ولانه لم يفوت بظن الحرية على الاب رقا ينتفع به، لانه كان يعتق عليه، وأصحهما: نعم، وبه قال ابن الحداد. وإن وطئها عالما بالحال. ملكه الجد، وعتق عليه، قال الامام: ولا يبعد أن يقال: ينعقد حرا. فروع في مسائل منثورة. شهد أنه قال: أحد هذين العبدين حر، أو أنه أوصى بإعتاق أحدهما، أو أنه قال: إحدى هاتين المرأتين طالق، يقبل، ويحكم بمقتضى شهادتهما، ولو ولدت المزني بها ولدا، وملكه الزاني لم يعتق عليه، وقال أبو حنيفة: يعتق. ولو قال لعبده: أنت حر كيف شئت، قال أبو حنيفة يعتق في الحال، وقال صاحباه: لا يعتق حتى يشاء، وقال ابن الصباغ: وهو الاشبه. ولو أوصى بإعتاق عبد يخرج من الثلث، لزم الوارث إعتاقه، فإن امتنع، أعتقه السلطان. ولو كان له عبد مقيد، فحلف بعتقه أن في قيده عشرة أرطال، وحلف بعتقه لا يحله هو ولا غيره، فشهد عند القاضي شاهدا أن قيده خمسة أرطال، وحكم القاضي بعتقه، ثم حل القيد فوجد فيه عشرة أرطال، قال ابن الصباغ: لا شئ على الشاهدين، لان العتق حصل بحل القيد دون الشهادة، لتحقق كذبهما. قال ابن الحداد: ولو شهد شاهدان أنه أعتق في مرضه هذا العبد، أو أوصى بعتقه، وحكم القاضى بشهادتهما، وشهد آخران أنه أعتق عبدا آخر، وكل واحد منهما ثلث ماله، ثم رجع الاولان، لم يرد القضاء بعد نفوذه، بل يقرع بينهما، فإن خرجت القرعة للاول، عتق، وعلى الشاهدين الغرم للرجوع، ويرق الثاني، وحينئذ يحصل للورثة التركة كلها، وإن خرجت للثاني، عتق، ورق الاول، ولا شئ على الراجعين، لان من شهدا به لم يعتق، واعترض ابن الصباغ، فقال: ينبغي أن يعتق الثاني بكل حال، ويقرع بينهما لمعرفة حال الاول، فإن خرجت القرعة له، أعتق أيضا، وغرم الراجعان. فرع قال ابن الحداد: لو زوج أمته بعبد غيره، وقبض مهرها، وأتلفه، ومات ولامال غيرها، ولم يدخل الزوج بها، فأعتقها الوارث، نفذ إعتاقه. قال(8/422)
الشيخ أبو علي: تقدم على هذا فصلين أحدهما: إذا أعتق الوارث عبد التركة، وعلى الميت دين، نظر، إن كان الوارث معسرا، لم ينفذ العتق، هكذا قطع به الشيخ. وعن الشيخ أبي محمد أنه على الخلاف في إعتاق الراهن، وضعفه الامام. وإن كان موسرا، فوجهان، أحدهما وبه قال ابن الحداد: ينفذ، وينتقل الدين إلى مال الوارث، كما لو أعتق السيد الجاني، هذا لفظ الشيخ، ونقل الامام عنه أنا إذا أنفذنا العتق، نقلنا الدين إلى ذمة الوارث إذا لم يخلف سوى العبد، قال: وكنت أرى الامر كذلك، فالدين لا يتحول إلى ذمة الوارث قط، لكنه بالاعتاق متلف للعبد، فعليه أقل الامرين من الدين، وقيمة العبد. والثاني: أنه موقوف، فإذأدى الوارث الدين من ماله، تبين نفوذ العتق، وإلا بيع العبد في الدين، وبان أن العتق لم ينفذ. ولو باع الوارث التركة بغير إذن الغرماء لم ينفذ بيعه إن كان معسرا، وإن كان موسرا، ففيه أوجه، أحدها: لا ينفذ كالمرهون، والثاني: ينفذ، والثالث: موقوف، كالعتق. قال الامام ويجئ مما حكاه الشيخ أبو محمد قول أنه يصح بيع الوارث التركة إن كان معسرا كالجاني. قال: وذكر أبو علي تفريعا على صحة البيع أن الثمن يصرف إلى الغرماء، وأن المشتري لو دفع الثمن إلى الوارث فتلف في يده، كان للغرماء تغريم المشتري. قال الامام: والوجه عندي القطع بأنهم لا يطالبون المشتري. وأنا إذا صححنا البيع، كان كالاعتاق. قال الامام: ولزوم البيع بعيد، فإن بيع الجاني وإن صححناه، لا يلزم، مع أن تعلق الارش به أضعف، فبيع الوارث أولى بأن لا يلزم. واعلم أن جميع هذا تفريع على أن الدين لا يمنع الارث، فإن قلنا: يمنعه، فالتركة باقية على ملك الميت، فلا يصح التصرف للوارث بحال. والحاصل أن المذهب نفوذ العتق من الوارث الموسر، ومنع البيع. الفصل الثاني: ذكرنا في النكاح أن الامة إذا عتقت تحت عبد، فلها الخيار،(8/423)
فإن فسخت قبل الدخول، سقط كل المهر، وعلى السيد رده إن كان قبضه إذا تقرر الفصلان، فينفذ العتق في الحال في فرع ابن الحداد. ثم إن كان الوارث معسرا، فلا خيار لها، لانها لو فسخت، لوجب رد مهرها، وصار ذلك دينا على الميت، وذلك يمنع نفوذ العتق من الوارث المعسر، وإذا لم يعتق، فلا خيار، ففي إثبات الخيار بقية والمسألة دورية، وقد سبق طرف منها في النكاح. وإن كان موسرا، فإن قلنا: ينفذ عتقه، فلها الفسخ، وإذا فسخت صار مهرها دينا، فيطالبه به المعتق إن كانت قيمتها المهر لتفويته التركة، وإن كان مهرها أكثر، لم يطالب إلا بقيمتها، لانه لم يفوت إلا ذلك. وإن قلنا: يتوقف نفوذ العتق على أداء الدين، فلا عتق ولا خيار، حتى يرد الصداق إلى سيد العبد، هكذا ذكره الشيخ أبو علي، وفيه إشكال، لانه لا يثبت لسيد العبد دين ما لم يفسخ، فكيف يقضي الدين قبل ثبوته. فرع مات عن ابن حائز للتركة وهي ثلاثة أعبد قيمتهم سواء، فقال الابن: أعتق أبي في مرضه هذا، وأشار إلى أحدهم، ثم قال: بل هذا وهذا، يعني الاول وآخر معا، ثم قال: بل أعتق الثلاثة معا، قال ابن الحداد: الاول حر بكل حال، ويقرع بينه وبين الثاني، لاقراره الثاني، ويقرع بين الثلاثة مرة ثانية، فإذا أقرعنا في المرتين، فإن خرج سهم العتق للاول فيهما لم يعتق غيره، وإن خرج للثاني فيهما، وللاول في الاولى، وللثاني في الثانية أو بالعكس، عتقا، دون الثالث، وإن خرج للاول في الاولى، وللثالث في الثانية عتقا دون الثاني، وإن خرج للثاني في الاولى، وللثالث في الثانية، عتقوا كلهم. قال الشيخ أبو علي: ولو كانت قيمتهم مختلفة بأن كانت قيمة الاول مائة، والثاني المضوم إليه مائتين، والثالث ثلاثمائة، فالاول حر بكل حال، لاقراره الاول، وهو دون الثلاثة، فإذا أقرعنا بينة وبين الثاني، وخرج سهم العتق للاول، عتق من الثاني أيضا نصفه، وإن(8/424)
خرج السهم للثاني، عتق كله. وإذا أقرعنا بين الثلاثة لاقراره الثالث فإن خرج سهم العتق الثالث، عتق ثلثاه، وذلك ثلث ماله، وإن خرج للثاني، لم يعتق الثالث، سواء خرجت القرعة الاولى على الثاني، أو لم تخرج، لانه ثلث ماله، وإن خرجت للاول، فهو خرجت القرعة الاولى على الثاني، أو لم تخرج، لانه ثلث ماله، وإن خرجت للاول، فهو نصف الثلث، فتعاد القرعة لاكمال الثلث بين الثاني والثالث، فإن خرجت على الثاني، رق الثالث، ولا يعتق من الثاني إلا ما عتق بالقرعة الاولى، وهو كله أو نصفه، وإن خرجت على الثالث، عتق ثلثه. ولو كانت قيمة الاول ثلاثمائة، والثاني مائتين، والثالث مائة، عتق من الاول ثلثاه، ثم يقرع بينه وبين الثاني، فإن خرج سهم العتق للاول، ثم يرد شئ، وإن خرج للثاني، عتق كله، ثم يقرع بين الثلاثة، فإن خرج للاول أو الثاني، لم يرد شئ على ما عتق، وإن خرج للثالث، عتق كله. فرع مات عن ثلاثة بنين، وله ثلاثة أعبد، قيمتهم سواء، فأقر أحد البنين أن أباه أعتق في مرضه هذا العبد، وأقر آخر أنه أعتقه مع هذا الآخر، وأقر الثالث أنه أعتق الثلاثة معا، عتق الاول، لان أحد البنين أقر بعتقه، فنفذ في حصته وهي ثلثه، ثم يقرع بينه وبين المضموم إليلاقرار الثاني، فإن خرج سهم العتق للاول، عتق ثلث آخر، وهو حصة المقر، وإن خرج للثاني، عتق ثلثه لهذا المعنى، ثم يقرع بين الثلاثة فمن خرج له سهم العتق، عتق كله. وإذا حكمنا بعتق بعض عبد، فلا سراية، لانهم لم يباشروا الاعتاق، ولا أقروا به على أنفسهم. ومن أعتقنا بعضه بإقرار أحد البنين إذا وقع القسمة في نصيب ذلك المقر، أو صار له بوجه آخر، حكم عليه بعتقه، لاقراره بأنه حر كله. فرع شهد اثنان على ميت أنه أوصى بعتق عبده سالم وهو ثلث ماله، وقال الوارث: أوصي بعتق غانم وهو ثلثه، فإن لم يكذب الوارث الشاهدين، واقتصر على أنه أوصى بعتق غانم وهو ثلثه، فإنه لم يكذب الوارث الشاهدين، واقتصر على أنه أوصى بعتق هذا، عتق الاول بموجب البينة، وأقرع بينة وبين الثاني، لاقرار الوارث، فإن خرجت القرعة للاول، لم يعتق الثاني، وإن خرجت(8/425)
للثاني، عتق، ولم يرق الاول، لانه مستحق العتق بالبينة، فلا يتمكن الوارث من إبطاله بالاقرار، وقد تعمل القرعة في أحد الطرفين دون الاخر كما سبق. وإن أقر الوارث أنه أعتق الثاني، وكذب الشهود في الاول، عتقا جميعا، الاول بالشهادة، والثاني بالاقرار. ولو شهد أجنبيان بأنه أوصى بإعتاق عبد هو ثلث ماله، وشهد وارثان بأنه أوصى بإعتاق آخر، فإن كذب الوارثان الاجنبيين، عتقا عتقا، وإلا أقرع كما سبق. ثلاثة إخوة في أيديهم أمة وولدها، وهو مجهول النسب، قال أحدهم: هي أم ولدي، وهو ولدمنها، وقال الثاني: هي أم ولد أبينا، والولد أخونا، وقال الثالث: هي أمتي، وولدها عبدي، فالكلام في أحكام الاول نسب الولد، فلا يثبت من أبيهم. وأما ثبوته من الذي استلحقه، فإن قلنا: إن من استلحق عبدا مجهول النسب، لحقه، ثبت نسبه منه، وإلا فلا، على الاصح. الثاني القائل: هي أم ولد أبينا، لا يدعي لنفسه شيئا على الآخرين، فلا يحلفهما، لكن إن ادعت الامة ذلك، وأنها عتقت لموت الاب، حلفهما أنهما لا يعلمان الاب أولدها، وأما الآخران، فكل واحد منهما يدعي ما في يد صاحبه، هذا يقول: هي مستولدتي، وذلك يقول: ملكي، فيحلف كل واحد الآخر على نفي ما يدعبه في الثلث الذي في يده. الثالث القائل: هي أم ولد أبينا، لا غرم له، لانه لا يدعي لنفسه شيئا ولا عليه، والذي يدعي إستيلاد يلزمه الغرم للذي يدعي الملك لاعترافه بأنه فوت عليه نصيبه من الامة، والولد هكذا عللوه ومقتضاه أن يكون الصورة فيما إذا سلم أنه كان لمدعي الرق منها نصيب بالارث أو غير وإلا فلا يلزم من قوله: مستولدتي كونها مشتركة من قبل. وكم يغرم ؟ وجهان بناء على أن الجارية في يد من هي وفيه وجهان: أحدهما: لا يد عليها للقائل: مستولدة أبينا، لانها حرة بزعمه، فتكون في يد الآخرين. وأصحهما في يد الثلاثة حكما، فعلى الاول يلزمه لمدعي الرق نصف قيمتها وقيمة الولد، وعلى الاصح ثلث قيمتها، وبه أجاب ابن الحداد. الرابع: الولد حر بقول من يقول: مستولدة الاب، ومن يقول:(8/426)
مستولدتي، قال الشيخ أبو علي: ويعتق عليه نصيب مدعي الرق ونصيبه من الجارية، هكذا ينبغي أن يكون. فرع قال لعبديه: أحدكما حر، ثم غاب أحدهما، فقال للذي لم يغب وعبد ثالث: أحدكما حر، ثم مات قبل البيان، قال الاستاذ أبو إسحق: يقرع بين الاولين، فإن خرج سهم العتق للذي غاب، عتق، وتعاد القرعة بين الآخرين، فمن خرجت له، عتق أيضا. وإن خرجت أولا للذي لم يغب، عتق، ولا تعاد، لان تعيين القرعة كتعيين المالك، ولو عين الذي لم يغب للعتق، ثم قال له وللآخر: أحدكما حر، كان صادقا، ولم يقتض ذلك عتق الآخر. وقال الماسرجسي: إن خرجت القرعة للذي لم يغب، تعاد، لانه يحتمل أنه أراد بقوله: الثاني الذي حضر أخرا، فإن خرجت القرعة الثانية للذي لم يغب أيضا، لم يعتق، وإن خرجت للآخر، عتق أيضا، مال الامام إلى هذا، ورجح الشيخ أبو علي بالاول. فرع له أربع إماء، فقال: كلما وطئت واحدة منكن، فواحدة منكن حرة، ثم وطئ إحداهن، عتقت إحداهن. وهل تدخل الموطوءة في العتق المبهم ؟ يبنى على الوجهين السابقين في أن الوطئ هل يكون تعيينا للملك في الموطوءة والعتق في غيرها ؟ إن قلنا: نعم وعليه فرع ابن الحداد، فأول الوطئ لا يتضمن التعيين، لان العتق معلق به، وما لم يوجد، لا يثبت استحقاق العتق. فلو نزع بمجرد تغييب الحشفة، دخلت الموطوءة في العتق المبهم، وإن استدام، فهل تتضمن الاستدامة التعيين وإخراج الموطوءة عن استحقاق العتق ؟ وجهان، أحدهما هو قول أبي زيد: نعم، فيقرع بين الثلاث البواقي، وأصحهما وبه قال ابن الحداد: لا، لانه وطئ واحد، ولهذا لا يستحق بالاستدامة عتق آخر فيقرع بين الاربعة، وهذا كمن قال لامته: إن وطئتك فأنت حرة، فوطئ ونزع في الحال، لا يلزمه مهر، وإن استدام، فوجهان كنظيره في الحلف بالطلاق. وإن وطئ ثلاثا منهن، واستدام، عتق بكل وطئ أمة، فإن جعلنا الوطئ تعيينا، والاستدامة متضمنة للتعيين، عتقت الاولى والثانية والرابعة بلا قرعة، ورقت الثالثة، لانه لما وطئ(8/427)
الاولى فبتغييب الحشفة ثبت عتق واحدة، فإذا استدام، خرجت هي عن الاستحقاق، لتعينها للملك، والثانية والثالثة تعينتا للملك بوطئهما فتعينت الرابعة للعتق، الثانية ثبت حق العتق لها، لان الرابعة علقت بالوطئ الاول، فإذا استدام خرجت هي عن الاستحقاق وخرجت الثالثة أيضا بوطئها، فتعينت الاولى للعتق فإذا وطئ الثالثة، لم تبق إلا هي والثانية، واستدامة الوطئ فيها إمساك، فيعين العتق في الثانية، وإن جعلنا الوطئ تعيينا، ولم نجعل الاستدامة تعيينا، أقرع بين الاولى والرابعة، لانه أمسك الثانية والثالثة بوطئهما للملك، فإن خرجت القرعة للرابعة، عتقت، بوطئ الثانية يستحق عتق آخر، لكن لا حظ فيه للرابعة، لانها عتقت بالوطئ الاول، ولا للثالثة، لانه أمسكها بالوطئ، فهو إذا متردد بين الاولى والثانية، فيقرع بينهما، فمن خرجت لها القرعة، عتقت، وبوطئ الثالثة يستحق عتق آخر، ولا حظ فيه للرابعة، ولا لمن عتق من الاولى والثانية، فإن عتقت الاولى، أقرعنا بين الثانية والثالثة، وإن عتقت الثانية، أقرعنا بين الاولى والثالثة، وإن خرجت القرعة الاولى للاولى دون الرابعة، عتقت، وبوطئ الثانية يتردد العتق بينها وبين الرابعة، لان الاولى عتقت، والثالثة تعينت بالوطئ للامساك، فمن خرجت لها القرعة، عتقت، وبوطئ الثالثة يستحق عتق آخر لا حظ فيه للاولى، ولا لمن عتقت والثانية والرابعة، فإن عتقت الثانية، أقرعنا بين الثالثة والرابعة، وإن عتقت الرابعة، أقرعنا بين الثانية والثالثة، وإذا قلنا: الوطئ ليس بتعيين، أقرع ثلاث مرات، لاستحقاق العتق لثلاث منهن، يقرع بوطئ الاولى بين الاربع بسهم عتق وثلاثة أسهم رق، فإن خرجت الرابعة، عتقت، ولا مهر لها، لانه لم يطأها، وإن خرجت الاولى، عتقت، وهل تستحق المهر ؟ يبنى على أن استدامة الوطئ هل يوجب مهرا ؟ وإن خرجت للثانية أو الثالثة، عتقت، ولها المهر، لانا تبينا أنه وطئها بعد حصول عتقها، ثم يقرع لوطئ الثانية بي الثلاث البواقي بسهم عتق، وسهمي رق، فإن خرجت للرابعة، فلا شئ لها، وإن خرجت للثانية، ففي استحقاقها المهر الوجهان. وإن خرجت الثالثة، استحقت، وإن خرجت القرعة الحرية في(8/428)
المرة الاولى للثانية، أقرعنا لوطئ الثانية بين الاولى والثالثة والرابعة، فإن خرج سهم العتق للاولى، فلا مهر لها بلا خلاف، لان عتقها متأخر عن وطئها، وإن خرج للرابعة، فكذلك، لانه لم يطأها. وإن خرج للثالثة، فلها المهر، لانا تبينا أنها عتقت قبل وطئها، ثم يقرع لوطئ الثالثة بين الباقيين بسهم عتق، وسهم رق، فإن بقيت الثالثة والرابعة، فلا مهر، وإن خرجت للثالثة، فهل لها المهر ؟ فيه الوجهان، وإن بقيت الاولى والثانية، فلا مهر لمن خرجت لها القرعة منهما، لتقدم وطئها على عتقها، وفيه وجه أنه يقرع بين الاربع دفعة واحدة بثلاثة أسهم عتق، وسهم رق، فتعتق ثلاث، وترق واحدة، وهذا صحيح لمعرفة الرق والعتق، ولكن لا يصرف به المهر، وموضع الخلاف فيه والوفاق. ولو وطئ الاربع، عتقن كلهن، ونحتاج للمهر إلى الاقراع ثلاث مرات بين الاربع مرة بسهم عتق، وثلاثة أسهم رق، ثم مرة بين ثلاث منهن بسهم عتق، وسهمي رق، ثم مرة بين الباقيتين بسهم عتق، وسهم رق، واستيعاب الاحتمالات يطول. وضابطه أن ينظر في كل قرعة، فمن بان أنها عتقت قبل وطئها، فلها المهر، وفيمن عتقت بوطئها الوجهان. أما إذا قال: كلما وطئت واحدة منكن، فواحدة من صواحبها حرة ووطئهن، فإن قلنا: الوطئ يعين الملك في الموطوءة، عتقت الرابعة بوطئ الاولى، والاولى بوطئ الثانية، والثانية بوطئ الثالثة، ورقت الثالثة. وإن قلنا: لا يعين، عتق ثلاث، ورقت واحدة، فيقرع لوطئ الاولى بين الثلاث البواقي، فإن خرجت القرعة للثانية، عتقت، ثم يقرع لوطئ الثانية بين الاولى والثالثة والرابعة، فإن خرجت للاولى أو للرابعة، عتقت. وإذا وطئ الثالثة، عتقت الباقية هي الاولى والثالثة والرابعة، فإن خرجت للاولى أو للرابعة، عتقت. وإذا وطئ الثالثة، عتقت الباقية والثالثة والرابعة، فإن خرجت للاولى أو للرابعة، عتقت. فإذا وطئ الثالثة، عتقت الباقية منهن وهي الاولى أو الرابعة، وإن خرجت القرعة الثانية للثالثة، عتقت، فإذا وطئ الثالثة، أقرع بين الاولى والرابعة. وأما المهر، فلا يجب لمن عتقت بعد الوطئ، ويجب لمن بان عتقها قبله. وفي هذه الصورة لا يعتق الموطوءة بوطئها بحال. واعلم أن الاقراع في جميع هذه الصورة فيما إذا مات قبل البيان، فأما في حياته، فيؤمر بالبيان.(8/429)
فرع له أربع إماء وعبيد، فقال: كلما وطئت واحدة منكن، فعبد من عبيدي حر، وكلما وطئت اثنتين، فعبدان حران، وكلما وطئت ثلاثا، فثلاثة، وكلما وطئت أربعا، فأربعة، فوطئ الاربعة، فهو كقوله: كلما طلقت امرأة فعبد من عبيدي حر، إلى آخر التصوير، وقد سبق في الطلاق، والصحيح أنه يعتق خمسة عشر عبدا. فرع اشترى في مرض موته عبدا بأكثر من قيمته، وكانت المحابات قدر الثلث، بأن كان له ثلاثمائة، واشترى عبدا يساوي مائة بمائتين، ثم أعتقه، قال ابن الحداد: وإن لم يوفر الثمن نفذ العتق، وبطلت المحاباة، لان المحاباة كالهبة، فإذا لم يقترن بها القبض حتى جاء ما هو أقوى منها، وهو العتق، بطلت، ويمضى البيع بثمن المثل، وعلى البائع أن يقنع به. وإن وفر الثمن، نفذت المحاباة، وبطل العتق، لان المحاباة، استغرقت الثلث. قال الاصحاب: هذا غلط، ولا فرق في المحاباة بين أن يقبض أو لا يقبض، لانها تعلقت بالمعارضة، والمعارضة تلزم بنفس العقد، ولها لو حابى المريض ولم يقبض، ثم أراد إبطالها، لم يتمكن منه، بخلاف الهبة، فالجواب نفوذ المحاباة، وبطلان العتق، لتقدمها، قالوا: وقوله: يلزم البائع أن يقنع بقدر قيمة العبد، غلط أيضا، لانه لم يرض بزوال ملكه إلا بالزيادة، بل ينبغي أن يقال: له الخيار بين أن ينفذ البيع بقدر القيمة وينفذ العتق وبين أن يفسخه ويبطل العتق. فرع جارية بين شريكين حامل من زوج أو زنا، عتق أحدهما نصيبه من الحمل وهو موسر، ثم وضعته لوقت يعلم وجوده يوم الاعتاق، وهو لدون ستة أشهر، فهو حر بالمباشرة والسراية، وعلى المعتق قيمة نصيب الشريك يوم الولادة، فإن ألقته ميتا من غير جناية، فلا شئ على المعتق، وإن كان بجناية، فعلى عاقلة الجاني غرة لورثة الجنين، لانه محكوم بحريته، وعلى المعتق نصف عشر قيمة الام للشريك. هكذا أطلق ابن الحداد، فقال القفال: إنما يلزالمعتق نصف عشر قيمة الام إذا لم يزد على قيمة الغرة، فإن زاد، لم يلزم إلا نصف قيمة الغرة، ورأى الشيخ أبو علي الاخذ بالاطلاق، وأنه يجب نصف عشر قيمة الام بالغا ما بلغ، لان(8/430)
انفصاله مضمونا كانفصاله حيا، لان الغرة تصرف إلى الوارث وقد لا يستحق المعتق منها شيئا، وإنما كان يجب رعاية المناسبة بين الغرمين، أن لو كان الواجب بالجناية للمعتق، قال الشيخ: وهذا كله جواب على أن الشراء يحصل بنفس الاعتاق، فإن قلنا: يحصل بأداء القيمة، فإذا وضعت الحمل، وقوم ووصل نصف القيمة إلى الشريك، فحينئذ يعتق الباقي. وإن ألقته ميتا بجناية، فنصفه حر، وهو يقوم الباقي على المعتق ؟ فيه الخلاف السابق فيما لو أعتق نصيبه ومات العبد قبل وصول القيمة إلى الشريك. فإن قلنا: يسقط التقويم، فنصفه حرونصفه رقيق، فعلى عاقلة الجاني نصف غرة. وإلى من تصرف ؟ فيه الخلاف المذكور في أن من بعضه حر، هل يورث، ويجب للنصف المملوك نصف عشر قيمة الام، وهل يكون في مال الجاني أم على عاقلته ؟ فيه الخلاف في أن بدل الرقيق تحمله العاقلة. فرع خلف ثلاثة أعبد، قيمة كل واحد مائة ولا مال له غيرهم، فشهد عدلان أنه عتق في مرضه هذين، فأشار الوارث إلى أحدهما، فقال: أما هذا فأعتقه، وأما الآخر، فلا، فلا يقبل قوله في إبطال حق الآخر من العتق، لكن يقرع بينهما، فإن خرج العتق لمن عينه الوارث، عتق ورق الآخر، وإن خرج للآخر، عتق بمقتضى القرعة التي اقتضتها الشهادة، ويعتق الآخر بإقرار الوارث. وإن قال الوارث: أعتق مورثي هذا، ولا أعلم حال الآخر، أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة، عتق، دون الآخر. ولو شهدا أنه أعتق الثلاثة دفعة وقال الوارث: أعتق هذين دون ذاك، قال ابن الحداد: يقرع بين الثلاثة، فإن خرج سهم العتق للذي أنكره الوارث، عتق، وتعاد القرعة لاقرار الوارث بين الآخرين، فمن خرجت له عتق بإقرار الوارث وإن خرجت أولا لاحد الاثنين اللذين أقر بإعتاقهما، عتق، ورق الآخران، وبالله التوفيق.
الخصيصة الخامسة : الولاء، وفيه طرفان. الاول: في سببه، وهو زوال الملك عن رقيق بالحرية، فمن أعتق عبدا تنجيزا، أو(8/431)
بصفة، أو دبره، أو استولدها، فعتقا بموته، أو عتق عليه بأداء نجوم الكتابة، أو الابراء منها، أو التمس من مالك عبد عتقه على مال، فأجابه، أو أعتق نصيبه من مشترك، وسرى، أو ملك قريبه فعتق عليه، ثبت له عليه الولاء. ولو باع عبد نفسه، فله عليه الولاء على المذهب، وسواء اتفق دينهما أو اختلف. فلو أعتق مسلم كافرا أو عكسه، ثبت الولاء، وإن لم يتوارثا، كما تثبت علقة النكاح والنسف بينهما. ثم الولاء مختص بالاعتاق، فمن أسلم على يديه إنسان فلا ولاء له عليه، ومن أعتق عن غيره بغير إذنه، وقع العتق عن المعتق عنه، وله الولاء دون المعتق. والولاء كالنسب لا يجوز بيعه، ولا هبته، ولا يورث، لكن يورث به. ولو أعتق عبدا على أن لا ولاء له عليه، أو على أن يكون سائبة، لغا الشرط، وثبت الولاء، وكذا لو شرط أن ولاءه لفلان أو للمسلمين، لغا، ولا ينتقل الولاء عنه، كما لا ينتقل النسب، ولا يثبت الولاء بالمولاة والحلف، كما لا يثبت النسب بذلك، وكما يثبت الولاء على المعتق، يثبت على أولاده وأحفاده، وعلى عتيقه وعتيق عتيقه، وكما يثبت للمعتق يثبت لمعتق الاب وسائر الاصول، ولمعتق المعتق، وكما يثبت على ولده العتيق، يثبت على ولد العتيقة، ويستثنى من استرسال الولاء على أولاده العتيق وأحفاده موضعان أحدهما: إذا كان منهم من مسه رق وأعتق، فولاؤه لمعتقه، فإن لم يكن، فلعصبات معتقه، فإن لم يوجدوا، فالميراث لبيت المال، ولا ولاء عليه لمعتق الاصول بحال، فإنه أعتق مباشرة، وولاء المباشرة أقوى. وصورته أن تلدرقيقة رقيقا من رقيق أو حر، وأعتق الولد وأبواه أو أمه. الثاني: من أبوه حر أصلي لا ولاء عليه، وأمه معتقة، هل يثبت عليه الولاء لموالي الام ؟ فيه أوجه. الصحيح: لا، والثاني: نعم، والثالث: إن كانت حرية الاب متيقنة، بأن كان عربيا معلوم النسب، فلا، وإن كانت مبنية على ظاهر الدار،(8/432)
وأن الاصل في الناس الحرية، فنعم، لضعف حرية الاب، ولو كان الاب معتقا، والام حرة أصلية، فالصحيح ثبوت الولاء عليه لموالي الاب، لانه ينسب إليه. وقيل: لا ولاء عليه تغليبا للحرية كعكسه. ومن له أمه حرة أصليه وأبوه رقيق لا ولاء عليه لاحد، فإن أعتق الاب، فهل يثبت عليه لموالي الاب ؟ قال الشيخ أبو علي: فيه جوابان سمعتهما من شيخي في وقتين، وهما محتملان، أحدهما: نعم، لثبوته على الاب، وإنما لم تثبت أولا لرقه. والثاني: لا، لانه لم يثبت ابتداء، فلا يثبت بعده، كما لو كان أبواه حرين. فرع من مسه رق وعتق، فلا ولاء عليه لمعتق أبيه وأمه وسائر أصوله كما سبق، سواء وجدوا في الحال أم لا، فالمباشر إعتاقه ولاؤه لمعتقه، ثم لعصبته، فأما إذا كان حر الاصل، وأبواه عتيقين، أو أبوه عتيق، فولاؤه لمولى أبيه، وإن كان الاب رقيقا، والام معتقة، فالولاء لمعتقها، فإن مات والاب رقيق بعد، ورثه معتق الام، وإن أعتق الاب في حياة الولد، الخبر الولاء من مولى الام إلى مولى الاب. ولو مات الاب رقيقا، وعتق الجد، انجر من موالي الام إلى موالي الجد ولو عتق الجد، والاب رقيق، ففي انجراره إلى مولى الجد. وجها. أصحهما: ينجر، فإن أعتق الاب بعد ذلك، انجر من مولى الجد إلى مولى الاب، والثاني: لا ينجر، فعلى هذا لو مات الاب بعد عتق الجد، ففي انجراره إلى موالي الجد وجهان. أصحهما عند الشيخ أبي علي: لا ينجر، وقطع البغوي بالانجرار. قلت: الانجرار أقوى. والله أعلم. وإذا ثبت الولاء لموالي الام لرق الاب، فاشترى الولد أباه، ثبت له الولاء عليه، وعلى إخوته وأخواته الذين هم أولاد الاب، وهل يجر ولاء نفسه من مولى الام ؟ وجهان، الاصح المنصوص: لا، لانه لا يمكن أن يكون له على نفسه ولاء، ولهذا لو اشترى العبد نفسه، عتق وكان الولاء عليه لبائعه، وكذا المكاتب إذا عتق بالاداء، وإذا تعذر الجر، بقي الولاء موضعه. والثاني: ينجر، ويسقط، ويصير كحر لا ولاء عليه. ولو خلق انسان حر من حرين، وكان في أحد أجداده رقيق. ويتصور ذلك في نكاح الغرور، وفي الوطئ بشبهة إذا أعتقت أم أمه، ثبت الولاء عليه(8/433)
لمعتق أم الام، فإذا أعتق أبو أمه بعد ذلك، انجر الولاء إلى مولاه، فإذا أعتقت أم الاب بعد ذلك، انجر الولاء من مولى أبي الام إلى مولى أم الاب، فإذا أعتق أبو أبيه بعد ذلك، انجر إلى مولاه. ولو كانت المسألة بحالها لكن أبوه رقيق، فأعتق الاب بعد عتق هؤلاء، انجر إلى مولاه، واستقر عليه. ودليله أن جهة الابوة أقوى، وحيث أثبتنا الولاء لمولى الام، فمات الولد، أخذ ميراثه، فإن عتق بعد ذلك، لم يسترده مولاه، بل الاعتبار بحال الموت، وليس معنى الانجرار أن يحكم بأن الولاء لم يزل في جانب الاب، بل معناه أنه ينقطع من وقت عتق الاب عن مولى الام، وإذا انجر إلى موالي الاب، فلم يبق منهم أحد، لم يعد إلى موالي الام، بل يكون الميراث لبيت المال، وكذا إذا ثبت الولاء لموالي الاب فهلكوا، لم يصر لموالي الجد، حتى لو مات من انتقل ولاؤه من موالي أبيه إلى موالي جده حينئذ فميراثه لبيت المال. فرع أعتق أمته المزوجة بعتيق، فولدت لاقل من ستة أشهر من يوم الاعتاق، فولاء الولد لمعتق الام، لا لمعتق الاب، لانا تيقنا وجوده يوم الاعتاق، فمعتقه باشر إعتاقه بإعتاقها، وولاء المباشرة مقدم، وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا، فإن كان الزوج يفترشها، فولاؤه لمعتق الاب، لانالا نعلم وجوده يوم الاعتاق، والاصل عدمه، والافتراش سبب ظاهر للحدوث، وإن كالا يفترشها، وولدت لاربع سنين من الاعتاق، فذلك. وإن ولدت لاقل من أربع سنين فقولان. أظهرهما: لمعتق الام. ولو أعتق المزوجة برقيق، فولدت لدون ستة أشهر من الاعتاق، فولاؤه لمعتق الام بالمباشرة، فإن أعتق الاب الاب، لم ينجر الولاء إلى معتق الاب من معتق الام، لانه أعتقه مباشرة. وإن ولدته لستة أشهر فصاعدا، قال البغوي: إن لم يفارقها الزوج، فولاؤه لمولى الام، فإذا أعتق الاب، انجر إلى مولاه، وإن كان فارقها، فإن ولدت لاكثر من أربع سنين من يوم الفراق، فالولد منفي عن الزوج، وولاؤه لمعتق الام أبدا، وإن ولدته لاربع سنين، لحق الزوج، وولاؤه لمعتق الام، فإذا أعتق الاب، ففي الانجرار إلى مولاه قيلان. ولو نفى(8/434)
الزوج المعتق ولد زوجته المعتقة بلعان، فالولاء في الظاهر لمولى الام، فإن كذب الملا عن نفسه، لحقه الولد وحكمنا بأن الولاء لمولاه. فإن كان الولد قد مات بعد اللعان، ودفعنا الميراث إلى مولى الام، استرددناه منه بعد الاستلحاق، لانتبينا أنه لم يكن ولاء. ولو غر بحرية أمة فنكحها وأولدها على ظن أنها حرة، ثم علم أنها أمة، فأولدها ولدا آخر، فالولد الاول حر، والثاني رقيق. فلو أعتق السيد الامة، والولد الثاني، ثم عتق الاب، انجر ولاء الولد الاول إلى معتق الاب، ولم ينجر إليه ولاء الثاني، لانهعتق بالمباشرة. ولو نكحها عالما بأنها أمة، وأولدها، ثم عتقت، وأولدها ولدا آخر، فالثاني حر، وولاؤه لمعتق الاب، والاول مملوك، وولاؤه لمعتقه. الطرف الثاني في حكم الولاء وهو إحدى جهات العصوبة، ومن يرث به، لا يرث إلا بالعصوبة، ويتعلق به ثلاثة أحكام: الارث، وولاية التزويج، وتحمل الدية، وقد ذكرناها في مواضعها. قلت: ورابع، وهو التقدم في صلاة الجنازة، فإذا مات العتيق، ولا وارث له بنسب ولا نكاح، ورث معتقه جميع ماله. وإن كان له من يرث بالفرضية، وفضل منه شئ، أخذه المعتق، فإن لم يكن المعتق حيا، ورث بولاية أقرب عصباته، ولا يرث أصحاب فروضه، ولا من يتعصب بغيره، فإن لم نجد للمعتق عصبة بالنسب، فالميراث لمعتق المعتق، فإن لم نجده، فلعصبات معتق المعتق، فإن لم نجدهم، فلمعتق معتق المعتق، ثم لعصبته، وميراث لمعتق عصبات المعتق إلا لمعتق أبيه أو جده. وللاصحاب عبارة ضابطة لمن يرث بولاء المعتق إذا لم يكن المعتق حيا، قالوا: هو ذكر يكون عصبة المعتق لو مات المعتق يوم موت العتيق بصفة العتيق. وخرجوا عليها مسائل: منها: إذا مات العتيق، وللمعتق ابن وبنت، أو أب وأم، أو أخ وأخت، فالميراث للذكر دون الانثى، ولا يرث النساء بولاء الغير أصلا، لكن إن باشرت(8/435)
