العاقلة تحقيقا للتخفيف، وإنما خصوا بالضم؛ لأنه إنما قصر لقوة فيه، وتلك بأنصاره وهم العاقلة، فكانوا هم المقصرين في تركهم مراقبته فخصوا به،
قال: والعاقلة أهل الديوان إن كان القاتل من أهل الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين، وأهل الديوان: أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم في الديوان، وهذا عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - الدية على أهل العشيرة؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العاقلة تحقيقا للتخفيف، وإنما خصوا) ش: أي العاقلة م: (بالضم) دون غيرهم.
م: (لأنه إنما قصر لقوة فيه) ش: أي لأن القاتل إنما قصر حالة الرمي في التثبت والتوثق بقوته م: (وتلك) ش: أي تلك القوة حاصلة م: (بأنصاره وهم العاقلة، فكانوا هم المقصرين في تركهم مراقبته فخصوا به) ش: أي بالضم.
[العاقلة أهل الديوان]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والعاقلة أهل الديوان) ش: الديوان الجريدة من دون الكتب إذا جمعها، لأنه قطع من القراطيس مجموعة م: (إن كان القاتل من أهل الديوان يؤخذ من عطاياهم في ثلاث سنين) ش: العطايا جمع أعطية، والأعطية جمع عطاء، والعطاء اسم ما يعطى.
وقيل: العطاء ما يخرج للجندي من بيت المال سنة مرة أو مرتين، والرزق ما يخرج له كل شهر. وعن الحلواني كل ستة أشهر. وقيل كل يوم م: (وأهل الديوان أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم وأرزاقهم في الديوان) ش: وقال الأسبيجابي في " شرح الكافي ": وعاقلة الرجل أهل نصرته، وكان عاقلة الرجل في ابتداء الإسلام أهل عشيرته وأهل نسبه، فلما دون عمر الدواوين فوض ذلك على أهل الديوان، وهم أهل الرايات وهم الجيش الذين كتبت أساميهم وأرزاقهم في الديوان، فمن كان من أهل الديوان فعقله عليهم إذا جنى.
ومن لم يكن من أهل ذلك إن كان من أهل البادية فعقله على أقرب القبائل إليه نسبا، وإن كان من أهل المصر إن كان له أقرباء وعشيرة يقضى عليهم، وإن لم يكن اختلف المشايخ فيه فبعضهم قالوا: يجب في ماله، وبعضهم قالوا: يجب على أهل حرفته. وبعضهم قالوا: يجب على جيرانه، وبعضهم قالوا: على أهل الدية لأنه من ظهر نسبهم م: (وهذا) ش: أي وهذا الحكم الذي ذكرنا م: (عندنا) .
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الدية على أهل العشيرة) ش: وهم العصبات، وبه قال مالك وأحمد وأكثر أهل العلم، وكل من عدا العصبة ليس من العاقلة. واختلف: في الآباء(13/364)
لأنه كان كذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نسخ بعده. ولأنه صلة والأولى بها الأقارب. ولنا قضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه لما دون الدواوين جعل العقل على أهل الديوان، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير منهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والبنين، فقال الشافعي وأحمد في رواية ليس آباؤه وأبناؤه وإن علوا أو سفلوا من العاقلة. قال مالك وأحمد في رواية: يدخل في العاقلة أب القاتل وابنه وهو قولنا عند عدم أهل الديوان.
وعن بعض مشايخنا لا يدخلون كما يجيء إن شاء الله تعالى.
م: (لأنه كان كذلك على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: لما روى أبو هريرة: «أن امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما بحجر فقتلت الأخرى، فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقضى بديتها على عاقلتها، وميراثها لابنها» رواه أبو داود والنسائي، وإذا ثبت هذا في الأولاد ألحق الوالد به، لأنه في معناه م: (ولا نسخ بعده) ش: أي بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه لا يكون إلا بوحي على لسان نبي، ولا نبي بعده.
م: (ولأنه صلة) ش: أي ولأن الدية صلة على تأويل العقل م: (والأولى بها) ش: أي بالصلة م: (الأقارب) ش: والصلة عبارة عن مال يجب ابتداء لا بمقابلة مال، ولهذا سميت الزكاة وشفقة الأقارب صلة.
م: (ولنا قضية عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فإنه لما دون الدواوين جعل العقل على أهل الديوان، وكان ذلك بمحضر من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - من غير نكير منهم) ش: روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن مطرف عن الحكم قال: عمر أول من جعل الدية عشرة عشرة في أعطيات المقاتلة دون الناس.
وحدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن أشعث عن الشعبي عن الحكم عن إبراهيم قال: أول من فرض العطايا عمر بن الخطاب، وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين. وحدثنا غسان بن مضر عن سعيد بن زيد عن أبي نصرة عن جابر قال: أول من فرض الفرائض ودون الدواوين وعرف العرفاء عمر بن الخطاب.
فإن قيل: قوله: من غير نكير منهم إجماع، فهذا إجماع على خلاف ما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكيف يظن بهم؟ قلنا: هذا إجماع على وفاق ما قضى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإنما قضى على العشيرة باعتبار النصرة، ولهذا لا يوجب من النسوان والصبيان من عشيرته، لأنهم ليسوا من أهل النصرة، ثم لما دون عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الدواوين صارت النصرة بالديوان فقضى بالدية على(13/365)
وليس ذلك بنسخ، بل هو تقرير معنى؛ لأن العقل كان على أهل النصرة، وقد كانت بأنواع بالقرابة والحلف والولاء والعدد، وفي عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد صارت بالديوان فجعلها على أهله اتباعا للمعنى. ولهذا قالوا: لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة، وإن كان بالحلف فأهله والدية صلة كما قال، لكن إيجابها فيما هو صلة وهو العطاء أولى منه في أصول أموالهم، والتقدير بثلاث سنين مروي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -. ومحكي عن - عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أهل الديوان. م: (وليس ذلك بنسخ) ش: جواب عن قول الشافعي ولا نسخ بعده م: (بل هو تقرير معنى) ش: أي من حيث المعنى م: (لأن العقل كان على أهل النصرة، وقد كانت) ش: أي النصرة م: (بأنواع بالقرابة والحلف) ش: بكسر الحاء، وهو العهد بين القوم، ومنه قولهم: تحالفوا على التناصر، والمراد به ولاء الموالاة م: (والولاء) ش: أي ولاء العتاق م: (والعدد) ش: في بعض النسخ والعدد هو أن يعد منهم يقال فلان عديد، قال: أي يعددهم.
م: (وفي عهد عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قد صارت) ش: أي النصرة م: (بالديوان فجعلها) ش: أي الدية م: (على أهله) ش: أي أهل الديوان م: (اتباعا للمعنى) ش: أي النصرة م: (ولهذا) ش: أي ولأجل الاتباع للنصرة.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ: م: (لو كان اليوم قوم تناصرهم بالحرف فعاقلتهم أهل الحرفة) ش: وفي " شرح الطحاوي ": إذا لم يكن القاتل من أهل الديوان فعاقلته أنصاره. فإن كان نصرته بالمحال والدروب يحمل عليهم، وإن كان نصرته بالحرف فعاقلته المحترفون الذين هم أنصاره كالقصارين والصفارين بسمرقند والأساكفة بأسبيجاب.
م: (وإذا كان بالحلف) ش: أي وإن كانت نصرته بالحلف بالكسر م: (فأهله) ش: أي فأهل الحلف، أي فعاقلته أهل الحلف م: (والدية صلة كما قال) ش: أي الشافعي: م: (لكن إيجابها) ش: أي إيجاب الدية م: (فيما هو صلة وهو العطاء) ش: وهو الذي يخرج له من بيت المال الذي هو صلة م: (أولى منه) ش: أي من الإيجاب م: (في أصول أموالهم) ش: نظرا في حاله وتخفيفا عليه. م: (والتقدير) ش: أي تقدير الدية في الخطأ بالتأجيل م: (بثلاث سنين مروي عن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ومحكي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: تقدم كلاهما فيما مضى أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين، وأن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -(13/366)
ولأن الأخذ من العطاء للتخفيف، والعطاء يخرج في كل سنة مرة. فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل أخذ منها لحصول المقصود. وتأويله: إذا كانت العطايا للسنين المستقبلة بعد القضاء، حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء ثم خرجت بعد القضاء ولا يؤخذ منها؛ لأن الوجوب بالقضاء على ما نبين إن شاء الله تعالى. ولو خرج للقاتل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فرض كذلك م: (ولأن الأخذ) ش: أي أخذ الدية م: (من العطاء للتخفيف، والعطاء يخرج في كل سنة مرة واحدة) ش: فتؤخذ في ثلاث سنين.
م: (فإن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين أو أقل منها أخذ منها) ش: هذا لفظ القدوري، يعني إن خرجت العطايا في أكثر من ثلاث سنين تؤخذ الدية منهم في أكثر من ثلاث سنين، حتى إذا خرجت عطاياهم الثلاث في ست سنين تؤخذ منهم الدية في كل سنة السدس.
وإذا خرجت عطاياهم الثلاث في سنة واحدة تؤخذ جميع الدية في سنة واحدة، لأن وجوبها في العطايا وقد حصلت م: (لحصول المقصود) ش: يعني أن المقصود أن يكون المأخوذ منهم من الأعطية، وذلك يحصل بالأخذ من عطاياهم سواء كانت في أكثر من ثلاث سنين أو في أقل منها.
م: (وتأويله) ش: أي وتأويل كلام القدوري م: (إذا كانت العطايا للسنين المستقبلة بعد القضاء) ش: أي بعد قضاء القاضي. فالدية على العاقلة م: (حتى لو اجتمعت في السنين الماضية قبل القضاء) ش: بالدية م: (ثم خرجت بعد القضاء ولا يؤخذ منها؛ لأن الوجوب بالقضاء) ش: لأن من عليه الدية قبل القضاء غير معلوم لكونه مجتهدا فيه، لأن في العاقلة كلاما فبعضهم يقول: أهل الديوان، وبعضهم يقول: أهل العشيرة فلا يحكم إلا بالقضاء.
وكذا الواجب في نفسه غير معلوم، فإن ولاية التعيين منه إلى القاضي إن شاء قضى بالإبل، وإن شاء قضى بالدراهم أو الدنانير، لأن من الناس من قال: الواجب الإبل فحسب. وقال قوم: الإبل والأثمان جميعا. وزاد قوم على هذا: البقر والغنم والخيل، وإنما قال المصنف: تأويله لأن القدوري أطلق ذكر السنين، وإنما تؤخذ منهم في ثلاث سنين بعد القضاء، فيكون المراد ثلاث سنين في المستقبل، فلا بد من التأويل م: (على ما نبين إن شاء الله تعالى) ش: أشار به إلى ما ذكر بعد عشرة خطوط بقوله لأن الواجب الأصلي المثل والتحول إلى القيمة بالقضاء.
م: (ولو خرج للقاتل) ش: أي للعامل القاتل، وفي النسخ للعامل، والأول هو الأصح(13/367)
ثلاث عطايا في سنة واحدة، معناه في المستقبل يؤخذ منها كل الدية لما ذكرنا.
وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة، وإن كان الواجب بالعقل ثلث دية النفس أو أقل كان في سنة واحدة، وما زاد على الثلث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية، وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة، وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ماله في ثلاث سنين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما وجب على القاتل في ماله فهو حال؛ لأن التأجيل للتخفيف لتحمل العاقلة، فلا يلحق به العمد المحض. ولنا: أن القياس يأباه، والشرع ورد به مؤجلا فلا يتعداه، ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل، إذ هو بدل النفس، وإنما يعتبر مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية؛ لأن الواجب الأصلي المثل،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ثلاث عطايا في سنة واحدة، معناه في المستقبل يؤخذ منها كل الدية لما ذكرنا) ش: أشار به. إلى قوله: لأن الوجوب بالقضاء.
[كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة]
م: (وإذا كان جميع الدية في ثلاث سنين فكل ثلث منها في سنة) ش: أي فيؤخذ كل ثلث من الدية في سنة واحدة م: (وإن كان الواجب بالعقل) ش: أي من الجنايات فيما دون النفس م: (ثلث دية النفس أو أقل كان في سنة واحدة، وما زاد على الثلث إلى تمام الثلثين في السنة الثانية، وما زاد على ذلك إلى تمام الدية في السنة الثالثة، وما وجب على العاقلة من الدية أو على القاتل) ش: أي أوجب على القاتل م: (بأن قتل الأب ابنه عمدا فهو في ماله في ثلاث سنين. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ما وجب على القاتل في ماله فهو حال) ش: وبه قال مالك وأحمد، وقد مرت المسألة م: (لأن التأجيل للتخفيف لتحمل العاقلة، فلا يلحق به العمد المحض) ش:.
م: (ولنا: أن القياس يأباه) ش: أي يأبى وجوب المال لانعدام المماثلة بين المال والتالف.
م: (والشرع ورد به) ش: أي بإيجاب المال م: (مؤجلا) ش: في الخطأ م: (فلا يتعداه) ش: أي فلا يتعدى الذي يوجب الشرع. فإن قيل: هذا ليس في معنى الخطأ فلا يلحق به.
قلنا: هو في معناه من حيث كونه مالا وجب بالقتل ابتداء، والمساواة من جميع الوجوه غير ملتزمة، وكون التأجيل للتخفيف حكمه لا يترتب الحكم عليه.
م: (ولو قتل عشرة رجلا خطأ فعلى كل واحد عشر الدية في ثلاث سنين اعتبارا للجزء بالكل) ش: أي جزء الدية بكل الدية م: (إذ هو بدل النفس) ش: أي لأن الدية بدل النفس، والتذكير باعتبار العقل م: (وإنما يعتبر مدة ثلاث سنين من وقت القضاء بالدية؛ لأن الواجب الأصلي المثل،(13/368)
والتحول إلى القيمة بالقضاء، فيعتبر ابتداؤها من وقته كما في ولد المغرور.
قال: ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته، لأن نصرته بهم وهي المعتبرة في التعاقل. قال: وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها. قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كذا ذكره القدوري في "مختصره "، وهذا إشارة إلى: أنه يزاد على أربعة من جميع الدية، وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على: أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة، فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث درهم، وهو الأصح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والتحول إلى القيمة بالقضاء) ش: هذا هو الموعود قبله، وقالت الأئمة الثلاثة: من وقت القتل م: (فيعتبر ابتداؤها) ش: أي ابتداء الدية م: (من وقته) ش: أي من وقت القضاء م: (كما في ولد المغرور) ش: وهو الذي وطأ امرأة معتمدا على ملك يمين أو نكاح فولدت ولدا ثم استحقت حيث يكون ولدها حرا بالقيمة يوم الخصومة، وهو يوم القضاء.
[من لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته؛ لأن نصرته بهم، وهي) ش: أي النصرة م: (المعتبرة في التعاقل) ش: لأن الدية كانت على القبيلة في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإنما فعلها عمر إلى أهل الديوان لمعنى التناصر، فلما لم يكن الجاني من أهل الديوان أقر الحكم على الأصل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتقسم عليهم في ثلاث سنين لا يزاد الواحد منهم على أربعة دراهم في كل سنة وينقص منها) ش: أي من الأربعة، هذا إشارة على أنه يزاد على الأربعة في السنين الثلاث، لأنه قد نفى الزيادة بسنة واحدة، وجوز الأربعة على الواحد من العاقلة في السنة الواحدة، فإذا كان ما يصيب الواحد في السنة الواحدة أربعة دراهم كان ما يصيبه في السنين الثلاث اثني عشر درهما لا محالة، فكان ما يصيبه من جميع الدية زيادة على الأربعة، وقد نص محمد في " كتاب المعاقل " بخلاف ذلك.
أشار إليه المصنف بقوله: م: (قال: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كذا ذكره القدوري في " مختصره "، وهذا إشارة إلى أنه يزاد على أربعة من جميع الدية) ش: أي المصنف م: (وقد نص محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - على أنه لا يزاد على كل واحد من جميع الدية في ثلاث سنين على ثلاثة أو أربعة فلا يؤخذ من كل واحد في كل سنة إلا درهم أو درهم وثلث درهم وهو الأصح) ش: أي الذي قاله محمد هو الأصح.
وقال الأكمل: قوله: " وهو الأصح " احتراز عما ذهب إليه بعض مشايخنا بما فهم منهم(13/369)
قال: وإن لم يكن تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل معناه نسبا كل ذلك بمعنى التخفيف، ويضم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات: الإخوة ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم. وأما الآباء والأبناء فقيل: يدخلون لقربهم، وقيل: لا يدخلون؛ لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة، وهذا المعنى إنما يتحقق عند الكثرة، والآباء والأبناء لا يكثرون، وعلى هذا حكم الرايات
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إشارة كلام القدوري. وذكر في " المبسوط " قال: وذلك غلط: وقال الأترازي: رواية القدوري هي المشهورة، وقد أثبت في " شرح الأقطع " روايته بقوله: لا يزاد الواحد على أربعة دراهم في كل سنة درهم ودانقان، وينقص منها. وعلى شرح ذلك فلا يفرق بين نص محمد وبين رواية القدوري، ويدل على صحة رواية " شرح الأقطع " ما ذكره القدوري، ففي " مختصر الكرخي " في باب أروش الجنايات على الرقيق: ولا يغرم كل رجل من العاقلة إلا ثلاثة دراهم أو أربعة في الثلاث سنين، وذلك كل ما يغرم، ولا يغرم أكثر من ذلك، انتهى.
ثم أكثر ما يوضع على كل واحد من العاقلة أربعة دراهم وأقله لا يتقدر، وعند الشافعي على الغني نصف دينار وعلى المتوسط ربع دينار، وكذا في " مختصر الأسرار ". قال مالك وأحمد - رحمهما الله -: لا تقدير فيه فيحملون ما يطيقون إذ التقدير لا يثبت إلا بالتوفيق ولا نص فيه فيفوض إلى رأي الحاكم. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية مثل قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - المذكور.
[إيجاب العقل على أقرب القبائل من القاتل]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن لم يكن تتسع القبيلة لذلك ضم إليهم أقرب القبائل) ش: قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (معناه) ش: أي معنى كلام القدوري أقرب القبائل إليهم يعني م: (نسبا) ش: أي من حيث النسب على الترتيب المذكور في العصبات م: (كل ذلك بمعنى التخفيف) ش: يعني طلبا للتخفيف في حقهم، هذا الجواب إنما يستقيم في حق العربي، لأن العرب حفظت أنسابها فأمكننا إيجاب العقل على أقرب القبائل من القاتل.
م: (ويضم الأقرب فالأقرب على ترتيب العصبات: الإخوة، ثم بنوهم، ثم الأعمام، ثم بنوهم) ش: هذا إذا كان له عاقلة، فإن لم يكن له عاقلة فعقله في بيت مال المسلمين. وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه في مال الجاني.
م: (وأما الآباء والأبناء فقيل: يدخلون لقربهم، وقيل: لا يدخلون؛ لأن الضم لنفي الحرج حتى لا يصيب كل واحد أكثر من ثلاثة أو أربعة، وهذا المعنى إنما يتحقق عند الكثرة، والآباء والأبناء لا يكثرون، وعلى هذا حكم الرايات) ش: يعني إذا كان القاتل من أهل الديوان فعاقلته من أهل(13/370)
إذا لم يتسع لذلك أهل راية ضم إليهم أقرب الرايات، يعني أقربهم نصرة إذا حزبهم أمر، الأقرب فالأقرب، ويفوض ذلك إلى الإمام؛ لأنه هو العالم به ثم هذا كله عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب على كل واحد نصف دينار فيسوى بين الكل؛ لأنه صلة فيعتبر بالزكاة وأدناها ذلك، إذ خمسة دراهم عندهم نصف دينار ولكنا نقول: هي أحط رتبة منها. ألا ترى أنه لا تؤخذ من أصل المال فينتقص منها تحقيقا لزيادة التخفيف. ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب الرزق يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث؛ لأن الرزق في حقهم بمنزلة العطاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الراية م: (إذا لم يتسع لذلك أهل راية ضم إليهم أقرب الرايات، يعني أقربهم نصرة إذا حزبهم أمر الأقرب) ش: لأهل الراية الأولى يقال: حزبه أمر إذا أصابه.
م: (فالأقرب) ش: يعني يقدم الأقرب فالأقرب م: (ويفوض ذلك) ش: يعني تقديم الأقرب فالأقرب م: (إلى الإمام؛ لأنه هو العالم به) ش: أي بالأقرب م: (ثم هذا) ش: الذي ذكرنا م: (كله عندنا) .
م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب على كل واحد نصف دينار) ش: قال أحمد: في " وجيز الشافعية ": ولا يضرب على فقير وإن كان مقملا، ويضرب على الغني نصف دينار وهو الذي ملك عشرين دينارا بعد المسكن وما يحتاج إليه، وعلى المتوسط ربع وهو الذي يملك أقل من ذلك، ولكن ملك ما فضل عن حاجته. وينظر إلى اليسار في آخر السنة، فلو طرأ اليسار قبلها أو بعدها فلا التفات إليه.
م: (فيسوى بين الكل) ش: يعني الآباء والأبناء وغيرهم م: (لأنه) ش: أي الدية على تأويل العقل م: (صلة) ش: لأنه يجب على العاقلة بسبيل المواساة من غير أن يوجد منهم جناية م: (فيعتبر) ش: أي فيعتبر الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - القتل م: (بالزكاة وأدناها ذلك، إذ خمسة دراهم عندهم) ش: أي وأدنى الزكاة م: (نصف دينار) ش: لأنه كان ذلك في زمن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (ولكنا نقول: هي أحط رتبة منها) ش: أي من الدية.
وأوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنه لا تؤخذ) ش: أي العقل م: (من أصل المال فينتقص منها) ش: أي من الزكاة، والزكاة تؤخذ من أصل المال والعقل يؤخذ من نصف المال من العطاء، وذلك م: (تحقيقا لزيادة التخفيف) ش: في حق العاقلة فلم يكن تعليله حجة علينا.
م: (ولو كانت عاقلة الرجل أصحاب الرزق) ش: يأخذون كل شهر م: (يقضى بالدية في أرزاقهم في ثلاث سنين في كل سنة الثلث؛ لأن الرزق في حقهم بمنزلة العطاء) ش: وقد مر الفرق(13/371)
قائم مقامه، إذ كل منهما صلة من بيت المال، ثم ينظر إن كانت أرزاقهم تخرج في كل سنة، فكلما يخرج رزق يؤخذ منه الثلث بمنزلة العطاء، وإن كان يخرج في كل ستة أشهر وخرج بعد القضاء يؤخذ منه سدس الدية. وإن كان يخرج في كل شهر يؤخذ من كل رزق بحصته من الشهر، حتى يكون المستوفى في كل سنة مقدار الثلث. وإن خرج بعد القضاء بيوم أو أكثر أخذ من رزق ذلك الشهر بحصة الشهر، وإن كانت لهم أرزاق في كل شهر أو أعطية في كل سنة فرضت الدية في الأعطية دون الأرزاق؛ لأنه أيسر، إما لأن الأعطية أكثر، أو لأن الرزق لكفاية الوقت فيتعسر الأداء منه والأعطيات ليكونوا في الديوان قائمين بالنصرة فيتيسر عليهم.
قال: وأدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي كأحدهم، لأنه هو الفاعل فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب على القاتل شيء من الدية اعتبارا للجزء بالكل في النفي عنه. والجامع كونه معذورا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الرزق والعطاء عن قريب م: (قائم مقامه) ش: أي مقام العطاء م: (إذ كل منهما صلة من بيت المال، ثم ينظر إن كانت أرزاقهم تخرج في كل سنة، فكلما يخرج رزق يؤخذ منه الثلث بمنزلة العطاء، وإن كان يخرج في كل ستة أشهر وخرج بعد القضاء) ش: أي بعد حكم القاضي بذلك.
م: (يؤخذ منه سدس الدية. وإن كان يخرج في كل شهر يؤخذ من كل رزق بحصته من الشهر حتى يكون المستوفى في كل سنة مقدار الثلث، وإن خرج بعد القضاء بيوم أو أكثر أخذ من رزق ذلك الشهر بحصة الشهر، وإن كانت لهم أرزاق في كل شهر أو أعطية في كل سنة فرضت الدية في الأعطية دون الأرزاق؛ لأنه أيسر، إما لأن الأعطية أكثر، أو لأن الرزق لكفاية الوقت فيتعسر الأداء منه والأعطيات) ش: والأخذ منه يكون إضرارا بهم، والأعطيات ليست كذلك م: (ليكونوا في الديوان قائمين بالنصرة) يعني متى احتيج إليها م: (فيتيسر عليهم) ش: لأنه لا يحصل الضرر لهم بذلك. وأدخل القاتل، وفي أكثر النسخ.
[القاتل مع العاقلة]
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وأدخل القاتل مع العاقلة فيكون فيما يؤدي كأحدهم: لأنه) ش: أي لأن القاتل م: (هو الفاعل فلا معنى لإخراجه ومؤاخذة غيره. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجب على القاتل شيء من الدية اعتبارا للجزء بالكل) ش: لأن الحكم حول إلى العاقلة فلا تبقى عليه، ولهذا لا يجب الكل عليه فلا يجب الجزء أيضًا اعتبارا للجزء بالكل م: (في النفي عنه) ش: أي في نفي الوجوب عن القاتل م: (والجامع كونه معذورا) ش: أي وجه الجمع في اعتبار الجزء بالكل هو كون القاتل معذورا.(13/372)
قلنا: إيجاب الكل إجحاف به، ولا كذلك إيجاب الجزء. ولو كان الخاطئ معذورا فالبريء منه أولى. قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] (الإسراء: الآية 15) ،
وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة. ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته، والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء، ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية. وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قلنا: إيجاب الكل إجحاف به) ش: أي إذهاب بالكلية م: (ولا كذلك إيجاب الجزء، ولو كان الخاطئ معذورا فالبريء منه أولى) ش: لأن العاقلة لم يتلوثوا بالدم، لأنهم براء عن الجناية، وكان الوجوب على غير البريء أولى م: (قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] (الإسراء: الآية 15) ش: ولأنها دية وجبت بالقتل فلا تخلو ذمة القاتل عنها، كما إذا لم تتسع العاقلة ولا مال في بيت المال.
[ليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل]
م: (وليس على النساء والذرية ممن كان له حظ في الديوان عقل) ش: أراد بالذرية من لم يبلغ، والذرية أولاد الأولاد في اللغة مأخوذة من الذر وهو صغار النمل.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن المرأة والصبي لا يعقلان مع العاقلة، وكذا على الفقير وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الظواهر، وحكى بعض أصحابنا عن مالك وأبي حنيفة: أن الفقير يدخل في التحمل، وهو رواية عن أحمد أنه من أهل النصرة، فكان كالغني، والصحيح الأول م: (لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة) ش: هذا غريب. وقال الأترازي: وقد روى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا يعقل مع العاقلة صبي ولا امرأة، كذا في " شرح الكافي ".
م: (ولأن العقل إنما يجب على أهل النصرة لتركهم مراقبته) ش: أي الجاني م: (والناس لا يتناصرون بالصبيان والنساء، ولهذا لا يوضع عليهم ما هو خلف عن النصرة وهو الجزية) ش: يعني في نساء أهل الذمة وصبيانهم م: (وعلى هذا لو كان القاتل صبيا أو امرأة لا شيء عليهما من الدية) ش: وفي " فتاوى قاضي خان ": لو كان القاتل امرأة أو صبيا هل يجب عليهما شيء؟ اختلف المشايخ فيه. والصحيح: أن القاتل يشارك العاقلة سواء كان صبيا أو امرأة أو مجنونا، وكذا أبو القاتل وابنه من العاقلة؛ والزوج لا يكون عاقلة المرأة. وكذا المرأة لا تكون عاقلة الزوج، وفي الأب والابن خلاف للشافعي.(13/373)
بخلاف الرجل؛ لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه أحد العواقل؛ لأنه ينصر نفسه، وهذا لا يوجد فيهما، والفرض لهما من العطاء للمعونة لا للنصرة كفرض أزواج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ورضي الله عنهن.
ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر، يريد به أنه إذا كان لأهل كل مصر ديوانه على حدة؛ لأن التناصر بالديوان عند وجوده. ولو كان باعتبار القرب في السكنى. فأهل مصره أقرب إليه من أهل مصر آخر ويعقل أهل كل مصر من أهل سوادهم؛ لأنهم أتباع لأهل المصر، فإنهم إذا حزبهم أمر استنصروا بهم فيعقلهم أهل المصر باعتبار معنى القرب في النصرة. ومن كان منزله بالبصرة وديوانه بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال الكاكي: وهذه المسألة مخالفة لما مر قبل كتاب المعاقل: أنه لو وجد قتيل في دار امرأة تشارك العاقلة عند المتأخرين يمكن أن يكون هذا على رواية المتقدمين أن المرأة لا تدخل بالعواقل في صورة من الصور. م: (بخلاف الرجل) ش: حيث يجب عليه مع العاقلة م: (لأن وجوب جزء من الدية على القاتل باعتبار أنه أحد العواقل؛ لأنه ينصر نفسه) ش: أي لأن الرجل ينصر نفسه، أي يمنح عنه غيره م: (وهذا) ش: أي نصر النفس أو منعه من غيره م: (لا يوجد فيهما) ش: أي من الصبي والمرأة لعجزهما عنه.
م: (والفرض لهما) ش: هذا جواب عما يقال: يفرض الإمام لنساء العراية وذرياتهم من العطاء وهو يمنح النصرة، فأجاب بقوله: والفرض لهما، أي للصبي، والمرأة م: (من العطاء للمعونة) ش: أي لمعونة الجد بالطبخ والخياطة وحفظ المنزل ونحو ذلك م: (لا للنصرة) ش: لضعفهما م: (كفرض أزواج النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ورضي الله عنهن) ش: فإنه فرض لهن للمعونة لا للنصرة.
[لا يعقل أهل مصر عن مصر آخر]
م: (ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر) ش: هذه من مسائل " الأصل "، أوضحها المصنف بقوله: م: (يريد به) ش: أي بهذا الذي ذكره م: (أنه إذا كان لأهل كل مصر ديوان على حدة؛ لأن التناصر بالديوان عند وجوده. ولو كان) ش: أي التناصر، م: (باعتبار القرب في السكنى فأهل مصر أقرب إليه من أهل مصره آخر، ويعقل أهل كل مصره من أهل سوادهم؛ لأنهم أتباع لأهل المصر، فإنهم) ش: أي فإن أهل السواق أي القرى.
م: (إذا حزبهم) ش: أي إذا أصابهم م: (أمر) ش: من الأمور المزعجة م: (استنصروا بهم) ش: أي: بأهل المصر م: (فيعقلهم أهل المصر باعتبار معنى القرب في النصرة. ومن كان منزله بالبصرة وديوانه بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة؛ لأنه) ش: أي لأن من كان بمنزله بالبصرة م:(13/374)
يستنصر بأهل ديوانه لا بجيرانه. والحاصل أن الاستنصار بالديوان أظهر فلا يظهر معه حكم النصرة بالقرابة والنسب والولاء وقرب السكنى وغيره، وبعد الديوان النصرة بالنسب على ما بيناه، وعلى هذا يخرج كثير من صور مسائل المعاقل.
ومن جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر ولم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة، قيل: هو صحيح؛ لأن الذين يذبون عن أهل المصر ويقومون بنصرتهم ويدفعون عنهم أهل الديوان من أهل المصر ولا يخصون به أهل العطاء. وقيل: تأويله إذا كان قريبا لهم، وفي الكتاب إشارة إليه، حيث قال: وأهل البادية أقرب إليه من أهل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(يستنصر بأهل ديوانه لا بجيرانه) .
م: (والحاصل أن الاستنصار) ش: أي طلب النصرة م: (بالديوان أظهر) ش: عندنا خلافا للأئمة الثلاثة. وعن هذا قال في " المبسوط ": لو أن أخوين لأب وأم ديوان أحدهما بالكوفة وديوان الآخر بالبصرة لم يعقل أحدهما صاحبه، وإنما يعقل عن كل واحد أهل ديوانه م: (فلا يظهر معه) ش: أي مع الاستنصار بالديوان م: (حكم النصرة بالقرابة والنسب والولاء وقرب السكنى وغيره) ش: هو الحلف والعدد م: (وبعد الديوان النصرة بالنسب على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: ومن لم يكن من أهل الديوان فعاقلته قبيلته.
م: (وعلى هذا) ش: أي وعلى هذا الأصل م: (يخرج كثير من صور مسائل المعاقل) ش: منها ما ذكره في " المبسوط ": ولو أن قوما من أهل خراسان من ديوان واحد مختلفين في أنسابهم منهم من له ولاء، ومنهم من له القرب جنى بعضهم جناية عقل عنه أهل رايته، وإن كان غيره أقرب إليه في النسب لأنه أمر لا يرجع في الاستنصار إلى عشيرته عادة.
[جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه]
م: (ومن جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه) ش: أي قرابة ونسبا م: (ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر ولم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة، قيل: هو) ش: أي عدم الاشتراط م: (صحيح؛ لأن الذين يذبون) ش: أي يدفعون م: (عن أهل المصر ويقومون بنصرتهم ويدفعون عنهم أهل الديوان من أهل المصر) ش: مرفوع لأنه خبر لأن، أعني قوله: لأن الذين م: (ولا يخصون به أهل العطاء) ش: أي لا يخصون بالذنب أهل العطاء.
م: (وقيل: تأويله) ش: أي تأويل قول من قال بعدم الاشتراط المذكور م: (إذا كان قريبا لهم) ش: أي ذا قرابة لهم م: (وفي الكتاب إشارة إليه، حيث قال: وأهل البادية أقرب إليه من أهل(13/375)
المصر وهذا لأن الوجوب عليهم بحكم القرابة وأهل المصر أقرب منهم مكانا، فكانت القدرة على النصرة لهم، وصار نظير مسألة الغيبة المنقطعة.
ولو كان البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه لا يعقله أهل المصر؛ لأن أهل العطاء لا ينصرون من لا مسكن له فيه، كما أن أهل البادية لا تعقل عن أهل المصر النازل فيهم؛ لأنه لا ينتصر بهم. وإن كان لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل أحدهم قتيلا فديته على عاقلته بمنزلة المسلم؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات لا سيما في المعاني العاصمة عن الأضرار، ومعنى التناصر موجود في حقهم. وإن لم تكن لهم عاقلة معروفة فالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه، كما في حق المسلم، لما بينا أن الوجوب على القاتل، وإنما يتحول عنه إلى العاقلة إن وجدت فإذا لم توجد بقيت عليه بمنزلة تاجرين مسلمين في دار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المصر) ش: أي أقرب إليه نسبا من أهل المصر.
م: (وهذا) ش: أي اشتراط القرابة م: (لأن الوجوب عليهم بحكم القرابة وأهل المصر أقرب منهم مكانا، فكانت القدرة على النصرة لهم) ش: لأنه إذا كان هكذا استقام الوجوب على أهل الديوان باعتبار القرابة في النسب وإن لم يكن له عطاء فيهم، وذلك لأنهم أقرب مكانا فكانوا أقدر على النصرة، وإن كان أهل البادية أقرب نسبا.
م: (وصار) ش: في بعض النسخ: وصارت أي هذه المسألة م: (نظير مسألة الغيبة المنقطعة) ش: يعني أن للولي الأبعد أن يزوج إذا كان الولي الأقرب غائبا غيبة منقطعة، لأنه أقدر على إقامة مصالحها، فهذا نظير ذلك.
[البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه]
م: (ولو كان البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه) ش: أي في المصر م: (لا يعقله أهل المصر، لأن أهل العطاء لا ينصرون من لا مسكن له فيه) ش: أي في المصر لا يعقله أهل المصر م: (كما أن أهل البادية لا تعقل عن أهل المصر النازل فيهم؛ لأنه) ش: أي لأن النازل فيهم م: (لا ينتصر بهم) ش: أي إذا لم يكن مسكنه فيهم.
م: (وإن كان لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل أحدهم قتيلا فديته على عاقلته بمنزلة المسلم؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات لا سيما في المعاني العاصمة عن الأضرار) ش: كحد السرقة والقذف والقصاص ووجوب الدية م: (ومعنى التناصر موجود في حقهم، وإن لم تكن لهم) ش: أي لأهل الذمة م: (عاقلة معروفة فالدية في ماله) ش: أي في مال الذمي.
م: (في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه كما في حق المسلم لما بينا أن الوجوب على القاتل، وإنما يتحول عنه إلى العاقلة إن وجدت، فإذا لم توجد بقيت عليه بمنزلة تاجرين مسلمين في دار الحرب(13/376)
الحرب قتل أحدهما صاحبه يقضى بالدية عليه في ماله؛ لأن أهل دار الإسلام لا يعقلون عنه، وتمكنه من هذا القتل ليس بنصرتهم،
ولا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر لعدم التناصر، والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم، لأن الكفر كله ملة واحدة، قالوا: هذا إذا لم تكن المعاداة فيما بينهم ظاهرة، أما إذا كانت ظاهرة كاليهود والنصارى ينبغي أن لا يتعاقلون بعضهم عن بعض، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - لانقطاع التناصر.
ولو كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء فحول ديوانه إلى البصرة ثم رفع إلى القاضي، فإنه يقضي بالدية على عاقلته من أهل البصرة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يقضي على عاقلته من أهل الكوفة، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن الموجب هو الجناية وقد تحققت، وعاقلته أهل الكوفة، وصار كما إذا حول
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قتل أحدهما صاحبه يقضى بالدية عليه في ماله؛ لأن أهل دار الإسلام لا يعقلون عنه) ش: وإنما أطلق القتيل ليشمل العمد والخطأ، لأن الدية تجب في ماله سواء كان القتل عمدا أو خطأ، لأن العاقلة لا تعقل جناية وقعت في دار الحرب، وبه صرح الكرخي في " مختصره " في كتاب " السير ".
م: (وتمكنه) ش: أي تمكن أحد التاجرين الداخلين في دار الحرب م: (من هذا القتل) ش: أي من قتل صاحبه م: (ليس بنصرتهم) ش: أي بنصرة أهل الإسلام فلا يعقل عنه أهل الإسلام، بل يجب في ماله.
[لا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافرلعدم التناصر]
م: (ولا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر لعدم التناصر) ش: لأن بناء العقل على التناصر، ولا تناصر مع اختلاف الدين م: (والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم؛ لأن الكفر كله ملة واحدة، قالوا) ش: أي المشايخ: م: (هذا إذا لم تكن المعاداة فيما بينهم ظاهرة، أما إذا كانت ظاهرة كاليهود والنصارى ينبغي أن لا يتعاقلون بعضهم عن بعض، وهكذا عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي هكذا عن أبي يوسف م: (لانقطاع التناصر) ش: عند ظهور المعاداة فيما بينهم.
م: (ولو كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء فحول ديوانه إلى البصرة) ش: وفي بعض النسخ: جعل ديوانه، أي بعد القتل م: (ثم رفع إلى القاضي، فإنه يقضي بالدية على عاقلته من أهل البصرة. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يقضي علي عاقلته من أهل الكوفة، وهو رواية) ش: أي قول زفر رواية م: (عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قياس قول الأئمة الثلاثة م: (لأن الموجب هو الجناية، وقد تحققت، وعاقلته أهل الكوفة) ش: الواو للحال م: (وصار كما إذا حول بعد(13/377)
بعد القضاء ولنا أن المال إنما يجب عند القضاء لما ذكرنا أن الواجب هو المثل، وبالقضاء ينتقل إلى المال، وكذا الوجوب على القاتل وتتحمل عنه عاقلته. وإذا كان كذلك يتحمل عنه من يكون عاقلته عند القضاء، بخلاف ما بعد القضاء لأن الواجب قد تقرر بالقضاء، فلا ينتقل بعد ذلك، لكن حصة القاتل تؤخذ من عطائه بالبصرة؛ لأنها تؤخذ من العطاء، وعطاؤه بالبصرة. بخلاف ما إذا قلت العاقلة بعد القضاء عليهم، حيث يضم إليهم أقرب القبائل في النسب؛ لأن في النقل إبطال حكم الأول فلا يجوز بحال، وفي الضم تكثير المتحملين لما قضي به عليهم، فكان فيه تقرير الحكم الأول لا إبطاله، وعلى هذا لو كان القاتل مسكنه بالكوفة وليس له عطاء، فلم يقض عليه حتى استوطن البصرة قضى بالدية على أهل البصرة. ولو كان قضى بها على أهل الكوفة لم ينتقل عنهم، وكذا البدوي إذا ألحق بالديوان بعد القتلى قبل القضاء يقضى بالدية على أهل الديوان، وبعد القضاء على عاقلته بالبادية لا يتحول عنهم. وهذا بخلاف ما إذا كان قوم من أهل البادية قضى بالدية عليهم في أموالهم في ثلاث
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
القضاء) .
م: (ولنا: أن المال إنما يجب عند القضاء لما ذكرنا أن الواجب هو المثل، وبالقضاء ينتقل إلى المال، وكذا الوجوب على القاتل وتتحمل عنه عاقلته. وإذا كان كذلك يتحمل عنه من يكون عاقلته عند القضاء، بخلاف ما بعد القضاء) ش: يعني بخلاف إذا قضي بالدية على عاقلته من أهل الكوفة ثم حول عطاؤه إلى ديوان البصرة كانت الدية على عاقلته من أهل الكوفة لا ينتقل عنهم. م: (لأن الواجب قد تقرر بالقضاء، فلا ينتقل بعد ذلك، لكن حصة القاتل تؤخذ من عطائه بالبصرة؛ لأنها) ش: أي لأن الدية م: (تؤخذ من العطاء، وعطاؤه بالبصرة) .
م: (بخلاف ما إذا قلت العاقلة) ش: أي العاقلة بموت بعضهم م: (بعد القضاء عليهم، حيث يضم إليهم أقرب القبائل في النسب، لأن في النقل إبطال حكم الأول فلا يجوز بحال، وفي الضم تكثير المتحملين لما قضي به عليه، فكان فيه تقرير الحكم الأول لا إبطاله، وعلى هذا) ش: أي على هذا الحكم المذكور م: (لو كان القاتل مسكنه بالكوفة وليس له عطاء فلم يقض عليه حتى استوطن البصرة قضى بالدية على أهل البصرة ولو كان قضى بها على أهل الكوفة لم ينتقل عنهم، وكذا البدوي إذا ألحق بالديوان بعد القتل قبل القضاء يقضى بالدية على أهل الديوان، وبعد القضاء على عاقلته بالبادية لا يتحول عنهم) ش: أي أهل الديوان.
م: (وهذا) ش: أي هذا الذي قلنا من عدم انتقال العقل عن أهل الكوفة بعد القضاء عليهم إلى أهل البصرة م: (بخلاف ما إذا كان قوم من أهل البادية قضي بالدية عليهم في أموالهم في ثلاث(13/378)
سنين ثم جعلهم الإمام في العطاء حيث تصير الدية في أعطياتهم، وإن كان قضى بها أول مرة في أموالهم؛ لأنه ليس فيه نقض القضاء الأول؛ لأنه قضى بها في أموالهم وأعطياتهم أموالهم، غير أن الدية تقضى في أيسر الأموال أداء، والأداء من العطاء أيسر إذا صاروا من أهل العطاء، إلا إذا لم يكن مال العطاء من جنس ما قضى به عليه بأن كان القضاء بالإبل والعطاء دراهم، فحينئذ لا تتحول إلى الدراهم أبدا لما فيه من إبطال القضاء الأول، لكن يقضى ذلك من مال العطاء لأنه أيسر.
قال: وعاقلة المعتق قبيلة مولاه؛ لأن النصرة بهم، يؤيد ذلك قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مولى القوم منهم» .
قال: ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته: لأنه ولاء يتناصر به فأشبه ولاء العتاقة، وفيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وقد مر في كتاب الولاء:
قال: ولا تعقل العاقلة أقل من نصف عشر الدية، وتتحمل نصف العشر فصاعدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سنين، ثم جعلهم الإمام في العطاء حيث تصير الدية في أعطياتهم، وإن كان قضي بها أول مرة في أموالهم؛ لأنه ليس فيه نقض القضاء الأول؛ لأنه قضي بها في أموالهم وأعطياتهم أموالهم، غير أن الدية تقضى من أيسر الأموال أداء، والأداء من العطاء أيسر إذا صاروا من أهل العطاء، إلا إذا لم يكن مال العطاء من جنس ما قضي به عليه بأن كان القضاء بالإبل والعطاء دراهم، فحينئذ لا تتحول إلى الدراهم أبدا لما فيه من إبطال القضاء الأول، لكن يقضى ذلك من مال العطاء) ش: عليهم، لكن يقضى ذلك إلى الإبل من مال العطايا م: (لأنه أيسر) ش: أي لأن الأداء منه أيسر.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وعاقلة المعتق) ش: بفتح التاء م: (قبيلة مولاه؛ لأن النصرة بهم) ش: وهذا الاختلاف فيه، ولا يعقل مولى الأسفل من الأعلى، وبه قال أصحاب مالك وأحمد والشافعي في قول: يعقل م: (يؤيد ذلك) ش: أي كون عاقلة المعتق مولاه م: (قوله: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «مولى القوم منهم» ش: هذا الحديث تقدم في الزكاة.
[مولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومولى الموالاة يعقل عنه مولاه وقبيلته؛ لأنه ولاء يتناصر به فأشبه ولاء العتاقة، فيه خلاف الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: وأحمد أيضًا، وقال مالك: إذا كان الرجل في غير عشيرته فعقله على القوم الذين معهم م: (وقد مر في كتاب الولاء) ش: يعني إذ عقد الموالاة ليس بشيء عند الشافعي.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تعقل العاقلة أقل من نصف عشر الدية وتتحمل نصف العشر فصاعدا) ش: وفي بعض النسخ: وتعقل نصف العشر فصاعدا، وذلك لما قال محمد في كتاب " الآثار ": أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن إبراهيم قال: لا تعقل العاقلة في أدنى من الموضحة وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس.(13/379)
والأصل فيه حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تعقل العواقل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة» . وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس، ولأن التحمل للتحرز عن الإجحاف، ولا إجحاف في القليل، وإنما هو في الكثير، والتقدير الفاصل عرف بالسمع
قال: وما نقص من ذلك يكون في مال الجاني، والقياس: فيه التسوية بين القليل والكثير، فيجب الكل على العاقلة كما ذهب إليه الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو التسوية في أن لا يجب على العاقلة شيء، إلا أنا تركناه بما روينا، وبما روي «أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أوجب أرش الجنين على العاقلة»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (حديث ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - موقوفا عليه ومرفوعا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: «لا تعقل العواقل عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة» ") ش: ذكر الأترازي هذا بقوله: وذكر أصحابنا في كتبهم عن ابن عباس إلى آخره. ثم قال: ذكر أبو عبيد هذا الحديث بإسناده إلى الشعبي وجعله من كلامه ولم يذكر قوله ولا ما دون أرش الموضحة، انتهى.
قلت: الموقوف ما ذكر محمد بن الحسن الشيباني فقال: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك. وأما المرفوع فغريب وليس في الحديث أرش الموضحة. ولكن أخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن النخعي قال: لا تعقل العاقلة ما دون الموضحة، ولا يعقل العمد ولا الصلح ولا الاعتراف.
[أرش الموضحة نصف عشر بدل النفس] 1
م: (وأرش الموضحة نصف عشر بدل النفس، ولأن التحمل للتحرز عن الإجحاف، ولا إجحاف في القليل، وإنما هو في الكثير، والتقدير الفاصل عرف بالسمع) ش: أراد بالفاصل هو الفصل بين أرش الموضحة وبين ما دونه في التحمل وعدمه، وهو عرف بالنص، وهو الذي ذكره ابن عباس، وإبراهيم النخعي والشعبي.
[أرش الجنين]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وما نقص من ذلك يكون في مال الجاني) ش: أي ما نقص من نصف عشر الدية يكون ذلك في مال الجاني م: (والقياس فيه) ش: أي في العقل م: (التسوية بين القليل والكثير في التحمل، فيجب الكل على العاقلة كما ذهب إليه الشافعي أو التسوية في أن لا يجب على العاقلة شيء) ش: بعدم صدور الجناية عنهم م: (إلا أنا تركناه) ش: أي القياس م: (بما رويناه) ش: أشار به إلى أحاديث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذكرناها في كتاب الجنايات وغيره م: (وبما روي أنه - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «أوجب أرش الجنين على العاقلة» ش: وقد تقدم.(13/380)
وهو نصف عشر بدل الرجل على ما مر في الديات فما دونه يسلك به مسلك الأموال؛ لأنه يجب بالتحكيم كما يجب ضمان المال بالتقويم، فلهذا كان في مال الجاني أخذا بالقياس.
قال: ولا تعقل العاقلة جناية العبد، ولا ما لزم بالصلح أو باعتراف الجاني لما روينا. ولأنه لا تناصر بالعبد، والإقرار والصلح لا يلزمان العاقلة لقصور الولاية عنهم.
قال: إلا أن يصدقوه؛ لأنه ثبت بتصادقهم، والامتناع كان لحقهم ولهم ولاية على أنفسهم. ومن أقر بقتل خطأ ولم يرفعوه إلى القاضي إلا بعد سنين قضي عليه بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى؛ لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة ففي الثابت بالإقرار أولى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
هذا في الجنين أن الأئمة الستة أخرجوه.
م: (وهو) ش: أي فيما دون م: (نصف عشر بدل الرجل على ما مر في الديات فما دونه) ش: أي فيما دون أرش الجنين م: (يسلك به مسلك الأموال؛ لأنه يجب بالتحكيم كما يجب ضمان المال بالتقويم) ش: أي ضمان المال المتلف بتقويم المقومين م: (فلهذا) ش: أي فلأجل ذلك م: (كان في مال الجاني أخذا بالقياس) ش: لأن الأصل وجوب ضمان الجناية على الجاني.
[لا تعقل العاقلة جناية العبد]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تعقل العاقلة جناية العبد) ش: أي جناية العبد بنفسه، وهو إضافة المصدر إلى الفاعل م: (ولا ما لزم بالصلح) ش: أي في صلح أولياء الجاني مع الجاني لقصور ولاية المصالح م: (أو باعتراف الجاني) ش: أي ولا يلزم العاقلة أيضًا ما يلزم بإقرار الجاني لقصور ولاية المقر عن العاقلة م: (لما روينا) ش: أشار به إلى ما ذكره محمد بن الحسن عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وقد مر عن قريب. م: (ولأنه) ش: دليل معقول، أي ولأن الشأن م: (لا تناصر بالعبد) ش: لعجزه م: (والإقرار) ش: أي إقرار الجاني م: (والصلح) ش: أي صلح الجاني م: (لا يلزمان العاقلة لقصور الولاية عنهم) ش: أي عن العبد والمقر بالجناية والمصالح.
[أقر بقتل خطأ ولم يرفعوه إلى القاضي إلا بعد سنين]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يصدقوه) ش: العاقلة المقر في إقراره فحينئذ يلزمهم تحمل العقل م: (لأنه ثبت بتصادقهم) ش: أي بتصادق العاقلة م: (والامتناع) ش: أي امتناع الوجوب عليهم م: (كان لحقهم ولهم ولاية على أنفسهم) ش: فيصح تصديقهم ويلزمهم.
م: (ومن أقر بقتل خطأ ولم يرفعوه إلى القاضي إلا بعد سنين قضي عليه) ش: أي على المقر م: (بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى؛ لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة ففي الثابت بالإقرار أولى) ش: يعني أن البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة فعلى هذا تكون(13/381)
ولو تصادقا القاتل وولي الجناية على أن قاضي بلد كذا قضى بالدية على عاقلته بالكوفة بالبينة وكذبهما العاقلة فلا شيء على العاقلة؛ لأن تصادقهما ليس بحجة عليهم، ولم يكن عليه شيء في ماله؛ لأن الدية بتصادقهما تقررت على العاقلة بالقضاء وتصادقهما حجة في حقهما، بخلاف الأول، إلا أن يكون له عطاء معهم، فحينئذ يلزمه بقدر حصته؛ لأنه في حق حصته مقر على نفسه، وفي حق العاقلة مقر عليهم.
قال: وإذا جنى الحر على العبد فقتله خطأ كان على عاقلته قيمته؛ لأنه بدل النفس على ما عرف من أصلنا، وفي أحد قولي الشافعي: تجب في ماله؛ لأنه بدل المال عنده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البينة أقوى من الإقرار، ثم الدية في القتل الثابت بالبينة إذا كان خطأ يجب مؤجلة من وقت القضاء لا من وقت الموت، ففي الثابت بالإقرار أولى، لأن الإقرار أدنى من البينة.
م: (ولو تصادقا القاتل وولي الجناية) ش: كذا وقع في بعض النسخ: تصادقا بذكر البينة، وهذا لا يجيء إلا على لغة الحلوى العواصب، وفي عامة النسخ: ولو تصادق القاتل وولي الجناية م: (على أن قاضي بلد كذا قضى بالدية على العاقلة بالكوفة بالبينة وكذبهما العاقلة فلا شيء على العاقلة؛ لأن تصادقهما ليس بحجة عليهم) ش: أي على العاقلة.
م: (ولم يكن عليه شيء في ماله) ش: أي لم يكن على القاتل شيء أيضًا بهذا التصادق م: (لأن الدية بتصادقهما تقررت على العاقلة بالقضاء وتصادقهما حجة في حقهما، بخلاف الأول) ش: أراد به ما إذا أقر بقتل خطأ حيث يقضى عليه بالدية في ماله، لأن إقراره حجة على نفسه، ويدعي ولي القتيل عليه أيضًا.
وهاهنا فيما نحن فيه لا يدعي ولي القتيل عليه، لأنه تصادق مع القاتل أن الدية على العاقلة وقد قضى بها القاضي عليهم فلا يكون على القاتل شيء م: (إلا أن يكون) ش: استثناء من قوله: ولم يكن عليه شيء. أي إلا أن يكون م: (له عطاء معهم، فحينئذ يلزمه بقدر حصته؛ لأنه في حق حصته مقر على نفسه، وفي حق العاقلة مقر عليهم) ش: فيؤخذ بما أقر على نفسه.
[جنى الحر على العبد فقتله خطأ]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا جنى الحر على العبد فقتله خطأ كان على عاقلته قيمته) ش: أي كان العقل وهو الدية. وفي بعض النسخ: كانت أي الدية على عاقلته م: (لأنه بدل النفس على ما عرف من أصلنا) ش: أن الوجوب على العاقلة إذا كان القتيل خطأ.
م: (وفي أحد قولي الشافعي: تجب في ماله) ش: وبه قال مالك. وفي قوله الثاني: تجب على عاقلته كقولنا، وهو اختيار المزني وقول أحمد م: (لأنه) ش: أي لأن الواجب في القتل م: (بدل المال عنده) ش: أي عند الشافعي.(13/382)
ولهذا يوجب قيمته بالغة ما بلغت، وما دون النفس من العبد لا تتحمله العاقلة؛ لأنه يسلك به مسلك الأموال عندنا على ما عرف، وفي أحد قوليه: العاقلة تتحمله كما في الحر، وقد مر من قبل. قال أصحابنا: إن القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدية في بيت المال؛ لأن جماعة المسلمين هم أهل نصرته، وليس بعضهم أخص من بعض بذلك، ولهذا لو مات كان ميراثه لبيت المال، فكذا ما يلزمه من الغرامة يلزم بيت المال. وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية شاذة: أن الدية في ماله، ووجهه: أن الأصل أن تجب الدية على القاتل؛ لأنه بدل متلف، والإتلاف منه، إلا أن العاقلة تتحملها تحقيقا للتخفيف على ما مر. وإذا لم يكن له عاقلة عاد الحكم إلى الأصل.
وابن الملاعنة تعقله عاقلة أمه؛ لأن نسبه ثابت منها دون الأب. فإن عقلوا عنه ثم ادعاه الأب رجعت عاقلة الأم بما أدت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (يوجب) ش: أي الشافعي م: (قيمته بالغة ما بلغت) ش: ونحن نقول الواجب فيه الدية لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] (النساء: الآية 92) ، م: (وما دون النفس من العبد) ش: إلى آخر كتاب المعاقل، ذكره على سبيل التفريع م: (لا تتحمله العاقلة لأنه يسلك به مسلك الأموال عندنا على ما عرف، وفي أحد قوليه) ش: أي أحد قولي الشافعي م: (العاقلة تتحمله) ش: أي العاقلة م: (كما في الحر، وقد مر من قبل) ش: أي في أول فصل بعد باب جناية المملوك.
م: (قال أصحابنا: أن القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدية في بيت المال) ش: بأن كان لقيطا ونحوه وكان مسلما بدليل قوله: م: (لأن جماعة المسلمين هم أهل نصرته، وليس بعضهم أخص من بعض بذلك، ولهذا لو مات) ش: أي القاتل الذي ليس له عاقلة م: (كان ميراثه لبيت المال، فكذا ما يلزمه من الغرامة يلزم بيت المال) ش: لأن الغرم بالغنم.
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية شاذة: أن الدية في ماله) ش: روى هذه الرواية محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة وهي رواية أحمد أيضًا، وبالأول قالت الثلاثة م: (ووجهه) ش: أي وجه ما ذكر من الرواية الشاذة م: (أن الأصل أن تجب الدية على القاتل؛ لأنه بدل متلف، والإتلاف منه، إلا أن العاقلة تتحملها تحقيقا للتخفيف على ما مر) ش: عند قوله: وإن كان لأهل الذمة عواقل ... إلى آخره م: (وإذا لم يكن له عاقلة عاد الحكم إلى الأصل) ش: وهو وجوب المال على الجاني.
[ابن الملاعنة تعقله عاقلة أمه]
م: (وابن الملاعنة تعقله عاقلة أمه؛ لأن نسبه ثابت منها دون الأب، فإن عقلوا عنه) ش: أي عن ابن الملاعنة م: (ثم ادعاه الأب رجعت عاقلة الأم بما أدت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم(13/383)
يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب؛ لأنه تبين أن الدية واجبة عليهم؛ لأن عند الإكذاب ظهر أن النسب لم يزل وكان ثابتا من الأب حيث بطل اللعان بالإكذاب، ومتى ظهر من الأصل فقوم الأم تحملوا ما كان واجبا على قوم الأب فيرجعون عليهم؛ لأنهم مضطرون في ذلك. وكذلك إن مات المكاتب عن وفاء وله ولد حر فلم يؤد كتابته حتى جنى ابنه وعقل عنه قوم أمه ثم أديت الكتابة، لأنه عند الأداء يتحول ولاؤه إلى قوم أبيه من وقت حرية الأب وهو آخر جزء من أجزاء حياته، فيتبين أن قوم الأم عقلوا عنهم فيرجعون عليهم. وكذلك رجل أمر صبيا بقتل رجل فقتله فضمنت عاقلة الصبي الدية، رجعت بها على عاقلة الأمر إن كان الآمر ثبت بالبينة، وفي مال الآمر إن كان ثبت بإقراره في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي على الآمر أو على عاقلته؛ لأن الديات تجب مؤجلة بطريق التيسير.
قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هاهنا عدة مسائل ذكرها محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - متفرقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب؛ لأنه تبين أن الدية واجبة عليهم؛ لأن عند الإكذاب ظهر أن النسب لم يزل وكان ثابتا من الأب حيث بطل اللعان بالإكذاب، ومتى ظهر من الأصل فقوم الأم تحملوا ما كان واجبا على قوم الأب، فيرجعون عليهم؛ لأنهم مضطرون في ذلك) ش: أي يرجعون في ثلاث سنين، وفي " المحيط ": هذا عندهما، وعند أبي حنيفة: يرجعون حالا بما أدوا.
م: (وكذلك) ش: أي الحكم م: (وإن مات المكاتب عن وفاء وله ولد حر فلم يؤد كتابته حتى جنى ابنه وعقل عنه قوم أمه ثم أديت الكتابة؛ لأنه عند الأداء يتحول ولاؤه إلى قوم أبيه من وقت حرية الأب وهو آخر جزء من أجزاء حياته فيتبين أن قوم الأم عقلوا عنهم فيرجعون عليهم) ش: في ثلاث سنين؛ لأنهم مضطرون، وبقولنا: قال مالك. وعند الشافعي وأحمد: يبطل فلا يحول الولاء.
م: (وكذلك) ش: أي الحكم إذا كان م: (رجل أمر صبيا بقتل رجل فقتله فضمنت عاقلة الصبي الدية، رجعت بها على عاقلة الآمر إن كان الآمر ثبت بالبينة، وفي مال الآمر إن كان ثبت بإقراره في ثلاث سنين من يوم يقضي بها القاضي على الآمر) ش: أي إذا ثبت بإقراره (أو على عاقلته) ش: أي إذا ثبت بالبينة م: (لأن الديات تجب مؤجلة بطريق التيسير) ش: لأن الأصل في وجوب الديات هو الأجل للتيسير إلا إذا ثبتت الدية بالصلح فذلك لا أجل له إلا إذا اشترط.
م: (قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (هاهنا عدة مسائل) ش: أي في المعاقل مسائل عديدة م: (ذكرها محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - متفرقة) ش: في مواضع لا في موضع(13/384)
والأصل الذي يخرج عليه أن يقال: حال القاتل إذا تبدل حكما فانتقل ولاؤه إلى ولاء آخر بسبب أمر حادث لم تنتقل جنايته عن الأولى قضى بها أو لم يقض، وإن ظهرت حالة خفية مثل دعوة ولد الملاعنة حولت الجناية إلى الأخرى وقع القضاء بها أو لم يقع. ولو لم يختلف حال الجاني ولكن العاقلة تبدلت كان الاعتبار في ذلك لوقت القضاء، فإن كان قضى بها على الأولى لم تنتقل إلى الثانية. وإن لم يكن قضى بها على الأولى فإنه يقضي بها على الثانية،
وإن كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء وبعده،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واحد م: (والأصل الذي يخرج عليه) ش: أي الأصل [الذي] يخرج عليه تلك المسائل م: (أن يقال: حال القاتل إذا تبدل حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (فانتقل ولاؤه إلى ولاء آخر بسبب أمر حادث لم تنتقل جنايته عن الأولى) ش: أي عن الجناية الأولى.
م: (قضى بها أو لم يقض) ش: هذا هو الأصل الأول، والأصل الثاني هو قوله: م: (وإن ظهرت حالة خفية مثل دعوة ولد الملاعنة حولت الجناية إلى الأخرى وقع القضاء بها أو لم يقع. ولو لم يختلف حال الجاني) ش: هذا هو الأصل الثالث م: (ولكن العاقلة تبدلت) ش: بأن كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء ثم نقل ديوانه إلى البصرة م: (كان الاعتبار في ذلك) ش: أي في التبدل م: (لوقت القضاء) .
م: (فإن كان قضى بها على الأولى لم تنتقل إلى الثانية، وإن لم يكن قضى بها على الأولى فإنه يقضي بها على الثانية) ش: نظير الفصل الأول: مولود بين حرة وعبد جنى ثم أعتق أبوه لا تتحول الجناية عن عاقلة الأم. ومن نظيره: إذا أسلم حربي ووالى مسلما ثم جنى جناية عقلت عنه العاقلة التي ولاه، فإن عقلوه عنه أو لم يقض بها حتى أمر به أبوه من دار الحرب فاشتراه رجل فأعتقه فهو حر ولاء أبيه، فصار مولى الموالي ابنه، ولكن لا ترجع عاقلة الذي كان ولاؤه على عاقلة مولى الأب لأنه أمر حادث.
وصورة الفصل الثاني: قتل ابن الملاعنة رجلا خطأ تعقل عنه عاقلة الأم؛ لأن نسبه ثابت من الأم، فإن عقلوا عنه ثم أعاده الأب رجعت عاقلة الأم بما ادعت على عاقلة الأب في ثلاث سنين من يوم يقضي القاضي لعاقلة الأم على عاقلة الأب.
ومن نظير الفصل الثالث: ما إذا كان القاتل من أهل الكوفة وله بها عطاء ولم يقض بالدية على عاقلته حتى حول ديوانه إلى البصرة، فإنه يقضى بالدية على عاقلته من أهل البصرة، وعلى قول زفر يقضى على عاقلته من الكوفة، وهو رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
[العاقلة واحدة فلحقها زيادة أونقصان]
م: (وإن كانت العاقلة واحدة فلحقها زيادة أو نقصان اشتركوا في حكم الجناية قبل القضاء وبعده،(13/385)
إلا فيما سبق أداؤه، فمن أحكم هذا الأصل متأملا يمكنه التخريج فيما ورد عليه من النظائر والأضداد والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلا فيما سبق أداؤه) ش: يعني لا يشتركون فيه بل يقع ذلك من الذين أدوا أولا قبل ضم أقرب القبائل إليهم م: (فمن أحكم هذا الأصل) ش: حال كونه م: (متأملا يمكنه التخريج فيما ورد عليه من النظائر والأضداد) ش: أي ومن أضداد هذه المسائل م: (والله أعلم بالصواب) .(13/386)
كتاب الوصايا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الوصايا]
[تعريف الوصايا ومشروعيتها]
م: (كتاب الوصايا)
ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الوصايا ذكرها في آخر الكتاب لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، والموت آخر أحوال الآدمي فناسب ذكرها في آخر الكتب وهو جمع وصية، والوصية والوصايا يقصر اسمان بمعنى المصدر.
وسمي الموصى به وصية أيضًا، قال الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا} [النساء: 12] (النساء: الآية 12) ، والوصاية بالكسر مصدر لأوصى والإيصاء طلب شيء من غيره ليعقل على عيب منه حال حياته وبعد وفاته. ومعناها في الشرع: تمليك مضاف إلى ما بعد الموت سواء كان في المنافع أو في الأعيان وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، وشرطها: كون الموصي أهلا للتمليك والموصى به من يعد مالا قابلا للتمليك. وشرائطها: كثيرة تأتي في أثناء المسائل.
