كَلَام بَاطِل لَا أصل لَهُ وَلَو اخْتلف الزَّوْجَانِ أَو وارثاهما أَو أَحدهمَا ووارث الآخر فِي أَمْتعَة دَار فَإِن صلحت لأَحَدهمَا فَقَط فَلهُ وَإِلَّا فَلِكُل تَحْلِيف الآخر إِن لم يكن بَيِّنَة وَلَا اخْتِصَاص بيد فَإِن حلفا جعلت بَينهمَا وَإِن نكل أَحدهمَا حلف الآخر وَقضى لَهُ بهَا وَلَو اشْترى حليا وديباجا وزينها بذلك لَا يصير ملكا لَهَا بذلك التزيين وَلَو اخْتلفت هِيَ وَالزَّوْج فِي الإهداء وَالْعَارِية صدق وَمثله وَارثه وَلَو جهز بنته بجهازه لم تملكه إِلَّا بِإِيجَاب وَقبُول وَالْقَوْل قَوْله إِنَّه لم يملكهَا وَيُؤْخَذ من ذَلِك أَن مَا يُعْطِيهِ الزَّوْج مصلحَة أَو صباحية كَمَا اُعْتِيدَ بِبَعْض الْبِلَاد لَا يملك إِلَّا بِلَفْظ أَو قصد إهداء وَأما مَصْرُوف الْعرس فَلَيْسَ بِوَاجِب فَإِذا صرفته بِإِذْنِهِ ضَاعَ عَلَيْهِ وَأما الدّفع أَي الْمهْر فَإِن كَانَ قبل الدُّخُول استرده أَي اسْتردَّ نصفه وَإِلَّا فَلَا لتقرره بِهِ فَلَا يسْتَردّ بِالدُّخُولِ والمصلحة هِيَ مَا يناوله الزَّوْج لزوجته من دَرَاهِم أَو دَنَانِير وَقت لِقَائِه مَعهَا لَيْلًا أَو من ثِيَاب بعد يَوْم مثلا من لِقَائِه والصباحية هِيَ مَا يَأْكُلهُ الضيوف وَقت الصَّباح فِي لَيْلَة دُخُوله بهَا من طَعَام والمصروف مَا يصرف للأريكة مثلا وَغَيرهَا من السراج وَغَيره
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْجِنَايَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي على الْأَبدَان عبر بهَا دون الْجراح لشمولها الْقَتْل بِسم أَو مثقل أَو سحر
وَالْقَتْل ظلما أكبر الْكَبَائِر بعد الْكفْر ومثبت لاسْتِحْقَاق الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَا يتحتم دُخُول الْقَاتِل فِي النَّار وَلَا يخلد فِيهَا وَأمره إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ وَتقبل تَوْبَته أما الخلود فِي الْآيَة فَمَحْمُول على طول الْمدَّة أَو مَحْمُول على من استحله وبالقود أَو الْعَفو لَا تبقى مُطَالبَة أخروية وَمَا أفهمهُ بعض الْعبارَات من بَقَائِهَا مَحْمُول على حَقه تَعَالَى إِذْ لَا يسْقطهُ إِلَّا تَوْبَة صَحِيحَة
وَالْجِنَايَة على الْبدن ثَلَاثَة عمد وَشبهه وَخطأ
(لَا قصاص إِلَّا فِي عمد) ظلم (وَهُوَ قصد فعل وشخص) أَي إِنْسَان مَعَ ظن كَونه إنْسَانا (بِمَا يقتل) بِالنِّسْبَةِ لذَلِك الْإِنْسَان كسيف أَو مثقل كَأَن رض رَأسه بِحجر كَبِير (وقصدهما) أَي الْفِعْل وَالْإِنْسَان وَإِن ظن كَونه غير إِنْسَان (بِغَيْرِهِ) أَي غير مَا يقتل (شبه عمد) سَوَاء أقتل كثيرا أم نَادرا كَضَرْبَة يُمكن عَادَة إِحَالَة الْهَلَاك عَلَيْهَا بِخِلَافِهَا بِنَحْوِ قلم أَو مَعَ خفتها جدا أَو ثقلهَا مَعَ كَثْرَة الثِّيَاب فموته مُوَافقَة قدر وَكَذَا بِمَا قتل غَالِبا حَيْثُ لم يقْصد عين الْمَقْتُول وَمن شبه الْعمد ضرب بِسَوْط أَو عَصا خفيفين بِلَا توال وَلم يكن الضَّرْب بمقتل وَلم يكن بِدُونِ الْمَضْرُوب نحيفا وَلَا ضَعِيفا وَلم يقْتَرن بِشدَّة حر أَو برد وَإِلَّا فَعمد وكالتوالي مَا لَو فرق الضربات وَبَقِي ألم كل إِلَى مَا بعده (وَعدم قصد) الْفِعْل وَعين الْإِنْسَان أَو قصد (أَحدهمَا) بِأَن لم يقْصد الْفِعْل كَأَن زلق فَوَقع على غَيره فَمَاتَ(1/339)
أَو قصد الْفِعْل وَقصد عين إِنْسَان فَأصَاب غَيره من الْآدَمِيّين (خطأ) فَخرج بالآدميين الْجِنّ فَإِنَّهُ لَا يضمن لِأَن الشَّارِع لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ فِي الْقود وَلِأَنَّهُ لَا يعلم مكافأته والحيوانات فَإِنَّهَا تضمن من غير تَفْصِيل والوقوع مَنْسُوب للْوَاقِع وفقد قصد الْفِعْل يلْزمه فقد الشَّخْص وَعَكسه محَال وَهُوَ قصد الشَّخْص دون الْفِعْل
وَاعْلَم أَن الْفِعْل غير المزهق يَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَيْضا فَلَو غرز إبرة بمقتل كالدماغ وَالْعين وَالْحلق والخاصرة فَمَاتَ فَعمد وَكَذَا لَو غرزها بِغَيْرِهِ كالألية والفخذ إِن تألم تألما شَدِيدا دَامَ بِهِ حَتَّى مَاتَ لذَلِك وَهَذَا إِذا كَانَ الغرز فِي بدن غير صَغِير أَو شيخ هرم أَو ضَعِيف الْخلقَة وَإِلَّا فَهُوَ عمد مُطلقًا قطعا فَإِن لم يشْتَد الْأَلَم أَو اشْتَدَّ ثمَّ زَالَ وَمَات فِي الْحَال أَو بعد زمن يسير فَشبه عمد وَلَو غرزها فِيمَا لَا يؤلم كجلدة عقب وَلم يتألم بِهِ فَمَاتَ فَلَا شَيْء فِيهِ بِحَال من قصاص أَو دِيَة لِأَنَّهُ لم يمت بِهِ وَالْمَوْت عقبه مُوَافقَة قدر وَلَو مَنعه طَعَاما أَو شرابًا وطلبا لَهُ حَتَّى مَاتَ فَإِن مَضَت مُدَّة من ابْتِدَاء مَنعه يَمُوت مثله فِيهَا غَالِبا جوعا أَو عطشا فَعمد لظُهُور قصد الإهلاك بِهِ وَإِن لم تمض الْمدَّة الْمَذْكُورَة فَإِن لم يسْبق مَنعه جوع عَطش فَشبه عمد وَإِن سبقه وَعلمه الْمَانِع فَعمد وَإِن لم يُعلمهُ فَنصف دِيَة شبه الْعمد وَخرج بِالْمَنْعِ مَا لَو أَخذ طَعَامه أَو شرابه بمفازة وَحده فِيهَا فَمَاتَ بذلك فَهدر لِأَنَّهُ لم يحدث فِيهِ صنعا كَمَا قَالَه السنباطي وَمثل الْمَنْع من الطَّعَام التعرية عَن الثِّيَاب وَقت الْبرد والدخن بالدخان
(وَلَو وجد) فِي وَاحِد حَال كَون الْفِعْلَيْنِ (من شَخْصَيْنِ مَعًا) أَي حَال كَونهمَا مقترنين فِي زمن الْجِنَايَة بِأَن تقارنا فِي الْإِصَابَة (فعلان مزهقان) أَي مخرجان للروح (مذففان) أَي مسرعان للْقَتْل (كحز) أَي قطع للرقبة (وَقد) أَي شقّ للبدن (أَولا) أَي غير مذففين (كَقطع عضوين) أَو عُضْو من وَاحِد وأعضاء كَثِيرَة من آخر فَمَاتَ الْمَقْطُوع مِنْهُمَا (فقاتلان) يجب عَلَيْهِمَا الْقصاص فَإِن آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة وزعت على عدد الرؤوس لَا الْأَعْضَاء والجراحات إِذْ رب جرح لَهُ نكاية فِي الْبَاطِن أَكثر من جروح وَإِن كَانَ أَحدهمَا مذففا دون الآخر فالمذفف هُوَ الْقَاتِل فَلَا يقتل الآخر وَإِن شككنا فِي تذفيف جرحه لِأَن الأَصْل عَدمه والقود لَا يجب بِالشَّكِّ مَعَ سُقُوطه بِالشُّبْهَةِ (أَو) وجد الفعلان من اثْنَيْنِ فِي وَاحِد (مُرَتبا فَالْأول) هُوَ الْقَاتِل (إِن أنهاه) أَي أوصله (إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح) بَان لم يبْق فِي الْمَضْرُوب إبصار وَاخْتِيَار ونقطه وحركته لِأَنَّهُ صيره إِلَى حَالَة الْمَوْت وَلَا فرق فِي فعل الأول بَين كَونه عمدا أَو خطأ أَو شبه عمد (وَيُعَزر الثَّانِي) لهتكه بِحرْمَة ميت وَإِن لم يَنْهَهُ الأول إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح فَإِن ذفف الثَّانِي كحز بعد جرح فَهُوَ الْقَاتِل وعَلى الأول ضَمَان جرحه قودا أَو مَالا وَإِن لم يذفف الثَّانِي أَيْضا وَمَات المجنى عَلَيْهِ بالجنايتين كَأَن أحافاه أَو قطع الأول يَده من الْكُوع وَالثَّانِي من الْمرْفق فهما قاتلان بطرِيق السَّرَايَة فعلَيْهِمَا الضَّمَان(1/340)
وَاعْلَم أَن أَرْكَان الْقود فِي النَّفس ثَلَاثَة قَتِيل وَقَاتل وَقتل وَأَن أَرْكَانه فِي الْأَطْرَاف ثَلَاثَة أَيْضا قَاطع ومقطوع وَقطع وَأَن أَرْكَانه فِي الْمعَانِي كَذَلِك مزيل ومزال وَإِزَالَة
(وَشرط) لوُجُوب الْقصاص فِي الْقَتْل كَونه عمدا ظلما فَلَا قَود فِي الْخَطَأ وَشبه الْعمد وَغير الظُّلم بِأَن كَانَ قصاصا و (فِي قَتِيل عصمَة) بِإِيمَان أَو أَمَان كعقد جِزْيَة أَو عهد أَو أَمَان مُجَرّد أَو ضرب رق لِأَنَّهُ بِضَرْب الرّقّ يصير مَالا للْمُسلمين ومالهم فِي أَمَان لعصمته حِينَئِذٍ فيهدر صائل بِالنِّسْبَةِ لكل أحد إِذا تعين قَتله فِي دفع شَره وَمن عَلَيْهِ قصاص بِالنِّسْبَةِ لقاتله لاستيفائه حَقه أما بِالنِّسْبَةِ لغيره كَغَيْرِهِ فِي الْعِصْمَة وحربي وَلَو صَبيا وَامْرَأَة وعبدا ومرتد فِي حق مَعْصُوم فَيقْتل بمرتد مثله وزان مُحصن قَتله مُسلم لَيْسَ كَذَلِك لاستيفائه حد الله تَعَالَى سَوَاء أثبت زِنَاهُ بِإِقْرَارِهِ أم بِبَيِّنَة أما لَو قَتله مثله أَو مُرْتَد أَو ذمِّي فَيقْتل بِهِ
(و) شَرط فِي (قَاتل) أَمْرَانِ (تَكْلِيف) وَلَو من سَكرَان أَو ذمِّي أَو مُرْتَد فَلَا يقتل صبي وَمَجْنُون حَال الْقَتْل وَإِن تقطع جُنُونه وَلَو قَالَ كنت وَقت الْقَتْل صَبيا وَأمكن صباه فِيهِ أَو مَجْنُونا وعهد جُنُونه قبله حلف فَيصدق أَو قَالَ أَنا صبي الْآن وَأمكن فَلَا قصاص وَلَا يحلف على صباه (ومكافأة) أَي مُسَاوَاة من الْمَقْتُول لقاتله حَال الْجِنَايَة بِأَن لَا يفضل قتيله حِينَئِذٍ (بِإِسْلَام) أَو أَمَان (أَو حريَّة) كَامِلَة (أَو أَصَالَة) أَو سيادة فَلَا يقتل مُسلم وَلَو زَانيا مُحصنا بِكَافِر وَلَو ذِمِّيا خلافًا لأبي حنيفَة وَإِن ارْتَدَّ الْمُسلم لعدم الْمُكَافَأَة حَال الْجِنَايَة إِذْ الْعبْرَة فِي الْعُقُوبَات بِحَالِهَا وَيقتل ذُو أَمَان بِمُسلم وبذي أَمَان وَإِن اخْتلفَا دينا أَو أسلم الْقَاتِل وَلَو قبل موت الجريح لتكافئهما حَال الْجِنَايَة وَيقتل مُرْتَد حَرْبِيّ لذَلِك وَلَا يقتل حر بِغَيْرِهِ وَلَو مبعضا لعدم الْمُكَافَأَة وَلَا مبعض بِمثلِهِ وَإِن فَاتَهُ حريَّة كَأَن كَانَ نصف الْمَقْتُول حرا وَربع الْقَاتِل حرا وَيقتل رَقِيق برقيق وَإِن عتق الْقَاتِل وَلَو قبل موت الجريح لَا مكَاتب برقيقه الَّذِي لَيْسَ أَصله وَلَا قَود بَين رَقِيق مُسلم وحر كَافِر وَيقتل فرع بِأَصْلِهِ لَا أصل بفرعه وَلَا أصل لأجل فَرعه كَأَن قتل رَقِيقه أَو زَوجته أَو عتيقه أَو أمه أَو زَوْجَة نَفسه وَله مِنْهَا ولد لِأَنَّهُ إِذا لم يقتل بِجِنَايَتِهِ على فَرعه فَلِأَن لَا يقتل بِجِنَايَتِهِ على من لَهُ فِي قَتله حق أولى
(وَيقتل جمع بِوَاحِد) لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ قتل سَبْعَة أَو خَمْسَة من أهل صنعاء بِرَجُل واسْمه أصيل وَسَببه قَتله زَوْجَة أَبِيه فَقَتَلُوهُ غيلَة أَي على غَفلَة فِي موقع خَال وَقَالَ لَو تمالأ عَلَيْهِ أهل صنعاء لقتلتهم جَمِيعًا بِهِ وَقتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ ثَلَاثَة بِوَاحِد وَقتل الْمُغيرَة سَبْعَة بِوَاحِد وَقَالَ ابْن عَبَّاس إِذا قتل جمَاعَة وَاحِدًا قتلوا بِهِ وَلَو كَانُوا مائَة
وَحَاصِل ذَلِك أَنهم إِذا ألقوه من شَاهِق جبل أَو فِي مَاء أَو نَار قتلوا مُطلقًا أَي سَوَاء تواطئوا أَو لَا وَأما إِذا قَتَلُوهُ بجراحات أَو ضربات فيفصل فَإِن كَانَ فعل كل يقتل لَو انفردوا قتلوا مُطلقًا أَيْضا وَإِن كَانَ فعل كل لَا يقتل لَو انْفَرد لَكِن لَهُ دخل فِي الْقَتْل(1/341)
فيفصل فَإِن تواطئوا قتلوا وَإِلَّا فَلَا يقتلُون وَتجب الدِّيَة وكل ذَلِك إِذا كَانَ فعل كل لَهُ دخل فِي الْقَتْل فَإِن كَانَ خَفِيفا لَا يُؤثر أصلا فَصَاحب ذَلِك الْفِعْل لَا دخل لَهُ لَا فِي قصاص وَلَا دِيَة وَأما إِذا كَانَ فعل بعض يقتل لَو انْفَرد وَفعل بعض لَا يقتل لَو انْفَرد لَكِن لَهُ دخل فِي الْقَتْل فِي الْجُمْلَة فَصَاحب الأول يقتل مُطلقًا وَصَاحب الثَّانِي يقتل إِن تواطئوا وَإِلَّا فَلَا يقتل بل تجب حِصَّته من الدِّيَة وللولي الْعَفو عَن بَعضهم بِحِصَّتِهِ من الدِّيَة وَقتل الْبَعْض الآخر وَعَن جَمِيعهم على أَخذ الدِّيَة ثمَّ إِن كَانَ الْقَتْل بجراحات وزعت الدِّيَة بِاعْتِبَار عدد الرؤوس لِأَن تَأْثِير الْجِرَاحَات لَا يَنْضَبِط وَقد يزِيد ضَرَر الْجرْح الْوَاحِد على جراحات كَثِيرَة فتوزع الدِّيَة على عَددهمْ فعلى الْوَاحِد من الْعشْرَة عشرهَا وَسَوَاء كَانَت جراحات بَعضهم أفحش أَو جراحات بَعضهم أَكثر أم لَا وَلَو كَانَت جراحات بَعضهم ضَعِيفَة لَا تُؤثر فِي الزهوق كالخدشة الْخَفِيفَة فَلَا اعْتِبَار بهَا وَإِن كَانَ بِالضَّرْبِ فعلى عدد الضربات لِأَنَّهَا تلاقي الظَّاهِر وَلَا يعظم فِيهَا التَّفَاوُت بِخِلَاف الْجِرَاحَات وَذَلِكَ حَيْثُ اتَّفقُوا على عدد الضربات فَإِن اتَّفقُوا على أصل الضَّرْب وَاخْتلفُوا فِي عَددهَا أَخذ من كل الْمُتَيَقن ووقف الْأَمر فِيمَا بَقِي إِلَى الصُّلْح وَلَو ضربوه بسياط فَقَتَلُوهُ وَضرب كل مِنْهُم لَا يقتل لَو انْفَرد ومجموعها يقتل غَالِبا قتلوا إِن تواطئوا على ضربه وَإِلَّا بِأَن وَقع الضَّرْب اتِّفَاقًا فديَة الْعمد تجب عَلَيْهِم بِاعْتِبَار عدد الضربات وَإِنَّمَا لم يعْتَبر التواطؤ فِي الْجِرَاحَات وَنَحْوهَا لِأَن ذَلِك يقْصد بِهِ الإهلاك بِخِلَاف الضَّرْب بِنَحْوِ سَوط أما إِذا كَانَ ضرب كل مِنْهُم يتقل فيقتلون مُطلقًا وَإِذا آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة وزعت على الضربات (مُوجب الْعمد) فِي نفس أَو طرف وَهُوَ بِفَتْح الْجِيم أَي مسبب الْعمد (قَود) بِفَتْح الْوَاو أَي قصاص سمي قودا لأَنهم يقودون الْجَانِي وَغَيره بِحَبل أَو نَحوه
(وَالدية) فِي النَّفس وَأرش غَيرهَا (بدل) عَن المجنى عَلَيْهِ عِنْد سُقُوط الْقصاص بِمَوْت الْجَانِي أَو إِرْث بعض الْقصاص أَو بِعَفْو عَنهُ على الدِّيَة فَلَو عَفا الْمُسْتَحق عَن الْقصاص مجَّانا كَأَن يَقُول عَفَوْت عَنْك بِلَا دِيَة أَو مُطلقًا بِأَن لم يتَعَرَّض للدية بالإثبات وَلَا بِالنَّفْيِ فَلَا شَيْء لِأَن الْقَتْل لَا يُوجِبهَا وَالْعَفو إِسْقَاط ثَابت وَهُوَ الْقود لَا إِثْبَات مَعْدُوم وَهُوَ الدِّيَة وَالْعَفو سنة مُؤَكدَة وَبِغير مَال أفضل (وَهِي) أَي الدِّيَة الْوَاجِبَة ابْتِدَاء كَمَا فِي قتل الْوَالِد وَلَده على نَوْعَيْنِ أما الدِّيَة الْوَاجِبَة بَدَلا عَن الْقود لَا تكون إِلَّا مُغَلّظَة الأول مُغَلّظَة من وَجه وَاحِد كَمَا فِي شبه الْعمد وَهُوَ كَون الدِّيَة مُثَلّثَة أَو من ثَلَاثَة أوجه كَمَا فِي الْعمد وَهِي كَونهَا على الْجَانِي وَحَالَة وَمن جِهَة السن
وَالثَّانِي مُخَفّفَة من وَجْهَيْن كَمَا فِي شبه الْعمد وهما وُجُوبهَا على الْعَاقِلَة ووجوبها مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين أَو من ثَلَاثَة أوجه كَمَا فِي الْخَطَأ وَهِي كَونهَا مخمسة وعَلى الْعَاقِلَة وَكَونهَا مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين فديَة حر مُسلم ذكر مَعْصُوم غير جَنِين إِذا صدر الْقَتْل من حر (مائَة بعير) إِجْمَاعًا سَوَاء أوجبت بِالْعَفو أَو ابْتِدَاء كَقَتل الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ أما إِذا صدر قتل ذَلِك من رَقِيق فَالْوَاجِب أقل الْأَمريْنِ من قيمَة الْقَاتِل وَالدية هَذَا إِذا كَانَ الرَّقِيق غير رَقِيق الْمَقْتُول (مُثَلّثَة فِي عمد وَشبهه) وَكَذَا فِي خطأ فِي موَاضعه الْآتِيَة وَيزِيد تَغْلِيظ دِيَة الْعمد بِكَوْنِهَا على الْجَانِي(1/342)
(ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة) بِكَسْر اللَّام أَي حَامِلا بقول خبيرين عَدْلَيْنِ وَإِن لم تبلغ خمس سِنِين (ومخمسة فِي خطأ من بَنَات مَخَاض و) بَنَات (لبون وَبني لبون وحقاق) أَي إناث (وجذاع) أَي إناث فالحقاق تَشْمَل الذُّكُور وَالْإِنَاث لَكِن المُرَاد هُنَا الْإِنَاث والجذاع كَذَلِك كَمَا نقل عَن الْمُخْتَار فالجذع بِفتْحَتَيْنِ يجمع على جذعان وجذاع والجذعة وَهِي الْأُنْثَى تجمع على جذعات وجذاع أَيْضا لَكِن المُرَاد هُنَا الْإِنَاث لِأَن إِجْزَاء الذُّكُور مِنْهُمَا لم يقل بِهِ أحد من أَصْحَاب الشَّافِعِي (إِلَّا) إِن وَقع الْخَطَأ (فِي مَكَّة) أَي حرمهَا وَإِن خرج الْمَجْرُوح فِيهِ مِنْهُ وَمَات سرَايَة خَارِجَة بِخِلَاف عَكسه فَلَو رمى من بعضه فِي الْحل وَبَعضه فِي الْحرم أَو رمى من الْحل إنْسَانا فِيهِ فَمر السهْم فِي هَوَاء الْحرم غلظ وَلَا يخْتَص التَّغْلِيظ بِالْقَتْلِ فَإِن الْجراح فِي الْحرم مُغَلّظَة وَإِن لم يمت مَعهَا أَو مَاتَ مَعهَا خَارجه بِغَيْر السَّرَايَة بِأَن مَاتَ خَارجه فَوْرًا (أَو) فِي (أشهر حرم) ذِي الْقعدَة وَذي الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب لعظم حرمتهَا وَلَا يلْتَحق بهَا شهر رَمَضَان وَإِن كَانَ سيد الشُّهُور لِأَن المتبع فِي ذَلِك التَّوْقِيف
(أَو محرم رحم) بِالْإِضَافَة كَأُمّ وَأُخْت فَخرج نَحْو بنت عَم وَأم زَوْجَة لِأَن الْمَحْرَمِيَّة لَيست ناشئة من الرَّحِم أَي الْقَرَابَة بل ناشئة من كَونهَا أم زَوجته (فمثلثة) فأسباب تَغْلِيظ الدِّيَة خَمْسَة كَون الْقَتْل عمدا أَو شبه عمد أَو فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم أَو فِي محرم رحم وَأَسْبَاب تنقيص الدِّيَة أَرْبَعَة الْأُنُوثَة وَالرّق وَقتل الْجَنِين وَالْكفْر فَالْأول يردهَا إِلَى الشّطْر وَالثَّانِي إِلَى الْقيمَة وَالثَّالِث إِلَى الْغرَّة وَالرَّابِع إِلَى الثُّلُث أَو أقل
(ودية عمد على جَان مُعجلَة) لِأَنَّهَا قِيَاس بدل الْمُتْلفَات
(و) دِيَة (غَيره) من شبه عمد وَخطأ (على عَاقِلَة مُؤَجّلَة بِثَلَاث سِنِين) فِي آخر كل سنة ثلث من الدِّيَة فديَة الْخَطَأ وَإِن تثلثت لأحد الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة فَهِيَ مُخَفّفَة من وَجْهَيْن ودية شبه الْعمد وَإِن خففت من هذَيْن فَهِيَ مُغَلّظَة من وَجه وَاحِد فَهَذَا لأَخذه شبها من الْعمد وَالْخَطَأ مُلْحق بِكُل مِنْهُمَا من وَجه وَيجوز فِي مُعجلَة ومؤجلة الرّفْع خَبرا وَالنّصب حَالا وعاقلة جَان عصبته الْمجمع على إرثهم وَقت الْجِنَايَة من النّسَب أَو الْوَلَاء إِذا كَانُوا ذُكُورا مكلفين فعلى الْغَنِيّ مِنْهُم نصف دِينَار والمتوسط ربع دِينَار كل سنة من الثَّلَاث بِمَعْنى مِقْدَار النّصْف وَالرّبع لَا عينهما لِأَن الْإِبِل هِيَ الْوَاجِبَة وَمَا يُؤْخَذ يصرف إِلَيْهَا
وَضَابِط الْغَنِيّ هُنَا أَن يكون مَالِكًا زِيَادَة على كِفَايَة الْعُمر الْغَالِب عشْرين دِينَارا والمتوسط أَن يكون مَالِكًا زِيَادَة على ذَلِك فَوق ربع دِينَار وَدون عشْرين دِينَارا وَإِذا لم يملك كِفَايَة الْعُمر الْغَالِب يكون فَقِيرا وَالْفَقِير لَا يجب عَلَيْهِ التَّحَمُّل فَإِن فقد الْعَاقِل أَو لم يَفِ بِالْوَاجِبِ عقل بَيت المَال عَن الْمُسلم الْكل أَو مَا بَقِي فَيُؤْخَذ من سهم الْمصَالح مِنْهُ فَإِن فقد بَيت المَال أَو منع متوليه ذَلِك ظلما أَو كَانَ ثمَّ مصرف أهم فعلى الْجَانِي وَلَا يحمل أَصله(1/343)
وَلَا فَرعه لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْإِيجَاب بخلافهما وَشرط تحمل الْعَاقِلَة أَن تكون صَالِحَة لولاية النِّكَاح
(وَلَو عدمت إبل) حسا بِأَن لم تُوجد فِي مَوضِع يجب تَحْصِيلهَا مِنْهُ أَو شرعا بِأَن وجدت فِيهِ بِأَكْثَرَ من ثمن الْمثل أَو بَعدت وعظمت الْمُؤْنَة وَالْمَشَقَّة (فقيمتها) تلْزم وَقت وجوب تَسْلِيمهَا وَهُوَ وَقت طلبَهَا لَا وَقت الْجِنَايَة بَالِغَة مَا بلغت لِأَنَّهَا بدل متْلف فَيرجع إِلَى الْقيمَة عِنْد إعوازها وَتقوم بِنَقْد بلد الْعَدَم الْغَالِب لِأَنَّهُ أقرب من غَيره وأضبط فَإِن كَانَ فِيهِ نقدان فَأكْثر لَا غَالب فيهمَا تخير الْجَانِي بَينهمَا هَذَا إِن لم يمهله الْمُسْتَحق فَإِن أمهله بِأَن قَالَ لَهُ الْمُسْتَحق أَنا أَصْبِر حَتَّى تُوجد الْإِبِل لزمَه امتثاله لِأَنَّهَا الأَصْل وَلَو أخذت الْقيمَة فَوجدت الْإِبِل لم ترد لتشترى الْإِبِل لانفصال الْأَمر بِالْأَخْذِ (والقود) يثبت (للْوَرَثَة) الْعصبَة وَذَوي الْفُرُوض بِحَسب إرثهم المَال سَوَاء أَكَانَ الْإِرْث بِنسَب أَو بِسَبَب كالزوجين وَالْمُعتق وينتظر وجوبا غائبهم إِلَى أَن يحضر أَو يَأْذَن وَكَمَال صبيهم بِبُلُوغِهِ ومجنونهم بإفاقته وَيجب على الْحَاكِم حبس الْجَانِي على نفس أَو غَيرهَا إِلَى حُضُور الْمُسْتَحق أَو كَمَاله من غير توقف على طلب ولي وَلَا حُضُور غَائِب ضبطا للحق مَعَ عذر مُسْتَحقّه وَلَا يخلى بكفيل لِأَنَّهُ قد يهرب فَيفوت الْحق وَهَذَا فِي غير قَاطع الطَّرِيق أما هُوَ فيقتله الإِمَام مُطلقًا وَلَا يَسْتَوْفِي الْقود إِلَّا وَاحِد من الْوَرَثَة أَو من غَيرهم بتراض مِنْهُم أَو بِقرْعَة بَينهم إِذا لم يتراضوا بل قَالَ كل أَنا أستوفيه مَعَ إِذن من البَاقِينَ فِي الِاسْتِيفَاء بعْدهَا فَمن خرجت قرعته تولاه بِإِذن البَاقِينَ وَلَيْسَ لَهُم أَن يجتمعوا على اسْتِيفَائه لِأَن فِيهِ تعذيبا للمقتص مِنْهُ وَلَهُم ذَلِك إِذا كَانَ الْقود بِنَحْوِ إغراق
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي الرِّدَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعاذنا الله تَعَالَى مِنْهَا وَهِي أفحش أَنْوَاع الْكفْر وأغلظها حكما لِأَن من أَحْكَام الرِّدَّة بطلَان التَّصَرُّف فِي أَمْوَاله بِخِلَاف الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَلَا يقر بالجزية وَلَا يَصح تأمينه وَلَا مهادنته بل مَتى لم يتب حَالا قتل وَهِي محبطة للْعَمَل كَأَنَّهُ لم يعْمل شَيْئا إِن اتَّصَلت بِالْمَوْتِ وَإِلَّا حَبط ثَوَابه دونه فَلَا تلْزم إِعَادَته
(الرِّدَّة) لُغَة الرُّجُوع عَن الشَّيْء إِلَى غَيره وَقد انْطلق مجَازًا لغويا على الِامْتِنَاع من أَدَاء الْحق كَمَا نعي الزَّكَاة فِي زمن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُم لم يرتدوا حَقِيقَة وَإِنَّمَا منعُوا الزَّكَاة بِتَأْوِيل وَإِن كَانَ بَاطِلا وَشرعا (قطع مُكَلّف) مُخْتَار لَا صبي وَمَجْنُون ومكره (إسلاما) أَي دَوَامه (بِكفْر عزما) بِأَن نوى أَن يكفر فِي الْحَال أَو أَن يكفر فِي غَد فيكفر حَالا(1/344)
لِأَن اسْتِدَامَة الْإِسْلَام شَرط فَإِذا عزم على الْكفْر كفر حَالا (أَو قولا أَو فعلا باعتقاد) أَي مَعَ اعْتِقَاد لذَلِك الْعَزْم أَو القَوْل أَو الْفِعْل كَأَن قَالَ لشخص يَا كَافِر مُعْتَقدًا أَن الْمُخَاطب متصف بذلك حَقِيقَة (أَو) مَعَ (عناد) أَي معاندة شخص ومخاصمة لَهُ وَقد عرف بباطنه أَنه الْحق وَامْتنع أَن يقر بِهِ (أَو) مَعَ (استهزاء) أَي تحقير واستخفاف فَخرج بِهِ من يُرِيد إبعاد نَفسه أَو الْإِطْلَاق بقوله لَا أفعل كَذَا وَإِن جَاءَنِي النَّبِي مثلا وَخرج عَن ذَلِك من سبق لِسَانه إِلَى قَول مكفر وَذَلِكَ (كنفي صانع) كالدهريين الزاعمين أَن الْعَالم لم يزل مَوْجُودا كَذَلِك بِلَا صانع أَو اعْتِقَاد حُدُوث الصَّانِع أَو قدم الْعَالم
(و) نفي (نَبِي) مجمع عَلَيْهِ فِي نبوته أَو نفي رَسُول كَذَلِك أَو تَكْذِيبه أَو تنقيصه بِأَيّ منقص كَأَن صغر اسْمه مرِيدا تحقيره أَو تَجْوِيز نبوة أحد بعد وجود نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتمني النُّبُوَّة بعد وجود نَبينَا مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كتمني كفر مُسلم بِقصد الرِّضَا بِهِ لَا التَّشْدِيد عَلَيْهِ لكَونه ظلمه مثلا وَيُؤْخَذ من هَذَا جَوَاز الدُّعَاء على الظَّالِم بِسوء الخاتمة كَمَا نَقله الشبراملسي عَن ابْن قَاسم
(وَجحد مجمع عَلَيْهِ) مَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا يشْتَرك فِي مَعْرفَته الْخَاص وَالْعَام كَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَة أَو الرَّاتِبَة وكنحو النّصْف للزَّوْج إِرْثا وحلال البيع وَالنِّكَاح وَحُرْمَة الزِّنَا وَالْخمر أما مَا لَا يعرفهُ إِلَّا الْخَواص كاستحقاق بنت الابْن السُّدس مَعَ بنت الصلب وكحرمة نِكَاح المعتد للْغَيْر فَلَا كفر بجحده لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيب وَإِن علمه ثمَّ أنكرهُ كَمَا اعْتَمدهُ الشبراملسي
(وَسُجُود لمخلوق) إِلَّا لضَرُورَة كَأَن كَانَ فِي بِلَاد الْكفَّار وأمروه بِهِ وَخَافَ على نَفسه وَخرج بِالسُّجُود الرُّكُوع فَلَا كفر بِهِ وَإِن كَانَ حَرَامًا مَا لم يقْصد بِهِ التَّعْظِيم للمخلوق كتعظيم الله وَإِلَّا كَانَ كفرا أَيْضا أما مَا جرت بِهِ الْعَادة من خفض الرَّأْس والإنحناء إِلَى حد لَا يصل بِهِ إِلَى أقل الرُّكُوع فَلَا كفر بِهِ وَلَا حُرْمَة أَيْضا لَكِن يَنْبَغِي كَرَاهَته كَمَا قَالَه الشبراملسي (وَتردد فِي كفر) هَل يكفر أَو لَا وَإِنَّمَا كَانَ مكفرا لِأَن اسْتِدَامَة الْإِيمَان وَاجِبَة والتردد ينافيها وَفِي إِلْحَاق التَّرَدُّد فِي فعل مكفر بالتردد فِي الْإِلْقَاء تردد فِي الْكفْر تَأمل
(ويستتاب) وجوبا حَالا (مُرْتَد) بِأَن يُؤمر بِالشَّهَادَتَيْنِ فَيَأْتِي بهما مَعَ ترتيبهما وموالاتهما وَإِن كَانَ مقرا بِأَحَدِهِمَا وَإِن كَانَ كفره بِمَا لَا يُنَافِي الْإِقْرَار بهما أَو بِأَحَدِهِمَا كإنكار مجمع عَلَيْهِ إِلَّا أَنه لَا بُد فِي هَذَا مَعَ الْإِتْيَان بِالشَّهَادَتَيْنِ من الِاعْتِرَاف بِمَا أنكرهُ أَو التبري من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام وَفِي قَول يُمْهل بِسَبَب الاستتابة ثَلَاثَة أَيَّام بِمَعْنى أَن كل يَوْم تعرض التَّوْبَة عَلَيْهِ فَأول يَوْم من الثَّلَاث يخوف بِالضَّرْبِ الْخَفِيف وَثَانِي يَوْم بالثقيل وَالثَّالِث بِالْقَتْلِ
(ثمَّ) إِن تَابَ بالنطق بِالشَّهَادَتَيْنِ بِشُرُوطِهِ ترك وَلَو كَانَ منافقا أَو تكَرر ذَلِك مِنْهُ لَكِن يُعَزّر إِن تكَرر وَإِلَّا (قتل) وَالْقَتْل هُنَا بِضَرْب الْعُنُق دون غَيره بِخِلَاف الْقَتْل قصاصا فَيقْتل الْقَاتِل بِمثل فعله للمناسبة وَلَا يتَوَلَّى(1/345)
الْقَتْل سوى الإِمَام أَو نَائِبه فَإِن افتات عَلَيْهِ أحد عزّر (بِلَا إمهال) إِلَّا إِن كَانَ الْمُرْتَد سَكرَان فَيسنّ التَّأْخِير إِلَى الصحو وَإِلَّا إِذا كَانَت الْمُرْتَدَّة حَامِلا فتهمل حَتَّى تضع حملهَا لما يلْزم عَلَيْهِ من إِتْلَافه وَذَلِكَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْحُدُود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي حد الزِّنَا بقسيمه وحد الْقَذْف وحد شرب الْخمر وحد السّرقَة
وَأَشَارَ المُصَنّف إِلَى الأول بقوله (يجلد) وجوبا (إِمَام) أَو نَائِبه (حرا مُكَلّفا) فَاعِلا كَانَ أَو مَفْعُولا وَإِن كَانَ الآخر غير مُكَلّف (زنى) بإيلاج حَشَفَة ذكر أُصَلِّي مُتَّصِل أَو قدرهَا عِنْد فقدها فِي فرج وَاضح محرم فِي نفس الْأَمر لعين الْإِيلَاج خَال عَن الشُّبْهَة مشتهى طبعا بِأَن كَانَ فرج حَيّ آدَمِيّ أَو جني وَإِن لم يكن على صوره الْآدَمِيّ (مائَة) من الجلدات وَلَاء فَلَو فرقها نظر فَإِن لم يزل الْأَلَم لم يضر وَإِلَّا فَإِن كَانَ خمسين فيبني على مَا جلده أَولا وَإِن كَانَ دون ذَلِك ضرّ فيستأنف لِأَن الْخمسين حد الرَّقِيق
(ويغرب) أَي الزَّانِي (عَاما) إِلَى مَسَافَة قصر فَأكْثر (إِن كَانَ) أَي الزَّانِي (بكرا) سَوَاء كَانَ واطئا أَو موطوءا وَهُوَ من لم يطَأ أَو يُوطأ فِي نِكَاح صَحِيح
وَالْحَاصِل أَن شُرُوط التَّغْرِيب سِتَّة أَن يكون من الإِمَام أَو نَائِبه وَأَن يكون عَاما وَأَن يكون إِلَى مَسَافَة الْقصر فَمَا فَوق وَأَن يكون إِلَى بلد معِين وَأَن يكون الطَّرِيق والمقصد آمنا وَأَن لَا يكون بِالْبَلَدِ طاعون لحُرْمَة دُخُوله وَيُزَاد فِي حق الْمَرْأَة والأمرد الْجَمِيل أَن يخرجَا مَعَ نَحْو محرم وَيصدق بِيَمِينِهِ فِي مُضِيّ عَام عَلَيْهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَة وَيحلف ندبا إِن اتهمَ لبِنَاء حَقه تَعَالَى على الْمُسَامحَة (لَا) إِن زنى (مَعَ ظن حل) كَأَن جهل تَحْرِيم ذَلِك لقرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو بعده عَن الْعلمَاء وَكَأن وطىء امْرَأَة أَجْنَبِيَّة يَظُنهَا زَوجته أَو وطىء أحد الشَّرِيكَيْنِ الْأمة الْمُشْتَركَة بَينهمَا فَلَا حد بذلك لشُبْهَة الْفَاعِل وَالْمحل وَلَيْسَ من شُبْهَة الْمحل بَيت المَال فَيحد بِوَطْء أمة بَيت المَال وَإِن كَانَت من سهم الْمصَالح الَّذِي لَهُ حق فِيهِ وَإِن خَافَ الزِّنَا إِذْ لَا يسْتَحق فِيهِ التَّزْوِيج بِحَال بِخِلَاف أمة وَلَده فَلَا يحد بِوَطْئِهَا لِأَنَّهُ يسْتَحق التَّزْوِيج وَلَو قَالَت امْرَأَة بَلغنِي وَفَاة زَوجي فاعتدت وَتَزَوَّجت فَلَا حد عَلَيْهَا وَإِن لم تقم قرينَة على ذَلِك
(أَو) مَعَ (تَحْلِيل عَالم) يعْتد بِخِلَافِهِ لشُبْهَة إِبَاحَته وَهِي الْمُسَمَّاة بِشُبْهَة الْمَذْهَب فَإِنَّهُ لَا يجد بهَا وَإِن لم يقْصد تَقْلِيده(1/346)
وَلَا يُعَاقب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة كَنِكَاح بِلَا ولي بِأَن تزوج نَفسهَا مَعَ الشُّهُود كمذهب أبي حنفية وَنِكَاح بِلَا شُهُود وَقت العقد وَوقت الدُّخُول على الْمَرْأَة كمذهب مَالك فَالْوَاجِب عِنْده وجود الشُّهُود والشهرة عِنْد إِرَادَة الدُّخُول حَيْثُ لم تُوجد وَقت العقد وكنكاح مَعَ التَّأْقِيت وَهُوَ نِكَاح الْمُتْعَة وَلَو لغير مُضْطَر كمذهب ابْن عَبَّاس بِخِلَاف النِّكَاح بِلَا ولي وَلَا شُهُود مَعًا أَو مَعَ انْتِفَاء أَحدهمَا لَكِن حكم بإبطاله أَو بالتفرقة بَين الزَّوْجَيْنِ من يعْتَقد الْبطلَان وَوَقع الْوَطْء بعد علم الواطىء بِهِ فَيحد إِذْ لَا شُبْهَة حِينَئِذٍ
وَالْحَاصِل أَن شُرُوط وجوب حد الزِّنَا بِالْجلدِ أَو بِالرَّجمِ اثْنَا عشر أَحدهَا أَن يكون المولج مُكَلّفا وَلَو كَانَ المولج فِيهِ غير مُكَلّف فَيحد الْمُكَلف وَكَذَا عَكسه فَيحد المولج فِيهِ
وَثَانِيها وَاضح الذُّكُورَة فَخرج الْخُنْثَى الْمُشكل الَّذِي لَهُ آلتان للرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا أولج آلَة الذُّكُورَة فَلَا حد عَلَيْهِ لاحْتِمَال أنوثته ولاحتمال كَون هَذَا عرقا زَائِدا أما إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا آلَة وَاحِدَة فَيجب الْحَد سَوَاء كَانَ مولجا أَو مولجا فِيهِ
ثَالِثهَا أولج جَمِيع حشفته فَخرج مَا لَو أولج بعض الْحَشَفَة فَلَا حد
رَابِعهَا أَصَالَة الذّكر فَخرج مَا لَو خلق لَهُ ذكران مشتبهان فأولج أَحدهمَا فَلَا حد للشَّكّ فِي كَونه أَصْلِيًّا
