لِأَنَّ الْعَبْدَ يُحْجَرُ، وَالْكَافِرُ عَدُوٌّ، وَالْفَاسِقُ مُتَّهَمٌ بِالْخِيَانَةِ.
قُهُسْتَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَفْظُ بَدَّلَ يُفِيدُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ) وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ: أَخْرَجَهُمْ الْقَاضِي.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هَذَا يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الاخراج بِكَوْن بَعْدَ الصِّحَّةِ اه.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: إنَّ الْإِيصَاءَ بَاطِلٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ إنَّهُ سَيَبْطُلُ بِإِبْطَالِ الْقَاضِي فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَقِيلَ: سَيَبْطُلُ فِي غَيْرِ الْعَبْدِ لِعَدَمِ وريته فَيَكُونُ بَاطِلًا، وَقِيلَ: سَيَبْطُلُ فِي الْفَاسِقِ لِأَنَّ الْكَافِرَ كَالْعَبْدِ كَمَا فِي الْكَافِي.
قُهُسْتَانِيٌّ.
وَالْأَوَّلُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ زَادَ عَلَى الْمُتُونِ وَالْهِدَايَةِ ذِكْرَ الصَّبِيِّ، وَنَقَلَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُجْتَبَى: وَالْوَصِيَّةُ إلَى الصَّبِيِّ جَائِزَةٌ، وَلَكِنْ لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ كَالْوَكَالَةِ اه.
وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الِاخْتِيَارِ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: إذَا أَوْصَى إلَى عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَخْرَجَهُمَا الْقَاضِي، لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفِ، وَهَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَقِيلَ: لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْزَامُ الْعُهْدَةِ فِيهِ، فَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَكُونُ وَصِيًّا، وَقَالَا: يَكُونُ اه.
مُلَخَّصًا.
وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ) أَيْ الْأَصْلِيُّ ط.
قَوْلُهُ: (أَيْ عَنْ الْوَصَايَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْوِصَايَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ إنْ رَدَّ فِي الرِّقِّ) بِأَنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ.
قَوْلُهُ: (فَكَالْعَبْدِ) أَيْ فَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَ غَيْرِهِ صَحَّتْ وَاسْتَبْدَلَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبَهُ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمُصَنِّفِ الْخِلَافِيَّةِ ط.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّ لِلْكَبِيرِ بَيْعَهُ أَو بيع نصِيبه فعجز عَنْ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْنَعُهُ فَلَا يَحْصُلُ فَائِدَةُ الْوَصِيَّةِ.
اخْتِيَارٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا) لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوَلَايَةِ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ.
وَلَهُ أَنَّهُ أَوْصَى إِلَى من هُوَ أَهْلٌ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَلَايَةٌ، فَإِنَّ الصِّغَارَ وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَكِنْ لَمَّا أَقَامَهُ أَبُوهُمْ مَقَامَ نَفْسِهِ صَار مستبدا بِالتَّصَرُّفِ مثله بِلَا ولَايَة ح لَهُمْ اه.
دُرَرٌ.
لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ رَقَبَتَهُ ط.
فَإِنْ قِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَايَةُ الْبَيْعِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ فَيتَحَقَّق المنه.
وَأجِيب بِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْإِيصَاءُ لَمْ يَبْقَ لِلْقَاضِي وَلَايَةُ الْبَيْعِ.
عِنَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا) أَيْ وَحْدَهُ بِأَنْ احْتَاجَ إلَى مُعَيَّنٍ بِقَرِينَةِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ.
قَوْلُهُ: (حَقِيقَةً) بِأَنْ ثَبَتَ ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ، لَان الثَّابِت بهَا كالعاين لَا بِعِلْمِ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ.
رَحْمَتِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لَا بِمُجَرَّدِ إخْبَارِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَكَى الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ.
هِدَايَةٌ.
تَنْبِيهٌ: يُؤْخَذُ مِمَّا ذكره أنصه لَيْسَ لِلْوَصِيِّ إخْرَاجُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ.
وَالْحِيلَةُ فِيهِ شَيْئَانِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْعَلَهُ الْمَيِّتُ وَصِيًّا عَلَى أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مَتَى شَاءَ.
الثَّانِي أَنْ يَدعِي دينا(7/286)
عَلَى الْمَيِّتِ فَيَتَّهِمُهُ الْقَاضِي فَيُخْرِجُهُ اه.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ.
أَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ يَعْزِلُ نَفْسَهُ بِعِلْمِ الْقَاضِي.
تَأَمَّلْ.
وَقَوْلُهُ: فَيُخْرِجُهُ فِيهِ خِلَافٌ.
وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْخَصَّافِ أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ بَلْ يَجْعَلُ لِلْمَيِّتِ وَصِيًّا فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ خَاصَّةٍ، وَبِهِ أَخَذَ الْمَشَايِخُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
قَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُوصِي) فِي إبْقَائِهِ حَيْثُ اخْتَارَهُ وَصِيًّا وَلِحَقِّ الْوَرَثَةِ فِي ضَمِّ غَيْرِهِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (اسْتَبْدَلَ غَيْرَهُ) فِي الظَّهِيرِيَّةِ: عَجَزَ فَأَقَامَ غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ الْأَوَّلُ بَعْدَ أَيَّامٍ صِرْت قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ بِهَا، قَالُوا: هُوَ وَصِيٌّ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَا أَقَامَ الثَّانِيَ مَقَامَهُ لِيَكُونَ نَصْبُهُ عَزْلًا لَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ ضَمٌّ لَا عَزْلٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: أَقَامَ آخَرَ مَقَامَ الْعَاجِزِ يَنْعَزِلُ، قَالَ الْخَاصِّيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ إِلَّا بعد الْعَزْل، وللقاضي الْعَزْل بِالْعَجْزِ اه مُلَخَّصًا مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ.
أَقُولُ: يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ: جَعَلْتُك وَصِيًّا أَوْ ضَمَمْتُك إلَى الْأَوَّلِ لَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ أَقَمْتُك مَقَامَهُ انْعَزَلَ.
فَتَأَمَّلْ.
تَنْبِيهٌ: فِي الْأَدَبِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ جُنَّ الْوَصِيُّ مُطْبِقًا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى وِصَايَتِهِ اه.
قَوْلُهُ: (مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا) بِأَنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا.
قَوْلُهُ: (نَفَذَ عَزْلُهُ) قَالَ فِي الْقنية: واستبعده ظهير الدّين بِأَن مقدم على الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ، قَالَ أُسْتَاذُنَا: فَإِذَا كَانَ يَنْعَزِلُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي اه.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا عَزْلُ الْخَائِنِ فَوَاجِبٌ) بَلْ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ: إذَا كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا مُتْلِفًا مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ وَصِيًّا وَيَنْزِعُ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ) وَفِيهِ عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ: وَلَوْ كَافِيًا لَا عَدْلًا يَعْزِلُهُ، وَلَوْ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ يَضُمُّ إلَيْهِ كَافِيا اه.
زَاد فِي الزَّيْلَعِيّ: وَلَوْ عَزَلَهُ صَحَّ.
قَوْلُهُ: (وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ: لَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَفَادَ، لَكِنَّهُ أَوْهَمَ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ عِنْدِي إنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ.
قَوْلُهُ: (لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ) فَيَكُونُ عَزْلُهُ مِنْهُمْ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْيَتِيمِ فِي عَزْلِ الْأَهْلِ ط.
تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي وَصِيِّ الْمَيِّتِ، أَمَّا وَصِيُّ الْقَاضِي فَلَهُ عَزْلُهُ وَلَوْ عَدْلًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي
الْفُرُوعِ لَكِنْ يَأْتِي قَرِيبًا تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالَ شَيْخُنَا) يَعْنِي ابْنَ نُجَيْمٍ صَاحِبَ الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ بِالْوَظَائِفِ فِي الْأَوْقَافِ) مِنْ الْوَظَائِفِ التَّوْلِيَةُ عَلَى الْوَقْفِ.
قَالَ(7/287)
فِي فَتَاوَى خَيْرِ الدِّينِ عَنْ الْبَحْرِ: وَأَمَّا عزل القَاضِي النَّاظر فشرطه أَن يكو بِجُنْحَةٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ أَفَادَ حُرْمَةَ تَوْلِيَةِ غَيْرِهِ بِلَا خِيَانَةٍ وَعَدَمَ صِحَّتِهَا لَوْ فَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَاسْتُفِيدَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ عزل النَّاظر بِغَيْر جنحة عدمهَا لصَاحب وَظِيفَةٍ فِي وَقْفٍ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَزَّازِيِّ وَغَيْرِهِ اه ط.
وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ: فَكَيْفَ إلَخْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْأَوْلَى.
وَوَجْهُهُ أَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقٍّ مُحْتَرَمٍ وَهُوَ مَا عَيَّنَ لَهُ الْوَاقِفُ.
قَوْلُهُ: (وَبَطَلَ فِعْلُ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ) إلَّا إذَا أَجَازَهُ صَاحِبُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْمِنَحِ ط.
أَقُولُ: وَكَذَا الْوَصِيُّ مَعَ النَّاظِرِ عَلَيْهِ، وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة: لَوْ تَصَرَّفَ الْوَصِيُّ بِدُونِ عِلْمِ النَّاظِرِ فِي أَمْوَالِ الْيَتِيمِ فَهَلَكَتْ يَضْمَنُهَا.
قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ إلَخْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْعَافِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ النَّاظِرَيْنِ بِالْإِجَازَةِ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ جَازَتْ.
نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ ط.
وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَأْخُوذ من الْمِنَحِ.
قَوْلُهُ: (لِكُلٍّ مِنْهُمَا) الْأَوْلَى إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا عَبَّرَ فِي الْغُرَرِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: يَنْفَرِدُ) قَائِلُهُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُمَا، ثُمَّ قِيلَ: الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إلَيْهِمَا مُتَعَاقِبًا، فَلَوْ مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ، أَمَّا فِي الْعَقْدَيْنِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَبِهِ نَأْخُذُ.
وَقِيلَ: الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَبِهِ جزم منلاخسرو.
مِنَحٌ مُلَخَّصًا.
وَذَكَرَ مِثْلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّ الْأَوَّلَ صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ إلَخْ) أَقُولُ: يُوهِمُ أَنَّهُ صَحَّحَ الْقَوْلَ بِالِانْفِرَادِ مَعَ أَنَّك عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَأَنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحٌ لِلْقَوْلِ بِالِانْفِرَادِ وَلَا لعدم.
نَعَمْ مَا صَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ يَتَضَمَّنُ تَصْحِيحَ الِانْفِرَادِ لَوْ بِعَقْدَيْنِ لِأَنَّهُ ادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ، فَتَنَبَّهْ.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا فِي الْمَبْسُوط مُتَضَمّن أَيْضا التَّصْحِيح عَدَمَ الِانْفِرَادِ، فَإِنَّهُ لَمَّا صَحَّحَ أَنَّ
الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ أثبت أَو قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَدَمُ الِانْفِرَادِ فِيهِمَا، وَالْعَمَلُ فِي الْغَالِبِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَصَرِيحُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْوَصِيَّة عِنْد الْمَوْت فَثَبت لَهما مَعًا، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمُتَعَاقِبَةِ، فَإِذَنْ ثَبَتَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا.
زَيْلَعِيٌّ: أَيْ فِي صُورَتَيْ الْإِيصَاءِ لَهُمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ عدم انْفِرَاد أَحَدِهِمَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ بَلْدَتَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ نَظَرًا إلَى الْغَالِبِ، حَتَّى لَوْ وَلَّى السُّلْطَانُ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ وَجَعَلَ(7/288)
لَهُمَا نَصْبَ الْأَوْصِيَاءِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذكره من التَّعْلِيل.
أَفَادَهُ ط.
قَوْله: (وَتَمَامه الخ) الَّذِي ذكره فِي تنزير الْبَصَائِرِ مَعْزِيًّا لِلْمُلْتَقَطَاتِ هُوَ مَا تَقَدَّمَ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَفِي قَوْلِهِ: فَكَذَا نَائِبُهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْقَاضِي حَتَّى تَلْحَقَهُ الْعُهْدَةُ، بِخِلَافِ أَمِينِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَلَا تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ، وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَاضِي مَحْجُورًا عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَنْ التَّصَرُّفِ مَعَ وُجُودِ وَصِيِّهِ وَلَوْ مَنْصُوبَهُ بِخِلَافِهِ مَعَ أَمِينِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنْ لَا يَمْلِكَ الْقَاضِي شِرَاءَ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ وَصِيٍّ نَصَّبَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ أَمِينَهُ، وَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ كَمَا فِي غَالِبِ الْمَذْهَب اه.
قَوْله: (وَنصب القَاضِي لآخر لَا يُخْرِجُ الْأَوَّلَ) وَالْوَصِيُّ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ وَصِيِّ الْقَاضِي لِأَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ اخْتِيَارُ الْمَيِّتِ كَمَا إذَا كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا اه.
كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ عَنْ الْمُحِيطِ.
أَقُولُ: بَقِيَ أَنَّ تَصَرُّفَ الثَّانِي بِغَيْبَةِ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ نَافِذٌ؟ وَالظَّاهِرُ نَفَاذُهُ لَوْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً.
وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَلَا يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا مَعَ وُجُودِهِ: أَيْ وَصِيِّ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً أَوْ أَقَرَّ لِمُدَّعِي الْعين اه.
وَالْغَيْبَةُ الْمُنْقَطِعَةُ: أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالْوَصِيُّ غَائِبٌ يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَأَقَرَّ بِالدَّيْنِ يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ لِيَصِلَ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ، لِأَنَّ إقْرَارَ الْوَصِيِّ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُدَّعِي أَنْ يُخَاصِمَ الْوَصِيَّ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ اه.
قَوْلُهُ: (إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ بُطْلَانِ انْفِرَادِ أَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ لِلضَّرُورَةِ.
قَوْلُهُ: (وَتَجْهِيزِهِ) لَوْ
اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَكَفَاهُ عَمَّا قَبْلَهُ.
قَالَ فِي التَّبْيِينِ: لِأَنَّ فِي التَّأْخِيرِ فَسَادَ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا يَمْلِكُهُ الْجِيرَانُ أَيْضًا فِي الْحَضَر والرفقة فِي السّفر هـ ط.
قَوْلُهُ: (وَالْخُصُومَةِ) وَجْهُ الِانْفِرَادِ فِيهَا أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهَا عَادَةً، وَلَوْ اجْتَمَعَا لَمْ يَتَكَلَّمْ إلَّا أَحَدُهُمَا غَالِبًا.
دُرَرٌ.
قَوْلُهُ: (وَشِرَاءِ حَاجَة الطِّفْل) أَي مَا لابد لَهُ مِنْهُ كالطعام والمسوة.
إتقاني لَان فِي تَأْخِير لُحُوقَ ضَرَرٍ بِهِ.
مِنَحٌ.
قَوْلُهُ: (وَالِاتِّهَابِ لَهُ) أَيْ قَبُولِ الْهِبَةِ لِلطِّفْلِ لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ.
قُهُسْتَانِيٌّ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوَلَايَةِ وَلِهَذَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَمَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ.
هِدَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِعْتَاقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاج فِيهِ إِلَى الرَّأْي، وَبِخِلَاف إعْتَاقِ مَا لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ.
قُهُسْتَانِيّ.
وَقد أطلق قاضيخان الْعَبْدَ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
أَفَادَهُ ط.
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ مَجَّانًا، فَلَوْ بِمَالٍ احْتَاجَ إلَى الرَّأْيِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَرَدِّ وَدِيعَةٍ) قَيَّدَ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِقَبْضِ وَدِيعَةِ الْمَيِّتِ.
سَائِحَانِيٌّ عَن الْهِنْدِيَّة،
قَوْله: (وتنفيذ وضية) أَيْ بِعَيْنٍ أَوْ بِأَلْفٍ مُرْسَلَةٍ.
ابْنُ الشِّحْنَةِ.
فَلَو احْتَاجَ إِلَى بيع شئ لِيُؤَدِّيَ مِنْ ثَمَنِهِ الْوَصِيَّةَ فَلَا إلَّا بِإِذْنِ صَاحبه.
إتقاني.
وقهل: معنيتين نَعْتٌ لِوَدِيعَةٍ وَوَصِيَّةٍ.
قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَخْذَهُ بِلَا دَفْعِ الْوَصِيِّ اه.(7/289)
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَوْصَى بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِحِنْطَةٍ عَلَى الْفُقَرَاء بل أَنْ تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ فَفَعَلَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ: إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ فِي مِلْكِ الْمُوصِي جَازَ دَفْعُهُ، وَإِلَّا فَإِنْ اشْتَرَاهَا فَالْحِنْطَةُ لِلْمُشْتَرِي وَالصَّدَقَةُ عَنْ نَفْسِهِ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَعَلَى الْخِلَافِ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِكَذَا مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْفُقَرَاء فَلَيْسَ لَهُ الِانْفِرَاد، وَإِنْ عَيْنَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ اه.
وَبِهِ عُلِمَ تَقْيِيدُ مَا فِي الْمَتْنِ بِكَوْنِ الْفَقِيرِ الْمُوصَى لَهُ مُعِينًا.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (زَادَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ الْعَشَرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ، عَلَى أَنَّ مَجْمُوعَ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ سَبْعَةَ عَشَرَ، فَالزَّائِدُ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ سَبْعَةٌ ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا أَرْبَعَةً كَمَا سَتَعْرِفُهُ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ: حِفْظُ مَال الْيَتِيم، إِذا كُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي يَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ حِفْظُهُ وَرَدُّ ثَمَنِ الْمَبِيعِ بِبَيْعٍ مِنْ الْوَصِيِّ وَإِجَارَةُ نَفْسِ الْيَتِيمِ.
وَقَدْ أَسْقَطَ شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ التَّكْفِينَ وَأَدْخَلَهُ تَحْتَ التَّجْهِيزِ، وَذَكَرَ بَدَلَهُ صُورَةً أُخْرَى وَهِيَ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّصَدُّقِ عَنْهُ بِكَذَا مِنْ مَالِهِ لِفَقِيرٍ مُعَيَّنٍ.
أَقُولُ: وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُكَرَّرَةٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مُقَيَّدٌ بِالْفَقِيرِ الْمُعَيَّنِ.
تَأَمَّلْ.
قَالَ ط: وَزَادَ الْمَكِّيُّ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ لِأَحَدِهِمَا قَبْضَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَمَا هُوَ مُودَعٌ عِنْدَهُ فِي مَنْزِلِهِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْهَلَاكِ، وَأَنَّ لِأَحَدِهِمَا التَّصَدُّقَ بِحِنْطَةٍ فِي الْوَصِيَّةِ بِالتَّصَدُّقِ بِهَا قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ، وَأَنْ يُودِعَ مَا صَارَ فِي يَدِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِجَارَةُ مَالِ الْيَتِيمِ وَرَدُّ الْعَوَارِيّ وَالْأَمَانَاتِ اه.
وَبَعْضُ هَذِهِ يَدْخُلُ فِي الْمَآلِ فِيمَا قَبْلَهَا اه.
قَوْلُهُ: (وَمُشْتَرًى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَغْصُوبٍ: أَيْ رَدُّ مَا اشْتَرَاهُ الْمَيِّتُ شِرَاءَ فَاسِدًا لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الرَّدُّ بِالْمَوْتِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَيَنْفَرِدُ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ بِهِ.
قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْوَلَايَةِ الْمُسْتَفَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ بَلْ مُلْحَقٌ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَقِسْمَةُ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ) أَيْ مَعَ شَرِيكِ الْمُوصِي مَثَلًا ط.
قَوْلُهُ: (وَطَلَبُ دَيْنٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ بِقَبْضِ دَيْنِ الْمَيِّتِ.
سَائِحَانِيٌّ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ فِي مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
هِدَايَةٌ.
وَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِاقْتِضَاءُ لَا يُخَالِفُ مَا هُنَا لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْأَخْذُ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ.
وَأَمَّا الَّذِي بِمَعْنَى الطَّلَبِ فَهُوَ التَّقَاضِي كَمَا فِي الْمُغْرِبِ أَيْضًا، فَافْهَمْ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَن قَوْله: وَطلب الدّين مِمَّا زَادَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْجُودًا فِيهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي النُّقَايَةِ.
قَالَ شَارِحُهَا الْقُهُسْتَانِيُّ: وَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ بِالْخُصُومَةِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ اه.
قَوْلُهُ: (فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ وَغَيْرِهَا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقِيلَ: إنَّ مُحَمَّدًا مَعَ أَبِي يُوسُفَ.
قَوْلُهُ: (فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ وَحْدَهُ) هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى الْحَيِّ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى آخَرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا اه ح.
وَنَحْوُهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْهُمَا أوصى إِلَى الْحَيّ فللحي أَن يصرف وَحْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى شَخْصٍ آخَرَ، وَلَا يَحْتَاجُ الْقَاضِي إلَى نَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ لِأَنَّ رَأْيَ الْمَيِّتِ بَاقٍ حُكْمًا بِرَأْيِ مَنْ يَخْلُفُهُ.
وَعَنْ أَبِي حنيفَة: لَا ينْفَرد بِالتَّصَرُّفِ لَان الْوَصِيّ مَا رَضِيَ بِتَصَرُّفِهِ وَحْدَهُ،(7/290)
بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ بِرَأْيِ الْمُثَنَّى كَمَا رَضِيَهُ الْمُتَوَفَّى اه.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا يُوصِ ضَمَّ الْقَاضِي إلَيْهِ غَيره) أما عِنْدهمَا فَظَاهر، لَان الْبَاقِي مِنْهُم عَاجِزٌ عَنْ الِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ فَيَضُمُّ
الْقَاضِي إلَيْهِ وَصِيًّا نَظَرًا لِلْمَيِّتِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَيِّتِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: فَلِأَنَّ الْحَيَّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فَالْمُوصِي قَصَدَ أَنْ يخلفه وصبيان مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ، وَذَلِكَ مُمْكِنُ التَّحْقِيقِ بِنَصْبِ وَصِيٍّ آخَرَ مَكَانَ الْأَوَّلِ.
زَيْلَعِيٌّ وَهِدَايَةٌ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُخَالِفْ هُنَا.
وَجَزَمَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِالْخِلَافِ، وَهُمَا قَوْلَانِ كَمَا يذكرهُ الشَّارِح.
تَنْبِيهٌ: مِثْلُ الْمَوْتِ مَا لَوْ جُنَّ أَحَدُهُمَا أَوْ وَجَدَ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ أَمِينًا، فَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ رَدَّ النَّظَرِ إلَى الثَّانِي مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خلاف.
مِعْرَاج.
لمن فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ فَسَقَ أَحَدُهُمَا أَطْلَقَ الْقَاضِي لِلثَّانِي أَنْ يَتَصَرَّفَ وَحْدَهُ أَو ضم إِلَيْهِ اه.
تَأَمَّلْ.
وَفِيهَا: وَكَذَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا وَمَاتَ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ثُمَّ قَبِلَ الْآخَرُ فَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفَرِدُ الْقَابِلُ بِالتَّصَرُّفِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَنْفَرِدُ.
قَوْلُهُ: (أَقَامَ الْقَاضِي الْآخَرَ مَقَامَهُ) هَذَا خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ آنِفًا.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَوْصَى لَهُمَا إلَخْ) الْأَوْلَى إلَيْهِمَا ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَصْرِفَ، فَإِنْ عَيَّنَ لَا تَبْطُلُ.
قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: أَوْصَى إلَى رَجُلَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا: اصْرِفَا ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ شِئْتُمَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَرَجَعَ الثُّلُثُ إلَى الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِمَا وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَو قَالَ: جعلت ثلث مَالِي للْمَسَاكِين يُضعفهُ الْوَصِيَّانِ حَيْثُ شَاءَا مِنْ الْمَسَاكِينِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا يَجْعَل الْقَاضِي وَصِيًّا آخَرَ اه.
زَادَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي قَالَ لِهَذَا الثَّانِي: ضَعْ وَحْدَك.
قَوْلُهُ: (وَهَلْ فِيهِ إلَخْ) أَيْ فِيمَا إِذا مَاتَ أَحدهمَا وَلَو يُوصِ إلَى غَيْرِهِ.
قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَوْ مَاتَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَصِيَّيْنِ وَجَبَ أَنْ يُنَصِّبَ وَصِيًّا آخَرَ لِعَجْزِ الْحَيِّ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَهَذَا عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَ مَشَايِخِنَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ عَلَى الْوِفَاقِ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِمَا قَصَدَ الْمُوصِي مِنْ إشْرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ اه.
أَقُولُ: وَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْهِدَايَةِ صَرِيحٌ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَافَقَهُمَا، وَصَرَّحَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ بِالْخِلَافِ كَمَا عَلِمْت.
قَوْلُهُ: (كَمَا حَرَّرْته إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: لَكِنْ فِيهِ: أَيْ فِي الْقَوْلِ بِالْوِفَاقِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَشْرَفَ عَلَى وَصِيٍّ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُشْرِفَ يَنْفَرِدُ دُونَ الْوَصِيِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ.
قُلْت: وَفِي الْمُجْتَبَى: جعل للْوَصِيّ مشرفا لَهُ بِتَصَرُّف بِدُونِهِ، وَقِيلَ لِلْمُشْرِفِ أَنْ يَتَصَرَّفَ اه.
قَوْلُهُ: (وَيَأْتِي) أَيْ فِي الْفُرُوعِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي هُنَاكَ عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى.
تَنْبِيهٌ: الْمُشْرِفُ بِمَعْنَى النَّاظِرِ.
وَفِي الْهِنْدِيَّةِ: الْوَصِيُّ أَوْلَى بِإِمْسَاكِ الْمَالِ، وَلَا يَكُونُ الْمُشْرِفُ وَصِيًّا، وَأَثَرُ كَوْنِهِ مُشْرِفًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَصِيِّ إلَّا بِعِلْمِهِ اه.
وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخَاصِّيِّ.
حَامِدِيَّةٌ.
وَقِيلَ: يَكُونُ وَصِيًّا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِمَا لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ، وَصَدَّرَ بِهِ(7/291)
قاضيخان فَكَانَ مُعْتَمِدًا لَهُ عَلَى عَادَتِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي زَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ.
فَرْعٌ: أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِ فُلَانٍ فَهُوَ الْوَصِيُّ وَلَهُ الْعَمَلُ بِلَا رَأْيِهِ، وَلَوْ قَالَ: لَا تَعْمَلُ إلَّا بِرَأْيِهِ فَهُمَا وَصِيَّانِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مشورة وَالثَّانِي نهي.
والولولجية.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ.
تَتِمَّةٌ: لَوْ اخْتَلَفَ الْوَصِيَّانِ فِي حِفْظِ الْمَالِ: فَإِنْ احْتَمَلَ الْقِسْمَةَ يَكُونُ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ، وَإِلَّا يَتَهَايَآنِ زَمَانًا أَوْ يَسْتَوْدِعَانِهِ لِأَنَّ لَهُمَا وَلَايَةَ الْإِيدَاعِ.
بِيرِيّ عَنْ الْبَدَائِعِ.
قَوْلُهُ: (وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ) أَيْ وَإِنْ بَعُدَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: أَيْ بِأَنْ أَوْصَى هَذَا الثَّانِي إلَى آخَرَ وَهَكَذَا.
قَوْلُهُ: (سَوَاءً أَوْصَى إلَيْهِ فِي مَالِهِ أَوْ مَالِ مُوصِيهِ) يُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُلْتَقَى حَيْثُ قَالَ: وَوَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ فِي التَّرِكَتَيْنِ، وَكَذَا إنْ أَوْصَى إلَيْهِ فِي إحْدَاهُمَا خِلَافًا لَهُمَا هـ.
لَكِن قَالَ الرَّمْلِيّ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَقْسَامٍ أَرْبَعَةٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يبهم فَيَقُول: جعلت وَصِيّ مِنْ بَعْدِي أَوْ وَصِيًّا أَوْ نَحْوَهُ، أَوْ يُبَيِّنَ فَيَقُولَ: فِي تَرِكَتِي، أَوْ يَقُولَ: فِي تَرِكَةِ مُوصِيَّ، أَوْ يَقُولَ فِي التَّرِكَتَيْنِ، فَإِذَا أَبْهَمَ أَوْ بَيَّنَ فَقَالَ: فِي التَّرِكَتَيْنِ فَهُوَ وَصِيٌّ فِيهِمَا عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ، وَإِنْ قَالَ: فِي تَرِكَتِي فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ أَنَّهُ يَكُونُ وَصِيًّا فِيهِمَا لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ، وَعَنْهُمَا أَيْضًا رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى تَرِكَتِهِ، وَإِنْ قَالَ: فِي تَرِكَةِ الْأَوَّلِ فَهُوَ كَمَا قَالَ عِنْدَهُمْ كَمَا فِي التاترخانية عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ تَعْلِيلُ الِاخْتِيَارِ، إذْ لَيْسَتْ تَرِكَتُهُ تَرِكَةَ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: تَرِكَتِي لِأَنَّ تَرِكَةَ مُوصِيهِ تَرِكَتُهُ فَتَنَاوَلَهَا اللَّفْظُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ، فَإِنَّهُ مُفْرَدٌ اه.
وَيُمْكِنُ أَنْ يُخَصِّصَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ قِسْمَتُهُ إلَخْ) صُورَتُهُ: رَجُلٌ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَأَوْصَى لآخر يثلث مَالِهِ
وَلَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ غَيْبٌ فَقَاسَمَ الْوَصِيَّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ نَائِبًا عَنْ الورث وَأَعْطَاهُ الثُّلُثَ وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلْوَرَثَةِ فَالْقِسْمَةُ نَافِذَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَهُوَ مُقَاسَمَتُهُ مَعَ الْوَارِثِ نَائِبًا عَنْ الْمُوصَى لَهُ، لِأَنَّ الْوَرَثَةَ وَالْوَصِيَّ كِلَاهُمَا خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ خَصْمًا عَنْهُمْ وَقَائِمًا مَقَامَهُمْ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فَلَيْسَ بِخَلِيفَةٍ عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيِّ مُنَاسَبَةٌ حَتَّى يَكُونَ خَصْمًا عَنْهُ وَقَائِمًا مَقَامَهُ فِي نُفُوذِ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ فِي الْأُولَى تَجُوزُ فِي الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ لَوْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، وَإِلَّا فَفِي الْعُرُوضِ فَقَطْ، وَفِي الثَّانِيَةِ تَبْطُلُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ.
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ صِغَارًا فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُهُمَا، وَلَوْ كِبَارًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ عَلَيْهِمْ وَلَهُ بِيَعُ الْمَنْقُولِ، فَكَذَا الْقِسْمَة لانه نَوْعُ بَيْعٍ اه.
أَقُولُ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَإِلَّا فَلَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ إفْرَازُ حِصَّةِ الصِّغَارِ عَنْ غَيْرِهِمْ، أَمَّا لَوْ أَرَادَ إفْرَازَ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْ الصِّغَارِ عَنْ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ.
وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْوَصَايَا فِي الْفُرُوعِ.
قَوْلُهُ: (غُيَّبٍ) أَيْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا.
قُهُسْتَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (فَيَرْجِعُ(7/292)
الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ هَلَكَ فِي أَيْدِيهمْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ قَدْرَ ثُلُثِ مَا قَبَضُوا، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ وَالْوَرَثَةُ بِالْقَبْضِ فَيُضَمِّنُ أَيُّهُمَا شَاءَ.
زَيْلَعِيٌّ.
وَهَذَا إذَا كَانَت الْقِسْمَة بِغَيْر أَمر القَاضِي، أح مَا لَوْ قَسَمَ بِأَمْرِهِ جَازَ فَلَا يَرْجِعُ.
مِسْكِينٌ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ كَالشَّرِيكِ) أَيْ لِلْوَرَثَةِ فَيَتْوَى مَا تَوَى مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا يَبْقَى عَلَيْهَا.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مَعَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِضَاعَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَمِينٌ) أَيْ وَلَهُ وَلَايَةُ الْحِفْظِ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: وَصَحَّ قِسْمَةُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ نَاظِرٌ فِي حَقِّ الْعَاجِزِ وَإِفْرَازُ نَصِيبِ الْغَائِبِ وَقَبْضُهُ مِنْ النَّظَرِ فَنَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَصَحَّ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ) أَيْ مِنْ مَنْزِلِ الْآمِرِ أَوْ مِنْ حَيْثُ يبلغ، هَكَذَا إنْ هَلَكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، إلَّا أَنْ لَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِهِ مَا يُبَلِّغُ الْحَجَّ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لَهُمَا) فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِن كَانَ المفرز مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا لِلثُّلُثِ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ إلَى تَمَامِ ثُلُثِ الْجَمِيع، وَقَالَ مُحَمَّد: لَا يحجّ عَنهُ بشئ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَنَاسِكِ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالْمَالِيَّةِ) أَيْ لَا بِالصُّورَةِ، وَالْبَيْعُ لَا يبطل الْمَالِيَّة لفواتها إِلَى حلف وَهُوَ الثَّمَنُ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى بَيْعُهُ لِأَنَّ لِغُرَمَائِهِ حَقَّ الِاسْتِسْعَاءِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بَاعَ مَا أَوْصَى بِبَيْعِهِ) أَيْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ كَغَيْرِهِ لَكَانَ أظهر لقَوْله: در فَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ.
قَوْلُهُ: (أَيْ ضَيَاعِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهَلَاكِ مَا يَعُمُّ التَّصَدُّقَ لِمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: وَضَمِنَ وَصِيٌّ.
قَوْلُهُ: (قُلْنَا إنَّهُ مَغْرُورٌ) أَيْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمَّا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ وَالتَّصَدُّقِ بِثَمَنِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ مِلْكِي.
عِنَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَلَا رُجُوعَ) أَيْ لَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا عَلَى الْمَسَاكِينِ إنْ كَانَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَقَعْ إلَّا لِلْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ آخَرُ.
عِنَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُنْتَقَى إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَصْلٌ فِي غُنْمِ هَذَا التَّصَرُّف وَهُوَ الثَّوْب الْفَقِير تبع إِ(7/293)
هـ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مِثْلَهُ لَمْ يَجُزْ) هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَأَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اه: أَيْ حَيْثُ قيد بِالْجَوَازِ بِالْإِمْلَاءِ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ بِمُدَايَنَةِ الْمَيِّتِ، فَلَوْ بِمُدَايَنَةِ الْوَصِيِّ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ أَوْ شَرًّا لَهُ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ خَيْرًا لَهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، حَتَّى إذَا أَدْرَكَ لَيْسَ لَهُ نَقْضُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا لَهُ جَازَ.
وَيَضْمَنُ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ.
إتْقَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَصَحَّ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ) أَطْلَقَهُمَا فَشَمَلَ النَّقْدَ وَالنَّسِيئَةَ إلَى أَجَلٍ مُتَعَارَفٍ لَكِنْ من ملئ، فَلَو مُفلس فَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْوَصَايَا.
قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَإِذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِنَسِيئَةٍ، فَإِنْ كَانَ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْيَتِيمُ بِأَنْ كَانَ الْأَجَلُ فَاحِشًا لَا يَجُوزُ اه.
رَمْلِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الْوَصِيِّ، فَلَوْ بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ فَسَيَأْتِي، أَوْ بَاعَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ أَوْ وَارِثِ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: بيع الْمضَارب مِمَّا لَا تحوز شَهَادَته لَهُ بمحاباة قَلِيل لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا الْوَصِيُّ لَوْ بَاعَ مِنْ هَؤُلَاءِ، فَلَوْ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ جَازَ، وَلَوْ بَاعَ وَارِثٌ صَحِيحٌ مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمَرِيضِ أَوْ شَرَى مِنْهُ بِقِيمَتِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَوَصِيَّةٍ لَهُ وَوَصِيُّ الْمَيِّتِ لَوْ عَقَدَ مَعَ
الْوَارِثِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ فَعَلَى الْخِلَافِ اه.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: يَتِيمَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَصِيٌّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الشِّرَاءُ لِيَتِيمِهِ مِنْ الْوَصِيّ الآخر، لَان تَصَرُّفَاتِ الْأَوْصِيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِالْخَيْرِيَّةِ وَالنَّظَرِ لِلْيَتِيمِ، فَلَوْ وُجِدَتْ الْخَيْرِيَّةُ هُنَا مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تُوجَدُ من الآخر الْبَتَّةَ فَلَا يجوز تَصَرُّفُهُ اه.
أَقُولُ: هُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَلَمْ يَشْتَرِ لِنَفْسِهِ بَلْ لِيَتِيمِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْخَيْرِيَّةُ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِالْعَقَارِ وَكَانَ بَيْعُهُ لِغَيْرِ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ حِينَئِذٍ أَنْ يُبَاعَ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ كَمَا يَأْتِي، وَبِهِ يَظْهَرُ التَّعْلِيلُ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (لَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ) الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ وَلَايَتَهُ نَظَرِيَّةٌ) وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (كَانَ فَاسِدًا) هُوَ ثَانِي قَوْلَيْنِ، حَكَاهُمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَالْأَوَّلُ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يَمْلِكَهُ الْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ) وَهَلْ يَضْمَنُ الْوَصِيُّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ؟ الظَّاهِرُ (1) نَعَمْ ط.
تَنْبِيهٌ: الْمَرِيضُ الْمَدْيُون لَو بَاعَ بمحاباة لَا يجوز، بِخِلَافِ وَصِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا مِنْ عَجِيبِ الْمسَائِل حَيْثُ ملك الْمُحَابَاةَ لَا الْمَالِكُ.
أَفَادَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا إذَا تَبَايَعَ الْوَصِيُّ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِتَصْرِيحِ الْمُصَنِّفِ بِهِ ط.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ بَاعَ الْوَصِيُّ) أَيْ مَالَهُ مِنْ الْيَتِيمِ.
قَوْلُهُ: (من نَفسه)
__________
(1)
قَوْله: (الظَّاهِر نعم) قَالَ شَيخنَا قد ذكرُوا فِيمَا لَو أجر مُتَوَلِّي الْوَقْف بِأَقَلّ من أجر الْمثل أَنه يتمم أجر الْمثل على الْمُسْتَأْجر شئ على النَّاظر، فَمُقْتَضى هَذَا أَن يكون تَمام الْقيمَة على المشتزي وَلَا شئ على الْوَصِيّ بل هَذَا أولى لَان الاجارة بيع الْمَنَافِع وَهِي لَيست بِمَال حَقِيقَة وَإِنَّمَا جَوَّزنَا بيعهَا للضَّرُورَة فَلْيتَأَمَّل اه.(7/294)
مُتَعَلِّقٌ بِاشْتَرَى وَالضَّمِيرُ لِلْوَصِيِّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ) أَيْ الْقَاضِي، وَفِعْلُ الْوَكِيلِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ وَفِعْلُ الْمُوَكِّلِ قَضَاءٌ وَهُوَ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ ط.
قَوْلُهُ: (وَهِيَ قَدْرُ النِّصْفِ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا) الزِّيَادَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الشِّرَاءِ وَالنَّقْصُ إلَى الْبَيْعِ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: تَفْسِيرُ الْمَنْفَعَةِ الظَّاهِرَةِ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشْرَةٍ مِنْ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ
مَا يُسَاوِي عَشَرَةَ بَخَمْسَةَ عَشَرَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ اه.
قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَفِي الْمُنْتَقَى: وَبِهِ يُفْتَى.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَبِهَذَا فَسَّرَ الْخَيْرِيَّةَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، وَهِيَ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ الْبَعْضِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ وَيَبِيعَ بِنِصْفِهَا.
وَفِي الْحَافِظِيَّةِ: يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ مِنْ نَفْسِهِ وَشِرَاؤُهُ إنْ كَانَ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ، كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي تِسْعَةً بِعَشَرَةٍ وَشِرَاءَ عَشَرَةٍ بِتِسْعَةٍ.
قُلْت: وَأَمَّا فِي الْعَقَارِ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْخَيْرِيَّةَ فِي الشِّرَاءِ التَّضْعِيفُ وَفِي الْبَيْعِ التَّنْصِيفُ (1) ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ الْغَيْرِ إلَّا بِالضِّعْفِ كَمَا مَرَّ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ بِالْأَقَلِّ؟ وَأَرَى زِيَادَةَ الِاثْنَيْنِ فِي الْعَشَرَةِ وَنَقْصَهُ مِنْهَا فِيمَا عَدَا الْعَقَارِ كَافِيًا فِي الْخَيْرِيَّةِ لِأَنَّهُ الْغَبْنُ الْفَاحِشُ الَّذِي لَا يَتَحَمَّلُهُ النَّاسُ اه مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ مُلَخَّصًا.
وَله عُلِمَ أَنَّ صِحَّةَ شِرَائِهِ غَيْرُ خَاصَّةٍ فِي الْمَنْقُولِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (وَبَيْعُ الْأَبِ إلَخْ) مِثْلُهُ: مَا إذَا بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَثَلَاثُ صُوَرٍ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ بَيْعُ الْأَبِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَبَيْعُ الْوَصِيِّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ط.
قُلْت: وَهَذَا لَوْ الْأَبُ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا، فَلَوْ فَاسِدًا فَفِي بَيْعِهِ الْمَنْقُولَ رِوَايَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي وَالشِّرَاءُ كَالْبَيْعِ.
وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْأَبِ شِرَاءُ مَالِ طِفْلِهِ لِنَفْسِهِ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ لَا بِفَاحِشِهِ اه.
وَفِيهِ: لَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِوَلَدِهِ بِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّمَكُّن من قَبضه حَقِيقَة هلك على الْوَلَد، ول شَرَى مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا لِوَلَدِهِ يَأْخُذُ الثَّمَنَ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَبِ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ بِقَوْلِهِ: بِعْت مِنْ وَلَدِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ: قَبِلْت، وَكَذَا الشِّرَاءُ، وَلَوْ وَصِيًّا لَمْ يَجُزْ فِي الْوَجْهَيْنِ مَا لَمْ يَقُلْ: قَبِلْت، وَجَازَ لِلْأَبِ لَا لِوَكِيلِهِ وَلَا لِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَالِ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ.
وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ وَكِيلَيْنِ بِذَلِكَ جَازَ، وَفِي بَيْعِ الْقَاضِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَلَوْ وَكَّلَ الْأَبُ رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِهِ مِنْ طِفْلِهِ أَوْ الشِّرَاءِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا، وَلَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ وَعَكْسُهُ، إذْ الْجَوَازُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ وَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ مَا شَرَاهُ مِنْ وَصِيِّهِ أَوْ بَاعَهُ مِنْ الْيَتِيمِ وَقبل وَصِيّه فَإِنَّهُ يجوز لَو وَصِيّا من جِهَة هَذَا القَاضِي اه.
مخلصا.
قَوْله: (ضمن الزِّيَادَة) أَي إِذا إِلَّا أَوْصَى بِهَا وَكَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ ط.
قَوْله: (وَقع الشِّرَاء
__________
(1)
قَوْله: (وفى البيع التنصيف الخ) هَذَا غير مُسلم بِدَلِيل التَّعْلِيل تَأمل اه.(7/295)
لَهُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الزِّيَادَةِ وَهِيَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِتَكْفِينِ الْمَيِّتِ بِهِ رَحْمَتِيٌّ.
قَوْلُهُ: (قَبْلَ ظُهُورِ رُشْدِهِ) الرُّشْدُ هُوَ كَوْنُهُ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ.
وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ ظُهُورَهُ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ رُشْدُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ فَدُفِعَ إلَيْهِ لَا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) هَذَا قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ إذَا دَفَعَهُ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ وَلَايَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِ ط.
قَوْلُهُ: (وَجَازَ بَيْعُهُ إلَخْ) بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَلَا وَصِيَّةٌ فَإِنْ الْوَرَثَةُ كِبَارًا حُضُورًا لَا يَبِيعُ شَيْئًا، وَلَوْ غُيَّبًا لَهُ بَيْعُ الْعُرُوضِ فَقَطْ، وَإِنْ كُلُّهُمْ صِغَارًا يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ، وَإِنْ الْبَعْضُ صِغَارًا وَالْبَعْضُ كِبَارًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا، يَبِيعُ نَصِيبَ الصِّغَارِ وَلَوْ مِنْ الْعَقَارِ دُونَ الْكِبَارِ، إلَّا إذَا كَانُوا غَيْبًا فَيَبِيعُ الْعُرُوضَ، وَقَوْلُهُمَا الْقِيَاسُ وَبِهِ نَأْخُذُ.
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ وَلَا دَرَاهِمَ فِي التَّرِكَةِ وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ حُضُورٌ، فَعِنْدَهُ: يَبِيعُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَعِنْدَهُمَا: لَا يَجُوزُ إلَّا بَيْعُ حِصَّةِ الدَّيْنِ اه مُلَخَّصًا.
مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ نُكَتِ الْوَصَايَا لِأَبِي اللَّيْثِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا الدَّيْنَ) أَيْ فَلَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ، لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْكَبِيرِ غَائِبًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ.
وَفِي الْعِنَايَةِ: قَيَّدَ بِالْغَيْبَةِ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا حُضُورًا لَيْسَ لِلْوَصِيِّ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ أَصْلًا، إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ وَلَمْ تَقْضِ الْوَرَثَةُ الدُّيُونَ وَلَمْ يُنْفِذُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِهِمْ فَإِنَّهُ يَبِيعُ التَّرِكَةَ كُلَّهَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُحِيطًا، وَبِمِقْدَارِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُحِطْ، وَلَهُ بَيْعُ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَيُنْفِذُ الْوَصِيَّةَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ، وَلَوْ بَاعَ لِتَنْفِيذِهَا شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ جَازَ بِمِقْدَارِهَا بِالْإِجْمَاعِ.
وَفِي الزِّيَادَاتِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الدَّيْنِ اه.
قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى.
كَذَا فِي الْحَافِظِيَّةِ وَالْغُنْيَةِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ اه.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: لَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ جَزْءٍ شَائِعٍ مِنْ دَارِ الْيَتِيمِ لِلنَّفَقَةِ إذَا وَجَدَ مَنْ يَشْتَرِي جُزْءا معينا لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ لِلْبَاقِي اه.
قَوْلُهُ: (الْأَصَحُّ لَا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: أَوْ خَوْفَ هَلَاكِهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ) أَيْ الْهَلَاكَ نَادِرٌ.
قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَمْلِكُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الدَّار لَا تهْلك غَالِبا فيبنى الحكم لَا
عَلَى النَّادِرِ اه.
قَوْلُهُ: (وَجَازَ بَيْعُهُ عَقَارَ صَغِيرٍ إلَخْ) أَطْلَقَ السَّلَفُ جَوَازَ بَيْعِهِ الْعَقَارَ، وَقَيَّدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَبِهِ يُفْتَى: أَيْ بِقَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ سَبْقُ قَلَمٍ، فَتَنَبَّهْ.
قَوْلُهُ: (لَا مِنْ نَفْسِهِ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: وَقَوْلُهُمْ: أَجْنَبِيٌّ يُؤْذِنُ أَنَّ بَيْعَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْعَقَارَ مِنْ أَنْفَسِ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا بَاعَ مِنْ نَفْسِهِ فَالتُّهْمَةُ ظَاهِرَةٌ اه.
وَفِيهِ: أَنَّهُ إذَا كَانَ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ التُّهْمَةُ فَلَعَلَّ الْقَيْد اتفاقي، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ: لَوْ اشْتَرَى الْوَصِيُّ عَقَارَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ جَازَ لَوْ خَيْرًا بِأَنْ يَأْخُذَهُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ اه.
أَفَادَهُ السَّائِحَانِيُّ.
وَقدمنَا منله عَنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَقَوْلُهُ عِنْدَ الْبَعْضِ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ إلَخْ لَا لِلْجَوَازِ(7/296)
كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ لِنَفَقَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يسير ط.
أَقُول: وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعد فِيمَا يَظْهَرُ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ مُقَابِلًا لِلْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ دَيْنِ الْمَيِّتِ) أَيْ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ لَا وَفَاءَ لَهُ إلَّا بِبَيْعِهِ.
خَانِيَّةٌ.
لَكِنْ يَبِيعُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَقَطْ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (مُرْسَلَةٍ) تقدم نفسيرها بِاَلَّتِي لَمْ تُقَيَّدْ بِكَسْرٍ كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ مَثَلًا، وَذَلِكَ كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِائَةٍ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (أَوْ خَوْفِ خَرَابِهِ) تَقَدَّمَ فِي عَقَارِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ لِذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجْرِي التَّصْحِيحُ هُنَا لَان المنظور إِلَيْهِ هُنَا مَنْفَعَةُ الصَّغِيرِ، وَلِذَا جَازَ هُنَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ مَا لَا يَجُوزُ فِي عَقَارِ الْكَبِيرِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَوْنِهِ فِي يَدِ مُتَغَلِّبٍ) كَأَنْ اسْتَرَدَّهُ مِنْهُ الْوَصِيُّ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَخَافَ أَنْ يَأْخُذَهُ الْمُتَغَلِّبُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَسُّكًا بِمَا كَانَ لَهُ مِنْ الْيَدِ فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ حَاجَةٌ إلَى ثَمَنِهِ كَمَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (لَا مِنْ قِبَلِ أُمٍّ أَوْ أَخٍ) أَيْ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ الْأَقَارِبِ غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي، وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ تَمَامُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ فِي هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ، وَإِذَا احْتَاجَ الْحَالُ إلَى بَيْعِهِ يَرْفَعُ الامر إِلَى القَاضِي ط.
قَوْله: (وَيجوز) فَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ نَقْضُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ إذْ لِلْأَبِ شَفَقَة كَامِلَة، وَلم يُعَارض هَذَا الْمَعْنى آخَرَ فَكَانَ هَذَا الْبَيْعُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ فَاسِدًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ الْعَقَارَ فَلَهُ نَقْضُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ، إلَّا إذَا بَاعَهُ بِضَعْفِ الْقِيمَةِ إذْ
عَارَضَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَعْنًى آخَرَ، وَيَجُوزُ بَيْعُ مَنْقُولِهِ فِي رِوَايَةٍ وَيُوضَعُ ثَمَنُهُ فِي يَدِ عَدْلٍ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا إلَّا بِضِعْفِ قِيمَتِهِ.
وَبِهِ يُفْتَى جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ بَيْعُ الْأَبِ عَقَارَ وَلَدِهِ إلَى الْمُسَوِّغَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوَصِيِّ.
وَنَقَلَ الْحَمَوِيُّ فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْوَصَايَا أَنَّ الْأَبَ كَالْوَصِيِّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ إلَّا فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْحَانُوتِيُّ اه.
ثُمَّ رَأَيْت فِي مَجْمُوعَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيُّ التُّرْكُمَانِيُّ: قَدْ نَقَلَ عِبَارَةَ الْحَمَوِيِّ الْمَذْكُورَةَ.
ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ مَا فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَسْتَنِدْ الْحَانُوتِيُّ فِي ذَلِكَ إلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ، وَلَكِنْ إذَا صَارَتْ الْمُسَوِّغَاتُ فِي بَيْعِ الْأَبِ أَيْضًا كَمَا فِي الْوَصِيِّ صَارَ حَسَنًا مُفِيدًا أَيْضًا، لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالِاتِّفَاقِ أَوْفَقُ، هَكَذَا أفادنيه شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ مُرَادُ السَّقَامِينِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اه.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ فَعَلَ تَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ) أَيْ عِنْدَهُمَا، وَيَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُف: يسلم لَهُ الرِّبْح وَلَا يتَصَدَّق بشئ.
خَانِيَّةٌ.
وَفِيهَا: وَلَا يَمْلِكُ إقْرَاضَ مَالِ الْيَتِيمِ، فَإِنْ أَقْرَضَ ضَمِنَ وَالْقَاضِي يَمْلِكُهُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَبَ كَالْوَصِيِّ لَا كَالْقَاضِي، وَلَوْ أَخَذَهُ الْوَصِيُّ قَرْضًا لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَمَّا أَنَا أَرْجُو أَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقَضَاءِ لَا بَأْس بِهِ هـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الْقَاضِي إنَّمَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِيهِ يَكُونُ غَلَّةً لِلْيَتِيمِ لَا لَوْ وَجَدَهُ أَوْ وَجَدَ مَنْ يُضَارِبُ.
وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ: الْقَاضِي يَأْمُرُ الْوَصِيَّ بِالِاتِّجَارِ وَالشَّرِكَةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ دُونَ الْمُعَامَلَةِ لِأَجْلِ الرِّبْحِ اه.
وَأَفَادَ الرَّمْلِيُّ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ جَهَلَةِ الْقُضَاةِ أَنَّهُمْ يَقْضُونَ بِالرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ مُعَامَلَةٍ فِي مَالِهِ إذَا عُومِلَ فِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَيَسْتَنِدُونَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ لَا يُعْبَأُ بِكَلَامِهِ فِي الْمَذْهَبِ، فَهُوَ(7/297)
قَضَاءٌ بِالرِّبَا الْمُحَرَّمِ فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ بِمُجَرَّدِ خَيَالَاتٍ فَاسِدَةٍ وَهِيَ النَّظَرُ إلَى الْيَتِيمِ، وَهَلْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى نَظَرٌ؟ مَا هَذَا إِلَّا ضلال بعيد.
وَجَازَ إلَخْ أَفَادَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْوَصِيُّ عَلَى التِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ بِمَالِ الْيَتِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى.
وَقَالَ الْبِيرِيُّ: الْوَصِيُّ إذَا امْتَنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا يجْبر كَمَا لَا يُجْبَرُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْحَاوِي الْحَصِيرِيِّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ عَلَى النَّاس دُيُونٌ فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَأْخُذُوا الْوَصِيّ باستخراج ذَلِك وقضائه اه.
تَتِمَّة: أَجَّرَهُ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْوَصِيُّ صَحَّ، إذْ لَهُمْ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا عِوَضٍ لِلتَّهْذِيبِ وَالرِّيَاضَةِ فَبِالْعِوَضِ أَوْلَى، وَالْوَصِيُّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ صَحَّ لَا لَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلْيَتِيمِ، وَلَوْ أَجَّرَ الاب نَفسه لَهُ صَحَّ وَله الْقَضَاء دينه من مَال ولد بِخِلَاف الْوَصِيّ وَلَهُمَا بيع مَا لَهُ بِدَيْنِ نَفْسِهِمَا كَرَهْنِهِ بِهِ وَلَا بَأْسَ لِلْأَبِ أَن يَأْكُل من مَاله بِقدر حَاجته لَو مُحْتَاجًا وَلَا يَضْمَنُ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهَا، وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً وَلَا إقْرَاضُ مَالِهِ، وَلَوْ أَقْرَضَ لَا يُعَدُّ خِيَانَةً فَلَا يُعْزَلُ بِهَا، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ بِكُل مَا يجوز لَهُ أَن يُعلمهُ بِنَفْسِهِ، وَتَمَامُ الْفُرُوعِ فِي 27 مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
قَوْله: (بِأَقَلّ من ثمت الْمِثْلِ) لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَإِلَّا فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ صِحَّةَ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ ط.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّة بِبيع عَبده من فلَان) وَتَمام عِبَارَةِ الْأَشْبَاهِ: فَلَمْ يَرْضَ الْمُوصَى لَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَهُ الْحَطُّ اه: أَيْ إلَى قَدْرِ ثُلُثِ الْمَالِ.
قَالَ الْبِيرِيُّ: وَفِي تَلْخِيصِ الْكُبْرَى: أوصى بِأَن تَابع أَمَتُهُ مِمَّنْ أَحَبَّتْ جَازَ وَتُجْبَرُ وَرَثَتُهُ عَلَى بَيْعِهَا مِمَّنْ أَحَبَّتْ، وَلَوْ أَبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَخْذَهَا بِقِيمَتِهَا حَطَّ مِنْ قِيمَتِهَا قَدْرَ ثُلُثِ مَالِ الْمُوصِي.
زَادَ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ يَكُونُ كَالْوَصِيَّةِ اه.
قَالَ السُّعُودِ: وَانْظُرْ إذَا كَانَ جَمِيعُ قِيمَتِهَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ هَلْ تُعْطَى لَهُ بِدُونِ ثمن؟ وَقَول الْحَاوِي وَيكون كَالْوَصِيَّةِ يَقْتَضِيهِ اه.
أَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ، فَإِنَّهُ أَوْصَى بِبَيْعِهَا لَا بِدَفْعِهَا مَجَّانًا، وَالْبَيْعُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ثَمَنٍ وَإِنْ قَلَّ، فَهُوَ وَصِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ الْمُحَابَاةُ إلَى الثُّلُثِ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
وَقَوْلُ الْحَاوِي كَالْوَصِيَّةِ يَقْتَضِيهِ حَيْثُ أَتَى بِكَافِ التَّشْبِيهِ، فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: (لِلْمُتَوَلِّي أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَقْفُ طَاحُونَةً يَسْتَغِلُّهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهَذَا فِي نَاظِرٍ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ ط.
أَقُولُ: وَفِي تَعْبِيرِهِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إِشَارَة أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، حَتَّى لَوْ جَعَلَ لَهُ الْعُشْرَ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ يَرُدُّ الزَّائِدَ كَمَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ البيري فِي كتاب الْقَضَاء من شَرحه عَلَى الْأَشْبَاهِ، فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا فَلَهُ أَخْذُهُ وَإِنْ زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ) تَعَقَّبَهُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ بِمَا مَرَّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَوْ مُحْتَاجًا،
إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أُجْرَةٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهَا.
قَالَ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ: لَهُ ذَلِكَ لَوْ مُحْتَاجًا اسْتِحْسَانًا.
وَقَدْ تقرر أَن الْمَأْخُوذ بِهِ الاستسحان إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا.
وَنَقْلُ الْقنية لَا يُعَارض نقل قاضيخان فَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ اه مُلَخَّصًا.
وَقَالَ فيف حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَوَاخِرَ كِتَابِ الْأَمَانَاتِ بَعْدَ(7/298)
كَلَامٍ طَوِيلٍ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَصِيَّةِ إلَّا بِأَجْرٍ لَا يجْبر على الْعم لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ، وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ، فَإِذَا رأى القَاضِي أَن يعْمل لَهُ أجر الْمِثْلِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ؟ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ مِرَارًا اه.
وَبِهِ أَفْتَى فِي الحامدية أَيْضا.
أَقُول: وَعبارَة الْخَانِية عَن نُصَيْرٍ: لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَرْكَبَ دَوَابَّهُ إذَا ذَهَبَ فِي حَوَائِجَ الْيَتِيمِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَا سَعَى اه.
أَقُولُ: تَقْيِيدُهُ بالاحتياج مُوَافقا لقَوْله تَعَالَى: * (وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) * (النِّسَاء: 6) لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْأُجْرَةِ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى الْأَكْلِ فِي الْفُرُوعِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ الْمَيِّتُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَاسْتَأْجَرَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لِإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ، قَالُوا: لَا يَكُونُ إجَارَةً لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ وَصِيًّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِهِ، بَلْ يَكُونُ صِلَةً فَيُعْطَى لَهُ مِنْ الثُّلُثِ.
قَالَ: لَك أَجْرُ مِائَةٍ عَلَى أَنْ تكون وصيي.
اخْتَلَفُوا فِيهِ: قَالَ نُصَيْرٌ: الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ وَلَا شئ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: الشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْمِائَةُ وثية لَهُ وَيَكُونُ وَصِيًّا، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو اللَّيْثِ اه.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ ثُبُوتُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْمُتَوَلِّي إذَا عَيَّنَ إلَخْ، فَلَوْ كَانَ أَكثر فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا أجر مثله عمله، لَو أجر الْمثل أكثير لَيْسَ لَهُ إِلَّا عين لَهُ لرضاه بِهِ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ ط.
قَوْلُهُ: (وَسَعَى فِيهِ سَنَةً) أَي مثلا ط.
قَوْله: (فَلَا شئ لَهُ) لِسَعْيِهِ مُتَبَرِّعًا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: إِنَّه يسْتَحق وَإِن لم يشرط لَهُ الْقَاضِي.
قَوْلُهُ: (فَافْهَمْ) تَنْبِيهٌ عَلَى مَا بَيْنَ كَلَامَيْهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ أَوْ عَلَى اخْتِيَارِ الثَّانِي لِتَأَخُّرِهِ، وَبِهِ أَفْتَى فِي الْخَيْرِيَّةِ نَاقِلًا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْقَيِّمَ يَسْتَحِقُّ أَجْرَ سَعْيِهِ سَوَاء شَرط لح هـ أَوْ
لَا، لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْقِوَامَةَ ظَاهِرًا إِلَّا بِأَجْر، والمعهود كالمشروط إِ هـ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ مَرَّ فِي الْوَقْفِ) الَّذِي فِي موضِعين مِنْهُ أَن لَهُ أجر مثله عَمَلِهِ، وَكَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ إطْلَاقِهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (جَازَ) فَلَوْ أَرَادَ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ قَبْلَ فَرْضِ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِشُرُوعِهِ مُتَبَرِّعًا كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ بِمَا يُتَغَابَنُ فِيهِ دُونَ الْعَقَارِ إلَّا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَبِيعُ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ إلَّا لدين.
قَوْلُهُ: (وَفَاءً) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ: أَيْ بِيعَ وَفَاءً وَهُوَ الْمُسَمَّى بَيْعًا جَائِزًا وَبِيعَ طَاعَةً، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْكَفَالَةِ.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْوَصِيِّ بَيْعُ الْعَقَارِ بَيْعًا بِالْوَفَاءِ، وَقِيلَ: لَا، اه.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ فِيهِ اسْتِبْقَاءَ مِلْكِهِ) بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ منزلَة الرَّهْن.
قَوْله: (وَتَمَامه فِيمَا علقته فِي الْمُلْتَقى) حَيْثُ قَالَ: إِنَّمَا لَمْ يَحْصُرْ التَّصَرُّفَ فِي الْوَصِيِّ إشَارَةً إلَى جَوَازِ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ، كَمَا إذَا خَافَ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَالِهِ: أَيْ مَالِ(7/299)
الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السِّكَّةِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ ضَرُورَةً اسْتِحْسَانًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ مِنَحٌ.
فَلَا يَجُوزُ لَلْمُقَرِّ لَهُ أَخْذُهُ حَتَّى يُقِيمَ برهانا وَيحلف يَمِينا وَيضمن الْوَصِيّ لَهُ دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ط.
فَلَوْلَا بَيِّنَةٌ لَهُ وَالْوَصِيُّ يَعْلَمُ بِالدَّيْنِ (1) فَالْحِيلَةُ مَا فِي الْخَانِية وَالْخُلَاصَة عَن نصير: إِنَّه إِذا كَانَ فِي التَّرِكَةِ صَامِتٌ يُودِعُهُ قَدْرَ الدَّيْنِ، وَإِلَّا يَبِيعُهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَدْرِهِ ثُمَّ يَجْحَدُ الْغَرِيمُ ذَلِكَ فَيَصِيرُ قِصَاصًا.
قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخَاصِّيِّ: وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا: شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلٌ أَنَّ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
حُكِيَ عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: وَسِعَ الْوَصِيَّ أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الضَّمَانَ، قِيلَ لَهُ فَإِنْ كَانَ جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَيِّتَ غَصَبَهَا مِنْهُ قَالَ: يَدْفَعُهَا إلَيْهِ (2) وَإِلَّا صَارَ غَاصِبًا ضَامِنًا.
قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ فِي حِصَّتِهِ) أَي يَصح إِقْرَاره فِيهَا فَيُؤْخَذ حميع مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ حِصَّتِهِ، فَافْهَمْ.
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ حَيْثُ يَلْزَمُهُ فِي ثُلُثِ حِصَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ، وَقِيلَ: الدَّيْنُ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ قَدْرُ مَا يَخُصُّ
حِصَّتَهُ مِنْهُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الاقرار قبيل بَاب الِاسْتِثْنَاء.
فرع: تَرِكَة دَيْنٌ لَمْ يَسْتَغْرِقْ قُسِمَتْ فَجَاءَ الْغَرِيمُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ، وَهَذَا إذَا أَخَذَهُمْ جُمْلَةً عِنْدَ الْقَاضِي، أَمَّا لَوْ ظَفِرَ بِأَحَدِهِمْ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ.
جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ) أَيْ فِي يَدِهِ كَمَا فِي أَدَبِ الاوصياء، وَهَذَا إِذا لم تكن فِي التَّرِكَةِ، وَإِلَّا لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَا بشئ من تركته.
قَوْله: لَا تسمع لِتَنَاقُضِهِ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْضِي عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ يَمْضِي عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ مَلَكَهَا يَوْمًا أُمِرَ بِدَفْعِهَا إلَى الْمُقَرِّ لَهُ ط.
قَوْلُهُ: (وَوَصِيُّ أَبِي الطِّفْلِ أَحَقُّ إلَخْ) الْوَلَايَةُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْأَبِ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ وَلَوْ بَعُدَ، فَلَوْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يُوصِ فَالْوَلَايَةُ لِأَبِي الْأَبِ ثُمَّ وَصِيِّهِ ثُمَّ وَصِيِّ وَصِيِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْقَاضِي وَمَنْصُوبِهِ.
وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ وَالْأَوْلَادُ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ وَتَرَكَ ابْنًا صَغِيرًا فَوَصِيُّ الْجَدِّ وَصِيٌّ لَهُمْ يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَيْهِ كَمَا صَحَّ عَلَى أَبِيهِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، فَلْيُحْفَظْ.
وَأَمَّا وَصِيُّ الْأَخِ وَالْأُمِّ وَالْعَمِّ وَسَائِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَفِي شَرْحِ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّ لَهُمْ بيع تَرِكَة الْمَيِّت لدينِهِ أَو وَصيته وَإِن لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، لَا بَيْعَ عَقَارِ الصِّغَارِ إذْ لَيْسَ لَهُمْ إلَّا حِفْظُ الْمَالِ، وَلَا الشِّرَاءُ لِلتِّجَارَةِ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيمَا يملكهُ الصَّغِير، وَمن جِهَةِ مُوصِيهمْ (3) مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَجَانِبُ.
نَعَمْ لَهُمْ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَبَيْعِ مَنْقُولِ وَرَثَةِ الْيَتِيمِ مِنْ جِهَة
__________
(1) قوه: (فَالْحِيلَةُ إِلَخ) أَن الْمُودع وَالْمُشْتَرِي يحلفان حَال الْجُحُود فَلَا تتمّ الْحِيلَة إِلَّا أَن يحلفهُ القَاضِي على الحلصل اه.
(2)
قَوْله: (يَدْفَعهَا إِلَيْهِ) أَي وَيضمن للْوَرَثَة ارتكابا لاخف الضررين، فَإِنَّهُ إِن لم يَدْفَعهَا يضمن أَيْضا وَيكون آثِما بِخِلَاف حَالَة الدّفع إِذْ لَا شئ فِيهَا إِلَّا الضَّمَان للْوَرَثَة تَأمل اه.
(3)
قَوْله: (من جِهَة موصيهم) لَعَلَّ الصَّوَاب زِيَادَة لفظ غير بِدَلِيل التَّعْلِيل وبدليل قَوْله نَعَمْ لَهُمْ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ من الطَّعَام والكسرة وَبيع مَنْقُول وَرَثَة الْيَتِيم من حهة الْمُوصي اه.(7/300)
لَا لموصي لكَونه مِم الْحِفْظِ، لِأَنَّ حِفْظَ الثَّمَنِ أَيْسَرُ مِنْ حِفْظِ الْعين اه.
من أدب الاوصياء وَغَيره.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: والاصل فِيهِ أَن ضعف الْوَصِيَّيْنِ (1) فِي أَقْوَى الْحَالَيْنِ كَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ فِي
أَضْعَفِ الْحَالَيْنِ، وَأَضْعَفُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعلم، وَأَقْوَى الْحَالَيْنِ حَالُ صِغَرِ الْوَرَثَةِ، وَأَقْوَى الْوَصِيَّيْنِ وَصِيُّ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْقَاضِي، وَأَضْعَفُ الْحَالَيْنِ حَالُ كِبَرِ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ وَصِيُّ الْأُمِّ فِي حَالِ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَوَصِيِّ الْأَبِ فِي حَالِ كِبَرِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ، فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ مَنْقُولِهِ لَا عَقَارِهِ كَوَصِيِّ الْأَبِ حَالَ كِبَرِهِمْ اه.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ.
قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْحَجْرِ) الْأَوْلَى فِي الْمَأْذُونِ ط.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِلْجَدِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَأَبِي الْمَيِّتِ، فَلِوَصِيِّ الْمَيِّتِ بَيْعُ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ، وَأَبُو الْمَيِّتِ لَهُ بَيْعُهَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: هَذِهِ فَائِدَةٌ تُحْفَظُ مِنْ الْخَصَّافِ.
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَأَقَامَ الْجَدَّ مقَام الاب، ونقول الْخَصَّافِ يُفْتَى اه.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لِلْجَدِّ بَيْعُ الْعُرُوضِ وَالشِّرَاءِ، إلَّا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ التَّرِكَةَ لِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ اه.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) أَيْ وَصِيِّ الْأَبِ كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ وَصِيَّ الْجَدِّ كَالْجَدِّ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ الاولى.
تَأَمَّلْ.
قَالَ ط: فَيَرْفَعُ الْغُرَمَاءُ أَمْرَهُمْ إلَى الْقَاضِي لِيَبِيعَ لَهُمْ بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ، وَكَذَا الْمُوصَى لَهُمْ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ الاوصياء الْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْفَصْلِ فِي غَيْرِهِ ط.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ الْمَيِّتِ أَوْ لَا، لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْوَصِيِّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ لَا.
مِنَحٌ.
فَفِي شَهَادَتِهِمَا إثْبَاتُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ) لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ وَلَايَةَ الْحِفْظ، وَولَايَة بيع الْمَنْقُول عِنْد غيبَة الْوَارِث وعود ولَايَته إِلَيْهِمَا بجنونه.
غُرَرُ الْأَفْكَارِ، وَهَذَا عِنْدَهُ.
وَقَالَا: يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ: أَيْ فِيمَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ وَغَيْرُهُ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا) لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إذْ الذِّمَّةُ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ، وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ مُثْبِتَةً لِلشَّرِكَةِ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ.
وَلَهُمَا: أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَالِاسْتِيفَاءِ مِنْ التَّرِكَةِ ثَمَرَتُهُ، وَالذِّمَّةُ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ، وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بل فِي الْعين فَصَارَ
__________
(1) قوه: (والاصل فِيهِ أَن أَضْعَف الْوَصِيّين إِلَخ) انْظُر مَا حكم أَضْعَف الْوَصِيّين فِي أَضْعَف الْحَالين تَأمل اه.(7/301)
الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَأَوْرَثَ شُبْهَةً اه.
دُرَرٌ.
قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمُ فِي حَاشِيَةِ الْمَجْمَعِ: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اعْتَمَدَ النَّسَفِيُّ وَالْمَحْبُوبِيُّ.
قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: إنْ أَرَادَ النَّسَفِيَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ فَإِنَّ مَا فِيهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَبُولُهَا فِي الدَّيْنِ فَقَطْ.
ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي عِنْدَ الْفَتْوَى فِي مِثْلِ هَذَا إنْ كَانَ الشُّهُودُ مَعْرُوفِينَ بالْخبر أَنْ يُعْمَلَ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِلَّا فَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اه ط.
عَنْ شَرْحِ الْحَمَوِيِّ.
قَوْلُهُ: (بِعَبْد) أَيْ بِوَصِيَّةِ عَبْدٍ ط.
قَوْلُهُ: (لِإِثْبَاتِهَا لِلشَّرِكَةِ) أَيْ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، إذْ الثُّلُثُ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ.
مِعْرَاجٌ.
قَوْلُهُ: (مُعِينًا) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَعَانَ.
قَوْلُهُ: (كَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ امْتِنَاعِ تَصَرُّفِ أَحَدِ الْأَوْصِيَاءِ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَالْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَاضِي إذْ لَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَضُمَّ ثَالِثًا إلَيْهِمَا كَمَا مَرَّ فَيَكُونُ وَصِيًّا مَعَهُمَا بِنَصْبِ الْقَاضِي إيَّاهُ، كَمَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَصِيًّا فَإِنَّهُ يُنَصِّبُ وَصِيًّا ابْتِدَاءً، فَهَذَا أَوْلَى.
زَيْلَعِيٌّ.
أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ لِهَذَا الثَّالِثِ حُكْمَ وَصِيِّ الْقَاضِي لَا حُكْمَ وَصِيِّ المست، وَأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تُؤْثِرْ سِوَى التَّعْيِينِ.
تَأَمَّلْ، وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ نُصِّبَ وَصِيٌّ ابْتِدَاءً عَلَى مَا ذَكرْنَاهُ فِي شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا الخ) أَو لَوْ شَهِدَا حَالَ حَيَاةِ الْأَبِ أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا بِقَبْضِ حُقُوقِهِ وَالْأَبُ غَائِبٌ وَغُرَمَاءُ الْأَبِ يَجْحَدُونَ لَا تُقْبَلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ لَكِنَّهُمَا سَأَلَا مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ هَذَا وَصِيًّا وَالْوَصِيُّ يُرِيدُ الْإِيصَاءَ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَهُ وَصِيًّا فَهُنَا أَوْلَى، لَو سألاه أَن ينصب وَكيلا بِقَبض قوقه حَال غيبَة الاب وَالْوَكِيل يُرِيد ذَلِك فالقالضي لَا يُنَصِّبُ وَكِيلًا، وَلَوْ نَصَّبَ هُنَا إنَّمَا ينصب بشادتهما، وَلَا يجوز ذَلِك لانهما يَشْهَدَانِ لابيهما، والولولجية.
قَوْلُهُ: (لَا لَهُ وَلَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ) وَكَذَا لَا تُقْبَلُ لِلْيَتِيمِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ وَلِهَذَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ.
خُلَاصَةٌ.
قَوْلُهُ: (رَجَعَ مُطْلَقًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ.
وَقِيلَ: إنْ كَانَ هَذَا الْوَصِيُّ وَارِثَ الْمَيِّتِ، وَإِلَّا
فَلَا.
وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعِبَادِ يَرْجِعُ لِأَنَّ لَهَا مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَرْجِعُ.
وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الدُّرَرِ.
وَفِي(7/302)
الْبَزَّازِيَّةِ: هُوَ الْمُخْتَارُ اه.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِذا شهد عَلَى ذَلِكَ) يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، وَهَذَا مَا مَشى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ.
قَوْلُهُ: (لَا فِي حَقِّ الرُّجُوعِ) وَمِثْلُهُ قَيِّمُ الْوَقْفِ لِأَنَّهُمَا يدعيان لانفسمهما دينا على الْيَتِيم وَالْوَقْف فَلَا يستحقاته بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.
كَذَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) نَقَلَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مَا يُوَافق وَمَا يُخَالِفُهُ.
ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِي الرُّجُوعِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَليُحرر إه.
أَقُولُ: وَالتَّحْرِيرُ مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ فِي رُجُوعِ الْوَصِيِّ بِلَا إشْهَادٍ لِلرُّجُوعِ، اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ اه.
وَنَقَلَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ وَعَنْ الْخَانِيَّةِ، فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَنَقَلَ عَنْ الْخُلَاصَةِ اشْتِرَاطَ الْإِشْهَادِ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْهَا.
ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى بالنُّون: أنْفق الْوَصِيّ من مَال نَفسه عَن الصَّبِيِّ وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ اسْتِحْسَانًا، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَرْضٌ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْوَصِيِّ لَا يُقْبَلُ فِي الرُّجُوعِ فَيُشْهِدُ لِذَلِكَ.
وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: وَيَكْفِيهِ النِّيَّةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدٍ: إذَا نَوَى الْأَبُ الرُّجُوعَ وَنَقَدَ الثَّمَنَ عَلَى هَذِهِ النِّيَّة، وسعة الرُّجُوع فِيمَا بَينه وَبَين لله تَعَالَى، أَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشْهِدْ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُنْتَقَى.
وَفِيهِ أَيْضًا: وَلَو شرى اوب لِطِفْلِهِ شَيْئًا يُجْبَرُ هُوَ عَلَيْهِ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ لِصَغِيرِهِ الْفَقِيرِ لَمْ يَرْجِعْ، أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَرَى لَهُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَالطَّعَامِ لِابْنِهِ الَّذِي لَهُ مَالٌ وَالدَّارِ وَالْخَادِمُ رَجَعَ، إنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَحْوِ الدَّارِ: إنْ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ رَجَعَ إنْ أَشْهَدَ، وَإِلَّا لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ يَرْجِعْ أَشْهَدَ أَوْ لَا.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَرَى لِطِفْلِهِ شَيْئًا وَضَمِنَ عَنْهُ ثُمَّ نَقَدَهُ مِنْ مَالِهِ يَرْجِعُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا اه.
قُلْت: فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا عَدَمُ الرُّجُوعِ بِلَا إشْهَادٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ.
وَالثَّانِي اشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ فِي الْأَبِ فَقَطْ، وَمِثْلُهُ الْأُمُّ الْوَصِيُّ عَلَى أَوْلَادِهَا، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْغَالِبَ
مِنْ شَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَوْلَادِ لِلْبِرِّ وَالصِّلَةِ لَا لِلرُّجُوعِ، بِخِلَافِ الْوَصِيِّ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يَحْتَاجُ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْإِشْهَادِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ اسْتِحْسَانٌ، وَالثَّانِيَ قِيَاسٌ، وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ عَزْلِ الْوَكِيلِ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم.
قَوْله: (وسيجئ) أَيْ فِي آخِرِ الْفُرُوعِ مَا يُفِيدُهُ: أَيْ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الرُّجُوعِ فِي الْأَبَوَيْنِ بَلْ هُوَ صَرِيح فِي ذَلِك، فَإِن الَّذِي سيجئ هُوَ مَا نَقَلْنَاهُ ثَانِيًا عَنْ الْمُنْتَقَى.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ) قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ اشْتَرَطَ الْإِشْهَادَ إذَا قَضَاهُ بِلَا أَمْرِ الْوَارِثِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي النَّوَازِلِ وَقَالَ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا نَفَّذَ الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ يَرْجِعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ فِي الْوَصِيَّةِ رِوَايَةً فِي الدَّيْنِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا، وَوُجُوبُ قَضَائِهِ آكَدُ مِنْ لُزُومِ إنْفَاذِهَا اه.
وَهُوَ(7/303)
الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ مِنْ قَوْلِهِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَفَنِهِ) أَيْ كَفَنِ الْمِثْلِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ الْفَصْلِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ الْوَصِيُّ عَلَى كَفَنِ الْمثل فِي الْعدَد ضمن الزِّيَادَة وَفِي القمية وَقَعَ الشِّرَاءُ لَهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَدَّى خَرَاجَ الْيَتِيمِ إلَخْ) أَيْ خَرَاجَ أَرْضِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يتَصَدَّق بِيَمِينِهِ بِلَا إشْهَادٍ، وَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ إلَخْ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَنَصُّهَا: أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَالتَّرِكَةِ اه.
أَقُولُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْإِشْهَادَ مَعَ أَنَّ فِي إنْفَاقِ الْوَصِيِّ خِلَافًا كَمَا مَرَّ، وَيَنْبَغِي جَرَيَانُهُ هُنَا بِالْأَوْلَى، عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي إنْفَاقِهِ عَلَى الصَّغِيرِ نَصِيبَهُ مِنْ التَّرِكَةِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فِي أَنَّهُ يُصَدَّقُ أَمْ لَا قَوْلَانِ، حَكَاهُمَا الزَّاهِدِيُّ فِي الْحَاوِي، ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى مَا فِي وَصَايَا الْمُحِيطِ بِرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ خَمْسَمِائَةٍ نَفَقَةَ مِثْلِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إذَا لَمْ يَكُنْ وَصِيّا، لَو كَانَ الْمُشْتَرَكُ طَعَامًا أَوْ ثَوْبًا وَأَطْعَمَهُ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ أَوْ أَلْبَسَهُ فَاسْتَحْسَنَ أَنْ لَا يَكُونَ على الْكَبِير ضَمَان إه.
وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ أَنْفَقَ الْأَخُ الْكَبِيرُ عَلَى أَخِيهِ الصَّغِيرِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْ التَّرِكَةِ: إنْ كَانَ
طَعَامًا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا إِ هـ.
وَمثله فِي التاترخانية.
وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ لِأَخٍ وَعَمٍّ وَأُمٍّ وَمُلْتَقِطٍ هُوَ فِي حِجْرِهِمْ وَإِجَارَتُهُ لِأُمِّهِ فَقَطْ اه.
وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا إذَا لم يكن فِي حجره.
تَأمل.
وعَلى كَا فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مُشْكِلٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الْكَبِيرُ وَصِيًّا، فَلْيُتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ كَفَّنَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى التَّرِكَةِ.
قُلْت: وَهَذَا لَوْ كفن الْمثل كَمَا مر.
تَنْبِيه: لَو مَاتَ وَلَا شئ لَهُ وَوَجَبَ كَفَنُهُ عَلَى وَرَثَتِهِ فَكَفَّنَهُ الْحَاضِرُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْهُمْ بِحِصَّتِهِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لَوْ أَنْفَقَ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي.
حَاوِي الزَّاهِدِيِّ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْفُصُولَيْنِ: لِيُسْتَفَادَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يجب كتكفين الزَّوْجَة إِذا صرفه من مَاله عير الزَّوْجِ بِلَا إذْنِهِ أَوْ إذْنِ الْقَاضِي فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيُسْتَثْنَى تَكْفِينُهَا، بِلَا إذْنٍ مُطْلَقًا (1) ، بِنَاءً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى زَوْجِهَا وَلَوْ غَنِيَّةً.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَضَى دَيْنَهُ) أَيْ الثَّابِتَ شَرْعًا، وَإِلَّا فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ دَفَعَ مِنْ التَّرِكَةِ فَلِلْغَائِبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ قَدْرَ حِصَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَرْعًا، وَكَذَا الْوَصِيُّ فِي الدَّيْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ، وَأَمَّا الْمهْر، فَإِن دخل بِهَا مُنِعَ عَنْهَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَعْجِيلِهِ وَالْقَوْلُ فِي قَدْرِهِ لِلْوَرَثَةِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ.
شُرُنْبُلَالِيَّةُ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ مُلَخَّصًا: أَيْ لَوْ ادَّعَى الْوَرَثَةُ قَدْرَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بتعجيله فَالْقَوْل لَهُم، وَلَو ادعا أَزْيَدَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ.
قَوْله: (قيل هُوَ
__________
(1)
قَوْله: (بِلَا إِذن مُطلقًا إِلَخ) أَي سَوَاء كفن كفن الْمثل أَو زَاد عَلَيْهِ بِخِلَاف مَسْأَلَة غَيرهَا فَإِنَّهُ يرجع الْوَارِث بكفن الْمثل لَا لزِيَادَة كَمَا فِي الشَّارِح اه.(7/304)
مُسْتَدْرَكٌ) عَبَّرَ بِقِيلِ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِي أَصْلِ الرُّجُوعِ وَهَذَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ لَوْ كَذَّبُوهُ فِيهِ.
أَفَادَهُ ط.
وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ يُصَدَّقُ إنْ كَانَ كَفَنَ الْمِثْلِ.
وَفِي الْوَجِيزِ: لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ نَقَدَهُ (1) مِنْ التَّرِكَةِ.
قَوْلُهُ: (إلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ) أَيْ الْعَقْلِ، وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا: أَيْ أَهْلِ النّظر والمعرفة فِي قيمَة ذَلِك الشئ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَّ
قِيمَتَهُ ذَلِكَ) تَوْضِيحٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَأما إِذا أخبر بِأَنَّ قِيمَتَهُ أَكْثَرُ مِمَّا أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي فَهُوَ باط.
قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْجَوَاهِرِ: بَاعَ الْوَاصِي ضَيْعَةً لِلدَّيْنِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ قِيمَتَهَا أَكْثَرُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ، فَهُوَ بَاعَهَا ثَانِيًا بِثَمَنِ الْمِثْلِ صَحَّ الْبَيْعُ الثَّانِي اه.
وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا حَيْثُ كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (لَا يَلْتَفِتُ الْقَاضِي إلَى مَنْ يَزِيدُ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ، قَدْ تَكُونُ لِلْحَاجَةِ، لَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ أَزْيَدُ مِمَّا بَاعَ بِهِ الْوَصِيُّ، حَتَّى لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ إنْ كَانَ النَّقْصُ فَاحِشًا.
أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (لَا يُنْتَقَضُ بيع الْوَصِيِّ لِذَلِكَ) أَيْ لَا يُحْكَمُ بِانْتِقَاضِهِ بِمُجَرَّدِ تِلْكَ الزِّيَادَة لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَا بَاعَهُ بِهِ هُوَ قِيمَتُهُ فَلِذَا قَالَ (بَلْ يَرْجِعُ إلَخْ) فَافْهَمْ.
قَالَ ط: وَلَوْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَوْ كَانَ فِي الْمُزَايَدَةِ يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ، وَفِي السُّوقِ بِأَقَلَّ لَكَانَ أَخْصَرَ اه.
تَتِمَّةٌ: قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: بَاعَ الْأَبُ مَالَ طِفْلِهِ ثُمَّ ادَّعَى فِيهِ فَاحِشَ الْغَبْنِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فينصب الْحَاكِم قيمًا عَنْ الصَّبِيِّ فَيَدَّعِيهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهَذَا إذَا أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي الصَّكِّ، أَمَّا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ بِعْته وَلم أعف الْغَبْنَ أَوْ قَالَ كُنْت عَرَفْته وَلَكِنْ لَمْ أَعْرِفْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَهُ الْغَبْنَ، وَلَوْ بَلَغَ اليتي فَادَّعَى كَوْنَ بَيْعِ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ بِفَاحِشِ الْغبن وَأنكر المُشْتَرِي ذَلِك يحكم الْحَالِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمُدَّةُ قَدْرَ مَا يَتَبَدَّلُ فِيهِ السِّعْرُ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَبَيِّنَةُ مُثْبِتِ الزِّيَادَةِ أَوْلَى اه
قَوْلُهُ: (يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ إلَخْ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ بِلَا بَيِّنَةٍ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْإِنْفَاقُ عَلَى رَحِمِهِ، وَخَرَاجُ أَرْضِهِ، وَجُعْلُ عَبْدِهِ الْآبِقِ اه مُلَخَّصًا.
ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ: فِيمَا يَدَّعِيهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ إلَخْ، فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ حَذْفُ قَوْلِهِ: (مِنْ الْإِنْفَاقِ) .
تَنْبِيهٌ فِي الذَّخِيرَةِ: يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الصَّغِيرِ فِي النَّفَقَةِ بَلْ يُوَسِّعُ عَلَيْهِ بِلَا إِسْرَاف، وذلم يَتَفَاوَتُ بِقِلَّةِ مَالِهِ وَكَثْرَتِهِ فَيَنْظُرُ إلَى مَالِهِ وَينْفق بِحَسب حَاله.
__________
(1)
قَوْله: (وَلَو نَقله إِلَخ) لَعَلَّ فِي الْعبارَة سقطا وَهُوَ جَوَاب وأصل الْكَلَام وَلَو نَقده من التَّرِكَة يصدق هَذَا هُوَ الْموقف للمعروف الْمَنْقُول عَن الائمء، وَأما كَون لَو وصلية وَيكون الْمَعْنى والنقد من التَّرِكَة كالمغنى من مَاله غليس بِمَعْلُوم فَلَا يُنَاسب حمل كَلَام الْوَجِيز عَلَيْهِ، هَذَا مَا ظهر لي فاليحرر اه.(7/305)
وَفِي شَرْحِ الْأَصْلِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ: كَبِرَ الصِّغَارُ وَاتَّهَمُوا الْوَصِيَّ، وَقَالُوا: إنَّك أَنْفَقَتْ عَلَيْنَا مِنْ الرِّبْحِ أَوْ تَبَرَّعَ بِهَا فُلَانٌ يَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ الْيَمِينُ عَلَى دَعْوَاهُ، إلَّا إذَا ادَّعَوْا مَا يُكَذِّبُهُمْ الظَّاهِرُ فِيهِ، كَأَنْ يَدَّعُوا مَا لَا كيفي مِثْلُهُ لِمِثْلِهِمْ فِي مِثْلِ الْمُدَّةِ فِي الْغَالِبِ، وَهَذَا إذَا ادَّعَى نَفَقَةَ الْمِثْلِ أَوْ أَزْيَدَ يسير، وَإِلَّا فَلَا يُصَدَّقُ وَيَضْمَنُ مَا لَمْ يُفَسِّرْ دَعْوَاهُ بِتَفْسِيرٍ مُحْتَمَلٍ، كَقَوْلِهِ: اشْتَرَيْت لَهُمْ طَعَامًا فَسرق، ثمَّ اشْتريت ثَانِيًا وَثَالِثهَا فَهَلَكَ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ اه مُلَخَّصًا مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (ادَّعَى قَضَاءَ دَيْنِ الْمَيِّتِ) شُرُوعٌ فِي الِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ قَبْلَ سَرْدِهِ الْمَسَائِلَ حَيْثُ قَالَ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: قَضَى وَصِيُّهُ دَيْنًا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فَلَمَّا كَبِرَ الْيَتِيمُ أَنْكَرَ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ ضَمِنَ وَصِيُّهُ مَا دَفَعَهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً إذَا أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الدَّفْعُ إلَى الْأَجْنَبِيِّ، فَلَوْ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ بِغُرْمٍ لَهُ حِصَّتُهُ إلَخْ، وَإِلَّا فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ وَادَّعَى الْوَصِيُّ أَدَاءَهُ مِنْ التَّرِكَةِ صُدِّقَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ ادَّعَى إلَخْ) قَدَّمْنَا عَنْ أدب الأوصياء أَنه فِي الْخَانِية اشْتِرَاط الاشهاد وَلم يشْتَرط فِي النَّوَازِلِ، وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ: بَعْدَ بَيْعِ التَّرِكَةِ وَلَعَلَّهُ اتِّفَاقِيٌّ لِأَنَّهُ قَبِلَهُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَنَّ الْيَتِيمَ اسْتَهْلَكَ مَالًا آخَرَ إلَخْ) الَّذِي فِي الْأَشْبَاهِ مَالَ آخَرَ بِالْإِضَافَةِ.
وَصُورَتُهَا: قَالَ لَهُ إنَّك اسْتَهْلَكَتْ مَالَ فلام فِي صِغَرِك فَأَدَّيْته مِنْ مَالِكِ، فَكَذَّبَهُ وَقَالَ: لَمْ أَسْتَهْلِكْ شَيْئًا، فَالْقَوْلُ لِلْيَتِيمِ وَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ كَمَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَدَّى خَرَاجَ أَرْضِهِ إلَخْ) وَكَذَا إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ أَبَا الْيَتِيمِ مَاتَ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَأَنَّهُ دَفَعَ خَرَاجَ أَرْضِهِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَقَالَ الْيَتِيمُ لَمْ يَمُتْ أَبِي إلَّا مِنْ مُنْذُ سَنَتَيْنِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَوْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ يَكُونُ الْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ مَعَ يَمِينِهِ: يَعْنِي وَاتَّفَقَا على الْوَقْتِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو الْيَتِيمِ كَمَا يفهمن عبارَة شرح تنزير الاذهان عَن التاترخانية إِ هـ.
أَبُو السُّعُودِ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: لَوْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ صاحلة لِلزِّرَاعَةِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْبَيِّنَةِ، لِأَنَّ الْحَالَ فِي الْأَوَّلِ شَاهِدٌ لَهُ، بِخِلَافِ الثَّانِي، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ: فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِأَدَّى بَلْ هُوَ متعلف بادعى مِقْدَارًا: أَي ادّعى خَرَاجِ أَرْضِهِ إلَخْ، وَإِلَّا نَافَى مَا مَرَّ مَتْنًا مِنْ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَدَاءِ خَرَاجِهِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، فَتَنَبَّهْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ
جُعْلَ عَبْدِهِ الْآبِقِ) هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيقبل قَوْله بِلَا بَيَان، وَجزم بالاولى فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَلَمْ يَحْكِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِيهِ خِلَافًا.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى خلاف اه.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَرُدَّهُ أَنَّهُ يَكُونُ مُصَدَّقًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَفِي الْأَصْلِ وَغَيْرِهِ: لَوْ قَالَ أَدَّيْت فِي مَالِ نَفْسِي لِأَرْجِعَ عَلَيْك لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ.
أَفَادَهُ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ.
أَقُولُ: وَظَاهِرُ هَذَا تَرْجِيحُ قَوْلِ مُحَمَّدِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ فِدَاءَ عَبْدِهِ الْجَانِي) فِي الْكَافِي: لَوْ قَالَ أَدَّيْت ضَمَانَ غَصْبِك أَوْ جِنَايَتِك أَوْ جِنَايَةِ عَبْدِك فَلَا يُصَدَّقُ بِلَا بَيِّنَةٍ.
أَبُو السُّعُودِ.
أَقُولُ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْيَتِيمُ بِالْجِنَايَةِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِنْفَاقَ عَلَى مَحْرَمِهِ) فِي الْخَانِيَّةِ: قَالَ الْوَصِيُّ فَرَضَ الْقَاضِي لِأَخِيك(7/306)
الاعمى هَذَا نَفَقَة فِي مَالك فِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا دِرْهَمًا فَأَدَّيْت إلَيْهِ ذَلِكَ مُنْذُ عشرَة سِنِينَ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ، لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ إجْمَاعًا وَيَكُونُ ضَامِنًا لِلْمَالِ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى فَرْضِ الْقَاضِي وَإِعْطَاءِ الْمَفْرُوضِ لِلْأَخِ اه.
وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَوَائِجِ الْيَتِيمِ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا كَانَ مِنْ حَوَائِجِهِ اه.
فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ حَوَائِجِهِ.
وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى رَقِيقِهِ الَّذِينَ مَاتُوا) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف: القَوْل لِلْوَصِيِّ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعَبِيدَ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءَ فَالْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ، وَهَلْ يَحْلِفُ؟ خِلَافٌ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَحْلِفُ إذَا لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ الْخِيَانَةُ.
وَنَقَلَ الْبِيرِيُّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا الْمَيِّتِ يَكُونُ لَهُ مِثْلُ هَذَا الرَّقِيقِ فَالْقَوْلُ لِلْوَصِيِّ، وَإِلَّا فَلَا.
أَبُو السُّعُودِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: مِمَّا فِي ذِمَّتِهِ لَيْسَ فِي الْأَشْبَاهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ عَمَّا لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْأَصْلِ، وَقَوْلُهُ: حَالَ غَيْبَةِ مَالِهِ أَيْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ حَالَ حُضُورِهِ فِي الْأُولَى.
وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ وَعَلَى أَمْوَالِهِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالضِّيَاعِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا ادَّعَى مَا يُنْفَقُ عَلَى مِثْلِهِمْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي أَوْ الْقَاضِي اه.
قَوْلُهُ: (أَوْ هِيَ مَيْتَةٌ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً لَكِنْ أَقَرَّ الْيَتِيمُ بِالتَّزْوِيجِ أَنَّهُ
يَرْجِعُ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ إلَخْ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: تَصَرَّفَ الْوَصِيُّ أَوْ الْأَبُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَرَبِحَ فَقَالَ: كُنْت مُضَارِبًا لَا يَكُونُ لَهُ من الرِّبْح شئ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ التَّصَرُّفِ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ.
أَمَّا فِي الدِّيَانَةِ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا شَرَطَ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ.
أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ.
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَصِيِّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَخْذُ مَالَ الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِيهِ) أَيْ بِيَمِينِهِ إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ الظَّاهِرُ.
حَمَوِيٌّ وَبِيرِيٌّ عَنْ صُلْحِ الْوَلْوَالِجيَّةِ ط.
قَوْلُهُ: (مَبْسُوطَةً فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا ثَلَاثَةً.
قَالَ فِي الاشباه: فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ صَغِيرٌ، وَفِيمَا إذَا اشْترى من مُوَرِثه شَيْئا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِعَيْبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ أَبُو الصَّغِيرِ مُسْرِفًا مُبَذِّرًا فَيُنَصِّبُهُ لِلْحِفْظِ.
وَذَكَرَ فِي قِسْمَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ مَوْضِعًا آخَرَ يُنَصِّبُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ اه.
وَاَلَّذِي فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: هُوَ مَا لَوْ تَرَكَ ضَيْعَةً بَيْنَ صَغِيرٍ وَغَائِبَيْنِ وَحَاضِرَيْنِ بَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِرَجُلٍ فَطَلَبَ الْقِسْمَةَ فَيَجْعَلُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبَيْنِ وَالصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ: (مِنْهَا إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ أَوْ عَلَيْهِ) أَيْ لِيَكُونَ خَصْمًا فِي الْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ وَالْقَبْضِ قَوْله (اليرده عَلَيْهِ) أَفَادَ أَن المرد أَنْ يُنَصِّبَهُ وَصِيًّا فِي خُصُوصِ الرَّدِّ لَا مُطلقًا(7/307)
لِأَنَّ الْوَلَايَةَ فِي غَيْرِهِ لِلْأَبِ.
وَسَيَأْتِي أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ.
قَوْلُهُ: (غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً) بِأَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقَوَافِلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
تَتِمَّةٌ: زَادَ الْحَمَوِيُّ وَغَيْرُهُ مسَائِل أَيْضا: مِنْهَا: لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ دَيْنًا وَالْوَرَثَةُ كِبَارٌ غُيَّبٌ فِي بَلَدٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ بَلَدِ الْمُتَوَفَّى لَا تَأْتِي وَلَا تَذْهَبُ الْقَافِلَةُ إلَيْهِ.
وَمِنْهَا: لَوْ قَالَ الْوَارِثُ لَا أَقْضِي الدَّيْنَ وَلَا أَبِيعُ التَّرِكَةَ بَلْ أُسَلِّمُ التَّرِكَةَ إلَى الدَّائِنِ نَصَّبَ القَاضِي من بِبيع التَّرِكَةَ.
وَمِنْهَا: لَوْ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِثَمَنِهِ وَقَدْ مَاتَ بَائِعُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ يُنَصَّبُ عَنْهُ وَصِيٌّ لِيَرْجِعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ.
وَمِنْهَا: لَوْ ظَهَرَ الْمَبِيعُ حُرًّا وَقَدْ مَاتَ بَائِعَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَلَا وَارِثًا وَلَا وَصِيًّا فَيُنَصِّبُ الْقَاضِي
وَصِيًّا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي وَيَرْجِعَ هُوَ عَلَى بَائِعِ الْمَيِّتِ.
وَمِنْهَا: لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ مَعَ مونه أَخَرْسَ أَصَمَّ وَأَعْمَى وَلَا وَلِيَّ لَهُ.
وَمِنْهَا: وَلَو شَرَى الْوَكِيلُ فَمَاتَ فَلِمُوَكِّلِهِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ، وَقِيلَ: لوراثة أَوْ وَصِيِّهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فَلِمُوَكِّلِهِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي اللَّيْثِ، وَفِي رِوَايَةٍ: يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِلرَّدِّ.
وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ الْوَصِيُّ فَوَلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ فِيمَا بَاعَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِوَرَثَةِ الْوَصِيِّ أَوْ وَصِيَّةٍ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَصَّبَ الْقَاضِي وَصِيًّا.
وَمِنْهَا: لَوْ أَتَى الْمُسْتَقْرِضُ بِالْمَالِ لِيَدْفَعَهُ فَاخْتَفَى الْمُقْرِضُ فَالْقَاضِي يُنَصِّبُ قَيِّمًا بِطَلَبِ الْمُسْتَقْرِضِ لِيَقْبِضَ الْمَالَ.
وَمِنْهَا: كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَدَيْنُهُ عَلَى الْكَفِيلِ، فَتَغَيَّبَ الطَّالِبُ فِي الْغَدِ يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْهُ وَيُسَلِّمُ إلَيْهِ الْمَدْيُونَ.
وَمِنْهَا: لَوْ غَابَ الْوَصِيُّ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا يُنَصِّبُ الْقَاضِي خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ اه مُلَخصا.
المُرَاد بِالْغَيْبَةِ: الْمُنْقَطِعَةُ.
أَقُولُ: وَيُزَادُ مَا مَرَّ أَوَّلَ بَابِ الْوَصِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى إلَى صَبِيٍّ أَوْ عَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسق بدلهم القَاضِي بغيرهم ومالوا أوصى اثْنَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا وَلَو يُوصِ إلَى غَيْرِهِ فَيَضُمُّ الْقَاضِي إلَيْهِ غَيْرَهُ، وَمَا لَوْ عَجَزَ الْوَصِيُّ عَنْ الْوِصَايَةِ.
وَمِنْهَا: مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ شَرَى مَالَ وَلَدِهِ لِنَفْسِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الثَّمَنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا لِوَلَدِهِ يَأْخُذُ الثَّمَنَ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَى الاب.
وَمِنْهَا: مَا لَو تصدق الْوَصِيُّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ لَا يَصِحُّ بَلْ يُنَصِّبُ غَيْرَهُ لِيَصِلَ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ.
وَمِنْهَا: إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَةُ الْمَجْنُونِ الْكَافِرِ وَلَا أَب لَهُ وَلَا أُمَّ يُنَصِّبُ عَنْهُ الْقَاضِي وَصِيًّا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نِكَاحِ الْكَافِرِ.
وَمِنْهَا: نَصَّبَ الْوَصِيُّ عَن الْمَفْقُود.(7/308)
وَمِنْهَا إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُنَصِّبُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ فِي مِقْدَارِ الدَّيْنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَلَا يَخْرُجُ الْأَوَّلُ عَنْ الْوِصَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ فَقَدْ بَلَغَتْ سَبْعَة وَعشْرين، والتتعتع يَنْفِي الْحَصْرَ.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي ثَمَانٍ) يُزَادُ عَلَيْهَا تَاسِعَةٌ نَذْكُرُهَا قَرِيبًا، وَعَاشِرَةٌ: هِيَ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي لَوْ عَيَّنَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ جَازَ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ لِوَصِيِّ الْقَاضِي الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَلَا بَيْعُ مَالِ نَفْسِهِ مِنْهُ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْأَبِ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ مَنْفَعَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلْيَتِيمِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ، فَلَوْ اشْتَرَى هَذَا الْوَصِيُّ مِنْ الْقَاضِي أَوْ بَاعَ جَازَ.
حَمَوِيٌّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ يَبِيعَ إلَخْ) لِلتُّهْمَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشِّرَاءَ مِثْلُهُ ط.
قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ يَقْبِضَ إلَخْ) أَيْ لَوْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا لِيُخَاصِمَ عَنْ الصَّغِيرِ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ عَقَارٌ لِلصَّغِيرِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَيْسَ لَهُ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنٍ مُبْتَدَإٍ مِنْ الْقَاضِي بَعْدَ الْإِيصَاءِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ بِهِ وَقت إِذْنه بالخصمژ لانصه كَالْوَكِيلِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِلَا إذْنٍ لِأَنَّ الْأَبَ جَعَلَهُ خَلَفًا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ رَأْيُهُ بَاقِيًا بِبَقَاءِ خَلَفِهِ، وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا حَقِيقَةً لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ فَكَذَا إذَا كَانَ بَاقِيًا حُكْمًا كَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ، وَهَذَا يُفِيدُ الْقَطْعَ بِأَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْقَاضِي.
قَالَ الْبِيرِيُّ: وَأَفَادَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ سُؤَالُ وَصِيِّ الْمَيِّتِ عَنْ مِقْدَارِ التَّرِكَةِ وَلَا التَّكَلُّمُ مَعَهُ فِي أَمْرِهَا، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْقَاضِي.
وَتَمَامُهُ فِيهِ اه.
مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْبِيرِيُّ يُزَادُ عَلَى الثَّمَانِ مَسَائِلَ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ يُؤْجِرَ الضَّمِير لِعَمَلٍ مَا) أَيْ لِأَيِّ عَمَلٍ كَانَ، وَهَذَا عَزَاهُ فِي الْأَشْبَاهِ إلَى الْقُنْيَةِ.
أَقُولُ: يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ إيجَارَهُ مَنْ لَا وِصَايَةَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ رَحِمُهُ الْمُحْرِمِ الَّذِي هُوَ فِي حِجْرِهِ.
تَأَمَّلْ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى تَسْلِيمُهُ فِي حِرْفَةٍ.
وَفِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ لِلْوَصِيِّ: أَنْ يُؤْجِرَ نَفْسَ الْيَتِيمِ وَعَقَارَاتِهِ وَسَائِرَ أَمْوَالِهِ وَلَوْ بِيَسِيرِ الْغَبْنِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ حَائِكًا أَوْ حَجَّامًا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ يَعُولُهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ إلَى الْحَائِكِ أَوْ الْحَجَّامِ لِأَنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ.
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا أَنْ يَجْعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ عَدَمِهِ) أَيْ مَوْتِهِ.
قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَصِيُّ الْقَاضِي إذَا جَعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ مَوْتِهِ لَا يَصِيرُ الثَّانِي وَصِيًّا، بِخِلَافِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ، كَذَا فِي التَّتِمَّةِ اه.
ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ مَا نَصُّهُ: الْوَصِيُّ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ سَوَاءٌ كَانَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ أَوْ وَصِيَّ الْقَاضِي اه.
وَمِثْلُهُ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ صَاحب الْمُحِيط.
وَيَأْتِي التَّوْفِيق.
قَوْله: (وَلَو حصصه القَاضِي تخصص) لانه نَصْبَ الْقَاضِي إيَّاهُ قَضَاءٌ وَالْقَضَاءُ قَابِلٌ لِلتَّخْصِيصِ، وَوَصِيُّ الْأَبِ لَا يَقْبَلُهُ بَلْ يَكُونُ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ.
بِيرِيٌّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ.
قُلْت: أَوْ لِأَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي كَالْوَكِيلِ كَمَا مر فيتخصص، بِخِلَاف وَصِيّ الاب.
وَفِي حيل التاترخانية: جَعَلَ رَجُلًا وَصِيًّا فِيمَا لَهُ بِالْكُوفَةِ وَآخَرَ فِيمَا لَهُ بِالشَّامِ وَآخَرَ فِيمَا لَهُ بِالْبَصْرَةِ فَعِنْدَهُ كُلُّهُمْ أَوْصِيَاءُ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا تَقْبَلُ الْوِصَايَةُ التَّخْصِيصَ بِنَوْعٍ أَوْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ بَلْ تَعُمُّ.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: كُلٌّ وَصِيٌّ فِيمَا أُوصِيَ إلَيْهِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ.
وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ: فِيمَا لِي بِالْكُوفَةِ خَاصَّةً دُونَ مَا سِوَاهَا.
وَنَظَرَ فِيهَا الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ بِأَن تَصْحِيح كَالْحَجْرِ إذَا وَرَدَ عَلَى الْإِذْنِ الْعَامِّ، فَإِنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ إذْنًا عَامًّا ثُمَّ حَجَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَعْضِ لَا يَصِحُّ، وَبِأَنَّهُمْ تَرَدَّدُوا فِيمَا(7/309)
إذَا جَعَلَهُ وَصِيًّا فِيمَا لَهُ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ فِيمَا لِلنَّاسِ عَلَيْهِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَفِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَوْعُ شُبْهَةٍ اه.
مُلَخَّصًا.
وَيُؤَيِّدُهُ نَظَرُ الْحَلْوَانِيِّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى فُلَانٍ بِتَقَاضِي دَيْنِي وَلَمْ أُوصِ إلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ، وَأَوْصَيْت بِجَمِيعِ مَالِي فُلَانًا آخَرَ فَكُلٌّ مِنْهُمَا وَصِيٌّ فِي الْأَنْوَاعِ كَأَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِمَا اه.
وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا إطْلَاقُ قَوْلِهِمْ وَصِيُّ الْمَيِّتِ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَتَخَصَّصُ وَإِنْ تَعَدَّدَ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ: إذَا جَعَلَ وَصِيًّا عَلَى ابْنِهِ وَآخَرَ عَلَى ابْنَتِهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَالْآخَرَ فِي مَالِهِ الْغَائِبِ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ كُلٌّ وَصِيًّا فِيمَا أَوْصَى بِهِ إلَى الْآخَرَ فَكَمَا شَرَطَ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِلَّا فَعَلَى الِاخْتِلَافِ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اه.
وَلَعَلَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ، فَتَأَمَّلْ.
أَقُولُ: وَمِمَّا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِ مَالِهِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مَثَلًا صَارَ
وَصِيًّا عَامًّا عَلَى أَوْلَادِهِ وَتَرِكَتِهِ، وَإِنْ أَوْصَى فِي ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُفْتَى بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ وَالنَّاسُ عَنْهَا فِي زَمَانِنَا غَافِلُونَ، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى.
وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهَا فِي الْخَانِيَّةِ فَقَالَ: وَلَوْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ وَإِلَى آخر أَن يعْتق عَبده أَو بنفذ وَصيته فهما وصيان فِي كل شئ عِنْدَهُ.
وَقَالَا: كُلُّ وَاحِدٍ وَصِيٌّ عَلَى مَا سَمَّى لَا يَدْخُلُ الْآخَرُ مَعَهُ اه،
قَوْلُهُ: (وَلَوْ نَهَاهُ إلَخْ) هَذِهِ رَاجِعَةٌ إلَى قَبُولِ التَّخْصِيصِ وَعَدَمِهِ.
أَشْبَاهٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ عَزْلُهُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَوَّلَ بَابِ الْوَصِيِّ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ، فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَصِيُّ وَصِيِّ الْقَاضِي إلَخْ) أَيْ إذَا أَوْصَى وَصِيُّ الْقَاضِي عِنْدَ مَوْتِهِ إلَى آخر صَحَّ وَصَارَ الثَّانِي كالاول لَو وِصَايَةُ الْأَوَّلِ عَامَّةً.
قَوْلُهُ: (وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ) بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ الْمَارُّ وَلَا أَنْ يَجْعَلَ وَصِيًّا عِنْدَ عَدَمِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْوِصَايَةُ خَاصَّةً، وَكَذَا يُحْمَلُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ عَامَّةً فَلَا تَتَنَافَى عِبَارَاتُهُمْ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ أَجَّرَ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَصَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِأَنْ أَعَارَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ.
وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنه إِذا أجر بأمل مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الْجَمِيعِ اه.
وَأَيْضًا إذَا جَازَتْ الْإِعَارَةُ فَالْإِجَارَةُ أَوْلَى، وَمِثْلُهَا مَا إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبْدِهِ، فَإِنَّ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ هُوَ رَقَبَةُ الدَّارِ وَالْعَبْدِ دُونَ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرُ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَالْأَشْبَاهِ جَوَابًا عَنْ قَوْلِ الطَّرَسُوسِيِّ: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ خَالَفَتْ الْقَاعِدَةَ، فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَجْرِي مَجْرَى الْأَعْيَانِ، وَفِي الْبَيْعِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اه.
أَقُولُ (1) : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي، وَهُوَ أَن فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَيْنِ، لَان
__________
(1) قوه: (أَقُول إِلَخ) بحث فِيهِ شَيخنَا بِأَن الْغَرَض للطرطوسي طلب وَجه الرِّوَايَة القائلة بِخُرُوج الْمَنَافِع من الْكل وَحِينَئِذٍ لَا يَنْفَعهُ الْجَواب الثَّانِي، وَقَوله لَان الْمَنْفَعَة إِلَخ رد هَذَا مَوْلَانَا أَيْضا بِأَن محط الْجَواب إِنَّمَا قَوْلهم فَلَا إِضْرَار وللوصية بالسكن لَا ضَرَر فِيهَا على الْوَرَثَة وَإِن اعْتبرنَا الْمَنْفَعَة من جَمِيع المَال لانه يشْتَرط جروج الرّقية عَنهُ -(7/310)
لَا لمَنْفَعَة فِي الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى، وَالْخِدْمَةِ لَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ مَعَ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَفِيهِ إيهَامٌ أَنَّ بُطْلَانَ الْإِجَارَةِ سَبَبٌ لِاعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْكُلِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْت.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فَلَا إضْرَارَ عَلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَمَّا بَطَلَتْ صَارَتْ الْمَنَافِعُ مِلْكَهُمْ.
قَوْلُهُ: (وَفِي حَيَاتِهِ لَا مِلْكَ لَهُمْ) أَيْ فَمَا اسْتَوْفَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ الْمَوْتِ لَا إضْرَارَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَيْضًا، وَبِهِ سَقَطَ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ مَا أُجْرَتُهُ مِائَةٌ مَثَلًا بِأَرْبَعِينَ وَطَالَ مَرَضُهُ حَتَّى اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ إضْرَارًا بِالْوَرَثَةِ اه.
فَافْهَمْ.
وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ مُزَارَعَةِ الْمُحِيطِ: حَقُّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِمَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ وَهُوَ الْأَعْيَانُ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا لَا يجْرِي فِيهِ ازرث كَالْمَنَافِعِ وَمَا لَيْسَ بِمَالٍ، لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِيمَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ لِيَنْتَقِلَ بِالْمَوْتِ إلَيْهِمْ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ اه.
واعتر ض الْبِيرِيُّ هَذَا الْحَصْرَ بِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْمَنَافِعِ، لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ بِالنَّفْسِ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْمَرِيضِ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ اه.
وَأَقَرَّهُ أَبُو السُّعُودِ.
أَقُولُ: وَهَذَا عَجِيبٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُؤَيِّدٌ لِلْحَصْرِ لَا مَانِعَ لَهُ، فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّهَا مِنْ الثُّلُثِ) وَمِثْلُهُ فِي النُّتَفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْوَهْبَانِيَّةِ الْجَزْمَ بِالْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ ضَيْعَتَهُ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ.
قَوْلُهُ: (يُؤَجِّلُ) أَيْ يُؤَجِّلُهُ الْحَاكِمُ كَمَا فِي أَدَبِ الاوصياء، وَانْظُر عل يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ إذَا خَشِيَ الْهَرَبَ أَوْ يَفْسَخَ حَالًا إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ؟ حَرَّرَهُ نَقْلًا.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَبَضَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبِضْ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ فَسْخُ الْعَقْدِ ط.
قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ) أَيْ الْحَاكِمُ بَعْدَ أَنْ حَلَّفَهُ فَحَلَفَ.
قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الْخَاصِّيُّ: وَيَجُوزُ مِثْلُ هَذَا الْفَسْخِ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا بِالْمُخَاطَرَةِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ يَكُونُ فَسْخًا فِي حُكْمِ الْإِقَالَةِ فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ كَمَا لَوْ تَقَايَلَا حَقِيقَةً، أَمَّا إذَا فَسَخَهُ الْحَاكِمُ لَا يَلْزَمُ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لِكَمَالِ وَلَايَةِ الْقَاضِي وَشُمُولِهَا، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ.
أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ.
تَنْبِيهٌ: لَو استباع الْيَتِيمِ الْأَمْلَأَ بِالْأَلْفِ وَالْأَفْلَسَ بِالْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ يَبِيعُهُ الْوَصِيّ من الاملا
__________
- وتوضيحه أَن من الْقَوَاعِد تَبَعِيَّة الْمَنَافِع للاعياد فَمَا بَال السُّكْنَى لم تتبع الدَّار؟ فَإِنَّهُ لَو أوصى بِعَين الدَّار إعتبروا
خزوجها من الثُّلُث، وَلَو أوصى بسكنى لم يعتبروا ذَلِك، وَكَذَا لَو حابى فِي بيع الدَّار حَال الْمَرَض اعتبروا خُرُوج الْمُحَابَاة من الثُّلُث، وَلَو حابى فِي الاجارة لَا.
وَالْجَوَاب أَن الْمَالِك إِذا تصرف فِي مَا هُوَ ملكه كَانَ حَقه، أَن ينفذ تصرفه لما أَنه لاحجر على الْمَالِك فِي أملاكهم إِلَّا أَنهم وجدوا فِي بعض التَّصَرُّفَات اضرارا بِالْوَاو فحجروا عَلَيْهِ فَثَبت الْحجر عَلَيْهِ للضَّرُورَة وَالثَّابِت بهَا لاعموم لَهُ وَلَا يستتبع خُصُوصا وَوصف هَذَا الاصل مُعَلل بعلة وهى الضَّرَر فيدار الحكم مَعَ هَذِه الْعلَّة فَإِذا وجدت تِلْكَ فِي الْفَرْع لَزِمت تبعيته لاصله وَإِلَّا فَلَا وفى مَسْأَلَة الْوَصِيَّة بِالسُّكْنَى لَا إِضْرَار بعد اعْتِبَار خُرُوج الرَّقَبَة من الثُّلُث وفى مَسْأَلَة الاجارة لَا ضرار حَيْثُ تبطل بِالْمَوْتِ اه.(7/311)
وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى زِيَادَةِ الْأَفْلَسِ حَذَرًا مِنْ التَّلَفِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، أَدَبُ الْأَوْصِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ) ذَكَرَ ذكل فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَنْصُوبِ الْقَاضِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا فِي أَوَّلِ بَابِ الْوَصِيِّ.
وَأَمَّا وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَقَدْ مَرَّ فِي الْمَتْنِ أَنَّهُ لَا يَصح رده بعد قبُوله بغيبة الْمَيِّت لشلا يَصِيرَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْإِيضَاحِ: أَرَادَ عَزْلَ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ، لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ فَلَا يَمْلِكُ إخْرَاجَهُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُوصِي أَوْ مَنْ يَقُومُ وَهُوَ مَنْ لَهُ وَلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْيَتِيم، وَإِذا حضر عِنْد الْحَاكِم فَينْظر فِي حَالِهِ: إنْ مَأْمُونًا قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ لَا يُخْرِجُهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْقِيَامَ وَلَا ضَرَرَ لِلْوَصِيِّ فِي إبْقَائِهِ، وَإِنْ عُرِفَ عَجْزُهُ وَكَثْرَةُ أَشْغَالِهِ أَخْرَجَهُ لِلضَّرَرِ فِي إبْقَائِهِ وَلِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْهُ لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِ بِأُمُورِهِ بَعْدَ طَلَبِ الْعَزْلِ اه.
وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَالْعَدْلِ الْكَافِي لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ شَيْئَانِ إلَخْ، وَقَدَّمْنَا ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (تَسْمَعُ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ بَعْدَهُ: وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا لِوَالِدِهِ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ اه.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا، إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءٌ لِمَعْلُومٍ عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا عَنْ مَجْهُولٍ، فَهُوَ إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَسْتَلْزِمْ إبْرَاءً فَلَيْسَ مَانِعًا مِنْ دَعْوَاهُ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى صَاحِبِ الْأَشْبَاهِ فَظن أَنه من قبيل الْبَرَاءَة الْعَامَّة أَنه مُسْتَثْنى من منعهَا الدَّعْوَى إِ هـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: هَذَا لَا يَظْهَرُ عَلَى مَا فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ عَنْ الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ مِنْ زِيَادَة قَوْله لم يَبْقَ عِنْدَ
الْوَصِيِّ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا اسْتَوْفَاهُ إلَخْ، فَهُوَ إقْرَارٌ لِمُعَيَّنٍ وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ عَلَى الْمُقِرِّ.
تَأَمَّلْ.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قُبَيْلَ الصُّلْحِ.
وَقَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَلَا تَنَاقُضَ لِحَمْلِ قَوْلِهِ: لَمْ يَبْقَ لِي حَقٌّ: أَيْ مِمَّا قَبَضْتُهُ، عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ اه.
وَتَمَامُ الْكَلَامِ هُنَاكَ.
قَوْلُهُ: (لِلْوَصِيِّ الْأَكْلُ إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ اسْتِحْسَانٌ إذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَا سَعَى.
قَالَ فِي أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: * (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما) * قَالَ الْفَقِيهُ: وَلَعَلَّ قَوْله تَعَالَى: * (وَمَنْ كَانَ فَقِيرا) * نُسِخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
قُلْت: فَكَأَنَّهُ يَمِيلُ إلَى اخْتِيَارِ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ.
قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْوَصَايَا مُتَبَرِّعًا فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا إِ هـ.
قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِهِ: إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَجْرٌ مَعْلُومٌ فَيَأْكُلُ بِقَدْرِهِ.
قَوْلُهُ: (لَهُ أَنْ يُنْفِقَ إلَخْ) كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: إنْ كَانَ صَالِحًا لِذَلِكَ جَازَ وَصَارَ الْوَصِيُّ مَأْجُورًا، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي تَعْلِيمِ قَدْرِ مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاتِهِ اه.
فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ.
تَأَمَّلْ.
وَفِي الْقُنْيَةِ: وَلَا يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَ فِي المصاهرات بَين الْيَتِيم وَغَيْرِهِمَا فِي خُلْعِ الْخَاطِبِ أَوْ الْخَطِيبَةِ، وَفِي الضِّيَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْهَدَايَا الْمَعْهُودَةِ، وَفِي الْأَعْيَادِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُد، وَفِي اتِّخَاذ ضايفة لِخَتَنِهِ لِلْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ مَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِ، وَكَذَا لِمُؤَدِّبِهِ وَمَنْ عِنْدَهُ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَكَذَا الْعِيدَيْنِ.(7/312)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَضْمَنُ فِي ضِيَافَةِ الْمُؤَدِّبِ وَالْعِيدَيْنِ اه مُلَخَّصًا.
وَفِي الْمُغْرِبِ: وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ: الْأَدَبُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى كُلِّ رِيَاضَةٍ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بِهَا الْإِنْسَانُ فِي فَضِيلَةٍ مِنْ الْفَضَائِلِ إِ هـ.
قَوْلُهُ: (جَعَلَ لِلْوَصِيِّ مُشْرِفًا إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (لِلْأَبِ إعَارَةُ طِفْلِهِ إلَخْ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيِّ: لِلْوَصِيِّ وَالْأَبِ إعَارَةُ مَالِ الْيَتِيمِ.
قَالَ عِمَادُ الدِّينِ فِي فُصُولِهِ: وَهَذَا مِمَّا يُحْفَظُ جِدًّا.
وَفِي التَّجْنِيسِ عَنْ النَّوَازِلِ: لَيْسَ لِلْأَبِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ فِي مَالِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ: لَهُ إعَارَةُ طِفْلِهِ، أَمَّا إعَارَةُ مَالِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ اسْتِحْسَانًا لَا عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
وَفِي فَوَائِد صَاحب الْمُحِيطِ: لَهُ إعَارَةُ الْوَلَدِ إذَا كَانَ لِخِدْمَةِ الْأُسْتَاذِ لِتَعَلُّمِ الْحِرْفَةِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ اه.
أَدَبُ
الْأَوْصِيَاءِ.
قَوْلُهُ: (يَمْلِكُ الْأَبُ لَا الْجَدُّ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى: مَاتَ عَنْ أَوْلَادٍ صِغَارٍ وَأَبٍ وَلَا وَصِيَّ لَهُ يَمْلِكُ الْأَبُ مَا يَمْلِكُ وَصِيُّهُ فَيَنْفُذُ وَصَايَاهُ وَيَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ ذَلِكَ إلَخْ، هَكَذَا رَأَيْت فِي نُسْخَتِي، فَتَأَمَّلْ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ ذَلِكَ، إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الْفَصْلِ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ وَصِيَّ الْمَيِّتِ يَمْلِكُ بَيْعَ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْجَدِّ، وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ يَمْلِكُ الْأَبُ مَا لَا يملكهُ الْوَصِيّ لَكَانَ كلَاما ظهر الْمَعْنَى وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْمَسَائِلِ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ، فَإِنَّهَا مِمَّا خَالَفَ الْأَبُ فِيهَا الْوَصِيَّ، وَقَدْ ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي آخِرِ فَرَائِضِ الْأَشْبَاهِ إحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً وَزَادَ عَلَيْهَا فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ وَغَيْرِهَا سَبْعَ عَشْرَةَ أُخْرَى فَرَاجِعْ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِالْأَبِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَبُو الصَّغِيرِ لَا أَبُو الْمَيِّتِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوَصِيِّ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قِسْمَتُهُ مَالًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ فِيهِ نَفْعٌ ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا.
ذَخِيرَةٌ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْبَيْعِ لِمَا فِي الْقِسْمَةِ مِنْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ، فَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ مِنْ الاوصياء بيع شئ مِنْ التَّرِكَةِ يَمْلِكُ قِسْمَتَهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَمْلِكُ قِسْمَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَاضِيًا وَمُتَقَاضِيًا فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ لَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ مِنْ الْآخَرِ فَلَا يَمْلِكَانِ الْقِسْمَةَ، بِخِلَافِ الْأَبِ فَلَهُ أَنْ يُقَاسِمَ مَالَ أَوْلَادِهِ.
وَالْحِيلَةُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ حِصَّةَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ فَيُقَاسِمُ مَعَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ مَا بَاعَهُ بِالثَّمَنِ، وَلَوْ فِي الْوَرَثَةِ كِبَارٌ فَدَفَعَ لَهُمْ حِصَّتَهُمْ وَأَفْرَزَ مَا لِلصِّغَارِ جملَة بِلَا تَمْيِيز جَازَ، لَان الْقِسْمَة هَاجَرت بَيْن الصِّغَارِ بَلْ بَيْنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَكَذَا لَوْ قَاسَمَ الْوَصِيُّ مَعَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَأَمْسَكَ الثُّلُثَيْنِ لِلصِّغَارِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي فَصْلِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَدَبِ الْأَوْصِيَاءِ، وَلَكِنْ قَوْلُهُ وَكَذَا أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ إلَخْ، قَالَ ط: فِيهِ أَنَّ تصرف الْوَصِيّ بِالْبيعِ ولاشراء لِلْأَجْنَبِيِّ يَجُوزُ بِالْقِيمَةِ وَبِالْغَبْنِ الْيَسِيرِ وَكُلٌّ مِنْ اليتيمين أَجْنَبِي من الآخر اهـ.
وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَا يَتَّجِرُ فِي مَالِهِ ثُمَّ إنَّ بَيْعَ الْجَدِّ إنَّمَا يَجُوزُ لِنَحْوِ النَّفَقَةِ وَالدَّيْنِ عَلَى الصِّغَارِ لَا لِلدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لِتَنْفِيذِ وَصَايَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تَغْفُلْ.
قَوْلُهُ: (إذَا لَمْ يَكُنْ فَاسِدَ الرَّأْيِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَصِّلُوا هَذَا(7/313)
التَّفْصِيلَ فِي الْوَصِيِّ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْ الْقَاضِيَ لَا يَخْتَارُ لِلْوِصَايَةِ إلَّا مِنْ كَانَ مُصْلِحًا يحسن تَدْبِير أَمر الْيَتِيم ط.
أَقُول: وَقد صَرَّحُوا بِأَنَّ الْوَصِيَّ حُكْمُهُ حُكْمَ الْأَبِ الْمُفْسِدِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّفْصِيلِ فِيهِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَجُزْ) أَيْ إلَّا إذَا بَاعَهُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَنْقُولِ رِوَايَتَانِ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ اشْتَرَى لِطِفْلِهِ إلَخْ) قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْفَصْلِ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَوْفًى.
قَوْلُهُ: (بِوُجُوبِهِمَا) أَيْ الثَّوْبِ وَالطَّعَامِ، وَالْمُرَادُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَالْأَوْلَى إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِلْعَطْفِ بِأَوْ.
قَوْلُهُ: (وَبِمِثْلِهِ) أَيْ فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الدَّارِ أَوْ الْعَبْدِ إنْ أَشْهَدَ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَرْجِعُ) لِعَدَمِ وُجُوبِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَسَنٌ إلَخْ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.(7/314)
كِتَابُ الْخُنْثَى
هُوَ فُعْلَى مِنْ الْخَنْثِ: أَيْ بِالْفَتْح والسكون: وَهُوَ اللين والتكسر، وَيُقَال خنثت الشئ فَتَخَنَّثَ: أَيْ عَطَفْته فَانْعَطَفَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمُخَنَّثُ، وَجَمْعُ الْخُنْثَى الْخَنَاثَى بِالْفَتْحِ كَحُبْلَى وَحَبَالَى اه.
شَرْحُ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ بَنِي آدَمَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا كَمَا قَالَ: * (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً) * (النِّسَاء: 1) وَقَالَ: * (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُور) * (الشورى: 49) وَقد بَين حكم وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ مَنْ هُوَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الْوَصْفَانِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَكَيْفَ وَبَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ اه.
كِفَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ ذُو فَرْجٍ) ، أَرَادَ بِهِ هُنَا قُبُلَ الْمَرْأَةِ، وَإِلَّا فَالْفَرْجُ يُطْلَقُ عَلَى قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ.
مُغْرِبٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَنْ عَرِيَ إلَخْ) بِكَسْرِ الرَّاءِ بِمَعْنَى خَلَا.
قَالَ الْأَتْقَانِيّ: وَهَذَا أَبْلَغُ وَجْهَيْ الِاشْتِبَاهِ.
وَلِهَذَا بَدَأَ مُحَمَّدٌ بِهِ اه.
أَقُولُ: وَقَوْلُهُ: ذُو فَرْجٍ وَذَكَرَ تَفْسِيرَ الْخُنْثَى لُغَة، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: هُوَ عِنْدَنَا وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي أَمْرِهِ سَوَاءٌ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الحكم لَا فِي الدّلَالَة، كَونه أَبْلَغَ فِي الِاشْتِبَاهِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَسْمِيَتِهِ خُنْثَى لُغَةً، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَإِنْ لَمْ يكن لَهُ شئ وَخَرَجَ بَوْلُهُ مِنْ سُرَّتِهِ لَيْسَ بِخُنْثَى، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: لَا نَدْرِي اسْمَهُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّهُ فِي حُكْمِ الْخُنْثَى اه.
فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَالَ إلَخْ) أَيْ إذَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فَالْحُكْمُ للمبال، لَان مَنْفَعَة الْآلَة عِنْد انفصار الْوَلَدِ مِنْ الْأُمِّ خُرُوجُ الْبَوْلِ فَهُوَ الْمَنْفَعَةُ الْأَصْلِيَّةُ لِلْآلَةِ وَمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَنَافِعِ يَحْدُثُ بَعْدَهَا، وَهَذَا حُكْمٌ جَاهِلِيٌّ وَقَدْ قَرَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله.
وَتَمَامُهُ فِي
الْمُطَوَّلَاتِ.
قَوْلُهُ: (فَالْحُكْمُ لِلْأَسْبَقِ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ، وَلِأَنَّهُ كَمَا خَرَجَ الْبَوْلُ حُكِمَ بِمُوجِبِهِ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ تَامَّةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ مِنْ الْآلَةِ الْأُخْرَى.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اسْتَوَيَا) بِأَنْ خَرَجَ مِنْهُمَا مَعًا.
قَوْلُهُ: (فَمُشْكِلٌ) لَمْ يَقُلْ مُشْكِلَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَجَاءَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ التَّذْكِيرُ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ غَلَبَ التَّذْكِيرُ.
أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيّ.
قَوْلُهُ: (وَلَا تُعْتَبَرُ الْكَثْرَةُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَلِيلٍ عَلَى الْقُوَّةِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لِاتِّسَاعِ الْمَخْرَجِ وَضِيقِهِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الْعُضْوُ الْأَصْلِيُّ، وَلِأَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ دَلِيلٌ بِنَفْسِهِ، فَالْكَثِيرُ مِنْ جِنْسِهِ لَا يَقَعُ بِهِ التَّرْجِيحُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ كَالشَّاهِدَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ اسْتَقْبَحَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ فَقَالَ: وَهَلْ رَأَيْت قَاضِيًا يَكِيلُ الْبَوْلَ بِالْأَوَاقِيِ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (كَمَا يَحْتَلِمُ الرَّجُلُ) بِأَنْ خَرَجَ مَنِيُّهُ مِنْ الذَّكَرِ ط.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَبَنٌ) أَيْ فِي ثَدْيِهِ كَلَبَنِ النِّسَاءِ، وَإِلَّا فَالرَّجُلُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ ثَدْيِهِ لَبَنٌ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: فَإِنْ قِيلَ ظُهُورُ الثَّدْيَيْنِ عَلَامَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ اللَّبَنِ، قِيلَ لِأَنَّ اللَّبَنَ قَدْ يَنْزِلُ وَلَا ثَدْيَ، أَوْ يَظْهَرُ لَهُ ثَدْيٌ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ ثَدْيِ الرَّجُلِ، فَإِذَا نَزَلَ اللَّبَنُ وَقَعَ التَّمْيِيزُ اه.
ط عَنْ(7/315)
الْحَمَوِيّ.
قَوْله: (أَو حَبل) بِأَنْ أَخَذَ الْمَنِيَّ بِقُطْنَةٍ وَأَدْخَلَهُ فَرْجَهُ فَحَبِلَ.
ط سَرِيِّ الدِّينِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَمْكَنَ وَطْؤُهُ) بِأَنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ النِّسَاءُ فَذَكَرْنَ ذَلِكَ.
أَفَادَهُ ط، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: أَوْ جُومِعَ كَمَا يُجَامَعُ النِّسَاءُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَعَارَضَتْ الْعَلَامَاتُ) كَمَا إذَا نَهَدَ ثَدْيُهُ وَنَبَتَتْ لِحْيَتُهُ مَعًا، أَوْ أَمْنَى بِفَرْجِ الرَّجُلِ وَحَاضَ بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ، أَوْ بَالَ بِفَرْجِهَا وَأَمْنَى بِفَرْجِهِ.
قُهُسْتَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ الْحَسَنِ) أَيْ الْبَصْرِيِّ.
قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ، أَنَّهُمَا قَالَا: تُعَدُّ أَضْلَاعُهُ فَإِنَّ أَضْلَاعَ الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَضْلَاعِ الرَّجُلِ.
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: يُوقَفُ إلَى جَانِبِ حَائِطٍ، فَإِنْ بَالَ عَلَيْهِ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ تَسَلْسَلَ عَلَى فَخِذَيْهِ فَهُوَ امْرَأَةٌ، وَلَيْسَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ بِصَحِيحٍ اه.
قَوْلُهُ: (يَزِيدُ) صَوَابُهُ يَنْقُصُ كَمَا عَلِمْت، وَارْجِعْ إلَى حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَلَى الْأَشْبَاهِ.
قَوْلُهُ: (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ أَشْكَلَ.
قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) أَقُولُ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، إنَّ الْأَخْذَ فِي أَمْرِهِ بِالْأَحْوَطِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ دَائِمًا، بَلْ قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ.
مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لِأَنَّ إشْكَالَهُ أورث شُبْهَة وَهِي لَا ترفع الثَّابِتَ
بِيَقِينٍ، لِأَنَّ عَدَمَ الْجِنَايَةِ وَعَدَمَ التَّحْرِيمِ كَانَا ثَابِتَيْنِ يَقِينًا فَلَا يَرْتَفِعَانِ بِشُبْهَةِ أُنُوثَتِهِ فَيُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ، بِخِلَافِ تَوْرِيثِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَيَأْتِي، إذْ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ الثَّابِتِ يَقِينًا فَلِذَا وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْكَافِي لِلسَّرَخْسِيِّ: إذَا وَقَفَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، كَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ وَهُوَ الْأَدَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْمُفْسِدُ وَهُوَ الْمُحَاذَاةُ مَوْهُومٌ، وَلِلتَّوَهُّمِ أُحِبُّ إعَادَةُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ قَامَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيُعِيدُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَاَلَّذِي خَلْفَهُ بِحِذَائِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لِتَوَهُّمِ الْمُحَاذَاةِ اه مُلَخَّصًا.
ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْخُنْثَى الَّذِي تَعَارَضَتْ فِيهِ العلامات، فَلَا يرد إمْكَانَ الْإِيلَاجِ فِيهِ أَوْ ظُهُورَ لَبَنٍ لَهُ عَلَامَةُ أُنُوثَتِهِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ وَيَثْبُتُ التَّحْرِيمُ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةُ الْأُنُوثَةِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَعَدَمُ التَّعَارُضِ وَلَيْسَ للْكَلَام فِيهِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: فَيَقِفُ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء إِذْ لَو وقف مَعَ الرِّجَال أَنَّهُ أُنْثَى أَوْ مَعَ النِّسَاءِ احْتَمَلَ أَنَّهُ رَجُلٌ، وَقَدَّمْنَا حُكْمَهُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا بَلَغَ حَدَّ الشَّهْوَةِ) أَيْ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا، وَإِلَّا فَلِلرَّجُلِ أَنْ يَخْتِنَهُ.
قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ.
أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ لَا عَوْرَةَ لِلصَّغِيرِ جِدًّا، ثُمَّ مَا دَامَ لَمْ يُشْتَهَ فَقُبُلٌ وَدُبُرٌ ثُمَّ تَتَغَلَّظُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ كَبَالِغٍ اه.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (لِتَكُونَ أَمَتَهُ) فَيَجُوزُ نَظَرُهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا، وَقَوْلُهُ (أَوْ مِثْلَهُ) : أَيْ إنْ كَانَ أُنْثَى فَيَكُونُ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ، وَهُوَ جَائِزٌ حَال الْعذر كنظر الْقَابِلَة وَقت الْولادَة أَو القرحة فِي الْفرج وَنَحْو ذَلِك.
قَوْله: (احْتِيَاطًا) إِذا فِي كُلِّ احْتِمَالٍ نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ أَغْلَظُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) هَذَا إذَا كَانَ أَبوهُ مُعسرا(7/316)
وَإِلَّا فَمِنْ مَالِهِ.
قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الذَّخِيرَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ تُبَاعُ) أَيْ وَيَرُدُّ ثَمَنَهَا إلَى بَيْتِ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ يُزَوَّجُ إلَخْ) هَذَا قَوْلُ الْحلْوانِي.
قَالَ فِي الْكِفَايَة: وَذكر شيح الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ، لِأَنَّ النِّكَاحَ مَوْقُوفٌ وَالنِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ لَا يُفِيدُ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى الْفرج.
أَقُولُ: وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ كَوْنَهُ مَوْقُوفًا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَإِلَّا فَالنِّكَاحُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: إمَّا صَحِيحٌ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَيَحِلُّ النَّظَرُ، وَإِمَّا بَاطِلٌ إنْ كَانَ أُنْثَى فَيَكُونُ فِيهِ نَظَرُ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ فَهُوَ مُفِيدٌ
عَلَى كُلِّ حَالٍ بِنَاءً عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
تَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُطَلِّقُهَا) أَيْ إذَا كَانَ بَالِغًا.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْحُلِيِّ) لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ دون النِّسَاء وحاله لن يَتَبَيَّنْ بَعْدُ فَيُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ، فَإِنَّ الِاجْتِنَابَ عَنْ الْحَرَامِ فَرْضٌ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُبَاحِ مُبَاحٌ، فَيُكْرَهُ حَذَرًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ.
عِنَايَةٌ.
قَوْلُهُ: (ثَبَتَتْ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ) أَيْ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُقَبِّلِ بِشَهْوَةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهُ.
قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَكَذَا لَوْ قَبَّلْته امْرَأَةُ لَا تَتَزَوَّجُ أَبَاهُ حَتَّى يَتَّضِحَ الْحَالُ بِظُهُورِهِ مِثْلُ الْمُقَبِّلِ اه.
قُلْت: وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْخُرُوجِ التَّحْرِيمُ، وَاحْتِمَالُ أَنَّهُ مِثْلُ الْمُقَبِّلِ لَا يَرْفَعُ هَذَا الْأَصْلَ الثَّابِتَ فَلَا يُنَافِي مَا حَرَّرْنَاهُ سَابِقًا.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ) أَيْ مِنْ الرِّجَالِ.
وَيُكْرَهُ مَعَ امْرَأَةٍ وَلَوْ مَحْرَمًا لِجَوَازِ كَوْنِهِ أُنْثَى فَيَكُونُ سَفَرَ امْرَأَتَيْنِ بِلَا مَحْرَمٍ لَهُمَا وَذَلِكَ حَرَامٌ.
إتْقَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ تقرر إشكاله) أَي تقرره عندنَا بعلمنا بِهِ كَمَا لَوْ رَأَيْنَا لَهُ ثَدْيَيْنِ وَلِحْيَةً.
قُلْت: وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ: أَيْ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي أَوْهَمَ الْمُصَنِّفَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ: كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ قَالَ الْخُنْثَى: أَنَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إنْ كَانَ مُشْكِلًا لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ.
وَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: إنْ قَالَ الْخُنْثَى الْمُشكل: أنل ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَالْقَوْلُ لَهُ، لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي حق نَفسه لِلْأَمِينِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ، وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ اه.
كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مُرَادَ الذَّخِيرَةِ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ لَنَا إشْكَالُهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مَا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا آخِرُ عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ الْمَذْكُورَةُ فِي النِّهَايَةِ وَنَصُّهُ: وَلَمَّا لَمْ يُعْرَفْ كَوْنُهُ مُشْكِلًا لَمْ يُعْرَفْ خِلَافُ مَا قَالَ فَصَدَقَ فِيمَا قَالَ، وَمَتَى عُرِفَ كَوْنُهُ مُشْكِلًا فَقَدْ عُرِفَ خِلَافُ مَا قَالَ، وَعُرِفَ أَنَّهُ مُجَازِفٌ فِي مَقَالَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْ نَفْسِهِ إذَا كَانَ مُشْكِلًا إلَّا مَا نعرفه نَحن اه.
وَهَذَا أسْقطه الزَّيْلَعِيُّ فَأَوْهَمَ أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ خِلَافُ مَا فِي الْهِدَايَةِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فَجَعَلَهُمَا قَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْكِفَايَةِ شَرَحَ كَلَامَ الْهِدَايَةِ بِكَلَامِ الذَّخِيرَةِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ قَبْلَ تَقَرُّرِ إشْكَالِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السَّيِّدَ قُدِّسَ سِرُّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْكِلَ وَقَيَّدَ بِالْأُمُورِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا تقرر لنا إشكاله،(7/317)
فَإِن قَالَ قَوْله مَقْبُولٌ فِيمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ بَاطِنًا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا أَخْبَرَ الْخُنْثَى بِحَيْضٍ أَوْ مَنِيٍّ أَوْ مَيْلٍ إلَى الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ يَقِينًا، مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّهُ رَجُلٌ ثُمَّ يلد فَإِن يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ السَّابِقِ اه.
قَوْلُهُ: (وَيُمِّمَ) أَيْ بِخِرْقَةٍ إنْ يَمَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَبِغَيْرِهَا إنْ يممه ذون رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَيَعْرِضُ الْأَجْنَبِيُّ وَجْهَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً وَلَا يَشْتَرِي جَارِيَةً لِلْغُسْلِ كَمَا كَانَ يُفْعَلُ لِلْخِتَانِ، لِأَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَقْبَلُ الْمَالِكِيَّةَ فَالشِّرَاءُ غَيْرُ مُفِيدٍ.
عِنَايَةٌ.
وَكَذَا لَوْ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَإِنْ مَلَكَهُ وَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَغْسِلُ سَيِّدَهَا، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْكَمَالِ مِنْ بَقَاءِ ملكه كَمَا حَرَّرَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَحْضُرُ) أَيْ لَا يَغْسِلُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً.
نِهَايَةٌ وَمِعْرَاجٌ.
وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُرَاهِقِ لِكَوْنِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَبْقَى مُشْكِلًا غَالِبًا.
قَوْلُهُ: (ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى) أَيْ ذَكَرًا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْ أُنْثَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ذَكَرٍ بِالْجَرِّ.
قَوْلُهُ: (وَنُدِبَ تَسْجِيَةُ قَبْرِهِ) أَيْ تَغْطِيَتُهُ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى أُقِيمَ وَاجِبٌ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا لَا تَضُرُّهُ التَّسْجِيَةُ.
زَيْلَعِيٌّ.
وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ سِتْرَ عَوْرَةِ الْأُنْثَى، وَإِلَّا فَالتَّسْجِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ.
مِنَحٌ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ هُوَ) أَيْ الْخُنْثَى، فَيُؤَخَّرُ عَنْ الرَّجُلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَلَوْ دُفِنَ مَعَ رَجُلٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِعُذْرٍ جُعِلَ خَلْفَ الرَّجُلِ وَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ مِنْ صَعِيدٍ، وَلَوْ مَعَ امْرَأَةٍ قُدِّمَ عَلَيْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رجل، ويكفن فِي خمس أَثْوَابٍ كَالْمَرْأَةِ.
وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ.
قَوْلُهُ: (فِي أَحْكَامِهِ) أَيْ فِي بَحْثِ أَحْكَامِ الْخُنْثَى، وَذَكَرَهَا فِي الْمِنَحِ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (يَعْنِي أَسْوَأَ الْحَالَيْنِ) إنَّمَا حَوَّلَ الْعِبَارَةَ لِيَشْمَلَ كَوْنَهُ مَحْرُومًا عَلَى تَقْدِير اه.
ح.
قَالَ فِي المنج: اعْلَمْ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نَصِيبِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا وَإِلَى نَصِيبِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى، فَأَيُّهُمَا أَقَلُّ يُعْطَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَحْرُومًا عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا شئ لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَا نِصْفُ النَّصِيبَيْنِ) أَيْ نِصْفُ مَجْمُوعِ حَظِّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَلَمَّا كَانَ مِنْ أَشْيَاخِ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلٌ مِنْهُمْ، اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِهِ، فَلَيْسَ هُوَ قَوْلًا لَهُمَا، لِأَنَّ الَّذِي فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ أَنَّ الَّذِي فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مُحَمَّدًا مَعَ الْإِمَامِ، وَكَذَا أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا فَسَّرَ بِهِ كَلَامَ
الشَّعْبِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَاخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي تَخْرِيجِ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعِهِ أَسْهُمٍ: لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ وَلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةٌ، اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كل وَاحِد مِنْهُمَا حَالَةَ انْفِرَادِهِ فَإِنَّ الذَّكَرَ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ كَانَ لَهُ كُلُّ الْمَالِ، وَالْخُنْثَى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ: إنْ كَانَ ذَكَرًا فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَنِصْفُ الْمَالِ، فَيَأْخُذُ نِصْفَ النَّصِيبَيْنِ نِصْفَ الْكُلِّ وَنِصْفَ النِّصْفِ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ، وَلِلِابْنِ: أَيْ الْوَاضِح كل المَال فَيجْعَل كل ربع مِنْهُمَا فَبَلَغَ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ: لِلِابْنِ أَرْبَعَةٌ(7/318)
وللخنثى ثَلَاثَة لَان الابْن يسْتَحق الْكل عِنْد الِانْفِرَاد والمخنثى ثَلَاث الْأَرْبَاعِ، فَيُضْرَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِجَمِيعِ حَقِّهِ بِطَرِيقِ الْعَوْلِ وَالْمُضَارَبَةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: بَيْنَهُمَا عَلَى اثْنَيْ عشر سَهْما: سَبْعَةٌ لِلِابْنِ وَخَمْسَةٌ لِلْخُنْثَى، اُعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَةَ اجْتِمَاعٍ، فَلَوْ كَانَ الْخُنْثَى ذَكَرًا فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ أُنْثَى كَانَ أَثْلَاثًا، فَالْقِسْمَةُ عَلَى الذُّكُورَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَعَلَى الْأُنُوثَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيُضْرَبُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ تَبْلُغُ سِتَّةً لِلْخُنْثَى، عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى سَهْمَانِ، وَعَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ ثَلَاثَةٌ فَلَهُ نِصْفُهُمَا وَنِصْفُ الثَّلَاث كسر فَتضْرب السِّتَّة فِي اثْنَيْنِ تبلع اثْنَيْ عَشَرَ، فَلِلْخُنْثَى سِتَّةٌ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى فَلَهُ نِصْفُهُمَا خَمْسَةٌ اه مُلَخَّصًا.
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَأَشَارَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى اخْتِيَارِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْلِيلِ نَصِيبِ الْخُنْثَى، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ أَقَلُّ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ سَهْمٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا، وَطَرِيقُ (1) مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَضْرِبَ السَّبْعَةَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَثَمَانِينَ، وَحِصَّة الْخُنْثَى مِنْ السَّبْعَةِ ثَلَاثَةٌ فَاضْرِبْهَا فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَكُونُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ وَحِصَّتُهُ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ خَمْسَةٌ فَاضْرِبْهَا فِي السَّبْعَةِ تَكُونُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ، فَظَهَرَ أَنَّ التَّفَاوُتَ بِسَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَثَمَانِينَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: (وَوَلَدَيْهَا) أَيْ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ عَنْ عَمِّهِ إلَخْ) أَيْ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ عَمِّهِ وَعَنْ ابْنِ أَخِيهِ حَالَ كَوْنِ ابْنِ الْأَخِ خُنْثَى، فَالضَّمِيرُ فِي عَمِّهِ لِلرَّجُلِ الْمَيِّتِ، هَذَا مِثَالٌ لِحِرْمَانِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ وَمَا قَبْلَهُ على تَقْدِير الذُّكُورَة.
قَوْله: (وَكَانَ المَال للْعلم) لِأَنَّ بِنْتَ الْأَخِ لَا تَرِثُ، وَلَوْ قُدِّرَ ذَكَرًا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لَهُ دُونَ الْعَمِّ لِأَنَّ ابْنَ الْأَخِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمِّ ط.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مَسَائِلُ شَتَّى
قَوْلُهُ: (جَمْعُ شَتِيتٍ إلَخْ) فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، حَمْلٌ على فعيل بِمَعْنى مفعول كمريض ومرضي
__________
(1)
قَوْله: (وَطَرِيق مَعْرفَته الخ) وَتسَمى هَذِه طَريقَة التَّجْنِيس وَهَكَذَا كل عددين نسب إِلَيْهِمَا أقل مِنْهُمَا وَأَدت معرفَة أَي المنسوبين أقل فَاضْرب أحد العددين الْمَنْسُوب إِلَيْهِمَا فِي الاخر ثمَّ يضْرب كل وَاحِد من الافلين فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ الاقل الاخر وَانْظُر فِيمَا تحصل من ضرب كل من الافلين فِي مَنْسُوب الاخر ففى مَسْأَلَتنَا لم يدر هَل الثَّلَاثَة من سَبْعَة كَمَا هُوَ قَول أَبى يُوسُف أَكثر أَو خَمْسَة من إثنا عشر أَكثر كَمَا هُوَ قَول مُحَمَّد.
فَإِذا أردْت معرفَة أكثرهما فَاضْرب السَّبْعَة الَّتِى نسيت إِلَيْهَا الثَّلَاثَة فِي الاثنا عشر الَّتِى نسبت إِلَيْهَا الْخَمْسَة تبلغ أَرْبَعَة وَثَمَانِينَ ثمَّ اضْرِب الْمَنْسُوب إِلَى السَّبْعَة وَذَلِكَ ثَلَاثَة فِي الْمَنْسُوب إِلَيْهِ الْخَمْسَة وَذَلِكَ اثْنَا عشر يكون الْخَارِج سِتَّة وَثَلَاثِينَ وَاضْرِبْ الْخَمْسَة فِي السَّبْعَة تبلغ خَمْسَة وَثَلَاثِينَ اه.(7/319)
وَلِذَا جُمِعَ عَلَى فُعْلَى.
قُهُسْتَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مَا لَا يُذْكَرُ) الْأَوْلَى مَا لَمْ كَمَا عَبَّرَ غَيْرُهُ.
قَوْلُهُ: (فَيَنْتِجُ) أَيْ مِنْ الشَّكْلِ الْأَوَّلِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الصُّغْرَى.
قَوْلُهُ: (بَلْ أَوْلَى) لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْمَائِعِ فِي التَّصَرُّفِ فَوْقَ تَأْثِيرِ غَيْرِهِ.
مِنَحٌ.
فَإِذَا كَانَ عَرَقُ الْجَلَّالَةِ الَّتِي غُذِّيَتْ بِالنَّجَاسَةِ الْجَامِدَةِ نَجِسًا فَعَرَقُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ الْمَائِعِ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (وَمَا أَسْمَجَ) مِنْ السَّمَاجَةِ وَهِيَ الْقُبْحُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ الْعِزِّ) بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ، وَهُوَ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ.
قَوْلُهُ: (فَحِينَئِذٍ) أَيْ فَحِينَ إذْ كَانَ عَرَقُهُ نَجِسًا يُنْقَضُ لِقَاعِدَةِ: كُلُّ خَارِجٍ نَجِسٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ط.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَعَ غَرَابَتِهِ) أَيْ تَفَرُّدِ ابْنِ الْعِزِّ بِاسْتِنْبَاطِهِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَشْهَدُ لَهُ رِوَايَةٌ) أَيْ دَلِيلٌ مَنْقُولٌ وَلَا دِرَايَةٌ: أَيْ دَلِيلٌ مَعْقُولٌ.
قَوْلُهُ: (وَيَشْهَدُ لِبُطْلَانِهَا إلَخْ) حَاصله اسْتِدْلَال بِالْقِيَاسِ على مَسْأَلَة الجدي بِجَامِعِ الِاسْتِهْلَاكِ، وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: فَكَذَلِكَ نَقُولُ إلَخْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِيَاسَ دَلِيلٌ مَعْقُولٌ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَهْلَكًا) يَعْنِي بِخِلَافِ الْجَلَّالَةِ، فَإِنَّ مَا تَتَنَاوَلُهُ لِكَوْنِهِ جَامِدًا لَا يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا بَلْ يُحِيلُ لَحْمَهَا إلَى نَتْنٍ وَفَسَاد.
وَتَأمل اه ح.
قَوْلُهُ: (وَيَكْفِينَا فِي ضَعْفِهِ غَرَابَتُهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ وَهْبَانَ أَنَّهُ لَا تَعْوِيلَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كل ماقاله صَاحِبُ الْقُنْيَةِ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ مَا لَمْ يَعْضُدْهُ نَقْلٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ من عُلَمَائِنَا
الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين أَن عرف مدمن الْخمر نَاقض للْوُضُوء سِوَى مَا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِزِّ.
وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ مُدْمِنَ الْخَمْرِ يَخْلِطُ وَالْجَلَّالَةُ لَا تَخْلِطُ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ تَخْلِطُ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ عَرَقِهَا كَمَا قَالُوا فِي تَفْسِيرِهَا، وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي تَوَلُّدِ الْعَرَقِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا نَقْضَ بِالشَّكِّ، عَلَى أَنَّا مَا أَثْبَتْنَا النَّقْضَ بِالْخَارِجِ الْمُحَقَّقِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إلَّا بَعْدَ عِلَاجٍ قَوِيٍّ وَمُنَازَعَةٍ كُلِّيَّةٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ، فَكَيْفَ يثبت النَّقْض بشئ مَوْهُومٍ؟ وَأَيْضًا نَفْسُ عَرَقِ الْجَلَّالَةِ فِي نَجَاسَتِهِ مُنَازَعَةٌ، إذْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِكَرَاهَةِ لَحْمِهَا إذَا تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ، وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ الْكَرَاهَةَ لِرَيْبٍ فِي الْحُرْمَةِ، وَالْحُرْمَةُ فَرْعُ النَّجَاسَةِ، وَالنَّقْضُ بِهَا إنَّمَا يَكُونُ بِمَا لَا رَيْبَ فِيهِ، وَيَلْزَمُ مِمَّا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِزِّ نَقْضُ الْوُضُوءِ بِعَرَقِ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَجَاسَةً مَا فِي زَمَنِ مُدَاوَمَتِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ اه مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا النَّقْضُ بِدُمُوعِهِ وَرِيقِهِ لِأَنَّهُمَا كَالْعَرَقِ، وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَعْذُورِ(7/320)
لِخُرُوجِ رِيقِهِ دَائِمًا، وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ أَيْضًا، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَن سُؤْر الابل وَالْبَقر وَالْجَلالَة مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا.
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ عَرَقَ الْجَلَّالَةِ طَاهِرٌ.
قَوْلُهُ: (وَخُرُوجُهُ عَنْ الْجَادَّةِ) هِيَ مُعْظَمُ الطَّرِيقِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ طَرِيقُ الْفِقْهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ السَّرْحِ) بِمُهْمَلَاتٍ.
قَالَ فِي جَامِعِ اللُّغَةِ: السَّرْحُ: الْمَالُ وَشَجَرٌ عِظَامٌ طِوَالٌ، وَالْمُرَادُ بِهَا مَسَائِلُ الْفِقْهِ اه ح.
فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ الْخُرْءُ صُلْبًا) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ يَابِسًا زَادَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَإِنْ كَانَ مُتَفَتِّتًا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ يُؤْكَلُ أَيْضًا اه.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَفْسُدُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْمُحِيطِ: وَخُرْءُ الْفَأْرَةِ وَبَوْلُهَا نَجِسٌ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ إلَى نَتْنٍ وَفَسَاد والاحتراز عَنهُ مُمكن فِي الماحء لَا فِي الطَّعَام وَالثَّيِّب فَصَارَ مَعْفُوًّا فِيهِمَا.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: بَوْلُ الْهِرَّةِ والفأر وَخُرْؤُهُمَا نَجِسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ يُفْسِدُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ، وَبَوْلُ الْخَفَافِيشِ وَخُرْؤُهُ لَا يُفْسِدُ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ اه.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ: خرء الْفَأْرَة لَا يفْسد الدهم وَالْحِنْطَةَ الْمَطْحُونَةَ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهَا.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ نَأْخُذُ.
قَوْلُهُ: (فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ) وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: رُبَاعِيَّةُ الظُّهْرِ، وَرُبَاعِيَّةُ الْجُمُعَةِ الْقَبْلِيَّةَ وَالْبَعْدِيَّةُ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ.
وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الرُّبَاعِيَّاتِ الْمُسْتَحَبَّاتِ وَالنَّوَافِلِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَقْرَأُ دُعَاءَ
الِاسْتِفْتَاحِ.
أَفَادَهُ ط.
قَوْلُهُ: فِي الْجُمُعَةِ أَيْ فِي يَوْمهَا، فَإِنَّهَا ورد فِيهِ سَاعَةُ إجَابَةِ: أَيْ لِلدُّعَاءِ بِعَيْنِهِ ط.
قَوْلُهُ: (وَقت الْعَصْر) وَقيل من حَيّ بخطب إِلَى أَن يفرغ من الصَّلَاة كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ اه.
قَالَ ط: وَيَكْفِي الدُّعَاءُ بِقَلْبِهِ كَمَا ذكر الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَقِيلَ: آخِرُ سَاعَةٍ فِيهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اه.
وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا دَائِرَةٌ فِي جَمِيعِ وَقْتِ الْعَصْرِ، وَهُوَ من حِين بُلُوغ ظلّ الشئ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَيْهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْقَوْلَيْنِ إلَى الْغُرُوبِ.
حَمَوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ) أَيْ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى.
قَوْلُهُ: (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ.
مِنَحٌ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَهُ لِيَرْجِعَ الضَّمِيرُ إلَى مَذْكُورٍ صَرِيحًا وَهُوَ عَلَيْكُمْ.
قَوْلُهُ: (لُفَّ ثَوْبٌ نَجِسٌ رَطْبٌ) أَيْ مُبْتَلٌّ بِمَاءٍ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، بِخِلَافِ الْمَبْلُولِ بِنَحْوِ الْبَوْلِ لِأَنَّ النَّدَاوَةَ حِينَئِذٍ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَبِخِلَافِ مَا إِذْ ظَهَرَ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ مِنْ لَوْنٍ أَوْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّسُ كَمَا حَقَّقَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلَ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَتَنَجَّسُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَقَاطَرْ مِنْهُ بِالْعَصْرِ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شئ، وَإِنَّمَا يَبْتَلُّ مَا يُجَاوِرُهُ بِالنَّدَاوَةِ وَبِذَلِكَ لَا يَتَنَجَّس بِهِ.(7/321)
وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ: إنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّس لانه يُؤْخَذ بَلَلًا مِنْ النَّجِسِ الرَّطْبِ، وَإِنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ النَّجِسَ وَالطَّاهِرُ وَالرَّطْبُ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّ الْيَابِس النَّجس يُؤْخَذ بَلَلًا مِنْ الطَّاهِرِ وَلَا يَأْخُذُ الرَّطْبُ مِنْ الْيَابِسِ شَيْئًا.
زَيْلَعِيٌّ.
وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَسِيلُ وَعُصِرَ لِلنَّجِسِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لِلطَّاهِرِ، وَهُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَكَثِيرٍ من الْكتب كالقهستاني وَابْن كَمَال وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْبَحْرِ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَوَجْهُهُ أَظْهَرُ، وَالثَّانِي أَوْسَعُ وَأَسْهَلُ، فَتَبَصَّرْ.
ثُمَّ إنَّ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ فِي بَعْضِهَا بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ، وَفِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ الْأَصَحِّ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ نُشِرَ إلَخْ) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ، وَقَدْ جَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُفَرَّعًا عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ عِبَارَتِهِ السَّابِقَةِ: وَعَلَى هَذَا إِذا نشر الثَّوْب الْمَبْلُولُ عَلَى حَبْلٍ نَجِسٍ هُوَ يَابِسٌ لَا يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى.
وَقَالَ قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ: إذَا نَامَ الرَّجُلُ عَلَى فِرَاشٍ فَأَصَابَهُ (1) مَنِيٌّ وَيَبِسَ وَعَرِقَ الرَّجُلُ وَابْتَلَّ الْفِرَاشُ مِنْ عَرَقِهِ: إنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْبَلَلِ فِي بَدَنِهِ لَا يَتَنَجَّسُ جَسَدُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَرَقُ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ الْفِرَاشُ ثُمَّ أَصَابَ بَلَلُ الْفِرَاشِ جَسَدَهُ وَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جَسَدِهِ يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ، وَكَذَا إذَا غَسَلَ رِجْلَهُ فَمَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ بِغَيْرِ مُكَعَّبٍ فَابْتَلَّ الْأَرْضُ مِنْ بَلَلِ رِجْلِهِ وَاسْوَدَّ وَجْهُ الْأَرْضِ لَكِنْ لم يظْهر أثر بَلل لارض فِي رِجْلِهِ فَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ بَلَلُ الْمَاءِ فِي رِجْلِهِ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ وَجْهُ الْأَرْضِ وَصَارَ طِينًا ثُمَّ أَصَابَ الطِّينُ رجله لَا تحوز صَلَاتُهُ.
وَلَوْ مَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ رَطْبَةٍ وَرجله يَابِس تتنجس اهـ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ) بِأَنْ كَانَتْ مُطَيَّنَةً بِنَحْوِ الزِّبْلِ، أَمَّا لَوْ أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ وَجَفَّتْ لم تبْق نَجِسَة وَلم تعد النَّجَاسَة بِإِصَابَة المَاء عل الْمُعْتَمَدِ.
قَوْلُهُ: (كَالْعُلَمَاءِ) أَيْ وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْمُقَاتِلَةِ وذراريهم وَالْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ كِفَايَتِهِمْ.
ابْنُ الشِّحْنَةِ.
قَوْلُهُ: (ظَفِرَ بِمَا هُوَ وَجْهٌ لِبَيْتِ الْمَالِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي أَغْلَبِهَا بِدُونِ هُوَ، وَعَلَيْهِ فَوُجِّهَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَمَاتَ الْمُودَعُ بِلَا وَارِثٍ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْوَدِيعَةَ إلَى نَفْسِهِ فِي زَمَنِنَا هَذَا، لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَضَاعَ لِأَنَّهُمْ لَا يَصْرِفُونَ مَصَارِفَهُ، فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ صَرَفَهُ إلَى نَفْسِهِ، وَإِلَّا صَرَفَهُ إلَى الْمصرف إه.
منح.
قَوْله: (فعيه كَفَّارَة وَاحِدَة) لَان الْكَفَّارَة تسْقط بالبشبهة فَتَتَدَاخَلُ كَالْحَدِّ.
مُجْتَبًى.
ثُمَّ قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي التَّدَاخُلِ: فَقِيلَ لَا تَجِبُ الثَّانِيَةُ لِتَدَاخُلِ السَّبَبِ، وَقيل: تجب ثمَّ تسْقط، فَأَما
__________
(1)
قَوْله: (فَأَصَابَهُ مني الخ) الاحسن إِسْقَاط الْفَاء وَجُمْلَة أَصَابَهُ صفة ثوب تَأمل اه.(7/322)
إذَا كَفَّرَ الْأَوَّلَ فَلَا اجْتِمَاعَ فَلَا تَدَاخُلَ.
قَوْله: (وَلَو فِي رمضانين الخ) لَو وصيلة، وَأَشَارَ إِلَى أَن التَّقْيِيد برمضان وَاد، خِلَافُ الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ.
قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: الِاعْتِمَادُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَة، وَالصَّحِيح أَنه كيفيه كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّدَاخُلِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا لَوْ صَامَ وَنَوَى عَنْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَيْضًا يَجُوزُ اه.
وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَانِ
مِنْ رَمَضَانَيْنِ فَقَضَى يَوْمًا ونواه عَنْهُمَا يجوز صزمه عَنْ أَحَدِهِمَا وَيَبْقَى عَلَيْهِ الْآخَرُ، لَكِنْ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ نَوَاهُ عَنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا تَعْيِينِ شَهْرِهِ حَيْثُ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَوْ عَنْ رَمَضَانَيْنِ قَضَاءُ أَحَدِ رَمَضَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّائِمُ أَوَّلَ أَوْ آخِرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُرِدْ جَمْعَهُمَا فِي النِّيَّةِ، لِأَنَّ نَاوِيَ الْقُرْبَتَيْنِ فِي الصَّوْمِ مُتَنَفِّلٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ اه.
أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَتْنِ: كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ إلَخْ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ فَاتَهُ الظُّهْرُ مِنْ يَوْمَيْنِ مَثَلًا فَقَضَى ظُهْرًا وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَ الْيَوْمَيْنِ صَحَّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ نَوَى ظُهْرًا وَاحِدًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ.
وَفِي قَوْلِ مِسْكِينٍ: لِأَنَّ نَاوِيَ الْقُرْبَتَيْنِ إلَخْ مُنَافَاةٌ لِصَدْرِ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ قُبَيْلَ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنه لَو نوى فائتتين فللاولى لَو أَمن أَهْلِ التَّرْتِيبِ وَإِلَّا لَغَا اه.
وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الصَّوْمِ يَلْغُو، إذْ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالصَّلَاةِ، وَبِهِ تَأَيَّدَ كَلَامُ مِسْكِينٍ، وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ الْأَصْلِ الْآتِي قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (صَحَّ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلَخْ) قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ اه.
وَنَقَلَ ط تَصْحِيحَهُ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَيْضًا وَأَنَّ التَّعْيِينَ أحوط.
وقهل: (وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ إلَخْ) صَحَّحَهُ أَيْضًا فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالتَّعْيِينُ أَنْ يُعَيِّنَ أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةِ كَذَا، وَفِي الصَّلَاةِ أَنْ يُعَيِّنَ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا، وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَهُ جَازَ، وَهَذَا مُخَلَّصُ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتَ الَّتِي فَاتَتْهُ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْفُرُوضَ مُتَزَاحِمَةٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُرِيدُ أَدَاءَهُ، وَالشَّرْطُ تَعْيِينُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ.
أَمَّا التَّعْيِينُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ: أَيْ فِي أَفْرَادِهِ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ فَهُوَ لَغْوٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَهُ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَ نَاوِيًا عَنْ قَضَاءِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ أَوْ عَنْ رَمَضَانَ آخَرَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ، أَوْ نَوَى ظُهْرَ السَّبْتِ وَعَلَيْهِ ظُهْرُ الْخَمِيس، وَيعرف اخْتِلَاف الْجِنْس لاخْتِلَاف السَّبَبِ كَالصَّلَوَاتِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ، فَإِنَّ الدُّلُوكَ فِي يَوْمٍ غَيْرُهُ فِي آخَرَ، بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ لِتَعَلُّقِهِ بِشُهُودِ الشَّهْرِ وَهُوَ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ
عَنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى تعْيين يَوْم كَذَا، خلاف رَمَضَانَيْنِ.
زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ:(7/323)
(ثمَّ رَأَيْته) أَي هَذَا التَّفْصِيل مقله عَنْهُ: أَيْ عَنْ الْمُحِيطِ فِي الْأَشْبَاهِ.
فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا مُشْكِلٌ) لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ صلا جِنْسٌ لِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا فَيُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحِيطِ لَجَازَ مَعَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ إلَى الْأَوَّلِ، إذْ لَا يَجِبُ التَّعْيِين عِنْد التَّرْتِيب وَلَا يُفِيد إِ هـ.
كَذَا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
قَوْلُهُ: (خِلَافُهُ) أَيْ مِنْ التَّعْيِينِ وَلَوْ بِأَوَّلِ ظُهْرٍ أَوْ آخِرِهِ مَثَلًا ط.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الثَّانِيَ مُصَحَّحٌ وَإِنْ كَانَ الْأَحْوَطُ التَّعْيِينَ ط.
قَوْلُهُ: (وَالْحَرْقُ كَالْغَسْلِ) لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شئ أَو تحليه فَيَصِيرَ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ أحرقن الْعَذِرَةُ وَصَارَتْ رَمَادًا طَهُرَتْ لِلِاسْتِحَالَةِ، كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ، وَكَالْخِنْزِيرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ وَصَارَ مِلْحًا.
وَعَلَى هَذَا قَالُوا: إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يَتَنَجَّسَ الْخُبْزُ، وَكَذَلِكَ إذَا تَنَجَّسَ مِمْسَحَةُ الْخَبَّازِ تَطْهُرُ بِالنَّارِ زَيْلَعِيٌّ قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَبِهَذَا لَا يَظْهَرُ مَا عُزِيَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ السِّكِّينَ الْمُمَوَّهَ بِالْمَاءِ النَّجِسِ يُمَوَّهُ بِالطَّاهِرِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ النَّارَ وَمَكَثَ أَدْنَى مُدَّةٍ لَمْ يَبْقَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا اه.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَدَّمَهُ فِي الْجِهَادِ) حَيْثُ قَالَ: تَرَكَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَلَوْ بِشَفَاعَةٍ جَازَ عِنْدَ الثَّانِي وَحَلَّ لَهُ لَوْ مَصْرِفًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَبِهِ يُفْتَى.
وَمَا فِي الْحَاوِي مِنْ تَرْجِيحِ حِلِّهِ لِغَيْرِ الْمَصْرِفِ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَلَوْ تَرَكَ الْعُشْرَ لَا يجوز إِجْمَاعًا بِنَفْسِهِ لِلْفُقَرَاءِ خِلَافًا لِمَا فِي قَاعِدَةِ تَصَرُّفُ الْإِمَامِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ مِنْ الْأَشْبَاهِ مَعْزِيًّا لِلْبَزَّازِيَّةِ فَتنبه إِ هـ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ جَازَ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، لَكِنْ لَوْ غَنِيًّا ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِبَيْتِ مَالِ الصَّدَقَةِ، وَلَوْ فَقِيرًا لَا يَضْمَنُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ زِرَاعَةِ الارض) أَي الْمَمْلُوكَة لَهُم.
قَوْله: (لمستحقه (1)) أَيْ لِمُسْتَحِقِّ الْخَرَاجِ.
قَوْلُهُ: (رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ) لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إزَالَةِ مِلْكِهِمْ بِلَا رِضَاهُمْ من غير صيرورة وَلَا إِلَى تَعْطِيل حق الْمُقَاتلَة مَا قُلْنَا.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بَاعَهَا لِقَادِرٍ) أَيْ عَلَى الزِّرَاعَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبِعْهَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُقَاتِلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا، وَلَوْ بَاعَ
__________
(1)
قَوْله: (الْمحشِي لمستحقه) نسخ الشَّرْع الَّتِى بِأَيْدِينَا الْمُسْتَحقَّة وَعَلَيْهَا كتب الطَّحَاوِيّ اه.(7/324)
يَفُوتُ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ، وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ زَيْلَعِيّ.
وَهَذَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ قَبْلَ الْبَيْعِ إنْ شَاءَ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً، وَإِنْ شَاءَ زَرَعَهَا بِنَفَقَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْبَلُهَا مُزَارَعَةً بَاعَهَا إلَخْ.
قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) أَصْلُهُ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ اسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ: وَأَخَذَ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ اجْتَمَعَ الْخَرَاجُ فَلَمْ يُؤَدِّ سَنَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ هَذِهِ السَّنَةِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِخَرَاجِ السَّنَةِ الْأُولَى وَيَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا قَالَ فِي الْجِزْيَةِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ، هَذَا إذَا عَجَزَ عَنْ الزِّرَاعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ فرص مَسْأَلَتنَا فِي الْعَجز، فَافْهَم.
قَوْلُهُ: (فَيُحْمَلُ إلَى إلَخْ) لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى حَالَة عدم الْعَجز لَان فرص مَسْأَلَتِنَا فِي الْعَجْزِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (الْمَاضِيَةُ فَقَطْ) أَيْ الَّتِي عَجَزُوا فِيهَا، وَهِيَ الَّتِي قَبْلَ السَّنَةِ الَّتِي دَفَعَ فِيهَا الْإِمَامُ الْأَرْضَ إلَى غَيْرِهِمْ دُونَ مَا قَبْلَهَا، وَلَا يَحْصُلُ التَّدَاخُلُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ سَنَةِ الدَّفْعِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَسْقُطُ خَرَاجُ هَذِهِ الْمَاضِيَةِ، لِأَنَّ وُجُوبَ الْخَرَاجِ بِآخِرِ الْحَوْلِ لَا بِأَوَّلِهِ، بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ كَمَا صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (تَحَرَّى وَأَكَلَ) لِأَنَّ لِلْغَالِبِ حُكْمَ الْكُلِّ، وَكَذَا الزَّيْتُ لَوْ اخْتَلَطَ مَعَ وَدَكِ الْمَيِّتَةِ أَوْ الْخِنْزِيرِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا إذَا غَلَبَ الزَّيْتُ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بَلْ يَسْتَصْبِحُ بِهِ أَوْ يَبِيعُهُ مَعَ بَيَانِ عَيْبِهِ أَوْ يَدْبَغُ بِهِ الْجُلُودَ وَيَغْسِلُهَا، لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ تَبَعٌ لِلْغَالِبِ، وَلَا حُكْمَ لِلتَّبَعِ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثِيَابٌ مُخْتَلِطَةٌ، فَفِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ بِأَنْ لَا يَجِدَ طَاهِرًا بِيَقِينٍ وَلَا مَاءَ يَغْسِلُهَا بِهِ تَحَرَّى مُطْلَقًا، لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِثَوْبٍ نَجِسٍ بِيَقِينٍ جَائِزَةٌ حَالَةَ الِاضْطِرَارِ بِالْإِجْمَاعِ فَفِي ثَوْبٍ مَشْكُوكٍ أَوْلَى.
وَأَمَّا فِي الِاخْتِيَارِ فَإِنَّ الْغَلَبَةَ لِلطَّاهِرِ تَحَرَّى، وَإِلَّا لَا كَالْجَوَابِ فِي الْمَسَالِيخِ، وَكَذَا أَوَانِي الْمَاءِ إلَّا أَنَّهُ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ لَوْ غَلَبَ النَّجِسُ يَتَحَرَّى لِلشُّرْبِ إجْمَاعًا، لِأَنَّ شُرْبَ النَّجِسِ بِيَقِينٍ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ فَالْمَشْكُوكُ أَوْلَى، وَلَا يَتَحَرَّى لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا بَلْ يَتَيَمَّمُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُرِيقَ الْمَاءَ قَبْلَهُ أَوْ يخلطه بِالنَّجِسِ.
وَتَمَامُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
أَقُولُ: وَالْمُرَادُ مِنْ اخْتِلَاطِ الزَّيْتِ مَعَ الْوَدَكِ اخْتِلَاطُ أَجْزَائِهِمَا لَا اخْتِلَاطُ أَوَانِيهِمَا وَلِذَا لَمْ يَحِلَّ
الْأَكْلُ، فَتَنَبَّهْ.
قَوْلُهُ: (لَا يَتَحَرَّى) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَلَامَةٌ تُعْلَمُ بِهَا الذَّكِيَّةُ، فَإِنْ كَانَتْ فَعَلَيْهِ الْأَخْذُ بِهَا كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالُوا: مِنْ عَلَامَةِ الْمَيْتَةِ أَنَّهَا تَطْفُو فَوْقَ الْمَاءِ وَالذَّكِيَّةُ لَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ عَلَامَةَ الْمُذَكَّاةِ خُلُوُّ الْأَوْدَاجِ مِنْ الدَّمِ وَعَلَامَةُ الْمَيْتَةِ امْتِلَاؤُهَا مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (بِأَن يجد ذكية) أَقُول: المُرَاد أَن لم يَجِدَ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ مِنْ لَحْمٍ مذكى أَو خبز أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا تَحَرَّى إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: أَمَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ يحل لَهُ لتنازل فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَيْتَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ تَحِلُّ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ، فَاَلَّذِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذكية أَولا، غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُوَصِّلُهُ إلَى الذَّكِيَّةِ فِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَتْرُكُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَة اه.
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَطُولِبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالثِّيَابِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ لَوْ مَعَهُ ثَوْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ لَا غَيْرُ وَلَا مُمَيَّزَ بَيْنَهُمَا يَتَحَرَّى وَيُصلي فقد جوز التَّحَرِّي فيهمَا إذَا كَانَا نِصْفَيْنِ وَفِي الْمَسَالِيخِ لَمْ يَجُزْ.
وَأجِيب(7/325)
بِأَنَّ حُكْمَ الثِّيَابِ أَخَفُّ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، بِخِلَافِ الْغَنَمِ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِنَحِ وَغَيْرِهَا.
أَقُولُ: هَذَا عَجِيبٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوا مِنْ مَسْأَلَةِ الثَّوْبَيْنِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ، وَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْغَنَمِ كَمَا سَمِعْت التَّصْرِيحَ بِهِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَفِي قَوْلِ الْهِدَايَةِ: يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ: أَيْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الذَّكِيَّةُ غَالِبَةً أَوْ مَغْلُوبَةً أَوْ مُسَاوِيَةً فَكَيْفَ يَطْلُبُ الْفَرْقَ فِيمَا لَا فَرْقَ فِيهِ؟ وَإِنْ أَرَادُوا الْفَرْقَ بَيْنَ الثِّيَابِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَبَيْنَ الْغَنَمِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ سَاقِطٌ أَصْلًا، إذْ لَا يُطْلَبُ الْفَرْقُ إلَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْحَالَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الطُّورِيَّ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
قَوْلُهُ: (وَمَرَّ فِي الْحَظْرِ) أَيْ فِي أَوَّلِهِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ: وَمَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ وَلَفْظُ الْحَظْرِ سَاقِطٌ مِنْ أَغْلَبِ النُّسَخِ.
قَوْلُهُ: (إيمَاءُ الْأَخْرَسِ) أَيْ إشَارَتُهُ بِحَاجِبٍ أَوْ يَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا عَرَفَ الْقَاضِي إشَارَتَهُ.
وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَخْبِرَ مِمَّن يغرفها مِنْ إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ حَتَّى يَقُولَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي أَرَادَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ كَذَا، وَيُفَسِّرُ ذَلِكَ وَيُتَرْجِمُ حَتَّى يُحِيطَ عِلْمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا مَقْبُولَ الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا قَوْلَ لَهُ، بِيرِيّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ.
وَإِطْلَاقُهُ يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْإِيمَاءِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ
كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّة كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ.
دُرٌّ مُنْتَقًى.
قَوْلُهُ: (وكتابته) اعْترض الْمَقْدِسِي بِأَن الاخرس الخلقي لَا يعرف الكتاية وَلَا يُمكن تَعْرِيفه إِيَّاهَا، لَاها بِإِزَاءِ الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الْحُرُوفِ وَهُوَ لَا يَنْطِقُ وَلَا يَسْمَعُ النُّطْقَ اه.
أَقُولُ: يُمْكِنُ ذَلِكَ بِتَعْرِيفِهِ أَنَّ الْمَعْنَى الْفُلَانِيَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ الْمَنْقُوشَةِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ) بِفَتْحِ الْقَافِ، يُقَالُ اعتقل لِسَانه بِضَم التار: إذَا احْتَبَسَ عَنْ الْكَلَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ مُغْرِبٌ: أَيْ فَلَا يُعْتَبَرُ إيمَاؤُهُ وَلَا كِتَابَتُهُ إلَّا إذَا امْتَدَّتْ عُقْلَتُهُ كَمَا يَأْتِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَارِضَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَلَا يُقَاسُ عَلَى الْخَرَسِ الْأَصْلِيِّ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي كِتَابَةٍ غَيْرِ مَرْسُومَةٍ: أَيْ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ، لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكِتَابَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مُسْتَبِينٍ مَرْسُومٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا: أَيْ مُصَدَّرًا بِالْعِنْوَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِي صَدْرِهِ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ عَلَى مَا جرب بِهِ الْعَادَةُ فَهَذَا كَالنُّطْقِ فَلَزِمَ حُجَّةً.
وَمُسْتَبِينٌ غَيْرُ مَرْسُومٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْجُدْرَانِ وَأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ أَوْ عَلَى الْكَاغَدِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ، فَلَا يكون حجَّة إِلَّا بانضمام شئ آخَرَ إلَيْهِ كَالنِّيَّةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى الْغَيْرِ حَتَّى يَكْتُبَهُ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ وَنَحْوِهَا، وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَتَعَيَّنُ الْجِهَةُ، وَقَبْلَ الْإِمْلَاءِ بِلَا إشْهَادٍ لَا يَكُونُ حُجَّةً، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
وَغَيْرُ مُسْتَبِينٍ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ غَيْرِ مَسْمُوعٍ وَلَا يثبت بِهِ شئ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ نَوَى اه.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ، وَالثَّانِي كِنَايَةٌ، وَالثَّالِثُ لَغْوٌ، وَبَقِيَ صُورَةٌ رَابِعَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا وُجُودَ لَهَا، وَهِيَ مَرْسُومٌ غَيْرُ مُسْتَبِينٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي النَّاطِقِ فَفِي غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى، لَكِنْ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَائِبٍ اه.
وَظَاهره أَن المعنون مِنْ النَّاطِقِ الْحَاضِرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.(7/326)
وَفِي الْأَشْبَاهِ: رَجُلٌ كَتَبَ صَكَّ وَصِيَّةٍ وَأَشْهَدَ بِمَا فِيهِ وَلَمْ يَقْرَأْ وَصِيَّتَهُ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: لَا يجوز للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِمَا فِيهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اه.
أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَنْ عِلْمٍ.
قَوْلُهُ: (وَمِثْلُهُ مُعْتَقَلُ إلَخْ) الْأَوْلَى فِي التَّعْبِيرِ: لَا معتقل اللِّسَان إنْ عُلِمَتْ إشَارَتُهُ إلَخْ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بِهِ يُفْتَى) هُوَ
رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَمُقَابِلُهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ تَقْدِيرُهُ بِسَنَةٍ.
قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَاسْتَثْنَى الْعِمَادِيُّ الْمَرِيضَ إذَا طَالَ عَلَيْهِ الِاعْتِقَالُ فَإِنَّهُ كَالْأَخْرَسِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبُرْجَنْدِيُّ مَعْزِيًّا لِلْعِمَادِيَّةِ، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْهَا، فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ يُرْجَى مِنْهُ الْكَلَام، فَافْهَم المرام إِ هـ.
وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: فَلَوْ أَصَابَهُ فَالِجٌ فَذَهَبَ لِسَانُهُ أَوْ مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَلَامِ بِضَعْفِهِ إلَّا أَنَّهُ عَاقِلٌ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ إلَى وَصِيَّةٍ فَقَدْ صَحَّ وَصِيَّتُهُ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهَا لَمْ تَصِحَّ كَمَا فِي الْعِمَادِيِّ اه.
قَوْلُهُ: (أَوْ طَلَّقَ مَثَلًا) أَيْ كَمَا إذَا أَعْتَقَ ط.
قَوْلُهُ: (نَفَذَ مُسْتَنِدًا) فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إنْ مَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ وَقْتِ الْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ وَينفذ تصرف المتعوق مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ط.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ نَفَاذِهِ) لِأَنَّ نَفَاذَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى مَوْتِهِ عَلَى عُقْلَتِهِ، لَا على إِجَازَته، حَتَّى يقل: يَنْبَغِي أَن يكون طلبه الوطئ دَلِيلا على إِرَادَة النِّكَاح، فَافْهَم.
قَوْله: (لكل ذَكَرَ ابْنُهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: نَفَذَ مُسْتَنِدًا حَتَّى فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ.
قَوْلُهُ: (الْأَحْكَامَ الْأَرْبَعَةَ) الَّتِي هِيَ الِاقْتِصَارُ كَمَا فِي إنْشَاءِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالِانْقِلَابِ، كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ، فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَنْقَلِبُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً، وَالِاسْتِنَادُ كَالْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدَةً إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ والتبيين، مِثْلُ أَنْ كَانَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَبَيَّنَ فِي الْغَدِ وُجُودُهُ فِيهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْيَوْمِ وَتَعْتَدُّ مِنْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّبْيِينِ وَالِاسْتِنَادِ أَنَّهُ فِي التَّبْيِينِ يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الْعِبَادُ، وَفِي الِاسْتِنَادِ لَا يُمْكِنُ اه مِنْ الْأَشْبَاهِ مُلَخَّصًا.
وَقَدَّمْنَا تَمَامَ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ قَوْلَهُمْ) مَفْعُولُ ذَكَرَ، وَقَوْلُهُ: وَالضَّابِطُ إلَخْ مَقُولُ الْقَوْلِ، وَجُمْلَةُ يُخَالِفُ خَبَرُ إنَّ.