وركنها: قوله: أوصيت بكذا لفلان وما يجري مجراه من الألفاظ المستعملة فيها. وحكمها: أن يملك موصى له الموصي به ملكا جديدا كما يملك بالهبة، وسببها: سبب التبرعات، والله أعلم.(13/387)
باب في صفة الوصية ما يجوز من ذلك وما يستحب منه وما يكون رجوعا عنه قال: الوصية غير واجبة، وهي مستحبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب في صفة الوصية]
[حكم الوصية]
م: (باب في صفة الوصية) م: (ما يجوز من ذلك وما يستحب منه وما يكون رجوعا عنه) ش: لما كان الكتاب مشتملا على الأبواب، والأبواب مشتملة على الفصول، ذكرها واحدا بعد واحد، أي هذا باب في بيان صفة الوصية إلى آخره.
م: (قال) ش: أي القدوري - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (الوصية غير واجبة وهي مستحبة) ش: إنما قال: مستحبة بعد نفي الوجوب ردا لقول البعض: إنها واجبة لأنه لا يلزم الاستحباب من نفي الوجوب لجواز الإباحة وذلك لأن الوصية مشروعة لنا لا علينا، لما روى الطحاوي بإسناده إلى أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله قد جعل لكم ثلث أموالكم، في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم» .
والمشروع لنا لا يكون فرضا ولا واجبا، بل يكون مندوبا. وقال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن الوصية غير واجبة إلا من عليه حقوق بغير بينة وأمانة بغير إشهاد إلا طائفة شاذة فأوجبتها. روي عن الزهري أنه قال: جعل الوصية حقا مما قل أو كثر.
وقيل لأبي مجلز: على كل ميت وصية؟ قال: نعم إن ترك خيرا. وقال أبو بكر عبد العزيز: هي واجبة للأقربين الذين لا يرثون، وهو قول أصحاب الظواهر. وحكي ذلك عن مسروق [....] وقتادة وابن جريج. وقول بعضهم: هي واجبة في حق الوالدين والأقربين لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية: 80) .
قلنا: الآية منسوخة بقوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} [النساء: 7] (النساء: الآية 7) ، قاله ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وقال ابن عمر: نسختها آية المواريث، وبه قال عكرمة ومجاهد ومالك والشافعي وأكثر أئمة التفسير.(13/388)
والقياس يأبى جوازها؛ لأنه تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته. ولو أضيف إلى حال قيامها بأن قيل: ملكتك غدا كان باطلا، فهذا أولى بالبطلان، إلا أنا استحسناها لحاجة الناس إليها، فإن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله، فإذا عرض له المرض وخاف البيات يحتاج إلى تلافي بعض ما فرط منه من التفريط بماله على وجه لو مضى فيه يتحقق مقصده المالي، ولو أنهضه البرء يصرفه إلى مطلبه الحالي، وفي شرع الوصية ذلك فشرعناه، ومثله في الإجارة بيناه، وقد تبقى المالكية بعد الموت باعتبار الحاجة كما في قدر التجهيز والدين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وقال أكثر أصحابنا: نسخت بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث» ، هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم أبو أمامة الباهلي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناده إليه أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خطب فقال: «إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» .
وقال الترمذي: حديث حسن، وهو حديث مشهور تلقته العلماء بالقبول، وقال الأترازي: ونسخ الكتاب بمثله جائز عندنا، وهو حجة على الشافعي حيث يعتقد عدم جواز نسخ الكتاب بالسنة وقد انتسخ بها.
م: (والقياس يأبى جوازها) ش: أي جواز الوصية م: (لأنه تمليك مضاف إلى حال زوال مالكيته. ولو أضيف) ش: أي التمليك م: (إلى حال قيامها) ش: إلى قيام المالكية م: (بأن قيل: ملكتك غدا كان باطلا، فهذا أولى بالبطلان، إلا أنا استحسناها) ش: أي الوصية م: (لحاجة الناس إليها، فإن الإنسان مغرور أمله مقصر في عمله، فإذا عرض له المرض وخاف البيات) ش: أي الهلاك والموت، والبيات اسم يعني البيت، وهو أن يأتي العدو ليلا م: (يحتاج إلى تلافي بعض ما فرط منه من التفريط) ش: أي إلى تدارك بعض ما سبق منه من التقصير م: (بماله على وجه لو مضى فيه يتحقق مقصده المالي، ولو أنهضه البرء يصرفه إلى مطلبه الحالي، وفي شرع الوصية ذلك) ش: أي تلافي بعض ما فرط منه م: (فشرعناه) ش: الشارع شرعها م: (ومثله في الإجارة بيناه) ش: يعني كما أن الوصية لا تجوز في القياس، وتجوز في الاستحسان، فكذلك الإجارة لا تجوز في القياس؛ لأنها تمليك منفعة معدومة، ولكنها جوزت استحسانا دفعا لحاجة الناس.
م: (وقد تبقى المالكية) ش: جواب عن وجه القياس، أي قد تبقى بعض المالكية م: (بعد الموت باعتبار الحاجة كما في قدر التجهيز) ش: أي في تجهيز الميت، فإن قدر تجهيزه على ملك الميت تقدير الحاجة إليه م: (والدين) ش: كذلك؛ لأن قدر ما عليه من الدين لا يملكه الورثة م:(13/389)
وقد نطق به الكتاب، وهو قول الله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] (النساء: الآية 11) . والسنة وهو قول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " إن «الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة لكم في أعمالكم تضعونها حيث شئتم، أو قال حيث أحببتم» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وقد نطق به الكتاب) ش: أي وقد نطق بجواز الوصية القرآن م: (وهو قول الله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] (النساء: الآية 11)) ش: وكذلك قوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية 180) .
م: (والسنة) ش: أي وقد نطقت به السنة أيضًا م: (وهو قول النبي عليه الصلاة السلام: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم تضعونها حيث شئتم، أو قال: حيث أحببتم» ش: قد ذكرنا عن قريب أن هذا الحديث رواه أبو هريرة وأخرجه الطحاوي وأخرجه ابن ماجه أيضًا ولفظه: «تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم» .
وروى الدارقطني بإسناده إلى أبي أمامة عن معاذ بن جبل - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قال إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم» .
وروى أحمد في " مسنده " عن أبي الدرداء - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم» .
وروى ابن عدي والعقيلي في كتابيهما عن مكحول عن الصنابحي أنه سمع أبا بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يقول: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «إن الله عز وجل قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند موتكم زيادة في أعمالكم» ، وإسناده ضعيف.
وروى الطبراني في " معجمه " بإسناده إلى خالد بن عبيد السلمي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إن الله عز وجل أعطاكم عند وفاتكم ثلث أموالكم زيادة في(13/390)
وعليه إجماع الأمة. ثم تصح للأجنبي في الثلث من غير إجازة الورثة لما روينا، وسنبين ما هو الأفضل فيه إن شاء الله تعالى. قال: ولا تجوز بما زاد على الثلث لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - في حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «الثلث، والثلث كثير» ، بعدما نفى وصيته بالكل والنصف، ولأنه حق الورثة، وهذا لأنه انعقد سبب الزوال إليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أعمالكم» ، انتهى.
وانظر التفاوت بين الحديث - الذي ذكره المصنف وبين هذه الأحاديث م: (وعليه إجماع الأمة) ش: أي على كونه مشروعا أجمعت الأمة.
[قدر الوصية] 1
م: (ثم تصح) ش: أي الوصية في الثلث م: (للأجنبي في الثلث من غير إجازة الورثة لما روينا) ش: أشار إلى وجه الاستحسان من المنقول والمعقول م: (وسنبين ما هو الأفضل فيه إن شاء الله تعالى) ش: أي في فعل الوصية أو في قدر الوصية، أشار بذلك إلى ما قال بعد ورقة بقوله: ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تجوز) ش: أي الوصية م: (بما زاد على الثلث) ش: وهذا عند وجود الورثة بإجماع أهل العلم عند عدم إجازة الورثة، ويجوز عند إجازتهم م: (لقول النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (في حديث سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «الثلث والثلث كثير» ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة في كتبهم عن سعد بن أبي وقاص قال: «قلت: يا رسول الله: إن لي مالا كثيرا، وإنما ترثني ابنتي، أفأوصي بمالي كله؟ قال: لا، قال: فالثلثين؟، قال: لا، قال: فبالنصف؟ قال: لا، قال: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير» .
م: (بعدما نفى) ش: أي بعدما نفى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: (وصيته) ش: أي وصية سعد م: (بالكل) ش: أي بكل المال م: (والنصف) ش: أي ونصف المال. يدل هذا على عدم الجواز بأكثر من الثلث، وإذا لم يكن له وارث تجوز الوصية بالكل، وبه قال الحسن البصري وشريك القاضي وإسحاق بن راهويه، وقال الشافعي ومالك وأحمد وابن شبرمة والأوزاعي والحسن بن حي وأبو سليمان وأصحاب الظاهر: ليس له أن يوصي بأكثر من الثلث.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الزائد على الثلث م: (حق الورثة، وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأنه انعقد سبب الزوال إليهم) ش: أي انعقد سبب زوال الملك عنه إلى الورثة؛ لأن المرض(13/391)
وهو استغناؤه عن المال فأوجب تعلق حقهم به، إلا أن الشرع لم يظهره في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره على ما بيناه وأظهره في حق الورثة؛ لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما ينفق من الإيثار على ما نبينه. وقد جاء في الحديث: «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر»
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سبب الموت م: (وهو استغناؤه عن المال) ش: يعني أن الميت لما استغنى عن المال تعلق حق الورثة به ليعود نفعه إلى أقرب الناس منه، وهو معنى قوله: م: (فأوجب تعلق حقهم به) ش: أي بالمال م: (إلا أن الشرع) ش: أي غير أن الشرع م: (لم يظهره) ش: أي لم يظهر الاستغناء م: (في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره على ما بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكره في وجه الاستحسان.
م: (وأظهره) ش: أي وأظهر الاستغناء م: (في حق الورثة؛ لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم) ش: أي على الورثة م: (تحرزا) ش: أي احترازا م: (عما ينفق من الإيثار) ش: أي من إيثار الموصي بعض الورثة على البعض في الوصية لأنه حينئذ يتأذى البعض الآخر فيفضي ذلك إلى قطع الرحم وهو حرام بالنص م: (على ما نبينه) ش: إشارة إلى قوله عند قوله: " بعد هذا " ولا يجوز لوارثه، ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض م: (وقد جاء في الحديث: «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر» ش: قال الأترازي: ولنا في صحة هذا الحديث نظر ومع هذا يروى الحيف بالحاء المهملة المفتوحة وبالياء الساكنة يعني الجور. ويروى بالجيم والنون المفتوحتين يعني الميل، ومنه قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} [البقرة: 182] (البقرة: الآية 182) . وفي الحديث إنما يرد من جنف الظالم ما ... انتهى.
قلت: ذكر الكاكي هذا الحديث وسكت عنه، ولكن قال: روى الجيف بالجيم، وكذلك الأكمل ذكره، ولم أر أحدا منهم حرر هذا الموضع، والحديث لم يثبت، ولهذا قال المخرج: هذا غريب، يعني لم يثبت، ثم أخرج عن الدارقطني من حديث ابن عباس عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الإضرار في الوصية من الكبائر» وأخرجه النسائي موقوفا. وأخرجه عن ابن عدي بلفظ: «الحيف في الوصية من الكبائر» .(13/392)
وفسروه بالزيادة على الثلث وبالوصية للوارث. قال: إلا أن يجيزها الورثة بعد موته وهم كبار؛ لأن الامتناع لحقهم وهم أسقطوه. ولا معتبر بإجازتهم في حال حياته؛ لأنها قبل ثبوت الحق إذ الحق يثبت عند الموت، فكان لهم أن يردوه بعد وفاته بخلاف ما بعد الموت؛ لأنه بعد ثبوت الحق، فليس لهم أن يرجعوا عنه؛ لأن الساقط متلاش. غاية الأمر أنه يستند عند الإجازة، لكن الاستناد يظهر في حق القائم، وهذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وفسروه) ش: أي فسروا الحديث م: (بالزيادة على الثلث وبالوصية للوارث) ش: يعني كون الحيف من الكبائر في هذين الشيئين.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يجيزها الورثة بعد موته وهم كبار؛ لأن الامتناع) ش: استثناء من قوله: ولا يجوز بما زاد على الثلث، أي إلا أن يجيز الوصية بأكثر من الثلث م: (لحقهم) ش: أي لحق الورثة م: (وهم أسقطوه) ش: أي الورثة أسقطوا حقهم عند الإجازة م: (ولا معتبر بإجازتهم في حال حياته) ش: أي حياة الوصي م: (لأنها) ش: أي لأن الإجازة م: (قبل ثبوت الحق، إذ الحق يثبت عند الموت، فكان لهم أن يردوه بعد وفاته) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور والحسن بن صالح وشريح وطاوس والحكم وأصحاب الظاهر، وروي ذلك عن ابن مسعود، قال ابن أبي ليلى والزهري وعطاء وحماد بن أبي سليمان وعبد الملك بن يعلى وربيعة: ليس لهم أن يرجعوا عن الإجازة سواء كان قبل الموت أو بعده.
م: (بخلاف ما بعد الموت) ش: أي بخلاف ما إذا كانت الإجازة بعد الموت حيث لا يكون لهم الرد م: (لأنه) ش: أي لأن الرجوع م: (بعد ثبوت الحق فليس لهم) ش: أي الرجوع والنسخة الصحيحة فليس لهم م: (أن يرجعوا عنه؛ لأن الساقط متلاش) ش: قال الأترازي: قوله: لأن الساقط مثلا متعلق بقوله فكان لهم أن يردوه. وقال الأكمل: هذا دليل قوله: فكان لهم أن يردوه بعد وفاته، وتقديره لأن إجازتهم في ذلك الوقت كانت ساقطة لعدم مصادفتها محلها، والساقط متلاش، فإجازتهم مثلا شبهة فكان لهم أن يردوا بعد الموت ما أجازه في حال حياة المورث.
م: (غاية الأمر أنه يستند) ش: هذا جواب عن شبهة ترد على هذا التقرير بأن يقال: كيف تكون إجازتهم في غير محله، مع أن موت الورثة قد تعلق بماله من أول المرض على سبيل التوقف فلما مات ظهر م: (عند الإجازة) ش: صادفت محلها فكانت إجازتهم في حياته سبب الاستناد، وكإجازتهم بعد موته بسبب الاستناد فأجاب بقوله غاية الأمر أنه يستند عند الاستغناء وفي نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - عند الإجازة قول: يغني ويتلاشى.
م: (لكن الاستناد يظهر في حق القائم) ش: لا التساقط المتلاشي، وهو معنى قوله: م:(13/393)
قد مضى وتلاشى، ولأن الحقيقة تثبت عند الموت وقبله يثبت مجرد الحق. فلو استند من كل وجه ينقلب حقيقة قبله، والرضا ببطلان الحق لا يكون رضا ببطلان الحقيقة، وكذا إن كانت الوصية للوارث وأجازه البقية فحكمه ما ذكرناه، وكلما جاز بإجازة الوارث يتملكه المجاز له من قبل الموصي عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من قبل الوارث، والصحيح قولنا؛ لأن السبب صدر من الموصي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(وهذا قد مضى وتلاشى) ش: فكان لهم أن يردوا بعد الموت ما أجازوه في حال حياة المورث.
م: (ولأن الحقيقة) ش: دليل آخر أن حقيقة الملك للوارث م: (تثبت عند الموت) ش: أي عند موت المورث م: (وقبله) ش: أي وقبل الموت م: (يثبت مجرد الحق) ش: أي مجرد حق الملك م: (فلو استند) ش: ملكه إلى أول المرض م: (من كل وجه ينقلب) ش: أي الحق م: (حقيقة قبله) ش: أي قبل الموت، وذلك باطل لوقوع الحكم قبل السبب وهو مرض الموت.
وإنما قيد بقوله: من كل وجه دفعا لوهم من يقول: حق الوارث يتعلق بمال المورث من أول المرض حتى يمنع ذلك التعلق تصرف المورث في الثلثين بالمرض ببطلان الحق، هذا جواب عما يقال: الإجازة إسقاط من الوارث لحقه برضاه، فصار كسائر الإسقاطات، وفيها لا رجوع، فكذا هذا.
وتقرير الجواب أن يقال أن: م: (الرضا ببطلان الحق) ش: بعد أن عرف أن ثمة حقا وحقيقة م: (لا يكون رضا ببطلان الحقيقة) ش: لأنه رضي ببطلان الحق لا ببطلان الحقيقة، والرضا ببطلانها يستلزم وجودها، ولا وجود لها قبل التثبت وهو مرض الموت.
م: (وكذا إن كانت الوصية للوارث وأجازه البقية فحكمه ما ذكرناه) ش: وهو أن لا يجوز إجازة الوارث قبل موت الموصي وتجوز بعده م: (وكل ما جاز بإجازة الوارث يتملكه المجاز له من قبل الموصي) ش: بكسر القاف وفتح الباء م: (عندنا. وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: من قبل الوارث) ش: ذكر هذا تفريعا على مسألة القدوري، إيضاحه: إذا أوصى بجميع ماله، فأجازت الورثة كان تمليكا من الميت، كذلك الوصية للوارث وعند الشافعي يكون هبة من الوارث إن بقيت وإلا بطلت، وبه قال أحمد في رواية، واختاره المزني، وبه قال بعض أصحابنا: مالك وأصحاب الظاهر، ولكن الصحيح من مذهب الشافعي وأحمد ومالك كقولنا، وهو قول جمهور العلماء.
وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": ثمرة الخلاف تظهر في اشتراط القبول والقبض والتسليم من الوارث لملك المجاز له عندهم شرط كالهبة المبتدأة، وعندنا ليس بشرط.
م: (والصحيح قولنا؛ لأن السبب صدر من الموصي) ش: وهو أنه عقد على ملك نفسه مع(13/394)
والإجازة رفع المانع وليس من شرطه القبض. فصار كالمرتهن إذا أجاز بيع الراهن. قال: ولا تجوز للقاتل عامدا كان أو خاطئا بعد أن كان مباشرا. لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لا وصية للقاتل» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تعلق حق الغير ما إذا أسقط الغير حقه بعد العقد من جهته كما لو أوصى وعليه دين فأبرأه الغريم م: (والإجازة رفع المانع) ش: هذا جواب عن جعل الإجازة خارجا عن الملك، يعني أن الإجازة ليست بسبب للخروج عن الملك، وإنما هو رفع المنافع عن ثبوت الملك، والحكم يضاف إلى السبب لا لإزالة المانع.
م: (وليس من شرطه) ش: أي من شرط إزالة المانع م: (القبض) ش: وهذا رد لكونها هبة كما قال الشافعي، فكأنه يقول: لو كان هبة لكان القبض شرطا وهو ممنوع م: (فصار) ش: ما نحن فيه م: (كالمرتهن إذا أجاز بيع الراهن) ش: في كون السبب صدر من الراهن والملك للمشتري يثبت من قبله وإجازة المرتهن رفع المانع وكالمؤجر يبيع المستأجر فيجيره المستأجر.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تجوز) ش: الوصية م: للقاتل) ش: وبه قال الشافعي في قول، وأحمد في رواية، وهو قول الثوري أيضًا. وقال الشافعي في الأظهر ومالك وأبو ثور وأحمد في المنصوص: فيصح.
وقال الأترازي: وعن الشافعي ثلاثة أقوال: في قول: لا يصح، وفي قول: فرق بين الوصية للخارج وبين الخارج بعد الوصية له، فإنه مستعجل لحقه كالإرث كذا في " وجيزهم " م: (عامدا كان أو خاطئا) ش: يعني سواء كان قتل القاتل عمدا كان أو خطأ. وفي بعض النسخ: عامدا أو خاطئا، وكذا في نسخة شيخي العلاء م: (بعد أن كان مباشرا) ش: إنما قيد بالمباشرة؛ لأنه إذا لم يكن مباشرا لا يتعلق به حرمان الميراث وبطلان الوصية كما في حافر البئر وواضع الجمر في غير ملكه م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «ولا وصية للقاتل» .
ش: قال الأترازي: ولنا ما قال محمد في الأصل: بلغنا عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: أنه لم يجعل للقاتل ميراثا، وعن عمر مثله، وعن علي في " الأسرار " وغيره أنه قال: لا وصية لقاتل، ولا مخالف له فحل محل الإجماع. وروي عن عبيدة السلماني في كتب التفاسير أنه قال: لم يورث قاتل بعد صاحب البقرة.
فإن قلت: المصنف ذكر الحديث مرفوعا فما للأترازي ذكره عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - موقوفا.(13/395)
ولأنه استعجل ما أخره الله تعالى فيحرم الوصية كما يحرم الميراث. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز للقاتل، وعلى هذا الخلاف إذا أوصى لرجل ثم إنه قتل الموصي تبطل الوصية عندنا، وعنده: لا تبطل. والحجة عليه في الفصلين ما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: روى الدارقطني في " سننه " عن مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس للقاتل وصية» . ثم قال الدارقطني: مبشر متروك يضع الحديث. وقال صاحب " التنقيح ": قال أحمد: مبشر بن عبيد أحاديثه موضوعة كذاب.
قلت: فكذلك اقتصر الأترازي على الموقوف.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن القاتل م: (استعجل ما أخره الله فيحرم الوصية) ش: فيحرم على صيغة المجهول، والوصية منصوب؛ لأنه مفعول ثابت بقي على حاله، فالأول: قام مقام الفاعل. وكذلك الميراث منصوب في قوله: م: (كما يحرم الميراث) ش: أي كما يحرم القاتل عن ميراث الذي قتله.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز) ش: أي الوصية م: (للقاتل) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - ذكرنا م: (وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور بيننا وبين الشافعي م: (إذا أوصى لرجل ثم إنه) ش: أي إن الرجل الموصى له م: (قتل الموصي تبطل الوصية عندنا، وعنده) ش: أي عند الشافعي م: (لا تبطل والحجة عليه) ش: أي على الشافعي م: (في الفصلين) ش: أي فيما كان القتل قبل الوصية أو بعدها.
م: (ما بيناه) ش: وفي بعض النسخ: ما قلناه، وهكذا في نسخة شيخي العلاء - رَحِمَهُ اللَّهُ - أي من الحديث المذكور، فإنه بإطلاقه لا يفصل بين تقدم الجرح على الوصية وتأخره عنها، وما قاله عن المعقول الذي ذكره واعترفوا عليه بأنه صحيح إذا كان القتل بعد الوصية، فأما إذا كان الجرح قبلها فلا استعجال ثمة.
وأجيب: يجعل الجارح مستعجلا وإن تقدم جرحه على الوصية كما ذكر شيخ الإسلام أن المعتبر في كون الموصي له قاتلا أو غير قاتل لجواز الوصية وفسادها يوم الموت لا يوم الوصية، فالنظر إلى وقت الموت كان الوقت مؤخرا عن الوصية. وقال الأكمل: واعترض نقض(13/396)
ولو أجازتها الورثة جاز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز؛ لأن جنات باقية والامتناع لأجلها. ولهما: أن الامتناع لحق الورثة؛ لأن نفع بطلانها يعود إليهم كنفع بطلان الميراث، ولأنهم لا يرضونها للقاتل كما لا يرضونها لأحدهم. قال: ولا تجوز لوارثه لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه؛ ألا لا وصية لوارث» ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض، ففي تجويزه قطيعة الرحم. ولأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إجمالي بأن ما ذكرتم لو صح بجميع مقدماته لما أعتق المدبر إذا قتل مولاه أن التدبير وصية، ولكن لا يصح للقاتل.
أجيب: بأن عتقه من حيث إن موته جعل شرطا لعتقه، وقد وجد ذلك. ولكن يسعى المدبر في جميع قيمته؛ لأن تعذر الرد من حيث الصورة لوجود شرط العتق الذي لا يقبل الرد، فيرد من حيث المعنى بإيجاب السعاية.
م: (ولو أجازتها الورثة) ش: أي ولو أجاز الورثة الوصية للقاتل م: (جاز عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تجوز؛ لأن جنايته باقية، والامتناع) ش: أي الامتناع من الجواز م: (لأجلها) ش: أي لأجل الجناية.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الامتناع لحق الورثة؛ لأن نفع بطلانها يعود إليهم كنفع بطلان الميراث، ولأنهم لا يرضونها) ش: أي المرتد تل كما لا يرضونها لأحدهم) ش: أي لأحد الورثة، وهي الوصية لأحدهم إذا أجاز البقية نفذت. وكذا القاتل.
فإن قيل: ما الفرق بينهما وبين الميراث إذا جازت الوصية حيث صحت الوصية دون الميراث؟
أجيب: بأن الإجازات تصرف من العبد فيعمل فيما كان من جهة العبد والوصية من جهة العبد فيعمل بخلاف الميراث، فإنه من جهة الشرع لا منع للعبد فيه فلا يعمل فيه فلا تصرف للعبد.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولا تجوز لوارثه) ش: أي لا تجوز الوصية من المورث لوارث م: (لقوله - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث» ش: هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - منهم أبو أمامة الباهلي وقد ذكرناه في أوائل الكتاب.
م: (ولأنه يتأذى البعض بإيثار البعض، ففي تجويزه قطيعة الرحم، ولأنه) ش: أي باختيار(13/397)
حيف بالحديث الذي رويناه، ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية؛ لأنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وحكمه يثبت بعد الموت.
والهبة من المريض للوارث في هذا نظير الوصية: لأنها وصية حكما حتى تنفذ من الثلث، وإقرار المريض للوارث على عكسه؛ لأنه تصرف في الحال فيعتبر ذلك وقت الإقرار.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البعض في الإيصاء له بشيء م: (حيف) ش: أي جور م: (بالحديث الذي رويناه) ش: وهو قوله فيما مضى عن قريب قد جاء في الحديث «الحيف في الوصية من أكبر الكبائر» م: (ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية؛ لأنه تمليك مضاف إلى ما بعد الموت، وحكمه يثبت بعد الموت) ش: وفائدته تظهر فيمن أوصى لأخيه، ولا ابن له، ثم ولد له ابن فمات الموصي تصح الوصية، ومن أوصى لأخيه وله ابن ثم مات الابن فمات الموصي تبطل الوصية.
وفي " قاضي خان ": أوصى لثلاث إخوة متفرقين وله ابن جازت الوصية لهم بالسوية لأنهم لا يرثون مع الابن، وإن كان له بنت مكان الابن جازت الوصية لأخ لأب ولأخ لأم، ولا تجوز لأخ لأب وأم لأنه يرث مع البنت، وإن لم يكن له ابن ولا بنت الوصية كلها للأخ لأب؛ لأنه لا يرثه وتبطل الوصية لأخ لأب وأم، ولأخ لأم لأنهما يرثانه، وكذا لو مات الابن والبنت.
[الهبة من المريض للوارث]
م: (والهبة من المريض للوارث في هذا) ش: أي في هذا الحكم م: (نظير الوصية) ش: أي لأن الهبة والتذكير باعتبار الوصية م: (لأنها وصية حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (حتى تنفذ من الثلث) ش: يعني كما أن في الوصية للوارث يعتبر كونه وارثا وقت الموت فكذلك في هبة المرتهن مرض الموت للورثة يعتبر كونه وارثا بعد الموت؛ لأن هبته جعلت وصية من حيث الحكم بدليل أنها تنفذ من الثلث إذا كانت للأجنبي فالوصية للأجنبي فنفذ من الثلث، فكانت الهبة تمليكا مضافا إلى بعد الموت.
م: (وإقرار المريض للوارث على عكسه) ش: أي على عكس الحكم في الهبة، يعني يعبر كونه وارثا عند الإقرار لا عند الموت م: (لأنه تصرف في الحال فيعتبر ذلك وقت الإقرار) ش: لا وقت الموت، ولهذا لو أقر في مرض الموت لأجنبي بدين يصح من جميع المال، وذكر في " النهاية " أن اعتبار وقت الإقرار دون الموت ليس على إطلاقه، بل ذلك إذا كان كونه وارثا بسبب حادث، وأما إذا كان كونه وارثا بسبب كان وقت الإقرار فيعتبر كونه وارثا وقت الموت أيضًا، ثم بين ذلك في مريض أقر لابنه العبد فأعتق فمات الأب صح الإقرار؛ لأن وراثته تثبت بسبب حادث وهو الإعتاق، وقبله كان عبدا أو كسب العبد لمولاه، فهذا إقرار في المعنى حصل للمولى وهو أجنبي فلا تبطل بصيرورة الابن وارثا بسبب حادث. ولو أقر لأخيه وله(13/398)
قال: إلا أن يجيزها الورثة. ويروى هذا الاستثناء فيما رويناه. ولأن الامتناع لحقهم فتجوز بإجازتهم. ولو أجاز بعض، ورد بعض تجوز على المجيز بقدر حصته لولايته عليه وبطل في حق الراد.
قال: ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ابن ثم مات الابن قبله حتى صار الأخ وارثا بطل إقراره عندنا لأنه لما كان وارثا بسبب قائم وقت الإقرار تبين أن إقراره حصل لوارثه، وذلك باطل، انتهى.
وقال الأكمل - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أرى أن إطلاق المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - يغني عن ذلك التطويل وذلك لأنه قال: يعتبر إقرار المريض كونه وارثا عند الإقرار، والعبد ليس بوارث عند الإقرار لكونه محروما فلا يكون إقرارا للوارث وكلامه منافيا والأخ ليس بمحروم، فيكون وارثا عند الإقرار، وإن كان محجوبا والإقرار للوارث باطل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا أن يجيزها الورثة) ش: هذا استثناء من قوله: ولا تجوز الوصية لوارث إلا أن يجيزها الإيصاء للورثة، فحينئذ يصح.
وقال المصنف: م: (ويروى هذا الاستثناء) ش: أي الاستثناء الذي ذكره القدوري م: (فيما رويناه) ش: أي في الحديث الذي رويناه، وهو قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله أعطى كل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث إلا أن يجيزها» .. " رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا. قال الكاكي: ورواه عن ابن عباس عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا، أي رواه الدارقطني أيضًا هكذا عن عبد الله بن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وقال الأترازي: وفيه نظر، وسكت، ولم يبين وجه النظر، فكأنه رأى في موضع أن هذا ضعيف فاقتصر على ما قاله.
قلت: لفظ الدارقطني أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: في خطبة يوم النحر: «لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة» ، وفي إسناده حبيب بن الشهيد، قال ابن عدي بعده: أرجو أن حبيب بن الشهيد مستقيم الرواية.
م: (ولأن الامتناع لحقهم) ش: أي امتناع الوصية لحق الورثة م: (فتجوز بإجازتهم) ش: لعدم المانع م: (ولو أجاز بعض) ش: أي بعض الورثة م: (ورد بعض) ش: أي لم يجز م: (تجوز على المجيز بقدر حصته لولايته عليه وبطل في حق الراد) ش: لعدم رضاه.
[وصية المسلم للكافر]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويجوز أن يوصي المسلم للكافر والكافر للمسلم) ش: أراد بالكافر الذمي لا الحربي؛ لأن الحربي لا يجوز له الوصية على ما يأتي.(13/399)
فالأول لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] [الممتحنة: الآية 8] . والثاني: لأنهم بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات، ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة، فكذا بعد الممات. وفي" الجامع الصغير ": الوصية لأهل الحرب باطلة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] [الممتحنة: الآية 9] .
قال: وقبول الوصية بعد الموت فإن قبلها الموصى له حال الحياة أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فالأول:) ش: هو وصية المسلم للكافر م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 8] م: [الممتحنة: الآية 8] ) ش: لأنهم إذا لم يخرجوكم من دياركم ولم يؤذوكم فهذا بر منهم، فالعدل معهم أن تبروهم أنتم أيضًا بحسن المعاشرة والصلة بالمال، كذا في التفسير، والوصية لهم بالمال من العين، فكانت جائزة.
وقال الفقيه أبو الليث - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كتاب " نكت الوصايا ": وروي عن صفية بنت حيي زوجة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أوصت بثلث مالها لأخيها وهو يهودي، وكان ذلك بمحضر من الصحابة فلم ينكروا عليها.
م: (والثاني:) ش: وهو وصية الكافر للمسلم م: (لأنهم) ش: أي أن أهل الذمة م: (بعقد الذمة ساووا المسلمين في المعاملات، ولهذا جاز التبرع من الجانبين في حالة الحياة، فكذا بعد الممات) ش: وهذا لا خلاف فيه لأهل العلم. وأما وصية المسلم لأهل الحرب فقد أشار إليه بقوله: م: (وفي" الجامع الصغير ": الوصية لأهل الحرب باطلة) ش: وبه قال بعض أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وقال مالك وأحمد وأكثر أصحاب الشافعي: يجوز م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] [الممتحنة: الآية 9] ) ش: {وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة: 9] قالوا في " شرح الجامع الصغير ": ما يدل على الجواز. وذكر محمد في " السير الكبير " ما يدل على جواز الوصية لهم.
ووجه التوفيق بين الروايتين: أنه لا ينبغي أن يفعل، وإن فعل ثبت الملك لهم لأنهم من أهل الملك، وأما وصية الحربي بعدما دخل دارنا بأمان فإنها جائزة؛ لأن له ولاية تمليك ماله في حياته، فكذا بعد وفاته على أنه لا فرق بين وصيته بالثلث وبجميع ماله؛ لأن منع المسلم في ذلك منهي عما زاد على الثلث لحق ورثة المسلمين؛ لأنه معصوم عن الإبطال، وورثة الحربي ليس كذلك.
[الوصية بعد الموت]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وقبول الوصية بعد الموت، فإن قبلها الموصى له حال الحياة أو(13/400)
ردها فذلك باطل؛ لأن أوان ثبوت حكمه بعد الموت لتعلقه به، فلا يعتبر قبله كما لا يعتبر قبل العقد. قال: ويستحب أن يوصي الإنسان دون الثلث، سواء كانت الورثة أغنياء أو فقراء؛ لأن في التنقيص صلة القريب بترك ماله عليهم، بخلاف استكمال الثلث؛ لأنه استيفاء تمام حقه، فلا صلة ولا منة. ثم الوصية بأقل من الثلث أولى أم تركها؟ قالوا: إن كانت الورثة فقراء ولا يستغنون بما يرثون فالترك أولى، لما فيه من الصدقة على القريب، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ردها فذلك باطل؛ لأن أوان ثبوت حكمه بعد الموت لتعلقه به، فلا يعتبر قبله كما لا يعتبر قبل العقد) ش: ألا ترى أنه لو قال لامرأته أنت طالق غدا على ألف فالقول والرد منها يعتبر بعد مجيء الغد.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ويستحب أن يوصي الإنسان بدون الثلث -، سواء كانت الورثة أغنياء أو فقراء) ش: ولا يعلم فيه خلاف لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لأن تدع ورثتك أغنياء» ... ) الحديث.
وعن أبي بكر وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أنهما قالا: لأن يوصى بالخمس أحب إلي من أن يوصى بالربع، ولأن يوصى بالربع أحب إلي من أن يوصى بالثلث م: (لأن في التنقيص) ش: أي من الثلث م: (صلة القريب بترك ماله عليهم، بخلاف استكمال الثلث؛ لأنه استيفاء تمام حقه، فلا صلة ولا منة) ش: لأن الموصي إذا استوفى تمام حقه الذي هو الثلث لا يبقى له منة على ورثته، ولا إيثار بالصلة.
م: (ثم الوصية بأقل من الثلث أولى أم تركها؟ قالوا:) ش: أي المشايخ م: (إن كانت الورثة فقراء ولا يستغنون بما يرثون فالترك أولى، لما فيه من الصدقة على القريب، وقد قال - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: أي قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: م: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» ش: هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولفظه: - «إن أفضل الصدقة» .... ".(13/401)
ولأن فيه رعاية حق الفقراء والقرابة جميعا، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بنصيبهم، فالوصية أولى: لأنه يكون صدقة على الأجنبي، والترك هبة من القريب، والأولى أولى لأنه يبتغى بها وجه الله تعالى. وقيل في هذا الوجه: يخير الموصي لاشتمال كل منهما على فضيلة، وهو الصدقة والصلة فيخير بين الخيرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الأموال " عن أبي هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سئل أي الصدقة أفضل؟ فقال: "الصدقة على ذي الرحم الكاشح» ، انتهى.
والكاشح الذي يخفي عدوانه في كشحه، والكشح ما بين الخاصرة إلى الضلع، وإنما الصدقة عليه أفضل لما فيه من مخالفة النفس وقهرها. وكذلك في ذي الرحم الصديق. ثم اعلم أن الأفضل أن يجعل وصية لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء، وعليه أهل العلم.
وقال ابن عبد البر: لا خلاف فيه بين العلماء. وعن طاوس والضحاك: تنتزع من الغير وترد إلى قرابته. وعن الحسن وجابر بن زيد: يعطى الثلث للغير ويرد الباقي إلى قرابته.
م: (ولأن فيه) ش: أي في ترك الوصية إذا كانت الورثة فقراء م: (رعاية حق) ش: النفس م: (الفقراء والقرابة جميعا، وإن كانوا أغنياء أو يستغنون بنصيبهم) ش: من الإرث م: (فالوصية أولى؛ لأنه يكون صدقة) ش: أي لأن الإيصاء بالثلث حينئذ بمنزلة الصدقة م: (على الأجنبي، والترك) ش: أي ترك الوصية بالثلث يكون م: (هبة من القريب، والأولى أولى) ش: أي الصدقة على الأجنبي أفضل م: (لأنه يبتغى بها وجه الله تعالى) ش: لأنها صدقة في حياته.
م: (وقيل في هذا الوجه:) ش: وهو ما إذا كانت الورثة أغنياء يستغنون بنصيبهم م: (يخير الموصي لاشتمال كل منهما) ش: أي من الوصية والترك م: (على فضيلة وهو) ش: أي اشتمال الفضيلة م: (الصدقة) ش: في حق الأجنبي م: (والصلة) ش: في حق الورثة، فإذا كان كذلك م: (فيخير بين الخيرين) ش: بكسر الخاء، يعني بين الخيارين. وفي " شرح الطحاوي " الأفضل لمن كان له مال قليل أن لا يوصي بشيء إذا كانت له ورثة، والأفضل لمن كان له مال كثير أن لا يجاوز الثلث فيما لا معصية فيه.
وفي " خلاصة الفتاوى " عن الإمام الفضلي: إذا كانت الورثة صغارا فترك الوصية أفضل، قال: هكذا روي عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وإن كانوا بالغين إن كانوا فقراء ويستغنون بثلثي التركة فالوصية أفضل.
وقدر الاستغناء عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا ترك لكل واحد من الورثة أربعة(13/402)
قال: والموصى به يملك بالقبول، خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وهو أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. هو يقول: الوصية أخت الميراث، إذ كل منهما خلافة لما أنه انتقال ثم الإرث يثبت من غير قبول، فكذلك الوصية. ولنا: أن الوصية إثبات ملك جديد، ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يرد عليه بالعيب ولا يملك أحد إثبات الملك لغيره إلا بقبوله. أما الوراثة فخلافة حتى تثبت فيها هذه الأحكام، فثبت جبرا من الشرع من غير قبول.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
آلاف. وفي الموضع الذي أراد أن يوصي ينبغي أن يبدأ بالقرابة، فإن كانوا أغنياء فالجيران.
[الموصى به يملك بالقبول]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (الموصى به يملك بالقبول) ش: يملك على صيغة المجهول، وبه قال جمهور العلماء: إذا كانوا بالغين يمكن القبول منه.
أما إذا كان لغير معين كالفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصره كبني هاشم أو على مصلحة مسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول، ولزمت بمجرد الموت؛ لأن الوصية لهم كالوقف عليهم م: (خلافا لزفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) ش: فإن عنده لا يتوقف على القبول م: (وهو) ش: أي قول زفر م: (أحد قولي الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو قول غير مشهور عنه.
م: (هو) ش: أي زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (يقول الوصية أخت الميراث، إذ كل منهما خلافة) ش: أي لأن كل واحد من الوصية والميراث خلافة بعد الموت م: (لما أنه انتقال) ش: أي لما أن كل واحد من الإرث والوصية انتقال المال م: (ثم الإرث يثبت من غير قبول) ش: فلا يرتد بالرد م: (فكذلك الوصية) .
م: (ولنا: أن الوصية إثبات ملك جديد، ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يرد عليه بالعيب) ش: يعني لو أوصى بجميع ماله لإنسان ثم باع شيئا من التركة ووجد المشتري به عيبا لا يرده على الموصى له. ولو كان ثبوت الملك للموصى له بطريق الخلافة لثبتت ولاية الرد في الصورتين جميعا، كما في الوارث م: (ولا يملك أحد إثبات الملك لغيره إلا بقبوله) ش: ورضاه.
ألا ترى أنه لو أوصى بثلث تراب في داره، فلو ملكه الموصى له من غير رضاه للحقه ضرر بفعل الموصي؛ لأنه يلزمه نقله من بيته وهو لا يجوز؛ وذلك لأن نفوذ الوصية لمنفعة الموصى له ولو أثبتنا الملك له قبل قبوله لربما تضرر، فإنه لو أوصى له بعبد أعمى وجب عليه نفقة بلا منفعة تعود إليه، وأمثال هذا كثيرة.
م: (أما الوراثة فخلافة حتى تثبت فيها هذه الأحكام) ش: أشار به إلى قوله: ولهذا لا يرد الموصى له بالعيب ولا يرد بالعيب م: (فثبت) ش: أي الخلافة في الميراث م: (جبرا من الشرع من غير قبول) ش: الوارث، أي من غير اختيار منه شيئا أو أبى، وفي الوصية للموصى له الخيار(13/403)
قال: إلا في مسألة واحدة وهي: أن يموت الموصي ثم يموت الموصى له قبل القبول، فيدخل الموصى به في ملك ورثته استحسانا، والقياس: أن تبطل الوصية لما بينا أن الملك موقوف على القبول. فصار كموت المشتري قبل قبوله بعد إيجاب البائع. وجه الاستحسان: أن الوصية من جانب الموصي قد تمت بموته تماما لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقفت لحق الموصى له، فإذا مات دخل في ملكه كما في البيع المشروط فيه الخيار للمشتري إذا مات قبل الإجازة. قال: ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية؛ لأن الدين مقدم على الوصية؛ لأنه أهم الحاجتين، فإنه فرض والوصية تبرع، وأبدا يبدأ بالأهم فالأهم، إلا أن تبرئه الغرماء؛ لأنه لم يبق الدين فتنفذ الوصية على الحد المشروع لحاجته إليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
، ولهذا يرتد بالرد، ولما ارتدت بالرد وافقت على القبول كالبيع والهبة. ثم القبول على ضربين قبول بالصريح وقبول بالدليل، فالصريح أن يقول بعد موت الموصي: قبلت، والدليل أن يموت الموصى له قبل القبول والرد بعد موت الموصي، فيكون موته قبولا لوصيته، ويكون ذلك ميراثا لورثته.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إلا في مسألة واحدة) ش: هذا استثناء من قوله: "والموصى به يملك بالقبول " يعني في المسألة المستثناة يملك بدون القبول م: (وهي أن يموت الموصي ثم يموت الموصى له قبل القبول، فيدخل الموصي به في ملك ورثته استحسانا، والقياس: أن تبطل الوصية لما بينا أن الملك) ش: أي ملك الموصي م: (موقوف على القبول) ش: وقد فات القبول بالموت فبطلت الوصية م: (فصار) ش: حكم هذا م: (كموت المشتري قبل قبوله بعد إيجاب البائع) .
م: (وجه الاستحسان: أن الوصية من جانب الموصي قد تمت بموته تماما لا يلحقه الفسخ من جهته، وإنما توقفت لحق الموصى له، فإذا مات دخل في ملكه) ش: لأن موته بلا رد دليل القبول، نظيره م: (كما في البيع المشروط فيه الخيار للمشتري إذا مات قبل الإجازة) ش: فإن البيع يتم وتكون السلعة موروثة عن المشتري، فكذا هنا يكون الوصية موروثة عن الموصى له.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى وعليه دين يحيط بماله لم تجز الوصية؛ لأن الدين مقدم على الوصية؛ لأنه أهم الحاجتين، فإنه) ش: أي فإن الدين م: (فرض) ش: أي أداؤه م: (والوصية تبرع، وأبدا يبدأ بالأهم فالأهم، إلا أن تبرئه الغرماء) ش: أي أصحاب الديون م: (لأنه لم يبق الدين فتنفذ الوصية) ش: حينئذ م: (على الحد المشروع) ش: وهو الوجه الذي ذكره، وهو أن الورثة إما أن يكونوا فقراء أو أغنياء م: (لحاجته إليها) ش: أي لحاجة الموصي الميت إلى الوصية.
وقال الزمخشري: إنما قدم الوصية على الدين في قَوْله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12](13/404)
قال: ولا تصح وصية الصبي. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصح إذا كان في وجوه الخير؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجاز وصية يفاع أو يافع، وهو الذي راهق الحلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(النساء: الآية 11) ، مع أن الدين مقدم شرعا، لما أن الوصية مشابهة للميراث في كونها مأخوذة من غير عوض، فكان إخراجها مما يشق على الورثة ولا يطيب أنفسهم بها، فكان أداؤها مظنة للتفريط. بخلاف الدين، وإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فكذلك قدمت على الدين بعثا على المسارعة إلى إخراجها ووجوبها مع الدين، وكذلك جنى بكلمة أو لتسوية بينهما في الوجوب.
[الوصية من المجنون والصبي]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تصح وصية الصبي) ش: سواء مات قبل الإدراك أو بعده وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في قوله: وأصحاب الظواهر، وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تصح) ش: أي وصية الصبي م: (إذا كان في وجوه الخير) ش: وبه قال مالك وأحمد وهو قول الشعبي والنخعي وعمر بن عبد العزيز وشريح وعطاء والزهري وإياس وعبد الله بن عيينة. وقال ابن الجلاب البصري المالكي في كتاب " التفريع ": وصية الصبي المميز جائزة، وقال الغزالي في "وجيزه ": ولا تصح الوصية من المجنون والصبي الذي لا يميز، وفي الصبي المميز قولان.
م: (لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أجاز وصية يفاع أو يافع، وهو الذي راهق الحلم) ش: روى مالك في " الموطأ " عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه أنه قيل لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن هاهنا غلاما يفاعا لم يحتلم من غسان ووارثه بالشام وهو ذو مال، وليس له هاهنا إلا ابنة عم له فقال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فليوص لها، فأوصى لها بماء يقال له: بئر جشم، قال عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فبيعت بثلاثين ألف درهم. وابنة عمه هي: أم عمرو بن سليم.
ورواه عبد الرزاق في " مصنفه"، - أخبر سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن عمرو بن سليم الغساني أوصى وهو ابن عشر أو ثنتي عشرة ببئر له قومت بثلاثين ألفا فأجاز عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وصيته. وقال البيهقي: عمرو بن سليم لم يدرك عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، إلا أنه منتسب لصاحب القصة.
قوله: " يفاع " بفتح الياء آخر الحروف وبالفاء المخففة وبعد الألف عين مهملة. وفي " الجمهرة ": غلام يفع ويافع ويفعة وقد أيفع يوفع إيفاعا إذا تحرك وشب. والجمع أيفاع، ويفاع(13/405)
ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى. ولو لم تنفذ يبقى على غيره. ولنا: أنه تبرع، والصبي ليس من أهله، ولأن قوله غير ملزم، وفي تصحيح وصيته قول بإلزام قوله، والأثر محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازا، أو كانت وصيته في تجهيزه وأمر دفنه، وذلك جائز عندنا، وهو يحرز الثواب بالترك على ورثته كما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قطعة من الجبل والعلة إيفاء فوقع عما حولها. وقال الكاكي: غلام يفاع بمعنى يافع، وجمعه يفعان، ولا يقال: صبي ولا يوفع، وهو من النوادر.
قلت: ذكر في كتاب " خلق الإنسان " عن أبي عبيد: قال بعضهم: الحرور واليافع والمترعرع واحد. وإذا لم يبلغ الصبي الحلم قيل: غلام يافع وجمعه أيفاع. وقال أبو عبيد: قال الكسائي: وهو على غير قياس، والقياس أن يقال: يوفع، ويقال: غلام يفعه.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن إيصاء الصبي م: (نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى) ش: أي القرب إلى الله تعالى والدرجة العليا م: (ولو لم تنفذ) ش: إيصاؤه م: (يبقى) ش: ماله م: (على غيره) ش: أي على غير الصبي، ولو نفذت يبقى ماله على نفسه حيث يكون له الثواب بالوصية بماله فكانت الوصية أولى.
م: (ولنا: أنه) ش: أي أن إيصاءه م: (تبرع، والصبي ليس من أهله) ش: أي من أهل التبرع، ولهذا لا يملك التبرع بماله في حال الحياة بالإجماع بالهبة أو الصدقة، فكذلك لا يملكه بطريق الوصية أيضًا قياسا على الإعتاق.
م: (ولأن قوله غير ملزم. وفي تصحيح وصيته قول بإلزام قوله) ش: لأن الوصية لازمة بعد الموت م: (والأثر) ش: أي الأثر الذي روى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - م: (محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازا) ش: أي: من حيث المجاز، يعني: كان بالغا لم يمض على بلوغه زمان كثير مثله يسمى بالغا مجازا تسمية للشيء باسم ما كان عليه م: (أو كانت وصيته) ش: جواب ثان عن الأثر المذكور، أي: أو كانت وصية يفاع المذكور م: (في تجهيزه وأمر دفنه، وذلك جائز عندنا، وهو يحرز الثواب بالترك على ورثته) ش: هذا جواب عن قوله: ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى م: (كما بيناه) ش: أي عن قريب من قوله: وإن كانت الورثة فقراء ... إلى آخره.
وقال الأترازي: وفي الجواب عن حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تخبيط جواب المشايخ، وبين ذلك بالجوابين اللذين ذكرهما المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثم قال: وفيهما نظر عندي؛ لأنه صرح الراوي بأنه أوصى لابنة عم له بمال، فكيف يسمي ذلك وصيته تجهيز نفسه. وكيف(13/406)
والمعتبر في النفع والضرر النظر إلى أوضاع التصرفات لا إلى ما يتفق بحكم الحال اعتبره بالطلاق فإنه لا يملكه ولا وصية. وإن كان يتفق نافعا في بعض الأحوال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يقال: يحتمل أنه كان أدرك، لكن سمي غلاما مجازا لأنه صح في رواية الحديث: أنه كان غلاما محتلم، انتهى.
قلت: نسبة التخبيط في هذا إلى نفس الأمر إلى المصنف؛ لأن الوجهين المذكورين هو الذي ذكرهما. وأجاب الأكمل عنه بقوله: بأن قوله: "كان غلاما محتلم "، يعني اليافع حقيقة، فيجوز أن يكون الراوي نقله بمعناه. وقوله: " أنه أوصى لابنة عم له بماله " لا ينافي أن يكون فيما يتعلق بتجهيزه ودفنه، انتهى.
وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجواب الصحيح - وطول فيه -، وملخصه: أن من أدرك عصر الصحابة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن والشعبي والنخعي يعتد بخلافه في إجماع الصحابة حتى لا يتم إجماعهم مع خلافه، ثم روى أصحابنا في كتبهم عن الشعبي والنخعي والحسن أنهم قالوا: لا تجوز وصية المراهق، فبطل الاحتجاج بالإجماع؛ لأنه لا إجماع للصحابة مع خلافهم، فبقي تعليل الصحابي، وهو ليس بواجب عند الخصم فكيف يحتج به على غيره، انتهى.
والجواب الصحيح ما قاله الطحاوي، والاحتجاج بهذا الأثر لا يصح من الشافعي لأنه مرسل؛ لأن رواية عمرو بن سليم وهو ممن لم يلق عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وأبلغ من هذا ما قاله ابن حزم أن هذا الأثر لم يصح عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وخالفه - ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وهو أيضًا مخالف لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] الآية، فإنها تدل على أن الصبي ممنوع من ماله. وفي " المبسوط ": والمرسل وإن كان مقبولا عندنا لكنه خالف عموم قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رفع القلم عن ثلاث» ... " الحديث، قال الأكمل: وفيه نظر؛ لأن المراد بالقلم التكليف، وما نحن فيه فليس منه، فليتأمل. م: (والمعتبر في النفع والضرر) ش: هذا تنزل في الجواب كأنه يقول: سلمنا أن الوصية يحصل الثواب دون تركها، لكن المعتبر به في النفع والضرر م: (النظر إلى أوضاع التصرفات) ش: يعني يعتبر في التصرفات أصل الوضع لا الأحوال، والوصية في أصل الوضع مزيل للملك، وقد يقع النفع فيها في بعض الأحوال، وقد لا يكون فيه نفع كأن أوصى لفاسق ينفق ذاك المال في الفسق، وهذا إعانة على المعصية لا ينبغي في نيل الزلفى م: (لا إلى ما ينفق بحكم الحال) ش: يعني لا النظر إلى ما يتفق بحكم الحال من العوارض اللاحقة م: (اعتبره) ش: أي اعتبر ما ذكرنا م: (بالطلاق؛ فإنه) ش: أي فإن الصبي م: (لا يملكه) ش: أي لا يملك طلاقه وإن طلق م: (ولا وصية. وإن كان يتفق نافعا في بعض الأحوال) ش: أي: ولا يملك وصيته أيضًا وإن نصب مانعا(13/407)
وكذا إذا أوصى ثم مات بعد الإدراك لعدم الأهلية وقت المباشرة. وكذا إذا قال: إذا أدركت فثلث مالي لفلان، وصية لقصور أهليته، فلا يملكه تنجيزا وتعليقا كما في الطلاق والعتاق. بخلاف العبد والمكاتب؛ لأن أهليتهما مستتمة، والمانع حق المولى فتصح إضافته إلى حال سقوطه.
قال: ولا تصح وصية الكاتب وإن ترك وفاء؛ لأن ماله لا يقبل التبرع. وقيل: على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا تصح، وعندهما: تصح ردا لها إلى مكاتب يقول: كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر ثم عتق فملك، والخلاف فيها معروف عرف في موضعه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
في بعض الأحوال بأن يطلق امرأة معسرة شرعا ويتزوج بأختها الموسرة الحسنى، أو يطلقها بأن كانت زانية سليطة ويتزوج بالصالحة؛ لأن ذلك من العوارض والوصية في الأصل تبرع، والصبي ليس من أهله.
م: (وكذا إذا أوصى) ش: أي الصبي بوصية م: (ثم مات بعد الإدراك لعدم الأهلية وقت المباشرة) ش: أي وقت مباشرة الوصية م: (وكذا إذا قال: إذا أدركت فثلث مالي لفلان وصية) ش: لا يجوز م: (لقصور أهليته، فلا يملكه) ش: أي الإيصاء م: (تنجيزا وتعليقا) ش: أي: من حيث التنجيز كما في الوجه الأول، ومن حيث التعليق كما في الوجه الثاني م: (كما في الطلاق والعتاق) ش: حيث لا يملكهما تنجيزا ولا تعليقا.
م: (بخلاف العبد والمكاتب) ش: يعني: إذا قال العبد أو المكاتب: إذا أعتقت فثلث مالي وصية يصح م: (لأن أهليتهما مستتمة) ش: أي تامة م: (والمانع حق المولى فتصح إضافته إلى حال سقوطه) ش: أي سقوط المانع.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولا تصح وصية المكاتب وإن ترك وفاء؛ لأن ماله لا يقبل التبرع) ش: ولهذا لا يصح عتقه وهبته م: (وقيل: على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا تصح، وعندهما: تصح ردا لها) ش: أي: قياسا لهذه المسألة م: (إلى مكاتب يقول: كل مملوك أملكه فيما أستقبل فهو حر ثم عتق فملك، والخلاف فيها معروف عرف في موضعه) ش: أي: من باب الحنث في تملك المكاتب والمأذون في أيمان " الجامع الكبير " وما عرف ثمة هو أن المكاتب إذا قال: كل مملوك أملكه فيما استقبل فهو حر فعتق فملك لم يعتق عند أبي حنيفة، وعتق عندهما.
لهما: أن ذكر الملك إلى ملك الظاهر للإعتاق، وهو ما بعد الحرية، ولأبي حنيفة أن للمكاتب وعين من الملك أحدهما إلى ظاهر، وهو ما قبل العتاق، والثاني: غير ظاهر وهو ما بعد العتاق فيضرب اليمين الظاهر دون غير الظاهر.(13/408)
قال: وتجوز الوصية للحمل وبالحمل إذا وضع لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية. أما الأول فلأن الوصية استخلاف من وجه؛ لأنه يجعله خليفة في بعض ماله، والجنين صلح خليفة في الإرث، فكذا في الوصية إذ هي أخته، إلا أنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك. بخلاف الهبة لأنها تمليك محض ولا ولاية لأحد عليه ليملكه شيئا. وأما الثاني: فلأنه بعرض الوجود إذ الكلام فيما إذا علم وجوده وقت الوصية، وبابها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[الوصية للحمل]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الوصية للحمل) ش: مثل أن يقول: أوصيت بثلث مالي لما في بطن فلانة م: (وبالحمل) ش: كما إذا أوصى بما في بطن جاريته ولم يكن من المولى م: (إذا وضع لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية) ش: أراد أنه إذا علم أنه ثابت موجود في البطن وقت الوصية له أو به، ومعرفة ذلك بأن جاءت لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية على ما ذكره الطحاوي واختاره المصنف وصححه الأسبيجابي في " شرح الكافي " من وقت موت الموصي على ما ذهب إليه الفقيه أبو الليث - رحمة الله عليهم -، واختاره " صاحب النهاية ".
م: (أما الأول) ش: وهو الوصية للحمل م: (فلأن الوصية استخلاف من وجه) ش: دون وجه م: (لأنه يجعله خليفة في بعض ماله) ش: بعد موته إلا أنه يملكه في الحال م: (والجنين صلح خليفة في الإرث، فكذا في الوصية إذ هي أخته) ش: أي لأن الوصية أخت الإرث إلا أنه جواب عما يقال: لو كانا أختين لما جاز ردها كما لم يجز رده، وتقرير الجواب هو قوله: م: (إلا أنه) ش: أي أن فعل عقد الوصية أو الإيصاء م: (يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك) ش: دون الميراث تقدم ذلك فيه. م: (بخلاف الهبة) ش: متصل بقوله: وتجوز الوصية بالحمل، يعني: أن الهبة بالحمل لا تصح م: (لأنها) ش: أي لأن الهبة م: (تمليك محض) ش: والجنين ليس بصالح لذلك م: (ولا ولاية لأحد عليه) ش: أي على الجنين م: (ليملكه شيئا) ش: لأنه لا حاجة له قبل الانفصال.
م: (وأما الثاني) ش: وهو الوصية به م: (فلأنه) ش: أي الحمل م: (بعرض الوجود) ش: أي بعرضية الوجود م: (إذ الكلام فيما إذا علم وجوده وقت الوصية) ش: فإن وضع المسألة فيما إذا وضعت لأقل من ستة أشهر من وقت الوصية أو الموت، وبذلك يعلم وجوده وقت الوصية لا محالة، ولقائل أن يقول: في كلام المصنف تناقض ظاهر؛ لأنه لا يعلم وجود شيء إلا بعد أن يصير موجودا، وإذا كان موجودا، لا يكون بعرض الوجود.
والجواب: أن معنى قوله "بعرض الوجود": بعرض وجود يصلح الورود القبض عليه، ومعنى قوله: إذا علم وجوده حقيقة، وكونه في بطن الأم فاندفع التناقض م: (وبابها) ش: أي(13/409)
أوسع لحاجة الميت وعجزه، ولهذا تصح في غير الموجود كالثمرة، فلأن تصح في الموجود أولى. قال: ومن أوصى بجارية إلا حملها صحت الوصية والاستثناء؛ لأن اسم الجارية لا يتناول الحمل لفظا ولكنه يستحق بالإطلاق تبعا، فإذا أفرد الأم بالوصية صح إفرادها. ولأنه يصح إفراد الحمل بالوصية فجاز استثناؤه، وهذا هو الأصل: أن ما يصح إفراده بالعقد يصح استثناؤه منه، إذ لا فرق بينهما، وما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه وقد مر في البيوع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باب الوصية م: (أوسع لحاجة الميت وعجزه، ولهذا) ش: أي ولأجل ذلك م: (تصح) ش: أي الوصية م: (في غير الموجود كالثمرة، فلأن تصح في الموجود أولى) ش: إيضاح ذلك فيما قاله الكرخي في "مختصره " في رجل أوصى له بثمرة بستان وهو يخرج من الثلث ثم مات، فإن أبا حنيفة قال في ذلك: إن كان فيه ثمرة فليس له إلا تلك الثمرة، وإن لم يكن فيه ثمرة [ ... ] ثمرته أبدا من الثلث.
إن أوصى بغلته فله غلته أبدا من الثلث؛ لأن الغلة على الأبد والثمرة على القائمة بعينها ليس له غيرها. وإن كان البستان ليس له مال غيره وأوصى بغلته لرجل أبدا وفيه ثمرة أو ليس له فيه ثمرة فهو سواء، له ثلث الثمرة التي فيه، وثلث ما يستقبل من ثمره.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بجارية إلا حملها صحت الوصية والاستثناء) ش: يعني تكون الجارية للموصى له بها، ويكون الحمل للورثة م: (لأن اسم الجارية لا يتناول الحمل لفظا) ش: أي من حيث اللفظ، ومن حيث اللغة؛ لأنه لا يفهم منها فإذا كان كذلك صح إقرار الأم بالإيصاء باستثناء الحمل م: (ولكنه يستحق بالإطلاق تبعا) ش: هذا جواب عما يقال: لا نسلم أن اسم الجارية لا يتناول الحمل، فإنه لو لم يبين استحقه للوصي له. ولو لم يتناول لما استحقه كغيره من أمواله.
وتقرير الجواب بأنه يستحق الحمل بالإطلاق، يعني لم يتناول بالعموم، بل يستحق إذا أطلق الموصي عن قيد الإفراد.
م: (فإذا أفرد الأم بالوصية صح إفرادها) ش: يعني إذا أفرد الأم لم يبق مطلقا بل تقيدت الأم بالإفراد فصحت الوصية بها لا مفردة م: (ولأنه يصح إفراد الحمل بالوصية فجاز استثناؤه، وهذا هو الأصل: أن ما يصح إفراده بالعقد يصح استثناؤه منه) ش: ولهذا لو قال: لفلان علي ألف درهم إلا قفيز حنطة صح الاستثناء وإن كان صدر الكلام لا يتناولها م: (إذ لا فرق بينهما) ش: أي بين صحة إفراد العقد عليه، وبين الاستثناء؛ لأن كل واحد منهما يتعلق بكونه معلوما م: (وما لا يصح إفراده بالعقد لا يصح استثناؤه منه) ش: كما في شراء جارية وإلا حملها م: (وقد مر في البيوع) ش: أي في باب البيع الفاسد.(13/410)
قال: ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية؛ لأنه تبرع لم يتم فجاز الرجوع عنه كالهبة، وقد حققناه في كتاب الهبة. ولأن القبول يتوقف على الموت، والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع. قال: وإذا صرح بالرجوع أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[الرجوع عن الوصية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية؛ لأنه) ش: أي لأن الوصية على تأويل الإيصاء. وفي بعض النسخ: لأنها، فلا يحتاج إلى التأويل م: (تبرع لم يتم) ش: لأنه مضاف إلى ما بعد الموت، والتبرع النافذ وهو الهبة يحتمل الرجوع، فالمضاف أولى واجتمع أهل العلم على جواز الرجوع للموصي في جميع ما أوصى كله أو بعضه م: (فجاز الرجوع عنه كالهبة، وقد حققناه في كتاب الهبة) ش: أي قد حققنا هذا في كتاب الهبة، إلا أن الكلام في الإعتاق إذا أوصى به فالأكثرون على جواز الرجوع في الوصية، وهو قول الأئمة الأربعة وعطاء وجابر بن زيد والزهري وقتادة وإسحاق وأبي ثور. وروي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: يعين الرجل ما شاء من وصيته، ولم يعلم له مخالف حل الإجماع. وعن الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي: يعين منها ما شاء إلا العتق.
م: (ولأن القبول) ش: في الوصية م: (يتوقف على الموت) ش: أي موت الموصي م: (والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع) ش: فإنه يجوز فيه رجوع البائع قبل قبول المشتري.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا صرح بالرجوع) ش: بأن قال: رجعت من وصيتي لفلان م: (أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا) .
ش: وفي " الذخيرة ": الرجوع ثلاثة أنوع: أحدهما استهلاك الموصي به حقيقة أو حكما كما أوصى بثوب فقطعه وخاطه قميصا أو بقطن فغزله ونسجه، أو بحديدة فصنعها سيفا فهذه التصرفات، استهلاك حكما، ألا ترى أن حق المغصوب منه ينقطع بهذه التصرفات ونوع من ذلك أن يخلطه بغيره خلطا، أي لا يمكن التمييز أصلا كالسويق إذا لته بسمن ونوع من ذلك أن يحدث نقصانا فيه حتى خرج عن هيئة الادخار والبقاء إلى يوم الموت بأن كان شاة فذبحها.
وأما الرجوع ضرورة بأن يتغير الموصى به ويتميز اسمه؛ لأنه لا يبقى بهذا موصى به بذلك إلى يوم الموت، كما لو أوصى بحنطة فهبت الريح في طاحونة فصارت دقيقا قبل موت الموصي بطلب الوصية أو أوصى بالكفوى في نخلة فصارت رطبا، أو أوصى بعنب فصار زبيبا، أو أوصى ببيض فحضنت دجاجة عليها فأخرجت فراريج بطلت الوصية.
