التركيب) أي الناشئ من التلفيق بين قولين.
(وقوله: من قضيتين) أي حاصلا من قضيتين: أي كالطهارة والصلاة مثلا.
(قوله: فالذي يظهر أن ذلك) أي التركيب من قضيتين.
(قوله: غير قادح في التقليد) أي غير مضر له.
(قوله: كما إذا توضأ الخ) تمثيل لما إذا كان التركيب حاصلا من قضيتين (قوله: ومسح بعض رأسه) أي أقل من الناصية تقليدا للامام الشافعي فيه.
(قوله: ثم صلى إلى الجهة) أي لا إلى عين الكعبة.
(وقوله:
تقليدا لابي حنيفة) أي في قوله بصحة الصلاة إلى جهة الكعبة.
(قوله: فالذي يظهر الخ) الجملة جواب إذا.
(وقوله: صحة صلاته) خبر الذي (قوله: لان الامامين) أي الشافعي وأبا حنيفة رضي الله عنهما.
(وقوله: لم يتفقا على بطلان طهارته) إذ هي صحيحة على مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه.
(قوله: فإن الخلاف فيها بحاله) أي فإن الخلاف بين(4/251)
الامامين باق بحاله في تلك الطهارة، فهي صحيحة على مذهب الشافعي، وباطلة على مذهب أبي حنيفة.
(قوله: لا يقال إتفقا على بطلان صلاته) أي لفقد شرطها عند الشافعي، وهو استقبال العين وفقد شرطها عند أبي حنيفة وهو مسح قدر ربع الرأس.
(قوله: لانا نقول الخ) علة النفي.
(قوله: من التركيب في قضيتين) أي الحاصل في قضيتين، وهما الطهارة والصلاة، كما مر.
(قوله: والذي فهمناه) أي من أمثلتهم.
(وقوله: أنه) أي التركيب الواقع في قضيتين.
(وقوله: غير قادح في التقليد) أي غير مضر ومؤثر فيه.
(قوله: ومثله) أي مثل هذا المثال في التركيب من قضيتين.
(قوله: في أن العورة السوأتان) أي القبل والدبر، فالواجب عند الامام أحمد سترهما فقط.
(قوله: وكان) فعل ماض، واسمها يعود على المقلد للامام أحمد: أي وكان المقلد للامام أحمد في قدر العورة ترك المضمضة مقلدا للامام الشافعي.
(قوله: والاستنشاق) الواو بمعنى أو (قوله: الذي يقول الخ) الاولى في التعبير أن يقول التي يقول الامام أحمد بوجوبها: أي الثلاثة وهو المضمضة، والاستنشاق، والبسملة.
(قوله: فالذي يظهر الخ) جواب إذا (قوله: إذا قلده) أي قلد الامام أحمد.
(قوله: لانهما) أي الامام أحمد والامام الشافعي، وهو تعليل لظهور صحة صلاته فيما ذكر.
(وقوله: لم يتفقا على بطلان طهارته) أي لان الشافعي يقول بصحتها، والامام أحمد يقول ببطلانها.
(وقوله: التي هي) أي الطهارة.
(وقوله: قضية واحدة) أي هي التي يضر فيها التركيب.
(قوله: ولا يقدح في ذلك) أي في التقليد المذكور.
(قوله: فإنه) أي فإن البطلان المتفق عليه.
(وقوله: تركيب من قضيتين) هما ستر العورة والطهارة.
(قوله: وهو) أي التركيب من قضيتين غير قادح في التقليد.
(قوله: وقد رأيت في فتاوي البلقيني الخ) مؤيدا لما تقدم.
(قوله: تتمة) أي في بيان حكم الاستفتاء.
(قوله: يلزم محتاجا) أي إلى معرفة حكم من الاحكام الشرعية.
(وقوله: إستفتاء عالم عرف أهليته) عبارة الروض وشرحه: يجب على المستفتي عند حدوث مسألة، أن يستفتي من عرف علمه وعدالته، ولو بإخبار ثقة عارف، أو بإستفاضة لذلك، وإلا بأن لم يعرفهما بحث عن ذلك - يعني عن علمه - بسؤال الناس، فلا يجوز له إستفتاء من انتسب إلى ذلك وانتصب للتدريس وغيره من مناصب العلماء بمجرد إنتسابه وانتصابه.
وقضية كلامه أنه يبحث عن عدالته أيضا، والمشهور كما في الاصل خلافه، وبه يشعر قوله فلو خفيت عليه عدالته الباطنة اكتفى بالعدالة الظاهرة، لان الباطنة تعسر معرفتها على غير القضاة.
اه (قوله: ثم إن وجد) أي المحتاج.
(وقوله: مفتيين) مفعول وجد، وهو هنا بمعنى أصاب، فلا يطلب إلا مفعولا واحدا.
(قوله: فإن اعتقد أحدهما أعلم الخ) قال في الروض: ويعمل - أي المستفتي - بفتوى عالم مع وجود أعلم منه جهله.
قال في شرحه: بخلاف ما إذا علمه بأن اعتقده أعلم - كما صرح به بعد - فلا يلزمه البحث عن الاعلم إذا جهل اختصاص أحدهما بزيادة علم، ثم قال في الروض: فإن اختلفا - أي المفتيان - جوابا وصفة ولا نص قدم الاعلم، وكذا إذا اعتقد أحدهما أعلم أو أورع، قدم من اعتقده أعلم أو أورع، ويقدم الاعلم على الاورع.
اه.
بزيادة من شرحه.
(قوله: قال في الروضة ليس لمفت وعامل الخ) قال في التحفة بعد أن نقل ما ذكر: ونقل ابن الصلاح الاجماع فيه، لكن حمله بعضهم على المفتي والقاضي، لما مر من جواز(4/252)
تقليد غير الائمة الاربعة بشرطه، وفيه نظر.
لانه صرح بمساواة العامل للمفتي في ذلك، فالوجه حمله على عامل متأهل للنظر في الدليل وعلم الراجح من غيره.
اه.
وقال في الفوائد وابن الجمال في فتح المجيد.
(اعلم) أن القولين أو الوجهين أو الطريقين إذا كانا لواحد ولم يرجح أحدهما، فللمقلد أن يعمل لنفسه بأيهما شاء إذا لم يكن أهلا للترجيح، فإن كان أهلا له، فلا يجوز له العمل إلا بالتتبع والترجيح، فإن رجح أحدهما فالفتوى والحكم بالراجح مطلقا، والمرجوح منهما إذا رجحه بعض أهل الترجيح يجوز تقليده للعمل فقط، سواء كان المقلد أهلا للنظر والترجيح أم لا.
وإن لم يرجح فيمتنع تقليده على الاهل لا على غيره، وإذا كان الوجهان والطريقان لاثنين، ولم يرجح أحدهما ثالث يجوز تقليد كل منهما في الافتاء والقضاء أيضا إذا لم يكن المقلد أهلا، ويجوز لعمل نفسه فقط إذا كان التقليد من المتأهل، لتضمن ذلك ترجيح كل منهما من قائله الاهل، وإن رجح أحدهما ثالث، فالفتوى بالراجح لتقويته بالترجيحين - سواء كان المفتي أهلا أم لا - والمرجوح منهما يجوز تقليده لعمل النفس فقط، ولو من المتأهل للتضمن المذكور.
هذا هو الحق الصريح الذي لا محيد عنه، لانه المنقول والمعتمد عند جمهور المتأخرين.
اه.
من تذكرة الاخوان المشتملة على مصطلحات التحفة وغيرها.
(قوله: أن يعتمد أحدهما) أي الوجهين أو القولين، وأن وما بعدها في تأويل مصدر اسم ليس.
(قوله: بلا نظر فيه) أي بلا تأمل وتفكر في ذلك الاحد الذي يريد أن يعتمده.
(قوله: بلا خلاف) أي ليس له ذلك بلا خلاف، وقد علمت أن
محله إذا كان أهلا للنظر والترجيح.
(قوله: بل يبحث عن أرجحهما) أي الوجهين أو القولين.
(قوله: بنحو تأخره) متعلق بأرجحهما، وهو بيان المقتضي للارجحية، فتأخر أحد القولين أو الوجهين أو قوة دليله أو نحو ذلك يقتضي الارجحية.
(قوله: وإن كانا) أي القولان أو الوجهان لمتبحر واحد، وهو غاية لكونه يبحث عن الارجح بما ذكر (قوله: ويجوز تحكيم اثنين) أي غير حد وتعزير لله تعالى، أما هما فلا يجوز فيهما التحكيم.
إذ لا طالب لهما معين.
(قوله: ولو من غير خصومة) غاية في جواز التحكيم: أي يجوز مطلقا سواء كان في خصومة، كأن حكم خصمان ثالثا، أو في غير خصومة، كأن حكم اثنان في نكاح ثالثا.
(قوله: كما في النكاح) أي لفاقدة ولي خاص بنسب أو معتق، وهو تمثيل للتحكيم في غير الخصومة.
(قوله: رجلا) مفعول تحكيم المضاف إلى فاعله.
(قوله: أهلا لقضاء) صفة لرجلا.
(قوله: أي من له أهلية القضاء المختلفة) تفسير للمراد من الاهل للقضاء، وتقدم ضابط من له أهلية ما ذكر، وهو من له قدرة على استنباط الاحكام من الكتاب والسنة والقياس والاجماع.
(قوله: لا في خصوص تلك الواقعة) أي ليس المراد به من كان أهلا للقضاء في تلك المسألة الحادثة فقط (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بأن الشرط وجود الاهلية في خصوص تلك الواقعة لا مطلقا.
(قوله: ولو مع وجود قاض أهل) غاية في جواز تحكيم رجل أهل: أي يجوز تحكيم الاهل، ولو مع وجود قاض أهل في تلك البلدة.
(قوله: خلافا للروضة) أي القائلة بعدم جواز التحكيم مع وجوده.
(قوله: أما غير الاهل) مفهوم قوله أهلا.
(قوله: أي مع وجود الاهل) أنظر ما المراد بالاهل: هل هو خصوص القاضي، أو ما يعمه وغيره ؟ والظاهر أن المراد الاول، وإلا بأن كان المراد الثاني نافته الغاية بعد: أعني قوله وإن كان ثم مجتهد.
(قوله: وإلا مجاز) أي وإن لم يوجد قاض أهل على ما مر، بأن لم يوجد قاض أصلا، أو وجد لكنه غير أهل، جاز تحكيم غير الاهل، وهو ضعيف، كما يفيده الاستدراك بعد.
(قوله: ولو في النكاح) أي ولو كان التحكيم في النكاح فإنه يجوز.
(قوله: وإن كان ثم مجتهد) أي غير قاض.
(قوله: كما جزم به) أي بما ذكر من عدم جواز تحكيم غير الاهل مع وجود الاهل، وجواز تحكيمه مع عدم(4/253)
وجوده، وفيه أنه لم يجزم بهذا شيخه، وإنما ذكره وأحاله على ما مر منه في النكاح، من أنه لا يجوز مع وجود الحاكم، ونض عبارته هنا وأما غير الاهل فلا يجوز تحكيمه - أي مع وجود الاهل - وإلا جاز، ولو في النكاح على ما مر فيه.
اه.
وقوله: على ما مر: أي في باب النكاح.
ونص عبارته هناك: نعم لو لم يكن لها ولي، جاز لها أن تفوض مع خاطبها أمرها إلى مجتهد عدل، فيزوجها ولو مع وجود الحاكم المجتهد، أو إلى عدل غير مجتهد ولو مع وجود مجتهد غير قاض،
فيزوجها لا مع وجود حاكم ولو غير أهل، كما حررته في شرح الارشاد.
اه.
(قوله: لكن الذي أفتاه) أي أفتى به شيخه ابن حجر، وعبارته تفيد أن هذا هو ما جزم به في فتاويه مع أنه جزم به في غيرها - كما يعلم من عبارته في باب النكاح - ثم إن هذا هو الذي جزم به في النهاية أيضا ونصها: نعم لا يجوز تحكيم غير مجتهد مع وجود قاض، ولو قاضي ضرورة.
اه.
ونقله سم وأقره فهو المعتمد.
(وقوله: ولو غير أهل) أي ولو كان القاضي غير أهل.
قال البجيرمي: فيمتنع التحكيم الآن لوجود القضاة ولو قضاة ضرورة، كما نقله زي عن م ر، إلا إذا كان القاضي يأخذ مالا له وقع، فيجوز التحكيم حينئذ كما قاله ح ل.
اه.
(قوله: ولا يجوز تحكيم غير العدل مطلقا) أي سواء فقد القاضي أم لا.
(قوله: ولا يفيد حكم المحكم) أي لا ينفع ويؤثر.
(وقوله: إلا برضاهما) أي الخصمين من قبل الحكم، ويشترط استمراره إلى انتهائه.
قال في التحفة: نعم إن كان أحد الخصمين القاضي الذي له الاستخلاف واستمر رضاه، لم يؤثر عدم رضا خصمه، لان المحكم نائبه.
(وقوله: به) أي بالحكم الذي يستحكم به.
(وقوله: لفظا) أي بأن يقولا له حكمناك لتحكم بيننا، ورضينا بحكمك.
(وقوله: لا سكوتا) أي فلا يكفي (قوله: فيعتبر رضا الزوجين معا) قال ع ش أي فلا يكتفي بالرضا من ولي المرأة والزوج، بل الرضا إنما يكون بين الزوجين حيث كانت الولاية للقاضي.
اه.
(قوله: نعم الخ) إستدراك من اعتبار رضا الزوجين: أي باللفظ.
(قوله: ولايجوز التحكيم مع غيبة الولي) هذا كالتقييد لما تقدم، فكأنه قال محل جواز التحكيم في النكاح إذا لم يكن الولي غائبا بأن كان مفقودا بالكلية.
(قوله: ولو إلى مسافة القصر) أي لا يجوز التحكيم مع غيبة الولي، ولو كانت غيبته إلى مسافة القصر (قوله: إن كان ثم) أي في البلدة التي يراد التحكيم فيها.
(قوله: خلافا لابن العماد) أي القائل بجوازه عند غيبته ولو كان هناك قاض (قوله: لانه) أي القاضي وهي علة لعدم جواز التحكيم حين إذ غاب الولي.
(قوله: بخلاف المحكم) أي فإنه لا ينوب عن الغائب، فلا يجوز تحكيمه مع وجود الغائب.
(قوله: ويجوز له) أي للمحكم أن يحكم بعلمه كقاضي الضرورة كما مر.
(وقوله: على الاوجه) أي عند ابن حجر، وأما عند م ر فالاوجه عدم الجواز قال: لانحطاط رتبته عن القاضي.
(قوله: وينعزل القاضي الخ) شروع فيما يقتضي انعزال القاضي وما يذكر معه.
وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل.
(قوله: ببلوغ خبر العزل) أي الصادر من الامام بأخذ الاسباب الآتية.
(قوله: ولو من عدل) أي ولو كان بلغه الخبر، أي وصل إليه من عدل واحد فإنه ينعزل به.
وعبارة التحفة وبحث الاذرعي الاكتفاء في العزل بخبر واحد مقبول الرواية، والقياس ما قاله الزركشي أنه لا بد من عدلي الشهادة أو الاستفاضة كالتولية، لا يقال يتعين على من علم عزله أو ظنه أن يعمل باطنا بمقتضى علمه أو ظنه كما هو قياس نظائره،
لانا نقول إنما يتجه ذلك إن قلنا بعزله باطنا قبل أن يبلغه خبره، وقد تقرر أن الوجه خلافه.
اه.
وإذا علمتها تعلم أن المؤلف وافق الاذرعي في الاكتفاء بالواحد، وخالف شيخه.
(قوله: وينعزل نائبه) أي نائب القاضي الذي عزل، ولو قاضي الاقليم، لان القصد بالاستنابة المعاونة، وقد زالت ولايته فطلبت المعاونة.
(قوله: في عام) متعلق بنائبه، أي نائبه في أمر عام، كأن أنابه في كل الاحكام.
(وقوله: أو خاص) أي أمر خاص كسماع شهادة في حادثة معينة على ميت أو(4/254)
غائب.
(قوله: بأن يبلغه) أي النائب، والجار والمجرور متعلق بينعزل، أي ينعزل النائب ببلوغه خبر عزل مستخلفه له، وإضافة عزل إلى ما بعده من إضافة المصدر لفاعله.
(قوله: أو الامام الخ) بالجر عطف على مستخلفه: أي أو يبلغه خبر عزل الامام لمستخلفه.
قال في شرح الروض: قال البلقيني: ولو بلغه الخبر ولم يبلغه نوابه لا ينعزلون حتى يبلغهم الخبر، وتبقى ولاية أصلهم مستمرة حكما، وإن لم ينفذ حكمه، ويستحق ما رتب له على سد الوظيفة.
قال: ولو بلغ النائب قبل أصله فالقياس أنه لا ينعزل وينفذ حكمه حتى يبلغ الاصل.
اه.
(قوله: إن أذن الخ) أي ومحل انعزاله ببلوغه خبر عزل الامام لمستخلفه إن كان الامام أذن له أن يستخلف عن نفسه، بأن قال الامام له: وليتك القضاء واستخلف عن نفسك، أو أطلق بأن قال له: استخلف، ولم يقل له عن نفسك ولا عني.
ومثل ذلك ما إذا لم يأذن له في الاستخلاف.
(قوله: لا حال كون النائب الخ) أي ولا إن كان قيما ليتيم، أو وقف، فلا ينعزل بانعزال القاضي لئلا تختل مصالحهما.
(قوله: بأن قال) أي الامام (قوله: فلا ينعزل) أي النائب بذلك: أي بانعزال القاضي، وذلك لانه خليفة الامام، والقاضي إنما هو سفير في التولية.
(قوله: وإنما انعزل الخ) دخول على المتن.
(قوله: لا قبل بلوغه ذلك) أي لا ينعزل كل من القاضي ونائبه قبل بلوغ خبر العزل.
(قوله: لعظم الخ) تعليل لكون العزل إنما يثبت بعد بلوغ الخبر لا قبله.
(وقوله: في نقض أقضيته) أي في رد أقضيته الصادرة منه بعد العزل في الواقع وقبل أن يعلم به.
(وقوله: لو انعزل) أي لو حكم عليه بالانعزال قبل بلوغ الخبر.
(قوله: بخلاف الوكيل الخ) أي لان من شأنه عدم عظم الضرر في نقض تصرفاته.
(قوله: فإنه) أي الوكيل، سواء كان وكيلا عن صاحب المال مثلا، أو عن وكيل صاحب المال، بأن أذن له في أن يوكل عن نفسه أو أطلق.
(وقوله: من حين العزل) أي عزل الموكل صاحب المال له، أو عزل صاحب المال لموكله.
(قوله: ومن علم عزله الخ) كالاستثناء من عدم انعزاله قبل بلوغ خبره، فكأنه قال: ومحل عدم ثبوت انعزاله بالنسبة لمن لم يعلم به.
أما بالنسبة له فيثبت، ولا ينفذ حكمه لعلمه أنه غير حاكم باطنا.
قال في التحفة بعد نقله ما ذكر عن الماوردي: وإنما يتجه إن
صح ما قاله أنه غير حاكم باطنا على ما اقتضاه إطلاقهم أنه قبل أن يبلغه خبر عزله باق على ولايته ظاهرا وباطنا، فلا يصح ما قاله.
ألا ترى أنه لو تصرف بعد العزل وقبل بلوغ الخبر بتزويج من لا ولي لها مثلا، لم يلزم الزوج باطنا ولا ظاهرا انعزالها ؟.
اه.
(قوله: إلا أن يرضى الخ) أي فينفذ حكمه فيه.
(وقوله: فيما يجوز التحكيم فيه) أي وهو ما كان غير حد وتعزير لله تعالى، كما مر.
(قوله: وينعزل أيضا) أي كما أنه ينعزل ببلوغه خبر العزل.
(قوله: كل منهما) أي القاضي ونائبه.
(قوله: بأحد أمور) متعلق بينعزل.
(قوله: عزل نفسه) بدل من أحد أمور بالنسبة للشرح، ومعطوف على خبره بالنسبة للمتن، ومحله ما لم يتعين، وإلا فلا ينفذ عزله لنفسه كما سيذكره.
(قوله: وجنون وإغماء) معطوفان على عزل نفسه.
(قوله: وإن قل زمنهما) أي الجنون والاغماء.
قال في فتح الجواد: كما اقتضاه إطلاقهم، لكن مر في نحو الشركة أنه لا انعزال به، إلا إن كان زمنه بقدر ما بين صلاتين، فيحتمل أن يقال هنا بذلك، ويحتمل الفرق بأنه يحتاط هنا ما لا يحتاط به، ثم ولعل هذا أقرب اه.
وقوله: ولعل الخ: جرى عليه في التحفة، وعبارتها: ولو لحظة - خلافا للشارح -.
اه.
(قوله: وفسق) إنما لم ينعزل الامام الاعظم به، لما فيه من اضطراب الامور وحدوث الفتن.
(قوله: أي ينعزل بفسق) يقرأ بالتنوين، وفاعل للفعل من لم يعلم.
(قوله: حال توليته) ظرف متعلق بيعلم المنفي: أي لم يعلم موليه(4/255)
حال توليته إياه بفسقه الاصلي، أو علم به لكنه لم يعلم بما زاد عليه حال التولية أيضا، فإن علم موليه بذلك حالها، فلا ينعزل به، لما تقدم أنه إذا ولى سلطان أو ذو شوكة غير أهل، نفذ قضاؤه للضرورة، وكلامه صريح في أن فسقه أو ما زاد عليه لم يطرأ بعد التولية، بل هو موجود حال التولية، إلا أنه لم يعلم موليه به، وكلام غيره صريح في أنه طارئ بعد التولية.
ولو أبقى المتن على ظاهره لكان يمكن حمله عليه، بخلافه بعد أن فصل فيه بين علم موليه به وعدم علمه به حال التولية، فلا يمكن حمله عليه لانه لم يكن موجودا إذ ذاك حتى يفصل فيه بما ذكر.
(قوله: وإذا زالت هذه الاحوال) أي الجنون والاغماء والفسق.
(وقوله: لم تعد ولايته) أي لم ترجع له إلا بتولية جديدة من الامام، لان ما بطل لا يعود إلا بتجديد عقده.
(وقوله: في الاصح) مقابله يقول تعود من غير تولية جديدة، قياسا على الاب إذا جن ثم أفاق، أو فسق ثم تاب، فإنه تعود له الولاية على موليه بعد ذلك.
(قوله: ويجوز للامام عزل قاض) أي لما روى أبو داود أنه (ص): عزل إماما صلى بقوم بصق في القبلة، وقال: لا يصلي بهم بعدها أبدا.
وإذا جاز هذا في إمام الصلاة، جاز في القاضي بل أولى، إلا أن يكون متعينا فلا يجوز له عزله.
ولو عزل لم ينعزل.
اه.
شرح الروض.
(قوله: لم يتعين) أي للقضاء بأن
وجد من يصلح للقضاء غيره.
(قوله: بظهور خلل) متعلق بعزل (وقوله: لا يقتضي انعزاله) الجملة صفة لخلل: أي خلل موصوف بكونه غير مقتض لانعزاله، فإن اقتضاه لم يحتج إلى عزل الامام له، لانعزاله بنفس ذلك الخلل المقتضي له، وهو كالفسق والجنون إلى آخر ما تقدم (قوله: ككثرة الخ) تمثيل للخلل الذي لا يقتضي انعزاله.
(وقوله: الشكاوي) أي من الرعية بسبب تضررها منه.
(وقوله: فيه) أي في القاضي.
(قوله: وبأفضل منه) معطوف على بظهور خلل، أي ويجوز عزله بوجود أفضل منه، وإن لم يظهر فيه خلل، رعاية للاصلح للمسلمين، ولا يجب العزل لذلك، وإن قلنا إن ولاية المفضول لا تنعقد مع وجود الفاضل، لان الغرض حدوث الافضل بعد الولاية، فلم يقدح فيها أفاده في التحفة.
(قوله: وبمصلحة) معطوف أيضا على بظهور خلل: أي ويجوز عزله بسبب وجود مصلحة في العزل، كتسكين فتنة، ولو لم يعزل يخاف من حدوثها.
(وقوله: سواء أعزله بمثله أم بدونه) أي سواء عزله بذلك مع وجود مثله يوليه في مكانه أم دونه، فالباء بمعنى مع، وهي مضافة لمحذوف (قوله: وإن لم يكن شئ من ذلك) أي من المذكور من ظهور خلل، ووجود أفضل منه، وظهور مصلحة.
(وقوله: لم يجز عزله لانه عبث) أي وتصرف الامام يصان عنه.
(وقوله: ولكن ينفذ العزل) أي مع إثم المولى والمتولي بذلا لطاعة السلطان.
قال في النهاية: وهذا في الامر العام، أما الوظائف الخاصة كإمامة وأذان وتصوف وتدريس وطب ونحوها، فلا تنعزل أربابها بالعزل من غير سبب - كما أفتى به جمع متأخرون - وهو المعتمد.
ومحل ذلك حيث لم يكن في شرط الواقف ما يقتضي خلاف ذلك.
اه.
وقوله: خلاف ذلك) أي وهو العزل من غير سبب بأن قال الواقف، وللناظر عزله وتولية آخر من غير سبب.
(قوله: أما إذا تعين الخ) مفهوم قوله لم يتعين.
(قوله: بأن لم يكن ثم) أي في تلك الناحية من يصلح للقضاء غيره.
(قوله: فيحرم الخ) جواب أما.
(قوله: ولا ينفذ) أي عزله.
(قوله: وكذا عزله لنفسه حينئذ) أي وكذا يحرم عزله لنفسه مع عدم نفوذه حين إذ تعين للقضاء.
(قوله: بخلافه في غير هذه الحالة) أي بخلاف عزله لنفسه في غير حالة التعيين.
(قوله: فينفذ عزله لنفسه) أي ولا يحرم، وهو تفريع على قوله بخلافه الخ.
(وقوله: وإن لم يعلم موليه) غاية في النفوذ.
(قوله: ولا ينعزل قاض) أي ولو قاضي ضرورة إذا لم يوجد مجتهد صالح، أما مع وجوده، فإن رجى توليه انعزل، وإلا فلا فائدة في انعزاله.
ع ن.
اه.
بجيرمي.
ومثل القاضي - في عدم انعزاله - الامير، والمحتسب، وناظر الجيش، ووكيل بيت المال، وما أشبه ذلك.
(قوله: ولا بانعزاله)(4/256)
أي الامام الاعظم بسبب كفره، أو عزله لنفسه.
(قوله: لعظم شدة الخ) إضافة عظم إلى ما بعده للبيان: أي لعظم، هو
شدة الضرر.
وفي التحفة والنهاية: لعظم الضرر فقط، بدون زيادة شدة، وهو الاولى.
(وقوله: بتعطيل الحوادث) الباء سببية متعلقة بعظم: أي إن عظم الضرر حاصل بسبب تعطيل الحوادث: أي الاحكام لو انعزل القاضي بانعزال الامام أو بموته.
(قوله: فينعزل نوابه) أي القاضي.
(وقوله: بموته) أي القاضي: أي أو بانعزاله بما مر، كما مر.
(قوله: ولا يقبل) أي إلا ببينة.
(وقوله: قول متول في غير محل ولايته) أي ولو على أهل محل ولايته.
زي.
(قوله: وهو) أي غير محل ولايته.
(وقوله: خارج عمله) أي تصرفه.
قال في التحفة: لا خارج مجلسه - خلافا لمن وهم فيه - إلا أن يريد أن موليه قيد ولايته بذلك المجلس.
اه.
(قوله: حكمت بكذا) مقول القول، سواء أقالها على وجه الاقرار، أو على وجه الانشاء.
(قوله: لانه) أي المتولي في غير محل ولايته.
(وقوله: لا يملك إنشاء الحكم حينئذ) أي حين إذ كان في غير محل ولايته.
(قوله: فلا ينفذ إقراره به) أي بالحكم في غير محل ولايته.
(قوله: من ظاهر كلامهم) أي الفقهاء.
(قوله: أنه الخ) المصدر المنسبك مفعول أخذ.
(قوله: لم يتناول) أي توليه المفهوم من ولى، أو حكمه المعلوم من المقام (وقوله: مزارعها) أي البلد.
(وقوله: وبساتينها) عطف خاص على عام.
(قوله: فلو زوج) أي القاضي، وهو تفريع على قوله لم يتناول الخ.
(وقوله: وهو) أي القاضي.
(وقوله: بأحدهما) أي المزارع، أو البساتين.
(قوله: من هي بالبلد) مفعول زوج.
(قوله: أو عكسه) أي بأن زوج من هو في البلد من كانت في أحدهما.
(قوله: لم يصح) أي التزوج، وهو جواب لو.
(قوله: قيل وفيه نظر) أي وفيما أخذه الزركشي من ظاهر كلامهم: أي في إطلاقه نظر.
(قوله: والنظر واضح) وجهه أنه قد يقتضي العرف تبعية المزارع أو البساتين للبلد، فلا يصح إطلاق القول بعد نفوذ حكمه فيهما حينئذ.
(قوله: بل الذي يتجه الخ) حاصله أنه إن اطرد عرف بالتبعية نفذ حكمه فيهما، وإلا فلا ينفذ، وإن لم يطرد عرف لا بتبعية ولا غيرها اقتصر على ما نص عليه فلا يتجاوزه.
(قوله: بتبعية) أي تبعية المزارع والبساتين للبلد.
(وقوله: أو عدمها) أي التبعية (قوله: فذلك) أي واضح: أي فيعمل بما جرت به العادة.
(قوله: وإلا) أي وهن لم تعلم عادة لا بتبعية ولا غيرها.
(وقوله: اتجه ما ذكره) أي الزركشي من أنه إذا ولى ببلد لم يتناول مزارعها وبساتينها.
(قوله: اقتصارا الخ) علة لاتجه ما ذكره: أي وإنما اتجه ما ذكره إن علمت عادة بتبعية أو عدمها، اقتصارا على المحل الذي نص الامام عليه في الولاية، وهو هنا البلد فيقتصر عليها، ولا يتجاوز حكمه غيرها من البساتين والمزارع.
(قوله: أنه الخ) الجملة مقول قول المنهاج: أي أن القاضي بالنسبة لغير محل ولايته كائن كمعزول.
(قوله: أنه لا ينفذ الخ) المصدر المنسبك مفعول افهم.
(وقوله: فيه) أي في غير محل ولايته.
(وقوله: تصرف) فاعل ينفذ (وقوله: استباحه بالولاية) الجملة صلة لتصرف
أي تصرف موصوف بكونه استباحة بسبب الولاية.
(قوله: كإيجار وقف) مثال للتصرف الذي يستبيحه بالولاية، ولا ينفذ فيه إن كان في غير محل ولايته.
(وقوله: نظره للقاضي) أي النظر على ذلك الوقف كائن للقاضي.
(قوله: وبيع مال الخ) معطوف على إيجار وقف: أي وكبيع مال يتيم وتقرير أحد في وظيفة، وهما مثالان أيضا للتصرف الذي يستبيحه بالولاية، ولا ينفذ منه إن كان في غير محل ولايته.
(قوله: قال شيخنا وهو) أي ما أفهمه قول المنهاج ظاهر.
وقال بعده: كتزويج من ليست بولايته، وظاهر هطا أنه لا يصح استخلافه قبل وصوله لمحل ولايته من يحكم بها، فإفتاء بعضهم بصحته(4/257)
بعيد.
اه.
(قوله: كما لا يقبل قول معزول) أي قاض معزول، والكاف للتنظير.
(قوله: بعد انعزاله) متعلق بقول.
(قوله: ومحكم) معطوف على معزول: أي وكما لا يقبل قول محكم بعد مفارقة المجلس الذي وقع الحكم فيه.
(قوله: حكمت بكذا) مقول لقول كل من المعزول والمحكم.
(قوله: لانه) أي المذكور من المعزول والمحكم، ولو قال لانهما لكان أولى.
(قوله: حينئذ) أي حين إذ صدر القول المذكور بعد الانعزال وبعد مفارقة مجلس الحكم.
(قوله: فلا يقبل إقراره) أي بعد الانعزال وبعد المفارقة المذكورة.
(وقوله: به) أي بالحكم.
(قوله: ولا يقبل أيضا) أي كما لا يقبل حكمهما حينئذ.
(قوله: شهادة كل منهما) أي من المعزول والمحكم، ومثلهما المتولي في غير محل ولايته.
ولو قال شهادة من ذكر ليشمل الجميع لكان أولى.
(وقوله: بحكمه) خرج به ما لو شهد أن فلانا أقر في مجلسه بكذا فيقبل.
(قوله: لانه) أي كلا منهما.
(وقوله: يشهد بفعل نفسه) أي فعل نفسه: أي والشهادة على ذلك غير صحيحة.
قال في التحفة: وفارق المرضعة بأن فعلها غير مقصود بالاثبات، مع أن شهادتها لا تتضمن تزكية نفسها، بخلاف الحاكم فيهما.
اه.
(قوله: إلا إن شهد الخ) إستثناء من عدم قبول شهادته على فعل نفسه: أي لا يقبل ذلك إلا إن شهد كل منهما بحكم حاكم، ولم يضفه لنفسه بأن قال أشهد أنه حاكم حكم بهذا، أو ثبت هذا عند حاكم ولا يعلم القاضي الذي حصلت الدعوى عنده أن هذا الحكم حكم الشاهد الذي شهد به فتقبل شهادته، لانه لم يشهد على فعل نفسه ظاهرا، واحتمال المبطل لا أثر له.
(وقوله: إن لم يكن فاسقا) قيد في قبول الشهادة من المذكور.
وخرج به ما إذا كان فاسقا فلا تقبل شهادته، لانتفاء شرط الشهادة.
(قوله: فإن علم القاضي) أي المشهود عنده، وهو مفهوم قوله ولا يعلم الخ.
(وقوله: أنه) أي الحكم الذي شهد به.
(وقوله: حكمه) أي الشاهد.
(قوله: لم تقبل شهادته) جواب إن.
قال في التحفة: وقد يشكل عليه ما في فتاوى البغوي، إشترى شيئا فغصبه منه غاصب فادعى عليه به وشهد له البائع بالملك
مطلقا قبلت شهادته، وإن علم القاضي أنه البائع له، كمن رأى عينا في يد شخص يتصرف فيها تصرف الملاك، له أن يشهد له بالملك مطلقا، وإن علم القاضي أنه يشهد بظاهر اليد فيقبله، وإن كان لو صرح به لم يقبل.
ثم رأيت الغزي نظر في مسألة البيع، وقد يجاب بأن التهمة في مسألة الحكم أقوى، لان الانسان مجبول على ترويج حكمه ما أمكنه، بخلاف المسألتين الاخيرتين اه.
(قوله: كما لو صرح به) أي بأنه حكمه عند أداء الشهادة، فلا تقبل شهادته.
(قوله: ويقبل قوله) أي القاضي.
(وقوله: بمحل حكمه) أي ولايته، وهو وما بعده متعلقان بلفظ قوله: ويحتمل أن يكونا متعلقين بمحذوف حال من ضمير قوله: أي ويقبل قول القاضي حال كونه كائنا في محل ولايته، وحال كونه قبل عزله.
(وقوله: حكمت بكذا) مقول القول.
(قوله: وإن قال بعلمي) غاية في القبول: أي يقبل قوله ما ذكر وإن قال حكمت بعلمي: أي لا ببينة ولا إقرار.
(قوله: لقدرته على الانشاء حينئذ) أي حين إذ كان في محل ولايته وقبل العزل.
(قوله: حتى لو قال) حتى تفريعية، أي فلو قال القاضي.
(وقوله: على سبيل الحكم) أي لا على سبيل الاخبار.
(وقوله: نساء هذه القرية) مبتدأ خبره طوالق.
(قوله: أي المحصورات) عبارة التحفة: وبحث الاذرعي أن محله - أي قبول قوله المذكور - في المحصورات، وإلا فهو كاذب مجازف، وفي قاض مجتهد ولو في مذهب إمامه.
قال: ولا ريب عندي في عدم نفوذه من جاهل أو فاسق.
اه.
(قوله: قبل) جواب لو.
(قوله: إن كان الخ) قيد في القبول، أي محل قبول قول القاضي ما ذكر إن كان مجتهدا.
(وقوله: ولو في مذهب إمامه) أي ولو كان مجتهدا في مذهب إمامه فإنه يكفي، ولا يشترط أن يكون مجتهدا مطلقا.
(قوله: ولا يجوز لقاض أن يتبع) يقرأ بتشديد التاء، وأصله يتتبع بتاءين فأدغم أحدهما في الآخر.
وعبارة(4/258)
الفتح: أن يتتبع بالفك من غير إدغام، وقد عقد في الروض وشرحه لهذه المسألة فصلا فقال: فصل في جواز تتبع القاضي حكم من قبله من القضاة الصالحين.
للقضاء وجهان: أحدهما نعم، واختاره الشيخ أبو حامد، وثانيهما المنع، لان الظاهر منه السداد، وبه جزم المحاملي، وصححه الفارقي، وعزاه الماوردي إلى جمهور البصريين، واقتضاه كلام الاصل في الباب الآتي، فإن تظلم شخص من معزول أو نائبه، سأله عما يريد منه، ولا يسارع إلى إحضاره فقد يقصد إبتذاله، فإن ادعى بأن ذكر أنه يدعي معاملة، أو إتلاف مال، أو عينا أخذها بغصب أو نحوه، أحضره وفصل خصومته منه كغيره.
وكذا لو ادعى عليه رشوة بتثليث الراء.
أو حكما بعبدين مثلا، أي بشهادة عبدين أو غيرهما ممن لا تقبل شهادته، وإن لم يتعرض للاخذ، أي أخذ المال المحكوم به منه، فإن أقام على المعزول بعد الدعوى عليه بينة، أو أقر المعزول
حكم عليه، وإلا صدق بيمينه، كسائر الامناء إذا ادعى عليهم خيانة، ولعموم خبر: البينة على المدعي واليمين على من أنكر الخ.
اه.
(قوله: وليسو القاضي الخ) لما فرغ من شروط القاضي، شرع في الامر المطلوب منه وفي المحرم عليه، وبدأ بالاول فقال: وليسو الخ.
(قوله: بين الخصمين) أي وإن وكلا، فلا يرفع الموكل على الخصم لان الدعوى متعلقة به أيضا، بدليل أنه إذا وجبت يمين وجب تحليفه، وكثير يوكل خلاصا من ورطة التسوية بينه وبين خصمه، وهو جهل قبيح (قوله: في إكرامهما) متعلق بيسو: أي وليسو في إكرام الخصمين: أي بسائر وجوه الاكرام، وفي الكلام إكتفاء، أي وفي عدم إكرامهما، كطلاقة وجه وضدها، وقيام وضده ونظر إليهما وضده، وهكذا.
(قوله: وإن اختلفا شرفا) أي فضيلة، وهو غاية للتسوية، ومحله ما لم يختلفا بالاسلام والكفر، وإلا فيجب أن يميز المسلم على الكافر في سائر وجوه الاكرام: كأن يجلس المسلم أقرب إليه، كما جلس سيدنا علي رضي الله عنه بجنب شريح في خصومة له مع يهودي، وقال له لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك، لكني سمعت النبي (ص) يقول: لا تساووهم في المجالس.
رواه البيهقي.
(قوله: وجواب سلامهما) معطوف هو وما بعده على إكرامهما، من عطف الخاص على العام.
وعبارة المنهج: وليسو بين الخصمين في الاكرام، كقيام، ودخول، واستماع، وطلاقة وجه الخ.
اه.
وهي أولى من عبارة المؤلف.
(قوله: والنظر إليهما) أي وليسو في النظر إلى الخصمين، فلا ينظر لاحدهما دون الآخر، لئلا ينكسر قلب الآخر.
(قوله: والاستماع للكلام) أي وليسو في استماع كلامهما، فلا يسمع كلام أحدهما دون الآخر لما مر.
(قوله: وطلاقة الوجه) أي وليسو في طلاقة الوجه، أي إظهار الفرح لهما، فلا يخص أحدهما بطلاقة الوجه لما مر.
(قوله: والقيام) أي وليسو بينهما في القيام لهما، فلا يقوم لاحدهما دون الآخر لما مر، فلو قام لاحدهما ولم يعلم أنه في خصومة، ينبغي أن يقوم للآخر، أو يعتذر بأنه لم يعلم أنه جاء في خصومة.
(قوله: فلا يخص أحدهما) أي الخصمين، وهو تفريع على قوله وليسو الخ.
(وقوله: بشئ مما ذكر) أي من جواب السلام، والنظر والاستماع للكلام، وطلاقة الوجه، والقيام.
(قوله: ولو سلم الخ) الاولى التفريع بالفاء.
(وقوله: أحدهما) أي الخصمين.
(وقوله: انتظر) أي القاضي الآخر: أي سلامه، فيجيبهما معا.
وفي البجيرمي: قال بعضهم إن ما ذكر هنا يخالف ما سبق في السير من أن ابتداء السلام سنة كفاية من جمع، فإذا حضر جمع وسلم أحدهم كفى عن الباقين.
اه.
(قوله: ويغتفر طول الفصل) أي بين الرد وسلام الاول.
(وقوله: للضرورة) أي وهي المحافظة على التسوية.
(قوله: أو قال له سلم) واغتفر هذا التكلم بأجنبي ولم يكن قاطعا للرد لضرورة التسوية أيضا.
قال زي: فلو لم يسلم ترك جواب الاول محافظة على
التسوية.
اه.
قال البجيرمي.
وفيه أنه يلزم عليه ترك واجب لتحصيل واجب، فما المرجح إلا أن يقال المرجح الاحتياط للمحافظة على التسوية.
اه.
(قوله: ولا يمزح الخ) معطوف على (قوله: فلا يخص أحدهما) أي ولا يمزح القاضي مع(4/259)
أحد الخصمين، لئلا ينكسر قلب الآخر ويتضرر به.
وتخصيص المزح بكونه مع أحد الخصمين ليس بقيد، بل مثله بالاولى، ما إذا كان مع الخصمين، كما صرح به في الروض وشرحه ونصهما: وليقبل عليهما بقلبه، وعليه السكينة بلا مزح معهما أو مع أحدهما، ولا نهر، ولا صياح عليهما ما لم يتركا أدبا، فإن تركا أدبا نهرهما وصاح عليهما.
ويندب أن يجلسا بين يديه ليتميزا.
وليكون إستماعه لك منهما أسهل، وإذا جلسا تقاربا، إلا أن يكونا رجلا وامرأة غير محرم فيتباعدان.
اه.
(قوله: وإن شرف الخ) غاية لقوله لا يخص الخ: أي لا يخص أحدهما بذلك، وإن شرف بعلم أو حرية أو نحوهما، وكان الاولى تقديمه على قوله ولو سلم أحدهما الخ.
(قوله: والاولى أن يجلسهما) أي الخصمين بين يديه لما مر آنفا.
ولو أجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره جاز، لكنه خلاف الاولى.
(قوله: فرع) الاولى فروع (قوله: لو ازدحم مدعون) أي في مجلس الحكم وقد جاءوا مترتبين، وعرف السابق بدليل قوله بعد، فإن استووا أو جهل سابق.
(قوله: قدم الاسبق فالاسبق) أي المسلم، أما الكافر فيقدم عليه المسلم المسبوق.
قال في التحفة: والعبرة بسبق المدعي، لانه ذو الحق، وبحث البلقيني أنه لو جاء مدع وحده ثم مدع مع خصمه ثم خصم الاول قدم من جاء مع خصمه.
(قوله: كمفت ومدرس) أي في فرض العين أو الكفاية، أما في غير الفرض كالعروض، وزيادة التبحر، على ما يشترط في الاجتهاد المطلق، فالتقدم بالمشيئة والاختيار.
(قوله: فيقدمان) أي المفتي والمدرس.
ومفعول الفعل محذوف: أي يقدمان من جاء يستفتي أو يتعلم.
(وقوله: بسبق) متعلقان بيقدمان، وهذا إن كان ثم سبق، وعرف السابق بدليل ما بعد.
(قوله: فإن استووا) أي في مجيئهم عند القاضي، أو المفتي، أو المدرس، فهو مرتبط بالجميع ولو تمم الكلام على ما يتعلق بالقاضي ثم قال كمفت ومدرس لكان أولى.
(وقوله: أو جهل سابق) أي جهل من جاء أولا إليهم.
(وقوله: أقرع) أي بينهم، إذ لا مرجح لاحدهم على الآخر، وحينئذ يقدم من خرجت قرعته.
قال في الروض وشرحه: فإن كثروا وعسر الاقراع، كتب الرقاع أو كتب فيها أسماءهم وصبت بين يدي القاضي، ليأخذها واحدة واحدة، ويدعى من خرج إسمه في كل مرة، ويستحب أن يرتب ثقة يكتب أسماءهم يوم قضائه ليعرف ترتبهم، ولو قدم الاسبق غيره على نفسه جاز، ولا يقدم سابق وقارع: أي من خرجت قرعته إلا بدعوى واحدة، وإن اتحد المدعى عليه دفعا للضرر عن
الباقين، فإن كان له دعوى أخرى، إنتظر فراغهم، أو حضر في مجلس آخر.
ويستحب له عند إجتماع الخصوم عند تقديم مسافرين مستوفزين، أي متهيئين للسفر وخائفين من انقطاعهم عن رفقتهم إن تأخروا عن المقيمين، لئلا يتضرروا بالتخلف.
وتقديم نساء طلبا لسترهن.
ولو كان المسافرون والنساء مدعى عليهم، فإنه يستحب تقديمهم بدعاويهم إن كانت خفيفة، بحيث لا تضر بالمقيمين في الاولى، وبالرجال في الثانية إضطرارا بينا، ويقدم المسافر على المرأة المقيمة صرح به في الانوار.
اه.
بحذف.
(قوله: وقال شيخنا) أي في فتح الجواد ونص عبارته مع الاصل: كمفت ومدرس في فرض عين أو كفاية، فيقدمان وجوبا بسبق إلى مجلسهما ولو قبل حضورهما قياسا على ما مر في القاضي، فإن استووا، أو جهل سابق فبقرعة بفتوى أو درس واحد، نعم: إن ظهر له جواب المسبوق فقط، قدمه.
بحثه الاذرعي ويأتي في تقديم سفر: أي مسافرين ونساء ما مر، أما في غير الفرض، قال بعضهم كالعروض، فالتقديم بمشيئة المفتي أو المدرس، وظاهر أن طالب فرض العين مع ضيق الوقت يقدم كالمسافر بل أولى.
اه.
وإذا تأملتها تعلم أن عبارة شارحنا مختصرة منها، إلا أنه أخل في الاختصار من حيث أنه لم يستوف الكلام على القاضي أولا، ومن حيث أنه أطلق في المفتي والمدرس، ومن حيث أن قوله وظاهر أن طالب فرض الخ، يوهم إرتباطه بالقاضي كالمفتي والمدرس مع أنه مرتبط بالاخيرين فقط.
(قوله: ويستحب كون مجلسه الخ) ويستحب أيضا له أن يأتي المجلس راكبا ويسلم على الناس يمينا وشمالا، وأن يجلس على مرتفع كدكة وكرسي، ليسهل عليه النظر إلى الناس، ويسهل عليهم المطالبة بين يديه، وأن(4/260)
يتميز عن غيره بفرش كمرتبة ووسادة وطيلسان وعمامة، وإن كان زاهدا متواضعا ليعرفه الناس، وليكون أهيب للخصوم وأرفق به، وأن يستقبل القبلة في جلوسه، لانها أشرف الجهات، وأن يدعو عقب جلوسه بالتوفيق والسداد، والاولى أن يقول كما قال النبي (ص) فيما روته أم سلمة: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي.
وكان الشعبي يقوله إذا خرج إلى مجلس القضاء ويزيد فيه: أو أعتدي أو يعتدى علي.
اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وألزمني التقوى حتى لا أنطق إلا بالحق، ولا أقضي إلا بالعدل.
وأن يشاور الامناء والفقهاء عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الادلة، قال تعالى لنبيه (ص): * (وشاورهم في الامر) * قال الحسن البصري كان (ص) مستغنيا عن المشاورة، ولكن أراد الله أن تكون سنة للحكام.
وخرج بقولنا عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الادلة الحكم المعلوم بنص أو إجماع أو قياس جلي، فلا حاجة للمشاورة فيه.
وأن ينظر أولا في حال أهل الحبس، لانه
عذاب عليهم، فمن أقر بحق منهم فعل به مقتضاه، ومن ادعى منهم أنه مظلوم بالحبس طلب من خصمه حجة إن كان حاضرا، فإن لم يقمها صدق المحبوس بيمينه وأطلقه.
وإن كان غائبا كتب إليه ليحضر عاجلا هو أو وكيله، فإن لم يحضر صدقه بيمينه وأطلقه أيضا، لكن يحسن أن يأخذ منه كفيلا.
ثم بعد فراغه من النظر في حال المحبوسين، ينظر في حال الاوصياء، فمن ادعى منهم وصاية أثبتها عنده ببينة ثم يبحث عن حاله وتصرفه فيها، فمن وجده عدلا قويا أقره، ومن وجده فاسقا أو شك في عدالته، نزع المال منه ووضعه عند عدل.
ومن وجده عدلا ضعيفا قواه بمعين يضمه إليه.
ثم بعد ذلك ينظر في أمناء القاضي المنصوبين على المحاجير.
ثم في الوقف العام والمال والضال واللقطة، ويستحب أيضا أن يتخذ كاتبا للحاجة إليه، فإن القاضي قد لا يحسن الكتابة، وإن أحسنها فلا يتفرغ لها غالبا، ويشترط في الكاتب أن يكون عدلا لئلا يخون فيما يكتبه، حرا ذكرا عارفا بكتابة محاضر وسجلات وكتب حكمية، ليعلم كيفية ما يكتبه.
والمحاضر جمع محضر، وهو ما يكتب فيه حضر فلان وادعى على فلان بكذا، إلى آخر ما يقع من الخصمين من غير حكم، والسجلات جمع سجل، وهو ما يسجل فيه الحكم بعد الدعوى، ويحفظ في بيت القاضي، والكتب الحكمية هي المعروفة الآن بالحجج، وهو ما يكتب فيه ذلك ويكتب القاضي عليه خطه، ثم يعطى للخصم، وأن يتخذ له مترجمين يترجمان له كلام من لا يعرف لغته من خصم أو شاهد، وإن كان ثقيل السمع إتخذ مسمعين أيضا، بشرط أن يكون كل من المترجمين والمسمعين من أهل الشهادة، وأن يتخذ سجنا واسعا للتعزيز وأداء الحق، وأجرته على المسجون لشغله له، وأجرة السجان على صاحب الحق.
ودرة - بكسر الدال وفتح الراء المشددة - للتأديب بها، وأول من اتخذها سيدنا عمر رضي الله عنه، وكانت من نعل سيدنا رسول الله (ص)، وكانت أهيب من سيف الحجاج، وما ضرب بها أحدا على ذنب وعاد إليه، بل يتوب منه.
(قوله: ويكره أن يتخذ المسجد الخ) أي بلا عذر، فإن وجد عذر كشدة حر، أو برد، أو ريح، أو مطر، فلا يكره.
(قوله: صونا له) أي حفظا للمسجد.
(وقوله: من اللغط وارتفاع الاصوات) أي الواقعين بمجلس القضاء عادة وعطف إرتفاع الاصوات على اللغط من عطف التفسير.
(قوله: نعم إن اتفق عند جلوسه فيه) أي في المسجد لصلاة أو غيرها.
(وقوله: قضية الخ) فاعل اتفق.
(قوله: فلا بأس بفصلها) أي القضية: أي أو فصلهما - أي القضيتين - أي فلا يكره ذلك في المسجد، وعلى ذلك يحمل ما جاء عنه (ص) وعن خلفائه من القضاء في المسجد.
ثم إن جلس في المسجد مع الكراهة أو دونها، منع الخصوم من الخوض فيه بالمخاصمة والمشاتمة ونحوهما.
ولا يدخلونه جميعا بل يقعدون خارجه، وينصب من يدخل عليه خصمين خصمين.
(قوله: وحرم قبوله الخ) شروع فيما يحرم على
القاضي، وهو الهدية وما في معناها كالضيافة، والهبة، والعارية، إن كانت المنفعة تقابل بأجرة، كسكنى دار، وركوب دابة، بخلاف التي لا تقابل بأجرة كقطع بسكين، وغربلة بغربال، وكالصدقة، والزكاة على ما سيأتي فيهما.
(قوله: أي القاضي) خرج به المفتي والواعظ ومعلم القرآن، فلا يحرم عليهم قبول الهدية.
إذ ليس لهم رتبة الالزام، لكن ينبغي لهم
__________
(1) سورة آل عمران، الاية: 159.(4/261)
التنزه عن ذلك.
(قوله: هدية) يقرأ يغير تنوين، لانه مضاف إلى ما بعده، وهو مفعول المصدر المضاف إلى فاعله.
(وقوله: من لا عادة له بها) أي بالهدية: أي بإهدائها للقاضي.
والجار والمجرور متعلق بعادة ومثله الظرف بعده.
(قوله: أو كان الخ) الجملة معطوفة على جملة لا عادة له بها: أي وحرم قبول هدية من له عادة بها الخ.
(قوله: لكنه) أي من له عادة الهدية.
(وقوله: زاد في القدر) أي قدر الهدية، كأن كانت عادته قبل الولاية إهداء عشرة مثلا، فزاد عليها بعدها.
(وقوله: أي الوصف) أي كأن كانت عادته قبلها إهداء ثوب كتاب، فأهدى له بعدها ثوب حرير.
واختلف هل يحرم في صورة الزيادة قبول الجميع أو الشئ الزائد فقط، وينبغي أن يقال - كما في الذخائر - إن لم تتميز الزيادة بجنس أو قدر، حرم قبول الجميع إن كان للزيادة وقع، فإن لم يكن لها وقع، فلا عبرة بها.
وإن تميزت بجنس أو قدر حرم قبول الزيادة فقط، ولا يحرم قبول الاصل.
(قوله: إن كان الخ) قيد في حرمة قبوله هدية من ذكر: أي محل حرمة ذلك إن كان القاضي حالا في محل ولايته، سواء كان المهدي من أهل محل ولايته أم لم يكن من محل ولايته ودخل بها في محلها، وكذا لو أرسلها مع رسول ولم يدخل بها، فيحرم قبولها على الراجح عند بعضهم كما سيذكره.
(قوله: وهدية) بالنصب معطوف على هدية: أي وحرم قبوله هدية من له خصومة عنده حاضرة.
(قوله: أو من أحس منه) معطوف على من له خصومة: أي وحرم قبوله هدية من ليس له عنده خصومة حاضرة، ولكنه أحس واستشعر منه بأنه يسخاصم.
(قوله: وإن اعتادها الخ) غاية في الصورتين: أي يحرم قبوله هدية من له خصومة أو من سيخاصم، وإن اعتاد القاضي الهدية منه قبل ولايته: أي وإن كان في غير محل ولايته، فيحرم عليه أيضا قبولها.
(قوله: لانها الخ) علة لحرمة القبول في جميع الصور.
(وقوله: في الاخيرة) مراده بها من له خصومة وما عطف عليه.
(وقوله: تدعو إلى الميل إليه) أي إلى المهدي المذكور، فيقدمه على خصمه وربما يحكم له بغير الحق.
(وقوله: وفي الاولى) مراده بها من لا عادة له بها وما عطف عليه.
(وقوله: سببها) أي الهدية والولاية.
روى الشيخان، عن أبي حميد الساعدي: ما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا من
عملكم وهذا أهدي إلي ؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو أمه فنظر هل يهدى له أم لا ؟ فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئا، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه.
إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعر.
فقد بلغت: أي حكم الله الذي أرسلت به في هذا إليكم.
(قوله: وقد صحت الاخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال) منها قوله عليه السلام: هدايا العمال - وفي رواية الامراء - غلول بضم الغين واللام - وهو الخيانة، والمراد أنه إذا أهدى العامل للامام أو نائبه شيئا فقبله فهو خيانة منه للمسلمين، فلا يختص به دونهم.
ومنها ما رواه أبو يعلى: هدايا العمال حرام كلها، وإنما حل له (ص) قبول الهدية لانه معصوم، فهو من خصوصياته.
روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: كان يقبل الهدية ويثيب عليها بخلاف غيره من الحكام وولاة الامور، فإنه رشوة، فيحرم عليهم خوفا من الزيغ عن الشرع والميل مع الهوى.
أفاده البجيرمي.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن لا عادة له، بأن كان له عادة، لان نفي النفي إثبات.
(وقوله: أنه يهدى) بالبناء للمعلوم، وضميره مع الذي قبله يرجع للمهدي، وضمير إليه يرجع للقاضي.
(قوله: ولو مرة) أي ولو كان الاهداء إليه مرة واحدة، فإنه لا يحرم.
(قوله: أو كان في غير محل ولايته) معطوف على مدخول لو المقدر، أي ولو كان القاضي في غير محل ولايته فإنه لا يحرم، والاولى أن يأتي في الغاية بما هو مستبعد، بأن يقول أو كان في محل ولايته.
(قوله: أو لم يزد) الاولى التعبير بالواو، لانه مع ما بعده قيد فيمن كان له عادة، يعني وإن كانت له عادة ولم يزد عليها، ولم تكن له خصومة الخ جاز قبولها، سواء كان للقاضي في محل ولايته أم لا.(4/262)
والحاصل أن من له خصومة في الحال.
أو مترقبة، يحرم قبول هديته، ولو كان القاضي في غير محل ولايته، وإن اعتادها قبل ولايته، وأما غير من له خصومة، فإن لم يكن للمهدي عادة بالهدية، أو له عادة وزاد عليها قدرا وصفة، حرم قبول هديته أيضا إذا كان القاضي في محل ولايته، فإن كان للمهدي عادة بالهدية، ولم يزد عليها قدرا وصفة، لم يحرم عليه قبولها، سواء كان القاضي في محل ولايته أو غيرها.
(قوله: جاز قبوله) جواب أن المدغمة في لا النافية.
(قوله: ولو جهزها الخ) يعني لو أرسل المهدي هدية مع رسوله إلى القاضي، والحال أنه ليس له محاكمة، أي خصومة، ففي جواز القبول وجهان، وفيه أن هذه الصورة داخلة تحت قوله وحرم قبوله هدية من لا عادة الخ.
إذ هو صادق بما إذا جاء بها إلى القاضي أو أرسلها إليه ولم يجئ بنفسه،
ففي كلامه تدافع، إذ ما سبق يقتضي الحرمة بالاتفاق، وهذا يقتضيها مع وجود الخلاف.
ويمكن أن يجاب بأن ما سبق محمول على ما إذا جاء صاحبها بها فلا تدافع.
وعبارة التحفة في شرح قول المصنف حرم عليه قبولها، وسواء كان المهدي من أهل عمله أم من غيره، وقد حملها إليه لانه صار في عمله، فلو جهزها له مع رسول وليس له محاكمة فوجهان الخ.
اه.
وهي ظاهرة.
فلو صنع كصنيع شيخه لكان أولى.
(قوله: رجح بعض شراح المنهاج الحرمة) أي حرمة قبول القاضي للهدية في الصورة المذكورة.
(قوله: وعلم مما مر) أي من قوله إن كان في محله المجعول، قيد الحرمة قبول هدية من لا عادة له، أو من له عادة لكن زاد عليها.
(قوله: أنه) أي القاضي لا يحرم عليه قبولها: أي الهدية ممن لا عادة له بها، أو زاد عليها.
(قوله: في غير عمله) أي حال كون القاضي في غير محل ولايته، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير أنه.
(قوله: وإن كان المهدى الخ) غاية في عدم حرمة قبوله إذا كان في غير محل ولايته.
(قوله: ما لم يستشعر الخ) قيد في عدم الحرمة: أي محل عدم الحرمة إذا لم يستشعر القاضي بأن الهدية مقدمة لخصومة ستقع من المهدي، فإن استشعر ذلك حرم قبولها.
(قوله: ولو أهدى له) أي للقاضي.
(وقوله: بعد الحكم) أي للمهدي.
(قوله: حرم القبول أيضا) أي كما يحرم قبل الحكم.
(قوله: إن كان) أي ما أهدي له، وهو قيد في الحرمة.
(وقوله: مجازاة له) أي بقصد أنه مجازاة: أي في مقابلة الحكم (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يقصد أنه مجازاة له، فلا يحرم قبوله.
(قوله: كذا أطلقه) أي ما ذكر من التفصيل بين الحرمة إن قصدت المجازاة وعدمها إن لم تقصد.
(قوله: ويتعين حمله) أي ما أطلقه بعض الشراح.
(وقوله: على مهد معتاد الخ) أي فإن لم يكن معتادا حرم القبول مطلقا، سواء قصدت المجازاة أو لا.
(قوله: حيث حرم القبول أو الاخذ) عبارة فتح الجواد: والاخذ بالواو وهي أولى، ولو اقتصر على الاول لكان أولى.
(قوله: لم يملك) أي القاضي.
(وقوله: ما أخذه) أي من المهدي.
(قوله: فيرده) أي يرد القاضي ما أخذه.
(وقوله: لمالكه) أي المال المأخوذ.
(قوله: إن وجد) أي المالك.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يوجد المالك.
(وقوله: فلبيت المال) أي فيرده في بيت المال.
(قوله: وكالهدية الهبة) أي في الحرمة بقيودها المارة، من كونه ليس له عادة قبل الولاية، أو له عادة وزادت، مع كون القاضي فيهما في محل ولايته، ووجود خصومة مطلقا، وجدت عادة أم لا، كان في محل ولايته أم لا.
وفي عدم الحرمة إن انتفت قيودها.
(قوله: والضيافة) أي كالهدية، هذا يفيد أن الضيافة غير الوليمة، وهو كذلك.
إذ الضيافة تختص بالطعام الذي يصنع للنازل عنده، والوليمة مختصة بالطعام الذي ينادى عليه، لكن رأيت في المصباح عرف الوليمة بتعريف شامل للضيافة.
وعبارته: الوليمة اسم لكل طعام يتخذ لجمع.
اه.
وعليه فتكون الضيافة من أفراد(4/263)
الوليمة، ويكون بينه وبين قوله الآتي، ويكره حضور الوليمة تدافع.
إذ هو هنا أطلق أن الضيافة كالهدية، وفيما سيأتي فصل تفصيلا غير التفصيل المذكور في الهدية.
(قوله: وكذا الصدقة) أي ومثل الهدية في التفصيل المذكور بين الحرمة بالقيود المارة وعدمها بانتفائها الصدقة.
(قوله: وجوز له السبكي الخ) الفرق بين ما قاله السبكي وبين ما مر، أن السبكي أطلق الجواز فيما إذا لم يكن له عادة، ولم يقيده بما إذا لم يكن في محل ولايته، بخلاف ما مر فإنه مقيد بذلك.
(وقوله: ولا عادة) بالاولى ما إذا كان له عادة.
(قوله: وخصه) أي خص السبكي جواز القبول ممن لا خصومة له ولا عادة في تفسيره بما إذا لم يعرف المتصدق أن هذا المتصدق عليه هو القاضي: أي ولم يعرف القاضي عين المتصدق، كما يدل لذلك عبارة تفسيره ونصها - كما في الرشيدي - إن لم يكن المتصدق عارفا بأنه القاضي، ولا القاضي عارفا بعينه فلا شك في الجواز.
انتهت.
وكما صرح به الشارح في باب الوقف (قوله: وبحث غيره) أي غير السبكي.
(وقوله: القطع) أي الجزم بحل أخذه: أي القاضي الزكاة.
(قوله: وينبغي تقييده) أي الحل.
(وقوله: بما ذكر) أي بما إذا لم تكن هناك خصومة ولا عادة ولم يكن المزكي ممن يعرف القاضي: أي ولا القاضي يعرفه.
(قوله: وتردد السبكي في الوقف عليه) أي على القاضي.
(وقوله: من أهل عمله) الجار والمجرور حال من الوقف: أي حال كونه صادرا من أهل عمله.
(قوله: والذي يتجه فيه) أي في الوقف على القاضي.
(وقوله: في النذر) أي على القاضي (قوله: أنه) يصح عود الضمير على القاضي، ويصح عوده على الواقف أو الناذر المأخوذين من الوقف والنذر.
(وقوله: إن عينه) الضمير المستتر يعود على الواقف أو الناذر، والبارز يعود على القاضي.
(وقوله: باسمه متعلق بعينه) أي عينه بإسمه بأن قال: وقفت هذا على فلان القاضي، أو نذرت هذا عليه.
وخرج به ما إذا لم يعينه بإسمه بأن قال: وقفت هذا على من يتولى القضاء في هذه البلدة، أو نذرت عليه أو على السادة، وكان القاضي منهم، فإنه يصح لانه لم يقصده بعينه حال الوقف.
(قوله: وشرطنا القبول) أي قلنا إن القبول من الموقوف عليه والمنذر له شرط.
قال ع ش: وهو معتمد في الوقف دون النذور.
اه.
فإن لم نقل إنه شرط فلا يكونان كالهدية.
(قوله: كان) أي المذكور من الموقوف والمنذور.
(وقوله: كالهدية له) أي للقاضي فيحرم عليه قبوله، وعليه حينئذ يكون الوقف من منقطع الاول، فيكون باطلا.
(قوله: ويصح إبراؤه) أي القاضي.
(وقوله: عن دينه) أي الدين الذي عليه.
(قوله: إذ لا يشترط فيه) أي في الابراء قبول، وهو تعليل لصحة إبراء القاضي من الدين الذي عليه.
(قوله: ويكره للقاضي حضور الوليمة) المراد بها ما يشمل وليمة العرس وغيرها، ولا ينافي هذا أن وليمة العرس
إجابتها واجبة، لان محله في غير القاضي، أما هو فلا تجب عليه كما تقدم في بابها.
(قوله: التي خص بها) أي بالوليمة وحده.
(قوله: وقال جمع يحرم) أي فيما إذا خص بها وحده.
قال في شرح الروض: قال الاذرعي، وما ذكر من كراهة حضوره لها فيما إذا اتخذت له، أخذه الرافعي من التهذيب، والذي اقتضاه كلام الجمهور أن ذلك كالهدية، وهو ما أورده الفوراني والامام والغزالي.
اه.
(قوله: أو مع جماعة آخرين) معطوف على قوله وحده: أي خص بها مع جماعة آخرين غيره.
(قوله: ولم يعتد ذلك) أي تخصيصه بها وحده أو مع آخرين قبل الولاية، فإن اعتيد ذلك قبلها فله حضوره، ولا يكره.
(قوله: بخلاف ما إذا لم يقصد بها خصوصا) أي ولو يقصد بها أيضا في عموم الاغنياء، كما في فتح الجواد فإنه لا يكره ولا يحرم، بل تسن الاجابة حينئذ.
(قوله: كما لو اتخذت) أي الوليمة وهو تمثيل لما إذا لم يقصد بها القاضي خصوصا.
(قوله: وهو منهم) الجملة حالية: أي والحال أن القاضي من جملة الجيران أو العلماء.(4/264)
واعلم أن محل هذا التفصيل إن كانت الوليمة لغير خصم، فإن كانت له حرم عليه الحضور مطلقا، سواء كانت خاصة له أو عامة، كما في الروض وشرحه، وعبارتهما: وليس له حضور وليمة أحد الخصمين حال الخصومة، ولا حضور وليمتهما ولو في غير محل ولايته، لخوف الميل، ويجيب غيرهما استحبابا إن عم المولم النداء لها.
ولم يقطعه كثرة الولائم عن الحكم، بخلاف ما إذا قطعته عنه، فيتركها في حق الجميع، وله تخصيص إجابة من اعتاد تخصيصه بها قبل الولاية، ويكره له حضور وليمة اتخذت له خاصة أو للاغنياء ودعي فيهم، بخلاف ما لو اتخذت للجيران أو العلماء.
اه.
(قوله: ويجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح) يعني إذا أهدى الزوج لغير القاضي من ولي المرأة المخطوبة، أو وكيلها، أو هي نفسها لاجل تزوجه عليها، جاز قبول الهدية منه، وتقدم للشارح في باب الهبة وباب الصداق أن من دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها، فرد قبل العقد رجع على من أقبضه، وعلله ابن حجر بأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم الخطبة، ولم تتم إذ يفهم منه جواز قبولها، وعدم رجوعه بعد العقد.
(قوله: إن لم يشترط) أي غير القاضي على الزوج بأنه لا يزوجه بنته مثلا إلا بمال، فإن اشترط ذلك حرم قبوله.
قال في التحفة في أواخر باب الهبة.
وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء حرم الاخذ، ولم يملكه، قال الغزالي إجماعا.
وكذا لو امتنع من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال، كتزويج بنته.
اه.
(قوله: وكذا القاضي) أي وكذلك يجوز له ما أهدي إليه بسبب النكاح، بأن كان هو ولي المخطوبة.
(قوله: حيث جاز له الحضور)
انظره فإن الكلام فيما يدفع إليه على سبيل الهدية، وليس في ذلك حضور وليمة حتى يشترط ذلك.
تأمل.
(قوله: ولم يشترط) أي القاضي على الزوج أنه لا يزوج مثلا إلا بمال أو نحوه.
(وقوله: ولا طلب) أي القاضي منه ذلك، فإن اشترط أو طلب، حرم عليه القبول.
إذ لا يقابل ذلك بمال.
(قوله: وفيه نظر) أي في قوله بجواز أخذ القاضي الهدية مطلقا نظر.
ووجهه أن القاضي لا يجوز له أخذ الهدية إلا إذا اعتيد ذلك، ولم يزد على العادة، ولم تكن خصومة، كما تقدم لا مطلقا، فالنظر بالنسبة للقاضي فقط من جهة إطلاقه فيه جواز الاخذ.
(قوله: ويجوز لمن لا رزق) أي لقاض لا رزق له، وهو بفتح الراء اسم للفعل، وبكسرها اسم للاثر، وهو ما سيق إليك.
والمراد هنا الثاني.
(قوله: ولا في غيره) أي غير بيت المال كمن مياسير المسلمين.
(قوله: وهو غير متعين للقضاء) أي والحال أن هذا القاضي الذي لا رزق له فيما ذكر غير متعين للقضاء، بأن وجد من يصلح للقضاء غيره، وما ذكر قيد في جواز أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة.
وخرج به ما إذا تعين للقضاء، فيحرم عليه ذلك، وهذا مبني على الضعيف أن الواجب العيني لا يقابل بأجرة، والاصح أنه يقابل بأجرة، فالمتعين كتعليم الفاتحة له أن يمتنع منه إلا بأجرة، وكذلك المتعين للقضاء له أن يمتنع من الحكم إلا بأجرة، لكن إن كان مما يقابل بأجرة كما نبه على ذلك في فتح الجواد، وعبارته: ولمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين للقضاء، وكان عمله مما يقابل بأجرة أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق، على ما قاله جمع، وهو أقرب للمنقول، لكن في استثناء المتعين والعمل يقابل بأجرة مخالفة لقولهم لا يلزم المتعين تعليم الفاتحة إلا بأجرة، لان الاصح جواز أخذها على الواجب العيني، كما لا يجب بذل طعام للمضطر إلا بالتزام البدل، فلعل ذلك التقييد على مقابل الاصح.
اه.
(قوله: وكان عمله) أي عمل من لا رزق له مما يقابل بأجرة، فإن كان مما لا يقابل بأجرة، فليس له أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة، ويحرم عليه قبولها ولا يملكها، وتقدم للشارح في باب الاجارة أنه نقل عن شيخه ابن زياد حرمة أخذ القاضي الاجرة على مجرد تلقين الايجاب.
إذ لا كلفة في ذلك.
(قوله: وقال آخرون يحرم) أي قوله ما ذكر، وإذا حرم ذلك حرم قبولها ولا يملكها لو أعطيت له.
(قوله: وهو) أي القول بالحرمة الاحوط.
(قوله: لكن الاول) هو القول بالجواز أقرب: أي إلى المنقول.(4/265)
تنبيه: قال في المغني: قبول الرشوة حرام، وهو ما يبذل له ليحكم بغير الحق، أو ليمتنع من الحكم بالحق، وذلك لخبر: لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم رواه ابن حبان وغيره وصححوه.
لان الحكم الذي يأخذ عليه المال إن
كان بغير حق، فأخذ المال في مقابلته حرام.
أو بحق فلا يجوز توقيفه على المال إن كان له رزق في بيت المال، وروي: أن القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر واختلف في تأويله فقيل: إذا أخذها مستحلا، وقيل أراد أن ذلك طريق وسبب موصل إليه، كما قال بعض السلف، المعاصي بريد الكفر.
اه.
(قوله: ونقض القاضي لخ) شروع فيما ينقض حكم الحاكم، وقد ترجم له في الروض بفصل مستقل، وعبارته مع شرحه: فصل: فيما ينقض من قضائه أي القاضي.
ولنقدم عليه قواعد فنقول: المعتمد فيما يقضي به القاضي، ويفتي به المفتي الكتاب والسنة والاجماع، وقد يقتصر على الكتاب والسنة، ويقال الاجماع يصدر عن أحدهما، والقياس يرد إلى أحدهما، وليس قول الصحابي إن لم ينتشر في الصحابة حجة، لانه غير معصوم عن الخطأ، فأشبه التابعي، ولان غيره يساويه في أدلة الاجتهاد فلا يكون قوله حجة على غيره، لكن يرجح به أحد القياسين على الآخر.
وإذا تقرر أنه ليس بحجة فاختلاف الصحابة في شئ كاختلاف سائر المجتهدين، فلا يكون قول واحد منهم حجة.
نعم: إن لم يكن للقياس فيه مجال فهو حجة، كما نص عليه الشافعي في اختلاف الحديث فقال: روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى في ليلة ست ركعات، في كل ركعة ست سجدات، وقال: لو ثبت ذلك عن علي لقلت به، فإنه لا مجال للقياس فيه.
فالظاهر أنه فعله توقيفا اه.
فإن انتشر قول الصحابي في الصحابة ووافقوه، فإجماع خفي في حقه، فلا يجوز له كغيره مخالفة الاجماع، فإن خالفوه فليس بإجماع ولا حجة، فإن سكتوا بأن لم يصرحوا بموافقته ولا بمخالفته، أو لم ينقل سكوت ولا قول، فحجة سواء كان القول مجرد فتوى أم حكما من إمام أو قاض، لانهم لو خالفوه لاعترضوا عليه، هذا إن انقرضوا، وإلا فلا يكون حجة لاحتمال أن يخالفوه لامر يبدو لهم.
والقياس جلي وهو ما قطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الاصل والفرع، أو بعد تأثيره.
وغير جلي وهو ما لا يقطع فيه بذلك، والحق كائن مع أحد المجتهدين في الفروع.
قال صاحب الانوار: وفي الاصول والآخر مخطئ مأجور لقصده الصواب.
ولخبر الصحيحين: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر اه.
بحذف.
(قوله: حكما لنفسه أو غيره) أي حكما صدر من نفسه أو صدر من غيره، لكن إذا صدر من غيره ونقضه، سئل عن مستنده.
وقولهم لا يسأل القاضي عن مستنده، محله إذا لم يكن حكمه نقضا، ومحله أيضا كما مر إذا لم يكن فاسقا أو جاهلا.
(قوله: إن كان الخ) قيد في النقض: أي محل كون الحكم ينقض إن بان مخالفا للنص.
(وقوله: كتاب أو سنة) بدل من قوله نص أو عطف بيان له، وهذا إن كان القاضي مجتهدا.
(قوله: أو نص مقلده).
أي أو كان بخلاف نص مقلده - بفتح اللام - وهذا إن كان مقلدا، لما تقدم أن نص المقلد بالنسبة
للمقلد كنص الشارع بالنسبة للمجتهد المطلق.
(قوله: أو قياس جلي) عطف على نص: أي أو كان بخلاف قياس جلي، والمرد به غير الخفي فيشمل المساوي.
وخرج به ما إذا كان بخلاف قياس خفي، فلا ينقض الحكم به.
وعبارة الروض وشرحه.
فإن بان له الخطأ بقياس خفي رجحه: أي رآه أرجح مما حكم به، إعتمده مستقبلا: أي فيما يستقبل من أخوات الحادثة، ولا ينقض به حكما، لان الظنون المتقاربة لا استقرار لها، فلو نقض ببعض لما استمر حكم ولشق الامر على الناس، وعن عمر رضي الله عنه أنه شرك الشقيق في المشركة بعد حكمه بحرمانه، ولم ينقض الاول وقال: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي.
اه.
(قوله: وهو) أي القياس الجلي.
(قوله: ما قطع فيه بإلحاق الفرع) أي المقيس للاصل: أي المقيس عليه، وذلك كإلحاق الضرب بالتفيف في قوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) * وكإلحاق ما فوق الذرة بها في قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * كما تقدم أول الباب.
(قوله: أو إجماع) عطف على نص،
__________
(1) سورة الاسراء، الاية: 23.
(2) سورة الزلزلة، الاية: 7.(4/266)
أي أو كان ذلك الحكم بخلاف الاجماع.
(قوله: ومنه) أي ومن خلاف الاجماع ما خالف شرط الواقف، فمن حكم بخلافه نقض.
(قوله: وما خالف الخ) أي والحكم الذي خالف المذاهب الاربعة فهو كالمخالف للاجماع: أي فينقض.
(قوله: أو بمرجوح) عطف على قوله بخلاف نص: أي أو كان ذلك الحكم بقول مرجوح من مذهب إمامه.
(قوله: فيظهر الخ) مرتبط بقوله ونقض، وهو كالتفسير له: أي فالمراد من نقضه إظهار بطلانه، لانه باطل من أصله.
وليس المراد به بطلان نفسه، لايهامه أنه كان صحيحا ثم بطل.
(وقوله: ما ذكر) أي من النص والقياس والاجماع.
(قوله: وإن لم يرفع إليه) غاية في إظهار البطلان والفعل مبني للمجهول، ونائب فاعله يعود على الامر المخالف لما ذكر، وضمير إليه يعود على القاضي: أي يظهر القاضي البطلان مطلقا سواء رفع الخصمان الامر المخالف لما ذكر إليه أم لا.
قال في المغني: وعلى القاضي إعلام الخصمين بصورة الحال.
قال الماوردي: ويجب على القاضي أن يسجل بالنقض كما يسجل بالحكم، ليكون التسجيل الثاني مبطلا للاول، كما صار الثاني ناقضا للحكم الاول، فإن لم يكن قد سجل بالحكم لم يلزمه الاسجال بالنقض، وإن كان الاسجال به أولى.
اه.
(قوله: بنحو نقضته) متعلق بيظهر: أي يظهر البطلان بصيغة تدل عليه كنقضته وأبطلته وفسخته.
قال في التحفة: إجماعا في مخالف الاجماع وقياسا في غيره.
(قوله: تنبيه) أي في بيان عدم جواز الحكم بخلاف الراجح.
(قوله: بالاجماع) مفعول نقل.
(قوله: على أنه)
ضميره للحال والشأن.
والجار والمجرور متعلق بالاجماع.
(وقوله: بخلاف الراجح) متعلق بالحكم.
(وقوله: في المذهب) متعلق بالراجح: أي لا يجوز للقاضي أن يحكم بخلاف الراجح في مذهبه، وهو المرجوح.
(قوله: وصرح السبكي بذلك) أي بعدم الجواز.
(قوله: وأطال) أي السبكي الكلام على ذلك.
(قوله: وجعل ذلك) أي الحكم بخلاف الراجح في المذهب.
(وقوله: من الحكم) بخلاف ما أنزل الله تعالى.
قال في التحفة: وبه يعلم أن مراد الاولين بعدم الجواز عدم الاعتداد به فيجب نقضه، وقال فيها أيضا: قال ابن الصلاح وتبعوه، وينفذ حكم من له أهلية الترجيح إذا رجح قولا ولو مرجوحا في مذهبه بدليل جيد، وليس له أن يحكم بشاذ أو غريب في مذهبه، إلا إن ترجح عنده، ولم يشرط عليه إلتزام مذهب باللفظ أو العرف، كقوله على قاعدة من تقدمه.
اه.
(قوله: لان الله تعالى الخ) تعليل لجعل الحكم بخلاف الراجح من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى.
(قوله: أنه) أي والد الجلال.
(وقوله: نقض) أي حكمه.
(قوله: وقضيته) أي الافتاء بنقض الحكم.
(قوله: والحالة هذه) أي حالة كون الحكم كائنا بغير الصحيح من مذهبه.
(وقوله: أنه) أي الحال والشأن.
(وقوله: لا فرق) أي في نقض الحكم بغير الصحيح.
(وقوله: بين أن يعضده) أي يقويه، وضميره يعود على غير الصحيح، والمقابل محذوف: أي أولا.
(قوله: تنبيه ثان) أي في بيان المعتمد في المذهب.
(قوله: ما اتفق عليه الشيخان) أي النووي والرافعي، ومحله(4/267)
ما لم يتفق المتأخرون على أن ما اتفقا عليه سهو أو غلط.
(قوله: فما جزم به النووي) يعني إذا اختلف كلام النووي والرافعي، فالمعتمد ما جزم به النووي.
واعلم أنه إذا اختلفت كتب النووي، فالمتبحر لا يتقيد بشئ منها في الاعتماد عليه، وأما غيره فيعتمد منها المتأخر الذي يكون تتبعه فيه لكلام الاصحاب أكثر، فالمجموع فالتحقيق فالتنقيح فالروضة فالمنهاج، وما اتفق عليه الاكثر من كتبه مقدم على ما اتفق عليه الاقل منها، وما ذكر في بابه مقدم على ما ذكر في غيره غالبا فيهما.
قاله ابن حجر وتبعه ابن علان وغيره.
(قوله: فالرافعي) أي فما جزم به الرافعي إن لم يجزم النووي بشئ.
(قوله: فما رجحه الخ) أي فإن اختلفا ولم يجزما بشئ، فالمعتمد من كلامهما ما رجحه أكثر الفقهاء، ثم ما رجحه أعلمهم، ثم ما رجحه أورعهم.
(قوله: قال شيخنا هذا) أي ما ذكر من كون المعتمد فيما ذكر ما اتفق عليه الشيخان الخ.
(وقوله:
ما أطبق) أي أجمع واتفق.
(قوله: والذي أوصى الخ) أي وهذا هو الذي أوصى به الخ.
فاسم الموصول معطوف على ما قبله.
واعلم أنه إذا اختلف كلام المتأخرين عن الشيخين - كشيخ الاسلام وتلامذته - فقد ذهب علماء مصر إلى اعتماد ما قاله الشيخ محمد الرملي، خصوصا في نهايته، لانها قرئت على المؤلف إلى آخرها في أربعمائة من العلماء فنقدوها وصححوها.
وذهب علماء حضرموت وأكثر اليمن والحجاز إلى أن المعتمد ما قاله الشيخ أحمد بن حجر في كتبه، بل في تحفته لما فيها من الاحاطة بنصوص الامام مع مزيد تتبع المؤلف فيها، ولقراءة المحققين لها عليه الذين لا يحصون، ثم إذا لم يتعرضا بشئ فيفتي بكلام شيخ الاسلام، ثم بكلام الخطيب، ثم بكلام الزيادي، ثم بكلام ابن قاسم، ثم بكلام عميرة، ثم بكلام ع ش، ثم بكلام الحلبي، ثم بكلام الشوبري، ثم بكلام العناني، ما لم يخالفوا أصول المذهب.
كقولهم لو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها يصح الوقوف عليها، وقد تقدم في خطبة الكتاب ما هو أبسط مما هنا، فارجع إليه إن شئت.
(قوله: وقال السمهودي الخ) تأييد لما قبله.
(قوله: ولا يقضي القاضي) أي أو نائبه.
(قوله: أي لا يجوز الخ) تفسير للمراد من نفي القضاء بخلاف العلم.
(قوله: بخلاف علمه) أي بالشئ المخالف لعلمه.
قال بعضهم: الصواب التعبير بما يعلم خلافه، فإن من يقضي بشهادة من لا يعلم صدقهما ولا كذبهما قاض بخلاف علمه وهو نافذ إتفاقا.
اه.
ورده في التحفة بقوله: وهو عجيب فإنه فرضه فيمن لا يعلم صدقا ولا كذبا فكيف يصح أن يقال إن هذا قضى بخلاف علمه حتى يرد على المتن ؟ فالصواب صحة عبارته.
اه.
قال في المغني: وقوله ولا يقضي بخلاف علمه يندرج فيه حكمه بخلاف عقيدته.
قال البلقيني: وهذا يمكن أن يدعى فيه إتفاق العلماء، لان الحكم إنما يبرم من حاكم بما يعتقده.
اه.
(قوله: وإن قامت به) أي بخلاف علمه بينة، وفي هذه الحالة لا يقضي بعلمه، كما لا يقضي بالبينة، للتعارض بينهما، فيعرض عن القضية بالكلية.
(قوله: كما إذا شهدت) أي البينة.
(وقوله: برق الخ) الالفاظ الثلاثة تقرأ من غير تنوين لاضافتها إلى لفظ من الواقعة إسما موصولا.
(وقوله: يعلم) أي القاضي.
(وقوله: حريته) راجع لما إذا شهدت البينة برقه.
(وقوله: أو بينونتها) أي أو يعلم بينونتها، وهو راجع لما إذا شهدت بالنكاح، أي ببقائه ولم تبن منه.(4/268)
(وقوله: أو عدم ملكه) أي أو يعلم عدم ملكه لهذا العبد مثلا، وهو راجع لما إذا شهدت بملكه له، فالكلام على التوزيع مع اللف والنشر المرتب.
