وفي تصريحهم بندبها لكل واحد من أهل البيت ما يمنع أن المراد بهم المحاجير؛ لعدم توجه الطلب إليهم.
ويحتمل أن المراد بهم ما يجمعهم نفقة منفق واحد ولو تبرعاً وفرق بين ما هنا والوقف.
وفي (م ر) أهل البيت: من يلزم نفقتهم وإن تعددت البيوت، وأنه لو أشرك غيره في ثوابها .. جاز.
قال (ع ش): ولو بعد نيته التضحية لنفسه.
وفي "التحفة": وهو ظاهر في الميت؛ قياساً على التصدق عنه.
و (لا تجب) الأضحية (إلا بالنذر) كسائر القرب، كـ (لله عليَّ)، أو (عليَّ أن أضحي بهذه أو بشاة)، أو (إن ملكت شاة .. فعليَّ أن أضحي بها)، بخلاف: (إن ملكت هذه .. فعلي أن أضحي بها)؛ لأن المعين لا يثبت في الذمة.
(وبقوله: "هذه أضحية"، أو "جعلتها أضحية")؛ لزوال ملكه عنها بمجرد التعيين، كما لو نذر التصدق بمال عينه، ولزمه ذبحها في وقتها أداء.
وإنما لم يزل ملكه عن قِنًّ نَذَرَ أن يعتقه إلا بإعتاقه وإن لزمه؛ لأن الملك هنا ينتقل للمساكين، وثَمَّ لا ينتقل، بل ينفك عنه اختصاص الآدميين.
وإنما لم يجب الفور في أصل النذور والكفارات؛ لأنها مرسلة في الذمة وما هنا في عين، وهي لا تقبل التأخير كما لا تقبل التأجيل.
وألحق به ما في الذمة، كعليَّ أن أضحي بشاة؛ لأن الغالب هنا التعيين.
وخرج بقوله: (هذه أضحية) نية ذلك بلا لفظ فلغو، ولا يحتاج مع قوله: هذه أضحية لنية، بل لا عبرة بنية خلافه؛ لأنه صريح.
فما يقع في العامة من قولهم: (هذه أضحية) جاهلين ما يترتب على ذلك، بل وإن قصدوا الإخبار .. تصير به منذورة كما في (حج) و (م ر).
لكن قال السيد عمر البصري: محله ما لم يقصد الإخبار، وإلا .. لم تتعين وفي "الأصل" زيادة بسط هنا، ولو زال وقت المنذورة .. لزمه ذبحها قضاء، وتصرف(1/694)
مصرفها، فإن تلفت أو تعيبت .. فلا شيء عليه إن لم يفرط ولم يؤخرها عن وقتها بلا عذر، أو أتلفها أو قصر .. ضمنها بالأكثر من قيمتها يوم تلفها، ومن مثلها يوم النحر، ولزمه إذا لزمته القيمة أن يشتري بها مثلها جنساً ونوعاً وسِنّاً.
ولو نذر التضحية بمعيبة .. لزمه ذبحها وصرفها مصرف الأضحية، ولا تجزئه أضحية، بخلاف ما لو نذر سليمة ثم تعيبت .. فتصح بها، وتثبت لها أحكام التضحية.
(ولا يجزئ) في الأضحية (إلا الإِبل والبقر) الأهلية (والغنم)؛ لأن التضحية بغيرها لم تنقل.
لكن قال -حافظ عصره- ابن حجر: يعكر عليه ما ذكره السهيلي عن أسماء، قالت: (ضحيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيل)، وعن أبي هريرة: (أنه ضحى بخيل).
وقال في "التحفة": للاتباع، وكالزكاة، فلا يجزئ غيرها ولا متولد بينها وبين غيرها، بخلاف متولد بين نوعين منها على الأوجه، فيعتبر سنه بأعلاهما كسنتين في متولد بين ضأن ومعز أو بقر، ولا يجزئ إلا عن واحدٍ وإن كان بصورة البقر.
وكالأضحية الهدي، والعقيقة، وجزاء الصيد.
(وأفضلها:) للواحد عند الانفراد، فلا ينافي أنَّ سبع شياه أفضل من البدنة.
(بدنة، ثم بقرة، ثم ضائنة، ثم عنز)؛ لأن كلاً أكثر لحماً مما بعده، ثم شرك من بدنة، ثم من بقرة، ولا تجزئ شاتان لاثنين أضحية عنهما.
(وسبع شياه) من الضأن أفضل من سبع من المعز.
وسبع من المعز (أفضل من البدنة) والبقرة، وإن كان كل منهما أكثر لحماً؛ لطيب لحم الشياه مع تعدد إراقة الدم، بخلاف دون السبع.
فالبدنة أفضل منه، وكثرة الثمن أفضل من كثرة العدد، فسمينة أفضل من هزيلتين وإن كانتا ذكرين، وبلون أفضل، وكثرة اللحم أفضل من كثرة الشحم.
(وأفضلها:) من حيث اللون (البيضاء، ثم الصفراء، ثم العفراء) وهي ما لا يصفو بياضها.(1/695)
(ثم البلقاء) وهي ما بعضها أبيض وبعضها أسود (ثم السوداء، ثم احمراء).
والمعتمد: تقديم الحمراء على البلقاء.