ولو كان التغير في هذه المسألة بعد موت الموصي قبل قبول الوصية أو بعده لا تبطل الوصية؛ لأن التغير حصل بعد تمام الوصية فلا يوجب بطلانها.(13/411)
أما الصريح فظاهر، وكذا الدلالة لأنها تعمل عمل الصريح، فقام مقام قوله قد أبطلت، وصار كالبيع بشرط الخيار، فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة. ثم كل فعل لو فعله الإنسان في ملك الغير ينقطع به حق المالك، فإذا فعله الموصي كان رجوعا وقد عددنا هذه الأفاعيل في كتاب الغصب، وكل فعل يوجب زيادة في الموصى به ولا يمكن تسليم العين إلا بها فهو رجوع إذا فعله، مثل السويق يلته بالسمن، والدار يبني فيه الموصي، والقطن يحشو به، والبطانة يبطن بها، والظهارة يظهر بها؛ لأنه لا يمكنه تسليمه بدون الزيادة ولا يمكنه نقضها؛ لأنه حصل في ملك الموصي من جهته، بخلاف تجصيص الدار الموصى بها وهدم بنائها؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (أما الصريح فظاهر، وكذا الدلالة) ش: أي وكذا الرجوع بالدلالة م: (لأنها تعمل عمل الصريح، فقام مقام قوله: قد أبطلت، وصار كالبيع بشرط الخيار) ش: للمشتري، فإنه إذا فعل فعلا مما يدل على إبطال خياره تبطل.
م: (فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة) ش: كما يبطل بالصريح م: (ثم كل فعل لو فعله الإنسان في ملك الغير ينقطع به حق المالك) ش: نحو قطع الثوب وخياطته بعد قصه، فإنه يضمن قيمته وينقطع حق المالك عنه م: (فإذا فعله الموصي) ش: أي فإن فعل هذا الفعل الذي ينقطع به حق المالك م: (كان) ش: فعله هذا م: (رجوعًا) ش: عن الوصية.
م: (وقد عددنا هذه الأفاعيل في كتاب الغصب) ش: الأفاعيل جمع فعل على غير القياس. وكأنه جمع أفعولة كأنه كالأباطيل جمع باطل. وفي الحقيقة كأنه جمع أبطولة.
م: (وكل فعل يوجب زيادة في الموصى به) ش: بحيث لا يمكن تمييزها م: (ولا يمكن تسليم العين إلا بها) ش: أي إلا بتلك الزيادة م: (فهو رجوع) ش: عن الوصية م: (إذا فعله) ش: أي إذا فعل ذلك الفعل ثم ذكر لها صور بقوله م: (مثل السويق يلته بالسمن) ش: أي يخلطه.
م: (والدار) ش: أي ومثل الدار الموصى بها م: (يبني فيه الموصي، والقطن يحشو به) ش: أي مثل قطن الموصي به يحشو به جبة ونحوها م: (والبطانة) ش: أي ومثل البطانة الموصى بها م: (يبطن بها , والظهارة) ش: أي ومثل الظهارة الموصى بها م: (يظهر بها) ش: أي يجعلها تحت الظهارة م: (لأنه لا يمكنه) ش: أي لا يمكن م: (تسليمه) ش: أي تسليم شيء من هذه الأشياء.
م: (بدون الزيادة) ش: وهو ظاهر م: (ولا يمكنه نقضها) ش: أي ولا يمكن نقض هذه الأشياء م: (لأنه حصل في ملك الموصي) ش: وتصرف في ملكه م: (من جهته) ش: لا من جهة غيره.
م: (بخلاف تجصيص الدار الموصى بها) ش: أي تبيضها بالجص م: (وهدم بنائها) ش: حيث(13/412)
لأنه تصرف في التابع، وكل تصرف أوجب زوال ملك الموصي فهو رجوع. كما إذا باع العين الموصى به ثم اشتراه أو وهبه ثم رجع فيه؛ لأن الوصية لا تنفذ إلا في ملكه، فإذا أزاله كان رجوعا، وذبح الشاة الموصى بها رجوع؛ لأنه للصرف إلى حاجته عادة، فصار هذا المعنى أصلا أيضا. وغسل الثوب الموصى به لا يكون رجوعا؛ لأن من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة، فكان تقريرا. قال: وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا. كذا ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال: أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون رجوعا؛ لأن الرجوع نفي في الحال والجحود نفي في الماضي والحال، فأولى أن يكون رجوعا. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الجحود نفي في الماضي والانتفاء في الحال ضرورة ذلك. وإذا كان ثابتا في الحال كان الجحود لغوا ,
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
، لا يكون رجوعا عندنا، وعند الأئمة الثلاثة يكون رجوعا؛ لأنه تصرف أوجب بغير الموصى به، ودليلنا هو قوله: م: (لأنه تصرف في التابع) ش: وهو البناء والتصرف في التابع لا يدل على إسقاط الحق على الأصل في التجصيص؛ لأنه بناء، والبناء تبع.
وكذا لو غسل الثوب الموصي به م: (وكل تصرف أوجب زوال ملك الموصي فهو رجوع) ش: عن الوصية. م: (كما إذا باع العين الموصى به ثم اشتراه أو وهبه ثم رجع فيه) ش: أي فيما وهبه؛ لأن البيع والهبة أوجبا زوال ملكه، فمحال أن تبقى الوصية معه م: (لأن الوصية لا تنفذ إلا في ملكه، فإذا أزاله كان رجوعا، وذبح الشاة الموصى بها رجوع؛ لأنه) ش: أي لأن ذبحه م: (للصرف إلى حاجته عادة، فصار هذا المعنى أصلا أيضًا) ش: أراد بهذا المعنى هو التصرف لحاجته.
م: (وغسل الثوب الموصي به لا يكون رجوعا؛ لأن من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة، فكان تقريرا) ش: أي فكان تقريرا، أي فكان غسل الثوب الموصى به تقريرا للوصية. وفي وجه للشافعية يكون رجوعا، وهذا هو الأقرب؛ لأن التعليل المذكور ضعيف؛ لأن من أراد أن يوصي ثوبا جديدا ويعطي الآخر ثوبا جديدا لا يغسله عادة على ما لا يخفى.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا، كذا ذكره محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يكون رجوعا؛ لأن الرجوع نفي في الحال) ش: أي نفي للوصية في الحال.
م: (والجحود نفي في الماضي والحال، فأولى أن يكون رجوعا. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الجحود نفي في الماضي والانتفاء في الحال ضرورة ذلك) ش: يعني أن الجحود لما كان نفيا في الماضي والانتفاء في الحال ضروري، فيكون النفي في الماضي تضمنا للانتفاء في الحال ضرورة م: (وإذا كان ثابتا في الحال كان الجحود لغوا) ش: لكونه كاذبا جحوده أن الفرض أنه أوصى ثم جحد وكان النفي في الماضي باطلا، فيبطل ما هو من ضرورة وهو الانتفاء في الحال. فكان الجحود لغوا.(13/413)
أو لأن الرجوع إثبات في الماضي ونفي في الحال، والجحود نفي في الماضي والحال فلا يكون رجوعا حقيقة، ولهذا لا يكون جحود النكاح فرقة. ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهو حرام وربا لا يكون رجوعا. لأن الوصف يستدعي بقاء الأصل. بخلاف ما إذا قال: فهي باطلة. لأنه الذاهب المتلاشي ولو قال: أخرتها لا يكون رجوعا: لأن التأخير ليس للسقوط كتأخير الدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
واعلم أن القدوري لم يذكر الخلاف في " مختصره" في هذا المسألة ولم يذكر خلاف محمد أيضًا في كتبه، ولكن جعل الجحود رجوعا في كتاب الوصايا ولم يجعله رجوعا في " الجامع الكبير "، فمن هذا اختلف المشايخ فيه، فمنهم من قال: في المسألة روايتان، ومنهم من قال: ما ذكره في " الجامع " جواب القياس.
وما ذكره في كتاب الوصايا جواب الاستحسان " كذا ذكر الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع الكبير ".
م: (أو لأن الرجوع) ش: دليل آخر، أي ولأن الرجوع عن الوصية م: (إثبات في الماضي) ش: أي إثبات الوصية في الماضي م: (ونفي في الحال) ش: أي نفي للوصية في الحال م: (والجحود نفي في الماضي والحال جميعا فلا يكون رجوعا حقيقة) ش: للمنافاة بين الإثبات والنفي م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الجحود نفيا في الماضي والحال.
م: (لا يكون جحود النكاح فرقة) ش: أي طلاقا؛ لأن الطلاق يعني في الحال دون الماضي. وقال الأكمل: لا يكون جحود النكاح فرقة يعني مستعارا للطلاق، لأن الجحود يقتضي عدم النكاح في الماضي، والطلاق يقتضي وجوده فكانا متقابلين فلا يجوز استعارة أحدهما للآخر.
م: (ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهو حرام وربا لا يكون رجوعا) ش: هذه المسألة مع ما بعدها إلى الباب من مسائل " الجامع الكبير " لا مسألة تأخير الوصية م: (لأن الوصف يستدعي بقاء الأصل) ش: يعني وصف الوصية بأنها حرام اقتضى ربا يقتضي كون أصل الوصية باقيا؛ لأنه لا وجود للصفة بدون قيامها بالموصوف، فلما اقتضى الوصف بقاء الأصل لم يكن الوصف بالحرمة أو الربا دليل الرجوع.
م: (بخلاف ما إذا قال: فهي باطلة) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي باطلة دليل الرجوع م: (لأنه الذاهب المتلاشي. ولو قال: أخرتها لا يكون رجوعا) ش: أي ولو قال: كل وصية أوصيت بها أخرتها لا يكون رجوعا عن الوصية م: (لأن التأخير ليس للسقوط) ش: يعني لا يدل على السقوط م: (كتأخير الدين) ش: فإنه لا يسقط به.(13/414)
بخلاف ما إذا قال: تركت؛ لأنه إسقاط. ولو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان، فهو لفلان كان رجوعا؛ لأن اللفظ يدل على قطع الشركة. بخلاف ما إذا أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر؛ لأن المحل يحتمل الشركة واللفظ صالح لها. وكذا إذا قال: فهو لفلان وارثي يكون رجوعا عن الأول لما بينا. ويكون وصية للوارث وقد ذكرنا حكمه. ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها؛ لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني، ولم تتحقق فبقي للأول. ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهي للورثة لبطلان الوصيتين الأولى بالرجوع، والثانية بالموت، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (بخلاف ما إذا قال: تركت) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها تركت م: (لأنه) ش: أي لأن الترك م: (إسقاط) ش: ألا ترى أنك لو قلت لرجل لك عليه دين: تركت عليك ديني كان تركا م: (ولو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان، كانت رجوعا؛ لأن اللفظ يدل على قطع الشركة) ش: قيل لأنه لم يذكر بينها حرف الاشتراك، وإنما جعل تلك الوصية بعينها لغيره.
م: (بخلاف ما إذا أوصى به لرجل، ثم أوصى به لآخر) ش: بأن قال: أوصيت بهذا العبد لهذا الرجل. ثم قال: أوصيت به لهذا الرجل ولرجل آخر لا يكون رجوعا م: (لأن المحل يحتمل الشركة، واللفظ صالح لها) ش: لأنه يجوز أن يجتمع حقان في عبد واحد.
م: (وكذا إذا قال: فهو لفلان وارثي) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي لفلان وارثي م: (يكون رجوعا عن الأول لما بينا) ش: أشار به إلى التعلل المذكور بقوله لأن اللفظ يدل على قطع الشركة إلى آخره م: (ويكون وصية للوارث وقد ذكرنا حكمه) ش: وهو أن يكون للوارث إذا أجازها الورثة، وإن لم تجز الورثة يكون ميراثا.
م: (ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها) ش: يعني لو قال كل وصية أوصيت بها لفلان الآخر حين أوصى له ميتا لم يصح الرجوع؛ لأنه لم يصح النقل عن الوصية الأولى لأن الوصية للميت باطلة، فصار كأنه لم يوص لأحد بعد الوصية الأولى م: (لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني، ولم تتحقق فبقي للأول. ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهي للورثة) ش: أي لورثة الموصي م: (لبطلان الوصيتين الأولى بالرجوع) ش: أي برجوع الوصي عنها م: (والثانية بالموت) ش: أي بموت الموصى له الثاني قبل موت الموصي م: (والله أعلم بالصواب) .(13/415)
باب الوصية بثلث المال قال: ومن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما؛ لأنه يضيق الثلث عن حقهما، إذ لا يزاد عليه عند عدم الإجازة على ما تقدم، وقد تساويا في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق، والمحل يقبل الشركة، فيكون بينهما. وإن أوصى لأحدهما بالثلث وللآخر بالسدس فالثلث بينهما أثلاثا؛ لأن كل واحد منهما يدلي بسبب صحيح وضاق الثلث عن حقيهما فيقتسمانه على قدر حقيهما كما في أصحاب الديون فيجعل الأقل سهما والأكثر سهمين، فصار ثلاثة أسهم، سهم لصاحب الأقل، وسهمان لصاحب الأكثر. وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما على أربعة أسهم عندهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الوصية بثلث المال]
[أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجزالورثة]
م: (باب الوصية بثلث المال)
ش: أي هذا باب في بيان حكم الوصية بثلث المال.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما؛ لأنه يضيق الثلث عن حقهما، إذ لا يزاد عليه) ش: أي على الثلث م: (عند عدم الإجازة على ما تقدم) ش: من عدم الجواز بأكثر من الثلث م: (وقد تساويا في سبب الاستحقاق) ش: وهو الإيصاء فالثلث بينهما م: (فيستويان في الاستحقاق، والمحل يقبل الشركة، فيكون بينهما) ش: أي بين الموصى لهما بالثلث.
م: (وإن أوصى لأحدهما بالثلث وللآخر بالسدس فالثلث بينهما أثلاثا؛ لأن كل واحد منهما يدلي) ش: من أدليت الدلو في البئر إذا أرخيته فيها م: (بسبب صحيح وضاق الثلث عن حقيهما فيقتسمانه على قدر حقيهما كما في أصحاب الديون فيجعل الأقل سهما والأكثر سهمين، فصار ثلاثة أسهم، سهم لصاحب الأقل) ش: أي لصاحب القليل.
م: (وسهمان لصاحب الأكثر، وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله وللآخر بثلث ماله ولم تجز الورثة فالثلث بينهما على أربعة أسهم عندهما) ش: اعتبارا لعدم حالة الإجازة بحالة الإجازة، وفيها تصح المسألة من أربعة؛ لأنهما يقولان بطريق القول.
وفي المسألة الثلث ولكل واحد يخرج له ثلث صحيح ثلاثة، وكذا عما يدعي عليه. وهو واحد والموصى له بالكل يدعي جميع الثلاثة فتؤول إلى أربعة. وكذا إذا لم يجيزوا يجعل الثلث لجميع المال في حق القسمة، وإذا صار الثلث إلى أربعة فجميع المال اثنا عشر.(13/416)
وقال أبو حنيفة: الثلث بينهما نصفان، ولا يضرب أبو حنيفة للموصى له بما زاد على الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة. لهما في الخلافية: أن الموصي قصد شيئين الاستحقاق والتفضيل، وامتنع الاستحقاق لحق الورثة، ولا مانع من التفضيل، فيثبت كما في المحاباة وأختيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الثلث بينهما نصفان، ولا يضرب أبو حنيفة للموصى له بما زاد على الثلث) ش: الحاصل أن عند أبي حنيفة: لا يضرب الموصى له عند عدم الإجازة بأكثر من الثلث، وبه قال أبو ثور وابن المنذر، وعندهما: يضربون بعدد سهامهما في الثلث عند عدم الإجازة، وبه قالت الأئمة الثلاثة والحسن الثوري والنخعي وابن أبي ليلى وإسحاق.
م: (إلا في المحاباة) ش: صورتها عبدان لرجل قيمة أحدهما ألف ومائة، وقيمة الآخر ستمائة وأوصى بأن يباع أحدهما لفلان بمائة، والآخر لفلان بمائة، فإن حصلت المحاباة لأحدهما بألف وللآخر بخمسمائة والكل وصية؛ لأنه في حال المرض، فإن لم يكن غيرهما ولم يجز الورثة جازت المحاباة بقدر الثلث، فتكون بينهما أثلاثا يضرب الموصى له بألف بحسب وصيته وهي الألف، والموصى له الآخر بحسب وصيته وهي بخمسمائة، فلو كان هذا كسائر الوصايا - على قول أبي حنيفة -: وجب أن لا يضرب الموصى له بألف في أكثر من خمسمائة.
م: (والسعاية) ش: صورتها أن يوصى بعتق عبدين قيمة أحدهما ألف، وقيمة الآخر ألفان ولا مال له غيرها إذا أجازت الورثة عتقا جميعا، وإن لم يجيزوا من الثلث وثلث ماله ألف فالألف بينهما على قدر وصيتهما ثلثا الألف للذي قيمته ألفان ويسعى في الباقي، والثلث للذي قيمته ألف ويسعى في الباقي.
م: (والدراهم المرسلة) ش: أي المطلقة هي أن يوصى لرجل بألفين ولآخر بألف درهم وثلث ماله ألف درهم ولم يجز الورثة، فإنه يكون بينهما أثلاثا كل واحد منهما يضرب بجميع وصيته؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة لجواز أن يكون له مال آخر يخرج هذا القدر من الثلث، ولا كذلك فيما إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بنصف ماله، أو بجميع ماله لأن اللفظ في مخرجه لم يصح؛ لأن ماله أكثر وخرج له مال آخر يدخل فيه تلك الوصية ولا مخرج من الثلث.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (في الخلافية) ش: أي في المسألة الخلافية م: (أن الوصي قصد شيئين الاستحقاق) ش: فيما زاد على الثلث على الورثة م: (والتفضيل) ش: أي تفضيل بعض أهل الوصايا على بعض م: (وامتنع الاستحقاق لحق الورثة، ولا مانع من التفضيل، فيثبت كما في المحاباة وأختيها) ش: وهما السعاية والدراهم المرسلة.(13/417)
وله: أن الوصية وقعت بغير المشروع عند عدم الإجازة من الورثة، إذ لا نفاذ لها بحال، فتبطل أصلا، والتفضيل يثبت في ضمن الاستحقاق، فيبطل ببطلانه كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع. بخلاف مواضع الإجماع؛ لأن لها نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة، فتعتبر في التفاضل لكونه مشروعا في الجملة بخلاف ما نحن فيه. وهذا بخلاف ما إذا أوصى بعين من تركته وقيمته تزيد على الثلث فإنه يضرب بالثلث، وإن احتمل أن يزيد المال فيخرج من الثلث؛ لأن هناك الحق تعلق بعين التركة، بدليل أنه لو هلك واستفاد مالا آخر تبطل الوصية، وفي الألف المرسلة لو هلكت التركة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أن الوصية وقعت بغير المشروع عند عدم الإجازة من الورثة، إذ لا نفاذ لها بحال) ش: لأن الوصية فيما زاد على الثلث؛ لأنه لا يملك ذلك عند عدم إجازة الورثة.
م: (فتبطل) ش: أي الوصية م: (أصلا، والتفضيل يثبت في ضمن الاستحقاق، فيبطل ببطلانه) ش: أي يبطل الفضل ببطلان الاستحقاق؛ لأنه إذا بطل الاستحقاق بطل فيما ضمنه م: (كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع) ش: إذا صح البيع صحت المحاباة وإذا بطلت بطلت م: (بخلاف مواضع الإجماع) ش: يعني المحاباة وصية.
م: (لأن لها) ش: أي الوصية م: (نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة) ش: فيجوز خروج الألف من الثلث يكون المال كثيرا بالاكتساب قبل الموت، فيخرج هذه الوصايا من الثلث، وهو معنى قوله، م: (فتعتبر في التفاضل لكونه مشروعا في الجملة بخلاف ما نحن فيه) ش: وهو ما إذا أوصى بجميع المال لواحد والآخر بالثلث حيث لا يصح؛ لأن ماله وإن كثر لا يخرج ذلك من الثلث، فعلم أن الوصية لم تصح في مخرجه.
م: (وهذا بخلاف ما إذا أوصى بعين من تركته) ش: هذا صورة نقض ترد على المسائل المجمع عليها، وهو أنه إذا أوصى بعين من التركة مثل عبد أو فرس له أو ثوب مثلا م: (وقيمته تزيد على الثلث فإنه) ش: أي فإن الموصى له م: (يضرب بالثلث) ش: ولا يضرب بأكثر منه.
م: (وإن احتمل أن يزيد المال) ش: باكتساب هذا العبد مالا فتصير رقبته مساوية لثلث المال، أو يظهر له مال بحيث يصير العبد ثلث المال م: (فيخرج من الثلث؛ لأن هناك الحق) ش: أي حق الموصى له م: (تعلق بعين التركة؛ بدليل أنه) ش: أي عين التركة م: (لو هلك واستفاد مالا آخر تبطل الوصية، وفي الألف المرسلة لو هلكت التركة) ش: وحق الورثة أيضًا يتعلق بعين التركة فيما زاد(13/418)
تنفذ فيما يستفاد، فلم يكن متعلقا بعين ما تعلق به حق الورثة. قال: وإذا أوصى بنصيب ابنه فالوصية باطلة. ولو أوصى بمثل نصيب ابنه جاز؛ لأن الأول وصيته بمال الغير؛ لأن نصيب الابن ما يصيبه بعد الموت، والثاني وصية بمثل نصيب الابن، ومثل الشيء غيره، وإن كان يتقدر به فيجوز. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الأول أيضا، فنظر إلى الحال، والكل ماله فيه. وجوابه ما قلنا.
قال: ومن أوصى بسهم من ماله فله أخس سهام الورثة إلا أن ينقص عن السدس فيتم له السدس ولا يزاد عليه، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
على الثلث، فتبطل التركة م: (تنفذ فيما يستفاد، فلم يكن متعلقا بعين مات تعلق به حق الورثة) ش: فلا يلزم بطلانه؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة، ولهذا ضرب الموصى له في الثلث بما زاد على الثلثين.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا أوصى بنصيب ابنه) ش: أي وإن أوصى م: (فالوصية باطلة) ش: وبه قال أصحاب الشافعي وأحمد، وهذا إذا كان الابن موجودا، وإن لم يكن له ابن صحت م: (ولو أوصى بمثل نصيب ابنه جاز) ش: وفي بعض النسخ وإن أوصى م: (لأن الأول) ش: وهو الذي أوصى بنصيب ابنه م: (وصيته بمال الغير؛ لأن نصيب الابن ما يصيبه بعد الموت) ش: أي بعد موت الموصي.
م: (والثاني) ش: وهو الوصية بمثل نصيب ابنه م: (وصيته بمثل نصيب الابن، ومثل الشيء غيره، وإن كان يتقدر به فيجوز) ش: سواء كان له ابن أو لم يكن.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: تجوز في الأول أيضًا) ش: رواه الحسن بن زياد عنه م: (فنظر إلى الحال) ش: أي بالنظر إلى حال الوصية. وفي بعض النسخ: ينظر إلى الحال، أي حال الوصية، فإن المال سهم في ذلك الحال لكونه حيا بعد، وهو معنى قوله: م: (والكل ماله فيه) ش: أي مال الموصي، فينصرف فيه كيف شاء م: (وجوابه) ش: أي جواب زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (ما قلنا) ش: وهو قوله: لأن الأول وصيته بمال الغير.
[أوصى بسهم من ماله]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى بسهم من ماله فله أخس سهام الورثة) ش: المراد بأخس الأنصباء أقلها م: (إلا أن ينقص عن السدس فيتم له السدس ولا يزاد عليه) ش: أي على السدس م: (وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أحمد في رواية، ومالك في قول. وقال بعض أصحاب مالك: يعطى له الثمن. وقال أحمد في رواية: يعطى لهم سهم مما يصح منه الفريضة، وهذا قول شريح.
م: (وقالا) ش: أي قال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (له) ش: أي للموصى له(13/419)
مثل نصيب أحد الورثة ولا يزاد على الثلث إلا أن يجيز الورثة لأن السهم يراد به أحد سهام الورثة عرفا، لا سيما في الوصية والأقل متيقن به فيصرف إليه، إلا إذا زاد على الثلث فيرد عليه؛ لأنه لا مزيد عليه عند عدم إجازة الورثة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالسهم من ماله م: (مثل نصيب أحد الورثة ولا يزاد على الثلث إلا أن يجيز الورثة) ش: وقال الشافعي وابن المنذر يعطيه الورثة ما شاء، ولأن ذلك يقع عليه السهم، كما لو أوصى بخبز أو حنطة م: (لأن السهم يراد به أحد سهام الورثة عرفا لا سيما في الوصية) ش: لأن الوصية أخت الميراث م: (والأقل متيقن به فيصرف إليه، إلا إذا زاد على الثلث فيرد عليه؛ لأنه لا مزيد عليه عند عدم إجازة الورثة) .
ش: قال الكاكي: اعلم أن نسخ شروح " الجامع الصغير " و" المبسوط " لم يذكر قوله: إلا أن ينقص عن الثلث فيتم له، بل قال فيها: فله أحسن سهام الورثة، ولا يزاد على السدس إلا أن يجيزه الورثة، فكذا في غيره.
وعلى رواية " شروح الجامع ": ينقص عن السدس ولا يزاد على السهم، فعلم أن هذا سهو وقع من المكاتب وجعل حكم الأفضل حكم الجامع، وعن هذا ألحق لهذا الوضع الإمام جلال الدين المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقد طول الأترازي هنا بالنقل عن الكتب، فقال محمد بن يعقوب عن أبي حنيفة قال: إذا أوصى لرجل بسهم من ماله ثم يموت فله مثل نصيب أحد الورثة، إلا أن يكون ذلك أكثر من السدس فيكون له السدس.
وقال أبو يوسف ومحمد: له مثل نصيب أحد الورثة، إلا أن يكون أكثر من الثلث ولا يجوز له إلا الثلث إلا أن يسلم الورثة، هذا لفظ محمد في أصل " الجامع الصغير ". وقال القدوري في كتاب " التقريب ": قال أبو حنيفة: إذا أوصى بسهم من ماله فإنه يزاد على سهام الورثة أحسن أنصبائهم، فيعطى الموصى له ما لم يجاوز السدس، فإن جاوزه لم يزد عليه، قال هذا رواية الأصل. وفي " الجامع الصغير ": لم ينقص عن السدس إلى هنا لفظ: " التقريب ".
وقال الطحاوي في "مختصره ": ومن أوصى لرجل بسهم من ماله فإن أبا حنيفة كان يقول: إن كانت الفريضة أقل من ستة أسهم كان له السدس، وإن كانت الفريضة أكثر من ستة أسهم كان له أحسن سهام الورثة.
وقال أبو يوسف ومحمد: له مثل أحسن سهام الورثة في هذه الوجوه كلها ما لم يجاوز ذلك الثلث، فإن جاوز الثلث جاز له منه الثلث، ولم يجز له سواه، انتهى. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي ": ولو أوصى بسهم من ماله فعند أبي حنيفة ينظر إلى سدس جميع المال، وإلى آخر بسهام الورثة أيهما كان أقل فله ذلك.(13/420)
وله: أن السهم هو السدس، هو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقد رفعه إلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما يروي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بيان هذا إذا كانت الفريضة من أربعة أو من ثلاثة فالسدس أقل من أخس سهام الورثة فيعطى إياه. ولو كانت الفريضة أكثر من ستة فلا يعطى له السدس، وإنما يعطى له أخس سهام الورثة.
وعند أبي يوسف ومحمد: يعطى أخس سهام الورثة في الأحوال كلها إلا إذا جاوز أخس سهام الثلث، فحينئذ يعطى له الثلث ولا يعطى الأخس. وكذلك هذا الاختلاف فيمن أقر بسهم من داره لفلان عند أبي حنيفة يقع ذلك على سدس داره. وعندهما السير إلى المقر، وكذلك لو أعتق سهما من عبده عند أبي حنيفة يعتق سدسه.
وعندهما: يعتق كله؛ لأن العتق عندهما لا يتجزأ، كذا في " شرح الطحاوي ". وقال فخر الإسلام في شرح " الجامع الصغير ": وحامله أن السهم اسم السدس عند السدس عند أبي حنيفة وعندهما اسم للجزاء من حصة الورثة من غير تقدير بالسدس، انتهى.
وقال الأكمل: واعلم أن عبارة المشايخ والشارحين في هذا الموضع اختلفت اختلافا كثيرا لا نكاد نعلم منه شيئا. وسبب ذلك اختلاف رواية " المبسوط " و" الجامع الصغير ". وفي " الكافي ": فعلى رواية " الجامع الصغير " جوز أبو حنيفة النقصان من السدس ولم تجز الزيادة على السدس ولم يجز النقصان عن السدس.
ورواية المصنف مخالف كل واحد منها؛ لأن قوله إلا أن ينقص من السدس فيتم له السدس ليس في رواية " المبسوط ". وقوله: ولا يزاد عليه ليس في رواية " الجامع الصغير "، فإما أنه اطلع على رواية غيرهما، وإما أنه جمع بينهما، انتهى.
قلت: وبهذا يجاب عن قولة الكاكي: إن هذا سهو وقع من الكاتب كما ذكرناه الآن. م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن السهم هو السدس، هو المروي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: رواه محمد في الأصل عن عبد الله بن مسعود: أنه سئل عن رجل أوصى بسهم من ماله فقال: له السدس.
م: (وقد رفعه إلى النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فيما يروي) ش: أي وقد رفع هذا الحديث عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وفيما يروي وهو على بناء الفاعل، والضمير فيه يرجع إلى ابن مسعود، وقد رفع المرفوع البزار في " مسنده " والطبراني في "معجمه الأوسط " عن محمد بن عبد الله العرزمي عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن ابن مسعود «أن رجلا(13/421)
ولأنه يذكر ويراد به السدس، فإن إياسا قال: السهم في اللغة عبارة عن السدس، ويذكر ويراد به سهم من سهام الورثة، فيعطى ما ذكرنا. قالوا: هذا كان في عرفهم، وفي عرفنا السهم كالجزء. قال: ولو أوصى بجزء من ماله قيل للورثة: أعطوه ما شئتم؛ لأنه مجهول يتناول القليل والكثير، غير أن الجهالة لا تمنع صحة الوصية، والورثة قائمون مقام الموصي، فإليهم البيان.
قال: ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس، أو في مجلس آخر: له ثلث مالي، وأجازت الورثة فله ثلث المال ويدخل السدس فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أوصى لرجل بسهم من ماله فجعل له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السدس.» وقال: أبو قيس ليس بالقوي، وقد روى عنه شعبة والثوري والأعمش وغيرهم، واسم أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان، وذكره، عبد الحق في "أحكامه " من جهة البزار، وقال: العرزمي متروك.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن السهم م: (يذكر ويراد به السدس، فإن إياسا قال: السهم في اللغة عبارة عن السدس) ش: وإياس هو ابن معاوية بن قرة القاضي بالبصرة، ولاه عمر بن العزيز - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومات سنة اثنين وعشرين ومائة، وهو من كبار التابعين، وهكذا قال الحسن والثوري. م: (ويذكر ويراد به سهم من سهام الورثة، فيعطى ما ذكرنا) ش: وهو السدس. م: (قالوا) ش: أي المشايخ في شروح " الجامع الصغير " م: (هذا كان في عرفهم، وفي عرفنا السهم كالجزء) ش: لأنه لا يراد به نصيب أحد الورثة ولا السدس. م: (قال) ش: أي القدوري م: (ولو أوصى بجزء من ماله قيل للورثة: أعطوه ما شئتم؛ لأنه مجهول يتناول القليل والكثير، غير أن الجهالة) ش: أي جهالة الموصى به م: (لا تمنع صحة الوصية، والورثة قائمون مقام الموصي، فإليهم) ش: أي فإلى الورثة م: (البيان) ش: وقال الفقيه أبو الليث في كتاب " نكت الوصايا ": وإذا أوصى بجزء من ماله أو بنقص من ماله فللورثة أن يعطوا ما شاءوا. وكذا إذا أوصى بحظ من ماله.
م: (قال: ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس أو في مجلس آخر: له ثلث مالي، وأجازت الورثة، فله ثلث المال ويدخل السدس فيه) ش: أي في الثلث؛ لأن الكلام الثاني يحتمل أنه أراد به زيادة السدس على الأول حتى يتم له الثلث، ويحتمل أنه أراد إيجاب ثلث على السدس، فيجعل كلامه في السدس. تكرارا حملا لكلامه على المتيقن وعلى ما يملك الإيصاء به(13/422)
ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس أو في غيره: سدس مالي لفلان، فله سدس واحد؛ لأن السدس ذكر معرفا بالإضافة إلى المال، والمعرفة إذا أعيدت يراد بالثاني عين الأول، هو المعهود في اللغة.
قال: ومن أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي. وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: له ثلث ما بقي؛ لأن كل واحد منهما مشترك بينهم، والمال المشترك يتوى ما توي منه على الشركة، ويبقى ما بقي عليها. وصار كما إذا كانت التركة أجناسا مختلفة. ولنا: أن في الجنس الواحد يمكن جمع حق أحدهم في الواحد، ولهذا يجري فيه الجبر على القسمة، وفيه جمع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو الثلث.
وقيل: إنما قال: وجازت الورثة لدفع وهم، وهو أن يقال: ينبغي للموصى له نصف المال؛ لأن الثلث مع السدس، نصف المال، وفيه نوع تأمل.
م: (ومن قال: سدس مالي لفلان، ثم قال في ذلك المجلس أو في غيره: سدس مالي لفلان، فله سدس واحد؛ لأن السدس ذكر معرفا بالإضافة إلى المال، والمعرفة إذا أعيدت يراد بالثاني عين الأول، هو المعهود في اللغة) ش: أي كون المال غير الأول معلوم في استعمال أهل اللغة، يقال جاءني زيد، ثم يقال: أكرمت زيدا، أي ذلك بعينه، وهذا البحث قرر كما ينبغي في موضعه.
[أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه فهلك ثلثا ذلك وبقي ثلثه، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي) ش: ومعنى قوله: وهو يخرج من ثلث ماله، أي ثلث الباقي بعد هلاك الثلثين يخرج من ثلث بقية مال الموصي.
م: (وقال زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -: له ثلث ما بقي؛ لأن كل واحد منهما) ش: أي من الهالك والباقي م: (مشترك بينهم) ش: أي بين الورثة وبين الموصى له م: (والمال المشترك يتوى ما توي منه) ش: أي ما هلك من مال مشترك م: (على الشركة، ويبقى ما بقي عليها) ش: أي على الشركة. م: (وصار كما إذا كانت التركة أجناسا مختلفة) ش: فهلك بعضها فالذي يبقى على الشركة، وهو القياس، وبه قال أبو ثور وابن شريح من أصحاب الشافعي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وهو قياس قول مالك؛ لأنه يعتبر قدر المال حال الوصية لا الموت، وبقولنا قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - وقال الأترازي: وبقول زفر نأخذ.
م: (ولنا: أن في الجنس الواحد يمكن جمع حق أحدهم في الواحد) ش: أي يمكن جمع حق شائع لكل واحد في فرد م: (ولهذا يجري فيه الجبر على القسمة، وفيه جمع) ش: أي والحال أن فيه(13/423)
والوصية مقدمة، فجمعناها في الواحد الباقي، وصارت الدراهم كالدرهم، بخلاف الأجناس المختلفة؛ لأنه لا يمكن الجمع فيها جبرا. فكذا تقديما.
قال: ولو أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله لم يستحق إلا ثلث ما بقي من الثياب. قالوا: هذا المذكور إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، ولو كانت من جنس واحد فهو بمنزلة الدراهم. وكذلك المكيل والموزون بمنزلتها؛ لأنه يجري فيه الجمع جبرا بالقسمة. ولو أوصى بثلث ثلاثة من رقيقه فمات اثنان لم يكن له إلا ثلث الباقي. وكذا الدور المختلفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجمع، أي في القسمة على تأويل الأقسام م: (والوصية مقدمة) ش: أي على الميراث م: (فجمعناها في الواحد الباقي، وصارت الدراهم كالدرهم) ش: يعني إذا أوصى بالدرهم الواحد، وله ثلاث دراهم فهلك اثنان فله الدرهم الباقي بالاتفاق.
م: (بخلاف الأجناس المختلفة) ش: جواب عن قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - كما إذا كانت الشركة أجناسا مختلفة، ووجهه ما قاله م: (لأنه لا يمكن الجمع فيها جبرا) ش: يعني من حيث الجبر، فإنه إذا تركها يطلب بعض الورثة القسمة، وأبى الباقون، فإن القاضي لا يجبرهم على القسمة.
م: (فكذا تقديما) ش: أي فكذا لا يمكن من حيث تقديم الوصية على الميراث؛ لأنه إذا قدر الجمع قدر التقديم؛ لأن فيه الجمع فيبقى الكل مشتركا بين الورثة والموصى أثلاثا، فما هلك هلك على الشركة، وما بقي بقي عليها أثلاثا.
[أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ولو أوصى بثلث ثيابه فهلك ثلثاها وبقي ثلثها، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله لم يستحق إلا ثلث ما بقي من الثياب، قالوا) ش: أي المشايخ م: (هذا المذكور إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، ولو كانت من جنس واحد فهو بمنزلة الدراهم) ش: يعني يستحق جميع الثوب الباقي إذا كان يخرج من الثلث كالدرهم الباقي م: (وكذلك المكيل والموزون بمنزلتها) ش: أي بمنزلة الدراهم، فيكون له جمع الباقي. م: (لأنه يجري فيه الجمع جبرا بالقسمة) ش: أي من حيث إن القاضي يجبر فيه بالقسمة. م: (ولو أوصى ثلث ثلاثة من رقيقه فمات اثنان لم يكن له إلا ثلث الباقي) ش: لكثرة التفاوت، ولهذا لا يصح التوكيل بشراء عبد بغير عينه إذا لم يبين الثمن م: (وكذا الدور المختلفة) ش: لأنها كالأجناس المختلفة لكثرة التفاوت بين الدارين في المنفعة في الضيق وفي السعة قريب الماء وبعيده والأمن وجنس الجيران ونحو ذلك، فكانت ملحقة بالأجناس المختلفة، فكان للموصي له ثلث الباقي، هكذا أجاب محمد في " الجامع الصغير " في الدور والرقيق بلا خلاف.(13/424)
وقيل: هذا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده لأنه لا يرى الجبر على القسمة فيها. وقيل: هو قول الكل؛ لأن عندهما للقاضي أن يجتهد ويجمع، وبدون ذلك يتعذر الجمع، والأول أشبه للفقه المذكور. قال: ومن أوصى لرجل بألف درهم وله مال عين ودين، فإن خرج الألف من ثلث العين دفع إلى الموصى له؛ لأنه أمكن إيفاء كل ذي حق حقه من غير بخس، فيصار إليه. وإن لم يخرج دفع إليه ثلث الدين، وكلما خرج شيء من الدين أخذ ثلثه حتى يستوفي الألف؛ لأن الموصى له شريك الوارث، وفي تخصيصه بالعين بخس في حق الورثة؛ لأن للعين فضلا عن الدين؛ ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال، وإنما يصير مالا عند الاستيفاء، فإنما يعتدل النظر بما ذكرناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وقيل: هذا على قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وحده) ش: أي هذا الجواب في الرقيق والدور المختلفة إذا بقي واحد وهو أن يقال: لا يكون له ثلث الباقي، وهو قول أبي حنيفة خاصة. وعندهما: له جميع الباقي م: (لأنه) ش: أي لأن أبا حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يرى الجبر على القسمة فيها) ش: أي في الدور والرقيق.
م: (وقيل: هو قول الكل) ش: أي قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وصاحبيه م: (لأن عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (للقاضي أن يجتهد ويجمع، وبدون ذلك) ش: أي بدون اجتهاد القاضي وجمعه م: (يتعذر الجمع) ش: أي جمع نصيب أحدهم في العبد الواحد والدار الواحدة، وإذا هلك لم يكن لذلك فعل من القاضي، فكان المال على الشركة يأتي وما هلك م: (والأول) ش: وهو أن يكون في المسألة اختلاف م: (أشبه للفقه المذكور) ش: وهو أن أبا حنيفة لا يرى الجبر على القسمة في الرقيق والدور المختلفة؛ لأنه يجعلها أجناسا مختلفة، وهما بزمان ذلك؛ لأنهما يجعلانها جنسا واحدا.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لرجل بألف درهم وله مال عين ودين، فإن خرج الألف من ثلث العين ودفع إلى الموصى له؛ لأنه أمكن إيفاء كل ذي حق حقه من غير بخس) ش: أي نقصان م: (فيصار إليه) ش: لأن الأصل في الشركاء أن يوفى حق كل واحد من غير إيقاع بخس في حق الآخر م: (وإن لم يخرج) ش: أي الألف من ثلث العين م: (دفع إليه ثلث الدين وكلما خرج شيء من الدين أخذ ثلثه حتى يستوفي الألف؛ لأن الموصى له شريك الوارث، وفي تخصيصه بالعين بخس في حق الورثة؛ لأن العين فضلا عن الدين، ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال) ش: ولهذا لو حلف لا مال له وله ديون على الناس لا يحنث؛ لأن الدين م: (إنما يصير مالا عند الاستيفاء) ش: لأنه وصف ثابت في الذمة م: (فإنما يعتدل النظر بما ذكرناه) ش: أي النظر في حق الموصى له والورثة بإيفاء كل ذي حق حقه من غير بخس في حق الآخر، وهو أن لا(13/425)
قال: ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي الذي هو من أهلها، كما إذا أوصى لزيد جدار. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لم يعلم بموته فله نصف الثلث؛ لأن الوصية عنده صحيحة لعمرو فلم يرض للحي إلا نصف الثلث، بخلاف ما إذا علم بموته؛ لأن الوصية للميت لغو، فكان راضيا بكل الثلث للحي.
وإن قال: ثلث مالي بين زيد وعمرو وزيد ميت كان لعمرو نصف الثلث؛ لأن قضية هذا اللفظ أن يكون لكل واحد منهما نصف الثلث، بخلاف ما تقدم، ألا ترى أن من قال: ثلث مالي لزيد وسكت كان له كل الثلث.
ولو قال: ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث، قال: ومن أوصى بثلث ماله ولا مال له واكتسب مالا استحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت؛ لأن الوصية عقد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يختص الموصى له بالعين إذا لم يخرج الثلث من العين.
[أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد) ش: سواء علم بموت عمرو أو لم يعلم،. وبه قال الشافعي في قول، وأحمد وإسحاق والبصريون - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - م: (لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي الذي هو من أهلها) ش: أي من أهل الوصية م: (كما إذا أوصى لزيد جدار) ش: أو حمار يكون الوصية لزيد، والإضافة إلى الحمار أو الجدار لغو.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه إذا لم يعلم) ش: أي الموصي م: (بموته) ش: أي بموت عمرو م: (فله) ش: أي فلزيد الذي هو حي م: (نصف الثلث) ش: وبه قال الشافعي في قول، وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية، ومالك؛ لأن بين الاشتراك فلا يصرف إلى الحي إلا نصف الثلث.
م: (لأن الوصية عنده) ش: أي عند الموصي م: (صحيحة لعمرو فلم يرض للحي إلا نصف الثلث، بخلاف ما إذا علم بموته؛ لأن الوصية للميت لغو فكان راضيا بكل الثلث للحي، وإن قال: ثلث مالي بين زيد وعمرو، وزيد ميت، كان لعمرو نصف الثلث؛ لأن قضية هذا اللفظ أن يكون لكل منهما نصف الثلث، بخلاف ما تقدم) ش: حيث يستحق الموصى له جميع الثلث لعدم المزاحمة م: (ألا ترى أن من قال: ثلث مالي لزيد وسكت كان له كل الثلث، ولو قال: ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث) .
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بثلث ماله ولا مال له) ش: أي والحال أن لا مال له وقت الوصية م: (واكتسب مالا استحق الموصى له ثلث ما يملكه عند الموت؛ لأن الوصية عقد(13/426)
استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت، ويثبت حكمه بعده فيشترط وجود المال عند الموت لا قبله، وكذلك إذا كان له مال فهلك ثم اكتسب مالا لما بينا، ولو أوصى له بثلث غنمه فهلك الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم في الأصل، فالوصية باطلة لما ذكرنا أنه إيجاب بعد الموت، فيعتبر قيامه حينئذ. وهذه الوصية تعلقت بالعين فتبطل بفواتها عند الموت، وإن لم يكن له غنم فاستفاد ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح؛ لأنها لو كانت بلفظ المال تصح، فكذا إذا كانت باسم نوعه، وهذا لأن وجوده قبل الموت فضل، والمعتبر قيامه عند الموت. ولو قال: له شاة من مالي وليس له غنم يعطى قيمة شاة؛ لأنه لما أضافه إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة، إذ ماليتها توجد في مطلق المال. ولو أوصى بشاة ولم يضفه إلى ماله ولا غنم له قيل: لا يصح؛ لأن المصحح إضافته إلى المال وبدونها تعتبر صورة الشاة ومعناها، وقيل: تصح لأنه لما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت ويثبت حكمه بعد) ش: أي بعد الموت م: (فيشترط وجود المال عند الموت لا قبله، وكذلك الحكم إذا كان له مال فهلك ثم اكتسب مالا لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأن الوصية عقد استخلاف مضاف إلى ما بعد الموت.
م: (ولو أوصى له بثلث غنمه فهلك الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم في الأصل، فالوصية باطلة لما ذكرنا أنه) ش: أي أن الوصية على تأويل الإيصاء م: (إيجاب بعد الموت فيعتبر قيامه حينئذ) ش: أي قيام ما أوصى به عند الموت م: (وهذه الوصية تعلقت بالعين فتبطل بفواتها عند الموت، وإن لم يكن له غنم فاستفاد ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ: وإن الوصية باطلة.
وقال الفقيه أبو الليث: هذا القول ليس بصحيح عندنا؛ لأنه أضاف الوصية إلى غنم مرسل بغير تعيين، فصار بمنزلة إضافته إلى ثلث المال م: (لأنها) ش: أي لأن الوصية م: (لو كانت بلفظ المال تصح، فكذا إذا كانت باسم نوعه) ش: أي نوع المال.
م: (وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن وجوده) ش: أي وجود المال م: (قبل الموت فضل، والمعتبر قيامه عند الموت) ش: لما مر غير مرة م: (ولو قال: له) ش: أي لفلان م: (شاة من مالي وليس له غنم يعطى قيمة شاة؛ لأنه) ش: أي لأن الموصي م: (لما أضافه إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة؛ إذ ماليتها توجد في مطلق المال) .
م: (ولو أوصى بشاة ولم يضفه إلى ماله) ش: بأن لم يقل: من مالي م: (ولا غنم له، قيل: لا يصح؛ لأن المصحح إضافته إلى المال وبدونها) ش: أي بدون الإضافة إلى المال م: (تعتبر صورة الشاة ومعناها) ش: لأن الشاة اسم للصورة والمعنى، ولم يوجد فلا يصح م: (وقيل: تصح لأنه لما(13/427)
ذكر الشاة وليس ملكه شاة علم أن مراده المالية. ولو قال: شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة؛ لأنه لما أضافه إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة، حيث جعلها جزءا من الغنم؛ بخلاف ما إذا أضافه إلى المال، وعلى هذا يخرج كثير من المسائل. قال: ومن أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده وهن ثلاث، وللفقراء والمساكين فلهن ثلاثة أسهم من خمسة أسهم، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم على سبعة أسهم لهن ثلاثة ولكل فريق سهمان، وأصله أن الوصية لأمهات الأولاد جائزة، والفقراء والمساكين جنسان وفسرناهما في الزكاة، لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن المذكور لفظ الجمع، وأدناه في الميراث اثنان نجد ذلك في القرآن، فكان من كل فريق اثنان، وأمهات الأولاد ثلاث، فلهذا يقسم على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ذكر الشاة وليس ملكه شاة علم أن مراده المالية) ش: أي مطلق المالية، فيعطى له شاة أو قيمة شاة.
م: (ولو قال: شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة؛ لأنه لما أضافه إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة، حيث جعلها جزءا من الغنم، بخلاف ما إذا أضافه إلى المال) ش: بأن قال: له شاة من مالي ولا غنم له حيث يعطى شاة لما مر م: (وعلى هذا يخرج كثير من المسائل) ش: منها ما ذكره في " المبسوط " بقوله: لو قال له قفيز حنطة من مالي أو ثوب من مالي فإنه يصح الإيجاب، وإن لم يكن ذلك في ماله، بخلاف ما إذا قال: من حنطتي أو من ثيابي، فإنه إذا لم يوجد ذلك في ملكه أو هلك قبل موته فلا شيء للموصى له، وعلى هذا كله عرض من ماله.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بثلث ماله لأمهات أولاده وهن ثلاث، وللفقراء والمساكين فلهن ثلاثة أسهم من خمسة أسهم، قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يقسم على سبعة أسهم لهن ثلاثة ولكل فريق) ش: يعني من الفقراء والمساكين م: (سهمان، وأصله) ش: أي أصل هذا الخلاف م: (أن الوصية لأمهات الأولاد جائزة، والفقراء والمساكين جنسان وفسرناهما في الزكاة) ش: أي في كتاب الزكاة.
ثم أوضح الأصل المذكور بإيراد تعليل محمد وتعليل صاحبيه فقال: م: (لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن المذكور لفظ الجمع، وأدناه في الميراث اثنان) ش: أي أدنى الجمع في باب الميراث يتناول الاثنين فصاعدا م: (نجد ذلك) ش: أي عدد أدنى الجمع اثنان منهم م: (في القرآن) ش: ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] (النساء: الآية 11) ، ويحجب الاثنان منهم فصاعدا الإم من الثلث إلى السدس فعلم أن الاثنين لهما حكم الجمع م: (فكان من كل فريق اثنان) ش: أي من الفقراء والمساكين اثنان م: (وأمهات الأولاد ثلاث، فلهذا يقسم على(13/428)
سبعة. ولهما أن الجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس، وأنه يتناول الأدنى مع احتمال الكل لا سيما عند تعذر صرفه إلى الكل، فيعتبر من كل فريق واحد فبلغ الحساب خمسة، والثلاثة للثلاث. قال: ولو أوصى بثلثه لفلان وللمساكين فنصفه لفلان ونصفه للمساكين عندهما، وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين، ولو أوصى للمساكين له صرفه إلى مسكين واحد عندهما، وعنده: لا يصرف إلا إلى مسكينين بناء على ما بيناه. قال: ومن أوصى لرجل بمائة درهم ولآخر بمائة، ثم قال لآخر: قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة؛ لأن الشركة للمساواة لغة، وقد أمكن إثباته بين الكل بما قلناه لاتحاد المال؛ لأنه يصيب كل واحد منهم ثلثا مائة، بخلاف ما إذا أوصى لرجل بأربعمائة ولآخر بمائتين، ثم كان الإشراك؛ لأنه لا يمكن تحقيق المساواة بين الكل لتفاوت المالين، فحملناه على مساواته كل واحد بتنصيف نصيبه عملا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
سبعة) .
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الجمع المحلى بالألف واللام يراد به الجنس، وأنه يتناول الأدنى مع احتمال الكل لا سيما عند تعذر صرفه إلى الكل، فيعتبر من كل فريق واحد فبلغ الحساب خمسة، والثلاث للثلاث) ش: أي أمهات الأولاد. م: (قال: ولو أوصى بثلثه لفلان) ش: أي بثلث ماله لفلان م: (وللمساكين فنصفه لفلان ونصفه للمساكين عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعلى هذا الأصل لو أوصى بثلث ماله لفلان وللمساكين يكون نصفه لفلان وثلثاه للمساكين، يصير الثلث أثلاثا.
م: (وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين، ولو أوصى للمساكين له صرفه إلى مسكين واحد عندهما، وعنده) ش: أي وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لا يصرفه إلا إلى مسكينين بناء على ما بيناه) ش: يعني في المسألة المتقدمة، وهو أن الجمع في باب الميراث يتناول الاثنين إلى آخره. م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أوصى لرجل بمائة درهم ولآخر بمائة ثم قال لآخر: قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة؛ لأن الشركة للمساواة لغة، وقد أمكن إثباته بين الكل بما قلناه) ش: من اقتضاء الشركة والمساواة م: (لاتحاد المال؛ لأنه يصيب كل واحد منهم ثلثا مائة، بخلاف ما إذا أوصى لرجل بأربعمائة ولآخر بمائتين، ثم كان) ش: أي الاشتراك، أي ثم قال: للثالث م: (الإشراك) ش: معهما فيما أوصيت بهما كان له النصف من كل واحد منهما جميعا م: (لأنه لا يمكن تحقيق المساواة بين الكل لتفاوت المالين) ش: ولا بد من العمل بمفهوم لفظ الاشتراك بقدر الإمكان م: (فحملناه على مساواته كل واحد بتنصيف نصيبه عملا(13/429)
باللفظ بقدر الإمكان.
قال: ومن قال: لفلان علي دين فصدقوه، معناه: قال ذلك لورثته فإنه يصدق إلى الثلث وهذا استحسان، وفي القياس لا يصدق؛ لأن الإقرار بالمجهول وإن كان صحيحا، لكنه لا يحكم به إلا بالبيان. وقوله: "فصدقوه " صدر مخالف للشرع؛ لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة فتعذر إثباته إقرارا مطلقا، فلا يعتبر، وجه الاستحسان: أنا نعلم أن من قصده تقديمه على الورثة وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية، وقد يحتاج إليه من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره سعيا منه في تفريغ ذمته، فيجعلها وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له، كأنه قال: إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء، وهذه معتبرة من الثلث، فلهذا يصدق على الثلث دون الزيادة. قال: وإن أوصى بوصايا غير ذلك يعزل الثلث لأصحاب الوصايا والثلثان للورثة؛ لأن ميراثهم معلوم، وكذا الوصايا معلومة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
باللفظ) ش: أي بقوله: أشركتك م: (بقدر الإمكان) .
[قال لفلان علي دين فصدقوه]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن قال: لفلان علي دين فصدقوه) ش: أي قال لورثته، وبينه المصنف بقوله م: (معناه قال ذلك لورثته، فإنه يصدق إلى الثلث) ش: أي إذا ادعى الدين بأكثر من الثلث، وكذبه الورثة، قال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا استحسان. وفي القياس: لا يصدق؛ لأن الإقرار بالمجهول، وإن كان صحيحا لكنه لا يحكم به إلا بالبيان، وقوله: "فصدقوه" صدر مخالفا للشرع: لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة) ش: وهو قد أمرهم بتصديقه بلا حجة، فإذا كان كذلك م: (فتعذر إثباته إقرارا مطلقا) ش: يعني من كل وجه م: (فلا يعتبر وجه الاستحسان: أنا نعلم أن من قصده تقديمه على الورثة) ش: وهو مالك للكل في الثلث م: (وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية) ش: فيتقيد، وقد يحتاج جواب عما يقال: لو كان قصده الوصية لصرح بها، وتقرير الجواب بأن يقال: م: (وقد يحتاج إليه) ش: إلى مثل هذا الكلام م: (من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره) ش: يعني يعلم أصل الحق ولا يعلم مقداره م: (سعيا منه) ش: أي لأصل السعي منه، م: (في تفريغ ذمته فيجعلها) ش: أي فيجعل هذه الوصية م: (وصية جعل التقدير فيها) ش: أي في هذه الوصية م: (إلى الموصى له كأنه قال: إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء، وهذه) ش: أي هذه الوصية م: (معتبرة من الثلث، فلهذا) ش:، أي فلكونها معتبرة من الثلث م: (يصدق على الثلث دون الزيادة) ش: على الثلث؛ لأن جواز الوصية من الثلث.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن أوصى بوصايا غير ذلك) ش: أي غير الدين المجهول م: (يعزل الثلث لأصحاب الوصايا والثلثان للورثة؛ لأن ميراثهم معلوم) ش: وهو الثلثان م: (وكذا الوصايا معلومة) ش: وهي الثلث.(13/430)
وهذا مجهول فلا يزاحم المعلوم، فيقدم عزل المعلوم، وفي الإفراز فائدة أخرى، وهو أن أحد الفريقين قد يكون أعلم بمقدار هذا الحق وأبصر به، والآخر ألد خصاما وعساهم يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم، وبعد الإفراز يصح إقرار كل واحد فيما في يده من غير منازعة. وإذا عزل يقال لأصحاب الوصايا: صدقوه فيما شئتم، ويقال للورثة: صدقوه فيما شئتم؛ لأن هذا دين في حق المستحق وصية في حق التنفيذ، فإذا أقر كل فريق بشيء ظهر أن في التركة دينا شائعا في النصيبين، فيؤخذ أصحاب الثلث بثلث ما أقروا والورثة بثلثي ما أقروا تنفيذا لإقرار كل فريق في قدر حقه، وعلى كل فريق منهما اليمين على العلم إن ادعى المقر له زيادة على ذلك؛ لأنه يحلف على ما جرى بينه وبين غيره. قال: ومن أوصى لأجنبي ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية وتبطل وصية الوارث؛ لأنه أوصى بما يملك الإيصاء به وبما لا يملك، فصح في الأول وبطل في الثاني. بخلاف ما إذا أوصى لحي وميت؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يصلح مزاحما، فيكون الكل للحي والوارث من أهلها، ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي دين فلان م: (مجهول فلا يزاحم المعلوم فيقدم عزل المعلوم، وفي الإفراز فائدة أخرى، وهو أن أحد الفريقين قد يكون أعلم بمقدار هذا الحق وأبصر به) ش: أي هذا الحق م: (والآخر) ش: أي الفريق الآخر م: (ألد خصاما) ش: أي شديد بين في الخصومة م: (وعساهم) ش: أي لعلهم، أي الفريق الورثة وأصحاب الوصايا م: (يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم، وبعد الإفراز يصح إقرار كل واحد فيما في يده من غير منازعة) .
م: (وإذا عزل يقال لأصحاب الوصايا: صدقوه فيما شئتم ويقال للورثة: صدقوه فيما شئتم؛ لأن هذا دين في حق المستحق) ش: أي المقر له م: (وصية في حق التنفيذ، فإذا أقر كل فريق بشيء ظهر أن في التركة دينا شائعا في النصيبين، فيؤخذ أصحاب الثلث بثلث ما أقروا، والورثة بثلثي ما أقروا تنفيذا لإقرار كل فريق في قدر حقه، وعلى كل فريق منهما اليمين على العلم إن ادعى المقر له زيادة على ذلك؛ لأنه يحلف على ما جرى بينه وبين غيره) ش: أي بين المقر له وبين غيره، وهو الميت.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى لأجنبي ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية وتبطل وصية الوارث؛ لأنه أوصى بما يملك الإيصاء به وبما لا يملك، فصح في الأول) ش: أي فيما يملك م: (وبطل في الثاني) ش: أي فيما لا يملك، وبه قالت الأئمة الثلاثة وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
م: (بخلاف ما إذا أوصى لحي وميت؛ لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يصلح مزاحما، فيكون الكل للحي والوارث من أهلها) ش: أي من أهل الوصية م: (ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا) ش:(13/431)
وعلى هذا إذا أوصى للقاتل وللأجنبي. وهذا بخلاف ما إذا أقر بعين أو دين لوارثه وللأجنبي حيث لا يصح في حق الأجنبي أيضا؛ لأن الوصية إنشاء تصرف والشركة تثبت حكما له، فتصح في حق من يستحقه منهما. وأما الإقرار فإخبار عن كائن، وقد أخبر بوصف الشركة في الماضي، ولا وجه إلى إثباته بدون هذا الوصف؛ لأنه خلاف ما أخبر به ولا إلى إثبات الوصف؛ لأنه يصير الوارث فيه شريكا، ولأنه لو قبض الأجنبي شيئا كان للوارث أن يشاركه، فيبطل في ذلك القدر، ثم لا يزال يقبض ويشاركه الوارث حتى يبطل الكل فلا يكون مفيدا، وفي الإنشاء حصة أحدهما ممتازة عن حصة الآخر بقاء وبطلانا.
قال: ومن كان له ثلاثة أثواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أي حكما الصورتين م: (وعلى هذا) ش: أي على الحكم المذكور م: (إذا أوصى للقاتل وللأجنبي) ش: حيث تبطل وصيته للقاتل؛ لأنها فيمن لا يستحقها، ولا تبطل في حق الأجنبي؛ لأنها في حقه جائزة.
م: (وهذا) ش: أي هذا الإيصاء م: (بخلاف ما إذا أقر بعين أو دين لوارثه وللأجنبي حيث لا يصح في حق الأجنبي أيضا؛ لأن الوصية إنشاء تصرف) ش: أي ابتداء تمليك م: (والشركة تثبت حكما له) ش: أي للإنشاء م: (فتصح في حق من يستحقه منهما) ش: أي من الوارث والأجنبي.
م: (وأما الإقرار فإخبار عن كائن، وقد أخبر بوصف الشركة في الماضي) ش: فيستدعي مخبرا، والمخبر به للوالدين المشترك م: (ولا وجه إلى إثباته بدون هذا الوصف) ش: وهو الاشتراك م: (لأنه خلاف ما أخبر به) ش: المقرون لا إلى إثبات الوصف، أي لا وجه أيضا م: (ولا إلى إثبات الوصف؛ لأنه يصير الوارث فيه شريكا) ش: فيؤدي إلى إضرار بعض الورثة، فيرد أصلا كيلا يحتال الناس في إضرار الورثة بهذا الطريق.
م: (ولأنه لو قبض الأجنبي شيئا كان للوارث أن يشاركه، فيبطل) ش: أي يبطل الإقرار م: (في ذلك القدر) ش: المقبوض حمل في نصيبهما معا؛ لأنه لما كان للوارث أن يشاركه فيه، فإذا شارك كان لبقية الورثة أن يأخذوا ذلك القدر منه.
ثم يرجع هو على الأجنبي؛ لأن ما قبض لم يسلم له ثم إلى أن ينتهي فيبطل أصلا، وهو قوله م: (ثم لا يزال يقبض ويشاركه الوارث حتى يبطل الكل) ش: فإذا بطل الكل م: (فلا يكون مفيدا، وفي الإنشاء حصة أحدهما ممتازة عن حصة الآخر بقاء) ش: أي في حق الأجنبي م: (وبطلانا) ش: أي في حق الوارث.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن كان له ثلاثة أثواب(13/432)
جيد ووسط ورديء فأوصى بكل واحد لرجل فضاع ثوب ولا يدري أيها هو، والورثة تجحد ذلك فالوصية باطلة، ومعنى جحودهم: أن يقول الوارث لكل واحد منهم بعينه: الثوب الذي هو حقك قد هلك، فكان المستحق مجهولا، وجهالته تمنع صحة القضاء وتحصيل المقصود، فبطل. قال: إلا أن يسلم الورثة الثوبين الباقيين، فإن سلموا زال المانع، وهو الجحود، فيكون لصاحب الجيد ثلثا الثوب الأجود، ولصاحب الأوسط ثلث الجيد وثلث الأدون، فثبت الأدون ولصاحب الأدون ثلثا الثوب الأدون؛ لأن صاحب الجيد لا حق له في الرديء بيقين؛ لأنه إما أن يكون وسطا أو رديئا ولا حق له فيهما، وصاحب الرديء لا حق له في الجيد الباقي بيقين؛ لأنه إما أن يكون جيدا أو وسطا ولا حق له فيهما. ويحتمل أن يكون الرديء هو الرديء الأصلي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جيد ووسط ورديء فأوصى بكل واحد) ش: من هذه الثياب م: (لرجل فضاع ثوب ولا يدري أيها هو، والورثة تجحد ذلك فالوصية باطلة) ش: صورة المسألة في " الجامع " عن محمد ويعقوب عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رجل أوصى لثلاثة نفر فقال: لفلان هذا الثوب الجيد ولفلان رجل آخر هذا الثوب الوسط ولفلان رجل آخر هذا الثوب الرديء ثم مات الموصي ثم هلك واحد من الثلاثة أثواب لا يدري أيها هلك، والورثة تجحد فالوصية باطلة.
قال المصنف: م: (ومعنى جحودهم أن يقول الوارث لكل واحد منهم بعينه الثوب الذي هو حقك قد هلك، فكان المستحق مجهولا، وجهالته تمنع صحة القضاء) ش: كما إذا أوصى لأحد هذين الرجلين، فإن الوصية باطلة؛ لأن المستحق مجهول.
م: (وتحصيل المقصود) ش: بالنصب، أي ويمنع أيضًا تحصيل المقصود، أي مقصود الوصي، وهو إتمام غرضه، فإذا كان كذلك م: (فبطل) ش: أي الإيصاء.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (إلا أن يسلم الورثة الثوبين الباقيين) ش: وهذا استثناء من قوله: " فالوصية باطلة " م: (فإن سلموا) ش: أي الورثة إن قالوا: سلمنا لكم هذين الثوبين فاقتسموا فيما بينكما م: (زال المانع، وهو الجحود، فيكون لصاحب الجيد ثلثا الثوب الأجود، ولصاحب الأوسط ثلث الجيد وثلث الأدون، فثبت الأدون ولصاحب الأدون ثلثا الثوب الأدون؛ لأن صاحب الجيد، لا حق له في الرديء بيقين؛ لأنه) ش: أي لأن الرديء م: (إما أن يكون وسطا أو رديئا ولا حق له فيهما) ش: أي لا حق لصاحب الجيد في الوسط والرديء م: (وصاحب الرديء لا حق له في الجيد الباقي بيقين؛ لأنه إما أن يكون جيدا أو وسطا، ولا حق له فيهما. ويحتمل أن يكون الرديء هو الرديء الأصلي) ش: إذ الهالك إذا كان رديئا فالثاني يكون جيدا، فيكون هو الرديء الأصلي.(13/433)
فيعطى من محل الاحتمال. وإذا ذهب ثلثا الجيد وثلثا الأدون فلم يبق إلا ثلث الجيد وثلث الرديء، فيتعين حق صاحب الوسط فيه بعينه ضرورة. قال: وإذا كانت الدار بين رجلين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإنها تقسم، فإن وقع البيت، في نصيب الموصي فهو للموصى له عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -، وعند محمد نصفه للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مثل ذرع نصف البيت. له: أنه أوصى بملكه وبملك غيره؛ لأن الدار بجميع أجزائها مشتركة فينفذ الأول ويوقف الثاني، وهو أن ملكه بعد ذلك بالقسمة التي هي مبادلة لا تنفذ الوصية السالفة، كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه، ثم إذا اقتسموها ووقع البيت في نصيب الموصي تنفيذا للوصية في عين الموصى به وهو نصف البيت، وإن وقع في نصيب صاحبه له مثل ذرع نصف البيت تنفيذا للوصية في بدل الموصى به عند فواته، كالجارية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فيعطى من محل الاحتمال) ش: لأنه يحتمل أن يكون هذا وسطا ويحتمل أن يكون في الرديء الحالي بأن يكون الضائع الرديء، فيكون هذا وسطا، فيكون هذا تنفيذ وصية في محل يحتمل أن يكون حقه، كذا في " شرح الجامع " لصاحب " الهداية " م: (وإذا ذهب ثلثا الجيد وثلثا الأدون فلم يبق إلا ثلث الجيد وثلث الرديء فتعين حق صاحب الوسط فيه بعينه ضرورة) .
