يدعي أن تلك النسبة للحاضرة وهي منكرة فلا بد من إثبات أنها لها
وكذا في نقل الشهادة وهو كتاب القاضي إلى القاضي لأنه في معنى الشهادة على الشهادة إلا أن القاضي لكمال ديانته ووفور ولايته ينفرد بالنقل وإنما صورها في المرأة مع أن الحكم كذلك في الرجل لغلبة عدم المعرفة في المرأة فإن قالا أي الشاهدان فيهما أي في الشهادة والنقل فلانة بنت فلان التميمية لا يجوز قولهما لأن مثل هذه النسبة غير تامة في التعريف لكونها عامة مع كونها في امرأة حتى ينسباها إلى فخذها وهي القبيلة الخاصة يعني عند عدم ذكر الجد وهذا لأن التعريف لا بد منه في هذا ولا يحصل بالنسبة العامة كالنسبة إلى بني تميم فقط لأنهم قبائل كثيرون لا يحصى عددهم ولا يحصل بالنسبة إلى الفخذ لأنها خاصة والتعريف يتم بذكر الجد والفخذ أو بنسبة خاصة ثم بينها بقوله والنسبة إلى المصر أو المحلة الكبيرة عامة وإلى السكة الصغيرة خاصة
وفي البحر والحاصل أن التعريف بالإشارة إلى الحاضر وفي الغائب لا بد من ذكر الاسم والنسب والنسبة إلى الباب لا تكفي عند الطرفين ولا بد من ذكر الجد خلافا للثاني فإن لم ينسب إلى الجد ونسبه إلى الأب الأعلى كتميمي أو نجاري أو إلى الحرفة لا إلى القبيلة والجد لا تكفي عند الإمام وعندهما أن معروفا بالصناعة تكفي وإن نسبها إلى زوجها تكفي والمقصود الإعلام وتمامه فيه فليطالع
باب الرجوع عن الشهادة وجه المناسبة لما قبله وتأخيره عنه ظاهر لأن الرجوع عن الشهادة يقتضي سبق وجودها وهو أمر مشروع مرغوب فيه ديانة لأن فيه خلاصا عن عقاب الكبيرة وترجم بالباب
____________________
(3/297)
تبعا للكنز مخالفا للهداية إذ ليس له أبواب متعددة وهو وإن كان رفعا للشهادة لكنه داخل تحتها كدخول النواقض في الطهارة قيل ركنه قول الشاهد رجعت عما شهدت به أو شهدت بزور فيما شهدت به أو كذبت في شهادتي فلو أنكرها لم يكن رجوعا وشرطه أن يكون عند القاضي وعن هذا قال لا يصح الرجوع عنها أي عن الشهادة إلا عند قاض سواء كان هو القاضي الأول أو غيره لأن الشهادة تختص بمجلسه فيختص الرجوع بما تختص به الشهادة وهو مجلس القاضي فلو ادعى المشهود عليه رجوعهما أي رجوع الشاهدين عند غيره أي عند غير القاضي لا يحلفان أي الشاهدان إذا أراد المشهود عليه التحليف ولا يقبل برهانه أي برهان المشهود عليه عليه أي على رجوعهما لأنه ادعى رجوعا باطلا بخلاف ما لو ادعى أي المشهود عليها وقوعه أي وقوع الرجوع عند قاض آخر غير الذي كان قضى بالحق وتضمينه عطف على قوله وقوعه أي تضمين القاضي المال إياهما أي الشاهدين وأقام بينة تقبل بينته ويحلفان إن أنكرا لأن السبب صحيح كما لو أقر عند القاضي أنه رجع عند غير القاضي فإنه صحيح وإن أقر برجوع بطل لأنه يجعل إنشاء للحال كما في المنح
وفي المحيط ولو ادعى رجوعهما عند القاضي ولم يدع القضاء بالرجوع والضمان لا تسمع منه البينة ولا يحلف عليه لأن الرجوع لا يصح ولا يصير موجبا للضمان إلا باتصال القضاء فإن رجعا أي الشاهدان عن الشهادة قبل الحكم لا يحكم القاضي بشهادتهما إذ لا قضاء بكلام متناقض ولا ضمان عليهما لعدم الإتلاف لكن يعزر الشاهد وإطلاقه شامل لما لو رجعا عن بعضها كما لو شهدا
____________________
(3/298)
بدار وبنائها أو بأتان وولدها ثم رجعا في البناء والولد لم يحكم بالأصل لأن الشاهد فسق نفسه وشهادة الفاسق ترد كما في جامع الفصولين
وإن رجعا بعده أي بعد الحكم لا ينقض القاضي حكمه لأن الكلام الأول قد تأكد بالقضاء فلا يناقضه الثاني وإطلاقه شامل لما إذا كان الشاهد وقت الرجوع مثل ما شهد في العدالة أو دونه أو أفضل منه كما في أكثر المعتبرات لكن في خزانة المفتين معزيا إلى المحيط إن كان الرجوع بعد القضاء ينظر إلى حال الراجع فإن كان حاله عند الرجوع أفضل من حاله وقت الشهادة في العدالة صح برجوعه في حق نفسه وفي حق غيره حتى وجب عليه التعزير وينقض القضاء ويرد المال على المشهود عليه وإن كان حاله عند الرجوع مثل حاله عند الشهادة في العدالة أو دونه وجب عليه التعزير ولا ينقض القضاء ولا يرد المشهود به على المشهود عليه ولا يجب الضمان على الشاهد انتهى
قال صاحب البحر وهو غير صحيح عند أهل المذهب لمخالفة ما نقلوه من وجوب الضمان على الشاهد إذا رجع بعد الحكم وفي هذا التفصيل عدم تضمينه مطلقا مع أنه في نقله مناقض لأنه قال أول الباب بالضمان موافقا للمذهب انتهى
لكن في الخلاصة مثل ما في الخزانة لكنه قال وهذا قول الإمام الأول وهو قول أستاذه حماد ثم رجع عن هذا القول وقال لا يصح رجوعه في حق غيره على كل حال حتى لا ينقض القضاء ولا يرد به على المشهود عليه وهو قولهما انتهى
فعلى هذا ما قاله صاحب البحر من أنه غير صحيح عند المذهب ليس بسديد بل الصواب أن يقول هو مرجوع عنه تأمل وضمنا أي الشاهدان الراجعان للمشهود عليه ما أتلفاه بها أي بالشهادة لإقرارهما على أنفسهما بالضمان
وقال الشافعي لا يضمنان لأنه لا عبرة للتسبب عند وجود المباشرة قلنا تعذر إيجاب الضمان على المباشر وهو القاضي لأنه كالملجأ إلى القضاء وفي إيجابه صرف النفس عن تقلده وتعذر استيفائه من المدعي لأن الحكم ماض فاعتبر التسبب وإنما يضمنان إذا قبض المدعي مدعاه دينا كان أو عينا لأن الإتلاف بالقبض يتحقق ولأنه لا مماثلة بين أخذ العين وإلزام الدين
____________________
(3/299)
وقد تبع المصنف الكنز والهداية في تقييده وهو مختار السرخسي وصاحب المجمع وخالف أصحاب الفتاوى في إطلاقهم وقد صرح في الخلاصة والبزازية وغيرهما بالضمان بعد القضاء قبض المدعي المال أو لا قالوا وعليه الفتوى وفي الخلاصة أنه قول الإمام الآخر وهو قولهما انتهى
وظاهره أن اشتراط القبض مرجوع عنه كما في البحر وفرق شيخ الإسلام بين العين والدين فقال إن كان المشهود به عينا فللمشهود عليه أن يضمن الشاهد بعد الرجوع وإن لم يقبضها المدعي وإن كان دينا فليس له ذلك حتى يقبضه
وفي البحر تفصيل عدم انحصار تضمين الشاهد في رجوعه فليراجع فإن رجع أحدهما أي أحد الشاهدين عن شهادته في دعوى حق بعد القضاء ضمن الراجع نصفا إذ بشهادة كل منهما يقوم نصف الحجة فببقاء أحدهما على الشهادة تبقى الحجة في النصف فيجب على الراجع ضمان ما لم تبق الحجة فيه وهو النصف وعن هذا قال والعبرة في باب الضمان لمن بقي من المشهود وعند الأئمة الثلاثة العبرة لمن رجع إلا في رواية عنهم لا لمن رجع هذا هو الأصل فإن بقي اثنان يبقى كل الحق وإن بقي واحد يبقى النصف كما مر آنفا
ولذا فرع عليه المسائل فقال فإن شهد ثلاثة رجال بحق ورجع واحد عن شهادته لا يضمن الراجع شيئا لبقاء نصاب الشهادة فإن رجع آخر بعد رجوع واحد من الثلاثة فعلى هذا إن الفاء في قوله فإن رجع تعقيبية ضمنا أي الراجعان نصفا من المقبوض لبقاء نصف نصاب الشهادة وهو واحد من ثلاثة فيبقى نصف الحق فإن قيل ينبغي أن يضمن الراجع الثاني فقط لأن التلف أضيف إليه أجيب بأن التلف مضاف إلى المجموع إلا أنه عند رجوع الأول لم يظهر أثره لمانع وهو بقاء الشاهدين فلما زال ذلك المانع برجوع آخر ظهر أثره
وإن شهد رجل وامرأتان فرجعت واحدة منهما ضمنت الراجعة ربعا بالإجماع لبقاء ثلاثة أرباع الحق ببقاء رجل وامرأة
وإن رجعتا أي المرأتان ضمنتا نصفا لبقاء نصف الحق ببقاء الرجل وإن شهد رجل وعشر نسوة فرجع ثمان منهن لا يضمن على صيغة الجمع المؤنث الغائبة شيئا لبقاء النصاب وهو رجل وامرأتان من العشر فإن رجعت امرأة أخرى بعد رجوع الثمان من العشر ضمن النسوة التسع ربعا لبقاء ثلاثة أرباع الحق ببقاء رجل وامرأة كما مر
وإن رجع النسوة العشر دون الرجل ضمن
____________________
(3/300)
صيغة جمع مؤنث غائبة نصفا بالإجماع لبقاء نصف الحق ببقاء الرجل قيل ينبغي أن يقول وإن رجعت في المحلين وكذا في قوله وضمن التسع ينبغي أن يقول وضمنت فنقول يجوز في مثله لأن الله تعالى قال في قصة يوسف عليه السلام وقال نسوة ووجهه بين في التفاسير فليطالع
وإن رجع الكل أي الرجل والنساء فعلى الرجل سدس أي سدس الحق وعليهن أي على النساء خمسة أسداس عند الإمام لأن كل امرأتين قامت مقام رجل واحد فعشر نسوة كخمسة من الرجال كما لو شهد به ستة رجال ثم رجعوا فإن الضمان عليهم يكون أسداسا فعلى الرجل غرم السدس هو حصة اثنتين من العشر وعليهن غرم خمسة أسداس وعندهما عليه أي على الرجل نصف وعليهن أي على النساء نصف لأن العشر من النساء يقمن مقام رجل واحد فيكن نصف النصاب كما أن الرجل الواحد يكون نصف النصاب ولهذا لا تقبل شهادتهن إلا بانضمام رجل فيكون الغرم على المناصفة وفي التبيين نقلا عن المحيط لو رجع رجل وثمان نسوة منهن فعلى الرجل نصف الحق ولا شيء على النسوة لأنهن وإن كثرن يقمن مقام رجل واحد وقد بقي من النساء من ثبت بشهادتهن نصف الحق فيجعل الراجعات كأنهن لم يشهدن ثم قال وهذا سهو بل يجب أن يكون النصف أخماسا عنده وعندهما أنصافا وذكر الإسبيجابي لو رجع واحد وامرأة كان النصف بينهما أثلاثا ولو كان كما قال لم يجب على المرأة شيء انتهى
لكن ذكر الإسبيجابي عقيب هذه المسألة اختلافا لأنه قال لو شهد رجل وثلاث نسوة فقضى به ثم رجع رجل وامرأة ضمن الرجل نصف المال ولم تضمن المرأة شيئا في قولهما وفي قياس قول الإمام نصف المال أثلاثا ثلثاه على الرجل وثلثه على المرأة انتهى
فعلى هذا ظهر أن صاحب المحيط اختار قولهما فلا سهو تدبر
وإن شهد رجلان وامرأة فرجعوا فالغرم على الرجلين خاصة لأن الواحدة ليست بشهادة بل هي بعض الشاهد فلا يضاف إليه الحكم ولا يضمن راجع شهد بنكاح بمهر مسمى عليها أي على المرأة أو عليه أي على الزوج الأصل أن المشهود به إن لم يكن مالا بأن كان قصاصا أو نكاحا أو نحوهما لم
____________________
(3/301)
يضمن الشهود عندنا خلافا للشافعي وإن كان مالا فإن كان الإتلاف بعوض يعادله فلا ضمان على الشاهد لأن الإتلاف بعوض كلا إتلاف وإن كان بعوض لا يعادله فبقدر العوض لا ضمان بل فيما وراءه وإن كان الإتلاف بلا عوض أصلا وجب ضمان الكل إذا تقرر هذا فنقول إذا ادعى رجل على امرأة نكاحا وهي جاحدة وأقام على ذلك بينة فقضي بالنكاح ثم رجعا عن شهادتهما لم يضمنا لها شيئا سواء كان المسمى مقدار مهر مثلها أو أكثر أو أقل لأنهما وإن أتلفا البضع عليها بعوض لا يعدله لكن البضع لا يتقوم على المتلف وإنما يتقوم على المتملك ضرورة التملك فإن ضمان الإتلاف يقدر بالمثل ولا مماثلة بين البضع والمال وأما عند دخوله في ملك الزوج فقد صار متقوما إظهارا لخطره كما في الدرر إلا ما زاد على مهر المثل يعني إن كان مهر مثلها مثل المسمى أو أكثر لم يضمنا شيئا لأنهما أوجبا المهر عليه بعوض يعدله أو يزيد عليه وهو البضع لأنه عند الدخول في ملك الزوج متقوم وقد بينا الإتلاف بعوض يعدله لا يوجب الضمان وإن كان مهر مثلها أقل من المسمى ضمنا الزيادة للزوج لأنهما أتلفا قدر الزيادة بلا عوض وكذا لو شهدا عليها بقبض المهر أو بعضه ثم رجعا بعد القضاء ضمنا لها ولا يضمن من شهد بطلاق بعد الدخول لأن المهر تأكد بالدخول فلا إتلاف ويضمن في الطلاق قبل الدخول نصف المهر إن كان مسمى أو المتعة إن لم يكن مسمى لأنهما أكدا ضمانا على شرف السقوط ألا ترى أنها لو طاوعت ابن الزوج أو ارتدت سقط المهر ولأن الفرقة قبل الدخول في معنى الفسخ فيوجب سقوط جميع المهر ثم يجب نصف المهر ابتداء بطريق المتعة وكان واجبا بشهادتهما كما في الهداية والتعليل الأول للمتقدمين والثاني للمتأخرين وفي البحر تفصيل فليراجع وفي التنوير