والفضل في ذلك، قيل: للتعبد، وقيل: لحسن المنظر، وقيل: لطيب اللحم، وورد: "لدم عفراء أحب إلى الله من سوداوين".
والذكر ولو بلون مفضول أفضل من الأنثى ولو بلون فاضل إن لم يكثر نزوانه، إلا .. فأنثى لم تلد أفضل؛ لأنها أطيب وأرطب لحماً منه، فإن ولدت .. فالذكر أفضل منها مطلقاً.
وما جمع ذكورة وسمناً وبياضاً أفضل مطلقاً، ثم ما جمع ثنتين، ويظهر عند تعارضهما تقديم السمن، فالذكورة، قاله (حج).
وظاهره: أنَّ ما فيه بياض وذكورة أفضل من سمينة خلت عنهما.
وقد ينافيه ما مرَّ من أن سمينه أفضل من هزيلتين، وخصي أفضل من ذكر ينزو.
(وشرطها من الإبل: أن يكون لها خمس سنين تامة، ومن البقر والمعز) أن تبلغ (سنتين تامتين، ومن الضأن) أن تبلغ (سنة تامة) أو تجذع، أي: يسقط سنها ولو قبل السنة كالزكاة في جميع ذلك.
لكن في "مسلم": "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم .. فاذبحوا جذعة من الضأن"، وتأوَّله الجمهور بحمله على الندب، ونظر فيه في "التحفة"، فالتي لها سنة مقدمة ولو ندباً على الجذعة.
ومحل تقديم الضأن على المعز: إن استويا.
(و) شرطها أيضاً: حيث لم يلتزمها ناقصة فقد عيب ينقص لحماً حالاً، كقطع فلقة كبيرة مطلقاً، أو صغيرة من نحو أذن، كما يأتي.
أو مآلاً كـ (أن لا تكون جرباء وإن قل) الجرب أو رجي زواله؛ لأنه يفسد اللحم والودك وينقص القيمة.
وحذف في "التحفة" نقص القيمة؛ إذ العيب هنا ما ينقص اللحم لا القيمة، وألحق به الشلل والقروح والبثور.(1/696)
(ولا شديدة العرج) بأن تسبقها الماشية للمرعى الطيب، ومثله بالأَوْلى كسر بعض الأعضاء.
(والعجفاء) وهي التي ذهب مخها من الهزال، بحيث لا يرغب في مثلها غالباً؛ لما صح: "أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والكسيرة".
وفي رواية: "والعجفاء التي لا تنقى" من: (النقي) -بكسر النون وسكون القاف- وهو المخ.
(ولا مجنونة) أي: ثولاء -بفتح المثلثة- إذ حقيقة الجنون: ذهاب العقل ولا عقل لها؛ للنهي عنها، ولأنها تترك الإكثار من الرعي فتهزل.
وفي "القاموس" (الثول): استرخاء أعضاء الشاة خاصة، وكالجنون يصيبها فلا تتبع الغنم.
(ولا عمياء ولا عوراء) وإن بقيت الحدقة، وتجزئ عمشاء وعشواء، وهي: التي لا تبصر ليلاً، ومكوية.
(ولا مريضة مرضاً يفسد لحمها) أي: يوجد هزالة، أمَّا اليسير من غير الجرب .. فلا يضر، وما ذكر هو ما ينقص لحمها مآلاً؛ لأنها ينقص لحمها به.
(و) أمَّا ما ينقصه حالاً .. فهو (أن لا يبين شيء من أذنها وإن قل) ذلك المبان على الأصح في "الروضة"، وعبارتها: ولا تجزئ مقطوعة الأذن، فإن قطع بعضها ولم يبن بل بقي متدلياً .. لم يمنع على الأصح.
وقال القفال: يمنع وإن أبين، فإن كان كثيراً بالإضافة إلى الأذن .. منع قطعاً، وإن كان يسيراً .. منع أيضاً على الأصح؛ لفوات جزء مأكول، وضبط الإمام الكثير بما يلوح من بعد، وإلا .. فيسير) اهـ
ولا يضر قطع بعضها من غير إبانة وشقها وثقبها من غير أن يذهب منها شيء، ولا فقد قرن وكسره.(1/697)
(أو) من (لسانها أو ضرعها أو أليتها) وإن قل، بأن لم يلح من بعد؛ لنقص جزء مأكول، وللأمر في خبر الترمذي باستشراف العين والأذن، وتجزئ مخلوقة بلا ألية ولا ضرع؛ إذ الذكر بلا ضرع والمعز بلا ألية، بخلاف فاقدة الأذن؛ لأنها عضو لازم غالباً.
وألحق الذنب بالألية، لكن اعترض بأنه كالأذن، بل فقده أندر.
ورجح في "التحفة": أنه لا يضر قطع شيء قليل من الألية؛ لتكبر.
ووجهه (ع ش): بأن الألية وإن صغرت هي كبيرة بالنسبة للأذن، وقطع اليسير من عضو كبير لا يضر، ولو شك فيما قطع أهو كثير أم يسير؟ لم يضر.
(و) شرطها أيضاً: أن (لا) يبين (شيء ظاهر من) عضو كبير، نحو (فخذها) بخلاف غير الظاهر، وهو: ما لا يلوح من بعد؛ لأنه بالنسبة إليه غير بَيِّن.