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كانت الدار بين رجلين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإنها تقسم) ش: أي فإن الدار تقسم م: (فإن وقع البيت في نصيب الموصي فهو للموصى له عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. وعند محمد: نصفه للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت. وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -. قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مثل ذرع نصف البيت. له) ش: أي لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (أنه) ش: أي أن الموصي م: (أوصى بملكه وبملك غيره؛ لأن الدار بجميع أجزائها مشتركة فينفذ الأول) ش: وهو الوصية فيما يملكه وهو نصيبه م: (ويوقف الثاني، وهو) ش: وهو نصيب صاحبه فيتوقف على إجازة شريكه م: (أن ملكه بعد ذلك بالقسمة التي هي مبادلة) ش: لأنه أخذ البيت بدلا عن نصيبه بما في يد صاحبه م: (لا تنفذ الوصية السالفة) ش: بالملك الحادث بعد الوصية في الموصى به.
م: (كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه) ش: حيث لا تصح الوصية، فكذا هذا م: (ثم إذا اقتسموها ووقع البيت في نصيب الموصي تنفيذا للوصية في عين الموصى به وهو نصف البيت، وإن وقع في نصيب صاحبه له مثل ذرع نصف البيت تنفيذا للوصية في بدل الموصى به عند فواته، كالجارية(13/434)
الموصى بها إذا قتلت خطأ تنفذ الوصية في بدلها. بخلاف ما إذا بيع العبد الموصى به حيث لا تتعلق الوصية بثمنه؛ لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بيناه، ولا تبطل بالقسمة. ولهما: أنه أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة؛ لأن الظاهر أنه يقصد الإيصاء بملك منتفع به من كل وجه، وذلك يكون بالقسمة؛ لأن الانتفاع بالمشاع قاصر، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه. ومعنى المبادلة في هذه القسمة تابع، وإنما المقصود الإفراز تكميلا للمنفعة، ولهذا يجبر على القسمة فيه، وعلى اعتبار الإفراز يصير كأن البيت ملكه من الابتداء، وإن وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان جميعه مما وقع في نصيبه، إما لأنه عوضه كما ذكرناه، أو لأن مراد الموصي من ذكر البيت التقدير به تحصيلا لمقصوده ما أمكن، إلا أنه يتعين البيت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الموصى بها إذا قتلت خطأ تنفذ الوصية في بدلها. بخلاف ما إذا بيع العبد) ش: أي عند فوات الأصل بالحالة م: (الموصى به، حيث لا تتعلق الوصية بثمنه؛ لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بيناه) ش: أشار به إلى ما ذكر قبل باب الوصية بثلث المال عند قوله وإذا صرح بالرجوع أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا م: (ولا تبطل) ش: أي الوصية م: (بالقسمة) ش: لأن القسمة لتكميل المنفعة، بخلاف البيع.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى -: م: (أنه أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة؛ لأن الظاهر أنه) ش: أي أن الموصي م: (يقصد الإيصاء بملك منتفع به من كل وجه، وذلك) ش: أي الملك المنتفع به عن كل وجه م: (يكون بالقسمة) ش: لأن ملكه على اعتبار القسمة هو الملك التام المنتفع به م: (لأن الانتفاع بالمشاع قاصر، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه. ومعنى المبادلة في هذه القسمة تابع) ش: وإن كان معنى المبادلة في قسمة العروض والحيوانات أصل، والدارين عروض، ذكره المصنف في كتاب القسمة.
م: (وإنما المقصود الإفراز تكميلا للمنفعة، ولهذا يجبر على القسمة فيه) ش: هذا إيضاح لقوله، وإنما المقصود الإقرار؛ لأن في الدار الواحدة المختلفة البيوت تقسم قسمة واحدة؛ لأن في تفريقها إضرارا، بخلاف الدور حيث تقسم كل واحدة على حدة، لا قسمة واحدة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - خلافا لهما، وقد مر في القسمة. م: (وعلى اعتبار الإفراز يصير كأن البيت ملكه من الابتداء، وإن وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان جميعه مما وقع في نصيبه، إما لأنه عوضه كما ذكرناه) ش: أي في الجارية الموصى بها م: (أو لأن مراد الموصي من ذكر البيت التقدير به تحصيلا لمقصوده ما أمكن، إلا أنه يتعين البيت) .(13/435)
إذا وقع في نصيبه جمعا بين الجهتين التقدير والتمليك. وإن وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير، أو لأنه أراد التقدير على اعتبار أحد الوجهين والتمليك بعينه على اعتبار الوجه الآخر كما إذا علق عتق الولد وطلاق المرأة بأول ولد تلده أمته، فالمراد في جزاء الطلاق مطلق الولد وفي العتق ولد حي. ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي، والدار مائة ذراع، والبيت عشرة أذرع: يقسم نصيبه بين الموصى له وبين الورثة على عشرة أسهم، تسعة منها للورثة، وسهم للموصى له، وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيضرب الموصى له بخمسة أذرع نصف البيت وهم بنصف الدار سوى البيت وهو خمسة وأربعون، فيجعل كل خمسة سهما، فيصير عشرة. وعندهما يقسم على أحد عشر سهما؛ لأن الموصى له يضرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ش: قال تاج الشريعة: " إلا أنه يتعين " هذا جواب [عن] إشكال، وهو أن يقال: ذكر البيت لما كان التقدير به ينبغي أن لا يجب وقع البيت نفسه إذا وقع في نصيب الموصي م: (إذا وقع في نصيبه جمعا بين الجهتين) ش: إحداهما: م: (التقدير) ش: وهي فيما إذا وقع البيت في نصيب شريكه، والأخرى هي قوله م: (والتمليك) ش: يعني البيت.
م: (وإن وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير، أو لأنه) ش: أي أو لأن الموصي م: (أراد التقدير على اعتبار أحد الوجهين) ش: يعني في وقوعه في نصيب الشريك م: (والتمليك) ش: أي وأراد التمليك م: (بعينه على اعتبار الوجه الآخر) ش: يعني في وقوعه في نصيب الموصي، ونظر لذلك بقوله: م: (كما إذا علق عتق الولد وطلاق المرأة بأول ولد تلده أمته) ش: بأن قال: إذا ولدت أمتي فهو حر وأنت طالق م: (فالمراد في جزاء الطلاق) ش: أي في جزاء الطلاق م: (مطلق الولد) ش: حتى تطلق المرأة بولادة الولد كيف كان حيا أو ميتا.
م: (وفي العتق) ش: أي المراد في العتق م: (ولد حي) ش: لأن الميت ليس بمحل للطلاق، حتى إذا ولدت ميتا ثم ولدت حيا يعتق الحي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خلافا لهما.
م: (ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي والدار مائة ذراع والبيت عشرة أذرع، يقسم نصيبه) ش: أي نصيب الموصي، وهو خمسون ذراعا م: (بين الموصى له وبين الورثة على عشرة أسهم، تسعة منها) ش: أي من العشرة م: (للورثة) ش: أي لورثة البيت م: (وسهم للموصى له، وهذا عند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فيضرب الموصى له بخمسة أذرع نصف البيت، وهم) ش: أي الورثة يضربون م: (بنصف الدار سوى البيت وهو خمسة وأربعون، فيجعل كل خمسة سهما فيصير عشرة) .
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله تعالى -: م: (يقسم) ش: أي نصيب الموصي بين الموصى له والورثة م: (على أحد عشر سهما؛ لأن الموصى له يضرب(13/436)
بالعشرة وهم بخمسة وأربعين، فتصير السهام أحد عشر، للموصى لها سهمان، ولهم تسعة. ولو كان مكان الوصية إقرار، قيل هو على الخلاف وقيل لا خلاف فيه لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والفرق له: أن الإقرار بملك الغير صحيح، حتى إن من أقر بملك الغير لغيره ثم ملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له، والوصية بملك الغير لا تصح، حتى لو ملكه بوجه من الوجوه ثم مات لا تصح وصيته ولا تنفذ. قال: ومن أوصى من مال رجل لآخر بألف بعينه فأجاز صاحب المال بعد موت الموصي، فإن دفعه فهو جائز وله أن يمنع؛ لأن هذا تبرع بمال الغير فيتوقف على إجازته. وإذا أجاز يكون تبرعا منه أيضا فله أن يمتنع من التسليم. بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث وأجازت الورثة؛ لأن الوصية في مخرجها صحيحة لمصادفتها ملك نفسه والامتناع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالعشرة وهم) ش: أي الورثة م: (بخمسة وأربعين فتصير السهام أحد عشر للموصى له سهمان، ولهم تسعة) ش: كذا قال فخر الإسلام البزدوي وغيره وفي " شرح الجامع الصغير ".
م: (ولو كان مكان الوصية إقرار) ش: يعني لو كان الدار بين شريكين فأقر أحدهما ببيت بعينه لواحد فيقسم الدار أولا، فإن وقع البيت في نصيب المقر يسلم إلى المقر له. وإن وقع في نصيب الشريك يضرب المقر له فيما وقع في يد المقر مثل ذرع البيت. وكذلك لو أقر بطريق أو حائط. كذا في " الشامل ". وعند محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يضرب المقر له بنصف ذرع البيت.
م: (قيل: هو على الخلاف) ش: أي حكم الإقرار على الخلاف المذكور بين محمد وصاحبيه.
م: (وقيل: لا خلاف فيه لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي في حكم الإقرار، بل قول محمد فيه كقولهما. وجعل فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير " عدم الخلاف، وهو الأصح م: (والفرق له) ش: أي الفرق بين الوصية والإقرار لمحمد م: (أن الإقرار بملك الغير صحيح، حتى إن من أقر بملك الغير لغيره ثم ملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له، والوصية بملك الغير لا تصح حتى لو ملكه بوجه من الوجوه) ش: مثل الشراء والهبة والتمليك م: (ثم مات لا تصح وصيته ولا تنفذ) .
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى من مال رجل لآخر بألف بعينه فأجاز صاحب المال بعد موت الموصي، فإن دفعه إليه فهو جائز وله أن يمنع؛ لأن هذا تبرع بمال الغير، فيتوقف على إجازته. وإذا أجاز يكون تبرعا منه أيضًا فله أن يمتنع من التسليم) ش: أي: ولصاحب المال أن يمتنع مما أجازه الموصي ولا يسلم؛ لأن هذا هبة من صاحب المال والهبة لا تتم بدون التسليم، فإن وقع تمت الهبة وإلا فلا.
م: (بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث وأجازت الورثة) ش: ثم أرادوا أن يمتنعوا من التسليم لا يكون لهم ذلك م: (لأن الوصية في مخرجها صحيحة لمصادفتها ملك نفسه، والامتناع(13/437)
لحق الورثة، فإذا أجازوها سقط حقهم فنفذ من جهة الموصي. قال: وإذا اقتسم الابنان تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده وهذا استحسان، والقياس أن يعطيه نصف ما في يده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف. وجه الاستحسان: أنه أقر له بثلث شائع في التركة وهي في أيديهما فيكون مقرا بثلث ما في يده. بخلاف ما إذا أقر أحدهما بدين لغيره؛ لأن الدين مقدم على الميراث، فيكون مقرا بتقدمه فيقدم عليه. أما الموصى له بالثلث شريك الوارث فلا يسلم له شيء إلا أن يسلم للورثة مثلاه، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده فربما يقر الابن الآخر به أيضا، فيأخذ نصف ما في يده، فيصير نصف التركة فيزاد على الثلث. قال: ومن أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدا، وكلاهما يخرجان من الثلث فهما للموصى له؛ لأن الأم دخلت في الوصية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لحق الورثة، فإذا أجازوها سقط حقهم فنفذ من جهة الموصي) .
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير " م: (وإذا اقتسم الابنان تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده) ش: وهو سدس المال م: (وهذا استحسان) ش: وبه قال الشافعي وأحمد ومالك - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه: يلزمه جميع ما في يده وخرجه صاحب " الحاوي " من القولين في الدين ليس شيء، كذا في " الحلية ".
م: (والقياس أن يعطيه نصف ما في يده، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف. وجه الاستحسان: أنه أقر له بثلث شائع في التركة وهي في أيديهما) ش: أي في أيدي الابنين م: (فيكون مقرا بثلث ما في يده. بخلاف ما إذا أقر أحدهما بدين لغيره) ش: حيث يعطي جميع ما في يده م: (لأن الدين مقدم على الميراث، فيكون مقرا بتقدمه فيقدم عليه) ش: وبه قال الشافعي في وجه. وقال الشافعي في الأصح: يلزمه في نصيبه ما يخصه وهو قول مالك وأحمد - رحمهما الله - لأن إقراره بهذه الجهة.
م: (أما الموصى له بالثلث شريك الوارث فلا يسلم له شيء إلا أن يسلم للورثة مثلاه، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده فربما يقر الابن الآخر به أيضًا فيأخذ نصف ما في يده، فيصير نصف التركة فيزاد على الثلث) ش: فيكون شريك الورثة بالنصف لا بالثلث.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدا وكلاهما) ش: أي الأم والولد م: (يخرجان من الثلث فهما للموصى له؛ لأن الأم دخلت في الوصية(13/438)
أصالة، والولد تبعا حين كان متصلا بالأم، فإذا ولدت قبل القسمة والتركة قبلها مبقاة على ملك الميت حتى يقضي بها ديونه دخل في الوصية، فيكونان للموصى له. وإن لم يخرجا من الثلث ضرب بالثلث وأخذ ما يخصه منهما جميعا في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يأخذ ذلك من الأم، فإن فضل شيء أخذه من الولد. وفي" الجامع الصغير " عين صورة، وقال: رجل له ستمائة درهم وأمة تساوي ثلاثمائة درهم فأوصى بالجارية لرجل ثم مات فولدت ولدا يساوي ثلاثمائة درهم قبل القسمة، فللموصى له الأم وثلث الولد عنده، وعندهما: له ثلثا كل واحد منهما. لهما: ما ذكرنا أن الولد دخل في الوصية تبعا لحالة الاتصال فلا يخرج منها بالانفصال كما في البيع والعتق، فتنفذ الوصية فيهما على السواء من غير تقديم الأم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصالة، والولد) ش: دخل فيها م: (تبعا حين كان متصلا بالأم، فإذا ولدت قبل القسمة والتركة قبلها مبقاة على ملك الميت حتى يقضي بها ديونه دخل) ش: أي الولد م: (في الوصية، فيكونان للموصى له) ش: يعني تكون الأم والولد للموصى له إذا ولد له قبل قسمة التركة.
وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: إن كانت حاملا به حين الوصية، ويعلم ذلك بأن قلده لأقل من ستة أشهر منذ أوصى يدخل الولد في الوصية، ويكون للموصى له مع الأم. وقالا في وجه: لا حكم للحل في الوصية بكل حال فلا يدخل فيها على كل حال.
م: (وإن لم يخرجا من الثلث ضرب بالثلث وأخذ ما يخصه منهما جميعا في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يأخذ ذلك من الأم، فإن فضل شيء أخذه من الولد. وفي " الجامع الصغير " عين صورة) ش: أي عين محمد صورة بهذه المسألة.
م: (وقال: رجل له ستمائة درهم وأمة) ش: أي الموصي فولدت ولدا أي وله أمة م: (تساوي ثلاثمائة درهم فأوصى بالجارية لرجل ثم مات) ش: أي الموصي م: (فولدت ولدا يساوي ثلاثمائة درهم قبل القسمة) ش: أي قبل قسمة التركة م: (فللموصى له الأم وثلث الولد عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (وعندهما: له ثلثا كل واحد منهما) ش: أي من الأم والولد.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد م: (ما ذكرنا أن الولد دخل في الوصية تبعا لحالة الاتصال فلا يخرج منها) ش: أي عن الوصية م: (بالانفصال كما في البيع) ش: بأن باع الأمة الحامل م: (والعتق) ش: بأن أعتقها يدخل الحمل ويدخل الولد في البيع والعتق، ولا يخرج عنها بالانفصال، فإذا كان كذلك م: (فتنفذ الوصية فيهما على السواء من غير تقديم الأم) ش: في الأصالة وفي الولد تبعا لاتصاله بالأم.(13/439)
وله: أن الأم أصل والولد تبع فيه، والتبع لا يزاحم الأصل، فلو نفذنا الوصية فيهما جميعا تنتقض الوصية في بعض الأصل، وذلك لا يجوز، بخلاف البيع؛ لأن تنفيذ البيع في التبع لا يؤدي إلى نقضه في الأصل، بل يبقى تاما صحيحا فيه، إلا أنه لا يقابله بعض الثمن ضرورة مقابلته بالولد إذا اتصل به القبض، ولكن الثمن تابع في البيع حتى ينعقد البيع بدون ذكره وإن كان فاسدا، هذا إذا ولدت قبل القسمة، فإن ولدت بعد القسمة فهو للموصى له؛ لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: م: (أن الأم أصل والولد تبع فيه) ش: أي في الوصية على تأويل الإيصاء م: (والتبع لا يزاحم الأصل) ش: لأن الإيجاب تناول الأم قصدا، ثم سرى حكم الإيجاب إلى الولد فلا يزاحم التبع الأصل، لعدم المساواة بينهما م: (فلو نفذنا الوصية فيهما جميعا تنتقض الوصية في بعض الأصل، وذلك لا يجوز، بخلاف البيع) ش: لأن فيه إبطال الأصل بالتبع، بل يبقى تاما صحيحا فيه، إلا أنه لا يقابله بعض الثمن، هذا جواب عما يقال: لا نسلم م: (لأن تنفيذ البيع في التبع لا يؤدي إلى نقضه في الأصل، بل يبقى تاما صحيحا فيه، إلا أنه) ش: لا يقابله وفي ذلك نقص له بحصته، ووجهه إنما م: (لا يقابله بعض الثمن ضرورة مقابلته بالولد إذا اتصل به القبض) ش: فإن العوض الواحد لا يقابل بعوضين، لكن لا يوجب ذلك النقض في البيع أصلا.
م: (ولكن الثمن تابع في البيع حتى ينعقد البيع بدون ذكره وإن كان فاسدا، هذا) ش: أي دخول الولد في الوصية تبعا م: (إذا ولدت قبل القسمة) ش: قبل قبول الموصى له م: (فإن ولدت بعد القسمة) ش: وبعد القبول م: (فهو للموصى له؛ لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة) ش: وإن ولدت بعد القبول قبل القسمة وبعد القبول فهو للموصى له؛ لأنه نماء خالص ملكه لتقرر ملكه فيه بعد القسمة.
وإن ولدت بعد القبول قبل القسمة، ذكر القدوري: أنه لا يصير موصى له، ولا يعتبر خروجه في الثلث كما لو ولدت بعد القسمة. ومشايخنا قالوا: يصير موصى به ويعتبر خروجه من الثلث، كما لو ولدت قبل القبول، ولو ولدت قبل موت الموصي لم يدخل تحت الوصية وبقي على حكم ملك الميت؛ لأنه لم يدخل تحت الوصية قصدا ولا سراية، والكسب والولد في جميع ما ذكرنا. كذا في " الكافي ". وعند الشافعي وأحمد: لو انفصل قبل موت الموصي ومن حين الوصية إلى الانفصال أقل من ستة أشهر يدخل في الوصية من وجه.(13/440)
فصل في اعتبار حالة الوصية قال: وإذا أقر المريض لامرأة بدين أو أوصى لها بشيء أو وهب لها ثم تزوجها ثم مات جاز الإقرار وبطلت الوصية والهبة؛ لأن الإقرار ملزم بنفسه وهي أجنبية عند صدوره. ولهذا يعتبر من جميع المال ولا يبطل الدين إذا كان في حالة الصحة أو في حالة المرض، إلا أن الثاني يؤخر عنه. بخلاف الوصية لأنها إيجاب عند الموت وهي وارثة عند ذلك ولا وصية للوارث، والهبة وإن كانت منجزة صورة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في اعتبار حالة الوصية]
م: (فصل في اعتبار حالة الوصية)
ش: أي: هذا فصل في بيان اعتبار حالة الوصية، ولما ذكر الحكم الكلي في الوصية شرع في بيان أحكام ما يتعلق بالأحوال المتغيرة من وصف إلى وصف، أن الأحوال بمنزلة العوارض والأحكام المتعلقة بثلث المال بمنزلة الأصول، والأصلي مقدم على العارض.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر المريض لامرأة بدين أو أوصى لها بشيء أو وهب لها ثم تزوجها ثم مات جاز الإقرار وبطلت الوصية والهبة؛ لأن الإقرار ملزم بنفسه) ش: فلا يتوقف على شرط زائد كتوقف الوصية إلى الموت، فصح إقراره بالدين؛ لأن إقراره حصل لأجنبية وهو معنى قوله م: (وهي أجنبية عند صدوره) ش: أي صدور الإقرار م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإقرار ملزم بنفسه من غير توقف على شرط م: (يعتبر من جميع المال ولا يبطل بالدين) ش: بخلاف الوصية فإنها تمليك مضاف إلى الموت والمرأة عند الموت وارثة ولا وصية للوارث، فالحديث على ما يأتي م: (إذا كان) ش: أي الإقرار م: (في حالة الصحة أو في حالة المرض) ش: يعني الإقرار لا يبطل بسبب الدين سواء كان في الصحة أو في المرض.
م: (إلا أن الثاني) ش: وهو الإقرار الواقع في المرض م: (يؤخر عنه) ش: أي عن الإقرار الواقع في الصحة، حتى إن المال يصرف إلى ما أقر به في حالة الصحة، فإن فضل منه شيء يصرف إلى ما أقر به في حالة المرض وإلا فلا. وعند ابن أبي ليلى والشافعي: الإقراران يستويان وقد مر في إقرار المريض.
م: (بخلاف الوصية) ش: بيان لقوله: وبطلت الوصية م: (لأنها) ش: أي لأن الوصية. وفي بعض النسخ: " لأنه "، أي لأن الإيصاء م: (إيجاب عند الموت وهي) ش: أي المرأة م: (وارثة عند ذلك) ش: أي عند موت الموصي م: (ولا وصية للوارث) ش: بالحديث المذكور، وفيما مضى م: (والهبة) ش: بالجر عطف على قوله: بخلاف الوصية، أي بخلاف الهبة الواقعة من المريض المذكور يعني لأنها لا تبطل م: (وإن كانت منجزة) ش: واصلة بما قبلها م: (صورة) ش: أي من(13/441)
فهي كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما لأن حكمها يتقرر عند الموت. ألا ترى أنها تبطل بالدين المستغرق للتركة، وعند عدم الدين تعتبر من الثلث. قال: وإذا أقر المريض لابنه بدين وابنه نصراني أو وهب له أو أوصى له فأسلم الابن قبل موته بطل ذلك كله، أما الهبة والوصية فلما قلنا: إنه وارث عند الموت. وهما إيجابان عنده أو بعده، والإقرار وإن كان ملزما بنفسه كما مر، ولكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار، فيعتبر في إيراث تهمة الإيثار. بخلاف ما تقدم؛ لأن سبب الإرث الزوجية وهي طارئة، حتى لو كانت الزوجية قائمة وقت الإقرار وهي نصرانية ثم أسلمت قبل موته لا يصح الإقرار لقيام السبب حال صدوره. قال: وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق لما ذكرنا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حيث الصورة، يعني لا تتوقف على شيء بحسب الصورة م: (فهي) ش: أي الهبة م: (كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (لأن حكمها يتقرر عند الموت) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن الهبة م: (تبطل بالدين المستغرق للتركة، وعند عدم الدين تعتبر من الثلث) ش: لأنها تبرع بتقرر حكمه عند الموت ألا ترى أن من وهب عبدا في مرض موته لأجنبي وما له غيره وسلم صحت الهبة وصارت للموهوب له، فإذا مات من ذلك المرض وجب الفسخ من الثلثين للورثة. وفي الكل حقا للغرماء أو صارت كالمتعلق بالموت.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر المريض لابنه بدين وابنه نصراني أو وهب له أو أوصى له فأسلم الابن قبل موته بطل ذلك كله) ش: أي الإقرار م: (أما الهبة والوصية فلما قلنا) ش: يعني في المسألة الأولى م: (إنه) ش: أي أن الابن م: (وارث عند الموت، وهما) ش: أي الهبة والوصية م: (إيجابان عنده) ش: أي عند الموت م: (أو بعده) ش: أي بعد الموت م: (والإقرار وإن كان ملزما بنفسه كما مر. ولكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار، فتعتبر في إيراث تهمة الإيثار) ش: يعني صار باعتبار التهمة ملحقا بالوصايا.
م: (بخلاف ما تقدم) ش: من الإقرار والهبة والوصية لامرأة م: (لأن سبب الإرث الزوجية كانت الزوجية وهي طارئة) ش: لأن الزوجية حصلت بعد الإقرار لها بدين فلا يبطل الإقرار م: (حتى لو كانت الزوجية قائمة وقت الإقرار وهي نصرانية ثم أسلمت قبل موته لا يصح الإقرار لقيام السبب) ش: وهو الزوجية وقت الإقرار م: (حال صدوره) ش: أي صدور الإقرار ونظيرها من أقر لأخي وله ابن ثم هلك الابن ثم هلك المقر له وإرثه يبطل الإقرار للأخ لقيام سبب الإرث وهو الأخوة وقت الإقرار.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وكذا) ش: يبطل الإقرار م: (لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق) ش: قبل الموت م: (لما ذكرنا) ش: وهو قيام المسبب للإرث وقت الإقرار(13/442)
وذكر في كتاب الإقرار إن لم يكن عليه دين يصح؛ لأنه أقر لمولاه وهو أجنبي، وإن كان عليه دين لا يصح؛ لأنه إقرار له وهو ابنه، والوصية باطلة لما ذكرنا أن المعتبر فيها وقت الموت. وأما الهبة فيروى أنها تصح لأنها تمليك في الحال وهو رقيق. وفي عامة الروايات هي في مرض الموت بمنزلة الوصية فلا تصح. قال: والمقعد والمفلوج والأشل والمسلول إذا تطاول ذلك ولم يخف منه الموت فهبته من جميع المال؛ لأنه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه. ولهذا لا يشتغل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وذكر) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في كتاب الإقرار إن لم يكن عليه) ش: أي على العبد م: (دين يصح) ش: أي الإقرار م: (لأنه أقر لمولاه) ش: يعني يكون الإقرار لمولاه م: (وهو أجنبي) ش: أي والحال أنه أجنبي.
م: (وإن كان عليه) ش: أي على العبد م: (دين لا يصح) ش: أي الإقرار م: (لأنه إقرار له) ش: أي العبد م: (وهو ابنه) ش: أي والحال أنه ابنه م: (والوصية باطلة لما ذكرنا) ش: والذي ذكره فيما مضى ذكره هنا بقوله م: (أن المعتبر فيها) ش: أي في الوصية م: (وقت الموت) ش: لأنها تمليك مضاف إلى بعد الموت والعبد حينئذ وارث ولا وصية للوارث.
م: (وأما الهبة فيروى أنها تصح لأنها تمليك في الحال وهو رقيق) ش: فتكون الهبة للمولى فتصح م: (وفي عامة الروايات هي) ش: أي الهبة م: (في مرض الموت بمنزلة الوصية فلا تصح) ش: والتفصيل المذكور في العبد لا يتأتى في المكاتب؛ لأن المولى لا يملك كسبه في الحالين.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (والمقعد والمفلوج) ش: من فلجت الشيء فلجين أي شققته نصفين، كذا في " المغرب "، ومنه المفلوج لأنه ذهاب النصف. والفالج ذهاب الحس والحركة من أحد شقي البدن وسلامة الشق الآخر م: (والأشل) ش: من الشلل بالشين المعجمة وهو فساد في اليد يقال: شلت يده فشل، ورجل أشل م: (والمسلول) ش: بالسين المهملة.
قال الجوهري: السلال بالضم السل، يقال: أسله الله فهو مسلول من السول. وقال المطرزي: المسلول الذي سل أنثياه، أي نزعت خصيتاه، وهذا لا يناسب هنا؛ لأن الكلام فيما إذا تطاول المرض ولم يحل منه موت، والذي نزعت خصيتاه بعد تطاول الزمان لا يسمى مريضا، وقال الأكمل: المسلول الذي به مرض السل، وهو عبارة عن اجتماع المرة في الصدر وبعثها، وقال الكاكي: قيل السل نوع من الدق م: (إذا تطاول ذلك فلم يخف منه الموت فهبته من جميع المال؛ لأنه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه، ولهذا) ش: أي وأجل ذلك م: (لا يشتغل(13/443)
بالتداوي. ولو صار صاحب فراش بعد ذلك فهو كمرض حادث. وإن وهبه عندما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث إذا صار صاحب فراش؛ لأنه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت. والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالتداوي) ش: ولأنه صار طبيعة فلا يحتاج إلى الدواء فكان حكمه حكم الأصحاء، فيعتبر تصرفه في جميع المال، ويصح إقراره للوارث.
م: (ولو صار صاحب فراش بعد ذلك المال فهو كمرض حادث) ش: إذا مات في أيامه يكون حكمه حكم المريض يعتبر تصرفه في ثلث المال ولا يصح إقراره للوارث م: (وإن وهبه) ش: أي الذي صار صاحب فراش بعد المال م: (عندما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث إذا صار صاحب فراش؛ لأنه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت) ش: يكون حكمه حكم المريض الذي مات فيه. والحامل إذا ضربها المخاض وهو الطلق يكون تبرعها من الثلث، وبه قال الشافعي والنخعي والأوزاعي والثوري ويحيى الأنصاري ومكحول وابن المنذر. وقال مالك وأحمد: إذا صار لها ستة أشهر عطيتها من الثلث، وبه قال ابن المسيب وعطاء وقتادة. قال الحسن والزهري: عطيتها كعطية الصحيح، وبه قال الشافعي في قول.
ولو اختلطت الطائفتان للقتال وكل منهما غير كافية للأخرى أو مقهورة في حكم مرض الموت، وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي والثوري، ونحوه عن مكحول إذا لم يختلطوا سواء كان بينهما رمي بالسهام أو لا. وعن الشافعي قولان: أحدهما: كقول الجماعة، والثاني: ليس مخوف؛ لأنه ليس بمرض.
وراكب البحر فإن كان ساكنا فليس مخوف، وإن هبت الريح أو اضطرب البحر فهو مخوف. والأسير والمحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف وإلا فلا، وبه مالك وأحمد والشافعي في قول.
والمجذوم وصاحب حمى الربع، وحمى العنب إذا صار صاحب فراش يكون في حكم المريض مرض الموت، وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور والأوزاعي والثوري. وقال الشافعي: الأمراض الممتدة عطية من كل المال؛ لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه، وإن كان لا يبرأ كالمهر م: (والله أعلم بالصواب) .(13/444)
باب العتق في مرض الموت
قال: ومن أعتق في مرضه عبدا أو باع وحابى أو وهب فذلك كله جائز، وهو معتبر من الثلث، ويضرب به مع أصحاب الوصايا. وفي بعض النسخ: " فهو وصية " مكان قوله: "جائز"، والمراد: الاعتبار من الثلث والضرب مع أصحاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب العتق في مرض الموت]
م: (باب العتق في مرض الموت)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام العتق في المرض وفي بيان حكم الوصية بالعتق. ولما كان الإعتاق في المرض من أنواع الوصية، لكن لما كان له أحكام مخصوصة، أفرد بيانه على حدة وأخره عن صريح الوصية لأن الصريح هو الأصل.
[أعتق في مرضه أو باع وحابى أو وهب]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أعتق في مرضه أو باع وحابى أو وهب فذلك كله جائز، وهو معتبر من الثلث، ويضرب به مع أصحاب الوصايا) ش: أو يضرب بالثلث كل واحد من هؤلاء الثلاثة وهو العبد المعتق في مرض الموت والمشتري من المريض الذي باع بالمحاباة والموهوب له مع ما يرى أصحاب الوصايا.
والمراد بضربهم بالثلث مع أصحاب الوصايا استحقاقهم في الثلث كما في سائر الوصايا، فإنهم يستحقون الثلث لا غير. وليس المراد أنهم يساوون أصحاب الوصايا في الثلث ويحاصونهم؛ لأن المعتق المتقدم في المرض مقدم على الوصية بالمال في الثلث.
ألا ترى إلى ما ذكر الطحاوي في "مختصره ": ومن أوصى بوصايا في مرضه فأعتق عبدا له يدلي بالعتاق، وأخرج من الثلث، فإن فضل شيء كان لأهل الوصايا. وإن لم يفضل شيء فلا شيء لهم، ثم العتق أن يكون مقدما على سائر الوصايا إذا كان منفذا في المرض أو معلقا بالموت، مثل أن يقول: إن حدث في حادث من هذا المرض فهو حر. فأما إذا أوصى بعتق عبده بعد موته بوقت فلا يبدأ بالعتق بل يكون هو وسائر الوصايا سواء.
وقال الفقيه أبو الليث: إذا أوصى بعتق عبده بعد موته وأوصى لآخر بألف فالثلث بينهما بالحصص ولا يبدأ بالعتق لأن الوصية بالعتق يحتمل النقص والرد، فصار حكمه حكم سائر الوصايا. ألا ترى أنه لو ظهر على الميت دين فإن العبد تبطل وصيته م: (وفي بعض النسخ) ش: أي في بعض نسخ القدوري م: (" فهو وصية " مكان قوله: " جائز ") ش: وقال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ - ورأيت في نسخة نقية مكتوبة في سنة خمس وعشرين وخمسمائة، فذلك كله وصية معتبرة من الثلث، وقال الكاكي: وقال صاحب " المجتبى ": والأول أصح؛ لأن هذا أول باعتباره من الثلث م: (والمراد) ش: من قوله: وهو وصية م: (الاعتبار من الثلث والضرب مع أصحاب الوصايا لا(13/445)
الوصايا لا حقيقة الوصية. لأنها إيجاب بعد الموت، وهذا منجز غير مضاف، واعتباره من الثلث لتعلق حق الورثة. وكذلك ما ابتدأ المريض إيجابه على نفسه كالضمان والكفالة في حكم الوصية؛ لأنه يتهم فيه كما في الهبة. وكل ما أوجبه بعد الموت فهو من الثلث، وإن أوجبه في حالة صحته اعتبارا بحالة الإضافة دون حالة العقد، وما نفذه من التصرف فالمعتبر فيه حالة العقد، فإن كان صحيحا فهو من جميع المال، وإن كان مريضا فمن الثلث، وكل مرض صح منه فهو كحال الصحة؛ لأن بالبرء تبين أنه لا حق لأحد في ماله، قال: وإن حابى ثم أعتق وضاق الثلث عنهما فالمحاباة أولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
حقيقة الوصية لأنها) ش: أي الوصية م: (إيجاب بعد الموت، وهذا منجز غير مضاف، واعتباره من الثلث لتعلق حق الورثة. وكذلك ما ابتدأ المريض إيجابه على نفسه، كالضمان والكفالة في حكم الوصية) ش: إنما غاير بين الضمان والكفالة بحرف العطف؛ لأن الضمان أعم من الكفالة فإن من الضمان ما لا يكون كفالة بأن قال للأجنبي خالعها على ألف على أني ضامن. أو قال: بع هذا العبد من فلان بألف على أني ضامن لك بخمسمائة من الثمن سوى الألف كان بدل بالخلع على الأجنبي دون المرأة، والخمسمائة على الضامن دون المشتري، كذا في " شرح الأقطع " م: (لأنه) ش: أي لأن المريض متهم م: (يتهم فيه) ش: أي في إيجابه على نفسه م: (كما في الهبة) ش: أي كما يتهم.
م: (وكل ما أوجبه بعد الموت فهو من الثلث، وإن أوجبه) ش: وإن كان الإيجاب في حالة الصحة، أي وإن كان واقعا م: (في حال صحته اعتبارا) ش: أي لأجل الاعتبار م: (بحال الإضافة) ش: يعني الاعتبار فيه حال الإضافة م: (دون حال العقد) ش: لأنه علقه بحال تعلق حق الورثة فيه بالمال، فكان المعتبر فيه حال الإضافة لا حال الإيجاب م: (وما نفذه) ش: وما نجزه في الحال م: (من التصرف) ش: ولم يضفه إلى ما بعد الموت م: (فالمعتبر فيه حالة العقد) ش: كالإعتاق والهبة.
م: (فإن كان صحيحا فهو من جميع المال، وإن كان مريضا) ش: أي فهو يكون م: (فمن الثلث، وكل مرض صح منه) ش: أي من مرضه م: (فهو كحال الصحة؛ لأن بالبرء تبين أنه لا حق لأحد في ماله) ش: لأن حق الغريم والوارث إنما يتعلق بمرض الموت، وبالبرء ظهر أنه ليس بمرض الموت.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإن حابى ثم أعتق) ش: صورته رجل باع في مرضه عبدا وحابى بأن باعه بألف وهو يساوي ألفين م: وضاق الثلث عنهما) ش: أي عن المحاباة والعتق م: (فالمحاباة أولى عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: حتى يسع العبد في جميع قيمته، وبه قال(13/446)
وإن أعتق ثم حابى فهما سواء وقالا: العتق أولى في المسألتين. والأصل فيه: أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث فكل من أصحابها يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم البعض على البعض إلا العتق الموقع في المرض، والعتق المعلق بموت الموصي كالتدبير الصحيح، والمحاباة في البيع إذا وقعت في المرض؛ لأن الوصايا قد تساوت، والتساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق. وإنما قدم العتق الذي ذكرناه آنفا؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مالك. ثم العتق يعتبر من الثلث عند الجمهور إلا ما حكي عن مسروق: أنه يعتبر من رأس المال وهو قول شاذ مخالف للأثر.
[أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بسدسه ولآخر بربعه]
م: (وإن أعتق ثم حابى فهما) ش: أي قوله أي هذه ... إلخ، ولفظ الشارح على " الكنز " فإن حابى محرر، أي المحاباة أحق من التحرير بعكسه أي وبعكس الحكم المذكور وهو أن يعتق أولا ثم يحابي استويا، أي العتق والمحاباة، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - هذه والتي قبلها م: (سواء) ش: عند أبي حنيفة.
م: (وقالا: العتق أولى في المسألتين) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، وهو قول الزهري والنخعي والثوري وقتادة وإسحاق، وقال الشافعي في قول وأحمد في رواية: يستوي بين كل الوصايا م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث) ش: مثل أن يوصي بالربع والسدس م: (فكل من أصحابها يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم البعض على البعض) ش: بلا خلاف بين العلماء.
وفي" المبسوط ": أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بسدسه ولآخر بربعه فأجازت الورثة يأخذ كل حقه كاملا؛ لأن في المال وفاء، ولو لم يجز وضرب كل واحد منهم في الثلث بوصيته فتكون القسمة بينهم على طريق العول بالاتفاق؛ لأن الوصايا كلها وقعت في الثلث واستوت في القوة، فيضرب كل بجميع حقه.
م: (إلا العتق الموقع في المرض) ش: هذا استثناء من قول لا يقدم، أي المعجز لا العوض إلى إعتاق الورثة، مثل أن يقول: اعتقوه م: (والعتق المعلق بموت الموصى) ش: مثل أن يوصي بعتقه بعد موته م: (كالتدبير الصحيح) ش: مثل أن يقول الرجل للمملوك: أنت حر بعد موتي أو أنت حر إذا مت أو إن مت، واحترز بالصحيح عن التدبير الفاسد، كما إذا قال أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر، فإنه لا يكون مقدما على سائر الوصايا، بل هو وسائر الوصايا سواء م: (والمحاباة) ش: بالرفع عطف على قوله: إلا العتق الموقع في المرض م: (في البيع إذا وقعت في المرض؛ لأن الوصايا قد تساوت) ش: تعليل لقوله لا يقدم البعض على البعض م: (والتساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق، وإنما قدم العتق الذي ذكرناه آنفا) ش: وهو(13/447)
لأنه أقوى، فإنه لا يلحقه الفسخ من جهة الموصي وغيره يلحقه، وكذلك المحاباة لا يلحقها الفسخ من جهة الموصي. وإذا قدم ذلك فما بقي من الثلث بعد ذلك يستوي فيه من سواهما من أهل الوصايا، ولا يقدم البعض على البعض. لهما في الخلافية: أن العتق أقوى؛ لأنه لا يلحقه الفسخ، والمحاباة يلحقها ولا معتبر بالتقديم في الذكر؛ لأنه لا يوجب التقدم في الثبوت. وله: أن المحاباة أقوى؛ لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة، فكان تبرعا بمعناه لا بصيغته، والإعتاق تبرع صيغة ومعنى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العتق الموقع في المرض م: (لأنه أقوى، فإنه لا يلحقه الفسخ من جهة الموصي وغيره) ش: أي غير العتق المنفذ م: (يلحقه) ش: أي الفسخ من جهة الموصي؛ لأنه يصح الرجوع عنه. ولا يصح الرجوع في العتق.
م: (وكذلك المحاباة لا يلحقها الفسخ من جهة الموصي) ش: لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة ومن قضية المعاوضة اللزوم، فلزمه الوصية التي في ضمنها بمنزلة العتق م: (وإذا قدم ذلك) ش: أي العتق م: (فما بقي من الثلث بعد ذلك يستوي فيه من سواهما) ش: أي من سوى العتق المذكور، والذي له م: (من أهل الوصايا ولا يقدم البعض على البعض) ش: بل يكون بينهم على قدر وصاياهم.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (في الخلافية) ش: وهي التي قدم فيها المحاباة على العتق: م: (أن العتق أقوى؛ لأنه لا يلحقه الفسخ والمحاباة يلحقها) ش: أي الفسخ م: (ولا معتبر بالتقديم في الذكر؛ لأنه) ش: أي لأن التقديم في الذكر م: (لا يوجب التقديم في الثبوت) ش: كما إذا أوصى لفلان ولفلان بالثلث لا يكون المقدم بالذكر مقدما على غيره، بل يكون الثلث بينهم أثلاثا، كذا فيما نحن فيه لا يكون المحاباة أولى بالتقديم في الذكر.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (أن المحاباة أقوى لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة) ش: لأنها حصلت في البيع والبيع عقد ضمان؛ لأن المبيع مضمون عليه يطالب بتسليم المبيع، فصارت المحاباة بمنزلة الدين.
م: (فكان) ش: أي البيع بالمحاباة م: (تبرعا بمعناه) ش: يعني من حيث المعنى م: (لا بصيغته) ش: أي لا من حيث صيغته، فإن البيع بالمحاباة عقد تجارة، حتى يجب للشفيع الشفعة، فالشفعة تخصيص بالمعاوضات، ولهذا إن البيع بالمحاباة يصح من العبد المأذون والصبي المأذون والمرض لا يلحقه الحجر عن التجارة م: (والإعتاق تبرع صيغة ومعنى) ش: لا تجارة فيه.(13/448)
فإذا وجدت المحاباة أولا دفع الأضعف، وإذا وجد العتق أولا وثبت وهو لا يحتمل الدفع كان من ضرورته المزاحمة، وعلى هذا قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا حابى ثم أعتق ثم حابى قسم الثلث بين المحاباتين نصفين لتساويهما، ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة قسم بينها وبين العتق؛ لأن العتق مقدم عليها فيستويان. ولو أعتق ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين العتق الأول والمحاباة نصفين. وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني وعندهما العتق أولى بكل حال. قال: ومن أوصى بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد فهلك منها درهم لم يعتق عنه بما بقي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن كانت وصيته بحجة يحج عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (فإذا وجدت المحاباة أولا دفع الأضعف وإذا وجد العتق أولا وثبت وهو لا يحتمل الدفع كان من ضرورته المزاحمة) ش: يعني لما وجد العتق أولا ثم وجدت المحاباة لم ترفع المحاباة لقوة العتق الذي نفذ في الثلث؛ لأنه لا يحتمل الرفع. ولما ثبت كل واحد من الحقين ثبتت المزاحمة ضرورة، فيكونان سواء م: (وعلى هذا) ش: أي: وعلى هذا الأصل م: (قال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذا حابى ثم أعتق ثم حابى قسم الثلث بين المحاباتين نصفين لتساويهما) ش: في وقوعهما في ضمن عقد المعاوضة.
م: (ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة) ش: من نصف الثلث م: (قسم بينها وبين العتق؛ لأن العتق مقدم عليها فيستويان، ولو أعتق) ش: أولا م: (ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين العتق الأول والمحاباة نصفين، وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني) ش: لتخاسرهما م: (وعندهما العتق أولى بكل حال) .
ش: فإن قلت ينبغي أن تقدم المحاباة الأولى على الثانية؛ لأن الأولى تقدم على العتق عنده والأخيرة من المحاباتين يساوي العتق عنده، وما قدم على أحد المتساويين يتقدم على المتساوي الآخر.
قلت: دل الدليل على تساوي المتحابين؛ لأنهما من جنس واحد والتساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق. ولهذا لو وجدنا متفاضلين متساويين ودل الدليل على تقدم الأول ما ذكرنا، فعملنا بهما، وقلنا بالتساوي بين المتحابين عملا بالدليل الأول، ثم ما أصاب الأخيرة يقسم بينهما وبين العتق بالدليل الثاني، فيكون عملا بالدليلين بقدر الإمكان.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد فهلك منها درهم لم يعتق عنه بما بقي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وإن كانت وصيته بحجة يحج عنه(13/449)
بما بقي من حيث يبلغ، وإن لم يهلك منها وبقي شيء من الحجة يرد على الورثة. وقالا: يعتق عنه بما بقي؛ لأنه وصية بنوع قربة، فيجب تنفيذها ما أمكن اعتبار بالوصية بالحج، وله: أنه وصية بالعتق لعبد يشتري بمائة، وتنفيذها فيمن يشترى بأقل منه تنفيذ لغير الموصى له، وذلك لا يجوز. بخلاف الوصية بالحج؛ لأنها قربة محضة، وهي حق لله تعالى، والمستحق لم يتبدل، فصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع الباقي إليه. وقيل: هذه المسألة بناء على أصل آخر مختلف فيه، وهو أن العتق حق لله تعالى عندهما حتى تقبل الشهادة عليه من غير دعوى فلم يتبدل المستحق. وعنده حق العبد حتى لا تقبل البينة عليه من غير دعوى، فاختلف المستحق، وهذا أشبه. قال: ومن ترك ابنين ومائة درهم وعبدا قيمته مائة درهم، وقد كان أعتقه في مرضه فأجاز الوارثان ذلك لم يسع في شيء؛ لأن العتق في مرض الموت. وإن كان في حكم الوصية وقد وقعت بأكثر من الثلث إلا أنها تجوز بإجازة الورثة لأن الامتناع لحقهم وقد أسقطوه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بما بقي من حيث يبلغ، وإن لم يهلك منها وبقي شيء من الحجة يرد على الورثة، وقالا: يعتق عنه بما بقي لأنه وصية بنوع قربة فيجب تنفيذها ما أمكن اعتبارا بالوصية بالحج) ش: وهو قياس قول الأئمة الثلاثة، ولو فضل شيء من الحج يصرف أي الحج ولا يرد إلى الورثة عند الثلاثة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه وصية بالعتق لعبد يشترى بمائة وتنفيذها فيمن يشترى بأقل منه تنفيذا لغير الموصى له، وذلك لا يجوز بخلاف الوصية بالحج؛ لأنها قربة محضة وهي حق لله تعالى، والمستحق لم يتبدل، فصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع الباقي إليه، وقيل: هذه المسألة بناء على أصل آخر مختلف فيه، وهو أن العتق حق لله تعالى عندهما حتى تقبل الشهادة عليه من غير دعوى، فلم يتبدل المستحق وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (حق العبد حتى لا تقبل البينة عليه من غير دعوى، فاختلف المستحق، وهذا أشبه) ش: أي كون هذا الخلاف في عتق القسمة بناء على أن العتق حق الله عز وجل، أو حق المملوك أشبه بالصواب؛ لأنه ثبت بالدليل أنه حق العبد عنده.
فيحلف المستحق إذا هلك منه شيء وتبطل الوصية يرد المائة إلى ورثته، كذا قاله الأكمل.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ترك ابنين ومائة درهم وعبدا قيمته مائة درهم وقد كان أعتقه في مرضه فأجاز الوارثان ذلك لم يسع في شيء؛ لأن العتق في مرض الموت. وإن كان في حكم الوصية وقد وقعت بأكثر من الثلث إلا أنها تجوز بإجازة الورثة؛ لأن الامتناع لحقهم وقد أسقطوه) ش: فصار كما إذا أوصى لرجل بنصف ماله فأجازه الورثة سلم ذلك للموصى له، فكذا هذا.(13/450)
قال: ومن أوصى بعتق عبده ثم مات فجنى جناية ودفع بها بطلت الوصية؛ لأن الدفع قد صح لما أن حق ولي الجناية مقدم على حق الموصي، فكذلك على حق الموصى له؛ لأنه يتلقى الملك من جهته، إلا أن ملكه فيه باق، وإنما يزول بالدفع، فإذا خرج به عن ملكه بطلت الوصية، كإذا باعه الموصي أو وارثه بعد موته، فإن فداه الورثة كان الفداء في مالهم؛ لأنهم هم الذين التزموه وجازت الوصية؛ لأن العبد طهر عن الجناية بالفداء، كأنه لم يجن فتنفذ الوصية. وقال: ومن أوصى بثلث ماله لآخر فأقر الموصى له والوارث أن الميت أعتق هذا العبد، فقال الموصى له: أعتقه في الصحة. وقال الوارث: أعتقه في المرض، فالقول قول الوارث ولا شيء للموصى له، إلا أن يفضل من الثلث شيء أو تقوم له البينة أن العتق في الصحة؛ لأن الموصى له يدعي استحقاق ثلث ما بقي من التركة بعد العتق؛ لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[أوصى بعتق عبده ثم مات فجنى العبد جناية ودفع بها]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (ومن أوصى بعتق عبده ثم مات فجنى العبد جناية ودفع بها بطلت الوصية؛ لأن الدفع قد صح لما أن حق ولي الجناية مقدم على حق الموصي، فكذلك على حق الموصى له؛ لأنه يتلقى الملك من جهته) ش: أي لأن الموصى له يتلقى الملك من جهته م: (إلا أن ملكه فيه باق) ش: منه استثناء من قوله لما أن حق ولي الجناية مقدم في العبد، مع أن حق المولى مقدم معناه: أن الملك للموصى في العبد باق مع أن حق المولى مقدم.
م: (وإنما يزول بالدفع) ش: فما لم يدفع يبقي حتى لو كان العبد ذا رحم محرم من الوارث لا يعتق عليه، كما إذا كان العبد أخا لامرأة الموصي مثلا، وإنما يبقى ملكه فيه إلى أن يستغني عن حاجة فيه؛ لأن ملك الورثة بسبيل الخلافة فما لم يستغن الأصل عن حاجة لا تثبت الخلافة.
م: (فإذا خرج) ش: أي الدفع م: (به عن ملكه بطلت الوصية كما إذا باعه الموصي أو وارثه) ش: أي أو باع وارثه م: (بعد موته) ش: بأن يظهر على الميت دين وقد أوصى بعتق العبد يقع العبد بدينه م: (فإن فداه الورثة كان الفداء في مالهم) ش: أي كانوا متبرعين فيما فدوه به م: (لأنهم هم الذين التزموه وجازت الوصية؛ لأن العبد طهر) ش: بالطاء المهملة من الطهارة م: (عن الجناية بالفداء، كأنه لم يجن فتنفذ الوصية) .
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بثلث ماله لآخر فأقر الموصى له والوارث أن الميت أعتق هذا العبد فقال الموصى له: أعتقه في الصحة، وقال الوارث: أعتقه في المرض، فالقول قول الوارث ولا شيء للموصى له، إلا أن يفضل من الثلث شيء أو تقوم له) ش: أي للموصى له م: (البينة أن العتق في الصحة؛ لأن الموصى له يدعي استحقاق ثلث ما بقي من التركة بعد العتق؛ لأن(13/451)
العتق في الصحة ليس بوصية، ولهذا ينفذ من جميع المال والوارث ينكر؛ لأن مدعاه العتق في المرض وهو وصية، والعتق في المرض مقدم على الوصية بثلث المال، فكان منكرا والقول قول المنكر مع اليمين. ولأن العتق حادث، والحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات للتيقن بها، فكان الظاهر شاهدا للوارث فيكون القول قوله مع اليمين، إلا أن يفضل شيء من الثلث على قيمة العبد؛ لأنه لا مزاحم له فيه أو تقدم له البينة أن العتق في الصحة؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينة، وهو خصم في إقامتها لإثبات حقه. قال: ومن ترك عبدا فقال للوارث: أعتقني أبوك في الصحة، وقال رجل: لي على أبيك ألف درهم فقال: صدقتما فإن العبد يسعى في قيمته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يعتق ولا يسعى في شيء؛ لأن الدين والعتق في الصحة ظهرا معا بتصديق الوارث في كلام واحد، فصارا كأنهما كانا معا، والعتق في الصحة لا يوجب السعاية وإن كان على المعتق دين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العتق في الصحة ليس بوصية، ولهذا ينفذ من جميع المال، والوارث ينكره؛ لأن مدعاه العتق في المرض وهو وصية، والعتق في المرض مقدم على الوصية بثلث المال، فكان) ش: أي الوارث م: (منكرا، والقول قول المنكر مع اليمين) .
م: (ولأن العتق حادث، والحوادث تضاف إلى أقرب الأوقات للتيقن بها) ش: أي بأقرب الأوقات، وأقرب الأوقات وقت المرض م: (فكان الظاهر شاهدا للوارث، فيكون القول قوله مع اليمين) ش:.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (إلا أن يفضل شيء من الثلث على قيمة العبد لأنه لا مزاحم له فيه، أو تقوم له البينة أن العتق في الصحة؛ لأن الثابت كالثابت معاينة، وهو خصم في إقامتها لإثبات حقه) ش: قال الكاكي: هذا جواب عن إشكال وهو أن الدعوى في العتق شرط لإقامة البينة عدة، فكيف تصح إقامة البينة من غير خصم؛ فقال: هو خصم في إقامة البينة في إثبات حقه. وقال فخر الإسلام: يجب أن يستخلف الوارث إن لم يقم بينة الموصى له بالثلث.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ترك عبدا فقال للوارث: أعتقني أبوك في الصحة، وقال رجل: لي على أبيك ألف درهم فقال: صدقتما فإن العبد يسعى في قيمته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: يعتق ولا يسعى في شيء؛ لأن الدين والعتق في الصحة ظهرا منه بتصديق الوارث في كلام واحد، فصار كأنهما كانا معا. والعتق في الصحة لا يوجب السعاية وإن كان على المعتق دين) .(13/452)
وله: أن الإقرار بالدين أقوى لأنه يعتبر من جميع المال؛ والإقرار بالعتق في المرض يعتبر من الثلث والأقوى يدفع الأدنى فقضيته أن يبطل العتق أصلا؛ إلا أنه بعد وقوعه لا يحتمل البطلان فيدفع من حيث المعنى بإيجاب السعاية، ولأن الدين أسبق؛ لأنه لا مانع له من الإسناد؛ فيسند إلى حالة الصحة، ولا يمكن إسناد العتق إلى تلك الحالة؛ لأن الدين يمنع العتق في حالة المرض مجانا فتجب السعاية. وعلى هذا الخلاف إذا مات الرجل وترك ألف درهم فقال رجل: لي على الميت ألف درهم دين وقال الآخر: كان لي عنده ألف درهم وديعة؛ فعنده الوديعة أقوى، وعندهما سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن الإقرار بالدين أقوى؛ لأنه يعتبر من جميع المال والإقرار بالعتق في المرض يعتبر من الثلث، والأقوى يدفع الأدنى فقضيته) ش: أي قضية هذا المذكور بالوجه المذكور م: (أن يبطل العتق أصلا) ش: لأن إسناد الإقرار بالعتق إلى الصحة إنما يصح إذا لم يوجد المانع من الإسناد وقد وجد المانع وهو أن ينقل الدين قرينة منع الإسناد إلى حالة الصحة، فاقتصر العتق على حالة المرض.
فعلى هذا كان ينبغي م: (إلا أنه) ش: أي أن العتق م: (بعد وقوعه لا يحتمل البطلان، فيدفع من حيث المعنى) ش: لا من حيث الصورة م: (بإيجاب السعاية) ش: على العبد، ويقضى به الدين.
م: (ولأن الدين أسبق؛ لأنه لا مانع له من الإسناد فيسند إلى حالة الصحة، ولا يمكن إسناد العتق إلى تلك الحالة؛ لأن الدين يمنع العتق في حالة المرض مجانا فتجب السعاية. وعلى هذا الخلاف) ش: المذكور م: (إذا مات الرجل وترك ألف درهم فقال رجل: لي على الميت ألف درهم دين، وقال الآخر: كان لي عنده ألف درهم وديعة فعنده) ش: أي فعند أبي حنيفة م: (الوديعة أقوى وعندهما سواء) ش: أي الدين والوديعة سواء.
وفي عامة الكتب نحو " المنظومة " و"شروحها" و" الكافي " ذكروا الخلاف على عكس ما ذكر صاحب " الهداية ".
وقال الكاكي: والأصح ما ذكر فيها.
وقال الأترازي: جعل صاحب " الهداية " و"الوديعة" أقوى عند أبي حنيفة، وجعل الدين والوديعة سواء عند صاحبيه والكبار قبل صاحب الهداية ذكروا الخلاف على عكس هذا.
ونقل عن الكافي للحاكم الشهيد بعد أن ذكر صورة قال أبو حنيفة: الألف بينهما(13/453)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نصفان، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: صاحب الوديعة أولى، ونقل هكذا عن الفقيه أبي الليث، ونقل أيضا عن القدوري أنه ذكر في " التقريب " " هكذا.
وكذا نقل عن المنظومة من كتاب الإقرار في باب [.....] أبي حنيفة خلافا لصاحبيه لو ترك ألفا وهذا يدعي دينا وذاك قال: هذا مدعي والابن قد صدق هذين معا استويا وأعطيا من ادعى والله أعلم.(13/454)
فصل قال: ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى قدمت الفرائض مهما قدمها الموصي أو أخرها مثل الحج والزكاة والكفارات؛ لأن الفريضة أهم من النافلة، والظاهر منه البداءة بما هو الأهم.
فإن تساوت في القوة بدئ بما قدمه الموصي إذا ضاق عنها الثلث؛ لأن الظاهر أنه يبتدأ بالأهم. وذكر الطحاوي. - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يبتدأ بالزكاة ويقدمها على الحج، وهو إحدى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان الوصايا إذا ضاق عنها الثلث]
م: (فصل) ش: أي هذا فصل في بيان الوصايا إذا ضاق عنها الثلث.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى) ش: من زكاة أو صلاة أو صوم أو حج أو فطر أو كفارة ونحو ذلك م: (قدمت الفرائض مهما قدمها الموصي أو أخرها مثل الحج والزكاة والكفارات؛ لأن الفريضة أهم من النافلة، والظاهر منه) ش: أي من الموصي م: (البداءة بما هو الأهم) ش: وقال الشافعي وأحمد: ديون الله وديون العباد يتخاصان، وبه قال أصحاب الظاهر وأبو ثور وإسحاق وأبو سليمان، وهو قول الحسن وعطاء وابن المسيب والثوري. وقال الشافعي في قول: ديون الله تقدم.
وقال مالك: يبدأ بالعتق في المرض ثم التدبير ثم بعدها الزكاة المفروضة ثم عتق عبد بعينه أو صبي بأن يشترى فيعتق ثم الكتابة، أي بوصيته بالكتابة لعبد ثم أداء الحج ثم الإقرار بالدين لمن لا يجوز إقراره أو عتق رقبته عن ظهار أو قبل يخلص رقبة الظهار مع رقبة العبد. ثم الموصى به الكفارة يمين ثم بالإطعام على ما فرط من قضاء رمضان ثم النذر.
م: (فإن تساوت) ش: أي الوصايا م: (في القوة) ش: بأن كانت كلها فرائض أو نوافل كالجسور والرباطات والمساجد م: (بدئ بما قدمه الموصى إذا ضاق عنها الثلث؛ لأن الظاهر أنه يبتدأ بالأهم) ش: وقال الكرخي في "مختصره ": قال هشام عن محمد عن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: من الحج والصدقة والعتق وغير ذلك فأوصى رجل فكان الثلث يبلغ ذلك كله. فإن كان كله تطوعا بدئ بالأول فالأول مما نطق به حتى يأتي على آخره أو ينقضي الثلث فيبطل ما بقي، وكذلك إن كانت الوصايا كلها فريضة بدئ بالأول حتى يكون النقصان على الآخر، وإن كان بعضه فريضة وبعضه تطوعا بدئ بالفريضة وإن أخرها. وإن كان بعضه تطوعا وبعضه شيء أوجب على نفسه بدئ بالذي أوجبه على نفسه، وإن كان قد أخره، وقال هشام: إلى هنا قولهم جميعا.
م: (وذكر الطحاوي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه يبتدأ بالزكاة ويقدمها على الحج وهو إحدى الروايتين عن(13/455)
الروايتين عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وفي رواية عنه: أنه يقدم الحج، وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه الأولى: أنهما وإن استويا في الفريضة فالزكاة تعلق بها حق العباد، فكان أولى. وجه الأخرى: أن الحج يقام بالمال والنفس والزكاة بالمال قصرا عليه، فكان الحج أقوى ثم تقدم الزكاة والحج على الكفارات لمزيتهما عليها في القوة إذ قد جاء فيهما من الوعيد ما لم يأت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في رواية عنده أنه يقدم الحج وهو قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه الأولى) ش: أي الرواية الأولى م: (أنهما) ش: أي إن الحج والزكاة م: (وأن استويا في الفريضة فالزكاة تعلق بها حق العباد فكان أولى. وجه الأخرى) ش: أي الرواية الأخرى م: (أن الحج يقام بالمال والنفس والزكاة بالمال قصرا عليه، فكان الحج أقوى ثم تقدم الزكاة والحج على الكفارات) ش: طريقان أي لمزية الكفارة والحج عليهما (لمزيتهما عليها في القوة) أي على الكفارات (إذ قد جاء فيهما) أي في الزكاة والحج م: (من الوعيد ما لم يأت في الكفارات) ش: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34] (سورة التوبة: الآية 24) .
وروى ابن ماجه عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرعا حتى يطوق عنقه) ثم قرأ علينا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180] الآية» ورجاله رجال الصحيح، وقال: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مات وعليه حجة الإسلام إن شاء مات يهوديا وإن شاء نصرانيا وإن شاء مجوسيا» انتهى هذا الحديث، ذكره الكاكي في "شرحه " هكذا، والترمذي أخرجه من حديث علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا» . وفي إسناده هلال بن عبد الله مجهول، والحارث ضعيف، وقال الترمذي: حديث غريب.
ورواه الدارمي من حديث أبي أمامة وفيه: «فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا» وروى ابن عدي في " الكامل " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فليمت أي الملتين شاء إما يهوديا وإما نصرانيا» ،(13/456)
في الكفارات، والكفارات في القتل والظهار واليمين مقدمة على صدقة الفطر؛ لأنه عرف وجوبها دون صدقة الفطر، وصدقة الفطر مقدمة على الأضحية للإنفاق على وجوبها بالقرآن. والاختلاف في الأضحية، وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات على البعض. قال: وما ليس بواجب قدم منه ما قدمه الموصي لما بينا. وصار كما إذا صرح بذلك، قالوا: إن الثلث يقسم جميع الوصايا ما كان لله تعالى، وما كان للعبد فما أصاب القرب صرف إليها على الترتيب الذي ذكرناه، ويقسم على عدد القرب ولا يجعل الجميع كوصية واحدة؛ لأنه إن كان المقصود بجميعها رضا الله تعالى، فكل واحدة في نفسها مقصود فتنفرد كما تنفرد وصايا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وفي سنده عبد الرحمن بن القطان. قال الفلاس: كان كذابا، انتهى فهذا كما ترى ليس في شيء منه: " وإن شاء مجوسيا "، مع أن حال الحديث كما رأيته. م: (والكفارات في القتل والظهار واليمين مقدمة على صدقة الفطر؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (عرف وجوبها) ش: أي وجوب الكفارات الثلاثة م: (دون صدقة الفطر) ش: فإن وجوبها بالأخبار وترك كفارة الإفطار؛ لأنها ليست مقدمة على صدقة الفطر لثبوتها بخبر الواحد، وثبوت صدقة الفطر بآثار مستفيضة م: (وصدقة الفطر مقدمة على الأضحية للاتفاق على وجوبها بالقرآن) ش: أي وجوب صدقة الفطر م: (والاختلاف في الأضحية) ش: فإنها غير واجبة عند الشافعي والأضحية مقدمة على النوافل؛ لأنها واجبة عندنا م: (وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات على البعض) ش: كالعشر مع الخراج، فإن العشر مقدم على الخراج وصدقة الفطر تقدم على النذر، وتكون صدقة الفطر واجبة بإيجاب الشرع والنذر بإيجاب العبد.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وما ليس بواجب قدم منه ما قدمه الموصي لما بينا) ش: أشار به إلى قوله لأن الظاهر أنه يبتدئ بالأهم م: (وصار كما إذا صرح بذلك) ش: وقال: " ابدأو بما بدأت واجبة "، ولو قال كذلك لزمه تقديم ما قدم، فكذا هنا، وهو ظاهر الرواية. وروى الحسن عن أصحابنا: أنه يبدأ بالأفضل فالأفضل، يبدأ بالصدقة ثم بالحج ثم بالعتق مثلا سواء رتب هذا الترتيب أو لم يرتب.