قَوْلُهُ: (يُخَالِفُ ذَلِكَ) أَيْ يُخَالِفُ الْقَوْلَ بِالِاسْتِنَادِ فِي نَحْوِ: طَلَاقُ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ وَعَتَاقِهِ ط.
أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ اللُّزُومُ، فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَالْمُضَافِ إلَيْهِ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، حَتَّى لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِزَوْجَةِ إنْسَانٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَ التَّعْلِيقُ، فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا، وَكَذَا الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِذَا أَجَازَهُ وَقَعَ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ، وَلَا يَسْتَنِدُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ، حَتَّى مَلَكَ الْمُشْتَرِي الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ، وَالضَّابِطُ فِيهِ أَن ماصح(7/327)
تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ، وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيق فَإِنَّهُ يسْتَند إِ هـ.
فَأَنْتَ تَرَاهُ لَمْ يَجْعَلْ الضَّابِطَ لِكُلِّ مُقْتَصِرٍ وَمُسْتَنِدٍ، بَلْ لِنَوْعٍ خَاصٍّ مِنْهُ، وَهُوَ عَقْدُ الْفُضُولِيِّ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَقَعَ نَحْوُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا مُقْتَصَرًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مُخَالَفَةَ إذْ لَيست معسألتنا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: (فِي حَدٍّ) تَنَاوَلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْحَدِّ: أَيْ لَا يُحَدُّ الاخرس إِذا كَانَ قَاذِفًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الشُّرْبِ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِبَعْضِ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْعُقُوبَةِ مَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّفْظَ الصَّرِيحَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ.
كِفَايَةٌ.
زَادَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يُحَدُّ لَهُ: أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ خَاصَّةً إذَا كَانَ مَقْذُوفًا اه.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ إلَخْ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِصَاصِ: أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِبَيَانٍ فِيهِ شُبْهَةٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شهدُوا بالوطئ الْحَرَام أَو أقرّ بالوطئ الْحَرَامِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْمُطْلَقِ أَوْ أَقَرَّ بِمُطْلَقِ الْقَتْلِ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَإِن لم يُوجد التعمد لَان الْقَصَص فِيهِ مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ، لِأَنَّهُ شُرِعَ جَابِرًا، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ مَعَ الشُّبْهَةِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْعَبْدِ، أَمَّا الْحُدُودُ الْخَالِصَةُ لِلَّهِ تَعَالَى شُرِعَتْ زَاجِرَةً وَلَيْسَ فِيهَا مَعْنَى الْعِوَضِيَّةِ، فَلَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ.
هِدَايَةٌ.
وَقَدْ اعْتَرَضَ الْعَلَّامَةُ الطُّورِيُّ كَلَامَهُمْ هُنَا بِأَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا الْكَفَالَةُ فَلَا تَجُوزُ بِالنَّفْسِ فِيهِمَا، وَمِنْهَا الْوَكَالَةُ فَلَا تَجُوزُ بِاسْتِيفَائِهِمَا، وَمِنْهَا الشَّهَادَة على الشَّهَادَة لَا تجوز فيهمَا، وَعَلَّلُوا جَمِيعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمَا مِمَّا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَكَذَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْجِنَايَاتِ وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً اه.
مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا فِي شَهَادَة مَا) نقل من فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ إجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ، لِأَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ.
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) نَعَمْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ صَرِيحًا حَيْثُ قَالَ: وَالْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ مِنْ النَّاطِقِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِمَالٍ وَعِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَإِجَارَةٍ وَهِبَةٍ، بِخِلَافِ إفْتَاءٍ وَنَسَبٍ وَإِسْلَامٍ وَكُفْرٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (يَقْضِي وَيُكَفِّرُ) لِوُجُودِ مَعْنَى صَلَاحِ الْبَدَنِ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الصَّوْمِ عَنْ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: (لَا يُكَفِّرُ) أَيْ بَلْ يَقْضِي فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْحَجِّ) لِأَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ شَرْطُ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ، لَكِنْ الشَّارِحُ هُنَاكَ قَيَّدَ أَمْنَ الطَّرِيقِ بِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَلَوْ بِالرِّشْوَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْكَمَالِ، وَبِقَتْلِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ لَا
تَنْتَفِي الْغَلَبَةُ، وَلِذَا قَيَّدَهُ ط بِالْقَتْلِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (مَنَعَهَا زَوْجُهَا) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ.
قَوْلُهُ: (نُشُوزٌ حُكْمًا) لِأَنَّ النَّاشِزَةَ هِيَ الْخَارِجَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمَنْعُهَا لَهُ عَنْ الدُّخُولِ إلَى بَيْتِهَا مَعَ إرَادَتِهَا السُّكْنَى فِيهِ خُرُوجٌ حُكْمًا.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِيهِ شُبْهَة) كبيت(7/328)
السُّلْطَان فَهِيَ نائزة لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَانِنَا.
كَذَا فِي التَّجْنِيسِ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِمَّنْ يَخْدُمُهُ، وَقَدْ تَمْتَنِعُ هِيَ عَنْ خِدْمَتِهِ، فَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ ط.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَعَ أُمِّ وَلَدِهِ) وَكَذَا مَعَ طِفْلِهِ الَّذِي لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ أَهْلِهِ وَأَهْلِهَا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا عِتْقَ وَلَوْ بِالنِّيَّةِ.
وَفِي الْحَمَوِيِّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ: أَنَا عَبْدُك يَعْتِقُ إنْ نَوَى، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ يَا مَالِكِي، لِأَنَّ مُؤَدَّى الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ ط.
وَفِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الصِّغَارِ: فِيمَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: يَا مَنْ أَنَا عَبْدُكِ، قَالَ: هَذِهِ كَلِمَةُ لُطْفٍ لَا تَعْتِقُ بِهَا، فَإِن نوى الْعتْق فَعَن مُحَمَّد فِيهِ رِوَايَتَانِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ) أَي فِي كتاب الْعتْق.
أَقُول: وَقد وعده الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ مِنْ الصَّرِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا، لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ عَلَى الْعَبْدِ، وَذَلِكَ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ وَقَوْلُهُ يَا مَالِكِي أَوْ أَنَا عَبْدُك حَقِيقَةً يُنْبِئُ عَنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى اه.
أَقُولُ: وَيَظْهَرُ من هَذَا الْوَجْه تَخْصِيصِهِمْ الْمَوْلَى هُنَا بِالْمَعْتُوقِ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُعْتَقِ بِالِاشْتِرَاكِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ: أَيْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ لِعَبْدِهِ وَلَاءً عَلَيْهِ فَكَانَ لَغْوًا، فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْمُمْكِنِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْمُدَّعِي عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ) كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ، وَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ: مَا لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِأَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي الْمِلْكَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِي إلَخْ) تَصْرِيحٌ بِمَا فُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ: مَا لَمْ يُبَرْهِنْ.
قَوْلُهُ: (لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ) أَيْ الْمُوَافَقَةِ إذَا كَانَ مَالِكُ الْعَقَارِ غَائِبًا فَيَتَوَاضَعُ اثْنَانِ، وَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ وَيُبَرْهِنُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ، وَيَتَسَامَحُ فِي الشُّهُودِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْمَالِكُ مُتَعَلِّلًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الْمَنْقُولِ مُنْتَفِيَةٌ، لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَنْقُولِ عَادَةً بَلْ يَكُونُ فِي يَدِهِ.
بَحْرٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا) أَيْ لُزُومُ
إثْبَاتِ الْيَدِ بِالْبُرْهَانِ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ) وَمِثْلُهُ الْغَصْبُ.
قَوْلُهُ: (وَإِقْرَارَهُ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الشِّرَاءِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ) كَالشِّرَاءِ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيكَ وَهُوَ يتَحَقَّق فِي غير دي الْيَدِ، فَعَدَمُ ثُبُوتِ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، أَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقَةِ فَدَعْوَى ترك التَّعَرُّض بالاالة الْيَدِ، وَطَلَبُ إزَالَتِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَى مِنْ ذِي الْيَدِ وَبِإِقْرَارِهِ لَا يَثْبُتُ(7/329)
كَوْنُهُ ذَا يَدٍ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ.
مِنَحٌ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ: وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَدَاعِيَانِ مِنْ بَلَدِ الْقَاضِي إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ وَالدَّيْنِ، وَأَمَّا إذَا كَانَت فِي عقار لَا فِي لاريته فَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَلَطٌ اه.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ) فَالْقَضَاءُ فِي السَّوَادِ صَحِيحٌ، وَبِهِ يُفْتَى.
بَحْرٌ.
قَوْلُهُ: (وَيُكْتَبُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (قَضَى الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ) إنَّمَا ذَكَرَهُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ أَوْ وَقَعَتْ فِي تلبيس الشُّهُود وَإِلَّا كالاقرار كَالْبَيِّنَةِ فِيمَا يَظْهَرُ ط.
قَوْلُهُ: (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَنَقَضْتُهُ أَوْ فَسَخْته أَوْ رَفَعْته.
ط عَنْ الْحَمَوِيِّ.
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ) تقدّمت شُرُوط صِحَّتهَا فِي الْقَضَاء وَيَأْتِي شئ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي ثَلَاثٍ إلَخْ) الِاسْتِثْنَاءُ بالنسة لِلْأُولَى غَيْرُ ظَاهِرٍ، إذْ لَا شَهَادَةَ فِيهَا: تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَوْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ) أَيْ بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ مَثَلًا فَجَاءَ الْمَقْتُولُ حَيًّا أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَرَأَى النَّصَّ بِخِلَافِهِ، كَمَا لَوْ تَحَوَّلَ اجْتِهَادُهُ.
وَأَفَادَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُحِيط: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله إنَّمَا لَمْ يَنْقَضِ مَا قَضَى فِيهِ بِاجْتِهَادِهِ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِخِلَافَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ فَصَحَّ وَصَارَ شَرِيعَةً لَهُ، فَإِذَا نزل الْقُرْآن بِخِلَافِهِ صَار نَاسِخا تِلْكَ الشَّرِيعَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، لِأَنَّ النَّصَّ كَانَ مَوْجُودًا مُنَزَّلًا إلَّا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ، فَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ.
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَفِي أَشْبَاهِ السُّيُوطِيّ عَنْ السُّبْكِيّ: أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إذَا كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَأَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِ شَارِحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْكَرَ الْقَاضِي) أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ فَيَثْبُتُ حَيْثُ كَانَ مُوَلًّى لَا لَوْ مَعْزُولًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا حُكْمَ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ
دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، كَمَا لَوْ أَرَادُوا إثْبَاتَ قَضَاءِ قَاضٍ آخَرَ اه.
بَحْرٌ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرَجَّحَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِهِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِ قُضَاةِ زَمَانِنَا اه.
قَوْلُهُ: (لِوُجُودِ قَضَاءِ الثَّانِي بِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُنَفِّذُهُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا بُدَّ فِي إمْضَاءِ الثَّانِي لِحُكْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ شُهُودِ الْأَصْلِ اه.
فَلَوْ قَبْلَ قَوْلِ الْأَوَّلِ لَزِمَ إبْطَالُ الْقَضَاءِ الثَّانِي بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بَعْدَ الثُّبُوتِ وَالْإِمْضَاءِ،(7/330)
فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الْقَاضِي الثَّانِي، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الزَّوْجَةِ ط.
قَوْلُهُ: (مُنَازَعٍ شَرْعِيٍّ) كَأَصِيلٍ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ مُتَوَلٍّ أَوْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ وَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ فَإِنْ نِزَاعَهُمَا لَا يُعْتَبَرُ.
قَوْلُهُ: (فَقَضَى بِهِ بِبُرْهَانِهِ) الْبَاءُ الْأُولَى لِلتَّعْدِيَةِ وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ ط.
قَوْلُهُ: (بِدُونِ مُنَازَعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالٍ، وَالْمُرَادُ بِدُونِ حُضُورِ مُنَازِعٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (فَيَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ) يَعْنِي لَوْ رَفَعَ هَذَا الْحُكْمَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيذُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُلْزَمًا لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ إفْتَاءٌ: أَيْ بَيَانُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.
قَوْلُهُ: (أَيْ إلَى الْحَنَفِيِّ) أَيْ مَثَلًا، فَإِنَّ غَيْرَهُ إنْ كَانَ يَشْتَرِطُ مَا ذُكِرَ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (إذَا ارْتَابَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَقَالَ: لَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (يَعْنِي إلَخْ) أَقُولُ عَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ قَضَاءِ الْعَدْلِ الْعَالِمِ وَغَيْرِهِ.
فَلَوْ قِيلَ: يَعْنِي لَا يَتَعَرَّضُ لِنَقْضِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ: أَيْ لَا يَسْأَلُ عَنْ الْأَحْوَالِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّقْضِ، فَلَا يُقَالُ: هَلْ قَضَى بِالرِّشْوَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ: وَيُحْمَلُ عَلَى السَّدَادِ وَأَمَّا غَيْرُ الْعَدْلِ الْعَالِمِ فَيَسْأَلُ عَنْ حَالِهِ.
قَوْلُهُ: (مَرَّ فِي أَوَّلِ الْبُيُوعِ إلَخْ) وَمَرَّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ قَبْلَ مُتَارَكَةِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي، بَلْ الْبَيْعِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَذَلِكَ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ شَرَى ثَوْبًا شِرَاءً فَاسِدًا ثُمَّ لَقِيَهُ غَدًا فَقَالَ: قَدْ بِعْتنِي ثَوْبَكَ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: بَلَى فَقَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنْ كَانَا تَتَارَكَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ
فَهُوَ جَائِزٌ الْيَوْمَ اه.
أَقُولُ: وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ قَطِيعِ غَنْمٍ كُلِّ شَاةٍ بِكَذَا إنَّهُ فَاسِدٌ، وَإِنْ عَلِمَ بِعَدَدِ الْغَنَمِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَنْقَلِبْ صَحِيحًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَضِيَا انْعَقَدَ بِالتَّعَاطِي وَنَظِيرُهُ البيع(7/331)
بِالرَّقْمِ.
سراج إه.
وَمثله فِي النِّهَايَة وَغَيْرِهِمَا، فَلْيُتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ) أَيْ وَحده كَمَا أَفَادَهُ قَوْله: إِلَّا إِذا علمُوا أَنه لَيْسَ فِيهِ عِبْرَة وَعَلَيْهِ فَلَوْ دَخَلَ مَعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ لِحُصُولِ الشُّبْهَةِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُقِرَّ هُوَ مُدَّعِي الْحَقِّ، وَأَنَّهُ جَعَلَ نَغْمَتَهُ كَنَغْمَةِ الْآخَرِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بَاعَ عَقَارًا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ وَهَبَ أَوْ تَصَدَّقَ وَسَلَّمَ وَقَيَّدَ بِالْبَيْعِ إِذْ لَو أجر أَو رهن، أَو أعَاد ثُمَّ ادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ، إذْ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ، وَقَدْ يَرْضَى الشَّخْصُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ، وَلَا يَرْضَى بِالْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِأَنَّهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
رَمْلِيٌّ.
أَقُولُ: وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْوَقْفُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشِّهَابُ الشَّلَبِيُّ، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَالِمًا مِنْ أَعْيَانِ الْحَنَفِيَّةِ فِي عَصْرِهِ كَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَخُطُوطَهُمْ بِمُوَافَقَتِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى مِنْ فَتَاوِيهِ الْمَشْهُورَةِ، فَرَاجِعْهَا.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْبَيْعِ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَرِيبِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ فَلَا، لِمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى أَوَّلَ كِتَابِ الدَّعْوَى عَنْ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ تَصَرَّفَ فِي أَرْضٍ زَمَانًا وَرَجُلٌ آخَرُ يَرَى تَصَرُّفَهُ فِيهَا ثُمَّ مَاتَ الْمُتَصَرِّفُ وَلَمْ يَدَّعِ الرَّجُلُ حَالَ حَيَاتِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ اه.
وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: رَجُلٌ تَصَرَّفَ زَمَانًا فِي أَرض رجل آخَرُ يَرَى الْأَرْضَ وَالتَّصَرُّفَ وَلَمْ يَدَّعِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تُسْمَعْ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَى وَلَدِهِ فَتُتْرَكُ عَلَى يَدِ الْمُتَصَرِّفِ اه.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْتَ غَيْرُ قَيْدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَيِّدُوا بِهِ هُنَا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ السُّكُوتِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ مَانِعٌ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْهُ بَيْعٌ، وَأَمَّا السُّكُوتُ عِنْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَمْنَعُ إلَّا دَعْوَى الْقَرِيبِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: إذَا تَرَكَ الدَّعْوَى ثَلَاثًا
وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى ثُمَّ ادَّعَى لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى مَعَ التَّمَكُّنِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا اه.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى.
وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى: لَا تسمه الدَّعْوَى بَعْدَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَيْسَ لَهُمَا وَلِيٌّ، أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمِيرًا جَائِرًا يخَاف مِنْهُ، وَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ اه.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمدَّة أَعم منن كَوْنِهِ مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ أَوْ بِدُونِهِ، لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ أَوْ بِدُونِهِ، لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا مَعَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ لَمْ يُقَيِّدُوهُ هُنَا بِمُدَّةٍ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِهِمْ.
تَأَمَّلْ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِهَا لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى بُطْلَانِ الْحَقِّ، حَتَّى يَرِدَ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ مَهْجُورٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْحَقِّ، وَإِنَّمَا هُوَ امْتنَاع من الْقُضَاة عَنْ سَمَاعِهَا خَوْفًا مِنْ التَّزْوِيرِ وَلِدَلَالَةِ الْحَالِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْحَقَّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ كَمَا فِي قَضَاءِ الْأَشْبَاهِ، فَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِلْآخِرَةِ، وَلِذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَ عَشْرَةَ سمة إذَا نَهَى السُّلْطَانُ عَنْ سَمَاعِهَا كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ بَابِ التَّحْكِيمِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ.
قَوْلُهُ: (حَاضِرٌ) الْمُرَادُ مِنْ الْحُضُورِ الِاطِّلَاعُ.
رَمْلِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مَثَلًا) أَيْ أَوْ الزَّوْجَةُ أَوْ غَيْرُهَا من(7/332)
الْأَقَارِبِ.
قَوْلُهُ: (إنَّهُ مِلْكُهُ) أَيْ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مُشَاعًا أَوْ مُعَيَّنًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي الثَّمَنِ أَيْضًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ حُضُورَهُ وَتَرْكَهُ فِيمَا يصنع إِقْرَاره مِنْهُ بِأَنَّهُ مِلْكُ الْبَائِعِ وَأَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَبِيعِ إلَخْ.
رَمْلِيٌّ.
قَوْلُهُ: (كَذَا أطلقع فِي الْكَنْزِ إلَخْ) أَيْ أَطْلَقَهُ عَمَّا قَيَّدَهُ بِهِ الزَّيْلَعِيّ نقلا عَن فَتَاوَى أبي اللَّيْث بِأَن يتَصَرَّف المُشْتَرِي فين زَمَانًا.
قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ فِي الْكَنْزِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ نُقَيِّدْهُ بِهِ، وَلِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْجَارِ مَعَ أَنَّ الْجَارَ يُخَالِفُهُ اه.
وَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالًا أخر فَرَاجعهَا.
قَوْله: (وَجعل سكونه كالافصاح) أَي بِأَن مِلْكُ الْبَائِعِ، وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ إذَا ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَقْتَ الْبَيْعِ يُصَدَّقُ.
وَقَالَ فِي نَهْجِ النَّجَاةِ: أَقُولُ: وَهَذَا إذَا لم يكن الْمُدَّعِي مَعْذُورًا وَإِلَّا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، فَقَدْ قَالُوا: يُعْذَرُ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي بِالتَّنَاقُضِ لِلْجَهْلِ فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ إِ هـ.
وَقَالَ الاستروشتي: اشْتَرَى
دَارًا لِطِفْلِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَبِرَ الِابْنُ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ بَاعَهَا الْأَبُ وَسَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي ثمَّ اشتأجرها الِابْنُ مِنْهُ ثُمَّ عَلِمَ بِمَا صَنَعَ الْأَبُ فَادَّعَى الدَّارَ تُقْبَلُ، وَلَا يَصِيرُ مُتَنَاقِضًا بِالِاسْتِئْجَارِ لِأَنَّ فِيهِ خَفَاءً، لِأَنَّ الْأَبَ يَسْتَبِدُّ بِالشِّرَاءِ لِلصَّغِيرِ وَعَسَى لَا يَعْلَمُ بَعْدَ الْبُلُوغِ اه.
سَائِحَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ ضَمِنَ الدَّرَكَ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ الْأَجْنَبِيِّ لِئَلَّا يُوهَمَ اخْتِصَاصُهُ بِالْقَرِيبِ، وَأَوْضَحَ الْمَسْأَلَةُ الزَّيْلَعِيُّ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَمْلِكُ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ الطَّلَبَ وَهُوَ خِلَافُ الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَقُولُ: الَّذِي ظَهَرَ لِي فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْأَطْمَاعَ الْفَاسِدَةَ فِي الْقَرِيبِ أَغْلَبُ، فَمَظِنَّةُ التَّلْبِيسِ فِيهِ أَرْجَحُ، وَلِذَلِكَ غَلَبَ فِي الاقرباء خُصُوصا فِي دَعْوَى الْإِرْثِ لِسُهُولَةِ إثْبَاتِهِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَإِن طمعه فِي مَال من هُوَ عَنهُ أَجْنَبِي نَادِرٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ يُرَجِّحُ جِهَةَ التَّزْوِيرِ، وَهِيَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي زَمَانًا.
قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا سَكَتَ الْجَارُ) وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَجَانِبِ بِالْأَوْلَى فَتَخْصِيصُ الْجَارِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقْتَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ) أَيْ وَقْتَ عِلْمِهِ بِهِمَا، كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الرَّمْلِيِّ السَّابِقُ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ مُجَرَّدُ السُّكُوتِ عِنْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى التَّصَرُّفِ مَانِعٌ مِنْ الدَّعْوَى.
قَوْلُهُ: (زَرْعًا وَبِنَاءً) الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُطْلَقُ إلَّا لِلْمَالِكِ فَهُمَا مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ.
قَوْلُهُ: (لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ) أَيْ دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ جَارًا.
رَمْلِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْفُضُولِيُّ إلَخْ) ذَكَرَهَا لِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ، وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا ادَّعَى السَّاكِتُ الْمِلْكَ وَأَنْكَرَ البَائِع وَالْمُشْتَرِي، وَهُنَا لَا إنْكَارَ.
قَوْلُهُ: (لَا يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا عِنْدَنَا) فِي فَتَاوَى أَمِينِ الدِّينِ عَنْ الْمُحِيطِ إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ فُضُولِيٍّ وَقَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ فَسَكَتَ يَكُونُ رضَا إِ هـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَيْضًا.
فَعَلِمَ بخ أَنَّ مَحَلَّ مَا هُنَا مَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ.
تَأمل.(7/333)
رَمْلِيٌّ.
قَوْلُهُ: (آخِرَ الْفَصْلِ الْخَامِسَ عَشَرَ) أَيْ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) أَيْ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ النِّكَاحِ، وَقَدْ نَقَلَهَا الزَّيْلَعِيُّ هُنَا عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ: (تُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَلَكِنَّا لَا نَأْخُذ بِهِ.
تاترخانية، وَبِهِ: أَيْ بِالْقَبُولِ
نَأْخُذُ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
عِمَادِيَّةٌ.
تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى.
خُلَاصَةٌ وَبَزَّازِيَّةٌ، وَصَحَّحَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى.
وَقَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا بَرْهَنَ أَنَّهُ وَقْفٌ مَحْكُومٌ بِلُزُومِهِ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْوَقْفِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ، وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ.
أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ.
قُلْت: الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الْمِلْكَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: وَقَفْت.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ: وَقِيلَ: لَا تُقْبَلُ وَهُوَ أَصْوَبُ وَأَحْوَطُ، لِأَنَّهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَيْهِ يَدَّعِي فَسَادَ الْبَيْعِ وَحَقًّا لنَفسِهِ فَلَا تسمع للتناقض إِ هـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ تُسْمَعُ إذْ لَا يَدَّعِي حَقًّا لِنَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ) هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الْبُرْهَانِ، فَإِنْ أَقَامُوا الْبُرْهَانَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مَنْ يَدَّعِي الْهِبَةَ فِي الصِّحَّةِ.
مِنَحٌ.
قُلْت: وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْوَرَثَةِ.
قَوْلُهُ: (هَذَا مَا اعْتَمدهُ فِي الْخَانِية) وَتَصْحِيح قاضيخان مِنْ أَجَلِّ التَّصَاحِيحِ، وَهَذَا مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي رَجَّحُوا الْقِيَاسَ فِيهَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ.
سَائِحَانِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ نَقْلِهِ) ضَمِيرُهُ كَضَمِيرِ قَالَ: يَرْجِعُ إلَى قاضيخان ط.
قَوْلُهُ: (إلَى آخِرِهِ) هُوَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْهِبَة حادقة وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ اه.
قَوْلُهُ: (بِأَنَّهُ الِاسْتِحْسَانُ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: جَزَمَ ط.
قَوْلُهُ: (وَاسْتَظْهَرَهُ) أَيْ كَوْنُ الْقَوْلِ لِلزَّوْجِ.
قَوْلُهُ: (وَجْهُ الظَّاهِرِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَقٌّ) أَيْ وَقْتَ الْهِبَةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَتِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ(7/334)
مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِفِعْلِهَا، فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْيَمِينِ، وَهُوَ تَمْلِيكٌ مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الَّذِي يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ وَهِيَ عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا، فَلَا تَكُونُ وَكِيلَةً، بِخِلَافِ الاجنبي.
زَيْلَعِيّ.
ولمعنى التَّمْلِيكِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ مَتَى لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ) أَيْ فَلَا تُفِيدُ إلَّا عَزْلًا وَنَصْبًا وَاحِدًا.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَإِذَا عَزَلَهُ انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَتَنَجَّزَتْ الْمُعَلَّقَةُ، فَصَارَ وَكِيلًا جَدِيدًا، ثُمَّ بِالْعَزْلِ الثَّانِي انْعَزَلَ عَنْ الْوَكَالَةِ الثَّانِيَةِ.
قَوْله: (يَقُول فِي عَزله رجعن إلَخْ) لِأَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ عَنْ الْمُنَجَّزَةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ لَصَارَ وَكِيلًا مِثْلَ مَا كَانَ وَلَو عَزله ألف مرّة، لَان كلمة تَقْتَضِي تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ لَا إلَى نِهَايَةٍ،
فَلَا يُفِيد العزلا إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ حَتَّى لَوْ عَزَلَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا عَزَلَهُ صَارَ وَكِيلًا، فَلَا يُفِيدُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْمُعَلَّقَةِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَزْلٍ آخَرَ بَعْدَ الرُّجُوعِ.
زَيْلَعِيٌّ.
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (الْحَاصِلَةِ مِنْ لَفْظِ كُلَّمَا) هَكَذَا فِي الْمِنَحِ أَيْضًا، وَهُوَ سَهْوٌ لِأَنَّ الْمُنَجَّزَةَ حَصَلَتْ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْتَ وَكِيلِي وَالْمُعَلَّقَةُ حَصَلَتْ مِنْ قَوْلِهِ: كُلَّمَا عَزَلْتُك إلَخْ سائحاني.
قَوْله: (أَو عَن شئ آخَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الدَّرَاهِمِ لِقَوْلِ مِسْكِينٍ: هَذَا إذَا كَانَ عَلَى خِلَافِ جِنْسِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى جِنْسِهِ مُؤَجَّلًا جَازَ.
قَوْلُهُ: (فِي الذِّمَّة) صفة لدراهم ودنانير وشئ آخَرَ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ بِأَنْ كَانَ عَقَارًا بِعَقَارٍ أَوْ عَقَارًا بِدَيْنٍ.
مِسْكِينٌ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَتَعَيَّنْ) صِفَةٌ لِعَيْنٍ: أَيْ تَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهَا،
قَوْلُهُ: (فَجَازَ الِافْتِرَاقُ عَنْهُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَالَ الرِّبَا، كَمَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَعِيرٍ بِعَيْنِهِ عَنْ حِنْطَةٍ فِي الذِّمَّةِ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (قَبْل إلَخْ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِبْرَاءِ بِالْخَطَرِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ لَا حُجَّةَ لِي) لَمَّا كَانَتْ الْحُجَّةُ تَصْدُقُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُكْتَفَى بِهِ ذَكَرَهَا عَقِبَ الْبَيِّنَةِ.
سَائِحَانِيٌّ.
أَيْ فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَيْسَ لِي حَقٌّ) أَيْ عَلَى فُلَانٍ، وَإِنَّمَا حَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ الْمَتْن، وَعبارَة الْمنح: بِخِلَاف مَا إِذْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إلَخْ.
وَفِيهَا: وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي أَوْ قَالَ: ذَلِكَ الْعَبْدُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الدَّارَ أَوْ الْعَبْدَ لَهُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ بِإِقْرَارِهِ حَقًّا لِأَحَدٍ فَكَانَ لَغْوًا، وَلِهَذَا تصح دَعْوَى الْملَاعن نسبو وَلَدٍ نُفِيَ بِلِعَانِهِ نَسَبُهُ، لِأَنَّهُ حِينَ نَفَاهُ لم يثبت فِيهِ حَقًا.(7/335)
وفيهَا: لَو قَالَ لَا أَعْلَمُ لِأَنَّ لِي حَقًّا عَلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ حَقًّا تُقْبَلُ لِإِمْكَانِ الْخَفَاءِ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تُسْمَعْ لِلتَّنَاقُضِ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّوْفِيقَ الْمَذْكُورَ مُمْكِنٌ هُنَا أَيْضًا فَلِمَاذَا لَمْ يُعْتَبَرْ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثبتَتْ بَرَاءَة ذمَّة الْمُدعى عَلَيْهِ بالْقَوْل الْأَوَّلُ ثُمَّ يُرِيدُ شُغْلَهَا بِالثَّانِي وَلَا يُقْبَلُ ط.
قَوْله: (إِن يقطع) أَيْ يُعَيِّنَ لَهُ قِطْعَةً.
ط عَنْ الْحَمَوِيِّ
قَوْلُهُ: (مِنْ طَرِيقِ الْجَادَّةِ) هُوَ وَسَطُ الطَّرِيقِ وَمُعْظَمُهُ ط.
قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارَّةِ) بِأَنْ كَانَ وَاسِعًا لَا يَضِيقُ بِذَلِكَ.
قَالَ فِي الْمَعْدِنِ: قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَضَرَّ بِالْمَارَّةِ لَا يُقْطَعُ إذْ فِيهِ قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الطَّرِيقَ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ
طَرِيقٌ أُخْرَى، حَتَّى لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ، وَإِنْ رُفِعَ إلَى الْقَاضِي رَدَّهُ.
كَذَا فِي نِصَابِ الْفُقَهَاءِ.
وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَجْعَلَ مِلْكَ الرَّجُلِ طَرِيقًا عِنْدَ الْحَاجَةِ اه ط.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ ذَلِكَ) إذْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ فِيمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُمْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ من غير أَن يحلق ضَرَرا بِأحد، أَلا تَرَ أَنَّهُ إذَا رَأَى أَنْ يُدْخِلَ بَعْضَ الطَّرِيقِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عَكْسَهُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ بِالْمُسْلِمِينَ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ.
مِنَحٌ.
وَالْمُرَادُ هُنَا بِالْإِمَامِ الْخَلِيفَةُ لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ: فَكَذَا نَائِبُهُ.
قَوْلُهُ: (صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا ط.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ) فَإِنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ بِاخْتِيَارِهِ.
غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ صَارَ مُحْتَاجًا إلَى بَيْعِهِ لِإِيفَاءِ مَا طُلِبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْكُرْهَ.
منح.
قَوْله: (كالدئن إذَا حُبِسَ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْمَدْيُون ط.
قَوْله: (بِالضَّرْبِ) الظَّاهِر (عَلَى الْخُلْعِ) أَيْ عَلَى الْمُخَالَعَةِ مَعَهُ بِمَالٍ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَاقِعٌ) كَذَا عَلَّلَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَتَعَقَّبَهُ الشَّلَبِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الزَّوْج وَهُوَ الَّذِي أَكْرَهَهَا لَا يَصِحُّ هَذَا التَّعْلِيلُ إلَّا إِذا قرئَ: وَإِن أكرها: أَي الزَّوْج وَالْمَرْأَة: أَي أكرههما إِنْسَان اهـ.
أَبُو السُّعُودِ.
أَقُولُ: أَوْ يُقْرَأُ الْمُكْرِهُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ فَاعِلٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَلْزَمُ الْمَالُ) أَيْ بَدَلُ الْخُلْعِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْبَدَلُ تَارَةً يَكُونُ مَا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ مِنْ الْمَهْرِ وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَهُ، وَقَدْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَا يُنَاسِبُ الْأَوَّلَ وَهُوَ السُّقُوطُ عَبَّرَ الشَّارِحُ بِمَا يُنَاسب الثَّانِي جَمِيعًا بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (لِمَا قُلْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهَا مُكْرَهَةٌ، وَسُقُوطُ الْمَالِ أَوْ لُزُومُهُ يُشْتَرَطُ لَهُ الرِّضَا.
قَوْلُهُ: (قَالُوا: وَهُوَ الْحِيلَةُ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: ذَكَرَ هَذَا الْفَرْعَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُخَلِّصُ لِامْرَأَةٍ تُرِيدُ أَنْ تُرْضِيَ زَوْجَهَا بِهِبَةِ الْمَهْرِ ظَاهِرًا وَهِي لَا تُرِيدُ صِحَة ذَلِك اهـ.
قَوْلُهُ: (قُلْت إلَخْ) هُوَ لِلْمُصَنِّفِ، وَأَقُولُ: إنَّمَا تَنْفَعُهَا هَذِهِ الْحِيلَةُ فِي الْخُلْعِ لَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنْ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ لِمَا فِي الْخُلَاصَة: خلع امْرَأَته بمالها عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ بَقِيَّة(7/336)
الْمَهْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ عَدَمَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ إنْ قَبَضَتْ: أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ بِأَنْ وَهَبَتْ صَحَّ الْخُلْعُ وَلَا تزد عَلَيْهِ شَيْئا اهـ.
وَأَقُولُ أَيْضًا: لَيْسَ فِي كَلَامِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ حِيلَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ، حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ
مَا ذُكِرَ، وَإِنَّمَا هُوَ حِيلَةٌ لِغَيْرِهِ.
فَفِي حِيَلِ الْأَشْبَاهِ: قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَهَبِينِي صَدَاقَك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَالْحِيلَةُ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ ثَوْبًا مَلْفُوفًا بِمَهْرِهَا ثُمَّ تَرُدُّهُ بَعْدَ الْيَوْمِ فَيَبْقَى الْمَهْرُ وَلَا حنث اهـ.
وَفِي مُدَايَنَاتِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَلَهُ: أَيْ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْهِبَةِ ثَلَاثُ حِيَلٍ: أَحَدُهَا: شِرَاءُ شئ مَلْفُوفٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ قَبْلَ الْهِبَةِ.
وَالثَّانِيَةُ: صلح إِنْسَان مَعهَا عَن الْمهْر بشئ مَلْفُوفٍ قَبْلَ الْهِبَةِ.
وَالثَّالِثَةُ: هِبَةُ الْمَرْأَةِ الْمَهْرَ لِابْنِ الصَّغِيرِ لَهَا قَبْلَ الْهِبَةِ، وَفِي الْأَخِيرِ نظر اهـ.
فَلْيَكُنْ مَا هُنَا حِيلَةً أُخْرَى لِذَلِكَ.
تَأَمَّلْ.
وَإِنَّمَا لم يَحْنَث فِيمَا ذكر لعدم إمْكَانِ الْبِرِّ فِي الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمَلْفُوفِ لِيُثْبِتَ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ.
قَوْلُهُ: (بِرَفْعِهِ إلَى مَنْ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ) أَيْ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى أَنَّ قَبُولَ الْمحَال عَلَيْهِ شَرط لتَمام الْحِوَالَة كقاضي مَالِكِيٍّ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْبَرْ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمسَائِل مَنْ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ، لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ فِي مَحَلٍّ يَضُرُّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا فَقِيلَ بِالْمَنْعِ، وَبِهِ أَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ.
قَوْلُهُ: (لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ إلَخْ) أَقُولُ: الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ: لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ إذْ حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ: أَيْ لِأَنَّ الْمُتَسَبِّبَ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا تَعَدَّى كَوَضْعِ الْحِجْرِ فِي الطَّرِيقِ.
قَوْلُهُ: (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ جُعِلَ مُبَاشِرًا.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ تَفْصِيلٌ حَيْثُ قَالَ: فَلَوْ أَجْرَى الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ إجْرَاءً لَا يَسْتَقِرُّ فِيهَا ضَمِنَ، وَلَوْ يَسْتَقِرُّ فِيهَا ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ: فَلَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ جَارُهُ بِالسُّكْرِ وَالْإِحْكَامِ وَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِلِ، وَإِلَّا لم يضمن اهـ.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حشيته عَلَيْهِ: أَقُول: يعلم مِنْهُ جَوَاب حَادث الْفَتْوَى: اتَّخَذَ فِي دَارِهِ بَالُوعَةً أَوْهَنَتْ بِنَاءَ جَاره لسريان المَاء إِلَى رَأسه فَتَقَدَّمَ إلَيْهِ بِإِحْكَامِ الْبِنَاءِ حَتَّى لَا يَسْرِيَ المَاء.
تَأمل.
اهـ.
وَبِهِ يُقَيَّدُ إطْلَاقُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لَمْ يَضْمَنْ وَلَا سِيَّمَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ.
قَوْلُهُ: (عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ إلَخْ) عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ عِمَارَةُ كَرْمِهَا وَسَائِرِ أَمْلَاكِهَا.
جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
وَفِيهِ عَنْ الْعُدَّةِ: كُلُّ مَنْ بَنَى فِي دَارِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَالْبِنَاءُ لِآمِرِهِ، وَلَوْ لِنَفْسِهِ بِلَا أَمْرِهِ فَهُوَ لَهُ، وَلَهُ رَفْعُهُ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالْبِنَاءِ، فَيُمْنَعُ وَلَوْ بَنَى لِرَبِّ الْأَرْضِ بِلَا أَمْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يكون مبترعا كَمَا مر اهـ.
وَفِيهِ بَنَى الْمُتَوَلِّي فِي عَرْصَةِ الْوَقْفِ إنْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ فَلِلْوَقْفِ، وَكَذَا لَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَكِنْ لِلْوَقْفِ، وَلَوْ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ: فَإِنْ أَشْهَدَ فَلَهُ،
وَإِلَّا فَلِلْوَقْفِ، بِخِلَافِ أَجْنَبِيٍّ بَنَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالنَّفَقَةُ دين عَلَيْهَا) لانه غير مُتَطَوّع فِي الْإِنْفَاقِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا لِصِحَّةِ أَمْرِهَا، فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ.
زَيْلَعِيٌّ.
وَظَاهِرُهُ: وَإِنْ لَمْ يشْتَرط(7/337)
الرُّجُوعَ.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
قَوْلُهُ: (فَالْعِمَارَةُ لَهُ) هَذَا لَوْ الْآلَةُ كُلُّهَا لَهُ، فَلَوْ بَعْضُهَا لَهُ وَبَعْضُهَا لَهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا.
ط عَنْ الْمَقْدِسِيَّ.
قَوْلُهُ: (بِلَا إذْنِهَا) فَلَوْ بِإِذْنِهَا تَكُونُ عَارِيَّةً ط.
قَوْلُهُ: (فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ) ظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْأَرْضِ.
وَبِهِ أَفْتَى الْمَوْلَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ قيمَة الاقل: وقأمنا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (بِطَلَبِهَا) الْأَوْضَحُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: إنْ طَلَبَتْ.
قَوْلُهُ: (وَلَهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى نَفْسِهِ: أَيْ وَلَوْ عَمَرَ لَهَا إلَخْ.
قَوْلُهُ: (كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا) أَيْ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ.
وَقَالَ بَعْدَهُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْغَصْبِ: إذَا تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ، إلَّا إذَا تَصَرَّفَ فِي مَالِ امْرَأَتِهِ فَمَاتَتْ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهَا وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ.
كَذَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ.
فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا عَمَرَ دَارَ زَوْجَتِهِ لَهَا فَمَاتَتْ وَادّعى أَنه كَانَ بِإِذْنِهَا لِيَرْجِعَ فِي تَرِكَتِهَا بِمَا أَنْفَقَ وَأَنْكَرَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ إذْنَهَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ، وَوَجْهُهُ شَهَادَةُ الْعرف الظَّاهِر لَهُ.
تَأمل اهـ.
قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ) لَمْ أَرَهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ آنِفًا.
قَوْلُهُ: (فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) وَالْعُذْرُ لَهُ فِي رُجُوعِهِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَيْهِ فَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ خَطَأُ النَّاقِلِ، وَهَذِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي اغْتَفَرُوا فِيهَا التَّنَاقُضَ.
أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ.
قَوْلُهُ: (وَهَلْ يَكُونُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ الشِّحْنَةِ، فَأَفْتَى.
بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ثَبَاتًا، وَخَالَفَهُ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ، وَوَقَعَ نِزَاعٌ طَوِيلٌ وَعُقِدَ لَهَا مَجَالِسُ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ قَايِتْبَايْ، وَآلَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ عُرِضَتْ النُّقُولُ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْقَاضِي زَكَرِيَّا مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِينَ كِتَابًا.
فَأَجَابَ: بِأَنَّ صَرِيحَ هَذِهِ النُّقُولِ وَمَنْطُوقَهَا أَنَّ الثَّبَاتَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَوْلِهِ هُوَ أَحَق أَوْ نَحْوُهُ، وَلَيْسَ فِي صَرِيحِهَا أَنَّ التَّكْرَارَ كَذَلِكَ.
نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْمَبْسُوطِ، وَلَكِنَّ الثَّابِت على الاقرار كالمحدد
لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَهُ يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ هُوَ حَقٌّ وَنَحْوُهُ، وَقَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (خِلَافٌ مَبْسُوطٌ فِي الْمَبْسُوطِ) إلَخْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَبْسُوطِ بَيَانُ الْخِلَافِ، وَأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ أَنَّ التَّكْرَارَ يَثْبُتُ بِهِ الْإِصْرَارُ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ (لَا يَثْبُتُ) صَوَابُهُ حَذْفُ لَا وَلَوْ قَالَ: صَرِيحُ النُّقُولِ أَنَّ التَّكْرَارَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِصْرَارُ لَكَانَ أَحْسَنَ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ) أَيْ النَّزْعُ، وَقَدْ دَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَيَاعِ حَقِّهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَهُوَ هروبه فَلَا(7/338)
يُضَاف إِلَيْهِ التّلف، كَمَا إِذْ حَلَّ قَيْدَ الْعَبْدِ فَأَبَقَ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَضْرِبُك خَمْسِينَ) أَيْ فَأَكْثَرَ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: أَحْبِسُك شَهْرًا أَوْ أَضْرِبُك ضَرْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ، لِأَنَّ دَفْعَ الْمَالِ لِلْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِخَوْفِ التَّلَفِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْإِكْرَاهِ أَنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (فَدَفَعَهُ) أَمَّا إذَا دَفَعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُهُ ط.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: فَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ: أَيْ الْأَخْذَ مِنْهُ كَرْهًا، هَلْ يُكْتَفَى مِنْهُ بِالْيَمِينِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ بُرْهَانٍ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ؟ حَمَوِيٌّ.
أَقُولُ: مُقْتَضَى كَوْنِهِ أَمِينًا أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْهَلَاك.
تَأمل.
قَوْله: (الاجازة تحلق الْأَفْعَالَ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ أَوَائِلَ كِتَابِ الْغَصْبِ.
قَوْلُهُ: (فَأَجَازَ الْمَالِكُ غَصْبَهُ) الَّذِي فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا، غَصَبَ شَيْئًا وَقَبَضَهُ فَأَجَازَ الْمَالِكُ قَبْضَهُ إلَخْ، وَهُوَ أَنْسَبُ مِنْ قَوْلِهِ (غَصَبَهُ)
قَوْلُهُ: (لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَحْفَظْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ ينْتَفع بِهِ يَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا انْتَفَعَ بِهِ وَدَامَ عَلَى الِانْتِفَاعِ كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْحِفْظِ لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَنْزِعَهُ وَيَحْفَظَهُ، أَمَّا لَوْ نَزَعَهُ قَبْلَ الْأَمْرِ وَحَفِظَهُ فَأَمَرَهُ بِالْحِفْظِ فَالظَّاهِرُ أَنه يبرأ، لانصه بدوامه عَلَى الِانْتِفَاعِ بَعْدَ الْأَمْرِ مُتَعَدٍّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَزَعَهُ قَبْلَهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَأَفَادَ ط نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: (وَضَعَ مِنْجَلًا) بِكَسْرِ الْمِيم مَا يُحْصَدُ بِهِ الزَّرْعُ.
مُغْرِبٌ.
قَوْلُهُ: (قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ أَيْضًا وَالْعَيْنِيُّ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ.
وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الذَّبَائِحِ أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ حَيْثُ قَالَ: وَتُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ حَالَ الذَّبْحِ أَوْ الرَّمْيِ لِصَيْدٍ أَوْ الْإِرْسَالِ أَوْ حَالَ وَضْعِ الْحَدِيدِ لِحِمَارِ الْوَحْشِ إذَا لم يقْعد عَن طلبه اهـ.
وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ هُنَاكَ وَفِي كِتَابِ الصَّيْدِ.
قَوْلُهُ: (كُرِهَ تَحْرِيمًا) لِمَا رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي
جَمِيلَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله مِنْ الشَّاةِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالْقُبُلَ وَالْغُدَّةَ وَالْمَرَارَةَ وَالْمَثَانَةَ وَالدَّمَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الدَّمُ حَرَامٌ وأكره السِّتَّة، وَذَلِكَ لقَوْله عزوجل: * (حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم) * الْآيَةَ، فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ قَطَعَ بِتَحْرِيمِهِ وَكَرِهَ مَا سِوَاهُ، لِأَنَّهُ مِمَّا تَسْتَخْبِثُهُ الْأَنْفُسُ وَتَكْرَهُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى سَبَبُ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِم الْخَبَائِث) * زَيْلَعِيٌّ.
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ آخِرَ كِتَابِ الذَّبَائِحِ: وَمَا روعن مُجَاهِدٍ فَالْمُرَادُ مِنْهُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ السِّتَّةِ وَبَيْنَ الدَّمِ فِي الْكَرَاهَةِ وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ مُحَرَّمٌ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: الدَّمُ حَرَامٌ وَأَكْرَهُ السِّتَّةَ، فَأَطْلَقَ الْحَرَامَ عَلَى الدَّمِ، وَسَمَّى مَا سِوَاهُ مَكْرُوهًا لِأَنَّ الْحَرَامَ الْمُطْلَقَ مَا ثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَهُوَ الْمُفَسَّرُ مِنْ الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا) * (الْأَنْعَام: 541) وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى حُرْمَتِهِ، وَأَمَّا حُرْمَةُ مَا سِوَاهُ مِنْ السِّتَّةِ فَمَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، بَلْ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ(7/339)
الْمُحْتَمِلِ لِلتَّأْوِيلِ أَوْ الْحَدِيثِ، فَلِذَا فَصَّلَ فَسَمَّى الدَّم حَرَامًا وَذَا مَكْرُوها اهـ.
أَقُول: وَظَاهر إطلا الْمُتُونِ هُوَ الْكَرَاهَةُ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ تَنْزِيهًا) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الذَّكَرَ أَوْ الْغُدَّةَ لَوْ طُبِخَ فِي الْمَرَقَةِ لَا تُكْرَهُ الْمَرَقَةُ، وَكَرَاهَةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيم اهـ.
وَاخْتَارَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَالَ: إنَّ فِيهِ فَائِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَكْلُ الْمَرَقَةِ وَاللَّحْمِ اهـ.
نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِهِ وَأَقَرَّهُ،
قَوْلُهُ: (وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اسْتِدْلَالِ الْإِمَامِ بِالْآيَةِ، وَأَيْضًا فَكَلَامُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ لَا يُعَارِضُ ظَاهِرَ الْمُتُونِ وَكَلَامُ الْبَدَائِعِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الشَّاةِ) ذِكْرُ الشَّاةِ اتِّفَاقِيٌّ، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَأْكُولَاتِ ط.
قَوْلُهُ: (الْحَيَاءُ) هُوَ الْفَرْجُ مِنْ ذَوَاتِ الْخُفِّ وَالظِّلْفِ وَالسِّبَاعِ، وَقَدْ يُقْصَرُ.
قَامُوسٌ.
قَوْلُهُ: (وَالْغُدَّةُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: كُلُّ عُقْدَةٍ فِي الْجَسَدِ أَطَافَ بِهَا شَحْمٌ، وَكُلُّ قِطْعَةٍ صُلْبَةٍ بَيْنَ الْعَصَبِ وَلَا تَكُونُ فِي الْبَطْنِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (وَالدَّمُ الْمَسْفُوحُ) أَمَّا الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ.
قَوْلُهُ: (فِي بَيت) وَقَبله آخَرُ ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ وَهُوَ: وَيُكْرَهُ أَجْزَاءٌ من الشَّاة سَبْعَة فَخذهَا فق أَوْضَحْتهَا لَك بِالْعَدَدْ
قَوْلُهُ: (فَقُلْ ذَكَرٌ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْدُودُ سِتَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْتِ حَيَا ذَكَرٌ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ غَيْرُهُ) أَيْ بِطَرِيقِ الرَّمْزِ، وَمِثْلُهُ قَوْلِي: إِن الَّذِي من المذكاة رمي بجمعه حُرُوف فَخذ مدغم
قَوْله: (إِذْ مَا ذُكِّيَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالتَّاءُ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ.
قَوْله: (واللقطعة) قَيده بَعضهم بِغَيْر لقطعة الذِّمِّيّ فَلَيْسَ للْقَاضِي إقراضها لقَولهم لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا بَلْ يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ قُرْبَةٌ وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ من أهل الْقرب اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي إقْرَاضِهِ اللُّقَطَةَ فَشَمَلَ إقْرَاضَهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ قَيْدٍ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بِشُرُوطٍ تَقَدَّمَتْ فِي الْقَضَاء) حَيْثُ قَالَ من ملئ مُؤْتَمَنٍ حَيْثُ لَا وَصِيَّ، وَلَا مَنْ يَقْبَلُهُ مُضَارَبَة وَلَا مستغلا يَشْتَرِيهِ اهـ.
وَقَوْلُهُ: حَيْثُ لَا وَصِيَّ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَحْثًا، وَفِيهِ كَلَامٌ يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْأَبِ إلَخْ) فَإِنْ أَقْرَضُوا ضَمِنُوا لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّحْصِيلِ، بِخِلَافِ الْقَاضِي، وَيُسْتَثْنَى إقْرَاضُهُمْ لِلضَّرُورَةِ كَحَرْقٍ وَنَهْبٍ، فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا.
بَحْرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْقَضَاءِ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَبَ كَالْوَصِيِّ لَا كَالْقَاضِي هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ مصححين، وَعَلِيهِ الْمُتُون، فَكَانَ الْمُعْتَمد كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَنْشَدَهَا إلَخْ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ، لَكِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يُجِزْ صَاحِبُهَا كَالْقَاضِي،(7/340)
مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلْحَاقُ الْإِقْرَاضِ بِالتَّصَدُّقِ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالضَّمَانِ.
قَوْلُهُ: (فَإِقْرَاضُهُ أَوْلَى) أَي إقرضه مِنْ فَقِيرٍ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَظَاهِرُ تَوْجِيهِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْمِنَحِ: وَظَاهِرُ التَّوْجِيهِ الْمَفْهُومِ مِنْ كَلَامِ الامام قاضيخان أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُشْرِكِينَ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ الْجَمِيعُ، فَلِذَا قَالَ فِي تَعْلِيلِهِ: لِأَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَنْ لَا يُعَذَّبُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهَذَا الْبَعْضِ مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُ فِي الْجُمْلَةِ إلَخْ، فَتَنَبَّهْ.
قَوْلُهُ: (بِهَذَا الْبَعْضِ) أَيْ الَّذِي دلّت عَلَيْهِ من التبعيضة.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ شَرْعًا) أَيْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ.
مِنَحٌ.
فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُعَامَلُونَ شَرْعًا مُعَامَلَةَ آبَائِهِمْ، أَمَّا حُكْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ عَشَرَةٌ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ الْإِمَامِ التَّوَقُّفُ.
قَوْلُهُ: (لَمْ تَصْدُقْ الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى كَوْنِ الْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا مُعَذَّبِينَ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ.
مِنَحٌ.
أَيْ حَمْلًا لِأَلْ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ.
قَوْلُهُ:
(وَهَلْ قَائِل) أَي هَل يُوجد قَائِل، وَالْجُمْلَة بعد مَقُولُ الْقَوْلِ، وَكَافِرٌ فَاعِلُ يَدْخُلُ.
قَوْلُهُ: (فَفِي الْبَيْتِ سُؤَالَانِ) وَهُمَا عَدَمُ دُخُولِ النَّارِ كَافِرٌ وَدُخُولُ الْمُؤْمِنِينَ النَّارَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يُقْبَلُ تَأْوِيلُ قَائِلِهِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي الْميل لما يمْنَع، وسيما عِنْد وجود الْقَرِينَة، فإرادة الْإِلْغَازِ وَالتَّعْمِيَةِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِامْرَأَةٍ مَازِحًا: إنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ.
قَوْلُهُ: (قُلْت هَذَا) أَيْ مَا فِي الشَّطْرِ الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (فَكَيْفَ الْأَوَّلُ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ الْمُسَاوِي لِمَا فِي الشَّطْرِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا قَالَ) أَيْ مُعْتَرِضًا عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ حَيْثُ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ الشِّحْنَةِ، فَالضَّمِيرُ فِي نَقْلِهِ لِكَلَامِ ابْنِ الشِّحْنَةِ، وَفِي قَضَى وَنَفْسِهِ لِلْمُصَنِّفِ فَافْهَمْ، لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَقَلَ كَلَامَ ابْنِ الشِّحْنَةِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ مَرْجِعُ الضَّمَائِرِ.
قَوْلُهُ: (آلَمَهُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ الْإِيلَامِ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِتَشْدِيدٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَهْلُ النَّظَرِ) أَيْ الْمَعْرِفَةِ.
مِنَحٌ.
قَوْلُهُ: (وَحُكْمًا) الْحُكْمِيُّ بِقطع لاكثر وَلَمْ يُوجَدْ ط.
قَوْلُهُ:(7/341)
(حَارَبَهُمْ الْإِمَامُ) كَمَا لَوْ تَرَكُوا الْأَذَانَ.
مِنَحٌ.
قَوْلُهُ: (وَوَقْتُهُ) أَيْ ابْتِدَاءُ وَقْتِهِ، مِسْكِينٌ.
أَوْ وَقْتُهُ الْمُسْتَحَبُّ كَمَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ بَاكِيرٍ عَلَى الْكَنْزِ.
قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَعْلُومٍ) أَيْ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ، وَقَدْ عَدَلَ الشَّارِحُ عَمَّا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَالْكَنْزِ، لِيَكُونَ الْمَتْنُ جَارِيًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَعَادَةِ الْمُتُونِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: سَبْعٌ) لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَهَا فَيُؤْمَرُ بِالْخِتَانِ، حَتَّى يكون أبلغ من التَّنْظِيفِ.
قَالَهُ فِي الْكَافِي.
زَادَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ فَحَسَنٌ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ.
وَقِيلَ: لَا يُخْتَنُ حَتَّى يَبْلُغَ، لِأَنَّهُ لِلطَّهَارَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ ط.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: عَشْرٌ) لِزِيَادَةِ أَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَهَا.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْأَشْبَهُ) أَيْ بِالْفِقْهِ.
زَيْلَعِيٌّ.
وَهَذِهِ مِنْ صِيَغِ التَّصْحِيحِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامِ مِنْ عَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ وَتَفْوِيضُهَا إلَى الرَّأْيِ.
تَأَمَّلْ.
وَنَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ تَأْيِيدًا لِمَا اخْتَارَهُ أَوَّلًا فَلَا تَكْرَارَ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الصَّاحِبَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ) الصَّوَابُ خِفَاضُ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي حَقِّ الْمَرْأَة ختان وَإِنَّمَا يُقَال: خِفَاضٌ.
حَمَوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بَلْ مَكْرُمَةٌ لِلرِّجَالِ) لِأَنَّهُ أَلَذُّ فِي الْجِمَاعِ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: سُنَّةٌ)
جَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ نَصٌّ عَلَى أَن الْخُنْثَى تختن، وَلَو كَانَ ختانعا مَكْرُمَةً لَمْ تُخْتَنْ الْخُنْثَى، لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً، وَلَكِنْ لَا كَالسُّنَّةِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ اهـ.
أَقُول: ختان الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا، وَخِتَانُ الرَّجُلِ لَا يُتْرَكُ فَلِذَا كَانَ سُنَّةً احْتِيَاطًا، وَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ سُنِّيَّتَهُ لِلْمَرْأَةِ.
تَأَمَّلْ.
وَفِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ: اعْلَمْ أَنَّ الْخِتَانَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاجِبٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مُسْتَحَبٌّ لِلنِّسَاءِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: خِتَانُ الرِّجَالِ سُنَّةٌ، وَخِتَانُ النِّسَاءِ مكرمَة.
لَو كَانَ للصَّبِيّ ذكران: ح فَإِنْ كَانَا عَامِلَيْنِ خُتِنَا، وَلَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ خُتِنَ خَاصَّةً.
وَيُعْرَفُ الْعَامِلُ بِالْبَوْلِ وَالِانْتِشَارِ.
وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُخْتَنُ مِنْ الْفَرْجَيْنِ لِيَقَعَ الْيَقِينُ.
وَأُجْرَةُ خِتَانِ الصَّبِيِّ عَلَى أَبِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَالْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمَنْ بَلَغَ غَيْرَ مَخْتُونٍ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ فَهُوَ هَدَرٌ لِمَوْتِهِ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شرعا اهـ.
مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (وَفِي الرُّسُلِ إلَخْ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ سَامًا وَحَنْظَلَةَ مُرْسَلَانِ ط.
قَوْلُهُ: (شِيثٌ إدْرِيسُ) بِلَا تَنْوِينٍ كَسَامَ وَهُودَ.
تَتِمَّةٌ: قِيلَ: السَّبَبُ فِي الْخِتَانِ أَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالتَّرْوِيعِ بِذَبْحِ وَلَدِهِ أَحَبَّ(7/342)
أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ تَرْوِيعًا بِقَطْعِ عُضْوٍ وإراقة دم، وابتلي بِالصَّبْرِ عَلَى إسْلَامِ الْآبَاءِ أَبْنَاءَهُمْ تَأَسِّيًا بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَقَدْ اخْتَتَنَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً أَوْ مِائَةٍ وَعشْرين، والاول أصح.
وَجمع باين الْأَوَّلَ مِنْ حِينِ النُّبُوَّةِ، وَالثَّانِي مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ، وَاخْتُتِنَ بِالْقَدُومِ.
اسْمِ مَوْضِعٍ، وَقِيلَ: آلَةُ النَّجَّارِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ وَالْحُفَّاظُ فِي وِلَادَةِ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَآله مختونا، وَلم يَصح فِيهِ شئ، وَأَطَالَ الذَّهَبِيُّ فِي رَدِّ قَوْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ تَوَاتَرَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ ضَعْفُ الْحَدِيثِ بِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْحُفَّاظِ: الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ أَنَّهُ لَمْ يُولَدْ مَخْتُونًا.
قَوْلُهُ: (وَبَطُّ قُرْحَتِهِ) أَيْ شَقُّهَا مِنْ بَابِ قَتَلَ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْمَذْكُورِ مِنْ الْكَيِّ وَالْبَطِّ.
قَوْلُهُ: (وَهِرَّةٍ تَضُرُّ) كَمَا إذَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْحَمَامَ وَالدَّجَاجَ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَيَذْبَحُهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَلْبَ مِثْلُهَا.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (يُكْرَهُ إحْرَاقُ جَرَادٍ) أَيْ تَحْرِيمًا، وَمِثْلُ الْقَمْلِ الْبُرْغُوثُ، وَمِثْلُ الْعَقْرَبِ الْحَيَّةُ ط.
قَوْلُهُ: (وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ لَيْسَ بِأَدَبٍ) لِأَنَّهَا تُؤْذِي
غَيْرَهُ وَيُورِثُ النِّسْيَانَ، وَفِيهِ تَعْذِيب لَهَا بجوعها ط.
أما الرغوث فَيَعِيشُ فِي التُّرَابِ.
قَوْلُهُ: (وَجَازَتْ الْمُسَابَقَةُ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ مِمَّا يَحْتَمِلُهَا الْفَرَسُ، وَأَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ، أَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا يَسْبِقُ لَا مَحَالَةَ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِلْحَاجَةِ إلَى الرِّيَاضَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إِلَّا إِيجَاب المَال للعير عَلَى نَفْسِهِ بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَلَا يجوز اهـ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّمْيُ) أَيْ بِالسِّهَامِ.
قَوْلُهُ: (لِيَرْتَاضَ لِلْجِهَادِ) أَفَادَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَظْر، وَأَنه للتهلي مَكْرُوهٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ: لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ شَيْئًا مِنْ الْمَلَاهِي سِوَى النِّضَالِ أَيْ الرَّمْيِ وَالْمُسَابَقَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ لَهْوًا لِلْمُشَابَهَةِ الصُّورِيَّةِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَحَرُمَ شَرْطُ الْجُعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَلِي عَلَيْك كَذَا.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا أَدْخَلَ مُحَلِّلًا) الْمُنَاسِبُ أَدْخَلَا وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَا لِثَالِثٍ: إنْ سَبَقْتنَا فَالْمَالَانِ لَك، وَإِن سبقناك فَلَا شئ لَنَا عَلَيْك، وَلَكِنْ الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَاهُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ عَلَى صَاحِبِهِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ، فَإِنْ غَلَبَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ، وَإِن غلباه فَلَا شئ لَهُمَا عَلَيْهِ، وَيَأْخُذُ أَيُّهُمَا غَلَبَ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ كُفُؤًا لِفَرَسَيْهِمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ أَوْ يُسْبَقَ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ جَزَمَ الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ بِأَنَّ الْبَغْلَ وَالْحِمَارَ كَالْفَرَسِ، وَعَزَاهُ إلَى الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ.
قُلْت: وَمِثْلُهُ فِي الْمُخْتَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَغَيرهمَا أقره الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ هُنَا وَتَقَدَّمَ تَمام الْكَلَام عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْحَظْرِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ) .
حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْفُرْسَانِ أَوْ لِاثْنَيْنِ مَنْ سَبَقَ فَلَهُ كَذَا(7/343)
مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ قَالَ لِلرُّمَاةِ مَنْ أَصَابَ الْهَدَفَ فَلَهُ كَذَا جَازَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْفِيلِ، فَإِذَا كَانَ التَّنْفِيلُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَالسَّلَبِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ، فَمَا ظَنُّك بِخَالِصِ مَالِهِ؟ وَعَلَى هَذَا الْفُقَهَاءُ إذَا تَنَازَعُوا فِي الْمَسَائِلِ، وَشُرِطَ لِلْمُصِيبِ مِنْهُمْ جُعْلٌ جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْخَيْلِ، إذْ التَّعَلُّمُ فِي الْبَابَيْنِ يَرْجِعُ إلَى تَقْوِيَةِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْمُسَابَقَةِ الْحِلُّ دُونَ الِاسْتِحْقَاقِ، حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمَغْلُوبُ مِنْ الدَّفْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَا
يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ إلَخْ) لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الدَّعَوَاتِ، وَهِيَ زِيَادَةُ الرَّحْمَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَلِيقُ ذَلِكَ بِمن يتَصَوَّر مِنْهُ خطابا وَالذُّنُوبُ إلَّا تَبَعًا بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيم النَّبِي صلى اله عَلَيْهِ وَآله.
زَيْلَعِيٌّ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا أَوْ تَنْزِيهًا أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى؟ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ الثَّانِي، لَكِن خُطْبَةِ شَرْحِ الْأَشْبَاهِ لِلْبِيرِيِّ: مَنْ صَلَّى عَلَى غَيْرِهِمْ أَثِمَ وَكُرِهَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الْمُسْتَصْفَى: وَحَدِيثِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى الصَّلَاة حَقه، فلع أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى غَيْرِهِ ابْتِدَاءً، أَمَّا الْغَيْرُ فَلَا اهـ.
وَأَمَّا السَّلَامُ فَنَقَلَ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ عَنْ الْإِمَامِ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْغَائِبِ وَلَا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، فَلَا يُقَالُ: عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، إلَّا فِي الْحَاضِرِ فَيُقَالُ: السَّلَامُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْك أَو عَلَيْكُم، وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ اهـ.
أَقُولُ: وَمِنْ الْحَاضِرِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ السَّلَام مَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي عِلَّةِ مَنْعِ الصَّلَاةِ أَنَّ ذَلِكَ شعار أهل الْبدع، ولان ذَلِك مَخْصُوص على لِسَانِ السَّلَفِ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَمَا أَن قَوْلنَا عزوجل مَخْصُوص بِاللَّه تَعَالَى، فَلَا يُقَال: مُحَمَّد عزوجل وَإِنْ كَانَ عَزِيزًا جَلِيلًا، ثُمَّ قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَمِيلُ إلَيْهِ مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ، كَمَا يَخْتَصُّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالتَّقْدِيسِ وَالتَّنْزِيهِ، وَيُذْكَرُ مَنْ سِوَاهُمْ بِالْغُفْرَانِ وَالرِّضَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ) * (الْمَائِدَة: 9) * (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بالايمان) * (الْحَشْر: 10) وَأَيْضًا فَهُوَ أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الصَّدْر الاول، وَإِنَّمَا حَدثهُ الرَّافِضَةُ فِي بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، وَالتَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْبِدَعِ مَنْهِيّ عَنهُ فَتجب مخالفتهم اهـ.
أَقُول: وَكَرَاهَة التَّشَبُّه بِأَهْل الْبدع مُقَرر عِنْدَنَا أَيْضًا، لَكِنْ لَا مُطْلَقًا، بَلْ فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا قُصِدَ بِهِ التَّشَبُّهُ بِهِمْ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (قَوْلَانِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِهِ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ، وَهُوَ مَرْحُومٌ قَطْعًا، فَيَكُونُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَقَدْ اسْتَغْنَيْنَا عَنْ هَذِهِ بِالصَّلَاةِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا.
وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدِ رَحِمَهُ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعْنَاهَا مَعْنَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.
زَيْلَعِيٌّ.
وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَقُولُ: ارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُهُ لِلتَّوَارُثِ، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلِأَنَّ أَحَدًا(7/344)
وَإِنْ جَلَّ قَدْرُهُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ رَحْمَةِ الله تَعَالَى اهـ.
قَوْلُهُ: (وَجَوَّزَهُ السُّيُوطِيّ تَبَعًا لَا اسْتِقْلَالًا) أَيْ مَضْمُومًا إلَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَا وَحْدَهُ، فَيَجُوزُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَلَا يَجُوزُ ارْحَمْ مُحَمَّدًا بِدُونِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (فَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) أَيْ يُحْمَلُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ عَلَى التَّبَعِيَّةِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُقَالُ مَضْمُومًا إلَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ، فَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ ابْتِدَاء رَحْمَة الله اهـ ط: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزُ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وسمحه لما فِيهِ من إِيهَام نقص اهـ.
أَقُولُ: وَكَذَا عَفَا عَنْهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُخَاطِبَ عَبْدَهُ بِمَا أَرَادَ، كَمَا لَا يَلِيقُ أَنْ تُخَاطِبَ الرَّعِيَّةُ الْأُمَرَاءَ بِمَا تُخَاطِبُهُمْ بِهِ الْمُلُوكُ، وَلم أرى مَنْ تَعَرَّضَ لِلتَّرَحُّمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، فَلْيُرَاجَعْ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي لِلصَّحَابَةِ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَالِغُونَ فِي طَلَبِ الرِّضَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجْتَهِدُونَ فِي فِعْلِ مَا يُرْضِيهِ، وَيَرْضَوْنَ بِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ الِابْتِلَاءِ مِنْ جِهَتِهِ أَشَدَّ الرِّضَا، فَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِالرِّضَا وَغَيْرُهُمْ لَا يَلْحَقُ أَدْنَاهُمْ وَلَوْ أَنْفَقَ ملْء الْأَرْضِ ذَهَبًا.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا مَنْ اُخْتُلِفَ فِي نبوته) قَالَ الننوي: وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ هَذَا: أَيْ الدُّعَاءَ بِالصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنَّ الْأَرْجَحَ أَنْ يُقَالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَرْتَبَةٌ غَيْرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلم يثبت كَونهمَا نبيين اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَلَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ.
وَكَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ السَّابِقُ أَنَّهُ لَا يُدْعَى لَهُ بِالصَّلَاةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي عَدَمُ الْإِثْمِ بِهِ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يُقَالُ إلَخْ) أَيْ لِتَكُونَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ تَبَعًا فَيَكُونُ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَهُوَ وَجِيهٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْعُبَّادِ) بِالضَّمِّ جَمْعُ عَابِدٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ: وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ.
تَتِمَّةٌ: يُكْرَهُ الْجَدَلُ فِي أَنَّ لُقْمَانَ وَذَا الْقَرْنَيْنِ وَذَا الْكِفْلِ أَنْبِيَاءٌ أَمْ لَا، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْأَلُ الانسان ع مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَأَنْ يَقُولَ: كَيْفَ هَبَطَ جِبْرِيلُ وَعَلَى أَيِّ صُورَةٍ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله علايه وَآله، حِين رَآهُ عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ هَلْ بَقِيَ مَلَكًا أَمْ لَا؟ وَأَيْنَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ وَمَتَى السَّاعَةُ وَنُزُولُ عِيسَى؟ وَإِسْمَاعِيلُ أَفْضَلُ أَمْ إِسْحَاقُ وَأَيُّهُمَا الذَّبِيحُ؟ وَفَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ أَمْ لَا؟ وَأَبَوَا النَّبِيِّ كَانَا عَلَى أَيِّ دِينٍ؟ وَمَا دِينُ أَبِي طَالِبٍ؟ وَمَنْ الْمَهْدِيُّ؟ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا تَجِبُ مَعْرِفَتُهُ، وَلَمْ يَرِدُ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَيَجِبُ ذِكْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله بِأَسْمَاءٍ مُعَظَّمَةٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ فَقير غَرِيب مِسْكين فريد طوبل، وَيَجِبُ تَعْظِيمُ الْعَرَبِ خُصُوصًا أَهْلَ الْحَرَمَيْنِ خُصُوصًا أَوْلَادَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ خُصُوصًا أَوْلَادَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، مَقْدِسِيٌّ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.
قَوْلُهُ: (وَالْإِعْطَاءُ بِاسْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) بِأَنْ يُقَالَ هَدِيَّةُ هَذَا الْيَوْمِ، وَمِثْلُ الْقَوْلِ النِّيَّةُ فِيمَا يَظْهَرُ ط.(7/345)
وَالنَّيْرُوزُ: أَوَّلُ الرَّبِيعِ، وَالْمِهْرَجَانُ: أَوَّلُ الْخَرِيفِ، وَهُمَا يَوْمَانِ يُعَظِّمُهُمَا بَعْضُ الْكَفَرَةِ وَيَتَهَادَوْنَ فِيهِمَا.
قَوْلُهُ: (ثمَّ أهْدى لِمُشْرِكٍ الخ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اتَّخَذَ مَجُوسِيٌّ دَعْوَةً لِحَلْقِ رَأْسِ وَلَدِهِ فَحَضَرَ مُسْلِمٌ دَعْوَتَهُ فَأَهْدَى إلَيْهِ شَيْئًا لَا يَكْفُرُ، وَحُكِيَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ مَجُوسِي سَرْبَلَ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ حَسَنَ التَّعَهُّدِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَاِتَّخَذَ دَعْوَةً لِحَلْقِ رَأْسِ وَلَدِهِ، فَشَهِدَ دَعْوَتَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْدَى بَعْضُهُمْ إلَيْهِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى مُفْتِيهِمْ، فَكَتَبَ إلَى أُسْتَاذِهِ عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ أَنْ أَدْرِكْ أَهْلَ بَلَدِك فَقَدْ ارْتَدُّوا وَشَهِدُوا شِعَارَ الْمَجُوسِيِّ، وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنَّ إجَابَةَ دَعْوَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مُطْلَقَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَمُجَازَاةُ الْإِحْسَانِ مِنْ الْمُرُوءَةِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ لَيْسَ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ، وَالْحُكْمُ بِرِدَّةِ الْمُسْلِمِ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُمْكِنُ، وَالْأَوْلَى لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُوَافِقُوهُمْ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لاظهار الْفَرح وَالسُّرُور اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّنْعِيمِ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ: وَالتَّنَعُّمِ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بَأْسَ) مِنْ الْبُؤْسِ: أَيْ لَا شِدَّةَ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، أَوْ مِنْ الْبَأْسِ وَهُوَ الْجَرَاءَةُ: أَيْ لَا جَرَاءَةَ فِي مُبَاشَرَتِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ، وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ لَا يُؤْجَرُ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ.
حموي عَن الْمِفْتَاح اهـ ط.
أَقُولُ: وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (الْقَلَانِسِ) جَمْعِ قَلَنْسُوَةٍ بِفَتْحِ الْقَافِ: ذَاتِ الْآذَانِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ.
ط.
قَوْلُهُ: (غَيْرِ حَرِيرٍ إلَخْ) رَدَّ عَلَى مِسْكِينٍ حَيْثُ قَالَ: لَفْظُ الْجَمْعِ يَشْمَلُ قَلَنْسُوَةَ
الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْكِرْبَاسِ وَالسَّوْدَاءَ وَالْحَمْرَاءَ.
قَوْلُهُ: (وَصَحَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَبِسَهَا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: أَيْ لَبِسَ الْقَلَانِسَ، وَقَدْ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالزَّيْلَعِيُّ إلَى الذَّخِيرَةِ، وَفِي بَعْضِ النّسخ: وَصَحَّ أَنه حرم لبسهَا: أَي قرنس الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَنُدِبَ لُبْسُ السَّوَادِ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لُبْسَ السَّوَادِ مُسْتَحَبٌّ، وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَدِّدَ اللف لعمامته يَنْبَغِي لَهُ أَن ينقضها كَوْرًا كَوْرًا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ رَفْعِهَا عَنْ الرَّأْسِ وَإِلْقَائِهَا فِي الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ إرْسَالُ ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ.
وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ: إيَّاكُمْ وَالْأَحْمَرَ) الَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ: إيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا زِيُّ الشَّيْطَانِ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ إلَخْ) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَ يَتَرَدَّى بِرِدَاءٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانَ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ: فَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إلَيْكُمْ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ.
وَمُحَمَّدٌ كَانَ يَلْبَسُ الثِّيَابَ النَّفِيسَةَ وَيَقُولُ: إنَّ لِي نسَاء وجواري(7/346)
فأزين نَفسِي كَيْلا ينظرن إلَى غَيْرِي، قِيلَ لِلشَّيْخِ: أَلَيْسَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَلْبَسُ قَمِيصًا عَلَيْهِ كَذَا رُقْعَةً؟ فَقَالَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِحِكْمَةٍ هِيَ أَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُمَّالُهُ يَقْتَدُونَ، وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ لَهُمْ مَالٌ فَيَأْخُذُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ) تَبِعَ الْمُصَنِّفَ، وَاَلَّذِي فِي الزَّيْلَعِيِّ: أَلْفٌ دِرْهَمٍ.
قَوْلُهُ: (وَلِلشَّابِّ الْعَالِمِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَخْ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ فِي الصَّلَاةِ، وَهِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ تَالِيَةُ الْإِيمَانِ.
زَيْلَعِيٌّ.
وَصَرَّحَ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ بِحُرْمَةِ تَقَدُّمِ الْجَاهِلِ عَلَى الْعَالِمِ، حيثخ أشعر بِنزل دَرَجَته عِنْد الْعَامَّة لمُخَالفَته لقَوْله تَعَالَى: * (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعلم دَرَجَات) * إِلَى أَن قَالَ: وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَالْمُتَقَدِّمُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً فَيُعَزَّرُ.
قَوْلُهُ: (فَمَنْ يَضَعُهُ) أَيْ يَضَعُ الْعَالِمَ.
قَوْلُهُ: (وَهُمْ أولُوا الْأَمْرِ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: * (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) * كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: وَقَالَ الزندويستي: حَقُّ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ وَحَقُّ الْأُسْتَاذِ عَلَى التِّلْمِيذِ وَاحِدٌ عَلَى السَّوَاءِ وَهُوَ أَنْ لَا يَفْتَحَ الْكَلَامَ قَبْلَهُ، وَلَا يَجْلِسَ مَكَانَهُ وَإِنْ غَابَ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ،
وَلَا يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِي مَشْيِهِ، وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنْ تُطِيعَهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ، وَعَنْ خَلَفٍ أَنَّهُ وَقَعَتْ زَلْزَلَةٌ فَأَمَرَ الطَّلَبَةَ بِالدُّعَاءِ، فَقِيلَ لَهُ فِيهِ، فَقَالَ: خَيْرُهُمْ خَيْرٌ مِنْ خَيْرِ غَيْرِهِمْ، وَشَرُّهُمْ خَيْرٌ مِنْ شَرِّ غَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ: (جَازَ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، فَقَدْ قَالَ: يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي امْرَأَتِي كَمَا يُعْجِبُهَا أَنْ أَتَزَيَّنَ لَهَا.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ.
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله فَعَلَهُ فِي عُمْرِهِ، وَالْأَصَحُّ لَا.
وَفَصَّلَ فِي الْمُحِيطِ بَيْنَ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ، قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُف، أما بالجمرة فَهُوَ سنة الرِّجَال وسيما الْمُسلمين اهـ.
مِنَحٌ مُلَخَّصًا.
وَفِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِلْأَكْمَلِ: وَالْمُخْتَارُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَآله خَضَّبَ فِي وَقْتٍ، وَتَرَكَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ.
وَمَذْهَبُنَا أَنَّ الصَّبْغَ بِالْحِنَّاءِ وَالْوَسْمَةِ حَسَنٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ خِضَابِ الشَّيْبِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِصُفْرَةٍ أَوْ حُمْرَةٍ، وَتَحْرِيمُ خضابه بِالسَّوَادِ على الاصح لقَوْل عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ وَاجْتَنِبُوا السوَاد.
اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَهَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْغُزَاةِ، وَلَا يحرم فِي حَقهم لِلْإِرْهَابِ، وَلَعَلَّهُ مَحْمَلٌ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ ط.
قَوْلُهُ: (كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا فِي الصَّحِيحِ) قَدَّمْنَا فِي الْحَظْرِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِ: أَيْ فَتَرْكُهُ أَوْلَى، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَكَبُّرٍ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ.
قَوْلُهُ: (لِمَا رُوِيَ إلَخْ) الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: لَا آكُلُ مُتَّكِئًا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ عَنْ النَّسَائِيّ قَالَ: مَا رئي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله يَأْكُلُ مُتَّكِئًا قَطُّ.
لَكِنْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ أَكَلَ مُتَّكِئًا مَرَّةً، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ زِيَادَةٌ(7/347)
مَقْبُولَةٌ، وَيُؤَيِّدُهَا مَا أَخْرَجَهُ عَنْ ابْنِ شَاهِينَ عَن عشَاء بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ جِبْرِيلَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله يَأْكُلُ مُتَّكِئًا فَنَهَاهُ.
وَفَسَّرَ الْأَكْثَرُونَ الِاتِّكَاءَ بِالْمَيْلِ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْآكِلِ، وَوَرَدَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: زَجْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عِنْدَ الْأَكْلِ، قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الِاتِّكَاءِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يخْتَص بِصفة بِعَينهَا اهـ.
مُلَخَّصًا.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله أَكَلَ مُتَّكِئًا فَقَدْ تَرَكَهُ لِمَا نَهَى عَنْهُ، فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ.
نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عَامٌّ.
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اُخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الاتكار، فَقِيلَ أَنْ
يَتَمَكَّنَ فِي الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَقِيلَ أَنْ يَمِيلَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ، وَقِيلَ: أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ الْأَرْضِ، وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْقَوْلَيْنِ.
وَالْحِكْمَةُ فِي تَرْكِهِ أَنَّهُ مِنْ فِعْلِ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَالْمُتَعَظَّمِينَ، وَأَنَّهُ أَدْعَى إلَى كَثْرَةِ الْأَكْلِ، وَأَحْسَنُ الْجِلْسَاتِ لِلْأَكْلِ الْإِقْعَاءُ عَلَى الْوَرِكَيْنِ وَنصب الرُّكْبَتَيْنِ، ثمَّ الجثي على الرُّكْبَتَيْنِ وَظُهُور الْقَدَمَيْنِ، ثمَّ نَصْبُ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى.
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَلْدَةٍ بِهَا الطَّاعُونُ) الْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ أَوْ دَخَلَ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ ط.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) هَذَا فِي غَيْرِ الْجِهَادِ الْمُتَعَيِّنِ، لِأَنَّ نَفْعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنْ الْجِهَادِ حَيْثُ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
قَوْلُهُ: (قَضَى الْمَدْيُونُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَقَضَاهُ الْمَدْيُونُ قَبْلَ حُلُول الا جبل يُجْبَرُ الدَّائِنُ عَلَى الْقَبُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُرَابَحَةِ إلَخْ) صُورَتُهُ: اشْتَرَى شَيْئًا بِعَشَرَةٍ نَقْدًا وَبَاعَهُ لِآخَرَ بِعِشْرِينَ إلَى أَجَلٍ هُوَ عَشَرَةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا قَضَاهُ بعد تَمام أَوْ مَاتَ بَعْدَهَا يَأْخُذُ خَمْسَةً، وَيَتْرُكُ خَمْسَةً ط.
أَقُول: وَالظَّاهِر أم مِثْلَهُ مَا لَوْ أَقْرَضَهُ وَبَاعَهُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَجَّلَ ذَلِكَ، فَيُحْسَبُ لَهُ مِنْ ثَمَنِ السِّلْعَةِ بِقَدْرِ مَا مَضَى فَقَطْ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَّلَهُ إلَخْ) عَلَّلَهُ الْحَانُوتِيُّ بِالتَّبَاعُدِ عَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا، لِأَنَّهَا فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ، وَوجه أَن الرِّبْح فِي مُقَابلَة الاجل، لانه الْأَجَلَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا وَلَا يُقَابِلُهُ شئ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنْ اعْتَبَرُوهُ مَالًا فِي الْمُرَابَحَةِ إذَا ذُكِرَ الْأَجَلُ بِمُقَابَلَةِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ، فَلَوْ أَخَذَ كُلَّ الثَّمَنِ قَبْلَ الْحُلُولِ كَانَ أَخْذُهُ بِلَا عِوَضٍ.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.(7/348)
كِتَابُ الْفَرَائِضِ
مُنَاسَبَتُهُ لِلْوَصِيَّةِ أَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَلِوُقُوعِهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، وَقِسْمَةُ الْمِيرَاثِ بَعْدَهُ وَلِذَا أُخِّرَ عَنْهَا، ثُمَّ الْفَرَائِضُ جَمْعُ فَرِيضَةٍ، وَهِيَ مَا يُفْتَرَضُ عَلَى الْمُكَلَّفِ، وَفَرَائِضُ الْإِبِلِ مَا يفْرض كنت مَخَاض فِي خمسژ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ سُمِّيَ بِهَا كُلُّ مُقَدَّرٍ فَقِيلَ لِأَنْصِبَاءِ الْمَوَارِيثِ فَرَائِضُ، لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ لِأَصْحَابِهَا، ثُمَّ قيل للْعلم بمسائل الْمِيرَاث علم الْفَرَائِض، للْعَالم بِهِ فَرضِي وفارض وفراض.
مغرب.
قَوْلُهُ: (هِيَ عِلْمٌ بِأُصُولٍ إلَخْ) أَيْ قَوَاعِدَ وَضَوَابِطَ تُعَرِّفُ: أَيْ تِلْكَ الْأُصُولُ حَقَّ كُلٍّ: أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ:
أَيْ قَدْرَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْمَوْصُوفَةِ بِمَا ذُكِرَ الْأُصُولُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَنْعِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَالْحَجْبِ، بَلْ هِيَ الْعُمْدَةُ فِي ذَلِكَ، إذْ بِدُونِهَا لَا تُعْرَفُ الْحُقُوقُ، وَلِذَا قَالُوا: مَنْ لَا مَهَارَةَ لَهُ بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ فَرِيضَةً، وَدَخَلَ فِيهَا مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْوَارِثِ ذَا فَرْضٍ أَوْ عَصَبَةً أَوْ ذَا رَحِمٍ، وَمَعْرِفَةُ أَسْبَابِ الْمِيرَاثِ وَالضَّرْبِ وَالتَّصْحِيحِ وَالْعَوْلِ وَالرَّدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَافْهَم.
وَالْمُرَادُ بِالْفَرَائِضِ السِّهَامُ الْمُقَدَّرَةُ كَمَا مَرَّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَصَبَاتُ وَذُو الرَّحِمِ لِأَنَّ سِهَامَهُمْ مُقَدَّرَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِتَقْدِيرٍ غَيْرِ صَرِيحٍ، وَمَوْضُوعُهُ: التَّرِكَاتُ، وَغَايَتُهُ: إيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَرْبَابِهَا، وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: وَارِثٌ، وَمُورَثٌ، وَمَوْرُوثٌ.
وَشُرُوطُهُ ثَلَاثَةٌ: مَوْتٌ مُوَرِّثٍ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَمَفْقُودٍ، أَوْ تَقْدِيرًا كَجَنِينٍ فِيهِ غُرَّةٌ وَوُجُودُ وَارِثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ حَيًّا حَقِيقَةً، أَو تَقْديرا كالحمل وَالْعلم بِجَهْل إِرْثه.
وأسبابه وموانعه ستأتي، وأصوله ثَلَاث: الْكِتَابُ، وَالسُّنَّةُ فِي إرْثِ (1) أُمِّ الْأُمِّ بِشَهَادَةِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ سَلَمَةَ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فِي إرْثِ أم الاب بِاجْتِهَاد عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي عُمُومِ الْإِجْمَاعِ، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ هُنَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ فِي أُمِّ الْأَبِ، وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ وَاسْتِمْدَادَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ.
أَفَادَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَهُ) الْأَوْلَى قَدَّرَهُ كَمَا قَالَ الريلعي لِأَنَّهُ مَعْنَى الْفَرْضِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (بِنَفْسِهِ) أَيْ وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة) * (الْحَج: 78) ، * (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) * (آل عمرَان: 97) ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ لَا غَيْرُ) أَرَادَ بِالنَّصِّ مَا يَشْمَلُ الْإِجْمَاعَ، وَاحْترز بِهِ على الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْمَوَارِيثِ لِأَنَّهُ لَا مَال لَهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ لِخَفَاءِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي التَّخْصِيصِ بِمِقْدَارٍ دُونَ آخَرَ، ثُمَّ إنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ لِثُبُوتِهِ فَيَكُونُ عِلَّةً ثَانِيَةً لِتَسْمِيَتِهِ نِصْفَ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: وَجْهِ التَّسْمِيَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ، وَقِيلَ: أَنَّهُ مِمَّا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فَتَصْدُقُ بِأَنَّهُ نِصْفُ الْعلم، وَلَا نبحث عَن وَجهه.
__________
(1)
قَوْله: (فِي إِرْث الام بِشَهَادَة إِلَخ) أَي بِشَهَادَتِهِمَا لَدَى عمر على تَوْرِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله لَام الام وَلم يرد توريثهما فِي كتاب الله تَعَالَى اهـ.(7/349)
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَوْجُهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النِّصْفَ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ قسمي الشئ، فَإِن كل شئ تَحْتَهُ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا نِصْفٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ عَدَدُهُمَا، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَحْمَدَ الطَّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ وَقَوْلُ الْعَرَبِ: نِصْفُ السَّنَةِ حَضَرٌ وَنِصْفُهَا سَفَرٌ: أَيْ تَنْقَسِمُ زَمَانَيْنِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ عِدَّتُهُمَا، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ وَقَدْ قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت؟ فَقَالَ: أَصْبَحْت وَنِصْفُ النَّاسِ عَلَيَّ غَضْبَانُ، يُرِيدُ أَنَّهُمْ بَيْنَ مَحْكُومٍ لَهُ رَاضٍ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ غَضْبَانُ.
وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: إذَا مِتّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ وَآخَرُ رَاضٍ بِاَلَّذِي كُنْت أَصْنَعُ وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ نِصْفُ الْوُضُوءِ: أَيْ أَنَّهُ نَوْعَانِ مُطَهِّرٌ لِبَعْضِ الْبَاطِنِ، وَمُطَهَّرٌ لِبَعْضِ الظَّاهِرِ.
أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ.
قَوْله: (بِالنَّصِّ) أرد بِهِ مَا يَعُمُّ الْإِجْمَاعَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِالضَّرُورِيِّ) أَيْ الْإِرْثِ، وَالِاخْتِيَارِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَهَلْ إرْثُ الْحَيِّ مِنْ الْحَيِّ إلَخْ) أَيْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فِي آخِرِ جَزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ زُفَرَ وَمَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَالثَّانِي قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةِ مُوَرِّثِهِ وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُ فَقَالَ لَهَا إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَعْتِقُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمَوْتِ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ قَبْلَهُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَعْتِقُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بَعْدَهُ أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ.
وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ عَلَّقَ الْوَارِثُ طَلَاقَهَا بِمَوْتِ مَوْلَاهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ البيري عَن السِّرَاجِيَّة.
أَقُولُ: وَبِهِ تَظْهَرُ فَائِدَةُ تَصْوِيرِهَا بِالزَّوْجِ، وَإِلَّا فتعليف الْعِتْقِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (الْمُعْتَمَدُ الثَّانِي) وَكَذَا ذَكَرَ الطَّرَابُلُسِيُّ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ أَنَّ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الدّرّ الْمُنْتَقى عَن التاترخانية أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (الْخَالِيَةِ إلَخْ) صفة كاشفة، لَان التَّرِكَة فِي الِاصْطِلَاح مَا تَرَكَهُ الْمَيِّتُ مِنْ الْأَمْوَالِ صَافِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِعَيْنٍ مِنْ الْأَمْوَالِ كَمَا فِي شُرُوح السِّرَاجِيَّة.
وَاعْلَم أَنه يدْخل التَّرِكَةِ الدِّيَةُ الْوَاجِبَةُ بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِالصُّلْحِ عَنْ الْعَمْدِ أَوْ بِانْقِلَابِ الْقِصَاصِ مَالًا بِعَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، فَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُ الْمَيِّتِ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَوْلُهُ: (بِعَيْنِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: تَعَلَّقَ.
قَوْلُهُ: (كَالرَّهْنِ إلَخْ) مِثَالٌ لِلْعَيْنِ الَّتِي تعلق بهَا حق الْغَيْر، فَإِذا رَهَنَ شَيْئًا وَسَلَّمَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ غَيْرَهُ فَدَيْنُ الْمُرْتَهِنِ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّجْهِيزِ، فَإِنْ فَضَلَ بَعْدَهُ شئ صُرِفَ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ:
(وَالْعَبْدُ الْجَانِي) أَيْ فِي حَيَاةِ مَوْلَاهُ وَلَا مَالِ لَهُ سِوَاهُ فَإِنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْمَوْلَى، إلَّا أَن يفضل بعد أرش الْجِنَايَة شئ.
تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْجَانِي هُوَ الْمَرْهُونَ قد حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ أَقْوَى لِثُبُوتِهِ عَلَى ذِمَّةِ الْعَبْدِ، وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ وَمُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ لَا فِي ذِمَّتِهِ، ذَكَرَهُ يَعْقُوبْ بَاشَا فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ الشَّرِيفِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ) أَيْ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ قَدَّمَ الْغُرَمَاءَ عَلَى التَّجْهِيزِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَبِيعِ الْمَحْبُوسِ بِالثَّمَنِ) كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَمَاتَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالْعَبْدِ مِنْ تَجْهِيزِ المُشْتَرِي.(7/350)
قَالَ يَعْقُوبْ بَاشَا: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمَاتَ عَاجِزًا عَنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِرُجُوعِهِ لَا مُطْلَقًا، بَلْ إِذا لم يتَعَلَّق بِهِ شئ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ كَمَا إذَا كَاتَبَهُ الْمُشْتَرَى أَوْ رَهَنَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهُ أَوْ جَنَى ذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لِمَانِعٍ قَوِيٍّ، حَتَّى لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ وَعَادَ إلَى الرِّقِّ أَوْ فَكَّ الرَّهْنَ أَوْ فُدِيَ مِنْ الْجِنَايَةِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ لزوَال ذَلِك الْمَانِع اهـ.
وَنَقَلَ مِثْلَهُ ط عَنْ حَاشِيَةِ عَجَمْ زَادَهْ عَلَى شَرْحِ السَّيِّدِ.
ثُمَّ قَالَ: وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْبَائِعَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ عندنَا: اهـ: أَيْ فِيمَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ إلَّا خِلَافَ الشَّافِعِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مَأْخُوذ من كتب الشَّافِعِيَّة فلينتبه لَهُ.
قَوْلُهُ: (وَالدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ) فَإِنَّهُ إذَا أَعْطَى الْأُجْرَةَ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الْآجِرُ صَارَتْ الدَّارُ هُنَا بالاجرة سيد.
قَالَ ط: وَزَاد فِي رُوحِ الشُّرُوحِ عَلَى مَا ذُكِرَ الْعَبْدُ الَّذِي جُعِلَ مَهْرًا: يَعْنِي إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ أَي فَإِنَّ الزَّوْجَةَ تُقَدَّمُ عَلَى تَجْهِيزِ الزَّوْجِ، وَالْمَقْبُوضُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا مَاتَ الْبَائِعُ قَبْلَ الْفَسْخِ: أَيْ فَإِنَّ الْمُشْتَرَى مُقَدَّمٌ عَلَى تَجْهِيزِ الْبَائِعِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ إلَخْ) أَيْ هَذِهِ الْحُقُوقُ الْمُتَعَلّقَة بِهَذِهِ الاعيان، وأصل أَن كَا حَقٍّ يُقَدَّمُ فِي الْحَيَاةِ يُقَدَّمُ فِي الْوَفَاةِ.
دُرٌّ مُنْتَقًى.
وَتَقْدِيمُهَا عَلَى التَّجْهِيزِ هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْمِعْرَاجِ وَكَذَا شُرَّاحُ الْكَنْزِ وَالسِّرَاجِيَّةُ، بَلْ حَكَى بَعْضُ شُرَّاحِ السِّرَاجِيَّةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، فَمَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ وَأَنَّ الصَّحِيحَ تَقْدِيمُ التَّجْهِيزِ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: مَنْظُورٌ فِيهِ، بَلْ تَعْلِيلُهُمْ يُفِيدُ أَنه لَيْسَ بتركة أصلا إِ هـ: أَيْ فَلَا يَرِدُ عَلَى إطْلَاقِ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ التَّرِكَةِ بِالتَّجْهِيزِ.
قَوْلُهُ: (بِتَجْهِيزِهِ) وَكَذَا تَجْهِيزُ مَنْ
تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، كَوَلَدٍ مَاتَ قَبْلَهُ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ وَكَزَوْجَتِهِ وَلَوْ غَنِيَّةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
دُرٌّ مُنْتَقًى.
قَوْلُهُ: (يَعُمُّ التَّكْفِينُ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْلَ السِّرَاجِيَّةِ: يَبْدَأُ بِتَكْفِينِهِ وَتَجْهِيزِهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ تَقْتِيرٍ وَلَا تَبْذِيرٍ) التَّقْتِيرُ هُوَ التَّقْصِيرِ، وَالتَّبْذِيرُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَشْهُورِ بِمَعْنَى الْإِسْرَافِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّ الْإِسْرَافَ صرف الشئ فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدًا عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَالتَّبْذِيرُ صَرْفُهُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي.
صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ يَعْقُوبَ.
وَعَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بالاسراف بدل التبذير وموافقا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) * (الْفرْقَان: 67) لَكِنَّهُ رَاعَى الْمَشْهُورَ.
قَوْلُهُ: (كَكَفَنِ السُّنَّةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: ثُمَّ الْإِسْرَافُ نَوْعَانِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ بِأَنْ يُزَادَ فِي الرَّجُلِ على ثَلَاثَة أَبْوَاب، وَفِي الْمَرْأَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَمِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، بِأَنْ يُكَفَّنَ فِيمَا قِيمَتُهُ تِسْعُونَ وَقِيمَةُ مَا يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ سِتُّونَ مَثَلًا، وَالتَّقْتِيرُ أَيْضًا نَوْعَانِ عكس الاسراف عددا وَقِيمَة إِ هـ.
وَهَذَا إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، فَلَوْ أَوْصَى تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى كَفَنِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ بِهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لَا الْعَدَدُ، وَهَلْ لِلْغُرَمَاءِ الْمَنْعُ مِنْ كَفَنِ الْمِثْلِ؟ قَوْلَانِ: وَالصَّحِيحُ نَعَمْ.
دُرٌّ مُنْتَقًى: أَيْ فَيُكَفَّنُ بِكَفَنِ الْكِفَايَةِ وَهُوَ ثَوْبَانِ لِلرَّجُلِ وَثَلَاثَةٌ لِلْمَرْأَةِ.
ابْنُ كَمَالٍ.
قَوْلُهُ: (أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ مِنْ أَوْسَطِ ثِيَابِهِ، أَو من الَّذِي يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالزِّيَارَاتِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ هَلَكَ كَفنه الخ) قَالَ فِي سكب الانهر: وَإِذ نُبِشَ قَبْرُ الْمَيِّتِ وَأُخِذَ كَفَنُهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَلَوْ ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا مَا دَامَ طَرِيًّا، وَلَا يُعَادُ غَسْلُهُ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ تَفَسَّخَ يُلَفُّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغُرَمَاءُ قد(7/351)
قَبَضُوا التَّرِكَةَ، فَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ قد قُسِمَ مَالُهُ فَعَلَى كُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ دُونَ الْغُرَمَاءِ، وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا لِأَنَّهُمْ أَجَانِبُ وَلَا تُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى قَبُولِ كَفَنِ مُتَبَرِّعٍ لِأَنَّ فِيهِ لُحُوقَ الْعَارِ بِهِمْ، إلَّا إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، فَحِينَئِذٍ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يختاروت الْقيام بِأَنْفسِهِم، فَحِينَئِذٍ هم أولى
بِهِ اهـ: أَيْ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْكِبَارُ مِنْهُمْ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ) هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِقْرَارِ فِي حَالِ الصِّحَّة ط.
وَقد يرجح بعضه على بعض كَدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مُكَاتَبٍ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى، وَكَالدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِدَعْوَى الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى كَافِرٍ إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا كَافِرَيْنِ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ فَهُمَا سَوَاءٌ، كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ) هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِيمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ، كَإِقْرَارِ مَنْ خَرَجَ لِلْمُبَارَزَةِ أَوْ أُخْرِجَ لِلْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ لِيُرْجَمَ.
ط عَنْ عَجَمْ زَادَهْ.
قَوْلُهُ: (إنْ جُهِلَ سَبَبُهُ) أَمَّا إذَا عُلِمَ بِأَنْ أَقَرَّ فِي مَرضه بدين علم ثُبُوته بطرِيق المعانية، كَمَا يَجِبُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ مَلَكَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ كَانَ ذَلِكَ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ إذْ قَدْ عُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ، فَلِذَلِكَ ساواة فِي الحكم اهـ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَذَلِكَ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا أَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا هُمْ مِنْ عِنْدِهِمْ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةُ الْمُكَلَّفِ وَفِعْلُهُ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ اهـ.
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
أَقُولُ: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا لَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ عَنْهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ بِدُونِ إذْنِهِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي) أَيْ الْفَاضِلِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَن دين الْعِبَادَة فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ تَقَدَّمَتْ وَصيته) أَي عَلَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَعْنَى بَلْ هُوَ شَرِيكٌ لَهُمْ، حَتَّى إذَا سُلِّمَ لَهُ شئ سُلِّمَ لِلْوَرَثَةِ ضِعْفُهُ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيمٍ فِي الْحَقِيقَةِ، بِخِلَافِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ وَالْمُوصَى لَهُ لَا يَأْخُذُونَ إِلَّا مَا فضل عَنْهُمَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُطْبَقَةً عَلَى الصَّحِيحِ) كَذَا قَالَهُ السَّيِّد غَيره.
ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ: إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً كَأَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ رُبْعِهِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمِيرَاثِ لِشُيُوعِهَا فِي التَّرِكَةِ فَيَكُونُ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ لَا مقدما عَلَيْهِم،
وَيدل على شيوع حَقه كَحَقِّ الْوَارِثِ أَنَّهُ إذَا زَادَ الْمَالُ بَعْدَ الْوَصِيَّة زَاد فِي على الْحَقَّيْنِ، وَإِذا نقض نقض عَنْهُمَا، حَتَّى إذَا كَانَ مَالُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ مَثَلًا أَلْفًا ثُمَّ صَارَ أَلْفَيْنِ فَلَهُ ثُلُثُ الالفين، وَإِن انعكس فَلهُ ثلث الالف اهـ.
قَالَ الْأَكْمَلُ: وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَعَهُ، فَإِنَّ التَّقْدِيمَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ بِجَعْلِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ مُتَعَلِّقًا بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَيَمْنَعُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَارِثِ بِصُورَتِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ تَقْدِيمًا عَلَى الْوَرَثَةِ،(7/352)
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَاكَ تَقْدِيم اهـ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ) أَيْ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمُتَقَدِّمِ وَنَصُّهُ: فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِعَيْنٍ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَتَنْفُذُ، وَإِنْ كَانَتْ بِجُزْءٍ شَائِعٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ فَالْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ يَزْدَادُ نَصِيبُهُ بِزِيَادَةِ التَّرِكَةِ وَيَنْقُصُ بِنَقْصِهَا بِحَسَبِ الْمَالِ، وَيَخْرُجُ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ كَمَا يَخْرُجُ نَصِيبُ الْوَارِثِ وَيُقَدَّمُ عَلَى قسْمَة التَّرِكَة بَين الْوَرَثَة لما تلونا اهـ.
وَالْحَاصِل: أَنه لَا خلاف فِي تَقْدِيم الْوَصِيّ بِعَيْنٍ كَالدَّارِ وَالثَّوْبِ مَثَلًا، بِمَعْنَى أَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ فَلَا حَقَّ لِلْوَرَثَةِ فِيهَا، فَتُفْرَزُ وَحْدَهَا وَيُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ مَا سِوَاهَا.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ: فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّهَا شائعة فِي التَّرِكَة بِزِيَادَتِهَا، وَبِالْعَكْسِ قَالَ: لَا تَقْدِيمَ فِيهَا بَلْ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكٌ لِلْوَرَثَةِ دَائِمًا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْأَخْذِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ التَّرِكَةَ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْمِيرَاثِ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ إخْرَاجِ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ قَالَ: إنَّهَا مُقَدَّمَةٌ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُفْرِزْ نَصِيبَهُ أَوَّلًا بَلْ اُعْتُبِرَ شَرِيكًا مَعَ الْوَرَثَةِ لَزِمَ أَنْ يَقْسِمَ لَهُ مَعَهُمْ كَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَهُ ثُلُثُ التَّرِكَة مثلا وَيلْزم مِنْهُ الْخلَل، ومثلا لَوْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتَيْنِ شَقِيقَتَيْنِ وَأَوْصَتْ بِالثُّلُثِ لِزَيْدٍ فَيَخْرُجُ الثُّلُثُ الْمُوصَى بِهِ أَوَّلًا، فَيَأْخُذُ زَيْدٌ وَاحِدًا مِنْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ يَقْسِمُ الْبَاقِيَ مِنْ سَبْعَةٍ: لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ، وَلِلشَّقِيقَتَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تُقْسَمَ التَّرِكَةُ مِنْ تِسْعَةٍ، فَيَأْخُذَ الْمُوصَى لَهُ اثْنَيْنِ، وَالزَّوْجُ ثَلَاثَةً، وَالشَّقِيقَتَانِ أَرْبَعَةً، فَيَنْقُصَ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ، وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت النَّظَرَ يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْقَوْلَيْنِ يُسَلِّمُ مَا قَالَهُ الْآخَرُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ إخْرَاجَ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ أَوَّلًا هَلْ يُسَمَّى تَقْدِيمًا أَمْ لَا؟ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ السَّابِقُ، وَكَذَا كَلَام صَاحب الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي الْقَوْلِ بِالْمُشَارَكَةِ،
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ يُقَدَّمُ عَلَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُشَارَكَةِ وَالتَّقْدِيمِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ الَّذِي هُوَ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ.
قَوْلُهُ: (فِي الْآيَةِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى: * (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَن دَيْنٍ) * (النِّسَاء: 11) .
قَوْلُهُ: (لِكَوْنِهَا مَظِنَّةَ التَّفْرِيطِ) لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِلَا عِوَضٍ فَتَشُقُّ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلَا تَطِيبُ نُفُوسُهُمْ بِهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ أَوْ لِكَوْنِهَا بِرًّا وَطَاعَةً، وَالدَّيْنُ مَذْمُومٌ غَالِبًا وَلِذَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَوْ لِأَنَّ حُكْمَهَا كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ عَنْ الزَّمَخْشَرِيّ.
قَوْلُهُ: (بَلْ خَامِسًا) بِاعْتِبَارِ الْبُدَاءَةِ قَبْلَ التَّجْهِيزِ بِعَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ فَهِيَ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةٌ.
قَوْلُهُ: (يُقْسَمُ الْبَاقِي) لَمْ يقل يقدم كَمَا قَالَ فِي سَابِقِهِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْحُقُوقِ فَلَمْ يَبْقَ مَا يقدم عَلَيْهِ.
قَوْله: (أَي الدّين ثَبَتَ إرْثُهُمْ بِالْكِتَابِ) أَيْ الْقُرْآنِ، وَهُمْ الْأَبَوَانِ وَالزَّوْجَانِ وَالْبَنُونَ وَالْبَنَاتُ وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ السُّنَّةِ) أَوْ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ فَتَصْدُقُ بِاجْتِمَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله، سَوَاءٌ كَانَ فِعْلًا كَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ وَالْجَدَّةِ أُمِّ الام، أَو وقلا كَمَا مَثَّلَ الشَّارِحُ، أَفَادَهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ الْإِجْمَاعِ) أَيْ اتِّفَاقِ رَأْيِ الْمُجْتَهِدِينَ من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَآله فِي عَصْرٍ مَا عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: قَوْلُ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ، مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ كَإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ آيَةٍ مِنْهُ، لِيَشْمَلَ مَنْ اخْتَلَفَ فِي رواثته كَذَوِي الْأَرْحَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلِأَنَّ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي وِرَاثَتِهِ دَلِيلُهُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ الْكتاب أَو(7/353)
السُّنَّةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّأْوِيلِ.
قَوْلُهُ: (فَجُعِلَ الْجَدُّ كَالْأَبِ إلَخْ) وَكَجَعْلِ الْجَدَّةِ كَالْأُمِّ وَبِنْتِ الِابْنِ كَالْبِنْتِ الصُّلْبِيَّةِ وَالْأَخِ لِأَبٍ كَالشَّقِيقِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ كَالشَّقِيقَةِ.
سَكْبُ الْأَنْهُرِ.
قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَقُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَوْ لِلْمَعْلُومِ، وَضَمِيرُهُ لِلْوَارِثِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ.
قَوْلُهُ: (بِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عِلَّةٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَعْضُهَا فَلَا يُنَافِي حُصُولَ الِاسْتِحْقَاقِ بِاثْنَيْنِ مِنْهَا كَزَوْجَةٍ هِيَ بِنْتُ عَمٍّ أَوْ مُعْتَقَةٌ فَيَرِثُ مِنْهَا الزَّوْجُ النِّصْفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ أَوْ الْوَلَاءِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (وَنِكَاح صَحِيح) وَلَو بِلَا وطئ وَلَا خَلْوَةٍ إجْمَاعًا.
دُرٌّ مُنْتَقًى.
قَوْلُهُ: (فَلَا تَوَارُثَ بِفَاسِدٍ)
هُوَ مَا فَقَدَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ كَشُهُودٍ، وَلَا بَاطِلٍ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَالْمُؤَقَّتِ وَإِنْ جُهِلَتْ الْمُدَّةُ أَوْ طَالَتْ فِي الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ.
قَوْلُهُ: (وَوَلَاءٍ) أَيْ بِنَوْعَيْهِ: عَتَاقٍ، وَمُوَالَاةٍ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُسْتَحَقُّونَ لِلتَّرِكَةِ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ) جَمَعَهَا الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ الشِّحْنَةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ فِي مَنْظُومَتِهِ الْفَرْضِيَّةِ الَّتِي شَرَحَهَا شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْفَقِيهُ إبْرَاهِيمُ السَّائِحَانِيِّ، فَقَالَ: يُعْطَى ذَوُو الْفُرُوضِ ثُمَّ الْعَصَبَهْ ثُمَّ الَّذِي جَادَ بِعِتْقِ الرَّقَبَهْ ثُمَّ الَّذِي يَعْصِبُهُ كَالْجَدِّ ثُمَّ ذَوُو الْأَرْحَامِ بَعْدَ الرَّدِّ ثُمَّ مُحَمَّلٌ وَرَا مَوَالٍ ثُمَّ مُزَادٌ ثُمَّ بَيْتُ الْمَالِ وَأَرَادَ بِالْمَحْمَلِ مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِنَسَبٍ مَحْمَلٍ عَلَى الْغَيْرِ، وَبِالْمُزَادِ الْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.
أَقُولُ: وَحَيْثُ ذَكَرَ عَصَبَةَ الْمُعْتَقِ فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُ عَصَبَةِ الْمُوَالِي: أَيْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ أَيْضًا، فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ بَعْدَهُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي، فَالْأَصْنَافُ أَحَدَ عَشَرَ.
تَنْبِيهٌ: قَيَّدَ بِالتَّرِكَةِ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَجْرِي فِي الْأَعْيَانِ الْمَالِيَّةِ، أَمَّا الْحُقُوقُ فَمِنْهَا مَا يُورَثُ كَحَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَحَبْسِ الرَّهْنِ، وَمِنْهَا مَا لَا يُورَثُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالنِّكَاحِ: أَيْ حَقِّ التَّزْوِيجِ، كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّقِيقُ عَنْ ابْنٍ وَثَمَّ أَخٌ لِأَبٍ فَالْحَقُّ لِلْأَخِ لَا لِلِابْنِ وَالْوِلَايَاتِ وَالْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَكُونُ وَارِثُهُ مُسْتَعِيرًا، وَكَذَا الْمُودَعُ، وَكَذَا الرُّجُوعُ عَنْ الْهِبَةِ، وَكَذَا الْوَلَاءُ كَأَنْ يَكُونَ لِلْمُعْتِقِ ابْنَانِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَهُ عَنْ ابْنٍ فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ الْبَاقِي، فَلَوْ مَاتَ هَذَا عَنْ ابْنَيْنِ فَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ ابْنِ الِابْنِ الْأَوَّلِ أَثْلَاثًا كَأَنَّهُمْ وَرِثُوا مِنْ جَدِّهِمْ لَا مِنْ آبَائِهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَا يُورث، وَكَذَا الاجارة فِي بيع الْفُضُولِيّ، وَكَذَا الاجل.
وَاخْتَلَفُوا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ: فَقِيلَ يُورَثُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الدُّرَرِ، وَادَّعَى شَارِحُ الطَّحَاوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْقِصَاصِ.
وَأَمَّا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُورَثُ، وَأَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً، وَكَذَا خِيَارُ الْوَصْفِ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ خِيَارَ التَّغْرِيرِ يُورَثُ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فَوَاتَ الْوَصْفِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ، وَمَالَ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ إلَى خِلَافِهِ، لَكِنَّهُ مَال فِي
منظومته الْفِقْهِيَّة إِلَى الاول اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْأَشْبَاهِ وَشَرْحِهَا لِشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الْبَعْلِيِّ.
قَوْلُهُ: (أَيْ السِّهَامِ(7/354)
الْمُقَدَّرَةِ) هِيَ النِّصْفُ وَالرُّبْعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ.
(سِرَاجٌ) .
قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةٌ مِنْ الرِّجَالِ) هُمْ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْأَخُ لِأُمٍّ ح.
قَوْلُهُ: (وَسَبْعَةٌ مِنْ النِّسَاءِ) هُنَّ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَالْأُخْتُ لِأُمٍّ وَالْأُمُّ وَالْجَدَّةُ ح.
قَوْلُهُ: (فَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ أَلْ تَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ بِحَيْثُ يَتَنَاوَلُ كُلُّ وَاحِدٍ كَالْفَرْدِ حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا قَالَ نِسَاءً لَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثٍ.
يَعْقُوبُ:
قَوْلُهُ: (وَجَمَعَهُ لِلِازْدِوَاجِ) جَوَابُ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: أَنه كَانَ الاخضر التَّعْبِيرَ بِالْعَصَبَةِ مُفْرَدًا كَمَا عَبَّرَ فِي قَسِيمِهِ وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ وَالْجِنْسِيَّةُ فِيهِ أَظْهَرُ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ جَمَعَهُ لَفْظًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَى الْجَمْعِ مُرَادَ التَّزَاوُجِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ بِذَوِي الْفُرُوضِ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، أَوْ يُقَالُ جمح عه لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهِ مِنْ عَصَبَةٍ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الدَّاعِيَ إلَى إبْطَالِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْمُعْتِقِ تَعَدُّدٌ، بَلْ يُقَدَّمُ وَلَوْ وَاحِدًا، بِخِلَافِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَتَقَدَّمُ وَحْدَهُ عَلَى الْعَصَبَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَرِثُ مَعَهُ الْعَصَبَةُ، إذْ لَيْسَ فِي أَصْحَابِ الْفُرُوضِ مَنْ يُحْرِزُ كُلَّ الْمَالِ وَحْدَهُ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي لِلْعَصَبَةِ إلَّا مَا أَبْقَاهُ لَهُ صَاحِبُ الْفَرْضِ.
فَتَأَمَّلْ.
قَوْله: (أَنَّهَا أَقْوَى) عِلَّةٌ لِلتَّقْدِيمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ثُمَّ وَمِنْ مُتَعَلِّقِ الْجَارِّ.
قَالَ السَّيِّدُ: فَإِنَّ الْعُصُوبَةَ النَّسَبِيَّةَ أقوى من السَّبَبِيَّة، يرشدك ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ دُونَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ السَّبَبِيَّةِ: أَعْنِي الزَّوْجَيْنِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ بِالْمُعْتَقِ) الْأَوْلَى قَوْلُ السِّرَاجِيَّةِ: مَوْلَى الْعَتَاقَةِ لِيَشْمَلَ الِاخْتِيَارِيَّةَ بِأَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِلَفْظِ إعْتَاقٍ أَوْ فَرْعِهِ مِنْ تَدْبِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِشِرَاءِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، وَالِاضْطِرَارِيَّة بِأَنْ وَرِثَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ جِنْسُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، فَيَشْمَلُ الْمُتَعَدِّدَ وَالْمُنْفَرِدَ كَمَا يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الْمُعْتَقَ بِوَاسِطَةٍ كَمُعْتَقِ الْمُعْتَقِ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا وَكَمُعْتَقِ الْأَبِ، وَيَشْمَلُ أَيْضًا كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ: الْمَعْرُوفَ وَالْمُقَرَّ لَهُ، وَيُقَدَّمُ الْمَعْرُوفُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُقِرِّ مَوْلَى عَتَاقَةٍ مَعْرُوفَةٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مُكَذِّبًا شرعا اهـ.
تَنْبِيهٌ: مُهِمٌّ شَرْطُ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ بِمَعْنَى عَدَمِ الرِّقِّ فِيهَا وَلَا فِي أَصْلهَا، كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
فَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَتِيقُ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَلَا وَلَاءَ عَلَى أَوْلَادِهِ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ كَمَا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ عَنْ الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا.
وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِيمَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ مَزِلَّةُ الْإِقْدَامِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ) خَاصٌّ بِالْمُعْتَقِ دُونَ عَصَبَتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ مَجْمُوعُهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ، وَعَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي فِي فَصْلِ الْعَصَبَاتِ، وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ السَّيِّدِ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ أَجَابَ عَنْهُ يَعْقُوبُ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ بعد قَوْله: ثمَّ عصبته الذُّكُور وهما العصب السَّبَبِيَّةُ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَصَبَتُهُ الذُّكُورُ) أَيْ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ، فَيَكُونُ مِنْ الذُّكُورِ قَطْعًا، وَكَوْنُهُ عَصَبَةً بِنَفْسِهِ لِمَوْلَى الْعَتَاقَةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ عَصَبَةً سَبَبِيَّةً لِلْمَيِّتِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ، فَلَوْ تَرَكَ الْعَتِيقُ ابْنَ سَيِّدِهِ وَبِنْتَه فَالْإِرْثُ لِلِابْنِ فَقَطْ، وَلَوْ تَرَكَ بِنْتَ سَيِّدِهِ وَأُخْتَه فَلَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِالذُّكُورِ الَّذِي قَالَ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَكِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعْتَقِ مَا يَشْمَلُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ كَالْمُعْتِقِ وَمُعْتِقِ(7/355)
الْمُعْتق، وَهَكَذَا ذكرا أَو اثنى.
أَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُعْتِقُ الْقَرِيبُ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِعَصَبَتِهِ الْعَصَبَةَ السَّبَبِيَّةَ من الذُّكُور والاناث كمعتق وَمُعْتِقَةِ الْمُعْتَقِ وَالْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ أَيْضًا.
لَكِنْ لَا بُدَّ فِي الثَّانِي مِنْ كَوْنِهِ عَصَبَةً بِالنَّفْسِ، فَيَكُونُ مِنْ الذُّكُورِ قَطْعًا كَمَا مَرَّ دُونَ الْعَصَبَةِ بِالْغَيْرِ أَوْ مَعَ الْغَيْرِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.
تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى الْمُعْتِقِ وَعَصَبَتِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعَصَبَةِ الْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ فَلَا مِيرَاثَ لَهُ، بَيَانُهُ: امْرَأَةٌ أَعْتَقَتْ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَابْنٍ مِنْهُ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ فَالْمِيرَاثُ لِابْنِهَا لِأَنَّهُ عَصَبَتُهَا، فَلَوْ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ الْعَتِيقِ فَلَا مِيرَاثَ لِزَوْجِهَا لِأَنَّهُ عَصَبَةُ عَصَبَتِهَا، وَأَمَّا إذَا أَعْتَقَ رَجُلٌ عَبْدًا ثُمَّ الْعَبْدُ أَعْتَقَ آخَرَ ثُمَّ الْآخَرُ أَعْتَقَ آخَرَ وَمَات الْعَتِيق الثَّالِث وَترك اعصبة الْمُعْتق الاول فَإِنَّهُ يَرِثهُ وَإِن كات فِي صُورَةِ عَصَبَةِ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، لَكِنْ لَا لِذَلِكَ، بَلْ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الْأَوَّلَ جَرَّ وَلَاءَ هَذَا الْمَيِّتِ فَيَرِثُهُ عَصَبَةُ الْعَتِيقِ الْأَوَّلِ لِقِيَامِهِ مقَام الْمُعْتق الاول للْحَدِيث إِ هـ.
مُلَخَّصًا مِنْ الذَّخِيرَةِ فِي بَابِ الْوَلَاءِ.
وَقَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ كَلَامٍ
عَلَى الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (ثمَّ الرَّد) أَي عِنْد عدم تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ يُرَدُّ الْبَاقِي مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ ذَوِي الْفُرُوضِ السَّبَبِيَّةِ كَالزَّوْجَيْنِ، لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ هُوَ الْقَرَابَةُ الْبَاقِيَةُ بَعْدَ أَخْذِ الْفَرْضِ، وَقَرَابَةُ الزَّوْجِيَّةِ حُكْمِيَّةٌ لَا تَبْقَى بَعْدَ أَخْذِ الْفَرْضِ فَلَا رَدَّ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ.
أَفَادَهُ يَعْقُوبُ.
لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ الْأَشْبَاهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِمَا فِي زَمَانِنَا.
وَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ) أَيْ قَدْرًا نِسْبِيًّا لَا عَدَدِيًّا، لِأَنَّ مَا يُعْطَى مِنْ الرَّدِّ قَدْ يَكُونُ أَقَلَّ مِمَّا يُعْطَى مِنْ الْفَرْضِ، كَمَا فِي أُخْتَيْنِ وبوين وَأُخْتٍ لِأُمٍّ، وَمُسَاوِيًا كَمَا فِي أُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُمٍّ وَأَكْثَرَ، كَمَا فِي أُخْتٍ لِأُمٍّ وَجَدَّةٍ، وَطَرِيقُ النِّسْبَةِ أَنَّ مَنْ لَهُ النِّصْفُ فَرْضًا لَهُ بِقَدْرِ سِهَامِ النِّصْفِ مِنْ الرَّدِّ، وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ كَذَلِكَ، فَكَذَلِكَ مَثَلًا إذَا تَرَكَ أُخْتًا شَقِيقَةً، وَأُمًّا فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ نِصْفُهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِلشَّقِيقَةِ، وَثُلُثُهَا وَهُوَ اثْنَانِ لِلْأُمِّ، وَجُمْلَةُ السِّهَامِ خَمْسَةٌ بَقِيَ وَاحِدٌ يُرَدُّ عَلَيْهِمَا بِنسَب سهامهما، وَقد كَانَ للشقيق ثَلَاثَة أَخْمَاس الوحد وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ فَلَهَا خُمُسَا الْوَاحِدِ، وَتَرْجِعُ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ إلَى خَمْسَةٍ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ) أَيْ يَبْدَأُ بِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ ذَوِي الْفُرُوضِ النَّسَبِيَّةِ وَالْعَصَبَاتِ فَيَأْخُذُونَ كُلَّ الْمَالِ، وَمَا بَقِيَ عَنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الرَّدِّ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَهُمْ) أَي إِذْ فقد ذووا الْأَرْحَامِ يُقَدَّمُ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ: أَيْ الْقَابِلُ مُوَالَاةَ الْمَيِّتِ حِينَ قَالَ لَهُ: أَنْتِ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْت وَلَمْ يكن من الْعَرَب وَلَا فِي مَعَاتِيقِهِمْ وَلَا لَهُ وَارِثٌ نَسَبِيٌّ وَلَا عَقَلَ عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ مَوْلَى مُوَالَاةٍ آخَرُ فيرثه الْقَابِل، بل عَكْسٍ إلَّا إنْ شُرِطَ ذَلِكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَتَحَقَّقَتْ الشَّرَائِطُ فِيهِمَا، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لم يعقل عَنهُ مَوْلَاهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَكَثِيرِينَ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ تَرِثُ أَيْضًا عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَةِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ.
سَائِحَانِيٌّ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ.
وَقَدَّمْنَاهُ مَعَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَبَيَانُهَا فِي الْوَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ الْبَاقِي إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ فَلَهُ كُلُّ الْمَالِ، إلَّا إنْ وُجِدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَلَهُ الْبَاقِي عَنْ فَرْضِهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمُقَرُّ لَهُ بِنَسَبٍ الخ) أَي ثمَّ بعد مولى الْمُوَالَاةِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ يُقَدِّمُ الْمُقَرَّ لَهُ بِنَسَبٍ إلَخْ فَيُعْطَى كُلَّ الْمَالِ، إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَيُعْطَى مَا فَضَلَ بَعْدَ فَرْضِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى غَيْرِهِ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى التَّحْمِيلِ فَعَدَّاهُ بِعَلَى: أَيْ الْمَحْمُولُ نَسَبُهُ عَلَى غَيْرِهِ فِي ضِمْنِ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ(7/356)
بِأَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ ابْنُ ابْنِهِ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ هَذَا تَضَمَّنَ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْأَبِ أَوْ الِابْنِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تحميل النّسَب على غَيره، كَمَا ابذا أَقَرَّ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ بِأَنَّهُ ابْنُهُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ ثُبُوتَ النَّسَبِ مِنْهُ، وَيَنْدَرِجُ فِي الْوَرَثَةِ النَّسَبِيَّةِ إذَا اشْتَمَلَ الْإِقْرَارُ عَلَى شَرَائِطِ صِحَّتِهِ كَالْحُرِّيَّةِ والبلوع وَالْعَقْلِ فِي الْمُقِرِّ، وَتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ، وَكَوْنِهِ بِحَيْثُ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى مَا يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا لَا يَصِحُّ مَعَ بَيَانِ الشُّرُوطِ، وَحَرَّرْنَاهُ أَيْضًا فِي شَرْحِنَا عَلَى نَظْمِ فَرَائِضِ الْمُلْتَقَى الْمُسَمَّى بِالرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ شَرْحُ قَلَائِدِ الدُّرِّ الْمَنْظُومِ وَفِي آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ يَلْزَمُ مُرَاجَعَتُهَا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَثْبُتْ) قَيْدٌ ثَانٍ، وَبَيَّنَ الشَّارِحُ مُحْتَرَزَهُ، وَزَادَ فِي السِّرَاجِيَّةِ ثَالِثًا، وَهُوَ مَوْتُ الْمُقِرُّ عَلَى إقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فَلَا يَرِثُ، وَإِذَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِي الْمُقَرِّ لَهُ صَارَ عِنْدَنَا وَارِثًا فِي الْمَرْتَبَةِ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّ الْمُقِرَّ كَانَ مُقِرًّا بِشَيْئَيْنِ: النَّسَبِ، وَاسْتِحْقَاقِ الْمَالِ بِالْإِرْثِ، لَكِنْ إقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ نَسَبَهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ دَعْوَى فَلَا تُسْمَعُ، وَيَبْقَى إقْرَارُهُ بِالْمَالِ صَحِيحًا لِأَنَّهُ لَا يَعْدُوهُ إلَى غَيره إِذا لم يكن لَو وَارِثٌ مَعْرُوفٌ.
سَيِّدٌ: أَيْ وَيَكُونُ هَذَا الْإِقْرَارُ وَصِيَّةً مَعْنًى، وَلِذَا صَحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى فَرْعِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَا أَصْلِهِ.
قَوْلُهُ: (بِأَنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ) بِأَنْ قَالَ الْأَبُ: نَعَمْ هُوَ ابْنِي وَهُوَ أَخُوك، وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ اهـ.
مِنْ رُوحِ الشُّرُوحِ.
وَالْمُرَادُ وَرَثَةُ الْمُقِرِّ بِأَنْ قَالَ أَوْلَادُ الْمُقِرِّ هُوَ عَمُّنَا ط.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَقَرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ هُوَ ابْنِي، إذْ لَوْ عَلِمَ بِهِ كَانَ تَصْدِيقًا.
تَأَمَّلْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا حَمَلَ نَسَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَرِثَ مِنْهُ قَصْدًا وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ ذَلِكَ الْغَيْرُ.
أَفَادَهُ ط.
قَوْلُهُ: (أَوْ شهد رجل) أَي من الْمُقِرِّ.
قَالَ الشَّارِحُ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ: لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا بِبُرْهَانٍ وَمِنْهُ إقْرَارُ اثْنَيْنِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ وَإِن لم يقر بِهِ الْمَوْرُوث، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ) قَالَ فِي رَوْحِ الشُّرُوحِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنْ شَهِدَ مَعَ الْمُقَرِّ رَجُلٌ آخَرُ أَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ أَوْ الْوَرَثَةُ وهم أَهْلِ الْإِقْرَارِ، فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِصْرَارُ عَلَى الْإِقْرَارِ إلَى الْمَوْتِ وَلَا يَنْفَعُ الرُّجُوعُ لِثُبُوتِ النَّسَبِ حِينَئِذٍ اهـ.
وَفِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَصَحَّ رُجُوعُهُ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ معنى، وَلَا شئ لِلْمُقَرِّ لَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّة الْمُسَمّى الْمِنْهَاج: وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ إقْرَارَهُ قَبْلَ رُجُوعِهِ، أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِمِثْلِ إقْرَارِهِ إلَخْ، فَقَوْلُ الْمِنَحِ عَنْ بَعْضِ شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْ الْمُقَرُّ لَهُ صَوَابُهُ الْمُقَرُّ عَلَيْهِ كَمَا رَأَيْته فِي نُسْخَتِي مُصْلَحًا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ،
قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ إلَخْ) الصَّوَابُ إسْقَاطُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ فِيهِ عِبَارَةُ الْمِنَحِ السَّابِقَةِ.
وَقَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الصَّوَابُ فِيهَا لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْمُقَرِّ لَهُ لَا يُثْبِتُ النَّسَبَ قَطْعًا، لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بذلك فَهُوَ مُتَّهم، إِذا لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِتَصْدِيقِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُتَّهَمِ؟ عَلَى أَنَّك قَدْ عَلِمْت أَن الَّذِي فِي روح وَغَيْرِهِ هُوَ ثُبُوتُهُ بِتَصْدِيقِ الْمُقِرِّ عَلَيْهِ لَا الْمُقَرِّ لَهُ فَتَنَبَّهْ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ يُعْلَمُ مِنْ بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ بَعْدَهُمْ إلَخْ) أَيْ إذَا عُدِمَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَبْدَأُ بِمَنْ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَيُكْمِلُ لَهُ وَصِيَّتَهُ، لِأَنَّ مَنْعَهُ عَمَّا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَانَ لِأَجْلِ الْوَرَثَةِ، فَإِن لم يُوجد أحد مِنْهُم فَإِنَّهُ عِنْدَنَا مَا عَيَّنَ لَهُ كَمَلًا.
سَيِّدٌ.
وَلَا يخفى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ(7/357)
يَأْخُذُ الزَّائِدَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى إجَارَةٍ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ أَخْذَ الزَّائِدِ لَا يشْتَرط فِيهِ عدم الْوَرَثَة، إِذْ لن أَجَازُوا جَازَ.
قَوْله: (لانه نوع قرَابَة) الاول قَوْلُ السَّيِّدِ: أَنَّ لَهُ نَوْعَ قَرَابَةٍ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يُوضَعُ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ مُوصًى لَهُ بِالزَّائِدِ يُوضَعُ كُلُّ التَّرِكَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْبَاقِي عَنْ الزَّائِدِ إنْ وَجَدَ مُوصًى لَهُ بِمَا دُونَ الْكُلِّ وَلَمْ يَقُلْ ثمَّ يقدم إِذْ لَا شئ ع بَعْدَهُ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ: عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
قَوْلُهُ: (لَا إرْثًا) نَفْيٌ لِمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ، لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إرْثًا لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ بِالثُّلُثِ لِلْفُقَرَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، فَتَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَمِنْ أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهِ وَلِلْوَلَدِ مَعَ وَالِدِهِ، وَلَوْ كَانَ إِرْثا لما صَحَّ ذَلِك، لَكِن أفتى متأخروا الشَّافِعِيَّةِ بِالرَّدِّ إنْ لَمْ يَنْتَظِمْ بَيْتُ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (وَمَوَانِعُهُ) الْمَانِعُ لُغَةً: الْحَائِلُ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يَنْتَفِي لِأَجْلِهِ الْحُكْمُ عَنْ شَخْصٍ لِمَعْنًى فِيهِ بَعْدَ قِيَامِ سَبَبِهِ، وَيُسَمَّى مَحْرُومًا، فَخَرَجَ مَا انْتَفَى لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مَحْجُوبٌ، أَوْ لعدم قيام السَّبَب كالاجنبي، وَالْمرَاد بالمانع هَا هُنَا الْمَانِع عَن الوراثية لَا المورثية، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا كَاخْتِلَافِ الدِّينِ مَانِعًا عَنْهُمَا كَمَا حَرَّرْته فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا هُنَا) لِأَنَّ
بَعْضَهُمْ زَادَ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرَهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: (كَمُكَاتَبٍ) الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ رِقَّهُ كَامِلٌ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ، فَالصَّوَاب أَن يَقُول: كمدبر وَأم ولد اهـ ح.
وَقَدْ يُقَالُ: كَمَالُ رِقِّهِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلِذَا أَجَازَ عِتْقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمَلَكَ أَكْسَابَهُ دُونَهُمَا أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِنِّ فَهُوَ نَاقِصٌ مِنْ حَيْثُ انْعِقَادُ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ مِثْلُ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَد.
قَوْله: (وَكَذَا مبعض الخ) وَهُوَ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ فَيَسْعَى فِي فِكَاكِ بَاقِيهِ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِم دِرْهَمٌ، وَقَالَا: هُوَ حُرٌّ مَدْيُونٌ فَيَرِثُ وَيَحْجُبُ بِنَاءً عَلَى تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَرِثُ بَلْ يُورَثُ) قِيلَ الْمَنْقُولُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ، فَلْيُرَاجَعْ.
قَوْلُهُ: (يُورَثُ فِيهَا الرَّقِيقُ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ إلَى أَوَّلِ الْإِصَابَةِ ط.
قَوْلُهُ: (جُنِيَ عَلَيْهِ) أَيْ بِجِرَاحَةٍ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (بِسِرَايَةِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ) أَيْ الَّتِي أَصَابَتْهُ قَبْلَ الرِّقِّ ط.
قَوْلُهُ: (فَدِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ إلَخْ) أَيْ نَظَرًا إلَى وَقْتِ الْإِصَابَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ بِهَا قَبْلَ الِاسْتِرْقَاقِ كَانَ إرْثُهُ لَهُمْ، فَكَذَا بَعْدَهُ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ قَبْلَهُ ط.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا) هُمْ قَدْ اعْتَبَرُوا وَقْتَ الْإِصَابَةِ فِي مَسَائِلَ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْهَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ مَوْتَهُ صَدَرَ وَهُوَ فِي ملك السَّيِّد فَالدِّيَة لَهُ ط.
أَقُول: وَيظْهر لي أَنه لَا يجب على الْجَانِي شئ عِنْدَنَا، لِمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْمُسْتَأْمَنِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَقَدْ تَرَكَ وَدِيعَةً أَوْ دَيْنًا فَأُسِرَ أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَأُخِذَ أَوْ قُتِلَ سَقَطَ دَيْنُهُ وَمَا غُصِبَ مِنْهُ، وَصَارَ(7/358)
مَالُهُ كَوَدِيعَتِهِ، وَمَا عِنْدَ شَرِيكِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ فِي دَارِنَا فَيْئًا، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ بِلَا غَلَبَةٍ عَلَيْهِمْ فَدَيْنُهُ وَقَرْضُهُ وَوَدِيعَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَصِرْ مغنومة إِ هـ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدِّيَةَ دَيْنٌ عَلَى الْجَانِي فَتَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَاسْتِرْقَاقُهُ، فَلَا تَكُونُ لِوَرَثَتِهِ وَلَا لِسَيِّدِهِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْجِنَايَةَ حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا عَلَى مِلْكِ السَّيِّد، لانه إِنَّمَا استرقه مجنيا عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهُ مُطَالبَة الْجَانِي بشئ، فَتَدَبَّرْهُ.
قَوْلُهُ: (الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ أَوْ الْكَفَّارَةِ) الْأَوَّلُ هُوَ الْعَمْدُ، وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِمُحَدَّدٍ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَالثَّانِي ثَلَاثَة أقسان: شبه عمد، وَهُوَ أَن يعْتَمد قَتله بِمَا لَا يقتل غَالِبا كالسوط، وخطى كَأَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَ إنْسَانًا وَمَا جَرَى مجْرَاه كانقلاب نَائِم علء شَخْصٍ أَوْ سُقُوطِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَطْحٍ فَخَرَجَ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُهُمَا، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ رَوْشَنًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ فَقَتَلَ
مُوَرِّثَهُ، أَوْ أَقَادَ دَابَّةً أَوْ سَاقَهَا فَوَطِئَتْهُ، أَوْ قَتَلَهُ قِصَاصًا أَوْ رَجْمًا أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ وَجَدَ مُوَرِّثَهُ قَتِيلًا فِي دَارِهِ، أَوْ قَتَلَ الْعَادِلُ الْبَاغِيَ، وَكَذَا عَكْسُهُ إنْ قَالَ: قَتَلْته وَأَنَا عَلَى حَقٍّ، وَأَنَا الْآنَ عَلَى الْحَقِّ، وَخَرَجَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ.
وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الْحَاوِي الزَّاهِدِيِّ رَمْزًا: إذَا قَتَلَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ أَوْ ذَاتَ رَحِمٍ مِنْ مَحَارِمِهِ الْمُؤَنَّثِ لِأَجْلِ الزِّنَا يَرِثُ مِنْهَا عِنْدَنَا، خِلَافًا للشَّافِعِيّ اهـ: يَعْنِي مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا، أَمَّا بِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ فَلَا، كَمَا يَقَعُ مِنْ فَلَّاحِي الْقُرَى بِبِلَادِنَا فَادْرِ ذَلِكَ.
رَمْلِيٌّ.
وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُوجِبِ جَرَى عَلَى الْغَالِب، إِذا الْحُكْمُ فِيمَا اُسْتُحِبَّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَذَلِكَ، كَمَنْ ضَرَبَ امْرَأَةً فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ الْغُرَّةُ وَتُسْتَحَبُّ الْكَفَّارَةُ مَعَ أَنَّهُ يُحْرَمُ الْإِرْثَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ بِحَقٍّ أَوْ لَا مُبَاشَرَةٍ أَوْ لَا، وَلَوْ بِشَهَادَةٍ أَوْ تَزْكِيَةٍ لِشَاهِدٍ بِقَتْلٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ قَبْلَ الْمَقْتُولِ) بِأَنْ جَرَحَهُ جُرْحًا صَارَ بِهِ ذَا فِرَاشٍ فَمَاتَ الْجَارِحُ قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (إسْلَامًا وَكُفْرًا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَتَوَارَثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ عِنْدَنَا، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيُورَثُ عِنْدَنَا) أَي من كسب إِسْلَامه وَكسب ردته فئ لِلْمُسْلِمِينَ، وَقَالَا: لِلْوَارِثِ الْمُسْلِمِ كَكَسْبِ الْمُرْتَدَّةِ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَقَالَ: كَسْبَاهُ لِبَيْتِ الْمَالِ.
قَوْلُهُ: (فَأَسْلَمَتْ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَوْ قَبْلَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَرِثُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَهُوَ مُسْلِمٌ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَعند الْولادَة تبعا، وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا صَرِيحًا) أَقُولُ: قَيَّدَ بِقَوْلِهِ صَرِيحًا لِأَنَّ كَلَامَهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً ظَاهِرَةً، فَمِنْهُ قَوْلُهُمْ إرْثُ الْحَمْلِ فَأَضَافُوا الْإِرْثَ إلَيْهِ وَهُوَ حَمْلٌ، وَأَمَّا اشتراطهم خُرُوجه حَيا فليتحقق وُجُودِهِ عِنْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لَنَا: جَمَادٌ يَمْلِكُ وَهُوَ النُّطْفَةُ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: مَتَى انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا إنَّمَا لَا يَرِثُ إذَا انْفَصَلَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا إذَا فُصِلَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَرَثَةِ.
بَيَانُهُ: إذَا ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَرِثَ، لِأَنَّ الشَّارِعَ(7/359)
أَوْجَبَ عَلَى الضَّارِبِ الْغُرَّةَ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَيِّ دُونَ الْمَيِّتِ، فَإِذَا حَكَمْنَا بِالْجِنَايَةِ كَانَ لَهُ الْمِيرَاثُ وَيُورَثُ عَنْهُ نَصِيبُهُ، كَمَا يُورث عَنهُ بدل نَفسه وَهُوَ الْغرَّة اهـ.
أَقُولُ: فَقَدْ جَعَلُوهُ وَارِثًا وَمَوْرُوثًا، وَهُوَ جَنِينٌ قَبْلَ انْفِصَالِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حِينَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا فَلَمْ يُوجَدْ الْمَانِعُ حِينَ اسْتِحْقَاقِهِ الْإِرْثَ وَإِنَّمَا وُجِدَ بَعْدَهُ، فَكَانَ كَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ الْكَافِرِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ إرْثٌ مُسْلِمٍ مِنْ كَافِرٍ بَلْ هُوَ إرْثُ كَافِرٍ مِنْ كَافِرٍ، نَعَمْ يُتَصَوَّرُ عِنْدَنَا إرْثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْكَافِرِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرْتَدِّ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ اخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ) اخْتِلَافُهُمَا بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ: أَيْ الْعَسْكَرِيِّ، وَاخْتِلَافُ الْمِلْكِ كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمِلْكَيْنِ فِي الْهِنْدِ وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ، وَالْآخَرُ فِي التُّرْكِ وَلَهُ دَارٌ وَمَنَعَةٌ أُخْرَى، وَانْقَطَعَتْ لِلْعِصْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَسْتَحِلَّ كُلٌّ مِنْهُم قتال الآخر، فهاتان لداران مُخْتَلِفَتَانِ فتنقطع باختلافهما الوراثة لانهما تُبْتَنَى عَلَى الْعِصْمَةِ وَالْوِلَايَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاصُرٌ وَتَعَاوُنٌ عَلَى أَعْدَائِهِمَا كَانَتْ الدَّارُ وَاحِدَةً وَالْوِرَاثَةُ ثَابِتَةً.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إمَّا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، كَالْحَرْبِيِّ وَالذِّمِّيِّ وَكَالْحَرْبِيِّينَ فِي دَارَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ (1) بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، وَإِمَّا حُكْمًا فَقَط كالمستأمن وَالذِّمِّيّ فِي دَارِنَا، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهَا مُخْتَلِفَةً حُكْمًا، لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا، وَأَمَّا حَقِيقَةً فَقَطْ كَمُسْتَأْمَنٍ فِي دَارِنَا حَرْبِيّ وَفِي دَارِهِمْ، فَإِنَّ الدَّارَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ حَقِيقَةً لَكِنْ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حُكْمًا كَمَا عَلِمْت، فَهُمَا مُتَّحِدَانِ حُكْمًا، وَفِي هَذَا الْأَخِيرِ يَدْفَعُ مَالَ الْمُسْتَأْمَنِ لِوَارِثِهِ الْحَرْبِيِّ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْأَمَانِ فِي مَالِهِ لِحَقِّهِ، وَإِيصَالُ مَالِهِ لِوَرَثَتِهِ مِنْ حَقِّهِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ صَرْفَهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِمُصَنِّفِهَا كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ.
أَقُولُ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الِاخْتِلَافُ حُكْمًا، سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً أَيْضًا أَوْ لَا، دُونَ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً فَقَطْ، وَهَذَا مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمُؤَثِّرُ هُوَ الِاخْتِلَافُ حكما حَتَّى لَا تعْتَبر الْحَقِيقَة بِدُونِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (حَقِيقَةً) يَعْنِي وَحُكْمًا لِمَا عَلِمْت.
قَوْلُهُ: (كَحَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ) أَيْ إذَا مَاتَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ وَارِثٌ ذِمِّيٌّ فِي دَارِنَا، أَوْ مَاتَ الذِّمِّيُّ فِي دَارِنَا وَلَهُ وَارِثٌ فِي دَارِهِمْ لَمْ يَرِثْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخِرِ لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَإِنْ اتَّحِدَا مِلَّةً.
قَوْلُهُ: (أَوْ حُكْمًا) أَيْ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (وَكَحَرْبِيِّينَ إلَخْ) كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ مِنْ اخْتِلَافِ الدَّارِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ حَقِيقَةً، لَكِنَّهُمَا مُسْتَأْمَنَانِ فِي دَارِنَا فَهُمَا فِي دَار وَاحِدَة حَقِيقَة وَفِي دارين مختلفتين حُكْمًا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ
دَارَيْنِ لَا فِي دَارَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُسْتَأْمَنِينَ بَدَلَ الْحَرْبِيَّيْنِ، وَكَأَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْأَوْلَى إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مِثَالًا لِلِاخْتِلَافَيْنِ.
أَفَادَهُ السَّيِّد وتماه فِيهِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْمُسْلِمِينَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ: أَيْ اخْتِلَافُ الدَّارِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي عَامَّةِ الشُّرُوحِ، حَتَّى أَن الْمُسلم التَّاجِر
__________
(1)
قَوْله: (مُخْتَلفين) لاحظ أَولا إِن الدَّار مؤنث فأنث نعتها فِي قَوْله دارين مختلفتين وَأما تذكر النَّعْت فِي الْعِمَارَة الاتية فَهُوَ من كَلَام السَّيِّد وَمثله عبارَة الشَّارِح لَكِن لَيْسَ نظرا لمجازية التَّأْنِيث بل نظرا للمراد أَو هُوَ الْمنزل كَمَا نبه على مثله فِي خَاتِمَة الْمِصْبَاح فليفهم بالدقة قَالَه نصر الهورينى.(7/360)
أَوْ الْأَسِيرَ لَوْ مَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَرِثَ مِنْهُ وَرَثَتُهُ الَّذِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، كَمَا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ.
قَالَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِابْنِ الْحَنْبَلِيِّ: وَأَمَّا قَوْلُ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَرِثُ مِنْ الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ فِي دَارِنَا وَلَا الْمُسْلِمُ الْأَصْلِيِّ فِي دَارِنَا وَلَا الْمُسْلِمُ الْأَصْلِيُّ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَمَدْفُوعٌ بِقَوْلِ بَعْضِ عُلَمَائِنَا: يُخَايَلُ لِي أَنَّ هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَتْ الْهِجْرَةُ فَرِيضَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَفَى الْوِلَايَةَ بَيْنَ مَنْ هَاجَرَ وَمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ فَقَالَ: * (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ من ولايتهم من شئ حَتَّى يهاجروا) * فَلَمَّا كَانَتْ الْوَلَايَةُ بَيْنَهُمَا مُنْتَفِيَةً كَانَ الْمِيرَاثُ مُنْتَفِيًا، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ عَلَى الْوِلَايَةِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ حكم الْهِجْرَة لَان الْمِيرَاث على الْولَايَة، فأمما الْيَوْمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرِثَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ لِأَنَّ حُكْمَ الْهِجْرَةِ قَدْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله: لَا هِجْرَة بعد الْفَتْح اهـ.
قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَيْ فِي فَصْلِ الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى.
قَوْلُهُ: (فِي خَمْسِ مَسَائِلَ أَوْ أَكْثَرَ) زَادَ قَوْلَهُ: أَوْ أَكْثَرَ تَبَعًا لِلْمُجْتَبَى إشَارَةً إلَى أَنَّ عَدَّهَا خَمْسًا لَمْ يَرِدْ بِهِ الْحَصْرُ لِإِمْكَانِ زِيَادَةِ غَيْرِهَا تَأَمَّلْ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْهَا ثِنْتَيْنِ.
وَالثَّالِثَة: رَجَعَ وَضَعَ وَلَدَهُ فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ لَيْلًا ثُمَّ نَدِمَ صَبَاحًا فَرَجَعَ لِرَفْعِهِ فَإِذَا فِيهِ وَلَدَانِ وَلَا يَعْرِفُ وَلَدَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَاتَ قَبْلَ الظُّهُورِ لَا يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَفَقَتُهُمَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَالرَّابِعَةُ: حُرَّةٌ وَأَمَةٌ وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدًا فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَلَا يُعْلَمُ وَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَرِثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَى الْأَمَةِ.
وَالْخَامِسَةُ: رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ مِنْ حُرَّةٍ وَابْنٌ مِنْ أَمَةٍ لِإِنْسَانٍ أَرْضَعَتْهُمَا ظِئْرٌ وَاحِدَةٌ حَتَّى كَبِرَا وَلَا يُعْرَفُ وَلَدُ الْحُرَّةِ مِنْ غَيْرِهِ فَهُمَا حُرَّانِ، وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِمَوْلَى الْأَمَةِ وَلَا يَرِثَانِ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا تَوَارُثَ) أَيْ لَا يَرِثُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ وَلَدِ) الْأَوْلَى بِوَلَدِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا) أَيْ الْوَالِدَان فَإِنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَعْدُوهُمَا، فَمَنْ أَخَذَ حِصَّةً وَهُوَ الْوَارِثُ حَقِيقَةً فَذَلِكَ مِنْ حَظِّهِ، وَيُعَدُّ مَا أَخَذَهُ الْآخَرُ هِبَةً مِنْ الْمُسْتَحِقِّ، وَالظَّاهِرُ أَنه رَاجع إِلَى الْمَسْأَلَة السَّابِقَة أَيْضا إِ هـ ط.
أَقُولُ: بَلْ إلَى كُلِّ الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ وَإِنَّ مَا مَرَّ مِنْ وَضْعِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَصْطَلِحَا.
تَأَمَّلْ.
تَتِمَّةٌ: جُمْلَةُ الْمَوَانِعِ حِينَئِذٍ سِتَّةٌ، وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمَوَانِعِ النُّبُوَّةَ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ التَّتِمَّةِ: كُلُّ إنْسَانٍ يَرِثُ وَيُورَثُ إلَّا الْأَنْبِيَاءَ لَا يَرِثُونَ وَلَا يُورَثُونَ: وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام ورث خدية لَمْ يَصِحَّ، وَإِنَّمَا وَهَبَتْ مَالَهَا لَهُ فِي صِحَّتهَا اهـ.
قُلْت: لَكِنْ كَلَامُ ابْنِ الْكَمَالِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ.
وَتَمَامُهُ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ.
وَزَادَ بَعْضُهُمْ الرِّدَّةَ، فَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا إجْمَاعًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ لِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ، فَالْمَوَانِعُ حِينَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ.
وَزَادَ بَعْضُهُمْ تَاسِعًا وَهُوَ اللِّعَانُ.
قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَوَانِعُ خَمْسَةٌ: أَرْبَعَةُ الْمَتْنِ، وَالرِّدَّةُ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ بِالِاسْتِقْرَاءِ الشَّرْعِيِّ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَتَسْمِيَتُهُ مَانِعا(7/361)
مَجَازٌ، لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْإِرْثِ مَعَهُ لَيْسَ بِوُجُودٍ مَانع بل لانْتِفَاء الشَّرْط أَو السَّبَب اهـ.
بَيَانه: إِن شَرط الارث وجود الْوَارِث عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِي جَهَالَةِ تَارِيخِ الْمَوْتَى لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا تَوَارُثَ مَعَ الشَّكِّ، وَكَذَا فِي جَهَالَةِ الْوَارِثِ فَإِنَّهَا كَمَوْتِهِ حُكْمًا كَمَا فِي الْمَفْقُودِ.
وَأَمَّا وَلَدُ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ وَبِالْعَكْسِ لِقَطْعِ نَسَبِهِ، فَعَدَمُ الْإِرْثِ فِي الْحَقِيقَةِ لِعَدَمِ السَّبَبِ، وَهُوَ نِسْبَتُهُ إلَى أَبِيهِ، وَأَمَّا النُّبُوَّةُ فَفِي كَوْنِهَا مِنْ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ أَوْ السَّبَب كَلَام يعلم من شرحنا الرَّحِيق الْمَخْتُوم، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ كَوْنِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ هِيَ كَوْنُ النُّبُوَّةِ مَعْنًى قَائِمًا فِي الْمُوَرِّثِ، وَالْمَانِعُ هُوَ مَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ لِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْوَارِثِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَعْرِيفِهِ.
تَكْمِيلٌ: عَدَّ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ الْمَوَانِعِ الدَّوْرَ الْحُكْمِيَّ، وَهُوَ أَنْ يَلْزَمَ مِنْ التَّوْرِيثِ عَدَمُهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ عَنْ أَخٍ فَأَقَرَّ الْأَخُ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ وَلَا يَرِثُ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَ لَحَجَبَ الْأَخَ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ، فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ الِابْنِ فَلَا يَرِثُ، لِأَنَّ إثْبَاتَ إرْثِهِ يُؤَدِّي إلَى نَفْيِهِ فَيَنْتَفِي من أَصله، وَهَذَا لم يذكرهُ عُلَمَائِنَا لِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ فَيَرِثُ الِابْنُ دُونَهُ كَمَا حَقَّقْته فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ مُؤَيَّدًا بِالنَّقْلِ، وَمَرَّ تَمَامُهُ فِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا أَصْلُ الْوِلَادِ) بِكَسْرِ الْوَاو مصدر ولد: أَي أصل ودة الْأَصْلِ وَالْفُرُوعُ، فَالْكُلُّ أَوْلَادُهَا غَالِبًا لِأَنَّهُ قَدْ تكون الْولادَة بالتسري ثمَّ هِيَ بِهَذَا الِاعْتِبَار، وَإِن كَانَ أُمًّا لَكِنْ صِفَةُ الزَّوْجِيَّةِ سَابِقَةٌ عَلَى صِفَةِ الْأُمُومَةِ فَلِذَا لَمْ تُقَدَّمْ الْأُمُّ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (مَعَ وَلَدٍ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمَيِّتِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مِنْ غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ السُّفُولِ ضِدِّ الْعُلُوِّ مِنْ بَابِ نَصَرَ، وَبِضَمِّهَا مِنْ السَّفَالِ بِمَعْنَى الدَّنَاءَةِ مِنْ بَابِ شَرُفَ.
ابْنُ كَمَالٍ.
وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: (نِكَاحُ مَيِّتَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَتْ حَيَّةً تَهَاتَرَ الْبُرْهَان: وَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ إذَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِ مَنْ كَذَّبَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ الْمُكَذِّبُ بِهَا وَإِنْ أَرَّخَا فَالسَّابِقُ أَحَقُّ ط.
قَوْلُهُ: (وَبَرْهَنَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ: لَوْ بَرْهَنَا عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَلَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَاسْتَوَى تَارِيخُهُمَا يَقْضِي بِهِ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَيَرِثَانِ مِيرَاثَ زَوْجٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُمَا، وَيَرِثُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ، وَهُمَا يَرِثَانِ مِنْ الِابْنِ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ.
كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الاقرار وَالْيَد اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ تَكُنْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) هُوَ مَعْنَى مَا فِي رُوحِ الشُّرُوحِ: وَلَمْ تَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَمَفْهُومُهُ اعْتِبَارُ الْيَدِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا، فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: (وَالنِّصْفُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ، وَبَقِيَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ أَرْبَعَةٌ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُمْ هُنَا كَمَا فَعَلَ فِي بَقِيَّة الْفُرُوض، وهم النبت وَبِنْتُ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَالْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ عِنْدَ عَدَمِهَا إذَا انْفَرَدْنَ عَمَّنْ يُعَصِّبُهُنَّ.
قَوْله: (وَالْجد) أَي فَهُوَ كالاب عِنْد عندمه إنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى وَهُوَ الْجَدُّ الصَّحِيحُ، فَإِنْ تَخَلَّلَ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُمٌّ كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَرِثُ إلَّا عَلَى أَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، لانص تخَلّل الْأُمِّ فِي النِّسْبَةِ يَقْطَعُ النَّسَبَ إذْ النَّسَبُ إلَى الْآبَاءِ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (الْفَرْضُ(7/362)
الْمُطْلَقُ) أَيْ عَنْ ضَمِيمَةِ التَّعْصِيبِ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ ابْنٍ) حَيْثُ قَيَّدَ الْفَرْضَ بِالْمُطْلَقِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الْوَلَدَ بِالذَّكَرِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَشْمَلُ الْأُنْثَى، لَكِنْ تَرَكَهُ لِانْفِهَامِهِ مِمَّا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ) فَإِنَّ لَهُ السُّدُسَ فَرْضًا وَلِلْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لَهُ تَعْصِيبًا.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً) الْأَصْوَبُ فِي مَا بعض النّسخ ثَلَاث عشر بتذكير الثَّلَاث وَتَأْنِيثِ الْعَشَرَةِ لِتَأْنِيثِ مَسْأَلَةً وَإِنْ كَانَ لَفْظِيًّا.
قَوْله: (وَله خَمْسٌ فِي الْفَرَائِضِ) الْأَوْلَى أَنَّ أُمَّهُ لَا تَرِثُ مَعَهُ، وَتَرِثُ مَعَ الْجَدِّ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمَيِّتَ إذَا تَرَكَ الْأَبَوَيْنِ وَأَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فَلِأُمِّهِ ثلث مَا يبْقى بعد نصيب أحد الزوحين، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ جَدٌّ فَلِلْأُمِّ ثُلُثُ حميع الْمَالِ، إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ لَهَا ثُلُثَ الْبَاقِي أَيْضًا.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعِلَّاتِ كُلَّهُمْ يَسْقُطُونَ مَعَ الْأَبِ إجْمَاعًا، وَيَسْقُطُونَ مَعَ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا عِنْدَهُمَا.
الرَّابِعَةُ: أَنَّ أَبَا الْمُعْتِقِ مَعَ ابْنِهِ يَأْخُذُ سُدُسَ الْوَلَاءِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَيْسَ لِلْجَدِّ ذَلِكَ، بَلْ الْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلِابْنِ، وَلَا يَأْخُذُ الْجَدُّ شَيْئًا مِنْ الْوَلَاءِ عِنْدَ سَائِرِ الْأَئِمَّةِ.
الْخَامِسَةُ: لَوْ تَرَكَ جَدَّ مُعْتِقِهِ وَأَخَاهُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَخْتَصُّ الْجَدُّ بِالْوَلَاءِ، وَقَالَا: الْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْجَدِّ أَبٌ فَالْمِيرَاثُ كُلُّهُ لَهُ اتِّفَاقًا، قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَهَذِهِ مُسْتَفَادٌ حُكْمُهَا مِنْ حُكْمِ الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة اهـ ح.
قَوْلُهُ: (وَبَاقِيهَا فِي غَيْرِهَا) .
الْأَوْلَى: لَوْ أَوْصَى لِأَقْرِبَاءِ فُلَانٍ لَا يَدْخُلُ الْأَبُ وَيَدْخُلُ الْجَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
الثَّانِيَةُ: تَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ الْغَنِيِّ دُونَ جَدِّهِ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ أُعْتِقَ الْأَبُ جَرَّ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوَالِيهِ دُونَ الْجَدِّ.
الرَّابِعَةُ: يَصِيرُ الصَّغِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبِيهِ دُونَ جَدِّهِ.
الْخَامِسَةُ: لَوْ تَرَكَ أَوْلَادًا صِغَارًا وَمَالًا فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبِ فَهُوَ كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ، بِخِلَافِ الْجَدِّ.
السَّادِسَةُ: فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ: لَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَخٌ وَجَدٌّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَشْتَرِكَانِ، وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ يَخْتَصُّ الْجَدُّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ أَبٌ اخْتَصَّ اتِّفَاقًا.
السَّابِعَةُ: إذَا مَاتَ أَبُوهُ صَارَ يَتِيمًا، وَلَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ لِإِزَالَةِ الْيَتِيمِ عَنهُ.
الثَّامِنَة: لَو مَاتَ وَترك أَوْلَادًا صغَار وَلَا مَالَ لَهُ وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبُو الْأَبِ، فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا، الثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ، وَالثُّلُثَانِ عَلَى الْجَدِّ، وَلَوْ كَانَ كَالْأَبِ كَانَ كلهَا عَلَيْهِ اهـ ح.
أَقُولُ: وَفِي الْخَامِسَةِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ قَبِيلَ شَهَادَةِ الْأَوْصِيَاءِ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِأَبِيهِ، ثُمَّ لِوَصِيِّ الْأَبِ، ثُمَّ لِلْجَدِّ، ثمَّ لوصيه، ثمَّ للْقَاضِي، فَالْجَدُّ يَقُومُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ وَوَصِيِّهِ فَلَمْ يُخَالِفْ الْجَدُّ فِيهَا الْأَبَ.
تَأَمَّلْ.
وَالسَّادِس: يَجْرِي فِيهَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمِنَحِ.
وَقَوْلُهُ: فِي الثَّامِنَة:(7/363)
وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَشْبَاهِ، وَفِي بَعْضِهَا وَلَهُمْ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ الْعَائِدِ إلَى الصِّغَارِ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ تَجِبُ عَلَى قَرِيبِهِ الْمَحْرَمِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْمُتُونِ: أَيْ بِقَدْرِ إرْثِ الْمَحْرَمِ مِنْ الصَّغِيرِ لَوْ مَاتَ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ هُنَا أُمَّ الصِّغَارِ صَحَّ كَوْنُ الثُّلُثِ عَلَيْهَا وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ، لِأَنَّهُ قَدْرُ إرْثِهَا مِنْهُمْ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ أُمُّ أَبِيهِمْ الْمَيِّتِ يَكُونُ عَلَيْهَا السُّدُسُ، لِأَنَّهَا جَدَّةٌ لَهُمْ وَفَرْضُ الْجَدَّةِ السُّدُسُ لَا الثُّلُثُ، فَلَا يَصِحُّ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ إلَى الْمَيِّتِ بَلْ يَتَعَيَّنُ إرْجَاعُهُ إلَى الصِّغَارِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ.
قَوْلُهُ: (وَزَادَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) أَقُولُ: يُزَاد أَيْضا أَنه لَا تحب نَفَقَتُهُ عَلَى الْجَدِّ الْمُعْسِرِ، وَأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسلما بِإِسْلَام جده، وَإِن الْجد إِلَى أَن أَقَرَّ بِنَافِلَةٍ وَابْنُهُ حَيٌّ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ، وَزِدْت أُخْرَى أَيْضًا تَقَدَّمَتْ قَبِيلٍ فَصْلِ شَهَادَة الاوصياء وَهِي فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: فَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْوَصِيِّ وَأَبِي الْمَيِّتِ، فَلِلْوَصِيِّ بَيْعُ التَّرِكَةِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَأَبُو الْمَيِّتِ لَهُ بَيْعُهَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَهَذِهِ فَائِدَةٌ تُحْفَظُ مِنْ الْخَصَّافِ.
وَأَمَّا مُحَمَّد فَأَقَامَ الْجد مقَام الاب، وَيَقُول الْخصاف يُفْتى اهـ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ جَدَّ الصَّغِيرِ خَالَفَ الْأَبَ وَوَصِيَّ الْأَبِ فِي هَذِهِ، ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْوَهْبَانِيَّةِ ذَكَرَهَا هُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَوْلُهُ: (ضَمِنَ الْأَبُ صهر صَبِيِّهِ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ مَهْرَ زَوْجَةِ صَبِيِّهِ: أَيْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَمَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِصَبِيَّتِهِ بِالتَّاءِ فَتَحْرِيفٌ.
قَوْلُهُ: (رَجَعَ لَوْ شَرَطَ) أَيْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حِينَ الْعَقْدِ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ وَأَشْهَدَ أَخْذًا مِمَّا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
أَيْضًا نَقَدَ مِنْ مَالِهِ ثمن شئ شَرَاهُ لِوَلَدِهِ وَنَوَى الرُّجُوعَ يَرْجِعُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً مَا لَمْ يُشْهِدْ، وَلَوْ ثَوْبًا أَوْ طَعَامًا وَأَشْهَدَ أَنَّهُ يَرْجِعُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ لَوْ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَلَا لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ، وَلَوْ قِنًّا أَوْ شَيْئًا لَا يَلْزَمُهُ رَجَعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَوْ أَشْهَدَ، وَإِلَّا لَا اهـ.
قُلْت: وَالتَّزْوِيجُ مِمَّا لَا يَلْزَمُ الْأَبَ فَيَرْجِعُ إنْ أَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ مَالٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا لَا) أَيْ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ.
جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ.
قَوْلُهُ: (رَجَعَ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ، لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَحَمُّلِهِ الْمَهْرَ عَنْ الصَّغِيرِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِاثْنَانِ فَأَكْثَرَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مُخْتَلَطِينَ) أَيْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ.
قَوْلُهُ: (وَالثُّلُثَ عِنْدَ عَدَمِهِمْ) أَيْ عَدَمِ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَالْعَدَدِ مِنْ الاخوة(7/364)
وَالْأَخَوَاتِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (وَثُلُثَ الْبَاقِي إلَخْ) تَحْتَهُ صُورَتَانِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَالَ ط: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّارِحُ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ: يَعْنِي الثُّلُثَ وَثُلُثَ الْبَاقِي مَعَ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُمَا فِيمَا سَيَأْتِي لِلْإِشَارَةِ إلَى أَن الاول جَمْعُ حَالَاتِ الْأُمِّ مُتَوَالِيَةً.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا: أَيْ لِأُمٍّ) أَوْ لِأَبٍ كَمَا مَثَّلَ.
قَوْلُهُ: (أَيْ صَحِيحَاتٍ) الْجَدَّةُ الصَّحِيحَةُ مَنْ لَيْسَ فِي نِسْبَتِهَا إلَى الْمَيِّتِ جَدٌّ فَاسِدٌ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: الْمُدْلِيَةُ بِمَحْضِ الْإِنَاثِ كَأُمِّ أُمِّ الْأُمِّ، أَوْ بِمَحْضِ الذُّكُورِ كَأُمِّ أَبِي الْأَبِ، أَوْ بِمَحْضِ الْإِنَاثِ إلَى مَحْضِ الذُّكُورِ كَأُمِّ أُمِّ الْأَبِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَأُمِّ أَبِي الْأُمِّ فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ.
قَوْلُهُ: (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْقُرْبَى أَوْ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ، وَسَوَاءٌ كَانَت القربء وَارِثَةً كَأُمِّ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ مَعَ أُمِّ أُمِّ الْأُمِّ، أَوْ مَحْجُوبَةً بِالْأَبِ عِنْدَ وُجُودِهِ.
قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَيْ عِنْدَ ذِكْرِ الْحَجْبِ.
قَوْلُهُ: (وَالسُّدُسُ لِبِنْتِ الِابْنِ إلَخْ) لِلْبَنَاتِ سِتَّةُ أَحْوَالٍ: ثَلَاثَةٌ تَتَحَقَّقُ فِي بَنَاتِ الصُّلْبِ وَبَنَاتِ الِابْنِ، وَهِيَ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِلْأَكْثَرِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ عَصَّبَهُنَّ، وَثَلَاثَةٌ تَنْفَرِدُ بِهَا بَنَاتُ الِابْنِ.
الْأَوْلَى: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
الثَّانِيَةُ: يَسْقُطْنَ بالصُّلْبِيَّتَيْن فَأَكْثَرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ غُلَامٌ لَيْسَ أَعْلَى مِنْهُنَّ فَيُعَصِّبَهُنَّ.
الثَّالِثَةُ: يَسْقُطْنَ بِالِابْنِ الصُّلْبِيِّ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا.
قَوْلُهُ: (وَالسُّدُسُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ
لِلْأَخَوَاتِ لِغَيْرِ أُمٍّ سَبْعَةَ أَحْوَالٍ: خَمْسَةٌ تَتَحَقَّقُ فِي الْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ، وَالْأَخَوَاتِ لِأَبٍ، وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمَارَّةُ فِي بَنَاتِ الصُّلْبِ.
وَالرَّابِعَةُ: أَنَّهُنَّ يَصِرْنَ عَصَبَاتٍ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ.
وَالْخَامِسَة: أَنَّهُنَّ يسقطن بِابْن وَابْنِهِ، وَبِالْأَبِ اتِّفَاقًا، وَبِالْجَدِّ عِنْدَ الْإِمَامِ.
وَثِنْتَانِ تَنْفَرِدُ بِهِمَا الْأَخَوَاتُ لِأَبٍ: الْأُولَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
الثَّانِيَةُ أَنَّهُنَّ يَسْقُطْنَ مَعَ الشَّقِيقَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ مَنْ يُعَصِّبُهُنَّ.
وَفِي بَعْضِ نُسَخِ السِّرَاجِيَّةِ: وَيَسْقُطْنَ بِالْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً: أَيْ إذَا كَانَتْ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ بَنَاتِ الِابْنِ.
قَالَ السَّيِّدُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْأَخِ فِي كَوْنِهَا عَصَبَةً أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَالسُّدُسُ لِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ) أَيْ لِلْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ لِأُمٍّ، وَلَهُم ثَلَاثَة أَحْوَال ذكر مِنْهَا اثْنَتَيْنِ، وَالثَّالِث أَنَّهُمْ يَسْقُطُونَ بِالْفَرْعِ الْوَارِثِ وَبِالْأَبِ وَالْجَدِّ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (عِنْدَ عَدَمِ مَنْ لَهَا مَعَهُ السُّدُسُ) أَيْ أَوْ ثُلُثُ الْبَاقِي.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ فرض أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْبَاقِي: أَيْ ثُلُثِ مَا يبْقى بعض فَرْضِ الزَّوْجَةِ أَوْ الزَّوْجِ.
قَوْلُهُ: (وَأُمٌّ) لَفْظُ أُمٍّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ زَائِدٌ.
أَفَادَهُ ح: أَيْ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ.
قَوْلُهُ: (فَلَهَا حِينَئِذٍ الرُّبْعُ) لَان الزَّوْجَة الرُّبْعَ وَمَخْرَجُهُ مِنْ أَرْبَعَةٍ يَبْقَى ثَلَاثَةٌ لِلْأُمِّ ثُلُثُهَا وَاحِدٌ وَهُوَ رُبْعُ الْأَرْبَعَةِ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي.
قَوْله: (فلهَا حِينَئِذٍ السُّدس) لانها نصح مِنْ سِتَّةٍ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا يَبْقَى، وَهُوَ وَاحِدٌ وَلِلْأَبِ الْبَاقِي.
قَوْلُهُ: (تَأَدُّبًا إلَخْ) لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: * (فلامه الثُّلُث) * (النِّسَاء: 11) ثُلُثُ مَا وَرِثَهُ الْأَبَوَانِ سَوَاءٌ كَانَ جَمِيعَ الْمَالِ أَوْ بَعْضَهُ لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ، فَالثُّلُثُ هُنَا وَإِنْ صَارَ فِي الْحَقِيقَةِ رُبْعَ جَمِيعِ الْمَالِ أَوْ سُدُسَهُ إلَّا أَنَّ الْأَدَبَ التَّعْبِيرُ بِهِ تَبَرُّكًا(7/365)
بِلَفْظِ الْقُرْآنِ وَتَبَاعُدًا عَنْ إيهَامِ الْمُخَالَفَةِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ إمْكَانِ تَعَدُّدِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ ذَاكَ تَعَدُّدًا لَا حَقِيقَةً وَلَا صُورَةً، وَإِنَّمَا شَرَّكَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلتَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلِذَا لَمْ يعطيا إِلَّا نصيب زوج وَاحِد، وعيه فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إلَّا الزَّوْجَ تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ مُسْتَدْرَكٌ.
تَأَمَّلْ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي الْعَصَبَاتِ
قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْعَصَبَةُ قَرَابَةُ الرَّجُلِ لِأَبِيهِ، وَكَأَنَّهَا جَمْعُ عَاصِبٍ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ بِهِ، مِنْ عَصَبُوا بِهِ: إذَا أَحَاطُوا حَوْلَهُ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِلْغَلَبَةِ، وَقَالُوا فِي مصدرها: الْعُصُوبَة.
الذّكر يعصب الْمَرْأَة: أَي يَجْعَلهَا عصبَة اهـ.
فَالْعَصَبَاتُ جَمْعُ الْجَمْعِ كَالْجِمَالَاتِ، أَوْ جَمْعُ الْمُفْرَدِ عَلَى جَعْلِ الْعَصَبَةِ اسْمًا: تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَعَصَبَةٌ بِغَيْرِهِ وَعَصَبَةٌ مَعَ غَيْرِهِ) سَيَأْتِي بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَالْأُنْثَى لَا تَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ كُلُّ ذَكَرٍ الْعَصَبَةُ بِالْغَيْرِ وَالْعَصَبَةُ مَعَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُمَا إنَاثٌ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ فَهِيَ وَإِنْ كَانَت عصبَة بِنَفسِهَا فَهِيَ لَيست نسيبة، وَالْمَقْصُودُ الْعَصَبَاتُ النَّسَبِيَّةُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَّلًا، وَلِذَلِكَ خَرَجَ الْمُعْتَقُ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) الْمُرَادُ عَدَمُ تَوَسُّطِ الْأُنْثَى، سَوَاءٌ تَوَسَّطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ ذَكَرٌ كَالْجَدِّ وَابْنِ الِابْنِ أَوْ لَا كَالْأَبِ وَالِابْنِ الصُّلْبِيِّ.
قَوْلُهُ: (كَوَلَدِ الام) أَي الاخ لَام، وَأما الاخ وب وَأُمٍّ فَإِنَّهُ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ، مَعَ أَنَّ الْأُمَّ دَاخِلَةٌ فِي نِسْبَتِهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَا يَنْتَسِبُ بِالْأُنْثَى فَقَطْ، وَأَجَابَ السَّيِّدُ بِأَنَّ قَرَابَةَ الْأَبِ أَصْلٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ، فَإِنَّهَا إذَا انْفَرَدَتْ كَفَتْ فِي إثْبَاتِ الْعُصُوبَةِ، بِخِلَافِ قَرَابَةِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ بِانْفِرَادِهَا عِلَّةً لاثباتها، فعي ملغات فِي اسْتِحْقَاق الْعُصُوبَة سكنا، جَعَلْنَاهَا بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ زَائِدٍ فَرَجَّحْنَا بِهَا الْأَخَ لاب وَأم على الاخ لاب اهـ.
أَقُولُ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إنَّهُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي نِسْبَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ فِي قَرَابَتِهِ، فَإِنَّ الْأُنْثَى دَاخِلَةٌ فِي قَرَابَتِهِ لِأَخِيهِ لَا فِي نِسْبَتِهِ إلَيْهِ، لِأَنَّ النَّسَبَ للاب فَلَا يثبت بِوَاسِطَة غَيره اهـ.
فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُنَا النِّسْبَةُ إلَى الْمَيِّتِ لَا إلَى الْأَبِ، فَالْمُرَادُ بِهَا الْقَرَابَةُ لَا النَّسَبُ الشَّرْعِيُّ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا تَكُونَ الْعَصَبَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَبًا أَوْ جَدًّا فَيَخْرُجُ الْأَخُ وَالْعَمُّ وَنَحْوُهُمَا فَافْهَمْ.
ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ يَعْقُوبَ قَدْ زَيَّفَ هَذَا الْجَوَابَ وَأَخْرَجَهُ عَنْ دَائِرَةِ الصَّوَابِ، بِنَحْوِ مَا قُلْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَتَعْرِيفُ الْعَصَبَةِ لَا يَخْلُو عَنْ كَلَامٍ وَلَوْ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْهَائِمِ فِي مَنْظُومَتِهِ: وَلَيْسَ يَخْلُو حَدُّهُ عَنْ نَقْدِ فَيَنْبَغِي تَعْرِيفُهُ بِالْعَدِّ وَأَيْضًا فَتَخْصِيصُهُ بِالْعَصَبَةِ النَّسَبِيَّةِ لَا دَاعِيَ لَهُ، وَقَدْ عَرَّفَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْمَجْمَعِ
بِقَوْلِهِ هُوَ ذَكَرٌ نَسِيبٌ أَدْلَى إلَى الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ أَو بمحض الذُّكُورَة أَوْ مُعْتِقٌ فَقَوْلُهُ أَوْ مُعْتِقٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا على(7/366)
ذَكَرٌ، وَلَوْ حَذَفَ مَحْضِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَدْخُلَ الْأَخُ الشَّقِيقُ وَبَعْدَ هَذَا فَفِيهِ نَظَرٌ فَتَدَبَّرْ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ ذُو فَرْضٍ) أَيْ فَقَطْ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ وَارِثٍ ذَا فَرْضٍ أَنْ لَا يَكُونَ عَصَبَةً فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ ذُو فَرْضٍ وَيَصِيرُ عَصَبَةً.
قَوْلُهُ: (أَيْ جِنْسُهَا) أَيْ قَالَ لِلْجِنْسِ فَتَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ هُنَاكَ فَرْضٌ وَاحِدٌ وَحَازَ الْبَاقِيَ بَعْدَ إعْطَائِهِ لِمُسْتَحِقِّهِ ط.
قَوْلُهُ: (بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: قَيَّدْنَا بِهِ حَتَّى لَا يَرِدَ أَنَّ صَاحِبَ الْفَرْضِ إذَا خَلَا عَنْ الْعُصُوبَةِ قَدْ يُحْرِزُ جَمِيعَ الْمَالِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِبَعْضِهِ بِالْفَرْضِيَّةِ وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ.
قَوْلُهُ: (جُزْءُ الْمَيِّتِ إلَخْ) الْمُرَادُ فِي الْجَمِيعِ الذُّكُورُ كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ جُزْءُ جَدِّهِ) أَرَادَ بِالْجَدِّ مَا يَشْمَلُ أَبَا الْأَبِ، وَمَنْ فَوْقَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي، وَإِنْ عَلَا فَلَا يَرِدُ أَنَّ عَمَّ الْأَبِ وَعَمَّ الْجَدِّ فِي كَلَامِهِ الْآتِي خَارِجَانِ عَنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَخْ) أَيْ الْأَقْرَبُ جِهَة ثمَّ الاقرب دَرَجَة ثمَّ الاقوى كقرابة فَاعْتِبَارُ التَّرْجِيحِ أَوَّلًا بِالْجِهَةِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، فَيُقَدَّمُ جُزْؤُهُ كَالِابْنِ وَابْنِهِ عَلَى أَصْلِهِ كَالْأَبِ وَأَبِيهِ وَيُقَدَّمُ أَصْلُهُ عَلَى جُزْءِ أَبِيهِ كَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أَو وَأَبْنَائِهِمْ، وَيُقَدَّمُ جُزْءُ أَبِيهِ عَلَى جُزْءِ جَدِّهِ كالاعمام لغير أَو وَأَبْنَائِهِمْ وَبَعْدَ التَّرْجِيحِ بِالْجِهَةِ إذَا تَعَدَّدَ أَهْلُ تِلْكَ الْجِهَةِ اُعْتُبِرَ التَّرْجِيحُ بِالْقَرَابَةِ، فَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى ابْنِهِ وَالْأَبُ عَلَى أَبِيهِ وَالْأَخُ عَلَى ابْنِهِ لِقُرْبِ الدَّرَجَةِ، وَبَعْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَالْقَرَابَةِ يُعْتَبَرُ التَّرْجِيحُ بِالْقُوَّةِ، فَيُقَدَّمُ الْأَخُ الشَّقِيقُ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَكَذَا أَبْنَاؤُهُمْ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَصَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ الْجَعْبَرِيُّ حَيْثُ قَالَ: فَبِالْجِهَةِ التَّقْدِيمُ ثُمَّ بِقُرْبِهِ وَبَعْدَهُمَا التَّقْدِيمُ بِالْقُوَّةِ اجْعَلَا
قَوْلُهُ: (وَيَكُونُ إلَخْ) الْأَوْلَى ذكر عِنْد ذكر الاب فِينَا تَقَدَّمَ كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ ط.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْجَدُّ الصَّحِيحُ) هُوَ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَبُ الْأَبِ) الْأَوْلَى رَسْمُ أَبُو بِالْوَاوِ بِنَاءً عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ إعْرَابِهِ بِالْحُرُوفِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ لاب) أَي أَثم الاخ لاب أما الام لِأُمٍّ فَذُو فَرْضٍ فَقَطْ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (لابوين) مُتَعَلق بِمَحْذُوفٍ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ.
قَوْلُهُ: (قِيلَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَهُ صَاحِبُ السِّرَاجِيَّةِ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ
مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ، وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ عَمِّ الْأَبِ وَعَمِّ الْجَدِّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلَا) أَيْ ابْنُ عَمِّ الْأَبِ وَابْنُ عَمِّ الْجَدِّ.
قَوْلُهُ: (فَأَسْبَابُهَا) أَيْ الْعُصُوبَةِ.
قَوْلُهُ: (وَبَعْدَ تَرْجِيحِهِمْ إلَخْ) أَيْ تَرْجِيحِ أَهْلِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ بِقُرْبِ الدرجَة، كترجيح(7/367)
الاخوة مثلا على أبنائهم يرجح بِقُوَّة القاربة إذَا تَفَاوَتُوا فِيهَا كَالْأَخِ الشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (بِأَبَوَيْنِ وَأَبٍ) مُتَعَلِّقٌ بالتفاوت، قَوْله: كَمَا مر حَال مِنْهُ، وَقَوله: بِقُوَّة القاربة مُتَعَلِّقٌ بِيُرَجَّحُونَ.
قَوْلُهُ: (كَالشَّقِيقَةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعَصَبَةِ بِالنَّفْسِ وَهَذِهِ عَصَبَةٌ مَعَ الْغَيْرِ، لَكِنْ قَالَ السَّيِّدُ: إنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً بِنَفْسِهَا لِمُشَارَكَتِهَا فِي الحكم لمن هُوَ عصب بِنَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: (إنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ إلَخْ) تَمَامُ الْحَدِيثِ: يَرِثُ الرَّجُلُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ اهـ.
قَاسِمٌ.
وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأُمٍّ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ.
أَيْ أَبٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ بَنِي الْعَلَّاتِ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ عَلَّ مَنْ زَوْجَتِهِ الثَّانِيَةِ، وَالْعَلَلُ: الشُّرْبُ الثَّانِي، يُقَالُ عَلَّهُ: إذَا سَقَاهُ السَّقْيَةَ الثَّانِيَةَ.
وَأَمَّا الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ فَهُوَ بَنُو الْأَخْيَافِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِبَنِي الْأُمِّ فِي الْحَدِيثِ مَا يَشْمَلُ الْإِخْوَةَ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْإِخْوَةَ لِأُمٍّ فَقَطْ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَعْيَانِهِمْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْمُغْرِبِ: أَعْيَانُ الْقَوْمِ أَشْرَافُهُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْإِخْوَةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ بَنُو الْأَعْيَانِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ: أَعْيَانُ بَنِي أُمٍّ يَتَوَارَثُونَ اهـ.
وَقَالَ السَّيِّد: وَالْمَقْصُود بِذكر الام هَا هُنَا إظْهَارُ مَا يَتَرَجَّحُ بِهِ بَنُو الْأَعْيَانِ عَلَى بني العلات اهـ: أَيْ لِأَنَّهُمْ زَادُوا عَلَيْهِمْ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَلِذَا كَانُوا أَعْيَانًا.
قَوْلُهُ: (الْبَنَاتُ) اسْمُ يَصِيرُ مُؤَخَّرٌ وَخَبره قَوْله: عصبَة بِغَيْرِهِ وَقَوله: وبالابن قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُنَّ عِنْدَ عَدَمِهِ صَاحِبَاتُ فَرْضٍ دَائِمًا، وَابْنُ الِابْنِ لَا يُعَصِّبُ ذَاتَ فَرْضٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ سَفَلُوا) أَيْ بَنَاتُ الِابْنِ وَابْنُ الِابْنِ.
قَوْلُهُ: (بِأَخِيهِنَّ) أَيْ الْمُسَاوِي لَهُنَّ قَرَابَةً.
دُرَرُ الْبِحَارِ.
قَالَ الطُّورِيُّ: وَفِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ: وَلَا يُعَصِّبُ الشَّقِيقَةَ الْأَخُ لِأَبٍ إجْمَاعًا لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي النَّسَبِ بَلْ تَأْخُذُ فَرْضَهَا، وَلَا يُعَصِّبُ الْأُخْتَ لِأَبٍ أَخٌ شَقِيقٌ بَلْ يحجبها لانه أقوى مِنْهَا إِجْمَاعًا اهـ.
وَفِي مَنْظُومَةِ الْمُصَنِّفِ الْمُسَمَّاةِ
تُحْفَةَ الْقُرْآنِ: وَلَا تَرِثْ أُخْتٌ لَهُ مِنْ الْأَبِ مَعْ صِنْوِهِ الشَّقِيق فاحفظ تصب ذكر فِي شَرْحِهَا عَنْ الْجَوَاهِرِ أَنَّ بَعْضَهُمْ ظَنَّ أَن للاخت النّصْف، وَهَذَا لَيْسَ بشئ اهـ.
قَوْلُهُ: (ذَوَاتُ النِّصْفِ وَالثُّلُثَيْنِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ أَرْبَعٍ: أَيْ مَنْ لَهُنَّ النِّصْفُ إذَا انْفَرَدْنَ وَالثُّلُثَانِ إذَا تَعَدَّدْنَ، وَهُنَّ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ.
قِيلَ: كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تُذْكَرَ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ، فَإِنَّهُ يُعَصِّبُهَا إذَا كَانَا مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ كَمَا مَرَّ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ أَخْذَهَا الثُّلُثَ الْبَاقِيَ بِطَرِيقِ الْفَرْضِ لَا التَّعْصِيبِ، وَأَشَارَ إلَى مَا فِي السِّرَاجِيَّة وَشَرحهَا من أَن لَا فَرْضَ لَهَا مِنْ الْإِنَاثِ وَأَخُوهَا عَصَبَةٌ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِأَخِيهَا كَالْعَمِّ وَالْعَمَّةِ إذَا كَانَا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْعَمِّ دُونَ الْعَمَّةِ، وَكَذَا فِي ابْنِ الْعَمِّ مَعَ بِنْتِ الْعَمِّ وَفِي ابْنِ الْأَخِ مَعَ بِنْتِ الْأَخِ وَنَظَمْت ذَلِكَ بِقَوْلِي:(7/368)
وَلَمْ يُعَصِّبْ غَيْرَ ذَاتِ سَهْمِ أَخٌ كَمِثْلِ عَمَّةٍ وَعَمِّ
قَوْلُهُ: (وَلَوْ حُكْمًا) تَعْمِيمٌ لِلْأَخِ بِالنَّظَرِ إلَى بِنْتِ الِابْنِ، فَإِنَّ عُصُوبَتَهَا لَمْ تَخْتَصَّ بِأَخِيهَا فَقَطْ فَإِنَّهَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِهِ وَبِابْنِ عَمِّهَا، وَبِمَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهَا إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ فَرْضٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
قَوْلُهُ: (الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ) أَيْ الْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، أَمَّا الْأُخْتُ لِأُمٍّ فَلَا يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا، وَهُوَ ذَكَرٌ فَعَدَمُ كَوْنِهَا عَصَبَةً مَعَ الْغَيْر أولى.