(وأن لا تذهب جميع أسنانها) وإن لم تؤثر فيها نقصاً، بخلاف ذاهبة أكثرها إن لم يؤثر نقصاً في الاعتلاف.
قال (سم): لا يضر فاقدة اسنان خلقة، وكأن الفرق أن فقدها بعد الوجود مؤثر، بخلاف فقده خلقة.
ولا يجوز التضحية بحامل على المعتمد؛ لأن الحمل ينقص لحمها، وزيادة اللحم بالجنين لا يجبر عيباً كعرجاء سمينة، وتجزئ قريبة عهد بالولادة كما في "التحفة".
(وأن ينوي التضحية بها)؛ لأنها عبادة، وكونها (عند الذبح)؛ لأن الأصل اقترانها بأوّل الفعل (أو قبله) وإن لم يستحضرها عنده.
نعم؛ المعينة ابتداء بنذر لا تجب لها نية أصلاً؛ اكتفاء بالنذر عن النية، لخروجها عن ملكه.
والمعينة عن نذر في ذمته أو بالجعل تحتاج لنية عند الذبح، وتجوز مقارنتها للجعل أو الإفراز، أو لتعيين ما يضحى من واجبة أو مندوبة.
وفرق بين المنذورة والمجعولة؛ بأن الجعل فيه خلاف في لزومه، فاحتاج لنية، ويجوز أن يُوكِّل مسلماً مميزاً في النية والذبح، أو كافراً في الذبح فقط.
وكالأضحية سائر الدماء.(1/698)
ولا يضحي أحد عن غيره بلا إذنه في الحي، وبلا إيصائه في الميت، فإن فعل ولو جاهلاً .. لم يقع عنه، ولا عن المباشر.
وفي "التحفة": (ومرَّ أن للأصل التضحية عن موليه، وعليه فلا يقدر انتقال الملك للمولى، أي: كالعقيقة عنه؛ إذ لو انتقلت إليه .. لامتنع التصدق بها كسائر أمواله.
ثم قال: وللولي إطعام المولي منها) اهـ
وإنما جاز وفاء دين الغير حياً أو ميتاً بغير إذنه لا التضحية عنه؛ لأنها عبادة، والأصل منعها عن الغير إلا لدليل، بخلاف وفاء الدين.
ويفرق بينها وبين الصدقة بأنها تشبه الفداء عن النفس، فتوقفت على الإذن، بخلاف الصدقة، ومن ثم لم يفعلها عنه وارث ولا غيره وإن وجبت.
بخلاف نحو حج وزكاة وكفارة فلا فداء فيها، فأشبهت الديون.
ولا تضحية لرقيق بسائر أنواعه؛ لعدم صحة تبرعه في المكاتب، ولعدم إمكان ملك غيره، وصحتها من المبعض، إنما هي بما فيه من الحرية.
نعم؛ إن أذن السيد فيها للمكاتب .. صحت منه، ووقعت عنه؛ لأنه يملك، وفيما لو أذن السيد لقنه أن يضحي عن نفسه كلام في "الأصل".
ولو قال لأجنبي: ضحِّ عني، فضحى عنه .. صح، وكان ثمنها قرضاً.
وقوله: ضحِّ عني متضمن لاشترائها له وذبحها عنه بالنية، كما لو قال: اشتر لي كذا، ولم يعطه شيئاً .. فاشتراه.
(ووقت التضحية) يدخل (بعد طلوع الشمس يوم النحر، و) بعد (مضي ركعتين وخطبتين خفيفات) بأن يمضي من الطلوع أقل ما يجزئ من ذلك وإن لم يخرج وقت الكراهة ولم يذبح الإمام.
فلو ذبح قبل ذلك .. لم يجز، وكان شاة لحم لخبر الصحيحين: "أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعل ذلك .. فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك .. فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء".
نعم؛ مرَّ: أنهم لو وقفوا في العاشر .. حسبت الأيام للذبح على الوقوف.
والأفضل: تأخير ذبحها إلى إرتفاع الشمس قدر رمح، ومضي ما مر.(1/699)
بل صوب الأذرعي: أنه لا يدخل إلا بذلك؛ بناء على أن صلاة العيد لا يدخل وقتها إلا بالارتفاع المذكور.
ويمتد وقت التضحية ليلاً، لكنه مكروه لغير عذر ولا مصلحة، ونهاراً (إلى أخر أيام التشريق) فلو ذبح بعد غروب شمس آخرها .. لم تقع أضحية ما لم تكن منذورة فتقع قضاءً كما مر.
(ويجب) في أضحية التطوّع (التصدق بشيء من لحمها) يقع عليه الاسم.
قال (ع ش): (ولا بد من كون له وقع كرطل) فيحرم أكل جميعه؛ إذ المقصود إرفاق المساكين، ولا يحصل بمجرد الذبح، ولا يبعد هنا كما في "التحفة" جواز إخراج الواجب من غيرها ولا يجب له لفظ مملك، بل يعطيه ذلك، بخلاف الكفارة؛ إذ المقصود هنا مجرد الثواب، وهو حاصل بمجرد الإعطاء، وفي الكفارة تدارك الجناية بالإطعام، فأشبه البدل، والبدلية تستدعي التمليك.