المرأة إعتاقا، أو عتق عليها مملوك، فلها عليه الولاء، كما للرجل، لقوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الولاء لمن أعتق كما يثبت لها الولاء على عتيقها يثبت على أولاده وأحفاده وعتيقه كالرجل. ومنها: لو أعتق عبدا، ومات عن ابنين، فولاء العتيق لهما، فمات أحدهما وخلف ابنا، فولاء العتيق لابن المعتق، دون ابن ابنه، وهذه الصورة ونحوها معنى ما روى عن عمر وعثمان رضي الله عنهما: أن الولاء للكبر، بضم الكاف، أي الكبير في الدرجة والقرب، دون السن. ولو مات المعتق عن ثلاثة بنين، ثم مات أحدهم عن ابن، وآخر عن أربعة، والآخر عن خمسة، فالولاء بين العشرة بالسوية، فإذا مات العتيق، ورثوه أعشارا، لانه لو مات المعتق يومئذ ورثوه كذلك. ولو أعتق عبدا، ومات عن أخ من أبوين وأخ من أب، فولاء عتيقه للاخ من الابوين على المذهب، كما سبق. فلو مات الاخ من الابوين، وخلف ابنا، والاخ الآخر، فولاء العتيق للاخ، لان المعتق لو مات الآن كان عصبة الاخ من الاب، دون ابن الاخ من الابوين. ومنها: أعتق مسلم عبدا كافرا، ومات عن ابنين: مسلم وكافر، ثم مات العتيق، فميراثه للابن الكافر، لانه الذي يرث المعتق بصفة الكفر. ولو أسلم العتيق، ثم مات، فميراثه للابن المسلم. ولو أسلم الابن الكافر، ثم مات العتيق مسلما، فالميراث بينهما. فرع الذين يرثون بولاء المعتق من عصباته، يترتبون ترتب عصبات النسب، إلا في مسائل سبقت في الفرائض. منها: أخ المعتق وجده، إذا اجتمعا هل يتساويان كالارث، أم يقدم الاخ ؟ قولان: أظهرهما: الثاني، فيقدم ابن الاخ أيضا، ويقدم الاخ من الابوين على الاخ من الاب على المذهب. وقيل: قولان. ولو كان له ابناء عم، أحدهما أخ لام، قدم على المذهب. فرع الانتساب في الولاء، قد يكون بمحض الاعتاق، كمعتق المعتق، ومعتق معتق المعتق، وقد يتركب من الاعتاق والنسب، كمعتق الاب وأبي المعتق ومعتق أبي المعتق، فإن تركب الانتساب، فقد يشتبه حكم الولاء ويغالط به، بأن قال: اجتمع أبو المعتق ومعتق الاب فأيهما أولى ؟ وجوابه أنه إذا كان للميت أبو(8/436)
المعتق، كان له معتق، وحينئذ فلا ولاء لمعتق أبيه أصلا كما سبق، فلا معنى لمقابلة أحدهما بالآخر وطلب الاولوية. ولو اجتمع معتق أبي المعتق، ومعتق المعتق، فالولاء لمعتق المعتق لان ولاءه بجهة المباشرة. فرع اشترت امرأة أباها، فعتق، ثم أعتق الاب عبدا، ومات عتيقه بعد موته، نظر، إن لم يكن للاب عصبة بالنسب، فميراث العتيق للبنت، لا لكونها بنت المعتق، بل لانها معتقة المعتق، وإن كان له عصبة، كأخ وابن عم قريب أو بعيد، فميراث العتيق له، لانه عصبة المعتق بالنسب، ولا شئ للبنت، لانها معتقة المعتق، فتتأخر عن عصبة النسب. قال الشيخ أبو علي: سمعت بعض الناس يقول: أخطأ في هذه المسألة أربعمائة قاض، لانهم رأوها أقرب. ولو اشترى أخ وأخت أباهما، فعتق عليهما، ثم أعتق عبدا، ومات العتيق بعد موت الاب، وخلف الاخ والاخت، فميراثه للاخ، دون الاخت لانه عصبة المعتق بالنسب، بل لو كان الاخ قد مات قبل موت الاب، وخلف ابنا وابن ابن أو كان للاب ابن عم بعيد، فهو أولى من البنت. ولو مات هذا الاخ بعد موت الاب، ولم يخلفه إلا أخته، فلها نصف الارث بالاخوة، ونصف الباقي، لان لها نصف ولاء الاخ، لاعتاقها نصف أبيه، فلها ثلاثة أرباع المال. ولو مات الاب، ثم الابن، ثم العتيق، ولم يخلف إلا البنت فلها ثلاثة أرباع الميراث أيضا: النصف لانها معتقة نصف المعتق، ونصف الباقي لولاء السراية على نصف الاخ بإعتاقها نصف أبيه، فهي معتقة نصف أبي معتق معتقه. والربع الباقي في الصورتين لبيت المال. ولو مات الاب، ولم يخلف إلا البنت، فقال الغزالي في الوجيز: لها النصف بالبنوة، ونصف الباقي لولائها على نصف الاب ولم يذكر الصورة في الوسيط ولا في النهاية ومفهومه انحصار حقها في النصف والربع، وكلام الاصحاب منهم الشيخ أبو علي وأبو خلف السلمي، في صورة أخرى، ينازع في هذا، فإنهم قالوا: لو اشترت أختان أباهما بالسوية، فعتق عليهما، ثم مات الاب،(8/437)
فلهما الثلثان، والباقي بالولاء. ولو ماتت إحداهما بعد موت الاب، فللاخرى النصف بالاخوة، ونصف الباقي بولائهما على نصف الاخت، بإعتاقها نصف أبيها. وأما الربع، فأطلق البغوي أنه لبيت المال، وليحمل ذلك على ما أذا كانت أمها حرة أصلية، فأما إذا كانت معتقة، فلموالي الام ولاء الاختين، فإذا أعتقنا الاب، جرت كل واحدة نصف ولاء أختها إلى نفسها، وهل تجر ولاء نفسها وتسقط، أم يبقى لموالي الام ؟ فيه خلاف سبق، فإن قلنا: تبقى هي وهو الاصح، فالربع الباقي لموالي الام، وإن قلنا: يجر ويسقط، فهو لبيت المال. ولو ماتت إحدى الاختين، ثم مات الاب، وخلفت الاخرى، فلها سبعة أثما ماله، والنصف بالبنوة، والربع لانها معتقة نصفه، ونصف الربع الباقي، لان لها نصف ولاء الاخت بإعتاقها نصف أبيها، والثمن الباقي لموالي الام إن كانت معتقة على الاصح، لان نصف ولاء الميتة يبقى لها. وإن قلنا: لا يبقى، فهو لبيت المال، وهذه الصورة كالصورة التي ذكرها الغزالي. ولو اشترتا الاب، وعتق عليهما، ثم أعتق عبدا ومات العتيق بعد موته، وخلف البنتين، فجميع المال لهما، لانهما معتقتا معتقه. فرع أختان أو أخوان ليس عليهما ولاء مباشر، اشترت إحداهما أباهما فعتق عليها، والاخرى أمهما، فعتقت عليها، وتتصور المسألة فيما لو غر عبد بحرية أمة فنكحها وأولدها ولدين، وفيما لو كانوا كفارا، فأسلم الولدان، واسترققتا الابوين، فولاء الاب للتي اشترته، فأما إذا مات عنهما، فلهما الثلثان بالبنوة، والباقي لها بالولاء، وولاء الام للتي إشتريتها، فإذا ماتت عنهما فلهما الثلثان، والباقي لها بالولاء، ولمشترية الاب الولاء على مشترية الام، فإذا ماتت مشترية الام، وخلفت مشترية الاب، فلها النصف بالاخوة، والباقي بالولاء، وهل لمشترية الام الولاء على مشترية الاب ؟ فيه الوجهان فيمن عليه ولاء لمولى أمه إذا اشترى أباه، هل يبقى الولاء لموالي أمه، أم يسقط ؟ فإن قلنا بالاصح: إنه يبقى، فلمشترية الام الولاء على مشترية الاب، فإذا ماتت، فالحكم كما في الطرف(8/438)
الآخر، وإن قلنا: يسقط، فلا ولاء لها على مشترية الاب، وإذا ماتت، فلها النصف بالبنوة، والباقي لبيت المال. ولو اشترتا أباهما، ثم اشترت إحداهما والاب أبا الاب، وعتق عليهما، ثم مات الاب، فللبنتين الثلثان، والباقي لابيه، فإن مات الجد بعده، فللبنتين الثلثان بالبنوة والباقي نصفه للتي اشترته مع الاب، ونصفه الآخر بينهما، لاعتاقهما معتق نصفه. ولو ماتت إحداهما بعد ذلك، وخلفت الاخرى، فعلى ما سبق. ولو اشترتا أمهما، ثم الام أباهما وأعتقته، فلهما عليها الولاء، ولها عليهما، لانها معتقة أبيهما، فإن ماتت، فلهما الثلثان بالبنوة، والباقي بالولاء، فإن مات الاب بعد ذلك، فلهما الثلثان بالبنوة، والباقي بالولاء، لانهما معتقتا معتقه، فإن ماتت إحداهما بعد ذلك، فللاخرى النصف بالاخوة، ونصف الباقي لاعتاقها نصف معتق أبيها، والباقي لبيت المال. ولو اشترتا أباهما، ثم اشترت إحداهما، والاب أخاهما للاب، فعتق نصفه على الاب وهو معسر، فأعتقت المشترية باقيه، فمات الاب، ورثه أولاده الثلاثة، فإن مات الاخ بعده، فلهما الثلثان بالاخوة، والباقي نصفه للمشتري، وباقيه بين البنتين، لانهما معتقتا الاب الذي هو معتق نصف الاخ، فالقسمة من اثني عشر، لمشترية الاخ سبعة، والاخرى خمسة. ولو ماتت التي لم تشترالاخ أولا، ثم مات الاب، ثم الاخ، فمال الميتة أولا لابيها، ومال الاب لابنه وبنته أثلاثا، ومال الاخ نصفه للاخت الباقية بالنسب، ونصف باقيه لها بإعتاقها نصفه، والباقي وهو الربع لمعتقتي الاب، فلهذه نصفه ونصفه للميتة، فيكون لمواليها، وهم هذه الاخت، وموالي الام إن كانت الام معتقة، فيكون بينهما نصفين، فإن لم يكن للام مولى، فلبيت المال. فرع أختان لا ولاء عليهما، اشترتا أمهما، فعتقت، ثم اشترت الام وأجنبي أباهما وأعتقاه، فللاختين الولاء على أمهما، ولها وللاجنبي على الاب وعليهما، فإن ماتت الام، ثم الاب، ثم إحداهما، فأما الام، فمالها لهما ثلثه بالبنوة، وباقيه بالولاء، وأما الاب، فلهما ثلثا ماله بالبنوة، وباقية للاجنبي نصفه،(8/439)
ولهما نصفه، لانهما معتقتا معتقه نصفه، وأما الاخت، فالنصف من مالها للاخرى بالاخوة، ونصف الباقي للاجنبي، لانه أعتق نصف أبيها، والربع الباقي كان للام وهي ميتة، فيكون للاختين، لانهما معتقتاها، فللاخت الباقية نصفه، وهو الثمن، ويرجع الثمن الذي هو حصة الميتة إلى من ولاؤها وهو الاجنبي والام، ونصيب الام يرجع إلى الحية والميتة، وحصة الميتة إلى الاجنبي، والام، هكذا يدور فلا ينقطع ولذلك سمي: سهم الدور. وفيما يفعل به ؟ وجهان قال ابن الحداد: يجعل في بيت المال، لانه لا يمكن صرفه بنسب ولا ولاء. والثاني: يقطع السهم الدائر وهو الثمن، ويجعل كأن لم يكن، ويقسم المال على باقي السهام، وهو سبعة، خمسة للاخت الباقية، وسهمان للاجنبي، وزيف الامام الوجهين وقال: الوجه أن يفرد النصف، ولا يدخله في حساب الولاء، وينظر في النصف المستحق بالولاء، فيحد نصفه للام، ونصفه للاجنبي، ومال الام يصير للاختين ثم نصيب إحداهما نصفه للام، ونصفه للاجنبي، ونصيب الام للاختين، فحصل أن للاجنبي ضعف ما للاخت، فيجعل المال ستة، للاخت نصفها بالنسب، ويبقى ثلاثة، للاجنبي سهمان، وللاخت سهم، فجعل له الثلث، ولها الثلثان من الجملة، وبهذا قطع الغزالي. ونقل أبو خلف الطبري عن أكثر الاصحاب أن سهم الدور لبيت المال، كما قال ابن الحداد، وإليه يميل كلام ابن اللبان. أما إذا ماتت إحدى الاختين أولا، ثم الام، فمال الاخت لابويها، ومال الام للبنت، نصفه بالبنوة، ولها نصف الباقي لاعتاقها نصف الام، ونصفه الباقي للاب، لانه عصبة معتقة النصف، قال الشيخ أبو علي: وفي مثل هذه المسائل لا يورث بالزوجية إلا أن يشترط السائل في السؤال بقاء الزوجية أما إذا مات الاب أولا، ثم إحدى الاختين، ثم الام، فمال الاب ثلثاه للبنتين بالابوة، وباقيه بين الام والاجنبي، ومال الاخت للام ثلثه وللاخت نصفه، والباقي بين الام والاجنبي، لانهما معتقتا أبيهما، ومال الام نصفه للبنت الباقية بالبنوة، ولها من النصف الباقي نصفه، لانها أعتقت نصفها، ونصفه الباقي حصة البنت الميتة، فيكون لمواليها، وهم الاجنبي والام،(8/440)
فللاجنبي نصفه، وهو الثمن، ويبقى ثمن يرجع إلى الاختين، لاعتاقهما الام، وهو سهم دور، وفيه الخلاف السابق. أما إذا ماتت البنتان أولا، فمالهما لابويهما، فإن مات الاب بعدهما، فماله للام والاجنبي، فإن ماتت الام بعده، فنصف مالها للاجنبي، لانه معتق نصف أبي معتقها، والباقي لبيت المال. واعلم أن الفرضيين قالوا: إنما يحصل الدور في الولاء بثلاثة شروط: أن يكون للمعتق ابنان فصاعدا، وأن يكون قد مات منهم أثنان فصاعدا، وألا يكون الباقي منهم حائزا لمال الميت، فإن اختل أحد هذه الشروط، فلا دور.
فصل في مسائل منثورة تتعلق بكتاب العتق، من الولاء، وغيره شخصان كل منهما مولى صاحبه من فوق ومن أسفل، بأن أعتق عبدا، فأعتق أبا المعتق أختان لابوين، أعتقهما رجل، فاشترتا أباهما، فلكل منهما نصف ولاء أبيها، ولا ولاء لاحدهما على الاخرى، لان عليهما ولاء مباشرة. وفي فتاوى القفال: إذا اشترى مكاتب بعض أبيه، عتق نصفه، ولا يقوم عليه، لانه لم يعتق باختياره، بل عتق ضمنا، وأنه إذا قال لمن له عبد مستأجر: أعتقه عني على كذا، فأعتقه، نفذ قطعا، بخلاف البيع، لقوة العتق، وكذا يجوز في المغصوب والغائب إذا علم حياته. وفي فتاوى القاضي حسين: إذا ادعى عبد على سيده العتق عند الحاكم، فحلفه فلما أتم يمينه، قال: قم يا حر، على وجه السخرية، حكم عليه بالحرية، لقوله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة جدهن جد، وهزلهن جد ومنها العتاق. وأنه لو كانت جارية حاملا، والحمل مضغة، فقال: أعتقت مضغة هذه الجارية، كان لغوا، لان إعتاق ما لم ينفخ فيه الروح لغو. ولو قال: مضغة هذه الجارية حر، فهو إقرار بأن الولد انعقد حرا، وتصير الام به أم ولد. قلت: ينبغي أن لا تصير حتى يقر بوطئها، لانه يحتل أنه حر من وطئ أجنبي بشبهة. والله أعلم. وأنه لو قال لعبده: لو أخذك متغلب، فقل: أنا حر، لا يعتق، بل هو أمر بكذب، وكان القاضي يلقن عبيده بذلك. وأنه لو قال لعبده: أعتقك الله، أو الله(8/441)
أعتقك، فقيل: يفرق بينهما، لان الاول دعاء، والثاني خبر. قال القاضي: وعندي لا يعتق فيهما. وقال العبادي: يعتق فيهما. وفي الزيادات لابي عاصم العبادي رحمه الله: أنه إذا قال: من بشرني من عبيدي بقدوم زيد، فهو حر، فبعث بعض عبيده عبدا آخر ليبشره به، فجاء وقال: عبدك فلان يبشرك بقدومه، وأرسلني لاخبرك، فالمبشر المرسل دون الرسول. وأنه لو قال: إن اشتريت عبدين في صفقة، فلله علي إعتاقهما، فاشترى ثلاثة صفقة، لزمه إعتاق اثنين، لوجود الصفة. ولو ولدت الزانية، فملك الزاني بها ذلك الولد، لم يعتق عليه، لانتفاء نسبه. وفي فروع حكاها الروياني عن والده وغيره قال لعبده: أنت حر مثل هذا العبد، وأشار إلى عبد آخر، يحتمل أن لا يعتق لعدم حرية المشبه به، ويحمل على حرية الخلق. قلت: ينبغي أن يعتق. والله أعلم. وأنه لو قال: أنت حر مثل هذا، ولم يقل: هذا العبد، يحتمل أن يعتقا، والاوضح أنهما لا يعتقان. قلت: الصواب: هنا عتقهما. والله أعلم. وأنه لو قال لغيره: أنت تعلم أن هذا العبد الذي في يدي حر، حكم بعتقه. ولو قال: تظن أنه حر، لم يحكم بعتقه، لانه لو لم يكن حرا لم يكن المقول له عالما بحريته، وقد اعترف بعلمه، والظن بخلافه. ولو قال: ترى أنه حر، احتمل أن لا يقع، وأن يقع، والرؤية بمعنى العلم. قلت: الصواب أنه لا يعتق. والله أعلم. وأنه لو وكل رجلا في عتق عبد، فأعتق الوكيل نصفه، فهل يعتق نصفه فقط، أم يعتق ويسري إلى باقيه، أم لا يعتق منه شئ لمخالفته ؟ فيه أوجه، أصحها: الاول. وفي جمع الجوامع للروياني أنه لو كان عبد بين شريكين، فقال رجل لاحدهما: اعتق نصيبك عني بكذا، فأعتقه عنه، فولاؤه للآمر، ويقوم نصيب الشريك على المعتق، دون الآمر، لانه أعتقه لغرض نفسه، وهو العوض الذي حصل له. ولو قال أحد الشريكين للآخر: أعتق نصيبك عني بكذا، فأعتقه عنه،(8/442)
فولاؤه للآمر، ويقوم نصيب الآمر على المعتق، حكاه عن القاضي الطبري. قلت: الصواب في الصورتين أنه لا يقوم عليه، لانه لم يعتق عنه. والله أعلم.(8/443)
كتاب التدبير
فيه بابان
الأول : في أركانه، وهي ثلاثة، المحل، والصيغة، والاهل. أما المحل، فمعلوم، وأما الصيغة، فينعقد التدبير بالصريح وبالكناية فالصريح كقوله: أنت حر بعد موتي، أو أعتقتك، أو حررتك بعد موتي، أو إذا(8/444)
مت فأنت حر، أو عتيق، فإذا مات عتق ولو قال: دبرتك، أو أنت مدبر، فالنص أنه صريح، ويعتق إذا مات السيد. ونص في الكتابة أن قوله: كاتبتك على كذا، لا يكفي حتى يقول: فإذا أديت فأنت حر وينويه، وفيهما طريقان، فقيل: فيهما قولان أحدهما: صريحان لاشتهارهما في معنييهما، كالبيع والهبة. والثاني: كنايتان، لخلوهما عن لفظ الحرية والعتق، والمذهب تقرير النصين. والكناية كقوله: خليت سبيلك بعد موتي مع نية العتق. ولو قال: دبرت نصفك أو ربعك، صح. وإذا مات، عتق ذلك الجزء، ولم يسر. ولو قال: دبرت يدك أو رجلك، فهل يصح ويكون كله مدبرا، أم يلغو ؟ وجهان. ونص في الام أنه لو قال: أنت حر بعد موتي ولست بحر، لا يصح التدبير، كما لا يحصل العتق لو قال: أنت حر أو لست بحر، ولا الطلاق إذا قال: أنت طالق، أو لست بطالق.(8/445)
فرع يصح التدبير مطلقا، وهو أن يعلق العتق بالموت بلا شرط. مقيدا بشرط في الموت، كقوله: إن قتلت، أو مت من مرضي هذا، أو حتف أنفي أو في سفري هذا، أو في هذا الشهر، أو في هذا البلد، فأنت حر، فإن مات على الصفة المذكور، عتق، وإلا، فلا. ولو قال: إذا مت، ومضى شهر أو يوم فأنت حر، أو قال: أنت حر بعد موتي بيوم، عتق بعد موته بيوم، ولا يحتاج إلى إنشاء إعتاق بعد موته. وهل هذا تدبير مطلق، أم مقيد، أم ليس بمطلق ولا مقيد، وإنما هو تعليق ليس بتدبير ؟ فيه أوجه. الصحيح: الثالث، وبه قال الاكثرون، منهم الشيخ أبو حامد، وابن كج، وابن الصباغ، والروياني، قالوا: متى علق العتق بصفة بعد الموت، كقوله: إذا مت وشئت الحرية، أو يشاء فلان، أو إذا مت ثم دخلت فأنت حر، أو أنت حر بعد موتي إذا خدمت ابني شهرا، فكل ذلك ليس بتدبير، بل تعليق، ويجوز تعليق التدبير، بأن يقول: إذا، أو متى دخلت الدرا، فأنت حر بعد موتي، أو أنت مدبر، فإذا دخل، صار مدبرا، ولا يشترط الدخول في الحال، لكن يشترط حصوله في حياة السيد، كسائر الصفات المعلق عليه، فإن مات السيد قبل الدخول، فلا تدبير، ولغا التعليق، إلا أن يصرح فيقول: إذا دخلت الدار بعد موتي، أو إذا مت، ثم دخلت الدار فأنت حر، فإنما يعتق حينئذ بالدخول بعد الموت. وللامام احتمال في تعليق العتق بالدخول بعد الموت، وذكر أن القاضي رمز إليه، ولا تشترط المبادرة إليه بعد الموت، بل متى دخل، عتق. ولو قال: إذا مت ودخلت الدار فأنت حر، قال البغوي: يشترط الدخول بعد الموت، إلا أن يريد الدخول قبله. ولو قال: إذا مت فدخلت الدار، أو إذا مت فأنت حر إن دخلت الدار، فعلى ما سنذكره إن شاء الله تعالى في التعليق بالمشيئة. ولو قال الشريكان لعبدهما: إذا متنا فأنت حر، لم يعتق حتى يموتا، إما معا، وإما مرتبا،(8/446)
ثم إن ماتا معا، فالحاصل عتق لحصول الصفة، لا تدبير، لانه معلق بموته وموت غيره. والتدبير: أن يعلق بموت نفسه. وقيل: إنه عتق تدبير، لاتصاله بالموت، والصحيح الاول. وإن ماتا مرتبا، فوجهان. أحدهما: ليس بتدبير، والصحيح: أنه إذا مات أحدهما، صار نصيب الثاني مدبرا، لتعلق العتق بموته، وكأنه قال: إذا مات شريكي فنصيبي منك مدبر، ونصيب الميت لا يكون مدبرا، وهو بين الموتين للورثة، فلهم التصرف فيه بما لا يزيل الملك، كالاستخدام والاجارة، وليس لهم بيعه، لانه صار مستحق العتق بموت الشريك، وكذا إذا قال: إن دخلت الدار بعد موتي، فأنت حر، فليس للوارث بيعه بعد الموت وقبل الدخول، إذ ليس له إبطال تعليق الميت، وإن كان للميت أن يبطله، كما لو أوصى لرجل بشئ ومات، ليس للوارث بيعه، وإن كان للموصي أن يبيعه. وكذا من أعار، له الرجوع في العارية. ولو قال: أعيروا داري لفلان بعد موتي شهرا، وجب تنفيذ وصيته، ولم يملك الوارث الرجوع عن هذه العارية، هذا هو الصحيح. وفي الصورتين وجه أنه يجوز للورثة بيعه، وفي كسب العبد بين موتيهما وجهان، أحدهما: أنه معدود من تركة الميت، وأصحهما: أنه للوارث خاصة قال في الام ولو قالعبدهما: أنت حبيس على آخرنا موتا، فإذا مات، عتقت، فهو كما لو قالا: إذا متنا فأنت حر، إلا أن هناك المنفعة بين الموتين تكون لورثة الاول، وهي للآخر، وكذا الكسب، وكأن أولهما موتا أوصى بهما لآخرهما موتا. ولو قال أحدهما: إذا مت، فأنت حر، فإذا مات، عتق نصيبه، ولم يسر. فرع قال لعبده: أنت حر إن شئت، فإنما يعتق إذا شاء على الفور، وقيل: لا يشترط الفور، والصحيح الاول. ولو علق التدبير بمشيئة العبد، فقال: أنت مدبر إن شئت، أو دبرتك إن شئت، أو قال: إن شئت فأنت مدبر، أو فأنت حر إذا مت، أو متى مت، فلا يصير مدبرا إلا بالمشيئة، والصحيح اشتراط الفور فيها. فلو قال: متى شئت، أو مهما شئت، لم يشترط الفور، ويصير مدبرا متى شاء. وفي الحالتين تشترط المشيئة في حياة السيد، كسائر الصفات المعلق عليها، إلا إذا(8/447)
علق صريحا بمشيئة بعد الموت، فإنما يحصل العتق بمشيئة بعد الموت، ولا يمنع الامتناع في الحياة من المشيئة بعد الموت. ثم ينظر في لفظ التعليق، فإن قال: أنت حر بعد موتي إن شئت بعد الموت، أو اقتصر على قوله: إن شئت، وقال: أردت بعد الموت، فقال الامام والغزالي: لا يشترط الفور بعد الموت، ونفى الامام الخلاف في ذلك، لانها إذا تأخرت عن الخطاب، واعتبرت بعد الموت، لم يكن لاشتراط اتصالهما بعد الموت معنى ولهذا لا يشترط في قبول الوصية. وفي التهذيب وغيره وجهان فيما لو قال: إذا مت وشئت بعد موتي فأنت حر، أن المشيئة على التراضي، أم يشترط الفور ؟ والصورة كالصورة. ولو قال: إذا مت فشئت فأنت حر، ففي اشتراط اتصال المشيئة بالموت وجهان. الاصح: الاشتراط، وبه أجاب الاكثرون، لان الفاء للتعقيب، ويجري الخلاف في سائر التعليقات، كقوله: إن دخلت الدار فكلمت زيدا فأنت طالق، هل يشترط اتصال الكلام بالدخول ؟ ولو قال: إذا مت فمتى شئت فأنت حر، لم يشترط اتصال المشيئة بالموت بلا خلاف. ولو قال: إذا مت، فأنت حر إن شئت، أو إذا شئت، أو قال: أنت حر إذا مت إن شئت، فيحتمل أن يراد بهذا اللفظ المشيئة في الحال، وتحتمل المشيئة بعد الموت، فيراجع ويعمل بمقتضى إرادته، فإن قال: أطلقت ولم أنو شيئا، فثلاثة أوجه. الاصح: حمله على المشيئة بعد الموت، وبه أجاب الاكثرون. منهم العراقيون، وشرطوا أن تكون المشيئة بعد الموت على الفور، ومقتضى ما سبق عن الامام والغزالي: أن لا يشترط الفور. والثاني: حمله على المشيئة في الحياة وبعد الموت، لان الموت متردد بينهما فتكفي المشيئة في حياة السيد، ويشترط الفور على الصحيح. والثالث: تشترط المشيئة في الحياة، فإن لم يتحققا، لم يحصل يقين العتق، وليجر هذا الخلاف في سائر التعليقات، كقوله: إذا دخلت الدار فأنت طالق، إن كلمت فلانا. أيعتبر الكلام بعد الدخول، أم قبله ؟ قال الامام: ونشأ من هذا المنتهى إشكال فيما لو قال لعبده: إن(8/448)
رأيت عينا فأنت حر، والعين لفظ مشترك بين الباصرة، والدينار، وعين الماء، ولم ينو المعلق شيئا، فهل يعتق العبد إذا رأى شيئا منها ؟ فيه تردد، والوجه: أنه يعتق، وبه يضعف اعتبار المشيئتين في مسألة المشيئة. ولك أن تقول: إن لم تكن المسألة كالمسألة، فلا إلزام، وإن كانت كهي، فليحصل العتق بالمشيئة في الحياة أو بعد الموت، كمسألة العين، وهذا وجه غير الثلاثة، ثم الاشبه أن اللفظ المشترك لا يحمل جميع معانيه، ولا يحمل عند الاطلاق على كلها، ويمكن أن يؤمر بتعيين أحدها، ومتى اعتبر في المشيئة بعد الموت الفور فأخرها، بطل التعليق، وإذا لم تعتبر كما في قوله: فأنت حر متى شئت، فقال القاضي أبو حامد: تعرض عليه المشيئة، فإن امتنع، فللورثة بيعه وكذا لو علق بدخول الدار وغيره بعد الموت، يعرض عليه الدخول، كما يقال للموصى له: أقبل أو رد. وهل للورثة بيعه قبل المشيئة وعرضها عليه ؟ فيه الخلاف السابق في الفرع الماضي. فرع قال: إن شاء فلان وفلان، فعبدي حر بعد موتي، لم يكن مدبرا حتى يشآء جميعا. ولو قال: إذا مت، فشئت، فأنت مدبر، فهذا لغو، وكذا لو قال: إذا مت فدبروا هذا العبد. ولو قال: إذا مت فعبد من عبيدي حر، ومات ولم يبين، أقرع بينهم. قال في الام: لو قال: إذا قرأت القرآن بعد موتي فأنت حر، لا يعتق إلا بقراءة جميع القرآن. ولو قال: إذا قرأت قرآنا عتق بقراءة بعض القرآن. الركن الثالث: الاهل، فلا يصح تدبير مجنون، ولا صبي لا يميز، ولا مميز على الاظهر، فإن صححناه، صح رجوعه بالقول إن جوزنا الرجوع عن التدبير بالقول، وفيه وجه. وإن قلنا: يملك الرجوع بالقول، فالتصرف الذي يحصل به(8/449)
الرجوع، لا يصح منه، لكن يقوم الولي مقامه، فإذا رأى المصلحة في بيعه، باعه، وبطل التدبير، ويصح تدبير المحجور عليه بسفه على المذهب، وقيل: قولان كالمميز، فإن صححنا، فرجوعه كما ذكرنا في المميز، وتدبير المحجور عليه بفلس كإعتاقه، وقد سبق في التفليس. وفي تدبير السكران الخلاف السابق في سائر تصرفاته. وفي تدبير المرتد أقوال مبنية على ملكه، إن قلنا: باق، صح تدبيره، وإن قلنا: زال، فلا. وإن قلنا: موقوف، فتدبيره موقوف، إن أسلم، بان صحته، وإن مات مرتدا، بان فساده. وحكي قول في بطلان تدبيره على قول الوقف، ثم قال ابن سلمة: الاقوال إذا حجر القاضي عليه، فأما قبله، فيصح قطعا، وقال أبو إسحق: هي قبل الحجر، فأما بعده، فلا يصح قطعا. وقال غيرهما بطرد الاقوال في الحالين. وقد سبق في الردة أن البغوي جعل الوقف أصح. وروى بعضهم أن الشافعي رضي الله عنه قال: أشبه الاقوال بالصحة، زوال الملك بنفس الردة، وبه أقول. ولو دبر عبدا، ثم ارتد، فثلاث طرق، أصحها وهو الذي رجحه ابن كج، والعراقيون، وبه قال أبو إسحق: لا يبطل التدبير قطعا، فإذا مات مرتدا، عتق العبد، صيانة لحق العبد عن الضياع، كحق الغرماء، وكما لا يبطل بيعه وسائر عقوده. والثاني: يبطل قطعا، لانه لو بقي، لنفذ من الثلث، وما نفذ من الثلث، اشترط فيه بقاء الثلثين للورثة، وهذا ضعيف، وعلى هذا تبطل وصايا المرتد. والثالث، وبه قال ابن سلمة: يبنى على أقوال الملك، إن بقي، فالتدبير باق، وإن زال، بطل، وإن وقف، فإن قلنا بالبطلان، فأسلم، عاد ملكه، وعاد(8/450)
التدبير على المذهب. وقيل: قولان، كعود الحنث، كما لو باع مدبرا، ثم ملكه. وإن أبقينا التدبير، عتق المدبر من الثلث، وجعل الثلثان فيئا، وفي وجه: يعتق كله، ورعاية الثلث والثلثين يختص بالمياث. ولو ارتد المدبر، قتل كالقن، لكن لا يبطل التدبير بالردة، كما لا يبطل الاستيلاد والكتابة بالردة. فلو مات السيد قبل قتله، عتق. ولو التحق المرتد بدار الحرب، فسبي، فهو على تدبيره، ولا يجوز استرقاقه، لانه إن كان سيده حيا، فهو له، وإن مات، فولاؤه له، ولا يجوز إبطاله، فإن كان سيده ذميا، ففي جواز استرقاق عتيقه خلاف سبق. ولو استولى الكفار على مدبر مسلم، ثم عاد إلى يد المسلمين، فهو مدبر كما كان. فرع الكافر الاصلي، يصح تدبير وتعليقه العتق بصفة، كما يصح استيلاده، سواء الكتابي، والمجوسي، والوثني والحربي، والذمي، ولا يمنع الكافر من حمل مدبره ومستولدته الكافرين إلى دار الحرب، سواء جرى التدبير في دار الاسلام، أو دار الحرب، وليس له حمل مكاتبه الكافر قهرا، لظهور استقلاله. ولو دبر كافر عبدا كافرا، ثم أسلم العبد، فإن رجع السيد عن التدبير بالقول، وجوزناه، بيع عليه، وإلا، ففي بيعه قولان منصوصان في الام أحدهما: يباع عليه، ويبطل التدبير دفعا لاذلاله، وأظهرهما: لا يباع، بل يبقى التدبير، لتوقع الحرية، ولكن يخرج من يده، ويجعل في يد عدل، ويصرف كسبه إليه، كما لو أسلمت مستولدته، فإن خرج سيده إلى دار الحرب، أنفق من كسبه عليه، وبعث ما فضل إلى السيد، فإذا مات، عتق من الثلث، فإن بقي منه شئ للورثة، بيع عليهم. ولو أسلم مكاتب الكافر، فقيل: قولان كالمدبر، والمذهب(8/451)
أنه لا يباع، بل تبقى الكتابة، لانقطاع سلطة السيد واستقلاله، فإن عجزه السيد، بيع عليه. فرع إذا دبر أحد الشريكين نصيبه، فالمشهور أنه لا يسري ولا يقوم عليه نصيب شريكه، فإن مات وعتق نصيبه، لم يسر أيضا إلى نصيب الشريك، لان الميت معسر، بخلاف ما إذا علق عتق نصيبه بصفة فوجدت وهو موسر، يسري. وفي قول: يسري، وحكي هذا وجها. ولو دبر بعض عبده الخالص، صح، ولا سراية، ويجئ فيه الخلاف في نصيب الشريك وأولى.