م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (إن الثلث يقسم على جمع الوصايا ما كان لله تعالى، وما كان للعبد فما أصاب القرب) ش: بضم القاف وفتح الراء جمع قربة بضم القاف وسكون الراء، وهو ما يتقرب به إلى الله تعالى من الأعمال الصحيحة م: (صرف إليها على الترتيب الذي ذكرناه) ش: أي فيما مضى في هذا الفصل م: (ويقسم على عدد القرب، ولا يجعل الجميع كوصية واحدة؛ لأنه إن كان المقصود بجميعها رضا الله تعالى، فكل واحدة في نفسها مقصود فتنفرد كما تنفرد وصايا(13/457)
الآدميين. قال: ومن أوصى بحجة الإسلام أحجوا عنه رجلا من بلده يحج راكبا؛ لأن الواجب لله تعالى الحج من بلده، ولهذا يعتبر فيه من المال ما يكفيه من بلده، والوصية لأداء ما هو واجب عليه، وإنما قال: " راكبا " لأنه لا يلزمه أن يحج
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الآدميين) .
ش: فإن قال ثلث مالي في الحج والزكاة والكفارات، ولزيد يقسم على أربعة أسهم لما ذكره المصنف بقوله: لأنه إن كان المقصود إلى آخره. وفي " تحفة الفقهاء ": إذا كان مع الوصايا الثانية لحق الله تعالى الوصية للآدمي، فإن الموصى له يضرب مع الوصايا في القرب، ويجعل كل جهة من جهات القرب مفردة بالضرب، ولا يجعل كلها جهة واحدة ويقدم الفرض على حق الآدمي لحاجة العبد.
ثم إنه يصرف الثلث إلى الحج الفرض والزكاة، والكفارات، إذا أوصى بها فأما بدون الوصية فلا يصرف الثلث إليها، بل يسقط عندنا خلافا للشافعي، وإذا أوصى يعتبر من الثلث لتعلق حق الورثة بماله في مرض الموت.
وفي " شرح الطحاوي ": وإن كان ثلث ماله يحتمل جميع ما أوصى به، فإنه ينفذ وصاياه كلها من ثلث ماله، وإن كان ثلث ماله لا يحتمل جميع ذلك، فإن أجازت الورثة فكذلك وإن لم تجز الورثة فإنه ينظر إن كانت وصاياه كلها للعباد، فإنهم يضاربون بالثلث بينهم بالحصص.
فإن كانت وصاياه كلها لله تعالى فإنه ينظر إن كان كلها فرائض يبدأ بما بدأ به، وإن كانت كلها واجبات فإنه يبدأ بما بدأ به أيضا. وكذلك كلها تطوعا فإن كان بعضها فرائض وبعضها واجبات، وبعضها تطوع فإنه يبدأ بالفرائض أولا. وإن كان آخرها ثم بدأ بالواجبات ثم بالنوافل، وإن جمع هذه الوصايا كلها فإنهم يتضاربون في الثلث بوصاياهم، فما أصاب العباد فهو لهم ولا يقدم بعضهم على بعض، وما كان لله بجميع ذلك كله فيبدأ منها بالفرائض ثم بالواجبات ثم بالتطوع.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى بحجة الإسلام أحجوا عنه رجلا من بلده يحج راكبا) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي في قول، وقال في قول: من الميقات م: (لأن الواجب لله تعالى الحج من بلده، ولهذا يعتبر فيه من المال ما يكفيه من بلده، والوصية لأداء ما هو واجب عليه، وإنما قال راكبا لأنه لا يلزمه أن يحج) ش: لأن الموصي لم يكن يجب عليه الحج إذا لم يقدر على الراحلة، وإنما يجب عليه إذا قدر على الراحلة، فإذا وجب الحج راكبا يلزم الأداء على الذي(13/458)
ماشيا فانصرف إليه على الوجه الذي وجب عليه. قال: فإن لم تبلغ الوصية النفقة أحجوا عنه من حيث تبلغ. وفي القياس: لا يحج عنه؛ لأنه أمر بالحجة على صفة عدمناها فيه، غير أنا جوزناه؛ لأنا نعلم أن الموصي قصد تنفيذ الوصية، فيجب تنفيذها ما أمكن، والممكن فيه ما ذكرناه، وهو أولى من إبطالها رأسا، وقد فرقنا بين هذا وبين الوصية بالعتق من قبل. قال: ومن خرج من بلده حاجا فمات في الطريق وأوصى أن يحج عنه يحج عنه من بلده عند أبي حنيفة، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يحج عنه من حيث بلغ استحسانا، وعلى هذا الخلاف إذا مات الحاج عن غيره في الطريق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يحج عنه كذلك راكبا.
وقال أبو الليث في كتاب " نكت الوصايا ": ذكر هشام عن محمد أنه قال: لو أن إنسانا قال: أنا أحج عنه من منزله بهذا المال م: (ماشيا فانصرف إليه على الوجه الذي وجب عليه) ش: لا يعطى له ذلك ويحج عنه من حيث يبلغ راكبا. وأجاب في " الواقعات " المأمور بالحج له أن يحج ماشيا فالحج عن نفسه ويضمن النفقة.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن لم تبلغ الوصية النفقة أحجوا عنه من حيث تبلغ) ش: أي النفقة، وبه قال أحمد م: (وفي القياس: لا يحج عنه؛ لأنه أمر بالحجة على صفة عدمناها فيه غير أنا جوزناه؛ لأنا نعلم أن الموصي قصد تنفيذ الوصية، فيجب تنفيذها ما أمكن والممكن فيه ما ذكرناه) ش: وهو الإحجاج عنه من حيث تبلغ النفقة م: (وهو أولى من إبطالها رأسا) ش: أي تنفيذ الوصية بقدر الإمكان أولى من إبطالها بالكلية م: (وقد فرقنا بين هذا وبين الوصية بالعتق) ش: أراد الفرق الذي على قول أبي حنيفة في الفصل المتقدم بين ما إذا أوصى بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد فهلك منها درهم أنه لا يعتق عنه بما بقي، وبين الوصية بالحج بثلث ماله وثلث ماله لا يكفيه حيث يحج من حيث يحج. وهو أن المستحق تبدل في الأولى ولم يتبدلوا في الثانية م: (من قبل) ش: أي من باب الوصية بالعتق.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن خرج من بلده حاجا) ش: قيد بقوله حاجا لأنه لو خرج تاجرا ومات فإنه يحج من بلده بالاتفاق م: (فمات في الطريق وأوصى أن يحج عنه يحج عنه من بلده عند أبي حنيفة، وهو قول زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: يحج عنه من حيث بلغ استحسانا) ش: وبه قال أحمد والشافعي في قوله. وقيل: هذا الخلاف فيما إذا كان له وطن. وأما إذا لم يكن فيحج عنه من حيث مات بالاتفاق م: (وعلى هذا الخلاف إذا مات الحاج عن غيره في الطريق) ش: فعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يحج عنه من بلده وعندهما يحج عنه من حيث مات.(13/459)
لهما: أن السفر بنية الحج وقع قربة وسقط فرض قطع المسافة بقدره، وقد وقع أجره على الله، فيبتدئ من ذلك المكان كأنه من أهله، بخلاف سفر التجارة؛ لأنه لم يقع قربة فيحج عنه من بلده. وله: أن الوصية تنصرف إلى الحج من بلده على ما قررناه أداء للواجب على الوجه الذي وجب، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (أن السفر بنية الحج وقع قربة وسقط فرض قطع المسافة بقدره وقد وقع أجره على الله) ش: قال الله تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] (النساء: الآية 100) ، فلا يجوز إبطال ذلك المقدار من الخروج م: (فيبتدئ من ذلك المكان كأنه من أهله، بخلاف سفر التجارة؛ لأنه لم يقع قربة فيحج عنه من بلده) .
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أن الوصية تنصرف إلى الحج من بلده على ما قررناه) ش: أشار به إلى قوله لأن الواجب لله الحج من بلده م: (أداء) ش: أي لأجل الأداء م: (للواجب على الوجه الذي وجب) ش: وهو الحج من بلده. وفي كتاب " نكت الوصايا " فإن كان للرجل أوطان شتى فإن كان مات في بعض الأوطان يحج من ذلك الوطن، وإن مات في السفر يحج من أقرب الأوطان إلى مكة م: (والله أعلم) .(13/460)
باب الوصية للأقارب وغيرهم قال: ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: هم الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محلة الموصي ويجمعهم مسجد المحلة. وهذا استحسان، وقوله قياس؛ لأن الجار من المجاورة وهي الملاصقة حقيقة ولهذا يستحق الشفعة بهذا الجوار، ولأنه لما تعذر صرفه إلى الجميع يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الوصية للأقارب وغيرهم]
[الوصية للجيران]
م: (باب الوصية للأقارب وغيرهم)
ش: أي هذا باب في بيان أحكام حكم الوصية للأقارب وغيرهم، إنما أخر هذا الباب عما تقدمه؛ لأن في هذا الباب ذكر أحكام الوصية لقوم مخصوصين. وفيما تقدمه ذكر أحكامها على العموم والخصوص يتلو العموم.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لجيرانه فهم الملاصقون عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: هم الملاصقون وغيرهم ممن يسكن محلة الموصي ويجمعهم مسجد المحلة وهذا استحسان) ش: أي القدوري لم يذكر خلاف أبي يوسف ومحمد، وقد ذكر في (التقريب) قال: قال محمد في " الإملاء ": إذا أوصى لجيرانه فالوصية للملاصقين قربت الأبواب أو بعدت عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وقالا: لمن يجمعهم مسجد في الجماعة، وذكر ابن شجاع عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعتبار أهل المحلة الذين يصلون في مسجد واحد. قال: هذا قول أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وروى بشر عن أبي يوسف، أن الجيران الذين يجمعهم محلة واحدة وإن تفرقوا في مسجدين متقاربين، وإن تباعدوا وكان واحدا عظيما جامعا لكل أهل مسجد جيران دون الآخرين، وإن كان في المصر قبائل فالجيران الأقحاء دون القبائل، إلى هنا لفظ " التقريب ".
م: (وقوله) ش: أي وقول أبي حنيفة م: (قياس) ش: وبه قال زفر م: (لأنه الجار من المجاورة، وهي الملاصقة حقيقة. ولهذا) ش: أي ولكون الجار هو الملاصق م: (يستحق الشفعة بهذا الجوار) ش: أي بجوار الملاصق.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الشأن م: (لما تعذر صرفه) ش: أي صرف ما أوصى لجيرانه م: (إلى الجميع) ش: الجيران م: (يصرف إلى أخص الخصوص وهو الملاصق) ش: وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: هم أهل أربعين دارا من كل جانب. وفي الأمصار التي فيها القبائل فالجوار على الأفخاذ لما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قال: «الجار أربعون دارا هكذا وهكذا» . وفي " المغني " لابن قدامة: وهذا نص إن صح وإلا فالجار هو المقارب ويرجع في ذلك(13/461)
وجه الاستحسان: أن هؤلاء كلهم يسمون جيرانا عرفا؛ وقد تأيد بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ".» وفسره بكل من سمع النداء،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إلى العرف.
م: (وجه الاستحسان أن هؤلاء) ش: أي الملاصقون وغيرهم م: (كلهم يسمون جيرانا عرفا) ش: أي من حيث عرف الناس م: (وقد تأيد ذلك بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ش: أي بقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - م: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» ش: هذا الحديث رواه الحاكم والدارقطني عن أبي هريرة مرفوعا ورواه الدارقطني أيضا عن جابر مرفوعا، ورواه ابن عباس عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - مرفوعا بأسانيد ضعيفة. وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقال ابن حزم: هذا حديث ضعيف، الحديث، وهو صحيح من قول علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
قلت: رواه البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي أنه بلغه عن هشيم وغيره عن أبي حيان التيمي عن أبيه قرأته عن علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " قيل: ومن جار المسجد؟ قال: " من أسمعه المنادي ".» قال القدوري في " التهذيب ": وقد قال هلال الرأي أن الجار من أسمعه المنادي لأنه روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه قال: لا صلاة لجار المسجد ... إلى آخره.
م: (وفسره بكل من سمع النداء) ش: قال تاج الشريعة: وفسره، أي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: «هم الذين يجمعهم مسجد واحد» . انتهى.
قلت: هذا غريب منه، وكيف يقال وفسره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والحديث لم يصح عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ولئن سلمنا أنه صح ولم يفسره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هكذا، وإنما فسره علي بن أبي طالب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فيما روي عنه موقوفا عليه كما ذكرنا الآن.
فإن قلت: يمكن أن يقال وفسره علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؟.
قلت: نعم، علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فسره هكذا، ولكن فسر حديث نفسه حين سئل كما ذكرنا، والمصنف ما أسند الحديث إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حتى يصح أن يقال: وفسره علي، ولو قال: وفسره على صيغة المجهول لكان أصوب على ما لا يخفى.
م: (ولأن القصد بر الجيران) ش: أي المقصود من وصية الشخص لجيرانه وحول إحسانه(13/462)
ولأن القصد بر الجيران، واستحبابه ينتظم الملاصق وغيره، إلا أنه لا بد من الاختلاط، وذلك عند اتحاد المسجد. وما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجوار إلى أربعين دارا بعيد. وما يروى فيه ضعيف. قالوا: ويستوي فيه الساكن والمالك، والذكر والأنثى، والمسلم والذمي؛ لأن اسم الجار يتناولهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
إليهم م: (واستحبابه) ش: أي استحباب البر م: (ينتظم الملاصق وغيره، إلا أنه) ش: أي جيرانه م: (لا بد من الاختلاط) ش: وهذا جواب من قال: ينبغي أن يستحق غير من يجمعه المسجد فأجاب بأنه لا بد من الاختلاط م: (وذلك) ش: أي الاختلاط م: (عند اتحاد المسجد) ش: قيل: حتى لو كان في المحلة مسجدان صغيران متقاربان فالجمع جيران.
م: (وما قاله الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجوار إلى أربعين دارا بعيد) ش: باعتبار العرف م: (وما يروى فيه ضعيف) ش: أي الذي روي في أن الجار إلى أربعين دارا حديث ضعيف لم يثبت. أما الحديث فقد رواه البيهقي عن أم هانئ بنت أبي صفرة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أوصاني جبريل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بالجار إلى أربعين دارا عشرة من هاهنا، وعشرة من هاهنا، وعشرة من هاهنا، وعشرة من هاهنا» انتهى.
وقال: في إسناده ضعف.
ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن عبد السلام بن أبي الجنوب عن أبي سلمة عن أبي هريرة، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حق الجوار إلى أربعين دارا هكذا وهكذا وهكذا وهكذا يمينا وشمالا وقدام وخلف» . وعن أبي يعلى رواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " وأعله بعبد السلام بن أبي الجنوب، وقال: إنه منكر الحديث. أما قول من قال: هذا حديث لا نعرف رواته فغير صحيح، ذكره الأكمل بقوله: قيل: هذا خبر لا نعرف رواته، وكيف يقال هذا وقد عين البيهقي وأبو يعلى رواته، ولكن لم يصح لما ذكرنا؟! م: (قالوا) ش: أي المشايخ م: (ويستوي فيه) ش: أي فيما أوصى به رجل فجيرانه م: (الساكن) ش: بالإجارة والعارية م: (والمالك والذكر والأنثى والمسلم والذمي؛ لأن اسم الجار يتناولهم) ش: وفي " الزيادات ": قال محمد: وأما أنا فإني أحسن أن جعل الوصية لجيرانه الملازقين للساكن ممن يملك تلك الدور وغيرهم ممن لا يملكها، ومن يجمعه مسجد تلك المحلة الذي فيهم الموصي من الملازقين وغيرهم، والسكان من تلك المحلة وغيرهم سواء في الوصية الأقربون والأبعدون، والكافر والمسلم، والصبي والمرأة في ذلك سواء، وليس للمالكين والمدبرين وأمهات الأولاد في ذلك شيء.(13/463)
ويدخل فيه العبد الساكن عنده لإطلاقه. ولا يدخل عندهما؛ لأن الوصية له وصية لمولاه وهو غير ساكن.
قال: ومن أوصى لأصهاره فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته، لما «روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها إكراما لها. وكانوا يسمون أصهار النبي» - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويدخل فيه) ش: أي فيما أوصى به لجيرانه م: (العبد الساكن عنده) ش: أي عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (لإطلاقه) ش: أي لإطلاق اسم الجار على المملوك وغيرهم م: (ولا يدخل عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لأن الوصية له) ش: أي للعبد م: (وصية لمولاه، وهو) ش: أي مولاه م: (غير ساكن) ش: فلا يتناوله.
[الوصية للأصهار]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لأصهاره) ش: أي لأقرباء امرأته م: (فالوصية لكل ذي رحم محرم من امرأته) ش: أي فالوصية تكون لكل ذي رحم محرم مجرور؛ لأنه صفة ذي رحم محرم م: (لما روي أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لما تزوج صفية أعتق كل من ملك من ذي رحم محرم منها؛ إكراما لها، وكانوا يسمون أصهار النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -) ش: قوله صفية وهم، وصوابه جويرية.
أخرجه أبو داود في " سننه في العتاق " عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قالت: «وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق في سهم ثابت بن قيس بن شماس وابن عم له، فكاتبت على نفسها وكانت امرأة ملاحة تأخذ العين. قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فجاءت تسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في كتابتها، فلما قامت على الباب رأيتها فكرهت مكانها، وعرفت أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيرى منها سبيل الذي رأيت، فقالت: يا رسول الله: أنا جويرية بنت الحارث، وقد كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبت على نفسي فجئت أسألك في كتابتي فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فهل لك إلى ما هو خير منه؟ " قالت: يا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وما هو؟ قال: " أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك "، قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت. قالت: فتسامع الناس أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تزوج جويرية فأرسلوا ما بأيديهم - يعني من السبي - فأعتقوهم، وقالوا: أصهار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالت: فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سبيلها مائة أهل بيت من بني المصطلق» انتهى.(13/464)
وهذا التفسير اختيار محمد وأبي عبيدة - رحمهما الله -. وكذا يدخل فيه كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه؛ لأن الكل أصهار،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ورواه الواقدي من طريق أخرى وفيه: وكان الحارث بن أبي ضرار رأس بني المصطلق وسيدهم، وكانت ابنته جويرية اسمها برة فسماها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " جويرية " لأنه كان يكره أن يقال: خرج من بيت برة، ويقال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق. ويقال: جعل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صداقها عتق أربعين من قومها.
م: (وهذا التفسير) ش: أشار به إلى التفسير المذكور؛ وإنما قيل بهذا؛ لأن الذي يجيء في اللغة بمعنى الختن أيضا م: (اختيار محمد وأبي عبيد - رحمهما الله -) ش: محمد هو ابن الحسن وأبو عبيد القاسم بن سلام؛ قال الأترازي: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - حجة في اللغة استشهد بقوله أبو عبيد في غريب الحديث.
وقال في " مجمل اللغة ": قال الخليل: لا يقال لأهل بيت المرأة الأصهار، وكذا قال الجوهري وقد نظم نجم الدين هو - النسفي - في نظمه لكتاب " الزيادات " يشتمل على معنى الصهر والختن، فقال: أصهار من يوصي أقارب عرسه، ويزول ذاك ببائن وحرام أختانه أزواج كل محارم، ومحارم الأزواج بالأرحام. وقال فخر الإسلام البزدوي في " شرح الزيادات " أما الصهر فقد ينطلق على الختن، لكن الغالب ما ذكره محمد، قال عاصم بن عدي:
ولو كنت صهرا لابن مروان قربة ... وكأني إلى المعروف والطعن الرحب
ولكنني صهرا لآل محمد ... وخال بني العباس والخال كالأب
سمى نفسه صهرا وكان أخا لامرأة العباس ثم قال فخر الإسلام - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيه: ومن شرط بقاء هذا الاسم أن يموت الموصي وهذه نساؤه أو في خصمه من طلاق رجعي، أما بعد البينونة فتنقطع المصاهرة، وإنما تعتبر يوم الموت، يعني أن المرأة إذا كانت زوجة الموصي يوم موت الموصي. أو كانت معتدة من طلاق رجعي، فأما بعد البينونة فتنقطع المصاهرة وإنما يعتبر يوم الموت، يعني أن المرأة إذا كانت زوجة الموصي يوم موت الموصي، أو كانت معتدة من طلاق رجعي يستحق أقرباء المرأة الوصية باسم الصهر.
وإذا كانت مبانة يوم موته لا يستحق بها؛ لانقطاع المصاهرة بالإبانة وعدم الانقطاع فيما لم يكن مبانة م: (وكذا يدخل فيه) ش: أي فيما أوصى لجيرانه م: (كل ذي رحم محرم من زوجة أبيه وزوجة ابنه وزوجة كل ذي رحم محرم منه؛ لأن الكل أصهار) ش: لما مر من حديث جويرية.(13/465)
ولو مات الموصي والمرأة في نكاحه أو في عدته من طلاق رجعي فالصهر يستحق الوصية، وإن كانت في عدة من طلاق بائن لا يستحقها؛ لأن بقاء الصهرية ببقاء النكاح، وهو شرط عند الموت.
قال: ومن أوصى لأختانه فالوصية لزوج كل ذات رحم منه، وكذا محارم الأزواج؛ لأن الكل يسمى ختنا، قيل: هذا في عرفهم، وفي عرفنا لا يتناول الأزواج المحارم، ويستوي فيه الحر والعبد والأقرب والأبعد؛ لأن اللفظ يتناول الكل. قال: ومن أوصى لأقاربه فهي للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه، ولا يدخل فيه الوالدان والولد، ويكون ذلك للاثنين فصاعدا، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو مات الموصي والمرأة في نكاحه أو في عدته) ش: أي أو كانت المرأة في عدة م: (من طلاق رجعي فالصهر يستحق الوصية، وإن كانت في عدة عن طلاق بائن لا يستحقها؛ لأن بقاء الصهرية ببقاء النكاح، وهو شرط عند الموت) ش: وقد شرح هذا فخر الإسلام، وقد ذكرناه آنفا.
[الوصية للأختان]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لأختانه فالوصية لزوج كل ذات رحم محرم منه، وكذا محارم الأزواج) ش: أي المحارم أزواج كل ذي رحم محرم من الموصي.
وفي شرح " الكافي ": الأختان أزواج البنات والأخوات والعمات والخالات، وكذا زوج كل ذي رحم محرم من أزواج هؤلاء، هكذا ذكره محمد م: (لأن الكل يسمى ختنا، قيل: هذا في عرفهم، وفي عرفنا لا يتناول الأزواج المحارم) ش: قال؛ أي الأترازي: إنما كان هذا في قوله بعد أن قال: وكذا محارم الأزواج؛ لأن ذاك رواية " الزيادات " المذكورة ثمة في عرفهم، لا على عرفنا؛ لأن أزواج المحارم لا يسمون أختانا وفي عرفهم يسمى الكل أختانا.
وقال الكرخي في " الزيادات ": إذا أوصى الرجل لأختانه بثلث ماله ثم مات فالأختان أزواج البنات، والأخوات والعمات والخالات وكل امرأة ذات رحم محرم للموصي فزوجها من أختانه، وكل ذي رحم محرم من زوجها من ذكر وأنثى فهو أيضا من أختانه، ولا تكون الأزواج ذات رحم محرم. ومن كان من قبلهم من ذي الرحم المحرم ولا يكون الأختان ما كان من قبل نساء الموصي م: (ويستوي فيه الحر والعبد، والأقرب والأبعد؛ لأن اللفظ يتناول الكل) ش: أي لفظ الأختان يتناول الكل.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لأقاربه فهي) ش: أي الوصية م: (للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه، ولا يدخل فيه الوالدان والولد، ويكون ذلك للاثنين فصاعدا وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وفي " الكافي ": وكذا إذا أوصى لذوي قرابته أو لذوي أرحامه أو لذوي أنسبائه فهم عند أبي حنيفة الأقرب فالأقرب، ومن كل ذي رحم محرم منه. ويدخل فيه(13/466)
وقال صاحباه: الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام، وهو: أول أب أسلم أو أول أب أدرك الإسلام، وإن لم يسلم على حسب ما اختلف فيه المشايخ، وفائدة الاختلاف ظهر في أولاد أبي طالب فإنه أدرك الإسلام ولم يسلم. لهما: أن القريب مشتق من القرابة، فيكون اسما لمن قامت به، فينتظم بحقيقة مواضع الخلاف.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الجد والجدة. وكذا ولد الولد في ظاهر الرواية. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: أن الجد وولد الولد لا يدخل.
م: (وقال صاحباه) ش: أي صاحبا أبي حنيفة وهما أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (الوصية لكل من ينسب إلى أقصى أب له في الإسلام) ش: يعني لجميع قرابته من قبل الرجال والنساء إلى أقصى أب له في الإسلام؛ لأن الطرفين جميعا يشتركون في الثلث الأقرب منهم والأبعد، والذكر والأنثى فيه سواء م: (وهو أول أب أسلم، أو أول أب أدرك الإسلام) ش: سواء أسلم أو لا.
واختلف المشايخ في اشتراط إسلام أقصى الأب، قيل: يشترط، وقيل: لا يشترط، وهو معنى قوله م: (وإن لم يسلم) ش: أي أقصى الأب م: (على حسب ما اختلف فيه المشايخ) .
م: (وفائدة الاختلاف تظهر في أولاد أبي طالب، فإنه أدرك الإسلام ولم يسلم) ش: قال: أقصى أب أدرك الإسلام أبو طالب فيدخل في الوصية أولاد علي وعقيل وجعفر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. ومن شرط إسلام أقصى أب - هو علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.؛ فيدخل تحت الوصية أولاد علي دون عقيل وجعفر، وقال الشافعي وأحمد في رواية قرابته من قبل أبيه وأمه الذين ينسبون إلى الأدنى، والأدنى ينسب إليه، ويستوي فيه القريب والبعيد؛ لأنهم قرابته عرفا.
وقال مالك: قريبه بالاجتهاد، وقال محمد في رواية: قريبه أولاده، وأولاد ابنه وأولاد جده وأولاد جداته؛ لأن من هو أبعد منهم، ويستوي فيه الذكر والأنثى، حتى لو أوصى لقرابة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى أولاده أولاد عبد المطلب وأولاد هاشم، ولم يعط بني هاشم وبني نوفل ولم يسلم.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد. رحمهما الله -: م: (أن القريب مشتق من القرابة، فيكون) ش: أي القريب م: (اسما لمن قامت) ش: أي لمن قامت القرابة م: (به فينتظم) ش: أي يشتمل اسم القريب م: (بحقيقة مواضع الخلاف) ش: وهو ذو الرحم المحرم والرحم الأبعد.(13/467)
وله: أن الوصية أخت الميراث، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب، والمراد بالجمع المذكور فيه اثنان، فكذا في الوصية والمقصد من هذه الوصية تلافي ما تفرط في إقامة واجب الصلة، وهو يختص بذي الرحم المحرم منه، ولا يدخل فيه قرابة الولاد، فإنهم لا يسمون أقرباء، ومن سمى والده قريبا كان منه عقوقا، وهذا لأن القريب في عرف اللسان من يتقرب إلى غيره بوسيلة غيره، وتقرب الوالد والولد بنفسه لا بغيره، ولا معتبر بظاهر اللفظ بعد انعقاد الإجماع على تركه، فعنده يقيد بما ذكرناه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة: م: (أن الوصية أخت الميراث، وفي الميراث يعتبر الأقرب فالأقرب) ش: فكذلك في الوصية م: (والمراد بالجمع المذكور فيه) ش: أي في الأقرب م: (اثنان) ش: وهو قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] فإن المراد من الإخوة اثنان م: (فكذا في الوصية) ش: اثنان؛ لأن المثنى كالجمع في باب الميراث، فكذلك في باب الوصية؛ لأن الوصية أخت الميراث م: (والمقصد من هذه الوصية) ش: أي المقصود منها م: (تلافي ما تفرط) ش: أي استدراك ما قصر م: (في إقامة واجب الصلة) ش: لأن صلة ذي الرحم المحرم واجبة دون غيره بالإجماع، ولهذا لا يجوز الرجوع في هبته ويستحق النفقة دون غيره م: (وهو يختص) ش: أي تلافي ما فرط في وجوب الصلة مختص م: (بذي الرحم المحرم منه، ولا يدخل فيه) ش: أي في الإيصاء على ذوي قرابته م: (قرابة الولاد) ش: وهو الوالد والولد م: (فإنهم) ش: أي فإن الآباء والأولاد م: (لا يسمون أقرباء) ش: لأنهم أقرب من القرابة.
وأوضح هذا المعنى بقوله: م: (ومن سمى والده قريبا كان منه عقوقا) ش: من حيث العرف يدل عليه قَوْله تَعَالَى: {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] (البقرة: الآية 80) ، عطف الأقربين على الوالدين، والعطف يقتضي المغايرة، فلا يكون الوالد قريبا، ولا يكون الولد قريبا أيضا؛ لأنه يلزم من قرب أحدهما إلى الآخر قرب الآخر إليه وإلا لا يثبت القرب أصلا.
م: (وهذا لأن القريب في عرف اللسان من يتقرب إلى غيره بوسيلة غيره، وتقرب الوالد والولد بنفسه لا بغيره) ش: إذ لا واسطة بينهما م: (ولا معتبر بظاهر اللفظ) ش: هذا جواب عن قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: إن القريب مشتق من القرابة، فيكون اسما لمن قامت به.
وتقدير الجواب: أن ظاهر اللفظ لا اعتبار به م: (بعد انعقاد الإجماع على تركه) ش: أي ترك ظاهر اللفظ، يعني أن ظاهر اللفظ وإن اقتضى صحة إطلاق اسم القريب على الوالد والولد، لكن الإجماع انعقد على ترك هذا الظاهر، وبين ذلك بقوله: م: (فعنده) ش: أي فعند أبي حنيفة م: (يقيد بما ذكرناه) ش: من الأقرب فالأقرب، فالقيود الخمسة وهي كونه ذا رحم محرم، واثنين فصاعدا، وذلك ما سوى الوالد والولد من لا يرث، والأقرب فالأقرب.(13/468)
وعندهما بأقصى الأب في الإسلام، وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بالأب الأدنى.
قال: ومن أوصى لأقاربه وله عمان وخالان فالوصية لعمه عنده اعتبارا للأقرب كما في الإرث. وعندهما بينهم أرباعا إذ هما لا يعتبران الأقرب. ولو ترك عما وخالين فللعم نصف الوصية والنصف للخالين؛ لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان في الوصية كما في الميراث. بخلاف ما إذا أوصى لذي قرابته حيث يكون للعم كل الوصية: لأن اللفظ للمفرد، فيحرز والواحد كلها إذ هو الأقرب. ولو كان له عم واحد فله نصف الثلث لما بيناه. ولو ترك عما وعمة وخالا وخالة فالوصية للعم والعمة بينهما بالسوية لاستواء قرابتهما وهي أقوى، والعمة إن لم تكن وارثة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعندهما بأقصى الأب في الإسلام) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد يقيد بكل من يجمعه وأباه أقصى أب في الإسلام م: (وعند الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - بالأب الأدنى) ش: الذي ينسب إليه، وهو قول محمد أيضا.
[أوصى أحد لأقاربه وله عمان وخالان]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى) ش: هذا إلى آخره تفصيل ما أجمله من القيود على مذهب أبي حنيفة، يعني وإذا أوصى أحد م: (لأقاربه وله عمان وخالان فالوصية لعمه عنده اعتبارا للأقرب كما في الإرث) ش: فإنه يكون لعميه في الإرث دون خاليه، هذا إذا أوصى أحد لأقاربه وله عمان وخالان والوصية لعميه عند أبي حنيفة.
م: (وعندهما بينهم أرباعا إذ هما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد م: (لا يعتبران الأقرب، ولو ترك عما وخالين فللعم نصف الوصية، والنصف للخالين؛ لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع، وهو الاثنان في الوصية كما في الميراث، بخلاف ما إذا أوصى لذي قرابته، حيث يكون للعم كل الوصية؛ لأن اللفظ للمفرد) ش: وهو قوله: لذي قرابته م: (فيحرز الواحد كلها) ش: أي كل الوصية م: (إذ هو الأقرب) ش: أي لأنه هو الأقرب، فلا يستحق الأبعد عند وجوده.
م: (ولو كان له عم واحد) ش: أي فيما إذا أوصى لأقاربه وله عم واحد ولم يكن هو وارث كله، نصف الثلث؛ لأنه لا بد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان ولم يوجد م: (فله نصف الثلث) ش: والنصف الباقي يرد على الورثة م: (لما بيناه) ش: أراد به قوله لأنه: لا بد من اعتبار معنى الجمع وهو الاثنان.. إلى آخره.
م: (ولو ترك عما وعمة وخالا وخالة) ش: أي فيما إذا أوصى لأقاربه م: (فالوصية للعم والعمة بينهما بالسوية لاستواء قرابتهما وهي أقوى) ش: أي قرابة العمومة أقوى من قرابة الخؤولة م: (والعمة وإن لم تكن وارثة) ش: هذا جواب عما يقال: العمة لا تستحق العصوبة وتقوم الأخوات بسببهما فلم يكن قرابتهما أقرب.(13/469)
فهي مستحقة للوصية. كما لو كان القريب رقيقا أو كافرا. وكذا إذا أوصى لذوي قرابته أو لأقربائه أو لأنسبائه في جميع ما ذكرنا؛ لأن كل ذلك لفظ جمع. ولو انعدم المحرم بطلت الوصية؛ لأنها مقيدة بهذا الوصف. قال: ومن أوصى لأهل فلان فهي على زوجته عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقال: يتناول كل من يعولهم وتضمنهم نفقته اعتبارا للعرف، وهو مؤيد بالنص. قال الله تعالى: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] (يوسف: الآية 93) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وتقرير الجواب: أن العمة وإن لم تكن وارثة في هذه الصورة م: (فهي مستحقة للوصية) ش: مساوية للعم في الدرجة وعدم استحقاقها العصوبة بوصف قائما بها وهو الوراثة لا يخرجها عن مساواتها للعم في استحقاقها هذه الوصية.
م: (كما لو كان القريب رقيقا أو كافرا) ش: لما أن عدم جريان الميراث لوصف قائما بهما لا يضعف في القرابة م: (وكذا) ش: الحكم م: (إذا أوصى لذوي قرابته أو لأقربائه أو لأنسبائه) ش: أو هو جمع نسيب على وزن فعيل، وهو القريب كالأنصباء في جمع النصيب م: (في جميع ما ذكرنا) ش: يعني من القيود المذكورة على قول أبي حنيفة خلافا لهما م: (لأن كل ذلك لفظ جمع) ش: والمعتبر في كل جمع اثنان.
م: (ولو انعدم المحرم) ش: يعني إن لم يكن الوصي محرم في هذه المسائل م: (بطلت الوصية) ش: عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن الوصية عنده لذي الرحم، فإذا لم يكن للموصي قريب محرم كانت الوصية للمعدوم وهي باطلة، وهي معنى قوله: م: (لأنها مقيدة بهذا الوصف) ش: أي لأن الوصية مقيدة بوصف المحرمية.
قال الأترازي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قوله: " قال " لم يقع مناسبا؛ لأن عادة المصنف أنه لم يذكر لفظ " قال " إلا إذا كانت مسألة القدوري أو " الجامع الصغير "، أو كانت مذكورة في " البداية "، وهذه مع ما بعدها، أي قوله ومن أوصى لولد فلان ليست من تلك الجملة، وكل هذه المسائل مذكورة في " مختصر الكرخي "، انتهى.
قلت: يمكن أن يقال: إن فاعل " قال " هذا المصنف؛ لأن من عادته في مواضع يقول " قال " ويكون المراد به قال المصنف، ولما أخذ هذه المسألة " مختصر الكرخي " نقل كلامه بقوله: م: (قال) ش: أي المصنف: م: (ومن أوصى لأهل فلان فهي) ش: أي الوصية م: (على زوجته) ش: أي زوجة فلان م: (عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقال يتناول كل من يعولهم) ش: يعني فلان م: (وتضمنهم نفقته) ش: أي يجمعهم نفقته م: (اعتبارا للعرف، وهو مؤيد بالنص. قال الله تعالى: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] (يوسف: الآية(13/470)
وله: أن اسم الأهل حقيقة في الزوجة يشهد بذلك قَوْله تَعَالَى {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] (القصص: الآية 29) ، ومنه قولهم: تأهل ببلدة كذا، والمطلق ينصرف إلى الحقيقة. قال: ومن أوصى لآل فلان فهو لأهل بيته؛ لأن الآل القبيلة التي ينسب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
93 -) ش: فإنه ليس المراد به الزوجة فقط، وكذا قوله: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [النمل: 57] (النمل: الآية 57) لكن لا يدخل مماليكه وإن كان يضمنه نفقته؛ لأن الأهل لا يطلق عليهم في العرف.
وفي " مختصر الكرخي ": قال أبو يوسف ومحمد: هذا على جميع من يعوله فلان ممن يضمنه نفقته غريبا كان أو غيره، الزوجة واليتيم في حجره، والولد إذا كان يعوله فإن كان كبيرا قد اعتزل عنه، أو كانت بنتا قد تزوجت فليس من أهله. وفي " الزيادات ": ولا يدخل في ذلك مماليكه ولا وارث للموصي، ولا يدخل فلان الموصى له أهله في معنى من هذه الوصية.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن اسم الأهل حقيقة في الزوجة يشهد بذلك قَوْله تَعَالَى: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] (القصص: الآية 29) ش: قاله الأترازي: وفي الاستدلال بقوله نظر؛ لأنه لم يرد في الآية الزوجة خاصة؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [القصص: 29] بلفظ الجمع، والآية في سورة القصص، وكذلك خاطب في سورة طه: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9] {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا} [طه: 10] وقال الأكمل: الجواب أنه لم ينقل أنه كان معه أحد من أقاربه أو أقاربها ممن ضمتهم نفقته، فإن كان معه أحد من الأقارب لم يدخل فيه بالاتفاق على أن الحقائق لا يستدل عليها؛ لأن طريق معرفتها السماع كما عرف في الأصول.
وإنما استشهد بالآية قياسا، فإن ثبت إنما في الآية ليس على معنى الحقيقة لا ينافي مطلوبه، كالآيات التي استدل بها الأترازي، فإنه قال: وجه قولهما أن اسم الأهل ينطلق على كل من يعوله ويضمنه نفقته بدليل قَوْله تَعَالَى في قصة يوسف: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93] وقَوْله تَعَالَى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [النمل: 57] وقَوْله تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص: 43] ولم يرد في هذه المواضع الزوجة خاصة، فيحمل على الكل.
م: (ومنه قولهم: تأهل ببلدة كذا) ش: أي تزوج م: (والمطلق ينصرف إلى الحقيقة) ش: يعني لغة وعرفا، فلا يعدل عنهما م: (قال: ومن أوصى لآل فلان فهو لأهل بيته: لأن الآل القبيلة التي ينسب إليها) ش: فيدخل فيه كل من ينسب إليه من قبل آبائه إلى أقصى أب له في الإسلام الأقرب والأبعد، والذكر والأنثى، والمسلم والكافر، والصغير والكبير فيه سواء، ولا يدخل فيه أولاد البنات وأولاد الأخوات ولا أحد من مراتب أمه؛ لأنهم ينسبون إليه لأن النسب يعتبر من الآباء.(13/471)
إليها. ولو أوصى لأهل بيت فلان يدخل فيه أبوه وجده؛ لأن الأب أصل البيت. ولو أوصى لأهل نسبه أو لجنسه فالنسب عبارة عمن ينسب إليه، والنسب يكون من جهة الآباء، وجنسه أهل بيت أبيه دون أمه؛ لأن الإنسان يتجنس بأبيه. بخلاف قرابته، حيث تكون من جانب الأم والأب. ولو أوصى لأيتام بني فلان أو لعميانهم أو لزمناهم أو لأراملهم إن كانوا قوما يحصون دخل في الوصية فقراؤهم وأغنياؤهم، ذكورهم وإناثهم؛ لأنه أمكن تحقيق التمليك في حقهم، والوصية تمليك، وإن كانوا لا يحصون فالوصية في الفقراء منهم؛ لأن المقصود من الوصية القربة وهي في سد الخلة ورد الجوعة وهذه الأسامي تشعر بتحقق الحاجة، فجاز حمله على الفقراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولو أوصى لأهل بيت فلان يدخل فيه أبوه وجده؛ لأن الأب أصل البيت) ش: وعن أحمد أن أهل البيت بمنزلة قوة القرابة م: (ولو أوصى لأهل نسبه أو لجنسه فالنسب عبارة عمن ينسب إليه، والنسب يكون من جهة الآباء، وجنسه أهل بيت أبيه دون أمه؛ لأن الإنسان يتجنس بأبيه) ش: أي يتخذ الجنس من أبيه إذ الجنس عبارة عن النسب، والنسب من جانب الأب لا من جانب الأم، فإن إسماعيل - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كان من هاجر، وكان من جنس قوم أبيه، وإبراهيم ابن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان من جنس قريش، وكذا أولاد الخلفاء من الإماء يصلحون للخلافة م: (بخلاف قرابته، حيث تكون من جانب الأم والأب) ش: فيدخل في الوصية لقرابة كل من الجانبين.
م: (ولو أوصى لأيتام بني فلان أو لعميانهم أو لزمناهم أو لأراملهم إن كانوا قوما يحصون دخل في الوصية فقراؤهم وأغنياؤهم، ذكورهم وإناثهم؛ لأنه أمكن تحقيق التمليك في حقهم، والوصية تمليك، وإن كانوا لا يحصون فالوصية في الفقراء، منهم؛ لأن المقصود من الوصية القربة وهي في سد الخلة ورد الجوعة، وهذه الأسامي تشعر بتحقق الحاجة فجاز حمله على الفقراء) ش: والأيتام جمع يتيم، وهو اسم لمن كان دون البلوغ ولا أب له، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا يتم بعد احتلام» ، رواه أصحاب السنن عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. والعميان جمع أعمى، والزمني جمع زمن، والأرامل جمع أرمل، والأرمل هو الذي لا يقدر على شيء سواء كان رجلا أو امرأة من أرمل إذا افتقر من الرمل كالرفع من الرفعا وهي الثواب، ومن الناس من قال: الأرمل في النساء خاصة، والمختار عند المصنف هو الأول حيث قال: ذكورهم وإناثهم وهو اختيار الشعبي. وقال: أرمل القوم إذا فقدوا زادهم وصاروا محتاجين.
ومن لا زوجة له من الرجال هل يدخل فيه؟ قال الشافعي - في وجه - وإسحاق: يدخل وهو قول الشعبي، وعند أكثر أهل العلم.: لا يدخل. قال الشعبي: هذا اللفظ يطلق على الذكر(13/472)
بخلاف ما إذا أوصى لشبان بني فلان وهم لا يحصون أو لأيامى بني فلان وهم لا يحصون حيث تبطل الوصية؛ لأنه ليس في اللفظ ما ينبئ عن الحاجة فلا يمكن صرفه إلى الفقراء ولا يمكن تصحيحه تمليكا في حق الكل للجهالة المتفاحشة وتعذر الصرف إليهم،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لغة قال الشاعر:
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟
قلنا: المعروف في كلام الناس بأنه النساء، وفي الشعر إطلاقه يجوز ولهذا وضعه بالذكر والأنثى والشيء لا يوصف بنفسه، ولئن كان حقيقة فقد هجرت الحقيقة بالعرف كما في سائر الحقائق العرفية.
ثم حد الإحصاء عند أبي يوسف أن لا يحصون بكتاب ولا حساب فهم لا يحصون.
وقيل: بحيث يحصى بهم الحصى حتى يلد فيهم مولودا ويموت فيهم، وهو قول محمد إذا كانوا أكثر من مائة فهم لا يحصون. وقال بعضهم: هو مفوض إلى رأي القاضي، وعليه الفتوى، وما قال محمد هو الأيسر، كذا في " فتاوى قاضي خان -. وعند الأئمة الثلاثة أن الوصية للكل سواء كانوا يحصون أو لا، ويدخل فيهم الأغنياء والفقراء.
وقال الكرخي في " مختصره ": قال أبو يوسف ومحمد: إذا أوصى بثلث ماله لأيتام بني فلان، فإن كانوا يحصون دخل فيهم الغني والفقير، فكان الثلث بينهم بالسوية الذكر والأنثى فيه سواء وإن كانوا لا يحصون فالثلث للفقراء منهم كأنه قال أوصيت للمساكين فيعطي الموصي من شاء منهم، وكذلك لو قال: أوصيت بثلث مالي لعميان بني فلان أو لزمنى بني فلان , فإن كانوا لا يحصون فالثلث بينهم للغني والفقير كلهم بالسوية، وإن كانوا يحصون فالثلث للفقراء منهم على ما وصفت لك، وإذا أوصى لأرامل بني فلان فالوصية بينهن لكل امرأة محتاجة لأن لها زوج طلقها أو مات عنها فهذه الأرملة قد أرملت من زوجها ومالها، ولا يدخل في ذلك ذكر محتاج ولا غني، ولا يدخل في ذلك امرأة غنية، فإن لم يمكن الإحصاء قسم ذلك بينهن بالسوية، وإن كن لا يحصين فهذا على ما وصفت لك من أمر المساكين.
م: (بخلاف ما إذا أوصى لشبان بني فلان وهم لا يحصون أو لأيامى) ش: أي أوصى لأيامى م: (بني فلان) ش: الأيامى جمع أيم، وهي التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا م: (وهم لا يحصون حيث تبطل الوصية؛ لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (ليس في اللفظ) ش: أي لفظ الشأن والأيامى م: (ما ينبئ عن الحاجة فلا يمكن صرفه إلى الفقراء، ولا يمكن تصحيحه تمليكا في حق الكل للجهالة المتفاحشة وتعذر الصرف إليهم) ش: وفي - المبسوط -: فإذا لم يكن فيه ما ينبئ عن الحاجة كان(13/473)
وفي الوصية للفقراء والمساكين يجب الصرف إلى اثنين منهم اعتبارا لمعنى الجمع، وأقله اثنان في الوصايا على ما مر. ولو أوصى لبني فلان يدخل فيهم الإناث في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أول قوليه، وهو قولهما؛ لأن جمع الذكور يتناول الإناث، ثم رجع وقال: يتناول الذكور خاصة؛ لأن حقيقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المقصود هو التمليك، وجهالة التمليك مانعة لصحة التمليك إذ الصرف إلى الكل غير ممكن، وليس بعضهم أولى من بعض، فكانت الوصية باطلة.
في " الإيضاح ": الشاب من خمسة عشر إلى خمس وعشرين سنة إلى أن يبلغ عليه الشمط. والكهل من ثلاثين سنة إلى أن يغلب عليه النمط إلى آخر عمره. والشيخ ما زاد على خمسين سنه فجعل أبو يوسف الشيخ والكهل سواء فما زاد على خمسين.
وعن محمد: الغلام ما كان له أقل من خمسة عشر سنة، والفتى من بلغ خمسة عشر وفوق ذلك والكهل إذا بلغ أربعين فزاد عليه ما بين خمسين إلى ستين إلى أن يغلب عليه الشيب حتى يكون شيخا. وعند أكثر أهل العلم: الكهل ابن ثلاثين حتى يبلغ خمسين، فإذا جاوز خمسين يكون شيخا إلى أن يموت.
[الوصية للفقراء والمساكين]
م. (وفي الوصية للفقراء والمساكين يجب الصرف إلى اثنين منهم اعتبارا لمعنى الجمع، وأقله اثنان في الوصايا على ما مر) ش: ولم يذكر المصنف فيه الخلاف، فينبغي أن يكون هذا على قول محمد؛ لأنه لا يجوز إلا الدفع إلى اثنين فصاعدا، وعندهما: يجوز أن يدفع كله إلى فقير واحد؛ لأن الكلام يصرف إلى الجنس والجنس إلى ثلاثة؛ لأنه أقل الجمع، وعن أحمد: يكفي الواحد كما في الزكاة، ولو أوصى لبني فلانة يدخل فيه الإناث في قول أبي حنيفة أول قوليه، وهو قولهما: لأن جمع الذكور يتناول الإناث ثم رجع وقال: يتناول الذكور خاصة. إيضاح هذا م: (ولو أوصى لبني فلان) ش: فلا يخلو إما أن يريد لعمومه الإضافي، أو يكون اسم قبيلة أو فخذ، فإن كان الأول م: (يدخل فيهم الإناث في قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رجع إليه، وكان يقول أولا: يدخل م: (أول قوليه، وهو قولهما؛ لأن جمع الذكور) ش: والخلاف عند الاختلاط بما إذا كن في بيت الإناث مفردات فلا يدخل بالاتفاق إلا أن يذكره المصنف؛ لأن حقيقة الاسم للذكور، وانتظامه الإناث يجوز، والكلام بحقيقته ألا ترى أنه يصح أن يبقى اسم البنين على البنات، ولا يصح في الذكور. فلو تناولهما يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز.
فإن قيل: خطاب الذكور م: (يتناول الإناث ثم رجع، وقال: يتناول الذكور خاصة؛ لأن حقيقة(13/474)
لاسم للذكور، وانتظامه للإناث تجوز، والكلام لحقيقته. بخلاف ما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ حيث يتناول الذكور والإناث؛ لأنه ليس يراد بها أعيانهم إذ هو مجرد الانتساب كبني آدم، ولهذا يدخل فيه مولى العتاقة والموالاة وحلفاؤهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الاسم للذكور وانتظامه للإناث تجوز، والكلام لحقيقته) ش: بالإجماع، مع أن الحقيقة والمجاز لا يجتمعان؟ .
قلنا: خطاب المكلف دل على أن المراد العقلاء، إذ التكليف يبنى على العقل، فيتناولهم عموم المجاز، أما هاهنا لم يدخل على العموم دليل، بل دل على الخصوص، وهو أن الموصي لم يقل: لأولاد فلان، بل قال: لبني فلان.
م: (بخلاف ما إذا كان بنو فلان اسم قبيلة أو فخذ) ش: القبيلة واحدة القبائل، وهو بنو أب واحد، والفخذ بفتح الفاء وكسر الخاء في العشائر أقل من البطن، وبيانه أن العرب على ست طبقات، وهي الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة، والشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمارة، والعمارة تجمع البطون، والبطون تجمع القبائل، خزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة وسميت الشعوب لأن القبائل تشعبت منها.
وقال شيخ الإسلام خواهر زاده: إذا أوصى لبني كنانة لا يدخل تحت الوصية أولاد نضر؛ لأنه فوقهم، ويدخل أولاد كنانة إلى الفصيلة. وإذا أوصى لبني قريش وهو عمارة لا يدخل تحت الوصية أولاد نضر وكنانة لأنهم فوقهم، ويدخل أولاد قريش وقصي وأولاده والعباس وأولاده؛ لأن هؤلاء دونهم، وإذا أوصى بثلث ماله لبني فلان وهو قبيلة فالثلث بينهم على السوية إذا كانوا يحصون.
م: (حيث يتناول الذكور والإناث؛ لأنه ليس يراد بها أعيانهم، إذ هو مجرد الانتساب كبني آدم، ولهذا يدخل فيه مولى العتاقة والموالاة وحلفاؤهم) ش: وهو جمع حليف، وهو اسم من يأتي قبيلة فيحلف لهم ويحلفون لهم على التناصر. وقال الكرخي في " مختصره -: وإذا قال لبني فلان وبنو فلان أولئك قبيلة لا تحصى مواليهم في الوصية مولى الموالاة الذين أسلموا على أيديهم ووالوهم ومولى العتاقة وحلفاؤهم وأعدادهم معهم.
وإن كان أوصى لبني فلان وهم بنو أب وليسوا بقبيلة ولا فخذ كانت الوصية لبني فلان من العرب خاصة دون الموالي والحلفاء انتهى.(13/475)
قال: ومن أوصى لولد فلان فالوصية بينهم، والذكر والأنثى فيه سواء؛ لأن اسم الولد ينتظم الكل انتظاما واحدا. ومن أوصى لورثة فلان فالوصية بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأنه لما نص على لفظ الورثة آذن ذلك بأن قصده التفضيل كما في الميراث. ومن أوصى لمواليه وله موال أعتقهم وموال أعتقوه فالوصية باطلة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في بعض كتبه: إن الوصية لهم جميعا، وذكر في موضع آخر: أنه يوقف حتى يصالحوا. له: أن الاسم يتناولهم؛ لأن كلا منهم يسمى مولى، فصار كالإخوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والأعداد جمع عدد، يقال: فلان عديد بني فلان، أي يعد منهم.
[أوصى لولد فلان]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى لولد فلان) ش: وفي بعض النسخ: وإذا أوصى لولد فلان م: (فالوصية بينهم، والذكر والأنثى فيه سواء؛ لأن اسم الولد ينتظم الكل انتظاما واحدا) ش: يعني بطريق الحقيقة؛ لأنه يتناول أحدهما حقيقة، والآخر مجازا. وقال الفقيه أبو الليث في كتاب (نكت الوصايا -: ولو أوصى لولد فلان وليس لفلان ولد صلب فالوصية لولد ولده. وإذا كان له ولد واحد من ولد الصلب فالوصية كلها له وليس لولد الولد شيء.
وقال شمس الأئمة السرخسي في " شرح الكافي ": لو كان له ولد واحد ذكرا أو أنثى فجميع الوصية له، وذكر الكرخي في " مختصره " بخلاف ذلك، فإذا قال: وصيت بثلث مالي لولد فلان وله ولد لصلبه ذكور وإناث كان الثلث لهم بعد أن يكونوا اثنين فصاعدا ولم يكن لولد ولده شيء، وإن كان لصلبه واحد وله ولد كان للذي لصلبه نصف الثلث ذكرا كان أو أنثى، وكان ما بقي لولد وده من سفل منهم ومن قرب بالسوية الذكر والأنثى فيه سواء، وهذا كله على قياس أبي حنيفة وزفر وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -. م: (ومن أوصى لورثة فلان فالوصية بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولأنه لما نص على لفظ الورثة آذن) ش: أي أعلم م: (ذلك بأن قصده التفضيل كما في الميراث) ش: ولا يعلم منه خلاف م: (ومن أوصى لمواليه وله موال أعتقهم وموال أعتقوه فالوصية باطلة) ش: هذه من مسائل " الجامع الكبير، ذكرها تفريعا على مسألة القدوري.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: في بعض كتبه: أن الوصية لهم جميعا) ش: وبه قال أحمد وزفر م: (وذكر في موضع آخر أنه يوقف حتى يصالحوا) ش: أي حتى يصطلح، وله في قول آخر الوصية للأعلى لأنه أقوى. وقال أبو ثور: الكل يدخلون في الوصية، ولكن يقرع بينهما؛ لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر م: (له) ش: أي للشافعي: م: (أن الاسم يتناولهم؛ لأن كلا منهم يسمى مولى فصار كالأخوة) ش: أي كما إذا أوصى لأخوة فلان وهم متفرقون لأب وأم(13/476)
ولنا: أن الجهة مختلفة؛ لأن أحدهما يسمى مولى النعمة، والآخر منعم عليه، فصار مشتركا فلا ينتظمهما لفظ واحد في موضع الإثبات. بخلاف ما إذا حلف لا يكلم موالي فلان حيث يتناول الأعلى والأسفل؛ لأنه مقام النفي، ولا تنافي فيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ولأب ولأم فالوصية لهم جميعا ولا يكون البعض أولى من البعض.
م: (ولنا: أن الجهة مختلفة؛ لأن أحدهما يسمى مولى النعمة والآخر منعم عليه، فصار مشتركا فلا ينتظمهما لفظ واحد في موضع الإثبات) ش: احترز به عن موضع النفي، مبنى هذا الكلام على جواز عموم المشترك وعدم جوازه، والشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يجيزه، فأجاز هذا، وأصحابنا ما جوزوه، فكذلك هذا. والمروي عن الشافعي رواية عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لكن لا على جواز عموم المشترك بل على أن لفظ المولى على الأعلى والأسفل، كالأخوة على بني الأعيان وبني فلان وبني الأضياف، وليس بظاهر؛ لأن معنى الأخوة في الجمع واحد وهو اشتمال صلب الأب أو الرحم عليهم، ومعنى المولى ليس كذلك فإن معنى الأعلى منعم وهو معنى الأسفل منعم عليه، فكان في أحدهما معنى الفاعل، وفي الآخر معنى المفعول واليه أشار المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - بقوله: إن الجهة مختلفة، فصار مشتركا فلا يشتملها معنى واحد في موضع الاثنان، هذا اختيار شمس الأئمة وعامة أصحابنا على أن لا عموم للمشترك لا في النفي ولا في الإثبات، فالمصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مال إلى ما قال شمس الأئمة قال: فلا ينتظم اللفظ واحد في موضع الإثبات.
ثم أجاب عن مسألة الحلف بقوله: م: (بخلاف ما إذا حلف لا يكلم موالي فلان حيث يتناول الأعلى والأسفل؛ لأنه مقام النفي) ش: أي لأن قوله لا نكلم مقام النفي م: (ولا تنافي فيه) ش: أي في عموم النفي في المختلفين، أي نفي المختلفين في محل واحد لا يستحيل، وفي الإثبات يستحيل قال الأترازي: أن اجتماع الحنطة والشعير في معنى واحد يستحيل في حالة واحدة، ولا يستحيل انتفاؤهما، وكذا في اليوم الواحد يستحيل اجتماع صومين مختلفين لا يستحيل فيصح أن يقال: لا يوجد فيه صوم فرض ولا نفل.
والجواب عن مسألة، ما ذهب إليه شمس الأئمة، وهو أن عموم المشترك لا يجوز في موضع الإثبات إذ ترك الكلام مع الموالي مطلقا ليس لوقوعه في النفي بل لأن الحامل على اليمين بعضه وهو غير مختلف بذلك المعنى كالشيء.
فإن قيل: سلمنا أن لفظ المولى مشترك لكن حكمه التوقف، - قال: فالوصية باطلة(13/477)
ويدخل في هذه، الوصية من أعتقه في الصحة والمرض ولا يدخل مدبروه وأمهات أولاده؛ لأن عتق هؤلاء يثبت بعد الموت، والوصية تضاف إلى حالة الموت، فلا بد من تحقق الاسم قبله. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهم يدخلون؛ لأن سبب الاستحقاق لازم ويدخل فيه عبد، قال له مولاه: إن لم أضربك فأنت حر؛ لأن العتق يثبت قبيل الموت عند تحقق عجزه. ولو كان له موال وأولاد موال وموالي موالاة يدخل فيها معتقوه وأولادهم دون موالي الموالاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أجيب: بأن الكلام فيما إذا مات الموصي قبل البيان والتوقف في مثله لا يعتد.
فإن قيل: الترجيح من جهة أخرى ممكن، وهو أن يصرف الوصية إلى المولى الذي أعتقه؛ لأن شكر المنعم واجب، وأما فضل الإنعام في حق المنعم عليه فمندوب، والصرف إلى الواجب أولى منه إلى المندوب، كما هو المروي عن أبي يوسف لهذا المعنى؟
أجيب: بأنها معاوضة من جهة أخرى، وهو أن العرف جاز بوصية الثلث من المال للفقهاء والغالب في المولى الأسفل الفقراء وفي الأعلى الغني، والمعروف عرفا كالمشروط شرعا كما هو المروي عن أبي يوسف، بهذا المعنى.
م: (ويدخل في هذه الوصية من أعتقه في الصحة والمرض) ش: أي يدخل فيما إذا أوصى إلى مواليه المعتق في الصحة والمرض جميعا م: (ولا يدخل مدبروه وأمهات أولاده؛ لأن عتق هؤلاء يثبت بعد الموت والوصية تضاف إلى حالة الموت، فلا بد من تحقق الاسم قبله) ش: أي من تحقق الاسم المولى قبل الموت ولم يتحقق؛ لأن اسم المولى لا يتم إلا بعد عتقهم وعتقهم بعد الموت.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهم يدخلون؛ لأن سبب الاستحقاق لازم) ش: أي استحقاق الولاء لازم، وهو التدبير والاستيلاد، وهذه الرواية ذكرها الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع ") م: (ويدخل فيه) ش: أي في الإيصاء لمواليه م: (عبد قال له مولاه إن لم أضربك فأنت حر لأن العتق يثبت قبل الموت عند تحقق عجزه) ش: صورته: قال مولى العبد له: إن لم أضربك فأنت حر فمات قبل أن يضربه عتق قبل موته ودخل في الوصية؛ لأنه من مواليه؛ لأنه يعتق في آخر جزء من أجزاء الحياة لتحقق عدم الضرب منه في تلك الحالة ووقوع اليأس من حصوله، فيصير مولى له ثم يتعقبه الموت، ثم تنفذ الوصية فيكون مولى له وقت نفوذ الوصية وجوبها.
م: (ولو كان له موال وأولاد موالي وموالي موالاة يدخل فيها معتقوه وأولادهم) ش: لأنهم مواليه حقيقة، ولهذا لا يصح، ففي ولاء أولاد الموالي عنه م: (دون موالي الموالاة) ش: أي لا يدخل، وبه قالت الأئمة الثلاثة.(13/478)
وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهم يدخلون أيضا , والكل شركاء؛ لأن الاسم يتناولهم على السواء. ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الجهة مختلفة في المعتق الإنعام , وفي الموالي عقد الالتزام، والإعتاق لازم، فكان الاسم له أحق، ولا يدخل فيهم موالي الموالي؛ لأنهم موالي غيره حقيقة. بخلاف مواليه وأولادهم؛ لأنهم ينسبون إليه بإعتاق وجد منه؛ وبخلاف ما إذا لم يكن له موال ولا أولاد الموالي؛ لأن اللفظ لهم مجاز , فيصرف إليه عند تعذر اعتبار الحقيقة. ولو كان له معتق واحد وموالي الموالي فالنصف لمعتقه، والباقي للورثة , لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنهم يدخلون أيضا، والكل شركاء؛ لأن الاسم يتناولهم على السواء) ش: لأنه باشر سبب ولاء كل وحكي عن الكرخي: أن الوصية باطلة؛ لأن الاسم يتناول كل فريق بطريق الحقيقة فلا يصح لمكان الجهالة.
م: (ومحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول: الجهة مختلفة في المعتق الإنعام وفي الموالي عقد الالتزام) ش: بين اختلاف الجهة بقوله في المعتق - بكسر التاء - الإنعام، وفي الموالي عقد الالتزام وهو ظاهر م: (والإعتاق لازم) ش: هذا جواب عما يقال: لما كانت الجهة مختلفة في المعتقين وموالي الموالاة في أحدهما الإنعام، وفي الآخر عند الالتزام كان ينبغي أن يبطل الوصية، فأجاب عنه بقوله: والإعتاق لازم لا يحتمل الفسخ م: (فكان الاسم له أحق) ش: وولاء الموالاة يحتمل الفسخ، فكان اسم المولى للمعتق أولى وأحق من مولى الموالاة.
م: (ولا يدخل فيهم موالي الموالي) ش: أي في الوصية للموالي م: (لأنهم موالي غيره حقيقة) ش: وليسوا بموالي الموصي حقيقة؛ لأن مولاه حقيقة هو الذي باشر العتق، وإنما أضيفوا إليه بطريق التسبيب مجازا؛ لأنه باشر سبب ما هو سبب ولائهم عتاقة للموالي الأولين، ولهذا يصح نفي الاسم عنهم بالاتفاق لأن هؤلاء ليسوا بمواليه، وإنما هم موالي مواليه، واللفظ إذا عمل بحقيقته لا ينصرف إلى المجاز.
م: (بخلاف مواليه وأولادهم؛ لأنهم ينسبون إليه) ش: أي إلى المولى م: (بإعتاق وجد منه) ش: أي من المولى م: (وبخلاف ما إذا لم يكن له موال ولا أولاد الموالي) ش: يعني إذا لم يكن للموصي موالي أعتقهم، ولا أولادهم تكون الوصية لموالي الموالي م: (لأن اللفظ لهم مجاز) ش: يعني إن اللفظ يتناولهم مجازا م: (فيصرف إليه) ش: أي فينصرف اللفظ إلى المجاز م: (عند تعذر اعتبار الحقيقة) ش: لأن الحقيقة إذا لم تكن وجب العمل بالمجاز صونا لكلام العاقل عن الإلغاء.
م: (ولو كان له معتق واحد وموالي الموالي فالنصف لمعتقه، والباقي للورثة لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز) ش: لأن الحقيقة موجودة فينتفي المجاز. وقال العتابي في " شرح الجامع ": فإن(13/479)
ولا يدخل فيه موال أعتقهم ابنه أو أبوه؛ لأنهم ليسوا بمواليه لا حقيقة، ولا مجازا، وإنما يحرز ميراثهم بالعصوبة، بخلاف معتق البعض؛ لأنه ينسب إليه بالولاء، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كان من مواليه أو من أولادهم اثنان استحقا جميع الثلث لأن الاثنين جمع في باب الوصية كما في الميراث، وإن كان واحدا فله النصف، أي نصف الثلث؛ لأنه نصف أدنى الجمع، والنصف الآخر يصرف إلى ورثة الموصي لا إلى موالى المولى لتعذر الجمع بين الحقيقة والمجاز، فإن لم يكن أحد من الموالي ولا من أولادهم فحينئذ يصرف إلى موالي الموالي.