ويجب أن يعطيه (نيئاً) طرياً لا مطبوخاً ولا قديداً لمسلم حر أو مبعض في نوبته، أو مكاتب -والمعطي غير سيده- فقير أو مسكين ولو واحداً، ولا يكفي جعله طعاماً ودعاء المسكين أو إرساله إليه؛ لأن حقه في تملكه لا في أكله، ولا مما لا يسمى لحماً كجلد وكبد، وكذا ولد ولو قلنا بجواز التضحية بالحامل؛ لأنه يشبه اللبن، ولأنه يجب مما يقع عليه اسم التضحية أصالة، والولد ليس كذلك، وإنما لزم ذبحه معها؛ تبعاً.
وتردد البلقيني في الشحم، وقياس ذلك: أنه لا يجزئ كما في "التحفة".
ولفقير التصرف فيه ببيع وغيره، أي: لمسلم، بخلاف الغني إذا أرسل إليه شيء أو أعطيه، فإنما يتصرف فيه بنحو أكل وتصدق وضيافة؛ لأن غايته أنه كالمضحي.
والقول بأنهم -أي: الأغنياء- يتصرفون فيه بما شاؤوا ضعيف وإن أطالوا في الاستدلال له، وإنما جازت لهم؛ لآية (وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحج:36].
قال (ع ش): لأنه أطلق القانع والمعتر، فشمل الغني وغيره، وجوز (م ر) كون الغني هنا من تحرم عليه الزكاة، والمسكين من تحل له.
ولا يجزئ ما يهديه عن الواجب، وفي وجه لا يجب التصدق بشيء منها.
ويكفيه في الثواب إراقة الدم، والأفضل في أضحية التطوّع أن يقتصر على أكل لقم منها، والأفضل كونها من الكبد.(1/700)
ولا يزيد على الثلاث ويتصدق بالباقي جميعه، ثم أكل الثلث ويتصدق بالباقي، ودونه أكل ثلث والتصدق بثلث وإهداء ثلث.
ويثاب في الأولى على التضحية والتصدق بالكل، وفي الأخيرتين على التضحية بالكل وعلى التصدق بالبعض.
نعم؛ إن ضحى عن غيره كميت أوصى بها .. تصدق وجوباً بجميعها.
(ولا يجوز بيع شيء منها) أي: أضحية التطوّع، ولا إتلافه بغيره، ولا إعطاء الجزار أجرته منها ولو جلدها، بل مؤنته على الذابح، ويحرم نقلها كالزكاة، ويكره ادخار شيء من لحمها.
(ويتصدق) حتماً (بجميع المنذورة) والمعينة عن نذر في ذمته والمجعولة حتى نحو جلدها.
وإنما لم تتعين الزكاة بإفراز قدرها بنيتها؛ لأن حق الفقراء شائع في جميع المال، بخلافه هنا، فإنه لا حق للفقير في غير المعينة.
ويكره شرب لبن أضحية واجبة أو مندوبة فاضل عن ولدها، وهو ما لا يضره فقده ضرراً لا يحتمل كمنعه نموه كأمثاله، كما أن له ركوبها، لكن لحاجة؛ كأن عجز عن المشي ولم يجد غيرها ولو بأجرة، ولا أثر لوجود استعارة غيرها للمنة والضمان، وإركابها لمحتاج بلا أجرة، لكن يضمن نقصها بذلك.
ويسن له التصدق بلبنها، وله جزُّ صوفها إن أضرها والانتفاع به كجلد مندوبة.
(ويكره) لمريد التضحية عن نفسه، أو إهداء شيء من النعم (أن يزيل شيئاً من شعره أو غيره) كظفره وسائر أجزائه الظاهرة إلا الدم على خلاف فيه (في عشر ذي الحجة) وما بعدها من أيام التشريق إن لم يضح يوم العيد.
(حتى يضحي)؛ للأمر بالإمساك عن ذلك في خبر مسلم.
وحكمته: شمول المغفرة والعتق من النار لجميعه، لا التشبه بالمحرمين، وإلا .. لكره نحو الطيب.
وقيل: يحرم ما لم يحتج إليه، وعليه أحمد.(1/701)
فإن احتاج .. فقد يجب، كقطع يد سارق وختان بالغ، وقد يسن كختان صبي، وقد يباح كقلع سن وجعه.
ولو تعددت ضحيته .. انتفت الكراهة بالأولى؛ بناء على لأصح عند الأصوليين: أن الحكم المتعلق على معنى كلي يكفي فيه أدنى المراتب لتحقق المسمى فيه، فيشمل المنذورة المتعددة، فتنتفي الكراهة بأولهن. وإلا .. لم يتحقق المسمى فيها؛ لأن القصد: وجوب المغفرة وقد وجد.
قال (بج): (أيُّ فائدة لشمول العتق لها مع أنها لا تعود إلا منفصلة تطالب بحقها كعدم غسلها من الجنابة؟ فقياسه هنا عودها لتوبيخه على عدم شمول المغفرة لها) اهـ
أمَّا من لم يرد التضحية .. فلا يكره له إزالة نحو شعره وإن سقط عنه الطلب بفعل غيره من أهل بيته.
ويسن أن يذبح ضحيته يوم النحر وإن تعددت، وأن يذبحها بنفسه إن كان يحسنه؛ للاتباع.