خَامِسهَا اتِّصَال الذّكر فَخرج الذّكر المبان فَلَا حد فِيهِ
سادسها إيلاج الْحَشَفَة فِي قبل وَاضح الْأُنُوثَة فَخرج مَا لَو أولج فِي فرج خُنْثَى مُشكل فَلَا حد لاحْتِمَال ذكورته وَكَون هَذَا الْمحل زَائِدا
سابعها أَن لَا يكون الْإِيلَاج محرما لذاته فَخرج الْمحرم لأمر خَارج كَوَطْء زَوجته أَو أمته فِي نَحْو حيض وَصَوْم ودبر وَقبل مُضِيّ مُدَّة الِاسْتِبْرَاء وَمن الْمحرم لذات الْإِيلَاج زَوجته خَامِسَة فَيحد بِوَطْئِهَا لِأَنَّهَا لما زَادَت عَن الْعدَد الشَّرْعِيّ كَانَت كأجنبية فَجعلت مُحرمَة لعينها لعدم مَا يزِيل التَّحْرِيم الْقَائِم بهَا ابْتِدَاء وَمثلهَا مُطلقَة مِنْهُ ثَلَاثًا وملاعنة ومعتدة مرتدة وَذَات زوج ومحرم وَلَو بمصاهرة ومحرمة لتوثن فَيحد بِوَطْئِهَا وَإِن كَانَ قد تزَوجهَا لِأَنَّهُ لَا عِبْرَة بِالْعقدِ الْفَاسِد أما مَجُوسِيَّة تزَوجهَا فَلَا يحد بِوَطْئِهَا للِاخْتِلَاف فِي حل وَطئهَا
ثامنها أَن يكون الْإِيلَاج محرما فِي نفس الْأَمر فَخرج مَا لَو وطىء زَوجته فِي قبلهَا ظَانّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّة فَلَا حد عَلَيْهِ لانْتِفَاء حُرْمَة الْفرج فِي نفس الْأَمر وَإِن أَثم أَثم الزِّنَا بِاعْتِبَار ظَنّه فيفسق بِهِ وَتسقط شَهَادَته وتسلب الولايات عَنهُ فَيحرم عَلَيْهِ وَطْء زَوجته إِذا ظَنّهَا أَجْنَبِيَّة كَمَا يحرم وَطْؤُهَا ممثلا لَهَا بأجنبية
تاسعها الْخُلُو عَن الشُّبْهَة المسقطة للحد فَخرج وَطْء أمته الْمُزَوجَة والمعتدة وَأمته الْمُحرمَة بِنسَب أَو رضَاع أَو مصاهرة فَلَا حد لشُبْهَة الْملك وَالْوَطْء بإكراه وبجهة أَبَاحَهَا عَالم يعْتد بِخِلَافِهِ فَلَا حد لشُبْهَة الْإِكْرَاه وَالْخلاف
عَاشرهَا أَن يكون الْفرج مشتهى طبعا فَخرج وَطْء الْميتَة والبهيمة فَلَا حد فِيهِ لِأَن فرجهما غير مشتهى طبعا لكنه يُعَزّر بذلك وَلَو فِي أول مرّة
حادي عشرهَا أَن يكون الواطىء مُلْتَزما للْأَحْكَام وَلَو حكما كالمرتد فَخرج وَطْء حَرْبِيّ وَلَو معاهدا
وَثَانِي عشرهَا أَن يكون عَالما بِالتَّحْرِيمِ فَلَا حد على جَاهِل بِهِ حَيْثُ قرب عَهده بِالْإِسْلَامِ أَو نَشأ بَعيدا عَن الْعلمَاء
(ويرجم) أَي الإِمَام أَو نَائِبه (مُحصنا) رجلا كَانَ أَو امْرَأَة حَتَّى يَمُوت إِجْمَاعًا نعم لَا رجم على الموطوء فِي دبره بل(1/347)
حَده كَحَد الْبكر وَإِن أحصن وَلَو زنى قبل إحْصَانه وَلم يحد ثمَّ زنى بعده جلد ثمَّ رجم وَيسْقط التَّعْزِير وَالرَّجم يكون بمدر وحجارة معتدلة وَالِاخْتِيَار أَن يكون مَا يرْمى بِهِ ملْء الْكَفّ وَيجب أَن يتوقى الْوَجْه وَشرط إِحْصَان حد الزِّنَا الْوَطْء فِي نِكَاح صَحِيح مَعَ الشُّرُوط
وَاعْلَم أَن الْإِحْصَان لَهُ فِي اللُّغَة معَان مِنْهَا الْمَنْع كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لتحصنكم من بأسكم} 21 الْأَنْبِيَاء الْآيَة 80 وَمِنْهَا الْبلُوغ وَالْعقل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة} 4 النِّسَاء الْآيَة 25 وَمِنْهَا الْحُرِّيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} 4 النِّسَاء الْآيَة 25 وَمِنْهَا الْعِفَّة عَن الزِّنَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} 24 النُّور الْآيَة 4 وَمِنْهَا التَّزْوِيج كَقَوْلِه تَعَالَى {وَالْمُحصنَات من النِّسَاء} 4 النِّسَاء الْآيَة 24 وَمِنْهَا الْوَطْء فِي النِّكَاح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {محصنين غير مسافحين} 4 النِّسَاء الْآيَة 24 وَالْمرَاد هُنَا الْوَطْء فِي نِكَاح صَحِيح وَلَو مَعَ حيض وعدة شُبْهَة أَو فِي نَهَار رَمَضَان لِأَن حَقه بعد أَن استوفى تِلْكَ اللَّذَّة الْكَامِلَة اجْتِنَاب الزِّنَا بِخِلَاف من لم يستوفها أَو استوفاها فِي دبر أَو ملك أَو وَطْء شُبْهَة أَو نِكَاح فَاسد وَلِأَن الْوَطْء فِي النِّكَاح يُقَوي طَرِيق حل الزَّوْجَة وَهُوَ العقد بِسَبَب دفع الْبَيْنُونَة بردة أَو طَلْقَة فَلَا تحصل الْبَيْنُونَة إِلَّا بِثَلَاث طلقات أَو بِانْقِضَاء الْعدة إِذا كَانَ الطَّلَاق دونهَا وَلَا بِالرّدَّةِ إِلَّا إِذا لم يجمع الزَّوْجَيْنِ إِسْلَام فِي الْعدة بِخِلَاف الطَّلَاق أَو الرِّدَّة قبل الْوَطْء فَإِنَّهُ مُحَصل للبينونة فَعلم من هَذَا أَن الْوَطْء مزية تَقْتَضِي توقف الْإِحْصَان عَلَيْهِ فَلَا يَكْتَفِي فِيهِ بِمُجَرَّد العقد
(وَأخر رجم) لزوَال جُنُون طَرَأَ بعد الْإِقْرَار و (لوضع حمل وفطام) حَتَّى يُوجد للْوَلَد كافل بعد فطمه فَلَو أقيم على الْحَامِل حد حرم واعتد بِهِ وَلَا شَيْء فِي الْحمل لِأَنَّهُ لم تتَحَقَّق حَيَاته وَهُوَ إِنَّمَا يضمن بالغرة إِذا انْفَصل فِي حَيَاة أمه وَأما وَلَدهَا إِذا مَاتَ لعدم من يرضعه فيبنغي ضَمَانه لِأَنَّهُ بقتل أمه أتلف مَا هُوَ غذَاء لَهُ كَمَا قَالَه الشبراملسي وَلَا يُؤَخر الرَّجْم لحر وَبرد مفرطين وَلَو ثَبت بِإِقْرَار وَلَا لمَرض وَلَو رُجي برْء بِخِلَاف الْجلد فَإِنَّهُ يُؤَخر لذَلِك وللحمل إِلَّا إِذا كَانَ بِبِلَاد لَا يَنْفَكّ حرهَا أَو بردهَا فَلَا يُؤَخر وَلَا ينْقل إِلَى الْبِلَاد المعتدلة لما فِيهِ من تَأْخِير الْحَد ولحوق الْمَشَقَّة وَإِلَّا إِذا لم يرج برْء مرض أَو جرح لَكِن لَا يجلد بِسَوْط وَلَا بنعال إِذا كَانَ ألمها فَوق ألم العرجون بل بأطراف ثِيَاب وبعرجون عَلَيْهِ مائَة غُصْن فَيضْرب بِهِ الْحر مرّة فَإِن كَانَ عَلَيْهِ خسمون غصنا ضرب بِهِ مرَّتَيْنِ لتكميل الْمِائَة وعَلى هَذَا الْقيَاس فِيهِ وَفِي الرَّقِيق
(وَيثبت) أَي الزِّنَا (بِإِقْرَار) أَي حَقِيقِيّ مفصل وَمِنْه أَن يَقُول فِي وَقت كَذَا فِي مَكَان كَذَا وَلَو قيل لَا حَاجَة إِلَى تعْيين ذَلِك مِنْهُ بل يَكْفِي فِي صِحَة إِقْرَاره أَن يَقُول أدخلت حشفتي فِي فرج فُلَانَة على وَجه الزِّنَا لم يبعد لِأَنَّهُ لَا يقر إِلَّا عَن تَحْقِيق وَيَكْفِي فِي الْإِقْرَار أَن يكون مرّة وَلَا يشْتَرط تكَرر أَرْبعا خلافًا لأبي حنيفَة وَمثل الْإِقْرَار إِشَارَة أخرس إِن فهمها كل أحد وَخرج بِالْإِقْرَارِ الْحَقِيقِيّ الْحكمِي كاليمين الْمَرْدُودَة بعد نُكُول الْخصم فَلَا يثبت بِهِ زنا لَكِن يسْقط بهَا حد الْقَاذِف
(وَبَيِّنَة) فصلت بِذكر المزنى بهَا وَكَيْفِيَّة الإدخال ومكانه وزمانه كَأَن تَقول أشهد أَنه أَدخل حشفته أَو قدرهَا فِي فرج فُلَانَة بِمحل كَذَا وَقت كَذَا على سَبِيل الزِّنَا وَيجب التَّفْصِيل وَلَو من عَالم مُوَافق فِي الْمَذْهَب وَسَيَأْتِي فِي فصل الشَّهَادَات أَنَّهَا أَربع رجال
(وَلَو أقرّ) بِالزِّنَا(1/348)
(ثمَّ رَجَعَ) عَن الْإِقْرَار قبل الشُّرُوع فِي الْحَد أَو بعده بِنَحْوِ قَوْله رجعت أَو كذبت أَو مَا زَنَيْت أَي فإقراري بِهِ كذب أَو فاخذت فظننته زنا وَإِن شهد حَاله بكذبه (سقط) أَي الْحَد وَإِن قَالَ بعد رُجُوعه كذبت فِي رجوعي وعَلى قَاتله بعد رُجُوعه الدِّيَة لَا الْقود لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِي سُقُوط الْحَد بِالرُّجُوعِ وَلَا يقبل رُجُوعه لإِسْقَاط مهر من قَالَ زَنَيْت بهَا مُكْرَهَة لِأَنَّهُ حق آدَمِيّ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ مَا أَقرَرت بِالزِّنَا فَلَا يكون رُجُوعا فَلَا يسْقط بِهِ الْحَد لِأَنَّهُ مُجَرّد تَكْذِيب للبينة الشاهدة بِالْإِقْرَارِ
أما الْحَد الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ فَلَا يسْقط بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يسْقط هُوَ وَلَا الثَّابِت بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ وَلَو شهدُوا على إِقْرَاره بِالزِّنَا فَإِن قَالَ مَا أَقرَرت فَلَا يقبل لِأَن فِيهِ تَكْذِيبًا للشُّهُود بِخِلَاف مَا لَو أكذب نَفسه فَإِنَّهُ يقبل وَيكون رُجُوعا سَوَاء أَكَانَ كل ذَلِك بعد الحكم أَو قبله وَلَو أقرّ وَقَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بِالزِّنَا ثمَّ رَجَعَ عمل بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ سَوَاء تقدّمت عَلَيْهِ أم تَأَخَّرت لِأَن الْبَيِّنَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى أقوى من الْإِقْرَار عكس حُقُوق الْآدَمِيّين وكالزنا فِي قبُول الرُّجُوع عَمَّا أقرّ بِهِ كل حد لله تَعَالَى كشرب خمر وسرقة بِالنِّسْبَةِ للْقطع أما المَال فيؤخد مِنْهُ وَفهم من ذَلِك أَن الزِّنَا إِذا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ لَا يتَطَرَّق إِلَيْهِ رُجُوع لكنه يتَطَرَّق اليه السُّقُوط بِغَيْر الرُّجُوع كدعوى زَوجته لمن زنى بهَا وَكَانَت متزوجة بِغَيْرِهِ أَو ملك أمة وَظن كَونهَا حليلته فَيصدق فِي ذَلِك وَدَعوى الْإِكْرَاه
فروع مثل الزِّنَا اللواط
وَهُوَ الْوَطْء فِي الدبر فيفصل فِيهِ بَين الْمُحصن وَغَيره لَكِن الْمَفْعُول بِهِ يجلد ويغرب إِن كَانَ مُحصنا ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى وَهَذَا إِن كَانَ مُكَلّفا مُخْتَارًا وَإِلَّا فَلَا شَيْء وَفِي وَطْء الحليلة فِي دبرهَا التَّعْزِير إِن عَاد لَهُ بعد نهي الْحَاكِم لَهُ عَنهُ وَفِي إتْيَان الْبَهِيمَة فِي قبلهَا أَو دبرهَا التَّعْزِير فَقَط سَوَاء كَانَت من المأكولات أَو لَا وَقيل إِنَّه يقتل مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ مُحصنا أَو لَا وَفِي كَيْفيَّة قَتله أَقْوَال أَرْبَعَة قيل بِالسَّيْفِ وَقيل بِالرَّجمِ وَقيل بهدم جِدَار عَلَيْهِ وَقيل بالقائه من شَاهِق جبل وَمثل الْبَهِيمَة الْميتَة فَفِيهَا التَّعْزِير فَقَط
والصلج وَهُوَ دلك الذّكر حرَام فَإِذا استمنى شخص بِيَدِهِ عزّر لِأَنَّهَا مُبَاشرَة مُحرمَة بِغَيْر إيلاج ويفضي إِلَى قطع النَّسْل فَحرم كمباشرة الْأَجْنَبِيَّة فِيمَا دون الْفرج وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث مَلْعُون من نكح يَده
وتساحق النِّسَاء حرَام ويعزرن بذلك لِأَنَّهُ فعل محرم قَالَه القَاضِي أَبُو الطّيب وإثم ذَلِك كإثم الزِّنَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَت الْمَرْأَة الْمَرْأَة فهما زانيان وَلَو استمنى الرجل بيد امْرَأَته أَو أمته جَازَ لِأَنَّهَا مَحل استمتاعه وَفِي فَتَاوَى القَاضِي لَو غمزت الْمَرْأَة ذكر زَوجهَا أَو سَيِّدهَا بِيَدِهَا كره وَإِن كَانَ بِإِذْنِهِ إِذا أمنى لِأَنَّهُ يشبه الْعَزْل والعزل مَكْرُوه وَالله أعلم
ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ حد الْقَذْف وَهُوَ شرعا الرَّمْي بِالزِّنَا فِي مقَام التوبيخ لَا فِي مقَام الشَّهَادَة وَهُوَ لرجل أَو امْرَأَة من أكبر الْكَبَائِر بعد الْقَتْل وَالزِّنَا
(وحد قَاذف) مُلْتَزم للْأَحْكَام عَالم بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَار غير مَأْذُون فِي قذفه غير أصل (مُحصنا) وَهُوَ هُنَا مُسلم بَالغ عَاقل حر عفيف(1/349)
عَن زنا وَوَطْء محرم مَمْلُوكَة لَهُ وَعَن وَطْء زَوجته فِي دبرهَا (ثَمَانِينَ) جلدَة إِن كَانَ الْقَاذِف حرا وَأَرْبَعين إِن كَانَ رَقِيقا حَالَة الْقَذْف وعزر مُمَيّز وأصل
وَالْقَذْف يكون صَرِيحًا وكناية فالصريح كَقَوْلِه زَنَيْت وزنيت بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا وَيَا زاني وَيَا زَانِيَة وَلَا يضر التَّغْيِير بالتذكير للمؤنث وَعَكسه وزنيت فِي الْجَبَل بِالْيَاءِ وَيَا لائط وَيَا قحبة وَالْكِنَايَة كَقَوْلِه زنأت فِي الْجَبَل أَو السّلم أَو نَحوه بِالْهَمْز وَيَا فَاجر وَيَا فَاسق وَيَا خَبِيث وَيَا فاجرة وَيَا فاسقة وَيَا خبيثة وَأَنت تحبين الْخلْوَة أَو الظلمَة وَأَنت لَا تردين يَد لامس وَهَذَا كِنَايَة عَن سرعَة الْإِجَابَة وَيَا لوطي وَيَا مخنث وَيَا عاهر وَيَا علق فَإِن أنكر شخص فِي الْكِنَايَة إِرَادَة قذف بهَا صدق بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أعرف بمراده فَيحلف أَنه مَا أَرَادَ قذفه ثمَّ عَلَيْهِ التَّعْزِير للايذاء وَهَذَا إِذا كَانَ ذَلِك على وَجه السب والذم أما إِذا كَانَ على وَجه المزح أَو الْهزْل أَو اللّعب فَلَا تَعْزِير
خَاتِمَة إِذا سبّ شخص آخر فللآخر أَن يسبه بِقدر مَا سبه فِي الْعدَد لَا فِي اللَّفْظ إِذا كَانَ فِيهِ قذف أَو كذب أَو سبّ الْأَب أَو الْأُم وَإِنَّمَا يسبه بِمَا لَيْسَ كذبا وَلَا قذفا نَحْو يَا أَحمَق يَا ظَالِم إِذْ لَا يكَاد أحد يَنْفَكّ عَن ذَلِك لِأَن الأحمق هُوَ من وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه وَكَذَلِكَ الظَّالِم
ثمَّ شرع فِي الْقسم الثَّالِث وَهُوَ حد شرب الْخمر فَقَالَ (ويجلد) أَي الإِمَام أَو نَائِبه (مُكَلّفا) مُلْتَزما للْأَحْكَام مُخْتَارًا (عَالما) بِالتَّحْرِيمِ (شرب) من غير ضَرُورَة (خمرًا) وَلَو درديا وَإِن لم يسكر (أَرْبَعِينَ) جلدَة إِن كَانَ حرا وَعشْرين إِن كَانَ غَيره بِدُونِ رفع الضَّارِب يَده فَوق رَأسه مثلا لما فِيهِ من زِيَادَة الإيلام بِأحد أَمريْن إِمَّا (بِإِقْرَارِهِ) أَي الشَّارِب (أَو بِشَهَادَة رجلَيْنِ) أَنه شرب خمرًا أَو شرب مِمَّا شرب مِنْهُ غَيره فَسَكِرَ لِأَن كلا مِنْهُمَا حجَّة شَرْعِيَّة فَلَا يحد بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَة لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت منزلَة الْإِقْرَار إِلَّا أَن استمراره على الْإِنْكَار بِمَنْزِلَة رُجُوعه وَهُوَ مَقْبُول
وَصورتهَا أَن يَرْمِي غَيره بِشرب الْخمر فيدعي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ رَمَاه بذلك وَيُرِيد تعزيره فيطلب الساب الْيَمين مِمَّن نسب إِلَيْهِ شربهَا فَيمْتَنع ويردها عَلَيْهِ فَيسْقط عَنهُ التَّعْزِير وَلَا يجب الْحَد على الرَّاد للْيَمِين الْمَرْدُودَة وَلَا يحد بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ لِأَن الْبَيِّنَة نَاقِصَة وَلَا برِيح خمر وَلَا بسكر وَلَا قيء لاحْتِمَال أَن يكون شرب غالطا أَو مكْرها أَو احتقن أَو استعط بهَا وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ وَلَا يَسْتَوْفِي القَاضِي الْحَد بِعِلْمِهِ فَلَا يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُدُود الله تَعَالَى
نعم سيد العَبْد يَسْتَوْفِيه بِعِلْمِهِ لإِصْلَاح ملكه وَلَا يشْتَرط فِي الْإِقْرَار وَالشَّهَادَة تَفْصِيل كَأَن يَقُول كل من الْمقر وَالشَّاهِد إِنَّه شربهَا وَهُوَ عَالم بهَا مُخْتَار لِأَن الأَصْل عدم الْإِكْرَاه وَالْغَالِب من حَال الشَّارِب علمه بِمَا يشربه وَيحد الذّكر قَائِما وَالْأُنْثَى جالسة وَذَلِكَ على سَبِيل النّدب وَيكون جلد الْقوي السَّلِيم بِسَوْط أَو أيد أَو نعال أَو أَطْرَاف ثِيَاب بعد قَتله أَو شده وجوبا حَتَّى يؤلم أما نضو الْخلقَة فيجلد بِنَحْوِ عرجون وَلَا يجوز بِسَوْط فَخرج بالمكلف الصَّبِي وَالْمَجْنُون فَلَا حد عَلَيْهِمَا لَكِن يعزران(1/350)
إِذا كَانَ لَهما نوع تَمْيِيز وبالملتزم للْأَحْكَام الْحَرْبِيّ وَالْمُؤمن والمعاهد وَالذِّمِّيّ لعدم التزامهم وبالمختار المصبوب فِي حلقه قهرا وَالْمكْره على شربه فَلَا حد وَلَا حُرْمَة وَخرج بالعالم بِالتَّحْرِيمِ من جهل الْحُرْمَة وَكَانَ مَعْذُورًا فَلَا حد وَلَا يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة مُدَّة السكر وَلَو قَالَ السَّكْرَان بعد الاصحاء كنت مكْرها أَو لم أعلم أَن الَّذِي شربته مُسكر صدق بِيَمِينِهِ وَلَو قرب إِسْلَامه فَقَالَ جهلت تَحْرِيمهَا لم يحد لِأَنَّهُ قد يخفى عَلَيْهِ ذَلِك وَالْحَد يدْرَأ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين من نَشأ فِي بِلَاد الْإِسْلَام أم لَا وَخرج بالشرب الحقنة بِالْخمرِ بِأَن أدخلها فِي دبره والسعوط بِأَن أدخلها فِي أَنفه فَلَا حد بذلك وَيحرم لِأَنَّهُ تلطخ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا ضَرُورَة وَخرج بِالْخمرِ مَا حرم من الجامدات غير الْخمر المنعقدة فَلَا حد فِيهَا وَإِن أذيبت حرمت وأسكرت وَذَلِكَ ككثير البنج والزعفران والعنبر والحوزة والأفيون والحشيش الَّذِي يَأْكُلهُ الأراذل فَأكل الْكثير مِنْهَا حرَام دون الْقَلِيل وَالْمرَاد بالكثير من ذَلِك مَا يغيب الْعقل بِالنّظرِ لغالب النَّاس وَإِن لم يُؤثر فِي المتناول لَهُ لاعتياد تنَاوله وَخرج بِغَيْر ضَرُورَة مَا لَو غص بلقمة وَلم يجد غير الْخمر فأساغها بِالْخمرِ فَلَا حد عَلَيْهِ لوُجُوب شربهَا عَلَيْهِ حَيْثُ خشِي الْهَلَاك من تِلْكَ اللُّقْمَة إِن لم تنزل جَوْفه وَلم يتَمَكَّن من إخْرَاجهَا ولومات بِشرب الْخمر حِينَئِذٍ مَاتَ شَهِيدا لوُجُوب تنَاوله لَهَا حِينَئِذٍ أما لَو وجد غَيرهَا وَلَو بَوْل الْكَلْب مثلا حرم إساغة اللُّقْمَة بِالْخمرِ وَوَجَب حَده وَلَا يحد بِشرب السكر فِيمَا اسْتهْلك فِيهِ وَلم يبْق لَهُ طعم وَلَا لون وَلَا ريح وَإِلَّا حد وَحرم وَلَا بِأَكْل خبز عجن دقيقه بِهِ وَلَا بِأَكْل لحم طبخ بِهِ بِخِلَاف مرق اللَّحْم الْمَطْبُوخ بِهِ إِذا شربه أَو غمس فِيهِ أَو ثرد بِهِ فَإِنَّهُ يحد لبَقَاء عينه وَيحرم تنَاول الْخمر الصرفة لدواء إِن وجد غَيرهَا أَو لعطش وَإِن لم يجد غَيرهَا وَلَا يحد لذَلِك وَإِن وجد غَيرهَا لشُبْهَة قصد التَّدَاوِي وَمحل حُرْمَة شربهَا للعطش مَا لم تتَعَيَّن لدفع الْهَلَاك وَإِلَّا جَازَ بل وَجب وَيلْحق بِالْهَلَاكِ نخو تلف عُضْو أَو مَنْفَعَة وَيجوز سقيها للصَّغِير إِذا شم رائحتها وَخيف عَلَيْهِ إِذا لم يسق مِنْهَا مرض تحصل مَعَه مشقة وَإِن لم يخف مِنْهُ الْهَلَاك وَكَذَا لَو تعذر عَلَيْهِ افتضاض الْبكر إِلَّا بإطعامها مَا يغيب عقلهَا من بنج أَو غَيره فَيجوز ذَلِك لِأَنَّهُ وَسِيلَة إِلَى تمكن الزَّوْج من الْوُصُول إِلَى حَقه وَمحل جَوَاز وَطئهَا مَا لم يحصل لَهَا بِهِ أَذَى لَا يحْتَمل مَعَه فِي إِزَالَة الْبكارَة وَيجوز التَّدَاوِي بِصَرْف النَّجس غير صرف الْخمر
وَالْحَاصِل أَن شرب الْخمر تَارَة يَقْتَضِي الْحُرْمَة وَالْحَد وَذَلِكَ إِذا شربه عَبَثا مَعَ الْعمد وَالْعلم وَالِاخْتِيَار وَتارَة يَقْتَضِي الْحُرْمَة دون الْحَد إِذا شربه لعطش أَو تداو وَلم ينْتَه بِهِ الْأَمر للهلاك وَكَذَا لَو شربهَا الْكَافِر فَإِنَّهُ يحرم عَلَيْهِ وَلَا يحد لِأَنَّهُ مُكَلّف بِفُرُوع الشَّرِيعَة لَكِن الذِّمِّيّ لَا يلْتَزم بِالذِّمةِ إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالذميين وَتارَة لَا يَقْتَضِي حُرْمَة وَلَا حدا إِذا غض بلقمة أَو انْتهى بِهِ الْعَطش للهلاك وَلم يجد غَيره فيهمَا وَإِن كَانَ ذَلِك الْغَيْر بولا من مغلظ وَإِذا سكر بِمَا شربه لتداو أَو عَطش أَو إساغة قضى مَا فَاتَهُ من الصَّلَوَات لِأَنَّهُ تعمد الشّرْب لمصْلحَة نَفسه بِخِلَاف الْجَاهِل(1/351)
الْمَعْذُور وَهُوَ من جهل بِالتَّحْرِيمِ لقرب عَهده وَنَحْوه أَو جهل كَون المشروب خمرًا فَإِنَّهُ لَا يحد وَلَا يلْزمه قَضَاء الصَّلَوَات مُدَّة السكر
ثمَّ شرع فِي الْقسم الرَّابِع وَهُوَ حد السّرقَة فَقَالَ (وَيقطع) أَي الإِمَام بعد طلب الْمَالِك المَال وَثُبُوت السّرقَة بشروطها (كوع يَمِين بَالغ سرق) نِصَابا يَقِينا بِأَن أخرج (ربع دِينَار) ذَهَبا خَالِصا مَضْرُوبا (أَو) فضَّة أَو غَيرهَا يُسَاوِي (قِيمَته من حرز) وَقت الْإِخْرَاج مِنْهُ وَإِن لم يَأْخُذ ذَلِك كَمَا لَو قطع الجيب فانصب مَا فِيهِ شَيْئا فَشَيْئًا فَلَو نقصت قيمَة الْمخْرج بعد ذَلِك لم يسْقط الْقطع فَلَا قطع بِسَرِقَة مَا لَيْسَ محرزا
وَحَاصِل الْحِرْز أَن الْمحل إِن كَانَ حصينا مُنْفَصِلا عَن الْعِمَارَة فَلَا يشْتَرط دوَام الملاحظة بل الشَّرْط كَون الملاحظ يقظانا قَوِيا سَوَاء كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا أَو مغلوفا أَو نَائِما مَعَ إغلاق الْبَاب وَإِن كَانَ الْمحل فِي الْعِمَارَة فَلَا يشْتَرط قُوَّة الملاحظ وَلَا تيقظه بل الشَّرْط كَون الْبَاب مغلوقا مَعَ وجود هَذَا الملاحظ أَو قفله مَعَ يقظته زمن أَمن نَهَارا وَأما إِن كَانَ الْبَاب مَفْتُوحًا فَإِن كَانَ الملاحظ متيقظا كَانَ الْمحل محرزا وَإِلَّا فَلَا فَعلم من ذَلِك أَن الْإِحْرَاز قد تَكْفِي فِيهِ الحصانة وَحدهَا وَقد تَكْفِي فِيهِ الملاحظة وَحدهَا وَقد تجتمعان وَقد يمثل لانفراد الحصانة بالراقد على الْمَتَاع وبالمقابر الْمُتَّصِلَة بالعمارة فَإِنَّهَا حرز للكفن
وَالْحَاصِل أَن أَرْكَان السّرقَة الْمُوجبَة ثَلَاثَة سَرقَة فالسرقة الثَّانِيَة مُطلق الْأَخْذ خُفْيَة وَالْأولَى الْأَخْذ خُفْيَة من حرز وسارق ومسروق فالسرقة أَخذ مَال خُفْيَة من حرز مثله فَلَا يقطع مختلس ومنتهب وحاجد لنَحْو وَدِيعَة وَشرط فِي السَّارِق كَونه مُلْتَزما للْأَحْكَام عَالما بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارًا بِغَيْر إِذن فِي دُخُول دَار وأصالة وَشرط فِي الْمَسْرُوق أَرْبَعَة شُرُوط الأول كَونه ربع دِينَار خَالِصا أَو مُتَقَوّما مَعَ وَزنه إِن كَانَ ذَهَبا فَإِن لم يعرف قِيمَته بِالدَّنَانِيرِ قوم بالدارهم ثمَّ هِيَ بِالدَّنَانِيرِ فَإِن لم يكن بِمحل السّرقَة دَنَانِير انْتقل لأَقْرَب مَحل إِلَيْهَا فِيهِ ذَلِك وَتعْتَبر قيمَة مَا يُسَاوِي ربع دِينَار حَالَة السّرقَة
وَالثَّانِي كَونه ملكا لغير السَّارِق فَلَا قطع بِسَرِقَة مَاله من يَد غَيره وَلَو مَرْهُونا أَو مكتري أَو ملكه قبل إِخْرَاجه من الْحِرْز بِإِرْث أَو غَيره أَو بعده وَقبل الرّفْع إِلَى الْحَاكِم أما بعده فَلَا يُفِيد وَلَو قبل الثُّبُوت لِأَن الْقطع إِنَّمَا يتَوَقَّف على الدَّعْوَى وَقد وجدت وَلَو ادّعى السَّارِق ملك الْمَسْرُوق أَو بعضه لم يقطع لاحْتِمَال صدقه فَصَارَ شُبْهَة مسقطة للْقطع وَكَذَا لَو ادّعى أَنه أَخذه من الْحِرْز بِإِذْنِهِ أَو أَن الْحِرْز مَفْتُوح أَو أَن الْمَسْرُوق دون النّصاب وَإِن ثَبت كذبه وَهَذِه من الْحِيَل الْمُحرمَة بِخِلَاف دَعْوَى الزَّوْجِيَّة فِي الزِّنَا فَمن الْحِيَل الْمُبَاحَة وَالْفرق أَن دَعْوَى الْملك هُنَا بتربت عَلَيْهَا الِاسْتِيلَاء على مَال الْغَيْر وَدَعوى الزَّوْجِيَّة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِسْقَاط الْحَد
وَالثَّالِث كَونه لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ سَوَاء فِي ذَلِك شُبْهَة الْملك كمن سرق مَالا مُشْتَركا بَينه وَبَين غَيره(1/352)
أَو شُبْهَة الْفَاعِل كمن أَخذ مَالا خُفْيَة من حرز مثله يظنّ أَنه ملكه أَو ملك أَصله أَو فَرعه أَو شُبْهَة الْمحل كسرقة الابْن مَال أحد الْأُصُول أَو سَرقَة أحد الْأُصُول مَال فَرعه وَإِن سفل فَلَا يقطع لما بَينهمَا من الِاتِّحَاد وَإِن اخْتلف دينهما وَلِأَن مَال كل مِنْهُمَا مرصد لحَاجَة الآخر كَمَا فِي الحَدِيث أَنْت وَمَالك لأَبِيك بِخِلَاف سَائِر الْأَقَارِب وَسَوَاء كَانَ السَّارِق من الأَصْل أَو الْفَرْع حرا أم رَقِيقا وَلَو سرق طَعَاما زمن قحط وَهُوَ لَا يقدر على ثمنه فَلَا يقطع لشُبْهَة وجوب حفظ نَفسه عَلَيْهِ
وَالرَّابِع كَونه محرزا ويتحقق الْإِحْرَاز بملاحظة للمسروق من قوي متيقظ أَو حصانة مَوْضِعه (لَا) يقطع إِن سرق (مَغْصُوبًا) وَإِن أَخذه بِغَيْر نِيَّة الرَّد على الْمَالِك لِأَن مَالِكه لم يرض بإحرازه بحرز الْغَاصِب فَكَأَنَّهُ غير مُحرز
(أَو فِيهِ) أَي أَو سرق من حرز مَغْصُوب وَلَو غير مَالِكه لِأَنَّهُ لَيْسَ حرز للْغَاصِب لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ لعرق ظَالِم حق وَفسّر الْعرق بِأَن يَجِيء الرجل إِلَى أَرض قد أَحْيَاهَا غَيره فيغرس فِيهَا أَو يحدث شَيْئا ليستوجب الأَرْض وَكَذَا لَو سرق مَالا أَو اختصاصا وأحرزه بحرزه فَسرق الْمَالِك مِنْهُ مَال السَّارِق فَلَا قطع عَلَيْهِ لِأَن لَهُ دُخُول الْحِرْز وهتكه لأخذ مَاله أَو اخْتِصَاصه فَلم يكن حرْزا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَلم يفْتَرق الْحَال بَين المتميز عَن مَاله والمخلوط بِهِ
(وَيقطع بِمَال وقف) أَي بِسَرِقَة مَال مَوْقُوف على غَيره مِمَّن لَيْسَ نَحْو أَصله وَلَا فَرعه وَلَا مشاركا لَهُ فِي صفة من صِفَاته الْمُعْتَبرَة فِي الْوَقْف إِذْ لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ حِينَئِذٍ وَمن ثمَّ لم يقطع بِسَرِقَة مَوْقُوف على جِهَة عَامَّة كبكرة بِئْر مسبلة للشُّرْب وَإِن كَانَ السَّارِق ذِمِّيا لِأَن لَهُ فِيهَا حَقًا
(و) يقطع غير البواب والمجاورين فِي الْمَسْجِد مَا يتَعَلَّق بتحصين (مَسْجِد) وعمارته وأبهته كبابه وجذعه وَهُوَ السهْم الَّذِي يقف عَلَيْهِ وساريته وسقوفه وشبابيكه وقناديله الَّتِي للزِّينَة والرخام الْمُثبت للجدران لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يقْصد بِوَضْعِهِ صِيَانة الْمَسْجِد لانتفاع النَّاس (لَا) بِمَا يتَعَلَّق بانتفاعنا من (حصره) أَي الْمَسْجِد والقناديل الَّتِي تسرج فِيهِ وَإِن لم تكن فِي حَالَة الْأَخْذ تسرج والبلاط والرخام الَّذِي فِي أرضه والمنبر ودكة الْمُؤَذّن وكرسي الْوَاعِظ فَلَا يقطع بهَا وَإِن كَانَ السَّارِق لَهَا غير خطيب وَلَا مُؤذن وَلَا واعظ
وَالْحَاصِل أَن كل مَا كَانَ لتحصين الْمَسْجِد وَحفظه كعواميده وأبوابه وَمَا كَانَ للزِّينَة كحصر الزِّينَة الَّتِي تفرش فِي الأعياد وَنَحْوهَا يقطع بسرقته وَمَا كَانَ للِانْتِفَاع بِهِ كالمنبر لَا قطع بسرقته وَيقطع بِأَبْوَاب الأخلية لِأَنَّهَا تتَّخذ للستر بهَا عَن أعين النَّاس حَيْثُ كَانَ السَّارِق مُسلما لَهُ فِيهَا حق بِخِلَاف الذِّمِّيّ وَالْمُسلم الَّذِي لَا حق لَهُ فِي ذَلِك بِأَن اخْتصّت بطَائفَة لَيْسَ مِنْهُم
(وَلَا) يقطع (بِمَال صَدَقَة) أَي زَكَاة أفرزت (وَهُوَ مُسْتَحقّ) لَهَا بِوَصْف فقر أَو غَيره فَلَا يقطع للشُّبْهَة وَإِن أَخذ زِيَادَة على مَا يسْتَحقّهُ وَإِن لم يُوجد فِيهَا مَا يجوز الْأَخْذ بالظفر وَإِن لم يكن لَهُ فِيهَا حق كغني أَخذ صَدَقَة وَاجِبَة وَلَيْسَ غارما لإِصْلَاح الْفساد بَين الْقَوْم وَلَا غازيا قطع لانْتِفَاء الشُّبْهَة وَمثل الْغَنِيّ من(1/353)
حرمت عَلَيْهِ لشرفه
(و) لَا يقطع بِسَرِقَة مَال (مصَالح) وَإِن كَانَ غَنِيا لِأَن لَهُ فِيهِ حَقًا لِأَن ذَلِك قد يصرف فِي عمَارَة الْمَسَاجِد والرباطات والقناطر فينتفع بهَا الْغَنِيّ وَالْفَقِير من الْمُسلمين لِأَن ذَلِك مَخْصُوص بهم بِخِلَاف الذِّمِّيّ فَيقطع بِسَرِقَة مَا فِي بَيت المَال وَلَا نظر إِلَى إِنْفَاق الإِمَام عَلَيْهِ عِنْد الْحَاجة لِأَنَّهُ إِنَّمَا ينْفق عَلَيْهِ للضَّرُورَة وبشرط الضَّمَان بِأَن يَقُول لَهُ الإِمَام أنْفق عَلَيْك وأرجع إِذا قدرت كَمَا ينْفق الْأَغْنِيَاء على الْمُضْطَر بِشَرْط الرُّجُوع عَلَيْهِ إِذا قدر وَهَذَا إِذا كَانَ غَنِيا لَكِن مَاله غَائِب مثلا وَإِلَّا فَلَا رُجُوع وانتفاع الذِّمِّيّ بالقناطر والرباطات بالتبعية من حَيْثُ إِنَّه قاطن بدار الْإِسْلَام لَا لاختصاصه بِحَق فِيهَا فَلَا نظر إِلَى ذَلِك الِانْتِفَاع فِي دفع الْحَد
(و) لَا بِسَرِقَة مَال (بعض) من أصل أَو فرع (وَسيد) وأصل سيد أَو فَرعه فَلَا قطع لشُبْهَة اسْتِحْقَاق نَفَقَته عَلَيْهِم فِي بعض الْأَحْوَال وَكَذَا لَو سرق السَّيِّد مَا ملكه عَبده بِبَعْضِه الْحر فَلَا قطع للشُّبْهَة وَذَلِكَ أَن مَا ملكه بِبَعْضِه الْحر يصير ملكا لجملة العَبْد وَللسَّيِّد فِيهَا حق وَهُوَ جزؤه الرَّقِيق
(وَالْأَظْهَر قطع أحد الزَّوْجَيْنِ بِالْآخرِ) أَي بِسَرِقَة مَاله المحرز عَنهُ فَخرج بِهِ مَا إِذا لم يكن محرزا كَأَن كَانَ لَهُ مَتَاع فِي صندوقها مثلا ففتحه وَأخذ متاعها بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن لَهُ فِيهِ شَيْء وفتحه فَيقطع فَإِن أَخذه من الْمَكَان بِدُونِ فتح فَلَا قطع لِأَنَّهُ غير مُحرز عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَمن المحرز عَلَيْهِ الخلخال الَّذِي فِي رجلهَا والسوار الَّذِي فِي يَدهَا والطوق الَّذِي فِي عُنُقهَا فَإِذا سرق ذَلِك مِنْهَا حَال نومها مثلا قطع لِأَن رجلهَا ويدها وعنقها حرز لذَلِك وشبهة اسْتِحْقَاقهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة فِي مَاله لَا أثر لَهَا لِأَنَّهَا مقدرَة محدودة وَفرض الْمَسْأَلَة أَنه لَيْسَ لَهَا عِنْده شَيْء مِنْهُمَا فَإِن فرض أَن لَهَا شَيْئا من ذَلِك حَال السّرقَة وأخذته بِقصد الِاسْتِيفَاء لم تقطع كدائن سرق مَال مدينه بِقصد ذَلِك أَي فَإِن الدَّائِن إِذا سرق مَال غَرِيمه الجاحد للدّين الْحَال أَو المماطل وَأَخذه بِقصد الِاسْتِيفَاء لم يقطع لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَأْذُون لَهُ فِي أَخذه شرعا وَغير جنس حَقه كجنس حَقه وَلَا يقطع بزائد على قدر حَقه مَعَه وَإِن بلغ الزَّائِد نِصَابا بِخِلَاف مَا إِذا سرق مَال غَرِيمه الجاحد للدّين الْمُؤَجل فَيقطع وَكَذَا مَال غَرِيمه غير المماطل
(فَإِن) كَانَت يَده الْيُمْنَى مفقودة بعد السّرقَة فَلَا قطع أَو قبلهَا انْتقل للرجل الْيُسْرَى كَمَا لَو (عَاد) أَي سرق ثَانِيًا بعد قطع يمناه واندمالها (فرجله الْيُسْرَى) هِيَ الَّتِي تقطع بِخِلَاف مَا إِذا سرق مرَارًا وَلم تقطع يَده الْيُمْنَى فَإِنَّهُ لَا تقطع إِلَّا هِيَ لِاتِّحَاد السَّبَب مَعَ كَون الْقطع حَقًا لله تَعَالَى كَحَد الزِّنَا وَشرب الْخمر