(قوله: لانه قاطع) أي جازم وهو علة لعدم جواز قضائه، بخلاف علمه فيما إذا قامت به بينة.
(وقوله: به) أي بما شهدت به البينة.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ كان مخالفا لعلمه.
(وقوله: والحكم بالباطل محرم) من تتمة العلة.
(قوله: ويقضي أي القاضي الخ) أي يجوز له ذلك.
(وقوله: ولو قاضي ضرورة) هكذا في التحفة وقيده في النهاية بما إذا كان مجتهدا.
(قوله: بعلمه) متعلق بيقضي.
قال في شرح الروض: لانه يقضي بالبينة، وهي إنما تفيده ظنا، فبالعلم أولى، لكنه مكروه كما أشار إليه الشافعي في الام، فلو رام البينة نفيا للريبة كان أحسن.
قاله الغزالي في خلاصته.
اه.
(قوله: إن شاء) أي القضاء بعلمه.
(قوله: أي بظنه المؤكد) تفسير للعلم، والاوجه كما في سم تفسيره بما يشمل العلم والظن.
إذ قد يحصل له حقيقة العلم أو الظن لا تفسيره بخصوص الظن لخروج العلم به.
(قوله: الذي الخ) صفة لظنه.
(وقوله: يجوز) - بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة -.
(وقوله: له) أي للقاضي.
(وقوله: له الشهادة) مفعول يجوز.
(قوله: مستندا) أي معتمدا، وهو حال من ضمير له.
(وقوله: إليه) أي إلى ظنه المؤكد.
(قوله: وإن استفاده) أي العلم، وهو غاية للقضاء بعلمه.
يعني أنه يقضي بعلمه مطلقا، سواء استفاده قبل الولاية أم بعدها، وسواء أيضا أكان في الواقعة بينة أم لا.
(قوله: نعم لا يقضي به) أي بعلمه، إستدراك من جواز قضاء القاضي بعلمه: أي يجوز له ذلك إلا في الحدود والتعازير.
(قوله: لندب الستر) أي مع سقوطها بالشبهة.
(وقوله: في أسبابها) أي الحدود والتعزير، وتلك الاسباب هي الزنا وشرب الخمر والسرقة.
قال في التحفة: نعم من ظهر منه في مجلس حكمه ما يوجب تعزيرا عزره، وإن كان قضاء بالعلم.
قال جمع متأخرون: وقد يحكم بعلمه في حد الله تعالى، كما إذا علم من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة.
فيقضي عليه بموجب ذلك.
قال البلقيني: وكما إذا اعترف في مجلس الحكم بموجب حد ولم يرجع عنه، فيقضي فيه بعلمه، وإن كان إقراره سرا لخبر: فإن اعترفت فارجمها ولم يقيد بحضرة الناس، وكما إذا ظهر منه في مجلس الحكم على رؤوس الاشهاد، نحو ردة وشرب خمر.
اه.
(قوله: أما حدود الآدميين) أي الحدود المتعلقة بحقوق الآدميين.
(قوله: فيقضي فيها) أي في حدود الآدميين.
(وقوله: به) أي بعلمه.
(قوله: سواء المال الخ) لا يصلح أن يكون تعميما للحدود.
إذ هي عقوبات مقدرة كما مر، والمال ليس منها، ولو قال فيما تقدم أما حقوق الآدميين فيقضي الخ لكان أولى.
إذ هي شاملة للمال وللحدود (قوله: وإذا حكم) أي القاضي.
(قوله: لا بد أن يصرح بمستنده) أي بما استند إليه، وهو هنا علمه.
(قوله: فيقول الخ) تمثيل للحكم بالعلم مع التصريح بمستنده.
(قوله: فإن ترك أحد هذين اللفظين) أي التركيبين وهما قوله علمت الخ.
وقوله وقضيت أو حكمت الخ.
(وقوله: لم ينفذ حكمه) جواب إن.
(قوله: ولا يقضي لنفسه) أي لا يجوز له أن يقضي لنفسه من غيره للتهمة، فلو قضى
لم ينفذ، كما لا ينفذ سماعه شهادة لنفسه، وإنما جاز له تعزير من أساء أدبه عليه في حكمه، كحكمت علي بالجور، لئلا يستخف ويستهان فلا يسمع حكمه.
وخرج بقوله لنفسه القضاء عليها فيجوز، وهل هو إقرار أو حكم ؟ وجهان المعتمد عند ابن حجر الثاني، وعند م ر الاول.
قال الخطيب في مغنيه: واستثنى البلقيني صورا تتضمن حكمه فيها لنفسه وتنفذ.
الاولى: أن يحكم لمحجوره بالوصية، وإن تضمن حكمه إستيلاءه على المال المحكوم به وتصرفه فيه.
الثانية: الاوقاف التي شرط النظر فيها للحاكم، أو صار فيها النظر إليه بطريق العموم، لانقراض ناظرها الخاص له الحكم بصحتها، وإن تضمن الحكم إستيلاءه عليه وتصرفه فيه.
الثالثة: للامام الحكم بانتقال ملك إلى بيت المال، وإن كان فيه استيلاؤه عليه(4/269)
بجهة الامامة، وللقاضي الحكم به أيضا، وإن كان يصرف إليه في جامكية ونحوها.
اه.
بتصرف، ومثله في التحفة والنهاية.
(قوله: ولا لبعض) أي ولا يقضي لبعض من أصله أو فرعه للتهمة أيضا.
(قوله: ولا لشريكه في المشترك) أي ولا يقضي لشريكه في المال المشترك للتهمة أيضا.
قال البلقيني: ويستثنى من ذلك ما إذا حكم بشاهد وبيمين الشريك، فإنه يجوز لان المنصوص أنه لا يشاركه في هذه الصورة قال: ولم أر من تعرض لذلك.
ولا يقضي أيضا لرقيقه للتهمة ولو مكاتبا، واستثنى البلقيني منه أيضا الحكم بجناية عليه قبل رقه، بأن جنى ملتزم على ذمي، ثم حارب وأرق فإنه يجوز، قال: ويوقف ما ثبت له حينئذ إلى عتقه، فإن مات قنا صار فيئا.
وفي المغني ما نصه: قد يوهم إقتصار المصنف على منع الحكم لمن ذكر جوازه على العدو، وهو وجه إختاره الماوردي.
والمشهور في المذهب أنه لا يجوز حكمه عليه ويجوز أن يحكم له.
اه.
(قوله: ويقضي لكل منهم) أي من القاضي نفسه والبعض والشريك.
(وقوله: غيره) أي غير القاضي الذي أراد الحكم لنفسه أو لهؤلاء.
(وقوله: من إمام الخ) بيان لذلك الغير.
(قوله: قاض آخر) أي غير هذا القاضي الذي أراد القضاء لنفسه أو لهؤلاء.
(قوله: ولو نائبا عنه) أي ولو كان القاضي الآخر نائبا عن القاضي المذكور.
(قوله: دفعا للتهمة) علة لكونه يقضي له من ذكر.
(قوله: ولو رأى قاض الخ) أي أو شهد شاهدان أنك حكمت أو شهدت بما في هذه الورقة.
(قوله: وكذا شاهد) أي وكذلك مثل القاضي الشاهد: أي رأى ورقة فيها شهادته.
(قوله: ورقة) مفعول رأى.
(وقوله: فيها حكمه) أي في تلك الورقة مكتوب فيها حكمه، وهذا بالنسبة للقاضي.
(وقوله: أو شهادته) أي أو فيها شهادته، وهذا بالنسبة للشاهد.
(قوله: لم يعمل) أي من ذكر من الحاكم أو الشاهد.
(وقوله: به) أي بمضمون ما في الورقة من الحكم أو الشهادة.
وفي البجيرمي: وأشعر كلامه بجواز العمل به لغيره وهو كذلك، فلو شهدا عند غيره بأن
فلانا حكم بكذا، لزمه تنفيذه، إلا إن قامت بينة بأن الاول أنكر حكمه، وكذبهما زي وكلامه قاصر على ما إذا شهد بالحكم.
اه.
(قوله: في إمضاء الخ) فيه أن هذا هو معنى العمل به المنفي، فلو قال بأن يمضيه ويكون تصويرا للعمل لكان أولى وأخصر.
وفي التحفة والنهاية إسقاطه وهو أولى.
(قوله: حتى يتذكر ما حكم أو شهد به) أي تفصيلا، كما في التحفة، ونصها: حتى يتذكر الواقعة بتفصيلها.
اه.
وبدليل قوله بعد، ولا يكفي الخ.
(قوله: لامكان التزوير) هذا يناسب جعله علة لما زدته، وهو عدم العمل بشهادة شاهدين عليه بما ذكر.
(وقوله: ومشابهة الخط) أي ولامكان مشابهة الخط، وهذا يناسب جعله علة لما ذكره، وهو عدم العمل بالورقة المكتوب فيها الحكم أو الشهادة.
وقولي أو لا يناسب الخ، يعلم منه أنه يصح جعله علة أيضا لما ذكره، ويكون المراد بالتزوير، التزوير في الخط.
فتنبه.
(قوله: ولا يكفي تذكره) أي القاضي أو الشاهد.
(وقوله: أن هذا) أي المكتوب خطه.
(وقوله: فقط) أي من غير أن يتذكر الواقعة تفصيلا، وهذا مقابل لما زدته أولا بقولي: أي تفصيلا.
(قوله: وفيهما وجه) انظر ما مرجع الضمير ؟ فإن كان الحكم والشهادة بمضمون ما في الورقة فغير مناسب لما بعده، لانه ينحل المعنى، وفي الحكم والشهادة وجه إن كان الحكم والشهادة الخ، وفي ذلك ركاكة لا تخفى، وإن كان الورقة المكتوب فيها الحكم، والورقة المكتوب فيها الشهادة فلا معنى له أصلا، ثم ظهر الاول، وأنه ارتكب الاظهار في مقام الاضمار في قوله بعد أن كان الحكم والشهادة، فكان عليه أن يقول إن كانا بألف التثنية.
تأمل.
(قوله: مصونة عندهما) أي محفوظة عند القاضي وعند الشاهد.
(قوله: ووثق بأنه) أي ووثق كل من القاضي والشاهدين بأن ما في الورقة خطه.
(قوله: ولم يداخله فيه) أي في كونه خطه.
(قوله: ريبة) أي شك.
(قوله: أنه يعمل) بدل من قوله وجه، أو عطف بيان له.
قال في التحفة والنهاية: والاصح عدم الفرق لاحتمال الريبة.
اه.
(وقوله: به) أي بمضمون ما في الورقة.
(قوله: وله الخ) الجار والمجرور خبر مقدم.
(وقوله: حلف) مبتدأ مؤخر،(4/270)
وهو مستأنف.
(قوله: حلف) يشمل اليمين المردودة واليمين التي معها شاهد.
اه.
بجيرمي.
(قوله: على استحقاق) لو قال كما في المنهج على ما له به تعلق كاستحقاق الخ، لكان أولى.
(قوله: أو أدائه لغيره) عطف على استحقاق: أي ولو حلف على أداء الحق الذي عليه لغيره.
(قوله: اعتمادا الخ) هو منصوب على الحال على تأويله باسم الفاعل: أي له أن يحلف على ذلك حال كونه معتمدا على ما ذكر.
قال في التحفة: ودليل حل الحلف بالظن حلف عمر رضي الله عنه بين يدي النبي (ص) أن ابن صياد هو الدجال، ولم ينكر عليه مع أنه غيره عند الاكثرين، وإنما قال إن يكنه فلن تسلط عليه.
اه.
(وقوله: على إخبار عدل) متعلق بإعتمادا: أي إخباره باستحقاق الحق أو أدائه.
(قوله: وعلى خط نفسه) معطوف على إخبار عدل.
(وقوله: على المعتمد) مرتبط بالمعطوف.
أي وله الحلف اعتمادا على خط نفسه على المعتمد، وفارق القضاء والشهادة السابقين، حيث لا يجوز فيهما الاعتماد على الخط بأن اليمين تتعلق به، والحكم والشهادة يتعلقان بغيره.
(قوله: وعلى خط مأذونه) أي واعتمادا على خط مأذونه: أي رقيقه المأذون له في التجارة مثلا، فإذا وجد سيده ورقة مكتوبا فيها بخطه إن لك عند فلان دينا كذا ثمن كذا، أو إني أديت عنك ما عليك من الدين، جاز له أن يحلف اعتمادا على خطه.
(وقوله: ووكيله) معطوف على مأذونه، أي واعتمادا على خط وكيله: أي في بيع ماله، ولو في الذمة، أو قضاء الديون التي عليه، فإذا وجد موكله ورقة مكتوبا فيها بخطه إن لك عند فلان ثمن كذا، أو أني أديت الدين عنك، جاز له أن يحلف اعتمادا على ذلك الخط.
(قوله: وشريكه) معطوف على مأذونه أيضا: أي واعتمادا على خط شريكه: أي المأذون له في بيع المال المشترك، ولو في الذمة، وأداء الديون، فإذا وجد شريكه ورقة مكتوبا فيها إن لك عند فلان ثمن كذا، أو أني أديت الدين عنك، جاز له أن يحلف اعتمادا على ذلك الخط.
(قوله: ومورثه) معطوف أيضا على مأذونه، أي واعتمادا على خط مورثه، فإذا وجد الوارث ورقة مكتوبا فيها بخط مورثه، أن لي عند فلان كذا، أو أني أديت الدين الذي كان علي، جاز له أن يحلف اعتمادا على الخط المذكور.
(قوله: إن وثق) أي الشخص.
(وقوله: بأمانته) أي من ذكر من مأذونه، وما بعده باعتبار الشرح، أو مورثه فقط باعتبار المتن.
(قوله: بأن علم) أي الحالف وهو تصوير للوثوق بأمانته.
(وقوله: أنه) أي من ذكر من مأذونه وما بعده، أو المورث فقط على نسق ما قبله.
(وقوله: لا يتساهل في شئ من حقوق الناس) ضابط ذلك أنه لو وجد في التذكرة لفلان على كذا سمحت نفسه بدفعه، ولم يحلف على نفيه.
(قوله: إعتضادا بالقرينة) علة للحلف، أي له أن يحلف إعتضادا، أي اعتمادا على القرينة، وهي خط مأذونه وما بعده، وفيه أن هذه العلة هي عين قوله اعتمادا على خط الخ.
تتمة: له رواية الحديث اعتمادا على خط كتبه هو أو غيره، محفوظ عنده أو عند غيره، متضمن ذلك الخط أنه قرأ البخاري مثلا على الشيخ الفلاني أو أنه سمعه منه أو أنه أجازه عليه، وإن لم يتذكر قراءة ولا سماعا ولا إجازة، لان باب الرواية أوسع، وعلى ذلك عمل السلف والخلف، ولو رأى خط شيخه بالاذن له في الرواية وعرفه، جاز له الاعتماد عليه أيضا.
(قوله: تنبيه) أي في بيان ما إذا خالف الظاهر الباطن: أي حقيقة الامر.
(قوله: والقضاء) أي الحكم الذي يستفيده
القاضي بالولاية فيما باطن الامر فيه، بخلاف ظاهره.
(وقوله: الحاصل على أصل كاذب) أي المرتب على أصل كاذب، مثل شهادة الزور.
(قوله: ينفذ طاهرا) أي بحسب ظاهر الشرع.
(وقوله: لا باطنا) أي لا ينفذ في الباطن: أي فيما بينه وبين الله، لقوله (ص): إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار.
وقوله ألحن: قال ع ش: أي أقدر(4/271)
.
وقال الرشيدي: أي أبلغ وأعلم، والاول أنسب.
(قوله: فلا يحل) أي ذلك الحكم حراما، كأن أثبت بشاهدي زور نكاحه بامرأة.
(وقوله: ولا عكسه) أي ولا يحرم حلالا، كأن ادعى عليه بأنه طلق زوجته بذلك، فلا تحرم عليه باطنا، ويحل له وطؤها إن أمكن، لكنه يكره للتهمة، ويبقى التوارث بينهما لا النفقة للحيلولة، ولو نكحها آخر فوطئها جاهلا بالحال فشبهة، وتحرم على الاول حتى تنقضي العدة، أو عالما أو نكحها أحد الشاهدين فكذا في الاشبه عند الشيخين.
اه.
(قوله: فلو حكم الخ) تفريع على الاول: أعني فلا يحل حراما.
(قوله: بظاهر العدالة) بدل من بشاهدي زور.
ولو قال كما في شرح الرملي ظاهرهما العدالة لكان أولى.
(قوله: لم يحصل الخ) جواب لو.
(قوله: سواء المال والنكاح) تعميم في عدم حصول الحل باطنا فيما حكم به بشاهدي زور.
(قوله: أما المرتب) أي أما القضاء المرتب، وهو مقابل قوله والقضاء الحاصل الخ.
(وقوله: على أصل صادق) وهو ما لم يكن بشهادة الزور.
(قوله: فينفذ القضاء فيه) أي في المرتب على أصل صادق.
(وقوله: باطنا أيضا) أي كما ينفذ ظاهرا.
(وقوله: قطعا) هذا إن كان في محل إتفاق المجتهدين، مثل وجوب صوم رمضان بشاهدين، وإلا بأن كان في محل اختلافهم فينفذ على الاصح، مثل وجوب صومه بواحد، ومثل شفعة الجوار.
(قوله: وجاء في الخبر) أي ورد فيه، وساقه دليلا على قوله ينفذ ظاهرا لا باطنا.
(وقوله: أمرت أن أحكم الخ) أي أمرني الله أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
قال في التحفة جزم الحافظ العراقي بأن هذا الخبر لا أصل له، وكذا أنكره المزي وغيره، ولعله من حيث نسبة هذا اللفظ بخصوصه إليه (ص)، أما معناه فهو صحيح منسوب إليه (ص) أخذا من قول المصنف في شرح مسلم في خبر: إني أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم.
معناه أني أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر كما قال (ص).
اه.
(قوله: ويلزم المرأة الخ) أي يجب عليها ما ذكر، فلو سلمت نفسها مع القدرة على ما ذكر أثمت به.
(قوله: الهرب) أي من المدعي عليها بما ذكر.
(وقوله: بل والقتل) أي بل يلزمها أن تقتله ولو بسم.
ومحله إن لم يندفع بغيره.
(وقوله: إن قدرت عليه) أي على المذكور من الهرب
والقتل.
(قوله: كالصائل على البضع) أي فإنها يلزمها دفعه ولو بالقتل.
(قوله: ولا نظر لكونه) أي الواطئ: أي يلزمها ما ذكر ولا تنظر لكونه يعتقد الاباحة.
(قوله: يعتقد الاباحة) أي إباحة الوطئ بالحكم كأن يكون حنيفا.
وعبارة المغني.
فإن قيل: فلعله ممن يرى الاباحة فكيف يسوغ دفعه وقتله ؟ أجيب: بأن المسوغ للدفع والموجب له إنتهاج الفرج المحرم بغير طريق شرعي، وإن كان الطالب لا إثم عليه، كما لو صال صبي أو مجنون على بضع امرأة، فإنه يجوز لها دفعه بل يجب.
اه.
(قوله: فإن أكرهت) أي على الوطئ، بأن لم تقدر على الهرب ولا على قتله فلا إثم عليها بوطئه إياها.
قال في التحفة: ولا يخالف هذا قولهم الاكراه لا يبيح الزنا لشبهة، سبق الحكم على أن بعضهم قيد عدم الاثم بما إذا ربطت، حتى لم يبق لها حركة، لكن فيه نظر: إذ لو كان هذا مرادا لم يفرقوا بين ما هنا والاكراه على الزنا، لان محل حرمته حيث لم تربط كذلك.
اه.
(قوله: والقضاء على غائب) شروع في بيان جواز القضاء لحاضر على غائب.
والاصل فيه قوله (ص) لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو قضاء منه على زوجها وهو غائب، ولو كان فتوى لقال لها لك أن تأخذي، أو لا بأس عليك، أو نحوه ولم يقل خذي.
وقول عمر رضي الله عنه في خطبته: من كان له على الاسيفع - بالفاء المكسورة - دين فليأتنا غدا، فإنا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه - وكان غائبا.
(قوله: عن البلد) أي فوق مسافة العدوى.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وإن كان) أي ذلك الغائب المدعى عليه.
(وقوله: في غير عمله) أي في غير محل ولاية القاضي.(4/272)
(قوله: أو عن المجلس) أي أو غائب عن مجلس الحكم.
(وقوله: بتوار) متعلق بغائب المقدر: أي أو غائب عن المجلس بتوار: أي اختفاء خوفا.
(وقوله: أو تعزز) أي امتناع من الحضور لا خوفا بل تغلبا.
(قوله: جائز) أي لما تقدم، ولاتفاقهم على سماع البينة عليه، فالحكم مثلها، ولان الغيبة ليست بأعظم من الصغر، والموت في العجز عن الدفع عن الغائب، فإذا جاز الحكم على الصغير والميت، فليجز على الغائب أيضا.
(قوله: في غير عقوبة الله تعالى) أي في كل شئ سوى عقوبة الله تعالى، أما هي فلا يقضى عليه بها لبنائها على المساهلة.
(قوله: إن كان لمدع حجة) قيد في جواز القضاء على الغائب: أي يجوز القضاء عليه بشرط أن يكون لمدع حجة: أي وقد علمها الحاكم وقت الدعوى، على ما دل عليه كلامهم، وإن اعترضه البلقيني، وجوز سماعها إذا حدث بعدها علم البينة أو تحملها، كذا في التحفة.
والمراد بالحجة هنا ما يشمل الشاهد واليمين فيما يقضي فيه بهما، وعلم الحاكم، وظاهر كلامه أنه إذا لم تكن حجة
سمعت دعواه، ولكن لا يحكم القاضي بها على غائب، وليس كذلك فلا تسمع له دعوى أصلا حينئذ، فكان الاولى للشارح أن يدخل على المتن بقوله: وإنما تسمع دعواه، ويقضي بها على الغائب إن كان لمدع حجة.
(قوله: ولم يقل هو الخ) سيأتي محترزه.
(قوله: بل ادعى) أي طالب الحق على المدعى عليه الغائب.
(وقوله: جحوده) أي للحق المدعى به.
وفي المغني ما نصه: تنبيه: يقوم مقام الجحود ما في معناه، كما لو اشترى عينا.
وخرجت مستحقة فادعى الثمن على البائع الغائب، فلا خلاف أنها تسمع وإن لم يذكر الجحود، وإقدامه على البيع كاف في الدلالة على جحوده.
قاله الامام والغزالي.
اه.
(قوله: وأنه يلزمه الخ) أي وادعى أن الغائب على المدعى عليه يلزمه تسليمه المدعى به الآن، وأنه مطالبه به، فلو لم يذكر في الدعوى ما ذكر، بأن قال لي عليه كذا فقط، فلا تسمع دعواه، إذ من شروطها أن يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال.
ويشترط أيضا لها بيان المدعى به وقدره ونوعه ووصفه كما سيأتي.
(قوله: فإن قال) أي المدعي هو: أي الغالب مقر، وهذا محترز قوله ولم يقل هو مقر.
(قوله: وأنا أقيم الحجة الخ) أي فيكون قد ثبت الحق عليه بالحجة.
قال في التحفة: ولا أثر لقوله مخافة أن ينكر خلافا للبلقيني: أي حيث قال إن مخافة إنكاره مبتوعة لسماع الدعوى.
(وقوله: استظهارا) أي طلبا لظهور الحق.
(قوله: أو ليكتب) معطوف على استظهارا، أي أن إقامة الحجة إما لاجل استظهار الحق، أو لاجل أن يكتب الخ.
ويصح عطفه على مخافة: أي لاجل المخافة، أو لاجل أن يكتب الخ.
(وقوله: بها) أي بالحجة: أي بثبوت الحق بها.
(قوله: لم تسمع حجته) جواب إن، قال في التحفة إلا أن يقول وهو ممتنع فإنها تسمع.
وقال في النهاية: لا تسمع ولو قال قال.
اه.
(قوله: لتصريحه) أي المدعى.
(وقوله: بالمنافي لسماعها) أي وهو الاقرار، وذلك لانها لا تقام على مقر.
(قوله: إذ لا فائدة فيها) أي الحجة، وهو علة المنافاة.
(قوله: نعم الخ) استدراك على عدم سماع الدعوى من المقر.
(قوله: لا ليكتب القاضي به) أي بثبوت الدين بالبينة.
(قوله: بل ليوفيه منه) أي أقام البينة ليوفي القاضي دينه من ماله الحاضر.
(قوله: فتسمع) أي البينة وهو جواب لو.
(قوله: وإن قال هو مقر) الاولى حذفه إذ الاستدراك مرتب على قوله هو مقر.
(قوله: وتسمع أيضا) أي كما تسمع إذا ادعى جحوده.
(وقوله: إن أطلق) أي لم يدع جحودا ولا إقرارا، وإنما سمعت في هذه الحالة لانه قد لا يعلم جحوده في غيبته، ويحتاج إلى إثبات الحق، فيجعل غيبته كسكوته.
(قوله: ووجب إن كانت الخ) أي ولم يكن للغائب وكيل حاضر.
(وقوله: بدين) أي له على(4/273)
الغائب.
(وقوله: أو عين) أي أودعها عنده، أو أعاره إياها، أو نحو ذلك.
(وقوله: أو بصحة عقد) معطوف على بدين، أي أو كانت الدعوى عليه بصحة عقد، كأن ادعى على الغائب أنه اشترى هذا العبد منه بشراء صحيح، وأنكر هو ذلك.
(وقوله: أو إبراء) أي أو كانت الدعوى عليه بإبراء، أي بأن الغائب أبرأ الحاضر من الدين الذي له عليه وأنكره.
(قوله: كأن أحال الخ) تمثيل للابراء، ولا يتصور بغير ما ذكر، لان الدعوى على الغائب بإسقاط حق لا تسمع، وعبارة المغني: ولا تسمع الدعوى والبينة على الغائب بإسقاط حق له، لان الدعوى بذلك والبينة لا تسمع إلا بعد المطالبة بالحق.
قال ابن الصلاح وطريقه في ذلك أن يدعي على إنسان أن رب الدين أحاله به، فيعترف المدعى عليه بالدين لربه وبالحوالة، ويدعي أنه أبرأه منه أو أقبضه، فتسمع الدعوى بذلك والبينة.
اه.
(قوله: فادعى) أي المدين الحاضر.
(وقوله: أبرأه) أي أبرأه الغائب إياه، فالاضافة من إضافة المصدر لفاعله مع حذف المفعول.
ويحتمل أن تكون من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل.
(قوله: تحليفه) فاعل وجب.
(وقوله: أي المدعي) تفسير للضمير، وأفاد به أن الاضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي تحليف الحاكم إياه، وهو غير متعين، بل يصح أن تكون من إضافة المصدر لفاعله وحذف المفعول.
(قوله: يمين الاستظهار) هي التي لم يثبت بها حق، وإنما وجبت احتياطا.
قال في التحفة: ولا يبطل الحق بتأخير هذه اليمين ولا ترتد بالرد، لانها ليست مكملة للحجة، وإنما هي شرط للحكم.
اه.
(قوله: وإن لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا) قيد به في شرح المنهج أيضا، ونقل البجيرمي عن ز ي أن المعتمد أنه يجب تحليفه، وإن كان متواريا أو متعززا.
(قوله: بعد إقامة الخ) متعلق بتحليفه: أي تحليفه بعد إقامة البينة: أي وبعد تعديلها.
(قوله: أن الحق) أي على أن الحق، وهو متعلق بكل من بينة ومن تحليفه.
(قوله: في الصورة الاولى) هي ما إذا كانت الدعوى بدين.
(وقوله: ثابت في ذمته) أي الغائب.
(وقوله: إلى الآن) أي إلى وقت الدعوى عليه.
(قوله: احتياطا الخ) علة لوجوب التحليف: أي وجب تحليفه بذلك احتياطا للغائب المحكوم عليه.
(قوله: لانه الخ) علة للعلة.
(وقوله: لربما ادعى) أي الغائب بشئ يبرئه كأداء وإبراء.
(قوله: ويشترط مع ذلك) أي مع قوله في الحلف أن الحق ثابت في ذمته.
(وقوله: أن يقول أنه الخ) أي لانه قد يكون عليه ولا يلزمه أداؤه لتأجيل أو نحوه.
(قوله: وأنه لا يعلم الخ) أي ويلزمه أيضا أن يقول أنه الخ.
قال في التحفة: بناء على الاصح أن المدعى عليه لو كان حاضرا وطلب تحليف المدعي على ذلك أجيب.
اه.
(وقوله: قادحا) أي في الشهادة مطلقا، أو بالنسبة للغائب.
(وقوله: كفسق وعداوة) تمثيل للقادح في الشهادة.
(قوله: قال شيخنا في شرح المنهاج وظاهر الخ) فيه أن هذا لا يظهر بعد تقييده فيما
سبق بقوله في الصورة الاولى، إذ يعلم منه أنه في غيرها لا يحلف بما ذكر.
(وقوله: أن هذا) أي ما في المتن فقط، وهو أن الحق ثابت في ذمته، وأما ما زاده عليه وهو أنه يلزمه الخ، فيأتي في جميع الصور.
(وقوله: في الدعوى بعين) أي ادعى أنه جعلها وديعة عنده، أو استعارها منه، أو نحو ذلك كما تقدم.
(قوله: على ما يليق بها) أي كأن يقول ادعى عليه بالثوب مثلا وهو باق تحت يده، ويلزمه تسليمه إلي، والعين باقية.
(قوله: وكذا نحو الابراء) أي وكذلك لا يأتي ما ذكر في الدعوى بنحو إبراء كعتق وطلاق وبيع، بل يحلف فيه على ما يليق به، كأن يقول في الابراء أنه أبرأني، وأنه لا يستحق في ذمتي شيئا، وكأن يقول في العتق أن سيده أعتقه، وفي الطلاق أن زوجها طلقها، وفي البيع أنه باعني إياه بيعا صحيحا.
(قوله: أما لو كان الغائب الخ) مفهوم قوله إن لم يكن الغائب الخ.
(قوله: فيقضي) أي القاضي.
(وقوله:(4/274)
عليهما) أي على المتواري والمتعزز.
(وقوله: لتقصيرهما) أي بسبب التواري والتعزز.
(قوله: قال بعضهم الخ) عبارة التحفة: أما إذا كان له وكيل حاضر، فهل يتوقف التحليف إلى طلبه ؟ وجهان، وقضية كلامهما توقفه عليه، واعتمده ابن الرفعة واستشكله في التوشيح بأنه إذا كان له وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم تجب يمين جزما، وفيه نظر، لان العبرة في الخصومات في نحو اليمين بالموكل لا الوكيل، فهو قضاء على غائب بالنسبة لليمين، ويؤيد ذلك قول البلقيني للقاضي سماع الدعوى على غائب وإن حضر وكيله، لوجود الغيبة المسوغة للحكم عليه، والقضاء إنما يقع عليه، أي في الحقيقة، أو بالنسبة لليمين.
فالحاصل أن الدعوى إن سمعت على الوكيل توجه الحكم إليه دون موكله لا بالنسبة لليمين، احتياطا لحق الموكل، وإن لم تسمع عليه توجه الحكم إلى الغائب من كل وجه في اليمين وغيرها.
اه.
(قوله: كما لو ادعى شخص على نحو صبي) أي كمجنون، والكاف للتنظير في وجوب الحلف على المدعي.
وفي المغني ما نصه: لا تنافي بين ما ذكر هنا وما ذكر في كتاب الدعوى والقسامة، من أن شرط المدعى عليه أن يكون مكلفا ملتزما للاحكام، فلا تصح الدعوى على صبي ومجنون، لان محل ذلك عند حضور وليهما، فتكون الدعوى على الولي، أما عند غيبته فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب، فلا تسمع إلا أن تكون هناك بينة ويحتاج معها إلى اليمين.
اه.
(وقوله: لا ولي له) قال في التحفة أو له ولي ولم يطلب، فلا تتوقف اليمين على طلبه.
اه.
ومثله في النهاية.
(قوله: وميت) معطوف على صبي، أي وكما لو ادعى على ميت.
(قوله: ليس له وارث خاص حاضر) أي بأن كان له وارث غير خاص، أو له وارث خاص، لكنه غير حاضر في البلد.
(قوله: فإنه) أي المدعي على نحو الصبي والميت.
(وقوله: يحلف) أي بعد
إقامة البينة بما ادعاه وتعديلها، وإلا فلا تسمع دعواه.
(قوله: لما مر) أي احتياطا للمحكوم عليه الصبي أو الميت.
(قوله: أما لو كان لنحو الصبي ولي خاص الخ) هذا خلاف ما جرى عليه شيخه من أن وجوب الحلف لا يتوقف على طلب الولي إذا وجد بالنسبة للدعوى على الصبي والمجنون، كما يعلم من عبارته المارة، ويتوقف على طلب الوارث الخاص إذا وجد بالنسبة للميت، وقال: الفرق بينه وبين الولي واضح.
وجرى أيضا على ذلك في النهاية، وكتب ع ش على قول النهاية، والفرق واحض ما نصه: وهو - أي الفرق - أن الحق في هذه يتعلق بالتركة التي هي للوارث، فتركه لطلب اليمين إسقاط لحقه، بخلاف الولي فإنه إنما يتصرف على الصبي بالمصلحة.
اه.
والمؤلف تبع شيخ الاسلام فيما ذكر كما يعلم من عبارة شرح المنهج والاسنى، ونص الثاني: فإن كان للميت وارث خاص، اعتبر في الحلف طلب الوارث، لان الحق له في التركة، ومثله ما لو كان للصبي نائب خاص.
الخ.
اه.
(قوله: اعتبر في وجوب التحليف) أي على المدعي.
(وقوله: طلبه) أي طلب من ذكر من الولي والوارث التحليف من المدعي، فالاضافة من إضافة المصدر لفاعله، وحذف مفعوله، ويحتمل أن تكون من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل.
(قوله: فإن سكت) أي من ذكر من الوارث الخاص والولي.
(وقوله: عن طلبها) أي اليمين المعلومة من السياق.
(وقوله: لجهل) أي بأنه يعتبر في وجوب اليمين طلبها.
(وقوله: عرفه الحاكم) أي بين له أن لك أن تحلفه (وقوله: ثم إن الخ) أي ثم بعد التعريف إن لم يطلب منه اليمين، حكم عليه الحاكم بدون يمين.
(قوله: لو ادعى وكيل الغائب) أي إلى مسافة يجوز القضاء فيها على الغائب، بأن كان فوق مسافة العدوى، أو في غير ولاية الحاكم وإن قربت.
أفاده في التحفة.
(وقوله: على غائب) أي إلى ما ذكر أيضا.
(قوله: أو نحو صبي) بالجر معطوف على غائب: أي أو ادعى وكيل الغائب على نحو صبي كمجنون.
(قوله: أو ميت) أي أو ادعى على ميت: أي وإن لم يرثه إلا بيت المال.
اه.
تحفة.
(قوله: فلا تحليف) أي واجب على الوكيل.
(قوله: بل يحكم) أي الحاكم.
(وقوله: بالبينة) أي التي أقامها الوكيل المدعي، ويعطى حينئذ المال المدعى به(4/275)
إن كان للمدعى عليه هناك مال.
(قوله: لان الوكيل الخ) تعليل لعدم تحليف الوكيل.
(وقوله: لا يتصور حلفه على استحقاقه) أي لا يمكن أن يحلف الوكيل على استحقاقه للحق الذي ادعى به، لانه ليس له وإنما هو للموكل.
(قوله: ولا على أن موكله يستحقه) أي ولا يتصور أن يحلف على أن موكله يستحقه: إذ يحتمل أن موكله أبرأه، ولو حلف فلا يستحق الموكل شيئا، إذ لا يثبت للشخص الحق بيمين غيره.
(قوله: ولو وقف الامر الخ) من تتمة التعليل: أي ولانه لو وقف
الامر الخ.
(وقوله: إلى حضور الموكل) أي من المحل الذي هو فيه وكان بعيدا أو قريبا، وكان في غير ولاية الحاكم، وإلا بأن كان في محل قريب وهو بولاية القاضي، فلا بد من حضوره وتحليفه يمين الاستظهار، إذ لا مشقة عليه في الحضور حينئذ، بخلاف ما لو بعد، أو كان بغير ولاية الحاكم كذا في التحفة.
ومثل حضور الموكل في عدم وقوف الامر إليه بلوغ الصبي، وإفاقة المجنون، وقيام نائب عن الميت، فلا يوقف الامر إلى ذلك.
(قوله: ولو حضر الغائب) أي المدعى عليه (وقوله: وقال) أي بعد الدعوى عليه من وكيل الغائب بدين له عليه.
(وقوله: أبرأني موكلك) مقول القول.
(وقوله: أو وفيته) أي أو قال وفيته.
(وقوله: فأخر) فعل أمر، والمخالف الوكيل (وقوله: إلى حضوره) أي الموكل.
(وقوله: ليحلف) أي لاجل أن يحلف لي بأنه ما أبرأني: أي ما وفيته.
(قوله: لم يجب) جواب لو: أي لم يجب ذلك الغائب الذي حضر إلى ما طلبه من التأخير.
(قوله: وأمر بالتسليم له) أي أمر القاضي ذلك الغائب الذي حضر بتسليم الحق للوكيل.
(قوله: ثم يثبت الابراء) أي ثم بعد تسليم الحق يمكن من إثبات الابراء، أو التوفية ويأخذ حقه.
(وقوله: بعد) مبني على الضم: أي بعد حضور الموكل.
(وقوله: إن كان الخ) قيد في الاثبات.
(وقوله: له) أي للغائب الذي قد حضر.
(وقوله: به) أي بالابراء، وكذا التوفية.
(وقوله: حجة) أي بينة.
(قوله: لانه لو وقف الخ) علة لعدم إجابته.
(قوله: نعم له) أي للغائب الذي قد حضر وادعى عليه بالدين، وهو استدراك على كونه لم يجب فيما يطلبه.
(وقوله: إذا ادعى عليه) أي الوكيل.
(وقوله: علمه) أي الوكيل وهو مفعول ادعى.
(وقوله: بنحو الابراء) متعلق بعلمه، ونحو الابراء التوفية.
(وقوله: أنه لا يعلم الخ) المصدر المؤول منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بتحليف، أي له تحليفه بعدم علمه بأن الموكل أبرأه.
(وقوله: مثلا) أي أو وفاه الدين.
(قوله: لصحة هذه الدعوى) علة لكونه له تحليف الوكيل بما ذكر، أي وإنما كان له ذلك لصحة هذه الدعوى، وهي علمه بنحو إبراء، لانه لو أقر بمضمونها بطلت وكالته.
قال في المغني.
فإن قيل: هذا يخالف ما سبق من أن الوكيل لا يحلف.
وأجيب: بأنه لا يلزم من تحليفه هنا تحليفه ثم لان تحليفه هنا إنما جاء من جهة دعوى صحيحة يقتضي اعترافه بمضمونها سقوط مطالبته، لخروجه باعترافه بها من الوكالة في الخصومة - بخلاف يمين الاستظهار - فإن حاصله أن المال ثابت في ذمة الغائب أو الميت، وثبوته في ذمة من ذكر لا يتأتى من الوكيل.
اه.
تنبيه: قال في التحفة: يكفي في دعوى الوكيل مصادقة الخصم له على الوكالة إن كان القصد إثبات الحق لا
تسلمه، لانه وإن ثبت عليه لا يلزمه الدفع إلا على وجه مبرر، ولا يبرأ إلا بعد ثبوت الوكالة.
اه.
(قوله: وإذا ثبت عند حاكم مال) أي بأن أقام المدعي الحجة عليه وحلف يمين الاستظهار كما تقدم.
(قوله:(4/276)
وحكم به) أي بثبوت المال عنده على ذلك الغائب، وهو قيد خرج به ما إذا ثبت عنده ولكنه لم يحكم به، فلا يقضيه منه.
(قوله: وله) أي للغائب أو الميت.
(وقوله: مال حاضر في عمله) أي في محل عمل القاضي وولايته.
(قوله: أو دين الخ) معطوف على له مال حاضر: أي أو كان له دين ثابت على حاضر في محل عمله.
قال في النهاية: ولا يعارضه قولهم لا تسمع الدعوى بالدين على غريم الغريم، إذ هو محمول على ما إذا كان الغريم حاضرا أو غائبا ولم يكن دينه ثابتا على غريم الغريم، فليس له الدعوى لاثباته.
اه.
ومثله في التحفة.
(قوله: قضاه) أي الدين.
(وقوله: منه) أي من المال الحاضر أو الدين.
(قوله: إذا طلبه المدعي) أي إذا طلب المدعى قضاء حقه من الحاكم.
وخرج به ما إذا لم يطلبه، فلا يقضيه الحاكم منه.
(قوله: لان الحاكم يقوم مقامه) أي الغائب، وهو تعليل لكون الحاكم يقضيه من مال الغائب الحاضر.
وعبارة المغني: لانه حق وجب عليه تعذر وفاؤه من جهة من هو عليه، فقام الحاكم مقامه، كما لو كان حاضرا فامتنع.
اه.
(قوله: ولو باع قاض) أي أو نائبه (قوله: في دينه) أي في قضاء الدين الذي عليه.
(قوله: فقدم) أي وصل ذلك الغائب إلى بلد البيع.
(قوله: وأبطل الدين) أي أبطل إثباته في ذمته.
(وقوله: بإثبات إيفائه) أي أدائه لدائنه، والجار والمجرور متعلق بأبطل.
(قوله: أو بنحو فسق شاهد) أي أو أبطله بدعواه فسق الشاهد، ونحوه من كل ما يبطل الشهادة.
(قوله: استرد) أي القاضي.
(وقوله: ما أخذه) أي الخصم من القاضي.
(قوله: وبطل البيع) أي بيع القاضي مال الغائب (وقوله: للدين) أي لاجله، والجار والمجرور متعلق بالبيع.
(قوله: خلافا للروياني) أي القائل بعدم بطلان البيع، وعدم استرداد ما أخذه الخصم (قوله: وإلا يكن الخ) الاولى أن يقول وإلا بأن لم يكن له مال.
(وقوله: في عمله) أي محل عمل القاضي.
(قوله: ولم يحكم) الواو بمعنى أو، ولو في عبر بها كما في التحفة لكان أولى، وهو مفهوم قوله وحكم به.
(قوله: فإن الخ) جواب إن المدغمة في لا النافية.
(وقوله: سأل المدعي) أي طلب من قاضي بلد الحاضر.
(قوله: إنهاء الحال) أي تبليغ الامر الواقع عند قاضي بلد الحاضر من سماع بينة أو حكم.
(قوله: إلى قاضي) متعلق بإنهاء.
(قوله: أجابه) أي أجاب القاضي المدعي لما سأله إياه.
(قوله: وإن كان المكتوب إليه) الاولى وإن كان المنهي إليه سواء كتب إليه أم لا: إذ الكتابة غير شرط، وهذا يجري في جمع ما يأتي (قوله: مسارعة الخ) تعليل لوجوب الاجابة.
(وقوله: بقضاء حقه) أي حق المدعي من ذلك الغائب.
(قوله: فينهي) أي قاضي بلد الحاضر.
وهو تفريع على قوله أجابه.
(وقوله: إليه) أي قاضي بلد الغائب.
(قوله: سماع بينته) أي أنه سمع بينته المدعي.
(قوله: ثم إن عدلها) أي عدل قاضي بلد الحاضر البينة: أي أثبت عدالتها.
(وقوله: لم يحتج المكتوب إليه) أي القاضي المكتوب إليه.
(وقوله: إلى تعديلها) أي إثبات عدالتها عنده.
(قوله: وإلا احتاج إليه) أي وإن لم يعدلها قاضي بلد الحاضر، احتاج القاضي المنهي إليه إلى تعديلها (قوله: ليحكم) أي قاضي بلد الغائب، والجار والمجرو متعلق بينهي.
(وقوله: بها) أي بالبينة التي سمعها قاضي بلد الحاضر.
(قوله: ثم يستوفي) أي قاضي بلد الغائب المنهي إليه من المدعى عليه الكائن في بلدته الحق.
(قوله: وخرج بها) أي بالبينة.
(وقوله: علمه) أي القاضي بما ادعى به المدعي.
(قوله: فلا يكتب به) أي بعلمه ليحكم به المكتوب إليه.
(قوله: لانه) أي القاضي إذا كتب بعلمه، يكون شاهدا لا قاضيا، وعبارة شرح الروض: لانه ما لم يحكم به هو كالشاهد، والشهادة لا تتأدى بالكتابة.
اه.
وكتب السيد عمر البصري على قول التحفة وخرج بها علمه ما نصه: قد يقال إن حكم بعلمه فظاهر إنهاء الحكم المستند إلى العلم، وإلا فهو شاهد حينئذ.
ولعل ما في العدة محمول على الثاني، وكلام السرخسي على الاول.
وأما قول البلقيني لان علمه الخ.
فإطلاقه محل تأمل، لانه إنما يكون كالبينة(4/277)
بالنسبة إليه، لا بالنسبة لقاض.
ألا ترى أنه لو كان القاضي الآخر حاضرا فقال له قاض: أنا أعلم هذا الامر يجوز له الحكم بمجرد قوله ؟ فليتأمل.
اه.
(قوله: ذكره) أي ما ذكر من عدم كتابة علمه إلى قاضي بلد الغائب.
(وقوله: في العدة) بضم العين، اسم كتاب للقاضي شريح.
(قوله: وخالفه السرخسي) أي خالف صاحب العدة السرخسي، فأحاز الكتابة بالعلم.
وعبارة شرح الروض.
وفي أمالي السرخسي جوازه، ويقضي به المكتوب إليه إذا جوزنا القضاء بالعلم، لان إخباره عن علمه كإخباره عن قيام البينة.
اه.
والسرخسي وجدته مضبوطا بالقلم - بفتح السين والراء وسكون الخاء وكسر السين بعدها -.
(قوله: لان علمه) أي القاضي.
(وقوله: كقيام البينة) أي عنده: أي والاخبار به جائز، فليكن الاخبار بعلمه كذلك.
(قوله: وله) أي لقاضي بلد الحاضر.
(قوله: أن يكتب) أي إلى قاضي بلد الغائب.
(وقوله: سماع شاهد واحد) أي أنه يسمع شهادة شاهد واحد.
(وقوله: ليسمع الخ) اللام تعليلية متعلقة بيجوز مقدرا قبل قوله له الخ أن: أي ويجوز له أن يكتب بذلك لاجل أن يسمع القاضي المكتوب إليه شاهدا آخر غير هذا الشاهد.
(قوله: أو يحلفه) بالنصب معطوف على ليسمع: أي أو يحلفه فيما إذا كانت الدعوى على شئ يثبت بشاهد ويمين.
(قوله:
ويحكم) بالنصب معطوف على ليسمع أو يحلف، والفاعل يعود على المكتوب إليه.
(وقوله: له) أي للمدعي.
(قوله: أو ينهى إليه) معطوف على فينهى إليه سماع بينته.
(وقوله: حكما) أي ينهى إليه أنى حكمت لفلان على فلان بكذا وكذا.
(وقوله: إن حكم) قيد في إنهاء الحكم.
(قوله: ليستوفي) أي قاضي بلد الغائب الحق من المدعى عليه، وهو علة لانهاء الحكم.
(قوله: لان الحاجة الخ) تعليل للانهاء بسماع البينة أو بالحكم.
(وقوله: إلى ذلك) أي الانهاء.
(قوله: والانهاء أن يشهد الخ) أي والانهاء فسروه بأن يشهد قاضي بلد الحاضر ذكرين عدلين بما جرى عنده من سماع بينة أو حكم، ليؤدياه عند قاضي بلد الغائب، وهذان الشاهدان غير الشاهدين على إثبات الحق، ولو لم يشهدهما القاضي، ولكن أنشأ الحكم بحضورهما فلهما أن يشهدا عليه، وإن لم يشهدهما.
(قوله: ولا يكفي) أي في الانهاء غير رجلين.
(قوله: ولو في مال) أي ولو كان الانهاء في إثبات مال، أو هلال رمضان، لما علمت أن شهود الانهاء غير شهود الاثبات.
(قوله: ويستحب كتاب) أي مع الاشهاد.
(وقوله: به) أي بما جرى عنده من ثبوت للحق أو حكم.
وحاصل صورة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم.
حضر عندنا عافاني الله وإياك فلان، وادعى لفلان الغائب المقيم في بلدك بالشئ الفلاني، وأقام عليه شاهدين، وحلفت المدعي يمين الاستظهار وحكمت له بالمال، فاستوفه أنت منه، وأشهدت بالكتاب فلانا وفلانا.
هذا إذا حكم عليه.
فإن لم يحكم عليه، قال بعد قوله وحلفت المدعي يمين الاستظهار، فاحكم عليه واستوف الحق منه، وأشهدت بالكتاب فلانا وفلانا.
ويسن ختمه بعد قراءته على الشاهدين بحضرته ويقول: أشهدكما أني كتبت إلى فلان بما سمعتما، ويضعان خطهما فيه.
ولا يكفيه أن يقول أشهدكما أن هذا خطي، أو أن ما فيه حكمي، ويندب أن يدفع للشاهدين نسخة أخرى بلا ختم ليطالعاها ويتذاكرا عند الحاجة، فإن أنكر الغائب بعد إحضاره أن المال المذكور فيه عليه، شهد عليه الشاهد أن عند قاضي بلده بحكم القاضي الكاتب، فإن قال ليس المكتوب اسمي صدق بيمينه، لانه أخبر بنفسه والاصل براءة ذمته.
هذا إن لم يعرف به، فإن عرف به لم يصدق.
فإن قال لست الخصل حكم قاضي بلده عليه إن ثبت أن المكتوب اسمه بإقرار أو بينة، ولا يلتفت إلى إنكاره أنه اسمه حينئذ إذا لم يكن ثم من يشاركه فيه، وهو معاصر للمدعي يمكن معاملته له، بأن لم يكن ثم من يشاركه فيه أصلا، أو كان ولم يعاصر المدعي، أو لم تمكن معاملته، لان الظاهر أنه المحكوم عليه حينئذ، فإن كان هناك من يشاركه فيه وعاصر المدعي وأمكنت معاملته له، بعث المكتوب إليه للكاتب أنه يطلب من الشهود زيادة تمييز للمشهود عليه، ويكتبها وينهيها(4/278)
ثانيا، فإن لم يجد زيادة تمييز وقف الامر حتى ينكشف الحال.
فعلم من ذلك أنه يعتبر مع المعاصرة إمكان المعاملة كما صرح به الجرجاني والبندنيجي وغيرهما أفاد ذلك كله في الاقناع وحواشيه.
(قوله: يذكر) أي القاضي فيه، أي الكتاب (وقوله: ما يتميز به المحكوم عليه) أي الغائب المحكوم عليه، أي أو المشهود عليه.
وعبارة المنهج وشرحه: ما يميز الخصمين الغائب وذا الحق.
اه.
(قوله: من اسم) بيان لما.
(وقوله: أو نسب) أي أو صفة أو حلية.
(قوله: وأسماء الشهود) أي على ما في الكتاب، وأما شهود الحق فلا يحتاج إلى ذكر أسمائهم إن كان قد حكم، فإن لم يحكم احتيج إلى ذكرهم إن لم يعدلهم قاضي بلد الحاضر، وإلا فله ترك ذلك.
كذا في المنهج وشرحه.
(قوله: وتاريخه) أي يذكر تاريخ الكتاب.
تتمة: لو شافه القاضي وهو في محل عمله قاضي بلد الغائب بحكمه، بأن حضر قاضي بلد الغائب إلى بلد الحاكم وشافهه بذلك، أمضاه ونفذه إذا رجع إلى محل ولايته، بخلاف ما لو شافه القاضي، وهو في غير محل عمله قاضي بلد الغائب، فلا يمضيه كمال، قاله الامام والغزالي.
ولو قال قاضي بلد الحاضر وهو في طرف محل ولايته، حكمت بكذا لفلان على فلان الذي ببلدك، أمضاه ونفذه أيضا، لانه أبلغ من الشهادة والكتاب، وهو حينئذ قضاء بعلمه.
(قوله: والانهاء بالحكم) العبارة فيها قلب، والاصل والحكم المنهي ولو بلا كتاب.
(قوله: يمضي) أي ينفذ.
(قوله: وسماع البينة) بالجر معطوف على بالحكم: أي والانهاء بسماع البينة.
وفي العبارة قلب أيضا: أي وسماع البينة المنهي.
(قوله: لا يقبل إلا فوق مسافة العدوى) أي لا يقيل الانهاء بالسماع إلا إذا كان بين القاضيين فوق مسافة العدوى.
والفرق بينه وبين الانهاء بالحكم أنه لم يتم الامر في سماع البينة مع سهولة إحضارها في القرب دون البعد، فلذلك قبل في البعد دون القرب، وفي إنهاء الحكم قد تم الامر فلم يبق إلا الاستيفاء، فلذلك قبل مطلقا.
(قوله: إذ يسهل) أي على قاضي بلد الغائب.
(وقوله: إحضارها) أي البينة.
(وقوله: مع القرب) أي بأن تكون المسافة مسافة العدوي فما دونها.
(قوله: وهي) أي مسافة العدوى.
(وقوله: التي يرجع منها) الجار والمجرور متعلق بما بعده.
(وقوله: مبكر) أي خارج من محله قبيل طلوع الشمس، وقيل عقب طلوع الفجر.
(وقوله: إلى محله) متعلق بيرجع، وهو إظهار في مقام الاضمار.
(وقوله: ليلا) أي أوائله.
والمعنى أن مسافة العدوى هي التي يرجع أول الليل إلى محله من خرج منه إلى بلد الحاكم قبيل طلوع الشمس، وتعبيره بقوله ليلا لا ينافي تعبيرهم بقولهم يومه، لان أوائل الليل كالنهار كما في النهاية.
وعبارة الخطيب.
ومسافة العدوى ما يرجع منها مبكر إلى محله يومه المعتدل.
اه.
قال البجيرمي عليه:
والمعنى أن يذهب إليها ويرجع يومه المعتدل.
اه.
وسميت بذلك لان القاضي يعدي من طلب إحضار خصمه منها: أي يعينه على إحضاره.
(قوله: فلو تعسر الخ) تفريع على التعليل، أعني إذ يسهل الخ.
وعبارة التحفة: وأخذ في المطلب من التعليل المذكور أنه لو تعسر الخ.
اه.
ولو صنع المؤلف كصنيعه لكان أولى.
(وقوله: مع القرب) أي قرب المسافة بين القاضيين.
(وقوله: بنحو مرض) متعلق بتعسر: أي تعسر إحضار البينة له بسبب مرض أو نحوه، كخوف الطريق.
(وقوله: قبل الانهاء) جملة فعلية واقعة جوابا للو.
(قوله: قال القاضي) مقول القول جملة لو حضر الغريم.
(وقوله: وأقروه) أي الفقهاء في قوله المذكور.
(قوله: لو حضر الغريم) أي غريم المدعي في البلد التي هو فيها.
(قوله: وامتنع) أي الغريم.
(قوله: من بيع ماله الغائب) أي عن البلد التي حضر فيها.
(وقوله: لوفاء دينه) متعلق ببيع: أي امتنع من البيع لاجل وفاء الدين الذي عليه.
(وقوله: به) أي بماله الغائب: أي بثمنه إذا بيع، وهو متعلق بوفاء.
(قوله: عند(4/279)
الطلب) أي طلب المدعي حقه منه، والظرف متعلق بامتنع.
(قوله: ساغ للقاضي) أي جاز لقاضي بلد المدعي بيعه، وهو جواب لو.
(وقوله: لقضاء الدين) أي لاجل قضاء الدين من ثمنه.
(قوله: وإن لم يكن المال بمحل ولايته) أي القاضي، وهو غاية في جواز البيع.
ويتصور بيعه حينئذ بما إذا كان المشتري من أهل بلد القاضي، وقدر أي المال الغائب، وبما إذا حضر مشتر من بلد المال الغائب واشتراه منه، أو له وكيل في الشراء عنه.
(قوله: وكذا إن غاب بمحل ولايته) أي وكذلك يسوغ للقاضي بيع المال الغائب إن غاب الغريم الذي هو مالكه، لكن في محل ولايته.
(قوله: كما ذكره) أي ما بعد وكذا.
(قوله: وقالا) أي السبكي والغزي (قوله: بخلاف ما لو كان) أي الغريم الذي هو المالك في غير محل ولايته، أي فإنه لا يسوغ للقاضي بيع ماله الغائب.
ويؤخذ من قوله بعد ومنعه إذا خرجا عنها تقييد عدم جواز البيع بما إذا كان المال أيضا في غير محل ولايته.
(قوله: لانه الخ) تعليل لما تضمنه قوله بخلاف ما لو الخ.
(قوله: لا يمكن نيابته) أي القاضي.
(وقوله: عنه) أي عن الغريم الغائب.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ كان في غير محل ولايته.
قال في التحفة بعد ما ذكر: ونوزعا بتصريح الغزالي كإمامه واقتضاه كلام الرافعي وغيره بأنه لا فرق في العقار المقضي به بين كونه بمحل ولاية القاضي الكاتب وغيرها قال الامام.
فإن قيل: كيف يقضي ببقعة ليست في محل ولايته ؟ قلنا هذا غفلة عن حقيقة القضاء على الغائب، فكما أنه يقضي على من ليس بمحل ولايته ففيما ليس فيه كذلك،
وعن هذا قال العلماء بحقائق القضاء، قاض في قرية ينقذ قضاؤه في دائرة الآفاق، ويقضي على أهل الدنيا، ثم إذا ساغ القضاء على غائب فالقضاء بالدار الغائبة قضاء على غالب، والدار مقضي بها.
اه.
ثم قال: وقد اعتمد بعضهم كلام السبكي والغزي فارقا بين إنهاء القاضي إلى قاضي بلد المال، فيجوز مطلقا، وبين بيعه للمال فلا يجوز إلا إن كان أحدهما في محل عمله، فقال ما حاصله.
قال ابن قاضي شهبة: وإنما يمتنع البيع إذا غاب هو وماله عن محل ولايته: أي فينهيه إلى حاكم بلد هو فيها أو ماله كما ذكره الائمة، ولا يجوز أن يبيع إذا خرجا عنها وقول بعضهم يجوز سهو.
اه.
(قوله وحاصل كلامهما) أي السبكي والغزي.
(قوله: جواز البيع) أي بيع القاضي مال الغائب بمحل ولايته.
(قوله: إذا كان هو) أي الغريم.
(قوله: ومنعه) أي البيع.
(وقوله: إذا خرجا) أي الغريم وماله معا.
(وقوله: عنها) أي عن محل ولاية القاضي.
(قوله: لو غاب إنسان الخ) أي غاب إنسان عن بلده من غير أن يجعل له وكيلا فيها.
(وقوله: وله) أي للانسان الغائب.
(وقوله: مال حاضر) أي في البلد.
(قوله: فأنهى) بالبناء للمجهول، والجار والمجرور بعده نائب فاعله، والاصل فأنهى شخص من أهل محلته ما ذكر.
قال ع ش: وينبغي وجوب ذلك على سبيل الكفاية في حق أهل محلته.
اه.
(قوله: أنه) أي المال الحاضر أو الحاكم، فالضمير يصلح عوده على كل منهما.
(وقوله: إن لم يبعه) الضمير المستتر يعود على الحاكم، والبارز يعود على المال.
(قوله: اختل معظمه) أي فسد معظم المال.
(قوله: لزمه بيعه) أي لزم الحاكم بيع المال: أي وحفظ ثمنه عنده.
(قوله: إن تعين) أي البيع طريقا: أي سببا لسلامته، فإن لم يتعين لم يلزمه بيعه، بل يبقيه أو يقرضه أو يؤجره.
قال في الروض وشرحه: وللقاضي إقراض مال الغائب من ثقة ليحفظه بالذمة: أي فيها، وله بيع حيوان لخوف هلاكه، ونحوه كغصبه، سواء فيه مال اليتيم الغائب وغيره، وله تأجيره - أي إجارته - إن أمن عليه، لان المنافع تفوت بمضي الوقت.
ومال من لا يرجى معرفته له بيعه وصرفه، أي صرف ثمنه في(4/280)
المصالح، وله حفظه.
اه.
بحذف: وقوله: وللقاضي قضيته جواز ما ذكر عليه لا وجوبه، فهو خلاف ما ذكره الشارح.
وفي فتاوي القفال ما يقتضي الجواز أيضا، ونصه: للقاضي بيع مال الغائب بنفسه، أو قيمه، إذا احتاج إلى نفقة، وكذا إذا خاف فوته، أو كان الصلاح في بيعه، ولا يأخذ له بالشفعة، وإذا قدم لم ينقض بيع الحاكم ولا إيجاره.
اه.
(قوله: وقد صرح الاصحاب الخ) الغرض من سياقه تقوية ما ذكره وإفادة أن فيه تفصيلا.
(قوله: إنما يتسلط على أموال الغائبين) أي إنما يتصرف فيها ببيع ونحوه.
(قوله: إذا أشرفت على الضياع) أي قربت من الفساد.
(قوله: أو مست الحاجة إليها) أي
ألجأت الحاجة إلى أموالهم.
(وقوله: في استيفاء حقوق) متعلق بالحاجة، وفي بمعنى اللام: أي ألجأت الحاجة إلى أموالهم لقضاء الحقوق التي ثبتت عليهم منها.
(قوله: وقالوا) أي الاصحاب (قوله: ثم في الضياع) أي فيما يؤول إلى الضياع لو لم يتصرف فيه، إذ التفصيل ليس في الضياع نفسه، وإلا لما صح قوله بعد وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع (قوله: فإن امتدت) أي طالت.
(وقوله: الغيبة) أي غيبة مالك المال.
(قوله: وعسرت المراجعة) أي مراجعة الحاكم لصاحب المال في شأنه.
(قوله: قبل وقوع الضياع) متعلق بالمراجعة.
(قوله: ساغ التصرف) أي جاز للحاكم التصرف فيه ببيع ونحوه.
وقضيته عدم الوجوب إلا أن يقال المراد به ما قابل الامتناع، فيصدق بالوجوب وهو المراد.
(قوله: وليس من الضياع) أي المسوغ للتصرف فيه.
(وقوله: اختلال) أي فساد في المال.
(وقوله: لتلف المعظم) أي معظم المال.
(وقوله: ولم يكن) أي الاختلال ساريا، وعطف هذه الجملة على ما قبلها من عطف أحد المتلازمين على الآخر.
إذ يلزم من عدم سريانه عدم تأديته لتلف المعظم وبالعكس.
(قوله: لامتناع الخ) علة لمقدر مرتب على قوله وليس من الضياع الخ: أي وإذا كان ليس من الضياع الاختلال المذكور، فلا يبيعه الحاكم لامتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة، وهذا ما يخالف ما مر عن فتاوى القفال من أنه إذا كان الصلاح في بيعه فله ذلك.
(قوله: والاختلال المؤدي الخ) هو مفهوم قوله لا يؤدي الخ.
وفي أخذه مفهومه، ولم يؤخذ مفهوم ما بعده، أعني ولم يكن ساريا الخ يؤيد ما قررته عليه، والمعنى أن الاختلال المقتضي لتلف معظم المال يعد ضياعا فيسوغ للامام التصرف فيه قبله.
(قوله: نعم الخ) إستدراك على التفصيل في الضياع: أي أن التفصيل المذكور محله في غير الحيوان، أما هو فمتى ما حصل اختلال فيه تصرف فيه مطلقا، ولو لم يؤد اختلاله إلى تلفه.
(وقوله: لحرمة الروح) أي حفظا لحرمة الروح، وهو علة البيع.
(وقوله: ولانه) أي الحيوان، وهو معطوف على العلة قبله.
(وقوله: يباع) أي يبيعه الحاكم عليه.
ومحله إن تعين البيع، وإلا بأن أمكن تدارك الضياع بالاجارة اكتفي بها، ويقتصر على أقل زمن يحتاج إليه كما مر.
(وقوله: على مالكه) أي قهرا عن مالكه، أو نيابة عنه، فعلى بمعنى عن، وهي متعلقة بمحذوف.
(قوله: بحضرته) متعلق بيباع: أي يباع بحضرة مالكه.
(وقوله: إذا لم ينفق عليه) أي إذا لم ينفق المالك على الحيوان.
(قوله: ولو نهى الخ) معطوف على العلة قبله أيضا، فهو علة لبيع الحيوان.
أي ولانه لو نهى المالك عن التصرف فيه، امتنع التصرف فيه إلا في الحيوان، فلا يمتنع حفظا للروح.
(قوله: يحبس الحاكم) أي أو نائبه.
(وقوله: الآبق) أي الرقيق الهارب من سيده، وهو مفعول يحبس.
(قوله: إذا وجده) أي وجد الحاكم الآبق.
(قوله: انتظارا لسيده) حال على تأويله بإسم الفاعل: أي يحبسه حال كونه منتظرا لسيده.
أو مفعول(4/281)
مطلق لفعل محذوف: أي وينتظر سيده انتظارا.
(قوله: فإن أبطأ سيده) أي تراخى في طلب عبده.
(قوله: باعه الحاكم) أي أو يؤجره إن أمن عليه.
(قوله: فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن) أي وليس له فسخ البيع، لان ما صدر من الامام كان نيابة شرعية عنه.
تتمة: في القسمة وهي تمييز بعض الانصباء من بعض.
والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) *.
فكان يجب إعطاء المذكورين شيئا من التركات في صدر الاسلام، ثم نسخ الوجوب وبقي الندب، وأخبار كخبر الصحيحين: كان رسول الله (ص) يقسم الغنائم بين أربابها.
والحاجة داعية إليها ليتمكن كل واحد من الشريكين أو الشركاء من التصرف في نصيبه استقلالا، ويتخلص من سوء المشاركة، واختلاف الايدي.
وأركانها ثلاثة: قاسم ومقسوم ومقسوم له، ويشترط في القاسم المنصوب من جهة الامام أهلية الشهادات، وعلمه بالقسمة وكونه عفيفا عن الطمع، حتى لا يرتشي ولا يخون، فإن لم يكن منصوبا من جهة الامام بل تراضى عليه الشريكان أو الشركاء ولم يحكموه في القسمة، لم يشترط فيه إلا التكليف، فإن حكموه، إشترط فيه ما اشترط في منصوب الامام.
واعلم أن القسمة على ثلاثة أنواع: أحدها: القسمة بالنظر للاجزاء المتساوية، كقسمة المثليات من حبوب وغيرها، فتجزأ الانصباء كيلا في مكيل ووزنا في موزون، وتسمى هذه القسمة قسمة المتشابهات، لان الاجزاء فيها متشابهة قيمة وصورة وقسمة الافراز، لكونها أفرزت لكل من الشركاء نصيبه.
ثانيها: القسمة بالتعديل: أي التقويم بأن تعدل السهام بالقيمة، كقسمة أرض تختلف قيمة أجزائها بقوة إنبات أو قرب ماء، أو بسبب ما فيها.
كبستان بعضه نخل وبعضه عنب، وتكون الارض بينهما نصفين، ويساوي قيمة ثلث الارض مثلا قيمة ثلثيها.
وثالثا: القسمة بالرد وهي التي يحتاج فيها الرد أحد الشريكين للآخر مالا أجنبيا، كأن يكون في أحد جانبي الارض المشتركة بئر، أو شجر مثلا لا يمكن قسمته، فيرد من يأخذه بالقسمة قسط قيمة البئر أو الشجر.
فلو كانت قيمة كل من البئر أو الشجر مثلا ألفا رد الاخذ لذلك الجانب الذي فيه البئر أو الشجر خمسمائة، لانها نصف الالف.
والنوع الاول من أنواع القسمة الثلاثة إقرار للحق: أي يتبين به أن ما خرج لكل هو الذي ملكه لا يبيع، والنوعان الآخران بيع لكن لا يفتقر للفظ نحو بيع أو تمليك وقبول، بل يقوم الرضا مقامهما.
ويشترط للقسمة الواقعة بالتراضي في الانواع الثلاثة رضا بها بعد خروج القرعة إن حكموا بالقرعة، كأن يقولوا رضينا بهذه القسمة، أو بما أخرجته القرعة بخلاف القسمة بالاجبار، وهو لا يكون إلا في قسمة الافراز والتعديل دون الرد، فلا يدخلها إجبار فلا يعتبر فيها الرضا لا قبل القرعة ولا بعدها.
فإن لم يحكموا بالقرعة كأن اتفقوا على أن يأخذ أحدهم هذا القسم والآخر ذاك القسم، وهكذا بتراضيهم كما يقع كثيرا، فلا حاجة إلى رضا آخر، والله سبحانه تعالى أعلم.
__________
(1) سورة النساء، الاية: 8.(4/282)
باب الدعوى والبينات ذكرهما عقب القضاء لكونهما لا يقعان إلا عند قاض أو محكم.
وأفرد الدعوى لان حقيقتها واحدة وإن اختلف المدعى به، وجمع البينات لاختلاف أنواعها، لانها إما رجل رجلان أو أربع نسوة كما سيأتي.
(قوله: الدعوى لغة الطلب) منه قوله تعالى: * (ولهم ما يدعون) * أي يطلبون.
(قوله: وألفها للتأنيث) أي كألف حبلى، وقد تؤنث بالتاء، فيقال دعوة، وتجمع على دعوات، كسجدة وسجدات، لكن المشهور أن الدعوة بالتاء تكون للدعوة إلى الطعام.
(قوله: وشرعا) عطف على لغة.
(وقوله: إخبار عن وجوب حق) أي ثبوت حق على غيره، وهذا يشمل الشهادة، فالاولى أن يزيد لفظ له بأن يقول عن وجوب حق له: أي للمخبر لتخرج الشهادة.
(وقوله: عند حاكم) قال في التحفة: وكأنهم إنما لم يذكروا المحكم هنا مع ذكرهم له فيما بعد، لان التعريف للدعوى حيث أطلقت، وهي لا يتبادر منها إلا ذلك.
اه.
(قوله: وجمعها الخ) الاولى تقديمه على قوله، وشرعا كما في التحفة، لان الجمع المذكور للدعوى بالمعنى اللغوي لا المعنى الشرعي، لانه حقيقة واحدة لا تعدد فيها، كما تقدم قريبا.
(وقوله: بفتح الواو وكسرها) قال ابن مالك: وبالفعالي والفعالى جمعا صحراء والعذراء والقيس اتبعا (قوله: كفتاوى) أي فإنه بفتح الواو وكسرها.
(قوله: والبينة الشهود) الاولى والبينات جمع بينة، وهي الشهود، لانه ذكرها في الترجمة كذلك.
(قوله: سموا) أي الشهود.
(وقوله: بها) أي بالبينة.
(قوله: لان بهم يتبين الحق) أي
يظهر، واسم أن ضمير الشأن محذوف.
(قوله: وجمعوا) أي البينات، والاولى وجمعت، أي البينة على بينات (قوله: لاختلاف أنواعهم) أي البينات، والاولى لاختلاف أنواعها.
أي البينة.
واختلاف الانواع يكون بحسب اختلاف المدعى به، كما سيذكره في فصل الشهادات.
(قوله: والاصل فيها خبر الصحيحين) عبارة التحفة: والاصل فيها قوله تعالى: * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) * الآية وخبر الصحيحين الخ.
اه.
(قوله: ولو يعطى الناس الخ) أي لو كان كل من ادعى شيئا عند الحاكم يعطاه بمجرد دعواه بلا بينة، لادعى أناس الخ، ولكن لا يعطون بدعواهم بلا بينة فلم يدعوا الخ.
(قوله: دماء رجال وأموالهم) قدم الدماء مع أن الدعوى بالمال أكثر، لان الدماء أول ما تقع فيه المطالبة، ويفصل فيها بين المتخاصمين يوم القيامة.
(قوله: ولكن الخ) هي وإن لم تأت لفظا على قانونها من وقوعها بين نفي وإثبات، لكنها جارية عليه تقديرا.
لان لو تفيد النفي، إذ المعنى لا يعطي الناس بدعواهم المجردة ولكن باليمين، وهي
__________
(1) سورة يس، الاية: 57.
(2) سورة النور، الاية: 48.(4/283)
على المدعى عليه، إلا في اللعان والقسامة إذا اقترن بدعوى الدم لوث، فاليمين في جانب المدعي فيهما.
(قوله: وفي رواية) أي للبيهقي وذكرها بعد ما تقدم لان فيها زيادة فائدة، وهي أن البينة على المدعي.
(قوله: البينة على المدعي واليمين على من أنكر) إنما جعلت البينة على الاول، واليمين على الثاني.
لان جانب الاول ضعيف لدعواه خلاف الاصل، والبينة حجة قوية لبعدها عن التهمة.
وجانب الثاني قوي لموافقته للاصل في البراءة، واليمين حجة ضعيفة لقربها من التهمة، فجعل القوي في جانب الضعيف والضعيف في جانب القوي.
(قوله: المدعي الخ) لما كانت الدعوى تتضمن مدعيا ومدعى عليه، شرع في بيانهما، فقال المدعي الخ.
(قوله: من خالف قوله الظاهر) وقيل هو من لو سكت لترك، والمدعى عليه من لو سكت لم يترك.
قال في التحفة: واستشكل أي التعريف الاول للمدعي بأن الوديع إذا ادعى الرد أو التلف يخالف قوله الظاهر، مع أن القول قوله.
ورد بأنه يدعي أمرا ظاهرا، هو بقاؤه على الامانة، ويرده ما في الروضة وغيرها أن الامناء الذين يصدقون في الرد بيمينهم مدعون، لانهم يدعون الرد مثلا، وهو خلاف الظاهر، لكن اكتفى منهم باليمين لانهم أثبتوا أيديهم لغرض المالك.
اه.
(قوله: وهو) أي الظاهر.
(وقوله: براءة الذمة) أي ذمة المدعى عليه مما ادعاه المدعي.
فلو أسلم الزوج والزوجة قبل الدخول ثم قال الزوج أسلمنا معا فالنكاح باق، وقالت الزوجة بل أسلمنا مرتبا فلا نكاح.
فهو مدع لان إسلامهما معا خلاف الظاهر، وهي مدعى عليها لموافقتها الظاهر،
فتحلف هي ويرتفع النكاح.
وفي البجيرمي: وقضية هذا أن القول قول الزوجة، والمعتمد خلافه، وهو أن القول قول الزوج، لان الاصل بقاء النكاح، ولا يرتفع إلا بيقين.
اه.
بالمعنى.
(قوله: والمدعى عليه من وافقه أي الظاهر) أي أن ضابط المدعى عليه من وافق قوله الظاهر، وتقدم ضابط آخر له غير هذا.
(قوله: وشرطهما) أي المدعي والمدعى عليه.
(وقوله: تكليف) قال سم أنظره مع قوله في أول باب القضاء على الغائب.
والقياس سماعها على ميت وصغير، ومع قول المتن ويجريان في دعوى على صبي ومجنون.
اه.
بتصرف.
وقصده الاعتراض على اشتراط التكليف بالنسبة للمدعى عليه، مع أن ما تقدم في القضاء على الغالب يقتضي عدم الاشتراط.
ثم رأيت العلامة الرشيدي كتب على قول النهاية: والمدعى عليه المتصف بما مر ما نصه: أي الذي من جملته التكلف، ولعل مراده المدعى عليه الذي تجري فيه جميع الاحكام التي من جملتها الجواب والحلف، وإلا فنحو الصبي يدعى عليه لكن لاقامة البينة.
اه.
(قوله: والتزام للاحكام) أي أحكام المسلمين.
قال في فتح الجواد: كذمي لا حربي ومعاهد ومستأمن.
نعم، تسمع دعوى الاخيرين على مثلهما وذمي مسلم، بل قد تصح دعوى الحربي كما بينته في الاصل.
اه.
وقوله في الاول: قال فيه بل الحربي نفسه تصح دعواه في بعض الصور، لما مر في الامان أن الاسير لو اشترى منه شيئا شراء صحيحا لزمه أن يبعث إليه ثمنه، أو فاسدا فعينه، فحينئذ تصح دعواه ذلك، وكذلك تصح دعواه فيما لو دخل حربيان دارنا بأمان فقتل أحدهما الآخر، فإذا قدم وارث المقتول أو سيده، سمعت دعواه على قاتله.
اه.
(قوله: فليس الحربي ملتزما للاحكام) أي فلا تصح الدعوى منه وعليه.
قال سم: وقد تسمع دعوى الحربي.
اه.
أي في بعض الصور كما تقدم آنفا.
(قوله: بخلاف الذمي) أي فإنه ملتزم لها، فتسمع الدعوى منه وعليه.
(قوله: ثم إن كانت الدعوى) أي المدعى به، فهي مصدر بمعنى إسم المفعول، وإلا لما صح الاخبار عنها بقوله قودا الخ.
(وقوله: قودا الخ) والحاصل أنه إن كان المدعى به عقوبة لآدمي، وجب رفعها للحاكم، ولا يستقل صاحب الحق باستيفائها.
وإن كان عقوبة لله فلا تسمع فيها دعوى، لانتفاء حق المدعي فيها، فالطريق في إثباتها شهادة الحسبة.
وإن كان عينا أو دينا ففيه تفصيل سيذكره الشارح، وإن كان منفعة، فإن كانت واردة على العين فهي كالعين، فله استيفاؤها منها بنفسه إن لم يخش من ذلك ضررا، ولا فلا بد من الرفع إلى الحاكم، وإن كانت واردة على الذمة فهي كالدين، فإن كانت على غير ممتنع طالبه بها، ولا يأخذ شيئا من ماله بغير(4/284)
مطالبة.
وإن كانت على ممتنع وقدر على تحصيلها بأخذ شئ من ماله فله ذلك بشرطه.
قال الرشيدي: وضابط ما تشترط
فيه الدعوى عند من ذكر كل ما لا تقبل فيه شهادة الحسبة وليس بمال.
اه.
(قوله: وجب رفعها) أي الدعوى بما ذكر، فالضمير يعود على الدعوى بالمعنى المصدري لا بمعنى اسم المفعول.
(وقوله: إلى القاضي) ومثله أمير أو نحوه ممن يرجي الخلاص على يده، والمقصود عدم الاستقلال عميرة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ولا يجوز للمستحق الاستقلال باستيفائها) أي الدعوى، بمعنى المدعى به، فلو خالف واستقبل وقعت الموقع، وإن أثم باستقلاله.
اه.
ع ش.
(قوله: وكذا سائر العقود الخ) أي ومثل القود وحد القذف والتعزير في وجوب الرفع إلى القاضي وعدم جواز الاستقلال في استيفائه سائر العقود والفسوخ.
قال سم: لعله في غير العقوبة كالنكاح والرجعة، باعتبار الظاهر فقط، حتى لو عامل من ادعى زوجيتها أو رجعيتها معاملة الزوجة جاز له ذلك فيما بينه وبين الله تعالى، إذا كان صادقا فليراجع.
اه.
(قوله: كالنكاح) راجع للعقود، أي فلو ادعى زوجية امرأة فلا بد في ثبوتها من الرفع إلى الحاكم.
(قوله: والرجعة) أي فيما إذا ادعى بها بعد انقضاء العدة: أي ادعى بعد انقضاء العدة أنه كان راجعها قبلها، وإلا بأن ادعى بها قبل انقضاء العدة فلا حاجة للدعوى والرفع للحاكم، لانه قادر على إنشائها.
اه.
بجيرمي.
وهي راجعة للعقود.
(قوله: وعيب النكاح) أي العيب الذي يثبت فسخ النكاح، فهو راجع للفسوخ، فليس للزوج أو الزوجة الاستقلال بفسخ النكاح بالعيب، بل لا بد من الرفع إلى الحاكم.
(قوله: والبيع) يحتمل أنه معطوف على النكاح المضاف إليه عيب: أي وعيب البيع: أي الذي يثبت به فسخ البيع، فيكون راجعا للفسوخ، ويحتمل أنه معطوف على النكاح الاول: أي وكالبيع فيكون راجعا للعقود.
(قوله: واستثنى الماوردي) أي من عدم جواز الاستقلال باستيفاء حد القذف أو التعزير.
(وقوله: من بعد عن السلطان) أي أو قرب منه وخاف من الرفع إليه عدم التمكن من إثبات حقه، أو غرم دراهم فله استيفاء حقه حيث لم يطلع عليه من يثبت بقوله وأمن الفتنة.
اه.
ع ش.
(قوله: فله استيفاء الخ) أي ومع ذلك إذا بلغ الامام فله تعزيره لافتياته عليه.
(وقوله: حد قذف أو تعزير) أي فقط فلا يستوفي القود.
وقال ابن عبد السلام في آخر قواعده: لو انفرد بحيث لا يرى ينبغي أن لا يمنع من القود، ولاسيما إذا عجز عن إثباته.
اه.
(وقوله: ينبغي أن لا يمنع) أي شرعا.
فيجوز له ذلك باطنا.
(قوله: وله أي للشخص) مراده به الدائن، بدليل قوله بعد من مال مدين له.
فكلامه قاصر على الدين، وكان الاولى أن يذكر كغيره العين أيضا فيقول: وله بلا فتنة أخذ عين ماله استقلالا ممن هي تحت يده، وأخذ ما هو له من مال مدين مماطل الخ.
(قوله: بلا خوف فتنة) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من المصدر بعده: أي له أخذ ماله حال كون الآخذ كائنا بلا فتنة.
(قوله: عليه أو على غيره) أي أنه لا فرق في خوف الفتنة بين أن تقع على الآخذ نفسه أو على
غيره.
(قوله: أخذ ماله) بكسر اللام: أي حقه الذي في ذمة المدين، والمراد جنس حقه كما سيذكره.
ويصح قراءته بفتح اللام، أي الشئ الذي هو ثابت له في ذمة المدين.
(قوله: استقلالا) أي من غير رفع للحاكم.
(قوله: للضرورة) تعليل لجواز الاخذ استقلالا: أي وإنما جاز له الاخذ كذلك لوجود الضرورة.
قال ح ل: وهي المؤنة ومشقة الرفع إلى الحاكم.
اه.
وإذا كان المراد بالضرورة ما ذكر كان مكررا مع قوله الآتي، ولان في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة، وحينئذ فالاولى حذف هذا التعليل إكتفاء عنه بما سيأتي.
(قوله: من مال مدين) متعلق بأخذ.
(وقوله: له) متعلق بمدين، وضميره يعود على الاخذ، أي مدين للآخذ.
(قوله: مقر مماطل) أي موعد له بالوفاء مرة بعد أخرى.
قال في المصباح: مطله بدينه مطلا، إذا سوقه بوعد الوفاء مرة بعد أخرى.
اه.
(وقوله: به) أي بالدين.
(قوله: أو جاحد له) أي منكر للدين، وهو مقابل قوله مقر.
(قوله: أو متوار) أي مختف بعد حلول الاجل خوفا أن يطالبه الدائن.
(قوله: أو متعزز) أي ممتنع من أدائه اعتمادا على القوة والغلبة.
قال في المصباح: عز يعز، أي اشتد كناية عن الانفة وتعزز: أي تقوى.
اه.(4/285)
ولو قال كما في المنهج على ممتنع من أدائه مقرا كان أو جاحدا، لكان أخصر وأنسب بقوله الآتي ولو كان الدين على غير ممتنع من الاداء طالبه الخ.
(قوله: وإن كان على الجاحد الخ) غاية لجواز الاخذ.
(قوله: أو رجا) أي الدائن إقراره: أي المدين الجاحد.
(وقوله: لو رفعه للقاضي) أي رفع دعواه عليه للقاضي.
(قوله: لاذنه الخ) علة لجواز الاخذ.
(قوله: أن تأخذ) أي من مال أبي سفيان.
والمصدر المنسبك منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بإذنه.
(قوله: ولان في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة) أي في الجملة، وإلا فقد لا تكون مشقة ولا مؤنة فيه.
(قوله: وإنما يجوز له) أي للدائن الظافر.
(وقوله: من جنس حقه) أي الذي مطله به أو جحده إياه.
(قوله: ثم عند تعذر جنسه) أي بأن لم يوجد.
(قوله: يأخذ غيره) أي له أن يأخذ غير جنس حقه ولو أمة.
ومحله إذا كان الغريم مصدقا أنه ملكه.
فلو كان منكرا ذلك لم يجز له أخذه وجها واحدا، كما في النهاية والتحفة.
(قوله: ويتعين في أخذ غير الجنس) أي غير جنس حقه.
(وقوله: تقديم النقد على غيره) أي تقديم النقد، أي في الاخذ ليشتري به ما هو من جنس حقه.
(قوله: ثم إن كان المأخوذ) أي المال الذي أخذه الظافر.
(قوله: يتملكه) أي بلفظ يدل على كتملكت.
قال في التحفة: وظاهره كالروضة والشرحين أنه لا يملكه بمجرد الاخذ، لكن قال جمع يملكه بمجرده، واعتمده الاسنوي وغيره.
لان الشارع أذن له في قبضه فكان كإقباض الحاكم له، وهو متجه.
اه.
(قوله: ويتصرف) أي الآخذ.
(وقوله: فيه) أي في المأخوذ.
(قوله: فإن كان) أي
المأخوذ.
(وقوله: من غير جنسه) أي جنس حقه قال في التحفة: أو منه وهو بصفة أرفع.
اه.
(قوله: فيبيعه) أي ولا يتملكه من غير بيع، وإن كان قدر حقه.
(قوله: بنفسه) متعلق ببيع، أي ببيعه بنفسه: أي استقلالا من غير رفع للحاكم كما يستقل بالاخذ.
(قوله: لا لنفسه) أي لا يبيعه على نفسه إتفاقا.
(قوله: ولا لمحجوره) قال في التحفة بعده كما هو ظاهر.