نعم؛ الأفضل لغير ذكر أن يوكلَّ فيه، فإن لم يرد الذبح بنفسه .. ندب له أن يشهدها؛ لما صح من أمر فاطمة رضي الله عنها بذلك، وأن تقول: (إن صلاتي ونسكي ... ) إلى (وأنا من المسلمين)، ووعدها بأنه يغفر بأوَّل قطرة كل ذنب عملته، وأَنَّ هذا لعموم المسلمين.
وتكره استنابة كافر كتابي وصبي لا حائض، لكن إنابتها خلاف الأولى؛ لما مر من ندب التوكيل لغير ذكر فيه.
ويسن لغير إمام أن يضحي في بيته وبمشهد أهله، وله إذا ضحى عن المسلمين أن يذبح بنفسه في المصلى عقب الصلاة ويخليها للناس.
ويسن تحديد الشفرة والذبح بقوة، والاستقبال للذابح وبمذبحها؛ لأن القبلة أشرف الجهات، وذلك في الضحية والهدي آكد منه في غيرهما، ولأن الاستقبال في العبادات مستحب، بل واجب في بعضها، والتسمية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبح، وإرسال السهم والجارحة؛ لقوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) [الأنعام:118]، (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ) [المائدة:4] وللاتباع، ولأن كل محل سن فيه ذكر الله فيه ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم، وتركهما مكروه؛ لتأكدهما.(1/702)
ولا تحل ذبيحة كتابي للمسيح مثلاً، ولا ذبيحة مسلم لمحمد عليه الصلاة والسلام، أو للكعبة أو غيرهما مما سوى الله؛ لأنه مما أهل به لغير الله، بل لو ذبح تعظيماً لمن ذكر .. كفر، فإن ذبح للكعبة؛ لكونها بيت الله أو لرسول أو ولي لكونه رسول الله، أو وليه .. جاز.
قال في "الروضة": وإلى هذا المعنى يرجع قول القائل: أهديت للحرم أو للكعبة.
ويحرم الذبح تقرباً إلى سلطان أو غيره عند لقائه؛ لما مر، فإن قصد الاستبشار بقدومه .. فلا بأس، أو ليرضي غضباناً .. جاز؛ لأنه لا يتقرب به إلى الغضبان، بخلاف الذبح لنحو الصنم.
ولو ذبح للجن .. حرم إلا إن قصد التقرب إلى الله؛ ليكفيه شرهم .. فيسن، بل لو ذبح لا بقصد التقرب إلى الله ولا إلى الجن، بل لدفع شرهم .. فهو كالذبح لإرضاء غضبان، أفاده في "الروض" و"شرحه" ونقل في الأخيرة عن أبي مخرمة وغيره الحرمة، ولكن ما مر عن "شرح الروض" من عدمها هو القياس، كما مر.
ويندب في الإبل وسائر ما طال عنقه كالنعام والوز النحر في (اللَّبة) -بفتح اللام- أي: الثغرة أسفل العنق بقطع الحلقوم والمريء؛ للاتباع، ولأنه أسهل لخروج روحها.
وينحر البعير قائماً معقولاً ركبته اليسرى، وإلا .. فباركاً، وأن ينحر البقر والغنم والخيل ونحوها مضطجعة مشدودة القوائم إلا الرجل اليمنى .. فتترك؛ لتستريح بتحريكها، ولو عكس .. حلَّ، لكنه خلاف الأفضل.
ويندب أن يزيد على قطع الحلقوم والمريء والودجين، وقطع الأوّلين واجب، والأخيرين مندوب، وأن يتركها حتى تموت، وأن تسقى قبل الذبح ثم تضجع برفق، وأن لا يحد الشفرة ولا يذبح غيرها قبالتها، وأن يكبر قبل التسمية وبعدها عند الذبح ثلاثاً، فيقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد؛ لأنه في أيام التكبير، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: اللهم هذه منك وإليك، فتقبل مني.
* * *(1/703)
(فصل) في العقيقة.
وهي لغة: شعر رأس المولود حين ولادته.
وشرعاً: ما يذبح عن المولود.
ويسن كون ذبحه عند حلق شعره، وقال أحمد: العقيقة نفس الذبح؛ لأن (عقَّ) لغةً: قطع.
والأصل فيها: أخبار، كخبر "الغلام -أي: الولد ولو أنثى- مرتهن بعقيقته"، أي: لا ينمو مع تركها نمو أمثاله، قال أحمد: أو لا يشفع لأبويه.
وشرعت؛ إظهاراً للبشر ونشراً للنسب.
وكره الشافعي تسميتها عقيقة؛ للفأل القبيح، بل تسمى نسيكه أو ذبيحة، ونقل (ب ج) عن سلطان: عدم كراهة تسميتها عقيقة.
وإنما لم تجب؛ لخبر أبي داوود: "من أحب أن يعق عن ولده .. فليفعل".
ولو نوى بها العقيقة والضحية .. حصلا عند (م ر) ولم تحصل واحدة منهما عند (حج)، قال: لأن كلاً منهما مقصودة، والقصد بالضحية الضيافة العامة، وبالعقيقة الخاصة، ولاختلافهما في أمور كما يأتي.
وإنما صح الغسل بنية الجنابة وسنة نحو الجمعة؛ لبناء الطهارة على التداخل.
(العقيقة: سنة) مؤكدة؛ لما مر، ويحصل بها أصل السنة ولو قبل انفصال الولد بعد إمكان نفخ الروح، فتسن عن سقط بلغ ذلك.