الباب الثاني : في حكم التدبير. وله حكمان: ارتفاعه، وسرايته إلى الولد. الاول: ارتفاعه، ويرتفع بخمسة أمور. الاول: إزالة الملك، فللسيد إزالة الملك عن المدبر بالبيع والهبة والوصية وغيرها، سواء كان التدبير مطلقا أو مقيدا، وإذا زال الملك عنه ببيع ونحوه، ثم عاد إلى ملكه، فهل يعود التدبير ؟ يبنى على أن التدبير وصية للعبد بالعتق، أم هو تعليق عتق بصفة ؟ وفيه قولان: القديم وأحد قولي الجديد: وصية، والثاني وهو نصه في أكثر كتبه: تعليق بصفة، وهذا هو الاظهر عند الاكثرين، فإن قلنا: وصية، لم يعد التدبير، كما لو أوصى بشئ، ثم باعه، ثم ملكه. وإن قلنا: تعليق، فعلى الخلاف في عود الحنث، وقد سبق أن الاظهر أنه لا يعود، فحصل أالمذهب أنه لا يعود التدبير الثاني لو رجع عن التدبير باللفظ، كقوله: رجعت عنه، أو فسخته، أو أبطلته، أو رفعته، أو نقضته، فإن قلنا: وصية، صح الرجوع، وإلا، فلا. وسواء التدبير المطلق والمقيد. وقيل: يختص الخلاف بالمطلق، ويقطع في المقيد بمنع الرجوع، والمذهب الاول. ولو قال: أعتقوا فلانا عني إذا مت، جاز الرجوع باللفظ كسائر الوصايا. ولو ضم إلى(8/452)
الموت صفة أخرى، بأن قال: إذا مت، فدخلت الدار، فأنت حر، لا يجوز الرجوع باللفظ قطعا، وإنما الخلاف في التدبير. فرع إذا وهب المدبر ولم يقبضه، إن قلنا: التدبير وصية، حصل الرجوع، وإن قلنا: تعليق، لم يحصل على الصحيح، وإن اتصل بها القبض، وقلنا: يملك بالقبض، انقطع التدبير، وإن قلنا: يتبين الملك من حين الهبة، قال الامام: ففي انقطاع التدبير من حين الهبة تردد، وكذا لو باع بشرط الخيار، وقلنا: يزيل الملك، فهل يبطل التدبير قبل لزوم البيع ؟ فيه تردد، والذي أطلقه البغوي أن البيع بشرط الخيار يبطل التدبير على القولين. ولو باع نصف المدبر، أو وهب وأقبض، بطل التدبير في النصف المبيع، أو الموهوب وبقي في الباقي، وهل يبطل التدبير في الرهن ؟ قيل: يبطل، وقيل لا، والمذهب قولان بناء على أنه وصية أو تعليق ؟ ومجرد الايجاب في الهبة والرهن، إن جعلناه وصية، كان على الخلاف في أنه رجوع في الوصية، وإن جعلناه تعليقا، فلا أثر له، ولا يبطل التدبير بالاستخدام والتزويج بلا خلاف، وإذا جعلناه وصية، بطل بالعرض على البيع. وسائر ما ذكرناه في باب الوصية، لكن الوطئ ليس رجوعا عن التدبير، وإن جعلناه وصية، سواء عزل أم لا، بخلاف الوصية، فإن استولدها، فالصحيح الذي قطع به الجمهور بطلان التدبير، لان الاستيلاد أقوى، فيرتفع به الاضعف، كما يرتفع النكاح بملك اليمين، ولهذا لو دبر مستولدته، لم يصح، لانها تستحق العتق بالموت بجهة أقوى من التدبير، وقيل: لا يبطل التدبير، ويكون لعتقها بالموت سببان. وقيل:(8/453)
لا يبطل، بل يدخل في الاستيلاد، كالحدث في الجنابة، ولو كاتب المدبر، ففي ارتفاع التدبير وجهان، بناء على أنه وصية، أم تعليق. إن قلنا: وصية، ارتفع، وإلا، فلا. فيكون مدبرا مكاتبا، كما لو دبر مكاتبا، فإن أدى النجوم، عتق بالكتابة، وإن مات السيد قبل الاداء، عتق بالتدبير، فإن لم يحتمله الثلث، عتق قدر الثلث، وبقيت الكتابة في الباقي، فإذا أدى قسطه، عتق، وهذا نص الشافعي رحمه الله وبه قطع الشيخ أبو حامد وجماعة، وقال القاضي أبو حامد: يسأل عن كتابته، فإذا أراد بها الرجوع عن التدبير، ففي ارتفاعه القولان، وإلا، فهو مدبر مكاتب قطعا. وخرج الامام على الخلاف في الكتابة، ما لو علق عتق المدبر بصفة لانه لو أوصى به ثم علق عتقه بصفة، كان رجوعا، وقطع البغوي بأنه يصح التعليق بالصفة، ويبقى التدبير بحاله، كما لو دبر المعلق عتقه بصفة تجوز، ثم إن وجدت الصفة قبل الموت، عتق، وإن مات قبلها، عتق بالتدبير. فروع قال: رجعت عن التدبير في نصفه أو ربعه، بقي التدبير في جميعه، إن قلنا: لا يكفي الرجوع باللفظ، وإلا فيبقى في باقيه فقط، نص في الام أنه إذا دبر، ثم خرس، فإن لم يكن له إشارة مفهومة، ولا كتابة، فلا مطلع على رجوعه، وإن كانت له إشارة أو كتابة، فأشار بالبيع ونحوه، ارتفع التدبير، وإن أشار بنفس الرجوع، فعلى الخلاف. ولو دبر مكاتبا، صح، فإن أدى النجوم قبل موت السيد، عتق بالكتابة وبطل التدبير ولو عجز نفسه. أو عجزه سيده، بطلت الكتاب، وبقي التدبير، ولو(8/454)
مات قبل الاداء والتعجيز الاداء والتعجيز، عتق بالتدبير إن احتمله الثلث. قال الشيخ أبو حامد: وتبطل الكتابة. قال ابن الصباغ: وعندي أنه يتبعه ولده وكسبه، كما لو أعتق السيد مكاتبه قبل الاداء، فكما لا يملك إبطال الكتابة بالاعتاق، فكذا بالتدبير. قال: ويحتمل أن يريد بالبطلان زوال العقد دون سقوط أحكامه. الامر الثالث: إن لم نجوز الرجوع عن التدبير باللفظ، فإنكار السيد التدبير ليس برجوع، وإن جوزناه، فهل هو رجوع ؟ وكذا إنكار الموصي الوصية، والموكل الوكالة، هل هو رجوع ؟ ثلاثة أوجه، أحدها: نعم، لان هذه العقود عرضة للفسخ. ولو قال: لست بمدبر، أو لست بوكيل، أو ليس هذا موصى به، وجب القطع بارتفاع هذه العقود، فكذا إذا قال: لم أدبر، ولم أوكل، ولم أوص. والثاني: لا، لانه كذب فلم يؤثر. والثالث وهو الاصح المنصوص: ترتفع الوكالة، لان فائدتها العظمى تتعلق بالموكل، ولا يرتفع التدبير والوصية، لانهما عقدان يتعلق بهما غرض شخصين، فلا يرتفعان بإنكار أحدهما، وإنكار البيع الجائز ليس فسخا، وفيه احتمال. ولو أنكر الزوجية، فليس بطلاق على الاصح. ولو ادعت على زوجها طلاقا رجعيا، فأنكر، لم يكن إنكاره رجعة بالاتفاق. وإذا ادعى على سيده التدبير أو العتق بصفة، سمعت الدعوى على المذهب. وقيل: يسمع العتق بصفة، وفي التدبير الخلاف. وفي شهادة الحسبة على التدبير الخلاف في سماع(8/455)
الدعوى، ورد الشهادة أولى، لان موضع شهادة الحسبة أن يثبت لله تعالى حق مجحود فيثبته الشاهد حسبة، ثم إذا توجهت الدعوى، وأنكر السيد، فله إسقاط اليمين عن نفسه، بأن يقول: إن كنت دبرته فقد رجعت عنه إذا جوزنا الرجوع باللفظ، وكذا لو قامت به بينة، وحكم به الحاكم، فله الدفع بهذا الطريق على هذا القول. ولو ادعى على الورثة أن مورثهم دبره، وأنه عتق بموته، حلفوا على نفي العلم، ولا يثبت التدبير إلا بشهادة رجلين، لانه ليس بمال، وثبت الرجوع برجل وامرأتين، وشاهد ويمين، لانه مال، وفيه وجه ضعيف، لانه ينفي الحرية. الرابع: مجاوزة الثلث، فعتق المدبر معتبر من الثلث بعد الديون، فلو كان على الميت دين مستغرق للتركة، لم يعتق منه شئ، وإن لم يكن دين، ولا مال سواه، عتق ثلثه، وإن كان دين يستغرق نصفه بيع نصفه في الدين، ويعتق ثلث الباقي منه. وفي تعليقة إبرهيم المروزي أن الحيلة في عتق الجميع بعد الموت، وإن لم يكن له مال سواه أن يقول: هذا العبد حر قبل مرض موتي بيوم، وإن مت فجأة، فقبل موتي بيوم، فإذا مات بعد التعليقين بأكثر من يوم، عتق من رأس المال، ولا سبيل عليه لاحد. ولو اقتصر على قوله: أنت حر قبل موتي بيوم أو شهر، فإذا مات، نظر، إن كان في أول اليوم، أو الشهر قبل الموت مريضا، اعتبر عتقه من الثلث، وإن كان صحيحا، فمن رأس المال ولا فرق في اعتابر التدبير من الثلث، بين أن يقع التدبير في الصحة أو في المرض كالوصية. فرع دبر عبدا ومات، وباقي ماله غائب عن بلد الورثة، أو دين على معسر، فلا يعتق جميع المدبر، وهل يعتق ثلثه ؟ وجهان أحدهما: نعم، لان الغيبة لا تزيد على العدم. ولو لم يكن إلا العبد، لعتق ثلثه، فعلى هذا ثلث أكسابه بعد(8/456)
موت السيد له، ويوقف الباقي. وأصحهما: يعتق حتى يصل المال إلى الورثة، لان في تنجيز العتق تنفيذ التبرع قبل تسليط الورثة على الثلثين، فعلى هذا يوقف الاكساب، فإن حضر الغائب، بان أنه عتق، وأن الاكساب له. ويقال: الخلاف قولان. الاول: مخرج. والثاني: منصوص. فإذا كانت قيمة المدبر مائة، والغائب مائتان، فحضر مائة، فعلى الاول: يعتق ثلثاه، وعلى الثاني: نصفه، لحصول مثليه للورثة، فإن حضرت مائة وتلفت المائة الاخرى، استقر العتق في ثلثيه، وتسلطت الورثة على ثلثه وعلى المائة. وفي طريقة الصيدلاني تفريعا على أنه يعتق من المدبر ثلثه أن للوارث التصرف في الثلثين، فإن حضر الغائب نقض تصرفه. وأنه لو أعتق أعتق الثلثين ولم يحضر الغائب، فولاء الثلثين له. وإن حضر، فعن ابن سريج، أن الجواب كذلك، وأن فيه وجها أن جميع الولاء للميت بناء على أن إجازة الوارث تنفيذ، أم ابتداء عطية ؟ واشتد إنكار الامام على هذا، وقال: إعتاق الورثة رد للتدبير، ولا سبيل إليه بسبب غيبة المال، بل الوجه التوقف، فإن حضر الغائب، بان نفوذ العتق في الجميع، ولكن مستند إلى وقت الموت، أم عند حصول القدرة ؟ فيه احتمالان أوجههما: الاول، قال: ولو كانت التركة بحيث يفي ثلثها بالمدبر، لكن عليه دين مستغرق، فأبرأ مستحق الدين عن الدين بعد أيام من الموت، فيسند العتق إلى وقت الموت، أم يتنجز من وقت سقوط الدين ؟ فيه احتمالان: أصحهما: الثاني. ولو كان له دين على إنسان ليس له غيره، فأبرأ عنه في مرض الموت، أو عن ثلثه، هل تحصل البراءة عن الثلث قبل وصول الثلثين ؟ فيه الخلاف، الاصح: المنع، ويجري الخلاف فيما لو مات عن ابنين ولم يترك إلا دينا على أحدهما، هل يبرأ من عليه الدين من نصفه ؟ ولو أوصى بغير مال يخرج من الثلث، وباقي ماله غائب، هيسلم إلى الموصى له ثلث العين، أم ينتظر حضور الغائب ؟ فيه الخلاف، وقد سبق في الوصايا. ولو أوصى بثلث ماله،(8/457)
وبعضه حاضر، وبعضه غائب، أو عين ودين دفع إلى الموصى له ثلث الحاضر والعين، وما حصل بعده قسم كذلك. فرع إذا علق عتق عبد بصفة، فوجدت في مرض موته، نظر، إن كان التعليق بصفة لا توجد إلا في المرض، كقوله: إن دخلت الدار في مرض موتي، فأنت حر، أو إذا مرضت مرض الموت، فأنت حر، اعتبر عتقه من الثلث. وإن احتمل وجودها في الصحة والمرض، فهل يعتق من رأس المال، أم الثلث ؟ قولان أظهرهما: الاول، هذا إن وجدت الصفة بغير اختياره، فإن وجدت باختياره، اعتبر من الثلث، لانهم قالوا: لو قال: إن دخلت الدار، فأنت حر، فدخلها في مرضه، اعتبر العتق من الثلث، لانه اختار حصول العتق في مرضه. ولو باع الصحيح محاباة، وشرط الخيار، ثم مرض في مدة الخيار، ولم يفسخ حتى مات، اعتبرت المحاباة من الثلث، لانه لزم العقد في المرض باختياره، فأشبه من وهب في الصحة، وأقبض في المرض. قلت: إنما يظهر هذا إذا قلنا: الملك في مدة الخيار للبائع، وترك الفسخ عامدا لا ناسيا. والله أعلم. فرع علق عتق عبد بصفة وهو مطلق التصرف، فوجدت وهو محجور عليه بفلس، عتق إن اعتبرنا حال التعليق، وإن اعتبرنا حال وجود الصفة، فهو كإعتاق المفلس. ولو وجدت الصفة، وهو مجنون، أو محجور عليه بسفه، عتق بلا خلاف، ذكره البغوي، وفرق بأن حجر المريض والمفلس لحق الغير، وهو الورثة والغرماء، بخلاف السفه والجنون. ولو قال: إن جننت فأنت حر، فجن، ففي العتق وجهان حكاهما صاحب الافصاح وقد يخرج هذا فيما لو كان التعليق بصفة غير الجنون، فوجدت في الجنون. ولو قال: إن مرضت مرضا مخوفا فأنت حر، فمرض مرضا مات فيه، عتق العبد من الثلث على الصحيح. وقيل: من رأس المال. ولو مرض مرضا مخوفا، وبرأ منه، عتق من رأس المال. وقيل: لا يعتق(8/458)
أخذا من الخلاف فيمن حج عنه، وهو معضوب، فبرأ وهذا ضعيف. الامر الخامس: جناية المدبر. اعلم أن الجناية على المدبر، كهي على القن، فإن قتل، فللسيد القصاص أو القيمة، ولا يلزمه أن يشتري بها عبدا يدبره، وإن جنى على طرفه، فللسيد القصاص والارش، ويبقى التدبير بحاله. أما جناية المدبر، فهو فيها كالقن أيضا، فإن جنى بما يوجب القصاص، فاقتص منه، فات التدبير، وإن جنى بموجب للمال، أو عفي عن القصاص، فللسيد أن يفديه، وأن يسلمه ليباع في الجناية، فإن فداه، بقي التدبير. وهل يفديه بأرش الجناية، أم بالاقل من قيمته والارش ؟ فيه القولان السابقان في القن. وإن سلمه للبيع، فبيع جميعه، بطل التدبير، فإن عاد إلى ملكه، ففي عود التدبير الخلاف السابق في أول الباب، وإن حصل الغرض ببيع بعضه، بقي التدبير في الباقي. وإن مات السيد قبل البيع، واختيار الفداء، فطريقان، أصحهما: أن حصول العتق على الخلاف في نفوذ عتق الجاني، فإن نفذناه أخذ الفداء من تركة السيد، ويكون الفداء أقل الامرين بلا خلاف، لانه تعذر تسليمه للبيع، وإن لم ننفذه، فالوارث بالخيار بين أن يفديه، فيعتق من الثلث، أو يسلمه للبيع. وإن كان في ثلث المال سعة، فإذا بيع، بطل التدبير. وقد سبق في البيع أن المذهب أن إعتاق الجاني ينفذ من الموسر دون المعسر. والطريق الثاني أنه إن وفى الثلث بقيمة الرقبة والفداء، لزم الورثة تحصيل العتق، وإلا فيخرج على هذا الخلاف. ولو كانت جناية المدبر تستغرق ثلث الرقبة مثلا، ومات السيد، ففداه الوارث من ماله، ففي ولاء ذلك الثلث وجهان، هل هو للوارث أو المورث بناء على أن إجازة الوارث تنفيذ أم عطية. ولو جنت مدبرة، ولها ولد صغير، وقلنا بسراية التدبير إليه، فوجهان: أحدهما: يبيع الولد معها حذرا من التفريق، ولا يبالي بفوات التدبير فيه. والثاني، يبيعها وحدها، ويحتمل التفريق للضرورة، حفظا للتدبير في الولد، وهو كالخلاف فيمن رهن الجارية دون الولد، واحتجنا إلى بيعها للدين هل يباع معها ؟ الحكم الثاني: السراية إلى الولد يجوز وطئ المدبرة والمعلق عتقها بصفة،(8/459)
لكمال الملك، ونفاذ التصرف، فإن أولدها، صارت مستولدة، وبطل التدبير على الاصح، كما سبق. وفائدة الخلاف فيما لو قال: كل مدبر لي حر، هل تعتق هي ؟ ولو أتت المدبرة بولد من نكاح أو زنى، سرى التدبير إليه على الاظهر عند الاكثرين، منهم الشيخان أبو حامد والقفال، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد رحمهم الله، كما يتبع ولد المستولدة والاضحية والهدي أمه. قلت: بل الاظهر عند الاكثرين أنه لا يتبعها. والله أعلم. ولولدت المعلق عتقها بصفة، لم يتبعها الولد على الاظهر، وولد الموصى بها لا يتبعها على المذهب. وقال الشيخ أبو محمد: يحتمل طرد القولين، فإذا جعلنا ولد المدبرة مدبرا، فماتت في حياة السيد، لم يبطل التدبير في الولد، كما لو دبر عبدين فمات أحدهما قبل السيد، وكما لو ماتت المستولدة لا يبطل حق الولد. ولو رجع السيد عن تدبير أحدهما باللفظ وجوزناه، أو باع أحدهما، لم يبطل التدبير في الآخر. ولو كان الثلث لا يفي إلا بأحدهما، فوجهان، أصحهما وبه قال ابن الحداد: يقرع بينهما، كعبدين ضاق الثلث عنهما والثاني: يقسم العتق عليهما، لئتخرج القرعة على الولد فيعتق، ويرق الاصل. وإذا قلنا: المعلق عتقها بصفة يتبعها الولد، فمعناه أن الصفة إذا وجدت فيها وعتقت، عتق الولد، ولا تعتبر الصفة فيه. ولو وجدت الصفة منه، فلا أثر لها. هذا هو الصحيح المعروف في المذهب. وقال الشيخ أبو محمد: مقتضى سراية التعليق أن عتقه بنفس الصفة، وهي دخول الدار مثلا، فعلى هذا لا يعتق هو بدخولها، ويعتق بدخوله. ولو بطل التعليق فيها بموتها، بطل في الولد. ومقتضى قول الشيخ أبي محمد أن لا يبطل فيه. ولو قال لامته: أنت حرة بعد موتي بعشر سنين مثلا، فإنما يعتق بعد مضي تلك المدة من يوم الموت، فلو ولدت قبل موت السيد، فهل يتبعها الولد في حكم الصفة ؟ فيه القولان. وإن ولدت بعد موت السيد وقبل مضي المدة، فقد نص الشافعي رحمه الله أنه يتبعها، فقيل: فيه القولان كما قبل الموت، وإنما فرع على أحدهما. وقيل:(8/460)
يتبعها قطعا لتأكد سبب العتق، إذ ليس للوارث التصرف فيها، فأشبهت المستولدة، فعلى هذا يعتق الولد من رأس المال كولد المستولدة. وأما ولد المدبر، فلا يؤثر تدبير أبيه فيه، وإنما يتبع الام في الرق والحرية. فرع هذا الذي ذكرناه في ولد المدبرة، هو فيما إذا حدث بعد التدبير، وانفصل قبل موت السيد، فأما إذا كانت حاملا عند موت السيد، فيعتق معها الحمل بلا خلاف، كما لو أعتق حاملا، فإن لم يحتملها الثلث حاملا، عتق منها قدر الثلث، وكذا المعلق عتقها على صفة لو كانت حاملا عند وجود الصفة. ولو كانت المدبرة حاملا عند التدبير، فطريقان: أحدهما: أنه على القولين في أن الحمل هل يعرف ؟ إن قلنا: نعم وهو الاظهر، فالولد مدبر، وإلا ففيه القولان في الولد الحادث، والمذهب القطع بأنه مدبر. وإن قلنا: لا يعرف الحمل كما يدخل في البيع. وإن قلنا: لا يعرف وليس هو بسراية التدبير بل اللفظ يتناوله وإنما يعرف كونه موجودا عند التدبير إذا ولدته لدون ستة أشهر، فإن ولدته لاكثر من أربع سنين من وقت التدبير، فهو حادث، وإن ولدته لما بينهما، نظر، هل لها زوج يفترشها أم لا، وقسبقت نظائره في مواضع. وإن كان لها زوج قد فارقها قبل التدبير، وولدت لدون اربع سنين من وقت الفراق، فالاظهر أنه يجعل موجودا يوم التدبير، كما يجعل موجودا في ثبوت النسب من الزوج. فرع إذا ثبت التدبير في الحمل، ثم انفصل، فرجوع السيد في التدبير عن أحدهما لا يرفع التدبير في حق الآخر. وإن رجع قبل الانفصال عن تدبير الحمل، وجوزنا الرجوع باللفظ، ارتفع التدبير فيه، وبقي في الام. وقيل: لا يصح الرجوع فيه ما دام حملا مع بقاء التدبير في الام، والصحيح: الاول. وإن رجع في تدبير الام، نظر، إن قال: رجعت في تدبيرها دون الولد، لم يخف حكمه، وإن أطلق، فوجهان، أحدهما: يتبعها في الرجوع، كما يتبعها في التدبير، وأصحهما: لا يتبعها كالرجوع بعد الانفصال، بخلاف التدبير، فإن فيه معنى العتق، وللعتق قوة. وإذا رجع في تدبيرها دون الولد، ثم ولدت لدون ستة أشهر من وقت الرجوع، فهو مدبر. وإن أتت به لاكثر من ذلك، ولها زوج يفترشها، لم يكن مدبرا، لانه لا يعلم وجوده قبل الرجوع.(8/461)
فرع لو دبر الحمل وحده، جاز كما لو أعتقه، ولا يتعدى إلى الام، فإذا مات السيد، عتق الحمل دون الام، فإن باع الام، فوجهان. أحدهما: أنه إن قصد به الرجوع، حصل الرجوع، وصح البيع في الام والحمل، وإن لم يقصد، لم يحصل الرجوع، فلا يصح البيع في الولد، ويبطل في الام على الاصح، كما لو باع حاملا بحر. وأصحهما: صحة البيع فيهما، وحصول الرجوع قصد أم لا، كما لو باع المدبر ناسيا للتدبير، صح البيع والرجوع. فرع لو دبر أمة، وقلنا: ولد المدبرة مدبر، وجوزنا الرجوع عن التدبير باللفظ، فقال: إذا ولدت، أو كلما ولدت ولدا فقد رجعت في تدبيره، لم يصح الرجوع، فإذا ولدت، كان مدبرا حتى يرجع بعد الولادة، لان الرجوع لا يصح إلا بعد ثبوت التدبير، ولا يثبت للولد قبل الولادة، فصار كما لو قال: إذا دبرتك فقد رجعت عن تدبيرك، فلا يصح الرجوع. فرع إذا قلنا: ولد المدبرة مدبر، وتنازع السيد والمدبرة فيه، فقال السيد: ولدته قبل التدبير، فهو قن، وقالت: بعده، صدق السيد بيمينه. ولو جرى هذا الخلاف مع الوارث بعد موت السيد، صدق الوارث أيضا. قال البغوي: وتسمع دعواها حسبة، حتى لو كانت قنة، وادعت على السيد أنك دبرت ولدي، سمعت. ولو قالت: ولدته بعد موت السيد، فهو حر، وقال الوارث: بل قبل التدبير، صدق الوارث على الصحيح. وقيل: تصدق هي، لانها لم تعترف للورثة بيدولا ملك، ولو كان في يد المدبر مال، وقال: كسبته بعد موت السيد، فهو لي، وقال الوارث: بل قبله فهو لي، صدق المدبر بيمينه، لان اليد له، بخلاف دعواها الولد، لانها تزعم أنه حر، والحر لا يدخل تحت اليد. ولو أقام كل واحد بينبدعواه، رجحت بينة المدبر، لاعتضادها باليد. ولو أقام الوارث بينة أن هذا(8/462)
المال كان في يد المدبر في حياة السيد، فقال المدبر: كان في يدي، لكن كان لفلان فملكته بعد موت السيد، صدق المدبر أيضا، نص عليه. ولو تنازع السيد والمستولدة في ولدها، هل ولدته قبل الاستيلاد أم بعده، أو الوارث والمستولدة، هل ولدته قبل موت السيد، أم بعده، فهو على ما ذكرنا في تنازع السيد والمدبرة، فإذا قلنا بسراية الكتابة إلى الولد، فقالت المكاتبة: ولدته بعد الكتابة، وقال السيد: بل قبلها، صدق السيد أيضا على الاصح، وقيل: بل المكاتبة: لانها يثبت لها اليد على نفسها وولدها. ولو اختلف السيد والمكاتب في المال، صدق المكاتب كالمدبر. فصل دبر عبدا ثم ملكه أمة، فوطئها وأولدها، فإن قلنا: العبد لا يملك بالتمليك، فالولد للسيد ويثبت نسبه من العبد، ولا حد عليه للشبهة، نص عليه. وإن قلنا: يملك بالتمليك فالجارية للمدبر، ولا يحكم للولد بحرية، لانه حصل من رقيقين. وهل يتبع الام، ويكون رقيقا للسيد، أم يتبع الاب، فيكون مدبرا ؟. فرع أمة لرجلين دبراها، فأتت بولد، فادعاه أحدهما، فهو ابنه، ويضمن نصف قيمتها ونصف قيمته، ونصف مهرها لشريكه، وأخذ قيمتها يكون رجوعا في التدبير. وقال القاضي أبو الطيب: عندي أنه لا يقوم نصيب الشريك إلا برضاه، لانه ثبت له حق الولاء فيه.(8/463)
فرع قول المدبر في حياة السيد وبعد موته: رددت التدبير، لغو، لا يقدح فيه، وبالله التوفيق.(8/464)
كتاب الكتابة
لا يجب على السيد أن يكاتب عبده، وحكى صاحب التقريب قولا انها واجبة إذا طلبها العبد، لقول الله تعالى: * (فكاتبوهم) *، والمشهور الاول، وبه قطع الجماهير، كمالا يجب التدبير وشراء القريب، والآية محمولة على الندب، فتستحب الاجابة إذ طلبها العبد وكان أمينا قادرا على الكسب، فإن فقد الشرطان،(8/465)
لم يستحب، ولكن لا يكره، لانها قد تفضي إلى العتق. وقال ابن القطان: يكره، والصحيح الاول. وإن فقدت الامانة، وقدر على الكسب، لم يستحب، على الصحيح. وقيل: يستحب دون الاستحباب مع الشرطين، وإن كان أمينا بلا كسب، لم يستحب على الاصح. ولو طلب السيد الكتابة، فامتنع العبد، لم يجبره. وفي الكتابة بابان :
الأول: في أركان الكتابة، وهي أربعة: الاول: الصيغة، وهي أن يقول لعبده: كاتبتك على ألف مثلا تؤديه إلي في نجمين مثلا أو أكثر، فإذا أديت فأنت حر، فيقول العبد قبلت. ولو لم يصرح بتعليق الحرية بالاداء، لكن نواه بقوله: كاتبتك على كذا، صحت الكتابة أيضا، فإن لم يصرح بالتعليق، ولا نواه، لم يصح، ولم يحصل العتق. ومنهم من خرج من التدبير قولا ان لفظ الكتابة صريح مغن عن التصريح بالتعلق ونيته، وقد سبق في التدبير عن أبي إسحق أنه قال: إن كان الرجل فقيها، صحت كتابته بمجرد اللفظ، وإلا، فلا بد من التعليق أو نيته، والمذهب الاول والفرق بين التدبير والكتابة، أن التدبير مشهور بين الخواص والعوام، والكتابة لا يعرفها العوام، وقد نقلوا عن أبي إسحق أنه قال على هذا: لو كان قريب الاسلام، أو جاهلا بالاحكام لا يعرف التدبير، لم ينعقد تدبيره بمجرد لفظة التدبير، حتى تنضم إليه نية أو زيادة لفظ. وحكي وجه أنه إن ذكر ما تتميز به الكتابة عن المخارجة، كفى، كقوله: تعاملني أو أضمن لك أرش الجناية، أو يستحق مني الايتاء، أو من الناس سهم الرقاب،(8/466)
فيكفي عن تعليق الحرية بالاداء. ولا خلاف أنه لا يكفي قوله: كاتبتك وحده، كما إذا قال: بعتك كذا ولم يذكر عوضا. فرع قال: أنت حر على ألف، فقبل، عتق في الحال، وثبت الالف في ذمته، وهو كقوله لزوجته: أنت طالق على ألف، فقبلت، ولو قال: إن أعطيتني ألفا، أو أديت لي ألفا فأنت حر، فلا يمكنه أن يعطيه من مال نفسه، لانه لا يملك. فلو أعطاه من مال غيره، هل يعتق ؟ وجهان، أصحهما: لا. والثاني: نعم، فعلى هذا هل سبيله سبيل الكتابة الفاسدة، أم تعليق محض ؟ وجهان، فإن قلنا: كتابة فاسدة، رد السيد ما أخذ، ورجع على العبد بقيمته، وتبعه كسبه وأولاده الحاصلة بعد التعليق. وإن قلنا: تعليق، فهل يرجع عليه بقيمته ؟ وجهان، أصحهما: لا، ولا يتبعه الكسب والولد، بخلاف ما إذا قال لزوجته: إن أعطيتني ألفا، فأنت طالق، فأعطته مغصوبا، وقلنا: تطلق، فإنه يرجع لانها أهل للالتزام وقت المخاطبة، بخلاف العبد. فرع قال لعبده: بعتك نفسك بكذا، فقال: اشتريت، أو قال العبد: بعني نفسي بكذا، فقال: بعتك، صح البيع، وثبت المال في ذمته، وعتق في الحال، كما لو أعتقه على مال. وذكر الربيع قولا انه لا يصح. فمن الاصحاب من أثبته قولا ضعيفا، ومنهم من نفاه وقال: هو تخريج له، فعلى المذهب: للسيد(8/467)
الولاء، كما لو أعتقه على مال، وفيه وجه سبق. ولو أقر السيد بأنه باعه نفسه، فأنكر العبد، عتق بالاقرار، وحلف أنه لم يشتر، ولا شئ عليه. ولو قال: بعتك نفسك بهذه العين، أو بخمر، أو خنزير، فإن صححنا بيعه له، وأثبتنا الولاء للسيد، عتق، وعليه قيمته، كما لو قال: أعتقتك على خمر أو خنزير، فإن قلنا: لا ولاء عليه، لم يصح، ولم يعتق، كما لو باعه لاجنبي بخمر. ولو قال: وهبت لك نفسك، أو ملكتك، فقبل، عتق. ولو أوصى له برقبته، فقبل بعد الموت، عتق. واعلم أن الاعتاق على عوض، وبيع العبد نفسه، يشاركان الكتابة في أن كل واحد منها يتضمن إعتاقا بعوض، ويفارقانها في الشروط والاحكام، وهما عقدان مستقلان. الركن الثاني: العوض، وشروطه ثلاثة: الاول: كونه دينا مؤجلا، إذ لا قدرة له في الحال فلو ملك بعض شخص باقيه حر، وكاتبه في ملكه بدين حال، لم يصح على الاصح. وقيل: يصح، لانه يملك ببعضه الحر، فلا يتحقق عجزه، ولهذا يصح البيع لمعسر، لان الحرية مظنة الملك، وإن لم يملك شيئا آخر. فلو زاد الثمن على قيمة المبيع، فالصحيح الصحة، وبه قطع الجمهور، لانه قد يجد من يشتريه بقدر الثمن فيؤدي ذلك. وحكى الشيخ أبو محمد وجها أنه لا يصح البيع والحالة هذه. ولو أسلم إلى مكاتبه عقب الكتابة، ففي صحته وجهان حكاهما القاضي حسين. الثاني: أن ينجم نجمين فصاعدا. ومن بعضه رقيق هل يشترط في كتابة الرقيق منه التنجيم ؟ وجهان كالتأجيل، وهل تجوز الكتابة على مال كثير إلى نجمين(8/468)
قصيرين، أو إلى طويل وقصير، بشرط أداء الاكثر في القصير ؟ وجهان. أصحهما: نعم لامكان القدرة، كما لو أسلم إلى معسر في مال كثير. والثاني: لا، لان النادر كالمعجوز عنه، كما في السلم، ويجوز جعل العوض منفعة، كبناء دار، وخياطة، وخدمة شهر، كما يجوز جعل المنفعة ثمنا وأجرة ومهرا، ولا يجوز أن يكتفى بخدمة شهر، أو شهرين، أو سنة، ويقدر كل عشرة أيام نجما، أو كل شهر، لان الجميع نجم واحد، والمطالبة به ثابتة في الحال. فلو شرط صريحا كون خدمة شهر نجما، وخدمة الشهر بعده نجما آخر، لم يصح على الاصح المنصوص في الام لان منفعة الشهر الثاني متعينة، والمنافع المتعلقة بالاعيان لا يجوز شرط تأخيرها. ولو انقطع ابتداء المدة الثانية عن آخر الاولى كخدمة رجب ورمضان، لم يصح بلا خلاف. ثم يشترط أن تتصل الخدمة وغيرها من المنافع المتعلقة بالاعيان بعقد الكتابة ولا تتأخر عنها، كما أن عين المبيع لا يقبل التأجيل وتأخير التسليم. فلو كاتبه في رمضان على خدمة شوال لم يصح، ولو كاتبه على دينار يؤديه في آخر هذا الشهر، وعلى خدمة الشهر الذبعده، لم يصح. وأما المنافع الملتزمة في الذمة، كخياطة ثوب معين، وبناء جدار موصوف، ودار موصوفة، فيجوز فيها التأجيل. ولو كاتبه على بناء دارين، وجعل لكل واحدة منهما وقتا معلوما، صح. ولو قال: كاتبتك على خدمة شهر من الآن، وعلى دينار بعد انقضائه بيوم أو شهر، جاز. ولو قال: وعلى دينار عند انقضائه، فوجهان. وقيل: قولان، الاصح المنصوص: الجواز، قالوا: ولا بأس بكون المنفعة حالة لان التأجيل يشترط لحصول القدرة، وهو قادر على الاشتغال بالخدمة في الحال، بخلاف ما لو كاتب على دينارين، أحدهما حال، والآخر مؤجل، وهذا يبين أن الاجل وإن أطلقوا اشتراطه، فليس ذلك بشرط في المنفعة التي تقدر على الشروع فيها في الحال. ولو كاتب على خدمة شهر ودينار في أثناء الشهر، كقوله:(8/469)
ودينار بعد العقد بيوم، جاز على الاصح. ولو قال: على خدمة شهر من وقت العقد، وعلى خياطة ثوب موصوف بعد انقضاء الشهر، فهو كقوله: ودينار بعد انقضاء الشهر. وذكر البغوي أنه يشترط بيان العمل في الخدمة، قال ابن الصباغ: يكفي إطلاق الخدمة، لكن لو قال: على منفعة شهر، لم يصح، لاختلاف المنافع. وإذا كاتب على خدمة ودينار، فمرض في الشهر، وفاتت الخدمة، انفسخت الكتابة في قدر الخدمة، وأما الباقي فقيل: تبطل فيه قطعا، لانها لا تصح في بعض العبد. وقيل: هو كمن باع عبدين، فتلف أحدهما قبل القبض، ففي الباقي طريقان. أحدهما: لا تبطل. والثاني: قولان. فرع إذا قال لعبده: أعتقتك على أن تخدمني، أو على أن تخدمني أبدا، فقبل العبد، عتق في الحال، ورجع السيد عليه بقيمته. ولو قال: على أن تخدمني شهرا من الآن، فقبل، عتق، وعليه الوفاء، فإن تعذر بمرض وغيره، ففيما يرجع عليه السيد به من أجرة مثل الخدمة، أو قيمة العبد قولان، كالصداق وبدل الخلع إذا تلفا قبل القبض. ولو قال: كاتبتك على أن تخدمني أبدا، لم يعتق. ولو قال: على أن تخدمني شهرا، فقبل وخدمه شهرا، عتق، ورجع السيد عليه بقيمته، وهو على السيد بأجرة مثل الخدمة، لانها كتابة فاسد، وإن خدمه أقل من شهر، لم يعتق. الشرط الثالث: بيان قدر العوض، والاجل فيشترط بيان قدر العوض وصفته، وأقدار الآجال، وما يؤدى عند حلول كل نجم. فإن كاتب على نقد كفى الاطلاق إن كان في البلد نقد منفرد أو غالب، وإلا، فيشترط التبيين. وإن كاتب على عرض، وصفه بالصفات المشترطة في المسلم، وإن كاتب على ثوب موصوف على أن يؤدي نصفه بعد سنة، ونصفه بعد سنة، ونصفه الآخر بعد انقضاء سنتين،(8/470)
لم يصح لانه إذا سلم النصف في السنة الاولى، تعين النصف الثاني للثانية، والمعين لا يجوز شرط الاجل فيه، ولا يشترط تساوي الآجال، ولا الاقدار المؤداة في آخر الآجال. ولو كاتبه على مائة على أن يؤدي نصفها أو ثلثها عند انقضاء خمس، والباقي عند تمام العشر، أو على أن يؤدي عند تمام كل سنة عشرة، جاز. ولو قال: تؤدي بعضها عند انقضاء نصف المدة، والباقي عند تمامها، لم يجز. ولو قال: تؤديها في عشر سنين، لم يجز على الصحيح. وقيل: يجوز ويوزع المال على عدد السنين. ولو قال: في كل شهر كذا، وفي سنة كذا، فهل هو مجهول، أم يحمل على أول الشهر والسنة ؟ وجهان، كنظيره في السلم، وكذا لو قال: في يوم كذا. ولو قال: في وسط السنة، فهل هو مجهول، أم يحمل على نصفها، لانه الوسط الحقيقي ؟ وجهان. ولو قال: تؤديها إلى عشر سنين، لم يجز، لانه كتابة إلى أجل واحد. ولو قال: كاتبتك على مائة تؤديها إلى ثلاثة أشهر، قسط كل شهر عند انقضائه، جوزه ابن سريج، ومنعه ابن أبي هريرة وغيره إذا لم يعلم حصة كل شهر. ولو كاتب على دينار إلى شهر، ودينارين إلى شهر على أنه إذا أدى الاول، عتق، ويؤدي الدينارين بعد العتق، ففي صحة الكتابة القولان فيما إذا جمعت الصفقة عقدين مختلفين. فرع هل يشترط بيان موضع تسليم النجوم ؟ ذكر ابن كج أن فيه الخلاف المذكور في السلم، وذكر خلافا في أنه لو عين موضع، فخرب، هل يسلم فيه، أم في أقرب المواضع إليه.(8/471)