(قوله: لامتناع الخ) تعليل لعدم جواز البيع على نفسه أو محجوره.
(وقوله: تولي الطرفين) أي الايجاب والقبول.
(قوله: وللتهمة) تعليل ثان.
(قوله: هذا) أي محل كونه ببيعه بنفسه للغير.
(قوله: وإن لم يتيسر علم القاضي به) أي لم يسهل علم القاضي بحق الظافر الكائن تحت يد الغير.
(وقوله: لعدم الخ) تعليل لعدم تيسر ذلك.
(وقوله: علمه) أي القاضي.
(وقوله: لا بينة) أي موجودة تشهد بالحال.
(وقوله: أو مع أحدهما) أي أو تيسر علم القاضي مع العلم أو البينة، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة.
وعبارة فتح الجواد: وباع الظافر بغير جنس حقه ولو بوكليه، ما ظفر به حيث لم يعلم القاضي الحال ولم يكن له بينة، لتقصير المدين بامتناعه، وليس له تملكه، فإن علم القاضي لم يبع إلا بإذنه، وكذا لو كان له بينة.
ومحله كما بحثه البلقيني في الاول وقياسه الثاني حيث لا مشقة ومؤنة فوق العادة.
وإلا استقل.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: لكنه) أي الرفع للقاضي يحتاج إلى مؤنة ومشقة.
(قوله: وإلا) أي بأن تيسر علم القاضي، أو وجدت بينة مع وجود المشقة، أو مع وجود المؤنة.
(وقوله: اشترط إذنه) أي إذن القاضي في البيع.
وعبارة شرح الروض: فإن اطلع عليه القاضي لم يبعه إلا بإذنه.
قال البلقيني: ولعله فيما إذا لم تحصل مؤنة ومشقة فوق العادة، وإلا فلا يبعد أن يستقل بالبيع كما يستقل بأخذ الجنس وغيره.
اه.
(قوله: ولا ببيعه) أي غير جنس حقه.
(وقوله: إلا بنقد البلد) أي الغالب.
(قوله: ثم إن كان جنس حقه تملكه).
واعلم أن هذا من المتن في غالب النسخ، فبمقتضاه يكون اسم كان يعود على المأخوذ، ولكن الشارح تصرف فيه(4/286)
وجعله عائدا على نقد البلد.
ويوجد في بعض نسخ الخط أنه من الشارح، وعليه فعود الضمير على نقد البلد ظاهر.
(قوله: تملكه) يأتي فيه ما تقدم.
(قوله: وإلا اشترى) أي وإن لم يكن نقد البلد من جنس حقه، إشترى به جنس حقه.
قال في التحفة: لا بصفة أرفع.
اه.
(قوله: وملكه) أي ما اشتراه بنقد البلد الذي ليس من جنس حقه، وظاهره أنه يملكه بمجرد الشراء، وهو كذلك كما في التحفة.
(قوله: ولو كان المدين الخ) لو شرطية جوابها قوله لم يأخذ إلا قدر حصته.
(قوله: أو ميتا) أي أو كان المدين ميتا.
(وقوله: وعليه دين) أي وعلى الميت دين آخر لشخص آخر.
(قوله: لم
يأخذ) أي الظافر بحقه.
(وقوله: إلا قدر حصته بالمضاربة) أي قدر ما يخصه من أموال المحجور عليه أو الميت بعد المقاسمة، وتقسيطها على أرباب الديون.
(قوله: إن علمها) أي قدر حصته، وأنث الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه.
(قوله: وإلا احتاط) أي وإن لم يعلم قدر حصته احتاط.
قال ع ش: أي فيأخذ ما تيقن إن أخذه لا يزيد على ما يخصه.
اه.
(قوله: وله) أي للشخص الدائن.
(وقوله: الاخذ) أي ظفرا.
(وقوله: من مال غريم غريمه) أي كأن يكون لزيد على عمرو دين، ولعمرو على بكر مثله.
فلزيد أن يأخذ من بكر ماله على عمرو، ويلزمه حينئذ أن يعلم الغريم بأخذه حتى لا يأخذ ثانيا، وإن أخذ كان هو الظالم، ولا يلزمه إعلام غريم الغريم إذ لا فائدة فيه، ومن ثم لو خشي أن الغريم يأخذ منه ظلما، لزمه فيما يظهر إعلامه.
(قوله: وإن لم يظفر) أي الدائن الذي هو زيد في المثال.
(وقوله: بمال الغريم) أي غريم الدائن وهو بكر في المثال، فإن ظفر به لم يجز له الاخذ من مال غريم الغريم.
(قوله: وجحد غريم الغريم) يعني وكان غريم الغريم الذي هو بكر جاحدا لغريمه الذي هو عمرو، فلو كان مقرا له غير ممتنع من الاداء لم يجز لزيد أن يأخذ منه شيئا.
(قوله: جاز له) أي للآخذ بنفسه، فلو وكل بذلك أجنبيا لم يجز، فإن فعل ضمن المباشر.
قال في التحفة: ولو قيل بجواز الاستعانة به لعاجز عن نحو الكسر بالكلية لم يبعد.
(قوله: كسر باب أو قفل ونقب جدار) أي بشرط أن لا يكون ما ذكر مرهونا أو مؤجرا، ولا المحجور عليه حجر فلس.
(وقوله: للمدين) متعلق بمحذوف صفة لكل من باب وقفل وجدار.
ويشترط فيه أن لا يكون صبيا أو مجنونا أو غائبا، فلا يؤخذ من مالهم إن ترتب عليه كسر أو نقب لعذرهم، خصوصا الغائب.
وإن لم يترتب على الاخذ ما ذكر جاز، وبعضهم منع الاخذ من مالهم مطلقا.
وعبارة النهاية: ويمتنع نحو النقب في غير متعد لنحو صغر.
قال الاذرعي وفي غائب معذور وإن جاز الاخذ.
اه.
(قوله: إن تعين) أي المذكور من الكسر والنقب، فإن لم يتعين ذلك لم يجز.
فلو فعل ضمن.
(قوله: وإن كان معه بينة) أي يجوز له الكسر والنقب وإن كان بينة معه تشهد بالحق الذي له.
قال في التحفة: وإن كان الذي له تافه القيمة، أو اختصاصا، كما بحثه الاذرعي.
اه.
(قوله: فلا يضمنه) مفرع على جواز الكسر والنقب، وضميره يعود على المذكور من الباب والقفل والجدار.
(قوله: كالصائل) أي فإنه لو تعذر دفعه إلا بإتلاف ماله جاز، ولا يضمن.
وعبارة التحفة: ولا يضمن ما فوته، كمتلف مال صائل تعذر دفعه إلا بإتلافه.
اه.
(قوله: وإن خاف فتنة الخ) محترز قوله بلا خوف فتنة.
(وقوله: أي مفسدة) تفسير لقوله فتنة.
(قوله: تفضي إلى الحرم) أي تؤدي تلك المفسدة إلى ارتكاب حرام.
(وقوله: كأخذ ماله) أي مال الآخذ الدائن لو اطلع عليه، وهو مثال للمفسدة التي تفضي إلى محرم.
إذ أخذ مال الدائن حرام.
(قوله: وجب الرفع) جواب إن.
(قوله: أو نحوه) أي كنائبه ومحكم وذوي شوكة.
(قوله: لتمكنه) أي الدائن، وهو تعليل لوجوب الرفع للقاضي (وقوله: من الخلاص به) أي من خلاص حقه من المدين بالقاضي.
(قوله: ولو كان الدين(4/287)
على غير ممتنع) أي على مقر غير ممتنع من الاداء، وهذا مفهوم قوله مماطل الخ.
(قوله: طالبه) أي طالب الدائن مدينه غير الممتنع.
(قوله: فلا يحل أخذ شئ) أي من مال غير الممتنع من غير مطالبة.
(وقوله: له) يصح تعلقه بالفعل، ويصح بالمصدر.
(قوله: لان له) أي للمدين غير الممتنع.
(وقوله: الدفع من أي ماله شاء) أي بخلاف ما لو استقل بالاخذ، فربما يأخذ شيئا لا تسمح نفس المدين به.
(قوله: فإن أخذ) أي الدائن شيئا من مال غير الممتنع من أدائه.
(قوله: لزمه) أي الدائن الآخذ.
(وقوله: رده) أي للمدين.
(قوله: وضمنه) أي ضمان المغصوب إن تلف.
(قوله: ما لم يوجد الخ) قيد للزوم الرد والضمان.
(وقوله: شرط التقاص) وهو أن يكون الذي أخذه مثل الذي له عند المدين جنسا وقدرا وصفة.
قال في المصباح: قاصصته مقاصة وقصاصا، من باب قاتل إذا كان لك عليه دين مثل ما له عليك، فجعلت الدين في مقابلة الدين.
اه.
(قوله: فرع) الاولى فرعان لانه ذكرهما، الاول: قوله له الاستيفاء الخ.
والثاني: قوله وله جحد الخ.
(قوله: له) أي للدائن المعلوم من السياق.
(وقوله: استيفاء) الحاصل صورة المسألة أن لعمرو مثلا مائتي ريال على بكر، وإحدى المائتين عليها بينة والاخرى ليس عليها ذلك، فأدى بكر المائة التي عليها البينة من غير إطلاعها على الاداء، وأنكر المائة التي بلا بينة، فلعمرو أن يدعي عليه بالمائة الاولى بدل الثانية، ويقيم البينة على ذلك، وإن كان قد أداها في الواقع للضرورة.
(قوله: جاحد له) أي جاحد ذلك الآخر لذلك الدين.
(قوله: بشهود) متعلق باستيفاء (وقوله: دين آخر له) أي للدائن (وقوله: عليه) أي على المدين الجاحد.
(وقوله: قضى من غير علمهم) أي قضى ذلك الدين الآخر من غير علم الشهود به.
(قوله: وله جحد من جحده) يعني إذا كان لزيد مائة ريال على عمرو ولعمرو على زيد كذلك وليس عليهما بينة، فأنكر عمرو الدين الذي عليه لزيد، فيجوز لزيد حينئذ أن يجحده أيضا.
(قوله: مثل ماله) أي للجاحد.
(وقوله: عليه) أي على الدائن الاول.
(قوله: فيحصل التقاص) أي فكل منهما يجعل الدين في ذمته في مقابلة الدين الذي في ذمة الآخر.
(قوله: فإن كان له) أي لمن يسوغ له الجحد.
(وقوله: دون ما للآخر عليه) بأن تكون له خمسون ريالا وللجاحد عنده مائة ريال مثلا.
(وقوله: جحد) جواب إن.
(وقوله: من حقه) أي حق الجاحد.
(وقوله: بقدره) أي بقدر حق
نفسه، وهو في المثال المذكور خمسون ريالا.
(قوله: وشرط للدعوى الخ) إعلم أنه يشترط لصحة كل دعوى سواء كانت بدم أم بغيره، كغصب وسرقة وإتلاف مال ستة شروط: الاول أن تكون مفصلة بأن يفصل المدعي ما يدعيه، وتفصيله يختلف باختلاف المدعى به.
ففي دعوى الدم يكون التفصيل بذكر قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد، إفرادا أو شركة.
وفي دعوي نقد يكون بذكر جنسه ونوعه وقدره.
وفي دعوى عين تنضبط بالصفات، كحيوان وحبوب يكون بوصفها بصفات السلم.
وفي دعوى عقار يكون بذكر جهة وبلد وسكة وحدود أربعة.
وفي دعوى النكاح على حرة يكون بذكر شروطه ورضاها إن كانت غير مجبرة، وعلى أمة يكون بما ذكر ويزيد عليه ذكر خوف العنت وفقد مهر حرة.
الشرط الثاني: أن تكون ملزمة للمدعى عليه، فلا تسمع دعوى هبة شئ أو بيعه أو الاقرار به حتى يقول وقبضته بإذن الواهب، ويلزم البائع أو المقر التسليم إلي.
وذلك لاحتمال أن يقول الواهب، لكنك لم تقبضها بإذني، فلا يلزمه شئ.
ولاحتمال أن يكون للبائع حق الحبس، أو يكون المقر به ليس في يد المقر، فلا يلزمه التسليم إليه.
الشرط الثالث: أن يعين المدعى عليه، فلو قال قتله أحد هؤلاء لم تسمع دعواه، لابهام المدعى عليه.
الشرط الرابع: أن لا تناقضها دعوى أخرى، فلو ادعى على واحد انفراده بالقتل، ثم ادعى على آخر شركة فيه أو انفرادا به لم تسمع دعواه الثانية، لان الاولى تكذبها، ولا يمكن(4/288)
من العود إلى الاولى لان الثانية تكذبها.
الشرط الخامس: أن يكون كل من المدعي والمدعى عليه مكلفا، ومثله السكران.
الشرط السادس: أن يكون كل منهما ملتزما للاحكام وقد نظم بعضهم هذه الشروط بقوله: لكل دعوى شروط ستة جمعت تفصيلها مع إلزام وتعيين أن لا تناقضها دعوى تغايرها تكليف كل ونقي الحرب للدين وكلها تؤخذ من كلامه ما عدا التعين بعضها صراحة وبعضها ضمنا.
(قوله: حتى تسمع) أي تلك الدعوى، أي يسمعها القاضي.
(وقوله: وتحوج إلى جواب) أي تحوج الخصم إلى أن يجيب صاحب الدعوى.
(قوله: بنقد) متعلق بالدعوى.
(وقوله: خالص أو مغشوش) تعميم في النقد.
(قوله: أو دين) معطوف على نقد: أي وشرط للدعوى بدين.
(قوله: مثلي) أي ذلك الدين، كإردب حب مسلم فيه أو مقترض.
(وقوله: أو متقوم) هو بكسر الواو معطوف على مثلي، وذلك كعبد مسلم فيه أو مقترض.
(قوله: ذكر جنس) نائب فاعل شرط، والمراد بالجنس هنا ما كثرت أفراده واختلفت صفاته لا الجنس المنطقي - كما هو ظاهر - قال في فتح الجواد: وقد
يغني النوع عنه.
(قوله: من ذهب أو فضة) بيان للجنس.
(قوله: ونوع) معطوف على جنس: أي وشرط ذكر نوع كأشر في أو ظاهري وكريال مجيدي، أو فرنساوي كجنيه فرنساوي أو مجيدي وهكذا.
(قوله: وصحة وتكسر) معطوف أيضا على جنس: أي وشرط ذكر صحة وتكسر.
(وقوله: إن اختلف بهما) أي بالصحة والتكسر غرض.
وعبارة الروض وشرحه: وكذا بيان صحة وتكسر نقدان أثرا في قيمته بأن اختلفت قيمته بهما، أما إذا لم تختلف قيمة النقد بالصحة والتكسر فلا يحتاج إلى بيانها اه.
بحذف.
(قوله: وقدر) معطوف على جنس أيضا: أي وشرط ذكر قدر كعشرة.
(قوله: كمائة درهم الخ) مثال للمستجمع للقيود ما عدا ما قبل الاخير فلم يذكره، وكان حقه أن يذكره.
وعبارة شرح الروض: كمائة درهم فضة ظاهرية، صحاح أو مكسرة.
اه.
(وقوله: أشرفية) نسبة للسلطان الاشرف.
(قوله: أطالبه بها الآن) زائد على القيود السابقة، وهو ساقط من عبارة المنهج وشرح الروض، فكان الاولى إسقاطه هنا، وإن كان هو لا بد منه لما علمت أن من شروط الدعوى الالزام في الحال.
(قوله: لان شرط الخ) علة لاشتراط ما ذكر في الدعوى بنقد أو دين: أي وإنما شرط للدعوى بنقد أو دين، ذكر ما ذكر لان شرط الدعوى أن تكون معلومة، وهي لا تعلم إلا بذكر ذلك في المدعى به.
(قوله: وما علم الخ) هو في معنى الاستدراك على اشتراط القدر، فكان الاولى زيادة أداة الاستدراك كما في شرح الروض.
(قوله: ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش) قال في التحفة: بناء على الاصح أنه مثلي، فقول البلقيني يجب فيه مطلقا ممنوع.
اه.
وكتب سم قوله بناء على الاصح الخ.
ما نصه: قضيته إعتبار ذكر القيمة في الدين المتقوم لكن عبر في المنهج وشرحه بقوله: ومتى ادعى نقدا أو دينا مثليا أو متقوما وجب ذكر جنس ونوع وقدر وصفة.
اه.
ولم يتعرض لاعتبار ذكر القيمة -.
(قوله: ولا تسمع دعوى) أي على المفلس.
(وقوله: دائن مفلس) تركيب إضافي.
(وقوله: ثبت فلسه) أي عند القاضي.
(قوله: أنه وجد مالا) المصدر المنسبك من أن وإسمها وخبرها منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بدعوى.
والمعنى لا تسمع دعوى دائن على مفلس بأن المفلس تحصل عنده مال.
(وقوله: حتى يبين) أي الدائن المدعى.
(وقوله: سببه) أي سبب وجود المال عنده.
(قوله: كإرث الخ) تمثيل للسبب.
(قوله: وقدره) بالنصب معطوف على سببه، أي وحتى يبين قدر المال الذي وجد عنده، فإن لم يبين سببه وقدره لا تسمع دعواه عليه.
أما في الاول فالظاهر عدم وجود مال عنده.
وأما في الثاني فلان المال يطلق على أقل متمول فلربما أنه وجد مالا(4/289)
كما قال المدعي، إلا أنه لا يقع الموقع فلا فائدة في سماع الدعوى.
(قوله: وفي الدعوى بعين) معطوف على للدعوى
بنقد، أي وشرط في الدعوى بعين، والمراد بها غير النقد، أما هو فقد تقدم ذكره.
آنفا.
(قوله: تنضبط بالصفات) خرج به العين التي لا تنضبط بالصفات كالجواهر، فالمعتبر فيها ذكر القيمة.
فيقول جوهرة قيمتها كذا.
(قوله: كحبوب وحيوان) تمثيل للعين التي تنضبط بالصفات، ومثل بمثالين إشارة إلى أن لا فرق في العين بين أن تكون من المثليات كالمثال الاول، أو من المتقومات كالمثال الثاني.
(قوله: ذكر صفة نائب) فاعل شرط مقدرا قبل قوله وفي الدعوى بعين.
وأفهم إطلاقه إشتراط ذكر الصفة في المتقوم، وهو كذلك عند حجر.
وعند م ر يجب في المثلي، ويندب في المتقوم مع وجوب ذكر القيمة فيه.
(قوله: بأن يصفها) أي العين المدعى بها.
(وقوله: بصفات سلم) أي لانها لا تتميز التميز الكامل إلا بها، وذلك بأن يذكر في الرقيق نوعه كحبشي أو رومي، وذكورته أو أنوثته، وقده طولا أو قصرا، ولونه كأبيض.
ويذكر في الثوب الجنس كقطن أو كتاب أو حرير، والنوع كقطن عراقي، والطول والعرض وهكذا.
وقد تقدم تفصيل ذلك في باب السلم.
(قوله: ولا يجب ذكر القيمة) أي قيمة العين إكتفاء بذكر صفات السلم.
(قوله: فإن تلفت العين الخ) مقابل لمحذوف، أي هذا إن بقيت العين، فإن تلفت الخ.
ومثل التالفة ما إذا غابت عن البلد، فيجب ذكر القيمة في المتقوم، ولا يجب ذكر الصفات كما صرح بذلك في التحفة في فصل في غيبة المحكوم به، ونص عبارتها مع الاصل: ويبالغ وجوبا المدعي في الوصف للمثلي، ويذكر القيمة في المتقوم وجوبا، إذ لا يصير معلوما إلا بها، أما ذكر قيمة المثلي والمبالغة في وصف المتقوم فمندوبان كما جريا عليه هنا.
وقولهما في الدعاوي يجب وصف العين بصفات السلم دون قيمتها مثلية كانت أو متقومة، محمول على عين حاضرة بالبلد يمكن إحضارها مجلس الحكم.
اه.
(قوله: وجب ذكر القيمة مع الجنس) أي ولا يجب ذكر بقية الصفات، لان القيمة هي الواجبة عند التلف، فلا حاجة لذكر شئ من الصفات معها.
(قوله: (قوله: وفي الدعوى بعقار) معطوف على للدعوى بنقد: أي وشرط في الدعوى بعقار.
(وقوله: ذكر جهة) نائب فاعل شرط مقدرا قبل قوله وفي الدعوى بعقار، والجهة كالحجاز أو الشام.
(وقوله: ومحلة) أي وذكر محلة، - وهي بفتحتين وتشديد اللام المفتوحة - المعبر عنها بالحارة.
(وقوله: وحدود أربعة) أي وذكر حدود أربعة وهي - الشرق والغرب والشام واليمن -، وبقي عليه ذكر البلد والسكة، أي الزقاق، وأنه في يمنة داخل السكة أو يسرته.
وعبارة الروض وشرحه: ويبين في دعوى العقار الناحية والبلدة والمحلة والسكة والحدود الاربعة، وأنه في يمنة داخل السكة أو يسرته أو صدرها ذكره البلقيني ولا حاجة لذكر القيمة.
اه.
(قوله: فلا يكفي ذكر ثلاثة منها) أي من الحدود.
(وقوله: إذا لم يعلم) أي العقار، وهو قيد في عدم الاكتفاء بذلك.
(قوله: فإن علم بواحد منها) أي من الحدود الاربعة.
(وقوله:
كفى) أي ذكر ذلك الواحد.
(قوله: بل لو أغنت شهرته) أي العقار، كأن وضع له إسم لا يشاركه فيه غيره، كدار الندوة بمكة.
(وقوله: عن تحديده) أي بالحدود الاربعة.
(وقوله: لم يجب) أي التحديد.
(قوله: وفي الدعوى بنكاح) معطوف أيضا على للدعوى بنقد: أي وشرط في الدعوى بنكاح.
(وقوله: على امرأة) متعلق بالدعوى، وهي ليست بقيد، بل مثلها الرجل، فلو ادعت زوجية رجل وذكرت ما يأتي من الصحة وشروط النكاح، فأنكر فحلفت اليمين المردودة، ثبتت زوجيتها ووجبت مؤنتها وحل له إصابتها، لان إنكار النكاح ليس بطلاق، قاله الماوردي.
وحل إصابتها يكون ظاهرا لا باطنا إن صدق في الانكار.
(قوله: ذكر صحته) أي النكاح، وهو نائب فاعل شرط المقدر أيضا.
(وقوله: وشروطه) أي النكاح، وذلك بأن يقول نكحتها نكاحا صحيحا بولي وشاهدين، ويصفهم بالعدالة، ويصف المرأة بالرضا إن كانت غير مجبرة.
قال في شرح الروض: ولا يشترط تعيين الولي والشاهدين، ولا التعرض لعدم الموانع، لان الاصل(4/290)
عدمها ولكثرتها.
اه.
وإنما شرط الجمع بين ذكر الصحة وذكر الشرط مع أن كل واحد منهما يستلزم الآخر إحتياطا في النكاح.
(قوله: من نحو ولي الخ) بيان للشروط، ودخل تحت نحو السيد الذي يلي نكاح الامة.
(وقوله: عدول) صفة لكل من ولي وشاهدين.
(قوله: ورضاها) معطوف على نحو ولي من عطف الخاص على لعام، ولو قال كرضاها تمثيلا لنحو ما ذكر لكان أولى.
(وقوله: إن شرط) أي الرضا.
(وقوله: بأن كانت غير مجبرة) تصوير لشرط الرضا.
قال في التحفة: أما إذا لم يشترط رضاها كمجبرة فلا يتعرض له بل لمزوجها من أب أو جد، أو لعلمها به إن ادعى عليها.
اه.
(وقوله: بل لمزوجها الخ) أي بل يتعرض له أو لما بعده بأن يقول نكحتها من أبيها أو جدها، أو هي عالمة به.
(قوله: فلا يكفي فيه) أي في دعوى النكاح، وذكر الضمير مع أن المرجع مؤنث لاكتسابه التذكير من المضاف إليه.
(وقوله: الاطلاق) أي بأن لم يتعرض للشروط، وقيل يكفي ذلك، ويكون التعرض لذلك مستحبا، كما اكتفى به في دعوى إستحقاق المال، فإنه لا يشترط فيه ذكر السبب بلا خلاف، ولانه ينصرف إلى النكاح الشرعي، وهو ما وجدت فيه الشروط.
اه.
نهاية.
تنبيه: يستثنى من عدم الاكتفاء بالاطلاق على المعتمد أنكحة الكفار، فيكفي في الدعوى بها أن يقول هذه زوجتي، وإن ادعى استمرار نكاحها بعد الاسلام ذكر ما يقتضي تقريره.
وأفاده المغني.
(قوله: فإن كانت الزوجة أمة وجب) أي زيادة على ما مر.
(وقوله: ذكر العجز الخ) أي ذكر ما يبيح له نكاح الامة
من الشروط التي ذكرها، وذلك بأن يقول نكحتها نكاحا صحيحا بولي وشاهدين، وإني عاجز عن مهر حرة، وخائف العنت، وليس تحتي زوجة حرة.
(قوله: وفي الدعوى بعقد مالي) معطوف على للدعوى بنقد أيضا: أي وشرط في الدعوى بعقد مالي، أي يتعلق بالمال.
(وقوله: كبيع وهبة) تمثيل له.
(وقوله: ذكر صحته) أي العقد وهو نائب فاعل شرط المقدر كالذي قبله.
(قوله: ولا يحتاج إلى تفصيل) أي ولا يحتاج العقد المالي: أي الدعوى به إلى تفصيل بذكر شروطه، بل يكفي فيه الاطلاق، وقيل يشترط فيه ذلك كأن يقول بعته إياه بيعا صحيحا بثمن معلوم، ونحن جائزا التصرف وتفرقنا عن تراض.
(قوله: كما في النكاح) تمثيل للمنفي، فإنه يحتاج فيه إلى التفصيل كما مر.
(وقوله: لانه) أي النكاح، وهو علة لكون النكاح يحتاج فيه إلى التفصيل.
(وقوله: أحوط حكما منه) أي من العقد المالي، وكان المناسب في العلة أن يقول: لانه دون النكاح في الاحتياط.
(قوله: وتلغو الدعوى بتناقض) أي بوجود تناقض: أي مناقض لها، وذلك كأن يدعي شخص على إنسان أنه قتل مورثه وحده، ثم يدعي ثانيا ويقول قتله آخر وحده أو مع الاول، فلا تسمع الثانية لمناقضتها الاولى، ولا يمكنه الرجوع إلى الاولى لمناقضتها الثانية.
ومحل إلغاء ما ذكر إذا لم يحصل إقرار من المدعى عليه حينئذ، فيؤاخذ مدعى عليه مقر صدقه المدعي في إقراره بمضمون الاولى أو الثانية لان الحق لا يعدوهما، وغلط المدعي في الاخرى محتمل.
(قوله: فلا يطلب الخ) تفريع على إلغائها.
(قوله: كشهادة) أي كإلغاء شهادة خالفت الدعوى، فالكاف للتنظير.
(قوله: كأن ادعى الخ) تمثيل لالغاء الشهادة، ولم يمثل لالغاء الدعوى وقد علمته.
(وقوله: بسبب) أي كإرث مثلا.
(قوله: فذكر الشاهد سببا آخر) أي كهبة.
(قوله: فلا تسمع) أي الشهادة (قوله: لمنافاتها) أي الشهادة.
(وقوله: الدعوى) مفعول المصدر، أو منصوب بإسقاط الخافض.
(قوله: وقضيته) أي التعليل.
(وقوله: أنه) أي الشاهد.
(وقوله: لو أعادها) أي الشهادة.
(وقوله: قبلت) أي الشهادة.
قال في التحفة: وينبغي تقييده بمشهور بالديانة إعتيد، نحو سبق لسان أو نسيان.
اه.
(قوله: وبه صرح الخ) أي وبقبول الشهادة المعادة، صرح الشيخ(4/291)
إسماعيل الحضرمي.
(قوله: ولا تبطل الدعوى بقوله) أي المدعي.
(وقوله: شهودي فسقة الخ) الجملة مقول القول.
وخرج بالدعوى نفس البينة، فتبطل بقوله المذكور ولا تقبل.
قال في الروض وشرحه: ومن كذب شهوده سقطت بينته لتكذيبه لها لا دعواه، لاحتمال كونه محقا فيها، والشهود مبطلين لشهادتهم بما لا يعلمون، وفي مثله قال الله تعالى: * (والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) *.
اه.
(قوله: فله إقامة الخ) مفرع على عدم بطلان
الدعوى: أي وإذا لم تبطل الدعوى فله إقامة بينة أخرى: أي غير بينته الاولى، أما هي فلا تقبل ثانيا ما لم تحصل توبة وتمضي مدة الاستبراء، وإلا قبلت - كما في البجيرمي - نقلا عن سم.
ونص عبارته: ولو قال شهودي فسقة أو عبيد ثم جاء بعد، فإن مضت مدة استبراء أو عتق قبلت شهادتهم.
وإلا فلا.
اه.
(قوله: والحلف) هكذا في التحفة.
وانظر ما المراد به ؟ فإن كان المراد أن له إقامة البينة مع الحلف فانظر لاي شئ يحلف ؟ وإن كان المراد أن له إقامة البينة وله الحلف بمعنى أنه مخير بينهما فلا يصح إذ لا يقبل منه حلف فقط، وإن كان المراد به حلف النكول بأن قال القاضي للخصم بعد عجز المدعي عن الاتيان بالبينة أحلف، فأبى الخصم ذلك صح، ولكنه بعيد من كلامه.
فتأمل.
(قوله: ومن قامت عليه بينة) أي شهدت عليه بينة.
(قوله: بحق) أي بثبوت حق عنده، والجار والمجرور متعلق بقامت.
(قوله: ليس له) أي لمن قامت عليه البينة.
(وقوله: تحليف المدعي) أي على من قامت عليه البينة بحق.
(وقوله: على استحقاق ما ادعاه) متعلق بتحليف.
(وقوله: بحق) هو ضد الباطل، وهو متعلق بإستحقاق: أي ليس لمن قامت عليه البينة أن يحلف المدعي بأن ما ادعى به عليه يستحقه بحق.
(قوله: لانه) أي التحليف، وهو علة لقوله ليس له الخ.
(وقوله: تكليف حجة) هي اليمين، وهي حجة في الجملة.
(وقوله: بعد حجة) هي البينة.
(قوله: فهو الخ) أي تحليف المدعي مع إقامة البينة كالطعن في الشهود، أي القدح فيهم، وهو ممتنع فكذلك التحليف بعد إقامة البينة.
ممتنع، وهذا تعليل ثان لقوله ليس الخ.
وعبارة النهاية: لانه كالطعن في الشهود، ولظاهر قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين) *.
اه.
(قوله: نعم له تحليف الخ) إستثناء من امتناع التحليف مع إقامة البينة، فكأنه قال يمتنع التحليف مع إقامة البينة، إلا إن ادعى المدين أنه معسر وأقام بينة على إعساره، فللدائن تحليفه بأنه ليس عنده مال، لاحتمال أن يكون له مال باطنا.
(قوله: بإعساره) تنازعه كل من تحليف والبينة.
(قوله: لجواز الخ) علة لكون الدائن له أن يحلف المدين.
(وقوله: مالا لا باطنا) أي لم تطلع عليه البينة.
(قوله: ولو ادعى الخ) هذا استثناء أيضا من امتناع التحليف مع إقامة البينة، فكأنه قال يمتنع التحليف مع إقامة البينة، إلا إن ادعى الخصم بعد إقامة البينة عليه أنه أدى الدائن حقه وأن الدائن أبرأه منه أو غير ذلك، فله أن يحلفه على نفي ما ادعاه.
(قوله: خصمه) أي خصم الدائن، وهو المدين.
(قوله: مسقطا له) أي للحق.
(قوله: كأداء الخ) تمثيل للمسقط.
(وقوله: له) أي للحق، وكذا ضمير منه بعد.
وفي المغني ما نصه: يستثني من إطلاق المصنف الاداء ما لو قال الاجير على الحج قد حججت، فإنه يقبل قوله ولا يلزمه بينة ولا يمين.
قاله الدبيلي.
اه.
(قوله: أو شرائه) بالجر عطف على أدائه: أي وكشرائه: أي الحق منه: أي من المدعي، وذلك بأن يدعي عليه بعبد مثلا
في ذمته ويقيم البينة على ذلك، فيقول الخصم قد اشتريته منك.
(قوله: فيحلف) يصح قراءته بالبناء للمجهول، فيكون بضم الياء وفتح الحاء وتشديد اللام المفتوحة، وضميره يعود على الدائن المدعى عليه بالاداء ونحوه.
ويصح قراءته بالبناء للمعلوم، فيكون بفتح الياء وسكون الحاء وكسر اللام.
والمناسب الاول.
(وقوله: على نفي ما ادعاه الخصم) أي
__________
(1) سورة المنافقون، الاية: 1.
(2) سورة البقرة، الاية: 282.(4/292)
بأن يقول والله ما تأديت منه الحق ولا أبرأته ولا بعته عليه.
(قوله: لاحتمال ما يدعيه) تعليل لكونه يحلف، ومحل تحليفه على نفي ذلك إن ادعى الخصم ذلك قبل قيام البينة والحكم أو بينهما ومضي زمن إمكانه، وإلا فلا يلتفت لدعواه كذا في شرح المنهج.
(قوله: وكذا لو ادعى الخ) أي وكذلك يحلف على نفي ما ادعاه لو ادعى الخ وهو مستثنى مما مر أيضا.
(وقوله: علمه) مفعول ادعى، وضميره يعود على من ادعى عليه بحق دائنا أو غيره.
(وقوله: بفسق شاهده) أي الذي أقامه شاهدا على حقه، وهو مفرد مضاف فيعم فيشمل الشاهدين.
(وقوله: أو كذبه) أي أو علمه بكذبه، فهو بالجر معطوف على بفسق.
وعبارة الروض وشرحه: وإن ادعى علمه بفسق الشهود أو كذبهم، فله تحليفه أنه لا يعلم ذلك لانه لو أقر به لنفعه، وكذا إن ادعى عليه بكل ما لو أقر به لنفعه، كأن ادعى إقراره له بكذا: أي بالمدعي به الخ.
اه.
(قوله: ولا يتوجه حلف على شاهد أو قاض الخ) عبارة الروض وشرحه: ولا يجوز تحليف القاضي ولا الشهود، وإن كان ينفع الخصم تكذيبهما أنفسهما لما مر أن منصبهما يأبى التحليف.
اه.
(قوله: ادعى) أي الخصم.
(وقوله: كذبه) أي الشاهد في شهادته، أو القاضي في حكمه.
وعبارة متن المنهاج: ولا يحلف قاض على تركه الظلم في حكمه، ولا شاهد أنه لم يكذب.
اه.
(قوله: لانه) أي توجه الحلف عليهما، وهو علة لقوله ولا يتوجه.
(وقوله: يؤدي إلى فساد عام) أي وهو ضياع حقوق الناس، وذلك لان التحليف كالطعن في الشهادة أو في الحكم، وليس هناك أحد يرضى الطعن في شهادته أو في حكمه، فإذا علم الشاهد أو القاضي أنه يحلف، امتنع الاول من الشهادة والثاني من الحكم، فيؤدي ذلك إلى ضياع حقوق الناس، وهذا فساد عام.
هذا ما ظهر في معنى الفساد العام.
(قوله: ولو نكل) أي مقسم البينة من الحلف، وهو مرتبط بالصور الثلاث: أعني قوله: نعم له تحليف الخ.
وقوله: لو ادعى خصمه الخ.
وقوله: وكذا لو ادعى الخ.
ومقيم البينة في الصورة الاولى المدين المعسر، وفي الصورتين الباقيتين المدعي بحق دائنا كان أو غيره.
(قوله: حلف المدعى عليه) أي اليمين المردودة، والمدعى عليه في الصورة الاولى الدائن، وذلك لان المدين يدعي بأنه معسر
فطلب الدائن منه اليمين ونكل منها، فيحلف الدائن حينئذ اليمين المردودة، ولا تسمع بينة الاعسار.
وفي الصورتين الباقيتين من عليه الحق.
(وقوله: بطلت الشهادة) أي بالاعسار في الصورة الاولى، وبثبوت الحق في ذمة المدين في الصورتين الباقيتين.
(قوله: وإذا طلب الامهال) أي من القاضي.
(قوله: من قامت عليه البينة) من إسم موصول فاعل طلب، والجملة بعده صلة الموصول.
(قوله: أمهله القاضي) أي أمهل من طلب منه الامهال.
(قوله: لكن بكفيل) أي لكن يمهله بشرط أن يأتي بكفيل عليه يحضره إذا هرب.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يأت بكفيل.
(وقوله: فبالترسيم عليه) أي فيمهله مع الترسيم عليه: أي المحافظة عليه من طرف القاضي.
(قوله: إن خيف هربه) راجع لاصل الاستدراك كما في الرشيدي.
(قوله: ثلاثة) مفعول في لامهل، أو نائب عن المفعول المطلق: أي إمهالا ثلاثة أيام.
(قوله: ليأتي) أي من طلب الامهال، وهو علة طلبه إياه.
أي طلب الامهال لاجل أن يأتي الخ.
(وقوله: بدافع) أي بينة دافع، فهو على حذف مضاف، إذ المأتي به البينة لا الدافع الذي بينه بقوله من نحو أداء أو إبراء، ويجب استفساره الدافع إن لم يفسره وكان جاهلا لانه قد يتوهم ما ليس بدافع دافعا، بخلاف ما إذا كان عارفا.
(قوله: ومكن من سفره) أي إن احتاج في إثباته إليه.
(وقوله: ليحضره) أي الدافع: أي بينته كما علمت.
(قوله: إن لم تزل المدة) أي مدة السفر، وهو قيد لتمكينه من السفر.
(وقوله: على الثلاثة) أي التي هي مدة الامهال، فإن كانت تزيد عليها لا يمكن منه.
وفي البجيرمي: فرع: لو قال لي بينة في المكان الفلاني والامر يزيد على الثلاثة فمفهوم كلامهم عدم الامهال، فلو قضى عليه ثم أحضرها بعد الثلاثة أو قبلها سمعت.
عميرة شوبري.
اه.(4/293)
(قوله: لانها) أي الثلاث لا يعظم الضرر فيها، وهو تعليل لكونه يمهل ثلاثة من الايام.
قال في التحفة: ولو أحضر بعد الثلاث شهود الدافع، أو شاهدا واحدا، أمهل ثلاثا أخرى للتعديل أو التكميل، كما صرح به الماوردي، لكن ضعفه البلقيني.
ولو عين جهة ولم يأت ببينتها ثم ادعى أخرى عند انقضاء مدة المهلة واستمهل لها لم يمهل، أو أثنائها أمهل بقيتها.
اه.
(وقوله: ولو عين جهة) أي للدفع، كأداء أو إبراء.
(قوله: ولو ادعى) أي شخص.
(وقوله: رق) مفعول ادعى.
(قوله: مجهول النسب) خرج به ما إذا علم نسبه، فلا تسمع دعوى الرق عليه أصلا.
(قوله: فقال) أي البالغ العاقل المدعى عليه في الرق.
(قوله: أنا حر أصالة) أي لا يضرب علي الرق أصلا.
وفي سم وقع السؤال عما لو كانت أمه رقيقة وقال أنا حر الاصل، فهل يقبل قوله بيمينه أيضا، لاحتمال حرية الاصل مع ذلك بنحو وطئ شبهة يقتضي
الحرية.
أو لا بد من بينة لان الولد يتبع أمه في الرق، فالاصل في ولد الرقيقة هو الرق، وفيه نظر.
ولعل الاوجه الثاني، وبه أفتى م ر متكررا، ويؤيده تعليلهم بموافقة الاصل وهو الحرية، إذ لا يقال في ولد الرقيقة أن الاصل فيه الحرية.
اه.
(قوله: ولم يكن) أي المدعى عليه بالرق.
(وقوله: قد أقر له) أي لمدعي الرق، أي أو لغيره.
وعبارة شرح الروض ولم يسبق منه إقرار برق اه.
وهي أولى.
(وقوله: قبل) أي قبل قوله أنا حر أصالة.
وخرج به ما لو أقر بالرق ثم ادعى حرية الاصل فلا تسمع دعواه بها، كما صرح به في التحفة قبيل باب الجعالة.
وفي شرح الروض وخرج ما لو قال أنا عبد فلان، فالمصدق السيد لاعتراف العبد بالرق، وأنه مال ثبتت عليه اليد، واليد عليه للسيد فلا تنتقل بدعواه.
اه.
(وقوله: وهو رشيد) الجملة الحالية، أي لم يكن قد أقر به في حال كونه رشيدا، وفي التقييد به خلاف.
ولذلك قال في التحفة: وهو رشيد على ما مر قبيل الجعالة، ونص عبارته هناك، وإن أقر به أي الرق، وهو المكلف.
وعن ابن عبد السلام ما يقتضي اعتبار رشده أيضا، وظاهر كلامهم خلافه.
اه.
وكتب سم قوله اعتبار رشده قد يؤيده أنه إقرار بمال وشرطه الرشد، اللهم إلا أن يمنع أن الاقرار بالرق ليس من الاقرار بالمال، وإن ترتب عليه المال.
اه.
(قوله: حلف) أي مدعي الحرية.
(قوله: فيصدق بيمينه) أي إن لم يأت مدعي الرق ببينة، وإلا قدمت.
(قوله: وإن استخدمه) أي إستخدم مدعي الرق مدعي الحرية، وهو غاية لتصديق الثاني بيمينه.
(قوله: قبل إنكاره) أي إنكار مدعي الحرية الرق، وهو لا مفهوم له كما هو ظاهر.
(قوله: أو تداولته الايدي) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا: أي وإن تداولته الايدي: أي استعملته الايدي بأن صار ينتقل من يد إلى يد أخرى على سبيل الاستخدام، أو الاجارة، أو البيع.
(قوله: لموافقته الاصل) تعليل لقوله فيصدق بيمينه، وعبارة شرح الروض: صدق بيمينه وإن تداولته الايدي وسبق من مدعي رقه قرينة تدل على الرق ظاهرا، كاستخدام وإجارة قبل بلوغه لان اليد والتصرف إنما يدلان على الملك فيما هو مال في نفسه، وهذا بخلافه لان الاصل الحرية.
اه.
(قوله: وهو) أي الاصل الحرية.
(قوله: ومن ثم) أي من أجل أن الاصل الحرية.
(وقوله: قدمت بينة الرق) أي البينة المثبتة للرق.
(وقوله: على بينة الحرية) أي البينة المثبتة للحرية.
(قوله: لان الاولى الخ) علة للمعلل مع علته: أي وإنما قدمت بينة الرق لكون الاصل الحرية، لان مع بينة الرق زيادة علم: أي علم بينة الحرية، وبيان ذلك أن بينة الحرية إنما علمت بالاصل فقط وهو الحرية، وبينة الرق علمت به وبطرو الرق عليها فعلمها يزيد على علم الاولى بذلك.
(وقوله: بنقلها عن الاصل) الضمير يعود على البينة، والباء سببية متعلقة بزيادة: أي وإنما كان معها زيادة علم بسبب إنتقالها عن الاصل الذي هو الحرية، وشهادتها بخلافه وهو الرق الذي يطرأ غالبا على الحرية.
(قوله: وخرج
بقولي أصالة) أي من قوله أنا حر أصالة.
(قوله: ما لو قال) أي مدعي الحرية الرق.
(وقوله: أعتقتني الخ) مقول القول.
(قوله: فلا يصدق إلا ببينة) أي لا يصدق مدعي العتق إلا ببينة يقيمها عليه، لان الاصل عدمه.
(قوله: وإذا ثبتت حريته(4/294)
الاصلية) مثله ما لو ثبتت حريته العارضة بالعتق بالبينة، فيرجع المشتري على بائعه.
(قوله: بقوله) أي بقوله أنا حر أصالة: أي مع اليمين كما هو ظاهر.
(قوله: رجع الخ) جواب إذا.
(قوله: وإن أقر) أي المشتري له.
أي للبائع بالملك وهو غاية للرجوع بالثمن.
(قوله: لانه) أي المشتري المقر وهو علة لمقدر: أي فلا يضر إقراره لانه الخ.
(وقوله: بناه) أي الملك.
(وقوله: على ظاهر اليد) أي على ظاهر كونه تحت يده وتصرفه، فإن الذي يظهر من ذلك أنه ملكه.
(قوله: أو ادعى) معطوف على مدخول لو، فهي مسلطة عليه أيضا، أي ولو ادعى شخص رق صبي أو مجنون.
(وقوله: كبير) صفة لمجنون.
(قوله: ليس) أي من ذكر من الصبي والمجنون.
(وقوله: في يده) أي في قبضته وتصرفه.
والضمير يعود على مدعي الرق.
(قوله: وكذبه) أي كذب المدعي صاحب اليد: أي بأن قال له أنه ليس برقيق، وهذا إذا كان في يد غيره، وإلا فقد يكون ليس في يد أحد والحكم واحد.
(قوله: لم يصدق) أي مدعي الرق.
(قوله: من بينة) هو مع ما بعده بيان للحجة.
(وقوله: أو يمين مردودة) أي من صاحب اليد.
(قوله: لان الاصل عدم الملك) أي ولا يترك هذا الاصل إلا بحجة.
(قوله: فلو كان الصبي بيده) أي مدعي الرق.
(وقوله: وصدقه صاحب اليد) إظهار في مقام الاضمار، وهو محترز قوله وكذبه صاحب اليد.
(قوله: حلف) أي مدعي الرق، أي يحكم له به باليمين.
(قوله: لخطر شأن الحرية) تعليل للحلف.
(قوله: ما لم يعرف لقطه) أي يحلف ويصدق به ما لم يعلم لقط صاحب اليد له، فالمضير يعود على صاحب اليد مطلقا، سواء كان هو مدعي الرق أم لا، والاضافة من إضافة المصدر لفاعله، ويصح أن يعود على المدعى عليه بالرق، والاضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل.
(قوله: ولا أثر لانكاره) أي المدعى عليه بالرق إذا بلغ.
نعم: إن أتى ببينة صدق بها.
(قوله: فإن عرف لقطه) محترز قوله ما لم يعرف لقطه.
(قوله: لم يصدق) أي من ادعى الرق سواء كان هو الملتقط أو من كان تحت يده كما مر.
(وقوله: إلا ببينة) أي لان اللقيط محكوم عليه بالحرية ظاهرا فلا يزال عنها إلا بمستند قوي وهو البينة.
(قوله: لا تسمع الدعوى بدين مؤجل) قال في النهاية: إلا إن كان بعضه حالا وادعى بجميعه ليطالبه بما حل سمعت.
اه.
(قوله: إذ لم يتعلق بها) أي بدعوى الدين المؤجل.
(وقوله: إلزام ومطالبة في الحال) أي ومن شرط الدعوى كما تقدم أن تكون ملزمة المدعى عليه بالمدعى به في الحال.
(قوله ويسمع
قول البائع المبيع وقف الخ) أي إذا باع عينا ثم ادعى الوقفية وأن البيع باطل، سمعت دعواه.
والمراد بسماعها بالنسبة لتحليف الخصم أنه باعه وهي ملكه.
وفائدة ذلك أنه ربما ينكل فيحلف البائع بأنها ليست ملكا وإنما هي وقف، ويبطل البيع وهذا إن لم يكن عنده بينة، وإلا عمل بها، ولا تحليف كما هو ظاهر.
(قوله: وكذا ببينة) لعل الباء زائدة من النساخ: أي وكذا تسمع بينة أيضا إن وجدت.
(وقوله: إن لم يصرح حال الخ) قيد لقوله وكذا ببينة: أي وكذا تسمع إن لم يصرح البائع حال البائع بأنها ملكه بأن اقتصر على البيع ولم يذكر شيئا.
(قوله: وإلا سمعت الخ) أي وإلا لم يصرح، بأن صرح حال البيع بأنها ملكه ثم ادعى الوقفية سمعت دعواه فقط، أي ولم تسمع بينته، ولو قال وإلا لم تسمع بينته وسمعت دعواه الخ لكان أنسب.
(وقوله: لتحليف الخ) هذا ثمرة سماع دعواه: أي سمعت دعواه لاجل تحليف الخصم أنه باعه والمبيع ملك له لا وقف، فإن حلف استمر البيع على صحته، وإلا بأن نكل حلف البائع وبطل البيع وثبتت الوقفية، وما ذكرته من الحل المذكور هو مقتضى صنيعه كالتحفة، ويؤيده عبارة الانوار ونصها: ولو ادعى البائع أنه وقف قال القفال: لا تسمع بينته والتقييد بها يشعر بسماع دعواه وتحليف خصمه، وقال العراقيون تسمع إذا لم يصرح بأنه ملكه(4/295)
بل اقتصر على البيع.
اه.
وقوله تسمع: أي البينة.
وجرى في الروض وشرحه على أنه إذا لم يصرح بأنها ملكه سمعت دعواه وبينته، وإذا صرح بذلك لم تسمع دعواه، ولا بينته وعبارتهما: ولو ادعى البائع وقفها ولم يكن قال حين البيع هي ملكي سمعت دعواه للتحليف وبينته وإلا: أي وإن قال ذلك لم تسمع دعواه ولا بينته، وتقييد سماع دعواه بكونه لم يقبل ذلك من زيادته أخذا من المسألة الآتية، وظاهر أن محل عدم سماعها فيهما إذا لم يذكر تأويلا.
ولو قال البائع للمشتري منه بعتك وأنا لا أملكها والآن قد ملكتها، ولم يكن قال حين البيع هي ملكي، سمعت دعواه وبينته.
فإن لم يكن له بينة حلف المشتري أنه باعه إياها وهي ملكه، وإن كان قال ذلك لم تسمع دعواه ولا بينته.
اه.
وقوله إذا لم يذكر تأويلا: أي لقوله أولا هي ملكي، ثم قوله ثانيا هي وقف، فإن ذكر تأويلا سمعت دعواه وبينته، والتأويل مثل أن يبيعه ظانا أنها ملكه لكونه ورثها لم يعلم أن مورثه أوقفها، ثم يتبين له بعد البيع أنه قد وقفها فتسمع دعواه الوقفية وبينتها، والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/296)
فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به
لما أنهى الكلام على بيان كيفية الدعوى شرع في بيان كيفية الجواب وما يكفي منه وما لا يكفي.
والجواب شيئان: إما إقرار أو إنكار.
(وقوله: وما يتعلق به) أي بالجواب، وهو اليمين أو النكول.
(قوله: إذا أقر المدعى عليه) أي بالحق للمدعي، أي وكان ممن يصح إقراره.
(قوله: ثبت الحق) أي عليه للمدعي.
(وقوله: بلا حكم) أي من غير افتقار لحكم بخلاف ما إذا ثبت بالبينة فيفتقر إليه، لان قبولها يفتقر إلى نظر واجتهاد.
(قوله: وإن سكت) أي المدعى عليه.
(وقوله: عن الجواب) أي للدعوى الصحيحة، وهو عارف أو جاهل، أو حصلت له دهشة، وأعلم أو نبه فلم يمتثل.
وإعلامه أو تنبيهه عند ظهور كون سكوته لذلك واجب.
(قوله: وأمره القاضي به) أي بالجواب بأن يقول له أجبه.
(قوله: وإن لم يسأل المدعي) غاية في أمر القاشي له به: أي يأمره بذلك وإن لم يطلب المدعي من القاضي ذلك.
(قوله: فإن سكت) أي فإن استمر على السكوت عن الجواب بعد أمر القاضي فكمنكر: أي فحكمه كحكم المنكر للمدعى به.
(وقوله: فتعرض عليه اليمين) بيان لذلك الحكم.
قال في الروض وشرحه: ويستحب عرضها - أي اليمين - على الناكل ثلاثا وعرضها على ساكت عنها آكد من عرضها على الناكل.
اه.
(قوله: فإن سكت) المراد به هنا السكوت عن الحلف بعد أن عرض عليه، وليس المراد السكوت عن الجواب، وإلا كان مكررا مع قوله أولا فإن سكت فكمنكر.
(وقوله: أيضا) أي كما أنه سكت أولا عن الجواب.
(قوله: ولم يظهر سببه) أي سبب السكوت من جهل أو دهشة، والفعل يقرأ بالبناء للمعلوم وما بعد فاعله.
(قوله: فنأكل) أي فكنأكل: أي ممتنع عن الحلف.
قال في الروض وشرحه: والسكوت عن الحلف بعد الاستحلاف لا لدهش ونحوه كغباوة نكول، كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء إنكار هذا مع الحكم به: أي بالنكول ليرتب عليه رد اليمين بخلاف ما لو صرح بالنكول، فإنه يردها وإن لم يحكم به، وبخلاف السكوت لدهش أو نحوه ليس نكولا، وليس للقاضي أن يحكم بأنه نكول.
اه.
(قوله: فيحلف المدعي) أي اليمين المردودة ويثبت بها الحق، وهو تفريع على قوله فنأكل.
(قوله: وإن أنكر الخ) مقابل قوله وإن سكت، وهو دخول أيضا على قوله فإن ادعى الخ.
(قوله: اشترط) أي لصحة إنكاره.
(وقوله: إنكار ما ادعي عليه) أي به فالعائد على ما محذوف.
(وقوله: وأجزائه معطوف على ما) أي وإنكار أجزاء ما ادعى عليه به.
(وقوله: إن تجزأ) أي إن كان له أجزاء كالعشرة الآتية.
(قوله: فإن ادعى الخ) تفريع على قوله وإن أنكر إشترط الخ.
(قوله: لم يكف في الجواب) أي على سبيل الانكار.
(وقوله: لا تلزمني العشرة) فاعل يكفي قصد لفظه: أي لم يكف هذا اللفظ.
(وقوله: حتى يقول ولا بعضها) أي فإذا قال ذلك مع قوله أولا لا تلزمني العشرة كفى في الجواب.
(قوله:
وكذا يحلف) أي ومثل الجواب المذكور يكون الحلف، فلا يكفي أن يحلف على العشرة حتى يقول ولا بعضها.
(قوله:(4/297)
إن توجهت اليمين عليه) أي بأن لم توجد بينة من المدعي.
(قوله: لان مدعيها الخ) علة لعدم الاكتفاء في الجواب وفي الحلف بقوله لا تلزمني العشرة حتى الخ.
(وقوله: لكل جزء منها) أي من العشرة.
(قوله: فلا بد أن يطابق الخ) أي وإنما يطابقانها إن نفى المدعى عليه كل جزء منها.
(وقوله: دعواه) أي دعوى المدعي.
(قوله: فإن حلف) أي المدعى عليه على نفي العشرة بأن قال والله ليس له عندي عشرة دراهم.
(قوله: واقتصر عليه) أي على نفي العشرة ولم يزد عليها لفظ ولا بعضها.
(وقوله: فنأكل) أي فهو ناكل.
(وقوله: عما دونها) أي عن الحلف عما دون العشرة، وفي هذه العبارة بعض إجمال، لانه لا يكون ناكلا بمجرد حلفه على نفي العشرة، بل لا بد بعد هذا الحلف أن يقول له القاضي هذا غير كاف قل ولا بعضها، فإن لم يحلف كذلك فنأكل عما دونها.
(قوله: فيحلف المدعي الخ) أي من غير تجديد دعوى، وهو تفريع على النكول عما دونها: أي وإذا كان ناكلا عما دونها فيحلف المدعي على استحقاق ما دون العشرة، ويأخد ما حلف عليه، وهو الجزء الذي دون العشرة وإن قل.
(قوله: لان النكول عن اليمين) عبارة التحفة.
لما يأتي أن النكول مع اليمين كالاقرار.
اه.
فلعل عن في كلامه بمعنى مع، وإلا فمجرد النكول ليس كالاقرار.
(قوله: أو ادعى مالا) عطف على قوله ادعى عليه عشرة.
(قوله: مضافا لسبب) أي متعلقا بسبب كالقرض والايداع.
(قوله: كفاه في الجواب لا تستحق الخ) أي كفاه في الجواه أن يقول ما ذكر.
ولا يشترط فيه التعرض لسبب كأن يقول لم تقرضني شيئا.
(وقوله: أو لا يلزمني الخ) معطوف على قوله لا تستحق الخ: أي وكفاه في الجواب لا يلزمني الخ.
(قوله: ولو اعترف الخ) أتى به في شرح المنهج في ضمن تعليل ذكره للاكتفاء في الجواب بلا يستحق علي شيئا الخ.
ونص عبارته: لان المدعي قد يكون صادقا ويعرض ما يسقط المدعي به.
ولو اعترف به وادعى مسقطا، طولب بالبينة وقد يعجز عنها، فدعت الحاجة إلى قبول الجواب المطلق.
اه.
ومثله في التحفة والنهاية والمغني، وعبارة الاخير بعد قول المنهاج كفاه في الجواب الخ.
ولا يشترط التعرض لنفي تلك الجهة، لان المدعي قد يكون صادقا في الاقراض وغيره، وعرض ما أسقط الحق من أداء أو إبراء، فلو نفى السبب كذب.
أو اعترف وادعى المسقط طولب ببينة قد يعجز عنها، فقبل الاطلاق للضرورة.
اه.
وإذا علمت ذلك فلعل في عبارته سقطا من النساخ وهو قوله لان المدعي إلى قوله ولو اعترف.
(وقوله: به) أي بالمدعي به وادعى مسقطا: أي من أداء أو إبراء.
(وقوله: طولب بالبينة) أي على ذلك المسقط: أي وهو قد يعجز عنها.
(قوله: ولو
ادعى عليه وديعة الخ) هذا كالاستثناء من الاكتفاء في جواب دعوى ما أضيف للسبب بقوله لا يلزمني تسليم شئ إليك.
(وقوله: فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم الخ) أي لانه لا يلزمه في الوديعة تسليم، وإنما يلزمه التخلية.
(قوله: بل لا تستحق علي شيئا) أي بل الذي يكفي في الجواب أن يقول له لا تستحق علي شيئا، ومثله في الاكتفاء به أن يقول هلكت الوديعة، أو رددتها، أو ينكرها من أصلها، وعبارة المغني.
فالجواب الصحيح أن ينكر الايداع، أو يقول لا تستحق علي شيئا، أو هلكت الوديعة، أو رددتها.
اه.
(قوله: ويحلف الخ) مرتبط بجميع ما قبله.
(وقوله: كما أجاب) أي فإن أجاب بالاطلاق كقوله لا تستحق علي شيئا، حلف عليه كذلك.
(وقوله: ليطابق الخ) علة لكون الحلف يكون على وفق الجواب، وعبارة المنهاج مع المغني: ويحلف المدعى عليه على حسب جوابه هذا، أو على نفي السبب، ولا يكلف التعرض لنفيه، فإن تبرع وأجاب بنفس السبب المذكور كقوله في صورة القرض السابقة ما أقرضني كذا حلف عليه، أي على نفي السبب كذلك ليطابق اليمين الانكار.(4/298)
تنبيه: قضية كلامه أنه إذا أجاب بالاطلاق ليس له الحلف على نفي السبب، وليس مرادا بل لو حلف على نفيه بعد الجواب المطلق جاز اه.
بحذف.
(قوله: ولو ادعى) أي شخص.
(وقوله: عليه) أي على شخص آخر.
(قوله: فأنكر) أي المدعى عليه المال المدعى به.
(قوله: وطلب منه اليمين) أي وطلب المدعي من المدعى عليه اليمين عل نفي المدعى به.
(قوله: فقال) أي المدعى عليه.
(قوله: وأعطى المال) أي وأعطيك المال الذي ادعيت به من غير حلف.
(قوله: لم يلزمه قبوله) أي لم يلزم المدعي أن يقبل المال.
قال ع ش: ومفهومه جواز القبول.
ويدل عليه قوله وله تحليفه الخ.
قال في التحفة وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن يحلف يمين الرد فقال خصمه أنا أبذل المال بلا يمين، فيلزمه الحاكم بأن يقر وإلا حلف المدعي.
اه.
(قوله: وله تحليفه) أي وللمدعي تحليف المدعى عليه على نفي ما ادعى به عليه، لانه لا يأمن من أن يدعي عليه بما دفعه بعد.
تنبيه: يقع كثيرا أن المدعى عليه يجيب بقوله يثبت ما يدعيه، فتطالب القضاة المدعي بالاثبات لفهمهم أن ذلك جواب صحيح، وفيه نظر ظاهر.
إذ طلب الاثبات لا يستلزم إعترافا ولا إنكارا فتعين أن لا يكتفي منه بذلك، بل يلزم بالتصريح بالاقرار أو الانكار، ويقع أيضا كثيرا أن المدعى عليه بعد الدعوى عليه، يقول ما بقيت أتحاكم عندك، أو ما
بقيت أدعي عندك، والوجه أنه يجعل بذلك منكرا ناكلا فيحلف المدعي ويستحق - كذا في التحفة وسم -.
(قوله: لو ادعى عليه عينا) أي كائنة تحت يد المدعى عليه، ولا فرق في العين بين أن تكون عقارا أو عبدا أو غيرهما.
(قوله: فقال) أي المدعى عليه ليست: أي تلك العين لي: أي واقتصر على ذلك.
(قوله: أو هي لرجل الخ) عبارة المنهج وشرحه: أو أضافها لمن يتعذر مخاصمته كهي لمن لا أعرفه الخ.
(قوله: أو لابني الطفل) أي أو هي لابني الطفل، أي أو المجنون أو السفيه سواء زاد على ذلك أنها ملكه، أو وقف عليه أم لا، كما هو ظاهر.
اه.
تحفة.
(قوله: أو وقف الخ) أي أو قال هي وقف على الفقراء، أو مسجد كذا.
(وقوله: وهو) أي المدعى عليه ناظر فيه، أي ناظر على الوقف على المسجد أو الفقراء.
قال ح ل: فإن كان الناظر غيره انصرفت الخصومة عنه إلى الناظر.
اه.
(قوله: فالاصح الخ) جواب لو.
(وقوله: أنه) أي الحال والشأن.
(وقوله: لا تنصرف الخصومة عنه) أي عن المدعى عليه، وذلك لان ما صدر منه بالنسبة للاولين ليس بمؤثر، ولانه لم يقر في البقية لذي يد يمكن نصب الخصومة معه.
(وقوله: ولا تنزع العين منه) أي لان الظاهر أن ما في يده ملكه، أو مستحقه، وما صدر عنه ليس بمزيل.
(قوله: بل يحلفه المدعي) أي يطلب منه الحلف.
(وقوله: أنه لا الخ) أي على أنه لا يلزمه أن يسلم للمدعي العين المدعى بها.
(قوله: رجاء الخ) علة لقوله يحلفه: أي وإنما يحلفه رجاء أن يقر: أي بالعين المدعى بها.
(وقوله: أو ينكل) معطوف على يقر: أي ورجاء أن ينكل، أي عن اليمين، وهو بضم الكاف من باب دخل.
(قوله: فيحلف) أي المدعي يمين الرد، وهو راجع لقوله ينكل.
(وقوله: وتثبت الخ) راجع لكل من الاقرار والنكول مع الحلف.
(وقوله: له) أي للمدعي (قوله: في الاولين) هما قوله ليست لي، وقوله هي لرجل لا أعرفه.
(قوله: والبدل للحيلولة) أي ويثبت له البدل للحيلولة في البقية: أي قوله هي لابني الطفل، أو وقف على الفقراء، أو مسجد كذا، وذلك البدل هو القيمة وإن كانت العين مثلية، كما في ع ش.
وفي البجيرمي ما نصه.
(قوله: والبدل للحيلولة) فيه بحث، لان اليمين المردودة مفيدة لانتزاع العين في المسائل كلها، لان الفرض أن الخصومة لا تنصرف عنه.
نعم، إن قلنا بانصراف الخصومة في مسألة المحجور والوقف كما ذهب إليه الغزالي، وكذا في الاولين على وجه كان له التحليف لتغريم البدل.
فما قاله شرح المنهج هنا وهم منشؤة انتقال النظر من(4/299)
حالة إلى حالة عميرة.
سم.
وعبارة شرح الروض فيحلف المدعي وتثبت له.
اه.
ولم يزد وهو صريح في ثبوت العين في جميع الصور.
اه.
(قوله: أو يقيم المدعي) معطوف على قوله بل يحلفه، فالمدعي مخير بين تحليفه المدعى عليه
وبين إقامته البينة، وإذا أقامها يقضي له بالعين.
(قوله: ولو أصر المدعى عليه الخ) هذا قد علم من قوله سابقا، فإن سكت أيضا فنأكل فلا حاجة إلى إعادته هنا، ويمكن أن يقال أنه أعاده لاجل تقييد النكول بكونه بعد حكم القاضي به.
(قوله: إن حكم القاضي بنكوله) زاد في شرح المنهج بعده: أو قال للمدعي إحلف بعد عرض اليمين عليه، أن المدعى عليه.
اه.
وكتب البجيرمي قوله إن حكم الخ: أي فلا يصير ناكلا بمجرد السكوت، بل لا بد من الحكم بالنكول، أو يقول للمدعي إحلف.
اه.
وقد تقدم عن شرح الروض مثله وزيادة.
(قوله: وإذا ادعيا أي إثنان الخ) شروع في بيان تعارض البينتين، وكان المناسب للمؤلف أن يفرده كغيره بفصل مستقل.
(قوله: أي كل منهما) أشار به إلى أنه ليس المراد أنهما ادعياها جميعا على أنها شركة بينهما، بل المراد أن كلا ادعى ذلك الشئ لنفسه على حدته.
(وقوله: شيئا) مفعول ادعيا، والمراد بالشئ هنا العين كما عبر بها في المنهاج.
(قوله: في يد ثالث) الجار والمجرور صفة لشيئا: أي شيئا كائنا في يد ثالث.
(قوله: لم يسنده الخ) الجملة صفة لثالث: أي ثالث موصوف بكونه لم يسند ذلك الشئ.
أي لم يضفه: أو يقر به لواحد من المدعيين.
(قوله: قبل البينة) أي قبل إتيان ذلك الاحد ببينته.
(وقوله: ولا بعدها) أي ولم يسنده بعد الاتيان بالبينة إلى أحدهما.
(قوله: وأقاما الخ) أي أقام كل واحد من المدعيين بينة تثبت دعواه، سواء كانتا مطلقتي التاريخ أو متفقتيه، أو إحداهما مطلقة والاخرى مؤرخة.
كما في شرح الروض.
(وقوله: به) الباء بمعنى على متعلقة بأقاما.
والضمير يعود على الشئ المدعى به.
(قوله: سقطتا) أي البينتان، ويحلف الثالث المدعى عليه حينئذ لكل منهما يمينا لخبر: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر.
ويكون المدعى به له، وأما خبر الحاكم: أن رجلين اختصما إلى رسول الله (ص) في بعير فأقام كل واحد منهما بينة أنه له، فجعله النبي (ص) بينهما.
فأجيب عنه بأنه يحتمل أن البعير كان بيدهما، فأبطل البينتين وقسمه بينهما.
(قوله: لتعارضهما) أي البينتين.
(وقوله: ولا مرجح) أي والحال أنه لا مرجح موجود لاحد البينتين على الاخرى.
قال في النهاية: أي فأشبه الدليلين إذا تعارضا بلا ترجيح.
اه.
(قوله: فكان كما لا بينة) أي فكان الشئ المدعى به عند التعارض للبينتين، كالذي لا بينة عليه أصلا.
وعبارة التحفة: فكأن لا بينة.
اه.
(قوله: فإن أقر ذو اليد) أي وهو المدعى عليه، وهذا مفهوم قوله لم يسنده الخ، والملائم له أن يقول: فإن أسنده ذو اليد الخ.
(وقوله: لاحدهما) قال سم: فلو أقر بأنها لهما فهل تجعل بينهما.
اه.
وفي ش ق أنها تجعل بينهما.
(وقوله: قبل البينة) متعلق بأقر: أي أقر قبل قيام بينته.
(وقوله: أو بعدها) أي البينة: أي قيامها.
(وقوله: رجحت بينته) أي بينة ذلك الاحد المقر له لاعتضادها بالاقرار، فيعمل حينئذ بمقتضاها.
(قوله: أو ادعيا شيئا بيدهما) أي
كأن كان فراشا جالسين عليه، أو جملا راكبين عليه، أو دارا ساكنين فيها.
(قوله: وأقاما بينتين) أي أقام كل واحد منهما بينة بأن هذا الشئ كله له.
(قوله: فهو لهما) أي فذلك الشئ يبقى تحت يدهما كما كان أولا للتعارض، وكلامه يقتضي أنه لا يحتاج السابق منهما إلى إعادة البينة، وليس مرادا، بل الذي أقام البينة أولا يحتاج إلى إعادتها للنصف الذي بيده، لتقع بعد بينة الخارج بالنسبة لذلك النصف، فإن لم يفعل كان الجميع لصاحب البينة المتأخرة - كما في البجيرمي - هذا إذا شهدت كل بينة بجميع الشئ كما علمت، فإن شهدت بينة كل واحد منهما بالنصف الذي في يد صاحبه، فلا تعارض.
لان البينتين لم يتواردا على محل واحد فيحكم القاضي لكل واحد منهما بما في يده، لكن لا من جهة التساقط ولا الترجيح باليد، بل من جهة الترجيح بالبينة.
(قوله: إذ ليس أحدهما الخ) تعليل لكون الشئ يجعل لهما بقيام كل بينة(4/300)
على مدعاه.
(قوله: أما إذا الخ) صنيعه يقتضي أن حكم هذه المسألة مخالف لحكم ما إذا كان بيدهما، وليس كذلك، بل هو مثله كما يفيده قوله فيجعل بينهما مع قوله أولا فهو لهما، وعبارة المنهج: أو بيدهما أو لا بيد أحد.
اه.
وكان الاولى أن يصنع كصنيعه.
(وقوله: لم يكن بيد أحد) قال سم: كأن كان عقارا أو متاعا ملقى في طريق وليس المدعيان عنده.
اه.
(قوله: وشهدت بينة كل له بالكل) أي وشهدت بينة كل من المدعيين له بكل ذلك الشئ.
قال سم: وكذا بالبعض بالاولى بل لا تعارض حينئذ بينهما.
اه.
(قوله: فيجعل بينهما) جواب أما: أي فيجعل الشئ المدعى به بين المدعييين، أي للتعارض، فليس أحدهما أولى به من الآخر كما إذا كان بيدهما معا.
(قوله: ومحل التساقط إذا وقع تعارض) أي كما في الصور السابقة.
(وقوله: حيث لم يتيمز أحدهما) الضمير للمدعيين: أي حيث لم يتميز بينة أحدهما.
(وقوله: بمرجح) متعلق بيتميز.
(قوله: وإلا) أي بأن تميز أحدهما بمرجح.
(وقوله: قدم) أي ذلك الاحد المتميز بما ذكر.
(قوله: وهو) أي ذلك المرجح.
(وقوله: بيان نقل الملك) أي من أحد المتداعيين للآخر، كأن قالت إحداهما هذه الدار ملك زيد، وقال الاخرى هذه ملك عمرو تملكها من زيد، فتقدم الثانية لانها بينت انتقال الملك.
(قوله: ثم اليد فيه للمدعي) أي ثم المرجح أيضا كون اليد على المدعى به ثابتة للمدعي.
(وقوله: أو لمن أقر له به) أي أو كون اليد لمن أقر للمدعي بالمدعى به، كأن يكون في يد ثالث وأقر به لاحد المدعيين، والانسب والاولى أن يقول ثم إقرار المدعى عليه به لاحدهما، لان الغرض بيان المرجح، والمرجح هنا الاقرار المذكور لا كون اليد لمن أقر الخ.
(وقوله: أو انتقل له منه) أي أو كون اليد لمن انتقل المدعى به منه لاحد المدعيين: كأن قالت إحدى البينتين هي ملك
لزيد إشتراها من عمرو واقتصرت على ذلك، وقالت الاخرى هي ملك لبكر إشتراها من خالد وهي في يده، قدمت الثانية.
(قوله: ثم شاهدان) معطوف على بيان: أي ثم المرجح أيضا شاهدان.
(وقوله: مثلا) أي أو شاهد وامرأتان كما سيأتي.
(وقوله: على شاهد ويمين) متعلق بمحذوف: أي ويرجح الشاهدان على شاهد ويمين.
(قوله: ثم سبق ملك أحدهما) معطوف أيضا على بيان: أي ثم المرجح أيضا سبق ملك أحد المدعيين: أي سبق تاريخه، وقد صرح به في التحفة.
(وقوله: بذكر زمن) أي متقدم، وهو متعلق بمقدر: أي أو يعلم ذلك السبق بذكر زمن متقدم على الزمن الذي ذكرته البينة الاخرى، كأن نقول إحدى البينتين ونشهد أنه ملكه من منذ سنة، وتقول الاخرى من منذ شهر، فتقدم الاولى - كما سيأتي -.
(قوله: أو بيان) بالجر عطف على ذكر: أي ويعلم سبق تاريخ الملك أيضا، ببيان أن الشئ المدعى به ولد في ملك أحدهما، كأن شهدت إحدى البينتين أن هذه الدابة ملكه أنها ولدت في ملكه، وشهدت الاخرى بأنها ملك فلان واقتصرت على ذلك، فتقدم الاولى على الثانية.
(قوله: ثم بذكر) الباء زائدة، ومدخولها معطوف على بيان الاول: أي ثم المرجح أيضا ذكر سبب الملك كشراء، أو هبة، أو وصية، أو إرث، وفيه أن بيان سبب الملك يستلزم بيان نقل الملك، وإذا كان كذلك فهو يغني عنه، (قوله: أو ادعيا) أي إثنان.
(قوله: بيد أحدهما) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لشيئا: أي شيئا كائنا بيد أحد المتداعيين.
(قوله: تصرفا أو إمساكا) بيان لمعنى اليد: أي أن المراد باليد الحكمية كالتصرف، أو الحسية كالامساك.
(قوله: قدمت بينته) أي ذلك الاحد الذي ذلك الشئ المدعى به تحت يده.
(قوله: من غير يمين) أي من ذلك الاحد الذي العين تحت يده.
(قوله: وإن تأخر تاريخها) غاية في التقديم: أي قدمت وإن تأخر تاريخها، أي عن تاريخ بينة غير ذي اليد ويسمى الخارج.
قال البجيرمي: ومحله إذا لم تسند انتقال الملك عن شخص واحد، وإلا قدمت بينة الخارج إن كانت أسبق تاريخا، كما ذكره في القوت عن فتاوى البغوي وغيرها، واعتمده الشهاب الرملي.
اه.
وسيذكره الشارح أيضا في قوله ولو ادعى في عيون بيد غيره أنه اشتراها الخ.
(قوله: أو كانت(4/301)
شاهدا ويمينا) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا: أي قدمت بينة صاحب اليد وإن كانت شاهدا ويمينا، وبينة الخارج شاهدين.
(قوله: أو لم تبين سبب الملك) معطوف على الغاية أيضا فهو غاية: أي قدمت بينة صاحب اليد.
وإن لم تبين سبب الملك: أي وبينته بينة الخارج.
(وقوله: من شراء وغيره) بيان لسبب الملك.
(قوله: ترجيحا الخ) علة لتقديم بينة صاحب اليد.
(وقوله: بيده) الباء سببية متعلق بترجيحا.
(قوله: ويسمى) أي صاحب اليد الداخل.
(قوله: وإن حكم
بالاولى الخ) غاية أيضا لتقديم بينة صاحب اليد.
وانظر ما المراد بالاولى، فإن كان بينة الداخل نافاه قوله بعد هذا: إن أقامها بعد بينة الخارج الخ، وإن كان المراد بينة الخارج فلا منافاة، لكن يرد عليه أن الاولى في كلامه بينة الداخل لا الخارج.
ولعلها سرت له من عبارة التحفة المستقيمة، لان الاولى فيها بينة الخارج ونصها مع الاصل.
ولو كانت بيده فأقام غيره بها بينة وأقام هو بينة، قدم صاحب اليد ويسمى الداخل، وإن حكم بالاولى قبل قيام الثانية.
اه.
(وقوله: أو بينت بينة الخارج سبب ملكه) غاية أيضا لتقديم بينة صاحب اليد: أي قدمت وإن بينت بينة الخارج سبب الملك، وفيه أن هذه الغاية يغني عنها الغاية الثالثة.
أعني أو لم تبين سبب الملك، لان معناها كما تقدم قدمت بينة صاحب اليد مطلقا سواء بينت سبب الملك أم لا، مع كون بينة الخارج بينت ذلك.
(قوله: نعم، لو شهدت الخ) إستثناء من المتن، أعني قوله قدمت بينته: أي صاحب اليد، فكأنه قال تقدم بينة صاحب اليد على بينة الخارج إن كان معها زيادة علم، وإلا قدمت هي على بينة صاحب اليد.
(وقوله: بأنه) أي غير صاحب اليد.
(وقوله: إشتراه منه) أي من صاحب اليد.
(وقوله: أو من بائعه) معطوف على الجار والمجرور قبله، وضميره يعود على صاحب اليد: أي أو اشتراه من البائع على صاحب اليد، لكن لا بد من تقييد هذا بتقديم شرائه على شراء صاحب اليد، حتى يكون شراء صاحب اليد باطلا لانه اشتراه من الذي لا يملك.
وسيذكر الشارح هذه المسألة بقوله ولو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين، فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة، قدمت بينة الخارج لانها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد وقد زال ملكه عنه.
(وقوله: مثلا) راجع لقوله إشتراه: أي أو غصبها ذلك الداخل، أي أو البائع عليه: أي شهدت بينة الخارج بأن الداخل أو البائع عليه غصبها منه.
(قوله: قدمت) أي بينة الخارج.
(وقوله: لبطلان اليد) أي يد المدعي.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ أقام الخارج البينة بأنه اشتراه الخ.
(قوله: ولو أقام الخارج) أي غير صاحب اليد.
(قوله: بأن الداخل) أي صاحب اليد.
(وقوله: أقر له) أي للخارج.
(قوله: قدمت) أي بينة الخارج.
(قوله: ولم تنفعه) أي الداخل.
(وقوله: بينته بالملك) أي بينة الداخل التي شهدت بالملك لان بينة الاقرار معها زيادة علم بانتقال الملك من المقر للمقر له.
(قوله: إلا إن ذكرت الخ) أي بأن قالت بينة الداخل نشهد أن هذا مالكه وهبه له فلان المقر له، فتقبل حينئذ وتنفعه، لان معها زيادة بانتقال الملك من المقر له للمقر.
(وقوله: من المقر له) أي وهو الخارج.
(وقوله: إليه) أي إلى الداخل وهو المقر.
(قوله: هذا إن أقامها الخ) إسم الاشارة يعود على تقديم بينة صاحب اليد: أي محل تقديمها إن أقامها بعد قيام بينة الخارج، ولو قبل تعديلها.
(قوله: بخلاف ما لو أقامها قبلها) أي بخلاف ما لو أقام صاحب اليد
بينته قبل بينة الخارج فلا يعتد بها، فإذا أقام الخارج بينته إستحق نزع العين منه، فيحتاج حينئذ إلى إقامة البينة لتدفع بينة الخارج.
(قوله: لانها) أي بينة صاحب اليد وهو تعليل لمحذوف: أي فلا يعتد بها لانها الخ.
(وقوله: إنما تسمع بعدها) أي بعد بينة الخارج.
(قوله: لان الاصل الخ) علة للعلة.
(وقوله: في جانبه) أي الداخل، وذلك لانه مدعى عليه، وهو الذي يكون من جهته اليمين.
(قوله: فلا يعدل عنها) أي اليمين.
(وقوله: ما دامت كافية) أي وهي كافية ما دام الخارج(4/302)
لم يقم بينته.
اه.
بجيرمي.
(قوله: فروع) أي ثلاثة.
الاول: قوله لو أزيلت الخ، الثاني: قوله ولو تداعيا دابة الخ، الثالث: قوله ولو اختلف الزوجان.
(قوله: لو أزيلت يده) أي الداخل والمراد أزيل المال من تحت يده: إما حسا بأن سلم المال لخصمه، وإما حكما بأن حكم عليه به فقط.
(وقوله: ببينة) الباء سببية متعلقة بأزيلت: أي أزيلت بسبب بينة أقامها الخارج وحكم له بها القاضي.
(قوله: ثم أقام) أي الداخل الذي أزيلت يده.
(وقوله: بينة بملكه) أي بينة تشهد بأن هذا المال المزال من تحت يده ملك له من قبل الازالة.
(وقوله: مستندا) حال من فاعل أقام: أي أقامها حال كونه مستندا: أي مضيفا ملكه إلى ما قبل الازالة، أي مع استدامته إلى وقت الدعوى، ويصح أن يكون حالا من ملكه، ويكون بالبناء للمفعول: أي بملكه حال كونه مستندا، أي مضافا إلى ذلك، قال في التحفة: وخرج بمستندا الخ شهادتها بملك غير مستند فلا تسمع.
اه.
(قوله: واعتذر) أي الداخل: أي اعتذر من عدم إقامتها عند إرادة الازالة.
قال في شرح المنهج: واشتراط الاعتذار ذكره الاصل كالروضة وأصلها.
قال البلقيني: وعندي أنه ليس بشرط، والعذر إنما يطلب إذا ظهر من صاحبه ما يخالفه، كمسألة المرابحة، قال الولي العراقي بعد نقله ذلك: ولهذا لم يتعرض له الحاوي.
اه.
ويجاب بأنه إنما شرط هنا وإن لم يظهر من صاحب ما يخالفه لتقدم الحكم بالملك لغيره، فاحتيط بذلك ليسهل نقض الحكم.
اه.
(وقوله: كمسألة المرابحة) أي كما لو قال: اشتريت هذا بمائة، وباعه مرابحة بمائة وعشرة، ثم قال غلطت من ثمن متاع إلى آخر وإنما اشتريته بمائة وعشرة.
ع ش.
فقوله غلطت هذا هو العذر.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: بغيبة شهوده) المقام للاضمار، فلو قال بغيبتها: أي البينة التي أقامها بعد لكان أولى.
(وقوله: أو جهله بهم) معطوف على غيبة.
أي أو اعتذر بجهله للشهود.
قال في التحفة: أي أو بقبولهم.
اه.
(قوله: سمعت) أي بينة الداخل، وقيل لا تسمع، فلا ينقض القضاء.
وإلى هذا ذهب القاضي حسين، ونقل عن الهروي أنه قال: أشكلت على هذه المسألة نيفا وعشرين سنة لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وتردد جوابي فيها ثم استقر فيها على أنه لا ينقض.
اه.
مغني.
(قوله: إذا لم تزل) أي يد الداخل.
(وقوله: إلا لعدم الحجة) أي وقت الازالة.
(قوله: وقد ظهرت) أي الحج بعد الازالة.
(قوله: فينقض القضاء) أي يبطل الحكم بإزالة العين من تحت يد الداخل وإثباتها للخارج، وتردد بعض النقد إلى الداخل.
(قوله: لكن لو قال الخارج الخ) إستدراك على قوله سمعت وقدمت: أي تسمع بينة الداخل بعد إزالة العين من تحت يده ما لم تشهد بينة الخارج بأن الازالة حصلت بسبب شراء الخارج منه، وأنكر الداخل ذلك، فإن شهدت بينة الخارج بما ذكر قدمت على بينة الداخل، وهذا الاستدراك لا حاجة إليه هنا، لانه يغني عنه الاستدراك الاول.
أعني قوله نعم لو شهدت الخ، فالاولى والاخصر إسقاطه.
(قوله: لزيادة علم بينته) أي الخارج.
(وقوله: بانتقال الملك) متعلق بزيادة، والمراد بالاخبار بانتقال الملك.
(قوله: وكذا قدمت بينته) أي الخارج: أي لتبين بطلان يد الداخل.
(وقوله: وشهدت) أي بينة الخارج.
(وقوله: أنه) أي الشئ.
(وقوله: ملكه) أي الخارج.
(وقوله: وإنما أودعه الخ) فاعل الافعال الثلاثة يعود على الخارج، وضمير البارز يعود على الشئ.
(وقوله: للداخل) تنازعه كل من الافعال الثلاثة.
(قوله: أو أنه الخ) عطف على أنه ملكه: أي أو شهدت بينة الخارج أن الداخل غصب ذلك الشئ.
(وقوله: أو بائعه) بالنصب عطف على اسم إن، وضميره يعود على الداخل.
(وقوله: منه متعلق بغصبه) أي غصبه هو أو البائع عليه من الخارج.
(قوله: وأطلقت بينة الداخل) أي بأن قالت هو ملكه، واقتصرت على ذلك.
(قوله: ولو تداعيا) أي شخصان.
(قوله: لاحدهما) أي المتداعيين.
(وقوله: متاع فيها) في بمعنى على بالنسبة للدابة، وعلى حقيقتها بالنسبة للبقية،(4/303)
وعبارة المغني: ولو تداعيا بعيرا لاحدهما عليه متاع، فالقول قول صاحب المتاع بيمينه لانفراده بالانتفاع، بخلاف ما لو تداعيا عبدا لاحدهما عليه ثوب لم يحكم له بالعبد، لان كون حمله على البعير انتفاع به قيده عليه، والمنفعة في لبس الثوب للعبد لا لصاحب الثوب فلا يد له.
ولو تداعيا جارية حاملا واتفقا على أن الحمل لاحدهما.
قال البغوي: فهي لصاحب الحمل.
اه.
(قوله: أو الحمل) أي أو لاحدهما الحمل أو الزرع، والاول بالنسبة للدابة.
والثاني بالنسبة للارض.
(قوله: قدمت بينته) أي ذلك الاحد الذي له المتاع أو الحمل أو الزرع.
أي باتفاقهما أو ببينة.
(قوله: على البينة الخ) متعلق بقدمت: أي قدمت على البينة التي تشهد للآخر بالملك المطلق، بأن قالت نشهد أن هذه الدابة أو الارض أو الدار ملك، ولم تتعرض لشئ آخر.