والمخاطب بها من عليه نفقة الولد لو كان فقيراً، وإنما يعق الأصل من مال نفسه؛ لأنها تبرع، وهو لا يجوز من مال الولد، ويبقى طلبها من الموسر إلى بلوغ الولد، وهذا إن كان الأصل موسراً بما مر في الفطرة في أيام أكثر النفاس، فإن أيسر بعد ذلك .. لم تصح منه كما في"الإيعاب".
لكن في (ع ش) على (م ر): أنه يسقط بها الطلب عن الولد.
نعم؛ تسن للولد بعد بلوغه إن لم يعق عنه، وتطلب من الأمهات في ولد الزنا، لكن لا يظهرنها.(1/704)
والولد القن لا يعق عنه عند (م ر) وعند (حج): يعق عنه أصله الحر.
وهي (كالأضحية) سِنّاً وجنساً وسلامة من العيوب ونية ووجوباً بالنذر ونحوه، وامتناع الأكل من الواجبة، والتصدق بجميعها وغير ذلك.
نعم؛ تخالفها في أمور قليلة، منها:
أن ما يهدي منها للغني يملكه، وأنها يسن طبخها بحلو تفاؤلاً، وإعطاء رجلها إلى أصل الفخذ والأفضل اليمنى للقابلة وإن تعددت.
ولو تعددت العقيقة .. كفى لهن رجل واحدة في أصل السنة، ولا يجب التمليك من لحمها نيئاً، بل يطبخه، ولا يكسر عظامها كما يأتي.
(وقتها: من الولادة) في حق الأصل الموسر كما مر (إلى البلوغ) فإنِ أعسر بها الأصل في مدة أكثر النفاس .. لم يؤمر بها على ما مر (ثم) بعد البلوغ يسقط الطلب عمن خوطب به، ويسن له أن (يعق عن نفسه)؛ تداركاً لما فات كما مر.
(والأفضل) ذبحها (في اليوم السابع) من الولادة، فيدخل يومها في حساب السبع ولو قبيل الغروب، فإن حصلت الولادة ليلاً .. لم تحسب تلك الليلة، بل اليوم الذي يلي الولادة، بخلاف الختان فلا يحسب يوم الولادة من السبع؛ لأنه كلما أخر .. كان أخف ألماً.
ومحل ندب ختانه يوم السابع إن أطاقه، وإلا .. أخر حتماً، فإن ختنه الولي في وقت لا يحتمل لنحو ضعف أو شدة برد .. لزمه القصاص ما لم يكن أصلاً، وإلا .. فالدية المغلظة، فإن ظن احتماله .. فلا قود بل دية، فإن احتمله .. فلا ضمان ولو كان الولي غير أصل، ما لم يكن الخاتن له أجنبياً فيقتل به وإن قصد إقامة الشعار؛ لتعديه.
(فإن لم يذبح فيه .. ففي الرابع عشر، وإلا .. ففي الحادي والعشرين) وهكذا في الأسابيع.
وقيل: إن تكررت السبعة ثلاث مرات .. فات وقت الاختيار، وكلام المصنف يومئ إليه.
وأقل الكمال في العقيقة لغير ذكر: شاة عند (حج)، وعند (م ر) الخنثى كالذكر.(1/705)
و (الأكمل) أي: أقل الكمال (شاتان) ويسن تساويهما (للذكر)؛ لخبر عائشة (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الغلام بشاتين متكافئتين، وعن الجارية بشاة) ولكونها فداء النفس أشبهت الدية في كون الأنثى على النصف من الذكر كما في "التحفة".
ويجزئ في أصل السنة شاة أو سبع بدنة أو بقرة عن الذكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عقَّ عن كل من الحسن والحسين بشاة، وآثر الشاة؛ تبركاً باللفظ الوارد، وإلا .. فالأفضل هنا سبع شياه ثم الإبل فالبقر فالضأن فالمعز، فسبع بدنة فسبع بقرة كالأضحية.
بل قضية (كونه صلى الله عليه وسلم ضحى بمائة بدنة نحر منها بيده ثلاثاً وستين، وأمر علياً أن ينحر باقيها): أن لا حد لهما.
ولو ذبح بدنة أو بقرة عن سبعة .. جاز، وكذا لو أراد بعضهم بسبعه اللحم، وبعضهم بسبعه العق.
(و) من السنة هنا بخلاف الأضحية (أن لا يكسر عظمها) سواء العاق والآكل؛ تفاؤلاً بسلامة أعضاء الولد.
وقضية هذا: أنه لا بأس بكسرها فيما لو عقّ عنه بعد موته، فإن كسره .. فخلاف الأولى لا مكروه؛ لعدم النهي.
ولو ضحى بسبع بدنة وأمكن قسمها بلا كسر .. كان الكسر خلاف الأولى.
(وأن يتصدق به مطبوخاً وبحلو)، ويكره كما في "النهاية" طبخه بحامض.
(والإرسال) به مع مرقة على وجه التصدق للفقراء (أكمل) من دعائهم إليه.
والأفضل: ذبحها بعد طلوع الشمس، وأن يقول عند ذبحها: بسم الله والله أكبر، اللهم لك وإليك، اللهم هذه عقيقة فلان؛ لخبر البيهقي به.