(ف) إِن سرق ثَالِثا قطعت (يَده الْيُسْرَى ف) إِن سرق رَابِعا قطعت (رجله الْيُمْنَى) وَالْمرَاد الْقطع من الْكُوع فِي الْيَد وَمن الكعب فِي الرجل وَالْحكمَة فِي قطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ أَنَّهَا آلَات السّرقَة بِالْأَخْذِ وَالْمَشْي وقدمت الْيَد لقُوَّة بطشها وقدمت الْيُمْنَى لِأَن الْغَالِب كَون السّرقَة بهَا لِأَنَّهَا أقوى فَكَانَ الْبدَاءَة بهَا أردع وَإِنَّمَا لم يقطع ذكر الزَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مثله وبالقطع يفوت النَّسْل الْمَطْلُوب بَقَاؤُهُ وَلم يقطع لِسَان الْقَاذِف إبْقَاء للعبادات وَغَيرهَا
(ثمَّ) إِن سرق بعد قطع الْأَرْبَع (عزّر) وَحبس حَتَّى يَمُوت على مَا نَقله الشبراملسي عَن الْعباب وَنقل الحصني عَن(1/354)
بَعضهم أَنه حبس حَتَّى يَتُوب وَعَن بعض آخر حبس حَتَّى تظهر تَوْبَته وَيجب على السَّارِق مَعَ الْحَد الْمَذْكُور رد الْمَسْرُوق إِلَى صَاحبه إِن بقى وَإِلَّا فبدله من مثل أَو قيمَة لِأَن الْحَد حَقه تَعَالَى وَالْغُرْم حق الْآدَمِيّ فَلَا يسْقط أَحدهمَا الآخر وَتجب أَيْضا أجرته مُدَّة وضع يَد السَّارِق عَلَيْهِ
(وَتثبت) أَي السّرقَة وقطعها (برجلَيْن) كَسَائِر الْعُقُوبَات غير الزِّنَا فَلَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ أَو رجل وَحلف الْمَالِك يَمِينا فَلَا قطع وَثَبت المَال إِن كَانَت الشَّهَادَة بعد دَعْوَى الْمَالِك أَو وَكيله وَإِلَّا لم يثبت المَال أَيْضا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ شَهَادَة حسبَة وَالْمَال لَا يثبت بهَا (وَإِقْرَار) من السَّارِق فَيقطع مُؤَاخذَة لَهُ بقوله وَلَا يشْتَرط تكَرر الْإِقْرَار وَثُبُوت الْقطع بِالْإِقْرَارِ بِشَرْطَيْنِ الأول أَن يكون بعد الدَّعْوَى عَلَيْهِ فَلَو أقرّ قبلهَا لم يثبت الْقطع فِي الْحَال بل يُوقف على حُضُور الْمَالِك وَطَلَبه لِلْمَالِ أما المَال فَيثبت
وَالثَّانِي أَن يفصل الْإِقْرَار وَلَو كَانَ فَقِيها مُوَافقا كَمَا فِي الشَّهَادَة فيبين السّرقَة والمسروق مِنْهُ خوفًا من أَن يكون أصلا أَو فرعا أَو سيدا وَقدر الْمَسْرُوق وَيبين الْحِرْز بِتَعْيِين أَو وصف
(و) تثبت السّرقَة (بِيَمِين رد) من الْمُدعى عَلَيْهِ على الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ وَذَلِكَ كَأَن يَدعِي على شخص سَرقَة نِصَاب فينكل ذَلِك الشَّخْص عَن الْيَمين فَترد على الْمُدَّعِي فَيحلف فَيثبت الْقطع وَالْمُعْتَمد عِنْد أَكثر الْعلمَاء لَا قطع كَمَا لَا يثبت بهَا حد الزِّنَا لِأَن الْقطع حق الله تَعَالَى وَهُوَ لَا يثبت بهَا وَلِأَنَّهَا وَإِن كَانَ كَالْإِقْرَارِ إِلَّا أَن استمراره على الْإِنْكَار بِمَنْزِلَة رُجُوعه عَن الْإِقْرَار ورجوعه عَنهُ مَقْبُول بِالنِّسْبَةِ للْقطع وَأما المَال فَيثبت بِلَا خلاف
وَالْحَاصِل أَن الْيَمين الْمَرْدُودَة لَا يثبت بهَا الْقطع وَيثبت بهَا المَال
(وَقبل رُجُوع مقرّ) عَن إِقْرَاره بِالسَّرقَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقطع وَلَو فِي أَثْنَائِهِ لِأَنَّهُ حق الله تَعَالَى أما المَال فَلَا يقبل رُجُوعه فِيهِ لِأَنَّهُ حق آدَمِيّ وَلَو أقرّ بِالسَّرقَةِ ثمَّ رَجَعَ ثمَّ كذب رُجُوعه فَلَا يقطع كَمَا قَالَه الدَّمِيرِيّ وَلَو أقرّ بهَا ثمَّ أُقِيمَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة ثمَّ رَجَعَ سقط عَنهُ الْقطع لِأَن الثُّبُوت كَانَ بِالْإِقْرَارِ
(وَمن أقرّ بعقوبة لله) أَي بمقتضيها كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر (فلقاض تَعْرِيض) لَهُ (بِرُجُوع) عَمَّا أقرّ بِهِ وبإنكاره أَيْضا إِذا لم يكن بَيِّنَة مَا لم يخْش أَن ذَلِك يحملهُ على إِنْكَار المَال أَيْضا كَأَن يَقُول لَهُ فِي الزِّنَا لَعَلَّك اخذت أَو لمست أَو باشرت
وَفِي السّرقَة لَعَلَّك أخذت من غير حرز
وَفِي الشّرْب لَعَلَّك لم تعلم أَن مَا شربته مُسكر فَلَا يُصَرح بذلك كَأَن يَقُول لَهُ ارْجع عَن الْإِقْرَار أَو اجحده فيأثم بِهِ لِأَنَّهُ أَمر بِالْكَذِبِ أَي يُبَاح للْقَاضِي تَعْرِيض إِذا كَانَ بعد الْإِقْرَار وَينْدب لَهُ ذَلِك إِذا كَانَ قبله وَكَذَا لَهُ أَن يعرض للشُّهُود ليمتنعوا من الشَّهَادَة أَو يراجعوا عَنْهَا وَمثل القَاضِي غَيره بل أولى من القَاضِي بِالْجَوَازِ لِامْتِنَاع التَّلْقِين على الْحَاكِم دون غَيره فَلَا يمْتَنع إِذا لم يحمل على إِنْكَار المَال وَلَا يجوز التَّعْرِيض إِذا ثَبت ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ وَلَا يحل التَّعْرِيض بِالرُّجُوعِ عَن حق الْآدَمِيّ وَإِن كَانَ رُجُوعه لَا يقبل لِأَن فِي ذَلِك حملا على محرم إِذْ هُوَ كمتعاطي العقد الْفَاسِد(1/355)
فصل فِي التَّعْزِير
وَهُوَ لُغَة التَّأْدِيب وَشرعا تَأْدِيب على ذَنْب لَا حد فِيهِ وَلَا كَفَّارَة غَالِبا وَمن غير الْغَالِب قد يشرع التَّعْزِير حَيْثُ لَا مَعْصِيّة كَفعل غير مُكَلّف مَا يُعَزّر بِهِ الْمُكَلف أَو يحد وَكَمن يكْتَسب باللهو الْمُبَاح فللولي تَعْزِير الْآخِذ والمعطي للْمصْلحَة وَقد يَنْتَفِي التَّعْزِير مَعَ انْتِفَاء الْحَد وَالْكَفَّارَة كَقطع شخص أَطْرَاف نَفسه وكما فِي صَغِيرَة لَا حد فِيهَا وَأول زلَّة وَلَو كَبِيرَة صدرتا مِمَّن لم يعرف بِالشَّرِّ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم إِلَّا الْحُدُود
وَفسّر هَذَا الحَدِيث بذلك الْمَذْكُور وَكَمن رأى زَانيا مُحصنا بأَهْله فَقتله لعذره إِذْ الْقَتْل جَائِز بَاطِنا إِذا عجز عَن إِثْبَات زِنَاهُ عِنْد الْحَاكِم لَكِن يقْتَصّ بِهِ ظَاهرا بِخِلَاف من قدر عَلَيْهِ فَلَا يجوز الْقَتْل لِإِمْكَان رَفعه للْحَاكِم وكقذفه لمن لاعنها وتكليفه رَقِيقه أَو دَابَّته مَا لَا يُطيق وَضرب حليلته تَعَديا وَوَطئهَا فِي دبرهَا قبل نهي الْحَاكِم لَهُ فِي الْجَمِيع وَقد يجْتَمع التَّعْزِير مَعَ الْكَفَّارَة كَمَا فِي الظِّهَار وَالْيَمِين الْغمُوس إِذا اعْترف بحلفه كذبا وإفساد يَوْم من رَمَضَان بجماع حليلته وَقد يجْتَمع التَّعْزِير مَعَ الْحَد كتعليق يَد السَّارِق فِي عُنُقه سَاعَة زِيَادَة فِي نكاله وَقد يجْتَمع الْكل كمن زنى بِأُمِّهِ فِي الْكَعْبَة صَائِما رَمَضَان معتكفا محرما فَيلْزمهُ الْحَد وَالْعِتْق والبدنة وَالتَّعْزِير لقطع رَحمَه وانتهاك حُرْمَة الْكَعْبَة
(وَيُعَزر) أَي الإِمَام أَو نَائِبه (لمعصية) لله أَو للآدمي (لَا حد) أَي لَا عُقُوبَة (لَهَا وَلَا كَفَّارَة غَالِبا) كمباشرة أَجْنَبِيَّة فِي غير الْفرج وَسَب لَيْسَ بِقَذْف كَمَا أفتى بالتعزير عَليّ كرم الله وَجهه فِيمَن قَالَ لآخر يَا فَاسق يَا خَبِيث وتزوير كمحاكاة خطّ الْغَيْر وَشَهَادَة زور وَضرب بِغَيْر حق بِخِلَاف الزِّنَا لإيجابه الْحَد وَبِخِلَاف التَّمَتُّع بِطيب وَنَحْوه فِي الْإِحْرَام لإيجابه الْكَفَّارَة وَيكون التَّعْزِير (بِضَرْب) غير مبرح (أَو حبس) أَو توبيخ بِاللِّسَانِ أَو تغريب دون سنة فِي الْحر وَدون نصفهَا فِي غَيره أَو كشف رَأس أَو تسويد وَجه أَو حلق رَأس لمن يكرههُ أَو إركابه الْحمار مثلا منكوسا والدوران بِهِ كَذَلِك بَين النَّاس أَو تهديده بأنواع الْعُقُوبَات أَو صلبه ثَلَاثَة أَيَّام فَأَقل فيجتهد الإِمَام فِي جنس التَّعْزِير وَقدره لاحتلافه باخْتلَاف مَرَاتِب النَّاس والمعاصي وَله الْعَفو فِيمَا يتَعَلَّق بِحَق الله تَعَالَى إِن رأى الْمصلحَة
(وعزر أَب) وَإِن علا (ومأذونه) كالمعلم (صَغِيرا) ومجنونا وسفيها للتعلم وَسُوء الْأَدَب وأدب السَّيِّد رَقِيقه وَلَو لحق الله تَعَالَى (و) عزّر (زوج) امْرَأَته (لحقه) كالنشوز لَا لحقه تَعَالَى وَيصدق فِي ذَلِك بِالنِّسْبَةِ لعدم تعزيره لَا لسُقُوط نَفَقَتهَا وَلَو عَفا مُسْتَحقّ الْحَد فَلَا يجوز للْإِمَام التَّعْزِير وَلَا الْحَد أَو مُسْتَحقّ التَّعْزِير فَلهُ التَّعْزِير لتَعَلُّقه بنظره وَإِن كَانَ لَا يَسْتَوْفِيه إِلَّا بعد طلب مُسْتَحقّه وَلَا يجوز تَركه إِن كَانَ لآدَمِيّ عِنْد طلبه(1/356)
فصل فِي الصيال
وَهُوَ الهجوم والقهر وَفِي حكم الختن
(يجوز) للمصول عَلَيْهِ (دفع صائل على مَعْصُوم بل يجب) عَلَيْهِ دَفعه (عَن بضع) وَلَو لبهيمة (وَنَفس قَصدهَا كَافِر) وَلَو مَعْصُوما إِذْ غير الْمَعْصُوم لَا حُرْمَة لَهُ والمعصوم بطلت حرمته بصياله وَلِأَن الاستسلام للْكَافِرِ ذل فِي الدّين وَكَذَا إِذا قَصدهَا بَهِيمَة لِأَنَّهَا تذبح لاستبقاء الْآدَمِيّ فَلَا وَجه للاستسلام لَهَا وَمثل الْكَافِر الزَّانِي الْمُحصن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل دون دينه أَي لأجل الدّفع عَن دينه فَهُوَ شَهِيد أَي بِأَن حمله الصَّائِل على الرِّدَّة أَو الزِّنَا وَمن قتل دون دَمه أَي فِي الْمَنْع عَن الْوُصُول إِلَى دَمه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون أَهله فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون مَاله أَي قُدَّام مَاله فَهُوَ شَهِيد
وَالْحَاصِل أَنه إِذا صال شخص وَلَو غير عَاقل كمجنون وبهيمة أَو غير مُسلم أَو غير مَعْصُوم وَلَو آدمية حَامِلا على شَيْء مَعْصُوم لَهُ أَو لغيره نفسا أَو عضوا أَو مَنْفَعَة أَو بضعا أَو مَالا وَإِن قل أَو اختصاصا كَذَلِك فَلهُ دَفعه جَوَازًا فِي المَال والاختصاص ووجوبا فِي غَيرهمَا فَإِن وَقع صيال على الْجَمِيع فِي زمن وَاحِد وَلم يُمكن إِلَّا دفع وَاحِد فواحد قدم وجوبا النَّفس أَي وَمَا يسرى إِلَيْهَا كالجرح فالبضع فَالْمَال الخطير فالحقير إِلَّا أَن يكون لذِي الخطير غَيره أَو وَقع على صبي يلاط بِهِ وَامْرَأَة يَزْنِي بهَا قدم الدّفع عَنْهَا وجوبا لِأَن حد الزِّنَا مجمع عَلَيْهِ وَلما يخْشَى من إختلاط الْأَنْسَاب وَلذَلِك كَانَ الزِّنَا أَشد حُرْمَة من اللواط لَكِن قَالَ ابْن حجر إِن كَانَت الْمَرْأَة فِي مَظَنَّة الْحمل قدم الدّفع عَنْهَا لِأَن خشيَة إختلاط الْأَنْسَاب أغْلظ فِي نظر الشَّارِع من غَيرهَا وَإِلَّا قدم الدّفع عَن اللواط
وَشرط وجوب الدّفع عَن الْبضْع وَعَن نفس الْغَيْر أَن لَا يخَاف الدَّافِع على نَفسه أما الدَّافِع عَن بضع نَفسه فَيجب دَفعه وَإِن خَافَ الْقَتْل فَيحرم على الْمَرْأَة أَن تستسلم لمن صال عَلَيْهَا ليزني بهَا مثلا وَإِن خَافت على نَفسهَا إِذْ لَا سَبِيل لإباحة نَحْو الْبضْع وَلَا يجب الدّفع إِذا قصد نَفسه مُسلم مَعْصُوم الدَّم وَلَو مَجْنُونا بل يجوز الاستسلام لَهُ بل يسن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كن خير ابْني آدم
أَي وَهُوَ هابيل الَّذِي قَتله قابيل وخيرهما الْمَقْتُول لكَونه استسلم للْقَاتِل وَلم يدْفع عَن نَفسه وَمحل جَوَاز الاستسلام مَا لم يقدر على الْهَرَب وَإِلَّا وَجب وَحرم الْوُقُوف وَمَا لم يكن ملكا عادلا متوحدا فِي ملكه أَو عَالما متوحدا فِي زَمَانه أَو شجاعا أَو كَرِيمًا وَكَانَ فِي بَقَائِهِ مصلحَة عَامَّة وَإِلَّا فَلَا يجوز لَهُ الاستسلام بل يجب حِينَئِذٍ الدّفع عَن نَفسه كَمَا يجب الدّفع عَن الْعُضْو وَالْمَنْفَعَة
(وليدفع) أَي الصَّائِل الْمَعْصُوم (بالأخف) فالأخف بِاعْتِبَار غَلَبَة ظن المصول عَلَيْهِ (إِن أمكن) فيدفعه بالهرب مِنْهُ فبالزجر كتوبيخ وتذكير بوعيد الله وأليم عَذَابه أَو استغاثة فَهُوَ مُخَيّر بَينهمَا إِن لم ينشأ من الاستغاثة إِلْحَاق ضَرَر أقوى من الزّجر كإمساك حَاكم جَائِر(1/357)
للصائل وَإِلَّا وَجب التَّرْتِيب بَينهمَا فيزجر ثمَّ يستغيث فالضرب بِالْيَدِ فبالسوط فبالعصا فبالقطع فبالقتل لِأَن دفع الصَّائِل جوز للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي الأثقل مَعَ إِمْكَان تَحْصِيل الْمَقْصُود بالأخف وَفَائِدَة هَذَا التَّرْتِيب أَنه مَتى خَالف وَعدل إِلَى رُتْبَة مَعَ إِمْكَان الِاكْتِفَاء بِمَا دونهَا ضمن وَلَو بِالْقصاصِ إِذا وجدت شُرُوطه بِأَن دَفعه بِمَا يقتل غَالِبا وحصلت الْحُرْمَة فَقَط إِذا دَفعه بِغَيْرِهِ وَلَو لم يجد المصول عَلَيْهِ إِلَّا سَيْفا جَازَ لَهُ الدّفع بِهِ وَإِن كَانَ ينْدَفع بعصا إِذْ لَا تَقْصِير مِنْهُ فِي عدم استصحابها وَلذَلِك من أحسن الدّفع بِطرف السَّيْف بِدُونِ جرح يضمن بِهِ بِخِلَاف من لَا يحسن وَلَو التحم الْقِتَال بَينهمَا وَخرج الْأَمر عَن الضَّبْط سقط مُرَاعَاة التَّرْتِيب سِيمَا لَو كَانَ الصائلون جمَاعَة إِذْ رِعَايَة التَّرْتِيب حِينَئِذٍ تُؤدِّي إِلَى إهلاكه وَلَو اخْتلفَا فِي التَّرْتِيب أَو فِي عدم إِمْكَان التَّخَلُّص بِدُونِ مَا دفع بِهِ صدق الدَّافِع لعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة على ذَلِك بِخِلَاف مَا لَو تنَازعا فِي أصل الصيال فَلَا يصدق إِلَّا بِقَرِينَة ظَاهِرَة كتجريد سيف أَو نَحوه أَو بِبَيِّنَة أما المهدر كزان مُحصن وتارك صَلَاة بِشَرْطِهِ وحربي ومرتد فَلَا تجب مُرَاعَاة هَذَا التَّرْتِيب فِيهِ بل لَهُ الْعُدُول إِلَى قَتله لعدم حرمته مَا لم يكن مثله
(وَوَجَب) قطع سرة الْمَوْلُود بعيد وِلَادَته بعد نَحْو ربطها لتوقف إمْسَاك الطَّعَام عَلَيْهِ وَوَجَب أَيْضا (ختان) لذكر وَأُنْثَى إِن لم يولدا مختونين (ببلوغ) وعقل لانْتِفَاء التَّكْلِيف قبلهمَا فَيجب ذَلِك فَوْرًا بعدهمَا مَا لم يخف من الْخِتَان فِي ذَلِك الزَّمن وَإِلَّا أخر إِلَى أَن يغلب الظَّن السَّلامَة مِنْهُ فَلَو غلب على ظَنّه احْتِمَاله للختان وَأَن السَّلامَة هِيَ الْغَالِبَة فختنه فَمَاتَ لم يضمنهُ وَينْدب تَعْجِيله فِي سَابِع يَوْم وِلَادَته وَيكرهُ قبل السَّابِع فَإِن أخر عَنهُ فَفِي الْأَرْبَعين وَإِلَّا فَفِي السّنة السَّابِعَة لِأَنَّهَا وَقت أمره بِالصَّلَاةِ وَبعدهَا يَنْبَغِي وُجُوبه على الْوَلِيّ إِن توقفت صِحَة الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يحْسب من السَّبْعَة يَوْم وِلَادَته لِأَنَّهُ كلما أخر قوى عَلَيْهِ فَكَانَ إيلامه أخف وَبِذَلِك التَّعْلِيل فَارق الْعَقِيقَة حَيْثُ يحْسب فِيهَا يَوْم الْولادَة من السَّبْعَة لِأَنَّهَا بر فندب الْإِسْرَاع إِلَيْهِ وَيسن إِظْهَار ختان الذُّكُور وإخفاء الْإِنَاث عَن الرِّجَال دون النِّسَاء وَلَا يلْزم من ندب وَلِيمَة الْخِتَان إِظْهَاره فِيهِنَّ
ثمَّ كَيْفيَّة الْخِتَان فِي الذّكر بِقطع جَمِيع مَا يغطى حشفته حَتَّى تنكشف كلهَا وَإِذا نَبتَت الغرلة بعد ذَلِك لَا تجب إِزَالَتهَا لحُصُول الْغَرَض بِمَا فعل أَولا وَعلم من ذَلِك أَن غرلته لَو تقلصت حَتَّى انْكَشَفَ جَمِيع الْحَشَفَة فَإِن أمكن قطع شَيْء مِمَّا يجب قطعه فِي الْخِتَان مِنْهَا دون غَيرهَا وَجب وَلَا نظر لذَلِك التقلص لِأَنَّهُ قد يَزُول فَيسْتر الْحَشَفَة وَإِلَّا سقط الْوُجُوب كَمَا لَو ولد مَجْنُونا وَفِي الْأُنْثَى بِقطع جُزْء يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْخِتَان من اللحمة الْمَوْجُودَة بِأَعْلَى الْفرج فَوق ثقبة الْبَوْل تشبه عرف الديك وَتسَمى البظر فَإِذا قطعت بَقِي أَصْلهَا كالنواة وتقليل الْمَقْطُوع أفضل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للخاتنة أشمي وَلَا تنهكي فَإِنَّهُ أحظى للْمَرْأَة وَأحب للبعل
أَي لزيادته فِي لَذَّة الْجِمَاع وَفِي رِوَايَة أسرى للْوَجْه أَي أَكثر لمائه وَدَمه
(وَحرم تثقيب أذن) قَالَ الزيَادي وَالْأَوْجه أَن ثقب أذن الصَّغِيرَة لتعليق الْحلق حرَام لِأَنَّهُ لم تدع إِلَيْهِ حَاجَة وغرض الزِّينَة لَا يجوز بِمثل هَذَا التعذيب هَذَا مَا قَالَه الْغَزالِيّ(1/358)
فِي الْإِحْيَاء وَأفْتى بذلك الشَّيْخ الرَّمْلِيّ وَرجح فِي مَوضِع آخر الْجَوَاز وَهُوَ الْمُعْتَمد كَذَا فِي تحفة الحبيب أما خرم أذن الصَّبِي فَحرم قطعا كَمَا يحرم خرم الْأنف ليجعل فِيهِ حَلقَة من ذهب أَو نَحوه وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الذّكر وَالْأُنْثَى وَلَا عِبْرَة باعتياد ذَلِك لبَعض النَّاس فِي نِسَائِهِم
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْجِهَاد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي الْقِتَال فِي سَبِيل الله
(هُوَ فرض كِفَايَة كل عَام) إِذا كَانَ الْكفَّار ببلادهم وَأقله مرّة فِي كل سنة فَإِذا زَاد فَهُوَ أفضل مَا لم تدع حَاجَة إِلَى أَكثر من مرّة وَإِلَّا وَجب وَيسْقط طلب الْجِهَاد بِأحد أَمريْن إِمَّا بِدُخُول الإِمَام أَو نَائِبه دَارهم بالجيش لقتالهم وَإِمَّا بتشحين الثغور أَي أَطْرَاف بِلَادنَا بمكافئين لَهُم لَو قصدونا مَعَ إحكام الْحُصُون والخنادق وتقليد ذَلِك لِلْأُمَرَاءِ المؤتمنين الْمَشْهُورين بالشجاعة والنصح للْمُسلمين وَحكم فرض الْكِفَايَة أَنه إِذا فعله من فيهم كِفَايَة وَإِن لم يَكُونُوا من أهل فَرْضه كصبيان وإناث ومجانين سقط الْحَرج عَنهُ إِن كَانَ من أَهله وَعَن البَاقِينَ رخصَة وتخفيفا عَلَيْهِم نعم الْقَائِم بِفَرْض الْعين أفضل من الْقَائِم بِفَرْض الْكِفَايَة كَمَا قَالَه الرَّمْلِيّ وفروض الْكِفَايَة كَثِيرَة (كقيام بحجج دينية) أَي براهين علمية مثبتة لعقائد التَّوْحِيد تَفْصِيلًا كثبوت الصَّانِع وَمَا يجب لَهُ وَمَا يمْتَنع عَلَيْهِ وَغير ذَلِك كثبوت حُدُوث الْعَالم الْمُسْتَدلّ عَلَيْهِ بِقَوْلِك الْعَالم متغير وكل متغير حَادث أما على سَبِيل الْإِجْمَال فَفرض عين وَخرج بذلك الْحجَج العلمية كأقيموا الصَّلَاة دَلِيلا على وُجُوبهَا فالقيام بذلك سنة وَلَا يكون إِلَّا من الْمُجْتَهد الْمُطلق
(و) طلب (عُلُوم شَرْعِيَّة) كتفسير وَحَدِيث وفروع فقهية زَائِدا على مَا لَا بُد مِنْهُ فِي الْعِبَادَات والمعاملات إِلَى أَن يبلغ دَرَجَة الافتاء فَإِذا بلغَهَا كَانَ مَا بعد ذَلِك سنة إِلَى بُلُوغ دَرَجَة الِاجْتِهَاد الْمُطلق أما مَا لَا بُد مِنْهُ فِي الْعِبَادَات والمعاملات فَفرض عين على كل مُكَلّف وَمثل الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة مَا تتَعَلَّق بِهِ من عُلُوم الْعَرَبيَّة وأصول الْفِقْه وَعلم الْحساب الْمُضْطَر إِلَيْهِ فِي الْمَوَارِيث والإقرارات والوصايا وَغير(1/359)
ذَلِك فَيجب الْإِحَاطَة بذلك كُله لشدَّة الْحَاجة إِلَى ذَلِك
(وَدفع ضَرَر) آدَمِيّ (مَعْصُوم) أَي مُحْتَرم بإطعام الْمُضْطَر مَا يَحْتَاجهُ الْمَالِك فِي ثَانِي الْحَال وَكِسْوَة العاري إِذا لم ينْدَفع ضررهما بِنَحْوِ وَصِيَّة وَنذر ووقف وَزَكَاة وَبَيت مَال من سهم الْمصَالح وَهَذَا على من ملك زَائِدا على كِفَايَة سنة لَهُ ولممونه وعَلى وَفَاء دُيُونه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْفَقِيه من الْكتب والمحترف من الْآلَات قَالَ الشبراملسي وَيَنْبَغِي أَنه لَا يشْتَرط فِي الْغَنِيّ أَن يكون عِنْده مَال يَكْفِيهِ لنَفسِهِ ولممونه جَمِيع السّنة بل يَكْفِي فِي وجوب الْمُوَاسَاة أَن يكون لَهُ نَحْو وظائف يتَحَصَّل مِنْهَا مَا يَكْفِيهِ عَادَة جَمِيع السّنة ويتحصل عِنْده زِيَادَة على ذَلِك مَا يُمكن الْمُوَاسَاة بِهِ
(وَأمر بِمَعْرُوف) أَي وَاجِب وَنهي عَن محرم بِالْيَدِ فاللسان فالقلب سَوَاء الْفَاسِق وَغَيره وَفِي الحَدِيث إِن النَّاس إِذا رَأَوْا الظَّالِم فَلم يَأْخُذُوا على يَدَيْهِ أوشك أَن يعمهم الله بعذابه وَالْمرَاد بِالنَّهْي عَنهُ بِالْقَلْبِ هُوَ أَن يتَوَجَّه بهمته إِلَى الله تَعَالَى فِي إِزَالَته سَوَاء صدر ذَلِك التَّوَجُّه عَمَّن جرت عَادَة الله تَعَالَى بِأَن لَا يخيب توجهه أم من غَيره فَظَاهر أَنه يَكْتَفِي بتوجه الْبَعْض وَلَا يشْتَرط توجه الْجَمِيع بِخِلَاف الْكَرَاهَة بِالْقَلْبِ فَإِنَّهَا فرض عين لِأَن انتفاءها فِي فَرد يُنَافِي الْإِيمَان وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى وَمحل ذَلِك الْأَمر وَالنَّهْي فِي وَاجِب أَو حرَام مجمع عَلَيْهِ أَو فِي اعْتِقَاد الْفَاعِل بِالنِّسْبَةِ لغير الزَّوْج إِذْ لَهُ شافعيا منع زَوجته الْحَنَفِيَّة من شرب النَّبِيذ مُطلقًا أَي مُسكرا كَانَ أَو غَيره وبالنسبة لغير القَاضِي إِذْ الْعبْرَة باعتقاده ولغير مقلد من لَا يجوز تَقْلِيده لكَونه مِمَّا ينْقض فِيهِ قَضَاء القَاضِي فاعتقاده الْحل لَا يمْنَع من الْإِنْكَار عَلَيْهِ وَيجب الْإِنْكَار على مُعْتَقد التَّحْرِيم وَإِن اعْتقد الْمُنكر إِبَاحَته لِأَنَّهُ يعْتَقد حرمته بِالنِّسْبَةِ لفَاعِله بِاعْتِبَار عقيدته وَيمْتَنع على عَامي يجهل حكم مَا رَآهُ إِنْكَار حَتَّى يُخبرهُ عَالم بِأَنَّهُ مجمع عَلَيْهِ أَو محرم فِي اعْتِقَاد فَاعله وعَلى عَالم أَن يُنكر مُخْتَلفا فِيهِ حَتَّى يعلم من فَاعله اعْتِقَاد تَحْرِيمه لَهُ حَالَة ارتكابه لاحْتِمَال أَنه حِينَئِذٍ قلد الْقَائِل بحله أَو جهل حرمته لكنه يرشده بِأَن يبين لَهُ الحكم وَيطْلب اجتنابه مِنْهُ بلطف
أما من ارْتكب مَا يرى إِبَاحَته بتقليد صَحِيح فَلَا يحل الْإِنْكَار عَلَيْهِ لَكِن لَو طلب لِلْخُرُوجِ مِنْهُ الْخلاف بِرِفْق فَحسن هَذَا كُله فِي غير الْمُحْتَسب أَي من ولي الْحِسْبَة وَهِي الْإِنْكَار والاعتراض على فعل مَا يُخَالف الشَّرْع أما هُوَ فينكر وجوبا على من أخل بِشَيْء من الشعائر الظَّاهِرَة وَلَو سنة كَصَلَاة الْعِيد وَالْأَذَان وَيلْزمهُ أَمر النَّاس بهما دون بَقِيَّة السّنَن الَّتِي لَيست من الشعائر الظَّاهِرَة وَلَكِن لَو احْتِيجَ فِي إِنْكَار ذَلِك لقِتَال لم يَفْعَله إِلَّا على أَنه فرض كِفَايَة وَيجب عَلَيْهِ النَّهْي عَن الْمَكْرُوه بِخِلَاف غَيره فَينْدب وَلَيْسَ لأحد التَّجَسُّس واقتحام الدّور بالظنون للبحث عَمَّا فِيهَا
نعم إِن غلب على ظَنّه وُقُوع مَعْصِيّة وَلَو بِقَرِينَة ظَاهِرَة كإخبار ثِقَة جَازَ لَهُ بل وَجب عَلَيْهِ التَّجَسُّس إِن فَاتَ تداركها كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا وَإِلَّا فَلَا وَلما لم ينزجر إِلَّا بِالرَّفْع للسُّلْطَان وَجب وَشرط وجوب الْأَمر وَالنَّهْي على مُكَلّف أَن يَأْمَن على نَفسه وعضوه وَمَاله وَإِن قل كدرهم وَعرضه وعَلى غَيره بِأَن لم يخف مفْسدَة عَلَيْهِ أَكثر من مفْسدَة الْمُنكر الْوَاقِع وَيحرم مَعَ الْخَوْف على الْغَيْر مَعَ خوف الْمفْسدَة الْمَذْكُورَة وَيسن مَعَ الْخَوْف على النَّفس
(وَتحمل شَهَادَة) على أهل لَهُ وَهُوَ الْعدْل وَحضر لَهُ الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو دَعَاهُ قَاض أَو(1/360)
مَعْذُور جُمُعَة وَلم يعْذر الْمَطْلُوب
(وأدائها) على من تحملهَا إِن كَانَ أَكثر من نِصَاب وَهُوَ اثْنَان وَإِلَّا فَهُوَ فرض عين
(ورد سَلام) مسنون من مُمَيّز غير متحلل بِهِ من صَلَاة وَإِن كرهت صيغته كعليكم السَّلَام وَلَو مَعَ رَسُول أَو فِي كِتَابَة وَيجب الرَّد فَوْرًا (عَن جمع) بِأَن كَانَ الْمُسلم عَلَيْهِم جمَاعَة من مُسلمين بالغين عاقلين فَيَكْفِي رد وَاحِد مِنْهُم وَيسْقط الطّلب عَن الْبَاقِي وَيخْتَص الثَّوَاب بِمن رد فَلَو ردوا كلهم وَلَو مُرَتبا أثيبوا وَلَا يسْقط الطّلب برد الصَّبِي وَإِن كَانَ الَّذِي سلم صَبيا أَيْضا وَيشْتَرط فِي كِفَايَة الرَّد إسماع الْمُسلم واتصاله بِالسَّلَامِ كاتصال الْقبُول بِالْإِيجَابِ فِي نَحْو البيع وَالشِّرَاء وصيغته الَّتِي يجب فِيهَا الرَّد السَّلَام عَلَيْكُم أَو سَلام عَلَيْكُم بتنوين سَلام وَيكرهُ عَلَيْكُم السَّلَام وَعَلَيْكُم سَلام وَإِن وَجب الرَّد فيهمَا وَلَا يَكْفِي سَلام عَلَيْكُم بترك التَّنْوِين وأل وَكَذَا لَو قَالَ وَعَلَيْكُم السَّلَام بِالْوَاو أَو اقْترن بالصيغة مَا هُوَ من تَحِيَّة الْجَاهِلِيَّة كَأَن قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم صبحكم بِالْخَيرِ أَو صبحكم بِالْخَيرِ السَّلَام عَلَيْكُم فَلَا يجب الرَّد فِي ذَلِك وَلَو قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَجب الرَّد وَلَكِن الأولى التقليل عَن ذَلِك ليبقى للراد شَيْء يزِيد بِهِ على المبتدىء بِالسَّلَامِ كَمَا هُوَ الْأَكْمَل لَهُ والقارىء كَغَيْرِهِ فِي اسْتِحْبَاب ابْتِدَاء السَّلَام عَلَيْهِ وَوُجُوب الرَّد بِاللَّفْظِ على الْمُعْتَمد
وَيجب الْجمع بَين اللَّفْظ وَالْإِشَارَة فِي الرَّد على الْأَصَم وتجزىء الْإِشَارَة من الْأَخْرَس ابْتِدَاء وردا وَالْإِشَارَة من النَّاطِق بِلَا لفظ خلاف الأولى وَلَا يجب لَهَا رد وَالْجمع بَينهمَا وَبَين اللَّفْظ أفضل وَإِذا سلم كل مِنْهُمَا على الآخر مَعًا لزم كلا مِنْهُمَا الرَّد أَو مُرَتبا كفى الثَّانِي سَلَامه فِي الرَّد إِن قصد بِهِ
وَينْدب أَن يسلم الرَّاكِب على الْمَاشِي والماشي على الْوَاقِف والقاعد والمضطجع والعظيم على الحقير وَالْكثير على الْقَلِيل فَلَو عكس لم يكره وَيسلم الْوَارِد مُطلقًا على من ورد عَلَيْهِ وَمن دخل دَاره سلم ندبا على أَهله أَو موضعا خَالِيا فَلْيقل ندبا السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين ويسمي الله قبل دُخُوله وَيَدْعُو وَلَو تكَرر ذَلِك مِنْهُ وَلَو سلم جمَاعَة متفرقون على وَاحِد فَقَالَ وَعَلَيْكُم السَّلَام وَقصد الرَّد على جَمِيعهم أَجزَأَهُ وَسقط عَنهُ فرض الْجَمِيع وَكَذَا لَو أطلق على الصَّحِيح وَلَو سلم عَلَيْهِ من وَرَاء حَائِط أَو ستر وَجب الرَّد وَكَذَا لَو سلم عَلَيْهِ مَعَ رَسُول وبلغه الرَّد إِن حصل صِيغَة شَرْعِيَّة من الْمُرْسل أَو الرَّسُول أَو مِنْهُمَا كَأَن قَالَ الْمُرْسل السَّلَام على فلَان فَقَالَ لَهُ الرَّسُول فلَان يسلم عَلَيْك أَو قَالَ الْمُرْسل سلم لي على فلَان فَقَالَ الرَّسُول السَّلَام عَلَيْك من فلَان أَو قَالَ الْمُرْسل السَّلَام على فلَان فَقَالَ الرَّسُول السَّلَام عَلَيْك من فلَان وَجب الرَّد فِي الْجَمِيع فَإِن لم تحصل صِيغَة شَرْعِيَّة لَا من هَذَا وَلَا من هَذَا كَأَن قَالَ سلم لي على فلَان فَقَالَ الرَّسُول فلَان يسلم عَلَيْك لَا يجب الرَّد وَيجب على الرَّسُول فِي جَمِيع ذَلِك تَبْلِيغ السَّلَام وَلَو بعد مُدَّة طَوِيلَة كَأَن نسي ثمَّ تذكر وَهَذَا مِمَّا يَقع التهاون فِيهِ
نعم يَصح عزل نَفسه بِحَضْرَة الْمُرْسل لَا فِي غيبته فَيَقُول عزلت نَفسِي وَلَو كَانَ الْمُسلم عَلَيْهِ وَاحِدًا كَانَ الرَّد فرض عين عَلَيْهِ وَيحرم السَّلَام من الشَّابَّة الْأَجْنَبِيَّة ابْتِدَاء وردا وَكَذَا الْخُنْثَى مَعَ مثله ويكرهان من الرِّجَال عَلَيْهِمَا بِخِلَاف جمع النِّسَاء(1/361)
وَلَو شواب والعجوز فَلَا يكرهان عَلَيْهِمَا وَلَا يحرمان مِنْهُمَا وَبِخِلَاف مَا إِذا كَانَ هُنَاكَ محرمية أَو زوجية أَو سيدية فَلَا يكره وَلَو سلم الذِّمِّيّ وَجب الرَّد عَلَيْهِ بِنَحْوِ وَعَلَيْكُم فَقَط وَيحرم أَن يبتدىء السَّلَام عَلَيْهِ كالفاسق وَكَذَا تحتيه بِغَيْر السَّلَام كصبحك الله بِالْخَيرِ وَكَذَا خطابه بِكُل مَا يُفِيد تَعْظِيمه وَلَو كلمة إِلَّا لعذر فَلَو سلم على شخص وَهُوَ يجهل حَاله فَتبين أَنه ذمِّي اسْترْجع سَلَامه قيل وجوبا وَقيل ندبا فَيَقُول اسْترْجع سلامي مثلا وَلَا يجب رد سَلام على الْآكِل إِن كَانَ الطَّعَام فِي فِيهِ أما قبل وَضعه فِيهِ فَيجب عَلَيْهِ الرَّد
(وابتداؤه) أَي السَّلَام على مُسلم لَيْسَ بفاسق وَلَا مُبْتَدع وَلَا نَحْو قَاضِي حَاجَة وَلَا آكل فِي فَمه اللُّقْمَة عِنْد إقباله أَو انْصِرَافه (سنة) عينا للْوَاحِد وكفاية للْجَمَاعَة كالتسمية للْأَكْل و (كتشميت عاطس) مُسلم (حمد الله) وَلم يكن الْعَاطِس بِفِعْلِهِ بِأَن يَقُول للبالغ يَرْحَمك الله أَو يَرْحَمك رَبك وللصغير أصلحك الله أَو بَارك الله فِيك أَو أنشأك الله إنْشَاء صَالحا وَيكرهُ قبل الْحَمد فَلَا يعْتد بِهِ وَيَأْتِي بِهِ ثَانِيًا بعد الْحَمد فَإِن شكّ هَل حمد الْعَاطِس أَو لَا قَالَ يرحم الله من حَمده أَو يَرْحَمك الله إِن حمدته وَتحصل بهَا سنة التشميت وَيسن تذكيره الْحَمد للْحَدِيث الْمَشْهُور من سبق الْعَاطِس بِالْحَمْد أَمن من الشوص واللوص والعلوص فالشوص وجع الضرس واللوص وجع الْأذن والعلوص وجع الْبَطن ونظمها بعضم فَقَالَ من يبتدي عاطسا بِالْحَمْد يَأْمَن من شوص ولوص وعلوص كَذَا وردا ويكرر التشميت إِلَى ثَلَاث ثمَّ يَدْعُو لَهُ بعْدهَا بالشفاء كَأَن يَقُول عافاك الله أَو شفاك الله وَيسن للعاطس وضع شَيْء على وَجهه وخفض صَوته مَا أمكنه وَإجَابَة مشمته كَأَن يَقُول غفر الله لكم أَو يهديكم الله وَلَو زَاد على ذَلِك وَيصْلح بالكم كَانَ حسنا وَلم يجب لِأَنَّهُ لَا إخافة بِتَرْكِهِ وَيسن للعاطس إِن لم يشمت أَن يَقُول يرحمني الله وَالْمُصَلي يحمد سرا وَنَحْو قَاضِي الْحَاجة يحمد فِي نَفسه بِلَا لفظ
وَبَقِي من فروض الْكِفَايَة إحْيَاء الْكَعْبَة كل سنة بالزيارة بِحَجّ وَعمرَة وَلَا يُغني أَحدهمَا عَن الآخر وَلَا الصَّلَاة وَالِاعْتِكَاف وَالطّواف عَن أَحدهمَا لِأَنَّهُمَا الْقَصْد الْأَعْظَم من بِنَاء الْبَيْت وَفِيهِمَا إحْيَاء تِلْكَ المشاعر وَلَا بُد فِي القائمين بذلك من عدد يحصل بهم الشعار عرفا وَإِن كَانُوا من أهل مَكَّة كَمَا قالهالرملي وَابْن حجر ثمَّ قَالَ الزيَادي وَلَا يشْتَرط فِي الْقيام بإحياء الْكَعْبَة عدد مَخْصُوص من الْمُكَلّفين اه
والحرف والصنائع مِمَّا يتم بِهِ المعاش كالتجارة والحجامة لتوقف قيام الدّين على قيام الدُّنْيَا وقيامها على تينك وَفِي الحَدِيث اخْتِلَاف أمتِي رَحْمَة فسره الْحَلِيمِيّ باخْتلَاف هَمهمْ فِي الْحَرْف والصنائع اه
وَحفظ الْقُرْآن عَن ظهر قلب فَيجب أَن يكون فِي كل مَسَافَة عدوى جمَاعَة يَحْفَظُونَهُ كَذَلِك كَمَا يجب فِيهَا قَاض وَفِي كل مَسَافَة قصر مفت فَإِن اخْتلفت الْمذَاهب فِي تِلْكَ الْمسَافَة وَجب(1/362)
تعدده بعددها وَإِلَّا فَلَا وَمثل ذَلِك تَعْلِيمه والاشتغال بحفظه أفضل من الِاشْتِغَال بِالْعلمِ الزَّائِد على فرض الْعين ونسيانه أَو شَيْء مِنْهُ كَبِيرَة وَلَو بِعُذْر كَمَرَض واشتغال بعيني