فرع لو كاتب على مال الغير، فسدت الكتابة، فإن أذن رب المال في أن يعطيه لسيده فأعطاه، عتق، وإن أعطاه بغير إذن المالك، لم يعتق، بخلاف ما إذا قال: إن أديت إلي هذا فأنت حر، فإنه إذا أداه، عتق، وإن كان مستحقا، لان ذلك محض تعليق، وهذه كتابة تقتضي التمليك، فإذا وجد إذن المالك، وجد ما يقتضي الملك، لكن يجب الرد والرجوع إلى القيمة لفساد الكتابة. فرع إذا شرط أن يشتري أحدهما من الآخر، فسدت الكتابة. ولو كاتبه وباعه شيئا بعوض واحد، كقوله: كاتبتك وبعتك هذا الثوب بمائة إلى شهرين، تؤدي نصفها في آخر كل شهر، فإذا أديت فأنت حر، فقال: قبلت الكتابة والبيع، أو البيع والكتابة، أو قبلتهما، فطريقان. أحدهما: على القولين فيمن جمع بين عقدين مختلفي الحكم، ففي قول: يصحان، وفي قول: يبطلان. والثاني وهو المذهب: يبطل البيع، وفي الكتابة قولا تفريق الصفقة، فإن صححناها وهو الاظهر، فيصح بجميع العوض في قول، وبالقسط على الاظهر، فيوزع ما سماه على قيمة العبد وقيمة الثوب، فما خص العبد، لزمه في النجمين، فإذا أداه، عتق. وإن قلنا: فاسدة، لم يعتق حتى يؤدي جميع المال ليحقق الصفة ثم يتراجعان. قال الصيدلاني: ويحتمل أن يخرج قول: انه إذا أدى ما يخص قيمته، عتق ثم يتراجعان. فرع كاتب ثلاثة أعبد صفقة، فقال: كاتبتكم على ألف إلى وقتي كذا وكذا، فإذا أديتم، فأنتم أحرار، فالنص صحة الكتابة. ولو اشترى رجل ثلاثة أعبد، كل لرجل عبد من ملاكهم صفقة، فالنص بطلان البيع. ولو نكح نسوة، أو خالعهن على عوض واحد، ففي صحة المسمى قولان منصوصان. وقد سبق ذكر هذه الصورة وما فيها من الطرق في كتاب الصداق، فإن أفسدنا هذه الكتابة، فأدوا المال، عتقوا بالتعليق، وإن أد بعضهم حصته، فهل يعتق ؟ وجهان أو قولان. أصحهما: لا، لعدم كمال الصفة، كما لو قال: إن دخلتم الدار، فأنتم أحرار، فدخل بعضهم، لا يعتق. والثاني: نعم، لا العتق في الكتابة الفاسدة، محمول(8/472)
على المعاوضة، ولهذا يتراجعان. ومقتضى المعاوضة أن يعتق كل واحد بأداء حصته، ثم من عتق رجع على السيد بقيمته يوم العتق، لان سلطة السيد باقية إلى يوم العتق، لتمكنه من فسخ الكتابة الفاسدة، وإن صححنا الكتابة، وهو المذهب، وزع المسمى عليهم. ثم المذهب توزيعه على قيمتهم لا على عددهم، ثم كل عبد يؤدي حصته من النجمين، فإذا أداها، عتق، ولا يتوقف عتقه على أداء غيره. وإن مات بعضهم، أو عجز، فهو رقيق، ويعتق غيره بالاداء، ولا يقال: علق بأدائهم، لان الكتابة الصحيحة يغلب فيها حكم المعاوضة، ولهذا إذا أبرأ السيد المكاتب، عتق، وإذا مات، لم تبطل الكتابة، بخلاف التعليقات. الركن الثالث: السيد، وشرطه: كونه مختارا، مكلفا، أهلا للتبرع، فلا تصح كتابة صبي ومجنون، ولا إعتاقهما على مال، ولو أذن فيه الولي. ولا كتابة وليهما أبا كان أو غيره، ولا إعتاقه عبدهما بمال. فلو أدى العبد إلى الولي ما كاتبه عليه، لم يعتق لبطلان التعليق، ولا تصح كتابة محجور عليه بسفه، ولا يحصل العتق بتسليم المال إليه، لا في الحجر ولا بعد ارتفاعه. وحكى الفوراني خلافا فيما لو سلم المال إليه في حال الحجر ثم ارتفع حجره، أنه هل يعتق بالتسليم السابق ؟ والمذهب الاول. فرع المريض إذا كاتب في مرض موته، اعتبرت قيمة العبد من الثلث، وإن كاتبه على أكثر منها، ثم إن كان يملك عند الموت مثلي قيمته، صحت الكتابة، وإن لم يملك غيره، وأدى في حياة السيد، فإن كان كاتبه على مثلي قيمته، عتق كله، لانه يبقى للورثة مثلاه، وإن كان كاتبه على مثل قيمته، عتق ثلثاه. وإن كاتبه على مثل قيمته، وأدى نصف النجوم، صحت الكتابة في نصفه. أما إذا لم يؤد شيئا حتى مات السيد، ولم تجز الورثة ما زاد على الثلث فثلثه(8/473)
مكاتب، فإذا أدى حصته من النجوم، عتق. وهل يزاد في الكتابة بقدر نصف ما أدى، وهو سدس العبد ؟ وجهان، الاصح المنصوص: لا، لان الكتابة بطلت في الثلثين، فلا تعود، والثاني نعم، كما لو ظهر للميت دفين، أو نصب شبكة في الحياة، فيعقل بها صيد بعد الموت، فإنه يزاد في الكتابة. فإن قلنا: يزاد، وكان الاداء بعد حلول النجم، فهل يلزمه حصة السدس من النجوم في الحال، أم يضرب له مثل المدة التي ضربها الميت أولا ؟ وجهان بناء على ما إذا حبس السيد المكاتب مده، فإذا زيدت الكتابة بقدر السدس، فأدى نجومه، يزداد نصف السدس، وهكذا يزاد نصف ما يؤدي مرة بعد أخرى إلى أن ينتهي إلى ما لا يقبل التنصيف. وإن قلنا لا يزاد في الكتابة، فالباقي قن، ولا يخرج على الخلاف فيما لو كاتب نصيبه من مشترك، فإن ذاك ابتداء كتابة، وهنا وردت الكتابة على الجميع، ثم دعت ضرورة إلى إبطال البعض. وحكى ابن كج عن بعضهم تخريج صحة الكتابة في الثلث على كتابة المشترك. أما إذا أجاز الورثة الكتابة في جميعه، فيصح في جميعه، فإذا عتق بالاداء، فولاء الجميع للمورث إن قلنا: إجازتهم تنفيذ، وإن قلنا: ابتداء عطية، فولاء الثلث للمورث والثلثين لهم على قدر مواريثهم. وإن أجازوا بعض الثلثين، فإن قلنا: إجازتهم تنفيذ، صحت فيما أجازوا، وحكم الباقي ما سبق. وإن قلنا: عطية، فهو على الخلاف في تبعيض الكتابة. ولو كان عبدان قيمتهما سواء، لا مال له غيرهما، وكاتب في مرض موته أحدهما، وبالآخر نسيئة، نظر، إن حصل الثمن والنجوم في حياته، فالكتابة والبيع صحيحان وإن لم يحصل حتى مات السيد، ولم تجز الورثة ما زاد على الثلث، صحت الكتابة في ثلث هذا، والبيع في ثلث ذاك، فإذا حصلت نجوم الثلث، وثمن الثلث، فهل يزاد في الكتابة والبيع ؟ فيه الوجهان. إن قلنا: نعم، يقع فيهما جميعا، وصححت الكتابة في نصف سدس، وكذا البيع، وإن حصلت نجوم الثلث وثمن الثلث معا، صحح كل واحد منهما في السدس. ولو كاتبه في الصحة، ثم أبرأه عن النجوم في المرض، أو(8/474)
قال: وضعت عنه النجوم، أو أعتقته، فإن خرج من الثلث، عتق كله، وإن لم يكن له مال سواه، فإن اختار العجز، عتق ثلثه، ورق ثلثاه، وإن اختار بقاء الكتابة، فإن كانت النجوم مثل القيمة، فالاصح أنه يعتق ثلثه، وتبقى الكتابة في الثلثين. والثاني: لا يعتق ثلثه حتى يسلم للورثة ثلثاه، إما بأداء نجوم الثلثين، وإما بالعجز. وإن كان بين النجوم والقيمة تفاوت، اعتبر خروج الاقل منهما من الثلث. وقد ذكرنا جميع هذا ووجوهه وطرق حسابه في الوصايا. ولو أوصى بإعتاق مكاتبه، أو إبرائه، أو وضع النجوم عنه، نظر، أيخرج من الثلث، أم لا ؟ ويكون الحكم كما لو أعتقه السيد أو أبرأه، إلا أنه يحتاج إلى إنشاء عتق وإبراء بعد موت السيد. ولو كاتب في صحته، وقبض النجوم في مرض موته، أو قبضها وارثه بعد موته، صح القبض، وكانت الكتابة من رأس المال، كما لو باع بمحاباة في الصحة، وقبض الثمن في المرض. ولو أقر في المرض أنه قبض النجوم في الصحة، أو في المرض، قبل إقراره، وكان الاعتبار من رأس المال، لانه أقر بما يقدر على إنشائه، ولان الاقرار لغير الوارث يستوي فيه الصحة والمرض. فصل لا يشترط لصحة الكتابة إسلام السيد، بل تصح كتابة الكافر كإعتاقه. وفي كتابة المرتد خمسة أقوال منصوصة ومخرجة، أظهرها: البطلان. والثاني: تصح. والثالث: موقوف على إسلامه. والرابع: يصح قبل الحجر عليه. وإن قلنا: يصير محجورا عليه بنفس الردة. والخامس: يصح قبل أن يصير عليه حجرا، إما بنفس الردة، وإما بحجر القاضي، فإذا صححناها، ولم نحجر عليه، وقلنا: لا يصير محجورا عليه بالردة، فدفع المكاتب النجوم إليه، عتق، وكان له الولاء، ويملك النجوم، لانا حكمنا ببقاء ملكه على هذا القوم. إن أبطلناها، لم يصح الاداء، ويعتق. وإن قلنا: موقوف، فالاداء موقوف، فإن مات مرتدا بان بطلانها، وكان العبد قنا، وإن صار محجورا عليه بنفس الردة، أو بحجر القاضي، فإن أبطلناها، فعلى ما ذكرنا إذا لم يكن حجر، وإن صححناها، أو توقفنا، لم يجز دفع النجوم إليه، لان المحجور عليه لا يصح قبضه، بل يجب دفعه إلى الحاكم، فإن دفعها إلى المرتد، لم يعتق، ويستردها ويدفعها إلى(8/475)
الحاكم، فإن تلفت وتعذر الاسترداد، فإن كان معه ما يفي بالنجوم، ودفعه إلى الحاكم، فذاك، وإلا فله تعجيزه. ثم إن مات السيد على الردة بعد ما عجزه، فهو رقيق، وإن أسلم، فهل يكفي التعجيز ؟ قولان أو وجهان. أظهرهما وهو نصه في المختصر: نعم، لان المنع من التسليم إليه كان لحق المسلمين، فإذا أسلم، صار الحق له، فيعتمد بقبضه، فعلى هذا يعتق إن كان دفع إليه كل النجوم. وقيل: لا يعتق، ولا ينقلب القبض الممنوع منه صحيحا، لكن يبقى مكاتبا، فيستأنف الاداء، ويمهل مدة الردة، والصحيح المعروف: الاول. ولو كاتب مسلم عبده، ثم ارتد السيد لم تبطل الكتابة، كما لا يبطل بيعه، لكن لا يجوز دفع النجوم إليه إن قلنا: زال ملكه، وصار محجورا عليه، فإن دفعها إليه، فعلى ما ذكرناه. فرع يجوز أن يكاتب عبده المرتد، كما يجوز بيعه وتدبيره وإعتاقه، ثم إن أدى النجوم في ردته من أكسابه، أو تبرع بأدائها غيره، عتق، ثم جرى عليه حكم المرتدين، وإن لم يؤدها، وعاد إلى الاسلام، بقي مكاتبا، وإن لم يسلم، قتل، وكان ما في يده لسيده. وإن ارتد مكاتب، لم تبطل كتابته، فإن هلك على الردة، كان ما في يده لسيده، وارتفعت الكتابة. قال في الام: ولا أجيز كتابة السيد المرتد، والعبد المرتد، إلا على ما أجيز عليه كتابة المسلمين، بخلاف الكافرين الاصليين يتركان على ما يستحلان، ما لم يتحاكما إلينا. قال: ولو لحق السيد بعد ردته بدار الحرب، ووقف الحخكم ماله، تتأدى كتابة مكاتبه، فإن عجز رده إلى الرق فإن عجزه ثم جاء سيده، فالتعجيز ماض، ويكون رقيقا له، فإن أسلم السيد، ففي الاعتداد بما دفعه إليه ما سبق. فرع تصح كتابة الذمي كتابيا كان أو مجوسيا، وكتابة المستأمن، هذا إذا كاتبوا على شرائط شرعنا، فإن كاتب ذمي على خمر أو خنزير، ثم أسلما أو ترافعا إلينا، فإن كان ذلك قبل العوض المسمى، فالعتق حاصل، ولا رجوع للسيد على العبد، وإن كان قبل القبض، حكمنا بفسادها وإبطالها، فإن وجد القبض بعد(8/476)
ذلك، لم يحصل العتق، لانه لا أثر للكتابة الفاسدة بعد الفسخ والابطال. وإن قبض بعد الاسلام، ثم ترافعا، حصل العتق، لوجود الصفة، ويرجع السيد على المكاتب بقيمته، ولا يرجع المكاتب على السيد بشئ للخمر والخنزير. ولو كان المسمى له قيمة، رجع وإن قبض بعض المسمى في الشرك، ثم أسلما، أو ترافعا إلينا، حكم ببطلان الكتابة، فلو اتفق قبض الباقي بعد الاسلام وقبل إبطالها، حصل العتق، ورجع السيد عليه بجميع قيمته، ولا يوزع على المقبوض والباقي، لان العتق يتعلق بالنجم الاخير، وقد وجد في الاسلام. ولو أسلم عبد لذمى، أو اشترى مسلما، وصححنا شراءه، وأمرنا بإزالة الملك عنه، فكاتبه، صحت الكتابة على الاظهر، لان فيه نظرا للعبد، فإن عجز، أمر بإزالة الملك. وإن قلنا: لا يصح، أمر بإزالة الملك في الحال، فإن أدى النجوم قبل الازالة، عتق بحكم الكتابة الفاسدة. ولو كاتب ذمي عبده، فأسلم المكاتب، لم ترتفع الكتابة على المذهب، لقوة الدوام. فرع تصح كتابة الحربي، لانه مالك، فإن قهره سيده بعد الكتابة، ارتفعت، وصار قنا. ولو قهر سيده، صار حرا، وعاد السيد عبدا له، لان الدار دار قهر، وكذا لو قهر حر حرا هناك، بخلاف ما لو دخل السيد، والمكاتب دار الاسلام بأمان، ثم قهر أحدهما الآخر، لا يملكه، لان الدار دار حق وإنصاف. ولو خرج المكاتب إلينا مسلما هاربا من سيده، ارتفعت الكتابة، وصار حرا، لانه قهره على نفسه، فزال ملكه عنه. وإن خرج غير مسلم، نظر، إن خرج بإذنه وأماننا، لتجارة، وغيرها، استمرت الكتابة، وإن خرج هاربا، بطلت، وصار حرا. ثم لا يمكن من الاقامة عندنا إلا بالجزية، فإن لم يقبل، أو كان ممن لا يقر بالجزية، ألحق بمأمنه، وإن جاءنا السيد مسلما، لم يتعرض لمكاتبه هناك، وإن دخل بأمان مع المكاتب، ولم يقهر أحدهما الآخر، وأراد العود إلى دار الحرب، وكاتبه بعد ما دخلا، وأراد(8/477)
العود، فلم يوافقه المكاتب، لم يكن له أن يحمله قهرا، كما لا يسافر المسلم بمكاتبه، بل يوكل من يقبض النجوم، فإن أراد أن يقيم، طولب بالجزية، ثم إن عتق المكاتب طولب بالجزية أو رد إلى المأمن، وإن عجز نفسه، عاد قنا للسيد. قال ابن الصباغ: ويبقى الامان فيه، وإن انتقض في نفس سيده بعوده، لان المال ينفرد بالامان. ولهذا لو بعث الحربي ماله إلى دار الاسلام بأمان، ثبت الامان للمال دون صاحبه، ويجئ فيه الخلاف السابق في السيد، فيمن رجع وخلف عندنا مالا. ولو مات السيد في دار الاسلام، أو بعد العود إلى دار الحرب، ففي مال الكتابة قولان. أظهرهما: يبقى الامان فيه، فيرسل إلى ورثته، لانه لا خلاف أنهم ورثوه، ومن ورث مالا، ورثه بحقوقه، كالرهن والضمين. والثاني: يبطل الامان فيه، ويكون قنا، لانه مال كافر لا أمان له. وإن سبي السيد بعد رجوعه إلى دار الحرب، نظر، إن من عليه أو فدي، أخذ النجوم، وهما بما جرى في أمان ما دام في دار الاسلام، فإن رجع انتقض الامان فيه. وفي المال إن تركه عندنا ما سبق، وإن استرق، زال ملكه. وفي مال الكتابة طريقان. أحدهما: قولان، كالموت. والثاني: لا يبطل قطعا، لانه ينتظر عتقه ومصيره مالكا، بخلاف الميت. وأما ولاء هذا المكاتب، فإن عتق قبل استرقاق السيد، فطريقان، أحدهما: أن الولاء كالمال، فإن جعلناه فيئا، فالولاء لاهل الفئ، وإن توقفنا، فكذلك تتوقف في الولاء. والثاني وهو المذهب: أنه يسقط ولاؤه، لان الولاء لا يورث، ولا ينتقل من شخص إلى شخص. وإن استرق السيد قبل عتق المكاتب، فإن جعلنا ما في ذمته فيئا، فادعى عتق بدفعه إلى المكاتب، ففي الولاء وجهان. وإن قلنا: موقوف، فإن عتق السيد، دفع المكاتب المال إليه، وكان له الولاء، وإن مات رقيقا، وصار المال فيئا، ففي الولاء الوجهان. ولو قال المكاتب في مدة التوقف: انصبوا من يقبض المال لاعتق، أجيب إليه، وإذا عتق، فليكن في الخلاف. وقيل: يبنى على أن مكاتب المكاتب إذا عتق تفريعا على صحة كتابته، يكون ولاؤه لسيد(8/478)
المكاتب، أو يوقف على عتق المكاتب. وفيه قولا. إن قلنا بالاول، فالولاء هنا لاهل الفئ، وإن قلنا بالثاني، فيوقف. قال الروياني: الاصح عند الاصحاب أنه يوقف المال، والولاء، فإن عتق، فهما له، وإن مات رقيقا، فالمال فئ، ويسقط الولاء. فرع كاتب مسلم عبدا كافرا في دار الاسلام أو الحرب، صح، فإن عتق، لم يمكن من الاقامة بدارنا إلا بجزية، فإن كاتب بدار الحرب، فأسر، لم تبطل كتابته، لانه في أمان سيده. ولو استولى الكفار على مكاتب مسلم، لم تبطل كتابته، وكذا لم يبطل التدبير والاستيلاد، فإذا استنقذ المسلمون مكاتبه، فهل يحسب عليه مدة الاسر من أجل مال الكتابة ؟ طريقان. أحدهما: كما لو حبسه السيد، والمذهب القطع بالاحتساب، لعدم تقصير السيد. وهل للسيد الفسخ بالتعجيز وهو الاسر ؟ إن قلنا: يحسب، فله ذلك. ثم هل يفسخ بنفسه كما لو حضر المكاتب، أو يرفع الامر إلى القاضي ليبحث هل له مال ؟ وجهان. أظهرهما: الاول. فإذا فسخت، وخلص، وأقام بينة أنه كان له من المال ما يكفي بالكتابة، بطل الفسخ، وأدى المال وعتق. الركن الرابع: المكاتب، وشرطه كونه مكلفا مختارا، فلا تصح كتابة مجنون، ولا صبي وإن كان مميزا، ولا مكره. ولو كاتب البالغ لنفسه ولاولاده الصغار، لم يصح لهم. وفي صحتها لنفسه قولا تفريق الصفقة. ولو كاتب عبده الصغير أو المجنون وقال في كتابته: إذا أديت كذا فأنت حر، فوجدت الصفة، عتق، هكذا قال الاصحاب، وفيه احتمال للامام. ثم قيل: يعتق بحكم كتابة فاسدة، لانه لم يرض بعتقه إلا بعوض. فعلى هذا يرجع السيد عليه بقيمته، ويرجع هو على السيد بما دفع، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يعتق بمجرد الصفة، وليس لما جرى حكم الكتابة الفاسدة في التراجع ولا غيره، ولا تصح كتابة عبد مرهون، لانه مرصد للبيع، ولا مستأجر، لانه مستحق المنفعة، وتصح كتابة المعلق عتقه بصفة، والمدبر، والمستولدة. وفي امستولدة وجه. ولو قبل الكتابة(8/479)
من السيد أجنبي على أن يؤدي عن العبد كذا في نجمين، فإذا أداها، عتق العبد، فهل يصح ؟ وجهان. أحدهما: نعم، كخلع الاجنبي. والثاني: لا، لمخالفة موضوع الباب، فإن صححناها، فهل تجوز حالة ؟ وجهان. وإن لم نصححها، فأدى عتق العبد بالصفة، ويرجع المؤدي على السيد بما أدى، والسيد عليه بقيمة العبد. قلت: الاصح أنها لا تصح. والله أعلم فصل إذا كاتب بعض عبده، إن كان باقيه حرا، صحت الكتابة، لانها استغرقت الرقيه منه، فإن كاتب جميعه والحالة هذه، بطلت في الحر منه. وفي الباقي قولا تفريق الصفقة، وكذا لو كان يعتقد الرق في جميعه، فبان بعضه حرا، فإن قلنا: تفسد، لم يعتق حتى يؤدي جميع المسمى، لتتحقق الصفة، فإذا عتق، استرد من السيد ما أدى، وللسيد قسط القدر الذي كاتبه من القيمة. وإن قلنا: يصح، فهل يستحق جميع المسمى، أم قسط الرقيق من القيمة ؟ قولان، كالبيع إذا أجازه في المملوك. أما إذا كاتب بعض عبد، وباقيه رقيق، فللرقيق حالان. أحدهما: أن يكون له أيضا، فلا تصح كتابته على المذهب والمنصوص، وبه قطع الجمهور. فإن صححنا، وكان بينه وبين السيد مهايأة، وكسب النجوم في نوبته، فأداها، عتق القدر الذي كاتبه وسرى إلى الباقي. وإن لم تكن مهايأة، فكسبه بينهما، فإن كسب ما يفي بقسط السيد والنجوم، عتق، وإن لم يكسب إلا قدر النجوم، ففي العتق خلاف سنذكر نظيره إن شاء الله تعالى. وإن لم نصححها، فهي كتابة فاسدة، فإن أدى المال قبل أيفسخها السيد، عتق، والسراية كما ذكرنا، ثم يرجع المكاتب على السيد بما أدى، ويرجع السيد عليه بقسط القدر المكاتب من القيمة، ولا يرجع بقسط ما سرى العتق إليه، لانه لم يعتق بحكم الكتابة. الحال الثاني: أن يكون الباقي لغيره، فإذا كاتب أحد الشريكين نصيبه، إن(8/480)
كان بإذن الآخر، فقولان أظهرهما: لا يصح، لان الشريك الآخر يمنعه من التردد والمسافرة، ولا يمكن أن يصرف إليه سهم المكاتبين من الزكاة. والثاني: يصح، كما يصح إعتاق بعضه. وإن كاتبه بغير إذن الآخر، لم يصح على المذهب. وقيل بطرد الخلاف. فإن أفسدنا كتابة الشريك، فللسيد إبطالها، فإن لم يفعل، ودفع العبد إلى الذي لم يكاتبه بعض كسبه، وإلى الذي كاتب بعضه بحسب الملك حتى أدى مال الكتابة، عتق ويقوم نصيب الشريك على الذي كاتب، بشرط يساره، ويرجع العبد عليه بما دفع، ويرجع هو على العبد بقسط القدر الذي كاتبه من القيمة. وإن دفع جميع ما كسبه إلى الذي كاتبه حتى تم قدر النجوم، فوجهان، ونقلهما الصيدلاني قولين أحدهما: يعتق، لان العتق في الكتابة الفاسدة يتعلق بحصول الصفة، وقد حصلت. وأصحهما: لا يعتق، لان المعاوضة تقتضي إعطاء ما تملكه لينتفع به المدفوع إليه. وأجري الخلاف فيما لو قال: إن أعطيتني عبدا، فأنت حر، فأعطاه عبدا مغصوبا، هل يحصل العتق ؟ فإن قلنا: لا يعتق فللذي لم يكاتب أن يأخذ نصيبه مما أخذه الذي كاتب، ثم أن أدى العبد تمام النجوم من حصته من الكسب، عتق، وإلا فلا. وإن قلنا: يعتق فيأخذ نصيبه أيضا. والتراجع بين الذي كاتب والعبد، وسراية العتق على ما سبق. وإن صححنا كتابة الشريك، فدفع العبد من كسبه إلى الذي كاتبه حصته، أو جرت بينه وبين الذي لم يكاتبه مهايأة، فدفع ما كسبه في نوبة نفسه إلى الذي كاتبه حتى تمت النجوم، عتق، وقوم عليه نصيب الشريك إن كان موسرا، وكذا لو أبرأه عن النجوم أو أعتقه. وإن دفع إليه كل كسبه حتى تم قدر النجوم، فقيل: في حصول العتق وجهان أو قولان، كما ذكرنا تفريعا على الفساد، والمذهب القطع بالمنع، لان الكتابة إذا صحت، غلب فيها حكم العارضات. وفي العارضات تسلم غير المملوك كعدمه، وأما الفاسدة، فالمغلب فيها حكم الصفة. فرع أذن الشريك في كتابة نصيبه، فله أن يرجع عن الاذن، فإن لم يعلم الشريك برجوعه حتى كاتب، فعلى الخلاف في تصرف الوكيل بعد العزل وقبل العلم به. ولو كاتب نصيبه بإذن الشريك، وجوزناه، فأراد الآخر كتابة نصيبه، هل(8/481)
يحتاج إلى إذن الاول ؟ وجهان. فرع كاتب أحدهما نصيبه، وقال للآخر: كاتبته بإذنك، فأنكر، فإن قال مع ذلك: قد أدى المال، عتق بإقراره، وقوم عليه نصيب الشريك إن كان موسرا. وإن لم يقر بالاداء، فالقول قول المنكر بيمينه، فإن حلف، بطلت الكتابة، وإن نكل، حلف الذي كاتب، فإن نكل، حلف العبد. هكذا حكاه ابن كج عن ابن القطان، قال: وعنده ينبغي أن يكون هذا التداعي بين الشريك والمكاتب، فإذا ادعى المكاتب الاذن، وأنكر الشريك، صدق، فإن نكل، حلف المكاتب، وثبتت الكتابة. فرع إذا كاتب الشريكان العبد معا، أو وكلا من كاتبه، أو وكل أحدهما الآخر فكاتبه، صحت الكتابة قطعا إن اتفقت النجوم جنسا وأجلا وعددا، وجعلا حصة كل واحد من النجوم بحسب اشتراكهم في العبد، أو أطلقا، فإنها تقسم كذلك. وإن اختلفت النجوم في الجنس، أو قدر الاجل، أو العدد، أو شرط التساوي في النجوم مع التساوي في الملك، أو بالعكس، ففي صحة كتابتهما القولان فيما إذا انفرد أحدهما بكتابة نصيبه بإذن الآخر. وقيل: تبطل قطعا، فلا يشترط استواء ملك الشريكين في الذي تكاتبا فيه. وقيل: يشترط، وليس بشئ. فرع من بعضه رقيق، لا يجوز صرف الزكاة إليه للقدر المكاتب منه على الصحيح أو المشهور، وحكي وجه وقول، ومال الروياني إلى تفصيل حسن، وهو أنه إن لم يكن بينهما مهايأة لا يجوز، وإلا فيجوز في اليوم نفسه. فرع إذا كاتباه، ثم عجز، فعجزه أحدهما، وفسخ الكتابة، وأراد الآخر إنظاره وإبقاء الكتابة، فالمذهب أنه كابتداء الكتابة، فلا يجوز بغير إذن الشريك على المذهب، ولا بإذنه على الاظهر. ومنهم من قطع بالجواز بالاذن، لان الدوام أقوى من الابتداء. وهل يكون التوافق على ابتداء الكتابة إذنا في ابقائها ؟ وجهان.(8/482)
أحدهما: نعم، لانهما إذا توافقا فقد رضيا بأحكامها. ومن أحكامها جواز الانظار عن العجز. وأصحهما: المنع، وجعل الارقاق ناقصا لما جرى به الاذن. ولو كاتب رجل عبده، ومات عن ابنين، وعجز المكاتب، فأرقه أحدهما، وأراد الآخر إنظاره، ففيه الطريقان، وأولى بالابقاء، لانها صدرت أولا من واحد، فيصير كأنه كاتب بعض عبده. فصل قد ذكرنا الكتابة الصحيحة بأركانها وشروطها. فأما التي لا تصح، فتنقسم إلى باطلة وفاسدة. أما الباطلة، فهي التي اختل بعض أركانها، بأن كان السيد صبيا، أو مجنونا، أو مكرها على الكتابة، أو كان العبد كذلك، أو كاتب ولي الصبي والمجنون عبدهما، أو لم يجر ذكر عوض، أو ذكر ما لا يقصد، ولا مالية فيه، كالحشرات، والدم، أو اختلت الصيغة، بأن فقد الايجاب أو القبول، أو لم يوافق أحدهما الآخر. وأما الفاسدة، فهي التي اختلت صحتها لشرط فاسد في العوض، بأن ذكر خمرا، أو خنزيرا، أو مجهولا، أو لم يؤجله، أو لم ينجمه، أو كاتب بعض العبد. وضبطها الامام فقال: إذا صدرت الكتابة إيجابا وقبولا ممن تصح عبارته، وظهر اشتمالها المالية، لكنها لم تجمع شرائط الصحة، فهي الكتابة الفاسدة، وجعل الصيدلاني الكتابة على دم أو ميتة كتابة فاسدة، كالكتابة على خمر. إذا عرف هذا، فالكتابة الباطلة لاغية، إلا أنه إذا صرح بالتعليق، وهو ممن يصح تعليقه، ثبت حكم التعليق. وأما الفاسدة، فإنها تشارك الصحيحة في بعض الاحكام، كما سنذكره على الاثر إن شاء الله تعالى بخلاف البيع وغيره من العقود، لا يفرق بين فاسدها(8/483)
وصحيحها، لان مقصود الكتابة العتق، وهو لا يبطل بالتعليق على فاسد. قال الاصحاب: تعليق العتق بالصفة ثلاثة أقسام. أحدها: التعليق الخالي عن المعاوضة، كقوله: إن دخلت الدار، أو كلمت فلانا، فأنت حر. ومن هذا: إن أديت إلي كذا فأنت حر، فإن المال ليس مذكورا على سبيل المعاوضة، فهذا القسم لازم من الجانبين، فليس للسيد، ولا للعبد، ولا لهما، رفعه بالقول، ويبطل بموت السيد. وإذا وجدت الصفة في حياة السيد، عتق، وكسبه قبل وجود الصفة للسيد. ولو أبرأه في صورة التعليق بأداء المال عن المال، لم يعتق، ولا تراجع بين السيد وبينه. القسم الثاني: التعليق في عقد يغلب فيه معنى المعاوضة، وهو الكتابة الصحيحة، وستأتي أحكامها إن شاء الله تعالى.(8/484)
الثالث: التعليق في عقد فيه معنى المعاوضة، ويغلب فيه معنى التعليق، وهو الكتابة الفاسدة، وهي كالصحيحة في أحكام. أحدها: أنه إذا أدى العبد المسمى، عتق بموجب التعليق، ولا يعتق بإبراء السيد، ولا بأداء الغير عنه تبرعا، لان الصفة لا تحصل بهما. ولو اعتاض عن المسمى، لم يعتق أيضا. الثاني: أنه يستقل بالاكتساب، فيتردد ويتصرف، فيؤدي المسمى ويعتق. وإذا أدى، فما فضل من الكسب، فهو له، لان الفاسدة كالصحيحة في حصول العتق بالاداء، فكذلك في الكسب، وولد المكاتب من جارية ككسبه، لكن لا يجوز له بيعه، لانه مكاتب عليه، فإذا عتق تبعه، وعتق عليه. وهل يتبع المكاتبة كتابة فاسدة ولدها ؟ طريقان. المذهب: نعم، كالكسب. والثاني: قولان، كما سبق في باب التدبير في ولد المعلق عتقها بصفة. الثالث: ذكر الامام والغزالي أنه إذا استقل، سقطت نفقته عن السيد، وان معاملته كالمكاتب كتابة صحيحة. والذي ذكره البغوي أنه لا تجوز معاملته مع السيد، ولا ينفذ تصرفه فيما في يده، كما في المعلق عتقه بصفة، ولعل هذا أقوى. فرع المكاتب كتابة صحيحة، هل له السفر بغير إذن السيد ؟ فيه نصان، فقيل: قولان أظهرهما: الجواز، لانه يستعين به على الكسب، ولانه في يد نفسه، وعليه دين مؤجل، فلم يمنع السفر. وقيل: نص الجواز محمول على سفر قصير، والمنع على طويل. وقيل: الجواز إذا لم يحل النجم، والمنع إذا حل، فإن جوزناه، فهل يجوز للمكاتب كتابة فاسدة ؟ وجهان، أصحهما: لا. فرع تفارق الفاسدة الصحيحة في أمور. أحدها: إذا أدى المسمى في الفاسدة، وعتق، رجع على السيد بما أدى، ورجع السيد عليه بقيمته يوم العتق. وفي قول ضعيف: يرجع بقيمة يوم العقد، فإن هلك المسمى في يد السيد، رجع العتيق بثلثه أو قيمته، فإن كان الواجب على السيد من جنس القيمة، بأن كان غالب نقد البلد، فهو على أقوال التقاص، وسنذكرها إن شاء الله تعالى. وإذا حصل التقاص وفضل لاحدهما شئ رجع به، وإنما يثبت التراجع إذا كان المسمى(8/485)
مالا، فإن كان خمرا أو نحوه، لم يرجع العتيق على السيد بشئ، ويرجع السيد عليه بالقيمة. الثاني: للسيد فسخ الكتابة الفاسدة، بخلاف الصحيحة، ثم إن شاء فسخ بنفسه، وإن شاء رفع الامر إلى القاضي، ليحكم بإبطالها أو يفسخها. قال الروياني: وهو كما لو وجد المشتري المبيع معيبا، له أن يفسخ بنفسه، وله أن يرفع الامر إلى القاضي ليفسخ، ولا يبطلها القاضي بغير طلب السيد. وقال ابن سلمة: لا سبيل إلى إبطال الفاسدة بالقول، لان العتق فيها يحصل بالتعليق، والتعليق لا يصح إبطاله، والصحيح الاول، فإذا فسخها، أو حكم الحاكم بإبطالها، ثم أدى المسمى، لم يعتق، لانه إن كان تعليقا، فهو في ضمن معاوضته، فإذا ارتفعت المعاوضة، ارتفع ما تضمنته من التعليق، وليشهد السيد على الفسخ، فإن أدى المسمى، وقال: أديته قبل الفسخ، وقال السيد: بل بعده، صدق العبد، لان الاصل عدم الفسخ، وعلى السيد البينة. الثالث: إذا أعتق المكاتب كتابة فاسدة، لا عن جهة الكتابة أو باعه، أو وهبه، كان فسخا للكتابة. ولو أعتقه عن كفارة، أجزأه، نص عليه في الام قال الشيخ أبو علي: إذا عتق لا عن جهة الكتابة، لا يتبعه الكسب والولد، بخلاف الكتابة الصحيحة، لان المكاتب هناك استحق العتق على السيد بعقد لازم، واستحق استتباع الولد والكسب، فليس للسيد إبطاله، وهناك لا استحقاق على السيد، فجعل فاسخا. قال: وعرضت هذا على القفال، فاستحسنه، وأقرني عليه، ولم ير غيره. وحكى الامام وجها أنه لا يجزئ عن الكفارة، ولا يتبعه الولد والكسب، والصحيح الاول. الرابع: تبطل الكتابة الفاسدة بموت السيد، ولا يعتق بالاداء إلى الوارث بعد الموت، بخلاف الصحيحة، فإن قال: إن أديت إلى وارثي كذا بعد موتي، فأنت حر، عتق بالاداء إليه. الخامس: لا يجب الايتاء في الفاسدة. السادس: لو كاتب أمة كتابة فاسدة، وعجزت عن الاداء، فأرقها، أو فسخ(8/486)
الكتابة قبل عجزها، لم يجب الاستبراء، بخلاف الصحيحة. السابع: لو عجل النجوم في الكتابة الفاسدة، فهل يعتق كالصحيحة، أم لا، لان الصفة لم توجد على وجهها 0 وجهان. قلت: أصحهما الثاني. والله أعلم الثامن: من يلزم السيد فطرة المكاتب كتابة فاسدة. التاسع: هل يصرف سهم المكاتبين إلى المكاتب كتابة فاسدة ؟ وجهان الاصح المنصوص: المنع. العاشر: المسافرة ممنوعة في الفاسدة على المذهب، جائزة في الصحيحة على المذهب، كما سبق وبالله التوفيق.(8/487)
الباب الثاني : في أحكام الكتابة الصحيحة هي خمسة: الاول: حصول العتق، ويتعلق بما يحصل به العتق مسائل. إحداها: أنه يحصل بأداء كل النجوم، وكذا بالابراء، وفي حصوله بالاستبدال عن النجوم خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى. وإذا جوزنا الحوالة بالنجوم، أو عليها، حصل العتق بنفس الحوالة. ولو أدى بعض النجوم، أو أبرأه عن بعضها، لم يعتق شئ منه، بل يتوقف على الجميع، للحديب الحسن المكاتب عبدما بقي عليه درهم. ولو كاتب عبيدا صفقة واحدة، فقد سبق أن المذهب صحتها، وأنه إذا أدى بعضهم حصته، عتق، وإن لم يؤد الآخرون شيئا. ولو كاتب اثنان عبدهما معا، فليسو بينهما في الاداء، ولا يعتق نصيب أحدهما بأداء نصيب أحدهما بأداج نصيبه من النجوم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ولو كاتب إنسان عبدا، ومات، وخلف ابنين، فأدى نصيب أحدهما بغير إذن الآخر، لم يعتق. وإن أدى بإذنه، ففي عتقه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى. الثانية: لا تنفسخ الكتابة بجنون السيد، ولا العبد، ولا بإغمائهما، فإن جن السيد، فعلى المكاتب تسليم النجوم إلى وليه، فإن سلم إليه، لم يعتق، لان قبضه فاسد. ولو تلف في يده، فلا ضمان، لتقصيره بالتسليم إليه، ثم إن لم يكن في يد المكاتب شئ آخر يؤديه، فللولي تعجيزه. ولو حجر عليه بالسفه، فهو كالجنون.(8/488)