قَوْله: (لقَوْل الفرضين إلَخْ) جَعَلَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا حَدِيثًا.
قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ.
وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ خرجه، لَكِن أَصله ثَابت لخَبر ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فِي بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ، وَجَعَلَهُ ابْنُ الْهَائِمِ فِي فُصُولِهِ من قَول الفرضين وَتَبِعَهُ شُرَّاحُهَا كَالْقَاضِي زَكَرِيَّا وَسِبْطٍ الْمَارْدِينِيِّ وَغَيْرِهِمَا اهـ.
تَنْبِيهٌ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعُصْبَتَيْنِ أَنَّ الْغَيْرَ فِي الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ، يَكُونُ عَصَبَةً بِنَفْسِهِ فَتَتَعَدَّى بِسَبَبِهِ الْعُصُوبَةُ إلَى الْأُنْثَى وَفِي الْعَصَبَةِ مَعَ غَيْرِهِ، لَا تَكُونُ عَصَبَةً أَصْلًا، بَلْ تَكُونُ عُصُوبَةُ تِلْكَ الْعَصَبَةِ مُجَامِعَةً لِذَلِكَ الْغَيْرِ.
سَيِّدٌ.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وَجْهِ اخْتِصَاصِ الْأَوَّلِ بِالْبَاءِ وَالثَّانِي بِمَعَ.
قَالَ فِي سَكْبِ
الْأَنْهُرِ: الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ، وَالْإِلْصَاقُ بَيْنَ الْمُلْصَقِ وَالْمُلْصَقِ بِهِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ مُشَارِكِهِمَا فِي حُكْمِ الْمُلْصَقِ بِهِ، فَيَكُونَانِ مُشَارِكَيْنِ فِي حُكْمِ الْعُصُوبَةِ، بِخِلَافِ كَلِمَةِ مَعَ فَإِنَّهَا لِلْقِرَانِ، وَالْقِرَانُ يَتَحَقَّقُ بَيْنَ الشَّخْصَيْنِ بِغَيْرِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَجَعَلنَا مَعَه أَخَاهُ هَارُون وزيرا) * أَيْ وَزِيرَهُ حَيْثُ كَانَ مُقَارَنًا بِهِ فِي النُّبُوَّةِ، وَكَلَفْظِ الْقُدُورِيِّ: وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ: أَيْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ الْمُقَارَنَةُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ لَا أَنْ تَفُوتَهُمَا مَعًا فَتَكُونَ هِيَ عَصَبَةً دُونَ ذَلِكَ الْغَيْرِ.
وَقَالَ بَدِيعُ الدِّينِ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ: الْفَرْقُ أَنَّ مَعَ قَدْ تستعار للشّرط وَالْبَاء للسبب اهـ.
قَوْلُهُ: (كَمَا بَسَطَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ) أَيْ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ نَقْلًا عَنْ الْجَوَاهِرِ حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتْ الْمُلَاعَنَةُ حُرَّةَ الْأَصْلِ فَالْمِيرَاثُ لِمَوَالِيهِمَا وَهُمْ إخْوَتُهُمَا وَسَائِرُ عَصَبَةِ أُمِّهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَقَةً فَالْمِيرَاثُ لِمُعْتِقِهَا وَنَحْوُهُ ابْنُ الْمُعْتِقِ وَأَخُوهُ وَأَبوهُ، فَقَوله لمواليهما يتنازل الْمُعْتق وَغَيره وَهُوَ عصبَة أمهما.
اهـ.
وَنَحْوُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ.
أَقُولُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْكَنْزِ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَرِثَ هُوَ أَوْ يُورَثَ بِالْعُصُوبَةِ إلَّا بِالْوَلَاءِ أَوْ الْوِلَادِ، فَيَرِثُهُ مَنْ أَعْتَقَهُ أَو أعتق أمه أَو من وَلَده الْعُصُوبَة، وَكَذَا هُوَ يَرِثُ مُعْتِقَهُ أَوْ مُعْتِقَ مُعْتِقِهِ أَو وَلَده بذلك اهـ.
فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا كَانَ هُوَ أَوْ أُمُّهُ حُرَّ الْأَصْلِ فَلَا يَرِثُ أَوْ يُورث بالعصوب إلَّا إذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ: أَيْ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ.
وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: ثُمَّ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَلَوْ قَرَابَةٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ فَلَا تَكُونُ عَصَبَةُ أُمِّهِ عَصَبَتَهُ، وَلَا أُمُّهُ عَصَبَةً لَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَصَبَةَ أُمِّهِ عَصَبَتُهُ.
وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: أَنَّ أُمَّهُ عَصَبَتُهُ، لِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله أَنه قَالَ: تحرز الْمَرْأَة ثَلَاثَ مَوَارِيثَ: عَتِيقَهَا، وَلَقِيطَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لَاعَنَتْ(7/369)
عَلَيْهِ وَقُلْنَا: الْمِيرَاثُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ، وَلَا نَصَّ فِي تَوْرِيثِ الْأُمِّ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا فِي تَوْرِيثِ أَخٍ مِنْ أُمٍّ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ، وَلَا فِي تَوْرِيثِ أَبِي الْأُمِّ وَنَحْوِهِ مِنْ عَصَبَةِ الْأُمِّ، وَلِأَنَّ الْعُصُوبَةَ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ وَالْإِدْلَاءُ بِالْأُمِّ أَضْعَفُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِهِ أَقْوَى أَسْبَابِ الْإِرْثِ، وَفِي الحَدِيث بَيَان أَنَّهَا تحرز الاحراز لَا يَدُلُّ عَلَى الْعُصُوبَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُحْرِزَ فَرْضًا وَرَدًّا لَا تَعْصِيبًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ: عَصَبَتُهُ قَوْمُ أُمِّهِ فَمَعْنَاهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِمَعْنَى الْعُصُوبَة، وَهِي الرَّحِم، لَا فِي إِثْبَات حقيق الْعُصُوبَة اهـ
مُلَخَّصًا.
وَقَالَ فِي الْمُجْتَبَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ: قَوْلُهُ وَعَصَبَةُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مَوْلَى أُمِّهِمَا، مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّ الْأُمَّ لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ لَهُ وَلَا عَصَبَةَ الْأُمِّ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إنَّمَا عَصَبَتُهُ مَوْلَى الْأُمِّ إذَا كَانَ لَهَا مَوْلًى، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأُمَّ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَصَبَةً فِي حَقِّ غَيْرِ وَلَدِ الزَّانِيَةِ وَالْمُلَاعَنَةِ فَكَذَا فِي حَقِّهِ كَذَوِي الارحام اهـ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ لَا أَبَا لَهُمَا) تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ، وَزَادَ فِي الِاخْتِيَارِ مَا نَصُّهُ: وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآله ألحق ولد الملاعتة بِأُمِّهِ فَصَارَ كَشَخْصٍ لَا قَرَابَةَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرِثَهُ قَرَابَةُ أُمِّهِ وَيَرِثَهُمْ، فَلَوْ تَرَكَ بِنْتًا وَأُمًّا وَالْمُلَاعِنَ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَالْبَاقِي يُرَدُّ عَلَيْهِمَا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا زوج أَو زَوْجَة فَإِنَّهُ يُؤْخَذ فَرْضه الْبَاقِي بَيْنَهُمَا فَرْضًا وَرَدًّا، وَلَوْ تَرَكَ أُمَّهُ وَأَخَاهُ لِأُمِّهِ وَابْنَ الْمُلَاعِنِ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدس وَالْبَاقِي مَرْدُود عَلَيْهِمَا، وَلَا شئ لِابْنِ الْمُلَاعِنِ لِأَنَّهُ لَا أَخَا لَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَإِذَا مَاتَ وَلَدُ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ وَرِثَهُ قَوْمُ أَبِيهِ وَهُمْ الْإِخْوَةُ، وَلَا يَرِثُهُ قَوْمُ جَدِّهِ: أَعْنِي الْأَعْمَامَ وَأَوْلَادَهُمْ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ بَقِيَّة مسَائِله اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ.
أَقُولُ: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قدمْنَاهُ حَيْثُ جعل لامه وَلِأَخِيهِ لِأُمِّهِ السُّدُسَ، مَعَ أَنَّ أَخَاهُ عَصَبَةُ الْأُمِّ، فَلَوْ كَانَ عَصَبَةُ أُمِّهِ الْحُرَّةِ عَصَبَةً لَهُ لَأَخَذَ الْبَاقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الْأُمِّ.
قَوْلُهُ: (وَيَفْتَرِقَانِ إلَخْ) كَذَا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمِنَحِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِمَا.
أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ اللِّعَانِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنَةِ يَرِثُ مِنْ تَوْأَمِهِ مِيرَاثَ أَخٍ لِأُمٍّ أَيْضًا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ.
وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ إذَا كَانَ تَوْأَمًا فَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ هُمَا كَالْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، وَقَالَ مَالِكٌ: كَالْأَخَوَيْنِ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَ وَالتَّفَارِيعَ فَرَاجِعْهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا مَذْهَبُ مَالِكٍ.
تَأَمَّلْ
قَوْلُهُ: (وَتُخْتَمُ الْعَصَبَاتُ إلَخْ) أَيْ خَتْمًا إضَافِيًّا، وَإِلَّا فَالْخَتْمُ فِي الْحَقِيقَةِ بِعَصَبَةِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُعْتِقَ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ لَا بِغَيْرِهِ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ، لَكِنْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَصَبَةٌ بِنَفْسِهِ تقدمه على لعصبة بِغَيْرِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ النَّسَبِ، فَأَشَارَ بِهَذِهِ الْعبارَة إِلَى تَأَخّر
عَنْ أَقْسَامِ الْعِصَابَاتِ النَّسَبِيَّةِ بِأَسْرِهَا، لِأَنَّ النَّسَبِيَّ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِيِّ، فَلِذَا غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ، وَإِلَّا بِالظَّاهِرِ الْمُنَاسِبُ لِمَا سَبَقَ أَنْ يَقُولَ: وَالْعَصَبَةُ السَّبَبِيَّةُ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ.
أَفَادَهُ يَعْقُوبُ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُعْتِقِ) الاولى مولى لعتاقة كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَصَبَتُهُ بِنَفْسِهِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ عَصَبَةَ عَصَبَةِ الْمُعْتِقِ لَا تَرِثُ كَمَا(7/370)
بَيَّنَّاهُ سَابِقًا، وَاحْتَرَزَ بِالْعَصَبَةِ عَنْ أَصْحَابِ فُرُوضِ الْمُعْتِقِ كَبِنْتِهِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ فَلَا يَرِثُونَ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْفَرْضِ فِي الْوَلَاءِ، وَقَيَّدَ الْعَصَبَةَ بِنَفْسِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْعَصَبَةِ بِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأُمُّ حُرَّةَ الْأَصْلِ، فَإِنْ كَانَتْ فَلَا وَلَاءَ لِأَحَدٍ عَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُعْتَقًا.
قَوْلُهُ: (عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ) فَتُقَدَّمُ عَصَبَةُ الْمُعْتِقِ النَّسَبِيَّةِ بِنَفْسِهَا عَلَى عَصَبَتِهِ السَّبَبِيَّةِ: أَعْنِي مُعْتِقَ الْمُعْتِقِ وَمُعْتِقَهُ وَهَكَذَا، فَيقدم ابْنُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ وَإِنْ عَلَا إلَخْ، ثُمَّ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْمُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا، ابْن كَمَال.
تَنْبِيه: ابْن وَبنت اشتريا أباهما فَاشْتَرَى الْأَبُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ عَنْ الِابْنِ وَالْبِنْتِ فَالْكُلُّ لِلِابْنِ، لِأَنَّ عَصَبَةَ الْمُعْتِقِ النَّسَبِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْبِنْتِ لِأَنَّهَا عصبَة سَبَبِيَّة.
سائحاني.
وَكَذَا لَو اشْتريت أَبَاهَا فَعتق عَلَيْهَا وَمَات عناه وَعَنْ بِنْتٍ أُخْرَى وَتَرَكَ مَالًا فَثُلُثَاهُ لَهُمَا فَرْضًا وَالْبَاقِي لِلْأُولَى تَعْصِيبًا.
قَوْلُهُ: (الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ) أَيْ وُصْلَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي التَّهْذِيبِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ السَّيِّدُ: وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ لِلْإِنْسَانِ، إذْ بِهَا تَثْبُتُ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ الَّتِي امْتَازَ بِهَا عَنْ سَائِرِ مَا عَدَاهُ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، وَالرِّقِّيَّةُ تَلَفٌ وَهَلَاكٌ، فَالْمُعْتِقُ سَبَبٌ لِإِحْيَاءِ الْمُعْتَقِ، كَمَا أَنَّ الْأَبَ سَبَبٌ لِإِيجَادِ الْوَلَدِ، وَكَمَا أَنَّ الْوَلَدَ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيهِ بِالنَّسَبِ وَإِلَى أَقْرِبَائِهِ بِتَبَعِيَّتِهِ، كَذَلِكَ الْمُعْتَقُ يُنْسَبُ بِالْوَلَاءِ: يَعْنِي إلَى الْمُعْتِقِ وَإِلَى أَقْرِبَائِهِ بِتَبَعِيَّتِهِ، فَكَمَا يَثْبُتُ الارث بِالنّسَبِ كَذَلِك يثبت بِالْوَلَاءِ اهـ.
وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ أَنَّ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ مِنْ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَوْ عَصَبَتِهِ فَهُوَ وَارِثٌ دُونَ أَمْرٍ زَائِدٍ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْإِرْثِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا فِي النَّسَبِ نَحْوُ إرْثِ الْأَبِ ابْنَهُ وَبِالْعَكْسِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَيُشْعِرُ بِأَن من لَهُ الْوَلَاء عصبته لِتَضَمُّنِهِ تَشْبِيهَهُ بِالْأَبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَبٌ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
آخِرُ الْعَصَبَاتِ.
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ.
فَالْأَوْلَى زِيَادَةُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله: الْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ فَلِلْمَوْلَى رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا تَرَكَ الْمُعْتَقُ) بِفَتْحِ تَاءِ الْمُعْتَقِ اسْمُ مَفْعُولٍ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلْأَبِ السُّدُسُ) هُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِمَا وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْوَلَاءَ كُلَّهُ أَثَرُ الْمِلْكِ فَيَلْحَقُ بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُعْتِقُ بِالْكَسْرِ مَالًا وَتَرَكَ أَبًا وَابْنًا كَانَ لِأَبِيهِ سُدُسُ مَالِهِ وَالْبَاقِي لِابْنِهِ، فَكَذَا إذَا تَرَكَ وَلَاءً.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَثَرًا لِلْمِلْكِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ، كَالْقِصَاصِ الَّذِي يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ بِالْمَالِ، بِخِلَافِ الْوَلَاء فَلَا تجْرِي بِهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ بِالْفَرْضِيَّةِ كَمَا فِي الْمَالِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ يُورَثُ بِهِ بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالِابْنُ أَقْرَبُ الْعَصَبَاتِ.
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى التَّرْتِيبِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْعَصَبَاتِ النَّسَبِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ هُنَا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: بِنَفْسِهِ.
مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ
قَوْلُهُ: (الْحَدِيثَ) لَفْظُهُ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ(7/371)
أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ، أَو دبرن أدبر مَنْ دَبَّرْنَ، أَوْ جَرَّ وَلَاءً مُعْتَقُهُنَّ أَوْ مُعْتَقُ مُعْتَقِهِنَّ وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءُ مَا: أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا: أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا: أَيْ الْعَبْدِ الَّذِي كَاتَبْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبَ مَنْ كاتبنه، أَو وَلَاء مَا دبرنه، أَو لاوء مَا دَبَّرَهُ مَنْ دَبَّرْنَهُ، أَوْ جَرَّ وَلَاءُ مُعْتَقِهِنَّ، أَوْ الْوَلَاءُ الَّذِي هُوَ مَجْرُورُ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ، وَحَذَفَ مِنْ كُلِّ نَظِيرٍ مَا أَثْبَتَهُ مِنْ الْآخَرِ: أَيْ لَيْسَ لَهُنَّ مِنْ الْوَلَاءِ إِلَّا وَلَاء مَا أعتقن، أَوْ وَلَاءُ مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ كَاتَبَ، أَوْ دَبَّرَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبْنَ، أَوْ وَلَاءُ مَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ دَبَّرَ مَنْ كَاتَبْنَ، أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرْنَهُ، أَوْ وَلَاءُ مَا دَبَّرَ أَوْ أَعْتَقَ، أَوْ كَاتَبَ مَنْ دَبَّرْنَهُ فَكَلِمَةُ مَا الْمَذْكُورَةُ وَالْمُقَدَّرَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَرْقُوقٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْإِعْتَاقُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ مَا يُتَمَلَّكُ مِمَّا لَا عَقْلَ لَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: * (أَوْ مَا ملكت أَيْمَانهم) * (الْمُؤْمِنُونَ: 6) وَكَلِمَةُ مَنْ عِبَارَةٌ عَمَّنْ صَارَ حُرًّا مَالِكًا فَاسْتَحَقَّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْعُقَلَاءِ، فَعَبَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ بِمَا، وَعَنْ الثَّانِي بِمَنْ وَإِنْ كَانَا حُرَّيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُتَصَرَّفٌ فِيهِ كَسَائِرِ
الاموال، وَالثَّانِي متصرف كَسَائِر الْملاك.
قَوْله: أَوْ جَرَّ عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى الْمَحْذُوفِ وَهُوَ وَلَاء، وَوَلَاء الْمَذْكُور مَفْعُوله م (وَمُعْتَقُهُنَّ فَاعِلُهُ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ، وَالْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: * (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى) * (يُونُس: 73) أَيْ مُفْتَرًى، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ مَوْصُوفٍ حُذِفَ وَأُقِيمَتْ صِفَتُهُ مَقَامَهُ، وَوُضِعَ الْمُظْهَرُ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا كَذَا وَإِلَّا أَنْ جَرَّ: أَيْ مَجْرُورَ مُعْتَقِهِنَّ، أَوْ الْوَلَاءَ جَرَّهُ مُعْتَقُهُنَّ، وَثَمَّ أَوْجُهٌ أُخَرُ لَا تَظْهَرُ.
وَصُورَةُ وَلَاءِ مُدَبَّرِهِنَّ: أَنَّ امْرَأَةً دَبَّرَتْ عَبْدًا ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَحُكِمَ بِلِحَاقِهَا وَبِحُرِّيَّةِ عَبْدِهَا الْمُدَبَّرِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَرَجَعَتْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يُخَلِّفْ عَصَبَةً نَسَبِيَّةً، فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ عَصَبَتُهُ، وَحُكْمُ مُدَبَّرِ هَذَا الْمُدَبَّرِ كَذَلِكَ، فَإِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِحُرِّيَّةِ مُدَبَّرِهَا بِسَبَبِ لِحَاقِهَا، فَاشْتَرَى عَبْدًا وَدَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ وَرَجَعَتْ الْمَرْأَةُ تَائِبَةً إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إمَّا قَبْلَ مَوْتِ مُدَبَّرِهَا أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُدَبَّرُ الثَّانِي وَلَمْ يُخَلِّفْ عصلة نَسَبِيَّةً فَوَلَاؤُهُ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَقَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ فِي تَصْوِيرِهِ وَجْهًا آخَرَ.
وَصُورَةُ جَرِّهِ مُعْتَقُهُنَّ الْوَلَاءَ: أَنَّ عَبْدَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَ بِإِذْنِهَا جَارِيَةً قَدْ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ حُرٌّ، تَبَعًا لِأُمِّهِ وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، فَإِذَا أَعْتَقَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ عَبْدَهَا جَرَّ ذَلِكَ الْعَبْدُ بِإِعْتَاقِهَا إيَّاهُ وَلَاءَ وَلَدِهِ إلَى مَوْلَاتِهِ، حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ وَخَلَّفَ مُعْتِقَةَ أَبِيهِ فَوَلَاؤُهُ لَهَا.
وَصُورَةُ جَرٍّ مُعْتَقِ مُعْتَقِهِنَّ الْوَلَاءَ: أَنَّ امْرَأَةً أَعْتَقَتْ عَبْدًا، فَاشْتَرَى الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَبْدًا وَزَوَّجَهُ بِمُعْتَقَةِ غَيْرِهِ فَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَهُوَ حُرٌّ، وَوَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ، فَإِذَا أَعْتَقَ ذَلِكَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ عَبْدَهُ جَرَّ بِإِعْتَاقِهِ وَلَاءَ وَلَدِ مُعْتَقِهِ إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إلَى مَوْلَاتِهِ.
هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ وَشُرُوطُ الْجَرِّ يُطْلَبُ مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ، فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُذُوذٌ إلَخْ) الشَّاذُّ هُوَ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَةُ حَدِيثًا يُخَالِفُ مَا روى النَّاس، فَإِذا انْفَرد الرَّاوِي بشئ نُظِرَ فِيهِ: فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا رَوَاهُ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحِفْظِ لِذَلِكَ وَأَضْبَطُ كَانَ مَا انْفَرَدَ بِهِ شَاذًّا مَرْدُودًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ فَمَقْبُولٌ لَا يَقْدَحُ فِيهِ انْفِرَاده، وَإِن لميكن مِمَّن يوثق بحفظه وإتقانه ذَلِك الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ دَرَجَة الْحَافِظ الضَّابِط المقبول نفرده فَحَدِيثه حسن، وَإِلَّا فشاد مَرْدُودٌ.
هَذَا مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي تَعْرِيفِهِ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ تَأَيَّدَ إلَخْ) فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ
الله عَنْهُم أَنهم كَانُوا لَا يَرِثُونَ النِّسَاءَ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ كَاتَبْنَ.
رَوَاهُ ابْنُ(7/372)
أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَذَكَرَهُ رَزِينُ بْنُ الْعَبْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ: أَنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله قَالَ: مِيرَاثُ الْوَلَاءِ لِلْأَكْبَرِ مِنْ الذُّكُورِ، وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ إلَّا وَلَاءَ مَنْ أعتقن أَو أعتق من أعتقن اهـ.
قَاسِمٌ.
قَوْلُهُ: (فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ) الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْقَرْنِ الْأَوَّلِ آحَادًا ثُمَّ انْتَشَرَ فَصَارَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَمَنْ بَعْدَهُمْ مُتَوَاتِرًا، وَلَمَّا كَانَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ وَهُمْ الصَّحَابَة ثِقَات لَا يهتمون صَارَتْ شَهَادَتُهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَوَاتِرِ حُجَّةً، حَتَّى قَالَ الْجَصَّاصُ إنَّهُ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمُتَوَاتِرِ.
يَعْقُوبُ:
قَوْلُهُ: (ثمص شَرَعَ فِي الْحَجْبِ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ بَيَانِ الْوَارِثِينَ مِنْ ذِي فَرْضٍ وَعَصَبَةٍ، لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُحْجَبُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ عَنْ سَهْمٍ مُقَدَّرٍ إلَى أَقَلَّ مِنْهُ، وَهُوَ لُغَةً: الْمَنْعُ مُطْلَقًا، وَاصْطِلَاحًا: مَنْعُ مَنْ يَتَأَهَّلُ لِلْإِرْثِ بِآخَرَ عَمَّا كَانَ لَهُ الْوَلَاءُ فَخَرَجَ الْقَاتِلُ وَالْكَافِرُ وَشَمِلَ نَوْعَيْ الْحَجْبِ، لِأَنَّ أَئِمَّتَنَا اصْطَلَحُوا عَلَى تَسْمِيَةِ مَا كَانَ الْمَنْعُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ كَكَوْنِهِ رَقِيقا أَو قَاتلا محروما، وَمَا كَانَ لِمَعْنى فِي غَيْرِهِ مَحْجُوبًا، وَقَسَمُوا الْحَجْبَ إلَى حَجْبِ حِرْمَانٍ: وَهُوَ مَنْعُ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ عَنْ الْإِرْثِ بِالْكُلِّيَّةِ لِوُجُودِ شَخْصٍ آخَرَ، وَحَجْبُ نُقْصَانٍ: وَهُوَ حَجْبُهُ مِنْ فَرْضٍ مُقَدَّرٍ إلَى فَرْضٍ أَقَلَّ مِنْهُ لوُجُود آخر، فَخرج انْتِقَاض السِّهَامِ بِالْعَوْلِ، وَكَذَا انْتِقَاصُ حِصَصِ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ بِالِاجْتِمَاعِ مَعَ مَنْ يُجَانِسُهُمْ عَنْ حَالَةِ الِانْفِرَادِ كَالزَّوْجَاتِ مَثَلًا، ثُمَّ حَجْبُ الْحِرْمَانِ يَدْخُلُ فِيمَنْ عَدَّ السِّتَّةَ الْمَذْكُورِينَ مَتْنًا، وَحَجْبُ النُّقْصَانِ يَدْخُلُ فِي خَمْسَةٍ فَقَطْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: (أَيْ الْأَبَوَانِ) أَيْ الْأَبُ وَالْأُمُّ دُونَ مَنْ فَوْقهمَا، لَان كلا من الْجد وَالْجدّة قَدْ يُحْجَبُ حِرْمَانًا فَهُمَا مِنْ الْفَرِيقِ الْآخَرِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (وَالْوَلَدَانِ) أَيْ الِابْنُ وَالْبِنْتُ، وَثَنَّاهُ لِلْمُنَاسَبَةِ، وَإِلَّا فَالْوَلَدُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى.
تَأَمَّلْ.
قَوْله: (سَوَاء كَانُوا عصبات) كَذَا مَنْ بِمَعْنَى الْعَصَبَاتِ كَذَوِي الْأَرْحَامِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ حَجْبُ الْحِرْمَانِ فِي الْفَرِيقِ الثَّانِي مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَيْ مُتَرَتِّبٌ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ مَجْمُوعِهِمَا، فَإِذَا وُجِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا وُجِدَ وَإِلَّا فَلَا، وَفِيهِ بَحْثٌ يَأْتِي قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (يَحْجُبُ الْأَقْرَبُ) أَيْ بِحَسَبِ الدَّرَجَةِ أَوْ الْقَرَابَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي سِوَاهُمْ لِلسِّتَّةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (اتَّحد فِي السَّبَبِ) كَالْجَدَّاتِ مَعَ الْأُمِّ وَبَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الصلبيتين أَو كَالْإِخْوَةِ مَعَ الْأَبِ.
قَوْلُهُ:
(مَنْ أَدْلَى) الْإِدْلَاءُ لُغَةً: إرْسَالُ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي كل شئ يُمْكِنُ فِيهِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، فَمَعْنَى يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ: يُرْسِلُ قَرَابَتَهُ إلَيْهِ بِشَخْصٍ، وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ، فَالْقَرَابَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمُدْلِي وَالْوَاسِطَةِ ط.
قَوْلُهُ: (كَابْنِ الِابْنِ إلَخْ) مِثَالٌ مِنْ الْعَصَبَاتِ، وَمِثْلُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ أُمُّ الْأُمِّ لَا تَرِثُ مَعَ الْأُمِّ.
تَنْبِيهٌ: يَرِدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: لُزُومُ حَجْبِ أُمِّ الْأُمِّ بِالْأَبِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تُدْلِ بِهِ، وَكَذَا حَجْبُ بِنْتِ الِابْنِ بِالْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ الصلبية والاخت لاب بالاخت لابوين وَابْن أَخ لِأَبَوَيْنِ بِالْأَخِ لِأُمٍّ، فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْأَقْرَبُ مِنْ الْعَصَبَاتِ، وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ لِلْفَرِيقِ الثَّانِي الَّذِينَ يَرِثُونَ تَارَةً وَيُحْرَمُونَ أُخْرَى، وَفِيهِمْ الْعَصَبَاتُ وَغَيْرُهُمْ.
وَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَقْرَبَ يَحْجُبُ الْأَبْعَدَ(7/373)
إذَا كَانَ الْأَبْعَدُ مُدْلِيًا بِالْأَقْرَبِ فَلَا مَعْنَى لِكَوْنِهِمَا أَصْلَيْنِ وَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنْ يَرِثَ وَلَدُ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ الَّذِي لَيْسَ بِأَبِيهِ فَإِنَّهُ لَا يُدْلِي بِهِ.
أَفَادَهُ السَّيِّدُ.
قَوْلُهُ: (بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ انْفَرَدَتْ فَإِنَّهَا تَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ لَكِنْ بِجِهَتَيْ الْفَرْضِ وَالرَّدِّ.
قَوْلُهُ: (وَالْمَحْرُومَ) أَيْ مَنْ قَامَ بِهِ مَانِعٌ عَنْ الْإِرْثِ الْمَعْنى فِي نَفسه.
قَوْله: (عَامَّةُ الصَّحَابَةِ) .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ يُحْجَبُ نُقْصَانًا لَا حِرْمَانًا، كَالِابْنِ الْكَافِرِ مَثَلًا مَعَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ يُحْجَبُ الْأَخُ لِأُمٍّ بِابْنٍ كَافِرٍ حَجْبَ حِرْمَانٍ.
قَوْلُهُ: (أَصْلًا) أَيْ لَا نُقْصَانًا وَلَا حِرْمَانًا.
قَوْلُهُ: (وَيَحْجُبُ الْمَحْجُوبُ) أَيْ الْمَحْجُوبُ حِرْمَانًا يَحْجُبُ غَيْرَهُ حِرْمَانًا وَنُقْصَانًا، وَمَثَّلَ لِكُلٍّ بِمِثَالٍ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْجُبُ أُمُّ أُمُّ الْأُمِّ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِتَكْرَارِ الْأُمِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَفِي بَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ، وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: (بِالْأُمِّ) فَإِنَّهَا تُحْجَبُ مِنْ الثُّلُثِ إلَى السُّدُسِ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ، وَبِالْعَدَدِ مِنْ الْإِخْوَةِ أَوْ الْأَخَوَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَبِنْتِ الِابْنِ) تُحْجَبُ من الصُّلْبِيَّةِ مِنْ النِّصْفِ إلَى السُّدُسِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأُخْتِ لِأَبٍ) تُحْجَبُ مَعَ الشَّقِيقَةِ مِنْ النِّصْفِ إلَى السُّدُسِ.
قَوْلُهُ: (وَالزَّوْجَيْنِ) فَالزَّوْجُ يُحْجَبُ مِنْ النِّصْفِ إلَى الرُّبُعِ، وَالزَّوْجَةُ مَعَ الرُّبْعِ إلَى الثُّمُنِ بِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ.
قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ بَنُو الْأَعْيَانِ) قَدَّمْنَا وَجْهَ تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أُصُولِ زيد) أَي ابْن ثَابت الصَّحَابِيّ الْخَلِيل رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَحَاصِلُ أُصُولِهِ: أَنَّ الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ حِينَ الْمُقَاسَمَةِ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ إنْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْمُقَاسَمَةُ مَعَهُمْ عَنْ
مِقْدَارِ الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ ذِي الْفَرْضِ، وَعَنْ مِقْدَارِ السُّدُسِ عِنْدَ وُجُودِهِ، وَلَهُ فِي الْأُولَى أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ، وَضَابِطُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعَهُ دُونَ مِثْلَيْهِ فَالْمُقَاسَمَةُ خَيْرٌ لَهُ، أَوْ مِثْلَاهُ فَسِيَّانِ، أَوْ أَكْثَرَ فَالثُّلُثُ خَيْرٌ لَهُ.
وَصُوَرُ الْأَوَّلِ خَمْسٌ فَقَطْ: جَدٌّ وَأَخٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ أُخْتَانِ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتٌ، وَالثَّانِي ثَلَاثَةٌ: جَدٌّ وَأَخَوَانِ أَوْ أَرْبَعُ أَخَوَاتٍ أَوْ أَخٌ وَأُخْتَانِ، وَالثَّالِثُ لَا يَنْحَصِرُ.
وَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ إعْطَاءِ ذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ مِنْ أَقَلِّ مَخَارِجِهِ خَيْرُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ، إمَّا الْمُقَاسَمَةُ كَزَوْجٍ وَجَدٍّ وَأَخٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ، وَإِمَّا ثُلُثُ الْبَاقِي كَجَدَّةٍ وَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتٍ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَإِمَّا سُدُسُ كُلِّ الْمَالِ كَجَدَّةٍ وَبِنْتٍ وَجَدٍّ وَأَخَوَيْنِ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْمُقَاسَمَةِ وَمِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي.
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِنَا الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْخَلِيفَةِ الْأَعْظَمِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، وَهُوَ أعلم الصحاية وَأَفْضَلُهُمْ، وَلَمْ تَتَعَارَضْ عَنْهُ الرِّوَايَاتُ فِيهِ فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى فِي الْجَدِّ بِمِائَةِ قَضِيَّةٍ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَالْأَخْذُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْلَى، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ(7/374)
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ؟ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا وَلَا يَجْعَلُ أَبَا الْأَبِ أَبًا؟ وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إلَخْ) قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا.
وَقَالَ حَيْدَرُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ: إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا اسْتَحْسَنُوا فِي مَسَائِلِ الْجَدِّ الْفَتْوَى بِالصُّلْحِ فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ، وَقَالُوا: إذَا كُنَّا نُفْتِي بِالصُّلْحِ فِي تَضْمِينِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَالِاخْتِلَاف هُنَا أظهر، فالفتوى فِيهِ بِالصُّلْحِ أولى اهـ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ عَدَمُ النَّصِّ فِي إرْثِ الْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِاجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بَعْدَ اخْتِلَافٍ كثير، وَهُوَ من أشكل أَبْوَاب الْفَرَائِض اهـ.
لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَلِذَا أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى اخْتِيَارِهِ هُنَا وَفِيمَا سَبَقَ.
قَوْلُهُ: (أَيْ بِبَنِي الْأَعْيَانِ) أَيْ
الذُّكُورِ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ صَرِيح الْعبارَة، حَيْثُ عَبَّرَ بِبَنِي وَلَمْ يُعَبِّرْ بِأَوْلَادِ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ حَيْثُ فَسَّرَ بَنِي الْأَعْيَانِ بِالْإِنَاثِ أَيْضًا تَغْلِيبًا لِقَبُولِ الْمَقَامِ لَهُ، أَمَّا هُنَا فَلَا يَقْبَلُهُ، فَإِنَّ أَوْلَادَ الْعَلَّاتِ لَا يَسْقُطُونَ بِالْأَخَوَاتِ لِأَبَوَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَكَذَا بِالْأُخْتِ إلَخْ اهـ ح.
قلت: نعم، لَكِن قد يسْقط بعد أَوْلَادِ الْعَلَّاتِ بِالْإِنَاثِ مِنْ بَنِي الْأَعْيَانِ كَالْأَخَوَاتِ لاب يسقطن بالاختين لابوين مَا لن يُعَصِّبْهُنَّ أَخٌ لِأَبٍ كَمَا سَيَأْتِي.
وَعِبَارَةُ السِّرَاجِيَّةِ أَوْضَحُ وَنَصُّهَا: وَبَنُو الْأَعْيَانِ وَبَنُو الْعَلَّاتِ كُلُّهُمْ يَسْقُطُونَ بِالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَبِالْأَبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَبِالْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَيَسْقُطُ بَنُو العلات بالاخ لاب وَأم اهـ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأُخْتَ لِأَبٍ تَسْقُطُ بِالْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ كَمَا قَدَّمْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ عَنْ كَشْفِ الْغَوَامِضِ وَتُحْفَةِ الْأَقْرَانِ.
قَوْلُهُ: (أَيْضًا) كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَبِهَؤُلَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَالْجَدِّ) أَيْ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ.
قَوْلُهُ: (إذَا صَارَتْ عَصَبَةً) أَيْ مَعَ الْبَنَاتِ أَوْ مَعَ بَنَاتِ الِابْنِ، وَإِنَّمَا سَقَطُوا بِهَا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ كَالْأَخِ فِي كَونهَا عصبَة أقرب إِلَى الْمَيِّت اهـ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (وَيَسْقُطُ بَنُو الْأَخْيَافِ) الْخَيْفُ: اخْتِلَافٌ فِي الْعَيْنَيْنِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا زَرْقَاءَ وَالْأُخْرَى كَحْلَاءَ، وَفَرَسٌ أَخْيَفُ.
وَمِنْهُ الْأَخْيَافُ: وَهُمْ الْإِخْوَةُ لِآبَاءٍ شَتَّى، يُقَالُ إخْوَةٌ أَخْيَافٌ.
وَأَمَّا بَنُو الْأَخْيَافِ فَإِنْ قَالَهُ مُتْقِنٌ فَعَلَى إضَافَةِ الْبَيَان اهـ.
مُغْرِبٌ.
قَوْلُهُ: (بِالْوَلَدِ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ أُنْثَى فَيَسْقُطُونَ بِسِتَّةٍ بِالِابْنِ وَالْبِنْتِ وَابْنِ الِابْنِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالْجَدِّ، وَيَجْمَعُهُمْ قَوْلُك الْفَرْعُ الْوَارِثُ وَالْأُصُولُ الذُّكُورُ، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ بِقَوْلِي: وَيَحْجُبُ ابْن الام أصل ذكركذاك فَرْعٌ وَارِثٌ قَدْ ذَكَرُوا
قَوْلُهُ: (بِالْإِجْمَاعِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ: وَالْجَدِّ أَيْ بِخِلَافِ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعَلَّاتِ فَفِي سُقُوطِهِمْ بِهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُمْ من قبيل الْكَلَالَة) عِلّة لسقوطهم بِمَا ذكر بَيَانه أَنه قَول تَعَالَى: * (وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت) * الْآيَةَ، الْمُرَادُ بِهِ أَوْلَادُ الْأُمِّ إجْمَاعًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ:(7/375)
وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ الْأُمِّ وَقَدْ اُشْتُرِطَ فِي إرْثِ الْكَلَالَةِ عَدَمُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ إِجْمَاعًا فَلَا إِرْث لاولاد مَعَ هَؤُلَاءِ، ثُمَّ لَفْظُ الْكَلَالَةِ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنى الاعياد وَذَهَاب الْقُوَّة، ثمَّ استعير لقرابة من عد
الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ كَأَنَّهَا كَالَّةٌ ضَعِيفَةٌ بِالْقِيَاسِ إلَى قَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا، وَعَلَى مَنْ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ مِنْ الْمُخَلَّفِينَ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ.
قَوْلُهُ: (وَتَسْقُطُ الْجَدَّاتُ إلَخْ) الْأَصْلُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ اتِّحَادِ السَّبَبِ، وَالْإِدْلَاءِ تَأْثِيرًا فِي الْحَجْبِ، فَأُمُّ الْأَبِ تُحْجَبُ بِهِ لِلْإِدْلَاءِ فَقَطْ، وَبِالْأُمِّ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأُمُومَةُ، وَأُمُّ الْأُمِّ تَرِثُ مَعَ الْأَبِ لِانْعِدَامِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَتُحْجَبُ بِالْأُمِّ لِوُجُودِهِمَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ لَا يَرِثُ مَعَهُ إلَّا جَدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ، لِأَنَّ الْأَبَوِيَّاتِ يُحْجَبْنَ بِهِ، وَالْأُمِّيَّاتِ الصَّحِيحَاتِ لَا يَزْدَدْنَ عَلَى وَاحِدَةٍ أَبَدًا، وَأَمَّا الْجَدُّ فَتَرِثُ مَعَهُ وَاحِدَةٌ أَبَوِيَّةٌ وَهِيَ أُمُّ الْأَبِ، أَو من فَوْقهَا كَأُمّ أم الاب، وَإِذ بَعُدَ بِدَرَجَتَيْنِ كَأَبِي أَبِي الْأَبِ تَرِثُ مَعَهُ أَبَوِيَّتَانِ: إحْدَاهَا أُمُّ أَبِي الْأَبِ.
أَوْ مَنْ فَوْقَهَا كَأُمِّ أُمِّ أَبِي الْأَبِ وَالثَّانِيَةُ أُمُّ أم الْأَب أَو من فَوْقهَا كَأُمّ أم أُمِّ الْأَبِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِنَا الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ قِبَلِهِ) أَيْ لَمْ تُدْلِ بِهِ، وَأَيْضًا لَمْ يُوجَدْ اتِّحَادُ السَّبَبِ لِأَنَّ جِهَتَهُ الْأُبُوَّةُ وَجِهَتَهَا الْأُمُومَةُ.
قَوْلُهُ: (بَلْ هِيَ زَوْجَتُهُ) هَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ فِي دَرَجَتِهِ، فَلَوْ أَعْلَى مِنْهُ فَهِيَ أُمُّ زَوْجَتِهِ أَوْ جَدَّتُهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ عَنْهَا.
قَوْلُهُ: (مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ أَو الاب.
قَوْلُهُ: (كَذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ: قُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ الْجِهَتَيْنِ، قُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ الْجِهَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا قَدَّمْنَاهُ) عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَحْجُبُ الْمَحْجُوبُ.
قَوْلُهُ (وَقَدْ قَدَّمَ إلَخْ) أَرَادَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّ الْمَتْنَ لَوْ كَانَ أُمُّ الْأَبِ لَحَجَبَتْ غَيْرَهَا، وَلَمْ يَتَأَتَّ الْخلاف بَين مُحَمَّد وصاحبيه اهـ ح.
قَوْلُهُ: (فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ جَدَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ) أَيْ جَدَّةٌ لِهَذَا الْوَلَدِ الَّذِي مَاتَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ لِأَنَّهَا أُمُّ أَبِ أَبِيهِ، وَمِنْ قِبَلِ أُمِّهِ لِأَنَّهَا أُمُّ أُمِّ أُمِّهِ، ثُمَّ نَقُولُ: هُنَاكَ امْرَأَة أُخْرَى وَقد كَانَ تزوج بنتهَا ابْن الْمَرْأَة الاولى فَولدت من بنت(7/376)
الْأُخْرَى ابْنُ ابْنِ الْأُولَى الَّذِي هُوَ أَبُو الْمَيِّتِ فَهَذِهِ الْأُخْرَى أُمُّ أُمِّ أَبِي الْمَيِّتِ فَهِيَ ذَاتُ قَرَابَةٍ وَاحِدَةٍ.
مِنَحٌ.
قَوْلُهُ: (وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَكَانَ هُوَ الْمُرَجَّحُ وَإِنْ اقْتَضَى صَنِيعُ الْمُصَنِّفِ خِلَافه، فلينتبه لَهُ.
وَأَصْلُ هَذَا: أَنَّ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْعِلَّةِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، ثُمَّ الْوَضْعُ فِي ذَاتِ قَرَابَتَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ لِإِمْكَانِ الزِّيَادَةِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُقْسَمُ أَنْصَافًا مُطْلَقًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ:
بِاعْتِبَارِ الْجِهَاتِ وَإِن كثرت، فَلْيحْفَظ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَخَوَاتُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ الْمُسْتَكْمِلَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ لَا مَجْمُوعُهُمَا.
أَفَادَهُ ط.
قَوْلُهُ: (سَقَطَ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَخٍ) أَيْ لِأَبٍ.
قَوْلُهُ: (وَفِي إطْلَاقِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ، وَيُجَابُ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: مُوَازٍ أَوْ سَافِلٌ صِفَةٌ لِابْنِ ابْنٍ دُونَ الْأَخِ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَصْفُ الْأَخِ بِالنُّزُولِ: أَيْ فَإِنَّ ابْنَ الْأَخِ لَا يُسَمَّى أَخًا بِخِلَافِ ابْنِ الِابْنِ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَمَنْ دُونَهَا.
نَعَمْ كَانَ حَقُّهُ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَخُ عَلَى ابْنِ الِابْنِ.
قَوْلُهُ: (لِتَصْرِيحِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُهُ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْمُلْتَقَى أَنَّ مَنْ لَا فَرْضَ لَهَا مِنْ الْإِنَاثِ وَأَخُوهَا عَصَبَةٌ لَا تَصِيرُ عَصَبَةً بِأَخِيهَا، وَقَدَّمْنَاهُ مَنْظُومًا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) أَي الاخت فِي هَذِه الصُّور، لَكِن بِنْتَ الْمُعْتِقِ لَيْسَتْ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِ الْمَيِّتِ، فَالْمُرَادُ مَنْ عَدَاهَا وَإِنَّمَا لَا يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا، لانه لَيْسَ للنِّسَاء من الْولَايَة إلَّا مَا أَعْتَقْنَ، وَعَبَّرَ بِذَوِي وَلَمْ يَقُلْ ذَوَاتِ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: * (وَكَانَت من القانتين) *.
قَوْلُهُ: (مَنْ مِثْلَهُ) أَيْ فِي الدَّرَجَةِ كَأُخْتِهِ أَوْ بِنْتِ عَمِّهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ فَوْقَهُ) كَعَمَّتِهِ.
قَوْله: (فَإِنَّهُ يُعَصِّبُ مَنْ مِثْلَهُ أَوْ فَوْقَهُ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ، وَإِلَّا صَارَ مَحْرُومًا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي إرْثِ الْعَصَبَةِ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ أُنْثَى عَلَى الْأَبْعَدِ، وَلِذَا تُقَدَّمُ الْأُخْتُ على بن الْأَخِ إذَا صَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنْ فَوْقَهُ إنَّمَا صَارَتْ عَصَبَةً بِهِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا فَكَيْفَ تَحْجُبُهُ؟ وَانْظُرْ مَا أَجَابَ السَّيِّدُ قُدِّسَ سِرُّهُ.
قَوْلُهُ: (ذَاتَ سَهْمٍ) أَيْ فَرْضٍ.
قَوْلُهُ: (لَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ) لِانْتِمَائِهَا إلَى الْمَيِّتِ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ،(7/377)
وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ الْبَنَاتِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ.
قَوْله: (فلهَا النّصْف) لانها قَامَت مَقَامَ بِنْتِ الصُّلْبِ عِنْدَ عَدَمِهَا.
قَوْلُهُ: (تُوَازِيهَا الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِوَاسِطَتَيْنِ، وَأَمَّا السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَتُوَازِيهَا الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تُدْلِي إلَى الْمَيِّتِ بِثَلَاثِ وَسَائِطَ، وَأَمَّا السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي فَتُوَازِيهَا الْوُسْطَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ لِانْتِمَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَيْهِ بِأَرْبَعِ وَسَائِطَ، وَأَمَّا السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ فَلَا يُوَازِيهَا أَحَدٌ، لِأَنَّهَا تُدْلِي بِخَمْسِ وَسَائِطَ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْبَنَاتِ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَيَكُونُ لَهُمَا السُّدُسُ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُلْيَا مِنْ الْأَوَّلِ لَمَّا
قَامَتْ مَقَامَ الصُّلْبِيَّةِ قَامَ مَنْ دُونَهَا بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ مَقَامَ بَنَاتِ الِابْنِ.
قَوْله: (وَلَا شئ لِلسُّفْلِيَّاتِ) وَهِيَ السِّتُّ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْبَنَاتِ التِّسْعِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَمُلَ الثُّلُثَانِ لِتِلْكَ الثَّلَاثِ، فَلَمْ يَبْقَ لِلْبَاقِيَاتِ فَرْضٌ وَلَيْسَ لَهُنَّ عُصُوبَةٌ قَطْعًا فَلَا يَرِثْنَ مِنْ التَّرِكَةِ أَصْلًا.
قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) فَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَخَذَتْ الْعُلْيَا مِنْهُمْ النِّصْفَ، وَأَخَذَتْ الْوُسْطَى مِنْهُمْ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي السُّدُسَ وَيَكُونُ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُلَامِ وَبَيْنَ السُّفْلَى مِنْ الْأَوَّلِ وَالْوُسْطَى مِنْ الثَّانِي وَالْعُلْيَا مِنْ الثَّالِثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَخْمَاسًا، وَسَقَطَ سُفْلَى الثَّانِي وَوُسْطَى الثَّالِثِ وَسُفْلَاهُ.
وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي كَانَ ثُلُثُ الْبَاقِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سفلى الاول، ووسطى الثَّانِي سفلاه، وَعُلْيَا الثَّالِثِ وَوُسْطَاهُ أَسْبَاعًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَسَقَطَتْ سُفْلَى الثَّالِثِ.
وَإِنْ كَانَ مَعَ السُّفْلَى مِنْ الْفَرِيقِ الثَّالِثِ كَانَ الثُّلُثُ الْبَاقِي بَيْنَ الْغُلَامِ وَبَيْنَ السُّفْلَيَاتِ السِّتِّ أَثْمَانًا، وَإِنْ فَرَضَ الْغُلَامُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ كَانَ جَمِيعُ الْمَالِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُخْتِهِ لِلذَّكَرِ مثل حَظّ الانثيين، وَلَا شئ لِلسُّفْلِيَّاتِ وَهُنَّ ثَمَانٍ، وَإِنْ فَرَضَ مَعَ وُسْطَى الْأَوَّلِ، فَتَأْخُذُ عُلْيَا الْأَوَّلِ النِّصْفَ وَالْبَاقِي لِلْغُلَامِ مَعَ مَنْ يُحَاذِيهِ وَهِيَ وُسْطَى الْأَوَّلِ وَعُلْيَا الثَّانِي لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَكَذَا الْحَالُ إِذا فرض مَعَ عليا الثَّانِي.
وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْمَسَائِلِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ فَعَلَى مَا سَتُحِيطُ بِهِ فِيمَا بَعْدُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إيرَادِهِ هُنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْبَنَاتِ عَلَى اخْتِلَافِ الدَّرَجَاتِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ يُسَمَّى مَسْأَلَةَ التَّشْبِيبِ لِأَنَّهَا بِدِقَّتِهَا وَحُسْنِهَا تَشْحَذُ الْخَوَاطِرَ وَتُمِيلُ الْآذَانَ إلَى اسْتِمَاعِهَا فَشُبِّهَتْ بِتَشْبِيبِ الشَّاعِرِ الْقَصِيدَةَ لِتَحْسِينِهَا وَاسْتِدْعَاءِ الْإِصْغَاءِ لِسَمَاعِهَا اهـ.
مِنْ شَرْحِ السَّيِّدِ.
قَوْلُهُ: (مِمَّنْ لَا تَكُونُ صَاحِبَةَ فَرْضٍ) أَمَّا مَنْ كَانَتْ صَاحِبَةَ فَرْضٍ فَإِنَّهَا تَأْخُذُ سَهْمَهَا وَلَا تَصِيرُ بِهِ عَصَبَةً، وَهِيَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ الَّتِي أَخَذَتْ النِّصْفَ وَالْوُسْطَى مِنْهُ مَعَ الْعُلْيَا مِنْ الْفَرِيقِ الثَّانِي حَيْثُ أَخَذَتَا السُّدُسَ، وَهَذَا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فِيمَنْ كَانَتْ فَوْقَهُ دُونَ مَنْ كَانَتْ بِحِذَائِهِ فَإِنَّهُ يعصبها مُطلقًا.
سيد.
قَوْله: (وسط السُّفْلَيَاتُ) أَيْ اللَّاتِي تَحْتَهُ فِي الدَّرَجَةِ.
قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ السَّيِّدِ إلَخْ) أَيْ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ، وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ: وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِي.
قَوْلُهُ: (هُوَ أَخٌ لِأُمِّ) كَأَنْ تَزَوَّجَتْ بِأَخَوَيْنِ فَجَاءَتْ مِنْ كُلٍّ بِوَلَدٍ وَلِلْأَخَوَيْنِ وَلَدُ أَخٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهَا فَمَاتَ أَحَدُ وَلَدَيْهَا عَنْ أَخِيهِ الَّذِي هُوَ ابْنُ عَمِّهِ وَعَنْ ابْنِ عَمِّهِ الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (وَكَذَا لَو كَانَ(7/378)
الْآخَرُ زَوْجًا) الْأَوْضَحُ أَنْ يَقُولَ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحدهمَا أَي أحد ابْن عَمِّهَا زَوْجَهَا ط.
قَوْلُهُ: (وَيَقْتَسِمَانِ الْبَاقِي) وَهُوَ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ فِي الْأُولَى وَالنِّصْفُ فِي الثَّانِيَةِ ط.
قَوْلُهُ: (حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ إرْثِهِ بِهِمَا) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ فِي الْأُولَى فَإِنَّ لَهَا النِّصْفَ، وَتَحْجُبُ ابْنَ الْعَمِّ عَنْ السُّدُسِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَخًا لِأُمٍّ، وَيَشْتَرِكُ هُوَ وَابْنُ الْعَمِّ الْآخَرِ فِي الْبَاقِي، وَعَمَّا لَوْ كَانَ لِلزَّوْجَةِ فِي الثَّانِيَةِ أُخْتٌ شَقِيقَةٌ فَإِنَّ لَهَا النِّصْفَ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ للزَّوْج فرضا وَلَا شئ لَهُ كَابْنِ الْعَمِّ الْآخَرِ مِنْ حَيْثُ بُنُوَّةُ الْعم.
قَوْله: (بجهتي فرض وتعصيب) فهة الْفَرْض الزَّوْجِيَّة واخوة لِأُمٍّ وَجِهَةُ التَّعْصِيبِ كَوْنُهُ ابْنَ عَمٍّ ط.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا بِفَرْضٍ) أَيْ وَأَمَّا الْإِرْثُ بِفَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ ط.
قَوْلُهُ: (بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ الْأُبُوَّةُ ط.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ إلَّا الْأَبُ وَأَبُوهُ) أَيْ مَعَ الْبِنْتِ أَوْ بِنْتِ الِابْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاسْمُ لَيْسَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى الْإِرْثِ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ، وَقَوْلُهُ: إلَّا الْأَبُ أَيْ إلَّا إرْثُ الْأَبِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ حُذِفَ، وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَهَذَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ: لَيْسَ الطِّيبُ إلَّا الْمِسْكُ فِي جَوَازِ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فِي الْمِسْكِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ، فَتَنَبَّهْ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَجْتَمِعُ جِهَتَا تَعْصِيبٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِلْإِرْثِ بِهِمَا لِأَنَّهُ هُنَا بِإِحْدَاهُمَا لِتَقْدِيمِ جِهَة النُّبُوَّة على جِهَة العمومية وَجِهَةِ الْوَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ يَجْتَمِعُ جِهَتَا فَرْضٍ) صورته: نكح مَجُوسِيّ بنته واستولدها فَالْوَلَد ابْن لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَأَخٌ لَهَا، فَإِذَا مَاتَ عَنْهَا مَاتَ عَنْ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ فَتَرِثُ بِالْجِهَتَيْنِ ط.
قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَجُوسِ) أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ مِنْ شُبْهَةِ الْمَحَلِّ وطئ مَحْرَمٍ نَكَحَهَا، وَأَنَّهُ يَثْبُتُ فِيهَا النَّسَبُ عَلَى مَا حَرَّرَهُ فِي النَّهْرِ، فَرَاجِعْهُ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ قَالَ: وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي نِكَاح الْمَجُوس وَفِي وط الشُّبْهَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي نِكَاح المسملين الصَّحِيح اهـ.
وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.
قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِأَقْوَى الْجِهَتَيْنِ) وَهِيَ الَّتِي يَرِثُ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنْ مَاتَ ابْنٌ وَتَرَكَ أُمًّا هِيَ أُخْتُهُ تَرِثُ عِنْدَنَا بِالْجِهَتَيْنِ: الثُّلُثَ بِجِهَةِ الْأُمِّيَّةِ وَالنِّصْفَ بِجِهَة الاختية، وَأما عِنْده: فترث بِجِهَةِ الْأُمِّيَّةِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ.
قَوْلُهُ: (يُشَرَّكُ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ) أَيْ أَوْلَادِ الْأُمِّ وَالْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ، وَلِذَا سُمِّيَتْ مُشَرَّكَةً بِفَتْحِ الرَّاءِ أَوْ بِكَسْرِهَا عَلَى نِسْبَةِ التَّشْرِيكِ إلَيْهَا مَجَازًا.
قَوْلُهُ: (وَكَذَلِكَ يَفْرِضُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ) وَكَذَا أَحْمَدُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشِّنْشَوْرِيُّ
خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْأَكْدَرِيَّةَ لِأَنَّهَا كَدَّرَتْ عَلَى زَيْدٍ مَذْهَبَهُ.
قَوْلُهُ: (فَتَعُولُ إلَى تِسْعَةٍ) لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ اثْنَانِ وَلِلْجَدِّ وَاحِدٌ وَلِلْأُخْتِ ثَلَاثَةٌ، لَكِنْ لَمَّا(7/379)
كَانَتْ الْأُخْتُ لَوْ اسْتَقَلَّتْ بِمَا فُرِضَ لَهَا لَزَادَتْ عَلَى الْجَدِّ رُدَّتْ بَعْدَ الْفَرْضِ إلَى التَّعْصِيبِ بِالْجَدِّ، فَيَضُمُّ إلَى حِصَّتِهَا حِصَّتُهُ، وَيَقْتَسِمَانِ اوربعة بَينهمَا أَثلَاثًا: * (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) * لِأَنَّ الْمُقَاسَمَةَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ سُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ وَمِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، وَتَصِحُّ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ.
وَتَمَامُهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ.
قَوْلُهُ: (تَسْقُطُ الْأُخْتُ) فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ وَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ وَمِنْهَا تَصِحُّ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْمُفْتَى بِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ بِسُقُوطِ بَنِي الْأَعْيَانِ وَالْعَلَّاتِ بِالْجَدِّ خِلَافًا لَهُمَا.
قَوْلُهُ: (كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْحَجْبِ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
بَابُ الْعَوْلِ
مَسَائِلُ الْفَرَائِضِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: عَادِلَةٌ، وَعَاذِلَةٌ، وَعَائِلَةٌ: أَيْ مُنْقَسِمٌ بِلَا كَسْرٍ أَوْ بِالرَّدِّ أَوْ بِالْعَوْلِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: الْمَيْلُ وَالْجَوْرُ، وَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْغَلَبَةِ، يُقَالُ: عِيلَ صَبْرُهُ: أَيْ غَلَبَ، وَبِمَعْنَى الرَّفْعِ، يُقَالُ: عَالَ الْمِيزَانَ: إذَا رَفَعَهُ، فَقِيلَ: إنَّ الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيَّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَالَتْ عَلَى أَهْلِهَا بِالْجَوْرِ حَيْثُ نَقَصَتْ مِنْ فُرُوضِهِمْ وَالتَّقْسِيمُ الْمَارُّ كَالصَّرِيحِ فِيهِ، لِأَنَّ الْعَادِلَةَ مِنْ الْعَدْلِ مُقَابِلُ الْجَوْرِ.
وَقِيلَ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّهَا غَلَبَتْ أَهْلَهَا بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهِم.
وَقيل من الثَّالِث لانها إِذْ ضاف مَخْرَجُهَا بِالْفُرُوضِ الْمُجْتَمِعَةِ تُرْفَعُ التَّرِكَةُ إلَى عَدَدٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ، ثُمَّ يُقْسَمُ حَتَّى يَدْخُلَ النُّقْصَانُ فِي فَرَائِضِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَاخْتَارَهُ السَّيِّدُ.
قَوْلُهُ: (وَضِدُّهُ الرَّدُّ) إذْ بِالْعَوْدِ تَنْتَقِصُ سِهَام ذَوي الْفُرُوض وزيداد أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ وَبِالرَّدِّ يَزْدَادُ السِّهَامُ وَيَنْتَقِصُ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فِي الْعَوْلِ تَفْضُلُ السِّهَامُ عَلَى الْمَخْرَجِ، وَفِي الرَّدِّ يَفْضُلُ الْمَخْرَجُ عَلَى السِّهَامِ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (هُوَ زِيَادَةُ السِّهَامِ) أَيْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، فَأَلْ عِوَضٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَبِذَا سَهُلَ الْإِضْمَارُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي: عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ط.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَخْرَجِ الْفَرِيضَةِ) أَيْ مَخْرَجِ السِّهَامِ الْمَفْرُوضَةِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ عِبَارَةُ عَنْ أَقَلِّ عَدَدٍ صَحِيحٍ يَتَأَتَّى مِنْهُ حَظُّ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الْوَرَثَة بِلَا كسر اهـ.
سَكْبُ الْأَنْهُرِ.
قَوْلُهُ: (كَنَقْصِ أَرْبَابِ الدُّيُونِ بِالْمُحَاصَّةِ) أَيْ الدُّيُونِ الَّتِي
ضَاقَتْ عَنْهَا التَّرِكَةُ، وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَالنَّقْصُ عَلَى الْجَمِيعِ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ.
قَوْلُهُ: (وَأَوَّلُ مَنْ حَكَمَ بِالْعَوْلِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي صُورَةٍ ضَاقَ مَخْرَجُهَا عَنْ فُرُوضِهَا، فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ، فَأَشَارَ الْعَبَّاسُ إلَى الْعَوْلِ فَقَالَ: أَعِيلُوا الْفَرَائِض، فتابعوه على ذَلِك وَلم يُنكره أَحَدٌ إلَّا ابْنُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ الْمَخَارِجُ سَبْعَةٌ) وَجْهُهُ أَنَّ الْفُرُوضَ سِتَّةٌ، وَهِيَ نَوْعَانِ: الْأَوَّلُ: النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ.
وَالثَّانِي: الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ.
وَلَهَا حَالَتَانِ: انْفِرَادٌ، وَاجْتِمَاعٌ.(7/380)
ومخارجها فِي الِانْفِرَاد خَمْسَة: الِاثْنَان لِلنِّصْفِ، واوربعة لِلرُّبُعِ، وَالثَّمَانِيَةُ لِلثُّمُنِ، وَالثَّلَاثَةُ لِلثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَالسِّتَّةُ لِلسُّدُسِ.
وَإِذَا اجْتَمَعَ فُرُوضٌ: فَإِنْ كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ لانه يعْتَبر مخرج أدناها، فَفِي نصف ربع مِنْ أَرْبَعَةٍ، أَوْ نِصْفٍ وَثُمُنٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، أَوْ ثُلُثٍ وَسُدُسٍ مِنْ سِتَّةٍ، وَلَوْ مِنْ نَوْعَيْنِ: فَإِذَا اخْتَلَطَ النِّصْفُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ بِكُل النَّوْع الثَّانِي أَو بعضه فَمِنْ سِتَّةٍ، وَهِيَ لَا تَخْرُجُ عَنْهَا أَيْضًا، وَإِذا اخْتَلَط الرّبع بِكُل النَّوْع الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَمِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَإِذَا اخْتَلَطَ الثُّمُنُ بِكُلِّ النَّوْعِ الثَّانِي أَوْ بِبَعْضِهِ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَيُضَمُّ هَذَانِ إلَى الْخَمْسَةِ فَتَصِيرُ الْمَخَارِجُ سَبْعَةً، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ الْمَخَارِجِ.
قَوْلُهُ: (أَرْبَعَةٌ لَا تَعُولُ) لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَا: إمَّا أَنْ يَفِيَ الْمَالُ بهَا، أَو يبْقى مِنْهُ شئ زَائِدٌ عَلَيْهَا، وَبَيَانُهُ فِي الْمِنَحِ.
قَوْلُهُ: (وَثَلَاثَةٌ قَدْ تَعُولُ) وَهِيَ السِّتَّةُ وَضِعْفُهَا وَضِعْفُ ضِعْفِهَا، وَأَشَارَ بِقَدْ إلَى أَنَّ الْعَوْلَ لَيْسَ لَازِمًا لَهَا.
قَوْلُهُ: (بِالِاخْتِلَاطِ) أَيْ بِاخْتِلَاطِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ بِكُلِّ الْآخَرِ أَوْ بِبَعْضِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ،
قَوْلُهُ: (إلَى عَشَرَةٍ وِتْرًا وَشَفْعًا) أَيْ تَعُولُ إلَى أهد إدْخَالَ كَوْنِهَا مُنْتَهِيَةً إلَى عَشَرَةٍ فَلَيْسَتْ إلَى صِلَةٍ لِتَعُولَ، بَلْ صِلَتُهَا مُقَدَّرَةٌ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ لَيست وترا شفعا، قَوْله: وِتْرًا وَشَفْعًا مَنْصُوبَانِ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْعَدَدِ الَّذِي عَالَتْ إلَيْهِ: أَيْ حَالَ كَوْنِ تِلْكَ الْأَعْدَادِ مُنْقَسِمَةً إلَى وِتْرٍ وَشَفْعٍ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَتسَمى منبرية) لَان عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ سُئِلَ عَنْهَا وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يَحْكُمُ بِالْحَقِّ قَطْعًا، وَيَجْزِي كُلَّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى، وَإِلَيْهِ الْمَآبُ وَالرُّجْعَى، فَسُئِلَ عَنْهَا حِينَئِذٍ فَقَالَ: مَنْ رَوِيِّهَا وَالْمَرْأَةُ صَارَ ثُمُنُهَا تُسْعًا، وَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ فَتَعْجَبُوا مِنْ فِطْنَتِهِ.
دُرٌّ مُنْتَقًى.
قَوْلُهُ: (ثَمَّةَ) أَيْ هُنَاكَ: أَيْ فِي الْوَرَثَةِ ط.
قَوْلُهُ: (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ، وَالْأَوْضَحُ التَّصْرِيحُ بِهِ ط.
قَوْلُهُ: (لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ: إجْمَاعًا وَلَا يَظْهَرُ،
لِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَظِمًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَقَوْلِنَا، وَبِهِ أَفْتَى مُتَأَخِّرُو الشَّافِعِيَّةِ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ الْمَالِ.
أَفَادَهُ فِي غرر الافكار.
قَوْله: (وَغَيره) كسراح السِّرَاجِيَّةِ وَالْكَنْزِ.
وَقَالَ فِي رَوْحِ الشُّرُوحِ: وَحُجَّةُ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَنَّ الْفَرِيضَةَ لَوْ عَالَتْ لَدَخَلَ النَّقْصُ عَلَى الْكل، فَإِذا فضل شئ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ لِلْكُلِّ، لِأَنَّ الْغُنْمَ بالغرم.
وَالْجَوَاب أَن مِيرَاث الزوحين عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّ وَصْلَتَهُمَا بِالنِّكَاحِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ، وَمَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ نَصًّا يَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ، وَلَا نَصَّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى فَرْضِهِمَا، وَلَمَّا كَانَ إدْخَالُ النَّقْصِ فِي نَصِيبِهِمَا مَيْلًا لِلْقِيَاسِ النَّافِي لِإِرْثِهِمَا قِيلَ بِهِ، وَلَمْ يَقُلْ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ، فَظهر(7/381)
الْفرق وحصحص الْحق اهـ ط مُلَخَّصًا.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَيُفْتَى بِالرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فِي زَمَانِنَا لِفَسَادِ بَيْتِ الْمَالِ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ النِّهَايَةِ: مَا فَضَلَ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْبِنْتُ وَالِابْنُ مِنْ الرَّضَاعِ يُصْرَفُ إِلَيْهِمَا.
وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ بِالرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا.
وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ: الْفَتْوَى الْيَوْمَ بِالرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعْدٍ التَّفْتَازَانِيُّ: أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَقَارِبِ سِوَاهُمَا لِفَسَادِ الْإِمَامِ وَظُلْمِ الْحُكَّامِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، بَلْ يُفْتَى بِتَوْرِيثِ بَنَاتِ الْمُعْتِقِ وَذَوِي أَرْحَامِهِ، وَكَذَا قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِتَوْرِيثِ بَنَاتِ الْمُعْتق وَذَوي أرحامه اهـ.
أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلْكَازَرُونِيِّ.
قُلْت: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَقِيلَ إنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا بِنْتَ الْمُعْتِقِ يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَيْهَا لَا إِرْثا بل أَقْرَبُ، وَكَذَا الْفَاضِلُ عَنْ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ يُدْفَعُ إلَيْهِ بِالرَّدِّ، وَكَذَا يُدْفَعُ إلَى الْبِنْتِ وَالِابْنِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَبِهِ يُفْتَى لِعَدَمِ بَيْتِ الْمَالِ.
وَفِي الْمُسْتَصْفَى: وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ لِعَدَمِ بَيْتِ الْمَالِ، إذْ الظَّلَمَةُ لَا يَصْرِفُونَهُ إلَى مَصْرِفِهِ، وَهَذَا كَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ يُفْتُونَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ.
وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى مِنْ كِتَابِ الْوَلَاءِ: قُلْت: وَلَكِنْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ لَا
يُفْتُونَ بِذَلِكَ.
فَتنبه اهـ.
أَقُول: وَلم نسْمع أَيْضا زَمَاننَا من أفتى بشئ مِنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمُتُونِ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتُونَ مَوْضُوعَةٌ لِنَقْلِ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى خِلَافِ أَصْلِ الْمَذْهَبِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، كَمَا أَفْتَوْا بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ مُخَالِفِينَ لِأَصْلِ الْمَذْهَبِ لِخَشْيَةِ ضَيَاعِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ أَيْضًا، وَحَيْثُ ذَكَرَ الشُّرَّاحُ الْإِفْتَاءَ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلْيُعْمَلْ بِهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ زَمَانِنَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهُ مَنْ يُسَمَّى وَكِيلَ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَصْرِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَخَدَمِهِ وَلَا يَصِلُ مِنْهُ إلَى بَيْتِ المَال شئ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كَلَامَ الْمُتُونِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ انْتِظَامِ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَلَامُ الشُّرُوحِ عِنْدَ عَدَمِ انتظامه، فَلَا مُعَاوضَة بَيْنَهُمَا، فَمَنْ أَمْكَنَهُ الْإِفْتَاءُ بِذَلِكَ فِي زَمَانِنَا فيلفت بِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَكْثَرُ) أَيْ صِنْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ لَا أَكْثَرُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (إمَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ يُوجَدُ.
قَوْلُهُ: (إنْ اتَّحَدَ جِنْسُ الْمَرْدُودِ عَلَيْهِمْ) يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْجِنْس شَخْصًا وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ، وَلِذَا مَثَّلَ الْعَلَّامَةُ قَاسم بقول كَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَوْ جَدَّاتٍ أَوْ بِنْتٍ أَوْ بَنَاتٍ أَوْ بِنْتِ ابْنٍ أَوْ بَنَاتِ ابْنٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ أَوْ أَكْثَرَ اهـ.
قَوْله: (من عدد رؤوسهم) أَي رُؤُوس ذَلِكَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَرَأْسُ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ إنْ كَانَ هُوَ فِيهَا وَحِينَئِذٍ(7/382)
تكون الْمَسْأَلَة وَاحِدًا اهـ.
شَرْحُ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ.
قَوْلُهُ: (قَطْعًا لِلتَّطْوِيلِ) أَيْ بِجعْل الْقِسْمَةَ قِسْمَةً وَاحِدَةً، أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا أَعْطَيْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مَا اسْتَحَقَّهُ مِنْ السِّهَامِ، ثُمَّ قَسَمْتَ الْبَاقِي مِنْ سِهَامِهِمْ بَيْنَهُمْ بِقَدْرِ تِلْكَ السِّهَامِ صَارَتْ الْقِسْمَةُ مَرَّتَيْنِ اهـ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (جِنْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ) أَيْ بِحَسَبِ سَبَب الارث كالجدودة والاخوة وَالْبِنْتِيَّةِ وَالْأُمُومَةِ، وَإِنْ كَانَ فَرْضُ الْجِنْسَيْنِ جِنْسًا وَاحِدًا كَالْجَدَّةِ وَالْأُخْتِ لِأُمِّ اللَّتَيْنِ فَرْضُ كُلٍّ مِنْهُمَا السُّدُسُ أَوْ كَانَ فَرْضُ الِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ الْأَجْنَاسِ جِنْسًا وَاحِدًا كَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَالْأُمِّ، إذْ الْبِنْتِيَّةُ سَبَبٌ وَبِنْتِيَّةُ الِابْنِ سَبَبٌ آخَرُ، وَإِنْ شَمِلَهُمَا مُطْلَقُ الْبِنْتِيَّةِ، فَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة
أجتاس لَا جِنْسَانِ فَقَط اهـ ابْنُ الْحَنْبَلِيِّ.
قَوْلُهُ: (بِالِاسْتِقْرَاءِ) أَيْ تَتَبُّعُ جُزْئِيَّاتِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ بَعْدَ النَّافِي: أَيْ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ بِالِاسْتِقْرَاءِ ط.
قَوْلُهُ: (فَمِنْ عَدَدِ سِهَامِهِمْ) وَهِيَ أَربع لَا غَيْرُ: الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْخَمْسَةُ، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ وَكُلُّهَا مُقْتَطِعَةٌ مِنْ سِتَّةٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (لَوْ سُدُسَانِ) كَجَدَّةٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ، فَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَلَهُمَا مِنْهَا اثْنَانِ بِالْفَرِيضَةِ، فَاجْعَلْ الِاثْنَيْنِ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَاقْسِمْ التَّرِكَةَ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْمَالِ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (لَوْ ثُلُثٌ وَسُدُسٌ) كَوَلَدَيْ الْأُمِّ مَعَ الام فَهِيَ أَيْضا من سِتَّة ولولدي الْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، فَاجْعَلْهَا مِنْ ثَلَاثَةٍ عَدَدَ سِهَامِهِمْ، وَطَرِيقُهُ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا فِي الْأَكْثَرِ مِنْ أَمْثَالِ الْأَقَلِّ وَتَضُمَّهُ إلَيْهِ فَفِي الثُّلُث سدسان فتضمهما إِلَى سدس الام اهـ.
قَاسِمٌ.
قَوْلُهُ: (لَوْ نِصْفٌ وَسُدُسٌ) كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ أَوْ بِنْتٍ وَأُمٍّ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ، وَمَجْمُوعُ السِّهَامِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ثَلَاثَةٌ لِلْبِنْتِ وَوَاحِدٌ لِبِنْتِ الِابْنِ أَوْ الْأُمِّ، فَاجْعَلْ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَاقْسِمْ التَّرِكَةَ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا لِلْبِنْتِ وَرُبُعٌ مِنْهَا لِلْأُمِّ أَوْ بنت الابْن اهـ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (كَثُلُثَيْنِ وَسُدُسٍ) كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ، وَإِنَّمَا أَتَى بِالْكَافِ وَلَمْ يَأْتِ بِلَوْ كَمَا فِي سَوَابِقِهِ لِأَنَّ لِلْخَمْسَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ: ثَانِيهَا نِصْفٌ وَسُدُسَانِ كَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٌّ، ثَالِثُهَا نِصْفٌ وَثلث كأخت وبوين مَعَ أُمٍّ أَوْ أُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، فَالْمَسْأَلَةُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَيْضًا مِنْ سِتَّةِ وَالسِّهَامُ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْهَا خَمْسَةٌ فَتُجْعَلُ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَتُقْسَمُ التَّرِكَةُ أَخْمَاسًا.
تَنْبِيهٌ: الْقِسْمَةُ عَلَى الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ إنْ اسْتَقَامَتْ عَلَى الْوَرَثَةِ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَمَا إذَا خَلَّفَ بِنْتًا وَثَلَاثَ بَنَاتِ ابْنٍ فَلِلْبِنْتِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ تَسْتَقِيمُ عَلَيْهَا وَلِبَنَاتِ الِابْنِ سَهْمٌ وَاحِدٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِنَّ فَاضْرِبْ الثَّلَاثَةَ: أَعنِي عدد رُؤُوس من انْكَسَرَ عَلَيْهِ من أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ فَيَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ، لِلْبِنْتِ مِنْهَا تِسْعَةٌ وَلِبَنَاتِ الِابْنِ ثَلَاثَةٌ مُنْقَسِمَةٌ عَلَيْهِنَّ.
سيد.
قَوْله: (ولثالث) أَيْ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَسَمَ الْبَاقِي على رُؤُوس مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ) أَيْ تَقْسِمُ الْبَاقِي مِنْ ذَلِك الْمخْرج على عدد رُؤُوس ذَلِكَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا كُنْتَ تَقْسِمُ جَمِيعَ المَال على عدد رؤوسهم إذَا انْفَرَدُوا عَمَّنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَهِيَ من(7/383)
أَرْبَعَةٍ) وَأَصْلُهَا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِاجْتِمَاعِ الرُّبُعِ وَالثُّلُثَيْنِ فِيهَا، وَمِثْلُهَا الْمَسْأَلَتَانِ الْآتِيَتَانِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ
يَسْتَقِمْ) أَيْ الْبَاقِي مِنْ ذَلِكَ الْمَخْرَجِ.
قَوْله: (ضرب وفقها) أَي وفْق رؤوسهم.
قَوْله: (وَهُوَ هُنَا اثْنَان) لَان عدد الرؤوس سِتَّةٌ وَالْبَاقِي مِنْ الْمَخْرَجِ ثَلَاثَةٌ وَالْمُوَافَقَةُ بَيْنَهُمَا بِالثُّلُثِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْمُدَاخَلَةِ هُنَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا يُوَافِقْ) أَيْ الْبَاقِي عدد رؤوسهم.
قَوْله: (فَاضْرب الاربعة فِي الْخَمْسَة) الْمُوَافِقِ لِسَابِقِهِ وَلَاحِقِهِ فَاضْرِبْ الْخَمْسَةَ فِي الْأَرْبَعَةِ ط.
لَان الْمَضْرُوب هُوَ عدد الرؤوس الْخَمْسَةِ وَالْمَضْرُوبَ فِيهِ هُوَ الْمَخْرَجُ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ.
قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعُ) أَيْ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ.
قَوْلُهُ: (هُنَا) أَي فِي مسَائِل اجْتِمَاع لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَعَ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، أَمَّا عِنْدَ انْفِرَادِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَقَدْ يَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ، وَذَلِكَ فِي صُورَةِ اجْتِمَاعِ النِّصْفِ وَالسُّدُسَيْنِ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا يُرَدُّ مَعَ أَرْبَعِ طَوَائِفَ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهَا مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ، أَوْ كَانَتْ الْأَرْبَعَةُ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَعَلَّ هَذَا) أَيْ عَدَمُ وُجُودِ الرَّدِّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ جِنْسَيْنِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا اقْتَصَرَ فِي الثَّانِي عَلَى الْجِنْسَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِيمَا مَرَّ: وَإِنْ كَانَ جِنْسَيْنِ مَعَ أَنَّهُ يَكُونُ ثَلَاثَةً أَيْضًا لِأَجْلِ أَنْ يَصِحَّ قَوْلُهُ هُنَا: وَلَوْ كَانَ مَعَ الثَّانِي إلَخْ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثَةُ، حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتَصِرْ فِيمَا مَرَّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ بِأَنْ ذَكَرَ الثَّلَاثَةَ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُنْتَقَى وَجَبَ أَنْ يُرَادَ هُنَا بِالثَّانِي بَعْضُهُ، وَهُوَ الْجِنْسَانِ لَا كُلُّهُ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ، فَاقْتِصَارُهُ فِيمَا مَرَّ عَلَى الْجِنْسَيْنِ لَا لِعَدَمِ تَأَتِّي الثَّلَاثَةِ هُنَاكَ، بَلْ لِعَدَمِ تَأَتِّيهَا هُنَا بِحُكْمِ الِاسْتِقْرَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلسَّيِّدِ وَغَيْرِهِ.
أَقُولُ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَوْ سَلِمَ الِاسْتِقْرَاءُ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ وَجَدَ مَسْأَلَةً رِدْيَةً اجْتَمَعَ فِيهَا أَرْبَعُ طَوَائِفَ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُمٍّ أَوْ جَدَّةٍ أَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ للزَّوْجَة الثّمن ثَلَاث وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ اثْنَا عَشَرَ وَلِبِنْتِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلُثَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْأُمِّ أَوْ الْجَدَّةِ السُّدُسُ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا بَقِيَ وَاحِدٌ يُرَدُّ عَلَى مَنْ الزَّوْجَةِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ أَجْنَاسٍ.
وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعِينَ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، ثُمَّ رَأَيْته هُنَا فِي حَاشِيَةِ يَعْقُوبَ وَشَرْحِ ابْنِ الْحَنْبَلِيِّ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ: أَنَّهُ مِنْ الشُّبَهِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي تورد فِي هَذَا الْمقَام اهـ.
وَعَلَيْهِ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ فِي الثَّانِي الثَّلَاثَةَ، وَيُرَادُ بِهِ فِي كَلَامِهِ هُنَا كُلُّهُ لَا بَعْضُهُ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَالْبَاقَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَإِنْ اعْتَرَضَهُمْ الشَّارِحُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالسَّهْوِ، فَإِنَّهُ لَا سَهْوَ فِي كَلَامِهِمْ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ لِمَا عَلِمْت، فَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْمَقَامِ الَّذِي هُوَ(7/384)
مَزَلَّةُ الْأَقْدَامِ.
قَوْلُهُ: (إنْ اسْتَقَامَ) أَيْ عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى سِهَامِهِمْ، سَوَاء استقام على عدد رؤوسهم أَيْضا أَو لَا، فَالثَّانِي مَا مَثَّلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَوَّلُ كَزَوْجَةٍ وَجَدَّةٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ مَخْرَجِ فَرْضِ الزَّوْجَةِ تَسْتَقِيمُ عَلَى سَهْمِ الْجدّة وسهمي الاختين وعَلى رؤوسهم أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ مُنْكَسِرٌ عَلَى آحَادِ كُلِّ فريق) أَي على عدد رؤوسهم، لِأَنَّ نَصِيبَ الْجَدَّاتِ الْأَرْبَعِ وَاحِدٌ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِم بل بَينهمَا مباينة فحفظنا عدد رؤوسهن بِأَسْرِهِ، وَكَذَا نَصِيبُ الْأَخَوَاتِ السِّتِّ اثْنَانِ فَلَا يستقيمان عَلَيْهِنَّ، لَكِن بَين عدد رؤوسهن وسهامهن مُوَافقَة بِالنِّصْفِ فَرَدَّنَا عدد رُؤُوس الْأَخَوَاتِ إلَى نِصْفِهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ، ثُمَّ طَلَبْنَا التوافق بَين أعداد الرؤوس والرؤوس فَلم نجدها فضربنا وفْق رُؤُوس الاخوات وَهُوَ الثَّلَاثَة فِي عدد رُؤُوس الْجَدَّاتِ وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ فَحَصَلَ اثْنَا عَشَرَ ثُمَّ ضَرَبْنَاهَا فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ مَخْرَجُ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فَصَارَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ، فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ كَانَ لِلزَّوْجَةِ وَاحِدٌ ضَرَبْنَاهُ فِي الْمَضْرُوبِ الَّذِي هُوَ اثْنَا عَشَرَ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَأَعْطَيْنَاهُ الزَّوْجَةَ، وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ أَيْضًا وَاحِدٌ ضَرَبْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْمَضْرُوبِ فَكَانَ اثْنَيْ عَشَرَ، فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثَةٌ وَكَانَ لِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ اثْنَان فضربناهما فِيهِ بلع أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةٌ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (الْفَرِيقَيْنِ) أَيْ فَرِيقِ مَنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَفَرِيقِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ ط.
قَوْلُهُ: (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ إلَخْ) أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِاخْتِلَاطِ الثُّمُنِ بِالثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ، لَكِنَّهَا رَدِّيَّةٌ فَرَدَدْنَاهَا إلَى أَقَلِّ مَخَارِجِ فَرْضِ مَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (ثُلُثَانِ وَسُدُسٌ) فَالثُّلُثَانِ فَرْضُ الْبَنَاتِ بِأَرْبَعَةِ أَسْدَاسٍ وَالسُّدُسُ فَرْضُ الْجَدَّاتِ وَالْمَجْمُوعُ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ هِيَ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ ضَرَبْتَ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ حِصَّةِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الْوَرَثَةِ مِنْ هَذَا الْمَبْلَغِ ط.
قَوْلُهُ: (وَاضْرِبْ) الْأَوْلَى وَضَرَبْت بِالْمَاضِي لِيُنَاسِبَ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فَاسْتَقَامَ فَرْضُ كُلِّ فَرِيقٍ) أَيْ مِمَّنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ مُنْكَسِرٌ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ اسْتَقَامَ عَلَى سِهَامِهِمْ لكنه منكسر على رؤوسهم، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ زَوْجَةٌ وَسَبْعُ بَنَاتٍ وَسَبْعُ جَدَّاتٍ لَتَمَّ الْعَمَلُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّصْحِيحِ الْآتِي.
قَوْلُهُ: (فَصَحَّحَهُ بِالْأُصُولِ السَّبْعَةِ إلَخْ) ثَلَاثَةٌ بَين سِهَام كل فريق ورؤوسهم وَهِي الانقسام والتوافق والتباين أَرْبَعَة بَين الرؤوس وَبَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ وَهِيَ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ
والتباين اهـ ح.
فَفِي مَسْأَلَتِنَا لِلزَّوْجَاتِ خَمْسَةٌ وَعَدَدُهُنَّ أَرْبَعَةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تَوَافُقَ، وَلِلْجَدَّاتِ(7/385)
سَبْعَةٌ وَهُنَّ سِتَّةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تَوَافُقَ، وَلِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَعَدَدُهُنَّ تِسْعَةٌ لَا تَصِحُّ عَلَيْهِنَّ وَلَا تَوَافُقَ، فَاجْتَمَعَ مَعَنَا مِنْ الرؤوس أَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَتِسْعَةٌ، وَبَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالسِّتَّةِ مُوَافَقَةٌ بِالنِّصْفِ نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَبَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ وَالتِّسْعَةِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَتَضْرِبُ ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ يَبْلُغُ سِتَّة وَثَلَاثِينَ وَهِي جز السَّهْمِ فَتَضْرِبُهُ فِي الْأَرْبَعِينَ يَبْلُغُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَأَرْبَعين مِنْهَا تصح كل من لَهُ شئ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي جُزْءِ السَّهْمِ يَخْرُجُ نَصِيبُهُ لِلزَّوْجَاتِ خَمْسَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْجَدَّاتِ سَبْعَةٌ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِمِائَتَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ وَلِلْبَنَاتِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ أَلْفًا وَثَمَانِيَةً لِكُلِّ وَاحِدَة مائَة وَاثنا عشر اهـ.
سَكْبُ الْأَنْهُرِ.
قَوْلُهُ: (وَتَصِحُّ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ) قَدَّمْنَا تَصْحِيحَهَا مِنْهَا مُوَضَّحًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم.
بَاب تَوْرِيث ذَوي الارحام
قَوْلُهُ: (هُوَ كُلُّ قَرِيبٍ إلَخْ) أَيْ اصْطِلَاحًا، أَمَّا لُغَةً فَهُوَ بِمَعْنَى ذِي الْقَرَابَةِ مُطْلَقًا.
سَيِّدٌ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَا سَهْمٍ أَوْ عصبَة أَو غَيرهمَا، أَو سَوَاء انْتَمَى الْمَيِّتُ أَوْ انْتَمَى إلَى الْمَيِّتِ أَوْ إلَى أُصُوله.
قَوْله: (فَيَأْخُذ الْمُنْفَرد) أَي الْوَاحِد مِنْهُمْ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كَانَ جَمِيعَ الْمَالِ: أَيْ أَوْ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ.
قَوْلُهُ: (بِالْقَرَابَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَنَا بِاعْتِبَارِ الْقَرَابَةِ كَالتَّعْصِيبِ فَيُقَدَّمُ الْأَقْوَى قَرَابَةً: إمَّا بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ أَوْ بِقُوَّةِ السَّبَبِ، وَيَأْخُذُ الْمُنْفَرِدُ الْكُلَّ، وَلِذَا سَمَّى عُلَمَاؤُنَا أَهْلَ الْقَرَابَةِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَنْزِيلِ الْمُدْلِي مَنْزِلَةَ الْمُدْلَى بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَيُسَمَّوْنَ أَهْلَ التَّنْزِيلِ، وَقَوْمٌ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ بِلَا تَنْزِيلٍ، وَيُسَمَّوْنَ أَهْلَ الرَّحِمِ.
وَبَيَانُهُ مَعَ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ.
قَوْلُهُ: (وَيَحْجُبُ أَقْرَبُهُمْ الْأَبْعَدَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صِنْفًا عِنْدَ اجْتِمَاعِ أَصْنَافِهِمْ، أَوْ كَانَ وَاحِدًا مِنْ صِنْفٍ عِنْدَ اجْتِمَاعِ عَدَدٍ مِنْهُ.
أَفَادَهُ قَاسِمٌ.
فَالْأَوَّلُ: إشَارَةٌ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْجِهَةِ وَالثَّانِي إلَى التَّرْجِيحِ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ وَالْقُوَّةِ.
وَلَوْ أَخَّرَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَيُقَدَّمُ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَخْ لَكَانَ ذَلِكَ عَلَى تَرْتِيبِ
التَّرْجِيحِ بِالْجِهَاتِ الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ فِي الْعَصَبَاتِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ التَّرْجِيحِ بِالْجِهَةِ ثُمَّ بِالْقُرْبِ ثُمَّ بِالْقُوَّةِ، وَهَذَا الثَّالِثُ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي: قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ.
قَوْلُهُ: (كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ) فَلَا يَرِثُ أَحَدٌ مِنْ الصِّنْف الثَّانِي وَإِن قرب، وَهُنَاكَ أخد مِنْ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ وَإِنْ بَعُدَ، وَكَذَا الثَّالِثُ مَعَ الثَّانِي وَالرَّابِعُ مَعَ الثَّالِثِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
دُرُّ مُنْتَقَى.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَصْلُهُ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَعَنْ الْإِمَامِ تَقْدِيمُهُ عَلَى الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، لَكِنْ صَحَّ رُجُوعُهُ عَنْهُ.
قَاسِمٌ.
وَمَشَى فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَرْجُوعِ عَنْهَا، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: فَمَا قَدَّمَهُ فِي الِاخْتِيَار لَيْسَ بالمختار اهـ.
قُلْت: عَلَى أَنَّهُ قَدْ مَشَى بَعْدَهُ عَلَى خِلَافِهِ.
قَوْلُهُ: (يُقَدَّمُ جُزْءُ الْمَيِّتِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ،(7/386)
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الصِّنْفِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتُوا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَفَاوَتُوا قُدِّمَ أَقْرَبُهُمْ، وَلَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ بِنْتٍ وَابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ، وَإِلَّا فَإِمَّا بَعْضُهُمْ وَلَدُ وَارِثٍ دُونَ الْبَعْضِ، أَوْ كُلُّهُمْ وَلَدُ وَارِثٍ، أَوْ كُلُّهُمْ وَلَدُ غَيْرِهِ، فَفِي الْأَوَّلِ قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ اتِّفَاقًا كَبِنْتِ بِنْتِ ابْنٍ تُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ، وَفِي الْأَخِيرِينَ: إمَّا أَنْ تَتَّفِقَ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ، أَوْ تَخْتَلِفُ.
فَإِنْ اتَّفَقَتْ فَالْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِ الْفُرُوعِ اتِّفَاقًا بِالسَّوِيَّةِ إنْ كَانُوا ذُكُورًا فَقَطْ أَوْ إنَاثًا فَقَطْ كَابْنِ بِنْتِ ابْنٍ مَعَ مِثْلِهِ: أَيْ مَعَ ابْنِ بِنْتِ ابْنٍ آخَرَ وَكَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ مَعَ مِثْلِهَا، وَلِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ إنْ كَانُوا مُخْتَلِطِينَ كَابْنِ بِنْتٍ وَبِنْتِ بِنْتٍ.
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ فِي بَطْنٍ أَوْ أَكْثَرَ: فَإِمَّا أَنْ تَتَوَحَّدَ الْفُرُوعُ بِأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أَصْلٍ فَرْعٌ وَاحِدٌ، وَإِمَّا أَنْ تَتَعَدَّدَ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْفُرُوعِ ذُو جِهَتَيْنِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَوَحَّدَتْ وَلَيْسَ فيهم ذون جِهَتَيْنِ كَبِنْت ابْن بنت وَابْنِ بِنْتِ بِنْتٍ فَأَبُو يُوسُفَ قَسَمَ الْمَالَ على أبدان الْفُرُوع هُنَا أَيْضا، فثلثه للانث وَثُلُثَاهُ لِلذَّكَرِ.
وَمُحَمَّدٌ يَقْسِمُ عَلَى أَعْلَى بَطْنٍ اخْتَلَفَ وَهُوَ الْبَطْنُ الثَّانِي هُنَا، وَيَجْعَلُ مَا أَصَابَ كُلَّ أَصْلٍ لِفَرْعِهِ إنْ لَمْ يَقَعْ بَعْدَهُ اخْتِلَافٌ كَمَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَحِينَئِذٍ فَثُلُثَاهُ لِلْأُنْثَى نَصِيبُ أَبِيهَا وَثُلُثُهُ لِلذَّكَرِ نَصِيبُ أُمِّهِ عَكْسُ مَا قَسَمَهُ أَبُو يُوسُفَ.
أَمَّا إِذا وَقع بعده اخْتِلَاف الذُّكُورَة وَالْأُنُوثَةِ فِي بَطْنٍ آخَرَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَعْدَ مَا قَسَمَ عَلَى أَعْلَى بَطْنٍ اخْتَلَفَ جَعَلَ الذُّكُورَ طَائِفَةً وَالْإِنَاثَ طَائِفَةً، وَقَسَمَ نَصِيبَ كُلِّ طَائِفَةٍ عَلَى أَعْلَى بَطْنٍ اخْتَلَفَ مِنْهُم، وَهَكَذَا كَمَا سَيَظْهَرُ.
وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فُرُوعُ الْأُصُولِ الْمُخْتَلِفِينَ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ
فِيهِمْ ذُو جِهَتَيْنِ أَيْضًا وَذَلِكَ كَابْنَيْ بِنْتِ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنِ بنت بنت بِنْتي بِنْتِ ابْنِ بِنْتٍ، فَأَبُو يُوسُفَ جَرَى عَلَى أَصله من الْقِسْمَة على أبدان الْفُرُوع، وفيقسم الْمَالَ عَلَيْهِمْ أَسْبَاعًا.
وَمُحَمَّدٌ يَجْعَلُ الْأَصْلَ مَوْصُوفًا يصفته مُتَعَددًا بِعَدَد فروعه، فَيقسم عى أَعْلَى الْخِلَافِ: أَعْنِي فِي الْبَطْنِ الثَّانِي أَسْبَاعًا.
لِأَنَّ الْبِنْتَ الْأُولَى فِي الْبَطْنِ الثَّانِي كَبِنْتَيْنِ لِتَعَدُّدِ فَرْعِهَا، لِأَنَّ فَرْعَهَا الْأَخِيرَ ابْنَانِ، وَالْبِنْتُ الثَّانِيَة فِيهِ على حَالهَا لعدم تعدد فرعها، وَابْن فِيهِ كَابْنَيْنِ لِتَعَدُّدِ فَرْعِهِ الْأَخِيرِ، فَهُوَ كَأَرْبَعِ بَنَات فَلهُ أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ الِابْنِ لِبِنْتَيْ بِنْتِهِ وَثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ الْبِنْتَيْنِ لِوَلَدَيْهِمَا، وَهُمَا الْبِنْتُ وَالِابْنُ فِي الْبَطْنِ الثَّالِث سوية بَينهمَا، لَان الْبِنْت كبنتين لتَعَدد فَرْعِهَا، فَقَدْ سَاوَتْ الِابْنَ وَصَارَتْ مَعَهُ كَأَرْبَعَةِ رُؤُوس، وَقِسْمَة لثلاث عَلَى أَرْبَعَةٍ لَا تَصِحُّ وَتُبَايِنُ، فَتَضْرِبُ الْأَرْبَعَةَ عدد الرؤوس فِي السَّبْعَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَحْصُلُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَقَدْ كَانَ لِبِنْتَيْ بِنْتِ ابْنِ الْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ، فَتَضْرِبُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ يَحْصُلُ سِتَّةَ عَشَرَ، فَهِيَ لَهُمَا، وَتَضْرِبُ الثَّلَاثَةَ الَّتِي لِلْبِنْتَيْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا يَحْصُلُ اثْنَا عشر تَقْسِمُهَا بَيْنَ الْبِنْتِ وَالِابْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ سَوِيَّةً بَيْنَهُمَا لِمَا تَقَدَّمَ، فَيَكُونُ لِلْبِنْتِ سِتَّةٌ تُدْفَعُ لِابْنَيْهَا وَلِلِابْنِ سِتَّةٌ تُدْفَعُ لِبِنْتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْفُرُوعِ ذُو جِهَتَيْنِ كَبِنْتَيْ بِنْتِ بنت هما أَيْضا بِنْتا ابْن بنت مَعَهُمَا ابْنُ بِنْتِ بِنْتٍ أُخْرَى فَأَبُو يُوسُفَ(7/387)
اعْتَبَرَ الْجِهَاتِ فِي أَبْدَانِ الْفُرُوعِ، فَجَعَلَ الْبِنْتَيْنِ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ: بِنْتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَبِنْتَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، فَيَكُونُ لَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلِلِابْنِ الثُّلُثُ.
وَمُحَمَّدٌ اعْتَبَرَ الْجِهَاتِ فِي أَعْلَى الْخِلَافِ مَعَ أَخْذِهِ الْعَدَدَ مِنْ الْفُرُوعِ كَمَا مَرَّ، فَيَقْسِمُ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَفِيهِ ابْنٌ مِثْلُ وَبِنْتَانِ أَحَدُهُمَا كَبِنْتَيْنِ، فَصَارَ الْمَجْمُوعُ كَسَبْعِ بَنَاتٍ.
فَالْمَسْأَلَة من عدد رؤوسهن فللابن أَرْبَعَة أسْهم لانه كابنبن لِتَعَدُّدِ فَرْعِهِ فَيَصِيرُ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ وَلِلْبِنْتِ الَّتِي فِي فَرْعِهَا تَعَدُّدٌ سَهْمَانِ وَلِلْأُخْرَى سَهْمٌ وَاحِدٌ، فَإِذَا جَعَلْنَا الذُّكُورَ فِي هَذَا الْبَطْنِ طَائِفَةً وَالْإِنَاثَ طَائِفَةً وَدَفَعْنَا نَصِيبَ الِابْنِ إلَى الْبِنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ أَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا سَهْمَانِ، وَإِذَا دَفَعْنَا نَصِيبَ طَائِفَةِ الْإِنَاثِ إلَى مَنْ بِإِزَائِهِنَّ فِي الْبَطْنِ الثَّالِثِ لَمْ يَنْقَسِمْ عَلَيْهِنَّ لِأَنَّ نَصِيبَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ، وَمَنْ بِإِزَائِهِنَّ ابْنٌ وَبِنْتَانِ فَالْمَجْمُوعُ كَأَرْبَعِ بَنَاتٍ، وَبَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ مُبَايَنَةٌ فَضَرَبْنَا الْأَرْبَعَةَ الَّتِي هِيَ
عدد الرؤوس فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ سَبْعَةٌ صَارَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ كَانَ لِابْنِ الْبِنْتِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا ضَرَبْنَاهَا فِي الْمَضْرُوب الَّذِي هُوَ أَرْبَعَة أَيْضا سِتَّةَ عَشَرَ، فَأَعْطَيْنَا كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ بِنْتَيْهِ ثَمَانِيَةً، وَكَانَ لِلْبِنْتَيْنِ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي ثَلَاثَةٌ، فَإِذَا ضَرَبْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْمَضْرُوبِ حَصَلَ اثْنَا عشر، فدفعنا إِلَى ابْن بنت الب نت مِنْهُمَا ثَلَاثَةٌ، فَصَارَ نَصِيبُ كُلِّ بِنْتٍ فِي الْبَطْنِ الْأَخِيرِ أَحَدَ عَشَرَ ثَمَانِيَةٌ مِنْ جِهَةِ أَبِيهَا وَثَلَاثَةٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهَا، وَقَدْ تَحَصَّلَ مِنْ مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْأُصُولَ بِصِفَاتِهِمْ وَيَأْخُذُ فِيهِمْ عَدَدَ الْفُرُوع وحهاتهم.
هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شُرُوحِ السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَصْلُهُ وَهُمْ الْجَدُّ الْفَاسِدُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْجَدِّ الْجِنْسُ فَيَعُمُّ الْمُتَعَدِّدَ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي النّصْف الثَّانِي، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ تَتَفَاوَت درجاتهم أَو لَا، فَإِن تَتَفَاوَتَ دَرَجَاتُهُمْ أَوْ لَا، فَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَأُمِّ أَبِي أُمٍّ وَأَبِي أَبِي أُمِّ أُمٍّ قُدِّمَ الاقرب سَوَاء كَانَ من جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ، وَلَوْ أُنْثَى مُدْلِيَةً بِغَيْرِ وَارِثٍ وَالْأَبْعَدُ ذَكَرًا مُدْلِيًا بِوَارِثٍ وَإِنْ اسْتَوَتْ دَرَجَاتُهُمْ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ مُدْلِيًا بِوَارِثٍ أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ لَا وَلَا، فَفِي الْأَوَّلِ قِيلَ يُقَدَّمُ الْمُدْلِي بِوَارِثٍ كَمَا فِي الصِّنْف الْأَوَّلِ فَأَبُو أُمِّ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ أَبِي أَبِي الْأُمِّ لِإِدْلَاءِ الْأَوَّلِ بِالْجَدَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَالثَّانِي بِالْجَدِّ الْفَاسِدِ.
وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَسَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِمَا.
وَفِي رَوْحِ الشُّرُوحِ: أَنَّ الرِّوَايَاتِ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ كَأَبِي أُمِّ أَبٍ وَأَبِي أُمِّ أُمٍّ وَكَأَبِي أَبِي أُمٍّ وَأُمِّ أَبِي أُمٍّ: فَإِمَّا أَنْ تَخْتَلِفَ قَرَابَتُهُمْ: أَيْ بَعْضُهُمْ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ، وَإِمَّا أَنْ تَتَّحِدَ كَالْمِثَالِ الثَّانِي، فَإِنْ اخْتَلَفَتْ قَرَابَتُهُمْ فَالثُّلُثَانِ لِقَرَابَةِ الْأَبِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَةِ الْأُمِّ، كَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ أَبٍ وَأُمٍّ ثُمَّ مَا أَصَابَ قَرَابَةَ الْأَبِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ، وَكَذَا مَا أصَاب قرَابَة الام، وَإِن يَخْتَلِفْ فِيهِمْ بَطْنٌ فَالْقِسْمَةُ عَلَى أَبْدَانِ كُلِّ صِنْفٍ وَإِنْ اتَّحَدَتْ قَرَابَتُهُمْ: أَيْ كُلُّهُمْ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ، فَإِمَّا أَنْ تَتَّفِقَ صِفَةُ مَنْ أَدْلَوْا بِهِ فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ تَخْتَلِفُ، فَإِنْ اتَّفَقَتْ الصِّفَةُ اعْتَبَرَ أَبْدَانَهُمْ، وَتَسَاوَوْا فِي الْقِسْمَةِ لَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا، وَإِلَّا فَلِلذَّكَرِ كَالْأُنْثَيَيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ لِلذَّكَرِ ضعف الانثى،(7/388)
صم تُجْعَلُ الذُّكُورُ طَائِفَةً وَالْإِنَاثُ طَائِفَةً عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَرَّرَ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا، وَقَدْ اعْتَبَرَ أَبُو
يُوسُفَ هُنَا اخْتِلَافَ الْبُطُونِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْهُ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَالْفَرْقُ لَهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ جُزْءُ أَبَوَيْهِ وَهُمْ أَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ إلَخْ) الْأَوْلَادُ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الصِّنْفِ الثَّالِثِ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتُوا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَفَاوَتُوا قُدِّمَ الْأَقْرَبُ وَلَوْ أُنْثَى كَبِنْتِ أُخْتٍ وَابْنِ بِنْتِ أَخٍ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ وَلَدَ وَارِثٍ أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ لَا وَلَا، وَالْمُرَادُ بِالْوَارِثِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الْعَصَبَةَ، فَفِي الْأَوَّلِ قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ كَبِنْتِ ابْنِ أَخٍ وَابْنِ بِنْتِ أُخْتٍ كِلَاهُمَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لاب مُخْتَلِفَيْنِ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ: أَيْ مَا إذَا كَانَ كلهم أَوْلَاد وَارِث وَهُوَ عَصَبَةٌ كَبِنْتَيْ ابْنَيْ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ ذُو فَرْضٍ كَبَنَاتِ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ أَوْ أَوْلَادِ وَارِثَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَصَبَةٌ، وَالْآخَرُ: ذُو فَرْضٍ كَبِنْتِ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ، وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدُ وَارِث كَبِنْت ابْن أَخ وَابْن أُخْتٍ كِلَاهُمَا لِأُمٍّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْتَبَرُ الْأَقْوَى فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى الْأَبْدَانِ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ مَا لِلْأُنْثَى، فَمَنْ كَانَ أَصْلُهُ أَخًا لِأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِمَّنْ كَانَ أَصْلُهُ أَخًا لِأَبٍ فَقَطْ أَوْ لِأُمٍّ فَقَطْ، وَمَنْ لِأَبٍ أَوْلَى مِمَّنْ لِأُمٍّ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يَقْسِمُ الْمَالَ عَلَى الْأُصُولِ: أَيْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْفُرُوعِ وَالْجِهَاتِ فِي الْأُصُولِ، فَمَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يُقْسَمُ بَيْنَ فُرُوعِهِمْ كَمَا فِي النّصْف الْأَوَّلِ، فَلَوْ تَرَكَ ابْنَ بِنْتِ أَخٍ لِأَبٍ وَبِنْتَيْ ابْنِ أُخْتٍ لِأَبٍ هُمَا أَيْضًا بِنْتَا بنت أُخْت لابوين، وَترك أيض بِنْتَ ابْنِ أُخْتٍ لِأُمٍّ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: المَال كُله لبنتي بنت الاخت لابوبن لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يُقْسَمُ عَلَى الْأُصُولِ كَمَا قُلْنَا، فَأَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ سُدُسُهَا وَاحِدٌ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ وَثُلُثَاهَا أَرْبَعَةٌ لِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ لِأَنَّهَا كأختين لتَعَدد فرعها وَالْبَاقِي هُوَ وَاحِدٌ لِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ، ثُمَّ هَذِهِ الْأُخْتُ لِأَبٍ كَأُخْتَيْنِ لِتَعَدُّدٍ فَرْعِهَا فَهِيَ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ كَأَرْبَعَةِ رُؤُوس وَقِسْمَةُ الْوَاحِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ لَا تَصِحُّ وَتُبَايِنُ، فَتضْرب الاربعة السِّتَّةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَمِنْهَا تصح، فَكل من لَهُ شئ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ كَانَ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ وَاحِدٌ يُضْرَبُ فِي أَرْبَعَة يخرج أَرْبَعَة تدفع لنت ابْنِهَا وَلِلْأُخْتِ لِأَبَوَيْنِ أَرْبَعَةٌ تُضْرَبُ فِي أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ سِتَّةَ عَشَرَ تُدْفَعُ لِبِنْتَيْ بِنْتِهَا وَلِلْأَخِ وَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَاحِدٌ يُضْرَبُ فِي أَرْبَعَةٍ يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ تُقْسَمُ مُنَاصَفَةً بَيْنَ ابْنِ بِنْتِ الْأَخِ وَبِنْتَيْ ابْنِ الْأُخْتِ، فَصَارَ نَصِيبُ الْبِنْتَيْنِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
هَذَا، وَاعْلَمْ أَنَّ السَّيِّدَ الشَّرِيفَ قُدِّسَ سِرُّهُ قَدْ ذَكَرَ هَذَا الْمِثَالَ عَنْ بَعْضِ الشَّارِحِينَ وَأَقَرَّهُ، وَمُقْتَضَاهُ عَلَى هَذَا التَّقْسِيم أَنه لَا يتعبر اخْتِلَافُ الْبُطُونِ فِي هَذَا الصِّنْفِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَظَاهِرُ، قَوْلِ السِّرَاجِيَّةِ: أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ مَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يُقْسَمُ بَيْنَ فُرُوعِهِمْ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وكما(7/389)
فِي الصِّنْفِ الثَّانِي أَيْضًا وَكَمَا فِي أَوْلَادِ الصِّنْفِ الرَّابِعِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ جُزْءُ جَدَّيْهِ أَوْ جَدَّتَيْهِ الخ) المُرَاد بالجدين أَبُو الْأَب وأبوالام وَبِالْجَدَّتَيْنِ أُمُّ الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي الصِّنْفِ الرَّابِعِ.
وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى هُنَا تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ إلَّا فِي أَوْلَادِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ أَوْ لَا، فَإِنْ اتَّحَدَ بِأَنْ كَانُوا مِنْ جِهَةِ أَبِي الْمَيِّتِ أَوْ أُمِّهِ قُدِّمَ الْأَقْوَى وَلَوْ أُنْثَى إجْمَاعًا: أَيْ قُدِّمَ مَنْ لِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ لِأَبٍ وَمَنْ لِأَبٍ عَلَى مَنْ لِأُمٍّ وَيُقْسَمُ على الابدان اتِّفَاقًا الْأُصُولِ حِينَئِذٍ، وَيُعْطَى لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى كَعَمٍّ وَعَمَّةٍ كِلَاهُمَا لِأُمٍّ أَوْ خَالٍ وَخَالَةٍ كِلَاهُمَا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَإِنْ اخْتَلَفَ حيّز قرابتهم لَان كَانَ قَرَابَةُ بَعْضِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَبَعْضِهِمْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَلِقَرَابَةِ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلَا يُقَدَّمُ الْأَقْوَى فِي جِهَةٍ عَلَى غَيْرِهِ فِي جِهَةٍ أُخْرَى، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ أقوى كل جِهَة على غييره فِيهَا فَلَا تُقَدَّمُ الْعَمَّةُ الشَّقِيقَةُ عَلَى الْخَالَةِ لِأُمٍّ بَلْ تُقَدَّمُ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَلَا يُقَدَّمُ الْخَالُ الشَّقِيقُ عَلَى الْعَمَّةِ لِأُمٍّ بَلْ يُقَدَّمُ عَلَى الْخَالِ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَيُقْسَمُ حَظُّ كُلِّ جِهَةٍ عَلَى أَبْدَانِهِمْ وَيُعْطَى لِلذَّكَرِ ضِعْفُ الْأُنْثَى، فَلَوْ مَاتَ عَنْ عَشْرِ عَمَّاتٍ وَخَالٍ وَخَالَةٍ فَالثُّلُثَانِ لِلْعَمَّاتِ عَلَى عَشَرَةٍ بِالسَّوِيَّةِ وَالثُّلُثُ لِلْخَالِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا.
قَوْلُهُ: (وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْأَعْمَامَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ.
قَوْلُهُ: (وَأَوْلَادُ هَؤُلَاءِ) أَيْ أَوْلَاد هَذَا الصِّنْف الرَّابِع عِنْد عدم أوصلها، وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ لِأَوْلَادِهِمْ، بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، وَكَذَا الْجَدَّاتُ وَالْأَجْدَادُ لِتَنَاوُلِهِمْ مَنْ يَكُونُ بِوَاسِطَةٍ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ حُكْمُ هَؤُلَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَفَاوَتُوا فِي الدَّرَجَةِ أَوْ لَا، فَإِنْ تَفَاوَتُوا دَرَجَةً قُدِّمَ أَقْرَبُهُمْ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ، فَأَوْلَادُ الْعَمَّةِ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْعَمَّةِ
أَوْ الْخَالَةِ وَأَوْلَادُ الْخَالَةِ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْخَالَةِ أَوْ الْعَمَّةِ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فَإِمَّا أَنْ يَتَّحِدَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ أَوْ لَا، فَإِنْ اتَّحَدَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ بِأَنْ تَكُونَ قَرَابَةُ الْكُلِّ مِنْ جَانِبِ أَبِي الْمَيِّتِ أَوْ جَانِبِ أُمِّهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ أَوْ وَلَدَ رَحِمٍ أَوْ بَعْضُهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ فَفِي الْأَوَّلَيْنِ كَأَوْلَادِ أَعْمَامٍ لِغَيْرِ أُمٍّ وَكَأَوْلَادِ عَمَّاتٍ قُدِّمَ الْأَقْوَى قَرَابَةً بِالْإِجْمَاعِ، فَمَنْ أَصْلُهُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِمَّنْ لِأَبٍ، وَمَنْ لِأَبٍ أَوْلَى مِمَّنْ لَام لانه عِنْد اتِّحَاد السَّبَب يَجْعَل سَبَبًا فِي مَعْنَى الْأَقْرَبِ دَرَجَةً فَيَكُونُ أَوْلَى، وَفِي الْأَخِيرِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ وَلَدَ عَصَبَةٍ وَبَعْضُهُمْ وَلَدَ رَحِمٍ قُدِّمَ وَلَدُ الْعَصَبَةِ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَدَ رَحِمٍ أَقْوَى قَرَابَةً فَبِنْتُ عَمٍّ شَقِيقٍ أَوْلَى مِنْ ابْنِ عَمَّةٍ شَقِيقَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَمُّ لِأَبٍ فَإِنَّ ابْنَ الْعَمَّةِ الشَّقِيقَةِ أَوْلَى، لِأَنَّ تَرْجِيحَ شَخْصٍ بِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ هُنَا أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ كَوْنُ الْأَصْلِ عَصَبَةً، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِنْتُ الْعَمِّ لِأَبٍ أَوْلَى، وَرَجَّحَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
سَيِّدٌ.
وَاخْتَارَهُ عِمَادُ الدِّينِ تَبَعًا لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ ابْنِ كَمَالٍ، لَكِنْ فِي سكب الانهر أَن الاول بِهِ يُفْتى.
قُلْت: وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ قَوْلِ الْمُلْتَقَى: وَيُرَجِّحُونَ بِقُرْبِ الدَّرَجَةِ ثُمَّ بِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ ثُمَّ بِكَوْن الاصل وَارِثا عِنْد اتِّحَاد اجهة.
وَإِنْ اخْتَلَفَ حَيِّزُ قَرَابَتِهِمْ فَالثُّلُثَانِ لِمَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ وَالثُّلُثُ لِمَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ.
ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: مَا أَصَابَ كُلَّ فَرِيقٍ يُقْسَمُ عَلَى أَبْدَانِ فُرُوعِهِمْ مَعَ اعْتِبَارِ عدد الْجِهَات(7/390)
فِي الْفُرُوعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: يُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى أَوَّلِ بَطْنٍ اخْتَلَفَ مَعَ اعْتِبَارِ عَدَدِ الْفُرُوعِ وَالْجِهَاتِ فِي الْأُصُولِ كَمَا فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ.
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السَّيِّدِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ، فَلَا يُرَجَّحُ وَلَدُ الْعَمَّةِ لِأَبَوَيْنِ عَلَى وَلَدِ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ، وَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ وَلَدُ الْعَصَبَةِ فَلَا تُرَجَّحُ بِنْتُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ عَلَى بِنْتِ الْخَالِ أَوْ الْخَالَةِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي كُلِّ فَرِيقٍ بِخُصُوصِهِ، فَالْمُدْلُونَ بِقَرَابَةِ الْأَبِ يُعْتَبَرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ ثُمَّ وَلَدُ الْعَصَبَةِ، وَالْمُدْلُونَ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ يُعْتَبَرُ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُوَّةُ الْقَرَابَةِ وَلَا تُتَصَوَّرُ عُصُوبَةٌ فِي قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَالْفَرَائِضِ الْعُثْمَانِيَّةِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ حَيْثُ قَالُوا:
وَعِنْدَ اخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَلِقَرَابَةِ الْأَبِ ضِعْفُ قَرَابَةِ الْأُمِّ، فَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ وَلَدِ الْعَصَبَةِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ وَلَدَ الْعَصَبَةِ أَوْلَى اتَّحَدَ الحيز أَو اخْتلف، فبنت الْعم وبوين أَوْلَى مِنْ بِنْتِ الْخَالِ، وَأَنَّهُ وَافَقَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي ضَوْءِ السِّرَاجِ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ شمس الائمة أولى اهـ.
قُلْت: وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَدُ الْعَصَبَةِ أَوْلَى اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ أَوْ اخْتَلَفَتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَصَحَّحَهُ فِي الْمُضْمَرَاتِ، وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ، لَكِنْ خَالَفَهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ قَائِلًا بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا فِي الْمُتُون لوضعها لنقل الْمَذْهَب اهـ، فَتَأَمَّلْ.
وَرَاجِعْ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةَ.
(1)
قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَمَّاتُ الْآبَاءِ إلَخْ) أَدْرَجَ بَعْضُهُمْ هَؤُلَاءِ تَحْتَ الصِّنْفِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَنْ يَنْتَمِي إلَى جَدِّ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ جَدَّ الْأَبِ جَدٌّ، وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ صِنْفًا خَامِسًا وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنه إِذا لم يُوجد عمومة الْمَيِّت وخؤولته وَأَوْلَادُهُمْ انْتَقَلَ حُكْمُهُمْ الْمَذْكُورُ إلَى هَؤُلَاءِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا أَيْضًا انْتَقَلَ الْحُكْمُ إِلَى عُمُومه أَبَوَيْ الْمَيِّتِ وَخُؤُولَتِهِمْ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى فَلَا تَغْفُلْ.
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَغَيْرِهِ: وَإِذَا اجْتَمَعَ قَرَابَتَانِ لِأَبٍ وَقَرَابَتَانِ لِأُمٍّ كَعَمَّةِ الْأَبِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّةِ الْأُمِّ وَخَالَتِهَا فَالثُّلُثَانِ لِقَرَابَتَيْ الْأَبِ وَالثُّلُثُ لِقَرَابَتَيْ الْأُمِّ، ثُمَّ مَا أَصَابَ قَرَابَتَيْ الْأَبِ يُقْسَمُ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِقَرَابَتِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَثُلُثُهُ لِقَرَابَةِ أمه، وَمَا أصَاب قَرَابَتي الام كَذَلِك اهـ.
قَوْلُهُ: (كُلُّهُمْ) بِالرَّفْعِ تَوْكِيدٌ لِأَعْمَامِ الْأُمَّهَاتِ: أَيْ أَعْمَامُهُنَّ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ.
قَوْلُهُ: (وَإِن بعدوا)
__________
(1) عبارَة الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّة سُئِلَ فِي هَالك هلك عَن بنت عَم لاب وَأم وَابْن خَال لاب وَأم فَمَا الحكم أجَاب هَذِه الْمَسْأَلَة اخْتلف فِيهَا جعل بَعضهم ظَاهر الرِّوَايَة إِن الثُّلثَيْنِ لبِنْت الْعم وَالثلث لِابْنِ الْخَال وَهُوَ الْمَذْكُور فِي فَرَائض السراج وَعَلِيهِ صَاحب الْهِدَايَة والكنز والملتقى وغالب شُرُوح الْكَنْز وَالْهِدَايَة وَجعل بَعضهم ظَاهر للرواية أَن لَا شئ لِابْنِ الْخَال وَإِن الْكل لبِنْت الْعم لكَونهَا ولد الْعصبَة وَجعل فِي الضَّوْء عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَنه رِوَايَة شمس الائمة السَّرخسِيّ وَأَنه وَافق رِوَايَة التُّمُرْتَاشِيّ رِوَايَته وَصَححهُ فِي الْمُضْمرَات وَعَلِيهِ صَاحب الْخُلَاصَة قَالَ فِي الضَّوْء شرح السِّرَاجِيَّة الاخذ للْفَتْوَى بروايته يعْنى شمس الائمة أولى من الاخذ بروايتهما يعْنى صَاحب الْهِدَايَة وَصَاحب السِّرَاجِيَّة إنتهى والاصل فِيهِ أَن جِهَة الْقَرَابَة إِذا اخْتلفت كَمَا فِي وَاقعَة الْحَال هَل يقدم ولد الْعصبَة أم لَا قيل وَقيل وَالَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحه مَا رَوَاهُ
السَّرخسِيّ فَإِن لفظ الْفَتْوَى آكِد من غَيره من أَلْفَاظ التَّصْحِيح كالمختار وَالصَّحِيح كَمَا أَنِّي لم أَرض من اقْتصر على مُقَابل مَا رَوَاهُ السَّرخسِيّ مُصَرحًا بِكَوْنِهِ الصَّحِيح أَو الاشهر أَو الْمُخْتَار أَو غير ذَلِك من أَلْفَاظ التَّصْحِيح وَإِنَّمَا يُرْسِلهُ أَو يَقُول فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَأما هواي مَا رَوَاهُ السَّرخسِيّ فقد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ الصَّحِيح وَإِن الاخذ بالفتوى بِهِ أولى وَأَنه ظَاهر الرِّوَايَة فَلْيَكُن الْمعول عَلَيْهِ وَالله أعلم انْتهى مِنْهُ.(7/391)
رَاجع إِلَى قَوْله: ثمَّ مَاتَ الْآبَاء والامهات الخ لَكِن فِي التَّوْزِيع، لَان قَوْله: بالعلو رَاجِعٌ إلَى الْأُصُولِ مِنْهُمْ، وَقَوْلُهُ: أَوْ السُّفُولِ رَاجِعٌ إلَى أَوْلَادِهِمْ، فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فِي كُلِّ صِنْفٍ) إذَا اعْتَبَرْنَا الْأَصْنَافَ خَمْسَةً كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الرَّابِعِ إذْ لَا أَقْرَبَ فِيهِمْ، أَمَّا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ أَرْبَعَةً فَهُوَ ظَاهِرٌ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (وَاتَّحَدَتْ الْجِهَةُ) أَيْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (قُدِّمَ وَلَدُ الْوَارِثِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ اتِّحَادَ الْجِهَةِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الصِّنْفِ الْأَوَّلِ فَيُقَدَّمُ فِيهِ وَلَدُ الْوَارِثِ بِلَا شَرْطِ الِاتِّحَادِ فَعُلِمَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ، وَكَذَا تَقْدِيمُ وَلَدِ الْوَارِثِ فِيمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ذَلِكَ وَهُوَ الصِّنْفُ الْأَوَّلُ وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ، وَكَذَا أَوْلَادُ الصِّنْفِ الرَّابِعِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ.
أَمَّا الصِّنْفُ الثَّانِي فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ وَلَدُ وَارِثٍ، لِأَنَّ الْوَارِثَ فَرْعُهُمْ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ الْإِدْلَاءُ بِوَارِثٍ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ، وَأَمَّا نَفْسُ الصِّنْفِ الرَّابِعِ فَهُمْ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الدَّرَجَةِ وَالِاتِّحَادِ فِي الْجِهَةِ، إمَّا كُلُّهُمْ أَوْلَادُ وَارِثٍ أَوْ أَوْلَادُ غَيْرِهِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ تَقْدِيمُ وَلَدِ الْوَارِثِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِيهِمْ تَقْدِيمُ الْأَقْوَى كَمَا مَرَّ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِوَلَدِ الْوَارِثِ مَنْ يُدْلِي بِوَارِثٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ الْإِدْلَاءُ بِهِ بِوَاسِطَةٍ فَلَا تُقَدَّمُ بِنْتُ بِنْتِ بِنْتِ الِابْنِ عَلَى بِنْتِ بِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِ فَعُلِمَ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ الْمُدْلِي بِوَارِثٍ إلَى قَوْلِهِ: وَلَدُ الْوَارِثِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصِّنْفِ الثَّانِي وَعَنْ الْإِدْلَاءِ بِوَارِثٍ بِوَاسِطَةٍ.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ اخْتَلَفَتْ) أَيْ جِهَةُ الْقَرَابَةِ وَهَذَا مُقَابِلُ قَوْلِهِ: واتخذت الْجِهَةُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْفُرُوعِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأُصُولِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ اهـ أَيْ فِي الصِّنْفِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ، وَكَذَا فِي أَوْلَادِ الرَّابِعِ.
قَوْلُهُ: (وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ) أَيْ فِي الْقُرْبِ وَالْقُوَّةِ وَالْجِهَةِ وَفِي كَوْنِهِمْ كُلِّهِمْ وَلَدَ وَارِثٍ أَوْ وَلَدَ غَيْرِهِ
كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْأُصُولِ) أَيْ صِفَةُ مَنْ يُدْلُونَ بِهِ فَالْمُرَادُ بِالْأُصُولِ المدلى بهم، سَوَاء كَانُوا أصولا لَهُم أَولا زَيْلَعِيٌّ أَيْ لِيَشْمَلَ الصِّنْفَ الثَّانِي.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الْفُرُوعُ وَالْأُصُولُ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ فَإِنْ اتَّفَقَتْ إلَخْ لَكِنَّ ذِكْرَ اخْتِلَافِ الْفُرُوعِ غَيْرُ لَازِمٍ، لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي اخْتِلَافِ الْأُصُولِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (وَهُمَا) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّة وَأَبُو يُوسُف فِي قَوْله الاخير اهـ.
قَاسِمٌ
قَوْلُهُ: (وَفِي الْمُلْتَقَى وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى) أَيْ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ أَيْسَرَ عَلَى الْمُفْتِي كَمَا أخذُوا بقوله فِي بعض مسَائِل الْحيض اهـ.
دُرُّ مُنْتَقَى
قَوْلُهُ: (بِنْتَ شَقِيقَةٍ)(7/392)
أَيْ بِنْتَ أَخِيهِ الشَّقِيقِ
قَوْلُهُ: (فَأَجَبْت إلَخْ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ بِضَرْبِ ثَلَاثَةٍ فِي اثْنَيْنِ لِانْكِسَارِ مَخْرَجِ النِّصْفِ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ بِنْتٍ سَهْمٌ وَاحِدٌ
قَوْلُهُ: (قَدْ شَرَطُوا) الْأَوْلَى قَدْ أَخَذُوا عَدَدَ الْفُرُوعِ فِي الْأُصُولِ: أَيْ وَيُؤْخَذُ الْوَصْفُ مِنْ الْأُصُولِ ط.
قَوْلُهُ: (فَيُقْسَمُ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ شَقِيقٍ وَشَقِيقَتَيْنِ ط.
قَوْلُهُ: (بَيْنَ أَوْلَادِهَا) أَيْ بَيْنَ الِابْنِ وَالْبِنْتِ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، وَحَسَّنَهُ كَوْنُ الِابْنِ يُعْتَبَرُ كبنتين فَهُوَ من الْبِنْت كثلاثة رُؤُوس فَافْهَم.
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
فصل فِي الغرقى والحرقى وَغَيرهم جَمْعُ غَرِيقٍ وَحَرِيقٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَالْمُرَادُ وَمَنْ بِمَعْنَاهُمْ كَالْهَدْمَى وَالْقَتْلَى فِي مَعْرَكَةٍ، وَأَرَادَ بِغَيْرِهِمْ الْكَافِرَ وَوَلَدَ الزِّنَا وَاللِّعَانِ وَالْحَمْلِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا عُلِمَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ أَحْوَالَهُمْ خَمْسَةٌ عَلَى مَا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَغَيْرِهِ.
أَحدهمَا: هَذَا وَهُوَ مَا إذَا عُلِمَ سَبْقُ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَلْتَبِسْ فَيَرِثُ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ.
ثَانِيهَا: أَنْ يَعْرِفَ التَّلَاحُقَ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَ السَّابِقِ.
ثَالِثُهَا: أَنْ يُعْرَفَ وُقُوعُ الْمَوْتَيْنِ مَعًا.
رَابِعا: أَن لَا يعرف شئ، فَفِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَرِثُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ شَيْئًا.
خَامِسُهَا: أَنْ يُعْرَفَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ أَشْكَلَ أَمْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
قَوْلُهُ: (فَلَوْ جَهِلَ عَيْنَهُ) أَيْ بَعْدَ مَعْرِفَةِ التَّرْتِيبِ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ
وَالْخَامِسَةَ، لَكِنَّ عِبَارَةَ شَرْحِ الْمَجْمَعِ تُفِيدُ الْحَالَةَ الثَّانِيَةَ فَقَطْ وَنَصُّهَا فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَجَهِلَ عَيْنَهُ أُعْطِيَ كل وَاحِد الْيَقِين ووقف الْمَشْكُوك حَتَّى يتَبَيَّن أَو يصطلحوا اهـ.
قَوْلُهُ: (أُعْطِيَ كُلٌّ إلَخْ) أَيْ مِنْ وَرَثَتِهِمْ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ أَوْ يَصْطَلِحُوا فَلَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِنْتٌ أَخَذَتْ بِنْتُ كُلٍّ نِصْفَ تَرِكَةِ أَبِيهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُتَأَخِّرُ فَتَأْخُذُ بِنْتُهُ نِصْفَ تَرِكَةِ أَبِيهَا الْبَاقِي وَنِصْفَ تَرِكَةِ عَمِّهَا أَو يصطلحا على شئ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (شَرْحُ مَجْمَعٍ) أَيْ لِمُصَنَّفِهِ وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ عَلِمَ مَوْتَ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا هُوَ أَعْطَى كل وَاحِد الْيَقِين ووقف الْمَشْكُوك حَتَّى يتَبَيَّن أَو يصطلحوا اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِمُصَنَّفِهَا وَتَبِعَهُ بَعْضُ شُرَّاحِهَا وَعَلَّلَهُ فِي حَاشِيَةِ عَجَمْ زَادَهْ بِقَوْلِهِ لَان التَّذْكِير غير ميئوس مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (لَكِنْ نَقَلَ شَيْخُنَا إلَخْ) أَيْ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ وَقَدْ اسْتَدْرَكَ أَيْضًا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِعِبَارَةِ ضَوْءِ السِّرَاجِ الَّذِي هُوَ شَرْحُ السِّرَاجِيَّةِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِ فَرَائِضِ الْمَجْمَعِ إنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ أَخَذَهُ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يُسَاعِدُهُ عِنْدَنَا رِوَايَةٌ وَلَا دِرَايَةٌ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ أَوَّلًا وَلَا يَدْرِي أَيَّهمَا هُوَ لِتَحَقُّقِ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا مَاتَا مَعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَدَّمَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْرِي(7/393)
الْمُتَقَدِّمَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ، لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ ثَابِتٌ لِلْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا لَكِنَّ الْمُسْتَحِقَّ مَجْهُولٌ فَتَعَذَّرَ الْإِثْبَاتُ لِأَحَدِهِمَا، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ بِعَيْنِهَا ثُمَّ نَسِيَهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُمَا لِجَهَالَةِ الْمَمْلُوكَةِ.
وَقَالَ فِي الْأَرْفَادِ: أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَأَشْكَلَ السَّابِقُ جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ مَاتُوا مَعًا فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ وَلَا يَرِثُ بَعْضُ الْأَمْوَاتِ مِنْ بَعْضٍ.
هَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة إِ هـ.
وَذُكِرَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ وَشَرْحِ الْكَنْز للمقدسي، وَقد لخصت ذَلِك فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَذَكَرْت فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ كُلِّهَا أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ هُوَ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ التَّلَاحُقُ وَجُهِلَ عَيْنُ السَّابِقِ، وَقَدْ خَصَّهُ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ بِالْخَامِسَةِ، وَهِيَ مَا إذَا عُلِمَ السَّابِقُ بِعَيْنِهِ ثُمَّ أَشْكَلَ، وَلَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ إنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْخَامِسَةِ فَقَطْ كَمَا فِي شَرْحِ التَّرْتِيبِ لِلشَّنْشُورِيِّ، لَكِنْ إذَا جَرَى النِّزَاعُ فِي الثَّانِيَةِ يَجْرِي فِي الْخَامِسَةِ بِالْأَوْلَى.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَوَّلًا كَمَا فِي حَاشِيَةِ
شَيْخِهِ.
قَوْلُهُ: (إذْ لَا تَوَارُثَ بِالشَّكِّ) عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ وَهُوَ: وَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، أَوْ لِمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ: يَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إلَّا مَا وَرِثَ مِنْ صَاحِبِهِ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِمَا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبًا، فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَاسْتِحْقَاقُ الْأَحْيَاءِ مُتَيَقَّنٌ وَالشَّكُّ لَا يُعَارِضُ الْيَقِينَ، فَلَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تِسْعُونَ دِرْهَمًا وَخَلَّفَ بِنْتًا وَأُمًّا وَعَمًّا فعلى الْمُعْتَمد تقسم تَرِكَة عَلَى وَرَثَتِهِ الْأَحْيَاءِ مِنْ سِتَّةٍ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَلِلْعَمِّ مَا بَقِيَ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مَا بَقِيَ وَهُوَ ثَلَاثُونَ لِلْأَخِ لَا لِلْعَمِّ، ثُمَّ تُقْسَمُ الثَّلَاثُونَ بَيْنَ الْبِنْتِ وَالْأُمِّ وَالْعم على سِتَّة كَمَا تقوم فَيَصِيرُ لِلْبِنْتِ سِتُّونَ وَلِلْأُمِّ عِشْرُونَ وَلِلْعَمِّ عَشَرَةٌ اهـ.
قَاسِمٌ مُلَخَّصًا.
تَنْبِيهٌ: بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ آخِرًا تَهَاتَرَتَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى وَرَثَةُ كُلٍّ أَنَّ أَبَا الْآخَرِ مَاتَ أَوَّلًا وَحَلَفَ لَمْ يُصَدَّقْ، أمل لَوْ بَرْهَنَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي الْأُولَى أَوْ ادَّعَى وَحَلَفَ فِي الثَّانِيَةِ صُدِّقَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَلَو مان أَخَوَانِ عِنْدَ الزَّوَالِ أَوْ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا فِي الْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ فِي الْمَغْرِبِ وَرِثَ مَيِّتُ الْمَغْرِبِ مِنْ مَيِّتِ الْمَشْرِقِ لِمَوْتِهِ قَبْلَهُ، لِأَنَّ الشَّمْسَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْكَوَاكِبِ تَزُولُ وَتَطْلُعُ وَتَغْرُبُ فِي الْمَشْرِقِ قَبْلَ الْمغرب اهـ.
سَكْبُ الْأَنْهُرِ.
قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَمُفَادُهُ أَنه لَو اتّحدت الْبَلدة أَو تقاربت مل يكن الحكم كَذَلِك، فَليُرَاجع ذَلِك اهـ.
قُلْت: لَا شَكَّ فِي انْتِفَاءِ الْإِرْثِ بِالشَّكِّ وَثُبُوتِهِ بِعَدَمِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَرِثُ بِالْحَاجِبِ) كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ مَجُوسِيٌّ أُمَّهُ.
زَادَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: أَوْ وَطِئَ مُسْلِمٌ أَوْ غَيْرُهُ لِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ بِنْتًا فَمَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ أُمِّهَا وَهِيَ جدَّتهَا تَرث بالامومة فَقَط، لَان الامص تَحْجُبُ الْجَدَّةَ.
قَوْلُهُ: (يَرِثُ بِالْقَرَابَتَيْنِ) كَمَا لَوْ مَاتَتْ الْأُمُّ الْمَذْكُورَةُ عَنْ بِنْتِهَا وَهِيَ بِنْتُ ابْنِهَا تَرِثُ النِّصْفَ بِكَوْنِهَا بِنْتًا وَالسُّدُسَ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ بِكَوْنِهَا بِنْتَ ابْنٍ.
قَوْلُهُ: (عِنْدَنَا) أَمَّا عِنْد الشَّافِعِيَّة فَيَرِثُ بِأَقْوَاهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ الْعَوْلِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَرِثُونَ إلَّا بِأَنْكِحَةٍ مُسْتَحَلَّةٍ عِنْدَهُمْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: بِالْقَرَابَتَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْكِحَةَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْمِيرَاثُ وَلَوْ كَانَ سَبَبُهُ مَحْظُورًا كَمَا فِي النِّكَاحِ الْفَاسِد والوطئ بِشُبْهَةٍ.
مَقْدِسِيٌّ.
وَفِيهِ: وَلَوْ ثَبَتَ حُرْمَةُ مُصَاهَرَةٍ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَحَدَثَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَمَاتَ(7/394)
الْأَبُ مَنَعَ إرْثَهُ الْقَاضِي سُلَيْمَانُ.
وَقَالَ شَيْخُ الاسلام السَّعْدِيّ: يَرث اهـ.
سَائِحَانِيٌّ.
قُلْت: وَقَدْ نَظَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ هُنَا فَرَاجِعْ شُرُوحَهَا.
قَوْلُهُ: (كَتَزَوُّجِ مَجُوسِيٍّ أُمَّهُ) أَيْ فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَرِثَ بِالنَّسَبِ لَا بِالزَّوْجِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (وَكُلُّ نِكَاحٍ إلَخْ) وَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ بِلَا شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةِ كَافِرٍ مُعْتَقِدِينَ حِلَّهُ، بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ، أَوْ فِي عِدَّةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُمَا لَا يُقَرَّانِ عَلَيْهِ، وَقَدْ جَعَلَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا ضَابِطًا لِلنِّكَاحِ الْجَائِز وَالنِّكَاح الْفَاسِدِ: أَيْ لِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِرْثُ وَمَا لَا يَثْبُتُ.
قَوْلُهُ: (بِجِهَةِ الْأُمِّ فَقَطْ) كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَةٍ ثُمَّ زَنَى بِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَوْ لَاعَنَهَا فِي وَلَدٍ آخَرَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ فَإِنَّ الْآخَرَ يَرِثُهُ بِكَوْنِهِ أَخًا لِأُمٍّ لَا شَقِيقًا اهـ ح.
قَوْلُهُ: (لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْعَصَبَاتِ إلَخْ) قَدَّمَ هُنَاكَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ، فَتَنَبَّهْ.
قَوْلُهُ: (وَوُقِفَ لِلْحَمْلِ حَظُّ ابْنٍ وَاحِدٍ إلَخْ) هَذَا لَوْ الْحَمْلُ يُشَارِكُ الْوَرَثَةَ أَوْ يَحْجُبُهُمْ نُقْصَانًا، فَلَوْ يَحْجُبُهُمْ حِرْمَانًا وُقِفَ الْكُلُّ، وَقيل: وَكَذَا لَوْ الْوِلَادَةُ قَرِيبَةٌ دُونَ شَهْرٍ، وَبِهِ جَزَمَ نَزِيلُ حَلَبٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى السِّرَاجِيَّةِ، وَلَكِنَّ الْإِطْلَاقَ أَظْهَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِهَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ حَمْلٌ أَوْ لَا لَمْ يُوقَفْ، فَإِنْ وَلَدَتْ تَسْتَأْنِفُ الْقِسْمَةَ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْحَمْلَ عُرِضَتْ عَلَى ثِقَةٍ، وَلَوْ وَلَدَتْ مَيِّتًا لَمْ يَرِثْ: أَيْ إذَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ، أَمَّا لَوْ أُخْرِجَ بِجِنَايَةٍ فَيَرِثُ وَيُورَثُ، وَإِذَا خَرَجَ أَكْثَرُهُ حَيًّا بِمَا تُعْلَمُ حَيَاتُهُ وَلَوْ بِتَحْرِيكِ عَيْنٍ وَشَفَةٍ وَمَاتَ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ أَقَلُّهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَلَا يَرِثُ.
وَتَمَامُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَهَذَا قَول أبي يُوسُف، وَعند الامام: يُوقف حط أَرْبَعَةٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: اثْنَيْنِ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ الْغَالِبُ) أَيْ الْغَالِبُ الْمُعْتَادُ أَنْ لَا تَلِدَ الْمَرْأَةُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا فَيُبْنَى الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (وَيُكَفَّلُونَ) أَيْ يَأْخُذُ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ الْوَرَثَةِ كَفِيلًا عَلَى أَمْرٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى نَصِيبِ ابْنٍ وَاحِدٍ فقد نَظَرًا لِمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ: أَعْنِي الْحَمْلَ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (كَمَا لَوْ تَرَكَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي تَصْحِيحِ مَسَائِلِ الْحَمْلِ أَنَّ تَصْحِيحَ مَسْأَلَةِ ذُكُورَتِهِ وَمَسْأَلَةِ أُنُوثَتِهِ كَمَا ذُكِرَ، ثُمَّ تَضْرِبُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى إنْ تَبَايَنَا أَوْ فِي وَفْقِهَا إنْ تَوَافَقَا، ثمَّ من لَهُ شئ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأُنُوثَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي كُلِّ الثَّانِيَة أَو فِي وَقفهَا وَيُعْطَى أَقَلَّ الْحَاصِلَيْنِ وَيُوقَفُ الْفَضْلُ.
فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَسْأَلَةُ الذُّكُورَةِ مِنْ 42 لِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ 3 وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ السُّدُسُ 4 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الذَّكَرِ الْبَاقِي
وَهُوَ 13.
وَمَسْأَلَةُ الْأُنُوثَةِ مِنْ 72 لِاخْتِلَاطِ الثُّمُنِ بِالسُّدُسِ فَلِلْأَبَوَيْنِ 7 وَلِلزَّوْجَةِ 3 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الْأُنْثَى 61 وَبَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَوَافُقٌ بِالثُّلُثِ، فَإِذَا ضُرِبَ وقف إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى حَصَلَ 612 وَمِنْهَا تَصِحُّ، فَعَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ لِلزَّوْجَةِ 72 مِنْ ضَرْبِ 3 فِي وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ 9 وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ 63 مِنْ ضَرْبِ 4 فِي 9 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الذَّكَرِ 711 مِنْ ضَرْبِ 31 فِي 9 لِلْبِنْتِ ثُلُثُهَا 39 وَيَبْقَى لَهُ ثُلُثَاهَا 87.
وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ لِلزَّوْجَةِ 42 مِنْ ضَرْبِ 3 فِي وَفْقِ الْأُولَى وَهُوَ 8 وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَبَوَيْنِ 23 مِنْ ضَرْبِ 4 فِي 8 وَلِلْبِنْتِ مَعَ الْحَمْلِ الْأُنْثَى 821 مِنْ ضَرْبِ 61 فِي 8 لِلْبِنْتِ نِصْفُهَا 46 وَيَبْقَى لَهُ نِصْفُهَا 46 أَيْضًا فَيُعْطَى الزَّوْجَةُ وَالْأَبَوَانِ مَا خَرَجَ لَهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْأُنُوثَةِ وَيُوقَفُ الْفَضْلُ(7/395)
وَهُوَ 11 مِنْ نَصِيبِ الزَّوْجَةِ 3 وَمِنْ نَصِيبِ الْأَبَوَيْنِ 8 وَتُعْطَى الْبِنْتُ مَا خَرَجَ لَهَا عَلَى تَقْدِيرِ الذُّكُورَةِ وَيُوقَفُ الْبَاقِي لِلْحَمْلِ وَهُوَ 87 فَجُمْلَةُ الْمَوْقُوفِ 98، فَإِنْ وَضَعَتْهُ أُمُّهُ أُنْثَى يُدْفَعُ لِلْبِنْتِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ 52 لِيَكْمُلَ لَهَا مِثْلُ حِصَّتِهِ وَالْبَاقِي لَهُ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ ذَكَرًا يُدْفَعُ لِلزَّوْجَةِ 3 وَلِلْأَبَوَيْنِ 8 وَالْبَاقِي لَهُ، وَإِنْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا تُعْطَى الْبِنْتُ مِنْ الْمَوْقُوفِ 96 تَكْمِلَةَ النِّصْفِ وَالزَّوْجَةُ 3 تَكْمِلَةَ الثُّمُنِ وَالْأُمُّ 4 تَكْمِلَةَ السُّدُسِ وَالْأَبُ 31 مِنْهَا 4 تَكْمِلَةَ السُّدُسِ وَالْبَاقِي وَهُوَ 9 تَعْصِيبًا.
وَقَدْ خَالَفْتُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَشُرُوحِهَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ نَصِيبُ وَلَدٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرَ فِي حَقِّ الْبِنْتِ هُنَا كَوْنُ الْحَمْلِ ذَكَرًا وَفِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَالْأَبَوَيْنِ كَوْنُهُ أُنْثَى كَمَا رَأَيْت، وَالْعَجَبُ مِمَّا فِي السِّرَاجِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ ذَلِكَ ثُمَّ أَوْقَفَ نَصِيبَ أَرْبَعَةِ ذُكُورٍ وَقَسَمَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
تَنْبِيهٌ: هَذَا التَّوَقُّفُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ وَارِثٍ يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ مِنْ الْأَكْثَرِ إلَى الْأَقَلِّ، أَمَّا مَنْ لَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ كَالْجَدَّةِ وَالزَّوْجَةِ الْحُبْلَى فَلَا يُوقَفُ لَهُ شئ، وَأَمَّا مَنْ يَسْقُطُ فِي إحْدَى حَالَتَيْ الْحَمْلِ كَأَخٍ أَوْ عَمٍّ مَعَ زَوْجَةٍ حَامِلٍ فَلَا يعْطى شَيْئًا.
وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ.
قَوْلُهُ: (هَذَا) أَيْ مَا مَرَّ مِنْ الْمِثَالِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْهُ فَإِنَّمَا يَرِثُ إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ وَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَلَوْ لِتَمَامِ السَّنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَلَا.
وَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ إلْحَاقِ التَّمَامِ بِالْأَقَلِّ فخلاف ظَاهر الرِّوَايَة.
وَإِن كَانَ غَيْرِهِ فَإِنَّمَا يَرِثُ لَوْ وُلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، إلَّا
إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً وَلَمْ تُقِرَّ بِانْقِضَائِهَا، أَوْ أَقَرَّ الْوَرَثَةُ بِوُجُودِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَكْبِ الْأَنْهُرِ مَعَ شَرْحِ ابْنِ كَمَالٍ وَحَاشِيَةِ يَعْقُوبَ.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا فَمُثُلُهُ كَثِيرَةٌ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ مِثَالٍ، وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ مِنْهُ يَخْتَصُّ بِالْمِثَالِ السَّابِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
أَفَادَهُ ط
قَوْلُهُ: (وَأُمًّا حُبْلَى) أَيْ مِنْ أَبِي الْمَيِّتَةِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبِيهَا فَفَرْضُهُ السُّدُسُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.
قَوْلُهُ: (فَيقدر أُنْثَى) لَان نصِيبه أَكثر.
قَوْلُهُ: (فَيُقَدَّرُ أُنْثَى) لِأَنَّ نَصِيبَهُ أَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ إلَخْ) هَذَا عَجِيبٌ مَعَ نَقْلِ الْفَرْع بِعَيْنِه عَن الْوَهْبَانِيَّة اهـ ح.
أَقُول: مُرَاده أَنه هَل يُوقف لَهُ شئ أَمْ لَا، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ كَمَا سَيَظْهَرُ.
قَوْلُهُ: (مَا لَوْ كَانَ) أَيْ الْحَمْلُ.
قَوْلُهُ: (كَهُمْ) أَيْ كَزَوْجٍ وَأُمٍّ حُبْلَى بِشَقِيقٍ أَوْ شَقِيقَةٍ وَأَعَادَ الضَّمِيرَ جَمْعًا بِاعْتِبَارِ عَدِّ الْحَمْلِ وَارِثًا ط.
قَوْلُهُ: (لم يبْق لَهُ شئ) أَيْ لِلْحَمْلِ لِأَنَّهُ عَصَبَةٌ، وَقَدْ اسْتَغْرَقَتْ الْفُرُوضُ التَّرِكَةَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنْ سِتَّةٍ فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ وَاحِدٌ وَلِلْأَخَوَيْنِ، لِأُمٍّ الثُّلُثُ اثْنَانِ، وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُشَرَّكَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّرَ أُنْثَى إلَخْ) يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: وَإِنْ كَانَ: أَيْ الْوَارِثُ نَصِيبُهُ عَلَى أَحَدِ التَّقْدِيرَيْنِ أَكْثَرَ يُعْطَى الْأَقَلَّ لِلتَّيَقُّنِ وَيُوقف الْبَاقِي اهـ: إذْ لَا شَكَّ أَنَّ نَصِيبَ الْوَرَثَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ عَلَى تَقْدِيرِ أُنُوثَتِهِ فَيُقَدَّرُ أُنْثَى وَيُوقَفُ لَهَا النِّصْفُ عَائِلًا وَهُوَ ثُلُثُ التَّرِكَةِ وَيُعْطَى الْوَرَثَةُ الْأَقَلَّ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَحَامِلَةٌ إلَخْ) يُقَالُ: امْرَأَةٌ حَامِلٌ أَوْ حَامِلَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْقَامُوسِ، فَافْهَمْ.
وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلَمْ يَرِثْ زَائِدَةٌ، وَيُقْدَرْ بِسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الدَّالِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَالْبَيْتُ مِنْ مُعَايَاةِ الْوَهْبَانِيَّةِ، فَهُوَ لُغْزٌ فِي امْرَأَةٍ حَامِلٍ إنْ(7/396)
وَلَدَتْ ذَكَرًا لَا يَرِثُ وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى قُدِّرَ لَهَا الثُّلُثُ وَهُوَ النِّصْفُ عَائِلًا، وَجَوَابُهُ مَا صَوَّرَهُ الشَّارِحُ آنِفًا فَيُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ حَامِلٍ وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ هَلْ يُوقف لذَلِك الْحمل شئ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ سُؤَالٍ عَنْ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ فَافْهَمْ.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
فَصْلٌ فِي المناسخة هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ النَّسْخِ بِمَعْنَى النَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ، وَالْمرَاد بِهِ هُنَا أَنْ يَنْتَقِلَ نَصِيبُ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِمَوْتِهِ
قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَى مَنْ يَرِثُ مِنْهُ.
سَيِّدٌ.
قَوْله: (ثمَّ الثَّانِيَة) أَي ثمَّ نصحح الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَيْ مَسْأَلَةُ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَتُنْظَرُ بَيْنَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَبَيْنَ النصحيح الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: الْمُمَاثَلَةُ، وَالْمُوَافَقَةُ، وَالْمُبَايَنَةُ.
سَيِّدٌ.
وَسَتَأْتِي أمثلتها.
قَوْله: (إِلَّا إِذا اتحدوا) أَيْ وَرَثَةُ الْمَيِّتَيْنِ: أَيْ فَيُكْتَفَى بِتَصْحِيحِ وَاحِدٍ، فَحِينَئِذٍ تَنْقَسِم التَّرِكَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عَلَى تِسْعَةٍ ابْتِدَاءً كَأَنَّ الْمَيِّتَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ.
قَوْلُهُ) : (فَإِنْ اسْتَقَامَ إلَخْ) كَمَا إذَا مَاتَ عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ عَنْ ابْنَيْنِ، فَالْأُولَى مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلِابْنِ مِنْهَا سَهْمَانِ وَمَسْأَلَتُهُ مِنْ اثْنَيْنِ فَيَسْتَقِيمُ مَا فِي يَدِهِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى تَرِكَتِهِ) أَيْ مَسْأَلَةِ تَرِكَتِهِ، وَالْأَصْوَبُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَبِهَا وَنِعْمَتْ) أَيْ فَبِالِاسْتِقَامَةِ يُكْتَفَى وَنِعْمَتْ هِيَ، لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّتْ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى فَلَا تَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ عَمَلٍ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِمْ) أَيْ نَصِيبُ الْمَيِّتِ الثَّانِي وَهُوَ مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْأُولَى عَلَى مَسْأَلَتِهِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ كَانَ بَيْنَ سِهَامِهِ) أَيْ الَّتِي فِي يَدِهِ مِنْ الْأُولَى وَبَيْنَ مَسْأَلَتِهِ مُوَافَقَةٌ، كَمَا إذَا مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَن زَوْجَة وَبنت عصبَة، فَالْأُولَى مِنْ سِتَّةٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَسِهَامُهُ مِنْ الْأُولَى اثْنَانِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ لَكِنْ تُوَافِقُ بِالنِّصْفِ فَاضْرِبْ وَفْقَ مَسْأَلَتِهِ وَهُوَ 4 فِي التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ وَهُوَ 6 تَبْلُغُ 42 وَمِنْهَا تَصِحُّ المسألتان للِابْن الاول ثَمَانِيَة وَلكُل بنت ثَلَاث أَرْبَعَةٌ وَلِلِابْنِ الْمَيِّتِ ثَمَانِيَةٌ لِلزَّوْجَةِ مِنْهَا سَهْمٌ وَلِلْبِنْتِ 4 وَلِلْعَصَبَةِ 3.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا إلَخْ) كَمَا لَوْ مَاتَ عَن زَوْجَة أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُخْتُ الشَّقِيقَةُ عَنْ أُخْتَيْهَا وَعَنْ زَوْجٍ فَالْأُولَى مِنْ 12 وَعَالَتْ إلَى 31 لِلزَّوْجَةِ 3 وَلِلْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ 6 وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ 2 وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ 2 وَالثَّانِيَةُ مِنْ 6 وَعَالَتْ إلَى 7 لِلزَّوْجِ 3 وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ 3 وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ سَهْمٌ وَسِهَامُ الشَّقِيقَةِ مِنْ الْأُولَى 6 لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى 7 وَلَا تُوَافِقُ فَتَضْرِبُ 7 فِي 31 تَبْلُغُ 19 وَهُوَ تَصْحِيحُ الْمَسْأَلَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (يَحْصُلُ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ) أَيْ مَا خَرَجَ بِالضَّرْبِ فِي صُورَتَيْ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ هُوَ مَخْرَجُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِيهِمَا كَمَا عَلِمْت، وَذَلِكَ الْحَاصِلُ يُسَمَّى الْجَامِعَةَ، وَالْمَضْرُوبُ فِي الْأُولَى وَهُوَ الثَّانِيَةُ أَوْ وَفْقُهَا يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ خِلَافًا لِمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى، فَتَنَبَّهْ.
قَوْلُهُ: (فَتَضْرِبُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ التَّصْحِيحِ، وَبَيَانُهُ فِيمَا(7/397)
صَوَّرْنَاهُ لِلْمُوَافَقَةِ أَنَّهُ كَانَ لِلِابْنِ مِنْ الْأُولَى 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي الْمَضْرُوبِ: أَيْ وَفْقِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ بِثَمَانِيَةٍ
وَلِكُلِّ بِنْتٍ وَاحِدٌ فِي أَرْبَعَةٍ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلزَّوْجَةِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِ مَيِّتِهَا وَهُوَ وَاحِدٌ بِوَاحِدٍ وَلِلْبِنْتِ أَرْبَعَةٌ فِي وَاحِدٍ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلْعَصَبَةِ ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ بِثَلَاثَةٍ وَفِيمَا صَوَّرْنَاهُ لِلْمُبَايَنَةِ أَنَّهُ كَانَ لِلزَّوْجَةِ مِنْ الْأُولَى فَقَطْ 3 فِي 7 تَكُنْ 12 والاخت لِأَبٍ مِنْ الْأُولَى 2 فِي 7 تَكُنْ 41 وَمِنْ الثَّانِيَةِ 3 فِي كُلِّ مَا فِي يَدِ مَيِّتِهَا وَهُوَ 6 تَكُنْ 81 وَلِلْأُخْتِ لِأُمٍّ مِنْ الْأُولَى 2 فِي 7 تَكُنْ 41 وَمن الثَّانِيَة 1 فِي 6 تكن 6 للزَّوْج من الثَّانِيَة فَقَط فِي 3 فِي 6 تَكُنْ 81.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ إلَخْ) وَذَلِكَ كَالْأُخْتِ لِأَبٍ وَالْأُخْتِ لِأُمٍّ فِيمَا صَوَّرْنَاهُ لِلْمُبَايَنَةِ، لَكِنَّهُ مِثَالٌ لِضَرْبِ النَّصِيبِ مِنْ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ فِي كُلِّ الثَّانِي وَضَرْبِ النَّصِيبِ مِنْ التَّصْحِيح الثَّانِي فِي كل مَا يَد الْمَيِّت الثَّانِي، ومثاله للضرب فِي الْوَقْف لَوْ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ مِنْهَا وَعَنْ أَبٍ ثُمَّ مَاتَتْ الْبِنْتُ عَنْ أُمِّهَا وَجَدِّهَا فَالْأُولَى مِنْ 42 لِلْبِنْتِ النِّصْفُ 12 وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ 3 وَلِلْأَبِ السُّدُسُ 4 فَرْضًا وَالْبَاقِي 51 تَعْصِيبًا وَالثَّانِيَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْجَدِّ الْبَاقِي وَهُوَ 2 وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا فِي يَدِ الْبِنْتِ وَهُوَ 21 مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَتَضْرِبُ وَفْقَ التَّصْحِيحِ وَهُوَ فِي كُلِّ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ يَكُنْ 42 كَمَا هُوَ فَلِلزَّوْجَةِ مِنْ الْأُولَى ثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ وَفْقِ التَّصْحِيحِ الْأَوَّلِ بِثَلَاثَةٍ وَلَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ بِكَوْنِهَا أُمًّا وَاحِدٌ فِي 4 وفْق مَا يَدِ الْبِنْتِ بِأَرْبَعَةٍ وَلِلْأَبِ مِنْ الْأُولَى 9 فِي وَاحِدٍ بِتِسْعَةٍ وَمِنْ الثَّانِيَةِ بِكَوْنِهِ جَدًّا لَهَا 2 فِي 4 تَبْلُغُ 8.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ مَاتَ ثَالِثٌ إلَخْ) بَيَانه بِمِثَالٍ وَاحِدٍ جَامِعٍ لِمَا مَرَّ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ وَالْمُوَافَقَةِ وَالْمُبَايَنَةِ: لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَبِنْتٍ مِنْ غَيْرِهِ وَأُمٍّ فَمَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَنْ امْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْبِنْتُ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتٍ وَجَدَّةٍ ثُمَّ الْجَدَّةُ عَنْ زَوْجٍ وَأَخَوَيْنِ فَالْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ رَدِّيَّةٌ تَصِحُّ من سِتَّة عشر فالزوج 4 وَلِلْبِنْتِ 9 وَلِلْأُمِّ 3.
وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الزَّوْجِ تَصِحُّ مِنْ 4 فَيَسْتَقِيمُ مَا فِي يَدِهِ عَلَيْهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الضَّرْبِ.
وَالثَّالِثَةُ مَسْأَلَةُ الْبِنْتِ مِنْ 6 وَنَصِيبُهَا مِنْ الْأُولَى 9 لَا تَنْقَسِمُ عَلَى مَسْأَلَتِهَا وتوافق بالمثلث فَاضْرِبْ ثُلُثَ مَسْأَلَتِهَا وَهُوَ 2 فِي 61 تَبْلُغُ 23 فَمِنْهَا تصح الفريضتان، فَمن كَانَ لَهُ من 61 شئ فمضروب فِي 2 وَمن كَانَ لَهُ من 6 شئ فَمَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ مَا فِي يَدِهَا وَهُوَ 3.
وَالرَّابِعَةُ مَسْأَلَةُ الْجَدَّةِ مِنْ 4 وَسِهَامُهَا 9 مِنْ 23 لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ لَهَا مِنْ بِنْتِهَا 6 وَمِنْ بِنْتِ بِنْتِهَا 3 وَالتِّسْعَةُ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى 4 وَلَا تَوَافُقَ فَاضْرِبْ 4 فِي 23 تَبْلُغُ 821 فَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا، فَمَنْ كَانَ لَهُ شئ من 23 فمضروب فِي 4 وَمن كَانَ لَهُ شئ مِنْ 4 فَمَضْرُوبٌ فِيمَا فِي يَدِهَا وَهُوَ 9.
وَبَسْطُ
ذَلِكَ فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (جَعَلَ الْمَبْلَغَ الثَّانِي) وَهُوَ مَا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ.
قَوْله: (فِي الْعَمَل) أَي الْمُتَقَدّم باين تَأْخُذ سِهَام النيت الثَّالِثَ مِنْ تَصْحِيحِ مَسْأَلَتَيْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَتَقْسِمُهَا عَلَى مَسْأَلَتِهِ، فَإِنْ انْقَسَمَتْ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِلَّا فَاضْرِبْ وَفْقَ الثَّالِثَةِ الَّتِي اعْتَبَرْتهَا ثَانِيَةً أَوْ كلهَا فِي جَمِيع تَصْحِيح الاولين الَّذِي اعْتَبَرْته أَوَّلًا وَاعْتَبِرْ الْحَاصِلَ مِنْهُمَا كَمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَاقْسِمْ ذَلِكَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ كَمَا عَلِمْته فِي الْمِثَالِ الْجَامِعِ.
قَوْلُهُ: (وَهَذَا عِلْمُ الْعَمَلِ فَلَا تَغْفُلْ) يُشِيرُ إلَى صُعُوبَةِ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ، وَأَنَّهُ لَا يتقنها إِلَّا أولو الْأَلْبَابِ وَكُلُّ مَاهِرٍ فِي عِلْمَيْ الْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ(7/398)
وَالَّذِي يسهله الْمُبَاشرَة وَكَثْرَة الْعَمَل بِتَوْفِيق الْوَهَّابِ.
وَإِتْقَانُ عَمَلِ الشِّبَاكِ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْحِسَابِ، وَالله أعلم.
بَاب المخارج
الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَغَيْرِهَا كَمَا قَالَ فِيمَا مَرَّ، لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَدْرَجَ بَابَ التَّصْحِيحِ وَبَابَ النِّسَبِ بَيْنَ الْأَعْدَادِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَالْأَنْسَبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمُنَاسَخَةِ كَمَا فَعَلَ فِي السِّرَاجِيَّةِ لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ، وَالْمَخَارِجُ جَمْعُ مَخْرَجٍ وَهُوَ أَقَلُّ عَدَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ كُلُّ فَرْضٍ بانفراد صَحِيحًا، فَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِعَدَدٍ عِنْدَ الْحُسَّابِ لَا النُّحَاة.
قَوْله: (الْفُرُوضُ إلَخْ) أَيْ السِّتَّةُ الْآتِيَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ خَمْسِ آيَاتٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ.
قَوْلُهُ: (نَوْعَانِ) السَّبَب فِي أَنهم جعلُوا الْفَرْض السِّتَّة نَوْعَيْنِ أَن أقلهَا مِقْدَارًا وَهُوَ الثُّمُنُ الَّذِي مَخْرَجُهُ الثَّمَانِيَةُ وَالرُّبُعُ وَالنِّصْفُ يَخْرُجَانِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ بِلَا كَسْرٍ فَجَعَلُوا الثَّلَاثَةَ نَوْعًا وَاحِدًا، وَأَقَلُّ فَرْضٍ بَعْدَهُ السُّدُسُ الَّذِي مَخْرَجُهُ السِّتَّةُ وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ يَخْرُجَانِ مِنْهَا بِلَا كَسْرٍ فَجعلُوا الثَّلَاثَة الاخرى نوعا آخر.
أَفَادَ السَّيِّدُ.
قَوْلُهُ: (وَمَخْرَجُ كُلِّ كَسْرٍ سَمِيُّهُ) أَيْ مَا شَارَكَهُ مِنْ الْأَعْدَادِ الصَّحِيحَةِ فِي مَادَّةِ اسْمِهِ حَتَّى السُّدُسَ فَإِنَّهُ شَارَكَ مَخْرَجَهُ وَهُوَ السِّتَّةُ فِي ذَلِكَ.
لِأَنَّ أَصْلَ سِتَّةٍ سُدْسَةٍ قُلِبَ كُلٌّ مِنْ الدَّالِ وَالسِّينِ الثَّانِيَةِ تَاءً وَأُدْغِمَتْ التَّاءُ فِي التَّاءِ فَقِيلَ سِتَّةٌ، وَعَبَّرَ بِالْكَسْرِ لِيَشْمَلَ مَا عَدَا الْفُرُوضَ الْمَذْكُورَةِ كَالْخُمُسِ والسبع وَالتسع وَالْعشر من الكسور المنطفة فَأَنَّهَا كَذَلِك، وشكل كَلَامُهُ الْكَسْرَ الْمُفْرَدَ كَالنِّصْفِ وَالْمُرَكَّبَ كَالثُّلُثَيْنِ.
وَاعْلَمْ أَن الْمخْرج كلما كَانَ أقل كَانَ الْفَرْضُ أَكْثَرَ، وَكُلَّمَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ الْفَرْضُ أَقَلَّ، فَإِنَّ
النِّصْفَ أَكْثَرُ مِنْ الرُّبُعِ مَثَلًا وَمَخْرَجُهُ أَقَلُّ مِنْ مَخْرَجِهِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى التَّضْعِيفِ) أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الثُّمُنَ إذَا ضُعِّفَ حَصَلَ الرُّبُعُ وَأَنَّ الرُّبُعَ إذَا ضُعِّفَ حَصَلَ النِّصْفُ، وَكَذَا السُّدُسُ إذَا ضُعِّفَ صَارَ ثُلُثًا وَإِذَا ضُعِّفَ الثُّلُثُ صَارَ ثُلُثَيْنِ.
سَيِّدٌ
قَوْلُهُ: (وَالتَّنْصِيفِ) أَرَادَ أَنَّ النِّصْفَ إذَا نُصِّفَ صَارَ رُبُعًا وَأَنَّ الرُّبُعَ إذَا نُصِّفَ صَارَ ثُمُنًا، وَكَذَا الْحَالُ فِي تَنْصِيفِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (فَتَقُولُ مَثَلًا إلَخْ) أَيْ وَتَقُولُ كَذَلِكَ فِي النَّوْعِ الثَّانِي.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا بُدِئَ بِالْأَصْغَرِ مِنْ النَّوْعَيْنِ فَهُوَ عَلَى التَّضْعِيفِ، أَوْ بِالْأَكْبَرِ فَعَلَى التَّنْصِيفِ.
قَوْلُهُ: (وَأَخْصَرُ الْكُلِّ) أَيْ أَخْصَرُ الْعبارَات الَّتِي عبر لَهَا عَنْ النَّوْعَيْنِ.
قَوْلُهُ: (آحَادٌ) أَيْ وَاحِدٌ وَاحِدٌ فَمَعْنَاهُ مُكَرَّرٌ وَإِنْ ذُكِرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَرَّرَهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ نَظَرًا إلَى جَانِبِ اللَّفْظِ كَحَدِيثِ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى أَفَادَهُ السَّيِّدُ.
وَمَا فِي شَرْحِ دِيوَانِ الْمُتَنَبِّي لِلْإِمَامِ الْوَاحِدِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَالُ هُوَ أُحَادٌ: أَيْ وَاحِدٌ، إِنَّمَا يَقُولُونَ جاؤوا أُحَادَ أُحَادَ: أَيْ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَأُحَادٌ فِي مَوضِع الْوَاحِد خطأ إِ هـ.
لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْمُتَعَدِّدِ كَمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ فِي وَاحِدٍ فَلَا يُقَالُ: زَيْدٌ أُحَادٌ.
فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (وَهُمَا) أَيْ الْمَثْنَى أَوْ الثَّلَاثُ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ: أَيْ من النَّوْع(7/399)
الْأَوَّلِ فَقَطْ أَوْ الثَّانِي فَقَطْ بِلَا اخْتِلَاطِ شئ مِنْ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فِي الْآخَرِ.
قَوْلُهُ: (لِجُزْءٍ) أَي أقل جزى مِنْهَا.
قَوْلُهُ: (يَكُونُ مَخْرَجًا لِضِعْفِهِ إلَخْ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الضِّعْفِ مَوْجُودٌ فِي مَخْرَجِ الْجُزْءِ فَيُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ مَخْرَجِ الضِّعْفِ، فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي السِّتَّةِ مَخْرَجِ السُّدُسِ، وَكَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَخْرَجِ الرُّبُعِ وَالنِّصْفِ دَاخِلٌ فِي مَخْرَجِ الثُّمُنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّدُسُ وَالثُّلُثُ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ أَوْ السُّدُسُ وَالثُّلُثَانِ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَمِنْ سِتَّةٍ، أَوْ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَيْنِ كَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَمِنْ ثَلَاثَةٍ، أَوْ اجْتَمَعَ الثَّلَاثَةُ كَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ فَمِنْ سِتَّةٍ، وَإِذَا اجْتَمَعَ فِيهَا الثُّمُنُ مَعَ النِّصْفِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتٍ فَمِنْ ثَمَانِيَةٍ أَوْ الرُّبُعُ وَالنِّصْفُ كَزَوْجٍ وَبِنْتٍ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ، وَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الرُّبُعِ مَعَ الثُّمُنِ وَلَا اجْتِمَاعُ الثَّلَاثَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا اخْتَلَطَ النّصْف الخ) مُحْتَرز قَوْله: وهما نَوْعٍ وَاحِدٍ فَمَا مَرَّ كَانَ فِي اخْتِلَاطِ أَفْرَادِ كُلِّ نَوْعٍ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي اخْتِلَاطِهَا مَعَ أَفْرَاد النَّوْعِ الْآخَرِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَاعْلَمْ أَنَّ صُوَرَ الِاخْتِلَاطِ مُطْلَقًا سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ، مِنْهَا سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَرْعِيَّةٌ وَثَلَاثُونَ
عَقْلِيَّةٌ، وَقَدْ لَخَّصْت الْجَمِيعَ فِي الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (كَزَوْجٍ إلَخْ) مِثَالٌ لِاخْتِلَاطِ النِّصْفِ مَعَ الثَّلَاثَةِ، وَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَمْثِلَةُ اخْتِلَاطِ النِّصْفِ مَعَ بَعْضِهَا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَوْ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (لِتَرَكُّبِهَا من شرب اثْنَيْنِ فِي ثَلَاثَةٍ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا لم يكن فِي الْمَسْأَلَة سدس، أما إِذْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِمَخْرَجِهِ، لِأَنَّ مَخْرَجَ النِّصْفِ اثْنَانِ وَمَخْرَجَ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَكِلَاهُمَا دَاخِلَانِ فِي السِّتَّةِ فَيُكْتَفَى بِهَا ط.
قَوْلُهُ: (فَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ زَوْجَةٌ وَمَنْ ذُكِرَ) أَيْ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ مِنْ الشَّقِيقَتَيْنِ وَالْأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَالْأُمِّ، وَهَذَا مِثَالٌ لِاخْتِلَاطِ الرُّبُعِ بِكُلِّ الثَّانِي، وَيُعْلَمُ مِنْهُ اخْتِلَاطُهُ بِبَعْضِهِ بِأَنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مَعَ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَقَطْ أَوْ مَعَ اثْنَيْنِ مِنْهُم نَظِير مَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (لِمُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ) تَعْلِيلٌ لما أفهمهُ كَلَامه من شرب الْأَرْبَعَةِ فِي ثَلَاثَةٍ دَائِمًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سُدُسٌ أَوْ لَا.
أَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَخْرَجَ السُّدُسِ مِنْ سِتَّةٍ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِلْأَرْبَعَةِ مَخْرَجِ الرُّبُعِ بِالنِّصْفِ، وَنِصْفُهَا ثَلَاثَةٌ فَلِذَا تُضْرَبُ الْأَرْبَعَةُ فِي ثَلَاثَةٍ دَائِمًا، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (بِبَعْضِ الثَّانِي) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ يَخْتَلِطُ مَعَ الثُّلُثَيْنِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَمَعَ السُّدُسِ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَابْنٍ وَمَعَ الثُّلُثَيْنِ وَالسُّدُسِ كَزَوْجَةٍ وَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ، وَأَمَّا اخْتِلَاطُ الثُّمُنِ مَعَ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا عَلَى رَأْيِ ابْن مَسْعُود الْآتِي مَعَ أَنَّ الْمَحْرُومَ عِنْدَهُ يَحْجُبُ غَيْرَهُ حَجْبَ نُقْصَانٍ فَيَخْتَلِطُ عِنْدَهُ مَعَ الثُّلُثِ كَزَوْجَةٍ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَابْنٍ مَحْرُومٍ وَمَعَ الثُّلُثِ وَالسُّدُسِ كَهُمْ وَأُمٍّ وَمَعَ الثُّلُثَيْنِ وَالثُّلُثِ كَزَوْجَةٍ وَشَقِيقَتَيْنِ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ وَابْنِ مَحْرُومٍ.
قَوْلُهُ: (إلَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ مَسْعُودٍ) كَمَا لَوْ تَرَكَ ابْنًا كَافِرًا وَزَوْجَةً وَأُمًّا وَأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ لِأُمٍّ فَإِنَّهُمَا من 24 وتعول إِلَى 13 عِنْده اهـ ح أَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِ فَهِيَ مِنْ 21 وَتَعُولُ إلَى 71.
قَوْلُهُ: (أَوْ فِي الْوَصَايَا) كَمَا لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُمُنِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثَيْهِ وَلِآخَرَ بِثُلثِهِ وَلآخر بسدسه وَلَا وَارِث لَهُ أَلا كَانَ وَأَجَازَ الْكُلَّ(7/400)
فَهِيَ مِنْ 24 وَتَعُولُ إلَى 31 نَظِيرَ مَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تَأْتِي إلَّا عَلَى رَأْيِهِ تَأْتِي عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ فِي الْوَصَايَا أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى.
قَوْلُهُ: (فِي ثَلَاثَةٍ) أَيْ دَائِمًا سَوَاءٌ كَانَ سُدُسٌ أَوْ لَا، وَبِهِ يَتَّضِحُ التَّعْلِيلُ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَى نَظِيرِهِ قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ مُوَافَقَةِ السِّتَّةِ بِالنِّصْفِ) لَكِنْ فِيمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ مُوَافَقَتُهَا بِالنِّصْفِ لِلْأَرْبَعَةِ وَهُنَا لِلثَّمَانِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْتَمِعُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ فُرُوضٍ) أَيْ غَيْرِ مُكَرَّرَةٍ
فَلَا يَرُدُّ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَأُخْتٌ لابوين وَأُخْت لاب وأختان لَام اهـ ح.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجْتَمِعُ مِنْ أَصْحَابِهَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ طَوَائِفَ) بَيَانُهُ: لَوْ مَاتَ مَيِّتٌ عَنْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَعَنْ أَبٍ وَأُمٍّ وجد وَجدّة وَبنت وَبنت ابْن وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لِأُمٍّ فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ الْفُرُوضِ الْمُقَدَّرَةِ، لَكِنَّ الْجَدَّ وَالْأَخَوَاتِ يُحْجَبُونَ بِالْأَبِ وَالْجَدَّةُ بِالْأُمِّ فَالْبَاقِي مَنْ لَهُ الثُّمُنُ أَوْ الرُّبُعُ وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَمَنْ لَهُ النِّصْفُ، وَهُوَ الْبِنْتُ، وَمَنْ لَهُ السُّدُسُ وَهُوَ ثَلَاثُ طَوَائِفَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَبِنْتُ الِابْنِ فَغَايَتُهُمْ خَمْسُ طَوَائِفَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ وَالْجَدُّ وَالْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ فَالْبَاقِي مَنْ لَهُ الرُّبُعُ أَوْ النِّصْفُ وَهُوَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ، وَمَنْ لَهُ النِّصْفُ وَهُوَ الشَّقِيقَةُ، وَمَنْ لَهُ السُّدُسُ وَهُوَ طَائِفَتَانِ الْأُمُّ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ أَوْلَادُ الْأُمِّ، وَالطَّوَائِفُ هُنَا خَمْسَةٌ أَيْضًا.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَنْكَسِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ فِرَقٍ) لَان لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الطَّوَائِفِ الْخَمْسِ من هُوَ مُنْفَرد كاوب أَوْ الْأُمِّ أَوْ الزَّوْجِ وَلَا تَنْكَسِرُ سِهَامُهُ عَلَيْهِ أَصْلًا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا انْكَسَرَ سِهَامُ فَرِيقٍ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ بَيَانُ أَقَلِّ عَدَدٍ يَتَأَتَّى فِيهِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ بِلَا كَسْرٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَحْتَاجُ هُنَا إلَى سَبْعَةِ أُصُولٍ: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا بَيْنَ السِّهَامِ والرؤوس، وَأَرْبَعَة مِنْهَا بَين الرؤوس والرؤوس.
أما الثَّلَاثَة الَّتِي بَين السِّهَام والرؤوس: فَأَحَدُهَا الِاسْتِقَامَةُ، بِأَنْ تَكُونَ سِهَامُ كُلِّ فَرِيقٍ مُنْقَسِمَةً عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ كَأَبَوَيْنِ وَأَرْبَعِ بَنَاتٍ فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى الضَّرْبِ، وَثَانِيهَا الِانْكِسَارُ مَعَ الْمُبَايَنَةِ، بِأَنْ تَكُونَ السِّهَامُ مُنْكَسِرَةً عَلَى طَائِفَة وَاحِدَة وَلَا يكون بَين سِهَامهمْ ورؤوسهم وموافقة فَاضْرب عدد الرؤوس فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ عَوْلِهَا إنْ عَالَتْ، وَثَالِثُهَا الِانْكِسَارُ مَعَ الْمُوَافَقَةِ بِأَنْ تَنْكَسِرَ السِّهَامُ عَلَى طَائِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ سِهَامَهُمْ ورؤوسهم مُوَافقَة فَاضْرب وفْق رؤوسهم فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ فِيهِ مَعَ عَوْلِهَا.
وَأما الاربعة الَّتِي بَين الرؤوس والرؤوس فَهِيَ التَّمَاثُلُ وَالتَّدَاخُلُ وَالتَّوَافُقُ وَالتَّبَايُنُ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا تَأْتِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَسْرُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ فَأكْثر، وَإِنَّمَا لم يعتبروا التَّدَاخُل بَين السِّهَام والرؤوس كَمَا اعتبروه بَين الرؤوس والرؤوس، بل ردُّوهُ إِلَى الْمُوَافقَة إِن كَانَت الرؤوس أَكْثَرَ، وَإِلَى الْمُمَاثَلَةِ إنْ كَانَتْ السِّهَامُ أَكْثَرَ كَسِتَّةٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِلِاخْتِصَارِ كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْأُصُولَ السَّبْعَةَ بِأَمْثِلَتِهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ، إلَّا
الِاسْتِقَامَةَ فَإِنَّهُ حَذَفَهَا لِظُهُورِهَا.
قَوْلُهُ: (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْفَرِيقِ وَجَمَعَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى،
قَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ عَائِلَةً) أَيْ يَضْرِبُ فِيهِمَا إنْ كَانَ عَوْلٌ، وَإِلَّا فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا تَرَكَ الْمُصَنِّفُ هَذَا التَّفْصِيلَ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَعَوْلَهَا صَارَ بِمَنْزِلَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَن عدد الرؤوس يُضْرَبُ فِيهِمَا كَمَا يُضْرَبُ فِي أَصْلِهَا كَمَا أَفَادَهُ السَّيِّدُ.
قَوْلُهُ: (كَامْرَأَةٍ وَأَخَوَيْنِ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الْعَائِلَةِ وَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ،(7/401)
وَالْعَائِلَةُ كَزَوْجٍ وَخَمْسِ أَخَوَاتٍ لِغَيْرِ أُمٍّ أَصْلُهَا سِتَّةٌ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَانِ الثُّلُثَانِ أَرْبَعَةٌ فعالت إِلَى سَبْعَة وَبَين سِهَام الاخوات ورؤوسهن مباينة فَاضْرب عدد رؤوسهن خَمْسَةً فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ عَوْلِهَا وَهُوَ 7 تَبْلُغُ 53 وَمِنْهَا تَصِحُّ.
قَوْلُهُ: (وَعَوْلِهَا) أَيْ إنْ كَانَتْ عَائِلَةً، وَإِلَّا فَفِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
قَوْلُهُ: (كَامْرَأَةٍ وَسِتِّ إخْوَةٍ) مِثَالٌ لِغَيْرِ الْعَائِلَةِ وَأَصْلُهَا أَرْبَعَةٌ أَيْضًا، وَالْعَائِلَةُ كَزَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَسِتِّ بَنَاتٍ أَصْلُهَا 21 فَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ 3 ولوبوين السُّدُسَانِ 4 وَلِلسِّتِّ بَنَاتٍ الثُّلُثَانِ 8 فَعَالَتْ إلَى خَمْسَةَ عشر وانكسر 8 سِهَام الْبَنَات على 6 عدد رؤوسهن لَكِن بَينهمَا مُوَافقَة بِالنِّصْفِ فَرددْنَا عدد رؤوسهن إلَى نِصْفِهِ وَهُوَ 3 ثُمَّ ضَرَبْنَاهُ فِي الْأَصْلِ مَعَ الْعَوْلِ وَهُوَ 51 فَحَصَلَ 54 وَمِنْهَا تَصِحُّ.
قَوْلُهُ: (فَلهم ثَلَاثَة توافقهم بِالثُّلثِ) اعْتبر المرافقة مَعَ أَنَّ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالسِّتَّةِ مُدَاخَلَةٌ إشَارَةً إِلَى عدم اعْتِبَار التَّدَاخُل بَين السِّهَام والرؤوس كَمَا قَدَّمْنَا، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهُ بِأَنْ تضرب الاكبر وَهُوَ 6 جَمِيع عدد الرؤوس فِي 4 لَكِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّطْوِيلِ وَتَرْكُ تَطْوِيلِ الْحِسَابِ رِبْحٌ فَلِذَا أَرْجَعْنَاهُ إلَى الْمُوَافَقَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْبَنَاتُ 4 فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لِلْعَائِلَةِ فَلَا تَضْرِبْ الْأَكْبَرَ وَهُوَ 8 جَمِيعَ عَدَدِ سِهَامِهِنَّ لِمَا قُلْنَا، بَلْ يَرْجِعُ إلَى التَّمَاثُلِ لِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ بِلَا ضَرْبٍ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ انْكَسَرَ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي بَيْنَ الرؤوس والرؤوس.
وَاعْلَمْ أَنَّك أَوَّلًا تَنْظُرُ بَيْنَ كُلِّ فَرِيقٍ مَعَ سِهَامِهِ، فَإِنْ تَبَايَنَا فَأَثْبِتْ الْفَرِيقَ كَامِلًا، وَإِنْ تَوَافَقَا فَأَثْبِتْ وَفْقَ الْفَرِيقِ، ثُمَّ تَنْظُرُ بَيْنَ الْأَعْدَادِ الْمُثْبَتَةِ بِهَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ: فَإِنْ تَمَاثَلَ الْعَدَدَانِ فَاضْرِبْ أَحَدَهُمَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، تدخلا فَاضْرِبْهُ أَكْبَرَهُمَا فِيهِ وَإِنْ تَوَافَقَا ضَرَبْت الْوَفْقَ فِي كل الْآخَرِ ثُمَّ الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ تَبَايَنَا ضَرَبْت أَحَدَهُمَا فِي الْآخَر ثُمَّ الْحَاصِلَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ
هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، وَالْمَضْرُوبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يُسَمَّى جُزْءَ السَّهْمِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَكْثَرَ) أَيْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ لَا أَكثر كَمَا مر.
قَوْله: (وَعدد رؤوسهم مُتَمَاثِلَةٌ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: وَأَعْدَادُ جَمْعُ عَدَدٍ، قَالَ السَّيِّد: وَالْمرَاد بأعداد الرؤوس مَا يَتَنَاوَلُ عَيْنَ تِلْكَ الْأَعْدَادِ وَوَفْقَهَا أَيْضًا، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ بَين رُؤُوس طَائِفَة وسهامهم مثلا مُوَافقَة يرد عدد رؤوسهم إلَى وَفْقِهِ أَوَّلًا ثُمَّ تُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ كَمَا سَتَطَّلِعُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وعولها) كست أَخَوَات شقيقات وَثَلَاثَة أَخَوَاتٍ لِأُمٍّ وَثَلَاثِ جَدَّاتٍ أَصْلُهَا 6 وَتَعُولُ إلَى 7 لِلشَّقِيقَاتِ الثُّلُثَانِ 4 لَا تَنْقَسِمُ وَتُوَافِقُ بِالنِّصْفِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَلِلْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ 2 لَا تَنْقَسِمُ وَلَا تُوَافِقُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 1 كَذَلِكَ فَاجْتَمَعَ مَعَك ثَلَاثَةُ أَعْدَادٍ مُتَمَاثِلَةٍ فَاضْرِبْ وَاحِدًا مِنْهَا فِي الْفَرِيضَةِ تَبْلُغُ 12 وَمِنْهَا تَصِحُّ.
زَيْلَعِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ انْكَسَرَ عَلَى ثَلَاثِ فِرَقٍ إلَخْ) يُشِيرُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّظَرِ أَوَّلًا إلَى كُلِّ فَرِيقٍ مَعَ سِهَامِهِ ثُمَّ إلَى الْأَعْدَادِ الْمُثْبَتَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَالْأَكْثَرِ فِيمَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا الْفرق مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفَرْقَ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً مَثَلًا تَزِيدُ صُوَرُهَا وَيَتَكَرَّرُ الضَّرْبُ لِتَعَدُّدِ الْمُثْبَتَاتِ، لِأَنَّك إذَا نَظَرْت أَوَّلًا بَيْنَ الْفِرَقِ الثَّلَاثِ وَسِهَامِهَا، فَإِمَّا أَنْ يُبَايِنَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهَا سِهَامَهُ أَوْ يُوَافِقَهَا أَوْ تُوَافِقَ فَرِيقَيْنِ وَتُبَايِنَ الْآخَرَ أَوْ تُبَايِنَ فَرِيقَيْنِ وَتُوَافِقَ الْآخَرَ.
فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَحْوَال، ثمَّ تنظ فِي(7/402)
كُلِّ حَالٍ مِنْهَا بَيْنَ الْمُثْبَتَاتِ بِالْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ فَتَبْلُغُ 25 صُورَةً مَحَلُّ بَيَانِهَا الْمُطَوَّلَاتُ كَشَرْحِ التَّرْتِيبِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: (فَاطْلُبْ الْمُشَارَكَةَ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمُنَاسَبَةِ ط.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ افْعَلْ كَمَا فَعَلْت فِي الْفَرِيقَيْنِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: كَمَا تَفْعَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ أَحْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْمُمَاثَلَةَ، وَأَمَّا الْمُدَاخَلَةُ وَالْمُوَافَقَةُ وَالْمُبَايَنَةُ فَسَتَأْتِي، فَافْهَمْ.