(قوله: لانفراده) أي ذلك الاحد المذكور، وهو علة لتقديم بينته.
(وقوله: بالانتفاع) أي بالدابة، لان متاعه عليها، وبالارض، لان زرعه فيها.
وبالدار لان متاعه فيها.
(قوله: فاليد له) أي
للمنفرد بالانتفاع.
(قوله: فإن اختص المتاع ببيت) أي من الدار (قوله: فاليد له فيه) أي في البيت الذي فيه المتاع.
(وقوله: فقط) أي وليس له اليد في بيت غير الذي فيه المتاع.
(قوله: ولو اختلف الزوجان في أمتعة البيت) أي فقال الزوج هي ملكي، وقال الزوجة هي ملكي.
(قوله: ولو بعد الفرقة) أي ولو حصل الاختلاف بعد فراقهما بطلاق أو غيره.
(قوله: ولا بينة) أي لاحدهما موجودة.
(قوله: ولا اختصاص لاحدهما بيد) أي ككونه في خزانة له، أو صندوق مفتاحه بيده.
(قوله: فلكل) أي من الزوجين تحليف الآخر: أي على دعواه.
(قوله: فإذا حلفا) أي الزوجان.
(قوله: جعل) أي المدعى به.
والاولى جعلت: أي الامتعة، ومثله يقال في الافعال بعده.
(وقوله: بينهما) أي الزوجين، أي نصفين.
(قوله: وإن صلح لاحدهما) إن غائية، وإن كان ظاهر صنيعه أنها شرطية جوابها قوله قضى الخ.
ويدل على ما قالته عبارة النهاية، ومثلها عبارة عميرة في حواشي البهجة ونصها.
قال الشافعي رضي الله عنه: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت، فمن أقام البينة على شئ من ذلك فهو له، ومن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه، أن هذا المتاع إن كان في أيديهما معا فيحلف كل منهما لصاحبه على دعواه، فإن حلفا جميعا فهو بينهما نصفين، وإن حلف أحدهما فقط قضى له به - سواء اختلفا في دوام النكاح أم بعده - واختلاف وارثهما كهما، وسواء ما يصلح للزوج - كالسيف والمنطقة - وللزوجة - كالخلخال والغزل، وغيرهما كالدراهم - أو لا يصلح لهما: كالمصحف وهما أميان، وتاج الملوك وهما عاميان.
وقال أبو حنيفة: إن كان في يدهما حسا فهو لهما، وإن كان في يدهما حكما فما يصلح للرجل فللزوج، وما يصلح للانثى فللزوجة، والذي يصلح لهما يكون لهما، وعند أحمد ومالك قريب من ذلك.
واحتج الشافعي رضي الله عنه بأنا لو استعملنا الظنون لحكم في دباغ وعطار تداعيا عطرا ودباغا في أيديهما أن يكون لكل ما يصلح له، وفيما لو تنازع موسر ومعسر في لؤلؤ أن نجعله للموسر ولا يجوز الحكم بالظنون.
اه.
(قوله: أو حلف أحدهما) أي الزوجين دون الآخر.
(قوله: قضى له) أي قضى ذلك المدعى به لذلك الاحد.
والفعل المذكور يجعل جوابا لان مقدرة قبل قوله حلف أحدهما، أي وإن حلف أحدهما قضى له، وذلك ليوافق ما قررته آنفا من جعل إن غائية لا شرطية.
(قوله: كما لو اختص باليد وحلف) هذا مفهوم قوله ولا اختصاص لاحدهما بيد، آي كما لو اختص أحدهما بوضع اليد عليه فإنه يقضي له به، لكن بعد الحلف عليه.
(قوله: وترجح البينة) أي مطلقا سواء كانت للداخل أو للخارج.
(وقوله: بتاريخ سابق) أي على تاريخ البينة الاخرى.
(قوله: فلو شهدت الخ) تفريع على ترجح البينة بالتاريخ السابق.
(قوله: في عين) متعلق بالمتنازعين.
(قوله: بيدهما الخ) متعلق بمحذوف صفة لعين: أي عين كائنة بيدهما، أو يد ثالث، أو لا بيد أحد.
وخرج
بذلك ما إذا كانت بيد أحدهما فتقدم، ولو تأخر تاريخها كما تقدم، وكما سيأتي في قوله وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ(4/304)
الخ.
(قوله: بملك) متعلق بشهدت.
(قوله: من سنة) متعلق بملك: أي شهدت بأنه يملكه من منذ سنة.
(وقوله: إلى الآن) متعلق بملك أيضا: أي شهدت بأنه يملكه من منذ سنة إلى الآن: أي أنه مستمر إلى الآن، ولا بد من ذكر هذا لما سيأتي قريبا أنه لو شهدت بينة بملك أمس، ولم تتعرض للحال لم تسمع.
(قوله: وشهدت بينة أخرى) أي غير هذه البينة.
(وقوله: للآخر) أي لاحد المتنازعين الآخر.
(وقوله: بملك) متعلق بشهدت.
(وقوله: لها) أي للعين المدعى بها.
(وقوله: من أكثر الخ) هو الجار والمجرور بعده متعلقان بملك أيضا كالذي قبله.
(وقوله: كسنتين) تمثيل للاكثر من سنة.
(قوله: فترجح الخ) جواب لو.
(قوله: لانها) أي بينة ذي الاكثر.
(وقوله: أثبتت الملك) أي ملك العين للمدعي بها.
(وقوله: في وقت) متعلق بأثبتت.
(وقوله: لا تعارضها فيه الاخرى) الجملة صفة لوقت.
أي وقت موصوف بكونه لا تعارض بينة ذي الاكثر فيه البينة الاخرى، وذلك الوقت هو السنة الاولى.
وعبارة التحفة لانها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الاخرى، وفي وقت تعارضها فيه، فيتساقطان في محل التعارض، ويعمل بصاحبة الاكثر فيما لا تعارض فيه، والاصل في كل ثابت دوامه.
اه.
(قوله: ولصاحب التاريخ السابق) أي على صاحب التاريخ المتأخر.
(وقوله: أجرة) أي لما أثبت له.
(وقوله: وزيادة حادثة) أي كولد وثمرة حدثا في المدعى به.
(قوله: من يوم ملكه بالشهادة) قال ع ش: أي وهو الوقت الذي أرخت به البينة، لا من وقت الحكم فقط.
اه.
(قوله: لانها) الاولى لانهما: أي الاجرة والزيادة.
(قوله: وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ) أي لصاحب البينة التي تأخر تاريخها.
(وقوله: يد) أي تصرفا أو حكما كما مر.
(قوله: لم يعلم أنها عادية) الجملة صفة ليد، أي يد موصوفة بكونها لم يعلم أن تلك اليد عادية، أي متعدية في جعل العين تحتها بغصب أو بشراء ما لا يملك.
(قوله: قدمت) أي متأخرة التاريخ.
قال في التحفة: ذكرتا - أي البينتان أو إحداهما - الانتقال لمن تشهد له من معين أم لا، وإن اتحد ذلك المعين، لتساوي البينتين في إثبات الملك حالا، فيتساقطان وتبقى اليد في مقابلة الملك السابق وهي أقوى.
اه.
(قوله: ولو ادعى الخ) المقام للتفريع، فلو قال فلو، بفاء التفريع لكان أولى.
(وقوله: بيد غيره) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لعين: أي عين كائنة بيد غيره.
(وقوله: أنه اشتراها الخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر مقدر متعلق بادعى: أي ادعى فيها بأنه اشتراها من زيد من منذ سنتين.
(وقوله: فأقام الداخل) أي الذي اليد له.
(قوله: قدمت بينة الخارج) قال في التحفة:
نعم يؤخذ مما يأتي في مسألة تعويض الزوجة أنه لا بد أن يثبت الخارج هنا أنها كانت بيد زيد حال شرائه منه، وإلا بقيت بيد من هي بيده.
اه.
(قوله: لانها) أي بينة الخارج.
(قوله: بشرائه) الباء سببية متعلقة بعادية.
(وقوله: ما زال ملكه) ما اسم موصول مفعول المصدر: أي بشرائه الشئ الذي زال ملك زيد عنه.
قال في التحفة والنهاية: ولا نظر لاحتمال أن زيدا استردها ثم باعها للآخر، لان هذا خلاف الاصل والظاهر.
اه.
(قوله: ولو اتحد تاريخهما الخ) مقابل قوله بتاريخ سابق، وهذا قد علم من قوله أو ادعيا شيئا بيد أحدهما قدمت بينته وإن تأخر تاريخها، ففي كلامه شبه التكرار.
(وقوله: أو أطلقتا) أي في الشهادة ولم تتعرضا للتاريخ.
(وقوله: أو إحداهما) أي أو أطلقت إحداهما: أي وأرخت الاخرى.
(وقوله: قدم ذو اليد) أي كما أنه يقدم لو اختلف التاريخ، لكن بشرط أن لا يعلم أن يده عادية كما مر.
(قوله: ولو شهدت بينة بملك أمس ولم تتعرض للحال) أي بأن قالت نشهد أن هذا ملك فلان أمس، ولم تقل إلى الآن، وهذا محترز التقييد بقوله إلى الآن.
(قوله: لم تسمع) أي البينة وهو جواب لو.
وفي المغني ما نصه.(4/305)
تنبيه: يستثنى من إطلاق المصنف عدم السماع مسائل.
الاولى: ما لو ادعى رق شخص بيده وادعى آخر أنه كان له أمس وأنه أعتقه، وأقام بذلك بينة قبلت، لان المقصود منها إثبات العتق، وذكر الملك السابق وقع تبعا.
الثانية: ما لو شهدت أن هذا المملوك وضعته أمه في ملكه، أو هذه الثمرة أثمرتها نخلته في ملكه، ولم تتعرض لملك الولد والثمرة في الحال فإنها تسمع.
الثالثة: إذا شهدت أن هذا الغزل من قطنه، أو أن هذا الطير من بيضه، أو الآجر من طينه.
الرابعة: إذا شهدت أنها ملكه بالامس ورثها.
قال العمراني حكم بها على الاصح، وذكر أن الربيع والمزني نقلا ذلك.
الخامسة: إذا شهدت أنها ملكه بالامس اشتراها من المدعى عليه بالامس، أو أقر له بها المدعى عليه بالامس ولم تتعرض للحال قبلت.
السادسة: لو شهدوا أن هذه الدار اشتراها المدعي من فلان وهو يملكها، ولم يقولوا وهي الآن ملك المدعي قبلت على ما يفهم من كلام الجمهور.
اه.
بحذف.
(قوله: كما لا تسمع دعواه بذلك) أي بالملك أمس من غير تعرض للحال.
(قوله: حتى تقول الخ) مرتبط بقوله لم تسمع: أي لم تسمع البينة حتى تقول الخ، أي فإذا قالت ما ذكر سمعت.
(وقوله: ولم يزل ملكه) أي لم ينقل ملكه عنه، فهو من زال يزول التامة.
وليس في هذا شهادة بنفي محض حتى يقول إنها غير مقبولة.
(قوله: أو لا نعلم الخ) معطوف على قوله: ولم يزل ملكه: أي أو تقول لا نعلم مزيلا لملكه.
(قوله: أو تبين الخ) بالنصب عطف على تقول: أي أو حتى
تبين سببه، أي الملك.
(قوله: كأن تقول الخ) تمثيل لتبيين السبب.
(وقوله: من خصمه) أي وهو المدعى عليه.
(قوله: أو أقر) أي الخصم.
(وقوله: له) أي للمدعي.
(وقوله: به) أي بالشراء.
(وقوله: أمس) متعلق بكل من اشترى وأقر.
(قوله: لان دعوى الملك الخ) علة لقوله لم تسمع، ولا حاجة إليها للاستغناء عنها بقوله سابقا، كما لا تسمع دعواه بذلك، إذ هو في معنى العلة.
وفي التحفة الاقتصار على الثاني.
وفي شرح المنهج: الاقتصار على الاول.
(قوله: فكذا البينة) أي لا تسمع.
(قوله: ولو قال من بيده عين الخ) هذه الصورة من مفاهيم قوله سابقا لم يعلم أنها عادية.
(قوله: وأقام به) أي بالشراء من منذ شهر.
(قوله: فقالت زوجة البائع) أي الذي هو فلان المتقدم.
(وقوله: هي) أي تلك العين التي اشتريتها أنت ملكي.
(وقوله: تعوضتها منه) أي أخذتها منه بعوض بطريق الشراء أو الهبة.
(وقوله: من منذ شهرين) متعلق بتعوضتها.
(قوله: وأقامت به) أي بالملك أو بالتعويض من منذ شهرين (قوله: فإن ثبت) أي ببينة أو بإقرار المشتري.
(وقوله: أنها) أي العين.
(وقوله: حكم بها لها) أي حكم بالعين للزوجة، لان يد الداخل عادية بشرائه ممن لا يملك كما مر.
(قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يثبت أنها بيد الزوج حال التعويض، بقيت العين بيد من هي بيده الآن.
قال في النهاية: كذا قيل، والاوجه تقدم بينتها: أي الزوجة مطلقا، لاتفاقهما على أن أصل الانتقال من زيد، فعمل بأسبقهما تاريخا.
اه.
(قوله: وترجح) أي البينة.
(وقوله: بشاهدين) الباء للتصوير، وهي متعلق بمحذوف حال من نائب فاعل ترجح: أي وترجح البينة حال كونها مصورة بشاهدين، أو شاهد وامرأتين، أو أربع نسوة.
وعبارة المنهج: ويرجح - بالياء التحتية - وعليها فنائب الفاعل يعود على أحد المدعيين، وهي ظاهرة.
(وقوله: فيما يقبل) أي يقبل النسوة فيه، وهو ما يظهر للنساء غالبا كولادة وحيض.
(قوله: على شاهد مع يمين) متعلق بترجح، ومحله في غير بينة الداخل، كما يعلم مما مر.
(قوله: للاجماع الخ) علة الترجيح.
وعبارة شرح المنهج، لان ذلك حجة بالاجماع، وأبعد عن تهمة الحالف بالكذب في يمينه.
اه.
(وقوله: قبول من ذكر) أي من الشاهدين، أو الشاهد والمرأتين، أو الاربع نسوة.
(قوله: لا ترجح) أي البينة.
(قوله: بزيادة نحو عدالة الخ) لفظ عدالة، يقرأ من غير تنوين، لانه مضاف إلى شهود، أو(4/306)
إلى نظيره.
ومثله لفظ عدد.
ودخل تحت نحو عدالة بقية الصفات المعتبرة في الشاهد كمروءة وإبصار وسمع وعقل.
(وقوله: شهود فيه) إظهار في مقام الاضمار أورث ركة في العبارة، فلو قال لا بزيادة نحو عدالتها، أو عددها لكان أولى.
(قوله: بل تتعارضان) أي البينتان، ومحل التعارض ما لم تبلغ زيادة إحداهما عدد التواتر، وإلا رجحت لافادتها حينئذ
العلم الضروري، وهو لا يعارض.
أفاده في التحفة والنهاية.
(قوله: لان الخ) علة لقوله لا ترجح.
(وقوله: ما قدره الشرع) أي الامر الذي قدره وحده الشارع، كعدد الشهود هنا.
(وقوله: لا يختلف بالزيادة) أي عددا وصفة كما مر.
(وقوله: والنقص) أي عن تلك الزيادة لا عن الذي قدره الشارع، لانه مضر كما هو ظاهر.
(قوله: ولا برجلين) أي ولا ترجح برجلين الخ.
أي لكمال الحجة في الطرفين.
(قوله: ولا بينة مؤرخة) أي ولا ترجح بينة مؤرخة، وهي المقيدة بزمن (قوله: على بينة) متعلقة بترجح المقدر بعد لا النافية (وقوله: مطلقة) - بكسر اللام - إسم فاعل من أطلق، وقد بينها بقوله لم تتعرض لزمن الملك.
(قوله: حيث الخ) متعلق بترجح المقدر: أي لا ترجح البينة المؤرخة على البينة المطلقة، بل هما سواء حيث لا يد لاحدهما، بأن كانت لهما معا، أو لا لاحد، أو لثالث غيرهما، أما إذا كانت اليد لاحدهما، فترجح بينة صاحبها وإن كانت مطلقة، خلافا لما يوهمه ظاهر العبارة من أن المؤرخة ترجح إذا كان اليد لاحدهما، سواء كانت بينته هي المؤرخة أو المطلقة.
(قوله: واستويا) أي المتداعيان.
(وقوله: في أن لكل شاهدين) فإن لم يستويا في ذلك بأن كان مع أحدهما شاهد ويمين، ومع الآخر شاهدان، قدم الثاني، سواء كانت بينته مطلقة أم مؤرخة كما مر.
(قوله: ولم تبين الثانية) أي البينة الثانية سبب الملك كشراء أو إرث كما مر، فإن بينت ذلك قدمت على غيرها مطلقا.
(قوله: فتتعارضان) مفرع على عدم ترجيح إحداهما على الاخرى المقتضي للاستواء.
قال في النهاية: ومجرد التاريخ غير مرجح، لاحتمال أن المطلقة لو فسرت فسرت بما هو أكثر من الاول.
اه.
(قوله: نعم لو شهدت الخ) أي وقد أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى كما هو الفرض، وصرح به في شرح الروض، فهو إستدراك على قوله: ولا مؤرخة على مطلقة كما قاله س ل.
اه.
بجيرمي.
وقوله: وصرح به في شرح الروض: وعبارته مع الاصل: والمؤرخة كالمطلقة فلا تقدم عليها بل تساويها، لان المطلقة قد تثبت الملك قبل ذلك التاريخ.
نعم: لو شهدت إحداهما بالحق والاخرى بالابراء، وأطلقت إحداهما وأرخت الاخرى، قدمت بينة الابراء لانها إنما تكون بعد الوجوب.
اه.
(قوله: لانها) أي بينة الابراء.
وعبارة التحفة: لانه إنما يكون بعد الوجوب.
اه.
فذكر الضمير وهو أولى لعوده على الابراء.
(وقوله: بعد الوجوب) أي وجوب الدين.
أي ثبوته.
أي فيكون مع بينة الابراء زيادة علم.
(وقوله: والاصل عدم تعدد الدين) من تتمة التعليل، وأتى به لدفع ما يقال إنه ربما استدان منه دينا آخر فتسمع بينته.
(قوله: لو شهدت بينة الخ) هذه الصورة والتي بعدها كالاستدراك من قوله والاصل عدم تعدد الدين.
(وقوله: يجب ألفان) أي لاحتمال حدوث ألف ثانية عليه، لم تطلع عليه البينة الاولى.
(قوله: ولو أثبت) أي أحدهما.
(وقوله: إقرار زيد له) أي
لذلك الاحد.
(وقوله: بدين) أي على زيد لذلك الاحد.
(قوله: فأثبت زيد إقراره) أي ذلك الاحد المدعي.
(وقوله: بأنه لا شئ له) أي لذلك الاحد.
(وقوله: عليه) أي على زيد.
(قوله: لم يؤثر) أي إثبات زيد إقرار ذلك الاحد بأنه لا شئ له عليه.
(قوله: لاحتمال حدوث الدين بعد) أي بعد إقرار ذلك الاحد بما ذكر.
قال في التحفة: ولان الثبوت لا يرتفع بالنفي المحتمل.
اه.
وقوله: المحتمل أي لهذا الدين ولغيره.(4/307)
(قوله: فروع) أي خمسة.
(قوله: لو أقام بينة بملك دابة أو شجرة) أي لو ادعى شخص أن هذه الدابة، أو هذه الشجرة ملكه، وأقام بينة تشهد بذلك.
(وقوله: من غير تعرض الخ) متعلق بمحذوف، هو متعلق الجار والمجرور قبله: أي أقام بينة تشهد بذلك من غير أن تتعرض لملك سابق بالتاريخ، بأن قالت نشهد أن هذه الدابة أو الشجرة ملك فلان، واقتصرت على ذلك.
(قوله: لم يستحق) أي مقيم البينة.
(وقوله: ثمرة ظاهرة ولا ولدا منفصلا) إنما لم يستحقهما لانهما ليسا من أجزاء العين، ولذا لا يدخلان في بيعها.
ولان البينة لا تثبت الملك بل تظهره، فكفى تقدمه عليها بلحظة فلم يستحق ثمرا ونتاجا حصلا قبل تلك اللحظة.
اه تحفة.
(قوله: عند الشهادة) متعلق بكل من ظاهرة ومنفصلا.
(قوله: ويستحق) أي مقيم البينة.
(قوله: غير الظاهر) صفة للثمر: أي الثمر غير البارز المؤبر.
(قوله: عندها) متعلق بمحذوف صفة لكل من الحمل والثمر: أي الموجودين عندها: أي الشهادة.
(قوله: تبعا للام) أي بالنسبة للحمل.
(وقوله: والاصل) أي بالنسبة للثمر.
قال في التحفة: ولا عبرة بإحتمال كون ذلك الغير مالك الام والشجر بنحو وصية، لانه خلاف الاصل.
اه.
(قوله: فإذا تعرضت الخ) مقابل قوله: من غير تعرض لملك.
(وقوله: سابق على حدوث ما ذكر) أي الثمرة الظاهرة والولد المنفصل، وذلك بأن قالت نشهد أن هذه الدابة، أو الشجرة ملك فلان من منذ سنة، فحينئذ كل ما يحدث في هذه السنة يكون ملكا للمشهود له.
وعبارة المغني: فإن تعرضت لوقت مخصوص إدعاه المشهود له فما يحصل من النتاج والثمرة له، وإن تقدم على وقت أداء الشهادة.
(قوله: فيستحق) أي يستحق مالك الدابة أو الشجرة ما ذكر من الولد المنفصل، أو الثمرة الظاهرة، ولو قال فيستحقهما بضمير التثنية العائد على الولد والثمرة لكان أولى.
(قوله: ولو اشترى شيئا) أي وأقبض ثمنه.
(قوله: فأخذ منه) أي فأخذ ذلك الشئ من المشتري بأن ادعى شخص فيه بأنه ملكه، وأقام بينة عليه وأخذه منه.
(وقوله: بحجة) أي ولو مطلقة عن تقييد الاستحقاق بوقت الشراء أو غيره.
(وقوله: غير إقرار) سيأتي محترزه.
(قوله: رجع على بائعه) أي
رجع المشتري على بائعه بما دفعه له.
قال البجيرمي: محل الرجوع ما لم يكن يعلم عند البيع أنه لا يملكه، كأن تحقق أنه سارقه، أو غاصبه، وإلا لم يرجع عليه بما دفعه له، لانه في مقابلة تسليمه إياه، وقد حصل أيضا.
فلما علم أنه لا يملكه كان كأنه متبرع بما أعطاه له.
اه.
(وقوله: الذي لم يصدقه) هذه الصلة جرت على غير من هي له، لان الضمير المستتر يعود على المشتري، والبارز يعود على الذي، فكان حقه أن يبرز الضمير، والمعنى للمشتري أن يرجع على بائعه بشرط أن لا يصدقه في أن المدعى به ملكه، فإن صدقه في أنه ملكه، وأن المدعي كاذب في دعواه لم يرجع عليه بشئ، لاعترافه بأن الظالم غيره وهو المدعي.
قال في النهاية: نعم لو كان تصديقه له اعتمادا على ظاهر يده، أو كان ذلك في حال الخصومة، لم يمنع رجوعه حيث ادعى ذلك، لعذره حينئذ.
اه.
(قوله: ولا أقام الخ) معطوف على صلة الموصول، والفاعل ضمير يعود على البائع الواقع عليه إسم الموصول، فالصلة بالنسبة له جرت على من هي له: أي رجع عى بائعه الذي لم يقم بينة بأنه اشتراه من المدعى به ثم باعه، فإن أقام بينة على ذلك بعد أن حكم به للمدعي وأخذ من المشتري، فلا يرجع على بائعه بشئ إذ الظالم غيره وهو المدعي.
(قوله: ولو بعد الحكم الخ) غاية في إقامة البينة، فهي راجعة للمنفى (قوله: بالثمن) متعلق برجع: أي رجع على بائعه بالثمن الذي دفعه له.
(قوله: بخلاف ما لو أخذ الخ) مفهوم قوله غير إقرار: أي بخلاف ما لو أخذ ذلك الشئ من المشتري بإقراره أنه ملك للمدعي فإنه لا يرجع على بائعه بشئ، لان إقراره للغير لا يكون حجة على البائع، ولا ملزما له أن يرجع عليه.
(قوله: أو بحلف الخ) معطوف على بإقراره: أي وبخلاف ما لو أخذ منه بحلف المدعي اليمين المردودة من(4/308)
المشتري، بدليل قوله بعد نكوله، فإن المراد به بعد نكول المشتري عن اليمين، بأن قال المدعي له: إحلف أن هذا الذي اشتريته ليس ملكي، فينكل فيحلف المدعي ويأخذ حقه، ولا يرجع المشتري على البائع، لانه يعتقد أن هذا البيع ملكه وأن المدعي غير محق.
(قوله: ولو اشترى) أي شخص، وهذه المسألة قد تقدمت في باب الدعوى بأبسط مما هنا.
(وقوله: قنا) أي رقيقا، ذكرا كان أو أنثى.
(قوله: وأقر) أي المشتري بأنه قن.
(قوله: ثم ادعى) أي القن.
(وقوله: بحرية الاصل) أي بأنه حر أصالة.
(قوله: وحكم له) أي لمدعي الحرية.
(وقوله: بها) أي بالحرية.
(قوله: رجع) أي المشتري.
(وقوله: بثمنه) أي الرقيق.
(وقوله: على بائعه) متعلق برجع.
(قوله: ولم يضر) أي في الرجوع بالثمن.
(وقوله: إعترافه) أي المشتري.
(وقوله: برقه) أي ما اشتراه.
(وقوله: لانه) أي المشتري، وهو علة لعدم
الضرر.
(وقوله: معتمد فيه) أي في اعترافه بالرق.
(وقوله: على الظاهر) أي ظاهر اليد.
(قوله: ولو ادعى شراء عين) أي ادعى الملكية وبين السبب.
(قوله: بملك مطلق) أي لم تبين فيه السبب.
(قوله: قبلت) أي البينة.
(قوله: لانها شهدت بالمقصود) أي وهو الملك، وأما السبب فهو تابع له.
(قوله: ولا تناقض) أي والحال أنه لا تناقض بين الدعوى والشهادة موجودة.
(قوله: على الاصح) متعلق بقبلت.
وعبارة التحفة: وفي الانوار عن فتاوى القفال لو ادعى شراء عين فشهدت بينة له بملك مطلق قبلت، لكن رد بأن الصحيح أنها لا تسمع حتى تصرح له بالشراء، وفيه نظر بل الاوجه الاول الخ.
اه.
(قوله: وكذا) متعلق بلم يضر بعد الواقع جواب لو: أي لم يضر كذا: أي كما لو ادعى شراء عين الخ.
وعدم الضرر فيه لم يصرح به، وإنما يفهم من قوله قبلت.
(وقوله: ملكا مطلقا) أي لم يذكر سببه.
(وقوله: فشهدت) أي البينة.
(وقوله: له) أي لمدعي الملك المطلق.
(وقوله: به) أي بالملك.
(وقوله: مع سببه) أي مع ذكر سبب الملك.
(قوله: لم يضر) أي ما زادته البينة من السبب.
قال في التحفة: لان سببه تابع له، وهو المقصود، وقد وافقت البينة فيه الدعوى.
نعم: لا يكون ذكرهم السبب مرجحا لانهم ذكروه قبل الدعوى به، فإن أعاد دعوى الملك وسببه فشهدوا بذلك، رجحت حينئذ.
اه.
(قوله: وإن ذكر) أي المدعي.
(وقوله: سببا) أي للملك كشراء.
(وقوله: وهم) أي وذكرهم: أي الشهود.
(وقوله: سببا آخر) أي كإرث.
(قوله: ضر ذلك) أي ذكرهم السبب الآخر في شهادتهم.
(قوله: للتناقض الخ) قال في التحفة: ويفرق بين هذا وما لو قال له علي ألف من ثمن عبد، فقال المقر له لا بل من ثمن دار، بأنه يغتفر في الاقرار ما لا يغتفر في الشهادة المشترط فيها المطابقة للدعوى لا فيه: أي الاقرار.
اه.
(قوله: لو باع) أي شخص.
(قوله: ثم قامت الخ) أي ثم بعد البيع قامت بينة حسية، وهي التي تشهد قبل الاستشهاد، سواء سبقها دعوى أم لا، وهي مأخوذة من احتسب بكذا أجرا عند الله، اعتده ينوي به وجه الله تعالى.
(قوله: إن أباه) أي أبى البائع.
(قوله: وقفها) أي الدار المبيعة.
(وقوله: عليه) أي على البائع (قوله: ثم على أولاده) أي ثم من بعده تكون وقفا على أولاده.
ولا بد أن تكون موقوفة من بعدهم على جهة عامة كالفقراء لتصح شهادة الحسبة، لما سيأتي في الشارح أنها لا تصح إلا في حق مؤكد لله كطلاق، وعتق، ووقف لنحو جهة عامة الخ.
(قوله: إنتزعت) أي الدار.
وهو جواب لو.
(قوله: ورجع) أي المشتري.
(قوله: ويصرف له) أي للبائع: أي الذي وقفت الدار عليه.
(قوله: من الغلة) أي غلة الدار مثلا: أي أجرتها، وهو بيان لما حصل.
(قوله:(4/309)
إن صدق البائع الشهود) أي في الوقفية.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يصدقهم.
(وقوله: وقفت) أي الغلة، أي تبقى موقوفة ولا تصرف على أحد.
(قوله: فإن مات مصرا) أي على عدم تصديقهم.
(وقوله: صرفت) أي الغلة.
وانظر حينئذ هل يبطل الوقف أو لا ؟ مقتضى قوله لاقرب الناس إلى الواقف يؤيد الاول، وإلا لقال صرفت إلى أولاد البائع من بعده، لانهم مذكورون في صيغة الواقف، وأيضا قولم في باب الوقف يشترط القبول من الموقوف عليه المعين، وإلا بطل حقه.
وبطل أصل الوقف إن كان عدم القبول من البطن الاول يؤيده.
وعبارة المنهاج مع التحفة هناك: والاصح أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله إن تأهل، وإلا فقبول وليه عقب الايجاب، أو بلوغ الخبر.
ولو رد الموقوف عليه المعين بطل بحقه منه.
وخرج بحقه أصل الوقف، فإن كان الراد البطن الاول بطل عليهما، أو من بعده فكمنقطع الوسط.
اه.
بحذف.
(قوله: بل تجب) أي الشهادة.
(قوله: إن انحصر الامر فيه) أي في الشاهد، بأن لم يوجد غيره.
(قوله: بملك) متعلق بالشهادة.
(قوله: إستصحابا) حال من مقدر: أي تجوز الشهادة للشخص حال كونه مستصحبا الخ.
(وقوله: لما سبق) أي لسبب سبق الشهادة: أي وجد قبلها.
(وقوله: من إرث) بيان لما.
(وقوله: وغيرهما) أي غير الارث والشراء كهبة.
(قوله: اعتمادا على الاستصحاب) هو عين قوله استصحابا، فاوولى إسقاطه.
(قوله: لان الاصل البقاء) أي بقاء الملك، وهو علة للعلة.
(قوله: وللحاجة لذلك) أي للاعتماد على الاستصحاب في أداء الشهادة، وذلك لانه لا يمكن استمرار الشاهد مع صاحبه دائما لا يفارقه لحظة، لانه متى فارقه أمكن زوال ملكه عنه، فتعذرت عليه الشهادة.
(قوله: وإلا) أي وإن لم تجز الشهادة اعتمادا على الاستصحاب.
(وقوله: لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة) أي لانه يقال فيها يحتمل زوال ملكه عنها.
(قوله: ومحله) أي محل قبول الشهادة اعتمادا على ما ذكر.
(وقوله: لم يصرح) أي الشاهد في الشهادة بأنه اعتمد الاستصحاب، بأن يقول أشهد أنه ملك له الآن، اعتمادا على ما سبق من أنه ورثه أو اشتراه.
(قوله: وإلا) أي بأن صرح بذلك.
(وقوله: لم تسمع) أي الشهادة، قال في النهاية: لكن يتجه حمله على ما إذا ذكره على وجه الريبة والتردد، فإن ذكره لحكاية حال، أو تقوية قبلت معه.
اه.
(قوله: ولو ادعيا الخ) المسألة الاولى قد تقدمت.
(قوله: أي كل من إثنين) أي ادعى كل واحد من إثنين.
(قوله: فإن أقر) أي الثالث، وإن أنكر ما ادعياه ولا بينة، حلف لكل منهما يمينا وترك في يده.
(وقوله: به) أي بذلك الشئ.
(قوله: سلم) أي ذلك الشئ.
(وقوله: إليه) أي إلى الاحد المقر له.
(قوله: وللآخر تحليفه) أي وللمدعي الثاني تحليف المقر بأن هذا الشئ ليس ملكه.
قال في النهاية: إذ لو أقر به له أيضا غرم له
بدله.
اه.
(قوله: وإن ادعيا شيئا على ثالث) أي أنكرهما، وإنما عدل عن قوله في المتن بيد ثالث إلى ما قال ليشمل ما إذا لم يكن في يد البائع، كما ستأتي الاشارة إليه.
(قوله: وأقام كل منهما) أي من المدعيين.
(وقوله: أنه اشتراه منه) أي وهو يملكه إن كان المبيع بغير يده، وإلا لم يحتج لذكر ذلك كما يأتي.
(قوله: وسلم ثمنه) قيد به لاجل قوله بعد: ويرجعان عليه بالثمن.
(قوله: فإن اختلف تاريخهما) أي كأن شهدت إحدى البينتين أنه اشتراه في رجب، والاخرى أنه اشتراه في شعبان.
(قوله: حكم للاسبق منهما) أي من البينتين.
قال سم: ويلزم المدعى عليه للآخر دفع ثمنه لثبوته ببينة من غير تعارض فيه، كما هو ظاهر.
وكلام الروض صريح فيه.
اه.
(قوله: لان معها) أي مع(4/310)
البينة التي هي أسبق تاريخا.
(وقوله: زيادة علم) أي بثبوت الملك في وقت لا تعارضها فيه الاخرى.
قال في التحفة: ولان الثاني اشتراه من الثالث بعد ما زال ملكه عنه.
ولا نظر لاحتمال عوده إليه لانه خلاف الاصل، بل والظاهر.
اه.
(قوله: وإلا يختلف تاريخهما) أي البينتين معا، وهو صادق بثلاث صور: بأن لا يوجد تاريخ أصلا منهما، وذلك بأن أطلقتا، وبما إذا وجد تاريخ من إحداهما، وبما إذا وجد منهما ولكنه متحد، وقد بينها بقوله بأن أطلقتا الخ (قوله: سقطتا) أي البينتان.
(قوله: لاستحالة أعمالهما) أي لاستحالة العمل بهما لتعارضهما.
(قوله: ثم إن أقر الخ) أي ثم بعد سقوطهما إن أقر المدعى عليه بأنه باع كلا منهما، أو أحدهما.
فالحكم واضح وهو أنه في الاولى يثبت البيع لاحدهما، ويرجع الآخر عليه بالثمن الذي سلمه له، لبطلان البيع بالنسبة له، وفي الثانية كذلك يثبت البيع للمقر له، ويرجع الآخر عليه بالثمن.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يقر.
(وقوله: حلف لكل منهما) أي بأنه ما باعه.
(قوله: ويرجعان عليه بالثمن) قال في شرح الروض: إذ لا تعارض فيه، لان بينة كل منهما شهدت بتوفية الثمن، وإنما وقع التعارض في الدار لامتناع كونها ملكا لكل منهما في وقت واحد، فسقطتا فيها دون الثمن.
اه.
ومحل رجوعهما عليه بالثمن ما لم تتعرض البينة لقبض المبيع، وإلا فلا يرجعان عليه به لتقرر العقد بالقبض، وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده.
(قوله: ولو قال كل منهما الخ) هذه عكس المسألة السابقة، لان تلك في مشتريين وبائع، وهذه في بائعين ومشتر، ومقصودهما الثمن وفي تلك العين.
(قوله: والمبيع الخ) أي والحال أن المبيع في يد المدعى عليه.
(قوله: بعتكه بكذا وهو ملكي) مقول القول.
قال سم: وانظر لو قال وهو في يدي هل يكفي كما قد يدل عليه ما في التنبيه الآتي ؟ اه.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يقل هو ملكي لم تسمع الدعوى.
(قوله: فأنكر) أي
المدعى عليه الشراء منهما.
(قوله: وأما) أي مدعيا البيع.
(قوله: بما قالاه) أي من البيع عليه.
(قوله: فإن اتحد تاريخهما سقطتا) أي لامتناع كون العين ملكا لكل منهما في وقت واحد، فيحلف لكل منهما يمينا كما لو لم يكن بينة، وتبقى له العين ولا يلزمه شئ.
(قوله: وإن اختلف) أي تاريخهما.
مثله ما لو أطلقتا، أو أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى.
(قوله: لزمه الثمنان) أي لان التنافي غير معلوم والجمع ممكن، لكن يشترط أن يكون بينهما زمان يمكن فيه العقد الاول، ثم الانتقال من المشتري إلى البائع الثاني ثم العقد الثاني، فلو عين الشهود زمنا لا يتأتى فيه ذلك لم يلزم الثمنان، ويحلف حينئذ لكل.
اه.
نهاية.
(قوله: ولو قال الخ) شروع في حكم ما لو اختلف مؤجر الدار مثلا والمستأجر في قدر ما استؤجر كالمثال المذكور.
ومثله ما لو اختلفا في قدر الاجر، كأن قال أجرتك البيت بعشرة، فقال: بل أجرتنيه بخمسة.
أو فيهما معا، كأن قال أجرتك البيت بخمسة، فقال بل أجرتني جميع الدار بثلاثة.
(قوله: وأقاما بينتين) أي أطلقتا، أو إحداهما، أو اتحد تاريخهما، وكذا إذا اختلف تاريخهما، واتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد.
اه.
تحفة.
(قوله: تساقطتا) أي البينتان، لتناقضهما في كيفية العقد الواحد.
قال في شرح الروض: ويفارق هذا ما لو شهدت بينة بألف وأخرى بألفين، حيث ثبتت الالفان بأنهما لا يتنافيان، لان الشهادة بالالف لا تنفي الالفين، وهنا العقد واحد.
اه.
(قوله: ثم يفسخ العقد) أي عقد الاجارة، ويسلم المكتري أجرة مثل ما سكن في الدار.
(قوله: لا يكفي في الدعوى كالشهادة الخ) عبارة الروض وشرحه: ويشترط في دعوى المشتري من(4/311)
غير ذي اليد أن يقول المدعي: إشتريتها منه وهي ملكه، أو تسلمتها منه، أو سلمها إلي، كالشهادة يشترط فيها أن يقول الشاهد إشتراها من فلان وهي ملكه، أو إشتراها أو تسلمها منه أو سلمها إليه لا في دعوى الشراء من ذي، يد، فلا يشترط فيها ذلك، بل يكفي ذكر اليد، لان اليد تدل على الملك.
اه.
(قوله: إذا كان) أي البائع غير ذي يد بأن كان المبيع في يد شخص آخر غير البائع.
(قوله: أو مع ذكر الخ) عطف على قوله مع ذكر ملك البائع: أي أو إلا مع ذكر اليد فيكفي ذلك، لان اليد تدل على الملك كما مر.
(قوله: إذا كانت اليد له) أي للبائع.
(وقوله: ونزعت منه تعديا) فيه أنه يكون حينئذ غير ذي يد، فيقال حينئذ ما الفرق بين هذه الصورة والتي قبلها ؟ ويمكن أن يفرق بينهما بحمل قوله في الصورة الاولى غير ذي يد على ما إذا لم يكن تحت يده أصلا، بأن ورثه من أبيه ولم يستلمه من وكيله أو من وصيه، وحمل ما هنا على ما إذا دخل تحت يده ولكن انتزع منه.
ولو أسقطه - كما في شرح الروض - لكان
أولى.
(قوله: ولو ادعوا الخ) هذه المسألة ذكروها في باب الشهادة.
(قوله: مالا) مفعول ادعوا.
(وقوله: عينا الخ) تعميم في المال.
(قوله: لمورثهم) متعلق بمحذوف صفة لمالا: أي مالا ملكا لمورثهم.
(قوله: وأقاموا شاهدا) أي بعد إثباتهم لموته وإرثهم وانحصاره فيهم.
اه.
نهاية.
(قوله: وحلف معه بعضهم) أي وحلف مع الشاهد الذي أقاموه بعض الورثة.
قال في شرح الروض: فإذا حلفوا كلهم ثبت الملك له وصار تركة تقضى منها ديونه ووصاياه.
اه.
(قوله: على استحقاق مورثه الكل) أي المال، ولا يقتصر على قدر حصته، لانه إنما يثبت الملك لمورثه.
وكذا لو حلفوا كلهم لما ذكر.
(قوله: أخذ نصيبه) قال في شرح الروض: ويقضي من نصيبه قسطه من الذين والوصية لا الجميع.
اه.
(قوله: ولا يشارك) بالبناء للمجهول.
(وقوله: فيه) نائب فاعله، وضميره يعود على نصيبه الذي أخذه.
(قوله: من جهة البقية) أي بقية الورثة.
(قوله: لان الحجة تمت الخ) علة عدم المشاركة.
(وقوله: في حقه) أي الحالف.
(قوله: وغيره) أي ولان غير الحالف قادر عليها، أي الحجة.
(وقوله: بالحلف) متعلق بقادر.
(قوله: وأن يمين الانسان الخ) علة ثالثة لعدم المشاركة.
(وقوله: لا يعطى بها) أي بيمين الانسان.
(وقوله: غيره) أي غير الانسان صاحب اليمين.
(قوله: فلو كان الخ) مرتب على محذوف تقديره: ويبطل حق كامل لم يحلف بنكوله إن حضر في البلد، وكان قد شرع في الخصومة أو شعر بها، فلو كان بعض الورثة صبيا الخ.
(قوله: حلف إذا بلغ) راجع للصبي.
(وقوله: أو حضر) راجع للغائب.
(قوله: وأخذ) أي وأخذ كل منهما.
(وقوله: نصيبه) أي حصته (قوله: بلا إعادة دعوى وشهادة) أي لانهما وجدا أولا من الكامل خلافة عن الميت.
(قوله: ولو أقر) أي شخص بدين لميت.
(قوله: فأخذ بعض ورثته) أي الميت من ذلك الدين المقر به.
(قوله: ولو بغير دعوى) غاية في الاخذ.
(وقوله: ولا إذن من حاكم) أي في الاخذ.
(قوله: فللبقية) أي بقية الورثة.
(وقوله: مشاركته) أي مشاركة بعض الورثة في القدر الذي أخذه.
(قوله: ولو أخذ أحد شركائه) أي الشخص (وقوله: في دار متعلق بشركاء) أي شركائه في نفس الدار.
(وقوله: أو منفعتها) معطوف على في الدار: أي أو شركائه في منفعة الدار، بأن كان موصى بها لجماعة.
(قوله: ما يخصه) مفعول أخذ.
(وقوله: من أجرتها) بيان لما.
(قوله: لم يشاركه فيه) أي فيما أخذه مما يخصه من أجرتها.
(قوله: بقية الورثة) صوابه بقية الشركاء، كما في بعض نسخ الخط.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/312)
فصل في الشهادات
شروع في القسم الثاني من ترجمة الباب السابق، وهو البينات.
وإنما أفرده بفصل مستقل لطول الكلام على القسم الاول وهو الدعاوي، ولان الباب ما اشتمل على فصول، فلا يقال إنه في الباب السابق ترجم للبينات ولم يذكرها فيه.
(قوله: جمع شهادة) وإنما جمعها لتنوعها كما مر بيانه والاصل فيها قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) * وقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) *.
وقوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) *.
وأخبار كخبر الصحيحين: ليس لك إلا شاهداك أو يمينه.
أي ليس لك يا مدعي في إثبات الحق على خصمك إلا شاهداك، وليس لك في فصل الخصومة بينك وبينه عند عدم البينة إلا يمينه، وكخبر البيهقي والحاكم وصحح إسناده أنه (ص): سئل عن الشهادة، فقال للسائل: ترى الشمس ؟ قال نعم.
فقال: على مثلها فاشهد أو دع.
وقوله: على مثلها الخ: المراد إن كنت تعلم الشئ الذي تريد الشهادة به مثل الشمس فاشهد به، وإن كنت لا تعلمه مثلها فاترك الشهادة به.
وأركانها خمسة: شاهد ومشهود به ومشهود عليه ومشهود له وصيغة.
وكلها تعلم من كلامه.
(قوله: وهي) أي الشهادة شرعا ما ذكر.
وأما لغة فمعناها الاطلاع والمعاينة كما في المصباح.
(وقوله: إخبار الشخص الخ) عرفها بعضهم بأنها إخبار عن الشئ بلفظ خاص، وهو أولى لشموله لنحو هلال رمضان، بخلاف تعريف الشارح.
(قوله: بحق على غيره) أي لغيره.
(قوله: بلفظ خاص) أي على وجه خاص، بأن تكون عند قاض بشرطه.
اه.
رشيدي والمراد باللفظ الخاص لفظ أشهد لا غير، فلا يكفي إبداله بغيره ولو كان أبلغ، لان فيه نوع تعبد.
(قوله: الشهادة الخ) شروع في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال وتعدد الشهود، وما لا يعتبر فيه ذلك.
(وقوله: لرمضان) أي وتوابعه كتعجيل زكاة الفطر في اليوم الاول، ودخول شوال، وصلاة التراويح.
(قوله: أي لثبوته) أي رمضان، وأفاد بهذا التفسير أن الشهادة ليست لنفس رمضان، وإنما هي لاثباته.
(قوله: بالنسبة للصوم فقط) أي لا بالنسبة لحلول أجل أو لوقوع طلاق، كما مر في باب الصوم.
(قوله: رجل) خبر عن الشهادة، ولا بد من تقدير مضاف في الاول أو الثاني ليتطابق المبتدأ والخبر، وذلك لان الشهادة ليست عين الرجل: إذ هي إسم معنى، وهو جثة.
وتقديره في الاول ذو الشهادة لرمضان رجل، وفي الثاني الشهادة لرمضان شهادة رجل، ويصح أن يكون رجل فاعلا لفعل محذوف مع متعلقه، والتقدير يكفي فيها رجل، وهذا أقعد من جهة المعنى إلا أنه يرد عليه أن حذف العامل لا يجوز إلا مع القرينة، ولا قرينة
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 283.
(2) سورة الطلاق، الاية: 2.
(3) سورة البقرة، الاية: 282.(4/313)
هنا، إلا أن يدعي المقام، ومثل ذلك يجري في جميع ما يأتي.
(قوله: لا امرأة وخنثى) أي فلا يثبت بهما هلال رمضان لنقصهما.
(قوله: ولزنا ولواط) معطوفان على قوله لرمضان: أي والشهادة لزنا ولواط: أي وإتيان بهيمة أو ميتة.
(قوله: أربعة من الرجال) أي لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *.
ولان الزنا أقبح الفواحش، وإن كان القتل أغلظ منه على الاصح، فغلظت الشهادة فيه سترا من الله تعالى على عباده، واشتراط الاربعة فيهما إنما هو بالنسبة لاثبات الحد أو التعزيز، أما بالنسبة لسقوط حصانته وعدالته ووقوع طلاق علق بزناه فيثبت برجلين، وقد يشكل على ثبوت ما ذكر بهما ما مر في باب حد القذف من أن شهادة ما دون الاربعة بالزنا تفسقهم وتوجب حدهم، فكيف يتصور هذا.
وقد يجاب بأن صورته أن يقولا نشهد بزناه بقصد سقوط أو وقوع ما ذكر، فقولهما بقصد الخ ينفي عنهما الحد والفسق، لانهما صرحا بما ينفي أن يكون قصدهما إلحاق العار به الذي هو موجب حد القذف.
(قوله: يشهدون الخ) بيان لكيفية الشهادة بالزنا واللواط.
(قوله: أنهم) أي الاربعة.
(وقوله: رأوه) أي الزاني أو اللائط.
(قوله: مكلفا مختارا) حالان من فاعل أدخل.
(قوله: حشفته) أي أو قدرها من مقطوعها، وهو مفعول أدخل.
(قوله: في فرجها) متعلق بأدخل، ولا بد من تعيينها كهذه، أو فلانة.
(وقوله: بالزنا) متعلق بأدخل: أي على وجه الزنا، ولا بد من ذكر ذلك أو ما يفيد معناه، كأن يقول على وجه محرم.
(قوله: لا يشترط ذكر زمان ومكان) أي زمان الزنا ومكانه.
(قوله: إلا إن ذكره) أي المذكور من الزمان والمكان.
(وقوله: أحدهم) أي أحد الشهود الاربعة.
(قوله: فيجب سؤال الباقين) أي عن الزمان والمكان.
(قوله: لاحتمال) علة للوجوب.
(وقوله: وقوع تناقض) أي إذا سئلوا عنهما.
وذلك كأن تذكر بقية الشهود زمانا أو مكانا غير الذي ذكره الشاهد الاول، كأن يقول أحد الشهود رأيته زنى أول النهار في المكان الفلاني، ويقول الباقون رأيناه زنى آخر النهار في المكان الفلاني غير المكان الاول، فهذا تناقض وخلف وقع بينهم، وهو يسقط الشهادة أو يبطلها.
(قوله: ولا ذكر رأينا الخ) أي ولا يشترط ذكر رأيناه أدخل حشفته في فرجها كدخول المرود في المكحلة، والمرود - بكسر الميم - الميل.
(قوله: بل يسن) أي ذكر رأيناه كالمرود في المكحلة.
(قوله: ويكفي للاقرار به) أي الزنا: أي وما ألحق به من اللواط، وإتيان البهيمة والميتة.
(وقوله: إثنان) أي شهادة إثنين.
(وقوله: كغيره) أي كغير الاقرار بالزنا من الاقارير، فإنه يكفي فيها إثنان.
(قوله: ولمال) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لمال (قوله: عينا كان) أي ذلك لمال كدار وثوب (وقوله: أو منفعة) أي لدار ونحوها.
(قوله: وما قصد به مال) أي وللشئ الذي قصد منه مال.
(قوله: من عقد) بيان لما.
(وقوله: مالي) أي متعلق بالمال (قوله: أو حق مالي) أي متعلق بالمال، ولم يمثل له إلا بمثال واحد وهو الخيار.
(قوله: كبيع) تمثيل للعقد المالي.
(قوله: وحوالة) معطوف على بيع، عطف الخاص على العام، ومثله جميع الامثلة الآتية ما عدا الخيار فإنها للعقد إذ هي بيع دين بدين فهي تمثيل أيضا للعقد المالي.
(قوله: وضمان) هو مثال للعقد المالي أيضا.
وفي حواشي شرح المنهج جعله مثالا للحق المالي وليس كذلك: إذ هو عقد.
(قوله: ووقف) هو مثال أيضا للعقد المالي: أي الذي قصد منه المال.
وفي حاشية الباجوري جعله من الحق المالي وليس كذلك، إذ هو عقد أيضا.
وكتب البجيرمي على قول الخطيب: تنبيه من هذا الضرب الوقف ما نصه، لان المقصود منه فوائده أو أجرته وهي مال.
وصورة المسألة، أن شخصا ادعى ملكا تضمن وقفية، كأن قال هذه الدار كانت لابي ووقفها علي.
وأنت غاصب لها، وأقام شاهدا وحلف معه، حكم له بالملك، ثم تصير وقفا بإقراره، وإن
__________
(1) سورة النور، الاية: 4.(4/314)
كان الوقف لا يثبت بشاهد ويمين.
قاله في البحر.
م.
ر.
اه.
(قوله: وقرض) هو وجميع ما بعده ما عدا الخيار من العقد المالي، أما الخيار فمن الحق المالي كما علمت، ومثله جناية توجب مالا.
وجعل البجيرمي الاجل أيضا من الحق المالي، وفيه نظر لانه لا بد أن يكون مصرحا به في العقد، فهو من متعلقات العقد لا الحق.
(قوله: رجلان الخ) خبر المبتدأ المقدر قبل قوله لمال: أي والشهادة لمال وما قصد به مال يكفي فيها رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين، وذلك لقوله تعالى: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * أي إن لم ترغبوا في إقامة الرجلين، وليس المراد أنه لا يكفي الرجل والمرأتان إلا عند تعذر الرجلين، بدليل الاجماع على خلافه ولعموم البلوى بالمعاملات ونحوها، فوسع في طرق إثباتها، واستثنى في التحفة من الاكتفاء بشهادة من ذكر: الشركة والقراض، والكفالة.
وقال: أما هي فلا بد فيها من رجلين ما لم يرد في الاولين إثبات حصة من الربح.
اه.
(قوله: ولا يثبت شئ بإمرأيتن ويمين) أي ولو فيما يثبت بشهادة النساء منفردات، وذلك لعدم ورود ذلك ولضعفهما.
وإنما قام المرأتان مقام الرجل في الرجل والمرأتين لوروده.
(قوله: ولغير ذلك) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لغير ذلك المذكور من رمضان وما بعده.
(وقوله: أي ما ليس بمال ولا يقصد منه مال) تفسير لغير ذلك، لا لاسم الاشارة كما هو ظاهر.
وكان عليه أن يزيد وما ليس برمضان ولا زنا، لانهما من جملة المذكور قبل.
(قوله: من عقوبة لله تعالى) بيان لما، وهو على حذف مضاف: أي من موجب عقوبة كشرب وسرقة، لان الشهادة له لا لها.
(وقوله: كحد شرب) أي شرب خمر، وهو تمثيل للعقوبة.
(قوله: وسرقة) أي وحد سرقة.
(قوله: أو لآدمي) معطوف على لله.
أي أو عقوبة لآدمي، وهو على حذف مضاف أيضا كالذي قبله: أي موجب عقوبة لآدمي.
(قوله: كقود) أي قصاص، وهو تمثيل لعقوبة الآدمي (قوله: ومنع أرث) عطف على قود المجعول مثالا لعقوبة الآدمي، وهو يفيد أنه مثال لها أيضا.
وفيه نظر إلا أن يراد من العقوبة مطلق أذية، حسية كانت أو معنوية.
تأمل.
(قوله: بأن ادعى الخ) تصوير لمنع الارث.
(قوله: ولما يظهر للرجال) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لما يظهر للرجال الخ.
(وقوله: غالبا) أي في غالب الاحوال، وقد لا يظهر على سبيل الندور، فقد يتفق أن الرجل يطلق زوجته من غير حضور رجال، بل بحضور النساء، ومع ذلك فلا عبرة بهن.
(قوله: كنكاح) قال سم نقلا عن ابن العماد: يجب على شهود النكاح ضبط التاريخ بالساعات واللحظات، ولا يكفي الضبط بيوم العقد، فلا يكفي أن النكاح عقد يوم الجمعة مثلا، بل لا بد أن يزيدوا على ذلك بعد الشمس مثلا بلحظة أو لحظتين، أو قبل العصر أو المغرب كذلك.
لان النكاح يتعلق به لحاق الولد لستة أشهر ولحظتين من حين العقد، فعليهم ضبط التاريخ بذلك لحق النسب.
وهذا مما يغفل عنه في الشهادة بالنكاح.
اه.
وفي المغني.
(تنبيه) يستثنى من النكاح ما لو ادعت أنه نكحها وطلقها، وطلبت شطر الصداق، أو أنها زوجة فلان الميت، وطلبت الارث فيثبت ما ادعته برجل وامرأتين، وبشاهد ويمين، وإن لم يثبت النكاح بذلك، لان مقصودها المال.
ومن الطلاق ما لو كان بعضو وادعاه الزوج فإنه يثبت بشاهد ويمين ويلغز به فيقال: لنا طلاق يثبت بشاهدين ويمين.
اه.
(قوله: ورجعة) ذكرها مبني على القول بإشتراط الاشهاد فيه، والمعتمد خلافه، فلا تحتاج إلى إشهاد رأسا فضلا عن إشتراط الرجلين فيها.
(قوله: وطلاق) أي بعوض أو غيره إن ادعته الزوجة.
فإن ادعاه الزوج بعوض يثبت بشاهد ويمين ويلغز به فيقال: لنا طلاق يثبت بشاهد ويمين.
زي.
وفيه أن الطلاق ثبت بإقراره، والثابت بالرجل واليمين إنما هو
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 282.(4/315)
العوض.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وقراض ووكالة) محل إشتراط الرجلين فيهما.
وفي الوصاية وفي الشركة إن أريد عقودها والولاية فيها.
فإن أريد إثبات الجعل في الوكالة والوصاية، وإثبات حصته من المال في الشركة، وحصته من الربح فيها وفي القراض، قبل فيها رجلان، أو رجل وامرأتان، أو شاهد ويمين، لان المقصود منها المال حينئذ.
وقد تقدم التنبيه على بعض ذلك.
(قوله: ووديعة أي ادعى مالكها غصب ذي اليد لها، وذو اليد أنها وديعة، فلا بد من شاهدين، لان المقصود بالذات إثبات ولاية الحفظ له، وعدم الضمان يترتب على ذلك.
اه.
تحفة.
(قوله: ووصاية) أي فالشهادة للوصاية: أي بأن فلانا وصى فلانا، لا بد فيها من رجلين لقوله تعالى: * (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية إثنان) * الخ.
(قوله: ورؤية هلال غير رمضان) أي أما رؤية هلال رمضان فتثبت بواحد كما تقدم.
والراجح عند غير شيخ الاسلام وابن حجر: أن رؤية هلال غير رمضان تثبت بواحد بالنسبة للعبادة كرؤية هلال رمضان، فتقبل شهادة الواحد بهلال شوال للاحرام بالحج، وصوم ستة أيام من شوال، وبهلال ذي الحجة للوقوف، وللصوم في عشره، ما عدا يوم العيد، وبهلال رجب للصوم فيه، وبهلال شعبان لذلك، حتى لو نذر صوم شهر فشهد واحد بهلاله وجب.
(قوله: وشهادة على شهادة) أي بأن يشهد إثنان على شهادة كل من الشاهدين، بنحو قرض لغيبتهما مثلا.
(قوله: وإقرار بما لا يثبت إلا برجلين) وهو ما يظهر للرجال غالبا كالنكاح وما بعده.
ولو قال وإقرار بها: أي بهذه المذكورات لكان أولى، ومثل الاقرار بذلك الاقرار بما لا يثبت إلا بأربعة رجال كالزنا كما مر، أما الاقرار بما يثبت بهما، أو برجل ويمين، مما مر من المال، أو ما يقصد به مال، فيكفي فيه ذلك أيضا كما صرح به في الروض.
وعبارته: الضرب الثالث المال، وما المقصود منه المال كالاعيان والديون والعقود المالية، وكذا الاقرار به يثبت برجلين، أو رجل وامرأتين.
اه.
فقوله وكذا الاقرار به: هو محل الاستشهاد.
(قوله: لا رجل وامرأتان) أي ولا رجل ويمين.
(قوله: لما روى مالك الخ) أي ولانه تعالى نص في الطلاق والرجعة والوصاية على الرجلين، وصح به الخبر في النكاح.
اه.
تحفة.
(وقوله: مضت السنة) أي استقرت بأنه، أي على أنه الخ.
أو حكمت، ونسبة الحكم إليها مجاز، والسنة الطريقة: أي شريعة النبي (ص)، وهي الاحكام الشرعية لا مقابل الفرض.
اه.
ش ق.
(قوله: وقيس بالمذكورات) أي في الخبر، وهي الحدود والنكاح والطلاق.
(وقوله: غيرها) أي المذكورات، نائب فاعل قيس.
(قوله: مما يشاركها في المعنى) أي وهو كل ما ليس بمال، ولا هو المقصود منه.
ولا نظر لرجوع الوصاية والوكالة للمال، لان القصد منهما إثبات الولاية لا المال.
اه.
تحفة.
(قوله: ولما يظهر للنساء) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة للحق الذي يظهر للنساء.
(وقوله: غالبا) أي في غالب
الاحوال، وقد يظهر للرجال على سبيل الندور.
(قوله: كولادة) أي ادعتها وأنكرها الرجل، فتثبت بهن.
قال في التحفة: إذا ثبتت الولادة للنساء ثبت النسب، والارث تبعا.
لان كلا منهما لازم شرعا للمشهود به لا ينفك عنه، ويؤخذ من ثبوت الارث فيما ذكر ثبوت حياة المولود، وإن لم يتعرضن لها في شهادتهن بالولادة، لتوقف الارث عليها، أعني الحياة، فلم يمكن ثبوته قبل ثبوتها، أما لو لم يشهدن بالولادة بل بحياة المولود، فظاهر أنهن لا يقبلن، لان الحياة من حيث هي مما يطلع عليه الرجل غالبا.
اه.
بحذف.
(قوله: وحيض) أي ادعته لاجل العدة فأنكر.
وفي البجيرمي ما نصه: قوله وحيض - هو صريح في إمكان البينة عليه، وبه صرح النووي في أصل الروضة، ونقله في فتاويه عن ابن الصباغ، وصوبه بعضهم خلافا لما في الروضة، كأصلها في كتاب الطلاق من تعذر إقامة البينة عليه.
ورجح بعضهم ما هنا، وحمل في
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 106.(4/316)
الطلاق من التعذر على التعسر.
اه.
وإنما كان متعسرا.
لان الدم وإن شوهد إحتمل أنه إستحاضة.
(قوله: وبكارة) أي فيما إذا شرطت في العقد وادعى زوجها أنه وجدها ثيبا وأراد الفسخ، وأنكرت ذلك وادعت أنها بكر إلى الآن وأقامت أربع نسوة على دعواها فيقبلن.
(وقوله: وثيابة) في بعض نسخ الخط وثيوبة - بالواو - وهي ضد البكارة، وصورتها أن يكون قد طلقها وادعى أنه طلقها وهي بكر لتشطير المهر عليه، فادعت أنها ثيب بوطئه لها ليستقر المهر كله لها وأقامت أربع نسوة على ذلك فيقبلن.
(قوله: ورضاع) أي إذا كان من الثدي، أما إذا كان من إناء فلا يقبلن فيه، لان ذلك يطلع عليه الرجال غالبا.
نعم: يقبلن في أن هذا اللبن الذي في هذا الاناء من هذه المرأة، لان الرجال لا يطلعون عليه غالبا.
(قوله: وعيب امرأة) أي كرتق، وقرن، وجرح على فرجها، حرة كانت أو أمة.
(وقوله: تحت ثيابها) المراد به ما لا يطلع عليه الرجال غالبا.
وخرج به عيب الوجه واليد من الحرة، فلا يثبت حيث لم يقصد به مال إلا برجلين، وكذا ما يبدو عند مهنة الامة إذا قصد به فسخ النكاح مثلا، أما إذا قصد به الرد في العيب، فيثبت برجل وامرأتين، وشاهد ويمين: لان القصد منه حينئذ المال.
لا يقال كون هذا مما يطلع عليه الرجال غالبا، إنما يظهر على القول بحل النظر إلى ذلك لا على المعتمد من تحريمه، لانا نقول الوجه والكفان يطلع عليهما الرجال غالبا.
وإن قلنا بتحريم النظر لهما لانه جائز لمحارمها وزوجها بل للاجنبي لتعليم ومعاملة وتحمل شهادة.
(قوله: أربع من النساء) خبر عن الشهادة المقدرة قبل قوله ولم يظهر الخ.
(واعلم) أن ما قبلت فيه شهادة النساء على فعله، لا تقبل شهادتهن على الاقرار به، لانه مما يطلع عليه الرجال
غالبا بالسماع كسائر الاقارير.
(قوله أو رجلان الخ)..(واعلم) أن قبول شهادة من ذكر معلوم بالاولى، لانه إذا قبلت شهادتهن منفردات قبلت شهادة الرجلين، والرجل والمرأتين بالاولى.
(قوله: لما روى الخ) دليل للاكتفاء بشهادة الاربع النسوة فيما لا يظهر للنساء غالبا.
(قوله: من ولادة الخ) بيان لما.
(وقوله: وعيوبهن) أي كالرتق وما بعده مما مر.
(قوله: وقيس بذلك) أي بالمذكور في الحديث من الولادة والعيوب.
(وقوله: غيره) أي غير المذكور في الحديث مما هو في معناه من كل ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كالحيض وما بعده مما مر.
(قوله: ولا يثبت ذلك) أي ما يظهر للنساء غالبا برجل ويمين، لانها حجة ضعيفة.
وعيوب النساء ونحوها مما في معناها أمور مخطرة تحتاج إلى حجة قوية.
(قوله: وسئل الخ) الغرض من إيراد ما ذكر، بيان أن البلوغ قد يثبت بالنسوة تبعا لما يقبلن فيه، وإن كان إستقلالا لا يثبت إلا برجلين.
(قوله: أن فلانة يتيمة) يحتمل أن هذا علم عليها، ويحتمل الوصف.
(قوله: ولدت) بالبناء للمجهول.
(وقوله: شهر مولده) أي مولد فلان الذي شهد رجلان ببلوغه ست عشرة سنة.
(وقوله: أو قبله) أي أو ولدت قبل شهر مولده.
(وقوله: أو بعده) أي أو بعد شهر مولده.
(وقوله: بشهر) متعلق بولدت المقدر.
وقوله: مثلا) أي أو بشهرين.
(قوله: فهل يجوز تزويجها) أي فيما إذا توقف على إذنها بأن لم يكن لها ولي مجبر.
(قوله: إعتمادا على قولهن) أي في ثبوت الولادة.
(قوله: أو لا يجوز) أي تزويجها.
(قوله: إلا بعد(4/317)
ثبوت بلوغ نفسها) أي إلا بعد أن تثبت بلوغها بنفسها برجلين.
(قوله: نعم يثبت ضمنا) أي تبعا للولادة (وقوله: من شهدن) بنون النسوة.
(قوله: كما يثبت النسب) أي تبعا للولادة، كما تقدم في عبارة التحفة.
(قوله: فيجوز تزويجها الخ) مفرع على ثبوت البلوغ بولادتها.
(قوله: لو أقامت شاهدا الخ) أي إذا ادعت دخوله عليها ليستقر المهر كلها، وأنكر الزوج ليتشطر المهر، فأقامت شاهدا على أنه أقر بأنه دخل عليها، كفى حلفها مع ذلك الشاهد.
لان القصد المال وما كان القصد منه ذلك يكفي فيه شاهد ويمين كما مر.
(وقوله: ويثبت المهر) أي كله بذلك.
(قوله: أو أقامه الخ) أي إذا ادعى دخوله عليها لتثبت العدة إذا طلقها، والرجعة إذا كان رجعيا، وأنكرته هي لئلا يكون عليها عدة، ولا تثبت له الرجعة، لان الطلاق قبل الوطئ لا عدة فيه ولا رجعة.
وأقام شاهدا على إقرارها بالدخول فلا يكون الحلف معه، لانه ليس القصد المال
بل العدة والرجعة، وما كان كذلك لا بد فيه من رجلين كما مر.
(قوله: وشرط في شاهد الخ) شروع في بيان شروط الشاهد، وذكر منها هنا خمسة شروط، وسيذكر ثلاثة وهي عدم التهمة، والابصار والسمع في المبصرات والمسموعات، وسيذكر محترزات الجميع، وبقي عليه في الشروط الاسلام والنطق، والرشد، فلا تقبل الشهادة من كافر ولو على مثله، لانه أخس الفساق، ولقوله تعالى: * (واستشهدوا شهدين من رجالكم) * وقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.
والكافر ليس من رجالنا وليس بعدل، وأما خبر: لا تقبل شهادة أهل دين على غيرهم إلا المسلمون فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم فضعيف، وأما قوله تعالى: * (أو آخران من غيركم) * فمعناه من غير عشيرتكم، أو منسوخ بقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.
ولا من أخرس وإن فهم إشارته كل أحد فلا يعتد بشهادته بها، كما لا يحنث فيما لو حلف لا يتكلم ولا تبطل صلاته بها، فهي لاغية في هذه الابواب الثلاثة، ومعتبرة في غيرها، ولا من محجور عليه بسفه لنقصه.
(واعلم) أن هذه الشروط يعتبر وجودها في الشاهد عند التحمل، والاداء في النكاح لتوقف صحته على الشهود، وعند الاداء فقط في غيره، فيجوز أن يتحملها وهو غير كامل، ثم يؤديها وهو كامل.
(قوله: فلا تقبل من صبي) أي لقوله تعالى: * (من رجالكم) *.
والصبي ليس من رجالنا فلا تقبل شهادته ولو لمثله أو عليه، خلافا للامام مالك رضي الله عنه حيث قبل شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من الجراحات ما لم يتفرقوا.
(وقوله: ومجنون) أي فلا تقبل شهادته بالاجماع.
(قوله: ولا ممن به رق) أي ولا تقبل الشهادة ممن فيه رق كسائر الولايات، إذ في الشهادة نفوذ قول على الغير، وهو نوع ولاية.
ولانه مشغول بخدمة سيده فلا يتفرغ لتحمل الشهادة ولا لادائها.
اه.
شرح الروض.
(قوله: ولا من غير ذي مروءة) أي ولا تقبل الشهادة من غير صاحب مروءة، وهي - بضم الميم - لغة: الاستقامة، وشرعا ما سيذكره.
(قوله: لانه) أي غير صاحب مروءة، لا حياء له.
(قوله: ومن لا حياء له يقول ما شاء) أي لقوله (ص): إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
(قوله: وهي) أي المروءة شرعا، ومعناها لغة ما تقدم.
(وقوله: توقي الادناس) أي التحرز من كل دنس، أي خسيس لا إثم فيه.
أو فيه إثم كسرقة لقمة.
(وقوله: عرفا) راجع
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 282.
(2) سورة الطلاق، الاية: 2.
(3) سورة المائدة، الاية: 106.(4/318)
للادناس، فالمراد من الدنس، ما يعد في العرب دنسا، فهو لا ينضبط، بل يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال والاماكن.
وعبارة المنهاج: والمروءة تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه.
قال في المغني: لان الامور العرفية قلما تنضبط، بل تختلف باختلاف الاشخاص والازمنة والبلدان، وهي بخلاف العدالة فإنها لا تختلف بإلاختلاف الاشخاص، فإن الفسق يستوى فيه الشريف والوضيع، بخلاف المروءة فإنها تختلف.
وقيل المروءة التحرز.
عما يسخر منه ويضحك به.
وقيل هي أن يصون نفسه عن الادناس ولا يشينها عند الناس، وقيل غير ذلك.
اه.
وقوله: وقيل غير ذكل، منه: المروءة ترك ما يزري بمتعاطيه لكونه غير لائق به عرفا، وهذه التعاريف متقاربة من جنة المعنى.
(واعلم) أنه يجوز تعاطي خارم المروءة، إلا إذا تعينت عليه الشهادة فيحرم عليه تعبه.
وقد فقدت المروءة الآن إلا من القليل من الناس.
وما أحسن ما قيل فيها: مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة ؟ فقالت كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا ؟ (قوله: فيسقطها) أي المروءة.
(وقوله: الاكل والشرب في السوق) أي ونحوه من كل مكان لا يعتاد فيه ذلك، فالسوق ليس بقيد.
ومحل إسقاطهما للمروءة حيث لا عذر، وإلا كأن غلبه جوع أو عطش واضطر إلى ذلك فيه، أو كان صائما وقصد المبادرة لسنة الفطر فلا يسقطانها، ومحله أيضا كما في النهاية فيما إذا أكل أو شرب خارج الحانوت، أما لو أكل داخل الحانوت وكان مستترا فيه، بحيث لا ينظره غيره ممن هو خارجه، فلا يضره ذلك ولم يرتض.
هذا في التحفة ونصها: قال البلقيني أو أكل داخل حانوت مستترا ونظر فيه غيره، وهو الحق فيمن لا يليق به ذلك.
اه.
(قوله: والمشي الخ) بالرفع معطوف على الاكل: أي ويسقطها المشي في السوق حال كونه كاشفا ما ذكر، والمشي ليس بقيد.
(وقوله: أو بدونه) أي غير العورة، أما كشف العورة فحرام.
(قوله: لغير سوقي) متعلق بكل من الاكل والشرب والمشي، فإن صدرت هذه الثلاثة من السوقي فلا تسقط مرؤته.
(قوله: وقبلة الحليلة الخ) بالرفع أيضا عطف على الاكل: أي ويسقطها أيضا قبلة الحليلة، زوجة كانت أو أمة بحضرة الناس.
وفي المغني ما نصه: قال البلقيني: والمراد بالناس الذين يستحيي منهم في ذلك، وبالتقبيل الذي يستحيي من إظهاره، فلو قبل زوجته بحضرة جواريه أو بحضرة زوجات له غيرها، فإن ذلك لا يعد من ترك المروءة.
وأما تقبيل الرأس ونحوه فلايخل بالمروءة.
اه.
بتصرف.
ولا يرد على إسقاط القبلة لها
تقبيل ابن عمر رضي الله عنهما أمته التي وقعت في سهمه، لانه كان تقبيل إستحسان لاغاظة الكفار لا تمتع، أو كان بيانا للجواز، ومثل القبلة في إسقاط المروءة وضع يده على موضع الاستمتاع منها من صدر ونحوه.
(قوله: وإكثار الخ) بالرفع أيضا عطف على الاكل: أي ويسقطها إكثار ما يضحك من الحكايات بين الناس، ومحله إن قصد ضحك الجالسين، فإن لم يقصده لكون ذلك طبعه لم يعد خارما للمروءة، كما وقع ذلك لبعض الصحابة، وفي الصحيح، من تكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه، يهوي بها في النار سبعين خريفا.
(قوله: أو لعب شطرنج) بالجر عطف على ما يضحك: أي وإكثار لعب شطرنج بحيث يشغله عن مهماته، والكلام إذا خلا عن المال، وإلا فحرام كما سيذكره.
(قوله: أو رقص) هو بالجر أيضا عطف على ما: أي وإكثار رقص والكلام أيضا حيث لم يكن تكسر، وإلا فهو حرام.
(قوله: بخلاف قليل الثلاثة) أي ما يضحك ولعب شطرنج والرقص فإنه لا يسقطها، ومما يسقطها أيضا إكثار الغناء - بكسر الغين - والمد، أو استماعه.
ويسقطها أيضا حرفة دنيئة كحجم وكنس زبل ودبغ ممن لا تليق به لاشعارها بالخسة، بخلافها ممن تليق به، وإن لم تكن حرفة آبائه فلا يسقطها.
(قوله: ولا من فاسق) عطف على قوله من صبي: أي ولا تقبل الشهادة من فاسق لقوله تعالى: وأشهدوا ذوي عدل منكم، وهو ليس بعدل.
(قوله: واختار جمع الخ) قال في التحفة: رده إبن(4/319)
عبد السلام بأن مصلحته: أي المشهود له يعارضها مفسدة المشهود عليه.
(وقوله: قضى الحاكم بشهادة الامثل فالامثل) أنظر ما المراد به ؟ ولعله الاخف فسقا.
(قوله: والعدالة الخ) هي لغة التوسط، وشرعا ما ذكره وهو إجتناب الكبائر والاصرار على الصغائر.
وقيل هي ملكة في النفس تمنع من إقتراف الكبائر والرذائل المباحة.
(قوله: بإجتناب كل كبيرة) أي بالتباعد عنها والترك لها، وعبارته من عموم السلب، فتفيد أنه متى ارتكب كبيرة إنتفت عنه العدالة.
(قوله: كالقتل الخ) أفادت كاف التمثيل مع الضابط الآتي أن الكبائر أشياء كثيرة.
قال في المغني: قال ابن عباس هي إلى السبعين أقرب.
وقال سعيد بن جبير أنها إلى السبعمائة أقرب.
اه.
وقد نظم بعضهم جملة منها فقال: إذا رمت تعداد الكبائر آخذا عن المصطفى والصحب كي تبلغ الغرف فشرك وقتل ثم سحر مع الربا فظلم اليتامى والفرار إذا زحف عقوق وإلحاد وتبديل هجرة وسكر ومن يزني ويسرق أو قذف وزور وتقذير ببول نميمة غلول ويأس أو من المكر لم يخف
وإضرار موص منع ماء ونحلة ونسيان قرآن كذا سبه السلف وسوء ظنون والذي وعده أتى بنار ولعن أو عذاب فخذ ووف وقوله: منع ماء: أي عن ابن السبيل.
وقوله: ونحلة: أي مهر، ويروى وفحله، أي ومنع فحله.
وفي الزواجر أخرج البزار بسند فيه ضعف: أكبر الكبائر: الاشراك بالله، وعقوق الوالدين، ومنع فضل الماء، ومنع الفحل.
(قوله: واليمين الغموس) بفتح المعجمة: أي الفاجرة، وهي التي يبطل بها حق، أو يثبت بها باطل.
وسميت بذلك لانها تغمس الحالف في الاثم في الدنيا، وفي النار في الاخرى.
قال عليه الصلاة والسلام: من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان.
وقال عليه السلام: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة.
فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك.
(قوله: والفرار من الزحف) أي الانصراف من الصف لزحف الكفار على المسلمين، وتقدم الكلام عليه في مبحث الجهاد، فارجع إليه إن شئت.
(وقوله: بلا عذر) أما إذا كان لعذر كمرض، وكالانصراف من الصف لاجل أن يكمن في موضع ثم يهجم فلا يحرم.
(قوله: وعقوق الوالدين) أي ولو كافرين وهو الظاهر، وإن وقع في بعض الاحاديث التقييد بالمسلمين لان الظاهر أنه جري على الغالب.
ومعنى عقوقهما أن يؤذيهما أذى ليس بالهين، ومنه التأفيف.
قال رسول الله (ص): من عق والديه فقد عصى الله ورسوله، وأنه إذا وضع في قبره ضمه القبر حتى تختلف أضلاعه، وأشد الناس عذابا في جهنم عاق لوالديه، والزاني، والمشرك بالله سبحانه وتعالى.
وروي: أن رجلا شكا إلى رسول الله (ص) أباه، وأنه يأخذ ماله.
فدعاه فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله، فقال: إنه كان ضعيفا وأنا قوي، وفقيرا وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئا من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني، ويبخل علي بماله.
فبكى رسول الله (ص) وقال: ما من حجر ولا مدر يسمع بهذا إلا بكى، ثم قال للولد: أنت ومالك لابيك.
وشكا إليه آخر سوء خلق أمه فقال: لم لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر ؟ قال إنها سيئة الخلق.
قال لم لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين ؟ قال: إنها سيئة الخلق.
قال لم لم تكن كذلك حين سهرت لك ليلها وأظمأت لك نهارها ؟ قال لقد جازيتها.
قال: ما فعلت ؟ قال: حججت بها على عنقي.
قال: ما جازيتها.
وقال عليه السلام: إياكم وعقوق الوالدين، فإن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام، ولا يجد ريحها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء.
إن الكبرياء لله رب العالمين.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وغصب قدر ربع دينار) أما غصب ما دونه فهو من الصغائر.
قال في الروض وشرحه: وغصب مال لخبر مسلم:(4/320)
من اقتطع شبرا من أرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين.
وقيده جماعة بما يبلغ قيمة ربع مثقال كما يقطع به في السرقة.
وخرج بغصب المال غصب غيره كغصب كلب فصغيرة.
اه.
(قوله: وتفويت مكتوبة) أي فهو من الكبائر، لقوله تعالى إخبارا عن أصحاب الجحيم: ما سلككم في سقر ؟ قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين ولما روي أن: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله.
ومثل تفويت الصلاة تعمدا، تأخيرها عن وقتها أو تقديمها عليه من غير عذر كسفر أو مرض، لقوله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا إلا من تاب) *.
قال ابن مسعود رضي الله عنهما: ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن أوقاتها، وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين: هو أن لا يصلي الظهر حتى تأتي العصر، ولا يصلي العصر إلى المغرب، ولا يصلي المغرب إلى العشاء، ولا يصلي العشاء إلى الفجر، ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس.
فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغي، وهو واد في جهنم بعيد قعره، شديد عقابه.
(قوله: وتأخير زكاة) مثله بالاولى تركها بالكلية.
(وقوله: عداونا) أي عمدا، وهو راجع لكل من تفويت الصلاة، وتأخير الزكاة.
وخرج به ما إذا كان تفويت الصلاة لعذر كنسيان، أو نوم، أو كان تأخير الزكاة لعذر كأن لم يحضر المستحق لها وقت وجوبها، فلا حرمة في ذلك مطلقا.
(قوله: ونميمة) هي نقل الكلام على وجه الافساد، سواء قصد الافساد أم لا، وسواء نقله لمن تكلم به فيه أو نقله إلى غيره، كأبيه وإبنه مثلا، وحصل الافساد.
والمراد بالافساد ضرر لا يحتمل.
ونقل الكلام ليس قيدا بل نقل الاشارة والفعل كذلك، وسواء نقله بكلام أو إشارة أو كتابة.
اه.
بجيرمي.
وإنما كانت من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيها، فقد روى الشيخان: لا يدخل الجنة قتات أي نمام.
وروى أحمد والنسائي: لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا نمام.
(قوله: وغيرها) أي وغير المذكورات.
(قوله: من كل جريمة الخ) بيان للغير، وهذا حد للكبيرة، واعترض بشموله صغائر الخسة كسرقة لقمة، لانها جريمة: أي معصية تؤذن بقلة إكتراث: أي إعتناء مرتكبها بالدين، وبرقة الديانة: أي ضعفها، لكن مع شموله لذلك مع أولى من حدها بأنها هي التي توجب الحد، لان أكثرها لا حد فيه، ومن حدها بما فيه وعيد شديد بنص الكتاب أو السنة، لان كثيرا مما عدوه كبائر ليس فيه ذلك كالظهار، وأكل لحم الخنزير وكثيرا مما عدوه صغائر فيه ذلك كالغيبة.
(واعلم) أن للعلماء أقاويل كثرة في حد الكبيرة، فمنها ما تقدم، ومنها قول ابن الصلاح في فتاويه: قال الجلال
البلقيني وهو الذي أختاره: الكبيرة كل ذنب عظم عظما يصح معه أن يطلق عليه إسم الكبيرة، ويوصف بكونه عظيما على الاطلاق، ولها أمارات منها إيجاب الحد، ومنها الايعاد عليه بالعذاب بالنار، ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها وصف فاعلها بالفسق، ومنها اللعن.
اه.
ومنها قول البارزي في تفسيره التحقيق: أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد أو لعن بنص كتاب أو سنة، أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن، أو أكثر من مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه.
اه.
وقد استوعبها الشيخ ابن حجر في كتابه المسمى بالزواجر على اقتراف الكبائر وقال فيه: واعلم أن كل ما سبق من الحدود إنما قصدوا به التقريب فقط، وإلا فهي ليست بحدود جامعة وكيف يمكن ضبط ما لا طمع في ضبطه.
اه.
(قوله: واجتناب إصرار على صغيرة) معطوف على اجتناب كل كبيرة.
والاصرار هو أن يمضي زمن تمكنه فيه التوبة ولم يتب، وقيل بأن يرتكبها ثلاث مرات من غير توبة، وقال عميرة الاصرار قيل: هو الدوام على نوع واحد منها، والارجح أنه الاكثار من نوع أو أنواع.
قاله الرافعي: لكنه في باب العضل قال: إن المداومة على النوع الواحد كبيرة، وبه صرح الغزالي في الاحياء، قال الزركشي والحق أن الاصرار الذي تصير به الصغيرة كبيرة، إما تكرارها بالفعل وهو الذي تكلم عليه الرافعي، وإما تكرارها في الحكم وهو العزم عليها قبل تكفيرها وهو الذي تكلم فيه ابن الرفعة.
وتفسيره بالعزم فسر به الماوردي قوله تعالى: * (ولم يصروا على ما فعلوا) *.
وإنما يكون العزم إصرارا بعد الفعل وقبل التوبة.
اه.
وفي
__________
(1) سورة المدثر، الاية: 42.
(2) سورة مريم، الاية: 59.
(3) سورة آل عمران، الاية: 135.(4/321)
الاحياء أن الصغيرة قد تكبر بغير الاصرار كاستصغار الذنب، والسرور به، وعدم المبالاة، والغفلة عن كونه يسبب الشقاوة والتهاون بحكم الله، والاغترار بستر الله تعالى وحلمه، وأن يكون عالما يقتدى به ونحو ذلك.
اه.
بجيرمي.
(قوله: أو صغائر) أي من نوع واحد أو أنواع.
(قوله: بأن لا تغلب طاعاته صغائره) الذي يظهر أن الباء بمعنى مع، وهي متعلقة بإصرار المنفي.
والمعنى أن العدالة تتحقق بإجتناب الاصرار المصاحب لعدم غلبة طاعاته معاصيه، بأن استويا أو غلبت المعاصي، أما الاصرار المصاحب لغلبة الطاعات فتحقق العدالة بدون إجتنابه - كما سيصرح به - ورأيت لسيد عمر البصري كتب على قول التحفة، بأن لا تغلب الخ ما نصه: كذا في النهاية، وفي هامش أصله بخط تلميذه عبد الرؤوف ما نصه: الظاهر أن لا زائدة، وفيه نظر لان الظاهر أن مراد الشارح تفسير الاصرار المراد للمصنف، وحينئذ فيتعين إثبات لا،
وأما حذف لا فإنما يتأتى لو كان المراد تفسير إجتناب الاصرار، وليس مرادا.
اه.