م: (ولا يدخل فيه) ش: أي في الموالي في قوله ثلث مالي للموالي م: (موال أعتقهم) ش: هكذا في النسخ، ولكن الصواب أعتقهم م: (ابنه أو أبوه) ش: كما ذكر في " الإيضاح " و " الجامع الكبير " للصدر حميد و " الكافي "، وغيرها؛ لأن التعليل الذي ذكره لا يطابق ما ذكره، وإنما يصح فيمن أعتقهم أبوه أو ابنه، ذكر في " الإيضاح ":
ولو كان له ابن وموالى أعتقه ابنه فأوصى بالثلث لمواليه لم يكن لموالي ابنه شيء م: (لأنهم ليسوا بمواليه لا حقيقة ولا مجازا) ش: فلم يدخلوا تحت اللفظ وفي نسخته: " ألا ترى " بخطه، ولا يدخل فيه بموالي قد أعتقهم ابنه م: (وإنما يجوز ميراثهم بالعصوبة) ش: هذا جواب عما روي عن أبي يوسف أن موالي ابنه تدخل إذا مات أبوه وورث ولاءه؛ لأنهم مواليه حكما، ولهذا يجوز ميراثهم.
وبيانه أن احترازه الميراث ما كان لكونه مولى له، لكن كشرع أقام عصبة المعتق مقام المعتق في حق الميراث؛ لأن الولاء كالنسب لا يورث نص عليه صاحب الشرع قال: «الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث» ، وهو نص صريح في عدم الانتقال، فكان بطريق العصوبة.
م: (بخلافه معتق البعض؛ لأنه ينسب إليه بالولاء، والله أعلم بالصواب) ش: قال تاج الشريعة: قيل: الصواب المعتق، وهكذا في " المبسوط " و (الإيضاح) يريد به إذا لم يكن موالي أولاد الموالي، وقال السغناقي: هكذا وقع في النسخ وليس بصواب، والصواب أن يقول: بخلاف معتق المعتق، كما هو المذكور في " الإيضاح "؛ لأنه يثبت بهذا الفرق بين موالي الموالي، وبين موال أعتقهم أبوه أو ابنه على ما ذكرنا في النسخة الصحيحة.
وقال الأترازي: قوله: " بخلاف معتق البعض " يرتبط بقوله: " ولا يدخل فيه موال قد أعتقهم ابنه " يعني أن معتق البعض يدخل تحت الوصية للموالي؛ لأنه مولاه حقيقة. بخلاف موالي الابن؛ لأنهم ليسوا مواليه أصلا، ولكن يبقى أن يكون هذا على مذهبهما؛ لأن معتق(13/480)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
البعض عند أبي حنيفة كالمكاتب، والمكاتب لا يدخل تحت الوصية للمولى، فكذا معتق البعض فعن هذا غير بعضهم لفظ الكتاب وقال بخلاف معتق المعتق، يعني أن معتق المعتق يدخل تحت الوصية للموالي إذا لم يكن الموالي ولا أولادهم لأن ولاء المعتق ينسب إلى الموصي مجازا، بخلاف معتق الابن، فإنه لا ينسب إليه لا حقيقة ولا مجازا.
انتهى. وقال الأكمل: وذكر بعض الشارحين أو النسخة في قوله: " ولا يدخل موالي أعتقهم بإثبات لفظ ابنه وهاهنا بخلاف معتق البعض، وجعله مرتبطا بقوله: ولا يدخل فيه موالي أعتقهم أبيه ثم ساق الأكمل كلام الأترازي إلى آخر ما ذكرنا عنه؛ لأنه أراد بقوله " بعض الشارحين " الأترازي، ثم قال الأكمل في آخر كلامه: وفيه تصحيح نسخة الكتاب في الموضعين وإن كان فيه بعد من حديث الإيراد على مذهبهما. انتهى.
قلت: لا بعد فيه على ما لا يخفى.(13/481)
باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة قال: وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين معلومة، وتجوز بذلك أبدا؛ لأن المنافع يصح تمليكها في حالة الحياة ببدل وغير بدل، فكذا بعد الممات لحاجته، كما في الأعيان ويكون محبوسا على ملكه في حق المنفعة حتى يتملكها الموصى له على ملكه كما يستوفي الموقوف عليه منافع الوقف على حكم ملك الواقف، وتجوز مؤقتا ومؤبدا كما في العارية، فإنها تمليك على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة]
[الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين معلومة]
م: (باب الوصية بالسكنى والخدمة والثمرة) ش: أي هذا باب في بيان حكم الوصية بسكنى داره وبخدمة عبده وثمرة بستانه، ولما فرغ من بيان وصية الأعيان شرع في بيان وصية المنافع التي هي الأعراض وأخرجها عن الأعيان؛ لأنها بعد الأعيان وجودا فأخرها عنها.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وتجوز الوصية بخدمة عبده وسكنى داره سنين معلومة، وتجوز) ش: الوصية بالمنفعة مؤقتا ومؤبدا " عند أكثر أهل العلم، وكذا بالعلة إلا عند ابن أبي ليلى، فإنه قال: لا تصح؛ لأن المنفعة معدومة، ولا تصح بالمعدوم.
ولو وجد المنفعة والعلة بعد موت الموصي يكون ملكا للوارث واعتبارا لوصيته بعد الموت وتجوز م: (بذلك) ش: أي بإيصاء الأشياء المذكورة م: (أبدا؛ لأن المنافع يصح تمليكها في حالة الحياة ببدل) ش: كما في الإجارة م: (وغير بدل) ش: كما في الإعارة م: (فكذا بعد الممات لحاجته) ش: وهي تلاقي بعض ما فرط منه من التفريط م: (كما في الأعيان) ش: أي كما يصح تمليك المنافع في الحياة في الأعيان نحو الإجارة والإعارة.
م: (ويكون) ش: أي العين م: (محبوسا على ملكه) ش: أي ملك الموصي م: (في حق المنفعة حتى يتملكها الموصى له على ملكه كما يستوفي الموقوف عليه منافع الوقف على حكم ملك الواقف) ش: وجه التشبيه بينهما من حيث أن كلا منهما استيفاء المنافع الحادثة على حكم ملك الموصي والواقف، وقد عرفت أن الواقف جنس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة وكذلك هذه الوصية حبس العين على ملك الموصي والوصية بالمنفعة إلا أن هذه إذا كانت مؤقتة تعود إلى ملك الورثة بعد انقضاء الوقت.
م: (وتجوز) ش: أي الإيصاء بهذه الأشياء المذكورة حال كونه م: (مؤقتا) ش: بأن عين مؤقتا من الأيام أو الأشهر أو السنين م: (ومؤبدا) ش: أي وحال كونه مؤبدا م: (كما في العارية) ش: فإنها تجوز مؤقتة بوقت، ويجوز بغير وقت م: (فإنها) ش: أي فإن العارية م: (تمليك على(13/482)
أصلنا بخلاف الميراث؛ لأنه خلافة فيما يتملكه المورث، وذلك في عين تبقى، والمنفعة عرض لا يبقى، وكذا الوصية بغلة العبد والدار؛ لأنه بدل المنفعة، فأخذ حكمها، والمعنى يشملهما.
قال: فإن خرجت رقبة العبد من الثلث يسلم إليه ليخدمه؛ لأن حق الموصى له في الثلث لا يزاحمه الورثة. وإن كان لا مال له غيره خدم الورثة يومين والموصى له يوما؛ لأن حقه في الثلث وحقهم في الثلثين، كما في الوصية في العين،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أصلنا) ش: احترز به عن أصل الشافعي، فإن أصلها عنده إباحة المنافع وهو قول الكرخي أيضا، حتى لا يملك المستعير إجارة ما استعاره ولو كان تمليكا لها لملك إجارتها.
ونحن نقول: إنما لم يجز إجارتها لأنها أقوى وألزم من الإعارة، والشيء لا يستتبع مثله فبالأحرى أن لا يستتبع الأقوى، وإذا كانت الإعارة تمليك المنافع فيجوز للمستعير إعارتها لغيره، ولو كانت إباحة لما جازت وقد مر مستوفى في كتاب العارية.
م: (بخلاف الميراث) ش: أراد بهذا أن الوصية تخالف الميراث حيث لا يجري الميراث في المنفعة وهي الخدمة دون الرقبة م: (لأنه) ش: أي لأن الميراث، أي الإرث م: (خلافة) ش: وتفسيرها أن يقوم الوارث مقام المورث م: (فيما يتملكه المورث) ش: يعني فيما كان ملكا له، وهذا لا يتصور إلا فيما لا يبقى وقتين، وهو معنى قوله: م: (وذلك في عين تبقى والمنفعة عرض لا يبقى) ش: فيما يبقى وقتين، بخلاف الوصية، فإنها إيجاب ملك العقل بمنزلة الإجارة والإعارة.
م (وكذا) ش: أي وكذلك تجوز م: (الوصية بغلة العبد والدار) ش: كما تجوز الوصية بخدمة العبد وسكنى الدار م: (لأنه) ش: أي لأن الإيصاء بغلة م: (بدل المنفعة، فأخذ حكمها) ش: أي حكم المنفعة م: (والمعنى) ش: وهو جماعة الوصي م: (يشملهما) ش: أي يشمل جواز الوصية بغلة العبد وجوازها بخدمته، وكذلك في الدار.
[أوصى بخدمة العبد مؤبدا]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن خرجت رقبة العبد من الثلث) ش: يعني إذا أوصى بخدمة العبد مؤبدا م: (يسلم إليه) ش: أي يسلم العبد إلى الموصي له م: (ليخدمه؛ لأن حق الموصى له في الثلث لا يزاحمه الورثة) ش: لأنهم لا حق لهم في الثلث.
م: (وإن كان لا مال له) ش: أي للموصي م: (غيره) ش: أي غير العبد الموصى بخدمته م: (خدم الورثة يومين والموصى له) ش: أي خدم الموصى له م: (يوما؛ لأن حقه) ش: أي حق الموصى له م: (في الثلث وحقهم) ش: أي وحق الورثة م: (في الثلثين، كما في الوصية في العين) ش: أي كما أنهم يقسمون مع الموصى له بالثلث والثلثين فيما إذا أوصى بثلث في عين ولا مال له غيره.(13/483)
ولا تمكن قسمة العبد أجزاء؛ لأنه لا يتجزأ، فصرنا إلى المهايأة إيفاء للحقين بخلاف الوصية بسكنى الدار إذا كانت لا تخرج من الثلث حيث تقسم عين الدار أثلاثا للانتفاع؛ لأنه يمكن القسمة بالأجزاء، وهو أعدل للتسوية بينهما زمانا وذاتا، وفي المهايأة تقديم أحدهما زمانا، ولو اقتسموا الدار مهايأة من حيث الزمان تجوز أيضا؛ لأن الحق لهم إلا أن الأول وهو الأعدل أولى، وليس للورثة أن يبيعوا ما في أيديهم من ثلثي الدار. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن لهم ذلك؛ لأنه خالص ملكهم. وجه الأول: أن حق الموصى له ثابت في سكنى جميع الدار بأن ظهر للميت مال آخر، وتخرج الدار من الثلث. وكذا له حق المزاحمة فيما في أيديهم إذا خرب ما في يده، والبيع يتضمن إبطال ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولا تمكن قسمة العبد أجزاء؛ لأنه لا يتجزأ، فصرنا إلى المهايأة إيفاء للحقين) ش: أي حق الموصى له وحق الورثة، والمهايأة المشار به في المدة من حيث الزمان.
م: (بخلاف الوصية بسكنى الدار إذا كانت لا تخرج من الثلث حيث تقسم عين الدار أثلاثا للانتفاع؛ لأنه يمكن القسمة بالأجزاء وهو) ش: أي قسم عين الدار م: (أعدل للتسوية بينهما) ش: أي بين الموصى له وبين الورثة لأنه يحصل التسوية بينهم.
أي بين الموصى له والورثة م: (زمانا) ش: أي من حيث الزمان؛ لأن كل واحد يستوفي نصيبه من السكنى في الوقت الذي يستوفي صاحبه م: (وذاتا) ش: أي من حيث الذات وهو ظاهر.
م: (وفي المهايأة تقديم أحدهما زمانا) ش: أي من حيث الزمان؛ لأن فيهما تقديم أحدهما على الآخر زمانا، فلا يصار إليها إلا عند تعذر القسمة بالأجزاء، ولكن مع هذا تهاتر على القسمة من حيث الزمان جاز أيضا، وإليه أشار بقوله: م: (ولو اقتسموا الدار مهايأة من حيث الزمان تجوز أيضا؛ لأن الحق لهم، إلا أن الأول وهو الأعدل أولى) ش: لما ذكرنا أن كل واحد يستوفي نصيبه من السكنى في الوقت الذي يستوفيه صاحبه م: (وليس للورثة أن يبيعوا ما في أيديهم من ثلثي الدار) ش: وبه قال الشافعي ومالك وأحمد - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - في رواية. م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن لهم ذلك؛ لأنه خالص ملكهم) ش: وبه قال أحمد في المنصوص عنه م: (وجه الأول أن حق الموصى له ثابت في سكنى جميع الدار بأن ظهر للميت مال آخر، وتخرج الدار من الثلث) ش: وكان هو أحق بسكنى جميعها م: (وكذا له) ش: أي إلى الموصى له م: (حق المزاحمة) ش: مع الورثة م: (فيما في أيديهم إذا خرب ما في يده) ش: أي في يد الموصى له م: (والبيع) ش: أي بيع الورثة فيما في أيديهم م: (يتضمن إبطال ذلك) ش: أي حق المزاحمة م:(13/484)
فمنعوا عنه.
قال: فإن كان مات الموصى له عاد إلى الورثة. لأن الموصي أوجب الحق للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه، فلو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها ابتداء من ملك الموصي من غير مرضاته، وذلك لا يجوز. ولو مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية؛ لأن إيجابها تعلق بالموت على ما بيناه من قبل. ولو أوصى بغلة عبده أو داره فاستخدمه بنفسه أو سكنها بنفسه، قيل: يجوز ذلك؛ لأن قيمة المنافع كعينها في تحصيل المقصود، والأصح: أنه لا يجوز؛ لأن الغلة دراهم أو دنانير وقد وجبت الوصية بها، وهذا استيفاء المنافع، وهما متغايران ومتفاوتان في حق الورثة، فإنه لو ظهر دين يمكنهم أداؤه من الغلة بالاسترداد منه بعد استغلالها، ولا يمكنهم من المنافع بعد استيفائها بعينها، وليس للموصى له بالخدمة والسكنى أن يؤاجر العبد أو الدار. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
(فمنعوا عنه) ش: أي منع الورثة عن البيع.
[مات الموصى له في حياة الموصي]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن كان مات الموصى له عاد إلى الورثة؛ لأن الموصى أوجب الحق للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه، فلو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها ابتداء) ش: أي في الابتداء م: (من ملك الموصي من غير مرضاته، وذلك لا يجوز. ولو مات الموصى له في حياة الموصي بطلت الوصية؛ لأن إيجابها تعلق بالموت) ش: أي لأن إيجاب الوصية يتعلق بموت الموصي م: (على ما بيناه من قبل) ش: اعتبار حالة الوصية في بيان الفرق بين جواز الإقرار وبطلان الوصية؛ لأنها إيجاب عند الموت.
م: (ولو أوصى بغلة عبده أو داره فاستخدمه) ش: أي فاستخدم الموصى له العبد م: (بنفسه أو سكنها) ش: أي الدار م: (بنفسه قيل: يجوز ذلك) ش: قال الأسبيجابي: لم يذكر هذا في ظاهر الرواية، واختلف المشايخ فيه فقال بعضهم: يجوز ذلك، وبه قال أبو بكر الإسكاف م: (لأن قيمة المنافع كعينها في تحصيل المقصود) ش: وهو الانتفاع بالعبد أو الدار م: (والأصح: أنه لا يجوز) ش: وبه قال أبو بكر بن سعيد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (لأن الغلة دراهم أو دنانير وقد وجبت الوصية بها) ش: أي بالغلة م: (وهذا) ش: أي الاستخدام بنفسه والسكنى بنفسه م: (استيفاء المنافع) ش: من العبد والدار م: (وهما) ش: أي الغلة والمنافع م: (متغايران) ش: وهو ظاهر م: (ومتفاوتان في حق الورثة، فإنه لو ظهر دين) ش: على الميت م: (يمكنهم أداؤه من الغلة بالاسترداد منه) ش: أي من الموصى له م: (بعد استغلالها ولا يمكنهم) ش: أي الاسترداد م: (من المنافع بعد استيفائها بعينها) ش: أي بعين المنافع.
م: (وليس للموصى له بالخدمة والسكنى أن يؤاجر العبد أو الدار. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -:(13/485)
له ذلك؛ لأنه بالوصية ملك المنفعة فيملك تمليكها من غيره ببدل أو غير بدل لأنها كالأعيان عنده. بخلاف العارية لأنها إباحة على أصله وليس بتمليك. ولنا: أن الوصية تمليك بغير بدل مضاف إلى ما بعد الموت فلا يملك تمليكه ببدل اعتبارا بالإعارة، فإنها تمليك بغير بدل في حالة الحياة على أصلنا، ولا يملك المستعير الإجارة؛ لأنها تمليك ببدل، كذا هذا، وتحقيقه: أن التمليك ببدل لازم وبغير بدل غير لازم، ولا يملك الأقوى بالأضعف والأكثر بالأقل والوصية تبرع غير لازم، إلا أن الرجوع للمتبرع لا لغيره، والمتبرع بعد الموت لا يمكنه الرجوع، فلهذا انقطع ما هو في وضعه فغير لازم، ولأن المنفعة ليست بمال على أصلنا، وفي تمليكها بالمال إحداث صفة المالية فيها تحقيقا للمساواة في عقد المعاوضة، فإنما تثبت هذه الولاية لمن يملكها تبعا لملك الرقبة، أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
له ذلك) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأنه) ش: أي لأن الموصى له م: (بالوصية ملك المنفعة فيملك تمليكها من غيره ببدل أو غير بدل؛ لأنها كالأعيان) ش: لأن المنفعة كالأعيان وفي العين يصح الاعتياض عنه سواء بملك العين ببدل أو بغير بدل، فكذلك يصح الاعتياض عن المنفعة إذا تملكها م: (عنده) ش: أي عند الشافعي.
م: (بخلاف العارية) ش: حيث لا يجوز م: (لأنها) ش: أي لأن العارية م: (إباحة على أصله) ش: أي على أصل الشافعي م: (وليس بتمليك. ولنا: أن الوصية تمليك بغير بدل مضاف إلى ما بعد الموت، فلا يملك تمليكه ببدل اعتبارا بالإعارة، فإنها تمليك بغير بدل) ش: ولهذا تنعقد بلفظ التمليك، حتى لو قال: ملكتك منفعة هذه الدار كانت عارية صحيحة م: (في حالة الحياة على أصلنا، ولا يملك المستعير الإجارة؛ لأنها تمليك ببدل، كذا هذا. وتحقيقه: أن التمليك ببدل لازم، وبغير بدل غير لازم، فلا يملك الأقوى بالأضعف والأكثر بالأقل والوصية تبرع غير لازم، إلا أن الرجوع للمتبرع لا لغيره) ش: هذا جواب عما يقال الوصية وإن كانت غير لازمة ابتداء، لكن تصير لازمة بعد الموت لعدم قبولها الرجوع حينئذ، فأجاب بقوله: إن الرجوع إنما يكون للمتبرع لا بغيره، أي لا يكون.
م: (والمتبرع بعد الموت لا يمكنه الرجوع) ش: بعد الموت م: (فلهذا انقطع ما هو) ش: أي الوصية على تأويل الإيصاء م: (في وضعه فغير لازم) ش: والاعتبار للموضوعات الأصلية م: (ولأن المنفعة ليست بمال على أصلنا، وفي تمليكها بالمال إحداث صفة المالية فيها) ش: أي في المنفعة م: (تحقيقا للمساواة في عقد المعاوضة، فإنما تثبت هذه الولاية) ش: يعني ولاية إحداث صفة المالية في المنافع م: (لمن يملكها) ش: أي لمن تملك المنافع م: (تبعا لملك الرقبة) ش: أي في ضمن ملكها م: (أو(13/486)
لمن يملكها بعقد المعاوضة حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها، أما إذا تملكها مقصودة بغير عوض ثم ملكها بعوض كان مملكا أكثر مما تملكه معنى، وهذا لا يجوز.
وليس للموصى له أن يخرج العبد من الكوفة إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله للخدمة هنالك إذا كان يخرج من الثلث؛ لأن الوصية إنما تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي، فإذا كانوا في مصره فمقصوده أن يمكنه من خدمته فيه بدون أن يلزمه مشقة السفر، وإذا كانوا في غيره فمقصوده أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم. ولو أوصى بغلة عبده أو بغلة داره يجوز أيضا؛ لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لمن يملكها) ش: أي المنافع م: (بعقد المعاوضة) ش: كالإجارة، فإنه يجوز للمستأجر أن يؤاجر العين، ويملك منفعتها من غيره إذا كانت العين مما يختلف باختلاف المستعمل م: (حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها، أما إذا تملكها) ش: أي المنافع م: (مقصودة بغير عوض) ش: لا في ضمن شيء آخر م: (ثم ملكها بعوض) ش: بالإجارة م: (كان مملكا أكثر مما تملكه معنى، وهذا لا يجوز) ش: يعني بناء على ما قال لا يملك الأقوى بالأضعف.
واعترض عليه بإجارة الحر نفسه، فإنه لا يملك منفعته تبعا لملك رقبته ولا بعقد المعاوضة. ويجوز له أن يملكها ببدل.
وأجيب بأن: كلام المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الوصية مراده بالنفقة منفعة يجوز الوصية بها، ومنفعة الحر ليست كذلك فلا يكون واردا عليه.
[أوصى بغلة عبده أو بغلة داره]
م: (وليس للموصى له أن يخرج العبد من الكوفة) ش: يعني إذا أوصى رجل من أهل الكوفة بخدمة عبده لزيد مثلا فليس لزيد أن يخرج هذا العبد الموصى بخدمته من الكوفة إلى موضع آخر يستخدمه فيه م: (إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله للخدمة هنالك) ش: وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: له إخراجه مطلقا م: (إذا كان يخرج من الثلث) ش: احترز به عما إذا لم يخرج من الثلث فإنه ليس له الإخراج إلى أهله إلا بإجازة الورثة م: (لأن الوصية إنما تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي، فإذا كانوا) ش: أي الموصى له وأهله م: (في مصره) ش: أي في مصر الموصي م: (فمقصوده أن يمكنه من خدمته فيه) ش: أي في مصره م: (بدون أن يلزمه مشقة السفر، وإن كانوا في غيره) ش: مصره، أي في غير مصر الموصي م: (فمقصوده أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم) ش: وهذا معلوم بدلالة الحال.
م: (ولو أوصى بغلة عبده أو بغلة داره يجوز أيضا) ش: أي كما يجوز أن يوصي بخدمة العبد وسكنى الدار م: (لأنه) ش: أي لأن الغلة على تأويل المال، أو ذكره بذكر الحر وهو المال، ولا(13/487)
بدل المنفعة فأخذ حكم المنفعة في جواز الوصية به، كيف وأنه عين حقيقة؛ لأنه دراهم أو دنانير فكان بالجواز أولى. ولو لم يكن له مال غيره كان له ثلث غلة تلك السنة، لأنه عين مال يحتمل القسمة بالأجزاء فلو أراد الموصى له قسمة الدار بينه وبين الورثة ليكون هو الذي يستغل ثلثها لم يكن له ذلك إلا في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فإنه يقول: الموصى له شريك الوارث وللشريك ذلك، فكذلك للموصى له إلا أنا نقول المطالبة بالقسمة تبتنى على ثبوت الحق للموصى له فيما يلاقيه القسمة، إذ هو المطالب. ولا حق له في عين الدار، وإنما حقه في الغلة فلا يملك المطالبة بقسمة الدار. ولو أوصى له بخدمة عبده ولآخر برقبته، وهو يخرج من الثلث، فالرقبة لصاحب الرقبة والخدمة عليها لصاحب الخدمة؛ لأنه أوجب لكل واحد منهما شيئا معلوما عطفا منه لأحدهما على الآخر فتعتبر هذه الحالة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
نعلم فيه خلافا م: (بدل المنفعة، فأخذ حكم المنفعة في جواز الوصية به كيف) ش: أي كيف لا يجوز م: (وأنه عين حقيقة) ش: أي والحال أن الغلة على تأويل المال م: (لأنه دراهم أو دنانير، فكان بالجواز أولى) ش: أي فكان الإيصاء بالغلة أقرب إلى الجواز من الإيصاء بالخدمة؛ لأن الخدمة منفعة بحصة ليست فيها العينية، ولهذا لم يجز على قول ابن أبي ليلى، فإذا جاز الإيصاء بالخدمة جاز الإيصاء بالغلة بالطريق الأولى؛ لأنها عبارة عن مال عين وهي الدراهم أو الدنانير.
م: (ولو لم يكن له مال غيره) ش: أي غير الغلة، والتذكير في الضمائر على التأويل كما ذكرنا م: (كان له) ش: أي للموصى له م: (ثلث غلة تلك السنة) ش: يعني إذا لم يجز الورثة فكانت الوصية بغلة عبده م: (لأنه عين مال يحتمل القسمة بالأجزاء، فلو أراد الموصى له قسمة الدار بينه وبين الورثة ليكون هو الذي يستغل ثلثها لم يكن له ذلك إلا في رواية عن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: ذكره شمس الأئمة السرخسي في شرح " الكافي " م: (فإنه) ش: أي فإن أبا يوسف م: (يقول الموصى له شريك الوارث وللشريك ذلك) ش: أي طلب القسمة م: (فكذلك) ش: يجوز للموصى (له) ش: طلب القسمة.
م: (إلا أنا نقول المطالبة بالقسمة تبتنى على ثبوت الحق للموصى له فيما يلاقيه القسمة، إذ هو المطالب، ولا حق له في عين الدار، وإنما حقه في الغلة فلا يملك المطالبة بقسمة الدار. ولو أوصى له بخدمة عبده ولآخر) ش: أي أوصى لشخص آخر م: (برقبته) ش: أي برقبة العبد م: (وهو يخرج من الثلث) ش: الواو فيه للحال م: (فالرقبة لصاحب الرقبة، والخدمة عليها لصاحب الخدمة؛ لأنه أوجب لكل واحد منهما شيئا معلوما عطفا منه لأحدهما على الآخر) ش: معناه أنه عطف قوله: لآخر برقبته بالراء، وعلى قوله: أوصى له بخدمة عبده م: (فتعتبر هذه الحالة) ش: أي حال(13/488)
بحالة الانفراد، ثم لما صحت الوصية لصاحب الخدمة فلو لم يوص في الرقبة بشيء لصارت الرقبة ميراثا للورثة مع كون الخدمة للموصى له، فكذا إذا أوصى بالرقبة لإنسان آخر إذ الوصية أخت الميراث من حيث إن الملك يثبت فيهما بعد الموت. ولها نظائر، وهو ما إذا أوصى بأمة لرجل وبما في بطنها وهي تخرج من الثلث، أو أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه، أو قال: هذه القوصرة لفلان وما فيها من الثمر لفلان، كان كما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
العطف م: (بحالة الانفراد) ش: إحدى الوصيتين عن الأخرى، فلا تتحقق المشاركة بينهما فيما أوجب لكل واحد منهما.
وقوله: م: (ثم لما صحت الوصية لصاحب الخدمة) ش: كالبيان والتفسير لما قبله من حالة الانفراد م: (فلو لم يوص في الرقبة بشيء لصارت الرقبة ميراثا للورثة مع كون الخدمة للموصى له) ش: من غير اشتراك م: (فكذا إذا أوصى بالرقبة لإنسان آخر) ش: يكون الرقبة للموصى له بالرقبة خاصة، فكذا إذا أوصى بالرقبة لإنسان آخر م: (إذ الوصية أخت الميراث من حيث إن الملك يثبت فيهما بعد الموت) ش: ثم العبد الموصى بخدمة الشخص وبرقبته لآخر إما أن يكون أدرك حق الخدمة أو لا، فإن كان للثاني منفعة على الموصى له بالرقبة إلى أن يدرك الخدمة؛ لأن بالاتفاق عليه تنمو العين، وذلك منفعة لصاحب الرقبة.
فإذا أدرك الخدمة صار كالكبير. والمنفعة في الكبير على من له الخدمة؛ لأنه إنما يتمكن من استخدامه بالاتفاق عليه إذ العبد لا يقوى على الخدمة إلا به وإن كان الاتفاق عليه رده إلى من له الرقبة كالمستعير مع المعير.
وفي " المبسوط " و " الجامع " للتمرتاشي نفقة العبد الموصى لخدمته وكسوته على صاحب الخدمة، وبه قال الإصطخري من أصحاب الشافعي وأحمد - رحمهما الله - في رواية. وقال الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبهما: على صاحب الرقبة، وفي قول للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجب في كسبه، فإن لم يف ففي بيت المال.
وإن جنى جناية فالفداء على من له الخدمة. وفي " المحيط ": لو أبى صاحب الخدمة أن يفديه فداه صاحب الرقبة أو يدفعه ويطلب الوصية.
م: (ولها) ش: أي وبهذه المسألة م: (نظائر) ش: ذكرها المصنف واضحة م: (وهو ما إذا أوصى بأمة لرجل وبما في بطنها) ش: أي أوصى بما في بطنها لآخر م: (وهي) ش: أي الأمة م: (تخرج من الثلث أو أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصه أو قال: هذه القوصرة) ش: بالتشديد والتخفيف، وهي التمر يتخذ من القضب م: (لفلان وما فيها من الثمر لفلان كان كما أوصى ولا(13/489)
أوصى ولا شيء لصاحب الظرف في المظروف في هذه المسائل كلها، أما إذا فصل أحد الإيجابين عن الآخر فيها فكذلك الجواب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وعلى قول محمد: الأمة للموصى له بها، والولد بينهما نصفان، وكذلك في أخواتها. لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن بإيجابه في الكلام الثاني تبين أن مراده من الكلام الأول إيجاب الأمة للموصى له بها دون الولد وهذا البيان منه صحيح وإن كان مفصولا؛ لأن الوصية لا تلزم شيئا في حال حياة الموصي، فكان البيان المفصول فيه والموصول سواء كما في وصية الرقبة والخدمة. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن اسم الخاتم يتناول الحلقة والفص، وكذلك اسم الجارية يتناولها وما في بطنها، واسم القوصرة كذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
شيء لصاحب الظرف في المظروف في هذه المسائل كلها) ش: المظروف هو الولد والفص والتمر، هذا إذا كان أحد الإيجابين موصولا بالآخر.
م: (أما إذا فصل أحد الإيجابين عن الآخر فيها) ش: أي في هذه المسائل م: (فكذلك الجواب عند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي كان كما أوصى، ولا شيء لصاحب الظرف في المظروف م: (وعلى قول محمد الأمة للموصى له بها والولد بينهما نصفان، وكذلك في أخواتها) ش: والصواب في أختيها وهو الخاتم مع الفص، والقوصرة مع التمر كذلك، قاله الكاكي.
وقال الأترازي: أي أخوات مسألة الوصية بالأمة لرجل وبما في بطنها لآخر، وأراد بأخواتها مسألة الخاتم مع الفص، ومسألة القوصرة مع التمر، ومسألة الشاة مع الصوف، ومسألة الدار مع البناء، ومسألة السيف مع الحلية، والبستان والتمر مثل ذلك، والأرض والنخل مثل ذلك.
م: (لأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن بإيجابه في الكلام الثاني تبين أن مراده من الكلام الأول إيجاب الأمة للموصى له بها دون الولد، وهذا البيان منه صحيح وإن كان مفصولا؛ لأن الوصية لا تلزم شيئا في حال حياة الموصي، فكان البيان المفصول فيه والموصول سواء، كما في وصية الرقبة والخدمة) ش: فإن هناك الموصول والمفصول سواء في الحكم.
م: (ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) ش: تأخير تعليل محمد، والجواب عما استدل به أبو يوسف في الكتاب. وفي " المبسوط " دليل على أن المعمول على قول محمد: م: (أن اسم الخاتم يتناول الحلقة والفص، وكذلك اسم الجارية يتناولها وما في بطنها، واسم القوصرة كذلك) ش: يعني يطلق على التمر والظرف جميعا.(13/490)
ومن أصلنا أن العام الذي موجبه ثبوت الحكم على سبيل الإحاطة بمنزلة الخاص فقد اجتمع في الفص وصيتان وكل منهما وصية بإيجاب على حدة، فيجعل الفص بينهما نصفين، ولا يكون إيجاب الوصية فيه للثاني رجوعا عن الأول، كما إذا أوصى للثاني بالخاتم بخلاف الخدمة مع الرقبة؛ لأن اسم الرقبة لا يتناول الخدمة، وإنما يستخدمه الموصى له بحكم أن المنفعة حصلت على ملكه، فإذا أوجب الخدمة لغيره لا يبقى للموصى له فيه حق بخلاف ما إذا كان الكلام موصولا؛ لأن ذلك دليل التخصيص والاستثناء، فتبين أنه أوجب لصاحب الخاتم الحلقة خاصة دون الفص.
قال: ومن أوصى لآخر بثمرة بستانه ثم مات وفيه ثمرة فله هذه الثمرة وحدها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ومن أصلنا أن العام الذي موجبه ثبوت الحكم على سبيل الإحاطة بمنزلة الخاص) ش: في أنه يوجب الحكم فيما يتناوله على وجه القطع، فإذا كان كذلك م: (فقد اجتمع في الفص وصيتان، وكل منهما وصية بإيجاب على حدة، فيجعل الفص بينهما نصفين، ولا يكون إيجاب الوصية فيه للثاني رجوعا عن الأول، كما إذا أوصى للثاني بالخاتم) ش: لا يكون ذلك رجوعا عن الأول بل يكون الفص بينهما.
م: (بخلاف الخدمة مع الرقبة) ش: بأن أوصى برقبة العبد لإنسان وبرقبته لآخر يكون ذلك كما أوصى، ولا تكون الخدمة مشتركة بينهما م: (لأن اسم الرقبة لا يتناول الخدمة، وإنما يستخدمه الموصى له) ش: بالرقبة م: (بحكم أن المنفعة حصلت على ملكه) ش: ولا حق للغير فيه م: (فإذا أوجب الخدمة لغيره) ش: أي إذا أوصى بالخدمة لغيره م: (لا يبقى للموصى له فيه حق) ش: في الخدمة، فكان الموصى له أخص بالخدمة.
م: (بخلاف ما إذا كان الكلام موصولا؛ لأن ذلك دليل التخصيص والاستثناء) ش: ذلك بيان تغير، فيصح بشرط الوصي م: (فتبين أنه أوجب لصاحب الخاتم الحلقة خاصة دون الفص) .
فإن قيل: الذي أوصى له بالخاتم فقد أوصى له بالفص أيضا فلم لا يكون الفص بينهما؟.
أجيب بأن وصية صاحب الفص أقوى؛ لأنه مقصود إليه، ووصيته للآخر على وجه التبع، فصار وصية صاحب الفص أولى وأقوى؛ لأنه مقصود إليه، فوجب أن يكون أولى؛ لأن في الوصايا يعتبر الأقوى فالأقوى، ولهذا كان العتق في المرض أقوى من سائر الوصايا.
[أوصى لآخر بثمرة بستانه ثم مات وفيه ثمرة]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى لآخر بثمرة بستانه ثم مات وفيه ثمرة فله هذه الثمرة وحدها) ش: أي في الثمرة الموجودة وقت الموت، وإنما قيد بقوله وفيه ثمرة لأنه إذا لم يكن فيها ثمرة والمسألة بحالها، فمسألة الثمرة كمسألة الغلة في أنه يتناول المعدوم ما عاش، ذكره في " المبسوط "، ثم سقى البستان وخراجه وما فيه صلاحه على(13/491)
وإن قال: له ثمرة بستاني أبدا فله هذه الثمرة وثمرته فيما يستقبل ما عاش. وإن أوصى له بغلة بستانه فله الغلة القائمة وغلته فيما يستقبل، والفرق: أن الثمرة اسم للموجود عرفا، فلا يتناول المعدوم إلا بدلالة زائدة مثل التنصيص على الأبد؛ لأنه لا يتأبد إلا بتناول المعدوم، والمعدوم مذكور وإن لم يكن شيئا. أما الغلة فتنتظم الموجود وما يكون بعرض الوجود مرة أخرى عرفا، يقال: فلان يأكل من غلة بستانه ومن غلة أرضه وداره، فإذا أطلقته يتناولهما عرفا غير موقوف على دلالة أخرى، أما الثمرة إذا أطلقت لا يراد بها إلا الموجود، فلهذا يفتقر الانصراف إلى دليل زائد. قال: ومن أوصى لرجل بصوف غنمه أبدا أو بأولادها أو بلبنها ثم مات فله ما في بطونها من الولد وما في ضروعها من اللبن وما على ظهورها من الصوف يوم يموت الموصي سواء قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
صاحب الغلة؛ لأنه هو المنتفع به كما في النفقة. والخلاف فيه كالخلاف في النفقة.
م: (وإن قال له ثمرة بستاني أبدا فله هذه الثمرة وثمرته فيما يستقبل ما عاش، وإن أوصى له بغلة بستانه فله الغلة القائمة وغلته فيما يستقبل، والفرق) ش: بين الغلة والثمرة م: (أن الثمرة اسم للموجود عرفا) ش: وفي " المبسوط " الثمرة اسم للموجود حقيقة م: (فلا يتناول المعدوم إلا بدلالة زائدة مثل التنصيص على الأبد؛ لأنه لا يتأبد إلا بتناول المعدوم والمعدوم مذكور وإن لم يكن شيئا) ش: يعني إذا نص على الأبد تدخل الثمار الموجودة باعتبار أنه مذكور لا باعتبار أن المعدوم شيء، كما إذا أوصى بثلث ماله لزيد ولا مال له ثم اكتسب مالا عند الموت يستحق ثلثه باعتبار أن المعدوم مذكور، لا باعتبار أن المعدوم شيء، وهذا بقي كقول المعتزلة واستدلالهم لهذه المسألة على أن المعدوم شيء.
م: (أما الغلة فتنتظر الموجود وما يكون بعرض الوجود مرة أخرى عرفا، يقال: فلان يأكل من غلة بستانه ومن غلة أرضه وداره، فإذا أطلقت) ش: أي الغلة م: (يتناولهما عرفا) ش: أي الموجود والحادث م: (غير موقوف على دلالة أخرى، أما الثمرة إذا أطلقت لا يراد بها إلا الموجود، فلهذا يفتقر الانصراف إلى دليل زائد) ش: مثل ما إذا قال: أبدا، وما عاش، علمنا أنه أراد به الموجود والحادث جميعا، فيصرف إليهما وإن لم يكن في البستان ثمرة وقت الموت فإن في القياس لا شيء له. وفي الاستحسان لو لم يدخل فيه ثمرة البستان [....] كلام الموصى، ولو دخل فيه صح كلامه، والكلام إذا احتمل الصحة والفساد حمل على الصحة كما قالوا فيمن أوصى لولد فلان وليس له ولد جاز منه الوصية لولد ولده، فكذا هذا.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى لرجل بصوف غنمه أبدا أو بأولادها أو بلبنها ثم مات فله) ش: أي فللرجل الذي أوصى له م: (ما في بطونها من الولد وما في ضروعها من اللبن وما على ظهورها من الصوف يوم يموت الموصي سواء قال(13/492)
أبدا أو لم يقل؛ لأنه إيجاب عند الموت، فيعتبر قيام هذه الأشياء يومئذ، وهذا بخلاف ما تقدم. والفرق: أن القياس يأبى تمليك المعدوم؛ لأنه لا يقبل الملك إلا أن في الثمرة والغلة المعدومة جاء الشرع بورود العقد عليها كالمعاملة والإجارة فاقتضى ذلك جوازه في الوصية بالطريق الأولى؛ لأن بابها أوسع، أما الولد المعدوم وأختاه فلا يجوز إيراد العقد عليها أصلا ولا تستحق بعقد ما، فكذلك لا يدخل تحت الوصية بخلاف الموجود منها لأنه يجوز استحقاقها بعقد البيع تبعا، وبعقد الخلع مقصودا، فكذا بالوصية، والله أعلم بالصواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أبدا أو لم يقل؛ لأنه إيجاب عند الموت فيعتبر قيام هذه الأشياء يومئذ، وهذا) ش: أي الإيصاء بصوف الغنم على ظهورها أو نحوه م: (بخلاف ما تقدم) ش: من المذكور من الوصية بثمرة البستان والوصية بالغلة.
م: (والفرق) ش: بين هذا وبين ما تقدم م: (أن القياس يأبى تمليك المعدوم) ش: من هذه الأشياء م: (لأنه) ش: المعدوم م: (لا يقبل الملك) ش: والحادث فيها متولد من أصل مملوك للوارث م: (إلا أن في الثمرة) ش: أي إلا أن في استحقاق الثمرة م: (والغلة المعدومة) ش: أي في استحقاق الغلة المعدومة م: (جاء الشرع بورود العقد عليها كالمعاملة والإجارة) ش: وفي بعض النسخ: كالإجارة والمعاملة م: (فاقتضى ذلك) ش: أي ورود الشرع فيما ذكر م: (جوازه) ش: أي جواز العقد م: (في الوصية بالطريق الأولى؛ لأن بابها أوسع) ش: لأن باب الوصية أوسع من غيرها.
م: (أما الولد المعدوم وأختاه) ش: أي أختا الولد المعدوم، وهما الصوف المعدوم واللبن المعدوم م: (فلا يجوز إيراد العقد عليها أصلا ولا تستحق بعقد ما) ش: أي لا يصح استحقاقها أصلا بعقد من العقود م: (فكذلك لا يدخل تحت الوصية) ش: ولا يصح استحقاقها بعقد الوصية أيضا.
م: (بخلاف الموجود منها) ش: أي من الأشياء المذكورة م: (لأنه يجوز استحقاقها بعقد البيع تبعا) ش: حيث يدخل الصوف في بيع الغنم واللبن لذلك م: (وبعقد الخلع) ش: أي يدخل بعقد الخلع م: (مقصودا) ش: صورته: قالت لزوجها خالعني على ما في بطن جاريتي أو غنمي صح وله ما في بطنها وإن لم يكن في البطن شيء له فلا شيء له وما حدث بعده للمرأة؛ لأن ما في البطن قد يكون له قيمة وقد لا يكون، فلم تغرم، حتى لو قالت: على حمل جاريتي وليس في بطنها حمل يرد المهر، كذا قال في التعامل م: (فكذا بالوصية) ش: أي فكذا تجوز بها م: (والله أعلم بالصواب) .(13/493)
باب وصية الذمي قال: وإذا صنع يهودي أو نصراني بيعة أو كنيسة في صحته ثم مات فهو ميراث؛ لأن هذا بمنزلة الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والوقف عنده يورث ولا يلزم، فكذا هذا. وأما عندهما: فلأن هذه معصية فلا تصح عندهما. قال: ولو أوصى بذلك لقوم مسمين فهو من الثلث معناه: إذا أوصى أن تبنى داره بيعة أو كنيسة فهو جائز من الثلث؛ لأن الوصية فيها معنى الاستخلاف ومعنى التمليك، وله ولاية ذلك فأمكن تصحيحه على اعتبار المعنيين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب وصية الذمي]
م: (باب وصية الذمي) ش: هذا باب في بيان حكم وصية الذمي.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا صنع يهودي أو نصراني بيعة أو كنيسة) ش: للنصارى، والأصح أن البيعة للنصارى والكنيسة لليهود م: (في صحته ثم مات فهو ميراث) ش: بالاتفاق بين أصحابنا على اختلاف التخريج، أشار بقوله م: (لأن هذا بمنزلة الوقف عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، والوقف عنده يورث ولا يلزم) ش: إلا بحكم الحاكم لما عرف في كتاب الوقف م: (فكذا هذا) ش: يعني الوقف إذا كان لمسلم يورث، فكذا إذا كان لذمي، لكن إذا لم يكن. فإن كان مسجدا لا يورث ولا يقال البيعة في حقهم كالمسجد في حقنا والمسلم لو جعل داره مسجدا لا يورث، فينبغي أن تكون البيعة كذلك؛ لأنا نقول: المسجد محرز عن حقوق العباد فيصير لله تعالى خالصا فلا يورث، ولا كذلك البيعة؛ لأن البيع عندهم للمنافع، فإن أساقفتهم تسكن فيها وتدفن فيها موتاهم، كذا في " جامع قاضي خان " وغيره.
م: (وأما عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (فلأن هذه معصية فلا تصح عندهما) ش: أي فلا تصح الوصية بالمعصية، وهو قول الأئمة الثلاثة، فإذا كان كذلك فيورث بالاتفاق بلا خلاف بين العلماء، والخلاف في التخريج كما رأته.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ولو أوصى) ش: أي الذمي م: (بذلك) ش: أي محمد في " الجامع الصغير "، أي كنيسة على ما فسره المصنف الآن م: (لقوم مسمين) ش: أي معلومين يحصى عددهم جاز بالاتفاق، وفيه خلاف الشافعي وأحمد - رحمهما الله.
م: (فهو من الثلث) ش: أي فهو جائز من ثلثه، قال المصنف: م: (معناه: إذا أوصى أن تبنى داره بيعة أو كنيسة فهو جائز من الثلث؛ لأن الوصية فيها معنى الاستخلاف ومعنى التمليك وله) ش: أي وللذمي م: (ولاية ذلك فأمكن تصحيحه على اعتبار المعنيين) ش: أي معنى الاستحقاق ومعنى التمليك.(13/494)
قال: وإن أوصى بداره كنسية لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: الوصية باطلة؛ لأن هذه معصية حقيقة، وإن كان في معتقدهم قربة والوصية بالمعصية باطلة لما في تنفيذها من تقرير المعصية. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن هذه قربة في معتقدهم، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون؛ فتجوز بناء على اعتقادهم، ألا يرى أنه لو أوصى بما هو قربة حقيقة معصية في معتقدهم لا تجوز الوصية اعتبارا لاعتقادهم، فكذا عكسه. ثم الفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين بناء البيعة والكنيسة وبين الوصية به: أن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني، وإنما يزول ملكه بأن يصير محرزا خالصا لله تعالى، كما في مساجد المسلمين، والكنيسة لم تصر محرزة لله تعالى حقيقة. فتبقى ملكا للباني فتورث عنه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وإن أوصى بداره كنيسة لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وقالا: الوصية باطلة؛ لأن هذه معصية حقيقة، وإن كان في معتقدهم قربة، والوصية بالمعصية باطلة) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لما في تنفيذها) ش: أي لتنفيذ هذه الوصية م: (من تقرير المعصية) ش: وهو لا يجوز.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن هذه قربة في معتقدهم، ونحن أمرنا بأن نتركهم وما يدينون) ش: وفي بعض النسخ: وما يعتقدون م: (فتجوز بناء على اعتقادهم) ش: ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا يرى أنه لو أوصى بما هو قربة حقيقة معصية في معتقدهم لا تجوز الوصية اعتبارا لاعتقادهم، فكذا عكسه) ش: الأصل في هذا الاعتبار المعتقد، فإنهم لو أوصوا بالحج لم يعتبر، وإن كان عبادة عندنا بلا خلاف. فكذا إذا أوصوا بما هو في اعتقادهم عبادة صح، وإن كان عندنا معصية لأنا أمرنا بتركهم وما يدينون كما في الخمر والخنزير، حيث يجوز بينهم فيما بينهم؛ لأنهم يدينون جواز ذلك وهم يدينون جواز الإيصاء ببناء البيعة والكنيسة فيجوز ذلك فيما على اعتقادهم قالوا: هذا الاختلاف إذا أوصى ببناء بيعة أو كنيسة في القرى، أما في المصر فلا يجوز باتفاق؛ لأنهم لا يمكنون من إحداث ذلك في الإيصاء.
م: (ثم الفرق لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - بين بناء البيعة والكنيسة وبين الوصية به) ش: أي ببناء ذلك ثم مات يورث، وإذا أوصى ببناء ذلك ثم مات لا تورث: م: (أن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني وإما يزول ملكه بأن يصير محرز. خالصا لله تعالى كما في مساجد المسلمين والكنيسة لم تصر محرزة لله تعالى حقيقة) ش: ألا ترى أن أساقفتهم ورهبانهم يسكنون فيها في الحجرات ويدفنون فيها موتاهم، والمسمى أيضا إذا لم يكن خالصا لله تعالى يورث، كما إذا جعل داره مسجدا وتحته سرداب وفوقه بيت، وإذا كان الأمر كذلك م: (فتبقى ملكا للباني فتورث عنه) .(13/495)
ولأنهم يبنون فيها الحجرات ويسكنونها، فلم يتحرز لتعلق حق العباد به، وفي هذه الصورة يورث المسجد أيضا لعدم تحرزه، بخلاف الوصية؛ لأنه وضع لإزالة الملك، إلا أنه امتنع ثبوت مقتضاه في غير ما هو قربة عندهم، فبقي فيما هو قربة على مقتضاه فيزول ملكه فلا يورث. ثم الحاصل أن وصايا الذمي على أربعة أقسام منها: أن تكون قربة في معتقدهم، ولا تكون قربة في حقنا، وهو ما ذكرناه. وأما إذا أوصى الذمي بأن تذبح خنازيره وتطعم المشركين، وهذه على الخلاف إذا كان لقوم غير مسمين كما ذكرناه، والوجه ما بيناه. ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج أو بأن يبني مسجدا للمسلمين أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، فهذه الوصية باطلة بالإجماع اعتبارا لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم لوقوعه تمليكا؛ لأنهم معلومون والجهة مشهورة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ولأنهم يبنون فيها) ش: دليلا آخر، أي في البيع والكنائس م: (الحجرات) ش: وهي جمع حجرة م: (ويسكنونها فلم يتحرز لتعلق حق العباد به، وفي هذه الصورة يورث المسجد أيضا لعدم تحرزه، بخلاف الوصية) ش: متصل بقوله: إن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني م: (لأنه وضع لإزالة الملك) ش: أي لأن الوصية على تأويل الإيصاء أيضا لإزالة الملك م: (إلا أنه امتنع ثبوت مقتضاه) ش: أي مقتضى الوصية على التأويل أيضا م: (في غير ما هو قربة عندهم فبقي) ش: أي الوصية على التأويل المذكور م: (فيما هو قربة على مقتضاه، فيزول ملكه فلا يورث) .
م: (ثم الحاصل) ش: في هذه: م: (أن وصايا الذمي على أربعة أقسام، منها أن تكون قربة في معتقدهم ولا تكون قربة في حقنا، وهو ما ذكرناه) ش: أراد به الوصية ببناء البيعة والكنيسة م: (وأما إذا أوصى الذمي بأن تذبح خنازيره وتطعم المشركين، وهذه على الخلاف إذا كان لقوم غير مسمين كما ذكرناه) ش: وهو قوله: وإن أوصى بداره كنيسة لقوم غير مسمين جازت الوصية عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ... إلخ.
م: (والوجه ما بيناه) ش: أي من الجانبين وهو المعتبر عنده اعتقادهم وعندهما: أنها وصية بمعصية.
م: (ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج أو بأن يبني مسجدا للمسلمين، أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، فهذه الوصية باطلة بالإجماع اعتبارا لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم) ش: فإنها تصح م: (لوقوعه تمليكا؛ لأنهم معلومون والجهة مشهورة) ش: يعني أن كلامه في صرف المال الموصى به أي استضاءة المسجد وغيرها مخرج منه على الطريق المشهورة لا على طريق الإلزام.
قال قاضي خان: ولو كان لقوم بأعيانهم صحت، ويكون تمليكا منهم وتبطل الجهة التي(13/496)
ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا وفي حقهم، كما إذا أوصى بأن تسرج في بيت المقدس أو يغزي الترك وهو من الروم، وهذا جائز سواء كانت لقوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم؛ لأنه وصية بما هو قربة حقيقة وفي معتقدهم أيضا. ومنها إذا أوصى بما لا يكون قربة لا في حقنا ولا في حقهم، كما إذا أوصى للمغنيات والنائحات فإن هذا غير جائز؛ لأنه معصية في حقنا وفي حقهم، إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إن كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر. وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته بين أبي حنيفة وصاحبيه - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وفي المرتدة، الأصح أنه تصح وصاياها؛ لأنها تبقى على الردة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
عينها، إن شاء فعلوا وإن شاء تركوا، وإن كانوا لا يحصون لا تصح الوصية؛ لأنه لا يمكن تصحيحه تمليكا، وأنها ليست بقربة في اعتقادهم.
ومنها: إذا أوصى بأن يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج، أو بأن يعني مسجد المسلمين، أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، وهذه الوصية باطلة بالإجماع إخبارا، لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم لوقوعه تمليكا؛ لأنهم معلومون والجهة مشهورة.
م: (ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا وفي حقهم، كما إذا أوصى بأن تسرج في بيت المقدس أو يغزي الترك وهو) ش: الذي أوصى م: (من الروم وهذا جائز، سواء كان لقوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم؛ لأنه وصية بما هو قربة حقيقة، وفي معتقدهم أيضا) ش: أن الديانة متفقة من الكل على ذلك؛ لأن هذا، مما يتقرب به المسلمون وأهل الذمة جميعا.
م: (ومنها: إذا أوصى بما لا يكون قربة لا في حقنا ولا في حقهم، كما إذا أوصى للمغنيات والنائحات، فإن هذا غير جائز؛ لأنه معصية في حقنا وفي حقهم، إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إن كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر. وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته) ش: إلا أن يكون لقوم بأعيانهم؛ لأنه وصية، فتصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إذا كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم؛ لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر، وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد، فيكون على الخلاف المعروف م: (بين أبي حنيفة وصاحبيه - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وهو: أن ملكه لا يزول عنده خلافا لهما.
م: (وفي المرتدة: الأصح أنه تصح وصاياها؛ لأنها تبقى على الردة) ش: ولا تقتل فصارت(13/497)
بخلاف المرتد؛ لأنه يقتل أو يسلم. قال: وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز؛ لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة، ولهذا تنفذ إجازتهم، وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب، إذ هم أموات في حقنا، ولأن حرمة ماله باعتبار الأمان، والأمان كان لحقه لا لحق ورثته. فلو كان أوصى بأقل من ذلك أخذت الوصية ويرد الباقي على ورثته الذين في دار الحرب وإن كانت ورثته معه حين دخل بالأمان وأوصى بماله كله يتوقف على إجازتهم، وذلك من حق المستأمن أيضا. ولو أعتق عبده عند الموت أو دبر عبده في دار الإسلام، فذلك صحيح منه من غير اعتبار الثلث لما بينا. وكذلك لو أوصى له مسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
كالذمية في صحة الوصية م: (بخلاف المرتد؛ لأنه يقتل أو يسلم) ش: وذكر المصنف في " زياداته " على خلاف هذا.
وقال: قال بعضهم: لا يكون بمنزلة الذمية، وهو الصحيح، حتى لا يصح منها وصية. والفرق بينها وبين الذمية أن الذمية تقر على اعتقادها، أما المرتدة لا تقر على اعتقادها؛ لأنها تجبر على الإسلام بالحبس ولا منافاة بين كلاميه؛ لأنه قال هناك: " الصحيح " وهاهنا " الأصح "، وهما مصدقان.
م: (قال) ش: أي محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز؛ لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة، ولهذا ينفذ بإجازتهم، وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب إذ هم أموات في حقنا) ش: أي حكمهم كحكم الأموات.
م: (ولأن حرمة ماله باعتبار الأمان والأمان كان لحقه لا لحق ورثته. فلو كان أوصى بأقل من ذلك أخذت الوصية ويرد الباقي على ورثته الذين في دار الحرب وإن كانت ورثته معه حين دخل بالأمان وأوصى بماله كله يتوقف على إجازتهم) ش: وإليه الإشارة في الكتاب بقوله: وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب م: (وذلك من حق المستأمن أيضا) ش: هذا جواب عما يرد على قوله: ورد الباقي على ورثته، وهو أن يقال: قد قلت: ليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب فكيف يرد عليهم الباقي؟ ووجهه: أن ذلك المرد على الورثة أيضا مراعاة لحق المستأمن لا من حقه تسليم ماله إلى ورثته عند الفراغ من حاجته، والزيادة على مقدار ما أوصى به فارغ عن ذلك.
م: (ولو أعتق عبده) ش: أي عبد الحربي م: (عند الموت أو دبر عبده في دار الإسلام، فذلك صحيح منه من غير اعتبار الثلث لما بينا) ش: إشارة إلى قوله: لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة إلى آخره م: (وكذلك لو أوصى له مسلم) ش: أي وكذا الحكم لو أوصى للحربي(13/498)
أو ذمي بوصية جاز؛ لأنه ما دام في دار الإسلام فهو في المعاملات بمنزلة الذمي، ولهذا تصح عقود التمليكات منه في حال حياته، ويصح تبرعه في حياته؛ فكذا بعد مماته، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - أنه لا يجوز؛ لأنه مستأمن من أهل الحرب إذ هو على قصد الرجوع، ويمكن منه ولا يمكن من زيادة المقام على السنة إلا بالجزية. ولو أوصى الذمي بأكثر من الثلث لبعض ورثته لا يجوز اعتبارا بالمسلمين؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، ولو أوصى لخلاف ملته جاز اعتبارا بالإرث، إذ الكفر كله ملة واحدة. ولو أوصى لحربي في دار الإسلام لا يجوز؛ لأن الإرث ممتنع لتباين الدارين والوصية أخته، والله أعلم بالصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الذمي دخل بأمان مسلم م: (أو ذمي بوصية جاز؛ لأنه ما دام في دار الإسلام فهو في المعاملات بمنزلة الذمي، ولهذا تصح عقود التمليكات منه في حال حياته، ويصح تبرعه في حياته، فكذا بعد مماته) .
م: (وعن أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله -: أنه لا يجوز؛ لأنه مستأمن من أهل الحرب، إذ هو على قصد الرجوع، ويمكن منه) ش: أي من الرجوع م: (ولا يمكن من زيادة المقام) ش: أي الإقامة م: (على السنة إلا بالجزية) . م: (ولو أوصى الذمي بأكثر من الثلث لبعض ورثته) ش: أو أوصى بعض ورثته بوصية م: (لا يجوز اعتبارا بالمسلمين؛ لأنهم التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات، ولو أوصى لخلاف ملته) ش: بأن أوصى نصراني أو يهودي أو بالعكس م: (جاز اعتبارا بالإرث، إذ الكفر كله ملة واحدة) .
م: (ولو أوصى) ش: الذمي في دار الإسلام م: (لحربي) ش: في دار الحرب، وقوله م: (في دار الإسلام) ش: ظرف لقوله: " أوصى " لا لقوله " حربي " لأن الذمي تجوز وصيته كمتسأمن في دار الإسلام قوله: م (لا يجوز) ش: جواب م: (لأن الإرث ممتنع لتباين الدارين والوصية أخته) ش: أي أخت الإرث، وعند مالك وأحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأكثر أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز م: (والله أعلم بالصواب) .(13/499)
باب ما يتعلق بأحكام الموصي وما يملكه قال: ومن أوصى إلى رجل فقبل الوصي في وجه الموصي وردها في غير وجهه فليس برد؛ لأن الميت مضى لسبيله معتمدا عليه، فلو صح رده، في غير وجهه في حياته أو بعد مماته صار مغرورا من جهته فرد رده، بخلاف الوكيل بشراء عبد بغير عينه أو ببيع ماله، حيث يصح رده في غير وجهه؛ لأنه لا ضرر هناك؛ لأنه حي قادر على التصرف بنفسه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[باب ما يتعلق بأحكام الموصي وما يملكه]
[أوصى إلى رجل فقبل الوصي في وجه الموصي وردها في غير وجهه]
م: (باب ما يتعلق بأحكام الموصي، وما يملكه) ش: أي هذا باب في بيان ما يتعلق بأحكام الوصي، وهو الذي يوصى إليه، وفي بيان حكم ما يملك الوصي. ولما فرغ من أحكام الموصى له شرع في بيان الموصى إليه، وقدم الموصى له لكثرة وقوعه.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى رجل فقبل الوصي في وجه الموصي وردها) ش: أي الوصية م: (في غير وجهه) ش: أي بغير علم الموصي م: (فليس برد) ش: يعني لا يعتبر برده م: (لأن الميت مضى لسبيله) ش: أي مات حال كونه م: (معتمدا عليه) ش: أي على الوصي الذي قبل في وجه الميت م: (فلو صح رده في غير وجهه في حياته أو بعد مماته صار مغرورا من جهته فرد رده) ش: أي رد الوصي بغير علم الموصي وبعد مماته.
وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - له رده بغير علمه وبعد موته. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: رواية في الرد وبعد موته مثل قولنا.
م: (بخلاف الوكيل بشراء عبد بغير عينه، أو ببيع ماله حيث يصح رده في غير وجهه؛ لأنه لا ضرر هناك؛ لأنه حي قادر على التصرف بنفسه) ش: قوله: " بغير عينه " احترازا عن الوكيل بشراء عبد بعينه؛ لأنه لا يملك عزل نفسه ثمة أيضا بغير علم الموكل، كما في الوصي؛ لأنه يؤدي إلى تقرير الموكل.
وفي " النهاية ": هذا الذي ذكره معنى صاحب " الهداية " مخالف لعامة روايات الكتب من " الذخيرة " وأدب القاضي " للصدر الشهيد و " جامع المحبوبي " و " فتاوى قاضي خان " - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - حيث ذكر فيها: أن الوكيل لو عزل نفسه حال غيبة الموكل وكذا من غير علمه لا ينعزل، حتى لو عزل نفسه لا يخرج عن الوكالة.
وقال الأترازي: أداه كله بشراء شيء بعينه له أن يعزل نفسه بمحضر من موكله على قول بعض المشايخ، وإليه أشار صاحب " الهداية " في كتاب الوكالة في فصل الشراء بقوله ولا يملك على ما قيل إلا بمحضر من الموكل، إذ لا يملك الوكيل عزل نفسه بغير علم الموكل على قول(13/500)
فإن ردها في وجهه فهو رد؛ لأنه ليس للموصي ولاية إلزامه التصرف ولا غرور فيه؛ لأنه يمكنه أن ينيب غيره. وإن لم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي فهو بالخيار إن شاء قبل، وإن شاء لم يقبل؛ لأن الموصي ليس له ولاية الإلزام، فبقي مخيرا، فلو أنه باع شيئا من تركته فقد لزمته؛ لأن ذلك دلالة الالتزام والقبول، وهو معتبر بعد الموت وينفذ البيع لصدوره من الموصي، وسواء علم بالوصاية أو لم يعلم، بخلاف الوكيل إذا لم يعلم بالتوكيل فباع حيث لا ينفذ؛ لأن الوصاية خلافة؛ لأنه يختص بحال انقطاع ولاية الميت، فتنتقل الولاية إليه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بعض المشايخ، فعن هذا عرفت أن ما قال بعضهم في " شرحه " هذا الذي قاله صاحب " الهداية " مخالف لعامة رواية الكتب ك " التتمة " و " الذخيرة "، وغيرهما ليس بشيء؛ لأن مراد ما ذكر في " التتمة " وغيرها من قوله الوكيل لا يملك إخراج نفسه عن الوكالة بغير علم الموكل، فإذا كان وكيلا بشراء شيء، بعينه متوافقة الروايات جميعها، ولم يختلف.
ونقل الأكمل ما قال صاحب " النهاية "، ثم نقل كلام الأترازي بقوله: قال بعض الشارحين، وسكت عليه لوصايته.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن ردها في وجهه فهو رد؛ لأنه ليس للموصي ولاية إلزامه التصرف ولا غرور فيه؛ لأنه يمكنه أن ينيب غيره، فإن لم يقبل ولم يرد حتى مات الموصي فهو بالخيار إن شاء قبله وإن شاء لم يقبل؛ لأن الموصي ليس له ولاية الإلزام فبقي مخيرا) ش: بين القبول والرد.
م: (فلو أنه) ش: أي الذي أوصى إليه م: (باع شيئا من تركته) ش: أي من تركة الميت الذي أوصى إليه وهو لم يقبل ولم يرد م: (فقد لزمته) ش: أي حكم الإيصاء إليه م: (لأن ذلك) ش: أي فعل من المبيع م: (دلالة الالتزام) ش: أي التزام الوصاية م: (والقبول) ش: لأن القبول تارة يكون بالدلالة، وتارة يكون بالإيضاح فهو باع شيئا من تركته كان ذلك قبولا منه بطريق الدلالة، وكذا لو اشترى شيئا للميت من بعض ما يحتاج إليه إذا قبض مالا أو قضاه.
م: (وهو معتبر بعد الموت) ش: يعني القبول يجوز أن يكون دلالة، فإنها تعمل عمل الصريح إذا لم يوجد صريح يخالفه، لكنه يتغير ذلك بعد الموت، أي بعد موت الموصي م: (وينفذ البيع) ش: أي البيع الذي باعه م: (لصدروه من الموصي، وسواء علم بالوصاية أو لم يعلم) ش: وهذه رواية " الزيادات " وبعض روايات " المأذون " فعلى هذه الرواية يحتاج إلى الفرق بين الوصاية والوكالة.
أشار إلى الفرق بقوله: م: (بخلاف الوكيل إذا لم يعلم بالتوكيل فباع حيث لا ينفذ؛ لأن الوصاية خلافة؛ لأنه يختص بحال انقطاع ولاية الميت، فتنتقل الولاية إليه) ش: يعني أن الموصى له(13/501)
وإذا كانت خلافة لا تتوقف على العلم كالوراثة، أما التوكيل فهو إنابة لثبوته في حال قيام ولاية المنيب، فلا يصح من غير علمه كإثبات الملك بالبيع والشراء وقد بينا طريق العلم وشرط الإخبار فيما تقدم من الكتب. وإن لم يقبل حتى مات الموصي فقال: لا أقبل ثم قال: أقبل فله ذلك إن لم يكن القاضي أخرجه من الوصية حين قال: لا أقبل؛ لأن بمجرد قوله لا أقبل لا يبطل الإيصاء؛ لأن في إبطاله ضررا بالميت، وضرر الوصي في الإبقاء مجبور بالثواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
خليفة للموصي والخلافة كالإرث فلا يتوقف على العلم كالإرث فتثبت بلا علم وهو معنى قوله م: (وإذا كانت خلافة لا تتوقف على العلم كالوراثة) ش: أي لا يتوقف استحقاق الوارث الإرث على علمه فيثبت بلا علمه.