وضابطه أَن يحْتَاج فِي استرجاعه إِلَى الْحَالة الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهَا إِلَى عمل جَدِيد على الْمُعْتَمد وَقيل ضابطه أَن ينقص عَن الْحَالة الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهَا
وَإِنَّمَا يجب الْجِهَاد (على مُكَلّف ذكر حر مستطيع لَهُ سلَاح) فَلَا جِهَاد على صبي وَمَجْنُون لعدم تكليفهما وَلَا على امْرَأَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهادكن الْحَج وَالْعمْرَة وَلِأَنَّهَا مجبولة على الضعْف وَمثلهَا الْخُنْثَى وَلَا على عبد وَلَو مبعضا أَو كَاتبا لنقصه وَإِن أمره سَيّده وَلَا على غير مستطيع كأعمى وفاقد أَكثر الأنامل وَمن بِهِ عرج بَين وَإِن قدر على الرّكُوب أَو رمد أَو مرض يمنعهُ الركون أَو الْقِتَال بِأَن يحصل لَهُ مشقة لَا تحْتَمل عَادَة وَإِن لم تبح التَّيَمُّم وكمعذور بِمَا يمْنَع وجوب الْحَج إِلَّا خوف طَرِيق من كفار أَو لصوص مُسلمين فَلَا يمْنَع وجوب الْجِهَاد لِأَن مبناه على ركُوب المخاوف وَلَا على عادم أهبة قتال كسلاح وَمؤنَة ذَهَابًا وإيابا وَإِقَامَة ومركوب فِي سفر قصر فَاضل ذَلِك عَن مُؤنَة من تلْزمهُ نَفَقَته
(وَحرم) على مَدين مُوسر عَلَيْهِ دين حَال وَإِن قل كفلس وَلَو لذِمِّيّ وَإِن كَانَ بِهِ رهن وثيق أَو ضَامِن (سفر) للْجِهَاد وَغَيره وَإِن قصر كميل وَنَحْوه تَقْدِيمًا لفرض الْعين وَهُوَ رِعَايَة حق الْغَيْر على غَيره وَلَو كَانَ رب الدّين مُسَافِرًا مَعَه أَو فِي الْبَلَد الَّذِي قَصدهَا من عَلَيْهِ الدّين لِأَنَّهُ قد يرجع قبل وُصُوله إِلَيْهَا أَو يَمُوت أَحدهمَا (بِلَا إِذن غَرِيم) وَبلا ظن رِضَاهُ وَبلا استنابة بِمن يَقْضِيه من مَال حَاضر وَإِلَّا فَلَا تَحْرِيم لوصول الدَّائِن إِلَى حَقه فِي الْحَال بِخِلَاف مَال غَائِب لِأَنَّهُ قد لَا يصل وَلَا بُد من علم الدَّائِن بالوكيل وَمن ثُبُوت الْوكَالَة وَمثل المَال الْحَاضِر دين ثَابت لمريد السّفر على ملىء لَكِن لَا يَكْفِي الْإِذْن لمن عَلَيْهِ الدّين فِي الدّفع للدائن لِأَن الشَّخْص لَا يكون وَكيلا عَن غَيره فِي إِزَالَة ملكه وَطَرِيقه فِي ذَلِك أَن يحِيل رب الدّين بِمَالِه على الْمَدِين
(و) بِلَا إِذن (أصل) مُسلم وَإِن علا من سَائِر الْجِهَات وَلَو مَعَ وجود الْأَقْرَب وَإِن كَانَ رَقِيقا لِأَن بر الأَصْل فرض عين وَيحرم بِلَا إِذْنه مَعَ الْخَوْف وَإِن قصر مُطلقًا وسفر طَوِيل وَلَو مَعَ الْأَمْن إِلَّا لعذر كالسفر لبيع أَو شِرَاء لما لَا يَتَيَسَّر بَيْعه أَو شِرَاؤُهُ فِي بَلَده أَو يَتَيَسَّر لَكِن يتَوَقَّع زِيَادَة فِي ثمنه من الْبَلَد الَّذِي يُسَافر اليه (لَا) سفر (لتعلم فرض) وَلَو كِفَايَة كصنعة وَطلب دَرَجَة الْفَتْوَى فَلَا يحرم عَلَيْهِ وَإِن لم يَأْذَن أَصله
وَالْحَاصِل أَنه لَا يعْتَبر إِذن الأَصْل فِي السّفر لطلب علم شَرْعِي أَو آلَة لَهُ وَلَو كَانَ فرض كِفَايَة أَو أمكن فِي الْبَلَد وَرَجا بِخُرُوجِهِ زِيَادَة فرَاغ أَو إرشاد شيخ أَو نَحْو ذَلِك وَله طلب الْعلم غير الْمُتَعَيّن بعد شُرُوعه فِيهِ وَإِن ظهر انتفاعه بِخِلَاف صَلَاة الْمَيِّت فَإِذا شرع فِيهَا لَا يجوز قطعهَا وَلَا يعْتَبر الْإِذْن فِي السّفر لتِجَارَة وَغَيرهَا حَيْثُ لَا خطر فِيهِ بِخِلَاف مَا فِيهِ خطر عَظِيم كركوب بَحر أَو بادية مخطرة وَإِن غلب الْأَمْن فَيحْتَاج إِلَى إِذن الأَصْل وَاسْتشْكل ذَلِك بِأَن الْجِهَاد فرض(1/363)
كِفَايَة مَعَ حُرْمَة السّفر لَهُ إِلَّا بِإِذن
وَأجِيب بِأَن فِيهِ من الأخطار مَا لَيْسَ فِي غَيره إِذْ هُوَ مَبْنِيّ على المخاوف
(وَإِن دخلُوا) أَي الْكفَّار (بَلْدَة لنا) أَو صَار بَينهم وَبَينهَا دون مَسَافَة الْقصر كَانَ خطبا عَظِيما فَيلْزم أَهلهَا الدّفع لَهُم بالممكن من أَي شَيْء أطاقوه وَيكون الْجِهَاد حِينَئِذٍ قد (تعين على أَهلهَا) ثمَّ فِي ذَلِك تَفْصِيل فَإِن أمكن تأهب لِلْقِتَالِ بِأَن لم يهجموا بَغْتَة وَجب الْمُمكن فِي دفعهم على كل مِنْهُم حَتَّى على من لَا يلْزمه الْجِهَاد من فَقير وَولد ومدين وَعبد وَامْرَأَة فِيهَا قُوَّة بِلَا إِذن مِمَّن مر وَيغْتَفر ذَلِك لمثل هَذَا الْخطر الْعَظِيم الَّذِي لَا سَبِيل لإهماله وَإِن لم يُمكن تأهب لهجومهم بَغْتَة فَمن قَصده عَدو دفع عَن نَفسه بالممكن وجوبا إِن علم أَنه إِن أَخذ قتل وَإِن كَانَ مُمكن لاجهاد عَلَيْهِ لِامْتِنَاع الاستسلام لكَافِر وَإِن جوز الْأسر وَالْقَتْل فَلهُ أَن يدْفع وَأَن يستسلم إِن ظن أَنه إِن امْتنع مِنْهُ قتل لِأَن ترك الاستسلام حِينَئِذٍ تَعْجِيل للْقَتْل وَيلْزم الْمَرْأَة الدّفع إِن علمت وُقُوع فَاحِشَة بهَا حَالا بِمَا أمكنها وَإِن أفْضى إِلَى قَتلهَا إِذْ لَا يُبَاح بخوف الْقَتْل أما لَو لم تعلمه حَالا فَيجوز لَهَا الاستسلام ثمَّ إِن أُرِيد مِنْهَا الْفَاحِشَة وَجب عَلَيْهَا الِامْتِنَاع وَالدَّفْع وَإِن أدّى إِلَى قَتلهَا
(و) كأهلها (من) هُوَ (دون مَسَافَة قصر مِنْهَا) وَإِن لم يكن من أهل الْجِهَاد فَيجب عَلَيْهِ الْمَجِيء إِلَيْهِم وَإِن كَانَ فيهم كِفَايَة على الْأَصَح مساعدة لَهُم لِأَنَّهُ فِي حكمهم وَكَذَا يلْزم على من فَوق تِلْكَ الْمسَافَة الْمُوَافقَة لأهل ذَلِك الْمحل فِي الدّفع بِقدر الْكِفَايَة إِن لم يكف أَهله وَمن يليهم دفعا عَنْهُم وانقاذا لَهُم وَذَلِكَ حَيْثُ وجدوا زادا وسلاحا ومركوبا وَإِن أطاقوا الْمَشْي
(وَحرم) على من كَانَ من أهل فرض الْجِهَاد (انصراف عَن صف) بعد ملاقاة الْعَدو وَإِن غلب على ظَنّه قَتله لَو ثَبت أما إِن قطع بِهِ فَلَا يحرم الِانْصِرَاف (إِذا لم يزِيدُوا) أَي الْكفَّار (على مثلينا) إِلَّا متنقلا عَن مَحَله ليكمن فِي مَوضِع ويهجم أَو لأرفع مِنْهُ أَو أصون مِنْهُ عَن نَحْو ريح أَو شمس أَو عَطش أَو ذَاهِبًا إِلَى فِئَة وَإِن قلت وبعدت من الْمُسلمين ليستنصر بهَا على الْعَدو وَحِكْمَة مصابرة الضعْف أَن الْمُسلم يُقَاتل على إِحْدَى الحسنيين الشَّهَادَة أَو الْفَوْز بِالْغَنِيمَةِ مَعَ الْأجر وَالْكَافِر يُقَاتل على الْفَوْز بالدنيا فَقَط فَإِن زادوا على المثلين جَازَ الِانْصِرَاف مُطلقًا أَي سَوَاء كَانَ الْمُسلم فِي صف الْقِتَال أم لَا
نعم يحرم الِانْصِرَاف إِن قاومناهم وَإِن زداوا على مثلينا بِوَاحِد أَو اثْنَيْنِ أَو ثَلَاثَة لَا بِأَكْثَرَ مِنْهَا على الْمُعْتَمد وَيجوز انصراف مائَة ضعفاء منا عَن مائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين أبطالا من الْكفَّار
(ويرق ذَرَارِي كفار) وعبيدهم وَلَو مُسلمين بِأَن أَسْلمُوا وهم فِي أَيدي الْكفَّار (بأسر) أَي يصيرون بِمُجَرَّد الْأسر أرقاء لنا وَيَكُونُونَ كَسَائِر أَمْوَال الْغَنِيمَة الْخمس لأَهله وَالْبَاقِي للغانمين وَالْمرَاد برق العبيد استمراره لَا تجدده وَدخل فِي الذَّرَارِي زَوْجَة الْمُسلم الَّتِي فِي دَار الْحَرْبِيّ وَزَوْجَة الذِّمِّيّ الحربية وَهِي الَّتِي لم تدخل تَحت قدرتنا حِين عقد الذِّمَّة لَهُ والعتيق الصَّغِير أَو الْمَجْنُون الذِّمِّيّ فيرقبون بالأسر كَمَا فِي زَوْجَة من أسلم
(ولإمام) أَو أَمِير الْجَيْش بِأَن لم يكن الإِمَام غازيا بِأَن أرسل جَيْشًا(1/364)
وَأمر عَلَيْهِم أَمِيرا (خِيَار فِي) أَسِير (كَامِل) ببلوغ وعقل وذكورة وحرية بِفعل الأحظ وجوبا لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين بِاجْتِهَادِهِ لَا بتشهيه (بَين) أَربع خِصَال من (قتل) بِضَرْب الْعُنُق لَا بتحريق وتغريق وتمثيل (وَمن) بتخلية سَبيله بِلَا مُقَابلَة (وَفِدَاء) بأسرى منا رجال أَو نسَاء أَو خناثى أَو من الذميين وَلَو وَاحِدًا فِي مُقَابلَة جمع أَو بِمَال من أَمْوَالهم أَو من أَمْوَالنَا الَّتِي فِي أَيْديهم
(واسترقاق) فتخمس رقابهم أَيْضا فَفِي الاسترقاق وَالْفِدَاء حَظّ الْمُسلمين وَفِي الْمَنّ وَالْقَتْل حَظّ الْإِسْلَام فَإِن خَفِي عَلَيْهِ الأحظ حَالا حَبسهم وجوبا حَتَّى يظْهر لَهُ الصَّوَاب بأمارات تعين لَهُ مَا فِيهِ الْمصلحَة وَلَو بالسؤال من الْغَيْر فيفعله
(وَإِسْلَام كَافِر) كَامِل أَو بذل الْجِزْيَة (بعد أسر) وَقبل اخْتِيَار الإِمَام فِيهِ منا وَلَا رقا وَلَا فدَاء (يعْصم دَمه) من الْقَتْل لَا مَاله وَزَوجته وَبَقِي الْخِيَار فِي بَاقِي الْخِصَال السَّابِقَة أَو بعد اخْتِيَار الإِمَام خصْلَة غير الْقَتْل تعيّنت وَمحل جَوَاز الْفِدَاء والمن مَعَ إِرَادَته الْإِقَامَة فِي دَار الْكفْر إِذا كَانَ لَهُ ثمَّ عشيرة يَأْمَن مَعهَا على نَفسه وَدينه وَإِلَّا فَلَا يجوز للْإِمَام فداؤه لحُرْمَة الْإِقَامَة بدار الْحَرْب على من لَيْسَ لَهُ مَا ذكر
(و) إِسْلَام مُكَلّف أَو بذل الْجِزْيَة (قبله) أَي قبل أسر وَوضع أَيْدِينَا عَلَيْهِ (يعْصم دَمًا) من الْقَتْل وَضرب الرّقّ (ومالا) بِدَارِنَا ودراهم من الْغنم وفرعا حرا صَغِيرا ومجنونا من السَّبي وَيحكم بِإِسْلَامِهِ تبعا لَهُ وَخرج ضِدّه فَلَا يعصمه إِسْلَام أَبِيه من السَّبي لَا زَوْجَة وَلَو حَامِلا مِنْهُ فَلَا يَعْصِمهَا إِسْلَام الرجل عَن الاسترقاق لاستقلالها فَإِن سبيت انْقَطع نِكَاحه حَالا وَلَو بعد الْوَطْء لزوَال ملكهَا عَن نَفسهَا فَملك الزَّوْج عَنْهَا أولى ولحرمة نِكَاح الْأمة الْكَافِرَة على الْمُسلم ابتداءا ودواما
(وَإِذا أرق) أَي كَافِر (وَعَلِيهِ دين) لغير حَرْبِيّ (لم يسْقط) إِذْ لم يُوجد مَا يَقْتَضِي إِسْقَاطه من أَدَاء أَو إِبْرَاء فَيَقْضِي من مَاله إِن غنم بعد إرقاقه وَقد زَالَ ملكه عَنهُ بِالرّقِّ كالموت تَقْدِيمًا للدّين على الْغَنِيمَة كَالْوَصِيَّةِ كَمَا يقْضِي دين الْمُرْتَد وَإِن حكم بِزَوَال ملكه بِالرّدَّةِ أما إِذا لم يكن لَهُ مَال فَيبقى فِي ذمَّته إِلَى عتقه فَيُطَالب بِهِ وَأما إِذا غنم قبل إرقاقه أَو مَعَه فَلَا يقْضِي مِنْهُ لِأَن الْغَانِمين ملكوه إِن قُلْنَا بِملك الْغَنِيمَة بالحيازة أَو تعلق حَقهم بِعَيْنِه فَكَانَ أقوى بِنَاء على القَوْل أَن الْغَنِيمَة إِنَّمَا تملك بِالْقِسْمَةِ وَهُوَ الرَّاجِح
وَاعْلَم أَنه كثر اخْتِلَاف النَّاس فِي السراري والأرقاء المجلوبين
وَحَاصِل الْأَصَح عندنَا أَن من لم يعلم كَونه من غنيمَة لم تخمس يحل شِرَاؤُهُ وَسَائِر التَّصَرُّفَات فِيهِ لاحْتِمَال أَن من أسره أَولا وَبَاعه حَرْبِيّ أَو ذمِّي فَإِنَّهُ لَا تخميس عَلَيْهِ وَهَذَا كثير لَا نَادِر فَإِن تحقق أَن آخذه مُسلم بِنَحْوِ سَرقَة أَو اختلاس لم يجز شِرَاؤُهُ إِلَّا على القَوْل الْمَرْجُوح إِنَّه لَا تخميس فالورع لمريد التَّسَرِّي أَن يَشْتَرِي جَارِيَة شِرَاء ثَانِيًا بِثمن ثَان غير الَّذِي اشْترى بِهِ أَولا بِثمن مثلهَا من وَكيل بَيت المَال لِأَن الْغَالِب عدم التخميس واليأس من معرفَة مَالِكهَا فَيكون ملكا لبيت المَال(1/365)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْقَضَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فصل الْخُصُومَة بَين خصمين فَأكْثر بِحكم الله تَعَالَى وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} 5 الْمَائِدَة الْآيَة 49 وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأَخْطَأَ فَلهُ أجر وَإِن أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ وَهَذَا فِي حَاكم عَالم مُجْتَهد أهل للْحكم إِن أصَاب فَلهُ أَجْرَانِ بِاجْتِهَادِهِ وإصابته وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر بِاجْتِهَادِهِ فِي طلب الْحق
أما من لَيْسَ بِأَهْل للْحكم فَلَا يحل لَهُ أَن يحكم وَإِن حكم فَلَا أجر لَهُ بل هُوَ آثم فَلَا ينفذ حكمه سَوَاء أوافق الْحق أم لَا هَذَا إِذا كَانَ عدم أَهْلِيَّته بِسَبَب عدم معرفَة الْأَحْكَام فَصَارَت أَحْكَامه كلهَا مَرْدُودَة لِأَن إِصَابَته اتفاقية لَيست صادرة عَن دَلِيل شَرْعِي أما إِذا كَانَ عدم الْأَهْلِيَّة بِسَبَب آخر وَكَانَ فِيهِ طرف من معرفَة الْأَحْكَام فَينفذ حكمه إِذا وَافق الْحق وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُضَاة ثَلَاثَة قاضيان فِي النَّار وقاض فِي الْجنَّة فَأَما الَّذِي فِي الْجنَّة فَرجل عرف الْحق وَقضى بِهِ واللذان فِي النَّار رجل عرف الْحق فجار فِي الحكم وَرجل قضى للنَّاس على جهل فَأطلق الحَدِيث بِأَن من قضى على جهل فَهُوَ فِي النَّار وَلم يفصل بَين مصادفته للحق وَعدمهَا وَالَّذِي يستفيده القَاضِي بِالْولَايَةِ إِظْهَار حكم الشَّرْع وإمضاؤه فِيمَا يرفع إِلَيْهِ بِخِلَاف الْمُفْتِي فَإِنَّهُ مظهر لَا ممض وَمن ثمَّ كَانَ الْقيام بِحقِّهِ أفضل من الافتاء لِأَن فِيهِ الْفتيا وَزِيَادَة تَنْفِيذ الحكم وَهُوَ أَيْضا أفضل من الْجِهَاد
(هُوَ) أَي تولي الْقَضَاء (فرض كِفَايَة) بل هُوَ أَعلَى فروض الكفايات
وَالْحَاصِل أَن تولي الْقَضَاء تطرأ عَلَيْهِ الْأَحْكَام غير الْإِبَاحَة فَيجب إِذا تعين عَلَيْهِ فِي وَطنه وَمَا حواليه إِلَى مَسَافَة الْعَدْوى دون مَا زَاد وَيجب قبُوله وَطَلَبه وَلَو ببذل مَال زَائِد على مَا يَكْفِيهِ يَوْمه وَلَيْلَته وَإِن حرم أَخذه مِنْهُ فالإعطاء جَائِز وَالْأَخْذ حرَام وَينْدب إِن لم يتَعَيَّن وَكَانَ أفضل من غَيره فَيسنّ لَهُ حِينَئِذٍ طلبه وقبوله وَيكرهُ إِن كَانَ مفضولا وَلم يمْتَنع الْأَفْضَل وَيحرم بعزل صَالح للْقَضَاء وَلَو مفضولا وَتبطل عَدَالَة الطَّالِب ببذل مَال لعزل ذَلِك القَاضِي فَلَا تصح تَوليته والمعزول بِهِ على قَضَائِهِ حَيْثُ لَا ضَرُورَة لِأَن الْعَزْل بالرشوة حرَام وتولية المرتشى للراشي حرَام
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اسْتعْمل عَاملا على الْمُسلمين وَهُوَ يعلم أَن غَيره أفضل مِنْهُ فقد خَان الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَدخل فِي ذَلِك كل من تولى أمرا من أُمُور الْمُسلمين وَإِن لم يكن ذَلِك شَرْعِيًّا كنصب مَشَايِخ الْأَسْوَاق والبلدان وَنَحْوهمَا أما تَوْلِيَة الإِمَام الْأَعْظَم لأحد الصَّالِحين للْقَضَاء فَفرض عين عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مشتغل بِمَا هُوَ أهم من الْقَضَاء فَوَجَبَ من يقوم بِهِ فَإِن امْتنع الصالحون لَهُ أثموا وأجبر الإِمَام أحدهم وَكَذَا يجب تَوْلِيَة صَالح على قَاضِي الإقليم فِيمَا عجز(1/366)
عَنهُ وَلَا يجوز إخلاء مَسَافَة الْعَدْوى عَن قَاض أَو خَليفَة لَهُ لِأَن الْإِحْضَار من فَوْقهَا مشق وإيقاع الْقَضَاء بَين المتخاصمين فرض عين على الإِمَام أَو نَائِبه وَلَا يحل لَهُ الدّفع إِذا أفْضى لتعطيل أَو طول نزاع
(وَشرط قَاض كَونه أَهلا للشهادات) بِأَن يكون مُسلما مُكَلّفا حرا ذكرا عدلا سميعا بَصيرًا ناطقا (كَافِيا) أَي ناهضا للْقِيَام بِأَمْر الْقَضَاء بِأَن يكون ذَا يقظة تَامَّة وَقُوَّة على تَنْفِيذ الْحق فَلَا يُولى مُغفل ومختل نظر بكبر أَو مرض وجبان ضَعِيف النَّفس (مُجْتَهدا) وَهُوَ الْعَارِف بِأَحْكَام الْكتاب وَالسّنة وبالقياس وبأنواعها كالعام وَالْخَاص والمجمل والمبين وَالنَّص وَالظَّاهِر والناسخ والمنسوخ وكالمتواتر والآحاد والمتصل وَغَيره وكالأولى والمساوي والأدون وبحال الروَاة ضعفا وَقُوَّة وبلسان الْعَرَب لُغَة ونحوا وصرفا وبلاغة وبأقوال الْعلمَاء اجتماعا واختلافا فَلَا يخالفهم فِي اجْتِهَاده
(فَإِن) لم يُوجد رجل متصف بذلك الشَّرْط ف (ولى) سُلْطَان أَو (ذُو شَوْكَة) بِأَن يكون فِي نَاحيَة انْقَطع غوث السُّلْطَان عَنْهَا وَلم يرجِعوا إِلَّا إِلَيْهِ مُسلما (غير أهل) للْقَضَاء كفاسق أَو جَائِر بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة (نفذ) أَي تِلْكَ التَّوْلِيَة وَنفذ قَضَاؤُهُ الْمُوَافق لمذهبه المعتد بِهِ وَإِن زَاد فسقه للضَّرُورَة لِئَلَّا تتعطل مصَالح النَّاس وَلَو ابتلى النَّاس بِولَايَة امْرَأَة أَو عبد أَو أعمى فِيمَا يضبطه نفذ قَضَاؤُهُ للضَّرُورَة لَا كَافِر وَألْحق ابْن عبد السَّلَام الصَّبِي بِالْمَرْأَةِ وَنَحْوهَا
(وَيجوز تحكيم اثْنَيْنِ) فَأكْثر (أَهلا لقَضَاء) وَاحِدًا أَو أَكثر فِي غير عُقُوبَة الله تَعَالَى وَلَو مَعَ وجود قَاض أهل إِذا كَانَ الْمُحكم مُجْتَهدا بِخِلَاف مَا إِذا لم يكن كَذَلِك أَو فِي قَود أَو فِي نِكَاح أما غير الْأَهْل فَلَا يجوز تحكيمه مَعَ وجود القَاضِي وَلَو قَاضِي ضَرُورَة إِلَّا إِذا كَانَ القَاضِي يَأْخُذ مَالا لَهُ وَقع فَيجوز التَّحْكِيم حِينَئِذٍ حَتَّى فِي عقد نِكَاح امْرَأَة لَا ولي لَهَا خَاص وَيجوز التَّحْكِيم فِي ثُبُوت هِلَال رَمَضَان وَينفذ على من رَضِي بِحكمِهِ فَيجب عَلَيْهِ الصَّوْم دون غَيره أما عُقُوبَة الله من حد أَو تَعْزِير فَلَا يجوز التَّحْكِيم فِيهَا إِذْ لَا طَالب لَهَا معِين وَكَذَا لَا يجوز التَّحْكِيم فِي حق الله المالي الَّذِي لَا طَالب لَهُ معِين وَذَلِكَ كَالزَّكَاةِ إِذا كَانَ المستحقون غير مَحْصُورين وَيشْتَرط علم الْمُحكم بِتِلْكَ الْمَسْأَلَة فَقَط وَلَا ينفذ حكمه إِلَّا بِرِضا الْخَصْمَيْنِ قبل الحكم إِن لم يكن أَحدهمَا قَاضِيا وَإِلَّا فَلَا يشْتَرط رضاهما وَلَا بُد من الرِّضَا لفظا فَلَا يَكْفِي السُّكُوت فَلَو حكما اثْنَيْنِ لم ينفذ حكم أَحدهمَا حَتَّى يجتمعا لِأَن التَّوْلِيَة للمحكم إِنَّمَا هِيَ من الْخَصْمَيْنِ ورضاهما مُعْتَبر فَالْحكم من أَحدهمَا دون الآخر حكم بِغَيْر رضَا الْخصم
(وينعزل القَاضِي) الَّذِي لم يتَعَيَّن بعدلي شَهَادَة فِي عَزله أَو استفاضة لَا بِإِخْبَار وَاحِد وَلَا بِمُجَرَّد كتاب وَإِن حفت قَرَائِن تبعد تزويره
(و) الْأَصَح أَنه يَنْعَزِل (نَائِبه) أَي القَاضِي بانعزاله بِمَوْت أَو غَيره لِأَنَّهُ فَرعه وَالرَّاجِح أَن نَائِبه لَا يَنْعَزِل إِلَّا إِذا بلغه الْعَزْل وَإِن لم يبلغ الأَصْل فينعزل حِينَئِذٍ النَّائِب لَا الأَصْل وَكَذَا لَو بلغ الْعَزْل الأَصْل دون النَّائِب فَإِنَّهُ يَنْعَزِل الأَصْل دون النَّائِب
(لَا) من اسْتَخْلَفَهُ القَاضِي بقول الإِمَام الْأَعْظَم اسْتخْلف عني فَلَا يَنْعَزِل بذلك لِأَنَّهُ لَيْسَ(1/367)
نَائِبه بل خَليفَة (عَن إِمَام) وَالْقَاضِي وَكيل فِي التَّوْلِيَة بِخِلَاف مَا لَو قَالَ لَهُ اسْتخْلف عَن نَفسك أَو أطلق لَهُ الِاسْتِخْلَاف فينعزل بذلك لِأَن الْغَرَض من الِاسْتِخْلَاف المعاونة لَهُ وَقد زَالَت ولَايَته فبطلت المعاونة وَالْمذهب لَا يَنْعَزِل القَاضِي إِلَّا (بِخَبَرِهِ) أَي ببلوغ خبر الْعَزْل إِلَيْهِ لعظم الضَّرَر بِنَقْض الْأَحْكَام وَفَسَاد التَّصَرُّفَات لَو انْعَزل فَلهُ الحكم قبل بُلُوغه ونائبه مثله وَلَو تصرف بعد الْعَزْل وَقبل بُلُوغ الْخَبَر بتزويج من لَا ولي لَهَا مثلا لم يلْزم الزَّوْج بَاطِنا وَلَا ظَاهرا انعزالها وَيجوز للْإِمَام عزل قَاض لم يتَعَيَّن بخلل ظهر مِنْهُ لَا يَقْتَضِي انعزاله ككثرة الشكاوى مِنْهُ أَو ظن أَنه ضَعِيف أَو زَالَت هيبته فِي الْقُلُوب وبأفضل مِنْهُ وَإِن لم يظْهر مِنْهُ خلل رِعَايَة للأصلح للْمُسلمين وبمصلحة كتسكين فتْنَة سَوَاء كَانَ هُنَاكَ مثله أَو دونه وَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك حرم عَزله وَلكنه ينفذ مَعَ إِثْم السُّلْطَان وَالْقَاضِي الثَّانِي بذلا لطاعة السُّلْطَان بِخِلَاف القَاضِي فَإِن لَهُ عزل نوابه بِلَا سَبَب بِنَاء على انعزالهم بِمَوْتِهِ أما إِذا تعين بِأَن لم يكن ثمَّ من يصلح للْقَضَاء غَيره فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزله وَلَو عَزله لم يَنْعَزِل هَذَا فِي الْأَمر الْعَام أما الْوَظَائِف الْخَاصَّة كإمامة وأذان وتصوف وتدريس وَطلب وَنظر وَنَحْوهَا فَلَا تنعزل أَرْبَابهَا بِالْعَزْلِ من غير سَبَب ثمَّ الْعبْرَة فِي السَّبَب الَّذِي يَقْتَضِي الْعَزْل بعقيدة الْحَاكِم وَمحل ذَلِك حَيْثُ لم يكن فِي شَرط الْوَاقِف مَا يَقْتَضِي خلاف ذَلِك بِأَن كَانَ فِيهِ أَن للنَّاظِر الْعَزْل بِلَا جنحة وَلَو كَانَ للْقَاضِي نظر وقف بِشَرْط الْوَاقِف فَأَقَامَ شخصا عَلَيْهِ انْعَزل بانعزاله لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة نَائِبه
(و) يَنْعَزِل القَاضِي وَمثله نَائِبه بِأحد أُمُور (عزل نَفسه) فَلهُ ذَلِك كَالْوَكِيلِ وَإِن لم يعلم موليه إِلَّا إِذا تعين للْقَضَاء بِأَن لم يكن ثمَّ من يصلح غَيره فَلَا ينفذ عَزله حِينَئِذٍ وللمستخلف عزل خَلِيفَته وَلَو بِلَا مُوجب وَلَو لوَلِيّ آخر وَلم يتَعَرَّض للْأولِ وَلَا ظن نَحْو مَوته لم يَنْعَزِل على الْمُعْتَمد نعم إِن اطردت الْعَادة بِأَن مثل ذَلِك الْمحل لَيْسَ فِيهِ إِلَّا قَاض وَاحِد تعين الانعزال (وجنون) وإغماء وَلَو لَحْظَة وغفلة ونسيان يحل بالضبط وعمى وصمم وَمرض لَا يُرْجَى زَوَاله وَقد عجز مَعَه عَن الحكم
(وَفسق) وَزِيَادَة فسق من لم يعلم موليه بِفِسْقِهِ الْأَصْلِيّ أَو الزَّائِد حَال تَوليته وَلَو زَالَت هَذِه الْأَحْوَال لم تعد ولَايَته إِلَّا بتولية جَدِيدَة
وَالْقَاعِدَة أَن كل من لَهُ الْولَايَة إِذا انْعَزل لم تعد ولَايَته إِلَّا بتوليته ثَانِيًا إِلَّا أَرْبَعَة الْأَب وَالْجد والناظر بِشَرْط الْوَاقِف وَمن لَهُ الْحَضَانَة وَنقل عَن بَعضهم أَن الْأَعْمَى إِذا عَاد بَصيرًا عَادَتْ ولَايَته
(لَا) يَنْعَزِل (قَاض) غير قَاضِي ضَرُورَة وَلَا قَاضِي ضَرُورَة إِذا لم يُوجد مُجْتَهد صَالح وَلَا من ولَايَته عَامَّة كناظر بَيت المَال والجيش والحسبة والأوقاف (بِمَوْت إِمَام) أعظم وَلَا بانعزاله لعظم الضَّرَر بتعطيل الْحَوَادِث وَمن ثمَّ لَو ولاه للْحكم بَينه وَبَين خَصمه انْعَزل بفراغه مِنْهُ وَلِأَن الإِمَام إِنَّمَا يُولى الْقَضَاء نِيَابَة عَن الْمُسلمين بِخِلَاف تَوْلِيَة القَاضِي لنوابه فَإِنَّهُ عَن نَفسه وَدخل فِي قَاضِي ضَرُورَة الصَّبِي وَالْمَرْأَة وَالْعَبْد وَالْأَعْمَى فَلَا يَنْعَزِل وَاحِد مِنْهُم بِمَوْت السُّلْطَان إِن لم يُوجد ثمَّ مُجْتَهد صَالح أما مَعَ وجوده فَإِن رجى تَوليته انْعَزل وَإِلَّا فَلَا إِذْ لَا فَائِدَة فِي انعزاله
(وَلَا يقبل قَول متول) للْقَضَاء (فِي غير مَحل ولَايَته) وَلَو على(1/368)
أهل مَحل ولَايَته (حكمت بِكَذَا) إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ لَا يملك الحكم حِينَئِذٍ فَلَا يقبل إِقْرَاره بِهِ سَوَاء قَالَهَا على وَجه الْإِقْرَار أَو الْإِنْشَاء فَقَوله فِي غير مُتَعَلق بقول وَقَوله حكمت مقول القَوْل وَالْمرَاد بِمحل ولَايَته نفس بلد قَضَائِهِ المحوط بالسور وَالْبناء الْمُتَّصِل بهَا (ك) مَا لَا يقبل ذَلِك القَوْل من (مَعْزُول) وَإِن كَانَ انعزاله بالعمى وَمن مُحكم بعد مُفَارقَة مجْلِس حكمه لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لم يقدرا على إنْشَاء الحكم أما لَو أضَاف الْمَعْزُول القَوْل لما قبل الْعَزْل كَقَوْلِه كنت حكمت بِكَذَا فَإِنَّهُ يقبل
(وليسو) أَي القَاضِي وجوبا (بَين الْخَصْمَيْنِ) وَإِن وكلاء فِي سَبْعَة أَشْيَاء
الأول فِي الْمجْلس بِأَن يجلسهما بَين يَدَيْهِ أَو أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن يسَاره وَالْجُلُوس بَين يَدَيْهِ أولى وَكَون الْجُلُوس على الركب أولى وَلَا يرْتَفع الْمُوكل على الْوَكِيل والخصم لَكِن يجب رفع مُسلم على كَافِر فِي مجْلِس
وَالثَّانِي فِي اسْتِمَاع كَلَامهمَا لِئَلَّا ينكسر قلب أَحدهمَا
وَالثَّالِث فِي نظر لَهما
وَالرَّابِع فِي دخولهما عَلَيْهِ فَلَا يَأْذَن لأَحَدهمَا دون الآخر
وَالْخَامِس فِي الْقيام لَهما فَلَا يخص أَحدهمَا بِقِيَام إِن علم أَنه فِي خُصُومَة فَإِن لم يعلم إِلَّا بعد قِيَامه لَهُ فإمَّا أَن يعْتَذر لخصمه من ترك الْقيام لَهُ كَأَن يَقُول إِنِّي مَا علمت أَنه جَاءَ فِي خُصُومَة أَو يَقُول قصدت الْقيام لَكمَا وَإِمَّا أَن يقوم لَهُ كقيامه للْأولِ وَهُوَ أولى فَلَو كَانَ أَحدهمَا يسْتَحق الْقيام دون الآخر ترك الْقيام مُحَافظَة على التَّسْوِيَة
وَالسَّادِس فِي جَوَاب سَلام مِنْهُمَا إِن سلما مَعًا فَإِن سلم عَلَيْهِ أَحدهمَا انْتظر الآخر حَتَّى يسلم فيجيبهما مَعًا وَإِذا علم عدم السَّلَام من الآخر بالمرة وَجب على القَاضِي أَن يَقُول لَهُ سلم لأجيبكما
وَالسَّابِع فِي طلاقة وَجه وَسَائِر أَنْوَاع الْإِكْرَام فَلَا يخص أَحدهمَا بِشَيْء مِنْهَا وَإِن اخْتلف بفضيلة أَو قرَابَة
(وَحرم قبُوله) أَي القَاضِي (هَدِيَّة من لَا عَادَة لَهُ) بِتِلْكَ الْهَدِيَّة (قبل ولَايَة) للْقَضَاء أَو لَهُ عَادَة بهَا وَزَاد عَلَيْهَا قدرا أَو صفة (إِن كَانَ) أَي قبُول الْهَدِيَّة (فِي مَحَله) أَي مَحل ولَايَته
(و) حرم قبُوله أَيْضا وَلَو فِي غير محلهَا هَدِيَّة (من لَهُ خُصُومَة) عِنْده وَإِن اعتادها قبل ولَايَته لِأَنَّهَا فِي الْأَخِيرَة توجب الْميل إِلَيْهِ وَفِي غَيرهَا سَببهَا الْولَايَة وَحَيْثُ حرمت الْهَدِيَّة لم يملكهَا (وَإِلَّا) بِأَن كَانَ الْقبُول فِي غير مَحل ولَايَته أَو لم يزدْ الْمهْدي على عَادَته وَلَا خُصُومَة فيهمَا (جَازَ) أَي قبُول هديته
وَالْحَاصِل أَنه إِن كَانَ للمهدي خُصُومَة فِي الْحَال أَو غلب على الظَّن وُقُوعهَا عَن قرب امْتنع قبُول الْهَدِيَّة مُطلقًا سَوَاء كَانَ الْمهْدي من أهل عمله أم لَا وَسَوَاء أَكَانَ لَهُ عَادَة بالهدية أم لَا وَسَوَاء أهْدى لَهُ فِي مَحل ولَايَته أم لَا وَإِن لم يكن لَهُ خُصُومَة وَلَا عَادَة بالهدية امْتنع قبُولهَا أَيْضا سَوَاء أَكَانَ من أهل عمله أم لَا وَإِن كَانَ لَهُ عَادَة بهَا وَزَاد عَلَيْهَا قدرا أَو جِنْسا أَو صفة بعد المنصب أَي وَكَانَ ذَلِك فِي مَحل ولَايَته فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ فَالْمُعْتَمَد إِن تميزت الزِّيَادَة جِنْسا أَو قدرا حرمت الزِّيَادَة وَحدهَا وَإِلَّا حرم الْجَمِيع وَإِن كَانَ لَهُ بهَا عَادَة وَلم يزدْ إِلَّا جِنْسا وَلَا قدرا وَلَا صفة جَازَ(1/369)
قبُولهَا وَلَا فرق فِي هَذَا التَّفْصِيل بَين الْأَجَانِب وأبعاض القَاضِي على الْمُعْتَمد وَالْأولَى لمن جَازَ لَهُ قبُول الْهَدِيَّة أَن يثيب عَلَيْهَا إِذا قبلهَا أَو يردهَا لمَالِكهَا أَو يَضَعهَا فِي بَيت المَال وَأولى من ذَلِك سد بَاب الْقبُول مُطلقًا حسما للباب والضيافة وَالصَّدَََقَة فرضا أَو نفلا كالهدية وَيجوز لمن حضر ضِيَافَة القَاضِي الْأكل مِنْهَا إِذا قَامَت قرينَة على رضَا الْمَالِك بِأَكْل الْحَاضِرين من ضيافته وَإِلَّا فَلَا يجوز لِأَنَّهُ إِنَّمَا أحضرها للْقَاضِي وَيَأْتِي مثل هَذَا التَّفْصِيل فِي سَائِر الْعمَّال وَمن ذَلِك مَا جرت الْعَادة بِهِ من إِحْضَار طَعَام لشاد الْبَلَد أَو نَحوه من الْمُلْتَزم أَو الْكَاتِب وَالْعَارِية إِن كَانَت مِمَّا يُقَابل بِأُجْرَة كسكنى دَار وركوب دَابَّة فَحكمهَا كالهدية وَإِلَّا فَلَا وَقبُول الرِّشْوَة حرَام وَهِي مَا يبْذل للْقَاضِي ليحكم بِغَيْر الْحق أَو ليمتنع من الحكم بِالْحَقِّ وإعطاؤها كَذَلِك لِأَنَّهُ إِعَانَة على مَعْصِيّة أما لَو رشي ليحكم بِالْحَقِّ جَازَ الدّفع وَإِن كَانَ يحرم على القَاضِي الْأَخْذ على الحكم مُطلقًا أَي سَوَاء أعطي من بَيت المَال أم لَا وَيجوز للْقَاضِي أَخذ الْأُجْرَة على الحكم لِأَنَّهُ شغله عَن الْقيام بِحقِّهِ
تَتِمَّة ينْدب قبُول الْهَدِيَّة لغير الْحَاكِم حَيْثُ لَا شُبْهَة قَوِيَّة فِيهَا وَحَيْثُ يظنّ المهدى إِلَيْهِ أَن الْمهْدي أهداه حَيَاء أَو فِي مُقَابل وَإِلَّا لم يجز الْقبُول مُطلقًا فِي الأول وَكَذَا فِي الثَّانِي إِن لم يثبه بِقدر مَا فِي ظَنّه بالقرائن وَيَنْبَغِي للمهدى إِلَيْهِ التَّصَرُّف فِي الْهَدِيَّة عقب وصولها بِمَا أهديت لأَجله إِظْهَارًا لكَون الْهَدِيَّة فِي مَحل الْقبُول وَأَنَّهَا وَقعت الْموقع ووصلت وَقت الْحَاجة إِلَيْهَا وَإِشَارَة إِلَى تواصل الْمحبَّة بَينه وَبَين المهدى إِلَيْهِ حَتَّى أَن مَا أهداه إِلَيْهِ لَهُ مزية على غَيره مِمَّا هُوَ عِنْده وَإِن كَانَ أَعلَى وأغلى وَلَا يشْتَرط فِي ذَلِك صِيغَة بل يَكْفِي الْبَعْث وَالْأَخْذ
(و) إِذا حكم قَاض بِاجْتِهَاد أَو تَقْلِيد ثمَّ بَان حكمه بِمن لَا تقبل شَهَادَته كعبدين بَان أَن لَا حكم فَحِينَئِذٍ (نقض) أَي القَاضِي وَغَيره من الْحُكَّام وجوبا (حكما) تَيَقّن الْخَطَأ فِيهِ أَي أظهر بُطْلَانه بِنَحْوِ قَوْله نقضته أَو أبطلته أَو فسخته كَمَا إِذا بَان الحكم (بِخِلَاف نَص) من كتاب أَو سنة أَو نَص مقلده (أَو إِجْمَاع) وَمثل مُخَالفَة الْإِجْمَاع مَا خَالف شَرط الْوَاقِف أَو خَالف الْمذَاهب الْأَرْبَعَة أَو خَالف الْقَوَاعِد الْكُلية أَو خَالف الْقيَاس الْجَلِيّ وَهُوَ مَا يعم الأولى والمساوي (أَو) بَان الحكم (بمرجوح) لما نقل الْقَرَافِيّ وَابْن الصّلاح الْإِجْمَاع على أَنه لَا يجوز الحكم بِخِلَاف الرَّاجِح فِي الْمذَاهب وَالْمرَاد بِعَدَمِ الْجَوَاز عدم الِاعْتِدَاد بذلك الحكم فَيجب نقضه لَكِن قَالَ ابْن الصّلاح وَمن تبعه وَينفذ حكم من لَهُ أَهْلِيَّة التَّرْجِيح إِذا رجح قولا وَلَو مرجوحا فِي مذْهبه بِدَلِيل جيد وَلَيْسَ لَهُ أَن يحكم بشاذ أَو غَرِيب فِي مذْهبه إِلَّا أَن ترجح عِنْده وَمِمَّا ينْقض فِيهِ الحكم لمُخَالفَته مَا مر مَا لَو حكم قَاض بِصِحَّة نِكَاح زَوْجَة الْمَفْقُود بعد أَربع سِنِين وَمُدَّة الْعدة أَو بِنَفْي خِيَار الْمجْلس وَنفي بيع الْعَرَايَا وَمنع الْقصاص فِي المثقل وَصِحَّة بيع أم الْوَلَد وَصِحَّة نِكَاح الشّغَار وَنِكَاح الْمُتْعَة وَحُرْمَة الرَّضَاع بعد حَوْلَيْنِ وَقتل مُسلم بذمي وتوريث بَين مُسلم وَكَافِر أَو باستحسان فَاسد استنادا لعادة النَّاس من غير دَلِيل أَو على خلاف الدَّلِيل