ولو شهدا أنه طلقها ثلاثا وآخران أنه طلقها واحدة قبل الدخول ثم رجعوا فضمان نصف المهر على شهود الثلاث لا غير ولو كان ذلك بعد وطء أو خلوة فلا ضمان على أحد وفي البيع يضمن ما نقص عن قيمة المبيع وفي المنح ولو شهدا على البائع به بمثل القيمة أو أكثر فلا ضمان لأنه إتلاف بعوض وإن شهدا به بأقل من قيمته ضمنا النقصان لأنه بغير عوض ولو شهدا على المشتري فلا ضمان لو شهدا بشرائه بمثل القيمة أو أقل وإن كان بأكثر ضمنا ما زاد عليها كذا صرحوا فعلى هذا لو
____________________
(3/302)
قال ولا في البيع إلا ما نقص من قيمة المبيع إن ادعى المشتري ولا في البيع إلا ما زاد على القيمة من الثمن إن ادعى البائع كما في الغرر لكان أظهر وأولى تدبر
وفي التنوير ولو شهدا على البائع بالبيع بألفين إلى سنة وقيمته ألف وإن شاء ضمن الشهود قيمته حالا وإن شاء أخذ المشتري إلى سنة وأياما اختار برئ الآخر وفي العتق يضمن القيمة يعني إذا شهدا على عتق عبد ثم رجعا ضمنا قيمة العبد مطلقا أي سواء كانا موسرين أو معسرين لإتلافهما مالية العبد عليه من غير عوض ولا يتحول الولاء إليهما بالضمان لأن العتق لا يحتمل الفسخ فلا يتحول بالضرورة إذ الولاء لمن أعتق أطلق العتق فانصرف إلى العتق بلا مال فلو شهدا أنه أعتق عبده بخمسمائة وقيمته ألف فقضى ثم رجعا إن شاء ضمن الشاهدين الألف ورجعا على العبد بخمسمائة وولاء العبد للمولى كما في البحر والتنوير وفي التدبير ضمنا ما نقصه وفي الكتابة يضمنان قيمته ولا يعتق حتى يؤدي ما عليه إليهما وما في الفتح من أن الولاء للذين شهدوا عليه بالكتابة سهو والصواب للذي كاتبه كما في البحر وفي الاستيلاد يضمنان نقصان قيمة الأمة فإن مات المولى عتقت وضمن الشاهدان قيمتها للورثة وفي القصاص يضمن الدية فقط يعني إذا شهدا أن زيدا قتل بكرا فاقتص زيد ثم رجعا تجب الدية عندنا لا القصاص لأن القتل وجد باختيار الولي لأنه ليس بمضطر فيه لاقتداره على العفو أيضا ولم يكونا سببا بالقتل فلرائحة السببية وقعت الشبهة وهي مانعة عن القود لا عن الدية لأن المال يثبت مع الشبهة بخلاف المكره لأنه مباشر فيه فيكون سببا يضاف إليه القتل فيقتص وعند الشافعي يقتصان لوجود القتل تسبيبا كالمكره
ويضمن الفرع إن رجع أي يضمن شهود الفرع بالرجوع عن شهادتهم لأن الشهادة في مجلس القضاء صدرت منهم وكان التلف مضافا إليهم لا الأصل إن قال الأصل ما أشهدته أي الفرع على شهادتي أي لا يضمن شهود الأصل بعد الحكم بقولهم لم نشهد الفروع على شهادتنا بالإجماع لأن الحكم لم يضف إليهم بل إلى الفرع ولا يبطل القضاء بعد الحكم للتعارض بين الخبرين فصار كرجوع الشاهد
ولو قال الأصل أشهدته أي الفرع وغلطت ضمن عند محمد لأن الفروع نقلوا شهادة الأصل فكأن الأصل حضر وشهد عند مجلس القاضي ثم رجع لا يضمن عندهما لأن الحكم لم يقع بشهادة الأصل بل بشهادة الفرع وقوله غلطت اتفاقي إذ لو قال رجعت عنها فلا ضمان أيضا عندهما وإن رجع الأصل والفرع جميعا بعد الحكم ضمن الفرع فقط عند الشيخين لأن
____________________
(3/303)
الإتلاف يحصل بعد القضاء والقضاء بشهادة الفرع فيضاف التلف إليه بعد رجوعه والضمان على المتلف وعند محمد يضمن المشهود عليه أي الفريقين من الأصل والفرع شاء أي إن المشهود عليه مخير بين تضمين الفرع والأصل عنده لأن القضاء وقع بشهادة الفرع من وجه وشهادة الأصل من وجه فيخير بينهما والجهتان متغايرتان ولا يجمع بينهم في التضمين وقول الفرع كذب فعل ماض أصلي أو غلط ليس بشيء يعني بعد الحكم بشهادتهم لأن ما أمضى من القضاء لا ينقض بقولهم ولا يجب الضمان عليهم لأنهم ما رجعوا عن شهادتهم إنما شهدوا على غيرهم بالرجوع
وإن رجع المزكي عن التزكية ضمن أي ضمن المزكي بالرجوع عن تزكية الشاهد بعد أن زكاه عند الإمام لأن قبول الشهادة عند القاضي بالتزكية يكون علة العلة معنى فيضاف الحكم إلى علة العلة خلافا لهما فإن عندهما لا ضمان على المزكين لأنهم أثنوا على الشهود فصاروا كشهود الإحصان والخلاف فيما إذا قالوا تعمدنا أو علمنا أن الشهود عبيد ومع ذلك زكيناهم أما إذا قال المزكي أخطأت فيها فلا ضمان إجماعا كما في البحر وغيره فعلى هذا لو قيد مع علمه بكونهم عبيدا لكان أولى وقيل الخلاف فيما إذا أخبر المزكون بالحرية بأن قالوا إنهم أحرار أما إذا قالوا هم عدول فكانوا عبيدا لا يضمنون إجماعا لأن العبد قد يكون عدلا ولا يضمن شاهد الإحصان برجوعه لأنه شرط محصن فلا يضاف الحكم إليه
ولو رجع شاهد اليمين وشاهد الشرط ضمن شاهد اليمين خاصة يعني إذا شهدا أنه علق عتق عبده بشرط وشهد الآخران أن الشرط الذي علق به العتق وجد فحكم الحاكم به ثم رجع جميعهم يضمن شهود اليمين قيمة العبد لأنهم أثبتوا العلة وهو قوله أنت حر ولا يضمن شهود الشرط لأن الشرط كان مانعا وهم أثبتوا زوال المانع والحكم يضاف إلى العلة لا إلى زوال المانع
ولو رجع شاهد الشرط وحده اختلف المشايخ قال بعضهم يضمن شاهد الشرط والصحيح أن شهود الشرط لا يضمنون بحال نص عليه في الزيادات وإليه مال شمس الأئمة
____________________
(3/304)
السرخسي وإلى الأول مال فخر الإسلام علي البزدوي كما في التبيين وغيره ومن علم أنه شهد زورا بأن أقر على نفسه أنه شهد زورا أو شهد بقتل رجل أو موته فجاء حيا أو شهد برؤية الهلال فمضى ثلاثون يوما وليست بالسماء علة ولم ير الهلال شهر فقط ولا يعزر عند الإمام وعليه الفتوى كما في السراجية وعندهما يوجع ضربا ويحبس
وفي الكافي اعلم أن شاهد الزور يعزر إجماعا اتصل القضاء بشهادته أو لا لأنه ارتكب كبيرة اتصل ضررها بمسلم إلا أنهم اختلفوا في كيفية تعزيره فقال الإمام تعزيره تشهيره فقط وقالا يضرب ويحبس وهو قول الشافعي لأن عمر رضي الله تعالى عنه ضرب شاهد الزور أربعين سوطا وسخم وجهه وله أن شريحا القاضي في زمن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهم كان يشهر بأن يبعثه إلى سوقه أو إلى قومه لإفشاء قباحته وهذا التشهير لا يخفى على الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ولم ينكر عليه أحد منهم فحل محل الإجماع وكان هذا من الإمام احتجاجا بإجماع الصحابة لا تقليدا لشريح لأنه لا يرى تقليد التابعي وحديث عمر رضي الله تعالى عنه محمول على السياسة بدلالة التبليغ إلى الأربعين والتسخيم
____________________
(3/305)
كتاب الوكالة مناسبتها للشهادة من حيث إن الإنسان يحتاج في معاشه إلى التعاضد والشهادة منه فكذا الوكالة وهي لغة بفتح الواو وكسرها اسم للتوكيل من وكله بكذا إذا فوض إليه الأمر فيكون الوكيل بمعنى المفعول لأنه موكول إليه الأمر وقيل هي الحفظ ومنه الوكيل في أسماء الله تعالى فيكون بمعنى فاعل والتوكيل صحيح بالكتاب والسنة والإجماع وشرعا هي أي الوكالة إقامة الغير مقام نفسه في التصرف والمراد بالتصرف أن يكون معلوما لأنه إذا لم يكن معلوما ثبت بأدنى التصرفات وهو الحفظ فيما إذا قال وكلتك بمالي فلو قال في تصرف جائز معلوم لكان أولى لأن التصرف مطلقا يشمل الجائز والمعلوم وغيرهما كما في المنح لكن يمكن أن يجاب عنه بأن اللام للعهد فلا حاجة إلى زيادة تدبر وشرطها أي الوكالة كون الموكل اسم فاعل ممن يملك التصرف لأن الوكيل يستفيد ولاية التصرف من الموكل فلا بد للمفيد من أن يملكه ويقدره قيل هذا على قولهما وأما على قوله فالشرط أن يكون التوكيل حاصلا بما يملكه الوكيل فكون الموكل مالكا لذلك التصرف الذي وكل به الوكيل ليس بشرط
____________________
(3/306)
إذ يجوز توكيل المسلم ذميا ببيع الخمر والخنزير عنده مع أن المسلم لا يملك هذا التصرف بنفسه انتهى
لكن الشرط أن يكون الموكل مالكا للتصرف نظرا إلى أصل التصرف وقادرا عليه وإن امتنع في بعض الأشياء بعارض النهي فلا يلزم ما قيل تدبر
و شرطها أيضا كون الوكيل ممن يعقل العقد ويعرف أن البيع سالب للمبيع وجالب للثمن والشراء على عكسه ويعرف الغبن الفاحش واليسير كما في أكثر المعتبرات
وقال يعقوب باشا وهو مشكل لأنهم اتفقوا على أن توكيل الصبي العاقل صحيح وفرق الغبن اليسير من الفاحش مما لا يطلع عليه أحد إلا بعد الاشتغال بعلم الفقه فلا وجه لاشتراطه في صحة التوكيل انتهى
لكن المراد من الصبي العاقل هو المميز مطلقا فلا يرد تدبر ويقصده أي يقصد الوكيل ثبوت حكم العقد وحصول الربح حتى لو تصرف بطريق الهزل فلا يقع عن الموكل كما في أكثر الكتب لكن ليس فيما نحن فيه لأن الكلام في صحة الوكالة لا في صحة بيع الوكيل وعدمه وعدم وقوعه عن الموكل ولذا تركه في الكنز إلا أن يقال إن قوله يقصده تأكيد لقوله يعقل والعطف عطف تفسير لأنه بالقصد يعلم كمال العقل تدبر وفيه رمز إلى أن المعتوه يصلح أن يكون وكيلا لأنه يعقله ويقصده وإن لم يرجح المصلحة على المفسدة وإلى أن علم الوكيل بالوكالة لمن يشترط خلافا لمحمد فلو وكل ببيع عبده وطلاق امرأته ففعل الوكيل قبل العلم جاز خلافا كما في القهستاني نقلا عن المحيط ثم فرعه بقوله فيصح توكيل الحر البالغ ينبغي أن يقيد بالعاقل ليحترز عن المجنون لما في التنوير فلا يصح توكيل مجنون وصبي لا يعقل مطلقا وصبي يعقل بنحو طلاق وعتاق وهبة وصدقة من التصرفات الضارة وصح توكيله بما ينفعه بلا إذن وليه كقبول الهبة وبما تردد بين ضرر ونفع كبيع وإجارة إن مأذونا وإلا توقف على إجازة وليه أو المأذون والمراد بالمأذون الصبي العاقل الذي أذن له الولي والعبد الذي أذن له المولى أي يصح توكيل كل منهما حرا مفعول توكيل بالغا أو مأذونا لأن الموكل مالك للتصرف والوكيل أهل له أو توكيلهما صبيا عاقلا أو عبدا محجورين قيد للصبي والعبد لأن الصبي أهل
____________________
(3/307)
للعبارة حتى ينفذ تصرفه بإذن الولي فكذا العبد حتى يصح طلاقه وإقراره في الحدود والقصاص ولكن لا يرجع حقوق العقد إليهما بل إلى موكلهما إذ لا يصح منهما التزام العهدة فالصبي لقصور الأهلية والعبد لحق المولى بخلاف المأذونين بحيث تلزمهما العهدة استحسانا
وفي الشمني وعن أبي يوسف أن المشتري إذا لم يعلم بحال البائع ثم علم أنه صبي أو مجنون له خيار الفسخ ولو كان الصبي الوكيل بالشراء أو العبد مأذونا له في التجارة لزمه الثمن ورجع به على الموكل استحسانا بكل ما كونه موصوفة أولى من الموصولة والظرف للتوكيل أي صح التوكيل لكل عقد يعقده هو أي الموكل بنفسه أي مستبدا بنفسه أو بولاية نفسه عن الغير كالبيع والهبة والصدقة الوديعة وغيرها لأن الإنسان قد يعجز عن المباشرة بنفسه فيحتاج إلى توكيل غيره فلا بد من جوازه دفعا لحاجته
وفي القهستاني ولا يشكل بتوكيل المسلم أو الذمي ذميا أو مسلما ببيع الخمر أو شرائها وبالتوكيل ببيع المسلم والاستقراض كما ظن فإن الكفالة كافية للأولين والثالث مستثنى بقرينة الآتي والرابع مختلف فيه انتهى
ويمكن دفعه بوجه آخر كما بين آنفا
و صح التوكيل بإيفاء كل حق وباستيفائه لأن الموكل قد لا يهتدي إلى طريق الإيفاء والاستيفاء فيحتاج إلى التوكيل بالضرورة والمراد بالإيفاء دفع ما عليه وبالاستيفاء القبض إلا في حد كقذف أو سرقة وقود أي لا يصح التوكيل باستيفائهما مع غيبة الموكل عن المجلس كما إذا قال الموكل وجب لي على فلان حد أو قصاص في النفس أو الطرف فوكلتك أن تطلبه منه فقبل فإن استيفاءهما بدون حضور الموكل باطل لسقوطهما بالشبهة وعند حضوره يجوز إجماعا وإنما قلنا لا يصح التوكيل باستيفائهما لأنه صح التوكيل بإثباتهما