م: (أما التوكيل فهو إبانة لثبوته في حال قيام ولاية المنيب فلا يصح من غير علمه) ش: بأنه وكيل م: (كإثبات الملك بالبيع والشراء) ش: قبل القبول، فإن باع شيئا وقال بعت هذا من فلان ولم يعلم، وكذا لو وهب من فلان ولم يعلم فلان يتوقف نفاذ العقود على القبول، كذا هذا.
وعلى رواية كتاب الوكالة: لا يشترط العلم للوكالة أيضا اعتبار الوصاية؛ لأن كلا منهما إثباته الولاية. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا يجوز بيع الوصي أيضا قبل العلم بالوصاية اعتبارا بالوكالة؛ لأن كلا منهما نيابة، لكن الوكالة قبل الموت وتلك بعد الموت.
م: (وقد بينا طريق العلم) ش: يعني في فصل: " القضاء بالمواريث "، يعني أن العلم بالوكالة تثبت بخبر الواحد رجلا كان أو امرأة صبيا كان أو بالغا. وكذلك العزل عندهما بخبر الواحد مطلقا. وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يشترط العدد والعدالة، حتى لا يثبت العزل عنده إلا بخبر اثنين أو بخبر الواحد العدل م: (وشرط الإخبار فيما تقدم من الكتب) ش: ومن تلك الكتب ما ذكره المصنف في كتاب " أدب القاضي " في فصل " القضاء بالمواريث " بقوله: وهذا علم من الناس بالوكالة إلى آخره.
م: (وإن لم يقبل) ش: أي الرجل الوصية م: (حتى مات الموصي فقال لا أقبل ثم قال: أقبل فله ذلك إن لم يكن القاضي أخرجه من الوصية حين قال: لا أقبل؛ لأن بمجرد قوله لا أقبل لا يبطل الإيصاء؛ لأن في إبطاله ضررا بالميت، وضرر الوصي في الإبقاء مجبور بالثواب) ش: هذا جواب عما يقال: كما يلزم الضرر بالميت في بطلان الإيصاء بقوله: " لا أقبل " يلزم الضرر أيضا بالوصي في بقاء الإيصاء ولزومه؛ لأنه يعجز عن القيام بذلك علم تحكيم ضرر الوصي دون ضرر الميت.
حيث قلتم لا يبطل الإيصاء بقوله: " لا أقبل " فأجاب بقوله: وضرر الوصي مجبور(13/502)
ودفع الأول - وهو أعلى - أولى، إلا أن القاضي إذا أخرجه عن الوصاية يصح ذلك؛ لأنه مجتهد فيه، إذ للقاضي ولاية دفع الضرر، وربما يعجز عن ذلك فيتضرر ببقاء الوصاية، فيدفع القاضي الضرر عنه، وينصب حافظا لمال الميت متصرفا فيه فيندفع الضرر من الجانبين، فلهذا ينفذ إخراجه. فلو قال بعد إخراج القاضي إياه: أقبل، لم يلتفت إليه؛ لأنه قبل بعد بطلان الوصاية بإبطال القاضي.
قال: ومن أوصى إلى عبد أو كافر أو فاسق أخرجهم القاضي من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالثواب، بيانه: لما لم يكن دفع الضررين جميعا لا بد من أن يتحمل أدنى الضررين بدفع الضرر الأعلى، والأعلى هنا ضرر الميت؛ لأن ضرره ليس بمجبور بشيء، وضرر الوصي مجبور بالثواب.
م: (ودفع الأول) ش: أي أولى الضررين، وهو ضرر الميت م: (وهو أعلى) ش: أي والحال أن ضرر الميت م: (أولى) ش: من دفع ضرر الوصي م: (إلا أن القاضي إذا أخرجه عن الوصاية يصح ذلك) ش: هذا استثناء من قوله: " ثم قال: أقبل فله ذلك "، يعني يجوز قبوله إلا إذا أخرجه القاضي من الوصاية حين قال: " لا أقبل "، يصح ذلك، أي إخراجه عن الوصاية م: (لأنه) ش: أي لأن قضاء القاضي م: (مجتهد فيه) ش: لأن عند زفر - رَحِمَهُ اللَّهُ - يرد بمجرد قوله: لا أقبل؛ فيصح قضاء القاضي لوقوعه في المجتهد فيه، فلما صح القضاء، بطلت الوصية، فقبوله بعد ذلك يكون بعد بطلان الوصية فلا يصح م: (إذ للقاضي ولاية دفع الضرر، وربما يعجز) ش: أي الوصي.
م: (عن ذلك فيتضرر ببقاء الوصاية، فيدفع القاضي الضرر عنه، وينصب حافظا لمال الميت متصرفا فيه، فيندفع الضرر من الجانبين) ش: أي من جانب الميت وجانب الوصي الذي أخرجه القاضي م: (فلهذا) ش: أي فلأجل وقوع قضاء القاضي في مجتهد فيه م: (ينفذ إخراجه) ش: أي إخراج القاضي إياه.
وكان المشايخ اختلفوا في تعليل صحة هذا الإخراج، فمنهم من علل بما ذكره المصنف وهو الذي ذهب إليه شمس الأئمة السرخسي، واختار المصنف، ومنهم من قال إنما صح إخراجه؛ لأن الوصاية لو صحت بقوله كان القاضي أن يخرجه ويصح الإخراج، فهاهنا أولى، وإليه ذهب شمس الأئمة الحلواني.
م: (فلو قال بعد إخراج القاضي إياه: " أقبل " لم يلتفت إليه؛ لأنه قبل بعد بطلان الوصاية بإبطال القاضي) ش: وبعد البطلان لا يبقى شيء.
[الوصية إلى العبد والفاسق والكافر]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى عبد أو كافر أو فاسق أخرجهم القاضي من(13/503)
الوصاية ونصب غيرهم وهذا اللفظ يشير إلى صحة الوصية؛ لأن الإخراج يكون بعدها. وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل: أن الوصية باطلة، قيل: معناه في جميع هذه الصور أن الوصية ستبطل. وقيل معناه في العبد باطل حقيقة لعدم ولايته واستبداده، وفي غيره معناه ستبطل. وقيل: في الكافر باطل أيضا لعدم ولايته على المسلم. ووجه الصحة ثم الإخراج أن أصل النظر ثابت لقدرة العبد حقيقة، وولاية الفاسق على أصلنا، وولاية الكافر في الجملة، إلا أنه لم يتم النظر لتوقف ولاية العبد على إجازة المولى وتمكنه من الحجر بعدها،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الوصاية ونصب غيرهم) ش: إلى هنا كلام القدوري، وقال المصنف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (وهذا اللفظ) ش: أي لفظ القدوري م: (يشير إلى صحة الوصية؛ لأن الإخراج يكون بعدها) ش: لأن الوصية إذا كانت باطلة فمن أين يتحقق إخراجهم عن الوصية.
م: (وذكر محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في الأصل) ش: أي " المبسوط " م: (أن الوصية باطلة) ش: واختلف المشايخ في أنه باطل أصلا، ومعناه ستبطل، إليه أشار المصنف بقوله: م: (قيل: معناه) ش: أي معنى قول محمد أن الوصية باطلة م: (في جميع هذه الصور) ش: وهي الوصية إلى العبد والفاسق، والكافر م: (أن الوصية ستبطل) ش: وإليه ذهب القدوري وفخر الإسلام البزدوي وعامة المشايخ.
م: (وقيل معناه: في العبد باطل حقيقة لعدم ولايته واستبداده) ش: أي ولعدم استبداده في الأمور، وإليه ذهب شمس الأئمة السرخسي م: (وفي غيره) ش: أي وفي غير العبد م: (معناه ستبطل) ش: وغير العبد الكافر والفاسق.
م: (وقيل: في الكافر باطل أيضا لعدم ولايته على المسلم) ش: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] ، (النساء: الآية 141) ، م: (ووجه الصحة ثم الإخراج أن أصل النظر ثابت لقدرة العبد حقيقة، وولاية الفاسق على أصلنا) ش: حتى ينعقد النكاح بحضوره م: (وولاية الكافر في الجملة) ش: ألا ترى أن محمدا ذكر في كتاب القسمة أن الكافر لو قاسم شيئا قبل أن يخرجه القاضي جاز ذلك، فثبت أن الإيصاء إليه صحيح، وذلك لأن الكافر يجوز أن يتصرف بالوكالة، فجاز أن يتصرف بالوصاية أيضا. ولو اشترى الكافر عبدا مسلما جاز شراؤه، ولكنه يؤمر بالبيع، وقال مالك والشافعي في وجه وأحمد في رواية كقولنا.
م: (إلا أنه) ش: أي غير أنه م: (لم يتم النظر) ش: في إسناد الوصاية، إلى هؤلاء، وبين كل واحد بقوله م: (لتوقف ولاية العبد على إجازة المولى وتمكنه من الحجر بعدها) ش: أي بعد الإجازة. وعند مالك وأحمد - رحمهما الله -: تجوز الوصية إلى العبد سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره، وسيجيء مزيد الكلام فيه.(13/504)
والمعاداة الدينية الباعثة للكافر على ترك النظر في حق المسلم واتهام الفاسق بالخيانة فيخرجه القاضي من الوصاية، ويقيم غيره مقامه إتماما للنظر. وشرط في الأصل أن يكون الفاسق مخوفا عليه في المال، وهذا يصلح عذرا في إخراجه وتبديله بغيره. قال: ومن أوصى إلى عبد نفسه وفي الورثة كبار لم تصح الوصية؛ لأن للكبير أن يمنعه أو يبيع نصيبه فيمنعه المشتري فيعجز عن الوفاء بحق الوصاية فلا يفيد فائدته، وإن كانوا صغارا كلهم فالوصية إليه جائزة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولا تجوز عندهما وهو القياس. وقيل: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب فيه، يروى مرة مع أبي حنيفة وتارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (والمعاداة الدينية الباعثة للكافر على ترك النظر في حق المسلم واتهام الفاسق بالخيانة) ش: فإذا لم يتم النظر في إسناده الوصية إلى هؤلاء م: (فيخرجه القاضي) ش: أي يخرج كل واحد من هؤلاء يعني العبد والكافر والفاسق م: (من الوصاية ويقيم غيره مقامه إتماما للنظر) ش: في حق الميت.
م: (وشرط في الأصل) ش: أي شرط محمد في " المبسوط ": م: (أن يكون الفاسق مخوفا عليه في المال، وهذا) ش: أي كون الفاسق بحيث يخاف عليه في المال لخيانته م: (يصلح عذرا في إخراجه) ش: أي في إخراج الفاسق عن الوصاية م: (وتبديله بغيره) ش: ممن يكون موصوفا بالأمانة. وعند الشافعي ومالك وأحمد في رواية لا تصح الوصاية إلى الفاسق؛ لأنه ليس من أهل الشهادة فلا يكون من أهل الولاية كالمجنون. وقال أحمد في رواية يصح، ولكن يضم إليه أمين.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى عبد نفسه وفي الورثة كبار لم تصح الوصية لأن للكبير أن يمنعه) ش: لأنه يلي عليه م: (أو يبيع) ش: أي يبيع الوارث الكبير م: (نصيبه) ش: من العبد م: (فيمنعه المشتري) ش: أي يمنع العبد الذي اشتراه م: (فيعجز عن الوفاء بحق الوصاية، فلا يفيد فائدته) ش: أي فلا تحصل فائدة الإيصاء. وقال البزدوي: حتى صار بعضه متوليا عليه وهو ما لا يتجزأ بطل كله.
م: (وإن كانوا) ش: أي الورثة م: (صغارا كلهم فالوصية إليه) ش: أي إلى العبد م: (جائزة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - ولا تجوز عندهما) ش: وبه قال الشافعي وأبو ثور، وعند مالك وأحمد - رحمهما الله -: يجوز سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره. وقال إبراهيم النخعي والأوزاعي وابن شبرمة تصح إلى عبد نفسه، ولا تصح إلى عبد غيره، أي قولهما.
م: (وهو القياس. وقيل: قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - مضطرب فيه يروى مرة مع أبي حنيفة وتارة(13/505)
مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وجه القياس: أن الولاية منعدمة لما أن الرق ينافيها. ولأن فيه إثبات الولاية للمملوك على المالك، وهذا قلب المشروع. ولأن الولاية الصادرة من الأب لا تتجزأ، وفي اعتبار هذه تجزئتها لأنه لا يملك بيع رقبته، وهذا نقض الموضوع. وله: أنه مخاطب مستبد بالتصرف، فيكون أهلا للوصاية، وليس لأحد عليه ولاية، فإن الصغار وإن كانوا أملاكا ليس لهم ولاية المنع فلا منافاة، وإيصاء المولى إليه يؤذن [أي] : يشعر بكونه ناظرا لهم، وصار كالمكاتب، والوصية قد تتجزأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه القياس: أن الولاية منعدمة لما أن الرق ينافيها) ش: أي ينافي الولاية م: (ولأن فيه) ش: أي في جواز الإيصاء إلى العبد م: (إثبات الولاية للمملوك على المالك، وهذا قلب المشروع) ش: لأن المشروع ولاية المالك على المملوك.
م: (ولأن الولاية الصادرة من الأب لا تتجزأ، وفي اعتبار هذه تجزئتها) ش: أي الوصية إلى عبد نفسه والورثة صغار تجزئة الولاية م: (لأنه لا يملك بيع رقبته) ش: التركات، ولا يملك بيع نفسه، ولا يكون وصيا فيه م: (وهذا نقض الموضوع) ش: لأن موضوع الوصية أن يتولى الوصي التصرف في جميع ما بقي من الثلث، وفي منعه من بيع رقبته تجزئة الوصية م: (وله أنه) ش: أي وللعبد، وفي بعض النسخ ولعبده، أي أن العبد م: (مخاطب) ش: احترز به عن الصبي والمجنون.
م: (مستبد بالتصرف) ش: احترز به عن عبد الغير؛ لأنه لا يستبد بنفسه؛ لأن لمولاه أن يحجره عن التصرف منه فإذا كان كذلك م: (فيكون أهلا للوصاية، وليس لأحد عليه ولاية، فإن الصغار وإن كانوا أملاكا ليس لهم ولاية المنع فلا منافاة) ش: بين كونه مملوكا لهم وبين إثبات الولاية في حقهم؛ لأنهم وإن كانوا يملكون رقبته ولكنهم لا يملكون التصرف فيه حيث لا يملكون بيعه.
فإن قيل: إن لم يكن لهم ذلك فللقاضي أن يبيعه فيتحقق المنع والمنافاة؟
أجيب بأنه كما ثبت الإيصاء لم يبق للقاضي ولاية المنع م: (وإيصاء المولى إليه) ش: أي إلى عبده م: (يؤذن [أي:] يشعر بكونه ناظرا لهم) ش: أي لورثته لأن من ربى عبده وأحسن إليه فالظاهر أن يختاره لما أن شفقته على الصغار من أولاده بعد موته أكثر من شفقة الأجنبي، فكذلك اختاره.
م: (وصار كالمكاتب) ش: أي صار الإيصاء إلى العبد القن كالإيصاء إلى المكاتب، فذاك يجوز، وكذا هذا، ويجوز الإيصاء إلى مكاتب غيره أيضا، والخلاف في المكاتب والمدبر وأم الولد، ورقيق البعض كالخلاف في القن عند الأئمة الثلاثة م: (والوصية قد تتجزأ) ش: هذا(13/506)
على ما هو المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أو نقول: يصار إليه كيلا يؤدي إلى إبطال أصله وتغيير الوصف لتصحيح الأصل أولى.
قال: ومن أوصى إلى من يعجز عن القيام بالوصية ضم إليه القاضي غيره رعاية لحق الموصي والورثة، وهذا لأن تكميل النظر يحصل بضم الآخر إليه لصيانته ونقص كفايته، في النظر بإعانة غيره، ولو شكا إليه الوصي ذلك لا يجيبه حتى يعرف ذلك حقيقة؛ لأن الشاكي قد يكون كاذبا تخفيفا على نفسه، وإذا ظهر عند القاضي عجزه أصلا استبدل به رعاية للنظر من الجانبين ولو كان قادرا على التصرف أمينا فيه ليس للقاضي أن يخرجه لأنه لو اختار غيره كان دونه، لما أنه كان مختار الميت ومرضيه، فإبقاؤه أولى، ولهذا قدم على أب الميت مع وفور شفقته، فأولى أن يقدم على غيره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
جواب عن قولهما وفي اعتبار هذه تجزئتها وذلك أن الحسن بن زياد روى عن أبي حنيفة: أنه إذا أوصى إلى رجلين إلى أحدهما في العين، وإلى الآخر في الدين أن كلا منهما يكون وصيا فيما أوصى إليه خاصة.
وأشار إلى هذا بقوله: م: (على ما هو المروي عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أو نقول: يصار إليه) ش: أي إلى التجزؤ م: (كيلا يؤدي إلى إبطال أصله) ش: أي أصل هذا التصرف، وهو تنصيب عبده وصيا على الصغار م: (وتغيير الوصف) ش: جواب عما يقال هذا تغيير وصفه، وهو التجزؤ، يعني جعله متجزئا بعدما لم يكن، فأجاب بقوله ويعتبر الوصف م: (لتصحيح الأصل أولى) ش: من إهداره بالكلية.
[أوصى إلى من يعجز عن القيام بالوصية]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى من يعجز عن القيام بالوصية ضم إليه القاضي غيره رعاية لحق الموصى والورثة، وهذا) ش: أي ضم القاضي إليه غيره م: (لأن تكميل النظر يحصل بضم الآخر إليه) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لصيانته) ش: أي لصيانة الوصي.
م: (ونقص كفايته، فيتم النظر بإعانة غيره، ولو شكا إليه الوصي ذلك) ش: أي ولو شكا إلى القاضي: الوصي العجز م: (لا يجيبه حتى يعرف ذلك) ش: أي عجزه م: (حقيقة؛ لأن الشاكي قد يكون كاذبا تخفيفا على نفسه، وإذا ظهر عند القاضي عجزه أصلا استبدل به) ش: أي ولى غيره م: (رعاية للنظر من الجانبين) ش: أي جانب الموصي والوصي يقوم المنصوب من جهة القاضي بالتصرف في حوائج الموصي والعاجز المعزول بقضاء حقوق معه.
م: (ولو كان قادرا على التصرف أمينا فيه ليس للقاضي أن يخرجه) ش: أي أن يخرج الوصي مع أنه كان عدلا م: (لأنه لو اختار غيره كان دونه لما أنه كان مختار الميت ومرضيه، فإبقاؤه أولى، ولهذا) ش: أي ولأجل أن وصي الميت مختار الميت م: (قدم على أبي الميت وفور شفقته) ش: أي شفقة الأب م: (فأولى أن يقدم على غيره) ش: ووصي القاضي الذي هو غير أب الميت.(13/507)
وكذا إذا شكا الورثة أو بعضهم الوصي إلى القاضي، فإنه لا ينبغي له أن يعزله حتى تبدو له منه خيانة، لأنه استفاد الولاية من الميت، غير أنه إذا ظهرت الخيانة فالميت إنما نصبه وصيا لأمانته وقد فاتت، ولو كان في الأحياء لأخرجه منها فعند عجزه ينوب القاضي منابه، كأنه لا وصي له. قال ومن أوصى إلى اثنين لم يكن لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - دون صاحبه إلا في أشياء معدودة نبينها إن شاء الله تعالى. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ينفرد كل واحد منهما بالتصرف في جميع الأشياء؛ لأن الوصاية سبيلها الولاية، وهي وصف شرعي لا تتجزأ، فثبت لكل منهما كملا لولاية الإنكاح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وكذا) ش: أي الحكم م: (إذا شكا الورثة أو بعضهم الوصي إلى القاضي فإنه لا ينبغي له أن يعزله حتى تبدو له منه) ش: أي يظهر منه، أي من الوصي م: (خيانة؛ لأنه استفاد الولاية من الميت، غير أنه إذا ظهرت الخيانة فالميت إنما نصبه وصيا لأمانته، وقد فاتت ولو كان في الأحياء لأخرجه) ش: أي الميت. م: (منها) ش: أي الوصية م: (فعند عجزه ينوب القاضي منابه، كأنه لا وصي له) .
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (ومن أوصى إلى اثنين لم يكن لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - دون صاحبه) ش: قال أبو القاسم الصفار: هذا الخلاف بينهم فيما إذا أوصى لهما جميعا معا بعقد واحد، فأما إذا أوصى إلى كل واحد منهما بعقد على حدة فإنه ينفرد كل واحد منهما بالتصرف بلا خلاف. قال الفقيه أبو الليث هذا أوضح، وبه نأخذ، بمنزلة الوكيلين إذا وكل واحد منهما على الانفراد. وحكي عن أبي بكر الإسكاف أنه قال الخلاف فيهما جميعا، سواء أوصى لهما جميعا أو متفرقا. وجعل في " المبسوط " وهذا أصح؛ لأن وجوب الوصية، إنما يكون عند الموت، وحينئذ تثبت الوصية لهما معا فلا فرق بين الافتراق والاجتماع، بخلاف الوكالة.
م: (إلا في أشياء معدودة نبينها إن شاء الله) ش: إنما وعد بتبيينها كلها لاختلاف أقوال العلماء فيها، فذكر في " الأسرار " ستة وذكر في عامة الكتب سبعة وهي شراء الكفن للميت وتجهيزه، وطعام الصغار وكسوتهم، ورد وديعة بعينها، وقضاء دين، وتنفيذ هبة بعينها، وعتق عبد بعينه، والخصومة في حقوق الميت. وذكر في " الجامع الصغير " لقاضي خان ثمانية، وهي السبعة المذكورة والثامن: قبول الهبة. وفي " الأسرار ": أسقط قبول الهبة وتنفيذ الوصية، فصارت ستة.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يتفرد كل واحد منهما بالتصرف في جميع الأشياء؛ لأن الوصاية سبيلها الولاية، وهي وصف شرعي لا تتجزأ، فثبت لكل منهما كملا لولاية الإنكاح(13/508)
للأخوين، وهذا لأن الوصاية خلافة، وإنما تتحقق إذا انتقلت الولاية إليه على الوجه الذي كان ثابتا للموصي وقد كان وصف الكمال، ولأن اختيار الأب إياهما يؤذن باختصاص كل واحد منهما بالشفقة، فينزل ذلك منزلة قرابة كل واحد منهما. ولهما: أن الولاية تثبت بالتفويض فيراعى وصف التفويض وهو وصف الاجتماع، إذ هو شرط مقيد وما رضي الموصى إلا بالمثنى، وليس الواحد كالمثنى بالتصرف، بخلاف الأخوين في الإنكاح؛ لأن السبب هنالك القرابة، وقد قامت بكل منهما كملا، ولأن الإنكاح حق مستحق لها على الولي، حتى لو طالبته بإنكاحها من كفء يخطبها يجب عليه، وهاهنا حق التصرف للوصي، ولهذا يبقى مخيرا في التصرف. ففي الأول أوفى حقا على صاحبه فصح، وفي الثاني استوفى حقا لصاحبه فلا يصح أصله الدين الذي عليهما. ولهما بخلاف الأشياء المعدودة؛ لأنها من باب الضرورة لا من باب الولاية،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
للأخوين) ش: فإن لكل واحد منهما أن ينفرد بإنكاح مولاته.
م: (وهذا) ش: توضيح لما ذكر م: (لأن الوصاية خلافة، وإنما تتحقق إذا انتقلت الولاية إليه) ش: أي إلى الوصي م: (على الوجه الذي كان ثابتا للموصي وقد كان وصف الكمال، ولأن اختيار الأب إياهما يؤذن باختصاص كل واحد منهما بالشفقة، فينزل ذلك منزلة قرابة كل واحد منهما) .
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (أن الولاية تثبت بالتفويض فيراعى وصف التفويض وهو وصف الاجتماع، إذ هو شرط مقيد، وما رضي الموصي إلا بالمثنى وليس الواحد كالمثنى بالتصرف، بخلاف الأخوين في الإنكاح؛ لأن السبب هنالك القرابة وقد قامت) ش: أي القرابة م: (بكل منهما) ش: أي من الأخوين م: (كملا) ش: أي على وجه الكمال والسبب [في] هذا الإيصاء وهو إليهما لا إلى واحد.
م: (ولأن الإنكاح حق مستحق لها) ش: أي للمرأة م: (على الولي حتى لو طالبته) ش: أي الولي م: (بإنكاحها من كفء يخطبها يجب عليه) ش: إنكاحها منه م: (وهاهنا حق التصرف للوصي، ولهذا يبقى مخيرا في التصرف ففي الأول) ش: أي في الإنكاح أي في أحد الأخوين م: (أوفى حقا على صاحبه، فصح. وفي الثاني) ش: أي في الوصاية م: (استوفى) ش: لأن ولاية التصرف لهما، فإذا تصرف وحده م: (حقا لصاحبه) ش: أي استوفى أحد الوصيين على الآخر حقا كائنا له م: (فلا يصح أصله الدين الذي عليهما) ش: يعني إذا كان الدين لرجلين فاستوفى أحدهما نصيب الآخر.
م: (ولهما بخلاف الأشياء المعدودة) ش: أشار إلى قوله إلا في أشياء معدودة نبينها إن شاء الله تعالى م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء معدودة م: (من باب الضرورة لا من باب الولاية(13/509)
ومواضع الضرورة مستثناة أبدا، وهي ما استثناه في الكتاب وأخواتها فقال إلا في شراء كفن الميت وتجهيزه لأن في التأخير فساد الميت، ولهذا يملكه الجيران عند ذلك. وطعام الصغار وكسوتهم؛ لأنه يخاف موتهم جوعا وعريا. ورد الوديعة بعينها، ورد المغصوب والمشتري شراء فاسدا وحفظ الأموال وقضاء الديون؛ لأنها ليست من باب الولاية، فإنه يملكه المالك وصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه وحفظ المال يملكه من يقع في يده، فكان من باب الإعانة. ولأنه لا يحتاج فيه إلى الرأي وتنفيذ وصية بعينها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ومواضع الضرورة مستثناة أبدا وهي) ش: أي الأشياء المعدومة م: (ما استثناه في الكتاب وأخواتها) ش: أي في القدوري، وهو قوله ومن أوصى لم يجز لأحدهما أن يتصرف عند أبي حنيفة ومحمد دون صاحبه إلا في كفن الميت إلى آخره، وقد ذكرناها عن قريب.
م: (فقال) ش: أي القدوري م: (إلا في شراء كفن الميت وتجهيزه) ش: هذا لفظ القدوري، والمصنف شرع يعلل الأشياء السبعة ذكرها القدوري وعلل المصنف، وهذا بقوله: م: (لأن في التأخير) ش: أي في تأخير تجهيز الميت م: (فساد الميت، ولهذا) ش: أي ولأجل أن تأخير الميت عن تجهيزه فساده م: (يملكه الجيران) ش: تجهيزه أي تجهيز الميت م: (عند ذلك) ش: أي عند إشراف الميت للفساد بسبب التأخير.
م: (وطعام الصغار وكسوتهم) ش: لفظ القدوري، وقال المصنف: م: (لأنه يخاف موتهم جوعا وعريا) ش: أي من حيث الجوع والعري م: (ورد الوديعة بعينها) ش: لفظ القدوري، وقال المصنف م: (ورد المغصوب والمشترى شراء فاسدا وحفظ الأموال) ش: هذه الثلاثة لم يذكرها القدوري.
م: (وقضاء الديون) ش: من لفظ القدوري، وقال المصنف م: (لأنها) ش: أي لأن هذه الأشياء الأربعة م: (ليست من باب الولاية) ش: يعني ليست من الولاية المستفادة من الموصي م: (فإنه يملكه المالك وصاحب الدين إذا ظفر بجنس حقه) ش: يملك أخذه إذا كان من جنس حقه م: (وحفظ المال) ش: يرفع حفظ المال على التعليل لقوله: وحفظ الأموال وارتفاعه على الابتداء وخبره هو قوله: م: (يملكه من يقع في يده، فكان من باب الإعانة، ولأنه لا يحتاج فيه) ش: أي في حفظ المال م: (إلى الرأي) ش: هذا في قضاء الدين على الميت أما في قضاء الدين للميت فهو على الخلاف.
م: (وتنفيذ وصية بعينها) ش: بالجر عطفا على آخر المعطوفات على قوله وطعام الصغار مجرور عطفا على قوله إلا في شراء الكفن وتجهيزه وكل المعطوفات عليه بالجر.(13/510)
وعتق عبد بعينه؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى الرأي. والخصومة في حق الميت؛ لأن الاجتماع فيها متعذر، ولهذا ينفرد بها أحد الوكيلين. وقبول الهبة؛ لأن في التأخير خيفة الفوات، ولأنه تملكه الأم والذي في حجره، فلم يكن من باب الولاية. وبيع ما يخشى عليه التوى والتلف؛ لأن فيه ضرورة لا تخفى. وجمع الأموال الضائعة؛ لأن في التأخير خشية الفوات، ولأنه يملكه كل من وقع في يده، فلم يكن من باب الولاية. وفي " الجامع الصغير ": وليس لأحد الوصيين أن يبيع أو يتقاضى، والمراد بالتقاضي الاقتضاء. كذا كان المراد منه في عرفهم، وهذا لأنه رضي بأمانتهما جميعا في القبض، ولأنه في معنى المبادلة لا سيما عند اختلاف الجنس على ما عرف. فكان من باب الولاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعتق عبد بعينه) ش: بالجر أيضا، وهو من لفظ القدوري. وقال المصنف: م: (لأنه لا يحتاج فيه إلى الرأي) ش: وكذا قوله: م: (والخصومة في حق الميت) ش: من لفظ القدوري، وهو أيضا بالجر. وقال المصنف: م: (لأن الاجتماع فيها متعذر، ولهذا) ش: أي ولأجل تعذر الاجتماع، أي بالخصومة م: (ينفرد بها أحد الوكيلين) ش: إذا كانا حاضرين حال الحياة، وكذا بعد الوفاة.
م: (وقبول الهبة) ش: بالجر أيضا عطفا على المجرورات التي قبله م: (لأن في التأخير خيفة الفوات ولأنه) ش: أي ولأن قبول الهبة م: (تملكه الأم والذي في حجره) ش: أي ويملك أيضا الذي في حجره الصغير م: (فلم يكن من باب الولاية) ش: حتى يحتاج إلى الآخر م: (وبيع ما يخشى عليه التوى والتلف) ش: بالجر أيضا عطفا على المجرورات التي قبلها، والتوى الهلاك، ومعنى قوله والتلف بالرفع من تفسير التوى م: (لأن فيه ضرورة لا تخفى) . م: (وجمع الأموال الضائعة) ش: بالجر أيضا مثل ذلك م: (لأن في التأخير خشية الفوات، ولأنه يملكه كل من وقع في يده، فلم يكن من باب الولاية) ش: وهو ظاهر.
م: (وفي " الجامع الصغير ": وليس لأحد الوصيين أن يبيع أو يتقاضى) ش: هذا لفظ " الجامع "، وقال المصنف: م: (والمراد بالتقاضي الاقتضاء) ش: أي القبض م: (كذا كان المراد منه في عرفهم) ش: أي في عرف أهل الكوفة.
وأما في عرف ديار المصنف المراد من ذلك المطالبة: م: (وهذا لأنه رضي بأمانتهما) ش: أي لأن الموصي رضي بأمانة الاثنين م: (جميعا في القبض) ش: فلا ينفرد أحدهما م: (ولأنه) ش: أي ولأن القبض م: (في معنى المبادلة لا سيما عند اختلاف الجنس على ما عرف، فكان من باب الولاية) ش: فلا ينفرد أحدهما.(13/511)
ولو أوصى إلى كل واحد على الانفراد قيل: ينفرد كل واحد منهما بالتصرف بمنزلة الوكيلين إذا وكل كل واحد على الانفراد، وهذا لأنه لما أفرد فقد رضي برأي الواحد. وقيل: الخلاف في الفصلين واحد وهو الأصح؛ لأن وجوب الوصية عند الموت، بخلاف الوكيلين؛ لأن الوكالة تتعاقب، فإن مات أحدهما جعل القاضي مكانه وصيا آخر. أما عندهما: فلأن الباقي عاجز عن التفرد بالتصرف، فيضم القاضي إليه وصيا آخر نظرا للميت عند عجزه، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - الحي منهما وإن كان يقدر على التصرف فالموصي قصد أن يخلفه متصرفان في حقوقه، وذلك ممكن التحقق. بنصب وصي آخر مكان الميت، ولو أن الميت منهما أوصى إلى الحي فللحي أن يتصرف وحده في ظاهر الرواية، بمنزلة ما إذا أوصى إلى شخص آخر ولا يحتاج القاضي إلى نصب وصي آخر؛ لأن رأي الميت باق حكما برأي من يخلفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[مات الوصي وأوصى إلى آخر]
م: (ولو أوصى لكل واحد على الانفراد قيل: ينفرد كل واحد منهما بالتصرف) ش: وهو قول أبي القاسم الصفار م: (بمنزلة الوكيلين إذا وكل واحد على الانفراد، وهذا لأنه لما أفرد قد رضي برأي الواحد. وقيل: الخلاف في الفصلين) ش: أي فصل الانفراد وفصل الاجتماع.
م: (واحد وهو الأصح) ش: وهو قول أبي بكر الإسكاف م: (لأن وجوب الوصية عند الموت بخلاف الوكيلين؛ لأن الوكالة تتعاقب، فإن مات أحدهما) ش: أي أحد الوصيين م: (جعل القاضي مكانه وصيا آخر) .
م: (أما عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -: م: (فلأن الباقي عاجز عن التفرد بالتصرف) ش: لأن عندهما ليس لأحد الوصيين أن يتصرف دون صاحبه، فإن كان كذلك م: (فيضم القاضي إليه وصيا آخر نظرا للميت عند عجزه) ش: أي عند عجز الوصي الباقي وبه قالت الأئمة الثلاثة.
م: (وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الحي منهما) ش: أي من الوصيين م: (وإن كان يقدر على التصرف) ش: وكلمة: " إن " واصلة بما قبلها م: (فالموصى) ش: الواو فيه للحال م: (قصد أن يخلفه متصرفان) ش: وفي بعض النسخ: وصيان م: (في حقوقه، وذلك ممكن التحقق بنصب وصي آخر مكان الميت) ش: أي الوصي الميت.
م: (ولو أن الميت منهما) ش: أي من الوصيين م: (أوصى إلى الحي فللحي أن يتصرف وحده في ظاهر الرواية، بمنزلة ما إذا أوصى إلى شخص آخر ولا يحتاج القاضي إلى نصب وصي آخر؛ لأن رأي الميت باق حكما برأي من يخلفه) .(13/512)
وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا ينفرد بالتصرف؛ لأن الموصي ما رضي بتصرفه وحده، بخلاف ما إذا أوصى إلى غيره؛ لأنه ينفذ تصرفه برأي المثنى كما رضيه المتوفى. وإذا مات الوصي وأوصى إلى آخر فهو وصية في تركته وتركة الميت الأول عندنا. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون وصيا في تركة الميت الأول اعتبارا بالتوكيل في حالة الحياة. والجامع بينهما: أنه رضي برأيه لا برأي غيره. ولنا: أن الوصي يتصرف بولاية منتقلة إليه فيملك الإيصاء إلى غيره كالجد، ألا يرى أن الولاية التي كانت ثابتة للموصي تنتقل إلى الوصي في المال وإلى الجد في النفس، ثم الجد قائم مقام الأب فيما انتقل إليه، فكذا الوصي. وهذا لأن الإيصاء إقامة غيره مقامه فيما له ولايته، وعند الموت كانت له ولاية في التركتين، فينزل الثاني منزلته فيهما. ولأنه لما استعان به في ذلك مع علمه أنه قد تعتريه المنية قبل تتميم مقصوده بنفسه، وهو تلافي ما فرط منه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وعن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: رواه الحسن عنه م: (أنه) ش: أي أن الحي الباقي م: (لا ينفرد بالتصرف؛ لأن الموصي ما رضي بتصرفه وحده، بخلاف ما إذا أوصى إلى غيره؛ لأنه ينفذ تصرفه برأي المثنى كما رضيه المتوفى) ش: وبه قالت الأئمة الثلاثة.
م: (وإذا مات الوصي وأوصى إلى آخر فهو وصية في تركته وتركة الميت الأول عندنا وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يكون وصيا في تركة الميت الأول) ش: في أحد الوجهين: لا يجوز أن يوصي لغيره م: (اعتبارا بالتوكيل في حالة الحياة، والجامع بينهما: أنه رضي برأيه لا برأي غيره) .
م: (ولنا: أن الوصي يتصرف بولاية منتقلة إليه) ش: من الميت بطريق الخلافة عنه م: (فيملك الإيصاء إلى غيره كالجد) ش: فإن وصي الجد عند عدم الأب كوصي الأب م: (ألا يرى أن الولاية التي كانت ثابتة للموصى تنتقل إلى الوصي في المال وإلى الجد في النفس) ش: حتى كان يملك تزويج الصغار والصغيرات واستيفاء القصاص م: (ثم الجد قائم مقام الأب فيما انتقل إليه) ش: لأنه خلف عنه فيوصي إلى غيره م: (فكذا الوصي) ش: لأنه خلف عن الميت أيضا م: (وهذا لأن الإيصاء إقامة غيره مقامه فيما له ولايته، وعند الموت) ش: أي موت الموصي م: (كانت له) ش: أي للوصي م: (ولاية في التركتين) ش: أي في مال نفسه الذي يتركه لوصية، وسمى للوصي تركة باعتبار ما يؤول إليه م: (فينزل الثاني) ش: أي في الإيصاء م: (منزلته) ش: أي منزلة الأول م: (فيهما) ش: أي في التركتين.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن الوصي م: (لما استعان به) ش: أي بالوصي م: (في ذلك) ش: أي فيما أوصى م: (مع علمه أنه قد تعتريه المنية قبل تتميم مقصوده بنفسه) ش: أي قبل حصول مقصود الموصى منه م: (وهو) ش: أي مقصوده م: (تلافي ما فرط منه) ش: أي تدارك ما سبق(13/513)
صار راضيا بإيصائه إلى غيره، بخلاف الوكيل؛ لأن الموكل حي يمكنه أن يحصل مقصوده بنفسه فلا يرضى بتوكيل غيره والإيصاء إليه. قال: ومقاسمة الوصي الموصى له عن الورثة جائزة، ومقاسمته الورثة عن الموصى له باطلة؛ لأن الوارث خليفة الميت حتى يرد بالعيب ويرد عليه به، ويصير مغرورا بشراء المورث والوصي خليفة الميت أيضا، فيكون خصما عن الوارث إذا كان غائبا، فصحت قسمته عليه حتى لو حضر وقد هلك ما في يد الوصي ليس له أن يشارك الموصى له.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
منه من التفريط في الأمور م: (صار راضيا) ش: أي الموصي وهو جواب: لما م: (بإيصائه) ش: أي بإيصاء الوصي م: (إلى غيره) ش: دلالة إلى تتميم مقصوده.
م: (بخلاف الوكيل) ش: فإنه ليس كذلك م: (لأنه الموكل حي يمكنه أن يحصل مقصوده بنفسه، فلا يرضى بتوكيل غيره، والإيصاء إليه) ش: وهذا ظاهر.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومقاسمة الوصي الموصى له عن الورثة جائزة، ومقاسمة الورثة عن الموصى له باطلة) ش: المقاسمة فعل القسمة بين اثنين، وهو أن يقتسم كل واحد منهما مع الآخر شيئا، وصورة المسألة: رجل أوصى إلى رجل وأوصى لرجل آخر بثلث ماله وله ورثة صغار أو كبار غيب فأراد الوصي المقاسمة وهي على وجهين.
الأول: هو أن يقاسم الموصى له نائبا عن الورثة وأعطاه الثلث وأمسك الثلثين للورثة فهذه جائزة.
الوجه الثاني: أن يقاسم الورثة عن الموصى له وهي باطلة. وبيان الفرق بينهما ما ذكره المصنف بقوله: م: (لأن الوارث خليفة الميت) ش: يعني من يخلفه بعده م: (حتى يرد بالعيب) ش: يعني فيما اشتراه المورث م: (ويرد عليه به) ش: أي فيما باعه الوارث م: (ويصير مغرورا بشراء المورث) ش: كمن اشترى جارية ثم مات فاستولدها الوارث ثم استحقت الجارية فإنه يرجع على البائع الميت، ولو لم يكن الخليفة كما لو باعها المورث والمسألة بحالها لا يرجع على بائع بائعه؛ لأنه ليس بخليفة عن بائعه حتى كان غروره كغروره. م: (والوصي خليفة الميت أيضا، فيكون خصما عن الوارث إذا كان غائبا) ش: وإذا كان كبيرا؛ لأنه إذا كان صغيرا لا حاجة إلى فعله، فإذا كان كذلك م: (فصحت قسمته عليه) ش: أي على الوارث الغائب.
م: (حتى لو حضر) ش: أي الغائب م: (وقد هلك ما في يد الوصي ليس له أن يشارك الموصى له) ش: لأن ولايته قاصرة على الصغار وعلى حفظ مال الكبار، والموصى له خصم، والقسمة(13/514)
أما الموصى له فليس بخليفة عن الميت من كل وجه؛ لأنه ملكه بسبب جديد، ولهذا لا يرد بالعيب، ولا يرد عليه ولا يصير مغرورا بشراء الموصي فلا يكون الوصي خليفة عنه عند غيبته، حتى لو هلك ما أفرز له عند الوصي كان له ثلث ما بقي؛ لأن القسمة لم تنفذ عليه، غير أن الوصي لا يضمن؛ لأنه أمين فيه وله ولاية الحفظ في التركة، فصار كما إذا هلك بعض التركة قبل القسمة فيكون له ثلث الباقي؛ لأن الموصى له شريك الوارث فيتوي ما توى من المال المشترك على الشركة، ويبقى ما بقي على الشركة. قال: فإن قاسم الورثة وأخذ نصيب الموصى له فضاع رجع الموصى له بثلث ما بقي لما بينا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
تصح بين الخصمين فنفذت القسمة.
وأشار إلى بيان الوجه الثاني بقوله: م: (أما الموصى له فليس بخليفة عن الميت من كل وجه) ش: لأن الوصية تمليك، بسبب وهو معنى قوله م: (لأنه ملكه بسبب جديد) ش: أي لأن الموصى له ملك ما أوصى له بسبب وهو ما بقي له من ثلث مال الميت.
م: (ولهذا) ش: أي ولكونه غير خليفة عن الميت م: (لا يرد بالعيب) ش: فيما اشتراه المورث م: (ولا يرد عليه) ش: فيما باعه الميت م: (ولا يصير مغرورا) ش: يعني يكون الولد رقيقا م: (بشراء الموصي) ش: فيما إذا اشترى جارية إلى آخر ما ذكرناه، فإذا كان الأمر كذلك م: (فلا يكون الوصي خليفة عنه) ش: أي عن الغائب م: (عند غيبته، حتى لو هلك ما أفرز له عند الوصي كان له ثلث ما بقي؛ لأن القسمة لم تنفذ عليه) ش: أي لم يصح م: (غير أن الوصي لا يضمن) ش: هذا جواب عما يقال إذا كانت القسمة غير صحيحة كأن صرفه غير مشروع وهلك المال بعد ذلك العقد الذي هو غير مشروع فيجب الضمان كما بعد على المال واستهلكه.
وتقرير الجواب هو أن الوصي لا يضمن م: م: (لأنه أمين فيه وله ولاية الحفظ في التركة فصار كما إذا هلك بعض التركة قبل القسمة، فيكون له ثلث الباقي؛ لأن الموصي له شريك الوارث فيتوي) ش: أي يهلك م: (ما توى) ش: أي ما هلك م: (من المال المشترك على الشركة ويبقى ما بقي على الشركة) ش: وقال السغناقي في قوله فصار كما إذا هلك بعض التركة إلى آخره إشارة إلى أنه لا ضمان عليه إذا كان ما أحرزه للورثة في يده؛ لأن الحفظ إنما يتصور في ذلك، أما لو سلمه إليهم فالموصى له بالخيار إن شاء ضمن القابض بالقبض، وإن شاء ضمن الدافع بالدفع.
م: (قال: فإن قاسم الورثة) ش: أي فإن قاسم الوصي الورثة م: (وأخذ نصيب الموصى له فضاع رجع الموصى له) ش: أي على الورثة م: (بثلث ما بقي) ش: وقال الأكمل: هذا كان معلوما من سياق كلامه، ولكنه ذكره لكونه لفظ " الجامع الصغير " م: (لما بينا) ش: إشارة إلى قوله لأن القسمة لم تنفذ عليه.(13/515)
قال: وإذا كان الميت أوصى بحجة فقاسم الورثة فهلك ما في يده حج عن الميت من ثلث ما بقي وكذلك إن دفعه إلى رجل ليحج عنه فضاع في يده. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إن كان مستغرقا للثلث لم يرجع بشيء وإلا يرجع بتمام الثلث. وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يرجع بشيء؛ لأن القسمة حق الموصي. ولو أفرز الموصي بنفسه مالا ليحج عنه فهلك لا يلزمه شيء وبطلت الوصية، فكذا إذا أفرزه وصيه الذي قام مقامه. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن محل الوصية الثلث، فيجب تنفيذها ما بقي محلها، وإذا لم يبق بطلت لفوات محلها. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القسمة لا تراد لذاتها بل لمقصودها، وهو تأدية الحج، فلم تعتبر دونه، وصار كما إذا هلك قبل القسمة فيحج بثلث ما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[الميت أوصى بحجة فقاسم الورثة فهلك ما في يده]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الميت أوصى بحجة فقاسم) ش: أي الوصي م: (الورثة فهلك ما في يده) ش: أي في يد الوصي، قال الكاكي: الوصي والحاج مدلول عليهما غير مذكور بهما.
قلت: لا حاجة إلى ما قاله الكاكي أن يرجع الضمير لا يختص أن يكون إلى الظاهر خاصة، بل يكون في المستتر أيضا على ما لا يخفى م: (حج عن الميت من ثلث ما بقي، وكذلك إن دفعه إلى رجل ليحج عنه فضاع في يده) ش: يحج عنه من ثلث ما بقي وهذا كله قول أبي حنيفة.
قال الأكمل: صورته: رجل مات وترك أربعة آلاف درهم وصى أن يحج عنه وكان مقدار الحج ألف درهم فأخذ الوصي الألف ودفع إلى الذي يحج عنه فسرقت في الطريق حج عن الميت من ثلث ما بقي من التركة وهو ألف درهم، فإن سرقت ثانيا يؤخذ ثلث ما بقي مرة أخرى، هكذا.
م: (وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - إن كان) ش: أي الهالك م: (مستغرقا للثلث لم يرجع بشيء وإلا) ش: فإن لم يكن الهالك مستغرقا للثلث م: (يرجع بتمام الثلث) ش: وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث، فإن سرقت ثانيا يؤخذ مرة أخرى.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا يرجع بشيء؛ لأن القسمة حق الموصي، ولو أفرز الموصي بنفسه مالا ليحج عنه فهلك لا يلزمه شيء وبطلت الوصية، فكذا إذا أفرزه وصيه الذي قام مقامه. ولأبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن محل الوصية الثلث، فيجب تنفيذها ما بقي محلها، وإذا لم يبق بطلت لفوات محلها) ش: أي محل الوصية.
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن القسمة لا تراد لذاتها، بل لمقصودها، وهو تأدية الحج فلم تعتبر دونه) ش: أي دون المقصود وهي أداء الحج م: (وصار كما إذا هلك قبل القسمة فيحج بثلث ما(13/516)
بقي؛ لأن تمامها بالتسليم إلى الجهة المسماة، إذ لا قابض لها، فإذا لم يصرف إلى ذلك الوجه لم يتم فصار كهلاكه قبلها. قال: ومن أوصى بثلث ألف درهم فدفعها الورثة إلى القاضي فقسمها والموصى له غائب فقسمته جائزة؛ لأن الوصية صحيحة، ولهذا لو مات الموصى له قبل القبول تصير الوصية ميراثا لورثته والقاضي نصب ناظرا لا سيما في حق الموتى والغيب ومن النظر إفراز نصيب الغائب وقبضه فنفذ ذلك وصح، حتى لو حضر الغائب وقد هلك المقبوض لم يكن له على الورثة سبيل. قال: وإذا باع الوصي عبدا من التركة بغير محضر من الغرماء فهو جائز؛ لأن الوصي قائم مقام الموصي. ولو تولى حيا بنفسه يجوز بيعه بغير محضر من الغرماء. وإن كان في مرض موته فكذا إذا تولاه من قام مقامه، وهذا لأن حق الغرماء متعلق بالمالية لا بالصورة، والبيع لا يبطل المالية لفواتها إلى خلف وهو الثمن، بخلاف العبد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بقي، ولأن تمامها) ش: أي تمام الوصية م: (بالتسليم إلى الجهة المسماة، إذ لا قابض لها، فإذا لم يصرف إلى ذلك الوجه لم يتم، فصار كهلاكه قبلها) ش: أي قبل القسمة.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بثلث ألف درهم فدفعها الورثة إلى القاضي فقسمها، والموصى له غائب فقسمته جائزة) ش: أي قسمة القاضي جائزة، حتى لو هلك ما في يد القاضي ثم حضر الغائب لا يرجع على الورثة بشيء م: (لأن الوصية صحيحة، ولهذا لو مات الموصى له قبل القبول تصير الوصية ميراثا لورثته والقاضي نصب ناظرا لا سيما في حق الموتى والغيب، ومن النظر إفراز نصيب الغائب وقبضه، فنفذ ذلك) ش: أي الإفراز م: (وصح، حتى لو حضر الغائب وقد هلك المقبوض لم يكن له على الورثة سبيل) ش: وقال الإمام المحبوبي: هذا الجواب فيما إذا كانت التركة مما يكال أو يوزن؛ لأن القسمة فيه مبادلة كالبيع وبيع مال الغائب لا يجوز فكذا قسمته وأجيب بأن وضع المسألة في الدراهم وهي ما يوزن.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا باع الوصي عبدا من التركة بغير محضر من الغرماء فهو جائز) ش: صورته في " جامع محمد " عن يعقوب عن أبي حنيفة في الرجل يموت ويترك عبدا وعليه دين محيط بماله، فيبيع الوصي العبد بغير محضر من الغرماء. قال بيعه جائز، وأراد بذلك الدين على الميت لا على العبد م: (لأن الوصي قائم مقام الموصي، ولو تولى) ش: أي الموصي حال كونه م: (حيا بنفسه يجوز بيعه بغير محضر من الغرماء) ش: فهو جائز.
م: (وإن كان في مرض موته فكذا إذا تولاه من قام مقامه وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن حق الغرماء متعلق بالمالية لا بالصورة والبيع لا يبطل المالية لفواتها إلى خلف، وهو الثمن، بخلاف العبد(13/517)
المديون؛ لأن للغرماء حق الاستسعاء وأما هاهنا فبخلافه. قال: ومن أوصى بأن يباع عبده ويتصدق بثمنه على المساكين فباعه الوصي وقبض الثمن فضاع في يده فاستحق العبد ضمن الوصي؛ لأنه هو العاقد، فتكون العهدة عليه، وهذه عهدة؛ لأن المشتري منه ما رضي ببذل الثمن إلا ليسلم له المبيع ولم يسلم، فقد أخذ الوصي البائع مال الغير بغير رضاه فيجب عليه رده، قال: ويرجع فيما ترك الميت لأنه عامل له فيرجع عليه كالوكيل. وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يقول أولا: لا يرجع؛ لأنه ضمن بقبضه، ثم رجع إلى ما ذكرنا ويرجع في جميع التركة، وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرجع في الثلث؛ لأن الرجوع بحكم الوصية فأخذ حكمها ومحل الوصية الثلث. وجه الظاهر: أنه يرجع عليه بحكم الغرور، وذلك دين عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
المديون) ش: يملك بيع ما في يده بغير رضاء الغرماء، كذا ذكره الرازي في " شرح مختصر الطحاوي "، بخلاف العبد المديون المأذون حيث لا يبيعه مولاه ووصيته م: (لأن للغرماء حق الاستسعاء) ش: حتى يأخذوا كسبه، فيكون البيع مبطلا لحقهم، فلهم أن يبطلوا البيع.
م: (أما هاهنا) ش: أي في بيع المولى بغير محضر من الغرماء م: (فبخلافه) ش: أي بخلاف ما ذكر فيما قبله؛ لأن فيه يجوز وهنا لا يجوز، سواء كان بيع الوصي بمحضرهم أو بغير محضرهم.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بأن يباع عبده ويتصدق بثمنه على المساكين فباعه الوصي وقبض الثمن فضاع في يده فاستحق العبد ضمن الوصي) ش: الثمن م: (لأنه هو العاقد، فتكون العهدة عليه) ش: أي على الوصي م: (وهذه عهدة) ش: إنما قال هذه لأجل تأنيث الخبر وهو العهدة وتأنيث المبتدأ لتأنيث الخبر جائز م: (لأن المشتري منه ما رضي ببذل الثمن إلا ليسلم له المبيع ولم يسلم فقد أخذ الوصي البائع مال الغير بغير رضاه فيجب عليه رده، قال: يرجع فيما ترك الميت؛ لأنه عامل له فيرجع عليه كالوكيل، وكان أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يقول أولا: لا يرجع لأنه ضمن بقبضه) ش: أي بقبض الثمن وقبض الثمن من حقوق العقد، فصار الوصي في حق القبض كالمالك. وإذا كان بمنزلة المالك وقد لحقه الضمان يعمل عمل نفسه فلا يرجع بشيء م: (ثم رجع) ش: أي أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (إلى ما ذكرناه، ويرجع في جميع التركة) .
م: (وعن محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه يرجع في الثلث؛ لأن الرجوع بحكم الوصية فأخذ حكمها) ش: أي حكم الوصية م: (ومحل الوصية الثلث) ش: يعني نفاذها من الثلث.
م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية: م: (أنه يرجع عليه) ش: أي أن الوصي يرجع على الميت م: (بحكم الغرور، وذلك دين عليه) ش: أي على الميت؛ لأنه غره حيث أمره ببيع عبده(13/518)
والدين يقضى من جميع التركة بخلاف القاضي أو أمينه إذا تولى البيع حيث لا عهدة عليه؛ لأن في إلزامها القاضي تعطيل القضاء إذ يتحامى عن تقلد هذه الأمانة حذرا عن لزوم الغرامة، فتتعطل مصلحة العامة وأمينه سفير عنه كالرسول، ولا كذلك الوصي؛ لأنه بمنزلة الوكيل، وقد مر في كتاب القضاء، فإن كانت التركة قد هلكت أو لم يكن بها وفاء لم يرجع بشيء، كما إذا كان على الميت دين آخر.
قال: وإن قسم الوصي الميراث فأصاب صغيرا من الورثة عبد فباعه وقبض الثمن فهلك واستحق العبد رجع في مال الصغير لأنه عامل له ويرجع الصغير على الورثة بحصته لانتقاض القسمة باستحقاق ما أصابه. قال وإذا احتال الوصي بمال اليتيم، فإن كان خيرا لليتيم جاز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
والتصدق بثمنه، فكأنه قال: هذا العبد ملكي، فكان مغرورا من جهته.
وفي " الذخيرة ": محيلا إلى " المنتقى ": أن الوصي يرجع على المساكين لا على الميت، والقياس هذا؛ لأن غنم تصرف الموصي يعود إلى المساكين، فغرمه يجب أن يكون عليهم م: (والدين يقضى من جميع التركة، بخلاف القاضي أو أمينه إذا تولى البيع حيث لا عهدة عليه؛ لأن في إلزامها القاضي) ش: أي لأن في إلزام العهدة القاضي م: (تعطيل القضاء إذ يتحامى) ش: أي لأنه يمتنع م: (عن تقلد هذه الأمانة حذرا عن لزوم الغرامة، فتتعطل مصلحة العامة وأمينه) ش: أي أمين القاضي م: (سفير عنه) ش: أي عن القاضي بامتناع القضاة عن قبول القضاء لأجل التزام العهدة في الأمور م: (كالرسول) ش: فلا يلزمه شيء.
م: (ولا كذلك الوصي؛ لأنه بمنزلة الوكيل وقد مر في كتاب القضاء) ش: في آخر فصل القضاء بالمواريث م: (فإن كانت التركة قد هلكت، أو لم تكن بها وفاء) ش: بأن لم يفضل عن التكفين والتجهيز م: (لم يرجع) ش: أي الوصي لم يرجع م: (بشيء كما إذا كان على الميت دين آخر) ش: أي غير هذا الدين نحو الديون التي تكون على الموات المفاليس.
[قسم الميراث فأصاب صغيرا من الورثة عبد فباعه واستحق العبد]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن قسم الوصي الميراث فأصاب صغيرا من الورثة عبد فباعه وقبض الثمن فهلك) ش: الثمن في يده م: (واستحق العبد رجع في مال الصغير) ش: يعني رجع المشتري بالثمن على الوصي؛ لأن العهدة على البائع ثم يرجع الوصي بذلك في مال الصغير م: (لأنه عامل له) ش: أي لأن الوصي عامل لأجل الصغير م: (ويرجع الصغير على الورثة بحصته لانتقاض القسمة باستحقاق ما أصابه) ش: أي ما أصاب الصغير.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا احتال الوصي بمال اليتيم فإن كان خيرا لليتيم جاز) ش: بأن كان المحال عليه أملأ وقدرته على أداء الدين من المحيل، وهو المديون،(13/519)
وهو أن يكون أملأ، إذ الولاية نظرية، وإن كان الأول أملأ لا يجوز؛ لأن فيه تضييع مال اليتيم على بعض الوجوه قال: ولا يجوز بيع الوصي ولا شراؤه إلا بما يتغابن الناس في مثله؛ لأنه لا نظر في الغبن الفاحش. بخلاف اليسير؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، ففي اعتباره انسداد بابه والصبي المأذون والعبد المأذون والمكاتب يجوز بيعهم وشراؤهم بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة لأنهم يتصرفون بحكم المالكية، والإذن فك الحجر بخلاف الوصي؛ لأنه يتصرف بحكم النيابة الشرعية نظرا فيتقيد بموضع النظر. وعندهما لا يملكونه؛ لأن التصرف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهو قوله: م: (وهو أن يكون) ش: أي المحتال عليهم م: (أملأ إذ الولاية نظرية وإن كان الأول أملأ لا يجوز) ش: أي المديون أملأ لا يجوز م: (لأن فيه تضييع مال اليتيم على بعض الوجوه) ش: يعني إذا مات المحيل عليه مفلسا ولم يذكر إذا كانا سواء.
وفي " الذخيرة ": اختلف الناس فيه، أشار في الكتاب إلى أنه لا يجوز، وذكر المحبوبي إذا كان الثاني مثل الأول لا يجوز. وقال الإمام الأسبيجابي في " شرح الطحاوي " على أن الوصي له أن يأخذ الكفيل بدين الميت؛ لأن الكفالة لا توجب براءة الأصل، وكذلك لو أخذ رهنا بذلك يجوز، ولو احتال بماله أو أخذ كفيلا شرط براءة الأصل، فإنه ينظر حتى إن الصبي لو أدرك قبل أخذ الدين، فليس له أن يفسخ الحوالة، وإذا لم يكن أملأ من المحيل فإنه لا يجوز، هذا إذا ثبت الدين بمداينة الميت، وأما إذا ثبت بمداينة الوصي فإنه يجوز سواء كان خيرا لليتيم أو شرا له، إلا أنه إذا كان خيرا له فإنه يجوز بالاتفاق حتى إنه إذا أدرك وأراد أن ينقض ذلك فليس له ذلك، وإن كان شرا له جاز ذلك ويضمن الوصي اليتيم عندهما، وعند أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ولا يجوز بيع الوصي، ولا شراؤه إلا بما يتغابن الناس في مثله؛ لأنه لا نظر في الغبن الفاحش، بخلاف اليسير؛ لأنه لا يمكن التحرز منه، ففي اعتباره) ش: أي في اعتبار الغبن اليسير م: (انسداد بابه) ش: أي باب تصرف الوصي م: (والصبي المأذون والعبد المأذون والمكاتب يجوز بيعهم وشراؤهم بالغبن الفاحش عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأنهم يتصرفون بحكم المالكية) ش: أي يتصرفون بحكم المالكية، أي يتصرفون بأهليتهم لا بإذن المولى، ولا يقال: العبد محجور عليه؛ لأن المصنف قال: م: (والإذن فك الحجر بخلاف الوصي؛ لأنه يتصرف بحكم النيابة الشرعية نظرا، فيتقيد بموضع النظر) ش: والأب والقاضي مثل الوصي؛ لأنهم يتصرفون للغير، فتجوز فيه عن الضرر.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (لا يملكونه) ش: أي لا يملكون البيع بالغبن الفاحش ولا الشراء به، وبه قالت الأئمة الثلاثة م: (لأن التصرف(13/520)
بالفاحش منه تبرع لا ضرورة فيه، وهم ليسوا من أهله. وإذا كتب كتاب الشراء على وصي كتب كتاب الوصية على حدة وكتاب الشراء على حدة لأن ذلك أحوط. ولو كتب جملة عسى أن يكتب الشاهد شهادته في آخره من غير تفصيل، فيصير ذلك حملا له على الكذب. ثم قيل: يكتب اشترى من فلان ابن فلان ولا يكتب من فلان وصي فلان لما بينا. وقيل: لا بأس بذلك؛ لأن الوصاية تعلم ظاهرا. قال: وبيع الوصي على الكبير الغائب جائز في كل شيء إلا في العقار؛ لأن الأب يلي ما سواه ولا يليه، فكذا وصيته فيه، وكان القياس أن لا يملك الوصي غير العقار أيضا؛ لأنه لا يملكه الأب على الكبير، إلا أنا استحسناه لما أنه حفظ لتسارع الفساد إليه وحفظ الثمن أيسر وهو يملك الحفظ. أما العقار فمحصن بنفسه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالفاحش منه تبرع لا ضرورة فيه، وهم ليسوا من أهله) ش: أي من أهل التبرع.
قال: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كتب كتاب الشراء على وصي كتب كتاب الوصية على حدة وكتاب الشراء على حدة؛ لأن ذلك أحوط) ش: وبين وجه الأحوط م: (ولو كتب جملة عسى أن يكتب الشاهد شهادته في آخره) ش: أي في آخر الكتاب م: (من غير تفصيل) ش: بين الوصاية والشراء م: (فيصير ذلك حملا له على الكذب) ش: فينسب إلى شهادة الزور.
م: (ثم قيل: يكتب) ش: أي القاضي والمشتري , كذا قاله الأترازي. وقال الكاكي: أي لا بأس بذلك، أي يجمع الوصية والشراء في كتاب واحد وهذا وجهه م: (اشترى من فلان بن فلان، ولا يكتب من فلان وصي فلان لما بينا) ش: أشار إلى قوله لأن ذلك أحوط. م: (وقيل: لا بأس بذلك) ش: أي لا بأس أن يكتب من فلان وصي فلان م: (لأن الوصاية تعلم ظاهرا) .
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وبيع الوصي على الكبير الغائب جائز في كل شيء إلا في العقار؛ لأن الأب يلي ما سواه) ش: أي ما سوى العقار م: (ولا يليه) ش: أي العقار م: (فكذا وصيته فيه) ش: أي في العقار م: (وكان القياس أن لا يملك الوصي غير العقار أيضا؛ لأنه لا يملكه الأب على الكبير الغائب، إلا أنا استحسناه لما أنه حفظ لتسارع) ش: أي أن بيع ما سوى العقار يتسارع م: (الفساد إليه وحفظ الثمن أيسر وهو) ش: أي الوصي م: (يملك الحفظ، أما العقار فمحصن بنفسه) ش: فلا يحتاج إلى بيعها للتحصين، هذا الذي ذكره إذا لم يكن على التركة دين فإن كان هو مستغرق فله أن يبيع الجميع؛ لأنه لا يمكنه قضاء الدين إلا بالبيع وإن كان غير مستغرق يبيع بقدر الدين من المنقول عليه من القول بالاتفاق، ومن العقار أيضا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -، خلافا لهما.(13/521)
قال: ولا يتجر في المال لأن المفوض إليه الحفظ دون التجارة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: وصي الأخ في الصغير والكبير الغائب بمنزلة وصي الأب في الكبير الغائب، وكذا وصي الأم ووصي العم، وهذا الجواب في تركة هؤلاء؛ لأن وصيهم قائم مقامهم وهم يملكون ما يكون من باب الحفظ، فكذا وصيهم. قال: والوصي أحق بمال الصغير من الجد. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجد أحق؛ لأن الشرع أقامه مقام الأب حال عدمه حتى أحرز الميراث فيقدم على وصيه. ولنا: أن بالإيصاء تنتقل ولاية الأب إليه، فكانت ولايته قائمة معنى فيقدم عليه كالأب نفسه، وهذا لأن اختياره الوصي مع علمه بقيام الجد يدل على أن تصرفه أنظر لبنيه من تصرف أبيه. فإن لم يوص الأب فالجد بمنزلة الأب؛ لأنه أقرب الناس إليه وأشفقهم عليه حتى يملك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال: ولا يتجر) ش: أي الوصي م: (في المال؛ لأن المفوض إليه الحفظ دون التجارة. وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -) ش: وفي بعض النسخ وقال م: (وصي الأخ في الصغير والكبير الغائب بمنزلة وصي الأب في الكبير الغائب) ش: يعني في بيع المنقول دون العقار، ولا خلاف في هذه المسألة فإنما خص ذكرهما في " الجامع " لأنه روى عنهما ولم يرو عن أبي حنيفة، كذا قال الفقيه أبو الليث.
م: (وكذا وصي الأم ووصي العم) ش: ليس لهما حق التصرف في العقار، ولهما حق التصرف في الفروض التي ورث من الأم خاصة أو من العم أو من الأخ، وليس لأحد من هؤلاء أن يتصرف فيما ورث من غير الذي أوصى إليه، وأما وصي الأب فله حق التصرف في الفرض والعقار سواء ورث من أبيه أو من غيره إذا كانت الورثة صغارا، وأما إذا كانوا كبارا وهم غيب فليس له التصرف إلا في فروض صاحبه م: (وهذا الجواب في تركة هؤلاء) ش: يعني الأخ والأم والعم، وإنما قيد بتركة هؤلاء لأن وصي هؤلاء في تركة الأب، كوصي الكبير الغائب م: (لأن وصيهم قائم مقامهم وهم يملكون ما يكون من باب الحفظ، فكذا وصيهم) .