قَوْلُهُ: (أَشَارَ إِلَيْهِ) أَي ضَرْبِ جُزْءِ السَّهْمِ وَإِلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْله: وَإِن انْكَسَرَ على ثَلَاث فرق إِلَخ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ إلَخْ) أَصْلُهَا مِنْ 21 لِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 2 وَلِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ 3 وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي 7 وَبَيْنَ سِهَام كل فريق مِنْهُم وَعدد رؤوسهم مباينة فأخذنا أعداد الرؤوس بِتَمَامِهِ وَهِيَ 4 و 3 و 21 فَوَجَدْنَا الْأَوَّلَيْنِ مُتَدَاخِلَيْنِ فِي الثُّلُث وَهُوَ 21 فَضَرَبْنَاهُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَيْضًا 21 وَمِنْهَا تَصِحُّ.
قَوْلُهُ: (كَأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جد إلَخْ) الْأَوْلَى خَمْسَ عَشَرَةَ وَالْمَسْأَلَةُ أَصْلُهَا مِنْ 42 لِلزَّوْجَاتِ الثُّمُنُ 3 لَا تَسْتَقِيمُ وَلَا تُوَافِقُ فَحَفِظْنَا عَدَدَهُنَّ 4 وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 4 تُبَايَنُ عَدَدَهُنَّ
وَهُوَ 51 فَحَفِظْنَاهُ أَيْضًا وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ 61 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 81 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 9 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ 1 يُبَايِنُ عَدَدَهُمْ وَهُوَ 6 فَحَفِظْنَاهُ أَيْضًا فَصَارَ الْمَحْفُوظُ 4 و 6 و 9 و 51 ثُمَّ طَلَبْنَا الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الاربعة مُوَافق لِلسِّتَّةِ بِالنِّصْفِ فَضَرَبْنَا نِصْفَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الآخر بلغ 21 وَهِي مُوَافقَة للتسع بِالثُّلُثِ فَضَرَبْنَا ثُلُثَ أَحَدِهِمَا فِي كَامِلِ الْآخَرِ بَلَغَ 63 وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ 51 مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ أَيْضًا فَضَرَبْنَاهَا فِي ثُلُثٍ 51 وَهُوَ 5 بَلَغَ 810 هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ.
قَوْلُهُ: (كَامْرَأَتَيْنِ إلَخْ) أَصْلُهَا 24 لِلزَّوْجَتَيْنِ الثُّمُنُ 3 وَبَيْنَهُمَا مباينة فحفظنا عدد رؤوسهن وَهُوَ 2 وَلِلْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ 61 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 10 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 5 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ 4 تُوَافِقُ عَدَدَهُنَّ وَهُوَ 6 بِالنِّصْفِ وَهُوَ 3 فَحَفِظْنَاهُ وَلِلْأَعْمَامِ الْبَاقِي وَهُوَ 1 يُبَايِنُ عَدَدَهُمْ وَهُوَ 7 فَحَفِظْنَاهُ فَصَارَ الْمَحْفُوظُ 2 و 3 و 5 و 7 وَكلهَا متباينة فضربنا 2 فِي 3 بلغ 6 ثمَّ ضَرَبْنَا 6 فِي 5 بَلَغَ 03 ثُمَّ ضَرَبْنَا 30 فِي 7 بَلَغَ 120 هِيَ جُزْءُ السَّهْمِ.
وَتَمَامُ الْعَمَلِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ.
وَأَمَّا مَعْرِفَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ وَغَيْرِهَا فَسَيَأْتِي بَيَانُهَا.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَدْت مَعْرِفَةَ التَّمَاثُلِ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ النِّسَبِ بَيْنَ الْأَعْدَادِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ كَالنِّسَبِ بَين الكليات(7/403)
الْمَنْطِقِيَّةِ، فَكُلُّ عَدَدَيْنِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا نِسْبَةٌ مِنْهَا، لِأَنَّ الْعَدَدَيْنِ إمَّا أَنْ يتساويا أَوْ لَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا فَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُفْنِيَ الْأَقَلُّ الْأَكْثَرَ أَوْ لَا، فَإِنْ أَفْنَاهُ فَهُمَا مُتَدَاخِلَانِ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُفْنِيَهُمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَ فَمُتَوَافِقَانِ وَإِلَّا فَمُتَبَايِنَانِ.
قَوْلُهُ: (هَذِهِ مُقَدِّمَةٌ إلَخْ) أَيْ هَذِهِ النِّسَبُ يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا فِي تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ عَلَى أَعْدَادِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِلَا كَسْرٍ بِأَنْ تُصَحَّحَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَقَلِّ عَدَدٍ يُمْكِنُ فَهِيَ تَوْطِئَةٌ لِتَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ فَكَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَدَدَ مَا تَأَلَّفَ مِنْ الْآحَادِ كَالِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنْ يُسَاوِيَ نِصْفَ مَجْمُوعِ حَاشِيَتَيْهِ الْقَرِيبَتَيْنِ أَوْ الْبَعِيدَتَيْنِ، كَالْأَرْبَعَةِ مثلا فَإِن حاشيتاها الْقَرِيبَتَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَخَمْسَةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا ثَمَانِيَةٌ وَالْأَرْبَعَةُ نِصْفُ الحاشيتين، وحاشيتاها البعيدتان اثْنَان وست أَوْ وَاحِدٌ وَسَبْعَةٌ وَالْأَرْبَعَةُ نِصْفُ مَجْمُوعِهِمَا، وَكَالِاثْنَيْنِ يُسَاوِي نِصْفَ مَجْمُوعِ الْوَاحِدِ وَالثَّلَاثَةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُسَمَّى عَدَدًا عِنْدَ الْحُسَّابِ.
قَوْلُهُ: (الْمُخْتَلِفَيْنِ) أَيْ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، وَالِاخْتِلَافُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي التَّمَاثُلِ بَلْ فِي التَّدَاخُلِ وَمَا بَعْدَهُ، إلَّا أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي التَّدَاخُلِ وَحْدَهُ وَأَشْعَرَ بِهِ فِيمَا
بَعْدَهُ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا هُنَا) لِأَنَّهُ زَادَ فِي السِّرَاجِيَّةِ أَمْرَيْنِ آخَرَيْنِ: الْأَوَّلُ أَنْ تَزِيدَ عَلَى الْأَقَلِّ مِثْلُهُ أَوْ أَمْثَالُهُ فَيُسَاوِي الْأَكْثَرَ.
الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ جَزْءَ الْأَكْثَرِ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِلَافِ فِي الْعِبَارَةِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ يُفْنِيهِ) بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا أَلْقَى الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ لم يبْق شئ، كالثلاثة والستة، فَإِذا ألقيت الثَّلَاثَة من السِّت مَرَّتَيْنِ فَنِيَتْ السِّتَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَذَا إذَا أَلْقَيْتهَا مِنْ التِّسْعَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، بِخِلَافِ الثَّمَانِيَةِ فَإِنَّك إذَا أَلْقَيْت مِنْهَا الثَّلَاثَةَ مَرَّتَيْنِ بَقِيَ اثْنَانِ فَلَا يُمْكِنُ إفْنَاؤُهَا بِالثَّلَاثَةِ، لَكِنْ إذَا أُلْقِيَ مِنْهَا اثْنَانِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَنِيَتْ الثَّمَانِيَةُ فَهُمَا أَيْضا متداخلان.
سيد.
قَوْله: (يعدهما أَرْبَعَةٌ) وَكَذَا يَعُدُّهُمَا اثْنَانِ فَيَتَوَافَقَانِ بِالنِّصْفِ، لَكِنْ إذَا تَعَدَّدَ الْعَادُّ اُعْتُبِرَ الْأَكْبَرُ لِيَكُونَ جُزْءَ الْوَفْقِ أَقَلَّ كَالِاثْنَيْ عَشَرَ وَالثَّمَانِيَةَ عَشَرَةَ يَتَوَافَقَانِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالسُّدُسِ، إلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي سُهُولَةِ الْحِسَابِ بِتَوَافُقِهِمَا فِي السُّدُسِ.
قَوْلُهُ: (فَيَتَوَافَقَانِ بِالربعِ) لَان الْعدَد لما مَخْرَجٌ لِجُزْءِ الْوَفْقِ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا عَدَّهُمَا الْأَرْبَعَةُ وَهِي مخرج للربع مُتَوَافِقَيْنِ بِهِ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (كَالتِّسْعَةِ مَعَ الْعَشَرَةِ) فَإِنَّهُ لَا يعدهما شئ سِوَى الْوَاحِدِ الَّذِي لَيْسَ بِعَدَدٍ.
تَنْبِيهٌ: زَادَ ابْن الْكَمَال فِي التَّعْرِيف قيد آخَرَ، وَهُوَ أَنْ لَا يُفْنِيَ أَحَدَهُمَا الْآخَرُ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ لَا يَعُدُّهُمَا عَدَدٌ ثَالِثٌ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ الْمُتَدَاخِلَيْنِ لَا مِنْ الْمُتَبَايِنَيْنِ، وَبِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ يُحْتَرَزُ عَنْهُمَا لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يعد الاربعة،
قَوْله: (وَإِذ أردْت معرفَة التوافق الخ) لما كَانَت مَعْرفَته التَّمَاثُلِ وَالتَّدَاخُلِ بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ ظَاهِرَةً وَفِي مَعْرِفَةِ التَّوَافُقِ وَالتَّبَايُنِ بَيْنَهُمَا خَفَاءٌ ذَكَرَ لَهُمَا طَرِيقَةً أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ تُسْقِطُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَكْثَرِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الْأَكْثَرُ أَقَلَّ ثمَّ تنقصه عَن الاقل اهـ.
قَاسِمٌ.
قَوْلُهُ: (تَبَايَنَا) أَيْ(7/404)
حَصَلَ التَّبَايُنُ بَيْنَهُمَا كَالْخَمْسَةِ مَعَ السَّبْعَةِ، فَإِنَّك إذَا أَسْقَطَتْ الْخَمْسَةَ مِنْ السَّبْعَةِ بَقِيَ اثْنَانِ، فَإِذَا أَسْقَطْتهمَا مِنْ الْخَمْسَةِ مَرَّتَيْنِ بَقِيَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: (فَبِالنِّصْفِ) أَيْ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالنِّصْفِ كَالسِّتَّةِ مَعَ الْعَشَرَةِ، فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت السِّتَّةَ مِنْ الْعَشَرَةِ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا أَسْقَطَتْهَا مِنْ السِّتَّةِ بَقِي الْعَشَرَةِ، فَإِنَّك إذَا أَسْقَطْت السِّتَّةَ مِنْ الْعَشَرَةِ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ، فَإِذَا أَسْقَطَتْهَا مِنْ السِّتَّةِ بَقِيَ اثْنَانِ.
قَوْلُهُ: (فَبِالثُّلُثِ) أَيْ فَهُمَا مُتَوَافِقَانِ بِالثُّلُثِ كَالتِّسْعَةِ مَعَ الِاثْنَيْ عَشَرَ.
قَوْلُهُ: (هَكَذَا إلَى الْعَشَرَةِ) أَيْ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي أَرْبَعَةِ فَهُمَا متوافقان بِالربعِ كثمانية من الْعِشْرِينَ، أَوْ فِي خَمْسَةٍ فَبِالْخُمْسِ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ خَمْسَة وَعشْرين، أَو سِتَّة فبالسدس كاثني عشرَة ثَمَانِيَة عشر أَو سَبْعَةٍ فَبِالسُّبْعِ كَأَرْبَعَةَ عَشَرَ مَعَ
إحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ فِي ثَمَانِيَةٍ فَبِالثُّمُنِ كَسِتَّةَ عَشَرَ مَعَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي تِسْعَةٍ فَبِالتُّسْعِ كَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَعَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، أَوْ فِي عَشَرَةٍ فَبِالْعُشْرِ كَالْعِشْرِينَ مَعَ الثَّلَاثِينَ.
قَوْلَهُ: (وَتُسَمَّى الْكُسُورَ الْمُنَطَّقَةَ) الْكَسْرُ الْمُنَطَّقُ هُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ حَقِيقَةً بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ وَغَيْرِهِ، كَالْخُمُسِ فَإِنَّهُ كَمَا يُقَالُ فِيهِ خُمُسٌ يُقَالُ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ، وَالْأَصَمُّ مَا لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِلَفْظِ الْجُزْئِيَّةِ كَالْوَاحِدِ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ فَلَا يُقَالُ فِيهِ سِوَى جُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْوَاحِدِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ أَحَدَ عَشَرَ) أَيْ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي أَحَدَ عَشَرَ فَهُمَا متوافقان بِجُزْء من أحد عشر كائنين وَعِشْرِينَ مَعَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ.
قَوْلُهُ: (وَهَكَذَا) كَمَا إِذا توفقان فِي جُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَسِتَّةٍ وَعِشْرِينَ مَعَ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ كَأَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ مَعَ وَاحِدٍ وَخَمْسِينَ أَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ كَثَمَانِيَةٍ وَثَلَاثِينَ مَعَ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ.
تَنْبِيهٌ: إذَا تَوَافَقَا فِي عَدَدٍ مُرَكَّبٍ وَهُوَ مَا يَتَأَلَّفُ مِنْ ضَرْبِ عَدَدٍ فِي عَدَدٍ كَخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِنْ شِئْت قُلْت هُمَا مُتَوَافِقَانِ بِجُزْءٍ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ شِئْت نَسَبْت الْوَاحِدَ إلَيْهِ بِكَسْرَيْنِ يُضَافُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَتَقُولُ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ بِثُلُثِ خُمُسٍ أَوْ خُمُسِ ثُلُثٍ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجُزْءِ وَبِالْكُسُورِ الْمُنَطَّقَةِ الْمُضَافَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُرَكَّبِ فَإِنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ إلَّا بِالْجُزْءِ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَدْت إلَخْ) شُرُوعٌ فِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ وَفِي مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ ذَلِكَ الْفَرِيقِ، وَالثَّانِي يُسَمَّى قِسْمَةَ النَّصِيبِ، بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَة الاخيرة أَنه كَانَ للزوجين مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي جُزْءِ السَّهْمِ الَّذِي ضَرَبْته فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ 120 تَبْلُغُ 360 فَهِيَ نَصِيبُ الزَّوْجَاتِ مِنْ التَّصْحِيحِ وَكَانَ لِلْبَنَاتِ 16 فَاضْرِبْهَا فِي جُزْءِ السَّهْمِ الْمَذْكُورِ تَبْلُغُ 6330 فَهِيَ لَهُنَّ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ 4 فَاضْرِبْهَا فِيهِ أَيْضًا تَبْلُغُ 840 فَهِيَ لَهُنَّ وَكَانَ لِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ فَاضْرِبْهُ فِي 120 فَهِيَ لَهُمْ.
قَوْلُهُ: (ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ أَنْ تَقْسِمَ مَا كَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى عَدَدِ رؤوسهم وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ حَتَّى يَعْرِفَ مَا يَضْرِبُ فِي جُزْءِ السَّهْمِ، بَيَانُهُ كَانَ لِلزَّوْجَتَيْنِ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ 3 فَاقْسِمْهَا عَلَيْهِمَا يَخْرُجُ وَاحِدٌ وَنِصْفٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ وَهُوَ 120 تَبْلُغُ 513 فَهِيَ لكل زَوجته وَكَانَ للبنات 16 فاقسمها على 10 عدد رؤوسهن يخرج سهم وَثَلَاث أَخْمَاسِ سَهْمٍ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ تَبْلُغُ 336 فَهِيَ لِكُلِّ بِنْتٍ وَكَانَ لِلْجَدَّاتِ 4 فَاقْسِمْهَا عَلَى 6 عَدَدِ رؤوسهن يَخْرُجُ ثُلُثَانِ فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوبِ يَبْلُغُ 140 فَهِيَ لكل(7/405)
جَدَّةٍ وَكَانَ لِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ فَاقْسِمْهُ عَلَى عَدَدِهِمْ 7 يخرج سبع سهم فَاضْرِبْهُ فِي الْمَضْرُوب يبلغ 30 فَهِيَ لِكُلِّ عَمٍّ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَوْضَحُ طَرِيقُ النِّسْبَةِ إلَخْ) فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ لِلزَّوْجَتَيْنِ 3 وَنِسْبَتُهَا إلَيْهِمَا مِثْلٌ وَنِصْفٌ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَضْرُوب مثل ذَلِك النِّسْبَةِ: أَيْ مِثْلَهُ وَنِصْفَ مِثْلِهِ يَكُنْ مَا مر وسهام الْبَنَات 61 نسبتها إِلَى رؤوسهن وَهُوَ 10 مثل وَثَلَاث أَخْمَاس مثل فاعط كَا وَاحِد مِنْ الْمَضْرُوبِ مِثْلَهُ وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مِثْلِهِ يَكُنْ مَا مر وسهام الْجدَّات 4 نسبتها إِلَى رؤوسهن وَهُوَ 6 ثلثان فأعط كل وَاحِد ثُلُثَيْ الْمَضْرُوبِ يَكُنْ مَا مَرَّ، وَلِلْأَعْمَامِ سَهْمٌ نسبته إِلَى رؤوسهم وَهُوَ 7 سُبُعُ سَهْمٍ فَأَعْطِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سبه الْمَضْرُوبِ يَكُنْ مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا أَوْضَحَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قِسْمَةٍ وَضَرْبٍ، وَقَدْ قِيلَ: مَنْ مَلَكَ النِّسْبَةَ مَلَكَ الْحساب، وَلَكِن رُبَّمَا كَانَتْ النِّسْبَةُ أَعْسَرَ فَالْعَمَلُ بِالضَّرْبِ أَيْسَرُ وَثَمَّةَ طُرُقٌ أُخَرُ.
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَرَدْت قِسْمَةَ التَّرِكَة الخ) لما فرع مِنْ تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ التَّصْحِيحِ ثُمَّ تَعْيِينِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ كُلِّ التَّرِكَةِ بِطَرِيقَيْنِ يَتَوَافَقَانِ عَلَى مَعْرِفَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ.
قَوْلُهُ: (يَعْنِي أَنَّ كُلًّا وَحْدَهُ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَ من أَن قَوْله كالسراجية والغرماء بِالْوَاو، وَغير صَحِيحٍ لِأَنَّ التَّرِكَةَ إنْ كَانَتْ وَافِيَةً بِجَمِيعِ الدُّيُون وَبَقِي للْوَرَثَة شئ لَا يحتاح إلَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الْوَرَثَة وَإِلَّا لم يبْق للْوَرَثَة شئ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ وَبَيْنَ الْغُرَمَاءِ، فَلَفْظُ بَيْنَ مُقَدَّرٌ: أَيْ بَيْنَ أَفْرَادِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ، فَالْقِسْمَةُ مُتَعَدِّدَةٌ بِتَعَدُّدِ أَحْوَالِهَا لَا وَاحِدَةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا، أَوْ يُجَابُ بِأَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَيْضًا مَا قُلْنَا.
قَوْلُهُ: (ضَرَبْت سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ إلَخْ) أَيْ ثُمَّ قَسَمْت الْمَبْلَغَ عَلَى التَّصْحِيحِ إنْ ضَرَبْت فِي كُلِّ التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى وَفْقِهِ إنْ ضَرَبْت فِي وَفْقِهَا، وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُوَافِقِ لِلسِّرَاجِيَّةِ إلَخْ) لَمْ يَقُلْ وَالصَّوَابُ، لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ يَصِحُّ الضَّرْبُ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ كَمَا فِي الْمُبَايَنَةِ، وَكَذَا فِي الْمُدَاخَلَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ تَطْوِيلَ الْحِسَابِ، فَكَانَ الْأَوْلَى الضَّرْبُ فِي الْوَفْقِ عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ وَفِي الْكُلِّ عِنْدَ الْمُبَايَنَةِ.
مِثَالُ الْمُوَافَقَةِ: زَوْجٌ وَأَخَوَانِ لِأُمٍّ وَشَقِيقَتَانِ أَصْلُهَا مِنْ 6 وَتَعُولُ إلَى 9 وَالتَّرِكَةُ 60 دِينَارًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ مُوَافَقَةٌ بِالثُّلُثِ فَلِلزَّوْجِ مِنْ التِّسْعَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي 20 وَفْقِ التَّرِكَةِ يَكُنْ 60 فَاقْسِمْهَا عَلَى
وَفْقِ التَّصْحِيحِ وَهُوَ 3 يَخْرُجُ 20 هِيَ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَلِأَحَدِ الْأَخَوَيْنِ سَهْمٌ فَاضْرِبْهُ فِي الْوَفْقِ يَكُنْ 20 فَاقْسِمْهَا عَلَى الثَّلَاثَةِ يَخْرُجُ 6 وَثُلُثَانِ هِيَ لَهُ وَلِأَخِيهِ مِثْلُهُ وَلِإِحْدَى الشَّقِيقَتَيْنِ 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي الْوَفْقِ يَكُنْ 40 فَاقْسِمْهَا على الثَّلَاثَة يخرج 31 وَثلث وَهِي لَهَا وَلِأُخْتِهَا مِثْلُهَا وَمِثَالُ الْمُبَايَنَةِ زَوْجٌ وَأُمٌّ وشقيقة أَصْلهَا من 6 وتعول إِلَى 8 وَالتّرْك 52 دِينَارًا فَبَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ لِلزَّوْجِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ 3 فَاضْرِبْهَا فِي 25 كُلِّ التَّرِكَةِ تَبْلُغُ 75 فَاقْسِمْهَا عَلَى 8 يَخْرُجُ 9 وَثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ هِيَ لَهُ وَلِلشَّقِيقَةِ مِثْلُهُ وَلِلْأُمِّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ 2 فَاضْرِبْهُمَا فِي 25 تَبْلُغُ 50 فَاقْسِمْهَا عَلَى 8 يَخْرُجُ 6 وَرُبُعٌ هِيَ لَهَا، وَلَوْ ضَرَبْت فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ سِهَامَ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ التَّصْحِيحِ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ ثُمَّ قَسَمْت الْحَاصِلَ عَلَى كُلِّ التَّصْحِيحِ كَمَا فَعَلْت هُنَا لَصَحَّ ذَلِكَ وَلَكِن فِيهِ تَطْوِيل كَمَا قبنا، وَلَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي 24 كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّصْحِيحِ مُدَاخَلَةٌ لِدُخُولِ الثَّمَانِيَةِ(7/406)
فِي 24 وَيَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهَا كَالْمُبَايَنَةِ أَيْضًا، لَكِنَّ الْأَخْصَرَ عَمَلُ الْمُوَافَقَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَسْرٍ وَهُوَ الثُّمُنُ مَخْرَجُ أَقَلِّهِمَا وَهُوَ الثَّمَانِيَةُ فَهُمَا فِي حُكْمِ الْمُتَوَافِقَيْنِ.
قَوْلُهُ: (وَتَعْمَلُ كَذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ نصيب كل فريق مِنْهُم) بِأَن تضرب يَفِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ نَصِيبَ الْأَخَوَيْنِ وَنَصِيبَ الْأُخْتَيْنِ فِيمَا ضَرَبْت فِيهِ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَتَقْسِمَ الْحَاصِلَ عَلَى وَفْقِ التَّصْحِيحِ فَالْخَارِجُ نَصِيبُ كُلِّ فَرِيقٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الضَّرْبِ هُوَ أَشْهَرُ أَوْجُهٍ خَمْسَةٍ، وَبَيَانُهَا مَعَ بَيَانِ مَا لَوْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ كَسْرٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَّا قَضَاءُ الدُّيُونِ) أَيْ طَرِيقُ قِسْمَتِهَا وَتُسَمَّى المحاصة (فَبِهَا) أَيْ بِالتَّوْفِيَةِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَنِعْمَتْ هِيَ.
قَوْلُهُ: (وَتَعَدَّدَ الْغُرَمَاءُ) فَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا فَلَا قسْمَة.
قَوْله: (ينزل مَجْمُوع الدُّيُون كالتصيح إلَخْ) بِأَنْ تَنْظُرَ بَيْنَ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ وَبَقِيَّةِ التَّرِكَةِ بَعْدَ التَّجْهِيزِ، فَإِنْ تَوَافَقَا كَمَا إذَا تَرَكَ 12 دِينَارًا وَعَلَيْهِ 18 لِزَيْدٍ 4 وَلِعَمْرٍو 2 وَلِبَكْرٍ 12 فَالْمُوَافَقَةُ بِالسُّدُسِ فَاضْرِبْ دَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَفْقِ التَّرِكَةِ وَهُوَ 2 ثُمَّ اقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى وَفْقِ مَجْمُوعِ الدُّيُونِ وَهُوَ 3 يَخْرُجُ لِزَيْدٍ 2 وَثُلُثَانِ وَلِعَمْرٍو 1 وَثُلُثٌ وَلِبَكْرٍ 8، وَإِنْ تَبَايَنَا كَمَا إذَا فَرَضْنَا التَّرِكَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا 11 فَاضْرِبْ دَيْنَ كُلٍّ فِي كُلِّ التَّرِكَةِ وَاقْسِمْ الْحَاصِلَ عَلَى مَجْمُوعِ الدُّيُونِ يَخْرُجُ لِزَيْدٍ 2 وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعٍ وَلِعَمْرٍو 1 وَتُسْعَانِ وَلِبَكْرٍ 7 وَثُلُثٌ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى 24 دِينَارًا كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَاخَلَةً فَتَعْمَلُ فِيهَا كَالْمُوَافَقَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ تَعْمَلَ فِيهَا وَفِي الْمُوَافَقَةِ كَالْمُبَايَنَةِ كَمَا عَلِمْت.
قَوْلُهُ:
(ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةِ التَّخَارُجِ) تَفَاعُلٌ مِنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاحِ تَصَالُحُ الْوَرَثَةِ عَلَى إخْرَاجِ بَعْضِهِمْ عَنْ الْمِيرَاث على شئ مِنْ التَّرِكَةِ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ.
قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ طَلَّقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إحْدَى نِسَائِهِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رُبُعَ الثُّمُنِ فَصَالَحُوهَا عَنْهُ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا مِنْ الدَّرَاهِمِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ الدَّنَانِيرِ، وَفِي رِوَايَةٍ: ثَمَانِينَ أَلْفًا، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ عير نَكِير اهـ.
قُلْت: وَلَهُ أَحْكَامٌ وَشُرُوطٌ تَقَدَّمَتْ آخِرَ كِتَابِ الصُّلْحِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُمْ لَوْ أَخْرَجُوا وَاحِدًا وَأَعْطَوْهُ مِنْ مَالِهِمْ فَحِصَّتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَ الْبَاقِي عَلَى السَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعْطَى مِمَّا وَرِثُوهُ فَعَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ.
1 قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَقَيَّدَهُ الْخَصَّافُ بِكَوْنِهِ عَنْ إنْكَارٍ، فَلَوْ عَنْ إقْرَارٍ فعلى السوَاء فَتَأَمَّلْهُ.
قَوْلُهُ: (وَالْغُرَمَاءُ) أَيْ أَرْبَابُ الدُّيُونِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي السِّرَاجِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا، فَحُكْمُهُمْ فِي الْقِسْمَةِ وَالتَّخَارُجِ حُكْمُ الْوَرَثَةِ، وَمِثْلُهُمْ الْمُوصَى لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ آخِرَ كِتَابِ الصُّلْحِ.
قَوْلُهُ: (أَيْ اطْرَحْ سَهْمَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ) أَيْ صَحِّحْ الْمَسْأَلَةَ مَعَ وُجُودِ الْمُصَالِحِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ اطْرَحْ سِهَامَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ سَيِّدٌ،
قَوْلُهُ: (كَزَوْجٍ إلَخْ) أَصْلُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ سَهْمَانِ(7/407)
وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي سَهْمٌ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: (وَحِينَئِذٍ يَكُونُ إلَخْ) فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ صَالَحَ الْعَمَّ عَلَى شئ مِنْ التَّرِكَةِ وَخَرَجَ مِنْ الْبَيْنِ فَالْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ، فَإِذَا خَرَجَ نَصِيبُ الْعَمِّ بَقِيَ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ وَاثْنَانِ لِلْأُمِّ فَيُجْعَلُ الْبَاقِي أَخْمَاسًا بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْأُمِّ فَلِلزَّوْجِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ وللام خمسان، وَإِن صالحت الام على شئ وَخَرَجَتْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا مِنْ سِتَّةٍ، فَإِذَا طُرِحَ مِنْهَا سَهْمَانِ لِلْأُمِّ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَيُجْعَلُ الْبَاقِي مِنْ التَّرِكَةِ أَرْبَاعًا ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِلزَّوْجِ وَوَاحِدٌ لِلْعَمِّ.
سَيِّدٌ.
قَوْلُهُ: (لِئَلَّا يَنْقَلِبَ فَرْضُ الْأُمِّ إلَخْ) أَيْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَهَذِهِ الصُّورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَكَانَ الْعَمِّ أَبٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ دُخُولِ الزَّوْجِ فِي التَّصْحِيحِ لِأَنَّ لِلْأُمِّ سَهْمًا وَلِلْأَبِ سَهْمَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
قَوْلُهُ: (فِيهِ نَظَرٌ) أَصْلُهُ لِلزَّيْلَعِيِّ وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَ بَدَلَ نَصِيبِهِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ جَعْلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ يَجْعَل كَأَنَّهُ استوفى نصيب وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْبَاقُونَ أَنْصِبَاءَهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَخَلَّفَتْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ وَزَوْجًا فَصَالَحَتْ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخَرَجَتْ
مِنْ الْبَيْنِ كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمْ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةٌ لِلزَّوْجِ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَسَهْمٌ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ عَلَى مَا كَانَ لَهُم من ثَمَانِيَة، لَان أَصْلهَا من سِتَّة تعول إلَى ثَمَانِيَةٍ، فَإِذَا اسْتَوْفَتْ الْأُخْتُ نَصِيبَهَا وَهُوَ ثَلَاث بَقِيَ خَمْسَةٌ وَلَوْ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لكَانَتْ من 6 وَبَقِي سهم للْعصبَةِ اهـ.
وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: لَكَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِسَهْمٍ إلَى سَبْعَةٍ كَمَا وُجِدَ فِي بَعْضِ نسخ الزَّيْلَعِيّ، لَكِن مَا مَرَّ وُجِدَ بِخَطِّهِ كَذَلِكَ فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ لَا عَصَبَةَ هُنَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَحَرَّرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِق: فاطرح سهامه من التَّصْحِيح.
قَوْلُهُ: (قَالَ مُؤَلِّفُهُ) مِنْ التَّأْلِيفِ وَهُوَ إيقَاعُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ أَخَصُّ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَيُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى كِتَابٍ جُمِعَتْ فِيهِ مَسَائِلُ مُؤْتَلِفَةٌ مِنْ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ بِمَعْنَى الْمُؤَلَّفِ بِالْفَتْحِ وَجَامِعُهُ مُؤَلِّفٌ بِالْكَسْرِ.
قَوْلُهُ: (الْحَقِيرُ) مِنْ الْحَقْرِ وَهُوَ الذِّلَّةُ.
قَامُوسٌ.
قَوْلُهُ: (الْحِصْنِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى حِصْنَ كَيْفَا، وَاشْتُهِرَ فِي نِسْبَةِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَفْظُ الْحَصْكَفِيِّ فَهُوَ مِنْ بَابِ النَّحْتِ.
قَوْلُهُ: (الْعَبَّاسِيُّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى سَيِّدِنَا الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمِّ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله.
قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِعَلِيٍّ، لَكِنْ الَّذِي كَانَ إمَامَ الْحَنَفِيَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَالْمُفْتِي بِدِمَشْقَ الْمَحْمِيَّةِ هُوَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَا كَانَ مُدَرِّسَ الْحَدِيثِ تَحْتَ الْقُبَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَمُدَرِّسَ التكية السليمة وَلم يشْتَهر وَالِده بشير مِنْ ذَلِكَ،
قَوْلُهُ: (هِجْرِيَّةً) نِسْبَةٌ إلَى الْهِجْرَةِ: أَي هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَنُسِبَ التَّارِيخُ إلَيْهَا، لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْهَا وَأَوَّلُ مَنْ ابْتَدَأَ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُؤَرِّخُ بِعَامِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ تَفَرُّقُ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَخُرُوجُهُمْ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ أَرَّخُوا بِعَامِ الْفِيلِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَبْلَ الْمَحَاضِرِ.(7/408)
قَوْله: (فِي تلخيصه) التَّلْخِيص: التَّبْيِين وَالشَّرْح وَالتَّلْخِيص.
قَامُوسٌ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيحِهِ) تَحْرِيرُ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ: تَقْوِيمُهُ، وَالتَّنْقِيحُ: التَّهْذِيبُ.
قَامُوسٌ.
قَوْلُهُ: (لِمَوَاضِعَ) اللَّامُ زَائِد لِلتَّقْوِيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَتَصْحِيحِهِ) عَطْفٌ عَلَى تَغْيِيرِهِ.
قَوْلُهُ: (وعَلى مَوَاضِع سَهْو وَأخر) أَيْ مِمَّا فَاتَ الْمُصَنِّفَ تَغْيِيرُهَا.
قَوْلُهُ: (وَبِالْجُمْلَةِ) أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ، أَيْ مُجْتَمِعًا.
قَالَ فِي الْقَامُوس: جمل جمع، وأجمل الشئ: جَمَعَهُ عَنْ تَفْرِقَةٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ مِنْ الْمُصَنِّفِ سَهْوٌ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ وَإِنْ نَبَّهْتُ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ السَّهْوِ فَإِنِّي قَدْ أَسْهُو، لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا
الْأَمْرُ الشَّاقُّ عَبَّرَ بِهِ عَنْ السَّهْوِ.
أَمْرٌ يَعِزُّ بِالْكَسْرِ كَيَقِلُّ وَزْنًا وَمَعْنًى: أَيْ يَنْدُرُ أَوْ يَعْسُرُ أَوْ يَضِيقُ أَوْ يَعْظُمُ عَلَى الْبَشَرِ فَلَا يُحَصِّلُونَهُ، لِأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ.
وَأَوَّلُ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ، وَفِي هَذَا هَضْمٌ لِنَفْسِهِ وَاعْتِذَارٌ عَنْهُ وَعَنْ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: (فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَى مَنْ سَتَرَ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ: أَيْ إذَا كَانَ مَا ذُكِرَ فَالْمَطْلُوبُ السَّتْرُ إلَّا فِي مَقَامِ الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: (وَغَفَرَ لِمَنْ غَفَرَ) الْغَفْرُ: السَّتْرُ فَهُوَ عَطْفٌ مُرَادِفٌ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا إلَخْ) هَذَا الْبَيْتُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْله: (فسد الخللا) الْخلّ: مُنْفَرِجُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَالْوَهَنُ فِي الْأَمْرِ، وَأمر مختل واه، وأخل بالشئ: أحجف.
قَامُوسٌ.
وَأَلِفُهُ لِلْإِطْلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَيْبُ، وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهُ الضَّمِيرُ، وَلَكِنْ أَتَى بِالظَّاهِرِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ مِنْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ خَلَلٌ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: * (فَإِن الله عَدو للْكَافِرِينَ) * بعد قَوْله: * (من كَانَ عدوا لله) * الْآيَةَ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ، وَالْمُرَادُ بِسَدِّهِ: سَتْرُهُ أَوْ تَأْوِيلُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ.
قَوْلُهُ: (جَلَّ) أَيْ عَظُمَ وَتَعَالَى، فَعَطْفُ عَلَا عَلَيْهِ تَفْسِيرٌ، وَهَذَا الْكَلَام مُرْتَبِط بِكَلَام مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ: أَيْ فَسُدَّ الْخَلَلَ وَلَا تُعَيِّرْ بِهِ وَلَا تفضح، فَإِن كَانَ بَنِي آدَمَ مَا عَدَا مَنْ عُصِمَ مِنْهُمْ فِيهِ عَيْبٌ، وَاَلَّذِي تَنَزَّهَ عَنْ الْعُيُوبِ بِتَمَامِهَا هُوَ الْحق جلّ وَعَلَا ط.
وَالشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ، وَالشَّطْرُ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الرما.
وَلَو قَالَ إِن نجد بِدُونِ وَاوٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ صَارَ الْأَوَّلُ مِنْ بَحْرِ الثَّانِي، أَوْ قَالَ فَجَلَّ بِالْفَاءِ صَارَ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (كَيْفَ لَا) مَنْفِيُّ لَا مَحْذُوفٌ: أَيْ كَيْفَ لَا يُوجَدُ مِنِّي سَهْوٌ وَالْحَالُ كَذَا، فَهُوَ اعتذر آخَرُ عَنْ وُجُودِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (بَيَّضْتُهُ) أَيْ نَقَلْتُهُ مِنْ الْمُسَوَّدَةِ إلَى الْمُبَيَّضَةِ، وَالْمُسَوَّدَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُؤَلِّفِينَ: الْأَوْرَاقُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا إنْشَاءُ التَّأْلِيفِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ سَوَادِهَا بِكَثْرَةِ الْمَحْوِ والاثبات، والمبيضة: الَّتِي ينْقل إلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ مَا أَنْشَأَهُ وَأَثْبَتَهُ فِي الْمُسَوَّدَةِ.
قَوْلُهُ: (مِنْ نَارِ الْبِعَادِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَصْدَرُ بَاعَدَ وَمِنْ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ: مَا يفتت أَو تعليلية كَقَوْلِه تَعَالَى: * (مِمَّا خطاياهم أغرقوا) * وَقد شبه مَا بِقَلْبِه من مشق البعاد وألم الْفِرَاق اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ النَّارِ إلَى الْبِعَادِ أَوْ شَبَّهَ الْبِعَادَ بِحَطَبٍ لَهُ نَارٌ واستعارة مَكِنِيَّةٌ وَإِثْبَاتُ النَّارِ لَهُ تَخْيِيلٌ، أَوْ أَضَافَ الْمُشبه إلَى الْمُشَبَّهِ: أَيْ مِنْ بِعَادٍ كَالنَّارِ مِثْلُ لُجَيْنِ الْمَاءِ.
تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَحْفَادِ) الْبَنَاتُ أَوْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَوْ الْأَصْهَارُ.
قَامُوسٌ.
قَوْلُهُ: (مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ) أَيْ يُقَطِّعُهَا وَيَشُقُّهَا، وَالْأَكْبَادُ جَمْعُ كَبْدٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ(7/409)
وَكَكَتِفٍ وَقَدْ يُذَكَّرُ.
قَامُوسٌ.
وَالْمُرَادُ كَبِدٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَبِدُهُ، لِأَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ لَا يُفَتِّتُ كَبِدَ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا جَمَعَ لِلسَّجْعَةِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ فِي قَلْبِي مِنْ جِنْسِ مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ، أَوْ أَنَّ فِي قَلْبِي مَا لَوْ كَانَ لِي أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَفَتَّتَهَا، أَوْ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِمَّا فِي قَلْبِي يَسْتَقِلُّ بِتَفْتِيتِ الْكَبِدِ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ.
قَوْلُهُ: (فَرَحِمَ اللَّهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ ذَاقَ أَلَمَ الْفِرَاقِ وَكَابَدَ مَا يُكَابِدُهُ الْمُشْتَاقُ مِنْ تَشْتِيتِ الْبَالِ وَتَوَاتُرِ الْبَلْبَالِ عَلِمَ أَنَّ اعْتِذَارَ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي سَبَقَهُ بِنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ اعْتِذَارٌ مَقْبُولٌ لَا محَالة فتحركت نَفسه إِلَى الدُّعَاء، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا يَعْرِفُ الْوَجْدَ إلَّا مَنْ يُكَابِدُهُ وَلَا الصَّبَابَةَ إلَّا مَنْ يُعَانِيهَا
قَوْلُهُ: (التَّفْتَازَانِيُّ) اسْمُهُ مَسْعُودٌ وَلَقَبُهُ سَعْدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ، نِسْبَةٌ إلَى تَفْتَازَانَ بِالْفَتْحِ بَلَدٌ بِخُرَاسَانَ، وُلِدَ بِهَا سَنَةَ 722، وَتُوُفِّيَ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ 792 وَنُقِلَ إلَى سَرْخَسَ فَدُفِنَ بِهَا.
قَوْلُهُ: (حَيْثُ اعْتَذَرَ) أَيْ فِي خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمَعَانِي.
وَقَالَ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ أَيْضًا: مَعَ وجود الْقَرِيحَةِ بِصَرِّ الْبَلِيَّاتِ وَخُمُودِ الْفَطِنَةِ بِصَرْصَرِ النَّكَبَاتِ وترامي الْبلدَانِ بِي والاقطار ونوب الْأَوْطَانِ عَنِّي وَالْأَوْطَارِ حَتَّى طَفِقْتُ أَجُوبُ كُلَّ أَغْبَرَ قَاتِمِ الْأَرْجَاءِ وَأُحَرِّرُ كُلَّ سَطْرٍ مِنْهُ فِي شَطْرٍ مِنْ الْبَيْدَاءِ
قَوْلُهُ: (حَيْثُ قَالَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: حَيْثُ اعْتَذَرَ.
قَوْلُهُ: (يَوْمًا بِحُزْوَى إلَخْ) أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ، وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ، وَمُتَعَلَّقُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَكُونُ،
قَوْلُهُ: (لَكِنْ لِلَّهِ الْحَمْدُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ: أَيْ إنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ لِي مَا حَصَلَ مِنْ الْبِعَادِ عَنْ الْبِلَادِ فَقَدْ أَثْمَرَ لِي ثَمَرَةً عَظِيمَةَ الْمُفَادِ، الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْقَبُولِ وَدَلِيلُ الْوُصُولِ إلَى الْمَأْمُولِ.
قَوْلُهُ: (أَوَّلًا وَآخِرًا) أَيْ أَوَّلَ كُلِّ أَمْرٍ وَآخِرَهُ.
قَوْلُهُ: (ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) أَيْ حَمْدًا فِي الظَّاهِرِ بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبَاطِن بِالْجَنَانِ.
قَوْلُهُ: (فَلَقَدْ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَاللَّامُ لِلْقَسَمِ، فَهُوَ حَمْدٌ عَلَى نِعْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ.
قَوْلُهُ: (مَنَّ) أَيْ أَنْعَمَ هُوَ: أَيْ الْمَوْلَى تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (بابتداء تبيضه) أَيْ الْمُؤَلَّفِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ: قَالَ مُؤَلِّفُهُ وَقَوْلُهُ: قَدْ فَرَغْتُ مِنْ تَأْلِيفِهِ.
قَوْلُهُ: (تُجَاهَ) أَصْلُهُ وِجَاهَ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً مِنْ الْمُوَاجَهَةِ بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ.
قَوْلُهُ: (صَاحِبِ الرِّسَالَةِ) أَلْ لِلْعَهْدِ: أَيْ الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ الدَّائِمَةِ.
قَوْلُهُ: (وَالْقَدْرِ) أَيْ الرُّتْبَةِ الْعَلِيَّةِ:
قَوْلُهُ: (الْمُنِيفِ) أَيْ الزَّائِدِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ الْعَالِي مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَا زَادَ على العقد نَيف وناف
وأناف على الشئ: أَشْرَفَ عَلَيْهِ،
قَوْلُهُ: (تُجَاهَ قَبْرِ صَاحِبِ هَذَا الْمَتْن الشريف) وَذَلِكَ بِبَلَدِهِ وَهِي غَزَّة وهَاشِم.
قَوْلُهُ: (فَلَعَلَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْخَتْمِ.
قَوْلُهُ: (عَلَامَةُ الْقَبُولِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَمِنْ صَاحِبِ الْمَتْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْقَبُولُ: الرِّضَا بالشئ مَعَ تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقِيلَ: الْإِثَابَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّحِيحِ.
قَوْلُهُ: (وَالتَّشْرِيفِ) يُقَالُ شَرُفَ كَكَرُمَ شَرَفًا: عَلَا فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، وَشَرَّفَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ مِنْ الشَّرَفِ.
قَامُوسٌ.
قَوْلُهُ: (قَالَ مُؤَلِّفُهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
قَوْلُهُ: (فيا شرفي) أَي أحضر فَهَذَا وَقتل لِحُصُولِ مُقْتَضِيك، وَالْأَبْيَاتُ مِنْ الطَّوِيلِ، وَالضَّمِيرُ فِي قلبته لِلتَّأْلِيفِ ط.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ بعدهمْ.
قَوْله:(7/410)
(رَدُّوهُ عَنْ حَسَدْ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَعَنْ بِمَعْنَى اللَّامِ: أَيْ لِأَجْلِ حَسَدِهِمْ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَمَا نَحن بتاركي آلِهَتنَا عَن قَوْلك) * أَوْ بِمَعْنَى مِنْ: أَيْ رَدًّا نَاشِئًا مِنْ حَسَدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: * (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) *.
قَوْله: (فتقبلني) بِالتَّخْفِيفِ: أَي تثنيني وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ.
قَوْلُهُ: (وأَسَاتِذٍ) جَمْعُ أستاذ بِضَم الْهمزَة وَمَعْنَاهُ: الماهر بالشئ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَشْيَاخُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ: لَا تَجْتَمِعُ السِّينُ وَالذَّالُ الْمُعْجَمَةُ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ.
قَوْلُهُ: (وَتَحْشُرُنَا جَمْعًا) أَيْ حَالَ كَوْنِنَا مُجْتَمِعِينَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله، فَالْمَصْدَرُ حَالٌ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ، وَيَحْتَمِلُ أَن جمعا كوننا جَمِيعًا تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ، أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ، لَا الْحَشْرَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله يُحْشَرُ وَأُمَّتَهُ فِي مَحْشَرٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ مَحْشَرِ كُلِّ الْخَلَائِقِ فَالْمَعِيَّةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ، لَا أَنْ يُرَادَ بِهَا حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ كالقرب مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَآله.
قَوْلُهُ: (مَعَ الْمُصْطَفَى أَحْمَدْ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَبْيَاتِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَالطَّوِيلُ لَهُ عَرُوضٌ وَاحِدَةٌ مَقْبُوضَةٌ وَزْنُهَا مَفَاعِلُنْ، وَلِعَرُوضِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَزْنُهُ مَفَاعِيلُنْ.
الثَّانِي مَقْبُوضٌ مِثْلُهَا.
الثَّالِثُ مَحْذُوفٌ وَزْنُهُ فَعُولُنْ.
وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، وَالْبَيْتُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْبَيْتُ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي، وَهَذَا مَعْدُودٌ مِنْ عُيُوبِ الْقَوَافِي وَيُسَمَّى التَّحْرِيدَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْخَزْرَجِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَبْيَاتٌ لِنَظْمِ شُرُوطِ الْوُضُوءِ وَقَعَ فِيهَا نَظِيرُ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ، وَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ: مَعَ الْمُصْطَفَى السَّنَدْ لَكَانَ أَسَدَّ.
قَوْلُهُ: (وَإِخْوَانِنَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَاتِنٍ أَوْ
عَلَى قَوْلِهِ الْمُصْطَفَى أَوْ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَا فِي تَحْشُرُنَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (الْمُسْدِي) مِنْ الْإِسْدَاءِ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ لَفْظُهُ مُفْرَدٌ مَعْطُوفٌ بِإِسْقَاطِ الْعَاطِفِ أَوْ جَمْعٌ نَعْتٌ لِإِخْوَانِنَا، وَأَصْلُهُ الْمُسْدِينَ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ إلَى الْخَبَرِ الْمَجْرُورِ بِهِ، وَقَدْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالظَّرْفِ لِكَوْنِ الْمُضَافِ شِبْهَ الْفِعْلِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي السَّعَةِ.
قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ: فَصْلُ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ مَفْعُولًا أَوْ ظَرْفًا أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: كَنَاحِتِ يَوْمًا صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ
قَوْلُهُ: (دَائِمًا) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ قَبُولًا أَوْ حَشْرًا أَوْ إسْدَاءً.
قَوْلُهُ: (دَاعٍ) أَيْ وَدَاعٍ عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ أَوْ بَدَلٌ مِنْ وَالِدِنَا.
قَوْلُهُ: (طَالِبِ الرَّشَدْ) أَيْ لَنَا حَذَفَهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ.
يُقَالُ: رَشَدَ كَنَصَرَ وَفَرِحَ رُشْدًا وَرَشَدًا وَرَشَادًا: اهْتَدَى وَاسْتَقَامَ عَلَى الْحَقِّ، وَالرَّشِيدُ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى: الْهَادِي إلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ.
نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيُدِيمَنَا عَلَى الْحَقِّ الْقَوِيمِ، وَيُمَتِّعَنَا بِالنّظرِ إِلَى وَجهه الْكَرِيم فِي جَوَاز نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ (آمين) .(7/411)
حَاشِيَة قُرَّة عُيُون الاخبار تَكْمِلَة رد الْمُخْتَار على الدُّرَر الْمُخْتَار شرح تنوير الابصار فِي فقه مَذْهَب الامام أبي حنيفَة النُّعْمَان لسيدي مُحَمَّد عَلَاء الدّين أَفَنْدِي نجل الْمُؤلف وَقد وضع الشَّرْح والمتن بأعلا الصحائف ويأسفل الصحائف تقارير لبَعض الْعلمَاء(7/413)
مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدّين حَدِيث شرِيف الْحَمد الله المتوحد بابداع المصنوعات المتفرد باختراع الْمَخْلُوقَات، المنزه عَن عَن التحيز والسكون والحركات الْمَخْصُوص بقدم الاسماء واصفات اقريب مِمَّن دَعَاهُ لَا بِقرب المسافات الْمُجيب لمن ناجاه بالخلاص الدَّعْوَات الَّذِي يغْفر الذُّنُوب وَيسْتر الْعُيُوب وَيقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات الْعَالم بمكنون الاسرار ومصون الخفيات الْخَبِير فَلَا يخفى عَلَيْهِ فَقَالَ ذرة فِي الارض وَلَا فِي السَّمَاوَات السَّمِيع فَلَا يعزب عَن سَمعه اخْتِلَاف الاصوات ابصير يرى دَبِيب النَّمْل وذرات الرمل فِي الظُّلُمَات الْوَاحِد الاحد فَلَا ثَانِي لَهُ فِي الكائنات، الْفَرد الصَّمد المنزه عَن البنى وَالْبَنَات الْبَاقِي على الابد ويفنى كل اُحْدُ وَيقْضى عَلَيْهِ بالممات فسبحانه من اله لَا يحمد على الْمَكْرُوه سواهُ مميت الاحياء ومحيي الاموات ابكى الاباء والامهات وأيتم الْبَنِينَ وَالْبَنَات يثيب على الطَّاعَات وَالصَّدقَات ويضاعف الاجور على نشر الْعُلُوم النافعات فتح بصائر اوليائه للاعتبار والتفكر فِي الايات وَنور قُلُوبهم بِنور الاخلاص وقدسهم من شواغل الاسباب وشوائب المكدرات تقلبهم يَد الالطاف فِي مهد الكرامات والعنايات فترضعهم ثدي الْعَطف وتفطمهم عَن الشَّهَوَات الْمَانِعَة من الْقرب والمشاهدات وَأهل أذهانهم لفهم مَعَاني الْعبارَات والرموز والاشارات وتنقيح الاحكام والمباني وَحل المشكلات حَتَّى صيروها من اوضح الواضحات مهد لَهُم فرش الاعمال بلين الصفاء فاستعذبوا طيب الْخلْوَة مَعَ الْخَطِيب لتحرير الْعُلُوم وخدمة شَرِيعَة سيد السادات (تتجا فِي جنُوبهم عَن الْمضَاجِع) * السَّجْدَة 16 يتلذذون بالسهر وَترك المستلذات، نزهوا نفوسهمم عَن عبَادَة الْهوى فأضحت أطيار أواحهم تسرح فِي رياض الملكوت بَين جنَّات، لَهُ الشُّكْر على مَا أنعم عَلَيْهَا بمعرفتهم وَخدمَتهمْ وأنعم عَلَيْهِم بِأَن هدَاهُم بعنايته الازلية لاكمل الْحَالَات، بِفَتْح الْقَدِير وَالنعَم المختارات، وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد المكمل لامته كل نقص وثلم بأوضح شَرِيعَة ومعجرات، صَاحب الْمِعْرَاج غَايَة الْبَيَان، منحة الْخَالِق السراج الْوَهَّاج، حاوي المقامات الشامخات، وعَلى آله زواهر الْجَوَاهِر ودرر الْبحار، دوِي المناقب والخصوصيات، وَأَصْحَابه البحور الزواخر، وتنوير الابصار الناصرين لَهُ
فِي الاعصر الخاليات، بصفاء النيات، وَحسن الطويات، وَالتَّابِعِينَ النُّجُوم الزواهر وخزائن الاسرار الحائزين أَعلَى الْفضل والكمالات، والائمة الْمُجْتَهدين الاكابر، ذَوي الْفَيْض المدرار، المبرئين من الشُّبُهَات والتبعات والترهات الفاسدات، لَا سِيمَا إمامنا الاعظم ذُو الْفَصْل الاقدام، الْكَوْكَب الزَّاهِر، والامام الباهر، الدّرّ الْمُخْتَار، وَالْعلم الراسخ ذُو الثَّبَات، الْقَائِم بالاوامر والزواجر، راد لهفة الْمُخْتَار صَاحب الكرامات الفاضلات، صَلَاة وَسلَامًا دائمين متلازمين مَا تعاقب اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَرَّتْ الاوقات، وَعَن للسماء نَبِي مِصْبَاح، وَمَا هبت نسمات الاسحار فِي كل السَّاعَات، لَا تَنْقَطِع لَحْظَة من اللحظات، من إِلَه كريم عَظِيم رب رَحِيم مقبل العثرات، وغافر الزلات.(7/415)
أما بعد فَيَقُول فَقير رَحْمَة ربه، وأسير وصمة ذَنبه: (مُحَمَّد عَلَاء الدّين ابْن السَّيِّد مُحَمَّد أَمِين ابْن السَّيِّد عمر عابدين) غفر الله تَعَالَى ذنوبهم، وملا من زلال الْعَفو ذنوبهم، آمين: إِنَّه لما سبقت الارادة الالهية، والمشيئة الرحمانية، بوفاة سَيِّدي الْوَالِد قبل إِتْمَامه تبيييض حَاشِيَة رد الْمُخْتَار، على الدّرّ الْمُخْتَار، شرح تنوير الابصار فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى ونوز ضريحه، وَجعل أعلا الْجنان ضجيعه لما وصل إِلَى أثْنَاء شَتَّى الْقَضَاء من هَذَا الْكتاب، اشتاق إِلَى مُشَاهدَة رب الارباب، فَنقل من دَار الْغرُور إِلَى جوَار مَوْلَاهُ الْغَوْر، وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى بَدَأَ أَولا فِي التسويد من الاول إِلَى الآخر، ثمَّ شرع فِي التبييض فَبَدَأَ أَولا مِنْ الْإِجَارَةِ إلَى الْآخِرِ، ثُمَّ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَى انْتِهَاءِ هَذَا التَّحْرِيرِ الْفَاخِرِ، وَتَرَكَ عَلَى نُسْخَتِهِ الدُّرَّ بَعْضَ تَعْلِيقَاتٍ، وَتَحْرِيرَاتٍ وَاعْتِرَاضَاتٍ، قَدْ كَادَ تَدَاوُلُ الْأَيْدِي أَنْ يُذْهِبَهَا، لِعَدَمِ من يذهبها مذهبها، وَكَانَ قد جرى الامر بطبعها فِي بولاق المصرية، فجمعتها برمتها بِدُونِ زِيَادَة، حرف بِالْكُلِّيَّةِ، وأرسلتها فطبعت ثمَّة، حرصا على فوائدها الجمة، وَكَانَ كثيرا مَا يخْطر فِي زيادها مَعَ ضم تحريرات، وَبَعض فروع وتقزيرات لَكِن لم تساعد الاقدار، لَا سِيمَا مَعَ شغل الافكار، وَقلة البضاعة فِي هَذِه الصِّنَاعَة، حَتَّى سَافَرت للاستانة الْعلية، دَار الْخلَافَة السّنيَّة، عَام خمس وَثَمَانِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ، والالف، من هِجْرَة من تمّ بِهِ الالف، وَزَالَ بِهِ الشقاق وَالْخلف، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى آله وَصِحَّته ألفا بعد ألف، ووظفت عضوا فِي الجمعية العلمية، التابعة لديوان، أَحْكَام العدلية، لجمع الْمجلة الشَّرْعِيَّة، تَحت رياسة
حَضْرَة الْوَزير الْمُعظم، والمشير المفخم، مُدبر أُمُور جُمْهُور الامم، الْجَامِع بَين مرتبتي الْعلم وَالْعَمَل، والحائز لفضيلتي السَّيْف والقلم، صَاحب الدولة، أَحْمد جودت باشا، بلغَة الله تَعَالَى من الْخيرَات مَا شَاءَ، وأسعد أَيَّامه وحرسها، ألْقى محبته فِي الْقُلُوب وغرسها، وَلَا زَالَت أَعْلَام دولته مبتسمة الثغور، وأرقام رفعته منتظمة السطور، على مدى الدهور، آمين.
وَبعد إقامتي مُدَّة تقرب من ثَلَاث سِنِين قدمت الاستعفاء، لما فِي قلبِي من الرمضاء، من فِرَاق الاوطان والاهل واخلان، فَأمرنِي قبل سَفَرِي من أمره مُطَاع، وَاجِب الاستعاع أَن أتمم نَقصهَا، وأتلافى ثلمها حَنى وصولي إِلَى لوطن، وقراري بالسكن.
فَلَمَّا رجعت بعد ثَلَاث سِنِين من سَفَرِي إِلَى وطني دمشق الشَّام، ذَات الثغر البسام، الستخرت الله تَعَالَى الْمرة بعد الْمرة، بعد الكرة، فِي تَكْمِلَة الحزم، مُعْتَمدًا على الله تَعَالَى الحزم ومتوكلا عَلَيْهِ فِي سَائِر الامور فِي أَن يحفظني من الْخَطَأ والخلل، والهفوات والزلل، ومتوسلا، إِلَيْهِ بِنَبِيِّهِ النبيه المكرم، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، وبأهل طَاعَته من كل مقَام على مُعظم، وبقدوتنا الامام الاعظم، أَن يسهل على ذَلِك من إنعامه، ويعينني على إكماله وإتمامه، أَن يعْفُو عَن زللي، ويتقبل مني عَمَلي، وَيجْعَل ذَلِك خلصا لوجهه الْكَرِيم * (يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله تقلب سليم) * الشُّعَرَاء وينفع بِهِ الْعباد، فِي عَامَّة الْبِلَاد، من سَاكن وباد وَأَن يسْلك بِي سَبِيل الرشاد، ويلهمنى الصَّوَاب والسداد، وَيسْتر عوراتي، وَيغْفر خطيناتي، ويسمح عَن هفواتي وزلاتي، فَإِنِّي متطفل على ذَلِك، لست من فرسَان تِلْكَ المسالك، وهيهات المثلى أَن يكون لَهُ اسْم فِي طرس، أَو أَن يكو لَهُ فِي صحيفَة غرس، بل أَن يكون لَهُ فِي النَّاس ذكر، أَو أَن يخْطر فِي بَال أَو يمر على فكر، فقد أَو ثقتني الذُّنُوب والخطيئات وأقعدتني عَن إِدْرَاك أدنى الدَّرَجَات، مَعَ قُصُور باعي واندراس، رباعي وجمود مرمى سِهَام الالس وموقع النّظر الشزر من الاعين، حَيْثُ تجرأت على أَمر غير سهل، مَعَ كوني لست لَهُ بِأَهْل، وتشبهت بالسادات الاعلام، الَّذين هم مصابيح الظلام.
وهيهات أَن يدْرك السِّيَاق مقْعد، أَو(7/416)
أَن يسْلك الطَّرِيق مصفد، أَو أَن يقرب من عرين الاسد ابْن آوى، يشبه الْحُبَارَى الْبَازِي وَلَو لم
يكن لَهُ فِي الْجِسْم ساوي، وَمَا أشبه قَوْله الْقَائِل بحالتي الَّتِى كَانَ مِنْهَا على مثل هَذَا جراءتي: أَيهَا الْمُدَّعِي وَلَاء سليم * لست مِنْهُم وَلَا قلامة ظهر إِنَّمَا أَنْت فِي سليم كواو * ألحقت بالهجاء ظلما بِعَمْرو وَلَكِن أَخفض على نَفسِي، وأسلبها بالتأسي، وأتمثل بقول الشهَاب السهروردي: فتشبهوا إِن لم تَكُونُوا مثلهم * إِن التَّشَبُّه بالكرام فلاح وَإِنِّي أسأَل الله تَعَالَى من طوله، وأستعد بقوته وَحَوله، فِي أَن يحفظني من الْخَطَأ والخلل، وَيحسن ختامي عِنْد مُنْتَهى الاجل وَمَا توفيقي إِلَّا الله الْقَرِيب الْمُجيب، عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب وألتمس من النَّاظر لهَذِهِ التكملة أَن يلحظها، بِعَين الْقبُول والصفاء، لَا بِعَين الْحَسَد والجفاء، فَإِن الْجَسَد لَا يَخْلُو عَن الْحَسَد، وَلَكِن الْكَرِيم يخفيه، واللثيم يبديه، وَأَن لَا ينسى جَامعهَا، وَأَوْلَاده، ومظهرها وكاتبها وقارئها من دعاته المستجاب، وثنائه تحارير سَيِّدي الْوَالِد فَإِنِّي واثق بنفسي أتم الوثوق، فَإِن اليراع قد، إِلَيْهِ وَإِن لم يكن ثمَّة فَإِنِّي غير واثق بنفسى أتم الوثوق، فَإِن اليراع قد يطوش، ويغير عَن مجاله النقوش، وَلَا يُبَادر عَليّ بالاعتراض والملام، فَلَيْسَتْ أول قاروه كسرت فِي الاسلام، وَيصْلح مَا كبا بِهِ الْقَلَم، أَو زلت بِهِ الْقدَم، فقد قدمت بَين يديهم عُذْري، وكشفت لَهُم عَن حَقِيقَة أَمْرِي، فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ، وَهُوَ يقبل عثرات المقيلين، وَقد سميت مَا عنيت جمعه من هَذِه التكملة بقرة قُرَّة عُيُون الاخبار، على الدّرّ الْمُخْتَار، شرح تنوير الابصار) .
وَحَيْثُ قلت سَيِّدي فَالْمُرَاد بِهِ سَيِّدي الْوَالِد أَو بعض الافاضل، فَالْمُرَاد، الرحمتي أَو الفتال، والكمال محَال لغير ذِي الْجلَال، وعَلى الله تَعَالَى الاتكال، فِي المبدأ وَالْمَال.
وَكَانَ إِتْمَامهَا فِي عصر حَضْرَة مَوْلَانَا السُّلْطَان الاعظم، الخاقان الاعدل الاكرم، ملك مُلُوك الْعَرَب والعجم، ظلّ الله الْمَمْدُود على الامم، قوانين الْعدْل والانصاف، وموطد دعائم بُنيان المراحم والالطاف، سُلْطَان البرين، وخاقان الْبَحْرين، وخادم الْحَرَمَيْنِ الشريفين، فاروقي السِّيرَة، الشيم، علوي الشهامة والهمم، خلقَة الله تَعَالَى فِي الارض، ناشر، لِوَاء المراحم فِي طولهَا وَالْعرض ملك أَنَام الانام فِي ظلّ أَمَانه، وَشَمل الْعباد بسجال لطفه وإحسانه، حَافظ بَيْضَة الدّين، وحامي
شَرِيعَة سيد لمرسلين، أَمِير الْمُؤمنِينَ، ملجا عَامَّة الْمُسلمين، بل كَافَّة النَّاس أجعين معمر الامصار والبلاد، مدمر أهل الشَّرّ وَالْفساد قامع الْبدع وَالظُّلم، ومؤيد السّنة، بِالْعَدْلِ والحلم، الْمُؤَيد المظفر المعان، والمحفوف بعناية الْملك بالديان، صَاحب العساكر، الْقَاهِرَة، المبيدة كل فِئَة باغية فاجرة بصوارم سيوف تقطف حروفها أَعْنَاق الْمُعْتَدِينَ، أهلة قسي ترسل نُجُوم سهامها على شياطين الْبُغَاة والمتردين، ورايات تخفق قُلُوب الاعداء، لخفقانها، وتخفض رتبهم، لرفع شَأْنهَا، لَا يرتاب متأمله فِي أَنه الْبَحْر العساكر، أمواجه، ومراحمه الدّرّ الَّذِي يظفر بهَا طلاب الْعرف وأفواجه، السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان، السُّلْطَان عبد الْعَزِيز خَان، ابْن السُّلْطَان الْغَازِي مَحْمُود خَان، ابْن السُّلْطَان الْغَازِي عبد الحميد خَان، خلد الله تَعَالَى ملكه، وَجعل الدُّنْيَا بأسرها سَعَادَة أَيَّامه، وَجعل البسيطة قَبْضَة يَدَيْهِ وطوع أَحْكَامه وَلَا زَالَ لِوَاء عدله المنشور إِلَى يَوْم النشور، وَلَا بَرحت الايام عى يَدَيْهِ دَائِرَة، ووجوه السَّعَادَة إِلَى سافرة وَأَجْنِحَة النعم بأبوابه مَقْصُورَة وبأنبائه طائرة وعزائم(7/417)
التَّوْفِيق لآرائه مسخرة وبأعدائة ساخرة، وبأعدائة ساخرة، مَرْفُوعَة أَعْلَام دولته إِلَى مُحِيط الْقبَّة الخضراء وأوجد لَهُ فِي كل مَكَان وزمان عزا ونصرا، ومسرة وبشرى، وَلَا زَالَت سلسلة سلطنته مسلسة إِلَى انْتِهَاء سلسلة الزَّمَان، رافلا فِي حلل السَّعَادَة السِّيَادَة وَالرِّضَا وَالرِّضَا الرضْوَان، وَلَا زَالَ الْوُجُود بدوام خِلَافَته سنيا عَامِرًا، وَلَا برح الايمان فِي أَيَّام سلطنته قَوِيا ظَاهرا، ووفق وكلاء الفخام، ووزراءه الْعِظَام، وعماله إِلَى السَّعْي فِي صَلَاح الْملك وَالْملَّة فِي كَافَّة بِلَاده وولاياته، وَجمع الْقُلُوب كَافَّة على طَاعَته وَتَحْصِيل مرضاته آمين.
آمين آمين لَا أرضي بِوَاحِدَة * حَتَّى أضم إِلَيْهَا ألف آمينا وَفِي يمن أَيَّام حَضْرَة صَاحب الفخامة والدولة الصَّدْر الاعظم، والمشير، مُدبر أُمُور جُمْهُور الامم، الْجَامِع بَين مرتبتي الْعلم وَالْعَمَل، مَعَ قُوَّة الْيَقِين والحائز فضيلتي السَّيْف والقلم بالتمكين، ورياستي الدُّنْيَا وَالدّين، قُرَّة عين المملكة، والوزارة، سيف الدولة السُّلْطَانِيَّة، ولسان الصولة، الخاقانية، مؤيد دولة الْمُلُوك والسلاطين، ملجا الْفُقَرَاء والضعفاء المنقطعين، أَلا وَهُوَ حَضْرَة ولي
النعم، المتخلق باخلاق سميَّة، فَخر الْعَالم (ص) الْوَزير الافخم، والصدر الاعظم، السَّيِّد، أَحْمد أسعد باشا الْمُعظم، لَا زَالَت عتبَة بَابه سدر الواردين، وَمَا برح سلَاح جنابه فِي رِقَاب الحاسدين، وَأطَال الله تَعَالَى عمره، وأدام عزة ومجده ودولته آمين.
وَفِي مُدَّة يمن أَيَّام مشيخة سماحة دولة حَضْرَة الْمولى الاعظم، وَالسَّيِّد الْكَبِير الافخم، الْجَامِع بَين الرتبتين، الشريفتين الْعلم وَالْعَمَل بِقُوَّة الْيَقِين، وَالْمَحْفُوظ بعناية الله تَعَالَى من الزلل بالتمكين، الْحَائِز لرياستي الدُّنْيَا، وَالدّين، شيخ الاسلام وَالْمُسْلِمين، ملك الْعلمَاء الْمُحَقِّقين، عين الائمة المدققين نعْمَة، الله تَعَالَى فِي هَذَا الْعَصْر على الانام، ملاذ الافاضل الْكِرَام، مرجع الْخَاص وَالْعَام، حضرد مَوْلَانَا صَاحب الدولة والاقبال، والسماحة، والافضال، خواجة شهرياري حسن فهمي أَفَنْدِي، لَا زَالَت الْفتيا مشرفة بمحابه وَأَحْكَام الشَّرِيعَة مشيدة وموضحة ببينانه، وأبقاه عقدا فِي جيد الدَّهْر، يتلالا بالدرر، وَأقر عينه بمحابه ونخله الامام الوذعي الابر، سيدنَا السماحة الْهمام السميدعي حيدر، ووقاهما كل حَاسِد ترمي عينه بالشرر، آمين.
وَقد جَاءَت هَذِه التكملة من فيض فَضله تَعَالَى، وجود كرمه الَّذِي بِهِ نتغالى، قُرَّة لعين قاريها، ودرة لتاج داريها، لمعانيها، وخاص فِي بحار مَعَانِيهَا، وكفاية للطالبين، وَحجَّة للمفتين، ومحجة للسمتفتين، حاوية لدرر الْفَوَائِد خارية عَن مستنكرات الزَّوَائِد، جمعتها من معتمدات الْمَذْهَب، الَّتِي إِلَيْهَا يذهب وضعممت إِلَى ذَلِك بعض تحريرات وتأييد، أَو بعض استدراكات أَو تَقْوِيَة أَو تَقْيِيد، فَلَا غرو حِينَئِذٍ أَن تكون الْعُمْدَة فِي الْمَذْهَب، والحري بِأَن تكْتب بِمَاء الذَّهَب، مستعينا بكريم غفار حَكِيم ستار، مقيل العثرات، ومجيب الدَّعْوَات، وقاضي الْحَاجَات، ومستشفعا بمشرع هَذِه المشروعات، من لَا ترد لَهُ شفاعات، عَلَيْهِ أفضل الصَّلَوَات وأزكى التَّحِيَّات، وعلينا وعَلى أعزائنا، مَعَه يَا رب البريات.
هَذَا، وَإِنِّي أروي الدّرّ الْمُخْتَار وَمَتنه تنوير الابصار، وحاشية رد الْمُخْتَار) وَكَذَا بَقِيَّة كتب الْفِقْه وَغَيرهَا من سَائِر الْعُلُوم والفنون عَن أَئِمَّة أَخْبَار، من شاميين ومكيين ومصريين وعراقيين وروميين وَغَيرهم من أهل الْفضل والاستبصار، وَمن أَجلهم وَأكْثر هم إِفَادَة لي ومداومة لَدَيْهِ وَقِرَاءَة عَلَيْهِ سَيِّدي الْعَالم الْعَلامَة والعمدة الفهامة، عَلامَة الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول، والمستخرج بغواص فكره مَا يعجز عَنهُ الفحول، الشَّيْخ مُحَمَّد هَاشم أَفَنْدِي التاجي البعلي رحم الله تَعَالَى روحه وَنور مرقده الشريف وضريحه، وَجعل أَعلَى(7/418)
الْجنان بُلُوغه ومقيله وَمن أَجلهم عَلامَة زَمَانه على الاطلاق، من انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة بِاسْتِحْقَاق، الامام المتقن، والعلامة المتفنن الْعَلامَة الثَّانِي، من لَا يُوجد لَهُ ثَانِي الحسيب النسيب، الْفَاضِل الاديب، الْجَامِع بَين شَرْقي الْعلم وَالنّسب، والمستمسك بمولاه بأقوى سَبَب، وَالْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة، وعلوم الْمَعْقُول والمنفول وَالتَّصَرُّف والطريقة أعلم الْعلمَاء العاملين، أفضل الْفُضَلَاء الفاضلين، سَيِّدي وعمدتي عَلامَة الانام، مرجع الْخَاص وَالْعَام، وَالِدي المرحوم الشَّيْخ السَّيِّد الشريف مُحَمَّد أَمِين عابدين ابْن السَّيِّد الشريف عمر عابدين ابْن السَّيِّد الشريف عبد الْعَزِيز عابدين ابْن اسيد الشريف أَحْمد عابدين ابْن السَّيِّد الشريف عبد الرَّحِيم عابدين ابْن السَّيِّد الشريف نجم الدّين ابْن السَّيِّد الشريف الْعَالم الْفَاضِل الْوَلِيّ الصَّالح الْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة، إِمَام الْفضل والطريقة، مُحَمَّد صَالح الدّين الشهير بعابدين ابْن السَّيِّد الشريف نجم الدّين السَّيِّد الشريف حُسَيْن ابْن السَّيِّد الشريف حمة الله ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الثَّانِي مصطفى الشهابي ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الثَّالِث ابْن السَّيِّد الشريف مَحْمُود ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الرَّابِع ابْن السَّيِّد الشريف عبد الله ابْن السَّيِّد الشريف عز الدّين عبد الله الثَّانِي ابْن السَّيِّد الشريف قَاسم ابْن السَّيِّد الشريف حسن ابْن السَّيِّد الشريف إِسْمَاعِيل ابْن السَّيِّد الشريف حُسَيْن النتيف الثَّالِث ابْن السَّيِّد الشريف أَحْمد الْخَامِس ابْن السَّيِّد الشريف إِسْمَاعِيل الثَّانِي ابْن السَّيِّد الشريف مُحَمَّد ابْن السَّيِّد الشريف إِسْمَاعِيل الاعرج ابْن الامام جَعْفَر الصَّادِق ابْن الامام مُحَمَّد الباقر ابْن الامام زين العابدين ابْن الامام حُسَيْن ابْن البتول، هِيَ الزهراء فامطة بنت الرَّسُول صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهَا وعَلى جَمِيع آله وَصِحَّة آمين.
فَإِنَّهُ رَحمَه الله تَعَالَى ولد فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين بعد الْمِائَة والالف فِي دمشق الشَّام، وَنَشَأ فِي حجر وَالِدَة، وَحفظ الْقُرْآن الْعَظِيم عَن ظَهرت قلب وَهُوَ صَغِير جدا، وَجلسَ فِي مَحل تِجَارَة وَالِده اليألف التِّجَارَة ويتعلم البيع والشرأء، فَجَلَسَ مرّة يقْرَأ الْقُرْآن الْعَظِيم فَمر رجل لَا يعرفهُ فَسَمعهُ وَهُوَ يقْرَأ، فزجره وَأنكر قِرَاءَته وَقَالَ عَنهُ: لَا يجوز لَك أَن تقْرَأ.
أَولا: لَان هَذَا الْمحل مَحل التِّجَارَة وَالنَّاس لَا يسمعُونَ قراءتك فيرتكبون الاثم بسببك، وَأَنت أَيْضا آثم، وَثَانِيا، قراءتك ملحونة.
فَقَامَ من سَاعَته وَسَأَلَ عَن أقرّ أهل الْعَصْر فِي زَمَنه فدله وَاحِد على شيخ الْقُرَّاء فِي عصره وَهُوَ الشَّيْخ سيعد
المحوي، الميدانية والجزرية وَطلب مِنْهُ أَن يُعلمهُ أَحْكَام الْقِرَاءَة بالتجويد، وَكَانَ وقتئذ لم يبلغ الْحلم، فحفظ الميدانية والجزرية والشاطبية، وَقرأَهَا عَلَيْهِ قِرَاءَة إمعان حَتَّى أتقن فن الْقرَاءَات بطرقها وأوجهها، ثمَّ اشْتغل عَلَيْهِ بِقِرَاءَة النَّحْو وَالصرْف وَفقه الامام الشَّافِعِي، وَحفظ متن الزّبد وَبَعض الْمُتُون من النَّحْو وَالصرْف وَالْفِقْه وَغير ذَلِك، ثمَّ حضر على شيخة عَلامَة زَمَانه وفقيه عصره وأوانه السَّيِّد مُحَمَّد شَاكر السالمي الْعمريّ ابْن الْمُقدم سعد الشهير وَالِدَة بالعقاد الْحَنَفِيّ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ علم الْمَعْقُول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير، ثمَّ ألزمهُ بالتحول لمَذْهَب سيدنَا أبي حنيفَة النُّعْمَان الامام الاعظم عَلَيْهِ الرَّحْمَة الرضْوَان، وَقَرَأَ عَلَيْهِ كتب الْفِقْه وأصوله حَتَّى برع وَصَارَ عَلامَة زَمَنه فِي حَيَاة شيخة الْمَذْكُور، وَألف حاشيتين على شرح الْمنَار للعلائي كبرى وصغرى، سمى إِحْدَاهمَا نسمات الاسحار على إفَاضَة الانوار شرح الْمنَار وَالثَّانيَِة لم يخْطر لي اسْمهَا لانها فقدت عِنْد مفتي مصر الشَّيْخ التَّمِيمِي رَحمَه الله تَعَالَى، وَألف ثبتا لاسانيد شَيْخه سَمَّاهُ (الْعُقُود اللآلي فِي الاسانيد العوالي) و (شرح الْكَافِي فِي الْعرُوض والقوافي) وَكتب فِي آخر هَذَا الشَّرْح: ثمَّ فِي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف، وَكَانَ سنة سبع عشرَة سنة، ورسالة سَمَّاهَا (رفع الِاشْتِبَاه عَن عبارَة الاشباه) وحاشية على شرح النبذة سَمَّاهَا (فتح رب الارباب على لب الا بَاب شرح نبذة الاعراب)(7/419)
وَغير ذَلِك، فِي حَيَاة شيخة الموقوم، ثمَّ توفّي شيخة الموقوم فِي الْيَوْم الرَّابِع من محرم الْحَرَام سنة الثِّنْتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف، وَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ الْبَحْر وَالْهِدَايَة وَشَرحهَا، وَالْهِدَايَة وشروحها، وَكَانَت وَفَاته فِي أثْنَاء قِرَاءَته الْكتب الْمَذْكُورَة، وَكَانَ جملَة من حضر مَعَ سَيِّدي الْوَالِد على شَيْخه الْمَذْكُور أكبر التلامذه، وَهُوَ عَلامَة زَمَانه، وفقيه عصره وأوانه، فَقِيه النَّفس الشَّيْخ مُحَمَّد سعيد الْحلَبِي الشَّامي، قاتم سَيِّدي الْوَالِد قِرَاءَته الْكتب الْمَذْكُورَة عَلَيْهِ، وَحضر مَعَه الاتمام الْكتب الْمَذْكُورَة بَقِيَّة التلامذة والطلبة الَّذين كَانُوا يداومون على الشَّيْخ مُحَمَّد شَاكر الْمَذْكُور، ثمَّ شرع فِي تأليف رد الْمُخْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار) وَفِي أَثْنَائِهَا ألف الْعُقُود الدرية فِي تَنْقِيح الْفَتَاوَى الحامدية) وَله من المؤلفات حَاشِيَة على حَاشِيَة الحللي المداري سَمَّاهَا (رفع الانظار عَمَّا أوردهُ الْحلَبِي على الدّرّ الْمُخْتَار) وحاشية على الْبَيْضَاوِيّ، وحاشية على المطول، وحاشية على شرح الْمُلْتَقى، وحاشية على النَّهر إِلَّا أَنَّهُمَا لم يجردا من الهوامش، وحاشية على الْبَحْر سَمَّاهَا (منحة الخالف على
الْبَحْر الرَّائِق) وَله مَجْمُوع جمع فِيهِ من نفائس الْفَوَائِد النثرية والشعريد، وعرائس النكات وَالْملح الادبية والالغاز والمعميات، وَمَا يروق النَّاظر، وَيسر الخاطر، ومجموع آخر ذكر فِيهِ تَارِيخ عُلَمَاء الْعَصْر وأفاضلهم، جعله ذيلا لتارخ الْمرَادِي الَّذِي هُوَ ذيل لتاريخ جده لامه الْعَلامَة المحبي الَّذِي هُوَ ذيل لريحانة الخفاجي، وَله (الْعُقُود اللآلي فِي الاسانيد العوالي) الْمُتَقَدّم ذكره، وَشرح رِسَالَة لبركوي فِي الْمَحِيض وَالنّفاس، سَمَّاهُ (منهل الواردين من بحار الْفَيْض على ذخر المتأهلين الْمسَائِل الْحيض) وَشرح منظومته (رسم الْمُفْتِي والرحيق الْمَخْتُوم شرح فلائد المنظوم فِي الْفَرَائِض) وَكتاب (تَنْبِيه الْوُلَاة والحكام) وَله رسائل عديدة ناهزت الثَّلَاثِينَ فِي جملَة فنون.
مِنْهَا: نَشْرُ الْعَرْفِ فِي بِنَاءِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ عَلَى الْعرف، ورسالة فِي النَّفَقَات لم يسْبق لَهَا نَظِير اخترع لَهَا ضابطا مَانِعا، والفوائد العجبية فِي إِعْرَاب الْكَلِمَات الغربية، وَإجَابَة الغوب فِي أَحْكَام النُّقَبَاء والنجباء والابدال والغوث، وَالْعلم الظَّاهِر فِي نفع النّسَب الطَّاهِر وذيلها، وتنبيه الغافل والوسنان فِي أَحْكَام هِلَال رَمَضَان، والابانة فِي الْحَضَانَة، وشفاء العليل وبل الغليل فِي الْوَصِيَّة بالختمار والتهاليل، وَرفع الانتقاض وَدفع الِاعْتِرَاض فِي قَوْلهم الايمان مَبْنِيَّة على الالفاظ لَا الْوَصِيَّة بالختمات والتهاليل، وَرفع الانتقاض وَدفع الِاعْتِرَاض فِي قَوْلهم الْأَيْمَان مَبْنِيَّة على الْأَلْفَاظ لَا على الاغراض، وتحرير الْعبارَة فِيمَن هُوَ أولى بالاجارة، وإعلام الاعلام فِي الاقرار الْعَام، وَجُمْلَة رسائل فِي الاوقات، وتنبيه الرقود وسل الحسام الْهِنْدِيّ، وَغَايَة الْمطلب والفوائد الخصصة، تحبير التَّحْرِير، وتنبيه ذَوي الافهام، وَرفع الِاشْتِبَاه، وتحرير النقول، الْعُقُود الدرية، وَغَايَة الْبَيَان، والدرر المضيئة، وَرفع التَّرَدُّد وذيلها، والاقوال الْوَاضِحَة الجلية، وإتحاف الذكي النبيه، ومناهل السرُور، وتحفه الْمَنَاسِك فِي أدعية الْمَنَاسِك وَغير ذَلِك.
وَله مَجْمُوع أسئلة عويصة، وَله فِي مدح شيخة مقامات كمقامات الحريري، وَله نظم الْكَنْز، وَله قصَّة المولد الشريف النَّبَوِيّ.
وَأما تعاليقه على هوامش الْكتب وحواشيها، وكتابته على أسئلة المستفتين والاوراق الَّتِي سودها بالمباحث الرائقة وَالرَّقَائِق الفائقة، فَلَا يكَاد أَن تحصى وَلَا يُمكن أَن تستقصى.
وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ شغله من الدُّنْيَا التَّعَلُّم والتعليم، التفهم والتفهيم، والاقبار على مَوْلَاهُ، وَالسَّعْي فِي اكْتِسَاب رِضَاهُ مقسمًا زَمَنه على أَنْوَاع الطَّاعَات، والعبادات والافادات، من صِيَام وَقيام،
وتدريس وإفتاء وتأليف على الدَّوَام.
وَكَانَ لَهُ ذَوْقٌ فِي حَلِّ مُشْكِلَاتِ الْقَوْمِ، ولهبهم الِاعْتِقَاد الْعَظِيم، ويعاملهم بالاحترام والتكريم.
وَأخذ طَرِيق السَّادة القادرية، عَن شيخة الْمَذْكُور ذِي الْفضل والمزية، حَتَّى أخبر عَنهُ من يوثق بصلاحه وَدينه مِمَّن صَحبه فِي سَفَره من تلامذته.
إِنِّي مَا وجدت عَلَيْهِ شَيْئا يشينه فِي دُنْيَاهُ وَلَا فِي دينه.
وَكَانَ حسن الاخلاف والسمات، مَا سمعته فِي سَفَرِي مَعَه فِي طَرِيق الْحَاج تكلم بِكَلِمَة أغاظ بهَا أحدا(7/420)
من رفقائه وخدمه، أَو أخدا من النَّاس أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ إِلَّا رأى مُنْكرا فيغيره من سَاعَته على مُقْتَضى الشَّرِيعَة المطهرة العادلة، وَكَانَت ترد إِلَيْهِ الاسئلة من غَالب الْبِلَاد، وانتفع بِهِ خلق كثير من حَاضر وباد.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى جعل وَقت التَّأْلِيف والتحرير فِي اللَّيْل فَلَا ينَام مِنْهُ إِلَّا ماقل، وَجعل النَّهَار للدروس وإفادة التلامذة وإفادة المستفتين، ويلاحظ أَمر ديناه شَرِيكه من غير أَن يتعاطى بنقسه، وَكَانَ فِي رَمَضَان يتخم كل لَيْلَة ختما كَامِلا مَعَ تدبر معانية، وَكَثِيرًا مَا يتسغرق ليله بالبكاء وَالْقِرَاءَة، وَلَا يدع وفتا من الاوقات إِلَّا وَهُوَ على طَهَارَة، ويثابر الْوضُوء.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حَرِيصًا على إِفَادَة النَّاس وجبر خراطرهم، مكرما للْعُلَمَاء والاشراف وطلبة الْعلم، ويواسيهم، بِمَالِه.
وَكَانَ كثير التَّصَدُّق على ذَوي الهيئات من الْفُقَرَاء الَّذين لَا يسْأَلُون النَّاس الاحافا، وَكَانَ غيورا على أهل الْعلم ولاشرف ناصرا لَهُم دافعا عَنْهُم مَا اسْتَطَاعَ.
وَكَانَ مهابا مُطَاعًا نَافِذ الْكَلِمَة عِنْد الْحُكَّام وأعيان النَّاس، يَأْكُل من مَال تِجَارَته بِمُبَاشَرَة شريكة مُدَّة حَيَاته.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى ورعا دينا عفيفا حَتَّى أَن عرض عَلَيْهِ خَمْسُونَ كيسا من الدرا هم لاحل فَتْوَى على قَول مَرْجُوح فَردهَا وَلم يقبل، وَقد امْتنع عَن شِرَاء العقارات الْمَوْقُوفَة الَّتِي عَلَيْهَا كدك أَو محاكرة أَو قيمَة أَو بالاجارتين، وَكَانَ وقف جده لَام أَبِيه مَشْرُوطًا ننظره للارشد من ذُرِّيَّة الْوَاقِف، فَامْتنعَ من تَوليته وَسلمهُ لاخية، وَلم يتَّفق لَهُ قبُول هَدِيَّة، من ذِي حَاجَة أَو مصلحَة.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى طَوِيل الْقَامَة شئن الاعضاء والانامل، أَبيض اللَّوْن أسود الشّعْر، فِيهِ قَلِيل الشيب لَو عد شَيْبه لعد مقرون الحاجبين، ذَا ووقار، وهيئة مستحسنة ونضار، جميل الصُّورَة حسن السريرة، يتلالا وَجهه نورا، حسن الْبشر، والصحبة من اجْتمع بِهِ لَا يكَاد ينساد لطلاوة كَلَامه
ولين جَانِبه وَتَمام تواضعه على الْوَجْه الْمَشْرُوع، كثر الْفَوَائِد لمن صَاحبه والمفاكهة، ومجلسه مُشْتَمل على الْآدَاب وَحسن الْمنطق والاكرام للواردين عَلَيْهِ من أَهله ومحبيه وتلامذته ومصاحبية، كل من جالسه يَقُول فِي نَفسه أَنا أعز عِنْده من وَلَده مَجْلِسه مَحْفُوظ من الْفُحْش والغيية والتكلم بِمَا لَا يَعْنِيگي، لَا تَخْلُو أوقاته من اكتابه والافادة والمراجعة للمسائل، صَادِق اللهجة ذَا فراسة إيمانية وَحِكْمَة، لقمانية متين الدّين لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم، صداعا بِالْحَقِّ وَلَو عِنْد الْحَاكِم الجائر، تهابه الْحُكَّام والقضاة وَأهل السياسة.
كَانَت دمشق فِي زَمَنه أعدل الْبِلَاد وللشرع بهَا ناموس عَظِيم، لَا يتجاسر أحد على ظلم أحد وَلَا على إِثْبَات حق بِغَيْر وَجه شَرْعِي وَلَا فِي غَالب الْبِلَاد الْقَرِيبَة مِنْهَا، فَإِنَّهُ كَانَ إِذا حكم على أحد بِغَيْر وَجه شَرْعِي جَاءَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِصُورَة حجَّة القَاضِي فيفتية بِبُطْلَانِهِ وَيُرَاجع القَاضِي فَينفذ فتواه، وَقل أَن تقع وَاقعَة مهمة أَو مشكلة مدلهمة فِي سَائِر الْبِلَاد أَو بَقِيَّة المدن الاسلامية وقراها إِلَّا ويستفتى فِيهَا مَعَ كَثْرَة الْعلمَاء الاكابر والمفتين فِي كل مَدِينَة، وَكَانَت أَعْرَاب الْبَوَادِي إِذا وصلت إِلَيْهِم فتواه لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا مَعَ جهلهم بالشريعة المطهرة، وَكَانَت كَلمته نَافِذَة وشفعته مَقْبُولَة وَكِتَابَة مَيْمُونَة، مَا كتب لَاحَدَّ شَيْئا إِلَّا وانتفع بِهِ لصدق نِيَّته وَحسن سَرِيرَته، وَقُوَّة يقينه، وَشدَّة دينه، وصلابتة فِيهِ.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى مغرما بتصحيح الْكتب وَالْكِتَابَة عَلَيْهَا، فَلَا يدع شَيْئا من قيد أَو اعْتِرَاض أَو تَنْبِيه أَو جَوَاب أَو تَتِمَّة فَائِدَة إِلَّا ويكتبه على الْهَامِش وَيكْتب المطالب أَيْضا.
وَكَانَت عِنْده كتب من سَائِر الْعُلُوم لم يجمع على منوالها، وَكَانَ كثير مِنْهَا بِخَط يَده وَلم يدع كتابا مِنْهَا إِلَّا وَعَلِيهِ كِتَابه، وَكَانَ(7/421)
وَالسَّبَب فِي جُمُعَة لهَذِهِ الْكتب العديمة النظير وَالِدَة، فَإِنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي لَهُ كل كتاب أرادة وَيَقُول لَهُ اشْتَرِ مَا بدا لَك من الْكتب وَأَنا أدفَع أَنا أدفَع لَك الثّمن فَإنَّك أَحييت مَا أمته أَنا من سيرة سلفي، فجزاك الله تَعَالَى خيرا يَا ولدى، أعطَاهُ كتب أسلافه الْمَوْجُودَة عِنْده من أَثَرهم الْمَوْقُوفَة على ذَرَارِيهمْ، وَعِنْدِي بعض مِنْهَا وَالله تَعَالَى الْحَمد.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى حَرِيصًا على إصْلَاح الْكتب، لَا يمر على مَوضِع مِنْهَا فِيهِ غلط إِلَّا أصلحه
وَكتب عَلَيْهِ مَا يُنَاسِبه، وَكَانَ حسن الْخط حسن القشط، قل أَن يرى من يكْتب مثله على الْفَتَاوَى وعَلى هوامش الْكتب فِي الْجَوْدَة وَحسن الْخط وتناسق الاسطر وتناسق الاسطر وتناسبها، وَلَا يكْتب على سُؤال على سُؤال رفع إِلَيْهِ إِلَّا أَن يُغَيِّرهُ غَالِبا.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فَقِيه النَّفس انْفَرد بِهِ فِي زَمَنه بخاثا مَا باحثه أحد إِلَّا وَظهر عَلَيْهِ، وَقد حكى تلميده صَاحب الفضلية الْعَلامَة مُحَمَّد أَفَنْدِي جابي زَاده قَاضِي الْمَدِينَة المنورة أَن شيخ االاسلام عَارِف عصمت بك مفتي السلطنه بدار الْخلَافَة الْعلية قَالَ لَهُ: إِنِّي كنت أُؤَمِّل أَن تطلب لي الاجارة من شيخك للتبرك، وَكَانَ تلمية هـ الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد أفنيي الْحلْوانِي مفتي بيروت يَقُول لي: مَا سَمِعت مثل تَقْرِير سَيِّدي والذك فِي درسه، حَتَّى إِنِّي كثيرا مَا أجتهد فِي مطالعة الدَّرْس، وأطالع عَلَيْهِ سَائِر الْحَوَاشِي والشروح والكتابات على الدَّرْس، وأظن من نَفسِي أَنِّي فهمت سَائِر الاشكالات وأجوبتها، وَحين أحضر الدَّرْس يُقرر شَيخنَا الدَّرْس وَيتَكَلَّم على جَمِيع مَا طالعته مَعَ التَّوْضِيح والتفهيم، ويزيدنا فَوَائِد مَا سمعنَا بهَا وَلَا رأيناها، وَلم يخْطر على فكر أحد ذكرهَا.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى بارا بِوَالِديهِ، وَمَات الده فِي حَيَاته سنة سبع وَثَلَاثِينَ بعد الْمِائَتَيْنِ والالف، وَصَارَ يقْرَأ كل لَيْلَة عِنْد النّوم مَا تيَسّر من الْقُرْآن الْعَظِيم ويهدية ثَوَابه مَعَ مَا تقبل لَهُ من الاعمال حَتَّى رأى وَالِده فِي النّوم بعد شهر من وَفَاته وَقَالَ لَهُ: جَزَاك الله تَعَالَى خيرا يَا وَالِدي على هَذِه الْخيرَات الَّتِي تهديها إِلَى قي كل لَيْلَة، وَكَانَت جدة سَيِّدي أم ولدد من بَنَات الشَّيْخ المحبى صَاحب التَّارِيخ الْمَشْهُور وَأما وَالِدَة سَيِّدي فقد توفّي فِي حَيَاتهَا، وَكَانَت صَالِحَة صابرة تقْرَأ من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة مائَة ألف مرّة سُورَة الاخلاص وتهب ثَوَابهَا لولدها سَيِّدي الْوَالِد، وَتصلي كل لَيْلَة، خمس أقات قَضَاء احْتِيَاطًا، وَكَانَت كَثِيرَة الصَّلَاة وَالصِّيَام، عاشت بعد سنتَيْن، صابرة محتسبة لم تفعل مَا تَفْعَلهُ جهلة النِّسَاء عِنْد فقد أَوْلَادهنَّ، بل كَانَ حَالهَا الرِّضَا بِالْقضَاءِ، وَالْقدر، وَتقول،: الْحَمد الله على جَمِيع الاحوال: وَكَانَت من سلالة طَاهِرَة من ذُرِّيَّة الْحَافِظ الدَّاودِيّ الْمُحدث الشهير، وَكَانَ عَمها الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْحَيّ الدَّاودِيّ صَاحب التأليفات الشهيرة: مِنْهَا الْمنْهَج، وحاشية ابْن عقيل، ومجموع الْفَوَائِد وَغَيرهَا.
وعَلى مَا سَمِعت واشتهر أَن نسبتهم إِلَى حَضْرَة سيدنَا الْعَبَّاس إِلَّا أَنه لَيْسَ بِدَرَجَة الثُّبُوت، وَلَيْسَ عِنْدهم نسب عَلَيْهِ شَهَادَة بنته للزواج، فَمَنعه وَالِده من زواجها وَقَالَ لَهُ: أَخَاف عَلَيْك من
غصب شيخك وعقوقه إِن أعضبت ابْنَته يَوْمًا مَا، وَهَذَا مِمَّا لَا تَخْلُو مِنْهُ الجبلة الانسانية غَالِبا.
وَكَانَ وَالِده رَحمَه الله تَعَالَى شفوقا عَلَيْهِ ويجبه تَامَّة، حَتَّى أَنه لما حج سَيِّدي سنة خمس وَثَلَاثِينَ امْتنع وَالِده من دُخُول دَاره الجوانية مُدَّة غياب سَيِّدي وَلم ينم على فرَاش تِلْكَ الْمدَّة وَهِي أَرْبَعَة أشهر بل بَقِي نَائِما فِي دَاره البرانية.(7/422)
وَكَانَ سَيِّدي رَحمَه الله تَعَالَى ورعا فِي سَائِر أَحْوَاله، وعَلى الْخُصُوص فِي حَال إِحْرَامه فِي حجَّته الْمَذْكُورَة، فَإِنَّهُ تحرى للطام غَايَة التَّحَرِّي مَعَ قلَّة تنَاول الطَّعَام إِلَّا بِقدر الضَّرُورَة.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى كثير الْبر والصلة لارحامه يواسيهم بأفعاله وَمَاله، بالخصوص شقيقه الْعَلامَة الْفَاضِل الْفَقِيه الصُّوفِي التقي الصَّالح السَّيِّد عبد الْغَنِيّ، وَكَانَ يعتنى ويتفرس الْخَيْر بأكبر أَوْلَاده، وَهُوَ الْعَالم الْعَلامَة الْعُمْدَة الفهامة الشَّيْخ السَّيِّد أَحْمد أَفَنْدِي أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق حَالا، ويهتم بتربيته وَيَقُول الدالدة: دع لي من ولدك السَّيِّد أَحْمد وَأَنا أربيه وأعمله، فَعلمه الْقُرْآن الْعَظِيم وأقرأه مسلسلات الْعَلامَة ابْن عقلية، أجَازه إجازه عَامَّة حَتَّى صَار من أفاضل عصره، وَله تَأْلِيفَات عديدة: مِنْهَا شرح مولد ايْنَ حجر شَرحه شرحا لم سيبق لعى منوالد، وَشرح علم الْحَال الَّذِي ألف صَاحب السماحة والفضيلة، والفضيلة جندي زَاده أَمِين أَفَنْدِي العباسي مُحَمَّد أَبُو الْخَيْر، مسود الْفَتْوَى بِدِمَشْق، وخطيب جَامع برسبايي الشهير بِجَامِع الْورْد ومدرسه.
وَثَانِيهمَا السَّيِّد رَاغِب إِمَام الْجَامِع الْمَذْكُور.
وَكَانَ سَيِّدي رَحمَه الله تَعَالَى ذهب مرّة مَعَ شَيْخه لاسيد مُحَمَّد شَاكر الْمَذْكُور لزيارة بعض عُلَمَاء الْهِنْد وصلحائها الشَّيْخ مُحَمَّد عبد النَّبِي لما ورد دمشق، فَلَمَّا دخلا عَلَيْهِ جلس شيخ سَيِّدي وَبَقِي سَيِّدي وَاقِفًا فِي العتبة بَين يَدي شَيْخه حَامِلا نَعله بِيَدِهِ كَمَا هُوَ عَادَته مَعَ شَيْخه، فَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد عبد النَّبِي لشيخ سَيِّدي مر هَذَا الْغُلَام السَّيِّد فليجلس فَإِنِّي لَا أَجْلِس حَتَّى يجلس فَإِنَّهُ ستقبل يَده وَينْتَفع بفضله فِي سَائِر الْبِلَاد وَعَلِيهِ نور آل بَيت النُّبُوَّة، فقا لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد شَاكر اجْلِسْ يالدى وَكَذَلِكَ، وفع لَهُ مَعَ شَيْخه الْمَذْكُور إِشَارَة نَظِير هَذِه من الامام الصُّوفِي الشهير وَالْوَلِيّ الْكَبِير الشَّيْخ طه الْكرْدِي قدس سره، وَمن ذَاك الْوَقْت زَاد اعتناء الشَّيْخ بِهِ والتفاته إِلَيْهِ بالتعليم.
وَكَانَ شيخ الْمَذْكُور كثيرا مَا يَأْخُذهُ مَعَه
ويحضره دروس أشياحه، حَتَّى أَنه أَخذه وأحضره درس شَيْخه الْعَلامَة الْعَامِل الْوَلِيّ الصَّالح شيخ الحدى الشَّيْخ مُحَمَّد الكزبري، واستجازه لَهُ فَأَجَازَهُ وَكتب لَهُ إجَازَة عَامَّة ظهر ثبته، مؤرخة فِي افْتِتَاح لَيْلَة غرَّة سنة عشر ومائيتين وَألف، وترجمه سَيِّدي المرحوم فِي ثبته تَرْجَمَة حَسَنَة فَرَاجعهَا، ورثاه أَيْضا سَيِّدي عِنْد وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة لتسْع عشرَة لَيْلَة خلت من ربيع الاول سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف بقصيدة مؤرخا وَفَاته فِيهَا، ومطلعها: خطب عَظِيم بِأَهْل الدّين قد نزلا فحسبنا الله فِي كل الامور وَلَا وَبَيت التَّارِيخ: إمامنا الكزبري نجم أَفلا * قَلِيل جلقه مَا زَالَ منسدلا وَكَذَلِكَ أحضرهُ درس الْعَالم الْعَلامَة الشَّيْخ الْكَبِير الْمُحدث الشَّيْخ أَحْمد الْعَطَّار، واستجاره لَهُ فَأَجَازَهُ، وَكتب لَهُ إجَازَة عَامَّة على ظهر ثبته بِخَطِّهِ مؤرخة فِي منتصف محرم الْحَرَام سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف.
وَقد تَرْجمهُ سَيِّدي المرحوم الْوَالِد، فِي ثبته عُقُود الآلي تَرْجَمَة حَسَنَة فَرَاجعهَا، ورثاه عِنْد وَفَاته مَعَ غرُوب الشَّمْس بهار الْخَمِيس التَّاسِع من ربيع الثَّانِي سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف بقصدة مؤرخان وَفَاته بهَا، ومطلعها: ليقدح الْجَهْل فِي الْبلدَانِ بالشرر * وَليكن الْعلم فِي كتب وَفِي سطر(7/423)
وَقد أَخذ سَيِّدي عَن مَشَايِخ كثيرين مِنْهُم الشَّيْخ الامير الْكَبِير الْمصْرِيّ، وَأَجَازَهُ إِجَارَة عَامَّة كبتها لَهُ بِخَطِّهِ الشريف وخمتها بختمه المنيف، وأرسلها لَهُ مؤرخة فِي غَزَّة رَمَضَان الْمُعظم قدره من شهور عَام ثَمَانِيَة وَعشْرين بعد الالف والمائتين من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة، وَكَذَا أَخذ عَن مَشَايِخ كثيرين يطول ذكر هم هُنَا من شاميين ومصريين وحجازيين وعراقيين وروميين.
وَكَانَ لَهُ عَم من أهل الصّلاح ومظنة الْولَايَة وَمن أهل الْكَشْف، اسْمه اشيخ صَالح اسْم على مُسَمّى، حَتَّى أَنه بشر أمه بِهِ قبل وِلَادَته، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ مُحَمَّد أَمِين حِين كَانَ فِي بطن أمه، يَضَعهُ فِي حَال صغره فِي حجره وَيَقُول لَهُ أَعطيتك عَطِيَّة الاسياد فِي رَأسك.
وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى لَهُ خيرات عَامَّة: مِنْهَا تعمير الْمَسَاجِد، وافتقاد الارامل والفقراء.
وَكَانَت تسْعَى إِلَيْهِ الوزراء والامراء والموالي وَالْعُلَمَاء والمشايخ والكبراء والفقراء وَذَا الْحَاجَات، وعظمت بركته وَعم نَفعه، وَكثر أَخذ النَّاس عَنهُ.
وغالب من أَخذ عَنهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِ أكَابِر النَّاس وأشرافهم وأجلاؤ هم من الموَالِي وَالْعُلَمَاء الْكِبَار والمفتين والمدرسين وَأَصْحَاب، التاليف والمشاهير، وقصده النَّاس من الاقطار الشاسعة للْقِرَاءَة لعيه والاخذ عَنهُ.
فَمِمَّنْ قَرَأَ عَلَيْهِ أَخذ عَن شفيقه الْعَلامَة الْفَاضِل الْفَقِيه الصُّوفِي السَّيِّد عبد الْغَنِيّ الْمَذْكُور وَمِنْهُم ولد أَخِيه الْمَذْكُور الشَّيْخ أَحْمد أَفَنْدِي أَمِين الْفَتْوَى بِدِمَشْق حلا صَاحب التَّأْلِيف الشهيرة.
وَمِنْهُم ابْن ابْن عَمه الشَّيْخ صَالح ابْن السَّيِّد، عابدين، وَمِنْهُم صَاحب الفضيلد والسماحة الْعَالم الْعَلامَة عُمْدَة الموالى الْعِظَام جابي زَاده السَّيِّد مُحَمَّد أَفَنْدِي قَاضِي الْمَدِينَة المنورة سَابِقًا، وَمن أَصْحَاب بايه إسلامبول الْحَائِز للنشيان العالي المجيدي من الرُّتْبَة الثَّانِيَة من تشريف فِي حَضرته باية إسلامبول، وافتخرت فِيهِ على من نالها بفضائله وَعلمه الَّذِي أقرَّت بِهِ الفحول.
وبكمال علومه وَقدره مَعَ فَضله زَاد فِيهِ.
رفْعَة وَعز النشيان العالي المجيدي من الرُّتْبَة الثَّانِيَة الَّتِي افتخرت فِيهَا أعاظم الرِّجَال وَهِي فِيهِ فاقت وتخترت على أكَابِر أهل الْكَمَال فَإِنَّهُ أَخذ عَنهُ سَائِر الْعُلُوم وَبِه انْتفع.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة الزَّاهِد العابد الْوَرع التقي النقى فَقِيه النَّفس الشَّيْخ يحيى السردست أحد أفاضل الصُّوفِيَّة فِي زَمَنه فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة الْعُمْدَة الفهامة الفهامة فَقِيه الْعَصْر الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الغنيمي الميداني شَارِح القدروي وعقيدة الطَّحَاوِيّ، فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة والعمدة الفهامة ة الشَّيْخ حسن البيطار فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ الْعُقُود الدرية، وَعَلِيهِ تخرج فِي مَذَاهِب السَّادة الْحَنَفِيَّة.
وَمِنْهُم ولد المرقوم الْعَالم الْعَلامَة الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي البيطار فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج، وَهُوَ أَمِين فَتْوَى دمشق الشَّام حَالا.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة أَحْمد أَفَنْدِي الاسلامبولي محشي الدُّرَر، فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْفَاضِل والعالم الْكَامِل فَرضِي دمشق وَرَئِيس حِسَابهَا السَّيِّد حُسَيْن الرسَالَة، فَإِنَّهُ عَن أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة الْقدْوَة الفهامة صَاحب التَّأْلِيف المفيدة والتصانيف النفيسة فِي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول: الشَّيْخ يُوسُف بدر الدّين المغربي، فَإِنَّهُ عَنهُ أَخذ وَبِه انْتفع وَعَلِيهِ تخرج.
وَمِنْهُم الْعَلامَة الْفَاضِل الشَّيْخ عبد الْقَادِر الجابي،
وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد الجقلي.
وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي الْمُنِير أحد أَصْحَاب باية أزمير الْمُجَرَّدَة.
وَمِنْهُم الْعَلامَة الْفَاضِل الشَّيْخ عبد الْقَادِر الخلاصي شَارِح الدّرّ الْمُخْتَار والالفية لِابْنِ مَالك وَغير هما.
وَمِنْهُم عُمْدَة الموَالِي الْكِرَام عَليّ أَفَنْدِي الْمرَادِي مقتي دمشق الشَّام.
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَلامَة، الْعُمْدَة الفهامة، نخبة الموَالِي الفخام عبد الْحَلِيم ملا قَاضِي الشَّام وقاضي عَسْكَر أَنا طولي.
وَمِنْهُم الشَّيْخ حسن بن خَالِد بك.
وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد تلو.
وَمِنْهُم الشَّيْخ محيي الدّين اليافي.
وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد المحلاوي الْمصْرِيّ شيخ(7/424)
الْقُرَّاء فِي زَمَنه.
وَمِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْجمل الْمصْرِيّ.
وَمِنْهُم الشَّيْخ أَيُّوب الْمصْرِيّ.
وَمِنْهُم الشَّيْخ الملا عبد الرَّزَّاق الْبَغْدَادِيّ أحد مشاهير عُلَمَاء بَغْدَاد وأفاضلها.
وَمِنْهُم الشَّيْخ مصلح قَاضِي جَنِين.
وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد البزري قَاضِي صيدا.
ومهم أَخُوهُ الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي مفتيها.
وَمِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد أَفَنْدِي الآتاسي مفتي حمص وَأَخُوهُ أَمِين فتواه.
وَمِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد سُلَيْمَان الاروادي وَغَيره مِمَّن يطول ذكرهم وَلَا يُحْصى عَددهمْ من أفاضل وأعيان، فإينهم انتفعوا بِهِ وَأخذُوا عَنهُ وَعَلِيهِ تخْرجُوا.
مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى ضحورة يَوْم الاربعاء الْحَادِي وَالْعِشْرين من ربيع الثَّانِي سنة 1252، وَكَانَت مُدَّة حَيَاته قربيا من أَربع وَخمسين سنة، وَدفن بمقبرة فِي بَاب الصَّغِير فِي التربة الفوقانية، لَا زَالَت سحائب الرَّحْمَة تبل ثراه فِي الكبرة والعشية، وَكَانَ قبل مَوته بِعشْرين يَوْمًا قد اتخذ لنَفسِهِ الْقَبْر الَّذِي دفن فِيهِ، وَكَانَ فِيهِ بِوَصِيَّة مِنْهُ لمجاورته لقبر العلامتين: الشَّيْخ العلائي شَارِح التَّنْوِير وَالشَّيْخ صَالح الجينيني إِمَام الحَدِيث ومدرسه تَحت قبه النسْر، وَهَذَا مِمَّا يدل على حيه للشَّارِح العلائي، لَا سِيمَا، وَقد حشى لَهُ شرحيه على الدّرّ والملقتى وَشَرحه على الْمنَار، وسماني ياسمه وأرخ ولادتي على ظهر كِتَابه الدّرّ الْمُخْتَار فِي اليلة الثُّلَاثَاء لثَلَاثَة مضين من شهر ربيع الثَّانِي، 1244 رَحمَه الله تَعَالَى الْعَزِيز االغفار، وَقد مدحه بقصيدة وَهِي قَوْله: عَلَاء الدّين يام مفتي الانام * جَزَاك الله خى على الدَّوَام لقد أبرزت للفتيا كتابا * مُبينًا للْحَلَال وللحرام
لقد أَعْطَيْت فضلا لَا يضاهي * وعلما وافرا كالصب طام فَكنت بِهِ فريد الْعَصْر حتما * كَمثل الْبَدْر فِي وفن التَّمام وَكَانَ بك الزَّمَان خصيب عَيْش * رطيباذا حبور وابتسام وفَاق بدرك الْمُخْتَار عقد * لفقه أبي حنفة ذُو انتظام بِأَلْفَاظ تَرين الصعب سهلا * ومطروحا على طرف الثمام إِذا مَا قلت قولا قيل فِيهِ * على قَول إِذا قَالَت حذام صَغِير الحجم حاوي الجل مِمَّا * تنقح فِي ربى الْكتب الْعِظَام فَكل الصَّيْد فِي جَوف الفرا إِن * تقل ذَا لست تخشى من ملام حوى اسْما قد أُتِي طبق الْمُسَمّى * وَمَا تَأتي كَذَا كل الاسامي وَكَانَت لَهُ جَنَازَة حافلة مَا عهد نظيرها، حَتَّى أَن جنَازَته رفعت على رُؤُوس الاصابع من تزاحم الْخلق، وخوفا من قوعها وإضرار النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى صَار حَاكم الْبَلدة وعساكره يفرقون النَّاس عَنْهَا، وَصَارَ النَّاس عُمُوما يَبْكُونَ نسَاء ورجلا كبار وصغارا وَصلى عيه فِي جَامع سِنَان باشا، وعض بهم الْمَسْجِد حَتَّى صلوا فِي الطَّرِيق، وَصلى عَلَيْهِ إِمَامًا باالناس الشَّيْخ سعيد الْحلَبِي، وَصلى عَلَيْهِ غَائِبَة فِي أَكثر الْبِلَاد، وَلم يتْرك أَوْلَادًا ذُكُورا غير هَذَا الحقير الْعَاجِز الْفَقِير الملتجي إِلَى عناية مَوْلَاهُ الْقَدِير جَامع هَذِه التكملة، حعلها الله تَعَالَى خَالِصَة لوجهه الْكَرِيم، ورحم الله تَعَالَى روحه، وَنور مرقده وضريحه، وَجَزَاء الله تَعَالَى عني وَعَن الْمُسلمين خيرا، نَفَعَنِي بِهِ وبعباده الصَّالِحين فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.(7/425)
وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود، بعون ذِي الْفضل والجود، فَنَقُول بعون الله تَعَالَى: قَول العلائي.
قَوْله: (قَالَ الْمحشِي) هُوَ الشَّيْخ صَالح على مَا يتَبَادَر من سابقه وَمن نَقله عَنهُ كثيرا، وَلَا حَاجَة إِلَى هَذِه الْعبارَة للاستغناء عَنْهَا بِمَا قبلهَا ط.
مطلب: دَعْوَى الْهِبَة من غير قبض غير صَحِيحَة
قَوْله: (مَعَ قبض) قيد بِهِ، لَان دَعْوَى الْهِبَة من غير قبض غير صَحِيحَة، فَلَا بُد فِي دَعْوَاهَا من ذكر الْقَبْض وَلِهَذَا صور الْمَسْأَلَة شرَّاح الْهِدَايَة بِأَنَّهُ ادّعى أَنه وَهبهَا لَهُ وَسلمهَا ثمَّ غصبهَا مِنْهُ.
مطلب: الاقرار بِالْهبةِ هَل يكون إِقْرَارا بِالْقَبْضِ؟ وَذكر الْعِمَادِيّ اخْتِلَافا فِي الاقرار بِالْهبةِ أَيكُون إِقْرَارا بِالْقَبْضِ، قيل نعم لانه كقبول فِيهَا، والاصح لَا، وَقيد بِذكر التَّارِيخ لَهما لانه لَو لم يذكر لَهما تَارِيخ أَو ذكر لاحدهما فَقَط تقبل لامكان التَّوْفِيق بِأَن يَجْعَل الشِّرَاء مُتَأَخِّرًا اهـ بَحر.
وَفِيه أَيْضا وَأَشَارَ الْمُؤلف إِلَى أَنه لَو ادّعى الشِّرَاء أَولا ثمَّ برهن على الْهِبَة أَو الصَّدَقَة، فَإِن وفْق فَقَالَ جحدني الشِّرَاء ثمَّ وَهبهَا مني أَو تصدق قبل وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي خزانَة الاكمل وَفِي منية الْمُفْتِي: ادَّعَاهَا إِرْثا ثمَّ قَالَ جحدني فاشتريتها وَبرهن تقبل اهـ.
ذكر مسَائِل من التَّنَاقُض: مِنْهَا لَو ادّعى الشِّرَاء من أَبِيه فِي حَيَاته وَصِحَّته فَأنْكر وَلَا بَيِّنَة فَحلف ذُو الْيَد فبرهن الْمُدَّعِي أَنه ورثهَا من أَبِيه تقبل لامكان التَّوْفِيق.
مطلب: برهن على أَنه لَهُنَّ بالارث ثمَّ قَالَ لم يكن لي قطّ وَلَو داعى الارث أَولا ثمَّ الشِّرَاء لَا تقبل لعدمه.
وَمِنْهَا برهن على أَنه لَهُ بالارث ثمَّ قَالَ: لم يكن لي قطّ أَو لم يزدْ قطّ لم يقبل برهانه وَبَطل الْقَضَاء.
مطلب: دَعْوَى الشِّرَاء بعد الْهِبَة مسموعة مُطلقًا وَالشِّرَاء قبل هبة من غير قبض مسموعة أَيْضا وتقييده بِالْقَبْضِ لَيْسَ للِاحْتِرَاز عَن دَعْوَى الشِّرَاء بَعْدَمَا ادّعى الْهِبَة بِدُونِ التَّسْلِيم أَبُو السُّعُود.
قَوْله: (فِي وَقت) ظرف لهبة لَا لادعى اهـ ح، وَذَلِكَ كَمَا إِذا ادّعى أَنه وَهبهَا لَهُ فِي رَمَضَان.
قَوْلُهُ: (وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ: (أَوْ لَمْ يقل ذَلِك) اهـ ح.
مطلب: التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ شَرط فِي الِاسْتِحْسَان وَهُوَ الاصح
قَوْله: (بِإِمْكَان التَّوْفِيق) أَي مُطلقًا من الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ تعدد وَجهه أَو اتَّحد بَحر.
وَفِيه أَنَّ هَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ التَّوْفِيقَ بِالْفِعْلِ شَرْطٌ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَجَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ هُوَ الاصح كَمَا فِي منية الْمُفْتِي.(7/426)
أَقُول: لَكِن نقل فِي نور الْعين عَن فَتَاوَى رشيد الدّين: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل، نَحْو أَن يبرهن بعد الحكم أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الدَّار لَا يبطل الحكم، لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَنَّهُ شِرَاء بِخِيَار فَلم يملكهُ فِي ذَلِك الزَّمَان ثمَّ مَضَت مُدَّة الْخِيَار وَقت الحكم فملكه، فَلَمَّا احْتمل هَذَا لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك، وَلَو برهن قبل الحكم يقبل وَلَا يحكم، إِذْ الشَّك يدْفع الحكم وَلَا يرفعهُ.
يَقُول الحقير: الظَّاهِر أَنه لَو برهن قبل الحكم فِيمَا لم يكن التَّوْفِيق خفِيا يَنْبَغِي أَن لَا يقبل وَيحكم على مَذْهَب من جعل إِمْكَان التَّوْفِيق كَافِيا، إِذْ لَا شكّ حِينَئِذٍ لَان إِمْكَانه كتصريحه عِنْدهم، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
كَذَا فِي نُسْخَتي نور الْعين.
وَالَّذِي يظْهر زِيَادَة لَا فِي قَوْله يَنْبَغِي أَن لَا يقبل كَمَا هُوَ ظَاهر لمن تَأمل، وَسَيَأْتِي تَمام الْكَلَام على ذَلِك قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا الخ.
مَطْلَبٌ: مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَسَعْيُهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ إلَّا فِي موضِعين
قَوْله: (وَهُوَ مُخْتَار شيخ الاسلام) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ فِي فَصْلِ الْفُضُولِيِّ، بِأَنْ لَا يَكُونَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، لَان كل مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَته فسعيه مَرْدُود عَلَيْهِ، فَقَوْلهم: إِن إمْكَانُ التَّوْفِيقِ يَدْفَعُ التَّنَاقُضَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، لَان مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَته لَا يقبل إِلَّا فِي موضِعين.
الاول: فِيمَا إِذا اشْترى عبدا وَقَبضه ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ قَبْلَهُ مِنْ فلَان الْغَائِب بِكَذَا وَبرهن يقبل.
الثَّانِي: وهب جَارِيَته وَاسْتَوْلَدَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الْوَاهِبُ أَنَّهُ كَانَ دَبَّرَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ وَيَسْتَرِدُّهَا والعقر اهـ.
وَتَمَامه فِيهِ فَرَاجعه إِن شِئْت.
مطلب فِي ارْتِفَاع التَّنَاقُض أَقْوَال أَرْبَعَة
قَوْله: (من أَقْوَال أَرْبَعَة) الاول: لَا بُد من التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الامكان.
الثَّانِي: كِفَايَة الامكان مُطلقًا: أَي من الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ تعدد وَجه التَّوْفِيق أَو اتَّحد.
الثَّالِث: مَا ذكره الخجندي.
الرَّابِع: كِفَايَة الامكان إنْ اتَّحَدَ وَجْهُ التَّوْفِيقِ لَا إنْ تَعَدَّدَتْ وجوهه.
وَهَذَا الْخلاف يجْرِي فِي كل مَوضِع حصل فِيهِ التَّنَاقُض من الْمُدَّعِي أَو مِنْهُ وَمن شُهُوده أَو من الْمُدعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْر، وَمثله فِي حَاشِيَة سيد الْوَالِد عَلَيْهِ.
مطلب: هَل يَكْفِي إِمْكَان التَّوْفِيق لدفع التَّنَاقُض أَو لَا بُد مِنْهُ بِالْفِعْلِ
قَوْله: (أَنه يكفى من الْمُدعى عَلَيْهِ) هَذَا اخْتِصَار.
وأصل عبارَة الخجندي كَمَا فِي الْبَحْر: إِن التَّنَاقُض إِن كَانَ من الْمُدَّعِي فَلَا بُد من التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي الامكان، وَإِن كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ يَكْفِي الامكان، لَان الظَّاهِر عِنْد الامكان وجوده ووقوعه، وَالظَّاهِر حجَّة فِي الدّفع لَا فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْمُدَّعِي مُسْتَحقّ وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ دَافع، وَالظَّاهِر يَكْفِي فِي الدّفع لَا فِي الِاسْتِحْقَاق.
وَيُقَال أَيْضا: إِن(7/427)
تعدد الْوُجُوه لَا يَكْفِي الامكان وَإِن اتَّحد يَكْفِي الامكان والتناقض كَمَا يمْنَع الدَّعْوَى لنَفسِهِ يمْنَع الدَّعْوَى غَيره.
قَوْله: (بعد وَقتهَا) كشوال وَهُوَ ظرف للشراء كقبله اهـ ح.
قَوْلُهُ: (فِي الصُّورَتَيْنِ) يَعْنِي مَا إذَا قَالَ جحدنيها أَولا ح.
قَوْله: (وَقَبله) أَي قبل وَقت الْهِبَة كشعبان.
قَوْله: (لوضوح التَّوْفِيق فِي الْوَجْه الاول) وَهُوَ مَا إِذا كَانَ الشِّرَاء بعد وَقت الْهِبَة.
وَهَذَا التَّعْلِيل إِنَّمَا يظْهر فِيمَا إِذا قَالَ جحدنيها، وَأما إِذا لم يقلهُ فَالَّذِي فِيهِ إِمْكَان التَّوْفِيق.
قَوْله: (وَظُهُور التَّنَاقُض فِي الثَّانِي) لِأَنَّهُ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وشهوده تشهد لَهُ بِهِ قَبْلَهَا، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لَا يُمكن التَّوْفِيق بَينهمَا، ومرادهم بالتناقض مَا يكون بَيْنَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ، وَإِلَّا فَالْمُدَّعِي لَا تَنَاقُضَ مِنْهُ لانه لم يدع الشِّرَاء سَابِقًا على الْهِبَة، والتناقض يبطل الدَّعْوَى.
مطلب: يكون التَّنَاقُض من مُتَكَلم وَاحِد وَمن اثْنَيْنِ وكما يكون من مُتَكَلم وَاحِد يكون من متكلمين كمتكلم وَاحِد حكما كوارث ومورث ووكيل وموكل.
والاولى (1) فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلم أر الْآن الثَّانِيَة صَرِيحًا وَهِي ظَاهِرَة من الاولى.
بَحر.
مطلب: لَا تسمع دَعْوَى الْوَارِث فِيمَا لَا تسمع دَعْوَى مُوَرِثه فِيهِ قَالَ أَبُو السُّعُود: وَفِي هَذَا دلَالَة ظَاهِرَة على مَا نَقله الشَّيْخ حسن الشُّرُنْبُلَالِيَّة فِي رِسَالَة الابراء عَن فَتَاوَى الشَّيْخ الشلبي حَيْثُ حكى الاجماع على أَن دَعْوَى الْوَارِث لَا تسمع فِي شئ لَا تسمع فِيهِ دَعْوَى مُوَرِثه أَن لَو كَانَ حَيا، كَمَا إِذا أقرّ مُوَرِثه بِقَبض مَا يَخُصُّهُ من التَّرِكَة وَأَبْرَأ إِبْرَاء عَاما لَا تسمع دَعْوَى الْوَارِث بعده الخ.
وَإِذا عرف هَذَا فِي الابراء فَكَذَا فِي غَيره من بَقِيَّة الْمَوَانِع، كَمَا لَو ترك الدَّعْوَى فِي حق لَا من جِهَة الارث حَتَّى مضى خمس عشرَة سنة، وَقَوْلهمْ لَا تسمع الدَّعْوَى بعد خمس سنة إِلَّا فِي الارث يحمل على مَا إِذا لم تمض الْخمس عشرَة سنة قبل موت مُوَرِثه اهـ ط.
مطلب: هَل يشْتَرط كَون الْكَلَامَيْنِ المتناقضين فِي مجْلِس القَاضِي أَو الثَّانِي فَقَط؟
قَوْله: (وَهل يشْتَرط كَون الْكَلَامَيْنِ) أَي المتناقضين.
قَوْله: (أَو الثَّانِي فَقَط) أَي وَيحْتَاج إِلَى إِثْبَات الاول عِنْد القَاضِي ليدفع بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي.
قَوْله: (وَيَنْبَغِي تَرْجِيح الثَّانِي) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّنَاقُضُ مِنَحٌ.
وَفِي النَّهْرِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي اشْتِرَاطُهُمَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، إذْ مِنْ شَرَائِطِ الدَّعْوَى كَونهَا لَدَيْهِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي، بَلْ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ لَفْظِيًّا لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ سَابِقًا عَلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَى مَا عِنْدَهُ حُصُولُ التَّنَاقُضِ، وَالثَّابِتُ بِالْبَيَانِ كَالثَّابِتِ بِالْعِيَانِ فَكَأَنَّهُمَا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَاَلَّذِي شَرط كَونهمَا فِي مجْلِس يعم الْحَقِيقِيّ والحكمي فِي السَّابِق واللاحق اهـ.
وَهُوَ حسن.
__________
(1)
قَوْله: (والاول) أَي مَسْأَلَة للْوَارِث والمورث اهـ.(7/428)
لَكِن ذكر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَاشِيَته على الْبَحْر بعد ذكر نَحْو مَا تقدم: قلت: وَسَيَأْتِي فِي الْوكَالَة أَن الْوَكِيل بِالْخُصُومَةِ يَصح إِقْرَاره لَو أقرّ عِنْد القَاضِي لَا عِنْد غَيره، وَلكنه يخرج بِهِ عَن الْوكَالَة.
وَعند أبي يُوسُف: يَصح إِقْرَاره مُطلقًا، لَان الشئ إِنَّمَا يخْتَص بِمَجْلِس الْقَضَاء إِذا لم يكن مُوجبا إِلَّا بانضمام الْقَضَاء إِلَيْهِ كالبينة والنكول.
وَلَهُمَا: أَن المُرَاد بِالْخُصُومَةِ الْجَواب مجَازًا، وَالْجَوَاب يسْتَحق فِي مجْلِس الحكم فَيخْتَص بِهِ، فَإِذا أقرّ فِي غَيره لَا يعْتَبر لكَونه أَجْنَبِيّا فَلَا ينفذ على الْمُوكل لكنه
يخرج بِهِ عَن الْوكَالَة لَان إِقْرَاره يتَضَمَّن أَنه لَيْسَ لَهُ ولَايَة الْخُصُومَة اه.
وَالْحَاصِل: أَن اخْتِصَاصه بِمَجْلِس القَاضِي لكَون لفظ الْخُصُومَة يتَقَيَّد بِهِ، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك، فَالَّذِي يظْهر تَرْجِيح عدم اشْتِرَاط كَون الْكَلَامَيْنِ فِي مجْلِس القَاضِي اهـ.
قَوْله: (يرْتَفع بِتَصْدِيق الْخصم) أَي بكلاميه المتناقضين.
مطلب: يرْتَفع المتناقض بقول المتناقض تركت
قَوْله: (وَبقول المتناقض تركت الاول الخ) أَقُول: فِيهِ أَنه حِينَئِذٍ لَا يبْقى تنَاقض أصلا، لَان كل متناقض يُمكنهُ أَن يَقُول ذَلِك، وَالظَّاهِر أَن هَذَا مَخْصُوص بِمَسْأَلَة مَا إِذا ادَّعَاهُ مُطلقًا ثمَّ ادَّعَاهُ بِسَبَب الخ، فَإِذا قَالَ ذَلِك قبل قَوْله: أما لَو قَالَ هَذَا ملك الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ بل ملكي تركت الاول وَادّعى بِالثَّانِي فَلَا قَائِل بِهِ، ويرشدك لذَلِك.
قَوْله: (تركت الاول الخ) .
ثمَّ رَأَيْت فِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى، فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تسمع لانها دَعْوَى مُبتَدأَة، وَإِلَّا فَلَا اهـ.
وَفِيه أَيْضا وبرجوع المتناقض عَن الاول بِأَن يَقُول تركته وَادّعى بِكَذَا.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ بعد كَلَام: وَظَاهر مَا ذكره الْمُؤلف فِي الِاسْتِحْقَاق: أَي صَاحب الْبَحْر، أَن مَسْأَلَة رُجُوع المتناقض بحث مِنْهُ.
ثمَّ رَأَيْت البزازي ذكر بعد ذَلِك فِي نوع فِي الدّفع، وَذكر القَاضِي ادّعى بِسَبَب وشهدا بالمطلق لَا يسمع وَلَا تقبل لَكِن لَا تبطل دَعْوَاهُ الاولى، حَتَّى لَو قَالَ أردْت بالمطلق الْمُقَيد يسمع كَمَا مر إِن برهن على أَنه لَهُ.
وَفِي الذَّخِيرَة أَيْضا: ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْتُ الْمُطْلَقَ يقبل وَيبْطل الدّفع اهـ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَالَ الرَّمْلِيّ: رُبمَا يشكل عَلَيْهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّة وَغَيرهَا: ادّعى على زيد أَنه دفع لَهُ مَالا ليدفعه إِلَى غَرِيمه وحلفه ثمَّ ادَّعَاهُ على خَالِد وَزعم أَن دَعْوَاهُ على زيد كَانَ ظنا لَا يقبل، لَان الْحق الْوَاحِد كَمَا لَا يسْتَوْفى من اثْنَيْنِ لَا يُخَاصم مَعَ اثْنَيْنِ بِوَجْه وَاحِد اهـ.
وَوجه إشكاله أَنه لما قَالَ إِن دَعْوَاهُ على زيد كَانَ ظنا فقد ارْتَفع التَّنَاقُض، وَالله تَعَالَى أعلم.
ذكره الْغَزِّي.
وَأَقُول: قد كتب فرقا فِي حاشيتي على جَامع الْفُصُولَيْنِ بَين فرع البزازي وَفرع ذكره فَرَاجعه، وَيفرق هَا هُنَا بِأَن فِيمَا ذكره البزازي امْتنع ارْتِفَاع
التَّنَاقُض لتَعَلُّقه بِاثْنَيْنِ فَلَا تصح الدَّعْوَى لما ذكره من امْتنَاع مخاصمة الِاثْنَيْنِ فِي حق وَاحِد، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي الْوَاحِد وَهُوَ مَحل مَا فِي هَذَا الشَّرْح فَتدبر اهـ.
مطلب: يرْتَفع التَّنَاقُض بقول المتناقض تركت
قَوْلُهُ: (أَوْ بِتَكْذِيبِ الْحَاكِمِ) كَمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ عَنْ مَدْيُونِهِ بِأَلْفٍ فَأَنْكَرَ الْكَفَالَةَ وَبَرْهَنَ الدَّائِنُ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْ مَدْيُونِهِ وَحكم بِهِ الْحَاكِم وَأخذ الْمَكْفُول لَهُ مِنْهُ الْمَالَ، ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ ادَّعَى عَلَى(7/429)
الْمَدْيُونِ أَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَبَرْهَنَ عَلَى ذَلِكَ يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَدْيُونِ بِمَا كَفَلَ لِأَنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِالْقَضَاءِ.
كَذَا فِي الْمنح ح.
وَكَذَا إِذا اسْتحق المُشْتَرِي من المُشْتَرِي بالحكم يرجع على البَائِع بِالثّمن وَإِن كَانَ كل مُشْتَر مقرا بِالْملكِ لبَائِعه، لكنه لم حكم ببرهان الْمُسْتَحق صَار مُكَذبا شرعا باتصال الْقَضَاء بِهِ اهـ ط.
وَمثله فِي الانقروي، وَإِنَّمَا احْتَاجَ للدعوى لاثبات كَون الْكفَالَة بالامر لَا لاثبات أصل الْكفَالَة، إِذْ هِيَ من الْمسَائِل الَّتِي يكون الْقَضَاء بهَا على الْحَاضِر قَضَاء على الْغَائِب.
قَوْله: (وَتَمَامه فِي الْبَحْر) وَعبارَة الْبَحْرِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَى، وَهِيَ: إذَا قَالَ تَرَكْتُ أَحَدَ الْكَلَامَيْنِ يُقْبَلُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: ادَّعَاهُ مُطْلَقًا فَدَفَعَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّك كُنْت ادَّعَيْته قَبْلَ هَذَا مُقَيَّدًا وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ الْمُدَّعِي أَدَّعِيهِ الْآنَ بِذَلِكَ السَّبَبِ وَتَرَكْتُ الْمُطْلَقَ يُقْبَلُ وَيبْطل الدّفع اهـ.
فَإِنَّ الْمَتْرُوكَ الثَّانِيَةُ لَا الْأُولَى، وَمَعَ هَذَا نَظَرَ فِيهِ صَاحِبُ النَّهْرِ هُنَاكَ.
وَقَدْ يُقَالُ: ذَلِكَ الْقَوْلُ تَوْفِيقٌ بَيْنَ الدَّعْوَتَيْنِ.
تَأَمَّلْ.
وَذَكَرَ سَيِّدِي الْوَالِدُ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ تَأْيِيدَ مَا فِي النَّهر.
مطلب: ادّعى بِسَبَب ثمَّ ادَّعَاهُ مُطلقًا وَقَالَ فِي الْخَانِية: رجل ادّعى الْملك بِسَبَبٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَ شُهُودُهُ بِذَلِكَ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنه لَا تسمع دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ.
قَالَ مَوْلَانَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: قَالَ جَدِّي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تقبل بَيِّنَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ، حَتَّى لَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِهَذَا الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ الْمِلْكَ بِذَلِكَ السَّبَبِ تسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته اه.
مطلب: ادّعى وَقفا ثمَّ ادَّعَاهُ ملكا لنَفسِهِ لَا تقبل
قَوْله: (ثمَّ ادَّعَاهَا لنَفسِهِ) لوُجُود التَّنَاقُض مَعَ عدم إِمْكَان التَّوْفِيق، إِذْ الْوَقْف لَا يصير ملكا ط.
قَوْله: (لم تقبل للتناقض) لَان الانسان لَا يضيف مَال نَفسه إِلَى غَيره.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ بعد ذكر الْمَسْأَلَة فِي الْفَصْل 39 أَقُول: يُمكن أَيْضا فِي هَذَا أَنه أضَاف مَال الْغَيْر إِلَى نَفسه فَلَا تنَاقض حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَن يكون مَقْبُولًا اهـ.
قَوْله: (وَقيل تقبل إِن وفْق) هَذَا رَاجع إِلَى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة دون مَسْأَلَة الْوَقْف، وَمُقْتَضى مَا سبق أَن إِمْكَان التَّوْفِيق بِمَا ذكر كَاف ط.
وَأما مَا ذكر الشَّارِح فَلَيْسَ بكاف بل لَا بُد مِنْهُ بِالْفِعْلِ، وَقد تقدم أَن الِاسْتِحْسَان أَن التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ شَرط.
مطلب: ادّعى الْملك ثمَّ ادَّعَاهُ وَقفا تقبل
قَوْله: (ثمَّ ادّعى الْوَقْف عَلَيْهِ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْر.
وَالَّذِي فِي الْحَمَوِيّ عدم التَّقْيِيد بقوله عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَاعِدَةِ إعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْوَقْفَ الْمَارَّ.
قِيلَ: وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ التَّوْفِيقُ لِأَنَّهُ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ، وَيُمْكِنُ جَرَيَانُهُ عَلَى مَذْهَبِ الثَّانِي الْقَائِلِ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ على نَفسه اهـ.
وَلَا يخفى عَلَيْك مَا فِيهِ، لما فِي الْبَحْرِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ تُسْمَعُ لصِحَّة الاضافة بالاخصية انتفاعا كَمَا لَو ادَّعَاهَا لنَفسِهِ ثمَّ لغيره اهـ.
تَأمل.
قَوْله: (تقبل)(7/430)
لاحْتِمَال أَنَّهَا انْتَقَلت لغيره مِنْهُ.
قَوْله: (اشْتريت مني هَذِه الْجَارِيَة) أَي وَالْوَاقِع كَذَلِك.
قَوْله: (فَلهُ أَنْ يَطَأَهَا) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ إنْ كَانَتْ فِي يَده المُشْتَرِي.
أَبُو السُّعُود عَن الْحلَبِي بحثا.
قَوْله: (واقترن تَركه بِفعل يدل على الرِّضَا الخ) هَذَا مَا ذكره صَاحب الْهِدَايَة جَازِمًا بِهِ، وَبَعْضهمْ اكْتفى بعزم الْقلب على التّرْك، وَبَعْضهمْ اشْتِرَاط الاشهاد عَلَيْهِ: أَي على مَا فِي قلبه بِلِسَانِهِ، وَقيل مُجَرّد الْعَزْم لَا يفْسخ بِهِ كمن لَهُ خِيَار شَرط.
أُجِيب بِأَن المُرَاد عزم مؤكل بِفعل كإمساكها ونقلها لمحله، إِذْ لَا يحل ذَلِك بِدُونِ فسخ فَكَانَ فسخا دلَالَة كَمَا فِي الْمَقْدِسِي.
قَوْله: (لما تقرر) عِلّة للْمُصَنف.
مطلب: جحود مَا عدا النِّكَاح فسخ لَهُ
قَوْله: (مَا عدا النِّكَاح) فَإِنَّهُ لَا يحْتَمل الْفَسْخ بِسَبَب من الاسباب، فَلَو ادّعى تزَوجهَا على ألف فأنكرت ثمَّ أَقَامَت الْبَيِّنَة على أَلفَيْنِ قبلت وَلَا يكون إنكارها تَكْذِيبًا للشُّهُود، وَفِي البيع لَا يقبل وَيكون
تَكْذِيبًا للشُّهُود.
وَلَو ادَّعَت عَلَيْهِ نِكَاحا وَحلف عِنْدهمَا أَو لم يحلف عِنْده لَا يحل لَهَا التَّزَوُّج بِغَيْرِهِ، لَان إِنْكَاره لَا يكون فسخا فَيحْتَاج القَاضِي بعده أَن يَقُول فرقت بَيْنكُمَا أَو يَقُول الْخصم إِن كَانَت زَوْجَتي فَهِيَ طَالِق بَائِن.
وَلَو ادّعى على امْرَأَة أَنه تزَوجهَا فأنكرت الْمَرْأَة ثمَّ مَاتَ الزَّوْج فَجَاءَت الْمَرْأَة تَدعِي مِيرَاثه فلهَا الْمِيرَاث كَعَكْسِهِ عِنْدهمَا، وَعند الامام لَا مِيرَاث لَهُ لانه لَا عدَّة عَلَيْهِ، وَلذَا كَانَ لَهُ أَن يتَزَوَّج بأختها وَأَرْبع سواهَا.
وَلَو ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَأَنْكَرَ ثُمَّ مَاتَ لَا تَمْلِكُ مُطَالبَة الْمِيرَاث، وكما لَا يكون إِنْكَار النِّكَاح فسخا لَا يكون طَلَاقا وَإِن نوى بِخِلَاف لست لي بِامْرَأَة فَإِنَّهُ يَقع بِهِ إِن نوى عِنْده خلافًا لَهما اهـ ط.
وَمثله فِي الْبَحْر.
وَقد ذكر فِي الْبَحْر فِي خِيَار الْبلُوغ صورا من النِّكَاح تحْتَمل الْفَسْخ.
قَالَ فِي التَّبْيِين: وَلَا يُقَال: النِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ فَلَا يَسْتَقِيم جعله فسخا.
لانا نقُول: المعني بقولنَا لَا يحْتَمل الْفَسْخ بعد التَّمام وَهُوَ النِّكَاح الصَّحِيح النَّافِذ اللَّازِم، وَأما قبل التَّمام فَيحْتَمل الْفَسْخ، وتزويج الاخ وَالْعم صَحِيح نَافِذ لكنه غير لَازم فَيقبل الْفَسْخ اهـ.
وَيرد ارتداد أَحدهمَا فَإِنَّهُ فسخ اتِّفَاقًا وَهُوَ بعد التَّمام، وَكَذَا إباؤها عَن الاسلام بعد إِسْلَامه فَإِنَّهُ فسخ اتِّفَاقًا وَهُوَ بعده، وَكَذَا ملك أحد الزَّوْجَيْنِ صَاحبه.
مطلب: الْحق أَن النِّكَاح يقبل الْفَسْخ فَالْحق أَنه يقبل الْفَسْخ مُطلقًا إِذا وجد مَا يَقْتَضِيهِ شرعا اهـ.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: قد يُقَال مُرَاده بِالْفَسْخِ مَا كَانَ مَقْصُودا مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ، وَهُوَ فِيمَا ذكره من الصُّور لَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ تَابع لَازم لغيره: أعين الارتداد والاباء وَالْملك، وَمثله الْفَسْخ بتقبيل ابْن الزَّوْج وَسبي أَحدهمَا ومهاجرته إِلَيْنَا.
تَأمل.
ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك: أجَاب بعض الْفُضَلَاء بِأَن ذَلِك انْفِسَاخ لَا فسخ اهـ.
وَهُوَ مؤدى مَا قُلْنَا اهـ.
قَوْله: (فَللْبَائِع ردهَا بِعَيْب الخ) أَي وَقد علمه بعد هَذِه الدَّعْوَى وَإِلَّا كَانَت الدَّعْوَى رضَا بِهِ، وَقَيده فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي، إذْ لَوْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ على البَائِع لاحْتِمَال نُكُول الْمُدعى عَلَيْهِ فَتلْزمهُ فَاعْتبر بيعا جَدِيدا فِي حق ثَالِث، والاشبه أَن يكون هَذَا التَّفْصِيل بعد(7/431)
الْقَبْض.
وَأما قبله فَيَنْبَغِي أَن يرد مُطلقًا: أَي وَلَو قبل تَحْلِيفه لانه فسخ من كل وَجه فِي غير الْعقار فَلَا
يُمكن حمله على البيع.
مطلب: مَا يقبل الْفَسْخ من النِّكَاح لَيْسَ زَيْلَعِيّ وَغَيره ط.
وَنَحْوه فِي الشلانبلالية.
مطلب مَا يقبل الْفَسْخ من النِّكَاح لَيْسَ بِفَسْخ بل انْفِسَاخ
قَوْله: (أما النِّكَاح فَلَا يقبل أصلا) عبارَة الْفَتْح: وَالنِّكَاح لَا يحْتَمل الْفَسْخ بِسَبَب من الاسباب أَي الَّتِي يتعاطاها الزَّوْجَانِ.
وَأما انفساخه بخروجهما عَن أَهْلِيَّة النِّكَاح كارتداد أَحدهمَا وإباء الْمَجُوسِيَّة عَن الاسلام وَملك أحد الزَّوْجَيْنِ الآخر وَكَذَا مَا قدمه من الْفرْقَة بِأَنَّهَا تَارَة تكون طَلَاقا وَتارَة تكون فسخا فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا.
رَحْمَتي.
أَقُول: وَهُوَ معنى مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا عَن سَيِّدي الْوَالِد.
وَأَقُول: حق ذكر هَذِه الْمسَائِل فِي كتاب الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا ذكرت هُنَا لبَيَان حكم الْقَضَاء فِيهَا.
قَوْله: (يقبل برهانه) لَعَلَّ وَجهه مَعَ أَنه تنَاقض ظَاهر مَا يَأْتِي قَرِيبا من أَن النِّكَاح لَا يرْتَد بِالرَّدِّ فَيكون جحوده ردا لاقرارها.
قَوْله: (أقرّ بِقَبض عشرَة دَرَاهِم) أطلق فِيهَا، فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَت دينا من قرض أَو ثمن مَبِيع أَو غصبا أَو وَدِيعَة كَمَا فِي الْفَتْح، وَقيد بِالدَّرَاهِمِ لَان المُشْتَرِي لَو أقرّ أَنه قبض الْمَبِيع ثمَّ ادّعى عَيْبا بِهِ فَإِن القَوْل لبَائِعه لَان الْمَبِيع مُتَعَيّن، فَإِذا قَبضه وَأقر بِأَنَّهُ استوفى حَقه دلَالَة فبدعواه الْعَيْب صَار متناقضا اهـ.
ط عَن الْحَمَوِيّ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَقيد الاقرار بِالْقَبْضِ، لانه لَو أقرّ بالالف وَلم يبين الْجِهَة ثمَّ ادّعى مَوْصُولا أَنَّهَا زيف لم يقْض عَلَيْهِ، وَاخْتلف الْمَشَايِخ: قيل أَيْضا على الْخلاف، وَقيل يصدق إِجْمَاعًا لَان الْجَوْدَة تجب فِي بعض الْوُجُوه لَا على الْبَعْض فَلَا تجب بِالِاحْتِمَالِ.
وَلَو قَالَ غصبت ألفا أَو أودعني ألفا إِلَّا أَنَّهَا زيوف صدق وَإِن فصل.
وَعَن الامام أَن الْقَرْض كالغصب، وَلَو قَالَ فِي الْغَصْب والوديعة إِلَّا أَنَّهَا رصاص أَو ستوقة صدق إِذا وصل، وَلَو قَالَ فِي كرّ حِنْطَة من ثمن مَبِيع أَو قرض إِلَّا أَنه ردئ فَالْقَوْل لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا كدعوى الرداءة لانها فِي الْحِنْطَة لَيست بِعَيْب، لَان الْعَيْب مَا يَخْلُو عَنهُ أصل الْفطْرَة، وَالْحِنْطَة قد تكون رَدِيئَة بِأَصْل الْخلقَة فَلَا يحمل مُطلقهَا على الْجيد وَلذَا لم يجز شِرَاء الْبر بِدُونِ ذكر الصّفة.
أقرّ بِقَبض عشرَة أفلس أَو ثمن مَبِيع ثمَّ ادّعى أَنَّهَا كاسدة لم يصدق وَإِن وصل.
وَقَالا: يصدق فِي الْقَرْض إِذا وصل، أما فِي البيع فَلَا يصدق عِنْد الثَّانِي فِي قَول الاول.
وَقَالَ مُحَمَّد: يصدق فِي
الْمَبِيع وَعَلِيهِ قيمَة الْمَبِيع، وَكَذَا الْخلاف فِي قَوْله عَليّ عشرَة ستوقة من قرض أَو ثمن مَبِيع، وَلَو قَالَ غصبته عشرَة أفلس أَو أودعني عشرَة أفلس ثمَّ قَالَ هِيَ كاسدة صدق اهـ.
وَقيد باقتصاره على قبض الدَّرَاهِم، لانه لَو قَالَ قبضت دَرَاهِم جيادا لم يصدق فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوف مَوْصُولا ومفصولا.
وَنقل فِي أَنْفَع الْوَسَائِل أَنه إِذا قبض البَائِع الثّمن أَو الْمُؤَجّر الاجرة أَو رب الدّين دينه من الْمَدْيُون وَلم ينْقد الثّمن وَلَا الاجرة وَلَا الدّين ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك وَذكر أَن فِيمَا قَبضه رداءة وَهُوَ الَّذِي تَقوله الْعَامَّة نُحَاس وَرَفعه إِلَى الْحَاكِم فَطلب مِنْهُ الحكم والخصم يُنكر وَيَقُول دراهمي جِيَاد وَمَا أعلم هَل هَذَا مِنْهَا أم لَا، فَهَل(7/432)
يكون القَوْل قَول الْقَابِض أَو الدَّافِع؟ وتحرير الْكَلَام فِي ذَلِك ذكر فِي الْقنية.
ص: تكارى دَابَّة إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة وَدفعهَا إِلَيْهِ فَلَمَّا بلغ بَغْدَاد رد بَعْضهَا وَقَالَ هِيَ زيوف أَو ستوقة، فَالْقَوْل لرب الدَّابَّة لانه يُنكر اسْتِيفَاء حَقه والجياد فَالْقَوْل لَهُ هَذِه عبارَة الْقنية.
وَذكر فِي الْمَبْسُوط قَالَ: وَإِذا كَانَ أجر الدَّار عشرَة دَرَاهِم أَو قفيز حِنْطَة مَوْصُوفَة وَأشْهد الْمُؤَجّر أَنه قبض من الْمُسْتَأْجر عشرَة دَرَاهِم أَو قفيز حِنْطَة ثمَّ ادّعى أَن الدَّرَاهِم نبهرجة أَو أَن الطَّعَام معيب فَالْقَوْل قَوْله لانه يُنكر اسْتِيفَاء حَقه، فَإِن مَا فِي الذِّمَّة يعرف بِصفة وَيخْتَلف باخْتلَاف الصّفة فَلَا مناقضة فِي كَلَامه، فاسم الدَّرَاهِم يتَنَاوَل النبهرج، وَاسم الْحِنْطَة يتَنَاوَل الْمَعِيب، وَإِن كَانَ حِين أشهد قَالَ قد قبضت من أجر الدَّار عشرَة دَرَاهِم أَو قفيز حِنْطَة لم يصدق بعد ذَلِك على ادِّعَاء الْعَيْب والزيف، كَذَلِك لَو قَالَ استوفيت أجر الدَّار ثمَّ قَالَ وجدته زُيُوفًا لم يصدق بِبَيِّنَة وَلَا غَيرهَا لانه قد سبق مِنْهُ الاقرار بِقَبض الْجِيَاد، فَإِن أجر الدَّار من الْجِيَاد فَيكون هُوَ مناقضا فِي قَوْله وجدته زُيُوفًا، والمناقض لَا قَول لَهُ وَلَا تقبل بَينته، وَلَو كَانَ ثوبا بِعَيْنِه فَقَبضهُ ثمَّ جَاءَ يردهُ بِعَيْبِهِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجر لَيْسَ هَذَا ثوب فَالْقَوْل قَول الْمُسْتَأْجر، لانهما تصادفا على أَنه قبض الْمَعْقُود عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَانَ شَيْئا بِعَيْنِه ثمَّ ادّعى الآخر لنَفسِهِ حق الرَّد وَالْمُسْتَأْجر مُنكر لذَلِك فَالْقَوْل قَوْله فَإِن أَقَامَ رب الدَّار الْبَيِّنَة على الْمَعِيب رده سَوَاء كَانَ الْعَيْب يَسِيرا أَو فَاحِشا على قِيَاس البيع.
قلت: فَتحَرَّر لنا من كَلَام شمس الائمة السَّرخسِيّ أَن الْمُؤَجّر مَتى قَالَ استوفيت أجر الدارهم
ثمَّ قَالَ وجدت فِيهِ زُيُوفًا لم يقبل قَوْله وَلَا بَينته، وَلَو قَالَ قبضت من الْمُسْتَأْجر كَذَا من الدَّرَاهِم وَلم يقل الاجرة ثمَّ جَاءَ وَقَالَ هَذِه الدَّرَاهِم نبهرجة فَالْقَوْل قَوْله، فَصَارَ جَوَاب الْمَسْأَلَة أَن الْقَابِض مَتى أقرّ بِقَبض الْحق ثمَّ ادّعى أَنه زيوف لم يصدق لانه نَاقض كَلَامه، لَان إِقْرَاره بِقَبض الْحق إِقْرَار بِقَبض الْجِيَاد، فَإِذا قَالَ بعد ذَلِك هُوَ زيوف أَو بعضه فقد نَاقض كَلَامه والمناقض لم يقبل قَوْله وَلَا بَينته، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ قبضت عشرَة دَرَاهِم مثلا وَلم يقل من أُجْرَة دَاري ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف فَإِنَّهُ يقبل قَوْله، لانه فِي القَوْل الثَّانِي مُنكر اسْتِيفَاء الْحق، وَمَا سبق مِنْهُ مَا يُنَاقض هَذَا القَوْل فَيكون القَوْل قَوْله.
هَذَا خُلَاصَة مَا قَالَه فِي الْمَبْسُوط.
وَأما مَا ذكره فِي الْقنية ورمز لَهُ بالصَّاد وَهِي عَلامَة كتاب الاصل فَهُوَ مُوَافق لما قَرَّرْنَاهُ، لانه قَالَ وَدفعهَا إِلَيْهِ وَلم يقل وَأقر بِاسْتِيفَاء الاجرة، وَفِي هَذِه الصُّورَة لَيْسَ الْقَابِض بمناقض فِي قَوْله فَيقبل، وَبَقِيَّة مَا ذكره فِي الْقنية هُوَ من الْمَبْسُوط فَإِنَّهُ رمز بسين وَهُوَ عَلامَة الْمَبْسُوط، وَمعنى مَا ذكره أَنه إِذا أقرّ بِقَبض الدَّرَاهِم بِأَن قَالَ مثلا قبضت مِنْهُ عشرَة دَرَاهِم ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف صدق، وَلَو قَالَ هِيَ ستوقة لَا يصدق، وَذَلِكَ لانه فِي الزُّيُوف مَا نَاقض كَلَامه لَان الزُّيُوف من جنس حَقه، وَفِي الستوقة نَاقض كَلَامه لانه أقرّ أَولا بِالدَّرَاهِمِ وَثَانِيا ادّعى أَنَّهَا ستوقة، والستوق لَيْسَ من الْجِنْس فَكَانَ مناقضا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى من تَفْسِير الزُّيُوف والستوق والنبهرج، وَقَوله وَإِن أقرّ بِاسْتِيفَاء الاجرة الخ، هَذَا مُشكل مُخَالف لما قَالَه فِي الْمَبْسُوط مِمَّا نَقَلْنَاهُ وسنبينه، فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِن أقرّ بِاسْتِيفَاء الاجرة إِلَى آخِره هَذَا مُشكل مُخَالف لما قَالَه إِلَى تَقْدِيره وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا حَتَّى يتم(7/433)
الْكَلَام.
وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيبقى تَقْدِير الْكَلَام تكارى دَابَّة إِلَى بَغْدَاد بِعشْرَة دَرَاهِم وَأقر الْآجر بِقَبض الاجرة ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف أَو ستوقة يقبل قَوْله فِي ذَلِك، وَهَذَا خلاف مَا ذكره شمس الائمة فِي الْمَبْسُوط، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذا أقرّ بِاسْتِيفَاء الاجرة ثمَّ قَالَ وَهِي زيوف لم يقبل قَوْله، والحرف قد بَيناهُ، وَهُوَ الْمُوَافق للفقه لانه تنَاقض كَلَامه بعد ذَلِك والمناقض لَا قَول لَهُ، فَكيف يَقُول فِي الْقنية القَوْل لَهُ فَهَذَا وَالله أعلم سَهْو، فَإِنَّهُ زيف كَلَام الْمَبْسُوط وَمَا يَقُوله مُحَمَّد إِلَى آخِره، فَالَّذِي يجب أَن يعْمل بِهِ هُوَ مَا ذكره فِي الْمَبْسُوط: أَعنِي فِي هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة.
وَأما بَقِيَّة الصُّور فَكلهَا مُوَافقَة لما ذكره فِي الْمَبْسُوط.
فَإِذا تقرر لنا هَذَا فِي الاجارة والاجرة عديناه إِلَى اسْتِيفَاء الاثمان فِي الْبياعَات والديون فِي الْمُعَامَلَات، فَإِن الْعلَّة تجمع الْكل فَنَقُول: إِذا دفع إِلَيْهِ دَرَاهِم وَهِي عَن مَتَاع ثمَّ جَاءَ البَائِع وَأَرَادَ أَن يرد عَلَيْهِ شَيْئا يزْعم أَنه مَرْدُود فِي الْمُعَامَلَات بَين النَّاس وَأنكر المُشْتَرِي أَن ذَلِك من دَرَاهِمه الَّتِي دَفعهَا، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون البَائِع أقرّ بِقَبض الثّمن أَولا، فَإِن أقرّ بِقَبض الثّمن لم يقبل قَوْله فِي ذَلِك، وَلَا يلْزم المُشْتَرِي بِأَن يدْفع عوض ذَلِك الرَّد، وَلَو اخْتَار البَائِع يَمِين المُشْتَرِي أَنه مَا يعلم أَن هَذَا الرَّد من دَرَاهِمه الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ يَنْبَغِي أَن يُجَاب إِلَى ذَلِك ويحلفه القَاضِي على الْعلم، فَإِن حلف انْقَطَعت الْخُصُومَة وَلم يبْق لَهُ مَعَه مُنَازعَة، وَإِن نكل يَنْبَغِي أَن يردهَا عَلَيْهِ لانه أقرّ بِمَا ادَّعَاهُ بطرِيق النّكُول.
وَإِن كَانَ البَائِع لم يقر بِقَبض الثّمن وَلَا الْحق الَّذِي على المُشْتَرِي من جِهَة هَذَا البيع وَإِنَّمَا أقرّ بِقَبض دَرَاهِم مثلا وَلم يقل هِيَ الثّمن وَلَا الْحق، فَإِن فِي هَذِه الصُّورَة يكون القَوْل قَول البَائِع لانه مُنكر اسْتِيفَاء حَقه وَلم يتَقَدَّم مِنْهُ مَا يُنَاقض هَذِه الدَّعْوَى فَيقبل قَوْله مَعَ يَمِينه، هَذَا إِذا أنكر المُشْتَرِي أَنَّهَا من دَرَاهِمه أَيْضا، وَكَذَلِكَ الدُّيُون أَيْضا يَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهَا كالجواب فِي الاجر وَالثمن فِي بَاب البيع، وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الَّذِي يردهُ زُيُوفًا أَو نبهرجا، فَإِن كَانَ ستوقا فَلَا يقبل قَوْله فَلَا يردهُ لانه نَاقض كَلَامه.
أما فِي صُورَة إِقْرَاره بِقَبض الدَّرَاهِم فَظَاهر لَان الستوق لَيْسَ من جنس الدَّرَاهِم وَقد أقرّ بِقَبض الدَّرَاهِم أَولا ثمَّ قَالَ هِيَ ستوقة فَكَانَ مناقضا، وَكَذَلِكَ فِي إِقْرَاره بِقَبض الاجرة أَو الْحق بل بِالطَّرِيقِ الاولى.
وَعبارَة الْمَبْسُوط خَالِيَة عَن ذكر الستوق وَلَيْسَ فِيهَا مَا يمْنَع مَا قَالَه فِي الْقنية بل يُوَافقهُ من حَيْثُ الْمَعْنى.
قَوْله: (ثمَّ ادّعى أَنَّهَا زيوف) عبر بثم ليُفِيد أَن الْبَيَان إِذا وَقع مَفْصُولًا يعْتَبر فالموصول أولى بِالِاعْتِبَارِ اهـ.
بَحر.
وَمثله فِي الطَّحَاوِيّ عَن الْمنح.
وَقيد بالزيوف للِاحْتِرَاز عَمَّا إِذا بَين أَنَّهَا ستوقة فَإِنَّهُ لَا يصدق لَان اسْم الدَّرَاهِم لَا يَقع عَلَيْهَا، وَلذَا لَو تجوز بالزيوف والنبهرج فِي الصّرْف وَالسّلم جَازَ، وَفِي الستوق لَا إِن كَانَ مَفْصُولًا، وَإِن كَانَ مَوْصُولا صدق كَمَا فِي النِّهَايَة، وَهِي مَسْأَلَة الْمَتْن.
وَالْحَاصِل: أَن ادعاءه إِن مَوْصُولا صَحِيح فِي الْكل سوى صُورَة الاقرار بِقَبض الْجِيَاد، وَأَن ادعاءه مَفْصُولًا فِي الْبَوَاقِي غير صَحِيح سوى صُورَة الاقرار بِقَبض عشرَة دَرَاهِم، والزيف مَا زيفه بَيت المَال: أَي يردهُ.
قَوْله: (أَو نبهرجة) قَالَ ط: صَوَابه بنهرجة بِتَقْدِيم الْبَاء على النُّون كَمَا يُسْتَفَاد من
الْمغرب.
أَبُو السُّعُود عَن الْحَمَوِيّ.
والزيف: مَا زيفه بَيت المَال.
والبنهرجة: مَا يردهُ التُّجَّار.
وَقيل الزُّيُوف هِيَ المغشوشة، والبنهرجة هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ.
وَفِي الايضاح: الزيف: مَا زيفه بَيت المَال لنَوْع قُصُور فِي جودته إِلَّا أَنه تجْرِي فِيهِ الْمُعَامَلَة بَين التُّجَّار.
والبنهرجة: مَا يردهُ التُّجَّار لرداءة فضته.
والستوقة: الَّتِي وَسطهَا نُحَاس أَو رصاص ووجهها فضَّة، وَهِي مُعرب مِنْهُ توبه اهـ.(7/434)
وَفِي الْفَتْح مِنْهُ ثَلَاث: يَعْنِي ثَلَاث طَبَقَات الاعلى والاسفل فضَّة والاوسط نُحَاس اهـ.
لَكِن نقل سَيِّدي الْوَالِد عَن الْقَامُوس فِي فصل النُّون: النبهرج: الزيف الردئ اهـ.
وَفِي الْمُغْرِبِ: النَّبَهْرَجُ: الدِّرْهَمُ الَّذِي فِضَّتُهُ رَدِيئَةٌ، وَقِيلَ الَّذِي الْغَلَبَةُ فِيهِ لِلْفِضَّةِ، وَقَدْ اُسْتُعِيرَ لكل ردئ بَاطِلٍ، وَمِنْهُ بُهْرِجَ دَمُهُ: إذَا أُهْدِرَ وَأُبْطِلَ.
وَعَنْ اللِّحْيَانِيِّ: دِرْهَمٌ نَبَهْرَجٌ وَلَمْ أَجِدْهُ بِالنُّونِ إِلَّا لَهُ اهـ.
وَهِي مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ مَعَ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ اهـ مَا قَالَه سَيِّدي الْوَالِد، قَالَ فِي أَنْفَع الْوَسَائِل عَن الْكَرْخِي: الستوق عِنْدهم مَا كَانَ النّحاس فِيهِ هُوَ الْغَالِب الاكثر.
وَفِي الرسَالَة التوسيعة: النبهرجة: إِذا غلبها النّحاس لم تَأْخُذ.
وَأما الستوقة فَحَرَام أَخذهَا لانها فلوس.
وَحَاصِل مَا قَالُوهُ فِي تَفْسِير الزُّيُوف والنبهرجة والستوقة: أَن الزُّيُوف أَجود من الْكل، وَبعد الزُّيُوف البنهرجة، وَبعدهَا الستوقة، فَتكون الزُّيُوف بِمَنْزِلَة الدَّرَاهِم الَّتِي يقبلهَا بعض الصيارف دون بعض، والبنهرجة مَا يردهَا الصيارف، وَهِي الَّتِي تسمى مُغيرَة لَكِن الْفضة فِيهَا أَكثر.
والستوقة بِمَنْزِلَة الزغل، وَهِي الَّتِي نحاسها أَكثر من فضتها، فَإِذا عرفنَا (1) هَذَا فالزيوف والبنهرجة مَا يردهَا الصيارف، وَهِي الَّتِي نحاسها أَكثر من فضتها.
مطلب: إِذا أقرّ بِاسْتِيفَاء الْحق أَو الاجرة أَو الْجِيَاد ثمَّ ادّعى أَنَّهَا بنهرجة أَو زيوف لم يصدق، وَإِذا أقرّ بِقَبض دَرَاهِم مُطلقَة يصدق.
فَإِذا عرفنَا هَذَا فالزيوف والبنهرجة يكون القَوْل قَول الْقَابِض فِيهَا إِذا لم يقر بِاسْتِيفَاء الْحق أَو الاجرة والجياد، بل يكون أقرّ بِقَبض كَذَا من الدَّرَاهِم ثمَّ يَدعِي أَن بَعْضهَا زيوف أَو بنهرجة كَمَا قدمْنَاهُ
فَيقبل قَوْله ويردا، وَأما إِذا قَالَ إِنَّهَا ستوقة بعد مَا أقرّ بِقَبض الدَّرَاهِم لَا يقبل قَوْله وَلَا يردهَا.
قَوْله: (بِخِلَاف الستوقة) بِفَتْح السِّين كَمَا فِي الْفَتْح.
وَنقل الشَّيْخ شاهين عَن شرح الْمجمع جَوَاز الضَّم أَيْضا.
أَبُو السُّعُود.
قَالَ ط: والاولى حذف هَذِه الْعبارَة والاقتصار على المُصَنّف.
قَوْله: (فالتفصيل) أَي بَين الزُّيُوف والبنهرجة وَبَين الستوقة.
قَوْله: (فِي المفصول) أَي من كَونه يصدق فِيهِ بادعاء الزيافة لَا الستوقة.
قَوْله: (وَلَو مَوْصُولا للتناقض) الْفرق بَينه وَبَين مَا بعده حَيْثُ يصدق فِيهِ إِذا كَانَ مَوْصُولا أَنه فِي الثَّانِي مقرّ بِقَبض الْقدر والجودة بِلَفْظ وَاحِد، فَإِذا اسْتثْنى الْجَوْدَة فقد اسْتثْنى الْبَعْض من الْجُمْلَة فصح، كَمَا لَو قَالَ لفُلَان على ألف لَا مائَة، فَأَما إِذا قَالَ قبضت عشرَة جيادا فقد أقرّ بِالْوَزْنِ بِلَفْظ على حِدة وبالجودة بِلَفْظ على حِدة، فَإِذا قَالَ إِلَّا أَنَّهَا زيوف فقد اسْتثْنى الْكل من الْكل فِي حق الْجَوْدَة وَذَلِكَ بَاطِل كَأَنَّهُ قَالَ جِيَاد إِلَّا أَنَّهَا غير جِيَاد، فَهُوَ كمن قَالَ لفُلَان على ألف دِرْهَم ودينار إِلَّا دِينَارا فَإِن الِاسْتِثْنَاء يكون بَاطِلا وَإِن ذكره مَوْصُولا اهـ.
حَلَبِيّ مزيدا عَن الْعِنَايَة ط.
قَوْله: (وَلَو أقرّ الخ) يُشِير إِلَى أَنه لم يقر وَقبض وَهُوَ سَاكِت وَلَو بعد نقد الصَّيْرَفِي يرد.
وَفِي جَامع الْفَتَاوَى: لَو وجد البَائِع الثّمن رصاصا أَو ستوقة أَو مُسْتَحقّا لَا يسْتَردّ الْمَبِيع.
وَفِي
__________
(1) قوه: (فَإِذا عرفنَا هَذَا الخ) كَذَا بالاصل وليحرر.(7/435)
الْخَانِية: وَإِن قبض وَلم يقر بشئ ثمَّ ادّعى أَنَّهَا ستوقة قبل
قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَوْفَى) الِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحق بالتمام.
سعدية وَابْن كَمَال.
قَوْله: (فِي دَعْوَاهُ الزيافة) وَمثله البنهرجة لِاتِّحَاد الحكم فيهمَا وَكَذَا الستوقة.
قَالَ فِي النِّهَايَة: لَو أقرّ بِقَبض حَقه ثمَّ قَالَ إِنَّهَا ستوقة أَو رصاص يصدق مَوْصُولا لَا مَفْصُولًا اهـ.
ط عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وَكَذَا إِقْرَاره بِقَبض رَأس مَال كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة، وَلم يذكر الْمُؤلف حكم وَزنهَا عِنْد الاطلاق وَالدَّعْوَى.
وَفِي كَافِي الْحَاكِم: لَو أقرّ بِأَلف دِرْهَم عددا ثمَّ قَالَ هِيَ وزن خَمْسَة أَو سِتَّة وَكَانَ الاقرار مِنْهُ بِالْكُوفَةِ فَعَلَيهِ مائَة دِرْهَم وزن سَبْعَة فَلَا يصدق على النُّقْصَان إِذْ لم يبين مَوْصُولا، وَكَذَا الدَّنَانِير، وَإِن كَانُوا فِي بِلَاد يَتَعَارَفُونَ على دَرَاهِم مَعْرُوفَة الْوَزْن بَينهم صدق اهـ.
وَأطلق فِي الدَّرَاهِم الْمقر بهَا فَشَمَلَ مَا إِذا كَانَت دينا من قرض أَو ثمن مَبِيع أَو غصبا أَو وَدِيعَة كَمَا فِي
فتح الْقَدِير، وَرَأس المَال كَمَا الْبَزَّازِيَّة، وَقيد بِدَعْوَى الْمقر لانه لَو أقرّ بِقَبض دَرَاهِم مُعينَة ثمَّ مَاتَ فَادّعى وَارثه أَنَّهَا زيوف لم يقبل، وَكَذَا إِذا أقرّ بالوديعة أَو الْمُضَاربَة أَو الْغَصْب ثمَّ زعم الْوَارِث أَنَّهَا زيوف لم يصدق لانه صَار دينا فِي مَال الْمَيِّت كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وفيهَا من الرَّهْن: قضى دينه وَبَعضه زيوف وستوقة فرهن شَيْئا بالستوقة والزيوف وَقَالَ خُذْهُ رهنا بِمَا فِيهِ من زيوف وستوق صَحَّ فِي حق الستوق لانها لَيست من الْجِنْس، وَلَا يَصح فِي الزُّيُوف لانها من الْجِنْس فَلَا دين اهـ.
بَحر.
قَوْله: (لَان قَوْله جِيَاد) عِلّة لقَوْله وَلَو أقرّ بِقَبض الْجِيَاد، فالاولى ذكره مَوْصُولا بِهِ اهـ ط.
قَوْله: (مُفَسّر) بِفَتْح السِّين الْمُشَدّدَة من التَّفْسِير مُبَالغَة الفسر وَهُوَ الْكَشْف، وَهُوَ مَا ازْدَادَ وضوحا على النَّص على وَجه لَا يبْقى مَعَه احْتِمَال التَّأْوِيل.
وَحكمه وجوب الْعَمَل بِهِ، وَهَذَا غير مَا قدمْنَاهُ من التَّعْلِيل.
قَوْله: (بِخِلَاف غَيره) أَي من الْمسَائِل الَّتِي بعْدهَا.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ) رَاجِعٌ لِلْأُولَى وَهِيَ قَبْضُ الْحَقِّ أَوْ الثَّمَنِ، وَالظَّاهِرُ مَا احْتَمَلَ غَيْرَ الْمُرَادِ احْتِمَالًا بَعِيدًا، وَالنَّصُّ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا أَبْعَدَ دُونَ الْمُفَسَّرِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُرَادِ أصلا اهـ.
سَيِّدي الْوَالِد.
قَوْلُهُ: (أَوْ نَصٌّ) رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ اسْتَوْفَى) .
قَوْلُهُ: (قُبِلَ بُرْهَانُهُ) لِأَنَّهُ مُضْطَر وَإِن تنَاقض.
سَيِّدي عَن الْقنية.
قَوْله: (قنية عَن عَلَاء الدّين) الَّذِي فِي الْبَحْر: وَذكر فِي الْقنية مَسْأَلَة مَا إِذا أَقَرَّ بِدَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَهُ قَرْضٌ وَبَعضه رَبًّا أَنه يقبل إِذا برهن، وَذكره عبد الْقَادِر فِي الطَّبَقَات من الالقاب عَن عَلَاء الدّين اهـ.
أَقُول: وَسَيَأْتِي نَظِيره فِي شَتَّى الاقرار لكنه يُخَالِفهُ مَا يذكر الشَّارِح عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَلَكِن الْمُعْتَمد، مَا مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف ثمَّة والوهبانية، وَأفْتى بِهِ الْخَيْر الرَّمْلِيّ والحامدي فِي الحامدية من أَنه إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة على أَن بعضه رَبًّا تقبل، وَأقرهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فاغتنمه.
قَوْله: (قَالَ لآخر لَك على ألف دِرْهَم الخ) قُيِّدَ بِالْإِقْرَارِ بِالْمَالِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ والطرق وَالْعتاق وَالنّسب وَالْوَلَاء فَإِنَّهَا لَا ترتد بِالرَّدِّ.
أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدُكَ فَرَدَّ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى تَصْدِيقِهِ فَهُوَ عَبْدُهُ، وَلَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ بِالرَّدِّ، كَمَا لَا يَبْطُلُ بِجُحُودِ الْمولى، بِخِلَاف الاقرار بِالدّينِ وَالْعين حَيْثُ يَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَبْطُلَانِ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُمَا إسْقَاطٌ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ وَحْدَهُ.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ من الْوَلَاء أَنه لَا يرْتَد فيهمَا بِالرَّدِّ.
وَأما الاقرار بِالنِّكَاحِ فَلم أره الْآن.(7/436)
وَحَاصِل مَسَائِلِ رَدِّ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ مُطْلَقًا، أَوْ يَرُدَّ الْجِهَةَ الَّتِي عَيَّنَهَا الْمُقِرُّ وَيُحَوِّلَهَا إلَى أُخْرَى، أَوْ يَرُدَّهُ لِنَفْسِهِ وَيُحَوِّلَهُ إلَى غَيْرِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ بَطَلَ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ: فَإِنْ لَمْ يكن بَينهمَا مُنَافَاة وَجب المَال كَقَوْل لَهُ أَلْفٌ بَدَلُ قَرْضٍ فَقَالَ بَدَلُ غَصْبٍ، وَإِلَّا بِأَن كَانَ بَينهمَا مُنَافَاة بَطل كَقَوْلِه ثمن عبد لم أقبضهُ وَقَالَ قَرْضٌ أَوْ غَصْبٌ وَلَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي يَدِهِ فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ صَدَّقَهُ فِي الْجِهَةِ أَوْ كَذَّبَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّالِثَ نَحْوَ مَا كَانَتْ لِي قَطُّ لَكِنَّهَا لِفُلَانٍ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فُلَانٌ تَحَوَّلَ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ رِقٍّ لَمْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ فَيُقَالُ الْإِقْرَارُ يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ إلَّا فِي هَذِهِ.
قَالَ فِي الْمنية: وَإِن كَانَ بَينهمَا مُنَافَاة، بِأَن قَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ ثمن عبد باعنيه إِلَّا أَنِّي لم أقبضهُ وَقَالَ الْمُدَّعِي بدل قرض أَو غصب، فَإِن لم يكن العَبْد فِي يَد الْمُدَّعِي بِأَن أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ بِبيع عبد لَا بِعَيْنِه، فَعِنْدَ الامام يلْزمه الالف صدقه الْمُدَّعِي فِي الْجِهَة أَو كذبه وَلَا يصدق فِي قَوْله لم أقبضهُ وَإِن وصل، وَإِن كَانَ فِي يَد الْمُدَّعِي بِأَن كَانَ الْمقر عين عبدا، فَإِن صدقه الْمُدَّعِي يُؤمر بِأَخْذِهِ وَتَسْلِيم العَبْد إِلَى الْمقر، كَذَا إِذا قَالَ العَبْد لَهُ وَلَكِن هَذِه الالف عَلَيْهِ من غير ثمن هَذَا العَبْد، وَإِن كذبه وَقَالَ العَبْد لي وَمَا بِعته وَإِنَّمَا لي عَلَيْهِ بِسَبَب آخر من بدل قرض أَو غصب فَالْقَوْل للْمقر مَعَ يَمِينه بِاللَّه مَا لهَذَا عَلَيْهِ ألف من غير ثمن هَذَا العَبْد اهـ.
وَإِنَّمَا نقلت عبارَة الْمنية لَان فِي عبارَة الْبَحْر اختصارا كَمَا نبه عَلَيْهِ سَيِّدي الْوَالِد.
قَوْله: (فَرده الْمقر لَهُ) كَمَا إِذا قَالَ لَيْسَ لي عَلَيْك شئ أَو قَالَ هِيَ لَك أَو هِيَ لفُلَان اهـ.
فتح: أَي وَلم يصدقهُ فلَان وَإِلَّا فَهُوَ تَحْويل.
بَحر.
وَقيد برد الْمقر لَهُ لَان الْمقر لَو رد إِقْرَار نَفسه كَانَ أقرّ بِقَبض الْمَبِيع أَو الثّمن ثمَّ قَالَ لم أَقبض وأرد تَحْلِيف الآخر أَنه أقبضهُ أَو قَالَ هَذِه لفُلَان ثمَّ قَالَ هُوَ لي وَأَرَادَ تَحْلِيف فلَان أَو أقرّ بدين ثمَّ قَالَ كنت كَاذِبًا لَا يحلف الْمقر لَهُ فِي الْمسَائِل كلهَا عِنْد أبي حنيفَة لانه متناقض، كَقَوْلِه لَيْسَ لي على فلَان شئ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَمْ يَحْلِفْ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَحْلِفُ لِلْعَادَةِ.
وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخَرَ الْكِتَابِ أَنَّ الْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف، وَاخْتَارَهُ أَئِمَّة خوارزم، لَكِن اخْتلفُوا فِيمَا إِذا دَعَاهُ وَارِثُ الْمُقِرِّ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْبَزَّازِيَّة مِنْهُمَا شَيْئا.
قَالَ
الصَّدْر الشَّهِيد: الرَّأْي فِي التَّحْلِيف للْقَاضِي، وَفَسرهُ فِي فتح الْقَدِير بِأَن يجْتَهد فِي خُصُوص الْوَقَائِعِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يقبض حِين أقرّ يحلف لَهُ الْخَصْمَ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ لَا يُحَلِّفُهُ، وَهَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُتَفَرِّسِ فِي الاخصام اهـ بَحر.
قَوْله: (ثمَّ صدقه) قيد بِكَوْن التَّصْدِيق بعد الرَّد لانه لَو قبل الاقرار أَولا ثمَّ رده لم يرْتَد، وَكَذَا الابراء عَن الدّين وهبته لانه بِالْقبُولِ قد تمّ، وَكَذَا إِذا وَقَفَ عَلَى رَجُلٍ فَقَبِلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ يرْتَد، وَإِن رده قبل الْقبُول ارْتَدَّ، وَقَالُوا: أَنَّ الْإِبْرَاءَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، إلَّا فِيمَا إذَا قَالَ الْمَدْيُونُ أَبْرِئْنِي فَأَبْرَأَهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَدُّ، وَكَذَا إِبْرَاء الْكَفِيل لَا يرْتَد بِالرَّدِّ.
بَحر.
لَكِن قَالَ سَيِّدي: وَفِي الْبَزَّازِيَّة: الاقرار والابراء لَا يحتاجان إِلَى الْقبُول ويرتدان بِالرَّدِّ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة: لَان لكل أحد ولَايَة على نَفسه وَلَيْسَ لغيره أَن يمنعهُ، وَلَكِن للْمقر لَهُ أَن لَا يقبل صِيَانة لنَفسِهِ عَن الْمِنَّة.
وَفِي التاترخانية نقلا عَن الْكَافِي: وَالْملك يثبت للْمقر لَهُ بِلَا تَصْدِيق وَقبُول وَلَكِن يبطل برده اهـ.
قلت: وَيسْتَثْنى (1) الْإِبْرَاءُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ على الْقبُول ليبطلا.
قَوْله: (فِي
__________
(1)
قَوْله: (وَيسْتَثْنى) أَي من قَوْلهم الابراء لَا يتَوَقَّف على الْقبُول اهـ.
مِنْهُ.(7/437)
مَجْلِسه) قيد بِهِ ليفهم مَا إِذا لم يكن فِي مَجْلِسه بالاولى اهـ ح.
قَالَ فِي الْمنح: بِأَن قَالَ كَانَ لي عَلَيْك فِي مَكَانَهُ أَو بعده.
قَوْله: (فَلَا شئ عَلَيْهِ للْمقر لَهُ الخ) لَان الاقرار هُوَ الاول وَقد ارْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُد من الْحجَّة أَو تَصْدِيق الْخصم: أَي الْمقر، حَتَّى لَو صدقه الْمقر ثَانِيًا لزمَه الالف اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْهِدَايَة وَعَامة شروحها.
قَالَ: وَالْمرَاد بِالْحجَّةِ الْبَيِّنَة ط.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: كَيْفَ تُقْبَلُ حُجَّتُهُ وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ فِي دَعْوَاهُ؟ تَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ.
سَعْدِيَّةٌ.
وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا.
وَنَقَلَ خِلَافَهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: فِي يَده عبد فَقَالَ رجل هُوَ عَبْدُكَ فَرَدَّهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ قَالَ هُوَ عَبْدِي وَقَالَ الْمُقِرُّ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ لِذِي الْيَدِ الْمُقِرِّ، وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ لآخر هُوَ وَعَبْدك ثُمَّ قَالَ الْآخَرُ بَلْ هُوَ عَبْدِي وَبَرْهَنَ لَا يقبل للتناقض اهـ.
وَهَذَا يُخَالف فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْحجَّة فَإِنَّهُ يَقْتَضِي سَماع الدَّعْوَى اهـ.
أَقُول: وَهَذَا وَجهه ظَاهر دون مَا فِي الشَّارِح.
وَيُمكن أَن يحمل على مَا إِذا كَانَ الرَّد بِالنَّفْيِ فَقَط من غير أَن يَقُول بل هُوَ لَك أَو لفُلَان فتزول مُخَالفَته للزازية.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ
اشْتَرَيْتَ وَأَنْكَرَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ أحد الْعَاقِدين ينْفَرد بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ حَقُّهُمَا، فَبَقِيَ الْعَقْدُ فَعُمِلَ التَّصْدِيقُ، أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ فَيَنْفَرِدُ بِرَدِّ الاقرار فَافْتَرقَا.
كَذَا فِي الْهِدَايَة.
وناقضه فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ ذكر هُنَا أَن أحد الْمُتَعَاقدين لَا ينفر بِالْفَسْخِ.
وَفِي مَسْأَلَة التجاحد قَالَ: ولانه لما تعذر اسْتِيفَاء الثّمن من المُشْتَرِي فَاتَ رضَا البَائِع فيستبد بِالْفَسْخِ والتوفيق بَين كلاميه صَعب اهـ.
وَأقرهُ عَلَيْهِ فِي فتح الْقَدِير بقوله بعده وَهُوَ صَحِيح، وَيَقْتَضِي أَنه لَو تعذر الِاسْتِيفَاء مَعَ الاقرار بِأَن مَاتَ وَلَا بَيِّنَة أَن لَهُ أَن يفْسخ ويستمتع بالجارية، وَالْوَجْه مَا قدمه أَولا اهـ.
وَأجَاب عَنهُ فِي الْعِنَايَة بِأَنَّهُ لَا مناقضة، لانه إِنَّمَا حكم أَولا بِكَوْنِهِ فسخا من جِهَته لَا مُطلقًا، أَو لَان كَلَامه الاول فِيمَا إِذا ترك البَائِع الْخُصُومَة وَالثَّانيَِة فِيمَا إِذا لم يَتْرُكهَا، لَكِن قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي منحة الْخَالِق عَن الْحَوَاشِي اليعقوبية: قَالَ صَاحب الْكِفَايَة: لَا تنَاقض بَين كلاميه فَيحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق لَان مُرَاده بقوله لَان أحد الْمُتَعَاقدين لَا ينْفَرد بِالْفَسْخِ فِيمَا إِذا كَانَ لآخر على العقد معترفا بِهِ، كَمَا إِذا قَالَ أَحدهمَا اشْتريت وَأنكر الآخر لَا يكون إِنْكَاره فسخا للْعقد إِذْ لَا يتم بِهِ الْفَسْخ، وَفِيمَا إِذا قَالَ أَحدهمَا اشْتريت مني هَذِه الْجَارِيَة وَأنكر فالمدعي للْعقد هُوَ البَائِع وَالْمُشْتَرِي يُنكر العقد وَالْبَائِع بِانْفِرَادِهِ على العقد فيستبد بفسخه، وَفِيه كَلَام، وَهُوَ أَن الظَّاهِر أَن قَوْله فِيمَا سبق ولانه لما تعذر إِلَى آخر كَون مُجَرّد اسْتِقْلَال البَائِع فِي الْفَسْخ لتعذر اسْتِيفَاء الثّمن دَلِيلا مُسْتقِلّا لحل الوطئ بِدُونِ اعْتِبَار كَون إِنْكَار المُشْتَرِي فسخ من جَانِبه، حَتَّى لَو تعذر الِاسْتِيفَاء مَعَ عدم الانكار لَا يستبد بِالْفَسْخِ أَيْضا، وَيدل على هَذَا قَول صدر الشَّرِيعَة فِي تَقْرِير حل الوطئ: لَا سِيمَا إِذا جحد المُشْتَرِي الخ كَمَا لَا يخفى، بل غَايَة مَا يُمكن فِي التَّوْفِيق أَن يُقَال: إِن مُرَاده فِيمَا سبق استبداد البَائِع بِالْفَسْخِ لضَرُورَة تعذر اسْتِيفَاء الثّمن وَوُجُوب دفع الضَّرَر، وَهنا لَا ضَرُورَة للْمقر لَهُ بِالشِّرَاءِ إِلَى الْفَسْخ فَلَا يستبد بِهِ، فمراده من قَوْله هَا هُنَا لَان أحد الْعَاقِدين لَا ينْفَرد بِالْفَسْخِ الخ عدم الِانْفِرَاد عِنْد عدم الضَّرُورَة فَلَا تنَاقض لكنه بعيد لَا يخفى، فَلْيتَأَمَّل اهـ.
قَوْله: (أَو إِقْرَار ثَانِيًا) الاولى ثَان وَيكون صفة للاقرار فَإِنَّهُ نكرَة.
قَوْله: (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ الْحَقُّ لوَاحِد) كَمَا هُنَا فَإِن الْمقر لَهُ ينْفَرد برد الاقرار، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ اشْتريت وَأنكر فَإِن لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ لِأَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ لَا ينْفَرد بِالْفَسْخِ كَمَا لَا ينْفَرد بِالْعقدِ اهـ ح.
وَفِي الْبَحْر: الْحَاصِل أَن كل شئ يكون لَهُمَا جَمِيعًا إذَا رَجَعَ الْمُنْكِرُ إلَى التَّصْدِيقِ قَبْلَ أَنْ يُصَدِّقَهُ(7/438)
الْآخَرُ عَلَى إنْكَارِهِ فَهُوَ جَائِزٌ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وكل شئ يكون الْحق فِيهِ لِوَاحِدٍ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْرَارِ لَا يَنْفَعُهُ إقْرَارُهُ بعده اهـ: أَي لَا يَنْفَعهُ رُجُوعه إِلَى التَّصْدِيق.
وَحَاصِل مسَائِل الاقرار تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا موضحا،
قَوْلُهُ: (مَا كَانَ لَكَ) اُنْظُرْ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ كَانَ، وَانْظُرْ مَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عِنْدَ وَاقِعَةِ سَمَرْقَنْدَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَاضِي وَالْحَال.
أَقُول: وَيُمكن أَن يُقَال إِنَّه نَص على المتوهم، إِذْ لَو لم يذكرهُ لَا تنَاقض لَان نفي الْحَال لَا يُفِيد نفي الْمَاضِي.
تَأمل.