وقال أبو يوسف لا يجوز التوكيل بإثباتهما وقول محمد مضطرب والأظهر أنه مع الإمام في نفس التوكيل وكذا الخلاف في التوكيل بالجواب من جانب من له الحد والقصاص
وفي شرح الطحاوي صح التوكيل باستيفاء التعزير وعند الأئمة الثلاثة يصح في القود وإن غاب الموكل إلا في رواية عن أحمد وقول من الشافعي
و يصح التوكيل بالخصومة في كل حق لأن كل أحد لا يهتدي إلى وجوه الخصومات فيحتاج إلى التوكيل بالضرورة بشرط رضى الخصم فلو رضي قبل سماع الحاكم الدعوى ثم رجع جاز رجوعه وإن بعده لا
وفي العناية اختلف الفقهاء في جواز التوكيل بالخصومة بدون رضى الخصم قال الإمام لا يجوز التوكيل بالخصومة إلا برضى
____________________
(3/308)
الخصم سواء كان الموكل هو المدعي أو المدعى عليه وقالا يجوز بغير رضى الخصم وهو قول الشافعي لكن في الهداية والظهيرية وغيرهما لا خلاف في الجواز إنما الخلاف في اللزوم وهو الصحيح وعن هذا قال للزومها فعند الإمام لا يلزم التوكيل بلا رضى الخصم فترتد الوكالة برد الخصم إلا أن يكون الموكل مريضا لا يمكنه مع وجود المرض حضور مجلس الحكم وكذا من لا يحسن الدعوى أو غائبا مسافة سفر أي مدة ثلاثة أيام فصاعدا أو مريدا للسفر يعني إذا قال أنا أريد السفر يلزم منه التوكيل بلا رضى الخصم طالبا كان الموكل أو مطلوبا فلا ترتد برد الخصم لأنه لو لم يلزم يلحقه الحرج بالانقطاع عن مصالحه لكن لا يصدق بمجرد قوله بل ينظر القاضي في حاله وعدة أيام سفره أو يسأل عن رفقائه أو يكون الموكل امرأة مخدرة غير معتادة الخروج إلى مجلس الحاكم سواء كانت بكرا أو ثيبا وعليه الفتوى كما في الحقائق لأنها لو حضرت لا يمكنها أن تنطق بحقها لحيائها فلزم توكيلها ولو اختلفا في كونها مخدرة إن كانت المرأة من بنات الأشراف فالقول لها بكرا كانت أو ثيبا لأنه الظاهر من حالها وإن كانت من الأوساط فالقول لها أيضا لو كانت بكرا وإن كانت من الأسافل فلا سواء كانت بكرا أو ثيبا لأن الظاهر غير شاهد لها كما في المنح
ومن الأعذار الحيض إذا كان الحكم في المسجد والحبس إذا كان من غير القاضي ترافعوا إليه كما في التبيين
وفي المنح وهو مقيد بما إذا كان الطالب لا يرضى بالتأخير وأما إذا رضي به فلا يكون عذرا وأما حيض الطالب فهو عذر مطلقا والنفاس كالحيض انتهى
وفيه كلام فإنه يجوز للقاضي أن يخرج من المسجد ويسمع الخصومة أو يرسل إليها ثانيا ليرفع الخصومة كما قررناه في كتاب القضاء فلا وجه لعده من الأعذار ويلزم منه أيضا أن تعد الجنابة والكفر من الأعذار مع أنهم لم يذكروهما منها تأمل وعندهما وهو قول الأئمة الثلاثة لا يشترط رضى الخصم فيلزم بلا رضاه مطلقا لأن التوكيل تصرف في خالص حقه فلا يتوقف على رضى غيره كالتوكيل بقضاء الديون وله أن التوكيل قد يكون أشد خصومة وآكد إنكارا فيتضرر به خصمه فلا يجوز بغير رضاه كالحوالة بالدين بخلاف الوكيل بالقبض فإنه لا يختلف
____________________
(3/309)
والمختار للفتوى أن القاضي إن علم من الوكيل قصد الإضرار بخصمه يعمل بقول الإمام وإن علم من خصم الموكل التعنت في الإباء من قبول التوكيل يعمل بقول صاحبه وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي كما في الدرر وغيره
وحقوق عقد يضيفه الوكيل إلى نفسه كبيع فإنه يقول بعت هذا الشيء منك ولا يقول بعته منك من قبل فلان وكذا غيره وإجارة واستئجار وصلح عن إقرار دون إنكار كما سيأتي تتعلق به أي بالوكيل دون الموكل بلا فرق بين كون موكله حاضرا أو غائبا لأنه أصل في العقد لأنه يقوم بكلامه ونائب عن الموكل في حق الحكم فراعينا جهة أصالته في تعلق الحقوق حتى لو شرط عدم حقوق العقد بالوكيل فهو لغو خلافا للشافعي فإنه قال تتعلق بالموكل لأن الحقوق تابعة لحكم التصرف وهو الملك يتعلق بالموكل فكذا توابعه واعتبره بالرسول وبالوكيل بالنكاح إن لم يكن الوكيل صبيا أو عبدا
محجورا إشارة إلى أن العبد المأذون والصبي المأذون تتعلق بهما الحقوق وتلزمهما العهدة مطلقا وليس كذلك بل فيه تفصيل لما في شرح المجمع نقلا عن الذخيرة المأذون له إن كان وكيلا بالبيع تلزمه الحقوق سواء باعه حالا أو مؤجلا وإن كان وكيلا بالشراء فإن كان بثمن حال لزمته أيضا لأنه يملك ما اشتراه حكما ولهذا يحبسه الحاكم بالثمن ليستوفيه من الموكل وإن كان بثمن مؤجل لا تلزمه الحقوق لأنه لم يملك ما اشتراه لا حقيقة ولا حكما ولو لزمته العهدة لكان ملتزما مالا في ذمته مستوجبا مثله على موكله وهو في معنى الكفالة فإنه لا يصح منه انتهى
ثم أشار إلى تفصيل الحقوق فقال فيسلم الوكيل المبيع إلى المشتري في الوكالة بالبيع ويتسلمه أي يقبض المبيع عن البائع في الوكالة بالشراء ويقبض الثمن أي ثمن مبيعه في البيع ويطالب بفتح اللام به أي بالثمن في الوكالة بالشراء فيما اشترى ويرجع على صيغة المبني للمفعول به أي بالثمن عند الاستحقاق أي استحقاق ما باع ويخاصم على صيغة المبني للفاعل في عيب مشريه ويرد إلى بائعه به أي بالعيب فإن ذلك كله من حقوق العقد فيتعلق بالوكيل إن لم يسلمه إلى موكله وبعد تسليمه لا يرده إلا بإذنه أي بإذن
____________________
(3/310)
الموكل ويخاصم على صيغة المبني للمفعول في عيب مبيعه و يخاصم في شفعته أي شفعة ما باع إن كان المبيع في يده بخلاف ما إذا سلم المبيع إلى المشتري فإن الوكيل لا يخاصم في الشفعة
وكذا شفعة مشريه يعني يخاصم الوكيل في شفعة ما اشترى بالوكالة ما دام في يده والملك يثبت للموكل ابتداء إذا اشترى الوكيل لأن الموكل يخلف عن الوكيل في حق الملك كما أن الرق يتهب ويصطاد إذ المولى يخلف عن العبد في ثبوت الملك إليه ابتداء وهو الصحيح كما في الهداية وقيل يثبت الملك للوكيل فينتقل إلى الموكل بلا مهلة ثم فرعه بقوله فلا يعتق قريب وكيل شراه ولا يفسد نكاح منكوحة شراها لأن الملك يلزم الموكل فعلى القولين لا يملك الوكيل قريبه ومنكوحته لعدم تقرر ملكه لأن العتق وفساد النكاح يقتضيان تقرر الملك كما في أكثر المعتبرات لكن لم يظهر لهذا التفريع أثر الخلاف لأن القريب لا يعتق بالاتفاق فالأولى أن يفرع عليه ما ظهر فيه أثر الخلاف تدبر وحقوق عقد يضيفه الوكيل إلى موكله مراده أنه لا يستغني عن الإضافة إلى موكله حتى لو أضافه إلى نفسه لا يصح والمراد من قريبه السابق أنه يصح إضافته إلى نفسه ويستغني عن إضافته إلى الموكل لأنه شرط ولهذا لو أضاف الوكيل بالشراء الشراء إلى موكله صح بالإجماع فلفظ الإضافة واحد والمراد مختلف كما في الإصلاح تتعلق بالموكل كنكاح وخلع لأن الوكيل فيهما سفير أي حاك حكاية غيره فلا يلزم عليه شيء حتى لو أضاف النكاح إلى نفسه بأن قال تزوجتها يقع للوكيل وصلح عن إنكار لأنه فداء يمين للموكل فلا بد من الإضافة إليه لما في الإصلاح هذا
____________________
(3/311)
الصلح لا يصح إضافته إلى الوكيل بل لا بد من إضافته إلى الموكل بخلاف الصلح عن إقرار فإنه يصح إضافته إلى كل منهما وقد عرفت اختلاف المراد من الإضافة في الموضعين فافترق الصلحان في الإضافة انتهى
فعلى هذا فقول صدر الشريعة وأما الصلح فلا فرق فيه بين أن يكون عن إقرار أو إنكار في الإضافة محل نظر كما في حاشية يعقوب باشا والدرر تتبع
و صلح عن دم عمد لأنه إسقاط محض والوكيل أجنبي سفير وكتابة وعتق على مال وهبة وصدقة وإعارة وإيداع ورهن وإقراض ولم يذكر الاستقراض لما مر أنه لا يصح التوكيل به وعليه الفتوى وشركة ومضاربة فإن الوكيل يضيف هذه العقود إلى موكله في عرف أهل المعاملة فتتعلق حقوق العقود فيها إلى الموكل دون الوكيل ثم فرع على هذا الأصل بقوله فلا يطالب بفتح اللام وكيل الزوج بالمهر من قبل الزوجة ولا يطالب من قبل الزوج وكيل المرأة بتسليمها أي تسليم المرأة إلى الزوج إذ يلزم سقوط مالكيتها بعقد النكاح والساقط يتلاشى مع أنها خلقت محلا للنكاح فلا يخلو عن المالكية لنفسها ولا يطالب وكيل الخلع ببدل الخلع لما مر أنه سفير فيه وللمشتري من الثمن عن الموكل يعني إذا وكل رجلا ببيع شيء فباعه ثم أن الموكل طلب من المشتري الثمن له منعه لأن الموكل أجنبي عن العقد والوكيل أصل في الحقوق ولذا له أن يوكل الآخر بهذه الحقوق وإن لم يكن له حق التوكيل والمراد من الموكل موكل وكيل ببيع ليس عبدا أو صبيا محجورين لما مر
وفي البحر ولو كان الموكل دفع الثمن إلى الوكيل فاستهلكه وهو معسر كان للبائع حبس المبيع ولا مطالبة له على الموكل فإن لم ينفذ الموكل الثمن إلى البائع باع القاضي الجارية بالثمن إذا رضيا وإلا فلا فإن دفعه أي إن دفع المشتري الثمن إليه أي إلى الموكل صح دفعه ولو مع نهي الوكيل لأنه ملكه لا في الصرف إلا إذا كان الموكل حاضرا عند عقد الصرف فالعقد ينصرف إليه بحضوره ولا يطالبه الوكيل ثانيا لأن نفس الثمن المقبوض حق الموكل وقد وصل إليه ولا فائدة في الأخذ منه ثم الدفع إليه
____________________
(3/312)
وإنما ذكر قوله وللمشتري إلى هنا في هذا المحل مع أن المناسب أن يذكر من تفريعات القسم الأول توطئة لما بعده
وإن كان للمشتري على الموكل دين وقعت المقاصة به أي بثمن المبيع الذي باعه الوكيل للموكل بمجرد العقد لوصول الحق إليه بطريق التقاص وهذا حيلة للوصول إلى دين لا يوصل إليه
وكذا تقع المقاصة به إن كان له أي للمشتري على الوكيل دين عند الطرفين لكونه يملك الإبراء عنه عندهما خلافا لأبي يوسف لأن عنده لا يجوز الإبراء ولا تقع المقاصة و لكنه يضمنه الوكيل للموكل في فصل المقاصة عندهما كما يضمنه في فصل الإبراء
وإن كان دينه أي دين المشتري عليهما أي على الموكل والوكيل فالمقاصة بدين الموكل دون الوكيل لأن المبيع ملك الموكل لا غير
باب الوكالة بالبيع والشراء أفردهما بباب على حدة لكثرة الاحتياج إليهما وقدم الشراء لأنه ينبئ عن إثبات الملك والبيع ينبئ عن إزالته والإزالة بعد الإثبات لا يصح التوكيل بشراء شيء يشمل أجناسا كالرقيق والثوب والدابة للجهالة الفاحشة فإن الدابة اسم لما يدب على وجه الأرض لغة وعرفا للخيل والبغل والحمار فقد جمع أجناسا وكذا الثوب لأنه يتناول الملبوس من الأطلس إلى
____________________
(3/313)
الكساء ولهذا لا تصح تسميته مهرا وكذا الرقيق لأنه شامل للذكر والأنثى المختلفين في بني آدم وإذا اشترى الوكيل وقع الشراء له كما في النهاية أو بشراء شيء يشمل ما هو كالأجناس كالدار وإن وصلية بين الثمن لأنه يتعذر الامتثال لأمر الموكل لأن بذلك الثمن يوجد من كل جنس ولا يدري مراد الآمر لتفاحش الجهالة والمراد هنا بالجنس ما يشمل أصنافا وبالنوع الصنف لا ما اصطلح عليه أهل المنطق فإن سمى نوع الثوب كالهروي مثلا جاز وكذا إن سمى نوع الدابة كالفرس والبغل جاز سواء ثمنا أو لا بالإجماع أو بين ثمن الدار أو المحلة يعني إن وكل بشراء دار وبين ثمنها ومحلتها جاز واختلفوا في هذا المحل وقد جعل صاحب الكنز الدار كالعبد موافقا لقاضي خان لكن شرط مع بيان الثمن بيان المحلة وجعلها صاحب الهداية كالثوب فقال وكذا الدار تشمل ما هو في معنى الأجناس لأنها تختلف اختلافا فاحشا باختلاف الأغراض والجيران والمرافق والحمال والبلدان فتعذر الامتثال وإن سمي ثمن الدار ووصف جنس الدار والثوب جاز معناه نوعه انتهى