(وَلَا يقْضِي) أَي لَا يجوز للْقَاضِي الْقَضَاء (بِخِلَاف علمه) أَي ظَنّه الْمُؤَكّد وَإِن قَامَت بِهِ بَيِّنَة وَإِلَّا لَكَانَ قَاطعا بِبُطْلَان حكمه(1/370)
وَالْحكم بِالْبَاطِلِ محرم وَذَلِكَ كَمَا إِذا شهد رجلَانِ عِنْده برق من يعلم حُرِّيَّته أَو بِنِكَاح من يعلم بينونتها أَو بِملك من يعلم عدم ملكه وَلَا يجوز لَهُ الْقَضَاء فِي هَذِه الصُّورَة بِعِلْمِهِ لمعارضة الْبَيِّنَة لَهُ مَعَ عدالتها ظَاهرا بل يتَوَقَّف عَن الحكم حَتَّى يظْهر فسق الْبَيِّنَة فَيحكم بِعِلْمِهِ أَو نَحْو ذَلِك كرفع الدَّعْوَى إِلَى حَاكم آخر غَيره وَكَأن علم أَن الْمُدَّعِي أَبْرَأ الْمُدعى عَلَيْهِ مِمَّا ادَّعَاهُ وَأقَام بِهِ بَيِّنَة أَو أَن الْمُدعى عَلَيْهِ قَتله وَقَامَت بَيِّنَة بِأَنَّهُ حَيّ فَلَا يقْضى بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا ذكر كَمَا قَالَه الْمحلي
(وَيَقْضِي) أَي القَاضِي وَلَو قَاضِي ضَرُورَة (بِعِلْمِهِ) إِن شَاءَ كَأَن رأى الْمُدعى عَلَيْهِ اقْترض من الْمُدَّعِي مَا ادّعى بِهِ أَو سَمعه بِقُرْبِهِ وَأنكر هُوَ ذَلِك فَيَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ مُصَرحًا بِأَنَّهُ يعلم ذَلِك كَأَن يَقُول علمت أَن لَهُ عَلَيْك مَا ادَّعَاهُ وقضيت أَو حكمت عَلَيْك بعلمي فَإِن ترك أحد اللَّفْظَيْنِ لم ينفذ حكمه وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل والتقويم قطعا وَكَذَا على من أقرّ بمجلسه أَي وَاسْتمرّ على إِقْرَاره لكنه قَضَاء بِالْإِقْرَارِ دون الْعلم فَإِن أنكر كَانَ قَضَاء بِالْعلمِ وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْقصاص وحد الْقَذْف كَالْمَالِ لِأَنَّهَا حُدُود الْآدَمِيّين بِخِلَاف حُدُود الله تَعَالَى كَحَد زنا ومحاربة أَو سَرقَة أَو شرب وَكَذَا تعازيره فَلَا يقْضِي بِعِلْمِهِ لندب السّتْر فِي أَسبَابهَا ولسقوطها بِالشُّبْهَةِ نعم من ظهر لَهُ مِنْهُ فِي مجْلِس حكمه مَا يُوجب تعزيرا عزره وَإِن كَانَ قَضَاء بِالْعلمِ وَقد يحكم بِعِلْمِهِ فِي حُدُود الله تَعَالَى كَمَا إِذا علم من مُكَلّف أَنه أسلم ثمَّ أظهر الرِّدَّة فَيقْضى عَلَيْهِ بِمُوجب ذَلِك وكما إِذا اعْترف فِي مجْلِس الحكم بِمُوجب حد وَلم يرجع عَنهُ فَيقْضى فِيهِ بِعِلْمِهِ وَإِن كَانَ إِقْرَاره سرا وكما إِذا ظهر بِمُوجب الْحَد مِنْهُ فِي مجْلِس الحكم على رُؤُوس الأشهاد كردة وَشرب خمر
(وَلَا) يقْضِي القَاضِي مُطلقًا لنَفسِهِ و (لبَعض) من أَصله وفرعه ورقيق كل مِنْهُم وَلَو مكَاتبا وَشريك كل فِي الْمُشْتَرك للتُّهمَةِ فِي ذَلِك وَيَقْضِي لكل مِنْهُم إِذا وَقع لَهُ خُصُومَة إِمَام أَو قَاض آخر مُسْتَقل أَو نَائِب عَن القَاضِي دفعا للتُّهمَةِ
(وَلَو رأى) أَي القَاضِي أَو الشَّاهِد (ورقة فِيهَا حكمه) أَو شَهَادَته على شخص بِشَيْء أَو شهد على القَاضِي شَاهِدَانِ أَنَّك حكمت بِكَذَا أَو أخبرا الشَّاهِد أَنَّك شهِدت بِهَذَا (لم يعْمل بِهِ) أَي القَاضِي بذلك الحكم وَلم يشْهد بِتِلْكَ الشَّهَادَة الشَّاهِد أَي لَا يجوز لكل مِنْهُمَا الْعَمَل بذلك فِي إِمْضَاء حكم وَلَا أَدَاء شَهَادَة (حَتَّى يتَذَكَّر) أَي الْمَذْكُور الْوَاقِعَة بتفصيلها وَلَا يَكْفِي تذكره أَن هَذَا خطه فَقَط لِإِمْكَان التزوير ومشابهة الْخط وَالْمَطْلُوب علم الْحَاكِم وَالشَّاهِد وَلم يُوجد
(وَله) أَي الشَّخْص (حلف على اسْتِحْقَاق) للحق لَهُ على غَيره أَو أَدَائِهِ لغيره (اعْتِمَادًا على خطّ) نَفسه وَإِن لم يتَذَكَّر وعَلى إِخْبَار عدل وعَلى خطّ مكَاتبه الَّذِي مَاتَ مكَاتبا أَن لَهُ على فلَان كَذَا أَو أَنه أدّى مَا عَلَيْهِ وعَلى خطّ مأذونه ووكيله وشريكه و (مُوَرِثه إِن وثق) بِخَط كل مِنْهُم بِحَيْثُ انْتَفَى عَنهُ احْتِمَال تزويره و (بأمانته) بِأَن علم مِنْهُ عدم التساهل فِي شَيْء من حُقُوق النَّاس اعتضادا بِالْقَرِينَةِ وَضَابِط ذَلِك أَنه لَو وجد مثله بِأَن لزيد عَليّ كَذَا سمحت نَفسه بِدَفْعِهِ(1/371)
وَلم يحلف على نَفْيه وَفَارَقت هَذِه الْيَمين الْقَضَاء وَالشَّهَادَة بِأَن خطرهما عَام بخلافهما لتعلقهما بِنَفسِهِ
(وَالْقَضَاء على غَائِب) عَن الْبَلَد أَو الْمجْلس لتوار أَو تعزز (جَائِز) فِي كل شَيْء غير عُقُوبَة لله تَعَالَى (إِن كَانَ لمدع حجَّة وَلم يقل هُوَ) أَي الْغَائِب (مقرّ) بِالْحَقِّ بِأَن قَالَ هُوَ جَاحد لَهُ أَو أطلق لِأَنَّهُ قد يعلم جحوده فِي غيبته وَيحْتَاج إِلَى إِثْبَات الْحق فتجعل غيبته كسكوته ثمَّ تِلْكَ الْحجَّة إِمَّا علم القَاضِي وَإِمَّا بَيِّنَة وَلَو شَاهدا ويمينا فِيمَا يقْضى فِيهِ بهما وَلَا بُد من يَمِين ثَانِيَة للاستظهار وَنفي المسقطات بعد الْيَمين المكملة للحجة هَذَا فِي الْغَائِب وَكَذَا فِي الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَالْمَيِّت أما لَو قَالَ هُوَ مقرّ وَإِنَّمَا أقيم الْبَيِّنَة استظهارا مَخَافَة أَن يُنكر لم تسمع بَينته ولغت دَعْوَاهُ وَكَذَا لَو قَالَ هُوَ مقرّ لكنه مُمْتَنع فَلَا تسمع عِنْد الرَّمْلِيّ خلافًا لِابْنِ حجر إِذْ لَا فَائِدَة فِي الْبَيِّنَة مَعَ الْإِقْرَار وَيسْتَثْنى مَا إِذا كَانَ للْغَائِب عين حَاضِرَة فِي عمل الْحَاكِم الَّذِي وَقعت عِنْده الدَّعْوَى وَإِن لم تكن بِبَلَدِهِ وَأَرَادَ إِقَامَة الْبَيِّنَة على دينه ليوفيه فَتسمع الْبَيِّنَة وَإِن قَالَ هُوَ مقرّ وَيسْتَحب للْقَاضِي نصب مسخر يُنكر عَن الْغَائِب وَمن ألحق بِهِ لتَكون الْحجَّة على إِنْكَار مُنكر وَيَنْبَغِي لَهُ أَن يوري فِي إِنْكَاره على الْغَائِب وَمن فِي مَعْنَاهُ
(وَوَجَب تَحْلِيفه) أَي الْمُدَّعِي يَمِين الِاسْتِظْهَار فِيمَا إِذا لم يكن للْغَائِب وَكيل حَاضر سَوَاء أَكَانَت الدَّعْوَى بدين أم عين أم بِصِحَّة عقد أم إِبْرَاء كَأَن أحَال الْغَائِب على مَدين لَهُ حَاضر فَادّعى إبراءه لاحْتِمَال دَعْوَى أَنه مكره عَلَيْهِ (بعد) إِقَامَة (بَيِّنَة) وتعديلها (أَن الْحق) فِي الصُّورَة الأولى ثَبت (فِي ذمَّته) إِلَى الْآن احْتِيَاطًا للْغَائِب لِأَنَّهُ لَو كَانَ حَاضرا لربما ادّعى أَدَاء أَو إِبْرَاء وَلَا بُد أَن يَقُول مَعَ ذَلِك وَأَنه يلْزمه تَسْلِيمه إِلَيّ لِأَن الْحق قد يكون عَلَيْهِ وَلَا يلْزمه أَدَاؤُهُ لتأجيل أَو نَحوه وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الدَّعْوَى بِعَين بل يحلف فِيهَا على مَا يَلِيق بهَا كَأَن يَقُول وَالْعين بَاقِيَة تَحت يَده يلْزمه تَسْلِيمهَا إِلَيّ وَكَذَا نَحْو الْإِبْرَاء وَلَا بُد أَن يتَعَرَّض مَعَ الثُّبُوت وَلُزُوم التَّسْلِيم إِلَى أَنه لَا يعلم أَن فِي شُهُوده قادحا فِي الشَّهَادَة مُطلقًا أَو بِالنِّسْبَةِ للْغَائِب كفسق وعداوة وتهمة لِأَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَو كَانَ حَاضرا وَطلب تَحْلِيف الْمُدَّعِي على ذَلِك أُجِيب وَلَا يبطل الْحق بِتَأْخِير هَذَا الْيَمين عَن الْيَوْم الَّذِي وَقعت فِيهِ الدَّعْوَى وَلَا ترتد بِالرَّدِّ بِأَن يردهَا على الْغَائِب وَيُوقف الْأَمر إِلَى حُضُوره أَو يطْلب الإنهاء إِلَى حَاكم بَلَده ليحلفه وَذَلِكَ لِأَن هَذِه الْيَمين لَيست مكملة للحجة وَإِنَّمَا هِيَ شَرط للْحكم وَلَو ثَبت الْحق وَحلف ثمَّ نقل إِلَى حَاكم آخر ليحكم بِهِ لم تجب إِعَادَتهَا أما إِذا كَانَ للْغَائِب وَكيل حَاضر فَإِنَّهُ يتَوَقَّف التَّحْلِيف على طلبه حَيْثُ وَقعت الدَّعْوَى على الْوَكِيل فَإِن وَقعت على الْمُوكل لم يتَوَقَّف على ذَلِك
(كَمَا لَو ادّعى) أَي شخص (على صبي) أَو مَجْنُون لَا ولي لَهُ أَو لَهُ ولي وَلم يطْلب فَإِنَّهُ يحلف احيتاطا لمن ذكر وَلَا تتَوَقَّف الْيَمين على طلبه
(وميت) لَيْسَ لَهُ وَارِث خَاص حَاضر فَإِن الْمُدَّعِي يحلف لما مر أما من لَهُ وَارِث كَذَلِك كَامِل فَلَا بُد فِي تَحْلِيف خَصمه بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة من طلبه(1/372)
لِأَن الْحق فِي هَذِه يتَعَلَّق بِالتَّرِكَةِ الَّتِي هِيَ للْوَارِث فَتَركه لطلب الْيَمين إِسْقَاط لحقه بِخِلَاف الْوَلِيّ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يتَصَرَّف عَن الصَّبِي بِالْمَصْلَحَةِ وَلَو ادّعى قيم لموليه شَيْئا وَأقَام بِهِ بَيِّنَة على قيم شخص آخر وَجب انْتِظَار كَمَال الْمُدعى لَهُ ليحلف ثمَّ يحكم لَهُ
(وَإِذا) حكم الْحَاكِم على الْغَائِب أَو الْمَيِّت بِمَال وَقد (ثَبت مَال) عَلَيْهِمَا بالحكم (وَله مَال) حَاضر فِي مَحل عمله أَو دين ثَابت على حَاضر فِي ذَلِك (قَضَاهُ مِنْهُ) بعد طلب الْمُدَّعِي لِأَن الْحَاكِم يقوم مقامهما وَلَا يُطَالِبهُ بكفيل لِأَن الأَصْل بَقَاء المَال وَلَا يُعْطِيهِ بِمُجَرَّد الثُّبُوت لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحكم وَلَو بَاعَ قَاض مَال غَائِب فِي دينه فَقدم وأبطل الدّين بِإِثْبَات نَحْو فسق الشَّاهِد بِهِ بَطل البيع
(وَإِلَّا) بِأَن لم يكن لَهُ مَال فِي مَحل ولَايَته أَو لم يحكم (فَإِن سَأَلَ الْمُدَّعِي إنهاء الْحَال) فِي ذَلِك (إِلَى قَاضِي بلد الْغَائِب) أَو إِلَى كل من يصل إِلَيْهِ الْكتاب من الْقُضَاة (أَجَابَهُ) وجوبا وَإِن كَانَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ قَاضِي ضَرُورَة مسارعة لبراءة ذمَّة غَرِيمه ولوصوله إِلَى حَقه (فينهي إِلَيْهِ) أَي ذَلِك القَاضِي (سَماع بَيِّنَة) ثَبت بهَا الْحق ثمَّ إِن عدلها لم يحْتَج الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِلَى تعديلها وَإِلَّا احْتَاجَ إِلَيْهِ (ليحكم بهَا) أَي الْبَيِّنَة (ثمَّ يَسْتَوْفِي الْحق أَو) يُنْهِي إِلَيْهِ (حكما) إِن حكم (ليستوفي) المَال لدعاء الْحَاجة إِلَى ذَلِك وَيكْتب فِي إنهاء الحكم قَامَت عِنْدِي حجَّة على فلَان لفُلَان بِكَذَا وحكمت لَهُ بِهِ فاستوف حَقه وَقد يُنْهِي علم نَفسه
(والإنهاء أَن يشْهد) أَي القَاضِي الْكَاتِب (عَدْلَيْنِ بذلك) أَي بِمَا جرى عِنْده من ثُبُوت أَو حكم يؤديانه عِنْد القَاضِي الآخر وَيعْتَبر فِيهِ رجلَانِ فَلَا يَكْفِي غَيرهمَا وَلَو فِي مَال أَو هِلَال رَمَضَان وَالْمرَاد بهَا شَاهِدَانِ غير شَاهِدي الْحق أما هما فَلَا يذهبان إِلَى القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وَإِنَّمَا اللَّذَان يذهبان شَاهدا الحكم وَيسن مَعَ الْإِشْهَاد أَن يذكر فِي الْكتاب مَا يُمَيّز الْخَصْمَيْنِ الْغَائِب وَذَا الْحق وَيسن خَتمه بعد قِرَاءَته على الشَّاهِدين بِحَضْرَتِهِ وَختم الْكتاب من حَيْثُ هُوَ سنة متبعة وَالْمرَاد بختمه جعل نَحْو شمع عَلَيْهِ بعد طيه ليصونه وَيخْتم عَلَيْهِ بِخَاتمِهِ وَيَقُول أشهدكما أَنِّي كتبت إِلَى فلَان بِمَا سمعتماه ويضعان خطهما فِيهِ وَلَا يَكْفِي أَن يَقُول أشهدكما أَن هَذَا خطي وَأَن مَا فِيهِ حكمي وَيدْفَع للشاهدين نُسْخَة أُخْرَى بِلَا ختم ليطالعاها ويتذكرا عِنْد الْحَاجة ويشهدان عِنْد القَاضِي الآخر على القَاضِي الْكَاتِب بِمَا جرى عِنْده من ثُبُوت أَو حكم إِن أنكر الْخصم الْمحْضر أَن المَال الْمَذْكُور فِيهِ عَلَيْهِ وَلَو خالفاه أَو انمحى أَو ضَاعَ فَالْعِبْرَة بقولهمَا
تَنْبِيه صُورَة الْكتاب حضر فلَان وَادّعى على فلَان الْغَائِب الْمُقِيم بِبَلَد كَذَا بدين وحكمت لَهُ بِحجَّة أوجبت الحكم وسألني أَن أكتب إِلَيْك بذلك فأجبته وأشهدت بالحكم شَاهِدين أَو شهد عِنْدِي بِالْحَقِّ شَاهِدَانِ وَيُسمى فِي إنهاء سَماع الْحجَّة من غير حكم شَاهِدي الْحق إِن لم يعدلهما وَإِلَّا فَلهُ ترك تسميتهما أما إنهاء الحكم فَلَا حَاجَة لذكر الْبَيِّنَة الَّتِي أوجبت الحكم لِأَنَّهُ لَا مساغ لشهادة بَيِّنَة الحكم بِهِ قبل تعديلها كَمَا لَا مساغ للْحكم قبل تَعْدِيل بَيِّنَة الْحق
وَالْحَاصِل أَن إنهاء الحكم أَو ثُبُوت الْحق من غير حكم لَا بُد فِيهِ من التَّعْدِيل بِخِلَاف إنهاء سَماع الْبَيِّنَة من غير حكم فَتَارَة يكون مَعَه تَعْدِيل وَتارَة لَا فَاحْتَاجَ الْأَمر حِينَئِذٍ إِلَى ذكر الشَّاهِدين(1/373)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الدَّعْوَى والبينات - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الدَّعْوَى جمعهَا دعاوى وألفها للتأنيث لِأَنَّهَا بِوَزْن فعلى وَهِي لُغَة الطّلب وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَلَهُم مَا يدعونَ} 36 يس الْآيَة 57 أَي يطْلبُونَ وَشرعا إِخْبَار عَن ثُبُوت حق للمخبر على غَيره عِنْد حَاكم أَو مُحكم أَو سيد أَو ذِي شَوْكَة وَالْبَيِّنَة الشُّهُود سموا بهَا لِأَن بهم يتَبَيَّن الْحق
(الْمُدَّعِي من خَالف قَوْله الظَّاهِر) وَهُوَ بَرَاءَة الذِّمَّة فِي دَعْوَى المَال
(وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من وَافقه) وَلذَلِك جعلت الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي لِأَنَّهَا أقوى من الْيَمين الَّتِي جعلت على الْمُنكر لينجبر ضعف جَانب الْمُدَّعِي بِقُوَّة حجَّته وَضعف حجَّة الْمُنكر بِقُوَّة جَانِبه وَقيل الْمُدَّعِي من لَو سكت خلى وَلم يُطَالب بِشَيْء وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من لَا يخلى وَلَا يَكْفِيهِ السُّكُوت فَإِذا طَالب زيد عمرا بِحَق فَأنْكر فزيد يُخَالف قَوْله الظَّاهِر من بَرَاءَة عَمْرو وَلَو سكت ترك وَعَمْرو يُوَافق قَوْله الظَّاهِر وَلَو سكت لم يتْرك فَهُوَ مدعى عَلَيْهِ وَزيد مُدع على الْقَوْلَيْنِ وَلَا يخْتَلف موجبهما غَالِبا
وَالَّذِي يتَعَلَّق بِالْخُصُومَةِ خَمْسَة أَشْيَاء اثْنَان مِنْهَا فِي جَانب الْمُدَّعِي وهما الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَالثَّلَاثَة الْبَاقِيَة فِي جَانب الْمُدعى عَلَيْهِ وَهِي الْيَمين والنكول وَجَوَاب الدَّعْوَى وَهُوَ الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار وَشرط كل مِنْهُمَا كَونه معينا مَعْصُوما مُكَلّفا أَو سَكرَان وَلَو مَحْجُورا عَلَيْهِ بِسَفَه فَيَقُول وَولي يسْتَحق تسلمه وتشترط الدَّعْوَى عِنْد حَاكم أَو من فِي مَعْنَاهُ فِي غير مَال سَوَاء كَانَ فِي عُقُوبَة لآدَمِيّ كقصاص وحد قذف أَو فِي غير عُقُوبَة كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالْبيع وَغَيرهَا من سَائِر الْعُقُود والفسوخ
وَلَا يجوز للْمُسْتَحقّ الِاسْتِقْلَال بذلك لعظم خطره
أما المَال فَفِيهِ تَفْصِيل وَهُوَ إِن اسْتحق شخص عينا عِنْد آخر بِملك أَو إِجَارَة أَو وقف أَو وَصِيَّة بِمَنْفَعَة أَو وصاية اشْترط الدَّعْوَى بهَا عِنْد حَاكم إِن خَافَ بأخذها فتْنَة أَي مفْسدَة تُفْضِي إِلَى محرم كأخذ مَاله لَو اطلع عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلهُ أَخذهَا مُسْتقِلّا بِهِ أَي بِدُونِ رفع إِلَى القَاضِي لمَشَقَّة الرّفْع للْقَاضِي والمؤنة أَو اسْتحق دينا حَالا على غير مُمْتَنع من الْأَدَاء طَالبه بِهِ فَلَا يَأْخُذ شَيْئا لَهُ بِغَيْر مُطَالبَة وَلَو أَخذه لم يملكهُ مَا لم يُوجد شَرط التَّقَاصّ وَلَزِمَه رده وَيضمنهُ إِن تلف عِنْده ضَمَان الْمَغْصُوب أَو اسْتحق دينا حَالا على مُنكر أَو على من لَا يقبل إِقْرَاره أَو على مُمْتَنع مقرا كَانَ أَو مُنْكرا وَعجز عَن أَخذه بِحَيْثُ لَا بَيِّنَة لَهُ عَلَيْهِ أَو لَهُ بَيِّنَة وامتنعوا أَو طلبُوا مِنْهُ مَا لَا يلْزمه أَو كَانَ حَاكم محلته جائرا لَا يحكم إِلَّا برشوة وَإِن قلت وَقدر على أَخذ مَاله مِمَّن ذكر جَازَ لَهُ أَخذ جنس حَقه من ذَلِك المَال ظفرا أَي اسْتِيفَاء لحقه بِهِ لعَجزه عَن حَقه إِلَّا بذلك فَإِن كَانَ مثلِيا أَو مُتَقَوّما أَخذ مماثله(1/374)
من جنسه لَا من غَيره فَإِن لم يُوجد جنس حَقه أَخذ نَقْدا وَلَا يجوز الْعُدُول إِلَى غَيره إِلَّا إِن فقد فَيَأْخُذ غَيره هَذَا إِذا كَانَ الْغَرِيم مُصدقا أَنه ملكه فَلَو كَانَ مُنْكرا كَونه لَهُ لم يجز لَهُ أَخذه قطعا وَإِن كَانَ متصرفا فِيهِ تصرف الْملاك لجَوَاز أَنه مَغْصُوب وتعدى بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَو أَنه وَكيل عَن غَيره وَلَو كَانَ الدّين على مَحْجُور فلس أَو على ميت لم يَأْخُذ إِلَّا قدر حِصَّته بالمضاربة إِن علمهَا وَإِلَّا احتاط فَيَأْخُذ مَا تَيَقّن أَن الْمَأْخُوذ لَا يزِيد على مَا يَخُصُّهُ ثمَّ مثل الدّين الْمَنْفَعَة الْمُتَعَلّقَة بِالذِّمةِ فلمستحقها أَن يَأْخُذ من مَال من هِيَ فِي ذمَّته قدر قِيمَته إِن كَانَ مُمْتَنعا
(و) حَيْثُ كَانَ الْأَمر كَمَا ذكر جَازَ (لَهُ) أَي الشَّخْص الْمُسْتَحق (بِلَا فتْنَة) عَلَيْهِ أَو على غَيره وَإِن لم يكن لَهُ بِهِ ارتباط (أَخذ مَاله) أَي حَقه أَو جنس حَقه ظفرا إِذا عجز عَن حَقه أَو غير جنس حَقه وَلَو أمة إِن تعذر جنس حَقه كَمَا مر (من مماطل) اسْتِقْلَالا بذلك الْأَخْذ لما فِي الرّفْع إِلَى الْحَاكِم من الْمَشَقَّة والمؤنة هَذَا كُله فِي حق الْآدَمِيّ أما الزَّكَاة لَو امْتنع الْمَالِك من أَدَائِهَا وظفر المستحقون بجنسها من مَاله فَلَيْسَ لَهُم الْأَخْذ وَإِن انحصروا لتوقف إجزائها على النِّيَّة ثمَّ لمن جَازَ لَهُ الْأَخْذ فعل مَا لَا يصل لِلْمَالِ إِلَّا بِهِ ككسر بَاب ونقب جِدَار وَقطع ثوب لغريمه فَلَا يضمن ذَلِك إِن كَانَ ملكا للْغَرِيم وَلم يتَعَلَّق بِهِ حق لَازم كرهن وَإِجَارَة وَيجوز الِاسْتِعَانَة بذلك لعاجز عَن نَحْو الْكسر بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا قَالَه ابْن حجر هَذَا فِي غير صبي وَمَجْنُون وغائب أما هَؤُلَاءِ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذ من مَالهم إِن ترَتّب عَلَيْهِ كسر أَو نقب لعذرهم خُصُوصا الْغَائِب وَإِن لم يَتَرَتَّب على الْأَخْذ مَا ذكر أَخذ من مَالهم كغيرهم على الْمُعْتَمد وَلَو لم يجد مَا يَأْخُذهُ بعد الْكسر والنقب ضمن لخطئه فِي فعله وَعدم الْعلم بِحَقِيقَة الْحَال لَا يُنَافِي الضَّمَان
فرع يَقع كثيرا فِي الْقرى إِكْرَاه الشاد
مثلا أهل قريته على عمل للملتزم المستولي على الْقرْيَة فَالضَّمَان على الشاد لِأَن الْمُلْتَزم لم يكرههُ على إكراههم فَإِن فرض من الْمُلْتَزم إِكْرَاه للشاد فَكل من الشاد والملتزم طَرِيق فِي الضَّمَان وقراره على الْمُلْتَزم
فَائِدَة لَو كَانَ لكل من اثْنَيْنِ فِي الآخر دين وَجحد أَحدهمَا فللآخر أَن يجْحَد قدر دينه ليَقَع التَّقَاصّ وَإِن لم يَكُونَا من النُّقُود وَاخْتلف الْجِنْس (ثمَّ إِن كَانَ) أَي الْمَأْخُوذ (جنس حَقه ملكه) بَدَلا عَن حَقه إِن كَانَ بِصفتِهِ أَو بِصفة أدون فَيملكهُ حِينَئِذٍ بِمُجَرَّد الْأَخْذ بنية الظفر من غير صِيغَة تملك إِذْ لَا يجوز لَهُ نِيَّة غَيره كَأَن أَخذه ليَكُون رهنا بِحقِّهِ فَلَا يجوز الْأَخْذ وَإِن كَانَ الْمَأْخُوذ غير جنس حَقه أَو هُوَ لكنه بِصفة أرفع بَاعه مُسْتقِلّا كَمَا يسْتَقلّ بِالْأَخْذِ وَلما فِي الرّفْع من تَضْييع الزَّمَان وَمحل الِاسْتِقْلَال بِالْبيعِ إِن لم يَتَيَسَّر علم القَاضِي بِهِ لعدم علمه وَلَا بَيِّنَة أَو مَعَ أَحدهمَا لكنه يحْتَاج لمؤنة ومشقة وَإِلَّا فَلَا يَبِيع إِلَّا بِإِذن الْحَاكِم وَإِذا بَاعه فليبعه بِنَقْد الْبَلَد وَإِن كَانَ غير جنس حَقه ثمَّ يَشْتَرِي بِهِ الْجِنْس ثمَّ يتَمَلَّك الْجِنْس بِصِيغَة تملك كَأَن يَقُول تملكت هَذَا عوضا عَن حَقي فَإِن تلف قبل تملكه وَلَو بعد البيع ضمنه وَلَو أخر بَيْعه لتقصير فنقصت قِيمَته ضمن النَّقْص وَلَا يَأْخُذ فَوق حَقه إِن أمكن الِاقْتِصَار على قدر حَقه وَإِن لم يُمكن بِأَن لم يظفر إِلَّا بمتاع تزيد قِيمَته على حَقه أَخذه وَلَا يضمن الزِّيَادَة لعذره وَبَاعَ مِنْهُ بِقدر حَقه(1/375)
إِن أمكن تجزية وَإِلَّا بَاعَ الْكل وَأخذ من ثمنه قدر حَقه ورد الْبَاقِي بِهِبَة أَو نَحْوهَا بِحَيْثُ لَا يعلم أَنه من تِلْكَ الْجِهَة وَكَذَا لَو أَخذ غير جنس حَقه وَبَاعه وَفضل من ثمنه شَيْء فَيردهُ على خَصمه بِوَجْه من الْوُجُوه
(وَشرط للدعوى) أَي لصحتها (بِنَقْد) خَالص أَو مغشوش (أَو دين) مثلي أَو مُتَقَوّم (فكر جنس وَنَوع وَقدر) وَصفَة تُؤثر فِي الْقيمَة كمائة دِرْهَم فضَّة أفرنجية صِحَاح أَو مكسرة أما إِذا لم تُؤثر الصّفة فَلَا يجب ذكرهَا إِلَّا فِي دين السّلم (و) للدعوى (بِعَين) حَاضِرَة بِالْبَلَدِ إحضارها بِمَجْلِس الحكم مثلية أَو مُتَقَومَة تنضبط بِالصِّفَاتِ كحبوب وحيوان وصفهَا بِذكر (صفة) للسلم وجوبا فِي الْمُتَقَوم دون المثلى وَلَا يجب ذكر قيمَة فَإِن لم تنضبط بِالصِّفَاتِ كجوهرة أَو ياقوتة وَجب ذكر الْقيمَة مَعَ جنس وَنَوع ولون اخْتلف وَإِن تلفت الْعين وَهِي مُتَقَومَة وَجب ذكر الْقيمَة مَعَ الْجِنْس دون الصِّفَات بِخِلَاف المثلية فَلَا يجب ذكر الْقيمَة وَيَكْفِي الضَّبْط بِالصِّفَاتِ
(و) للدعوى (بعقار) ذكر (جِهَة وحدود) أَرْبَعَة إِذا لم يعلم إِلَّا بهَا
(و) للدعوى (بِنِكَاح) فِي الْإِسْلَام وَصفه بِذكر صِحَة و (ولي وشاهدين عدُول) وَذكر رضَا الْمَرْأَة إِن شَرط لكَونهَا غير مجبرة وَذكر إِذن وليه إِن كَانَ سَفِيها وَإِذن سَيّده إِن كَانَ عبدا فَلَا يَكْفِي فِي دَعْوَى النِّكَاح الْإِطْلَاق لِأَن النِّكَاح فِيهِ حق الله تَعَالَى وَحقّ الْآدَمِيّ فاحتيط لَهُ
(و) للدعوى (بِعقد مَالِي) كَبيع وَلَو سلما وَهبة وَلَو لأمة ذكر (صِحَّته) وَلَا يحْتَاج إِلَى تَفْصِيل كَمَا فِي النِّكَاح لِأَنَّهُ دونه فِي الِاحْتِيَاط (وتلغو) أَي الدَّعْوَى (بتناقض كَشَهَادَة خَالَفت) دَعْوَى كَمَا لَو ادّعى ملكا بِسَبَب فَذكر الشَّاهِد ملكا بِسَبَب آخر فَلَا تسمع تِلْكَ الدَّعْوَى وَلَا يطْلب من الْمُدعى عَلَيْهِ جوابها
وَلَا تسمع دَعْوَى محَال شرعا كحج فِي شهر رَجَب أَو حسا وَعَادَة كَمثل جبل أحد ذَهَبا أَو فضَّة وَإِنَّمَا لم تصح الدَّعْوَى بذلك لِأَنَّهُ قرب من الْمحَال الْعقلِيّ لبعد وُقُوعه وَتسمع دَعْوَى محَال عَادَة كدعوى على جليل أَنه اُسْتُؤْجِرَ لشيل الزبل
فَالْحَاصِل أَن الْمحَال العادي قِسْمَانِ مَا لَا يُمكن وُقُوعه فِي الْعَادة فَلَا تصح الدَّعْوَى بِهِ كَمَا لَو ادّعى قدرا من أرز وَنَحْوه وَكَانَ الشَّخْص لَا يملكهُ عَادَة وَمَا يُمكن فَتَصِح فَيمكن أَن الْجَلِيل يُؤجر نَفسه لشيل الزبل تخلصا من يَمِين وَقعت عَلَيْهِ كَأَن حلف أَنه لَا بُد أَن يفعل ذَلِك ترويضا لنَفسِهِ مثلا
(وَمن) أَي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ الَّذِي (قَامَت عَلَيْهِ بَيِّنَة) وَحدهَا بِثُبُوت حق (لَيْسَ لَهُ تَحْلِيف الْمُدَّعِي) على اسْتِحْقَاقه مدعاه لِأَنَّهُ كطعن فِي الشُّهُود وَيسْتَثْنى مَا لَو ادّعى الَّذِي قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة مسْقطًا للْمُدَّعِي كأداء لَهُ أَو إِبْرَاء مِنْهُ أَو شِرَائِهِ مِنْهُ فَيحلف مدعي نَحْو الْأَدَاء مُقيم الْبَيِّنَة على نفي الْأَدَاء وَمَا بعده لاحْتِمَاله هَذَا إِذا ادّعى حُدُوث شَيْء من ذَلِك قبل قيام الْبَيِّنَة وَالْحكم بِخِلَاف مَا لَو ادّعى ذَلِك بعد الحكم فَلَا يحلفهُ لثُبُوت الْحق على خَصمه بالحكم وَيسْتَثْنى أَيْضا(1/376)
مَا لَو قَامَت بَيِّنَة بإعسار الْمَدِين فللدائن تَحْلِيفه لجَوَاز أَن يكون لَهُ مَال بَاطِن وَمَا لَو شهِدت لَهُ بَيِّنَة بِعَين فَقَالَ الشُّهُود لَا نعلمهُ بَاعَ وَلَا وهب فلخصمه تَحْلِيفه أَنَّهَا مَا خرجت عَن ملكه بِوَجْه وَخرج بِالْبَيِّنَةِ وَحدهَا الشَّاهِد وَالْيَمِين وَالْبَيِّنَة مَعَ يَمِين الِاسْتِظْهَار وَذَلِكَ بِلَا حلف الْمُدَّعِي قبل ذَلِك إِمَّا مَعَ شَاهده أَو مَعَ يَمِين الِاسْتِظْهَار فَلَا يحلف بعد هَذِه الدَّعْوَى على نفي مَا ادَّعَاهُ الْخصم لِأَنَّهُ قد تعرض فِي يَمِينه لاستحقاقه الْحق وَلَا تسمع دَعْوَى إِبْرَاء من الدَّعْوَى لِأَنَّهُ بَاطِل
(وأمهل) أَي القَاضِي وجوبا من قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بكفيل أَو بالترسيم عَلَيْهِ إِن خيف هربه إِذا طلب
الْإِمْهَال (ثَلَاثَة) من الْأَيَّام (ل) أجل الْإِتْيَان ب (دَافع) من نَحْو أَدَاء أَو إِبْرَاء وَذَلِكَ بعد تَفْسِيره الدَّافِع وَمكن من سفر ليحضره إِن لم تزد الْمدَّة على الثَّلَاث فَإِنَّهَا مُدَّة قريبَة لَا يعظم الضَّرَر فِيهَا وَلَو أحضر بعد الْإِمْهَال فِي ذَلِك شُهُود الدَّافِع أَو شَاهدا وَاحِدًا أمْهل ثَلَاثَة أُخْرَى للتَّعْلِيل أَو التَّكْمِيل وَلَو عين جِهَة وَلم يَأْتِ بِبَيِّنَة ثمَّ ادّعى أُخْرَى عِنْد انْقِضَاء مُدَّة المهلة واستمهل لَهَا لم يُمْهل أَو أثناءها أمْهل بقيتها فَقَط
(وَلَو ادّعى رق بَالغ) مَجْهُول نسب وَلَو سَكرَان (فَقَالَ أَنا حر أَصَالَة) وَهُوَ رشيد وَلم يسْبق إِقْرَاره بِالْملكِ (حلف) فَيصدق وَإِن تداولته الْأَيْدِي بِالْبيعِ وَغَيره لموافقته الأَصْل وَهُوَ الْحُرِّيَّة وَمن ثمَّ قدمت بَيِّنَة الرّقّ على بَيِّنَة الْحُرِّيَّة لِأَن مَعَ الأولى زِيَادَة علم بنقلها عَن الأَصْل أما لَو قَالَ أعتقتني أَو أعتقني الَّذِي بَاعَنِي مِنْك فَلَا يصدق بِغَيْر بَيِّنَة وَإِذا ثبتَتْ حُرِّيَّته الْأَصْلِيَّة بقوله
رَجَعَ مُشْتَرِيه على بَائِعه بِالثّمن وَإِن أقرّ لَهُ بِالْملكِ لبنائه على ظَاهر الْيَد
(أَو) ادّعى رق (صبي) أَو نَحوه (لَيْسَ فِي يَده لم يصدق إِلَّا بِحجَّة) عَن شُهُود أَو علم قَاض أَو يَمِين مردوة لِأَن الأَصْل عدم الْملك نعم لَو كَانَ بيد غَيره وَصدقه الْغَيْر كفى تَصْدِيقه مَعَ تَحْلِيف الْمُدَّعِي كَمَا لَو كَانَ بِيَدِهِ وَجَهل لقطه فَيحلف وَيحكم لَهُ برق لِأَنَّهُ الظَّاهِر من حَاله وَلَا يضر إِنْكَاره بعد بُلُوغه لِأَن الْيَد حجَّة وَإِنَّمَا حلف لخطر شَأْن الْحُرِّيَّة فَإِن علم لقطه لم يصدق إِلَّا بِحجَّة لِأَن اللَّقِيط مَحْكُوم بحريَّته ظَاهرا بِخِلَاف غَيره
تَنْبِيه من شُرُوط الدَّعْوَى أَن لَا ينافيها دَعْوَى أُخْرَى وَأَن لَا يكذب أَصله فَلَو ثَبت إِقْرَار رجل بِأَنَّهُ عباسي فَادّعى وَلَده أَنه حسني لم تسمع دَعْوَاهُ وَلَا بَينته والشروط الثَّلَاثَة الْمَعْلُومَة مِمَّا سبق وَهِي الْعلم والإلزام وَعدم المناقضة مُعْتَبرَة فِي كل دَعْوَى وَيزِيد عَلَيْهَا فِي الدَّعْوَى على من لَا يحلف وَلَا يقبل إِقْرَاره ولي بَيِّنَة أُرِيد أَن أقيمها فَلَو طلق امْرَأَة ثمَّ نكحت آخر فَادّعى أَنه نَكَحَهَا فِي عدته لم تسمع دَعْوَاهُ حَتَّى يَقُول ولي بَيِّنَة أُرِيد أَن أقيمها على أَنِّي طَلقتهَا يَوْم كَذَا فَلم تنقض عدتي وَفِي الدَّعْوَى لعين بِنَحْوِ بيع أَو هبة على من هِيَ بِيَدِهِ واشتريتها أَو اتهبتها من فلَان وَكَانَ يملكهَا أَو وسلميها لِأَن الظَّاهِر أَنه إِنَّمَا يتَصَرَّف فِيمَا يملكهُ وَفِي الدَّعْوَى على الْوَارِث بدين وَمَات الْمَدِين وَخلف تَرِكَة تفي بِالدّينِ أَو بِكَذَا مِنْهُ وَهِي بيد هَذَا وَهُوَ يعلم الدّين أَي أَو لي بِهِ بَيِّنَة(1/377)
فصل فِي جَوَاب الدَّعْوَى
من الْمُدعى عَلَيْهِ وَمَا يتَعَلَّق بِالْجَوَابِ (إِذا أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ) حَقِيقَة أَو حكما (ثَبت الْحق) بِالْإِقْرَارِ من غير حكم لوضوح دلَالَته بِخِلَاف الْبَيِّنَة وَمن ثمَّ لَو كَانَت صُورَة الْإِقْرَار مُخْتَلفا فِيهَا احْتِيجَ للْحكم (وَإِن سكت عَن الْجَواب أمره القَاضِي) جَوَازًا (بِهِ) أَي الْجَواب وَإِن لم يسْأَله الْمُدَّعِي لِأَن الْمَقْصُود فصل الْخُصُومَة وَبِذَلِك تنفصل
(فَإِن سكت) أَي أصر الْمُدعى عَلَيْهِ على سُكُوته عَن جَوَاب الدَّعْوَى الصَّحِيحَة وَهُوَ عَارِف أَو جَاهِل فنبه وَلم يتَنَبَّه (فكمنكر) فَيَقُول القَاضِي للْمُدَّعِي احْلِف بعد عرض الْيَمين عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يحلف الْمُدَّعِي وَلَا يُمكن السَّاكِت من الْحلف لَو أَرَادَهُ إِلَّا برضى الْمُدَّعِي وَينْدب لَهُ تَكْرِير أجبه ثَلَاثًا نعم إِن غلب على ظَنّه أَن سُكُوته لنَحْو دهشة أَو غباوة وَجب إِعْلَامه بِالْحَال بِأَن يَقُول لَهُ إِذا أطلت السُّكُوت حكمت بنكولك وقضيت عَلَيْك
(فَإِن سكت) أَي أصر على السُّكُوت (فناكل) فَيرد القَاضِي الْيَمين على الْمُدَّعِي فَلَو حلف قبل ردهَا من القَاضِي لغت مَا لم يحكم بنكول الْخصم وَإِلَّا فَلَا تتَوَقَّف على رد القَاضِي فَيحلف الْمُدَّعِي إِن اخْتَار ذَلِك وَيسْتَحق الْمُدَّعِي بِهِ بفراغ الْيَمين من غير توقف على حكم لِأَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ وَهُوَ لَا يتَوَقَّف على حكم لَا بنكول خَصمه وَيبين القَاضِي وجوبا وَقيل ندبا حكم النّكُول للجاهل بِهِ بِأَن يَقُول لَهُ إِن نكلت عَن الْيَمين حلف الْمُدَّعِي وَأخذ مِنْك الْحق وللخصم بعد نُكُوله الْعود إِلَى الْحلف مَا لم يحكم بِنُكُولِهِ حَقِيقَة بِأَن حكم القَاضِي بِنُكُولِهِ كَقَوْلِه حكمت بِنُكُولِهِ أَو جعلته ناكلا أَو تَنْزِيلا كَقَوْل القَاضِي للْمُدَّعِي احْلِف فَإِنَّهُ نَازل منزلَة الحكم بنكول الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ الْعود إِلَيْهِ إِلَّا بِرِضا الْمُدَّعِي وَإِذا نكل ثَانِيًا لم يحلف الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ أسقط حَقه بِرِضَاهُ بِحلف خَصمه