قَوْله: (قطّ) قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُؤَكِّدَ النَّفْيَ بِكَلِمَةِ قَطُّ أَو لَا اهـ.
فَيكون الْقَيْد بهَا اتفاقيا اهـ.
حموي.
قَوْله: (على أَن لَهُ عَلَيْهِ إلَخْ) الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَلْفٍ لَهُ عَلَيْهِ فَافْهَم، وَفِي بعض النّسخ: على أَن لَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ.
قَوْلُهُ: (عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ الْإِيفَاءِ، قَيَّدَ بِدَعْوَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ، إذْ لَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ: فَإِنْ كَانَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ، وَإِنْ تَفَرَّقَا عَنْ الْمَجْلِسِ ثُمَّ ادَّعَاهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ تُقْبَلُ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ، وَإِنْ ادَّعَى الْإِيفَاءَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ لَا تقبل.
كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ.
بَحر.
أَقُول: يَنْبَغِي تَقْيِيد قَوْله إِذْ لَو ادَّعَاهُ بعد الاقرار بِمَا إِذا كَانَ الاقرار بِلَفْظ لَهُ عَليّ بِدُونِ كَانَ، وَإِلَّا فَلَا تنَاقض كَمَا هُوَ ظَاهر.
تَأمل.
وَقَوله وَإِن ادّعى الايفاء قبل الاقرار: أَي حُصُول الايفاء قبل فَقبل ظرف للايفاء لَا لادعى.
مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى بَقِي مَا إِذا ادّعى إِيفَاء الْبَعْض وَهِي حَادِثَة الْفَتْوَى.
قَالَ فِي مَجْمُوع النَّوَازِل: ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا فَأجَاب قَائِلا: إِنِّي آتِي بِالدفع فَقيل أعلي الايفاء أَو الابراء؟ فَقَالَ على كليهمَا يسمع قَوْله إِن وفْق، بِأَن قَالَ أوفيت الْبَعْض وأبرأني عَن الْبَعْض، أَو قَالَ أبرأني عَن الْكل لَكِن لما أنكر أوفيته اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا يخفى أَن على القَوْل بِأَن الامكان كَاف يسمع مُطلقًا اهـ.
قَوْله: (وَلَو بعد الْقَضَاء) أَي قَضَاء القَاضِي بِلُزُوم المَال على الْمُنكر.
مطلب: بَيَان وَجه تَسْمِيَة المخمسة وَبَيَان أقوالها
قَوْله: (إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة) سميت بذلك لِأَنَّ فِيهَا خَمْسَةَ، أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ: الْأَوَّلُ مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ تَنْدَفِعُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
الثَّانِي قَوْلُ أَبِي يُوسُف، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُخْتَار أَن الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ صَالِحًا فَكَمَا قَالَ الامام، وَإِن مَعْرُوفا بالحيل لم تنْدَفع عَنهُ.
الثَّالِثُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: إنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ فَقَطْ لَا تَنْدَفِعُ، فَعِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِالْوَجْهِ وَالِاسْمِ وَالنَّسَبِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: تَعْوِيلُ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ: لَوْ قَالُوا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا بِوَجْهِهِ لم يذكر فِي شئ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ: لَا بُد أَن يَقُولُوا نعرفه باسمه وَنَسَبِهِ وَتَكْفِي مَعْرِفَةُ الْوَجْهِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ لَو قَالُوا أودعهُ رجل لَا نعرفه لم تنْدَفع، الرَّابِع قل ابْن أبي شبْرمَة: إِنَّهَا لَا تنْدَفع عَنهُ مُطلقًا.
الْخَامِسُ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: تَنْدَفِعُ بِدُونِ بَيِّنَة.
وَتَمَامه فِي الْبَحْر، وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الدَّعْوَى.
أَو لِأَنَّ صُوَرَهَا خَمْسَةٌ: وَدِيعَةٌ، وَإِجَارَةٌ، وَإِعَارَةٌ، وَرَهْنٌ، وغصب،(7/439)
كأودعنيه فلَان أَو أعارنيه أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ ارْتَهَنْته أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْهُ، أَوْ قَالَ أَخَذْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً مِنْ فلَان، وَهَذَا الْكَرم مُعَاملَة مِنْهُ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَاعْلَم أَن قَوْلهم إِن الدّفع بعد الحكم صَحِيح مُخَالف لما قدمْنَاهُ من أَن القَاضِي لَو قضي للْمُدَّعِي قبل الدّفع ثمَّ دفع بالايداع وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يقبل إِلَّا أَن يخص من الْكُلِّي، فَافْهَم.
قَالَ السَّيِّد الْحَمَوِيّ: أَقُول يرد عَلَيْهِ مَا فِي الدُّرَر من بَاب دَعْوَى النّسَب، برهن أَنه ابْن عَمه لابيه وَأمه وَبرهن الدَّافِع أَنه ابْن عَمه لامه فَقَط أَو على إِقْرَار الْمَيِّت بِهِ كَانَ دفعا قبل الْقَضَاء لَا بعده لتأكده بِالْقضَاءِ بِخِلَاف الثَّانِي اهـ.
فَيَنْبَغِي أَن تخص هَذِه الْمَسْأَلَة عَن الْكُلية، وَحِينَئِذٍ لَا وَجه لقَوْله إِلَّا فِي الْمَسْأَلَة المخمسة اهـ.
تَأمل
قَوْله: (كَمَا سيجئ) أَي فِي فصل دفع الدَّعَاوَى من كتاب الدَّعْوَى.
حَلَبِيّ.
قَوْله: (قبل برهانه لامكان التَّوْفِيق الخ) مَشى على القَوْل بِأَن إِمْكَان التَّوْفِيق كَاف كَمَا تقدم.
مطلب: الدَّعْوَى إِذا فصلت بِوَجْه شَرْعِي لَا تنقض إِلَّا لفائدة قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي تنقيحه فِي جَوَاب سُؤال الدَّعْوَى: إِذا فصلت مرّة بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيّ مستوفية
لشرائطها الشَّرْعِيَّة لَا تنقض وَلَا تُعَاد.
أَقُول: لَيْسَ هَذَا على إِطْلَاقه، بل هَذَا حَيْثُ لم يزدْ الْمُدَّعِي على مَا صدر مِنْهُ أَولا، أما لَو جَاءَ بِدفع صَحِيح أَو جَاءَ بِبَيِّنَة بعد عَجزه عَنْهَا فَإِنَّهَا تسمع دَعْوَاهُ.
مطلب: يَصح الدّفع وَدفع الدّفع وَدفعه قَالَ مَشَايِخنَا فِي كتبهمْ كالذخيرة وَغَيرهَا: كَمَا يَصح الدّفع يَصح دفع الدّفع، وَكَذَا يَصح دفع دفع الدّفع، وَمَا زَاد عَلَيْهِ يَصح وَهُوَ الْمُخْتَار، وكما يَصح قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة يَصح بعْدهَا، وكما يَصح الدّفع قبل الحكم يَصح بعد الحكم.
وَفِي الذَّخِيرَة: برهن الْخَارِج عَن نتاج فَحكم لَهُ ثمَّ برهن ذُو الْيَد على النِّتَاج يحكم لَهُ بِهِ اهـ.
فَإِذا كَانَ هَذَا فِي بَيِّنَة مثبتة وَلها اعْتِبَار وَحكم بهَا وَسمع بعْدهَا دَعْوَى الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَبَطل الْقَضَاء على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ فَكيف لَا تبطل بَيِّنَة ذِي الْيَد فِيمَا ألحق بِالْملكِ الْمُطلق؟ وَإِن حكم القَاضِي لَهُ بِظَاهِر الْيَد الْمُغنيَة لَهُ عَن الْبَيِّنَة فَكيف بَيِّنَة غير مثبتة؟ لَان عَنْهَا غنى بِالْيَدِ وَلَا حَاجَة للْحكم بهَا، إِذْ الْقَضَاء للْمُدَّعى عَلَيْهِ عِنْد عدم بَيِّنَة الْخَارِج قَضَاء ترك لَا قَضَاء اسْتِحْقَاق، فَنَقُول: إِن أعَاد الْخصم الدَّعْوَى وَلَا بَيِّنَة مَعَه بِمَا يَدعِي لَا تسمع دَعْوَاهُ لانها عين الاولى حَيْثُ لم يقم بَيِّنَة وَلم يَأْتِ بِدفع شَرْعِي، وَقد منع أَولا لعدم إِقَامَتهَا فَمَا أَتَى بِهِ تكْرَار مَحْض مِنْهُ، وَقد منع بِمَا سبق فَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ وَلَا يسمع مِنْهُ إِجْمَاعًا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَا تسمع دَعْوَاهُ بعده فِيهِ إِلَّا أَن يبرهن على إبِْطَال الْقَضَاء بِأَن ادّعى دَارا بِإِرْث وَبرهن وَقضى لَهُ ثمَّ ادّعى الْمقْضِي عَلَيْهِ الشِّرَاء من مورث الْمُدَّعِي أَو ادّعى الْخَارِج الشِّرَاء من فلَان وَبرهن الْمُدعى عَلَيْهِ على شِرَائِهِ من فلَان أَو من الْمُدَّعِي قبله (1) أَو يقْضِي عَلَيْهِ بالدابة فبرهن على نتاجها عِنْده اهـ.
وَهَذَا يُفِيد أَن قَوْلهم يَصح الدّفع بعد الحكم مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ فِيهِ إبِْطَال الْقَضَاء، وَيَنْبَغِي تَقْيِيده أَيْضا بِمَا إِذا لم يُمكن التَّوْفِيق.
__________
(1)
قَوْله: (قبله) مُتَعَلق بِشِرَائِهِ اهـ.
مِنْهُ.(7/440)
مطلب: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل
لما فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ عَن فَتَاوَى رشيد الدّين: لَو أَتَى بِالدفع بعد الحكم فِي بعض الْمَوَاضِع لَا يقبل، نَحْو أَن يبرهن بعد الحكم أَن الْمُدَّعِي أقرّ قبل الدَّعْوَى أَنه لَا حق لَهُ فِي الدَّار لَا يبطل الحكم لجَوَاز التَّوْفِيق بِأَن شراه بِخِيَار فَلم يملكهُ فِي ذَلِك الزَّمَان ثمَّ مَضَت مُدَّة الْخِيَار وَقت الحكم فملكه فَلَمَّا احْتمل هَذَا لم يبطل الحكم الْجَائِز بشك، وَلَو برهن قبل الحكم يقبل، وَلَا يحكم إِذْ الشَّك يدْفع الحكم وَلَا يرفعهُ اهـ.
لَكِن يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا مَبْنِيا على القَوْل بِأَن إِمْكَان التَّوْفِيق كَاف، أما على القَوْل بِأَنَّهُ لَا بُد من التَّوْفِيق بِالْفِعْلِ فَلَا تَقْيِيد بِمَا ذكره، وَقد ذكرُوا الْقَوْلَيْنِ فِي مسَائِل التَّنَاقُض.
وَالَّذِي اخْتَارَهُ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ وَقَالَ: إِنَّه الاصوب عِنْدِي وَأقرهُ فِي نور الْعين: أَنه إِن كَانَ التَّنَاقُض ظَاهرا وَالتَّوْفِيقُ خَفِيًّا لَا يَكْفِي إمْكَانُ التَّوْفِيقِ وَإِلَّا يكف الامكان، ثمَّ أيده بِمَسْأَلَة فِي الْجَامِع، وَهِي لَو أقرّ أَن لم فَمَكَثَ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ ثُمَّ برهن على الشِّرَاءِ مِنْهُ بِلَا تَارِيخٍ قُبِلَ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَن يَشْتَرِيهِ بعد قراره، ولان الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَقْدِ الْمُبْهَمِ (1) تُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْحَالِ اهـ.
قَوْله: (صَحَّ الدّفع) بِخِلَاف لم يكن لي، لَان لَيْسَ لنفي الْحَال وَلم يكن لي لنفيه فِي الْمُضِيّ كَمَا فِي التاترخانية.
قَالَ فِي الدُّرَر: بَرْهَنَ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي أَنَا مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى أَوْ شُهُودِي كَذَبَةٌ أَوْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شئ صَحَّ الدّفع اهـ.
وَمثله فِي الْعمادِيَّة.
وفيهَا: ادّعى رجل مَالا أَو عينا فَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّك أَقرَرت فِي حَال جَوَاز إقرارك لَا دَعْوَى لي وَلَا خُصُومَة لي عَلَيْك وَأثبت ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ تسمع وتندفع دَعْوَاهُ وَإِن كَانَ يحْتَمل أَنه يَدعِي عَلَيْهِ بِسَبَب الاقرار، لَكِن الاصل أَن الْمُوجب والمسقط إِذا تَعَارضا يَجْعَل الْمسْقط آخرا، لَان السُّقُوط يكون بعد الْوُجُوب سَوَاء اتَّصل الْقَضَاء بالاول أَو لم يتَّصل اهـ.
وَالْحَاصِل: أَنه لَو ادّعى رجل على رجل مَالا وَقضى بِهِ للْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ قَالَ الْمُدَّعِي كنت كَاذِبًا فِيمَا ادعيت يبطل الْقَضَاء، وَإِذا قَالَ الْمُدَّعِي بعد الْقَضَاء الْمقْضِي بِهِ لَيْسَ ملكي لَا يبطل الْقَضَاء، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لم يكن ملكي، وَهَذَا لَان قَوْله لَيْسَ ملكي يتَنَاوَل الْحَال وَلَيْسَ من ضَرُورَة نفي الْحَال انْتِفَاء من الاصل، بِخِلَاف قَوْله لم يكن ملكي، فَلَو ادّعى زيد على عَمْرو مَالا فَأنْكر عَمْرو دَعْوَاهُ ثمَّ إِن زيدا أثبت مدعاه وَحكم الْحَاكِم بِهِ وَأخذ زيد المَال مِنْهُ ثمَّ ادّعى عَمْرو إِنَّك كَاذِب ومبطل فِي دعواك هَذِه حَتَّى إِنَّك أَقرَرت بذلك لَدَى بَيِّنَة شَرْعِيَّة وَأثبت عَمْرو مدعاه فَلهُ اسْتِرْدَاد المَال الْمَذْكُور كَمَا
يُسْتَفَاد مِمَّا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: (فِي فصل الاستشراء) أَي طلب شِرَاء شئ، وَفِيه فَوَائِد جمة تَأتي.
قَوْله: (إِن لم يصالحه) رَاجع إِلَى قَوْله قبل برهانه وَكَانَ مَحَلُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ ادَّعَى على آخر مَالا قَالَ فِي الْمنح: وَهَذَا إِذا لم يُصَالح، أما إِذا أنكر فَصَالحه على شئ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ يسمع
__________
(1)
قَوْله: (على العقد الْمُبْهم) أَي الَّذِي لم يؤرخ اهـ.
مِنْهُ.(7/441)
برهانه على الايفاء اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِكَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يُصَالِحْ لِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ.
أَمَّا إِذا أنكر فَصَالحه على شئ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى الْإِيفَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لَمْ تسمع دَعْوَاهُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَة بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى الايفاء ثمَّ صَالحه فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ برهانه على الايفاء كَمَا فِي الخزانة، لانه مَتى أمكن التَّوْفِيق فَلَا تنَاقض.
فَمن ذَلِك ادّعى مَالا بِالشّركَةِ ثمَّ ادَّعَاهُ دينا عَلَيْهِ تسمع، وعَلى الْقلب لَا، لَان مَال الشّركَة يَنْقَلِب دينا بالجحود وَالدّين لَا يَنْقَلِب أَمَانَة وَلَا شركَة.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وَمن مسَائِل دَعْوَى الايفاء مَا فِي الْمُحِيط من الْمَسْأَلَة المخمسة: ادّعى على آخر مِائَتي دِرْهَم وَأَنه استوفى مائَة وَخمسين وَبَقِي عَلَيْهِ خَمْسُونَ وأثبتها بِالْبَيِّنَةِ ثمَّ برهن الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه أوفاه الْخمسين لَا تسمع حَتَّى يَقُولَا هَذِه الْخمسين الَّتِي تَدعِي لَان فِي مائَة وَخمسين خمسين.
قَوْله: (قبل برهانه على الايفاء) وَلَا يكون صلحه مُبْطلًا لدعوى الايفاء، لَان غير الْحق قد يقْضِي دفعا للخصومة، أَو كَأَنَّهُ لم يجد برهانا فَصَالح ثمَّ وجد فأقامه فَلَا يكون إقدامه على الصُّلْح إِقْرَارا، بِخِلَاف الاولى.
تَأمل.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَانْظُر لَوْ بَرْهَنَ عَلَى إيفَاءِ الْبَعْضِ فَقَدْ صَارَتْ حَادِثَة الْفَتْوَى اهـ.
أَقُول: لَا فرق يظْهر بَينهمَا.
تَأمل.
قَوْله: (وَقيل لَا وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) قَالَ فِي الْبَحْر: وليتأمل فِي وَجه عدم السُّقُوط.
وَأجَاب المُصَنّف عَنهُ بِمَا ذكره الشَّارِح.
قَالَ فِي الْمنح: وَالظَّاهِر أَن وَجهه أَن الْمُدعى عَلَيْهِ لما كَانَ جاحدا فذمته غير مَشْغُولَة بشئ فِي زَعمه فَأنى تقع الْمُقَاصَّة، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
وَنقل عَنهُ الرَّمْلِيّ مَعَ زِيَادَة وَهِي قَوْله: أَو نقُول يَجْعَل تصميمه على الانكار رد لما أقرّ بِهِ الْمُدَّعِي وَهُوَ مِمَّا يرْتَد بِالرَّدِّ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَكَأَنَّهُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْمِنَحِ، وَهُوَ جَوَاب لتوقف الْبَحْر فِي عدم السُّقُوط وَحِينَئِذٍ فَيحْتَاج للمقاصصة صَرِيحًا لَا
ضمنا، أَو أَن يصدقهُ فِي الْكل، لَكِن وَجه القَوْل الاول يظْهر لي لَان السُّقُوط يَكْفِي فِي زعم الْمُدَّعِي.
قَوْله: (فَأَيْنَ) الْوَاقِع فِي الْمنح: فَأنى تقع الْمُقَاصَّة فَلهُ أَن يُطَالِبهُ بثلاثمائة.
قَوْله: (وَإِن زَاد لَا أعرفك) على قَوْله فِيمَا تقدم مَا كَانَ لَك عَليّ شئ قطّ.
قَوْله: (كَمَا رَأَيْتُك) أَو مَا جرى بيني وَبَيْنك مُعَاملَة أَو مُخَالطَة أَو خلْطَة أَو لَا أَخذ وَلَا عَطاء أَو مَا اجْتمعت مَعَك فِي مَكَان كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
بَحر.
قَوْله: (لَا يقبل) أَي برهانه على الْقَضَاء أَو الابراء.
قَوْله: (لتعذر التَّوْفِيق) أَي بَين كلاميه لانه لَا يكون بَين اثْنَيْنِ مُعَاملَة من غير معرفَة ذكره أَصْحَابنَا.
قَوْله: (لَان المحتجب) من الرِّجَال هُوَ من لَا يتَوَلَّى الاعمال بِنَفسِهِ بِقَرِينَة قَوْله: حَتَّى لَو كَانَ الخ وَقِيلَ مَنْ لَا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ لِعَظَمَتِهِ.
قَوْله: (بالشغب على بَابه) الشغب بِالسُّكُونِ، وَقيل يُحَرك تهييج الشَّرّ.
قَامُوس.
قَوْلُهُ: (حَتَّى لَوْ كَانَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فرع هَذَا على ذَلِك القَوْل: أَي التَّقْيِيد بالمحتجب فِي النِّهَايَة تبعا لقاضيخان.
وَفِي إصْلَاح الايضاح: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَبْنَى إمْكَانِ التَّوْفِيقِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفسِهِ لَا على أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ اهـ.
وَدَفْعُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي تَنَاقُضِ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا الْمُدَّعِي.
بَحر.(7/442)
مطلب: جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى أَقُول: وَيُؤْخَذ من كَلَام الشَّارِح وَمِمَّا تقدم جَوَاب حَادِثَة الْفَتْوَى كَمَا فِي الْحَوَاشِي الْخَيْرِيَّة، وَهِي ادّعى أَن مُوَرِثه اشْترى مِنْك ثورا بِكَذَا اقبضه مِنْهُ كَذَا وبقى كَذَا، فَأجَاب بِأَن مورثي لم يشتر مِنْك ثورا قطّ وَلَا كَانَ يعرفك فبرهن على دَعْوَاهُ فبرهن الآخر على دفع جَمِيع الثّمن أَنه يقبل بِلَا شكّ لانه لَا يَصح جَوَابه إِلَّا على نفي الْعلم اهـ.
قَوْله: (نعم لَو ادّعى الخ) هَذَا مُرْتَبِط بِكَلَام مَحْذُوف مَفْهُوم من الْمقَام تَقْدِيره: وَإِذا لم يُمكن التَّوْفِيق لم ينْدَفع التَّنَاقُض، كَمَا لَو قَالَ لم أدفَع إِلَيْهِ شَيْئا ثمَّ ادّعى الدّفع لم يسمع لانه يَسْتَحِيل أَن يكون دافعا وَغير دَافع فِي شئ وَاحِد، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى إلَخْ.
قَالَ فِي الدُّرَرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ لِلْمُدَّعِي لَا أَعْرِفُكَ فَلَمَّا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ ادَّعَى الْإِيصَالَ لَا تُسْمَعُ، وَلَوْ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعِي بِالْوُصُولِ أَو الايصال تسمع اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّ الْمُتَنَاقِضَ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ وَهُنَا لَمْ يَجْمَعْ، وَلِهَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي عِيَانًا لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضًا ذكره التُّمُرْتَاشِيّ اهـ.
وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَهُوَ
أَحْسَنُ مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الشَّارِحُ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ إقْرَارُ الْمُدعى عَلَيْهِ صَوَابه الْمُدَّعِي بِإِسْقَاط عَلَيْهِ إِلَّا أَن يقْرَأ الْمُدعى عَلَيْهِ بِصِيغَة الْمَبْنِيّ للْفَاعِل فَيكون مَعْنَاهُ الَّذِي ادّعى عَلَيْهِ الدّفع.
تَأمل.
ثمَّ رَأَيْت مَا يُؤَيّد هَذَا فِي الْمَقْدِسِي حَيْثُ قَالَ: وَقَالُوا فِيمَن قَالَ لم أدفَع ثمَّ قَالَ دفعت لم يقبل للتناقض إِلَّا إِذا ادّعى إِقْرَار الْمُدَّعِي بذلك فَيقبل لَان التَّنَاقُض لَا يمْنَع صِحَة الاقرار، وَعلله بِمَا علل بِهِ الْبَحْر.
مطلب: حَادِثَة أذن لمديونه فِي دَفعه لاخيه الخ وَأجَاب صَاحب الْبَحْر فِي حَادِثَة هِيَ أذن لمن عَلَيْهِ الدّين فِي دَفعه إِلَى أَخِيه ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ بِهِ، وَأَنه لم يدْفع فَقَالَ دفعت ثمَّ قَالَ لم أدفَع فَحكم بِهِ فجَاء الاخ فَأقر بِالدفع لَهُ فَإِنَّهُ يبرأ، لَان تَصْدِيق الاخ الْمَأْذُون فِي الدّفع إِلَيْهِ كتصديق الْمُدَّعِي اهـ.
وَقد علمت مَا إِذا صدق الْمُدَّعِي.
وَحكى صَاحب الْكَافِي قبُول الْبَيِّنَة على الابراء فِي فصل المحتجب والمخدرة بِاتِّفَاق الرِّوَايَات، لَان الابراء يتَحَقَّق بِلَا معرفَة، لَكِن عبر عَنهُ صَاحب الْبَحْر، والعيني بقيل.
قَوْله: (بالوصول أَو الايصال) بِأَن ادّعى إِقْرَاره بِأَنَّهُ وَصله مِنْهُ كَذَا أَو أوصله وَبرهن.
قَوْله: (لَان التَّنَاقُض) أَي من الْغَرِيم.
قَوْله: (لَا يمْنَع صِحَة الاقرار) أَي إِقْرَار الدَّائِن بِالدفع إِلَيْهِ إِذا قَامَت قرينَة قَوِيَّة كَمَا يفهم من سياقهم.
قَوْله: (ثمَّ جَحده صَحَّ) أَي جحوده، وَمعنى صِحَة جحوده أَنه لَا يكون متناقضا وَلَا تسمع الْبَيِّنَة بِإِقْرَارِهِ السَّابِق.
وَفِيه أَن البيع عقد مُتَحَقق من إِيجَاب وَقبُول صادرين مِنْهَا فَكيف صَحَّ جحوده ط.
قَوْله: (بِلَا ثمن بَاطِل) هَذَا إِنَّمَا يظْهر إِذا أقرّ بِبيع عَبده بِلَا ثمن وَالْفَرْض الاطلاق، وَالْوَاقِع الَّذِي يكَاد أَن يتَخَلَّف أَن البيع لَا يكون إِلَّا بِثمن، لَان الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ إقْرَارٌ بِرُكْنَيْهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَال، فَلَو قيل بِصِحَّة الاقرار ثمَّ بالبحث عَن تعْيين الثّمن لَكَانَ لَهُ وَجه ط.
قَوْله: (لَان الاقرار بِالْبيعِ الخ) فِيهِ مَا تقدم آنِفا من أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ إقْرَارٌ بِرُكْنَيْهِ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أقرّ بِالْبَيْعِ بِلَا مَالٍ.
تَأَمَّلْ.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: شهد على إِقْرَار البَائِع بِالْبيعِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ وَلَمْ يَشْهَدَا بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَا تقبل، لِأَنَّ حَاجَةَ الْقَاضِي إلَى الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مُسَمّى.
وَإِنْ قَالَا: أَقَرَّ(7/443)
عِنْدَنَا أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ وَلَمْ يسميا الثّمن جَازَ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي دُونَ
الْقَضَاءِ بِالْعَقْدِ فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ الْعَقْدِ بِاسْتِيفَاءِ الثّمن.
وَفِي مجمع الْفَتَاوَى: شهد أَنَّهُ بَاعَ وَقَبَضَ الثَّمَنَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يبينوا الثّمن، وَكَذَا لَو شهد بِإِقْرَار البَائِع أَنه بَاعه وَقبض الثّمن اهـ.
مطلب: لَو شهد على البيع وَقبض الثّمن وَإِن لمن يبينوه وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: شَهِدُوا عَلَى الْبَيْعِ بِلَا بَيَانِ الثَّمَنِ، إنْ شَهِدُوا عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ تُقْبَلْ، وَكَذَا لَوْ بَيَّنَ أَحَدُهُمَا وَسَكَتَ الْآخَرُ اهـ.
نور الْعين فِي أَوَائِل الْفَصْل السَّادِس.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام على ذَلِك مُسْتَوفى فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَفِي بَابِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (أَمَتَهُ مِنْهُ) لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ مِنْهُ لَان ضمير بَاعه يُغني عَنهُ اهـ ح.
أَي لَان بَاعَ قد استوفى معموله لانه يتَعَدَّى بِنَفسِهِ وبمن، وَقد عداهُ المُصَنّف بِنَفسِهِ حَيْثُ قَالَ بَاعه، إِلَّا أَن يُقَال: إِنَّمَا ذكره لدفع توهم عود الضَّمِير إِلَى الْمُدَّعِي من أول الامر.
تَأمل.
قَوْله: (عَيْبا) أَي قَدِيما يُوجب الرَّد.
قَوْله: (فبرهن الخ) أما لَو برهن على الْفَسْخ يقبل، لَان الانكار فسخ.
منح.
قَوْله: (أَي المُشْتَرِي) لَو رَجَعَ الضَّمِير إِلَى البَائِع لَكَانَ أولى، لَان الْبَرَاءَة من الْعُيُوب تكون من البَائِع غَالِبا بِأَن يَقُول بعتكه وَأَنا برِئ من الرَّد مِمَّا فِيهِ من الْعُيُوب.
نعم الابراء يكون من المُشْتَرِي ط.
قَوْله: (لم تقبل بَيِّنَة البَائِع) أَي للتناقض، إِذا شَرط الْبَرَاءَة من الْعَيْب تصرف فِي العقد بتغييره عَن اقْتِضَاء صفة السَّلامَة إِلَى غَيرهَا، وتغيير العقد من وصف إِلَى وصف بِلَا عقد محَال، وَإِذا بَطل التَّوْفِيق ظهر التَّنَاقُض.
مطلب: أنكر البيع فأثبته المُشْتَرِي وَأَرَادَ الرَّد بِالْعَيْبِ فَادّعى البَائِع الْبَرَاءَة عَن عيب لَا يقبل للتناقض
قَوْلُهُ: (لِلتَّنَاقُضِ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتَضِي وجود العقد، إِذْ الصّفة بِدُونِ الْمَوْصُوف لَا تتَصَوَّر وَقد أنكرهُ فَيكون مناقضا.
وَاسْتشْكل بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَن تقبل الْبَيِّنَة فِيهَا وفَاقا خلافًا لزفَر، لانه صَار مُكَذبا شرعا بِبَيِّنَة الْمُدَّعِي فلحق إِنْكَاره بِالْعدمِ كَمَا تقدّمت نَظَائِره، فَصَارَ كَمَا فِي الْكفَالَة من أَن رجلا لَو برهن أَن لَهُ على الْغَائِب ألفا وَهَذَا كفيله بأَمْره يرجع الْكَفِيل على الْغَائِب وَلَو أنكر الْكفَالَة أصلا، لانه صَار كذبا شرعا
فِي إِنْكَاره فلحق بِالْعدمِ.
قَالَ: وَيُمكن الْفرق بِأَن الحكم بِأَدَائِهِ ثمَّة حكم بِالرُّجُوعِ أَيْضا فَلَا حَاجَة إِلَى إِقَامَة الْبَيِّنَة ثَانِيًا على كفَالَته لثبوتها أَولا، وَهنا الحكم بِالشِّرَاءِ لَيْسَ بِحكم الْبَرَاءَة والايفاء فَلَا بُد من الدَّعْوَى فيبطله التَّنَاقُض فَافْتَرقَا.
وَيُمكن بِأَن يرد بِأَن إِنْكَاره لما لحق بِالْعدمِ لما مر لَا يتَحَقَّق التَّنَاقُض لعدم إِنْكَار البيع وَالشِّرَاء فَيَنْبَغِي أَن يَصح الدَّعْوَى على أصل.(7/444)
مطلب: أنكر البيع فأثبته المُشْتَرِي فَادّعى البَائِع الاقالة تسمع قَالَ فِي الْعدة (1) أنكر البيع فبرهن عَلَيْهِ المُشْتَرِي فَادّعى البَائِع إِقَالَة يسمع هَذَا الدّفع، وَلَو لم يدع الاقالة وَلَكِن ادّعى إِيفَاء الثّمن أَو الابراء اخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ اهـ.
وَقد يُجَاب بِأَن الْمقر إِنَّمَا يصير مُكَذبا شرعا إِذا حكم القَاضِي بِمَا يُخَالف إِقْرَاره، وَفِي مَسْأَلَتنَا لم يقْض بِالْبيعِ حَتَّى تنَاقض الْخصم فَلم يكن مُكَذبا شرعا.
بَحر.
قَالَ ط: وَفِيه نظر اهـ.
وَكَذَا نظر فِيهِ الرَّمْلِيّ.
قَالَ سيد الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: أَي تَفْسِير للتنظير، فَإِن الْقَضَاء بِالشِّرَاءِ قَضَاء بِالْبيعِ، فَمَا معنى قَوْله لم يقْض القَاضِي بِالْبيعِ.
مطلب: الْجَواب النافع عَن إِشْكَال جَامع الْفُصُولَيْنِ وَأَقُول: الْجَواب النافع إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَا يُسْتَفَاد من كتاب نور الْعين فِي غير هَذَا الْمحل وَفِي غير هَذِه الْمَسْأَلَة، وَهُوَ أَن الْكَفِيل لما الْتحق زَعمه بِالْعدمِ وَثَبت خِلَافه وَهُوَ كَونه كَفِيلا لم يسع فِي إِعَادَة زَعمه وَلم يرد نقض الْبَيِّنَة بل رَضِي بموجبها حَتَّى جعله مَبْنِيّ لدعواه الرُّجُوع على الاصيل، وَأما البَائِع فِي مَسْأَلَتنَا فقد سعى فِي إِعَادَة مآل زَعمه وَهُوَ بَرَاءَة ذمَّته بعد التحاقة بِالْعدمِ بِثُبُوت خِلَافه وَأَرَادَ نقض مَا أثبتته الْبَيِّنَة وَهُوَ عدم بَرَاءَة ذمَّته، فَهَذَا فرق وَاضح حق، وَكَذَا يُقَال فِي دَعْوَى الاقالة لانها فسخ للْعقد الَّذِي أثْبته الْخصم بِالْبَيِّنَةِ، فَفِيهِ تَقْرِير لموجبها وَهِي الْمُتَقَدّمَة عَن الْبَحْر عَن الْعدة فِيمَا إِذا ادّعى على آخر أَنه اشْترى مِنْهُ هَذَا الدَّار فَأنْكر الشِّرَاء فَلَمَّا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة على الشِّرَاء ادّعى الْمُدعى عَلَيْهِ أَنه ردهَا عَلَيْهِ: يَعْنِي أقالها يسمع هَذَا الدّفع، وَلَو لم يدع الاقالة وَلَكِن يَدعِي إِيفَاء الثّمن أَو الابراء اخْتلف
الْمُتَأَخّرُونَ.
مطلب: ادّعى شِرَاء عَبده فَأنْكر فأثبته فَادّعى البَائِع أَنه رده عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ يقبل وَمثله يُقَال فِي جَوَاب مَسْأَلَة: مَا إِذا ادّعى عَلَيْهِ شِرَاء عَبده فَأنْكر فبرهن عَلَيْهِ فَادّعى عَلَيْهِ أَنه رده عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ تسمع، لانه صَار مُكَذبا فِي إِنْكَاره البيع فارتفع التَّنَاقُض بتكذيب الشَّرْع كَمَا ارْتَفع بِتَصْدِيق الْخصم اهـ.
فاحفظه فَإِنَّهُ ينفعك فِي كثير من أَمْثَال هَذِه الْمسَائِل.
قَوْله: (لامكان التَّوْفِيق بِبيع وَكيله) أَي وَكيل البَائِع، فَقَوْلُهُ أَوَّلًا لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ: أَيْ مُبَاشرَة، وَقَوله إِنَّه برِئ إِلَيْهِ من كل عيب: أَي إِلَى وَكيله وَفعل الْوَكِيل كَفعل الْمُوكل.
قَوْلُهُ: (وَإِبْرَائِهِ عَنْ الْعَيْبِ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَهُوَ ضَمِيرُ الْوَكِيلِ وَالْفَاعِلُ الْمُشْتَرِي إلَخْ، وَعَلَى مَا قُلْنَا مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ، وَالضَّمِير لوَكِيله وَهُوَ المفوم من عبارَة الْبَحْر.
مطلب: وَاقعَة سَمَرْقَنْد
قَوْله: (وَمِنْه وَاقعَة سَمَرْقَنْد) أَي من جنس مَسْأَلَة المُصَنّف، وَهُوَ مَا وَقع فِيهِ التَّنَاقُض، وَلَو صرح بِهِ لَكَانَ أوضح، لَكِن لَا يظْهر أَن هَذِه الْوَاقِعَة مِنْهُ، لَان عقد النِّكَاح الاب فِيهِ سفير لَا تلْحقهُ عُهْدَة، بِخِلَاف بِبيع الْوَكِيل.
وَأَيْضًا الْخلْع هُنَا ظَاهر فِي أَنه قَائِم بِهِ، بِخِلَاف المبرأ فَإِنَّهُ غير ظَاهر فِي أَنه حَاضر وَقت الْبَرَاءَة، فَافْهَم أسرار الْمقَال وَلَا تكن مِمَّن يعرف الْحق بِالرِّجَالِ.
نعم التَّوْفِيق ظَاهر فِيمَا نذكرهُ فِي القولة الْآتِيَة عَن الْبَحْر، وَلَو قَالَ لَا نِكَاح بيني وَبَيْنك إِلَى آخر مَا نذكرهُ عَن
__________
(1) اسْم كتاب وَهُوَ عدَّة الْفَتَاوَى اهـ.
مِنْهُ.(7/445)
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: (ادَّعَت الخ) بدل من وَاقعَة.
مطلب: قَالَ لَا نِكَاح بَيْننَا فبرهنت فبرهن على الْخلْع بِمَال يقبل
قَوْلُهُ: (فَأَنْكَرَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنَنَا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
وَعبارَة الْخُلَاصَة: فَأنْكر الزَّوْج النِّكَاح أصلا اهـ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَوْ قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَكِ فَلَمَّا بَرْهَنَتْ عَلَى النِّكَاحِ بَرْهَنَ هُوَ عَلَى الْخُلْعِ تقبل بَينته اهـ: أَي لَان نفي الْحَال لَا يلْزم مِنْهُ نفي الْمَاضِي فَلم يُوجد تنَاقض أصلا،
لَكِن يُعَكر عَلَيْهِ قَول الشَّارِح لاحْتِمَال أَنه زوجه أَبوهُ الخ وَالظَّاهِر أَنه تَعْلِيل لخلاف ظَاهر الرِّوَايَة.
مطلب: لَو قَالَ لم أَتَزَوَّجهَا قطّ أَو لَا نِكَاح قطّ فبرهنت فبرهن على الْخلْع بِمَال لَا يقبل وَفِي الْبَحْر: وَلَوْ قَالَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا نِكَاحٌ قَطُّ أَوْ قَالَ لَمْ أَتَزَوَّجْهَا قَطُّ وَالْبَاقِي بِحَالِهِ، فَمُقْتَضى مَا مر فِي مَسْأَلَة الْعَيْب على ظَاهر الرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا وَسِيلَة للعيب فَلَا تقبل بَينته، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ لِأَنَّهَا إقْرَارٌ بِالْبَيْعِ، فَكَذَا الْخُلْعُ يَقْتَضِي سَابِقَة النِّكَاح فَيتَحَقَّق التَّنَاقُض اهـ.
سَيِّدي الْوَالِد بِزِيَادَة.
قَوْله: (فبرهنت) أَي على النِّكَاح.
قَوْله: (تقبل) أَي دَعْوَاهُ: أَي وطالب بالبرهان عَلَيْهَا.
قَوْله: (لاحْتِمَال أَنه زوجه أَبوهُ وَهُوَ صَغِير) أَي فإنكاره النِّكَاح يحمل على نفي مُبَاشَرَته إِيَّاه، وَهُوَ لَا يُنَافِي وُقُوعه لَهُ بطرِيق الاجبار مثلا، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَلَا يُنَاقض دَعْوَى الْخلْع على الْمهْر بعد.
قَوْله: (جَمِيع صك) فَارسي مُعرب.
وَالْجمع أصك وصكاك وصكوك اهـ.
وَأَشَارَ بقوله جَمِيع إِلَى أَنه يبطل سَوَاء اشْتَمَل على شئ وَاحِد أَو أَشْيَاء، وَالْخلاف فِي الثَّانِي.
قَوْله: (وَقَالا آخِره) بِالرَّفْع: أَي يبطل آخر الصَّك الْمُشْتَمل على أَشْيَاء، إِذْ الاصل فِي الْجمع الِاسْتِقْلَالُ وَالصَّكُّ يُكْتَبُ لِلِاسْتِيثَاقِ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ كَانَ مُبْطِلًا لَهُ فَيَكُونُ ضِدَّ مَا قصد لَهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ ضَرُورَةً، كَذَا فِي التَّبْيِين.
وَله أَن الْكل يكون كشئ وَاحِد بِحكم الْعَطف فَيصْرف إِلَى الْكل كَمَا فِي الْكَلِمَات المعطوفة.
قَالَ الامام: إِذا كتب بيع وَإِقْرَار وَإِجَارَة وَغير ذَلِك ثمَّ كتب فِي آخِره إِن شَاءَ الله تَعَالَى بَطل الْكل قِيَاسا، لما تقدم من أَن الْكل لشئ وَاحِد بِحكم الْعَطف.
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: بَطل الاخير فَقَط اسْتِحْسَانًا.
قَوْله: (أَن الفرجة) أَي على أَن الفرجة فِي الْخط كالسكوت فِي النُّطْق، فَيكون الانشاء رَاجعا إِلَى مَا بعد الفرجة اتِّفَاقًا كَمَا يرجع فِي السُّكُوت إِلَى مَا بعده.
قَوْله: (وعَلى انْصِرَافه) أَي الانشاء، وَلَو قَالَ: وعَلى الِانْصِرَاف للْكُلّ لَكَانَ أوضح.
مطلب: فَائِدَة نحوية
قَوْلُهُ: (فِي جُمَلٍ) أَيْ قَوْلِيَّةٍ وَإِلَّا نَافَى مَا قبله (1) وَهُوَ مَسْأَلَة كتب الصَّك كَقَوْلِه امْرَأَته طَالِق وَعَبده حر، وَعَلِيهِ الْمَشْي إِلَى بَيت الله تَعَالَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
__________
(1)
قَوْله: (وَإِلَّا نافى مَا قبله) أَي إِن لم تفسره الْجمل بالقولية بل بقيت على مَا يُرَاد بهَا أَولا وَهِي الْجمل فِي الصَّك فَوَقَعت الْمُنَافَاة بَين ذكره الِاتِّفَاق على الرُّجُوع الْكل وَبَين ذكره الْخلاف فِيمَا تقدم بَين الامام وصاحبيه لانه أَولا -(7/446)
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَشِيئَةَ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ بِالْوَاوِ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيت الله تَعَالَى إِن شَاءَ الله تَعَالَى يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ فَبَطَلَ الْكُلُّ، فَمَشَى أَبُو حنيفَة على أَصله وهما أخرجَا صُورَة.
مطلب: صك كتب فِيهِ بيع وَإِجَارَة وَإِقْرَار وَغير ذَلِك وَكتب فِي آخِره إِن شَاءَ الله تَعَالَى كَتْبِ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِهِ بِعَارِضٍ اقْتَضَى تَخْصِيصَ الصَّكِّ مِنْ عُمُومِ حُكْمِ الشَّرْطِ الْمُتَعَقِّبِ جُمَلًا مُتَعَاطِفَةً لِلْعَادَةِ، وَعَلَيْهَا يُحْمَلُ الْحَادِثُ، وَلِذَا كَانَ قَوْلهمَا اسْتِحْسَانًا راجحا على قَوْله، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْصَرِفُ إلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ لم يكن بِالْمَشِيئَةِ اهـ.
وَفِي وكَالَة الْبَزَّازِيَّة: وَعَن الثَّانِي قَالَ امْرَأَة زيد طَالِق وَعَبده حر وَعَلِيهِ الْمَشْي إِلَى بت الله إِن دخل هَذِه الدَّار فَقَالَ زيد نعم كَانَ بكله، لَان الْجَواب يتَضَمَّن إِعَادَة مَا فِي السُّؤَال انْتهى.
وَكَأن الشَّارِح غفل عَن قَوْله وَأَخْرَجَا صُورَة كتب الصَّك فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَقُول وعَلى انْصِرَافه للْكُلّ فِي جمل قولية لم تكْتب.
قَوْله: (وأعقبت بِشَرْطٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرْطُ هُوَ الْمَشِيئَةُ أَوْ غَيْرُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْإِقْرَارِ لِمَا سَيَأْتِي بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: (وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ إلَخْ) تَأَمَّلْ.
قَوْله: (وَأما الِاسْتِثْنَاء بإلا الخ) أَي الْوَاقِع لفظا أَو الْوَاقِع خطأ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يعم طلاقين وعتاقين وطلاقا وعتقا.
قَوْله: (فللاخير) أَي اتِّفَاقًا لقُرْبه واتصاله وانقطاعه عَمَّا سواهُ كَمَا علم فِي آيَة رد شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف، فَإِن قَوْله تَعَالَى: * (إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 5) رَاجع إِلَى قَوْله: * (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) * (النُّور: 4) لَا إِلَى قَوْله: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * (النُّور: 4) أَيْضا، فَلَو أقرّ بمالين لشخصين وَاسْتثنى شَيْئا كَانَ من الآخر.
بَحر.
وَفِيه: وَالْحَاصِل أَن الشَّرْط إِذا تعقب جملا متعاطفة مُتَّصِلا بهَا فَإِنَّهُ للْكُلّ اهـ.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: لَا يُقَال كَيفَ خَالف أَبُو حنيفَة أَصله، فَإِن الِاسْتِثْنَاء ينْصَرف إِلَى الْجُمْلَة الاخيرة على أَصله لَان ذَلِك فِي الِاسْتِثْنَاء بإلا، وَقَوله إِن شَاءَ الله تَعَالَى شَرط شاع إِطْلَاق الِاسْتِثْنَاء عَلَيْهِ فِي عرفهم وَلَيْسَ إِيَّاه حَقِيقَة.
فَتَأمل.
قَوْله: (إِلَّا لقَرِينَة) فَيعْمل بهَا للاول أَو للثَّانِي.
قَوْله: (فللاول) لَو قَالَ إِلَّا دِينَارا
فللثاني.
قَوْلُهُ: (إيقَاعِيَّتَيْنِ) أَيْ مُنَجَّزَتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا تَعْلِيقٌ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ نَحْوَ أَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا حُرٌّ إِن شَاءَ الله تَعَالَى ح.
قَوْله: (وَبعد طلاقين معلقين) نَحْو إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وفلانة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (أَو طَلَاق مُعَلّق أَو عتق مُعَلّق) نَحْو إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وعبدي حر إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه لَا فرق بَين الشَّيْئَيْنِ من جنس وَاحِد أَو من جِنْسَيْنِ وَالْخلاف، هَذَا فِي النُّطْق.
وَأما فِي الصَّك فَهِيَ الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة، وَأفَاد أَن اتِّفَاقهمَا مَعَه إِنَّمَا هُوَ فِي الايقاعيتين، وَأما فِي المعلقتين فمحمد مَعَه، وَخَالف أَبُو يُوسُف ط.
قَوْله: (وَلَو بِلَا عطف) مَفْهُوم قَوْله عطفت: أَي إِذا وَقع الشَّرْط بعد جمل غير متعاطفة أَو متعاطفة لَكِن حصل سكُوت بَينهَا: أَي فِي اللَّفْظ أَو فُرْجَة فِي الْخط.
قَوْله:
__________
- أحكي الْخلاف وَثَانِيا وَحكى التفاق فَلَزِمَ أَن نفسر الْجمل بالقويلة للثّمن اهـ.
مِنْهُ.(7/447)
(أَوْ بِهِ بَعْدَ سُكُوتٍ) أَيْ إذَا كَانَ السُّكُوتُ بَيْنَ الْجُمْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا.
قَوْله: (فللاخير اتِّفَاقًا) مُرَاده بالاخير مَا بعد السُّكُوت.
قَوْله: (وَعطفه بعد سُكُوته لَغْو) إِذا كَانَ فِيهِ مَا يُوسع على نَفسه كَمَا إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وكت ثمَّ قَالَ وَهَذِه الدَّار: أَي فقصد أَن لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا بدخولهما.
قَوْله: (إِلَّا بِمَا فِيهِ تَشْدِيد على نَفسه) كَمَا إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وسكنت ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْأُخْرَى دَخَلَتْ الثَّانِيَةَ فِي الْيَمِينِ، بِخِلَافِ وَهَذِهِ الدَّارُ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ هَذِه طَالِقَةٌ ثُمَّ سَكَتَ وَقَالَ وَهَذِهِ طَلُقَتْ الثَّانِيَةَ، وَكَذَا فِي الْعتْق.
بَحر.
قَوْله: (أسلمت بعد مَوته) أَي وَقد مَاتَ وَهِي على دينه فلهَا الْمِيرَاث.
قَوْله: (وَقَالَت ورثته قبله) أَي أسلمت قبل مَوته فَلَا مِيرَاث لَهَا.
قَوْله: (صدقُوا) أَي بِلَا يَمِين إِلَّا إِذا ادَّعَت عَلَيْهِم بكفرها بعد مَوته فَيحلفُونَ على عدم الْعلم.
قَوْله: (تحكيما للْحَال) أَي استصحابا لظَاهِر الْحَال، فَإِن سَبَب الحرمان ثَابت فِي الْحَال فَيثبت فِيمَا مضى.
وَفِي التَّحْرِير: الِاسْتِصْحَاب: الحكم بِبَقَاء أَمر مُحَقّق لم يظْهر عَدمه.
وحرر ابْن نجيم تفاريعه فِي الاشباه والنظائر فِي قَاعِدَة: الْيَقِين لَا يَزُول بِالشَّكِّ، وَفِي آخر بَاب التَّحَالُف فِي بحره.
قَوْله: (كَمَا يحكم الْحَال الخ) إِن هَذِه الْعبارَة لَيست مَوْجُودَة فِي أصل المُصَنّف، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ قَوْله بعد كَمَا فِي مُسلم الخ وَجعل المُصَنّف وَجه الشّبَه فيهمَا كَون القَوْل للْوَرَثَة فيهمَا، وَأَرَادَ بقوله كَمَا يُحَكَّمُ الْحَالُ فِي مَسْأَلَةِ
جَرَيَانِ مَاءِ الطاحونة وانقطاعه: أَي إِذا اخْتلف الْمُؤَجّر وَالْمُسْتَأْجر فِي جَرَيَان مَاء الطاحونة وانقطاعه فَإِنَّهُ يحكم الْحَال ويستدل بهَا على الْمَاضِي، فَإِذا كَانَ المَاء جَارِيا فِي الْحَال حكمنَا بِأَنَّهُ جَار من أول مُدَّة الاجارة إِلَى زمَان النزاع فَيسْتَحق الاجرة، وَإِن لم يجز حكمنَا بالانقطاع كَمَا فِي الْخَانِية.
فَإِن قلت: جَرَيَان المَاء يثبت الِاسْتِحْقَاق وكلامنا فِي عَدمه.
قلت: يُمكن أَن يُقَال: إِن الاقدام على العقد إِقْرَار بالجريان فَكَانَ الاجر ثَابتا ومستحقا من كل وَجه، فَإِذا ادّعى الجريان يكون مُدعيًا اسْتِحْقَاقه الاجر عملا بالاقرار السَّابِق لَا بتحكيم الْحَال اللَّاحِق، فَإِذا لم يسْتَحق بِهَذَا التَّحْكِيم يصير دافعا بِهِ وَهُوَ يصلح للدَّفْع.
فَإِن قلت: إِذا كَانَ الِاسْتِحْقَاق ثَابتا بِالْعقدِ من كل وَجه يكون ادِّعَاء الْمُسْتَأْجر عدم الجريان وتحكيمه لَهُ حجَّة لاستحقاقه مَا فِي ذمَّته من الاجرة: قلت: يُمكن أَن يُجَاب بِأَن كَون الاقدام على العقد إِقْرَارا إِنَّمَا هُوَ حجَّة غير قَوِيَّة فَلَا يعْمل بِهِ إِذا خَالفه عدم الجريان الْمشَاهد، فَيكون عدم الجريان تحكيما للدَّفْع عَنهُ لَا للاستحقاق.
قَوْلُهُ: (جَرَيَانِ إلَخْ) لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ الْجَرَيَانِ بَلْ الِانْقِطَاعُ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ.
قَوْلُهُ: (الطاحونة) أَي الْمُسْتَأْجرَة إِذا قَالَ الْمُسْتَأْجر لم أتمكن من الِانْتِفَاع بهَا لعدم جَرَيَان مَائِهَا وَقَالَ الْمَالِك بل تمكنت فَينْظر إِلَى وصف المَاء فِي الْحَال وَيحكم بِهِ فِيمَا مضى.
قَوْله: (للدَّفْع لَا للاستحقاق) أَي لدفع دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْمَسْأَلَة السَّابِقَة.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْقَضَاءِ بِالْأَجْرِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إذَا كَانَ مَاءُ الطَّاحُونَةِ جَارِيًا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالْحَالِ لِإِثْبَاتِ الْأَجْرِ.
قُلْنَا: إنَّهُ اسْتِدْلَالٌ لِدَفْعِ مَا يَدَّعِي الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْآجِرِ مِنْ ثُبُوتِ الْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِسُقُوطِ الْأَجْرِ، أما ثُبُوتُ الْأَجْرِ فَإِنَّهُ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ الْمُوجِبِ لَهُ فَيكون دافعا لَا مُوجبا.(7/448)
يعقوبية.
قَوْله: (كَمَا فِي مُسلم مَاتَ الخ) ظَاهره أَنه مِثَال للاستحقاق بتحكيم الْحَال، وصنيع الشَّرْح هُنَا لَيْسَ على مَا يَنْبَغِي، فَلَو أبقى المُصَنّف من غير زِيَادَة مَسْأَلَة الطاحونة لَكَانَ أولى.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ وَهُوَ الِاسْتِحْقَاقُ.
وَحَاصِلُهُ: إنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُمْ هُنَا أَيْضًا لِمَا سَيَأْتِي، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا بِنَاءً عَلَى تَحْكِيمِ الْحَالِ
لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ محتاجة إِلَيْهِ، أما الْوَرَثَة فهم الدافعون وَيشْهد لَهُم ظَاهر الْحُدُوث أَيْضا.
قَوْله: (فإرثه) بِصِيغَة الْمُضَارع.
قَوْله: (لَان الْحَادِث الخ) أَي وَهُوَ الاسلام، وَلَو كَانَ القَوْل قَوْلهَا لَكَانَ تحكيم الْحَال مُوجبا لاستحقاقها الارث، وَكَانَ الاولى للشَّارِح التَّعْلِيل بِالْعِلَّةِ السَّابِقَة، لَان مَا ذكر لَا يصلح تعليلا لما تقدم.
قَوْله: (لاقرب أوقاته) وَأقر بهَا مَا بعد موت الزَّوْج.
قَوْله: (وَقع الِاخْتِلَاف الخ) بِأَن مَاتَ رجل لَهُ أَبَوَانِ ذميان وَولد مُسلم فَقَالَا مَاتَ ابننا كَافِرًا وَقَالَ وَلَده الْمُسلم مَاتَ مُسلما فالميراث للْوَلَد دون الابوين، وَكَذَا لَو قَالَت امْرَأَة مسلمة مَاتَ زَوجي مُسلما وَقَالَ أَوْلَاده الْكفَّار كَافِرًا وَصدق الْمَرْأَة أَخُو الْمَيِّت وَهُوَ مُسلم قضى بِالْمِيرَاثِ للْمَرْأَة والاخ دون الاولاد.
قَالَ صَاحب الْبَحْر: وَلَا يحْتَاج إِلَى تَصْدِيق الاخ، بل تَكْفِي دَعْوَى الْمَرْأَة أَنه مَاتَ مُسلما، وَتَبعهُ الْمَقْدِسِي، لَكِن استظهر فِيهِ سَيِّدي الْوَالِد أَن تَصْدِيق الاخ شَرط لارثه مشاركا للْمَرْأَة، لانه لَو أكذبها يكون معترفا بِأَن وَلَده وَارثه فيحجب الاخ بِهِ فَلَا يَرث، وَكَأن صَاحب الْبَحْر فهم أَنه شَرط لارث الْمَرْأَة أَيْضا، وَلَيْسَ كَذَلِك فِيمَا يظْهر، فَلَا مُنَافَاة.
تَأمل.
مطلب: مُدَّة التَّلَوُّم فِي دفع المَال للْوَارِث الَّذِي أقرّ بِهِ الْمُودع
قَوْله: (هَذَا ابْن مودعي) مُرَاده بِالِابْنِ مَنْ يَرِثُ بِكُلِّ حَالٍ فَالْبِنْتُ وَالْأَبُ والام كالابن، وَقيد بالابن لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا أَخُوهُ شَقِيقُهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ وَهُوَ يَدَّعِيهِ فَالْقَاضِي يَتَأَنَّى فِي ذَلِك.
وَالْفرق أَن اسْتِحْقَاق الاخ مَشْرُوط بِعَدَمِ الِابْنِ، بِخِلَافِ الِابْنِ لِأَنَّهُ وَارِثٌ عَلَى كُلِّ حَال، وكل من يَرث فِي حَال دون حَال فَهُوَ كالاخ.
بَحر مَعَ زِيَادَة.
ثمَّ إِذا تأنى إِن حضر وَارِث آخر دفع المَال إِلَيْهِ لانه خلف عَن الْمَيِّت، وَإِن لم يحضر أعْطى كل مُدع مَا أقرّ بِهِ لَكِن بكفيل ثِقَة، وَإِن لم يجد كَفِيلا أعطَاهُ المَال وَضَمنَهُ إِن كَانَ ثِقَة حَتَّى لَا يهْلك أَمَانَة، وَإِن كَانَ غير ثِقَة تلوم القَاضِي حَتَّى يظْهر أَن لَا وَارِث للْمَيت أَو أكبر رَأْيه ذَلِك ثمَّ يُعْطِيهِ المَال وَيضمنهُ، وَلم يقدر مُدَّة التَّلَوُّم بشئ بل موكول إِلَى رَأْي القَاضِي، وَهَذَا أشبه بِأبي حنيفَة.
وَعِنْدَهُمَا مُقَدّر بحول، هَكَذَا حُكيَ الْخلاف فِي الْخُلَاصَة عَن الاقضية.
قَالَ: وَعَن أبي يُوسُف مُقَدّر بِشَهْر.
قَوْله: (لَا وَارِث لَهُ غَيره) قيد بِهِ، لانه لَو قَالَ لَهُ وَارِث غَيره وَلَا أَدْرِي أمات أم لَا لَا يدْفع إِلَيْهِ شئ، لَا قبل التَّلَوُّم وَلَا بعده، حَتَّى يُقيم الْمُدَّعِي بَيِّنَة تَقول لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره،
وَمثل إِقْرَار الْمُودع بِمَا ذكر مَا لَو أقرّ أَن الْمَيِّت أقرّ بِأَن هَذَا ابْنه أَو أَبوهُ أَو مَوْلَاهُ أعْتقهُ، بِخِلَاف مَا لَو أخبر عَنهُ بِأَنَّهَا زَوجته أَو أَنه مولى الْمُوَالَاة أَو الْمُوصى لَهُ بِالْكُلِّ أَو بِالثُّلثِ فَإِنَّهُ لَا يدْفع إِلَيْهِم المَال، لَان(7/449)
ذَا الْيَد أقرّ بِسَبَب ينْتَقض ط.
وَفِي فتح الْقَدِير: وَلَو ادّعى أَنه أَخُو الْغَائِب وَأَنه مَاتَ وَهُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره، أَو ادّعى أَنه ابْنه أَو أَبوهُ أَو مَوْلَاهُ أعْتقهُ، أَو كَانَت امْرَأَة وَادعت أَنَّهَا عمَّة الْمَيِّت أَو خَالَته أَو بنت أُخْته وَقَالَ لَا وَارِث لَهُ غَيْرِي وَادّعى آخر أَنه زوج أَو زَوْجَة للْمَيت أَو أَن الْمَيِّت أوصى لَهُ بِجَمِيعِ مَاله أَو ثلثه وصدقهما ذُو الْيَد وَقَالَ لَا أَدْرِي للْمَيت وَارِثا غَيرهمَا أَو لَا لم يكن لمُدعِي الْوَصِيَّة شئ بِهَذَا الاقرار، وَيدْفَع القَاضِي إِلَى الاب والام والاخ وَمولى الْعتَاقَة أَو الْعمة أَو الْخَالَة أَو بنت الاخت إِذا انْفَرد.
أما عِنْد الِاجْتِمَاع فَلَا يزاحم مدعي النُّبُوَّة مدعي الاخوة، لَكِن مدعي هَذِه الاشياء إِذا زاحمه مدعي الزَّوْجِيَّة أَو الْوَصِيَّة بِالْكُلِّ أَو الثُّلُث مستدلا بِإِقْرَار ذِي الْيَد فمدعي الاخوة أَو الْبُنُوَّة أولى بعد مَا يسْتَحْلف الابْن: مَا هَذِه زَوْجَة الْمَيِّت أَو موصى لَهُ، هَذَا إِذا لم تكن بَيِّنَة على الزَّوْجِيَّة وَالْوَصِيَّة، فَإِن أَقَامَ أَخذ بهَا اهـ.
بَحر.
وَفِيه: وَمن دَعْوَى الْمجمع وَإِن كَانَت فِي يَد زيد فجَاء أحد الزَّوْجَيْنِ فَصدقهُ زيد بِإِعْطَاء أقل النَّصِيبَيْنِ لَا أكثرهما اهـ.
قيد بتصديقه لانه لَو برهن وَقَالا لَا نعلم لَهُ وَارِثا آخر فَلهُ أَكثر النَّصِيبَيْنِ اتِّفَاقًا، كَذَا فِي شَرحه لِابْنِ ملك.
قَوْله: (دَفعهَا إِلَيْهِ وجوبا) لاقراره أَن مَا فِي يَده ملك الْوَارِث خلَافَة عَن الْمَيِّت وَالْعَارِية وَالْعين المغصوة بالوديعة ط.
قَوْله: (كَقَوْلِه هَذَا ابْن دائني) وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا بِأَن قَالَ لَا وَارِث لَهُ سواهُ.
قَوْله: (قيد بالوارث) أَي الَّذِي هُوَ الابْن وَنَحْوه.
قَوْله: (لم يَدْفَعهَا) لانه أقرّ بِقِيَام حق الْمُودع وَملكه فِيهَا الْآن فَيكون إِقْرَارا على ملك الْغَيْر، وَلَا كَذَلِك بعد مَوته لزوَال ملكه فَإِنَّهُ أقرّ لَهُ بِملكه لما فِي يَده من غير ثُبُوت ملك مَالك معِين فِيهِ للْحَال.
وَفِي فصل الشِّرَاء: وَإِن أقرّ بِزَوَال ملك الْمُودع لَكِن لَا ينفذ فِي حذه لَا يملك إبِْطَال ملكه بِإِقْرَارِهِ فَصَارَ كإقراره بِالْوكَالَةِ بِقَبض الْوَدِيعَة ط.
وتوضيح الْفرق بَينهمَا: أَن فِي الْمَسْأَلَة الاولى أقرّ أَن مَا فِي يَده ملك الْوَارِث خلَافَة عَن الْمَيِّت فَصَارَ كَمَا إِذا أقرّ أَنه ملك الْوَارِث وَهُوَ حَيّ أَصَالَة، وَفِي هَذِه الْمسَائِل فِيهِ إبِْطَال حق الْمُودع فِي الْعين
بإزالتها عَن يَده لَان يَد الْمُودع كيد الْمَالِك فَلَا يقبل إِقْرَاره.
قَوْله: (فَإِن أقرّ ثَانِيًا) سَوَاء كَانَ مُتَّصِلا بالاول بِأَن قَالَ هَذَا ابْنه وَهَذَا الآخر أَيْضا، أَو مُنْفَصِلا بِأَن أقرّ للثَّانِي فِي مجْلِس آخر.
حموي.
قَوْله: (إِذا كذبه الابْن الاول) حكم مَفْهُومه ظَاهر، وَهُوَ مَا إِذا صدقه فيشتركان قَوْله (لانه إِقْرَار على الْغَيْر) لصِحَّة الاقرار للاول لعدم من يكذبهُ
قَوْله: (إِن دفع للاول بِلَا قَضَاء) وَهُوَ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْفَتْحِ خِلَافًا لِمَا فِي غَايَة الْبَيَان من أَن الْمُودع لَا يغرم للِابْن الثَّانِي شَيْئا بِإِقْرَارِهِ لَهُ لَان اسْتِحْقَاقه لم يثبت فَلم يتَحَقَّق التّلف.
تَنْبِيه: لَو أقرّ بالوديعة لرجل ثمَّ قَالَ لَا بل وَدِيعَة فلَان أَو قَالَ غصبت هَذَا من فلَان لَا بل من فلَان، وَكَذَا الْعَارِية، فَإِنَّهُ يقْضى بهَا للاول وَيضمن للثَّانِي قِيمَته، وَكَذَا فِي الاقرار بِالدّينِ، وَلَو قَالَ هَذَا لفُلَان وَهَذَا لفُلَان الْمقر لَهُ إِلَّا نصف الاول فَإِنَّهُ لفُلَان كَانَ جَائِزا، وَكَانَ لَو قَالَ هَذِه الْحِنْطَة وَالشعِير لفُلَان إِلَّا كرا من هَذِه الْحِنْطَة فَإِنَّهُ لفُلَان إِذا كَانَت الْحِنْطَة أَكثر من الْكر كَذَا فِي الاصل لمولانا مُحَمَّد رَحمَه الله من الدَّعْوَى اهـ.
ط عَن الْبَحْر.
قَوْله: (تَرِكَة قسمت بَين الْوَرَثَة) أَي سَوَاء كَانُوا مِمَّن(7/450)
يحجب أَو لَا.
قَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَامِزًا إلَى الْأَصْلِ الْوَارِثُ لَوْ كَانَ مَحْجُوبًا بِغَيْرِهِ كَجَدٍّ وَجَدَّةٍ وَأَخٍ وَأُخْتٍ لَا يُعْطَى شَيْئًا مَا لَمْ يُبَرْهِنْ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ: أَيْ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَخُو الْمَيِّتِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ ذَلِكَ فِي وَجه جَمِيع الْوَرَثَة الْحَاضِرين أَو يشْهد أَنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَلَوْ قَالَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ تُقْبَلُ عِنْدَنَا لَا عِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّهُمَا جَازَفَا، وَلَنَا الْعُرْفَ.
فَإِنَّ مُرَادَ النَّاسِ بِهِ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَقُبِلَتْ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ وَلَوْ نَفْيًا وَهُنَا كَذَلِكَ لِقِيَامِهَا عَلَى شَرْطِ الْإِرْثِ، وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ بِأَحَدٍ، فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ وَارِثُهُ وَلَمْ يَقُولَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُهُ يَتَلَوَّمُ الْقَاضِي زَمَانًا رَجَاءَ أَنْ يَحْضُرَ وَارِث آخر، فَإِن لم يحضر يقْض لَهُ بِجَمِيعِ الْإِرْثِ، وَلَا يَكْفُلُ عِنْدَ أَبِي حنيفَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ: يَعْنِي فِيمَا إذَا قَالَا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا نَعْلَمُهُ، وَعِنْدَهُمَا: يَكْفُلُ فِيهِمَا.
وَمُدَّةُ التَّلَوُّمِ مُفَوَّضَةٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَقِيلَ حَوْلٌ، وَقِيلَ شَهْرٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَأَمَّا أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لَوْ أَثْبَتَ الْوِرَاثَةَ بِبَيِّنَةٍ وَلَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ، فَعِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ: يُحْكَمُ لَهُمَا بِأَكْثَرِ النَّصِيبَيْنِ بعد الْعُلُوم.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: بِأَقَلِّهِمَا وَلَهُ الرُّبْعُ وَلَهَا الثّمن اهـ مُلَخَّصًا.
وَإِنْ تَلَوَّمَ وَمَضَى زَمَانُهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مِمَّنْ يُحْجَبُ كَالْأَخِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ كَالِابْنِ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْعَاشِر فِي النّسَب والارث.
قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: وَحَاصِله الْمُدَّعِي لَو برهن أَنه مَاتَ مُوَرِثه وَلم يذكرُوا عدد الْوَرَثَة وَلَا قَالُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا فَإِنَّهُ لَا يقْضى لَهُ، وَإِن بينوا عَددهمْ وَقَالُوا لَا نعلم لَهُ وَارِثا غير مَا ذكر، فَإِن كَانَ مِمَّن لَا يحجب فَإِنَّهُ يقْضِي لَهُ القَاضِي وَلَا يتأنى وَلَا يكفل، وَإِن كَانَ مِمَّن يحجب بِحَال تأنى ثمَّ قضى، وَإِن شهدُوا أَنه ابْنه أَو وَارثه وَأَنه مَاتَ وَتَركه مِيرَاثه لَهُ وَلم يَقُولُوا لم نعلم لَهُ وَارِثا غَيره تلوم القَاضِي زَمَانا ثمَّ قضى، وَلَا يُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل عِنْد الامام خلافًا لَهَا، وَيدْفَع لَاحَدَّ الزَّوْجَيْنِ أوفر النَّصِيبَيْنِ عِنْد أبي يُوسُف، وَعند مُحَمَّد أقلهما اهـ.
وَرُوِيَ عَن الامام أَنه قَالَ فِي أَخذ الْكَفِيل: هَذَا شئ احتاط بِهِ بعض الْقُضَاة وَهُوَ ظلم، وعنى بِالْبَعْضِ ابْن أبي ليلى قَاضِي الْكُوفَة.
وَأورد أَنه مُجْتَهد والمجتهد مأجور، وَإِن أَخطَأ فَلَا وَجه لنسبته إِلَى الظُّلم.
وَقد قَالَ الامام: كل مُجْتَهد مُصِيب وَالْحق عِنْد الله وَاحِد: أَي مُصِيب فِي اجْتِهَاده بِحَسب مَا عِنْده، وَإِن أَخطَأ الْحق فِي الْوَاقِع.
وَالْجَوَاب مَا قَالَه فِي التَّلْوِيح: الْمُخطئ فِي الِاجْتِهَاد لَا يُعَاتب وَلَا ينْسب إِلَى الضلال بل يكون مَعْذُورًا ومأجورا، إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا بذل الوسع وَقد فعل، فَلم ينل لخفاء دَلِيله إِلَّا أَن يكون الدَّلِيل الْموصل إِلَى الصَّوَاب بَينا فَأَخْطَأَ الْمُجْتَهد لتقصير مِنْهُ وَتَركه الْمُبَالغَة فِي الِاجْتِهَاد فَإِنَّهُ يُعَاتب، وَمَا فعل من طعن السّلف بَعضهم على بعض فِي الْمسَائِل الاجتهادية كَانَ مَبْنِيا على أَن طَرِيق الصَّوَاب بَين فِي زعم الطاعن اهـ: أَي وَمِنْه طعن الامام على ابْن أبي ليلى، وَانْظُرْ مَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَة.
قَوْله: (كَذَا نسخ الْمَتْن) أَي بِإِسْقَاطِ لَا، وَالْحَقُّ ثُبُوتُهَا كَمَا فِي سَائِرِ الْكتب.
سَيِّدي.
قَالَ ط: وَلَعَلَّه فِيمَا وَقع لَهُ، وَالَّذِي بِيَدِهِ فِيمَا ذكر لَا، وَكَلَام المُصَنّف فِي الشَّارِح مثله.
وَاعْلَم أَن مَفْهُوم الْمَتْن أَمْرَانِ: سكوتهم، وَقَوْلهمْ لَا نعلم، وَلم يكفلوا فيهمَا عِنْد الامام.
وَقَالَ الصاحبان: يكفلون فِي صُورَة السُّكُوت إِلَّا إِذا قَالُوا لَا نعلم، فَعدم الْكفَالَة فِي الثَّانِي مُتَّفق عَلَيْهِ، وَهُوَ مُرَاد الشَّارِح فِي قولولو قَالَ الشُّهُود ذَلِك وَيكون تفريقعا على غير الْمَتْن.
قَوْلُهُ: (لَمْ يُكَفَّلُوا) مَبْنِيٌّ
لِلْمَجْهُولِ مُضَعَّفُ الْعَيْنِ وَالْوَاوِ لِلْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ: أَيْ لَا يَأْخُذُ الْقَاضِي مِنْهُمْ كَفِيلًا ح.
قَالَ فِي(7/451)
الدُّرَرِ: أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ عِنْد الامام، وَقَالا يُؤْخَذ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُؤْخَذُ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ وَلَمْ يَرَهُ فِي الْبَحْرِ فتوقف فِي أَنَّهَا بِالْمَالِ أَو بِالنَّفسِ اهـ سَيِّدي، فَافْهَم.
وَاقْتصر على نفي التكفيل لَان القَاضِي بعد يتلوم كَمَا ذكره الشَّارِح بعد، وَلَا يدْفع إِلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيره وَلَا غَرِيم لَهُ اتِّفَاقًا، لانه من بَاب الِاحْتِيَاط لنَفسِهِ بِزِيَادَة علم بِانْتِفَاء الشَّرِيك الْمُسْتَحق مَعَه بِقدر الامكان كَمَا فِي غَايَة الْبَيَان.
قَوْله: (خلافًا لَهما) أَي لاحْتِمَال أَن يكون لَهُ وَارِث أَو غَرِيم آخر.
قَوْله: (لجَهَالَة الْمَكْفُول لَهُ) عِلّة لقَوْله لم يكفلوا ولان حق الْحَاضِر ثَابت قطعا أَو ظَاهرا فَلَا يُؤَخر لاجل المرهوم، كَذَا قَالُوا: (ويتلوم القَاضِي) أَي يتأنى فِي تَأْخِير الْقَضَاء إِلَى الْمدَّة الْمُتَقَدّم بَيَانهَا لَا فِي الدّفع بعد الْقَضَاء.
وَالْمَسْأَلَة على وُجُوه ثَلَاثَة تقدم بَيَانهَا عَن الصَّدْر الشَّهِيد، وَسَيَأْتِي شئ مِنْهَا قبيل بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (مُدَّة) تقدم أَنَّهَا مفوضة إِلَى رَأْي القَاضِي، وقدرها الطَّحَاوِيُّ بِحَوْلٍ، وَعَلَى عَدَمِ التَّقْدِيرِ حَتَّى يَغْلِبَ على ظَنّه أَنه لَا وَارِث لَهُ غَيره أَو لَا غَرِيم لَهُ آخر،
قَوْله: (وَلَو ثَبت) أَي مَا ذكر من الْوَرَثَة أَو الْغُرَمَاء.
قَوْله: (بالاقرار) أَي بالارث أَو بِالدّينِ وَهُوَ مُحْتَرز قَوْله بِشُهُود.
قَوْله: (كفلوا اتِّفَاقًا) يَعْنِي وَالْخلاف فِيمَا إِذا ثَبت الدّين والارث بِالشَّهَادَةِ وَلم يقل الشُّهُود لَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيرهم، أما إِذا ثَبت بالاقرار يُؤْخَذ كَفِيل بالِاتِّفَاقِ.
قَوْله: (وَلَو قَالَ الشُّهُود ذَلِك) أَي لَا نعلم لَهُ وَارِثا أَو غريما غَيره.
قَوْله: (لَا) أَي لَا يُؤْخَذ مِنْهُم كَفِيل سَوَاء كَانَ وَارِثا يحجب بِحَال أَو لَا.
قَوْله: (اتِّفَاقًا) تقدم بَيَان الصُّور فِي الْحَاصِل.
قَوْلُهُ: (ادَّعَى) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الرَّابِعِ: ادَّعَى عَلَيْهِمَا أَنَّ الدَّارَ الَّتِي بِيَدِكُمَا مِلْكِي فَبَرْهَنَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَلَوْ الدَّارُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا بِإِرْثٍ فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ حُكْمٌ عَلَى الْغَائِبِ إذْ أَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ الدَّارِ بِيَدِهِ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بَلْ يَكُونُ قَضَاءً بِمَا فِي يَدِ الْحَاضِرِ عَلَى الْحَاضِرِ، وَلَوْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا بِشِرَاءٍ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ على أَحدهمَا حكما على الآخر اهـ.
قَوْله: (إِرْثا) قيد بِهِ لانه لَو شِرَاء لَا يكون الْحَاضِر خصما عَن الْغَائِب كَمَا تقدم.
قَوْله:
(مشَاعا) يَعْنِي ينْتَفع بِهِ انْتِفَاع الْمشَاع لَا أَنه يقسمهُ ويفرزه لانه سَيَأْتِي فِي الْقِسْمَة، فَإِنْ بَرْهَنَ وَارِثٌ وَاحِدٌ لَا يُقْسَمُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ اثْنَيْنِ وَلَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرا أَو موصى لَهُ.
قَوْله: (جَحَدَ ذُو الْيَدِ دَعْوَاهُ أَوْ لَمْ يَجْحَدْ) هَذَا التَّعْمِيمُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَان الْبُرْهَان يسْتَلْزم سبق الْجحْد، وَقد أَجمعُوا أَنه لَا يُؤْخَذ الْكَفِيل فِي صُورَة الاقرار.
وَالصَّوَاب أَنه يُبَدَّلَ قَوْلُهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَثَبَتَ ذَلِكَ فَيشْمَل الثُّبُوت بالاقرار وَلَا كَفِيل فِيهِ اتِّفَاقًا وبالبينة وَفِيه الْخلاف، وَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ قَوْلُهُ جَحَدَ دَعْوَاهُ أَوْ لَمْ يجْحَد اهـ ط.
وَأجَاب عَنهُ سَيِّدي الْوَالِد بِأَنَّ هَذَا التَّعْمِيمَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَتَرَكَ بَاقِيه أَشَارَ بِهِ إِلَى الْخلاف، فَافْهَم.
أَقُول: عبارَة الْهِدَايَة وَالْمجْمَع وَالْبَحْر وَغَيرهَا تَسَاوِي عبارَة المُصَنّف وَهِي عبارَة متن الدُّرَر، وَكَأَنَّهُم تساهلوا فِي ذَلِك لوضوح المُرَاد.
وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن قَوْله وَترك بَاقِيه مُسْتَأْنف لَيْسَ من تَمام حكم الْبُرْهَان، وَيكون المُرَاد بَيَان مَسْأَلَة وفاقية وَهِي أَخذ الْمُدَّعِي النّصْف إِذا برهن، وَمَسْأَلَة خلافية(7/452)
وَهِي ترك الْبَاقِي مَعَ ذِي الْيَد مُطلقًا، وَأَشَارَ إِلَى الْخلاف بالتعميم بقوله جحد أَو لَا، هَذَا مَا ظهر لي.
نعم الاولى مَا فِي شرح أدب الْقَضَاء حَيْثُ ذكر أَن الْمُدَّعِي يَأْخُذ النّصْف وَيتْرك الْبَاقِي مَعَ ذِي الْيَد عِنْد الامام، وَعِنْدَهُمَا: ينْزع مِنْهُ: أَي وَيجْعَل فِي يَد أَمِين، ثمَّ ذكر أَنهم أَجمعُوا أَنه لَو مقرا ينْزع الْبَاقِي مِنْهُ أَيْضا.
قَوْله: (خلافًا لَهما) أَي فِي صُورَة الْجُحُود حَيْثُ قَالَا: إنْ جَحَدَ ذُو الْيَدِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُجْعَلُ فِي يَدِ أَمِينٍ لِخِيَانَتِهِ بِجُحُودِهِ وَإِلَّا ترك فِي يَده، فَلَا نظر فِي تَركه فِي يَده، فَهُوَ رَاجع إِلَى قَوْله وَترك بَاقِيه فِي يَد ذِي الْيَد لَا لقَوْله بِلَا كَفِيل فَإِنَّهُ لَا خلاف فِيهِ، وَله أَن الْحَاضِر لَيْسَ بخصم عَن الْغَائِب فِي الِاسْتِيفَاء وَلَيْسَ للْقَاضِي التَّعَرُّض بِلَا خصم، كَمَا إِذا رأى شَيْئا فِي يَد إِنْسَان يعلم أَنه لغيره لَا ينتزعه مِنْهُ بِلَا خصم، وَقد ارْتَفع جحوده بِقَضَاء القَاضِي بِالْكُلِّ.
بَحر.
قَوْله: (خصما للْمَيت) الاوضح عَن الْمَيِّت.
قَوْله: (حَتَّى تقضى مِنْهَا دُيُونه) وتنفذ مِنْهَا وَصَايَاهُ.
قَوْله: (ثمَّ إِنَّمَا يكون خصما) أَي عَن بَقِيَّة الْوَرَثَة فِيمَا يَدعِي على الْمَيِّت.
قَوْله: (بِشُرُوط تِسْعَة) الاولى أَن يَقُول ثَلَاثَة: الاول كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ أَنَّهَا إرْثٌ عَن الْمَيِّت الْمعِين كَمَا فِي الْبَحْر والحموي.
قَوْله: (مبسوطة فِي الْبَحْر) لَيْسَ جَمِيع الْمَذْكُور فِي الْبَحْر شُرُوطًا، بل بعضه شُرُوط وَبَعضه أَحْكَام، وَنَصه: تَنْبِيهَات: (الاول) : إِنَّمَا ينْتَصب الْحَاضِر الَّذِي فِي يَده الْعين خصما عَن البَاقِينَ إِذا كَانَت الْعين لم تقسم بَين الْحَاضِر وَالْغَائِب، فَإِن قسمت وأودع الْغَائِب نصِيبه عِنْد الْحَاضِر كَانَت كَسَائِر أَمْوَاله فَلَا ينْتَصب الْحَاضِر خصما عَنهُ.
ذكره العتابي عَن مَشَايِخنَا.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من السَّابِع وَالْعِشْرين: وَلَو أودع نصِيبه من عين عِنْد وَارِث آخر فَادّعى رجل هَذَا الْعين ينْتَصب هَذَا الْوَارِث خصما إِذْ ينْتَصب أحد الْوَرَثَة خصما عَن البَاقِينَ لَو كَانَ الْعين بِيَدِهِ، بِخِلَاف الاجنبي اهـ.
أَقُول: فَقَوله بِخِلَاف الاجنبي: أَي غير الْوَارِث تكون الْعين فِي يَده فيدعي عَلَيْهِ فَلَا يتَعَدَّى الْقَضَاء عَلَيْهِ إِلَى غَيره بِأَن تكون شركَة بَينه وَبَين غَيره فَلَا يكون الشَّرِيك الْغَائِب مقضيا عَلَيْهِ.
سَيِّدي الْوَالِد.
(الثَّانِي) : إِنَّمَا لَا تسمع دَعْوَى الْغَائِب إِذا حضر بِشَرْط أَن يصدق أَن الْعين مِيرَاث بَينه وَبَين الْحَاضِر، أما لَو أنكر الارث وَادّعى أَنه اشْتَرَاهَا أَو ورث نصِيبه من رجل آخر لَا يكون الْقَضَاء على الْحَاضِر قَضَاء عَلَيْهِ فَتسمع دَعْوَاهُ وَتقبل بَينته.
فَالْحَاصِل: أَنه إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: كَوْنُ الْعَيْنِ كُلِّهَا فِي يَدِهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ مَقْسُومَةً، وَأَنْ يُصَدِّقَ الْغَائِبُ عَلَى أَنَّهَا إِرْث عَن الْمَيِّت الْمعِين.
(الثَّالِث) : إِنَّمَا يَكْفِي ثُبُوت بعض الْوَرَثَة أَن لَو ادّعى الْجَمِيع وَقضى بِهِ، أما لَو ادّعى حِصَّته فَقَط وَقضى بهَا فَلَا يثبت حق البَاقِينَ.
(الرَّابِع) : ادّعى بَيْتا فَقَالَ ذُو الْيَد إِنَّه ملكي ورثته من أبي، فَلَو قضى عَلَيْهِ: أَي على ذِي الْيَد:(7/453)
أَي ببرهان الْمُدَّعِي يظْهر على جَمِيع الْوَرَثَة، لَان الْعين كلهَا فِي يَده غير مقسومة فَلَيْسَ لَاحَدَّ مِنْهُم أَن يَدعِيهِ بِجِهَة الارث إِذْ صَار مُورثهم مقضيا عَلَيْهِ، فَهُوَ ادَّعَاهُ أحدهم ملكا مُطلقًا تقبل إِذا لم يقْض عَلَيْهِ
فِي الْملك الْمُطلق، فَلَو ادَّعَاهُ ذُو الْيَد ملكا مُطلقًا لَا إِرْثا لَا تصير الْوَرَثَة مقضيا عَلَيْهِم فَلهم أَخذه بِدَعْوَى الارث، لَكِن لَيْسَ لذِي الْيَد حِصَّة فِيهِ إِذا قضى عَلَيْهِ.
(الْخَامِس) : إِذا كَانَ الْوَرَثَة كبارًا غيبا وصغارا نصب القَاضِي وَكيلا عَن الصَّغِير لسَمَاع دَعْوَى الدّين على الْمَيِّت، وَالْقَضَاء على هَذَا الْوَكِيل قَضَاء على جَمِيع الْوَرَثَة.
(السَّادِس) : إِذا أثبت الْمُدَّعِي دينه على بعض الْوَرَثَة وَفِي يَده حِصَّته فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي جَمِيع دينه مِمَّا فِي يَد الْحَاضِر ثمَّ يرجع الْحَاضِر على الْغَائِب بِحِصَّتِهِ.
(السَّابِع) : يحلف الْوَارِث على الدّين إِذا أنكر: أَي على الْعلم وَإِن لم يكن للْمَيت تَرِكَة.
(الثَّامِن) : يَصح الاثبات على الْوَارِث وَإِن لم يكن للْمَيت تَرِكَة.
مطلب: وَكيل بَيت المَال لَيْسَ بخصم إِلَّا إِذا وَكله السُّلْطَان فِي أَن يَدعِي ويدعى عَلَيْهِ لَا بِالْجمعِ وَالْحِفْظ (التَّاسِع) : لَو لم يكن للْمَيت وَارِث فجَاء مُدع للدّين على الْمَيِّت نصب القَاضِي وَكيلا للدعوى كَمَا فِي أدب القَاضِي للخصاف، وَظَاهره أَن وَكيل بَيت المَال لَيْسَ بخصم اهـ بِزِيَادَة.
أَقُول: قَالَ سَيِّدي فِي حَاشِيَته عَلَيْهِ: يجب تَقْيِيده بِمَا إِذا وَكله السُّلْطَان بجمعه وَحفظه، أما إِذا وَكله بِأَن يَدعِي ويدعى عَلَيْهِ أَيْضا تسمع دَعْوَاهُ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ، وَيملك فِي ذَلِك مَا يملكهُ السُّلْطَان لانه فوض إِلَيْهِ مَا يملكهُ، وَهَذِه الْمَسْأَلَة كَثِيرَة الْوُقُوع.
وَيتَفَرَّع من ذَلِك أَن الْمزَارِع لَا يصلح خصما لمن يَدعِي الْملك فِي الارض وَكَذَلِكَ المقاطع الْمُسَمّى بلغتهم تيماريا.
تَأمل هَذَا.
وَسُئِلَ شَيخنَا ابْن الحانوتي عَن هَذِه الْمَسْأَلَة، فَأجَاب بِمَا ذكره الشَّيْخ زين هُنَا اهـ.
قَوْلُهُ: (وَالْحَقُّ إلَخْ) لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ فِي انْتِصَابِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ خَصْمًا لِلْمَيِّتِ، وَهَذَا الْفَرْقُ فِي انْتِصَابِ أَحَدِهِمْ خَصْمًا فِيمَا عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا يَنْتَصِبُ أَحَدُهُمْ فِيمَا عَلَيْهِ مُطْلَقًا إنْ كَانَ دَيْنًا، وَإِنْ كَانَ فِي دَعْوَى عَيْنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ لِيَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ نَفَذَ بِقَدْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا كُلِّهَا فِي يَدِهِ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ فِي فتح الْقَدِير بِالْفرقِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَهُوَ الْحَقُّ وَغَيْرُهُ سَهْوٌ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ: وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِ شَائِعٌ فِي جَمِيع التَّرِكَة، بِخِلَاف مدعي الْعين اهـ قَوْلُهُ (وَالْعَيْنِ) حَيْثُ لَا يَنْتَصِبُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِي فِي دَعْوَى الْعَيْنِ إلَّا إِذا كَانَت فِي يَده.
وَأما فِي دَعْوَى الدّين عَلَيْهِ فَإِنَّهُ ينْتَصب خصما عَنْهُم وَإِن لم يكن فِي يَده غير تَرِكَة، لَان حَقَّ الدَّائِنِ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ، بِخِلَافِ الْعين الْمُدعى بهَا كَمَا تقدم آنِفا، وَقد علمت أَن ذَلِك فِيمَا إِذا كَانَ الْوَارِث مدعى عَلَيْهِ.
وَأما إِذا كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي إِرْث الْعين على ذِي الْيَد فَإِن أثبت كَانَ الْقَضَاء بالارث لَهُ ولبقية الْوَرَثَة إِذا ادَّعَاهُ إِرْثا لَهُ وَلَهُم، وَإِن لم يثبت وَدفع الْمُدعى عَلَيْهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِأَن مورثك بَاعهَا مني مثلا وَأثبت الشِّرَاء تنْدَفع دَعْوَى الارث فِي حق الْحَاضِر وَالْغَائِب، كَمَا أَفَادَهُ الطَّحَاوِيّ عَن أبي السُّعُود.
قَوْله: (فِيمَا ذكر) من أَخذ الْحَاضِر حِصَّته وَترك بَاقِيه فِي يَد ذِي الْيَد، وَقيل يوضع عِنْد عدل إِلَى حُضُور صَاحبه.(7/454)
مطلب: هَل ينْزع الْمَنْقُول من يَد ذِي الْيَد؟ وَفِي الْحَمَوِيّ: وَلَو كَانَت الدَّعْوَى فِي مَنْقُول: قيل يُؤْخَذ مِنْهُ اتِّفَاقًا لاحتياج الْمَنْقُول إِلَى الْحِفْظ والنزع من يَده أبلغ فِي الْحِفْظ كي لَا يتلفه، أما الْعقار فمحفوظ بِنَفسِهِ، وَقيل الْمَنْقُول على الْخلاف، وَقَول الامام فِي الْمَنْقُول أظهر لِحَاجَتِهِ إِلَى الْحِفْظ، وَالتّرْك فِي يَده أبلغ فِيهِ، لَان المَال بيد الضمين أَشد حفظا وبالانكار صَار ضَامِنا، وَلَو وضع عِنْد عدل كَانَ أَمينا.
كَذَا فِي الْكَافِي وَالْفَتْح وَغَيرهمَا.
وَبحث الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بِأَن النزع من يَد الخائن أبلغ فِي الْحِفْظ بِاحْتِمَال هروبه أَو تحيله بِوَجْه مَا، فَلْيتَأَمَّل اهـ.
قَوْله: (وَمثله فِي الْبَحْر) فَإِنَّهُ حُكيَ مُقَابل الِاتِّفَاق بقيل ط.
قَوْله: (أَنه لَا يُؤْخَذ) أَي الْمَنْقُول لَو مقرا: أَي كالعقار، وَهَذِه الْعبارَة توهم أَن الْعقار لم يجمعوا على عدم أَخذه لَو مقرا وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الحكم فيهمَا وَاحِد كَمَا علم بِمَا سبق.
مطلب: أوصى بِثلث مَاله جَازَ
قَوْله: (أوصى لَهُ بِثلث مَاله) وَكَذَا لَو قَالَ ثُلثي لفُلَان أَو سدسي فَهُوَ وَصِيَّة جَائِزَة، وَقيد بِالْوَصِيَّةِ لانه لَو قَالَ ثلث مَالِي وقف وَلم يزدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة من الْوَصَايَا: إِن كَانَ مَاله دَرَاهِم أَو دَنَانِير
فَقَوله بَاطِل، وَإِن ضيَاعًا صَار وَقفا على الْفُقَرَاء، وَلَو قَالَ ثلث مَالِي لله تَعَالَى الْوَصِيَّة بَاطِلَة عِنْدهمَا، وَعند مُحَمَّد يصرف إِلَى وُجُوه الْبر، وَلَو صرح بِهِ إِلَى سراج الْمَسْجِد يجوز، وَلَو قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ للغزو، فَإِن أَعْطوهُ حَاجا مُنْقَطِعًا جَازَ.
بَحر.
قَوْله: (يَقع ذَلِك على كل شئ) وَهل تدخل الدُّيُون فِي الْوَصِيَّة؟ فِي الْخَانِية لَا، وَكَلَام الشَّارِح فِي الْوَصَايَا يُفِيد دُخُوله فِي الْوَصِيَّة بِالْمَالِ لانه يصير مَالا بِالِاسْتِيفَاءِ فتناولته الْوَصِيَّة خُصُوصا.
قَالُوا: إِنَّهَا أُخْت الْمِيرَاث وَهُوَ يجْرِي فيهمَا، وَكَذَا كَلَام الْوَهْبَانِيَّة يُشِير إِلَى الْخلاف.
وَرجح الدُّخُول حَيْثُ قَالَ: وَفِي ثلث مَالِي يدْخل الدّين أَجْدَر.
قَالَ ابْن الشّحْنَة فِي شَرحه الْمَسْأَلَة فِي الْقنية رامزا للبرهان صَاحب الْمُحِيط وَقَالَ: لَو أوصى بِثلث مَاله لَا يدْخل الدّين ثمَّ رمز للاصل وَقَالَ يدْخل.
قَالَ المُصَنّف: وَفِي حفظي من فَتَاوَى قاضيخان رِوَايَة دُخُول الدّين فِي الْوَصِيَّة بِثلث المَال، وَالْمرَاد بِدُخُولِهَا أَن يدْخل ثلثهَا فِي الْوَصِيَّة وَلَا يسْقط فَيجْعَل كَأَنَّهَا لم تكن اهـ.
مطلب: هَل يدْخل تَحت الْوَصِيَّة بِالْمَالِ مَا على النَّاس من الدُّيُون؟ قَولَانِ: وَفِي وَصَايَا الْكَنْز: أوصى لَهُ بِأَلف وَله عين وَدين: فَإِن خرج لالف من ثلث الْعين دفع إِلَيْهِ، وَإِلَّا فثلث الْعين، وَكلما خرج شئ من الدّين لَهُ ثلثه حَتَّى يَسْتَوْفِي الالف، وَهَذِه غير مَسْأَلَتنَا.
وَمَا نَقله عَن حفظ ابْن وهبان يُخَالِفهُ مَا ذكره فِي الْبَحْر عَن الْخَانِية من عدم دُخُول الدّين.
وَرَأَيْت فِي وَصَايَا الظَّهِيرِيَّة: إِذا كَانَ مائَة دِرْهَم عين وَمِائَة دِرْهَم على أَجْنَبِي دين فأوصى لرجل بِثلث مَاله فَإِنَّهُ يَأْخُذ ثلث الْعين دون الدّين، أَلا ترى إِن حلف أَن لَا مَال لَهُ وَله دُيُون على النَّاس لم يَحْنَث، ثمَّ مَا خرج من الدّين أَخذ مِنْهُ ثلثه حَتَّى يخرج الدّين كُله لانه لما تعين الْخَارِج مَالا الْتحق بِمَا كَانَ عينا فِي الِابْتِدَاء.
وَلَا يُقَال: لما لم يثبت حَقه فِي الدّين قبل أَن يتَعَيَّن كَيفَ يثبت حَقه فِيهِ إِذا تعين؟ لانا نقُول: مثل هَذَا غير مُمْتَنع، أَلا ترى أَن الْمُوصى لَهُ بِثلث المَال لَا يثبت حَقه فِي الْقصاص، وَمَتى انْقَلب مَالا يثبت حَقه فِيهِ اهـ.(7/455)
مطلب: فِي التَّوْفِيق بَين الْقَوْلَيْنِ فِي دُخُول الدّين فِي الْوَصِيَّة وَعدم دُخُوله قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَيُمكن أَن يوفق بَين الْقَوْلَيْنِ بِهَذَا فَتدبر، وَالله تَعَالَى أعلم اهـ.
وَيَنْبَغِي التَّأَمُّل
عِنْد الْفَتْوَى، لَان كَلَام كل مُتَكَلم يبْنى على عرفه، فَإِذا كَانَ الْعرف أَن المَال يَقع على مَا سوى الْعقار أَو الدّين أَو يعم الْكل فيفتى بِهِ.
قَوْله: (لانها أُخْت بِالْمِيرَاثِ) أَي وَالْمِيرَاث يجْرِي فِي كل شئ: أَي فِي الدّين وَالْعين.
مطلب: من قَالَ جَمِيع مَا أملكهُ صَدَقَة
قَوْله: (مَالِي أَو مَا أملكهُ صَدَقَة الخ) أما لَو قَالَ لله عَليّ أَن أهدي جَمِيع مَالِي أَو ملكي فَإِنَّهُ يدْخل فِيهِ جَمِيع مَا يملكهُ وَقت الْحلف بالاجماع فَيجب أَن يهدي ذَلِك كُله إِلَّا قدر قوته، فَإِذا اسْتَفَادَ شَيْئا تصدق بِمثلِهِ، وَفِي مَسْأَلَة المُصَنّف يدْخل الْمَوْجُود وَقت القَوْل فِي الْمُنجز.
أما لَو كَانَ مُعَلّقا بِالشّرطِ نَحْو قَوْله مَالِي صَدَقَة للْمَسَاكِين إِن فعل كَذَا دخل المَال الْقَائِم عِنْد الْيَمين والحادث بعده.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: ظَاهره أَنه بِدُونِ التَّنْجِيز لَا يَشْمَل الْحَادِث بعد الْيَمين، وَهَذَا بِخِلَاف الْوَصِيَّة.
مطلب: أوصى بثلثهى لفُلَان وَلَيْسَ لَهُ مَال ثمم اسْتَفَادَ تصح الْوَصِيَّة لما فِي الْخَانِية: وَلَو قَالَ أوصيت بِثلث مَالِي لفُلَان وَلَيْسَ لَهُ مَال ثمَّ اسْتَفَادَ مَالا وَمَات كَانَ للْمُوصى لَهُ ثلث مَا ترك، ثمَّ قَالَ بعده وَلَو قَالَ عَبِيدِي لفُلَان أَو براذيني لفُلَان وَلم يضف إِلَى شئ وَلم ينسبهم يدْخل فِيهِ مَا كَانَ لَهُ فِي الْحَال وَمَا يَسْتَفِيد قبل الْمَوْت اهـ.
لَكِن قد يُقَال: الْوَصِيَّة فِي معنى الْمُعَلق.
وَفِي حَاشِيَة أبي السُّعُود: وَقَوله والحادث بعده ظَاهره وَلَو بعد وجود الشَّرْط، لَكِن ذكر الابياري مَا نَصه: لَو علقه بِشَرْط دخل المَال الْمَوْجُود عِنْد الْيَمين والحادث بعده إِلَى وجود الشَّرْط اهـ.
فَظَاهر قَول المُصَنّف مَالِي أَو مَا أملكهُ الخ دُخُول الدّين أَيْضا، وَفِيه مَا قدمْنَاهُ آنِفا من الْخلاف والتوفيق.
قَوْله: (فَهُوَ على جنس مَال الزَّكَاة) أَي أَي جنس كَانَت بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَا، وَلَا يتَصَدَّق بِغَيْر ذَلِك من الاموال لانها لَيست بأموال الزَّكَاة.
وَقَالَ زفر: يلْزمه التَّصَدُّق بِالْكُلِّ لَان اسْم المَال يتَنَاوَل الْكل.
وَلنَا أَنه يعْتَبر بِإِيجَاب الله تَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى: * (خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة) * (التَّوْبَة: 301) وَهُوَ خَاص بالنقدين وعروض التِّجَارَة والسوائم وَالْغلَّة وَالثَّمَرَة العشرية والارض العشرية، لَان الْمُعْتَبر جنس مَا يجب فِيهِ الزَّكَاة مَعَ قطع النّظر عَن قدرهَا وَشَرطهَا، فَإِن قضى دينه لزمَه أَن يتَصَدَّق بعده بِقَدرِهِ.
عَيْني
وَغَيره.
قَالَ ط: وَلَا تدخل الارض العشرية عِنْد الطَّرفَيْنِ وَلَا الخراجية اتِّفَاقًا اهـ.
وَخرج رَقِيق الْخدمَة ودور السُّكْنَى وأثاث الْمنَازل وَمَا كَانَ من الْحَوَائِج الاصلية.
مطلب: مَالِي أَو مَا أملك سَوَاء فِي الصَّحِيح قَالَ فِي الْبَحْر: وتسوية المُصَنّف بَين قَوْله مَالِي وَبَين قَوْله مَا أملك هُوَ الصَّحِيح لانهما يستعملان اسْتِعْمَالا وَاحِدًا فَكَانَ فيهمَا الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان خلافًا للْبَعْض، وَاخْتَارَهُ فِي الْمجمع وَالْهِدَايَة.
وَذكر القَاضِي الاسبيجابي أَن الْفرق بَين المَال وَالْملك إِنَّمَا هُوَ قَول أَبُو يُوسُف، وَأَبُو حنيفَة لم يفرق بَينهمَا، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيّ فِي مُخْتَصره اهـ.
قَوْله: (أمسك مِنْهُ قدر مَوته) لم يبين فِي الْمَبْسُوط قدر مَا يمسك،(7/456)
لَان ذَلِك يخْتَلف باخْتلَاف الْعِيَال وَبِاعْتِبَار مَا يَتَجَدَّد لَهُ من التَّحْصِيل، فَيمسك أهل كل صَنْعَة قدر مَا يَكْفِيهِ إِلَى أَن يَتَجَدَّد لَهُ شئ.
قَالَ ط: الْمُتَأَخّرُونَ قدرُوا هَذَا الْقدر، فَقَالُوا فِي المحترف يمسك لنَفسِهِ وَعِيَاله قوت يَوْمه، وَصَاحب الْغلَّة وَهُوَ آجر الدَّار وَنَحْوهَا يمسك قوت شهر، وَصَاحب الضَّيْعَة يمسك قوت سنة، وَصَاحب التِّجَارَة يمسك قدر مَا يَكْفِيهِ إِلَى أَن يَتَجَدَّد لَهُ شئ اهـ.
قَوْلُهُ: (تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ مَا أَمْسَكَ.
مطلب: لَو قَالَ إنْ فَعَلَتْ كَذَا فَمَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فَالْحِيلَةُ فِي الْفِعْل وَعدم الْحِنْث الخ
قَوْلُهُ: (فَحِيلَتُهُ) أَيْ إنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ وَلَا يَحْنَث.
قَوْله: (أَن يَبِيع ملكه) أَي مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ.
قَوْله: (فَلَا يلْزمه شئ) يعلم مِنْهُ كَمَا قَالَ الْمَقْدِسِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمِلْكُ حِينَ الْحِنْثِ لَا حِينَ الْحلف اهـ.
وَوجه الْمَسْأَلَة أَنه حِين الْحِنْث لَا مَال لَهُ.
أَقُولُ: وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُشْتَرَى بِاسْمِ الْمَفْعُولِ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يَرَاهُ وَيَرْضَى بِهِ.
قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ مدنِي.
أَقُول: الَّذِي يظْهر لي أَنه يدْخل فِي ملكه لكنه غير لَازم وَإِلَّا لزم أَن يخرج البدلان من ملكه، وَلَا قَائِل بِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إلَى الْمُرَاجَعَةِ، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَحْرِ عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي الْحِيَلِ آخِرَ الْكِتَابِ، وَتَمَامُهُ فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ يَتَصَالَحُ على تِلْكَ الدُّيُونِ مَعَ رَجُلٍ بِثَوْبٍ فِي
مِنْدِيلٍ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الثَّوْبَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَيَعُود الدّين وَلَا يَحْنَث اهـ.
قَوْله: (لزمَه بِقدر مَا يملك) وَلَا يلْزمه شئ بعد لانه بِمَنْزِلَة النّذر بِمَا لَا يملك، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعد.
قَوْله: (وَلَو لم يكن لَهُ شئ لَا يجب شئ) الظَّاهِر أَن التَّعْلِيق لَيْسَ بِشَرْط، حَتَّى لَو نجز النّذر فَقَالَ عَليّ أَن أَتصدق بِأَلف دِرْهَم كَانَ الحكم كَذَلِك، فَإِن كَانَ يملك دونهَا يلْزمه التَّصَدُّق، وَإِن لم يكن عِنْده شئ لَا يلْزمه فراجع.
رَحْمَتي.
قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَمن نذر نذرا مُطلقًا فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: من نذر وسمى فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِمَا يُسَمِّي وَإِن علق النّذر بِشَرْط فَوجدَ الشَّرْط فَعَلَيهِ الْوَفَاء بِنَفس النّذر لاطلاق الحَدِيث، ولان الْمُعَلق بِالشّرطِ كالمنجز عِنْده.
وَعَن أبي حنيفَة أَنه رَجَعَ عَنهُ وَقَالَ: إِذا قَالَ إِن فعلت كَذَا فعلي حجَّة أَو صَوْم سنة أَو صَدَقَة مَا أملكهُ أَجزَأَهُ عَن ذَلِك كَفَّارَة يَمِين، وَهُوَ قَول مُحَمَّد، وَيخرج عَن الْعهْدَة بِالْوَفَاءِ بِمَا سمى أَيْضا، وَهَذَا إِذا كَانَ شرطا لَا يُرِيد كَونه لَان فِيهِ معنى الْيَمين وَهُوَ الْمَنْع، وَهُوَ باظهره نذر فَيتَخَيَّر ويميل إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شرطا يُرِيد كَونه كَقَوْلِه إِن شفى الله مريضي لِانْعِدَامِ معنى الْيَمين فِيهِ، وَهَذَا التَّفْصِيل هُوَ الصَّحِيح اهـ.
وَعَلِيهِ مَشى فِي متن مجمع الْبَحْرين والدرر وَالْغرر، وَأفْتى بِهِ إِسْمَاعِيل الزَّاهِد ومشايخ بَلخ وَبَعض مَشَايِخ بُخَارى، وَاخْتَارَهُ شمس الائمة وَالْقَاضِي الْمروزِي.
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
وَقَالَ فِي الْفَيْض: والمفتى بِهِ مَا روينَاهُ عَن أبي حنيفَة من رُجُوعه، وَقد أوضح الْمَسْأَلَة الْعَلامَة الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي رِسَالَة سَمَّاهَا (تحفة التَّحْرِير وإسعاف النَّاذِر الْغَنِيّ(7/457)
وَالْفَقِير بالتخيير على الصَّحِيح والتحرير) فَلْيُرَاجِعهَا من رام ذَلِك.
قَوْله: (وَصَحَّ الايصاء) أَي من شخص لشخص على صغيره أَو وَصيته (1) .
مطلب: لَا يشْتَرط علم الْوَصِيّ بالايصاء بِخِلَاف الْوَكِيل
قَوْله: (فصح تصرفه) أَي من غير علم بالايصاء، وَإِذا تصرف يعد قَابلا لَهُ فَلَا يتَمَكَّن من إِخْرَاج نَفسه مِنْهُ، وَإِلَّا فَلهُ إِخْرَاج نَفسه إِذا علم لعدم الْقبُول، لانه لَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ حُكْمِ الْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَظَاهِرُ مَا هُنَا تَبَعًا لِلْكَنْزِ، أَنَّهُ يَصِيرُ وَصِيًّا قَبْلَ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إنَّمَا يَصِيرُ بَعْدَهُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ، وَلِذَا قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ من 23: غازيا مَاتَ وَبَاعَ
وَصِيُّهُ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوِصَايَتِهِ وَمَوْتِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَيَصِيرُ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ لِلْوِصَايَةِ وَلَا يملك عزل نَفسه اهـ.
فَكَانَ على الشَّارِح أَن يَقُول إِن تصرف قَبْلَهُ بَدَلُ قَوْلِهِ فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فَتَنَبَّهْ.
قَوْلُهُ: (لَا يَصح التَّوْكِيل بِلَا علم وَكيل) فَلَو بَاعَ الْوَكِيل قبل الْعلم لم يجز.
بَحر: أَي لم يلْزم فَيكون بيع الْفُضُولِيّ فَيتَوَقَّف على إِجَازَته بعد الْعلم أَو على إجَازَة الْمُوكل كَمَا فِي منحة الْخَالِق لسيدي الْوَالِد.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة عَن الثَّانِي خِلَافه.
مطلب: علم المُشْتَرِي بِالْوكَالَةِ دون الْوَكِيل يَصح وَفِي الْبَحْرِ: أَمَّا إذَا عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْوَكَالَةِ وَاشْتَرَى مِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِع الْوَكِيلُ كَوْنَهُ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ، بِأَنْ كَانَ الْمَالِكُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي اذْهَبْ بعبدي إِلَى زيد فَقل لَهُ حَتَّى يَبِيعَهُ بِوَكَالَتِهِ عَنِّي مِنْكَ فَذَهَبَ بِهِ إلَيْهِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالتَّوْكِيلِ فَبَاعَهُ هُوَ مِنْهُ يجوز، وَمثله الاذن للْعَبد وَالصَّبِيّ بِالتِّجَارَة فَلَا يثبت إِلَّا بعد الْعلم والامر بِالْيَدِ حَتَّى لَو جعل أمرهَا بِيَدِهَا لَا يصير الامر بِيَدِهَا مَا لم تعلم، فَلَو طلقت نَفسهَا قبل الْعلم لم يَقع.
خَانِية.
وَفِي شرح الْمجمع لِابْنِ مَالك: إِذا قَالَ الْمولى لاهل السُّوق بَايعُوا عَبدِي فلَانا يصير مَأْذُونا قبل الْعلم، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ أَذِنت لعبدي فلَان وَلم يشْهد بَين النَّاس فَعلم العَبْد بِهِ شَرط كَمَا فِي الْبَحْر.
قَوْله: (خلَافَة) فَلَا تتَوَقَّف على الْعلم كتصرف الْوَارِث ملكا وَولَايَة، حَتَّى لَو بَاعَ الْجد مَال ابْن ابْنه بعد موت الابْن من غير علم بِمَوْتِهِ جَازَ.
لَكِن قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَنه وَقع فِي الْهِدَايَة هُنَا أَن الْوَصِيَّة خلَافَة كالوراثة وَهُوَ مُشكل، فَإِن الْمُصَرّح بِهِ إِن ملك الْمُوصى لَهُ لَيْسَ بطرِيق الْخلَافَة كملك الْوَارِث.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ: إِن الْمُوصى لَهُ لَيْسَ بخليفة عَن الْمَيِّت، وَلِهَذَا لَا يَصح إِثْبَات دين الْمَيِّت عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَصح على وَارِث أَو وَصِيّ، وَلَو أوصى لَهُ بِعَبْد اشْتَرَاهُ فَوجدَ بِهِ الْمُوصى لَهُ عَيْبا فَإِنَّهُ لَا يردهُ، بِخِلَاف الْوَارِث، وَيصير الْوَارِث مغرورا لَو اسْتحقَّت الْجَارِيَة بعد الْولادَة كالمورث، بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ اهـ.
وَلم أر أحدا من الشَّارِحين بَينه، وَقد ظهر لي أَن صَاحب الْهِدَايَة أَرَادَ بالخلافة أَن ملك كل مِنْهُمَا يكون بعد الْمَوْت لَا بِمَعْنى أَنه قَائِم مقَامه.
وَمِمَّا يدل على عدم الْخلَافَة مَا فِي التَّلْخِيص بعد بَيَان أَن ملكه لَيْسَ خلَافَة أَنه يَصح شِرَاء مَا بَاعَ الْمَيِّت بِأَقَلّ مِمَّا بَاعَ قبل نقد الثّمن،
بِخِلَاف الْوَارِث، وَقدمنَا تَعْرِيف المَال أول كتاب الْبيُوع اهـ.
__________
(1)
قَوْله: (أَو وَصيته) هَكَذَا بالاصل، وَالَّذِي فِي ط أَو تركته.(7/458)
أَقُول: وَقد سبق صَاحب الْبَحْر إِلَى ذَلِك صَاحب الْكِفَايَة حَيْثُ قَالَ: قَوْله لانها خلَافَة كهي: أَي كالوراثة من حَيْثُ إنَّهُمَا يثبتان الْملك بعد الْمَوْت اهـ.
وَفِي الْبَحْر أَيْضا: ثمَّ اعْلَم أَن صَاحب الْهِدَايَة ذكر هُنَا أَن الْوِصَايَة خلَافَة لَا نِيَابَة كالوراثة، وَقَالَ قبله: إِن الْوَصِيَّة خلَافَة كهي، وَقدمنَا مَا فِي الثَّانِي.
وَأما الاول فَالْمُرَاد بِهِ أَنه خَليفَة الْمَيِّت فِي التَّصَرُّف كالوارث لَا فِي الْملك، بِخِلَاف الْخلَافَة فِي الْوَصِيَّة فَإِنَّهَا فِي الْملك لَا فِي التَّصَرُّف.
وَمِمَّا يدل على أَن الْوَصِيّ خَليفَة الْمَيِّت مَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: لَو مَاتَ عَن وَصِيّ وَابْن صَغِير وَدين فَقَبضهُ الْوَصِيّ بعد بُلُوغ الصَّغِير جَازَ إِلَّا إِذا نَهَاهُ.
ثمَّ اعْلَم أَنهم فرقوا بَين الْوَارِث وَالْوَصِيّ فِي مَسْأَلَة: لَو أوصى بِعِتْق عبد ملك الْوَارِث إِعْتَاقه تنجيزا وتعليقا وتدبيرا وَكِتَابَة، وَلَا يملك الْوَصِيّ إِلَّا التَّنْجِيز وَهِي فِي التَّلْخِيص اهـ.
قَوْله: (وَالْوَكِيل نِيَابَة) أَي عَن الْمُوكل، فالموكل أثبت لَهُ ولَايَة التَّصَرُّف فِي ملكه، لَا يطريق الْخلَافَة لبَقَاء ولَايَة الْمُوكل فَلَا بُد من الْعلم، فَلَو أودع ألفا عِنْد رجل ثمَّ قَالَ الْمَالِك أمرت فلَانا بقبضها مِنْهُ وَلم يعلم فلَان بِكَوْنِهِ مَأْمُورا بِالْقَبْضِ فَقَبضهُ وَتلف عِنْده فالمالك بِالْخِيَارِ فِي تضمين أَيهمَا شَاءَ، وَلَو علم الْمُودع فَقَط فَدفع للْمَأْمُور الْمَذْكُور فَتلف عِنْده لَا شمان على أحد، لَان الْمُسْتَوْدع دفع بالاذن، وَلَو لم يعل أَحدهمَا فَقَالَ الْمَأْمُور ادْفَعْ لي وَدِيعَة فلَان لادفعها إِلَى صَاحبهَا أَو ادفعها إِلَيّ تكون عِنْدِي لصَاحِبهَا فَدفع فَضَاعَت فللمالك تضمين أَيهمَا شَاءَ عِنْدهمَا.
بَحر عَن الْخَانِية.
مطلب: الْوِصَايَة وَالْوكَالَة يَجْتَمِعَانِ ويفترقان ثمَّ اعْلَم أَن الْوَصِيَّة وَالْوكَالَة يَجْتَمِعَانِ ويفترقان، فيفترقان فِي مَسْأَلَة الْكتاب وَفِي أَن الْوِصَايَة من الْمَيِّت لَا تقبل التَّخْصِيص، بِخِلَاف وَصِيّ القَاضِي فَإِنَّهُ يتخصص، وَالْوكَالَة تقبل التَّخْصِيص، وَفِي أَنه يشْتَرط فِي الْوَصِيّ أَن يكون مُسلما حرا بَالغا عَاقِلا، بِخِلَاف الْوَكِيل إِلَّا الْعقل، وَفِي أَن الْوَصِيّ إِذا
مَاتَ قبل تَمام الْمصلحَة نصب القَاضِي غَيره، وَلَو مَاتَ وَكيل الْغَائِب لَا ينصب غَيره إِلَّا عَن الْمَفْقُود للْحِفْظ، وَفِي أَن القَاضِي يعْزل الْوَصِيّ بخيانة أَو تُهْمَة بِخِلَاف الْوَكِيل عَن الْحَيّ، وَفِي أَن الْوَارِث يملك إِعْتَاق الْمُوصى بِعِتْقِهِ تنجزيا وتعليقا وتدبيرا وَكِتَابَة، وَلَا يملك الْوَصِيّ إِلَّا الاول.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي الحموية على الاشباه من بحث مَا افترق فِيهِ الْوَكِيل وَالْوَصِيّ: إِن الْوَكِيل يملك عزل نَفسه لَا الْوَصِيّ بعد الْقبُول، وَلَا يشْتَرط الْقبُول فِي الْوكَالَة وَيشْتَرط فِي الْوِصَايَة، ويتقيد الْوَكِيل بِمَا قَيده الْمُوكل وَلَا يتَقَيَّد الْوَصِيّ، وَلَا يسْتَحق الْوَكِيل أُجْرَة عمله بِخِلَاف الْوَصِيّ، وَلَا تصح الْوكَالَة بعد الْمَوْت والوصاية تصح، وَتَصِح الْوِصَايَة وَإِن لم يعلم بهَا الْوَصِيّ، بِخِلَاف الْوكَالَة، وَيشْتَرط فِي الْوَصِيّ: الاسلام وَالْحريَّة وَالْبُلُوغ وَالْعقل، وَلَا يشْتَرط فِي الْوَكِيل إِلَّا الْعقل.
وَإِذا مَاتَ الْوَصِيّ قبل تَمام الْمَقْصُود نصب القَاضِي غَيره، بِخِلَاف موت الْوَكِيل لَا ينصب غَيره إِلَّا عَن مَفْقُود للْحِفْظ، وَفِي أَن القَاضِي يعْزل وَصِيّ الْمَيِّت بخيانة أَو تُهْمَة بِخِلَاف الْوَكِيل، وَفِي أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَادّعى المُشْتَرِي أَنه معيب وَلَا بَيِّنَة فَإِنَّهُ يحلف على الثَّبَات، بِخِلَاف الْوَكِيل فَإِنَّهُ يحلف على نفي الْعلم.
وَهِي فِي الْقنية: وَلَو أوصى لفقراء أهل بَلخ فالافضل للْوَصِيّ أَن لَا يُجَاوز أهل بَلخ، فَإِن أعْطى لاهل كورة أُخْرَى جَازَ على الاصح.
وَلَو أوصى بالتصدق على فُقَرَاء الْحَاج يجوز أَن يتَصَدَّق على(7/459)
غَيرهم من الْفُقَرَاء، وَلَو خص فَقَالَ فُقَرَاء هَذِه السِّكَّة لم يجز، كَذَا فِي وَصَايَا خزانَة الاكمل.
مطلب: الْوَصِيّ يُخَالف الْوَكِيل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَفِي الْخَانِية: وَلَو قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق على جنس فَتصدق على غَيره لَو فعل ذَلِك بِنَفسِهِ جَازَ.
وَلَو أَمر غَيره بالتصدق فَفعل الْمَأْمُور ذَلِك ضمن اهـ.
فَهَذَا مِمَّا خَالف فِيهِ الْوَصِيّ الْوَكِيل.
وَلَو اسْتَأْجر الْمُوصي الْوَصِيّ لتنفيذ الْوَصِيَّة كَانَت وَصِيَّة لَهُ بِشَرْط الْعَمَل، وَهِي فِي الْخَانِية: وَلَو اسْتَأْجر الْمُوكل الْوَكِيل فَإِن كَانَ على عمل مَعْلُوم صحت، وَإِلَّا لَا اهـ.
فَهِيَ خمس عشرَة مَسْأَلَة، فلتحفظ.
مطلب: وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ القَاضِي
ثمَّ اعْلَم أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَن القَاضِي.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم أر نقلا فِي حكم وصايته قبل الْعلم.
مطلب: النَّاظر وَكيل لَا وَصِيّ وَكَذَا فِي حكم تَوْلِيَة النَّاظر من الْوَاقِف، وَيَنْبَغِي أَن يكون على الْخلاف، فَمن جعل النَّاظر وَصِيّا قَالَ ثَبت قبل الْعلم، وَمن جعله وَكيلا قَالَ لَا، وصححوا أَنه وَكيل حَتَّى ملك الْوَاقِف عَزله بِلَا شَرط اهـ.
مطلب: تَقْرِير فِي النّظر بِلَا علمه قَالَ سَيِّدي الْوَالِد معزيا لابي السُّعُود: وَمُقْتَضَاهُ أَن تَقْرِيره فِي النّظر بِلَا علمه لَا يَصح.
مطلب: النَّاظر لَهُ شبه بالوصي وَشبه بالوكيل ثمَّ رَأَيْت بِخَط الشَّيْخ شرف الدّين الْغَزِّي محشي الاشباه أَنهم لَا يجعلونه وَصِيّا من كل وَجه وَلَا وَكيلا كَذَلِك، بل لَهُ شبه بالوصي حَتَّى صَحَّ تفويضه فِي مرض موت، وَشبه بالوكيل حَتَّى ملك الْوَاقِف عَزله من غير شَرط على قَول أبي يُوسُف.
وَأما على قَول مُحَمَّد فَهُوَ وَكيل عَن الْمَوْقُوف عَلَيْهِم كَمَا ذكره فِي الاشباه.
قلت: وَقَول مُحَمَّد مُشكل، إِذْ مُقْتَضى كَونه وَكيلا عَنْهُم أَن لَهُم عَزله، مَعَ أَن الظَّاهِر من كَلَامهم أَنه لَا يَصح، بل لَو عَزله القَاضِي لم يَصح إِذا كَانَ مَنْصُوب الْوَاقِف إِلَّا بخيانة اهـ.
مطلب: النَّاظر وَكيل فِي حَيَاة الْوَاقِف وَصِيّ فِي مَوته قلت: إِنَّه وَكيل مَا دَامَ الْوَاقِف حَيا وَصِيّ بعد وَفَاته، وَالظَّاهِر أَن مُرَاد مُحَمَّد أَنه نَظِير الْوَكِيل فِي سَعْيه لَهُم، لَا وَكيل حَقِيقَة، إِذْ لَيست ولَايَته مِنْهُم.
تَأمل.
مطلب: الْكِتَابَة كالخطاب فَيَقَع بهَا علم الْوَكِيل بِالْوكَالَةِ
قَوْله: (فَلَو علم الخ) وَفِي الْهِدَايَة: الْكتاب كالخطاب.
قَوْله: (وَلَو من مُمَيّز) .
أَقُول: إقحامه لفظ مُمَيّز لَا يظْهر لانه لَا يشْتَرط فِي الْمعلم إِلَّا التَّمْيِيز.
قَوْله: (أَو فَاسق (1)) أَي
__________
(1)
قَوْله: (اخْتَار السَّرخسِيّ قبُول خبر الْفَاسِق فَتجب عَلَيْهِ الاحكام بِخَبَرِهِ لَان الْمخبر لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله، وَالْعَدَالَة لَا تشْتَرط
فِي الرَّسُول كَمَا مر وَصَححهُ الزيلعى.
ورده فِي الْفَتْح بِأَن عدم اشْتِرَاط الْعَدَالَة إِنَّمَا هُوَ فِي الرَّسُول الْخَامِس للارسال وَإِلَّا فَيلْزم على قَوْله أَن لَا تشْتَرط الْعَدَالَة فِي رِوَايَة الحَدِيث مقدسي اهـ.
مِنْهُ.(7/460)
إذَا صَدَّقَهُ الْوَكِيلُ، حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ لَا يَثْبُتُ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْعَزْلِ، لِأَنَّ فِي الْعَزْلِ أَيْضًا إذَا صَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ.
كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
يَعْقُوبِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يثبت عَزله الخ) هَذَا قَوْله، وَقَالا: لَا يشْتَرط فِي الْمخبر بِهَذِهِ إِلَّا التَّمْيِيز لكَونهَا مُعَاملَة، وَله أَن فِيهَا إلزاما من وَجه دون وَجه، فَيشْتَرط أحد شطري الشَّهَادَة، إِمَّا الْعدَد أَو الْعَدَالَة.
وَقَالَ فِي الْبَحْر: أطلقهُ، وَهُوَ مُقَيّد بِأَن يكون الْمخبر غير الْخصم وَرَسُولِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا وَالرَّسُول يعْمل بِخَبَرِهِ، وَإِن كَانَ فَاسِقًا اتِّفَاقًا صدقه أَو كذبه كَمَا ذكر الاسبيجابي، وَكَذَا لَو كَانَ الرَّسُول صَغِيرا، وَظَاهر مَا فِي الْعمادِيَّة أَنه لَا بُد أَن يول لَهُ إِنِّي رَسُول بعزلك، ومقيد أَيْضا بِمَا إِذا بلغه الْعَزْل إِن كَانَ الْعَزْل قصديا، أما إذَا كَانَ حُكْمِيًّا كَمَوْتِ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ وينعزل قبل الْعلم اهـ.
قَوْله: (إِن صدقه) أَي الْوَكِيل حَتَّى لَو كذبه لَا يثبت كَمَا قدمْنَاهُ على اليعقوبية.
قَوْله: (فِي الاصح) رَاجع للفاسقين، خِلَافًا لِمَا فِي الْكَنْزِ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْمَسْتُورَيْنِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْفَاسِقَيْنِ وَهُوَ ضَعِيف، لَان تَأْثِير خبر الْفَاسِقين أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ خَبَرِ الْعَدْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عَدْلٍ لَمْ يَنْفُذْ، وبشهادة فاسقين نفذ، فَلَو أخبرهُ بِالْعَزْلِ غَيره من ذكر وَتصرف صَحَّ تصرفه لعدم عَزله كَمَا فِي الْبَحْر.
قَوْله: (كإخبار السَّيِّد بِجِنَايَة عَبده) أَي فَإِنَّهُ يشْتَرط فِيهِ أحد شطري الشَّهَادَة: أَي الْعدَد أَو الْعَدَالَة عِنْده خلافًا لَهما.
قَوْله: (فَلَو بَاعه كَانَ مُخْتَار للْفِدَاء) يَعْنِي إِذا أخبرهُ أحد من ذكر ثمَّ بَاعه كَانَ مُخْتَارًا للْفِدَاء فَلَا يكون مُخْتَارًا لَهُ بِإِخْبَار غير من ذكر فيدفعه البَائِع أَو المُشْتَرِي إِلَى ولي الْجِنَايَة فِيمَا إِذا بَاعه بعد أَن أخبرهُ فَاسق مثلا بِالْجِنَايَةِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعهُ إِذا لم يعلم بِجِنَايَتِهِ المُشْتَرِي، أما إِذا علم فَيكون مُخْتَارًا للْفِدَاء لقدومه على شِرَائِهِ مَعَ الْعلم بِعَيْبِهِ، وَأما إِذا أعتق العَبْد كَانَ الطّلب بالارش عَلَيْهِ.
أَفَادَهُ أَبُو السُّعُود.
قَوْله: (وَالشَّفِيع بِالْبيعِ) وَهُوَ على الْخلاف أَيْضا، فَإِذا أخبر الشَّرِيك مثلا بِالْبيعِ فَسكت وَلم يطْلب، فَإِن كَانَ الْمخبر عدلا أَو مستورين مثلا سَقَطت شفعته لَا إِن أخبرهُ مَسْتُور فبسكوته لَا يعد
مُسلما للشفعة.
قَوْله: (وَالْبكْر بِالنِّكَاحِ) هُوَ على الْخلاف أَيْضا، فَلَا يكون سكُوتهَا رضَا إِلَّا إِذا أخْبرهَا عدل أَو مستوران مثلا، أما إِذا أخْبرهَا مَسْتُور بِنِكَاح وَليهَا فَسَكَتَتْ لَا يكون ذَلِك رضَا مِنْهَا.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الامام مُحَمَّد نَص على خَمْسَة مِنْهَا، وَلم يذكر مَسْأَلَة الْبكر وَإِنَّمَا قاسها الْمَشَايِخ اهـ.
مطلب: الْفَاسِق إِذا أخبر من أسلم وَلم يُهَاجر يلْزمه الْعَمَل بالشرائع فِي الاصح
قَوْله: (وَالْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر) أَي الَّذِي أسلم فِي دَار الْحَرْب فَأخْبرهُ أحد من ذكر.
قَوْله: (بالشرائع) فَإِنَّهُ إِذا أخبرهُ مَسْتُور لَا يلْزمه الشَّرَائِع عِنْده خلافًا لَهما، وَإِذا أخبرهُ عدل مَسْتُور إِن لَزِمته حَتَّى إِذا ترك الْفَرَائِض يلْزمه قَضَاؤُهَا.
مطلب: الْبكر إِذا أخْبرهَا رَسُول الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ والاصح أَنه يَكْفِي فِيهِ خبر الْفَاسِق كَمَا فِي الْمِفْتَاح.
حموي: أَي فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ الاحكام بِخَبَرِهِ كَمَا فِي الرَّسُول فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط عَدَالَته، كالبكر إِذا أخْبرهَا رَسُول الْوَلِيّ بِالتَّزْوِيجِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله(7/461)
تَعَالَى.
قَوْله: (وَكَذَا الاخبار بِعَيْب لمريد شِرَاء) فَلَو قَالَ لَهُ رجل عدل أَو مستوران هَذِه الْعين مَعِيبَة وَقدم على شِرَائهَا يكون رَاضِيا بِالْعَيْبِ، لَا إِن أخبرهُ فَاسق.
قَوْله: (وَحجر مَأْذُون) فَإِذا أخبر الْمَأْذُون بحجره عدل أَو مستوران حجر، لَا إِذا أخبرهُ فَاسق.
قَوْله: (وَفسخ شركَة) أَي من أحد الشَّرِيكَيْنِ لَا يثبت الْفَسْخ عِنْد الآخر إِلَّا بِإِخْبَار عدل أَو مستورين فَيمْنَع عَن التَّصَرُّف فِي مَاله الشّركَة، لَا إِن أخبرهُ فَاسق.
قَوْله: (وعزل قَاض) فَهُوَ على الحكم السَّابِق.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي أَن يُزَاد أَيْضا عزل القَاضِي وَلم أره اهـ.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَهُوَ ظَاهر لانهم صَرَّحُوا فِي كتاب الْقَضَاء بِأَنَّهُ مُلْحق بالوكيل كَمَا قدمه: أَي صَاحب الْبَحْر فِيهِ اهـ.
قَوْله: (ومتولي وقف) أَي وعزل مُتَوَلِّي وقف: أَي على القَوْل بِصِحَّة عَزله بِلَا شَرط، أَو على قَول الْكل إِن كَانَ شَرط الْوَاقِف اهـ.
بَحر بحثا.
وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى قبل ورقة عِنْد الْكَلَام على وصّى القَاضِي.
قَوْله: (أحد شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ) أَيْ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ.
وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَقُولُ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ عَدْلٍ صِفَةُ
رَجُلٍ، قَالَ فِي التَّلْوِيحِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ.
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ) أَيْ فِي الْمُخْبِرِ.
قَوْلُهُ: (سَائِرُ الشُّرُوطِ) أَيْ مَعَ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَلَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَإِنْ وُجِدَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَة، وَقل من نبه على هَذَا سَيِّدي الْوَالِد.
قَوْلُهُ: (فِي الشَّاهِدِ) أَيْ الْمَشْرُوطَةِ فِي الشَّاهِدِ، وَالْمرَاد بِهِ الْمخبر: أَي من الْحُرِّيَّة وَالْبُلُوغ، وَأَن لَا يكون أعمى وَلَا مَحْدُود فِي قذف مَعَ الْعدَد الْعَدَالَة وَالْمعْنَى، وَيشْتَرط فِي الْمخبر مَا اشْترط فِي الشَّاهِد مِمَّا ذكر إِلَّا لفظ أشهد وَحُضُور مجْلِس القَاضِي عِنْده خلافًا لَهما كَمَا سبق.
قَوْله: (وَقَيده فِي الْبَحْر) أَي قيد عزل الْوَكِيل بِكَوْن الْمخبر لَا بُد أَن يكون فِيهِ أحد شطري الشَّهَادَة بِالْعَزْلِ القصدي احْتِرَازًا عَمَّا إِذا كَانَ حكميا كموت الْمُوكل وجنونه مطبقا فَإِنَّهُ يثبت وينعزل قبل الْعلم.
قَوْله: (وَرُبمَا إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ) أَمَّا إذَا صَدَّقَهُ قُبِلَ وَلَوْ فَاسِقًا.
بَحْرٌ.
وَقَدْ مَرَّ.
قَوْلُهُ: (غَيْرَ الْمُرْسل) سبق قلم، وَصَوَابه كَمَا فِي الْبَحْر غير الْخصم وَرَسُوله فَلَو أَخْبَرَ الشَّفِيعُ الْمُشْتَرِيَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ الطَّلَبُ إجْمَاعًا، حَتَّى إِذا أَخّرهُ سقط طلبه.
قَوْله: (فَإِنَّهُ يعْمل بِخَبَرِهِ) أَي الرَّسُول مُطلقًا وَإِن كَانَ فَاسِقًا أَو صَغِيرا أَو كذبه، وَظَاهره أَن ذَلِك يجْرِي فِي مَا ذكر فينعزل بذلك، وَتسقط الشُّفْعَة بِعَدَمِ الطّلب بعده وَيكون سكُوت الْبكر بعده رضَا، وَقس الْبَاقِي مِمَّا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِك، وَظَاهر مَا فِي الْعمادِيَّة أَنه لَا بُد أَن يَقُول لَهُ إِنِّي رَسُول بعزلك كَمَا فِي الْبَحْر.
أَقُول: وَعَلِيهِ فَلَا بُد للرسول أَن يَقُول للمرسل إِلَيْهِ إِنِّي رَسُول إِلَيْك بِكَذَا.
تَنْبِيه: يثبت الْعَزْل بِكِتَاب الْمُوكل إِذا بلغه وَعلم مَا فِيهِ كَمَا فِي ط عَن سري الدّين، وسيذكره الشَّارِح أَوَاخِر بَاب عزل الْوَكِيل.
قَوْله: (كَمَا سيجئ فِي بَابه) أَي بَاب عزل الْوَكِيل حَيْثُ قَالَ: وَيثبت بمشافهته وبإرساله رَسُولا أَو غَيره اتِّفَاقًا صدقه أَو كذبه إِذا قَالَ أَرْسلنِي إِلَيْك لابلغك عَزله إياك الخ.
قَوْله: (وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَعَلْتُكَ أَمِينًا فِي بَيْعِهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ بِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَقَطْ وَلم يزدْ.
قَوْله: (على الصَّحِيح والولجية) اعْلَمْ أَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي هُوَ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْقَاضِي جَعَلْتُكَ أَمِينًا فِي بَيْعِ هَذَا العَبْد،(7/462)
أما إِذا قَالَ بيع هَذَا الْعَبْدَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ عُهْدَةٌ ذَكَرَهُ شَيْخُ الاسلام خُوَاهَر زَادَةْ كَمَا فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ التَّلْخِيص للفارسي.
أَقُول: وَالْمَسْأَلَة مَذْكُورَة فِي الفتاوي الْوَلوالجِيَّة.
منح.
قَوْله: (عبدا لدين الْغُرَمَاء) أَي أَرْبَاب الدُّيُون، وَلم يَذْكُرْ الْوَارِثَ مَعَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، فَإِذَا لَمْ يكن فِي التَّرِكَة دين: أَي نقود كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إنْ كَانَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ المُشْتَرِي لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ قَدْ أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ وَلَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ البيع كَمَا فِي الْبَحْر
قَوْله: (أَو ضَاعَ) أَي هلك العَبْد من يَد القَاضِي أَو أَمِينه قبل التَّسْلِيم إِلَى المُشْتَرِي كَمَا فِي الْمنح.
فالانسب زِيَادَة أَو أَمِينه.
قَوْله: (كالامام) وَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل نَائِب الامام كالامام، لَان القَاضِي إِنَّمَا قبل قَوْله بِلَا يَمِين لكَونه نَائِبا عَن الامام وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فَلَا ضَمَان على القَاضِي، فعلى هَذَا يقبل قَول أَمِين بَيت المَال بِلَا يَمِين، وَإِنَّمَا لم يضمن من ذكر لانه يُؤَدِّي إِلَى تباعدهم عَن قبُول هَذِه الامانة فتتعطل مصَالح النَّاس عَيْني.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ إِلَى أَن أَمِينه لَو قَالَ بِعْت وقبضت الثّمن وقضيت الْغَرِيم صدق بِلَا يَمِين وعهدة إِلْحَاقًا بِالْقَاضِي، وَأما الْعَيْب إِذا كَانَ ظَاهرا يرد الْمَبِيع بِهِ بِنَظَر القَاضِي أَو أَمِينه، وَإِذا وَجب يَمِين على مخدرة وَجه لَهَا القَاضِي ثَلَاثَة من الْعُدُول يستحلها وَاحِد وآخران يَشْهَدَانِ على يَمِينهَا أَو نكولها، فعلى هَذَا المستحلف لَيْسَ بأمينه وَإِلَّا قبل قَوْله فِي الْيَمين والنكول وَحده.
ثمَّ أعلم أَن القَاضِي وأمينه لَا تَرْجِعُ حُقُوقُ عَقْدٍ بَاشَرَاهُ لِلْيَتِيمِ إلَيْهِمَا، بِخِلَاف الْوَكِيل والاب وَالْوَصِيّ، فَلَوْ ضَمِنَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ ثَمَنَ مَا بَاعه للْيَتِيم بعد بُلُوغه صَحَّ بخلافهم، وَقيد بِعَدَمِ ضَمَان القَاضِي عِنْد الِاسْتِحْقَاق، لانه لَو أَخطَأ فِي قَضَائِهِ ضمن، كَمَا إِذا رجم مُحصنا بأَرْبعَة شُهُود وَظهر أحدهم عبدا أَو محدودا فِي قذف فديته على القَاضِي وَيرجع بهَا فِي بَيت المَال بالاجماع.
مطلب: لَو أَخطَأ القَاضِي يضمن والاصل فِي جنس هَذِه الْمسَائِل أَن القَاضِي مَتى ظهر خَطؤُهُ فِيمَا قضى بِيَقِين فَإِنَّهُ يضمن مَا قضى بِهِ وَيرجع بذلك على الْمقْضِي لَهُ كَالْمُودعِ وَالْوَكِيل، وَإِن كَانَ الْخَطَأ فِي المَال: فَإِن كَانَ قَائِما بيد الْمقْضِي لَهُ أَخذه القَاضِي ورده على الْمقْضِي عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ مُسْتَهْلكا ضمن قِيمَته وَرجع بذلك على الْمقْضِي لَهُ، وَإِن كَانَ فِي قطع أَو رجم ضمن وَرجع بِمَا ضمن فِي بَيت المَال اهـ.
وَتَمَامه فِيهِ.
مطلب: ملخص مَا قيل فِي خطأ القَاضِي
أَقُول: ملخص مَا قيل فِي خطأ القَاضِي فِي غير الْجور: إِن كَانَ فِي مَال لَا فِي حد فخطؤه فِي مَال الْمقْضِي لَهُ، وَإِن كَانَ فِي حد: فَإِن ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عُضْو فخطؤه فِي بَيت المَال، وَإِن لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شئ من ذَلِك كالجلد فَهدر، كَذَا عِنْد الصاحبين.
وَعند الامام رَحِمهم الله تَعَالَى: يكون هدرا فِي الْحُدُود ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عُضْو أَو لَا، كَذَا أَفَادَهُ فِي الْخَانِية من الْحُدُود وَالسير، وَهَذَا إِذا لم يتَعَمَّد الْجور، وَإِن تعمد الْجور كَانَ ذَلِك فِي مَال القَاضِي، سَوَاء كَانَ فِي مَال أَو حد ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عضر، وتعمده الْجور يظْهر فِيمَا إِذا أقرّ هُوَ بذلك، وخطؤه بِلَا جوز يظْهر بِإِقْرَار المقضى لَهُ فِي الاموال كَأَن بَان أَن الشُّهُود عبيد مثلا بِإِقْرَار الْمقْضِي لَهُ أَو تقوم الْبَيِّنَة على ذَلِك، هَذَا خُلَاصَة مَا(7/463)
تحرر من النُّصُوص الْمُعْتَمدَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كشرح السّير الْكَبِير للسرخسي والهندية وَالْخَانِيَّة من الْحُدُود وَالسير والاشباه من الْقَضَاء وحواشي الطَّحَاوِيّ وسيدي الْوَالِد وَأبي السُّعُود.
فَالْحَاصِل: أَن خطأ القَاضِي، تَارَة يكون فِي بَيت المَال وَهُوَ إِذا أَخطَأ فِي حد ترَتّب عَلَيْهِ تلف نفس أَو عُضْو، وَتارَة يكون فِي مَال المقضى لَهُ وَهُوَ إِذا أَخطَأ فِي قَضَائِهِ فِي الاموال، وَتارَة يكون هدرا وَهُوَ إِذا أَخطَأ فِي حد وَلم يَتَرَتَّب على ذَلِك تلف نَفسه أَو عُضْو كَحَد شرب مثلا، وَتارَة يكون فِي مَاله: أَي مَال القَاضِي وَهُوَ إِذا تعمد الْجور.
قَوْله: (بِخِلَاف نَائِب النَّاظر) قيد لقَوْله وَلَا يخلف فَإِنَّهُ يحلف: أَي كَمَا يحلف النَّاظر.
قَالَ فِي الْمنح: إنَّ نَائِبَ الْإِمَامِ كَهُوَ وَنَائِبَ النَّاظِرِ كَهُوَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ، فَلَوْ ادَّعَى ضَيَاعَ مَالِ الْوَقْف أَو تَعْرِيفه على الْمُسْتَحقّين فأنكروا القَوْل لَهُ كَالْأَصِيلِ لَكِنْ مَعَ الْيَمِينِ، وَبِهِ فَارَقَ أَمِينَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَالْقَاضِي اهـ.
قَوْله: (وَرجع المُشْتَرِي على الْغُرَمَاء) لَان البيع وَقع لَهُم فَكَانَت الْعهْدَة عَلَيْهِم عِنْد تعذر جعلهَا على الْعَاقِد كَمَا تجْعَل الْعهْدَة على الْمُوكل عِنْد تعذر جعلهَا على الْوَكِيل الْمَحْجُور عَلَيْهِ، كَمَا إِذا كَانَ الْعَاقِد عبدا أَو صَبيا يعقل البيع وَكله رجل يَبِيع مَاله فَإِنَّهُ لَا تتَعَلَّق الْحُقُوق بهما بل بموكلهما، لَان الْتِزَام الْعهْدَة لَا يَصح مِنْهُمَا لقُصُور الاهلية فِي الصَّبِي وَحقّ السَّيِّد فِي العَبْد كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
قَوْله: (لتعذر الرُّجُوع على الْعَاقِد) أَي لانه عقد لم ترجع عهدته إِلَى عاقده فَتجب على من
يَقع لَهُ الْعقل وَالْبيع وَاقع للْغُرَمَاء فَتكون الْعهْدَة عَلَيْهِم كَمَا فِي الدُّرَر.
وَفِي فتح الْقَدِير: الاصل أَنه إِذا تعذر تعلق الْحُقُوق بالعاقد تتَعَلَّق بأقرب النَّاس إِلَى الْعَاقِد، وَأقرب النَّاس إِلَيْهِ من ينْتَفع بِهِ، أَلا ترى أَن القَاضِي لَا يَأْمر بِبيعِهِ حَتَّى يطْلب الْغَرِيم، وَأقرب النَّاس إِلَيْهِ من ينْتَفع بِهَذَا العقد وَهُوَ الْغَرِيم.
قَوْله: (وَلَو بَاعه الْوَصِيّ) لَا فرق بَيْنَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَمَنْصُوبِ الْقَاضِي.
مَدَنِيٌّ.
قَوْلُهُ: (أَو بِلَا أمره) هُوَ مَفْهُوم بالاولى، لانه إِذا رَجَعَ عَلَيْهِ فِي الامر فلَان يرجع عَلَيْهِ عِنْد عَدمه بالاولى ط.
قَوْله: (فَاسْتحقَّ العَبْد) أَي من يَد المُشْتَرِي.
قَوْله: (وَإِن نَصبه القَاضِي عاقدا) الاولى حذف هَذَا التَّعْلِيل لانه إِنَّمَا يظْهر فِي وَصِيّ القَاضِي، والاقتصار على قَوْله لانه أَي وَصِيّ الْمَيِّت عَاقِدٌ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ، كَمَا إِذا وَكله حَال حَيَاته كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لِيَشْمَلَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ.
قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَمَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى إلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا إذَا نَصَّبَهُ فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا مقَام القَاضِي.
قَوْله: (فترجع) حذف الْفَاء.
قَوْلُهُ: (إلَيْهِ) كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ.
قَوْله: (لانه عَامل لَهُم) وَمن عمل لغيره عملا ولحقه بِسَبَبِهِ ضَمَان يرجع بِهِ على من يَقع لَهُ الْعَمَل.
قَوْله: (وَلَو ظهر بعده للْمَيت مَال رجل الْغَرِيم فِيهِ) أَيْ فِي الْمَالِ الَّذِي ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ.
قَوْله: (بديته هُوَ الاصح) قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: فِيهِ إيجَازٌ مُخِلٌّ يُوَضِّحُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِير، فَلَو ظهر للْمَيت مَال يرجع فِيهِ الْغَرِيم بِدَيْنِهِ بِلَا شَكٍّ، وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي؟ فِيهِ خِلَافٌ.(7/464)
قيل نعم.
وَقَالَ مجد الائمة السرخكتي (1) لَا يَأْخُذُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ، لِأَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا يَضْمَنُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ.
وَفِي الْكَافِي: الْأَصَحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ التَّصْحِيح كَمَا سَمِعت اهـ.
وَقَوْلُهُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي يُفِيدُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى (2) لِأَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ (3) إنَّمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ لَا لِلْمُشْتَرِي، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ، والاول أصح اهـ.
وَالْحَاصِل: أَنه فِي الاولى الختلف التَّصْحِيحُ فِي الرُّجُوعِ، وَفِي الثَّانِيَةِ الْأَصَحُّ عَدَمُهُ، فَتنبه.
وَوجدت فِي نُسْخَة: رَجَعَ الْغَرِيم فِيهِ بِدِينِهِ لَا بِمَا غرم هُوَ الاصح، وَهَذِه لَا غُبَار عَلَيْهَا، قَالَ الْحلَبِي:
وَقِيلَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ أَيْضًا وَصُحِّحَ.
قَوْلُهُ: (كَانَ الْهَالِك من مَالهم) لانه نَائِب عَنْهُم فِي الْقَبْض.
مطلب: للْقَاضِي إِفْرَاز حِصَّة الْمُوصى لَهُ فِي الْمكيل وَالْمَوْزُون إِذا كَانَ غَائِبا
وَقَوله: (لِمَا مَرَّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: كَانَ الْهَالِكُ مِنْ مَالِهِمْ وَالْمُرَادُ بِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يضمن لانه عَامل لَهُم، والاولى ذكرهَا عِنْد معلومها، وَإِنَّمَا كَانَ الْهَالِك من مَالهم لما يَأْتِي فِي بَاب الْوَصِيّ من قَوْله: وَصَحَّ قسْمَة القَاضِي وَأخذ قِسْطَ الْمُوصَى لَهُ إنْ غَابَ الْمُوصَى لَهُ فَلَا شئ لَهُ إنْ هَلَكَ فِي يَدِ الْقَاضِي أَوْ أَمِينه، لكنه قَالَ ثمَّة: وَهَذَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، لِأَنَّهُ إفْرَازٌ، وَفِي غَيرهَا: لَا يجوز لانه بادلة كَالْبيع ومبادلة مَال الْغَيْر لَا يجوز، فَكَذَا الْقِسْمَة اهـ.
فَلْينْظر هَل فرق بَين أَن يكون الْمُوصى لَهُ الْغَائِب معينا أَو مُطلق الْفُقَرَاء أَو يجْرِي الْقَيْد فيهمَا؟ وليحرر.
قَوْله: (أَمرك قَاض عَدْلٌ) أَيْ وَعَالِمٌ، كَذَا قَيَّدَهُ فِي الْمُلْتَقَى وَغَيره.
مدنِي.
وَكَذَا قيد فِي الْكَنْز وَهُوَ الْمُوَافق لما فِي بعض نسخ الْمَتْن، وَهُوَ قيد لَا بُد مِنْهُ هُنَا بِمُقَابلَة قَوْله الْآتِي: وَإِنْ عَدْلًا جَاهِلًا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ الْمَاتُرِيدِيُّ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لم يُقَيِّدهُ بهما: أَي الْعَدَالَة وَالْعلم، ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ فَقَالَ: لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ مَا لم يُعَايِنَ الْحُجَّةَ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عدل، وَبِه أَخذ مَشَايِخنَا اهـ.
وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُلَفَّقٌ مِنْ قَوْلَيْنِ، لِأَنَّ عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالتَّفْصِيلَ بَعْدَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَحَيْثُ قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ عَدْلٌ يَجِبُ زِيَادَةُ عَالِمٍ أَيْضا ليَكُون عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدُ: وَقِيلَ يُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا عَالِمًا مُسْتَدْرَكًا، وَحَقُّهُ أَنْ يَقُول: وَقيل يقبل وَلَو لم يكن عدلا عَالما، وَهُوَ مَا فِي الْجَامِع الصَّغِير.
كَذَا أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى، وَسَيَأْتِي تَتِمَّة الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (قضى بِهِ) أَي بِمَا ذكر، أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن إِفْرَاد الضَّمِير بِاعْتِبَار الْمَذْكُور وَلَا حَاجَة إِلَيْهِ لَان الْعَطف بِأَو.
__________
(1)
قَوْله: (السرخكتي) بِضَم السِّين وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْكَاف وَفِي آخرهَا التَّاء الْمُثَنَّاة للفوقية نِسْبَة إِلَى سرخكت قَرْيَة بثغر جسان سمر قند ينْسب إِلَيْهَا مُحَمَّد بن عبد الله بن فَاعل ذكره عهد الْقَادِر فِي الطَّبَقَات اهـ.
مِنْهُ.
(2) أَي مَسْأَلَة بيع القَاضِي أَو أَمِينه وَالرُّجُوع فِيهَا بِمَا ضمنه المُشْتَرِي اهـ.
مِنْهُ.
(3) أَي مَسْأَلَة بيع الْوَصِيّ وَالرُّجُوع فِيهَا بِمَا ضمنه الْوَصِيّ اهـ.
مِنْهُ.(7/465)
مطلب طَاعَة أولي الامر وَاجِبَة
قَوْله: (لوُجُوب طَاعَة ولي الامر) بِالْآيَةِ الشَّرِيفَة، وَمن طَاعَته تَصْدِيقه.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ والنظائر عِنْد الْكَلَام على شُرُوط الامامة: ثُمَّ إذَا وَقَعَتْ الْبَيْعَةُ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعقد صَارَ إمَامًا يُفْتَرَضُ إطَاعَتُهُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.
وَفِي شَرْحِ الْجَوَاهِرِ: تَجِبُ إطَاعَتُهُ فِيمَا إباحه الدّين وَهُوَ مَا يعود نَفعه إِلَى الْعَامَّة، كعمارة دَار الاسلام وَالْمُسْلِمين مِمَّا تنَاوله الْكتاب وَالسّنة والاجماع اهـ.
وَفِي النِّهَايَة وَغَيرهمَا: رُوِيَ عَن أبي يُوسُف لما قدم بَغْدَاد صلى بِالنَّاسِ الْعِيد وكلفه هَارُون الرشيد وَكبر تَكْبِير ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا.
وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد هَكَذَا.
وتأويله أَن هَارُون أَمرهمَا أَن يكبرا تَكْبِير جده، ففعلا ذَلِك امتثالا لامره، وَقَدْ نَصُّوا فِي الْجِهَادِ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي غير مَعْصِيّة.
وَفِي التاترخانية عَن الْمُحِيط: إِذا أَمر الامير أهل الْعَسْكَر بشئ فَعَصَاهُ فِي ذَلِك وَاحِد فالامير لَا يؤدبه فِي أول وهلة، وَلَكِن ينصحه حَتَّى لَا يعود إِلَى مثل ذَلِك بل يعذرهُ، فَإِن عَصَاهُ بعد ذَلِك أدبه، إِلَّا إِذا بَين فِي ذَلِك عذرا فَعِنْدَ ذَلِك يخلي سَبيله، وَلَكِن يحلفهُ بِاللَّه تَعَالَى لقد فعلت هَذَا بِعُذْر اهـ.
وَقد أَخذ البيري من مَجْمُوع هَذِه النقول أَنه لَو أَمر أهل بَلْدَة بصيام أَيَّام بِسَبَب الغلاء أَو الوباء وَجب امْتِثَال أمره، وَالله تَعَالَى أعلم.
وَتقدم فِي الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاء، وَانْظُر مَا قدمه سَيِّدي الْوَالِد فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَمَنَعَهُ مُحَمَّدٌ) هَذَا مَا رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ الْمُوَافقَة ح.
قَوْلُهُ: (حَتَّى يُعَايِنَ الْحُجَّةَ) زَادَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عدل، وَهُوَ رِوَايَة عِنْده، وَمَعْنَاهُ: أَو يشْهد القَاضِي وَالْعدْل على شَهَادَة الَّذين شهدُوا بِسَبَب الْحَد لَا على حكم القَاضِي وَإِلَّا كَانَ القَاضِي شَاهدا على فعل نَفسه، واستبعده فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِكَوْنِهِ بَعِيدًا فِي الْعَادَةِ وَهُوَ شَهَادَةُ الْقَاضِي عِنْدَ الْجَلَّادِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالْوَاحِدِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي حَقٍّ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، وَإِنْ كَانَ فِي زِنًا فَلَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثَة أخر.
كَذَا ذكره الاسبيجابي.
بَحر.
مطلب: الْقُضَاة إِذا توَلّوا بالرشا أحكامهم بَاطِلَة
قَوْله: (واستحسنوه فِي زَمَاننَا) لَان الْقُضَاة قد فسدوا فَلَا يُؤمنُوا على نفوس النَّاس وَدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالهمْ ح.
قَالَ فِي الْعِنَايَة: لَا سِيمَا قُضَاة زَمَاننَا، فَإِن أَكْثَرهم يتولون بالرشا فأحكامهم بَاطِلَة اهـ.
والتدارك غير مُمكن.
أَقُول: هَذَا فِي قُضَاة زمانهم فَمَا بالك فِي قُضَاة زَمَاننَا، أصلح الله تَعَالَى أحوالنا جَمِيعًا آمين بمنه وَكَرمه.
قَوْله: (وَفِي الْعُيُون وَبِه يُفْتى) قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَكِنْ رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ صَحَّ رُجُوع مُحَمَّد إِلَى قَوْلهمَا، رَوَاهُ هِشَام عَنهُ اهـ.
فَالْحَاصِل: أَن الشَّيْخَيْنِ قَالَا بِقبُول إِخْبَار القَاضِي عَن إِقْرَار الْخصم بِمَا لَا يَصح رُجُوع الْمقر عَنهُ كَالْقصاصِ وحد الْقَذْف والاموال وَالطَّلَاق وَسَائِر الْحُقُوق، وَإِن مُحَمَّدًا وافقهما أَولا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا ذكر عَنهُ من أَنه لَا يقبل إِلَّا بِضَم رجل آخر إلَيْهِ ثُمَّ صَحَّ رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا.
وَأَمَّا إِذا أخبر القَاضِي بِإِقْرَارِهِ عَن شئ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْحَدِّ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ قَامَت بذلك وَعُدِّلُوا وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَهَذَا فِي القَاضِي الْمولى.(7/466)
أما الْمَعْزُولُ فَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ مَعَهُ عَدْلٌ كَمَا مر عَن النَّهر أَوَائِل الْقَضَاء.
قَوْله: (إِلَّا فِي كتاب القَاضِي للضَّرُورَة) أَي ضَرُورَة إحْيَاء الْحق، ولان الْخِيَانَة فِي مثله قَلما تقع، وَظَاهر الِاقْتِصَار على كتاب القَاضِي أَن القَاضِي لَا يقبل قَوْله فِيمَا عداهُ: أَي على قَول مُحَمَّد سَوَاء كَانَ قتلا أَو قطعا أَو ضربا، فَلَو قَالَ: قضيت بِطَلَاقِهَا أَو بِعِتْقِهِ أَو بِبيع أَو نِكَاح أَو إِقْرَار لم يقبل قَوْله.
وَفِي التَّهْذِيب: وَيصدق فِيمَا قَالَ من التَّصَرُّف فِي الاوقاف وأموال الايتام والغائبين من أَدَاء وَقبض.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ: يُقْبَلُ لَوْ عَدْلًا عَالِمًا) دُخُولٌ عَلَى الْمَتْنِ قَصَدَ بِهِ إصْلَاحَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذْ أَطْلَقَ أَوَّلًا الْقَاضِيَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْعَدْلِ الْعَالِمِ تبعا للجامع الصَّغِير وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ التَّفْصِيلَ، وَهُوَ عَلَى قَوْلِ الماتريدي الْقَائِل بِاشْتِرَاط كَونه عَالما كَمَا مَشى عَلَيْهِ فِي الْكَنْز كَمَا مر بَيَانه، وَإِنْ أَرَدْتَ زِيَادَةَ الدِّرَايَةِ فَارْجِعْ إلَى الْهِدَايَةِ، وَحَيْثُ كَانَ مُرَادُ الشَّارِحِ ذَلِكَ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ: عَدْلٌ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ من الشَّرْح على مَا رَأَيْنَاهُ، بل الاولى حذف هَذَا القيل لكَونه عين مَا فِي المُصَنّف، ثمَّ إِن هَذَا القيل هُوَ قَائِله أَبُو مَنْصُور، لَان عدم الِاعْتِمَاد إِنَّمَا علل بِالْفَسَادِ والغلط وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَالم الْعدْل.
وَذكر الاسبيجابي أَن الْمَسْأَلَة مصورة عِنْد الامام فِي القَاضِي الْعَالم الْعدْل، لانه إِذا كَانَ غير هَذَا لَا يُولى الْقَضَاء وَلَا يؤتمر بأَمْره بالِاتِّفَاقِ اهـ.
فَمَا قَالَه أَبُو مَنْصُور كشف عَن مَذْهَب الامام اهـ.
قَوْله: (وَإِن عدلا جَاهِلا إِن استفسر فَأحْسن تَفْسِير الشَّرَائِط) بِأَن يَقُول فِي حد الزِّنَا إِنِّي أستفسر الْمُقِرَّ بِالزِّنَا كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَحَكَمْتُ عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ، وَيَقُولَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي بِالْحُجَّةِ أَنَّهُ أَخَذَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَفِي الْقِصَاصِ أَنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ.
وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى اسْتِفْسَارِ الْجَاهِلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظُنُّ بِسَبَبِ جَهْلِهِ غير الدَّلِيل دَلِيلا.
كِفَايَة.
قَوْله: (صدق) أَي يجب تَصْدِيقه وَقبُول قَوْله، ثمَّ المُرَاد من جَهله جَهله بوقائع النَّاس لانها فرض كِفَايَة، فَإِنَّهُ يسْأَل الْمُفْتِي وَيحكم بقوله، بِخِلَاف جَهله بِمَا يفترض عَلَيْهِ عينا فَإِنَّهُ يفسق فَلَا يكون عدلا فَيكون من الْقسم الْآتِي بَيَانه.
قَوْله: (فالقضاة أَرْبَعَة) لانه إِمَّا عَالم أَو جَاهِل، وَفِي كل إِمَّا عدل أَو فَاسق.
قَوْله: (أَي سَببا شرعا) للْحكم فَحِينَئِذٍ يقبل قَوْله لانْتِفَاء التُّهْمَة اهـ.
منح.
وَإِنَّمَا أول الْحجَّة بِالسَّبَبِ ليعم الاقرار ط.
قَوْله: (صب دهنا لانسان عِنْد الشُّهُود) لَا حَاجَة إِلَيْهِ لانه مقرّ ط.
قَوْله: (لانكاره الضَّمَان) أَي الضَّمَان بِالْمثلِ لَا بِالْقيمَةِ وَإِلَّا كَانَ مُشكلا، لَان الْمُتَنَجس مَال بِدَلِيل جَوَاز بَيْعه فيجزي فِيهِ التَّمَلُّك وَالتَّمْلِيك فَيكون مَالا مَعْصُوما.
وَأَيْضًا فَإِن ظَاهره أَن القَوْل لَهُ فِي عدم الضَّمَان، وَلَيْسَ كَذَلِك بل القَوْل قَوْله فِي كَونه متنجسا، وَأما الضَّمَان فَلَا يضمن فيمته متنجسا فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ إلَّا فِي أَنَّهَا مُتَنَجِّسَةٌ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا مُتَنَجِّسَةً، كَمَا نَقَلَهُ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ شَرَفِ الدِّينِ الْغَزِّيِّ مُحَشِّي الاشباه، وَيدل لَهُ عبارَة الْخَانِية قبيل كتاب القَاضِي من الشَّهَادَات: وَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه فِي إنكاه اسْتِهْلَاكَ الطَّاهِرِ، وَلَا يَسَعُ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ صَبَّ زَيْتًا غَيْرَ نَجِسٍ.
وَتَمَامُهُ فِيهَا فَرَاجعهَا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: أراق زَيْت إِنْسَان أَو سمنه وَقد وَقعت فِيهِ فَأْرَة ضمنه، وَحِينَئِذٍ فَتعين أَن المُرَاد(7/467)
بِعَدَمِ الضَّمَان ضَمَان الْمثْلِيّ لانه الْمُتَبَادر، وَأَن المُرَاد بِالضَّمَانِ الْمُثبت ضَمَان الْقيمَة لانه بالتنجس صَار قيميا، لقَولهم: الْمثْلِيّ مَا حصره كيل أَو وزن وَكَانَ على صفته الاصلية من الطَّهَارَة، فَإِن خرج عَنْهَا بالتنجس صَار قيميا كَمَا هُوَ صَرِيح كَلَام البزازي ثَانِيًا.
وَفِي فُصُول الْعِمَادِيّ: وَإِذا أتلف زَيْت غَيره فِي السُّوق أَو سمنه أَو خله أَو نَحْو ذَلِك وَقَالَ أتلفته لكَونه نجسا لانه مَاتَت فِيهِ فَأْرَة فَالْقَوْل قَوْله، لَان الزَّيْت النَّجس وَنَحْوه قد يُبَاع فِي السُّوق، وَإِن أتلف لحم قصاب فِي السُّوق وَقَالَ: أتلفته لكَونه ميتَة ضمن لَان الْميتَة لَا تبَاع فِي السُّوق، فَجَاز للشُّهُود أَن يشْهدُوا أَنَّهَا ذكية كَمَا فِي الْحَوَاشِي الحموية.
قَوْله: (وَأمر الدَّم عَظِيم فَلَا يهمل) أَلا ترى أَنه حكم فِي المَال بِالنّكُولِ وَفِي الدَّم حبس حَتَّى يقْرَأ وَيحلف، وَاكْتفى فِي المَال بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَة وبخمسين يَمِينا فِي الدَّم.
قَوْله: (بِخِلَاف المَال) قَالَ فِي الْبَحْر: لَو أتلف لحم طواف فطولب بِالضَّمَانِ فَقَالَ: كَانَت ميتَة فأتلفتها لَا يصدق، وللشهود أَن يشْهدُوا أَنه لحم ذكي بِحكم الْحَال.
وَقَالَ القَاضِي: لَا يضمن، فَاعْترضَ عَلَيْهِ بِمَسْأَلَة كتاب الِاسْتِحْسَان الْمُتَقَدّمَة، وَهِي لَو قتل رجلا الخ فَأجَاب عَنهُ بِمَا نَقله الشَّارِح عَن إِقْرَار الْبَزَّازِيَّة.
قَوْله: (صدق قَاض) وَكَذَا لَا ضَمَان على الْقَاطِع والآخد لَو أقرّ بِمَا أقرّ بِهِ القَاضِي وَوجه عدم الضَّمَان على القَاضِي أَنَّهُمَا لما توافقا أَنه فعل ذَلِك فِي قَضَائِهِ كَانَ الظَّاهِر شَاهدا لَهُ، إِذْ القَاضِي لَا يقْضِي بالجور ظَاهرا وَلَا يَمِين عَلَيْهِ لانه ثَبت فعله فِي قَضَائِهِ بالتصادق، وَلَا يَمِين على القَاضِي كَمَا فِي الْبَحْر.
قَوْله: (كَذَا لَو زعم) أَي الْمقْضِي عَلَيْهِ، لَكِنْ لَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فعله فِي قَضَائِهِ بالتصادق: أَي فَيدْفَع قَول القَاضِي الضَّمَان عَن نَفسه وَعَن غَيره، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ، أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّمَلُّكِ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَقَوْلُ الْمَعْزُولُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ.
بَحْرٌ.
قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ أَسْنَدَ) أَي القَاضِي.
مطلب: وَاقعَة الْفَتْوَى
قَوْله: (إِلَى حَالَة معهودة) فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنا مَجْنُون وجنونه مَعْهُود وَمثله المدهوش وَهِي وَاقعَة الْفَتْوَى للخير الرَّمْلِيّ، فَإِذا كَانَت الدهشة معهودة مِنْهُ يقبل قَوْله، وَإِذا لم تكن معهودة لَا يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة، وَلَو أقرّ الْقَاطِع والآخذ فِي هَذَا الْفَصْل بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ
لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ(7/468)
الضَّمَان عَن غَيره، بِخِلَاف الْفَصْل الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ.
مطلب: الاصل أَن الْمقر إِذا أسْند إِقْرَاره إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان من كل وَجه فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شئ وَجعل بَعضهم هَذَا أصلا فَقَالَ: الاصل أَن الْمقر إِذا أسْند إِقْرَاره إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان من كل وَجه فَإِنَّهُ لَا يلْزمه ضَمَان مَا ذكر.
وَمِنْهَا: لَو قَالَ العَبْد لغيره بعد الْعتْق قطعت يدك وَأَنا عبد فَقَالَ الْمقر لَهُ بل قطعتها وَأَنت حر فَالْقَوْل للْعَبد.
وَمِنْهَا: لَو قَالَ الْمولى لعبد قد أعْتقهُ أخذت مِنْك غلَّة كل شهر خَمْسَة دَرَاهِم وَأَنت عبد فَقَالَ الْمُعْتق أَخَذتهَا بعد الْعتْق كَانَ القَوْل للْمولى.
وَمِنْهَا: الْوَكِيل بِالْبيعِ إِذا قَالَ بِعْت وسلمت قبل الْعَزْل وَقَالَ الْمُوكل بعد الْعَزْل فَالْقَوْل للْوَكِيل إِن كَانَ الْمَبِيع مُسْتَهْلكا، وَإِن كَانَ قَائِما فَالْقَوْل للْمُوكل لانه أخبر عَمَّا لَا يملك الانسائ.
وَكَذَا فِي مَسْأَلَة الْغلَّة لَا يصدق فِي الْغلَّة الْقَائِمَة لانه أقرّ بالاخذ وبالاضافة يَدعِي عَلَيْهِ التَّمْلِيك.
وَمِنْهَا: لَو قَالَ الْوَصِيّ بعد مَا بلغ الْيَتِيم أنفقت عَلَيْك كَذَا وَكَذَا من المَال وَأنكر الْيَتِيم كَانَ القَوْل للْوَصِيّ لكَونه أسْند إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان.
وَأورد فِي النِّهَايَة على هَذَا الاصل مَا إِذا أعتق أمته ثمَّ قَالَ لَهما قطعت يدك وَأَنت أمتِي فَقَالَت هِيَ قطعتها وَأَنا حرَّة فَالْقَوْل لَهَا، وَكَذَا فِي كل شئ أَخذه مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنكر للضَّمَان بِإِسْنَاد الْفِعْل إِلَى حَالَة مُنَافِيَة للضَّمَان، فَأجَاب بِالْفرقِ من حَيْثُ إِن الْمولى أقرّ بِأخذ مَالهَا ثمَّ ادّعى التَّمْلِيك لنَفسِهِ فَيصدق فِي إِقْرَاره وَلَا يصدق فِي دَعْوَاهُ التَّمْلِيك، وَكَذَا لَو قَالَ لرجل أكلت طَعَامك بإذنك فَأنْكر الاذن يضمن الْمقر.
وَذكر الشَّارِح: أَي الزَّيْلَعِيّ أَن هَذَا الْفرق غير مخلص، وَهُوَ كَمَا قَالَ كَمَا فِي الْبَحْر: أَي لعدم جَرَيَانه فِي صُورَة النزاع فِي أَخذ غلَّة العَبْد وَقطع يَد الامة كَمَا لَا
يخفى كَمَا فِي الْحَوَاشِي السعدية.
ثمَّ قَالَ فِي الْبَحْر وَقد خرج هَذَا الْفَرْع وَنَحْوه بِمَا زدناه على الْقَاعِدَة من قَوْلنَا من كل وَجه، لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنهُ من كل وَجه لانه يضمن من قَوْلنَا من كل وَجه، لِأَنَّ كَوْنَهَا أَمَةً لَهُ لَا يَنْفِي الضَّمَانَ عَنهُ من كل وَجه لانه يضمن فِيمَا لَو كَانَت مَرْهُونَة أَو مأذونة مديونة فَلم يرد.
وأصل الْمَسْأَلَة فِي الْمجمع من الاقرار.
مطلب: السُّلْطَان إِذا عزل قَاضِيا لَا يَنْعَزِل مَا لم يبلغهُ الْخَبَر تَتِمَّة: السُّلْطَان إِذا عزل قَاضِيا لَا يَنْعَزِل مَا لم يصل إِلَيْهِ الْخَبَر، حَتَّى لَو قضى بقضايا بعد الْعَزْل قبل وُصُول الْخَبَر إِلَيْهِ جَازَ قَضَاؤُهُ.
وَعَن أبي يُوسُف أَنه لَا يَنْعَزِل وَإِن علم بعزله مَا لم يُقَلّد غَيره مَكَانَهُ ويصل صِيَانة لحقوق النَّاس، وَلَو مَاتَ رجل وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ يجوز، وَلَو ظهر وَارِث بعد ذَلِك فَالْبيع مَاض وَلَا ينْقض.
رجل لَهُ على رجل ألف دِرْهَم جِيَاد، فقضاه زُيُوفًا وَقَالَ أنفقها، فَإِن لم ترج فَردهَا فَفعل فَلم ترج، قَالَ أَبُو يُوسُف: لَهُ أَن يردهَا عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، لَان مَا قبض من الدَّرَاهِم لَيْسَ هُوَ عين حَقه بل هُوَ مثل حَقه، وَإِنَّمَا يصير حَقًا لَهُ إِذا رَضِي بِهِ، فَإِذا لم يرض بِهِ لم يصر حَقًا لَهُ فَيكون الْقَابِض متصرفا(7/469)
فِي ملك الدَّافِع بأَمْره فَلَا يبطل حق الْقَابِض، وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو اشْترى شَيْئا فَوَجَدَهُ معيبا فَأَرَادَ أَن يردهُ فَقَالَ لَهُ البَائِع بِعْهُ فَإِن لم يبع رده عَليّ، فعرضه على البيع فَلم يشتره أحد لم يردهُ، وَذَلِكَ لَان الْمَقْبُوض عين حَقه إِلَّا أَنه معيب، فَلم يكن قَول البَائِع بعد إِذْنا لَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي ملك البَائِع فَكَانَ متصرفا فِي ملك نَفسه فَيبْطل حَقه فِي الرَّد.
مطلب: إِذا قَالَ الْمقر لسامع إِقْرَاره لَا تشهد لَهُ أَن يشْهد بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ لَهُ الْمقر لَهُ لَا تشهد فَلَا يشْهد عَلَيْهِ إِذا قَالَ الْمقر لسامع إِقْرَاره لَا تشهد عَليّ وَسعه أَن يشْهد عَلَيْهِ، لَا إِذا قَالَ الْمقر لَهُ لَا تشهد عَلَيْهِ بِمَا أقرّ بِهِ لَا يَسعهُ أَن يشْهد، فَلَو رَجَعَ الْمقر لَهُ وَقَالَ إِنَّمَا نهيتك لعذر وَطلب مِنْهُ الشَّهَادَة فَقَوْلَانِ.
أشباه.
قَوْله: (منافيه لِلضَّمَانِ) أَيْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا زَادَهُ فِي الْبَحْر وَتقدم الْكَلَام عَلَيْهِ آنِفا.
قَوْله: (كَونهمَا) أَي الواقعتين.
مطلب: فِي أَخذ القَاضِي الْعشْر من مَال الايتام والاوقاف
قَوْله: (نقل فِي الْأَشْبَاهِ) وَعِبَارَتُهَا: قَالَ فِي بَسْطِ الْأَنْوَارِ لِلشَّافِعِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا لَفْظُهُ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا لم يكن للْقَاضِي شئ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَخْذُ عُشْرِ مَا يَتَوَلَّى مِنْ مَالِ الْأَيْتَامِ وَالْأَوْقَافِ ثُمَّ بَالَغَ فِي الانكار اهـ.
وَلم أر هَذَا لاصحابنا اهـ.
وَمَا أَحْبَبْت نَقْلَ الشَّارِحِ الْعِبَارَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِئَلَّا يَظُنَّ بَعْضُ الْمُتَهَوِّرِينَ صِحَّةَ هَذَا لنقل مَعَ أَن النافل بَالَغَ فِي إنْكَارِهِ كَمَا تَرَى.
كَيْفَ وَقَدْ اخْتلفُوا عندنَا فِي أَخذه مبيت المَال، فَمَا ظَنك فِي الْيَتَامَى.
والاوقاف.
قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ ثُمَّ بَالَغَ فِي الْإِنْكَارِ.
أَقُولُ: يَعْنِي عَلَى الْجَمَاعَتَيْنِ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي الانكار واضحه الِاعْتِبَار، لانه لَوْ تَوَلَّى عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا مَثَلًا وَلَمْ يلْحقهُ فِيهَا من الْمَشَقَّة شئ بِمَاذَا يَسْتَحِقُّ عُشْرَهَا وَهُوَ مَالُ الْيَتِيمِ وَفِي حُرْمَتِهِ جَاءَتْ الْقَوَاطِعُ؟ فَمَا هُوَ إلَّا بُهْتَانٌ عَلَى الشَّرْعِ السَّاطِعِ، وَظُلْمَةٌ غَطَّتْ عَلَى بَصَائِرِهِمْ، فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبِهِ الْوَاقِعِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم اهـ.
مطلب: إِذا كَانَ للْقَاضِي عمل فِي مَال الايتام لَهُ الْعشْر قَالَ الْحَمَوِيّ: لَا وَجه للْمُبَالَغَة فِي الانكار لجَوَاز أَن يكون ذَلِك مُقَيّدا بِمَا إِذا كَانَ لَهُ عمل، وَأقله حفظ المَال إِلَى أَوَان بُلُوغ الْقَاصِر اهـ.
مطلب: المُرَاد بالعشر أجر الْمثل وَلَو زَاد يرد الزَّائِد قَالَ بِيرِيّ زَادَةْ فِي حَاشِيَتِهَا: وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعُشْرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، حَتَّى لَوْ زَاد رد الزَّائِد اهـ.
مدنِي.
قَوْله: (للمتولي الْعشْر فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ) أَيْ إذَا كَانَ لَهُ عمل.
قَالَ ط: هَذِه الْمَسْأَلَة لَا مَحل لذكرها هُنَا على أَنَّهَا غير محررة.(7/470)
مطلب: لَا يسْتَوْجب الاجر إِلَّا بطرِيق الْعَمَل وَفِي الاشباه وَعبارَة الْخَانِية: رجل وقف ضَيْعَة على موَالِيه فَمَاتَ الْوَاقِفُ وَجَعَلَ الْقَاضِي الْوَقْفَ فِي يَدِ الْقيم وَجَعَلَ لِلْقَيِّمِ عُشْرَ الْغَلَّاتِ وَفِي الْوَقْفِ طَاحُونَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ بِالْمُقَاطَعَةِ لَا حَاجَةَ فِيهَا
إلَى الْقَيِّمِ وَأَصْحَابُ هَذِهِ الطَّاحُونَةِ يَقْبِضُونَ غَلَّتَهَا لَا يجب للقيم عشر الْغلَّة من هَذِه الطاحونة، لَان الْقيم مَا يَأْخُذ إِلَّا بطرِيق الاجر فَلَا يسْتَوْجب الاجر إِلَّا بطرِيق الْعَمَل اهـ.
وَفِي تَلْخِيص الْكُبْرَى: قَاض نصب قيمًا على غلات مَسْجِد وَجعل لَهُ شَيْئا مَعْلُوما يَأْخُذهُ كل سنة حل لَهُ الْعشْرَة لَو كَانَ أجر مثله اهـ.
وَقدم سَيِّدي الْكَلَام على ذَلِك فِي كتاب الْوَقْف فَرَاجعه.
وَقَالَ فِي فصل: يُرَاعى شَرط الْوَاقِف بعد كَلَام.
ثُمَّ رَأَيْت فِي إجَابَةِ السَّائِلِ: وَمَعْنَى قَوْلِ الْوَلوالجِيَّة بعد أَن جعل الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ عُشْرُ غَلَّةِ الْوَقْفِ: أَيْ الَّتِي هِيَ أَجْرُ مِثْلِهِ، لَا مَا تَوَهَّمَهُ أَرْبَابُ الاغراض الْفَاسِدَة الخ اهـ.
مطلب: للنَّاظِر مَا عينه لَهُ الْوَاقِف وَإِن زَاد على أجر مثله قلت: وَهَذَا فِيمَن لم يشْتَرط لَهُ الْوَاقِفُ شَيْئًا.
وَأَمَّا النَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَلَهُ مَا عَيَّنَهُ لَهُ الْوَاقِفُ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ أَقَلَّ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُكْمِلَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ بِطَلَبِهِ كَمَا بَحَثَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِل اهـ.
وَتَمَامه ثمَّة.
قَوْله: (قلت لَكِن الخ) لَا وَجه لهَذَا الِاسْتِدْرَاك لما علمت من أَن مَا نَقله عَن الاشباه هُوَ قَول لبَعض الشَّافِعِيَّة فَكيف يسْتَدرك عَلَيْهِ بِعِبَارَة الْبَزَّازِيَّة الَّتِي هِيَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة.
قَوْله: (لَا يحل لَهما أَخذ الاجر بِهِ) أَي بِسَبَبِهِ.
قَوْله: (كإنكاح صَغِيرَة) قَالَ فِي الْخُلَاصَة يحل للْقَاضِي أَخذ أُجْرَة على كتبه السجلات وَغَيره بِقدر أُجْرَة الْمثل هُوَ الْمُخْتَار، وَلَا يحل أَخذ شئ على نِكَاح الصغار، وَفِي غَيره يحل، وَلَا يحل أَخذ الاجرة على إجَازَة بيع مَال الْيَتِيم، وَلَو أَخذ لَا ينفذ البيع ط عَن الْحَمَوِيّ.
قَوْله: (وكجواب الْمُفْتِي بالْقَوْل) لَان أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يحل عندنَا، وَأما الْهَدِيَّة لَهُ فقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فِي كتاب الْقَضَاء، فَرَاجعه.
مطلب: للْقَاضِي والمفتي أَخذ أجر مثل الْكِتَابَة إِذا كلفا إِلَيْهَا
قَوْله: (أما بِالْكِتَابَةِ فَيَجُوزُ لَهُمَا عَلَى قَدْرِ كَتْبِهِمَا) لِأَنَّ الْكِتَابَة لَا تلزمهما: أَي لَو كلفا للكتابة فَيجوز لَهما أَخذ أجر مثلهمَا وَلَا يجوز لَهما الزِّيَادَة عَلَيْهِ، وَإِذا كَانَ لَا يجوز لَهما قبُول الْهَدِيَّة وَلَا الدعْوَة الْخَاصَّة لانهما فِي معنى الرِّشْوَة وَهِي من أقبح قبائح الْقُضَاة والمفتين فَكيف يجوز لَهما أَن يَأْخُذ زَائِدا على أجر مثلهمَا: أَي على مِقْدَار مَا يسْتَحق كل مِنْهَا من الاجرة على مثل تِلْكَ الخطوط اللَّهُمَّ
ألهمنا الصَّوَاب وجنبنا الْخَطَأ آمين.
مطلب: لَو سُئِلَ الْمُفْتِي عَمَّا يتعسر أَو يتَعَذَّر جَوَابه بِاللِّسَانِ هَل يجب عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ؟ قَالَ الْعَلامَة الرَّمْلِيّ: وَمِمَّا يتَعَلَّق بذلك مَسْأَلَة سُئِلت عَنْهَا: لَو سُئِلَ الْمُفْتِي عَمَّا لَا يُمكنهُ أَو عَمَّا يعسر عَلَيْهِ جَوَابه بِاللِّسَانِ وَلَا يعسر عَلَيْهِ بِالْكِتَابَةِ، كمسائل المناسخات الَّتِي يدق كسورها جدا وَلَا تثبت فِي حفظ السَّائِل، هَل يفْرض عَلَيْهِ الْكِتَابَة مَعَ تيسرها أَو لَا؟ وَلم أر من صرح بالحكم، لَكِن النّظر الفقهي يَقْتَضِي وُجُوبهَا عَلَيْهِ حَيْثُ تعسر أَو تعذر بِاللِّسَانِ، وَيكون الْجَواب بِالْكِتَابَةِ نَائِبا عَن(7/471)
الْجَواب بِاللِّسَانِ ليخرج عَن عُهْدَة الْوَاجِب عَلَيْهِ من الْجَواب بِاللِّسَانِ، فَيكْتب الْمُفْتِي مَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ أَو يتعسر النُّطْق بِلَا كِتَابَة حَيْثُ تيسرت لَهُ آلَة الْكِتَابَة لاجل الْقيام بِالْوَاجِبِ فَيقْرَأ على السَّائِل فَيخرج من الْعهْدَة.
مطلب: لَيْسَ على الْمُفْتِي دفع الرقعة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يفهم السَّائِل مَا يصعب وَلَا يُؤَاخذ الْمُفْتِي بِسوء حفظ السَّائِل وَلَا يجب عَلَيْهِ دفع الرقعة لَهُ، وَلَا أَن يفهمهُ مَا يشق ويحفظه مَا يصعب عَلَيْهِ، بل كل ذَلِك خَارج عَن التَّكْلِيف، وَلَا يُؤَاخذ الْمُفْتِي بِسوء حفظ السَّائِل وَقلة فهمه.
مطلب: على الْمُفْتِي الْجَواب بِأَيّ طَرِيق كَانَ وَلَو بِالْكِتَابَةِ إِذا تيسرت لَهُ وَالْحَاصِل: أَن على الْمُفْتِي الْجَواب بِأَيّ طَرِيق يتَوَصَّل بِهِ إِلَيْهِ، وكل مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ فَهُوَ فرض.
مطلب: إِذا سُئِلَ الْمُفْتِي عَمَّا يتعسر أَو يتَعَذَّر بِاللِّسَانِ ويتيسر بِالْكِتَابَةِ لَا يجب عَلَيْهِ بذل آلتها وَحَيْثُ كَانَ فِي وسع الْمُفْتِي الْجَواب بِالْكِتَابَةِ لَا بِاللِّسَانِ وَجب عَلَيْهِ الْجَواب بهَا حَيْثُ تيسرت إِلَيْهِ بِلَا مشقة عَلَيْهِ بِأَن أحضرها لَهُ السَّائِل، وَلَا يلْزم الْمُفْتِي بذلها من عِنْده لَهُ، وَمُقْتَضى الْقيَاس وجوب تَحْصِيلهَا على الْمُفْتِي كَمَاء الْوضُوء ليحصل بِهِ مَا هُوَ الْمَفْرُوض عَلَيْهِ، وَهَذَا كُله إِذا تعين عَلَيْهِ الافتاء وَلم يكن فِي الْبَلدة من يقوم مقَامه فِي ذَلِك، والافتاء طَاعَة وَالطَّاعَة بِحَسب الِاسْتِطَاعَة، فَمَا يُرَاعى فِي
غَيره من الطَّاعَات يُرَاعى فِيهِ فرضا ووجوبا واستحبابا وندبا، فَلْيتَأَمَّل فِيهِ اهـ.
وَمثله فِي الْحَوَاشِي الحموية.
مطلب: الاجر مُقَدّر بِقدر الْمَشَقَّة
قَوْله: (وَتَمَامه فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة) قَالَ فِيهِ: والاصح أَنه: أَي الاجر بِقدر الْمَشَقَّة، وَقد تزيد مشقة الْوَثِيقَة فِي أَجنَاس مُخْتَلفَة بِمِائَة على مشقة ألف ألف فِي النُّقُود وَنَحْوهَا.
مطلب: مَا قِيلَ فِي كُلِّ أَلْفٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَا يعول عَلَيْهِ قلت فِي الْعمادِيَّة عَن الْمُلْتَقط: وَمَا قِيلَ فِي كُلِّ أَلْفٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يَلِيق ذَلِك بِفقه أَصْحَابنَا رَحمَه الله تَعَالَى، وَأَيُّ مَشَقَّةٍ لِلْكَاتِبِ فِي كَثْرَةِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا لَهُ أجر مثله بِقدر مشقته وبقدر صَنعته وَعَمله كَمَا يسْتَأْجر الحكاك بِأُجْرَة كَثِيرَة فِي مشقة قَليلَة.
مطلب: يجب الاجر بِقدر العناء والتعب وَفِي شرح التُّمُرْتَاشِيّ عَن النّصاب: يجب بِقدر العناء والتعب، وَهَذَا أشبه بأصول أَصْحَابنَا.
مطلب: الصَّحِيح أَنه يرجع فِي الاجرة إِلَى مِقْدَار طول الْكتاب وقصره الخ وَفِي كتب السجلات: الصَّحِيح أَنه يرجع فِي الاجرة إِلَى مِقْدَار طول الْكتاب وقصره وصعوبته وسهولته اهـ.
قَوْله: (وفيهَا الخ) يُوهم أَن هَذِه الابيات الْمَذْكُورَة من الْوَهْبَانِيَّة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هِيَ(7/472)
من كَلَام ابْن الشّحْنَة كَمَا أفْصح بِهِ بقوله: لكميل: قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: هَل يسْتَحق القَاضِي الاجر أم لَا؟ قَالَ الزَّاهدِيّ فِي شَرحه للقدوري: لَا يسْتَحق الاجر، وَإِنَّمَا يسْتَحقّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ شئ.
مطلب: إِذا تولى القَاضِي قسْمَة التَّرِكَة لَا يسْتَحق الاجر وَإِن لم تكن لَهُ مُؤنَة فِي بَيت المَال وَفِي الْقنية عَن ظهير الدّين المرغيناني وَشرف الائمة الْمَكِّيّ القَاضِي: إِذا تولى قسْمَة التَّرِكَة لَا أجر لَهُ وَإِن لم تكن لَهُ مُؤنَة فِي بَيت المَال.
ثمَّ رقم للمحيط وَشرح بكر خُوَاهَر زَاده وَقَالَ لَهُ: لَا حمرَة إِذا لم تكن لَهُ مُؤنَة فِي بَيت المَال، لَكِن الْمُسْتَحبّ: أَي لَا يَأْخُذ.
قَالَ البديع: مَا أجَاب بِهِ الظهير والشرف
حسن فِي هَذَا الزَّمن لفساد الْقُضَاة، إِذْ لَو أطلق لَهُم لَا يقنعون بِأَجْر الْمثل فَأَحْبَبْت إِلْحَاقه، فَقلت: وَذكر الْبَيْتَيْنِ الاولين ثمَّ ذكر الْبَيْت الاخير بعد كَلَام يتَعَلَّق بالمفتي.
قَوْله: (وَإِن كَانَ قاسما) أَي للتركات مثلا.
قَوْله: (فَالْقَوْل الاول) بوصل همزَة الاول.
قَوْله: (إِذْ لَيْسَ) أَي الْمُفْتِي قَوْله (فِي الْكتب) أَي فِي الْكِتَابَة.