وهو يفيد أن الباء تصوير لمراد المصنف من الاصرار وهو بعيد، ويدل على ما ذكرته قول التحفة: قيل عطف الاصرار من عطف الخاص على العام، لما تقرر أنه ليس المراد مطلقه، بل مع غلبة الصغائر أو مساواتها للطاعات الخ.
اه.
وقوله: بل مع الخ مع محل الاستدلال.
(قوله: فمتى ارتكب الخ) تفريع على مجموع قوله باجتناب كل كبيرة، وإجتناب إصرار على صغيرة الخ المفيد للاطلاق في جانب الكبيرة، والتقييد في جانب الصغيرة.
(وقوله: مطلقا) أي سواء غلبت طاعاته صغائرة أم لا.
(قوله: أو صغيرة) أي ومتى ارتكبت صغيرة أو صغائر.
(وقوله: داوم عليها) أي أصر عليها أم لا.
(وقوله: خلافا لمن فرق) أي بين المداومة: أي الاصرار وعدمها، والظاهر أن هذا الفارق يقول إن المداومة عليها تسقط الشهادة مطلقا - غلبت معاصيه أم لا - كالكبيرة، كما يدل على ذلك عبارة الروض وشرحه ونصهما: فالاصرار على الصغائر ولو على نوع منها يسقط الشهادة، بشرط ذكره في قوله: قال الجمهور: من غلبت طاعته معاصيه كان عدلا، وعكسه فاسق.
اه.
فيؤخذ من قوله بشرط الخ أن خلاف الجمهور لا يقولون به.
تأمل.
(قوله: فإن غلبت الخ) جواب متى المقدرة قبل قوله: أو صغيرة.
قال في النهاية: ويتجه ضبط الغلبة بالعد من جانبي الطاعة والمعصية من غير نظر، لكثرة الثواب في الاولى، وعقاب في الثانية، لان ذلك أمر أخروي لا تعلق له بما نحن فيه.
اه.
وكتب ع ش: قوله من جانبي الطاعة والمعصية - أي بأن يقابل كل طاعة بكل معصية في جميع الايام، حتى لو غلبت الطاعات على المعاصي في بعض الايام، وغلبت المعاصي في باقيها، بحيث لو قوبلت جملة المعاصي بجملة الطاعات كانت المعاصي أكثر لم يكن عدلا.
اه.
وقوله: من غير نظر لكثرة الخ: معناه أن الحسنة تقابل بسيئة لا بعشر سيئات.
وعبارة ق ل: ومعنى غلبتها مقابلة الفرد بالفرد من غير نظر إلى المضاعفة.
اه: قال في النهاية: ومعلوم أن كل صغيرة تاب منها مرتكبها لا تدخل في العد، لاذهاب التوبة الصحيحة أثرها رأسا.
اه.
(قوله: والصغيرة الخ) هي كل ذنب ليس بكبيرة، قال في الزواجر: (واعلم) أن جماعة من الائمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة، وقالوا: بل سائر المعاصي كبائر، منهم الاستاذ أبو إسحاق الاسفرايني والقاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين في الارشاد، وابن القشيري في المرشد، بل حكاه ابن فورك عن الاشاعرة واختاره في تفسيره فقال: معاصي الله عندنا كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة ولبعضها كبيرة بالاضافة إلى ما هو أكبر منها.
ثم قال: وقال جمهور العلماء أن المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر، ولا خلاف بين الفريقين في المعنى، وإنما الخلاف في التسمية والاطلاق، لاجماع الكل على أن من المعاصي ما يقدح في العدالة،
ومنها ما لا يقدح في العدلة، وإنما الاولون فروا من هذه التسمية، فكرهوا تسمية معصية الله صغيرة نظرا إلى عظمة الله تعالى وشدة عقابه، وإجلالا له عزوجل عن تسمية معصيته صغيرة، لانها بالنظر إلى باهر عظمته كبيرة، أي كبيرة.
ولم ينظر الجمهور إلى ذلك لانه معلوم، بل قسموها إلى صغائر وكبائر لقوله تعالى: * (وكره إليكم الكفر والفسوق(4/322)
والعصيان) *.
فجعلها رتبا ثلاثة، وسمى بعض المعاصي فسوقا دون بعض، وقوله تعالى: * (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) *.
الآية، وسيأتي في الحديث الصحيح الكبائر سبع - وفي رواية تسع - وفي الحديث الصحيح أيضا ومن كذا إلى كذا كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك، ولان ما عظمت مفسدته أحق بإسم الكبيرة، علم أن قوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) *.
صريح في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، ولذلك قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بين الكبائر والصغائر.
وقد عرف من مدارك الشرع.
اه.
(قوله: كنظر الاجنبية) أي لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة كتحمل الشهادة، أو إستشفاء، فلا يحرم.
(قوله: ووطئ رجعية) أي من قبل الرجعة.
(قوله: وهجر المسلم فوق ثلاث) أي من الايام بلا سبب يقتضي ذلك، وقد تقدم الكلام عليه في فصل القسم والنشوز.
(قوله: ولبس رجل ثوب حرير) أي لغير حاجة.
أما إذا كان لحاجة كجرب وقمل، فلا يحرم كما مر في باب الجمعة.
(قوله: وكذب لا حد فيه) عبارة الروض وشرحه: وكذب لا حد فيه ولا ضرر، وقد لا يكون صغيرة، كأن كذب في شعره بمدح وإطراء.
وأمكن حمله على المبالغة فإنه جائز، لان غرض الشاعر إظهار الصنعة لا التحقيق كما سيأتي ذلك.
وخرج بنفي الحد والضرر ما لو وجدا أو أحدهما مع الكذب فيصير كبيرة، لكنه مع الضرر ليس كبيرة مطلقا، بل قد يكون كبيرة كالكذب على الانبياء، وقد لا يكون، بل الموافق لتعريف الكبيرة بأنها المعصية الموجبة للحد أنه ليس كبيرة مطلقا.
اه.
(قوله: ولعن) عده ابن حجر في الزواجر من الكبائر إن كان لمسلم، ونصها: سب المسلم والاستطالة في عرضه، وتسبب الانسان في لعن أو شتم والديه وإن لم يسبهما، ولعنه مسلما من الكبائر.
اه.
واللعن معناه الطرد والبعد من رحمة الله ومحل حرمته إن كان لمعين ولو فاسقا، أو كافرا حيا أو ميتا، ولم يعلم موته على الكفر، لاحتمال أنه ختم له بالاسلام - بخلاف من علم أنه ختم له على غير الاسلام كفرعون، وأبي جهل، وأبي لهب - ويجوز إجماعا لعن غير المعين بالشخص بل بالوصف، كلعنة الله على الكاذبين أو الظالمين، وقد ورد في النهي عنه شئ كثيرة: فمن ذلك قوله عليه السلام: من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه.
قيل: وكيف يلعنهما ؟ قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه.
وقوله عليه السلام: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الارض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإن لم تجد مساغا، رجعت على الذي لعن، فإن كان أهلا وإلا رجعت على قائلها وقوله عليه السلام: ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذي.
أي المتكلم بالفحش والكلام القبيح.
ومر عليه السلام بأبي بكر رضي الله عنه وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه وقال: لعانين ؟ كلا ورب الكعبة، فأعتقه أبو بكر رضي الله عنه يومئذ، ثم جاء لرسول الله (ص) فقال: لا أعود.
ولعن رجل بعيره فقال له عليه السلام: لا تتبعنا على بعير ملعون.
وقال عليه السلام: لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة.
وصرخ ديك قرب النبي (ص) فقال رجل: اللهم العنه، فقال عليه السلام: مه فإنه يدعو إلى الصلاة.
ولدغت برغوث رجلا فلعنها، فقال عليه السلام: لا تلعنها فإنها نبهت نبيا من الانبياء لصلاة الصبح.
وفي حديث: لا تسبوها فنعمت الدابة، فإنها أيقظتكم لذكر الله وقد قيل فيها شعر: لا تشتموا البرغوث إن اسمه بر وغوث لك لو تدري فبره شرب دم فاسدوغوثه الايقاظ للفجر ولعن الرجل الريح فقال عليه الصلاة والسلام: لا تعلن الريح فإنها مأمورة، من لعن شيئا ليس بأهل رجعت اللعنة
__________
(1) سورة الحجرات، الاية: 7.
(2) سورة النجم، الاية: 32.
(3) سورة النساء، الاية: 31.(4/323)
عليه.
(وقوله: ولو لبهيمة أو كافر) أي فإنه يحرم.
قال في الزواجر: واستفيد من هذه الاحاديث أن لعن الدواب حرام، وبه صرح أئمتنا، والظاهر أنه صغيرة ثم قال: ثم رأيت بعضهم صرح بأن لعن الدابة والذمي المعين كبيرة، وقيد حرمة لعن المسلم بغير سبب شرعي وفيه نظر، والذي ينجه ما مر من أن لعن الدواب صغيرة، وأما الذمي فيحتمل أنه كبيرة لاستوائه مع المسلم في حرمة إيذائه، وأما تقييده فغير صحيح، إذ ليس لنا غرض شرعي يجوز لعن المسلم أصلا.
اه.
(قوله: وبيع معيب بلا ذكر عيب) أي للمشتري فإنه حرام من الصغائر، ومحلها إذا علم البائع بالعيب، وإلا فلا حرمة كما هو ظاهر.
(قوله: وبيع رقيق مسلم لكافر) أي فإنه حرام، ولا يصح كما تقدم في باب البيع لما في ذلك من الاذلال للمسلم، ولقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * نعم يصح فيما إذا كان يعتق عليه كما إذا كان
المبيع أصلا أو فرعا للمشتري الكافر، لانه يستعقب العتق فلا إذلال، ويحرم أيضا بيع المصحف لكافر، ولا يصح كما تقدم لما فيه من الاهانة.
(قوله: ومحاذاة قاضي الحاجة الكعبة بفرجه) أي فإنها حرام إستقبالا وإستدبارا، لكن بشرط أن يكون في صحراء بدون ساتر، أو في بناء غير معد لقضاء الحاجة.
وذلك لخبر: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا وقد تقدم هذا في أول الكتاب.
(قوله: وكشف العورة في الخلوة عبثا) أي من غير حاجة فهو حرام حينئذ، فإن كان لحاجة كإغتسال لم يحرم - كما تقدم أول الكتاب في شروط الصلاة -.
(قوله: ولعب بنرد) هو المعروف عند الناس بالطاولة، وفي مسلم: من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه.
وفارق الشطرنج حيث يكره إن خلا عن المال بأن معتمده الحساب الدقيق والفكر الصحيح، ففيه تصحيح الفكر ونوع من التدبير، ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق.
قال العلامة الهمام ابن نباتة في شرحه لرسالة إبن زيدون: وقد وضع النرد لازدشير من ولد ساسان، وهو أول الفرس الثانية تنبيها على أنه لا حيلة للانسان مع القضاء والقدر، وهو أول من لعب به، فقيل نردشير، وقيل أنه هو الذي وضعه.
وشبه به تقلب الدنيا بأهلها، فجعل بيوت النرد اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة، وعدد كلابها ثلاثون بعدد أيام الشهور، وجعل الفصين مثالا للقضاء والقدر وتلقيبهما بأهل الدنيا، وأن الانسان يلعبه فيبلغ بإسعاف القدر ما يريده، وأن اللاعب غير الفطن يتأتى له ما يتأتى للفطن إذا أسعفه القدر.
فعارضهم الهند بالشطرنج.
(قوله: وغيبة وسكوت عليها) عبارة الروض وشرحه: وغيبة للمسر فسقه واستماعها بخلاف المعلن لا تحرم غيبته بما أعلن به كما مر في النكاح، وبخلاف غير الفاسق فينبغي أن تكون غيبته كبيرة، وجرى عليه المصنف كأصله في الوقوع في أهل العلم وحملة القرآن كما مر، وعلى ذلك يحمل ما ورد فيها من الوعيد الشديد في الكتاب والسنة، وما نقله القرطبي من الاجماع على أنها كبيرة، وهذا التفصيل أحسن من إطلاق صاحب العدة أنها صغيرة، وإن نقله الاصل عنه وأقره وجرى عليه المصنف.
وقوله: واستماعها أخص من قول الاصل، والسكوت عليها لانه قد يعلمها ولا يسمعها.
اه.
(قوله: ونقل بعضهم) مبتدأ خبره قوله محمول الخ.
(قوله: الاجماع على أنها) أي الغيبة كبيرة.
(وقوله: لما فيها من الوعيد الشديد) علة لكونها كبيرة، ومما ورد فيها قوله عليه السلام: من قذفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال.
رواه الطبراني وغيره.
وردغة بسكون الدال وفتحها.
عصارة أهل النار.
وقوله عليه السلام: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون صدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل: قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.
وقوله عليه السلام في حجة الوداع: إن دماءكم
وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ومن أربى الربا إستطالة المرء في عرض أخيه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي (ص): حسبك من صفية كذا وكذا - قال بعض الرواة تعني أنها قصيرة - فقال عليه السلام: قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته.
أي لانتنته وغيرت ريحه.
وجاء رجل إلى النبي (ص) وأخبره
__________
(1) سورة النساء، الاية: 141.(4/324)
أن فتاتين ظلتا صائمتين فأعرض عنه أربع مرات وهو يكرر عليه ذلك، ثم قال: إنهما لم يصوما.
وكيف صام من ظل هذا اليوم يأكل لحوم الناس ؟ إذهب فمرهما إن كانتا صائمتين فلتتقيآ، فرجع إليهما وأخبرهما فقاءت كل واحدة علقة من دم، فرجع إليه (ص) فأخبره فقال: والذي نفسي بيده لو بقيتا في بطونهما لاكلتهما النار.
وفي رواية: فقال لاحداهما قيئي، فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما حتى ملات نصف القدح، ثم قال للاخرى قيئي، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملات القدح، ثم قال: إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الاخرى فجعلتا تأكلان من لحوم الناس.
(قوله: محمول على غيبة أهل العلم وحملت القرآن) أي لشدة إحترامهم.
(قوله: لعموم البلوى بها) أي وإنما حمل الاجماع على ذلك ولم يبق على إطلاقه لعموم البلوى بالغيبة، فيحصل حرج عظيم لو لم يحمل عليه.
(قوله: وهي) أي الغيبة، وهو بيان لحدها، وقد بينها عليه السلام في قوله: هل تدرون ما الغيبة ؟ قالوا الله ورسوله أعلم.
قال: ذكرك أخاك بما يكرهه.
قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته.
قال في الزواجر: وذكر الاخ في الحديث كالآية للعطف والتذكير بالسبب الباعث على أن الترك متأكد في حق المسلم أكثر، لانه أشرف وأعظم حرمة.
اه.
(وقوله: ذكرك) المراد بالذكر التعرض بالايذاء بدليل الغاية بعده.
(وقوله: ولو بنحو إشارة) دخل تحت نحو الغمز والكتابة والتعرض، كأن يذكر عنده غيره فيقول الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء، أو بالدخول على السلاطين، وليس قصده بدعائه إلا أن يفهم عيب ذلك الغير، ومثله كل ما يتوصل به إلى فهم المقصود كأن يمشي مشيته، بل قال الغزالي إن هذا أعظم لانه أبلغ من التصريح والتفهيم وأنكى للقلب.
(قوله: غيرك) مفعول ذكر المضاف لفاعله، والمراد به لغير ما يعم المسلم والذمي.
وسئل: الغزالي رحمه الله تعالى عن غيبة الكافر.
فقال: هي في حق المسلم محذورة لثلاثة علل: الايذاء، وتنقيص ما خلقه الله تعالى، وتضييع الوقت بما لا يعني.
والاولى تقتضي التحريم، والثانية الكراهة، والثالثة خلاف
الاولى.
وأما الذمي فكالمسلم فيما يرجع إلى المنع من الايذاء، لان الشرع عصم دمه وعرضه وماله، وأما الحربي فليس بمحرم على الاولى، ويكره على الثانية والثالثة.
وأما المبتدع فإن كفر فكالحربي، وإلا فكالمسلم.
(وقوله: المحصور المعين) لو اقتصر على القيد الثاني لكان أولى، لانه يفيد مفاد الاول وزيادة.
وخرج بذلك غير المعين كأن يذم البخلاء، أو المتكبرين، أو المرائين، ويتعرض لهم بالتنقيص من غير تعيين أحد منهم، فهذا لا يعد غيبة.
(قوله: بما يكره) متعلق بذكرك: أي أن تذكره بشئ يكرهه سواء كان في بدنه كقصير وأسود وغير ذلك، أو في نسبه كأبوه إسكافي، أو في خلقه كسئ الخلق عاجز ضعيف، أو في فعله الديني ككذاب، أو متهاون بالصلاة، أو لا يحسنها، أو الدنيوي كقليل الادب، أو لا يرى لاحد حقا على نفسه، أو كثير الاكل أو النوم، أو في ثوبه كطويل الذيل وقصيره ووسخه، أو في داره كضيقة، أو قليلة المنافع، أو دابته كجموح، أو ولده كقليل التربية، أو زوجته ككثيرة الخروج، أو عجوز، أو تحكم عليه، أو قليلة النظافة، أو في خادمه كأبق أو غير ذلك من كل ما يعلم أنه يكرهه.
واعلم: أن أصل الغيبة الحرمة، وقد تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها.
وينحصر في ستة أسباب، وقد تقدم الكلام عليها، لكن يحسن ذكرها هاهنا أيضا، وهي التظلم، فلمن ظلم - بالبناء للمجهول - أن يشكو لمن يظن أن له قدرة على إزالة ظلم أو تخفيفه والاستعانة على تغيير منكر يذكره لمن يظن قدرته على إزالته بنحو فلان يعمل كذا فازجره، أو أعني علي زجره ومنعه منه، والاستفتاء بأن يقول لمفت ظلمني فلان فهل يجوز له ؟ ما طريقي في الخلاص منه أو تحصيل حقي منه ؟ أو نحو ذلك.
وتحذير المسلمين من الشر ونصحهم كجرح الرواة والشهود والتجاهر بالفسق، فيجوز ذكر المتجاهر بما تجاهر به دون غيره، والتعريف بنحو لقب كالاعمش والاصم.
وتنبيه: البواعث على الغيبة كثيرة، وهي عامة وخاصة، فالعامة كتشفي الغيظ بذكر مساوي من أغضبه، وكموافقة الاخوان ومجاملتهم بالاسترسال معهم بما هم فيه، أو إبداء نظير ما أبدوه خشية أنه لو سكت أو أنكر إستثقلوه ونفروا عنه،(4/325)
ويظن لجهله أن هذا من المجاملة في الصحبة، بل وقد يغضب لغضبهم إظهارا للجاهلية في السراء والضراء، فيخوض معهم في ذكر المساوي والعيوب فيهلك.
والخاصة كالتعجب من فعل غيره منكرا كأن يقول ما أعجب ما رأيت من فلان، أو عجيب من فلان كيف يحب أمته وهي قبيحة، أو كيف يقرأ على فلان الجاهل وهكذا.
يتعين عليك معرفة علاج الغيبة، وهو بأن تعلم أنك قد تعرضت بها لسخط الله تعالى وعقوبته، وأنها تحبط حسناتك، وبأن تنظر في باعثها فتقطعه
من أصله، إذ علاج العلة إنما يكون بقطع سببها.
ومما ينفعك في ذلك أن تتدبر في عيوبك وتجتهد في الطهارة منها لتدخل في قوله عليه السلام: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
وما أحسن قول بعضهم: لعمرك إن في ذنبي لشغلالنفسي عن ذنوب بني أمية على ربي حسابهم إليه تناهى علم ذلك لا إليه وليس بضائري ما قد أتوه إذا ما الله أصلح ما لديه وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض إخوانه: أوصيك بستة أشياء: إن أردت أن تقع في أحد وتذمه فذم نفسك، فإنك لا تعلم أحدا أكثر عيوبا منها، وإن أردت أن تعادي أحدا فعاد البطن، فليس لك عدو أعدى منها، وإن أردت أن تحمد أحدا، فاحمد الله فليس أحد أكثر منه منة عليك وألطف بك منه، وإن أردت أن تترك شيئا، فاترك الدنيا فإنك إن تركتها فإنك محمود وإلا تركتك وأنت مذموم، وإن أردت أن تستعد لشئ، فاستعد للموت فإنك إن لم تستعد له حل بك الخسران والندامة، وإن أردت أن تطلب شيئا، فاطلب الآخرة فلست تنالها إلا بأن تطلبها.
اللهم بصرنا بعيوب أنفسنا عن عيوب غيرنا يا كريم.
(قوله: واللعب) مبتدأ خبره مكروه.
قال في شرح الروض: واحتج لاباحة اللعب به بأن الاصل الاباحة، وبأن فيه تدابير الحروب.
وللكراهة بأن فيه صرف العمر إلى ما لا يجدي، وبأن عليا رضي الله عنه مر بقوم يلعبون به فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ اه.
(قوله: إن لم يكن فيه) أي في اللعب بالشطرنج، وهو قيد في الكراهة.
(وقوله: شرط مال من الجانبين) أي جانب اللاعبين: أي بأن يشرط كل واحد منهما على الآخر مالا إن غلب.
(وقوله: أو أحدهما) أي وإن لم يكن فيه شرط مال من أحد اللاعبين بأن يخرج مالا ليبذله إن غلب - بالبناء للمجهول - ويمسكه إن غلب، وليس له على الآخر شئ.
(قوله: أو تفويت صلاة) معطوف على شرط مال: أي وإن لم يكن فيه تفويت لصلاة: أي عن أدائها في الوقت.
(وقوله: ولو بنسيان) أي سواء كان تفويته لها عمدا، أو نسيانا، نشأ عن الاشتغال باللعب به.
قال في الزواجر: فإن قلت: لو استغرقه اللعب به حتى أخرج الصلاة عن وقتها غير متعمد لذلك، فما وجه تأثيمه مع أنه الآن غافل، والغافل غير مكلف فيستحيل تأثيمه ؟ قلت: محل عدم تكليف الناسي والغافل حيث لم ينشأ النسيان والغفلة والجهل عن تقصيره، وإلا كان مكلفا آثما.
أما في الغفلة فلما صرحوا به في الشطرنج من أنه لا يعذر بإستغراقه في اللعب به حتى خرج وقت الصلاة، وهو لا يشعر لما تقرر أن هذه الغفلة نشأت عن تقصيره بمزيد إكبابه وملازمته على هذا المكروه حتى ضيع بسببه الواجب عليه، وأما في الجهل فلما صرحوا به من أنه لو مات إنسان فمضت عليه مدة ولم يجهز ولا صلي عليه، أثم جاره وإن لم يعلم بموته، لان تركه البحث عن أحوال جاره إلى هذه الغاية تقصير شديد، فلم يبعد القول بعصيانه.
اه.
(قوله: أو لعب) الاولى قراءته بصيغة الفعل، وهو مع فاعله معطوف على مدخول يكن: أي وإن لم يكن لعب به مع معتقد تحريمه كحنفي ومالكي.
(قوله: وإلا) أي بأن كان فيه شرط مال من الجانبين، أو من أحدهما، أو كان فيه(4/326)
تفويت صلاة، أو كان لعب به مع معتقد تحريمه.
(وقوله: فحرام) وجه الحرمة في الصورة الاولى أن فيها اشتراط المال من الجانبين وهو قمار، وفي الثانية أن فيها اشتراط مال من أحدهما، وهو وإن كان ليس بقمار عقد مسابقة فاسدة لانه على غير آلة قتال، وتعاطي العقود الفاسدة حرام.
وفي الثالثة تأخير الصلاة عن وقتها.
وفي الرابعة إعانة على محرم.
(قوله: ويحمل ما جاء في ذمه) أي لعب الشطرنج المقتضي للحرمة.
(وقوله: من الاحاديث والآثار) من ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الازلام - النرد والشطرنج وما كان من اللهو - فلا تسلموا عليهم، فإنهم إذا اجتمعوا وأكبوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدق بهم، كلما ذهب واحد منهم يصرف بصره عنها لكزه الشيطان بجنوده، فما يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب: اجتمعت على جيفة فأكلت منها حتى ملات بطونها ثم تفرقت.
وروي عنه (ص) أنه قال: أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه - يعني صاحب الشطرنج - ألا تراه يقول: قتلته والله، مات والله، افتراء وكذبا على الله ؟ قال علي كرم الله وجهه: الشطرنج ميسر الاعاجم.
ومر رضي الله عنه على قوم يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لان يمس أحدكم جمرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها، ثم قال: والله لغير هذا خلقتم.
وقال أيضا رضي الله عنه: صاحب الشطرنج أكثر الناس كذبا، يقول أحدهم قتلت وما قتل، ومات وما مات.
(قوله: على ما ذكر) أي من شرط مال من الجانبين، أو أحدهما، أو تفويت الصلاة، أو لعب مع معتقد تحريمه.
(قوله: وتسقط مروءة الخ) مكرر مع قوله فيما تقدم وإكثار ما يضحك بينهم، أو لعب شطرنج الخ فلا حاجة إليه.
(قوله: وهو) أي لعب الشطرنج.
(وقوله: حرام) عند الائمة الثلاثة، وهم أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم.
وإنما قالوا بالحرمة للاحاديث الكثيرة التي جاءت في ذمه.
قال
في التحفة: لكن قال الحافظ لم يثبت منها حديث من طريق صحيح ولا حسن، وقد لعبه جماعة من أكابر الصحابة ومن لا يحصى من التابعين ومن بعدهم، وممن كان يلعبه غبا سعيد بن جبير رضي الله عنه.
اه.
(وقوله: مطلقا) أي وجد شرط مال أم لا، كان هناك تفويت صلاة عن قوتها أم لا.
(قوله: ولا تقبل الشهادة من مغفل) محترز قوله وتيقظ.
(وقوله: ومختل نظر) أي ناقص عقل لا يضبط الامور، وعطفه على ما قبله من عطف المرادف.
(قوله: ولا أصم الخ) أي ولا تقبل الشهادة من أصم في مشهود به يسمع، ولا من أعمى في مشهود به يبصر.
(قوله: كما يأتي) أي عند قوله وشرط لشهادة بفعل إبصار، وبقول هو وسمع، ومراده بهذا الاعتذار عن عدم اشتراط السمع والبصر هنا.
(قوله: ومن التيقظ الخ) المناسب تقديمه وذكره بعد قوله وتيقظ.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن من التيقظ ضبط ألفاظ الخ.
(وقوله: لا تجوز الشهادة بالمعنى) أي فلو كانت صيغة البيع مثلا من البائع بعت ومن المشتري اشتريت، فلا يعتد بالشهادة إلا إذا قال أشهد أن البائع قال بعت والمشتري قال اشتريت، بخلاف ما لو قال: أشهد أن هذا اشترى هذا من هذا، فلا يكفي.
فتنبه له.
فإنه يغلط فيه كثيرا.
اه.
ع ش.
(قوله: نعم لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إبهام) قال في التحفة: كما يشير لذلك قولهم: لو قال شاهد وكله، أو قال: قال وكلته، وقال الآخر فوض إليه، أو أنابه قبل، أو قال واحد قال: وكلت وقال الآخر قال: فوضت إليه، لم يقبلا لان كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر، وكان الفرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه، وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة.
ويجري ذلك في قول أحدهما، قال القاضي ثبت عندي طلاق فلانة، والآخر قال: ثبت عندي طلاق هذه، وهي تلك فإنه يكفي اتفاقا.
اه.
(قوله: وشرط في الشاهد أيضا) أي كما اشترط فيه التكليف، وما بعده من الشروط المارة.
(وقوله: عدم تهمة) هي بضم ففتح، وإنما اشترط عدمها لخبر: لا تجوز شهادة ذي الظنة، ولا ذي الحنة.
والظنة - بكسر الظاء وتشديد النون المفتوحة - التهمة، والحنة(4/327)
- بكسر الحاء وفتح النون المخففة - العداوة.
قال في التحفة: ويضر حدوثها - أي التهمة - قبل الحكم لا بعده، فلو شهد لاخيه بمال فمات وورثه قبل استيفائه، فإن كان بعد الحكم أخذه وإلا فلا، وكذا لو شهد بقتل فلان لاخيه الذي له ابن ثم مات وورثه، فإن صار وارثه بعد الحكم لم ينقض، أو قبله لم يحكم له.
اه.
(قوله: بجر نفع الخ) الباء للتصوير متعلقة بمحذوف صفة لتهمة: أي تهمة مصورة بجر نفع إلى الشاهد: أي بتحصيل نفع إليه.
(وقوله: أو إلى من لا تقبل شهادته له) أي أو بجر نفع إلى شخص، لا تقبل شهادة ذلك الشخص لذلك الشاهد، كأن يكون أصله أو فرعه.
(قوله: أو دفع
ضر) معطوف على بجر نفع: يعني أن التهمة تتصور أيضا بدفع ضر.
(وقوله: عنه) ضميره راجع للاحد الدائر بين المذكورين: أي الشاهد ومن لا تقبل شهادته له.
(وقوله: بها) أي بالشهادة، وهو متعلق بكل من جر نفع ودفع ضر.
(قوله: فترد الشهادة لرقيقه) مفرع على مفهوم الشرط: أي فإذا وجدت التهمة ردت الشهادة كشهادة السيد لرقيقه، لانها تجر نفعا إلى السيد.
ومحله إن شهد له بالمال، فإن شهد أن فلانا قذفه قبلت، إذ لا فائدة تعود عليه حينئذ.
(قوله: ولو مكاتبا) غاية في رد الشهادة لرقيقه: أي ترد له ولو كان مكاتبا لانه ملكه، فله علقة بماله بدليل منعه له من بعض التصرفات، ولانه بصدد العود إليه بعجز أو تعجيز - كما في التحفة -.
(قوله: ولغريم الخ) معطوف على لرقيقه: أي وترد الشهادة لغريم للشاهد قد مات وصورته - كما في البجيرمي - أن يدعي وارث الميت المدين بدين للميت على آخر، ويقيم الوارث المذكور دائن الميت يشهد مع آخر للميت بدينه، فلا تصح شهادة الدائن للميت للتهمة، لانه إذا أثبت بشهادته للغريم الميت شيئا فقد أثبت لنفسه المطالب به لاجل وفاء دينه، ومثله غريم المحجور عليه بفلس، فلا تقبل شهادته له لذلك.
(قوله: وإن لم تستغرق الخ) غاية في رد شهادته للغريم.
(وقوله: تركته) أي الغريم، وهو مفعول مقدم.
(وقوله: الديون) فاعل مؤخر.
(قوله: بخلاف شهادته لغريمه الموسر) أي الحي.
(وقوله: وكذا المعسر) أي الحي.
فقوله قبل موته، راجع لكل منهما، وهو محترز قوله قد مات.
وعبارة التحفة: بخلاف غريمه الحي ولو معسرا، لم يحجر عليه لتعلق الحق بذمته.
وجعله في شرح المنهج مفهوم شئ آخر، وعبارته مع المنهج: وترد شهادته لرقيقه وغريم له مات أو حجر عليه بفلس، بخلاف حجر السفه والمرض، وبخلاف شهادته لغريمه الموسر، وكذا المعسر قبل موته، والحجر عليه لتعلق الحق حينئذ بذمته لا بعين أمواله.
اه.
بحذف.
فقوله: وبخلاف شهادته لغريمه الخ مفهوم قوله: أو حجر عليه بفلس، لان مفهومه صادق بصورتين بما إذا كان موسرا فإنه لا حجر عليه، وبما إذا كان معسرا ولم يحجر عليه، وفي كلتيهما تقبل الشهادة.
(قوله: وترد لبعضه) أي وترد شهادة الاصل لفرعه وبالعكس، ولو بالرشد أو التزكية لانه بعضه، فكأنه شهد لنفسه فوجدت التهمة.
(قوله: من أصل الخ) بيان للمراد من البعض: أي أن المراد به ما يشمل الاصل والفرع.
(قوله: لا ترد الشهادة عليه) أي على بعضه.
قال في التحفة: ومحله حيث لا عداوة بينهما وإلا فوجهان، والذي يتجه منهما عدم القبول أخذا مما مر أن الاب لا يلي بنته إذا كان بينهما عداوة ظاهرة.
ثم رأيت صاحب الانوار جزم به.
اه.
(قوله: أي لا على أحدهما بشئ) أي لا ترد الشهادة على أحدهما: أي الاصل والفرع بشئ، وأفاد بهذا التفسير أن مرجع ضمير عليه الاحد الدائر، والاولى كما أشرت إليه إرجاعه للبعض، وهو صادق بذلك الاحد،
والاخصر حذف لفظ لا.
(وقوله: إذ لا تهمة) أي موجودة، وهو علة لعدم رد الشهادة عليه.
(قوله: ولا على أبيه) أي ولا ترد شهادة البعض على أبيه.
والمراد بالبعض الجنس فيشمل الاثنين، إذ شرط صحة الشهادة به رجلان، وكذا يقال فيما يأتي.
وعبارة متن المنهاج: وكذا تقبل شهادتهما على أبيهما بطلاق ضرة أمهما أو قذفها في الاظهر.
قال في التحفة: لضعف تهمة نفع أمهما بذلك إذ له طلاق أمهما متى شاء مع كون ذلك حسبة تلزمهما الشهادة به.
اه.
(قوله: طلاقا) مفعول مطلق لطلاق.
(وقوله: بائنا) هو ما يكون بالثلاث أو بالخلع.
(قوله: وأمه تحته) أي وأم الشهد تحت أبيه، وهو(4/328)
ليس بقيد، وإنما أتى به لان التهمة إنما تتوهم حينئذ.
(قوله: إما رجعي) مقابل قوله بائنا.
(وقوله: فتقبل قطعا) لم يذكر في الصورة السابقة ما يفيد الخلاف حتى يجزم هنا بالقبول، فكان الاولى أن يزيد في الصورة السابقة ما يفيده، وهو في الاظهر كما في المنهاج.
(قوله: هذا كله) أي ما ذكر ممن عدم رد الشهادة على أبيه بطلاق الضرة بائنا في الاظهر، وعدم رده قطعا إذا كان رجعيا.
(وقوله: في شهادة حسبة) أي بأن شهد ولداه عليه من غير تقدم دعوى.
(قوله: أو بعد دعوى الضرة) أي أن زوجها طلقها، وأقامت ولديه يشهدان به عليه.
(قوله: فإن ادعاه الاب الخ) أي فإن ادعى الطلاق الاب في زمن سابق لاسقاط نفقة ماضية، وأقام بعضه يشهد بذلك لم تقبل شهادته، لانها في الحقيقة شهادة للاب لا عليه، فالتهمة موجودة.
قال في المغني: ولكن تحصل الفرقة بدعواه الخلع كما مر في بابه.
اه.
(قوله: وكذا لو ادعته أمه) أي وكذلك لا تقبل شهادة بعضه لو ادعت أمه طلاق ضرتها.
وإقامته يشهد بذلك للتهمة.
(قوله: لو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله) أي في استيفائه من ذلك الآخر.
(قوله: فأنكر) أي المدين أن عليه دينا للموكل.
(قوله: فشهد به) أي بالدين.
(وقوله: أبو الوكيل) أي الذي هو الفرع، والمراد شهد مع غيره.
(قوله: قبل) أي أبو الوكيل، والاولى قبلت: أي شهادته.
(قوله: وإن كان فيه الخ) الواو للحال، وأن صلة، وضمير فيه يعود على قبول شهادته، أي تقبل شهادته والحال أن في قبولها تصديق ابنه.
قال في التحفة والنهاية: لضعف التهمة جدا.
اه.
(قوله: وتقبل شهادة كل الخ) أي لانتفاء التهمة.
(وقوله: من الزوجين) محل القبول فيهما ما لم يشهد الزوج بزنا زوجته، أو أن فلانا قذفها، وإلا فلا تقبل على الراجح.
(وقوله: للآخر) متعلق بتقبل، والمراد الآخر من الزوجين، والاخوين، والصديقين، فتقبل شهادة الزوج لزوجته وبالعكس: أي لان الحاصل بينهما عقد يطرأ ويزول، فلا يمنع قبول الشهادة، كما لو شهد الاجير للمستأجر وعكسه وتقبل شهادة الاخ لاخيه، وكذا بقية الحواشي، والصديق لصديقه، وهو من صدق في ودادك بأن يهمه ما
أهمك.
قال سم: وقليل ذلك: أي في زمانه، ونادر في زماننا، وذلك لضعف التهمة لانهما لا يتهمان تهمة الاصل والفرع.
أفاده المغني.
(قوله: وترد الشهادة بما هو محل تصرفه) يعني وترد شهادة مأذون له في التصرف، كوكيل وولي ووصي في الشئ الذي هو محل تصرفه، وهو المال مثلا.
(قوله: كأن وكل أو أوصى) يقرآن بالبناء للمجهول، وفيه نائب فاعلهما، وضميره يعود على ما هو محل تصرفه، وهو تمثيل لكون الشهادة تكون فيما هو محل التصرف.
وفي العيارة حذف: أي ثم ادعى فيه فشهد كل من الوكيل أو الوصي بثبوته للموكل أو لليتيم: مثلا وإيضاحه أن يكون المالك قد وكله في بيع شئ مثلا، ثم ادعى شخص أنه ملكه فشهد هو - أي الوكيل - بأنه ملك موكله أو أوصاه على يتيم.
ثم ادعى آخر ببعض مال اليتيم فشهد هو - أي الوصي - بأنه ملك اليتيم فترد شهادة من ذكر للتهمة.
(قوله: لانه) الضمير يعود على معلوم من المقام، وهو المأذون له في التصرف - وكيلا كان أو وصيا - وهو علة لرد الشهادة فيما هو محل تصرفه.
(وقوله: يثبت بشهادته) أي بثبوت المال لموكله أو اليتيم.
(وقوله: ولاية) أي سلطنة لنفسه على المشهود به.
أي فالتهمة موجودة في حقه.
(قوله: نعم لو شهد الخ) استدراك على رد شهادة من ذكر فيما ذكر، وعبارة شرح الرملي: فإن عزل الوكيل نفسه ولم يخص في الخصومة قبلت، أو بعدها - أي الخصومة - فلا وإن طال الفصل.
اه.
(وقوله: بعد عزله) أي عزل الولي له بالنسبة للوكيل، أو عزل القاضي له بالنسبة للوصي.
(قوله: ولم يكن خاصم) أي ولم يكن من ذكر خاصم المدعي لمال موكله، أو اليتيم قبل العزل، فإن خاصم ثم عزل لم تقبل.
(قوله: قبلت) أي شهادته، وهو جواب لو.
(قوله: وكذا لا تقبل شهادة وديع) أي بأن الوديعة ملك للمودع.
(وقوله: مرتهن لراهنه) أي ولا تقبل شهادة مرتهن،(4/329)
أي بأن الرهن ملك للراهن عنده.
(قوله: لتهمة بقاء يدهما) أي إستدامة يدهما: أي الوديع والمرتهن على الوديعة والرهن، والتهمة تبطل الشهادة.
(قوله: أما ما ليس الخ) أي أما الشئ الذي ليس وكيلا فيه، أو وصيا فيه، فتقبل شهادة الوكيل أو الوصي.
وعبارة المغني: وأفهم كلامه كغيره القطع بقبول شهادة الوكيل لموكله بما ليس وكيلا فيه، ولكن حكى الماوردي فيه وجهين وأصحهما الصحة.
اه.
(قوله: ومن حيل شهادة الوكيل) أي من المحيل المصححة لشهادة الوكيل.
(قوله: ما لو باع) أي الوكيل شيئا ولم يقبض ثمنه.
(قوله: فأنكر المشتري الثمن) أي بأن ادعى أداءه إليه.
(قوله: أو اشترى) أي الوكيل شيئا.
(قوله: فادعى أجنبي بالمبيع) أي بأنه ملكه.
(قوله: فله) أي للوكيل.
(وقوله: أن يشهد لموكله بأن الخ) راجع للصورة الاولى، أعني صورة ما لو باع الوكيل الخ.
(وقوله: له) أي للموكل.
(وقوله: عليه)
أي المشتري.
(وقوله: كذا) أي الثمن.
(وقوله: أو بأن هذا الخ) راجع للصورة الثانية: أعني صورة ما إذا اشترى الخ، فهو على اللف والنشر المرتب.
(وقوله: ملكه) أي أو أن يشهد بأن هذا البيع الذي ادعاه الاجنبي ملك الموكل.
(قوله: إن جاز له أن يشهد به للبائع) أي محل جواز شهادته بأن هذا ملك موكله، إن جاز للوكيل أن يشهد به للبائع لو فرض أنه استشهد عليه، بأن يعلم أنه ملك له حقيقة.
(قوله: ولا يذكر) أي في الشهادة أنه وكيل، فإن ذكر ذلك لا تقبل شهادته.
(قوله: وصوب الاذرعي حله) أي ما ذكر من شهادة الوكيل بما ذكر.
قال في التحفة بعده: ثم توقف - أي الاذرعي - فيه لحمله الحاكم على الحكم بما لو عرف حقيقته لم يحكم به.
ويجاب بأنه لا أثر لذلك، لان القصد وصول المستحق لحقه.
اه.
(وقوله: باطنا) أي بينه وبين الله بمعنى أنه لا يعاقبه على ذلك.
(قوله: لان في توصلا للحق) علة الحل باطنا: أي وإنما حل له أن يشهد بما تقدم لان فيه إيصال الحق للمستحق.
(وقوله: بطريق مباح) الذي يظهر أنه متعلق بتوصلا، وأن المراد بالطريق المباح هي شهادته بما ذكر لعلمه أن المشهود به ملك حقيقة للمشهود له، وإذا كان كذلك يكون من قبيل الاظهار في مقام الاضمار، لان التقدير وإنما جازت الشهادة بما ذكر لان فيها توصلا للحق بها.
(قوله: وكذا لا تقبل ببراءة الخ) أي وكما لا تقبل شهادة الوكيل أو الوصي فيما هو محل التصرف فيه، لا تقبل الشهادة ببراءة الذي ضمنه الشاهد، أو أصله، أو فرعه، أو رقيقه.
فالضمان لا فرق فيه بين أن يكون من الشاهد نفسه، أو من أصل الشاهد، أو من فرع الشاهد، أو من رقيقه، فالشاهد في الاول هو الضامن، وفيما عداه غيره.
لان الضامن الاصل أو الفرع أو الرقيق والشاهد غير ذلك ببراءة الذي ضمنه من الدين الذي عليه، ومثلها الاداء.
(وقوله: لانه) أي الشاهد الضامن هو، أو أصله، أو فرعه، أو عبده.
(وقوله: يدفع به) الاولى بها: أي بشهادته كما في التحفة.
(وقوله: الغرم عن نفسه) وذلك لانه لو لم يؤد المضمون الدين الذي عليه فالمطالب به الضامن: أي فالتهمة موجودة.
(وقوله: أو عمن الخ) معطوف على عن نفسه، ومن واقعة على الضامن الاصل أو الفرع أو الرقيق.
(وقوله: لا تقبل شهادته) الضمير يعود على من، وضمير له يعود على الشاهد، والتقدير: أو لانه يدفع الغرم عن أصله أو فرعه أو رقيقه الذين لا تقبل شهادته له لو أشهدهم، أي فالتهمة موجودة.
(قوله: وترد الشهادة من عدو على عدوه) أي لحديث: لا تقبل شهادة ذي غمر على أخيه.
رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن، والغمر - بكسر الغين - الغل والحقد لما في ذلك من التهمة.
(قوله: عداوة دنيويه) خرج به الدينية: أي المتعلقة بالدين، كشهادة مسلم على كافر فتقبل، ولا بد أن تكون ظاهرة لان الباطنة لا يطلع عليها إلا علام الغيوب.
وفي معجم الطبراني أن النبي (ص) قال: سيأتي قوم في آخر الزمان إخوان العلانية أعداء السريرة.
قيل
لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام: أي شئ كان أشد عليك مما مر بك ؟ قال شماتة الاعداء.
وكان النبي (ص) يستعيذ(4/330)
بالله منها.
فنسأل الله سبحانه وتعالى العافية من ذلك.
(وقوله: لا له) أي لا ترد الشهادة لعدوه إذ لا تهمة حينئذ.
وما أحسن ما قيل: ومليحة شهدت لها ضراتها والفضل ما شهدت به الاعداء (قوله: وهو) أي عدو الشخص.
(وقوله: من يحزن الخ) عبارة المنهاج: وهو من يبغضه بحيث يتمنى زوال نعمته، ويحزن بسروره، ويفرح بمصيبته.
اه.
وهو بمعنى ما ذكره المؤلف.
(وقوله: وعكسه) هو من يفرح بحزنه.
(قوله: فلو عادى الخ) مرتب على محذوف، يعلم من عبارة التحفة ونصها: وقد تمنع العداوة من الجانبين ومن أحدهما، فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه.
اه.
ومثلها عبارة النهاية والخطيب، ونص الثاني: وقد تكون العداوة من الجانبين، وقد تكون من أحدهما، فيختص برد شهادته على الآخر.
ولو عادى من يستشهد عليه وبالغ في خصامه ولم يجبه ثم شهد عليه لم ترد شهادته لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى ردها.
اه.
(وقوله: من يريد الخ) من واقعة على الشاهد، وهو المعادي - بفتح الدال -.
(وقوله: أن يشهد عليه) فاعل يشهد يعود على من وهو العائد، وضمير عليه يعود على المشهود عليه الذي هو المعادي - بكسر الدال - والمعنى أن هذا المشهود عليه عادى الشاهد، فهذه العداوة لا تمنع شهادة الشاهد عليه، وإلا اتخذ الناس العداوة المذكورة ذريعة ووصلة لرد الشهادة عليه.
(قوله: وبالغ) أي المشهود عليه.
(وقوله: في خصومته) أي الشاهد.
(قوله: فلم يجبه) أي لم يجب الشاهد من بالغ في الخصومة.
(قوله: قبلت شهادته) أي هذا الذي خوصم وعودي.
(وقوله: عليه) أي على المشهود عليه الذي هو المعادي والمخاصم.
(قوله: قبولها) أي الشهادة.
(وقوله: من ولد العدو) أي فلو شهد ولد عدوه عليه قبلت.
ومثل الولد الاصل كما في المغني نص عبارته: وخرج بالعدو أصله وفرعه فتقبل شهادتهما إذ لا مانع بينهما وبين المشهود عليه.
اه.
(قوله: ويوجه) أي قبول شهادة ولد العدو.
(وقوله: بأنه لا يلزم من عداوة الخ) قال في التحفة: وزعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه، وأنه ينبغي أن لا تقبل ولو بعد موت أبيه، وإن كان الاصح على ما قيل عند المالكية قبوله بعد موته لا في حياته ليس في محله، لان الكلام في ولد عدو لم يعلم حاله، وحينئذ يبطل زعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه لاطلاقه.
أما معلوم الحال من عداوة أو عدمها فحكمه واضح.
اه.
(قوله: أن من قذف آخر) أي قبل الشهادة كما في النهاية.
(قوله:
لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر) أي لا تقبل شهادة القاذف على المقذوف، ولا المقذوف على القاذف، لان كلا عدو للآخر.
(قوله: وإن لم الخ) غاية في عدم قبول شهادة كل.
(وقوله: حده) أي القاذف.
(قوله: وكذا الخ) أي من قذف آخر في عدم قبول شهادة كل من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله.
(وقوله: فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر) أي لا تقبل شهادة المدعي بقطع الطريق على آخر، ولا شهادة الآخر عليه للعداوة بينهما.
(قوله: قال شيخنا يؤخذ من ذلك) أنظر من أين يؤخذ ؟ فإنه لا يلزم من عدم قبول الشهادة في القذف ودعوى قطع الطريق عدم قبولها في كل فسق.
ولعل في العبارة سقطا هو المأخوذ منه ذلك يعلم من عبارة التحفة ونصها: بعد نقله حاصل كلام الروضة الخ: ويوجه بأن رد القاذف والمدعي ظاهر، لانه نسبه فيهما إلى الفسق، وهذه النسبة تقتضي العدالة عرفا، وإن صدق ورد المقذوف والمدعى عليه كذلك، لان نسبته للزنا أو القطع تورث عنده عداوة له تقتضي أنه ينتقم منه بشهادة باطلة عليه،(4/331)
وحينئذ يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر الخ.
اه.
فقوله: وحينئذ يؤخذ من ذلك: أي من توجيه عدم قبول الشهادة في صورة القذف، وصورة قطع الطريق، بحصول العداوة بينهما بسبب ذلك.
(قوله: اقتضى وقوع عداوة) الجملة في محل جر صفة لفسق، وذلك كشرب الخمر ونحوه.
(قوله: نعم يتردد النظر) أي في قبول الشهادة من أحدهما على الآخر، وعدم قبولها.
(قوله: فيمن اغتاب الخ) متعلق بيتردد، أو بالنظر.
(قوله: يجوز له غيبته به) يصح قراءة يجوز - بفتح الياء وبضم الجيم المخففة وسكون الواو - وغيبته بعده فاعله، ويصح قراءته بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة - وغيبته مفعوله، والفاعل ضمير يعود على مفسق، وعلى كل الجملة صفة لمفسق: أي مفسق موصوف بكونه يجوز لمن اغتاب غيبته به.
(قوله: وإن أثبت الخ) غاية في تردد النظر.
(وقوله: السبب المجوز لذلك) أي للغيبة، وذلك السبب كالتجاهر به أو كظلمه له.
واعلم: أن المؤلف اقتصر في النقل من عبارة شيخه على تردد النظر فيما ذكر، ولم يذكر ما انحط رأيه عليه، فكان عليه أن يذكره لانه من تتميم عبارته، ونصها بعد قوله وإن أثبت السبب المجوز لذلك: وقضية ما تقرر في الدعوى بالقطع - أي قطع الطريق - من أنه لا تقبل شهادة أحدهما على الآخر، وإن أثبت المدعي دعواه أنه هنا كذلك، وعليه فيفرق بين مسألة القطع ومسألة الغيبة، بأن المعنى المجوز للغيبة، وهو أن المغتاب هتك عرضه بظلمه للمغتاب، فجوز له الشارع الانتقام منه بالغيبة غير المعنى المقتضي للرد، وهو أن ذلك الامر يحمل على الانتقام بشهادة باطلة، وذلك جائز وقوعه من
كل منهما، فلم تقبل شهادة أحدهما على الآخر.
اه.
ببعض تصرف.
(قوله: فرع تقبل شهادة الخ) عبارة الروض وشرحه.
فرع: تقبل شهادة أهل البدع كمنكري صفات الله، وخلقه أفعال عباده، وجواز رؤيته يوم القيامة، لاعتقادهم أنهم مصيبون في ذلك لما قام عندهم، إلا الخطابية وهم أصحاب الخطاب الاسدي الكوفي كان يقول بإلهية جعفر الصادق ثم ادعى الالهية لنفسه، فلا تقبل شهادتهم لمثلهم وإن علمنا أنهم لا يستحلون دماءنا وأموالنا لتجويزهم الشهادة لمن صدقوه في دعواه، أي لانهم يرون جواز شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول: لي على فلان كذا، فيصدقه بيمين أو غيرها، ويشهد له اعتمادا على أنه لا يكذب، إذ الكذب عندهم كفر، وإلا منكري العلم لله تعالى بالمعدوم والجزئيات، ومنكري حدوث العالم، والبعث والحشر للاجسام، فلا تقبل شهادتهم لكفرهم لانكارهم ما علم مجئ الرسول به ضرورة، لا من قال بخلق القرآن أو نفي الرؤية، وما ورد من كفرهم مؤول بكفران النعمة، لا الخروج عن الملة، بدليل أنهم لم يحلقوهم بالكفار في الارث والانكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغيرها.
فلو قال الخطابي في شهادته رأيت أو سمعت، قبلت شهادته له لتصريحه بالمعاينة، وتقبل شهادة من يسب الصحابة والسلف، لانه يقوله اعتقادا لا عداوة وعنادا، فلا نكفر متأولا بما له وجه محتمل.
نعم، قاذف عائشة رضي الله عنها كافر، فلا تقبل شهادته لانه كذب الله تعالى في أنها محصنة قال الله تعالى: * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات) * الآية.
وقذف سائر المحصنات يوجب رد الشهادة فقذفها أولى.
اه.
بالحرف.
(قوله: لا نكفره ببدعته) خرج من نكفره ببدعته كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر، فلا تقبل شهادته كما مر.
(قوله: وإن سب الصحابة) غاية في قبول الشهادة من المبتدع أي تقبل الشهادة من المبتدع وإن كان يسب الصحابة.
__________
(1) سورة النور، الاية: 23.(4/332)
وعبارة المغني.
تنبيه: قضية إطلاقه أنه لا فرق بين سب الصحابة رضي الله عنهم وغيره، وهو المرجح في زيادة الروضة، قال بخلاف من قذف عائشة رضي الله عنها فإنه كافر، أي لانه كذب الله تعالى، وقال السبكي في الحلبيات في تكفير من سب الشيخين وجهان لاصحابنا، فإن لم نكفره فهو فاسق لا تقبل شهادته، ومن سب بقية الصحابة فهو فاسق مردود الشهادة، ولا يغلط فيقال شهادته مقبوله.
اه.
فجعل ما رجحه في الروضة غلطا.
قال الاذرعي: وهو كما قال، ونقل عن جمع
التصريح به، وأن الماوردي قال: من سب الصحابة، أو لعنهم، أو كفرهم، فهو فاسق مردود الشهادة.
اه.
وقوله: وهو المرجح في زيادة الروضة جزم به في التحفة والنهاية.
(قوله: وادعى السبكي والاذرعي) عبارة التحفة وإن ادعى بزيادة إن الغائية.
(وقوله: أنه غلط) أي أن قبول الشهادة ممن يسب الصحابة غلط.
(قوله: وترد) أي الشهادة من مبادر بشهادته.
(قوله: قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول.
أي قبل أن يطلب منه أداؤها.
(قوله: ولو بعد الدعوى) غاية في الرد: أي ترد منه مطلقا، سواء بادر بها قبل الدعوى أم بعدها.
قال في المغني: وترد قبل الدعوى جزما وكذا بعدها، وقبل أن يستشهد، على الاصح للتهمة، ولخبر الصحيحين أن النبي (ص) قال: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم يشهدون ولا يستشهدون.
فإن ذلك في مقام الذم لهم.
وأما خبر مسلم: ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها فمحمول على ما تسمع فيه شهادة الحسبة.
اه.
(قوله: لانه) أي المبادر بالشهادة منهم.
اه.
قوله: نعم لو أعادها) أي الشهادة، وهذا إستثناء من رد شهادة المبادر، فكأنه قال: ترد إلا إن أعادها.
(وقوله: في المجلس) أي الذي شهد فيه أولا مبادرة، وانظر هل هو قيد أو لا ؟ (وقوله: بعد الاستشهاد) أي بعد طلب الشهادة منه.
(قوله: قبلت) أي الشهادة المعادة وهو جواب لو.
(قوله: إلا في شهادة حسبة) إستثناء من عدم صحة شهادة المبادر والحسبة مأخوذة من الاحتساب، وهو طلب الاجر كما مر.
(قوله: وهي) أي شهادة الحسبة.
(قوله: فتقبل) أي شهادة الحسبة.
(قوله: قبل الاستشهاد) أي قبل طلب أداء الشهادة منه.
(قوله: ولو بلا دعوى) أي تقبل ولو من غير سبق دعوى.
قال الرشيدي: وقضية الغاية أنها قد تقع بعد الدعوى وتكون شهادة حسبه.
وليس كذلك فقد صرح الاذرعي وغيره أنها بعد الدعوى لا تكون حسبة.
اه.
(قوله: في حق مؤكد لله) متعلق بقول الشارح فتقبل الخ.
وعبارة المنهاج: وتقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى وفيما له فيه حق مؤكد.
اه.
ومثلها عبارة المنهج والمراد بالاول.
أعني حقوق الله تعالى ما كان متمحضا لله تعالى كالصلاة والصوم والحدود، وبالثاني أعني ما له فيه حق مؤكد، ما كان فيه حق لآدمي وحق لله، لكن المغلب الثاني كالطلاق رجعيا كان أو بائنا، لان المغلب فيه حق الله.
وكالعتق والاستيلاد والوصية والوقف لجهة عامة ونحو ذلك، فلعل في عبارته سقطا، أو يقال إن المراد بالحق المؤكد ما يشمل المتمحض لله وغيره.
(قوله: وهو ما لا يتأثر الخ) أي أن الحق المؤكد لله هو ما لا يتأثر برضا الآدمي: أي لا يتغير ولا يرتفع برضاه، مثلا لو اتفق الزوجان وتراضيا على إرتفاع الطلاق، فإنه لا يرتفع ولا أثر لرضاهما.
(قوله: كطلاق) تمثيل للحق المؤكد لله.
(وقوله: رجعي) صفة لطلاق.
(وقوله: أو بائن) أي ولو
خلعا.
لكن بالنسبة للفراق دون المال، بأن يشهد بذلك ليمنع من مخالفة ما يترتب عليه.
(قوله: وعتق وإستيلاد) عبارة الروض وشرحه.
وكالعتق والاستيلاد لا في عقدي التدبير والكتابة، وفارقهما الاستيلاد بأنه يفضي إلى العتق لا محالة بخلافهما، ولا في شراء القريب الذي يعتق به وإن تضمن العتق، لكون الشهادة على الملك.
والعتق تبع وليس كالخلع، لان المال فيه تابع، وفي الشراء مقصود فإثباته دون المال محال.
اه.
(قوله: ونسب) إنما كان حقا مؤكدا لله، لان الله(4/333)
أكد الانساب ومنع قطعها.
(قوله: وعفو عن قود) إنما كان حقا لله أيضا لان فيه إحياء نفس، وهو حق لله.
(قوله: وبقاء عدة) إنما كان حقا لله أيضا لانه يترتب على الشهادة به صيانة الفرج عن استباحته، وتمتع الازواج به، وهي حق لله تعالى.
(قوله: وانقضائها) أي العدة، أي فيما إذا طلقها زوجها طلاقا رجعيا أراد أن يراجعها، فشهدوا بانقضاء العدة.
وإنما كان حقا لله لما يترتب على الشهادة من صيانة الفرج من تمتع زوجها به من غير طريق شرعي.
(قوله: لنحو جهة عامة) متعلق بكل من الوصية والوقف: وعبارة الروض وشرحه: وفي الوصية والوقف إذا عمت جهتهما ولو أخرت الجهة العامة، فيدخل نحو ما أفتى به البغوي من أنه لو وقف دارا على أولاده ثم على الفقراء فاستولى عليها ورثته وتملكوها فشهد شاهدان حسبة قبل انقراض أولاده بوقفيتها، قبلت شهادتهما.
لان آخره وقف على الفقراء، لا إن خص جهتهما فلا تقبل فيهما لتعلقهما بحظوظ خاصة.
اه.
(قوله: وحق لمسجد) أي وحق مستحق للمسجد بوصية أو وقف، فإذا شهد إثنان بأن هذا الدار وقف على المسجد، قبلت شهادتهما.
(قوله: إنما تسمع شهادة الحسبة الخ) قال في المغني: وكيفية شهادة الحسبة أن الشهود يجيئون إلى القاضي ويقولون، نحن نشهد على فلان بكذا فأحضره لنشهد عليه، فإن ابتدأوا قالوا فلان زنى فهم قذفة.
اه.
(قوله: عند الحاجة إليها) أي إلى شهادة الحسبة.
(قوله: فلو شهد الخ) تفريع على مفهوم قوله: عند الحاجة إليها.
(قوله: لم يكف) أي قولهما المذكور في شهادة الحسبة.
(وقوله: حتى يقولا الخ) غاية لعدم الاكتفاء: أي لا يكفي ذلك حتى يقولا إن فلانا الذي أعتق عبده يسترقه، أو أن فلانا أخو فلانة من الرضاع يريد التزوج بها، فإذا قال ذلك اكتفى به في شهادة السحبة لوجود الحاجة، وهي الاسترقاق أو التزوج.
(قوله: وخرج بقولي في حق الله تعالى) هذا مما يؤيد أن في العبارة سقطا.
(قوله: حق الآدمي) أي المتحمض له.
(قوله: فلا تقبل فيه شهادة الحسبة) قال في المغني: لكن إذا لم يعلم صاحب الحق به أعلمه الشاهد به ليستشهده به بعد الدعوى.
اه.
(قوله: وتقبل في حد الزنا الخ) أي لانها محض حق لله تعالى، وكان الاولى أن يذكره بعد قوله كطلاق الخ ويسبكه به.
(قوله:
وتقبل الشهادة من فاسق بعد توبة) أي في غير الشهادة المعادة، أما هي بأن شهد وهو فاسق فردت شهادته ثم تاب وأعادها فإنها لا تقبل هذه المعادة منه.
(قوله: حاصلة) أي التوبة.
(وقوله: قبل الغرغرة) أي معاينة سكرات الموت، أما بعدها فلا تقبل، وذلك لان من وصل إلى تلك الحالة أيس من الحياة فتوبته إنما هي لعلمه باستحالة عوده إلى ما فعل.
(قوله: وطلوع الشمس الخ) معطوف على الغرغرة: أي وقبل طلوعها من مغربها، أما بعده فلا تقبل توبته: ونقل عن ابن العربي في شرح المصابيح أنه قال: اختلف أهل السنة في أن عدم قبول توبة المذنب وإنما الكافر هل هو عام حتى لا يقبل إيمان أحد ولا توبته بعد طلوع الشمس من مغربها إلى يوم القيامة، أو هو مختص بمن شاهد طلوعها من المغرب وهو مميز، فأما من يولد بعد طلوعها من المغرب أو ولد قبله ولم يكن مميزا فصار مميزا ولم يشاهد الطلوع، فيقبل إيمانه وتوبته، وهذا هو الاصح فليراجع.
اه.
بجيرمي.
وفي الروض وشرحه: تجب التوبة من المعصية على الفور بالاتفاق، وتصح من ذنب دون ذنب، وإن تكررت توبته وتكرر منه العود إلى الذنب، ولا تبطل توبته به، بل هو مطالب بالذنب الثاني دون الاول، وإن كانت توبته من القتل الموجب للقود صحت توبته في حق الله تعالى قبل تسليمه نفسه ليقتص منه، ومنعه القصاص حينئذ عن مستحقه معصية جديدة لا تقدح في التوبة بل تقتضي توبته منه، ولا يجب عليه تجديد التوبة كلما ذكر الذنب، وقيل يجب لان تركه حينئذ استهانة بالذنب الاول يمنع ذلك، وسقوط الذنب بالتوبة مظنون لا مقطوع به، وسقوطه(4/334)
بالاسلام مع الندم مقطوع به وثابت بالاجماع، وإنما كان توبة الكافر مقطوعا بها لان الايمان لا يجامع الكفر، والمعصية قد تجامع التوبة.
اه.
ببعض.
تصرف.
واعلم: أنه ورد في فضائل التوبة من الآيات والاحاديث شئ كثير، فمن ذلك قوله تعالى: * (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) *.
وقوله تعالى: * (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورا رحيما) *.
وقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها.
رواه مسلم، وقال عليه السلام: إن من قبل المغرب لبابا مسيرة عرضه أربعون عاما - أو سبعون سنة - فتحه الله عزوجل للتوبة يوم خلق السموات والارض، فلا يغلقه حتى تطلع الشمس منه.
رواه الترمذي وصححه.
اللهم اجعلنا من التائبين يا كريم.
(قوله: وهي) أي التوبة ندم، وعبارته تقتضي أنها هي الندم بالشروط الآتية، وهو الموافق لحديث: التوبة
الندم.
(وقوله: من حيث أنها معصية) عبارة الزواجر: وإنما يعتد به: أي بالندم إن كان على ما فاته من رعاية حق الله تعالى ووقوعه في الذنب حياء من الله تعالى وأسفا على عدم رعاية حقه، فلو ندم لحظ دنيوي كعار، أو ضياع مال، أو تعب بدن، أو لكون مقتوله ولده، لم يعتبر كما ذكره أصحابنا الاصوليون، وكلام أصحابنا الفقهاء ناطق بذلك، وإنما لم يصرحوا به لان التوبة عبادة، وهي لا تكون إلا لله تعالى، فلا يعتد بها إن كان لغرض آخر، وإن قيل من خصائص التوبة أنه لا سبيل للشيطان عليها لانها باطنة فلا تحتاج إلى الاخلاص لتكون مقبولة، ولا يدخلها العجب والرياء، ولا مطمع للخصماء فيها.
اه.
(قوله: لا لخوف عقاب الخ) أي إن كان الندم من حيث خوف عقاب لو اطلع عليه، أو كان من حيث غرامة مال عليه، فإنه لا يعتبر فيهما ولا يعد تائبا.
(قوله: بشرط إقلاع عنها) أي عن المعصية.
(وقوله: حالا) أي بأن يتركها من غير مهلة.
(وقوله: إن كان متلبسا) أي بالمعصية.
(وقوله: أو مصرا على معاودتها) الظاهر أن هذا يغني عنه قوله فيما سيأتي وعزم أن لا يعود، إذ بوجود هذا ينتفي الاصرار على معاودتها تأمل.
(قوله: ومن الاقلاع رد المغصوب) لا حاجة إلى هذا لاندراجه في قوله.
وخروج عن ظلامة آدمي الذي هو ثمرة الاقلاع، وسيصرح به هناك.
(قوله: وعزم أن لا يعود إليها معطوف على إقلاع: أي وبشرط العزم على أن لا يعود إلى المعصية.
قال في التحفة: ومحله إن تصور منه، وإلا كمجبوب تعذر زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له بالاتفاق.
اه.
(قوله: وخروج عن ظلامة آدمي) معطوف على إقلاع أيضا: أي وبشرط خروج عن ظلامة آدمي.
وعبارة التحفة في الدخول على هذا، ثم صرح بما يفهمه الاقلاع للاعتناء به فقال: ورد ظلامة آدمي، يعني الخروج منها بأي وجه قدر عليه، مالا كانت أو عرضا نحو قود وحد قذف إلى تعلقت به، سواء تمحضت له أم كان فيها مع ذلك حق مؤكد لله تعالى كزكاة، وكذا نحو كفارة وجبت فورا.
اه.
(قوله: من مال) بيان للظلامة.
(وقوله: أو غيره) كالعرض.
(قوله: فيؤدي الخ) أي من عليه ظلامة وأراد التوبة، وهذا هو معنى الخروج عن الظلامة.
(قوله: ويرد المغصوب إن بقي) أي إن كان باقيا بعينه.
(قوله: وبدله) أي أو يرد بدله إن كان قد تلف.
(وقوله: لمستحقه) متعلق بيرد.
(قوله: ويمكن الخ) أي ويمكن التائب الذي عليه ظلامة مستحق القود وحد القذف من الاستيفاء، بأن يأتي إليه ويقول له أنا الذي قتلت أو قذفت ولزمني موجبهما، فإن شئت فاستوف وإن شئت فاعف.
(قوله: أو يبرئه منه المستحق) الظاهر أنه معطوف على مقدر، أي فبعد التمكين يستوفيه منه
__________
(1) سورة النور، الاية: 31.
(2) سورة الفرقان، الاية: 70.(4/335)
المستحق أو يبرئه منه، فهو مخير في ذلك.
(قوله: للخبر الصحيح) دليل إشتراط الخروج عن ظلامة آدمي.
وعبارة الزواجر: والاصل في توقف التوبة على الخروج من حق الآدمي عند الامكان قوله (ص): من كان لاخيه الخ، ثم قال كذا أورده، الزركشي عن مسلم.
والذي في صحيحه كما مر: أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.
رواه الترمذي ورواه البخاري بلفظ: من كانت عنده مظلمة فليستحلله منها، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لاخيه من حسناته، فإن لم يكن حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه.
ورواه الترمذي بمعناه.
وقال في أوله: رحم الله عبدا كانت لاخيه مظلمة في عرض أو مال فجاء فاستحله.
اه.
(قوله: من كانت لاخيه عنده مظلمة) قال في القاموس: المظلمة - بكسر اللام - وكثمامة ما يظلمه الرجل.
اه.
وقوله: وكثمامة، أي وهو ظلامة.
(قوله: في عرض) أي من عرض، ففي بمعنى من البيانية.
(قوله: فليستحله اليوم) أي في الدنيا.
(وقوله: قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) أي ينفع، وهو يوم القيامة.
(قوله: فإن كان له) أي لمن كانت عنده مظلمة.
(وقوله: عمل) أي صالح.
(قوله: يؤخذ منه) أي من عمله.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن له عمل: أي صالح.
(قوله: أخذ من سيئات صاحبه) أي الذي له المظلمة.
(قوله: فحمل عليه) أي طرح عليه قال في التحفة: ثم تحميله للسيئات يظهر من القواعد أنه لا يعاقب إلا على ما سببه معصية، أما من عليه دين لم يعص به وليس له من العمل ما يفي به، فإذا أخذ من سيئات الدائن وحمل على المدين لم يعاقب به.
وعليه ففائدة تحميله له تخفيف ما على الدائن لا غير.
اه.
(قوله: وشمل العمل) أي في الحديث.
(وقوله: الصوم) أي فيؤخذ ثوابه ويعطى للمظلوم.
(قوله: خلافا لمن استثناه) عبارة التحفة.
فمن استثناه فقد وهم.
اه.
(قوله: فإذا تعذر رد الظلامة على المالك أو وارثه) عبارة الروض وشرحه: فإن لم يكن مستحق، أو انقطع خبره، سلمها إلى قاض أمين، فإن تعذر تصدق به على الفقراء ونوى الغرم له إن وجده، أو يتركها عنده.
قال الاسنوي: ولا يتعين التصدق بها بل هو مخير بين وجوه المصالح كلها، والمعسر ينوي الغرم إذا قدر، بل يلزمه التكسب لايفاء ما عليه إن عصى به لتصح توبته، فإن مات معسرا طولب في الآخرة إن عصى بالاستدانة كما تقتضيه ظواهر السنة الصحيحة، وإلا فالظاهر أنه لا مطالبة فيها إذ لا معصية منه، والرجاء في الله تعويض الخصم.
اه.
بحذف.
(قوله: فإن تعذر) أي القاضي الثقة، أي الامين بأن لم يوجد أو وجد ولكنه غير ثقة.
(قوله: صرفها) أي
الظلامة.
(قوله: فيما شاء) أي في الوجه الذي شاءه من هي تحت يده.
(وقوله: من المصالح) بيان لما.
(قوله: عند انقطاع خبره) الظاهر أن ضميره يعود على المستحق ولا حاجة إليه، إذ الكلام مفروض في أنه متعذر، وتعذره يكون بعدم وجوده، أو بانقطاع خبره.
(قوله: بنية الغرم) متعلق بصرفها.
(وقوله: له) أي للمستحق.
(قوله: إذا وجده) أي المستحق.
(قوله: فإن أعسر) أي فإن كان من عنده المظلمة معسرا.
(قوله: عزم على الاداء) أي أداء الظلامة وإعطائها للمستحق لها.
(وقوله: إذا أيسر) متعلق بالاداء.
(قوله: فإن مات) أي المعسر.
(وقوله: قبله) أي قبل الاداء.
(قوله: إنقطع الطلب عنه في الآخرة) أي لا يطالبه بها مستحقها في الآخرة.
(قوله: فالمرجو الخ) معطوف على جملة إنقطع، والاولى التعبير بالواو، أي انقطع عنه الطلب، والذي يرجى من فضل الله أن يعوض المستحق في حقه.
(قوله: ويشترط أيضا) أي كما اشترط ما مر لصحة التوبة.
(وقوله: عن إخراج صلاة أو صوم عن وقتهما) أي بأن ترك الصلاة في وقتها، أو(4/336)
الصوم في وقته.
(وقوله: قضاؤهما) أي الصلاة والصوم.
وعبارة الزواجر: الحادي عشر: أي من شروط التوبة التدارك فيما إذا كانت المعصية بترك عبادة، ففي ترك نحو الصلاة والصوم تتوقف صحة توبته على قضائها لوجوبها عليه فورا، وفسقه بتركه كما مر، فإن لم يعرف مقدار ما عليه من الصلوات مثلا.
قال الغزالي: تحرى وقضى ما تحقق أنه تركه من حين بلوغه.
اه (قوله: وإن كثر) أي القضاء عما فاته، فيشترط لصحة التوبة فعل جميع ما عليه من الصلوات أو الصيام.
(قوله: وعن القذف) معطوف على عن إخراج الخ.
أي ويشترط أيضا في صحة التوبة عن القذف الخ.
(وقوله: أن يقول القاذف الخ) وفي البجيرمي ما نصه: وانظر هذا القول يكون في أي زمن يقال لمن.
شوبري انتهى.
وفي الزواجر: أنه يقوله بين يدي المستحل منه كالمقذوف.
انتهى.
قال سم: ولو علم أنه لو أعلم مستحق القذف ترتب على ذلك فتنة، فالوجه أنه لا يجب عليه إعلامه، ويكفيه الندم، والعزم على عدم العود، والاقلاع.
اه.
(قوله: قذفي باطل) قيل المراد بهذا أن القذف من حيث هو باطل، لا خصوص قوله: إذ قد يكون صادقا، ولذا رد الجمهور على الاصطخري إشتراطه أن يقول كذبت فيما قذفته.
انتهى.
(قوله: وعن الغيبة الخ) معطوف أيضا على عن إخراج الخ: أي ويشترط في صحة التوبة أن يستحلها الخ.
وعبارة الزواجر: ولو بلغت الغيبة المغتاب، أو قلنا أنها كالقود والقذف لا تتوقف على بلوغ، فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه، فإن تعذر لموته أو تعذر لغيبته الشاسعة استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة.
ذكره الحناطي وغيره.
وأقرهم في الروضة.
قال فيها: وأفتى الحناطي بأن الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب كفاه الندم
والاستغفار له.
وجزم به الصباغ حيث قال: إنما يحتاج لاستحلال المغتاب إذا علم لما داخله من الضرر والغم، بخلاف ما إذا لم يعلم فلا فائدة في إعلامه لتأذيه، فليتب فإذا تاب أغناه عن ذلك.
نعم: هن كان تنقصه عند قوم رجع إليهم وأعلمهم أن ذلك لم يكن حقيقة.
اه.
(قوله: ولم يتعذر) أي الاستحلال.
(وقوله: بموت) أي للمغتاب (وقوله: أو غيبة طويلة) أي له أيضا.
(قوله: وإلا) أي بأن لم تبلغه أو تعذر الاستحلال منه، كفى الندم.
(قوله: والاستغفار له) أي للمغتاب.
وعبارة غيره كالروض وشرحه: ويستغفر الله تعالى من الغيبة.
اه.
ويمكن الجمع بأن يقال يستغفر لنفسه من المعصية الصادرة منه وهي الغيبة، ويستغفر للمغتاب في مقابلة غيبته له، وذلك بأن يقول: اللهم اغفر لنا وله، ثم رأيته مصرحا به في فتح الجواد.
وعبارته: فإن تعذر أو تعسر لغيبته البعيدة، إستغفر له ولنفسه مع ندمه.
ويظهر أن الاستغفار له هنا شرط ليكون في مقابلة تأذيه ببلوغ الخبر له.
اه.
قال سم: فإن استغفر الله ثم بلغته فهل يكفي الاستغفار أم لا ؟ والاوجه أنه يكفي.
اه.
(قوله: كالحاسد) أي فإنه يكفي فيه الندم والاستغفار للمحسود، هذا ما يقتضيه صنيعه، وعبارة التحفة والنهاية: وكذا يكفي الندم والاقلاع عن الحسد.
اه.
وعبارة الروض وشرحه: ويستغفر الله من الحسد، وهو أن يتمنى زوال نعمة غيره، ويسر ببليته.
وعبارة الاصل: والحسد كالغيبة وهي أفيد، ولا يخبر صاحبه: أي لا يلزمه إخبار المحسود.
قال في الروضة: بل لا يسن، ولو قيل يكره لم يبعد.
اه.
وقوله: وهي أفيد.
قال سم: وكأن وجه الافيدية أنها تفيد أيضا أنه إذا علم المحسود لا بد من إستحلاله.
اه.
(قوله: واشترط جمع متقدمون أنه) أي الحال والشأن.
(وقوله: لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار) أي لنفسه.
(وقوله: أيضا) أي كما اشترط ما مر في صحة التوبة.
(قوله: وقال بعضهم يتوقف في التوبة الخ) أي يحتاج في صحة التوبة من الزنا على استحلال زوج المزني بها إن لم يخف فتنة.
(وقوله: وإلا) أي بأن خيف فتنة.
(وقوله: فليتضرع الخ) أي فلا يتوقف على الاستحلال، بل يكفي التضرع إلى الله تعالى في إرضاء الخصم عنه.
(قوله: وجعل بعضهم الخ) قال في الزواجر، بعد كلام: وقضية ما ذكره - أي الغزالي - من إشتراط الاستحلال في الحرم الشامل للزوجة والمحارم كما صرحوا به، أن الزنا واللواط فيهما حق(4/337)
للآدمي، فتتوقف التوبة منهما على إستحلال أقارب المزني بها، أو الملوط به، وعلى إستحلال زوج المزني بها.
هذا إن لم يخف فتنة، وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائهم عنه.
ويوجه ذلك بأنه لا شك أن في الزنا واللواط إلحاق عار، أي عار بالاقارب، وتلطيخ فراش الزوج، فوجب إستحلالهم حيث لا عذر.
فإن قلت: ينافي ذلك جعل بعضهم من الذنوب التي لا يتعلق بها حق آدمي وطئ الاجنبية فيما دون الفرج وتقبيلها من الصغائر، والزنا وشرب الخمر من الكبائر، وهذا صريح في أن الزنا ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى الاستحلال.
قلت: هذا لا يقاوم به كلام الغزالي، لا سيما وقد قال الاذرعي عنه أنه في غاية الحسن والتحقيق، فالعبرة بما دل عليه دون غيره.
اه.
(قوله: فلا يحتاج) أي الزنا وهو تفريع على أنه ليس فيه حق آدمي.
(وقوله: إلى الاستحلال) أي استحلال زوج المزني بها.
(قوله: والاوجه الاول) أي ما قاله بعضهم من أنه يتوقف في التوبة من الزنا على الاستحلال.
(قوله: ويسن للزاني الخ) أي لقوله عليه السلام: من ابتلي منكم بشئ من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله تعالى.
(قوله: الستر على نفسه) نائب فاعل يسن.
(قوله: بأن لا يظهرها) أي المعصية، وهو تصوير للستر المسنون.
(قوله: ليحد أو يعزر) علة الاظهار المنفي، فهو إذا أظهرها يحد أو يعزر، ويكون خلاف السنة.
وإذا لم يظهرها لا يحد ولا يعزر، ويكون مسنونا.
(قوله: لا أن يتحدث بها) معطوف على أن لا يظهرها.
والمعنى عليه: يصور الستر بعدم إظهارها، ولا يصور بالتحدث بالمعصية الخ، وهذا أمر معلوم فلا فائدة في نفيه.
وعبارة التحفة: لا أن لا يتحدث بها، بزيادة لا النافية بعد أن، وهي ظاهرة، وذلك لان معناها أن الستر المسنون لا يصور بعدم التحدث بها تفكها أو مجاهرة، إذ يفيد حينئذ أن عدم التحدث بها سنة، وأن التحدث خلاف السنة فقط، مع أنه حرام قطعا.
إذا علمت ذلك فلعل في العبارة إسقاط لفظ لا من النساخ.
تأمل.
(وقوله: تفكها) أي استلذاذا بالمعصية.
(وقوله: أو مجاهرة) أي أو لاجل التجاهر بها.
(قوله: فإن هذا) أي التحدث بالمعصية تفكها أو مجاهرة، حرام قطعا.
وخرج بالتحدث لذلك التحدث لا لذلك، بل ليستوفى منه الحد الذي أوجبته المعصية، فهو ليس بحرام، بلا خلاف السنة فقط كما علمت.
(قوله: وكذا يسن لمن أقر بشئ من ذلك) أي من المعاصي.
(وقوله: الرجوع عن إقراره به) قال في التحفة: ولا يخالف هذا قولهم يسن لمن ظهر عليه حد - أي لله - أن يأتي الامام ليقيمه عليه لفوات الستر، لان المراد بالظهور هنا أن يطلع على زناه مثلا من لا يثبت الزنا بشهادته، فيسن له ذلك، أما حد الآدمي، أو القود له، أو تعزيره، فيجب الاقرار به ليستوفى منه.
ويسن لشاهد الاول الستر ما لم ير المصلحة في الاظهار، ومحله إن لم يتعلق بالترك إيجاب حد على الغير، وإلا كثلاثة شهدوا بالزنا لزم الرابع الاداء، وأثم بتركه.
وليس استيفاء نحو القود مزيلا للمعصية، بل لا بد معه من التوبة.
اه.
(وقوله: لان المراد بالظهور هنا) أي في قوله: يسن لمن ظهر عليه الخ.
قال سم: فقال في شرح الروض: قال ابن الرفعة: والمراد به - أي بالظهور - الشهادة.
قال: وألحق به إبن الصباغ ما إذا اشتهر بين الناس.
اه.
(قوله: قال شيخنا الخ) عبارته في الزواجر.
وفي الجواهر: لو مات المستحق واستحقه وارث بعد وارث، فمن يستحقه في الآخرة.
أربعة أوجه: الاول آخر الورثة، ورابعها إن طالبه صاحبه به فجحده به وحلف فهو له، وإلا انتقل إلى ورثته.
وادعى القاضي أنه لو حلف عليه يكون للاول.
وقال النسائي: لو استحق الوفاء وارث بعد وارث، فإن كان المستحق ادعاه وحلف.
قال في الكفاية: فالطلب في الآخرة لصاحب الحق بلا خلاف، أو لم يحلف فوجوه، في الكفاية أصحها ما نسبه الرافعي للحناطي كذلك، والثاني للكل، والثالث للاخير ولمن فوقه ثواب المنع.
قال الرافعي: وإذا دفع لآخر الورثة خرج عن مظلمة الكل، إلا فيما سوف وماطل.
اه.
ملخصا.
وقوله: ثواب المنع: أي من وفاء ما يستحقه.
(قوله: وله) أي لمن مات.
(وقوله: دين) أي على غيره.(4/338)
(وقوله: لم يستوفه) أي لم يستوف ذلك الميت الدين ممن هو عليه.
(قوله: يكون هو) أي من مات لا ورثته.
(وقوله: المطالب به) - بكسر اللام - اسم فاعل.
(وقوله: على الاصح) مقابله يعلم من العبارة المارة.
(قوله: وبعد استبراء سنة) معطوف على قوله بعد توبة: أي تقبل الشهادة من فاسق بعد توبة وبعد استبراء سنة.
قال في المغني: واستثني من إشتراط ذلك صور منها: مخفي الفسق إذا تاب وأقر وسلم نفسه للحد، لانه لم يظهر التوبة عما كان مستورا عليه إلا عن صلاح.
قاله الماوردي، والروياني.
ومنها ما لو عصى الولي بالعضل ثم تاب زوج في الحال، ولا يحتاج إلى استبراء كما حكاه الرافعي عن البغوي، ومنها شاهد الزنا إذا وجب عليه الحد لعدم تمام العدد، فإنه لا يحتاج بعد التوبة إلى استبراء، بل تقبل شهادته في الحال على المذهب في أصل الروضة، ومنها ناظر الوقف بشرط الواقف، إذا فسق ثم تاب، عادت ولايته من غير إستبراء.
اه.
(قوله: من حين الخ) من إبتدائية متعلقة بمحذوف صفة لسنة: أي بسنة مبتدأة، من حين توبة فاسق.
(وقوله: ظهر فسقه) قيد في كون قبول التوبة يكون بعد إستبراء سنة.
وخرج به ما إذا خفي فسقه وأقر به ليقام عليه الحد، فتقبل شهادته عقب توبته كما مر آنفا.
(قوله: لانها) أي التوبة قلبية، وهو علة لاشتراط الاستبراء.
(قوله: وهو متهم الخ) من تتمة العلة.
أي والفاسق الذي ظهر فسقه متهم: أي في إظهار توبته.
(وقوله: لقبول الخ) هذا سبب التهمة: أي وإنما كان متهما في إظهارها، لانه يقال: ربما أنه إنما أظهرها لاجل أن تقبل شهادته وتعود ولايته.
وعبارة التحفة: وهو متهم بإظهارها لترويج شهادته وعود ولايته، فاعتبر ذلك لتقوى دعواه.
اه.
وقال عميرة: وجه ذلك - أي إشتراط الاستبراء - التحذير من أن يتخذ الفساق مجرد التوبة ذريعة إلى ترويج أقوالهم.
اه.
(قوله: فاعتبر ذلك أي
الاستبراء بسنة.
(وقوله: لتقوي دعواه) أي للتوبة.
(قوله: وإنما قدرها) أي مدة الاستبراء.
(وقوله: سنة) الاصح أنها تقريبية لا تحديدية، فيغتفر مثل خمسة أيام لا ما زاد عليها.
اه.
بجيرمي.
(قوله: لان للفصول الاربعة) هي الشتاء والربيع والصيف والخريف.
(قوله: في تهييج النفوس) أي تحريكها واشتياقها، وهو متعلق بقوله بعد أثرا بينا.
(قوله: بشهواتها) الباء بمعنى اللام متعلقة بتهييج: أي تهييج النفوس لشهواتها.
وعبارة شرح الروض: لان لمضيها - أي السنة المشتملة على الفصول الاربعة - أثرا في تهييج النفوس لما تشتهيه، فإذا مضت على السلامة أشعر ذلك بحسن السريرة.
اه.