فلو أدى المكاتب إليه في حال الحجر، وعجزه الولي، ثم رفع الحجر عنه، استمر التعجيز. وقيل: فيه قولان، كما سبق في المرتد إذا أخذ النجوم، وعجز الحاكم المكاتب، ثم أسلم المرتد، والمذهب الاول، لان حجر السفة أقوى. ولهذا لا ينفذ تصرفه قطعا، بخلاف المرتد في قول، ولان حجر السفه لحفظ ماله. فلو حسب عليه ما أخذه، وأتلفه في حال الحجر لم يحصل حفظ المال، وحجر المرتد لحق المسلمين، فإذا أسلم، لم يبق لهم في ماله حق. وأما إذا جن المكاتب، فأدى في جنونه، أو أخذه السيد من غير أداء منه فيعتق، لان قبض النجوم مستحق. ولو أخذها المولى من غير إقباض من المكاتب وقع موقعه. هذا المعروف في المذهب. وقال الامام: إن عسر وصول السيد إلى حقه إلا من جهة قبض ما يصادف، فله ذلك، وإن أمكن مراجعة الولي، فلا وجه لاستبداده بالقبض. فلو استبد، لم يصح، وإذا لم يصح، فلو أقبض المجنون، لم يكلاقباضه حكم. وحكى قولا أو وجها أن الكتابة تنفسخ بجنون المكاتب، والمذهب الاو. هذا في الكتابة الصحيحة، أما الفاسدة، فهل تبطل بجنونهما وإغمائهما ؟ فيه أوجه، أحدهما نعم، كالشركة، والثاني: لا، كالبيع بشرط الخيار، وأصحها عند الجمهور، وهو ظاهر النص: تبطل بجنون السيد وإغمائه، وبالحجر عليه، لا بجنون العبد وإغمائه، لان الحظ في الكتابة للعبد لا للسيد. فإن قلنا: لا تبطل، فأفاق، وأدى المسمى، عتق، وثبت التراجع. قالوا: وكذا لو أخذ السيد في جنونه، وقالوا: ينصب السيد من يرجع له، وينبغي أن لا يعتق بأخذ السيد هنا. وإن قلنا: يعتق في الكتابة الصحيحة، لان المغلب هنا التعليق، والصفة المعلق عليها، بالاداء من العبد، فلم يوجد. وإن قلنا: يبطل، فأدى المسمى، لم يعتق على الاصح، لان العتق بالتعليق في الفاسدة يتبعها، فإذا بطلت، بطل التعليق، كما لو فسخها السيد. والثاني: يعتق، فعلى هذا، قال الامام: الوجه القطع بأن لا تراجع، لان التراجع مقتضى الكتابة الفاسدة وقد زالت، وبقي التعليق(8/489)
المحض. وقيل يثبت، قال: ومساقه أن يتبعه الكسب، وهذا ضعيف. الثالثة: إذا كاتب الشريكان معا، ثم أعتق أحدهما نصيبه، عتق. وهل يسري إلى نصيب الشريك إن كان موسرا ؟ وجهان أو قولان. الصحيح المشهور: يسري. وفي وقت السراية قولان. أحدهما: في الحال لئلا تتبعض الحرية. وأظهرهما: لا يثبت في الحال، لانه قد انعقد سبب الحرية في النصف الآخر، وفي التعجيل ضرر على السيد، لفوات الولاء، وبالمكاتب بانقطاع الولد والكسب عنه. فإن قلنا: تتعجل السراية، فهل تنفسخ الكتابة في نصيب الشريك، أم يسري العتق مع بقاء الكتابة ؟ وجهان. الصحيح وبه قطع الجمهور: تنفسخ، لان الاعتاق أقوى من الكتابة، فعلى هذا يعتق كله على الشريك للمعتق، ويكون له الولاء. والثاني: يسري العتق مع بقاء الكتابة، لئلا يبطل حق الغير، فعلى هذا ولاء النصف الآخر للشريك، لا للمعتق حينئذ. وإن قلنا: لا تتعجل السراية، فأدى نصيب الآخر من النجوم، عتق عن الكتابة، وكان الولاء بينهما. وإن عجز، وعاد إلى الرق ثبتت السراية حينئذ، ويكون الولاء كله للمعتق، ويجئ الخلاف في أنها ثبتت بنفس العجز، أم بأداء القيمة، أم يثبت بأداء القيمة حصول التعليق من وقت العجز ؟ ويجري هذا الخلاف على قولنا بتعجيل السراية. وإن مات قبل الاداء والعجز، فقد مات بعضه رقيقا وبعضه حرا. وهل يورث ؟ فيه القولان السابقان في الفرائض. ولو أبرأه أحد الشريكين عن نصيبه من النجوم، فهو كما لو أعتقه، والقول في السراية، وفي وقتها كما ذكرنا لو أعتق أحدهما نصيبه. ولو قبض أحدهما نصيبه من النجوم برضى صاحبه، فهل يعتق نصيبه ؟ فيه خلاف سنذكره في الحكم الثاني إن شاء الله تعالى. فإن قلنا: يعتق، فهو كالاعتاق في السراية ووقتها. قال الامام: ولا نقول: إنه مجبر على القبض فلا يسري، لانه مختار في إنشاء الكتابة التي اقتضت إجباره على القبض، فهو كما لو قال أحد الشريكين: إذا طلعت الشمس فنصيبي حر، فإذا طلعت، عتق نصيبه، وسرى، لانه مختار في التعليق. ولو كاتب عبدا ومات عن ابنين، فعتق أحدهما نصيبه، وقلنا: يعتق(8/490)
نصيبه على ما سيأتي إن شاء الله تعالى، لم يسر، لانه مجبر على القبض وابتداء الكتابة لم يصدر منه. فرع قال العبد لمالكيه وقد كاتباه: قد أعطيتكما النجوم، وأنكرا، صدقا باليمين، وإن صدقه أحدهما، وكذبه الآخر، عتق نصيب المصدق، ويصدق المكذب بيمينه. وهل يسري العتق ؟ فيه خلاف سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى، والمذهب: المنع، والاختلاف في غير النجم الاخير كالاختلاف فيه، لان العتق لا يحصل بغير الاخير. ولو قال المكاتب لاحدهما: دفعت إليك جميع النجوم لتأخذ نصيبك، وتدفع نصيب الآخر إليه، فقال: دفعت إلي نصيبي، ودفعت نصيب الآخر إليه بنفسك، وأنكر الآخر القبض، عتق نصيب المقر، وصدق في أنه لم يقبض نصيب الآخر بيمينه، وصدق الآخر في أنه لم يقبض نصيبه، ولا حاجة إلى اليمين، لان المكاتب لا يدعي عليه شيئا. ثم يتخير المنكر بين أن يأخذ حصته من النجوم من العبد، وبين أن يأخذ من المقر نصف ما أخذ، لان كسب المكاتب متعلق حقهما بالشركة، ويأخذ الباقي من العبد، ولا تقبل شهادة المقر عليه، لانه متهم بدفع المشاركة عنه. وإذا عجز المكاتب عما طالب المنكر به، فله تعجيزه وإرقاق نصيبه. ثم عن نصه في الاملاء أنه يقوم ما أرقه على المقر، ونقله ابن سلمة، وابن خيران إلى الصورة السابقة، وجعلوا التقويم عند العجز في الصورتين على قولين وامتنع الجمهور من نقله إلى تلك الصورة، وفرقوا بأن العبد هناك يقول: أنا حركامل الحال فلا يستحق التقويم، وهنا يعترف بأن نصيب المنكر منه لم يعتق. ولو قال المكاتب لاحدهما: دفعت النجوم إليك لتأخذ نصيبك وتدفع نصيب الآخر إليه، كما صورنا، فقال في الجواب: قد فعلت ما أمرت به فأنت عتيق، وأنكر الآخر عتق نصيب المقر، وصدق المنكر بيمينه، فإذا حلف، بقي نصيبه مكاتبا، وله الخيار بين أخذ حصته من المكاتب، وبين أخذه من المقر لاقراره بأخذها، ومن أيهما أخذ، عتق نصيبه. ثم إن أخذها من المكاتب، فله الرجوع(8/491)
على المقر، لانه وإن صدقه في الدفع إلى الشريك، فإنه كان ينبغي أن يشهد عليه. وإن أخذها من المقر، فلا رجوع له على المكاتب، لاعترافه بأنه مظلوم. فإذا اختار الرجوع على المكاتب، فلم يأخذ حصته من المقر، ولم يدفعها إلى المنكر، وعجز نفسه، فنصفه حر، ونصفه رقيق، فيقوم على المقر، فيأخذ المنكر منه قيمة النصف، ويأخذ أيضا ما أقر بقبضه له، فإنه كسب النصف الذي كان ملكه. الرابعة: كاتب عبدا وما ت عن ابنين، فهما قائمان مقامه في أنهما إذا أعتقاه أو أبرآه عن النجوم، عتق، وكذا لو استوفياها. ولو أعتقه أحدهما، أو أعتق نصيبه عتق نصيبه وكذا لو أبرأه أحدهما عن نصيبه من النجوم. وقال المزني: لا يعتق نصيبه بالابراء حتى يبرئه الآخر، أو يستوفي منه، كما لو كان الاب حيا فأبرأه عن بعض النجوم. وأجاب الاصحاب بأن هناك لم يبرئه عن جميع ماله عليه، وهنا أبرأه الابن عن جميع ماله عليه، فصار كأحد الشريكين يبرئه عن نصيبه من النجوم، وهذا الذي ذكرنا من أنه إذا أعتق الابن نصيبه، أو أبرأه عن نصيبه، يعتق، وهو الذي قطع به الاصحاب. وقال البغوي: مقتضى سياق المختصر حصول قولين في عتق نصيبه. أحدهما: العتق، وأظهرهما: المنع، بل يوقف، فإن أدى نصيب الآخر، عتق كله، والولاء للاب، وإن عجز، فإن كان قد أعتق نصيبه، عتق الآن نصيبه. ثم إن كان معسرا، فله ولاء ما عتق، والباقي قن للآخر، وإن كان موسرا، قوم عليه الباقي، وبطلت كتابة الاب، وكان ولاء الجميع للابن. وإن كان قد أبرأه عن نصيبه من النجوم، لم يعتق منه شئ بالعجز، لان الكتابة تبطل بالعجز، والعتق في غير الكتابة لا يحصل بالابراء، والمذهب ما قدمناه عن الاصحاب. فعلى هذا إن كان الذي أعتق نصيبه، أو أبرأه معسرا، بقيت الكتابة في نصيب الآخر، فإن عجز، عاد قنا، وإن أدى، وعتق، فولاؤه للاب. وأما ولاء نصيب الاول، فالاصح أنه للاب أيضا. وقيل: للابن، وقيل: إن أعتقه، فله، وإن أبرأه، فللاب. وإن كان موسرا، فهل يسري العتق إلى نصيب الشريك ؟ إذا قلنا بالاصح، لان الكتابة لا تمنع السراية، فيه قولان، أحدهما: نعم، كما لو كاتبه شريكان، ثم أعتقه أحدهما، وأظهرهما: لا، لان الكتابة السابقة تقتضي حصول العتق بها، والميت لا يقوم عليه، والابن كالنائب عنه، فإن قلنا: يسري،(8/492)
فهل يسري في الحال، أو عند العجز ؟ قولان كما سبق في الشريكين، أظهرهما: الثاني، فإن قلنا يسري في الحال، فحكى الامام وجهين في انفساخ الكتابة فيما سرى العتق إليه، كما حكاهما في صورة الشريكين، والذي قطع به الجمهور: الانفساخ فيه، وإثبات ولائه للمعتق، وفي ولاء النصف الاول وجهان، أحدهما: للمعتق فقط، لان نصيب الآخر بقي رقيقا، وأصحهما: أنه لهما، لانه عتق بحكم كتابة الاب، فيثبت له الولاء، وينتقل إليهما بالعصوبة. وإذا قلنا: لا تنفسخ الكتابة فيما سرى إليه، فولاء الجميع للاب، وإن قلنا: إن السراية تثبت عند العجز، فإن أدى نصيب الآخر، عتق كله، وولاؤه للاب، وإن عجز، فطريقان، أحدهما: تبطل الكتابة، ويكون ولاء الجميع له، وأصحهما: أن ولاء ما سرى العتق إليه، وقوم عليه له. وفي ولاء النصف الاول الوجهان. وقد يختص الوجهان بصورة الاعتاق. وفي صورة الابراء يكون ولاء النصف للاب، ينتقل إليهما قطعا، أما إذا قلنا: لا سراية، فنصيب الآخر مكاتب، كما كان، فإن عتق بأداء، أو إعتاق، أو إبراء، فولاء الجميع للاب. وإن عجز، بقي نصيبه رقيقا. وفي ولاء نصيب الاول الوجهان، هل هو له، أم لهما ؟ ولو قبض أحد الابنين نصيبه من النجوم، إن كان بغير إذن الآخر، فهو فاسد، وإن كان بإذنه، فقولان، كما سنذكره في الشريكين إن شاء الله تعالى. فإن صححنا، فقال الامام: لا سراية بلا خلاف، لانه يجبر على القبض. ولا سراية حيث حصل العتق بغير اختيار. وفي التهذيب أن القول في عتق نصيبه، وفي السراية كما ذكرنا فيما إذا أعتق نصيبه، أو أبرأ عن نصيبه من النجوم، بلا فرق. ولمن قال بهذا أن يمنع كونه مجبرا على القبض، ويقول: له الاعتاق والابراء، فإن لم يفعلهما، فيشبه أن يقال: لا يجبر على الانفراد بالقبض، وإن جوزناه، لانه لو عجز عن نصيب الثاني، قاسم الاول فيما أخذ، فله الامتناع من قبض ما عسى الثاني أن يزاحمه فيه. فرع خلف ابنين وعبدا، فادعى العبد أن أباهما كاتبه، فإن كذباه، صدقا بيمينهما على نفي العلم بكتابة الاب، فإن حلف، فذاك، وإن نكلا، وحلف العبد(8/493)
اليمين المردودة، ثبتت الكتابة، وإن حلف أحدهما دون الآخر، ثبت الرق في نصيب الحالف، وترد اليمين في نصيب الناكل، فإن أقام بينة، اشترط رجلان، لان المقصود الحرية لا المال، وإن صدقاه، أو قامت بينة، فالحكم ما سبق قبل الفرع. وإن صدقه أحدهما، وكذبه الآخر، فالمكذب يصدق بيمينه. وأما نصيب المصدق، فالصحيح ثبوت الكتابة فيه، ولا يضر التبعيض فيه للضرورة. ثم أطلقوا القول بقبول شهادة المصدق على المكذب، وقال الامام: شهادته هذه تثبت له حقوقا، فإن النجوم موروثة، فإن شهد بعد الابراء من النجوم، فله غرض في السراية، فإن نفينا السراية، اتجه القبول، وإذا حكمنا بأن نصيب المصدق مكاتب، والآخر قن، فنصف الكسب له، يصرف في جهة النجوم، ونصفه للمكذب. وإن اتفقا على مهايأة، ليكسب يوما لنفسه، ويوما للمكذب، أو يخدمه، جاز، ولا إجبار عليها على الاصح، ولا تقدير في النوبتين في المهايأة. وقال ابن كج: يجوز يومين وثلاثة، فإن كسبه، فوجهان. وإذا أدى النجوم، وفضل شئ مما كسب لنفسه، فه له. ثم إن أعتق المصدق نصيب نفسه، عتق. وفي سرايته طريقان، قال الاكثرون: قولان، كما لو صدقاه، إلا أنا إذا قلنا بالسراية، ثبت هنا في الحال، ولا يجئ القول الآخر، لان صاحبه منكر الكتابة، فلا يمكن التوقف إلى العجز، وقيل: تثبت السراية في الحال قطعا، لان منكر الكتابة يقول: هو رقيق لهما، فإذا أعتق صاحبه، ثبتت السراية، فإن قلنا: لا سراية، فولاء ما عتق، هل يكون بينهما، أم ينفرد به المصدق ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، لان المنكر أبطل حقه بالانكار، فإن جعلناه بينهما، فمات هذا العبد، ونصفه رقيق، وقلنا: إن مثله يورث، وقفت حصة المنكر، وإن قلنا بالسراية، فولاء النصف الذي سرى العتق إليه، للمعتق، وفي ولاء النصف الآخر الوجهان. ولو أبرأه المصدق عن نصيبه من النجوم، فالمذهب أنه لا سراية، لان منكر الكتابة لا يعترف بعتق نريبه، ويعتقد الابراء لغوا قال الامام: ويجئ الخلاف في السراية، لان قول المصدق مقبول في نصيبه، فإذا أتى بما يقتضي(8/494)
العتق، فالسراية بعده قهرية، وإن أدى نصيب المصدق من جلنجوم، فلا سراية. وهل يكون ولاء ما عتق لهما، أم يختص به المصدق ؟ فيه الوجهان. ولو عجزه المصدق، عاد قنا، ويكون الكسب الذي في يده للمصدق، لان المكذب أخذ حصته. ولو اختلفا في شئ من أكسابه، فقال المصدق: كسبته بعد الكتابة، وقد أخذت نصيبك، فهو لي، وقال المكذب: بل قبلها، وكان للاب، فورثنا، صدق المصدق، لان الاصل عدم الكسب قبل الكتابة. المسألة الخامسة: إذا قبض النجوم، فوجدها ناقصة، تقدم على هذا أن عوض الكتابة لا يكون إلا دينا كما سبق، ويجوز كونه نقدا وعرضا موصوفا، وأن من له دين، فقبضه، فوجده دون المشروط، فله رده، وطلب ما استحقه، ولا يبطل العقد، فإن كان المقبوض من غير جنس حقه، لم يملكه إلا أن يعتاضه، حيث يجوز الاعتياض. وإن اطلع على عيب به، نظر، هل يرضى به، فإن رضي، فهل نقول: ملكه بالرضى، أم نقول: ملكه بالقبض وتأكد الملك بالرضى ؟ فيه قولان. وإن رده، فهل نقول: ملكه بالقبض، ثم انتقض الملك بالرد، أم نقول: إذا رد، تبين أنه لا يملكه ؟ فيه قولان ؟ ويبنى على هذا الخلاف مسائل سبقت كلها أو بعضها. منها: تصارفا في الذمة، وتقابضا، وتفرقا، فوجد أحدهما بما قبضه عيبا، فرده، إن قلنا: ملك بالقبض، صح العقد، وإن قلنا: تبين أنه لم يملك، فالعقد فاسد، لانهما تفرقا قبل قبض. ومنها: أسلم في جارية، وقبض جارية، فوجدها معيبة، فردها، هل على المسلم إليه استبراؤها ؟ يبنى على هذا الخلاف. ومنها: قال الامام: الموصوف في الذمة إذا قبضه، فوجده معيبا إن قلنا: يملكه بالرضى، فلا شك أن الرد ليس على الفور، والملك موقوف على الرضى، وإن قلنا: يملك بالقبض، فيحتمل أن يقال: الرد على الفور، كما في شراء(8/495)
الاعيان، والاوجه: المنع، لانه ليس بمعقود عليه، وإنما يثبت الفور فيما يؤدي رده إلى رفع العقد ابقاء للعقد. إذا ثبت هذا، فإن وجد السيد بالنجوم المقبوضة أو بعضها عيبا، له الخيار، بين أن يرضى به، أو يرده، ويطالب ببدله، سواء العيب اليسير، والفاحش، فإن كان العيب في النجم الاخير، فإن رضي به، فالعتق نافذ قطعا، ويكون رضاه بالعيب كالابراء عن بعض الحق. وهل يحصل العتق من وقت القبض، أم عند الرضى ؟ وجهان، أصحهما: الاول. وإن أراد الرد والاستبدال، فرد، وإن قلنا: نتبين بالرد أن الملك لم يحصل بالقبض، فلا عتق، وإن أدى بعد ذلك على الصفة المستحقة، حصل العتق حينئذ. وإن قلنا: يحصل الملك في المقبوض وبالرد يرتفع، فوجهان. أحدهما: أن العتق كان حاصلا، إلا أنه كان بصفة الجواز، فإذا رد العوض، ارتد. وأصحهما: نتبين أن العتق لم يحصل، إذ لو حصل، لم يرتفع، ولا يثبت العتق هنا بصفة اللزوم باتفاق الاصحاب. ولو تلف عند السيد ما قبضه، ثم عرف أنه كان معيبا، فقد قدم الامام عليه، أنه لو اتفق ذلك في عين فإن رضي، فالذي يدل عليه فحوى كلام الاصحاب، أن الرضى كاف، ولا حاجة إلى إنشاء إبراء، لان الارش كالعوض فق الرد، والرد يكفي في سقوط الرضى، فكذا الارش. وإن طلبه، تقرر، ولم يسقط إلا بالاسقاط. وأما النجوم، فإن رضي، فالحق نافذ، ويعود الوجهان في أنه يحصل عند الرضى، أم يستند إلى القبض ؟ وإن طلب الارش، تبين أن العتق لم يحصل، فإذا أدى الارش، حصل حينئذ، وإن عجز، فللسيد إرقاقه، كما لو عجز ببعض النجوم. ويجئ الوجه الآخر، وهو أنه يرتفع العقد بعد حصوله. وفقدر الارش وجهان، أحدهما: ما نقص من قيمة قدر رقبة العبد بحسب نقصان العيب من قيمة النجوم، وبهذا قطع السرخسي. والثاني: ما نقص من النجوم المقبوضة بسبب العيب. ونقل الروياني ترجيح هذا الوجه، وأجري الوجهان في كل عقد ورد على موصوف في الذمة. قال الامام: وأمثل منهما أن يقال: يغرم السيد ما قبض، ويطالبه بالمسمى بصفاته المشروطة. أما إذا قبض النجوم، فوجدها ناقصة الكيل أو الوزن، فلا يعتق بلا خلاف، سواء بقي المقبوض في يد السيد أم تلف، فإن رضي بالناقص، فحينئذ(8/496)
يعتق بالابراء عن الباقي. السادسة: إذا خرج بعض النجوم مستحقا، تبين أن لا عتق، لان الاداء لم يصح، وإن ظهر الاستحقاق بعد موت المكاتب، تبين أنه مات رقيقا، وأن ما تركه للسيد دون الورثة. ولو قال السيد عند الاخذ: اذهب فأنت حر، أو قد عتقت، ثم بان الاستحقاق، فهل يحكم بالحرية مؤاخذة له، أم لا، لانه بناه على ظاهر الحال، وهو صحة الاداء ؟ وجهان، أصحهما: الثاني، وهو المنصوص، وهما كالوجهين فيما إذا خرج المبيع مستحقا وكان قد قال في مخاصمة المدعي: إنه كان ملكا للبائع فلان إلى أن اشتريته منه، أنه هل يرجع بالثمن على بائعه ؟ وجزم البغوي بالاصح في المسألتين. ثم قال: ولو اختلفا، فقال المكاتب: أعتقتني بقولك: أنت حر، وقال السيد: أردت أنك حر بما أديت، وبان أنه لم يصح الاداء، فالقول قول السيد بيمينه، وهذا السياق يقتضي أن مطلق قول السيد، محمول على أنه حر بما أدى، وإن لم يذكر إرادته، قال الصيدلاني: وقياس تصديق السيد أنه لو قيل لرجل: طلقت امرأتك ؟ فقال: نعم، طلقتها، ثم قال: إنما قلت ذلك على ظن أن اللفظ الذي جرى طلاق، وقد سألت المفتين فقالوا: لا يقع به شئ. وقالت المرأة: بل أردت إنشاء الطلاق أو الاقرار به، أنه يقبل قوله بيمينه، وكذا الحكم في مثله في العتق، وهكذا قد ذكره غيره، ونقله الروياني، وليعترض عليه، لكن قال الامام هذا عندي غلط، لان الاقرار جرى بصريح الطلاق، فقبول قوله في دفعه محال، ولو فتح هذا الباب، لما استقر إقرار، بخلاف إطلاق لفظ الحرية عقيب قبض النجوم، فإنه محمول على الاخبار عما يقتضيه القبض، ولم توجد الاشارة في الطلاق إلى واقعة، وإنما وجد سؤال مطلق، وجواب مطلق. وفي كلام الامام(8/497)
إشعار بأن قوله: أنت حر، إنما يقبل تنزيله على الحرية بموجب القبض إذا رتبه على القبض، وإن في مسألة الطلاق لو وجد قرينة عند الاقرار، بأن كانا يتخاصما في لفظة أطلقها، فقال ذلك، ثم ذكر التأويل، يقبل، وأن في الصورتين لو انفصل قوله عن القرائن، لم يقبل التأويل. وهذا تفصيل قويم لا بأس بالاخذ به، لكن قال في الوسيط: لا فرق بين أن يكون قوله: أنت حر، جوابا عن سؤال حريته، أم ابتداء، وبين أن يكون متصلا بقبض النجوم، أو غير متصل، لشمول العذر. ومال لذلك إلى قبول التأويل في الطلاق وغيره. الحكم الثاني في الاداء. وفيما يتعلق به مسائل: إحداها: يجب على السيد إيتاء المكاتب، لقول الله تعالى * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * واختار الروياني في الحلية أن الايتاء مستحب، وليس بشئ. والايتاء: أن يحط عن المكاتب شيئا من النجوم، أو يبذل شيئا ويأخذ النجوم، والحط أفضل، وهل هو الاصل، والبذل بدل عنه، أم بالعكس ؟ وجهان. الاصح المنصوص: الاول، ومحل الايتاء الكتابة الصحيحة، ولا يجب في الفاسدة على الاصح. فإن أوجبنا، كفى حط شئ من القيمة التي يجب فيها. ومن أعتق عبده بعوض، أو باعه نفسه، فلا إيتاء على الصحيح، وحكى الشيخ أبو(8/498)
محمد وجها أنه يجب في كل عقد عتاقة على عوض، ولا يجب في الاعتاق بغير عوض بلا خلاف. وفي وقت وجوب الايتاء وجهان. أحدهما: بعد العتق كالمتعة، ليتبلغ به، وأصحهما: قبله ليستعين به في الاداء. وعلى هذا، فإنما يتعين في النجم الاخير. وأما وقت الجواز، فمن أول عقد الكتابة، ويجوز أيضا بعد الاداء وحصول العتق، لكن يكون قضاء إذا أوجبنا التقديم على العتق. وقيل: لا يجوز الايتاء إلا في النجم الاخير أو بعده، وفي قدره وجهان، الاصح المنصوص في الام: لا يتقدر، بل يكفي أقل ما يتمو، والثاني: أنه ما يليق بالحال، ويستعين به على العتق، فيختلف بقلة المال وكثرته، فإن لم يتفقا على شئ، قدره الحاكم بالاجتهاد، ونظر فيه إلى قوة العبد وأكسابه. وقيل: يعتبر حال السيد في اليسار والاعسار، وقال الاصطخري: يحتمل أن يقدر بربع العشر، قال الامام: إذا قلنا: يقدره الحاكم، فقدر شيئا تبين أن له وقعا بالنسبة إلى مال الكتابة، كفى، وإن تيقنا أنه لا وقع له، لا يكفي، وإن شككنا، فخلاف، لتعارض أصل براءة السيد وأصل بقاء وجوب الايتاء. أما المستحب، فقدر الربع، وقيل: الثلث، وإلا، فالسبع. وأما جنسه، فالايتاء بالحط لا يكون إلا من نفس مال الكتابة، وأما البدل، فإن كان المبذول من غير جنس مال الكتابة كبذل الدراهم عن الدنانير، لم يلزم المكاتب قبوله على الصحيح، وبه قطع الاكثرون، وشذ الغزالي بترجيح اللزوم. فلو رضي به، جاز قطعا، نص عليه، لان الكتابة من قبيل المعاوضات، فلا يسلك بها مسلك العبادات، على أن الامام قال: إذا منعنا نقل الزكاة، وانحصر المستحقون، فقد نقول: لهم أن يعتاضوا عروضا عن حقوقهم، فلو كان المبذول من غير مال الكتابة، لكن من جنسه، فهل يلزمه القبول ؟ وجهان، أحدهما: لا، لظاهر الآية، والصحيح: نعم، كالزكاة، ولان المقصود الاعانة.(8/499)
فرع لو مات السيد بعد أخذ النجوم، وقبل الايتاء، لزم الورثة الايتاء، فإن كانوا صغارا، تولاه وليهم، فإن كان مال الكتابة باقيا، أخذ الواجب منه، ولا يزاحمه أصحاب الديون، لان حقه في عينه، أو هو كالمرهون به، هكذا قاله القفال، ونقله ابن كج عن نصه في المبسوط. وإن لم يكن باقيا فثلاثة أوجه، أحدها: أن واجب الايتاء لضعفه يؤخر عن الديون، ويحصل في رتبة الوصية. والثاني: أنا إذا قلنا: بقدر الواجب في الاجتهاد، فأقل ما يتمول في رتبة الديون والزيادة في رتبة الوصية لضعفها. والثالث وهو الصحيح: أن ما يحكم بوجوبه على الاختلاف، يقدم على الوصايا، فإن أوصى بزيادة على الواجب، فتلك الزيادة من الوصايا. إذا لم يبق من النجوم إلا القدر الواجب في الايتاء، لم يسقط ولم يحصل التقاص، لان للسيد أن يؤتيه من غيره، وليس للسيد تعجيزه، لانله عليه مثله، لكن يرفع المكاتب إلى القاضي حتى يرى برأيه، ويفصل الامر بينهما. وإن جعلنا الايتاء أصلا، فقال القاضي حسين: له تعجيزه بالباقي إذا لم نجده، وإذا عجزه، سقط الايتاء، وارتفع العقد من أصله. قال الامام: هذا عندي غير صحيح، وإنما شرع الايتاء لئلا يعجز العبد بقدره، ولا يفوت العتق. المسألة الثانية: إذا عجل المكاتب النجوم قبل المحل، فإن لم يكن على السيد ضرر في القبول، أجبر عليه، وإن كان، بأن كان لا يبقى بحاله إلى وقت الحلول، كالطعام الرطب، ألزمه له مؤنة، كالحيوان، وما يحتاج إلى حفظ، أو كان في أيام فتنة أو غرة، فيجبر على القبول. فلو أنشأ العقد في وقت الفتنة والغارة، لم يجبر على الاصح، لانها قد تزول عند المحل. ولو أتى بالنجوم في غير(8/500)
بلد العقد، فإن كان في النقل مؤنة، أو كان الطريق أو ذلك البلد مخوفا، لم يجبر على القبول، وإلا، فيجبر. ولو أتى بالنجم في محله، والسيد غائب، قبض القاضي عنه، وكذا يقبض عنه إذا امتنع وهو حاضر، ويعتق المكاتب. ولو أتى بالنجم قبل الحول، والسيد غائب، قبض عنه أيضا إذا علم أن السيد لا ضرر عليه في أخذه، قال الصيدلاني: ومثله لو كان للغائب دين على حر، فأذن له الحاكم، هل يقبضه للغائب ؟ وجهان. أصحهما: المنع، لانه ليس للمؤدي غرض إلا سقوط الدين عنه، والنظر للغائب أن يبقى المال في ذمة الملئ، فإنه خير من أن يصير أمانة عند الحاكم. فرع إذا أتى المكاتب بالنجوم، فقال السيد: هذا حرام، أو مغصوب، نظر، إن أقام بينة بذلك، لم يجبر على قبوله، وتسمع منه هذه البينة لان في إقامتها غرضا ظاهرا، وهو الامتناع عن الحرام، هكذا أطلقه كثيرون. وقال الصيدلاني: إنما تقبل البينة إذا عين له مالكا إما أذا لم يعين، فلا تتصور البينة للمجهول، ولا معنى لقولهم: إنه مغصوب. والصحيح الاول. وإن لم يكن بينة، فالقول قول المكاتب بيمينه أنه له، لظاهر اليد، فإن نكل، حلف السيد، وكان كإقامة البينة، في وجه: لا يحتاج السيد إلى بينة، والصحيح الاول. ولا تثبت بينة السيد في حق المالك الذي عينه، ولا يسقط بحلف المكاتب حقه، ثم إذا حلف المكاتب، فالمذهب أنه يجبر السيد على قبوله، أو إبرائه عن ذلك القدر فإن امتنع منهما، أخذ الحاكم تلك النجوم، وعتق المكاتب. وقيل: في إجباره على الاخذ قولان. ثم إذا أخذه السيد، نظر، إن عين له مالكا، أمر بتسليمه إليه بلا خلاف، مؤاخذة له باعترافه، وإن لم يقبل قوله على المكاتب. وإن لم يعين مالك، بل اقتصر على قوله: هو مغصوب، أو مسروق، أو حرام، فوجهان. أحدهما: ينتزعه الحاكم(8/501)
ويحفظه ببيت المال إلى أن يظهر مالكه. وأصحهما: لا ينتزعه، لانه لم يقر لمعين. ونقل الروياني وغيره على هذا أن يقال: امسكه حتى يتبين صاحبه، ويمنع من التصرف فيه، فإن كذب نفسه، فقال: هو للمكاتب كان كما ادعاه، قال الامام: فالصحيح أنه يقبل، وينفذ تصرفه فيه بحسبه. قال: وإن قلنا: يزيل الحاكم يده، فالظاهر أنه لو كذب نفسه، لا يقبل. فرع إذا جاء المكاتب بالنجم عند المحل، وعلى شرط السيد أن يبرئه، فالشرط لغو، وللسيد أخذه، فلا يلزمه أن يبرئه عن الباقي، وإن عجل قبل المحل على أن يبرئه عن الباقي فأخذه وأبرأه، لم يصح القبض، ولا الابراء. ولو قال: أبرأتك عن كذا، بشرط أن تعجل لي الباقي، وإذا عجلت علي كذا فقد أبرأتك عن الباقي، فعجل، لم يصح القبض ولا الابراء، وإذا لم يصح، لا يحصل العتق، وعلى السيد رد المأخوذ. هذا هو المذهب، وأشار المزني إلى ترديد قول في صحة القبض والابراء، ولم يسلم له جمهور الاصحاب اختلاف القول، وحملوا التجويز على ما إذا لم يجر شرط، فابتدأ بذلك. ولو أنشأ رضى جديدا بقبضه عما عليه، حكم بصحته، كما لو أذن للمشتري في قبض ما في يده عن جهة الشراء، أو للمرتهن في قبضه عن جهة الرهن. ولو أخذ السيد ما عجله المكاتب، وأبرأه عن الباقي بلا شرط، أو عجز المكاتب نفسه، فأخذ السيد ما معه، وأبرأه عن الباقي، أو أعتقه، جاز. ولو أراد السيد والمكاتب حيلة يعتق بها بما عجل، ويكون بجهة الكتابة، فقال الاصحاب: طريقه أن يقول: إذا عجزت نفسك، وأديت كذا، فأنت حر، فإذا وجدت الصفات، عتق عن جهة الكتابة، لانها لا ترتفع بمجرد تعجيز نفسه، وإنما ترتفع إذا فسخها بعد التعجيز، وإذا عتق عن الكتابة، كانت الاكساب(8/502)
له، فيتراجعان، فيرجع المكاتب على السيد بما أخذه، والسيد عليه بقيمته، لانه أعتقه على عوضين: التعجيز، والمال المذكور، والتعجيز لا يصلح عوضا، فكأنه أعتقه بعوض فاسد. قال صاحب الشامل: ولو لم يعلق هكذا، ولكن قال: إن أعطيتني كذا فأنت حر، فأعطاه، عتق، ولكنه عوض فاسد، لان المكاتب لا تصح المعاوضة عليه، فيعتق بالصفة، وعليه تمام قيمته. ولو عجل المكاتب النجم، على أن يعتقه، ويبرئه عن الباقي، ففعل السيد ذلك، عتق المكاتب، ورجع عليه بقيمته، ويرجع المكاتب على السيد بما دفع، لانه أعتقه بعوض فاسد، حكاه القاضي عن النص. المسألة الثالثة: في تعذر تحصيل النجوم عند حلولها، وله أسباب، الاول: الافلاس، فإذا حل نجم على المكاتب، وهو عاجز عن أدائه، أو عن بعضه، فللسيد فسخ الكتابة، وله أن يفسخ بنفسه، لانه فسخ مجمع عليه، كفسخ النكاح بالعتق، وإن شاء رفع إلى الحاكم ليفسخ. وفي تعليق الشيخ أبي حامد: لانه إذا ثبت عجزه بإقراره، أو بالبينة فللسيفسخ الكتابة. وينبغي أن لا يشترط إقراره بالعجز، ولا قيام البينة عليه، لانا سنذكر إن شاء الله أنه لو امتنع من الاداء ثبت حق الفسخ. وإذا لم يؤد، فهو ممتنع، إذا لم يكن عاجزا. وإذا رفع إلى القاضي، فلا بد من ثبوت الكتابة، وحلول النجم عنده. ومتى فسخت، سلم للسيد ما أخذه، لانه كسب عبده، لكن ما أخذه من الزكاة يسترد ويؤديه. وهذا قد سبق في الزكاة، وليس هذا الفسخ على الفور، بل له تأخيره ما شاء، كفسخ الاعسار. وإذا استنظره المكاتب، استحب أن ينظره، ثم لا يلزمه الامهال، بل له الرجوع إلى الفسخ متى بدا له. وإذا طالبه بالمال، فلا بد من الامهال بقدر ما يخرجه من(8/503)
الصندوق والدكان والمخزن، ويزن فإن كان ماله غائبا، فقد أطلق الامام والغزالي أن السيد الفسخ، وليحمل على تفصيل ذكره ابن الصباغ والبغوي وغيرهما، وهو أنه إن كان على مسافة القصر، لم يلزمه التأخير إلى استيفائه، كما لو كانت له وديعة، وإن كان مؤجلا، أو على معسر، فلا. وإن كان الدين على السيد، وهو من جنس النجوم، ففيه الخلاف في التقاص، وإن كان من غير جنسه، أداه ليصرفه المكاتب في النجوم. ولو حل النجم وهو نقد، وللمكاتب عروض، فإن أمكن بيعها أمكن بيعها على الفور، بيعت ولا فسخ، وإن احتاج البيع إلى مدة، لكساد وغيره، فمقتضى كلام الصيدلاني أن لا فسخ. ورأى الامام الفسخ، كغيبة المال، وهذا أصح، وضبط البغوي التأخير للبيع بثلاثة أيام. وقال: لا يلزم أكثر منها. السبب الثاني: غيبة المكاتب، فإذا حل النجم، والمكاتب غائب، أو غاب بعد حلوله بغير إذن السيد، فللسيد الفسخ إن شاء بنفسه، وإن شاء بالحاكم، وقيل: لا يفسخ بنفسه والصحيح الاول فلا يلزمه تأخير الفسخ لكون الطريق مخوفا، أو المكاتب مريضا. وإذا فسخ بنفسه، فليشهد عليه، لئلا يكذبه المكاتب، وإن رفع إلى الحاكم، فلا بد أن يثبت عنده حلول النجم وتعذر التحصيل، ويحلفه الحاكم مع ذلك، لانه قضاء على الغائب. قال الصيدلاني: يحلفه أنه ما قبض النجوم منه، ولا من وكيله، ولا أبرأه، ولا أحال به، ولا يعلم له مال حاضر. وذكر الحوالة مبني على جواز الحوالة بالنجوم. ولو كان مال المكاتب حاضرا، لم يؤد الحاكم النجوم منه، ويمكن السيد من الفسخ، لانه ربما عجز نفسه لو كان حاضرا، ولم يؤد المال. ولو نظر المكاتب بعد حلول النجم، وأذن له في السفر، ثم بدا له في الانظار، لم يكن له الفسخ في الحال، لان المكاتب غير(8/504)