قَوْله: (يحصر) أَي يلْزم وَيجب عَلَيْهِ.
مطلب: لَا بَأْس للمفتي أَن يَأْخُذ شَيْئا من كِتَابه جَوَاب الْفَتْوَى وَفِي ذَلِك الشَّرْح عَن جلال الدّين أبي المحامد قَالُوا: لَا بَأْس للمفتي أَن يَأْخُذ شَيْئا من كِتَابه جَوَاب الْفَتْوَى.
مطلب: الْوَاجِب على الْمُفْتِي الْجَواب بِاللِّسَانِ لَا بالبنان وَذَلِكَ لَان الْجَواب على الْمُفْتِي الْجَواب اللِّسَان دون الْكِتَابَة بالبنان، وَمَعَ هَذَا الْكَفّ عَن ذَلِك أولى.
قَوْله: (على قدره) أَي قدر الْخط: أَي والعناء، وَقد سبق مَا فِيهِ من أَن الْكَفِّ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْقِيلِ وَالْقَالِ، وَصِيَانَةً لماء الْوَجْه عَن الابتذال اهـ.
وَالله تَعَالَى أعلم، وَأَسْتَغْفِر الله الْعَظِيم.(7/473)
كتاب الشَّهَادَات
جمعهَا وَإِن كَانَت فِي الاصل مصدرا بِاعْتِبَار أَنْوَاعهَا فَإِنَّهَا تكون فِي حد الزِّنَا وَغَيره.
قَوْله: (أَخّرهَا عَن الْقَضَاء) وَإِن كَانَ الْمُتَبَادر تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ، لَان الْقَضَاء مَوْقُوف عَلَيْهَا إِذا كَانَ ثُبُوت الْحق بهَا.
وَفِي الْحَمَوِيّ: أَخّرهَا لَان القَاضِي يحْتَاج إِلَيْهَا عِنْد الانكار فَكَانَ ذَلِك من تَتِمَّة حكمه، ولان الشَّهَادَة إِنَّمَا تقبل فِي مجْلِس الْقَضَاء وَلَا تكون ملزمة بِدُونِ الْقَضَاء اهـ.
قَوْله: (هِيَ لُغَة) الضَّمِير عَائِد للشَّهَادَة المفهومة من الشَّهَادَات.
قَوْله: (خبر قَاطع) تَقول مِنْهُ شهد الرجل على كَذَا، وَرُبمَا قَالُوا: شهد الرجل بِسُكُون الْهَاء للتَّخْفِيف، وَقَوْلهمْ: أشهد بِكَذَا: أَي أَحْلف، والمشاهدة: المعاينة، وشهده شُهُودًا: أَي حَضَره، وَقوم شُهُود: أَي حُضُور.
وَهُوَ فِي الاصل مصدر.
وَشهد أَيْضا مثل رَاكِع وَركع، وَشهد لَهُ بِكَذَا شَهَادَة: أَي أدّى مَا عِنْده فَهُوَ شَاهد، وَالْجمع شهد كصاحب وَصَحب وسافر وسفر، وَبَعْضهمْ يُنكره، وَجمع الشهد شُهُود وأشهاد، والشهيد: الشَّاهِد وَالْجمع الشُّهَدَاء.
قَوْله: (أَخْبَار صدق)
فالاخبار كالجنس، قَوْله: صدق: يخرج الاخبار الكاذبة: وَصدق الْخَبَر: مطابقته للْوَاقِع.
قَوْله: لاثبات حق يخرج قَول الْقَائِل فِي مجْلِس الْقَضَاء أشهد بِكَذَا لبَعض العرفيات.
قَالَ فِي الْبَحْر: هِيَ أَخْبَار عَن مُشَاهدَة وعيان لَا عَن تخمين وحسبان: أَي الشَّهَادَة شرعا، وَصرح الشَّارِح بِأَن هَذَا مَعْنَاهَا اللّغَوِيّ وَهُوَ خلاف الظَّاهِر، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ أَيْضا كَمَا أَفَادَهُ فِي إِيضَاح الاصلاح.
والمشاهدة: المعاينة كَمَا تقدم.
والعيان: المعاينة.
والتخمين: الحدس، وَهُوَ الظَّن، والحسبان بِالْكَسْرِ: الظَّن.
وَأورد على هَذَا التَّعْرِيف الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهَا لم تكن مُشَاهدَة.
وَأجَاب فِي الايضاح بِأَن جَوَازهَا إِنَّمَا هُوَ الِاسْتِحْسَان، والتعريفات الشَّرْعِيَّة إِنَّمَا تكون على وفْق الْقيَاس ولكونها أَخْبَارًا عَن مُعَاينَة.
قَالَ فِي الْخَانِية: إِذا قرئَ عَلَيْهِ صك وَلم يفهم مَا فِيهِ لَا يجوز لَهُ أَن يشْهد بِمَا فِيهِ.
مطلب: لَا تحل الشَّهَادَة بِسَمَاع صَوت الْمَرْأَة من غير رُؤْيَة شخصها وَإِن عرف بهَا اثْنَان وَفِي الْمُلْتَقَطِ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَرَ شَخْصَهَا فَشَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَى شَخْصَهَا وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ حل لَهُ أَن يشْهد عَلَيْهَا اهـ: أَي وَيصِح التَّعْرِيف وَلَو من زَوجهَا وَابْنهَا وَمِمَّنْ لَا يَصح شَاهدا لَهَا، سَوَاء كَانَت الشَّهَادَة لَهَا أَو عَلَيْهَا كَمَا فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد.
قَوْله: (مجَاز) من حَيْثُ المشابهة الصورية: أَي مجَاز مُرْسل وعلاقته الضدية لَان الزُّور إِخْبَار بكذب.
قَوْله: (كإطلاق الْيَمين على الْغمُوس) فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْيَمِينِ عَقْدٌ يَتَقَوَّى بِهِ عَزْمُ الْحَالِفِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
وَالْغَمُوسُ: الْحَلِفُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمْدًا.
قَوْلُهُ: (بِلَفْظ الشَّهَادَة) فَلَا يُجزئ التَّعْبِير بِالْعلمِ وَلَا بالبقين فَيتَعَيَّن لَفظهَا كَمَا يَأْتِي.
قَوْله: (فِي مجْلِس القَاضِي) خرج بِهِ إخْبَاره فِي غير مَجْلِسه فَلَا يعْتَبر، وَإِنَّمَا قيد بِالْقَاضِي وَإِن كَانَ الْمُحكم كَذَلِك لَان الْمُحكم لَا يتَقَيَّد(7/474)
حكمه بِمَجْلِس بل كل مجْلِس حكم فِيهِ كَانَ مجْلِس حكمه.
حموي: أَي بِخِلَاف القَاضِي فَإِنَّهُ يتَقَيَّد بِمَجْلِس حكمه الْمعِين من الامام وبمحل ولَايَته ط.
قَوْله: (كَمَا فِي عتق الامة) وَطَلَاق الزَّوْجَة فَلَيْسَتْ
الدَّعْوَى شَرط صِحَّتهَا مُطلقًا بل كل شَهَادَة حسبَة كَذَلِك.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلم يَقُولُوا بعد دَعْوَى لتخلفها عَنْهَا فِي عتق الامة وَطَلَاق الزَّوْجَة فَلم تكن الدَّعْوَى شرطا لصحتها مُطلقًا، وَقَول بَعضهم: إِنَّهَا إِخْبَار بِحَق الْغَيْر على الْغَيْر، بِخِلَاف الاقرار فَإِنَّهُ إِخْبَار بِحَق على نَفسه للْغَيْر، وَالدَّعْوَى فَإِنَّهَا إِخْبَار بِحَق لنَفسِهِ على الْغَيْر غير صَحِيح لعدم شُمُوله لما إِذا أخبر بِمَا يُوجب الْفرْقَة من قبلهَا قبل الدُّخُول فَإِنَّهُ شَهَادَة وَلم يُوجد فِيهَا ذَلِك الْمَعْنى كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي إِيضَاح الاصلاح، وَكَأَنَّهُ لاحظ أَنه لم يخبر بِحَق للْغَيْر لَان ذَلِك مُوجب لسُقُوط الْمهْر (1) .
وَجَوَابه: أَن سُقُوطه عَن الزَّوْج عَائِدًا إِلَى أَنه لَهُ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ بالابراء عَن الدّين فَإِنَّهُ إِخْبَار بِحَق للمديون وَهُوَ السُّقُوط عَنهُ، فَكَذَا هُنَا.
وَجعل الاخبار أَرْبَعَة، وَالرَّابِع إِنْكَار، وَعَزاهُ إِلَى شرح الطَّحَاوِيّ اهـ.
قَوْله: (طلب ذِي الْحق) يَشْمَل الْحق تَعَالَى فِي شَهَادَة الْحِسْبَة فَإِنَّهُ مطَالب فِيهَا بالاداء شرعا والآدميين فِي حُقُوقهم، فَيحرم كتمانها لقَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه) * (الْبَقَرَة: 382) فَهُوَ نهي عَن الكتمان فَيكون أمرا بضده حَيْثُ كَانَ لَهُ ضد وَاحِد، وَهُوَ آكِد من الامر بأدائها، وَلذَا أسْند الاثم إِلَى رَئِيس الاعضاء وَهُوَ الْآلَة الَّتِي وَقع بهَا أَدَاؤُهَا لما عرف أَن إِسْنَاد الْفِعْل إِلَى مَحَله أقوى من الاسناد إِلَى كُله.
وَاسْتدلَّ فِي الْهِدَايَة بِهَذِهِ الْآيَة على فرضيتها مَعَ احْتِمَال أَن يُرَاد نهي المدينين عَن كتمانها كَمَا احْتمل أَن يُرَاد نهي الشُّهُود.
قَالَ القَاضِي: * (وَلَا تكتموا الشَّهَادَة) * (الْبَقَرَة: 382) أَيهَا الشُّهُود أَو المدينون، وَالشَّهَادَة شَهَادَتهم على أنفسهم، فعلى الثَّانِي المُرَاد النَّهْي عَن كتمان الاقرار بِالدّينِ، فالاولى الِاسْتِدْلَال على فرضيتها بالاجماع، وَاحْتمل أَن الضَّمِير فِي قَول الْمُؤلف تلْزم عَائِد إِلَى الشَّهَادَة بِمَعْنى تحملهَا لَا بِمَعْنى أَدَائِهَا، فَإِن تحملهَا عِنْد الطّلب والتعين فرض (2) وَأما عِنْد عدم التعين فَفرض كِفَايَة كَمَا فِي الْبَحْر.
قَوْله: (بِأَن لم يعلم بهَا ذُو الْحق) أَي بِشَهَادَتِهِ.
قَوْله: (وَخَافَ) أَي الشَّاهِد، فَلَا يجب عَلَيْهِ الشَّهَادَة بِلَا طلب فِي حق آدَمِيّ إِلَّا إِذا لم يعلم بِشَهَادَتِهِ ذُو الْحق وَخَافَ الشَّاهِد إِن لم يشْهد ضَاعَ حق الْمُدَّعِي فَيجب عَلَيْهِ حِينَئِذٍ إعْلَامُ الْمُدَّعِي بِمَا يَشْهَدُ، فَإِنْ طَلَبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِلَّا لَا، إذْ يَحْتَمِلُ أَنه ترك حَقه كَمَا أَفَادَهُ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي.
قَوْله: (شَرَائِط مَكَانهَا وَاحِد وَهُوَ مجْلِس الْقَضَاء) وَهُوَ من شُرُوط الاداء كَمَا فِي الْبَحْر.
والاولى أَن يَقُول شَرط مَكَانهَا وَلَعَلَّه إِنَّمَا جمعه مَعَ أَنه وَاحِد وَهُوَ مجْلِس القَاضِي للازدواج،
أَي التناسب بقوله: وشرائط التَّحَمُّل.
قَوْله: (الْعقل الْكَامِل) المُرَاد مَا يَشْمَل التَّمْيِيز بدذليل مَا سَيَأْتِي فِي الْبَاب الْآتِي، فَلَا يَصح تحملهَا من مَجْنُون وَصبي لَا يعقل.
قَوْله: (وَقت التَّحَمُّل) قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: لَا
__________
(1) قَالَ الْمَقْدِسِي: وَمَا أورد من الشَّهَادَة على إممرأة بِمَا يُوجب فرقة قبل الدُّخُول وَلَيْسَ لاثبات حق فَجَوَابه أَن سُقُوط الْمهْر من الزَّوْج حق لَهُ كَشَهَادَة بإيراء من دين يثبت بِهِ حق الْمَدْيُون: أَي سُقُوطه عَنهُ انْتهى.
(2)
قَوْله: (فرض) كَذَا بالاصل، وَلَعَلَّه فرض عين بِدَلِيل مُقَابلَة اهـ.
مصححة.(7/475)
حَاجَة إِلَيْهِ.
قَوْله: (وَالْبَصَر) فَلَا يَصح تحملهَا من أعمى.
وَلَا يشْتَرط للتحمل الْبلُوغ وَالْحريَّة والاسلام وَالْعَدَالَة، حَتَّى لَو كَانَ وَقت التَّحَمُّل صَبيا عَاقِلا أَو عبدا أَو كَافِرًا أَو فَاسِقًا ثمَّ بلغ الصَّبِي وَعتق العَبْد وَأسلم الْكَافِر وَتَابَ الْفَاسِق فَشَهِدُوا عِنْد القَاضِي تقبل.
بَحر.
أَقُول: وَلَا يُنَافِيهِ مَا نَقله بعد عَن الْخَانِيَّةِ: صَبِيٌّ احْتَلَمَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ مَا لم أسأَل عَنهُ، وَلَا بُد أَن يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أهل مَسْجده ومحلته أَنه صَالح أَو غَيره اهـ.
فَإِن ذَلِك للتزكية فَقَط لَا لرد شَهَادَته.
تَأمل.
قَوْله: (ومعاينة الْمَشْهُود بِهِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: شهد أَن فلَانا ترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا وَلم يدركا الْمَيِّت فشهادتهما بَاطِلَة لانهما شَهدا بِملك لم يعاينا سَببه، وسيصرح بهَا الشَّارِح فِي شَهَادَة الارث.
قَوْله: (إِلَّا فِيمَا يثبت بِالتَّسَامُعِ) كَالشَّهَادَةِ بِالْمَوْتِ وَالنّسب وَالنِّكَاح وَالْوَقْت كَمَا يَأْتِي.
قَوْلُهُ: (عَشَرَةٌ عَامَّةٌ) أَيْ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ، أَمَّا الْعَامَّةُ فَهِيَ الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَالنُّطْقُ وَالْعَدَالَةُ، لَكِنْ هِيَ شَرْطُ وُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَاضِي لَا شَرْطُ جَوَازِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، وَأَنْ لَا يَجُرَّ الشَّاهِدُ إلَى نَفْسِهِ مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ وَعَكْسُهُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ ذَاكِرًا لَهُ، وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ عَلَى خَطِّهِ، خلافًا لَهما فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: إِذا لم يكن للشَّاهِد شُبْهَة فِي الْخط يشْهد وَإِن كَانَ فِي يَد الْخصم، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى.
اخْتِيَار.
وَأما مَا يخص بَعْضهَا دون بعض: فَالْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا، وَالذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمُوَافَقَتُهَا لِلدَّعْوَى، فَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ
إلَّا إذَا وَفَّقَ الْمُدَّعِي عِنْدَ إمْكَانِهِ وَقِيَامُ الرَّائِحَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ لَا لِبُعْدِ مَسَافَةٍ (1) ، وَالْأَصَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَتَعَذُّرِ حُضُورِ الْأَصْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.
كَذَا فِي الْبَحْرِ.
لَكِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ شَرَائِطَ الشَّهَادَةِ نَوْعَانِ: مَا هُوَ شَرْطُ تَحَمُّلِهَا، وَمَا هُوَ شَرْطُ أَدَائِهَا.
فَالْأَوَّلُ ثَلَاثَةٌ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ، وَالثَّانِي أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مَا يرجع إِلَى الشَّاهِد، وَمَا يرجع للشَّهَادَة، وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ.
وَذَكَرَ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى الشَّاهِدِ السَّبْعَةَ عَشَرَ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ: لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَالْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ بِمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، وَاتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا وَاحِدٌ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ عُلِمَ مِنْ السَّبْعَةِ الْخَاصَّةِ.
ثُمَّ قَالَ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ، فَشَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرَائِطُ الاداء سَبْعَة عشر: مِنْهَا عشر شَرَائِط عَامَّة، وَمِنْهَا سبع شَرَائِطَ خَاصَّةٌ.
وَشَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرَائِطُ مَكَانهَا وَاحِد اهـ.
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ شَرَائِطَ الْأَدَاءِ نَوْعَانِ لَا أَرْبَعَةٌ كَمَا ذَكَرَ أَوَّلًا.
وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ: ثَلَاثَةٌ مِنْهَا شَرَائِطُ التَّحَمُّلِ، وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَرَائِطُ الْأَدَاءِ مِنْهَا سَبْعَةَ عَشَرَ: شَرَائِطُ الشَّاهِدِ وَهِيَ عَشَرَةٌ عَامَّةٌ وَسَبْعَةٌ خَاصَّةٌ، وَمِنْهَا ثَلَاث شَرَائِط لنَفس الشَّهَادَة، وَمِنْهَا وَاحِد شَرط
__________
(1)
قَوْله: (وَلم يكن سَكرَان لَا لبعد مَسَافَة) هَكَذَا بالاصل وليتأمل اه.
مصححه.(7/476)
مَكَانِهَا، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الشَّارِح أَيْضا.
قَوْله: (مِنْهَا) أَي الْعَامَّة الضَّبْط: أَي ضبط الشَّاهِد الْمَشْهُود عَلَيْهِ، بِأَن يكون غَيْرك، وَأَن يكون ذَاكِرًا.
قَوْله: (وَالْولَايَة) أَي تكون ولَايَة للشَّاهِد على الْمَشْهُود عَلَيْهِ، بِأَن يكون من أهل دينه أَو مِمَّن دينه حق حرا بَالغا، فَلِذَا فرع عَلَيْهِ بقوله فَيشْتَرط الاسلام الخ.
قَوْله: (لَو الْمُدعى عَلَيْهِ مُسلما) أما لَو كَانَ كَافِرًا فَتقبل شَهَادَة الْمُسلم وَالْكَافِر عَلَيْهِ.
قَوْله: (وَالْقُدْرَة على التَّمْيِيز) الاولى حذف الْقُدْرَة لَان الشَّرْط التَّمْيِيز بِالْفِعْلِ.
قَوْله: (بِالسَّمْعِ) هَذَا زَائِد على الشُّرُوط الْمَذْكُورَة.
قَوْله: (وَمن الشَّرَائِط) أَي الْمُتَقَدّمَة: أَي الْعَامَّة.
قَوْله: (عدم قرَابَة ولاد) فَلَا تقبل شَهَادَة الاصل لفرعه كَعَكْسِهِ.
قَوْله: (عدم قرَابَة ولاد) فَلَا تقبل شَهَادَة الاصل لفرعه كَعَكْسِهِ.
قَوْله: (أَو زوجية) أَي: وَعدم الزَّوْجِيَّة فَلَا تقبل شَهَادَة أحد
الزَّوْجَيْنِ للْآخر.
قَوْله: (أَو عَدَاوَة دنيوية) أَي وَعدم عَدَاوَة دنيوية، أما الدِّينِيَّة فَلَا تمنع الشَّهَادَة.
قَوْله: (لفظ أشهد) بِلَفْظ الْمُضَارع، فَلَوْ قَالَ شَهِدْتُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْمَاضِيَ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ عَمَّا وَقَعَ فَيَكُونُ غَيْرَ مُخْبِرٍ فِي الْحَال س.
قَوْله: (لَا غير) أَي لَا غَيره من الالفاظ كأعلم وأتحقق وأتيقن.
قَوْله: (لتَضَمّنه) أَي بِاعْتِبَار الِاشْتِقَاق معنى مُشَاهدَة وَهِي الِاطِّلَاع على الشئ عيَانًا.
سَيِّدي.
قَالَ ط: دخل فِي ذَلِك الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهَا عَن مُشَاهدَة حكما أَو أَنَّهَا خَارِجَة عَن الْقيَاس اه.
وَقدمنَا بَيَانه كَافِيا.
قَوْلُهُ: (وَقَسَمٍ) لِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ نَحْوَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا: أَيْ أقسم، وَقد مر فِي الايمان.
قَوْله: (وإخبار للْحَال) بِخِلَاف لفظ الْمَاضِي فَإِنَّهُ مَوْضُوع للاخبار عَمَّا وَقع كَمَا قدمنَا.
قَوْله: (فَكَأَنَّهُ يَقُول أقسم بِاللَّه) هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله وَقسم.
قَوْله: (لقد اطَّلَعت على ذَلِك) هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله لتَضَمّنه معنى مُشَاهدَة.
قَوْله: (وَأَنا أخبر بِهِ) هَذَا رَاجع إِلَى قَوْله وإخبار للْحَال.
وَالْحَاصِل أَن فِي كَلَامه نشرا على غير تَرْتِيب اللف قَوْله (فَتعين) فَلِذَا اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا وَاتِّبَاعًا لِلْمَأْثُورِ، وَلَا يَخْلُو عَن معنى التَّعَبُّد إِذْ لم ينْقل غَيره بَحر.
قَوْله: (حَتَّى لَوْ زَادَ فِيمَا أَعْلَمُ بَطَلَ لِلشَّكِّ) لانه يشْتَرط أَن لَا يَأْتِي بِمَا يدل على الشَّك بعد، فَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا فِيمَا أَعْلَمُ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ قَالَ فِي ظَنِّي، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا قَدْ عَلِمْتُ، وَلَو ال لَا حَقَّ لِي قِبَلَ فُلَانٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ، وَلَوْ قَالَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ فِيمَا أَعْلَمُ لَا يكون تعديلا، بَحر.
فرع: قَالَ الْمَقْدِسِي: وَلَا بُد من علمه بِمَا يشْهد بِهِ.
وَفِي النَّوَازِل: شهد أَن الْمُتَوفَّى أَخذ من هَذَا الْمُدعى منديلا فِيهِ درام وَلم يعلمَا كم وَزنهَا تجوز شَهَادَتهمَا.
وَله لَهما أَن يشهدَا بالمقدار؟ وَقَالَ: إِن كَانُوا وقفُوا على تِلْكَ الصرة وفهموا أَنَّهَا دَرَاهِم وحرروا فِيمَا يَقع عَلَيْهِ يقينهم من مقدارها شهدُوا بذلك.
وَيَنْبَغِي أَن يعتبرا جودتها فقد تكون ستوقة، فَإِذا فعلوا ذَلِك جَازَت شَهَادَتهم اه.
وَفِي خزانَة الاكمل: بِيَدِهِ درهما كَبِير وصغير فَأقر بِأَحَدِهِمَا لرجل فشهدا أَنه أقرّ بِأَحَدِهِمَا وَلَا(7/477)
يدْرِي بِأَيِّهِمَا أقرّ يُؤمر بِتَسْلِيم الصَّغِير اه.
قَوْله: (وَحكمهَا) أَي صفتهَا لما تقدم فِي أول كتاب الْقَضَاء
أَن من مَعَاني الحكم الاثر الثَّابِت بِالْخِطَابِ كالوجوب وَالْحُرْمَة فَيكون الْمَعْنى هُنَا وصفتها.
قَوْله: (وجوب الحكم) أَي الْقَضَاء.
قَوْله: (بموجبها) بِفَتْح الْجِيم: أَي بِمَا تعلق بهَا، إِذْ الْمُوجب عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فِي ظن القَاضِي، فَالَّذِي أضيف إِلَيْهِ الْمُوجب الشَّهَادَة، وَالْمعْنَى الْمُتَعَلّق بهَا إِلْزَام الْخصم بالمشهود بِهِ.
قَوْله: (بعد التَّزْكِيَة) اشْتِرَاط التَّزْكِيَة قَوْلهمَا، وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ.
ط عَن الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
قَوْله: (افتراضه) أَي الْقَضَاء.
قَوْله: (إِلَّا فِي ثَلَاث قدمناها) أَي قبيل بَاب التَّحْكِيم، وَهِي رَجَاء الصُّلْح بَين الاقارب، وَإِذا استمهل الْمُدَّعِي وَخَوف رِيبَة عِنْد القَاضِي.
قَوْله: (بعد وجود شرائطها) أَي الْمُتَقَدّمَة.
قَوْلُهُ: (إنْ لَمْ يَرَ الْوُجُوبَ) نَقَلَهُ فِي أَوَّلِ قَضَاءِ الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِبَاكِيرٍ.
قَوْله: (ابْن ملك) فِي شرح الْمجمع فِي مَبْحَث الْقَضَاء بِشَهَادَة الزُّور.
قَوْله: (وَأطلق الكافيجي كفره) فِي سَأَلته (سَيْفُ الْقُضَاةِ عَلَى الْبُغَاةِ) حَيْثُ قَالَ: حَتَّى لَوْ أَخَّرَ الْحُكْمَ بِلَا عُذْرٍ عَمْدًا قَالُوا إِنَّه يكفر.
كَذَا فِي الْمنح.
قَوْله: (واستهظر المُصَنّف الاول) لما تقدم فِي بَاب الرِّدَّة من الِاعْتِمَاد على عدم تَكْفِير الْمُسلم وَلَو بالرواية الضعيفة.
قَوْله: (وَيجب أَدَاؤُهَا) أَي عينا.
قَوْله: (بِالطَّلَبِ) أَي طلب الْمُدَّعِي.
قَوْله: (وَلَو حكما كَمَا مر) أَي من أَنه لَو خَافَ فَوت الْحق والطالب لَا يعلم بهَا لزمَه أَن يشْهد بِلَا طلب.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَإِنَّمَا قُلْنَا أَو حكما ليدْخل من عِنْده شَهَادَة لَا يعلم بهَا صَاحب الْحق وَخَافَ فَوت الْحق فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يشْهد بِلَا طلب كَمَا فِي فتح الْقَدِير لكَونه طَالبا لادائه حكما اه.
لَكِن نَظَرَ فِيهِ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا إعْلَامُ الْمُدَّعِي بِمَا يَشْهَدُ، فَإِنْ طَلَبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِلَّا لَا، إذْ يَحْتَمِلُ أَنه ترك حَقه كَمَا قدمنَا.
قَوْله: (بِشُرُوط سَبْعَة) ذكر مِنْهَا خَمْسَة، مِنْهَا أَن يتَعَيَّن عَلَيْهِ الاداء وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله إِن لم يُوجد بدله، فَإِن لم يتَعَيَّن بِأَن كَانُوا جمَاعَة فَأدى غَيره مِمَّن تقبل شَهَادَته فَقبلت لم يَأْثَم، بِخِلَاف مَا إِذا أدعى غَيره فَلم يقبل، فَإِن من لم يؤد مِمَّن يقبل يَأْثَم بامتناعه.
السَّادِس: أَن لَا يُخبرهُ عَدْلَانِ بِبُطْلَان الْمَشْهُود بِهِ، فَلَو شهد عَن الشَّاهِد عَدْلَانِ أَن الْمُدَّعِي قبض دينه أَو أَن الزَّوْج طَلقهَا ثَلَاثًا أَو أَن المُشْتَرِي أعتق العَبْد أَو أَن الْوَلِيّ عَفا عَن الْقَاتِل لَا يَسعهُ أَن يشْهد بِالدّينِ وَالنِّكَاح وَالْبيع وَالْقَتْل، وَإِن لم يكن الْمخبر عدلا فَالْخِيَار للشُّهُود، إِن شاؤوا شهدُوا بِالدّينِ مثلا وأخبروا القَاضِي بِخَبَر المخبرين، وَإِن شاؤوا امْتَنعُوا عَن الشَّهَادَة، وَإِن كَانَ الْمخبر عدلا وَاحِدًا لَا يَسعهُ
ترك الشَّهَادَة، وَكَذَا لَو عاينا وَاحِدًا يتَصَرَّف فِي شئ تصرف الْملاك وَشهد عَدْلَانِ عِنْدهمَا أَن هَذَا الشئ لفُلَان آخر لَا يَشْهَدَانِ أَنه للمتصرف، بِخِلَاف أَخْبَار الْعدْل الْوَاحِد.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة فِي الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ: إِذْ شهد عنْدك عَدْلَانِ بِخِلَاف مَا سمعته مِمَّن وَقع فِي قَلْبك صدقه لم يسعك الشَّهَادَة، إِلَّا إِذا علمت يَقِينا أَنَّهُمَا كاذبان، وَإِن شهد عنْدك عدل لَك أَن تشهد بِمَا سَمِعت، إِلَّا أَن يَقع فِي قَلْبك صدقه، وَيَنْبَغِي ذَلِك جَمِيعه فِي كل شَهَادَة اه بِالْمَعْنَى.
السَّابِع: أَن لَا يقف الشَّاهِد على أَن الْمقر أقرّ خوفًا، فَإِن علم بذلك لَا يشْهد، فَإِن قَالَ الْمقر(7/478)
أَقرَرت خوفًا وَكَانَ الْمقر لَهُ سُلْطَانا وَكَانَ الْمقر فِي يَد عون من أعوان السُّلْطَان وَلم يعلم الشَّاهِد بخوفه شهد عِنْد القَاضِي وَأخْبرهُ أَنه كَانَ فِي يَد عون من أعوان السُّلْطَان اه ط.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد معزيا للجوهرة: وَكَذَا إِذا خَافَ الشَّاهِد على نَفسه من سُلْطَان جَائِر أَو غَيره أَو لم يتَذَكَّر الشَّهَادَة على وَجههَا وَسعه الِامْتِنَاع اه.
مطلب: للشَّاهِد أَن يمْتَنع من أَدَائِهَا عِنْد غير الْعدْل
قَوْله: (مِنْهَا عَدَالَة قَاض) فَلهُ أَن يمْتَنع من الاداء عِنْد غير الْمعدل، لانه رُبمَا لَا يقبل ويجرح، وَلَو غلب على ظَنّه أَنه يقبله لشهرته مثلا يَنْبَغِي أَن يتَعَيَّن عَلَيْهِ الاداء، وَكَذَا الْمعدل لَو سُئِلَ عَن الشَّاهِد فَأخْبر بِأَنَّهُ غير عدل لَا يجب عَلَيْهِ أَن يعدله عِنْده.
بَحر.
مطلب: إِذا كَانَ مَوضِع القَاضِي بَعيدا من مَوضِع الشَّاهِد بِحَيْثُ لَا يَغْدُو وَيرجع فِي يومم لَا يَأْثَم بِعَدَمِ الاداء
قَوْله: (وَقرب مَكَانَهُ) أَي أَن يكون مَوضِع الشَّاهِد قَرِيبا من مَوضِع القَاضِي، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ.
قَالُوا: لَا يَأْثَمُ لانه يلْحقهُ الضَّرَر بذلك.
وَقَالَ تَعَالَى: * (وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) * (الْبَقَرَة: 282) .
قَوْله: (وَعلمه بقبوله) فَلَو علم أَنه لَا يقبلهَا لَا يلْزمه.
بَحر.
قَالَ الْحَمَوِيّ: فَلَا شكّ ينظر حكمه.
قَوْله: (أَو بِكَوْنِهِ أسْرع قبولا) أَي فَيجب الاداء وَإِن كَانَ هُنَاكَ من تقبل شَهَادَته.
فتح.
وَفِيه تَأمل.
مقدسي.
وَكَأَنَّهُ لعدم
ظُهُور وَجه الوجوبه حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ من يقوم بِهِ الْحق، ط عَن الْحَمَوِيّ.
أَقُول: لكنه بَحثه فِي مُقَابلَة الْمَنْقُول، فقد ذكر الْمَسْأَلَة فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة عَن الْخَانِية.
قَوْله: (إنْ لَمْ يُوجَدْ بَدَلُهُ) أَيْ بَدَلُ الشَّاهِدِ، وَهَذَا هُوَ خَامِس الشُّرُوط.
وَأما الِاثْنَان الباقيان تَتِمَّة السَّبْعَة فقد قدمناهما آنِفا، وهما: أَنْ لَا يَعْلَمَ بُطْلَانَ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَأَنْ لَا يعلم أَن الْمقر أقرّ خوفًا الخ.
وأل فِي الشَّاهِد للْجِنْس فَيصدق بِالْوَاحِدِ والمتعدد.
مطلب: لَو لزم الشَّاهِد الاداء وَلم يؤد ثمَّ أدّى الشَّهَادَة وَلَو لزم الشَّاهِد الاداء بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة فَلم يؤد بِلَا عذر ظَاهر ثمَّ أدّى، قَالَ شيخ الاسلام: لَا تقبل لتمكن الشُّبْهَة، فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن تَأْخِيره كَانَ لاستجلاب الاجرة.
قَالَ الْكَمَال: وَالْوَجْه الْقبُول، وَيحمل على الْعذر من نِسْيَان ثمَّ تذكر أَو غَيره اه.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَعِنْدِي أَن الْوَجْه مَا قَالَه شيخ الاسلام، لَا سِيمَا وَقد فسد الزَّمَان وَعلم من حَال الشُّهُود التَّوَقُّف بِمُقْتَضى الْقُوَّة، وَهَذَا مُطلق عَن مسَائِل الْفروج، وَالظَّاهِر أَن هَذَا مطرد فِي كل حِرْفَة لَا يتَوَجَّه فِيهَا تَأْوِيل اه.
قَوْله: (لانها فرض كِفَايَة) أَي إِذا قَامَ بهَا الْبَعْض الْكَافِي سقط عَن البَاقِينَ.
قَوْله: (تَتَعَيَّنُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا شَاهِدَانِ لِتَحَمُّلٍ أَو أَدَاء) قَالَ الامام الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا) * (الْبَقَرَة: 282) إِنَّه عَام فِي التَّحَمُّل والاداء، لَكِن فِي التَّحَمُّل على الْمُتَعَاقدين الْحُضُور إِلَيْهِمَا للاشهاد، وَلَا يلْزم الشَّاهِدين الْحُضُور إِلَيْهِمَا، وَفِي الاداء(7/479)
يلْزمهُمَا الْحُضُور إِلَى القَاضِي، لَا أَن القَاضِي يَأْتِي إِلَيْهِمَا ليؤديا.
وَيسْتَحب الاشهاد فِي الْعُقُود إِلَّا فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ يجب عندنَا، وَكَذَا فِي الرّجْعَة عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي الْمُلْتَقط: الاشهاد على المداينة والبيوع فرض.
كَذَا رَوَاهُ نصير.
وَذكر الامام الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن أَن الاشهاد على المبايعات والمداينات مَنْدُوب، إِلَّا النزر الْيَسِير كالخبز وَالْمَاء والبقل، وَأطْلقهُ جمَاعه من السّلف حَتَّى فِي البقل اه.
قَالَ فِي التاترخانية عَن الْمُحِيط: وَذكر فِي فَتَاوَى أهل سَمَرْقَنْد أَن الاشهاد على المداينة وَالْبيع فرض على الْعباد، إِلَّا إِذا كَانَ شَيْئا حَقِيرًا لَا يخَاف عَلَيْهِ
التّلف، وَبَعض الْمَشَايِخ على أَن الاشهاد مَنْدُوب وَلَيْسَ بِفَرْض اه.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: لَا بَأْس للرجل أَن يتحرز عَن تحمل الشَّهَادَة، وَلَو طلب مِنْهُ أَن يكْتب شَهَادَته أَو يشْهد على عقد أَو طلب مِنْهُ الاداء: إِن كَانَ يجد غَيره فَلهُ الِامْتِنَاع، وَإِلَّا فَلَا انْتهى.
وَحِينَئِذٍ فالتحمل فِي الْآيَة الْكَرِيمَة مَحْمُول على مَا إِذا لم يُوجد غَيره، وَإِلَّا فالاولى الِامْتِنَاع كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: (وَكَذَا الْكَاتِب إِذا تعين) صرح الامام الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن بِأَن عَلَيْهِمَا الْكِتَابَة إِذا لم يُوجد غَيرهمَا إِذا كَانَ الْحق مُؤَجّلا، وَإِلَّا فَلَا اه.
بَحر.
قَوْله: (لَكِن لَهُ أَخذ الاجرة لَا للشَّاهِد) فِي الْمُجْتَبَيْ عَنْ الْفَضْلِيِّ: تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَأَدَائِهَا وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ، وَعَلَى هَذَا الْكَاتِب، إِلَّا أَنه يجوز أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، وَكَذَا مَنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ.
وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ اه.
شَلَبِيٌّ.
اهـ ط.
لَكِن ينظر مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ كُلُّ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي وَالْمُفْتِي لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَخْذُ الْأَجْرِ بِهِ، وَلَيْسَ خَاصًّا بِهِمَا بِدَلِيلِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ غَاسِلَ الْأَمْوَاتِ إذَا تعين لَا يحل لَهُ أَخذ الاجر.
تَأمل.
أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: (حَتَّى لَو أركبه بِلَا عذر) بِأَن كَانَ يقدر على الْمَشْي أَو مَال يسْتَأْجر بِهِ دَابَّة وأركبه من عِنْده.
قَوْله: (وَبِه) أَي بالعذر، بِأَن كَانَ شَيخا لَا يقدر على الْمَشْي وَلَا يجد مَا يسْتَأْجر بِهِ دَابَّة، وَهَذَا التَّفْصِيل لصَاحب النَّوَازِل ط.
قَوْله: (لحَدِيث أكْرمُوا الشُّهُود) تَمَامه فَإِن الله تَعَالَى يسْتَخْرج بهم الْحُقُوق وَيدْفَع بهم الظُّلم رَوَاهُ الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: (وَجوز الثَّانِي الاكل مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ أَوْ لَا، وَمنعه مُحَمَّد مُطلقًا، وَبَعْضهمْ فصل.
قَالَ فِي الْبَحْر: الشُّهُود فِي الرستاق واحتيج إِلَى أَدَاء شَهَادَتهم هَل يلْزمهُم كِرَاء الدَّوَابّ؟ قَالَ: لَا رِوَايَة فِيهِ، وَلَكِن سَمِعت من الْمَشَايِخ أَنه يلْزمهُم.
وَفِي فتح الْقَدِير: وَلَو وضع للشُّهُود طَعَاما فَأَكَلُوا: إِن كَانَ مهيئا من قبل ذَلِك تقبل، وَإِن صنعه لاجلهم لَا تقبل.
وَعَن مُحَمَّد: لَا تقبل فيهمَا.
وَعَن أبي يُوسُف: تقبل فيهمَا للْعَادَة الْجَارِيَة بإطعام من حل مَحل الانسان مِمَّن يعز عَلَيْهِ شَاهدا أَو لَا، ويؤنسه مَا تقدم من أَن الاهداء إِذا كَانَ بِلَا شَرط ليقضي حَاجته عِنْد الامير يجوز.
كَذَا قيل: وَفِيه نظر فَإِن الاداء فرض بِخِلَاف الذّهاب إِلَى الامير اه.
وَجزم
فِي الْمُلْتَقط بِالْقبُولِ مُطلقًا اه.
قَوْله: (وَبِه يُفْتى بَحر) نَقله عَن ابْن وهبان فِي شَرحه لمنظومته.
قَالَ شارحها الْعَلامَة ابْن عبد الْبر بن الشّحْنَة نقلا عَن مُخْتَصر الْمُحِيط للخبازي: أخرج الشُّهُود إِلَى ضَيْعَة اشْتَرَاهَا فاستأجر لَهُم دَوَاب ليركبوها: إِن لم يكن لَهُم قُوَّة الْمَشْي وَلَا طَاقَة الْكِرَاء تقبل شهاتدهم، وَإِلَّا(7/480)
فَلَا، فَإِن أكل طَعَاما للْمَشْهُود لَهُ لَا ترد شَهَادَته.
وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث: الْجَواب فِي الرّكُوب مَا قَالَ، أما فِي الطَّعَام: إِن لم يكن الْمَشْهُود لَهُ هيأ طَعَامه للشَّاهِد بل كَانَ عِنْده طَعَام فقدمه إِلَيْهِم وأكلوه لَا ترد شَهَادَتهم، وَإِن هيأ لَهُم طَعَاما فأكلوه لَا تقبل شَهَادَتهم.
هَذَا إِذا فعل ذَلِك لاداء الشَّهَادَة، فَإِن لم يكن كَذَلِك لكنه جمع النَّاس للاستشهاد وهيأ لَهُم طَعَاما أَو بعث لَهُم دَوَاب وأخرجهم من الْمصر فَرَكبُوا وأكلوا طَعَامه اخْتلفُوا فِيهِ.
قَالَ الثَّانِي فِي الرّكُوب: لَا تقبل شَهَادَتهم بعد ذَلِك وَتقبل فِي أكل الطَّعَام.
وَقَالَ مُحَمَّد: لَا تقبل فيهمَا، وَالْفَتْوَى على قَول الثَّانِي لجري الْعَادة بِهِ، سِيمَا فِي الانكحة ونثر السكر وَالدَّرَاهِم، وَلَو كَانَ قادحا فِي الشَّهَادَة لما فَعَلُوهُ.
كَذَا فِي الفخرية اه.
قَوْله: (وَيجب الاداء) أَي يفترض إِمَّا كِفَايَة أَو عينا.
قَوْله: (لَو الشَّهَادَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى) وَجه قبُول الشَّهَادَة بِلَا طلب فِيمَا ذكر أَنَّهَا حق الله تَعَالَى، وَحقّ الله تَعَالَى يجب على كل أحد الْقيام بإثباته، وَالشَّاهِد من جملَة من عَلَيْهِ ذَلِك فَكَانَ قَائِما بِالْخُصُومَةِ من جِهَة الْوُجُوب وَشَاهدا من جِهَة تحمل ذَلِك فَلم يحْتَج إِلَى خصم آخر اه.
وَبَعْضهمْ جعل الْقَائِم بِالْخُصُومَةِ القَاضِي ط.
قَوْله: (أَرْبَعَة عشر) ذكر مِنْهَا طَلَاق الْمَرْأَة وَعتق الامة وتدبيرها، وَمِنْهَا الْوَقْف.
قَالَ قاضيخان: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى عِنْد الْكل، وَإِن كَانَ على الْفُقَرَاء أَو على الْمَسْجِد لَا تقبل عِنْده بِدُونِ الدَّعْوَى، وَتقبل عِنْدهمَا بِدُونِهِ، وَبِه أفتى أَبُو الْفضل الْكرْمَانِي وَهُوَ الْمُخْتَار.
عمادية.
وَمِنْهَا هِلَال رَمَضَان.
قَالَ قاضيخان: الَّذِي يَنْبَغِي أَنه لَا تشرط الدَّعْوَى فِيهِ كَمَا لَا تُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحرَّة.
وَفِي الْعمادِيَّة عَن فَتَاوَى رشيد الدّين، الشَّهَادَة بِهِلَال عيد الْفطر لَا تقبل بِدُونِ الدَّعْوَى.
وَفِي الاضحى اخْتِلَاف الْمَشَايِخ: قاسه بَعضهم على هِلَال رَمَضَان، وَبَعْضهمْ على هِلَال الْفطر.
وَمِنْهَا:
الْحُدُود غير حد الْقَذْف وَالسَّرِقَة.
وَمِنْهَا: النّسَب، وَفِيه خلاف.
حكى صَاحب الْمُحِيط الْقبُول من غير دَعْوَى لانه يتَضَمَّن حرمات كلهَا لله تَعَالَى: حُرْمَة الْفرج، وَحُرْمَة الامومة والابوة.
وَقيل لَا تقبل من غير خصم.
وَمِنْهَا: الْخلْع فَإِن الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِدُونِ دَعْوَى الْمَرْأَة مَقْبُولَة اتِّفَاقًا وَيسْقط الْمهْر عَن ذمَّة الزَّوْج، وَدخُول المَال فِي هَذِه الشَّهَادَة تبع.
وَمِنْهَا: الايلاء وَالظِّهَار والمصاهرة، وَيشْتَرط أَن يكون الْمَشْهُود عَلَيْهِ حَاضرا.
وَمِنْهَا: الْحُرِّيَّة الاصلية عِنْدهمَا.
وَالصَّحِيح اشْتِرَاط الدَّعْوَى فِي ذَلِك عِنْد الامام كَمَا فِي الْعتْق الْعَارِض.
وَمِنْهَا: النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يثبت بِلَا دَعْوَى كَالطَّلَاقِ، لَان حل الْفرج وَالْحُرْمَة حق لله تَعَالَى.
وَمِنْهَا: عتق العَبْد عِنْدهمَا، لَان الْغَالِب عِنْدهمَا فِيهِ حق الله تَعَالَى لَان الْحُرِّيَّة يتَعَلَّق بهَا حُقُوق الله تَعَالَى من وجوب الزَّكَاة وَالْجُمُعَة وَغَيرهمَا كالعيد وَالْحج وَالْحُدُود، وَلذَا لم يجز استرقاق العَبْد بِرِضَاهُ لما فِيهِ من إبِْطَال حق الله تَعَالَى.
وَقَالَ الامام لَا بُد فِي عتقه من دَعْوَى وَالْغَالِب فِيهِ حق العَبْد لَان نفع الْحُرِّيَّة عَائِد إِلَيْهِ من مالكيته وخلاصة من كَونه مبتذلا كَالْمَالِ، وَقد تمت الاربع عشرَة مَسْأَلَة.
وَقَوله عد مِنْهَا الخ يُفِيد أَن هُنَاكَ مسَائِل أخر هُوَ كَذَلِك وَهِي الَّتِي ذكرهَا بعد، وَقد أعَاد صَاحب الاشباه ذكر شَهَادَة الْحِسْبَة بعد، فعد حد الزِّنَا وحد الشّرْب مَسْأَلَتَيْنِ، وَزَاد الشَّهَادَة على دَعْوَى مولى العَبْد نسبه اه ط.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: قُلْت: وَيُزَادُ الشَّهَادَةُ بِالرَّضَاعِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ المُصَنّف فِي بَابه وَتقدم فِي(7/481)
الْوَقْف.
قَوْله: (بِلَا عذر فسق فَترد) نصوا عَلَيْهِ فِي الْحُدُود وَطَلَاق الزَّوْجَة وَعتق الامة، وَظَاهر مَا فِي الْقنية: أَنه فِي الْكل، وَهُوَ فِي الظَّهِيرِيَّة واليتيمة اه.
أشباه.
وَفِي الْبَحْر عَن الْقنية: أجَاب بعض الْمَشَايِخ فِي شُهُود شهدُوا بِالْحُرْمَةِ الْمُغَلَّظَة بعد مَا أخروا شَهَادَتهم خَمْسَة أَيَّام من غير عذر أَنَّهَا لَا تقبل إِن كَانُوا عَالمين بِأَنَّهُمَا يعيشان عَيْش الازواج، ثمَّ نقل عَن الْعَلَاء الحمامي والخطيب الانماطي وَكَمَال الائمة البياعي: شهدُوا بعد سِتَّة أشهر بِإِقْرَار الزَّوْج بالطلقات الثَّلَاث لَا يقبل إِذا كَانُوا عَالمين بعيشهم عَيْش الازواج، وَكثير من الْمَشَايِخ أجابوا كَذَلِك فِي جنس هَذَا.
وَتَمَامه فِيهِ وَفِي الْحَمَوِيّ.
وَقيل الْمدَار فِي التَّأْخِير على التَّمَكُّن من الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي،
وَهل ذَلِك خَاص بالفروج أَو لَا؟.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: إِذا طلب الْمُدَّعِي الشَّاهِد لاداء الشَّهَادَة فَأخر من غير ظَاهر لَا تقبل اه.
فإطلاقه يُفِيد عدم الْقبُول مُطلقًا وَهُوَ الَّذِي اعْتَمدهُ ابْن الشّحْنَة اه مُلَخصا.
وَأفْتى فِي تَنْقِيح الحامدية بِأَنَّهُ حَتَّى أخر خَمْسَة أَيَّام من غير عذر إِن كَانُوا عَالمين بِأَنَّهُمَا يعيشان عَيْش الازواج فَإِنَّهَا لَا تقبل، وَعَزاهُ لمُعين الْمُفْتِي وجامع الْفَتَاوَى.
أَقُول: قد علمت أَن ذكر خَمْسَة أَيَّام أَو سِتَّة أشهر لَيْسَ بِقَيْد، بل المُرَاد التَّمَكُّن من الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي وَهُوَ مُطلق عَن مسَائِل الْفروج، بل هُوَ مطرد فِي كل حُرْمَة لَا يُوجد فِيهَا تَأْوِيل كَمَا أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ.
قَوْله: (كَطَلَاق امْرَأَة حرَّة أَو أمة، وَقيد الْقبُول فِي النِّهَايَة بِمَا إِذا كَانَ الزَّوْج حَاضرا، أما إِذا كَانَ غَائِبا فَلَا.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَكَذَا يشْتَرط حُضُور الْمولى فِي صُورَة الامة، وَلَكِن لَا يشْتَرط حُضُور الْمَرْأَة وَلَا الامة على الْمَشْهُور، وَتقبل إِن أنكر الزَّوْجَانِ ط.
وَمثله فِي الْعمادِيَّة والفصولين وَالْبَزَّازِيَّة.
قَالَ فِي الذَّخِيرَة: إِذا غَابَ الرجل عَن امْرَأَته فَأَخْبرهَا عدل أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا أَو مَاتَ عَنْهَا فلهَا أَن تَعْتَد وتتزوج بِزَوْج آخر، وَكَذَا إِن كَانَ الْمُخَير فَاسِقًا، لَان هَذَا من بَاب الدّيانَة فَيثبت بِخَبَر الْوَاحِد، بِخِلَاف النِّكَاح وَالنّسب اه.
أَقُول: لكنه فِي التَّنْقِيح ذكر الْعدْل دون الْفَاسِق.
قَالَ فِي الْفُصُولَيْنِ: وَلَو أخْبرهَا فَاسق تحرت، وَهَذَا عِنْد المعاينة أَو الْمُشَاهدَة لمَوْته أَو جنَازَته.
وَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (أَي بَائِنا) هَذَا الْقَيْد لم يذكرهُ فِي التَّنْقِيح بل أطلق الطَّلَاق، وَكَذَلِكَ أطلقهُ فِي الاشباه وَلم يُقَيِّدهُ بالبائن، وَكَذَا محشوها، لَكِن قَالَ ط: وَالتَّقْيِيد بِهِ ظَاهر، لانه إِذا طَلقهَا رَجْعِيًا لَا يُنكر بعده معيشتهم معيشة الازواج لانه يعد مراجعا لَهَا.
قَوْله: (وَعتق أمة) أَي عِنْد الْكل لانها شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج وَهِي حق الله تَعَالَى، وَهل يحلف حسبَة فِي طَلَاق الْمَرْأَة وَعتق الامة؟ أَشَارَ مُحَمَّد فِي بَاب التَّحَرِّي أَنه يحلف.
كَذَا فِي شرح الْقَدُورِيّ.
وَذكر السَّرخسِيّ فِي مقدمه بَاب السلسلة أَنه لَا يحلف، فَتَأَمّله عِنْده الْفَتْوَى.
كَذَا ذكره ابْن الشّحْنَة ط.
قَوْله: (وتدبيرها) جعل ابْن وهبان الْقبُول يخْتَلف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الامة وَالْعَبْد كَمَا فِي عتقهما.
فَتقبل فِي الامة عِنْد الْكل، وَفِي العَبْد
يجْرِي الْخلاف، لَان التَّدْبِير فِيهَا يتَضَمَّن حُرْمَة فرجهَا على الْوَرَثَة بعد موت السَّيِّد ط.
قَوْله: (وَكَذَا عتق عبد) أَي عِنْدهمَا خلافًا لَهُ، فَإِن دَعْوَاهُ شَرط عِنْده، كَمَا إِذا شهد شَاهِدَانِ على رجل بِعِتْق عَبده وَالْعَبْد وَالْمولى ينكران ذَلِك لَا تقبل الشَّهَادَة عِنْد الامام.
وَقَالا: تقبل.(7/482)
وَفِي الْحَقَائِق: قد تتَحَقَّق الدَّعْوَى حكما بِأَن يقطع العَبْد يَد حر فَقَالَ الْحر أعتقك مَوْلَاك قبل الْجِنَايَة ولي عَلَيْك الْقصاص فأنرك العَبْد وَالْمولى ذَلِك تقبل بَينته وَيقْضى بِعِتْقِهِ، لَان دَعْوَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْعتْق قَائِم مقَام دَعْوَى العَبْد حكما.
ثمَّ اعْلَم أَن الشَّهَادَة بِلَا دَعْوَى أحد مَقْبُولَة فِي حُقُوق الله تَعَالَى، لَان القَاضِي يكون نَائِبا عَن الله تَعَالَى فَتكون شَهَادَة على خصم فَتقبل، وَغير مَقْبُولَة فِي حُقُوق العَبْد، وَهَذَا أصل مُتَّفق عَلَيْهِ، لَكِن الْغَالِب عِنْدهمَا فِي عتق العَبْد حق الله تَعَالَى، لَان سَبَب الْمَالِكِيَّة وَهِي الْحُرِّيَّة يتَعَلَّق بهَا حُقُوق الله تَعَالَى من وجوب الزَّكَاة وَالْجُمُعَة وَغَيرهمَا: يَعْنِي كالعيد وَالْحج وَالْحُدُود وَلذَا لم يجز استرقاق الْحر بِرِضَاهُ لما فِيهِ من إبِْطَال حق الله تَعَالَى، فَتقبل بِدُونِ الدَّعْوَى، وَالْغَالِب عِنْده حق العَبْد لَان نفع الْحُرِّيَّة عَائِدًا إِلَيْهِ من مالكيته وخلاصه من كَونه مبتذلا كَالْمَالِ، فَلَا تقبل بِدُونِ الدَّعْوَى كَمَا فِي شرح الْمجمع لِابْنِ ملك.
قَوْله: (وتدبيره) قد علمت أَنه على الْخلاف كَمَا ذكره ابْن وهبان، وَلَا فرق عِنْد الامام بَين أَن يشْهدُوا بِالْعِتْقِ أَو بِالْحُرِّيَّةِ الاصلية، وَالشَّارِح مَشى على قَوْلهمَا وَتبع الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي عدم الْفرق بَين الْحُرِّيَّة الاصلية والعارضة.
قَوْله: (وَهل يقبل جرح الشَّاهِد حسبَة) الْجرْح بِفَتْح الْجِيم بِمَعْنى تجريح، ثمَّ قَوْله حسبَة يحْتَمل أَنه حَال من جرح: يَعْنِي أَن المجرح يفعل ذَلِك حسبَة، وَيحْتَمل أَنه حَال من الْمشَاهد ذكره بَعضهم ط.
والاول أظهر.
قَالَ الْحلَبِي: حسبَة مُتَعَلق بِالْجرْحِ لَا بِالشَّاهِدِ.
قَوْله: (فبلغت ثَمَانِيَةَ عَشَرَ) أَيْ بِزِيَادَةِ عِتْقِ الْعَبْدِ وَتَدْبِيرِهِ وَالرَّضَاعِ وَالْجَرْحِ.
وَأَمَّا طَلَاقُ الْمَرْأَةِ وَعِتْقُ الْأَمَةِ وتدبيرها فَمن الاربعة عشر ح.
قَالَ ط: وَفِيه أَن عتق العَبْد من جملَة الاربعة عشر اه.
أَقُول: لم يزدْ على مَا فِي الاشباه غير عتق العَبْد وتدبيره وَالرّضَاع وَهِي دَاخِلَة فِي الاربعة عشر، فَعتق العَبْد وتدبيره دَاخل فِي عتق الامة وتدبيرها على قَوْلهمَا، وَالرّضَاع دَاخل فِي حُرْمَة الْمُصَاهَرَة.
تَأمل.
قَوْله: (وَلَيْسَ لنا مدعي حسبَة) الاولى مُدع حسبَة بِحَذْف يَاء مدعي.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْوَقْفِ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْوُقُوف عَلَيْهِ أَصْلَ الْوَقْفِ تُسْمَعُ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَالْمُفْتَى بِهِ عدم سماعهَا إِلَّا من الْمُتَوَلِي كَمَا تقدم فِي الْوَقْف.
قَالَ ط: فَإِذا كَانَ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لَا تسمع دَعْوَاهُ فالاجنبي بالاولى.
أشباه اه.
أَقُول: لَكِن فِي فَتَاوَى الحانوتي أَن الْحق أَن الْوَقْف إِذا كَانَ على معِين تسمع مِنْهُ اه.
فَتَأمل.
لَكِن قَيده سَيِّدي الْوَالِد فِي تنقيحه بِأَن تكون بِإِذن قَاض على مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى
قَوْله: (وسترها فِي الْحُدُود) أَي كتمانها.
قَالَ فِي الْهِدَايَة: وَالشَّهَادَة يُخَيّر فِيهَا الشَّاهِد فِي السّتْر والاظهار، لانه بَين حسبتين: إِقَامَة الْحَد، والتوقي عَن الهتلك والستر أفضل اه.
قَالَ الكاكي: والحسبة مَا ينْتَظر بِهِ الاجر فِي الْآخِرَة.
وَفِي الصِّحَاح: احتسب كَذَا أجرا عِنْد الله تَعَالَى، وَالِاسْم الْحِسْبَة بِالْكَسْرِ وَالْجمع الْحسب اه.
قَوْله: (أبر) أَفَادَ أَن عَدمه (1) جَائِز إِقَامَة للحسبة لما فِيهِ من إِزَالَة الْفساد أَو تقليله فَكَانَ حسنا، وَلَا يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى: * (إِن الَّذِي يحبونَ أَن تشيع *
__________
(1) أَي يزم السّتْر وَهُوَ الشَّهَادَة اه.
مِنْهُ.(7/483)
لَا لفاحشة فِي الَّذين آمنُوا) * (النُّور: 19) الْآيَة، لَان ظَاهرهَا أَنهم يحبونَ ذَلِك لاجل إِيمَانهم وَذَلِكَ صفة الْكَافِر، ولان مَقْصُود الشَّاهِد ارتفاعها لَا إشاعتها وَكَذَا لَا يُعَارض أَفضَلِيَّة السّتْر آيَة النَّهْي عَن كتمانها لانها فِي حُقُوق الْعباد بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا) * (الْبَقَرَة: 282) إِذْ الْحُدُود لَا مدعى فِيهَا.
ورد قَول من قَالَ إِنَّهَا فِي الدُّيُون بِأَن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص السَّبَب كَمَا ذكره الرَّازِيّ، أَو لانه عَام مَخْصُوص بِأَحَادِيث السّتْر الَّتِي بلغت مبلغا لَا ينحط عَن دَرَجَة الشُّهْرَة لتَعَدد متونها مَعَ قبُول الامة لَهَا، أَو هِيَ مُسْتَند الاجماع على تَخْيِير الشَّاهِد فِي الْحُدُود كَمَا يفهم من الْبَحْر.
وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِيهِ، فَرَاجعه فَإِنَّهُ مُهِمّ.
قَوْله: (وَلِحَدِيث من ستر ستر) الَّذِي فِي الْفَتْح من ستر على مُسلم ستره الله تَعَالَى وَأفَاد أَنه فِي الصَّحِيحَيْنِ.
قَوْله: (إِلَّا لمتهتك بَحر) وَفِيه عَن الْفَتْح.
وَإِذَا كَانَ السِّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأُولَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إِلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه لانها فِي رُتْبَة النّدب فِي جَانب الْفِعْل وَكَرَاهَة التَّنْزِيه فِي جَانب التّرْك، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لم يعْتد الزِّنَا وَلم يتهتك بِهِ، أما إِذا وصل الْحَال إِلَى إشاعته والتهتك بِهِ، بل بَعضهم رُبمَا افتخر بِهِ فَيجب كَون الشَّهَادَة
أولى من تَركهَا، لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِش بالخطابات المفيدة لذَلِك، وَذَلِكَ يتَحَقَّق بِالتَّوْبَةِ من الغافلين وبالزجر لَهُم، فَإِذا ظهر حَال الشُّهْرَة فِي الزِّنَا مثلا وَالشرب وَعدم المبالاة بِهِ وإشاعته، فإخلاء الارض الْمَطْلُوب حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَال يُقَابله ظُهُور عدمهَا مِمَّن اتّصف بذلك، فَيجب تَحْقِيق السَّبَب الآخر للاخلاء وَهُوَ الْحُدُود، خلاف من زنى مرّة أَو مرَارًا مستترا متخرفا متندما عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحل اسْتِحْبَاب ستر الشَّاهِد، وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لهزال فِي مَاعِز لَو كنت سترته بثوبك الحَدِيث، وَذكره فِي غير مجْلِس القَاضِي بِمَنْزِلَة الْغَيْبَة يحرم مِنْهُ مَا يحرم مِنْهَا وَيحل مِنْهُ مَا يحل مِنْهَا اه.
قَوْله: (والاولى الخ) هَذَا كالاستدراك على قَوْله أبر، لانه رُبمَا يُفِيد عدم التَّعَرُّض بِالشَّهَادَةِ فِي السّرقَة أصلا وَيلْزم مِنْهُ ضيَاع حق الْغَيْر، فاستثنى السّرقَة وَأثبت لَهَا حكما خَاصّا، وَهُوَ أَنه يَأْتِي بِلَفْظ يُفِيد الضَّمَان من غير قطع.
فاستثنى السّرقَة وَأثبت لَهَا حكما خَاصّا، وَهُوَ أَنه يَأْتِي بِلَفْظ يُفِيد الضَّمَان من غير قطع.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: وَفِيه إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ سَتْرُ أَسْبَابِ الْحُدُودِ اه.
وَبِه ظهر الْجَواب.
قَوْله: (أَخذ) الاخذ أَعم من كَونه غصبا أَو على ادِّعَاء أَنه ملكه مودعا عِنْد الْمَأْخُوذ مِنْهُ وَغير ذَلِك، فَلَا تَسْتَلْزِم الشَّهَادَة بالاخذ مُطلقًا ثُبُوت الْحَد بهَا.
كَمَال.
لَكِن قد يُقَال مَعَ هَذَا الِاحْتِمَال لَا إحْيَاء للحق فِيهِ ط.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَا يَقُول سرق مُحَافظَة على السّتْر، ولانه لَو ظَهرت السّرقَة لوَجَبَ الْقطع وَالضَّمان لَا يُجَامع الْقطع فَلَا يحصل إحْيَاء حَقه.
وَصرح فِي غَايَة الْبَيَان بِأَن قَوْله أَخذ أولى من سرق، وعَلى هَذَا فَيحمل قَول الْقَدُورِيّ: وَجب أَن يَقُول أَخذ على معنى ثَبت لَا الْوُجُوب الفقهي، وَقَوله فِي الْعِنَايَة: فَتعين ذَلِك مَعَ قَوْله لَا يجوز: أَي أَن يَقُول سرق تسَامح، وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي الافضل، وكل مِنْهُمَا جَائِز اه.
(وَفِيه لَطِيفَة) حكى الْفَخر الرَّازِيّ فِي التَّفْسِير: أَن هَارُون الرشيد كَانَ مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء وَفِيهِمْ أَبُو يُوسُف، فَادّعى رجل على آخر بِأَنَّهُ أَخذ مَاله من بَيته فَأقر بالاخذ، فَسَأَلَ الْفُقَهَاء فأفتوا بِقطع يَده، فَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا، لانه لم يقر بِالسَّرقَةِ وَإِنَّمَا أقرّ بالاخذ، فَادّعى الْمُدَّعِي أَنه سرق فَأقر بهَا فأفتوا بِالْقطعِ.
وَخَالفهُم أَبُو يُوسُف فقالو لَهُ: لم؟ قَالَ: لانه لما أقرّ أَولا بالاخذ ثَبت الضَّمَان عَلَيْهِ وَسقط(7/484)
الْقطع.
فَلَا يقبل إِقْرَاره بعده بِمَا يسْقط الضَّمَان عَنهُ فعجبوا اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: هَذَا ظَاهر فِي أَنه إِذا ادّعى أَنه أَخذ مَالِي أَو دَابَّتي تسمع، وَإِن لم يبين وَجه الاخذ اه.
قَوْله: (ونصابها) أَي مَا تنصب عَلَيْهِ: أَي تتَوَقَّف عَلَيْهِ.
قَالَ ابْن الْكَمَال: وَلم يَقُلْ وَشَرْطُهَا: أَيْ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْولادَة وأختيها.
قَوْله: (للزِّنَا أَرْبَعَة) وَذَلِكَ يُشِير إِلَى ندب السّتْر، لانه قَلما يشْهد بِهِ أَرْبَعَة بِصفتِهِ الْمُوجبَة، وَالدَّلِيل قَوْله تَعَالَى * (فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم) * النِّسَاء: 15) وَقَوله: * (ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء) * (النُّور: 4) .
فَلَا يجوز بالاقل، وَنحن إِن لم نقل بِالْمَفْهُومِ فالاجماع عَلَيْهِ، وَقدم الِاسْتِدْلَال بالآيتين على قَوْله تَعَالَى: * (اسْتشْهدُوا شهدين من رجالكم) * (الْبَقَرَة: 282) لَان الاول مَانع وَالثَّانِي مُبِيح وَالْمَانِع مقدم، وَالدَّلِيل وَإِن كَانَ فِي النِّسَاء مُثبت فِي حق الرِّجَال للمساواة.
ط أخذا من الْبَحْر بِالْمَعْنَى عَن فتح الْقَدِير.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: عبارَة فتح الْقَدِير: وَأَن النَّص أوجب أَرْبَعَة رجال بقوله تَعَالَى: * (أَرْبَعَة مِنْكُم) * (النِّسَاء: 15) فقبول امْرَأتَيْنِ مَعَ ثَلَاثَة مُخَالف لما نَص عَلَيْهِ من الْعدَد والمعدود، وَغَايَة الامر الْمُعَارضَة بَين عُمُوم قَوْله تَعَالَى: * (فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ) * (الْبَقَرَة: 282) وَبَين هَذِه فَتقدم هَذِه لانها مَانِعَة وَتلك مبيحة اهـ.
وَلَا يخفى عَلَيْك مَا فِي كَلَامه من الْمُخَالفَة والايهام.
تَأمل.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَقدمنَا فِي الْحُدُود أَنه يجوز كَون الزَّوْج أَحدهمَا، إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: أَن يقذفها الزَّوْج أَولا ثمَّ يشْهد مَعَ ثَلَاثَة، وَأَن يشْهد مَعَهم على زنَاهَا بِابْنِهِ مطاوعه اهـ.
قَوْله: (لَيْسَ مِنْهُم ابْنُ زَوْجِهَا) أَيْ إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا أَو أم الابْن حَيَّة، أما إِذا فقد فَيجوز.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ابْنُ زَوْجِهَا.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ ولاحداهما خَمْسَة بَنِينَ شهد أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَخِيهِمْ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةِ أَبِيهِمْ تُقْبَلُ، إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مُدَّعِيًا أَو كَانَت أمّهم حَيَّة اه.
وَالْمَنْع فِي كَون الاب مُدعيًا لَعَلَّه مُقَيّد بِمَا إِذا كَانَ بعد قذفه لَهَا لانه يدْفع بِشَهَادَتِهِ عَن أَبِيه اللّعان، وَفِي كَون أمّهم حَيَّة للعداوة الدُّنْيَوِيَّة عَادَة.
قَوْله: (وَلَو علق عتقه بِالزِّنَا) أَي بزنا نفس الْمولى.
قَوْله: (وَلَا حد) أَي على الْمولى ويستحلف إِذا أنكرهُ لِلْعِتْقِ.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الْعتْق الْمُعَلق بِالزِّنَا يَقع بِشَهَادَة رجلَيْنِ وَإِن لم يحد الْمولى، ويستحلف الْمولى إِذا أنكرهُ لِلْعِتْقِ، وَفِيه خلاف ذكره فِي الْخَانِية وأدب الْقَضَاء للخصاف اه.
مطلب: فِي الشَّهَادَة على اللواطة قَالَ أَبُو السُّعُود: وَاخْتلفُوا فِي الشَّهَادَة على اللواطة: فَعِنْدَ الامام: يقبل فِيهَا رجلَانِ عَدْلَانِ لَان مُوجبهَا التَّعْزِير عِنْده، وَعِنْدَهُمَا: لَا بُد فِيهِ من أَرْبَعَة كَالزِّنَا.
مطلب: فِي الشَّهَادَة على إتْيَان الْبَهِيمَة وَأما إتْيَان الْبَهِيمَة فالاصح أَنه يقبل فِيهِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ، وَلَا يقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء اه.
قَوْله: (فَأعْتقهُ القَاضِي) أَي حكم بِعِتْقِهِ، وَكَذَا قَوْله ورجمه.
قَوْله: (ضمن الاولان قِيمَته لمَوْلَاهُ) لاتلاف رقبته(7/485)
الْمَمْلُوكَة على السَّيِّد.
قَوْله: (دِيَته لَهُ) انْظُر هَل المُرَاد بِالدِّيَةِ هُنَا قِيمَته لانه رَقِيق أَو دِيَة الاحرار لحكم القَاضِي عَلَيْهِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَيدل لذَلِك قَوْله لَو وَارثه فَإِن لَو كَانَ رَقِيقا لكَانَتْ الدِّيَة للسَّيِّد وَلَا بُد ط.
قَوْلُهُ: (لَوْ وَارِثَهُ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ وَإِلَّا لِوَارِثِهِ.
قَوْلُهُ: (وَالْقَوَدِ) شَمِلَ الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ وَالْعُضْوِ، وَقَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ شَهَادَتهم، وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى القَاضِي، لَان مُوجب هَذِه الْجِنَايَة المَال فَقيل فِيهِ شَهَادَة الرِّجَال مَعَ النِّسَاء اه.
أَقُول: علم بِهِ قبُول شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي طرف الرجل وَالْمَرْأَة وَالْحر وَالْعَبْد وكل مَا لَا قصاص فِيهِ وَكَانَ مُوجبه المَال، وَيعلم بِهِ كثير من الوقائع الحالية.
قَوْله: (وَمِنْه) أَي من الْقود.
قَوْله: (لمآلها) أَي تؤول.
قَوْله: (لقَتله) بِسَبَب ردته: أَيْ إنْ أَصَرَّ عَلَى كُفْرِهِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الانثى) فَإِنَّهَا لَا تقتل بل تحبس، فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَلِذَا قَيَّدَ بِذَكَرٍ، بَلْ فِي الْمَقْدِسِيَّ: لَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّة أَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي فِي النَّصْرَانِي كَذَلِك،، فَيجْبر وَلَا يقتل، ورأيته فِي الْوَلوالجِيَّة اه.
سائحاني.
وَإِنَّمَا لَا يقتل لانه لم يشْهد على إِسْلَامه مسلمان.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ كَذَلِكَ فِي شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى إسْلَامِهِ لَكِنَّهُ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ عِنْدَ قَوْله وَالذِّمِّيّ على مثله، وَتقدم فِي بَاب الْمُرْتَد أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لم يتب، إِلَّا من ثَبت إِسْلَامه بِشَهَادَة رجلَيْنِ ثمَّ رجعا.
وَمن ثَبت إِسْلَامه بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ على رِوَايَة النَّوَادِر.
وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ يُنْكِرُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا وَقِيلَ تُقْبَلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَوْ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ، وَلَكِنَّهَا تُجْبَرُ عَلَى الاسلام، وَهَذَا كُله قَوْله الْإِمَامِ.
وَفِي النَّوَادِرِ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَشَهَادَةُ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي آخِرِ كَرَاهِيَةِ الدُّرَر كَمَا فِي ح.
وَاعْتمد قاضيخان أَن قَوْلَ الْإِمَامِ بِعَدَمِ الْقَتْلِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ أَيَّ نَفْسٍ كَانَت لَا تقتل بِشَهَادَة النِّسَاء اهـ.
قَوْله: (وَمثله ردة مُسلم) أَي حكما وَهُوَ تَقْيِيد أَو عِلّة، قَالَ فِي الْبَحْر: وَأما الشَّهَادَة بردة مُسلم فَلَا يقبل فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء كَمَا ذكره فِي الْعِنَايَة من الْيُسْر اه.
قَوْله: (رجلَانِ) إِنَّمَا لم تقبل شَهَادَة النِّسَاء لحَدِيث الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله والخليفتين من بعده أَن لَا شَهَادَة للنِّسَاء فِي الْحُدُود وَالْقصاص، ولان فِيهَا شُبْهَة البذلية لقيامها مقَام شَهَادَة الرِّجَال، فَلَا تقبل فِيهَا تندرئ بِالشُّبُهَاتِ.
كَذَا فِي الْهِدَايَة.
وَإِنَّمَا لم يكن فِيهَا حَقِيقَة الْبَدَلِيَّة لانها إِنَّمَا تكون فِيمَا امْتنع الْعَمَل بِالْبَدَلِ مَعَ إِمْكَان الاصل، وَلَيْسَت كَذَلِك فَإِنَّهَا جَائِزَة مَعَ إِمْكَان الْعَمَل بِشَهَادَة الرجلَيْن كَمَا فِي الْعِنَايَة.
وَفِي خزانَة الاكمل: لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ يَرَاهُ أَوْ لَا يَرَاهُ ثُمَّ رفع إِلَى آخر أَمْضَاهُ اهـ.
بَحر.
أَقُول: والاحسن حذف قَوْله أَو لَا يرَاهُ، لَان القَاضِي حِينَئِذٍ يحكم بِمُقْتَضى مذْهبه.
قَوْله: (إِلَّا(7/486)
الْمُعَلق فَيَقَع) أَي إِذا كَانَ بعض الشُّهُود نسْوَة وَلَا يحد: يَعْنِي مَا علق على شئ مِمَّا يُوجب الْحَد والقود لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رَجُلَانِ، بَلْ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ بذلك.
وَصورته كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْوَلوالجِيَّة: رجل قَالَ إِن شربت الْخمر يثبت بذلك فمملوكي حر، فَشهد رجل
وَامْرَأَتَانِ أَنه شرب الْخمر عتق العَبْد وَلَا يحد، لَان هَذِه شَهَادَة لَا مجَال لَهَا فِي الْحُدُود، وَلَو قَالَ إِن سرقت من فلَان شَيْئا فعلى قِيَاس مَا ذَكرْنَاهُ يَنْبَغِي أَن يضمن المَال وَيعتق العَبْد وَلَا يقطع اه.
وعزى الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْخَانِية إِلَى أبي يُوسُف، ثمَّ قَالَ: وَالْفَتْوَى فيهمَا على قَول أبي يُوسُف.
وَفِي خزانَة الاكمل: شَهدا أَنه أعتق عَبده ثمَّ شهد أَرْبَعَة بِأَنَّهُ زنى وَهُوَ مُحصن فَأَعْتَقَهُ الْقَاضِي ثُمَّ رَجَمَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْكُلُّ ضمن شَاهدا الاعتاق قِيمَته لمَوْلَاهُ وشهود الزِّنَا دِيَته لمَوْلَاهُ أَيْضا إِن لم يكن لَهُ وَارِث غَيره اه.
قَوْله: (كَمَا مر) أَي قَرِيبا عِنْد قَوْله وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالزِّنَا وَقَعَ بِرَجُلَيْنِ وَلَا حد وَمر أَيْضا فِي الزِّنَا إِذا شهد بِهِ رجلَانِ.
قَوْله: (وللولادة) أَي فِي حق ثُبُوت النّسَب دون الْمِيرَاث عِنْده ذكره قاضيخان.
وَهُوَ خبر مقدم لامْرَأَة، وَلم يذكرُوا الْولادَة فِي الاصلاح، لِأَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوِلَادَةِ إنَّمَا تَكْفِي عِنْدَهُمَا، خِلَافًا لَهُ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُمَا عَلَى الاستهلال فَتُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، إنَّمَا قُلْنَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْإِرْثِ لَا تقبل عِنْده خلافًا لَهما.
قَوْله: (للصَّلَاة) مُتَعَلق بالاخيرة: أَي تقبل شَهَادَة الْقَابِلَة باستهلال الصَّبِي للصَّلَاة عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمنح، وَإِنَّمَا قبلت وَإِن كَانَ يُمكن أَن يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال لكِنهمْ لَا يحْضرُون الْولادَة عَادَة فَألْحق بِمَا لم يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال.
قَوْله: (وللارث عِنْدهمَا) أَي تقبل شَهَادَة الْقَابِلَة باستهلال الصَّبِي للارث عِنْدهمَا.
قَوْله (والبكارة) أَي الشَّهَادَة عَلَيْهَا، فَإِن شهِدت أَنَّهَا بكر يُؤَجل الْعنين سنة، فَإِذا مَضَت فَقَالَ وصلت إِلَيْهَا وَأنْكرت تري النِّسَاء، فَإِن قُلْنَ هِيَ بكر تخير، فَإِن اخْتَارَتْ الْفرْقَة فرق للْحَال، وَكَذَا فِي رد الْمَبِيع إِذا اشْتَرَاهَا بِشَرْط الْبكارَة إِن قُلْنَ إِنَّهَا ثيب يحلف البَائِع لينضم نُكُوله إِلَى قولهن، فالعيب يثبت بقولهن لسَمَاع الدَّعْوَى وللتحليف، إِذْ لَوْلَا شَهَادَتهنَّ لم يحلف البَائِع وَكَانَ القَوْل قَوْله بِلَا يَمِين لتمسكه بالاصل وَهُوَ الْبكارَة كَمَا فِي الْبَحْر، وَسَيَأْتِي قَرِيبا أوضح من ذَلِك.
قَوْله: (وعيوب النِّسَاء) كالاماء الْمَبِيعَة من نَحْو رتق وَقرن، كَمَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَادَّعَى أَنَّ بِهَا قَرَنًا أَوْ رَتَقًا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمِنَحِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ عِنْدَ قَوْلِهِ ادَّعَى إبَاقًا: أَنَّ مَا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا النِّسَاءُ يُقْبَلُ فِي قِيَامِهِ لِلْحَالِ قَوْلُ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُرَدُّ بِقَوْلِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَحْلِيفِ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يُرَدُّ بِقَوْلِهِنَّ بِلَا يَمِينِ الْبَائِعِ اه.
وَفِي الْفَتْحِ قُبَيْلَ بَابِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَن لاصل أَنَّ
الْقَوْلَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِالْأَصْلِ، وَأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ بِانْفِرَادِهِنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ حُجَّةٌ إذَا تَأَيَّدَتْ بِمُؤَيِّدٍ، وَإِلَّا تُعْتَبَرُ لِتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فِي بَكَارَتِهَا يُرِيهَا الْقَاضِي النِّسَاءَ: فَإِنْ قُلْنَ بِكْرٌ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ تَأَيَّدَتْ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ، وَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْفَسْخِ بِشَهَادَتِهِنَّ لِأَنَّهَا حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ، لَكِنْ تَثْبُتُ الْخُصُومَةُ لِيَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ فَيُحَلَّفُ(7/487)
بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمْتهَا بِحُكْمِ الْبَيْعِ وَهِيَ بِكْرٌ، فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا اه مُلَخصا، والاولى حذف قَوْله قَوِيَّة أَو إِبْدَاله بِلَفْظ ضَعِيفَة.
قَالَ الرَّمْلِيّ: ذكر فِي الدُّرَر وَالْغرر وللولادة واستهلال الصَّبِي للصَّلَاة عَلَيْهِ والبكارة وعيوب النِّسَاء امْرَأَة اه.
فَدخل فِي قَوْله: وعيوب النِّسَاء الْحَبل لانه من الْعُيُوب الَّتِي يرد بهَا الْمَبِيع.
قَالَ فِي الْخَانِية: وَفِيمَا لَا ينظر إِلَيْهِ الرِّجَال كالقرن والرتق وَنَحْوه اخْتلف الرِّوَايَات، وَآخر مَا رُوِيَ عَن مُحَمَّد أَنه إِن كَانَ قبل الْقَبْض وَهُوَ عيب لَا يحدث ترد بِشَهَادَة النِّسَاء، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف الآخر وَالْمَرْأَة الْوَاحِدَة والمرأتان سَوَاء، والمرأتان أوثق، وَأما الْحَبل فَيثبت بقول النِّسَاء فِي حق الْخُصُومَة، وَلَا ترد بشهادتهن.
قَوْله: (فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال) قَالَ الرَّمْلِيّ: قدم: أَي صَاحب الْبَحْر فِي بَاب ثُبُوت النّسَب فِي شرح قَوْله: والمعتدة إِن جحدت وِلَادَتهَا بِشَهَادَة رجلَيْنِ الخ أَفَادَ بقوله بِشَهَادَة رجلَيْنِ قبُول شَهَادَة الرِّجَال على الْولادَة من الاجنبية، وَأَنَّهُمْ لَا يفسقون بِالنّظرِ إِلَى عورتها، إِمَّا لكَونه قد يتَّفق ذَلِك من غير قصد نظر وَلَا تعمد، أَو للضَّرُورَة كَمَا فِي شُهُود الزِّنَا.
وَفِي الْمنح نقلا عَن السراج: وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا: تقبل شَهَادَته أَيْضا وَإِن قَالَ تَعَمّدت النّظر إِلَيْهَا.
وَأَقُول: فَثَبت الْخلاف فِي التعمد ظَاهرا.
وَيُمكن التَّوْفِيق بِأَن يحمل كَلَام النَّافِي على التعمد لَا لتحمل الشَّهَادَة، والمثبت على التعمد لَهَا إحْيَاء للحقوق بإيصالها إِلَى مستحقها بِوَاسِطَة أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد الْحَاجة إِلَيْهَا.
وَفِي كَلَامهم نوع إِشَارَة إِلَيْهِ، وَرُبمَا أفهم كَلَام الزَّيْلَعِيّ فِي شرح قَوْله وَلَو قَالَ شُهُود الزِّنَا تعمدنا النّظر قبلت أرجحية الْقبُول، وَأَيْضًا عِبَارَته فِي هَذَا الْمحل.
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ
تَعَمّدت النّظر.
قَالَ بَعضهم: تقبل كَمَا فِي الزِّنَا لطرحه ذكر مُقَابِله وَقِيَاسه على الزِّنَا وَالرَّاجِح فِيهِ الْقبُول.
تَأمل.
ثمَّ رَأَيْت فِي التاترخانية نقلا عَن الْعَتَّابِيَّةِ: وَاخْتلف الْمَشَايِخ فِيمَا إِذا ادّعى إِلَى تحمل الشَّهَادَة عَلَيْهَا وَهُوَ يعلم أَنه لَو نظر إِلَيْهَا يَشْتَهِي، فَمنهمْ من جوز ذَلِك بِشَرْط أَن يقْصد بذلك تحمل الشَّهَادَة.
قَالَ شيخ الاسلام: الاصح أَنه لَا يُبَاح ذَلِك ذكره فِي كتاب الْكَرَاهَة.
قَوْله: (امْرَأَة حرَّة مسلمة) بَالِغَة عَاقِلَة عدلة.
زَيْلَعِيّ.
وَدَلِيله قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام شَهَادَة النِّسَاء جَائِزَة فِيمَا لَا تَسْتَطِيع الرِّجَال النّظر إِلَيْهِ وَالْجمع الْمحلى بالالف وَاللَّام يُرَاد بِهِ الْجِنْس فَيتَنَاوَل الاقل وَهُوَ الْوَاحِد، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي فِي اشْتِرَاط الاربع، ولانه إِنَّمَا سقط الذُّكُورَة ليخف النّظر لَان نظر الْجِنْس أخف فَكَذَا بسقط اعْتِبَار الْعدَد.
قَوْله: (والثنتان أحوط) وَكَذَا الثَّلَاث أحوط لما فِيهِ من معنى الالزام.
بَحر.
وَفِيه عَن خزانَة الاكمل: لَو شهد عِنْده نسْوَة عدُول أَنَّهَا امْرَأَة فلَان أَو ابْنَته وسعته الشَّهَادَة اه.
وفيهَا: يقبل تَعْدِيل الْمَرْأَة وَلَا يقبل ترجمتها.
قَوْله: (والاصح قبُول رجل وَاحِد) إِذا شهد بِالْولادَةِ.
قَالَ وفى الْمِنَحِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ إلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ شَهِدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَالَ: تَعَمَّدْتُ النَّظَرَ، أَمَّا إذَا شَهِدَ بِالْوِلَادَةِ وَقَالَ فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي عَلَيْهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ اه.
وَقدمنَا نَحوه آنِفا.
قَوْله: (وَفِي الرجندي عَن الْمُلْتَقط الخ) ذكر(7/488)
الْحَمَوِيّ فِي شَرحه عَن الْحَاوِي الْقُدسِي: تقبل شَهَادَة النِّسَاء وحدهن فِي التل فِي الْحمام فِي حكم الدِّيَة لِئَلَّا يهدر الدَّم، وَمثله فِي خزانَة الْفَتَاوَى.
وَفِي خير مَطْلُوب خِلَافه قَالَ: شَهَادَة أهل السجْن بَعضهم على بعض فِيمَا يَقع بَينهم لَا تقبل، وَكَذَا شَهَادَة الصّبيان فِيمَا يَقع بَينهم فِي الملاعب، وَشَهَادَة النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجة لعدم حُضُور الْعُدُول فِي هَذِه الْمَوَاضِع، لَان الشَّارِع لما شرع طَرِيقا وَهُوَ مَنعهنَّ من الحمامات وَالصبيان عَن الملاعب والامتناع عَمَّا يسْتَحق بِهِ الْحَبْس كَانَ التَّقْصِير مُضَافا إِلَيْهِم لَا إِلَى الشَّرْع اه.
وَقد تقدم أَن الْمُعْتَمد جَوَاز دخولهن الحما إِذا لم يشْتَمل على مفْسدَة، وَمَعْلُوم أَنه قد يسجن من لَا مَعْصِيّة مِنْهُ كمعسر ومظلوم، وَالصبيان غير مكلفين حَتَّى يتَوَجَّه
خطاب الدّفع عَلَيْهِم.
فَمَا علل بِهِ لَا يظْهر على أَن الْمعْصِيَة لَا تنَافِي إِقَامَة الاحكام، أَلا ترى أَن فِي حانة الْخمر تجْرِي لَهُ وَعَلِيهِ الاحكام، فالاظهر مَا فِي الْحَاوِي وخزانة الْمُفْتِينَ لمسيس الْحَاجة.
قَالَ الْحَمَوِيّ فِي الْمُلْتَقط من كتاب الْمَوَارِيث: إِذا ادَّعَت امْرَأَة الْمَيِّت أَنَّهَا حُبْلَى تعرض على امْرَأَة ثِقَة أَو امْرَأتَيْنِ، فَإِن لم يُوقف على شئ من عَلَامَات الْحمل قسم مِيرَاثه، فَإِن وقف على شئ من عَلَامَات الْحمل يُوقف نصيب ابْنَيْنِ، وَنَحْوه عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد ط.
قَوْله: (ونصابها) أَي الشَّهَادَة.
قَوْلُهُ: (لِغَيْرِهَا) أَيْ لِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَالُ.
مِنَحٌ.
فَشَمِلَ الْقَتْلَ خَطَأً وَالْقَتْلَ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ لِأَنَّ مُوجَبَهُ الْمَالُ، وَكَذَا تقبل فِيهِ الشَّهَادَة عَن الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي.
رَمْلِيٌّ عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ.
قَوْله: (سَوَاء كَانَ الْحق مَالا أَو غَيره) أطلقهُ فَشَمَلَ المَال وَغَيره.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَشَمل الشَّهَادَة على قتل الْخَطَأ، وَمَا لَا يُوجب الْقصاص من قبيل الشَّهَادَة على المَال.
قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِقَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ بِقَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ تُقْبَلُ إِلَى آخر مَا مر.
مطلب: لَا فرق فِي الشَّهَادَة بَين الْوَصِيَّة والايصاء
قَوْله: (وَوَصِيَّة) أَي الايصاء إِذْ الْكَلَام فِيمَا لَيْسَ بِمَال قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَلَعَلَّ الْحَال لَا يفْتَرق فِي الحكم بَين الشَّهَادَة بِالْوَصِيَّةِ والايصاء اه.
قَوْله: (واستهلال صبي) هَذَا قَوْله، وَعِنْدَهُمَا يثبت بِشَهَادَة الْقَابِلَة وَهُوَ الارجح كَمَا سلف.
قَوْله: (وَلَو) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوْ بِلَا وَاوٍ، وَالظَّاهِرُ حذفهَا.
تَأمل.
قَوْله: (للارث) أَي وَالْعتاق وَالنّسب عِنْده، فالمصنف جرى على مَذْهَب الامام، وَالشَّارِح فِيمَا تقدم جرى على مَذْهَبهمَا كَمَا ترى.
قَوْله: (إِلَّا فِي حوادث صبيان الْمكتب) هَذَا مُكَرر مَعَ مَا تقدم.
وَالَّذِي فِي الْمُلْتَقط عدم التَّقْيِيد بصبيان الْمكتب فَيعم صبيان الحرفة، فَالظَّاهِر أَن التَّقْيِيد بصبيان الْمكتب هُنَا اتفاقي.
أَبُو السُّعُود.
قَوْله: (أَو رجل وَامْرَأَتَانِ) لقَوْله تَعَالَى: * (فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ) * (الْبَقَرَة: 282) وَمعنى الْآيَة على مَا ذكره إِن لم يشهدَا حَال كَونهمَا رجلَيْنِ فليشهد رجل وَامْرَأَتَانِ، وَلَوْلَا هَذَا التَّأْوِيل لما اعْتبر شَهَادَتهنَّ مَعَ وجود الرِّجَال، وشهادتهن مُعْتَبرَة مَعَهم عِنْد الِاخْتِلَاط بِالرِّجَالِ، حَتَّى إِذا شهد رجال ونسوة بشئ يُضَاف الحكم إِلَى الْكل حَتَّى يجب الضَّمَان على الْكل عِنْد الرُّجُوع اه ط.(7/489)
قَالَ فِي الْبَحْر: والاصل فِي شَهَادَة النِّسَاء الْقبُول لوُجُود مَا يبتني عَلَيْهِ أَهْلِيَّة الشَّهَادَة، وَهِي الْمُشَاهدَة والضبط والاداء، ونقصان الضَّبْط بِزِيَادَة النسْيَان انجبر بِضَم الاخرى إِلَيْهَا فَلم يبْق بعد ذَلِك إِلَى الشُّبْهَة، وَلِهَذَا لَا تقبل فِيمَا يندرئ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذِه الْحُقُوق تثبت بِالشُّبُهَاتِ.
وحقق الاكمل فِي الْعِنَايَة بِأَنَّهُ لَا نُقْصَان فِي عقلهن فِيمَا هُوَ منَاط التَّكْلِيف بل فِيمَا هُوَ الْعقل بالملكة، ففيهن نُقْصَان بمشاهدة حالهن فِي تحصل البديهيات بِاسْتِعْمَال الْحَواس الجزئيات وبالنسبة إِن ثبتَتْ، فَإِنَّهُ لَو كَانَ فِي ذَلِك نُقْصَان لَكَانَ تكليفهن دون تَكْلِيف الرِّجَال فِي الاركان، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: ناقصات عقل المُرَاد بِهِ الْعقل بِالْعقلِ وَلذَلِك.
لم يصلحن للولاية والخلافة والامارة اه مُلَخصا.
وَتَمَامه فِيهِ.
قَوْله: (وَلَا يفرق بَينهمَا) أَي الْمَرْأَتَيْنِ، حُكيَ أَن أم بشر شهِدت هِيَ وَأم الشَّافِعِي عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَقَالَ الْحَاكِمُ فَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، فَقَالَتْ لَيْسَ لَك ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: * (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) * (الْبَقَرَة: 282) فَسَكَتَ الْحَاكِم كَذَا فِي الْبَحْر.
قَالَ التَّاج السُّبْكِيّ بعد نقل هَذِه الْحِكَايَة: وَهَذَا فرع حسن واستنباط جيد ومنزع غَرِيب، وَالْمَعْرُوف فِي مَذْهَب وَلَدهَا إِطْلَاق القَوْل بِأَن الْحَاكِم إِذا ارتاب بالشهود اسْتحبَّ لَهُ التَّفْرِيق بَينهم، وكلامها صَرِيح فِي اسْتثِْنَاء النِّسَاء للمنزع الَّذِي ذكرته وَلَا بَأْس بِهِ اه.
وَمَا ذكره فِي الْبَحْر من الْحِكَايَة الْمَذْكُورَة لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَن الْمَذْهَب عندنَا عدم التَّفْرِيق فِي الشَّهَادَة للنِّسَاء إِذا ارتاب القَاضِي.
ذكره بعض الْفُضَلَاء.
قَوْله: (لقَوْله تَعَالَى فَتذكر إِحْدَاهمَا الاخرى) وَلَا تذكر إِلَّا مَعَ الِاجْتِمَاع.
قَوْله: (لِئَلَّا يكثر خروجهن) أَي وَلعدم وُرُود الشَّرْع بِهِ.
قَوْله: (وخصهن) أَي خص قبُول شَهَادَتهنَّ.
قَوْله: (وتوابعها) كالاجل وَشرط الْخِيَار.
منح.
وَالدَّلِيل لكل مَذْكُور فِي المطولات.
وَالْحَاصِل: أَن أَنْوَاع الشَّهَادَة سِتَّة (1) : مَا لَا يقبل إِلَّا بِشَهَادَة أَربع، وَمَا لَا يقبل إِلَّا برجلَيْن، وَمَا يقبل فِيهِ شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ، وَمَا قبل فِيهِ شَهَادَة الْمَرْأَة، وَمَا قبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء وحدهن بِحكم الدِّيَة كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: (وَلزِمَ) أَي شَرط، وَالشّرط هُنَا مَا لَا بُد مِنْهُ ليشْمل الرُّكْن وَالشّرط.
بَحر.
قَوْله: (من الْمَرَاتِب الاربع) هِيَ الزِّنَا وَبَقِيَّة الْحُدُود وَمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال، وَالرَّابِع
غَيرهَا من الْحُقُوق.
وَقيل لَا يشْتَرط فِي النِّسَاء وَهُوَ ضَعِيف، وَلَا بُد من شَرط آخر لجميعها وَهُوَ التَّفْسِير، حَتَّى لَو قَالَ أشهد مثل شَهَادَته لَا تقبل، وَلَو قَالَ مثل شَهَادَة صَاحِبي تقبل عِنْد الْعَامَّة، وَقَيده الاوزجندي بِمَا إِذا قَالَ لهَذَا الْمُدَّعِي على هَذَا الْمُدعى عَلَيْهِ، وَبِه يُفْتى.
خُلَاصَة.
وَقَالَ الْحلْوانِي: إِن كَانَ فصيحا لَا يقبل مِنْهُ الاجمال، وَإِن كَانَ عجميا يقبل بِشَرْط أَن يكون بِحَال إِن استفسر بَين.
وَقَالَ السَّرخسِيّ: إِن أحس القَاضِي بخيانة كلفه التَّفْسِير، وَإِلَّا لَا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: وَقَالَ الْحلْوانِي: لَو أقرّ الْمُدعى عَلَيْهِ أَو وَكيله فَقَالَ الشَّاهِد أشهد بِمَا ادَّعَاهُ هَذَا الْمُدَّعِي على هَذَا الْمُدعى عَلَيْهِ أَو قَالَ الْمُدَّعِي فِي يَده بِغَيْر حق يَصح عندنَا اه.
وفيهَا كَتَبَ شَهَادَتَهُ فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ أَنَّ لِهَذَا الْمُدَّعِي عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلَّ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، أَو قَالَ هَذَا الْمُدَّعِي الَّذِي
__________
(1)
قَوْله: (أَنْوَاع الشَّهَادَة سِتَّة) كَذَا بالاصل والمعدود خَمْسَة وليحرر اه.
مصححه.(7/490)
قُرِئَ وَوُصِفَ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي يُقْبَلُ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ لِطُولِ الشَّهَادَةِ وَلِعَجْزِ الشَّاهِدِ عَنْ الْبَيَانِ اه.
مطلب: لَا تقبل الشَّهَادَة بِلَفْظ أعلم أَو أتيقن
قَوْله: (لفظ أشهد) حَتَّى لَو قَالَ أعلم أَو أتيقن لَا تقبل شَهَادَته، لَان النُّصُوص ناطقة بِلَفْظ الشَّهَادَة فَلَا يقوم غَيرهَا مقَامهَا لما فِيهَا من زِيَادَة توكيد، لانها من أَلْفَاظ الْيَمين فَيكون معنى الْيَمين ملاحظا فِيهَا، خلافًا للعراقيين فَإِنَّهُم لَا يَشْتَرِطُونَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَيَجْعَلُونَهَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الاول لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا شَرَطَ فِيهِ شَرَائِط الشَّهَادَة من الْحُرِّيَّة ومجلس الحكم وَغَيرهَا.
يعقوبية.
قَوْله: (بِلَفْظ الْمُضَارع بالاجماع) فَلَا يجوز شهِدت لاحْتِمَال الاخبار عَمَّا مضى فَلَا يكون شَاهدا للْحَال.
قَوْله: (كطهارة مَاء) أَي ونجاسته وَنَحْوه حَيْثُ يقبل إِن عدلا، أما الْفَاسِق فخبره فِي الديانَات الَّتِي لَا يَتَيَسَّرُ تَلَقِّيهَا مِنْ الْعُدُولِ كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ، بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يَتَحَرَّى فِي خَبره: أَي الْفَاسِق، إذْ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ، وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، مَحْمُولٌ عَلَى
الْمَسْتُورِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ.
سَيِّدي الْوَالِد من الصَّوْم، وَتَمَامه فِي حَاشِيَته.
قَوْله: (ورؤية هِلَال) أَي هِلَال رَمَضَان.
قَوْله: (فَهُوَ إِخْبَار لَا شَهَادَة) لانه أَمر ديني فَأشبه رِوَايَة الاخبار.
هِدَايَة.
وَأما فِي الْمُعَامَلَات فَيقبل الْخَبَر وَلَو من كَافِر أَو فَاسق أَو عبد أَو صبي إِن غلب على الرَّأْي صَدَقَة كَمَا فِي الْحَظْر والاباحة من الدُّرَر.
قَوْله: (وَالْعَدَالَة لوُجُوبه) أَي وجوب القَاضِي على القَاضِي.
منح.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: أحسن مَا قيل فِي تَفْسِير الْعدْل أَنه المجتنب للكبائر غير الْمصر على الصَّغَائِر، صَلَاحه وَصَوَابه أَكثر من فَسَاده وخطئه، مُسْتَعْملا للصدق، مجتنبا للكذب ديانَة ومروءة، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن أبي يُوسُف اه.
وَنَحْوه فِي الذَّخِيرَة.
قَوْله: (وَمِنْه) أَي مِمَّا يطعن بِهِ فِيهِ.
قَوْله: (الْكَذِب) ذكر بَعضهم أَن الْكَذِب من الصَّغَائِر إِن لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مَا يصيره كَبِيرَة كَأَكْل مَال مُسلم أَو قذفه وَنَحْو ذَلِك ط.
قَوْله: (لَا لصِحَّته) أَي لصِحَّة الْقَضَاء: أَي نفاذه.
منح.
وَاعْلَم أَن صَاحب الْكَنْز تبع صَاحب الْهِدَايَة وَغَيره فِي اشْتِرَاط الْعَدَالَة كَلَفْظِ الشَّهَادَة تَسْوِيَة مِنْهُم بَينهمَا، وَلَيْسَ كَذَلِك لَان لفظ الشَّهَادَة: أَي أشهد شَرط لصِحَّة الاداء بل رُكْنه كَمَا قدمْنَاهُ.
وَأما الْعَدَالَة فَلَيْسَتْ شرطا فِي صِحَة الاداء، وَإِنَّمَا ظُهُورهَا شَرط وجوب الْقَضَاء على الْقَضَاء كَمَا قدمْنَاهُ، وَبِه صرح صدر الشَّرِيعَة وَصَاحب الْبَدَائِع وَالْبَحْر والمنح، وتبعهم الشَّارِح تبعا لما فِي الْهِدَايَة، وَأقرهُ ابْن الْهمام حَيْثُ قَالَ فِي الْهِدَايَة: لَو قضى القَاضِي بِشَهَادَة الْفَاسِق صَحَّ عندنَا.
زَاد فِي فتح الْقَدِير: وَكَانَ عَاصِيا.
قَوْله: (فَلَو قضى بِشَهَادَة فَاسق نفذ) هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يحفظ.
دُرَر.
وَظَاهر قَوْله وَهُوَ مِمَّا يحفظ اعْتِمَاده.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْفَاسِقِ: فَإِنْ تَحَرَّى الْقَاضِي الصِّدْقَ فِي شَهَادَتِهِ تُقْبَلُ، وَإِلَّا فَلَا اه.
قَوْله: (الامام) أَي الاعظم وَهُوَ السُّلْطَان بِأَن قَالَ لمستنيبه لَا(7/491)
تقض بِشَهَادَة الْفَاسِق.
قَوْله: (فَلَا ينفذ) أَي الْقَضَاء بِشَهَادَة الْفَاسِق لمنع الامام القَاضِي عَن الْقَضَاء بِهِ.
قَوْله: (لما مر) أَي فِي كتاب الْقَضَاء.
قَوْله: (يتأقت) قِيَاس مادته يتوقت بِالْوَاو.
قَوْله: (وَقَول مُعْتَمد) وَظَاهره أَنه إِذا أطلق أوامره بِالْقضَاءِ بِهِ أَن يجوز الْقَضَاء بِهِ.
وَقد ذكرُوا أَنه لَا يجوز الْعَمَل بالْقَوْل الضَّعِيف إِلَّا للانسان فِي خَاصَّة نَفسه إِذا كَانَ لَهُ رَأْي، وَبَعْضهمْ منع الْعَمَل بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يجوز الْعَمَل
بِهِ عِنْد الاطلاق وَلَا عِنْد التَّصْرِيح، وَيُحَرر.
وَيحْتَمل أَنه رَاجع إِلَى الْقَضَاء فِي ذَاته وَإِن لم يُقيد بذلك الامام ط.
أَقُول: تحريره مَا نقل الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ (الْعِقْد الْفَرِيدِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ) : مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مَنْعُ الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فِي الْقَضَاءِ والافتاء دون الْعَمَل لنَفسِهِ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْعُ عَنْ الْمَرْجُوحِ حَتَّى لِنَفْسِهِ لكَون الْمَرْجُوح صَارَ مَنْسُوخًا اه.
فَلْيُحْفَظْ.
وَقَيَّدَهُ الْبِيرِيُّ بِالْعَامِّيِّ: أَيْ الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ يَعْرِفُ بِهِ مَعْنَى النُّصُوصِ حَيْثُ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؟ نَعَمْ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ.
أَمَّا إذَا كَانَ عَامِّيًّا فَلَمْ أَرَهُ، لَكِنْ مُقْتَضَى تَقْيِيدِهِ بِذِي الرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ ذَلِكَ.
قَالَ فِي خِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ مَعْنَى النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الدِّرَايَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُخَالفا لمذهبه اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَهَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي حَيْضِ الْبَحْرِ فِي بَحْثِ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ أَقْوَالًا ضَعِيفَةً.
ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ فَخْرِ الائمة: لَو أفتى مفت بشئ من هَذِه الاقوال فِي مَوَاضِع الضَّرُورَة كَانَ حَسَنًا اه.
وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ بَعْدَ فُتُورِ الشَّهْوَةِ لَا يَجِبُ بِهِ الْغَسْلُ ضَعِيفٌ.
وَأَجَازُوا الْعَمَلَ بِهِ لِلْمُسَافِرِ أَوْ الضَّيْفِ الَّذِي خَافَ الرِّيبَةَ وَذَلِكَ من مَوَاضِع الضَّرُورَة.
قَوْله: (ذِي الْمُرُوءَة) وَهِي آدَاب نفسانية تحمل على محَاسِن الاخلاق وَجَمِيل الْعَادَات، والهمزة وَتَشْديد الْوَاو فِيهِ لُغَتَانِ، وَالْمرَاد الْفَاسِق ذُو الْمُرُوءَة كمكاس.
قَوْله: (فَقَوْل الثَّانِي بَحْرٌ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي.
قَوْله: (فِي مُقَابلَة النَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم) * (الطَّلَاق: 2) وَقَوله تَعَالَى: * (مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء) * (الْبَقَرَة: 282) أَي فَلَا يقبل، وَأقرهُ المُصَنّف.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَبُولُ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَبْلَ تَعَرُّفِ حَالِهِ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي مِنْ حَالِهِ الصِّدْقُ وَقَبِلَهُ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلنَّصِّ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالنَّصِّ قَوْله تَعَالَى: * (وَأشْهدُوا) * (الطَّلَاق: 2) الْآيَة، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْعَدْلِ إنَّمَا هِيَ بِالْمَفْهُومِ، وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا، وَلَا سِيَّمَا هُوَ مَفْهُومُ لَقَبٍ، مَعَ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى
تَدُلُّ عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ عِنْد التَّبْيِين عَن حَاله كَمَا قُلْنَا.
تَأمل.
قَوْله: (وَهِي) أَي الشَّهَادَة.
قَوْله: (على حَاضر) أَي خصم حَاضر، وَالْمرَاد بِهِ جنس الْخصم ليشْمل المتداعيين.
قَوْله: (يحْتَاج الشَّاهِد) أَي فِي قبُول شَهَادَته.
قَوْله: (إِلَى الاشارة) أَي إِشَارَة الشَّاهِد.
قَوْله: (مَوَاضِع) الاولى أَشْيَاء.
قَوْله: (بِأَن لَا(7/492)
يُشَارِكهُ فِي الْمصر غَيره) لم يشْتَرط هَذَا فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
شرنبلالية.
مطلب: إِذا عرف باللقب واشتهر بِهِ لَا يلْزم ذكر أَبِيه وجده حَيْثُ لم يشْتَهر بهما
قَوْله: (فَالْمُعْتَبر التَّعْرِيف لَا تَكْثِير الْحُرُوف) قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَالْحَاصِل أَن الْمُعْتَبر حُصُول الْمعرفَة وارتفاع الالتباس بِأَيّ وَجه كَانَ.
وَقَالَ فِي أثْنَاء الْفَصْل السَّابِع فِي تَحْدِيد الْعقار ودعواه مَا نَصه: كَمَا لَو كَانَ الرجل مَعْرُوفا مَشْهُورا باسمه أَو بلقبه لَا بِأَبِيهِ وجده يَكْتَفِي بِذكر مَا اشْتهر بِهِ، وجهالة أَبِيه وجده لَا تضر التَّعْرِيف، بل ذكره وَعَدَمه سَوَاء لعدم معرفَة النَّاس بِهِ اه وَنَحْوه فِي نور الْعين.
قَوْلُهُ: (أَوْ بِلَقَبِهِ) وَكَذَا بِصِفَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الحامدية، فِيمَن شهد أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُتِلَتْ فِي سُوقِ كَذَا يَوْم كَذَا وَقْتِ كَذَا قَتَلَهَا فُلَانٌ تُقْبَلُ بِلَا بَيَانِ اسْمِهَا وَأَبِيهَا حَيْثُ كَانَتْ مَعْرُوفَةً لَمْ يُشَارِكْهَا فِي ذَلِك غَيرهَا.
قَالَ فِي الاشباه: وتكفي النِّسْبَة إِلَى الزَّوْج لَان الْمَقْصُود الاعلام، وَفِي العَبْد اسْمه وَاسم مَوْلَاهُ وَأبي مَوْلَاهُ، وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَار على الِاسْم إِلَّا أَن يكون مَشْهُورا.
قَوْلُهُ: (جَامِعُ الْفُصُولَيْنِ) أَيْ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ.
قَوْله: (وَلَا يسْأَل عَن شَاهد) أَي عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: أَي لَا يجب على الْحَاكِم أَن يسْأَل عَن الشَّاهِد، بل يجوز لَهُ الِاقْتِصَار على ظَاهر الْعَدَالَة فِي الْمُسلم.
قَوْله: (بِلَا طعن من الْخصم) قَالَ الرَّمْلِيّ: وَلَو بِالْجرْحِ الْمُجَرّد، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله فِيمَا يَأْتِي: وَلَا يسمع القَاضِي الشَّهَادَة على جرح مُجَرّد لَان عدم سماعهَا لعدم دُخُوله تَحت الحكم، وَإِلَّا فَالْخَبَر عَن فسق الشُّهُود يَمْنَعُ الْقَاضِيَ عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمِ بِهَا، فالطعن بِهِ مسموع مِنْهُ قبل التَّزْكِيَة، وسيظهر من مسَائِل الطعْن، وَالله تَعَالَى أعلم اه.
قَوْله: (إِلَّا فِي حد وقود) أَي فَإِنَّهُ يسْأَل عَنْهُم للاحتيال فِي إِسْقَاطهَا فيستقصى، ولان الشُّبْهَة فِيهَا دارئة.
وَالْحَاصِل: أَنه إِن طعن الْخصم سَأَلَ عَنْهُم فِي الْكُلِّ، وَإِلَّا سَأَلَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَفِي
غَيْرِهَا مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ.
وَقِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا فِي هَذَا الزَّمَان.
بَحر عَن الْهِدَايَة.
قَوْله: (وَعِنْدَهُمَا يسْأَل فِي الْكل) أَيْ وُجُوبًا، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ عِنْدَهُمَا كَمَا أوضحه فِي الْبَحْر: أَي فيأثم بِتَرْكِهِ وَلَا يبطل الحكم اه.
حموي.
قَالَ فِي الْمُحِيط البرهاني: لَو قضى بِالْحَدِّ بِبَيِّنَة ثمَّ ظهر أَنهم فساق بعد مَا رجم فَإِنَّهُ لَا ضَمَان على القَاضِي لانه لم يظْهر الْخَطَأ بِيَقِين اه.
وَهَذَا يدل على أَن القَاضِي لَو قضى فِي الْحُدُود قبل السُّؤَال بِظَاهِر الْعَدَالَة فَإِنَّهُ يَصح وَإِن كَانَ آثِما، فَقَوله فِي الْهِدَايَة: يشْتَرط الِاسْتِقْصَاء مَعْنَاهُ يجب، وَمعنى قَول الامام يقْتَصر الْحَاكِم يجوز اقْتِصَاره لَا أَنه يجب اقْتِصَاره اه.
فرع: فِي الْمُلْتَقط صَبِيٌّ احْتَلَمَ لَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ مَا لَمْ أسأَل عَنهُ، وَلَا بُد أَن يَتَأَتَّى بَعْدَ الْبُلُوغِ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِ أهل محلته ومسجده أَنه صَالح أَو غَيره اه.
قَوْله: (إِن جهل بحالهم بَحر) وَعبارَته: وَمحل السُّؤَال على قَوْلهمَا عِنْدَ جَهْلِ الْقَاضِي بِحَالِهِمْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ: الْقَاضِي إذَا(7/493)
عَرَفَ الشُّهُودَ بِجَرْحٍ أَوْ عَدَالَةٍ لَا يَسْأَلُ عَنْهُم اه.
قَوْله: (سرا) بِأَن يبْعَث الرقعة وَيُقَال لَهَا المستورة لسترها عَن أعين النَّاس إِلَى الْمُزَكي، وَيكْتب فِي ذَلِك الْبيَاض نسب الشَّاهِد وحليته ومسجده الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ، ثمَّ يكْتب الْمُزَكي الَّذِي بعث القَاضِي إِلَيْهِ عَدَالَته، بِأَن يكْتب: هُوَ عدل جَائِز الشَّهَادَة، وَإِن لم يعرفهُ بشئ كتب: هُوَ مَسْتُور، وَمن عرفه بفسق لم يُصَرح بِهِ بل يسكت تَحَرُّزًا عَن هتك السّتْر، أَو يكْتب الله تَعَالَى أعلم بِهِ، إِلَّا إِذا عدله غَيره وَخَافَ أَنه إِن لم يُصَرح بِهِ يقْضِي بِشَهَادَتِهِ يُصَرح بِهِ.
كَذَا فِي البناية.
وَفَائِدَة السِّرّ أَن الْمُزَكي إِذا جرح الشَّاهِد يَقُول القَاضِي للْمُدَّعِي هَات شَاهدا آخر وَلَا يَقُول إِنَّه مَجْرُوح.
وَفِي هَذَا صِيَانة عَن هتك حُرْمَة الْمُسلم وصيانة حَال الْمُزَكي.
وَلَو تعَارض الْجرْح وَالتَّعْدِيل، قَالَ الْعَلامَة قَاسم: إِذا جرح وَاحِد وَعدل وَاحِد فعندهما الْجرْح أولى، لَان مَذْهَبهمَا أَن الْجرْح وَالتَّعْدِيل بثبت بقول وَاحِد كَمَا لَو كَانَ فِي كل جَانب اثْنَان.
مطلب: لَو جرحه وَاحِد وعدله اثْنَان فالتعديل، وَإِن جرحه اثْنَان وعدله عشرَة فالجرح وَعند مُحَمَّد تتَوَقَّف الشَّهَادَة حَتَّى يجرحه وَاحِد أَو يعدله فَيثبت الْجرْح أَو التَّعْدِيل، فَإِن جرحه
وَاحِد وعدله اثْنَان فالتعديل أولى بالاجماع، وَإِن جرحه اثْنَان وعدله عشرَة فالجرح أولى، فَلَو قَالَ الْمُدَّعِي بعد الْجرْح أَنا أجئ بِقوم صالحين يعدلونهم.
قَالَ فِي الْعُيُون قبل ذَلِك: وَفِي النَّوَادِر أَنه لَا يقبل، وَهُوَ اخْتِيَار ظهير الدّين.
وعَلى قَول من يقبل إِذا جَاءَ بِقوم ثِقَة يعدلونهم فَالْقَاضِي يسْأَل الجارحين فلعلهم جرحوا بِمَا لَا يكون جرحا عِنْد القَاضِي لَا يلْتَفت إِلَى جرحهم، وَهَذَا ألطف الاقاويل، وَبِه جزم فِي الْخَانِية.
وَكَذَا لَو عدل الْمُزَكي الشُّهُود سرا وَطعن الشُّهُود عَلَيْهِ وَقَالَ القَاضِي سل عَنْهُم فلَانا وَفُلَانًا وسمى قوما يصلحون.
مطلب: لَو عدل شَاهد وَقضي وَمضى مُدَّة وَشهد فِي أُخْرَى وَلَو عدل شَاهد فِي قَضِيَّة وَقضى بِهِ ثمَّ شهد فِي أُخْرَى: إِن بَعدت الْمدَّة أُعِيد التَّعْدِيل، وَإِلَّا لَا.
وَفِي الظَّهِيرِيَّة: القَاضِي إِذا عرف أَحدهمَا بِالْعَدَالَةِ فَسَأَلَهُ عَن صَاحبه فعدله قَالَ نصير لَا يقبل، وَلابْن سَلمَة قَولَانِ.
مطلب: إِذا ردَّتْ الشَّهَادَة لعِلَّة ثمَّ زَالَت تِلْكَ الْعلَّة وَفِي الْبَزَّازِيَّة: من ردَّتْ شَهَادَته فِي حَادِثَة لَعَلَّه ثمَّ زَالَت الْعلَّة فَشهد لم تقبل إِلَّا فِي أَرْبَعَة: الصَّبِي، وَالْعَبْد، وَالْكَافِر على الْمُسلم، والاعمى إِذا شهد وأفردت فَزَالَ الْمَانِع فَشَهِدُوا يقبل، وَقد جمعهَا الْعَلامَة الْمَقْدِسِي فِي قَوْله: إِن زَالَت الْعلَّة فِي شهاده ردَّتْ فَلَا تقبل فِي الاعاده فِي غير مَا أَرْبَعَة فِي الْعد أعمى وَكَافِر صبي عبد مطلب: يفرق بَين الْمَرْدُود بتهمة أَو لشُبْهَة وَفِي الْبَحْر: يفرق بَين الْمَرْدُود لتهمة وَبَين المرود لشُبْهَة، فَالثَّانِي يقبل عِنْد زَوَالهَا، بِخِلَاف الاول فَإِنَّهُ لَا يقبل مُطلقًا إِلَيْهِ أَشَارَ فِي النَّوَازِل.
وَذَلِكَ كأجير الوحد لَا تقبل شَهَادَته مَا دَامَت الاجارة قَائِمَة، فَإِذا انْقَضتْ قبلت.
قَوْله: (وعلنا) بِفَتْح اللَّام مصدر علن الامر: ظهر وانتشر.
وَفِي الْمِصْبَاح: علن الامر علونا من بَاب قعد: ظهر وانتشر فَهُوَ عالن، وعلن علنا من بَاب تَعب لُغَة، فَهُوَ علن(7/494)
وعلين، وَالِاسْم الْعَلَانِيَة، بِأَن يجمع بَين الْمُزَكي وَالشَّاهِد الَّذِي زَكَّاهُ وَيَقُول للمزكي هَذَا هُوَ الَّذِي
زكيته.
حموي.
قَالَ فِي الْبَحْر: لَو زكى من فِي السِّرّ علنا يجوز عندنَا، والخصاف شَرط تغايرهما.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وَلَو قَالَ الْمُؤلف: ثمَّ علنا ليُفِيد أَنه لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ تَزْكِيَةِ السِّرِّ عَلَى الْعَلَانِيَة لَكَانَ أولى، لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا أَقْبَلُ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ حَتَّى يُزَكَّى فِي السِّرِّ اه.
وَشَمل سُؤال القَاضِي عَن الشَّاهِد الاصلي والفرعي فَيسْأَل عَن الْكل.
كَذَا عَن أبي يُوسُف.
وَعَن مُحَمَّد: يسْأَل عَن الاولين، فَإِن زكيا سَأَلَ عَن الآخرين.
كَذَا فِي الْمُلْتَقط.
تَنْبِيه: لَا تجوز التَّزْكِيَة إِلَّا أَن تعرفه أَنْت أَو وصف لَك أَو عرفت أَن القَاضِي زَكَّاهُ أَو زكى عِنْده.
وَقَالَ مُحَمَّد: كم من رجل أقبل شَهَادَته وَلَا أقبل تعديله، يَعْنِي أَن الشَّهَادَة على الظَّوَاهِر وَلَا كَذَلِك التَّعْدِيل، كَذَا فِي الْمُلْتَقط.
مطلب: يشْتَرط فِي التَّزْكِيَة شُرُوط فَيشْتَرط لجوازها شُرُوط: الاول أَن تكون الشَّهَادَة عِنْد قَاض عدل عَالم.
الثَّانِي أَن تعرفه وتختبره بشركة أَو مُعَاملَة أَو سفر.
الثَّالِث أَن تعرف أَنه ملازم للْجَمَاعَة.
الرَّابِع أَن يكون مَعْرُوفا بِصِحَّة الْمُعَامَلَة فِي الدِّينَار وَالدِّرْهَم.
الْخَامِس أَن يكون مُؤديا للامانة.
السَّادِس أَن يكون صَدُوق اللِّسَان.
السَّابِع اجْتِنَاب الْكَبَائِر.
الثَّامِن أَن تعلم مِنْهُ اجْتِنَاب الاصرار على الصَّغَائِر وَمَا يخل بالمروءة.
وَالْكل فِي شرح أدب الْقَضَاء للخصاب.
وَفِي النَّوَازِل: من قَالَ لَا أَدْرِي أَنا مُؤمن أَو غير مُؤمن لَا تعدله وَلَا تصل خَلفه.
مطلب: عرف فسق الشَّاهِد فَغَاب ثمَّ قدم وَفِي الْبَزَّازِيَّة: عرف فسق الشَّاهِد فَغَاب غيبَة مُنْقَطِعَة ثمَّ قدم، وَلَا يدْرِي مِنْهُ إِلَّا الصّلاح لَا يجرحه الْمعدل وَلَا يعدله.
مطلب: لَو كَانَ مَعْرُوفا بالصلاح فَغَاب ثمَّ عَاد فَهُوَ على عَدَالَته وَلَو كَانَ مَعْرُوفا بالصلاح فَغَاب غيبَة مُنْقَطِعَة ثمَّ حضر فَهُوَ على الْعَدَالَة.
والشاهدان لَو عدلا بعد مَا تابا يقْضى بِشَهَادَتِهِمَا، وَكَذَا لَو غابا ثمَّ عدلا، وَلَو خرسا أَو عميا لَا يقْضى.
تَابَ الْفَاسِق لَا
يعدله كَمَا تَابَ، بل لَا بُد من مُضِيّ زمَان يَقع فِي الْقلب صدقه فِي التَّوْبَة اه.
بَحر.
وَفِيه: وَشَمل إِطْلَاقه مَا إِذا كَانَ الشَّاهِد غَرِيبا، فَإِن كَانَ وَلَا يجد معدلا فَإِنَّهُ يكْتب إِلَى قَاضِي بَلَده ليخبره عَن حَاله أَو إِلَى أهل بلدته ليعرف حَاله، وَكَذَا غَرِيب نزل بَين ظهراني قوم لَا يعدله حَتَّى تبعد الْمدَّة وَيظْهر حَاله للْقَوْم.
وَكَانَ الامام الثَّانِي يَقُول: إِن الْمدَّة سِتَّة أشهر ثمَّ رَجَعَ إِلَى سنة، وَمُحَمّد لم يقدره بل على مَا يَقع فِي الْقُلُوب الوثوق، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اه مُلَخصا.
قَوْلُهُ: (بِهِ يُفْتَى) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي الْكُلِّ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِن طعن الْخصم سَأَلَ عَنْهُم فِي الْكل إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ قَرِيبا، فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ سِرًّا وَعَلَنًا لِئَلَّا يُوهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ فَإِنَّهُ سَيَنْقُلُ أَنَّ الْفَتْوَى الِاكْتِفَاءُ بِالسِّرِّ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ فِي مَتْنِهِ.
وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ مَا فِي الْكَنْزِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَلَانِيَةِ خِلَافُ الْمُفْتَى بِهِ بَلْ فِي الْبَحْرِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ تَزْكِيَةِ السِّرّ على الْعَلَانِيَة إِلَى آخر مَا قدمْنَاهُ آنِفا، فَتنبه.(7/495)
أَقُول: وَعمل قُضَاة زَمَاننَا الْآن على تَزْكِيَة السِّرّ وَالْعَلَانِيَة لوُرُود الامر السلطاني بذلك.
قَوْله: (لانهما كَانَا فِي الْقرن الرَّابِع) بعد تغير أَحْوَال النَّاس، فظهرت الْخِيَانَة وَالْكذب.
وَأَبُو حنيفَة كَانَ فِي الْقرن الثَّالِث وهم نَاس شهد لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله بِالْخَيرِ وَالصَّلَاح، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام خير الْقُرُون قَرْني الَّذِي أَنا فِيهِ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ يفشو الْكَذِب حَتَّى يحلف الرجل قبل أَن يسْتَحْلف، وَيشْهد قبل أَن يستشهد اه.
زَيْلَعِيّ.
وَهَذَا بِنَاء على أَن الْقرن خَمْسُونَ سنة كَمَا نَقله الاخضري فِي شرح السّلم اه.
ح.
وَقَالَ ابْن حجر فِي شرح البُخَارِيّ: يُطلق الْقرن على مُدَّة من الزَّمَان.
وَاخْتلفُوا فِي تحديدها من عشرَة أَعْوَام إِلَى مائَة وَعشْرين، لَكِن لم أر من صرح بالسبعين وَلَا بِمِائَة وَعشرَة، وَمَا عدا ذَلِك فقد قَالَ بِهِ قَائِل اه.
مطلب: تَارِيخ وَفَاة أَئِمَّتنَا الثَّلَاثَة وَذكروا أَن الامام مَاتَ سنة 150 مائَة وَخمسين، وَأَبُو يُوسُف سنة 182 مائَة واثنتين وَثَمَانِينَ،
وَمُحَمّد سنة 187 مائَة وَسبع وَثَمَانِينَ.
فَإِن قلت: هلا قَالَ الشَّارِح فِي الْقرن الثَّالِث عوضا عَن قَوْله فِي الْقرن الرَّابِع لانهم أدركوا أَبَا حنيفَة وَهُوَ من التَّابِعين الَّذين هم أهل الْقرن الثَّانِي، كَمَا أَن الصَّحَابَة هم أهل الْقرن الاول؟ فيجاب: إِن الَّذين كَانُوا يتحاكمون إِلَى الصاحبين هم أهل الْقرن الرَّابِع وهم مَا بعد أَتبَاع التَّابِعين.
قَوْله: (سراجية) عبارتها كَمَا فِي الْبَحْر: أَو الْفَتْوَى على أَنه يسْأَل فِي السِّرّ.
وَقد تركت التَّزْكِيَة فِي الْعَلَانِيَة فِي زَمَاننَا كي لَا يخدع الْمُزَكي أَو يخوف اه.
وَقد كَانَت الْعَلَانِيَة وَحدهَا فِي الصَّدْر الاول.
ويروى عَن مُحَمَّد تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة بلَاء وفتنة اه.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وتزكية السِّرّ أحدثها شُرَيْح، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمرَات وَغَيره.
وَيشكل مَا فِي الِاخْتِيَار أَنه يسْأَل سرا وَعَلَانِيَة وَعَلِيهِ الْفَتْوَى اه.
قلت: يُمكن إرجاعه إِلَى قَوْله يسْأَل: أَي لَا يَكْتَفِي بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَة، فَهُوَ تَرْجِيح لقولهما.
تَأمل.
قَالَه سَيِّدي الْوَالِد.
قَوْله: (لثُبُوت الْحُرِّيَّة بِالدَّار دُرَر) وَنَحْوه فِي الْهِدَايَة، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بقول هُوَ عَدْلٌ، لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي قَذْفٍ بَعْدَ التَّوْبَة عدل غير جَائِز الشَّهَادَة، وَكَذَا الاب إِذا شهد لِابْنِهِ فَلَا بُد من زِيَادَة جَائِز الشَّهَادَة كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة وَيَنْبَغِي تَرْجِيحه اه.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: يَنْبَغِي أَن يعدل قطعا وَلَا يَقُول هم عِنْدِي عدُول لاخبار الثِّقَات بِهِ، وَلَو قَالَ لَا أعلم مِنْهُم إِلَّا خيرا فَهُوَ تَعْدِيل فِي الاصح.
قَوْلُهُ: (الْحُرِّيَّةُ) مُخَالِفٌ لِمَا نُقِلَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ أَحْرَارٌ، إلَّا فِي الشَّهَادَةِ وَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَمَا لَا يَخْفَى.
فَلْيُتَأَمَّلْ.
يَعْقُوبِيَّةٌ.
لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ بِالرِّقِّ كَمَا قَيَّدَهُ الْقَدُورِيّ.
قَوْله: (فَهُوَ) أَي لفظ عدل بعبارته: أَي بمنطوقه فِيهِ أَنه لَا يكون كَذَلِك إِلَّا إِذا كَانَت الْحُرِّيَّة تفهم منطوقا من الْعدْل، وَلَا يُطلق على العَبْد عدل مَعَ أَنه لَيْسَ كَذَلِك ط.
قَوْله: (بعبارته) أَي(7/496)
بمنطوقه وَهُوَ مَا سيق الْكَلَام لَهُ.
قَوْله: (وبدلالته) هُوَ الحكم الَّذِي يُسَاوِي الْمَنْطُوق لَكِن لم يسق النَّص إِلَيْهِ، وَهُوَ يُفِيد أَن الْمَحْدُود فِي الْقَذْف لَا يكون عدلا وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلذَا اخْتَار السَّرخسِيّ عدم
الِاكْتِفَاء بقوله هُوَ عدل كَمَا قدمْنَاهُ آنِفا.
وَقد جعل الْحلَبِي مرجع الضَّمِير فِي
قَوْله: (فَهُوَ بعبارته) إِلَى الْأَصْلُ فِيمَنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الْحُرِّيَّةُ بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة الْمُسَمّى بِدلَالَة النَّص، فَإِنَّهُ بمنطوقه جَوَاب عَن النَّقْض بِالْعَبدِ الْوَارِد على قَول الْمُزَكي هُوَ عدل فَقَط، وبدلالته الَّذِي هُوَ مَفْهُوم الْمُوَافقَة جَوَاب عَن النَّقْص بالمحدود فِي الْقَذْف الْوَارِد على عبارَة الْمُزَكي السَّابِقَة، وَإِنَّمَا دلّ بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَدَمُ الْحَدِّ فِي الْقَذْفِ أَيْضًا فَهُوَ مُسَاوٍ اه.
قَوْلُهُ: (وَالتَّعْدِيلُ) أَيْ التَّزْكِيَةُ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الْخَصْمِ) أَي الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي بالاولى كتعديل الشَّاهِد نَفسه، وَأطْلقهُ فَشَمَلَ مَاذَا عَدَّلَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَيَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ، فَإِنَّهُ قَبْلَ الدَّعْوَى لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ كَذِبٌ فِي إنْكَارِهِ وَقْتَ التَّعْدِيلِ وَكَانَ الْفِسْقُ الطَّارِئُ عَلَى الْمُعَدَّلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَالْمُقَارِنِ.
بَحْرٌ.
قَوْلُهُ: (لَمْ يَصح) أَي لم يَصح مزكيا، لَان فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَاذِبٌ فِي الانكار ومبطل فِي الاصرار، وَتَزْكِيَةَ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ، هَذَا عِنْدَ الامام رَحمَه الله تَعَالَى.
وَعِنْدَهُمَا: يَصح إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا، لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ: لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخر إِلَيْهِ.
دُرَر.
وَمفَاده أَنه لَو كَانَ مقرا يَصح.
قَالَ فِي منية الْمُفْتِي: الْمَشْهُود عَلَيْهِ إِذا كَانَ ساكتا غير جَاحد للحق فَقَالَ هم عدُول يقبل بالِاتِّفَاقِ، فَإِن جحد وَقَالَ هم عدُول لَكِن أخطؤوا أَو نسوا فَفِي صِحَة التَّعْدِيل ووايتان اه.
وَهَذَا مَوْضُوع الْمَسْأَلَة.
وَفِي شرح أدب الْقَضَاء للصدر الشَّهِيد أَن يكون مقرا بقوله صدقُوا فِيمَا شهدُوا بِهِ عَليّ، وَبِقَوْلِهِ هم عدُول فِيمَا شهدُوا بِهِ عَليّ أطلقهُ وَقَيده.
فِي الْبَزَّازِيَّة: بِمَا إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يرجع إِلَيْهِ فِي التَّعْدِيل، فَإِن كَانَ صَحَّ قَوْله.
مطلب: جرح الشَّاهِد نَفسه مَقْبُول قَالَ فِي الْبَحْر: وَأما جرح الشَّاهِد نَفسه فمقبول لكنه يَأْثَم بذلك حَيْثُ كَانَ صَادِقا فِي شَهَادَته لما فِيهِ من إبِْطَال حق الْمُدَّعِي.
مطلب: تَعْدِيل أحد الشَّاهِدين صَاحبه وتعديل أحد الشَّاهِدين صَاحبه
فِيهِ اخْتِلَاف.
قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّة: شَاهِدَانِ شهد الرجل وَالْقَاضِي يعرف أَحدهمَا بِالْعَدَالَةِ وَلَا يعرف الآخر فعدله الَّذِي عرفه القَاضِي بِالْعَدَالَةِ.
قَالَ نصير رَحمَه الله تَعَالَى: لَا يقبل القَاضِي تعديله.
وَلابْن سَلمَة فِيهِ قَولَانِ: وَعَن أبي بكر الْبَلْخِي فِي ثَلَاثَة شهدُوا وَالْقَاضِي يعرف اثْنَيْنِ مِنْهُم بِالْعَدَالَةِ وَلَا يعرف الثَّالِث فَإِن القَاضِي يقبل تعديلهما لَو شهد هَذَا الثَّالِث شَهَادَة(7/497)
أُخْرَى، وَلَا يقبل تعديلهما فِي الشَّهَادَة الاولى وَهُوَ كَمَا قَالَ نصير رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: (وَلَا تنس مَا مر عَنْ الْأَشْبَاهِ) أَيْ قُبَيْلَ التَّحْكِيمِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَمَرَ قُضَاتَهُ بِتَحْلِيفِ الشُّهُودِ وَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَنْصَحُوهُ وَيَقُولُوا لَهُ لَا تُكَلِّفْ قُضَاتَك إلَى أَمْرٍ يَلْزَمُ مِنْهُ سُخْطُك إِن خالفوك أَو سخط الْخَالِق إِذا وافقوك اه ح.
وَأَقُول: وَعبارَة الْبَحْر بعد مَا ذكر عبارَة القلانسي من أَن مُخْتَار ابْن أبي ليلى استحلاف الشُّهُود.
قَالَ قلت: وَلَا يُضعفهُ مَا فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة كالخلاصية وَالْبَزَّازِيَّة من أَنه لَا يَمِين على الشَّاهِد لانه عِنْد ظُهُور عَدَالَته وَالْكَلَام عِنْد خفائها، خُصُوصا فِي زَمَاننَا أَن الشَّاهِد مَجْهُول الْحَال، وَكَذَا الْمُزَكي غَالِبا والمجهول لَا يعرف الْمَجْهُول، لَكِن قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بعد مَا ذكر مَا فِي التَّهْذِيب للقلانسي: لَا يخفى أَنه مُخَالف لما فِي الْكتب الْمُعْتَمدَة.
وَلَا يُقَال: يجب الْعَمَل بِهِ لَان الشَّاهِد مَجْهُول كالمزكي غَالِبا والمجهول لَا يعرف الْمَجْهُول.
لانا نقُول: الامر كَذَلِك، لَكِن قَالَ الْفَقِيه: لَو استقصى مثل ذَلِك لضاق الامر وَلَا يُوجد مُؤمن بِغَيْر عيب كَمَا قيل: وَمن ذَا الَّذِي ترْضى سجاياه كلهَا كفى الْمَرْء نبْلًا أَن تعد معايبه أَقُول: لَكِن صدر الامر السلطاني أَنه إِذا ألح الْخصم على القَاضِي بِأَن يحلف الشُّهُود قبل الحكم لتقوية الشَّهَادَة وَرَأى الْحَاكِم لُزُوم ذَلِك فَلهُ إجَابَته كَمَا فِي مَادَّة 1727 من الْمجلة.
لَطِيفَة فِي الْمُلْتَقط عَن غَسَّان بن مُحَمَّد الْمروزِي قَالَ: قدمت الْكُوفَة قَاضِيا فَوجدت فِيهَا مائَة وَعشْرين عدلا فطلبت أسرارهم فرددتهم إِلَى سِتَّة ثمَّ أسقطت أَرْبَعَة، فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك استعفيت واعتزلت.
تَنْبِيه: قَالَ إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد حفيد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، وَهُوَ من جملَة الائمة.
أَخذ عَن أبي يُوسُف وزاحمه فِي الْعلم، وَلَو عمر لفاق الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين، لكنه مَاتَ شَابًّا رَحمَه الله تَعَالَى: أَرْبَعَة من الشُّهُود لَا أسأَل عَنْهُم.
شَاهد غَرِيب: وَهُوَ أَن يجْتَمع الْخُصُوم بِبَاب القَاضِي وَمِنْهُم شخص يَدعِي الغربة والعزم على السّفر وفوت الرفاق بِالتَّأْخِيرِ وَطلب تَقْدِيمه لذَلِك: أَي بِلَا قرعَة كَمَا فِي الْبَحْر، فَلَا يقبل إِلَّا بِشَاهِدين على ذَلِك، وَلَا يحْتَاج إِلَى تزكيتهما لتحَقّق الْفَوات بطول الْمدَّة بالتزكية.
الثَّانِيَة: الْعَدْوى، وَهِي مَا لَو سمى شخصا بَينه وَبَين الْمصر أَكثر من يَوْم وَله عَلَيْهِ دَعْوَى لَا يُرْسل القَاضِي خَلفه حَتَّى يُقيم بَيِّنَة بِالْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، وَلَا يشْتَرط تعديلها.
وَنقل عَن مُحَمَّد أَنه اشْترط تَعْدِيل هذَيْن لما فِيهِ من الالزام على الْغَيْر، وكل مَا كَانَ كَذَلِك سَبيله التَّعْدِيل، وَإِلَيْهِ مَال الْحلْوانِي وَقَالَ: إِنَّه روى عَن الامام.
الثَّالِثَة: شَاهد رد الطينة، وَهُوَ مَا لَو ادّعى على شخص لَيْسَ بحاضر مَعَه بِحَق وَذكر أَنه امْتنع من الْحُضُور مَعَه أعطَاهُ القَاضِي طِينَة أَو خَاتمًا وَقَالَ أره إِيَّاه وادعه إِلَيّ وَأشْهد عَلَيْهِ، فَإِن أرَاهُ ذَلِك وَقَالَ لَا أحضر وَشهد عِنْد القَاضِي بذلك مستوران لَا يسْأَل عَنْهُمَا.
قَالُوا: وَفِيمَا نقل عَن مُحَمَّد إِشَارَة إِلَى تعديلهما حَيْثُ قيد بِمَا فِيهِ إِلْزَام على الْغَيْر.
وَقَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: إِن عدم التَّعْدِيل أنظر للنَّاس وَبِه نَأْخُذ لخوف اختفاء الْخصم مَخَافَة الْعقُوبَة، فَإِذا شَهدا كتب إِلَى الْوَالِي فِي إِحْضَاره.(7/498)
الرَّابِعَة: شَاهد تَعْدِيل الْعَلَانِيَة لَا يشْتَرط تزكيته ظَاهرا بعد يؤال القَاضِي عَن الشُّهُود الْمَطْلُوب تعديلهم فِي السِّرّ مِمَّن يَثِق بِهِ من أمنائه وَأخْبرهُ بِعَدَالَتِهِمْ، وَلَا بُد من الْمُغَايرَة بَين شُهُود السِّرّ وَالْعَلَانِيَة، وَإِنَّمَا لم تشْتَرط عدالتهم لانها للِاحْتِيَاط إِجَابَة للْمُدَّعِي إِلَى مَا طلب اه.
ذكر الْعَلامَة عبد الْبر فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة، وَمثله فِي شرحها لمصنفها.
وَذكر فِي الْبَحْر أَن ذَلِك فِي شَهَادَة الْعَلَانِيَة مَحْمُول على أَن مزكيها مَعْرُوف الْعَدَالَة لنقل الاجماع على أَن تزكيه الْعَلَانِيَة كَالشَّهَادَةِ، أَو هُوَ مَحْمُول عَن مَا إِذا تقدّمت التَّزْكِيَة سرا، وَلَئِن كَانَ مَا ذكره الْعَلامَة عبد الْبر عَن الامام إِسْمَاعِيل مرَادا فَهُوَ ضَعِيف لنقل الاجماع
على أَن تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة كَالشَّهَادَةِ اه.
قَوْله: (بِمَا سمع) أَي إِن كَانَ من المسموعات، وَقَوله: أَو رأى أَي إِن كَانَ من المرئيات، وَقد يكون الشئ مسموعا ومرئيا باعتبارين، وَأَشَارَ بقوله: بِمَا سمع إِلَى أَنه لَا بُد من علم الشَّاهِد بِمَا يشْهد بِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي النَّوَازِل عَن رجل ادّعى على وَرَثَة ميت مَالا فالامر بِإِثْبَات ذَلِك فأحضر شَاهِدين شَهدا أَن الْمُتَوفَّى قد أَخذ من هَذَا الْمُدَّعِي منديلا فِيهِ دَرَاهِم وَلم يعلمَا كم وَزنهَا هَل تجوز شَهَادَتهمَا، وَهل يجوز للشاهدين أَن يشهدَا بذلك؟ قَالَ: إِن كَانَ الشُّهُود وقفُوا على تِلْكَ الصرة وفهموا أَنَّهَا دَرَاهِم وحرزوها فِيمَا يَقع عَلَيْهِ يقينهم من مقدارها شهدُوا بذلك، وَيَنْبَغِي أَن يعتبروا جودتها فَإِنَّهَا قد تكون ستوقة، فَإِذا فعلوا ذَلِك جَازَت شَهَادَتهم اه.
وَفِي خزانَة الاكمل: رجل فِي يَده دِرْهَمَانِ كَبِير وصغير فَأقر بِأَحَدِهِمَا لرجل فشهدا أَنه أقرّ بِأَحَدِهِمَا وَلَا نَدْرِي بِأَيِّهِمَا أقرّ فَإِنَّهُ يُؤمر بِتَسْلِيم الصَّغِير اه.
قَوْله: (فِي مثل البيع) إِن عقداه بِإِيجَاب وَقبُول كَانَ من المسموعات، وَإِن بتعاط كَانَ من المرئيات: وَفِيهِ يَشْهَدُونَ بِالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، وَلَوْ شَهِدُوا بِالْبَيْعِ جَازَ.
بَحر عَن الْبَزَّازِيَّة.
قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ لانه عاين السَّبَب فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَة كَمَا عَايَنَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ ظَاهر، وَإِنْ كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَلِكَ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ.
وَقِيلَ: لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ لانه بيع حكمي لَا حَقِيقِيّ اه.
فِي الْبَحْر عَنْ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ حَضَرَ بَيْعًا ثُمَّ اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ لِلْمُشْتَرِي، يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِسَبَبِ الشِّرَاء وَلَا يشْهد لَهُ بِالْملكِ الْمُطلق، لَان الْملك الْمُطلق ملك من الاصل وَالْملك بِالشِّرَاءِ حَادث اه.
وَانْظُر مَا قدمْنَاهُ فِي شَتَّى الْقَضَاء وَمَا سَنذكرُهُ فِي بَاب الِاخْتِلَاف فِي الشَّهَادَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (والاقرار) هُوَ بِاللِّسَانِ من المسموعات بِأَنْ يَسْمَعَ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِفُلَانٍ عَلَى كَذَا.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِالْكِتَابَةِ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ مَا مُلَخَّصُهُ: إذَا كَتَبَ إقْرَارَهُ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا لَا يَكُونُ إقْرَارًا فَلَا تَحِلُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مُصَدَّرًا مَرْسُومًا، وَإِنْ لِغَائِبٍ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَلامَة لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ لِلتَّجْرِبَةِ.
وَفِي حَقِّ الْأَخْرَسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا مُصَدَّرًا وَإِنْ لم يكن الْغَائِبِ.
وَإِنْ كَتَبَ
وَقَرَأَ عِنْدَ الشُّهُودِ مُطْلَقًا أَوْ قَرَأَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الْكَاتِبُ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهِ أَو كتبه عِنْدهم وَقَالَ: اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ وَعَلمُوا بِهِ كَانَ إقْرَارًا وَإِلَّا فَلَا، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ مَا هُنَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ، لَكِنْ جزم بِهِ فِي الْفَتْح وَغَيره، وَأفْتى بِهِ الشَّيْخ سراج الدّين قَارِئ الْهِدَايَة، إِذا كَانَ على رسم الصكوك واعترف بِأَنَّهُ خطه أَو شهدُوا عَلَيْهِ بِهِ وَقد شاهدوا كِتَابَته وَعرفُوا مَا كتبه أَو قَرَأَهُ عَلَيْهِم.
هَذَا حَاصِل مَا أجَاب بِهِ فِي(7/499)
موضِعين من فَتَاوَاهُ، وَسَيَأْتِي قَرِيبا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِك.
قَوْله: (وَحكم الْحَاكِم) يكون من المسموع إِن كَانَ بالْقَوْل، وَيكون من المرئيات إِن كَانَ فعلا.
قَوْله: (وَالْغَصْب وَالْقَتْل) من المرئيات.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ) لَوْ قَالَ بدله وَلَو قَالَ: لَا تشهد عَليّ لَكَانَ أَفْوَدَ، لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا سَمِعْتَ تَسَعُهُ الشَّهَادَةُ اه.
فَيُعْلَمُ حُكْمُ مَا إذَا سَكَتَ بِالْأَوْلَى.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ: وَإِذَا سَكَتَ يَشْهَدُ بِمَا علم، وَلَا يَقُول: أشهدني لانه كذب.
وَفِي النَّوَازِل: سُئِلَ مُحَمَّد بن مقَاتل عَن شَرِيكَيْنِ يتحاسبان وَعِنْدَهُمَا قوم فَقَالَا: لَا تشهدوا علينا بِمَا تسمعونه منا ثمَّ أقرّ أَحدهمَا لصَاحبه بشرَاء أَو بَاعَ شَيْئا فَطلب الْمقر لَهُ بعد ذَلِك مِنْهُم الشَّهَادَة، قَالَ: يَنْبَغِي لَهُم أَن يشْهدُوا بذلك، وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن سِيرِين.
وَأما الْحسن الْبَصْرِيّ وَالْحسن بن زِيَاد فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: لَا يشْهدُونَ بِهِ.
قَالَ الْفَقِيه: وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: يَنْبَغِي لَهُم أَن يشْهدُوا وَبِه نَأْخُذ اه ثمَّ قَالَ بعده: قَالَ الْفَقِيه: إِن كَانَ يخَاف على نَفسه أَنه إِذا أقرّ بشئ صدق وَادّعى أَن شَرِيكه قبض لَا يصدقهُ يَقُول للمتوسط: اجْعَل كَأَن هَذَا المَال على غَيْرِي وَأَنا أعبر عَنهُ ثمَّ يَقُول: قبض كَذَا وَكَذَا فيبين الْجَمِيع من غير أَن يضيف إِلَى نَفسه كي لَا يصير حجَّة عَلَيْهِ اه.
قَوْله: (وَلَو مختفيا يرى وَجه الْمقر ويفهمه) وَإِن لم يروه وسمعوا كَلَامه لَا يحل لَهُم الشَّهَادَة إِلَّا إِذا دخل بَيْتا فَرَأى رجلا فِيهِ وَحده فَخرج وَجلسَ على بَابه وَلَيْسَ لَهُ مَسْلَك غَيره فَسمع إِقْرَاره من الْبَاب من غير رُؤْيَة وَجهه حل لَهُ أَن يشْهد بِمَا أقرّ.
كَذَا ذكره الْخصاف.
وَفِي الْعُيُون: رجل خبأ قوما لرجل ثمَّ سَأَلَهُ عَن شئ فَأقر وهم يسمعُونَ كَلَامه ويرونه وَهُوَ لَا يراهم جَازَت شَهَادَتهم، وَإِن لم يروه وسمعوا كَلَامه لَا تحل لَهُم الشَّهَادَة اه.
بَحر.
قَوْله: (لَكِن لَو
فسر) بِأَن قَالَ: إِنِّي شَاهد على المحتجب.
قَوْله: (لَا تقبل) إِذْ لَيْسَ من ضَرُورَة جَوَاز الشَّهَادَة الْقبُول عِنْد التَّفْسِير، فَإِن الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ تقبل فِي بعض الْحَوَادِث، لَكِن إِذا صرح لَا تقبل ط.
قَوْله: (أَو يرى شَخْصَهَا) فِي الْمُلْتَقَطِ: إذَا سَمِعَ صَوْتَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَرَ شَخْصَهَا فَشَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَهُ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا، وَإِنْ رَأَى شَخْصَهَا وَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا اه.
بَحر مِنْ أَوَّلِ الشَّهَادَاتِ.
وَاحْتَرَزَ بِرُؤْيَةِ شَخْصِهَا عَنْ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: حَسَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا وَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَهَبْتُ لِزَوْجِي مَهْرِي فَلَا يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ مَا دَامَتْ حَيَّةً، إذْ يُمْكِنُ الشَّاهِدَ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا، فَإِنْ مَاتَتْ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الشُّهُود إِلَى شَهَادَة عَدْلَيْنِ بنسبها.
وَقَالَ قبله: لَو أخبر الشَّاهِد عَدْلَانِ أَن هَذِه المقرة فُلَانَة بنت فلَان يَكْفِي هَذَا للشَّهَادَة على الِاسْم وَالنّسب عِنْدهمَا، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، أَلا ترى أَنَّهُمَا لَو شَهدا عِنْد القَاضِي يقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَالْقَضَاء فَوق الشَّهَادَة فَتجوز الشَّهَادَة بإخبارهما بِالطَّرِيقِ الاولى، فَإِن عرفهَا باسمهما ونسبها عَدْلَانِ يَنْبَغِي للعدلين أَن يشْهد الْفَرْع على شَهَادَتهمَا فَيشْهد عِنْد القَاضِي عَلَيْهَا بِالِاسْمِ وَالنّسب وبالحق أَصَالَة اه.
وَفِيه: وَلَا يجوز الِاعْتِمَاد عَلَيْهِمَا بِإِخْبَار الْمُتَعَاقدين باسمهما ونسبهما لعلهما تسميا وانتسبا باسم غَيرهمَا وَنسبه يُريدَان أَن يزورا على الشُّهُود ليخرجا الْمَبِيع من يَد مَالِكه، فَلَو اعْتمد على قَوْلهمَا نفذ تزويرهما وَبَطل أَمْلَاك النَّاس.(7/500)
مطلب: مَا يغْفل النَّاس عَنهُ كثيرا من الشَّهَادَة على الْمُتَعَاقدين باسمهما ونسبهما بأخبارهما وَهَذَا فصل غفل عَنهُ كثير من النَّاس، فَإِنَّهُمَا يسمعُونَ لفظ الشِّرَاء وَالْبيع والاقرار والتقابض من رجلَيْنِ لَا يعرفونهما، ثمَّ إِذا اسْتشْهدُوا بعد موت صَاحب البيع شهدُوا على ذَلِك الِاسْم وَالنّسب وَلَا علم لَهُم بذلك، فَيجب أَن يحْتَرز عَن مثل ذَلِك.
وَطَرِيق علم الشُّهُود بِالنّسَبِ أَن يشْهد عِنْدهم جمَاعَة لَا يتصرر تواطؤهم على الْكَذِب عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى، وَعِنْدَهُمَا: شَهَادَة رجلَيْنِ كَاف كَمَا فِي سَائِر الْحُقُوق.
أَقُول: يحصل للْقَاضِي الْعلم بِالنّسَبِ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ، فَيَنْبَغِي أَن يحصل للشُّهُود أَيْضا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلهمَا اه.
وَقيد بِرُؤْيَة الشَّخْص لانه لَا يشْتَرط رُؤْيَة الْوَجْه لصِحَّة الشَّهَادَة على المنتقبة كَمَا قَالَ بِهِ بعض مَشَايِخنَا عِنْد التَّعْرِيف.
شرنبلالية وَإِلَى هَذَا مَال خُوَاهَر زَاده.
وَبَعْضهمْ قَالَ: لَا يَصح التَّحَمُّل عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَة وَجههَا، ذكره سري الدّين.
قَالَ أَبُو السُّعُود: فَتحصل مِنْهُ أَن الْفَتْوَى على عدم اشْتِرَاط رُؤْيَة وَجه الْمَرْأَة.
أَقُول: وَلَا يخفى أَن هَذَا كُله عِنْد عدم مَعْرفَته لَهَا، أما إِذا عرفهَا فَيشْهد عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَة وَجههَا، وَلَكِن هَذَا ظَاهر إِذا رأى وَجههَا ثمَّ تنقبت فَشهد على إِقْرَارهَا مثلا فِي حَال تنقبها فَهَذَا لَا شكّ أَنه لَا يحْتَاج إِلَى تَعْرِيف من غَيره، إِذْ تَعْرِيف غَيره حِينَئِذٍ لَا يزِيد على مَعْرفَته.
وَأما إِذا كَانَت متنقبة وَكَانَ يعرفهَا قبل فعرفها بصوتها وهيئتها وَلم ير وَجههَا وَقت التنقب أَو الاقرار فَهَل يَكْفِي ذَلِك؟ ظَاهر إِطْلَاقهم أَنه لَا يَكْفِي.
فَفِي الْعمادِيَّة قَالُوا: لَا يَصح التَّحَمُّل بِدُونِ رُؤْيَة وَجههَا: وَبِه يُفْتِي شمس الاسلام الاوزجندي وظهير الدّين المرغيناني اه، وَلم يفصل بَين مَا إِذا عرفهَا بصوتها أَو لَا.
وَفِي البيري على الاشباه: لَا يجوز أَن يشْهد على من سَمعه من وَرَاء حَائِط أَو من فَوق الْبَيْت وَهُوَ لَا يرَاهُ وَإِن عرف كَلَامه، لَان الْكَلَام يشبه بعضه بَعْضًا كَمَا فِي التاترخانية.
وَفِي منية الْمُفْتِي: أقرَّت من وَرَاء حجاب لَا يجوز أَن يشْهد على إِقْرَارهَا إِلَّا إِذا رأى شخصها، وَلم يشْتَرط فِي النَّوَادِر رُؤْيَة وَجههَا انْتهى.
وَانْظُر كَلَام الْفَتْح فَإِنَّهُ يُفِيد ذَلِك أَيْضا.
قَوْله: (وَعَلِيهِ الْفَتْوَى) مُقَابِله مَا تقدم قَرِيبا من أَنه لَا بُد من شَهَادَة جمَاعَة.
ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي سُلَيْمَانَ فَدَخَلَ ابْن لمُحَمد بْنِ الْحَسَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مَتَى تَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا؟ قَالَ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا تَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّهَا فُلَانَةُ.
وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُوكَ يَقُولَانِ: يَجُوزُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، لانه أيسر على النَّاس انْتهى.
وَاعْلَمْ أَنَّهُمَا كَمَا احْتَاجَا لِلِاسْمِ وَالنَّسَبِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ يَحْتَاجَانِ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ إلَى مَنْ يَشْهَدُ أَنَّ صَاحِبَةَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ هَذِهِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّعْرِيفُ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ
شَهَادَتُهُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا أَوْ لَهَا.
سَائِحَانِيٌّ بِزِيَادَةٍ من الْبَحْر وَغَيره.
قَوْله: (لَان عِنْد الاداء) كَذَا وَقع فِي الْمنح، وَفِيه حذف اسْم إِن وَهُوَ ضمير الشَّأْن وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبَرهَا.
قَوْله:(7/501)
(فَيَضُرُّهُ) أَيْ يَضُرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بُغْضُهُ لِلْفَقِيهِ.
قَوْله: (ظَاهِرَة) معنى دَالَّة فعداه بعلى.
قَوْله: (على أَنَّهُمَا كخط كَاتب وَاحِد) لفظ على معنى فِي أَو مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره تدل، والاولى حذف الْكَاف من كخط كَمَا هُوَ فِي الْمنح، وَهُوَ كَذَلِك فِي بعض النّسخ.
قَوْله: (لَا يحكم عَلَيْهِ بِالْمَالِ) لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خطي وَأَنا حررته لكنه لَيْسَ عَليّ هَذَا المَال وثمة لَا يجب، فَكَذَا هُنَا.
منح.
قَوْله: (خَانِية) عبارتها من الشَّهَادَات: رجل كتب صك وَصِيَّة وَقَالَ للشُّهُود اشْهَدُوا بِمَا فِيهِ وَلم يقْرَأ وَصيته عَلَيْهِم.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يجوز للشُّهُود أَن يشْهدُوا بِمَا فِيهِ.
وَقَالَ بَعضهم: وسعهم أَن يشْهدُوا، وَالصَّحِيح أَنه لَا يسعهم، وَإِنَّمَا يحل لَهُم أَن يشْهدُوا بِأحد معَان ثَلَاثَة: إِمَّا أَن يقْرَأ الْكتاب عَلَيْهِم وَكتبه غَيره، أَو قرئَ الْكتاب عَلَيْهِ بَين يَدي الشُّهُود فَيَقُول هُوَ لَهُم اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ، أَو يكْتب هُوَ بَين يَدي الشَّاهِد وَيعلم بِمَا فِيهِ وَيَقُول اشْهَدُوا عَليّ بِمَا فِيهِ.
قَالَ أَبُو عَليّ النَّسَفِيّ: هَذَا إِن لم يكن الْكتاب مَكْتُوبًا على الرسوم، فَإِن كَانَ مَكْتُوبًا على الرَّسْم وَكتب بَين يَدي الشُّهُود وَالشَّاهِد يعلم مَا فِي الْكتاب وَسعه أَن يشْهد، وَإِن لم يقل لَهُ اشْهَدْ عَليّ بِمَا فِيهِ، هَكَذَا رُوِيَ عَن أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي النَّوَادِر اه.
وَتَمَامه فِيهَا.
قَوْله: (وَاعْتَمدهُ فِي الاشباه) قَالَ فِي أَحْكَام الْكِتَابَة: مِنْهَا: وَذكر القَاضِي ادّعى عَلَيْهِ مَال وَأَخْرَجَ خَطًّا وَقَالَ إنَّهُ خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا المَال فَأنْكر أَن يكون خَطَّهُ فَاسْتُكْتِبَ فَكَتَبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَة دَالَّة على أَنَّهُمَا خطّ كات وَاحِدٍ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فِي الصَّحِيحِ، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خطي وَأَنا حررته لَكِن لَيْسَ عَليّ هَذَا المَال وثمة لَا يجب.
كَذَا هُنَا.
قَوْله: (لَكِن فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة الخ) هَذَا قَول القَاضِي النَّسَفِيّ، والعامة على خِلَافه كَمَا فِي الْبَحْر، وَنَصه: قَالَ القَاضِي النَّسَفِيّ: إِن كتب مصدرا مرسوما وَعلم الشَّاهِد حل لَهُ الشَّهَادَة على إِقْرَاره كَمَا لَو أقرّ كَذَلِك وَإِن لم يقل اشْهَدْ عَليّ بِهِ، وعَلى هَذَا إِذا كتب للْغَائِب على وَجه الرسَالَة، أما بعد ذَلِك فلك عَليّ كَذَا يكون إِقْرَارا لَان الْكتاب من الْغَائِب كالخطاب من الْحَاضِر فَيكون متكلما، وَالْعَامَّةُ عَلَى خِلَافِهِ
لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ تَكُونُ للتجربة اه.
قَوْله: (وفتاوى قَارِئ الْهِدَايَة وعبارتها) سُئِلَ: إذَا كَتَبَ شَخْصٌ وَرَقَةً بِخَطِّهِ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِشَخْصٍ كَذَا ثُمَّ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَجَحَدَ الْمَبْلَغَ وَاعْتَرَفَ بِخَطِّهِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ.
أجَاب إِذا كتب على رَسُول الصُّكُوكِ يَلْزَمُ الْمَالُ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ يَقُولُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ: إنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ إقْرَارٌ يُلْزَمُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ عَلَى هَذَا الرَّسْمِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ اه.
ثُمَّ أَجَابَ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ نَحْوَهُ بِقَوْلِهِ: إذَا كَتَبَ إقْرَارَهُ عَلَى الرَّسْمِ الْمُتَعَارَفِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَيَسَعُ مَنْ شَاهَدَ كِتَابَتَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ إذَا جَحَدَهُ إذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ مَا كَتَبَ أَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ خَطُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَاهِدُوا كِتَابَتَهُ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ اه.(7/502)
وَحَاصِلُ الْجَوَابَيْنِ: أَنَّ الْحَقَّ يَثْبُتُ بِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا عَايَنُوا كِتَابَته أَو قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا إذَا كَانَ مُعَنْوَنًا.
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمَتْنِ.
نَعَمْ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ هَذَا خطي وَأَنا حررته لَكِن لَيْسَ عَليّ هَذَا الْمَالُ وَثَمَّةَ لَا يَجِبُ، كَذَا هُنَا.
وَقَدْ يُوَفَّقُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَنْوَنًا، لَكِنْ هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي النَّسَفِيِّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْعَامَّة.
قَوْله: (فراجع ذَلِك) أَرَادَ بذلك أَن يبين أَن الْمَسْأَلَة الَّتِي أفتى بهَا قَارِئ الْهِدَايَة غير مَسْأَلَة قاضيخان، فَإِن مَا فِي قاضيخان هُوَ الَّذِي ذكره المُصَنّف كَمَا وقفت عَلَيْهِ.
وَالَّذِي أفتى بِهِ قَارِئ الْهِدَايَة هُوَ مَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة والملتقط كَمَا علمت.
أَقُول: وَالْحَاصِل أَنه اضْطربَ كَلَامهم فِي مَسْأَلَة الْعَمَل بالخط، وَلَعَلَّه مَبْنِيّ على اخْتِلَاف الرِّوَايَة أَو أَن فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا يشْعر بِهِ التَّعْبِير بِلَفْظ قَالُوا كَمَا قدمْنَاهُ، وَالَّذِي قدمْنَاهُ عَن الْبَحْر يُفِيد أَن عَامَّة عُلَمَائِنَا على عدم الْعلم بالخط، وَأَشَارَ الْعَلامَة البيري إِلَى أَن قَوْلهم لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يَعْمَلُ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ إلَخْ يسْتَثْنى مِنْهُ مَا وجده القَاضِي فِي أَيدي الْقُضَاة الماضين وَله رسوم فِي دواوينهم، وَيُشِير إِلَيْهِ مَا قَالَه فِي الاسعاف من أَن ذَلِك اسْتِحْسَان، وَاسْتثنى أَيْضا فِي الاشباه تبعا لما فِي قاضيخان وَالْبَزَّازِيَّة وَغَيرهمَا خطّ السمسار والبياع والصراف، وَجزم بِهِ فِي
الْبَحْر وَكَذَا فِي الْوَهْبَانِيَّة، وحققه ابْن الشّحْنَة وَكَذَا الشُّرُنْبُلَالِيّ فِي شرحها، وَأفْتى بِهِ المُصَنّف وَنسبه الْعَلامَة البيري إِلَى غَالب الْكتب، قَالَ: حَتَّى الْمُجْتَبى حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا خَطُّ الْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ فَهُوَ حُجَّةٌ وَإِن لم يكن معنونا ظَاهرا بَين النَّاس وَكَذَلِكَ مَا يَكْتُبُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِلْعُرْفِ اه.
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: صَرَّافٌ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَخَطُّهُ مَعْلُومٌ بَيْنَ التُّجَّارِ وَأَهْلِ الْبَلَدِ ثُمَّ مَاتَ فَجَاءَ غَرِيمٌ يَطْلُبُ الْمَالَ مِنْ الْوَرَثَةِ وَعَرَضَ خَطَّ الْمَيِّتِ بِحَيْثُ عَرَفَ النَّاسُ خَطَّهُ حُكِمَ بِذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ خَطُّهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ بِمِثْلِهِ حُجَّةً اه مَا قَالَه البيري.
ثمَّ قَالَ بعده، قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ: وَالْبِنَاءُ عَلَى الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ وَاجِبٌ، فَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الْبَيَّاعُ: وَجَدْتُ فِي يار كاري (1) أَي دفتر بخطي أَو كتبت يار كاري بِيَدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ هَذَا إِقْرَارا ملزما إِيَّاه.
قلت: وَيُزَادُ أَنَّ الْعَمَلَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِمُوجب الْعرف لَا بِمُجَرَّد الْخط، وَالله تَعَالَى أعلم، وَأقرهُ الشَّارِح فِي بَاب كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا يَعْمَلُ بِالْخَطِّ إلَّا فِي مَسْأَلَة كتاب الامان، وَيلْحق بِهِ البراءات ودفتر بياع وصراف وسمسارا الخ.
مطلب فِي الْعَمَل بالدفاتر السُّلْطَانِيَّة وَكتب سَيِّدي نقلا عَن الْمُحَقِّقُ هِبَةُ اللَّهِ الْبَعْلِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الاشباه مَا نَصه: تَنْبِيه: مثل البراءات السُّلْطَانِيَّة الدفتر الخاقاني المعنون بالطرة السُّلْطَانِيَّة فَإِنَّهُ يعْمل بِهِ، وللشارح رِسَالَة فِي ذَلِك *
__________
(1)
قَوْله: (ياركاري) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة التَّحْتِيَّة وَالرَّاء الْمُهْملَة آخِره رَاء مركب: مَعْنَاهُ الْمُذكر، وَهُوَ هُنَا الدفتر.
وَفِي بعض الاياركار.
وَفِي بعض فِي تَذَاكر الباعة اه.
مِنْهُ.(7/503)
حاصلها بعد أَن نقل ماهنا من أَنه يعْمل بِكِتَاب الامان.
وَنقل جزم ابْن الشّحْنَة وَابْن وهبان بِالْعَمَلِ بدفتر الصراف والبياع والسمسار لِعِلَّةِ أَمْنِ التَّزْوِيرِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَزَّازِيُّ والسرخسي وقاضيخان، وَأَن هَذِهِ الْعِلَّةَ فِي الدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ أَوْلَى كَمَا يَعْرِفُهُ مَنْ شَاهَدَ أَحْوَالَ أَهَالِيِهَا حِينَ نَقْلِهَا، إذْ لَا تَحَرُّرَ أَوَّلًا إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، ثُمَّ بَعْدَ اتِّفَاقِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى نَقْلِ مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَسَاهُلٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ تُعْرَضُ عَلَى
الْمُعَيَّنِ لِذَلِكَ فَيَضَعُ خَطَّهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَى الْمُتَوَلِّي لِحِفْظِهَا الْمُسَمَّى بِدَفْتَرٍ أَمِينِيٍّ فَيَكْتُبُ عَلَيْهَا ثُمَّ تُعَادُ أُصُولُهَا إلَى أَمْكِنَتِهَا الْمَحْفُوظَةِ بِالْخَتْمِ، فَالْأَمْنُ مِنْ التَّزْوِيرِ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَبِذَلِكَ كُلِّهِ يُعْلِمُ جَمِيعَ أَهْلِ الدَّوْلَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَلَوْ وَجَدَ فِي الدَّفَاتِرِ أَنَّ الْمَكَانَ الْفُلَانِيَّ وَقْفٌ عَلَى الْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ مَثَلًا يَعْمَلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَبِذَلِكَ يُفْتِي مَشَايِخُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي بَهْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ أَفَنْدِي وَغَيْرِهَا، فَلْيُحْفَظْ اه.
فَالْحَاصِل أَن للدَّار على انْتِفَاء الشُّبْهَة ظَاهرا، وَعَلِيهِ فَمَا يُوجد فِي دفاتر التُّجَّار فِي زَمَاننَا إِذا مَاتَ أحدهم وَقد حرر بِخَطِّهِ مَا عَلَيْهِ فِي دفتره الَّذِي يقرب من الْيَقِين أَنه لَا يكْتب فِيهِ على سَبِيل التجربة والهزل يعْمل بِهِ وَالْعرْف جَار بَينهم بذلك، فَلَو لم يعْمل بِهِ لزم ضيَاع أَمْوَال النَّاس إِذْ غَالب بياعاتهم بِلَا شُهُود، فلهذه الضَّرُورَة جزم بِهِ الْجَمَاعَة المذكورون وأئمة بَلخ كَمَا نَقله فِي الْبَزَّازِيَّة، وَكفى بالامام السَّرخسِيّ وقاضيخان قدوة، وَقد علمت أَن هَذِه الْمَسْأَلَة مُسْتَثْنَاة من قَاعِدَة أَنه لَا يعْمل بالخط، فَلَا يرد مَا مر من أَنه تحل الشَّهَادَة بالخط على مَا عَلَيْهِ الْعَامَّة، وَيدل عَلَيْهِ تَعْلِيلهم بِأَن الْكِتَابَة قد تكون للجربة، فَإِن هَذِه الْعلَّة فِي مَسْأَلَتنَا منتفية، وَاحْتِمَال أَن التَّاجِر يُمكن أَن يكون قد دفع المَال وَأبقى الْكِتَابَة فِي دفتره بعيد جدا، على أَن ذَلِك: الِاحْتِمَال مَوْجُود، وَلَو كَانَ بِالْمَالِ شُهُود فَإِنَّهُ يحْتَمل أَنه قد أوفى المَال وَلم يعد بِهِ الشُّهُود.
ثمَّ لَا يخفى أَنا حَيْثُ قُلْنَا بِالْعَمَلِ بِمَا فِي الدفتر فَذَاك فِيمَا عَلَيْهِ كَمَا يدل عَلَيْهِ مَا قدمْنَاهُ عَن خزانَة الاكمل وَغَيرهَا.
أما فِيمَا لَهُ على النَّاس فَلَا يَنْبَغِي القَوْل بِهِ، فَلَو ادّعى بِمَال على آخر مُسْتَندا لدفتر نَفسه لَا يقبل لقُوَّة التُّهْمَة الْكل من التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد مُلَخصا.
وَتَمَامه فِيهِ.
وَانْظُر مَا قدمه فِي كتاب القَاضِي.
قَوْله: (وَلَا يشْهد على شَهَادَة غَيره) وَلَو سَمعه يشْهد غَيره فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ أَن يشْهد لانه حمل غَيره ط.
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ) أَيْ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الشَّاهِدُ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَلَو قَالَ الْمُؤلف كَمَا فِي الْهِدَايَة مَا لم يشْهد عَلَيْهَا لَكَانَ أولى من قَوْله عَلَيْهِ لما فِي الخزانة: لَو قَالَ اشْهَدْ عَليّ بِكَذَا أَو أشهد على مَا شهِدت بِهِ كَانَ بَاطِلا وَلَا بُد أَن يَقُول اشْهَدْ على شهادتي إِلَى آخِره اه.
قَوْله: (فَلَو فِيهِ جَازَ) لانها حِينَئِذٍ ملزمة وَالتَّعْلِيل يُفِيد أَن القَاضِي قضى بهَا.
حموي، لَكِن قَالَ سَيِّدي: وَالظَّاهِر أَن المُرَاد من كَونهَا ملزمة: أَي للْقَاضِي الحكم بهَا، إِذْ لَا يجوز لَهُ تَأْخِير الحكم إِلَّا فِي مَوَاضِع تقدّمت فِي الْقَضَاء كَمَا صرح بِهِ فِي النِّهَايَة وَفتح الْقَدِير وتبعهم الشَّارِح.
أَقُول: وَحِينَئِذٍ لَا يلْزم مَا أَفَادَهُ التَّعْلِيل من قَضَاء القَاضِي بهَا بِالْفِعْلِ.
قَوْله: (وَيُخَالِفهُ تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: سَمِعَ رَجُلٌ أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي لم يسع لَهُ أَن يشْهد على شَهَادَته اه ح.
فَإِن حمل ذَلِك على أَنه قبل الْقَضَاء بِهِ ارْتَفَعت الْمُنَافَاة ط.
أَقُول: وَهُوَ مؤيد لما قُلْنَاهُ آنِفا فِي القولة الَّتِي قبل هَذِه.
قَوْله: (وَقَوْلهمْ) عطف على تَصْوِيره:(7/504)
أَي وَيُخَالِفهُ قَوْلهم وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ الْإِطْلَاقُ وَعَدَمُ تَقْيِيدِ الِاشْتِرَاطِ بِمَا إِذا كَانَت عِنْد غير القَاضِي.
قَوْله: (لَا بُد من التحميل) مصدر فعل المضعف فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة ح.
قَوْلُهُ: (وَقَبُولِ التَّحْمِيلِ) فَلَوْ أَشْهَدَهُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَا أقبل فَإِنَّهُ لَا يصير شَاهدا، حَتَّى لَو شهد بعد ذَلِك لَا تقبل كَمَا فِي الْقنية، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ تَوْكِيلٌ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ لَا يَقْبَلَ.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ تَحْمِيلٌ فَلَا يبطل بِالرَّدِّ لَان من حمل غير شَهَادَة لم تبطل بِالرَّدِّ.
بَحر.
قَوْله: (على الاظهر) وَهُوَ قَول الْعَامَّة، لما فِي الْخُلَاصَة معزيا إِلَى الْجَامِع الْكَبِير: لَو حضر الاصيلان ونهيا الْفُرُوع عَن الشَّهَادَة، صَحَّ النَّهْي عِنْد عَامَّة الْمَشَايِخ.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يَصح، والاول أظهر اه.
بَحر.
قَالَ ط: وَجه الْمُخَالفَة أَن الاولين لم يوجدا، لَان الشَّاهِد عِنْد القَاضِي لم يحمل السَّامع وَالسَّامِع لم يقبل.
وَقد يُقَال: إِن هَذَا بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة بالحكم نَفسه لكَونهَا بعد الْقَضَاء بهَا.
وَيُقَال فِي الثَّانِي أَيْضا: إِن اشْتِرَاطه قَول مُحَمَّد لَا قَوْلهمَا، فَلْيتَأَمَّل اه.
قَوْله: (وَإِن لم يشهدهما القَاضِي عَلَيْهِ) أَي فَتحمل عبارَة النِّهَايَة السَّابِقَة على أَنه سَمعه فِي مجْلِس القَاضِي وَحكم القَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَيشْهد بِحكم القَاضِي إِلَّا بِشَهَادَة الشَّاهِد، لَان الشَّهَادَة على الحكم لَا تحْتَاج إِلَى الاشهاد وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة تحْتَاج إِلَيْهِ بِلَا قيد، كَمَا هُوَ صَرِيح عبارَة صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ: سَمِعَ رَجُلٌ أَدَاءَ الشَّهَادَة عِنْد القَاضِي لَا يَسعهُ أَن يشْهد على شَهَادَته.
أَفَادَهُ د.
قَوْله: (وَقَيده أَبُو يُوسُف الخ) فِيهِ تَأمل، فَإِن القَاضِي لَا يجوز لَهُ قَضَاء فِي غير مجْلِس قَضَائِهِ إِذا كَانَ معينا لَهُ، فَلَو كَانَ هَذَا الْخلاف فِيمَا إِذا سمعا القَاضِي يشْهد على قَضَائِهِ لَكَانَ أظهر.
وَفِي حَاشِيَة الشلبي عَن الكاكي: لَو سمع قَاضِيا يشْهد قوما على قَضَائِهِ كَانَ للسامع أَن يشْهد
على قَضَائِهِ بِغَيْر أمره، لَان قَضَاء القَاضِي حجَّة ملزمة، وَمن عاين حجَّة حل لَهُ الشَّهَادَة بهَا، كَمَا لَو عاين الاقرار وَالْبيع اه.
لَكِن قد سبق أَن القَاضِي إِذا حكم فِي غير نوبَة الْقَضَاء وَأَجَازَهُ فِيهَا صَحَّ فَتدبر ط.
قَوْله: (كفى عدل وَاحِد) قيد بِالْعَدْلِ لَان خبر المستور لَا يقبل فِي هَذِه الاشياء وَإِن كَانَ اثْنَيْنِ، وَكَذَا الديانَات كطهارة المَاء ونجاسته وَحل الطَّعَام وحرمته.
وَيقبل خبر الْعدْل أَو المستورين فِي عز الْوَكِيل وَحجر الْمَأْذُون وإخبار الْبكر بإنكاح وَليهَا وإخبار الشَّفِيع بِالْبيعِ وَالْمُسلم الَّذِي لم يُهَاجر.
قَوْله: (فِي اثْنَي عشر مَسْأَلَة) (1) مِنْهَا الاحد عشر الْآتِيَة فِي النّظم قَالَ فِيهَا: وزدت أُخْرَى: يقبل قَول أَمِين القَاضِي إِذا أخبرهُ شَهَادَة شُهُودٍ عَلَى عَيْنٍ تَعَذَّرَ حُضُورُهَا كَمَا فِي دَعْوَى الْقنية.
أشباه.
قَوْله: (مِنْهَا إِخْبَار القَاضِي) من إِضَافَة الْمصدر لمفعوله: أَي إِخْبَار الْعدْل القَاضِي، والاولى حذفه للاستغناء عَنهُ بِمَا نَقله من النّظم، وَمَعْنَاهُ أَن القَاضِي إِذا حبس شخصا فِي مَال عوض عَن مَال وَقد ادّعى أَنه مُعسر فَإِنَّهُ لَا يصدقهُ ويحبسه مُدَّة يَرَاهَا، فَإِذا أخبرهُ عدل بعد هَذِه الْمدَّة بإفلاسه فَإِنَّهُ يقبل خَبره ويطلقه ط.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الْمُدَّةِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ حَبَسَهُ الْقَاضِي مُدَّةً يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَقَضَى دَيْنَهُ وَلَمْ يَصْبِرْ على
__________
(1)
قَوْله: (فِي إثني عشر مَسْأَلَة) كَذَا فِي الشَّرْح وَتَبعهُ الطَّحْطَاوِيّ، وَالصَّوَاب اثْنَتَيْ عشرَة مَسْأَلَة اه.
مصححه.(7/505)
ذل الْحَبْس كَمَا تقدم.
مدنِي.
قَوْله: (أَي تَزْكِيَة السِّرّ) عِنْدهمَا: ورتب مُحَمَّد تزكيته على مَرَاتِب الشَّهَادَة الاربعة الْمُتَقَدّمَة، فالمزكي فِي كل مرتبَة مثل الشَّاهِد.
شرنبلالية: أَي يشْتَرط فِي تَزْكِيَة الزِّنَا أَرْبَعَة ذُكُور، وَفِي غَيره من الْحُدُود وَالْقصاص رجلَانِ، وَفِي غَيرهمَا من الْحُقُوق رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ، وَفِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال امْرَأَة وَاحِدَة ترتيبها على تَرْتِيب الشَّهَادَة لانها كَالشَّهَادَةِ، وَبِه قَالَت الثَّلَاثَة.
وَمحل الِاخْتِلَاف مَا إِذا لم يرض الْخصم بتزكية وَاحِد، فَإِن رَضِي الْخصم بتزكية وَاحِد فزكى جَازَ إِجْمَاعًا.
بَحر عَن الْوَلوالجِيَّة.
قَوْله: (وَأما تَزْكِيَة الْعَلَانِيَة فَشَهَادَةٌ إجْمَاعًا) الْأَحْسَنُ مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدْنَا بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَة فَإِنَّهُ يشْتَرط لَهَا جمع مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا لَفْظَ الشَّهَادَةِ إجْمَاعًا، لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ فَإِنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَه الْخصاف اه.
وَيشْتَرط فِي الْمُزَكي عَلَانيَة عدم الْعَدَاوَة
للْمُدَّعى عَلَيْهِ، فَلَو زكى أَعدَاء الْمُدعى عَلَيْهِ الشُّهُود لَا تصح التَّزْكِيَة لانها شَهَادَة كَمَا صرح بِهِ فِي التَّنْقِيح.
وَفِي الْبَحْرِ أَيْضًا: وَخَرَجَ مِنْ كَلَامِهِ تَزْكِيَةُ الشَّاهِدِ بِحَدِّ الزِّنَا، فَلَا بُدَّ فِي الْمُزَكِّي فِيهَا من أَهْلِيَّة الشَّهَادَة وَالْعدَد والاربعة إجْمَاعًا، وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ تَزْكِيَةِ الشَّاهِدِ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ، وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ اشْتِرَاطُ رَجُلَيْنِ لَهَا اه.
قَالَ الدمياطي: أما قَوْله إِجْمَاعًا فَفِيهِ تَأمل، لانه لم يسْبقهُ خلاف يُقَابل بِهِ الاجماع.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يخْتَار فِي مزكي الشُّهُود من هُوَ أخبر بأحوال النَّاس وَأَكْثَرهم اختلاطا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَته عَارِفًا بِمَا يكون جرحا وَمَا لَا يكون غير طماع وَلَا فَقير كي لَا يخدع بِالْمَالِ، فَإِن لم يكن فِي جِيرَانه وَلَا أهل سوقه من يَثِق بِهِ اعْتبر تَوَاتر الاخبار، وَخص فِي الْبَزَّازِيَّة السُّؤَال من الاصدقاء اه.
قَوْله: (وترجمة الشَّاهِد) فَيشْتَرط أَن لَا يكون المترجم أعمى عِنْد الامام، وَهَذَا إِذا لم يعرف القَاضِي لغته، فَإِن كَانَ عَارِفًا بِلِسَان الشَّاهِد والخصم لم يجز تَرْجَمَة الْوَاحِد.
والاولى أَن يُقَال: لَا يحْتَاج القَاضِي إِلَى تَرْجَمَة.
وَذكر بَعضهم أَن الاولى كَون القَاضِي عَارِفًا باللغة التركية، واتخاذ المترجم وَقع فِي الْجَاهِلِيَّة والاسلام.
وَلما جَاءَ سلمَان للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ.
وَآله ترْجم يَهُودِيّ كَلَامه فخان فِيهِ، فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِحَدِيث طَوِيل، وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَآله زيد بن ثَابت أَن يتَعَلَّم العبرانية فَكَانَ يترجم بهَا وَفِي الْمِصْبَاح: ترْجم فلَان كَلَامه: إِذا بَينه وأوضحه، وَترْجم كَلَام غَيره: إِذا عبر عَنهُ بلغَة غير لُغَة الْمُتَكَلّم، وَاسم الْفَاعِل ترجمان بِفَتْح التَّاء وَضم الْجِيم فِي الفصيح، وَقد تضم التَّاء تبعا للجيم وَقد تفتح الْجِيم تبعا للتاء، وَالْجمع تراجم بِكَسْر الْجِيم.
والتزكية: الْمَدْح.
قَالَ فِي الصِّحَاح: زكى نَفسه تَزْكِيَة: مدحها اه.
قَوْله: (والخصم) هُوَ أَعم من الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ.
قَوْله: (من القَاضِي) وَكَذَا من الْمُزَكي إِلَى القَاضِي كَمَا فِي الْفَتْح: أَي فَيَكْفِي الْعدْل الْوَاحِد للتزكية والترجمة والرسالة لانها خبر وَلَيْسَت بِشَهَادَة حَقِيقَة، وَلذَا جوزوا تَزْكِيَة العَبْد وَالْمَرْأَة والاعمى والمحدود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ، وَكَذَا تَزْكِيَة من لَا تقبل شَهَادَته لَهُ كتزكية أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر وتزكية الْوَالِد لوَلَده وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْعَيْنِيّ وَصدر الشَّرِيعَة.
قَوْله: (وَجَاز تَزْكِيَة عبد) أَي لمَوْلَاهُ.
قَوْله: (ووالد) لوَلَده وَعَكسه وَأحد الزوجي للْآخر.
قَوْله: (فِي تقوم) أَي تقوم الصَّيْد الَّذِي أتْلفه الْمحرم، وَكَذَا فِي متْلف، بِأَن كسر شخص لشخص شَيْئا(7/506)
فَادّعى أَن قِيمَته مبلغ كَذَا فَأنْكر الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يكون ذَلِك الْقدر فَيَكْفِي فِي إِثْبَات قِيمَته قَول االعدل الْوَاحِد.
وَذكر فِي الْبَزَّازِيَّة من خِيَار الْعَيْب أَنه يحْتَاج إِلَى تَقْوِيم عَدْلَيْنِ لمعْرِفَة النُّقْصَان فَيحْتَاج إِلَى الْفرق بَين التقويمين، وَيسْتَثْنى من كَلَامه تَقْوِيم نِصَاب السّرقَة فَلَا بُد فِيهِ من اثْنَيْنِ كَمَا فِي الْعِنَايَة ط.
قَوْله: (وَأرش يقدر أَي فِي نَحْو الشجاج.
قَوْله: (وَالسّلم) بِسُكُون اللَّام للضَّرُورَة بِمَعْنى الْمُسلم فِيهِ ح: أَي إِذا اخْتلفَا فِيهِ بعد إِحْضَاره.
بَحر.
قَوْله: (وإفلاسه) أَي إِذا أخبر القَاضِي عدل بإفلاس الْمَحْبُوس بعد مُضِيّ الْمدَّة أطلقهُ مكتفيا بِهِ.
حموي.
قَوْله: (الارسال) أَي رَسُول القَاضِي للمزكي.
قَوْله: (وَالْعَيْب يظْهر) أَي إِذا اخْتلف البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي إِثْبَات الْعَيْب يَكْتَفِي فِي إثْبَاته بقول عدل، وَيظْهر من الاظهار (1) ضَمِيره إِلَى الْعدْل، وَالْعَيْب مفعول مقدم.
قَوْله: (وَصَوْم عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنه يقبل الْعدْل الْوَاحِد فِي الصَّوْم بِلَا عِلّة.
قَوْله: (أَو عِنْد عِلّة) من غيم أَو غُبَار وَنَحْوه على ظَاهر الْمَذْهَب.
قَوْله: (وَمَوْت) أَي موت الْغَائِب.
قَوْله: (إِذْ للشاهدين يُخْبَرُ) أَيْ إذَا شَهِدَ عَدْلٌ عِنْدَ رَجُلَيْنِ عَلَى مَوْتِ رَجُلٍ وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى مَوته.
قَوْله: (والتزكية للذِّمِّيّ الخ) وَهل يَكْفِي فِيهِ تَزْكِيَة الْكَافِر الْوَاحِد، يحرر.
حموي.
أَقُول: مُقْتَضى مَا مر فِي تَزْكِيَة السّير أَنَّهَا تقبل لَان الْمُزَكي فِي كل مرتبَة مثل الشَّاهِد، وَحَيْثُ قبل الاصل فالمزكي مثله من بَاب أولى على مَا ظهر لي، فَتَأَمّله.
قَوْله: (بالامانة فِي دينه) بِأَن يكون محافظ على مَا يَعْتَقِدهُ شَرِيعَة على مَا هُوَ الظَّاهِر ط.
قَوْله: (وَلسَانه) بِأَن لم يعْهَد عَلَيْهِ كذب.
قَوْله: (وَيَده) لَعَلَّ المُرَاد بهَا الْمُعَامَلَة، أَو أَن لَا يكون سَارِقا ط.
قَوْله: (وَأَنه صَاحب يقظة) أَي لَيْسَ بمغفل وَلَا معتوه.
قَوْله: (سَأَلُوا عَنهُ عدُول الْمُشْركين) قَالَ أَبُو السُّعُود: من هُنَا يعلم أَن الْعَدَالَة لَا تَسْتَلْزِم الاسلام اه: أَي فِي حق الْكَافِر، والاولى أَن يَقُول: سَأَلَ: أَي القَاضِي.
وَفِي الْبَحْر: يسْأَل: أَي القَاضِي عَن شُهُود الذِّمَّة عدُول الْمُسلمين وَإِلَّا سَأَلَ عَنْهُم عدُول الْكفَّار، كَذَا فِي الْمُحِيط وَالِاخْتِيَار.
قَوْله: (عدل) بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول.
قَوْله: (قبلت شَهَادَته) وَلَا يحْتَاج إِلَى تَعْدِيل جَدِيد بِعْ الاسلام، بِخِلَاف الصَّبِي الَّذِي احْتَلَمَ فَإِنَّهُ لَا يقبل القَاضِي شَهَادَته مَا لم يسْأَل عَنهُ أهل محلته، ويتأنى بِقدر مَا يَقع فِي قُلُوب أهل مَسْجِد، كَمَا فِي الْغَرِيبِ أَنَّهُ صَالِحٌ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا قدمْنَاهُ عَن
الْبَحْر والظهيرية.
قَوْله: (وَلَو سكر الذِّمِّيّ لَا تقبل) لَان السكر من الْمُحرمَات الَّتِي ذكرت فِي الانجيل فَيكون بذلك فَاسِقًا فِي دينه.
قَوْله: (وَلَا يشْهد من رأى خطه
__________
(1) أَي من بَاب اافعال مزِيد الثلاثي بِهَمْزَة اه.