(فَإِن ادّعى) عَلَيْهِ (عشرَة) مثلا (لم يكف) فِي الْجَواب (لَا تلزمني) أَي تِلْكَ الْعشْرَة (حَتَّى يَقُول وَلَا بَعْضهَا وَكَذَا يحلف) إِن تَوَجَّهت الْيَمين عَلَيْهِ لِأَن مدعي الْعشْرَة مُدع لكل جُزْء مِنْهَا فَاشْترط مُطَابقَة الْإِنْكَار وَالْيَمِين دَعْوَاهُ وَإِنَّمَا يطابقانها إِن نفى كل جُزْء مِنْهَا فَإِن حلف على نفي الْعشْرَة فَقَط فناكل عَمَّا دون الْعشْرَة فَيحلف الْمُدَّعِي على اسْتِحْقَاقه بِجُزْء وَإِن قل بِلَا تَجْدِيد دَعْوَى وَيَأْخُذهُ نعم لَو كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ مُسْندًا إِلَى عقد كَأَن ادَّعَت نِكَاحا بِخَمْسِينَ كَفاهُ نفى العقد بهَا وَالْحلف عَلَيْهِ فَإِن نكل لم تحلف هِيَ على الْبَعْض لِأَنَّهُ يُنَاقض مَا ادَّعَتْهُ أَولا وَهُوَ النِّكَاح بالخمسين فَيجب مهر الْمثل
(أَو) ادّعى عَلَيْهِ شخص (مَالا) فَأنْكر وَطلب مِنْهُ الْيَمين فَقَالَ لَا أَحْلف وَأعْطى المَال لم يلْزمه قبُوله من غير إِقْرَار من الْمُدعى عَلَيْهِ بل يجوز وللمدعي تَحْلِيف الْمُدعى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن أَن يَدعِي عَلَيْهِ(1/378)
بِمَا دَفعه بعد وَكَذَا لَو نكل عَن الْيَمين وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَن يحلف يَمِين الرَّد فَقَالَ خَصمه أَنا أبذل المَال بِلَا يَمِين فَيلْزمهُ الْحَاكِم بِأَن يقر وَإِلَّا حلف الْمُدَّعِي أَو ادّعى عَلَيْهِ مَالا (مُضَافا لسَبَب كأقرضتك) كَذَا (كَفاهُ) فِي الْجَواب (لَا تسْتَحقّ) أَنْت (عَليّ شَيْئا) أَو لَا يلْزَمنِي تَسْلِيم شَيْء إِلَيْك وَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض لنفي السَّبَب فَإِن تعرض لنفيه جَازَ لِأَن الْمُدَّعِي قد يكون صَادِقا ويعرض مَا يسْقط الْمُدَّعِي بِهِ من نَحْو أَدَاء أَو إِبْرَاء أَو إعسار وَلَو اعْترف بِهِ وَادّعى مسْقطًا طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ وَقد يعجز عَنْهَا فدعَتْ الْحَاجة إِلَى قبُول الْجَواب
نعم لَو ادّعى عَلَيْهِ وَدِيعَة لم يكفه فِي الْجَواب لَا يلْزَمنِي التَّسْلِيم إِذْ لَا يلْزمه التَّسْلِيم وَإِنَّمَا يلْزمه التَّخْلِيَة فَالْجَوَاب الصَّحِيح لَا تسْتَحقّ عَليّ شَيْئا أَو يُنكر الْإِيدَاع
أَو يَقُول هَلَكت الْوَدِيعَة أَو رَددتهَا وَحلف على حسب جَوَابه هَذَا ليطابق الْحلف الْجَواب فَإِن أجَاب بِنَفْي السَّبَب الْمَذْكُور بِأَن قَالَ مَا أقرضتني أَو مَا بِعْت لي أَو مَا غصبت حلف عَلَيْهِ أَو بِالْإِطْلَاقِ فَكَذَلِك ليطابق الْيَمين الْإِنْكَار
وَاعْلَم أَن النّكُول يحصل بِأُمُور مِنْهَا أَن يَقُول بعد عرض الْيَمين عَلَيْهِ أَنا ناكل أَو يَقُول لَهُ القَاضِي احْلِف فَيَقُول لَا أَحْلف أَو لَا فَقَط
وَمِنْهَا أَن يَقُول لَهُ قل بِاللَّه فَيَقُول بالرحمن وَهَذَا فِيمَن ظهر فِيهِ الْجَهْل بِأَن يصر عَلَيْهِ بعد تَعْرِيفه بِوُجُوب امْتِثَال أَمر الْحَاكِم
وَمِنْهَا الِامْتِنَاع من تَغْلِيظ الْيَمين
وَمِنْهَا السُّكُوت لَا لدهشة وغباوة بعد قَول القَاضِي لَهُ احْلِف كَمَا قَالَ المُصَنّف (وَلَو أصر الْمُدعى عَلَيْهِ على سكُوت عَن جَوَاب) للدعوى الصَّحِيحَة بعد عرض الْيَمين عَلَيْهِ لَا نَحْو دهشة (فناكل) إِن حكم القَاضِي بِنُكُولِهِ بِأَن يَقُول لَهُ جعلتك ناكلا أَو نكلتك بتَشْديد الْكَاف لامتناعه
وَلَا يصير هُنَا ناكلا من غير حكم أَو مَا فِي مَعْنَاهُ من طلب تَحْلِيف الْمُدَّعِي لِأَن مَا صدر عَن السَّاكِت لَيْسَ صَرِيح نُكُول
وَيسن للْقَاضِي عرض الْيَمين عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَالْعرض من القَاضِي على السَّاكِت آكِد وَلَو ظهر مِنْهُ جهل حكم النّكُول وَجب عَلَيْهِ تَعْرِيفه بِأَن يَقُول لَهُ إِن نكولك يُوجب حلف الْمُدَّعِي وَأَنه لَا تسمع بينتك بعده بأَدَاء أَو نَحوه فَإِن حكم عَلَيْهِ وَلم يعرفهُ نفذ وأثم بِعَدَمِ تَعْلِيمه لِأَنَّهُ المقصر بِعَدَمِ تعلمه حكم النّكُول وَقَول القَاضِي للْمُدَّعِي بعد امْتنَاع الْمُدعى عَلَيْهِ من الْحلف أَو بعد سُكُوته احْلِف وإقباله عَلَيْهِ ليحلفه وَإِن لم يقل لَهُ احْلِف نازلان منزلَة قَوْله حكمت بِنُكُولِهِ فَلَيْسَ للْمُدَّعى عَلَيْهِ أَن يحلف إِلَّا إِن رَضِي الْمُدَّعِي
(وَإِذا ادّعَيَا) أَي كل من اثْنَيْنِ (شَيْئا فِي يَد ثَالِث) أَي غير هذَيْن الِاثْنَيْنِ لم ينْسبهُ إِلَى أَحدهمَا قبل الْبَيِّنَة وَلَا بعْدهَا (وَأَقَامَا) أَي كل مِنْهُمَا (بَيِّنَة) بذلك الشَّيْء (سقطتا) أَي الْبَيِّنَتَانِ إِذا تساوتا تَارِيخا وعددا لتعارضهما وَلَا مُرَجّح فأشبهتا الدَّلِيلَيْنِ إِذا تَعَارضا بِلَا تَرْجِيح وَحِينَئِذٍ فَيحلف لكل مِنْهُمَا يَمِينا فَإِن أقرّ ذُو الْيَد لأَحَدهمَا قبل الْبَيِّنَة أَو بعْدهَا رجحت بَينته(1/379)
وَلَو زَاد بعض حاضري مجْلِس قبل صفة مثلا إِلَّا إِن احتفت الْقَرَائِن الظَّاهِرَة على أَن الْبَقِيَّة ضابطون لَهُ من أَوله إِلَى آخِره فَقَالُوا لم نسمعها مَعَ الإصغاء إِلَى جَمِيع مَا وَقع وَكَانَ مثلهم لَا ينْسب للغفلة فِي ذَلِك فَحِينَئِذٍ يَقع التَّعَارُض لِأَن النَّفْي المحصور يُعَارض الْإِثْبَات الجزئي
(أَو) ادّعى كل من اثْنَيْنِ شَيْئا (بيدهما) أَو لَا بيد أحد كعقار أَو مَتَاع ملقى فِي طَرِيق وَلَيْسَ المدعيان عِنْده وَثمّ بَيِّنَة لكل مِنْهُمَا (فَهُوَ) أَي الشَّيْء الْمُدعى بِهِ (لَهما) أَي بِالْبَيِّنَةِ الْقَائِمَة لَا بِالْيَدِ السَّابِقَة على إِقَامَة الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِلَّا لتحالفا إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا أولى بِهِ من الآخر وَالْفرق بَين الْبَيِّنَة الْقَائِمَة وَالْيَد السَّابِقَة هُوَ الْحَاجة إِلَى الْحلف فِي الثَّانِي لَا فِي الأول
(أَو بيد أَحدهمَا) تَصرفا أَو إمساكا وَيُسمى الدَّاخِل (قدمت) من غير يَمِين (بَينته) وَإِن تَأَخّر تاريخها أَو كَانَت شَاهدا ويمينا وَبَيِّنَة الْخَارِج شَاهِدين أَو لم تبين سَبَب الْملك من شِرَاء أَو غَيره
وَلَو أزيلت يَده بِبَيِّنَة وأسندت بَينته الْملك إِلَى مَا قبل إِزَالَة يَده تَرْجِيحا لبينته بِيَدِهِ الْحكمِيَّة والحسية مَا لم يكن مَعَ بَيِّنَة الْخَارِج زِيَادَة علم كَمَا لَو قَالَ الْخَارِج هُوَ ملكي اشْتَرَيْته مِنْك أَو اكتريته مني فَقَالَ الدَّاخِل هُوَ ملكي وَأَقَامَا بينتين بِمَا قَالَاه رجح الْخَارِج لزِيَادَة علم بَينته بِمَا ذكر وَمحله إِذا لم يسند انْتِقَال الْملك عَن شخص وَاحِد وَإِلَّا قدمت بَيِّنَة الْخَارِج إِن كَانَت أسبق تَارِيخا وَمحل تَرْجِيح بَيِّنَة الدَّاخِل (إِن أَقَامَهَا بعد بَيِّنَة الْخَارِج) وَلَو قبل تعديلها بِخِلَاف مَا لَو أَقَامَهَا قبلهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا تسمع بعْدهَا لِأَن الأَصْل فِي جَانِبه الْيَمين لِأَنَّهُ مدعى عَلَيْهِ فَلَا يعدل عَنْهَا مَا دَامَت كَافِيَة وَهِي كَافِيَة مَا دَامَ الْخَارِج لم يقم بَيِّنَة وَلَو قَامَت بَيِّنَة بِالرّقِّ وَبَيِّنَة بِالْحُرِّيَّةِ قدمت بَيِّنَة الرّقّ لِأَن مَعهَا زِيَادَة علم لِأَنَّهَا ناقلة وَبَيِّنَة الْحُرِّيَّة مستصحبة وَلَو ادّعَيَا لقيطا بيد أَحدهمَا وَأقَام كل بَيِّنَة اسْتَويَا لِأَنَّهُ لَا يدْخل تَحت الْيَد
(وترجح بتاريخ سَابق) كَأَن شهِدت بَيِّنَة لوَاحِد بِملك من سنة إِلَى الْآن وَبَيِّنَة أُخْرَى لآخر بِملك بِأَكْثَرَ من سنة إِلَى الْآن وَالْعين بيدهما أَو بيد غَيرهمَا أَو لَا بيد أحد وَإِنَّمَا رجحت بَيِّنَة ذِي أَكثر المدتين وَهِي الأسبق تَارِيخا لعدم الْمُعَارضَة فِي الزَّائِد على الْأُخْرَى بل تعَارض فِي السّنة الْمُتَأَخِّرَة وَإِذا تَعَارضا فِيهَا تساقطا بِالنِّسْبَةِ لَهَا فيستصحب الْملك السَّابِق وَلِصَاحِب التَّارِيخ السَّابِق أُجْرَة وَزِيَادَة حَادِثَة من يَوْم ملكه بِسَبَب الشَّهَادَة وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي أرخت بِهِ الْبَيِّنَة لَا من وَقت الحكم فَقَط لِأَنَّهُمَا ثَمَرَة ملكه
نعم لَو كَانَت الْعين بيد الزَّوْج أَو البَائِع قبل الْقَبْض لم يلْزمه أُجْرَة أما لَو كَانَت الْعين بيد أَحدهمَا رجحت بَينته وَإِن كَانَت شَاهدا ويمينا أَو تَأَخّر تاريخها لِأَن الْبَيِّنَتَيْنِ متساويتان فِي إِثْبَات الْملك فِي الْحَال فيتساقطان فِيهِ وَتبقى الْيَد فِي مُقَابلَة الْملك السَّابِق وَهِي أقوى من الشَّهَادَة على الْملك السَّابِق بِدَلِيل أَنَّهَا لَا تزَال بهَا
(و) يرجح (بِشَاهِدين) وبشاهد وَامْرَأَتَيْنِ وبأربع نسْوَة فِيمَا يثبت بشهادتين (على شَاهد مَعَ يَمِين) للْآخر فِي غير بَيِّنَة الدَّاخِل بل ترجح مُطلقًا على من(1/380)
ذكر وَيُمكن تَصْوِير ذَلِك بِمَا لَو حصل التَّنَازُع بَينهمَا فِي عيب تَحت الثِّيَاب فِي أمة يُؤَدِّي إِلَى المَال أَو فِي حرَّة لتبعيض الْمهْر مثلا (لَا بِزِيَادَة شُهُود) صفة أَو عددا لأَحَدهمَا مَا لم يبلغُوا عدد التَّوَاتُر وَإِلَّا فيرجح لإِفَادَة الْعلم الضَّرُورِيّ حِينَئِذٍ وَكَذَا لَا ترجح بَيِّنَة وقف على بَيِّنَة ملك وَلَا بَيِّنَة انْضَمَّ إِلَيْهَا حكم بِالْملكِ على بَيِّنَة بِلَا حكم وَلَا برجلَيْن على رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَلَا على أَربع نسْوَة لكَمَال الْحجَّة فِي الطَّرفَيْنِ
(وَلَا) بَيِّنَة (مؤرخة على) بَيِّنَة (مُطلقَة) لِأَن المؤرخة وَإِن اقْتَضَت الْملك قبل الْحَال فالمطلقة لَا تنفيه وَلِأَن مُجَرّد التَّارِيخ لَيْسَ بمرجح لاحْتِمَال أَن الْمُطلقَة لَو فسرت فسرت بِمَا هُوَ أَكثر من الأولى
نعم لَو شهِدت إِحْدَاهمَا بدين وَالْأُخْرَى بإبراء من قدره رجحت بَيِّنَة الْإِبْرَاء لِأَنَّهُ إِنَّمَا يكون بعد الْوُجُوب
وَالْأَصْل عدم تعدد الدّين بِخِلَاف مَا لَو أثبت على زيد إِقْرَارا بدين فَأثْبت زيد إِقْرَار الْمُدَّعِي بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقه عَلَيْهِ شَيْئا فَإِن إِقْرَار الْمُدَّعِي لَا يُؤثر فِي الْإِقْرَار لاحْتِمَال حُدُوث الدّين بعد وَلِأَن الثُّبُوت لَا يرْتَفع بِالنَّفْيِ الْمُحْتَمل
(وَلَو ادّعَيَا) أَي كل من اثْنَيْنِ (شَيْئا بيد ثَالِث) فَإِن أقرّ بِهِ لأَحَدهمَا سلم لَهُ وَللْآخر تَحْلِيفه إِذْ لَو أقرّ بِهِ لَهُ أَيْضا غرم لَهُ بدله وَإِن أنكر مَا ادعياه وَلَا بَيِّنَة حلف لكل مِنْهُمَا يَمِينا وَترك فِي يَده
(و) إِن ادّعى كل من اثْنَيْنِ على ثَالِث بِيَدِهِ شَيْء أنكرهما ثمَّ (أَقَامَ كل) مِنْهُمَا (بَيِّنَة أَنه اشْتَرَاهُ) مِنْهُ وَهُوَ يملكهُ وَسلمهُ ثمنه (فَإِن اخْتلف تاريخهما حكم للأسبق) مِنْهُمَا تَارِيخا لِأَن مَعهَا زِيَادَة علم وَلِأَن الثَّانِي اشْتَرَاهُ من الثَّالِث بعد زَوَال ملكه عَنهُ وَلَا نظر لاحْتِمَال عوده إِلَيْهِ لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر (وَإِلَّا) بِأَن اتَّحد تاريخهما أَو أطلقتا التَّارِيخ أَو إِحْدَاهمَا (سقطتا) لِاسْتِحَالَة أعمالهما وَصَارَ كَأَن لَا بَيِّنَة فَيحلف الثَّالِث لكل مِنْهُمَا يَمِينا أَنه مَا بَاعه وَلَا تعَارض فِي الثمنين فيلزمانه أَي يرجع كل مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِالثّمن لثُبُوته بِالْبَيِّنَةِ
(وَلَو ادعوا مَالا لمورثهم) الَّذِي مَاتَ (وَأَقَامُوا شَاهدا) بذلك المَال (وَحلف بَعضهم) أَي المدعين على أَن الْمُدعى بِهِ لمورثهم (أَخذ) أَي ذَلِك الْبَعْض (نصِيبه وَلَا يُشَارك فِيهِ) أَي نصيب الْبَعْض على من لم يحلف
فصل فِي بَيَان قدر النّصاب
فِي الشُّهُود الْمُخْتَلف باخْتلَاف الْمَشْهُود بِهِ وَفِي بَيَان شروطهم (الشَّهَادَة) بِحَسب مَا تقبل فِيهِ وَهُوَ الْمَشْهُود بِهِ سَبْعَة أَنْوَاع لِأَنَّهُ إِمَّا حق الله تَعَالَى وَإِمَّا حق الْآدَمِيّ فَحق الله على ثَلَاثَة أَقسَام
الأول مَا يقْصد بِهِ الْعِبَادَة فَيَكْفِي (لرمضان) أَي لرؤية هِلَال رَمَضَان بِالنِّسْبَةِ للصَّوْم وَمَا(1/381)
ألحق بِهِ ولشوال بِالنِّسْبَةِ للْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَلِذِي الْحجَّة بِالنِّسْبَةِ للوقوف (رجل) وَاحِد
(و) الثَّانِي مَا لَا يقبل فِيهِ أقل من أَرْبَعَة رجال فَيشْتَرط (لزنا) ولواط وإتيان بَهِيمَة وميتة (أَرْبَعَة) لَا بُد أَن يَقُولُوا رَأَيْنَاهُ أَدخل حشفته فِي فرج فُلَانَة على وَجه الزِّنَا وَلَا بُد من ذكر الْمَرْأَة المزنى بهَا وَأما مَكَان الزِّنَا وزمانه فَلَا يشْتَرط ذكرهمَا حَيْثُ لم يذكرهما أحد وَإِلَّا وَجب سُؤال باقيهم لاحْتِمَال وُقُوع تنَاقض يسْقط شَهَادَتهم
وَالثَّالِث مَا يقبل فِيهِ رجلَانِ وَهُوَ أَسبَاب الْحُدُود سَوَاء أَكَانَ الْحَد قتلا للمرتد أَو لقاطع الطَّرِيق إِن قتل مكافئا لَهُ أم قطعا فِي سَرقَة أَو فِي قطع الطَّرِيق أم جلدا لشارب خمر وَلَا تقبل فِي حُقُوق الله تَعَالَى النِّسَاء أصلا (و) حق الْآدَمِيّ على أَرْبَعَة أَقسَام
الأول مَا يشْتَرط (لمَال) عينا كَانَ كوديعة أَو دينا أَو مَنْفَعَة كسكنى دَار (و) لحق مَالِي أَو عقد مَالِي أَو فَسخه من (مَا قصد بِهِ مَال) مَا عدا الشّركَة والقراض وَالْكَفَالَة أما هِيَ فَلَا بُد من رجلَيْنِ إِلَّا أَن يُرِيد فِي الْأَوَّلين إِثْبَات حِصَّته من الرِّبْح وَذَلِكَ (كَبيع) وَمِنْه الْحِوَالَة لِأَنَّهَا بيع دين بدين وإقالة وَضَمان وإبراء وقرض ووقف وَصلح ورد بِعَيْب وشفعة ومسابقة وغصب وَوَصِيَّة بِمَال وَإِقْرَار وَمهر فِي نِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة وخلع وَقتل خطأ وَقتل صبي وَمَجْنُون وَقتل حر عبدا وَمُسلم ذِمِّيا وَقتل وَالِد ولدا وسرقة لَا قطع فِيهَا
(وَرهن) وَخيَار وَأجل وَكَذَا جِنَايَة توجب مَالا فَيَكْفِي فِي ذَلِك كُله أحد ثَلَاثَة أُمُور إِمَّا (رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ أَو رجل وَيَمِين) من الْمُدَّعِي بعد أَدَاء شَهَادَة شَاهده وَبعد تعديله وَيذكر وجوبا فِي حلفه صدق شَاهده لِأَن الْيَمين وَالشَّهَادَة حجتان مختلفتا الْجِنْس فِي غير هَذِه الصُّورَة فَاعْتبر ارتباط إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى ليصيرا كالجنس الْوَاحِد ثمَّ هَل الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين مَعًا أَو بِالشَّاهِدِ فَقَط وَالْيَمِين مُؤَكدَة أَو بِالْعَكْسِ أَقْوَال أَصَحهَا أَولهَا وَتظهر فَائِدَة الْخلاف فِيمَا لَو رَجَعَ الشَّاهِد فعلى الأول يغرم النّصْف وعَلى الثَّانِي يغرم الْكل وعَلى الثَّالِث لَا شَيْء
(و) الثَّانِي مَا شَرط (لغير ذَلِك) أَي الْمَذْكُور من الزِّنَا والمالي وَهُوَ مَا لَا يقْصد مِنْهُ المَال أصلا كقصاص وَقذف وكمقدمات الزِّنَا كقبلة ومعانقة وكالإقرار بِالزِّنَا وكوطء الشُّبْهَة إِذا قصد بِالدَّعْوَى بِهِ إِثْبَات النّسَب أما إِذا قصد بِالدَّعْوَى بِهِ المَال وَشهد بِهِ حسبَة فَيثبت بِمَا يثبت بِهِ المَال (وَلما يظْهر للرِّجَال غَالِبا) وَالْمرَاد بالغلبة كَثْرَة اطلَاع الرِّجَال عَلَيْهِ وَإِن كَانَ اطلَاع النِّسَاء عَلَيْهِ أغلب فَلَيْسَ المُرَاد الْغَلَبَة بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِنَّ وَذَلِكَ (كَنِكَاح وَطَلَاق) ورجعة (وَعتق) وَإِقْرَار بِنَحْوِ زنا وَمَوْت ووكالة وإيصاء وَشركَة أَي عقدهَا وقراض وكفالة وَشَهَادَة على شَهَادَة ووديعة
وَصورته أَن يَدعِي مَالِكهَا غصب ذِي الْيَد لَهَا وَذُو الْيَد يَدعِي أَنَّهَا وَدِيعَة فَلَا بُد من شَاهِدين لِأَن الْمَقْصُود بِالذَّاتِ إِثْبَات ولَايَة الْحِفْظ لَهُ وَعدم الضَّمَان يَتَرَتَّب على ذَلِك ثمَّ حق الْآدَمِيّ فِي النِّكَاح التَّمَتُّع وَالنَّفقَة وَالْكِسْوَة(1/382)
وَفِي الطَّلَاق وَالرَّجْعَة الْعدة وَفِي الْإِقْرَار بِنَحْوِ زنا خوف اشْتِبَاه الْأَنْسَاب وَفِي الْمَوْت الْعدة وَفِيمَا بعده الْولَايَة ثمَّ صُورَة الْعدة هِيَ أَن يكون الزَّوْج غَائِبا وَشهد شَاهِدَانِ بِمَوْتِهِ لأجل أَن تَعْتَد زَوجته عدَّة الْوَفَاة وَالْمرَاد بقوله كَنِكَاح أَي لأجل إِثْبَات الْعِصْمَة فَإِن ادَّعَتْهُ الْمَرْأَة لإِثْبَات الْمهْر أَو شطره أَو للإرث فَيثبت بِشَاهِد وَيَمِين وَالْمرَاد بِالطَّلَاق سَوَاء كَانَ بعوض أَو بِغَيْرِهِ هُوَ إِن ادَّعَتْهُ الزَّوْجَة فَإِن ادَّعَاهُ الزَّوْج بعوض ثَبت بِشَاهِد وَيَمِين وَزيد على ذَلِك الْإِسْلَام وَالرِّدَّة وَالْبُلُوغ وَالْعَفو عَن الْقصاص فَلَا يقبل فِي ذَلِك كُله إِلَّا (رجلَانِ)
(و) الثَّالِث مَا شَرط (لما يظْهر للنِّسَاء) غَالِبا (كولادة وحيض) وبكارة وثيوبة وَحمل ورضاع من الثدي وعيب امْرَأَة تَحت ثوبها وصياح ولد عِنْد الْولادَة ليُعْطى حكم الْكَبِير فِي الصَّلَاة وَغَيرهَا وَالْمرَاد بقوله كولادة أَي من حَيْثُ ثُبُوت النّسَب فَفِيهَا حق آدَمِيّ وَذَلِكَ بِأَن أَتَت بِولد فَادّعى الزَّوْج أَنه مستعار فأقامت بَيِّنَة على أَنَّهَا وَلدته وَالْمرَاد بِالْحيضِ كَأَن علق طَلاقهَا على حَيْضهَا ثمَّ ادَّعَتْهُ فَأنْكر فأقامت حجَّة على ذَلِك وبالبكارة كَأَن تزوج امْرَأَة بِشَرْط الْبكارَة ثمَّ ادّعى أَنه وجدهَا ثَيِّبًا فَأَقَامَ كل مِنْهُمَا حجَّة
وَالْمرَاد بِكَوْن الرَّضَاع فِيهِ حق آدَمِيّ أَن يصور بِمَا إِذا شهد شخصان على شخص بِأَنَّهُ ارتضع على أم زَوجته ليَكُون النِّكَاح بَاطِلا
وَالْمرَاد بِعَيْب امْرَأَة هُوَ أَن ادّعى أَنَّهَا رتقاء أَو قرناء وَأقَام بذلك بَيِّنَة ليفسخ النِّكَاح أَو لِترد هِيَ فِي البيع فَيَكْفِي فِي ذَلِك كُله أحد ثَلَاثَة أَشْيَاء إِمَّا (أَربع) من النِّسَاء (أَو رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ)
تَنْبِيه مَا قبل فِيهِ شَهَادَة النسْوَة على فعله لَا تقبل شَهَادَتهنَّ على الْإِقْرَار بِهِ فَإِنَّهُ مِمَّا يسمعهُ الرِّجَال غَالِبا كَسَائِر الأقارير
وَالرَّابِع مَا يقبل فِيهِ شَاهِدَانِ وَيَمِين فِي صور سَبْعَة
الأولى دَعْوَى المُشْتَرِي جَوَاز رد الْمَبِيع بِعَيْب قديم
وَالثَّانيَِة الدَّعْوَى الكائنة فِي صور الْعنَّة
وَصورتهَا إِذا ثبتَتْ الْعنَّة بِالْإِقْرَارِ فَضرب القَاضِي لَهُ سنة ثمَّ بعد السّنة ادّعى الْوَطْء فِيهَا وأنكرته وَهِي بكر فَلَا بُد أَن تقيم الْبَيِّنَة ببكارتها وتحلف على عدم الْوَطْء لاحْتِمَال عود الْبكارَة
وَالثَّالِثَة دَعْوَى الْجراحَة فِي عُضْو بَاطِن ادّعى الْجَارِح أَنه غير سليم قبل الْجِنَايَة
وَصورته أَن يختلفا فِي أصل الْجِنَايَة أَي هَل جنى أَو لَا فَلَا بُد من بَيِّنَة على وجودهَا فَإِذا ثَبت ثمَّ اخْتلفَا فِي سَلامَة الْعُضْو المجنى عَلَيْهِ وَعدمهَا أَي هَل هُوَ سليم فَتجب فِيهِ الدِّيَة أَو أشل فَتجب فِيهِ الْحُكُومَة وَكَانَ ذَلِك الْعُضْو من الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة كالذكر والأنثيين فَيحلف المجنى عَلَيْهِ أَنه كَانَ سليما بعد قيام الْبَيِّنَة بذلك أما لَو ثبتَتْ الْجِنَايَة من أول الْأَمر ثمَّ اخْتلفَا فِي السَّلامَة وَعدمهَا فَإِن كَانَ الِاخْتِلَاف فِي عُضْو ظَاهر صدق الْجَانِي بِيَمِينِهِ أَو بَاطِن صدق المجنى عَلَيْهِ كَذَلِك
وَالرَّابِعَة دَعْوَى إعسار نَفسه إِذا عهد لَهُ مَال فَإِن لم يعْهَد ذَلِك صدق بِيَمِينِهِ
وَصُورَة ذَلِك أَن يكون عَلَيْهِ دين وَيُطَالب بِهِ فيدعي تلف مَاله بِسَبَب ظَاهر لم يعرف فَلَا بُد من بَيِّنَة على وجود ذَلِك السَّبَب ثمَّ يحلف على تلف المَال بِهِ والوديعة وَمَال الْقَرَاض وَالشَّرِكَة وَغَيرهَا كالإعسار إِذا ادّعى تلفهَا بِسَبَب ظَاهر لم يعرف(1/383)
وَالْخَامِس الدَّعْوَى على الْغَائِب فَوق مَسَافَة الْعَدْوى بِأَن ادّعى أَن لَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِم وَأَرَادَ أَخذهَا من مَاله
وَالسَّادِس الدَّعْوَى على الْمَيِّت وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون والمفقود والمتعزز والمتواري
وَالسَّابِع فِيمَا إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق أمس ثمَّ قَالَ أردْت أَنَّهَا طَالِق من غَيْرِي بِأَن كَانَت متزوجة قبل ذَلِك فيقيم فِي هَذِه الصُّور السَّبْعَة الْبَيِّنَة بِمَا ادَّعَاهُ وَيحلف مَعهَا طلبا للِاحْتِيَاط لاحْتِمَال تزوير الْبَيِّنَة
وَالْمرَاد بالمحلوف عَلَيْهِ فِي الصُّورَة الأولى قدم الْعَيْب وَفِي الثَّانِيَة عدم الْوَطْء وَفِي الثَّالِثَة عدم السَّلامَة وَفِي الْأَخِيرَة إِرَادَة طَلَاق غَيره
صورتهَا أَن امْرَأَة كَانَت متزوجة وَطلقت وَانْقَضَت عدتهَا ثمَّ تزَوجهَا رجل آخر وَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِق أمس ثمَّ قَالَ أردْت من غَيْرِي فَإِذا أَقَامَ بَيِّنَة بتطليق الْغَيْر إِيَّاهَا وَأَنَّهَا كَانَت متزوجة حلف على إِرَادَته طَلَاق غَيره إِيَّاهَا والمحلوف عَلَيْهِ هُنَا غير مَا ادَّعَاهُ وَلَا يضر ذَلِك
(وَشرط فِي شَاهد) عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة عشرَة فِي غير هِلَال رَمَضَان وَنَحْوه مِمَّا الْغَرَض مِنْهُ تَحْقِيق الْفَرْض إِذْ لَيْسَ فِيهِ مشهود عَلَيْهِ وَلَا لَهُ ونظمها بَعضهم من بَحر الطَّوِيل فَقَالَ بُلُوغ وعقل ثمَّ الْإِسْلَام نطقه وَعدل كَذَا حريَّة مُرُوءَة وَذُو يقظة لَا حجر لَيْسَ بمتهم فهذي لشهاد شَرَائِط عشرَة الأول (تَكْلِيف) فَلَا تقبل شَهَادَة صبي لقَوْله تَعَالَى {من رجالكم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 وَلَا مَجْنُون بِالْإِجْمَاع
(و) الثَّانِي (حريَّة) وَلَو بِالدَّار كَأَن كَانَ لقيطا بدار الْإِسْلَام فَلَا تقبل شَهَادَة رَقِيق خلافًا لِأَحْمَد
وَالثَّالِث أَن يكون متيقظا فَلَا تقبل شَهَادَة مُغفل لَا يضْبط
وَالرَّابِع أَن يكون ناطقا فَلَا تقبل شَهَادَة الْأَخْرَس وَإِن فهمت إِشَارَته لكل أحد
وَالْخَامِس أَن يكون غير مَحْجُور عَلَيْهِ بِسَفَه فَلَا تقبل شَهَادَته
وَالسَّادِس أَن يكون مُسلما فَلَا تقبل شَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم وَلَا على الْكَافِر خلافًا لأبي حنيفَة فِي قبُوله شَهَادَة الْكَافِر على الْكَافِر وَلأَحْمَد فِيمَا إِذا شهد كَافِر فِي الْوَصِيَّة فِي السّفر لَا فِي غَيره سَوَاء كَانَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ مُسلما أَو كَافِرًا متمسكا بقوله تَعَالَى {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ إِن أَنْتُم ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} 5 الْمَائِدَة الْآيَة 106 وَإِنَّمَا لم تقبل شَهَادَة الْكَافِر عندنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعدْل وَلِأَنَّهُ أفسق الْفُسَّاق ويكذب على الله تَعَالَى فَلَا يُؤمن من الْكَذِب على خلقه وَقد قَالَ تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 أَي الْمُسلمين أما قَوْله تَعَالَى {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} 5 الْمَائِدَة الْآيَة 106 فَأُجِيب عَنهُ بِأَن مَعْنَاهُ من غير عشيرتكم أَو هُوَ مَنْسُوخ بقوله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} 65 الطَّلَاق الْآيَة 2
(و) السَّابِع أَن يكون لَهُ (مُرُوءَة) وَهِي لُغَة الاسْتقَامَة فَلَا تقبل الشَّهَادَة من عادم مُرُوءَة لِأَن من لَا مُرُوءَة لَهُ لاحياء لَهُ وَمن لَا حَيَاء لَهُ قَالَ مَا شَاءَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت والمروءة شرعا توقي الأدناس عرفا وتختلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص وَالْأَحْوَال والأماكن فيسقطها أكل وَشرب وكشف رَأس وَلبس فَقِيه قبَاء أَو قلنسوة بمَكَان لَا يعْتَاد فِي الْأَوَّلين جوع أَو عَطش وَيفْعل الرَّابِع فَقِيه فِي بلد لَا يعْتَاد مثله لبس ذَلِك فِيهِ ويسقطها أَيْضا قبْلَة زَوْجَة أَو أمة بِحَضْرَة النَّاس الَّذين يستحيا مِنْهُم فِي ذَلِك وإكثار مَا يضْحك بَينهم أَو إكثار لعب شطرنج أَو استماعه أَو رقص
(و) الثَّامِن أَن يكون لَهُ (عَدَالَة) فَلَا تقبل شَهَادَة فَاسق وَلَو نَصبه الإِمَام للشَّهَادَة لقَوْله تَعَالَى {إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} 49 الحجرات(1/384)
لفاعلها كَأَن يفعل الثَّلَاثَة الأول غير سوقي فِي سوق وَلم يغلبه عَلَيْهِ الْآيَة 6) وَلَو كَانَ الْفَاسِق يعلم الْفسق من نَفسه وَصدق فِي شَهَادَة فَالْمُعْتَمَد عِنْد الرَّمْلِيّ أَنه يحل لَهُ أَن يشْهد وَيَنْبَغِي أَن لَا يتَقَدَّم على أهل الْفضل كَمَا قَالَه ابْن قَاسم نقلا عَن الرَّمْلِيّ وَلَو كَانَ الشَّاهِد يعلم فسق نَفسه وَالنَّاس يَعْتَقِدُونَ عَدَالَته جَازَ لَهُ أَن يشْهد وَالْعدْل يتَحَقَّق بخصلتين (باجتناب كَبِيرَة) كتقديم الصَّلَاة أَو تَأْخِيرهَا عَن وَقتهَا بِلَا عذر وَمنع الزَّكَاة وَترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بِشَرْط أَن يكون مجمعا عَلَيْهِ أَو مُنْكرا عِنْد الْفَاعِل وَإِن لم يكن مُنْكرا عِنْد الناهي وَأَن يَأْمَن الضَّرَر على نَفسه وَمَاله وَنَحْوهمَا وَأَن لَا يخَاف الْوُقُوع فِي مفْسدَة أعظم من الْمنْهِي عَنهُ سَوَاء كَانَ الناهي ممتثلا للنَّهْي أَو لَا من الْوُلَاة أَو لَا أَفَادَ النَّهْي أَو لَا ونسيان الْقُرْآن كلا أَو بَعْضًا إِن كَانَ حفظه بعد الْبلُوغ وَأمن مكره تَعَالَى بِأَن يسترسل فِي الْمعاصِي ويجزم بِالْعَفو اعْتِمَادًا على سَعَة فضل الله وَيفْعل الطَّاعَات وَيتْرك الْمعاصِي ويجزم بالنجاة وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم والإفطار فِي رَمَضَان من غير عذر وعقوق الْوَالِدين وَلَو كَافِرين وَالزِّنَا واللواط وَالْقَذْف وَالْقَتْل وَشَهَادَة الزُّور وَضرب الْمُحْتَرَم بِغَيْر حق والنميمة وَهِي نقل الْكَلَام على وَجه الْإِفْسَاد سَوَاء قصد الْإِفْسَاد أم لَا وَأما الْغَيْبَة فَإِن كَانَت فِي أهل الْعلم وَحَملَة الْقُرْآن فَهِيَ كَبِيرَة وَإِلَّا فصغيرة
(و) اجْتِنَاب (إِصْرَار على صَغِيرَة) والإصرار هُوَ الْإِكْثَار من نوع أَو أَنْوَاع من الصَّغَائِر مَعَ أَن طَاعَته لَا تغلب مَعَاصيه
فالمداومة على النَّوْع الْوَاحِد من الصَّغَائِر كَبِيرَة وَضبط الْغَلَبَة بِالْعدَدِ من جَانِبي الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة من غير نظر لِكَثْرَة ثَوَاب فِي الأولى وعقاب فِي الثَّانِيَة لِأَن ذَلِك أَمر أخروي أَي فتقابل حَسَنَة بسيئة بِعشر سيئات
وَالْمرَاد الْغَلَبَة بِاعْتِبَار الْعُمر بِأَن تحسب الْحَسَنَات الَّتِي فعلهَا فِي عمره والسيئات أَيْضا وَينظر الْغَالِب وَلَيْسَ المُرَاد الْغَلَبَة بِاعْتِبَار يَوْم بِيَوْم
فَمن الصَّغَائِر النّظر الْمحرم وهجر الْمُسلم فَوق ثَلَاثَة أَيَّام والنياحة وشق الجيب والتبختر فِي الْمَشْي وَإِدْخَال صبيان أَو مجانين فِي الْمَسْجِد يغلب تنجيسهم لَهُ وَاسْتِعْمَال نَجَاسَة فِي بدن أَو ثوب لغير حَاجَة
(و) التَّاسِع (عدم تُهْمَة) فِي الشَّهَادَة لقَوْله تَعَالَى {ذَلِكُم أقسط عِنْد الله وأقوم للشَّهَادَة وَأدنى أَلا ترتابوا} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 فاسم الْإِشَارَة رَاجع لِأَن تكتبوه
قَوْله {أقسط عِنْد الله} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 أَي أَكثر قسطا أَي عدلا
قَوْله {وأقوم للشَّهَادَة} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 أَي وَأثبت لَهَا وأعون على إِقَامَتهَا
قَوْله {وَأدنى أَلا ترتابوا} 2 الْبَقَرَة الْآيَة 282 أَي وَأقرب فِي أَن لَا تَشكوا فِي جنس الدّين وَقدره وأجله وَفِي الشُّهُود أَي أقرب من عدم الرِّيبَة(1/385)
فَمَتَى كَانَت هُنَاكَ رِيبَة امْتنعت الشَّهَادَة والريبة حَاصِلَة بالمتهم فَلَا تقبل شَهَادَة مُحَصل لنَفسِهِ نفعا بِأَن يظْهر حَال الشَّهَادَة أَن فِيهَا جر نفع لَهُ فشهادته بِمَال لأخ ميت لَهُ ابْن حَال الشَّهَادَة مَقْبُولَة وَإِن مَاتَ الابْن بعْدهَا وَلَو كَانَ لشخص على آخر دين جَاحد لَهُ فَلهُ أَن يحِيل بِهِ شخصا وَيَدعِي الْمُحْتَال على الْمحَال عَلَيْهِ بِالدّينِ وَيُقِيم الْمُحِيل شَاهدا لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تقبل شَهَادَته لَهُ وَلَا يُقَال إِن هَذِه شَهَادَة جرت نفعا فَلَا تصح لِأَن الدّين انْتقل للمحتال كَمَا لَا تقبل شَهَادَة دَافع عَن نَفسه ضَرَرا كَشَهَادَة عَاقِلَة بفسق شُهُود قتل يحملون بدله وَهُوَ الدِّيَة من خطأ أَو شبه عمد وَشَهَادَة غُرَمَاء مُفلس حجر عَلَيْهِ بفسق شُهُود دين آخر ظهر عَلَيْهِ لأَنهم يدْفَعُونَ بهَا ضَرَر الْمُزَاحمَة
(فَترد) أَي الشَّهَادَة (لرقيقه) سَوَاء كَانَ مَأْذُونا لَهُ فِي التِّجَارَة وَغَيرهَا أم لَا ومكاتبه لِأَن لَهُ فِيهِ علقَة ولغريم لَهُ ميت بِأَن ادّعى وَارِث الْمَيِّت الْمَدِين بدين لَهُ على آخر وَأقَام صَاحب الدّين شَاهدا لَهُ فَلَا تصح للتُّهمَةِ لِأَنَّهُ إِذا أثبت للْغَرِيم شَيْئا أثبت لنَفسِهِ الْمُطَالبَة بِهِ وَخرج بِالْمَيتِ الْغَرِيم الْحَيّ وَهُوَ مُوسر أَو مُعسر وَلم يحْجر عَلَيْهِ حجر فلس فَتقبل شَهَادَة الْغَرِيم لَهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تجوز شَهَادَة ذِي الظنة وَلَا ذِي الحنة رَوَاهُ الْحَاكِم والظنة التُّهْمَة والحنة الْعَدَاوَة