وفي الإصلاح والدار ملحقة بالجنس من وجه لأنها مختلفة بقلة المرافق وكثرتها فإن بين الثمن ألحقت بجهالة النوع وإن لم يبين ألحقت بجهالة الجنس والمتأخرون قالوا في ديارنا لا يجوز بدون بيان المحلة لأنها تختلف باختلافها قال في البحر
وفي المعراج أن ما في الهداية مخالف لرواية المبسوط قال والمتأخرون من مشايخنا قالوا في ديارنا لا يجوز إلا ببيان المحال انتهى
وبه يحصل التوفيق فيحمل ما في الهداية على ما إذا كانت تختلف في تلك الديار اختلافا فاحشا وكلام غيره على ما إذا كانت لا تتفاحش انتهى
والمصنف اختار قول المتأخرين في الدار ولهذا عطف بأو فقال أو بين ثمن الدار والمحلة والحاصل أن جهالة الدار جهالة الجنس عند المتأخرين وجهالة النوع عند المتقدمين فليحمل عبارة كل من الكنز والهداية على كل من المذهبين تتبع
أو بين جنس الرقيق كالعبد ونوعه كالتركي يعني إذا وكل بشراء عبد تركي مثلا يصح لأن العبد معلوم الجنس من وجه لكن من حيث منفعة الجمال كأنه أجناس مختلفة فإن بين نوعه كالتركي يصح التوكيل أو بين ثمنا يعين نوعا أو نوع العبد بالقلة والكثرة يصح لأن ذكر الثمن كذكر النوع في تقليل هذه الجهالة وإن لم يبين شيئا منهما لم يصح التوكيل ويلحق
____________________
(3/314)
بجهالة الجنس لامتناع الامتثال لكن الأحسن ترك الصفة وهو قوله يعين نوعا لأن النوع صار معلوما بمجرد تقديم الثمن كما في الهداية وفيه إشارة إلى أنه لو كان معلوم الجنس من وجه كالشاة والبقر يصح وإن لم يذكر الثمن وإلى أن جهالة الوصف غير مانعة كما في القهستاني وإطلاقه شامل لما إذا كان ذلك الثمن نوعا أو لا وبه اندفع ما في الجوهرة حيث قال وهذا إذا لم يوجد لهذا الثمن من كل نوع أما إذا وجد فلا يجوز عند بعض المشايخ كما في المنح أو عمم فقال ابتع لي أي اشتر لي ما رأيت
وفي الفرائد وفي عطف قوله أو عمم صعوبة لأنه لا يناسب كونه معطوفا على قوله أو بين جنس الرقيق ولا كونه معطوفا على قوله فإن سمي نوع الثوب جاز وفصله ثم قال لو بينه بطريق الاستثناء بأن يقول إلا أن يعمم لكان أسلم وأظهر ويدل على ما ذكرناه قول صاحب الهداية ومن وكل رجلا بشراء شيء ولا بد من تسمية جنسه وصفته أو جنسه ومبلغ ثمنه ليصير الفعل الموكل به معلوما فيمكنه الائتمار إلا أن يوكله وكالة عامة فيقول ابتع لي ما رأيت لأنه فوض الأمر إلى رأيه فأي شيء يشتريه يكون ممتثلا انتهى
لكن يمكن أن يكون معطوفا على ما يفهم من الكلام السابق وهو قوله فإن سمي إلى هنا أي إن خصص جاز عند البيان أو عمم جاز وإن لم يبين أو أن يكون أو بمعنى ألا أن كقولهم لألزمنك أو تعطيني حقي أي إلا أن تعطيني حقي
ولو وكله بشراء الطعام فهو يقع على البر ودقيقه يعني دفع إلى آخر دراهم وقال اشتر لي طعاما يشتري البر ودقيقه والقياس أن يشتري كل مطعوم اعتبارا للحقيقة كما في اليمين على الأكل إذ الطعام اسم لما يطعم وجه الاستحسان أن الطعام إذا قرن بالبيع والشراء يحمل على ما ذكر عرفا ولا عرف للأكل فيبقى على الوضع
وفي العناية هذا في عرف أهل الكوفة فإن سوق الحنطة ودقيقها عندهم يسمى سوق الطعام وأما في عرف غيرهم فينصرف إلى كل مطعوم وبه قالت الأئمة الثلاثة
وقال بعض المشايخ الطعام في عرفنا ينصرف إلى ما يمكن أكله يعني المعتاد للأكل كاللحم المطبوخ والمشوي أي ما يمكن أكله من غير إدام دون الحنطة والخبز
وقال صدر الشهيد وعليه الفتوى كما في الظهيرية وإنما قلنا دفع إلى آخر لأنه لو أمر بلا دفع له لا يصح التوكيل كما في القهستاني وأطلقه فشمل ما إذا كثرت الدراهم أو قلت وقيل يقع على البر في كثير الدراهم و يقع على الخبز في قليلها و يقع على الدقيق في وسطها قيل القليل مثل درهم إلى ثلاثة
____________________
(3/315)
والمتوسط مثل أربعة إلى خمسة أو سبعة فالسبعة على هذا لم يكن من الكثير كما في القهستاني وفي متخذ الوليمة أي طعام العرس والمتخذ بالفتح اسم زمان يقع على الخبز بكل حال سواء كثرت الدراهم أو توسطت أو قلت لأن مدار الأمر في الكل العرف
وصحح التوكيل بشراء عين أي شيء معين بدين له أي للموكل على الوكيل يعني لو قال رب الدين للمديون اشتر لي هذا العبد مثلا بألف لي عليك فاشتراه بأن يكون ملكا للآمر حتى لو هلك في يد الوكيل يهلك مال الآمر لا على الوكيل لأن في تعيين المبيع تعيين البائع وفي تعيين البائع توكيله بقبض دينه من المديون أولا لأجله ثم يقبضه لنفسه فلا يوجد تمليك الدين من غير من عليه الدين وكذا لو أمر شخص مديونه بالتصديق بما عليه صح كما لو أمر الآجر المستأجر بمرمة ما استأجره مما عليه من الأجرة وفي غير العين أي لو قال رب الدين للمديون اشتر لي بالألف عليك عبدا غير معين فالتوكيل باطل حتى إن اشترى و هلك في يد الوكيل فعليه أي على الوكيل لأن الشراء نفذ عليه لا على الموكل
وإن قبض الموكل فهو له أي للموكل هذا عند الإمام وقال هو لازم للموكل أيضا أي كما هو لازم له في المعين سواء قبضه الموكل أو لا وهلاكه أي المبيع عليه أي على الموكل إذا قبضه الوكيل لأن الدراهم والدنانير لا تتعينان في المعاوضات دينا كانت أو عينا ألا ترى أنه لو تبايعا عينا بدين ثم تصادقا أن لا دين لا يبطل العقد فصار الإطلاق والتقييد فيه سواء فيصح التوكيل ويلزم الآمر لأن يد الوكيل كيده وله أنها تتعين في الوكالات ألا ترى أنه لو قيد الوكالة بقبض العين منها أو الدين منها ثم استهلك العين أو أسقط الدين عن المديون بالإبراء مثلا تبطل الوكالة لانعدام المحل لتصرف الوكيل ولم يلزم عليه إعطاء مثل الدين لأن الاستهلاك والإسقاط في حكم الأخذ والاستيفاء وهذا المعنى في الاستهلاك ظاهر ولذا قيد صاحب الهداية بالاستهلاك وما في تعليل صاحب النهاية بأن بطلان الوكالة مخصوص بالاستهلاك دون الهلاك مخالف لما في شروح الجامع الصغير في هذا الموضع حيث قالوا لو هلكت الدراهم المسلمة إلى الوكيل بالشراء بطلت
____________________
(3/316)
الوكالة وتمامه في العناية فليطالع
وإذا تعينت كان هذا تمليك الدين من غير من عليه الدين من غير أن يوكل بقبضه وذلك لا يجوز لأنه تمليك الوصف وهو الوجوب في الذمة والوصف عرض لا يقبل التمليك وعلى هذا الخلاف إذا أمره أي أمر الموكل الوكيل أن يسلم ما عليه أو يصرفه يعني لو قال أسلم ما لي عليك إلى فلان في كذا صح اتفاقا ولو قال إلى من شئت فعلى الخلاف وكذا إذا أمره أن يصرف ما عليه والحاصل أنه إن عين المسلم إليه ومن يعقد عقد الصرف صح بالاتفاق
وفي العناية وإنما خصهما بالذكر لدفع ما عسى يتوهم أن التوكيل فيهما لا يجوز لاشتراط القبض في المجلس انتهى لكن فيه تأمل
ولو وكل عبدا ليشتري نفسه أي نفس العبد المأمور له أي للموكل من سيده بأن قال فلان لعبد اشتر لي نفسك من سيدك بألف مثلا فإن قال العبد المأمور لسيده بعني نفسي لفلان بألف فباع السيد فهو أي العبد له أي للموكل لأن العبد يصلح لأن يشتري نفسه لنفسه ويصلح وكيلا عن غيره في شراء نفسه لكونه أجنبيا عن نفسه في حكم المالية فإذا أضاف العقد إلى الآمر صلح شراؤه للامتثال فيقع للآمر
وإن لم يقل العبد لفلان عتق العبد لأن المطلق يحتمل الوجهين أحدهما هو الامتثال للآمر والآخر هو التصرف لنفسه فلا يقع امتثالا بالشك فبقي التصرف واقعا لنفسه ثم إذا كان الشراء للآمر فلا بد من قبول العبد بعد قول المولى بعت وإن وقع للعبد يكتفى بقول المولى بعت بعد قوله بعني نفسي لأن الواحد يتولى طرفي العقد في العتق لا في البيع والثمن على العبد فيهما لا على الآمر
وإن وكل العبد غيره ليشتريه من سيده فإن قال الوكيل للسيد اشتريته أي ذلك العبد لنفسه فباع السيد على هذا الحكم عتق العبد على السيد وولاؤه أي ولاء العبد له أي للسيد لأن بيع نفسه العبد منه إعتاق وشراء العبد نفسه قبول الإعتاق ببدل والمأمور سفير عنه إذ لا ترجع إليه الحقوق فصار كأنه اشترى بنفسه والولاء للمولى
وإن لم يقل لنفسه عند اشترائه فهو أي العبد للوكيل لكون قوله مطلقا فيقع التصرف لنفسه وعليه أي على المشتري ثمنه أي
____________________
(3/317)
ثمن العبد لكونه عاقدا وما أعطاه العبد للوكيل لأجل الثمن للمولى لأنه كسب عبده وإذا قال الوكيل لمن وكله بشراء عبد اشتريت لك عبدا فمات أي العبد عندي وقال الموكل لا بل اشتريته لنفسك فالقول للموكل إن لم يكن أي إن لم يوجب دفع الثمن إلى الوكيل لأنه يدعي الثمن على الموكل وهو ينكره فالقول للمنكر وإلا أي وإن وجد دفع الثمن فللوكيل أي فالقول للوكيل لأنه أمين فالقول للأمين مع اليمين وقد أجمل المصنف في هذه المسألة فلا بد من التفصيل لأنه قال صاحب المنح وغيره إن العبد إن كان معينا وهو حي فالقول للمأمور أنه اشتراه لموكله لا لنفسه إجماعا سواء كان الثمن منقودا أو لا لأنه أخبر عن أمر يملك استئنافه والمخبر به في التحقق والثبوت يستغنى عن الإشهاد فيصدق إن كان ميتا والحال إن الثمن منقود فكذلك الحكم لأن الثمن كان أمانة في يده وقد ادعى الخروج عن عهدة الأمانة من الوجه الذي أمر به فكان القول له وإن لم يكن الثمن منقودا فالقول للموكل لأنه أخبر عما لا يملك استئنافه لأن الميت ليس محلا لإنشاء العقد به وغرضه الرجوع بالثمن والآمر منكر فالقول له وإن كان غير معين وهو حي فقال المأمور اشتريته لك وقال الآمر بل اشتريته لنفسك فالقول للمأمور إن كان الثمن منقودا لأنه يخبر عما يملك استئنافه وإن لم يكن الثمن منقودا فالقول للآمر عند الإمام وعندهما القول للمأمور لأنه أخبر عما يملك استئنافه فصح كما في المعين وله أنه موضع تهمة بأن اشتراه لنفسه فإذا رأى الصفقة خاسرة ألزمها الآمر بخلاف ما إذا كان الثمن منقودا لأنه أمين فيقبل قوله كما في المنح وغيره فعلى هذا عبارة المصنف قاصرة فالأولى أن يفصل تدبر
وللوكيل بالشراء طلب الثمن من الموكل إذا اشترى وقبض المبيع
وإن وصلية لم يدفعه أي الثمن إلى البائع إذ يجري بين الوكيل والموكل مبادلة حكمية ولهذا لو اختلفا في الثمن يتحالفان ويرد الموكل على الوكيل بالعيب
____________________
(3/318)
فيصير الوكيل بائعا من موكله حكما فيطلب الثمن من موكله سواء دفعه إلى بائعه أو لا وحبس المشتري لأجله أي للوكيل بالشراء حبس ما اشتراه من موكله لأن يقبض ثمن المبيع وإن لم يدفع الثمن إلى بائعه لما علم أن المبادلة الحكمية تجري بينهما
وقال زفر ليس له الحبس لأن الموكل صار قابضا بيده فحق الحبس يسقط
وفي التنوير ولو اشتراه الوكيل بنقد ثم أجله البائع كان للوكيل المطالبة حالا فإن هلك قبل حبسه هلك على الآمر أي إن هلك المشترى في يد الوكيل قبل أن يحبسه من موكله يهلك على مال الموكل لا الوكيل ولا يسقط ثمنه أي ثمن المبيع عن الموكل فيرجع الوكيل عليه لأن يده كيد الموكل فإذا لم يحبس يصير الموكل قابضا بيده وإن هلك المشترى في يد الوكيل بعد حبسه أي حبس الوكيل إياه سقط الثمن عند الطرفين لأنه بمنزلة البائع منه وكان حبسه لاستيفاء الثمن فيسقط بهلاكه وعند أبي يوسف هو كالرهن لأنه مضمون بالحبس للاستيفاء بعد إن لم يكن وهو رهن بعينه بخلاف المبيع لأن البيع ينفسخ بهلاكه وهنا لا ينفسخ أصل العقد قلنا ينفسخ في حق الموكل والوكيل كما إذا رده الموكل بعيب ورضي الوكيل به
والحاصل أن عندهما يسقط الثمن بهلاكه وعند أبي يوسف يهلك بالأقل من قيمته ومن الثمن حتى لو كان أكثر من قيمته رجع الوكيل بذلك الفضل على موكله وعند زفر يضمن جميع قيمته