مقصر هنا، ولكن يرفع السيد الامر إلى الحاكم، ويقيم البينة على الحلول والغيبة، ويحلف مع ذلك، ويذكر أنه رجع عن الانظار، فيكتب الحاكم إلى حاكم بلد المكاتب ليعرفه الحال، فإن أظهر العجز، كتب به إلى حاكم بلد السيد ليفسخ إن شاء، وإن قال: أؤدي الواجب، فإن كان للسيد هناك وكيل، سلم إليه، فإن أبى، ثبت حق الفسخ للسيد، وللوكيل أيضا إن كان وكيلا فيه. وحكى ابن كج قولا آخر أنه لا فسخ بالامتناع عن التسليم إلى الوكيل، لاحتمال العزل. وإن لم يكن هناك وكيل، أمره الحاكم بإيصاله إليه، إما بنفسه، وإما بغيره، ويلزمه ذلك في أول رفقة تخرج، أو في الحال إن كان لا يحتاج إلى رفقة في ذلك الطريق، وعلى السيد الصبر إلى أن تمضي مدة إمكان الوصول، فإن مضت، ولم يوصله مقصرا، فللسيد الفسخ. قال ابن كج: ولو لم يكن في بلد السيد حاكم، فكتب السيد إلى العبد، وأعلمه بالحال، وأمره بالتسليم إلى رجل، فامتنع، فعندي أنه كما لو امتنع بعد كتاب القاضي إذا وقع له العلم به. وحكى ابن القطان فيه وجهين. قال: وحكى وجهين فيما لو سلم المكاتب إلى وكيل السيد، وبان أن السيد عزله، هل يبرأ المكاتب ؟ قال: قال: وعندي أن الوجهين مخصوصان بما إذا قال الحاكم: فلان وكيله، ولم يأذن بالتسليم إليه، فإن أمره، بالتسليم إليه، برئ بلا خلاف. السبب الثالث: الامتناع، فإذا امتنع المكاتب من أداء النجوم مع القدرة، لم يجب عليه، لان الحط له، فلا يجبر عليه، ولان الكتابة جائزة من جهة المكاتب، ولانها تتضمن التعليق بالصفة، والعبد لا يجبر على الصفة، فإذا عجز نفسه، فالسيد بالخيار، إن شاء فسخ، وإن شاء صبر، وإن أراد الفسخ، فسخ بنفسه، ولا يحتاج إلى القاضي. وهل للمكاتب الفسخ ؟ وجهان، أحدهما: لا، إذ لا ضرر عليه في بقائها، وأصحهما: نعم، كالمرتهن يفسخ الرهن، قال الامام: وتجويز الامتناع من الاداء مع أنه لا يملك الفسخ بعيد.(8/505)
الرابع: قد سبق أن الكتابة لا تنفسخ بجنون العبد، فإن أراد السيد الفسخ، اشترط أن يأتي الحاكم، فيثبت عنده الكتابة، وحلول النجم، ويطالب به، ويحلفه الحاكم على بقاء الاستحقاق، ثم يبحث، فإن وجد للمكاتب مالا، أداه عن الواجب عليه، ليعتق، لان المجنون ليس من أهل الضرر لنفسه، فناب عنه الحاكم، بخلاف الغائب الذي له مال حاضر. ثم إن الجمهور أطلقوا أن الحاكم يؤدي عنه. وقال الغزالي: يؤدي إن رأى له مصلحة في الحرية، وإن رأى أنه يضيع إذا عتق، لم يؤد، وهذا حسن، ولكنه قليل النفع، مع قولنا: إن للسيد إذا وجد مالا الاستقلال بأخذه، إلا أن يقال: يمنعه الحاكم من الاخذ والحالة هذه. وإن لم يجد الحاكم له مالا، مكن السيد من الفسخ، فإذا فسخ، عاد المكاتب قنا له، وعليه نفقته، فإن أفاق، وظهر له مال كان حصله قبل الفسخ، دفعه إلى السيد، وحكم بعتقه، وبعض التعجيز. هكذا أطلقوه. وأحسن الامام، فقال: إن ظهر المال في يد السيد، رد التعجيز، وإلا، فهو ماض، لانه فسخ حين تعذر الوصول إلى حقه، فأشبه ما لو كان ماله غائبا، فحضر بعد الفسخ. وإذا حكمنا ببطلان التعجيز، وكان السيد جاهلا بحال المال، فعلى المكاتب رد ما أنفق السيد عليه. وإن وجد السيد للمكاتب في جنونه مالا، فقد سبق أن الاستقلال بأخذه، وحكينا عن الامام فيه تفصيلا. الخامس: إذا مات المكاتب قبل تمام الاداء، انفسخت الكتابة، ومات رقيقا، فلا يورث، وتكون أكسابه لسيده، وتجهيزه عليه، سواء خلف وفاء بالنجوم، أم لا، وسواء كان الباقي قليلا أم كثيرا، وسواء كان حط عنه شيئا، أم لا، لان الايتاء غير معلوم، فلا يسقط به معلوما. نص في الام على أنه لو أحضر المكاتب المال ليدفعه إلى السيد، أو دفع المال إلى رسوله ليوصله إليه، فمات قبل قبضه، مات رقيقا أيضا، وأنه لو وكل المكاتب رجلا في دفع النجم الاخير إلى السيد، ومات المكاتب، فقال أولاده الاحرار: دفع الوكيل قبل موته، فمات حرا،(8/506)
وكذبه السيد، فهو المصدق، فإن أقاموا بينة على الدفع يوم الخميس، وكان قد مات يوم الخميس، لم ينفعهم إلا أن يقول الشهود: دفع قبل موته، أو يقولوا: دفع قبل طلوع الشمس، ويكون السيد معترفا بأن مات بعد الطلوع. وأنه لو شهد وكيل المكاتب بقبض السيد قبل موت المكاتب، لم تقبل شهادته، ولو شهد به وكيل السيد، قبلت، لعدم التهمة. فروع تتعلق بالفسخ والانفساخ، فيحصل الفسخ بقول السيد: فسخت الكتابة، ونقضتها، ورفعتها، وأبطلتها، وعجزت المكاتب. ولو لم يطالبه السيد بعد حلول النجم مدة، ثم أحضر المكاتب المال، لم يكن للسيد الامتناع من قبضه، ونص في الام أنه لو قال بعد التعجيز: قررتك على الكتابة، لم يصر مكاتبا حتى يجدد كتابة، وقد سبق في القراض ما يقتضي خلافا فيه. قلت: ليس هذا كالقراض، فإن معظم الاعتماد هنا في العتق على التعليق، وهذا اللفظ لا يصلح له. والله أعلم. ولو تطوع رجل بأداءمال الكتابة، فهل يجبر السيد على القبول، أم له الفسخ ؟ وجهان أصحهما: له الفسخ، وبه قطع الامام. وإذا قبل، ففي وقوعه عن المكاتب إذا كانبإذنه وجهان القياس: الوقوع. وإذا مات المكاتب رقيقا، أو فسخ السيد الكتابة لعجزه، رق كل من يكاتب عليه والد وولد، وصاروا جميعا للسيد، وجميع ما في يده من المال للسيد إن لم يكن عليه دين، فإن كان، فسنذكره إن شاء الله تعالى. فرع إذا قهر السيد المكاتب، واستعمله مدة، لزمه أجرة مثله. ثم إذا جاء المحل، هل يلزم إمهاله مثل تلك المدة، أم له تعجيزه والفسخ ؟ قولان. أظهرهما: الثاني، لان أخذ بدل منافعه. ولو حبسه عن السيد، فالمذهب، فالمذهب أنه لا(8/507)
إمهال، وأجرا العراقيون على القولين. وقد ذكرنا المسألة فيما لو أسر الكفار مكاتبا مدة ثم استنقذناه. المسألة الرابعة: فيما إذا انضم إلى النجوم ديون على المكاتب لسيده أو لغيره، أو له ولغيره. وفيها صور. الاولى: كان للسيد مع النجوم دين معاوضة، أو أرش جناية، فإن تراضيا بتقديم الدين، فذاك، وإن تراضينا بتقديم النجوم، عتق. ثم المذهب أن الدين الآخر لا يسقط، فللسيد مطالبته به. ولو كان ما في يده وافيا بالنجوم دون الدين، فإذا أداه عن النجوم بإذن السيد، فالحكم ما ذكرناه، وللسيد منعه من تقديم النجوم، فيأخذ ما معه عن الدين، ثم يعجزه. وهل له تعجيزه قبل أخذه ؟ وجهان، أصحهما: نعم. ولو دفع المكاتب ما في يده إلى السيد، ولم يتعرضا للجهة، ثم قال المكاتب: قصدت النجوم، وأنكر السيد، أو قال: أصدقه، ولكن قصدت أنا الدين لا النجوم، فقال القفال: يصدق المكاتب. وقال الصيدلاني: يصدق السيد، لان الاختيار هنا إليه، بخلاف سائر الديون. قلت: قول القفال أصح، والله أعلم. الثانية والثالثة: إذا اجتمع عليه نجوم وديون للسيد أو لغيره، أو له ولغيره، فهو كالحر في الحجر عليه بالفلس، وقسم ماله بين أصحاب الديون. وهل تحل بالحجر الديون المؤجلة ؟ طريقان. أصحهما: قولان، كالمفلس. والثاني: تحل قطعا، لان للرق أثرا في إبطال الاجل، ولهذا نص الشافعي رحمه الله أن الحربي إذا استرق وعليه دين مؤجل، حل، قلنا: يحل، قسم المال على الجميع، وإلا، فعلى الحال، ولا يحجر عليه بالتماس السيد للنجوم، لانها غير مستقرة، والمكاتب متمكن من إسقاطها. إذا ثبت هذا، فإن كان ما في يد المكاتب وافيا بالديون، قضيت، وإلا، فإن لم يحجر عليه، فله تقديم ما شامن الديون، وله تعجيل الديون قبل المحل، ولا يجوز تعجيل الديون المؤجلة بغير إذن سيده. وفي جوازه بإذنه الخلاف في تبرعاته(8/508)
بإذنه. وفي معناه ما إذا عجل الديون للسيد، ومنهم من طرد الخلاف في تعجيل النجوم، ذكره الروياني. وإذا قدم النجوم، عتق، وبقي دين الاجانب عليه، ولا يجئ فيه الخلاف في إعتاق الجاني، لان العتق يحصل بالصفة السابقة على الجناية، فهو كما لو علق عتق عبده بصفة، ثم جنت، فإن الجناية لا تمنع وقوع العتق بالتعليق السابق بلا خلاف، والاولى أن يقدم دين المعاملة، فإن فضل شئ، جعله في الارش، فإن فضل شئ، صرفه في النجوم. وسيظها وجه هذا الترتيب إن شاء الله تعالى. وإن حجر عليه، تولى قسمة ما في يده. وفي كيفية القسمة وجهان، ويقال: قولان، أحدهما: يقسم على قدر الديون، وأصحهما يقدم دين المعاملة، لانه يتعلق بما في يده خاصة، وللارش متعلق آخر، وهو الرقبة، وكذا حق السيد بتقدير العجز يعود إلى الرقبة، ويسوى بين النقد والعرض، ثم يقدم أرش الجناية على النجوم، لان الارش مستقر، والنجوم معرضة للسقوط. وقال القاضي أبو الطيب: لا خلاف أن هذا الثاني مذهب الشافعي رحمه الله، وإنما الاول إذا رضوا بالتسوية، فإن عجز المكاتب نفسه، سقطت النجوم. وفي دين المعاملة للسيد وجهان، أصحهما: يسقط أيضا ويصرف ما في يده إلى ديون الاجانب، من معاملة وأرش، فإن لم يف بالنوعين، فهل تقدم المعاملة، أم الارش، أم يسوى بينهما ؟ أوجه، أصحها عند الشيخ أبي محمد، والغزالي ونحوهما: الثالث. ثم ما تبقى من دين المعاملة، يتبع به بعد العتق، وما تبقى من الارش يتعلق بالرقبة، يباع فيه. ولوو مات المكاتب قبل قسمة ما في يده، انفسخت الكتابة، وسقطت النجوم. قال ابن سريج، وابن الصباغ: تسقط الاروش أيضا، لانها تتعلق بالرقبة، وقد فاتت، وبما في يده بحكم الكتابة، وقد بطلت، فعلى هذا يتعين صرف ما خلفه إلى المعاملة. وقال الصيدلاني والامام والبغوي: تبقى الاروش وتعلقها بالمال، فعلى هذا إن سوينا في صورة التعجيز، فهنا أولى، وإن قدمنا الارش، فكذا هنا، وإن قدمنا المعاملة، فهل تقدم هنا أيضا، أم يسوى ؟ وجهان، أصحهما: التسوية، لانهما متعلقان بما خلفه. فرع إذا لم يكن في يد المكاتب مال، أو قسم الموجود، إما على الديون(8/509)
جميعا بالسوية، وإما على التقديم والترتيب، وبقيت النجوم أو بعضها، فللسيد تعجيزه، ورده رقيقا. وإن بقيت الاروش أو بعضها فمستحق الارش الباقي، لعجزه، لتباع رقبته في حقه، ولا يعجزه بنفسه، لانه لم يعقده، لكن يرفع الامر إلى الحاكم ليعجزه، صرح الاصحاب بهذا. وقال الامام: ظاهر كلامهم أنه يعجزه بنفسه، لانه لم يعقده، لكن يرفع الامر إلى الحاكم ليعجزه، بنفسه، والوجه: الرفع إلى القاضي. فلو أراد السيد أن يفديه ويبقي الكتابة، فهل يمتنع على مستحق الارش التعجيز ويلزمه قبول الفداء ؟ وجهان: أرجحهما عند الامام والغزالي: لا، وأصحهما: نعم، وبهذا قطع الجمهور. وأما صاحب دين المعاملة، فليس له التعجيز، لان حقه لا يتعلق بالرقبة. ولو أمهله السيد ومستحق الارش، ثم بدا لبعضهم وأراد التعجيز، فله ذلك. وإذا تحقق التعجيز، سقطت النجوم، ويباع في الارش، إلا أن يفديه السيد، ودين المعاملة لا يتعلق بالرقبة على الصحيح. فرع ذكرنا أن الاصح تقديم دين الاجنبي على النجوم، وهل يضارب السيد معهم بماله من دين المعاملة ؟ وجهان، أصحهما: نعم، وأما ما للسيد عليه من أرش جناية، فقال ابن كج: يستوي السيد والاجنبي فيه في دوام الكتابة، وأما بعد التعجيز، فيباع في أرش الجناية للاجنبي، ويسقط ما للسيد، لانه صار ملكه، ولا يثبت للسيد على عبده أرش، ويجوز أن يجعل فيه خلاف. المسألة الخامسة: إذا كان بينهما عبد بالسوية، فكاتباه، لم يكن للمكاتب أن يفضل أحدهما على الآخر في المدفوع. فلو دفع إلى أحدهما تمام حصته بغير إذن الآخر، لم يعتق منه شئ، لان نصف المأخوذ لشريكه، ويجئ فيه وجه ضعيف سبق. وإن دفع إليه تمام النجوم، فكذلك على الاصح، وللشريك الآخر أخذ حصته مما قبض بلا خلاف. ولو قبض أحدهما جميع النجوم بإذن الآخر، عتق العبد قطعا. وإن سلم إلى أحدهما حصته من مال الكتابة بإذن الآخر ورضاه(8/510)
بتقديمه، فهل يصح القبض ؟ قولان أظهرهما: لا، لان حقه في ذمة المكاتب. وما في يده ملكه، فلا أثر للاذن فيه، ولانه لو جاء بالمال ليعطيهما، فرضي أحدهما بأن يزن للآخر أولا، ففعل، وأقبضه، لم يعتق حتى يزن للآخر. ولو هلك الباقي قبل أن يزن للثاني، كان المدفوع بينهما، فكذا هنا، والثاني: نعم، لان الحق لا يعدوهم، فإن قلنا: لا يصح القبض، لم يعتق نصيب القابض، وللآذن طلب حصته من المقبوض. ثم إن أدى المكاتب الباقي، عتق عليهما، وإلا، فلهما التعجيز. وإن قلنا: يصح القبض، اختص القابض بما قبض، وعتق نصيبه. ثم إن كان معسرا، لم يعتق عليه نصيب الآخر، ولكن إن كان في يد المكاتب ما يفي بنصيب الآخر، وأداه، عتق أيضا، وإلا، فله التعجيز. وإن كان موسرا، قوم عليه نصيب الشريك. وهل يقوم في الحال، أم عند التعجيز عن نصيب الآخر ؟ فيه القولان السابقان فيما إذا عتق أحدهما نصيبه، فإن قلنا: يقوم في الحال، فجميع ما في يد المكاتب يكون للشريك الآذن، وما كسبه بعد ذلك يكون بين المكاتب والشريك الآذن، لانه كسب بنصفيه الحر والمكاتب. وإن مات قبل الاداء والتعجيز، فعلى ما سبق هناك. هذه طريقة جماهير الاصحاب. وقال الامام: إن كان في يده وفاء بنصيب الشريك الآذن، فالذي رأيته للاصحاب القطع بأنه لا سراية. وقال الغزالي: ولا نقول بعتق نصيبه، بل يؤدي نصيب الآذن، فإذا أدى، عتق عليهما، وإن عجز عن أداء نصيب الآذن، فعن ابن سريج: لا يشارك القابض فيما قبض، لانه لما قدمه رضي ببقاء حقه في ذمة المكاتب، فعلى هذا يعتق نصيب القابض. وفي السراية ما ذكره الجماهير. وعن غيره أن الآذن يشاركه، لان(8/511)
ما قبضه، كسب عبدهما، وإنما تبرع الآذن بالتقديم، لا بالتمليك، ولا يخلص له المقبوض. فعلى هذا لهما تعجيزه وإرقاقه. فرع قد سبق أنهما إذا كاتبا المشترك، فادعى أنه أوفاهما، فصدقه أحدهما، وكذبه الآخر، صدق المكذب بيمينه، فإذا حلف، بقيت الكتابة في نصيبه، وهو بالخيار بين أن يشارك المصدق فيما أقر بقبضه، فيأخذ نصفه، ويطالب العبد بالباقي، وبين أن يطالب المكاتب بتمام نصيبه، لان كسبه متعلق حقهما بالشركة. وقيل: إذا جوزنا انفراد أحدهما بكتابة نصيبه، لم يشارك المصدق، بل يطالب المكاتب بجميع حقه. وإنكاره قبض الشريك لا يمنعه الرجوع عليه، لانه أقر بالقبض، وربما قبض وهو لا يعلم. ثم إذا أخذ المكاتب حصته منهما، أو من العبد لاعترافه بأنه مظلوم، ولا يرجع العبد أيضا على المصدق بما العبد وحده، عتق باقيه، ولا يرجع المصدق إن أخذ منهما بشئ على يأخذ منه، ولا تقبل شهادة المصدق على المكذب، لانه متهم. السادسة: إذا كاتب عبيدا، وشرط أن يتكفل بعضهم بعضا بالنجوم، فسدت الكتابة، لانه شرط فاسد، لان ضمان النجوم باطل. ولو ضمن بعضهم بعضا بلا شرط، لم يصح، وفي قول قديم: لا تفسد الكتابة بالشرط المذكور، لانه مصلحة العقد والمشهور الاول، ولو كاتب عبدا بشرط أن يضمن عنه فلان، لم تصح الكتابة أيضا، ولو أدى بعض المكاتبين عن بعض بلا شرطولا ضمان، أو كاتب عبدين في عقدين، فأدى أحدهما عن الآخر، فإن أدى بإذنه، رجع عليه، وإلا، فلا، وإن أدى قبل العتق، فهو تبرع، وتبرعه بغير إذن السيد باطل، وبإذنه قولان، فإن لم يعلم السيد أنه يؤدي عن غيره، بأن ظن أن كسب المؤدى عنه، وأنه وكيله، فهو تبرع بغير إذن السيد، وإن علم الحال، فهو كالتصريح بالاذن على الاصح، فإن صححنا الاداء، لم يرجع المؤدى على السيد، ويرجع على المؤدى عنه إن أدى بإذنه، ولا يرجع إن أدى بغير إذنه، وإذا ثبت له الرجوع عليه، فإن كان قد عتق، فذاك، وإلا، فيأخذ مما في يده، ويقدم على النجوم، لانه لا بدل له، وحق السبد له بدل عند التعذر، وهو رقبته، وإن لم نصحح الاداء، فلا رجوع للمؤدي على المؤدى عنه، لكنه يسترد من السيد، فلو أدى النجوم، وعتق، فالنص أنه لا يسترد حينئذ، ونص فيما لو جنى السيد على مكاتبه، فعفا عن الارش، وأبطلنا العفو بناء(8/512)
على رد تبرعاته، فعتق، أن له أخذ الارش. قال أكثر الاصحاب: في الصورتين قولان، كزوال المانع من تبرعه، لكن وقع العفو والاداء فاسدين، فلا ينقلبان صحيحيحن. ولو كاتب رجلان كل واحد منهما عبده، ثم أدى أحدهما عن الآخر بغير إذن سيده، لم يصح أداءه، وبإذنه قولان. وقال القفال: إن انضم إذن المؤدى عنه إلى آذن سيده، صح بلا خلاف، لانه يكون إقراضا، والاقراض بإذن السيد صحيح بلا خلاف، فإن لم نصحح أداءاه، فله الاسترداد، فإن عتق قبل الاسترداد، ففيه الخلاف. فرع المكاتبون دفعة واحدة إذا اختلفوا فيما دفعه إلى السيد، فقال من قلت قيمته: أدينا النجوم على عدد الرؤوس، وقال من كثرت قيمته: بل على أقدار القيم، فقولان. أظهرهما: يصدق من قلت قيمته، لثبوت يده على ما ادعاه. والثاني: يصدق الآخر، لان الظاهر معه. وقيل: ليست على قولين، بل إن أدوا بعض المال بحيث لو وزع على رؤوسهم، لم يخص أحدهم أكثر من قسطه، صدق قليل القيمة، وإن أدوا الجميع، وادعى قليل القيمة أنه أدى أكثر ممن عليه ليكون وديعة عند السيد أو قرضا على كثير القيمة، فيصدق كثير القيمة. قال الروياني: ويجري الخلاف فيما لو اشترى اثنان شيئا على التفاضل، وأديا الثمن واختلفا في أنهما أديا متفاضلا، أم متساويا. السابعة: في الاختلاف، وفي صور، إحداهما: ادعى عبد على سيده انك كاتبتني، فأنكر، صدق السيد بيمينه، وكذا لوادعى على وارثه بعده، أن مورثك كاتبني، صدق الوارث، ويحلف على نفي العلم ولو قال السيد: كاتبتك وأنا مجنون، أو محجور علي، قال العبد: بل كنت كاملا، فإن عرف للسيد جنون أو حجر، صدق، وإلا، فيصدق العبد. ولو قال السيد: كاتبتك، فأنكر العبد، ففي كتاب ابن كج أنه إن لم يعترف بأداء المال عاد رقيقا، ويكون إنكاره تعجيزا منه. وإن قال السيد وأديت المال وعتقت، فهو حر بإقراره، فإن قال العبد: الذي أديت(8/513)
إليك ليس لي، بل ودبعة لزيد، وادعاه زيد، صدق، أما إذا اختلفا في أداء المال، فالمصدق السيد، فإن أراد المكاتب إقامة بينة بالاداء، أمهل ثلاثة أيام. وهل هذا الامهال واجب، أم مستحب ؟ وجهان. ولا تثبت الكتابة بشاهد وامرأتين، ولا بشاهد ويمين. ويشترط في الشهادة التعرض للتنجيم، وقدر كل نجم ووقته، ويثبت الاداء بشاهد وامرأتين، وبشاهد ويمين. وقيل: لا يثبت النجم الاخير إلا بعدلين، لتضمنه العتق، والصحيح الاول. وحكى الروياني في الكافي أنه لو أمهل ثلاثة أيام ليأتي ببينة الاداء، فأحضر شاهدا بعد الثلاثة، واستنظر ليأتي بالثاني، أنظر ثلاثة أخرى. الثانية: اختلفا في قدر النجوم، أو عددها، أو جنسها، أو صفتها، أو قدر الاجل، ولا بينة، تحالفا، وكيفيته كما سبق في البيع، فإذا تحالفا، نظر، إن لم يحصل العتق باتفاقهما، بأن لم يقبض جميع ما يدعيه، أو قبض غير الجنس الذي يدعيه، فهل تنفسخ الكتابة، أم يفسخها الحاكم إن لم يتراضيا على شئ ؟ فيه ما سبق في البيع. وإن حصل العتق باتفاقهما، بأن قبض ما يدعيه بتمامه، وزعم المكاتب أن الزيادة على القدر الذي اعترف به أودعها عنده، استمر نفوذه، ويتراجعان، فيرجع السيد بقيمة المكاتب، ويرجع هو بما أدى، وقد يقع في التقاص. ولو قال السيد: كاتبتك على نجم، فقال: بل على نجمين، قال البغوي: صدق السيد بيمينه، لانه يدعي فساد العقد. قلت: ينبغي أن يكون على الخلاف فيما لو اختلف المتبايعان في مفسد للبيع. والله أعلم.(8/514)
فلو أقام العبد بينة، بأنه كاتبه في رمضان سنة كذا على ألف، وأقام السيد بينة أنه كاتبه في شوال تلك السنة على ألفين، فإن اتفقا أن الكتابة متحدة، فكل بينة تكذب الاخرى، فيتساقطان ويتحالفان. وإن لم يتفقا على الاتحاد، فالبينة المتأخرة أولى، لانه ربما كاتب في رمضان ثم ارتفعت تلك الكتابة، وأحدث أخرى. الثالثة: ولد المكاتب من زوجته المعتقة حر، وولاؤه لمواليها، فإن عتق المكاتب، انجر الولاء إلى مواليه، كما سبق في الولاء. فلو مات المكاتب، فاختلف مولاه ومولى أم أولاده، فقال مولاه: عتق بأداء النجوم، ثم مات وجر ولاء أولاده إلي، وأنكر مواليها، فهم المصدقون باليمين، وعليه البينة. وهل يكفيه شاهد ويمين، أو شاهد وامرأتان، أم يحتاج إلى شاهدين ؟ فيه الخلاف في النجم الاخير، ويدفع مال المكاتب إلى ورثته الاحرار، لاقرار السيد أنه مات حرا. ولو أقر السيد في حياة المكاتب بأنه أدى النجوم، عتق، وجر إليه ولاء ولده. الرابعة: كاتب عبدين في صفقتين، أو صفقة، وجوزناها، ثم أقر أنه استوفى نجوم أحدهما، أو أنه أبرأ أحدهما، أمر بالبيان، فإن قال: نسيته، أمر بالتذكر، ولا يقرع بينهما ما دام حيا، وقيل: يقرع، والصحيح الاول، فإن بين أحدهما، فصدقه الآخر، فذاك، وإن كذبه وقال: بل استوفيت مني، أو أبرأتني، فله تحليف السيد، فإن حلف، بقيت كتابته إلى أداء النجوم، وإن نكل، حلف المكذب، وعتق أيضا. وإن لم يتذكر، حلف لهما إذا ادعاه. وإذا حلف، فوجهان، أحدهما: يبقيان على الكتابة، ولا يعتق واحد منهما إلا بأداء النجوم، والثاني: تتحول دعوى المكاتبين، فإن حلفا على الاداء، أو نكلا، بقيا على الكتابة، وإن(8/515)
حلف أحدهما، ونكل الآخر، حكم بعتق الحالف، وبقي الآخر، مكاتبا. ولو بين أحدهما، فقال الآخر: تؤتيني بالاقرار الذي اتهمته، ولم يقل: استوفيت مني أو أبرأتني، قال الامام: فالاصح أن دعواه مردودة، لانه لا يدعي حقا ثابتا، وإنما يدعي إخبارا قد يصدق فيه وقد يكذب، وقد سبق نظير هذا في الدعاوى. ولو مات السيد قبل البيان، فهل يقوم الوارث مقامه في البيان ؟ قولان. أحدهما: لا، بل يقرع، فمن خرجت قرعته، فهو حر، وعلى الآخر أداء النجوم، وله تحليف الوارث على نفي العلم. وأظهرهما: يقوم مقامه، ولا قرعة، فإذا بين، فالحكم كما سبق في بيان المورث، إلا أن الوارث يحلف على نفي العلم، فإن قال الوارث: لا أعلم المؤدي، فلكل واحد تحليفه أنه لا يعلمه أدى، فإذا حلف لهما، فوجهان: أحدهما: يستوفي من كل واحد منهما ما عليه، كما لو أقر بأن أحد غريميه أوفاه دينه، ومات قبل البيان، وحلف الوارث لكل واحد منهما، فإنه يستوفي الدينين جميعا. وحكى ابن الصباغ توقف العتق على أداء كل واحد منهما جميع ما عليه، ثم قال: وعندي أنه إن استوفى المالان، فقالا: نؤدي ما على أحدنا، أو اختلفا، فقالا: نؤدي الاكثر ليعتق، كان لهما ذلك، لانهما بأدائه قد أديا جميع ما عليهما. والوجه الثاني وهو الاصح، وبه قال القاضي أبو الطيب: يقرع بينهما، هكذا رتب الجمهور المسألة. وقال الامام والغزالي: لكل واحد من الكاتبين أن يدعي على الوارث توفية النجوم إلى المورث أو إبراءه له، وأن يحلفه على نفي العلم، فإذا حلف هل يقرع ؟ قولان. أظهرهما: نعم، فمن خرجت له القرعة، فهو حر، وعلى الآخر أداء النجوم. وإن قلنا: لا يقرع، قال الامام: الذي يقتضيه(8/516)
القياس التوقف إلى الاصطلاح، أو البيان، أو بينة، وينقدح أن يقال: للوارث تعجيزهما، فإنهما ممتنعان من الاداء وأحدهما مكاتب، وحينئذ فأحدهما حر، والآخر رقيق، فيقرع، والمذهب ما قدمناه عن الجمهور. ولو أقر باستيفاء بعض نجوم أحدهما، ولم يبين، فلا قرعة، لان العتق لا يحصل به، بل يوقف الامر. ولو ادعى أحد المكاتبين على الوارث الاداء أو الابراء، فأنكر، حصل بإنكاره الاقرار للآخر، قاله الصيدلاني. قلت: هذا الذي قاله الصيدلاني فيما إذا قال في إنكاره: لست المؤدي. أما إذا قال: لا أعلم ونحوه، فليس مقرا للآخر بلا شك والله أعلم. فروع من التهذيب لو قال السيد: استوفيت، أو قال المكاتب: أليس قد أوفيتك، فقال: بلى، ثم قال المكاتب: وفيتك الجميع. وقال السيد: البعض، فالمصدق السيد، لان اللفظ يحتملهما جميعا. ولو وضع عن المكاتب(8/517)
شيئا من النجوم، واختلفا، فقال السيد: وضعت من النجم الاول، وقال المكاتب: من الاخير، أو قال: وضعت بعض النجوم، فقال المكاتب: بل كلها، صدق السيد بيمينه. ولو كاتبه على ألف درهم، فوضع عنه عشرة دنانير، لم يصح، فإن قال: أردت قيمة عشرة دنانير من الدراهم، صح. فلو قال المكاتب: أردت المعنى الثاني، فأنكر السيد، صدق السيد. ولو وضع عنه من الدراهم ما يقابل عشرة دنانير، فهو مجهول عندهما، ففي صحته وجهان، بناء على الخلاف فيما لو أوصى بزيادة على الثلث وأجاز الوارث وهو جاهل بالزيادة، ففي وجه، لا يصح، ويحمل ظلى أقل ما يتيقن. الحكم الثالث: تصرفات السيد في المكاتب، وما يتعلق به، وتصرف المكاتب، أما القسم الاول، ففيه مسائل: إحداها: في صحة بيع السيد رقبة المكاتب، وهبته قولان، الاظهر الجديد: بطلانه، ومنهم من قطع به، فعلى هذا لو أدى النجوم إلى المشتري بعد البيع، فهل يعتق ؟ فيه الخلاف الذي نذكره إن شاء الله تعالى فيما لو دفع النجوم إلى مشتري النجوم. ولو استخدمه المشتري مدة، لزمه أجرة المثل للمكاتب، وهل على السيد أن يمهله قدر المدة التي كانت في يد المشتري ؟ قولان كما لو استخدمه السيد أو حبسه. وإن قلنا بالقديم فثلاثة أوجه، الصحيح: بفاء الكتابة، وينتقل إلى المشتري مكاتبا، فإذا أدى إليه النجوم، عتق وكان الولاء للمشتري. والثاني: يعتق بالاداء إلى المشتري، ويكون الولاء للبائع، ويكون انتقاله بالشراء كانتقاله بالارث. والثالث: ترتفع الكتابة بالبيع، فينتقل غير مكاتب، وهو ضعيف. ولو قال أجنبي لسيد المكاتب: أعتق مكاتبك على كذا، أو أعتقه عني على كذا، أو مجانا، فهو كقوله: أعتق مستولدتك، وقد سبق في الكفارات، ولا يجوز للسيد بيع ما في يد المكاتب، ولا إعتاق عبيده، ولا تزويج إمائه. الثانية: لا يصح بيع السيد نجوم الكتابة التي على المكاتب على المذهب، ولا الاستبدال عنها على الصحيح، فلو باعها، لم يجر للمكاتب تسليمها إلى(8/518)
المشتري، ولا للمشتري مطالبته بها، ويحصل العتق بدفعها إلى السيد. وهل يحصل بدفعها إلى المشتري ؟ قال في المختصر: نعم. وفي الام: لا، فقال الجمهور: قولان. أحدهما: نعم، لان للسيد سلطة على القبض، فأشبه الوكيل وأظهرهما: لا، لانه يقبض لنفسه، حتى لو تلف في يده، ضمنه، بخلاف الوكيل، وقال أبو إسحق: إن قال عند البيع: خذها منه، أو قال للمكاتب: ادفعها إليه، صار وكيلا، وعتق بقبضه، وإن اقتصر على البيع، فلا. ويقال: إن أبا إسحق، عرض هذا الرق على ابن سريج، فلم يعبأ به. وقال هو وإن صرح بالاذن، فإنما يأذن بحكم المعاوضة لا بالوكالة. فإن قلنا: يعتق، فما أخذه المشتري يعطيه للسيد لانا جعلناه كتوكيله. وإن قلنا: لا يعتق، فالسيد يطالب المكاتب، والمكاتب يسترد من المشتري. الثالثة: السيد معه في المعاملة كأجنبي يبايعه، ويأخذ ثمنه بالشفعة. فلو ثبت له على سيده دين معاملة، ولسيده عليه النجوم، أو دين معاملة، ففي التقاص الخلاف الآتي في الفرع عقيبه إن شاء الله تعالى. فرع في التقاص. إذا ثبت لشخصين كل واحد منهما على صاحبه دين بجهة واحدة أو جهتين، كسلم وقرض، أو قرض وثمن، نظر، هل هما نقدان، أم لا ؟ وهل هما جنس، أم لا ؟ فإن كانا جنسا، واتفقا في الحلول وسائر الصفات، فأربعة أقوال. أظهرها: يحصل التقاص بنفس ثبوت الدينيين، ولا حاجة إلى الرضى، إذ لا فائدة فيه. والثاني: لا يحصل التقاص، وإن رضيا، لانه بيع دين بدين. والثالث: يشترط في التقاص رضاهما. والرابع: يكفي رضى أحدهما.(8/519)
وإن اختلف الدينان في الصفات، كالصحة، والكسر، والحلول، والتأجيل، أو قدر الاجل، لم يحصل التقاص، لاختلاف الاغراض، ولصاحب الحال أن يستوفيه وينتفع به إلى أن يحل ما عليه، فإن تراضيا على جعل الحال قصاصا عن المؤجل، لم يجز، كما في الحوالة. وحكى أبو الفرج الزاز فيهما وجها. ولو كانا مؤجلين لاجل واحد، فهل هما كالحالين، أم كمؤجلين بأجلين مختلفين ؟ وجهان، أرجحهما عند الامام: الاول، وعند البغوي: الثاني. وإن كانا جنسين: دراهم، ودنانير، فلا مقاصة. والطريق: أن يأخذ أحدهما ما على الآخر، ثم إن شاء جعل المأخوذ عوضا عما عليه، فيرده إليه، ولا حاجة إلى قبض العوض الآخر. أما إذا لم يكن الدينان نقدين، فإن كانا جنسا، فالمذهب أنه لا تقاص، وبه قطع جمهور العراقيين، وغيرهم. وقيل: هو على الاقوال. وقيل: إن كانا من ذوات الامثال، فعلى الاقوال، وإلا، فلا تقاص قطعا وإن كانا جنسين، فلا تقاص قطعا وإن تراضيا، بل إن كانا عرضين، فليقبض كل واحد ما على الآخر، فإن قبض أحدهما، لم يجز رده عوضا عن المستحق للمردود عليه، لانه بيع عرض قبل القبض، إلا أن يكون ذلك العرض مستحقا بقرض أو إتلاف، لا بعقد. وإن كان أحدهما عرضا، والآخر نقدا، فإن قبض مستحق العرض العرض، ورده عوضا عن النقد المستحق عليه جاز وإن قبض مستحق النقد النقد، ورده عوضا عن العرض المستحق عليه لم يجز، إلا أن يكون العرض مستحقا بقرض أو إتلاف. هكذا ذكر ابن الصباغ والروياني وإذا حصل التقاص بين السيد والمكاتب، وبرئ المكاتب عن النجوم، عتق كما لو أداها. قلت: فإذا قلنا: لا يتقاصان، ولم يبدأ أحدهما بتسليم ما عليه، حبس حتى يسلما، ذكره صاحب الشامل وغيره. والله أعلم. الرابعة: إذا أوصى السيد بالمكاتب، صحت الوصية على القديم الذي نصحح بيعه، ولا يصح على الجديد. فعلى هذا لو قال: إن عجز مكاتبي، وعاد(8/520)
إلى الرق، فقد أوصيت به لفلان، فوجهان، أحدهما: لا يصح اعتبارا بحال التعليق، وكما لو قال: إن ملكت عبد فلان، فهو حر. والثاني وهو الصحيح وبه قطع الجمهور: تصح الوصية كما لو أوصى بثمرة نخلته، وحمل جاريته، وكما لو قال: إن ملكت عبد فلان، فقد أوصيت به، فإن قلنا بالصحيح، فعجز، وأراد الوارث إنظاره، فللموصى له تعجيزه، وليأخذه، وإنما يعجزه بالرفع إلى الحاكم، كما سبق في المجني عليه. ولو أوصى بالنجوم التي عليه، صحت وإن لم تكن مستقرة، كما تصح الوصية بالحمل. وإن لم يكن مملوكا في الحال، فإن أداها، فهي للموصى له، وولاء المكاتب للسيد. وإن عجز، فللوارث تعجيزه، وفسخ الكتابة. وإن أنظره الموصى له، فهل للموصى له إبراؤه عن النجوم ؟ فيه احتمالان لابن كج والقاضي حسين. ولو أوصى لواحد برقبته إن عجز ولآخر بالنجوم، صحت الوصيتان، فإن أدى المال، بطلت الاولى. وإن رق، بطلت الثانية. ولو أوصى لرجل بما يعجله المكاتب، فلم يعجل، وأدى النجوم في محلها، بطلت الوصية، ولا يجبر على التعجيل لتنفيذ الوصية. هذا كله في الكتاب الصحيحة، أما إن كاتبه كتابة فاسدة، ثم أوصى برقبته، فإن كان عالما بفساد الكتابة، صحت الوصية. قال الصيدلاني وغيره: وتتضمن الوصية فسخ الكتابة. وإن كان يظن صحتها، فقولان، أحدهما: لا تصح الوصية، لانه أوصى معتقدا بطلان الوصية وأظهرهما: تصح اعتبارا بحقيقة الحال. ومنهم من طرد القولين فيما لو كان عالما بفساد الكتابة، لان الفاسدة كالصحيحة في حصول العتق وغيره، بخلاف ما لو باع بيعا فاسدا، ثم أوصى بالمبيع وهو عالم بفساد البيع، فإنه يصح قولا واحدا، لان البيع الفاسد ليس كالصحيح. وأما إذا أوصى بالمبيع جاهلا بفساد المبيع، فهو على القولين. ولو باع المكاتب كتابة فاسدة، أو المبيع بيعا فاسدا، أو وهب، أرهن وهو جاهل بالفساد، فقيل: فيه القولان. وقيل: يبطل قطعا،(8/521)