والمراد أن لكل فصل من الفصول الاربعة تأثيرا في تحريك النفس لما تشتهيه وتعتاده، فإن لم تتحرك نفسه لذلك فيها حتى مضت دل على حسن توبته وارتفعت التهمة عنه.
(قوله: فإذا مضت) أي الفصول الاربعة.
(قوله: وهو على حاله) أي وهو باق على حاله بعد التوبة.
(قوله: أشعر ذلك) أي مضي الفصول وهو باق على حاله.
(قوله: وكذا لا بد في التوبة الخ) عبارة المغني تنبيه إقتصار المصنف كالرافعي على الفسق يقتضي أنه إذا تاب عما يخرم المروءة لا يحتاج إلى استبراء، وليس مرادا، فقد صرح صاحب التنبيه بأنه يحتاج إلى الاستبراء.
قال البلقيني: وله وجه فإن خارم المروءة صار باعتياده سجية له فلا بد من إختبار حاله.
وذكر في المطلب: أنه يحتاج إلى الاستبراء في التوبة من العداوة، سواء كانت قذفا أم لا، كالغيبة والنميمة وشهادة الزور.
اه.
(وقوله: من خارم المروءة) متعلق بالتوبة.
(وقوله: الاستبراء) لعل لفظ من سقط من النساخ: أي لا بد من الاستبراء.
(قوله: فروع) أي ثلاثة.
الاول: قوله لا يقدح في الشهادة الخ، والثاني: قوله ولا توقفه الخ، والثالث: قوله ولا قوله الخ، وعدها في التحفة فرعا واحدا.
(قوله: لا يقدح في الشهادة) أي لا يؤثر فيها.
(وقوله: جهله) أي الشاهد.(4/339)
(وقوله: بفروض نحو الصلاة والوضوء اللذين يؤديهما) أي ولم يقصر في العلم - كما في النهاية - فإن قصر فيه لم تقبل شهادته، لان تركه من الكبائر كما في التحفة.
ونصها: وينبغي أن يكون من الكبائر ترك تعلم ما يتوقف عليه صحة ما هو فرض عبين عليه، لكن من المسائل الظاهرة لا الخفية.
نعم: مر أنه لو اعتقد أن كل أفعال نحو الصلاة أو الوضوء فرض أو بعضها فرض، ولم يقصد بفرض معين النفلية صح وحينئذ فهل ترك تعلم ما ذكر كبيرة أيضا أو لا ؟ للنظر فيه مجال، والوجه أنه غير كبيرة، لصحة عباداته مع تركه.
وأما إفتاء شيخنا بأن من لم يعرف بعض أركان أو شروط نحو الوضوء أو الصلاة لا تقبل شهادته.
فيتعين حمله على غير هذين القسمين، لئلا يلزم على ذلك تفسيق العوام وعدم قبول شهادة أحد
منهم، وهو خلاف الاجماع الفعلي، بل صرح أئمتنا بقبول شهادة العامة، كما يعلم مما يأتي قبيل شهادة الحسبة على أن كثيرين من المتفقهة يجهلون كثيرا من شروط نحو الوضوء.
اه.
(قوله: ولا توقفه في المشهود به) معطوف على جهله بفروض الخ: أي ولا يقدح في الشهادة تردد الشاهد في المشهود به، كأن قال أشهد أن على فلان مائة أو تسعين مترددا في ذلك.
(قوله: إن عاد) أي الشاهد، وهو قيد لعدم القدح في توقفه.
(قوله: وجزم به) أي بالمشهود به.
(قوله: فيعيد الشهادة) أي من أولها، ولا يكفي إقتصاره على جزمه بالمشهود به.
(قوله: ولا قوله الخ) معطوف على قوله جهله أيضا: أي ولا يقدح في الشهادة قول الشاهد قبل أن تصدر منه هذه الشهادة، لا شهادة لي في هذا الشئ.
(قوله: إن قال الخ) قيد لعدم القدح في الشهادة بقوله المذكور.
(وقوله: نسيت) أي الشهادة، فقلت لا شهادة لي، ثم تذكرتها وشهدت.
(قوله: أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله) أي لا شهادة لي، بأن مضى زمن يمكن فيه إيقاعه.
(قوله: وقد اشتهرت ديانته) أي من قال لا شهادة لي، ثم شهد، ومفهومه أنه إذا لم تشتهر ديانته يكون قوله المذكور قادحا في شهادته.
(قوله: ولا يلزم الخ) كلام مستأف.
وعبارة التحفة: وحيث أدى الشاهد أداء صحيحا لم ينظر لريبة يجدها الحاكم كما بأصله، ويندب له استفساره.
اه.
(وقوله: إستفساره) - أي الشاهد - أي طلب تفسير الشهادة، وتفصيلها بأن يسأله عن وقت تحملها وعن مكانه.
(قوله: إن اشتهر ضبطه وديانته) قيد في عدم لزوم استفساره.
(قوله: بل يسن) أي الاستفسار.
(قوله: كتفرقة الشهود) أي فإنها تسن عند أداء الشهادة، بأن يستشهد القاضي كل واحد على حدته.
(قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يشتهر ضبطه وديانته، لزم القاضي أن يستفسره.
وعبارة المغني: قال الامام: والاستفصال عند استشعار القاضي غفلة في الشهود حتم، وكذا إن رابه أمر.
وإذا استفصلهم ولم يفصلوا بحث عن أحوالهم، فإن تبين له أنهم غير مغفلين قضى بشهادتهم المطلقة.
قال: ومعظم شهادة العوام يشوبها غرة وسهو وجهل، وإن كانوا عدولا فيتعين الاستفصال كما ذكرنا، وليس الاستفصال مذكورا في نفسه، وإنما الغرض تبيين تثبتهم في الشهادة.
اه.
وتعقب كلام الامام المذكور في التحفة فقال فيها والوجه ما أشرت إليه آنفا أنه إن اشتهر ضبطه وديانته لم يلزمه استفساره، وإلا لزمه.
اه.
(قوله: وشرط لشهادة بفعل) أي زيادة على الشروط المتقدمة التي ذكرها.
(قوله: كزنا الخ) تمثيل للفعل.
(قوله: وولادة) قال في التحفة: وزعم ثبوتها بالسماع محمول على ما إذا أريد بها النسب من جهة الام.
اه.
وقوله: محمول الخ.
وذلك لان النسب يكفي فيه الاستفاضة.
(قوله: إبصار الخ) نائب فاعل شرط: أي شرط إبصار لذلك الفعل مع إبصار فاعله لحصول اليقين به.
قال تعالى: * (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) *.
وللخبر السابق: على مثلها - أي الشمس -
فاشهد.
(قوله: فلا يكفي فيه) أي في الفعل، أي الشهادة به.
(وقوله: السماع من الغير) أي بحصول ذلك الفعل بأن يسمع أن فلانا زنى بفلانة، فلا يجوز له أن يشهد بالسماع المذكور.
(قوله: ويجوز تعمد نظر فرج الزانيين) أي لانهما
__________
(1) سورة الزخرف، الاية: 86.(4/340)
هتكا حرمة أنفسهما.
(وقوله: لتحمل شهادة) علة الجواز: أي يجوز النظر لاجل التحمل، فإن كان لغيره فسقوا وردت شهادتهم.
وعبارة الخطيب: وإنما نقبل شهادتهم بالزنا إذا قالوا: حانت منا إلتفاتة فرأينا، أو تعمدنا النظر لاقامة الشهادة.
قال الماوردي: فإن قالوا تعمدنا لغير الشهادة فسقوا وردت شهادتهم.
اه.
(قوله: وكذا امرأة الخ) أي وكذلك يجوز تعمد نظر فرج امرأة تلد.
(وقوله: لاجلها) أي لاجل تحمل الشهادة.
وأنث الضمير العائد على مذكر لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه.
(قوله: ولشهادة بقول) معطوف على لشهادة بفعل: أي وشرط لشهادة بقول (قوله: كعقد الخ) تمثيل للقول (قوله: هو) نائب فاعل شرط المقدر.
(قوله: وسمع) معطوف على الضمير.
(قوله: لقائله) هو وما بعده متعلقان بإبصار المجعول تفسيرا للضمير، والاولى أن يذكرهما بعد قوله: أي إبصار، ويقدر لسمع متعلقا يناسبه: أي سمع لقوله.
وعبارة المنهاج مع التحفة: والاقوال كعقد، وفسخ وإقرار، يشترط سمعها وإبصار قائلها حال صدورها منه، ولو من وراء نحو زجاج فيها يظهر، ثم رأيت غير واحد قالوا: تكفي الشهادة عليها من وراء ثوب خفيف يشف على أحد وجهين كما اقتضاه ما صححه الرافعي في نقاب المرأة الرقيق.
اه.
(وقوله: حال صدوره) أي القول (قوله: فلا يقبل الخ) تفريع على مفهوم شرط القول.
(وقوله: أصم لا يسمع شيئا) تفريع على مفهوم شرطه وشرط ما قبله وهو الفعل: أي فلا يقبل في القول أي الشهادة به أصم لا يسمع شيئا: أي وأما الفعل فيقبل لحصول العلم بالمشاهدة، كما صرح به في المنهاج.
(قوله: ولا أعمى في مرئي) أي ولا يقبل شهادة أعمي في مرئي، وهو الفعل مع فاعله بالنسبة للاول، وقائل القول بالنسبة للثاني، ومثل الاعمى من يدرك الاشخاص ولا يميز بينها.
ويستثنى من ذلك صور تقبل شهادة الاعمى فيها على الفعل، والقول منها ما إذا وضع يده على ذكر داخل في فرج امرأة، أو دبر صبي مثلا، فأمسكهما ولزمهما حتى شهد عند الحاكم بما عرفه بمقتضى وضع اليد، فيقبل شهادته لان هذا أبلغ من الرؤية، ومنها في الغصب والاتلاف فيما لو جلس الاعمى على بساط لغيره فغصبه غاصب أو أتلفه فأمسكه الاعمى في تلك الحالة مع البساط وتعلق بهما حتى شهد
عند الحاكم بما عرفه لتقبل شهادته، ومنها ما إذا أقر شخص في إذنه بنحو طلاق، أو عتق، أو مال لرجل معروف الاسم والنسب، فمسكه حتى شهد عليه عند قاض فتقبل شهادته، ومنها ما إذا كان عماه بعد تحمله الشهادة، والمشهود له والمشهود عليه معروفا الاسم والنسب فتقبل شهادته لحصول العلم به، ومنها ما يثبت بالاستفاضة والشيوع من جمع كثير يؤمن تواطؤهم على الكذب، مثل الموت والنسب والعتق مما سيأتي قريبا، فتقبل شهادته فيه.
(قوله: لانسداد طرق التمييز) أي المعرفة، وهو تعليل لعدم قبول شهادة الاعمى: أي وإنما لم تقبل لانسداد طرق التمييز عليه.
(وقوله: مع اشتباه الاصوات) أي فقد يحاكي الانسان صوت غيره فيشتبه صوته به، فلذلك لا تقبل شهادته حتى على زوجته اعتمادا على صوتها كغيرها، خلافا لما بحثه الاذرعي من قبول شهادته عليها اعتمادا على ذلك، وإنما جوزوا له وطأها اعتمادا على صوتها للضرورة، ولان الوطئ يجوز بالظن بخلاف الشهادة فلا تجوز إلا بالعلم واليقين، كما يفيده الخبر السابق وهو: على مثلها فاشهد.
تنبيه: العمى هو فقد البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا ليخرج الجماد، وهو ليس بضار في الدين، بل المضر إنما هو عمى البصيرة - وهو الجهل - بدليل: * (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) *.
وضمير فإنها للقصة.
وما أحسن قول أبي العباس المرسي.
يقولون الضرير فقلت كلابل والله أبصر من بصير سواد العين زار بياض قلبي ليجتمعا على فهم الامور
__________
(1) سورة الحج، الاية: 46.(4/341)
ولما عمي سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنشد: إن يأخذ الله من عيني نورهما فإن قلبي مضئ ما به ضرر أرى بقلبي دنياي وآخرتي والقلب يدرك ما لا يدرك البصر (قوله: ولا يكفي سماع شاهد الخ) لو حذف الفعل وجعل ما بعده معطوفا على قوله: ولا أعمى لكان أخصر وأولى، لان هذا مفرع أيضا على مفهوم اشتراط الابصار.
(وقوله: من وراء حجاب) يصح جعل من إسما موصولا، وتكون مفعول سماع: أي ولا يكفي سماعه من كان وراء حجاب ويصح جعلها جارة، وهي متعلقة بمحذوف لشاهد: أي
كائن من وراء حجاب، والمراد بالحجاب غير الشفاف.
أما هو كزجاج فيكفي كما مر.
(قوله: وإن علم) أي الشاهد.
(وقوله: صوته) أي المشهود عليه.
(قوله: لان ما أمكن إدراكه الخ) أي لان ما أمكن معرفته يقينا بإحدى الحواس كالبصر هنا لا يعمل فيه بغلبة الظن الحاصلة بغيره كالسمع، وبما قررته اندفع ما يقال إن السمع من الحواس والصوت يدرك به، فالعلة غير صحيحة.
وحاصل الدفع أن السمع وإن سلم أنه من الحواس إلا أنه لا يحصل به الادراك، أي المعرفة يقينا، بل يفيد غلبة الظن فقط لجواز اشتباه الاصوات، والذي يفيد الادراك يقينا هنا هو البصر، فإذا أمكن به لا يجوز العمل بخلافه.
والحواس الظاهرة خمس.
السمع والبصر والشم والذوق واللمس، فلو أدرك الاعمى شيئا بالشم وما بعده من الحواس جاز أن يشهد به لحصول الادراك به يقينا، فإذا اختلف المتبايعان في مرارة المبيع، أو حموضته، أو تغير رائحته، أو حرارته، أو برودته، جازت شهادة الاعمى به.
(قوله: نعم لو علمه الخ) استثناء من عدم الاكتفاء بسماع شاهد من وراء حجاب: أي لا يكتفي بذلك إلا إن عرف الشاهد أن هذا المشهود عليه القائل بكذا مثلا هو في البيت وحده، وعرف أن الصوت خرج من هذا البيت الذي فيه المشهود عليه وحده، فإنه يكتفي بسماع صوته، ويجوز اعتماده وإن لم يره لحصول اليقين بما ذكر.
(قوله: وكذا لو علم الخ) أي وكذا يجوز للشاهد اعتماد الصوت ويكتفي به في سماع الشهادة لم علم إثنين كائنين ببيت وحدهما لا ثالت لهما وسمعهما يتعاقدان.
(قوله: وعلم الموجب) بكسر الجيم.
(وقوله: منهما) أي من الاثنين، وهو متعلق بالموجب.
(وقوله: من القابل) متعلق بعلم على تضمينه معنى ميز.
(وقوله: لعلمه بمالك المبيع) علة لعلمه الموجب من القابل: أي أن معرفته الموجب من القابل لكونه يعلم من قبل بمالك المبيع.
وعبارة المغني: وما حكاه الروياني عن الاصحاب من أنه لو جلس بباب بيت فيه إثنان فقط، فسمع معاقدتهما بالبيع وغيره، كفى من غير رؤية زيفه البندنيجي بأنه لا يعرف الموجب من القابل.
قال الاذرعي: وقضية كلامه أنه لو عرف هذا من هذا أنه يصح التحمل، ويتصور ذلك بأن يعرف أن المبيع ملك أحدهما، كما لو كان الشاهد يسكن بيتا أو نحوه لاحدهما، أو كان جاره، فسمع أحدهما يقول بعني بيتك الذي يسكنه فلان الشاهد أو الذي في جواره، أو علم أن القابل في زاوية والموجب في أخرى، أو كان كل واحد منهما في بيت بمفرده والشاهد جالس بين البيتين وغير ذلك.
اه.
(قوله: أو نحو ذلك) أي نحو مالك المبيع، وهو القابل.
(قوله: فله) أي للعالم بما ذكر، وهذه نتيجة التشبيه بقوله وكذا.
(قوله: ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة) أي على نفسها أو على نكاحها، كما يعلم ذلك من قوله قال جمع الخ، والمنتقبة بنون ثم تاء هي التي غطت وجهها بالنقاب.
قال في المغني:
تنبيه: مراد المصنف والاصحاب بأنه لا يصح التحمل على المنتقبة ليؤدي ما تحمله اعتمادا على عرفة صوتها، أما لو شهد اثنان أن امرأة منتقبة أقرت يوم كذا لفلان بكذا، فشهد آخران أن تلك المرأة التي قد حضرت وأقرت يوم كذا هي(4/342)
هذه، ثبت الحق بالبينتين، كما لو قامت بينة أن فلان بن فلان أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان بن فلان ثبت الحق.
اه.
ومثله في التحفة والنهاية.
(قوله: كما لا يتحمل بصير في ظلمة) أي كما لا يتحمل الشهادة، وهو في ظلمة لا يرى القائل.
وقوله: اعتمادا عليه) أي على الصوت.
(قوله: نعم لو سمعها الخ) عبارة التحفة والنهاية: وأفهم قوله اعتمادا أنه لو سمعها فتعلق بها الخ.
اه.
وهي أولى من الاستدراك، وضمير سمعها يعود على المنتقبة.
والمراد سمع قولها، إذ السماع لا يتعلق بذكر من الشهادة عليها، ولو قال جازت - أي الشهادة عليها - لكان أولى.
(قوله: كالاعمى) أي في أنه إن سمع من يقر لشخص بشئ فتعلق به حتى وصل إلى القاضي، فإنه يجوز كما مر.
(قوله: بشرط أن تكشف الخ) فيه أن هذا شرط للحكم لا للشهادة التي الكلام فيها، ثم رأيت الرشيدي كتب على قوله النهاية: بشرط أن يكشف نقابها الخ.
ما نصه: هذا شرط للعمل بالشهادة كما لا يخفى.
اه.
(قوله: وقال جمع الخ) قال سم: إذا رأى الشاهدان وجهها عند العقد صح وإن لم يره القاضي العاقد، لانه ليس بحاكم بالنكاح ولا شاهد، كما لو زوج ولي النسب، موليته التي لم يرها قط، بل يشترط رؤية الشاهدين وجهها في انعقاد النكاح كما مال إليه كلام الشارح في باب النكاح خلاف ما نقله هنا عن الجمع المذكور.
اه.
وقوله: كما مال الخ: صرح به البجيرمي فقال: قال حجر: يجوز العقد عليها مع عدم رؤيتها ومعرفتها باسمها ونسبها بأن يشهدا على وقوع العقد بين الزوجين.
اه.
(وقوله: اسما ونسبا) أي بأن يستفيض أنها فلانة بنت فلان.
(وقوله: وصورة) الواو بمعنى أو، وقد عبر بها في التحفة والنهاية، وهو أولى.
(قوله: وله أي للشخص الخ) شروع فيما يجوز فيه الشهادة اعتمادا على الاستفاضة، وذكر منه ستة أشياء وهي: النسب والعتق والوقف والموت والنكاح والملك، وبقي مما يثبت بها أشياء وهي: القضاء والجرح والتعديل والرشد والارث واستحقاق الزكاة والرضاع وعزل القاضي وتضرر الزوجة والاسلام والكفر والسفه والحمل والولادة والوصايا والحرية والقسامة والغصب.
وقد نظمها المناوي في قوله: ففي الست والعشرين تكفي استفاضة وتثبت سمعا دون علم بأصله
ففي الكفر والتجريح مع عزل حاكم وفي سفه أو ضد ذلك كله وفي العتق والاوقاف والزكوات مع نكاح وإرث والرضاع وعسره وإيصائه مع نسبة وولادة وموت وحمل والمضر بأهله وأشربة ثم القسامة والولا وحرية والملك مع طول فعله وإنما ثبتت هذه الامور بالاستفاضة لان بها أمور مؤيدة، فإذا طالت مدتها عسر إقامة البينة على ابتدائها فمست الحاجة إلى ثبوتها بالاستفاضة.
ولا شك أحد أن السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبويها زوج النبي (ص)، وأن السيدة فاطمة رضي الله عنها بنت النبي (ص)، ولا مستند لذلك إلا السماع.
(قوله: بلا معارض) سيذكر محترزه.
(قوله: شهادة على نسب) أي وإن لم يعرف عين المنسوب إليه.
(قوله: ولو من أم أو قبيلة) من بمعنى اللام: أي أنه لا فرق في الشهادة بالنسب بين أن يكون المنسوب إليه أبا أو أما أو جدا أو قبيلة، وذلك بأن يقول أشهد أن هذا إبن فلان أو فلانة، أو من قبيلة كذا، وفائدة هذه الشهادة بالنسبة إلى القبيلة، استحقاق المنسوب إليها من وقف كائن عليها مثلا.
(قوله: وعتق) معطوف على نسب: أي وله شهادة على عتق بما سيذكره.
(قوله: ووقف) معطوف أيضا على نسب: أي وله شهادة على وقف بما سيذكره، وهذا بالنظر لاصله، أما بالنظر لشروطه فقال النووي في فتاويه، لا يثبت بالاستفاضة شروط الوقف وتفاصيله بل(4/343)
إن كانت وقفا على جماعة معينين أو جهات متعددة قسمت الغلة بينهم بالسوية، أو على مدرسة مثلا وتعذرت معرفة الشروط صرف الناظر الغلة فيما يراه من مصالحها.
اه.
والاوجه حمل هذا على ما أفتى به إبن الصلاح شيخه من أن الشروط إن شهد بها منفردة لم يثبت بها، وإن ذكرها في شهادته بأصل الوقف سمعت، لانه يرجع حاصله إلى بيان كيفية الوقف.
اه.
مغني.
(قوله: وموت) إنما اكتفى فيه بالاستفاضة لان أسبابه كثيرة منها ما يخفى ومنها ما يظهر، وقد يعسر الاطلاع عليها فاقتضت الحاجة أن يعتمد فيه الاستفاضة.
(قوله: ونكاح) واعلم أنه حيث ثبت بالاستفاضة لا يثبت الصداق المدعى به بها، بل يرجع لمهر المثل.
(قوله: وملك) أي مطلق.
أما المقيد بسبب فإن كان مما يثبت سببه بالاستفاضة كالارث فكذلك، وإن كان مما لا يثبت سببه بها فلا.
(قوله: بتسامع) متعلق بشهادة.
(قوله: أي استفاضة) تفسير للتسامع.
وفي البجيرمي: نقلا عن الدميري ما نصه: والفرق بين الخبر المستفيض والخبر المتواتر أن المتواتر هو الذي بلغت روايته مبلغا أحالت العادة تواطأهم على الكذب، والمستفيض الذي لا ينتهي إلى ذلك، بل أفاد الامن من
التواطء على الكذب.
والامن معناه الوثوق، وذلك بالظن المؤكد.
اه.
(قوله: من جمع) متعلق بتسامع (قوله: أي تواطؤهم عليه) أي يؤمن تواطؤهم على الكذب.
(قوله: لكثرتهم) علة الامن.
(قوله: فيقع الخ) تفريع على كونهم يؤمن منهم ذلك.
(قوله: ولا يشترط حريتهم) أي الجمع المسموع منهم: أي ولا عدالتهم فيكفي فيهم أن يكونوا نساء وأرقاء وفسقة.
(قوله: ولا يكفي) أي في الشهادة بالاستفاضة.
(وقوله: أن يقول) أي الشاهد.
(وقوله: سمعت الناس يقولون كذا) مقول القول، وإنما لم يكف قوله المذكور لانه يحدث ريبة في شهادته، لانه يشعر بعدم جزمه بالشهادة مع أنه لا بد من الجزم بها كأن يقول أشهد بموت فلان، أو أن فلانا ابن فلان، أو أن هذا الشئ ملك فلان، أو أن فلانا عتيق فلان.
(قوله: وله) أي للشخص.
(قوله: على ملك) هذا مكرر على قوله السابق وملك، فالصواب الاقتصار على هذا كما في المنهج فإنه اقتصر عليه.
(وقوله: به) معلق بالشهادة.
(قوله: ممن ذكر) أي من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب.
(قوله: أو بيد وتصرف الخ) معطوف على قوله به: أي وله الشهادة على ملك اعتمادا على اليد مع التصرف فيه تصرف الملاك، كما أن له الشهادة اعتمادا على الاستفاضة.
وعبارة الروض وشرحه: من رأى رجلا يتصرف في شئ متميزا عن أمثاله كالدار والعبد واستفاض في الناس أنه ملكه جاز أن يشهد له به وإن لم يعرف سببه، ولم تطل المدة.
وكذا يجوز ذلك انضم إلى اليد تصرف مدة طويلة ولو بغير استفاضة، لان امتداد اليد والتصرف بلا منازع يغلب على الظن الملك.
اه.
(قوله: كالسكنى الخ) تمثيل لكونه تحت اليد مع التصرف.
(وقوله: والبناء) الواو فيه وفيما بعده بمعنى أو.
إذ كل واحد منها على حدته كاف، كما صرح به في التحفة.
(وقوله: والبيع) المراد والفسخ بعده وإلا فالبيع يزيل الملك، فكيف يشهد له بالملك.
(قوله: مده طويلة) متعلق بتصرف، وإنما جازت الشهادة بالملك حينئذ، لان امتداد الايدي والتصرف مع طول الزمان من غير منازع يغلب على الظن الملك.
(وقوله: عرفا) أي أن المعتبر في طول المدة العرف.
قال الشيخان: ولا يكفي التصرف مرة.
قال الاذرعي بل ومرتين بل ومرارا في مجلس واحد أو أيام قليلة.
(قوله: فلا تكفي الشهادة بمجرد اليد) أي لا تكفي الشهادة بالملك اعتمادا على مجرد اليد: أي من غير تصرف ويعلم من هذا أن المراد باليد فيما مر اليد الحسية لا الحكمية، وهو كونه تحت تصرفه وسلطنته، وإلا لما صح قوله المذكور.
(قوله: لانها) أي اليد.
(وقوله: لا تستلزمه) أي الملك، وذلك لان اليد عليه قد تكون بطريق الاجارة أو العارية.
(قوله: ولا بمجرد التصرف) أي ولا تكفي الشهادة بالملك اعتمادا على مجرد التصرف: أي من غير يد (قوله: لانه) أي التصرف المجرد.
(وقوله: قد يكون بنيابة) أي وكالة وقد يكون بغصب.
(قوله: ولا تصرف بمدة قصيرة) عبارة شرح المنهج: ولا بهما،(4/344)
أي اليد والتصرف معا بدون التصرف المذكور، كأن تصرف مرة أو تصرف مدة قصيرة، لان ذلك لا يحصل الظن.
اه.
(قوله: نعم إن انضم الخ) إستدراك على اشتراط المدة الطويلة، فهو مرتبط بالمتن.
(وقوله: استفاضة) أن الملك له، أي شيوع أن الملك لهذا المتصرف.
(قوله: جازت الشهادة به) أي بالملك، وذلك لانه إذا جازت بمجرد الاستفاضة فلان تجوز بها مع التصرف أولى.
(قوله: ولا يكفي قول الشاهد رأيت ذلك) أي ما ذكر من اليد والتصرف سنين، بل لا بد من المدة الطويلة فيهما عرفا أو الاستفاضة.
(قوله: واستثنوا من ذلك) أي من جواز الشهادة باليد، والتصرف في المدة الطويلة.
(قوله: فلا تجوز الخ) أي فليس لمن رأى صغيرا في يد من يستخدمه ويأمره وينهاه مدة طويلة أن يشهد له بملكه، وهذا خلاف ما يستفاد من عبارة شرح الروض المارة.
(قوله: إلا إن انضم لذلك) أي لليد والتصرف.
(وقوله: السماع من ذي اليد أنه له) أي بأن قال هو عبدي مثلا، ولا بد أيضا من السماع من الناس كما يستفاد من التحفة والنهاية وعبارتهما: إلا إن انضم لذلك السماع من ذي اليد ومن الناس.
اه.
قال ع ش: أي فلا يكفي السماع من ذي اليد من غير سماع من الناس ولا عكسه.
اه.
(قوله: للاحتياط في الحرية) تعليل لعدم جواز الشهادة بأنه ملكه بمجرد اليد والتصرف.
وكتب الرشيدي على قول النهاية للاحتياط للحرية ما نصه: يؤخذ منه أن صورة المسألة أن النزاع مع الرقيق في الرق والحرية، أما لو كان بين السيد وبين آخر يدعي الملك فظاهر أنه تجوز الشهادة فيه بمجرد اليد والتصرف مدة طويلة، هكذا ظهر فليراجع.
اه.
(قوله: وكثرة استخدام الاحرار) علة ثانية لعدم جواز الشهادة بأنه ملكه بمجرد اليد والتصرف: أي وإنما لم يجز ذلك لكثرة استخدام الاحرار: أي فلا يدلان على الملكية.
(قوله: واستصحاب) مرتبط بالمتن فهو معطوف على الضمير من به والتقدير: وله الشهادة على ملك باستصحاب لما سبق، وكان الاولى أن يذكره بعد قوله: مدة طويلة عرفا، ويعبر بأو، ويدل على ذلك عبارة المنهج ونصها: وله بلا معارض شهادة بملك به، أي بالتسامع ممن ذكر أو بيد، وتصرف تصرف ملاك كسكنى وهدم وبناء وبيع مدة طويلة عرفا، أو باستصحاب لما سبق الخ.
اه.
بزيادة من شرحه.
وهذه المسألة قد تقدمت في الشرح قبيل فصل الشهادات، وعبارته هناك.
فرع: تجوز الشهادة بل تجب إن انحصر الامر فيه بملك الآن للعين المدعاة، استصحابا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما اعتمادا على الاستصحاب، لان الاصل البقاء، وللحاجة لذلك، وإلا لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة إذا تطاول الزمن، ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب وإلا لم تسمع عند الاكثرين.
اه.
(قوله: من نحو إرث الخ) بيان لما سبق.
(قوله: وإن احتمل زواله) أي الملك، وهو غاية لجواز الشهادة بالاستصحاب لما سبق.
(قوله: للحاجة الخ) علة لجواز الشهادة بالملك بالاستصحاب: أي بالاعتماد عليه.
(وقوله: إلى ذلك) أي إلى الشهادة اعتمادا على الاستصحاب.
(قوله: ولان الاصل الخ) علة ثانية للجواز.
(قوله: وشرط ابن أبي الدم الخ) عبارة شرح الروض: ولا يذكر من غير سؤال الحاكم مستند شهادته من تسامع، أو رؤية، أو تصرف، فلو ذكره بأن قال أشهد بالتسامع، بأن هذا ملك زيد، أو أشهد أنه ملكه لابي رأيته يتصرف فيه مدة طويلة، لم يقبل على الاصح، لان ذكره يشعر بعدم جزمه بالشهادة، ويوافقه ما سيأتي في الدعاوي من أنه لو صرح في شهادته بالملك بأنه يعتمد الاستصحاب لم تقبل شهادته، كما لا تقبل شهادة الرضاع على امتصاص الثدي وحركة الحلقوم.
اه.
(قوله: ومثلها) أي ومثل الاستفاضة الاستصحاب، فلا يجوز أن يصرح بأنه مستنده في الشهادة.
(قوله: ثم اختار) أي ابن أبي(4/345)
الدم.
(قوله: أنه) أي الشاهد.
(وقوله: إن ذكره) أي المستند، والمصدر المؤول من أن ومعموليها مفعول اختار.
(وقوله: تقوية لعلمه) عبارة شرح الرملي: والاوجه أنه إن ذكره على وجه الريبة والتردد بطلت لتقوية كلام أو حكاية حال قبلت.
اه.
(قوله: بأن الخ) تصوير لكون ذكره على سبيل التقوية.
(وقوله: جزم بالشهادة) أي بأن قال أشهد أن هذا ملك فلان، ولم يصرح فيها بالمستند.
(قوله: ثم قال) أي بعد جزمه بالشهادة بتراخ.
قال ما ذكر كما يفيده حرف العطف.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يذكره تقوية لعلمه، وإنما ذكره على سبيل التردد.
(وقوله: كأن قال شهدت بالاستفاضة) أي بأن صرح بالمستند مقرونا بالشهادة لا متأخرا عنها.
(قوله: فلا) أي فلا تسمع شهادته، وهو جواب إن المدغمة في لا النافية.
(قوله: خلافا للرافعي) أي القائل بأنه لا يضر ذكر المستند مطلقا.
وعبارة التحفة: بل كلام الرافعي يقتضي أنه لا يضر ذكرها: أي الاستفاضة مطلقا حيث قال في شاهد الجرح يقول: سمعت الناس يقولون فيه كذا، لكن الذي صرحوا به هنا أن ذلك لا يكفي لانه قد يعلم خلاف ما سمع، وعليه فيوجه الاكتفاء بذلك في الجرح بأنه مفيد في المقصود منه من عدم ظن العدالة، ولا كذلك هنا.
اه.
(قوله: واحترز) يقرأ بصيغة المضارع المبدوء بهمزة المتكلم بدليل قوله بقولي، ويصح قراءته بصيغة الماضي مبنيا للمجهول.
(وقوله: بلا معارض) أي للتسامع الذي هو مستند الشهادة.
(قوله: عما إذا كان في النسب) أي في نسبة النسب إلى فلان.
(وقوله: مثلا) أدخل به ما بعده من العتق والوقف والموت وما بعدها.
(وقوله: طعن من بعض الناس) قال في التحفة: كذا أطلقوه ويظهر أنه لا بد من طعن لم تقم
قرينة على كذب قائله.
اه.
ومثل الطعن إنكار المنسوب إليه.
(قوله: لم تجز الشهادة بالتسامع) المناسب التفريع بأن يقول فإنه لا تجوز الشهادة بالتسامع.
(وقوله: لوجود معارض) أي وهو الطعن أو إنكار المنسوب إليه.
(قوله: يتعين على المؤدي الخ) الانسب تقديم هذه المسألة أول الباب، أو تأخيرها إلى آخره.
(قوله: فلا يكفي مرادفه) أي مرادف أشهد.
(قوله: لانه) أي لفظ أشهد: أي ولما مر أول الباب من أن فيه نوع تعبد.
(وقوله: أبلغ في الظهور) أي من غيره.
(قوله: ولو عرف الشاهد السبب) أي للملك.
(وقوله: كالاقرار) أي إقرار شخص بأن هذا العبد مثلا ملك فلان.
(قوله: هل له أن يشهد بالاستحقاق) أي استحقاق الملك اعتمادا على السبب.
(قوله: وجهان) أي قيل له ذلك، وقيل ليس له ذلك.
(وقوله: أشهرهما) أي الوجهين.
(وقوله: لا أي لا يشهد بالاستحقاق) قال في التحفة: لانه قد يظن ما ليس بسبب سببا، ولان وظيفته نقل ما سمعه أو رآه، ثم ينظر الحاكم فيه ليرتب عليه حكمه، لا ترتيب الاحكام على أسبابها.
اه.
(قوله: وقال ابن الصباغ كغيره تسمع) أي الشهادة بالاستحقاق، والملائم في المقابلة أن يقول يشهد بالاستحقاق وتسمع.
(قوله: وهو) أي سماعها.
(وقوله: مقتضى كلام الشيخين.
) قال في النهاية: وهو الاوجه.
اه.
قال في التحفة بعده: ولك أن تجمع بحمل الاول على من يثق بعلمه، والثاني على من يوثق بعلمه، ثم أطال الكلام على ذلك فانظره إن شئت.
(قوله: وتقبل شهادة على شهادة) أي لعموم قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.
فهو شامل للشهادة على أصل الحق، وللشهادة على الشهادة وللحاجة إليها، لان الاصل قد يتعذر، ولان الشهادة حق لازم الاداء فيشد عليها
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 2.(4/346)
كسائر الحقوق.
(قوله: مقبول الخ) مجرور بإضافة شهادة التي في المتن إليه، وفيه حذف التنوين منه، والاولى إبقاؤه وزيادة من الجارة قبل قوله: مقبول.
(وقوله: شهادته) نائب فاعل مقبول: أي تقبل شهادة على شهادة من قبلت شهادته، وخرج به مردودها كفاسق ورقيق وعدو، فلا يصح تحمل شهادته لعدم الفائدة فيه.
(قوله: في غير عقوبة لله) متعلق بتقبل.
(قوله: مالا كان) أي غير العقوبة.
ولا فرق في المال بين أن يكون فيه حق لآدمي وحق لله كالزكاة ووقف المساجد والجهات العامة، أو متمحضا لآدمي كالديون.
(قوله: أو غيره) أي غير مال.
(قوله: كعقد الخ) تمثيل لغير المال.
(قوله: ووقف على مسجد أو جهة عامة) أي أو على شخص معين.
(قوله: وقود وقذف) أي وكقود وقذف، فهما معطوفان على عقد.
(قوله: بخلاف عقوبة لله تعالى) أي موجبها، إذ منع الشهادة على الشهادة إنما يكون فيه، وأما
الشهادة على الشهادة في أصل العقوبة فلا تمنع كما في البجيرمي ونص عبارته: والمراد بمنع الشهادة على الشهادة في عقوبة الله منع إثباتها، فلو شهدا على شهادة آخرين أن الحاكم حد فلانا قبلت.
اه.
ومثل عقوبة الله إحصان من ثبت زناه بأن أنكر كونه محصنا فشهدت بينة بإحصانه لاجل رجمه، فلا تقبل الشهادة على هذه الشهادة.
(قوله: كحد زنا الخ) تمثيل لعقوبة الله تعالى.
(قوله: وإنما يجوز التحمل بشروط الخ) أي أربعة: الاول: تعسر أداء الاصل الشهادة.
الثاني: الاسترعاء بأن يلتمس الاصل من الفرع رعاية الشهادة وحفظها.
الثالث: تبيين الفرع عند الاداء جهة التحمل: الرابع: تسمية الفرع إياه.
ثم إنه لا يخفى أن هذه الشروط ما عدا الاسترعاء لقبول القاضي الشهادة على الشهادة لا لجواز التحمل، فلو أبقى المتن على حاله، ولم يزد قوله وإنما يجوز التحمل، أو قال وإنما تقبل بدل يجوز التحمل لكان أولى.
وعبارة متن المنهاج: وشرط قبولها تعسر أو تعذر الاصل بموت أو عمى الخ.
اه.
ومثلها عبارة المنهج.
(قوله: تعسر الخ) بدل من شروط.
(وقوله: أداء أصل) أي للشهادة، والمراد بالاصل من تحمل الشهادة على أصل الحق والفرع من تحمل الشهادة على شهادته.
(قوله: بغيبة) متعلق بتعسر، والباء سببية: أي أن تعسره يكون بسبب غيبة الاصل.
(وقوله: فوق مسافة العدوي) قد تقدم بيانها غير مرة.
وخرج بفوق مسافة العدوى ما إذا كانت غيبة الاصل إلى مسافة العدوى أو دونها، فلا تقبل الشهادة على الشهادة لانها إنما قبلت فيما إذا كانت الغيبة فوق مسافة العدوى للضرورة ولا ضرورة حينئذ.
(قوله: أو خوف الخ) عطف على غيبة، فهو من أسباب التعسر فهو يكون بالغيبة، ويكون بخوف الاصل الحبس من غريم لو أدى الشهادة بنفسه عند القاضي.
(وقوله: وهو معسر) أي والحال أن ذلك الاصل معسر ليس عنده ما يفي به دين الغريم، فإن كان موسرا لا تقبل الشهادة على شهادته.
(قوله: أو مرض) معطوف أيضا على غيبة، فهو من أسباب التعسر أيضا والمراد بالمرض غير الاغماء، أما هو فينتظر لقرب زواله.
(قوله: يشق معه حضوره) أي مشقة ظاهرة بأن يجوز ترك الجمعة.
ومثل المرض المذكور سائر الاعذار المرخصة لترك الجمعة، لان جميعها يقتضي تعسر الحضور، ومحله كما قال الشيخان في الاعذار الخاصة بالاصل، فإن عمت الفرع أيضا كالمطر والوحل لم يقبل.
(قوله: وكذا بتعذره) لو قال وكذا تعذره بإسقاط الباء لكان أولى، والمراد أن مثل تعسر أداء الاصل تعذره.
(وقوله: بموت) أي للاصل بعد أن تحمل الرفع الشهادة عنه.
(وقوله: أو جنون) أي له بعد ما ذكر أيضا.
(قوله: وباسترعائه) الاولى حذف الباء، لانه معطوف على تعسر، فهو من جملة الشروط.
ثم رأيت في بعض نسخ الخط بشرط تعسر الخ بصيغة المفرد، فعليه تكون الباء ظاهرة، وتكون هي ومدخولها معطوفين على بشرط.
واعلم: أن مثل الاسترعاء ما إذا سمعه يشهد عند قاض أو محكم، فله أن يتحمل الشهادة عنه وإن لم يسترعه، لانه(4/347)
إنما يشهد عند من ذكر بعد تحقق الوجوب، وما إذا بين الاصل سبب الوجوب، كأن قال أشهد أن لفلان على فلان كذا من ثمن مبيع أو قرض، فلمن سمعه أيضا أن يتحمل الشهادة عنه وإن لم يسترعه أيضا، لانتفاء احتمال الوعد في التساهل مع الاسناد إلى السبب.
وقد صرح بما ذكرته في متن المنهاج ونص عبارته مع التحفة: وتحملها الذي يعتد به إنما يحصل بأحد ثلاثة أمور: إما بأن يسترعيه الاصل فيقول أنا شاهد بكذا، فلا يكفي أنا عالم ونحوه، وأشهدك، أو أشهدتك، أو اشهد على شهادتي، أو بأن يسمعه يشهد بما يريد أن يتحمله عنه عند قاض أو محكم، قال البلقيني: أو نحو أمير.
أو بأن يبين السبب كأن يقول ولو عند غير حاكم: أشهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع أو غيره، لان إسناده للسبب يمنع احتمال التساهل فلم يحتج لاذنه أيضا.
اه.
بحذف.
(قوله: أي التماسه) تفسير للاسترعاء، وأشار به إلى أن السين والتاء في استرعائه للطلب.
(وقوله: منه) أي من مريد تحمل الشهادة عنه، وهو الفرع.
(قوله: رعاية شهادته) أي تحفظها، وهو مفعول استرعاء.
(وقوله: وضبطها) العطف للتفسير.
(قوله: حتى يؤديها) أي الفرع.
(وقوله: عنه) أي عن الاصل.
(قوله: لان الشهادة الخ) تعليل لاشتراط الاسترعاء: أي وإنما اشترط لان الشهادة على الشهادة نيابة: أي فالفرع نائب عن الاصل فيها.
(قوله: فاعتبر فيها) أي في الشهادة على الشهادة لكونها نيابة.
(وقوله: إذن المنوب عنه) أي وهو الاصل.
(قوله: أو ما يقوم مقامه) أي الاذن مما ذكرته لك عند قوله وباسترعائه.
(قوله: فيقول) أي المسترعي الذي هو الاصل، وهو بيان لصفة الاسترعاء.
(قوله: فلا يكفي أنا عالم به) أي كما لا يكفي ذلك في أداء الشهادة عند القاضي، لما تقدم أنه يتعين على المؤدي حروف الشهادة.
(قوله: وأشهدك أو أشهدتك أو اشهد) أتى بأفعال ثلاثة: الاول مضارع، والثاني ماض، والثالث أمر، إشارة إلى أنه يجوز التعبير بأي واحد منها.
(وقوله: على شهادتي) متعلق بالافعال الثلاثة، ومثل ذلك ما لو قاله: إذا استشهدت على شهادتي بكذا، فقد أذنت لك أن تشهد.
تنبيه: لو استرعى الاصل شخصا معينا للشهادة، يجوز لمن سمعه الشهادة على شهادته، وإن لم يسترعه هو بخصوصه، كما صرح به في التحفة.
(قوله: فلو أهمل الاصل لفظ الشهادة) أي لم يعبر به، بل عبر بمرادفه كأعلمك أو أخبرك، وهذا تفريع على إيثاره التعبير في الافعال الثلاثة بحروف الشهادة.
(قوله: فلا يكفي) أي في التحمل، وهذا جواب لو.
(قوله: كما لا يكفي
ذلك) أي قوله أخبرك أو أعلمك.
(قوله: ولا يكفي في التحمل) أي للشهادة.
(وقوله: سماع قوله الخ) أي سماع شخص يريد التحمل.
قول شخص آخر لفلان على فلان كذا الخ.
أي ونحو ذلك من صور الشهادة التي في معرض الاخبار، كأشهد بأن لفلان على فلان كذا، وإنما لم يكف سماع هذه الالفاظ لانه مع كونه لم يأت في بعضها بلفظ الشهادة، قد يريد أن لفلان على فلان ذلك من جهة وعد وعده إياه، ويشير بكلمة على الخ.
إلى أن مكارم الاخلاق تقتضي الوفاء، وقد يتساهل بإطلاق لفظ الشهادة لغرض صحيح كحمله على الاعطاء، أو فاسد كأن كان غرضه شهادة الفرع على أصله، فإذا آل الامر إلى الشهادة تأخر عنها.
أفاده في شرح المنهج.
(قوله: وبتبيين فرع) معطوف أيضا على تعسر، فالاولى حذف الباء كما تقدم.
وعبارة المنهاج: وليبين الفرع عند الاداء جهة التحمل، فإن لم يبين ووثق القاضي بعلمه فلا بأس.
اه.
(وقوله: جهة تحمل) أي طريقه، وهو أحد الامور الثلاثة المتقدمة، وهي الاسترعاء، أو سماعه يشهد عند حاكم، أو سماعه يبين سبب الشهادة.
(قوله: كأشهد الخ) أي كقول الفرع: أشهد بصيغة المضارع أن فلانا(4/348)
شهد بكذا.
(وقوله: وأشهدني على شهادته) يقول هذا إن استرعاه الاصل.
(قوله: أو سمعته) معطوف على قوله وأشهدني على شهادته، وهذا يقوله إن لم يسترعه زيادة على قوله: أشهد أن فلانا شهد بكذا، وبقي عليه بيان سبب الملك كأن يقول أشهد أن فلانا شهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع مثلا.
(قوله: فإذا لم يبين) أي الفرع.
(وقوله: جهة التحمل) هي الامور الثلاثة المار بيانها آنفا.
(قوله: ووثق الحاكم بعلمه) أي علم الفرع بشروط التحمل: أي ووثق القاضي بأن الفرع عالم بشروط التحمل.
(قوله: لم يجب البيان) جواب إذ.
قال في التحفة: إذ لا محذور: نعم: يسن له إستفصاله.
اه.
(قوله: فيكفي الخ) تفريع على عدم وجوب تبيين جهة التحمل.
(قوله: لحصول الغرض) أي بهذه الشهادة المجردة عن البيان، وذلك الغرض هو إثبات الحق.
(قوله: بتسميته) معطوف على تعسر أيضا، فالاولى حذف الباء كما مر، والاضافة من إضافة المصدر إلى فاعله، وإياه مفعوله.
وعبارة الروض وشرحه: فصل: يشترط تسمية الاصول وتعريفهم من الفروع إذ لا بد من معرفة عدالتهم، ولا تعرف عدالتهم ما لم يعرفوا وليتمكن الخصم من جرحهم إذا عرفوا، فلا يكفي قول الفرع: أشهدني عدل أو نحوه، لان الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه، ولانه يسد باب الجرح على الخصم: أي لو لم يسمه.
اه.
(قوله: تسمية) مفعول مطلق لتسميته.
(وقوله: تميزه) أي تميز تلك التسمية الاصل عن غيره.
(قوله: وإن كان) أي الاصل، وهو غاية لاشتراط التسمية.
(قوله: لتعرف عدالته) أي
الاصل، وهو تعليل لاشتراط تسميته: أي وإنما اشترطت ليعرف القاضي عدالته: أي أو ضدها.
وعبارة التحفة ليعرف القاضي حالهم ويتمكن الخصم من القدح فيهم.
اه.
(قوله: فإن لم يسمه) أي لم يسم الفرع الاصل.
(قوله: لم يكف) أي في التحمل، فلا يقبل الحاكم منه ذلك.
(قوله: لان الحاكم الخ) علة لعدم الاكتفاء به.
(وقوله: قد يعرف جرحه) أي جرح الاصل.
(وقوله: لو سماه) أي سمى الفرع الاصل للحاكم.
(قوله: وفي وجوب تسمية قاض) الاضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل: أي وفي وجوب تسمية الفرع أصلا قاضيا عند قاض آخر أو محكم.
وعبارة المغني.
تنبيه: شمل إطلاق المصنف ما لو كان الاصل قاضيا، كما لو قال: أشهدني قاض من قضاة مصر، أو القاضي الذي بها، ولم يسمه الخ.
اه.
(وقوله: شهد) أي الفرع.
(وقوله: عليه) أي القاضي، والمراد على شهادته كما هو الفرض.
(قوله: وجهان) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، وفيه أنه لا معنى لكون الوجهين في الوجوب، فلا بد من تقدير الواو مع ما عطفت: أي وفي وجوبها وعدمه وجهان.
قال سم: عبارة القوت بخلاف ما لو قال: أشهدني قاض من قضاة بغداد، أو القاضي الذي ببغداد، ولم يسمه وليس بها قاض سواه، على نفسه في مجلس حكمه بكذا، فهل تسمع فيه ؟ وجهان، والفرق أن القاضي عدل بالنسبة إلى كل أحد، بخلاف شاهد الاصل فإنه قد يكون عند فرعه عدلا والحاكم يعرفه بالفسق، فلا بد من تعيينه لينظر في أمره وعدالته، والصواب في وقتنا تعيين القاضي لما لا يخفى.
اه.
(قوله: وصوب الاذرعي الوجوب) أي وجوب التسمية.
(قوله: ولو حدث الخ) مرتب على شرط مقدر، وهو أن لا يخرج الاصل عن صحة شهادته فإن حدث الخ، والمراد حدوث ما ذكر قبل الحكم، فإن كان بعده لم يؤثر.
(قوله: عداوة) أي بينه وبين المشهود عليه.
(وقوله: أو فسق) أي أو تكذيب الاصل للفرع، كأن قال لا أعلم أني تحملت الشهادة أو نسيت ذلك.
(قوله: لم يشهد(4/349)
الفرع) أي لم تقبل شهادته.
(قوله: فلو زالت هذه الموانع) أي من الاصل.
(قوله: احتيج إلى تحمل جديد) أي بعد مضي مدة الاستبراء التي هي سنة لتحقق زوالها.
اه.
ع ش.
(قوله: فرع لا يصح تحمل النسوة الخ) عبارة الروض وشرحه: ولا يتحمل نساء شهادة مطلقا - أي سواء كانت الاصول، أو بعضهم نساء أم لا، وسواء كانت الشهادة بالولادة والرضاع أم لا - لان شهادة الفرع تثبت شهادة الاصل لا ما
شهد به الاصل، ونفس الشهادة ليست بمال، ويطلع عليها الرجال غالبا.
اه.
(قوله: ولو على مثلهن) أي شهادة مثلهن.
(وقوله: في نحو ولادة) متعلق بالمضاف المقدر.
ونحو الولادة كل ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كحيض وبكارة.
(قوله: لان الشهادة) أي على الشهادة.
(وقوله: مما يطلع عليه الرجال) أي وما يطلع عليه الرجال لا تقبل فيه النسوة.
(قوله: ويكفي فرعان لاصلين) أي يكفي شهادة فرعين على شهادة أصلين معا بأن يقولا: نشهد أن زيدا وعمرا شهدا بكذا وأشهدانا على شهادتهما، وذلك لانهما شهدا على قول اثنين، فهو كما لو شهدا على مقرين.
(قوله: أي لكل منهما) دفع بهذا التفسير ما يوهمه ظاهر المتن من أن الفرعين يوزعان على الاصلين، فيشهد واحد لهذا وواحد لهذا، مع أنه لا يكفي ذلك، بل لا بد من شهادة مجموع الفرعين لكل واحد من الاصلين.
(قوله: فلا يشترط لكل منهما فرعان) أي فلا يشترط أن يكون لكل أصل فرعان غير فرعي الآخر يتحملان شهادته، بل يكفي فرعان فقط يتحملان عنهما معا.
(قوله: ولا تكفي شهادة واحد الخ) أي وإن أوهمه المتن، لولا تفسير الشارح بقوله: أي لكل منهما كما علمت.
(قوله: ولا واحد على واحد في هلال رمضان) أي ولا يكفي تحمل واحد شهادة واحد في هلال رمضان وإن كان الهلال يثبت بواحد، لان الفرع لا يثبت بشهادته الحق، بل يثبت بها شهادة الحق، وهي لا بد فيها من رجلين، كما تقدم.
(قوله: فرع) أي في رجوع الشهود عن شهادتهم.
(قوله: لو رجعوا) أي الشهود كلهم، أي أو من يكمل النصاب به، والمراد بالرجوع التصريح به فيقول: رجعت عن شهادتي، ومثله: شهادتي باطلة، أو لا شهادة لي فيه.
فلو قال: أبطلت شهادتي، أو فسختها، أو رددتها، هل يكون رجوعا ؟ فيه وجهان: قال في التحفة: ويتجه أنه غير رجوع، إذ لا قدرة له على إنشاء إبطالها.
اه.
(قوله: عن الشهادة) أي التي أدوها بين يدي الحكم.
(قوله: قبل الحكم) أي بشهادتهم ولو بعد ثبوتها، بناء على الاصح أنه ليس بحكم مطلقا.
(قوله: منع الحكم) جواب لو، والفعل مبني للمعلوم، والفاعل ضمير مستتر يعود على الرجوع المأخوذ من رجعوا، والحكم مفعوله: أي منع رجوعهم الحكم بهذه الشهادة، والمراد أن الحاكم يمتنع عليه أن يحكم بهذه الشهادة.
قال في المغني: وإن أعادوها، سواء كانت في عقوبة أو في غيرها، لان الحاكم لا يدري أصدقوا في الاول أو في الثاني، فينتفي ظن الصدق، وأيضا فإن كذبهم ثابت لا محالة إما في الشهادة، أو في الرجوع، ولا يجوز الحكم بشهادة الكذاب ولا يفسقون برجوعهم إلا إن قالوا تعمدنا شهادة الزور، ولو رجعوا عن شهادتهم في زنا حدوا حد القذف، وإن قالوا غلطنا لما فيه من التعيير وكان حقهما التثبت، وكما لو رجعوا عنها بعد الحكم.
اه.
(قوله: أو بعده) معطوف على قبله: أي أو رجعوا بعد الحكم.
(وقوله: لم ينقض) أي ذلك الحكم
لجواز كذبهم في الرجوع، ويجب إستيفاء ما ترتب على الحكم إن كان غير عقوبة، فإن كان عقوبة ولو آدمي كزنا، وقود، وحد قذف، لم تستوف لانها تسقط بالشبهة والرجوع شبهة، هذا إن رجعوا قبل استيفائها، فإن رجعوا بعد استيفائها بقتل أو رجم، أو جلد مات منه، أو قطع بجناية أو سرقة، وقالوا تعمدنا شهادة الزور، اقتص منهم مماثلة، أو أخذت منهم دية مغلظة موزعة على عدد رؤوسهم، فإن قالوا أخطأنا في شهادتنا، فدية مخففة موزعة على عدد رؤوسهم تكون في مالهم لا(4/350)
على عاقلة، لان إقرارهم لا يلزم العاقلة ما لم تصدقهم.
(قوله: ولو شهدوا) قال في التحفة: إعادة ضمير الخ على الاثنين سائغ.
اه.
(قوله: بطلاق بائن) أي بخلع أو ثلاث، وخرج به الرجعي فلا غرم فيه عليهم، إذ لم يفوتوا شيئا، فإن لم يراجع حتى انقضت العدة غرموا كما في البائن.
(قوله: أو رضاع محرم) بكسر الراء المشددة، وهو - كما تقدم في بابه - خمس رضهات متفرقات.
(قوله: وفرق القاضي الخ) قال في النهاية: وما بحثه البلقيني من عدم الاكتفاء بالتفريق، بل لا بد من القضاء بالتحريم، ويترتب عليه التفريق، لانه قد يقضي به من غير حكم كما في النكاح الفاسد: رد بأن تصرف الحاكم في أمر رفع إليه وطلب منه فصله حكم منه.
اه.
(قوله: فرجعوا عن شهادتهم) أي بعد التفريق.
(قوله: دام الفراق) أي في الظاهر إن لم يكن باطن الامر فيه كظاهره كما هو واضح فليراجع.
اه.
رشيدي.
قال في المغني: تنبيه: قوله دام الفراق لا يأتي في الطلاق البائن ونحوه بخلافه في الرضاع واللعان، فلو عبر بدل دام بنفذ، أو بقول الروضة لم يرتفع الفراق كان أولى.
اه.
(قوله: لان قولهما) أي الشاهدين، وهو علة دوام الفراق.
(قوله: محتمل) أي صدقه وكذبه.
(قوله: والقضاء) أي قضاء القاضي.
(وقوله: لا يرد بمحتمل) أي بقول محتمل صدقا وكذبا.
(قوله: ويجب على الشهود) أي الذين رجعوا عن شهادتهم.
(قوله: حيث لم يصدقهم الزوج) أي في شهادتهم بما ذكر من الطلاق والرضاع، فإن صدقهم بأن قال إنهم محقون في شهادتهم بما ذكر، فلا يجب عليهم له شئ.
ومحله أيضا حيث لم يكن الزوج قنا كله، فإن كان كذلك فلا يجب عليهم له شئ لانه لا يملك شيئا، ولا يجب عليهم شئ أيضا لمالكه لانه لا تعلق له بزوجة عبده، فلو كان مبعضا وجب له عليهم قسط الحرية.
كذلك في التحفة، واستظهر في المغني إلحاق ذلك بالاكساب فيكون لسيده كله فيما إذا كان قنا، وبعضه فيما إذا كان مبعضا.
(قوله: مهر مثل) أي ساوى المسمى في العقد أو لا.
(قوله: ولو قبل وطئ) أي ولو وقع الفراق قبل الوطئ، والغاية للرد على القائل بوجوب نصفه فقط حينئذ لانه الذي فوتاه.
(قوله: أو بعد إبراء
الخ) معطوف على قبل وطئ: أي يجب عليهم ذلك ولو بعد إبراء الزوجة زوجها عن المهر.
(قوله: لانه) أي مهر المثل، وهو علة لوجوب مهر المثل مطلقا ولو قبل الوطئ أو بعد الابراء.
(وقوله: الذي فوتوه عليه) إسم الموصول صفة للبضع، وضمير فوتوه المنصوب يعود عليه: وضمير عليه يعود على الزوج: أي لان مهر المثل بدل البضع الذي فوته الشهود على الزوج.
(وقوله: بالشهادة) أي بسببها، فالباء سببية متعلقة بفوتوه.
(قوله: إلا إن ثبت) أي ببينة أو إقرار أو علم قاض.
وعبارة المنهاج مع التحفة: ولو شهدا بطلاق وفرق بينهما فرجع فقامت بينة أو ثبت بحجة أخرى أنه لا نكاح بينهما كأن ثبت أنه كان بينهما رضاع محرم، أو أنها بانت من قبل، فلا غرم عليهما إذ لم يفوتا عليه شيئا، فإن غرما قبل البينة إستردا.
اه.
(قوله: بنحو رضاع) أي بسبب نحو رضاع، وهو متعلق بما تعلق به خبر لا.
(قوله: فلا غرم) أي عليهما للزوج، والملائم لما قبله أن يقول فلا يجب عليهم مهر المثل.
(قوله: إذ لم يفوتوا الخ) علة لعدم الغرم.
(قوله: ولو رجع) أي بعد الحكم.
(وقوله: شهود مال) أي عين ولو أم ولد شهدا بعتقها، أو دين.
(قوله: غرموا الخ) أي لانهم حالوا بينه وبين ماله، ومن ثم لو فوتوه ببدله كبيع بثمن يعادل المبيع، لم يغرموا كما قاله الماوردي واعتمده البلقيني.
اه.
تحفة.
(وقوله: البدل) أي وهو القيمة في المتقوم، والمثل في المثلي، واختلف في القيمة فقيل: تعتبر وقت الحكم لانه المفوت حقيقة، وقيل: وقت الشهادة لانها السبب، وقيل: أكثر ما كانت من وقت الحكم إلى وقت الرجوع، واعتمد في التحفة بالنسبة للشاهد الثاني، وبالنسبة للحاكم فيما إذا رجع عن حكمه الاول.
(قوله: بعد غرمه) أي بعد دفع المحكوم(4/351)
عليه المال للمدعي، والظرف متعلق بغرموا، والاضافة من إضافة المصدر لفاعله، وحذف مفعوله، ويصح العكس، وعليه يكون الضمير عائدا على المال.
(قوله: لا قبله) أي لا يغرمون له قبل أن يغرم هو للمدعي.
(قوله: وإن قالوا أخطأنا) أي غلطنا في شهادتنا، وهو غاية لغرمهم للمحكوم عليه البدل.
(قوله: موزعا الخ) حال من مفعول غرموا وهو البدل: أي غرموه حال كونه موزعا عليهم، أو من فاعله وهو الواو: أي غرموا حال كونهم موزعا عليهم البدل بالسوية، ولا فرق في ذلك بين أن يرجعوا معا أو مرتبين.
تنبيه: محل ما تقدم فيما إذا رجعوا كلهم، فإن رجع بعضهم، فإن كان الباقي نصابا فلا غرم على الراجع لقيام الحجة بمن بقي، وإن كان دون نصاب فعلى الراجع نصف البدل يغرمه للمحكوم عليه.
وحمله أيضا فيما إذا اتحد نوع الشهود، فإن اختلف كأن شهد رجل وامرأتان فيما يثبت بهم ثم رجعوا فعليه نصف وعليهما نصف لانهما كرجل واحد، أو
شهد رجل وأربع نسوة فيما يثبت بمحضهن كرضاع ونحوه فعليه ثلث وعليهن ثلثان لما تقرر أن كل ثنتين برجل.
(قوله: تتمة الخ) المناسب ذكر حاصل ما فيها عند قوله فيما تقدم.
قال شيخنا: ومن ثم لا تجوز الشهادة بالمعنى.
اه.
(قوله: لو شهد واحد بإقراره الخ) أي بأن قال أشهد أن زيدا مثلا أقر عندي بأنه وكل عمرا في كذا وكذا.
(قوله: وآخر بأنه الخ) عبارة التحفة: وآخر بإقراره بأنه أذن الخ، بزيادة لفظ إقراره.
ومثله في النهاية، فلعله ساقط من النساخ.
(قوله: لفقت الشهادتان) أي جمع بينهما وعمل بهما، والمراد بالشهادتين قوله: شهد بأنه وكله في كذا بلفظ الوكالة.
وقوله: شهد آخر بأنه أذن له الخ.
بمعناها.
(قوله: لان النقل بالمعنى) أي نقل الشهادة بمعنى اللفظ الصادر من المشهود عليه كنقلها باللفظ، والمراد بالنقل التعبير بذلك.
قال في التحفة: ويتعين حمله على ما ذكرته من أنه يجوز التعبير عن المسموع بمرادفه المساوي له من كل وجه لا غير.
اه.
ومثله في النهاية.
(قوله: بخلاف ما لو شهد واحد بأنه قال الخ) عبارة التحفة: أو قال واحد قال وكلت، وقال الآخر قال فوضت إليه، لم يقبلا.
لان كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر، وكأن الفرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه، وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة.
ثم قال: ويؤيد قولي: وكان الفرض إلى آخره قولهم: لو شهد له واحد ببيع وآخر بالاقرار به لم يلفقا.
فلو رجع أحدهما وشهد بما شهد به الآخر قبل، لانه يجوز أن يحضر الامرين، فتعليلهم هذا صريح فيما ذكرته.
فتأمله.
اه.
(قوله: أو شهد واحد باستيفاء الدين) أي بأن قال أشهد أن فلانا أوفى فلانا دينه.
(قوله: والآخر بالابراء منه) أي بأن قال: أشهد أن فلانا أبرأه فلان من الدين.
(قوله: فلا يلفقان) أي الشهادتان لما علمته في المثال الاول، ولعدم التساوي في كل وجه في المثال الثاني، إذ استيفاء الدين أعم من الابراء.
(قوله: لو شهد واحد ببيع) أي بأن قال: أشهد أن فلانا باع عبده مثلا على فلان.
(قوله: والآخر بإقرار به) أي وشهد الآخر بالاقرار بالبيع بأن قال: أشهد أن فلانا أقر بأنه باع عبده على فلان.
(قوله: أو واحد بملك ما ادعاه) أي أو شهد واحد بأن هذا العبد مثلا ملك فلان المدعي به.
(قوله: وآخر بإقرار الداخل به) أي وشهد آخر بإقرار الداخل: أي من هو تحت يده بالملك للمدعي.
(قوله: لم تلفق شهادتهما) أي لعدم تساويهما في الصورتين.
(قوله: فلو رجع أحدهما) أي عن شهادته التي تخالف شهادة الآخر.
(قوله: قبل) جواب لو.
(قوله: لانه يجوز أن يحضر الامرين) أي الامر الذي شهد به أولا ورجع عنه، والامر الثاني الذي رجع إليه.
(قوله: ومن ادعى ألفين)(4/352)
أي على آخر.
(وقوله: وأطلق) أي لم يبين السبب.
(قوله: فشهد له واحد) أي.
بما ادعاه من الالفين.
(وقوله: وأطلق)
أي كالمدعي.
(قوله: وآخر أنه من قرض) أي وشهد آخر أن ما ادعاه من الالفين ثبت عليه قرضا: أي ونحوه، والمراد أنه بين السبب لم يطلق.
(قوله: ثبت) أي ما ادعاه بهذه الشهادة، لان شهادة الثاني المقيدة لا تنافي شهادة الاول المطلقة، فلم يحصل تخالف.
(قوله: أو فشهد له الخ) أي أو ادعى ألفين وأطلق، فشهد له واحد بألف ثمن مبيع وشهد له الآخر بألف قرضا، لم تلفق الشهادتان لتنافيهما من جهة السبب.
(قوله: وله) أي للمدعي بالالفين.
(وقوله: الحلف مع كل منهما) أي من الشاهدين، وتثبت له الالفان حينئذ.
(قوله: ولو شهد واحد بالاقرار) أي إقرار المدعى عليه بالملك مثلا للمدعي.
(قوله وآخر بالاستفاضة) أي وشهد آخر بالملك بالاستفاضة، أي بالشيوع.
(وقوله: حيث تقبل) أي الاستفاضة بأن كانت من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وكانت في ملك مطلق، أو وقف، أو عتق، إلى آخر ما مر.
(قوله: لفقا) أي الشهادتان وثبت بهما الحق للمدعي.
(قوله: عن رجلين) متعلق بسئل.
(قوله: سمع أحدهما) أي أحد الرجلين.
(وقوله: تطليق شخص ثلاثا) أي تطليق شخص زوجته بالثلاث.
(قوله: والآخر الاقرار به) أي وسمع الرجل الآخر الاقرار به: أي بالطلاق ثلاثا.
(قوله: فهل يلفقان) أي الشهادتان ويقع الطلاق.
(قوله: أو لا) أي أو لا يلفقان فلا يقع الطلاق.
(قوله: فأجاب) أي الشيخ عطية.
(وقوله: بأنه) أي الحال والشأن.
(قوله: يجب على سامعي) بصيغة التثنية، وحذفت منه النون لاضافته إلى ما بعده.
(قوله: أن يشهدا عليه) أي على المسموع منه ذلك.
(وقوله: بتا) أي جزما.
(قوله: ولا يتعرضا الخ) بيان لمعنى قوله بتا.
(قوله: وليس هذا) أي قبول شهادتهما.
(وقوله: من تلفيق الشهادة من كل وجه) أي لفظا ومعنى.
(قوله: بل صورة الخ) لو أتى به على صورة العلة وقال: لان صورة الخ لكان أولى.
(وقوله: واحدة) أي وهي قوله طلقتها ثلاثا.
والفرق بينهما معنى، لان الاقرار إخبار عما مضى، والانشاء حصول في الحال.
(وقوله: في الجملة) أي في غالب الاحوال، وقد تختلف الصورة كما لو قال لوليها زوجها، فهذا إقرار بالطلاق كما مر في بابه، وليست صورته كصورة إنشائه.
(قوله: والحكم) أي على المدعى عليه بالطلاق، وهذا من تتمة الدليل على أن هذا من تلفيق الشهادة من كل وجه.
(وقوله: يثبت بذلك) أي بصدور صورة الطلاق منه.
(وقوله: كيف كان) أي على أي حالة وجد ذلك، سواء كان بقصد الانشاء أو بقصد الاقرار.
(قوله: وللقاضي عليه) أي بل يجب.
(وقوله: سماعها) أي الشهادة الصادرة منهما وإن اختلفت معنى والله سبحانه وتعالى أعلم.(4/353)
(قوله: خاتمة في الايمان) أي في بيان أحكامها.
وإنما ذكرها عقب الدعوى والبينات لان الايمان قد تحتاج لتقدم
دعوى، والفقهاء يذكرونها قبل القضاء، لان القاضي قد يحتاج إلى اليمين من الخصوم فلا يقضي إلا بعدها.
فلكل وجهة.
والايمان - بفتح الهمزة - جمع يمين، وهي في اللغة اليد اليمنى.
وأطلقت على الحلف لانهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه.
وقيل القوة، ومنه قوله تعالى: * (لاخذنا منه باليمين) *.
أي بالقوة.
وعليه فتسمية الحلف به لانه يقوي على الحنث أو عدمه، وعلى الاول جرى م ر في النهاية، وعلى الثاني جرى ابن حجر في التحفة.
وفي الشرع تحقيق أمر محتمل باسم من أسمائه تعالى، أو صفة من صفاته، ماضيا كان أو مستقبلا، نفيا أو إثباتا، ممكنا في العادة كحلفه ليدخلن الدار، أو ممتنعا فيها كحلفه ليقتلن الميت، أو ليقتلن زيدا بعد موته.
والمراد بتحقيق ذلك، إلتزام تحقيقه وإيجابه على نفسه، والتصميم على تحصيلة، وإثبات أنه لا بد منه وأنه لا سعة في تركه.
وليس المراد به جعله محققا حاصلا، لان ذلك غير لازم.
والمراد بالامر النسبة الكلامية: كما إذا قلت: زيد قائم، فعورضت فيه فقلت: والله إنه قائم تحقيقا لذلك، والمراد بالمحتمل، المحتمل عقلا، فيدخل فيه المحال العادي.
وخرج بتحقيق أمر: لغو اليمين الآتي، وبالمحتمل المراد به هنا غيره وهو الواجب فقط: كقوله والله لاموتن، فليس بيمين لامتناع الحنث فيه: أي مخالفة المحلوف عليه، فلا إخلال فيه بتعظيم اسمه تعالى والاصل فيها قبل الاجماع آيات كقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) *.
أي قصدتموها بدليل آية أخرى وهي: * (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) *.
وقوله تعالى: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *.
الآية.
وأخبار منها أنه (ص) كان يحلف: لا، ومقلب القلوب.
رواه البخاري، ومنها قوله عليه السلام: والله لاغزون قريشا - ثلاث مرات ثم قال في الثالثة: إن شاء الله.
رواه أبو داود.
وقد أمره الله بالحلف على تصديق ما أمر به في ثلاثة مواضع من القرآن: في يونس في قوله تعالى: * (قل إي وربي إنه لحق) *.
وفي سبأ في قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم) *.
وفي التغابن في قوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا.
قل بلى وربي لتبعثن) *.
وأركانها: حالف، ومحلوف به، ومحلوف عليه.
وشرط في الاول التكليف والاختيار والنطق والقصد، فلا تنعقد يمين الصبي والمجنون والمكره ويمين اللغو.
وفي الثاني أن يكون إسما من أسمائه تعالى، أو صفة من صفاته على ما سيأتي.
وفي الثالث أن لا يكون واجبا بأن يكون محتملا عقلا ولو كان مستحيلا عادة كما علمت.
واعلم: أن الايمان نوعان: واقعة في خصومة، وواقعة في غيرها.
فالتي تقع فيها إما أن تكون لدفع وهي يمين المنكر للحق بأن قال: لي عليك كذا، فأنكر وحلف لدفع مطالبة المدعي بالحق، وإما أن تكون للاستحقاق وهي
خمسة: اللعان: فالحالف يستحق بحلفه حد زوجته لزناها إن لم تحلف هي.
والقسامة: فالمستحق يحلف ويستحق الدية.
واليمين مع الشاهد في الاموال: أي ما يؤول إليها.
واليمين المردودة على المدعي بعد النكول.
واليمين مع
__________
(1) سورة الحاقة، الاية: 45.
(2) سورة المائدة، الاية: 89.
(3) سورة البقرة، الاية: 225.
(4) سورة آل عمران، الاية: 77.
(5) سورة يونس، الاية: 53.
(6) سورة سبإ، الاية: 3.
(7) سورة التغابن، الاية: 7.(4/354)
الشاهدين.
والتي تقع في غير الخصومة ثلاثة أقسام: إثنان لا ينعقدان وهما: لغو اليمين، ويمين المكره - بفتح الراء - وواحد ينعقد، وهو يمين المكلف المختار القاصد في غير واجب.
واعلم: أيضا أن الفقهاء يجمعون النذر مع الايمان في كتاب واحد لما بينهما من المناسبة، وهي أن بعض أقسام النذر فيه كفارة يمين، والمؤلف رحمه الله تعالى خالفهم، وذكره في أواخر باب الحج عقب مبحث الاضحية، وله وجه أيضا كما نبهنا عليه هناك، وهو أن بعض أقسام الحج قد يكون منذورا وكذلك الاضحية، فناسب أن يستوفي الكلام على النذر هناك.
(قوله: لا ينعقد اليمين إلا الخ) إنعقادها بهذين النوعين من حيث الحنث المرتب عليه الكفارة، أما من حيث وقوع المحلوف عليه فلا ينحصر فيهما بل يحصل بغيرهما أيضا، كالحلف بالعتق والطلاق المعلقين على شئ كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو فعبدي حر.
وأما قولهم الطلاق والعتق لا يحلف بهما، فمعناه أنهما لا يكونان مقسما بهما كقوله: والطلاق، أو والعتق لا أفعل كذا.
(وقوله: بإسم) المراد بالاسم ما دل على الذات فقط كالله، أو على الذات والمعنى كالخالق، وبالصفة ما دلت على المعنى فقط كعظمته.
(وقوله: خاص بالله تعالى) أي بأن لا يطلق على غيره كالله، وكرب العالمين، ومالك يوم الدين، وكالحي الذي لا يموت، وكمن نفسي بيده - أي بقدرته يصرفها كيف يشاء - والذي أعبده أو أسجد له.
فلا فرق بين المشتق وغيره، ولا بين أن يكون من الاسماء الحسنى أو لا، ولا بين أن يكون من الاسماء المضافة أو لا.
واعلم: أن أسماءه تعالى ثلاثة أنواع، كما يعلم من عبارة المنهاج: ما لا يحتمل غير الله تعالى وهو ما ذكر، وما يحتمل غيره والغالب إطلاقه عليه تعالى كالرحيم والخالق والرازق، وما يستعمل فيه وفي غيره على حد سواء كالموجود
والعالم والقسم الاول لا تقبل فيه إرادة غير الله تعالى لانه لا يحتمل غيره، إذ الفرض أنه مختص بالله تعالى، وأما إذا قال أردت به غير اليمين كأن قال: بالله لا أفعل كذا، وقال: أردت أتبرك بالله تعالى أو أستعين بالله، فإنه يقبل منه لان التورية نافعة كما سيصرح به ما لم تكن بحضرة القاضي المستحلف له، وإلا فلا تنفعه.
قال في فتح الجواد خلافا لما توهمه عبارة المنهاج: أي من عدم قبول ذلك منه على أنه قيل إنها سبق قلم.
اه.
ونص عبارة المنهاج: لا تنعقد اليمين إلا بذات الله تعالى أو صفة له كقوله: والله ورب العالمين، والحي الذي لا يموت، ومن نفسي بيده، وكل إسم مختص به.
ولا يقبل قوله: لم أرد به اليمين.
اه.
والقسم الثاني: تنعقد به اليمين ما لم يرد به غير الله بأن أراده، أو أطلق لانصرافه عند الاطلاق إليه تعالى لكونه غالبا فيه، فإن أراد به غيره لم تنعقد اليمين لانه يطلق على غيره: كرحيم القلب، وخالق الافك، ورازق الجيش، ورب الابل، فيقبل هنا إرادة غيره تعالى كما يقبل إرادة غير اليمين.
والقسم الثالث: تنعقد به اليمين إن أراده تعالى بخلاف ما إذا أراد به غيره، أو أطلق لانه لما أطلق عليه وعلى غيره سواء أشبه الكنايات فلا يكون يمينا إلا بالنية.
(قوله: أو صفة من صفاته) أي الذاتية كما في التحفة والنهاية وشرح التحرير، وكتب الرشيدي ما نصه: قوله: الذاتية.
أخرج الفعلية كالخلق والرزق فلا تنعقد بها - كما صرح به الرافعي - وأخرج السلبية ككونه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، لكن بحث الزركشي الانعقاد بهذه لانها قديمة متعلقة به تعالى.
اه.
وكتب ش ق ما نصه: ليس المراد بها - أي بالذاتية - خصوص صفات المعاني السبعة المذكورة في الكلام، بل المراد ما يشملها وغيرها من كل ما قام بالذات كالعظمة.
ومثلها الصفات السلبية على المعتمد كعدم الجسمية، وكالقدم، والبقاء، وكذا الاضافية كالازلية، والقبلية للعالم، بخلاف الصفات الفعلية كالخلق والرزق والاحياء والاماتة، فلا ينعقد بها اليمين وإن نوى، خلافا للحنفية.
اه.
قال في شرح الروض: والفرق بين صفتي الذات والفعل أن الاولى ما استحقه في الازل، والثانية ما استحقه فيما لا يزال دون الازل يقال علم في الازل، ولا يقال رزق في الازل إلا توسعا.
اه.
(قوله: كوالله) هو وما بعده(4/355)
إلى قوله وخالق الخلق أمثلة للاسم.
(وقوله: ولو قال وكلام الخ) أمثلة للصفة، ولو حذف لفظ لو وعطف ما بعدها على ما قبلها لكان أولى.
تنبيه: اللحن هنا لا يؤثر في الانعقاد، فلو رفع الاسم الداخل عليه واو القسم، أو نصبه، أو سكنه، انعقد به
اليمين.
كما في المغني وشرح المنهج.
(قوله: وكلام الله) أي أو مشيئته وعلمه وقدرته وعزته وعظمته وكبريائه وحقه إن لم يرد بالحق العبادات - وبالعلم والقدرة المعلوم والمقدور - وبالبقية ظهور آثارها الظاهرة وهي قهر الجبابرة في العظمة والكبرياء، وعجز المخلوقات عن إيصال مكروه إليه تعالى في العزة، فإن أراد ذلك فليس بيمين.
(قوله: فيمين) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهو يمين ومحله إن أراد بذلك كله الصفة القديمة، فإن أراد غيرها بأن أراد بالكلام الالفاظ التي نقرؤها، وبكتاب الله المكتوب من النقوش، وبالقرآن المقروء من الالفاظ التي نقرؤها أو الخطبة، وبالتوراة والانجيل الالفاظ التي تقرأ، فليس ذلك بيمين.
(قوله: وكذا والمصحف) أي وكذلك يكون يمينا إذا حلف بالمصحف.
(قوله: إن لم ينو الخ) فإن نوى ذلك فليس بيمين.
(قوله: وإن قال وربي) أي بالاضافة، فإن قال والرب بالالف واللام فهو يمين صريحا، لانه لا يستعمل في غير الله تعالى.
(قوله: وكان عرفهم) أي عرف أهل بلدة الحالف.
(قوله: فكناية) أي فإن نوى به اليمين انعقد، وإلا فلا.
(قوله: وإلا) أي بأن لم يكن في عرفهم ذلك.
(وقوله: فيمين ظاهرا) أي صريحا فينعقد به اليمين من غير نية.
(قوله: إن لم يرد غير الله) قيد في كون الحلف بوربي ينعقد به اليمين.
وخرج به ما إذا أراد به غير الله فإنه لا يكون يمينا لانه يصح إطلاقه على غير الله تعالى ولو لم يكن في عرف بلده ذلك الاطلاق.
(قوله: ولا ينعقد) أي اليمين بمعنى الحلف والاولى، فلا ينعقد بفاء التفريع، لان المقام له، إذ هو مفهوم حصر انعقاد اليمين في القسمين السابقين.
والمعنى: إذا حلف بغير الله لا تنعقد يمينه، ولو شرك في حلفه بين ما يصح الحلف به وغيره كوالله والكعبة فالوجه انعقاد اليمين إن قصد الحلف بكل أو أطلق.
وكذا لو قصد الحلف بالمجموع، لان جزء هذا المجموع يصح الحلف به، فالمجموع الذي جزؤه كذلك يصح الحلف به.
كذا في سم (قوله: كالنبي) أي بأن يقول والنبي، أو وحق النبي لافعلن كذا.
وينبغي للحالف أن لا يتساهل في الحلف بالنبي (ص) لكونه غير موجب للكفارة، سيما إذا حلف على نية أن لا يفعل، فإن ذلك قد يجر إلى الكفر لعدم تعظيمه لرسول الله (ص) والاستخفاف به.
(قوله: للنهي الصحيح الخ) أي في خبر: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليلحف بالله أو ليصمت.
(وقوله: وللامر بالحلف بالله) أي في الخبر السابق في قوله: فمن كان حالفا الخ، وهو محل الدلالة على النهي عن الحلف بالكعبة، أو النبي، أو نحوهما.
ولا يرد على ذلك أنه ورد في القرآن الحلف بغير الله تعالى كقوله تعالى: والشمس، والضحى، لانه على حذف مضاف: أي ورب الشمس مثلا.
أو أن ذلك خاص به تعالى، فإذا أراد تعظيم شئ من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذلك.
(قوله: فقد كفر) في
رواية فقد أشرك.
(قوله: وحملوه) أي خبر الحاكم المذكور.
(قوله: على ما إذا قصد) أي الحالف.
(وقوله: تعظيمه) أي غير الله.
(قوله: فإن لم يقصد ذلك) أي تعظيمه كتعظيم الله تعالى.
(قوله: أثم الخ) أي فهو حرام، ولا يكفر به.
(قوله: أي تبعا لنص الشافعي) قال في النهاية: وأخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية.
اه.
(قوله: كذا قاله الخ) أي قال أنه يأثم بذلك عند أكثر العلماء تبعا للنص.
(قوله: والذي الخ) مبتدأ خبره الكراهة: أي كراهة الحلف بغير الله مع(4/356)
عدم قصد ما مر.
(قوله: وهو المعتمد) أي القول بالكراهة المعتمد.
وفي التحفة قال ابن الصلاح، يكره بما له حرمة شرعا كالنبي، ويحرم بما لا حرمة له كالطلاق.
وذكر الماوردي أن للمحتسب التحليف بالطلاق دون القاضي، بل يعزله الامام إن فعله.
وفي خبر ضعيف: ما حلف بالطلاق مؤمن، ولا استحلف به إلا منافق.
اه.
(قوله: وإن كان الخ) غاية في كون القول بالكراهة هو المعتمد.
(قوله: قال بعضهم وهو) أي القول بالاثم.
(قوله: لقصد غالبهم) أي الحالفين بغير الله (وقوله: إعظام المخلوق به) أي باليمين.
(وقوله: ومضاهاته) أي المخلوق: أي مشابهته لله.
وفيه أنهم إن قصدوا المضاهاة يكفرون لاثباتهم الشركة ولا يأثمون فقط.
فتأمل.
(قوله: تعالى الله) أي تنزه الله وتباعد.
(وقوله: عن ذلك) أي عن كون أحد يضاهيه، أو يعظم كتعظيمه.
(وقوله: علوا) أي تعاليا، فوضع إسم المصدر في موضع المصدر مثل: * (والله أنبتكم من الارض نباتا) *.
(وقوله: كبيرا) صفة لعلوا، وفيها تمام المبالغة في النزاهة.
(قوله: وإذا حلف بما ينعقد به اليمين) أي مما مر في كلامه من اسم خاص به تعالى أو صفة من صفاته.
(وقوله: ثم قال لم أرد به اليمين لم يقبل) وهذه العبارة مساوية لعبارة المنهاج، وقد علمت عن فتح الجواد أنه قيل إنها سبق قلم، وكذلك قاله شيخ الاسلام ونص عباره المنهج مع شرحه له: إلا أن يريد به غير اليمين فليس بيمين، فيقبل منه ذلك - كما في الروضة وأصلها - ثم قال: فقول الاصل ولا يقبل قوله، لم أرد به اليمين مؤول أو سبق قلم.
اه.
(قوله: ولو قال بعد يمينه إن شاء الله) مثل الاثبات النفي، كإن لم يشأ الله، ومثل مشيئة الله مشيئة الملائكة لا مشيئة الآدميين كما مر في باب الطلاق.
(قوله: وقصد اللفظ الخ) فيه أنه لا يشترط قصد اللفظ قبل فراغ اليمين، بل الشرط قبله قصد الاستثناء.
أي التعليق.
وعبارة الروض وشرحه: ويشترط التلفظ بالاستثناء وقصده قبل فراغ اليمين واتصاله بها.
اه.
(قوله: واتصل الاستثناء بها) أي باليمين اتصالا عرفيا لا حقيقيا، لانه لا يضر الفصل بسكتة التنفس والعي وانقطاع الصوت.
(قوله: لم تنعقد اليمين) جواب لو، وإنما لم تنعقد لعدم العلم بوقوع المعلق عليه، لان مشيئته تعالى وما ألحق بها غير معلومة لنا،
وقيل تنعقد لكن مع عدم المؤاخذة بها.