وليس للوكيل بشراء عين شراؤه لنفسه ولا لموكل آخر لأنه يؤدي إلى تغرير الآمر من حيث إنه اعتمد عليه ولأن فيه عزل نفسه ولا يملكه إلا بمحضر من الموكل كما في الهداية والتعليل الأول يفيد عدم الجواز بمعنى عدم الحل كما في البحر وفسره الزيلعي بأنه لا يتصور شراؤه لنفسه وهو مناسب للتعليل الثاني ولو اشتراه لنفسه عند غيبة الموكل ناويا أو متلفظا وقع للموكل إلا إذا باشر على وجه المخالفة فإنه وقع للوكيل
وعن هذا قال فإن شراه بخلاف جنس ما سمى الموكل له من الثمن أو بغير النقود بأن شراه بالعروض أو بالحيوان وقع الشراء له أي للوكيل لأنه خالف أمره فنقد عليه
____________________
(3/319)
وظاهر قوله بخلاف الجنس يقتضي أن لا يكون مخالفا بما إذا سمى له ثمنا فزاد عليه أو نقص عنه لكن ظاهر ما في الكافي للحاكم أنه يكون مخالفا فيما إذا زاد لا فيما إذا نقص عنه لأنه قال وإن سمى ثمنا فزاد عليه شيئا لم يلزم الآمر وكذلك إن نقص من ذلك الثمن إلا أن لا يكون وصف له بصفة وسمى له ثمنا فاشترى بتلك الصفة بأقل من ذلك الثمن فيجوز على الآمر
وكذا يقع الشراء للوكيل إن أمر الوكيل غيره فشراه الغير الوكيل الثاني بغيبته أي بغيبة الوكيل الأول لمخالفة أمر الآمر لأنه مأمور بأن يحضر رأيه ولم يتحقق ذلك في حال غيبته
وإن شراه أي الوكيل الثاني بحضرته أي بحضرة الوكيل الأول فللموكل أي يقع شراؤه للموكل لأنه يحضر رأيه حينئذ فلا يكون مخالفا بخلاف الوكيل بالطلاق والعتاق إذا وكل غيره فطلق الثاني أو أعتق بحضرة الأول حيث لا ينفذ وإن حضر رأيه وفي غير المعين هو أي الشراء للوكيل يعني لو اشترى الوكيل بشراء شيء غير معين شيئا يكون الشراء للوكيل إذ الأصل أن يعمل لنفسه إلا إن أضاف العقد إلى مال الموكل بأن قال اشتريت بهذا الألف وهو مال الآمر أو أطلق العقد بأن قال اشتريت فقط ونوى الشراء له أي للموكل فيكون للموكل في الصورتين
وفي الهداية هذه المسألة على وجوه إن أضاف العقد إلى دراهم الآمر كان للآمر وهو المراد عندي بقوله أو يشتريه بمال الموكل دون النقد من ماله لأن فيه أي في النقد تفصيلا وخلافا وهذا بالإجماع وهو أي الجواب مطلق لا تفصيل فيه وإن أضافه إلى دراهم نفسه كان لنفسه حملا لحال الوكيل على ما يحل له شرعا أو يفعله عادة إذ الشراء لنفسه بإضافة العقد إلى دراهم غيره مستنكر شرعا وعرفا وإن أضافه إلى دراهم مطلقة فإن نواها للآمر فهو للآمر وإن نواها لنفسه فلنفسه لأن له أن يعمل لنفسه ويعمل للآمر في هذا التوكيل وإن تكاذبا في النية يحكم النقد بالإجماع لأنه دلالة ظاهرة على ما ذكرنا وإن توافقا على أنه لم تحضره النية قال محمد هو للعاقد لأن الأصل أن كل أحد يعمل لنفسه إلا إذا ثبت جعله لغيره ولم يثبت وعند أبي يوسف يحكم النقد فيه لأن ما أوقعه مطلقا يحتمل الوجهين فيبقى موقوفا فمن أي المالين نقد فقد فعل ذلك المحتمل لصاحبه ولأن ما تصادفهما به تحتمل النية للآمر وفيما قلناه حمل حاله على الصلاح كما في حالة التكاذب والتوكيل بالإسلام في الطعام على هذه الوجوه انتهى
ويعتبر في الصرف
____________________
(3/320)
والسلم مفارقة الوكيل لا الموكل فيبطل عقدهما بمفارقة الوكيل صاحبه قبل القبض لوجود الافتراق من غير قبض ولا يبطل بمفارقة الموكل إذ القبض للعاقد وهو ليس بعاقد وما قيل من أنه إذا حضر الموكل مجلس العقد لا يعتبر مفارقة الوكيل ضعيف لكون الوكيل أصلا في الحقوق في البيع مطلقا كما في البحر قيد بالوكيل لأن الرسول فيهما لا يعتبر مفارقته لأن الرسالة في العقد لا في القبض وينتقل كلامه إلى المرسل فصار قبض الرسول قبض غير العاقد فلم يصح
ولو قال الوكيل بالشراء بعني هذا لزيد أي لأجله فباع ثم أنكر المشتري كون زيد أمر بعد إقراره بقوله لزيد فلزيد أخذه أي أخذ المبيع جبرا إن لم يصدق إنكاره أي المشتري لأن قول الوكيل بعني هذا لزيد إقرار منه بالوكالة فلا يلتفت إلى إنكاره للتناقض فإن صدقه أي زيد إنكاره بأن قال لم آمره بالشراء لا يأخذه زيد جبرا لأن إقرار المشتري ارتد برده فإن سلمه المشتري إليه أي إلى زيد صح لأن البيع يوجد بينهما حكما لأن الوكيل ولو فضوليا كالبائع والموكل كالمشتري فصار بيعا بالتعاطي
ومن وكل بشراء رطل لحم بدرهم فشرى رطلين بدرهم مما أي من اللحم الذي يباع رطل بدرهم لزم في هذا البيع موكله من اللحم رطل بنصف درهم عن الإمام قيد بمما يباع رطل بدرهم لأنه لو اشترى لحما لا يباع رطل بدرهم بل أقل يكون الشراء واقعا للوكيل بالإجماع وعندهما وهو قول الأئمة الثلاثة يلزمه أي الموكل الرطلان بالدرهم لأنه أمره بصرف الدرهم في اللحم وفعل المأمور وزاده خيرا فصار كما إذا وكله ببيع عبده بألف فباعه بألفين وله أنه مأمور بشراء رطل مقدر وليس بمأمور بشراء الزيادة فنفذ شراء رطل عليه وشراء رطل على الموكل بخلاف ما استشهدا به لأن الزيادة هناك بدل ملك الموكل فتكون له قيل إن محمدا هنا مع الإمام في قول قيد بالموزونات لأن في القيميات لا ينفذ شيء على الموكل إجماعا كما في البحر
وفي البزازية
____________________
(3/321)
أمر بأن يشتري بعشرة دنانير فاشتراه بمائتي درهم وقيمة الدراهم مثل الدنانير لزم الموكل خلافا لمحمد وزفر ولو بعرض وقيمتها مثل الدراهم لا يلزم الآمر إجماعا
ولو وكل بشراء عبدين بعينهما بلا ذكر ثمنهما فشرى المأمور للآمر أحدهما أي أحد العبدين بقيمته أو بنقصان جاز عن الآمر بالإجماع لأن التوكيل مطلق فيجري على إطلاقه وكذا لا يتفق الجمع بينهما في الشراء إلا فيما لا يتغابن الناس فيه وهو الغبن الفاحش لأن التوكيل بالشراء بالمتعارف والمتعارف فيما يتغابن فيه الناس فلهذا قلنا بقيمته أو بنقصان
وكذا إن وكل بشرائهما أي بشراء عبدين بعينهما بألف وقيمتهما سواء فشرى المأمور أحدهما أي أحد العبدين بنصفه أي بنصف الألف أو بأقل من نصف الألف جاز لأنه قابل الألف بهما وقيمتهما سواء فينقسم بينهما نصفين دلالة فكان أمرا بشراء كل واحد بخمسمائة ثم الشراء بها موافقة وبأقل منهما مخالفة إلى خير فوقع عن الآمر
وإن شرى بأكثر من نصف الألف لا يجوز أي لا يقع عن الآمر بل عن المأمور لأنه مخالفة إلى شر قلت الزيادة أو كثرت وهذا عند الإمام وقالا يجوز الشراء بأكثر أيضا كما يجوز بنصفه أو أقل إن كان شراؤه مما يتغابن الناس فيه وقد بقي ما يشتري بمثله الآخر لأن التوكيل مطلق فيحمل على المتعارف كما بيناه ولكن لا بد أن يبقى من الألف باقية يشتري بمثلها الباقي ليمكنه تحصيل غرض الآمر فإن شرى الوكيل العبد الآخر بما بقي من الثمن قبل وقوع الخصومة بينهما جاز اتفاقا لحصول المقصود وهو شراء العبدين بالألف فإن قال الوكيل بشراء عبد غير عين أي غير معين بألف درهم شريته أي العبد بألف وقال الموكل بل شريته بنصفه أي بنصف الألف وهو خمسمائة وليس لهما برهان فإن كان قد دفع الموكل إليه أي إلى الوكيل الألف صدق الوكيل إن ساوى قيمة العبد الألف لأنه أمين
____________________
(3/322)
وقد ادعى الخروج عن عهدة الأمانة والموكل يدعي ضمان نصف ما دفع إليه وهو منكر وإن لم يساو قيمة العبد الألف بل يساوي نصفه صدق الموكل بلا خلف لأنه أمره بشراء عبد بالألف والمأمور اشترى بغبن فاحش والأمر يتناول ما يساويه فيضمن المأمور خمسمائة
وإن لم يكن دفعها أي دفع الموكل الألف إلى الوكيل وباقي المسألة بحالها فإن ساوى قيمة العبد نصفها أي نصف الألف صدق الموكل بلا يمين لأن المأمور خالف الأمر
وإن ساواها أي إن ساوى قيمة الألف تحالفا لأن المؤكل هنا كالبائع والوكيل كالمشتري وقد وقع الاختلاف في الثمن فيجب التحالف ويفسخ العقد والعبد للمأمور في الصورتين
وكذا في معين لم يسم له ثمنا فشراه واختلفا في ثمنه يعني إذا قال له اشتر هذا العبد لي ولم يسم ثمنا فاشتراه المأمور ثم اختلفا في ثمنه فقال المأمور اشتريته بألف وقال الآمر بل بخمسمائة وليس لهما برهان يلزمه التحالف كما في المسألة الأولى فإن نكلا فللوكيل وإن نكل أحدهما فلمن نكل ولا عبرة لتصديق البائع المأمور في الأظهر قيل لأن البائع إن استوفى الثمن فهو أجنبي عنهما وإن لم يستوف فهو أجنبي عن الآمر فلا مدخل له وهذا قول الإمام أبي منصور
وفي الهداية وهو الأظهر
وفي الكافي وهو الصحيح وقيل لا تحالف هنا لارتفاع الخلاف بتصديق البائع إذ هو حاضر فيجعل تصادقهما بمنزلة إنشاء العقد وفي المسألة الأولى هو غائب فاعتبر الاختلاف وإلى هذا مال الفقيه أبو الليث وقاضي خان وهو الأصح
وفي التنوير ولو اختلفا في مقدار الثمن الذي عينه له فقال الآمر أمرتك بشرائه بمائة فقال المأمور بألف فالقول للآمر مع يمينه والعبد للمأمور فإن برهنا قدم برهان المأمور ولو أمره بشراء أخيه فاشترى الوكيل فقال الآمر ليس هذا بأخي فالقول للآمر مع يمينه ويكون الوكيل مشتريا لنفسه وعتق العبد على الوكيل لزعم أنه أخ الموكل وعتق على موكله فيؤاخذ بذلك كما في البحر
____________________
(3/323)
324 فصل في بيان أحكام من يجوز للوكيل أن يعقد معه ومن لا يجوز لا يصح عقد الوكيل بالبيع أو الشراء مع من ترد شهادة له كأصله وفرعه وزوجه وزوجته وسيده وعبده ومكاتبه وشريكه فيما يشتركانه عند الإمام وقالا يجوز العقد بمثل القيمة إلا في العبد والمكاتب لأن التوكيل مطلق ولا تهمة إذ الأملاك متباينة والمنافع منقطعة بخلاف العبد الذي لا دين عليه لأنه بيع من نفسه لأن ما في يد العبد للمولى وكذا حق في كسب المكاتب وينقلب حقيقة بالعجز وله أن مواضع التهمة مستثناة عن الوكالات وهذا موضع التهمة بدليل عدم قبول الشهادة لأن كل واحد منهم ينتفع بمال الآخر عادة فصار بيعا من نفسه من وجه ودخل في البيع الإجارة والصرف والسلم فهو على هذا الخلاف إلا إذا أطلق الموكل بأن قال له بع ممن شئت فيجوز بيعه من هؤلاء المذكورين بمثل القيمة كما يجوز عقده معهم بأكثر من القيمة بلا خلاف كما في المنح
وفي النهاية وإن كان بأقل منها بغبن فاحش لا يجوز بالإجماع وإن كان البيع بغبن يسير لا يجوز عند الإمام ويجوز عندهما وإن كان بمثل القيمة فعن الإمام روايتان والوكيل بالبيع يجوز بيعه من غير هؤلاء بما قل من الثمن ولو غبنا فاحشا لأن البيع بالغبن الفاحش معتاد عند الاحتياج إلى النقد وبالكثير من القيمة أو كثر وإنما ذكره ليتناول كل بدل فإن القلة أمر إضافي فلم يكن ذكره استطراديا كما قيل
و كذا يجوز بيعه بالعرض سواء قل أو كثر من القيمة عند الإمام لأنه بيع مطلق وقد وجد به خاليا عن التهمة فيجوز وقالا لا يجوز بيعه إلا بمثل القيمة وبالنقود أي لا يجوز بيعه من غير هؤلاء بنقصان لا يتغابن الناس فيه ولا يجوز إلا بالدراهم والدنانير لا بالعرض عندهما لأن مطلق الأمر يتقيد بالمتعارف لأن التصرفات لدفع الحاجات فتتقيد بمواقع الحاجة والمتعارف البيع بثمن المثل وبالنقود ولهذا يتقيد التوكيل بشراء الفحم والجمد
____________________
(3/324)