(و) يسن (حلق شعره) أي: شعر رأسه (بعد الذبح) كما في الحاج ولو أنثى، وأن يكون يوم السابع كالتسمية، ولو سقطاً بلغ أوان النفخ .. فيعق عنه، ويُسمَّى؛ احتياطاً، والتسمية لمن له الولاية وإن لم تجب عليه النفقة، كالأب فالجد، ولا عبرة بتسمية غيرهما، وينبغي كونها قبل الذبح.
(والتصدق بزنته) أي: شعر رأسه (ذهباً، ثم) إن لم يفعل .. تصدق بزنته(1/706)
(فضة)؛ لما صح من أمره فاطمة رضي الله عنها أن تزن شعر الحسنين، وتتصدق بزنته فضة، وألحق بها الذهب بالأولى، وبالذكر الأنثى.
(وتحنيكه بتمر) ذكراً أو أنثى بأن يمضغه ويدلك به حنكه حتى يصل بعضه لجوفه، ويقدم الرطب على التمر كما في الصيام (ثم حلو) لم تمسه نار.
وينبغي كون المحنك من أهل الصلاح؛ لتحصل للمولود بركة ريقه.
(ويكره تلطيخ رأسه) أي: المولود (بالدم)؛ لأنه فعل الجاهلية، وإنما لم يحرم؛ لأنه قيل: بندبه: لخبر فيه ضعيف.
(ولا بأس) بتلطيخه (بالزعفران) بل يسن كما في "المجموع"، ولخبر الحاكم عن بريدة: (كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة، ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الله بالإسلام .. كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بالزعفران).
وتسن تهنئة الوالد، ونحوه ببارك الله لك في الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره.
ويسن الرد عليه بجزاك الله خيراً، وتمتد ثلاثاً بعد العلم كالتعزية.
(والعتيرة) -بفتح المهملة وكسر الفوقية- وهي ما تذبح في العشر الأول من رجب.
(والفرع) -بفتح الفاء والراء وبالعين المهملة- وهي أوّل نتاج البهيمة، تذبح رجاء بركتها وكثرة نسلها مندوبتان؛ لأن القصد بهما ليس إلا التقرب إلى الله تعالى بالتصدق بلحمهما على المحتاجين، ولا يثبت لهما أحكام الأضحية أفاده في "التحفة".
ويسن أن يؤذن من حضر ولو امرأة في أذن المولود اليمنى ولو غير ذكر، ويقيم في أذنه اليسرى؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أذَّن في أذن الحسين حين ولد، وليكون أوَّل ما يطرق سمعه ذكر الله تعالى، ولأن الشيطان ينخسه حينئذٍ، فإذا سمع الأذان .. أدبر، ولما ورد: (أنه إذا فعلا له .. لم تضره أم الصبيان).
وأن يقرأ في أذنه اليمنى على إرادة النسمة (وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [آل عمران:36].
ويقرأ عندها حال طلقها (آية الكرسي)، و (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي) [الأعراف:54] ... إلخ، و (المعوذتين).
ويكثر من دعاء الكرب، وهو: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم.
* * *(1/707)
(فصل) في محرمات تتعلق بالشعر ونحوه.
(ويحرم تسويد الشيب) ولو لامرأة كما في "الشرح" وغيره.
لكن قال الشهاب الرملي في "شرح الزبد"، وتبعه ابنه في شرحها: (يجوز لها بإذن حليلها؛ لأن فيه تزييناً لها، وقد أذن لها فيه، قال: ويحرم على الولي خضب شعر الصغير ولو أنثى إذا كان أصهب بالسواد؛ لما فيه من تغيير الخلقة).
قال الكردي: (وهو مفهوم كلام حج السابق، أي: في "الشرح") اهـ
نعم؛ يجوز بالسواد في الجهاد؛ لإرهاب العدوّ.
(ووصل الشعر) بشعر آدمي أو نجس مطلقاً، وكذا بطاهر لم يأذن فيه حليل، كما مر.
(وتفليج الأسنان) بنحو المبرد؛ للتحسين (والوشم)؛ لما ورد من لعن فاعل ذلك والمفعول به (والحناء للرجل) والخنثى المكلفين (بلا حاجة) إليه؛ لما فيه من التشبيه بالنساء، كما مر.
وثقب أذن الصبي لا الصبية كما في "التحفة"، ونقلت عبارتها في "الأصل"، واعتمد ابن زياد جوازه ولو للصبي.
خاتمة
أحسن الله خاتمتنا بمنه وكرمه وإفضاله.
ويسن تحسين الأسماء، وأفضلها عبد الله ثم عبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة، ولا يكره اسم نبي ولا ملك، بل جاء في التسمية بمحمد فضائل علية.
وفي "التحفة": وهو أفضل الأسماء بعد عبد الله وعبد الرحمن، ولا تغتر بمن اعتمد أنه أفضل منهما.
ويكره قبيح كشهاب ومُرَّة وحرب وعاصي، وما يتطير بنفيه كيسارٍ ونافع ومبارك وسعيد وأفلح ونحوها؛ لخبر: "لا تسمين غلامك أفلح، ولا نجيحاً ولا يساراً(1/708)
ولا رباحاً، فإنك إذا قلت: أَثّمَّ هو، قالوا: لا"، ونحو ست الناس أو العرب أو العلماء أشد كراهة؛ لأنه من أقبح الكذب، ولا تعرف الست إلا في العدد، ومرادهم سيدة.