(قوله: فلا حنث ولا كفارة) تفريع على عدم انعقاد اليمين.
(قوله: وإن لم يتلفظ بالاستثناء) أي أو تلفظ به ولكن لم يقصد الاستثناء بأن سبق لسانه إليه، أو قصد التبرك، أو أن كل شئ بمشيئة الله، أو لم يعلم هل قصد التعليق أم لا، أو أطلق.
(قوله: لم يندفع الخ) جواب إن.
(وقوله: الحنث) بكسر الحاء: أي إثم حلف اليمين بفعل المحلوف عليه كأن قال والله لا أكلم زيدا فكلمه.
قال في القاموس: الحنث - بالكسر - الاثم والحلف في اليمين، والميل من باطل إلى حق وعكسه.
اه.
وقال في المصباح: حنث في يمينه يحنث حنثا إذا لم يف بموجبها فهو حانث، وحنثته - بالتشديد - جعلته حانثا، والحنث الذنب، وتحنث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث.
قال ابن فارس: والتحنث التعبد.
ومنه: كان (ص) يتحنث في غار حرام.
اه.
(قوله: بل يدين) - بضم ياء المضارعة وفتح الدال وتشديد الياء المفتوحة -: أي يعمل باطنا بما نواه وقصده، فإن قصد قبل فراغ اليمين الاستثناء لم تنعقد باطنا وإن لم يقصد ذلك انعقدت.
(قوله: ولو قال لغيره أقسمت عليك) أي أو أقسم عليك.
وفي البجيرمي: لو حذف لفظ عليك فيمين لا يجري فيها تفصيل.
اه.
(قوله: أو أسألك بالله) قال ع ش: وكذا لو قال بالله لا تفعلن كذا من غير ذكر
__________
(1) سورة نوح، الاية: 17.(4/357)
المتعلق.
اه.
(قوله: وأراد يمين نفسه) أي فقط بأن أراد تحقيق هذا الامر المحتمل، فإذا حلف شخص على آخر أنه يأكل فالاكل أمر محتمل، فإذا أراد تحقيقه وأنه لا بد من الاكل كان يمينا، وإن أراد أتشفع عندك بالله أنك تأكل، أو أراد يمين المخاطب كأن قصد جعله حالفا بالله، فلا يكون يمينا لانه لم يحلف هو ولا المخاطب.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ومتى لم يقصد يمين نفسه) إظهار في مقام الاضمار، فلو قال ومتى لم يردها لكان أولى.
(قوله: بل الشفاعة) أي بل قصد الشفاعة بالله أن يفعل المخاطب كذا.
(وقوله: أو يمين المخاطب) أي جعل المخاطب حالفا بالله تعالى.
(وقوله: أو أطلق) أي لم يقصد يمين نفسه ولا يمين المخاطب، ويحمل في هذه الحالة على الشفاعة: أي جعلت الله شفيعا عندك في فعل كذا.
(قوله: فلا تنعقد) أي اليمين.
(قوله: لانه لم يحلف هو) أي القائل ذلك ولا المخاطب.
واعلم أن اللفظ الذي ينعقد به اليمين إما أن يكون صريحا - والمراد به هنا ما يحصل الانعقاد عند الاطلاق - وذلك كما في القسمين الاولين المارين: أعني ما كان بمختص بالله من اسم، أو صفة له، وما كان إطلاقه عليه غالبا، وإما أن يكون كناية وهي ما ليس كذلك، فلا ينعقد بها اليمين إلا بالنية، وذلك كأن يأتي بالجلالة مع حذف حرف القسم نحو: الله
- بتثليب الهاء أو تسكينها - لافعلن كذا.
ونحو لعمر الله، أو على عهد الله، أو ميثاقه، أو ذمته، أو أمانته، أو كفالته لافعلن كذا.
ونحو أشهد، أو شهدت بالله لقد كان الامر كذا.
ونحو عزمت، أو أعزم بالله لافعلن كذا.
أو عليك لتفعلن كذا، ونحو ذلك كالالفاظ التي تطلق على المولى وعلى غيره على حد سواء كالموجود والعالم والحكيم.
واختلف في بله - بتشديد اللام وحذف الالف - فقال في التحفة هي لغو وإن نوى بها اليمين، لان هذه كلمة غير الجلالة إذ هي الرطوبة.
وقال في النهاية هي يمين إن نواها - خلافا لجمع ذهبوا إلى أنها لغو -.
وفي البجيرمي: وبقي ما لو قال: والله بحذف الالف بعد اللام هل يتوقف الانعقاد على نيتها أو لا ؟ ويظهر الآن الثاني لعدم الاشتراك في اللفظ بين الاسم الكريم وغيره، بخلاف البله فإنها مشتركة بين الحلف بالله وبلة الرطوبة، وبقي أيضا ما لو حذف الهاء من لفظ الجلالة وقال باللا، أو واللا هل هي يمين أو لا ؟ فيه نظر.
والاقرب الثاني لانها بدون الهاء ليست من أسمائه ولا صفاته، ويحتمل الانعقاد عند نية اليمين، ويحتمل على أنه حذف الهاء ترخيما والترخيم جائز في غير المنادى على قلة.
اه.
(قوله: ويكره رد السائل بالله تعالى) لخبر من سأل بالله تعالى فأعطوه.
وفي الزواجر: أخرج الطبراني وغيره: ألا أحدثكم عن الخضر ؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: بينما هو يمشي ذات يوم في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب فقال: تصدق علي بارك الله فيك.
فقال الخضر: آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ما عندي شئ أعطيكه.
فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت علي فإني نظرت السماحة في وجهك ورجوت البركة عندك.
فقال الخضر: آمنت بالله ما عندي شئ أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني.
فقال المسكين: وهل يستقيم هذا ؟ قال: نعم.
أقول: لقد سألتني بأمر عظيم.
إما أني لا أخيبك بوجه ربي، بعني.
قال: فقدمه إلى السوق فباعة بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شئ.
فقال: إنما اشتريتني التماس خير عندي فأوصني بعمل.
قال: أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف.
قال: ليس يشق علي.
قال: قم فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم - فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة.
قال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه.
ثم عرض للرجل سفر، فقال: إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة.
قال: أوصني بعمل.
قال: إني أكره أن أشق عليك.
قال: ليس يشق علي.
قال: فاضرب من اللبن لبيتي حق أقدم عليك.
قال: فمر الرجل لسفره.
قال: فرجع وقد شيد بناءه.
قال: أسألك بوجه الله ما سببك وما أمرك ؟ قال: سألتني بوجه الله، ووجه الله أوقعني في هذه العبودية.
فقال الخضر: سأحدثك من أنا: أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة، فلم يكن عندي شئ أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي
فباعني، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة جلده ولا لحم له يتقعقع.
فقال الرجل: آمنت(4/358)
بالله.
شققت عليك يا نبي اللهلم أعلم.
قال: لا بأس.
أحسنت وأتقنت.
فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أحكم في أهله ومالي بما شئت، أو اختر فأخلي سبيلك.
قال: أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي.
فخلى سبيله.
فقال الخضر: الحمد لله الذي أوثقني في العبودية ثم نجاني منها.
اه.
(قوله: أو بوجهه) أي وجه الله: كأن يقول أسألك بوجه الله لتفعلن كذا.
(قوله: في غير المكروه) متعلق برد، وهو على حذف مضاف: أي في سؤال غير المكروه، أما سؤال المكروه فلا يكره رده، ومثله المحرم بالاولى، وذلك لما أخرجه الطبراني عن أبي موسى الاشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله (ص) يقول: ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا بضم فسكون - قال في الزواجر: أي ما لم يسأل أمرا قبيحا لا يليق، ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالا قبيحا بكلام قبيح.
اه.
(قوله: وكذا السؤال بذلك) أي وكذا يكره السؤال بالله أو بوجهه لحديث: لا يسئل بوجه الله إلا الجنة.
(قوله: ولو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني) أي أو مستحل الخمر، أو الزنا، أو أنا برئ من الاسلام، أو من الله، أو من رسوله، ونحو ذلك.
(قوله: فليس) أي قوله المذكور بيمين، وهو جواب لو.
(قوله: لانتفاء الخ) علة عدم انعقاد قوله المذكور يمينا.
(قوله: ولا كفارة) أي عليه.
(قوله: وإن حنث) أي بأن فعل المحلوف عليه.
(قوله: نعم يحرم ذلك) أي قوله ما ذكر لانه معصية، والتلفظ بها حرام.
(قوله: بل إن قصد الخ) الصواب حذف لفظ بل ولفظ حرم، لانه قيد لقوله ولا يكفر.
(وقوله: أو أطلق) أي لم يقصد شيئا.
(قوله: ويلزمه التوبة) أي لانه حرام، والتوبة واجبة من كل معصية.
ولا ينافي ذلك قوله بعد: سن له أن يستغفر الله، لان ذلك باللسان وهو ليس بواجب.
(قوله: فإن علق) أي قصد تعليق التهود ونحوه مما مر على فعل ذلك (وقوله: أو أراد الرضا بذلك) أي بالتهود ونحوه.
(وقوله: إن فعل) أي المعلق عليه.
(وقوله: كفر حالا) أي لان فيه رضا بالكفر وهو كفر كما مر في باب الردة.
قال في المغني: فإن لم يعرف قصده لموت أو لغيبة وتعذرت مراجعته، ففي المهمات القياس تكفيره إذا عرى عن القرائن الحاملة على غيره، لان اللفظ بوضعه يقتضيه، وكلام الاذكار يقتضي خلافه.
اه.
والاوجه ما في الاذكار.
اه.
وقوله: والاوجه الخ.
قال في التحفة هو الصواب.
(قوله: وحيث لم يكفر) أي بأن قصد تبعيد نفسه أو أطلق.
(قوله: سن له أن يستغفر الله) أي باللفظ، وإلا فالتوبة واجبة كما صرح به آنفا بقوله ويلزمه التوبة، وذلك كأن يقول أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
وأتوب إليه، وهي أكمل من غيرها.
(قوله: ويقول الخ) أي وسن له أن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
قال في التحفة: وحذفهم أشهد هنا لا يدل على عدم وجوبه في الاسلام الحقيقي لانه يغتفر فيما هو للاحتياط، ما لا يغتفر في غيره، على أنه لو قيل الاولى أن يأتي هنا بلفظ أشهد فيهما، لم يبعد لانه إسلام إجماعا، بخلافه مع حذفه.
اه.
(قوله: وأوجب صاحب الاستقصاء ذلك) أي قوله لا إله إلا الله الخ.
أي لخبر الصحيحين: من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله.
ورده الجمهور بأن الامر فيه محمول على الندب.
(قوله: ومن سبق لسانه الخ) عبارة الروض وشرحه: ومن حلف بلا قصد، بأن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد، كقوله في حالة غضب، أو لجاج، أو صلة كلام، لا والله تارة، وبلى والله تارة أخرى، أو سبق لسانه بأن حلف على شئ فسبق لسانه إلى غيره فلغو: أي فهو لغو يمين، إذ لا يقصد بذلك تحقيق اليمين ولقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * ولخبر: لغو اليمين: لا والله، وبلى والله.
رواه أبو داود وابن حبان وصححه.
فلو جمع بين لا والله وبلى والله في كلام واحد، قال الماوردي الاولى لغو، والثانية
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 225.(4/359)
منعقدة لانها استدراك مقصود منه.
اه.
وقوله: قال الماوردي الخ.
قال في التحفة: هو ظاهر إن علم أنه قصدها.
وكذا إن شك، لان الظاهر أنه قصدها، أما إذا علم أنه لم يقصدها فواضح أنه لغو.
اه.
وقال في المغني: وجعل صاحب الكافي من لغو اليمين ما إذا دخل على صاحبه فأراد أن يقوم له فقال: والله لا تقوم، وهو مما تعم به البلوى.
اه.
وهو ظاهر إن لم يقصد اليمين فإن قصدهم كانت يمينا كما نبه عليه في التحفة والنهاية.
(قوله: بلا قصد) لا حاجة إليه بعد قوله سبق لسانه كما نبه عليه في المغني وعبارته: تنبيه: لا حاجة لقوله بلا قصد بعد قوله ومن سبق لسانه.
اه.
(قوله: كلا والله وبلى والله) أي كقوله ذلك.
(وقوله: في نحو غضب) متعلق بقوله المقدر.
(قوله: لم ينعقد) أي اليمين بذلك، وهو جواب من.
(قوله: والحلف مكروه) أي لقوله تعالى: * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) * أي نصبا لها بأن تكثروا منها لتصدقوا، ولخبر: إنما الحلف حنث أو ندم، رواه ابن حبان في صحيحه، ولانه ربما يعجز عن الوفاء فيما حلف عليه.
قال حرملة: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا قط.
تنبيه: كان الاولى للمؤلف أن يزيد بعد قوله مكروه لفظ في الجملة، وذلك لان من اليمين ما هو معصية كما سيأتي
في كلامه، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مستحب.
كأن توقف عليها فعل مندوب أو ترك مكروه، ومنها ما هو واجب فيما إذا توقف عليها فعل واجب، أو ترك حرام.
(قوله: إلا في بيعة الجهاد الخ) لو قال كغيره إلا في طاعة كبيعة الجهاد الخ.
لكان أولى، إذ عبارته تفيد الحصر في هذه الثلاثة مع أنه ليس كذلك، بل مثلها كل طاعة من فعل واجب، أو ترك حرام، أو فعل مندوب، فلا كراهة في الحلف في جميع ذلك.
ومثل في شرح الروض للبيعة على الجهاد بقوله عليه الصلاة والسلام: والله لاغزون قريشا الحديث المار.
وقوله والحث على الخير: أي كقوله والله إن لم تثبت لتندم.
(قوله: والصادق في الدعوى) الملائم لما قبله أن يقول: وفي الدعوى الصادقة: أي عند حاكم.
ولا تكره اليمين أيضا فيما إذا دعت حاجة إليها كتوكيد كلام كقوله (ص): فوالله لا يمل الله حتى تملوا أي لا يترك ثوابكم حتى تتركوا العمل، أو تعظيم أمر كقوله عليه السلام: والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.
(قوله: ولو حلف الخ) هذا إشارة إلى استثناء رابع، فكأنه قال: وتكره إلا إن حلف على الاتكاب معصية فتحرم.
(وقوله: ولزمه حنث الخ) تلخص من كلامه أن الحنث تارة يجب كما في هذه الصورة، وتارة يندب كما ذكره بقوله: أو ترك مستحب، أو فعل مكروه.
وتارة يكون خلاف الاولى كما ذكره بقوله: أو على ترك مباح أو فعله.
وبقي عليه الكراهة، وذلك كما إذا حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، والتحريم كما إذا حلف على فعل واجب، أو ترك حرام، فيحرم عليه الحنث بترك واجب أو فعل حرام.
فتحصل أن الحنث تعتريه أحكام خمسة ولا تعتريه الاباحة، لانه في صورة المباح يكون خلاف الاولى، وبضد ما قيل في الحنث يقال في البر، فحيث وجب الحنث حرم البر، وحيث حرم الحنث وجب البر، وحيث ندب الحنث كره البر، وحيث كره الحنث ندب البر.
اه.
بجيرمي.
بتصرف (وقوله: عصى) أي بالحلف، واستثنى بالبلقيني من الصورة الاولى: أعني ترك الواجب مسألتين، الاولى: الواجب الذي يمكن سقوطه كالقصاص بعد الحكم به، فإنه يمكن سقوطه بالعفو.
الثانية: الواجب على الكفاية، كما لو حلف لا يصلي على فلان الميت حيث لم تتعين عليه، فإنه لا يعصي بهذا الحلف.
اه.
مغني.
(وقوله: ولزمه حنث وكفارة) أي لان الاقامة على هذه الحالة معصية، ولخبر الصحيحين: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير.
ولكيفر عن يمينه.
وإنما يلزمه الحنث إذا لم يكن له طريق سواه، وإلا فلا، كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقا
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 224.(4/360)
بأن يعطيها من صداقها، أو يقرضها ثم يبرئها، لان الغرض حاصل مع بقاء التعظيم.
اه.
شرح المنهج: وقوله: بأن يعطيها من صداقها: أي مع كون النفقة باقية في ذمته، والاولى ويمثل بنفقة القريب لانها تسقط بمضي الزمان.
اه.
بجيرمي.
(قوله: أو ترك الخ) بالجر عطف على ترك واجب أن قوله مستحب: أي كسنة الظهر.
(وقوله: أو فعل الخ) عطف على ترك أيضا.
(وقوله: مكروه) أي كالتفات في الصلاة.
(قوله: سن حنثه وعليه كفارة) أي لان اليمين والاقامة عليه مكروهان، ولآية: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) *.
وسبب نزولها أن الصديق رضي الله عنه حلف أن لا ينفق على مسطح بعدما قال لعائشة: ما هي بريئة منه فأنزل الله: * (ولا يأتل أولو الفضل) * الآية، فقال: بلى والله إني لاحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجريه عليه من النفقة.
ظريفة: يحكى أن ابن المقري منع النفقة عن ولده لما رآه غير مستقيم فكتب إليه ولده: تقطعن عادة بر ولا تجعل عقاب المرء في رزقه فإن أمر الافك من مسطح يحط قدر النجم من أفقه وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه فأجابه بقوله: قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى بالسير في طرقه لانه يقوى على توبة توجب إيصالا إلى رزقه لو لم يتب مسطح من ذنبه ما عوتب الصديق في حقه (قوله: أو على ترك مباح أو فعله) معطوفان على في ترك واجب، أي أو حلف على ذلك.
(وقوله: كدخول دار الخ) مثال للمباح.
تنبيه: أختلف فيما لو حلف لا يأكل طيبا، ولا يلبس ناعما، فقيل مكروه لقوله تعالى: * (قل من حرم زينة الله) * الآية، وقيل طاعة لما عرف من اختيار السلف خشونة العيش، وقيل يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، وقصودهم وفراغهم للعبادة، واشتغالهم بالضيق والسعة، وهذا كما قال الرافعي الصواب.
(قوله: فالافضل ترك الحنث) وقيل الافضل له الحنث ليستنفع الفقراء بالكفارة.
قال الاذرعي ويشبه أن محل الخلاف ما إذا لم يكن في ذلك أذى للغير، فإن كان بأن حلف لا يدخل دار أحد أبويه أو أقاربه أو صديقه، فالافضل
الحنث قطعا.
وعقد اليمين على ذلك مكروه بلا شك.
وكذا حكم الاكل واللبس.
اه.
مغني (قوله: إبقاء لتعظيم الاسم) أي المحلوف به، أي ولقوله تعالى: * (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) *.
تنبيهات: من حلف أن لا يفعل شيئا ككونه لا يزوج موليته، أو لا يطلق امرأته، أو لا يعتق عبده، أو لا يضرب غلامه، فأمر غيره بفعله ففعله وكيله ولو مع حضوره لم يحنث، لانه حلف على فعله ولم يفعل، إلا أن يريد الحالف استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وهو أن لا يفعله هو ولا غيره فيحنث بفعل وكيله فيما ذكر عملا بإرادته، فإن فعل الشئ الذي حلف عليه بنفسه عامدا عالما مختارا حنث، بخلاف ما لو كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا يحنث حينئذ.
ومن الفعل جاهلا أن يدخل دار الا يعرف أنها المحلوف عليها، أو يسلم على زيد في ظلمة ولا يعرف أنه زيد وهو حالف
__________
(1) سورة النور، الاية: 22.
(2) سورة الاعراف، الاية: 32.
(3) سورة النحل، الاية: 91.(4/361)
أنه لا يسلم عليه.
ومن حلف لا يبيع هذا العبد، أو لا يشتري هذا الثوب، فوهبه في الاولى، أو وهب له في الثانية، لم يحنث لانه لم يفعل المحلوف عليه.
ومن حلف لا يبيع ولا يوكل وكان قد وكل قبل ذلك ببيع ماله، فباع الوكيل بعد الحلف بالوكالة السابقة، ففي فتاوي القاضي حسين: أنه لا يحنث، لانه بعد اليمين لم يباشر ولم يوكل.
وقياسه أنه لو حلف على زوجته أن لا تخرج إلا بإذنه، وكان قد أذن لها قبل ذلك في الخروج إلى موضع معين، فخرجت إليه بعد اليمين لم يحنث.
ومن حلف لا يعتق عبده فكاتبه وعتق بالاداء لم يحنث، كما نقله الشيخان عن ابن القطان وأقراه.
ومن حلف لا يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ حنث، لانه يسمى أكلا عرفا، والايمان مبنية على العرف.
بخلاف ما لو حلف بالطلاق أنه لا يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ فإنه لا يحنث، لانه لا يسمى أكلا لغة، والطلاق مبني على اللغة.
ولو حلف لا يلبس خاتما فلبسه في غير الخنصر لم يحنث.
ومن حلف لا يكتب بهذا القلم فكسر بريته وبراه برية جديدة وكتب به لم يحنث.
ومن حلف لا يتغدى، أو لا يتعشى، أو لا يتسحر، فلا يحنث في الاول إلا بأكله قبل الزوال، لان وقت الغداء من طلوع الفجر إلى الزوال.
ولا يحنث في الثاني إلا بأكله بعد الزوال، لان وقت العشاء من الزوال إلى نصف الليل.
ولا يحنث في الثالث إلا بأكله بعد نصف الليل، لان وقت السحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر.
ومن حلف لا يفارق غريمه حتى يوفيه حقه، فهرب غريمه منه لم يحنث ولو تمكن من إتباعه، بل ولو أذن له في الهرب، لانه لم
يفارقه هو.
ومن حلف لا يدخل الدار، حنث بدخوله داخل بابها حتى دهليزها، ولو برجل واحدة معتمدا عليها فقط، لا بصعوف سطح من خارج الدار، ولو محوطا بأن يكون له درج يصعد عليها له من خارجها.
وإذا حلف الامير مثلا لا يضرب زيدا فأمر الجلاد فضربه لم يحنث، أو حلف لا يبني بيته فأمر البناء ببنائه فبناه فكذلك لا يحنث، أو حلف أن لا يحلق رأسه فأمر حلاقا فحلقه لم يحنث - كما جرى عليه ابن المقري - لعدم فعله، وقيل يحنث للعرف.
ومطلق الحلف على العقود ينزل على الصحيح منها فلا يحنث بالفاسد، ولو أضاف العقد إلى ما لا يقبله: كأن حلف لا يبيع الخمر، ولا المستولدة، ثم أتى بصورة البيع، فإن قصد التلفظ بلفظ العقد مضافا إلى ما ذكره حنث، وإن أطلق فلا.
وكذلك الحلف على العبادات كالصلاة والصوم ينزل على الصحيح منهما، فلا يحنث بالفاسد منهما إلا الحج، فإنه يحنث بالفاسد.
ولو حلف لا يصلي لم يحنث بصلاة الجنازة، لانها لا تسمى صلاة عرفا.
ومن حلف ليثنين على الله أحسن الثناء، أو أعظمه، أو أجله، فليقل: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، أو بأجل التحاميد فليقل: الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده.
أو حلف ليصلين على النبي (ص) بأفضل الصلاة عليه، فليصل بالصلاة الابراهيمية التي في التشهد.
وهنا فروع كثيرة تركناها خوف الاطالة.
(قوله: فرع الخ) الاولى فروع، لانه ذكر أربعة الاول: قوله يسن تغليظ الخ، الثاني: قوله ويعتبر في الحلف الخ، الثالث: قوله واليمين يقطع الخصومة الخ، الرابع: قوله واليمين المردودة الخ.
واعلم أن ما ذكر يذكره الفقهاء في باب الدعوى، وهو الانسب وإن كان لذكره هنا وجه أيضا، وهو أن الكلام في الايمان وأنها قد تقع في خصومة كما مر.
(وقوله: تغليظ يمين الخ) إنما سن ذلك لان اليمين إنما وضعت للزجر عن التعدي، فغلظت مبالغة وتأكيدا للردع فيما هو متأكد في نظر الشرع، وهو ما سيذكره من النكاح الخ.
(وقوله: من المدعي) أي صادرة منه فيما إذا كان المدعى به يثبت بيمين وشاهد، أو في يمين الرد.
(وقوله: والمدعى عليه) أي وتغليظ يمين صادرة من المدعى عليه فيما إذا لم يكن عند المدعي بينة.
(قوله: وإن لم يطلبه) أي التغليظ، وهو غاية في سنية التغليظ: أي يسن وإن لم يطلبه الخصم.
قال في التحفة: بل وإن أسقطه كما قاله القاضي.
اه.
(قوله: في نكاح الخ) أي في دعوى ذلك، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة ليمين: أي يمين واقعة في دعوى الخ.
ويحتمل أن في بمعنى على، والجار والمجرور متعلق(4/362)
بيمين، ولا حاجة إلى تقدير مضاف: أي يمين على نكاح وطلاق الخ.
(وقوله: ووكالة) أي ولو في درهم.
اه.
تحفة.
(قوله: وفي مال) معطوف على نكاح.
(وقوله: بلغ عشرين دينارا) أي أو ما قيمته ذلك.
تنبيه: كان حقه أن يزيد ولعان كما في التحفة، لان قوله الآتي وصعودهما عليه أولى لا يظهر إلا في الزوجين المتلاعنين، لانهما هما اللذان يصعدان على المنبر.
(قوله: لا فيما دون ذلك) أي لا يسن تغليظ اليمين فيما دون عشرين دينارا.
(قوله: لانه) أي ما دون ذلك.
(وقوله: حقير في نظر الشرع) أي فلم يعتن فيه بتغليظ اليمين.
(قوله: نعم الخ) إستدراك على عدم سنية التغليظ فيما دون ذلك.
(وقوله: لو رآه الحاكم) المفعول الثاني محذوف: أي رأى التغليظ أصلح فيما دون ذلك.
(وقوله: لنحو جراءة الحالف) أي على اليمين، واللام للتعليل، وهي متعلقة برأى، أو بمفعوله الثاني المحذوف.
(وقوله: فعله) أي فعل الحاكم التغليظ في اليمين.
(قوله: وهو) أي الزمان الذي يحصل به التغليظ.
(وقوله: بعد العصر) أي لان اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبة لخبر الصحيحين: عن أبي هريرة أن النبي (ص) قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم - وعد منهم رجلا حلف على يمين كاذبة بعد العصر يقتطع بها مال امرئ مسلم.
(قوله: وعصر الجمعة أولى) أي من عصر غير الجمعة، لان يومها أشرف الاسبوع، وساعة الاجابة فيها بعد عصرها.
(قوله: وبالمكان) معطوف على بالزمان: أي والتغليظ يكون بالمكان أيضا.
(قوله: وهو) أي المكان الذي يحصل التغليظ به.
(وقوله: للمسلمين عند المنبر) الظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجار والمجرور قبله متعلق بما تعلق به هذا الخبر: أي وذلك المكان كائن عند المنبر بالنسبة للمسلمين: أي أما بالنسبة لغيرهم إذا ترافعوا إلينا فبيعة - بكسر الباء - وهي معبد النصارى، أو كنيسة وهي معبد اليهود، أو بيت نار مجوس لا بيت أصنام وثني دخل دارنا بهدنة أو أمان وترافعوا إلينا، فلا يحلف فيه، لانه لا أصل له في الحرمة والتعظيم، بل في مجلس الحكم.
وعبارة الخطيب في باب اللعان: فإن كان في غير المساجد الثلاثة فيكون في الجامع على المنبر كما صححه صاحب الكافي، لان الجامع هو المعظم من تلك البلدة والمنبر أولى، فإن كان في المسجد الحرام فبين الركن الذي فيه الحجر الاسود وبين مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويسمى ما بينهما بالحطيم.
فإن قيل: لا شئ في مكة أشرف من البيت.
أجيب: بأن عدولهم عنه صيانة له عن ذلك.
وإن كان في مسجد المدينة فعلى المنبر - كما في الام والمختصر - لقوله (ص): ومن حلف على منبري هذا يمينا آثما تبوأ مقعده من النار.
وإن كان في بيت المقدس فعند الصخرة لانها أشرف بقاعه لانها قبلة الانبياء عليهم الصلاة
والسلام.
وفي ابن حنبل أنها من الجنة.
اه.
ومحل ذلك في غير المرأة الحائض، أو النفساء، أو المتحيرة، أما هي فعند باب الجامع لتحريم مكثها فيه.
(قوله: وصعودهما) أي الزوجين عند اللعان - كما علمت - وعبارة فتح الجواد مع الاصل: ورقي كل منهما عند لعانه عليه - أي المنبر - بطيبة شرفها الله، وبغيرها أيضا أولى - وإن قل القوم.
اه.
(وقوله: عليه) أي على المنبر.
(قوله: وبزيادة الخ) معطوف على بالزمان: أي ويكون التغليظ بزيادة الاسماء والصفات، كأن يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم السر والعلانية، هذا إن كان الحالف مسلما، فإن كان يهوديا حلفه القاضي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق، أو نصرانيا حلفه بالله الذي أنزل الانجيل على عيسى، أو مجوسيا أو وثنيا حلفه بالله الذي خلقه وصوره.
ولا يجوز للقاضي أن يحلف أحدا بطلاق أو عتق أو نذر.
ومتى بلغ الامام أن القاضي يستحلف الناس بذلك عزله، كما قاله الشافعي رضي الله عنه.
وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من أهل العلم يرى الاستحلاف بذلك.
اه.
(قوله: ويسن أن يقرأ الخ) عبارة غيره: ومن(4/363)
التغليظ أن يوضع المصحف في حجره ويطلع له سورة براءة، ويقال له ضع يدك على ذلك ويقرأ قوله تعالى: * (إن الذين يشترون) * الآية.
اه.
(قوله: ولو اقتصر) أي الحالف.
(وقوله: كفى) أي في الحلف.
(قوله: ويعتبر) أي يعتمد.
(وقوله: في الحلف) أي بالله تعالى لانه المراد عند الاطلاق.
(قوله: نية الحاكم) أي وعقيدته.
ومثل الحاكم نائبه، أو المحكم، أو المنصوب للمظالم، وغيرهم من كل من له ولاية التحليف، وإنما اعتبرت نيته دون نية الحالف لخبر مسلم: اليمين على نية المستحلف.
وحمل على الحاكم لانه الذي له ولاية الاستحلاف، ولانه لو اعتبرت نية الحالف لضاعت الحقوق.
(وقوله: المستحلف) أي لمن توجه عليه الحلف.
(قوله: فلا يدفع إثم اليمين الخ) مفرع على اعتبار نية الحاكم: أي وإذا كان المعتبر نية الحاكم لا نية الحالف، فلو حلف وورى في حلفه، أو تأول، أو استثنى، فلا ينفعه ذلك ولا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة، لكن بشروط أربعة تستفاد من كلامه، وهي أن يكون ذلك الحلف عند القاضي أو المحكم، فلو حلف عند المدعي فقط نفعه ذلك، وأن يطلب منه القاضي أو المحكم الحلف، فلو حلف قبل طلبه منه نفعه ذلك.
وأن لا يكون التحليف بالطلاق أو العتق، فإن كان بهما نفعه أيضا ذلك، وأن لا يكون الحالف محقا وإلا نفعه.
(وقوله: بنحو تورية) هي قصد مجاز اللفظ لا حقيقته، كأن ادعى عليه ثوبا وأنكر فحلفه القاضي فقال: والله لا يستحق علي وثوبا، وأراد بالثوب الرجوع لانه من ثاب إذا رجع، وهذا مجاز مهجور.
أو كأن ادعى عليه درهما فأنكر
فحلفه القاضي فقال: والله لا يستحق علي درهما، ونوى الحديقة لانه - كما في القاموس - يطلق عليها.
(وقوله: كاستثناء) تمثيل لنحو التورية.
قال البجيرمي: كأن كان له عليه خمسة فادعى عليه عشرة وأقام شاهدا واحدا على العشرة وحلف مع الشاهد أن له عليه عشرة وقال إلا خمسة سرا.
اه.
أي فقوله إلا خمسة لا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة.
ومثل الاستثناء التأويل، وهو اعتقاد خلاف نية القاضي بأن ادعى عليه دينارا قيمة متلف فأنكر فقال له القاضي: قل والله لا يستحق علي دينارا، فقال له ذلك ونوى ثمن مبيع ونوى القاضي قيمة المتلف، أو قصد بالدينار اسم رجل.
(وقوله: لا يسمعه الحاكم) الجملة صفة لاستثناء، وضمير يسمعه يعود عليه.
وهذا القيد زاده لاجل أن يكون الاستثناء من نحو التورية لا للاحتراز، لانه لو أسمعه للحاكم لا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة أيضا، بل يعزره الحاكم كما في النهاية ونصها: وخرج بحيث لا يسمعه ما لو سمعه فيعزره ويعيد اليمين: اه.
(قوله: إن لم يظلمه خصمه) قيد في عدم دفع إثم اليمين الفاجرة بذلك.
(وقوله: أما من ظلمه خصمه الخ) محترز القيد المذكور.
(قوله: كأن ادعى على معسر الخ) وكأن يدعي على شخص أنه أخذ من ماله كذا بغير إذنه وسأله رده وهو إنما أخذه في دين له عليه، فأجابه بنفي الاستحقاق، فقال المدعي للقاضي: حلفه أنه ما أخذ من مالي شيئا بغير إذني، وكان القاضي يرى إجابته لذلك، فحلف المدعى عليه أنه ما أخذ شيئا من ماله بغير إذنه، ونوى بغير استحقاق فإنه ينفعه ذلك ولا إثم عليه.
(قوله: أي تسليمه الآن) أي ونوى تسليمه الآن لكونه معسرا.
(قوله: فتنفعه التورية والتأويل) أي ولا يأثم بهما، والملائم لما قبله في الجواب أن يقول فلا إثم عليه بهما.
(قوله: لان خصمه ظالم) علة لكونه تنفعه التورية والتأويل حين إذ كان مظلوما.
(وقوله: إن علم) أي أن المدين معسر.
(وقوله: أو مخطئ) معطوف على ظالم: أي أو أن خصمه مخطئ إن جهل ذلك.
(قوله: فلو حلف إنسان الخ) مرتب على ما يستفاد من قوله المار المستحلف، وهو اشتراط طلب الحاكم الحلف.
إذ السين والتاء فيه للطلب كما في
__________
(1) سورة آل عمران، الاية: 77.
(2) سورة آل عمران، الاية: 77.(4/364)
التحفة.
(وقوله: إبتداء) أي من غير أن يطلب منه أحد الحلف.
(وقوله: أو حلفه غير الحاكم) أي كالمدعي.
(قوله: اعتبر نية الحالف) أي اعتمدت نيته فيعمل بها.
(قوله: ونفعته التورية) أي فيتخلص بيمينه الموري فيها من استمرار الخصومة.
(قوله: وإن كانت) أي التورية حراما.
(وقوله: حيث الخ) قيد في الحرمة.
(قوله: واليمين يقطع الخصومة الخ) أي يفيد قطع ذلك: أي قطع المطالبة بالحق.
(وقوله: لا الحق) أي لا يقطع الحق: أي لا يفيد قطع الحق المدعى
به، وذلك للخبر الصحيح أنه (ص): أمر حالفا بالخروج من حق صاحبه.
أي كأنه علم كذبه - كما رواه الامام أحمد.
(قوله: فلا تبرأ الخ) مفرع على قوله إلا الحق.
(وقوله: إن كان) أي الحالف كاذبا.
(قوله: فلو حلفه) أي حلف الحاكم المدعى عليه عند عدم البينة.
(قوله: ثم أقام) أي ثم بعد حلفه أقام المدعى بينة: أي أو شاهدا واحدا ليحلف معه.
(قوله: حكم بها) أي بالبينة، ولغت يمين المدعى عليه لما علمت أنها لا تفيد البراءة من حق، وإنما تفيد قطع الخصومة فقط.
(قوله: كما لو أقر الخصم) أي بالحق للمدعي، فإنه يثبت بإقراره.
(وقوله: بعد حلفه) أي بعدم الحق في ذمته مثلا.
(قوله: والنكول الخ) لا يخفى أنه غير مرتبط بما قبله، فكان الصواب أن يؤخره عنه قوله: بعد النكول الخ.
وعبارة المنهاج: وإذا نكل حلف المدعي وقضى له، ولا يقضي له بنكوله، والنكول أن يقول أنا ناكل، أو يقول له القاضي إحلف فيقول لا أحلف.
اه.
(قوله: واليمين) مبتدأ خبره قوله كإقرار الخ.
(وقوله: المردودة) أي من المدعى عليه، أو القاضي على المدعي.
(قوله: وهي) أي اليمين المردودة.
(وقوله: بعد النكول) أي نكول المدعى عليه من اليمين.
(قوله: كإقرار المدعى عليه) ينبني على ذلك أنه لا يحتاج لحكم حاكم بعدها بالحق، ولا تسمع بعدها دعوى بمسقط كأداء أو إبراء، لان الاقرار من المدعى عليه لا يفتقر إلى حكم حاكم، ولا يقبل الرجوع عنه، بخلاف ما لو جعلت كالبينة فإنه يحتاج لذلك لاحتمال التزوير.
وتسمع الدعوى بما ذكر لعدم إقرار المدعى عليه.
اه ش ق.
(قوله: فلو أقام المدعى عليه) هو بصيغة اسم المفعول، ونائب فاعله الجار والمجرور.
(وقوله: بعدها) أي اليمين المردودة.
(وقوله: بينة) مفعول أقام.
(وقوله: بأداء أو إبراء) أي أو نحوهما من المسقطات.
(وقوله: لم تسمع) أي البينة.
(وقوله: لتكذيبه) أي المدعى عليه، والاضافة من إضافة المصدر لفاعله.
(وقوله: لها) أي للبينة، والاولى إياها، لان المصدر متعد بنفسه.
(وقوله: بإقراره) أي التنزيل لانه لم يحصل إقرار بالفعل، وإنما حلف المدعي بعد النكول وهو كالاقرار.
(قوله: وقال الشيخان في محل) أي في موضع آخر من كتبهما غير ما ذكراه هنا: أي في باب الدعوى.
(قوله: وصحح الاسنوي الاول) أي عدم السماع.
(قوله: والبلقيني الثاني) أي وصحح البلقيني الثاني، أي السماع.
(قوله: وقال شيخنا الخ) عبارة التحفة: وصحح الاسنوي الاول، والبلقيني الثاني وبسط الكلام عليه، وتبعه الزركشي فصوبه لانه إقرار تقديري لا تحقيقي فلا تكذيب فيه.
واعترض بأن ظاهر كلام الشيخين تفريع السماع على الضعيف أنها كالبينة: وهو متجه، فالمعتمد ما في المتن الخ.
اه.
(وقوله: وهو) أي الاعتراض متجه.
(وقوله: فالمعتمد ما في المتن) أي من عدم سماعها.
(قوله: فرع) أي في بيان صفة كفارة اليمين واختصت من بين الكفارات بأنها مخيرة ابتداء مرتبة إنتهاء.
ومعنى كونها مخيرة ابتداء أنه يخبر المكفر فيها بين الاعتاق والاطعام والكسوة في ابتدائها، كما قال المؤلف: يتخير في كفارة(4/365)
اليمين بين الخ، ومعنى كونها مرتبة انتهاء أنه لا ينتقل إلى الخصلة الرابعة التي هي الصوم إلا إذا عجز عن الخصال الثلاثة كما قال، فإن عجز عن الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام، والراجح في سبب وجوبها عند الجمهور اليمين والحنث معا، وللمكفر في غير صوم تقديمها على أحد سببيها كالزكاة، وليس له ذلك في الصوم لانه عبادة بدنية، وهي لا تقدم على وقت وجوبها بلا حاجة، بخلاف ما إذا كان ب حاجة كما في الجمع بين الصلاتين تقديما.
(قوله: يتخير) أي المكفر، ويشترط فيه أن يكون حرا رشيدا، فإن كان رقيقا ولو مكاتبا فلا يتخير بين الثلاثة المذكورة، بل عليه الصوم فقط، لانه لا يملك، أو يملك ملكا ضعيفا.
فلو كفر عنه سيده بغير إذنه لم يجز، وكذا بالصوم أيضا، ويجزئ بعد موته بالاطعام والكسوة لانه لا رق بعد الموت: وله في المكاتب أن يكفر عنه بهما بإذنه، كما أن للمكاتب أن يكفر بهما بإذن سيده.
وإن كان سفيها أو مفلسا فليس له التكفير إلا بالصوم.
والكافر يخير بين الثلاثة ولا ينتقل عنها إلى الصوم إلا إذا عجز عنها.
وحينئذ يستقر الصوم في ذمته، ولا يصوم بالفعل إلا إذا أسلم.
فلو أيسر بعد ذلك لم يلزمه الرجوع إلى غير الصوم من الخصال الثلاث.
(قوله: في كفارة اليمين) قد نظمها ابن رسلان في زبده بقوله: كفارة اليمين عتق رقبة مؤمنة سليمة من معيبه أو عشرة تمسكنوا قد أدى من غالب الاقوات مدا مدا أو كسوة بما يسمى كسوه ثوبا قباء أو ردا أو فروة وعاجز صام ثلاثا كالرقيق والافضل الولاء وجاز التفريق (قوله: بين عتق رقبة) هو عندنا أفضل من الاطعام ولو في زمن الغلاء، والمراد بالعتق الاعتاق، ولو عبر به لكان أولى ليخرج ما لو اشترى من يعتق عليه بقصد العتق عن الكفارة كأصله وفرعه، فإنه لا يجزئه عنها لانه مستحق العتق بجهة القرابة، فلا ينصرف عنها إلى الكفارة.
وعلم من ذلك أنه يشترط أن لا تكون الرقبة مستحقة للعتق بجهة أخرى غير الكفارة فتخرج أم الولد، فلا يجوز إعتاقها عن الكفارة لانها مستحقة للعتق بجهة أخرى.
(وقوله: كاملة) أي فلا يجزئ عتق نصف رقبة وإطعام خمسة أو كسوتهم، وكذلك لا يجزئ إطعام خمسة وكسوة خمسة.
(وقوله: مؤمنة) أي قبل
العتق فلا تجزئ الكفارة ولا المؤمنة مع العتق.
والمراد بالايمان فيها الاسلام، إذ المدار في إجراء الاحكام إنما هو الاسلام، وأما الايمان بمعنى التصديق فأمر باطني لا اطلاع لنا عليه.
(قوله: بلا عيب الخ) أي ويشترط أن تكون سليمة من العيوب، لان المقصود من العتق تكميل حال الرقيق ليترفع لوظائف الاحرار، ولا يتفرغ لها إلا إن استقل بكفاية نفسه، وإلا صار كلا، أي ثقلا على نفسه وعلى غيره، ولا يستقل بكفاية نفسه إلا السليم ولو بحسب الاصل، والظاهر، فيجزئ صغير ولو ابن يوم، لان الاصل والظاهر من حاله السلامة، ومريض يرجى برؤه، فإن لم يبرأ تبين عدم الاجزاء على الاصح.
ولا يجزئ زمن، ولا هرم عاجز، ولا فاقد رجل أو خنصر وبنصر من يد، أو فاقد أنملتين من غيرهما، ولا فاقد أنملة إبهام لتعطل منفعة اليد بذلك، بخلاف فاقد أنملة غير إبهام، أو أنملتين من الخنصر أو البنصر.
وأما من كل منهما فيضر، ويجزئ مقطوع الخنصر من يد والبنصر من يد أخرى.
(قوله: يخل بالعمل) أي يضر بالعمل إضرارا بينا لكونه عظيما بخلاف غير البين لكونه يسيرا، فيجزئ فاقد الانف، أو الاذنين، أو أصابع الرجلين، بخلاف فاقد أصابع اليدين.
ويجزئ الاخرس إذا كان له إشارة مفهمة، وفهم إشارة غيره، والاصم وهو فاقد السمع، والاعور الذي لم يضعف عورة بصر عينه السليمة، والاعرج الذي يمكنه تتابع المشي بأن يكون عرجه يسيرا، والاقرع وهو الذي لا نبات برأسه.
(وقوله: أو الكسب) أو بمعنى الواو، والعطف للتفسير أو مرادف.
(قوله: ولو نحو غائب) أي ولو كانت الرقبة غائبة، أو نحوها كمرهونة ومغصوبة فإنه يجزئ إعتاقها.
(وقوله: علمت حياته) أي نحو الغائب ولو بعد الاعتاق.
(قوله: أو إطعام) الاولى التعبير بالواو، لان مدخولها معطوف على مدخول بين وهي لا تدخل إلا على متعدد، والمراد بالاطعام التمليك،(4/366)
وإنما عبر به اقتداء بالآية الشريفة وهي: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين) * الآية، فلا يكفي أن يصنع لهم طعاما يغديهم به أو يعشيهم.
(وقوله: عشرة مساكين) لو ملكهم جملة الامداد كفى، كما لو ملكهم عشرة أثواب جملة فإنه يكفي، بخلاف ما لو ملكهم ثوبا كبيرا يكفي العشرة، فلا يكفي وإن اقتسموه بعد ذلك، نعم لو قطعه عشرة قطع وأعطاه لهم كفى بشرط أن تسمى كل قطعة كسوة.
(قوله: كل مسكين مد) أي كل مسكين يعطى مدا، فلا يكفي دون مد لواحد منهم.
ولو أعطى العشرة أمداد لاحد عشر مسكينا لم يكف، لان كل واحد أخذ دون مد.
(وقوله: حب) ليس بقيد، بل الضابط أن يكون من جنس الفطرة بأن يكون من غالب قوت البلد من الاقوات المفصلة هناك.
(وقوله: من غالب قوت البلد) أي بلد المكفر إن كفر عن نفسه، فإن كفر عنه غيره فالعبرة بغالب قوت بلد المكفر عنه.
(قوله: أو كسوتهم) يقال فيه ما تقدم،
والضمير يعود على العشرة مساكين، والمراد يدفع المكفر لكل واحد منهم ما يطلق عليه كسوة، وقد علمت أنه يجزئ أن يدفع للعشرة مساكين عشرة أثواب جملة، ثم يقتسموها بينهم، بخلاف ما لو دفع ثوبا كبيرا وإن اقتسموه بعد ذلك، إلا إن قطعه عشرة قطع بالشرط المتقدم.
(وقوله: بما يسمى كسوة) أي بشئ يسمى كسوة مما يعتاد لبسه.
(وقوله: كقميص) لا يشترط فيه أن يكون صالحا للمدفوع إليه، فيجزئ أن يدفع للرجل ثوب صغير، أو ثوب امرأة، ولا يشترط كونه جديدا.
فيجوز دفعه ملبوسا لم تذهب قوته ولو كان مغسولا أو متنجسا، لكن يجب عليه أن يعلمهم بنجاسته، بخلاف نجس العين فلا يجزئ، وبخلاف ما ذهبت قوته وهو الثوب البالي فلا يجزئ لضعف النفع به.
(قوله: أو إزار) أو رداء أو عمامة، وإن قلت كذراع.
(قوله: لا خف) أي ونحوه من كل ما لا يسمى كسوة كقفازين ومنطقة - وهي ما يشد به الوسط - وخاتم وتكة وتبان: وهو سروال صغير بقدر شبر لا يبلغ الركبة بل يغطي السوأتين كما يلبسه الملاحون، ودرع من نحو حديد، ونعل وجورب وقلنسوة - وهي ما يغطى بها الرأس - وعرقية - وهي الطاقية المعروفة.
وقول شيخ الاسلام في شرح منهجه بأجزائها، محمول على أن المراد بها شئ آخر كالعراقة التي تجعل تحت البرذعة أو السرج، وهذا الحمل وإن كان بعيدا أولى من إبقائه على ظاهره المخالف لكلام الاصحاب.
ومما يبعد هذا الحمل المذكور كون العراقة المذكورة لا تسمى كسوة للآدميين بل للدواب وقد قال تعالى: * (أو كسوتهم) * ولم يقل أو كسوة دوابهم.
(قوله: فإن عجز عن الثلاثة) أي عن كل واحد من الثلاثة، والمراد بالعجز ما يشمل الحسي، كأن لم يجد شيئا من الثلاثة رأسا، والشرعي بأن وجد ذلك ولكن لم يملك ثمنه، أو ملكه ولكن يحتاج إليه لمؤنة نفسه أو ممونه، وليس من العجز الشرعي وجود شئ من الثلاثة بأكثر من ثمن مثله كما في التيمم، بل يصبر إلى أن يجده بثمن مثله، وكذلك ليس منه ما لو غاب ماله إلى مسافة القصر فيصير إلى أن يحضر ماله ويكفر به.
(قوله: لزمه صوم ثلاثة أيام) أي بنية الكفارة، ويشترط تبييتها.
(قوله: ولا يجب تتابعها) أي لاطلاق الآية وهي: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) *.
(قوله: خلافا لكثيرين) أي قالوا بوجوب التتابع، واحتجوا بذلك بقراءة ابن مسعود ثلاثة أيام متتابعات، والقرائة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل بها، ولذلك أوجبوا قطع يد السارق اليمنى في السرقة الاولى بقراءة: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) * مع كونها قرائة شاذة، وأجاب الاولون بأن قراءة متتابعات نسخت تلاوة وحكما فلا يستدل بها، بخلاف آية السرقة فإنها نسخت تلاوة لا حكما، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 89.
(2) سورة المائدة، الاية: 89.
(3) سورة البقرة، الاية: 196.
(4) سورة المائدة، الاية: 38.(4/367)
باب في الاعتاق هو لغة: السبق والاستقلال مأخوذ من قولهم عتق الفرس إذا سبق، وعتق الفرخ إذا طار واستقل.
فكأن العبد إذا فك من الرق تخلص واستقل وسبق غيره ممن لم يعتق.
وشرعا: إزالة الرق عن آدمي كما سيذكره.
واعلم: أنه قد قام الاجماع على أن العتق بالقول قربة سواء المنجز والمعلق، وأما تعليقه فليس قربة إن قصد به حث أو منع أو تحقيق خبر: كإن دخلت الدار فأنت حر، أو إن لم تسافر فأنت حر، أو إن لم يكن الخبر الذي أخبرتكم به حقا فعبدي حر، فإن لم يقصد به ذلك كان قربة نحو: إن طلعت الشمس فأنت حر.
وأما العتق بالفعل وهو الاستيلاد فليس قربه لانه متعلق بقضاء أو طار، إلا إن قصد به حصول عتق أو ولد فيكون قربة - والعتق بالقول من الشرائع القديمة بدليل عتق ذي الكراع الحميري ثمانية آلاف، وكان ذلك في الجاهلية.
وعتق أبي لهب ثويبة لما بشرته بولادة النبي (ص).
وأما العتق بالفعل فهو من خصوصيات هذه الامة.
وأركانه ثلاثة: معتق وعتيق وصيغة.
ويشترط في المعتق أن يكون حرا كله مختارا مطلق التصرف.
وشرط في العتيق أن لا يتعلق به حق لازم غير عتق يمنع ذلك الحق بيعه بأن لم يتعلق به حق أصلا، أو تعلق به حق جائز كالمعار، أو تعلق به حق لازم هو عتق كالمستولدة، أو تعلق به حق لازم غير عتق لا يمنع بيعه كالمؤجر، بخلاف ما تعلق به حق لازم غير عتق يمنع بيعه كالمرهون فإن فيه تفصيلا: وهو أنه ينفذ من الموسر ولا ينفذ من المعسر.
وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالعتق، أو إشارة أخرس، أو كتابة بنية.
وهذه الاركان ما عدا العتيق مصرح بها في كلامه، وأما العتيق فمعلوم من كلامه ضمنا.
(قوله: هو) أي الاعتاق شرعا.
(وقوله: إزالة الخ) المراد بالازالة ما يشمل الزوال فدخل فيه العتق بالبعضية وبالسراية، والعتق بالفعل، وهو الاستيلاد، وذلك لانه ذكر ذلك كله في هذا الباب.
(وقوله: عن الآدمي) خرج به غير الآدمي كالطير والبهيمة، فلا يصح عتقهما لانه كتسييب السوائب وهو حرام.
نعم: لو أرسل مأكولا بقصد إباحته لمن يأخذه لم يحرم، ولمن يأخذه أكله فقط، وليس له إطعام غيره منه على المعتمد كالضيف، فإنه لا يجوز له إطعام غيره لانه إنما أبيح له أكله دون غيره.
(قوله: والاصل فيه) أي والدليل على مشروعية الاعتاق.
(وقوله: قوله تعالى: * (فك رقبة) *) أي من الرق أي وقوله تعالى: * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) * أي بالاسلام * (وأنعمت عليه) * أي بالعتق
كما قاله المفسرون.
(قوله: وخبر الصحيحين) معطوف على قوله تعالى، أي والاصل فيه خبر الصحيحين.
(وقوله: أنه (ص) الخ) بدل من خبر الصحيحين.
(وقوله: من أعتق رقبة) المراد بالرقبة الذات على سبيل المجاز المرسل، وإنما عبر عنها بالرقبة لان الرق كالغل في الرقبة، فإن السيد يحبسه به كما يحبس الدابة بالحبل في رقبتها، فإذا أعتقه فقد أطلقه من ذلك الغل الذي كان في رقبته.
(وقوله: مؤمنة) التقييد به للغالب فلا مفهوم له.
(وقوله: وفي رواية امرأ مسلما) أي
__________
(1) سورة البلد، الاية: 13.
(2) سورة البلد، الاية: 13.
(3) سورة الاحزاب، الاية: 37.(4/368)
بدل قوله رقبة مؤمنة.
(وقوله: حتى الفرج بالفرج) نص على ذلك لان ذنبه أقبح وأفحش، أو لانه قد يختلف من المعتق، والعتيق كعتق الرجل أمة، وكعتق المرأة رجلا.
(قوله: وعتق الذكر أفضل) عبارة التحفة قبله: وصح خبر: أيما امرئ مسلم أعتق لله امرأ مسلما كان فكا له من النار، وأيما امرء مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكا له من النار.
وبه يعلم أن عتق الذكر أفضل: أي من عتق الانثى.
اه.
(قوله: وروي أن عبد الرحمن الخ) عبارة التحفة قبله: ويسن الاستكثار منه كما جرى عليه أكابر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأكثر من بلغنا عنه ذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فإنه جاء أنه أعتق ثلاثين ألف نسمة، وعن غيره أنه أعتق في يوم واحد ثمانية آلاف عبد.
اه.
ويروى أن النبي (ص) أعتق ثلاثة وستين نسمة وعاش ثلاثا وستين سنة، ونحر بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة، وأعتقت عائشة تسعا وستين، وعاشت كذلك، وأعتق أبو بكر كثيرا، وأعتق العباس سبعين، وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين.
(قوله: وختمنا) أي الكتاب.
(وقوله: كالاصحاب) أي أصحاب الامام.
(قوله: تفاؤلا) أي رجاء أن الله يعتقه من النار، وأيضا ليناسب الختام الافتتاح، فالافتتاح بالعبادات، والختام بالعتق الذي هو أفضل القربات، وبين العبادة والقربة تناسب واضح.
(قوله: صح عتق) أي إعتاق.
(وقوله: مطلق تصرف) أي من يجوز له أن يتصرف تصرفا مطلقا، بأن يكون بالغا عاقلا رشيدا.
(وقوله: له ولاية) أي على الرقيق بطريق الملكية، أو بطريق النيابة، ولا بد أن يكون حرا كامل الحرية، وأن يكون مختار، فلا يصح من المكاتب والمبعض، ومن المكره بغير حق، أما إذا كان بحق فيصح كما لو اشترى العبد بشرط العتق ثم امتنع من الاعتاق، فإذا أكرهه الحاكم عليه حينئذ صح لانه إكراه بحق.
(قوله: ولو كافرا) غاية في مطلق التصرف: أي يصح العتق منه ولو كان كافرا.
قال الشرقاوي: فيخفف عنه من عذاب غير الكفر بسببه.
اه.
(قوله: فلا
يصح) أي الاعتاق، وهو مفهوم القيود المندرجة تحت قوله: مطلق تصرف: أعني البلوغ والعقل والرشد، وإنما لم يصح منهم لعدم صحة تصرفهم.
(قوله: ومحجور بسفه) محل عدم صحة اعتاقه إذا كان بالقول المنجز، أما إذا كان بالفعل، أو كان معلقا فينفذ منه.
(وقوله: أو فلس) أي أو محجور عليه بفلس، ومحل عدم صحة إعتاقه أيضا إذا كان بالفعل أو بالقول المنجز، أما إذا كان بالقول المعلق كالتدبير فيصح منه.
أفاده البجيرمي.
(قوله: ولا من غير مالك الخ) مفهوم قوله له ولاية: أي ولا يصح العتق من غير مالك للعبد.
(وقوله: بغير نيابة) أي من المالك، أما بالنيابة منه فيصح.
(قوله: بنحو أعتقتك الخ) الملائم لقوله بعد وبكناية أن يقول هنا بصريح عتق نحو أعتقتك الخ، وهذا شروع في بيان الركن الثالث وهي الصيغة.
وحاصل الكلام عليها أنها تنقسم إلى صريح في العتق وإلى كناية فيه، والاول هو ما لا يحتمل غير العتق، وذلك كمشتق تحرير وإعتاق وفك رقبة.
كقوله أنت حر، أو محرر، أو حررتك، أو أنت عتيق، أو معتق، أو أعتقتك، أو أنت فكيك الرقبة، أو مفكوك الرقبة، أو فككت رقبتك.
ولو قال أعتقك الله، أو الله أعتقك، كان صريحا أيضا للقاعدة أن كل ما استقل به الانسان إذا أسنده لله كان صريحا، وما لا يستقل به الانسان كالبيع إذا أسنده لله كان كناية.
وقد نظمها بعضهم في قوله: ما فيه الاستقلال بالانشاء وكان مسندا لذي الآلاء فهو صريح ضده كناية فكن لذا الضابط ذا درايه وحكم الصريح أنه لا يحتاج إلى نية الايقاع، لانه لا يفهم منه غير العتق عند الاطلاق، فهو قوي في نفسه فلم يحتج لتقويته بالنية.
نعم: لو قال لمن إسمها حرة يا حرة ولم يقصد العتق بأن قصد النداء، أو أطلق لم تعتق.
والثاني ما(4/369)
احتمل العتق وغيره، وذلك كقول السيد لعبده: لا ملك لي عليك، أو لا سلطان لي عليك، أو لا سبيل لي عليك، أو لا خدمة لي عليك، أو أنت سائبة، أو أنت مولاي، أو أنت سيدي، أو أزلت ملكي أو حكمي عنك، ونحو ذلك مما هو صريح أو كناية في الطلاق أو الظهار، لكن فيما هو صالح للعتق، بخلاف ما ليس بصالح له كقوله لعبده: إعتد، أو استبرئ رحمك.
وقوله لامته أنا منك طالق، فلا يقع به العتق وإن نواه.
وحكم ما كان بالكناية أنه يقع به العتق إن نواه وإن احتفت به قرينة، فلا تكفي عن النية، ويكفي قرن النية بجزء من الصيغة المركبة من المبتدأ والخبر مثلا - كما في
الطلاق بالكناية.
(قوله: كفككتك الخ) تمثيل لنحو أعتقتك.
(قوله: وبكناية) معطوف على نحو الخ.
(وقوله: مع نية) أي للعتق، وذلك لاحتمال اللفظ غير العتق.
(قوله: كلا ملك الخ) أي لكوني أعتقتك، ويحتمل لكوني بعتك.
(وقوله: لي عليك) مرتبط بكل من قوله لا ملك وقوله لا سبيل.
(قوله: أو أزلت ملكي عنك) أي بالعتق، ويحتمل البيع.
(قوله: وأنت مولاي) إنما كان كناية لاشتراكه بين المعتق والعتيق، قال الشاعر: وهل يتساوى سادة وعبيدهم على أن أسماء الجميع موالي (قوله: وكذا يا سيدي) أي وكذلك هو كناية.
(وقوله: على المرجح) أي عند غير القاضي والغزالي.
وعبارة المغني.
تنبيه: لو قال لعبده يا سيدي، هل هو كناية أو لا ؟ وجهان رجح الامام أنه كناية، وجرى عليه إبن المقرى، وهو الظاهر.
ورجح القاضي والغزالي أنه لغو لانه من السؤدد، وتدبير المنزل، وليس فيه ما يقتضي العتق.
اه.
وفي التحفة: وهل أنت سيدي كذلك، أو يقطع فيه بأنه كناية ؟ كل محتمل.
اه.
(قوله: وقوله) أي المالك مخاطبا لعبده في المثال الاول، ومخاطبا لغيره في بقية الامثلة.
(وقوله: إعتاق) أي صريحا كما يدل عليه قوله بعد: أو يا ابني كناية، وهو خبر عن قوله أنت الخ.
(قوله: إن أمكن من حيث السن) أي إن أمكن أن يكون الرقيق إبنه، أو بنته، أو أباه، أو أمه، من حيث السن.
قال ع ش: وإلا أي وإن لم يمكن ذلك كان لغوا.
اه.
(قوله: وإن عرف نسبه) أي نسب الرقيق لغير المدعي.
(قوله: مؤاخذة له بإقراره) تعليل لكون قوله المذكور إعتاقا: أي يعتق عليه به، وإن عرف نسبه لغيره مؤاخذة له بإقراره، قال ع ش: أي فيعتق ظاهرا لا باطنا.
وينبغي أن محله حيث قصد به الشفقة والحنو، فلو أطلق عتق ظاهرا وباطنا.
اه.
(قوله: أو يا ابني الخ) الاولى التعبير بالواو كما في التحفة: أي وقوله: يا ابني بالنداء كناية.
(قوله: فلا يعتق في النداء) الاولى الاضمار بأن يقول: فلا يعتق فيه، أي في قوله يا ابني.
(وقوله: إلا إن قصد به العتق) أي فإنه يعتق عليه.
(وقوله: لاختصاصه) أي النداء، وهو علة لعدم العتق ألا بالقصد (قوله: كما صرح به) أي بالمذكور كله من قوله أنت ابني الخ، لكن قوله: فلا يعتق في النداء الخ في شرح الارشاد لا في التحفة، ونص عبارة الاول: ويعتق أيضا بقوله أنت ابني، أو أنت بنتي، أو أنا أبوك، فيما يظهر إذا كان ذلك خطابا لممكن، كونه قنه لصغر سنه، وإن لم ينو بذلك عتقه.
أو كان بالغا وكذبه في أنه إبنه وعرف كذب السيد فيه، لكون
القن معروف النسب من غير مؤاخذة له بإقراره، ويؤخذ من ذلك أن عتقه بذلك إنما هو في الظاهر دون الباطن إن لم يكن فيه إبنه، وهو محتمل، والاوجه كما بينته في الاصل أن ما ذكر لا يجري في النداء، بل لا يعتق به إلا إن قصد به العتق لاختصاصه بأنه يستعمل في العادة كثيرا للملاطفة وحسن العشرة.
اه.
(قوله: وليس من لفظ الاقرار به) أي بالعتق.(4/370)
(وقوله: لا عتق لعبد فلان) الذي يظهر أن اللام الاولى لام الابتداء، ومدخولها فعل مضارع.
واللام الثانية زائدة، ومدخولها مفعوله.
(وقوله: لانه لا يصلح موضوعه الخ) علة لكون اللفظ المذكور ليس إقرارا بالعتق: أي وإنما لم يكن إقرارا به لان موضوعه: أي لفظ أعتق لا يصلح لاقرار به، ولا لانشائه، بل هو للوعد به، إذ صيغة الاستقبال تفيد ذلك، وأنت خبير بأن قياس قولهم في البيع أن صيغة المضارع كناية فيه لاحتمالها الوعد والانشاء أن يكون هنا كذلك فليراجع.
(قوله: ولو بعوض) غاية لقوله صح عتق الخ.
(وقوله: أي معه) أفاد به أن الباء بمعنى مع: أي يصح العتق بما ذكر ولو مع عوض: أي ملتزم في ذمة الرقيق يؤديه بعد العتق، فلا يصح أن يكون معينا كهذا الثوب، إذ لا ملك له قبل العتق.
(قوله: فلو قال) أي السيد لعبده.
(وقوله: أعتقتك على ألف) أي في ذمتك تؤديني إياها بعد العتق كما عرفت.
(قوله: أو بعتك نفسك بألف) عبارة المنهاج مع شرح إبن حجر، ولو قال بعتك نفسك بألف في ذمتك حالا أو مؤجلا تؤديه بعد العتق، فقال: اشتريت، فالمذهب صحة البيع كالكتابة، بل أولى لان هذا ألزم وأسرع، ويعتق في الحال وعليه ألف عملا بمقتضى العقد، وهو عقد عتاقة لا بيع فلا خيار فيه.
وخرج بقوله بألف قوله بهذا فلا يصح لانه لا يملكه، والولاء للسيد لما تقرر أنه عقد عتاقة لا بيع.
اه.
(قوله: فقبل) أي العبد.
(وقوله: فورا) قيد لانه بيع في المعنى، وهو يشترط فيه الفورية بين الايجاب والقبول كما تقدم.
(قوله: عتق) أي العبد.
واعلم: أن عتق يستعمل لازما كما هنا، ويستعمل متعديا كما في قولك عتقت عبدي، وقد تدخل عليه الهمزة فيقال أعتق وهو حينئذ متعد لا غير.
(قوله: ولزمه الالف) أي لزم الرقيق أداء الالف التي التزمها في ذمته للسيد.
قال في التحفة ولا حط هنا لضعف شبهه بالكتابة.
اه.
(وقوله: في الصورتين) أي قوله: أعتقتك على ألف، وقوله: بعتك نفسك بألف.
(قوله: والولاء للسيد) أي لعموم خبر الصحيحين: إنما الولاء لمن أعتق.
(وقوله: فيهما) أي في الصورتين.
(قوله: ولو أعتق حاملا) شمل إطلاقه ما لو قال لها أنت حرة بعد موتي، فإنها تعتق مع حملها على الاصح، ولو عتقت بعد خروج بعض الولد منها،
سري إليه العتق كما في الروضة، وأصلها في باب العدد.
(قوله: مملوكة له) أي للمعتق.
(وقوله: هي) توكيد للضمير المستتر.
(وقوله: وحملها) بالرفع معطوف على الضمير المستتر، وساغ ذلك لوجود شرطه وهو الفصل بالضمير المنفصل.
كما قال إبن مالك: وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما الخ (قوله: تبعها) أي ما لم يكن في مرض الموت، ولم يحتملهما الثلث، فإن كان كذلك فإن الحمل لا يتبعها، كما نقله سم عن البرلسي.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وإن استثناه) أي استثنى الحمل في صيغة العتق بأن قال: عتقتك دون حملك، فإنه يتبعها فيه.
ولقوة العتق لم يبطل بالاستثناء، بخلافه في البيع كما مر.
(قوله: لانه) أي الحمل، وهو علة للتبعية: أي وإنما تبعها فيه لانه كالجزء منها، فعتقه بالتبعية لا بالسراية، لان السراية إنما تكون في الاشقاص كالربع لا في الاشخاص.
(قوله: ولو أعتق الحمل) أي فقط.
(وقوله: عتق إن نفخت فيه الروح) أي لانه يشترط في العتيق أن يكون آدميا.
قال في المغني، تنبيه: محل صحة إعتاقه وحده إذا نفخ فيه الروح، فإن لم تنفخ فيه الروح كمضغة كأن قال أعتقت مضغتك فهو لغو.
اه.
(وقوله: دونها) أي دون الامة الحامل: أي فلا تتبعه في العتق، لان الاصل لا يتبع الفرع.(4/371)
(قوله: ولو كانت لرجل الخ) مفهوم قوله مملوكة له هي وحملها.
(وقوله: بنحو وصية) تصوير لكون الحمل يكون لشخص وأمة لآخر: أي يتصور ذلك بما إذا أوصى شخص بالحمل لشخص غير الوارث ومات فيكون الحمل ملكا للموصى له، والام للوارث.
واندرج تحت نحو الوصية الوقف.
(قوله: لم يعتق أحدهما بعتق الآخر) أي لانه لا استتباع مع اختلاف المالكين، ولا تتأتى السراية لما مر أن السراية إنما تكون في الاشقاص لا في الاشخاص.
(قوله: أو أعتق مشتركا) شروع في العتق بالسراية.
(وقوله: بينه) أي المعتق.
(وقوله: وبين غيره) هو الشريك.
(قوله: أي كله) أي أعتق كل المشترك بأن قال له أنت حر.
(قوله: أو أعتق نصيبه) أي أو لم يعتقه كله بل أعتق نصيبه: أي حصته من العبد المشترك بأن قال نصيبي منك حر، أو نصفك حر، وهو يملك نصفه.
(قوله: عتق نصيبه) أي فقط، وهو جواب لو المقدرة قبل قوله: أعتق مشتركا.
(وقوله: مطلقا) أي موسرا كان أو معسرا في صورة عتقه كله، وفي صورة عتقه نصيبه فقط، وذلك لانه يملك التصرف فيه.
(قوله: وسرى الاعتاق الخ) أي لخبر الصحيحين: من أعتق شركا له في عبد وكان له
مال يبلغ ثمن العبد، قوم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق.
(قوله: من موسر) المراد به هنا الموسر بنصيب شريكه فاضلا عن جميع ما يترك للمفلس من قوت ممونه يومه وليلته، ومن سكنى يومه، ومن دست ثوب يليق به - كما مر - اه.
بجيرمي.
(وقوله: لا معسر) أي لا يسري الاعتاق من معسر بنصيب شريكه، فيبقى الباقي بعد الاعتاق رقيقا للشريك.
(قوله: لما أيسر به) متعلق بسرى، أي سرى لما أيسر بقيمته.
(وقوله: من نصيب الخ) بيان لما.
(قوله: ولا يمنع السراية دين) أي لو كان المعتق مدينا فلا يمنع الدين المستغرق لجميع ما عنده السراية، لانه مالك لما في يده نافذ التصرف فيه، ولهذا لو اشترى عبدا وأعتقه نفذ.
(وقوله: بدون حجر) أي لا يمنع الدين السراية عليه إذا كان غير محجور عليه، فإن كان محجورا عليه منع السراية.
ويشترط أن يكون الحجر بفلس، أما إذا كان بسفه فلا يمنع كما في المغني.
وعبارته بعد قول الاصل: ولا يمنع السراية دين مستغرق.
تنبيه: هذا إذا كان من يسري عليه غير محجور عليه، فإن حجر عليه بفلس بعد أن علق عتق حصته على صفة ثم وجدت حال الحجر فلا سراية، وفي نظيره في حجر السفه يعتق عليه.
والفرق أن المفلس لو نفذنا عتقه أضررنا بالغرماء بخلاف السفيه.
اه.
(قوله: وإستيلاد) مبتدأ خبره جملة يسري.
(وقوله: الموسر) بالجر صفة لاحد الشريكين.
وخرج به المعسر فلا يسري إستيلاده، وينعقد الولد مبعضا لا حرا.
(وقوله: كالعتق) أي كسريانه كما مر.
(قوله: وعليه قيمة نصيب شريكه) هذا مرتبط بصورة الاعتاق وصورة الاستيلاد، فضمير عليه يعود على المذكور من المعتق والمستولد: يعني أنه يسري الاعتاق إلى ما أيسر به، وعليه قيمة نصيب شريكه.
ويسري الاستيلاد إلى حصة شريكه، وعليه قيمة ذلك.
قال البجيرمي: وهو يفيد أن الواجب قيمة ما أيسر به لا حصة ذلك من قيمة الجميع، فإذا أيسر بحصة شريكه كلها، فالواجب قيمة النصف لا نصف القيمة.
عميرة.
سم.
والمراد بقيمة النصف قيمته منفردا عن النصف الآخر، والمراد بنصف القيمة نصف قيمة جميعه بأن يقوم جميعه.
اه.
(قوله: وحصته من مهر المثل) هذا مرتبط بالصورة الثانية فقط.
أي وعليه لشريكه حصته من مهر المثل.
وعبارة المنهج مع شرحه: وعليه لشريكه في المستولدة حصته ومن مهر مثل مع أرش بكارة إن كانت بكرا، هذا إن تأخر الانزال عن تغييب الحشفة كما هو الغالب، وإلا فلا يلزمه حصة مهر، لان الموجب له تغييب الحشفة في ملك غيره وهو منتف.
اه.
وقوله: مع أرش بكارة: أي مع حصته من أرش بكارة، وينبغي أن محله إن تأخر(4/372)
الانزال عن إزالتها كما هو الغالب، وإلا فلا يجب لها أرش.
ولعله لم ينبه عليه لبعد العلوق من الانزال قبل زوال البكارة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: لا قيمة الولد) أي ليس عليه لشريكه قيمة الولد، وذلك لان أمه صارت أم ولد حالا فيكون العلوق في ملك الوالد فلا تجب القيمة.
(وقوله: أي حصته) أفاد به أن هنا مضافا مقدرا بين المتضايفين هو ما ذكر: أي لا قيمة حصة الشريك من الولد، ولو قال من أول الامر لا قيمة حصة الولد لكان أخصر.
(قوله: ولا يسري التدبير) يعني إذا دبر أحد الشريكين نصيبه من العبد كأن قال: إن مت فنصيبي منك حر، فلا يسري التدبير لنصيب شريكه لانه ليس إتلافا، بدليل جواز بيع المدبر، فبموت السيد يعتق ما دبره فقط، لان الميت معسر، ومثل التدبير المعلق عتقه بصفة.
واعلم: أنه يشترط للسراية أمور: أحدها: اليسار كما علم مما مر.
ثانيها: أن يتسبب في إعتاقه باختياره ولو بنائبه، كشرائه جزء أصله أو فرعه فإنه يسري إلى الباقي لانه تسبب فيه باختياره، وإن عتق عليه قهرا في هذا المثال، بخلاف ما لو ورث جزء أصله أو فرعه، فإن يعتق عليه ذلك الجزء ولا يسري إلى الباقي، لان سبيل السراية سبيل ضمان المتلفات، ولم يوجد منه إتلاف، ولا قصد.
ثالثها: أن يكون المحل قابلا للنقل، من شخص إلى آخر، فلا سراية في نصيب حكم بالاستيلاد فيه بأن استولد الامة أحد الشريكين وهو معسر، فيحكم بالاستيلاد في نصيبه فقط، فإذا أعتق الآخر نصيبه عتق فقط، ولا سراية إلى الحصة الموقوفة، أو المنذور إعتاقها.
رابعها: أن يعتق نصيبه فقط، أو جميعه، فيعتق بذلك نصيبه ثم يسري العتق إلى نصيب شريكه، فلو أعتق نصيب شريكه لغا لانه لا ملك ولا تبعية.
(قوله: ولا ملك الخ) شروع في الملك بالبعضية، والمراد بالملك ما يشمل القهري كالارث، والاختياري كالشراء والهبة والوصية.
(وقوله: شخص) أي حر كله، ولو كان غير رشيد: كصبي ومجنون وسفيه، خلافا لقول المنهاج: إذا ملك أهل تبرع الخ، فتقييده بأهل التبرع غير معتبر كما نبه عليه في شرح المنهج.
(قوله: من أصل أو فرع) أي من النسب، أما من الرضاع فإنه لا يعتق عليه.
(وقوله: وإن بعد) أي لا فرق في كل من الاصل أو الفرع بين أن يبعد أو يقرب من المشتري مثلا.
ولا فرق أيضا بين أن يتحد الدين أو يختلف، وذلك لانه حكم متعلق بالقرابة فاستوى فيه من ذكر.
(قوله: عتق عليه) أي على مالكه بشرط أن يكون حرا كله - كما علمت - فيخرج المكاتب والمبعض، فلو ملك كل واحد منهما أصله أو فرعه فلا يعتق عليه لتضمنه الولاء، وهما ليسا من أهله، وإنما عتقت أم ولد المبعض بموته، لانه أهل للولاء حينئذ لانقطاع، الرق عنه بالموت، لانه لا رق بعد الموت.
(قوله: لخبر مسلم) هو قوله (ص): لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه.
وقوله: فيعتقه: بالرفع وضميره المستتر يعود على الشراء: أي يعتقه نفس
الشراء، وليس المراد أن الولد يعتقه بإنشائه العتق، وهذا الخبر دليل لعتق الاصل على الفرع، ويدل له أيضا قول الله تعالى: * (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) * ولا يتأتى خفض الجناح مع الاسترقاق.
ويدل لعتق الفرع على الاصل قوله تعالى: * (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا، إن كل من في السموات والارض إلا آتى الرحمن عبدا) *.
وقوله تعالى: * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) * فدل ذلك على نفي إجتماع العبدية والولدية.
(قوله: وخرج بالبعض غيره) أي من سائر الاقارب كالاخوة والاعمام، فإنهم لا يعتقون بالملك لانه لم يرد فيهم نص، وأما خبر: من ملك ذا رحم فقد عتق عليه فضعيف، بل قال النسائي إنه منكر.
(قوله: فلا يعتق) أي غير البعض بملك، بل حكمه حكم الاجنبي.
واعلم: أنه لا يصح شراء الولي لصبي أو مجنون أو سفيه من يعتق عليه، لانه إنما يتصرف بالمصلحة، ولا مصلحة له في ذلك لانه يعتق عليه، وفي تضييع مال عليه، وأما لو وهب لمن ذكر من يعتق له، أو وصى له به، فإن لم تلزمه نفقته
__________
(1) سورة الاسراء، الاية: 24.
(2) سورة مريم، الاية: 93.
(3) الانبياء، الاية: 26.(4/373)
كأن كان معسرا، أو فرعه الموهوب له كسوبا فعلى الولي قبوله، ويعتق على المولى لانتفاء الضرر عنه.
وحصول الكمال لاصله أو فرعه وإن لزمته نفقته، فليس للولي قبوله، ولا يصح لو قبل، لحصول الضرر للمولى.
(قوله: ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي الخ) شروع في بيان أحكام التدبير من كون المدبر يعتق بعد وفاة سيده من ثلث ماله، وجواز بيعه في حياته وغير ذلك، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة، والتدبير لغة النظر في العواقب والتأمل فيها، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: التدبير نصف المعيشة.
وشرعا: تعليق المالك عتق رقيقه بموته وسمي بذلك لان السيد دبر نفسه في الدنيا بإستخدام الرقيق، وفي الآخرة بعتقه.
والاصل فيه قبل الاجماع خبر الصحيحين: أن رجلا دبر غلاما ليس له مال غيره فباعه النبي (ص) في دين كان عليه.
فتقريره (ص) له حيث لم ينكر عليه يدل على جوازه، ولا ينافي ذلك بيعه لان ذلك يدل على جواز الرجوع عنه بالبيع ونحوه.
وأركانه ثلاثة مدبر وهو المالك، ومدبر - بفتح الباء - وهو الرقيق، وصيغة، وكلها تعلم من كلامه، ضمنا.
وشرط في الاول: بلوغ وعقل واختيار، فلا يصح من صبي ومجنون ومكره، ويصح من سفيه ومفلس ومبعض وسكران لانه
مكلف حكما، وكافر ولو حربيا، وأما المرتد فتدبيره موقوف، فإن أسلم بانت صحته، وإن مات مرتدا بان بطلانه.
وللحربي حمل مدبره الكافر الاصلي إلى دار الحرب بخلاف المسلم والمرتد، لبقاء علقة الاسلام فيه وشرط في الثاني كونه غير أم ولد، فلا يصح تدبير أم الولد لانها تستحق العتق بجهة أخرى أقوى من التدبير، فإنها تعتق من رأس المال، والمدبر يعتق من الثلث.
وشرط في الثالث: وهو الصيغة لفظ يشعر بالتدبير، أو كتابة بالنية، أو إشارة أخرس مفهمة.
واللفظ إما صريح وهو ما لا يحتمل غير التدبير كقوله: إذا مت فأنت حر كما سيذكره، وكقوله: دبرتك، أو أنت مدبر، وإن لم يقل بعد موتي، وإما كناية وهي ما يحتمل التدبير وغيره كخليت سبيلك، أو حبستك بعد موتي فيهما، وكقوله إذا مت فأنت حرام، أو مسيب.
(قوله: أو أعتقتك بعد موتي) أي أو حررتك، أو أنت حر بعد موتي، ولا بد من التلفظ ببعد موتي وإلا عتق حالا.
(قوله: وكذا إذا مت) أي ومثل أنت حر بعد موتي الخ إذا مت فأنت حرام أو مسيب، لكن في هاتين الصورتين لا بد من نية التدبير لانهما من الكناية، كما أفاده بقوله مع نية.
(قوله: فهو مدبر) جواب من إن كانت شرطية، وخبرها إن كانت موصولة.
(قوله: يعتق بعد وفاته الخ) أي وحكم المدبر أنه يعتق كله بعد وفاة السيد من ثلث ماله، وإن وقع التدبير في الصحة.
ومحل كونه يعتق كله إن خرج كله من الثلث، فإن لم يخرج كله من الثلث عتق منه بقدر ما خرج من الثلث كالنصف إن لم تجز الورثة ما زاد على الثلث، فإ أجازوا عتق كله، والحيلة في عتق الجميع وإن لم يخرج من الثلث، وإن لم يكن هناك مال سواه أن يقول في حال صحته: إن مرضت فهذا الرقيق حر قبل مرض موتي بيوم، وإن مت فجأة فهو حر قبل موتي بيوم، فإذا مات بعد التعليقين بأكثر من يوم عتق من رأس المال، ولا سبيل لاحد عليه، لكن ليس هذا من التدبير كما هو ظاهر.
(وقوله: بعد الدين) أي محل كونه يعتق من الثلث بعد وفاء الدين، فإن استغرق الدين التركة لا يعتق منه شئ.
(قوله: وبطل أي التدبير بنحو بيع) أي من كل مزيل للملك كالوقف والهبة المقبوضة، وجعله صداقا، وبطل بإيلاد لمدبرته أيضا، لانه أقوى من التدبير، بدليل أنه لا يعتبر من الثلث ولا يمنع منه الدين.
(قوله: فلا يعود) أي إلى التدبير.
(وقوله: وإن ملكه) لا معنى للغاية، فلو حذف الواو وجعله قيدا لما قبله لكان أولى.
وعبارة متن المنهاج: فلو باعه ثم ملكه لم يعد التدبير على المذهب.
اه.
وإنما لم يعد التدبير حينئذ، لان الزائل العائد هنا كالذي لم يعد.
(قوله: ويصح بيعه) أي المدبر، لانه (ص) باع المدبر كما مر في حديث الصحيحين السابق.
ويشترط أن يكون البائع له جائز التصرف، وخرج غيره كالسفيه، فإنه لا يصح بيعه وإن صح تدبيره، ومثل البيع سائر التصرفات فتصح منه فيه، ولعل
الشارح اقتصر على البيع لانه الوارد في الحديث، ويقاس غيره عليه.
(قوله: لا برجوع الخ) أي لا يبطل التدبير بالرجوع(4/374)
عن التدبير لفظا كسائر التعليقات.
(قوله: ولا بإنكار للتدبير) أي ولا يبطل أيضا بإنكاره التدبير، فليس إنكاره رجوعا عنه، كما أن إنكار الردة ليس إسلاما، وإنكار الطلاق ليس رجعة، ولا يبطل التدبير أيضا بردة السيد، ولا بردة المدبر، صيانة لحق المدبر عن الضياع، فيعتق بموت السيد وإن كانا مرتدين.
(قوله: ويجوز له وطئ المدبرة) أي للسيد أن يطأ مدبرته لبقاء ملكه فيها كالمستولدة، مع أنه لم يتعلق بها حق لازم.
ولا يكون وطؤه لها رجوعا عن التدبير لانه قد يؤدي إلى العلوق المحصل لمقصود التدبير وهو عتقها، بخلاف نحو البيع.
فإن أولدها بطل تدبيره كما مر.
(قوله: ولو ولدت مدبرة ولدا) أي حملت به بعد التدبير.
(وقوله: من نكاح) بأن زوجها سيدها.
(قوله: لا يثبت للولد حكم التدبير) أي لانه عقد يقبل الرفع، فلا يسري للولد الحادث بعده كالرهن، بخلاف الاستيلاد.
وفي سم ما نصه: قال في شرح الارشاد: وقيل يلحقه التدبير، ونقله في الشرح الصغير عن ترجيح الاكثرين، وبه قال الائمة الثلاثة، وانتصر له الزركشي بأنه قياس تبع الولد للام في نذر الهدي والاضحية.
ويرد بأن النذر لازم فيقوى على الاستتباع الحادث بخلاف التدبير فإنه جائز فلم يقو على ذلك.
اه.
(قوله: فلو كانت حاملا الخ) مفرع على مفهوم قوله ولدت.
وعبارة التحفة: وخرج بولدت ما لو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما.
اه.
قال سم: حاصل المسألة أنها إذا كانت حاملا في أحد الوقتين وقت التدبير ووقت الموت دون الآخر أو فيهما معا تبعها الولد، وإلا فلا.
اه.
(قوله: ولو دبر حاملا) أي يملكها هي وحملها، سواء كان حملها من زنا أو من زوج، ويعرف وجوده عند التدبير بوضعه لدون ستة شهر منه، فإن وضعته لاكثر من أربع سنين لم يتبعها، وإن ولدته لما بينهما، فإن كان لها زوج يفترشها فلا يتبعها، وإن كانت ليست كذلك تبعها.
أفاده البجيرمي نقلا عن زي.
(قوله: إن لم يستثنه) أي إن لم يستثن السيد الحمل عند تدبير الام، بأن قال لها أنت مدبرة، فإن استثناه بأن قال لها أنت مدبرة دون حملك، لم يتبعها في التدبير.
ويفرق بينه وبين ما مر في العتق بقوته وضعف التدبير.
ومحل ذلك إن ولدته قبل موت السيد وإلا تبعها، لان الحرة لا تلد إلا حرا: أي غالبا.