والأضحية بزمان الحاجة ولأن البيع بغبن فاحش بيع من وجه هبة من وجه ولذا لو صدر من المريض يعتبر من الثلث وكذلك المقايضة فلا يتناوله مطلق اسم البيع قال أبو المكارم وبيع المضارب والمفاوض وشريك العنان بغبن فاحش يصح على هذا الخلاف أما بيع الولي كالأب والجد والوصي والقاضي لا يصح بالأقل إلا بما يتغابن فيه بالاتفاق كما في العمادية ويجوز بيعه بالنسيئة إن كان ذلك التوكيل بالبيع للتجارة عند الإمام وإن كان الأجل غير متعارف لما مر أنه بيع مطلق خاليا عن التهمة فيجوز وعندهما لا يجوز إلا بالأجل المتعارف لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف وعند الأئمة الثلاثة يجوز بثمن المثل وبنقد البلد حالا فإن كانت النقود مختلفة يعتبر الأغلب وإنما قيدنا للتجارة لأنه لو لم يكن لها بل كان لحاجة لا يجوز كالمرأة إذا دفعت غزلا إلى رجل ليبيعه لها يتعين النقد
وفي المنح وبه يفتى وهو مذكور في الخلاصة وكثير من المعتبرات لأن الموكل قال بعه فإني محتاج إلى ثمنه وهو لو صرح بذلك لم يجز بيعه نسيئة كما في النتف وينبغي أن يكون الحكم كذلك في كل موضع قامت الدلالة على الحاجة انتهى
وفي البحر لو قال بعه إلى أجل فباعه بالنقد قال السرخسي الأصح أنه لا يجوز بالإجماع
و يجوز بيع نصف ما وكل ببيعه كالعبد والفرس عند الإمام لأن اللفظ مطلق عن قيد الاجتماع والافتراق فيعمل بإطلاقه وعندهما والأئمة الثلاثة لا يجوز لما فيه من ضرر الشركة إلا أن يبيع النصف الآخر قبل أن يختصما لاندفاع الضرر قبل نقض العقد الأول وبهذا ظهر أن الخلاف في الذي يتضرر بالتفريق والتقسيم وإلا يجوز كالبر والشعير إذ ليس في تفريقه ضرر أصلا كما في الإصلاح ولذا قلنا كالعبد والفرس
و يجوز أخذه أي أخذ الوكيل بالبيع بالثمن كفيلا أو رهنا للاستيثاق فلا يضمن الوكيل الثمن للموكل والقيمة للراهن إن توى أي هلك ما على الكفيل من الثمن أو ضاع الرهن في يده أي الوكيل لأن الوكيل أصيل في الحقوق وقبض الثمن منها والكفالة توثق به والارتهان وثيقة لجانب الاستيفاء فيملكهما بخلاف الوكيل بقبض الدين لأنه يفعل نيابة وقد أنابه في قبض الدين دون الكفالة وأخذ الرهن والوكيل بالبيع يقبض أصالة ولهذا لا يملك الموكل حجره عن قبض الثمن كما في الهداية
وفي المنح
____________________
(3/325)
وهو مخالف لما في الخلاصة من أن الوكيل بقبض الدين له أخذ الكفيل فيحمل كلام الهداية على أخذ الكفيل بشرط البراءة فهو حوالة لا يجوز للوكيل بقبض الدين قبولها كما صرح به في البزازية والمراد بعدم الضمان عدمه للموكل وإلا فالدين قد سقط بهلاك الرهن إذا كان مثل الثمن بخلاف الوكيل بقبض الدين إذا أخذ رهنا فضاع فإنه لا يسقط من دين الموكل شيء ولا ضمان على الوكيل انتهى
ولو وهب الوكيل الثمن من المشتري أو أبرأه منه أو حط منه أي بعض الثمن جاز عند الطرفين ويضمن الوكيل الثمن كله لموكله في الحال وعند أبي يوسف لا يجوز كل من الهبة والإبراء والحط إذ لا ملك له ولا أمر له فيما فعل ولم يجز ولهما أن حقوق العقد راجعة إلى العاقد وهذه التصرفات من حقوقه فيملكها ودفع الضرر حاصل بتضمينه في الحال على وجه الكمال
وكذا الخلاف لو أجله أي الثمن أو قبل به أي بالثمن حوالة قال قاضي خان ولم يذكر التأجيل في الأصل قيل يجوز التأجيل في قول أبي يوسف رحمه الله تعالى أيضا كما لو باع بثمن مؤجل وقيل لا يجوز واختاره المصنف فلذا قال وكذا الخلاف لو أجله
ولو أقاله الوكيل بالبيع صح عقد الإقالة وسقط الثمن عن المشتري ولزم الثمن الوكيل عند الطرفين لأنه عاقد فيصح تصرفه فيضمن الثمن للموكل قيدنا بالبيع لأن الوكيل بالشراء لا يملك الإقالة اتفاقا هذا إذا لم يقبض الثمن فلو قبضه ثم أقاله لا يصح وكذا إذا كان على الوكيل دين لرجل فأحاله على المشتري ليأخذ الثمن ثم أقال لا يصح كما في شرح المجمع وعند أبي يوسف لا يسقط عن المشتري لأنه إضرار للموكل فيبقى الثمن للموكل في ذمة المشتري إلا أن الإقالة لما كانت عنده بيعا صار الوكيل مشتريا من المشتري المبيع فكان الوكيل مديونا للمشتري مثل الثمن الأول كما في شرح المجمع
والوكيل بالشراء يجوز شراؤه بمثل القيمة أو بأقل منها وهو ظاهر لا يحتاج إلى البيان
و يجوز بزيادة يتغابن بها وهي أي الزيادة التي يتغابن بها ما يقول به مقوم بأن قومه عدل مثلا
____________________
(3/326)
بعشرة وعدل آخر بتسعة فاشتراه بعشرة يدخل تحت تقويم مقوم وقدروه في العروض بزيادة نصف في العشرة وفي الحيوان بدرهم وفي العقار بدرهمين فهو الغبن اليسير فلزم الموكل وعن هذا قال وقدر في العروض ده نيم وفي الحيوان ده يازده وفي العقار ده دوازده هذا فيما لم يكن له قيمة معلومة كالعبد والدواب وغيرهم وأما ما له قيمة معلومة كالخبز واللحم وغيرهما فلا يحتاج إلى تقويم مقوم فلا يدخل تحته حتى إذا زاد الوكيل بالشراء شيئا قليلا كالفلس لا ينفذ على الموكل لظهور المخالفة وبه يفتى كما في البحر وغيره فعلى هذا لو قيد قوله وهو ما يقوم به مقوم بأن لم يعرف سعره لكان أولى تدبر لا بما لا يتغابن بها أي لا يجوز شراء الوكيل بالغبن الفاحش لجواز اشترائه لنفسه ثم لغلاء ثمنه يحوله على الآمر وهذه التهمة لا توجد في الوكيل بالبيع أطلقه فشمل ما إذا كان وكيلا بشراء شيء بعينه فلا يملك الشراء بغبن فاحش وإن كان لا يملك الشراء لنفسه بالمخالفة يكون مشتريا لنفسه وكانت التهمة باقية كما في التبيين لكن في الهداية خلافه فإنه قال حتى لو كان وكيلا بشراء شيء بعينه قالوا ينفذ على الآمر لأنه يملك شراءه لنفسه
وفي العناية أن ما في الهداية قول عامة المشايخ وبعضهم قال لا ينفذ على الآمر تتبع
ولو وكل ببيع عبد فباع نصفه جاز عند الإمام لما قررناه آنفا وقالا لا يجوز بيعه بما يتعيب بالشركة كالعبد لا بما لا يتعيب كالبر فإنه يجوز بالاتفاق كما مر إلا إن باع الباقي قبل الخصومة أي قبل الاختصام إلى القاضي ونقض القاضي البيع فحينئذ يجوز لعوده إلى الوفاق وهو أي جوازه إن باع الباقي قبل الخصومة استحسان عندهما وإنما ذكر هذه المسألة مع أنها قد ذكرت فيما تقدم بقوله وبيع نصف ما وكل ببيعه جاز توطئة لقول الإمامين والمسألة التي تليها وهو التوكيل بشراء عبد لأن المسألة الأولى تذكر بلا خلاف فيتوهم أنها متفق عليها فذكرها لدفع التوهم لكن الأولى أن يتركها فيما سبق وذكرها هنا جميعا كما وقع في الهداية تدبر
وإن وكل بشراء عبد فاشترى نصفه لا يلزم الموكل لما فيه
____________________
(3/327)
من ضرر الشركة إلا إن اشترى باقيه قبل الخصومة اتفاقا لأن شراء البعض قد يقع وسيلة إلى الامتثال بأن كان موروثا بين اثنين فينفذ على الموكل بالاتفاق والفرق للإمام بين البيع والشراء أن الأمر في البيع صادف ملكه فاعتبر فيه إطلاقه بخلاف الأمر بالشراء
وقال زفر يلزم الوكيل مطلقا أطلقه فشمل ما إذا كان العبد معينا أو لا لأنه خالفه بشراء نصف فلا يلزم الموكل إلا بعد شرائه فبهذا ظهر عدم صحة ما قيل ينبغي أن لا يتوقف شراء النصف إذا كان التوكيل بشراء شيء بعينه تأمل
ولو رد البيع أي رد المشتري المبيع على الوكيل بعيب بقضاء أي بقضاء القاضي رده الوكيل على آمره مطلقا سواء كان بسبب البينة من قبل المشتري أو بنكول الوكيل حين توجه عليه اليمين أو إقرار الوكيل عند القاضي فيما أي في عيب لا يحدث مثله لأن البينة حجة مطلقة والوكيل مضطرب في النكول لبعد العيب عن علمه باعتبار عدم ممارسته البيع فلزم الآمر فكذا بإقراره فيما لا يحدث مثله لأن القاضي تيقن بحدوث العيب في يد البائع فلم يكن قضاؤه مستندا إلى هذه الحجج ثم إن اشتراطها فيما كان تاريخ البيع مشتبها على القاضي أو كان العيب مما لا يعرفه إلا النساء أو الأطباء فإن قولهن وقول الطبيب حجة في توجه الخصومة لا في الرد فيفتقر إلى إحدى هذه الحجج للرد حتى لو علم القاضي تاريخ البيع والعيب ظاهر لا يحتاج إلى شيء منها كما إذا كان العيب مما لا يحدث أصلا كأصبع زائدة لا حاجة إلى الحجة وإنما قال بقضاء لأنه إن كان الرد بغير قضاء ليس له الرد على الموكل ولا الخصومة معه كما في عامة روايات المبسوط وكذا يرد الوكيل على الآمر فيما أي في عيب يحدث مثله في هذه المدة إن كان قضاء القاضي ببينة أو نكول عن يمين لما تقدم آنفا
وإن كان قضاء القاضي بإقرار الوكيل فلا يرده على آمره ولزم الوكيل لأن الإقرار حجة قاصرة فيظهر حق المقر دون غيره والوكيل غير مضطر إليه لأنه يمكنه السكوت والنكول ولكن له أن
____________________
(3/328)
يخاصم الموكل إن كان الرد عليه بقضاء فيلزمه ببينة أو بنكول وإن كان بغير قضاء ليس له أن يخاصم الموكل لأنه فسخ للبيع بالتراضي فيكون بيعا جديدا في حق غيرهما والموكل غيرهما
ولو باع الوكيل بنسيئة أي إلى أجل وقال الموكل أمرتك بالنقد وقال الوكيل لا بل أطلقت أي أمرتني بالبيع من غير تقييد بالنقد صدق الموكل مع اليمين لأن الأمر مستفاد من الآمر ولا مساعدة بدلالة اللفظ على ما قاله المأمور وفي المضاربة صدق المضارب لأن الأصل في المضاربة العموم والإطلاق فيعتبر قوله مع اليمين بخلاف ما إذا ادعى رب المال المضاربة في نوع والمضارب في نوع آخر حيث يكون القول لرب المال
ولا يصح تصرف أحد الوكيلين وحده فيما وكلا به لعدم رضى الموكل إلا برأيهما معا وفي المنح أطلقه فشمل ما إذا كان أحدهما حرا بالغا عاقلا والآخر عبدا أو صبيا محجورا عليه لكنه مقيد بما إذا وكلهما بكلام واحد أما إذا كان توكيلهما على التعاقب فإنه يجوز لأحدهما الانفراد لأنه رضي برأي كل واحد منهما على الانفراد وقت توكيله بخلاف الوصيين إذا أوصى إلى كل منهما بكلام على حدة حيث لا يجوز لأحدهما أن ينفرد بالتصرف على الأصح انتهى
لكن في الشمني خلاف ما في المنح لأنه قال لو باع أحدهما والآخر حاضر يجوز ولو كان الآخر غائبا فأجاز لم يجز عند الإمام خلافا لأبي يوسف ولو كان أحدهما صبيا أو عبدا محجورا فللآخر أن ينفرد بالتصرف ولو مات أحدهما أو زال عقله ليس له ذلك تتبع
وفي الخانية رجل قال لرجلين وكلت أحدكما بشراء جارية لي بألف درهم فاشترى أحدهما ثم اشترى الآخر فإن الآخر يكون مشتريا لنفسه ولو اشترى كل واحد منهما جارية ووقع شراؤهما في وقت واحد كانت الجاريتان للموكل وعليه الفتوى كما في البحر إلا في خصومة فإن لأحدهما أن يخاصم وحده لأن الاجتماع فيها متعذر لإفضائه الشغب في مجلس القضاء خلافا لزفر والشافعي وظاهره أنه إذا خاصم أحدهما لم يشترط حضرة الآخر وهو قول العامة لعدم الفائدة بسماعها وهو ساكت كما في التبيين وغيره وبه ظهر أن ما ذكره ابن الملك من اشتراط الحضرة ضعيف كما في البحر لكن لا بد من مباشرة رأي الآخر حتى لو باشر أحدهما بدون رأي الآخر لا يجوز عندنا كما ذكره العيني فعلى هذا يمكن حمل ما في ابن ملك على الرأي فيكون موافقا لقول العامة وهو أولى من الحمل على الضعف تدبر ورد وديعة
وفي البحر ولو قال ورد عين لكان أولى فإنه
____________________
(3/329)
لا فرق بين رد الوديعة والعارية والمغصوب والبيع الفاسد كما في الخلاصة لكن يمكن بأن رد عارية وغصب داخل في رد وديعة حكما والبيع الفاسد في حكم الغصب فاكتفى بذكرها تدبر
قيد بالرد للاحتراز عن الاسترداد فليس لأحدهما القبض بدون صاحبه وقضاء دين وطلاق وعتق لا عوض فيهما وكذا تعليق بمشيئة الوكيلين وتدبير وتسليم هبة كما في التنوير لأنه مما لا يحتاج إلى الرأي ويعتبر المثنى فيه كالواحد هذا إذا كان التوكيل بطلاق واحدة معينة وعتق معين لأنه لو وكلها بطلاق واحدة بغير عينها أو عتق عبد بغير عينه لا ينفرد أحدهما كما في السراج لأنه مما يحتاج إلى الرأي وقيد بلا عوض فيهما لأنه لو كان الطلاق والعتق بعوض لم ينفرد أحدهما إلا إذا أجازه الموكل أو الوكيل