(و) ترد الشَّهَادَة (لبعضه) من أصل للشَّاهِد وَإِن علا وَفرع لَهُ وَإِن سفل وَلَو بِالرشد أَو بالتزكية لَهُ أَو لشاهده لِأَنَّهُ بعضه فَكَأَنَّهُ شهد لنَفسِهِ والتزكية وَإِن كَانَت حَقًا لله تَعَالَى لِأَن فِيهَا إِثْبَات ولَايَة للفرع وفيهَا تُهْمَة (لَا) الشَّهَادَة (عَلَيْهِ) أَي بعضه بِشَيْء فَتقبل إِذْ لَا تُهْمَة حَيْثُ لَا عَدَاوَة وَإِلَّا لم تقبل وَلَا ترد الشَّهَادَة على أَبِيه بِطَلَاق ضرَّة أمه طَلَاقا بَائِنا وَأمه تَحْتَهُ أَو قذف الضرة الْمُؤَدِّي للعان الْمُؤَدِّي لفراقها على الْأَظْهر لضعف تُهْمَة نفع أمه بذلك إِذْ لَهُ طَلَاق أمه مَتى شَاءَ مَعَ كَون ذَلِك حسبَة تلْزمهُ الشَّهَادَة بِهِ أما إِذا كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا فَتقبل قطعا هَذَا كُله فِي شَهَادَة حسبَة أَو بعد دَعْوَى الضرة فَإِن ادّعى الْأَب الطَّلَاق لإِسْقَاط نَفَقَة وَنَحْوهَا لم تقبل شَهَادَة بعضه للتُّهمَةِ وَكَذَا لَو ادَّعَت الْأُم الطَّلَاق وَلَو ادّعى الْفَرْع على آخر بدين لمُوكلِه فَأنْكر الْمَدِين فَشهد بِهِ أَبُو الْوَكِيل قبل وَإِن كَانَ فِيهِ تَصْدِيق ابْنه كَمَا تقبل شَهَادَة الْأَب وَابْنه فِي وَاقعَة وَاحِدَة لِأَن التُّهْمَة ضَعِيفَة جدا وَلَا ترد شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ والأخوين وَالصديقين للْآخر مِنْهُم لانْتِفَاء التُّهْمَة
(و) ترد الشَّهَادَة (بِمَا هُوَ مَحل تصرفه) من قيم أَو وَصِيّ أَو وَكيل وَذَلِكَ كَأَن ادّعى سَفِيه على شخص بِشَيْء وَأقَام قيمه شَاهدا فَلَا تقبل شَهَادَته وكما لَو ادّعى أحد وصيين بِمَال للصَّبِيّ وَأقَام الْوَصِيّ الثَّانِي شَاهدا فَلَا تقبل شَهَادَته وكما لَو ادّعى الْمُوكل شَيْئا وَأقَام الْوَكِيل شَاهدا بِهِ فَلَا تقبل شَهَادَته وَذَلِكَ كَأَن وكل زيد فِي بيع شَيْء فَادّعى شخص أَن هَذَا الشَّيْء ملك لَهُ فَأَرَادَ الْوَكِيل وَهُوَ زيد أَن يشْهد بِأَنَّهُ ملك للْمُوكل فَلَا تقبل شَهَادَة كل إِن شهد بذلك فِي حَال ولَايَته أَو وصايته أَو وكَالَته فَإِن شهد بِهِ بعد عَزله وَلم يكن خَاصم بِهِ قبلت وَتثبت الْوكَالَة بأصول الْوَكِيل وفروعه وبأصول الْمُوكل وفروعه بِخِلَاف الْوِصَايَة لَا تثبت بذلك لِأَنَّهَا أقوى من الْوكَالَة وَمثل ذَلِك الإِمَام وَالْقَاضِي وناظر الْوَقْف وَالْمَسْجِد إِذا ادعوا شَيْئا ثمَّ أَقَامُوا أصولهم أَو فروعهم شُهُودًا فَإِن شَهَادَتهم تقبل(1/386)
(و) ترد الشَّهَادَة (من عَدو على عدوه) فِي عَدَاوَة دنيوية ظَاهِرَة لِأَن العداو من أقوى الريب بِخِلَاف شَهَادَة لَهُ فَتقبل إِذْ لَا تُهْمَة وَمن ذَلِك أَن يشْهد رجلَانِ على ميت بِحَق فيقيم الْوَارِث بَيِّنَة بِأَنَّهُمَا عدوان للْوَارِث فَلَا يقبلان عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْخصم فِي الْحَقِيقَة لانتقال التَّرِكَة لملكه وعدو الشَّخْص من يحزن بفرحه ويفرح بحزنه
(و) ترد الشَّهَادَة (من مبادر) بِشَهَادَتِهِ قبل أَن تطلب مِنْهُ قبل الدَّعْوَى أَو بعْدهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الْقُرُون قَرْني ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ يَأْتِي قوم يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون رَوَاهُ الشَّيْخَانِ أَي فَإِن ذَلِك فِي مقَام الذَّم لَهُم وَالْمرَاد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرْني أَصْحَابه وبالذين يَلُونَهُمْ التابعون وبالذين يَلُونَهُمْ الثَّانِي من يَأْخُذُونَ عَن التَّابِعين وَإِنَّمَا ترد الشَّهَادَة من المبادر لِأَنَّهُ مُتَّهم وَلَو فِي مَال يَتِيم أَو زَكَاة أَو كَفَّارَة أَو وقف أَو غَائِب أَو غير ذَلِك بل ينصب القَاضِي من يَدعِي ثمَّ يطْلب الْبَيِّنَة وَلَا تحْتَاج إِلَى حُضُور خصم
وَلَا يشْتَرط فِي الشَّاهِد مَعْرفَته بفروض الصَّلَاة وَالْوُضُوء مثلا إِذا لم يقصر فِي التَّعَلُّم بِأَن أسلم قَرِيبا أَو كَانَ فِي شَاهِق جبل وَلَا يضر توقفه فِي الشَّهَادَة الْمُعَادَة بِأَن لم يرض بإعادتها خوفًا من رده كَمَا رد أَولا وَلذَلِك لَو أعَاد الشَّهَادَة فِي الْمجْلس جَازِمًا بهَا بعد طلبَهَا مِنْهُ قبلت (إِلَّا) فِي شَهَادَة حسبَة وَهِي مَا نوى بِهِ وَجه الله فَتقبل قبل الاستشهاد وَلَو بِلَا دَعْوَى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهُود الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا وَإِنَّمَا تقبل فِي حق الله تَعَالَى كَصَلَاة وَزَكَاة وَكَفَّارَة وَصَوْم وَحج عَن ميت بِأَن يشْهد بِتَرْكِهَا وَحقّ لمَسْجِد ويتيم وَمَجْنُون أَو فِي حد لَهُ تَعَالَى بِأَن يشْهد بِمُوجبِه وَالْأَفْضَل فِيهِ السّتْر كَحَد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق أَو (فِي حق مُؤَكد لله) وَهُوَ مَا لَا يتَوَقَّف وُقُوعه على رضَا الْآدَمِيّ بل يَقع قهرا عَنهُ بِمُقْتَضى الشَّهَادَة (كَطَلَاق وَعتق) وَنسب وعفو عَن قَود وَبَقَاء عدَّة وانقضائها وخلع لَكِن بِالنِّسْبَةِ للفراق لَا لِلْمَالِ بِأَن يشْهد بِالْخلْعِ ليمنع من مُخَالفَة مَا ينشأ مِنْهُ وَصُورَة الشَّهَادَة لذَلِك أَن يَقُول الشُّهُود للْقَاضِي حَيْثُ لَا دَعْوَى نشْهد على فلَان بِكَذَا وَهُوَ يُنكر فَأحْضرهُ لنشهد عَلَيْهِ فَإِن ابتدؤوا فَقَالُوا فلَان زنى فهم قذفة وَإِنَّمَا تسمع شَهَادَة الْحِسْبَة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا حَالا فَلَو شهد اثْنَان أَن فلَانا أعتق عَبده أَو أَنه أَخُو فُلَانَة من الرَّضَاع لم يكف حَتَّى يَقُولَا وَهُوَ يُرِيد أَن يسترقه أَو هُوَ يُرِيد أَن ينْكِحهَا وَلَا عِبْرَة بقولهمَا نشْهد لِئَلَّا ينْكِحهَا وَإِن كَانَا مريدين سفرا وخشيا أَن ينْكِحهَا فِي غيبتهما أما حق الْآدَمِيّ كقود وحد قذف وَبيع وَإِقْرَار فَلَا تقبل فِيهِ شَهَادَة الْحِسْبَة كَمَا لَا تسمع فِي مَحْض حُدُود الله تَعَالَى وَحِينَئِذٍ تسمع فِي السّرقَة قبل رد مَالهَا
تَنْبِيه قد تسمع الشَّهَادَة بِلَا دَعْوَى صَحِيحَة فِي مسَائِل أخر كتصرف حَاكم فِي مَال تَحت ولَايَته وَاحْتَاجَ لمعْرِفَة نَحْو قِيمَته أَو ملكه أَو يَده فَلهُ سَماع الْبَيِّنَة بذلك من غير دَعْوَى اكْتِفَاء بِطَلَبِهِ كَمَا فِي تَعْدِيل الشَّاهِد أَو جرحه وَكَذَا فِي نَحْو مَال مَحْجُور شهد اثْنَان أَن وَصِيّه خانه وَمَال غَائِب شَهدا بفواته إِن لم يقبضهُ الْحَاكِم وَنَظِير ذَلِك قَضَاؤُهُ لنَحْو صبي فِي عمله بعد الثُّبُوت عِنْده من غير طلب أحد لحكمه
(وَتقبل) أَي الشَّهَادَة (من فَاسق) أَو خارم مُرُوءَة (بعد تَوْبَة) بِشَرْط عدم(1/387)
وُصُوله لحالة الغرغرة لِأَن من وصل إِلَى تِلْكَ الْحَالة أيس من الْحَيَاة فتوبته إِنَّمَا هِيَ لعلمه باستحالة عوده إِلَى مثل مَا فعل وَعدم طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا
(وَهِي) أَي التَّوْبَة (نَدم) على الْمعْصِيَة من حَيْثُ الْمعْصِيَة لَا لخوف عُقُوبَة لَو علم بِحَالهِ أَو فَوَات مَال أَو نَحْو ذَلِك (ب) شَرط (إقلاع) عَنْهَا فِي الْحَال إِن كَانَ متلبسا بهَا أَو عَازِمًا على معاودتها (وعزم أَن لَا يعود) إِلَيْهَا مَا عَاشَ إِن تصور مِنْهُ وَإِلَّا كمجبوب بعد زِنَاهُ لم يشْتَرط فِيهِ الْعَزْم على عدم الْعود لَهُ بالِاتِّفَاقِ
(وَخُرُوج عَن ظلامة آدَمِيّ) بِأَيّ وَجه قدر عَلَيْهِ مَالا كَانَت أَو عرضا نَحْو قَود وحد قذف فَإِن أفلس وَجب عَلَيْهِ الْكسْب فَإِن عجز عَن رد الظلامة إِلَى الْمَالِك ووارثه دَفعه لحَاكم ثِقَة فَإِن تعذر صرفه فِيمَا شَاءَ من مصَالح الْمُسلمين عِنْد انْقِطَاع خَبره بنية الْقَرْض وَغرم بدله إِذا وجده وَإِنَّمَا احْتِيجَ لنِيَّة الْقَرْض لِئَلَّا يضيع على مَالِكه إِذا ظهر لكَونه نَائِبا عَنهُ فِي الصّرْف فَإِن أعْسر عزم على الْأَدَاء عِنْد قدرته فَإِن مَاتَ قبله فَلَا مُطَالبَة عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة إِن لم يعْص بالتزامه والمرجو من فضل الله تَعَالَى أَن يعوض الْمُسْتَحق وَإِذا بلغت الْغَيْبَة المغتاب اشْترط استحلاله فَإِن تعذر لمَوْته أَو تعسر لغيبته الطَّوِيلَة اسْتغْفر لَهُ كَأَن يَقُول اللَّهُمَّ اغْفِر لفُلَان وَلَا أثر لتحليل وَارِث وَلَا مَعَ جهل المغتاب بِمَا حلل مِنْهُ أما إِذا لم تبلغه كفى فِيهَا النَّدَم وَالِاسْتِغْفَار لَهُ أما لَو اغتاب صَغِيرا مُمَيّزا وبلغته الْغَيْبَة فَلَا يَكْفِي الاسْتِغْفَار لَهُ لِأَن للصَّبِيّ أمدا ينْتَظر وبفرض مَوته يُمكن استحلال وَارِث الْمَيِّت من المغتاب بعد بُلُوغه وَيَكْفِي النَّدَم والإقلاع عَن الْحَد
وَمن لزمَه حد وخفي أمره ندب السّتْر على نَفسه فَإِن ظهر أَتَى للْإِمَام ليقيمه عَلَيْهِ لفَوَات السّتْر وَلَا يكون اسْتِيفَاؤهُ مزيلا للمعصية بل لَا بُد مَعَه من التَّوْبَة إِذْ هُوَ مسْقط لحق الْآدَمِيّ فَقَط وَأما حق الله تَعَالَى فَيتَوَقَّف على التَّوْبَة فَإِذا لم يتب عُوقِبَ على عدم التَّوْبَة وعَلى الْإِقْدَام على الْفِعْل الْمنْهِي عَنهُ وَتَصِح التَّوْبَة من ذَنْب وَإِن أصر على غَيره وَمن ذَنْب تَابَ مِنْهُ ثمَّ عَاد إِلَيْهِ وَلَو تكَرر مِنْهُ ذَلِك مرَارًا وَمن مَاتَ وَله دين لم يستوفه وَارثه كَانَ المطالب بِهِ فِي الْآخِرَة هُوَ دون الْوَارِث على الْأَصَح وبشرط قَول فِي صِحَة تَوْبَة من مَعْصِيّة قولية من حَيْثُ حق الْآدَمِيّ لتقبل شَهَادَته كَأَن يَقُول الْقَاذِف قذفي بَاطِل وَأَنا نادم عَلَيْهِ وَلَا أَعُود إِلَيْهِ أَو مَا كنت صَادِقا فِي قذفي وَقد تبت مِنْهُ أَو نَحْو ذَلِك وَيَقُول شَاهد الزُّور شهادتي بَاطِلَة وَأَنا نادم عَلَيْهَا
(و) بِشَرْط (اسْتِبْرَاء سنة) تَقْرِيبًا بعد تَوْبَة فِي صِحَة تَوْبَة من مَعْصِيّة فعلية كالعداوة كَمَا رَجحه ابْن الرّفْعَة خلافًا للبلقيني وكخرم مُرُوءَة وَمن شَهَادَة زور وَقذف إِيذَاء لِأَن التَّوْبَة من أَعمال الْقُلُوب ووهمتهم بإظهارها لترويج شَهَادَته وعود ولَايَته وَإِنَّمَا قدرت مُدَّة الِاسْتِبْرَاء بِسنة لِأَن للفصول الْأَرْبَعَة تَأْثِيرا بَينا فِي تهييج النُّفُوس لما تشتهيه فَإِذا مَضَت السّنة على السَّلامَة أشعر ذَلِك بِحسن السريرة وَمحل الِاسْتِبْرَاء فِي الْفَاسِق اذا ظهر فسقه فَلَو كَانَ يسره وَأقر بِهِ ليقام عَلَيْهِ الْحَد قبلت شَهَادَته عقب تَوْبَته كَمَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام
تَنْبِيه اشْتِرَاط القَوْل فِي القولية والاستبراء فِي الفعلية إِنَّمَا هُوَ لقبُول الشَّهَادَات وعود(1/388)
الولايات أما لإِسْقَاط الْإِثْم فَلَا يشْتَرط ذَلِك
(وَشرط لشهادة بِفعل كزنا) وغصب ورضاع وولادة وَإِتْلَاف (إبصار) للْفِعْل مَعَ فَاعله لوصول الْيَقِين بِهِ فَلَا يَكْفِي فِي ذَلِك السماع من الْغَيْر فَيقبل فِي ذَلِك أَصمّ لإبصاره وَيجوز تعمد النّظر لفرجي الزَّانِيَيْنِ لتحمل الشَّهَادَة لِأَنَّهُمَا هتكا حُرْمَة أَنفسهمَا
(و) شَرط لشهادة (بقول كعقد) وَفسخ وَإِقْرَار (هُوَ) أَي إبصار للقائل (وَسمع) لِلْقَوْلِ حَال صدوره مِنْهُ وَلَو من وَرَاء نَحْو زجاج فَلَا يَكْفِي سَمَاعه من وَرَاء حجاب وَإِن علم صَوته لِأَن مَا أمكن إِدْرَاكه بِإِحْدَى الْحَواس لَا يجوز أَن يعْمل فِيهِ بِغَلَبَة ظن لجَوَاز تشابه الْأَصْوَات نعم لَو كَانَ الْمقر مثلا يبيت وَحده وَعلم أَن الصَّوْت مِمَّن فِي الْبَيْت جَازَ لَهُ اعْتِمَاد صَوته وَإِن لم يره سَوَاء كَانَ عدم الرُّؤْيَة لظلمة أَو وجود حَائِل بَينهمَا وَكَذَا لَو علم اثْنَيْنِ بِبَيْت لَا ثَالِث لَهما وسمعهما يتعاقدان وَعلم الْمُوجب مِنْهُمَا من الْقَابِل لعلمه بِمَالك الْمَبِيع أَو نَحْو ذَلِك فَلهُ الشَّهَادَة بِمَا سَمعه مِنْهُمَا وَلَا تقبل الشَّهَادَة بِقِيمَة عين إِلَّا مِمَّن رَآهَا وَعرف جَمِيع أوصافها وَإِن طَال الزَّمن حَيْثُ كَانَت مِمَّا لَا يغلب تغيره فِي تِلْكَ الْمدَّة وَتسمع دَعْوَى من غصبهَا مثلا بِأَنَّهَا تَغَيَّرت صفاتها عَن وَقت رُؤْيَة الشَّاهِد
وَلَا يَصح تحمل شَهَادَة على منتقبة اعْتِمَادًا على صَوتهَا لِأَن الْأَصْوَات تتشابه فَإِن عرفهَا بِعَينهَا أَو باسم وَنسب أَو أمْسكهَا حَتَّى شهد عَلَيْهَا جَازَ التَّحَمُّل عَلَيْهَا منتقبة للْأَدَاء وَلَا يجوز كشف الْوَجْه حِينَئِذٍ إِذْ لَا حَاجَة إِلَيْهِ وَذَلِكَ كَأَن طَلقهَا زَوجهَا وَالشُّهُود يعْرفُونَ أَن زَوجته فُلَانَة بنت فلَان مُطلقَة من زَوجهَا أَو زوج شخص بنته مثلا بِحُضُور الشَّاهِدين فَإِذا ادّعى الزَّوْج نِكَاحهَا بعد وَأنْكرت شَهدا عَلَيْهَا بِأَنَّهَا بنته وَيشْهد عِنْد الْأَدَاء بِمَا يعلم من اسْم وَنسب فَإِن لم يعرف ذَلِك كشف وَجههَا وَضبط حليتها وَكَذَا يكشفه عِنْد الْأَدَاء وَجوز بَعضهم اعْتِمَاد قَول وَلَدهَا الصَّغِير وَهِي بَين نسْوَة هَذِه أُمِّي فَيجوز حِينَئِذٍ التَّحَمُّل على المنتقبة بِصفة من طول وَقصر
(وَله) أَي الشَّخْص (بِلَا معَارض شَهَادَة على نسب) لذكر وَأُنْثَى من أَب أَو أم (وَعتق وَنِكَاح) وَوَلَاء وأصل وقف وَمَوْت ورضاع (بتسامع) أَي استفاضة (من جمع يُؤمن كذبهمْ) أَي توافقهم على الْكَذِب لكثرتهم وَيحصل الظَّن الْقوي بصدقهم وَلَا يشْتَرط فيهم حريَّة وَلَا ذكورة وَلَا عَدَالَة لَكِن يشْتَرط تكليفهم وَلَا يَكْفِي أَن يَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ كَذَا على سَبِيل التَّرَدُّد بل لَا بُد من أَن يَقُول على سَبِيل الْبَتّ بِأَن يَقُول أشهد أَنه ابْنه مثلا لِأَنَّهُ قد يعلم خلاف مَا سَمعه من النَّاس وَإِنَّمَا اكْتفى بِالتَّسَامُعِ فِي الْمَذْكُورَات وَإِن تيسرت مُشَاهدَة أَسبَاب بَعْضهَا لِأَن مدَّتهَا تطول فيعسر إِقَامَة الْبَيِّنَة على ابتدائها فتمس الْحَاجة إِلَى إِثْبَاتهَا بِالتَّسَامُعِ
وَصُورَة الاستفاضة بِالْملكِ أَن يستفيض أَنه ملك فلَان من غير إِسْنَاد لسَبَب فَإِن استفاض سَببه كَالْبيع لم يثبت بِالتَّسَامُعِ إِلَّا الْإِرْث لِأَنَّهُ ينشأ عَن النّسَب وَالْمَوْت وكل مِنْهُمَا يثبت بِالتَّسَامُعِ وَخرج بِأَصْل الْوَقْف شُرُوطه وتفاصيله فَلَا يثبتان بِهِ اسْتِقْلَالا وَلَا تبعا وَخرج بقوله بِلَا معَارض مَا لَو عَارض التسامع مَا هُوَ أقوى مِنْهُ(1/389)
كإنكار الْمَنْسُوب إِلَيْهِ النّسَب أَو طعن من لم تقم قرينَة على كذبه فِي الانتساب فَيمْتَنع الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ لاختلال الظَّن حِينَئِذٍ
(و) لَهُ شَهَادَة (على ملك بِهِ) أَي بِالتَّسَامُعِ مِمَّن ذكر (أَو بيد وَتصرف ملاك) من سُكْنى أَو هدم وَبِنَاء أَو بيع أَو فسخ أَو إِجَارَة أَو رهن وعَلى حق كحق إِجْرَاء المَاء على سطحه أَو أرضه إِذا رأى الشَّاهِد ذَلِك الْمَذْكُور بذلك (مُدَّة طَوِيلَة) عرفا حَيْثُ لَا يعرف لَهُ مُنَازع لِأَن امتداد الْأَيْدِي وَالتَّصَرُّف مَعَ طول الزَّمَان من غير مُنَازع يغلب على الظَّن الْملك أَو الِاسْتِحْقَاق فَلَا تَكْفِي الشَّهَادَة بِمُجَرَّد الْيَد لِأَنَّهُ قد يكون عَن إِجَارَة أَو إِعَارَة وَلَا بِمُجَرَّد التَّصَرُّف لِأَنَّهُ قد يكون من وَكيل أَو غَاصِب وَلَا بهما مَعًا فِي مُدَّة قَصِيرَة فَإِن انْضَمَّ إِلَى الْيَد وَالتَّصَرُّف الاستفاضة وَنسبَة النَّاس الْملك إِلَيْهِ جَازَت الشَّهَادَة قطعا وَإِن قصرت الْمدَّة وَلَا يَكْفِي قَول الشَّاهِد رَأينَا ذَلِك سِنِين وَيسْتَثْنى من ذَلِك الرَّقِيق فَلَا تجوز الشَّهَادَة فِيهِ بِمُجَرَّد الْيَد وَالتَّصَرُّف فِي الْمدَّة الطَّوِيلَة إِلَّا إِن انْضَمَّ لذَلِك السماع من ذِي الْيَد وَالنَّاس أَنه لَهُ فَلَا يَكْفِي السماع من ذِي الْيَد من غير سَماع من النَّاس وَلَا عَكسه للِاحْتِيَاط فِي الْحُرِّيَّة وَكَثْرَة اسْتِخْدَام الْأَحْرَار
تَنْبِيه صُورَة الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ أشهد أَن هَذَا ولد فلَان أَو أَنه عتيقه أَو أَنه مَوْلَاهُ أَو وَقفه أَو أَنَّهَا زَوجته أَو أَنه ملكه لَا أشهد أَن فُلَانَة ولدت فلَانا أَو أَن فلَانا أعتق فلَانا أَو أَنه وقف كَذَا أَو أَنه تزوج هَذِه أَو أَنه اشْترى هَذَا لما مر من أَنه يشْتَرط فِي الشَّهَادَة بِالْفِعْلِ الابصار وبالقول الإبصار والسمع وَمِمَّا يثبت بِالتَّسَامُعِ أَيْضا ولَايَة الْقَضَاء وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل والرشد وَاسْتِحْقَاق الزَّكَاة وَمثل التسامع الِاسْتِصْحَاب لما سبق من نَحْو إِرْث وَشِرَاء وَإِن احْتمل زَوَاله للْحَاجة الداعية إِلَى ذَلِك وَلَا يُصَرح فِي شَهَادَته بالاستصحاب فَإِن صرح بِهِ وَظهر فِي ذكره تردد لم يقبل وَذَلِكَ كَأَن يَقُول أشهد بالاستصحاب بِكَذَا فَلَا يقبل كَمَا لَا يقبل قَوْله أشهد بالاستفاضة بِكَذَا بِخِلَاف مَا إِذا ذكرهمَا لتقوية كَلَام أَو حِكَايَة حَال بِأَن جزم بِالشَّهَادَةِ بِعِلْمِهِ ثمَّ قَالَ مستندي الْإِفَاضَة أَو الِاسْتِصْحَاب فَتسمع شَهَادَته
(وَتقبل شَهَادَة على شَهَادَة) مَقْبُول شَهَادَته (فِي غير عُقُوبَة لله) تَعَالَى وَغير إِحْصَان من حُقُوق الْآدَمِيّ وَحُقُوق الله تَعَالَى كَزَكَاة وحد الْحَاكِم لشخص على نَحْو زِنَاهُ وهلال نَحْو رَمَضَان للْحَاجة إِلَى ذَلِك وَمن عُقُوبَة لآدَمِيّ كقود وحد قذف فَيقبل ذَلِك بِخِلَاف مُوجب عُقُوبَة لله تَعَالَى كزنا وَشرب وسرقة وَكَذَا إِحْصَان من ثَبت زِنَاهُ وَمَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ الْإِحْصَان كَالنِّكَاحِ الصَّحِيح
وَصورته بِأَن ادعوا على شخص بِالزِّنَا وأثبتوا زِنَاهُ بِبَيِّنَة ثمَّ ادّعى أَنه غير مُحصن حَتَّى لَا يرْجم وَهُنَاكَ شُهُود علمُوا بِأَنَّهُ مُحصن وَأَرَادُوا أَن يحملوا الشَّهَادَة لغَيرهم فَيمْتَنع عَلَيْهِم التَّحَمُّل وَخرج بمقبول الشَّهَادَة غَيره فَلَا يَصح تحمل شَهَادَة مردودها كفاسق ورقيق وعدو وَكَذَا لَا يَصح تحمل النِّسَاء وَإِن كَانَت الشَّهَادَة فِي ولادَة أَو رضَاع لِأَن شَهَادَة الْفَرْع تثبت شَهَادَة الأَصْل لَا مَا شهد بِهِ الأَصْل وَمن ثمَّ لم يَصح تحمل فرع وَاحِد عَن أصل وَاحِد فِيمَا يثبت بِشَاهِد وَيَمِين وَإِن أَرَادَ الْمُدَّعِي الْحلف مَعَ الْفَرْع وَإِنَّمَا تقبل الشَّهَادَة على الشَّهَادَة(1/390)
لعدم شَرط وجوب أَدَاء الشَّهَادَة وَذَلِكَ (بتعسر أَدَاء أصل) ولوجوب الْأَدَاء شُرُوط ثَلَاثَة
أَحدهَا أَن يَدعِي المتحمل فِي مَسَافَة الْعَدْوى فَأَقل فَإِن دعى لما فَوْقهَا لم يجب الْحُضُور للضَّرُورَة مَعَ إِمْكَان الشَّهَادَة على الشَّهَادَة بِخِلَاف مَا لَو دعى من تِلْكَ الْمسَافَة فَيجب لعدم قبُولهَا حِينَئِذٍ
وَثَانِيها أَن يكون المتحمل عدلا فَإِن دعى ذُو فسق مجمع عَلَيْهِ ظَاهر لم يجب عَلَيْهِ الْأَدَاء لِأَنَّهُ عَبث بل يحرم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يحمل الْحَاكِم على حكم بَاطِل بِخِلَاف مَا لَو خفى فسقه فَيجوز الْأَدَاء إِذا لم ينْحَصر خلاص الْحق فِيهِ لِأَن فِي قبُوله خلافًا بل يجب إِذا انحصر خلاص الْحق فِيهِ وَكَانَ فِي الْأَدَاء إنقاذ نفس أَو عُضْو أَو بضع
وَثَالِثهَا أَن لَا يكون مَعْذُورًا بِمَرَض وَنَحْوه من كل عذر مرخص فِي ترك الْجَمَاعَة نعم إِن المخدرة تعذر دون غَيرهَا فَإِن كَانَ مَعْذُورًا بذلك أشهد على شَهَادَته أَو بعث القَاضِي من يسْمعهَا دفعا للْمَشَقَّة عَنهُ وَإِذا اجْتمعت الشُّرُوط الثَّلَاثَة وَكَانَ فِي صَلَاة أَو طَعَام فَلهُ التَّأْخِير إِلَى أَن يفرغ وَيلْزمهُ الْأَدَاء عِنْد نَحْو أَمِير وقاض فَاسق لم تصح تَوليته إِن توقف خلاص الْحق عَلَيْهِ (و) تحمل الشَّهَادَة على الشَّهَادَة المعتد بِهِ إِنَّمَا يحصل بِأحد ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهَا (باسترعائه) أَي الأَصْل أَي التماسه من الْفَرْع رِعَايَة شَهَادَته وضبطها ليؤديها عَنهُ لِأَن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة نِيَابَة فَاعْتبر فِيهَا إِذن المنوب عَنهُ أَو مَا يقوم مقَامه
نعم لَو سَمعه يسترعي غَيره جَازَ لَهُ الشَّهَادَة على شَهَادَته وَإِن لم يسترعه هُوَ بِخُصُوصِهِ (فَيَقُول أَنا شَاهد بِكَذَا) فَلَا يَكْفِي أَنا عَالم أَو خَبِير أَو أعرف أَو أعلم (وأشهدك) أَو أشهدتك أَو اشْهَدْ (على شهادتي) بِهِ أَو إِذا استشهدت على شهادتي فقد أَذِنت لَك أَن تشهد وَنَحْو ذَلِك
وَثَانِيها بِسَمَاعِهِ الأَصْل يشْهد عِنْد حَاكم أَو مُحكم أَن لفُلَان على فلَان كَذَا فَلهُ أَن يشْهد على شَهَادَته وَإِن لم يسترعه لِأَنَّهُ إِنَّمَا يشْهد عِنْد الْحَاكِم بعد تحقق الْوُجُوب فأغناه ذَلِك عَن إِذن الأَصْل لَهُ فِيهِ
وَثَالِثهَا بِسَمَاعِهِ الأَصْل يبين سَبَب الشَّهَادَة كَأَن يسمعهُ يَقُول أشهد أَن لفُلَان على فلَان ألفا قرضا فلسًا مله الشَّهَادَة على شَهَادَته وَإِن لم يسترعه وَلم يشْهد عِنْد حَاكم لِأَن إِسْنَاده للسبب يمْنَع احْتِمَال التساهل فَلم يحْتَج لإذنه أَيْضا
(و) لَا بُد من (تَبْيِين فرع) عِنْد الْأَدَاء (جِهَة تحمل) كَأَن يَقُول أشهد أَن فلَانا شهد بِكَذَا وأشهدني على شَهَادَته ثمَّ يَقُول وَأَنا شَاهد على شَهَادَته بذلك هَذَا إِن استرعاه الأَصْل وَإِلَّا قَالَ إِن فلَانا شهد عِنْد حَاكم بِكَذَا أَو قَالَ إِن فلَانا أسْند الْمَشْهُود بِهِ إِلَى سَببه ليتَحَقَّق القَاضِي صِحَة شَهَادَته إِذْ أَكثر الشُّهُود لَا يحسنها هُنَا فَإِن لم يبين جِهَة تحمله ووثق القَاضِي بِعِلْمِهِ وموافقته لَهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة فَلَا بَأْس إِذْ لَا مَحْذُور فَلَا يجب حِينَئِذٍ الْبَيَان فَيَكْفِي أَن يَقُول أشهد على شَهَادَة فلَان بِكَذَا لحُصُول الْغَرَض نعم ينْدب للْقَاضِي استفصاله
(و) لَا بُد من (تَسْمِيَته) أَي الْفَرْع (إِيَّاه) أَي الأَصْل وَإِن كَانَ عدلا لتعرف عَدَالَته بِأَن يذكر(1/391)
اسْمه أَو لقبه أَو كنيته بِحَيْثُ لَا يخفى ذَلِك الأَصْل على الْحَاكِم لِأَنَّهُ قد يعرف جرحه لَو بَين اسْمه مثلا وَلَو حدث بِالْأَصْلِ عَدَاوَة بَينه وَبَين الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو فسق بردة أَو غَيرهَا منع الْفَرْع من الشَّهَادَة لِأَن كلا يُورث رِيبَة فِيمَا مضى إِلَى التَّحَمُّل فَلَو زَالَت هَذِه الْأُمُور اشْترط تحمل جَدِيد بعد مُضِيّ مُدَّة الِاسْتِبْرَاء الَّتِي هِيَ سنة ليتَحَقَّق زَوَالهَا أما حُدُوث ذَلِك بعد الحكم فَغير مُؤثر إِلَّا إِذا كَانَ قبل اسْتِيفَاء عُقُوبَة وَلَو تحمل الْفَرْع الشَّهَادَة نَاقِصا بِأَن كَانَ فَاسِقًا وعبدا وصبيا ثمَّ أَدَّاهَا وَهُوَ كَامِل قبلت شَهَادَته كالأصل إِذا تحمل نَاقِصا ثمَّ أدّى بعد كَمَاله
(وَيَكْفِي فرعان لأصلين) أَي تَكْفِي شَهَادَة رجلَيْنِ على كل من الشَّاهِدين فَلَا يشْتَرط لكل من الْأَصْلَيْنِ فرعان كَمَا إِذا شَهدا على إِقْرَار كل من رجلَيْنِ فَلَا تَكْفِي شَهَادَة وَاحِد على هَذَا وَوَاحِد على الآخر وَلَا وَاحِد على وَاحِد فِي هِلَال رَمَضَان وَشرط قبُول شَهَادَة الْفَرْع موت أصل أَو عذره بِعُذْر جُمُعَة كَمَرَض وعمى وجنون وَخَوف من غَرِيم وَاسْتثنى الْإِغْمَاء حضرا فَينْظر لقرب زَوَاله أَو غيبته فَوق مَسَافَة عدوى فَلَا تقبل فِي غير ذَلِك لِأَنَّهَا إِنَّمَا قبلت للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة حِينَئِذٍ وَأَن يُسَمِّيه فرع وَإِن كَانَ الأَصْل عدلا لتعرف عَدَالَته فَإِن لم يسمه لم يكف لِأَنَّهُ ينسد بَاب الْجرْح على الْخصم
تَتِمَّة يسن تَغْلِيظ يَمِين مُدع غير مَرِيض وزن وحائض وَمن حلف بِالطَّلَاق أَنه لَا يحلف يَمِينا مُغَلّظَة إِذا حلف مَعَ شَاهد أَو ردَّتْ الْيَمين عَلَيْهِ وَيَمِين مدعى عَلَيْهِ وَإِن لم يطْلب الْخصم تغليظها فِيمَا لَيْسَ بِمَال وَلَا يقْصد بِهِ مَال كَنِكَاح ولعان وَطَلَاق وَفِي خلع إِن بلغ عوضه نِصَابا مُطلقًا وَإِلَّا فعلى الْحَالِف مِنْهُمَا إِن كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْجَة فَإِن كَانَ الْمُدَّعِي الزَّوْج فَلَا تَغْلِيظ عَلَيْهَا وَفِي مَال يبلغ نِصَاب زَكَاة نقد عشْرين مِثْقَالا ذَهَبا أَو مِائَتي دِرْهَم فضَّة أَو مَا قِيمَته ذَلِك فَخرج النّصاب الَّذِي لم يبلغ نِصَاب النَّقْد وَلَا قِيمَته كخمسة من الْإِبِل لَا تَسَاوِي عشْرين مِثْقَالا وَلَا مِائَتي دِرْهَم
والتغليظ يكون بِالزَّمَانِ وَالْمَكَان وَبِزِيَادَة أَسمَاء وصفات كَأَن يَقُول وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّذِي يعلم السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَمن التَّغْلِيظ أَن يحلفهُ القَاضِي على الْمُصحف فَيَضَع الْمُصحف فِي حجره ويفتحه وَيَقُول لَهُ ضع يدك على سُورَة بَرَاءَة وَيقْرَأ عَلَيْهِ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} 3 آل عمرَان الْآيَة 77 الْآيَة فَإِن هَذَا مرعب
قَالَ بَعضهم وَينْدب تَحْلِيفه قَائِما وَإِن كَانَ الْحَالِف يَهُودِيّا حلفه القَاضِي بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى ونجاه من الْغَرق أَو نَصْرَانِيّا حلفه بِاللَّه الَّذِي أنزل الْإِنْجِيل على عِيسَى أَو مجوسيا أَو وثينا حلفه بِاللَّه الَّذِي خلقه وصوره
وَلَا يجوز لقاض أَو مُحكم أَو نَحوه أَن يحلف أحدا بِطَلَاق أَو عتق أَو نذر فَلَو حلف بِمَا ذكر انْعَقَدت الْيَمين حَيْثُ لَا إِكْرَاه مِنْهُ فَخرج الْخصم فَلهُ التَّحْلِيف بذلك
قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمَتى بلغ الإِمَام أَن قَاضِيا يسْتَحْلف النَّاس بِطَلَاق أَو عتق أَو نذر عَزله وجوبا عَن الحكم لِأَنَّهُ جَاهِل إِن كَانَ شافعيا فَإِن كَانَ حنفيا أَو مالكيا لم يعزله لِأَنَّهُ يرى ذَلِك وَلَا يحلف قَاض على تَركه ظلما فِي حكمه وَلَا شَاهد على أَنه لم يكذب فِي شَهَادَته وَلَا مُدع صبا وَلَو احْتِمَالا بل يمهله حَتَّى يبلغ إِلَّا كَافِرًا مسبيا أنبت(1/392)
الْعَانَة وَقَالَ تعجلت إنبات الْعَانَة فَيحلف لسُقُوط الْقَتْل بِنَاء على أَن الإنبات عَلامَة الْبلُوغ وَهُوَ الرَّاجِح وَقيل إِنَّه بُلُوغ حَقِيقَة وَعَلِيهِ فَلَا يقبل قَوْله وَالْيَمِين من الْخصم تقطع الْخُصُومَة حَالا لَا الْحق فَتسمع بَيِّنَة الْمُدَّعِي بعد حلف الْخصم وَلَو ادّعى رق غير صبي وَمَجْنُون مَجْهُول نسب فَقَالَ أَنا حر أَصَالَة صدق بِيَمِينِهِ لِأَن الأَصْل الْحُرِّيَّة وعَلى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة وَلَو ادّعى رق صبي أَو مَجْنُون وليسا بِيَدِهِ لم يصدق إِلَّا بِحجَّة أَو بِيَدِهِ وَجَهل لقطهما حلف وَحكم لَهُ برقهما لِأَنَّهُ الظَّاهِر من حَالهمَا وإنكارهما بعد كمالهما لَغْو فَلَا بُد لَهما من حجَّة وَلَا تسمع دَعْوَى بدين مُؤَجل وَإِن كَانَ بِهِ بَيِّنَة إِذْ لَا يتَعَلَّق بهَا إِلْزَام فِي الْحَال فَلَو كَانَ بعضه حَالا وَبَعضه مُؤَجّلا صحت الدَّعْوَى بِهِ لاسْتِحْقَاق الْمُطَالبَة بِبَعْضِه
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب فِي بَيَان الْعتْق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الِاخْتِيَارِيّ والإجباري وَالْعِتْق بالْقَوْل قربَة سَوَاء الْمُنجز وَالْمُعَلّق حَتَّى من الْكَافِر فيخفف بِهِ عَنهُ عَذَاب غير الْكفْر
وَأما صيغته فَإِن تعلق بهَا حث أَو منع أَو تَحْقِيق خبر فَلَيْسَتْ قربَة وَإِلَّا كَانَت قربَة كَإِن طلعت الشَّمْس فَأَنت حر مثلا
وَأما الْعتْق بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِاسْتِيلَاد فَلَيْسَ قربَة لِأَنَّهُ مُتَعَلق بِقَضَاء الأوطار إِلَّا إِن قصد بِهِ حُصُول عتق أَو ولد فَيكون قربَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا رجل أعتق امْرأ مُسلما استنقذ الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا حَتَّى الْفرج بالفرج رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَالضَّمِير الأول للعتيق وَالثَّانِي للْمُعْتق والفرج الأول للْمُعْتق وَالثَّانِي للعتيق
وَرُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعتق ثَلَاثًا وَسِتِّينَ نسمَة وعاش كَذَلِك وَنحر بَدَنَة بِيَدِهِ الشَّرِيفَة فِي حجَّة الْوَدَاع كَذَلِك وأعتقت عَائِشَة تسعا وَسِتِّينَ نسمَة وَعَاشَتْ كَذَلِك وَأعْتق أَبُو بكر كثيرا وَأعْتق الْعَبَّاس سبعين وَأعْتق عُثْمَان وَهُوَ محاصر عشْرين وَأعْتق حَكِيم بن حزَام مائَة مطوقين بِالْفِضَّةِ وَأعْتق عبد الله بن عمر ألفا وَاعْتمر كَذَلِك وَحج سِتِّينَ حجَّة وَحبس ألف فرس فِي سَبِيل الله
وَأعْتق ذُو الكراع الْحِمْيَرِي فِي يَوْم وَاحِد ثَمَانِيَة آلَاف وَأعْتق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ثَلَاثِينَ ألفا رَضِي الله عَنْهُم وحشرنا مَعَهم آمين
ختم المُصَنّف رَحمَه الله تَعَالَى كِتَابه بِبَاب الْعتْق تفاؤلا أَن الله يعتقهُ وقارئه وشارحه وناسخه من النَّار أَي من حَيْثُ وجود لفظ الْعتْق فِي الآخر
(صَحَّ عتق مُطلق تصرف) أَي نافذه حر كَامِل الْحُرِّيَّة مُخْتَار وَلَو كَافِرًا حَرْبِيّا كَسَائِر التَّصَرُّف المالي فَلَا يَصح من مكَاتب ومبعض ومكره بِغَيْر حق ومحجور عَلَيْهِ وَلَو بفلس
(بِنَحْوِ أَعتَقتك أَو حررتك) من قَوْله فَككت رقبتك أَو أَنْت عَتيق أَو أَنْت حر أَو أَنْت فكيك الرَّقَبَة أَو أعتقك الله أَو الله أعتقك وَصَحَّ بكناية مَعَ نِيَّة الْعتْق(1/393)