مِنْهُ.(7/507)
إِلَخ) أَي لَا يحل للشَّاهِد إِذا رأى خطه أَن يشْهد حَتَّى يتَذَكَّر، وَكَذَا القَاضِي إِذا وجد فِي ديوانه مَكْتُوبًا شَهَادَة شُهُود وَلَا يتَذَكَّر وَلَا للراوي أَن يروي اعْتِمَادًا على مَا فِي كِتَابه مَا لم يتَذَكَّر، وَهُوَ قَول الامام، فَلَا بُد عِنْده للشَّاهِد من تذكر الْحَادِثَة والتاريخ ومبلغ المَال وَصفته، حَتَّى إِذا لم يتَذَكَّر شَيْئا مِنْهُ وتيقن أَنه خطه وخاتمه لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يشْهد، وَإِن شهد فَهُوَ شَاهد زور.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَلَا يَكْفِي تذكر مجْلِس الشَّهَادَة.
وَفِي الْمُلْتَقط وعَلى الشَّاهِد أَن يشْهد وَإِن لم يعرف مَكَان الشَّهَادَة ووقتها اه.
وَجوز مُحَمَّد للْكُلّ الِاعْتِمَاد على الْكتاب إِذا تَيَقّن أَنه خطه وَإِن لم يتَذَكَّر توسعة على النَّاس.
وَجوزهُ أَبُو يُوسُف للراوي وَالْقَاضِي دون الشَّاهِد.
وَفِي الْخُلَاصَة: أَن أَبَا حنيفَة ضيق فِي الْكل حَتَّى قلت رِوَايَته الاخبار مَعَ كَثْرَة سَمَاعه، فَإِنَّهُ روى أَنه سمع من ألف ومائتي رجل غير أَنه يشْتَرط الْحِفْظ وَقت السماع وَفِي وَقت الرِّوَايَة اه.
وَمحل الْخلاف فِي القَاضِي إِذا وجد قَضَاءَهُ مَكْتُوبًا عِنْده: وَأَجْمعُوا أَن القَاضِي لَا يعْمل بِمَا يجده فِي ديوَان قَاض آخر وَإِن كَانَ مَخْتُومًا.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة.
وَقَالَ شمس الائمة الْحلْوانِي: يَنْبَغِي أَن يُفْتِي بقول مُحَمَّد، وَهَكَذَا فِي الاجناس، وَجزم فِي الْبَزَّازِيَّة.
وَفِي المبتغى: من وجد خطه وعرفه وَنسي الشَّهَادَة وَسعه أَن يشْهد إِذا كَانَ فِي حوزه وَبِه نَأْخُذ اه.
وَعَزاهُ فِي الْبَزَّازِيَّة إِلَى النَّوَازِل.
بَحر.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد نَاقِلا عَن الْجَوْهَرَة من أَن عدم حل الشَّهَادَة إِذا رأى خطه وَلم يتَذَكَّر الْحَادِثَة هُوَ قَوْلُهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ.
وَفِي الْهِدَايَةِ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ.
وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْقَاضِي شَهَادَةً فِي دِيوَانِهِ، لِأَنَّ مَا فِي قِمَطْرِهِ تَحْتَ خَتْمِهِ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَحَصَلَ لَهُ
الْعِلْمُ، وَلَا كَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي الصَّكِّ لِأَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا ذَكَرَ الْمَجْلِسَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ أَوْ أَخْبَرَهُ قَوْمٌ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِمْ أَنَّا شَهِدْنَا نَحْنُ وَأَنْتَ.
كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْبَزْدَوِيِّ: الصَّغِيرُ إذَا اسْتَيْقَنَ أَنه خطه وَعلم أَنه لم يرد فِيهِ شئ بِأَن كَانَ مخبوءا عِنْده أَو علم بِدَلِيلٍ آخَرَ أَنَّهُ لَمْ يُزَدْ فِيهِ لَكِنْ لَا يَحْفَظُ مَا سَمِعَ، فَعِنْدَهُمَا: لَا يَسَعُهُ أَن يشْهد وَعَن أَبِي يُوسُفَ: يَسَعُهُ.
وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ.
وَقَالَ فِي التَّقْوِيمِ: قَوْلُهُمَا هُوَ الصَّحِيح اهـ مَا نَقله سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
ثمَّ إِن الشَّاهِد إِذا اعْتمد على خطه على القَوْل الْمُفْتى بِهِ وَشهد وَقُلْنَا بقبوله فللقاضي أَن يسْأَله هَل شهد عَن علم أَو عَن خطّ إِن قَالَ عَن علم قبله، وَإِن قَالَ عَن الْخط لَا كَمَا فِي الْبَحْر، وَظَاهر كَلَام الْمُؤلف كمسكين أَن الصاحبين متفقان، وَقد علمت مَا قدمْنَاهُ، وَنَحْوه فِي الْعَيْنِيّ والزيلعي.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَيُمكن دفع التَّنَافِي بِأَن عَن الثَّانِي رِوَايَتَيْنِ.
قَوْله: (وجوازه لَو فِي حوزه وَبِه نَأْخُذ) تقدم فِي كِتَابِ الْقَاضِي عَنْ الْخِزَانَةِ أَنَّهُ يَشْهَدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّكُّ فِي يَدِ الشَّاهِدِ، لَان التَّغَيُّر نَادِرٌ وَأَثَرَهُ يَظْهَرُ، فَرَاجِعْهُ.
وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ مَا ذكره الشَّيْخ وَذكر لَهُ حِكَايَة تؤيده.
قَوْله: (بِمَا لم يعاينه) أَي بِمَا لم يقطع بِهِ جِهَة المعاينة بِالْعينِ أَو بِالسَّمَاعِ.
ط عَن الْكَمَال.
وَمِثَال الثَّانِي الْعُقُود.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي عَشْرَةٍ) كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ هُنَا مَتْنًا وَشَرْحًا آخِرُهَا قَوْلُ الْمَتْنِ وَمَنْ فِي يَده شئ الخ ح.(7/508)
قلت: بل الْعَاشِر قَوْله وشرائطه وَفِي الطَّبَقَاتِ السَّنِيَّةِ لِلتَّمِيمِيِّ فِي تَرْجَمَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ نَظْمِهِ: افْهَمْ مَسَائِلَ سِتَّةً واشهد بهامن غَيْرِ رُؤْيَاهَا وَغَيْرِ وُقُوفِ نَسَبٌ وَمَوْتٌ وَالْوِلَادُ وناكح وَولَايَة القَاضِي وأصل وقُوف
قَوْله: (مِنْهَا الْعتْق) ذكر السَّرخسِيّ أَن الشَّهَادَة بِالسَّمَاعِ فِي الْعتْق لَا تقبل بالاجماع.
وَذكر شَيْخه الْحلْوانِي أَن الْخلاف ثَابت فِيهِ.
فَعَن أبي يُوسُف الْجَوَاز، فَالْمُعْتَمَد عدم الْقبُول فِيهِ كَالَّذي بعده.
وَفِي الْبَحْر: شَرط الْخصاف للقبول فِي الْعتْق عِنْد أبي يُوسُف أَن يكون مَشْهُورا وللعتق أَبَوَانِ أَو ثَلَاثَة فِي الاسلام وَلم يَشْتَرِطه مُحَمَّد فِي الْمَبْسُوط.
وَفِي شرح الْعَلامَة عبد الْبر: التَّاسِعَة: الشَّهَادَة فِي
الْعتْق.
قَالُوا: لَا يحل عندنَا خلافًا للشَّافِعِيّ، ثمَّ نقل عَن الْحلْوانِي مَا تقدم.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي تنقيحه: وَالْعَبْد إِذا ادّعى حريَّة الاصل ثمَّ الْعتْق الْعَارِض تسمع، والتناقض لَا يمْنَع الصِّحَّة.
وَفِي حريَّة الاصل لَا تشْتَرط الدَّعْوَى.
وَفِي الاعتاق الْمُبْتَدَأ تشْتَرط الدَّعْوَى عِنْد أبي حنيفَة: وَعِنْدَهُمَا لَيْسَ بِشَرْط.
وَأَجْمعُوا على أَن دَعْوَى الامة لَيْسَ بِشَرْط خُلَاصَة: أَي لانها شَهَادَة بحريّة أمة فَهِيَ شَهَادَة بِحرْمَة الْفرج.
وَتَمَامه فِيهِ.
قَوْله: (وَالْوَلَاء عِنْد الثَّانِي) أَي فِي القَوْل الاخير لَهُ، وَالْقَوْل الاول لَهُ كالامام أَنَّهَا لَا تحل مَا لم يعاين إِعْتَاق الْمولى، وَقَول مُحَمَّد مُضْطَرب، وَالظَّاهِر أَن الْمُعْتَمد قَول الامام لعدم تَصْحِيح قَول الثَّانِي.
على أَن بَعضهم جعل ذَلِك رِوَايَة عَنهُ لَا مذهبا، وَالدَّلِيل للامام كَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ أَن الْعتْق يَنْبَنِي على زَوَال الْملك وَلَا بُد فِيهِ من المعاينة، فَكَذَا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ ط.
قَوْله: (وَالْمهْر على الاصح) أَي من رِوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد لانه من تَوَابِع النِّكَاح فَكَانَ كَأَصْلِهِ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَمن ذَلِك الْمهْر، فَظَاهر التَّقْيِيد أَنه لَا تقبل فِيهِ بِهِ، وَلَكِن فِي الْبَزَّازِيَّة والظهيرية والخزانة أَن فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، والاصح الْجَوَاز اه.
وَمثله فِي الْخُلَاصَة والشرنبلالية، فَإِن حمل مَا فِي هَذِه الْكتب على أَن الرِّوَايَتَيْنِ عَن مُحَمَّد فَلَا مُنَافَاة.
قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْخَارِجِينَ مِنْ بَيْنِ جَمَاعَةٍ حَاضِرِينَ فِي بَيْتِ عقد النِّكَاح بِأَن الْمهْر كَذَا تقبل لَا مِمَّن سمع من غَيرهم اه.
قَوْله: (وَالنّسب) سَوَاء جَازَ بَينهمَا النِّكَاح أَو لَا.
بَحر.
فَجَاز أَن يشْهد أَنه فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ من سمع من جمَاعَة لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب عِنْد الامام وَإِن لم يعاين الْولادَة.
وَعِنْدَهُمَا: إِذا أخبرهُ بذلك عَدْلَانِ يَكْفِي، وَالْفَتْوَى على قَوْلهمَا كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة عَن الْعمادِيَّة.
وَفِي التاترخانية: عَن الْمُحِيط: وَإِذا قدم عَلَيْهِ رجل من بلد آخر وانتسب إِلَيْهِ وَأقَام مَعَه دهرا لم يَسعهُ أَن يشْهد على نسبه حَتَّى يشْهد لَهُ رجلَانِ من أهل بَلَده عَدْلَانِ أَو يكون النّسَب مَشْهُورا.
وَذكر الْخصاف هَذِه الْمَسْأَلَة وَشرط لجَوَاز الشَّهَادَة شرطين: أَن يشْتَهر الْخَبَر.
وَالثَّانِي أَن يمْكث فيهم سنة، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَقع معرفَة ذَلِك فِي قُلُوبهم، وَذَلِكَ بِأَن يُقيم مَعَهم سنة، وَإِن وَقع فِي قلبه معرفَة ذَلِك قبل مُضِيّ السّنة لَا يجوز أَن يشْهد.
روى عَن أبي يُوسُف أَنه قدر ذَلِك بِسِتَّة أشهر.
وَالصَّحِيح أَنه إِذا سمع من أهل بَلَده من رجلَيْنِ عَدْلَيْنِ حل لَهُ أَدَاء
الشَّهَادَة، وَإِلَّا فَلَا، أما إِذا سمع ذَلِك مِمَّن سمع من الْمُدَّعِي لَا يحل لَهُ أَن يشْهد وَإِن اشْتهر ذَلِك فِيمَا بَين النَّاس، لكنه إِن شهد عِنْده جمَاعَة حَتَّى تقع الشُّهْرَة حَقِيقَة وَعرف وَوَقع عِنْده أَنه ثَابت النّسَب من(7/509)
فلَان أَو شهد عِنْده عَدْلَانِ حَتَّى ثَبت الاشتهار شرعا حل لَهُ أَن يشْهد اه.
وَفِي الْبَحْر عَن الْبَزَّازِيَّة: وَفِي دَعْوَى العمومة لَا بُد أَن يُفَسر أَن عَمه لامه أَو لابيه أَو لَهما، وَيشْتَرط أَن يَقُول هُوَ وَارثه لَا وَارِث لَهُ غَيره، فَإِن برهن على ذَلِك أَو على أَنه أَخُو الْمَيِّت لابويه لَا يعلمُونَ أَن لَهُ وَارِثا غَيره يحكم لَهُ بِالْمَالِ، وَلَا يشْتَرط ذكر الاسماء فِي الاقضية، (1) إِلَى أَن قَالَ: ادّعى على آخر أَنه أَخُوهُ لابيه: إِن ادّعى إِرْثا أَو نَفَقَة وَبرهن يقبل وَيكون قَضَاء على الْغَائِب أَيْضا، حَتَّى لَو حضر الاب وَأنكر لَا تقبل وَلَا يحْتَاج إِلَى إِعَادَة الْبَيِّنَة، لانه لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بِإِثْبَات الْحق على الْغَائِب، وَإِن لم يدع مَالا بل ادّعى الاخوة الْمُجَرَّدَة لَا يقبل، لَان هَذَا فِي الْحَقِيقَة إِثْبَات الْبُنُوَّة على الاب الْمُدعى عَلَيْهِ والخصم فِيهِ هُوَ الاب لَا الاخ، وَكَذَا لَو ادّعى أَنه ابْن ابْنه أَو أَبُو أَبِيه وَالِابْن والاب غَائِب أَو ميت لَا يَصح مَا لم يدع مَالا، فَإِن ادّعى مَالا فَالْحكم على الْحَاضِر وَالْغَائِب جَمِيعًا، بِخِلَاف مَا إِذا ادّعى على رجل أَنه أَبوهُ أَو ابْنه أَو على امْرَأَة أَنَّهَا زَوجته أَو ادَّعَت عَلَيْهِ أَنه زَوجهَا أَو ادّعى العَبْد على عَرَبِيّ أَنه مَوْلَاهُ عتاقة أَو ادّعى عَرَبِيّ على آخر أَنه مُعْتقه أَو ادَّعَت على رجل أَنَّهَا أمته أَو كَانَ الدَّعْوَى فِي وَلَاء الْمُوَالَاة وَأنْكرهُ الْمُدعى عَلَيْهِ فبرهن الْمُدَّعِي على مَا قَالَ يقبل ادّعى بِهِ حَقًا أَو لَا، بِخِلَاف دَعْوَى الاخوة لانه دَعْوَى الْغَيْر، أَلا ترى أَنه لَو أقرّ أَنه أَبوهُ أَو ابْنه أَو زوجه أَو زَوجته صَحَّ أَو بِأَنَّهُ أَخُوهُ لَا لكَونه حمل النّسَب على الْغَيْر.
وَتَمَامه فِيهَا.
وَحَاصِل مَا ينفعنا هُنَا: أَن الشُّهُود إِذا شهدُوا بِنسَب فَإِن القَاضِي لَا يقبلهم وَلَا يحكم بِهِ إِلَّا بعد دَعْوَى مَال إِلَّا فِي الاب وَالِابْن اه.
وَأَرَادَ بِدَعْوَى المَال النَّفَقَة أَو الارث أَو دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق فِي الْوَقْف وَالْوَصِيَّة وَنَحْوهَا.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
وَقَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ اعْلَم أَن الْقَضَاء بِالنّسَبِ مِمَّا لَا يقبل النَّقْض لكَونه على الكافة كَالنِّكَاحِ وَالْحريَّة وَالْوَلَاء كَمَا فِي الصُّغْرَى، وَقد كتبنَا فِي الْفَوَائِد أَن الْقَضَاء عى الكافة فِي هَذِه الاربعة، لَكِن
يسْتَثْنى من النّسَب مَا فِي الْمُحِيط من بَاب الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ: شَهدا أَن فلَان بن فلَان مَاتَ وَهَذَا ابْن أَخِيه ووارثه قضى بِالنّسَبِ والارث ثمَّ أَقَامَ آخر الْبَيِّنَة أَنه ابْن الْمَيِّت ووارثه ينْقض الاول وَيَقْضِي للثَّانِي، لَان الابْن مقدم على ابْن الاخ.
وَلَا تنَافِي بَين الاول وَالثَّانِي لجَوَاز أَن يكون لَهُ ابْن وَابْن أَخ فينقض الْقَضَاء فِي حق الْمِيرَاث لَا فِي حق النّسَب (2) حَتَّى يبْقى الاول وَابْن عَم لَهُ حَتَّى يَرث مِنْهُ إِذا مَاتَ وَلم يتْرك وَارِثا آخر أقرب مِنْهُ، فَإِن أَقَامَ آخر الْبَيِّنَة أَن الْمَيِّت فلَان بن فلَان وَنسبه إِلَى أَب آخر غير الاب الَّذِي نسبه إِلَى الاول فَإِنَّهُ ينظر، إِن ادّعى ابْن أَخِيه لَا ينْقض الْقَضَاء الاول لانه لما أثبت نَفسه من الاول خرج عَن أَن يكون محلا لاثباته فِي إِنْسَان آخر، وَلَيْسَ فِي الْبَيِّنَة الثَّانِيَة زِيَادَة إِثْبَات إِلَى آخر مَا ذكره.
وَالْمرَاد بقوله من يَثِق بِهِ غير الْخصم، إِذْ لَو أخبرهُ رجل أَنه فلَان بن فلَان لَا يَسعهُ أَن يعْتَمد على
__________
(1)
قَوْله: (وَلَا يشْتَرط ذكر الاسماء فِي الاقضية) قَالَ الرَّمْلِيّ: وَفِي آخر الْفَصْل الثَّانِي من جَامع القصولين فِي دَعْوَى الحكم بِلَا تَسْمِيَة القاضى بعد كَلَام قدمه: فالحلصل أَنه فِي دَعْوَى للْفِعْل وَالشَّهَادَة على الْفِعْل هَل تشرط تَسْمِيَة الْفَاعِل فِيهِ اخْتِلَاف الْمَشَايِخ رَحِمهم الله تَعَالَى وأدلة الْكتب فِيهَا متعرضة ثمَّ ذكر مسَائِل وَقَالَ: وَهَذِه الْمسَائِل كلهَا تدل على أَن تَسْمِيَة الْفَاعِل لَيست بِشَرْط لصِحَّة الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة فَتَأمل عِنْد الْفَتْوَى اه.
مِنْهُ.
(2)
قَوْله: (فينقض الْقَضَاء فِي حق الْمِيرَاث لَا فِي حق النّسَب) هَذَا منَاف لقَوْله لَكِن يسْتَثْنى من النّسَب إِلَخ اه.
مِنْهُ و(7/510)
خَبره وَيشْهد بِنَفسِهِ، لانه لَو جَازَ لَهُ ذَلِك جَازَ للْقَاضِي الْقَضَاء بقوله.
كَذَا فِي خزانَة الْمُفْتِينَ.
وَشرط فِيهَا للقبول فِي النّسَب أَن يُخبرهُ عَدْلَانِ من غير استشهاد الرجل، فَإِن أَقَامَ الرجل شَاهِدين عِنْده على نسبه لَا يَسعهُ أَن يشْهد اه.
قَوْله: (وَالْمَوْت) فَإِذا سمع من النَّاس أَن فلَانا مَاتَ وَسعه أَن يشْهد على ذَلِك وَإِن لم يعاين الْمَوْت، وللزوجة أَن تعْمل بِالسَّمَاعِ.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: قَالَ رجل لامْرَأَة: سَمِعت أَن زَوجك مَاتَ لَهَا أَن تتَزَوَّج إِن كَانَ الْمخبر عدلا اه.
وَلَو شهد رجل بِالْمَوْتِ وَآخر بِالْحَيَاةِ فالمرأة تَأْخُذ بقول من كَانَ عدلا مِنْهُمَا، سَوَاء كَانَ الْعدْل أخبر بِالْحَيَاةِ أَو الْمَوْت، وَلَو كَانَ كِلَاهُمَا عَدْلَيْنِ تَأْخُذ بقول من يخبر بِالْمَوْتِ إِن لم يؤرخا، فَإِن أرخا وَتَأَخر تَارِيخ شَهَادَة الْحَيَاة فَهِيَ أولى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّة وَغَيرهَا.
وَفِي الْمُحِيط: لَو جَاءَ خبر موت إِنْسَان فصنعوا لَهُ مَا يصنع على الْمَيِّت لم يَسعهُ أَن يخبر بِمَوْتِهِ حَتَّى يُخبرهُ ثِقَة أَنه عاين مَوته، لَان المصائب قد تتقدم على الْمَوْت إِمَّا خطأ أَو غَلطا أَو حِيلَة لقسمة المَال اه.
وَلَو قَالَ الْمخبر إِنَّا دفناه وَشَهِدْنَا جنَازَته تقبل لانها تكون شَهَادَة على الْمَوْت، لَكِن قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من الْفَصْل الثَّانِي عشر: لَو أخْبرهَا عدل أَن زَوجهَا مَاتَ أَو طَلقهَا ثَلَاثًا فلهَا التَّزَوُّج، وَلَو أخْبرهَا فَاسق تحرت.
وَفِي إِخْبَار العَبْد بِمَوْتِهِ إِنَّمَا يعْتَمد على خَبره لَو قَالَ عاينته مَيتا أَو شهِدت جنَازَته لَا لَو قَالَ أَخْبرنِي مخبر بِهِ اه.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَلَو أخبر وَاحِد بِمَوْت الْغَائِب وَاثْنَانِ بحياته، وَإِن كَانَ الْمخبر عاين الْمَوْت أَو شهد جنَازَته وَعدل لَهَا أَن تتَزَوَّج، هَذَا إِذا لم يؤرخا أَو أرخا وَكَانَ تَارِيخ الْمَوْت آخرا، وَإِن كَانَ تَارِيخ الْحَيَاة آخرا فشاهد الْحَيَاة أولى.
وَفِي وَصَايَا عِصَام: شَهدا بِأَن زَوجهَا فلَانا مَاتَ أَو قتل وَآخر على الْحَيَاة فالموت أولى اه.
قَالَ فِي الْبَحْر.
وَظَاهر إِطْلَاقه فِي الْمَوْت أَنه لَا فرق فِي الْمَوْت بَين أَن يكون مَشْهُورا أَو لَا، وَقَيده فِي الْمِعْرَاج معزيا إِلَى رشيد الدّين فِي فَتَاوَاهُ بِأَن يكون عَالما أَو من الْعمَّال.
أما إِذا كَانَ تَاجِرًا أَو مثله فَإِنَّهَا لَا تجوز إِلَّا بالمعاينة اه.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَلَا نظفر بِهَذِهِ الرِّوَايَة فِي شئ من الْكتب فِي غير فَتَاوَاهُ اه.
وَمثله فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ.
قَالَ ط: فَكَأَنَّهُ لم يسلم لَهُ هَذَا الْقَيْد لانه لم يسْتَند إِلَى نَص اه.
فَتَأمل.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى فِي التَّنْقِيح عازيا لصور الْمسَائِل: وَالنّسب وَالنِّكَاح يُخَالف الْمَوْت، فَإِنَّهُ لَو أخبرهُ بِالْمَوْتِ رجل أَو امْرَأَة حل لَهُ أَن يشْهد، وَفِي غَيره لَا بُد من إِخْبَار عَدْلَيْنِ.
وَأما فِي الْمَوْت فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْعدْل وَلَو أُنْثَى، هُوَ الْمُخْتَار، إِلَّا أَن يكون الْمخبر مِنْهُمَا كوارث وموصى لَهُ، كَمَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة شرح الْمُلْتَقى للعلائي من الشَّهَادَة: شهد أَنه شهد: أَي حضر دفن زيد أَو صلى عَلَيْهِ فَهُوَ مُعَاينَة، حَتَّى لَو فسر للْقَاضِي يقبله إِذْ لَا يدْفن إِلَّا الْمَيِّت وَلَا يُصَلِّي إِلَّا عَلَيْهِ دُرَر آخر الشَّهَادَات اه.
وَالْقَتْل كالموت فيترتب عَلَيْهِ أَحْكَامه من جَوَاز اعْتِدَاد الْمَرْأَة إِذا أخْبرت بقتْله كموته للتزوج كَمَا نبه عَلَيْهِ العلامتان صَاحب الْبَحْر والمقدسي لَا من جِهَة ترَتّب الْقصاص.
قَوْله: (وَالنِّكَاح) فَلِمَنْ سمع بِهِ من جمع عِنْد الامام وعدلين عِنْدهمَا أَن يشْهد بِهِ.
قُهُسْتَانِيّ.
وَفِي الْقنية: نِكَاح حَضَره رجلَانِ ثمَّ أخبر أَحدهمَا جمَاعَة أَن فلَانا تزوج فُلَانَة بِإِذن وَليهَا والآن
يجْحَد هَذَا الشَّاهِد يجوز للسامعين أَن يشْهدُوا على ذَلِك: وَفِي الْعمادِيَّة: وَكَذَا تجوز الشَّهَادَة بالشهرة والتسامع فِي النِّكَاح، حَتَّى لَو رأى رجلا يدْخل على امْرَأَة وَسمع من النَّاس أَن فُلَانَة زَوْجَة فلَان(7/511)
وَسعه أَن يشْهد أَنَّهَا زَوجته وَإِن لم يعاين عقد النِّكَاح اه.
وَيشْهد من رأى رجلا وَامْرَأَة بَينهمَا انبساط الازواج أَنَّهَا عرسه اه.
دُرَر.
وَفِي الْخُلَاصَة: إِذا شهد تعريسه وزفافه أَو أخبرهُ بذلك عَدْلَانِ حل لَهُ أَن يشْهد أَنَّهَا امْرَأَته.
قَالَ فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: الشُّهْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادٍ وَيَقَع فِي قلبه أَن الامر كَذَلِك، وَمثله فِي الظَّهِيرِيَّة.
قَوْله: (وَالدُّخُول بِزَوْجَتِهِ) فَإِنَّهَا تقبل بِالسَّمَاعِ.
ذكر فِي الْخُلَاصَة خلافًا فِي الدُّخُول، فَفِي فَوَائِد أستاذنا ظهير الدّين: لَا يجوز لَهُم أَن يشْهدُوا على الدُّخُول بالمنكوحة بِالتَّسَامُعِ، وَلَو أَرَادَ أَن يثبق الدُّخُول يثبت الْخلْوَة الصَّحِيحَة اه.
لَكِن أَفَادَ الْعَلامَة عبد الْبر أَنَّهَا تقبل بِالسَّمَاعِ، وَيَتَرَتَّب على قبُولهَا أَحْكَام كالعدة وَالْمهْر وَالنّسب اه.
قَوْله: (وَولَايَة القَاضِي) أَي كَونه قَاضِيا فِي نَاحيَة كَذَا، فَإِنَّهُ لم سَمعه من النَّاس جَازَ أَن يشْهد بِهِ، قُهُسْتَانِيّ.
وَإِن لم يعاين تَقْلِيد الامام اه.
عبد الْبر.
وَفِي الْبَحْر وَظَاهر مَا فِي الْمِعْرَاج أَن الامير كَالْقَاضِي فيزاد الامرة اه.
وَصرح بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّة حَيْثُ قَالَ: وَكَذَا يجوز الشَّهَادَة على أَنه قَاضِي بلد كَذَا أَو وَالِي بلد كَذَا وَإِن لم يعاين التَّقْلِيد والمنشور اه.
وَصرح بِهِ فِي الْخُلَاصَة أَيْضا: قَالَ فِي الْبَحْر: وَكَذَا إِذا رأى شخصا جَالِسا مجْلِس الحكم يفصل الْخُصُومَات جَازَ لَهُ أَن يشْهد على أَنه قَاض.
مطلب: إِذا لم يكن الْوَقْف قَدِيما لَا بُد من ذكر واقفه فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ
قَوْله: (وأصل الْوَقْف) بِأَن يشْهد أَن هَذَا وقف على مَوضِع أَو جمَاعَة كَذَا، وَهل ذكر الْمصرف شَرط؟ فِي الْكَافِي عَن المرغياني نعم.
وَفِي الخزانة: لَا يشْتَرط على الْمُخْتَار إِن كَانَ وَقفا قَائِما ينْصَرف إِلَى الْفُقَرَاء.
وَذكر الشَّيْخ ظهير الدّين المرغيناني: إِذا لم يكن الْوَقْف قَدِيما لَا بُد من ذكر واقفه ط.
وَفِي فَتَاوَى قَارِئ الْهِدَايَة: صُورَة الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ على أصل الْوَقْف أَن يشْهدُوا أَن فلَانا وَقفه على الْفُقَرَاء أَو على الْقُرَّاء أَو على أَوْلَاده من غير أَن يتَعَرَّضُوا إِنَّه شَرط فِي وَقفه كَذَا وَكَذَا، فَإِن شهدُوا على شَرط
الْوَاقِف وَأَنه قَالَ للجهة الْفُلَانِيَّة كَذَا وللجهة الْفُلَانِيَّة كَذَا فَلَا تسمع بِالتَّسَامُعِ على شُرُوط الْوَاقِف، لَان الَّذِي يشْتَهر إِنَّمَا هُوَ أصل الْوَقْف وَأَنه على الْجِهَة الْفُلَانِيَّة، أما الشُّرُوط فَلَا تشتهر فَلَا تجوز الشَّهَادَة على الشُّرُوط بِالتَّسَامُعِ اه.
وَتقدم فِي الْوَقْف أَنه تقبل الشَّهَادَة فِيهِ من غير بَيَان الْوَاقِف لَو قَدِيما عِنْد أبي يُوسُف وَأَن الْفَتْوَى عَلَيْهِ، فَرَاجعه.
وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لنَفس الْوَقْف.
أما الدَّعْوَى بِهِ بِأَن ادّعى أَن هَذِه الارض وقف وَقَفَهَا فُلَانٌ عَلَيَّ وَذُو الْيَدِ يَجْحَدُ وَيَقُولُ هِيَ ملكي فَيشْتَرط بَيَان الْوَاقِف وَأَنه وَقفه وَهُوَ يملكهُ.
قَوْله: (قيل وشرائطه على الْمُخْتَار) قَالَ الطَّحْطَاوِيّ: وَلَا وَجه لذكر قيل فَإِنَّهُمَا قَولَانِ مصصحان.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي الْفُصُول الْعمادِيَّة من الْعَاشِر: الْمُخْتَار أَن لَا تقبل الشَّهَادَة بالشهرة على شَرَائِط الْوَقْف اه.
وَفِي الْمُجْتَبى: الْمُخْتَار أَن تقبل على شَرَائِط الْوَقْف اه.
وَاعْتَمدهُ فِي الْمِعْرَاج، وَأقرهُ الشُّرُنْبُلَالِيّ وَعَزاهُ إِلَى الْعَلامَة قَاسم، وَقواهُ فِي الْفَتْح بقوله: وَأَنت إِذا عرفت قَوْلهم فِي الاوقاف الَّذِي انْقَطع ثُبُوتهَا وَلم يعرف لَهَا مصارف وشرائط أَنه يسْلك بهَا مَا كَانَت فِي دواوين الْقُضَاة لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنْ تَحْسِينِ مَا فِي الْمُجْتَبَى، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ اه.
أَيْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ هِيَ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا لَمْ يُعَايِنْهُ وَالْعَمَلُ بِمَا فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ عَمَلٌ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ وَمَصَارِفُهُ(7/512)
يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا لَمْ يُجْهَلْ مِنْهَا يُعْمَلُ بِمَا عُلِمَ مِنْهَا، وَذَلِكَ الْعِلْمُ قَدْ لَا يَكُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْوَاقِفِ بَلْ بِالتَّصَرُّفِ الْقَدِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ: سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ وَقْفٍ مَشْهُورٍ اشْتَبَهَتْ مَصَارِفُهُ وَقَدْرُ مَا يُصْرَفُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ أَنَّ قِوَامَهُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ وَإِلَى مَنْ يَصْرِفُونَهُ، فَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ الْمَظْنُونُ بِحَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ اه.
فَهَذَا عَيْنُ الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ.
وَفِي الْخَيْرِيَّة: إِذا كَانَ لِلْوَقْفِ كِتَابٌ فِي دِيوَانِ الْقُضَاةِ الْمُسَمَّى فِي عُرْفِنَا بِالسِّجِلِّ وَهُوَ فِي أَيْدِيهِمْ اُتُّبِعَ مَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا إذَا تَنَازَعَ أَهْلُهُ فِيهِ، وَإِلَّا يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سبق من الزَّمَان من أَن قوامه كَيفَ كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَالُ فِيمَا سَبَقَ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ بِالْبُرْهَانِ
حَقًّا حُكِمَ لَهُ بِهِ اه.
لَكِنْ قَوْلُهُمْ الْمَجْهُولَةُ شَرَائِطُهُ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ عُلِمَتْ وَلَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ تَصَرُّفِ الْقُوَّامِ لَا يُرْجَعُ إلَى مَا فِي سِجِلِّ الْقُضَاةِ، وَهَذَا عَكْسُ مَا فِي الْخَيْرِيَّةِ، فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ.
أَقُول: ثمَّ إِن المُرَاد من الشَّرَائِط والجهات كَمَا وَقع فِي عبارَة الاسعاف وأوضحه الرَّمْلِيّ أَن يَقُول: إنَّ قَدْرًا مِنْ الْغَلَّةِ لِكَذَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْفَاضِل إِلَى كَذَا بعد بَيَان الْجِهَة، وَلَيْسَ معنى الشُّرُوط أَن يبين الْمَوْقُوف عَلَيْهِ لانه لَا بُد مِنْهُ فِي إِثْبَات أصل الْوُقُوف كَمَا تقدم آنِفا.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَالْمرَاد بِأَصْل الْوَقْف أَن هَذِه الضَّيْعَة وقف على كَذَا، فبيان الْمصرف دَاخل فِي أصل الْوَقْف.
أما الشَّرَائِط فَلَا يحل فِيهَا الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ، وَهُوَ معنى قَوْله فِي فتح الْقَدِير: وَلَيْسَ فِي معنى الشُّرُوط أَن يبين الْمَوْقُوف عَلَيْهِ اه.
وَيَأْتِي تَمام الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْبَحْر: ومسأل الشَّهَادَة بِالْوَقْفِ أصلا وشروطا لم تذكر فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَأَنَّهَا قاسها الْمَشَايِخ على الْمَوْت.
وَقد اخْتلف فِيهَا الْمَشَايِخ: بَعضهم قَالَ يحل وَبَعْضهمْ قَالَ لَا يحل، وَبَعْضهمْ فصل كَمَا سبق، وَلَكِن نقل الشلبي عَن شرح الْمجمع للْمُصَنف فِي كتاب الْوَقْف أَن قبُول الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ فِي أصل الْوَقْف قَول مُحَمَّد، وَبِه أَخذ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث وَهُوَ الْمُخْتَار اه.
قَوْله: (فِي بَابه) أَي بَاب الْوَقْف فِي فصل يُرَاعى شَرط الْوَاقِف، وَتقدم هُنَاكَ تَحْقِيقه فِي الْحَاشِيَة، فَرَاجعه.
قَوْله: (هُوَ كل مَا تعلق بِهِ صِحَّته) كَأَن يكون مُنجزا مُسلما مجعولا آخِره لجِهَة لَا تَنْقَطِع وَنَحْو ذَلِك مِمَّا ذكر فِي شُرُوط صِحَّته.
قَالَ المُصَنّف فِي الْوَقْف: وَبَيَان الْمصرف من أَصله: أَي لتوقف صِحَة الْوَقْف عَلَيْهِ: أَي فَتقبل شَهَادَة على الْمصرف بِالتَّسَامُعِ كَأَصْلِهِ، وَكَوْنُهُ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّتُهُ، بِخِلَافِ اشْتِرَاطِ صَرْفِ غَلَّتِهِ لِزَيْدٍ أَوْ لِلذُّرِّيَّةِ فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِطِ لَا من الاصل.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَلَعَلَّه هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِاشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ فِي الْوَقْفِ بِذِكْرِ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَتَقَدَّمَ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّصْرِيحِ بِهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ لَازِمٍ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَوْلَى لِعَدَمِ تَوَقُّفِ الصِّحَّةِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا فِي الْإِسْعَافِ
وَالْخَانِيَّةِ: لَا تجوز الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ وَالْجِهَاتِ بِالتَّسَامُعِ اه.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجِهَاتِ هِيَ بَيَانُ الْمَصَارِفِ، فَقَدْ سَاوَى بَينهمَا وَبَيْنَ الشَّرَائِطِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا الْجِهَاتُ الَّتِي لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَيْهَا.(7/513)
وَفِي التاترخانية: وَعَنْ أَبِي اللَّيْثِ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْفِ بالاستفاضة من غير الدَّعْوَى، وَتقبل الشَّهَادَة الْوَقْف وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنُوا وَجْهًا وَيَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اه.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَلَو ذكر الْوَاقِفَ لَا الْمَصْرِفَ تُقْبَلُ لَوْ قَدِيمًا وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ اه.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا مِنْ عَدَمِ لُزُومِهِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ بَيَانُ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ، فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَمَا سَمِعْت نَقْلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْإِسْعَافِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَصْرِفُ جِهَةَ مَسْجِدٍ أَوْ مَقْبَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَمَّا لَوْ كَانَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ بِالتَّسَامُعِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ على مُجَرّد الْوَقْف، فَإِن ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالتَّسَامُعِ يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ بِدُونِ ذكرهم كَمَا علم من عبارَة التاترخانية والفصولين.
وَقد ذكر الْخَيْر الرَّمْلِيّ تَوْفِيقًا آخَرَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَيْنَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ وَالْخَانِيَّةِ، بِحَمْلِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ ثَابِتًا عَلَى جِهَةٍ، بِأَنْ اُدُّعِيَ عَلَى ذِي يَدٍ يَتَصَرَّفُ بِالْمِلْكِ بِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ كَذَا فَشَهِدُوا بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، لِأَنَّ أَصْلَ جَوَازِ الشَّهَادَةِ فِيهِ بِالسَّمَاعِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحُكْمُ يَدُور مَعَ علته وَجَازَت إِذا قَدَّمَ.
قَالَ: وَقَدْ رَأَيْت شَيْخَنَا الْحَانُوتِيَّ أَجَابَ بذلك اه مُلَخصا.
قَوْله: (وَإِلَّا) أَي وَإِلَّا تتَوَقَّف عَلَيْهِ صِحَّته كذكر الْجِهَات من إِمَام ومؤذن أَو تأبيد، فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط فِيهِ فِي رِوَايَة عَن الثَّانِي، وَعَلَيْهَا الافتاء كَمَا تقدم آنِفا.
قَوْله: (بذلك) أَي بِالتَّسَامُعِ، وَإِنَّمَا جَازَت الشَّهَادَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع مَعَ عدم المعاينة إِذا أخبرهُ بهَا من يَثِق بِهِ اسْتِحْسَانًا دفعا للْحَرج وتعطيل الاحكام إِذْ لَا يحضرها إِلَّا الْخَواص، فَالنِّكَاح لَا يحضرهُ كل أحد، وَالدُّخُول لَا يقف عَلَيْهِ أحد، وَكَذَا الْمَوْت لَا يعاينه كل أحد وَسبب النّسَب الْولادَة وَلَا يحضرها إِلَّا الْقَابِلَة.
وَسبب الْقَضَاء التَّقْلِيد وَلَا يعاين ذَلِك إِلَّا الْوَزير وَنَحْوه من الْخَواص، وَكَذَا الْوَقْف تتَعَلَّق بِهِ، وَكَذَا بِمَا مر أَحْكَام تبقى على مر الدهور، فَلَو لم يقبل فِيهَا التسامع أدّى إِلَى الْحَرج وتعطيل الاحكام.
وَتَمَامه فِي الْحَمَوِيّ
ط.
قَوْله: (مَنْ يَثِقُ الشَّاهِدُ بِهِ مِنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الشَّهَادَة بالشهرة فِي النّسَب وَغَيره بطرِيق الشُّهْرَة الْحَقِيقِيَّة أَو الْحكمِيَّة.
فالحقيقية أَن يشْتَهر وَيسمع من قوم كثيرين لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب، وَلَا يشْتَرط فِي هَذَا الْعَدَالَة بل يشْتَرط التَّوَاتُر.
والحكمية أَن يشْهد عِنْده عَدْلَانِ من الرِّجَال أَو رجل وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظ الشَّهَادَة، لَكِن الشُّهْرَة فِي الثَّلَاثَة الاول: يَعْنِي النّسَب وَالنِّكَاح وَالْقَضَاء لَا تثبت إِلَّا بِخَبَر جمَاعَة لَا يتَوَهَّم تواطؤهم على الْكَذِب أَو خبر عَدْلَيْنِ بِلَفْظ الشَّهَادَة وَفِي بَاب الْمَوْت بِخَبَر الْعدْل الْوَاحِد وَإِن لم يكن بِلَفْظ الشَّهَادَة.
كَذَا فِي بَاب النّسَب من شَهَادَات خُوَاهَر زَاده وَكَذَا ذكر عَدَالَة الْمخبر فِي الْمَوْت صَاحب الْمُخْتَصر.
شرنبلالية.
وَفِي الزَّيْلَعِيّ: وَلَا يشْتَرط فِي الْمَوْت لفظ الشَّهَادَة لانه لَا يشْتَرط فِيهِ الْعدَد فَكَذَا لفظ الشَّهَادَة.
وَفِي شَهَادَة الْوَاحِد بِخَبَر الْمَوْت قَولَانِ مصححان.
وَوجه الْقبُول أَن الْمَوْت قد يتَّفق فِي مَوضِع لَا يكون فِيهِ إِلَّا وَاحِد، فَلَو قُلْنَا إِنَّه لَا تسمع الشَّهَادَة إِلَّا بِعَدَد لضاعت الْحُقُوق ط.
قَوْله: (لَا يتَصَوَّر تواطؤهم على الْكَذِب) هَذَا هُوَ الْمُتَوَاتر عِنْد الاصوليين، فَإِنَّهُ كَمَا فِي الْمنَار: الَّذِي رَوَاهُ قوم لَا يُحْصى عَددهمْ وَلَا يتَوَهَّم تواطؤهم على الْكَذِب.
قَالَ شَارِحه: وَلَا يشْتَرط فِي التَّوَاتُر عدد معِين خلافًا للْبَعْض.
قَوْله: (بِلَا شَرط عَدَالَة) أَي لَا يشْتَرط الْعَدَالَة والاسلام فِي المخبرين حَتَّى لَو أخبر جمع غير مَحْصُورين من(7/514)
كفار بَلْدَة بِمَوْت ملكهم حصل لنا الْيَقِين كَمَا فِي شرح الْمنَار.
قَوْله: (أَو شَهَادَة عَدْلَيْنِ) بِالْجَرِّ عطف على خبر جاعة: يَعْنِي وَمَنْ فِي حُكْمِهِمَا وَهُوَ عَدْلٌ وَعَدْلَتَانِ كَمَا فِي الْمُلْتَقى: يَعْنِي أَن الشُّهْرَة لَهَا طَرِيقَانِ: حَقِيقِيّ وَهُوَ بالمتواتر، وحكمي وَهُوَ مَا كَانَ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ، فقد ذكر ظهير الدّين أَن الاشتهار بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ بِلَفْظ الشَّهَادَة بِدُونِ اشتهار وَيَقَع فِي قلبه أَن الامر كَذَلِك، وَقد تقدم عَن الصُّغْرَى.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي الْمَوْتِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: شهد أَن أَبَاهُ مَاتَ وَتَركه مِيرَاثًا لَهُ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا الْمَوْتَ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ لِلْمَيِّتِ بِسَمَاعٍ فَلم تجز اه.
قَوْله: (فَيَكْفِي الْعدْل) أَي بِالنِّسْبَةِ للشَّهَادَة.
وَأما الْقَضَاء فَلَا بُد فِيهِ من شَهَادَة اثْنَيْنِ، لقَولهم: وَفِي الْمَوْت مَسْأَلَة عَجِيبَة، هِيَ إِذا لم يعاين الْمَوْت إِلَّا وَاحِد، وَلَو شهد عِنْد القَاضِي لَا يقْضِي بِشَهَادَتِهِ وَحده مَاذَا يصنع؟ قَالُوا: يخبر
بذلك عدلا مثله، وَإِذا سمع مِنْهُ حل لَهُ أَن يشْهد على مَوته فَيشْهد هُوَ مَعَ ذَلِك الشَّاهِد فَيَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا اه.
وَلَا بُد أَن يذكر ذَلِك الْمخبر أَنه شهد مَوته أَو جنَازَته وَدَفنه حَتَّى يشْهد الآخر مَعَه كَمَا قدمْنَاهُ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَة: وَلَا يشْتَرط أَن يتَلَفَّظ الْمخبر بِالْمَوْتِ بِلَفْظ الشَّهَادَة عِنْد من يشْهد.
أما الَّذِي يشْهد عِنْد القَاضِي يتَلَفَّظ الشَّهَادَة.
وَأما الْفُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي يشْتَرط فِيهَا شَهَادَة العدلين يَنْبَغِي أَن يشْهد عِنْده بِلَفْظ الشَّهَادَة.
قَالَ أستاذنا ظهير الدّين فِي الاقضية: وَهَذَا اخْتِيَار الصَّدْر الامام الشَّهِيد برهَان الائمة.
وَفِي مُخْتَصر الْقَدُورِيّ: إِنَّمَا تجوز الشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ إِذا أخبرهُ من يَثِق بِهِ، فَهَذَا يدل على أَن لفظ الشَّهَادَة لَيْسَ بِشَرْط اه.
وَفِي شرح ابْن الشّحْنَة: وَالْجَوَاب فِي الْقَضَاء وَالنِّكَاح نَظِير الْجَواب فِي النّسَب، فقد فرقوا جَمِيعًا بَين الْمَوْت والاشياء الثَّلَاثَة فاكتفوا بِخَبَر الْوَاحِد فِي الْمَوْت دونهَا.
وَالْفرق أَن الْمَوْت قد يتَّفق فِي مَوضِع لَا يكون فِيهِ إِلَّا وَاحِد، بِخِلَاف الثَّلَاثَة لَان الْغَالِب كَونهَا بَين جمَاعَة.
وَمن الْمَشَايِخ من لم يفرق.
وَتَمَامه فِيهِ.
وَفِي جَامع الْفُصُولَيْنِ: وَالصَّحِيح أَن الْمَوْت كَنِكَاح وَغَيره لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِشَهَادَة الْوَاحِد، وَمن الْمَشَايِخ من قَالَ لَا فرق بَين الْمَوْت وَالثَّلَاثَة، وَإِنَّمَا اخْتلف الْجَواب لاخْتِلَاف الْمَوْضُوع، مَوْضُوع مَسْأَلَة الْمَوْت إِذا أخبرهُ وَاحِد عدل وَلم يذكر الْعدْل فِي الثَّلَاثَة، فَلَو كَانَ الْمخبر فِي الثَّلَاثَة عدلا أَيْضا حل لَهُم أَن يشْهدُوا، ثمَّ فِي الثَّلَاثَة إِذا ثَبت الشُّهْرَة عِنْدهَا بِخَبَر عَدْلَيْنِ يجب الاخبار بِلَفْظ الشَّهَادَة، وَفِي الْمَوْت لما ثَبت بِخَبَر الْوَاحِد بالاجماع لَا يجب بل يَكْتَفِي بِمُجَرَّد الاخبار.
قَوْله: (وَلَو أُنْثَى) قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: إِنَّهَا تجوز إِذا سمع من مَحْدُود فِي قذف أَو النسوان أَو العبيد إِذا كَانَ الصدْق ظَاهرا، وَلَا يجوز من الصّبيان إِلَّا إِذا كَانَ مُمَيّزا كَلَامه مُعْتَبر اه.
قَوْله: (وَهُوَ الْمُخْتَار) لانه قد يتَحَقَّق فِي مَوضِع لَيْسَ فِيهِ إِلَّا وَاحِدَة.
بِخِلَاف غَيره.
عَيْني.
قَوْله: (وَقَيده شَارِح الْوَهْبَانِيَّة) عبد الْبر نقلا عَن السّير الْكَبِير.
قَوْله: (كوارث وموصى لَهُ) كَمَا قدمْنَاهُ.
قَوْله: (وَمن فِي يَده شئ) نَقْدا كَانَ أَو عرضا أَو عقارا، وَقد تقدم أَن هَذِه تَمام الْعشْرَة، لَكِن فِي عدهَا من الْعشْرَة نظر.
ذكره فِي الْبَحْر وَالْفَتْح، وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا
إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (سوى رَقِيق) يعم العَبْد والامة.
قَوْلُهُ: (عُلِمَ رِقُّهُ) صَوَابُهُ لَمْ يُعْلَمْ رِقُّهُ كَمَا(7/515)
هُوَ ظَاهر لمن تَأمل.
مدنِي.
قَالَ ط: إِلَّا وَجه لهَذِهِ الْجُمْلَة، وَالَّذِي أوقعه: أَي الشَّارِح فِي ذكرهَا عبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّة، وَنَصهَا: قَوْله سوى الرَّقِيق الْمعبر: يَعْنِي إِذا لم يعرف أَنه رَقِيق لَا يشْهد بِهِ بمعاينة الْيَد، وَفِي غير الْمعبر شهد برقه اه: أَي بمعاينة الْيَد، وَمرَاده أَن الَّذِي يعبر عَن نَفسه لَا يشْهد برقه بمعاينة الْيَد إِلَّا إِذا علم رقّه لَهُ، وَهَذَا الْمَعْنى لم يفده الْمُؤلف، فَلَو قَالَ سوى رَقِيق يعبر عَن نَفسه وَلم يعلم رقّه ثمَّ يَأْتِي بمفومه لاصاب.
فَالْحَاصِل: أَن الْمَعْنى فِيهِ أَنه لَا يجوز لَهُ أَن يشْهد فِي رَقِيق لم يعلم رقّه ويعبر عَن نَفسه إِذا رَآهُ فِي يَد غَيره أَنه ملكه، لَان للرقيق يدا على نَفسه تدفع يَد الْغَيْر عَنهُ فانعدم دَلِيل الْملك، حَتَّى إِذا ادّعى أَنه حر الاصل كَانَ القَوْل قَوْله، وَلَا يُمكن أَن يعْتَبر فِيهِ التَّصَرُّف وَهُوَ الِاسْتِخْدَام، لَان الْحر يستخدم طَائِعا كَالْعَبْدِ، إِلَّا إِذا علم رقّه أَو كَانَ صَغِيرا لَا يعبر عَن نَفسه فَإِنَّهُ كالمتاع لَا يَد لَهُ، فَلهُ أَن يشْهد فِيهِ لذِي الْيَد أَنه ملكه، وَهَذَا هُوَ المُرَاد كَمَا يظْهر من عبارَة الْبَحْر وَغَيرهَا، لَكِن الَّذِي أوقع الشَّارِح مَا نَقَلْنَاهُ.
قَوْله: (ويعبر عَن نَفسه) أَي سَوَاء كَانَ بَالغا أَو غير بَالغ وَهَذَا تَفْسِير للكبير الْوَاقِع فِي عبارتهم سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى كَمَا فِي النِّهَايَة.
وَالْوَجْه فِيهِ أَن لَهما: أَي العَبْد والامة الكبيرين يدا على أَنفسهمَا تدفع يَد الْغَيْر عَنْهُمَا فانعدم دَلِيل الْملك، حَتَّى لَو ادّعَيَا الْحُرِّيَّة الاصلية يكون القَوْل قَوْلهمَا.
وَعَن أبي حنيفَة أَنه يحل لَهُ أَن يشْهد فيهمَا أَيْضا اعْتِبَارا بالثياب، وَالْفرق مَا بَيناهُ، وَإِن كَانَا صغيرين لَا يعبران عَن أَنفسهمَا كالمتاع لَا يَد لَهما فَلهُ أَن يَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخبرهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهُ لغيره كَمَا فِي الْبَحْر.
قَوْله: (فلك أَن تشهد بِهِ) أخرج المُصَنّف عَن مُرَاده وَإِن كَانَ الحكم ظَاهرا، وَإِنَّمَا جَازَت الشَّهَادَة بالشئ لواضع الْيَد لَان الْيَد أقْصَى مَا يسْتَدلّ بِهِ على الْملك إِذْ هِيَ مرجع الدّلَالَة فِي الاسباب كلهَا فكيتفي بهَا.
صورته رجل رأى عينا فِي يَد إِنْسَان ثمَّ رأى تِلْكَ الْعين فِي يَد آخر والاول يَدعِي الْملك يَسعهُ أَن يشْهد أَنَّهَا للْمُدَّعِي ط.
قَوْله: (أَنه لَهُ) أَي لمن فِي يَده بِلَا مُنَازع.
قَوْله: (إِن وَقع فِي قَلْبك ذَلِك) أَي
إِذا شهد بذلك قبلك وَصدقه، وَأسْندَ هَذَا الْقَيْد فِي الظَّهِيرِيَّة إِلَى الصاحبين.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَعَن أبي يُوسُف أَنه يشْتَرط مَعَ ذَلِك أَن يَقع فِي قلبه أَنه قَالُوا لَهُ: يَعْنِي الْمَشَايِخ، وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا تَفْسِيرا لاطلاق مُحَمَّد فِي الرِّوَايَة.
قَالَ فِي فتح الْقَدِير: قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: وَبِه نَأْخُذ، فَهُوَ قَوْلهم جَمِيعًا اه.
قَالَ الرَّازِيّ: هَذَا قَوْلهم جَمِيعًا إِذْ الاصل فِي حل الشَّهَادَة الْيَقِين، فَعِنْدَ تعذره يُصَار إِلَى مَا يشْهد لَهُ الْقلب، لَان كَون الْيَد مسوغا بِسَبَب إفادتها ظن الْملك، فَإِذا لم يَقع فِي الْقلب ذَلِك الظَّن لم يفد مُجَرّد الْيَد، وَلِهَذَا قَالُوا: إذَا رَأَى إنْسَانٌ دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ من هُوَ أهل لَهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ، فَعُرِفَ أَن مُجَرّد الْيَد لَا يَكْفِي.
شرنبلالية.
وَيشْتَرط أَن لَا يُخبرهُ عَدْلَانِ بِأَنَّهَا لغيره، فَلَو أخبرهُ لم تجز الشَّهَادَة بِالْملكِ خُلَاصَة، بِخِلَاف مَا إِذا شهد بِهِ عدل وَاحِد، لَان شَهَادَة الْوَاحِد لَا تزيل مَا كَانَ فِي قَلْبك أَنه للاول، فَلَا يحل لَك أَن تمْتَنع عَن الشَّهَادَة إِلَّا أَن يَقع فِي قَلْبك أَن هَذَا الْوَاحِد صَادِق، فَحِينَئِذٍ لَا يحل لَك أَن تشهد أَنه للاول اه.
شلبي.
فِي الْحَاشِيَة عَن الْخَانِية: وكما جَازَ لَهُ أَن يشْهد أَنه ملك بِوَضْع الْيَد جَازَ لَهُ شِرَاؤُهُ إِن لم يكن رَآهُ قبله فِي يَد غَيره، فَإِن كَانَ وَأخْبرهُ بانتقال الْملك إِلَيْهِ أَو بِالْوكَالَةِ مِنْهُ حل الشِّرَاء، وَإِلَّا لَا، كَمَا إِذا رأى جَارِيَة فِي يَد إِنْسَان ثمَّ رَآهَا فِي بَلْدَة أُخْرَى وَقَالَت أَنا حرَّة الاصل لَا يحل لَهُ أَن ينْكِحهَا اه.
وَأفَاد المُصَنّف بعبارته أَنه(7/516)
عاين الْيَد وواضعا ليد، فَلَو لم يعاينهما وَإِنَّمَا سمع أَن لفُلَان كَذَا فَلَا يجوز لَهُ الشَّهَادَة لانه مجازفة، كَمَا لَو عاين الْمَالِك لَا الْملك لانه لم يحصل لَهُ الْعلم بالمحدود.
تَنْبِيه: نقل الصَّدْر حسام الدّين فِي شرح أدب القَاضِي أَنه إِن عاين الْملك دون الْمَالِك، بِأَن عاين محدودا ينْسب إِلَى فلَان بن فلَان الْفُلَانِيّ وَهُوَ لم يعاينه بِوَجْهِهِ وَلَا يعرفهُ بِنَفسِهِ الْقيَاس أَن لَا تحل.
وَفِي الِاسْتِحْسَان: تحل لَان النّسَب مِمَّا يثبت بِالتَّسَامُعِ والشهرة فَيصير الْمَالِك مَعْرُوفا بِالتَّسَامُعِ وَالْملك مَعْرُوف فترتفع الْجَهَالَة، وَكَذَا إِذا أدْرك الْملك وَلم يعاين الْملك، وَالْمَالِك امْرَأَة لَا يَرَاهَا الرِّجَال وَلَا تخرج، فَإِن كَانَ ذَلِك مَشْهُورا عِنْد الْعَوام وَالنَّاس فالشهادة على ذَلِك جَائِزَة، يُرِيد بِهِ إِذا عاين الْملك وَوَقع فِي قلبه أَن الامر كَمَا اشْتهر، وَهَذَا قَاصِر على هَذِه الصُّورَة.
ذكره عبد الْبر.
وَلم يسمع مثل هَذَا لضاعت
حُقُوق النَّاس لَان فيهم المحجوب وَلَا يبرز أصلا وَلَا يتَصَوَّر أَن يرَاهُ متصرفا فِيهِ، وَلَيْسَ هَذَا إِثْبَات الْملك بِالتَّسَامُعِ وَإِنَّمَا هُوَ إِثْبَات النّسَب بِالتَّسَامُعِ وَفِي ضمنه إِثْبَات الْملك بِهِ وَهُوَ لَا يمْتَنع إثْبَاته قصدا.
عَيْني تبعا للزيلعي.
وَعَزاهُ فِي الْبَحْر إِلَى النِّهَايَة، وَهَذَا هُوَ النَّص، وَقد بحث فِيهِ الْكَمَال بِأَن مُجَرّد ثُبُوت نسبه بِالشَّهَادَةِ عِنْد القَاضِي لم يُوجب ثبوب ملكه لتِلْك الضَّيْعَة لَوْلَا الشَّهَادَة بِهِ، وَكَذَا الْمَقْصُود لَيْسَ إِثْبَات النّسَب بل الْملك فِي الضَّيْعَة اه.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: شهد أَن فلَان بن فلَان مَاتَ وَترك هَذِه الدَّار مِيرَاثا وَلم يدركا الْمَيِّت فشهادتهما بَاطِلَة، لانهما شَهدا بِملك لم يعاينا سَببه وَلَا رآياه فِي يَد الْمُدَّعِي، وَلَو شهد دَابَّة تتبع دَابَّة وترضع مِنْهَا لَهُ أَن يشْهد بِالْملكِ والنتاج اه ط.
وَفِي الْبَحْر: وَلَو رَآهُ على حمَار يَوْمًا لم يشْهد أَنه لَهُ لاحْتِمَال أَنه رَكبه بالعارية، وَلَو رَآهُ على حمَار خمسين يَوْمًا أَو أَكثر وَوَقع فِي قلبه أَنه لَو وَسعه أَن يشْهد أَنه لَهُ، لَان الظَّاهِر أَن الانسان لَا يركب دَابَّة مُدَّة كَثْرَة إِلَّا الْملك اه.
قَوْله: (أَي إِذا ادَّعَاهُ الْمَالِك) أَشَارَ بِهِ إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مُتَابعًا لصَاحب الْبَحْر.
وَقد ذكره مجيبا بِهِ عَن التَّنَافِي الْوَاقِع بَين قَول من قَالَ إِنَّه يقْضِي بمعاينة وضع الْيَد كَمَا فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة، وَبَين قَول الشَّارِح أَن القَاضِي لَا يجوز لَهُ أَن يحكم بِسَمَاع نَفسه وَلَو تَوَاتر عِنْده وَلَا بِرُؤْيَة نَفسه فِي يَد إِنْسَان، فَحمل صَاحب الْبَحْر كَلَام الاولين على مَا إِذا حصلت دَعْوَى وَكَلَام الشَّارِح على مَا إِذا لم تحصل دَعْوَى.
ورده الْمَقْدِسِي وَحمل كَلَام الشَّارِح على أَن القَاضِي لَا يقْضِي قَضَاء محكما مبرما، بِحَيْثُ لَو ادّعى الْخصم لَا يقبل مِنْهُ، فَلَا يُنَافِي أَنه يقْضِي قَضَاء ترك، بِمَعْنى أَنه يتْرك فِي يَد ذِي الْيَد مَا دَامَ خَصمه لَا حجَّة لَهُ، وَقد صرح بذلك الشَّارِح أول كَلَامه.
وَأما حمله على مَا إِذا لم تحصل دَعْوَى فَغير صَحِيح، لَان الْقَضَاء بِغَيْر دَعْوَى لَا يَقع أصلا فَلَا يتَوَهَّم إِرَادَته.
قَالَ السَّيِّد أَبُو السُّعُود: وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّكَلُّف لَان الْمَسْأَلَة مُخْتَلف فِيهَا، فَمَا فِي الزَّيْلَعِيّ يبتنى على قَول الْمُتَأَخِّرين من أَن القَاضِي لَيْسَ لَهُ أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ، وَهُوَ الْمُفْتى بِهِ.
وَمَا فِي الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة يبتنى على مُقَابِله.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: وَلَا يتَوَهَّم الْمُخَالفَة بَين مَا ذكر الزَّيْلَعِيّ وَمَا فِي النِّهَايَة، فَإِن مَا فِي شرح الْكَنْز هُوَ مَا إِذا رأى القَاضِي قبل حَال الْقَضَاء ثمَّ رأى حَال قَضَائِهِ فِي يَد
غَيره كَمَا لَا يخفى اه.
قَوْله: (وَإِن فسر الشَّاهِد الخ) أَي فِيمَا يشْهد فِيهِ بِالتَّسَامُعِ.
وَقَالُوا: يَنْبَغِي(7/517)
للشَّاهِد بِهِ أَن يُطلق الشَّهَادَة وَلَا يُفَسِّرهَا.
حموي.
قَوْله: (بِالتَّسَامُعِ أَو بمعاينة الْيَد) أَي بِأَن يَقُول أشهد لِأَنِّي رَأَيْتُهُ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْملاك وَالشَّهَادَة بِالتَّسَامُعِ كَمَا يذكرهَا الشَّارِح أَن يَقُول الشَّاهِد أشهد بِالتَّسَامُعِ.
قَوْله: (إِلَّا فِي الْوَقْف) لما تقدم من أَنَّهُ يُفْتِي بِكُلِّ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْوَقْفِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، كَمَا أَشَارَ إلَى وَجهه فِي الدُّرَر بقوله: حفظا للاوقاف الْقَدِيمَة عَن الِاسْتِهْلَاك.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَإِنْ صَرَّحَا بِالتَّسَامُعِ، لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَكُونُ سِنُّهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَارِيخُ الْوَقْفِ مِائَةُ سَنَةٍ فَيَتَيَقَّنُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَا بالعيان، فَإِذن لَا فَرْقَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ أَشَارَ إلَيْهِ ظهير الدّين المرغياني، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فَإِنَّهُمَا إِذا صرحا بِهِ لَا تقبل اه: أَيْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوَقْفِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمَارَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ فِيهَا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ فَيُفَرق بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمَشَايِخَ رَجَّحُوا اسْتِثْنَاءَ الْوَقْفِ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ حِفْظُ الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَلِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالتَّسَامُعِ فِيهِ لَا يزدْ على الافصاح بِهِ، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: (على الاصح) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ الشَّهَادَاتِ.
فَفِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُعَايِنْ إلَّا النَّسَبَ وَالْمَوْتَ وَالنِّكَاحَ وَالدُّخُولَ وَوِلَايَةَ القَاضِي وأصل الْوَقْف، فَلهُ أَن يشْهد بهَا إِذْ أَخْبَرَهُ بِهَا مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَمَنْ فِي يَده شئ سوء الرَّقِيق لَك أَن تشهد أَنه لَهُ، وَإِن فسر للْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ لَا تُقْبَلُ.
قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَإِنْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يشْهد بِالتَّسَامُعِ فِي مَوضِع يجوز بالتسمع أَوْ فَسَّرَ أَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ بِمُعَايَنَةِ الْيَد، يَعْنِي بِرُؤْيَة فِي يَدِهِ لَا تُقْبَلُ، لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَزِيدُ عِلْمًا بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يحكم الخ، وَمثله فِي الزَّيْلَعِيّ.
مَبْسُوط.
وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ فِيهَا خلاف، والمتون طاطبة قَدْ أَطْلَقَتْ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ إذَا فَسَّرَ أَنَّهُ يشْهد بِالسَّمَاعِ لَا تقبل، وَبِه صرح قاضيخان وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا اه.
وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى
شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ أَفَنْدِي مُفْتِي الرُّومِ اه مُلَخصا من مَجْمُوعَة ملا عَليّ التركماني.
أَقُول: وَلَا تنس مَا قدمْنَاهُ آنِفا من التَّصْحِيح فِي الْوَقْف حفظا لَهُ عَن الِاسْتِهْلَاك.
قَوْله: (بل فِي العزمية) أَي حَاشِيَة عزمي زَاده على الدُّرَر، وَنَقله المُصَنّف عَن الْخُلَاصَة وَالْبَزَّازِيَّة.
قَوْله: (معنى التَّفْسِير) أَي الَّذِي ترد بِهِ الشَّهَادَة فِي غير الْوَقْف وَالْمَوْت.
قَوْله: (وَلكنه اشْتهر عندنَا) أَفَادَ الْعَلامَة نوح فِي كتاب الْوَقْف أَن الشُّهْرَة للشئ بِكَوْنِهِ مَشْهُورا مَعْرُوفا اه.
وَهَذَا يَقْتَضِي شهرته عِنْد كل النَّاس أَو جلهم.
وَأما السماع من النَّاس الَّذِي وَقع فِي الْعبارَة الاولى لَا يُفِيد ذَلِك، لَان كَقَوْل الشَّاهِد أَنا أشهد بِالسَّمَاعِ، وَفَسرهُ فِي الدُّرَر بِأَن يَقُولُوا عِنْد القَاضِي نشْهد بِالتَّسَامُعِ.
وَفِي شَهَادَاتِ الْخَيْرِيَّةِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَقْفِ بِالسَّمَاعِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ أَشْهَدُ بِهِ لِأَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاسِ أَوْ بِسَبَبِ أَنِّي سَمِعْته مِنْ النَّاس وَنَحْوه اه.
وَفسّر الشَّارِح الشُّهْرَة بِالسَّمَاعِ فَأفَاد أَنَّهُمَا شئ وَاحِد كَمَا نبه عَلَيْهِ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله(7/518)
تَعَالَى.
وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي: الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ أَنْ يَدعِي الْمُتَوَلِي أَن هَذِه الضَّيْعَة وف عَلَى كَذَا مَشْهُورٌ وَيَشْهَدُ الشُّهُودُ بِذَلِكَ.
وَالشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَن يَقُول الشَّاهِد أشهد بِالتَّسَامُعِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَآلَ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَادَّة، فَافْهَم.
أَفَادَهُ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: (جَازَت فِي الْكُلِّ) أَيْ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَمَا فِي الْخَانِية.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: أَقُولُ: بَقِيَ لَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التَّسَامُعِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ مِنْهُ اه.
وَعبارَة الْبَحْر: وَفِي الْيَنَابِيع: تَفْسِيره أَن يَقُول فِي النِّكَاح لم أحضر العقد، وَفِي غَيره أَخْبرنِي من أَثِق بِهِ أَو سَمِعت وَنَحْوه.
وَحَاصِل مَا يُقَال أَنه إِن أطلقا بِأَن يَقُولَا نشْهد على موت رجل فَإِنَّهُ يقبل، وَإِن قَالَا لَمْ نُعَايِنْ مَوْتَهُ وَإِنَّمَا سَمِعْنَا مِنْ النَّاس: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْتُهُ مَشْهُورًا فَلَا تُقْبَلُ بِلَا خلاف، وَإِن كَانَ مَشْهُور اذكر فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ تُقْبَلُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تقبل، وَبِه أَخذ الصَّدْر الشَّهِيد.
وَفِي الغياثية: هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ مَاتَ لانه أخبرنَا من شهد مَوته مِمَّن نثق بِهِ جَازَت.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يجوز كَمَا فِي
الحامدية.
قَوْله: (وَصَححهُ شَارِح الْوَهْبَانِيَّة) أَي الْعَلامَة عبد الْبر فِي شَرحه عَلَيْهَا، وَقد نظم جَمِيع مَا تجوز بِهِ الشَّهَادَة بالشهرة والتسامع بقوله: وَقد جوزوها فِي النِّكَاح بسمعه وَإِن بَينا ردَّتْ وَتقبل أظهر كَذَا نسب ثمَّ الطَّرِيق سَمَاعه من الْجمع مَا كذب لَهُم يتَصَوَّر وأفتوا بِمَا قَالَا بعدلين يكْتَفى قَضَاء وَفِي موت كفى الْعدْل يخبر وَقيل لكل والمصحح أَن ذاكما مر والاخبار فِيهِ مُؤثر وَفِي غَيره فَالشَّرْط لفظ شَهَادَة بِهِ أَخذ الصَّدْر الشَّهِيد الْمصدر وَإِن أطلقا سمعا وَنفى عيانه ترد إِذا مَا الْمَوْت لم يَك يشهر وَأطلق بعض (1) ردهَا ثمَّ صححو اقبولا إِذا قَالَ الموثق يخبر وَبَعض يقلبها بِالسَّمَاعِ بِمَوْت من غَدا غير مَشْهُور وَلَا بُد ينظر وَقد جوزوها فِي الدُّخُول ورجحوا جَوَاز الْمهْر ثمَّ فِي الْوَقْف يذكر خلاف شُيُوخ وَالصَّحِيح جَوَازهَا على الاصل دون الشَّرْط فِيمَا يحرر وجوزها الثَّانِي أخيرا على الولا وَفِي الْعتْق بعض قَالَ وَالْبَعْض يُنكر وَفِي الْملك محدودا ويعزى لمَالِك وَلم يدر عينا إِذْ الامر أشهر ويعزى إِلَى الْخصاف فِي ذَا جَوَازهَا وَمن دائن والخصم حَيّ وموسر فضمير بَينا لشاهدي التسامع أَي بَينا أَن شَهَادَتهمَا بِالتَّسَامُعِ ردَّتْ: أَي الشَّهَادَة وَضمير تقبل أَيْضا لَهَا، وَقَوْلِي أظهر إِشَارَة إِلَى تَصْحِيح الْقبُول، وَضمير سَمَاعه لمن يشْهد، وَضمير أفتوا للمشايخ، وَضمير قَالَا للصاحبين، وَالْمرَاد بِكُل كل الْمسَائِل الْمُتَقَدّمَة، والاشارة بذا إِلَى الْمَوْت كَمَا مر فِي أَنه لَا بُد * (عامش) * (1)
قَوْله: (وَأطلق بعض إِلَخ) هَكَذَا بالاصل وَلَعَلَّه وَأطلق بعض ردهَا ثمَّ صححوا، وَقَوله وَبَعض يقبلهَا هَكَذَا بالاصل أَيْضا وَهُوَ غير مُسْتَقِيم الْوَزْن فاليحرر(7/519)
من إِخْبَار عَدْلَيْنِ، وَضمير فِيهِ للْمَوْت وَترد للشَّهَادَة، وَضمير قَالَ للشَّاهِد، وَالله تَعَالَى أعلم.
قَالَ فِي الْقنية بعد أَن رقم لنجم الائمة البُخَارِيّ وَالْقَاضِي البديع: تقبل شَهَادَة الْمَدْيُون لرب الدّين.
وَفِي الْمُحِيط: وَلَا تقبل شَهَادَة رب الدّين لمديونه إِذا كَانَ مُفلسًا.
وشمس الائمة الْحلْوانِي ووالد صَاحب الْمُحِيط قَالَ: تقبل وَإِن كَانَ مُفلسًا.
وَفِي شرح الْجَامِع للعتابي: لَا تقبل بعد الْمَوْت لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ، وَكَذَا الْمُوصى لَهُ بِأَلف مُرْسلَة أَو شئ بِعَيْنِه لانه يزْدَاد بِهِ مَحل الْوَصِيَّة أَو سَلامَة عينه، ثمَّ رمز لقاضيخان وَقَالَ: إِنَّه يجوز شَهَادَته للحي دون الْمَيِّت، هَذَا خُلَاصَة مَا فِي الْقنية، وَقد ذكر فِيهَا فِي مَوضِع بعد أَن رقم لبرهان الدّين صَاحب الْمُحِيط: ادّعى الْكَفِيل عَلَيْهَا الْكفَالَة فأنكرت تقبل شَهَادَة البَائِع بكفالتها كرب الدّين إِذا شهد لمديونه.
وَحَاصِله الْقبُول إِذا كَانَ مُوسِرًا حَيا.
وَالْقَوْلَان فِي الْمُفلس وَعدم الْقبُول بعد الْمَوْت قولا وَاحِدًا لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ كالموصى لَهُ، لَكِن رَأَيْت فِي جَامع الْفَتَاوَى لحافظ الدّين البزازي تَقْيِيد الْجَوَاز بِمَا إِذا شهد بِمَا سوى جنس حَقه، وَهَذَا لَا إِشْعَار للنظم بِهِ كَمَا لَا إِشْعَار بالاختلاف فِي صُورَة الْمُفلس، بل مَفْهُوم عدم الْقبُول فِي انعدام الْحَيَاة واليسار.
وَالله تَعَالَى أعلم اه.
نقل الطَّحْطَاوِيّ عَن الْحَمَوِيّ أَن مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَته فِيهَا، وَمن كَانَ بعرضية أَن ينْتَصب خصما وَلم ينْتَصب تقبل، وَشَهَادَة أجِير الوحد لاستاذه لَا تجوز فِي تِجَارَته وَغَيرهَا وَإِن كَانَ عدلا وَإِن كَانَ أجِير مياومة أَو مشاهرة أَو مسانهة اسْتِحْسَانًا، وَلَو مَضَت الاجارة وَأعَاد شَهَادَته تقبل، بِخِلَاف الاجير الْمُشْتَرك حَيْثُ تقبل شَهَادَته لانه غير مَمْلُوك لَا رَقَبَة وَلَا مَنْفَعَة، وَتجوز شَهَادَة الدَّائِن لمديونه وَلَو مُفلسًا بِمَا هُوَ من جنس دينه، وَلَو شهد لمديونه بعد مَوته لم تقبل.
لَان الدّين لَا يتَعَلَّق بِمَال الْمَدْيُون حَال حَيَاته وَيتَعَلَّق بِهِ بعد وَفَاته، وَتقبل شَهَادَة الْمَدْيُون لدائنه اه.
وَالله تَعَالَى أعلم.
بَاب الْقبُول وَعَدَمه
لما فرغ (1) من بَيَان مَا تسمع فِيهِ الشَّهَادَة وَمَا لَا تسمع، وَقدم ذَلِك على هَذَا لانه مَحل وَالْمحل مَشْرُوط وَالشّرط مقدم على الْمَشْرُوط.
ثمَّ معنى الْقبُول لُغَة يُقَال: قبلت القَوْل حَملته: على الصدْق.
كَذَا فِي الْمِصْبَاح.
قَوْله: (لصِحَّة الْفَاسِق) أَي لصِحَّة الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ: أَي وَقد ذكره مِمَّا لَا يقبل، وكما
يَصح الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ الْفَاسِق يَصح بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ وبشهادة أحد الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخر لصَاحبه وبشهادة الْوَالِد لوَلَده وَعَكسه، حَتَّى لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ وَإِنْ رَأَى بُطْلَانه اه.
بَحر عَن خزانَة الْمُفْتِينَ.
أَقُول: لَعَلَّه مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ القَاضِي يرى ذَلِك، بِخِلَاف الْحَنَفِيّ بِقَرِينَة قَوْله حَتَّى لَا يجوز للثَّانِي الخ.
تَأمل.
وَاسْتظْهر الطَّحْطَاوِيّ.
__________
(1)
قَوْله: (وَلما فرغ إِلَخ) هَكَذَا بالاصل وليحرر.(7/520)
وَذكر فِي منية الْمُفْتِي فِي بحث الْقَضَاء فِي الْمُجْتَهد فِيهِ: قضى بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بذلك ثمَّ ظهر لَا ينفذ قَضَاؤُهُ، وَعَلِيهِ أَن يَأْخُذ المَال من المقضى لَهُ، وَكَذَا لَو علم أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أَو كَافِرَانِ أَو أعيمان، وَقيل ينفذ فَإِنَّهُ ذكر: إِذا قضى بِشَهَادَة محدودين قد تابا ثمَّ عزل أَو مَاتَ وَرفع ذَلِك إِلَى قَاض آخر لَا يرَاهُ أمضى الْقَضَاء الاول اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: أَقُول: وَسَيذكر الشَّارِح: أَي صَاحب الْبَحْر نَفاذ الْقَضَاء بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه وَهل يُقَال مثل ذَلِك فِي شَهَادَة الاجير الْخَاص؟ صَارَت وَاقعَة الْفَتْوَى وَلم أرها، لَان الْعلَّة التُّهْمَة لَا الْفسق على مَا يحرره الْمُؤلف فِيمَا سَيَأْتِي فِي شَهَادَة الْعَدو، وَهَذِه مثلهَا.
قَوْله: (مثلا) أَشَارَ بِهِ إِلَى أحد الْقَوْلَيْنِ من نَفاذ الْقَضَاء بِشَهَادَة الاعمى أَو أحد الزَّوْجَيْنِ أَو الْوَالِد لوَلَده أَو عَكسه، فَالْمُرَاد من عدم الْقبُول عدم حلّه كَمَا فِي الْبَحْر.
وَفِيه أَنه لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ فِي كل ذَلِك اه، وَهَذَا إِذا لم يُؤَيّد قَضَاءَهُ بأرجح الاقوال كَمَا مر.
قَوْله: (كَمَا حَقَّقَهُ المُصَنّف تبعا ليعقوب باشا) أَفَادَ عَنهُ أَن كل شَهَادَة يكون سَبَب ردهَا الْفسق إِذا قبلهَا يَصح كالمخنث والنائحة وَالْمُغني، وَمن يلْعَب بالطيور أَو الطنبور أَو يُغني للنَّاس، وَمن يظْهر سبّ السّلف وَمن ارْتكب مَا يحد لَهُ.
وَيصِح قبُول شَهَادَة الاعمى لقَوْل مَالك بقبولها مُطلقًا كالبصير، أما الْمَمْلُوك لَا يَصح قبُول شَهَادَته، وَكَذَا الْعَدو بِسَبَب الدُّنْيَا لانه لَيْسَ بمجتهد فِيهِ، وَكَذَا السَّيِّد لعَبْدِهِ ومكاتبه والاجير لما ذكر، وَكَذَا من يَبُول فِي الطَّرِيق أَو يَأْكُل فِيهِ لانه لم ينْقل فِيهِ خلاف حَتَّى يكون مُجْتَهدا فِيهِ، وَلم يصرحوا
بِكَوْنِهِ فسقا حَتَّى يدْخل فِي حكمه اه.
وَسَيَأْتِي تَحْقِيقه.
قَوْله: (تقبل من أهل الاهواء) أَي قَبُولًا عَامًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، بَلْ الْمُرَادُ أَصْلُ الْقَبُولِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ بَعْضَهُمْ كُفَّارٌ كَمَا يَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ، وَمَا أَوْقَعَهُمْ فِيهِ إلَّا التَّعَمُّقُ وَالْغُلُوُّ فِي الدِّينِ، وَالْفَاسِقُ إِنَّمَا ترد شَهَادَته لتهمة الْكَذِب، فصاروا كمن يشرب المثلث أَو يَأْكُل مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا مستبيحا لذَلِك من حَيْثُ التعاطي.
قَالَ فِي الْمغرب: أهل الاهواء من زاغ عَن طَريقَة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَكَانَ من أهل الْقبْلَة.
والاهواء جمع هوى مصدر هويته من بَاب تَعب، إِذا أحبه واشتهاه، ثمَّ يُسمى بِهِ المهوى والمشتهى مَحْمُودًا كَانَ أَو مذموما ثمَّ غلب فِي المذموم.
والهواء مَمْدُود: هُوَ المسخر بَين السَّمَاء والارض، وَالْجمع أهوية.
وَأهل الاهواء لَيْسُوا بطَائفَة بِعَينهَا، بل يُطلق على كل من خَالف السّنة بِتَأْوِيل فَاسد.
قَوْلُهُ: (لَا تُكَفِّرُ) فَمَنْ وَجَبَ إكْفَارُهُ مِنْهُمْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ كَمَا فِي التَّقْرِيرِ.
وَفِي الْمُحِيط البرهاني: وَهُوَ الصَّحِيح، وَمَا ذكره فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ.
بَحْرٌ.
وَفِيهِ عَنْ السِّرَاجِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مَاجِنًا، وَيَكُونَ عَدْلًا فِي تَعَاطِيهِ، وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَذْكُورًا فِي ظَاهر الرِّوَايَة، وَفِيه نظر، فَإِن الْعَدَالَة شرطت فِي أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فَمَا ظَنك فِي غَيرهم.
تَأمل.
وَفِي فتح الْقَدِير: قَالَ مُحَمَّد بِقبُول شَهَادَة الْخَوَارِج إِذا اعتقدوا وَلم يقاتلوا، فَإِذا قَاتلُوا ردَّتْ شَهَادَتهم لاظهار الْفسق بِالْفِعْلِ.
قَوْله: (كجبر) أَهله طَائِفَة نافون لقدرة العَبْد، والاولى حذف الْكَاف(7/521)
وَيَقُول والهوى الْجَبْر الخ.
وَيكون بَيَانا لاهل الاهواء فِي ذاتهم لَا من تقبل شَهَادَته مِنْهُم.
قَوْله: (وَقدر) هم النافون للْقَضَاء وَالْقدر عَنهُ تَعَالَى، والقائلون إِن العَبْد يخلف أَفعَال نَفسه.
قَوْله: (ورفض) هم الملعونون اللاعنون الصهرين وَغَيرهمَا من الاخبار.
كَذَا فِي الْقُهسْتَانِيّ.
فهم من أهل الاهواء وَإِن لم تقبل شَهَادَتهم، بِخِلَاف من يفضلهما وعليا (1) على الشَّيْخَيْنِ.
قَوْله: (وَخُرُوج) هم المكفرون للختنين وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَمُعَاوِيَة.
قَوْله: (وتشبيه) ذكر بدله الْقُهسْتَانِيّ المرجئة وهم النافون ضَرَر الذَّنب مَعَ
الايمان.
ثمَّ قَالَ بعد كل: من كفر مِنْهُم كالمجسمة والخوارج وغلاة الروافض والقائلين بِخلق الْقُرْآن لَا تقبل شَهَادَتهم على الْمُسلمين.
كَذَا فِي المشارع اه.
فعد هَؤُلَاءِ الْفرق لبَيَان أهل الاهواء فِي ذاتهم لَا لمن تقبل شَهَادَته مِنْهُم، وَيدل عَلَيْهِ مَا فِي الْبَحْر عَن النِّهَايَة أَن أصُول الْهوى سِتَّة وَذكر مَا ذكره الْمُؤلف.
قَوْله: (وتعطيل) هم الْقَائِلُونَ بخلو الذَّات عَن الصِّفَات.
قَوْله: (فصاروا اثْنَتَيْنِ وَسبعين) فرقة كلهم فِي النَّار، والفرقة الزَّائِدَة على هَذَا الْعدَد هِيَ النَّاجِية، وَهِي مَا كَانَت على مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الْكِرَام، فَفِي الحَدِيث الشريف: وَسَتَفْتَرِقُ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة كلهَا فِي النَّار إِلَّا وَاحِدَة، قُلْنَا: من هِيَ يَا رَسُول الله، قَالَ: من كَانَ على مَا أَنا عَلَيْهِ وأصحابي وَإِضَافَة الْفرْقَة النَّاجِية من النَّار وهم أهل السّنة وَالْجَمَاعَة فِي الحَدِيث الشريف إِلَى مَا ذكر تَكْمِلَة إِلَى الثَّلَاث وَالسبْعين فرقة.
ولنذكرها على طَرِيق الاجمال فَنَقُول: أَصْنَاف الْخَوَارِج اثْنَا عشر: الازرقية والاباحية والخازمية والتغلية والخلقية والكوزية والمكتوية والمعتزلة (2) والميمونية والمجلية والاخنسية والمشراقية.
وأصناف الروافضة اثْنَا عشر أَيْضا: العلوية والاموية والشعيبية والاسحاقية والزيدية والعباسية والاسماعيلية والامامية والمتناسخة والاعينية والراجعية والمرشية.
وأصناف الْقَدَرِيَّة اثْنَا عشرَة أَيْضا الخمرية والشعرية والكيسانية والشيطانية والشركية والوهمية والعروندسية والمناسية والمتبرية والباسطية والنظامية والمعتزلة.
وأصناف الجبرية اثْنَا عشر أَيْضا: المطرية والافعالية والمتربية والباسطية والنظامية والمعتزلة.
وأصناف الجبرية اثْنَا عشر أَيْضا: المطرية والافعالية والمركوعية والصنجارية والمباينة والصبية والسابقية والحرفية والكرفية والخشية والحشرية والمعينية.
وأصناف الْجَهْمِية: أَي التعطيل اثْنَا عشر أَيْضا: المعطلة واللازقية والمواردية والخرقية والمملوقية والقهرية والغائية والزنادقة والراهفية والقطية والمرسية والعبرية.
وأصناف المرجئة اثْنَا عشر أَيْضا: التاركية والسبيئة والراجية والشاكية والبهشية والعملية والمشبهة والاقربة والبدعية والمنبسية والحشوية والبعوضية كَمَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخ أَمِين الدّين بن عبد العال.
قَوْله: (إِلَّا الخطابية) نِسْبَة إِلَى أبي الْخطاب.
وَاخْتلف فِي اسْمه.
قيل مُحَمَّد بن وهب الاجدع، وَقيل مُحَمَّد بن
__________
(1) بِخِلَاف من يفضلها وعليا) كَذَا بالاصل وَلَعَلَّ الصَّوَاب من يفضل عليا إِلَخ فَليُحرر اه.
مصححه (2) قئله: (والمعتزلة) سَيَأْتِي بعدهمْ فِي أَصْنَاف الْقَدَرِيَّة فَلَعَلَّ أَحدهمَا مُحَرر عَن لفظ آخر، وَبِالْجُمْلَةِ فَلْتنْظرْ هَذِه الاسماء جَمِيعهَا فِي مَحل آخر اه.
مصححه.(7/522)
أبي زَيْنَب الاسدي الاجدع، وَكَانَ يَقُول بإمامة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، فَلَمَّا مَاتَ إِسْمَاعِيل رَجَعَ إِلَى القَوْل بإمامة جَعْفَر وغلوا فِي ذَلِك غلوا كَبِيرا.
وَقَالَ فِي شرح الاقطع: هم قوم ينسبون إِلَى أبي الْخطاب: رجل كَانَ بِالْكُوفَةِ حَارب عِيسَى بن مُوسَى بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس وَأظْهر الدعْوَة إِلَى جَعْفَر فتبرأ مِنْهُ ودعا عَلَيْهِ فَقتل هُوَ وَأَصْحَابه، قَتله وصلبه عِيسَى بالكناسة بِالضَّمِّ: مَحل بِالْكُوفَةِ لانه كَانَ يزْعم أَن عليا هُوَ الاله الاكبر وجعفر الصَّادِق هُوَ الاله الاصغر، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن من ادّعى مِنْهُم شَيْئا على غَيره يجب أَن يشْهد لَهُ بَقِيَّة شيعته، وَذكر شمس الائمة السَّرخسِيّ أَنهم ضرب من الروافض يجوزون أَدَاء الشَّهَادَة إِذا حلف الْمُدَّعِي بَين أَيْديهم أَنه محق فِي دَعْوَاهُ وَيَقُولُونَ الْمُسلم لَا يحلف كَاذِبًا.
قَوْله: (يرَوْنَ الشَّهَادَة لشيعتهم) أَي وَاجِبَة.
قُهُسْتَانِيّ.
قَوْله: (وَلكُل من حلف أَنه محق) الاولى التَّعْبِير بِأَو كَمَا فِي الْفَتْح بدل الْوَاو لانهما قَولَانِ كَمَا فِي الْبَحْر وَالْفَتْح وَغَيرهمَا واختلطا فِي عبارَة الشَّارِح.
نعم فِي شرح الْمجمع كَمَا هُنَا.
وَفِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: قَالُوا الْأَئِمَّةُ الانبياء وَأَبُو الْخطاب نَبِي اه، وَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِلُّونَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَقَالُوا: الْجنَّة نعيم الدُّنْيَا وَالنَّار آلامها اه.
قَوْله: (فردهم) أَي عَن أَدَاء الشَّهَادَة.
قَوْله: (لَا لبدعتهم لانها غير مكفرة) إِذا لم يعتقدوا اعْتِقَاد رئيسهم.
قَوْله: (بل لتهمة الْكَذِب) وَمِنْ التُّهْمَةِ الْمَانِعَةِ أَنْ يَجُرَّ الشَّاهِدُ بِشَهَادَتِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مغرما.
خَانِية.
قَوْله: (وَلم يبْق لمذهبهم ذكر) لفنائهم وانقراضهم.
قَوْله: (وَمن الذِّمِّيّ الخ) لانه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أجَاز شَهَادَة النَّصَارَى بَعضهم على بعض، ولانه من أهل الْولَايَة على نَفسه وَأَوْلَاده الصغار فَيكون من أهل الشَّهَادَة على جنسه، وَالْفِسْق من حَيْثُ الِاعْتِقَاد غير مَانع لانه يجْتَنب عَمَّا يَعْتَقِدهُ محرم دينه، وَالْكذب محرم فِي الاديان كلهَا، قيد بالذمي لَان الْمُرْتَد لَا شَهَادَة لَهُ لانه
لَا ولَايَة لَهُ.
مطلب: شَهَادَة الْمُرْتَد وَاخْتلفُوا فِي شَهَادَة مُرْتَد على مثله، والاصح عدم قبُولهَا بِحَال.
كَذَا فِي الْمُحِيط البرهاني.
مطلب: فِي شَهَادَة الدرزي وَيلْحق بِهِ الدرزي كَمَا أفتى بِهِ الْخَيْر الرَّمْلِيّ والعلامة عَليّ أَفَنْدِي الْمرَادِي فِي رسَالَته (أَقْوَال الائمة العالنة فِي أَحْكَام الدروز والتيامنة) قَالَ الْعَلامَة السَّيِّد مَحْمُود أَفَنْدِي حَمْزَة مفتي دمشق الشَّام فِي فتواه فِي جَوَاب سُؤال رفع إِلَيْهِ ي شَهَادَة أهل الاهواء الْكَفَرَة: هَل تقبل على بَعضهم سَوَاء كَانُوا متفقين فِي الِاعْتِقَاد أم مُخْتَلفين، وَسَوَاء كَانُوا أهل كتاب أم لَا؟ فَكتب حفظه الله تَعَالَى جَوَابا حَاصله بعد ذكر النقول وَالتَّفْصِيل: وَأما شَهَادَة الْكَفَّارَة الَّذين لَا يقرونَ على مَا هم عَلَيْهِ من العقيدة كَأَهل الاهواء المكفرة وَالْمُنَافِقِينَ والباطنية والزنادقة وَالْمَجُوس والدروز والتيامنة والنصيرية والمرتدين فَلَا تقبل شَهَادَتهم على أحد، سَوَاء كَانَ مثلهم فِي الِاعْتِقَاد أَو مُخَالفا لَهُم لعم ولايتهم.
قَالَ فِي الداماد شرح الْمُلْتَقى: أَي لَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْمن على الذِّمِّيّ لقُصُور ولَايَته عَلَيْهِ اه.
فمجوز الشَّهَادَة الَّتِي تَدور عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ الْولَايَة، ولكمالها فِي الْمُسلم صحت شَهَادَته على الْجَمِيع، ولنقصانها فِي أهل الذِّمَّة صِحَّته على بَعضهم(7/523)
وعَلى من دونهم سوى الْمُرْتَد للشُّبْهَة، ولقصورها فِي الْمُسْتَأْمن صحت على من هُوَ مثله، وَلعدم الْولَايَة فِي غَيرهم من الْكفَّار الْمَار ذكرهم وهم الَّذين لَا يقرونَ على مَا هم عَلَيْهِ من الِاعْتِقَاد لم تصح شَهَادَتهم على أحد أصلا.
قَالَ فِي شرح الداماد: وَتقبل شَهَادَة أهل الاهواء مُطلقًا، سَوَاء كَانَت على أهل السّنة أَو بَعضهم على بعض أَو على الْكَفَرَة إِذا لم يكن اعْتِقَادهم مُؤديا إِلَى الْكفْر كَمَا فِي الذَّخِيرَة، وَمن الْمَعْلُوم أَن الشَّرْط إِذا تعقب المتعاطفات فَإِنَّهُ يرجع للْجَمِيع.
فمفهوم هَذِه الْجُمْلَة أَن اعْتِقَاد أهل الاهواء إِذا كَانَ مُؤديا إِلَى الْكفْر فَلَا تقبل شَهَادَتهم على أهل السّنة وَلَا على بَعضهم وَلَا على الْكَفَرَة.
وَمن الْمُقَرّر أَن مفاهيم الْكتب حجَّة عندنَا، وَإِذا لم يكن من مر ذكرهم من أهل الاهواء المكفرة من الْكفَّار فهم شَرّ مِنْهُم فَلَا تقبل
شَهَادَتهم على أحد أصلا.
مطلب: الدروز والتيامنة والنصيرية والبادنية كلهم كفار على أَن الْمولى عبد الرَّحْمَن أَفَنْدِي الْعِمَادِيّ نَص فِي فَتَاوِيهِ فِي كتاب السّير على أَن الدروز والتيامنة والنصيرية والباطنية كلهم كفار ملا حِدة زنادقة فِي حكم الْمُرْتَدين.
وعَلى تَقْدِير قبُول تَوْبَتهمْ يعرض عَلَيْهِم الاسلام وَإِن يسلمُوا أَو يقتلُوا، وَلَا يجوز لولاة الامور تَركهم على مَا هم عَلَيْهِ أبدا اه بِتَصَرُّف اه مُلَخصا.
قَالَ سيد الْوَالِد: شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض مَقْبُولَة إِذا كَانُوا عُدُولًا فِي دينهم، اتّفقت مللهم أَو اخْتلفت.
أَقُول: وَالظَّاهِر أَن عداوتهم دينية وَإِلَّا لم تقبل.
فَتَأمل.
مطلب: إِذا سكر الذِّمِّيّ لَا تقبل شَهَادَته
قَوْله: (لَو عدلا فِي دينهم) قدمنَا فِي الْبَحْر أَن تَزْكِيَة الذِّمِّيّ أَن يُزكي بِالْأَمَانَةِ فِي دِينِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَأَنَّهُ صَاحِبُ يقظة ويزيكه الْمُسلمُونَ إِن وجدوا، وَإِلَّا فَيسْأَل من عدُول الْكفَّار، وَأَنه إِذا سكر الذِّمِّيّ لَا تقبل شَهَادَته.
قَوْله: (على مثله) فَلَا تقبل على مُسلم لقَوْله تَعَالَى: * (وَلنْ يَجْعَل للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا) * (النِّسَاء: 141) ولانه لَا ولَايَة لَهُ على الْمُسلم، ولانه يتقول عَلَيْهِ لانه يغيظه قهره إِيَّاه (1) .
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: مَاتَ وَعَلِيهِ دين الْمُسلم بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ وَدَيْنٌ لِنَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ نَصْرَانِيٍّ.
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَمُحَمّد وَزفر: بُدِئَ بدين الْمُسلم، هَكَذَا فِي مُحِيط السَّرخسِيّ، فَإِن فضل شئ كَانَ ذَلِك لِلنَّصْرَانِيِّ، هَكَذَا فِي الْمُحِيط.
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة أَن التَّرِكَة تقسم بَينهمَا على مِقْدَار دينهما، فَتَاوَى الانقروي عَن التاترخانية وَالْمُحِيط اه.
وَتَمام الْمَسْأَلَة فِيهَا وَفِي حَاشِيَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ على الْبَحْر.
__________
(1)
قَوْله: (لانه يغيضه قهره إِيَّاه) قَالَ الرَّمْلِيّ: الضَّمِير فِي أَنه ويغيضه رَاجع الذِّمِّيّ، وَفِي قهره رَاجع للْمُسلمِ: أَي لانه بِسَبَب قهر الْمُسلم إِيَّاه وإذلاله لَهُ يتقول عَلَيْهِ، بِخِلَاف ملل الْكفْر لانه مِلَّة السَّلَام قاهرة للْكُلّ، فَلم يبْقى لَهُ غيرَة
يستظهرون بهَا انْتهى مِنْهُ.(7/524)
أَقُول: فِي الذَّخِيرَة نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا مِنْ النَّصَارَى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَأقَام نَصْرَانِيّ آخَرين كَذَلِك تدفع الالف المتروكة للْمُسلمِ وَلَا يتحاصان عِنْده.
وَعند أبي يُوسُف: يتحاصان.
وَالْخلاف رَاجع إِلَى أَن بَيِّنَة النَّصْرَانِي مَقْبُولَة عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا فِي حق إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ.
وَعَلَى قَوْلِ أبي يُوسُف مَقْبُولَة فيهمَا اه.
وَالْحَاصِل: أَنه على قَول الامام يلْزم من إِثْبَات الشّركَة والمحاصة الحكم بِشَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم.
قَوْله: (إِلَّا فِي خمس مسَائِل) الاولى فِيمَا إذَا شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ قَدْ أسلم وَهُوَ يجْحَد لم تجز شَهَادَتهمَا، وَكَذَا لَو شهد عَلَيْهِ رجل وَامْرَأَتَانِ من الْمُسلمين وَترك على دينه، وَلَو شهد نصرانيان على نَصْرَانِيَّة أَنَّهَا أسلمت جَازَ وأجبرت على الاسلام وَلَا تقتل، وَهَذَا قَول الامام اه.
قَالَ الْعَلامَة الْمَقْدِسِي: يَنْبَغِي أَن يكون الْكَافِر الذّكر كَذَلِك يجْبر وَلَا يقتل، كَمَا لَو أسلم مكْرها أَو سَكرَان، وَهُوَ كَذَلِك فِي الْوَلوالجِيَّة وَالْمُحِيط.
وَنَصه: لَو شهد على إِسْلَام النَّصْرَانِي رجل وَامْرَأَتَانِ من الْمُسلمين وَهُوَ يجْحَد أجبر على الاسلام وَلَا يقتل، وَلَو شهد رجلَانِ من أهل دينه وَهُوَ يجْحَد فشهادتهما بَاطِلَة، لَان فِي زعمهما أَنه مُرْتَد وَلَا شَهَادَة لاهل الذِّمَّة على الْمُرْتَد اهـ.
الثَّانِيَة: فِيمَا إِذا شَهدا على نَصْرَانِيّ ميت وَهُوَ مديون مُسلم: أَي والتركة لَا تفي.
الثَّالِثَة: فِيمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِعَيْنٍ اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ وَالْمُسلم يُنكر البيع.
الرَّابِعَة: فِيمَا إِذا شهد أَرْبَعَة عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ إلَّا إذَا قَالَ استكرهها فَإِنَّهُ يحد الرجل وَحده.
الْخَامِسَة: فِيمَا إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ عَبْدًا فِي يَدِ كَافِرٍ فَشهد كَافِرَانِ أَنه عَبده وَقضى بِهِ فلَان القَاضِي الْمُسلم اه.
قَوْله: (وَتبطل بِإِسْلَامِهِ) أَي شَهَادَة الذِّمِّيّ على مثله بِإِسْلَامِهِ: أَي الْمَشْهُود عَلَيْهِ قبل الْقَضَاء، لانه لَو قضى عَلَيْهِ لقضى على مُسلم بِشَهَادَة الْكَافِر.
قَوْله: (وَكَذَا بعده لَو بعقوبة) كقود.
بَحر.
لَان الْمُعْتَبر إِسْلَامه حَال الْقَضَاء لَا حَال أَدَاء الشَّهَادَة وَلَا حَال الشَّهَادَة، لما فِي الْبَحْر عَن الْوَلوالجِيَّة: نصرانيان شَهدا على نَصْرَانِيّ بِقطع يَد أَو قصاص ثمَّ أسلم الْمَشْهُود عَلَيْهِ بعد الْقَضَاء بطلت الشَّهَادَة لَان الامضاء من الْقَضَاء فِي الْعُقُوبَات اه.
وَهل تجب الدِّيَة؟ ذكر الْخصاف أَنَّهَا تجب الدِّيَة، فَقيل إِنَّه قَول الْكل، وَقيل عِنْده ينفذ الْقَضَاء فِيمَا دون النَّفس وَيَقْضِي
بِالدِّيَةِ فِي النَّفس.
وَعِنْدَهُمَا: يقْضِي بِالدِّيَةِ فيهمَا اه.
شرنبلالية.
قَوْله: (وَإِن اخْتلفَا مِلَّة) لَان الْكفْر كُله مِلَّة وَاحِدَة.
قَوْله: (وَالذِّمِّيّ على الْمُسْتَأْمن) لَان الذِّمِّيّ أَعلَى حَالا مِنْهُ لكَونه من أهل دَارنَا وَلذَا يقتل الْمُسلم بالذمي وَلَا يقتل بالمستأمن.
منح.
قَوْله: (لَا عَكسه) لقُصُور ولَايَته عَلَيْهِ لكَونه أدنى حَالا مِنْهُ.
منح.
قَوْله: (وَلَا مُرْتَد على مثله) وَالْوَجْه فِيهِ أَنه لَا ولَايَة لَهُ على أحد كَمَا قدمْنَاهُ.
قَوْله: (فِي الاصح) أَي أَنَّهَا لَا تقبل بِحَال غَيره كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْمُحِيط.
قَوْله: (وَتقبل مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ، فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ.
فَتْحٌ.
قَوْلُهُ: (مَعَ اتِّحَادِ الدَّارِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ دَارٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَمْ تقبل.
هِدَايَة.
لَا يَخْفَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي كَانُوا لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ فِي دَارِنَا، وَبِهِ ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا نُقِلَ عَنْ الْحَمَوِيِّ مِنْ تَمْثِيلِهِ لِاتِّحَادِ الدَّارِ بِكَوْنِهِمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا لَزِمَ تَوَارُثُهُمَا حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.(7/525)
وَفِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، لِأَنَّ الذِّمِّيَّ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ صَارَ كَالْمُسْلِمِ وَشَهَادَةُ الْمُسلم تقبل على الْمُسْتَأْمن فَكَذَا الذِّمِّيّ.
قَالَه سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
وَيَأْتِي تأييده فِي المقولة الْآتِيَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (لَان اخْتِلَاف داريهما) قَالَ فِي الْبَحْر: وَيسْتَثْنى من الْحَرْبِيّ على مثله مَا إِذا كَانَا فِي دارين مُخْتَلفين كالافرنج والحبش لانْقِطَاع الْولَايَة بَينهمَا، وَلِهَذَا لَا يتوارثان، وَالدَّار تخْتَلف باخْتلَاف المنعة وَالْملك اه.
وَالَّذِي فِي الْمنح وَنَحْوه فِي الْقُهسْتَانِيّ التَّعْبِير بِمَا إِذا كَانَا من دارين، فَيُفِيد أَنَّهُمَا لَو كَانَا فِي دَارنَا وهما من دارين لَا تقبل شَهَادَتهمَا على الآخر، لَان الارث يمْتَنع فِي هَذِه الصُّورَة لوُجُود، الِاخْتِلَاف الْحكمِي، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر: خلافًا لما أَفَادَهُ الْحَمَوِيّ كَمَا تقدم فِي المقولة السَّابِقَة، فَإِنَّهُمَا إِذا كَانَا فِي داريهما لَا وَجه للْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ لَان دَار الْحَرْب لَيست دَار أَحْكَام.
فَلْيتَأَمَّل ط.
قَوْله: (عَدو) الْعَدو: من يفرح لحزنك ويحزن لفرحك، وَقيل يعرف بِالْعرْفِ.
بَحر.
وَمثله فِي فَتَاوَى عَليّ أَفَنْدِي عَن خزانَة الْمُفْتِينَ.
قَالَ الْعَلامَة التَّحْرِير السَّيِّد الشريف مَحْمُود أَفَنْدِي حَمْزَة مفتي دمشق الشَّام فِي فَتَاوَاهُ بعد كَلَام:
فَتحصل من هَذَا أَن من يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه فَهُوَ عدوه، وكل عَدو ترد شَهَادَته إِذا كَانَت دنيوية، فَمن يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه ترد شَهَادَته، فالصغرى مسلمة لما فِي الْبَحْر وَعلي أَفَنْدِي من تَعْرِيف الْعَدو والكبرى مسلمة للْحَدِيث الشريف (1) الَّذِي هُوَ دَلِيل الْمُجْتَهد، فأنتج لذاته أَن من يفرح لحزن الآخر ويحزن لفرحه ترد شَهَادَته، ثمَّ إِذا حكم بهَا حَاكم لَا ينفذ حكمه لما فِي الْبَحْر أَيْضا: وَكَيف لَا ترد شَهَادَة من اتّصف بِهَذِهِ الصّفة وَهِي مِمَّا تتناهى بِهِ الْعَدَاوَة، وَقد وصف الله تَعَالَى بهَا الْمُنَافِقين فِي كِتَابه الْعَزِيز: * (إِن تمسسكم حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبكم سَيِّئَة يفرحوا بهَا) * (آل عمرَان: 120) .
قَالَ القَاضِي: بَيَان تناهي عداوتهم إِلَى حد حسد وأمانا لَهُم من خير وَمَنْفَعَة وتمنوا مَا أَصَابَهُم من ضَرَر وَشدَّة، فَخذ الْجَواب مَعَ الدَّلِيل والبرهان وَالله تَعَالَى أعلم اه.
قَوْله: (لانها من التدين) فَيدل على كَمَال دينه وعدالته، وَهَذَا لَان المعاداة قد تكون وَاجِبَة، بِأَن رأى فِيهِ مُنْكرا شرعا وَلم ينْتَه بنهيه وَقد قبلوا شَهَادَة الْمُسلم على الْكَافِر مَعَ مَا بَينهمَا من الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة.
حموي.
قَوْله: (بِخِلَاف الدُّنْيَوِيَّة) كَشَهَادَة الْمَقْذُوف على الْقَاذِف، والمقطوع عَلَيْهِ الطَّرِيق على الْقَاطِع، والمقتول وليه على الْقَاتِل، والمجروح على الْجَارِح، وَالزَّوْج على امْرَأَته بِالزِّنَا إِذا كَانَ قَذفهَا أَو لَا، فالعداوة لَيْسَ كَمَا يتوهمه بعض المتفقهة، أَو الشُّهُود أَن كل من خَاصم شخصا فِي حق وَادّعى علهي أَن يصير عدوه فَيشْهد بَينهمَا بالعداوة، بل العداة إِنَّمَا تثبت بِنَحْوِ مَا ذكرنَا.
وَفِي الْقُنْيَةِ: أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ بِهِ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبْ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً، وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد اه.
وَفِي فَتَاوَى المُصَنّف: سُئِلَ عَن رجل شتم آخر وقذفه فَهَل تثبت الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة بَينهمَا بِهَذَا الْقدر، حَتَّى لَو شهد لَا تقبل؟ أجَاب: ظَاهر كَلَامهم أَن الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة تثبت بِهَذَا الْقدر، فقد صرح
__________
(1) هُوَ قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام (لَا تجوز شَهَادَة ذِي الظنه وَلَا ذِي الحنة) رَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ، وَهُوَ حَدِيث صَحِيح.
وَذُو الحنة: قَالَ فِي النِّهَايَة: الحنة الْعَدَاوَة.(7/526)
فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة أَنَّهَا: أَي الْعَدَاوَة تثبت بِنَحْوِ القدف وَقتل الْوَلِيّ اه.
مطلب الْفسق لَا يتَجَزَّأ وَلَا تقبل شَهَادَة من فِيهِ عَدَاوَة دنيوية على عدوه، وَلَا على غَيره بل تكون قادحة فِي حق جَمِيع النَّاس، فَإِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ حَتَّى كَون فَاسِقًا فِي حق شخص لَا فِي حق غَيره، وَيُقَاس على عدم تُجزئ الْفسق مَا لَو كَانَ نَاظرا على أوقاف عديدة وَثَبت فسقه بِسَبَب خِيَانَة فِي وَاحِد مِنْهَا، فَإِن يسرى فِي كلهَا فيعزل مِنْهَا جَمِيعًا كَمَا أفتى بِهِ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُود الْعِمَادِيّ الْمُفَسّر فِي فَتَاوِيهِ، وَلَو ادّعى شخص عَدَاوَة آخر يكون اعترافا مِنْهُ بفسق نَفسه، وَلَو شهد الشَّاهِد على آخر فخاصم الْمَشْهُود عَلَيْهِ الشَّاهِد قبل الْقَضَاء لَا يمْتَنع الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ إِلَّا إِذا ادّعى أَنه دفع إِلَيْهِ كَذَا لِئَلَّا يشْهد عَلَيْهِ وَطلب الرَّد وَأثبت دَعْوَاهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو نُكُول فَتبْطل شَهَادَته، وَهُوَ جرح مَقْبُول كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، لَكِن قَالَ سَيِّدي الْوَالِد فِي جَوَاب سُؤال عَمَّن شهد عَلَيْهِ شُهُود بِحَق وزكوا فتعلل الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الشُّهُود من زكاهم أَعدَاء لَهُ بِسَبَب تشاجر مَعَهم على قمار وَلعب.
فَأجَاب بعد كَلَام حَاصله: فَفِي الْحَادِثَة المسؤول عَنْهَا رُبمَا أَنه فسق بهَا، إِذْ الْعَدَاوَة جرت بَينهمَا على مَا قَالَه الْمُدعى عَلَيْهِ بِسَبَب قمار وَلعب محرمين شرعا، وَلَكِن الْمُتَأَخّرُونَ على الاول من الاطلاق سَوَاء فسق بهَا أَو لَا، والْحَدِيث الشريف شَاهد لما عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا ذِي غمر على أَخِيه والغمر: الحقد.
وَيُمكن حمله على مَا إِذا كَانَ غير عدل بِدَلِيل أَن الحقد فسق للنَّهْي عَنهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْر.
مطلب: الْعَدَاوَة إِذا فسق بهَا لَا تقبل شَهَادَته على أحد، وَإِن لم يقسق بهَا تقبل على غير عدوه وَقَالَ الْعَلامَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فتواه: فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا، وَصَرَّحَ يَعْقُوب باشا فِي حاشتيه بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عدوه، وَالْمَسْأَلَة دوارة فِي الْكتب فَإِذا أثبت الْمُدعى عَلَيْهِ الْعَدَاوَة ثبوتا شَرْعِيًّا فتجري الاحكام الْمَذْكُورَة من عدم صِحَة أَدَاء الشَّهَادَة والتزكية الْمَذْكُورَة لثُبُوت عداوتهم بالسببين المرقومين المحرمين شرعا، وَسبب الحقد وَأَنَّهُمْ مِمَّن يفرحون لحزنه ويحزنون لفرحه اه.
وَتَمَامه فِيهِ.
فَإِن قلت: الْعَدَالَة الدُّنْيَوِيَّة فسق لانه لَا يحل معاداة الْمُسلم لاجل الدُّنْيَا، فَهَلا اسْتغنى عَنهُ بقوله
لَا تقبل شَهَادَة الْفَاسِق.
قلت: للْفرق بَينهمَا، فَإِنَّهُ لَو قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق صَحَّ وأثم كَمَا مر، وَلَو قضى بِشَهَادَة الْعَدو بِسَبَب النديا لَا ينفذ، لانه لَيْسَ بمجتهد فِيهِ كَمَا نَقله المُصَنّف عَن يَعْقُوب باشا، لَكِن قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَته على الدُّرَر: وَقد جَاءَت الرِّوَايَة بِعَدَمِ قبُول شَهَادَة عَدو بِسَبَب الدُّنْيَا مُطلقًا.
وَالتَّحْقِيق فِيهِ أَن من العدادوة المؤثرة فِي الْعَدَالَة كعداوة الْمَجْرُوح على الْجَارِح وعداوة ولي الْمَقْتُول على الْقَاتِل.
وَمِنْهَا غير مُؤثرَة كعداوة شَخْصَيْنِ بَينهمَا وَقعت مُضَارَبَة أَو مشاتمة أَو دَعْوَى مَال أَو حق فِي الْجُمْلَة، فشهادة صَاحب النَّوْع - الاول لَا تقبل كَمَا هُوَ الْمُصَرّح فِي غَالب كتب أَصْحَابنَا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة فقهائنا، وَشَهَادَة صَاحب النَّوْع الثَّانِي تقبل لانه عدل، وَبِهَذَا التَّحْقِيق يحصل التوافق بَين الرِّوَايَتَيْنِ وَبَين الْمَتْن وَالشَّرْح وَإِن لم يهتد المُصَنّف إِلَيْهِ، الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا اه.(7/527)
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بعد كَلَام: وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ قَبُولِهَا عَلَى الْعَدُوِّ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَة لَا لفسق وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ عَلَى غَيْرِ الْعَدُوِّ أَيْضًا ثَانِيهمَا: أَنَّهَا تقبل إِلَّا فَسَقَ بِهَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَابْنُ الشِّحْنَةِ اه.
وَهل حكم القَاضِي فِي الْعَدَاوَة حكم الشَّاهِد؟ قَالَ شاحر الْوَهْبَانِيَّة: لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتب أَصْحَابنَا.
وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهِ على التَّفْصِيل إِن كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ لَا ينفذ، وَإِن كَانَ بِشَهَادَة من الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فِي مجْلِس الحكم بِطَلَب خصم شَرْعِي ينفذ.
ذكره الْحَمَوِيّ.
وَسِيَاق كَلَام البرجندي يُفِيد أَن شَهَادَة الْعَدو لعَدوه مَقْبُولَة لعدم التُّهْمَة، وَهَذَا بِنَاء على أَن الْعلَّة التُّهْمَة، أما إِذا كَانَت الْعلَّة الْفسق فَلَا فرق.
وَقد اخْتلف تَعْلِيل الْمَشَايِخ فِي ذَلِك.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَلَعَلَّ فِي الْمَسْأَلَة قَوْلَيْنِ: مِنْهُم من علل بالاول، وَمِنْهُم من علل بِالثَّانِي اه.
أَقُول: قد علمت مَا قدمْنَاهُ عَن سَيِّدي الْوَالِد أَنَّهُمَا قَولَانِ معتمدان، وَأَن الْمُتُون على عدم قبُولهَا وَإِن لم يفسق بهَا للتُّهمَةِ.
قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانَت الصداقة متناهية) أَي فَإِنَّهَا لَا لَا تقبل للتُّهمَةِ.
قَوْله: (بِلَا
إِصْرَار) أَي تقبل من مرتكب صَغِيرَة بِلَا إِصْرَار، لَان الالمام من غير إِصْرَار لَا يقْدَح فِي الْعَدَالَة، إِذْ لَا يُوجد من الْبشر من هُوَ مَعْصُوم سوى الانبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَيُؤَدِّي اشْتِرَاط الْعِصْمَة إِلَى سد بَاب الشَّهَادَة وَهُوَ مَفْتُوح.
أما إِذا أصر عَلَيْهَا وَفَرح بهَا أَو استخف، إِن كَانَ عَالما يقْتَدى بِهِ فَهِيَ كَبِيرَة كَمَا ذكره بَعضهم.
قَوْله: (إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَغَلَبَ صَوَابُهُ عَلَى صغائره) الاولى أَن يَقُول على خطئه، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَبِلَا غَلَبَةٍ.
قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْكَبِيرَةِ بِالْإِصْرَارِ، وَكَذَا بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَا أَفْصَحَ عَنْهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حَيْثُ قَالَ: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا، حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ للغلبة والدوام على الصَّغِيرَة لتصير كَبِيرَة وَلذَا قَالَ: وَغلب صَوَابه.
قَوْله: (وَهُوَ معنى الْعَدَالَة) قَالَ الْكَمَال: أحسن مَا نقل فِيهَا عَن أبي يُوسُف أَن لَا يأتبي بكبيرة وَلَا يصر على صَغِيرَة وَيكون ستره أَكثر من هتكه، وَصَوَابه أَكثر من خطئه، ومروءته ظَاهِرَة، وَيسْتَعْمل الصدْق ويجتنب الْكَذِب ديانَة ومروءة اه.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: من اجتنبي الْكَبَائِر وَفعل مائَة حَسَنَة وتسعا وَتِسْعين صَغِيرَة فَهُوَ عدل، وَإِن فعل حَسَنَة وصغيرتين لَيْسَ بِعدْل اه.
قَالَ فِي الْبَحْر: هِيَ الاسْتقَامَة، وَهِي بالاسلام واعتدال الْعقل، ويعارضه (1) هوى يضله ويصده، وَلَيْسَ لكمالها حد يدْرك مداه، ويكتفي لقبولها بأدناه كي لَا تضيع الْحُقُوق، وَهُوَ رُجْحَان جِهَة الدّين وَالْعقل على الْهوى والشهوة اه.
وَتَمَامه فِيهِ.
قَوْله: (كل فعل يرفض الْمُرُوءَة وَالْكَرم فَهُوَ كَبِيرَة) أَي كل فعل من الذُّنُوب والمعاصي فَهُوَ كَبِيرَة، إِذْ يبعد أَن يُقَال: إِن
__________
(1)
قَوْله: (ويعارضه إِلَخ) لَعَلَّه ومعارضه فَليُحرر.(7/528)
الاكل فِي السُّوق مثلا لغير السوقي كَبِيرَة، بل قَالُوا: إِنَّمَا يحرم عَلَيْهِ ذَلِك إِذا كَانَ متحملا شَهَادَة لِئَلَّا يضيع حق الْمَشْهُود لَهُ.
وَعبارَة الْخُلَاصَة بعد أَن نقل القَوْل بِأَن الْكَبِيرَة مَا فِيهِ حد بِنَصّ الْكتاب.
قَالَ: وأصحابنا لم يَأْخُذُوا بذلك وَإِنَّمَا بنوا على ثَلَاثَة معَان: أَحدهَا مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَة.
وَالثَّانِي أَن يكون فِيهِ منابذة الْمُرُوءَة وَالْكَرم، فَكل فعل يرفض الْمُرُوءَة وَالْكَرم فَهُوَ كَبِيرَة.
وَالثَّالِث أَن يكون مصرا على الْمعاصِي أَو الْفُجُور اه وَتعقبه فِي فتح الْقَدِير بِأَنَّهُ غير منضبط وَغير
صَحِيح اه.
وَلذَا قَالَ الْمحشِي فِيمَا ذكره الشَّارِح عَنْهَا، قَالَ: إِلَّا أَن يُرَاد الْكَبِيرَة من حَيْثُ منع الشَّهَادَة.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: هَذَا التَّعْرِيف غير الاصح.
قَالَ فِي الذَّخِيرَة: الاصح أَن مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَة الدّين فَهُوَ من الْكَبَائِر، وَكَذَا مَا فِيهِ نبذ الْمُرُوءَة وَالْكَرم، وَكَذَا الاعانة على الْمعاصِي والحث عَلَيْهَا.
وَفِي معِين الْمُفْتِي: رفض الْمُرُوءَة ارْتِكَاب مَا يعْتَذر مِنْهُ ويضعه على رتبته عِنْد أهل الْفضل.
قَالَ الْعَيْنِيّ: اخْتلفُوا فِي الْكَبِيرَة، فَقَالَ أهل الْحجاز وَأهل الحَدِيث: هِيَ السَّبع الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث الْمَشْهُور، وَهِي: الاشراك بِاللَّه، والفرار من الزَّحْف، وعقوق الْوَالِدين، وَقتل النَّفس، وبهت الْمُؤمن، وَالزِّنَا، وَشرب الْخمر.
وَزَاد بَعضهم عَلَيْهَا: أكل الرِّبَا، وَأكل أَمْوَال الْيَتَامَى بِغَيْر حق.
وَقيل مَا ثَبت حرمته بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ فَهُوَ كَبِيرَة، وَقيل مَا فِيهِ حد أَو قتل فَهُوَ كَبِيرَة، وَقيل كل مَا أصر عَلَيْهِ الْمَرْء فَهُوَ كَبِيرَة.
وَمَا اسْتغْفر عَنهُ فَهُوَ صَغِيرَة.
والاوجه مَا ذكره المتكلمون أَن كل ذَنْب فَوْقه ذَنْب وَتَحْته ذَنْب، فبالنسبة إِلَى مَا قومه فَهُوَ صَغِيرَة، وَإِلَى مَا تَحْتَهُ فَهُوَ كَبِيرَة.
والاصح مَا نقل عَن شمس الائمة الْحلْوانِي أَنه قَالَ: كُلُّ مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هتك حُرْمَة الله تَعَالَى وَالدّين فَهُوَ من جملَة الْكَبَائِر اه.
قَوْله: (وَمَتى ارْتكب كَبِيرَة سَقَطت عَدَالَته) غير أَن الحكم بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ، فَلِذَا شَرط فِي شرب الْمحرم الادمان اه.
حموي.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ عَن قَضَاء الْخُلَاصَة: الْمُخْتَار اجْتِنَاب الاصرار على الْكَبَائِر، فَلَو ارْتكب كَبِيرَة مرّة قبلت شَهَادَته.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا، حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ.
وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ لِتَصِيرَ كَبِيرَةً حَسَنٌ.
وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ لعصام وَعَلِيهِ الْمعول، غير أَن الحكم بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ، فَلِذَا شَرط فِي شرب الْمحرم وَالسكر والادمان، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم اه.
وَإِذا سَقَطت عَدَالَته تعود إِذا تَابَ، لما صَرَّحُوا بِأَن الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا تَابَ فَهُوَ عدل: أَي وَإِن لم تقبل شَهَادَته، لَكِن فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ التَّوْبَةَ، ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ،
وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مفوض إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تقبل من غير مُدَّة اه.
وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَاب وَقبل بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة فِي كَلَام الشَّارِح، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ فَاسِقًا سِرًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِفِسْقِهِ كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ الْمُدَّعِي، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ أَيْضا وَالْخَانِيَّة، وَالظَّاهِر أَنه لَا يحل لَهُ ذَلِك كَمَا استظهر سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.(7/529)
قَالَ فِي الْخَانِية قبل التَّزْكِيَة: وَالتَّعْدِيل الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُف أَنه لَا تقبل شَهَادَته أصلا أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ.
وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَر أَنه تقبل شَهَادَته وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد اه.
وفيهَا: مَنْ اُتُّهِمَ بِالْفِسْقِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ، وَالْمُعَدِّلُ إِذا قَالَ الشَّاهِد هُوَ مُتَّهم بِالْفِسْقِ لَا تبطل عَدَالَته اه.
وَلَا بَأْس بِذكر أَفْرَاد سَقَطت عدالتهم نَص عَلَيْهَا: مِنْهَا إِذا ترك الصَّلَاة بِجَمَاعَة بعد كَون الامام لَا طعن فِيهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَركهَا بِأَن يكون مُعْتَقدًا فَضِيلَة أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِك لَا تسْقط عَدَالَته بِالتّرْكِ، وَكَذَا من ترك الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّات، والاول أوجه.
وَذكر الاسبيجابي أَن من أكل فَوق الشِّبَع سَقَطت عَدَالَته عِنْد الاكثر، وَلَا بُد من كَونه فِي غير إِرَادَة التَّقْوَى على صَوْم الْغَد أَو مؤانسة الضَّيْف اه.
والاعانة على الْمعاصِي والحث عَلَيْهَا كَبِيرَة، وَلَا تقبل شَهَادَة الطفيلي والرقاص والمجازف فِي كَلَامه والمسخرة بِلَا خلاف، وَلَا من يحلف فِي كَلَامه كثيرا.
وَلَا تقبل شَهَادَة الْبَخِيل وَالَّذِي أخر الْفَرْض بعد وُجُوبه لغير عذر، إِن كَانَ لَهُ وَقت معِين كَالصَّلَاةِ بطلت عَدَالَته، وَإِن لم يكن لَهُ وَقت معِين كَالزَّكَاةِ وَالْحج اخْتلفت فِيهِ الرِّوَايَة والمشايخ.
وَذكر الخاصي عَن قاضيخان أَن الْفَتْوَى على سُقُوطهَا بِتَأْخِير الزَّكَاة من غير عذر.
بِخِلَاف تَأْخِير الْحَج، وبركوب بَحر الْهِنْد لانه مخاطر بِنَفسِهِ وَدينه من سُكْنى دَار الْحَرْب وتكثير سوادهم وعددهم لاجل المَال وَمثله لَا يُبَالِي بِشَهَادَة الزُّور.
وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ وَالشرب وَإِن لم يشرب كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وَتَمام ذَلِك فِي المطولات.
وَفِي الْبَحْر عَن الْعَتَّابِيَّةِ: من آجر بَيته لمن يَبِيع الْخمر لم تسْقط عَدَالَته اه.
قَوْله: (وَمن
أقلف) إِذْ تقبل شَهَادَة الْكَبِير الَّذِي لم يختتن، لَان الْعَدَالَة لَا تخل بترك الْخِتَان لكَونه سنة عندنَا.
كَذَا أطلقهُ فِي الْكَنْز وَغَيره وتبعهم المُصَنّف.
قَوْله: (لَو لعذر) بِأَن يتْركهُ خوفًا على نَفسه، أما إِذا تَركه بِغَيْر عذر لم تقبل مَا قَيده قاضيخان، وَقَيده فِي الْهِدَايَة بِأَن لَا يتْركهُ اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ، أما إِذا تَركه اسْتِخْفَافًا لم تقبل لانه لم يبْق عدلا، وكما تقبل شَهَادَته تصح إِمَامَته كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
مطلب: فِي وَقت الْخِتَان وَاخْتلفُوا فِي وقته، فالامام لم يقدر لَهُ وقتا مَعْلُوما لعدم وُرُود النَّص بِهِ، وَهَذِه إِحْدَى الْمسَائِل الَّتِي توقف الامام فِي الْجَواب عَنْهَا، وَقدره الْمُتَأَخّرُونَ وَاخْتلفُوا.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ سَبْعٌ وَآخِرَهُ اثْنَتَا عشرَة.
كَذَا فِي الْخُلَاصَة من بَاب الْيَمين فِي الطَّلَاق وَالْعتاق.
وَلَعَلَّ أَن سبع سِنِين أول وَقت اسْتغْنَاء الصَّبِي عَن الْغَيْر فِي الاكل وَالشرب واللبس والاستنجاء حَيْثُ يتَحَمَّل بِمثلِهِ وَوقت الِاحْتِيَاج إِلَى التَّأْدِيب وتهذيب الاخلاق، وَلذَلِك كَانَ ذَلِك نِهَايَة مُدَّة الْحَضَانَة بل وَقت كَونه مَأْمُورا بِالصَّلَاةِ وَلَو ندب، وَمن جملَته الْخِتَان أَيْضا، وَكَونه ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَقت المراهقة الْبَتَّةَ وَاحْتِمَال الْبلُوغ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ يجْرِي عَلَيْهِ قلم التَّكْلِيف فرضا ووجوبا وَسنة وندبا، وَمن جملَته كشف الْعَوْرَة وَهُوَ حرَام على الْبَالِغين من غير محرم، فَظهر أَن وَقت الْخِتَان على الْوَجْه الْمسنون يتم عِنْده، فَلَو قَالَ رجل إِن بلغ وَلَدي الْخِتَان فَلم أختنه فامرأتي طَالِق: فَإِن نوى أول الْوَقْت لَا يَحْنَث مَا لم يبلغ سبع سِنِين.
وَإِن نوى آخِره قَالَ الصَّدْر الشَّهِيد: الْمُخْتَار أَنه اثْنَتَا عشرَة سنة، وَهُوَ سنة للرِّجَال مكرمَة للنِّسَاء، إِذْ جماع المختونة ألذ.
وَكَانَ ابْن عَبَّاس لَا يُجِيز ذَبِيحَة الاقلف وَلَا شَهَادَته اه.
وَفِيه فَائِدَة من كَرَاهِيَة فَتَاوَى العتابي.
وَقيل فِي ختان الْكَبِير: إِذا أمكن أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ فَعَلَ، وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ إِلَّا أَن يُمكنهُ أَن(7/530)
يتَزَوَّج أَو يَشْتَرِي ختانة تختنه.
وَذكر الْكَرْخِي فِي الْكَبِير: يختنه الحمامي، وَكَذَا عَن ابْن مقَاتل.
مطلب: لَا بَأْس للحمامي أَن يطلي عَورَة غَيره بالنورة إِذا غُصْن بَصَره حَالَة الضَّرُورَة لَا بَأْس للحمامي أَن يطلي عَورَة غَيره بالنورة انْتهى.
لَكِن قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة بعد أَن نقل عَن التاترخانية أَن أَبَا حنيفَة كَانَ لَا يرى بَأْسا بِنَظَر الحمامي إِلَى عَورَة الرجل، وَنقل أَنه مَا يُبَاح من النّظر
للرجل من الرجل يُبَاح الْمس، وَنَقله عَن الْهِدَايَة وَنقل مَا نَقَلْنَاهُ، لَكِن قَيده بِمَا إِذا كَانَ يغص بَصَره.
وَنقل عَن الْفَقِيه أبي اللَّيْث أَن هَذَا فِي حَالَة الضَّرُورَة لَا فِي غَيرهَا، وَقَالَ: وَيَنْبَغِي لكل وَاحِد أَن يتَوَلَّى عانته بِيَدِهِ إِذا تنور كَمَا فِي الْمُحِيط، فَلْيحْفَظ.
أَقُول: وَمعنى يَنْبَغِي هُنَا الْوُجُوب كَمَا يظْهر، فَتَأمل.
قَوْله: (بَحر) وَمثله فِي التاترخانية.
قَوْله: (والاستهزاء بشئ من الشَّرَائِع كُفْرٌ) أَشَارَ إلَى فَائِدَةِ تَقْيِيدِهِ فِي الْهِدَايَةِ بِأَن لَا يتْرك الْخِتَان اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ.
قَوْله: (ابْن كَمَال) عِبَارَته: والاقلف لانه لَا يخل بِالْعَدَالَةِ إِذا تَركه اسْتِخْفَافًا بِالدّينِ.
قَالَ الرَّازِيّ: لم يرد بالاستخفاف الِاسْتِهْزَاء، لَان الِاسْتِهْزَاء بشئ من الشَّرَائِع كفر، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ التواني والتكاسل اه ح.
وَكَذَا ذكر مثله عزمي زَاده مؤولا عبارَة الدُّرَر.
مطلب: فِي شَهَادَة الْخصي
قَوْله: (وَخصي) بِفَتْح الْخَاء: منزوع الخصا، لَان عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قبل شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ، رَوَاهُ ابْن شيبَة (1) ولانه قطع مِنْهُ عُضْو ظلما فَصَارَ كمن قطعت يَده ظلما فَهُوَ مَظْلُومٌ.
نَعَمْ لَوْ كَانَ ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ وَفَعَلَهُ مُخْتَارًا منع.
فتح.
قَوْله: (وأقطع) إِذا كَانَ عدلا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله قطع يَد رجل فِي السّرقَة، ثمَّ كَانَ بعد ذَلِك يشْهد فَيقبل شَهَادَته.
منح.
قَوْله: (وَولد الزِّنَا) لَان فسق الْوَالِدين لَا يُوجب فسق الْوَلَد ككفرهما.
منح.
قَوْله: (وَلَو بِالزِّنَا) أَيْ وَلَوْ شَهِدَ بِالزِّنَا عَلَى غَيْرِهِ تقبل، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ، خلافًا لمَالِك فِي الاول كَمَا فِي الْمنح.
قَوْلُهُ: (كَأُنْثَى) فَيُقْبَلُ مَعَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ فِي غير حد وقود.
قوه: (لَو مُشكلا) فِي كل الاحكام.
شرنبلالية، والاولى أَن يَقُول وَهُوَ كأنثى.
قَوْله: (وعتيق لمعتقه) أَي تقبل شَهَادَته، لَان شريحا قبل شَهَادَة قنبر لعَلي وَهُوَ عتيقه.
وَأَشَارَ بِاللَّامِ إِلَى أَن شَهَادَته على الْمُعْتق تقبل بالاولى كَمَا صرح بِهِ متْنا بقوله.
(وَعَكسه) وقنبر بِفَتْح الْقَاف، وَأما بِضَم الْقَاف فجد سِيبَوَيْهٍ.
ذكره الذَّهَبِيّ فِي مشتبه الانساء والاسماء.
مطلب: فِي تَرْجَمَة شُرَيْح القَاضِي وَشُرَيْح بن الْحَارِث بن قيس الْكُوفِي النَّخعِيّ القَاضِي أَبُو أُميَّة، تَابِعِيّ ثِقَة.
وَقيل لَهُ صُحْبَة،
مَاتَ قبل الثَّمَانِينَ أَو بعْدهَا وَله مائَة وثمان سِنِين أَو أَكثر، واستقضاه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على الْكُوفَة، وَلم يزل بعد ذَلِك قَاضِيا خمْسا وَسبعين سنة، إِلَّا ثَلَاث سِنِين امْتنع فِيهَا من الْقَضَاء فِي فتْنَة الْحجَّاج فِي حق ابْن الزبير حَيْثُ استعفى الْحجَّاج من الْقَضَاء فأعفاه، وَلم يقْض إِلَى أَن مَاتَ الْحجَّاج
__________
(1)
قَوْله: (ابْن شيبَة) هَكَذَا بِأَصْلِهِ وَلَعَلَّ الصَّوَاب ابْن أبي شيبَة فَليُحرر اه.
مصححه.(7/531)
كَمَا فِي الْبَحْر وَشرح جلال الدّين التباني على الْمنَار.
قَوْله: (أَن الثّمن كَذَا) وَلَو شَهدا بإيفائه وإبرائه تقبل.
مقدسي.
قَوْله: (لجر النَّفْع بِإِثْبَات الْعِتْقِ) لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لابطال الْعتْق.
منح.
لَكِن تقدم فِي آخر بَاب الاقالة أَنه لَا يُخَالف بعد خُرُوج الْمَبِيع عَن ملكه، لانه يشْتَرط قيام الْمَبِيع عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي التَّحَالُفِ إلَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ المُشْتَرِي، فَرَاجعه وَتَأمل.
قَوْله: (وَمن محرم رضَاعًا) كابنه مِنْهُ.
وَفِي الْأَقْضِيَةِ: تُقْبَلُ لِأَبَوَيْهِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلِمَنْ أَرْضَعَتْهُ امْرَأَته، وَلَام وَامْرَأَته وَابْنهَا.
بَزَّازِيَّة من الشَّهَادَة.
قَوْله: (أَو مصاهرة) كَأُمّ امْرَأَته وبنتها وَزوج بنته وَامْرَأَة أَبِيه وَابْنه، لَان الاملاك بَينهم متميزة والايدي متحيزة، وَلَا بسطوة لبَعْضهِم فِي مَال بعض فَلَا تتحق التُّهْمَة، بِخِلَاف شَهَادَته لِقَرَابَتِهِ ولادا.
دُرَر.
وَمثله فِي الْبَحْر.
قَوْله: (إِلَّا إِذا امتدت الْخُصُومَة) أَي سِنِين كَمَا فِي الْمنح عَن الْقنية، وَالظَّاهِر أَنه اتفاقي.
قَالَ ابْن وهبان: وَقِيَاس ذَلِك أَن يطرد فِي كل قرَابَة، وَالْفِقْه فِيهِ أَنه لما كثر مِنْهُ التَّرَدُّد مَعَ المخاصم صَار بِمَنْزِلَة الْخصم للْمُدَّعى عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو السُّعُود: وَالتَّقْيِيد بِعَدَمِ الْخِصَام على القَوْل بِهِ لَا يخص الشَّهَادَة للاخ وَنَحْوه اه.
قَالَ المنلا عبد الْحَلِيم: وَلَا يذهب عَلَيْك أَن الْمُعْتَمد عَلَيْهِ قبُول شَهَادَة عَدو بِسَبَب الدُّنْيَا لَو عدلا: أَي بِمُجَرَّد الْخُصُومَة على مَا تقدم، وَذَا لَا يُنَافِي ذَلِك لَان المتردد الْمَذْكُور بِمَنْزِلَة الْمُدَّعِي لَا بِمَنْزِلَة الْعَدو.
تدبر.
قَوْله: (على مَا فِي الْقنية) يَعْنِي إِذا كَانَ مَعَ الْمُدَّعِي أَخ أَو ابْن عَم يخاصمان لَهُ مَعَ الْمُدعى عَلَيْهِ ثمَّ شَهدا لَا تقبل شَهَادَتهمَا فِي هَذِه الْحَادِثَة بعد هَذِه الْخُصُومَة، وَكَذَا كل قرَابَة وَصَاحب تردد فِي الْمُخَاصمَة سِنِين، لانه بطول التَّرَدُّد صَار بِمَنْزِلَة الْخصم للْمُدَّعى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَهْبَانِيَّة.
قَوْله: (وَفِي
الخزانة الخ) أَي خاصماه عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِأَن نسبهما إِلَى الْكَذِب فدفعا عَن أَنفسهمَا، وَمَسْأَلَة الْقنية فِيمَا إِذا خاصماه مَعَ قَرِيبه على الْحق الَّذِي يَدعِيهِ.
قَوْله: (تقبل لَوْ عُدُولًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَاعِدْ الْمُدَّعِي فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يُكْثِرْ ذَلِكَ تَوْفِيقًا اه.
وفْق الرَّمْلِيُّ بِغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَوْ عُدُولًا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَسْتُورِينَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَدَّ الْخُصُومَةُ لِلتُّهْمَةِ بِالْمُخَاصَمَةِ، وَإِذَا كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ.
فَحمل مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا تَوْفِيقًا، وَمَا قُلْنَاهُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْمُعْتَمد فِي بَاب الشَّهَادَة الْعَدَالَة.
قَوْله: (على عبد كَافِر مَوْلَاهُ مُسلم) لَان هَذِه شَهَادَة قَامَت على إِثْبَات أَمر على الْكَافِر قصدا وَلزِمَ مِنْهُ الحكم على الْمولى الْمُسلم ضمنا، على أَن اسْتِحْقَاق مَالِيَّة الْمولى غير مُضَاف إِلَى الشَّهَادَة، لانه لَيْسَ من ضَرُورَة وجوب الدّين عَلَيْهِ اسْتِحْقَاق مَالِيَّة الْمولى لَا محَالة بل يَنْفَكّ عَنهُ فِي الْجُمْلَة.
قَوْله: (لَا يجوز عَكسه) وَهُوَ مَا إِذا كَانَ العَبْد مُسلما مَوْلَاهُ كَافِر: يَعْنِي لَا تجوز شَهَادَة الْكَافِر على عبد مُسلم مَوْلَاهُ كَافِر، وعَلى وَكيل مُسلم مُوكله كَافِر: فَإِن كَانَ مُسلما لَهُ عبد كَافِر أذن لَهُ بِالْبيعِ وَالشِّرَاء فَشهد عَلَيْهِ شَاهِدَانِ كَافِر ان بشرَاء وَبيع جَازَت شَهَادَتهمَا(7/532)
عَلَيْهِ، لَان هَذِه شَهَادَة قَامَت على إِثْبَات أَمر على الْكَافِر قصدا وعَلى الْمُسلم ضمنا كَمَا تقدم، وَلَو أَن مُسلما وكل كَافِرًا بشرَاء أَو بيع فَشهد على الْوَكِيل شَاهِدَانِ كَافِرَانِ بشرَاء أَو بيع لَا تقبل شَهَادَتهمَا عَلَيْهِ لانها شَهَادَة كَافِر قَامَت لاثبات حق على مُسلم قصدا كَمَا فِي الدُّرَر وَالْغرر.
قَوْله: (إِن لم يكن عَلَيْهِ دين لمُسلم) هَذَا ظَاهر إِن كَانَت التَّرِكَة لَا يخرج مِنْهَا الدينان، وَأما إِذا كَانَت متسعة لم يكن فِيهَا شُبْهَة أَنه تنقيص شَهَادَة على حق مُسلم.
وَفِي الْمنح: نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيين عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ بِمِثْلِهِ فَالثُّلُثَانِ لَهُ وَالْبَاقِي بَينهمَا اه: أَي لَان شَهَادَة أهل الذِّمَّة على الْمُسلم لَا تقبل وَهنا لَا تقبل فِي مُشَاركَة الذِّمِّيّ للْمُسلمِ فِي الْمِائَة.
وَالْحَاصِل: أَنَّهَا أَثْبَتَت الدّين على الْمَيِّت دون الْمُشَاركَة مَعَ الْغَرِيم الْمُسلم، وَأَن الْمُسْلِمَ لَمَّا ادَّعَى الْمِائَةَ مَعَ النَّصْرَانِيِّ صَارَ طَالبا نصفهَا وَالْمُنْفَرد بِطَلَب كلهَا فتقسم عولا عِنْد الامام، فلمدعي الْكل الثُّلُثَانِ لانه
لَهُ نِصْفَيْنِ وللمسلم الثُّلُث لَان لَهُ نصفا فَقَط، وَلَكِن لما ادَّعَاهُ مَعَ النَّصْرَانِي قسم بَينهمَا.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا من االنصارى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَقَامَ نَصْرَانِيٌّ آخَرِينَ كَذَلِكَ، فَالْأَلْفُ الْمَتْرُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ عِنْدَهُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: يَتَحَاصَّانِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَبُولَ عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَطْ دُونَ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ.
وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي فِي حَقِّهِمَا.
ذَخِيرَةٌ مُلَخَّصًا.
وَبِهِ ظَهَرَ أَن قبُولهَا على الْمَيِّت غير مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ.
نَعَمْ هُوَ قَيْدٌ لِإِثْبَاتِهَا الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي الْآخَرِ، فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ نَصْرَانِيًّا أَيْضًا يُشَارِكُهُ، وَإِلَّا فَالْمَالُ لِلْمُسْلِمِ، إذْ لَوْ شَارَكَهُ لَزِمَ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ، وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ قَيْدًا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ ضيق التَّرِكَة عَن الدينَيْنِ، وَإِلَّا لَا يَلْزَمُ قِيَامُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا لَا يَخْفَى، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي بَعْدَ التَّنْقِيرِ التَّامِّ.
قَوْله: (بَحر) نَص عِبَارَته: وَتقبل شَهَادَة الذِّمِّيّ بدين على ذمِّي ميت وَإِن كَانَ وَصِيّه مُسلما بِشَرْط أَن لَا يكون عَلَيْهِ دين لمُسلم، فَإِنْ كَانَ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ اه.
وَاَلَّذِي كَتَبَهُ هُوَ قَوْلُهُ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِي بِمثلِهِ فالثالثان لَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَالشَّرِكَةُ لَا تُمْنَعُ لِأَنَّهَا بقرار اه.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ الثَّانِيَةَ لَا تُثْبِتُ لِلذِّمِّيِّ مُشَارَكَتَهُ مَعَ الْمُسْلِمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَكِنَّ الْمُسلم لما ادّعى بِطَلَب كُلَّهَا فَتُقْسَمُ عَوْلًا فَلِمُدَّعِي الْكُلِّ الثُّلُثَانِ لِأَنَّ لَهُ نِصْفَيْنِ وَلِلْمُسْلِمِ الْآخَرِ الثُّلُثَ لِأَنَّ لَهُ نِصْفًا فَقَطْ، لَكِنْ لَمَّا ادَّعَاهُ مَعَ النَّصْرَانِيِّ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَالشَّرِكَةُ لَا تمنع لانها بِإِقْرَارِهِ.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَيقدم دين الصِّحَّة وَهُوَ مَا كَانَ ثَابتا بِالْبَيِّنَةِ أَو الاقرار فِي حَال الصِّحَّة، وَقد يرجح بَعضهم على بعض كَالدّين الثَّابِتِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِ، وَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِدَعْوَى الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى كَافِرٍ إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا كَافِرَيْنِ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ فهما سَوَاء اه.
فَافْهَم.
وَتَمام الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة وفروعها يطْلب من الْبَحْر وحاشيته لسيدي الْوَالِد.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَته على الْبَحْر: فتحصيل أَن الْوَصِيّ يُخَالف الْوَكِيل فِي البيع وَالشِّرَاء، وَقد تقرر أَن الْوَكِيل فِي الْحُقُوق الْمُتَعَلّقَة بهما: أَي البيع وَالشِّرَاء أصيل وَالْوَصِيّ قَائِم مقَام الْوَصِيّ، وَقَول(7/533)
صَاحب الظَّهِيرِيَّة اسْتِحْسَانًا صَرِيح فِي أَن الْعَمَل بِهِ، وَقد صرح صَاحب الْمُحِيط بِمَا فِي الظَّهِيرِيَّة اه.
قَوْله: (كَمَا مر) أَي فِي العَبْد الْكَافِر وسيده مُسلم وَالْوَكِيل الْكَافِر وموكله مُسلم.
وَزَاد فِي الاشباه: عَلَيْهَا إِثْبَات تَوْكِيل كَافِر كَافِرًا بكافرين بِكُل حق لَهُ بِالْكُوفَةِ على خصم كَافِر فيتعدى إِلَى خصم مُسلم اه.
قَوْله: (أَو ضَرُورَة فِي مَسْأَلَتَيْنِ) حُمِلَ الْقَبُولُ فِيهِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَحْثًا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مقرا بِالدّينِ مُنْكرا مُنْكرا للوصاية والنشب، فتقيل شَهَادَة الذميين لانها شَهَادَة على النصرانز الْمَيِّت، أما لَوْ كَانَ مُنْكِرًا لِلدَّيْنِ كَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَحْضَرَ) أَيْ الْوَصِيُّ.
قَوْلُهُ: (ابْن الْمَيِّت) أَي النَّصْرَانِي:
قَوْله: (فَادّعى على مُسلم بِحَق) أَي ثَابت: أَي وَأقَام شَاهِدين نَصْرَانِيين نسبه تقبل اسْتِحْسَانًا.
مطلب: حَادِثَة الْفَتْوَى
قَوْله: (وَوَجهه فِي الدُّرَر) حَيْثُ قَالَ فِيهَا: وَجه الِاسْتِحْسَان أَن الْمُسلمين لَا يحْضرُون موت النَّصَارَى، والوصايا تكون عِنْد الْمَوْت غَالِبا وَسبب ثُبُوت النّسَب النِّكَاح وهم لَا يحْضرُون نكاحهم، فَلَو لم تقبل شَهَادَة النَّصَارَى على الْمُسلم فِي إِثْبَات الايصاء الَّذِي بِنَاؤُه على الْمَوْت وَالنّسب الَّذِي بناءه على النِّكَاح أدّى إِلَى ضيَاع الْحُقُوق الْمُتَعَلّقَة بالايصاء فَقبلت ضَرُورَة كَمَا قبلت شَهَادَة الْقَابِلَة اه.
مطلب: أسلم زَوجهَا وَمَات تقبل شَهَادَة أهل الذِّمَّة على مهرهَا قَالَ عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَته: وَفِيه إِشَارَة إِلَى حَادِثَة الْفَتْوَى، وَهِي: ذِمِّيَّة أسلم زَوجهَا ثمَّ مَاتَ فادعت مهرهَا عَلَيْهِ بِوَجْه خصم شَرْعِي قبلت شَهَادَة أهل الذِّمَّة لثُبُوت مهرهَا عَلَيْهِ لضَرُورَة عدم حُضُور الْمُسلمين نكاحهم.
قَوْله: (والعمال) بِضَم الْعين وَتَشْديد الْمِيم جمع عَامل، وهم الَّذين يَأْخُذُونَ الْحُقُوق الْوَاجِبَة كالخراج وَنَحْوه عِنْد الْجُمْهُور، لَان نفس الْعَمَل لَيْسَ بفسق، فبعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم عُمَّال.
قَوْله: (للسُّلْطَان) هَذَا هُوَ المُرَاد بهم عِنْد عَام الْمَشَايِخ كَمَا فِي الْبَحْر.
وَفِيه عَن السِّرَاجِيَّة معزيا إِلَى الْفَقِيه أبي اللَّيْث: إِن كَانَ الْعَامِل مثل عمر بن عبد الْعَزِيز فشهادته جَائِزَة، وَإِن كَانَ مثل يزِيد بن مُعَاوِيَة فَلَا اه.
وَفِي إِطْلَاق الْعَامِل على
الْخَلِيفَة نظر، وَالظَّاهِر مِنْهُ أَنه من قبل عملا من الْخَلِيفَة اه.
قَوْله: (إِلَّا إِذا كَانُوا أعوانا على الظُّلم الخ) أَي كعمال زَمَاننَا.
قَالَ فَخر الاسلام.
لَكِن نقل فِي الْبَحْر عَن الْهِدَايَة أَن الْعَامِل إِذا كَانَ وجيها فِي النَّاس ذَا مُرُوءَة لَا يجازف فِي كَلَامه تقبل شَهَادَته، كَمَا مر عَن أبي يُوسُف فِي الْفَاسِق لانه لوجاهته لَا يقدم على الْكَذِب: يَعْنِي وَلَو كَانَ عونا على الظُّلم كَمَا فِي الْعِنَايَة اه.
مطلب: فِي شَهَادَة مُخْتَار الْقرْيَة وموزع النوائب
قَوْله: (كرئيس الْقرْيَة) هُوَ الْمُسَمّى شيخ الْبَلَد، وهم من أعون النَّاس على الظُّلم لغَيرهم غير(7/534)
ظلم النَّاس لانفسهم خَاصَّة، وَيُسمى فِي بِلَادنَا شيخ الضَّيْعَة ومختار الْقرْيَة.
قَالَ فِي الْفَتْح: وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَته اه.
قَوْله: (والجابي) أَي جابي الظُّلم.
قَوْله: (والصراف) الَّذِي يجمع عِنْده المَال وَيَأْخُذهُ طَوْعًا.
قَوْله: (والمعرفون) بِالْوَاو، وَفِي بعض النّسخ المعرفين بِالْيَاءِ عطف على الْمَجْرُور وَهُوَ الصَّوَاب، وهم الَّذين يعْرفُونَ عَن قدر الاشخاص الَّذين فِي الْمركب ليَأْخُذ الْحَاكِم مِنْهُم شَيْئا مَعْلُوما مصادرة.
قَوْله: (والعرفاء فِي جَمِيع الاصناف) هم مَشَايِخ الْحَرْف.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى بعد كَلَام: وَبِه يعلم أَن شَهَادَة الفلاحين لشيخ قريتهم وشهادتهم للقسام الَّذِي يقسم عَلَيْهِم وَشَهَادَة الرّعية لحاكمهم وعاملهم وَمن لَهُ نوع ولَايَة عَلَيْهِم لَا تجوز اه.
أَقُول: لكنه مُقَيّد بِمَا سَيَأْتِي قَرِيبا عَن الْهِنْدِيَّة من أَنهم إِذا كَانُوا يُحصونَ وهم مَا إِذا كَانُوا مائَة فَأَقل.
تَأمل.
قَوْله: (ومحضر قُضَاة الْعَهْد) أَي الَّذِي يحضر الاخصام للْقَاضِي لقبولهم الرشا وَلعدم الْمُرُوءَة فيهم، وَالْمرَاد بالعهد الزَّمن أَي قُضَاة زمنهم فيكف الْحَال فِي زَمَاننَا ط.
قَوْله: (والوكلاء المفتعلة) لَعَلَّ المُرَاد بهم من يتوكل فِي الدَّعَاوَى والخصومات، وَذَلِكَ لانه قد ش وهدمنهم قلَّة المبالاة فِي الاحكام وَأخذ الرشا وَغير ذَلِك، وَإِنَّمَا جعلُوا مفتعلة لَان النَّاس لَا يقصدون مِنْهُم إِلَّا الاعانة على أغراضهم بحيلهم وَلم يقصدوا التَّوْكِيل حَقِيقَة فَقَط.
قَوْله: (والصكاك) بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة جمع صكاك
بِفَتْحِهَا.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: من الشَّهَادَات والصكاك تقبل فِي الصَّحِيح.
وَقيل: لَا لانهم يَكْتُبُونَ اشْترى وَبَاعَ وَضمن الدَّرك وَإِن لم يَقع فَيكون كذبا وَلَا فرق بَين الْكَذِب بِالْكِتَابَةِ أَو التَّكَلُّم.
قُلْنَا: الْكَلَام فِي كَاتب غلب عَلَيْهِ الصّلاح وَمثله يُحَقّق ثمَّ يكْتب.
ط.
عَن الْحَمَوِيّ: أَي وَمَا ذكر من الْكَذِب عَفْو لانهم يحققون مَا كتبُوا.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَة الْمنح: وَفِي إجازات الْبَزَّازِيَّة لَا تقبل شَهَادَة الدَّلال ومحضر قُضَاة الْعَهْد والوكلاء المفتعلة والصكاك اه.
أَقُول وَسَيَأْتِي فِي شرح قَوْله أَو يَبُول أَو يَأْكُل على الطَّرِيق أَنَّهَا لَا تقبل شَهَادَة النّحاس وَهُوَ الدَّلال إِلَّا إِذا كَانَ عدلا لَا يحلف وَلَا يكذب، وَنَقله عَن السراج هُنَا، وَقد رَأَيْنَاهُ فِي كَلَامهم كثير.
وَأَقُول: قد ظهر من هَذَا أَن شَهَادَة الدَّلال والصكاك وَنَحْوهمَا لَا ترد لمُجَرّد الصِّنَاعَة بل لمباشرة مَا لَا يحل شرعا، وَإِنَّمَا تنصيص الْعلمَاء على من ذكر لاشتهار ذَلِك مِنْهُ.
تَأمل.
قَوْله: (وَضَمان الْجِهَات) بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم.
وَقَالَ الْكَمَال عاطفا على من لَا تقبل شَهَادَته مَا نَصه: وَكَذَا كل من شهد على إِقْرَار بَاطِل، وَكَذَا على فعل بَاطِل مثل من يَأْخُذ سوق النخاسين مقاطعة أَو شهد على وثيقتها اه.
وَقَالَ الْمَشَايِخ: إِن شهدُوا حل عَلَيْهِم اللَّعْن أَنه شَهَادَة على بَاطِل، فَكيف هَؤُلَاءِ الَّذين يشْهدُونَ من مباشري السُّلْطَان على ضَمَان الْجِهَات وعَلى المحبوسين عِنْدهم هَؤُلَاءِ وَالَّذين فِي ترسيمهم اه.
قَوْله: (كمقاطعة سوق النخاسين) كمن يَأْخُذهَا بِقِطْعَة من المَال يَجْعَلهَا عَلَيْهِ مكسا وَيُوجد فِي بعض الْكتب بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة جمع نخاس، وَهُوَ بَائِع الدَّوَابّ وَالرَّقِيق، وَالِاسْم النخاسة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح، من نخس من بَاب نصر: إِذا غرز مُؤخر الدَّابَّة بِعُود وَنَحْوه كَمَا فِي الْقَامُوس، وَقد جعل فِي الاسواق(7/535)
الَّتِي تبَاع فِيهَا الْحمير مكاسون فَلَا تقبل شَهَادَتهم.
قَوْله: (حَتَّى حل لعن الشَّاهِد) أَي الَّذِي شهد على صك مقاطعة النخاسين كَمَا فِي الْمنح، وَلَيْسَ المُرَاد لعن الْعين لعدم جَوَازه، بل المُرَاد بِأَن يُقَال: لعن الله شَاهد ذَلِك.
مطلب: لَا تصح المقاطعة بِمَال لاحتساب قَرْيَة
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فتواه فِي رجل قَاطع على مَال مَعْلُوم احتساب قَرْيَة هَل يَصح ذَلِك أم لَا؟ أجَاب: لَا يَصح ذَلِك بِإِجْمَاع الْمُسلمين، فَلَا يُطَالب الْمُحْتَسب بِمَا الْتَزمهُ من المَال وَلَا يَصح الدَّعْوَى فِي ذَلِك، وَلَا تُقَام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، وَلَا يحل للْقَاضِي سَماع مثل هَذِه الدَّعْوَى سَوَاء وَقعت بِلَفْظ المقاطعة أَو الِالْتِزَام كَمَا رَأَيْنَاهُ بِخَط الثِّقَات اه.
وَوَجهه أَن المقاطعة لَا يتَصَوَّر أَن تكون بيعا لعدم وجود الْمَبِيع ولزومه شرعا وَلَا إِجَارَة لانها بيع الْمَنَافِع، وَإِذا وَقعت بَاطِلَة كَانَت كَالْعدمِ، وَلَا فرق بَين مقاطعة الاحتساب ومقاطعة الْقَضَاء، فعلى المقاطع على الْقَضَاء مَا على المقاطع على الاحتساب، وَلَا يسْأَل عَن جَوَازه بل يسْأَل عَن كفره مستحله ومتعاطيه كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
قَالَ مؤيد زَاده: سُئِلَ الصفار عَن رجل أَخذ سوق النخاسين مقاطعة من الدِّيوَان وَأشْهد على كتاب المقاطعة إنْسَانا هَل لَهُ أَن يشْهد؟ قَالَ: إِذا شهد حل عَلَيْهِ اللَّعْن، وَلَو شهد على مُجَرّد الاقرار وَقد علم السَّبَب فَهُوَ أَيْضا مَلْعُون، وَيجب التَّحَرُّز عَن تحمل مثل هَذِه الشَّهَادَة، وَكَذَا كل إِقْرَار بناءه على حرَام.
قَوْله: (ورعاياهم) أَي رعايا الْعمَّال والنواب.
قَوْله: (لَا تقبل) لجهلهم وميلهم خوفًا مِنْهُ.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَفِي شرح الْمَنْظُومَة: أَمِير كَبِير ادّعى فَشهد لَهُ عماله ودواوينه ونوابه ورعاياهم لَا تقبل اه.
قَالَ الرَّمْلِيّ: يُؤْخَذ مِنْهُ أَن شَهَادَة خُدَّامه الملازمين لَهُ كملازمة العَبْد لمَوْلَاهُ كَذَلِك لَا تقبل، وَهُوَ ظَاهر وَلَا سِيمَا فِي زَمَاننَا هَذَا.
تَأمل، وَقد أَفْتيت بِهِ مرَارًا، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب، وَمثله فِي شَهَادَات جَامع الْفَتَاوَى بِصِيغَة أعوان الْحُكَّام والوكلاء على بَاب الْقُضَاة لَا تسمع شَهَادَتهم، لانهم ساعون فِي إبِْطَال حق الْمُسْتَحق وهم فساق.
وَالله تَعَالَى أعلم.
مطلب: الْجند إِذا كَانُوا يُحصونَ لَا تقبل شَهَادَتهم لامير وَإِلَّا تقبل وحد الاحصاء مائَة قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: شَهَادَة الْجند للامير لَا تقبل إِن كَانُوا يُحصونَ، وَإِن كَانُوا لَا يُحصونَ تقبل، نَص فِي الصيرفية فِي حد الاحصاء مائَة وَمَا دونه وَمَا زَاد عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُحصونَ.
كَذَا فِي جَوَاهِر الاخلاطي اه نَاقِلا عَن الْخُلَاصَة.
قَوْله: (كَشَهَادَة الْمزَارِع لرب الارض) فَإِنَّهَا لَا تقبل لفساد الزَّمَان اه، ذكره عبد الْبر، وَظَاهره: وَإِن كَانَت الشَّهَادَة تتَعَلَّق بالمزارعة ط.
قَالَ الرحمتي: قَيده فِي الْقنية فِيمَا إِذا كَانَ الْبذر من رب الارض.
وَوَجهه أَن وُجُوه الْمُزَارعَة
الْجَائِزَة ثَلَاثَة: أَن يكون الارض وَالْبذْر وَالْبَقر لوَاحِد وَالْعَمَل من الآخر، فَيكون الزَّرْع لصَاحب الْبذر وَيكون مَا يَأْخُذهُ الْعَامِل فِي مُقَابلَة عمله فَهُوَ أجِير خَاص فَلَا تقبل شَهَادَته لمستأجره.
وَكَذَا إِن كَانَ الارض وَالْبذْر لوَاحِد وَالْعلم وَالْبَقر لآخر فَيكون أَجِيرا بِمَا يَأْخُذهُ من الْمَشْرُوط وَالْبَقر تبع لَهُ آلَة للْعَمَل.
الثَّالِث أَن تكون الارض لوَاحِد وَالْبَاقِي لآخر فَيكون الْخَارِج لرب النّذر، وَمَا يَأْخُذهُ رب(7/536)
الارض آجرة أرضه، والمزارع مُسْتَأْجر للارض بِمَا يَدْفَعهُ لصَاحِبهَا من الْمَشْرُوط.
وَمن اسْتَأْجر أَرضًا من آخر تصح شَهَادَته لَهُ، وَلَا تصح الْمُزَارعَة فِي غير هَذِه الْوُجُوه الثَّلَاثَة كَمَا حرر فِي بَابهَا.
قَوْله: (وَقيل أَرَادَ بالعمال) هَذَا مُمْكِنٌ فِي مِثْلِ عِبَارَةِ الْكَنْزِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا إلَخْ.
قَوْله: (المحترفين) أَي وَالَّذين يؤجرون أنفسهم للْعَمَل، فَإِن بعض النَّاس رد شَهَادَة أهل الصناعات الخسيسة فأفردت هَذِه الْمَسْأَلَة على هَذَا الاظهار مخالفتهم، وَكَيف لَا وكسبهم أطيب المكاسب كَمَا فِي الْبَحْر.
قَالَ الرَّمْلِيّ: فَتحَرَّر أَن الْعبْرَة للعدالة لَا للحرفة، وَهَذَا الَّذِي يجب أَن يعوف عَلَيْهِ ويفتى بِهِ.
فَإنَّا نرى بعض أَصْحَاب الْحَرْف الدنيئة عِنْده من الدّين وَالتَّقوى مَا لَيْسَ عِنْد كثير من أَرْبَاب الوجاهة وَأَصْحَاب المناصب وَذَوي الْمَرَاتِب.
إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم.
اه.
فَيكون فِي إِيرَاد الشَّارِح هَذَا القَوْل رد على من رد شَهَادَة أهل الحرفة الْخَسِيسَةِ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَأَمَّا أَهْلُ الصِّنَاعَاتِ الدَّنِيئَةِ كَالْقَنَوَاتِيِّ وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ وَالْحَجَّامِ فَقِيلَ لَا تُقْبَلُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ قَدْ تَوَلَّاهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَادِحُ لَا يبْنى على ظَاهر لصناعة، وَتَمَامه فِيهِ فَرَاجعه.
قَوْله: (وَهِي حِرْفَة آبَائِهِ وأجداده) ظَاهره أَنَّهَا إِذا كَانَت حرفتهم لَا تكون دنيئة وَلَو كَانَت دنيئة فِي ذَاتهَا وَهُوَ خلاف مَا يُعْطِيهِ الْكَلَام الْآتِي.
قَوْله: (وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَة لَهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَبُوهُ تَاجِرًا وَاحْتَرَفَ هُوَ الحياكة أَو الحلافة وَغير ذَلِك.
قَوْله: (فَلَا شَهَادَة لَهُ) أَي لارتكابه الدناءة، وَفِيه نظر لانه مُخَالف لما دقدمه: يَعْنِي صَاحب الْبَحْر قَرِيبًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الصِّنَاعَةِ الدَّنِيئَةِ كَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي الصَّحِيح اه.
قَوْله: (لما عرف فِي حد الْعَدَالَة) قَالَ الْقُهسْتَانِيّ بعد قَول النقاية: وَمن اجْتنب الْكَبَائِر وَلم يصر على الصَّغَائِر وَغلب صَوَابه على خطئه مَا نَصه: كَانَ عَلَيْهِ أَن يزِيد
قيدا آخر: أَي فِي تَعْرِيف الْعَدَالَة، وَهُوَ أَن يجْتَنب الافعال الدَّالَّة على الدناءة وَعدم الْمُرُوءَة كالبول فِي الطَّرِيق اه.
وَهُوَ يَقْتَضِي رد شَهَادَة ذِي الصِّنَاعَة الرَّديئَة لخرم الْمُرُوءَة بهَا وَإِن لم تكن مَعْصِيّة، فَتَأمل ط.
وتحقيقه مَا نذكرهُ فِي المقولة الْآتِيَة.
قَوْلُهُ: (فَتْحٌ) لَمْ أَرَهُ فِي الْفَتْحِ، بَلْ ذكره فِي الْبَحْر بِصِيغَة يَنْبَغِي حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيد الْقبُول بِأَن تكون تِلْكَ الحرفة لَا ثِقَة بِهِ، بِأَن تكون حِرْفَةُ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ إِذا كَانَت حِرْفَة دنيئة فَلَا شَهَادَة لَهُ لَهُ لما عرف فِي حد الْعَدَالَة اه.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَعِنْدِي فِي هَذَا التَّقْيِيد نظر يظْهر لمن نظر، فَتَأمل اه: أَيْ فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ: بِحِرْفَةٍ لَائِقَةٍ إلَخْ.
قلت: وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْعِبْرَةَ لِلْعَدَالَةِ لَا لِلْحِرْفَةِ، فكم من دنئ صناعَة أتقى مِنْ ذِي مَنْصِبٍ وَوَجَاهَةٍ.
عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعْدِلُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا إلَّا لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِ أَوْ صُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا عَلَّمَهُ إيَّاهَا أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ فِي صِغَرِهِ وَلَمْ يُتْقِنْ غَيْرَهَا، فَتَأَمَّلْ.
وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ هُوَ قَرِيبًا مِنْ أَنَّ صَاحِبَ الصِّنَاعَةِ الدَّنِيئَةِ كَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي الصَّحِيحِ اه.
وقدمناه قَرِيبا.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عُدُولَهُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ إلَى أَدْنَى مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْمُرُوءَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حِرْفَةُ أَبِيهِ دَنِيئَةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هُوَ كَذَلِكَ إنْ عَدَلَ بِلَا عذر.
تَأمل اه.
أَقُول: فَالْحَاصِل أَن الْمُعْتَبر الْعَدَالَة، وَلَا نظر إِلَى الحرفة إِلَّا إِذا عدل عَن حِرْفَة آبَائِهِ الشَّرِيفَة إِلَى(7/537)
الحرفة الخسيسة إِذا كَانَ بِلَا دَاع إِلَيْهِ من عجز أَو عدم أَسبَاب أَو قلَّة يَد تقصر عَن حِرْفَة أَبِيه، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ أَبوهُ أَو وَصِيّه علمه فِي صغره هَذِه الحرفة الدنيئة فَكبر وَهُوَ لَا يعرف غَيرهَا.
أما إِذا كَانَ بِلَا دَاع فَيدل على رزالته وَعدم مروءته ومبالاته، هَذَا مِمَّا يسْقط الْعَدَالَة.
أما لَو كَانَ انْتِقَاله لَاحَدَّ هَذِه الاعذار الْمَذْكُور فَتقبل إِذا كَانَ عدلا وَلَا وَجه لرد شَهَادَته فَتعين مَا قُلْنَا.
قَوْله: (لَا تقبل من أعمى) فِي شئ من الْحُقُوق دينا أَو عينا، مَنْقُولًا أَو عقارا.
قُهُسْتَانِيّ.
وَالْعلَّة فِيهِ أَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إِلَّا بالنغمة فيخشى عَلَيْهِ التَّلْقِين من الْخصم، إِذْ النغمة تشبه النغمة.
قَوْله: (وَلَو قضى صَحَّ) أَي قَاضِي وَلَو حَنِيفا كَمَا يفِيدهُ إِطْلَاقه، أَو يحمل على
قَاض يرى قبُولهَا كمالكي ط.
قَوْله: (مَا لَو عمي بعد الاداء) لَان المُرَاد بِعَدَمِ قبُولهَا عدم الْقَضَاء بهَا، لَان قيام أهليتها شَرط وَقت الْقَضَاء لصيرورتها حجَّة عِنْده.
قَوْله: (وَمَا جَازَ بِالسَّمَاعِ) أَي كالنسب وَالْمَوْت، وَمَا تجوز الشَّهَادَة عَلَيْهِ بالشهرة والتسامع كَمَا فِي الْخُلَاصَة.
قَوْله: (خلافًا للثَّانِي) أَي فِيمَا لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ، وَمَا جَازَ بِالسَّمَاعِ كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
ولزفر، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن الامام، وَاسْتظْهر قَول بالاول صدر الشَّرِيعَة فَقَالَ: وَقَوله أظره، لَكِنْ رَدَّهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ عَدَمُ أَظَهْرِيَّتِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ بِالثَّانِي فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَرَدَّهُ الرَّمْلِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَاخْتِيَارَهُ.
نعم، قَالَ ط: وَجزم بِهِ فِي النّصاب من غير ذكر خلاف كَمَا فِي الْحَمَوِيّ اه.
أَقُول: وَهُوَ تَرْجِيح لَهُ، لَكِن عزاهُ فِي الْخُلَاصَة إِلَى النّصاب.
وَفِي النّصاب: لم يتَعَرَّض لحكاية الْخلاف.
وَفِي حَاشِيَة الْخَيْر الرَّمْلِيّ على الْمنح عِنْد قَوْله وَدخل تَحْتَهُ مَا كَانَ طَرِيقه السماع خلافًا لابي يُوسُف كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
أَقُول: عبارَة فتح الْقَدِير: وَقَالَ أَبُو يُوسُف: يجوز فِيمَا طَرِيقه السماع، وَمَا لَا يَكْفِي فِيهِ السماع إِذا كَانَ بَصيرًا وَقت التَّحَمُّل أعمى عِنْد الاداء إِذا كَانَ يعرفهُ باسمه وَنسبه اه.
أَقُول: فَحق الْعبارَة: خلافًا لابي يُوسُف فِيمَا طَرِيقه السماع أَولا، ولزفر فِيمَا طَرِيقه السماع، وَقد تبع الشَّارِح شَيْخه فِي ذَلِك، فَإِن هَذِه عبارَة حرفا بِحرف، وَلَا يخفى مَا فِيهَا من إِيهَام اخْتِصَاص مَذْهَب أبي يُوسُف بِمَا طَرِيقه السماع وَلَيْسَ كَذَلِك.
وفى الْفَتْح:.
قيد فِي الذَّخِيرَة قَول أبي يُوسُف بِمَا إِذا كَانَت شَهَادَته فِي الدّين وَالْعَقار، أما فِي الْمَنْقُول فأجمع عُلَمَاؤُنَا أنهاا لاتقبل.
أَقُول: وفى الْحَقَائِق: وَقَالَ فِي العون: الْخلاف فِيمَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الاشارة وَفِي غير الْحُدُود.
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَة: الْخلاف فِيمَا لَا تجوز الشَّهَادَة بالشهرة والتسامع، أما فِي خِلَافه تقبل شَهَادَة الاعمى فَلَا خلاف اه وَهَذَا مُخَالف لما فِي أَكثر الْكتب من أَنه لاتقبل شَهَادَته عِنْد أبي حنيفَة وَمُحَمّد فِيمَا طَرِيقه السماع أَو لَا، فَارْجِع إِلَى الشُّرُوح والفتاوى إنشئت.
قَالَ فِي صدر الشَّرِيعَة فِي مَسْأَلَة الاعمى: الْعَمى بعد الاداء قبل الْقَضَاء خلافًا لابي يُوسُف،
وَقَوله أظهر.
قَالَ أخى راده فِي حَاشِيَته: وَجه الاظهر إِن الْعَمى إِذا لم يكن مَانِعا عَن الاداء إِذا تحمل بَصيرًا عِنْد أبي يُوسُف، فَعدم كَونه مَانِعا عَن الْقَضَاء بعد أَدَائِهِ بَصيرًا يكون فِي غَايَة الظُّهُور عِنْدهمَا،(7/538)
لانه لَا تَأْثِير فِي نفس قَضَاء القَاضِي للعمى الْعَارِض للشَّاهِد بعد أَدَائِهِ شَهَادَته اه.
قَوْله: (مُطلقًا) سَوَاء كَانَ فِيمَا يجْرِي فِيهِ التسامع أم لَا.
وَفِي الْبَحْر: وَلَا تقبل شَهَادَته سَوَاء كَانَت بالاشارة أَو بِالْكِتَابَةِ.
قَوْلُهُ: (بِالْأَوْلَى) لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى إنَّمَا تَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ فِي نِسْبَتِهِ.
وَهُنَا تَتَحَقَّقُ فِي نِسْبَتِهِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَدْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَأُمُورٍ أُخَرَ.
كَذَا فِي الْفَتْح، ولانه لَا عبارَة لَهُ أصلا، بِخِلَاف الاعمى.
وَفِي الْمَبْسُوط أَنه بِإِجْمَاع الْفُقَهَاء لَان لَفْظَة الشَّهَادَة لَا تتَحَقَّق.
وَتَمام الْكَلَام على ذَلِك فِي الْفَتْح.
تَنْبِيه: نصوا على أَن نعْمَة السّمع أفضل من نعْمَة الْبَصَر لعُمُوم مَنْفَعَتهَا فَإِنَّهُ يدْرك من كل الْجِهَات، بِخِلَاف الْبَصَر، ولانه لَا أنس فِي مجالسة أخرس، بِخِلَاف الاعمى، ولانه يدْرك التكاليف الشَّرْعِيَّة بِخِلَافِهِ ط.
قَوْله: (ومرتد) لَان الشَّهَادَة من بَاب الْولَايَة وَلَا ولَايَة لَهُ على أحد فَلَا تقبل شَهَادَته، وَلَو على كَافِر أَو مُرْتَد مثله فِي الاصح كَمَا قدمْنَاهُ موضحا.
قَوْله: (ومملوك) وَلَو مكَاتبا أَو مُدبرا أَو أم ولد إِذْ لَا ولَايَة لَهُ على نَفسه كَالصَّبِيِّ، فعلى غَيره أولى.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: الْوكَالَة ولَايَة كَمَا يعلم من أَوَائِل عزل الْوَكِيل، وَالْعَبْد مَحْجُورا كَانَ أَو مَأْذُونا تجوز وكَالَته، فَتَأمل فِي جَوَابه اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَمثله تَوْكِيل صبي يعقل.
وَقد يُقَال: ولايتهما فِي الْوكَالَة غير أَصْلِيَّة.
تَأمل.
قَوْله: (أَو مبعضا) أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن المُرَاد من الْمَمْلُوك من فِيهِ رق، وَإِلَّا فالمملوك لَا يتَنَاوَل الْمكَاتب والمبعض.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: وَالْمُعتق فِي الْمَرَض كالكاتب فِي زَمَنِ السِّعَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا: حر مديون اه.
أَقُول: وَالْمرَاد بِالْمرضِ مرض الْمَوْت، وَكَانَ الثُّلُث يضيق عَن يقمته وَلم تجزه الْوَرَثَة.
تَنْبِيهَاتٌ: مَاتَ عَنْ عَمٍّ وَأَمَتَيْنِ وَعَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا الْعم فشهدا ببنوة إِحْدَاهمَا بِعَينهَا للْمَيت: أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا فِي صِحَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ، لِأَنَّ فِي قَبُولِهَا ابْتِدَاءً بُطْلَانَهَا انْتِهَاءً، لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ كَمُكَاتَبٍ لَا
تُقْبَلُ شَهَادَته عِنْده لَا عِنْدهمَا لانه حر مديون وَلَو شهد أَنَّ الثَّانِيَةَ أُخْتُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا أَوْ مَعَهَا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ، لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ فَيَخْرُجُ الْعَمُّ عَنْ الْوِرَاثَةِ.
بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.
أَقُولُ: هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ وُجُودِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا عِنْدَ سَبْقِ شَهَادَةِ الْأُخْتِيَّةِ فَالْعِلَّةُ فِيهَا هِيَ عِلَّةُ الْبِنْتِيَّةِ فَتَفَقَّهْ.
وَفِي الْمُحِيطِ: مَاتَ عَنْ أَخٍ لَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَقَالَ عَبْدَانِ مِنْ رَقِيقِ الْمَيِّتِ إنَّهُ أَعْتَقَنَا فِي صِحَّتِهِ وَإِنْ هَذَا الْآخَرَ ابْنُهُ فَصَدَّقَهُمَا الْأَخُ فِي ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ فِي دَعْوَى الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِمَا، بل هما عَبْدَانِ لِلْآخَرِ لِإِقْرَارِ الْأَخِ أَنَّهُ وَارِثٌ دُونَهُ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمَا فِي النَّسَبِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْآخَرِ أُنْثَى جَازَ شَهَادَتهمَا وَثَبت نسبهما، ويسعيان فِي نصف قيمتهَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ حَقَّهُ فِي نِصْفِ الْمِيرَاثِ فَصَحَّ بِالْعِتْقِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنَّ الْعِتْقَ فِي عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ فَتَجِبُ السِّعَايَةُ للشَّرِيك السَّاكِت.
وَأَقُول: عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى يَعْتِقَانِ كَمَا قَالَا، غَيْرَ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالْبِنْتِيَّةِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَته فتفقه.(7/539)
مطلب: يبطل الْقَضَاء بِظُهُور الشُّهُود عبيدا فَائِدَةٌ: قَضَى بِشَهَادَةٍ فَظَهَرُوا عَبِيدًا تَبَيَّنَ بُطْلَانُهُ، فَلَوْ قَضَى بِوَكَالَةٍ بِبَيِّنَةٍ وَأَخَذَ مَا عَلَى النَّاس من الدُّيُون ثمَّ وجدوا عبيدا لمن تَبْرَأْ الْغُرَمَاءُ، وَلَوْ كَانَ بِمِثْلِهِ فِي وِصَايَةٍ بَرِئُوا لِأَنَّ قَبْضَهُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِيصَاءُ كَإِذْنِهِ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ إلَى أَمِينه، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذْ لَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ لِغَرِيمٍ فِي دَفْعِ دَيْنِ الْحَيِّ لِغَيْرِهِ، قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: فَعَلَى هَذَا مَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا مِنْ تَوْلِيَةِ شَخْصٍ نَظَرَ وَقْفٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ مِثْلِهِ مِنْ قَبْضٍ وَصَرْفٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ أَنَّ إنْهَاءَهُ بَاطِلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَالْوَصِيِّ، فَلْيُتَأَمَّلْ.
قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْف مَا يُؤَيّدهُ اه.
قَوْله: (وَصبي) مُطلقًا لعدم الْولَايَة كالمملوك، وَقدمنَا أَن الصَّبِي إِذا بلغ فَشهد فَإِنَّهُ لَا بُد من التَّزْكِيَة، وَكَذَا الْكَافِر إِذا أسلم، وَإِن الْكَافِر إِذا عدل فِي كفره
لشهادة ثمَّ أسلم فَشهد فَإِنَّهُ يَكْفِي التَّعْدِيل الاول، وَأَن الْفرق بَين الصَّبِي وَالْكَافِر هُوَ أَن الْكَافِر كَانَ لَهُ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّبِي.
قَوْله: (ومغفل) قَالَ مُحَمَّد فِي رجل عجمي صوام قوام مُغفل يخْشَى عَلَيْهِ أَن يلقن فَيَأْخُذ بِهِ، قَالَ: هَذَا شَرّ من الْفَاسِق فِي الشَّهَادَة.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّا نَرُدُّ شَهَادَة أَقوام نرجو شفاعتهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
مَعْنَاهُ: أَنَّ شَهَادَةَ الْمُغَفَّلِ وَأَمْثَالِهِ لَا تقبل وَإِن كَانَ عدلا صَالحا.
تاترخانية.
وَفِي الْبَحْر: وَعَن أبي يُوسُف: أُجِيز شَهَادَة الْمُغَفَّل وَلَا أُجِيز تعديله، لَان التَّعْدِيل يحْتَاج فِيهِ إِلَى الرَّأْي وَالتَّدْبِير والمغفل لَا يستقصي فِي ذَلِك اه.
وَفِي مؤيد زَاده: وَمن اشتدت غفلته لَا تقبل شَهَادَته.
قَوْله: (وَمَجْنُون إِلَّا فِي حَالِ صِحَّتِهِ) أَيْ وَقْتَ كَوْنِهِ صَاحِيًا.
قَالَ فِي الْمُحِيط: وَمن يجن سَاعَة ويفيف أُخْرَى فَشهد فِي حَال صِحَّته تقبل لَان ذَلِك بِمَنْزِلَة الاغماء، وَقدر بعض مَشَايِخنَا جُنُونه بِيَوْم أَو يَوْمَيْنِ، فَإِذا شهد بعدهمَا وَكَانَ صَاحِيًا تقبل اه.
وَقد علم أَن قَوْله إِلَّا فِي حَال صِحَّته اسْتثِْنَاء من مَجْنُون.
قَوْله: (إِلَّا أَن يتحملا) أَي الْمَمْلُوك وَالصَّبِيّ.
قَوْله: (والتمييز) إِنَّمَا عدل عَن قَول حَافظ الدّين والصغر، لَان التَّحَمُّل بالضبط وَهُوَ إِنَّمَا يحصل بالتمييز إِذْ لَا ضبط قبله.
قَالَ فَخر الاسلام: إِن الصَّبِي أَو حَاله كَالْمَجْنُونِ: يَعْنِي إِذا كَانَ عديم الْعقل والتمييز، وَأما إِذا عقل فَهُوَ وَالْمَعْتُوه الْعَاقِل سَوَاء فِي كل الاحكام.
أَفَادَهُ المُصَنّف.
قَوْله: (وأديا بعد الْحُرِّيَّة) أَي النافذة، فَلَو أعتق عَبده فِي مرض مَوته وَلَا مَال لَهُ غَيره ثمَّ شهد لَا تقبل عِنْد الامام لَان عتقه مَوْقُوف.
بَحر.
قَوْله: (كَمَا مر) فِي قَوْله: وعتيق لمعتقه.
قَوْله: (وَبعد الْبلُوغ) لَان الصَّبِي وَالرَّقِيق والمملوك أهل للتحمل، لَان التَّحَمُّل بِالشَّهَادَةِ وَالسَّمَاع وَيبقى إِلَى وَقت الاداء بالضبط وهما لَا ينافيان ذَلِك وهما أهل عِنْد الاداء، وَأطْلقهُ فَشَمَلَ مَا إِذا لم يؤدها إِلَّا بعد الاهلية، وأداها قبلهَا فَردَّتْ ثمَّ زَالَت الْعلَّة فأداها ثَانِيًا.
قَوْله: (وَكَذَا بعد إبصار) أَي بِشَرْطِ أَنْ يَتَحَمَّلَ وَهُوَ بَصِيرٌ أَيْضًا، بِأَنْ كَانَ بَصيرًا فَتحمل ثمَّ عمي ثمَّ أبْصر فَأدى فَافْهَم.
قَالَه سَيِّدي الْوَالِد.
وَعبارَة الشَّارِح توهم أَنه إِذا تحمل أعمى وَأدّى بَصيرًا أَنَّهَا تقبل، وَلَيْسَ كَذَلِك لما تقدم من أَن شَرط التَّحَمُّل الْبَصَر، فَتعين مَا قَالَه سَيِّدي الْوَالِد.
قَوْله: (والاسلام) قَالَ فِي الْبَحْر: وَأَشَارَ إِلَى أَن الْكَافِر إِذا تحملهَا على مُسلم ثمَّ أسلم فأداها(7/540)
تقبل كَمَا فِي فتح الْقَدِير.
قَوْله: (وتوبة فسق) أَي بِأَن تحمل فَاسِقًا فَأدى بعد تَوْبَة فَإِنَّهَا تقبل.
وَالصَّحِيح أَن تَقْدِير الْمدَّة فِي التَّوْبَة مفوض إِلَى رأى الْمعدل وَالْقَاضِي كَمَا قدمْنَاهُ، احْتَرز بتوبة الْفسق عَن تَوْبَة الْقَذْف كَمَا يَأْتِي قَرِيبا.
قَوْله: (وَطَلَاق زَوْجَة) يَعْنِي إِذا تحمل وَهُوَ زوج وَأدّى بعد زَوَال الوزجية حَقِيقَة وَحكما: أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ حُكِمَ بِرَدِّهَا لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْبَحْرِ) أَيْ عَنْ الْخُلَاصَة.
قَوْله: (برده) أَي الشَّاهِد.
قَوْله: (فَشهد بهَا) أَي بِتِلْكَ الْحَادِثَة، أما فِي غَيرهَا فَلَا مَانع.
قَوْله: (لم تقبل) أَي الشَّهَادَة.
قَوْله: (إِلَّا أَرْبَعَة الخ) فَعَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ وَالْأَجِيرِ والمغفل وَالْمُتَّهَم وَالْفَاسِق بعد ردهَا اه.
بَحر.
وَفِيه أَيْضًا قَبْلَ هَذَا الْبَابِ: اعْلَمْ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَرْدُودِ لِتُهْمَةٍ وَبَيْنَ الْمَرْدُودِ لِشُبْهَةٍ، فَالثَّانِي يُقْبَلُ عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي النَّوَازِلِ اه.
وَأطلق عدم الْقبُول فشمله وَلَو من قَاض آخر.
قَالَ الوبري: من رد الْحَاكِم شَهَادَته فِي حَادِثَة لَا يجوز لحَاكم آخر أَن يقبله فِي تِلْكَ الْحَادِثَة وَإِن اعتقده عدلا.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: أَمَّا مَا سِوَى الْأَعْمَى فَظَاهِرٌ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ لَيْسَتْ شَهَادَةً، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ.
ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: اسْتشْكل قبُول شَهَادَة الاعمى اه.
أَقُول: وَيُمكن أَن يُقَال بِأَن الْفرق ظَاهر بَينهمَا، وَهُوَ أَن الاعمى لَيْسَ أَهلا للشَّهَادَة مُطلقًا كَالْعَبْدِ وَالصَّبِيّ، وَأما الزَّوْج فَأهل لَهَا لَكِن عدم ققبولها لتهمته.
تَأمل.
وَيَأْتِي قَرِيبا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (عبد الخ) وَجه الْقبُول فِيهَا بعد الرَّد أَن الْمَرْدُود أَولا لَيْسَ بِشَهَادَة، بِخِلَاف الْفَاسِق إِذا ردَّتْ شَهَادَته، أحد الزَّوْجَيْنِ إِذا ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ شهد، لَا تقبل لَان لمردود أَولا شَهَادَة فَيكون فِي قبُولهَا بعض نقض قَضَاء قد أمضى بِالِاجْتِهَادِ.
وَقَوله: (وأعمى) يحمل على مَا إِذا تحمل بَصيرًا وَأدّى كَذَلِك وَقد تخَلّل الْعَمى بَينهمَا، وَعَلِيهِ يحمل قَوْله: وَكَذَا بعد إبصار السَّابِق كَمَا نَقَلْنَاهُ عَن سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: (وَإِدْخَال الْكَمَال) مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي صَدْرِ عِبَارَتِهِ بِخِلَافِهِ، وَمثله فِي التاترخانية
والجوهرة والبدائع.
قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: وَمن ردَّتْ شَهَادَته لعِلَّة ثمَّ زَالَت الْعلَّة لَا تقبل إِلَّا فِي خَمْسَة مَوَاضِع، إِلَى أَن قَالَ: الْخَامِسَة إِذا تحمل الْمَمْلُوك شَهَادَة لمَوْلَاهُ فَلم يؤد حَتَّى عتق ثمَّ شهد بهَا تقبل، وَكَذَا الزَّوْج إِذا أبان امْرَأَته ثمَّ شهد لَهَا جَازَ، فَظَاهر جعله من المستثنيات يُؤَيّد كَلَام الْكَمَال، وتصويره لَا يساعده لانه قَالَ لم يؤد حَتَّى عتق فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا ردَّتْ لذَلِك ثمَّ شهد بهَا.
وَقَالَ: إِذا أبان امْرَأَته ثمَّ شهد لَهَا وَلم يذكر أَنَّهَا ردَّتْ قبل الابانة كَمَا نذْكر تَصْوِيره قَرِيبا عَن الْجَوْهَرَة والبدائع إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَتَأمل.
قَوْلُهُ: (سَهْوٌ) لِأَنَّ الزَّوْجَ لَهُ شَهَادَةٌ وَقَدْ حكم بردهَا بِخِلَاف العَبْد وَنَحْوه.
تَأمل.
وَالْعجب أَنه ذكر أَولا أَنَّهَا لَا تقبل، كَمَا لَو ردَّتْ لفسق ثمَّ تَابَ ثمَّ قَالَ فَصَارَ الْحَاصِل الخ فَذكر أحد الزَّوْجَيْنِ مَعَ من يقبل، فَالظَّاهِر أَنه سبق قلم لمُخَالفَته صدر كَلَامه، وَلما صرح بِهِ فِي التَّتارْخَانِيَّة(7/541)
وَالْخُلَاصَة: لَا تقبل إِلَّا فِي أَرْبَعَة، وَلما فِي الْجَوْهَرَة: إِذا شهد الزَّوْج الْحر لزوجته فَردَّتْ ثمَّ أَبَانهَا وَتَزَوَّجت غَيره ثمَّ شهد لَهَا بتلكا الشَّهَادَة لم تقبل لجَوَاز أَن يكون توصل بِطَلَاقِهَا إِلَى تَصْحِيح شَهَادَته، وَكَذَا إِذا شهِدت لزَوجهَا ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ شهِدت لَهُ اه.
وَلما فِي الْبَدَائِع: لَو شهد الْفَاسِق فَردَّتْ أَو أحد الزَّوْجَيْنِ لصَاحبه فَردَّتْ ثمَّ شَهدا بعد التَّوْبَة والبينونة لَا تقبل.
وَلَو شهد العَبْد أَو الصَّبِي أَو الْكَافِر فَردَّتْ ثمَّ عتق وَبلغ وَأسلم وَشهد فِي تِلْكَ الْحَادِثَة بِعَينهَا تقبل.
وَوجه الْفرق أَن الْفَاسِق وَالزَّوْج لَهما شَهَادَة فِي الْجُمْلَة فَإِذا ردَّتْ لَا تقبل بعد، بِخِلَاف الصَّبِي وَالْعَبْد وَالْكَافِر إِذْ لَا شَهَادَة لَهُم أصلا اه.
كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
وفيهَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: لَو شهد الْمولى لعَبْدِهِ فِي النِّكَاح فَردَّتْ ثمَّ شهد لَهُ بذلك بعد الْعتْق لم يجز، لَان الْمَرْدُود كَانَ شَهَادَة.
ثمَّ قَالَ: وَالصَّبِيّ أَو الْمكَاتب إِذا شهد فَردَّتْ ثمَّ شَهِدَهَا بعد الْبلُوغ وَالْعِتْق جَازَ، لَان الْمَرْدُود لم يكن شَهَادَة بِدَلِيل أَن قَاضِيا لَو قضى بِهِ لَا يجوز.
فَإِذا عرفت يسهل عَلَيْك تَخْرِيج الْمسَائِل أَن الْمَرْدُود لَو كَانَ شَهَادَة لَا تجوز بعد ذَلِك أبدا، وَلَو لم يكن شَهَادَة تقبل عِنْد اجْتِمَاع الشَّرَائِط اه.
وَلَكِن يشكل عَلَيْهِ شَهَادَة الاعمى، إِذْ لَو قضى بهَا جَازَ فَهِيَ شَهَادَة وَقد حكم
بقبولها بِزَوَال الْعَمى.
قَوْله: (ومحدود فِي قذف) أَي بِسَبَبِهِ، وَقيد بِهِ لَان الرَّد فِي غَيره للفسق وَقد ارْتَفع بِالتَّوْبَةِ.
وَأما فِيهِ فلَان عدم قبُول شَهَادَتهم من تَمام الْحَد وَالْحَد لَا يَزُول بِالتَّوْبَةِ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن الشَّهَادَة لَا ترد بِالْقَذْفِ مُؤَبَّدًا بل بِالْحَدِّ.
قَوْله: (تَمام الْحَد) أَي لَا تسْقط شَهَادَته مَا لم يضْرب تَمام الْحَد، لَان الْحَد لَا يتَجَزَّأ فَمَا دونه لَا يكون حدا وَهُوَ صَرِيح الْمَبْسُوط، لَان الْمَحْدُود من ضرب الْحَد: أَي تَمامًا، لَان مَا دونه يكون تعزيرا غير مسْقط لَهَا وَهُوَ ظَاهر الرِّوَايَة.
قَوْله: (وَقيل بالاكثر) كَمَا هُوَ رِوَايَة، وَقد علمت أَن ظَاهر الرِّوَايَة تَمَامه، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيط لَان الْمُطلق يحمل على الْكَمَال.
وَفِي رِوَايَة: وَلَو بِسَوْط كَمَا فِي المنبع، وَلَا فرق فِي عدم إِتْمَامه بَين أَن يكون ضرب نَاقِصا أَو فر قبل إِتْمَامه، لانه لَيْسَ بِحَدّ حِينَئِذٍ.
قَوْله: (وَإِن تَابَ) إِن وصلية: أَي لَا تقبل شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف وَإِن تَابَ.
قَوْله: (بتكذيبه نَفسه) الْبَاء للسَّبَبِيَّة: أَي بِسَبَب تَكْذِيبه نَفسه لَان تَكْذِيبه نَاشِئ عَن كذبه وَكذبه ذَنْب يَقْتَضِي التَّوْبَة، فَلَيْسَ التَّكْذِيب تَوْبَة لصِحَّة الشَّهَادَة، وَيُمكن أَن تكون الْبَاء للتصوير، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فَرَاجعهَا وَتَأمل.
قَوْله: (لَان الرَّد) أَي رد شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف.
قَوْله: (من تَمام الْحَد بِالنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * (النُّور: 4) وَوجه الِاسْتِدْلَال أَن الله تَعَالَى نَص على الابد وَهُوَ مَا لَا نِهَايَة لَهُ، والتنصيص عَلَيْهِ يُنَافِي الْقبُول فِي وَقت مَا، وَأَن معنى قَوْله لَهُم للمحددين فِي الْقَذْف وبالتوبة لم يخرج عَن كَونه محدودا فِي قذف، ولانه يَعْنِي رد الشَّهَادَة من تَمام الْحَد لكَونه مَانِعا عَن الْقَذْف كالجلد وَالْحَد وَهُوَ الاصل فَيبقى بعد التَّوْبَة لعدم سُقُوطه بهَا، فَكَذَا تَتِمَّة اعْتِبَارا لَهُ بالاصل كَمَا فِي الْعِنَايَة.
وَفِي الْعَيْنِيّ على الْهِدَايَة: وَإِنَّمَا كَانَ رد الشَّهَادَة من تَمام الْحَد: أَي لكَون تَمام الْحَد مَانِعا: أَي عَن الْقَذْف لكَونه زاجرا لانه يؤلم قلبه كالجلد يؤلم بدنه، ولان الْمَقْصُود مِنْهُ رفع الْعَار عَن الْمَقْذُوف وَذَلِكَ فِي إهدار قَول الْقَاذِف أظهر، لانه بِالْقَذْفِ آذَى قلبه فَجَزَاؤُهُ أَن لَا تقبل شَهَادَته.
لانه فعل لِسَانه وفَاقا لجريمته فَيكون من تَمام الْحَد فَيبقى: أَي الرَّد بعد التَّوْبَة كَأَصْلِهِ: أَي كأصل الْحَد اعْتِبَارا بالاصل اه.(7/542)
قَوْله: (وَالِاسْتِثْنَاء منصرف لما يَلِيهِ) أَي قَوْله تَعَالَى: * (إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 5) رَاجع إِلَى قَوْله:
* (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) النُّور: 4) لقَوْله: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * بِخِلَاف آيَة الْمُحَاربين، فَإِن قَوْله تَعَالَى: * (إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 5) رَاجع إِلَى الْحَد لَا لقَوْله: * (وَلَهُم عَذَاب عَظِيم) * لانه لَو رَجَعَ إِلَيْهِ لما قيد الِاسْتِثْنَاء بقبل الْقُدْرَة، لَان التَّوْبَة نافعة مُطلقًا، ففائدة التَّقْيِيد بِهِ سُقُوط الْحَد بِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد: تقبل، لقَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم الافاسقون إِلَّا الَّذين تَابُوا) * (النُّور: 4 - 5) فَإِن الِاسْتِثْنَاء إِذا تعقب جملا بَعْضهَا مَعْطُوف على الْبَعْض ينْصَرف إِلَى الْكل كَقَوْل الْقَائِل: مرأته طَالِق وَعَبده حر وَعَلِيهِ حجَّة إِلَّا أَن يدْخل الدَّار، فَإِن الِاسْتِثْنَاء ينْصَرف إِلَى جَمِيع مَا تقدم، لَان هَذَا افتراء على عبد من عبيد الله تَعَالَى، والافتراء على الله تَعَالَى وَهُوَ الْكفْر لَا يُوجب رد الشَّهَادَة على التَّأْبِيد، بل إِذا أسلم يقبل فَهَذَا أولى.
وَلنَا أَن قَوْله تَعَالَى: * (وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا) * (النُّور: 4) مَعْطُوف على قَوْله * (فَاجْلِدُوهُمْ) * (النُّور: 4) والعطف للاشتراك فَيكون رد الشَّهَادَة من حد الْقَذْف وَالْحَد لَا يرْتَفع بِالتَّوْبَةِ.
وَلَا نسلم أَن الِاسْتِثْنَاء فِي الْآيَة تعقب جملا بَعْضهَا مَعْطُوف على بعض، بل تعقب جملَة مُنْقَطِعَة عَن جمل بَعْضهَا مَعْطُوف على بعض، لانه يعقب جملَة * (أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) * (النُّور: 4) وَهِي جملَة مستأنفة لَان مَا قبلهَا أَمر وَنهي فَلم يحسن عطفها عَلَيْهِ، بِخِلَاف الْمِثَال فَإِن الْجمل كلهَا فِيهِ إنشائية معطوفة فَيتَوَقَّف كلهَا على آخرهَا، حَتَّى إِذا وجد الْغَيْر فِي الاخير تغير الْكل، وَالْقِيَاس على الْكفْر مُمْتَنع لفقط شَرطه، وَهُوَ أَن لَا يكون فِي الْفَرْع نَص يُمكن الْعَمَل بِهِ، وَهَا هُنَا نَص وَهُوَ التَّأْبِيد.
شمني.
وَفِي الْعِنَايَة: وَلَا يُمكن صرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجَمِيع لانه منصرف إِلَى مَا يَلِيهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: * (وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ) * (النُّور: 4) وَهُوَ لَيْسَ بمعطوف على مَا قبله، لَان مَا قبله طلبي وَهُوَ إخباري.
فَإِن قلت: فَجعله بِمَعْنى الطّلب ليَصِح كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: * (وبالوالدين إحسانا) * (الاسراء: 23) قلت: يأباه ضمير الْفَصْل، فَإِنَّهُ يُفِيد حصر أحد المسندين فِي الآخر وَهُوَ يُؤَكد الاخبارية.
سلمناه لَكِن يلْزم جعل الْكَلِمَات المتعددة كالكلمة الْوَاحِدَة وَهُوَ خلاف الاصل.
سلمناه لكنه كَانَ إِذا ذَاك جَزَاء فَلَا يرْتَفع بِالتَّوْبَةِ كأصل الْحَد وَهُوَ تنَاقض ظَاهر.
سلمناه لكنه كَانَ أبدا مجَازًا عَن مُدَّة غير متطاولة وَلَيْسَ بمعهود.
سلمناه لَكِن جعله لَيْسَ بِأولى من جعل الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا بل جعله مُنْقَطِعًا أولى دفعا
للمحذورات، وَتَمام الصُّور على هَذَا الْبَحْث يَقْتَضِي مطالعة تقريرنا فِي تقريرنا فِي الاستدلالات الْفَاسِدَة اه.
قَوْله: (إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرًا فِي الْقَذْفِ فَيُسْلِمَ فَتُقْبَلُ) لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمام الْحَد، وبالاسلام حدثت شَهَادَة أُخْرَى فَتقبل على الْمُسلمين والذميين.
قَوْله: (بعد الاسلام) قَالَ فِي الْبَحْر: وضع هَذِه الْمَسْأَلَة يدل على أَن الاسلام لَا يسْقط حد الْقَذْف، وَهل يسْقط شَيْئا من الْحُدُود؟ قَالَ الشَّيْخ عمر قَارِئ الْهِدَايَة: إِذا سرق الذِّمِّيّ أَو زنى ثمَّ أسلم، فَإِن ثَبت عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنهُ الْحَد، وَإِن ثَبت بِشَهَادَة أهل الذِّمَّة فَأسلم سقط عَنهُ الْحَد اه.
وَيَنْبَغِي أَن يُقَال كَذَلِك فِي حد الْقَذْف.
وَفِي الْيَتِيمَةِ مِنْ كِتَابِ السِّيَرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ، وَلم أر حكم(7/543)
الصَّبِيِّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ فَبَلَغَ.
وَنقل الْفَخر الرَّازِيّ عَن الشَّافِعِي سُقُوطَهُ لِزَجْرِهِ بِالْبُلُوغِ، وَمُقْتَضَى مَا فِي الْيَتِيمَةِ أَنه لَا يسْقط إِلَّا أَن يُوجد نقل صَرِيح اه.
قَوْلُهُ: (عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَظَاهر كَلَام المُصَنّف أَنه أسلم بعد مَا ضرب تَمام الْحَد، فَلَو أسلم بعد مَا ضرب بعضه فَضرب الْبَاقِي بعد إِسْلَامه فَفِيهِ ثَلَاث رِوَايَات: فِي ظَاهر الرِّوَايَة لَا تبطل شَهَادَته على التَّأْبِيد، فَإِذا تَابَ قبلت.
وَفِي رِوَايَة: تبطل إِن ضرب الاكثر بعد إِسْلَامه.
وَفِي رِوَايَة: تبطل وَلَو بِسَوْط.
بَحر عَن السراج: أَي لانه لم يُوجد فِي حَقه مَا ترد بِهِ شَهَادَته الَّتِي تقبل مِنْهُ فِي كفره وَلَا الَّتِي تقبل مِنْهُ فِي إِسْلَامه.
لانه فِي حَال كفره لم يقم عَلَيْهِ تَمام الْحَد وَلَا ترد الشَّهَادَة إِلَّا بذلك.
وَفِي الاسلام لم يقم عَلَيْهِ تَمام أَيْضا فَلم تسْقط شَهَادَته.
قَوْله: (بِخِلَاف عبد حد فَعتق لَمْ تُقْبَلْ) لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَال رقّه فتوقف الرَّد عَلَى حُدُوثِهَا، فَإِذَا حَدَثَتْ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بعد الْعتْق من تَمام الْحَد.
وَالْفرق بَينه وَبَين الْكَافِر هُوَ أَن الْكَافِر فِي حَال كفره لَهُ شَهَادَة، فَإِذا حد للقذف سَقَطت تِلْكَ الشَّهَادَة فَإِذا أسلم فقد اسْتَفَادَ بالاسلام بعد الْحَد شَهَادَة فَلم يخلفها رد، بِخِلَاف العَبْد إِذا حد ثمَّ أعتق حَيْثُ لَا تقبل شَهَادَته لانه لم يكن لَهُ شَهَادَة على أحد وَقت الْجلد فَلم يتم الرَّد إِلَّا بعد الاعتاق.
قَوْله: (على زِنَاهُ) أَي الْمَقْذُوف:
قَوْله: (أَو اثْنَيْنِ) أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ.
منح.
قَوْله: (كَمَا لَو برهن قبل
الْحَد بَحر) وَنَصه: لانه لَو أَقَامَ أَرْبَعَة بعد مَا حد على أَنه زنى قبلت شَهَادَته بعد التَّوْبَة فِي الصَّحِيح، لانه لَو أَقَامَهَا قبل لم يحد فَكَذَا لَا ترد شَهَادَته، وَإِنَّمَا قيد بقوله على أَنه زنى، لانه لَو أَقَامَ بَيِّنَة على إِقْرَار الْمَقْذُوف بِالزِّنَا لَا يشْتَرط أَن يَكُونُوا أَرْبَعَة، لما فِي فتح الْقَدِير من بَاب حد الْقَذْف: فَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إِقْرَار الْمَقْذُوف بِالزِّنَا يدْرَأ الْحَد عَن الْقَاذِف، لَان الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بالمعاينة الخ، فَكَذَا إِذا أَقَامَ رجلَيْنِ بعد حَده على إِقْرَاره بِالزِّنَا تعود شَهَادَته كَمَا لَا يخفى.
ثمَّ اعْلَم أَن الضَّمِير فِي قَوْله لَهُم عندنَا عَائِد إِلَى المحدودين.
وَعند الشَّافِعِي إِلَى القاذفين العاجزين عَن الاثبات كَمَا ذكره الْفَخر الرَّازِيّ، فَلَو لم يحد تقبل شَهَادَته عندنَا خلافًا لَهُ، وَلَو قذف رجلا ثمَّ شهد مَعَ ثَلَاثَة على أَنه زنى: فَإِن كَانَ حد لم يحد الْمَشْهُود عَلَيْهِ، وَإِن لم يحد الْقَاذِف حد الْمَشْهُود عَلَيْهِ.
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّة اه.
قَوْله: (الْفَاسِق إِذا تَابَ تقبل شَهَادَته) قدمنَا أَن الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ يُظْهِرُ أَثَرَ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ، وَأَن بَعضهم قدر ذك بِسِتَّة أشهر وَبَعْضهمْ قدر بِسنة، وَأَن الصَّحِيح أَنه مفوض إِلَى رَأْي القَاضِي والمعدل، فَرَاجعه.
قَوْله: (وَالْمَعْرُوف بِالْكَذِبِ) أَي الْمَشْهُور بِهِ، فَلَا تقبل شَهَادَته فَإِنَّهُ لَا يعرف صدقه متوبته، بِخِلَاف الْفَاسِق إِذا تَابَ عَن سَائِر أَنْوَاع الْفسق فَإِن شَهَادَته تقبل.
بَحر عَن الْبَدَائِع.
قَوْله: (وَشَاهد الزُّور الخ) قَالَ ط: صَنِيعه يَقْتَضِي أَنه ذكر ذَلِك فِي الْبَحْر، وَقد اقْتصر فِيهِ على الاولين، فَلَو قَالَ وَفِي الْمُلْتَقط وسَاق الْعبارَة لَكَانَ أولى اه.
أَقُول: نعم ذكره فِي الْبَحْر فِي هَذَا الْبَاب عِنْد قَول الْكَنْز: وَمن ألم بصغيرة إِن اجْتنب الْكَبَائِر، وَقدمنَا عِبَارَته فِي هَذَا الْبَاب عِنْد قَوْله: وَمَتى ارْتكب كَبِيرَة سَقَطت عَدَالَته.
قَوْله: (لَو عدلا لَا تقبل(7/544)
أبدا) لانه لَا تعرف تَوْبَته وَلَا تعتمد عَدَالَته: أَي من غير ضرب مُدَّة كَمَا فِي الْبَحْر عَن الْخُلَاصَةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالْأَقْلَفُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تعرف تَوْبَته، وَقيد بِالْعَدْلِ لَان غير الْعدْل إِذا شهد بزور ثمَّ تَابَ تقبل شَهَادَته كَمَا قدمْنَاهُ.
قَوْله: (لَكِن سيجئ تَرْجِيح قبُولهَا) أَي قبيل بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة.
قَالَ فِي الْخَانِية: تقبل وَعَلَيْهِ
الِاعْتِمَادُ، وَجُعِلَ الْأَوَّلُ رِوَايَةً عَنْ الثَّانِي.
وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ تُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَاد، وَكَلَام الشَّارِح فِيمَا يَأْتِي: أَي قبيل بَاب الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ أَبِي يُوسُف أَيْضا.
تَأمل.
قَوْله: (ومسجون) وَلَو تعدد، وَلذَا عبر فِي الدُّرَر: يشْهد بَعضهم على بعض، وَالتَّعْلِيل يفِيدهُ.
قَالَ فِي الْمنح: يَعْنِي إِذا حدث بَين أهل السجْن حَادِثَة فِي السجْن وَأَرَادَ بَعضهم أَن يشْهد فِي تِلْكَ الْحَادِثَة لم تقبل لكَوْنهم متهمين.
كَذَا فِي الْجَامِع الْكَبِير وَمثله فِي الْبَزَّازِيَّة اه.
قَوْله: (وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة الصّبيان) ظَاهر عبارَة المُصَنّف: وَعبارَة الصُّغْرَى يُفِيد أَنَّهَا لَا تقبل شَهَادَة الْبَالِغ الَّذِي حضر الملاعب لفسقه بالحضور.
قَوْله: (لمنع الشَّرْع عَمَّا يسْتَحق بِهِ السجْن) لَان الْعدْل لَا يحضر السجْن.
والبالغ لَا يحضر ملاعب الصّبيان وَالرِّجَال لَا تحضر حمام النِّسَاء، وَالشَّرْع شرع لذَلِك طَرِيقا آخر وَهُوَ الِامْتِنَاع عَن حُضُور الملاعب وَعَما يسْتَحق بِهِ الدُّخُول فِي السجْن، وَمنع النِّسَاء عَن الحمامات، فَإِذا لم يمتثلوا كَانَ التَّقْصِير مُضَافا إِلَيْهِم لَا إِلَى الشَّرْع اه.
وَقد تقدم الْكَلَام على أَنه قد يسجن الشَّخْص من غير جرم، وَالْمَنْع إِنَّمَا يظْهر فِي حق المسجون، وَالنِّسَاء فِي الْحمام لَا فِي الصّبيان لعدم تكليفهم.
ذكر فِي إِجَارَة المنبع معزيا إِلَى الْمَبْسُوط أَن عِنْد أَكثر الْعلمَاء والمجتهدين لَا بَأْس باتخاذ الْحمام للرِّجَال وَالنِّسَاء للْحَاجة إِلَيْهَا خُصُوصا فِي الديار الْبَارِدَة، وَمَا رُوِيَ من مَنعهنَّ مَحْمُول على دخولهن مكشوفات الْعَوْرَة.
وَقَالَ الْمَقْدِسِي: وَهُوَ الصَّحِيح.
قَوْله: (وصغرى وشرنبلالية) مَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة نَقله عَن الصُّغْرَى، فالاولى شرنبلالية عَن الصُّغْرَى.
قَالَ فِي جَامع الْفَتَاوَى: وَقيل فِي كل ذَلِك يقبل، والاصح الاول كَمَا فِي الْقنية اه.
قَوْله: (تقبل شَهَادَة النِّسَاء وَحْدَهُنَّ) قَدَّمَ فِي الْوَقْفِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْضِي قَضَاءَ قَاضٍ آخَرَ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ فِي شجاج الْحمام.
سائحاني.
وَحمله سَيِّدي الْوَالِد على الْقصاص بالشجاج.
قَوْله: (فِي الْقَتْل) فَلَا تقبل فِي نَحْو الاموال والشجاج.
قَوْله: (بِحكم الدِّيَة) الاوضح فِي حكم الدِّيَة وَهُوَ مُتَعَلق بتقبل فِي نَحْو الاموال والشجاج.
قَوْله: (بِحكم الدِّيَة) الاوضح فِي حكم الدِّيَة وَهُوَ مُتَعَلق بتقبل: أَي لَا فِي ثُبُوت الْقصاص، فَإِنَّهُ لَا يثبت بِالنسَاء، وَظَاهر ذَلِك أَنه يحكم بِالدِّيَةِ مَعَ شَهَادَتهنَّ بالعمد ط.
قَوْله: (الْمعلم) وَلَو لغير قُرْآن.
قَوْله: (وَالزَّوْجَة لزَوجهَا وَهُوَ لَهَا) أَي وَلَو كَانَت الزَّوْجَة أمة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا تجوز شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده، وَلَا الْوَلَد لوالده، وَلَا الْمَرْأَة لزَوجهَا، وَلَا الزَّوْج لامْرَأَته، وَلَا العَبْد لسَيِّده، وَلَا السَّيِّد لعَبْدِهِ، وَلَا(7/545)
الشَّرِيك لشَرِيكه، وَلَا الاجير لمن اسْتَأْجرهُ كَمَا فِي الْفَتْح مَرْفُوعا من رِوَايَة الْخصاف وَمن قَول شُرَيْح وَسَاقه بِسَنَدِهِ، ولان الْمَنَافِع بَين هَؤُلَاءِ مُتَّصِلَة، وَلِهَذَا لَا يجوز أَدَاء بَعضهم الزَّكَاة إِلَى بعض فَتكون شَهَادَته لنَفسِهِ من وَجه فَلَا تقبل.
قيل مَا فَائِدَة قَول لسَيِّده: فَإِن العَبْد لَا شَهَادَة لَهُ فِي حق أحد؟ وَأجِيب بِأَن ذكره على سَبِيل الاستطراد، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما عد مَوَاضِع التُّهْمَة ذكر العَبْد مَعَ السَّيِّد، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَو قبلت شَهَادَة العَبْد فِي مَوضِع من الْمَوَاضِع على سَبِيل الْفَرْض لم تقبل فِي حق سَيّده.
قَوْله: (وَجَاز عَلَيْهَا) أَي وَعَلِيهِ.
قَوْله: (إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي الاشباه) وَفِي الْبَحْر أَيْضا: الاولى: قَذفهَا الزَّوْج ثمَّ شهد عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَة لم تقبل، لانه يدْفع اللّعان عَن نَفسه.
الثَّانِيَة: شهد الزَّوْج وَآخر بِأَنَّهَا أقرَّت بِالرّقِّ لفُلَان وَهُوَ يَدعِي ذَلِك لم تقبل.
وَلَو قَالَ الْمُدَّعِي أَنا أَذِنت لَهَا فِي نِكَاحه إِلَّا إِذا كَانَ دفع لَهَا الْمهْر بِإِذن الْمولى.
كَذَا فِي النَّوَازِل.
بَحر.
وَكَأن وَجهه أَن إقدامه على نِكَاحهَا وتسليمها الْمهْر منَاف لشهادته إِذا لم يعْتَرف الْمُدَّعِي بِإِذْنِهِ بِالنِّكَاحِ وبقبض الْمهْر.
قَالَ فِي الْبَحْر: ثمَّ علم أَن من لَا تقبل شَهَادَته لَهُ لَا يجوز قَضَاؤُهُ، فَلَا يقْضِي لاصله وَإِن علا، وَلَا لفرعه، وَإِن سفل، وَلَو وَكيل من ذكرنَا كَمَا فِي قَضَائِهِ لنَفسِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة.
وَمِنْهَا أَيْضا: اخْتصم رجلَانِ عِنْد القَاضِي ووكل أَحدهمَا ابْن القَاضِي أَو من لَا تجوز شَهَادَته لَهُ فَقضى القَاضِي لهَذَا الْوَكِيل لَا يجوز، وَإِن قضى عَلَيْهِ يجوز.
وَفِي الخزانة: وَكَذَا لَو كَانَ وَلَده وَصِيّا فضى لَهُ وَلَو كَانَ القَاضِي وَصِيّ الْيَتِيم لم يجز قَضَاؤُهُ فِي أَمر الْيَتِيم، وَلَو كَانَ القَاضِي وَكيلا لم يجز قَضَاؤُهُ لمُوكلِه.
وَتَمَامه فِيهَا اه.
قَوْله: (وَلَو شهد لَهَا ثمَّ تزَوجهَا) أَي قبل الْقَضَاء، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَار أَجِيرا قبل أَن يقْضِي بهَا.
تاترخانية.
قَالَ ط: وَانْظُر مَا لَو طَلقهَا وَانْقَضَت عدتهَا، وَالْمَسْأَلَة بِحَالِهَا هَل يقْضى بهَا؟ وَالْمُنَاسِب للمؤلف زِيَادَة مَسْأَلَة أُخْرَى يزِيد التَّفْرِيع بهَا وضوحا، وَهِي أَنه لَو شهد لامْرَأَته وَهُوَ عدل وَلم يرد الْحَاكِم شَهَادَته حَتَّى طلقه بَائِنا وَانْقَضَت عدتهَا فَإِنَّهُ تنفذ شَهَادَته كَمَا فِي الْخَانِية اه.
قَوْله: (فَعلم منع الزَّوْجِيَّة) وَلَو الْحكمِيَّة كَمَا فِي الْمُعْتَدَّة، لَكِن الَّذِي يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ مَنْعُ الزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ الْقَضَاءِ، وَأَمَّا مَنْعُهَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ فَلَا يعلم مِمَّا ذكر فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمِيمَةِ مَا
ذَكَرَهُ.
فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ تَحَمَّلَهَا حَالَ نِكَاحِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا وَشَهِدَ لَهَا: أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عدتهَا تقبل، وَمَا قدمْنَاهُ فِي المقولة السَّابِقَة قبل هَذِه عَن ط وَهِي: لَو شهد لامْرَأَته وَهُوَ عدل الخ.
قَوْله: (لَا تحمل) أَي لَا تمنع الزَّوْجِيَّة عَن التَّحَمُّل، فَلَو تحمل أَحدهمَا حَال الزَّوْجِيَّة وَأدّى بعد انْقِضَاء الْعدة يجوز.
قَوْله: (أَو أَدَاء) كَمَا فِي الْمَسْأَلَة المنقولة عَن الْخَانِية.
قَالَ الرحمتي: وَهُوَ مَعْطُوف على الْقَضَاء: أَي يمْنَع الزَّوْجِيَّة عَن الْقَضَاء أَو الاداء لَا عِنْد التَّحَمُّل، فَلَو تحملت فِي النِّكَاح أَو الْعدة وَأَدت بعْدهَا جَازَ كتحمل الزَّوْج، وَلَا يَصح الْقَضَاء بِشَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ وَلَا أداؤهما للشَّهَادَة فِي حَال قيام الزَّوْجِيَّة أَو الْعدة، وَهَذَا هُوَ المتفرع على عبارَة الْخَانِية حَيْثُ قَالَ: ثمَّ تزَوجهَا بطلت: أَي لَا يقْضى بهَا بعد أَدَائِهَا قبل الزَّوْجِيَّة، كَمَا لَا يَصح الاداء حَال قيام الزَّوْجِيَّة اه.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ نَفاذ(7/546)
شَهَادَة الْعدْل لزوجته حَال الزَّوْجِيَّة إِذا أَبَانهَا وَانْقَضَت عدتهَا قبل رد الْحَاكِم شَهَادَته، وَهُوَ الْمُوَافق لظَاهِر عبارَة الشَّارِح، لَان الظَّاهِر عطف قَوْله أَو أَدَاء على قَوْله لَا تحمل من غير تكلّف لما قَالَه الرحمتي كَمَا سَمِعت، فَتكون الزَّوْجِيَّة غير مَانِعَة عِنْد التَّحَمُّل وَعند الاداء، إِلَّا أَن يشْهد لما قَالَه الرحمتي نقل.
فَتَأمل.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ من انْتِفَاء التُّهْمَة وَقت الْقَضَاء، وَأما فِي بَاب الرُّجُوع إِلَى الْهِبَةِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَقْتَ الْهِبَةِ لَا وَقْتَ الرُّجُوعِ، فَلَوْ وُهِبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ، بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ: الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الاقرار، فَلَو أقرّ لاجنبيه ثمَّ نَكَحَهَا وَمَات وَهِي زَوجته صَحَّ.
وَفِي بَاب الْوَصِيَّة: الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّة اه.
قَوْله: (وَالْفرع لاصله) وَلَو كَانَ فرعا من وَجه كَوَلَد الْمُلَاعنَة لَا تقبل شَهَادَته لاصوله أَو هوله أَو لفروعه لثُبُوت نسبه من وَجه بِدَلِيل صِحَة دَعوته مِنْهُ وَعدمهَا من غَيره.
وَتحرم مناكحته وَوضع الزَّكَاة فِيهِ، وَلَا إِرْث وَلَا نَفَقَة من الطَّرفَيْنِ كَوَلَد العاهر، وَلَو بَاعَ أحد التوأمين وَقد ولدا فِي ملكه وَأعْتقهُ المُشْتَرِي فَشهد لبَائِعه تقبل، فَإِن ادّعى الْبَاقِي ثَبت نسبهما وانتقض البيع وَالْعِتْق وَالْقَضَاء، وَيرد
مَا قبض أَو مثله إِن هلك للاستناد لتحويل العقد، وَإِن كَانَ الْقَضَاء قصاصا فِي طرف أَو نفس فأرشه عَلَيْهِ دون الْعَاقِلَة.
وَتَمَامه فِي تَلْخِيص الْجَامِع من بَاب شَهَادَة ولد الْمُلَاعنَة.
وَلَا تقبل شَهَادَة ولد أم الْوَالِد الْمَنْفِيّ من السَّيِّد وَلَا يُعْطِيهِ الزَّكَاة كَوَلَد الْحرَّة الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ.
كَذَا فِي الْمُحِيط البرهاني.
وَفِي فتح الْقَدِير: تجوز شَهَادَته لِابْنِهِ رضَاعًا.
وَفِي خزانَة الاكمل: شهد ابناه أَن الطَّالِب أَبْرَأ أباهما واحتال بِدِينِهِ على فلَان لم تجز إِذا كَانَ الطَّالِب مُنْكرا، وَإِن كَانَ المَال على غير أَبِيهِمَا فشهدا أَن الطَّالِب أحَال بِهِ أباهما والطالب يُنكر وَالْمَطْلُوب يَدعِي الْبَرَاءَة وَالْحوالَة جَازَت انْتهى.
وَفِي الْمُحِيط البرهاني: إِذا شَهدا على فعل أَبِيهِمَا فعلا ملزما لَا تقبل إِذا كَانَ للاب مَنْفَعَة اتِّفَاقًا، وَإِلَّا فعلى قَوْلهمَا لَا تقبل.
وَعَن مُحَمَّد رِوَايَتَانِ، فَلَو قَالَ إِن كلمك فلَان فَأَنت حر فَادّعى فلَان أَنه كَلمه وَشهد ابناه بِهِ (1) لم تقبل عِنْدهمَا، وَكَذَا إِن علق عتقه بِدُخُولِهِ الدَّار، وَلَو أنكر الاب جَازَت شَهَادَتهمَا، وَكَذَا الحكم فِي كل شئ كَانَ من فعل الاب من نِكَاح أَو طَلَاق أَو بيع.
وَإِن شهد ابْنا الْوَكِيل على عقد الْوَكِيل فَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه: الاول: أَن يقر الْمُوكل وَالْوَكِيل بالامر وَالْعقد.
وَهُوَ على وَجْهَيْن، فَإِن ادَّعَاهُ الْخصم قضى القَاضِي بالتصادق لَا بِالشَّهَادَةِ، وَإِن أنكر فعلى قَوْلهمَا لَا تقبل وَلَا يقْضِي بشئ، إِلَّا فِي الْخلْع فَإِنَّهُ يقْضِي بِالطَّلَاق بِغَيْر مَال لاقرار الزَّوْج بِهِ وَهُوَ الْمُوكل.
وَعند مُحَمَّد: يقْضِي بِالْعقدِ إِلَّا بِعقد ترجع حُقُوقه إِلَى الْعَاقِد كَالْبيع.
الثَّانِي: أَن يُنكر الْوَكِيل وَالْمُوكل، فَإِن جحد الْخصم لَا تقبل، وَإِلَّا تقبل اتِّفَاقًا.
الثَّالِث: أَن يقر الْوَكِيل بهما ويجحد الْمُوكل العقد فَقَط، فَإِن ادَّعَاهُ الْخصم يقْضِي بِالْعُقُودِ كلهَا،
__________
(1)
قَوْله: (فاادعى فلَان أَنه كَلمه وَشهد لبناه بِهِ) أَي ابْنا فلَان وكذت الضضمير فِي قَوْله بِدُخُولِهِ لفُلَان اه.
مِنْهُ.(7/547)
إِلَّا النِّكَاح على قَول أبي حنيفَة.
وتمامها فِيهِ.
قَوْله: (وَإِن علا) كجده وجد جده إِلَى مَا لَا نِهَايَة، سَوَاء كَانَ جده لابيه أَو لامه.
قَوْله: (إِلَّا إِذا شهد الْجد الخ) مَحَلُّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَبِالْعَكْسِ إذْ الْجد
أصل لَا فرع، وَأَنت خَبِير بِأَن هَذِه لَيست من جزئيات شَهَادَة الْفَرْع لاصله بل الامر بِالْعَكْسِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحل لَهُ بعد قَوْله وَبِالْعَكْسِ.
وَقِيَاسه هُنَا أَن يُقَال: إِلَّا إِذا شهد ابْن الابْن على أَبِيه لجده، وَهَذَا تبع فِيهِ صَاحب الاشباه ابْن الشّحْنَة كَمَا نَقله مِنْهُ فِي الْمنح، وَيظْهر لَك بَيَانه قَرِيبا.
ثمَّ إِن صَاحب الْمُحِيط جعل ذَلِك فِي صُورَة مَخْصُوصَة، وَهِي مَا إِذا ولدت امْرَأَة ولدا فادعت أَنه من زَوجهَا هَذَا وَجحد الزَّوْج ذَلِك فَشهد أَبوهُ وَابْنه على إِقْرَار الزَّوْج أَنه وَلَده من هَذِه الْمَرْأَة تقبل شَهَادَتهمَا، لانها شَهَادَة على الاب اه.
وَمثله فِي الْخَانِية.
أَقُول: وتتمة عبارتها: وَلَو شهد أَبُو الْمَرْأَة وجدهَا على إِقْرَار الزَّوْج بذلك لَا تقبل شَهَادَتهمَا لانهما يَشْهَدَانِ لولدهما، وَلَو ادّعى الزَّوْج ذَلِك وَالْمَرْأَة تجحد فَشهد عَلَيْهَا أَبوهَا أَنَّهَا ولدت وأقرت بذلك اخْتلفت فِيهِ الرِّوَايَة.
قَالَ فِي الاصل: لَا تقبل شَهَادَتهمَا فِي رِوَايَة هِشَام، وَتقبل فِي رِوَايَة أبي سُلَيْمَان.
وَإِذا شهد الرجل لِابْنِ ابْنه على ابْنه جَازَت شَهَادَته انْتَهَت.
ونقلها فِي التاترخانية بحروفها.
وَوجه الاولى أَنَّهَا شَهَادَة على الابْن للْمَرْأَة صَرِيحًا بجحوده وادعائها، وَفِي الثَّانِيَة بِالْعَكْسِ، وَالْقَبُول فِي الاولى يَقْتَضِي الْقبُول فِي الثَّانِيَة وترجيح رِوَايَة أبي سُلَيْمَان، إِذْ لَا فرق يظْهر، وَلم يصر الْوَلَد المجحود ابْن ابْن إِلَّا بعد الشَّهَادَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وعَلى هَذَا فَلَا فرق بَين الاموال وَالنّسب فِي الْقبُول.
وَفِي الْمنح عَن شرح الْعَلامَة عبد الْبر نقلا عَن الْخَانِية: الْقبُول مُطلقًا من غير تَقْيِيد بِحَق.
قَالَ المُصَنّف: وَلَعَلَّ وَجه الْقبُول أَن إقدامه على الشَّهَادَة على وَلَده وَهُوَ أعز عَلَيْهِ من ابْنه دَلِيل على صدقه فتنفي التُّهْمَة الَّتِي ردَّتْ لاجلها الشَّهَادَة، وَهَذَا خلاف مَا مَشى عَلَيْهِ صَاحب الْبَحْر من أَنه مُقَيّد بِشَهَادَة الاب على إِقْرَار ابْنه ببنوة وَلَده فِي الاموال وَنَقله قبله أَنَّهَا لَا تقبل، وَحمله على أَنَّهَا فِي غير مَسْأَلَة الْمُحِيط الْمَذْكُورَة، وَتعقب المُصَنّف كَلَامه بِكَلَام ابْن الشّحْنَة.
وَنَصّ قاضيخان فِيمَن لَا تقبل شَهَادَته للتُّهمَةِ أَو إِذا شهد الرجل لِابْنِ ابْنه على ابْنه جَازَت شَهَادَته كَمَا ذكرنَا اه.
قَالَ الشلبي فِي فَتَاوِيهِ: سُئِلت عَمَّا لَو شهِدت الام لبنتها على بنت لَهَا أُخْرَى هَل تقبل شَهَادَتهمَا؟
فأجبت بِمَا حَاصله: إِن شَهَادَة الام على إِحْدَى البنتين وَإِن كَانَت مَقْبُولَة لَكِن لما تَضَمَّنت الشَّهَادَة للاخرى ردَّتْ فَلَا تقبل شَهَادَتهمَا للتُّهمَةِ، وَالله الْمُوفق.
وَيشْهد لما أجبْت بِهِ قَول الزَّيْلَعِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي كتاب النِّكَاح: وَلَو تزَوجهَا بِشَهَادَة ابنيهما ثمَّ تجاحدا لَا تقبل مُطلقًا لانهما يَشْهَدَانِ لغير الْمُنكر مِنْهُمَا اه.
ثمَّ أجَاب عَن سُؤال الآخر بِمَا نَصه: شَهَادَة الاب على وَلَده لابنته غير صَحِيحَة، وَالله تَعَالَى أعلم اه.
أَقُول: وَيظْهر على اعْتِمَاد عدم الْقبُول أَيْضا لانه مَنْطُوق الْمُتُون، فَتَأمل.
قَوْله: (قَالَ) أَي صَاحب الاشباه.
قَوْله: (إِلَّا إِذا شهد على أَبِيه لامه) فِي مَال لَا طَلَاق ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي تنوير الاذهان(7/548)
والضمائر معزيا فِيهِ لفتاوى شمس الائمة الاوزجندي من أَن الام وَإِن ادَّعَت الطَّلَاق تقبل شَهَادَتهمَا وَهُوَ الاصح، لَان دَعْوَاهَا لَغْو، فَإِن الشَّهَادَة تقبل حسبَة من غير دَعْوَاهَا فَصَارَ وجود دَعْوَاهَا وَعدمهَا سَوَاء ط.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ بِطَلَاقِ ضَرَّتِهَا) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِأُمِّهِ.
قَوْله: (والام فِي نِكَاحه) الْوَاو للْحَال.
وَوَجهه الشريف الْحَمَوِيّ بِأَن فِيهِ جر نفع للام.
وَأخذ السَّيِّد أَبُو السُّعُود من كَلَام الاوزجندي السَّابِق أَن الْقبُول هُنَا أولى، لَان الام لم تدع وَالشَّهَادَة فِي الطَّلَاق مَقْبُولَة حسبَة.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَذكر فِي الْقَضَاء من الْفَصْل الرَّابِع: رجل شهد عَلَيْهِ بنوه أَنه طلق أمّهم ثَلَاثًا وَهُوَ يجْحَد: فَإِن كَانَت الام تَدعِي فالشهادة بَاطِلَة، وَإِن كَانَت تجحد فالشهادة جَائِزَة، لانها إِذا كَانَت تَدعِي فهم يشْهدُونَ لامهم لانهم يصدقون الام فِيمَا تَدعِي ويعيدون الْبضْع إِلَى ملكهَا بعد مَا خرج عَن ملكهَا.
وَأما إِذا كَانَت تجحد فَيَشْهَدُونَ على أمّهم لانهم يكذبونها فِيمَا تجحد ويبطلون عَلَيْهَا مَا اسْتحقَّت من الْحُقُوق على زَوجهَا من الْقسم وَالنَّفقَة وَمَا يحصل لَهَا من مَنْفَعَة عود بضعهَا إِلَى ملكهَا فَتلك مَنْفَعَة مجحودة يشوبها مضرَّة فَلَا تمنع قبُول الشَّهَادَة اه.
وَهَذِه من مسَائِل الْجَامِع الْكَبِير.
وَأورد عَلَيْهِ أَن الشَّهَادَة بِالطَّلَاق شَهَادَة بِحَق الله تَعَالَى، فوجود دَعْوَى الام وَعدمهَا سَوَاء لعدم اشْتِرَاطهَا.
وَأجِيب بِأَن مَعَ كَونه حَقًا لله تَعَالَى فَهُوَ حَقّهَا أَيْضا، فَلم تشْتَرط الدَّعْوَى للاول واعتبرت إِذا وجدت مَانِعَة من الْقبُول للثَّانِي عملا بهما.
وَفِي الْمُحِيط البرهاني معزيا إِلَى فَتَاوَى شمس الاسلام الاوزجندي: أَن الام إِذا ادَّعَت الطَّلَاق تقبل شهادنهما، قَالَ: وَهُوَ الاصح لَان دَعْوَاهَا لَغْو.
قَالَ مَوْلَانَا: وَعِنْدِي أَن مَا ذكره فِي الْجَامِع أصح اه.
وَيتَفَرَّع على هَذَا مسَائِل ذكرهَا ابْن وهبان فِي شَرحه.
الاولى: شَهدا أَن امْرَأَة أَبِيهِمَا ارْتَدَّت وَهِي تنكر: فَإِن كَانَت أمهما حَيَّة لم تقبل ادَّعَت أَو أنْكرت لانتفاعها، وَإِلَّا فَإِن ادّعى الاب لم يقبل، وَإِلَّا قبلت.
الثَّانِيَة: طلق امْرَأَته قبل الدُّخُول ثمَّ تزَوجهَا فَشهد ابناه أَنه طَلقهَا فِي الْمدَّة الاولى ثَلَاثًا ثمَّ تزَوجهَا بِلَا مُحَلل: فَإِن كَانَ الاب يَدعِي لَا تقبل، وَإِلَّا تقبل.
الثَّالِثَة: شهد ابناه على الاب أَنه خلع امْرَأَته على صَدَاقهَا: فَإِن كَانَ الاب يَدعِي لم تقبل، دخل بهَا أَولا، وَإِلَّا تقبل ادّعى أَو لَا.
الرَّابِعَة: شهد ابْنا الْجَارِيَة الحران أَن مَوْلَاهَا أعْتقهَا على ألف دِرْهَم: فَإِن كَانَت تَدعِي لم تقبل، وَإِلَّا فَتقبل.
وَإِن شهد ابْنا الْمولى وَهُوَ يَدعِي لم تقبل وعتقت لاقراره بِغَيْر شئ وَإِلَّا تقبل.
بِخِلَاف مَا إِذا شَهدا على عتق أَبِيهِمَا بِأَلف فَإِنَّهَا لَا تقبل مُطلقًا لَان دَعْوَاهُ شَرط عِنْده.
وَلَو شهد ابْنا الْمولى: فَإِن ادّعى الْمولى لم تقبل، وَإِن جحد وَادّعى الْغُلَام تقبل وَيقْضى بِالْعِتْقِ وبوجوب المَال، وَإِن أنكر لم تقبل.
الْخَامِسَة: جَارِيَة فِي يَد رجل ادَّعَت أَنه بَاعهَا من فلَان وَأَن فلَانا الَّذِي اشْتَرَاهَا أعْتقهَا وَالْمُشْتَرِي يجْحَد فَشهد ابْنا ذِي الْيَد با ادَّعَت الْجَارِيَة: فَإِن ادّعى الاب لم تقبل، وَإِلَّا تقبل اه.
وَهَذِه كلهَا مسَائِل الْجَامِع الْكَبِير ذكرهَا الصَّدْر الشَّهِيد سُلَيْمَان فِي بَاب من الشَّهَادَات.
وَزَاد: قَالَت: بعتني مِنْهُ وأعتقني وَشهد ابْنا البَائِع: إِن داعى لَا تقبل وعتقت بِإِقْرَارِهِ، وَإِن كذبه قبلت وَثَبت الشِّرَاء وَالْعِتْق لانه(7/549)
خصم، كالشفيع فِي يَده جَارِيَة قَالَ بعتها من فلَان بِأَلف وَقَبضهَا وباعها مني بِمِائَة دِينَار وَشهد ابْنا الباع يقْضى بالبيعين وبالثمنين.
وَعند مُحَمَّد: يشْتَرط تَصْدِيقه وَلَا يحبس بِهِ، وَإِن ادّعى الاب لَا تقبل وَيسلم لَهُ إِقْرَاره إِلَى آخر مَا فِيهِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّة: وَفِي الْمُنْتَقى: شَهدا على أَن أباهما القَاضِي قضى لفُلَان على فلَان بِكَذَا لَا تقبل، والمأخوذ أَن الاب لَو كَانَ قَاضِيا يَوْم شهد الابْن على حكمه تقبل، وَلَو شهد الابنان على شَهَادَة أَبِيهِمَا تجوز بِلَا خلاف وَكَذَا على كِتَابه اه.
ثمَّ قَالَ: قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة وَلَده وحافده يجوز.
وَفِي الْخَانِية: وَلَو ولدت ولدا وَادعت أَنه من زَوجهَا وَجحد الزَّوْج ذَلِك فَشهد على الزَّوْج أَبوهُ وَابْنه أَنه أقرّ أَن هَذَا وَلَده من هَذِه الْمَرْأَة.
قَالَ فِي الاصل: جَازَت شَهَادَتهمَا، وَلَو ادّعى الزَّوْج ذَلِك وَالْمَرْأَة تجحد فَشهد عَلَيْهَا أَبوهَا أَنَّهَا ولدت وَأَنَّهَا أقرَّت بذلك اخْتلف فِيهِ الرِّوَايَة اه، وَتقدم نقل مَسْأَلَة الْخَانِية فَلَا تنسه.
قَوْله: (لَا تقبل شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ) قَالَ مؤيد زَاده: شَهَادَة الانسان فِيمَا بَاشرهُ مَرْدُودَة بالاجماع، سَوَاء كَانَ لنَفسِهِ أَو لغيره وَهُوَ خصم فِي ذَلِك أَولا، فَلَا تجوز شَهَادَة الْوَكِيل بِالنِّكَاحِ اه.
قَوْله: (إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاتِلِ إذَا شَهِدَ بِعَفْوِ ولي الْمَقْتُول) أل فِي الْقَاتِل للْجِنْس الصَّادِق بالتعدد.
وَصورتهَا كَمَا فِي الْحلَبِي عَن الاشباه: ثَلَاثَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ التَّوْبَة أَو الْوَلِيَّ قَدْ عَفَا عَنَّا.
قَالَ الْحَسَنُ: لَا تقبل إلَّا أَنْ يَقُولَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ، فَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ.
وَقَالَ الْحسن: تقبل فِي حق الْكل اه.
قَالَ البيري: الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي تَلْخِيص الْكُبْرَى وخزانة الاكمل وَعَن الْحسن فِي ثَلَاثَة قتلوا رجلا عمدا ثمَّ تَابُوا وأقروا وشهدوا أَنه عَفا عَنَّا لَا يجوز.
وَإِن قَالَ اثْنَان عَفا عَنَّا وَعَن هَذَا، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ.
وَقَالَ الْحسن: يجوز فِي الْوَجْهَيْنِ.
وَفِي تَلْخِيص الْكُبْرَى: وَالْفَتْوَى على قَول أبي يُوسُف اه.
ثمَّ على قَول أبي يُوسُف: لَا شَهَادَة لانسان لنَفسِهِ بل شَهَادَتهمَا للثَّالِث، وَلَا تُهْمَة فِيهَا لعدم الِاشْتِرَاك لوُجُوب الْقَتْل على كل وَاحِد مِنْهُمَا كملا فَلم تجز مَنْفَعَة اه.
وَأما على قَول الْحسن بِالْقبُولِ فقد قبلت شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ بِالنّظرِ لَهما.
وَقَوله: وَقَالَ الْحسن يجوز فِي الْوَجْهَيْنِ فِيهِ نظر، فَإِنَّهُ ذكر عَن الْحسن فِيمَا إِذا قَالَ الثَّلَاثَة عَفا عَنَّا لَا يجوز، فَإِن عبارتي الاشباه والبيري متفقتان على عد الْقبُول فِيمَا إِذا قَالَ عَفا عَنَّا فَقَط عِنْد الْحسن.
وَالظَّاهِر أَن أَبَا يُوسُف مَعَه إِذْ لم يذكر خِلَافه إِلَّا فِي الثَّانِيَة، فَإِن أُرِيد بِالْوَجْهَيْنِ الثَّالِث والشاهدان وَافق عجز عبارَة الاشباه السَّابِقَة، وَلَا وَجه لقَوْل البيري: وَالَّذِي رَأَيْنَاهُ الخ فَإِنَّهُ يُفِيد الْمُخَالفَة بَين العبارتين ط.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: إِن كَانَ المُرَاد بقول الْحسن تقبل إِذا قَالَ اثْنَان مِنْهُ عَفا عَنَّا وَعَن هَذَا الْوَاحِد تقبل إِن الْقَاتِل اثْنَان فَقَط كَمَا هُوَ الْمُتَبَادر من ظَاهر الْعبارَة، فَالظَّاهِر أَن الْقبُول فِي حق سُقُوط الْقود عَن الْكل، وَعَلِيهِ فَتجب الدِّيَة على الشَّاهِدين فَقَط، وَإِن كَانَ المُرَاد أَن كل اثْنَيْنِ قَالَ ذَلِك أَو كل وَاحِد قَالَ ذَلِك فَتسقط الدِّيَة عَن الْكل، وَانْظُر مَا وَجه قَول أبي يُوسُف هَذَا وَقد جعل الْمَسْأَلَة فِي الاشباه مُسْتَثْنَاة من قَاعِدَة: لَا تقبل شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ، فَقَالَ محشيها الْحَمَوِيّ تبعا للرملي: لَا يَصح اسْتثِْنَاء هَذِه الْمَسْأَلَة من الضَّابِط الْمَذْكُور، لانه لَيْسَ فِيهَا شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ، وَلَا على قَول الْحسن، بل إِنَّمَا قبلت على قَوْله فِي الْوَجْه الْمَذْكُور لانها شَهَادَة الِاثْنَيْنِ كل مِنْهُم على عَفْو الْوَلِيّ عَن الثَّالِث.
وَأما شَهَادَة كل لنَفسِهِ فَلَا قَائِل بهَا.(7/550)
وَالْوَجْه فِي ذَلِك أَن شَهَادَة الِاثْنَيْنِ للْآخر لَا تُهْمَة فِيهَا لعدم الِاشْتِرَاك لوُجُوب الْقَتْل على كل وَاحِد مِنْهُم كملا فَلم تجر مَنْفَعَة فَهِيَ كَشَهَادَة غريمين لغريمين، فَتَأمل.
وَفِي حاشيتها للكفيري: قَالَ أَبُو حنيفَة: تقبل فِي حق الْوَاحِد وَيسْقط الْقصاص عَن الِاثْنَيْنِ ويلزمهما بَقِيَّة الدِّيَة، وَذَلِكَ لَان الشَّهَادَة لَيست لانفسهما.
وَقَالَ الْحسن: تقبل فِي حق الْكل، وَذَلِكَ لما فِيهِ من اعْتِبَار أَن كل اثْنَيْنِ تكون شَهَادَتهمَا لغَيْرِهِمَا، وَإِذا فرض ذَلِك فَتحصل الشَّهَادَة فِي الْمَعْنى لكل من الِاثْنَيْنِ للْآخر فَتقبل شَهَادَة الْكل اه.
نَقله بعض الْفُضَلَاء.
وعَلى هَذَا التَّقْرِير يَصح الِاسْتِثْنَاء لَان فِيهِ قبُول شَهَادَة الانسان لنَفسِهِ، فَتَأمل اه.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَنَظِيره أَي نَظِير مَسْأَلَة الْقَاتِل مَا فِي الْخَانِية أَيْضا: لَو قَالَ إِن دخل دَاري أحد فَعَبْدي حر فَشهد ثَلَاثَة أَنهم دخلوها، قَالَ أَبُو يُوسُف: إِن قَالُوا دخلناها جَمِيعًا لَا تقبل، وَإِن قَالُوا دَخَلنَا وَدخل هَذَا تقبل.
وَسَأَلَ الْحسن بن أبي يُوسُف عَنْهَا فَقَالَ: إِن شهد ثَلَاثَة بِأَنا دخلناها جَمِيعًا تقبل، وَإِن شهد اثْنَان لَا تقبل، فَقَالَ لَهُ الْحسن أصبت وخالفت أَبَاك اه.
قَوْله: (وَسيد لعَبْدِهِ) أَي وَأمته وَأم وَلَده وَتقبل عَلَيْهِم.
قُهُسْتَانِيّ
قَوْله: (ومكاتبه) لانه شَهَادَة لنَفسِهِ من كل وَجه إِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَمن وَجه إِن كَانَ عَلَيْهِ دين لَان الْحَال مَوْقُوف مراعى.
وَفِي منية الْمُفْتِي: شهد العَبْد لمَوْلَاهُ فَردَّتْ ثمَّ شهد بهَا عبد الْعتْق تقبل، وَلَو شهد الْمولى لعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَردَّتْ ثمَّ شهد لَهُ بعد الْعتْق لم يجز لَان الْمَرْدُود كَانَ شَهَادَة، وَكَذَا الصَّبِي أَو الْمكَاتب إِذا شهد فَردَّتْ ثمَّ شهد بهَا بعد الْبلُوغ وَالْعِتْق جَازَت لَان الْمَرْدُود لم يكن شَهَادَة اه.
بَحر.
وَقدمنَا الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوفى فِي هَذَا الْبَاب فَرَاجعه.
قَوْله: (وَالشَّرِيك لشَرِيكه) سَوَاء كَانَت شركَة أَمْلَاك أَو شركَة عقد عنانا أَو مُفَاوَضَة أَو وُجُوهًا أَو صنائع، وخصصه فِي النِّهَايَة بِشريك الْعَنَان.
قَالَ: وَأما شَهَادَة أحد المفاوضين لصَاحبه فَلَا تقبل إِلَّا فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَالنِّكَاح لَان مَا عَداهَا مُشْتَرك بَينهمَا، وَتَبعهُ فِي الْعِنَايَة والبناية، وَزَاد فِي فتح الْقَدِير على الثَّلَاثَة: الطَّلَاق وَالْعتاق وَطَعَام أَهله وكسوتهم.
وَتعقبه الشَّارِح بِأَنَّهُ سَهْو فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي الشّركَة إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَلَا يدْخل فِيهِ الْعقار وَلَا الْعرُوض، وَلِهَذَا قَالُوا: لَو وهب لاحدهما مَال غير الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير لَا تبطل الشّركَة، لَان الْمُسَاوَاة فِيهِ لَيْسَ بِشَرْط اه.
وَكَذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي السعدية: فِيهِ بحث لانه إِذا كَانَ مَا عداهما مُشْتَركا يدْخل فِي عُمُوم قَوْله مَا لَيْسَ من شركتهما، فَيشْمَل كَلَام المُصَنّف شركَة الْمُفَاوضَة أَيْضا، فَلَا وَجه للاخراج فَتَأمل، إِلَّا أَن يخص بالاملاك بِقَرِينَة السِّيَاق.
ثمَّ إِن قَوْله لَان مَا عداهما مُشْتَرك بَينهمَا غير صَحِيح فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي الشّركَة إِلَّا الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير الخ، وَمَا ذكره فِي النِّهَايَة هُوَ صَرِيح كَلَام مُحَمَّد فِي الاصل كَمَا ذكره فِي الْمُحِيط البرهاني.
ثمَّ قَالَ: وَشَهَادَة أحد شَرِيكي الْعَنَان فِيمَا لم يكن من تجارتهما مَقْبُولَة لَا فِيمَا كَانَ مِنْهَا، وَلم يذكر هَذَا التَّفْصِيل فِي الْمُفَاوضَة لَان الْعَنَان قد تكون خَاصّا وَقد تكون عَاما، فَأَما الْمُفَاوضَة فَلَا تكون إِلَّا فِي جَمِيع الاموال، وَقد عرف ذَلِك فِي كتاب الشّركَة.
وعَلى قِيَاس مَا ذكره شيخ الاسلام فِي كتاب الشّركَة أَن الْمُفَاوضَة تكون خَاصَّة يجب أَن تكون الْمُفَاوضَة على التَّفْصِيل الَّذِي ذكرنَا فِي الْعَنَان اه.
مطلب: شهد الشريكان أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل كَذَا فَهِيَ على ثَلَاثَة أوجه وَشَمل كَلَام الْمُؤلف مَا إِذا شهد أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم وَهِي على ثَلَاثَة أوجه: الاول: أَن ينصا على الشّركَة بِأَن شَهدا أَن لفُلَان وَلَهُمَا على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم مُشْتَرك بَينهم فَلَا تقبل.(7/551)
الثَّانِي: أَن ينصا على قطع الشّركَة بِأَن قَالَا نشْهد أَن لفُلَان على هَذَا خَمْسمِائَة بِسَبَب على حِدة وَلنَا عَلَيْهِ ضَمَانه بِسَبَب على حِدة فَتقبل شَهَادَتهمَا فِي حق فلَان.
الثَّالِث: أَن يطلقا فَلَا تقبل لاحْتِمَال الِاشْتِرَاك.
مطلب شهد الشريكان أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل كَذَا فَهِيَ على ثَلَاثَة أوجه وَشَمل كَلَام الْمُؤلف مَا إِذا شهد أَن لَهما وَلفُلَان على هَذَا الرجل ألف دِرْهَم وهى على ثَلَاثَة أوجه: الاول: أَن ينصا على الشّركَة بِأَن شَهدا أَن لفُلَان واهما على الرجل ألف دِرْهَم مُشْتَرك بَينهم فَلَا تقبل.
الثَّانِي: أَن ينصا على قطع الشّركَة بِأَن قَالَا نشْهد أَن لفُلَان على هَذَا خَمْسمِائَة بِسَبَب على حِدة وَلنَا عَلَيْهِ ضَمَانه بِسَبَب على حِدة فَتقبل شَهَادَتهمَا فِي حق فلَان.
الثَّالِث: أَن يطلفا فَلَا تقبل لاحْتِمَال الِاشْتِرَاك.
مطلب: شَهدا أَن الدَّائِن أبرأهما وَفُلَانًا عَن الالف وَلَو كَانَ لوَاحِد على ثَلَاثَة دين فَشهد اثْنَان مِنْهُم أَن الدَّائِن أبرأهما وَفُلَانًا عَن الالف الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمَا فَإِن كَانُوا كفلاء لم تقبل، وَإِلَّا فَإِن شهدُوا بالابراء بِكَلِمَة وَاحِدَة فَكَذَلِك وَإِلَّا تقبل.
كَذَا فِي الْمُحِيط البرهاني.
بَحر بِزِيَادَة.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: وَكَذَلِكَ: أَي لَا تقبل شَهَادَة أجِير أحد الشَّرِيكَيْنِ للشَّرِيك الآخر كَمَا فِي الْمَبْسُوط اه.
قَوْله: (فِيمَا هُوَ من شركتهما) أَي فِيمَا لَيْسَ من شركتهما تقبل لانْتِفَاء التُّهْمَة.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَهنا مسَائِل متفرعة على عدم شَهَادَة الشَّرِيك لشَرِيكه: الاولى: شَهدا أَن زيدا أوصى بِثلث مَاله لقبيلة بني فلَان وهما من تِلْكَ الْقَبِيلَة صحت وَلَا شئ لَهما مِنْهَا.
الثَّانِيَة: لَو أوصى لفقراء جِيرَانه وهما مِنْهُم فَالْحكم كَذَلِك.
الثَّالِثَة: لَو أوصى لفقراء بَيته أَو لاهل بَيته وهما مِنْهُم لم تصح، وَلَو كَانَا غَنِيَّيْنِ صحت.
وَالْفرق بَين الاولين وَالثَّالِثَة أَنه يجوز فيهمَا تَخْصِيص الْبَعْض مِنْهُم بِخِلَافِهِ فِي الثَّالِثَة.
الرَّابِعَة: لَو أوصى لفقراء جِيرَانه فَشهد من لَهُ أَوْلَاد محتاجون مِنْهُم لم تقبل مُطلقًا فِي حق الاولاد
وَغَيرهم.
وَالْفرق بَينهمَا وَبَين أولادهما أَن الْمُخَاطب لم يدْخل تَحت عُمُوم خطابه فَلم يتناولهما الْكَلَام، بِخِلَاف الاولاد فَإِنَّهُم داخلون تَحت الشَّهَادَة، وَإِنَّمَا أدخلنا الْمُتَكَلّم فِي مَسْأَلَة لفقراء أهل بَيته بِاعْتِبَار أَنهم يُحصونَ، بِخِلَاف فُقَرَاء جِيرَانه وَبني تَمِيم.
وَذكر قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ من الْوَقْف: لَو شَهدا أَنَّهَا صَدَقَة مَوْقُوفَة على فُقَرَاء جِيرَانه وهما مِنْهُم جَازَت وَلَو على فُقَرَاء قرَابَته لَا.
قَالَ الناطفي فِي الْفرق: إِن الْقَرَابَة لَا تَزُول والجوار يَزُول فَلم تكن شَهَادَة لنَفسِهِ لَا محَالة اه.
وَأهل بَيت الانسان لَا يَزُول عَنْهُم لانهم أَقَاربه الَّذين فِي عِيَاله فَلهَذَا لم تقبل فِيهَا، وَلَكِن يشكل بِمَسْأَلَة الْقَبِيلَة فَإِن الِاسْم عَنْهُم لَا يَزُول مَعَ قبُولهَا وَلَكِن لَا يدخلَانِ.
وَيُمكن الْفرق بَين الْوَصِيَّة وَالْوَقْف بِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن الشّحْنَة اه.
وعَلى هَذَا شَهَادَة أهل الْمدرسَة بوقفها جَائِزَة كَمَا يَأْتِي قَرِيبا فِي كَلَام الشَّرْح.
قَوْله: (لانها لنَفسِهِ من وَجه) وَهُوَ الْبَعْض الَّذِي هُوَ حِصَّة وَذَلِكَ بَاطِل، وَإِذا بَطل فِي الْبَعْض بَطل فِي الْكل لكَونهَا غير متجزئة إِذْ هِيَ شَهَادَة وَاحِدَة.
عناية.
قَوْله: (برق) فَإِذا طعن الْمُدعى عَلَيْهِ فِي الشُّهُود أَنهم عبيد فعلى الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على حريتهم.
بَحر عِنْد قَوْله: إِلَّا أَن يتحملا فِي الرّقّ والصغر، لكل نقل بعده عَن الْخُلَاصَة فِي الْكَلَام على الْجرْح الْمُجَرّد أَنه(7/552)
يُقَال للشاهدين أقيما الْبَيِّنَة على الْحُرِّيَّة وَهُوَ صَرِيح مَا قدمه فِي شرح قَوْله والمملوك، وَمَا هُنَا صَرِيح فِي أَن ذَلِك على الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْله فعلى الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة على حريتهم، فَتَأمل.
قَوْله: (وحد) فَلَو قَالَ هم محدودون فِي قذف فعلى الطاعن إِقَامَة الْبَيِّنَة.
حموي.
وَله الطعْن وَلَو بعد الحكم وَلَو عدلهم الْخصم قبلهَا فَلهُ الطعْن وَلَو عدلهم بعد الشَّهَادَة لَا يقبل طعنه ط.
قَوْله: (وَشركَة) أَي إِذا ادّعى الْخصم أَن الشَّاهِد شريك الْمُدَّعِي وَأقَام بَيِّنَة تقبل شَهَادَة بَينته وَلَا يُكَلف الْمُدَّعِي إِقَامَة بَيِّنَة على أَنه لَيْسَ شَرِيكا لَهُ على الظَّاهِر لانها بَيِّنَة نفي ط.
قَوْله: (بِزِيَادَة الْخراج) أَي الَّذِي لم يكن معينا لَا تقبل لانه يدْفع عَن نَفسه بهَا مغرما.
قَوْله: (مَا لَمْ يَكُنْ خَرَاجُ كُلِّ أَرْضٍ مُعَيَّنًا) فَإِن الشَّاهِد بِشَهَادَتِهِ لَا يجر لنَفسِهِ مغنما وَلَا يدْفع بهَا مغرما، وَكَذَا يُقَال فِيمَا بعد.
قَوْلُهُ: (أَوْ لَا خَرَاجَ لِلشَّاهِدِ) أَيْ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْخُلَاصَة.
قَوْله: (شهدُوا على ضَيْعَة) أَي يعود نَفعهَا لجميعهم أما إِذا كَانَت لجَماعَة مُعينين فَلَا مَانع من الْقبُول
فِيمَا يظْهر ط.
وَعبارَة الْبَزَّازِيَّة على قِطْعَة لَكِن فِي الْفَتْح كَمَا هُنَا على ضَيْعَة وَفِي الْقَامُوس: الضَّيْعَة: الْعقار والارض المغلة.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: أهل الْقرْيَة أَو أهل السِّكَّة الْغَيْر النافذة شهدُوا على قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من قريتهم أَو سكنهم لَا تقبل، وَإِن كَانَت نَافِذَة: إِن ادّعى لنَفسِهِ حَقًا لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ قَالَ لَا آخُذُ شَيْئًا تقبل.
كَذَا فِي الْوَجِيز للْكَرْدَرِيّ.
قَوْله: (يشْهدُونَ بشئ من مَصَالِحه) بِأَن شهدُوا على قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من سكتهم كَمَا قدمْنَاهُ عَن الْهِنْدِيَّة.
قَوْله: (وَفِي النافذة الخ) صورته: ادّعى أهل السِّكَّة قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من السِّكَّة وَشهد بَعضهم: إِن كَانَ الشَّاهِد لَا غَرَض لَهُ إِلَّا إِثْبَات نفع عَام لَا جر مغنم لَهُ تقبل، وَإِن أَرَادَ أَن يفتح بَابا فِيهَا لَا تقبل ط.
قَوْلُهُ: (لَا تُقْبَلُ) وَقِيلَ تُقْبَلُ مُطْلَقًا فِي النافذة.
فتح.
قَوْله: (وَإِن قَالَ لَا آخذ شَيْئا تقبل) فِي قاضيخان: دَار بِيعَتْ وَلها شُفْعَة وَأنكر البَائِع البيع فَشهد بذلك بعض الشفعاء: إِن كَانَ لَا يطْلب الشُّفْعَة وَقَالَ أبطلت شفعتي جَازَت شَهَادَته، وَإِلَّا لَا لَان حق الشُّفْعَة مِمَّا يحْتَمل الابطال.
أما فِي الْمَسْأَلَة الْآتِيَة فِي الْوَقْف على الْمدرسَة مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحقّا للْوَقْف استحقاقا لَا يبطل بإبطاله، فَإِنَّهُ لَو قَالَ أبطلت حَقي كَانَ لَهُ أَن يطْلب وَيَأْخُذ بعد ذَلِك، فَكَانَ شَاهدا لنَفسِهِ فَيجب أَن لَا تقبل شَهَادَته.
وَعَن بعض الْمَشَايِخ: إِذا شهد اثْنَان من أهل سكَّة على وقف تِلْكَ السِّكَّة: إِن كَانَ الشَّاهِد يطْلب لنَفسِهِ حَقًا لَا تقبل شَهَادَته، وَإِن كَانَ لَا يطْلب تقبل وَنظر فِيهِ اه مُلَخصا.
وَيُؤَيِّدهُ مَا نذكرهُ من الْكَلَام عَلَيْهَا فِي المقولة الْآتِيَة فاحفظه.
قَوْله: (وَكَذَا) أَي تقبل فِي وقف الْمَدْرَسَةِ: أَيْ فِي وَقْفِيَّةِ وَقْفٍ عَلَى مَدْرَسَةٍ كَذَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ مَكْتَبٍ وَلِلشَّاهِدِ صَبِيٌّ فِي الْمَكْتَبِ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي وَقْفٍ عَلَيْهَا، وَشَهَادَتُهُمْ بِوَقْفِ الْمَسْجِدِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَكَذَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إذَا شَهِدُوا بِوَقْفٍ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ فَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ فِي الْكُلِّ، بَزَّازِيَّة.
وَقيد بِالشَّهَادَةِ بوقف الْمدرسَة، لَان شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَة وَنَحْوهَا لَا تقبل لَان لَهُ حَقًا فِي الْمَشْهُود بِهِ فَكَانَ مُتَّهمًا.
بَحر.
قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي وَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ أَوْ مُسْتَحِقٍّ فِيهِ اه.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي شَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ، أَمَّا شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَةٍ
وَنَحْوِهَا لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِيهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا.(7/553)
وَقَدْ كَتَبْتُ فِي حَوَاشِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ مِثْلَهُ شَهَادَةُ شُهُودِ الْأَوْقَافِ الْمُقَرَّرِينَ فِي وَظَائِفِ الشَّهَادَة بِمَا يرجع إِلَى الْغلَّة لما ذكرنَا، وَتَقْرِيره فيهمَا لَا يُوجِبُ قَبُولَهَا.
وَفَائِدَتُهَا إسْقَاطُ التُّهْمَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَلَا يَحْلِفُ، وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ، كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاك فَالْقَوْل لَهُ مَعَ الْيَمين، فَإِن برهن فَلَا يَمِين.
بَحر مُلَخصا، فَرَاجعه.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَيعلم من قَوْله وَمن هَذَا النمط الخ جَوَاز شَهَادَة النَّاظر فِي وقف تَحت نظره، لَان الْقَضَاء وَالشَّهَادَة من بَاب وَاحِد كَمَا تقدم.
وَقد أفتى بِهِ شيخ الاسلام الشَّيْخ مُحَمَّد الْغَزِّي فِي وَاقعَة الْحَال بقوله الظَّاهِر قبُولهَا، كَمَا شَهِدَ بِوَقْفِ مَدْرَسَةٍ وَهُوَ صَاحِبُ وَظِيفَةٍ بِهَا.
وَالله تَعَالَى أعلم، فَتَأمل اه.
وَيرد على مَا مر من الْفرق فِي الْبَزَّازِيَّة من قَوْله: أهل الْقرْيَة إِذا شهدُوا على قِطْعَة أَرض أَنَّهَا من أَرَاضِي قريتهم لَا تقبل.
وَأجَاب عَنهُ التُّمُرْتَاشِيّ بِحمْلِهِ على قَرْيَة مَمْلُوكَة كَمَا فِي التَّنْقِيح.
قَوْلُهُ: (انْتَهَى) أَيْ مَا فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْفَتْحِ آخِرَ الْبَابِ.
قَوْلُهُ: (والاجير الْخَاص) وَذَلِكَ لَان مَنَافِعه مُسْتَحقَّة للْمُسْتَأْجر وَلِهَذَا لَا يجوز لَهُ أَن يُؤجر نَفسه من آخر فِي تِلْكَ الْمدَّة، فَلَو جَازَت شَهَادَته للْمُسْتَأْجر كَانَت شَهَادَة بالاجر لَان شَهَادَته من جملَة مَنَافِعه، فَلَا تقبل شَهَادَته فِي تِجَارَة أستاذه وَلَا فِي شئ آخر اه.
شلبي.
وَقيد بالخاص لَان شَهَادَة الْمُشْتَرك كالخياط تقبل لانه لَا يسْتَوْجب أجرا إِلَّا بِعِلْمِهِ، فَإِذا لم يسْتَوْجب بإجارته شَيْئا انْتَفَت التُّهْمَة عَن شَهَادَة اه.
وَتقبل شَهَادَة من اسْتَأْجرهُ يَوْمًا فِي ذَلِك الْيَوْم اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة، وَلَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَعِير لمعيره بالمستعار، وَلَو رهن دَارا فَشهد لَهُ من اسْتَأْجرهُ للْبِنَاء يقبل، وَإِن شهد لَهُ من اسْتَأْجرهُ لهدمها لَا.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: رجل ادّعى دَارا فِي يَد رجل فَشهد لَهُ شَاهِدَانِ بهَا وَأَن الْمُدَّعِي استأجرهما على بنائها وَغير ذَلِك مِمَّا لَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان فِي ذَلِك جَازَت شَهَادَتهمَا، وَإِن قَالَا استأجرنا على هدمها فهدمناها لَا تقبل شَهَادَتهمَا بِالْملكِ للْمُدَّعِي ويضمنان قيمَة الْبناء للْمُدَّعى عَلَيْهِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قاضيخان.
وَشَهَادَة الاستاذ للتلميذ مَقْبُولَة، وَكَذَا الْمُسْتَأْجر للاجير.
فتح.
وَلَا تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْجر
للآجر بالمستأجر.
بَحر.
لَو اسْتَأْجر دَارا شهرا فسكن الشَّهْر كُله ثمَّ جَاءَ مُدع آخر فَشهد بهَا الْمُسْتَأْجر وَرجل آخر مَعَه فَالْقَاضِي يسْأَل الْمُدَّعِي عَن الاجارة أَكَانَت بأَمْره أَو بِغَيْر أمره؟ فَإِن قَالَ كَانَت بأَمْري لم تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْجر لانه مُسْتَأْجر شهد بالمستأجر للآجر، وَإِن قَالَ كَانَت بِغَيْر أَمْرِي تقبل شَهَادَته لانه لَيْسَ بمستأجر فِي حَقه، وَلَو لم يسكن الشَّهْر كُله لم تجز شَهَادَته وَإِن لم يدع الْمُدَّعِي أَن الاجارة كَانَت بأَمْره.
وَلَو شهد المستأجران أَن الْمُدَّعِي للَّذي آجرهما لاثبات الاجارة أَو لانسان آخر على الْمُؤَجّر لفسخ الاجارة، قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى: جَازَت شَهَادَتهمَا سَوَاء كَانَت الاجرة رخيصة أَو غَالِيَة.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: لَا تجوز شَهَادَتهمَا فِي فَسخهَا لانهما يدفعان عَن أَنفسهمَا الاجرة، وَإِن كَانَا ساكنين فِي الدَّار بِغَيْر أجر جَازَت شَهَادَتهمَا.
هندية عَن الْمُحِيط.
وفيهَا إِذا شهد الاجير لاستاذه وَهُوَ أجِير شهر فَلم ترد شَهَادَته وَلم يعدل حَتَّى مضى الشَّهْر ثمَّ(7/554)
عدل لم تقبل شَهَادَته، فَمن شهد لامْرَأَته ثمَّ طَلقهَا قبل التَّعْدِيل لَا تقبل شَهَادَته، وَإِن شَهِدَ وَلَمْ يَكُنْ أَجِيرًا ثُمَّ صَارَ أَجِيرًا قبل الْقَضَاء بطلت شَهَادَته وَلَو أَن القَاضِي لم يرد شَهَادَته وَهُوَ غير أجِير ثمَّ صَار أَجِيرا ثمَّ مَضَت مُدَّة الاجارة لَا يقْضى بِتِلْكَ الشَّهَادَة وَإِن لم يكن أَجِيرا عِنْد الْقَضَاء وَلَا عِنْد الشَّهَادَة، فَلَو أَن القَاضِي لم يبطل شَهَادَته وَلم يقبل فَأَعَادَ الشَّهَادَة بعد انْقِضَاء مُدَّة الاجارة جَازَت شَهَادَته اه.
وَلَا تجوز شَهَادَة الكيال بِخِلَاف الذِّرَاع، وَشَهَادَة الدَّائِن لمديونه تقبل وَإِن كَانَ مُفلسًا كَمَا فِي الْهِدَايَة.
وَفِي الْمُحِيط: لَا تقبل بدين لَهُ بعد مَوته.
بَحر.
قَالَ الْعَلامَة التُّمُرْتَاشِيّ فِي فَتَاوِيهِ: تقبل شَهَادَة رب الدّين لمديونه حَال حَيَاته إِذا لم يكن مُفلسًا قولا وَاحِدًا.
وَاخْتلف فِيمَا إِذا شهد لَهُ فِي حَال كَونه مُفلسًا: فَفِي الْمُحِيط: لَا تقبل.
وشمس الائمة الْحلْوانِي وَالِد صَاحب الْمُحِيط قَالَ: تقبل.
وَأما إِذا شهد لَهُ بعد الْمَوْت فَلَا تقبل قولا وَاحِدًا لتَعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ كالموصى لَهُ.
كَذَا فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة اه.
قَوْله: (أَو مشاهرة) أَو مياومة هُوَ الصَّحِيح، جَامع الْفَتَاوَى.
وَمثله فِي الْخُلَاصَة، وَيلْحق بِهِ الْمزَارِع فَإِنَّهُ لَا يلْزم أَن تكون مسانهة أَو مشاهرة، فقد يزارعه على إنهاء
هَذَا الزَّرْع لكنه فِي حكمه فَلَا تصح شَهَادَته لرب الْبذر كَمَا تقدم.
قَوْله: (أَو الْخَادِم أَو التَّابِع) يحرر الْفرق بَين الْمَذْكُورين.
وَقد يُقَال: إِن المُرَاد بالخادم من يخْدم بِغَيْر أجر، وَالتَّابِع من يكون يتعيش فِي منزل الْمَشْهُود لَهُ من غير خدمَة كملازم فِي الْبَيْت، وَالْمرَاد بالتلميذ الصناع التابعون لكبيرهم ط.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: هُوَ الَّذِي يَأْكُلُ مَعَهُ وَفِي عِيَاله وَلَيْسَ لَهُ أجر مَعْلُوم.
وَقيل المُرَاد الاجير مسانهة أَو مشاهرة أَو مياومة.
وَتَمَامه فِي الْفَتْح.
وَكَانَ بَين الْخَادِم وَبَين الاجير عُمُوم وخصوص من وَجه، فالاجير يسْتَأْجر لغير الْخدمَة الْخَاصَّة بِهِ، كَمَا لَو اسْتَأْجرهُ لرعي الْغنم أَو للخياطة أَو الْخبز مسانهة أَو مشاهرة وَالْخَادِم قد بِخِدْمَة بِلَا أجر طَمَعا فِي طَعَامه أَو أَمر آخر، فيجتمعان فِيمَن اسْتَأْجرهُ مسانهة أَو مشاهرة للْخدمَة، وينفرد الاجير فِيمَا لَو اسْتَأْجرهُ للخياطة مثلا كَذَلِك، وينفرد الْخَادِم فِيمَا إِذا كَانَ يَخْدمه طَمَعا فِي طَعَامه وَشَرَابه بِدُونِ اسْتِئْجَار، وَالتَّابِع هُوَ الَّذِي يكون عَالَة عَلَيْهِ وَإِن لم يَخْدمه، والتلميذ هُوَ الَّذِي يتَعَلَّم مِنْهُ علما أَو غَيره من الصَّنَائِع ويدخله فِي نَفَقَته، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ بقوله يعد ضَرَر أستاذه الخ بِدَلِيل قَوْله: وَهُوَ معنى قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الخ.
قَوْله: (من القنوع) الضَّم.
قنع يقنع قنوعا: إِذا سَأَلَ، فَيكون المُرَاد بِهِ السُّؤَال كَمَا هُوَ أحد مَعَانِيه.
قَالَ تَعَالَى: * (وأطعموا القانع) * (الْحَج: 63) قَالَ بَعضهم: القانع هُوَ السَّائِل الَّذِي لَا يلح فِي السُّؤَال ويرضى بِمَا يَأْتِيهِ عفوا، وَيُطلق على التذلل.
وَمن دُعَائِهِمْ: نسْأَل الله القناعة ونعوذ بِهِ من القنوع، وَيُطلق على الرِّضَا بالقسم فَهُوَ ضد.
وَفِي الْمثل: خير الْغنى القنوع، وَشر الْفقر الخضوع، وَالْفِعْل كمنع وَاسم الْفَاعِل قَانِع وقنيع.
أما القناعة فالرضا فالقسم كالقنع محركا وَالْفِعْل كفرح وَاسم الْفَاعِل قنع وقانع وقنيع.
أَفَادَهُ فِي الْقَامُوس وَبِهَذَا علمت أَن قَوْله من القناعة: يَعْنِي أَن المُرَاد بالقنوع إِمَّا السُّؤَال وَإِمَّا التذلل، وَعلمت أَن القنوع يَأْتِي بِمَعْنى القناعة.
ط بِزِيَادَة.
قَوْله: (لَا من القناعة) الاجتزاء باليسير من الاعراض الْمُحْتَاج إِلَيْهَا، يُقَال قنع يقنع قناعة وقنعانا إِذا رَضِي، وللحن الْبَابَيْنِ أَشَارَ الشَّاعِر بقوله:(7/555)
العَبْد حر إِن قنع وَالْحر عبد إِن طمع فاقنع وَلَا تطمع فَمَا شئ أضرّ من الطمع
قَوْله: (وَمفَاده) أَي الحَدِيث الخ صرح بِهِ فِي الْفَتْح جَازِمًا بِهِ، وَنَقله فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: أَي إِذا كَانَ الْعلَّة فِي عدم قبُوله شَهَادَتهمَا هُوَ طلب معاشهم من الْمَشْهُود لَهُ، إِذْ حِينَئِذٍ يتمتعون بِمَا يحصل لَهُ من الْخَيْر، وَذَلِكَ لَا يُوجد فِي الْمُسْتَأْجر والاستاذ فَتَصِح شَهَادَتهم.
لَكِن فِي التاترخانية عَن الْفَتَاوَى الغيائية: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الفتال عَن الْمُحِيط للسرخسي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ وَلَا الاستاذ لاجيره اه.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: (من يفعل الردئ) أَي من أَفعَال النِّسَاء من التزين بزينتهن والتشبه بِهن فِي الْفِعْل وَالْقَوْل، فالفعل مثل كَونه محلا للواطة، وَالْقَوْل مثل تليين كَلَامه بِاخْتِيَارِهِ تشبها بِالنسَاء اه.
مغرب.
وَجعل بَعضهم الْوَاو فِي قَوْله وَالْقَوْل بِمَعْنى أَو، فأحدهما كَاف لَان التَّشْبِيه بقولهن حرَام للرِّجَال.
وَجعل الْقُهسْتَانِيّ المخنث خلقَة بِمَنْزِلَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الشَّهَادَة، وَهُوَ غَرِيب ط.
قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: أما إِذا كَانَ فِي كَلَامه لين وَفِي أَعْضَائِهِ تكسر خلقَة وَلم يشْتَهر بشئ من الافعال الرَّديئَة فَهُوَ عدل مَقْبُول الشَّهَادَة، هَكَذَا فِي التَّبْيِين اه.
وَإِنَّمَا كَانَت مَعْصِيّة لَو بِقَصْدِهِ لحَدِيث لعن الله المخنثين من الرِّجَال والمترجلات من النِّسَاء.
قَوْله: (ومغنية) وَلَو بِشعر فِي حِكْمَة.
قُهُسْتَانِيّ.
لانه صلى الله عَلَيْهِ وَآله نهى عَن الصوتين الاحمقين: الْمُغنيَة، والنائحة.
وصف الصَّوْت بِصفة صَاحبه.
اعْلَم أَنَّ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ أَوْ لِجَمْعِ الْمَالِ حَرَامٌ بِلَا خلاف وَالنوح كَذَلِك خُصُوصا إِذا كَانَ من الْمَرْأَة، لَان رفع الصَّوْت مِنْهَا حرَام بِلَا خلاف اهـ.
شلبي.
قَوْله: (لحُرْمَة رفع صَوتهَا) ظَاهره أَنه يحرم رفع صَوتهَا فِي مَكَانهَا الْخَاص بهَا بِحَيْثُ لَا يسْمعهَا الاجنبي.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَلِذَا أَطْلَقَ فِي قَوْلِهِ مُغَنِّيَةٍ وَقَيَّدَ فِي غِنَاءِ الرِّجَالِ بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ.
وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْح.
وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد قَوْله: وَمن بغني للنَّاس لَكِن نظر فِيهِ الطَّحْطَاوِيّ وَاسْتظْهر عَلَيْهِ بِمَا فِي الْهِنْدِيَّة عَن شرح أبي المكارم، فَلَا تسمع شَهَادَة مغنية تسمع النَّاس صَوتهَا وَإِن لم تتغن لَهُم اه.
قَالَ فِي السعدية: وَمَا ذكره: أَي صَاحب الدُّرَر من قَوْله وَلَو لنَفسهَا الخ جَارٍ فِي النَّوْحِ بِعَيْنِهِ، فَمَا بَالُهُ لَمْ يَكُنْ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ إذَا نَاحَتْ فِي مُصِيبَةِ نَفسهَا اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: يُمكن الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُ صَوْتٍ يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَة اه.
قَوْله: (وَيَنْبَغِي تَقْيِيده الخ) مثله كل من أَتَى بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر.
أَفَادَهُ الْكَمَال.
وَإِنَّمَا خص الظُّهُور عِنْد القَاضِي بالمداومة، لَان الشَّهَادَة على ذَلِك جرح مُجَرّد، لَكِن فِيهِ أَنه تقبل الشَّهَادَة عَلَيْهِ سرا.
تَأمل.
قَوْله: (ونائحة فِي مُصِيبَة غَيرهَا) فِي الْمغرب: ناحت الْمَرْأَة على الْمَيِّت: إِذا ندبته، وَذَلِكَ أَن تبْكي عَلَيْهِ وتعدد محاسنه.
والنياحة الِاسْم، وَمِنْهَا الحَدِيث على مَا قرأته فِي الْفَائِق ثَلَاثَة من أَمر الْجَاهِلِيَّة: الطعْن(7/556)
فِي الانساب والنياحة، والانواء فالطعن مَعْرُوف، والنياحة مَا ذكر.
والانواء جمع نوء: هِيَ منَازِل الْقَمَر وَالْعرب كَانَت تعتقد أَن الامطار وَالْخَيْر كلهَا تجئ مِنْهَا، وَقيل النوح: بكاء مَعَه صَوت اه.
رملي على الْمنح.
قَالَ فِي الْبَحْر: قَوْلهم إِن النائحة لَا تسْقط عدالتها إِلَّا إِذا ناحت فِي مُصِيبَة غَيرهَا مَعَ أَن النِّيَاحَة كَبِيرَة للتوعد عَلَيْهَا لَكِن لَا تظهر إِلَّا فِي مُصِيبَة غَيرهَا غَالِبا اه.
وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْلِيل بِهِ، وَأما الَّذِي يذكرهُ الشَّارِح عَن الواني فَلَا يَنْبَغِي تَضْييع المُرَاد بِهِ، إِذْ ظَاهره أَنه يُبَاح لَهَا حِينَئِذٍ، وَهُوَ خلاف الْمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ.
قَالَ فِي التَّتارْخَانِيَّة معزيا للمحيط: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّائِحَةِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّتِي تنوح فِي مصيبتها، وَإِنَّمَا أَرَادَ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْ ذَلِكَ مكسبة اه.
وَنَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَتَعَقَّبْ هَذَا مِنْ الْمَشَايِخِ أَحَدٌ فِيمَا علمت، لَكِن بعض متأخري الشَّارِحين نظر فِيهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيّة فَلَا فرق بَين كَونه للنَّاس أَو لَا.
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لعن الله الصالقة والحالقة والشاقة وَقَالَ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ ودعا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة وَهِي فِي صَحِيح البُخَارِيّ.
وَلَا شكّ أَن النِّيَاحَة وَلَو فِي مُصِيبَة نَفسهَا مَعْصِيّة، لَكِن الْكَلَام فِي أَن القَاضِي لَا يقبل شهادتها لذَلِك وَذَلِكَ يحْتَاج فِيهِ إِلَى الشُّهْرَة ليصل إِلَى القَاضِي، فَإِنَّمَا قيد بِكَوْنِهَا للنَّاس لهَذَا الْمَعْنى، وَإِلَّا فَهُوَ يرد عَلَيْهِ مثله فِي قَوْلهم: وَلَا مدمن الشّرْب على اللَّهْو، يُرِيد شرب الاشربة الْمُحرمَة خمرًا أَو غَيره.
وَلَفظ مُحَمَّد فِي الاصل: وَلَا شَهَادَة مدمن خمر، وَلَا شَهَادَة مدمن السكر، يُرِيد وَلَو من الاشربة الْمُحرمَة الَّتِي لَيست خمر فَقَالَ هَذَا
الشَّارِح يشْتَرط الادمان فِي الْخمر وَهَذِه الاشربة: يَعْنِي الاشربة الْمُحرمَة لسُقُوط الْعَدَالَة مَعَ أَن شرب الْخمر كَبِيرَة بِلَا قيد الادمان، وَلِهَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْخَصَّافُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ الْإِدْمَانَ، لَكِن نَص عَلَيْهِ فِي الاصل كَمَا سَمِعت فَمَا هُوَ جَوَابه؟ هُوَ الْجَواب فِي تَقْيِيد الْمَشَايِخ بِكَوْن النِّيَاحَة للنَّاس، ثمَّ هُوَ نقل كَلَام الشَّيْخ فِي تَوْجِيه اشْتِرَاط الادمان أَنه إِنَّمَا شَرط ليظْهر عِنْد النَّاس، فَإِن من شربهَا سرا لَا تسْقط عَدَالَته وَلم يتنفس فِيهِ بِكَلِمَة وَاحِدَة، فَكَذَا الَّتِي ناحت فِي بَيتهَا لمصيبتها لَا تسْقط عدالتها لعدم اشتهار ذَلِك عِنْد النَّاس، وَانْظُر إِلَى تَعْلِيل المُصَنّف بِعَدَمِ ذكر الادمان بِأَنَّهُ ارْتكب محرم دينه مَعَ أَن ذَلِك ثَابت بِلَا إدمان، فَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه إِذا أدمن حِينَئِذٍ يظْهر أَنه مرتكب محرم دينه فَترد شَهَادَته، بِخِلَاف الَّتِي استمرت تنوح للنَّاس لظُهُوره حِينَئِذٍ، فَيكون كَالَّذي يسكر وَيخرج سكرانا وتلعب بِهِ الصّبيان فِي رد شَهَادَته، وَصرح بِأَن الَّذِي يتهم بِشرب الْخمر لَا تسْقط عَدَالَته.
وَمِنْهُم من فسر الادمان بنيته، وَهُوَ أَن يشرب وَمن نِيَّته أَن يشرب مرّة أُخْرَى، وَهَذَا هُوَ معنى الاصرار، وَأَنت تعلم أَنه سَيذكرُ رد من يَأْتِي بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر الَّتِي يتَعَلَّق بهَا الْحَد، وَشرب الْخمر مِنْهَا من غير توقف على نِيَّة أَن يشرب، ولان النِّيَّة أَمر مبطن لَا يظْهر للنَّاس، والمدارات (1) الَّتِي يتَعَلَّق بوجودها حكم القَاضِي لَا بُد أَن تكون ظَاهِرَة لَا خُفْيَة لانها معرفَة، والخفي لَا يعرف والظهور بالادمان الظَّاهِر لَا بِالنِّيَّةِ.
نعم بالادمان الظَّاهِر يعرف إصراره، لَكِن بطلَان الْعَدَالَة لَا يتَوَقَّف فِي الْكَبَائِر على الاصرار بل أَن يَأْتِيهَا وَيعلم ذَلِك، وَإِنَّمَا ذَلِك *
__________
(1)
قَوْله: (والمدارات) المدارات بِفَتْح الْمِيم وَالرَّاء وَالدَّال المهملات أَي مدَار الامر لعدم قبُول الشَّهَادَة النِّيَّة وَهِي أَمر خَفِي لَا بُد أَن تكون إِلَخ اه.
مِنْهُ.(7/557)
فِي الصَّغَائِر، وَقد اندرج فِيمَا ذكرنَا شرح ذَلِك اه.
قَوْله: (بِأَجْر) أطلق فِي مِسْكين وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْكَافِي، وَكَذَا فِي الْقُهسْتَانِيّ كَمَا يَأْتِي النَّفْل عَنهُ قَرِيبا.
قَوْله: (زَاد الْعَيْنِيّ فَلَو فِي مصيبتها تقبل) اعْلَم أَن هَذَا التَّفْرِيع بعض من الْمَفْهُوم السَّابِق، فالعجب من قَوْله زَاد الخ بل فِي اقْتِصَار الْعَيْنِيّ وتعليل الواني إِشَارَة إِلَى أَنَّهُمَا نقصا من الْعبارَة السَّابِقَة اشْتِرَاط الاجر، وَلِهَذَا قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: وَلَو بِلَا أجر، وَتقدم الْكَلَام على مَا فِي ظَاهر التَّعْلِيل، فَافْهَم.
قَوْله: (بِزِيَادَة اضطرارها) أَي وَفِي النوح تَخْفيف هَذِه الضَّرُورَة، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك ليظْهر قَوْله فَكَانَ كالشرب للتداوي ط.
قَوْلُهُ: (وَاخْتِيَارِهَا) مُقْتَضَاهُ لَوْ
فَعَلَتْهُ عَنْ اخْتِيَارِهَا لَا تقبل.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قَوْله: (فَكَانَ كالشرب) أَي شرب محرم للتداوي فَإِنَّهُ يجوز عِنْد الثَّانِي للضَّرُورَة.
قَوْله: (وعدو) أَي على عدوه كَمَا فِي الْمُلْتَقى.
قَوْله: (بِسَبَب الدُّنْيَا) لَان المعاداة لاجلها حرَام، فَمن ارتكبها لَا يُؤمن من التقول عَلَيْهِ.
أما إِذا كَانَت دينية فَإِنَّهَا لَا تمنع لانها تدل على كَمَال دينه وعدالته.
وَهَذَا لَان المعاداة قد تكون وَاجِبَة بِأَن رأى فِيهِ مُنْكرا شرعا وَلم ينْتَه بنهيه، بِدَلِيل قبُول شَهَادَة الْمُسلم على الْكَافِر مَعَ مَا بَينهمَا من الْعَدَاوَة الدِّينِيَّة، والمقتول وليه على الْقَاتِل، والمجروح على الْجَارِح، أَو الزَّوْج على امْرَأَته بِالزِّنَا.
ذكره ابْن وهبان.
وَفِي خزانَة الْمُفْتِينَ: والعدو من يفرح لحزنه ويحزن لفرحه.
وَقيل يعرف بِالْعرْفِ اه.
وَمِثَال الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة أَن يشْهد الْمَقْذُوف على الْقَاذِف والمقطوع عَلَيْهِ الطَّرِيق على الْقَاطِع، وَفِي إِدْخَال الزَّوْج هُنَا نظر، فقد صَرَّحُوا بِقبُول شَهَادَته عَلَيْهَا بِالزِّنَا إِلَّا إِذا قَذفهَا أَولا، وَإِنَّمَا الْمَنْع مُطلقًا قَول الشَّافِعِي.
وَفِي بعض الْفَتَاوَى: وَتقبل شَهَادَة الصّديق لصديقه اه: أَي إِلَّا إِذا كَانَت متناهية بِحَيْثُ يتَصَرَّف أَحدهمَا بِمَال الآخر كَمَا تقدم.
ثمَّ اعْلَم أَن الْمُصَرّح بِهِ فِي غَالب كتب أَصْحَابنَا وَالْمَشْهُور على أَلْسِنَة فقهائنا مَا ذكره الْمُؤلف من التَّفْصِيل.
وَنقل فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ، مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبْ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً، وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد.
وَمَا فِي الْوَاقِعَات وَغَيرهَا اخْتِيَار الْمُتَأَخِّرين.
وَأما الرِّوَايَة المنصوصة فبخلافها.
وَفِي كنز الرؤوس: شَهَادَة الْعَدو على عدوه لَا تقبل لانه مُتَّهم.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ إذَا كَانَ عَدْلًا.
قَالَ أستاذنا: وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلِيهِ الِاعْتِمَاد، لانه إِذا كَانَ عدلا تقبل شَهَادَته، وَإِن كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة بِسَبَب أَمر الدُّنْيَا اه.
وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، لَكِن الحَدِيث شَاهد لما عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا: لَا تجوز شَهَادَة خائن وَلَا خَائِنَة، وَلَا زَان وَلَا زَانِيَة، وَلَا ذِي غمر على أَخِيه والغمر: الحقد.
وَيُمكن حمله على مَا إِذا كَانَ غير عدل بِدَلِيل أَن الحقد فسق للنَّهْي عَنهُ.
وَقد ذكر ابْن وهبان رَحمَه الله تَعَالَى تَنْبِيهَات حَسَنَة لم أرها لغيره.
الاول: الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام صَاحبه الْقنية والمبسوط أَنا إِذا قُلْنَا إِن الْعَدَاوَة قادحة فِي الشَّهَادَة تكون قادحة فِي حق جَمِيع النَّاس لَا فِي حق الْعَدو فَقَط، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْه، فَإِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ حَتَّى يكون فَاسِقًا فِي حق شخص عدلا فِي حق آخر اه.(7/558)
قلت: وَلِهَذَا لم يقل الْمُؤلف على عدوه بل أطلقهُ، وَيُقَاس على قَوْلهم إِن الْفسق لَا يتَجَزَّأ النَّاظر إِذا كَانَ عَلَيْهِ أنظار وقف عديدة وَثَبت فسقه بِسَبَب خيانته فِي وَاحِد مِنْهَا، فَهَل يسري فسقه فِي كلهَا فيعزل؟ أجَاب سَيِّدي الْوَالِد بالسريان وَأَنه يعْزل مِنْهَا جَمِيعًا، وَبِه أفتى أَبُو السُّعُود، وَكتب الرَّمْلِيّ هُنَا: الظَّاهِر من كَلَامهم أَن عدم الْقبُول إِنَّمَا هُوَ للتُّهمَةِ لَا للفسق، وَيُؤَيِّدهُ مَا يَأْتِي عَن ابْن الْكَمَال، وَمَا صرح بِهِ يَعْقُوب باشا وَكثير من عُلَمَائِنَا صَرَّحُوا بِأَن شَهَادَة الْعَدو على عدوه لَا تقبل، فالتقييد بِكَوْنِهَا على عدوه يَنْفِي مَا عداهُ وَهُوَ الْمُتَبَادر للافهام، فَتَأَمّله اه.
أَقُول: أَنْت خَبِير بِأَن فعل الْكَبِيرَة والاصرار على الصَّغِيرَة قَادِح فِي الْعَدَالَة، وَقد شَرط فِي الْقنية لعدم الْقبُول كَونه فسق بِتِلْكَ الْعَدَاوَة.
وعَلى هَذَا فَعدم قبُولهَا مُطلقًا ظَاهر، وَيَنْبَغِي تَقْيِيده بِمَا إِذا كَانَت عَدَاوَة ظَاهِرَة كَمَا يفِيدهُ مَا يَأْتِي عَن الْفَتْح فِي شرح قَوْله أَو يرتكب مَا يوجبد الْحَد.
فَتحَرَّر أَن الْوَجْه عدم الْقبُول مُطلقًا، وَالتَّعْلِيل بالاتهام كَمَا مر عَن كنز الرؤوس لَا يُنَافِيهِ، لَان الْفَاسِق لَا يقبل للاتهام أَيْضا، وَمَا يَأْتِي عَن ابْن الْكَمَال يُمكن حمله على مَا إِذا لم يفسق بهَا فَلْيتَأَمَّل اه.
قَالَه سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
الثَّانِي: لَو ادّعى شخص عَدَاوَة آخر يكون مُجَرّد دَعْوَاهُ اعترافا مِنْهُ بفسق نَفسه، وَلَا يكون ذَلِك قادحا فِي عَدَالَة الْمُدَّعِي أَنه عَدو مَا لم يثبت الْمُدَّعِي أَنه عَدو لَهُ.
الثَّالِث: لَو قضى القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه أَو على غير عدوه هَل يَصح أَو لَا؟ قُلْنَا: إِن الْمَانِع من قبُول الشَّهَادَة هُوَ الْفسق فَيكون حِينَئِذٍ صَحِيحا نافدا، لَان القَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق نفذ قَضَاؤُهُ وَيصِح، وَإِن قُلْنَا: إِنَّه لِمَعْنى آخر أقوى من الْفسق لَا يَصح فِي حق الْعَدو وَيصِح فِي حق غَيره.
وَذكر ابْن الْكَمَال فِي إصْلَاح الايضاح أَن شَهَادَة الْعَدو لعَدوه جَائِزَة عكسر شَهَادَة الاصل لفرعه
اه.
وَهَذَا يدل على أَنَّهَا لم تقبل للتُّهمَةِ لَا للفسق اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى: قَوْله لَان القَاضِي إِذا قضى بِشَهَادَة الْفَاسِق نفذ قَضَاؤُهُ وَيصِح.
قَالَ الرَّمْلِيّ: وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه.
وَأَقُول: وَقِيَاسه يَقْتَضِي أَن العصبية كَذَلِك، فَلَا ينفذ ضاء القَاضِي بِشَهَادَتِهِ لانه الَّذِي يبغض الرجل لكَونه من بني فلَان أَو من قبيله كَذَا كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبا مَنْقُولًا عَن معِين الْحُكَّام، فَتَأمل اه.
الرَّابِع: قد يتَوَهَّم بعض المتفقهة وَالشُّهُود أَن كل من خَاصم شخصا فِي حق وَادّعى عَلَيْهِ حَقًا أَنه يصير عدوه فَيشْهد بَينهمَا بالعداوة وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْعَدَاوَة إِنَّمَا تثبت بِنَحْوِ مَا ذكرت.
نعم لَو خَاصم الشَّخْص آخر فِي حق لَا تقبل شَهَادَته عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْحق، كَالْوَكِيلِ لَا تقبل شَهَادَته فِيمَا هُوَ وَكيل فِيهِ وَنَحْو ذَلِك، لانه إِذا تخاصم اثْنَان فِي حق لَا تقبل شَهَادَة أَحدهمَا على الآخر لما بَينهمَا من الْمُخَاصمَة اه.
قلت: وَيدل لَهُ مَا فِي فَتَاوَى قاضيخان من بَاب مَا يبطل دَعْوَى الْمُدَّعِي: رجل خَاصم رجلا فِي دَار أَو فِي حق ثمَّ إِن هَذَا الرجل شهد عَلَيْهِ فِي حق آخر جَازَت شَهَادَته إِذا كَانَ عدلا اه.
وَاعْلَم أَنه لَو شهد على رجل آخر فخاصمه فِي شئ قبل الْقَضَاء لَا يمْتَنع الْقَضَاء بِشَهَادَتِهِ إِلَّا إِذا ادّعى أَنه دفع لَهُ كَذَا لِئَلَّا يشْهد عَلَيْهِ وَطلب الرَّد وَأثبت دَعْوَاهُ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار أَو نُكُول فَحِينَئِذٍ بطلت(7/559)
شَهَادَته، وَهُوَ جرح مَقْبُول كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَسَيَأْتِي فِي بَيَان الْجرْح.
الْخَامِس: إِذا قُلْنَا: لَا تجوز شَهَادَة الْعَدو على عدوه إِذا كَانَت دنيوية هَل الحكم فِي القَاضِي كَذَلِك حَتَّى لَا يجوز قَضَاء القَاضِي على من بَينه وَبَينه عَدَاوَة؟ لم أَقف عَلَيْهِ فِي كتب أَصْحَابنَا، وَيَنْبَغِي أَن يكون الْجَواب فِيهِ على التَّفْصِيل: إِن كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ يَنْبَغِي أَن لَا ينفذ، وَإِن كَانَ بِشَهَادَة الْعُدُول وبمحضر من النَّاس فِي مجْلِس الحكم بِطَلَب خصم شَرْعِي يَنْبَغِي أَن ينفذ.
وَفرق الْمَاوَرْدِيّ من الشَّافِعِيَّة بَينهمَا بِأَن أَسبَاب الحكم ظَاهِرَة وَأَسْبَاب الشَّهَادَة خافية.
بَحر.
وَقدمنَا أَوَائِل الْبَاب أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ مُعْتَمَدَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ قبُولهَا على الْعَدو، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَعَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْعَدَاوَةُ لَا الْفِسْقُ، وَإِلَّا لَمْ تقبل على غير الْعَدو أَيْضًا.
ثَانِيهِمَا: أَنَّهَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا فَسَقَ بهَا، وَاخْتَارَهُ ابْن وهبان وَابْن الشّحْنَة فَرَاجعه، وَكَذَا تقدم فِي أول الْقَضَاء الْكَلَام على ذَلِك فَارْجِع إِلَيْهِ.
وَفِي فَتَاوَى الْحَانُوتِيُّ: سُئِلَ فِي شَخْصٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَالَ إنَّهُمْ ضَرَبُونِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْخُصُومَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَهَلْ تُسْمَعُ؟ الْجَوَابُ: قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً، وَهَذَا قَبْلَ الْحُكْمِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ، كَمَا قَالُوا: إنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ، فَإِذا قضى لَا ينْقض اه.
لَكِن يُعَارضهُ مَا قدمْنَاهُ آنِفا عَن الرَّمْلِيّ، وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَة الْعَدو على عدوه.
وَأَقُول: وَقِيَاسه يَقْتَضِي أَن العصبية كَذَلِك، فَلَا ينفذ قَضَاء القَاضِي بِشَهَادَتِهِ لانه الَّذِي يبغض الرجل لكَونه من بني فلَان أَو من قبيلته كَمَا فِي معِين الْحُكَّام اه.
أَقُول: وَقدم الشَّارِح عبارَة اليعقوبية أول الْقَضَاء وأقرها سَيِّدي الْوَالِد، وَكَذَا الْخَيْر الرَّمْلِيّ فِي فَتَاوَاهُ فَتنبه.
قَوْله: (فَتقبل لَهُ لَا عَلَيْهِ) هَذَا يُفِيد قبُولهَا لغير عدوه إِذا لم يفسق بِهِ كَمَا يَأْتِي.
قَوْله: (وَاعْتمد فِي الْوَهْبَانِيَّة والمحبية قبُولهَا الخ) قد علمت مَا تحصل مِمَّا سبق أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِن كَانَ عدلا وعد نَفاذ الْقَضَاء بهَا، وَالْمَسْأَلَة دوراة فِي الْكتب فاحفظه.
قَوْله: (مَا لم يفسق بِسَبَبِهَا) وَهِي الرِّوَايَة المنصوصة والاطلاق اخْتِيَار الْمُتَأَخِّرين.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ مَا يُفِيد أَن مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخّرُونَ هُوَ الصَّحِيح فِي زمانهم وزماننا اهـ.
وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ مَا قيل فِي مدمن الْخمر من الاشتهار ط.
قَوْله: (قَالُوا والحقد فسق للنَّهْي عَنهُ) فسره فِي الطَّرِيقَة المحمدية بِأَن يلْزم نَفسه بغضه وَإِرَادَة الشَّرّ لَهُ.
وَحكمه: إِن لم يكن بظُلْم أَصَابَهُ مِنْهُ بل بِحَق وَعدل كالامر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَحَرَام، وَإِن كَانَ بظُلْم أَصَابَهُ مِنْهُ فَلَيْسَ بِحرَام، وَإِن لم يقدر على أَخذ الْحق فَلهُ تَأْخِيره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
قَالَ الله تَعَالَى: * (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ من سَبِيل إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين
يظْلمُونَ النَّاس ويبغون فِي الارض بِغَيْر الْحق أُولَئِكَ لَهُم عَذَاب أَلِيم) * (الشورى: 41 - 42) وسَاق للنَّهْي أَحَادِيث دَالَّة عَلَيْهِ.
مِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيك فَيُعَافِيَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَك.
وَمِنْهَا قَوْله(7/560)
صلى الله عَلَيْهِ وَآله: لَا يحل لمُؤْمِن أَن يهجر مُؤمنا فَوق ثَلَاث، فَإِذا مرت بِهِ ثَلَاث فليلقه وليسلم عَلَيْهِ، فَإِن رد عَلَيْهِ فقد اشْتَركَا فِي الاجر، وَإِن لم يرد عَلَيْهِ فقد بَاء بالاثم وَهَذَا مَحْمُول على الهجر لاجل الدُّنْيَا، وَأما لاجل الْآخِرَة وَالْمَعْصِيَة والتأديب فَجَائِز بل مُسْتَحبّ من غير تَقْدِير اه.
قَوْله: (سَوَاء شهد على عدوه أَو غَيره) أَو لَهما قيل عَلَيْهِ مفاده أَن عَدو الشَّخْص لَا تقبل شَهَادَته على الشَّخْص وَلَا على غَيره وَلَا معنى لَهُ، إِذْ شَهَادَة عَدو زيد على عَمْرو مَقْبُولَة، فَلَعَلَّ فِي الْعبارَة سقطا اه.
أَقُول: حَيْثُ كَانَ عدم قبُول شَهَادَة الْعَدو على عدوه مَبْنِيا على أَنه يفسق بالمعاداة وَالْفِسْق مِمَّا لَا يتَجَزَّأ فَلهُ معنى، وَلَيْسَ فِي الْعبارَة سقط حِينَئِذٍ لَا فرق بَين ذَلِك الشَّخْص وَغَيره، وَإِنَّمَا يفرق الْحَال لَو كَانَ عدم الْقبُول مَبْنِيا على التُّهْمَة.
فَتَأمل.
ذكره الْحَمَوِيّ.
قَوْله: (لَا تقبل شَهَادَة الْجَاهِل) قَالَ فِي معِين الْحُكَّام: وَلَا من لَا يحكم فَرَائض الْوضُوء وَالصَّلَاة.
وَمن سَافر فَاحْتَاجَ للتيمم فَلم يُحسنهُ وَلَا المنجم وَإِن اعْتقد عدم تَأْثِير النُّجُوم وَادّعى أَنَّهَا أَدِلَّة ويؤدب حَتَّى يكف عَن هَذَا الِاعْتِقَاد وَلَا يصدق لقَوْله تَعَالَى: * () * (الْجِنّ: 26 - 27) .
قَوْله: (على الْعَالم) لَيْسَ بِقَيْد بِدَلِيل التَّفْرِيع وَالتَّعْلِيل ح.
قَوْله: (لفسقه بترك مَا يجب تعلمه شرعا) قدم فِي بَاب التَّعْزِير أَن للْقَاضِي أَن يسْأَل عَن سَبَب فسق الشَّاهِد، فَلَو قَالَ الطاعن هُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ سَأَلَ الْقَاضِي الْمَشْتُومَ عَمَّا يجب عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ لِمَا فِي الْمُجْتَبَى: مَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِالْفِقْهِ لَا تقبل شَهَادَته، وَالْمرَاد مَا يجب تعلمه مِنْهُ اه.
قَوْله: (والعالم الخ) أَتَى بِهِ دفعا لتوهم أَن الْعَالم الْمدرس.
قَوْله: (من يسْتَخْرج الْمَعْنى) السِّين وَالتَّاء زائدتان، وَالْمرَاد بِإِخْرَاجِهِ من التَّرْكِيب فهمه مِنْهُ، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ من يعلم الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَبَعض آلاتها ط.
قَالَ فِي الاشباه: والاهلية للتدريس لَا تخفى على من لَهُ بَصِيرَة، وَالَّذِي يظْهر أَنَّهَا بِمَعْرِفَةِ مَنْطُوقِ الْكَلَامِ وَمَفْهُومِهِ وَبِمَعْرِفَةِ الْمَفَاهِيمِ، وَأَن تكون لَهُ سَابِقَة الِاشْتِغَال عَلَى الْمَشَايِخِ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الِاصْطِلَاحَاتِ وَيَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْمَسَائِلِ مِنْ
الْكُتُبِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ وَيُجِيبَ إذَا سُئِلَ، وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى سَابِقَةِ اشْتِغَالٍ فِي النَّحْوِ وَالصَّرْفِ بِحَيْثُ صَارَ يَعْرِفُ الْفَاعِلَ مِنْ الْمَفْعُول إِلَى غير ذَلِك، وَإِذا قَرَأَ لَا يلحن، وَإِذا لحن قَارِئ بِحَضْرَتِهِ رد عَلَيْهِ اه.
أَقُول: لَكِن يُؤَيّد أَن المُرَاد بِهِ من يعلم الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة مَا قَالَه قاضيخان: أوصى لاهل الْعلم ببلخ يدْخل أهل الْفِقْه والْحَدِيث اه.
قَوْله: (ومجازف فِي كَلَامه) هُوَ المكثر مِنْهُ الَّذِي لَا يتحَرَّى الصدْق، فَإِن من كثر كَلَامه كثر سقطه.
والمجازفة: هِيَ التَّكَلُّم بِلَا معيار شَرْعِي.
رُوِيَ أَن الْفضل بن الرّبيع وَزِير الْخَلِيفَة شهد عِنْد أبي يُوسُف فَرد شَهَادَته، فَعَاتَبَهُ الْخَلِيفَة وَقَالَ: لم رددت شَهَادَته؟ قَالَ: لاني سمعته يَوْمًا يَقُول للخليفة أَنا عَبدك، فَإِن كَانَ صَادِقا فَلَا شَهَادَة للْعَبد، وَإِن كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِك، لانه إِذا لم يبال فِي مجلسك بِالْكَذِبِ فَلَا يُبَالِي فِي مجلسي، فعذره الْخَلِيفَة اه.
زَاد فِي فتح الْقَدِير بعده: وَالَّذِي عِنْدِي أَن رد أبي يُوسُف شَهَادَته لَيْسَ للكذبة، لَان قَول الْحر لغيره أَنا(7/561)
عَبدك إِنَّمَا هُوَ مجَاز بِاعْتِبَار معنى الْقيام بخدمتك وكوني تَحت أَمرك ممتثلا لَهُ على إهانة نَفسِي فِي ذَلِك، والتكلم بالمجاز على اعْتِبَار الْجَامِع، فَإِن وَجه التَّشَبُّه لَيْسَ كذبا مَحْظُورًا شرعا، وَلذَا وَقع الْمجَاز فِي الْقُرْآن، وَلَكِن رده لما يدل عَلَيْهِ خُصُوص هَذَا الْمجَاز من إذلال نَفسه وطاعته لاجل الدُّنْيَا، فَرُبمَا يضر هَذَا الْكَلَام إِذا قيل للخليفة فَعدل إِلَى الِاعْتِذَار بِأَمْر يقرب من خاطره اه.
قَوْله: (أَو يحلف فِيهِ) أَي فِي كَلَامه كثيرا: أَي وَإِن كَانَ فِي صدق فَإِن جرأته على ذَلِك تَقْتَضِي قلَّة مبالاته بِأُمُور الدّين، ولانه رُبمَا أَدَّاهُ ذَلِك إِلَى الْكَذِب فِيهِ.
وَقد عده فِي الطَّرِيقَة المحمدية من جملَة آفَات اللِّسَان وسَاق آيَات وَأَحَادِيث، ثمَّ قَالَ: إِن الْحلف بِاللَّه تَعَالَى صَادِقا جَائِزا بِلَا خلاف، لَكِن إكثاره مَكْرُوه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَآله: الْحلف حنث أَو نَدم وَتَمَامه فِيهَا.
قَوْله: (أَو اعْتَادَ شتم أَوْلَاده أَو غَيرهم) كمماليكه وَأَهله، فَإِن كَانَ ذَلِك يصدر مِنْهُ أَحْيَانًا لَا يُؤثر فِي إِسْقَاط الْعَدَالَة، لَان الانسان قَلما يَخْلُو مِنْهُ: هندية.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى: مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ أَحْيَانَا يُقْبَلُ، وَكَذَا الشتام للحيوان كدابته اه.
قَالَ فِي شرح أدب القَاضِي: إِن من سبّ وَاحِدًا من الْمُسلمين لَا يكون عدلا كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وحرر ابْن وهبان مَسْأَلَة الشتم حَيْثُ قَالَ: وَالْفِقْه فِي ذَلِك أَن الشتم لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون بِمَا فِيهِ أَو بِمَا لَيْسَ فِيهِ فِي وَجهه أَو غيبته، فَإِن كَانَ فِي غيبته فَهُوَ غيبَة وَإِنَّهَا توجب الْفسق، وَإِن كَانَ فِي وَجهه فَفِيهِ إساءة أدب، وَإنَّهُ من صَنِيع رعاع النَّاس وسوقتهم الَّذين لَا مُرُوءَة لَهُم وَلَا حَيَاء فيهم، وَإِن ذَلِك مِمَّا يسْقط الْعَدَالَة، وَكَذَا إِذا كَانَ السب باللعنة والابعاد كَمَا يَفْعَله من لَا خلاق لَهُم من السوقة وَغَيرهم اه: أَي وَإِن كَانَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ كذب وَحِكْمَة ظَاهر، وَمِمَّا يُؤَيّد ذَلِك مَا ورد فِي الحَدِيث: سباب الْمُسلم فسوق وقتاله كفر قَالَ ابْن الاثير فِي النِّهَايَة: السب: الشتم، يُقَال سبه يسبه سبا وسبابا، قيل هَذَا مَحْمُول على من سبّ أَو قَاتل مُسلما بِغَيْر تَأْوِيل، وَقيل إِنَّمَا قَالَ ذَلِك على جِهَة التَّغْلِيظ لَا أَنه يُخرجهُ إِلَى الْكفْر وَالْفِسْق.
وَأَقُول: هَذَا خلاف الظَّاهِر اه.
قَوْله: (لانه) أَي الاعتياد.
قَوْله: (كَبِيرَة) أَي إِذا أصر عَلَيْهِ بِالْعودِ وَلذَا قَيده بالاعتياد، وَإِلَّا فَهُوَ صَغِيرَة.
قَوْله: (كَتَرْكِ زَكَاة) أَي من غير عذر وَبِه أَخذ الْفَقِيه.
قَالَ الامام فَخر الدّين: وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ.
وَذكر الخاصي عَن قاضيخان أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى سُقُوطِ الْعَدَالَةِ بِتَأْخِيرِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ دُونَ الْحَجِّ خُصُوصًا فِي زَمَانِنَا.
كَذَا فِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ.
منح فِي الْفُرُوع آخر الْبَاب.
وَالصَّحِيح أَن تَأْخِير الزَّكَاة لَا يبطل الْعَدَالَة كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة.
قَوْله: (أَو حج) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: كل فرض لَهُ وَقت معِين كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم إِذا أخر من غير عذر سَقَطت عَدَالَته.
وَمَا لَيْسَ لَهُ وَقت معِين كَالزَّكَاةِ وَالْحج.
روى هِشَام عَن مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى أَن تَأْخِيره لَا يسْقط الْعَدَالَة وَبِه أَخذ مُحَمَّد بن مقَاتل.
وَقَالَ بَعضهم: إِذا أخر الزَّكَاة وَالْحج من غير عذر ذهبت عَدَالَته، وَبِه أَخذ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث.
وبتأخير الْحَج لَا تسْقط خُصُوصا فِي زَمَاننَا كَمَا فِي الْمُضْمرَات.
قَوْله: (على رِوَايَة فوريته) فِي الْعَام الاول عِنْد الثَّانِي، وَأَصَح الرِّوَايَتَيْنِ عَن الامام وَمَالك وَأحمد: أَي فيفسق وَترد شَهَادَته بِتَأْخِير سِنِين، لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ صَغِيرَةٌ، وَبِارْتِكَابِهِ مَرَّةً لَا يُفَسَّقُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ.
بَحْرٌ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفَوْرِيَّةَ ظَنِّيَّةٌ، لِأَنَّ دَلِيلَ الِاحْتِيَاطِ ظَنِّيٌّ، وَلِذَا أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ تَرَاخَى كَانَ أَدَاءً وَإِنْ أَثِمَ(7/562)
بِمَوْتِهِ قبله كَمَا نَقله الشَّارِح فِي الْحَج.
قَوْله: (أَو ترك جمَاعَة) قَالَ فِي الْفَتْح: مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ، وَإِن كَانَ متأولا فِي تَركهَا كَأَن يكون مُعْتَقدًا أَفضَلِيَّة أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِك لَا تسْقط عَدَالَته بِالتّرْكِ.
أَقُول: وَالْجَمَاعَة سنة مُؤَكدَة فِي قُوَّة الْوَاجِب، وَقيل وَاجِبَة، وَقيل فرض كِفَايَة، وَقيل فرض عين.
وَالْقَوْل بِوُجُوبِهَا هُوَ قَول عَامَّةُ مَشَايِخِنَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَب، وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: لَا تقبل شَهَادَته إِذا تَركهَا اسْتِخْفَافًا بِأَن لَا يستعظم أمرهَا كَمَا يَفْعَله الْعَوام أَو مجانة أَو فسقا إمَّا سَهْوًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ، كَكَوْنِ الْإِمَامِ مِنْ أهل الاهواء أَو فَاسِقًا فكره الِاقْتِدَاء بِهِ وَلَا يُمكنهُ أَن يصرفهُ، أَو لَا يُرَاعى مَذْهَب الْمُقْتَدِي فَتقبل.
وَالْقَائِل بالفرضية لَا يشترطها للصِّحَّة فَتَصِح صلَاته مُنْفَردا، وتسميتها سنة لوُجُوبهَا بِالسنةِ.
وَتَمام الْكَلَام فِي شرحنا على (نور الايضاح الْمُسَمّى بمعراج النجاح) فَرَاجعه، فَإِن فِيهِ فَوَائِد خلت عَنْهَا أَكثر الشُّرُوح.
قَوْله: (أَو جُمُعَة) مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كالسرخسي، والاول أوجه.
فتح.
لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ بارتكاب الْكَبِيرَة يحْتَاج إِلَى الظُّهُور.
تَأمل.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
قَالَ فِي تَهْذِيب القلانسي قَالَ: فِي ترك الْجَمَاعَة مجَّانا شهرا.
وَفِي الذَّخِيرَة: هَذَا إِن لم يستخف بِالدّينِ وَإِن اسْتحق فَهُوَ كَافِر اه.
قَوْله: (أَو أكل فَوق شبع) عِنْد الاكثرين.
وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بالشبع مَا لَا يضرّهُ، وَبِمَا زَاد عَلَيْهِ مَا يضرّهُ لانه هُوَ الَّذِي يحرم ط.
قَوْله: (بِلَا عذر) رَاجع إِلَى الثَّلَاثَة قبله.
وَمِثَال الْعذر فِي الاكل مؤانسة الضَّيْف وَقصد التقوي على صَوْم الْغَد كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة وَالْفَتْح.
وَمن الْعذر مَا إذَا أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ لِيَتَقَايَأَهُ.
قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُ يَأْكُلُ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ وَيُكْثِرُ ثُمَّ يتقايأ وينفعه ذَلِك.
خَانِية.
أَقُول: وَهل مثله مَا إِذا كَانَ مضيفا وَلَا يرضى صَاحب الطَّعَام إِلَّا بذلك؟ بَحر.
وَالَّذِي فِي حفظي أَنه عذر أَيْضا فَليُرَاجع.
أما مَسْأَلَة الضَّيْف فَالظَّاهِر إِذا لم يكن بَينهمَا مباسطة تَامَّة، أما إِذا كَانَ فَلَا يكون عذرا وليحرر أَيْضا.
قَوْله: (وَخُرُوج لفرجة قدوم أَمِير) فِي الْهِنْدِيَّة: إِذا قدم الامير بَلْدَة
فَخرج النَّاس وجلسوا فِي الطَّرِيق ينظرُونَ إِلَيْهِ، قَالَ خلف: بطلت عدالتهم إِلَّا أَن يذهبوا للاعتبار فَحِينَئِذٍ لَا تبطل عدالتهم، وَالْفَتْوَى على أَنهم إِذا خَرجُوا لَا لتعظيم من يسْتَحق التَّعْظِيم وَلَا للاعتبار تبطل عدالتهم.
كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّة وقاضيخان.
وَعلله فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بشغله الطَّرِيق فَصَارَ مرتكبا لِلْحَرَامِ لانه حق الْعَامَّة وَلم يعْمل للجلوس اه.
وَهَذَا التَّعْلِيل يُفِيد أَنه إِذا تجرد عَن شغل الطَّرِيق لَا يكون قادحا مُطلقًا، وَلَا يُنَافِيهِ مَا تقدم إِذا تأملته، لَكِن كَلَام قاضيخان يُفِيد خِلَافه.
قَالَ ابْن وهبان: وَيَنْبَغِي أَن يكون ذَلِك على مَا اعتاده أهل الْبَلَد، فَإِن كَانَ من عَادَة أهل الْبَلَد أَنهم يَفْعَلُونَ ذَلِك وَلَا يُنكرُونَ وَلَا يستخفون فَيَنْبَغِي أَن لَا يقْدَح.
وَذكر ابْن الشّحْنَة بعده: فَقَوْل المُصَنّف وَيَنْبَغِي الخ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي اه.
وَمثله فِي الْبَحْر.
قَالَ الْخَيْر الرَّمْلِيّ: أَقُول فَتحَرَّر من مَجْمُوع مَا ذكر أَنه إِن كَانَ الامير غير صَالح قدح فِي الْعَدَالَة مُطلقًا.
وَإِن كَانَ صَالحا وَلم يشغل الطَّرِيق لَا يقْدَح، وَإِن شغله قدح، وَأَنت على علم بِأَن الحكم يَدُور مَعَ الْعلَّة وَالْعلَّة فِي الْقدح ارْتِكَاب مَا هُوَ مَحْظُور وتعظيم الْفَاسِق كَذَلِك، فعلى ذَلِك يَدُور الحكم.
تَأمل اه.(7/563)
أَقُول: هَذَا بمعزل عَمَّا قدمْنَاهُ فِيمَا إِذا خرج للاعتبار وَلم يجلس فِي الطَّرِيق وَكَانَ الامير صَالحا أَو فَاسِقًا وَلم يقْصد تَعْظِيمه فَحِينَئِذٍ لَا يقْدَح كَمَا علمت، فَافْهَم.
قَوْله: (وركوب بَحر) أَي بَحر الْهِنْد، وَهُوَ الْبَحْر الاحمر الْمَعْرُوف الْآن ببحر السويس بِأَنَّهُ إِذا ركب الْبَحْر إِلَى الْهِنْد فقد خاطر بِنَفسِهِ وَدينه، وَمِنْهَا سُكْنى دَار الْحَرْب وتكثير سوادهم وعددهم وتشبهه بهم لينال بذلك مَالا وَيرجع إِلَى أَهله غَنِيا، فَإِذا كَانَ لَا يُبَالِي بِمَا ذكر لَا يَأْمَن أَن يَأْخُذ من عرض الدُّنْيَا فَيشْهد بالزور.
وَقَالَ ظهير الدّين: لَا يمْنَع.
قَالَ الْعَلامَة عبد الْبر: وَالَّذِي يظْهر أَن الْمَانِع لَيْسَ الرّكُوب لَهُ مُطلقًا بل مَعَ مَا اقْترن بِهِ، وَهَذَا حِين كَانَ الْهِنْد كُله كفرا كَمَا يرشد إِلَيْهِ التَّعْلِيل.
كَيفَ وَالنَّص الْقطعِي أَبَاحَ ركُوب الْبَحْر مُطلقًا إِلَّا عِنْد ظن الْهَلَاك، وَمَا زَالَ السّلف يركبون الْبحار من غير إِنْكَار، وَنَصّ الْقُرْآن الْعَظِيم أعظم دَلِيل على الْجَوَاز اه بِتَصَرُّف.
وَفِي الْقُهسْتَانِيّ: وَقيل يشْهد رَاكب الْبَحْر للتِّجَارَة وَغَيرهَا، وَهُوَ الصَّوَاب اه ط.
أَقُول: لَا سِيمَا فِي زَمَاننَا الْآن فَإِنَّهُ لَا مخاطرة بِالنَّفسِ، وَلَا مَحل لظن الْهَلَاك فِي السفن المخترعة الْآن وَهِي الْمَعْرُوفَة ببابور النَّار، فَإِن سَيرهَا بالعجل لَا بِالرِّيحِ، فَإِن سَيرهَا بالعجل يَدُور ببخار المَاء المغلي بالنَّار فَلَا يخْشَى من تلف إِلَّا نَادرا من غَفلَة الملاحين.
قَوْله: (وَلبس حَرِير) إِلَى قَوْله أَو قمر محمل ذَلِك فِيمَا يظْهر على من شهر بذلك ط.
أما لبس الْحَرِير فلحرمته إِلَّا مَا اسْتثْنى.
وَأما الْبَوْل فِي السُّوق فلاخلاله بالمروءة.
وَأما اسْتِقْبَال الشَّمْس وَالْقَمَر فِي الْبَوْل فلكراهة ذَلِك لانهما آيتان عظيمتان مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ، وَقِيلَ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ الَّذين مَعَهُمَا، وَالْمرَاد بالاستقبال اسْتِقْبَال عينهما، فَلَو كَانَ فِي مَكَان مَسْتُور وَلم تكن عينهما بمرأى مِنْهُ بِأَن كَانَ سَاتِرٌ يَمْنَعُ عَنْ الْعَيْنِ وَلَوْ سَحَابًا فَلَا كَرَاهَة، كَمَا إِذا لم يَكُونَا فِي كبد السَّمَاء كَمَا حررته فِي (مِعْرَاج النجاح على نور الايضاح) .
أَقُول: وَمثل لبس الْحَرِير اسْتِعْمَال مَا يحرم شرعا كفضة وَذهب، وَقَوله: أَو إِلَى قبْلَة ظَاهره وَلَو فِي بِنَاء مَعَ أَن الائمة يَقُولُونَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَة فِيهِ، فَالظَّاهِر أَن يُقيد هُوَ وَمَا يعده فِي الصَّحرَاء.
قَوْله: (وطفيلي) يتتبع الدَّعْوَات من غير أَن يَدعِي وَصَارَ عَادَة لَهُ وَإِن أَثم بِمرَّة: أَي بِلَا خلاف كَمَا فِي الْبَحْر.
قَوْله: (ومسخرة) لرفضه الْمُرُوءَة إِن اعْتَادَ ذَلِك واشتهر، ولارتكاب الْمَحْظُورَات غَالِبا بِلَا خلاف كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة.
قَوْله: (ورقاص) وَمِنْه الكوشت والحربية وَالْمَعْرُوف بِالسَّمَاعِ كل ذَلِك حرَام، فَمن اعتاده واشتهر عَنهُ يقْدَح فِي عَدَالَته دون مَا يَقع مِمَّن غلب عَلَيْهِم الْحَال ويفعلون ذَلِك بِدُونِ اخْتِيَار، نفعنا الله تَعَالَى بهم، كَمَا أوضح ذَلِك سَيِّدي الْوَالِد فِي رِسَالَة (شِفَاءُ الْعَلِيلِ وَبَلُّ الْغَلِيلِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بالختومات والتهاليل) .
قَوْله: (وشتام للدابة) مَحْمُول على الاعتياد.
أَفَادَهُ فِي الْهِنْدِيَّة.
قَوْله: (وَفِي بِلَادنَا يشتمون بَائِع الدَّابَّة) فَيجْرِي فِيهِ التَّفْصِيل فِي الاعتياد وَعَدَمه، وَكَثِيرًا مَا يلعنون الدَّابَّة وبائعها فَلَا يجوز لعن الدَّابَّة وَغَيرهَا من الجماد، وَقد ورد التَّصْرِيح بِالنَّهْي عَن اللَّعْن.
قَوْله: (لَا تقبل شَهَادَة الْبَخِيل) ذكره فِي الْهِنْدِيَّة عَن الْمُحِيط.
قَوْله: (يستقصي) بالصَّاد الْمُهْملَة: أَي يُبَالغ.
قَوْله: (فِيمَا يتقرض) وَفِي نُسْخَة يقبض وَهُوَ كَذَلِك فِي الْخُلَاصَة.
وَالَّذِي فِي شرح الْوَهْبَانِيَّة لعبد الْبر(7/564)
والشرنبلالي يقْرض بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة تَحت وَالْقَاف اه ح.
قَوْله: (وَلَا شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ
لِتَعَصُّبِهِمْ) لانهم قوم يتعصبون، فَإِذا نَاب قوم أحد مِنْهُم نائبة أَتَى سيد قومه فَيشفع فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِزُورٍ اه.
وَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
بَحر.
قَالَ الرَّمْلِيّ: قَالَ الْغَزِّي قلت: وَفِي الْخُلَاصَة من كتاب الْقَضَاء: فَإِن عدله اثْنَان وجرح اثْنَان فالجرح أولى، إِلَّا إِذا كَانَ بَينهم تعصب فَإِنَّهُ لَا يقبل جرحهم لَان أصل الشَّهَادَة لَا تقبل عِنْد العصبية فالجرح أولى اه.
وَفِي معِين الْحُكَّام فِي مَوَانِع قبُول الشَّهَادَة قَالَ: وَمن العصبية أَن يبغض الرجل الرجل لانه من بني فلَان أَو من قَبيلَة كَذَا اه.
أَقُول: من التعصب أَن يبغضه لانه من حزب فلَان أَو من أَصْحَابه أَو من أَقَاربه أَو منسوبيه اه.
قَالَ عبد الْحَلِيم فِي حَاشِيَة الدُّرَر: وَلَا يذهب عَلَيْك أَن أَكثر طَائِفَة الْقُضَاة بل الموَالِي فِي عصرنا بَينهم تعصب ظَاهر لاجل المناصب والرتب، فَيَنْبَغِي أَن لَا تقبل شَهَادَة بَعضهم على بعض مَا لم يتَبَيَّن عَدَالَته كَمَا لَا يخفى اه.
قَوْله: (وَلَا مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الخ) أَي اسْتِخْفَافًا لانه لَا يكون أَهلا للشَّهَادَة فَلَا يعْتَمد عَلَيْهِ.
منح، وَتقدم فِي بَاب التَّعْزِير أَن من ارتحل إِلَى مَذْهَب بِدُونِ حَاجَة شَرْعِيَّة يُعَزّر فَكَانَ ذَلِك مَعْصِيّة مُوجبَة لرد شَهَادَته، ولانه لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحَنَفِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِيُزَوَّجَ لَهُ أَخَافُ أَن يَمُوت مسلوب الايمان لاهانته بِالدّينِ بجيفة قذرة.
قنية من كتاب الْكَرَاهِيَة.
وَفِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ مِنْ الْمِنَحِ: وَإِنْ انْتقل إِلَيْهِ لقلَّة مبالاة فِي الِاعْتِقَاد والجرأة عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ كَمَا يتقوله وَيَمِيلُ طَبْعُهُ إلَيْهِ لِغَرَضٍ يَحْصُلُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اه.
فَعُلِمَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَاصٍّ بِانْتِقَالِ الْحَنَفِيِّ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، فَافْهَمْ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْمُتَعَصِّبِينَ فَتَحْرُمَ بَرَكَةُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهدين نفعنا الله تَعَالَى بهم أَجْمَعِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة آمين.
وَتقدم هَذَا الْبَحْثَ مُسْتَوْفًى فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ.
قَوْله: (وَكَذَا بَائِع الاكفان والحنوط) أَي إِذا ابتكر وترصد لذَلِك، أما إِذا كَانَ يَبِيع الثِّيَاب وَيَشْتَرِي مِنْهُ الاكفان تجوز شَهَادَته.
جَامع الْفَتَاوَى وبحر.
وَفِي الْهِنْدِيَّة: إِذا كَانَ الرجل يَبِيع الثِّيَاب المصورة أَو ينسجها لَا تقبل شَهَادَته اه: أَي صُورَة ذِي روح.
قَوْلُهُ: (لِتَمَنِّيهِ الْمَوْتَ) وَإِنْ لَمْ يَتَمَنَّهُ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا تُقْبَلْ.
كَذَا قَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ.
قَالَ الرحمتي: وَيَنْبَغِي
أَن يكون مثله بَائِع الطَّعَام لتمنيه الغلاء والشدة على النَّاس اه.
أَقُول: وَهَذَا أَيْضا إِن لم يتمنه بِأَن كَانَ عدلا تقبل.
قَوْله: (وَكَذَا الدَّلال) أَي فِيمَا عقده لعدم صِحَة الشَّهَادَة على فعل نَفسه أَو مُطلقًا لِكَثْرَة كذبه.
فِي التَّنْقِيح لسيدي الْوَالِد: سُئِلَ فِي شَهَادَة الدَّلال الْعدْل الَّذِي لَا يحلف وَلَا يكذب هَل تقبل؟ الْجَواب نعم إِذا كَانَ كَذَلِك تقبل.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة النخاس، وَهُوَ الدَّلال إِلَّا إِذا كَانَ عدلا لم يكذب وَلم يحلف اه.
وَقدمنَا عَن الْفَتْح أَن أهل الصناعات الدنيئة الاصح أَنَّهَا تقبل كالزبال والحجام لانها تَوَلَّاهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ، فَمَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَادِحُ لَا يَبْنِي على ظَاهر الصِّنَاعَة، وَكَذَا الدلالون(7/565)
والنخاسون، وَيحْتَمل أَن المُرَاد الدَّلال إِذا شهد على البيع، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْهِنْدِيَّة: الوكيلان بِالْبيعِ والدلالان إِذا شَهدا قَالَا نَحن بعنا هَذَا الشئ من فلَان لَا تقبل شَهَادَتهمَا اه.
قَوْله: (وَالْوَكِيل) أَي بِالنِّكَاحِ.
قَوْله: (وَلَو بِإِثْبَات النِّكَاح) أَي لَا تقبل بِإِثْبَات النِّكَاح لانها شَهَادَة على فعله، وَقَوله: لَو بِإِثْبَات النِّكَاح للتمثيل لَا للتَّقْيِيد، وَمثله سَائِر الْعُقُود الَّتِي بَاشَرَهَا لَا يَصح شَهَادَته بهَا إِذا صرح بِأَنَّهُ بَاشَرَهَا وكَالَة، أما إِذا شهد أَنه ملكه أَو فِي إِجَارَته تقبل.
وَفِي بعض نسخ الشَّرْح زِيَادَة وَاو قبل لَو: أَي وَلَو بِإِثْبَات النِّكَاح ترقيا إِذْ هُوَ هُنَا سفير وَهِي الاولى.
قَوْله: (أما لَو شهد أَنَّهَا امْرَأَته تقبل) لانه شهد بِقِيَام النِّكَاح لَا بعقده.
قَوْلُهُ: (وَالْحِيلَةُ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِعِلَّةٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُخْفِيَهَا وَيَشْهَدَ، كَمَا إذَا كَانَ عَبْدًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَو ابْنه أَو نَحْو ذَلِك، فَلْيتَأَمَّل.
سَيِّدي الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى.
أَقُول: وَسَيَأْتِي قَرِيبا عَن الْبَحْر عَن الْمُلْتَقط أَن لشارب الْخمر أَن يشْهد إِذا لم يطلع عَلَيْهِ، وَأَنه لَا يحل لَهُ أَن يهتك ستره بِذكر فسقه وَإِبْطَال حق الْمُدَّعِي.
قَوْله: (بِالنِّكَاحِ) أَي بإثباته، وَلَا يذكر الْوكَالَة: أَي أَن كَانَ وَكيلا فِيهِ.
قَوْلُهُ: (بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا: وَشَهَادَةُ الْوَكِيلَيْنِ أَوْ الدَّلَّالَيْنِ إِذا قَالَا نَحن بعنا هَذَا الشئ، أَوْ الْوَكِيلَانِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْخُلْعِ إذَا قَالَا نَحْنُ فَعَلْنَا هَذَا النِّكَاحَ أَوْ الْخُلْعَ لَا تُقْبَلُ، أَمَّا لَوْ شَهِدَ الْوَكِيلَانِ بِالْبَيْعِ أَوْ النِّكَاحِ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مِلْكُهُ تُقْبَلُ.
وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ: أَنْكَرَ الْوَرَثَةُ النِّكَاحَ فَشَهِدَ رَجُلٌ قَدْ تَوَلَّى الْعَقْدَ وَالنِّكَاحَ يَذْكُرُ النِّكَاحَ وَلَا يذكر
أَنه تولاه انْتَهَت.
قَوْله: (وَمُلَخَّصه) أَي ملخص مَا ذكره المُصَنّف فِي كتاب الاجارة من كِتَابه الْمُسَمّى بالمعين.
قَوْله: (الدلالين والصكاكين) إِذا كَانَ غَالب حَالهم الْفساد لِكَثْرَة الْكَذِب مِنْهُم غَالِبا، أما إِذا غلب عَلَيْهِم الصّلاح فَالصَّحِيح أَنَّهَا تقبل كَمَا فِي الْهِنْدِيَّة، وقدمناه آنِفا.
قَوْله: (والمحضرين والوكلاء المفتعلة على أَبْوَابهم) أَي الْقُضَاة، وَهُوَ مُتَعَلق بِالثَّانِي وَحذف من الاول نَظِيره.
قَالَ ح: الوكلاء المفتعلة الَّذِينَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْقُضَاةِ يَتَوَكَّلُونَ لِلنَّاسِ فِي الْخُصُومَة اه.
قَالَ فَخر الدّين: لما سُئِلَ عَن شَهَادَة أعوان الْحَاكِم والوكلاء على أَبْوَاب الْقُضَاة.
قَالَ: لَا تسمع شَهَادَتهم لانهم ساعون فِي إبِْطَال حق الْمُسْتَحقّين فَهُوَ فسق فَلَا تسمع.
قَوْلُهُ: (وَفِيهَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَتْنًا.
قَوْله: (أخرج من الْوِصَايَة) نَص على المتوهم، لانه إِذا لم يخرج فشهادته للْمَيت بدين أَو غَيره بَاطِلَة سَوَاء كَانَت الْوَرَثَة كبارًا أَو صغَارًا، وَلَو شهد على الْمَيِّت بدين قبلت على كل حَال.
هندية.
قَوْله: (بعد قبُولهَا) أما إِذا لم يقبل بعد موت الْمُوصي وَلم يرد فَشهد فَالْقَاضِي يَقُول لَهُ أتقبل الْوِصَايَة؟ فَإِن قبل أبطلها، وَإِن رد أمضاها، وَإِن لم يخبر بشئ توقف القَاضِي.
ملتقط.
قَوْله: (للْمَيت) وَلَا للْيَتِيم.
هندية.
قَوْله: (أبدا) أَي وَإِن لم يُخَاصم.
هندية.
قَوْله: (وَكَذَا الْوَكِيل) أَي شَهَادَة الْوَكِيل(7/566)
للْمُوكل.
قَوْله: (فَكَذَلِك) أَي لَا تقبل عِنْد أبي يُوسُف وَتقبل عِنْد الامام وَمُحَمّد.
كَذَا فِي الذَّخِيرَة.
وَإِنَّمَا اقْتصر الْمُؤلف على قَول الثَّانِي لما قيل إِن الْفَتْوَى وَالْقَضَاء على قَوْله فِي الْوَقْف وَالْقَضَاء ط.
قَوْله: (ومدمن الشّرْب) قَالَ فِي النِّهَايَة معزيا إِلَى الذَّخِيرَة: أَرَادَ بِهِ الادمان فِي النِّيَّة: يَعْنِي يشرب وَمن نِيَّته أَن يشرب بعد ذَلِك إِذا وجده.
قَالَ الرَّمْلِيّ فِي حَاشِيَة الْمنح: بِخِلَاف مَا إِذا أقلع عَنهُ فَإِنَّهُ فَاسق تَابَ فَتقبل شَهَادَته اه.
فَإِذا تمّ هَذَا فَلَا فرق بَين الْخمر وَغَيره، لانه وَإِن كَانَ بقطرة مِنْهَا ارْتكب الْكَبِيرَة وَترد شَهَادَته، لَكِن بِالتَّوْبَةِ يَزُول فسقه وَيعود عدلا وَتقبل شَهَادَته، لَكِن لَا تتمّ بِالتَّوْبَةِ بِمُجَرَّد نِيَّة عدم الشّرْب، بل لَا بُد من النَّدَم والاقلاع فِي الْحَال والعزم على أَن لَا يعود.
وَإِذا علمت معنى الادمان وَأَن غير المدمن تائب بِأَنَّهُ قد أقلع عَنهُ وَنوى أَن لَا يعود إِلَيْهِ سقط هَذَا الْكَلَام كُله، لَان التائب تقبل شَهَادَته سَوَاء تَابَ عَن الصَّغِيرَة أَو الْكَبِيرَة.
أَقُول: لَكِن قدمنَا عَن الْفَتْح عِنْد الْكَلَام على النائحة أَن تَفْسِير الادمان بِالنِّيَّةِ أَمر خَفِي لَا يصلح أَن يكون مدارا لعدم قبُول الشَّهَادَة.
فَتَأمل.
قَوْله: (لَان بقطرة مِنْهَا) فِيهِ حذف اسْم أَن.
قَوْله: (يرتكب الْكَبِيرَة) لانه يحرم قليلها وكثيرها، والقليل يُطلق على القطرة بالاجماع، خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم يَقُولُونَ بِإِبَاحَة الْقَلِيل.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّهُ جُحُودُ للْكتاب فَإِنَّهُ سَمَّاهُ رِجْسًا.
وَالرِّجْسُ: مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ، وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَآله حَرَّمَ الْخَمْرَ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأَمَةِ، وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخمر، ولانه لَو أقرّ بِشرب قَطْرَة وَاحِدَة يلْزمه الْحَد كَمَا قرر فِي مَحَله.
قَوْله: (فَترد شَهَادَته) أَي من غير إدمان، هَذَا مُخَالف لما فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِنَّمَا شَرط الادمان ليَكُون ذَلِك ظَاهرا مِنْهُ، فَإِن من شرب الْخمر سرا وَلَا يظْهر مِنْهُ ذَلِك لَا يخرج من أَن يكون عدلا وَإِن شربهَا كثيرا وَإِنَّمَا تسْقط عَدَالَته إِذا كَانَ ذَلِك يظْهر مِنْهُ أَو يخرج سَكرَان فتلعب بِهِ الصّبيان فَإِنَّهُ لَا مُرُوءَة لمثله وَلَا يحْتَرز عَن الْكَذِب عَادَة، وَكَذَا مَنْ يَجْلِسُ مَجْلِسَ الْفُجُورِ وَالْمَجَانَةِ فِي الشُّرْبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ.
وَفِي فَتَاوَى قاضيخان: لَا تقبل شَهَادَة مدمن الْخمر وَلَا مدمن السكر لانه كَبِيرَة.
وَفِي الذَّخِيرَة: لَا تقبل شَهَادَة مدمن الْخمر.
زَيْلَعِيّ وعيني.
وَفِي النِّهَايَة: الادمان شَرط فِي الْخمر أَيْضا فِي حق سُقُوط الْعَدَالَة اه.
فَهَذِهِ نقُول صَرِيحَة فِي عدم الْفرق فِي اشْتِرَاط الادمان بَين الْخمر وَغَيره، فَمَا ذكره الشَّرْح تبعا لصَاحب الْبَحْر لَا يعول عَلَيْهِ.
أَبُو السُّعُود.
وَقد تقدم أَنه يشْتَرط الاشتهار فِي كل من أَتَى بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر.
ط بِزِيَادَة.
أَقُول: وَكَذَلِكَ صحّح شَرط الادمان فِي شرب الْخمر لسُقُوط الْعَدَالَة.
البرجندي وَصَاحب التَّتِمَّة، وَعَلِيهِ كَلَام الدُّرَر حَيْثُ عمم الشّرْب شرب الْخمر والعرقي والوزج وَنَحْوهَا كَمَا فِي عبد الْحَلِيم.
قَوْله: (وَمَا ذكره ابْن الْكَمَال) من أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا يُسْقِطُ الْعَدَالَة إِلَّا بالاصرار عَلَيْهِ.
قَوْله: (كَمَا حَرَّره فِي الْبَحْر) قَالَ فِيهِ: وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ: أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بكبيرة فَلَا تسْقط الْعَدَالَة إِلَّا بالادمان عَلَيْهِ.(7/567)
قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ بِنَفْسِ الشُّرْبِ، لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لم يثبت بِنَصّ قَاطع إِلَّا إِذا داوم على ذَلِك اه.
وَهُوَ غلط من ابْن الْكَمَال لما قدمْنَاهُ عَن الْمَشَايِخ من التَّصْرِيح بِأَن شربهَا كَبِيرَة، ولمخالفتها للْحَدِيث الْمَشْهُور فِي الْكَبَائِر أَنَّهَا سبع، وَذكر مِنْهَا شرب الْخمر اه.
بل إِنَّمَا شَرط الادمان عَلَيْهَا للاشتهار لَا لانها صَغِيرَة، لَان الشَّهَادَة لَا ترد إِلَّا بالادمان وظهوره بالاشتهار.
وَأما مُجَرّد الشّرْب مَعَ قطع النّظر عَن سُقُوط الشَّهَادَة فقد علمت أَنه كَبِيرَة وَلَو بقطرة، فَلَو تغفل.
قَالَ السائحاني: أَقُول: نِسْبَة الْغَلَط إِلَى هَذَا الْهمام فِي الْفرق بَين شَرط الادمان للخمر وَغَيره من الاشربة غير مسلمة لما صرح قاضيخان فِي فَتَاوَاهُ.
وَعبارَته: وَلَا تقبل شَهَادَة مدمن الْخمر وَلَا مدمن السكر لانها كَبِيرَة، وَإِنَّمَا شَرط الادمان ليظْهر ذَلِك عِنْد النَّاس، فَإِن من اتهمَ بِشرب الْخمر فِي بَيته لَا تبطل عَدَالَته وَإِن كَانَت كَبِيرَة، وَإِنَّمَا تبطل إِذا ظهر ذَلِك أَو يخرج سَكرَان يسخر مِنْهُ الصّبيان، لَان مثله لَا يحْتَرز عَن الْكَذِب.
وَذكر الْخصاف رَحمَه الله تَعَالَى أَن شرب الْخمر يبطل الْعَدَالَة.
وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى: مَا لم يظْهر ذَلِك يكون مَسْتُور الْحَال اه.
وَفِي الْمَقْدِسِي: وَمُحَمّد شَرط الادمان وَهُوَ الصَّحِيح.
نعم إِذا حمل الْغَلَط على قَول ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ يظْهر لما قدمْنَاهُ قَرِيبا من أَن شرب قَطْرَة مِنْهُ كَبِيرَة.
وَفِي الْبَدَائِع: شرب الْخمر أَحْيَانًا للتقوي لَا للتلهي يكون عدلا، وَعَامة الْمَشَايِخ لَا يكون عدلا لَان شرب الْخمر كَبِيرَة مَحْضَة اه.
قَوْله: (قَالَ وَفِي غير الْخمر) قد علمت أَنَّهَا يشْتَرط فِيهَا أَيْضا.
قَوْله: (يشْتَرط الادمان) قدمنَا أَنه اخْتلف فِي الادمان هَل هُوَ فِي الْفِعْل أَو النِّيَّة على قَوْلَيْنِ محكيين فِيهِ؟ وَفِي الاصرار، قَالَ ابْن كَمَال: إِن الادمان بالعزم أَمر خَفِي لَا يصلح أَن يكون مدارا لعدم قبُول الشَّهَادَة، ومحصله أَن ابْن الْكَمَال يمِيل إِلَى تَرْجِيح اشْتِرَاط الادمان بِالْفِعْلِ لَا بِالنِّيَّةِ، فَرَاجعه.
قَوْله: (على اللَّهْو) أَي لاجل اللَّهْو: أَي وَهُوَ مَعْرُوف، وَأَصله ترويح النَّفس بِمَا لَا تَقْتَضِيه الْحِكْمَة.
بَحر عَن الْمِصْبَاح، وَالْمرَاد بِهِ أَن لَا يكون للتداوي فَيدْخل فِي اللَّهْو الشّرْب للاعتياد.
قَالَ فِي الْبَحْر: فَأطلق اللَّهْو على المشروب، وَظَاهره أَنه لَا بُد من الادمان فِي حق الْخمر أَيْضا.
قَالَ فِي الْمنح: هُوَ خلاف الظَّاهِر من الْعبارَة، لَان الظَّاهِر مِنْهَا أَن معنى مدمن الشّرْب: أَي مداوم
شرب الْخمر على اللَّهْو.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: أَي مداوم شرب الْخمر لاجل اللَّهْو لَان شربهَا كَبِيرَة.
وَقَالَ منلا خسرو: ومدمن الشّرْب: أَي شرب الاشربة الْمُحرمَة، فَإِن إدمان شرب غَيرهَا لَا يسْقط الشَّهَادَة مَا لم يكن على اللَّهْو اه.
فَأفَاد كَلَامه أَن الشّرْب على اللَّهْو إِنَّمَا هُوَ شَرط فِي غير الاشربة الْمُحرمَة، أما فِيهَا فَلَا يشْتَرط، وَهَذَا يُوَافق كَلَام صَاحب الْبَحْر.
وَالظَّاهِر أَن هَذَا هُوَ الَّذِي أحوجه إِلَى ذكره من حمل اللَّهْو فِي كَلَام الْكَنْز على المشروب، وَهُوَ مُخَالف لكَلَام الزَّيْلَعِيّ، فَإِنَّهُ جعله شرطا فِي الْخمر أَيْضا، وَرُبمَا يُنَاسِبه كَلَام الشَّارِح هُنَا، وَالظَّاهِر خِلَافه لَان شرب الْخمر كَبِيرَة ترد الشَّهَادَة بهَا سَوَاء شربت على اللَّهْو أم لَا، وَظَاهر كَلَامهم أَنه لابد من الادمان فِي حق الْخمر أَيْضا.
وَأما إدمان شرب غير الْمحرم لَا يسْقط الشَّهَادَة مَا لم يكن على اللَّهْو، فَجعل اللَّهْو قيدا للشُّرْب وَحمله على شرب غير الْمُحرمَة هُوَ الَّذِي يظْهر كَمَا يظْهر لي من كَلَامهم، وَالله تَعَالَى الْمُوفق.
قَوْله: (لشُبْهَة الِاخْتِلَاف) قَالَ فِي الْبَحْر: فِي قَوْله على اللَّهْو إِشَارَة إِلَى أَنه لَو شربهَا للتداوي لم تسْقط عَدَالَته لَان للِاجْتِهَاد فِيهِ مساغا اه.
قَالَ ط: والاصح الْحُرْمَة.
نعم لَو شرب لغصة شئ فِي حلقه وَنَحْوه مِمَّا ينفسه لَا محَالة كَانَ مُبَاحا.
قُهُسْتَانِيّ.(7/568)
وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ: لَا تسْقط عَدَالَة أَصْحَاب المروءات بالشرب مَا لم يشْتَهر.
وَفِي الظَّهِيرِيَّة: من سكر من النَّبِيذ بطلت عَدَالَته فِي قَول الْخصاف لَان السكر حرَام عِنْد الْكل.
وَقَالَ مُحَمَّد: لَا تبطل عَدَالَته إِلَّا إِذا اعْتَادَ ذَلِك اه.
قَالَ فِي الْبَحْر: وَهُوَ عَجِيب من مُحَمَّد لانه قَالَ بِحرْمَة قَلِيله وَلم يُسْقِطهَا بكثيرة، وَظَاهره أَنه يَقُول بِأَن السكر مِنْهُ صَغِيرَة فَشرط الاعتياد اه.
قَالَ سَيِّدي الْوَالِد: قَوْله وَهُوَ عَجِيب من مُحَمَّد الخ فِيهِ نظر ظَاهر يعلم مِمَّا قدمه عَن الصَّدْر الشَّهِيد من أَن الادمان على شرب الْخمر شَرط لسُقُوط الْعَدَالَة عِنْد مُحَمَّد مَعَ أَنه مِمَّن يَقُول بِأَن مُجَرّد شرب الْخمر وَلَو بِدُونِ إدمان وإسكار، وَلِهَذَا قَالَ الْمَقْدِسِي: وَإِنَّمَا فعل ذَلِك مُحَمَّد: يَعْنِي حَيْثُ اشْتِرَاط الاعتياد على السكر من النَّبِيذ للِاحْتِيَاط فَمنع الْقَلِيل: يَعْنِي من الْمُسكر، وَلم يسْقط الْعَدَالَة إِلَّا إِذا اعْتَادَ وَلم يكتف بِالْكَثْرَةِ اه.
فَإِن قلت: لم اشْترط الادمان فِي الشّرْب دون غَيره مِمَّا يُوجب الْحَد؟ قلت: ذكر البرجندي أَن الْوُقُوع فِي الشّرْب أَكثر من الْوُقُوع فِي غَيره، فَلَو جعل مُجَرّد الشّرْب مسْقطًا للعدالة أدّى إِلَى الْحَرج(7/569)
تَكْمِلَة حَاشِيَة رد الْمُحْتَار - ابْن عابدين (عَلَاء الدّين) ج 2
تَكْمِلَة حَاشِيَة رد الْمُحْتَار
ابْن عابدين (عَلَاء الدّين) ج 2(7/)
حَاشِيَة قُرَّة عُيُون الاخيار تَكْمِلَة رد الْمُحْتَار على الدّرّ الْمُخْتَار فِي فقه مَذْهَب الامام أبي حنيفَة النُّعْمَان لسيدي مُحَمَّد عَلَاء الدّين أفندى نجل الْمُؤلف
طبعة منقحة مصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات
الْجُزْء الثَّامِن دَار الْفِكر للطباعة والنشر والتوزيع(8/1)
جَمِيع حُقُوق اعادة الطَّبْع مَحْفُوظَة للناشر 1415 هـ / 1995 م دَار الْفِكر بيروت - لبنان دَار الْفِكر: حارة حريك - شَارِع عبد النُّور - برقيا: فكسى - تلكس: 41391 فكر ص.
ب 7061 / 11 - تلفون: 643681 - 8378053 - 837898 - دولي: 860962 فاكس: 2124187875 - 001(8/2)
كتاب الدَّعْوَى
لَا يخفى مناسبتها للخصومة: أَي لما اقْتضى كَون الْعَزْل معقبا للوكالة تَقْدِيم بَاب عزل الْوَكِيل فتأخرت الدَّعْوَى عَن الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ عَنهُ.
وَوجه مناسبتها لَهُ أَن الْخُصُومَة شرعا: هِيَ الدَّعْوَى وَالْجَوَاب عَنْهَا، فَكَانَ ذكرهَا بعد الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ من قبيل التَّفْصِيل بعد الاجمال.
قَوْله: (قَول الخ) ظَاهره يَشْمَل الشَّهَادَة إِلَّا أَن يكون تعريفا بالاعم، فَإِن أُرِيد إِخْرَاج الشَّهَادَة يُزَاد لنَفسِهِ.
قَوْله: (إِيجَاب حق على غَيره) أَي ن غير تَقْيِيد بمنازعة وَلَا مسالمة.
حموي.
وَلَا تعرض فِيهِ إِلَى الدّفع عَن حق نَفسه، والمصدر الادعاء وَهُوَ افتعال من ادّعى وَالدَّعْوَى اسْم مِنْهُ، وَتطلق على دَعْوَى الْحَرْب، وَهِي أَن يُقَال يَا لفُلَان، وَكَذَا الدعْوَة والدعاوة بِالْفَتْح وَالْكَسْر اسمان مِنْهُ، والدعوة بِالْفَتْح أَيْضا الْمرة وَالْحلف وَالدُّعَاء إِلَى الطَّعَام وتضم وبالكسر فِي النّسَب ط.
وَقيل الدَّعْوَى فِي اللُّغَة: قَول يقْصد بِهِ الانسان إِيجَاب الشئ على غَيره، إِلَّا أَن اسْم الْمُدَّعِي يتَنَاوَل من لَا حجَّة لَهُ فِي الْعرف وَلَا يتَنَاوَل من لَهُ حجَّة، فَإِن القَاضِي يُسَمِّيه مُدعيًا قبل إِقَامَة الْبَيِّنَة وَبعدهَا يُسَمِّيه محقا لَا مُدعيًا، وَيُقَال لمُسَيْلمَة الْكذَّاب مدعي النُّبُوَّة لانه قد أثبتها بالمعجزة.
قَوْله: (وألفها للتأنيث) هِيَ لُغَة بعض الْعَرَب، وَبَعْضهمْ يؤنثها بِالتَّاءِ.
مِصْبَاح.
قَوْله: (جزم فِي الْمِصْبَاح الخ) قَالَ بَعضهم: الْكسر أولى وَهُوَ الْمَفْهُوم من كَلَام سِيبَوَيْهٍ، لانه ثَبت أَن مَا بعد ألف الْجمع لَا يكون إِلَّا مكسورا، وَأما فَتحه فَإِنَّهُ مسموع لَا يُقَاس عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعضهم: الْفَتْح أولى لَان الْعَرَب آثرت التَّخْفِيف ففتحت ح.
قَوْله: (فيهمَا) أَي فِي الدَّعَاوَى والفتاوى ح.
قَوْله: (مُحَافظَة على ألف التَّأْنِيث) أَي الَّتِي يبْنى عَلَيْهَا الْمُفْرد، وَالظَّاهِر أَنه سَاقِط لفظ وَفتحهَا بعد قَوْله بِكَسْرِهَا كَمَا هُوَ صَرِيح عبارَة الشُّرُنْبُلَالِيَّة والمصباح، أَو يُقَال: إِنَّمَا جزم صَاحب الْمِصْبَاح بِفَتْحِهَا أَيْضا مُحَافظَة الخ فَلَا يسْقط.
تَأمل.
قَوْله: (وَشرعا قَول) أَي إِن قدر عَلَيْهِ، وَإِلَّا فتكفي كِتَابَته.
قَالَ فِي خزانَة الْمُفْتِينَ: وَلَو كَانَ الْمُدَّعِي عَاجِزا عَن الدَّعْوَى عَن ظهر الْقلب يكْتب دَعْوَاهُ فِي صحيفَة وَيَدعِي بهَا فَتسمع دَعْوَاهُ.
اهـ.
قَوْله: (عِنْد القَاضِي) أَي فَلَا تسمع هِيَ وَلَا الشَّهَادَة إِلَّا بَين يَدي الْحَاكِم.
بَحر.
وَأَرَادَ بِالْقبُولِ الملزم فَخرج غَيره كَمَا يَأْتِي.
أَقُول: وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُحكم كَالْقَاضِي فِيمَا يجوز بِهِ التَّحْكِيم بِشُرُوطِهِ فَإِنَّهُ شَرط كَمَا فِي الِاخْتِيَار وَنبهَ عَلَيْهِ الشَّارِح فِي شَرحه عَن الْمُلْتَقى.(8/3)
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة بعد أَن ذكر القَاضِي قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يكون الْمُحكم كَذَلِك لانه يلْزم الْخصم بِالْحَقِّ وَيُخَلِّصهُ اهـ.
وَأَقُول: قد صدر الامر السلطاني الْآن بنفاذ حكم الْمُحكم إِذا رفع للْحَاكِم الشَّرْعِيّ وَكَانَ مُوَافقا نفذه كَمَا فِي كتاب الْقَضَاء من مجلة الاحكام العدلية.
قَوْله: (يقْصد بِهِ طلب حق) أَي مَعْلُوم قبل غَيره.
هَذَا التَّعْرِيف خَاص بِدَعْوَى الاعيان والديون، فَخرج عَنهُ دَعْوَى إِيفَاء الدّين والابراء عَنهُ.
بَحر.
ورده الْعَلامَة الْمَقْدِسِي بِأَن هَذَا إِنَّمَا يكون من جَانب الْمُدعى عَلَيْهِ لدفع الدَّعْوَى: أَي فَلَيْسَ بِدَعْوَى.
وَأَيْضًا إِذا علم أَن الدُّيُون نفضى بأمثالها فالايفاء دَعْوَى دين والابراء دَعْوَى تِلْكَ معنى.
اهـ.
وَقَوله طلب حق يُفِيد أَنه حَال الْمُنَازعَة، فَخرج الاضافة حَال الْمَسْأَلَة فَإِنَّهَا دَعْوَى لُغَةً لَا شَرْعًا.
وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ: عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَقُولُ هُوَ لَيْسَ لِي وَلَيْسَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ لَا يَصح نَفْيه، فَلَو ادَّعَاهُ بعده لِنَفْسِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مُنَازِعٌ فَهُوَ إِقْرَار بِالْملكِ للمنازع، فَلَو ادَّعَاهُ بعد ذَلِك لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يكون إِقْرَار بِالْملكِ لَهُ.
اهـ.
بَحر.
أَقُولُ: كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ مَفْرُوضٌ فِي كَوْنِ النَّفْيِ إقْرَارًا لِلْمُنَازِعِ أَوْ لَا، وَلَيْسَ فِيهِ دَعْوَاهُ الْملك لنَفسِهِ حَالَة المسالمة.
قَوْله: (خرج الشَّهَادَة) فَإِنَّهَا وَإِن كَانَت قولا مَقْبُولًا إِلَّا أَنه يقْصد بِهِ إِثْبَات حق للْغَيْر.
قَوْله: (والاقرار) أَي وَكَذَا الاقرار.
وَأورد على التَّعْرِيف يَمِين الِاسْتِحْقَاق، فَإِنَّهُ قَول مَقْبُول يقْصد بِهِ طلب حق قبل الْغَيْر.
وَأجِيب بِأَنَّهُ خرج بِالطَّلَبِ فَإِن المُرَاد بِهِ طلب خَاص وَهُوَ مَا كَانَ بِلَفْظ الدَّعْوَى وَنَحْوه ط.
قَوْله: (أَوْ دَفْعَهُ) أَيْ دَفْعَ الْخَصْمِ عَنْ حَقِّ نَفسه.
زَاد الباقاني فِي الْحَد بعد دَعْوَى صَحِيحَة لينطبق على الْمَحْدُود.
اهـ.
وَعطفه بِأَو التويعية إِشَارَة إِلَى أَن الدَّعْوَى نَوْعَانِ، وَالْقَصْد بِهِ الادخال فَلَا اعْتِرَاض بِإِدْخَال أَو فِي التَّعْرِيف
قَوْله: (دخل دَعْوَى دفع التَّعَرُّض) أَي بقوله أَو دَفعه وَهُوَ أَن يَدعِي كل مِنْهُمَا أَرضًا أَنَّهَا فِي يَده وَبرهن أَحدهمَا على دَعْوَاهُ فَكَانَ مُدعيًا دفع تعرض الآخر حَيْثُ أثبت بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهَا فِي يَده وَالْبَيِّنَة
لَا تقبل إِلَّا بعد صِحَة الدَّعْوَى فَعلمنَا صِحَة دَعْوَى دفع التَّعَرُّض.
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّة: وَالْفَتْوَى على أَن دَعْوَى دفع التَّعَرُّض صَحِيحَة، فَإِنَّهُ ذكر فِي الْجَامِع الصَّغِير: أَرض يدعيها رجلَانِ كل يَقُول فِي يَدي لَا يقْضى بِالْيَدِ لوَاحِد مِنْهُمَا، وَلَو أَحدهمَا بِالْيَدِ لآخر لَا يقْضى لَهُ بِهِ، وَلَو برهن أَحدهمَا بِالْيَدِ بقضى لَهُ بِالْيَدِ لانه قَامَ على خصم لنزاعه مَعَه فِي الْيَد، دلّ على أَن دَعْوَى دفع التَّعَرُّض مسموعة لعدم ثُبُوت الْيَد للْآخر.
اهـ.
أَفَادَهُ الرحمتي، لَكِن صورها الطَّحْطَاوِيّ بقوله أَن يَقُول إِن فلَانا يتَعَرَّض لي فِي كَذَا بِغَيْر حق وأطالبه بِدفع التَّعَرُّض فَإِنَّهَا تسمع فينهاه القَاضِي عَن التَّعَرُّض لَهُ بِغَيْر حق، فَمَا دَامَ لَا حجَّة لَهُ فَهُوَ مَمْنُوع عَن التَّعَرُّض، فَإِذا وجد حجَّة تعرض بهَا اهـ.
قَالَ الْحَمَوِيّ نَاقِلا عَن بعد الْفُضَلَاء: لانه وَقع عِنْده تردد فِيمَا إِذا سمع القَاضِي دَعْوَى دفع التَّعَرُّض وَمنع الْخصم من معارضته بعْدهَا هَل يكون قَضَاء مِنْهُ مَانِعا للخصومة من الْمقْضِي عَلَيْهِ فِي(8/4)
الْحَادِثَة الْمُتَنَازع فِيهَا أم لَا؟ فَإِن كَانَ مَانِعا ظهر نتيجة، وَإِذا لم يكن مَانِعا فَأَي فَائِدَة فِيهِ، وَلم أر من صرح بذلك اهـ.
أَقُول: فَائِدَته فِيمَا يظْهر عدم سَماع ذَلِك القَاضِي مِنْهُ دَعْوَى التَّعَرُّض قبل وجود الْحجَّة مَعَه.
وَاعْلَم أَن النزاع والتعرض متقاربان، لَكِن إِن أُرِيد بالتعرض أَن يكون بِغَيْر حق بل مُجَرّد أذية وَأُرِيد بالنزاع أَن يكون بمستند يتَوَهَّم وجوده فَالْفرق ظَاهر.
قَوْله: (بِخِلَاف دَعْوَى قطع النزاع) أَي بَينه وَبَين غَيره، حَقِيقَته أَن يَأْتِي بشخص للْقَاضِي وَيَقُول هَذَا يَدعِي عَليّ دَعْوَى، فَإِن كَانَ لَهُ شئ فليبينه، وَإِلَّا يشْهد على نَفسه بالابراء، وَهَذَا غير صَحِيح.
وَهَذِه الدَّعْوَى غير مسموعة لَان الْمُدَّعِي من إِذا ترك ترك.
قَالَ فِي الْبَحْر: سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ الدَّعْوَى بِقَطْعِ النِّزَاعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
فَأَجَابَ: لَا يُجْبَرُ الْمُدَّعِي على الدَّعْوَى لَان الْحق لَهُ.
اهـ.
وَالَّذِي رَأَيْته فِي عبارَة قَارِئ الْهِدَايَة: سُئِلَ إِذا ادّعى شخص على آخر أَنه يقطع النزاع بَينه وَبَينه: إِن كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حق أَو مُطَالبَة يَدعِي بِهِ ويطالبه، وَإِن كَانَ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ حق يشْهد عَلَيْهِ أَنه لَا
يسْتَحق عَلَيْهِ شَيْئا من الْحُقُوق والدعاوى والطلبات، فَهَل تسمع هَذِه الدَّعْوَى من الْمُدَّعِي أم لَا؟ أجَاب لَا يجب عَلَيْهِ أَن يَدعِي عَلَيْهِ لَان الْحق لَهُ، إِن شَاءَ طلبه وَإِن شَاءَ تَركه اهـ.
وَهِي الَّتِي عناها الشَّارِح بقوله سراجية أَي فَتْوَى سراج الدّين قَارِئ الْهِدَايَة، وَهَذَا بِخِلَاف دَعْوَى دفع التَّعَرُّض كَمَا علمت، لَان ذَلِك يَقُول هَذِه الارض فِي يَدي وَهَذِه الْبَيِّنَة تشهد لي بهَا وَهَذَا يَدعِي أَنَّهَا لَهُ وَفِي يَده وَلَا بَيِّنَة لَهُ على دَعْوَاهُ فَأُرِيد أَن لَا يتَعَرَّض لي لاني أثبت أَنِّي ذُو يَد دونه.
قَوْله: (وَهَذَا الخ) يَعْنِي لما عرفنَا أَن الدَّعْوَى قَول مَقْبُول يقْصد بِهِ طلب حق، فَإِن أردنَا بِالْحَقِّ الامر الوجودي كَأَن يَقُول هَذَا المَال لي أُرِيد أَن يُسلمهُ إِلَيّ بَقِي من أَنْوَاع الدَّعْوَى دَعْوَى دفع التَّعَرُّض فيزاد أَو دَفعه عَنهُ حق نَفسه، وَإِن أَرَادَ بِالْحَقِّ أَعم من الوجودي وَهُوَ مَا تقدم وَمن العدمي وَهُوَ أَن يَقُول هَذَا لَا حق لَهُ فِي مَالِي لاني أثبت أَنِّي ذُو يَد وَأطلق أَن لَا يتَعَرَّض لي بِغَيْر حق وَعدم تعرض حق لكنه عدمي فيستغني عَن هَذِه الزِّيَادَة وَهُوَ قَوْله أَو دَفعه.
قَوْله: (الامر الوجودي) فَلَا يَشْمَل العدمي كالدفع فَيحْتَاج إِلَى زِيَادَته لادخاله فِي تَعْرِيف الدَّعْوَى، وَالْمرَاد بالعدمي مَا يَشْمَل الِاعْتِبَار، فَإِن الدّفع لَيْسَ عدميا لَان المُرَاد بِهِ كَفه عَن الْمُنَازعَة ط.
قَوْله: (لهَذَا الْقَيْد) أَي فيستغني فِي التَّعْرِيف عَن هَذَا الْقَيْد وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ دَفْعُهُ فَإِنَّهُ فَصْلٌ قَصَدَ بِهِ الادخال والفصل بعد الْجِنْس قيد، فَافْهَم.
والاوضح أَن يَقُول لم يحْتَج إِلَى زِيَادَة أَو دَفعه.
قَوْله: (وَالْمُدَّعِي الخ) اسْم فَاعل من ادّعى يَدعِي أَصله متدعي لَان ثلاثية دُعَاء فَنقل إِلَى بَاب الافتعال فَصَارَ اتدعى وقلبت التَّاء دَالا وأدغمت الدَّال فِي الدَّال فَصَارَ ادّعى، وَكَذَلِكَ فِي بَاب التَّصَرُّفَات من الْمُضَارع والامر والمصدر، وَإِنَّمَا أبدلت التَّاء دَالا وَلم يعكس لانها من المهموسة وَالدَّال من المهجورة، فالاقوى لَا يتَحَوَّل إِلَى الضَّعِيف.
تَتِمَّة: لما كَانَ قَوْله وَالْمُدَّعِي الخ للاغلب من المتنازعين فعلا احْتَرز عَنهُ فِي الدُّرَر بقوله من المتنازعين قولا، وَلما كَانَ هَذَا متناولا للمتنازعين فِي المباحث احْتَرز عَنهُ بقوله فِي الْحق: أَي حق العَبْد.
اهـ.(8/5)
قَالَ شَيخنَا: يُوضحهُ أَنه إِذا تضاربا وَكَانَ الظَّاهِر أَحدهمَا فَإِنَّهُ يُطلق عَلَيْهِ مُدع مَعَ أَنه إِذا ترك لَا يتْرك فَاحْتَاجَ إِلَى إِخْرَاجه بقوله من المتنازعين قولا.
اهـ.
أَبُو السُّعُود.
وَالْحَاصِل: أَن طَالب الْحق يُسمى مُدعيًا والطالب إِذا ترك لَا يتَعَرَّض لَهُ، وَالْمَطْلُوب هُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التّرْك حَتَّى يسلم مَا عَلَيْهِ.
قَوْله: (من إِذا ترك ترك أَي لَا يجْبر عَلَيْهَا لَان حق الطّلب لَهُ، فَإِذا تَركه لَا سَبِيل عَلَيْهِ.
عَيْني.
أَقُول: وَهَذَا أحسن مَا قيل فِيهِ.
وَقَالَ مُحَمَّد فِي الاصل: قيل الْمُدعى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنكر وَالْآخر الْمُدَّعِي.
قَالَ الزَّيْلَعِيّ: وَهَذَا صَحِيح غير أَن التَّمْيِيز بَينهمَا يحْتَاج إِلَى فقه وحدة ذكاء، إِذْ الْعبْرَة للمعاني دون الصُّور والمباني، ولان الْكَلَام قد يُوجد من الشَّخْص فِي صُورَة الدَّعْوَى، وَهُوَ إِنْكَار معنى كَالْمُودعِ إِذا ادّعى أَدَاء الْوَدِيعَة أَو هلاكها فَإِنَّهُ مُدع صُورَة ومنكر لوُجُوب الضَّمَان معنى، وَلِهَذَا يحلفهُ القَاضِي إِذا ادّعى رد الْوَدِيعَة أَو لهلاكها أَنه لَا يلْزمه رده وَلَا ضَمَان، وَلَا يحلفهُ أَنه رده لَان الْيَمين أبدا تكون على النَّفْي كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة.
قَوْله: (وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَي ملتبس بمخالفته، وَهُوَ من إِذا ترك لَا يتْرك بل يجْبر على الْخُصُومَة إِذا تَركهَا وَهَذَا فرق صَحِيح.
حموي.
قَالَ الْقُهسْتَانِيّ: فَلَا يشكل بوصي الْيَتِيم فَإِنَّهُ مدعى عَلَيْهِ معنى فِيمَا إِذا أجْبرهُ القَاضِي على الْخُصُومَة للْيَتِيم، وَإِنَّمَا عرفهَا بذلك وَعدل عَمَّا يَقْتَضِي التَّعْرِيف إِشَارَة إِلَى اخْتِلَاف الْمَشَايِخ فيهمَا.
وَقيل الْمُدَّعِي من يخبر بِحَق لَهُ على غَيره، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يخبر بِأَن لَا حق لغيره عَلَيْهِ.
وَقيل الْمُدَّعِي من يلْتَمس خلاف الظَّاهِر، وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يتَمَسَّك بِالظَّاهِرِ.
اهـ.
وَقيل الْمُدَّعِي من لَا يسْتَحق إِلَّا بِحجَّة كالخارج وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يسْتَحق بقوله بِلَا حجَّة كذي الْيَد.
قلت: وَهَذَا تَعْرِيف بالحكم فِيهِ دور.
وَأَصَح مَا ذكر فِيهِ الَّذِي مَشى عَلَيْهِ المُصَنّف.
قَوْله: (فَلَوْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلٌّ فِي مَحَلَّةٍ) أَي بخصوصها وَلَيْسَ قَضَاؤُهُ عَاما، وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْجَبْرَ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى لَا فِيمَنْ يَدَّعِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَالتَّفْرِيعُ لَا يظْهر، وَفِي بعض النّسخ بِالْوَاو بدل الْفَاء.
قَوْله: (فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِهِ يُفْتَى.
بَزَّازِيَّةٌ) لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ.
وَعِبَارَتُهَا كَمَا فِي الْمِنَحِ: قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ طَلَبَ كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يذهب إِلَى قَاض فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
اهـ.
وَفِي الْمِنَحِ قُبِلَ هَذَا عَنْ الْخَانِيَّةِ قَالَ: وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَالْآخَرُ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَالْآخَرُ يَأْبَى ذَلِكَ، اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أهل الْعَسْكَر وَالْآخر من أهل الْبَلدة اهـ.
وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ فَيُعْتَبَرُ قَاضِيهِ، وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافع لَهَا اهـ.
وَبَيَان التَّعْلِيل كَمَا قَالَ الرَّمْلِيّ إِن عِنْد أبي يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى الْمُدَّعِي إِذا ترك فَهُوَ منشئ، فَيتَخَيَّر إِن شَاءَ أنشأ الْخُصُومَة عِنْد قَاضِي محلته، وَإِن شَاءَ أَنْشَأَهَا عِنْد قَاضِي محلّة خَصمه، وَأَن مُحَمَّدًا(8/6)
رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول: الْمُدعى عَلَيْهِ دَافع لَهُ والدافع يطْلب سَلامَة نَفسه والاصل بَرَاءَة ذمَّته، فَأَخذه إِلَى من يأباه لريبة ثبتَتْ عِنْده وتهمة وَقعت لَهُ رُبمَا يوقعه فِي إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا فِي ذمَّته بِالنّظرِ إِلَيْهِ واعتباره أولى، لانه يُرِيد الدّفع عَن نَفسه وخصمه يُرِيد أَن يُوجب عَلَيْهِ الاخذ بالمطالبة، وَمن طلب السَّلامَة أولى بِالنّظرِ مِمَّن طلب ضدها.
تَأمل.
وَإِنَّمَا حَمَلَ الشَّارِحُ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَحَلَّةِ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ.
هَذَا كُلُّهُ وَكُلُّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى يُفِيدُ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ قَاضٍ فِي مَحَلَّةٍ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِقَاضِيَيْنِ أَوْ لِقُضَاةٍ عَلَى مِصْرٍ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ فَيُعْتَبَرُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ فَلَهُ الدَّعْوَى عِنْدَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَهُ، إذْ لَا تَظْهَرُ فَائِدَةٌ فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ لِلْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيل صَاحب الْمُحِيط.
اهـ.
وَرَدَّهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَادَّعَى أَنَّ هَذَا بِالْهَذَيَانِ أَشْبَهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ، وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا لَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ فَإِن الحكم دائر مَعَ الْعلَّة.
اهـ.
وَهُوَ الَّذِي يظْهر كَمَا قَالَ شَيخنَا، لكنه لم يَأْتِ لرده بِوَجْه يقويه، وَالظَّاهِر أَنه لم يظْهر لَهُ المُرَاد وَهُوَ الَّذِي نذكرهُ فِي الْحَاصِل آخر هَذِه الْعبارَة.
وَأَقُولُ: التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو السُّعُودِ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَن الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ قَاضِيَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ وَقَدْ أَمَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعِمَادِيِّ: وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحدهمَا من أهل العكسر وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا، وَلَا ولَايَة لقَاضِي العكسر عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ، فَقَوْلُهُ وَلَا وِلَايَةَ دَلِيلٌ وَاضح على ذَلِك.
أما إِذا كَانَ كل مِنْهُمَا مَأْذُونًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَيٍّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ مِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ وَحَلَبِيٍّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أبي يُوسُف لموافقته لتعريف الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ: أَيْ فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي لَهُ الْخُصُومَة فيطلبها عِنْد أَيِّ قَاضٍ أَرَادَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي الْقَاهِرَةِ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مِنْ مَحَلَّتِهِمَا.
قَالَ: وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا.
أَقُولُ: وَقَدْ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ نَقْلًا عَن الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ أَنَّ قُضَاةَ الْمَمَالِكِ الْمَحْرُوسَةِ مَمْنُوعُونَ عَنْ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
اهـ.
وَأَشَارَ إِلَيْهِ الشَّارِح، وَذكر شيخ شُيُوخ مَشَايِخنَا السائحاني بعد كَلَام: قَالَ فِي قَضَاء الْبَزَّازِيَّة: فوض قَضَاء نَاحيَة إِلَى رجلَيْنِ لَا يملك أَحدهمَا الْقَضَاء، وَلَو قلد رجلَيْنِ على أَن ينْفَرد كل مِنْهُمَا بِالْقضَاءِ لَا رِوَايَة فِيهِ.
وَقَالَ الامام ظهير الدّين: يَنْبَغِي أَن يجوز لَان القَاضِي نَائِب السُّلْطَان يملك التفرد.
اهـ.
فَتحصل أَن الْولَايَة لَو لقاضيين فَأكْثر كل وَاحِد فِي محلّة فتفرد القَاضِي صَحِيح وَالْعبْرَة للْمُدَّعى عَلَيْهِ، وَإِن كَانُوا فِي مَحل وَاحِد على السوَاء فقد سَمِعت أَنه لَا يملك أحدهم التفرد فَلَا فَائِدَة