وفي البحر أن الوكالة والوصاية والمضاربة والقضاء والتولية على الوقف سواء فليس لأحدهما الانفراد
وليس للوكيل أن يوكل غيره لأنه فوض إليه التصرف دون التوكيل به إذ رضي برأيه دون رأي غيره لوجود التفاوت في الآراء إلا بإذن موكله لتحقق رضائه أو بقوله أي بقول الموكل للوكيل اعمل برأيك لإطلاقه التفويض إلى رأيه واستثنى صاحب التنوير من الاستثناء الأول فقال إلا في دفع زكاة وفي قبض دين بمن في عياله وعند تقدير الثمن من الموكل لوكيله فإن تصرف وكيل الوكيل بدون الإذن جائز فيها فإن أذن الموكل بالتوكيل فوكل الوكيل غيره كان الوكيل الثاني وكيل الموكل الأول لا الثاني ثم فرعه بقوله فلا ينعزل الوكيل الثاني بعزله أي بعزل الموكل الثاني ولا ينعزل بموته أي بموت الموكل الثاني قال المولى سعدي ينبغي أن يملك عزله فيما إذا قال الموكل اعمل برأيك انتهى
وفيه كلام لأن الوكيل مأمور بإعمال رأيه وقد عمل بأن يوكل غيره فتم الأمر فلا يملك العزل لأن العزل الرجوع عن الرأي الأول وليس في قوله اعمل برأيك ما يدل على هذا بخلاف ما إذا قال اصنع ما شئت لأن فيه ما يدل على العموم فيملك العزل تدبر
وينعزلان أي الوكيل الأول والثاني بموت الموكل الأول لأن الموكل عامل لنفسه فينعزل وكيله بموته لبطلان حقه وإن وكل الوكيل غيره بلا إذن من الموكل فعقد الوكيل الثاني بحضرته أي بحضرة الوكيل الأول جاز عقده لأن المقصود حضور
____________________
(3/330)
رأيه وقد حضر وظاهر العبارة الاكتفاء بالحضرة من غير توقف على الإجازة وهذا قول البعض والعامة على أنه لا بد من إجازة الوكيل أو الموكل وإن حضرة الوكيل الأول لا تكفي والمطلق من العبارات محمول على الإجازة كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا لو قال فأجازه مكان قوله بحضرته لكان أولى تدبر
وكذا لو عقد الوكيل الثاني بغيبته أي بغيبة الأول فأجازه أي أجاز الوكيل الأول عقده جاز ولو اكتفى بقوله فعقد الثاني بحضرته أو بغيبته فأجازه جاز لكان أخصر وأولى لأن الحكم فيهما موقوف على الإجازة على قول العامة كما بين قبيله تدبر
قيد بالعقد احترازا عن الوكيل بالطلاق والعتاق إذا وكل غيره وطلق الثاني بحضرة الوكيل الأول أو طلق الأجنبي فأجاز الوكيل فإنه لا يقع وكذا الإبراء والخصومة وقضاء الدين كما في المنح أو كان الوكيل الأول قد قدر الثمن للثاني فعقد الثاني بغيبته جاز لأن الاحتياج فيه إلى الرأي لتقدير الثمن وقد حصل كما في العناية
ولا يجوز لعبد أو مكاتب التصرف في مال طفله ببيع أو شراء ولا تزويجه لانتفاء ولايتهما بالرق
وكذا الكافر في حق طفله المسلم لانتفاء ولايته بالكفر والأصل أن من لا ولاية له على غيره لم يجز تصرفه في حقه يقال حكم المستأمن والحربي والمرتد يعلم من حال الذمي دلالة ولذا بين دون غيره من الكفار وقيل تصرف المرتد موقوف بالاتفاق لتردد الملة في حقه فإن أسلم نفذ وإن قتل لا
باب الوكالة بالخصومة والقبض أخر الوكالة بالخصومة عن الوكالة بالبيع والشراء لأن الخصومة تقع باعتبار ما يجب استيفاؤه ممن هو في ذمته وذلك في الأغلب يكون لمطالبة المبيع أو الثمن للوكيل بالخصومة القبض عند أئمتنا الثلاثة لأن من ملك شيئا ملك إتمامه وإتمام الخصومة وانتهاؤها
____________________
(3/331)
بالقبض خلافا لزفر لأن القبض غير الخصومة فلا يكون الوكيل به وكيلا بها إذ يختار الموكل للقبض آمن الناس وللخصومة ألج الناس والفتوى اليوم على قوله أي على قول زفر وهو قول الأئمة الثلاثة لأن من يؤتمن على الخصومة لا يؤتمن على المال لظهور الخيانة في الوكلاء في هذا الزمان أفتى بذلك الصدر الشهيد وكثير من مشايخ بلخي وسمرقند وغيرهم ولذا أشار إلى خلاف زفر عند أئمتنا الثلاثة لقوة قوله في هذا المقام
وفي التنوير الوكيل بالخصومة إذا أبى لا يجبر عليها إلا إذا كان وكيلا بالخصومة بطلب المدعي وغاب المدعى عليه بخلاف الكفيل ومثله أي مثل الوكيل بالخصومة الوكيل بالتقاضي يعني أن الوكيل بالطلب مثل الوكيل بالخصومة فإنه يملك القبض على أصل الرواية لأنه في معناه وضعا يقال اقتضيت حقي أي قبضته فإنه مطاوع قضى إلا أن العرف بخلافه وهو قاض على الوضع والفتوى على أن لا يملك كما في الهداية
وفي الغاية أن الوكيل بتقاضي الدين يملك القبض اتفاقا في جواب كتاب الوكالة لكن فتوى المشايخ على أنه لا يملك لفساد الزمان انتهى
وفي الواقعات ليس له أن يقبض الدين في زمانها وهو اختيار مشايخ بلخي وبه أخذ أبو الليث ا هـ فعلى هذا ظهر عدم فهم ما قيل من أنه قال صاحب الاختيار والوكيل بالتقاضي يملك القبض بالإجماع لأنه لا فائدة للتقاضي بدون القبض فيلزم التأمل في قوله بالإجماع مع أن الخلاف مصرح في سائر الكتب لأن ما قاله صاحب الاختيار على رواية الأصل والفتوى على أنه لا يملك لفساد الزمان فلا خلاف بالاتفاق على رواية الأصل لما في السراجية الوكيل بالتقاضي وكيل بالقبض في ظاهر الرواية والفتوى على أنه ينظر إن كان التوكيل بذلك في بلد كان من العرف بين التجار أن المتقاضي هو الذي يقبض الدين توكيلا بالقبض وإلا فلا تدبر
وفي التنوير ورسول القاضي يملك القبض لا الخصومة إجماعا ولا يملك الخصومة والقبض وكيل الملازمة كما لا يملك الخصومة وكيل الصلح وكذا عكسه
وللوكيل بقبض الدين الخصومة قبل القبض عند الإمام خلافا لهما وهو قول الأئمة وهو رواية عن الإمام لأنه ليس كل من يصلح للقبض يعرف الخصومة ويهتدي إلى المحاكمة فلا يحصل الرضى من الموكل وله أنه وكله بأخذ الدين من ماله لأن قبض نفس الدين لا يتصور ولذا قلنا أن الديون تقضى بأمثالها لأن المقبوض ملك المطلوب حقيقة وبالقبض يتملكه بدلا عن الدين فيكون وكيلا في حق التمليك ولا ذلك إلا بالخصومة وثمرته ما إذا أقام الخصم البينة على استيفاء الموكل أو
____________________
(3/332)
إبرائه تقبل عنده خلافا لهما قيد بقوله قبل القبض لأنه بعد القبض لا يكون له الخصومة اتفاقا
وفي التنوير أمره بقبض دينه وأن لا يقبضه إلا جميعا فقبضه إلا درهما لم يجز قبضه على الأمر وللآمر الرجوع على الغريم بكله ولو لم تكن للغريم بينة على الإيفاء فقضى عليه بالدين وقبضه الوكيل فضاع من الوكيل ثم برهن على الإيفاء فلا سبيل للمقضى عليه على الوكيل وإنما يرجع على الموكل
وللوكيل بأخذ الشفعة الخصومة قبل الأخذ اتفاقا حتى لو أقام المشتري البينة على الوكيل على أن الموكل سلمها تقبل وتبطل الشفعة وأما بعد الأخذ بالشفعة فليس له الخصومة
وكذا الوكيل بالرجوع في الهبة أي له الخصومة حتى لو أقام الموهوب له البينة على أخذ الواهب العوض تقبل ويبطل الرجوع أو بالقسمة يعني للوكيل بالقسمة الخصومة حتى إذا وكل أحد الشريكين وكيلا بأن يقاسم مع شريكه فأقام الشريك البينة على الوكيل بأن الموكل قبض نصيبه تقبل أو بالرد بالعيب على البائع حتى إذا أقام البائع البينة على الوكيل بأن الموكل رضي بالعيب تقبل
وكذا الوكيل بالشراء بعد مباشرته يعني له الخصومة وأما قبل مباشرته الشراء لا يكون له الخصومة وهذا لأن المبادلة تقتضي حقوقا وهو أصل فيها فيكون خصمها فيها
وليس للوكيل بقبض العين الخصومة بالإجماع لأنه أمين محض بقبض عين حق الموكل وجه فأشبه الرسول ثم فرعه بقوله فلو برهن ذو اليد على الوكيل بقبض عبد أن موكله باعه منه تقصر يد الوكيل عنه ولا يثبت البيع فيلزم على ذي اليد إعادة البينة إذا حضر الموكل أو من يقوم مقامه لأن البينة قامت على من لا يكون خصما والقياس فيه دفع العبد إلى الوكيل لعدم قبول حجة ذي اليد لقيامها على من ليس بخصم فلم يعتبر وجه الاستحسان أن الوكيل خصم في حق قصر يده لقيامه مقام الموكل في القبض فتقتصر يده فتقام الحجة ثانيا على البيع إذا حضر الخصم كما تقصر يد الوكيل بنقل الزوجة أو العبد يعني إذا أقامت المرأة البينة على الطلاق أو أقام العبد البينة على العتاق على
____________________
(3/333)
الوكيل بنقلهما إلى موضع تقبل هذه البينة استحسانا في قصر يد الوكيل عنهما حتى يحضر منكرا ولا يثبت الطلاق والعتق لو برهنا أي المرأة والعبد عليهما أي على الطلاق والعتاق بلا حضور الموكل لما مر أنهما أقاما حجة على وكيل غير خصم ولذا وجب إعادتها لو حضر موكله بخلاف قصر اليد
وإقرار الوكيل بالخصومة على موكله عند القاضي بغير الحدود والقصاص صحيح سواء كان وكيلا من قبل المدعي فأقر بالقبض أو من قبل المدعى عليه فأقر بثبوت الحق وفيه إشعار بأنه لو أنكره ذلك الوكيل صح بالطريق الأولى وبأنه لو استثنى الإقرار صح وصار وكيلا بالإنكار كما لو استثنى الإنكار صار وكيلا بالإقرار
وفي الصغرى لو استثنى الإقرار بحضرة الطالب صح وإلا لا وقال محمد أنه أيضا يصح كما في القهستاني
وفي البزازية لو وكله غير جائز الإقرار صح ولم يصح الإقرار في الظاهر لو موصولا وفي الأقضية ومفصولا أيضا لا عند غير القاضي أي إن كان إقراره عند غير القاضي فشهد به الشاهدان عند القاضي فإنه غير صحيح استحسانا عند الطرفين خلافا لأبي يوسف أي يصح عند غير القاضي عنده لأن الموكل أقام مقام الوكيل نفسه مطلقا وهو يقتضي أن يملك ما يملكه الموكل وهو يملك الإقرار عند غير القاضي وكذا وكيله وعند زفر والشافعي وهو قول أبي يوسف أولا لا يصح أصلا وهو القياس لأنه مأمور بالخصومة وهي منازعة والإقرار يضادها لأنه مسالمة والأمر بالشيء لا يتناول ضده وجه الاستحسان أن التوكيل صحيح فيدخل تحته ما يملكه الموكل وهو الجواب مطلقا فيضمن الإقرار والموكل يملك الإقرار كذا يملك وكيله عند القاضي لكونه جواب الخصم وهو لا يكون معتبرا إلا في مجلس القضاء إذ وراء مجلسه يفضي إلى المجادلة والمجاذبة وهو لم يوكل بذلك فحينئذ لا يكون وكيلا لكن لو برهن عليه أي على الوكيل هذا استدراك من قوله لا عند غير القاضي فلهذا لو ذكر عقيبه لكان أنسب تدبر
أنه أقر في غير مجلس القضاء خرج عن الوكالة ولا يدفع إليه المال أي لا يؤمر المدعى عليه بدفع المال إلى الوكيل لأنه لا يصح بعد ذلك للمناقضة
____________________
(3/334)
ولأنه زعم أنه مبطل في دعواه كالأب أو الوصي إذا أقر في مجلس القضاء لا يصح إقرارهما ولا يدفع إليه أي إلى الأب أو الوصي المال يعني إذا ادعى الأب أو الوصي شيئا للصغير فأنكر المدعى عليه فصدقه الأب أو الوصي ثم جاء يدعي المال فإن إقراره لا يصح لأن له ولاية نظرية وذلك بأن يحفظ ماله ويتصرف فيه على الوجه الأحسن والإقرار لا يكون حفظا ولا يؤمر المدعى عليه بدفع المال إليه لأنه لا يصح دعواه وينصب وصي آخر ويؤمر بدفع المال إليه لو ثبت
ولا يصح توكيل رب المال كفيله بقبض ما على المكفول عنه ما لو وكله بقبضه من نفسه أو عبده أو وكل المحتال المحيل بقبضه من المحال عليه فإنه غير صحيح لأن الوكيل من يعمل لغيره ولو صححناها صار عاملا لنفسه في إبراء ذمته فانعدم الركن ولأن قبول قوله ملازم للوكالة لكونه أمينا ولو صححناها لا يقبل لكونه مبرئا نفسه فتنعدم بانعدام لازمه كما في الهداية
وفي العناية سؤال وجواب فليراجع
وفي التنوير الوكيل بقبض الدين إذا كفل صح وبطلت الوكالة بخلاف العكس وكذا كل ما صحت كفالة الوكيل بالقبض بطلت وكالته تقدمت كفالته أو تأخرت