كَقَوْلِه لَا ملك لي عَلَيْك أَو لَا سُلْطَان لي عَلَيْك أَو لَا سَبِيل لي عَلَيْك أَو لَا يَد لي عَلَيْك أَو باعك الله أَو أقالك الله أَو أَنْت مولَايَ أَو أَنْت سائبة أَو أَنْت سَيِّدي أَو أَنْت لله وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنا مِنْك حر فَلَيْسَ بكناية بِخِلَاف قَوْله أَنا مِنْك طَالِق فَإِنَّهُ كِنَايَة لِأَن النِّكَاح وصف للزوجين بِخِلَاف الرّقّ فَإِنَّهُ وصف للمملوك لَكِن قَالَ الشبرامسلي وَيَنْبَغِي أَن يكون مَحل كَونه غير كِنَايَة هُنَا مَا لم يقْصد بِهِ إِزَالَة الْعلقَة بَينه وَبَين رَقِيقه وَهِي عدم النَّفَقَة وَنَحْوهَا بِحَيْثُ صَار مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَإِلَّا كَانَ كِنَايَة (وَلَو بعوض) وَلَو فِي بيع فَلَو قَالَ أَعتَقتك بِأَلف أَو بِعْتُك نَفسك بِأَلف فَقبل حَالا عتق وَلَزِمَه الْألف وَلَو قَالَ العَبْد لسَيِّده أعتقني على ألف فَأَجَابَهُ عتق فَوْرًا حَيْثُ لم يذكر السَّيِّد أَََجَلًا فَإِن ذكره ثَبت فِي ذمَّته وَلَزِمَه الْألف وَوَجَب إنظاره إِلَى الْيَسَار كالديون اللَّازِمَة للمعسر وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ بِعْتُك نَفسك بِأَلف فِي ذِمَّتك حَالا أَو مُؤَجّلا تُؤَدِّيه بعد الْعتْق فَقَالَ اشْتريت صَحَّ البيع على الْمَذْهَب وَيعتق فَوْرًا وَعَلِيهِ ألف فِي ذمَّته عملا بِمُقْتَضى العقد وَهُوَ عقد عتاقة لَا بيع فَلَا خِيَار فِيهِ أما لَو قَالَ لَهُ بِهَذَا فَلَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يملكهُ وَمَعَ ذَلِك يعْتق وَتجب قِيمَته كَمَا لَو قَالَ لَهُ أَعتَقتك على خمر وَالْوَلَاء لسَيِّده وَلَو كَانَ كَافِرًا وَإِن لم يَرِثهُ وَفَائِدَته أَنه قد يسلم السَّيِّد فيرثه وَعَكسه كَعَكْسِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عقد عتاقة لَا بيع وَعَلِيهِ لَو بَاعه بعض نَفسه سرى عَلَيْهِ ولاحظ هُنَا لضعف شبهه بِالْكِتَابَةِ
(وَلَو أعتق حَامِلا) بمملوك لَهُ (تبعها) فِي الْعتْق وَإِن اسْتَثْنَاهُ لِأَنَّهُ كالجزء مِنْهَا فعتقه بالتبعية لَا بِالسّرَايَةِ لِأَن السَّرَايَة فِي الْأَجْزَاء كالربع لَا فِي الْأَشْخَاص ولقوة الْعتْق لم يبطل بِالِاسْتِثْنَاءِ بِخِلَافِهِ فِي البيع وَلَو أعتق حملا مَمْلُوكا لَهُ دون الْحَامِل عتق فَقَط إِن نفخت فِيهِ الرّوح وَإِلَّا لَغَا على الْأَصَح وَلَا تتبعه أمه لِأَن الأَصْل لَا يتبع الْفَرْع أما لَو كَانَ لَا يملك حملهَا بِأَن كَانَ لغيره بِوَصِيَّة مثلا فَلَا يعْتق أَحدهمَا بِعِتْق الآخر (أَو) أعتق رَقِيقا (مُشْتَركا) بَينه وَبَين غَيره سَوَاء كَانَ شَرِيكه مُسلما أم لَا كثر نصِيبه أم قل (أَو) أعتق (نصِيبه) مِنْهُ كَقَوْلِه نصفك حر وَهُوَ يملك نصفه (عتق نصِيبه) لِأَنَّهُ مَالك التَّصَرُّف فِيهِ (وسرى) مِنْهُ (بِالْإِعْتَاقِ) أَي بِمُجَرَّد تلفظه بِهِ من مُوسر بِقِيمَة حِصَّة شَرِيكه وَقت الْإِعْتَاق (لما أيسر بِهِ) من نصيب الشَّرِيك أَو بعضه من غير توقف على أَدَاء الْقيمَة مَا لم يثبت لَهُ الإيلاد بِأَن اسْتَوْلدهَا مَالك الْبَاقِي مُعسرا وَإِلَّا فَلَا سرَايَة على الْمُعْتق الَّذِي هُوَ غير المستولد وَلَا يمْنَع السَّرَايَة دين وَلَو مُسْتَغْرقا كَمَا سرى بالعلوق من الْمُوسر إِلَى مَا أيسر بِهِ من نصيب الشَّرِيك أَو بعضه وَلَو مدينا وَيُبَاع كل مَا فضل عَن قوته وقوت من تلْزمهُ نَفَقَته فِي يَوْمه وَلَيْلَته ودست ثوب يلْبسهُ وسكنى يَوْم وَيصرف إِلَى ذَلِك وللشريك مُطَالبَة الْمُعْتق أَو المولد بِدفع الْقيمَة وإجباره عَلَيْهَا فَلَو مَاتَ أخذت من تركته فَإِن لم يُطَالِبهُ طَالبه القَاضِي وَإِذا اخْتلفَا فِي قدر قِيمَته فَإِن كَانَ العَبْد حَاضرا(1/394)
وَقرب الْعَهْد رُوجِعَ أهل التَّقْوِيم أَو مَاتَ أَو غَابَ أَو طَال الْعَهْد صدق الْمُعْتق لِأَنَّهُ غَارِم وَعَلِيهِ بِمُجَرَّد السَّرَايَة قيمَة مَا أيسر بِهِ لشَرِيكه وَقت الْإِعْتَاق أَو الْعلُوق لِأَنَّهُ وَقت الْإِتْلَاف وَلَو كَانَ يسَاره بِمَال غَائِب لِأَنَّهُ لَا يشْتَرط لِلْعِتْقِ دفع الْقيمَة بِالْفِعْلِ وَعَلِيهِ لشَرِيكه فِي الْمُسْتَوْلدَة حِصَّته من مهر مَعَ أرش بكارة إِن كَانَت بكرا إِن تَأَخّر الْإِنْزَال عَن تغييب الْحَشَفَة كَمَا هُوَ الْغَالِب وَإِلَّا فَلَا يلْزمه حِصَّة مهر لِأَن الْمُوجب لَهُ تغييب الْحَشَفَة فِي ملك غَيره وَهُوَ مُنْتَفٍ لَا قيمَة حِصَّته من الْوَلَد لِأَن أمه صَارَت أم ولد حَالا فَيكون الْعلُوق فِي ملك المولد فَلَا تجب الْقيمَة وَلَا يسري تَدْبِير لِأَنَّهُ كتعليق عتق بِصفة
(وَلَو ملك) أَي كَامِل الْحُرِّيَّة وَلَو غير مُكَلّف (بعضه) أَي أحد أُصُوله وَإِن علا وَلَو من جِهَة الْأُم أَو أحد فروعه وَإِن سفل من النّسَب وَلَو حملا أَو منفيا بِلعان بعد الِاسْتِلْحَاق (عتق عَلَيْهِ) أَي عتق جَمِيعه إِن ملك جَمِيعه أَو ملك بعضه وباختياره وَكَانَ مُوسِرًا بِقِيمَة الْبَعْض الآخر وَإِلَّا عتق عَلَيْهِ مَا ملكه إِمَّا فَقَط إِن لم يكن مُوسِرًا بِشَيْء من الْبَعْض الآخر أَو مَعَ مَا أيسر بِهِ من الْبَعْض الآخر أَي سَوَاء ملكه ملكا اختياريا كالشراء وَالْهِبَة أَو ملكا قهريا كَالْإِرْثِ كَأَن ورث أمه من أَخِيه لِأَبِيهِ أَو ورث أَبَاهُ أَو أمه من عَمه وَلَو ملك زَوجته الْحَامِل مِنْهُ عتق حملهَا فَلَو اطلع على عيب امْتنع الرَّد وَوَجَب لَهُ الْأَرْش
(وَمن قَالَ لعَبْدِهِ) بقول صَرِيح كَقَوْلِه (أَنْت حر بعد موتِي) أَو أَعتَقتك بعد موتِي أَو حررتك بعد موتِي أَو دبرتك أَو أَنْت مُدبر وَإِن لم يقل بعد موتِي لِأَن حُرُوف التَّدْبِير لَا تحْتَاج إِلَى ذَلِك بِخِلَاف غَيرهَا أَو بكناية كَقَوْلِه خليت سَبِيلك بعد موتِي أَو حبستك بعد موتِي أَي منعت عَنْك التَّصَرُّفَات بِبيع وَغَيره وَهُوَ ناو لِلْعِتْقِ (فَهُوَ مُدبر) وَحكمه أَنه (يعْتق) عَلَيْهِ (بعد وَفَاته) أَي السَّيِّد محسوبا من ثلث مَاله إِن خرج كُله من الثُّلُث وَإِلَّا عتق مِنْهُ بِقدر مَا يخرج مِنْهُ إِن لم تجز الْوَرَثَة بعد الدّين وَبعد التَّبَرُّعَات المنجزة وَإِن وَقع التَّدْبِير فِي الصِّحَّة فَلَو استغرق الدّين التَّرِكَة لم يعْتق مِنْهُ شَيْء أَو نصفهَا وَهِي هُوَ فَقَط بيع نصفه فِي الدّين وَعتق ثلث الْبَاقِي مِنْهُ وَهُوَ سدسه وَإِن لم يكن دين وَلَا مَال غَيره عتق ثلثه
وَالْحِيلَة فِي عتق الْجَمِيع بعد الْمَوْت وَإِن لم يكن لَهُ مَال سواهُ أَن يَقُول هَذَا الرَّقِيق حر قبل مرض موتِي بِيَوْم أَو أقل أَو أَكثر وَإِن مت فَجْأَة فَقبل موتِي بِيَوْم فَإِذا مرض أَو مَاتَ بعد التعليقين بِأَكْثَرَ من يَوْم عتق فِي الْحَال وَلَا سَبِيل لأحد عَلَيْهِ أما لَو لم يزدْ على قَوْله بِيَوْم ذَلِك التَّنْجِيز فَنزل بِهِ الْمَرَض قبل مُضِيّ يَوْم من التَّعْلِيق وَاسْتمرّ الْمَرَض أَكثر من يَوْم ثمَّ مَاتَ فَلَا يعْتق لعدم تقدم يَوْم قبل الْمَرَض وَيصِح التَّدْبِير مُقَيّدا بِشَرْط كَقَوْلِه إِن مت فِي ذَا الشَّهْر أَو ذَا الْمَرَض فَأَنت حر فَإِن مَاتَ فِيهِ عتق وَإِلَّا فَلَا(1/395)
ومعلقا بِصفة كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار فَأَنت حر بعد موتِي فَإِن وجدت الصّفة قبل الْمَوْت ثمَّ مَاتَ عتق وَإِلَّا فَلَا وَلَا يصير مُدبرا حَتَّى يدْخل وَلَو مَاتَ السَّيِّد فَقبل الدُّخُول فَلَا تَدْبِير (وَبَطل) أَي التَّدْبِير بِإِزَالَة ملكه عَنهُ (بِنَحْوِ بيع) للمدبر فَلَا يعود التَّدْبِير وَإِن ملكه ثَانِيًا وَيصِح للنافذ التَّصَرُّف أَن يتَصَرَّف فِي الْمُدبر بأنواع التَّصَرُّفَات المزيلة للْملك كالوقف إِلَّا رَهنه فَلَا يَصح وَلَو على حَال لاحْتِمَال موت سَيّده فَجْأَة فَيفوت الرَّهْن بِعِتْقِهِ فَإِن بَاعَ بعض الْمُدبر فالباقي مُدبر وَبَطل أَيْضا بإيلاد لمدبرته لِأَن الإيلاد أقوى من التَّدْبِير بِدَلِيل أَنه لَا يعْتَبر من الثُّلُث وَلَا يمْنَع مِنْهُ الدّين بِخِلَاف التَّدْبِير فَلذَلِك يرفعهُ الْأَقْوَى (لَا بِرُجُوع لفظا) كفسخته أَو نقضته كَسَائِر التعليقات وَلَا بردة الْمُدبر أَو سَيّده صِيَانة لحق الْمُدبر عَن الضّيَاع لِأَن الرِّدَّة تُؤثر فِي الْعُقُود الْمُسْتَقْبلَة دون الْمَاضِيَة فَيعتق بِمَوْت السَّيِّد من الثُّلُث وَإِن كَانَ مَاله فَيْئا لَا إِرْثا لِأَن الشَّرْط تَمام الثُّلثَيْنِ لمستحقيهما وَإِن لم يَكُونُوا وَرَثَة وَيحل وَطْء الْمُدبرَة لبَقَاء ملكه وَيصِح تَدْبِير الْمكَاتب وَيصِح تَعْلِيق كل من الْمُدبر وَالْمكَاتب بِصفة وَيعتق بالأسبق من الوصفين فَيَقُول للمدبر إِذا جَاءَ رَمَضَان فَأَنت حر وللمكاتب مثل ذَلِك فَإِذا مَاتَ السَّيِّد فِي الأولى قبل رَمَضَان عتق بِالتَّدْبِيرِ وَإِذا أدّى النُّجُوم فِي الثَّانِيَة قبل رَمَضَان عتق بِالْكِتَابَةِ
(الْكِتَابَة) وَهِي عقد عتق بِلَفْظ مُشْتَمل على حُرُوف الْكِتَابَة ككاتبتك أَو أَنْت مكَاتب على كَذَا حَال كَون الْعتْق بعوض مُؤَجل بوقتين فَأكْثر (سنة) إِذا كَانَت (بِطَلَب عبد أَمِين) وَالْمرَاد بالأمين هُنَا من لَا يضيع المَال فِي مَعْصِيّة وَإِن لم يكن عدلا لنَحْو ترك صَلَاة (مكتسب) أَي قوي على الْكسْب الَّذِي يَفِي بمؤنته ونجومه وَهَذَانِ شَرْطَانِ للاستحباب فَإِن فقد أَحدهمَا كَانَت الْكِتَابَة مُبَاحَة إِذا أما الطّلب فَلَيْسَ شرطا للسنية بل لَو لم يطْلبهَا العَبْد بقيت على استحبابها وَإِنَّمَا الطّلب شَرط لكَونهَا سنة متأكدة
(وَشرط فِي صِحَّتهَا) أَي الْكِتَابَة (لفظ يشْعر بهَا) حَال كَون اللَّفْظ (إِيجَابا ككاتبتك) أَو أَنْت مكَاتب (على كَذَا) كألف (منجما) أَي مؤدى إِلَى مرَّتَيْنِ فَأكْثر فِي سنة مثلا (مَعَ) انضمام ذَلِك إِلَى قَوْله (إِذا أديته) أَي ذَلِك الْمِقْدَار أَو إِذا بَرِئت مِنْهُ أَو إِذا فرغت ذِمَّتك مِنْهُ (فَأَنت حر) وَإِنَّمَا احْتِيجَ لما ذكر لِأَن لفظ الْكِتَابَة يصلح للمخارجة فاحتيج لتمييزها بِمَا ذكر ويشمل لفظ الْبَرَاءَة حُصُول ذَلِك بأَدَاء النُّجُوم والبراءة الملفوظ بهَا وفراغ الذِّمَّة شَامِل للاستيفاء والبراءة بِاللَّفْظِ حَال كَون ذَلِك القَوْل ملفوظا أَو منويا عِنْد جُزْء من الصِّيغَة فِي الْكِتَابَة الصَّحِيحَة أما الْفَاسِدَة فَلَا بُد فِيهَا من التَّصْرِيح بالْقَوْل الْمَذْكُور لِأَن الْمُغَلب فِيهَا التَّعْلِيق وَهُوَ لَا يحصل بِالنِّيَّةِ ثمَّ إِطْلَاق القَوْل على النِّيَّة نظرا لتسميتها قولا نفسيا (وقبولا) فَوْرًا (كقبلت) ذَلِك
(و) شَرط فِي الْكِتَابَة (عوض) من دين وَلَو مَنْفَعَة فَلَو كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة فِي الذِّمَّة(1/396)
كبناء دارين فِي ذمَّته وَجعل لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا وقتا مَعْلُوما جَازَ وَإِن تَأَخَّرت عَن العقد كَقَوْلِه كاتبتك على بِنَاء دارين فِي ذِمَّتك فِي شهر كَذَا وَفِي شهر كَذَا وَذكر الْمدَّة لبَيَان أول الْعَمَل فِي كل وَقت لَا جَمِيع وَقت الْعَمَل أما لَو كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة عين فَإِنَّهُ لَا يجوز أَي لَا يَصح عقد الْكِتَابَة كَقَوْلِه كاتبتك على أَن تخدمني الشَّهْر الْقَابِل وَالَّذِي بعده لِأَن الْعين أَي عين الْمكَاتب أَو عينا من أَعْيَان مَاله بِأَن كَانَ مبعضا وَملك بعضه الْحر أعيانا لَا تقبل التَّأْجِيل بِأَن أخرت عَن وَقت العقد كَقَوْلِه كاتبتك على أَن تخدمني شهرا بعد هَذَا الشَّهْر فَلَا يَصح بِخِلَاف مَا إِذا اتَّصَلت بِالْعقدِ وَضم إِلَيْهَا مَالا آخر مُؤَجّلا فَيصح وَإِن كَانَ الْعِوَض مَنْفَعَة عين الْمكَاتب فَقَط حَالَة نَحْو كاتبتك على أَن تخيط لي ثوبا بِنَفْسِك شهرا فَلَا بُد مَعهَا من ضميمة إِمَّا بِمَال كَقَوْلِه وتعطيني دِينَارا بعد انْقِضَاء الشَّهْر أَو بِمَنْفَعَة أُخْرَى كَأَن يَقُول وتبني دَاري فِي وَقت كَذَا أَي وَقت الشُّرُوع فِي الْبناء والضميمة شَرط فِي الْكِتَابَة ليتأتى النجمان
وَالْحَاصِل أَن الشَّرْط أَن يتَأَخَّر إِعْطَاء الدِّينَار عَن الْخدمَة فَلَو قدم زمن إِعْطَاء الدِّينَار على زمن الْخدمَة لم يَصح لما علم من شَرط اتِّصَال الْمَنْفَعَة الْمُتَعَلّقَة بِالْعينِ بِالْعقدِ وَخرج بِمَنْفَعَة عين الْمكَاتب مَنْفَعَة غَيرهَا كَأَن كَاتب العَبْد على مَنْفَعَة دابتين معينتين لزيد يدفعهما لَهُ فِي شَهْرَيْن فَلَا يَصح وَإِن أمكن أَن يشتريهما من زيد ويدفعهما للسَّيِّد وَخرجت المؤجلة فَلَا تصح الْكِتَابَة عَلَيْهَا
وَالْحَاصِل أَنه يشْتَرط فِي مَنْفَعَة الْعين الْحُلُول والضميمة بِخِلَاف مَنْفَعَة الذِّمَّة فَلَا يشْتَرط فِيهَا شَيْء مِنْهُمَا بل الشَّرْط تعددها بِاعْتِبَار زمانها وَشرط فِي الْعِوَض (مُؤَجل) أَي مُؤَقّت إِلَى وَقت مَعْلُوم ليحصله ويؤديه فَلَا تصح الْكِتَابَة بِالْحَال وَلَو فِي مبعض وَإِن كَانَ قد يملك بِبَعْضِه الْحر مَا يُؤَدِّيه لِأَن الْكِتَابَة عقد خَالف الْقيَاس فِي وَضعه لِأَن فِيهَا بيع مَاله بِمَالِه فَاعْتبر فِيهِ سنَن السّلف (منجم بنجمين) أَي مَضْرُوب بوقتين (فَأكْثر) بِأَن يُؤَجل بعضه إِلَى وَقت مَعْلُوم وَبَعضه إِلَى آخر كَذَلِك سَوَاء تساوى البعضان أم تَفَاوتا كَقَوْلِه كاتبتك على مائَة تُؤدِّي نصفهَا فِي وَقت كَذَا وَنِصْفهَا الآخر فِي وَقت كَذَا وَأَقل الْأَجَل وقتان وَلَو قصيرين فَلَا تصح الْكِتَابَة بِأَقَلّ من نجمين وَلَو جَازَت على أقل مِنْهُمَا لفعل الصَّحَابَة لأَنهم كَانُوا يتبادرون إِلَى القربات والطاعات مَا أمكن وَلِأَن الْكِتَابَة مَأْخُوذَة من الْكتب بِمَعْنى ضم النُّجُوم بَعْضهَا إِلَى بعض وَأَقل مَا يحصل بِهِ الضَّم نجمان
وَالْمرَاد بِالنَّجْمِ هُنَا الْوَقْت الْمَضْرُوب وَيُطلق على المَال الْمُؤَدى فِيهِ من تَسْمِيَة الْحَال باسم الْمحل (مَعَ بَيَان قدره) أَي الْعِوَض (وَصفته) بِمَا مر فِي السّلم نعم إِن كَانَ بِمحل العقد نقد غَالب لم يشْتَرط بَيَانه كَالْبيع وَبَيَان عدد الْأَوْقَات اسْتَوَت أَو اخْتلفت وقسط كل عوض يُؤدى عِنْد مَجِيء كل وَقت لِأَن الْكِتَابَة عقد مُعَاوضَة فَاشْترط فِيهِ معرفَة الْعِوَض وَابْتِدَاء الْأَوْقَات من العقد
(وَلزِمَ سيدا) أَو وَارِثا فِي كِتَابَة صَحِيحَة قبل عتق (حط مُتَمَوّل مِنْهُ) أَي عوض الْمكَاتب أَو دَفعه لَهُ من جنس الْعِوَض وَإِن كَانَ من غير عين الْعِوَض إِن(1/397)
رَضِي بِهِ الْمكَاتب بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ من جنسه فَيجب قبُوله والحط أولى من الدّفع لِأَن الْقَصْد بالحط الْإِعَانَة على الْعتْق وَهِي مُحَققَة فِيهِ موهومة فِي الدّفع إِذْ قد يصرف الْمَدْفُوع فِي جِهَة أُخْرَى وَكَونه فِي النَّجْم الْأَخير أولى من غَيره وَكَونه ربع النُّجُوم أولى من غَيره أَي مِمَّا هُوَ دونه وَلَو تعدد السَّيِّد واتحد الْمكَاتب وَجب قسط على كل مِنْهُم أَو تعدد الرَّقِيق وَجب الْحَط لكل مِنْهُم وَيقدم ذَلِك على مُؤنَة تجهيز السَّيِّد لَو مَاتَ وَقت وجوب الْأَدَاء أَو الْحَط وَذَلِكَ بِأَن لم يبْق من مَال الْكِتَابَة إِلَّا مِقْدَار مَا يجب فِي الإيتاء أما لَو مَاتَ السَّيِّد قبل ذَلِك الْوَقْت وَجب تَجْهِيزه مقدما على مَا يجب فِي الإيتاء وَإِن أخر ذَلِك عَن الْعتْق أَثم وَكَانَ قَضَاء وَوقت وُجُوبه من العقد ويتضيق إِذا بَقِي من النَّجْم الْأَخير قدر مَا يَفِي بِهِ
(و) الْكِتَابَة الصَّحِيحَة لَازِمَة من جِهَة السَّيِّد وَلذَلِك (لَا يفسخها) لِأَنَّهَا عقدت لحظ مكَاتبه لَا لحظه فَكَانَ فِي الْكِتَابَة كالراهن لِأَن دوامها حق عَلَيْهِ أما الْكِتَابَة الْفَاسِدَة فَهِيَ جَائِزَة من جِهَته على الْأَصَح (إِلَّا إِن عجز مكَاتب عَن أَدَاء) عِنْد مَجِيء الْأَجَل لنجم أَو بعضه غير الْوَاجِب فِي الإيتاء أما هُوَ فَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخ بِالْعَجزِ عَنهُ (أَو امْتنع عَنهُ) عِنْد ذَلِك مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ (أَو غَابَ) بِغَيْر إِذن السَّيِّد عِنْد ذَلِك وَإِن حضر مَاله أَو كَانَت غيبَة الْمكَاتب دون مَسَافَة قصر وَفَوق مَسَافَة الْعَدْوى فَلهُ فَسخهَا بِنَفسِهِ وبحاكم مَتى شَاءَ لتعذر الْعِوَض عَلَيْهِ وَلَيْسَ لحَاكم أَدَاء من مَال الْمكَاتب الْغَائِب عَنهُ بل يُمكن السَّيِّد من الْفَسْخ لِأَنَّهُ رُبمَا عجز نَفسه أَو امْتنع من الْأَدَاء لَو حضر (و) الْكِتَابَة جَائِزَة من جِهَة الْمكَاتب كَالرَّهْنِ بِالنِّسْبَةِ للْمُرْتَهن فَحِينَئِذٍ (لَهُ فسخ) مَتى شَاءَ وَإِن كَانَ مَعَه وَفَاء وَله تعجيز نَفسه وَلَو مَعَ الْقُدْرَة على الْكسْب وَتَحْصِيل الْعِوَض فَإِذا عجز نَفسه فللسيد الصَّبْر وَالْفَسْخ بِنَفسِهِ أَو بالحاكم فَلَا تَنْفَسِخ الْكِتَابَة بِمُجَرَّد التَّعْجِيز
(وَحرم عَلَيْهِ) أَي السَّيِّد (تمتّع بمكاتبة) وَلَو بِالنّظرِ لغير مَا بَين سرتها وركبتها لِأَنَّهَا كالأجنبية لاختلال ملكه فِيهَا وَيجب لَهَا بِوَطْئِهِ مهر وَإِن طاوعته لشُبْهَة الْملك الدافعة للزِّنَا وَلَا يتَكَرَّر بِتَكَرُّر الْوَطْء إِلَّا إِذا وطىء بعد أَدَاء الْمهْر وَلَو عجزت قبل أَخذه سقط أَو حل نجم قبله وَقع التَّقَاصّ بِشَرْطِهِ وَلَا حد عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا ملكه لَكِن يُعَزّر من علم التَّحْرِيم مِنْهُمَا وَالْولد مِنْهُ حر لِأَنَّهَا علقت بِهِ فِي ملكه وَلَا يجب عَلَيْهِ قِيمَته لأمه لانعقاده حرا وَصَارَت بِالْوَلَدِ مُسْتَوْلدَة مُكَاتبَة فَإِن عجزت عتقت بِمَوْت السَّيِّد
(وَله) أَي الْمكَاتب (شِرَاء إِمَاء لتِجَارَة) توسيعا لَهُ فِي طرق الِاكْتِسَاب (لَا تزوج إِلَّا بِإِذن سيد) لما فِيهِ من الْمُؤَن
(وَلَا تسر) أَي وَطْء أمته وَإِن لم ينزل وَإِن أذن لَهُ سَيّده لضعف ملكه وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِمْتَاع بِمَا دون الْوَطْء أَيْضا لِأَنَّهُ رُبمَا جَرّه إِلَى الْوَطْء وَإِنَّمَا حرم وَطْؤُهَا مَعَ كَونهَا ملكه خوفًا من هلاكها بالطلق فَإِن وَطئهَا فَلَا حد عَلَيْهِ لشُبْهَة الْملك وَلَا مهر لِأَنَّهُ لَو ثَبت لَكَانَ لَهُ وَالْإِنْسَان لَا يجب لَهُ على نَفسه شَيْء وَالْولد من وَطئه نسيب لَاحق بِهِ لَيْسَ من زنا لشُبْهَة الْملك
(إِذا أحبل حر) كُله أَو بعضه وَلَو كَافِرًا(1/398)
أَصْلِيًّا أَو مَجْنُونا أَو مكْرها أَو سَفِيه لَا مُفلسًا (أمته) أَي الْمَمْلُوكَة لَهُ كلا أَو بَعْضًا وَلَو بِلَا وَطْء كاستدخال منيه الْمُحْتَرَم حَال خُرُوجه أَو بِوَطْء محرم لعَارض بِسَبَب حيض أَو إِحْرَام أَو فرض صَوْم أَو اعْتِكَاف أَو لكَونه قبل استبرائها أَو لكَونه ظَاهر مِنْهَا ثمَّ ملكهَا قبل التَّكْفِير أَو لكَونهَا محرما لَهُ بِنسَب أَو رضَاع أَو لكَونهَا مُزَوّجَة أَو مُعْتَدَّة أَو مَجُوسِيَّة أَو وثنية أَو مرتدة أَو مُكَاتبَة أَو لكَونهَا مسلمة وَهُوَ كَافِر (فَولدت حَيا) أَو مَيتا (أَو مُضْغَة مصورة) بِصُورَة آدَمِيّ ظَاهِرَة أَو خُفْيَة أخبر بهَا القوابل أَربع نسْوَة مِنْهُنَّ أَو رجلَانِ خبيران أَو رجل وَامْرَأَتَانِ صَارَت أم ولد و (عتقت) من رَأس مَاله (بِمَوْتِهِ) وَلَو بقتلها لَهُ بِقصد الاستعجال وَيكون عتقهَا من حِين الْمَوْت وَإِن تَأَخّر الْوَضع عَنهُ فَيكون كسبها لَهَا من حِينه وَمثل الْمَوْت مسخ السَّيِّد حجرا أَو نصفه الْأَعْلَى وَمثله أَيْضا مَا إِذا صَار إِلَى حَرَكَة مَذْبُوح بِأَن لم يبْق مَعَه نطق وَلَا إبصار وَلَا حَرَكَة اختيارية وَسبب عتقهَا بِمَوْتِهِ انْعِقَاد الْوَلَد حرا وَهُوَ جُزْء مِنْهَا فيسري الْعتْق مِنْهُ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا توقف على موت السَّيِّد مَعَ أَن الْمُوجب لَهُ الْولادَة لِأَن لَهَا حَقًا بِالْولادَةِ وَللسَّيِّد حَقًا بِالْملكِ وَفِي تَعْجِيل عتقهَا بِالْولادَةِ إبِْطَال لحقه من الْكسْب والتمتع فَفِي تَعْلِيقه بِمَوْت السَّيِّد حفظ للحقين فَكَانَ أولى
ثمَّ المُرَاد بأمته مَا يَشْمَل أمته تَقْديرا كَأَن وطىء الأَصْل أمة فَرعه الَّتِي لم يستولدها الْفَرْع وَلَو مُزَوّجَة فَإِنَّهُ يقدر دُخُولهَا فِي ملك الأَصْل قبيل الْعلُوق فَسقط مَاؤُهُ فِي ملكه صِيَانة لِحُرْمَتِهِ وَمثلهَا أمة مكَاتبه أَو مُكَاتبَة وَلَده وللأمة شَرْطَانِ الأول أَن تكون مَمْلُوكَة للسَّيِّد حَال علوقها مِنْهُ
الثَّانِي أَن لَا يتَعَلَّق بهَا حق لَازم غير الْكِتَابَة حَال الْعلُوق وَالسَّيِّد مُعسر وَلم يزل عَنْهَا بل بِيعَتْ فِيهِ وَلم يملكهَا السَّيِّد بعد وَذَلِكَ بِأَن لَا يتَعَلَّق بهَا حق أصلا أَو تعلق بهَا وَهُوَ غير لَازم أَو لَازم وَهُوَ كِتَابَة أَو غير كِتَابَة لكنه زائل عِنْد الْعلُوق أَو مُسْتَمر وَالسَّيِّد مُوسر أَو مُعسر وَقد زَالَ بعد ذَلِك عَنْهَا بِنَحْوِ أَدَاء أَو إِبْرَاء أَو لم يزل وبيعت فِيهِ لكنه ملكهَا السَّيِّد بعد ذَلِك فَفِي هَذِه الصُّور كلهَا يثبت الإيلاد أما إِذا تعلق بهَا ذَلِك فَلَا يثبت الِاسْتِيلَاد وَالْحق اللَّازِم مثل الرَّهْن بعد الْقَبْض وَأرش الْجِنَايَة أما الْوَطْء فِي الدبر فَلَا يثبت بِهِ استيلاد وَلَا نسب لِأَنَّهُ محرم لعَينه وَكَذَا إِدْخَال الْمَنِيّ الْمُحْتَرَم فِي الدبر بِخِلَاف مَا لَو تلذذ بِحَلقَة الدبر فأمنى فَإِن منيه يكون مُحْتَرما كَذَا قَالَ الشرقاوي
وَمن وطىء الْأمة بِشُبْهَة ثمَّ ملكهَا فَلَا تكون أمة ولد على الْمُعْتَمد (كولدها) الْحَاصِل من غير السَّيِّد (بِنِكَاح) حَال كَون الْوَلَد رَقِيقا بِأَن كَانَ الشَّخْص متزوجا بهَا مَعَ علمه برقها بِخِلَاف مَا لَو غر بحريتها فَإِن الْوَلَد يكون حرا (أَو) وَلَدهَا الْحَادِث من (زنا بعد وَضعهَا) ولدا للسَّيِّد أَي بعد صيرورتها أم ولد فَإِن ذَلِك الْوَلَد يعْتق بِمَوْت السَّيِّد وَإِن مَاتَت أمه فِي حَيَاة السَّيِّد لِأَن الْوَلَد يتبع أمه فِي الرّقّ وَالْحريَّة وَكَذَا فِي سَبَب أَحْكَام الْحُرِّيَّة اللَّازِم وَهُوَ الِاسْتِيلَاد بِخِلَاف الْوَلَد الْحَاصِل بِشُبْهَة من الواطىء وَقد ظن أَن أمة الْغَيْر زَوجته الْحرَّة أَو أمته فَلَا يكون بِمَنْزِلَة الْأُم لانعقاده حرا فَإِن ظن أَنَّهَا زَوجته(1/399)
الْأمة فكأمه فِي الرّقّ إِلَّا إِذا نَكَحَهَا زَوْجَة بِشَرْط أَن أَوْلَادهَا الحادثين مِنْهُ أَحْرَار فَالْوَلَد حر وَإِلَّا فَهُوَ رَقِيق ملك لسَيِّدهَا وَبِخِلَاف الْوَلَد الْحَادِث بِنِكَاح أَو زنا قبل صيرورتها أم ولد فَإِنَّهُ رَقِيق لحدوثه قبل ثُبُوت حق الْحُرِّيَّة
(وَله) أَي للسَّيِّد (وَطْء أم ولد) مَا لم يقم بِهِ مَانع ككونها مُحرمَة أَو مسلمة وَهُوَ كَافِر أَو مَوْطُوءَة ابْنه أَو مُكَاتبَته أَو كَونه مبعضا وَإِن أذن لَهُ مَالك بعضه وَله التَّصَرُّف فِيهَا بالاستخدام وَالْإِجَارَة والإعارة مَا لم تكن مُكَاتبَة وَإِلَّا امْتنع الِاسْتِخْدَام وَغَيره مِمَّا ذكر مَعَه وتزويجها جبرا وَله أرش جِنَايَة عَلَيْهَا وَقيمتهَا إِذا قتلت لبَقَاء ملكه عَلَيْهَا وعَلى مَنَافِعهَا كالمدبرة (لَا تمليكها) لغَيْرهَا بِبيع أَو هبة وَلَا رَهنهَا أما الْهِبَة فَلِأَنَّهَا نقل ملك إِلَى الْغَيْر وَأما الرَّهْن فَلِأَنَّهُ تسليط على ذَلِك فَأشبه البيع وَأَيْضًا إِنَّمَا امْتنع بيعهَا وهبتها لاستحقاقها الْعتْق فَلَا تقبل النَّقْل وَلَا تصح الْوَصِيَّة بهَا وَلَا وَقفهَا وَلَا تدبيرها وَتجوز كتَابَتهَا
وَالْحَاصِل أَن حكم أم الْوَلَد حكم القنة إِلَّا فِيمَا ينْتَقل بِهِ الْملك أَو يُؤَدِّي إِلَى انْتِقَاله وَمحل عدم صِحَة ذَلِك إِذا لم يرْتَفع الإيلاد فَإِن ارْتَفع بِأَن كَانَت كَافِرَة وَلَيْسَت لمُسلم وسبيت وَصَارَت قنة صَحَّ جَمِيع ذَلِك وَيسْتَثْنى من ذَلِك مسَائِل يجوز بيعهَا الأولى الْمَرْهُونَة رهنا وضعيا بِأَن رهن الْمَالِك فِي حَيَاته أَو شَرْعِيًّا بِأَن يَمُوت الْمَالِك وَعَلِيهِ دين فالتركة مَرْهُونَة بِهِ رهنا شَرْعِيًّا وَذَلِكَ حَيْثُ كَانَ المستولد مُعسرا حَال الإيلاد
الثَّانِيَة الجانية وسيدها مُعسر حَال الإيلاد
الثَّالِثَة مُسْتَوْلدَة الْمُفلس
الرَّابِعَة بيعهَا من نَفسهَا بِنَاء على أَنه عقد عتاقة وَهُوَ الْأَصَح وكبيعها فِي ذَلِك هبتها بِخِلَاف الْوَصِيَّة بهَا لاحتياجها إِلَى الْقبُول وَهُوَ إِنَّمَا يكون بعد الْمَوْت وَالْعِتْق يَقع عقبه
الْخَامِسَة إِذا سبى السَّيِّد الْمُسْتَوْلدَة واسترق فَيصح بيعهَا وَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ
السَّادِسَة إِذا كَانَت حربية وقهرها حَرْبِيّ آخر ملكهَا وَظَاهر أَن أم الْوَلَد الَّتِي يجوز بيعهَا لعلقة رهن وضعي أَو شَرْعِي أَو جِنَايَة أَو نَحْوهَا تمْتَنع هبتها (كولدها التَّابِع لَهَا) فِي الْعتْق بِمَوْت السَّيِّد فَلَا يَصح تَمْلِيكه لغيره وَلَا رَهنه وعتقه من رَأس المَال وَإِن حبلت بِهِ من سَيِّدهَا فِي مرض مَوته أَو أوصى بِعِتْقِهِ وَأمه من الثُّلُث كإنفاقه المَال فِي الشَّهَوَات من المآكل والمشارب فَلَا يُؤثر فِيهِ ذَلِك بِخِلَاف مَا لَو أوصى بِحجَّة الْإِسْلَام من الثُّلُث وَلَا فرق فِي ذَلِك الحكم بَين أَن تكون الْأُم مَوْجُودَة أم لَا فَلَو مَاتَت قبل موت السَّيِّد بَقِي حكم الِاسْتِيلَاد فِي حق الْوَلَد
وَهَذَا أحد الْمَوَاضِع الَّتِي يَزُول فِيهَا حكم الْمَتْبُوع وَيبقى حكم التَّابِع كَمَا فِي نتاج الْمَاشِيَة فِي الزَّكَاة وَالْولد الْحَادِث بَين أبوين مختلفي الحكم على أَرْبَعَة أَقسَام
الأول مَا يعْتَبر بالأبوين جَمِيعًا كَمَا فِي الْأكل وَحل الذَّبِيحَة والمناكحة وَالزَّكَاة والتضحية بِهِ وَجَزَاء الصَّيْد واستحقاقهم سهم الْغَنِيمَة
وَالثَّانِي مَا يعْتَبر بِالْأَبِ خَاصَّة وَذَلِكَ فِي سَبْعَة أَشْيَاء النّسَب وتوابعه(1/400)
وَالْحريَّة إِذا كَانَ من أمته أَو من أمة غر بحريتها أَو ظَنّهَا زَوجته الْحرَّة أَو أمته أَو من أمة فَرعه والكفاءة وَالْوَلَاء فَإِنَّهُ يكون على الْوَلَد لموَالِي الْأَب وَقدر الْجِزْيَة وَمهر الْمثل وَسَهْم ذَوي الْقُرْبَى
وَالثَّالِث مَا يعْتَبر بِالْأُمِّ خَاصَّة وَهُوَ شَيْئَانِ الْحُرِّيَّة إِذا كَانَ أَبوهُ رَقِيقا وَالرّق إِذا كَانَ أَبوهُ حرا وَأمه رقيقَة إِلَّا فِي صور ولد أمته وَمن غر بحريتها وَمن ظَنّهَا زَوجته الْحرَّة أَو أمته وَولد أمة فَرعه وَحمل حربية من مُسلم
وَالرَّابِع مَا يعْتَبر بِأَحَدِهِمَا غير معِين وَهُوَ ضَرْبَان أَحدهمَا مَا يعْتَبر بأشرفهما وَهُوَ منقسم إِلَى قسمَيْنِ أَحدهمَا مَا يتبع فِيهِ من لَهُ كتاب كَمَا فِي الْإِسْلَام والجزية
وَثَانِيهمَا مَا يتبع فِيهِ أغلظهما كَمَا فِي ضَمَان الصَّيْد وَالدية والغرة
وَالضَّرْب الثَّانِي مَا يعْتَبر بأخسهما وَذَلِكَ فِي النَّجَاسَة والمناكحة والذبيحة والأطعمة وَالْأُضْحِيَّة والعقيقة وَاسْتِحْقَاق سهم الْغَنِيمَة وَولد الْمُدبرَة وَالْمُعَلّق عتقهَا بِصفة لَا يتبعهَا فِي الْعتْق إِلَّا إِن كَانَت حَامِلا عِنْد العقد أَو وجود الصّفة وَولد الْمُكَاتبَة الْحَادِث بعد الْكِتَابَة يتبعهَا رقا وعتقا بِالْكِتَابَةِ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ للسَّيِّد وَولد الْأُضْحِية وَالْهَدْي الواجبين بِالتَّعْيِينِ لَهُ أكل جَمِيعه وَجرى جمَاعَة على أَنه أضْحِية وَهدى فَلَيْسَ لَهُ أكل شَيْء مِنْهُ بل يجب التَّصَدُّق بِجَمِيعِهِ وَولد الْمَبِيعَة الَّذِي لم ينْفَصل يتبعهَا ويقابله جُزْء من الثّمن وَولد الْمَرْهُونَة والجانية والمؤجرة والمعارة والموصي بهَا أَو بمنفعتها وَقد حملت بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ بَين الْوَصِيَّة وَمَوْت الْمُوصي سَوَاء أولدته قبل الْمَوْت أم بعده وَولد الْمَوْقُوفَة وَولد مَال الْقَرَاض والموصي بخدمتها والموهوبة إِذا ولدت قبل الْقَبْض لَا يتبعهَا أما إِذا كَانَت الْمُوصي بهَا أَو بمنفعتها حَامِلا بِهِ عِنْد الْوَصِيَّة فَإِنَّهُ وَصِيَّة أَو حملت بِهِ بعد موت الْمُوصي أَو وَلدته الْمَوْهُوبَة بعد الْقَبْض وَقد حملت بِهِ قبل الْهِبَة فَإِنَّهُ يتبعهَا لحُصُول الْملك فِيهَا الْقَابِل حِينَئِذٍ فَإِن كَانَت الْمَوْهُوبَة حَامِلا بِهِ عِنْد الْهِبَة فَهُوَ هبة وَلَو رَجَعَ الأَصْل فِي الْمَوْهُوبَة لَا ينفذ رُجُوعه فِي الْوَلَد الَّذِي حملت بِهِ بعد الْهِبَة وولدته بعد الْقَبْض وَولد الْمَغْصُوبَة والمعارة والمقبوضة بِبيع فَاسد أَو بسوم والمبيعة قبل الْقَبْض يتبعهَا فِي الضَّمَان لِأَن وضع الْيَد عَلَيْهِ تَابع لوضع الْيَد عَلَيْهَا وَمحل الضَّمَان فِي ولد المعارة إِذا كَانَ مَوْجُودا عِنْد الْعَارِية أَو حَادِثا وَتمكن من رده فَلم يردهُ وَولد الْمُرْتَد إِن انْعَقَد فِي الرِّدَّة و (أَبَوَاهُ مرتدان فمرتد وَإِن انْعَقَد قبلهَا أَو فِيهَا وَأحد أُصُوله مُسلم فَمُسلم وَلَو نجز عتق أم الْوَلَد أَو الْمُدبرَة لم يتبعهَا وَلَدهَا بِخِلَاف الْمُكَاتبَة) وَلَو كَانَ ولد أم الْوَلَد أُنْثَى لم يجز للسَّيِّد وَطْؤُهَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا شبهه بهَا فِي الْعتْق بِمَوْت سَيّده وَلَو بِيعَتْ أم الْوَلَد فِي رهن وضعي أَو شَرْعِي أَو فِي جِنَايَة ثمَّ ملكهَا المستولد(1/401)
فِي أَوْلَادهَا تصير أم ولد على الصَّحِيح وَأما أَوْلَادهَا الَّذين وجدوا مِنْهَا بعد البيع وَقبل عودهَا إِلَى ملكه فأرقاء لَا يُعْطون حكمهَا لأَنهم ولدُوا قبل الحكم باستيلادها أما الحادثون بعد إيلادها وَقبل بيعهَا فَلَا يجوز لَهُ بيعهم وَإِن بِيعَتْ أمّهم للضَّرُورَة لِأَن حق الْمُرْتَهن والمجني عَلَيْهِ مثلا لَا تعلق لَهُ بهم فيعتقون بِمَوْتِهِ دون أمّهم بِخِلَاف الحادثين بعد البيع لحدوثهم فِي ملك غَيره(1/402)