أفاده في التحفة.
(قوله: وإن انفصل الخ) غاية لثبوت التدبير له: أي يثبت التدبير للحمل تبعا، سواء انفصل قبل موت سيدها أم لا.
(قوله: لا إن أبطل الخ) أي لا يثبت التدبير للحمل إن أبطل السيد تدبيرها قبل انفصاله.
كأن باعها، أو وهبها، أو جعلها صداقا.
وخرج بقبل انفصاله ما لو أبطل تدبيرها بعد انفصاله، فإنه لا يبطل تدبيره.
ولو بطل تدبيرها قبل انفصاله فإنه لا يبطل تدبيره
أيضا إن عاش، وهو نادر.
(قوله: والمدبر كعبد في حياة السيد) يعني أن حكم المدبر في حال حياة السيد حكم العبد القن، فتكون أكسابه التي اكتسبها في حال حياته للسيد بخلاف التي اكتسبها بعد موته.
(قوله: ويصح تدبير مكاتب وعكسه) أي كتابة المدبر فيصير فيهما مدبرا مكاتبا، ويعتق بالاسبق من موت السيد، أو أداء النجوم.
(قوله: كما يصح تعليق عتق مكاتب) أي وعكسه وهو كتابة المعلق عتقه بصفة، ويعتق في ذلك بالاسبق من وجود الصفة المعلق عليها، أو أداء النجوم.
(قوله: ويصدق المدبر بيمين فيما وجد معه) أي في المال الذي وجد تحت يده.
(وقوله: وقال كسبته الخ) أي واختلف هو والوارث فقال المدبر: كسبته بعد الموت فهو ملكي، وقال الوارث: بل كسبته قبله فهو ملكي، لان الاكساب الحاصلة منه حال حياة السيد لسيده، فإذا مات انتقلت للوارث.
(قوله: لان اليد له) علة لتصديق المدبر: أي وإذا كان كذلك فيرجع بيده، وكذلك تقدم بينته على بينة الوارث إذا أقاما بينتين لاعتضاد بينته بيده، وهذا بخلاف ما لو ادعت المدبرة أنها ولدت بعد موت السيد فيكون حرا، وادعى الوارث أنها ولدته قبله فيكون رقيقا، فإن القول قول الوارث بيمينه، لانها تزعم حريته والحر لا يدخل تحت اليد، والفرض أنها حملت به بعد التدبير حتى يظهر الاختلاف المذكور،(4/375)
لانها لو كانت حاملا به حين التدبير كان مدبرا تبعا لها كما مر.
(قوله: الكتابة الخ) شروع في بيان أحكام الكتابة كاستحبابها إذا سألها العبد وكان أمينا مكتسبا، ولزومها من جهة السيد، وجوازها من جهة المكاتب.
وقد أفردها الفقهاء بترجمة مستقلة.
والاصل فيها قبل الاجماع قوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) *.
أي أمانة وكسبا، كما فسره الشافعي رضي الله عنه بذلك.
وخبر: من أعان غارما، أو غازيا، أو مكاتبا في فك رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وخبر: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
رواه أبو داود وغيره.
والحاجة داعية إليها لان السيد قد لا تسمح نفسه بالعتق مجانا، والعبد لا يتشمر للكسب تشمره إذا علق عتقه بالتحصيل والاداء، ولفظها إسلامي لم يعرف في الجاهلية.
وأركانها أربعة: مكاتب - بكسر التاء الفوقية - وهو السيد، ومكاتب - بفتح التاء - وهو الرقيق، وعوض، وصيغة.
وشرط في الاول كونه مختارا أهل تبرع وولاء، لان الكتابة تبرع وآيلة للولاء، فتصح من كافر أصلي وسكران، لا من مكره، ولا من صبي ومجنون، ومحجور سفه أو فلس، ولا من أوليائهم، ولا من مبعض ومكاتب وإن أذن له سيده لانهما ليسا أهلا للولاء، ولا من مرتد لان ملكه موقوف، والعقود لا توقف على الجديد.
وشرط الثاني اختيار وتكليف، وأن لا
يتعلق به حق لازم، بخلاف المكره والصبي والمجنون كسائر عقودهم، ومن تعلق به حق لازم لانه إما معرض للبيع كالمرهون، والكتابة تمنع منه.
أو مستحق المنفعة كالمؤجر فلا يتفرع لاكتساب ما يوفي به النجوم.
وشرط في الثالث أن يكون مالا معلوما ولو منفعة في الذمة مؤجلا إلى أجل معلوم منجما بنجمين فأكثر.
وشرط في الرابع - وهو الصيغة - أن يكون لفظا يشعر بالكتابة، أو كتابة، أو إشارة أخرس مفهمة.
واللفظ إما إيجاب كقوله: كاتبتك، أو أنت مكاتب على دينارين تدفعهما إلي في شهرين، فإذا أديتهما إلي فأنت حر، وإما قبول كقول العبد قبلت ذلك.
وسيذكر المؤلف بعض هذه الاركان معنونا عنه بلفظ الشرط، وبقيتها تؤخذ من كلامه ضمنا.
(قوله: شرعا عقد الخ) أي وأما لغة: فهي الضم والجمع، وسمي المعنى الشرعي بها لان فيه ضم نجم إلى نجم، وللعرف الجاري بكتابة ما تضمنه العقد في كتاب.
(قوله: بلفظها) أي الكتابة.
(قوله: معلق) بالجر صفة لعتق.
(وقوله: بمال) أي بأدائه.
(قوله: منجم بنجمين) أي مؤقتا بوقتين، ويطلق النجم على القدر الذي يؤدي في وقت معين.
(قوله: وهي) أي الكتابة.
(وقوله: سنة) أي بالشروط الآتية.
(قوله: لا واجبة) صرح به مع علمه مما قبله توطئة للغاية بعده.
(قوله: وإن طلبها الرقيق) غاية لعدم الوجوب لا للسنية، وهي للرد على من قال بوجوبها إذا طلبها الرقيق تمسكا بقوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) * الآية، فحمل الامر على الوجوب، والجمهور حملوه على الندب قياسا على التدبير وشراء القريب الذي يعتق عليه ونحو ذلك، فلا تجب الكتابة وإن سألها الرقيق لئلا يتعطل أثر الملك وتستحكم المماليك على الملاك.
(قوله: كالتدبير) أي قياسا على التدبير في عدم وجوبه: أي ونحوه مما مر آنفا.
(قوله: بطلب الخ) ذكر للسنية قيودا ثلاثة: وهي الطلب، والامانة، والاكتساب، فإن فقد واحد منها كانت مباحة كما سيذكره.
وقال بعضهم: الطلب ليس قيدا للاستحباب وإنما هو قيد لتأكدها، فإن لم يطلبها فهي مسنونة من غير تأكد، بخلاف الشرطين فهما للاستحباب، فإن فقد أحدهما كانت مباحة.
(وقوله: عبد) المراد به الرقيق ولو أنثى.
(وقوله: أمين) أي فيما يكسبه بحيث لا يضيعه في معصية، فالمدار على كونه لا يضيع المال وإن لم يكن عدلا في دينه لترك صلاة ونحوها، وإنما اعتبرت الامانة في ذلك لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق.
(وقوله: مكتسب بما يفي مؤنته ونجومه) أي قادر على كسب ما يفي بذلك، وإنما اعتبرت القدرة على ذلك ليوثق بتحصيل النجوم.
(قوله: وشرط في
__________
(1) سورة النور، الاية: 33.(4/376)
صحتها) أي الكتابة.
(وقوله: لفظ) أي أو إشارة أخرس مفهمة، أو كتابة مع النية كما مر.
واللفظ إما صريح أو كناية كما تقدم، فمن الصريح ما ذكره بقوله كاتبتك الخ.
ومن الكناية قوله كاتبتك على كذا واقتصر عليه، فإن نوى بذلك الكتابة صحت وإلا فلا.
وإنما كان منها لاحتمال اللفظ لكتابة الخراج، وللكتابة التي الكلام فيها.
(قوله: إيجابا) حال من لفظ، أي حال كون اللفظ المذكور إيجابا الخ، أو خبر لكان مقدرة مع إسمها: أي كان ذلك اللفظ إيجابا وهو ما صدر من السيد.
وسيذكر مقابله.
(قوله: ككاتبتك) لا بد من إضافته إلى الجملة، فلو قال: كاتبت يدك مثلا، لم تصح.
اه.
بجيرمي.
(قوله: على كذا) أي على أن تعطيني كذا.
(قوله: منجما) أي مؤقتا بوقتين فأكثر - كما سيأتي في كلامه - وهو حال من لفظ كذا.
(قوله: مع قوله الخ) أي ولا بد أن ينضم إلى اللفظ المذكور قوله: إذا أديته الخ، والمراد بالقول ما يشمل قول النفس، إذ نية ذلك كافية كما صرح به في المنهاج ونصه: ولو ترك لفظ التعليق، أي قوله إذا أديته فأنت حر، ونواه جاز ولا يكفي لفظ كتابة بلا تعليق ولا نية على المذهب.
اه.
وإنما اشترط إنضمام ذلك لفظا أو نية إلى قوله كاتبتك ونحوه، لان لفظ الكتابة يصلح لهذا ويصلح للمخارجة، فاحتيج لتميزها بالضميمة المذكورة.
قال في التحفة: والتعبير بالاداء للغالب من وجود الاداء في الكتابة، وإلا فيكفي - كما قال جمع - أن يقول: فإذا برئت أو فرغت ذمتك منه فأنت حر.
(قوله: وقبولا) عطف على إيجابا، ولا بد أن يكون فورا، وبه تتم الصيغة، فلا تصح الكتابة بدونه كسائر العقود.
وإنما لم يكف الاداء بلا قبول كالاعطاء في الخلع لان هذا أشبع بالبيع من ذلك، ويكفي استيجاب وإيجاب، ككاتبني على كذا فيقول: كاتبتك.
(قوله: كقبلت ذلك) أي كقول المكاتب قبلت ذلك، فلو قبل أجنبي الكتابة من السيد ليؤدي عن العبد النجوم لم تصح، لمخالفته موضع الباب.
(قوله: وشرط فيها) أي في صحتها.
(قوله: من دين الخ) بيان للعوض، ولا فرق فيه بين أن يكون نقدا أو عرضا.
وخرج بالدين العين فلا تصح الكتابة عليها، لانه لا يملك الاعيان حتى يورد العقد عليها.
(قوله: أو منفعة) لو قال كما في المنهاج والمنهج: ولو منفعة لكان أولى، إذ المراد بالمنفعة المتعلقة بالذمة كأن يقول له: كاتبتك على بناء دارين في ذمتك في شهرين وهي دين، أما المنفعة المتعلقة بعين من الاعيان كأن كاتبه على منفعة دابتين معينتين لزيد يدفعهما له في شهرين، فلا تصح الكتابة عليها، إذ منفعة العين مثل العين، وهي لا تصح الكتابة عليها كما علمت.
نعم: المنفعة المتعلقة بين المكاتب تصح الكتابة عليها بشرطين: أن تتصل المنفعة المذكورة، كالخدمة والخياطة بالعقد، وأن تكون مع ضميمة شئ آخر إليها كدينار، ككاتبتك على أن تخدمني شهرا من الآن، أو تخيط لي ثوبا بنفسك وعلى دينار تأتي به بعد انقضاء الشهر، أو نصفه.
فلو أجل المنفعة لم
تصح لان الاعيان لا تقبل التأجيل فكذلك منافعها.
وكذلك لا تصلح إن لم تكن مع الضميمة المذكورة، لعدم تعدد النجم الذي هو شرط في صحة الكتابة، ولو اقتصر على خدمة شهرين وصرح بأن كل شهر نجم لم يصح أيضا، لانهما نجم واحد ولا ضميمة، ولو فرق بينهما كرجب ورمضان كان أولى بعدم الصحة، لانه يشترط في المنفعة المذكورة اتصالها بالعقد كما علمت.
(قوله: مؤجل) صفة لعوض، أي عوض مؤجل إلى أجل معلوم، فلا تصح الكتابة بالحال، لان الكتابة عقد خالف القياس في وضعه واتبع فيه سنن السلف.
والمأثور عن الصحابة فمن بعدهم قولا وفعلا إنما هو التأجيل، ولم يعقدها أحد منهم حالة، ولو جاز لم يتفقوا على تركه مع اختلاف الاغراض، خصوصا وفيه تعجيل عتقه.
واختار ابن عبد السلام والروياني في حليته جواز الحلول، وهو مذهب الامامين مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما.
فإن قيل: لو اقتصر المصنف على الاجل لاغنى عن الدينية، فإن الاعيان لا تقبل التأجيل.
أجيب: بأن دلالة الالتزام لا يكتفي بها في المخاطبات، وهذان وصفان مقصودان.
اه.
ونظر في التحفة في الجواب المذكور بأن دلالة المؤجل على الدين من دلالة التضمن لا الالتزام، لان مفهوم المؤجل شرعا دين تأخر وفاؤه، فهو مركب من شيئن.
ودلالة التضمن يكتفي بها في المخاطبات.
وأجاب بجواب آخر غيره، نظر فيه سم فانظره.(4/377)
(قوله: ليحصله) أي ذلك العوض وهو علة لاشتراط التأجيل.
(وقوله: ويؤديه) أي بعد تحصيله لسيده.
(قوله: منجم بنجمين فأكثر) صفة ثانية لعوض: أي عوض مؤقت بوقتين فأكثر، فالمراد بالنجم هنا الوقت، وسمي بذلك لان العرب كانت لا تعرف الحساب، وكانوا يبنون أمورهم على طلوع النجم، فيقول أحدهم: إذا طلع النجم أديت حقك ونحو ذلك، فسميت الاوقات نجوما لذلك.
ويطلق النجم أيضا على المؤدي في الوقت كما مر.
قال في المغني: تنبيه: قضية إطلاقه أنها تصح بنجمين قصيرين ولو في مال كثير، وهو كذلك لامكان القدرة عليه، كالسلم إلى معسر في مال كثير إلى أجل قصير.
اه.
(قوله: كما جرى عليه أكثر الصحابة) الكاف للتعليل: أي وإنما اشترط أن يكون منجما بنجمين فأكثر، لانه هو الذي جرى عليه أكثر الصحابة، أي ومن بعدهم، فلو كفى نجم لفعلوه، لانهم كانوا يبادرون إلى القربات والطاعات ما أمكن، ولان الكتابة عقد إرفاق، ومن تتمة الارفاق التنجيم بنجمين فأكثر.
(قوله: ولو في مبعض) غاية في اشتراط التأجيل، والتنجيم بنجمين يعني أنه يشترط ما ذكر في صحة الكتابة ولو بالنسبة لمبعض كوتب كتابة صحيحة فيما رق منه وهو قادر على أداء العوض في الحال، أو دون نجمين، لما علمت من أن الكتابة عقد خالف القياس الخ.
(قوله:
مع بيان قدره) صفة ثالثة لعوض، أي عوض مصحوب ببيان قدره: أي ويشترط لصحة الكتابة أن يبين قدر العوض.
(وقوله: وصفته) أي ومع بيان صفة العوض: أي وجنسه ونوعه، وذلك لانه عوض في الذمة، فاشترط فيه بيان ذلك كدين السلم.
قال في التحفة: نعم، الاوجه أنه يكفي نادر الوجود.
اه.
وفي الروض: هل يشترط بيان موضع التسليم للنجوم أو لا ؟ فيه الخلاف المذكور في السلم.
قال في شرحه: قضيته ترجيح الاول إن وقع العقد بموضع لا يصلح لتسليمها، أو يصلح له، ولحملها مؤنة.
وبه جزم القاضي وغيره.
اه.
(قوله: وعدد النجوم) أي وبيان عدد النجوم كشهرين أو ثلاثة.
(قوله: وقسط كل نجم) أي وبيان ما يؤديه في كل نجم من العوض لسيده كخمسة، أو عشرة.
(قوله: ولزم سيدا) مثله وارثه ولو تعدد السيد واتحد المكاتب وجب الحط.
(قوله: في كتابة صحيحة) خرج بها الكتابة الفاسدة فلا حط فيها لان المغلب فيها التعليق بالصفة، وهي لا توجد إلا إن أدى ما كاتبه عليه، فلو حط عنه منه شيئا لم توجد الصفة فلا يعتق.
(قوله: قبل عتق) فإن أخر الحط عنه أثم وكان قضاء.
وعبارة التحفة مع الاصل: والاصح أن وقت وجوبه قبل العتق، أي يدخل وقت أدائه بالعقد ويتضيق إذا بقي من النجم الاخير قدر ما يفي به من مال الكتابة لما مر أنه ليس القصد به إلا الاعانة على العتق، فإن لم يؤد قبله، أدى بعده وكان قضاء.
اه.
(قوله: حط متمول) فاعل لزم، أي لزمه حط متمول وإن قل كشئ من جنس النجوم قيمته درهم نحاس، ولو كان المالك متعددا.
ويقوم مقام الحط أن يدفع السيد جزءا معلوما من جنس مال الكتابة، أو من غيره برضاه، ولكن الحط أولى من الدفع، لان الاعانة على العتق بالحط محققة وبالدفع موهومة، لانه قد يصرف المدفوع من جهة أخرى.
وإذا مات السيد وقام مقامه وارثه في الحط قدمه على مؤن التجهيز.
(قوله: لقوله تعالى) دليل للزوم الحط، ووجه الدلالة أن آتوهم أمر، والامر للوجوب.
ولم يقم دليل على حمل الايتاء على الاستحباب، فيعمل بما اقتضاه الظاهر.
واستثنى من وجوب الايتاء ما لو كاتبه في مرض موته، والثلث لا يحتمل أكثر من قيمته، وما لو كاتبه على منفعته، وما لو أبرأه من النجوم، أو باعه من نفسه، أو أعتقه ولو بعوض، فلا يجب شئ في ذلك.
(قوله: فسر الايتاء بما ذكر لان الخ) أي فسسر المفسرون الايتاء في الآية بالحط، مع أن المتبادر منه الدفع، لان القصد الخ.
وفيه أن المفسرين لم يقتصروا في تفسير الايتاء على الحط، بل فسروه به وبالدفع، فكان على المؤلف أن يزيد لفظ: أو دفعه بعد قوله حط متمول، ويكون المراد بقوله بما ذكر: أي بالحط والدفع.
ثم رأيت في المنهج ذكر
__________
(1) سورة النور، الاية: 33.(4/378)
الزيادة المذكورة.
وقال في شرحه: وفسر الايتاء بما ذكر لان القصد الخ.
وكتب البجيرمي ما نصه: قوله وفسر الخ.
أي وإنما فسر الايتاء بما يشمل الحط وإن كان المتبادر منه الدفع، لان القصد الخ.
اه.
وهو الظاهر الموافق لما في التفاسير.
ولعل تلك الزيادة سقطت من النساخ.
فتنبه.
(قوله: وكونه) أي الذي يقصد حطه.
(وقوله: ربعا فسبعا أولى) عبارة المغني مع الاصل: ويستحب الربع، أي حط قدر ربع مال الكتابة إن سمح به السيد، وإلا فالسبع.
روى حط الربع النسائي وغيره عن علي.
وروي عنه رفعه إلى النبي (ص)، وروى حط السبع مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما.
قال البلقيني: بقي بينهما حط السدس.
رواه البيهقي عن أبي سعيد مولى أبي أسد.
اه.
(قوله: ولا يفسخها) أي الكتابة الصحيحة، لانها لازمة من جهته لكونها عقدت لحظ مكاتبه، وهو تخليصه من الرق لا لحظ نفسه، أما الكتابة الفاسدة، وهي ما اختلت صحتها بفساد شرط، كشرط أن يبيعه كذا، أو كتابة بعض رقيق، أو فساد عوض مقصود كخمر، أو فساد أجل كنجم واحد، فللسيد أن يفسخها كالمكاتب لانها جائزة من جهتهما.
وأما الكتابة الباطلة، وهي ما اختلت صحتها باختلال ركن من أركانها، ككون أحد العاقدين صبيا، أو مجنونا، أو مكرها أو عقدت بغير مقصود كدم فهي ملغاة.
واعلم: أن الفاسد والباطل بمعنى واحد إلا في الكتابة، فيفرقون بينهما، وكذلك في الحج والعارية والخلع.
واعلم: أنها كما لا يجوز للسيد أن يفسخها، لا تنفسخ أيضا بالجنون والاغماء والحجر، سواء كان ذلك من السيد أو من المكاتب، لان اللازم من أحد الطرفين لا ينفسخ بشئ من ذلك كالرهن، ويقوم ولي السيد مقامه في قبضه، ويقوم الحاكم مقام المكاتب في أدائه إن وجد له مالا، ولم يأخذ السيد استقلالا، وثبتت الكتابة، وحل النجم، وحلف السيد على استحقاقه ورأى أن له مصلحة في الحرية، فإن استقل السيد بالقبض، عتق لحصول القبض، المستحق.
وإن رأى الحاكم أنه يضيع إذا أفاق لم يؤد عنه - كما قاله الغزالي - قال الشيخان: وهذا حسن، وإن لم يجد له مالا مكن السيد من التعجيز والفسخ.
فإذا فسخ عاد المكاتب قنا له وعليه مؤنته، فإن أفاق أو ارتفع الحجر وظهر له مال، كأن حصله قبل فسخ السيد، دفعه الحاكم إلى السيد، ونقض تعجيزه وفسخه وحكم بعتقه.
(قوله: إلا إن عجز الخ) إستثناء من قوله ولا يفسخها.
(قوله: عن أداء) متعلق بعجز.
(قوله: عند المحل) متعلق بأداء - وهو بكسر الحاء -: أي وقت الحلول، ولو استمهل المكاتب سيده لعجزه عند المحل، سن إمهاله مساعدة له في تحصيل النجوم ليحصل العتق، أو استمهله لبيع عرض وجب إمهاله، أو لاحضار ماله من دون مسافة القصر وجب إمهاله أيضا لانه كالحاضر، بخلاف ما لو كان فوق ذلك، فلا يجب إمهالمه لطول المدة، وله أن لا يزيد في مدة الامهال على
ثلاثة أيام، ولو كان لكساد سلعته، لانها المدة المغتفرة شرعا، فليس له الفسخ فيها، وله الفسخ فيما زاد عليها.
(قوله: لنجم) متعلق بأداء أيضا (وقوله: أو بعضه) أي بعض النجم، ومحله في غير الواجب في الايتاء، فإن عجز عن بعضه الواجب في الايتاء فليس للسيد الفسخ، ولا يحصل التقاص فيه، لان للسيد أن يدفع غيره.
(قوله: أو امتنع عنه عند ذلك) أي وإلا إن امتنع المكاتب عن الاداء عند المحل فللسيد أن يفسخها.
(وقوله: مع القدرة عليه) أي على الاداء، وامتناع العبد عن الاداء حينئذ جائز، لان الكتابة جائزة من جهته كما سيأتي.
(قوله: أو غاب عند ذلك) أي أو إلا إن غاب المكاتب عند المحل.
(قوله: وإن حضر ماله أو كانت الخ) غايتان لجواز فسخ السيد إذا غاب المكاتب: أي للسيد فسخها إذا غاب وإن حضر ماله، أو كانت غيبته دون مسافة القصر.
(قوله: فله فسخها الخ) مفرع على الصور الثلاث: أي وإذا عجز المكاتب، أو امتنع، أو غاب، فللسيد أن يفسخ الكتابة بنفسه، أو بحاكم.
وقيده البلقيني بما إذا لم يأذن له السيد في السفر وينظره إلى حضوره، وإلا فليس له الفسخ.
(قوله: متى شاء) أي الفسخ، ومنه يعلم أنه لا بد من الفسخ،(4/379)
ولا يحصل بمجرد التعجيز.
(قوله: وليس للحاكم الاداء الخ) أي بل يمكن السيد من الفسخ لان المكاتب ربما عجز نفسه أو امتنع من الاداء لو حضر.
(وقوله: الغائب) صفة للمكاتب.
(قوله: وله) أي للمكاتب فسخ: أي لانها جائز من جهته خلافا لابي حنيفة رضي الله عنه في قوله أنها لازمة من جهته أيضا.
(قوله: كالرهن بالنسبة للمرتهن) أي فإنه جائز من جهته.
(قوله: فله) أي للمكاتب.
(وقوله: ترك الاداء) أي أداء النجوم.
(وقوله: والفسخ) بالرفع عطف على ترك.
(وقوله: وإن كان معه وفاء) أي له ذلك مطلقا، سواء كان معه ما يوفي به النجوم أم لا، لجوازها من جهته كما علمت.
(قوله: وحرم عليه) أي على السيد المكاتب - بكسر التاء -.
(وقوله: تمتع) أي مطلقا، ولو بالنظر لانها كالاجنبية.
(قوله: لاختلال ملكه) أي لضعف ملكه فيها.
(قوله: ويجب بوطئه لها مهر) أي وإن طاوعته لشبهة الملك.
اه.
شرح المنهج.
وقوله: لشبهة الملك: دفع لما قد يقال إذا طاوعته كانت زانية، فكيف لها المهر، وحاصله أن لها شبهة دافعة للزنا وهي الملك.
اه.
بجيرمي قال ع ش: ولا يتكرر المهر بتكرر الوطئ إلا إذا وطئ بعد أداء المهر.
اه.
(قوله: لاحد) أي لا يجب عليه حد بوطئه لها، وإن علم التحريم واعتقده لانها ملكه.
نعم، يعزر من علم التحريم منهما.
(قوله: والولد حر) أي وإذا أحبلها وولدت منه يكون الولد حرا، لانها علقت به وهي في ملكه.
قال في المنهج وشرحه: ولا يجب عليه قيمتها لانعقاده حرا وصارت بالولد مستولدة مكاتبة، فإن عجزت عتقت بموت السيد.
اه.
(قوله: وله أي
للمكاتب) بفتح التاء.
(وقوله: شراء إماء) أي توسعا له في طريق الاكتساب.
(قوله: لا تزوج) أي ليس له أن يتزوج لما فيه من المؤن، ولانه عبد ما بقي عليه درهم.
وليس للمكاتبة أيضا أن تتزوج خوفا من موتها بالطلق فيفوت حق السيد.
(قوله: إلا بإذن سيده) أي فله التزوج حينئذ.
(قوله: ولا تسر ولو بإذنه) أي لا يجوز له التسري مطلقا، سواء كان أذن سيده له فيه أم لا، لضعف ملكه، وخوفا من هلاك الجارية بالطلق لو حبلت، فمنعه من الوطئ كمنع الراهن من وطئ المرهونة، فإن خالف ووطئ فلا حد عليه لانه ملكه، والولد منه يلحقه ويتبعه رقا وعتقا، فإن عتق هو عتق ولده، وإلا رق وصار للسيد، ولا تصير الامة به أم ولد، لانعقاده رقيقا مملوكا لابيه.
(قوله: يعني لا يجوز له وطئ مملوكته) أي وإن لم ينزل، وإنما حمل التسري على مطلق الوطئ لان حقيقة التسري ليست مرادة هنا، وذلك لانه يعتبر فيها أمران: حجب الامة عن أعين الناس، وإنزاله فيها، وهما ليسا بشرط هنا.
أفاده في النهاية.
(قوله: وما وقع للشيخين) مبتدأ خبره مبني.
(وقوله: في موضع) أي من كتبهما.
(وقوله: مما يقتضي الخ) بيان لما.
(وقوله: جوازه) أي الوطئ.
(وقوله: بالاذن) أي بإذن السيد.
(قوله: أن القن الخ) بدل من الضعيف، أو عطف بيان له.
(وقوله: يملك بتمليك السيد) له وجه بناء جواز وطئ الكاتب لامته على ملك الرقيق بتمليك السيد له أن الملك يستلزم جواز وطئه للامة التي ملكها سيده له، وإذا كان الرقيق يجوز وطؤه على هذا الوجه فالمكاتب من باب أولى، لان له ملكا في الجملة.
(قوله: قال شيخنا) أي في التحفة.
(وقوله: ويظهر أنه) أي المكاتب.
(وقوله: ليس له الاستمتاع بما دون الوطئ) أي لان من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
(وقوله: أيضا) أي كما لا يجوز له الوطئ.
(قوله: ويجوز للمكاتب بيع الخ) الحاصل يجوز للمكاتب التصرف فيما فيه تنمية المال كالبيع والشراء والاجارة، لا فيما فيه نقصه واستهلاكه كالهبة والصدقة والهدية، ولا فيما فيه خطر كقرض وبيع نسيئة وإن استوثق برهن أو كفيل، إلا بإذن السيد.
(قوله: لاهبة وصدقة) أي لا يجوز له ذلك.
نعم، ما تصدق به عليه من نحو لحم وخبز مما العادة فيه أكله، وعدم بيعه له إهداؤه لغيره.(4/380)
(قوله: فرع) الاولى فرعان لذكره لهما: الاول: قوله لو قال السيد الخ، والثاني: قوله ولو قال كاتبتك الخ.
(قوله: لو قال السيد الخ) أي لو ادعى السيد على المكاتب بعد قبضه نجوم الكتابة أنك فسخت عقد الكتابة قبل أن تؤديني المال، فأنكر المكاتب ذلك، فإن أقام السيد بينة على ما ادعاه سمعت وإلا صدق المكاتب بيمينه.
(قوله: كنت) بتاء المخاطب.
(وقوله: فسخت) أي قبل قبض المال.
(قوله: فأنكر المكاتب) أي أصل الفسخ، أو كونه قبل قبض المال
منه.
(قوله: صدق) أي المكاتب بيمينه إن لم يأت السيد بالبينة.
(قوله: لان الاصل عدم الفسخ) لو قال لان الاصل عدم ما ادعاه السيد لكان أولى، ليشمل الصورة الثانية وهي ما إذا أنكر كونه قبل قبض المال.
(قوله: وعلى السيد البينة) أي على ما ادعاه، فإن أقامها سمعت وفسخت الكتابة، وبقي العبد على رقه.
(قوله: ولو قال) أي السيد للمكاتب.
(قوله: وأنا صبي) في المنهاج والمنهج إسقاطه والاقتصار على قوله.
كاتبتك وأنا مجنون، أو محجور علي، وهو الاولى ليلائم قوله بعد إن عرف له ذلك، إذ هو إنما يظهر فيهما.
(قوله: أو محجور علي) أي بسفه، تحفة ونهاية.
(قوله: فأنكر المكاتب) أي ما ادعاه السيد وقال له: بل كاتبتني وأنت بالغ عاقل رشيد.
(قوله: حلف السيد) أي وصدق بحلفه.
(قوله: إن عرف له ذلك) أي ما ادعاه من الجنون والحجر، وذلك لقوة جانبه حينئذ لكون الاصل بقاءه، ومن ثم صدقناه مع كونه مدعيا للفساد على خلاف القاعدة، وهو مخالف لما ذكروه في النكاح من أنه لو زوج بنته ثم قال: كنت محجورا علي، أو مجنونا يوم زوجتها، لم يصدق وإن عرف له ذلك.
وفرق بأن الحق ثم تعلق بثالث وهو الزوج بخلافه هنا.
(قوله: وإلا فالمكاتب) أي وإن لم يعرف للسيد ما ادعاه، فيحلف المكاتب ويصدق بحلفه.
(وقوله: لان الاصل عدم ما ادعاه السيد) أي ولضعف جانبه بفقد القرينة.
(قوله: إذا أحبل الخ) شروع في الاعتاق بالفعل، وهو الاستيلاد.
وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة.
وختم كتابه به لان العتق فيه يعقب الموت الذي هو خاتمة أمر العبد في الدنيا، وهو قربة في حق من قصد به حصول ولد وما يترتب عليه من العتق وغيره من القربات - كما تقدم - واختلف فيه هل هو أقوى من العتق باللفظ، أو العتق باللفظ أقوى منه ؟ ذهب ابن حجر إلى الاول، وعلله بنفوذه من المجنون والمحجور عليه بسفه، وذهب م ر إلى الثاني وعلله بأن اللفظ ينفذ قطعا بخلافه بالاستيلاد لجواز أن تموت المستولدة أو لا، وبأنه مجمع عليه، بخلاف الاستيلاد.
والاصل فيه أنه (ص) قال في مارية أم إبراهيم لما ولدت أعتقها ولدها: أي أثبت لها حق الحرية.
رواه الحاكم، وقال أنه صحيح الاسناد.
وخبر: أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه.
أي بعد آخر جزء من حياته.
رواه ابن ماجة والحاكم وصحح إسناده، وخبر الصحيحين: عن أبي موسى قلنا يا رسول الله إنا نأتي السبايا ونحب أثمانهن فما ترى في العزل، أي الانزال خارج الفرج ؟ فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا.
ما من نسمة كائنة أو مقدرة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة، أي موجودة.
ففي قولهم ونحب أثمانهن دليل على أن بيعهن بالاستيلاد ممتنع.
واستشهد البيهقي لامتناع بيعها بقول عائشة رضي الله عنها: لم يترك رسول الله (ص) دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة.
قال: ففيه دلالة على أنه لم يترك أم إبراهيم رقيقة، وأنها عتقت بعد موته.
وقد استنبط سيدنا عمر رضي الله عنه امتناع بيع أم الولد من قوله تعالى: *
(فعل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم) * فقال وأي قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ منكم ؟ وكتب إلى الآفاق لا تباع أم امرئ منكم، فإنه قطيعة، وأنه لا يحل.
رواه البيهقي مطولا.
تنبيه: آثر التعبير بإذا على التعبير بأن لان أن تختص بالمشكوك والموهوم والنادر، بخلاف إذا فإنها للمتيقن والمظنون.
ولا شك أن إحبال الاماء كثير مظنون بل متيقن، ونظيره قوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) * الخ.
وقوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) *.
فخص الوضوء بإذا لتكرره وكثرة أسبابه، والجنابة بأن لندرتها.
أفادته في التحفة.
__________
(1) سورة محمد صلى الله عليه وسلم، الاية: 22.
(2) سورة المائدة، الاية: 6.
(3) المائدة، الاية: 6.(4/381)
(قوله: حر) أي كله أو بعضه، فينفذ إيلاد المبعض في أمته التي ملكها ببعضه الحر.
لا يقال إنه لا يصح إعتقاه لانه ليس أهلا للولاء، لانا نقول لا رق بعد الموت، فبموته الذي يحصل به عتق أم ولده ينتفي كونه ليس أهلا للولاء، ومن ثم صح تدبيره.
ويشترط فيه أن يكون بالغا، فلا ينفذ إيلاد الصبي وإن لحقه الولد عند إمكان كونه منه، لان النسب يكفي فيه الامكان احتياطا له، ومع ذلك لا يحكم ببلوغه، لان الاصل عدمه، وبذلك يلغز فيقال لنا أب غير بالغ.
ولا يشترط أن يكون عاقلا مختارا، وينفذ إيلاد المجنون والسفيه، بخلاف المفلس فلا ينفذ إيلاده على المعتمد، لانه كالراهن المعسر، خلافا للبلقيني في اعتماده نفوذه.
وخرج بالحر المكاتب فلا ينفذ إيلاده، فلو مات لا تعتق بموته أمته ولا ولدها، ولو مات حرا بأن أدى نجوم الكتابة قبل الموت.
كذا في المغني.
(قوله: أمته) أي ولو تقديرا، كأن وطئ الاصل أمة فرعه التي لم يستولدها فيقدر دخولها في ملك الاصل قبيل العلوق، ومثلها أمة مكاتبه أو مكاتبة ولده.
ويشترط فيها شرطان: الاول: أن تكون مملوكة للسيد حال علوقها منه، الثاني: أن لا يتعلق بها حق لازم للغير، فخرجت المرهونة إذا أولدها الراهن المعسر بغير إذن المرتهن، فلا ينفذ إيلاده إلا إن كان المرتهن فرعه - كما بحثه بعضهم - فإن انفك الرهن نفذ في الاصح، وخرجت الجانية المتعلق برقبتها مال إذا أولدها مالكها المعسر، فلا ينفذ إيلاده إلا إن كان المجني عليه فرع مالكها.
(قوله: أي من له فيها ملك) تفسير مراد للامة، وهو يشمل الامة المشتركة فينفذ استيلاده في نصيبه، ويسري إلى نصيب شريكه إن أيسر بقيمته، وإلا فلا يسري كما تقدم.
(وقوله: وإن قل) أي ملكه الحاصل فيها كسدس.
(قوله: ولو كانت مزجة) غاية في الامة.
ولو أخرها عن قوله عتقت بموته وجعلها غاية له لكان أولى.
(قوله: أو محرمة) هي بضم
الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة، عطف على مزوجة من عطف العام على الخاص: أي ولو كانت محرمة عليه بسبب حيض، أو نفاس، أو إحرام، أو فرض صوم، أو اعتكاف، أو لكونه قبل استبرائها، أو لكونها محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة، أو معتمدة، أو مجوسية، أو مرتدة.
(قوله: لا إن أحبل الخ) فاعل الفعل وارث، ولفظ أمة مضاف إلى تركة، وهي مضافة إلى مدين.
والمراد به المورث، أي لا تعتق بالموت إن أحبل وارث معسر أمة مورث مدين، لتعلق حق الغرماء بها، وقد تقدم أنه يشترط فيها أن لا يتعلق بها حق لازم للغير.
(قوله: فولدت) معطوف على أحبل: أي أحبلها فولدت.
قال في التحفة: أي في حياة السيد أو بعد موته بمدة يحكم بثبوت نسبه منه، وفي هذه الصورة الاوجه كما رجحه بعضهم أنها تعتق إلى حين الموت فتملك كسبها بعده.
اه.
(وقوله: تعتق الخ) أي يتبين عتقها من حين الموت، وقيل تعتق من حين الولادة.
(وقوله: حيا أو ميتا) أي بشرط أن ينفصل جميعه، فإن انفصل بعضه ولم ينفصل باقيه لم تعتق إلا بتمام انفصاله، ولو ولدت أحد توأمين عتقت وإن لم ينزل الآخر.
(قوله: أو مضغة) معطوف على حيا: أي أو ولدت مضغة.
(وقوله: مصورة) أي فيها صورة آدمي ظاهرة أو خفية أخبر بها القوابل، ويعتبر أربع منهن، أو رجلان، أو رجل وامرأتان - بخلاف ما لم يكن فيها صورة آدمي، وإن قلن لو بقيت لتخططت -.
(قوله: عتقت) جواب إذا.
(وقوله: بموته) أي ولو بقتلها له، وهذا مستثنى من قوله من استعجل بشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه، لتشوف الشارع إلى العتق.
وفي البجيرمي: قال الشوبري.
(فإن قيل) إذا كانت الولاية هي الموجبة للعتق فلم وقف على موت السيد ؟.
قيل: لان لها حقا بالولادة وللسيد حقا بالملك، وفي تعجيل عتقها بالولادة إبطال لحقه من الكسب والاستمتاع، ففي تعليقه بموت السيد حفظ للحقين فكان أولى.
اه.
(قوله: من رأس المال) متعلق بعتق: أي عتقها يحسب من رأس المال لا من الثلث سواء استولدها في الصحة أو المرض، أو نجز عتقها في مرض موته، ولا نظر إلى ما فوته من منافعها التي كان يستحقها إلى موته، لان الاستيلاد(4/382)
كالاتلاف بالاكل واللبس وغير ذلك من اللذات، وبالقياس على من تزوج امرأة بمهر مثلها في مرض موته.
(قوله: مقدما الخ) حال من العتق: أي ويحسب العتق من رأس المال حال كونه مقدما على قضاء الديون ولو لله تعالى كالكفارة، ولو على نفوذ الوصايا، ولو لجهة عامة كالفقراء.
(قوله: وإن حبلت في مرض موته) غاية في حسبان العتق من رأس المال
وتقديمه على الديون والوصايا: أي يحسب من رأس المال، ويقدم على الديون والوصايا، وإن حبلت في مرض موته، وإن أوصى بها من الثلث لما مر وتلغو وصيته.
(قوله: كولدها) أي المستولدة، والكاف للتنظير في العتق من رأس المال وتقديمه على الديون والوصايا.
(وقوله: الحاصل) أي من غير السيد، أما الحاصل منه فإنه ينعقد حرا.
(قوله: بنكاح) متعلق بالحاصل.
(وقوله: بعد وضعها) متعلق بالحاصل.
وخرج به ولدها الحاصل من غير سيدها قبل أن تضع ولدا لسيدها، فإنه لا يعتق من رأس المال بموت السيد، بل يكون رقيقا يتصرف فيه بما شاء من التصرفات، لحدوثه قبل استحقاق الحرية للام.
(قوله: ولدا للسيد) مفعول وضعها.
(قوله: فإنه يعتق من رأس المال) أي فإنه يكون مملوكا للسيد ويعتق من رأس المال بموته، لسريان الاستيلاد إليه: أي ويقدم على الديون والوصايا.
(قوله: وإن ماتت الخ) غاية في كونه يعتق من رأس المال: أي يعتق من رأس المال وإن ماتت أمته قبل موت السيد، لانه حق استحقه في حياة أمه فلا يسقط بموتها.
ولو أعتق السيد مستولدته قبل موته لم يعتق ولدها تبعا لها، فإذا مات السيد بعد ذلك عتق بموته.
(قوله: وله وطئ أم ولد) أي وللسيد أن يطأ أم ولده.
(وقوله: إجماعا) أي ولخبر الدارقطني: أمهات الاولاد لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيا، فإذا مات فهي حرة.
ومحل جواز وطئها إذا لم يقم بها مانع ككونها محرما، أو مسلمة وهو كافر، أو موطوءة أبيه ونحو ذلك.
(قوله: واستخدامها) معطوف على وطئ: أي وله استخدامها، أي طلب الخدمة بجميع أنواعها لانها كالقنة في جميع الاحكام ما لم تكن مكاتبة، وإلا امتنع الاستخدام وغيره مما ذكر معه.
(قوله: وإجارتها) معطوف أيضا على وطئ: أي وله إجارتها: أي لغيرها، أما إذا أجرها نفسها فإنه لا يصح، لان الشخص لا يملك منفعة نفسه بعقد.
وهل لها أن تستعير نفسها من سيدها ؟ قياس ما قالوه في الحر أنه لو أجر نفسه وسلمها ثم استعارها جاز أنه هنا كذلك، ولو مات السيد بعد أن أجرها، انفسخت الاجارة.
(قوله: وكذا تزويجها بغير إذنها) إنما فصله عما قبله لان فيه خلافا، والاصح ما ذكره: أي وكذلك للسيد أن يزوجها جبرا بغير إذنها على الاصح، لبقاء ملكه عليها وعلى منافعها، إلا إن كان السيد كافرا وهي مسلمة فلا يزوجها هو، بل يزوجها الحاكم لانه لا ولاية للكافر على المسلمة.
(قوله: لا تمليكها لغيره) أي لا يجوز للسيد أن يملكها لغيره لانها لا تقبل النقل، وما رواه أبو داود عن جابر رضي الله عنه قال: كنا نبيع سرارينا أمهات الاولاد والنبي (ص) حي لا نرى بذلك بأسا أجيب عنه بأنه منسوخ على فرض إطلاع النبي (ص) على ذلك مع كونه قبل النهي، أو أنه منسوب إلى النبي (ص) استدلالا واجتهادا، أي من جابر حيث غلب على ظنه أن النبي (ص) اطلع عليه وأقره.
فيقدم عليه ما نسب إليه (ص) قولا ونصا وهو نهيه (ص) عن بيع أمهات الاولاد في
خبر الدارقطني السابق، وهو وإن كان نفيا لفظا لكنه نهي معنى.
(قوله: فيحرم ذلك) أي تمليكها لغير.
ببيع أو هبة.
(قوله: وكذا رهنها) أي وكذا لا يصح رهنها لما فيه من التسليط على بيعها.
(قوله: كولدها التابع لها) أي بأن كان من غير السيد كما مر.
(وقوله: في العتق بموت السيد) متعلق بالتابع لها.
(قوله: فلا يصح تمليكه) أي ولدها التابع لها، أي ولا رهنه، ويصح استخدامه وإجارته وإعارته وإجباره على النكاح إن كان أنثى لا إن كان ذكرا.
والحاصل: يمتنع على السيد التصرف فيه بما يمتنع فيها، ويجوز له التصرف فيه بما يجوز فيها ما عدا الوطئ.
(وقوله: من غيره) أي على غيره أو لغيره، فمن بمعنى على أو اللام.
(وقوله: كالام) أي أمه، فإنه لا يصح(4/383)
تمليكها لغيره كما صرح به فيما قبل.
(قوله: بل لو حكم به) أي بالتمليك، أي صحته في الام وولدها التابع لها.
(وقوله: نقض) أي لمخالفته الاجماع، وما وقع الخلاف بين أهل القرن الاول فقد انقطع وانعقد الاجماع على منع التمليك.
(قوله: وتصح كتابتها) أي أم الولد لما علمت من بقاء ملكه عليها.
(قوله: وبيعها من نفسها) أي ويصح على نفسها لانه عقد عتاقة، وكبيعها من نفسها هبتها لها وقرضها لنفسها، ويجب عليها في صورة القرض رد مثلها الصوري وهو جارية مثلها، فالبيع لها ليس بقيد.
(قوله: ولو ادعى ورثة سيدها) أي على المستولدة.
(وقوله: مالا له) أي لسيدها.
(قوله: بيدها قبل موته) أي كائنا ذلك المال تحت يدها من قبل موت السيد.
(قوله: فادعت تلفه) أي فأقرت به وادعت أنه تلف قبل الموت.
(قوله: صدقت بيمينها) أي لان يدها عليه قبل الموت يد أمانة.
(قوله: فإن ادعت تلفه بعده) أي بعد الموت.
(قوله: لم تصدق فيه) أي في التلف، لان يدها عليه حينئذ يد ضمان، لانه ملك الغير وهي حرة.
اه.
تحفة.
(قوله: فيمن أقر بوطئ أمته) مفهومة أنه إذا أنكر لا تصدق.
(قوله: فادعت الخ) أي وأنكر هو ما ادعته: (وقوله: أسقطت منه ما تصير به أم ولد) أي كمضغة تصورت.
(قوله: بأنها تصدق) متعلق بأفتى.
قال في النهاية: وفي فروع ابن القطان: لو قالت الامة التي وطئها السيد ألقيت سقطا صرت به أم ولد، فأنكر السيد إلقاءها ذلك، فمن المصدق، وجهان: قال الاذرعي: الظاهر أن القول قول السيد لان الاصل معه، لاسيما إذا أنكر الاسقاط والعلوق مطلقا.
وفيما إذا اعترف بالحمل احتمال، والاقرب تصديقه أيضا إلا أن تمضي مدة لا يبقى الحمل منتسبا إليها.
اه.
(قوله: إن أمكن ذلك) أي سقوط حمل منها تصير به أم ولد، بأن أسقطته بعد مضي مائة وعشرين يوما من الوطئ.
(قوله: بيمينها) متعلق بتصدق.
(قوله: فإذا مات عتقت) أي فإذا صدقناها بيمينها ومات السيد عتقت بموته.
(قوله: أعتقنا الله تعالى) هذه الجملة دعائية، فهي خبرية لفظا إنشائية معنى.
ثم أنه يحتمل أن الشارح قصد نفسه فقط مع تعظيمها إظهارا لتعظيم الله له حيث أهله للعلم، فيكون من باب التحدث بالنعمة.
قال الله تعالى: * (وأما بنعمة ربك فحدث) *.
ولا ينافيه أن مقام الدعاء يقتضي الذلة والخضوع، لان الشخص إذا نظر لنفسه احتقرها بالنسبة لعظمة الله تعالى، وإذا نظر لتعظيم الله له عظمها.
ويحتمل أنه أراد به نفسه وإخوانه المسلمين، وهو أولى لان الدعاء مع التعميم أقرب إلى القبول، وجميع ما ذكر يجري في الجملتين بعد.
ثم إن المراد بالعتق هنا الخلاص، فمعنى أعتقنا الله خلصنا الله، وليس المراد حقيقته التي هي إزالة الملك عن الآدمي، فيكون في الكلام استعارة تبعية، وتقريرها أن تقول شبه تخليص الله له من النار بمعنى العتق بجامع إزالة الضرر وحصول النفع في كل، واستعير العتق من معناه الاصلي لتخليص الله له من النار.
ولا تخفى مناسبة هذا الدعاء هنا على بصير، وفيه إشارة إلى أنه خلص من تأليف هذا الشرح المبارك العميم النفع ففيه من المحسنات البديعية براعة المقطع.
وتسمى حسن الختام، وهي الاتيان في أواخر حسن ابتدائي به أرجو الكلام نظما أو نثرا بما يدل على التمام كقول بعضهم التلخص من نار الجحيم وهذا حسن مختتمي (قوله: من النار) هي جرم لطيف نوري علوي، وهي في الاصل اسم لبعيدة القعر - كما في القاموس - والمراد بها دار العذاب بجميع طبقاتها السبع التي أعلاها جهنم وتحتها لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية،
__________
(1) سورة الضحى، الاية: 11.(4/384)
وباب كل من داخل الاخرى.
أعاذنا الله والمسلمين منها.
(قوله: وحشرنا في زمرة المقربين) الحشر بمعنى الجمع، وفي بمعنى مع، وزمرة - بضم الزاي - بمعنى جماعة.
ويحتمل أن المراد بالحشر الدخول، وفي باقية على معناها.
وعلى كل فإضافة زمرة لما بعد للبيان.
والمعنى على الاول: وجمعنا مع جماعة هي المقربون من الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين المذكورين في آية: * (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم) * الخ.
وعلى الثاني: أدخلنا فيهم، والمراد جمعنا معهم في دار السلام أو أدخلنا فيهم، وذلك لنستمتع في الجنة برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في الدرجات العلى بالنسبة إلى غيرهم، ولذلك سبب وهو محبتهم واقتفاء آثارهم، لما أخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في صفة الجنة، وحسنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال:
يا رسول الله: إنك لاحب إلي من نفسي، وأنك لاحب إلي من ولدي، وأني لاكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك.
فلم يرد عليه النبي (ص) حتى نزل جبريل بقوله تعالى: * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) *.
وفي رواية: عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي (ص) عن الساعة فقال: متى الساعة ؟ قال: وما أعددت لها ؟ قال: لا شئ إلا أني أحب الله ورسوله.
فقال: أنت مع من أحببت.
قال أنس فأنا أحب النبي (ص) وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم.
والمراد بالمعية في الحديث المذكور وفي الآية التردد للزيارة والحضور للتأنس بهم، مع أن مقر كل منهم الدرجات التي أعدها الله لهم، وليس المراد أنهم يكونون في درجة واحدة، لانه يقتضي استواء الفاضل والمفضول في الدرجة، وليس كذلك، بل يكون كل في درجة.
ولكن يتمكن من رؤية غيره والتردد إليه.
اللهم امنحنا حبهم، واحشرنا في زمرتهم آمين.
(وقوله: الاخيار) جميع خير - بشد الياء وتخفيفها - كأموات جمع ميت - مشددا ومخففا -، وهم الذين اختارهم الله واصطفاهم.
(وقوله: الابرار) جمع بر، أو بار من البر وهو الاحسان، يقال بره يبره - بفتح الباء وضمها - فهو بر وبار، وذكر بعضهم أن جمع البار: بررة، وجمع البر أبرار، والمراد بهم الاولياء والعباد والزهاد، وقيل المراد بهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم سموا أبرارا لانهم بروا الآباء والابناء والبنات، كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حقا، فالبر بالآباء والامهات الاحسان إليهم وإلانة الجانب لهم، والبر بالابناء والبنات أن لا يفعل فيهم ما يكون العقوق.
(قوله: وأسكننا الفردوس) أي جعل سكنانا الفردوس، وهو أفضل الجنان وأوسعها كما تقدم سببا في أول الكتاب، ولا بد من تقدير مضاف قبل الفردوس: أي قربه أو جواره، لانه خاص بالمصطفى (ص) كما في شرح منظومة أسماء أهل بدر.
(قوله: من دار القرار) أي دار استقرار المؤمنين وثباتهم، ومن تبعيضية متعلقة بمحذوف حال من الفردوس: أي حال كونه بعض دار القرار الذي هو الجنة، وهو يفيد أنها متعددة: أي تحتها أنواع، وهو الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم أيضا أول الكتاب، واستدل لذلك بحديث رواه عن النبي (ص) أنه قال: الجنان سبع: دار الجلال، ودار السلام، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم.
وذهب بعضهم إلى أنها واحدة، والاسماء كلها صادقة عليها، إذ يصدق عليها جنة عدن أي إقامة، ودار السلام لسلامتهم فيها من كل خوف وحزن، ودار لخلودهم فيها وهكذا، وعليه فمن بيانية، أي الفردوس الذي هو دار القرار.
(قوله: ومن علي) يطلق المن على الانعام والاحسان ابتداء من غير حساب، ومنه قوله تعالى: * (لقد
من الله على المؤمنين) * الآية.
ويطلق على تعداد النعم كقولك: فعلت مع فلان كذا وكذا، ومنه قوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) *.
وهو حرام إلا من الله والنبي والاصل والشيخ.
والمراد به هنا الاول وإن كان الثاني يصح إطلاقه على الله: أي أنعم علي وأحسن إلي تفضلا منه لا وجوبا عليه.
وفي تعبيره هنا بعلي وتعبيره فيما قبله بنا دليل
__________
(1) سورة مريم، الاية: 58.
(2) سورة النساء، الاية: 69.
(3) سورة آل عمران، الاية: 164.
(4) سورة البقرة، الاية: 264.(4/385)
على أن المراد بمدلولها الاحتمال الثاني من الاحتمالين المارين عند قوله أعتقنا الله.
(وقوله: في هذا التأليف) أي الذي هو الشرح مع الاصل إذ كلاهما له.
(وقوله: وغيره) أي غير هذا التأليف من بقية مؤلفاته.
(وقوله: بقبوله) الاولى بقبولهما بضمير التثنية العائد على هذا التأليف وغيره، وإن كان يصح إرادة المذكور، ومثله يقال في الضمائر بعد.
(قوله: وعموم النفع به) مطعوف على قبوله، وإضافة عموم إلى ما بعده من إضافة الصفة للموصوف: أي ومن علي بالنفع العام به: أي إيصال الثواب بسببه لان النفع إيصال الخير للغير.
(قوله: وبالاخلاص فيه) معطوف على قبوله أيضا: أي ومن علي بالاخلاص فيه: أي من الامور التي تعوقه عن القبول كالرياء والسمعة وحب الشهرة والمحمدة.
(واعلم) أن مراتب الاخلاص ثلاث: الاولى: أن تعبد الله طلبا للثواب وهربا من العقاب، الثانية: أن تعبده لتتشرف بعبادته والنسبة إليه، والثالثة: أن تعبد الله لذاته لا لطمع في جنته ولا لهرب من ناره - وهي أعلاها - لانها مرتبة الصديقين، ولذلك قالت رابعة العدوية رضي الله عنها: كلهم يعبدوك من خوف نار ويرون النجاة حظا جزيلا أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا بقصور ويشربوا سلسبيلا ليس لي في الجنان والنار حظأنا لا أبتغي بحبي بديلا وكلامه صادق بكل من المراتب الثلاث، لكن بقطع النظر عن التعليل بعد، أما بالنظر إليه فيكون خاصا بالمرتبة الاولى.
(قوله: ليكون) أي ما ذكر من هذا التأليف وغيره، والمراد جزاؤه وهو علة طلبه من الله أن يمن عليه في هذا التأليف وغيره بالقبول الخ.
(وقوله: ذخيرة) أي ذخرا، وهو ما أعددته لوقت الحاجة من الشئ النفيس، والمراد به هنا جزاء هذا
التأليف وغيره على سبيل المجاز، فشبه جزاء هذا التأليف بالشئ النفيس المدخر إلى وقت الحاجة بجامع الانتفاع بكل.
(قوله: إذا جاءت الطامة) هي إسم من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لانها تطم كل شئ: أي تعلوه لعظم هولها.
(قوله: وسببا) معطوف على ذخيرة، والسبب في الاصل الحبل قال تعالى: * (فليمدد بسبب إلى السماء) * ثم أطلق على كل شئ يتوصل به إلى أمر من الامور، فيكون مجازا بالاستعارة إن جعلت العلاقة المشابهة في التوصل في كل.
أو مجازا مرسلا إن جعلت علاقته الاطلاق والتقييد.
(قوله: لرحمة الله الخاصة) أي لعباده المؤمنين في الآخرة.
(وقوله: والعامة) أي في الدنيا لعباده المؤمنين والكافرين، وللطائعين والعاصين.
قال في حاشية الجمل: وفي الخطيب: ورحمتي وسعت كل شئ.
أي عمت وشملت كل شئ من خلقي في الدنيا، ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي، وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيحين: إن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية: غلبت غضبي وأما في الآخرة فقال: فسأكتبها للذين يتقون الخ.
اه.
الحاصل رحمة الله تعم البر والفاجر في الدنيا، وتخص المؤمنين في الآخرة.
(واعلم) أنه ينبغي لكل شخص أن يرحم أخاه عملا بحديث: الراحمون يرحمهم الرحمن.
قال كعب الاحبار: مكتوب في الانجيل: يا ابن آدم كما ترحم كذلك ترحم، فكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباد الله ؟ ومما يعزى لابن حجر رحمه الله تعال كما تقدم أول الكتاب: إرحم هديت جميع الخلق إنك ما رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما
__________
(1) سورة الحج، الاية: 15.(4/386)
وله أيضا: إرحم عباد الله يرحمك الذي عم الخلائق جوده ونواله الراحمون لهم نصيب وافرمن رحمة الرحمن جل جلاله اللهم يا رحمن ارحمنا، واجعلنا من الراحمين بجاه سيدنا محمد سيد الاولين والآخرين.
(قوله: الحمد لله الخ) لما كان تمام التأليف من النعم حمد الله عليه كما حمده على ابتدائه، فكأنه قال: الحمد لله الذي أقدرني على إتمامه كما أقدرني على ابتدائه.
واختار الجملة الاسمية لافادتها الدوام المناسب للمقام.
(وقوله:
حمدا) مفعول مطلق منصوب بمثله، وهو الحمد الواقع مبتدأ.
(وقوله: يوافي نعمه) أي يقابلها بحيث يكون بقدرها، فلا تقع نعمة إلا مقابلة بهذا الحمد، بحيث يكون الحمد بإزاء جميع النعم، وهذا على سبيل المبالغة بحسب ما ترجاه، وإلا فكل نعمة تحتاج إلى حمد مستقل.
(وقوله: ويكافئ) بهمزة في آخره بمعنى يساوي.
(وقوله: مزيده) مصدر ميمي، والضمير لله تعالى: أي يساوي الحمد ما زاده تعالى من النعم.
والمعنى أن المؤلف ترجى أن يكون الحمد الذي أتى به موفيا بحق النعم الحاصلة بالفعل، ومساويا بما يزيده منها في المستقبل.
واعلم أن أفضل المحامد هذه الصيغة لما ورد: إن الله لما أهبط أبانا آدم إلى الارض قال: يا رب علمني المكاسب وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد، فأوحى الله إليه أن قل ثلاثا عند كل صباح ومساء: الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.
ولهذا لو حلف إنسان ليحمدن الله بمجامع المحامد بر بذلك.
وقال بعض العارفين: الحمد لله ثمانية أحرف كأبواب الجنة، فمن قالها عن صفاء قلب، إستحق أن يدخل الجنة من أيها شاء.
(قوله: وصلى الله وسلم الخ) أي اللهم صل وسلم، فهي جملة خبرية لفظا إنشائية معنى، وأتى بالفعلين بصيغة الماضي رجاءا التحقق حصول المسؤول.
وقد تقدم الكلام على الصلاة والسلام في خطبة الكتاب فارجع إليه إن شئت.
(وقوله: أفضل صلاة) نائب عن المفعول المطلق لصلى: أي صلى الله عليه صلاة موصوفة بكونها أفضل الصلوات الصادرة منك على خلقك، أو الصادرة منهم على الانبياء والمرسلين.
(وقوله: وأكمل سلام) نائب عن المفعول المطلق أيضا لقوله وسلم: أي وسلم عليه سلاما موصوفا بكونه أكمل السلام: أي التحية الصادرة منك على خلقك، أو من خلقك على الانبياء والمرسلين.
(قوله: على أشرف مخلوقاته) متعلق بكل من صلى وسلم، أي صلى الله وسلم على أفضل المخلوقات، أي على الاطلاق كما قال صاحب الجوهرة: وأفضل الخلق على الاطلاق نبينا فمل عن الشقاق (وقوله: محمد) بالجر بدل من أشرف، ويصح رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، ونصبه على أنه مفعول لفعل محذوف.
(قوله: وآله) معطوف على أشرف، والضمير يعود على محمد: أي وصلى الله وسلم على آل محمد، أي أتباعه، ولو عصاة لان المقام مقام دعاء.
والعاصي أحوج إلى الدعاء من غيره.
(قوله: وأصحابه) معطوف على أشرف، والضمير يعود على سيدنا محمد: أي وصلى الله وسلم على أصحابه، وهو جمع صاحب، والمراد به صاحب النبي (ص)، وهو من اجتمع بنبينا (ص) إجتماعا متعارفا مؤمنا به، ولو أعمى وغير مميز.
فإن قلت: لم قدم الآل على الاصحاب مع أن فيهم من هو أشرف الانام بعد المصطفى (ص) وهو أبو بكر.
فالجواب أن الصلاة على الآل ثبتت بالنص في قوله (ص) قولوا: اللهم صل على محمد وآله الحديث، وعلى الصحب بالقياس على الآل، فاقتضى ذلك التقدم.(4/387)
(قوله: وأزواجه) معطوف أيضا على أشرف، والضمير يعود على سيدنا محمد، أي وصلى الله على أزواجه، وهو جمع زوج يقال للرجل والمرأة، ويقال للمرأة أيضا زوجة.
والمراد هنا نساؤه (ص) الطاهرات المطهرات اللاتي اختارهن الله تعالى لنبيه وخيرة خلقه ورضيهن أزواجا له في الدنيا والآخرة حتى استحققن أن يصلي عليهن مع (ص)، وأنزل الله في شأنهن ما أنزل من إيتائهن أجورهن مرتين، وكونهن لسن كأحد من النساء: اه.
شرح الدلائل للفاسي.
(قوله: عدد الخ) منصوب على النيابة عن المصدر لصلى وسلم: أي صلى وسلم صلاة وسلاما عددهما مساو لعدد ما ذكر.
(وقوله: معلوماته) أي الله سبحانه وتعالى: أي ما تعلق به علم الله تعالى من الواجبات والجائزات والمستحيلات.
(قوله: ومداد كلماته) أي الله، قال في شرح الدلائل.
مداد - بكسر الميم - وهو ما يكثر به ويزاد، قال في المشارق: أي قدرها.
وقال السيوطي في الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الاثير: أي مثل عددها.
وقيل: قدر ما يوازنها في الكثرة بمعيار كيل، أو وزن، أو عدد، أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير، وهذا تمثيل يراد به التقريب لان الكلام لا يدخل في الكيل، والوزن بل في العدد.
اه.
(قوله: وحسبنا الله) أي كافينا الله، فحسب بمعنى كافي، فهو بمعنى إسم الفاعل، وهو خبر مقدم، والله مبتدأ مؤخر.
وقيل إن حسب إسم فعل بمعنى يكفي والله فاعله، والمعنى على الاول الله كافينا، وعلى الثاني يكفينا الله.
قال الله تعالى: * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) *.
فمنى اكتفى بالله كفاه، وأعطاه سؤاله ومناه، وكشف همه، وأزال غمه، كيف لا ومن التجأ إلى ملك من الملوك حفظه وسلك به أحسن السلوك ؟ فالاولى بذلك من يحتسب رب العالمين ويكتفي به عن الخلق أجمعين.
(قوله: ونعم الوكيل) أي الله، فالمخصوص بالمدح محذوف، والجملة معطوفة على جملة حسبنا الله، من عطف الانشاء على الانشاء، إن جعلنا جملة حسبنا الله لانشاء الاحتساب، فإن جعلناها للاخبار كان من عطف الانشاء على الخبر، وفي جوازه خلاف، والاكثرون على منعه.
ولذلك قال بعضهم: وعطفك الانشا على الاخبار وعكسه فيه خلاف جاري فابن الصلاح وابن مالك أبواجوازه فيه وبالجل اقتدوا
وجوزته فرقة قليلة وسيبويه وارتضى دليله ثم إن وكيل فعيل بمعنى مفعول، وقيل إنه بمعى فاعل.
والمعنى على الاول: ونعم الموكول إليه الامر، لان عباده وكلوا أمورهم إليه، واعتمدوا في حوائجهم عليه.
والمعنى على الثاني: ونعم القائم على خلقه بما يصلحهم، فوكل أمور عباده إلى نفسه وقام بها فرزقهم وقضى حوائجهم ومنحهم كل خير ودفع عنهم كل ضير.
للهم اجعلنا من المعتمدين عليك، المفوضين جميع أمورنا إليك.
(قوله: ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا تحول عن معصية الله إلا بطاعة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله.
(وقوله: العلي) أي الرفيع فوق خلقه وليس فوقه شئ، فالمراد به علو قدر ومنزلة، وقيل العلي بالملك والسلطنة والقهر، فلا أعلى منه أحد.
(وقوله: العظيم) أي شأنه وقدره.
واعلم أنه جاء في فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم شئ كثير، فمن ذلك ما أخرجه الطبراني وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله (ص): أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها كنز من كنوز الجنة، وفيها شفاء من تسعة وتسعين داء، أيسرها الهم.
وفي رواية: أكثروا من ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابا من الضرر أدناها الهم.
ومن ذلك ما أخرجه الطبراني وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله (ص): من أبطأ عليه رزقه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وفي رواية البخاري ومسلم: أنها كنز من كنوز الجنة.
ومن ذلك ما رواه إبن أبي الدنيا بسنده إلى رسول الله (ص) أنه قال: من قال في كل يوم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة لم يصبه الفقر أبدا.
ومن ذلك
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 3.(4/388)
ما روي: أن عوف بن مالك الاشجعي رضي الله عنه أسر المشركون ابنا له يسمى سالما فأتى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله أسر ابني، وشكى إليه الفاقة، فقال عليه الصلاة والسلام ما أمسى عند آل محمد الامد، فاتق الله واصبر، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ففعل، فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الابل غفل عنها العدو فاستاقها.
وفي الفشني على الاربعين النووية: ومن الادعية المستجابة أنه إذا دخل بالشخص أمر ضيق، يطبق أصابع يده اليمنى ثم يفتحها بكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم لك الحمد، ومنك الفرج، وإليك المشتكى، وبك المستعان.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وهي فائدة عظيمة.
اه.
وبالجملة فلا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم لها تأثير عظيم في طرد الشياطين والجن، وفي جلب الرزق والغنى، والشفاء وتحصيل القوة، ودفع العجز، وغير ذلك.
(قوله: يقول المؤلف الخ) هذه الجملة يحتمل أن تكون من المؤلف، ويكون جاريا على طريقة الالتفات، إذ حقه أن يقول أقول كما في قول ابن مالك في أول ألفيته: قال محمد هو ابن مالك ويحتمل أن تكون من بعض الطلبة أدخلها على قول المؤلف فرغت الخ، والاول أقرب.
(قوله: عفا الله عنه الخ) جملة دعائية.
(قوله: فرغت الخ) الجملة مقول القول.
(قوله: ضحوة) ظرف متعلق بفرغت، وهي بفتح الضاد وسكون الحاء، مثل قرية، والجمع ضحى: مثل قرى.
اسم للوقت، وهو من إرتفاع الشمس كرمح إلى الزوال.
(قوله: الرابع والعشرين) بدل من يوم الجمعة.
(وقوله: من شهر رمضان) متعلق بمحذوف حال من الرابع والعشرين: أي حال كون الرابع والعشرين كائنا من شهر رمضان وفي المصباح: أن رجب الشهر مصروف، وإن أريد به معين، وأما باقي الشهور فجمادي ممنوع لالف التأنيث وشعبان ورمضان للعلمية والزيادة، والباقي مصروف.
اه.
(قوله: المعظم) صفة لشهر رمضان.
(وقوله: قدره) نائب فاعله.
(قوله: سنة الخ) متعلق بمحذوف حال من شهر رمضان: أي حال كونه كائنا في سنة إثنتين وثمانين وتسعمائة من هجرة النبي (ص) (قوله: وأرجو الله) الرجاء بالمد تعلق القلب بمرغوب فيه مع الاخذ في الاسباب، فإن لم يكن معه أخذ في الاسباب فطمع وهو مذموم، وأما الرجا بالقصر فهو الناحية.
والاول هو المراد هنا.
والمعنى أطلب وأؤمل أملا من الله أن يقبل هذا الشرح الخ، وإنما أعاد طلب ما ذكر مع أنه قد طلبه أولا بقوله أعتقنا الله الخ، لان الله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء كما جاء في الحديث.
(وقوله: سبحانه وتعالى) لما ذكر الاسم الكريم ناسب أن يأتي بما ذكر، لانه يطلب من العبد أنه متى ذكر المولى أتى بما يدل على تنزيهه عما لا يليق به.
ومعنى سبحانه: تنزهه عن كل ما لا يليق بجلاله، ومعنى تعالى: تباعد وارتبع عما يقوله الظالمون من اتخاذ الولد، أو الشريك، أو نحو ذلك.
(قوله: أن يقبله) أي هذا الشرح والمصدر المؤول من أن والفعل مفعول أرجو.
(قوله: وأن يعم النفع به) أي وأرجو الله أن يعم النفع بهذا الشرح.
وقد أجاب الله المؤلف بعين ما طلب فعم النفع بالشرح المذكور شرقا وغربا، وشاما ويمنا، وذلك لانه رضي الله عنه كان من أكابر الصوفية، وكان مجاب الدعوى رضي الله عنه ونفعنا بتراب أقدامه آمين.
(قوله: ويرزقنا) بالنصب عطف على يقبله: أي وأرجو الله أن يرزقنا الاخلاص في هذا الشرح.
وقد تقدم الكلام
عليه آنفا.
(قوله: ويعيذنا به) بالنصب أيضا على يقبله: أي وأرجو الله أن يجيرنا: أي ينقذنا بسبب هذا الشرح من الهاوية: أي نار جهنم أعاذنا الله والمسلمين منها.
(قوله: ويدخلنا به الخ) بالنصب أيضا عطف على يقبله: أي وأرجو الله أن يدخلنا بسببه في جنة عالية: أي عالية المكان مرتفعة على غيرها من الامكنة، أو عالية القدر، لان فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين.
لاحرمنا الله والمسلمين منها.
(قوله: وأن يرحم الخ) أي وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يرحم الخ:(4/389)
وهذا دعاء من المؤلف لمن نظر الخ.
(قوله: نظر بعين الانصاف إليه) أي نظر بعين العدل إلى هذا الشرح.
وفي الكلام استعارة بالكناية حيث شبه العدل بإنسان ذي عين، وحذف المشبه به ورمز له بشئ من لوازمه وهو عين، وفيه تنبيه على أن من نظر إليه بعين الجور لا يدخل في دعاء المؤلف المذكور، وأنه لا اعتداد به.
(قوله: ووقف الخ) معطوف على نظر: أي ورحم الله امرأ وقف على خطأ في شرحي هذا فأطلعني عليه، وهذا تواضع من المؤلف رحمه الله تعالى، حيث اعترف بأن شرحه هذا لم يأمن عدم وقوع الخطأ فيه.
(قوله: أو أصلحه) أي أصلح ذلك الخطأ، وهذا إذن من المؤلف لمن يكون أهلا أن يصلح ذلك الخطأ.
والمراد بالاصلاح أن يكتب على الهامش لعله كذا، أو الصواب كذا.
وليس المراد أن يغير ما في الشرح على الحقيقة ويكتب بدله، لان ذلك لا يجوز، فإنه لو فتح باب ذلك لادى إلى عدم الوثوق بشئ من كتب المؤلفين، وذلك لان كل من طالع وظهر له شئ غير ما هو مقرر في الكتاب غيره إلى غيره، ويجئ من بعده ويفعل مثل فعله، وهكذا فحينئذ لا يوثق بنسبة شئ إلى المؤلفين، لاحتمال أن ما وجد مثبتا في كلامهم يكون من إصلاح بعض من وقف على كتبهم.
قاله ع ش في كتابته على خطبة النهاية، وقال أيضا فيها: ليس كل اعتراض سائغا من المعترض، وإنما يسوغ له اعتراض بخمسة شروط كما قاله الابشيطي وعبارته: لا ينبغي لمعترض اعتراض إلا باستكمال خمسة شروط، وإلا فهو آثم مع رد إعتراضه عليه: كون المعترض أعلى أو مساويا للمعترض عليه، وكونه يعلم أن ما أخذه من كلام شخص معروف، وكونه مستحضرا لذلك الكلام، وكونه قاصدا للصواب فقط، وكون ما اعترضه لم يوجد له وجه في التأويل إلى الصواب.
اه.
أقول وقد يتوقف في الشرط الاول، فإنه قد يجري الله على لسان من هو دون غيره بمراحل ما لا يجريه على لسان الافضل.
اه.
واعلم أنه لا بد في الاصلاح من التأمل وإمعان النظر، فلا يهجم ببادئ الرأي على التخطئة.
وما أحسن ما قاله الاخضري في نظم المنطق:
وأصلح الفساد بالتأمل وإن بديهة فلا تبدل إذ قيل كم مزيف صحيحالاجل كون فهمه قبيحا (قوله الحمد لله الخ) أي الثناء بالجميل مستحق لله رب العالمين.
وحمد ثانيا تنبيها إلى أنه ينبغي الاكثار من الحمد، إذ نعم الله على عبده في كل لحظة لا تنقطع، وليكون شاكرا ربه على إلهامه للحمد الاول، لان إلهامه إياه نعمة تحتاج إلى الشكر عليها، وأيضا فيه إشارة إلى القبول، لان ختم الدعاء به علامة على إجابته.
(قوله: اللهم صل وسلم) لما أعاد الحمد لله ناسب أن يعيد الصلاة والسلام على رسول الله تبركا بهما ولقوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) * أي لا أذكر إلا وتذكر معي يا محمد، وإشارة إلى القبول لان ختم الدعاء بهما علامة على إجابته.
(وقوله: كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون) هذه رواية، ويروى أيضا: كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، بذكر الذكر مرة في جانب الذاكرين ومرة في جانب الغافلين.
وهذه الرواية الثانية سمع فيها إحتمالات أربع.
الاول: ما ذكر من كونه بكاف الخطاب في الاول وهاء الغيبة في الثانية، الاحتمال الثاني: عكس هذا، وهو بهاء الغيبة في الاول وكاف الخطاب في الثاني، الاحتمال الثالث بكاف الخطاب فيهما، الاحتمال الرابع: بهاء الغيبة فيهما.
والاحتمال الاول منها أولى لان الذاكرين لله أكثر من الغافلين عنه، والغافلين عن النبي (ص) أكثر من الذاكرين له، إذ المؤمنون بالنسبة للكافرين كالشعرة البيضاء في الثور الاسود، وذكر الاكثر من جانب الله والاكثر في جانب النبي (ص) أبلغ في كثرة الصلاة
__________
(1) سورة الشرح، الاية: 4.(4/390)
عليه (ص).
ثم أنه يحتمل أن يكون المراد من الذكر القلبي وهو الاستحضار، ويحتمل أن يكون المراد منه اللساني، والمراد بالغفلة على الاول النسيان، وعلى الثاني السكوت كما يؤخذ من شرح الدلائل.
واعلم: أن أول من صلى بهذه الصيغة الامام الشافعي رضي الله عنه.
قال محمد بن عبد الحكم: رأيت الشافعي رضي الله عنه في المنام فقلت له: ما فعل الله بك يا إمام ؟ قال رحمني وغفر لي وزفت إلي الجنة كما تزف العروس.
فقلت: بماذا بلغت هذا الحال ؟ قال: بما في كتاب الرسالة من الصلاة على رسول الله (ص)، قال، وقلت: كيف تلك الصلاة ؟ قال: اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
قال: فلما أصبحت أخذت الرسالة ونظرت فوجدت الامر كما رأيت.
وقال بعض الصالحين: رأيت النبي (ص) فقلت: يا رسول الله ما جزاء الشافعي
عندك حيث قال في كتاب الرسالة وصلى الله على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون ؟ فقال (ص)، جزاؤه عندي أنه لا يوقف للحساب.
واختلف هل يحصل للمصلي بنحو هذه الصيغة ثواب صلوات بقدر هذا العدد، أو يحصل له ثواب صلاة واحدة لكنه أعظم من ثواب الصلاة المجردة عن ذلك ؟ قولان.
والمحققون على الثاني.
(قوله: وعلينا) معطوف على سيدنا محمد: أي وصل وسلم علينا، والضمير للمتكلم وحده، أو هو مع غيره من جميع المسلمين.
ففيه إحتمالان، والثاني أولى كما تقدم.
(وقوله: معهم) ظرف متعلق بكل من الفعلين المقدرين، والاضافة لادنى ملابسة، أي صل وسلم علينا مع صلاتك وسلامك عليهم: أي النبي (ص) وآله وأصحابه فتحصل لنا الصلاة تبعا لهم.
واعلم: أن هذه الصلاة المفروغ منها قد احتوت على الصلاة على غير النبي (ص)، وقد اختلف في ذلك.
والمعتمد أنها إن كانت على سبيل التبعية كما هنا فهي جائزة، وإلا فممنوعة.
واختلف في المنع هل هو من باب التحريم، أو كراهة التنزيه، أو خلاف الاولى ؟ والصحيح الذي عليه الاكثرون الثاني لانه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، ويستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الاخيار.
وأما قول بعض العلماء أن الترضي خاص بالصحابة ويقال في غيرهم رحمه الله تعالى، فليس كما قال، بل الصحيح الذي عليه الجمهور إستحبابه.
اه.
ملخصا من شرح الدلائل.
(قوله: برحمتك الخ) الجار والمجرور يحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف تقديره، وارحمنا برحمتك، ويحتمل أن يكون متعلقا بكل من صل وسلم: أي صل وسلم على من ذكر برحمتك: أي بفضلك الواسع لا بالوجوب عليك، فيكون فيه إشارة إلى ما في الصحيح: سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.
ويحتمل أن تكون الباء للقسم: أي وأقسم عليك في تنجيز ما سألته بحق رحمتك التي وسعت كل شئ ولذا طمع فيها إبليس حيث لا يفيده الطمع.
وقد ورد في الحديث عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله (ص): إن الله تبارك وتعالى خلق يوم خلق السموات والارض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والارض، فأنزل منها إلى الارض رحمة واحدة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، حتى أن الفرس لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، فإذا كان يوم القيامة رد الله تعالى هذه الرحمة إلى التسعة والتسعين، فأكملها مائة رحمة فيرحم بها عباده.
(وقوله: يا أرحم الراحمين) أي بعباده، فإنه تعالى
أرحم بالعبد من نفسه، وأشفق عليه من والديه، ولذا أحب توبته ورجوعه إليه، قال (ص): لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم إذا سقط عليه بعيره قد أضله بأرض فلاة.
رواه الشيخان.
وفي الحديث: إن لله ملكا موكلا بمن يقول يا أرحم الراحمين، فمن قالها ثلاثا، قال له الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل.
رواه الحاكم عن أبي أمامة.
ويا أرحم الراحمين كنز من كنوز الجنة.
ومن دعا به ألف مرة في جوف الليل لاي حاجة كانت من الحاجات الدنيوية(4/391)
والاخروية قضى الله حاجته.
اللهم يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، اقض حوائجنا الدنيوية، والاخروية، ووفقنا لاصلاح النية، بجاه سيدنا محمد خير البرية، وأهل بيته ذوي النفوس الزكية.
وهذا آخر ما يسر الله جمعه من حاشية فتح المعين بشرح قرة العين، وكان ذلك يوم الاربعاء بعد صلاة العصر السابع والعشرين من شهر جمادى الثانية سنة ألف ومائتين وثمانية وتسعين، على يد مؤلفها راجي العفو والغفران من ربه ذي العطا أبي بكر ابن المرحوم محمد شطا.
وقد جاءت بحمد الله حاشية لا كالحواشي، أعيذها بالله من كل حاسد وواشي، تقر بها أعين الناظرين، ويشفي بها صدور المتصدرين، وتنزل من القلوب منزلة الجنان، ومن العيون منزلة الانسان.
كيف وقد بذلت الجهد في توشيحها وترشيحها، وصرفت الوسع في تهذيبها وتنقيحها، مع أني أبدي الاعتذار، لذوي الفضل والاقتدار، وأقول: قل أن يخلص مصنف من الهفوات، أو ينجو مؤلف من العثرات، مع عدم تأهلي لذلك، وقصو رباعي من الوصول لما هنالك، ومع ضيق الوقت وكثرة الاشغال، وتوالي الهموم على الاتصال، وترادف القواطع، وتتابع الموانع، وعدم الكتب التي ينبغي أن تراجع في مثل هذا الشأن.
وأرجو منهم إن رأوا خللا، أو عاينوا زللا، أن يصلحوه بعد التأمل بإحسان، ولا يستغرب هذا من الانسان، خصوصا وقد قيل الانسان محل النسيان: وما سمي الانسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب ولله در ابن الوردي حيث يقول: فالناس لم يصنفوا في العلم لكي يصيروا هدفا للذم ما صنفوا إلا رجاء الاجر والدعوات وجميل الذكر لكن فديت جسدا بلا حسدولا يضيع الله حقا لاحد والله عند قوم كل قائل وذو الحجا من نفسه في شاغل
فإذا ظفرت أيها الطالب بمسألة فاخمة فادع لي بحسن الخاتمة، وإذا ظفرت بعثرة فادع لي بالتجاوز والمغفرة.
وأتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وأسأله من فضله العميم، متوسلا بنبيه الكريم، أن ينفع بها كما نفع بأصلها الخاص والعام، ويقبلها بفضله كما أنعم بالاتمام، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وسببا للفوز بجنات النعيم.
وأن يطهر ظواهرنا بإمتثال أوامر واجتناب نواهيه.
وأن يخلص سرائرنا من شوائب الاغيار والشيطان ودواعيه، وأن يتفضل علينا بالسعادة التي لا يلحقها زوال، وأن يذيقنا لذة الوصال بمشاهدة الكبير المتعال، وأن يلحقنا بالذين هم في رياض الجنة يتقلبون، وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون، وعلى الفرش التي بطائنها من استبرق يتكئون، وبالحور العين يتمتعون، وبأنواع الثمار يتفكهون: * (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين، لا يصدعون عنها ولا ينزفون، وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون، وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، جزاء بما كانوا يعملون) *.
فنالوا بذلك السعادة الابدية، وكانوا بلذائذ المشاهدة هم الواصلون.
والصلاة والسلام على الواسطة العظمى لنا في كل نعمة، وعلى آله وأصحابه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
يقول المؤلف عفا الله عنه وعن آبائه وأخوانه ومحبيه ومشايخه والمسلمين أجمعين قد تم تحرير هذه الحاشية المباركة إن شاء الله تعالى، يوم الاثنين المبارك بعد ظهر الثالث والعشرين من شهر شوال المعظم، قدره سنة ثلاثمائة وألف 0031 من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف، (ص)، وجاء لله الحمد على أتم حال، وأحسن منوال، وذلك بواسطة حبيبه المصطفى (ص)، وشيخي وأستاذي مربي الطالبين.
ناشر شريعة سيد المرسلين.
ورئيس العلماء والمدرسين.
ومفتي الانام ببلد الله الامين، مولانا العارف بربه المنان، السيد أحمد بن زيني دحلان.
وبواسطة بقية
__________
(1) سورة الواقعة، الاية 17 - 24.(4/392)
أشياخي الكرام.
بدور الظلام.
أطال الله في أعمارهم وأدام النفع بهم آمين.
اللهم إنا نسألك بالطاهر النسب، الكريم الحسب، خير العجم والعرب، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أن تمحو من صحائفنا ما زل به البنان، أو أخل به البيان، وأن تتقبل منا ما سطرنا، وأن تجعله حجة لنا لا حجة علينا، حتى نتمنى أننا ما كتبنا وما قرأنا، اللهم يا محول الاحوال حول حالنا إلى أحسن حال، بحولك وقوتك يا عزيز يا متعال.
اللهم إنا نسألك من النعمة تمامها، ومن العصمة دوامها، ومن الرحمة شمولها، ومن العافية حصولها، ومن العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الاحسان أتمه، ومن الانعام أعمه، ومن الفضل أعذبه، ومن اللطف أنفعه، اللهم كن لنا ولا تكن علينا.
اللهم اختم بالسعادة آجالنا، وحقق بالزيادة آمالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا، واصبب سجال عفوك على ذنوبنا، ومن علينا بإصلاح عيوبنا، واجعل التقوى زادنا، وفي دينك اجتهادنا، وعليك توكلنا واعتمادنا، وثبتنا على نهج الاستقامة.
وأعذنا في الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة، وخفف عنا ثقل الاوزار، وارزقنا عيش الابرار، واكفنا واصرف عنا شر الاشرار، وأعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأولادنا وإخواننا وعشيرتنا وأصحابنا وأحبابنا من النار، برحمتك يا عزيز يا غفار يا ستار يا حليم يا جبار، يا الله يا الله يا الله يا رحيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله على خاتم الولاية النبوية الارسالية، وعلى آله وأصحابه أرباب العناية الالهية، وسلم تسليما.
والحمد لله أولا وآخرا، باطنا وظاهرا، والحمد لله مستغرق المحامد كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين آمين.(4/393)