بخلاف الوصية، لانها تحتمل الغرر. والخلاف في هذا كله كالخلاف فيمن باع مال أبيه ظانا أنه حي فكان ميتا. وفي معناها، ما إذا وكل رجلا بشراء عبد، ثم باعه وهو لا يعلم أن الوكيل اشتراه له، أو باع مال اليتيم وهو لا يعلم أن أباه جعله وصيا له، فبان أنه جعله. الخامسة: الوصية بوضع النجوم عن المكاتب صحيحة معتبرة من الثلث، فلو قال: ضعوا عنه ما عليه من النجوم أو كتابته، فمقتضاه وضع النجوم. فلو قال: نجما من نجومه، فالاختيار للوارث يضع ما شاء أقلها أو أكثرها، أولها، أو آخرها، أو أوسطها، وكذا لو قال: ضعوا عنه ما قل أو كثر، أو ما خف، وثقل. ولو قال: ضعوا عنه ما شاء من نجوم الكتابة، فشاء وضع الجميع، لم يوضع الجميع، بل يبقى أقل ما يتمول، لان من للتبعيض. ولو اقتصر على قوله: ضعوا عنه ما شاء فشاء الجميع، فقيل بوضع الجميع. والصحيح المنصوص: أنه يبقى شئ كالصورة السابقة. ولو قال: ضعوا عنه أكثر مما عليه، أو أكثر ما بقي عليه، وضع نص ما عليه وزيادة، وتقدير الزيادة إلى اختيار الوارث. ولو قال: ضعوا عنه أكثر مما عليه أو ما عليه وأكثر، وضع عنه الجميع، ولغا ذكر الزيادة. ولو كانت عليه نجوم مختلفة الاقدار والآجال، فقال: ضعوا عنه أكثر النجوم أو أكبرها، روعي القدر. وإن قال: أطولها وأقصرها، روعيت المدة. وإن قال: أوسط النجوم، فهذا يحتمل الاوسط في القدر، وفي الاجل وفي العدد، فإن اختلفت النجوم فيها جميعا، فللورثة تعيين ما شاؤوا، فإن زعم المكاتب أنه أراد غيرهم، حلفهم على نفي العلم. وإن تساوت في القدر والاجل، حملت على العدد، فإذا كان العدد وترا، كالثلاثة والخمسة، فالاوسط واحد. وإن كان شفعا، فالاوسط اثنان، كالثاني والثالث من أربعة، فيعين الوارث أحدهما، هكذا قال ابن الصباغ وغيره. ويجوز أن يقال: الاوسط كلاهما، فيوضعان، وهذا مقتضى ما في التهذيب. فرع أوصى بكتابة عبد بعد موته، فلم يرغب العبد في الكتابة، تعذر تنفيذ(8/522)
الوصية، ولا يكاتب بدله آخر، كما لو أوصى لزيد بمال فلم يقبل، فلا يصرف إلى غيره. وإن رغب فإن خرج كله من الثلث، كوتب ثم إن عين مال الكتابة، كوتب على ما عينه، وإلا، فعلى ما جرت به العادة. والعادة أن يكاتب العبد على ما فوق قيمته. وإن ليخرج كله من الثلث، فلم يجز الوارث، فقيل: كتابة القدر الذي يخرج من الثلث يكون على الخلاف في كتابة بعض العبد، والمذهب أنه يكاتب ذلك القدر، ويصح بلا خلاف، ولا يبالي بالتبعيض إذا أفضت الوصية إليه،، وإذا كوتب بعضه، وأدى النجوم، عتق، وولاؤه للموصي، والباقي رقيق، فإن أجاز الوارث كتابة كله، وعتق بأداء النجوم، فولاء الجميع للموصي إن جعلنا الاجازة تنفيذا، وإلا فولاء ما زاد على القدر الخارج من الثلث للوارث. ولو قال: كاتبوا أحد عبيدي، لم يكاتب أمة، ولا خنثى مشكل. وهل يكاتب خنثى ظهرت ذكورته ؟ فيه طريقان. المذهب: نعم. والثاني: قولان، لبعده عن الفهم عند الاطلاق. ولو قال: كاتبوا إحدى إمائي، لم يكاتب المشكل، فإن ظهرت أنوثتها، فعلى الطريقين. ولو قال: أحد رقيقي، جاز العبد والامة، وجاز المشكل على المشهور. فصل وأما تصرفات المكاتب، فهو كالحر في معظمها، فيبيع ويشتري، ويؤجر ويستأجر، ويأخذ بالشفعة، ويقبل الهبة، والوصية، والصدقة، ويصطاد ويحتطب، ويؤدب عبيده إصلاحا للمال، كما يقصدهم ويختنهم. وفي إقامته الحدود عليهم خلاف سبق في الحدود. ولو أجر نفسه أو عبيده أو أمواله، فعجزه السيد في المدة، انفسخ العقد. وقيل: لا يجوز أن تزيد مدة الاجارة على مدة النجوم، ولا يصح منه تصرف فيه تبرع أو خطر. هذا هو القول الجملي فيه، وفي تفصيله صور. إحداها: لا يصح إعتاقه ولا إبراؤه عن دين وهبة مجانا، ولا بشرط الثواب، لان في قدر الثواب خلافا، فقد يحكم القاضي بقليل. وإن شرط فيها ثوابا معلوما، ولم يكن فيه غبن وقلنا: هذه الهبة بيع، ولا يشترط في ثبوت الملك(8/523)
الاقباض، فهي جارية على قياس البيوع، وكذا إن شرطنا الاقباض، صحت الهبة، لكن لا يسلمها حتى يقبض العوض. الثانية: قال الشيخ أبو محمد: لا يحل له التبسط في الملابس والمآكل، ولا يكلف فيها التقتير المفرط. الثالثة: ليس له دفع المال إلى غيره قراضا، لانه قد يخون أو يموت فيضيع. وله أن يأخذه إقراضا، لانه أكساب، وليس له أن يقرض، وله أن يقترض، وليس له تعجيل دين مؤجل. الرابعة: ليس له شراء أحد من أصوله وفروعه، لتضمنه العتق. فلو وهب له قريبه، أو أوصى له به، فإن لم يقدر على الكسب لهرم أو زمانة، وعجز، وكان بحيث يلزمه نفقته، لم يجز قبوله. وقيل: يجوز قبول الزمن، وهو ضعيف. وإن كان كسوبا يقوم بكفاية نفسه، استحب قبوله، إذ لا ضرر فيه، ثم لا يعتق عليه لضعف ملكه، بل يكاتب عليه، فيعتق بعتقه، ويرق برقه، وليس له بيعه. وعن ابن أبي هريرة: أنه يجوز بيعه. قال الشيخ أبو علي: هذا غلط، وتكون نفقته في كسبه، وما فضل، فللمكاتب أن يستعين به في أداء النجوم، فإن مرض أو عجز، أنفق المكاتب عليه، لانه من صلاح ملكه، فإن جنى، بيع في الجناية، وليس للمكدتب أن يفديه، بخلاف ما إذا جنى عبده، له أن يفديه، لان الرقبة تبقى له يصرفها في النجوم. الخامسة: ليس له الشراء بالمحاباة، ولا البيع بالغبن، ولا بالنسيئة. ولو استوثق برهن وكفيل، فلو باع ما يساوي مائة بمائة نقدا، أو مائة نسيئة، جاز ولو اشترى نسيئة بثمن النقد، جاز، ولا يرهن به، لانه قد يتلف الرهن. وإن اشتراه بثمن نسيئة، لم يجز، ذكره البغوي لما فيه من التبرع، وذكره الروياني في جمع الجوامع أنه يجوز، إذ لا غبن. وقد سبق في كتاب الرهن حكاية وجه أن المكاتب(8/524)
كولي الطفل في البيع نسيئة، والرهن والارتهان، والصحيح الذي عليه الجمهور الفرق. السادسة: إذا باع أو اشترى، لم يسلم ما في يده حتى يتسلم العوض، لان رفع اليد عن المال بلا عوض نوع غرر، وكذا ليس له السلم، لانه يقتضي تسليم رأس المال في المجلس، وانتظار المسلم فيه، لاسيما إن كان سلما مؤجلا. وقيل: يجوز السلم حالا، ويسلم رأس المال، ثم يتسلم المسلم فيه في المجلس. وقيل: يجوز مطلقا بشرط الغبطة، والصحيح الاول. السابعة: ليس له أيكاتب عبده، فلو كاتبه، فأدى المال، لم يعتق لان تعليقه غير صحيح، ولا يتزوج، ولا يزوج عبده، لما فيه من المؤن، ولا يتزوج المكاتبة، لان ذلك ينقصها. وله شراء الجواري للتجارة، ولا يجوز له التسري خوفا من هلاك الجارية في الطلق، ولضعف الملك. وقال الشيخ أبو محمد: لا يبعد إجراء الوجهين في وطئ من يؤمن حبلها، كما في المرهونة. قال الامام: هذا غير مرضي. الثامنة: إذا لزم المكاتب كفارة قتل أو ظهار، أو وطئ في نهار رمضان، أو يمين، كفر بالصوم، دون المال، لان ملكه ليس بتمام، وهو مستحق لجهة الكتابة. فرع جميع ما منعناه في هذه الصور، مفروض فيما إذا لم يأذن له السيد، فإن أذن فسنذكره عقيبه إن شاء الله تعالى.(8/525)
فرع وصية المكاتب باطلة، سواء أوصى بعين أو ثلث ماله، لان ملكه غير تمام. فصل تبرعات المكاتب وتصرفاته المحظرة كالهبة والابراء والانفاق على الاقارب، والاقراض والقراض والبيع بمحاباة وبنسيئة، وتعجيل المؤجل ونحوها، إن جرت بإذن السيد، فمنقول المزني والمنصوص في الام صحتها. ونقل الربيع قولا آخر بالمنع. ونص أن اختلاع المكاتب بالاذن لا يجوز، فقال الجمهور: في الجميع قولان. أظهرهما: الصحة. وقيل: يصح ما سوى الخلع قطعا، ولا يصح هو. وعن ابن سلمة القطع بصحة الخلع أيضا. ولو وهب للسيد أو لابنه الصغير، فقبل له السيد، أو أقرضه، أو باعه نسيئة أو بمحاباة أو عجل له دينا مؤجلا غير النجوم، فالمذهب أنه على الخلاف فيما إذا وهب لغيره بإذنه. وقيل: يصح قطعا، واختاره الشيخ أبو محمد، لان للمكاتب أن يعجز نفسه، فيجعل جميع ما في يده لسيده، فجواز الهبة أولى. ولو وهب بإذن السيد، فرجع عن الاذن قبل إقباض الموهوب، لم يكن له إقباضه. ولو اشترى قريبه بإذن السيد، ففي صحته القولان في الهبة، فإن صححناه يكاتب عليه. وعن أبي إسحق: القطع بالصحة، لانه قد يستفيد من أكسابه، وفيه صلة الرحم. ولو أعتق المكاتب عبده عن سيده، أو عن غيره بإذنه، فهو كتبرعه بالاذن. ولو أعتق عن نفسه بإذن السيد، لا يصح على المذهب، لتضمنه الولاء، والمكاتب ليس أهلا لثبوت الولاء له، كالقن، فإن صححناه، فلمن يكون ولاء العتيق ؟ قولان، أحدهما: للسيد، لان المكاتب ليس أهلا للولاء، ووقف الولاء بعيد، وأظهرهما: يوقف، لان الولاء لمن أعتق، والسيد لم يعتق، فإن عتق المكاتب، هان له، وإن مات رقيقا، كان لسيده، وإن عجزه، ورق، فحكى الامام أنه يبقى التوقف، لانه يرجى عتقه من جهة أخرى. والصحيح الذي قطع به الاصحاب أن يكون للسيد بلا توقف، لانقطاع الكتابة، فإن جعلنا الولاء للسيد، فعتق المكاتب بعد ذلك، ففي انجرار الولاء إليه وجهان، حكاهما أبو علي الطبري وصاحب التقريب أصحهما: المنع، وكأن السيد(8/526)
أعتقه. وإن قلنا بالتوقف، فمات العتيق قبل موت المكاتب وعوده إلى الرق، فهل يوقف الميراث أيضا، أم يكون للسيد، أم لبيت المال ؟ أقوال. أظهرها: الاول. ولو كاتب المكاتب عبده بإذن السيد، فهو كتنجيز العتق، نص عليه في المختصر، وقاله الاصحاب، فيعود الطريقان في صحة الكتابة. والقولان في الولاء تفريعا على الصحة إذا عتق المكاتب الثاني قبل الاول. وإن عتق الاول ثم الثاني، فولاء الثاني للاول. وفي نكاح المكاتب بإذن السيد طريقان. أحدهما: قولان، كتبرعه، لانه يبذل المهر والنفقة لا في مقابلة مال. والثاني. وهو المذهب عند الجمهور: القطع بالصحة، لانه إذا صح نكاح القن بالاذن، فالمكاتب أولى، لانه أحسن حالا منه، ولانه يحتاج إليه للتحصين وغيره، بخلاف الهبة ونحوها. وتزويج المكاتبة بإذنها صحيح على الصحيح. وقال القفال: لا تزوج أصلا، لضعف ملك السيد ونقصها، فلا يؤثر إذنها. ولو أذن السيد للمكاتب في التسري بجارية، لم يصح على المذهب. ولو أذن له في التكفير بالاطعام أو بالكسوة، فقولان ولو أذن في التكفير بالاعتاق، لم يجزئه على المذهب. فرع > اشترى المكاتب من يعتق على سيده، أو أوصى له به، فقبل، صح، وملكه المكاتب. فإن رق المكاتب، صار القريب للسيد، وعتق عليه. ولو اشترى بعضه، أو اتهبه، أو قبل الوصية به، صح أيضا. وإذا رق، عتق ذلك الشقص على السيد. وهل يسري إلى الباقي ؟ إن كان السيد موسرا، ينظر إن عجز المكاتب نفسه بغير اختيار السيد، لم يسر، كما لو ورث بعض قريبه، وإن عجزه السيد، فوجهان. لان المقصود فسخ الكتابة، والملك يحصل قهرا. ولو اتهب العبد القن من يعتق على سيده بغير إذن، بني على أن اتهابه بغير إذن السيد، هل ينقذ ؟ وفيه خلاف سبق. إن قلنا: لا، فلا كلام. وإن قلنا: نعم وهو(8/527)
الصحيح، فإن خيف وجوب النفقة على السيد في الحال، فإن اتهب زمنا والسيد موسر، لم يصح قبوله لان فيه إضرارا بالسيد. وإن لم يجب النفقة في الحال، لكون القريب كسوبا، أو السيد فقيرا، صح القبول، وعتق الموهوب على السيد. ولو اتهب بعض من يعتق على السيد بغير إذنه، وصححنا اتهابه بغير إذنه، ولم يتعلق به لزوم النفقة، صح القبول على الاظهر، ولا يسري، لحصول الملك قهرا. والثاني: لا يصح. قال الشيخ أبو علي: وخرج ابن سريج على هذين القولين، ما إذا اشترى المريض أباه بألف لا يملك غيره، وعليه دين مستغرق، ففي قول: لا يصح الشراء، لانه لو صح، لعتق، وبطل حق الغرماء. وفي الثاني: يصح، ولا يعتق ويباع في ديونهم. وفي الوسيط وجه أنه يصح، ويعتق ويسري، ويجعل اختيار العبد كاختياره، كما جعل قبوله كقبوله. ولم أجد هذا الوجه في النهاية وإذا صححنا اتهاب القن بغير إذن سيده، دخل الموهوب في ملك السيد، قهرا كما لو احتطب. وهل للسيد رده بعد قبول السيد ؟ وجهان. أحدهما: نعم، لان تمليك الرشيد قهرا، بعيد. وأصحهما: المنع، كالملك بالاحتطاب، فعلى الاول هل ينقطع ملكه من وقت الرد، أم يتبين أنه لم يدخل في ملكه ؟ وجهان وفائدتهما، لو كان الموهوب عبدا، ووقع هلال شوال بين قبول العبد ورد السيد في الفطرة. فرع وهب المكاتب بعض ابنه، فقبله، وصححنا قبوله، فعتق المكاتب، عتق عليه ذلك الشقص. وهل يقوم الباقي عليه إن كان موسرا ؟ وجهان، أصحهما: نعم، قاله ابن الحداد، وصححه الشيخ أبو علي، ومنعه القفال فرع اشترى المكاتب ابن سيده، ثم باعه بأبي السيد، صح، وملك الاب، فإن رق المكاتب، صار الاب ملكا للسيد، وعتق عليه، فإن وجد به عيبا،(8/528)
لم يكن له الرد، وله الارش، وهو جزء من الثمن، فإن نقص العين عشر قيمة الاب، رجع بعشر الابن الذي هو الثمن، ويعتق ذلك العشر، ولا يقوم الباقي على السيد إن كان المكاتب عجز نفسه، وكذا إن عجزه سيد على الاصح. فرع ذكرنا أنه لا يجوز للمكاتب وطئ أمته بغير إذن سيده، ولا بإذنه على المذهب. فلو وطئ، فلا حد، ولا مهر، لانه لو ثبت مهر لكان له، فإن أولدها، فالولد نسيب، فإن ولجته وهو مكاتب بعد، فهو ملكه لانه ولد أمته، لكن لا يملك بيعه، لانه ولده، ولا يعتق عليه، لضعف ملكه، بل يتوقف عتقه على عتق المكاتب، إن عتق، عتق، وإلا، رق، وصار للسيد، ولا تصير الامة مستولدة له في الحال على المذهب، لانها علقت بمملوك، فأشبهت الامة المنكوحة، وحق الحرية للولد لم يثبت بالاستيلاد في الملك، بل لمصيره ملكا لابيه، كما لو ملكه بهبة، فإن عتق، ففي مصيرها أم ولد قولان. فإن قلنا: يثبت الاستيلاد في الحال، فإن عتق المكاتب، استقر الاستيلاد، وإن عجز، رقت مع الولد للسيد، فإن عتق المكاتب بعد ذلك، وملكها، لم تصر مستولدة له، لان بالعجزتين انها علقت برقيق، وأن لا استيلاد. وإن قلنا: لا يثبت، فإن عجز، ثم عتق وملكها، لم تصر مستولدة له، وإن أعتق بأداء النجوم، فكذلك على المذهب. وقال أبو إسحق:(8/529)
قولان، كما لو استولد مرهونته، وبيعت ثم ملكها، والفرق أن العلوق هنا بمملوك هذا كله إذا ولدت وهو بعد مكاتب، فإن ولدت بعد عتقه، فإن كان لدون ستة أشهر من حين العتق، فكذلك الحكم، لان العلوق وقع في الرق، وإن كان لستة أشهر فأكثر من يومئذ، فقد أطلق الشافعي أنها تصير مستولدة. وللاصحاب طريقان. أصحهما: أن هذا إذا وطئ بعد الحرية، وولدت لستة أشهر فصاعدا من حين الوطئ لظهور العلوق بعد الحرية والولد والحالة هذه لا ولاء عليه إلا بالولاء على أبيه، ولا ينظر إلى احتمال العلوق في الرق تغليبا للحرية. فأما إذا لم يطأها بعد الحرية، فالاستيلاد على الخلاف. والثاني: يثبت الاستيلاد، وطئ بعد الحرية أم لا، لانها كانت فراشا قبل الحرية والفراش مستدام بعدها، وإمكان العلوق بعدها قائم، فيكتفى به. الحكم الرابع: في ولد المكاتبة: فإذا كاتب أمة لها ولد، فالولد باق على ملك السيد، فإن شرط دخوله في عقد الكتابة، فسدت، فإن أدت، عتق الولد أيضا بموجب التعليق. وإن كان في يدها مال، وشرط أن يكون المال لها، فهو جمع بين البيع والكتابة بعوض واحد. وإن كانت حاملا، وتيقنا الحمل بانفصاله لدون ستة أشهر، فإن قلنا: الحمل لا يعرف، فهو كالولد الحادث بعد الكتابة، وسنذكره إن شاء الله تعالى قريبا. فإن قلنا: يعرف، فوجهان. أصحهما: أن عقد الكتابة متوجهة إليهما، فإذا عتقت، عتق.(8/530)
والثاني: لا يثبت للولد كتابة، وإن حدث الولد بعد الكتابة، فإن كان من السيد، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى. وإن كان من أجنبي بزنا أو نكاح، فهل ثبتت له الكتابة ؟ قولان. أظهرهما وأحبهما إلى الشافعي وهو نصه في المختصر: تثبت، فيعتق بعتق الام بالاداء أو الابراء أو الاعتاق. وقطع أبو إسحق بهذا القول، وقال: إذا اختاره الشافعي كان الآخر ساقطا، واتفق الاصحاب على أنه لا يدخل في الكتابة، ولا يطالبه بشئ من النجوم، لانه لم يوجد منه التزام. ولو عجزت المكاتبة، أو ماتت، بطلت الكتابة، وكان الولد رقيقا للسيد بلا خلاف. ولو فسخت الكتابة، ثم عتقت، لم يعتق الولد قطعا، لانه إنما يعتق بعتقها الجهة الكتابة، فإن قلنا: لا يثبت الولد حكم الكتابة، فهو قن، للسيد بيعه وإعتاقه عن الكفارة، والوطئ إن كان الولد أمة ولا يعتق بعتق الام. وإن قلنا: يثبت، فحق الملك فيه لمن هو فيه قولان. أظهرهما عند الشافعي رضي الله عنه: أنه للسيد، كما أن حق الملك في الام له، وكولد أم الولد. والثاني: أنه للمكاتبة، لانه يتكاتب عليه، ولانه لو كان للسيد لما عتق بعتقها. ويتفرع على القولين صور. منها: إذا قتل الولد، فعلى القول الاول: القيمة للسيد وعلى الثاني: للمكاتب. وقيل: للسيد أيضا. ومنها: كسب الولد وأرش الجناية على أطرافه، ومهر وطئ الشبهة إن قلنا بالقول الثاني، فهي للام يستعين بها في كتابتها، ويصرف ما يحصل إليها يوما يوما بلا توقف. وإن قلنا بالاول، فوجهان. أحدهما: يصرف إلى السيد بلا توقف، كما تصرف إليه القيمة. والصحيح: التوقف، فإن عتقت، وعتق الولد، فهي له، وإلا، فللسيد. فلو أرقت نفسها مع القدرة على أداء النجوم، فقال الولد: أنا أؤدي نجومها من كسبي لتعتق، فأعتق، قال الامام: لا يمكن منه، لانه تابع لا اختيار له في العتق. وإن عجزت، فأرادت أن تأخذ من كسب ولدها الموقوف،(8/531)
وتستعين به في أداء النجوم، فهل تجاب ؟ قولان أظهرهما: المنع، إذ لا حق لها في كسبه، فإن مات الولد في مدة التوقف، صرف الموقوف إلى السيد. ومنها: نفقة الولد، وهي على السيد. ان قلنا: يصرف الكسب إليه في الحال. وإن قلنا: يوقف، أنفق عليه من كسبه، ويعالج جرحه، ويكفي مؤناته، فما فضل فهو الذي يوقف، فإن لم يكن له كسب، أو لم يف بالنفقة، فالنفقة على السيد على الاصح، لان الملك له. وقيل: في بيت المال، لان تكليفه النفقة بلا كسب إجحاف به. وإن قلنا: الكسب للام، فالنفقة عليها. ومنها: لو أعتق السيد الولد، فإن قلنا: الملك له، وإن الكسب يصرف إليه في الحال، أو قلنا: يوقف ومنعناها من أخذه لاداء النجوم، نفذ إعتاقه، وإن جوزنلها الاستعانة بالموقوف، لم ينفذ إعتاقه على الاصح، لئلا ينقطع حقها من كسبه وإن قلنا: الملك لها، لم ينفذ إعتاقه. فرع لو رق الولد برق الام فكسبه للسيد، سواء قلنا: الملك فيه للسيد، أم للام. فرع ولد المكاتب من جاريته، حق الملك فيه للمكاتب قطعا، فيصرف كسبه إليه، ولا ينفذ إعتاق السيد فيه، ونفقته على المكاتب، لانه ولد أمته، وهي ملكه. ولو ولدت أمته من نكاح أو زنى، فهم عبيده كسائر أكسابه، فكذا هذا الولد، إلا أنه لا يتبعه، بل يتكاتب على بالقرابة، فيعتق بعتقه، ويرق برقه. وإذا عتق المكاتب، وتبعه هذا الولد ولكسب، فكسبه للمكاتب، لا للولد. ولو جنى هذا الولد، وتعلق الارش برقبته، فقد حكى الامام عن العراقيين: أنه إن كان له كسب، فله أن يفديه من كسبه، وإلا، فله أن يبيعه كله وإن زاد على قدر الارش، ثم يصرف قدر الارش إلى المجني عليه، ويأخذ الباقي، ثم غلط الامام من صار إليه، وقال: الصحيح أنه لا يفدي ولده لان كسب الولد كسائر أموال(8/532)
المكاتب، والفداء كالشراء، وليس له صرف الما الذي يملك التصرف فيه إلى غرض ولده الذي لا يملك التصرف فيه، لانه تبرع قال: والصحيح أنه إن باع لا يبيع إلا قدر الارش كما لا يباع من المرهون إذا جنى إلا قدر الارش. وإذا فداه، لا ينفذ تصرفه فيه، بل يتكاتب عليه، كما لا ينفذ إذا اشتراه. وولد المكاتبة من عبدها يشبه أن يكون كولد المكاتب من جاريته. فرع اختلف السيد والمكاتب في ولدها، وقال: ولدته قبل الكتابة، فهو رقيق، وقالت: بعدها، وقد يكاتب تفريعا على الاظهر، وكل واحد من الامرين محتمل، فإن كان بينة، قضي بها. قال البغوي: ولو أقام السيد أربع نسوة، قبلن، لانها شهادة على الولادة، ويثبت الملك ضمنا. وإن أقاما بينتين، تعارضتا. وإ لم يكن بينة، صدق السيد بيمينه، لانه اختلاف في وقت الكتابة، فصدق فيه كأصلها. فرع زوج عبده بأمته ثم كاتبه ثم باعها له. وولدت، فقال السيد: ولدت قبل الكتابة، فهو قن لي. وقال المكاتب: بعد الشراء، وقد تكاتب، صدق المكاتب بيمينه، بخلاف ما سبق في الفرع قبله، لان المكاتب هنا يدعي ملك الولد، كما سبق أن ولد أمته ملكه، ويده مقرة على هذا الولد، وهي تدل على الملك والمكاتبة هناك لا تدعي الملك، بل تدعي ثبوت حكم الكتابة فيه. فرع حكى الصيدلاني: أن الشافعي رحمه الله قال: لو أتت المكاتبة بولدين أحدهما: قبل الكتابة، والآخر: بعدها، فهما للسيد، لانه حمل واحد، وكذا لو أتت بأحدهما لدون ستة أشهر من حين ملكها، وبالآخر لاكثر، فهما للسيد. وإن أبا زيد أفتى بذلك، والصحيح أن كلام الشافعي مؤول، وأن الحمل يتبع الام في البيع كيف كان، حتى لو وضعت ولدا وفي بطنها آخر، فباعها، فالولد الثاني مبيع معها، والاول للبائع، وهذا ما ذكره البغوي.(8/533)
فصل السيد ممنوع من وطئ المكاتبة لاختلال ملكه، فإن شرط في الكتابة أن يطأها، فسد العقد، فإن وطئ، فلا حد وإن علم التحريم للشبهة، وفي قول: يحد العالم، والمشهور الاول، لكن يعزر على الصحيح هو وهي، ويجب المهر مع العلم والجهل. وقيل: إن طاوعته، فلا مهر، والصحيح الاول، وهو نصه في الام وإذا وجب المهر، فلها أخذه في الحال، فإن حل عليها نجم، وهما من جنس، فعلى أقوال التقاص. وإن عجزت قبل أخذه، سقط. وإن عتقت بالاداء، فلها المطالبة. ولو أولدها، فالولد حر، لانها علقت به في ملكه، وتصير مستولدة. وهل يلزمه قيمة الولد ؟ إن قلنا: ولد المكاتبة قن للسيد، أو قلنا: يتكاتب وحق الملك فيه للسيد، فلا شئ عليه، كما لو قتل ولد المكاتبة. وإن قلنا: الحق لها، لزمه لها القيمة، فإن عجزت قبل الاخذ، سقطت، وإن عتقت، أخذتها، وإن ولدت بعد ما عجزت، ورقت، فلا شئ لها، وكذا لو ولدت بعد ما عتقت، فإن عجزت ثم مات السيد، عتقت بالاستيلاد، والاولاد الحادثون بعد الاستيلاد من نكاح أو زنى، يتبعونها، والحاصلون قبلها، أرقاء للسيد. وإن مات السيد قبل عجزها، عتقت. قال البغوي: ويتبعها كسبها. وهل يعتق عن الكتابة، أم عن الاستيلاد ؟ وجهان. أصحهما: الاول، كما لو أعتق السيد المكاتب، أو ابرأه عن النجوم، فعلى هذا الاولاد الحادثون بعد الكتابة وقبل الاستيلاد، هل يتبعونها ؟ فيه الخلاف السابق، وأجري هذا الخلاف فيما لو علق عتق المكاتب بصفة، فوجدت قبل أداء النجوم، وفيما إذا تقدم الاستيلاد على الكتابة. قال البغوي: وإذا استولد، ثم كاتب، وأدت النجوم، فالكسب الحاصل بعد الكتابة يتبعها،(8/534)
والحاصل قبلها للسيد، والاولاد الحاصلون بعد الاستيلاد يتبعونها، وهذا مبني على صحة كتابة المستولدة، وقد سبق فيه خلاف. فرع ليس للسيد وطئ أمة مكاتبه أو مكاتبته، فإن وطئ، فلا حد، للشبهة، لانه يملك سيدها، ويلزمه المهر للمكاتب. وإن أولدها، فالولد حر نسيب، وتصير الامة مستولدة له. قال في الشامل: يلزمه قيمتها لسيدها لانها ملكه، ولا يلزمه قيمة الولد، لانها وضعته في ملكه، ويجيئ فيه الخلاف السابق. وللسيدوطئ بنت المكاتبة إن لم يثبت حكم الكتابة في ولد المكاتبة، فإن أثبتناه فليس له وطؤها، ولكن لا حد عليه. وأما المهر، فيبنى على الخلاف في الكسب. إن قلنا: يصرف إلى السيد في الحال، فلا مهر عليه، وإن قلنا: هو للام، فكذا المهر. وإن قلنا بالتوقف، أنفق منه عليها، ووقف الباقي، فإن عتقت بعتق الام، فهو لها، وإن عجزت، فهو للسيد. وإن أولدها، صارت مستولدة، والولد حر نسيب، ولا يلزمه قيمة المستولدة لامها، لانها لا تملكها، وإنما يثبت لها حق العتق بعتقها. وقد تأكد ذلك بالاستيلاد، هكذا ذكره ابن الصباغ، وقد سبق في قتلها قولان، في أنه هل تجب القيمة للام ؟ فينبغي أن يكون كذلك. قال البغوي: ويبقى حق الكتابة فيها، فتعتق بعتق الام، ويكون الكسب لها إذا جعلنا الحق فيها للام، فإن مات السيد، عتقت البنت بموته، وتؤخذ القيمة من تركته للام إذا جعلنا الحق لها، كما في القتل. وأما قيمة الولد، فعلى ما ذكرنا في ولد المكاتب. فرع الامة المشتركة إذا كاتبها مالكاها معا، ثم وطئها أحدهما، فحكم الحد والتعزير ولزوم المهر على الواطئ كما ذكرنا في المالك الواحد. ثم إن لم يحل النجم، فلها المهر في الحال، وإن حل، فإن كان معها مثل المهر، دفعته إلى الذي لم يطأ. وفي المهر ونصيب الواطئ من النجم الذي حل، الخلاف في التقاص وإن لم يكن معها شئ آخر، فنصف النجم الذي للواطئ مع المهر على الخلاف في التقاص، والنصف الآخر يدفع إلى الذي لم يطأ وإن عتقت قبل أخذ المهر ومصيره قصاصا، أخذت وإن عجزت بعد أخذه، فإن بقي، فهو للسيدين،(8/535)
وإن تلف تلف من ملكهما، وإن عجزت قبل أخذه، فإن كان في يدها بقدر المهر مال، أخذه الذي لم يطأ وبرئت ذمة الواطئ. وإن لم يكن معها شئ، فللذي لم يطأ أن يأخذ نصف المهر من الواطئ. وإن أجلها، نظر، إن ادعى الاستبراء وحلف عليه، فولدت لستة أشهر فصاعدا من وقت الاستبراء، لم يلحقه، وهو كولد المكاتبة من نكاح أو زنى، وإن لم يدع الاستبراء، وولدت لدون ستة أشهر، فالولد لاحق به، ويثبت الاستيلاد في نصيبه من الامة مع بقاء الكتابة فيه. ثم هو معسر أو موسر، فإن كان معسرا، لم يسر الاستيلاد إلى نصيب الشريك، فإن أدت النجوم حليهما، عتقت بالكتابة، وبطل الاستيلاد. وإن عجزت، وفسخا الكتابة، فنصفها قن، ونصفها مستولد. وإن مات الواطئ قبل الاداء والفسخ، عتق نصفها، وبقيت الكتابة في النصف الآخر. وإن مات بعد الفسخ، عتق النصف، والباقي قن. وفي الولد وجهان. أصحهما: نصفه حر، ونصفه رقيق. والثاني: ينعقد كله حرا، لشبهة الملك، وإن قلنا بالاول، وقلنا: ولد المكاتبة قن للسيد، لزم الواطئ نصف قيمته للشريك. وإن قلنا: ثبت فيه حكم الكتابة، وقلنا: الحق فيه للسيد، فكذلك الجواب. وإن قلنا: الحق للمكاتبة، لزمه جميع قيمته لها، فإن عتقت قبل أخذها، أخذتها، وإن عجزت قبل الاداء، أخذ الشريك الآخر نصفها، وسقط النصف، وإن قلنا: ينعقد نصفه حرا ونصفه رقيقا، فآن قلنا: ولد المكاتب قن للسيد، فالنصف الرقيق للشريك، ولا يجب شئ من. قيمة الولد على الواطئ. وإن قلنا: تثبت الكتابة في ولد المكاتبة، فالنصف الرقيق يتكاتب عليها، إن عتقت، عتق، وإلا، رق للشريك الآخر. وهل تجب قيمة النصف الحر على الواطئ ؟ يبنى على أن الحفي ولد المكاتبة للسيد أم لها ؟ إن قلنا: له، لم تجب، وإلا، وجبت. ثم إن عتقت، عتق، وسلم لها نصف القيمة، فيأخذه إن لم تكن أخذته، وإن عجزت، سقط عنه. وإن كان دفعه، استرده إن كان باقيا، أما إذا كان موسرا، فيسري الاستيلاد إلى نصيب الشريك، وكان الولد كله حرا، ومتى يسري ؟ فيه طريقان، قال الجمهور: قولان، كما لو أعتق أحد الشريكين نصيبه من المكاتب، ففي قول في الحال، وفي قول عند العجز. وعن ابن أبي هريرة وغيره القطع بأنه يسري عند العجز، فإن قلنا بالسراية في الحال، انفسخت الكتابة في(8/536)
نصيب الشريك، وتبقى في نصيب الواطئ، ويثبت الاستيلاد في جميع الجارية، وعلى الواطئ للشريك نصف مهرها، ونصف قيمتها. وأما نصف قيمة الولد منه، ففي وجوبها قولان، كما لو استولد أحد الشريكين الامة القنة، وانعقد الولد حرا، وعليه أيضا نصف المهر للمكاتبة لبقاء الكتابة في نصيبه، وهل يجب لها نصف قيمة الولد ؟ يبنى على أن الملك في ولد المكاتبة لمن هو ؟ ولو أدت نصيب الواطئ من مال الكتابة، عتق نصيبه، وسرى إلى الباقي وإن عجزت، وفسخ الكتابة، بقيت مستولدة محضة. وإن قلنا بالسراية عن العجز، فأدت النجوم، عتقت عن الكتابة، وولاؤه بينهما، ويبطل الاستيلاد، وله المهر على الواطئ، فتأخذه إن لم تكن أخذته، وتجب نصف قيمة الولد للشريك إقلنا: ولد المكاتبة قن للسيد، أو قلنا: ثبتت فيه صفة الكتابة، وحق الملك فيه للسيد. وإن قلنا: حق الملك فيه للمكاتبة، وجب جميع القيمة لها. وإن لم تؤد النجوم، وعجزت، لزم الواطئ للشريك نصف مهرها، ونصف قيمتها، ونصف قيمة الولد. هذا تمام الكلام في وطئ أحد الشريكين. فأما إذا وطئاها جميعا، فإن لم يحصل علوق، فحكم الحد والتعزير ما سبق. وعلى كل واحد مهر كامل، فإن عجزت، ورقت بعد قبض المهرين، لم يطالب أحدهما الآخر بشئ. ويقتسمان المهرين إن كانا باقيين. وإن عجزت قبل أخذه، سقط عن كل واحد نصف ما لزمه، ويجئ في النصف الآخر التقاص، وقد يكون أحد المهرين أكثر من الآخر، إما لكونها بكرا عند وطئ أحدهما، ثيبا عند الآخر، وإما لاختلاف حالها في الصحة والمرض وغيرهما، فيأخذ مستحق الفضل الفضل. وإن أفضاها أحدهما، لزمه نصف القيمة للشريك. فإن أفتضها، لزمه نصف أرش الافتضاض مع المهر. وإن ادعى كل واحد على الآخر أنه الذي أفضى أو افتض، حلف كل واحد منهما للآخر، فإن حلفا، فذاك، وإن حلف أحداهما، ونكل الآخر، قضي للحالف، وإن حصل علوق، نظر هل أتت بولد، أم بولدين، من كل واحد ولد. القسم الاول: إن أتت بولد، فينظر، إن ادعيا الاستبراء، وحلفا عليه، لم يلحق بواحد منهما، وهو كولد المكاتب من نكاح أو زنى، وإن لم يدعيا الاستبراء، فله أربعة أحوال. أحدهما: أن لا يمكن كون الولد من واحد منهما، بأن ولدته لاكثر من أربع سنين من وطئ الاول، ولدون ستة أشهر من وطئ الثاني، أو ولدته لاكثر من(8/537)
أربع سنين من وطئ أحدهما، فهو كما لو ادعيا الاستبراء. وحكم المهرين في الحالين، كما إذا لم يكن علوق. الحال الثاني: أن يمكن كونه من الاول دون الثاني، فيلحق بالاول، ويثبت الاستيلاد في نصيبه، فإن كان معسرا، فلا سراية، وتبقى الكتابة في جميعها، فإن أدت النجوم، وعتقت، فلها على كل واحد المهر. وإن رقت، فنصفها قن للثاني، ونصيب الاول يبقى مستولدا، ولكل واحد على الآخر نصف المهر، وهو من صور التقاص. وهل كل الولد حر، أم تتبعض حريته ؟ فيه الخلاف السابق. وإن كان موسرا، فالولد كله حر، ويسري الاستيلاد من نصيبه إلى نصيب شريكه، ويعود الخلاف في أنه يسري في الحال، أم عند العجز ؟ فإن قلنا: في الحال، انفسخت الكتابة في نصيب الثاني، وبقيت في نصيب الاول. وإن قلنا: عند العجز، فإذا عجزت، ورقت، ارتفعت الكتابة وهي مستولدة له على القولين. والحكم فيما إذا أدت النجوم وعتقت على ما سبق فيما إذا وطئ أحدهما وأولدها، وكذا الحكم لو عتقت بالموت. وما ذكرنا هناك أنه يجب للشريك على الذي أولدها من المهر وقيمة الجارية. وقيمة الولد تجب هنا للثاني على الاول. وأما وطئ الثاني فإن كان بعدما حكمنا بمصير جميعها أم ولد الاول، وجب جميع المهر، فإن بقيت الكتابة في نصيب الاول، فهو بينه وبين المكاتبة. وإن ارتفعت في نصيبه أيضا، فجميعه له. وإن كان قبل الحكم يصير جميعها أم ولد له، لم يلزمه إلا نصف المهر، لان السراية إذا حصلت أخيرا انفسخت الكتابة، وعاد نصفه رقيقا، فتكون الاكساب له، والمهر من الاكساب. ثم ذلك النصف للمكاتبة، إن بقيت في نصيب الاول، وإلا، فهو للاول. هكذا ضبط القول فيما يلزم الثاني جماعة، منهم ابن الصباغ. واعلم أن وطئ الثاني إذا وقع بعد الحكم بمصير جميعها أم ولد، للاول، فقد وقع بعد ارتفاع شبهة الملك، فيكون زنى، وإطلاق وجوب جميع المهر مصور فيما إذا فرضت شبهة أخرى. وأطلق في المختصر قولين في أنه يلزم الثاني جميع المهر، أم نصفه ؟ قال أبو إسحق: الاظهر: وجوب جميع المهر، وهو اختيار الشافعي والمزني رضي الله عنهما.(8/538)