ويحرم ملك الملوك؛ لأنه ليس لغيره تعالى، وشاهنشاه وحاكم الحكام وعبد الكعبة أو الحسين.
وكذا عبد النبي عند (حج)؛ لإيهام التشريك، ومنه أخذ حرمة التسمية بجار الله ورفيق الله ونحوهما.
وحرمة قول بعض العامة: (الحملة على الله)، و (حامل الجور الله) وإن لم يقصد المعنى المستحيل عليه تعالى.
قال بعضهم: ويحرم قاضي القضاة، وأفظع منه حاكم الحكام.
وفي "المنح": ويفرق بين قاضي القضاه وأقضى القضاة، وبين حاكم الحكام بأن فيه من الشمول ما ليس فيهما.
ويتردد النظر في حاكم الحكام، ولحوقه بملك الملوك في الحرمة أقرب، ثم رأيت ما يصرح بجواز الأولين وهو أوّل من سمي قاضي القضاة: أبو يوسف، ولم ينكره أحد مع توفر الأئمة.
وأول من سمي أقضى القضاة الماوردي، واعترضه بعض أهل عصره، وأجاب هو والمحققون بأنه إنما ينصرف عرفاً إلى أفضل أهل زمانه.
ومثلهما وزير الوزراء، وأمير الأمراء، ونحو ذلك مما كان قديماً، ولم ينكر اعتماداً على تخصيص العرف لذلك.
لكن قد يؤيد المنع ما فيه من الإيهام، كما منع جار الله مع أنه مخصوص في العرف بذلك الشخض المسمى به.
وقد يجاب: بأن (أل) في القضاة للعهد؛ أي: أقضى القضاة المعهودين، فلا عموم فيه عرفاً؛ لأن أل حيث أمكن فيها العهد وجب الحمل عليه، والمعهود هم من دونه من القضاة، ولا استعمالاً لأنه إنما يقصد به ذلك، لكن يقال بمثله في ملك الملوك إلا أن يقال: إنه يخرج بالنهي الصريح عنه.
وبالجملة: فهذه أسماء لو اجتنبوها .. لكان أولى، سيما وهم هم. اهـ باختصار، وفي الأصل هنا زيادة بسط.(1/709)
ويندب تغيير الاسم القبيح، وما يتطير بنفيه؛ لأن زينب بنت جحش كان اسمها برة، فقيل: تزكي نفسها، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب، وغير اسم عاصية إلى جميلة.
ويسن أن يكنى أهل الفضل من الرجال والنساء وإن لم يكن لهم ولد، وأن يكنى الشخص بأكبر أولاده، ولا يكنى الشخص نفسه إذا عرف بغيره، وإلاّ .. فلا بأس، وعليه حمل تكنية أبي هريرة، وأبي ذر، وأم هانئ أنفسهم.
ولا يكنى نحو فاسق ومبتدع إلاّ لخوف فتنة، أو لم يعرف إلا به.
ويحرم التكني بأبي القاسم. قال الكردي: (أي وضع هذه الكنية على شخص.
أما إذا اشتهر بها .. فلا حرمة، ولذلك يكنى النووي الرافعيَ بها، مع اعتماده حرمة ذلك) اهـ
ولا بأس باللقب الحسن، وإن لم يكن كذلك تفاؤلاً به كمحب الدين، وزين العابدين، إلا ما توسع فيه السفلة حتى سموا بعلاء الدين ونحوه.
وينبغي أن لا يخلي الشخص أولاده من اسم محمد، ويلاحظ في ذلك عود بركة اسمه صلى الله عليه وسلم عليه.
قال الشافعي رضي الله عنه لما ولد له ولد وسماه بمحمد: سميته بأحب الأسماء إليّ، وكثير يسمون محمداً.
ويقول: سميته باسم أبي أو جدي، فكان الأولى أن يلاحظ فيه اسمه صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم اسم أبيه.
وينبغي لمن سمى محمداً أن يحترمه؛ لكونه سميه صلى الله عليه وسلم، فقد ورد: "إذا سميتم محمداً فلا تضربوه ولا تحرموه".
وبالجملة: فما زالت الأفاضل يعتنون باسم محمد حتى إن بعضهم يبلغ الثلاث الدرج وأكثر على اسم محمد، كما وقع للغزالي نفع الله به؛ فإنه محمد بن محمد بن محمد، فعادت بركته صلى الله عليه وسلم عليهم كما هو معلوم.
ولا نعلم أحداً اعتنى باسمه، وتكرر فيهم وإلا وأفلح، وعادت بركته صلى الله عليه وسلم عليهم.
وقد لاحظت ما لاحظه هؤلاء الأخيار، فختمت كتابي هذا بذكره، صلى الله عليه(1/710)
وسلم، وبذكر اسمه الشريف؛ رجاء أن تعود بركته عليّ وعلى أولادي ووالديّ وأحبابي والمسلمين، وعلى كتابي هذا وغيره؛ فإنه باب الله، ولا خير من خيرات الدنيا والآخرة إلا وهو بواستطه، وببركته صلى الله عليه وسلم.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، عدد خلقك، ورضاء نفسك، وزنة عرشك، ومنتهى علمك وآياتك يا رب العالمين، آمين.
* * *(1/711)