م: (قال) ش: محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " الجامع الصغير ": م: (والوصي أحق بمال الصغير من الجد، وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الجد أحق) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله - م: (لأن الشرع أقامه مقام الأب حال عدمه حتى أحرز الميراث فيقدم على وصيه. ولنا: أن بالإيصاء تنتقل ولاية الأب إليه) ش: أي إلى الوصي م: (فكانت ولايته) ش: أي ولاية الموصي م: (قائمة معنى، فيقدم عليه كالأب نفسه، وهذا) ش: توضيح لما قبله م: (لأن اختياره الوصي مع علمه بقيام الجد يدل على أن تصرفه) ش: أي تصرف الوصي م: (أنظر لبنيه من تصرف أبيه) ش: أي أب الموصي وهو الجد م: (فإن لم يوص الأب فالجد بمنزلة الأب؛ لأنه أقرب الناس إليه وأشفقهم عليه حتى يملك(13/522)
الإنكاح دون الوصي، غير أنه يقدم عليه وصي الأب في التصرف لما بيناه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
الإنكاح) ش: أي إنكاح أولاد ابنه م: (دون الوصي) ش: فإنه لا يملك م: (غير أنه يقدم عليه وصي الأب في التصرف لما بيناه) ش: إشارة إلى قوله ولنا أن بالإيصاء تنتقل ولاية الأب إليه، والله أعلم.(13/523)
فصل في شهادة الوصي قال: وإذا شهد الوصيان أن الميت أوصى إلى فلان معهما فالشهادة باطلة؛ لأنهما متهمان فيهما لإثباتهما معينا لأنفسهما. قال: إلا أن يدعيها المشهود له، وهذا استحسان، وهو في القياس كالأول لما بينا من التهمة، وجه الاستحسان أن للقاضي ولاية نصب الوصي ابتداء أو ضم آخر إليهما برضاه بدون شهادتهما، فيسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه، أما الوصاية فتثبت بنصب القاضي.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في شهادة الوصي]
م: (فصل في شهادة الوصي) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام شهادة الوصي، وإنما أخر هذه لكونها عارضة فيها غير أصلية، والأصل عدم العارض.
م: (قال: وإذا شهد الوصيان أن الميت أوصى إلى فلان معهما) ش: أي مع الوصيين م: (فالشهادة باطلة لأنهما متهمان فيها) ش: أي في هذه الشهادة م: (لإثباتهما معينا لأنفسهما) ش: قال - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لا شهادة لمتهم» وهذا لا نعلم فيه خلافا.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع ": م: (إلا أن يدعيها المشهود له) ش: ولفظه في " الجامع " محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في الوصيين يشهدان: أن الميت أوصى إلى هذا معهما قال: إن ادعى ذلك فشهادتهما باطلة، وكذلك الوارثان يشهدان بذلك، قالوا في شرح " الجامع الصغير ": م: (وهذا استحسان) ش: وأخذ المصنف هذا وقال هذا، وأشار به إلى قوله: إلا أن يدعيهما المشهود استحسانا م: (وهو في القياس كالأول) ش: أي كالوجه الأول، وهو البطلان. وذكر وجه القياس بقوله: م: (لما بينا من التهمة) ش: لأنها شهادتان للشاهد أو لأبيه.
م: (وجه الاستحسان: أن للقاضي ولاية نصب الوصي ابتداء أو ضم آخر إليهما) ش: أي إلى الوصيين م: (برضاه) ش: أي برضى الآخر م: (بدون شهادتهما) ش: لأن الولاية للقاضي لا تكون بهذه الشهادة، فإذا كان كذلك م: (فيسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه) ش: أي عن القاضي. مثاله أن القرعة ليست بحجة، ويجوز استعمالها في تعيين الإيصاء لدفع التهمة عن القاضي فصلحت دامغة لا حجة، فكذلك هذه الشهادة تدفع عنه مؤنة التعيين.
م: (أما الوصاية فتثبت بنصب القاضي) ش: فلا يحتاج إلى الشهادة؛ لأن الشاهدين لو سألا القاضي بأن يجعل هذا الرجل وصيا وهو راغب فيه أجابهما إلى ذلك بخلاف الوكالة، فإنهما لو سألاه أن يوكل هذا الرجل عن أيهما لا يفعل؛ لأنه ليس له ولاية في مال أبيهما.(13/524)
قال: وكذلك الابنان، معناه: إذا شهدا أن الميت أوصى إلى رجل وهو ينكر؛ لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا بنصب حافظ للتركة. ولو شهدا، يعني الوصيين، لوارث صغير بشيء من مال الميت أو غيره فشهادتهما باطلة؛ لأنهما يظهران ولاية التصرف لأنفسهما في المشهود به. قال: وإن شهدا لوارث كبير في مال الميت لم يجز. وإن كان في غير مال الميت جاز، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: إن شهدا لوارث كبير تجوز في الوجهين؛ لأنه لا يثبت لهما ولاية التصرف في التركة إذا كانت الورثة كبارا فعريت عن التهمة، وله: أنه يثبت لهما ولاية الحفظ وولاية بيع المنقول عند غيبة الوارث وتحققت التهمة. بخلاف شهادتهما في غير التركة لانقطاع ولاية وصي الأب عنه؛ لأن الميت أقامه مقام نفسه في تركته لا في غيرها. قال: وإذا شهد رجلان لرجلين على ميت بدين ألف درهم وشهد الآخران للأولين بمثل ذلك جازت شهادتهما، فإن كانت شهادة كل فريق للآخر بوصية ألف درهم لم تجز، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع ": م: (وكذلك الابنان) ش: هذا لفظ محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وهو معطوف على المستثنى منه، وهو قوله: فالشهادة باطلة وقال المصنف: م: (معناه) ش: أي معنى قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذلك الابنان م: (إذا شهدا أن الميت أوصى إلى رجل وهو ينكر؛ لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا بنصب حافظ للتركة) ش: وفيه تهمة فلا تقبل.
م: (ولو شهدا، يعني الوصيين، لوارث صغير بشيء من مال الميت أو غيره) ش: أي أو غير مال الميت م: (فشهادتهما باطلة؛ لأنهما يظهران ولاية التصرف لأنفسهما في المشهود به، قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإن شهدا لوارث كبير في مال الميت لم يجز وإن كان في غير مال الميت جاز، وهذا عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) .
م: (وقالا: إن شهدا لوارث كبير تجوز في الوجهين) ش: لوارث كبير في مال الميت وفي غيره مال الميت م: (لأنه لا يثبت لهما ولاية التصرف في التركة إذا كانت الورثة كبارا فعريت) ش: أي الشهادة م: (عن التهمة وله) ش: ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: م: (أنه يثبت لهما) ش: الضمير في " أنه " للشأن، وهي لهما - الوصيان - م: (ولاية الحفظ وولاية بيع المنقول عند غيبة الوارث وتحققت التهمة. بخلاف شهادتهما في غير التركة لانقطاع ولاية وصي الأب عنه؛ لأن الميت أقامه مقام نفسه في تركته لا في غيرها) .
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع ": م: (وإذا شهد رجلان لرجلين على ميت بدين ألف درهم، وشهد الآخران للأولين بمثل ذلك جازت شهادتهما، وإن كانت شهادة كل فريق للآخرين بوصية ألف درهم لم يجز، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -:(13/525)
لا تقبل في الدين أيضا، وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذكر الخصاف مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - وجه القبول: أن الدين يجب في الذمة وهي قابلة لحقوق شتى فلا شركة، ولهذا لو تبرع أجنبي بقضاء دين أحدهما ليس للآخر حق المشاركة. وجه الرد: أن الدين بالموت يتعلق بالتركة، إذ الذمة خربت بالموت، ولهذا لو استوفى أحدهما حقه من التركة، يشاركه الآخر فيه، فكانت الشهادة مثبتة حق الشركة، فتحققت التهمة. بخلاف حال حياة المديون؛ لأنه في الذمة لبقائها لا في المال فلا تتحقق الشركة. قال: ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بجاريته،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
لا تقبل) ش: الشهادة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (في الدين أيضا، وأبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيما ذكر الخصاف مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: كما قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ولفظ الخصاف في كتاب " أدب القاضي " لو أن رجلا مات بدين ألف درهم وترك لورثته مالا فشهد رجلان لرجلين على الميت بدين ألف درهم، فإن أبا حنيفة وابن أبي ليلى وأبا يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قالوا: الشهادة باطلة من قبل أنهم يشتركون فيما قبض كل واحد منهم وروى محمد بن الحسن في " الجامع الصغير " عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الشهادة جائزة، وروى الحسن بن أبي زياد عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنهم إن جاءوا جميعا فالشهادة باطلة.
م: (وعن أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - مثل قول محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: أي تجوز شهادة كل فريق في حق الدين ولا تجوز في الوصية. قال الكاكي: وإنما خص قول محمد هنا مع أنه قيل: هذا قول أبي حنيفة ومحمد؛ لتقرر قول محمد في ذلك واضطراب قول أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فصار عن أبي حنيفة روايتان، وعن أبي يوسف كذلك، وعن محمد رواية واحدة.
م: (وجه القبول: أن الدين يجب في الذمة وهي) ش: أي الذمة م: (قابلة لحقوق شتى) ش: أي كثيرة متفرقة م: (فلا شركة) ش: أي في ذلك فلا تهمة.
م: (ولهذا) ش: أي ولأجل عدم الشركة م: (لو تبرع أجنبي بقضاء دين أحدهما ليس للآخر حق المشاركة، وجه الرد أن الدين بالموت يتعلق بالتركة، إذ الذمة خربت بالموت، ولهذا لو استوفى أحدهما حقه من التركة يشاركه الآخر فيه) ش: أي في الذي استوفاه م: (فكانت الشهادة مثبتة حق الشركة فتحققت التهمة) ش: فلا تقبل الشهادة.
م: (بخلاف حال حياة المديون؛ لأنه) ش: أي لأن الدين م: (في الذمة لبقائها لا في المال) ش: أي لبقاء الذمة، ولهذا يأخذه الآخر لا يكون للآخر فيه أن يشاركه فيه، فإذا كان كذلك م: (فلا تتحقق الشركة) .
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع ": م: (ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بجاريته؛(13/526)
وشهد الشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين بعبده جازت الشهادة بالاتفاق؛ لأنه لا شركة فلا تهمة قال: ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بثلث ماله وشهد المشهود لهما: أنه أوصى للشاهدين بثلث ماله فالشهادة باطلة. وكذا إذا شهد الأولان أن الميت أوصى لهذين الرجلين بعبد وشهد المشهود لهما أنه أوصى للأولين بثلث ماله فهي باطلة؛ لأن الشهادة في هذه الصورة مثبتة للشركة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وشهد الشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين بعبده جازت الشهادة بالاتفاق؛ لأنه لا شركة فلا تهمة. قال) ش: أي محمد م: (ولو شهدا أنه أوصى لهذين الرجلين بثلث ماله وشهد المشهود لهما أنه أوصى للشاهدين بثلث ماله فالشهادة باطلة. وكذا إذا شهد الأولان أن الميت أوصى لهذين الرجلين بعبد وشهد المشهود لهما أنه أوصى للأولين بثلث ماله فهي باطلة؛ لأن الشهادة في هذه الصورة مثبتة للشركة) ش: وذلك لأنهم يشتركون في ثلث العبد.(13/527)
كتاب الخنثى فصل في بيانه
قال: وإذا كان للمولود فرج وذكر فهو خنثى، فإن كان يبول من الذكر فهو غلام، وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى «لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سئل عنه كيف يورث؟ فقال: " من حيث يبول» .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[كتاب الخنثى]
[فصل في بيان الخنثى]
م: (كتاب الخنثى) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الخنثى. م: (فصل في بيانه)
م: (قال) ش: الأكمل: فإن قيل: الفصل إنما يذكر لقطع شيء من شيء آخر باعتبار نوع مغايرة بينهما، وهاهنا لم يتقدم شيء، فما وجه ذكر الفصل؟
قلت: كلامه في قوة أن يقال: هذا الكتاب فيه فصلان، فصل في بيان الخنثى، وفصل في أحكامه م: (وإذا كان للمولود فرج وذكر فهو خنثى) ش: أراد بالفرج هنا الحر، وهو قبل المرأة، وإلا فالفرج يطلق على قبل المرأة والرجل باتفاق أهل اللغة، كذا في " المغرب "، وفيه تركيب الخنث يدل على لين ونكس، وفيه المخنث وتخنيث في كلامه، وهو على وزن فعلى، وجمعه خناثى بالفتح كحبلى وحبالى.
م: (فإن كان يبول من الذكر فهو غلام، وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى؛ لأن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سئل عنه كيف يورث فقال: «من حيث يبول» ش: هذا الحديث رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي يوسف القاضي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه سئل عن مولود ولد له قبل وذكر، من أين يورث؟ فقال: " من حيث يبول» .
ومن طريق ابن عدي رواه البيهقي في " المعرفة " في الفرائض وعده ابن عدي من منكرات الكلبي. وقال البيهقي: الكلبي لا يحتج به ورواه ابن الجوزي في " الموضوعات " من جهة ابن عدي وقال: البلاء فيه من الكلبي، انتهى.(13/528)
وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مثله، ولأن البول من أي عضو كان فهو دلالة على أنه هو العضو الأصلي الصحيح، والآخر بمنزلة العيب. وإن بال منهما فالحكم للأسبق لأن ذلك دلالة أخرى على أنه هو العضو الأصلي. وإن كانا في السبق على السواء، فلا معتبر بالكثرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وقالا: ينسب إلى أكثرهما بولا؛ أنه علامة قوة ذلك العضو وكونه عضوا أصليا. ولأن للأكثر حكم الكل في أصول الشرع فيترجح بالكثرة، وله: أن كثرة الخروج ليس يدل على القوة؛ لأنه قد يكون لاتساع في أحدهما وضيق في الآخر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قلت: أبو يوسف إمام مجتهد ثقة كيف يروي عن الكلبي مع علمه بأنه لا يحتج به، ولو لم يعلم أنه ثقة لما روى عنه.
وقد أيده أيضا ما روي م: (عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) ش: فقال المصنف: وعن علي م: (مثله) ش: رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا الحسن بن كثير الأحمسي عن أبيه عن معاوية أنه أتي في خنثى فأرسلهم إلى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: يورث من حيث يبول، ورواه الشعبي نحوه، وروى عبد الرزاق في " مصنفه " عن سعيد بن المسيب نحوه، وزاد: فإن كانا في البول سواء فمن حيث سبق.
م: (ولأن البول من أي عضو كان فهو دلالة على أنه هو العضو الأصلي الصحيح، والآخر بمنزلة العيب) ش: وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول، وهكذا كان الحكم في الجاهلية، فقرره الشرع.
م: (وإن بال منهما فالحكم للأسبق؛ لأن ذلك دلالة أخرى على أنه هو العضو الأصلي، وإن كانا في السبق على السواء، فلا معتبر بالكثرة عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وبه قال أصحاب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في أحد الوجهين، فكان خنثى مشكلا، فقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - لا أدري.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (ينسب إلى أكثرهما بولا) ش: وبه قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في وجه وأحمد والأوزاعي والمزني م: (لأنه علامة قوة ذلك العضو وكونه عضوا أصليا. ولأن للأكثر حكم الكل في أصول الشرع، فيترجح بالكثرة) .
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أن كثرة الخروج لا يدل على القوة؛ لأنه قد يكون لاتساع في أحدهما وضيق في الآخر) ش: ولما أخبر أبو يوسف أبا حنيفة - رحمهما الله - بجوابه قال أبو حنيفة: هل رأيت قاضيا يكيل البول بالأواني وتوقف أبو حنيفة في الجواب وقال: لا أدري، وهذا من علامة فقه الرجل في ورعه وعدم تخبطه في الجواب، فإنه استند عليه بطريق التمييز(13/529)
وإن كان يخرج منهما على السواء فهو مشكل بالاتفاق؛ لأنه لا مرجح. قال: وإذا بلغ الخنثى وخرجت له لحية أو وصل إلى النساء فهو رجل، وكذا إذا احتلم كما يحتلم الرجل، أو كان له ثدي مستو؛ لأن هذا من علامة الذكران. ولو ظهر له ثدي كثدي المرأة أو نزل له لبن في ثديه أو حاض أو حبل أو أمكن الوصول إليه من الفرج فهو امرأة؛ لأن هذه من علامات النساء، وإن لم يظهر إحدى هذه العلامات فهو خنثى مشكل، وكذا إذا تعارضت هذه المعالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
بالدليل المعقول والمسموع، فتوقف كما قالوا جميعا عند استواء الكثرة: لا علم لنا بذلك.
وسئل ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن مثله فقال: لا أدري، كذا في " المبسوط " و " الأسرار "، وإن استويا في الكثرة فهو مشكل عند الجمهور. وحكي عن علي والحسن أنهما قالا: يعد أضلاعه، فإن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل.
وقال جابر بن زيد: يوقف إلى جانب حائط فإن بال عليه فهو رجل، وإن سلسل بين فخذيه فهي امرأة، وكلا القولين ليس بصحيح م: (وإن كان يخرج منهما على السواء فهو مشكل بالاتفاق؛ لأنه لا مرجح) ش: حتى يحكم بالترجيح.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا بلغ الخنثى) ش: يعني هذا الذي قلنا ما دام صغيرا، فإذا بلغ م: (وخرجت لحية أو وصل إلى النساء فهو رجل. وكذا إذا احتلم كما يحتلم الرجل أو كان له ثدي مستو؛ لأن هذه من علامات الذكران. ولو ظهر له ثدي كثدي المرأة أو نزل له لبن في ثديه أو حاض أو حبل أو أمكن الوصول إليه من الفرج فهو امرأة؛ لأن هذه من علامات النساء، وإن لم يظهر إحدى هذه العلامات فهو خنثى مشكل. وكذا إذا تعارضت هذه المعالم) ش: ولو كان شخص لا مهبل له بل له مخرج واحد فيهما بين المخرجين منه يبول ويتغوط، أو لا يخرج له لا قبل له ولا دبر، وإنما يتقيأ ما يأكله ويشربه. وحكي في بعض البلاد هذا، فهو في حكم الخنثى المشكل، كذا في المغني لابن قدامة. وفي " المحيط " وفي " المنتقى " قال: أبو يوسف وأبو حنيفة - رحمهما الله -: ما أدري ما أقول في هذا، والله أعلم.(13/530)
فصل في أحكامه قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأصل في الخنثى المشكل أن يؤخذ فيه بالأحوط والأوثق في أمور الدين، وأن لا يحكم بثبوت حكم وقع الشك في ثبوته. قال: وإذا وقف خلف الإمام قام بين صف الرجال والنساء لاحتمال أنه امرأة فلا يتخلل الرجال كي لا يفسد صلاتهم، ولا النساء لاحتمال أنه رجل فتفسد صلاته. فإن قام في صف النساء فأحب إلي أن يعيد صلاته، لاحتمال أنه رجل، وإن قام في صف الرجال فصلاته تامة ويعيد الذي عن يمينه وعن يساره، والذي خلفه بحذائه صلاتهم احتياطا، لاحتمال أنه امرأة. وقال: وأحب إلينا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[فصل في بيان أحكام الخنثى]
م: (فصل في أحكامه) ش: أي هذا فصل في بيان أحكام الخنثى.
م: (قال - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: الأصل في الخنثى المشكل) ش: وتذكير الضمير فيه للتغليب المذكور؛ لأن فيه جهة الذكورة وجهة الأنوثة، الأصل في الخنثى المشكل م: (أن يؤخذ فيه بالأحوط والأوثق في أمور الدين، وأن لا يحكم بثبوت حكم وقع الشك في ثبوته) ش: قال المشكل ولم يقل المشكلة؛ لأنه لما لم يعلم تذكيره وتأنيثه والأصل هو الذكر؛ لأن حواء - عَلَيْهَا السَّلَامُ - خلقت من ضلع آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (إذا وقف خلف الإمام قام بين صف الرجال والنساء، لاحتمال أنه امرأة، فلا يتخلل الرجال كي لا يفسد صلاتهم، ولا النساء لاحتمال أنه رجل فتفسد صلاته، فإن قام في صف النساء فأحب إلي أن يعيد صلاته، لاحتمال أنه رجل) ش: إنما قال: أحب إلي ولم يقل أوجب مع أن فيها جهة الفساد، وفي العبادات جهة الفساد راجحة، لما أن فساد الصلاة بجهة المحاذاة مختلف فيه وفي كونه رجلا أيضا، صار بمنزلة الشبهة، فلذلك قال: أحب إلي، أشار إليه في " المبسوط " وفي " الذخيرة "، هذا حال كونه مراهقا، فأما لو كان بالغا يجب الإعادة لترجيح جهة الفساد.
م: (وإن قام في صف الرجال فصلاته تامة، ويعيد الذي عن يمينه وعن يساره والذي خلفه بحذائه صلاتهم احتياطا لاحتمال أنه امرأة) ش: إنما قال: احتياطا لأن مبنى العبادة على الاحتياط، محاذاة المرأة الرجل في حقهم موهوم.
م: (وقال: وأحب إلينا) ش: لفظ قال هنا لم يقع في محله؛ لأنه إنما يذكر إما لمحمد وإما للقدوري، ولم يذكر هذه المسألة إلا في الأصل، وكذلك لم يقع في نسخة شيخي العلاء م: (أن(13/531)
يصلي بقناع؛ لأنه يحتمل أنه امرأة، ويجلس في صلاته جلوس المرأة؛ لأنه إن كان رجلا فقد ترك سنة وهو جائز في الجملة، وإن كان امرأة فقد ارتكب مكروها؛ لأن الستر على النساء واجب ما أمكن. وإن صلى بغير قناع أمرته أن يعيد، لاحتمال أنه امرأة، وهو على الاستحباب، وإن لم يعد أجزأه، وتبتاع له أمة تختنه إن كان له مال؛ لأنه يباح لمملوكته النظر إليه رجلا كان أو امرأة، ويكره أن يختنه رجل؛ لأنه عساه أنثى، أو تختنه امرأة؛ لأنه لعله رجل، فكان الاحتياط لما قلنا. وإن لم يكن له مال ابتاع له الإمام أمة من بيت المال؛ لأنه أعد لنوائب المسلمين، فإذا ختنته باعها ورد ثمنها في بيت المال، لوقوع الاستغناء عنها. ويكره له في حياته لبس الحلي والحرير، وأن يتكشف قدام الرجال أو قدام النساء وأن يخلو به غير محرم من رجل أو امرأة، وأن يسافر من غير محرم من الرجال؛ توقيا عن احتمال المحرم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
يصلي بقناع؛ لأنه يحتمل أنه امرأة، ويجلس في صلاته جلوس المرأة) ش: وفسر السرخسي هذا بقوله: معناه أن يخرج رجليه من جانب ويفضي بإليته إلى الأرض؛ لأنه أقرب إلى التستر م: (لأنه إن كان رجلا فقد ترك سنة، وهو جائز في الجملة) ش: كما في حالة الضعف.
م: (وإن كان امرأة فقد ارتكب مكروها؛ لأن الستر على النساء واجب ما أمكن، وإن صلى بغير قناع أمرته أن يعيد) ش: أي صلاته م: (لاحتمال أنه امرأة، وهو على الاستحباب) ش: هذا قبل البلوغ، فأما بعد البلوغ تجب الإعادة م: (وإن لم يعد أجزأه) ش: لأنه ترك الاستحباب.
م: (وتبتاع له أمة تختنه إن كان له مال؛ لأنه يباح لمملوكته النظر إليه رجلا كان أو امرأة) ش: قال الكاكي: هذا التعليل يصح في حق الرجل، أما لا يصح في حق المرأة؛ لأن الأمة لا يباح لها النظر إلى مواضع العورة من سيدها مطلقا، وقال الكاكي فيه نظر؛ لأن ذلك في حالة الاحتياط لا في حالة العذر.
م: (ويكره أن يختنه رجل؛ لأنه عساه أنثى) ش: أي لعله أنثى م: (أو تختنه امرأة لعله رجل، فكان الاحتياط فيما قلنا) ش: أنه في شراء الأمة م: (وإن لم يكن له مال ابتاع له الإمام) ش: أي اشترى له من بيت المال م: (أمة من بيت المال؛ لأنه) ش: بيت المال م: (أعد لنوائب المسلمين، فإذا ختنته باعها ورد ثمنها في بيت المال لوقوع الاستغناء عنها) .
م: (ويكره له في حياته لبس الحلي والحرير) ش: وفي " النهاية ": وليس في قيد الحياة زيادة فائدة، لما أنه بعد الموت كذلك م: (وأن يتكشف قدام الرجال أو قدام النساء) ش: والمرأة بالانكشاف، وهو أن يكون في إزار واحد لأنه مواضع العورة؛ لأن ذلك لا يحل لغير الأنثى أيضا م: (وأن يخلو به غير محرم من رجل أو امرأة، وأن يسافر من غير محرم من الرجال توقيا من احتمال المحرم) ش: أي عن ارتكابه.(13/532)
وإن أحرم وقد راهق، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا علم لي في لباسه؛ لأنه إن كان ذكرا يكره له لبس المخيط، وإن كان أنثى يكره له تركه. وقال محمد يلبس لباس المرأة؛ لأن ترك لبس المخيط وهو امرأة أفحش من لبسه وهو رجل، ولا شيء عليه؛ لأنه لم يبلغ. ومن حلف بطلاق أو عتاق إن كان أول ولد تلدينه غلاما فولدت خنثى لم يقع حتى يستبين أمر الخنثى؛ لأن الخنث لا يثبت بالشك. ولو قال: كل عبد لي حر، أو قال: كل أمة لي حرة وله مملوك خنثى لم يعتق حتى يستبين أمره لما قلنا. وإن قال القولين جميعا عتق للتيقن بأحد الوصفين؛ لأنه ليس بمهمل. وإن قال الخنثى: أنا رجل أو أنا امرأة لم يقبل قوله إذا كان مشكلا؛ لأنه دعوى يخالف قضية الدليل. وإن لم يكن مشكلا ينبغي أن يقبل قوله؛ لأنه أعلم بحاله من غيره. وإن مات قبل أن يستبين أمره لم يغسله رجل ولا امرأة؛ لأن حل الغسل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (وإن أحرم وقد راهق، قال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا علم لي في لباسه؛ لأنه إن كان ذكرا يكره له لبس المخيط، وإن كان أنثى يكره له تركه) ش: إنما قال ذلك لاشتباه حاله وعدم مرجح.
م: (وقال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلبس لباس المرأة؛ لأن ترك لبس المخيط وهو امرأة أفحش من لبسه وهو رجل ولا شيء عليه؛ لأنه لم يبلغ) ش: فلا يكون جناية.
م: (ومن حلف بطلاق أو عتاق إن كان أول ولد تلدينه غلاما) ش: فهو حر م: (فولدت خنثى لم يقع شيء حتى يستبين أمر الخنثى؛ لأن الخنث لا يثبت بالشك، ولو قال: كل عبد لي حر، أو قال: كل أمة لي حرة وله مملوك خنثى لم يعتق حتى يستبين أمره لما قلنا) ش: أي لأن الخنث لا يثبت بالشك م: (وإن قال القولين جميعا عتق) ش: يعني إذا قال: كل عبد لي حر، وكل أمة لي حرة عتق المملوكة الخنثى م: (للتيقن بأحد الوصفين) ش: لا فرق أن يكون ذكرا في الواقع أو أنثى، فأيا ما كان يعتق بأحد اليمينين م: (لأنه ليس بمهمل) ش: يعني أنه في الواقع ليس بخال عن أحد الحالين.
م: (وإن قال الخنثى أنا رجل أو قال أنا امرأة لم يقبل قوله إذا كان مشكلا؛ لأنه دعوى يخالف قضية الدليل) ش: لأنه يقتضي بقاء الإشكال، وهو لا يعلم في ذلك من نفسه خلاف ما يعلم به غيره. حاصله: أنه مجازف فيما يخبر به عن نفسه، فإنه لم يعلم من ذلك إلا ما يعلم غيره.
م: (وإن لم يكن مشكلا ينبغي أن يقبل قوله؛ لأنه أعلم بحاله من غيره) ش: وقال الأترازي: في هذا التعليل نظر؛ لأنه إنما يكون مشكلا إذا ظهرت فيه إحدى العلامات، فبعد ظهورها يحكم بأنه ذكر أو أنثى فلا حاجة إلى قول الخنثى بعد ذلك. انتهى. قيل: إنما قال: ينبغي أن يقبل بلفظ ينبغي؛ لأن حكمه غير مذكور فلم يتيقن به.
م: (وإن مات) ش: أي الخنثى م: (قبل أن يستبين أمره لم يغسله رجل ولا امرأة لأن حل الغسل(13/533)
غير ثابت بين الرجال والنساء، فيتوقى لاحتمال الحرمة، وييمم بالصعيد لتعذر الغسل. ولا يحضر إن كان مراهقا غسل رجل ولا امرأة لاحتمال أنه ذكر أو أنثى، وإن سجى قبره فهو أحب؛ لأنه إن كان أنثى يقيم واجبا، وإن كان ذكرا فالتسجية لا تضره. وإذا مات فصلي عليه وعلى رجل وامرأة وضع الرجل مما يلي الإمام، والخنثى خلفه، والمرأة خلف الخنثى فيؤخر عن الرجل لاحتمال أنه امرأة، ويقدم على المرأة لاحتمال أنه رجل. ولو دفن مع رجل في قبر واحد من عذر جعل الخنثى خلف الرجل لاحتمال أنه امرأة، ويجعل بينهما حاجز من صعيد، وإن كان مع امرأة قدم الخنثى لاحتمال أنه رجل. وإن كان يجعل على السرير نعش المرأة فهو أحب إلي لاحتمال أنه عورة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
غير ثابت بين الرجال والنساء) ش: أي غسل الرجل امرأته وعكسه غير ثابت في الشرع م: (فيتوقى لاحتمال الحرمة) ش: فإن النظر إلى العورة حرام، والحرمة لم تكشف بالموت، فتعذر غسله لانعدام من يغتسله، فصار بمنزلة من تعذر غسله لانعدام ما يغسل به م: (وييمم بالصعيد لتعذر الغسل) ش: ويتيمم مع الخرقة، إن يممه الأجنبي، وبغيرها إن كان ذا رحم محرم من الميت ينظر المتيمم إلى وجهه، ويعوض وجهه عن ذراعيه لاحتمال أن يكون امرأة.
م: (ولا يحضر) ش: أي الخنثى م: (إن كان مراهقا غسل رجل ولا امرأة لاحتمال أنه ذكر أو أنثى، وإن سجي قبره فهو أحب؛ لأنه إن كان أنثى يقيم واجبا، وإن كان ذكرا فالتسجية لا تضره. وإذا مات فصلي عليه وعلى رجل وامرأة وضع الرجل مما يلي الإمام والخنثى خلفه والمرأة خلف الخنثى فيؤخر عن الرجال، لاحتمال أنه امرأة، ويقدم على المرأة لاحتمال أنه رجل) .
م: (ولو دفن مع رجل في قبر واحد من عذر جعل الخنثى خلف الرجل لاحتمال أنه امرأة، ويجعل بينهما حاجز من صعيد، وإن كان مع امرأة قدم الخنثى لاحتمال أنه رجل، وإن كان يجعل على السرير نعش المرأة فهو أحب إلي لاحتمال أنه عورة) ش: والنعش شبه المحفة، مشبك مطبق على المرأة إذا وضعت على الجنازة.
وفي " الذخيرة ": وإن حمل الخنثى مقلوبا فهو أحب إلي، ومعنى المقلوب: أنه إذا كان للجنازة قوائم تقلب وتجعل القوائم التي أسفل الجنازة أعلاها، ثم عمل عليه؛ لأنه لا بد وأن يلقى عليه ثوب.
فإذا جعلت الجنازة مقلوبة يلقى الثوب على القوائم , فيكون أستر له مما حمل على ظاهر الجنازة، وإن لم يكن لها قوائم وضع على ظاهر الجنازة ووضع عليه النعش فيكون أستر له , فإن كان امرأة فهو السنة وإن كان رجلا فالنعش لا يضره.(13/534)
ويكفن كما تكفن الجارية، وهو أحب إلي، يعني: يكفن في خمسة أثواب؛ لأنه إذا كان أنثى فقد أقيمت سنة، وإن كان ذكرا فقد زادوا على الثلاثة ولا بأس بذلك، ولو مات أبوه وخلف ابنا وخنثى فالمال بينهما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أثلاثا، للابن سهمان وللخنثى سهم، وهو أنثى عنده في الميراث، إلا أن يتبين غير ذلك. وقالا: للخنثى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى، وهو قول الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -. واختلفا في قياس قوله، قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المال بينهما على اثني عشر سهما، للابن سبعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (ويكفن كما تكفن الجارية وهو أحب إلي، يعني يكفن في خمسة أثواب؛ لأنه إذا كان أنثى فقد أقيمت سنة، وإن كان ذكرا فقد زادوا على الثلاثة، ولا بأس بذلك) ش: لأن عدد الكفن يعتبر بعدد الثياب حال الحياة، فالزيادة على الثلاثة في الكفن للرجل غير ضار كما في حال الحياة، فإن للرجل أن يلبس حال حياته أزيد من الثلاثة.
م: (ولو مات أبوه) ش: أي أبو الخنثى م: (وخلف ابنا وخنثى فالمال بينهما عند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أثلاثا، للابن سهمان وللخنثى سهم، وهو) ش: أي الخنثى م: (أنثى عنده) ش: أي عند أبي حنيفة م: (في الميراث) ش: وبه قال الشعبي، كذا ذكره بعضهم م: (إلا أن يتبين غير ذلك) ش: هذا استثناء من قوله: وهو أنثى عنده في الميراث، يعني وهو بأن يظهر فيه إحدى علامات الذكورية بلا تعارض، فحينئذ يعتبر ذكرا.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله -: م: (للخنثى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى وهو قول الشعبي - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ش: وذكر القدوري قول محمد مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وكذلك ذكر أبو النصر البغدادي قول محمد مع أبي يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ - وكذلك ذكره المصنف، وكذلك في عامة الكتب ذكروا قول محمد مع أبي يوسف خيفة. وقال الكاكي: ذكر في عامة كتب أصحابنا أن للخنثى المشكل أقل النصيبين، يعني سواء الحالتين عند أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أولا، وعليه الفتوى، وهو قول عامة الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وقال أبو يوسف آخرا: له نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى، وهو قول أحمد وابن أبي ليلى والثوري وشريك والحسن بن صالح وأهل المدينة وأهل مكة وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. وقال الشافعي وأبو ثور وداود وابن جرير - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يعطى له اليقين، وهو ميراث أنثى ويوقف الباقي إلى أن يتبين الأمر، ويصطلحوا. وفيه قول آخر للشافعي شاذ.
م: (واختلفا في قياس قوله) ش: أي على ترجيح قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - م: (قال محمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المال بينهما) ش: أي بين الابن والخنثى م: (على اثني عشر سهما للابن سبعة(13/535)
وللخنثى خمسة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المال بينهما على سبعة، للابن أربعة وللخنثى ثلاثة؛ لأن الابن يستحق كل الميراث عند الانفراد، والخنثى ثلاثة الأرباع، فعند الاجتماع يقسم بينهما على قدر حقيهما، هذا يضرب بثلاثة، وذلك يضرب بأربعة، فيكون سبعة. لمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الخنثى لو كان ذكرا يكون المال بينهما نصفين، وإن كان أنثى يكون المال بينهما أثلاثا احتجنا إلى حساب له نصف وثلث وأقل ذلك ستة، ففي حال يكون المال بينهما نصفين لكل واحد ثلاثة، وفي حال يكون أثلاثا للخنثى سهمان وللابن أربعة فسهمان للخنثى ثابتان بيقين، ووقع الشك في السهم الزائد فينتصف، فيكون له سهمان ونصف فانكسر، فيضعف ليزول الكسر، فصار الحساب من اثني عشر للخنثى خمسة وللابن سبعة. ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن الحاجة هاهنا إلى إثبات المال ابتداء والأقل وهو ميراث الأنثى متيقن به، وفيما زاد عليه شك فأثبتنا المتيقن قصرا عليه؛ لأن المال لا يجب بالشك، وصار كما إذا كان الشك في وجوب المال بسبب آخر، فإنه يؤخذ فيه بالمتيقن، كذا هذا، إلا أن يكون نصيبه الأقل لو قدرناه ذكرا فحينئذ يعطى نصيب الابن في تلك الصورة لكونه متيقنا به،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وللخنثى خمسة. وقال أبو يوسف - رَحِمَهُ اللَّهُ -: المال بينهما على سبعة، للابن أربعة وللخنثى ثلاثة؛ لأن الابن يستحق كل الميراث عند الانفراد، والخنثى) ش: يستحق م: (ثلاثة الأرباع، فعند الاجتماع يقسم بينهما على قدر حقيهما، هذا يضرب بثلاثة وذاك يضرب بأربعة، فيكون سبعة. ولمحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الخنثى لو كان ذكرا يكون المال بينهما نصفين وإن كان أنثى يكون المال بينهما أثلاثا احتجنا إلى حساب له نصف وثلث، وأقل ذلك ستة، ففي حال يكون المال بينهما نصفين لكل واحد ثلاثة، وفي حال يكون أثلاثا للخنثى سهمان وللابن أربعة، فسهمان للخنثى ثابتان) ش: باتفاق م: (بيقين، ووقع الشك في السهم الزائد، فينتصف فيكون له سهمان ونصف، فانكسر فيضعف ليزول الكسر، فصار الحساب من اثني عشر، للخنثى خمسة وللابن سبعة) .
م: (ولأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أن الحاجة هاهنا إلى إثبات المال ابتداء) ش: لأنه لا بد من بيان سبب استحقاقه بالذكورة أو الأنوثة، ولا شيء منهما معلوم، وإثبات المال ابتداء بدون سبب متحقق غير مشروع، فلا بد من البناء على المتيقن م: (والأقل وهو ميراث الأنثى متيقن به، وفيما زاد عليه شك فأثبتنا المتيقن به قصرا عليه؛ لأن المال لا يجب بالشك، وصار كما إذا كان الشك في وجوب المال بسبب آخر) ش: كما في مسألة المفقود م: (فإنه يؤخذ فيه بالمتيقن، كذا هذا، إلا أن يكون نصيبه الأقل) ش: هذا استثناء من قوله: فأوجبنا المتيقن قصرا عليه، يعني أوجبنا للخنثى ميراث الأنثى للمتيقن وما تجاوزنا عنه بإثبات الزيادة؛ لأن المال لا يجب بالشك، إلا أن نصيبه الأقل م: (لو قدرناه ذكرا، فحينئذ يعطى نصيب الابن في تلك الصورة لكونه متيقنا به) .(13/536)
وهو أن تكون الورثة زوجا وأما وأختا لأب وأم وهي خنثى، أو امرأة وأخوين لأم وأختا لأب وأم وهي خنثى فعندنا في الأولى للزوج النصف، وللأم الثلث والباقي للخنثى، وفي الثانية للمرأة الربع وللأخوين لأم الثلث والباقي للخنثى؛ لأنه أقل النصيبين فيهما، والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وأشار إلى صورته بقوله: م: (وهو أن تكون الورثة زوجا وأما وأختا لأب وأم وهي خنثى) ش: هذه صورة للزوج النصف وللأم الثلث، فلو قدرنا الخنثى أنثى يكون لها النصف فتؤول المسألة إلى ثمانية. ولو قدرناه ذكرا يكون الباقي من الستة وهو السدس، فيعطى له؛ لأنه أقل من النصف.
وصورة أخرى أشار إليها بقوله: م: (أو امرأة) ش: أي أو ترك امرأة م: (وأخوين لأم وأختا لأب وأم وهي خنثى) ش: أصل المسألة من اثني عشر، فللمرأة الربع وللأخوين لأم الثلث فلو قدرنا الخنثى ذكرا يكون له الباقي وهو الخمسة، ولو قدرناه أنثى يكون لها النصف وهي ستة تؤول المسألة إلى ثلاثة عشر فتعطى الخمسة؛ لأنها أقل من الستة.
وأشار إلى ما يعطى في الصورة الأولى بقوله: م: (فعندنا في الأولى) ش: أي في صورة الأول م: (للزوج النصف وللأم الثلث، والباقي للخنثى) ش: وقد بيناه الآن م: (وفي الثانية) ش: أي في الصورة الثانية م: (للمرأة الربع وللأخوين لأم الثلث والباقي للخنثى؛ لأنه أقل النصيبين فيهما) ش: وهو سواء الحالتين م: (والله أعلم) .(13/537)
مسائل شتى
قال: وإذا قرئ على الأخرس كتاب وصيته فقيل له: أنشهد عليك بما في هذا الكتاب فأومأ برأسه، أي نعم، أو كتب فإذا جاء من ذلك ما يعرف أنه إقرار فهو جائز، ولا يجوز ذلك في الذي يعتقل لسانه. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الوجهين؛ لأن المجوز إنما هو العجز، وقد شمل الفصلين. ولا فرق بين الأصلي والعارض كالوحشي والمتوحش من الأهلي في حق الذكاة. والفرق لأصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: أن الإشارة إنما تعتبر إذا صارت معهودة معلومة، وذلك في الأخرس دون المعتقل لسانه، حتى لو امتد ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
[مسائل متفرقة من كل باب]
[قرئ على الأخرس كتاب وصيته فقيل له أنشهد عليك بما في هذا الكتاب فأومأ برأسه أي نعم]
م: (مسائل شتى) ش: أي هذه مسائل شتى، أي متفرقة من كل باب.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا قرئ على الأخرس كتاب وصيته فقيل له: أنشهد عليك بما في هذا الكتاب فأومأ برأسه، أي نعم، أو كتب) ش: أي أو كتب الأخرس نعم م: (فإذا جاء من ذلك) ش: الإيماء والكتابة والخط والعقد، وذلك أربعة الإيماء والكتابة والخط والعقد جاز.
أو بالخط وبالعقد عقد الأصابع على رسم المهندسين م: (ما يعرف أنه إقرار فهو جائز) ش: يحكم بجواز وصيته، ولا يعلم فيه خلاف م: (ولا يجوز ذلك في الذي يعتقل لسانه) ش: بضم الياء وفتح القاف على صيغة المجهول، يقال: اعتقل لسانه إذا حبس عن الكلام ولم يقدر، وبه قال الثوري وأحمد والأوزاعي.
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يجوز في الوجهين) ش: أي في الإشارة والكتابة، وبه قال ابن المنذر م: (لأن المجوز إنما هو العجز وقد شمل الفصلين) ش: أي الأخرس والعقل م: (ولا فرق بين الأصلي والعارض) ش: أي لا فرق بين العجز الأصلي والعجز العارض م: (كالوحشي والمتوحش من الأهلي) ش: أي من الحيوان الأهلي م: (في حق الذكاة) ش: بالذال المعجمة، أي في الذكاة الاضطرارية.
م: (والفرق) ش: أي بين الأصلي والعارضي م: (لأصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: أن الإشارة إنما تعتبر) ش: وتقوم مقام النطق في حق الأخرس م: (إذا صارت معهودة معلومة، وذلك في الأخرس دون المعتقل لسانه) ش: لاحتمال أن يزول ما به من المرض، فيطلق لسانه، فلم تقم إشارته أو كتابته مقام العبارة؛ لأن عجزه عارض على شرف الزوال م: (حتى لو امتد ذلك) ش: أي اعتقاله.(13/538)
وصارت له إشارات معلومة، قالوا: هو بمنزلة الأخرس، ولأن التفريط جاء من قبله حيث أخر الوصية إلى هذا الوقت، أما الأخرس فلا تفريط منه، ولأن العارضي على شرف الزوال دون الأصلي، فلا ينقاسان وفي الآبدة عرفناه بالنص. قال: وإذا كان الأخرس يكتب كتابا أو يومئ إيماء يعرف به، فإنه يجوز نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه، ويقتص له ومنه ولا يحد له. أما الكتابة فلأنها ممن نأى بمنزلة الخطاب ممن دنا. ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أدى واجب التبليغ مرة بالعبارة وتارة بالكتابة إلى الغيب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
قال التمرتاشى: حده سنة م: (وصارت له إشارات معلومة، قالوا) ش: أي المشايخ م (هذا بمنزلة الأخرس) ش: وحكى الحاكم عن أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: إن دامت العقلة إلى وقت الموت يجوز إقراره بالإشارة، ويجوز الإشهاد عليه؛ لأنه عجز عن النطق بمعنى لا يرجى زواله، فكان كالأخرس، قالوا: وعليه الفتوى، كذا ذكره المحبوبي.
م: (ولأن التفريط جاء من قبله حيث أخر الوصية إلى هذا الوقت، أما الأخرس فلا تفريط منه، ولأن العارضي على شرف الزوال دون الأصلي، فلا ينقاسان) ش: أي لا يقبلان القياس، بخلاف الصغيرة والآيسة؛ لأن امتداد الطهر وارتفاع الحيض على شرف الزوال دون الصغر والإياس.
م: (وفي الآبدة) ش: من أبدت البهيمة أبد وتأبد، أي توحشت، والجمع الأوابد، وهو جواب عن قول الشافعي كالوحشي والمتوحش م: (عرفناه بالنص) ش: وقال تاج الشريعة: الضمير في عرفته عائدا إلى عدم العرف بين الوحش الأهلي والمتوحش من الأهلي في حق المذكورة، والنص هو ما رواه ابن خديج «أن بعيرا من أهل الصدقات ند فرماه رجل بسهم فقتله فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إن لها أوابد كأوابد الوحش، فإذا فعلت شيئا من ذلك فافعلوا بها كما فعلتم بهذا ثم كلوه» .
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كان الأخرس يكتب كتابا أو يومئ إيماء يعرف به، فإنه يجوز نكاحه وطلاقه وعتاقه وبيعه وشراؤه ويقتص له) ش: إذا قتل م: (منه) ش: أي ويقتص له إذا قتل من له القصاص فيه م: (ولا يحد له) ش: أي إذا كان الأخرس مقذوفا.
م: (أما الكتابة فلأنها ممن نأى) ش: أي ممن بعد م: (بمنزلة الخطاب ممن دنا) ش: أي قرب؛ لأن الكتابة جعلت مقام العبارة في حق الغائب للعجز عن النطق باللسان، والعجز في حق الأخرس ألزم، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أن النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أدى واجب التبليغ مرة بالعبارة، وتارة بالكتابة إلى الغيب) ش: ففي " الصحيحين " عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -(13/539)
والمجوز في حق الغائب العجز، وهو في حق الأخرس أظهر وألزم، ثم الكتاب على ثلاث مراتب مستبين مرسوم، وهو بمنزلة النطق في الغائب والحاضر على ما قالوا، ومستبين غير مرسوم كالكتابة على الجدار وأوراق الأشجار. وينوي فيه؛ لأنه بمنزلة صريح الكتابة فلا بد من النية، وغير مستبين كالكتابة على الهواء والماء، وهو بمنزلة كلام غير مسموع فلا يثبت به الحكم. وأما الإشارة فجعلت حجة في حق الأخرس في حق هذه الأحكام للحاجة إلى ذلك؛ لأنها من حقوق العباد، ولا تختص بلفظ دون لفظ، وقد تثبت بدون اللفظ والقصاص حق العبد أيضا، ولا حاجة إلى الحدود؛
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه مع دحية الكلبي» - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ... الحديث بطوله مشهور. وكتب إلى بكر بن وائل، رواه ابن حبان في " صحيحه " عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وكتب إلى يهود خيبر، رواه أبو نعيم في " دلائل النبوة " من حديث ابن عباس.
م: (والمجوز في حق الغائب العجز، وهو) ش: أي العجز م: (في حق الأخرس أظهر وألزم، ثم الكتابة على ثلاث مرات مستبين) ش: أي بين م: (مرسوم) ش: أي معنون بالعنوان، والعنوان أن يكتب في صدره من فلان إلى فلان م: (وهو بمنزلة النطق في الغائب والحاضر على ما قالوا) ش: أي المشايخ.
م: (ومستبين غير مرسوم كالكتابة على الجدار وأوراق الأشجار، وينوى فيه) ش: على صيغة المجهول بالتشديد، أي يطلب منه النية فيه م: (لأنه بمنزلة صريح الكتابة) ش: أي بمنزلة كتابة قوله أنت بائن م: (فلا بد من النية) .
م: (وغير مستبين كالكتابة على الهواء والماء، وهو بمنزلة كلام غير مسموع، فلا يثبت به الحكم. وأما الإشارة فجعلت حجة في حق الأخرس في حق هذه الأحكام) ش: أي النكاح والطلاق، والبيع والشراء م: (للحاجة إلى ذلك؛ لأنها من حقوق العباد، ولا يختص بلفظ دون لفظ) ش: يعني هذه التصرفات من النكاح ونحوه لا يتعلق بلفظ خاص، بل يثبت بألفاظ كثيرة، ويثبت بلفظ دون لفظ، أي كما ثبت بالعربي يثبت بالفارسي وغيره م: (وقد ثبت بدون اللفظ) ش: يعني بفعل، يدل على اللفظ كالتعاطي.
م: (والقصاص حق العبد أيضا) ش: أي الثابت في حق العبد، فيثبت بإشارته م: (ولا حاجة إلى الحدود) ش: أي لا حاجة إلى التوسعة في الحدود.(13/540)
لأنها حق الله تعالى. ولأنها تندرئ بالشبهات، ولعله كان مصدقا للقاذف، فلا يحد للشبهة، ولا يحد أيضا بالإشارة في القذف لانعدام القذف صريحا وهو الشرط، ثم الفرق بين الحدود والقصاص أن الحد لا يثبت ببيان فيه شبهة، ألا ترى أنهم لو شهدوا بالوطء، الحرام أو أقر بالوطء الحرام لا يجب الحد. ولو شهدوا بالقتل المطلق أو أقر بمطلق القتل يجب القصاص، وإن لم يوجد لفظ التعمد وهذا لأن القصاص فيه معنى العوضية؛ لأنه شرع جابرا فجاز أن يثبت مع الشبهة كسائر المعاوضات التي هي حق العبد. أما الحدود الخالصة لله تعالى فشرعت زواجر، وليس فيها معنى العوضية، فلا تثبت مع الشبهة لعدم الحاجة. وذكر في كتاب الإقرار أن الكتاب من الغائب ليس بحجة في قصاص يجب عليه ويحتمل أن يكون الجواب هنا كذلك، فيكون فيهما روايتان،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
م: (لأنها حق لله تعالى، ولأنها تندرئ بالشبهات، ولعله كان مصدقا للقاذف، فلا يحد للشبهة ولا يحد أيضا بالإشارة في القذف؛ لانعدام القذف صريحا وهو الشرط) ش: أي التصريح هو الشرط كما مر في الحدود.
م: (ثم الفرق بين الحدود والقصاص أن الحد لا يثبت ببيان فيه شبهة، ألا ترى أنهم) ش: أي أن الشأن م: (لو شهدوا بالوطء الحرام أو أقر بالوطء الحرام لا يجب الحد) ش: وإن كان مطلق الحرمة ينصرف إلى الزمان لاحتمال أنه وطئ امرأته في حال الحيض، أو وطئ أمته المجوسية، ولهذا لا يجب الحد بقوله بالحرام زاده.
م: (ولو شهدوا بالقتل المطلق أو أقر بمطلق القتل يجب القصاص، وإن لم يوجد لفظ التعمد، وهذا) ش: أي التصريح بالعمد م: (لأن القصاص فيه معنى العوضية) ش: لأنه يستوفي كل واحد منهما نفس الآخر م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (شرع جابرا فجاز أن يثبت مع الشبهة كسائر المعاوضات التي هي حق العبد، أما الحدود الخالصة لله تعالى فشرعت زواجر، وليس فيها معنى العوضية فلا تثبت مع الشبهة لعدم الحاجة. وذكر في كتاب الإقرار) ش: من الأصل م: (أن الكتاب من الغائب ليس بحجة في قصاص يجب عليه، ويحتمل أن يكون الجواب هنا) ش: أي في الأخرس م: (كذلك) ش: أي لا يكون حجة م: (فيكون فيهما) ش: أي في الأخرس والغائب عن الأخرس م: (روايتان) ش: وفي نسخة الأترازي: فيكون فيها بإفراد الضمير، وقال: أي في مسألة الأخرس على رواية كتاب " الجامع الصغير ": يجب عليه القصاص بالكتابة وعلى اعتبار رواية كتاب " الإقرار " في الغائب: لا يجب على الأخرس القصاص بالكتابة.
ثم قال: وقال بعضهم في شرحه: فيهما تضمير التثنية، أي في الأخرس والغائب عن الأخرس، فذاك ليس بشيء؛ لأنه لم يثبت الروايتان في الغائب، بل فيه رواية كتاب " الإقرار "(13/541)
ويحتمل أن يكون مفارقا لذلك؛ لأنه يمكن الوصول إلى نطق الغائب في الجملة لقيام أهلية النطق، ولا كذلك الأخرس لتعذر الوصول إلى النطق للآفة المانعة، ودلت المسألة على أن الإشارة معتبرة وإن كان قادرا على الكتابة. بخلاف ما توهمه بعض أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه لا تعتبر الإشارة مع القدرة على الكتابة؛ لأنه حجة ضرورية، ولا ضرورة؛ لأنه جمع هاهنا بينهما فقال: أشار أو كتب وإنما استويا لأن كل واحد منهما حجة ضرورية، وفي الكتابة زيادة بيان لم يوجد في الإشارة، وفي الإشارة زيادة أمر لم يوجد في الكتابة لما أنه أقرب إلى النطق من آثار الأقلام فاستويا. وكذلك الذي صمت يوما أو يومين بعارض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
فحسب، ولا يجب عليه القصاص بالكتابة.
قلت: أراد بقوله وقال بعضهم في شرحه، هو الكاكي، وفي بقية ما قاله نظر لا يخفى.
م: (ويحتمل أن يكون مفارقا لذلك؛ لأنه يمكن الوصول إلى نطق الغائب في الجملة لقيام أهلية النطق، ولا كذلك الأخرس لتعذر الوصول إلى النطق للآفة المانعة، ودلت المسألة) ش: أي قوله: وإذا قرئ على الأخرس فأومأ برأسه، أي نعم، أو كتب م: (على أن الإشارة معتبرة، وإن كان قادرا على الكتابة، بخلاف ما توهمه بعض أصحابنا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أنه لا تعتبر الإشارة مع القدرة على الكتابة؛ لأنه) ش: أي الإشارة على تأويل المذكور، أو على تأويل نقل الإشارة م: (حجة ضرورية، ولا ضرورة) ش: مع وجود الكتابة م: (لأنه) ش: أي لأن محمدا م: (جمع هاهنا) ش: في الكتابة م: (بينهما) ش: أي في " الجامع الصغير " بين الإشارة والكتابة.
م (فقال: أشار أو كتب) ش: وهذا دليل على أن الإشارة معتبرة، وإن كان قادرا على الكتابة. وقال الأترازي: ولنا في دعوى الجمع بينهما؛ لأنه قال في " الجامع الصغير ": وإذا كان الأخرس يكتب أو يومئ كلمة أو لأحد الشبهين لا للجمع، على أنا نقول: قال في الأصل: وإن كان الأخرس لا يكتب، وكانت له إشارة عرف في نكاحه وطلاقه وشرائه وبيعه فهو جائز، فيعلم من إشارة رواية الأصل أن الإشارة من الأخرس لا تعتبر مع القدرة على الكتابة لأنه بين حكم إشارة الأخرس بشرط أن لا يكتب.
قلت: في نظره نظر لا يخفى.
م: (وإنما استويا) ش: أي الكتابة والإشارة م: (لأن كل واحد منهما حجة ضرورية، وفي الكتابة زيادة بيان لم يوجد في الإشارة، وفي الإشارة زيادة أمر لم يوجد في الكتابة لما أنه أقرب إلى النطق من آثار الأقلام فاستويا، وكذلك الذي صمت يوما أو يومين بعارض) ش: عطفا على قوله: ولا يجوز ذلك في الذي يعتقل لسانه، أي صمت يوما أو يومين بعارض من العوارض، فأشار(13/542)
لما بينا في المعتقل لسانه أن آلة النطق قائمة، وقيل: هذا تفسير لمعتقل اللسان. قال: وإذا كانت الغنم مذبوحة وفيها ميتة، فإن كانت المذبوحة أكثر تحرى فيها وأكل، وإن كانت الميتة أكثر أو كانا نصفين لم يأكل وهذا إذا كانت الحالة حالة الاختيار، أما في حالة الضرورة يحل له التناول في جميع ذلك؛ لأن الميتة المتيقنة تحل له في حالة الضرورة فالتي تحتمل أن تكون ذكية أولى، غير أنه يتحرى؛ لأنه طريق يوصله إلى الذكية في الجملة فلا يتركه من غير ضرورة. وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز الأكل في حالة الاختيار، وإن كانت المذبوحة أكثر؛ لأن التحري دليل ضروري، فلا يصار إليه من غير ضرورة، ولا ضرورة؛ لأن الحالة حالة الاختيار. ولنا: أن الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة. ألا ترى أن أسواق المسلمين لا تخلو عن المحرم والمسروق والمغصوب، ومع ذلك يباح التناول اعتمادا على الغالب، وهذا لأن القليل لا يمكن الاحتراز عنه، ولا يستطاع الامتناع منه، فسقط اعتباره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
برأسه أو كتب لا يجوز أن يقوم مقام إقراره.
وقال الكاكي: إنه في بعض النسخ: صمت، والمصمت هو الله تعالى م: (لما بينا في المعتقل لسانه أن آلة النطق قائمة وقيل: هذا تفسير لمعتقل اللسان) ش: كذا قال فخر الإسلام البزدوي في شرح " الجامع الصغير " حيث قال: فيه وهو تأويل ما سبق ذكره في الذي اعتقل لسانه.
م: (قال) ش: أي قال محمد في " الجامع الصغير ": م: (وإذا كانت الغنم مذبوحة وفيها ميتة، فإن كانت المذبوحة أكثر تحرى فيها وأكل، وإن كانت الميتة أكثر أو كانا نصفين لم يأكل) ش: هذا لفظ " الجامع "، وقال المصنف: م: (وهذا إذا كانت الحالة حالة الاختيار، أما في حالة الضرورة يحل له التناول في جميع ذلك؛ لأن الميتة المتيقنة تحل في حالة الضرورة، فالتي تحمل أن تكون ذكية أولى، غير أنه يتحرى؛ لأنه طريق يوصله إلى الذكية في الجملة فلا يتركه) ش: أي التحري م: (من غير ضرورة) .
م: (وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يجوز الأكل في حالة الاختيار، وإن كانت المذبوحة أكثر؛ لأن التحري دليل ضروري فلا يصار إليه من غير ضرورة، ولا ضرورة لأن الحالة حالة الاختيار ولنا: أن الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة) ش: فكما أن في حالة الضرورة تباح الميتة، فكذلك يباح التناول عند غلبة الحلال على الحرام؛ لأن للغالب حكم الكل؛ لأن القليل لا يمكن الاحتراز عنه، وكل قليل لا يمكن الاحتراز عنه فهو عفو كما في النجاسة القليلة.
م: (ألا ترى أن أسواق المسلمين لا تخلو عن المحرم والمسروق والمغصوب، ومع ذلك يباح التناول اعتمادا على الغالب، وهذا لأن القليل لا يمكن الاحتراز عنه، ولا يستطاع الامتناع منه، فسقط اعتباره(13/543)
دفعا للحرج كقليل النجاسة وقليل الانكشاف من العورة، بخلاف ما إذا كانا نصفين أو كانت الميتة أغلب؛ لأنه لا ضرورة فيه، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
دفعا للحرج كقليل النجاسة. وقليل الانكشاف من العورة، بخلاف ما إذا كانا نصفين، أو كانت الميتة أغلب؛ لأنه لا ضرورة فيه، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب) ش: فلا توكل التحري، بخلاف الثياب النجسة، فإنه يتحرى فيها، وإن كان الطاهر والنجس نصفين عندنا، وبه قال الشافعي، وفي الأواني النجسة: لا يتحرى إلا إذا كانت الغلبة للطاهر.
وقال الشافعي: يتحرى في التنصيف وفي الغلبة. وقال أحمد والمزني وأبو ثور: لا يتحرى في الأواني أصلا، ويتيمم ويصلي، واختلفت الرواية عن أحمد في جواب إراقة ماء الأواني قبل التيمم. وقال ابن الماجشون المالكي: لا يتحرى، ولكنه يتوضأ بأحدهما ويصلي ثم يتوضأ بالآخر ويعيد الصلاة التي صلاها. والله أعلم بالصواب.
1 -(13/544)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
وهذا آخر ما انتهيت من تأليف كتاب " البناية في شرح الهداية " في العشرين من شهر الله المحرم الحرام عام خمسين وثمانمائة بالقاهرة المحروسة في مدرسة البدرية تجاه كسامة، بالقرب من الجامع الأزهر، فنسأل الله من فضله ولطفه قبول ذلك وإلقاء الإنصاف في قلب من ينظر فيه، بحيث إنه إذا اطلع على محاسنه يترحم على مؤلفه وإذا اطلع على عيب من العيوب التي لا يخلو عنها زلل القلم وخمود الذهن بأنواع من الألم يبادر إلى إصلاحه وستر عيبه.
وأما الحاسد فإنه لا يصدر منه إلا الإنكار واطلاع الناس على العثرات، وما وقع فيه من الإسقاطات خصوصا كان جمعي لهذا الشرح في زمن تأخر فيه من يستحق التقديم، وتقدم فيه من يستحق التأخير من الفجرة العظام والجهلة اللئام، وتراكب الهموم والأحزان حتى من الأصدقاء والإخوان، وخصوصا كنت في سن الذي ناهز التسعين من ضعف البصر، وغالب الكتابة في الليالي، وليس بعجيب أن يسلم شخص من السهو والنسيان، وهو في هذه الحالات، ولكن هذا يكون من الكرامات ببركة أدعية مشايخي الذين أخذت عنهم وهم أصحاب الكرامات بظهورها للأفراد والجماعات.
وكان السبب في تأليف هذا الشرح أن شخصا من الفضلاء المستعربين من أبناء العجم قريبا، سألني قراءة كتاب " الهداية " فأجبته بذلك فقال: ما أقرأ إلا من أول كتاب " المضاربة " فقلت: نعم، ثم شرعت في شرح درسه أولا بأول وكتبت مجلدا في شرح كتاب المضاربة إلى كتاب القسمة وكان ابتدائي فيه في غرة صفر من سنة سبعة عشر وثمانمائة من الهجرة وكان فراغي منه في نهار الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة ثم شرعت في شرح كتاب القسمة عقيب فراغي من شرح كتاب المضاربة أي كتاب القسمة، وأتممته في سلخ رجب الأصم من سنة سبعة عشر وثمانمائة ثم تمادى الحال من هذا التاريخ إلى سنة سبعة وثلاثين وثمانمائة.
ثم شرعت في شرح الكتاب من أوله لباب الطهارة وفرغت منه ليلة الأربعاء السادس عشر من جمادى الآخر من سنة سبعة وثلاثين.
ثم كتبت " الجزء الثاني " وفرغت منه في السادس عشر من رمضان المعظم من السنة المذكورة.
ثم شرعت في " الثالث " وفرغت منه نهار الجمعة قبل الزوال الثالث والعشرين من شوال من سنة ثمانية وثلاثين.(13/545)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[البناية]
ثم شرعت في " الجزء الرابع " وفرغت منه في الثالث عشر من شوال من سنة سبعة وأربعين وثمانمائة.
ثم شرعت في " الجزء الخامس " وفرغت منه في اليوم الثاني من ربيع الآخر من سنة ثمانية وأربعين وثمانمائة.
ثم شرعت في " الجزء السادس " وفرغت منه في نهار الخميس الثاني عشر من شهر شوال من السنة المذكورة.
ثم شرعت في " الجزء السابع " وفرغت منه في يوم الأربعاء السادس عشر من شعبان من سنة تسع وأربعين وثمانمائة.
وأما " الثامن والتاسع والعاشر " فقد ذكرناه؛ والذي ينظر فيه يعرف مقدار الخلو من الصيف سنين عديدة، ويعرف مقدار التكميل والإتمام مدة لطيفة كل ذلك بنظر الله وتوفيقه، فنسأل الله تعالى خاتمة الخير والاجتناب عن الشر، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
ورأيت في آخر شرح قوام الدين الكاكي - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: هذا آخر ما انتهيت إليه من تأليف " معراج الدراية في شرح الهداية " الحادي والعشرين من محرم سنة خمس وأربعين وسبعمائة، ورأيت بخط الإمام العالم العلامة قوام الدين شارح " الهداية " في آخر شرحه يقول العبد الضعيف أبو حنيفة قوام الدين أمير كاتب ابن أمير عمر العهد الغازي الأبعاني: هذا آخر " غاية البيان " نادرة الزمان في آخر الأوان في شرح كتاب " الهداية ".
ثم قال بخطه أيضا: وكان افتتاح شرحنا بالقاهرة غرة شهر ربيع الآخر من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وبعضه عمل بالعراق وإزاه في زمن السلطان أبي سعيد - نور الله مرقده، وبرد مضجعه - وأكثره عمل ببغداد وكراماته معدودة، وآخره بدمشق إلى أن ختم في السابع عشر من ذي القعدة يوم الخميس أول يوم من آذار سنة سبع وأربعين وسبعمائة، وكان جميع مدة الشرح ستة وعشرين سنة وسبعة أشهر وسبعة عشر يوما.
والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد وآله أجمعين. غفر الله لكاتبه وللناظر فيه وللقارئ فيه ولمن رأى فيه خللا وأصلحه ولمن دعا لكاتبه بالمغفرة وجميع المسلمين. آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، آمين.(13/546)