الحال الثالث: أن يمكن كونه من الثاني دون الاول، فيلحق الثاني، ويثبت الاستيلاد في نصيبه، ولا سراية إن كان معسرا. وفي تبعيض الحرية في الولد الخلاف. وإن كان موسرا، سرى الاستيلاد إما في الحال، وإما عند العجز كما سبق. ويجب على الثاني هنا ما ذكرنا أنه يجب على الاول في الحال الثاني، وأما الاول، فقال البغوي: إن كان الثاني معسرا لزم الاول كمال المهر للمكاتبة، وكذا إن كان موسرا وقلنا: السراية تحصل بعد العجز. وإن قلنا: تحصل في الحال، انفسخت الكتابة في نصيب الاول، ولا يجب إلا نصف المهر لها. وأطلق العراقيون والروياني وغيرهما، أنه لا يلزم الاول عند يسار الثاني إلا نصف المهر. الحال الرابع: أن يمكن كونه من كل واحد منهما وادعياه، أو ادعاه أحدهما، فيعرض على القائف، فمن ألحقه به، كان الحكم كما لو تعين الامكان منه، فإن تعذرت معرفته بالقائف، اعتمد انتسابه بعد بلوغه، ويكون الحكم ما ذكرنا. قال الامام: ولو فرض ذلك في الامة، القنة، وألحقه القائف بأحدهما، لحقه، وثبت الاستيلاد في نصيبه، ولا سراية إن كان معسرا، لكن يثبت الاستيلاد أيضا في نصيب الآخر بإقراره أنها مستولدة. وإن كان موسرا، سرولا يلزمه للشريك قيمة نصيبه، لانه يدعي أن الجارية مستولدته، فيؤخذ بإقراره. وإذا لم نجد القائف والمتد اعيان موسران، فلم بأنها مستولدتهما، نصفهما لهذا، ونصفها لذاك، وليس أحدهما بالسراية أولى من الآخر. ولو أقر بالوطئ وسكتا عن دعوى الولد وألحقه القائف بأحدهما ثبت الاستيلاد في. نصيبه، ويسري، وعليه الغرم للشريك، لانه لم يوجد هنا إقرار ينافي الغرم. ولو لم نجد قائفا، وإعتمدنا انتسابه بعد بلوغه، ففي ثبوت الغرم وجهان. القسم الثاني: إذا أتت بولدين وعرفا حالهما، واتفقا على أن هذا من هذا، وذاك من ذاك، وله صورتان إحداهما: اتفقا على السابق منهما، فينظر إن كانا(8/539)
موسرين، أو كان الاول موسرا، صارت مستولدة للاول، وعليه للثاني نصف مهرها، ونصف قيمتها، وأما قيمة الولد، فقال البغوي: إن قلنا: تحصل السراية بنفس العلوق، لم يجب. وإن قلنا تتوقف على العجز وقلنا: لا يحصل إلا بأداء القيمة، وجبت. وأما الثاني: فإن وطئها بعد ما صار جميعها مستولدا للاول، وهو عالم بالحال، لزم الحد، وولده رقيق للاول. وإن كان جاهلا، فالولد حر، وعليه تمام المهر، وتمام قيمة الولد يوم الوضع، ويكون جميعهما للاول إن ارتفعت الكتابة في نصيبه أيضا. وإن بقيت، فنصف المهر له، ونصفه للمكاتبة، ونصف قيمة الولد على الخلاف في ولد المكاتبة. وإن وطئها قبل أن يصير جميعها مستولدا للاول، لم يلزمه إلا نصف المهر، لان نصفها يعدله، وفي تبعيض حرية الولد ما سبق، فإن لم تتبعض، فعليه نصف قيمة الولد، ولا يثبت الاستيلاد في نصيب الثاني له، وإن بقي نصيبه له، لان الاول استحق السراية، ولا يجوز إبطال حقه. وعن القفال في ثبوت الاستيلاد الثاني في نصيبه وجهان، كما لو أعتق شريك نصيبه وهو موسر، وقلنا: السراية تقف على القيمة، فأعتق الآخر نصيبه قبل أدائها. وأما إذا كانا معسرين، أو كان الاول معسرا، فثبت الاستيلاد في نصيب الاول ولم يسر، فإذا أحبلها الثاني، ثبت في نصيبه أيضا. وعلى كل واحد تمام المهر للمكاتبة، فإن عجزت قبل الاجل، فعلى كل واحد نصف المهر لشريكه، ومن مات منهما، عتق نصيبه. وذكر البغوي أن في تبعيض الحرية في ولد كل واحد منهما الخلاف، وأنا إذا لم نحكم بالحرية في نصفه، فهل هو قن للآخر، أم يتكاتب ؟ فيه الخلاف. وأنه لا يلزم كل واحد منهما شئ من قيمة الولد. وفي أمالي السرخسي: أنا إذا قلنا بالتبعيض، فالحكم كذلك، وإن قلنا بحرية الجميع، لزم كل واحد للآخر نصف قيمة ولده، ولم يجز العراقيون وغيرهم الخلاف في تبعيض الحرية في ولد كل واحد إذا كان الاول معسرا والثاني موسرا، وحكموا بأن ولد الموسر حر كله، والخلاف مخصوص بالمعسر. الصورة الثانية: اختلفا في السابق، فقال كل واحد: أنا أولدتها أولا ولدي(8/540)
هذا، واحتمل، صدق كل واحد منهما، فهما موسران أو معسران، أو أحدهما موسر والآخر معسر، والاعتبار باليسار والاعسار حالة الاحبال. الضرب الاول: موسران، فكل واحد يدعي على الآخر جميع المهر وجميع قيمة ولده، لانه يقول: وطئتها وهي مستولدتي، أو يدعي نصفها على ما ذكرناه في الصورة الاولى، وكل واحد يقر للآخر بنصف المهر، ونصف قيمة الجارية، لانه يقول: أنا أولدتها وهي مشتركة، فصارت مستولدة لي، ويقرأ أيضا بنصف قيمة الولد على اختلاف فيه، وما يقر به كل واحد من نصف قيمة الجارية يكذبه فيه الآخر، فيسقط إقراره به، وتبقى دعوى كل واحد في المهر وقيمة الولد، فإن اقتضى الحال التسوية بينهما، لم يعظم أثر الاختلاف، وجاء الكلام في التقاص، وإن تفاوتا، حلف كل واحد على نفي ما يدعيه الآخر. وقيل: يتحالفان على النفي والاثبات، وهو بعيد، فإذا حلف، فلا شئ لاحدهما على الآخر، وهي مستولدة احدهما على الابهام، ونفقتها عليه، فإذا ماتا فهي حرة، والولاء موقوف بينهما. وإن مات أحدهما، فالاصح أنه لا يعتق شئ منها، لاحتمال أنها مستولدة الآخر، وقال ابن أبي هريرة وأبو علي الطبري: يعتق نصفها، واختاره القاضيان أبو الطيب والروياني، وحكى ذلك عن نصه في الام لانه يملك نصفها، وقد أولدها، وشككنا هل سرى إحبال شريكه إلى نصيبه، والاصل عدمه. الضرب الثاني: أن يكونا معسرين، فلا ثمرة للاختلاف، والحكم كما لو عرف السابق وهما معسران. وإذا مات أحدهما، عتق نصيبه، وولاؤه لعصبته. وإن ماتا فالولاء لعصبتهما بالسوية. ونقل الربيع في الام أن الولاء موقوف، وإن كانا معسرين. واتفق الجمهور أن هذا غلط من الربيع أو من غيره. وقيل: أراد حالة الموت، فلا فرق حينئذ بين كونهما موسرين أو معسرين لما سبق أن الاعتبار في اليسار والاعسار بحالة الاحبال. الضرب الثالث: أن يكون أحدهما موسرا، والآخر معسرا، فيحلف كل واحد على نفي ما يدعي عليه ويثبت الاستيلاد للموسر في نصيبه، فلا منازعة، وهما متنازعان في نصيب المعسر، فنصف نفقتها على الموسر، ونصفها بينهما، ثم إن مات الموسر أولا، عتق نصيبه وولاؤه لورثته، وإذا مات المعسر بعده، عتق نصيبه،(8/541)
وولاؤه موقوف بينهما وإن مات المعسر أولا، لم يعتق منها شئ، فإذا مات الموسر بعده، عتقت كلها وولاء نصفها لورثته، وولاء النصف الآخر موقوف، قال الصيدلاني: هذا إذا قلنا لا تتوقف سراية الاستيلاد على أداء القيمة، فإن قلنا: يتوقف هنا الاداء، فتكون الجارية هنا مستولدتهما، والولاء بينهما بلا وقف، أما لو كان الاختلاف عكسه، فقال كل واحد للآخر: أنت وطئت أولا، فسرى إلى نصيبي، وهما موسران، فقال البغوي: يتحالفان، ثم نفقتها عليهما، وإذا مات أحدهما، لمن يعتق نصيبه، لاحتمال أن الآخر سبقه بالاستيلاد، ويعتق نصيب الحي، لانه أقر بأن الميت أولد أولا، ثم سرى إلى نصيبه، وعتق بموته، وولاء ذلك النصف موقوف، فإذا مات الآخر، عتقت كلها وولاء الكل موقوف. وإن كان أحدهما موسرا، والآخر معسرا، فقال المعسر: سرى إيلادك إلى نصيبي، وقال الموسر: أنت أولدت أولا، ولم يسر إلى نصيبي، تحالفا، ثم النفقة عليهما، فإن مات الموسر أولا عتقت كلها. أما نصيب الموسر، فبموته، وولاؤه لعصبته، وأما نصيب المعسر، فبإقراره، وولاؤه موقوف. وإن مات المعسر أولا، لم يعتق منها شئ لاحتمال أن الموسر سبقه بالاحبال، فإذا مات المعسر بعده، عتقت كلها. وولاء نصيب الموسر لعصبته، ونصيب الموسر موقوف، وبالله التوفيق. الحكم الخامس: في جناية المكاتب والجناية عليه، وفيه مسائل: إحداها: إذا جنى على أجنبي بما يوجبه قصاص نفس أو طرف، فلمستحقه القصاص. فإن عفا على مال، أو كانت الجناية موجبة للمال، نظر إن كان في يده مال، وكان الواجب مثل قيمته، أو أقل، طولب به مما في يده، وإن كان أكثر، فهل يطالب بالارش بالغا ما بلغ، أم لا يطالب إلا بأقل الامرين من قيمته والارش ؟ قولان، أظهرهما: الثاني، فعلى هذا له أن يفدي بالاقل، وإن لم يرض السيد، وإن فدى بالارش، وزاد على القيمة، لم يستقل به، فإن أذن السيد، فقولان، كتبرعه، فإن لم يكن في يده مال، وطلب مستحق الارش تعجيزه، عجزه(8/542)
الحاكم، ثم يباع كله في الجناية إن استغرق الارش قيمته، وإلا فيباع قدر الارش، وتبقى الكتابة في الباقي، فإذا أدى حصته من النجوم، عتق ذلك القدر. ولو أراد السيد أن يفديه من ماله، ويستديم الكتابة، فله ذلك، وعلى مستحق الارش قبوله، هذا هو المذهب، وفيه شئ سبق. وفيما يفديه (به) قولان، الجديد بأقل الامرين، والقديم بالارش، وله أن يرجع عن اختيار الفداء ويسلمه للبيع إلا إذا مات العبد بعد اختيار الفداء، أو باعه بإذن المجني عليه بشرط الفداء، فيلزمه الفداء. ولو أبرأه السيد من النجوم، أو أعتقه، لزمه الفداء، لانه فوت متعلق حق المجني عليه، فهو كما لو قتله، هذا إذا قلنا بالمذهب، والذي قطع به الجمهور أنه ينفذ إعتاقه، وأشار ابن كج إلى خلاف فيه، كإعتاق القن الجاني، والفرق أن المكاتب صار متحق العتق بالكتابة قبل الجناية، فإذا أعتقه، وقع العتق عن الجهة المستحقة بخلاف القن، وفيما يفديه السيد به ؟ طريقان، أحدهما: على القولين الجديد والقديم، والثاني: القطع بالاقل بخلاف حال بقاء الكتابة، لان الرق باق هناك وكما يلزم السيد بإعتاق المكاتب فداؤه، يلزمه بإعتاقه فداء ابن المكاتب وأبيه إذا تكاتبا عليه وجنيا، لانهما يعتقان بإعتاقه. ولو عتق المكاتب بأداء النجوم، لزمه ضمان الجناية، ولا يلزم السيد فداؤه، وفيما يلزمه الطريقان. ولو جنى المكاتب جنايات، وأعتقه السيد أو أبرأه عن النجوم، لزمه أن يفديه، فإن أدى النجوم وعتق، فضمان الجنايات على المكاتب، وأما الذي يلزمهما، فإن كاتب الجنايات معا بأن قتل جماعة بضربة، أو هدم عليهم جدارا، ففيه القولان، كالجناية الواحدة، والجديد أقل الامرين من أرش الجنايات كلها، وقيمته، والقديم وجوب الاروش كلها، وإن كانت الجنايات متفرقة، فالقديم بحاله، وفي الجديد قولان، أظهرهما: أنه أيضا بحاله، فيجب الاقل من الاروش كلها وقيمته. والثاني: يجب لكل جناية الاقل من أرشها والقيمة، لان البيع كان عقب كل جناية، وبالاعتاق فوت ذلك، فكأنه أحدث لكل جناية منعا ولو أراد المكاتب أن يفدي نفسه مما في(8/543)
يده عن الجنايات، فطريقان، أحدهما: على القولين المنقولين عن الجديد، والثاني: القطع بالاقل من أرش كل جناية والقيمة. وقطع البغوي بأنه يؤخذ مما في يده الاقل من أروش الجنايات كلها ومن قيمته، ويشبه أن يكون هذا هو المذهب، ولو لم يكن في يده مال، وسأل المستحقون تعجيزه، عجزه الحاكم ويباع، ويقسم الثمن على أقدار الاروش، وإن أبرأه بعضهم، قسم على الباقين، وإن اختار السيد، فداءه بعد التعجيز لم يبع، وفيما يفديه به القولان. المسألة الثانية: إذا جنى المكاتب على عبد سيده، أو على طرف سيده، فله القصاص، وإن قتل السيد، فللوارث القصاص، فإن عفا المستحقون على مال، أو كانت موجبة للمال تعلق الواجب بما في يده، لانه معه كأجنبي، وهل الواجب الارش أم أقل الامرين ؟ فيه القولان، فإن قلنا: الواجب الارش وكان أكثر من القيمة، فقال الشيخ أبو حامد: له أن يفدي نفسه به، وقال القاضي أبو الطيب: فيه الخلاف في هبته لسيده، ثم قال ابن الصباغ: وهذا يقتضي أن يقال: للسيد الامتناع من القبول لا يلزمه قبول الهبة، وعندي أنه يلزمه القبول إذا أمكن أداؤه وأداء مال الكتابة، وإذا لم يكن في يده شئ، أو كان لا يفي بالارش، هل للسيد تعجيزه بسبب الارش ؟ وجهان، أحدهما: لا، لانه إذا عجزه سقط الارش، لانه لا يثبت له على عبده دين، بخلاف ما إذا عجزه أجنبي، فإن الارش يتعلق برقبته، وأصحهما: نعم، وبه قطع الشيخ أبو حامد وغيره، ويستفيد رده إلى الرق المحض، وإذا عجز بسبب الارش أو النجوم، ورق، فهل يسقط الارش، أم يبقى في ذمته إلى أن يعتق ؟ وجهان. أصحهما الاول، وهما كالوجهين فيما لو كان له على عبد غيره دين، فملكه، هل يسقط. وجناية المكاتب على طرف ابن سيده، كجنايته على أجنبي، وجنايته على نفسه تثبت القصاص اللسيد، فإن عفا، أو كان القتل خطأ، فهو كما لو جنى على السيد، ولو أعتق السيد المكاتب بعد جنايته عليه، أو أبرأه عن النجوم، فإن لم يكن في يده مال، سقط الارش على المذهب، وإن كان تعلق به على الاصح. ولو أدى النجوم، فعتق لم يسقط الواجب بلا خلاف، كما لا يسقط(8/544)
إذا جنى على أجنبي، وأدى النجوم وعتق، ثم الواجب الارش بالغا ما بلغ، هذا هو المذهب، والمنصوص، وبه قطع الجمهور، وقيل: فيه القولان. المسألة الثالثة: إذا جنى عبد المكاتب، فجنايته إما على أجنبي وإما على سيد المكاتب، وإما سيد سيده، فإن كانت على أجنبي، فله القصاص، فإن عفا على مال، أو كانت الجناية موجبة للمال تعلق برقبته يباع فيه إلا أن يفديه المكاتب، وهل يفديه بالارش أم بالاقل ؟ قولان، وقيل بالاقل قطعا، فإن قلنا بالارش، وكان قدر قيمته، أو أقل، فله الاستقلال به، وإلا فلا يستقل وفي جوازه بإذن السيد قولان، كتبرعه. وفي الوقت الذي تعتبر قيمة العبد فيه أوجه، الاصح، وظاهر نصه في المختصر: يوم الجناية، لانه وقت تعلق الارش، والثاني: يوم الاندمال، والثالث: يوم الفداء، والرابع: أقل القيمتين من يومي الجناية والفداء، قال ابن كج: هذا هو المذهب، وهو نصه في الام قال: وعندي أن الحكم في جناية المكاتب بنفسه إذا اعتبرنا قيمته كذلك، هذا كله في عبد المكاتب الذي لم يتكاتب عليه، أما من يكاتب عليه كولده من أمته ووالده وولده إذا وهبا له حيث يجوز القبول، فليس له أن يفديه بغير إذن سيده وبإذنه قولان، كتبرعه، لان فداءه(8/545)
كشرائه، ولو جنى بعض عبيد المكاتب على بعض، أو جنى عبد غيره على عبده، فله أن يقتص، لانه من مصالح الملك، ولا يحتاج فيه إلى إذن السيد على المشهور، فلو كان القاتل والد المقتول، أو كان في عبيد المكاتب أبوه، فقتل عبدا له، لم يقتص، ولو كان فيهم ابنه، فقتل عبدا له، فله أن يقتص، وهل له أن يبيع ابنه وأباه إذا كانا في ملكه وجنيا على عبد آخر له جناية توجب المال ؟ فوجهان. أصحهما: المنع، وهو نصه في الام أما إذا جنى عبد المكاتب (على المكاتب) فله الاقتصاص بغير إذن السيد، فإن كانت الجناية خطأ، أو عفا على مال، لم يجب إذ لا يثبت لسيده على عبده مال وإن جنى على سيد سيده، فهو كما لو جنى على أجنبي، فيباع في الارش إلا أن يفديه المكاتب. الرابعة: الجناية على المكاتب إن كانت على طرفه، فله الاقتصاص، ولا يشترط إذن السيد على المشهور، ثم إن إقتص فذاك، وإن عفا على مال ثبت المال، لكن إن كان دون أرش الجناية فقدر المحاباة، حكمه حكم الجميع إذا عفا مجانا، وسنذكره إن شاء الله تعالى، وإن عفا مطلقا، فإن قلنا: موجب أحد الامرين، أو قلنا: يوجب القصاص، ولكن مطلق العفو يوجب المال، ثبت الارش، وإن قلنا: يوجب القصاص، ومطلق العفو لا يوجب المال، لم يجب شئ، وإن عفا مجانا سنذكره ان شاء الله تعالى وان عفا مطلقا، فان قلنا: موجب احد الامرين أو قلنا: يوجب القصاص، ولكن مطلق العفو يوجب المال، ثبت الارش، وان قلنا: يوجب القصاص ومطلق العفو لا يوجب المال، لم يجب شي، وان عفا مجانا سقط القصاص، ثم إن قلنا: موجب العمد القصاص، لم يجب شئ، وإن قلنا: مطلق العفو لا يوجب المال، وإن قلنا: يوجبه، فوجهان، أحدهما: يجب المال إن عفا بغير إذن السيد، وبإذنه قولان، كتبرعه، والثاني: لا يجب شئ وإن عفا بغير إذنه، لان الجناية على هذا القول لا توجب المال، وإنما تثبته إذا اختاره أو عفا مطلقا على قول، فإذا عفا مجانا، فقد ترك الاكتساب بالعفو، ولا يجبر على الكسب، وإن كانت الجناية موجبة للمال، لم يصح عفوه بغير إذن سيده وبإذنه قولان. وحيث ثبت المال بالجناية على طرفه فهو للمكاتب يستعين به على اداء النجوم. وهل يستحق أخذه في الحال أم يتوقف على الاندمال ؟ قولان، كالجناية على الحر. وقيل: يستحقه في الحال قطعا مبادرة إلى تحصيل العتق، فإن(8/546)
قلنا: تتوقف على الاندمال وقد قطعت يده، نظر إن سرت الجناية إلى النفس، انفسخت الكتابة، وعلى الجاني القيمة للسيد إن كان أجنبيا، وإن اندملت، فإن كان الجاني أجنبيا أخذ المكاتب نصف قيمته، وإن كان السيد استحق عليه نصف القيمة وهو يستحق النجوم، فإن حل نجم، واتحد الحقان جنسا وصفة، ففيه أقوال التقاص، فيأخذ من له الفضل الفضل، وإن اختلفا أخذ كل واحد حقه، وإن قلنا: له أخذ الارش في الحال، فإن كان مثل دية حر أو أقل، فله أخذ جميعه، وإلا فلا يأخذ أكثر من قدر الدية، لان الجناية قد تسري إلى نفسه بعد عتقه، فيعود الواجب إلى دية، وإذا أخذ ماله أخذه ثم اندملت الجراحة، فقد استقر الارش، ويأخذ الباقي إن لم يكن أخذ الجميع، وإن سرت إلى النفس، نظر إن سرت قبل أن يعتق انفسخت الكتابة، فإن كان الجاني أجنبيا، فللسيد مطالبته بتمام القيمة، وإن كان هو السيد، سقط عنه الضمان، وأخذ أكسابه، وإن كانت السراية بعد عتقه بأداء النجوم، فإن كان الجاني أجنبيا فعليه تمام الدية، لان الاعتبار في الضمان بحال الاستقرار، ويكون ذلك لورثته، فإن لم يكونوا فللسيد بالولاء، وإن كان الجاني السيد، فعليه تمام الدية أيضا بخلاف ما لو جرح عبده القن ثم أعتقه، فمات بالسراية، فإنه لا ضمان لان ابتداء الجناية غير مضمون هناك، وهنا مضمون، ولو حصل العتق بالتقاص، فهو كما لو حصل بالاداء، ولا يمنع من التقاص كون الدية إبلا، لان الواجب في الابتداء نصف القيمة، والتقاص حينئذ يحصل، ثم إن سرت الجناية بعد العتق وجب الفاضل من الابل. ولو عفا المكاتب عن المال، ولم نصحح عفوه، ثم عتق قبل أخذ المال، فهل له أخذه ؟ قولان، أظهرهما: نعم، لان عفوه وقع لاغيا، ولو جنى على طرف المكاتب عبده، فله القصاص، فإن كانت الجناية خطأ، أو عفا على مال، لم يثبت له على عبده مال، وإن كانت الجناية على نفس المكاتب، انفسخت الكتابة، ويموت رقيقا. ثم إن قتله السيد، فليس عليه إلا الكفارة، وإن قتله أجنبي، فللسيد القصاص، أو القيمة، وله أكسابه بحكم الملك لا بالارث. فرع جنى على طرف مكاتبه، وكان الارش مثل النجوم، وحكمنا بالتقاص وحصول العتق، ثم جنى عليه السيد جناية أخرى موجبة للقصاص، فهي جناية على حر، فيجب القصاص، نص عليه في الام فإن قال: لم أعلم أنه حصل التقاص(8/547)
والعتق، لم يقبل منه، كما لو قتل من كان عبدا فعتق، وقال: لم أعلم أنه عتق، قال الربيع: فيه قول أنه يؤخذ منه دية حر، ولا قصاص للشبهة، قال في الام: لو عتق المكاتب، فاختلف هو ومن جنى عليه، فقال المكاتب: كنت حرا عند الجناية، وقال الجاني: بل مكاتبا صدق الجاني بيمينه، وتقبل شهادة السيد للمكاتب.
فصل في مسائل منثورة قال لمكاتبه: إن عجزت عن النجوم بعد وفاتي، فأنت حر، صح التعليق، فإن قال المكاتب: قبل الحلول عجزت، لم يعتبر قوله، وإن قاله بعد الحلول، ووجدنا له ما يفي بالواجب، فلا عجز أيضا، وإن لم يوجد، صدق بيمينه، ويقبل إقرار المكاتب بديون المعاملة، وبالبيع وما يقدر على إنشائه، وفي كتاب ابن كج أنه لو قال: بعت هذه السلعة وهذا ثمنها، قبل إقراره، وإن قال: بعتها، وتلف الثمن في بدين، ففي القبول قولان، وإن أقر بدين جناية، فهل يقبل في حق السيد ؟ قولان أظهرهما عند البغوي: نعم، ويؤدي مما في يده كدين المعاملة، ولكن لو كان ما أقر به أكثر من قيمته، لم يلزم إلا قدر قيمته، فإن لم يكن في يده شئ، بيع في دين الجناية. والثاني وبه قطع جماعة: لا يقبل في حق السيد، لانه لم يسلط عليه بعقد الكتابة، فإن قبلنا إقراره، فعجز قبل أن يؤخذ منه، فهل يباع فيه أم لا يباع ويكون في ذمته إلى أن يعتق ؟ قولان. ولا يقبل إقرار السيد على المكاتب بالجناية، لكن لو عجز ألزم السيد بإقراره، ولو قال: كان جنى قبل الكتابة، لم يقبل على المكاتبة أيضا لخروجه عن يده بالكتابة. ولو مات سيد المكاتب، فقد سبق أن الكتابة تبقى، فإن لم يعتق بالاداء إلى الوارث، فلو كان له وارثان، لم يعتق إلا بأداء حقهما، فإن كان الوارث صغيرا أو مجنونا، لم يعتق إلا بالدفع إلى وليه، فإن كان له وصيان، لم يعتق إلا بالدفع إليهما إلا إذا أثبت لكل واحد منهما الاستقلال، فإن كان على الميت دين وأوصى بوصايا، فإن كان الوارث وصيا في قضاء الديون، وتنفيذ الوصايا، عتق بالدفع إليه، وإلا فيجمع بين الوصي والورثة ويدفع إليهم، فإن لم يوص إلى أحد، قام القاضي مقام الوصي، ولو دفع إلى الغريم، لم يعتق، وإن دفع إلى الوارث، فإن قضى الديون والوصايا، عتق، وإلا وجب الضمان على المكاتب، ولم يعتق، هكذا ذكره البغوي. وقال القاضي أبو الطيب: إن كان الدين مستغرقا للتركة، برئ المكاتب بالدفع إلى(8/548)
الغريم، وان كان قد أوصى بالنجوم لانسان، عتق بالدفع إليه، وإن أوصى بها للفقراء أو المساكين، دفعها إلى من أوصى إليه، فيفرقها، أو إلى الحاكم، وإن أوصى بقضاء الدين منها، تعين صرفها إليه، وهو كما لو أوصى بها لانسان. ولو مات السيد والمكاتب ممن يعتق على الوارث، عتق عليه، ولو نكح الابن مكاتبة أبيه، ثم مات الاب والابن وارث، انفسخ النكاح، لانه ملك زوجته، وكذا لو مات السيد وبنته تحت مكاتبه، فورثت زوجها، ولو اشترى المكاتب زوجته، أو اشترت المكاتبة زوجها، انفسخ النكاح، وبالله التوفيق.(8/549)
كتاب أمهات الاولاد
ولد الرجل من أمته ينعقد حرا، وتصير الامة بالولادة مستولدة تعتق بموته،(8/550)
ويقدم عتقها على الديون، واستيلاد المريض مرض الموت، كاستيلاد الصحيح في النفوذ من رأس المال، كإنفاق المال في اللذات والشهوات. ويثبت الاستيلاد أيضا بإلقاء مضغة فيها خلقة آدمي، إما لكل أحد وإما للقوابل وأهل الخبرة من النساء، فإن لم يظهر، وقلن: هذا أصل آدمي ولو بقي لتصور، لم يثبت الاستيلاد على المذهب، وقسبق بيانه في العدد.
فصل يحرم بيع المستولدة وهبتها ورهنها والوصية بها، وعن الشافعي رحمه الله أنه ميل القول في بيعها، فقال الجمهور: ليس للشافعي رحمه الله فيه اختلاف قول، وإنما ميل القول إشارة إلى مذهب من جوزه، ومنهم من قال: جوزه في القديم، فعلى هذا هل يعتق بموت السيد ؟ وجهان، أحدهما: لا وبه قال(8/551)
صاحب التقريب والشيخ أبو علي. والثاني: نعم، قاله الشيخ أبو محمد والصيدلاني كالمدبر، قال الامام: وعلى هذا يحتمل أن يقال: يعتق من رأس المال، ويحتمل من الثلث، وإذا قلنا بالمذهب: إنه لا يجوز بيعها، فقضى قاض بجوازه، فحكى الروياني عن الاصحاب أنه ينقض قضاؤه، وما كان فيه من خلاف بين القرن الاول، فقد انقطع، وصار مجمعا على منعه، ونقل الامام فيه وجهين.
فرع أولاد المستولدة إن كانوا من السيد فأحرار، وإن حدثوا من نكاح أو زنى، فلهم حكم الام، فليس للسيد بيعهم، ويعتقون بموته، وإن كانت الام قد ماتت في حياة السيد. ولو أعتق السيد الام، لم يعتق الولد، وكذا حكم العكس كما في التدبير بخلاف ما لو أعتى المكاتبة يعتق ولدها، ولو ولدت المستولدة من وطئ شبهة، فإن كان الواطئ يعتقد أنها زوجته الامة، فالولد رقيق للسيد كالام، وهو كما لو أتت به من نكاح أو زنى، وإن كان يعتقدها زوجته الحرة أو أمته، انعقد الولد حرا، وعليه قيمته للسيد. وأما الاولاد الحاصلون قبل الاستيلاد بنكاح أو زنى، فليس لهم حكم الام، بل للسيد بيعهم إذا ولدوا في ملكه، ولا يعتقون بموته، لانهم حدثوا قبل ثبوت حق الحرية للام. فرع المستولدة فيما سوى نقل الملك فيها كالقنة، فله إجارتها واستخدامها ووطؤها وأرش الجناية عليها وعلى أولادها التابعين لها، وقيمتهم إذا قتلوا، ومن غصبها، فتلفت في يده، ضمنها كالقنة، ولو شهد إثنان على إقرار السيد(8/552)
بالاستيلاد، وحكم بهما، ثم رجعا، قال أبو علي: لا يغرمان، لان الملك باق فيها، ولم يفوتا إلا سلطنة البيع، ولا قيمة لها بانفرادها. قال الامام: فإذا مات السيد، وفات الملك، فالذي نراه وجوب الغرم عليهما للورثة، كما لو شهدا بتعليق العتق، فوجدت الصفة، فحكمت بعتقه، فرجعا، غرما، وفي تزويجها أقوال، أظهرها للسيد الاستقلال به، لانه يملك بيعها ووطأها، كالمدبرة. والثاني قاله في القديم: لا يزوجها إلا برضاها، والثالث: لا يجوز وإن رضيت، وعلى هذا هل يزوجها القاضي ؟ وجهان، أحدهما: نعم بشرط رضاها، ورضى السيد، والثاني: لا ويجري الخلاف في تزويج بنت المستولدة، فإذا جوزناه، فلا حاجة إلى الاستبراء بخلاف المستولدة، لانها كانت فراشا له، وابن المستولدة لا يجبره السيد على النكاح، وليس له أن ينكح بغير إذن السيد، فإن أذن، فوجهان، حكاهما الروياني في الكافي تخريجا من الخلاف في المستولدة. قلت: الصحيح والصواب الجواز، والفرق ظاهر. والله أعلم.
فصل إذا زنى رجل بأمة فأتت بولد من زنى، ثم ملكها، لم تصر أم ولد له، ولو ملك ذلك الولد، لم يعتق عليه، ولو أولد أمة غيره بنكاح، ثم ملكها، لم تصر أم ولد له على المذهب، لانها علقت برقيق، والاستيلاد إنما يثبت تعبا لحرية الولد، ولو ملكها وهي حامل منه، فكذلك الحكم، ولكن يعتق الولد عليه، لانه ملك ولده، قال الصيدلاني: وصورة ملكها حاملا أن تضع لدون ستة أشهر من حين ملكها، وأن لا يطأها بعد الملك، وتلد لدون أربع سنين، فأما إذا وطئها بعد الملك، وولدت لستة أشهر من وقت الملك، فيحكم بحصول العلوق في ملك اليمين وثبوت الاستيلاد وحرية الولد، وإن أمكن كونه سابقا عليه، أما إذا استولد أمة الغير بشبهة، ثم ملكها، فينظر إن وطئها على ظن أنها زوجته المملوكة، فالولد(8/553)
رقيق، ولا يثبت الاستيلاد، وإن وطئها على ظن أنها زوجته الحرة أو أمته، فالولد حر، وفي ثبوت الاستيلاد قولان، وكذا لو نكح أمة غر بحريتها، فأولدها، فالولد حر، وفي ثبوت الاستيلاد إذا ملكها القولان، ويجريان فيما لو اشترى أمة شراء فاسدا، وأولدها على ظن الصحة، أحدهما وهو القديم: يثبت، لانها علقت منه بحر، وأظهرهما وهو الجديد: لا يثبت، لانها علقت في غير ملك اليمين، فعلى القديم يكون أولادها الحادثون بعد ملكه من نكاح أو زنى لهم حكمها، فيعتقون بموت السيد، والحاصلون قبل أن يملكها ليس لهم حكمها، وإن حصلوا بعد الاستيلاد، لانهم حصلوا قبل ثبوت الحق للام، ولو ملكها وهي حامل من نكاح أو زنى، ففي فتاوى القاضي حسين أنه لا يثبت لذلك الولد حكم الام بل يكون قنا للمشتري اعتبارا بحال العلوق.
فرع سبق في الكتابة إذا أولد الشريكان مكاتبتهما، والقنة في معناها، وذكرنا هناك المسألة مبسوطة.
فرع أولد مرتد أمته، صارت مستولدة إن أبقينا ملكه، وإن أزلناه لم يثبت الاستيلاد في الحال، فإن أسلم، فعلى القولين فيما إذا أولد أجنبية، ثم ملكها، وإن توقفنا في الملك، فكذا في الاستيلاد.
فرع إذا أسلمت مستولدة كافر، أو استولد أمته بعد إسلامها، فقد ذكرنا في البيع أنه لا سبيل إلى بيعها، وأنه لا يجبر على اعتاقها على الصحيح، ولكن يحال بينهما، وتجعل عند امرأة ثقة، وكسبها له، ونفقتها عليه، فإن أسلم، رفعت الحيلولة، وإن مات، عتقت. وهل للكافر تزويجها إذا جوزنا تزويج المستولدة ؟ وجهان حكاهما الصيدلاني، أصحهما: لا، وبه قطع القفال، لانقطاع الموالاة. والثاني: نعم، لانه تصرف بالملك. وعلى الاول. قيل: لا يزوجها القاضي أيضا. وقال أبو إسحق: يزوجها القاضي إذا أرادته والمهر للسيد، وكذا يزوجها الحاكم إذا أراد السيد تزويجها، وإن كرهت هي، فتصير النفقة على الزوج قال أبو إسحق: وهي(8/554)
أحق بحضانة الولد ما لم تتزوج، فإذا تزوجت صار الاب أحق بالولد، إلا أن يكون مميزا فيخاف أن يفتنه عن دينه فلا يترك عنده. قلت: الصحيح الذي عليه الجمهور: أنه لا حضانة لكافر على مسلم، كما سبق في الحضانة، ولا حضانة هنا للاب. والله أعلم. فرع في فتاوى القفال: أن العبد إذا أولد جارية ابنه الحر، لا حد عليه، ويثبت النسب، دون الاستيلاد، لانه ليس من أهل الملك، وأن المكاتب إذا أولد جارية ابنه الحر، فيحتمل أنه يبنى ثبوت الاستيلاد على الخلاف في أنه إذا أولد جارية، نفسه، هل يثبت ؟ وأن من وطئ جارية بيت المال، يحد، ولا نسب، ولا استيلاد، وسواء في هذا الغني والفقير، لانه لا يجب الاعفاف من بيت المال. وأنه لو أعتق مستولدته على مال، يجوز. ولو باعها نفسها، صح على الظاهر، لان بيع العبد نفسه، إعتاق على الحقيقة.
فرع إذا أولد جاريته المحرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة، لزمه الحد في قول، والتعزير على الاظهر. وعلى القولين يكون الولد حرا نسبيا، وتصير هي مستولدة، قال الاصحاب رحمهم الله: ولا يتصور اجتماع هذه الاحكام ووجوب الحد إلا في هذه الصورة على أحد القولين. واعلم أن أحكام المستولدة سبقت معرفة في أبوابها فتركنا إعادتها.(8/555)
قال الامام الرافعي رحمه الله: قد تيسر الفراغ من هذا الكتاب في ذي القعدة سنة ثلاث وعشرة وستمائة، ونختم الكتاب بما بدأناه وهو حمد الله ذي الجلال والاكرام، وولي الطول والانعام، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم. قلت: قد أحسن الامام الرافعي رضي الله عنه فيما حققه، ولخصه، وأتقنه، واستوعبه في هذا الكتاب، ويسر الاحتواء علمتفرقات المذهب، ونفائس خفاياه على المفتين والطلاب. واعلم أيها الراغب في الخيرات، والحريص على معرفة النفائس المحققات، وحل الغوامض والمشكلات، والتبحر في معرفة المذهب والوقوف على ما تعتمده من المصنفات، وتعمد إليه عند نزول الفتاوى الغامضات، وتثق به عند تعارض الآراء المضطربات، وتحث على تحصيله من أردت نصحه من أولى الرغبات، أنه لم يصنف في مذهب الشافعي رضي الله عنه، ما يحصل لك مجموع ما ذكرته، أكمل من كتاب الرافعي ذي التحقيقات، بل اعتقادي واعتقاد كل مصنف، أنه لم يوجد مثله في الكتب السابقات ولا المتأخرات، فيما ذكرته من هذه المقاصد المهمات، وقد يسر الله الكريم، وله الحمد في هذا المختصر مع ذلك، جملا متكاثرات من الزوائد المتممات، والنوادر المستجادات، وغير ذلك من المحاسن المطلوبات، وأسأل الله الكريم أن يكثر النفع به لي ولوالدي ومشايخي وسائر أحبابنا المسلمين والمسلمات، وحسبنا الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقد رأيت ختم الكتاب بما ختم به الامام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان فالميزان، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. والحمد لله باطنا وظاهرا، وأولا وآخرا، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، النبي الأمي، وعلى آل محمد، وأزواجه، وذريته، كما صليت على إبرهيم،(8/556)
وعلى آل إبرهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، وأزواجه وذريته، كما باركت على إبرهيم، وعلى آل إبرهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
فرغ من نسخه يوم الجمعة قبل الزوال خامس وعشرين جمادى الاول سنة احدى واربعين وسبعمائة بمدينة السلام بغداد حماها الله وصانها مع سائر بلاد المسلمين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[ تم ](8/557)