ومن صدق مدعي الوكالة بقبض الدين أمر بالدفع إليه لأن تصديقه بمن قال أنا وكيل الغائب بقبض دينه إقرار على نفسه لأن ما يدفعه خالص حقه إذا الديون تقضى بأمثالها فإن صدقه صاحب الدين فيها أي إذا حضر الموكل وصدق الوكيل في دعواه الوكالة فلا كلام لحصول المقصود وإلا أي وإن لم يصدقه أمر أي أمر الغريم بالدفع إليه أي إلى صاحب الدين أيضا أي كما أمر بالدفع إلى الوكيل لأنه لم يثبت الاستيفاء حيث أنكر الوكالة والقول في ذلك قوله مع يمينه فيفسد الأداء إن لم نجر الاستيفاء حال قيامه ورجع الغريم به أي بما دفعه على الوكيل إن لم يهلك في يده أي رجع الغريم به إن كان ما دفعه إليه باقيا في يد الوكيل لأن غرضه من الدفع براءة ذمته ولم يحصل فله أن ينقض قبضه ويأخذ ما يجده ولو كان بقاؤه حكما بأن استهلكه الوكيل فإنه باق ببقاء بدله
وإن هلك أي المقبوض في يد الوكيل لا أي لا يرجع فيما هلك لأنه بتصديقه اعترف أنه محق في القبض فيكون أمينا وهو لا يكون ضمينا أو لأنه مظلوم في أخذ الموكل ثانيا والمظلوم لا يظلم غيره إلا إن كان قد ضمنه عند دفعه فحينئذ يرجع على الوكيل بمثل ما دفعه قيل روي
____________________
(3/335)
ضمنه بالتشديد وبعدمه فالمعنى بالتشديد إلا إذا إن جعل الغريم الوكيل ضامنا بأن قال عند دفعه إن حضر الغائب وأنكر وكالتك وأخذ مني ثانيا فأنت ضامن بهذا المال فقال أنا ضامن وبعدم التشديد إلا إذا كان الوكيل بأن قال عند دفعه إن حضر الغائب وأنكر التوكيل وأخذ منه ثانيا فإني ضامن بهذا المال فيصير الوكيل كفيلا بمال قبضه الدائن المنكر ثانيا لأن إضافة الضمان إلى زمان القبض جائز لا بمال قبضه الوكيل أولا لأنه أمانة في يده بتصادقهما على أنه وكيل والأمانات لا تجوز بها الكفالة وظاهر المتن أنه لا رجوع على الوكيل حالة الهلاك إلا إذا ضمن وليس كذلك بل الحكم كذلك لو قال له قبضت منك على أني أبرأتك من الدين كما في التنوير أو دفع إليه على ادعائه حال كونه غير مصدق وكالته سواء كان مكذبا أو ساكتا فإنه يرجع عليه لأنه إنما دفع له على رجاء الإجازة فانقطع رجاؤه رجع عليه
وفي التنوير فإن ادعى الوكيل هلاكه أو دفعه لموكله صدق بحلفه وفي الوجوه كلها ليس له الاسترداد حتى يحضر الغائب ومن صدق مدعي الوكالة بقبض الأمانة لا يؤمر بالدفع إليه لأن تصديقه إقرار بمال الغير أو لأنه مأمور بالحفظ لا بالدفع بخلاف الدين فإذا لم يصدقه لا يؤمر بالدفع إليه بالأولى وفي المنح تفصيل فليراجع
وكذا أي مثل ما ذكر من الحكم لو صدقه في دعوى شرائها من المالك يعني لو ادعى أنه اشترى الوديعة من مالكها وصدقه المودع لم يؤمر بدفعها إليه ما دام حيا كان إقرارا بملك الغير لأنه من أهله فلا يصدقان في دعوى البيع عليه
ولو صدقه في أن المالك مات وتركها أي الوديعة ميراثا له أمر بالدفع إليه إذا لم يكن على الميت دين مستغرق فلو أنكر موته أو قال لا أدري لا يؤمر بالتسليم إليه ما لم تقم البينة هذه المسألة قد تقدمت في أواخر القضاء فكان ذكرها هنا تكرارا تدبر
ولو ادعى المديون على الوكيل بقبض الدين استيفاء الدائن ولا بينة له أي للمديون على استيفاء الدائن أمر بدفعه إليه أي أمر الغريم بدفع المال الذي عليه إلى الوكيل لأن الوكالة قد ثبتت والاستيفاء لم يثبت
____________________
(3/336)
بمجرد دعواه فلا يؤخر الحق وقد جعلوا دعواه الإيفاء لرب الدين جوابا للوكيل إقرارا بالدين وبالوكالة وإلا لما اشتغل بذلك كما إذا طلب من الدائن وادعى الإيفاء فإنه يكون إقرارا بالدين وكما إذا أجاب المدعي ثم ادعى الغلط في بعض الحدود فإنه لا يقبل لأن جوابه تسليم للحدود كما في المنح ولا يستحلفه أي الوكيل أنه ما يعلم استيفاء موكله الدين لأنه نائب عن الموكل والنائب لا يجري عليه الحلف خلافا لزفر بل يتبع الغريم بعدما دفع المال إلى الوكيل رب الدين ويستحلفه أي رب الدين أنه ما استوفى إن حلف بقي الحكم على حاله ولو نكل بطل الحكم فيسترد فيه ما قبض
ولو ادعى البائع على وكيل الرد بالعيب إن موكله رضي به أي بالعيب لا يؤمر بدفع الثمن قبل حلف المشتري والفرق بين هذه وما تقدم من مسألة الدائن أن التدارك ممكن هناك باسترداد ما قبضه الوكيل إذا ظهر الخطأ عن نكوله وههنا غير ممكن لأن القضاء بالفسخ ماض على الصحة وإن ظهر الخطأ عند الإمام ما هو مذهبه في العقود والفسوخ ولا يستحلف المشتري عنده بعد ذلك لأنه لا يفيد وأما عندهما فيجب أن يتحد الجواب في الفصلين ولا يؤخر لأن التدارك ممكن عندهما لبطلان القضاء وقيل الأصح عند أبي يوسف أن يؤخر في الفصلين
وفي المنح فلو ردها الوكيل على البائع بالعيب في هذه المسألة فحضر الموكل وصدقه على الرضى كانت له لا للبائع عند الكل على الأصح
ومن دفع إليه رجل آخر عشرة دراهم ينفقها على أهله فأنفق عليهم أي على أهله عشرة أخرى من عنده فهي بها أي العشرة بالعشرة لأن الوكيل بالإنفاق وكيل
____________________
(3/337)
الشراء وحكمه كذلك قيل هذا استحسان
وفي القياس وهو قول الأئمة الثلاثة ليس له ذلك فيصير متبرعا لأنه خالف أمره وقيل القياس والاستحسان في قضاء الدين لأنه ليس بشراء وأما الإنفاق فيتضمن الشراء فلا يدخلانه كما في الإصلاح وظاهر كلامه أنه أنفق دراهمه مع بقاء دراهم الموكل ولذا قال في النهاية هذا إذا كانت عشرة الدافع قائمة وقت شرائه النفقة وكان يضيف العقد إليها أو يطلق لكن ينوي تلك العشرة أما إذا كانت مستهلكة أو أضاف العقد إلى عشرة نفسه يصير مشتريا لنفسه متبرعا بالإنفاق لأن الدراهم تتعين في الوكالة
وفي التنوير وصي أنفق من ماله ومال اليتيم غائب فهو أي الوصي متطوع في الإنفاق إلا أن يشهد على أن ما أنفقه قرض عليه أو أنه يرجع عليه فلا يكون مطوعا وله أن يرجع
باب عزل الوكيل وجه تأخيره ظاهر للموكل عزل وكيله عن الوكالة لأنها حقه فله أن يبطله إلا إذا تعلق به أي بالتوكيل حق الغير كوكيل الخصومة بطلب الخصم فلا يملك عزله فيصير كالوكالة المشروطة في عقد الرهن ومال الوقف وفيه إشارة إلى أنه لو علق وكالته بالشرط ثم عزله قبل وجوده صح وعليه الفتوى كما في القهستاني وإلى أنه بطل تعليق العزل بالشرط ويتوقف انعزاله أي انعزال الوكيل على علمه أي علم الوكيل ثم فرعه بقوله فتصرفه أي تصرف الوكيل قبله أي قبل العلم بانعزاله صحيح لأن في انعزاله بغير علم إضرارا به إذ ربما يتصرف على أنه وكيل فتلحقه العهدة وكذا لو عزل الوكيل نفسه لا يجوز بدون علم الموكل
____________________
(3/338)
وعند الأئمة الثلاثة ينعزل الوكيل بلا علم منه إلا في قول عنهم ولو جحد الموكل الوكالة فقال لم أوكلك لا يكون عزلا إلا أن يقول والله لا أوكلك بشيء ويثبت العزل من الوكالة بمشافهة كقوله عزلتك وأخرجتك عن الوكالة وبكتابته وإرساله رسولا عدلا أو غير عدل حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا إذا قال الرسول الموكل أرسلني إليك لأبلغك عزله إياك عن وكالته ولو أخبره فضولي بالعزل فلا بد من أحد شرطي الشهادة إما العدد أو العدالة
وفي الدرر قال وكلتك بكذا على أني متى عزلتك فأنت وكيلي فإنه إذا عزله لم ينعزل بل كان وكيلا له وهذا يسمى وكيلا دوريا وإذا أراد أن يعزله بحيث يخرج عن الوكالة يقول في عزله عزلتك ثم عزلتك فإنه ينعزل ولو قال كلما عزلتك فأنت وكيلي لا يكون معزولا بل كلما عزل كان وكيلا فإذا أراد أن يعزله يقول رجعت عن الوكالة المعلقة وعزلتك عن المنجزة فحينئذ ينعزل لأن ما لا يكون لازما يصلح الرجوع عنه والوكالة منه كما في التبيين
وفي التنوير وكله بقبض الدين ملك عزله إن بغير حضرة المديون وإن وكله بحضرته لا إلا إذا علم به المديون فلو دفع المديون دينه إلى الوكيل قبل علمه بعزله يبرأ وتبطل الوكالة بموت الموكل هذا أولى من عبارة الوقاية بموت أحدهما لأنه قال صاحب الدرر ولما لم يكن لذكر الوكيل هنا فائدة تركته لكن يمكن أن الوكيل لو مات فحق الرد بالعيب لوارثه أو وصيه وإن لم يكن فللموكل في رواية ولوصي القاضي في أخرى كما في القهستاني ففيه فائدة وجنونه أي جنون الموكل وكذا جنون الوكيل مطبقا أي مستوعبا وحده أي حد المطبق شهر عند أبي يوسف وكذا عند الإمام في قوله وعليه الفتوى كما في المضمرات وحول عند محمد وكذا عند الإمام في قول وهو المختار لأنه يسقط به جميع العادات حتى الزكاة فقدر به احتياطا
و تبطل بلحاقه أي لحاق الموكل بدار الحرب مرتدا عند الإمام لأن تصرفات المرتد موقوفة عنده فكذا وكالته وإن قتل أو لحق بدار الحرب بطلت الوكالة خلافا لهما فإن تصرفاته نافذة عندهما إلا أن يموت أو يقتل على ردته أو يحكم بلحاقه حتى يستقر أمر اللحاق فلو عاد من دار الحرب مسلما ولم يحكم بلحاقه تعود الوكالة عندهم وإن حكم ثم عاد تعود الوكالة عند محمد خلافا لأبي يوسف كما في القهستاني
وفي المنح فظاهر
____________________
(3/339)
كلام الكنز وغيره من المتون أن كل وكالة تبطل بموت الموكل وجنونه وليس كذلك بل لا بد من استثناء مسائل من هذا الأصل فقال إلا إذا وكل الراهن العدل أو المرتهن ببيع المرتهن عند حلول الأجل فلا ينعزل بموت الموكل وجنونه كالوكيل بالأمر باليد والوكيل ببيع الوفاء وتمامه فيه فليراجع
وكذا تبطل وكالته بعجز موكله حال كون الموكل مكاتبا أي إذا وكل مكاتب وكيلا بالبيع مثلا ثم صار رقيقا بعجزه عن أداء بدل الكتابة بطل وكالة وكيله لأنه وقع تصرفه في مال الغير بلا أمره وحجره أي حجر الموكل حال كونه عبدا مأذونا ولا فرق فيه بين العلم وعدمه لأنه عزل حكمي فلا يتوقف على العلم كالوكيل بالبيع إذا باعه موكله
وفي القهستاني وإنما فصل بكذا للتنبيه على العامل البعيد لا لما ظن أن في ما بعده لم يشترط علم الوكيل وفيه إشعار بأن المكاتب أو المأذون إذا وكل رجلا بالتقاضي أو الخصومة لم تبطل وكالته بالعجز أو الحجر كما في النهاية و تبطل الوكالة في حق من لم يوكل صريحا من الشريكين بسبب افتراق هذين الشريكين عن الشركة أي يثبت عزل الوكيل بافتراقهما ولا يتوقف على علم الوكيل لما مر أنه عزل حكمي والعلم شرط للعزل الحقيقي وإطلاقه شامل ما إذا افترقا ببطلان الشركة بهلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء فتبطل الوكالة الضمنية وأما إذا وكل الشريكان أو أحدهما وكيلا للتصرف في المال فلو افترقا انعزل في حق غير الموكل منهما إذا لم يصرحا بالإذن في التوكيل وتمامه في البحر فليطالع وتصرف هو بالجر أي وكذا تبطل الوكالة بتصرف الموكل فيما وكل به تصرفا يعجز الوكيل عن الامتثال به كما إذا
____________________
(3/340)
وكله بإعتاق عبده أو كتابته أو تزويج امرأة أو شراء شيء أو طلاق أو خلع أو بيع عبد فأعتق أو كاتب أو زوج أو طلق ثلاثا أو واحدة ومضت عدتها أو خالعها أو باع بنفسه فإن الموكل لو فعل واحدا منها بنفسه لعجز الوكيل عن ذلك الفعل فتبطل الوكالة ضرورة حتى أن الموكل إذا طلقها واحدة والعدة قائمة بقيت الوكالة لإمكان تنفيذ ما وكل به ولو تزوجها بنفسه وأبانها لم يكن للوكيل أن يزوجها منه لزوال حاجته بخلاف ما لو تزوجها الوكيل وأبانها حيث يكون له أن يزوج الموكل لأن الحاجة باقية كما في الدرر
وفي المنح وتعود الوكالة إذا عاد إلى الموكل قديم ملكه فلو وكله بالبيع فباعه الموكل ثم رد عليه بما هو فسخ فالوكيل على وكالته وإن رد بما يكون فسخا لا تعود الوكالة كما لو وكله في هبة شيء ثم وهبه الموكل ثم رجع في هبته لم يكن للوكيل الهبة ولو وكله بالبيع ثم رهنه الموكل أو آجره فسلمه فهو على وكالته في ظاهر الرواية ولو وكله أن يؤاجر داره ثم آجرها الموكل بنفسه ثم انفسخت الإجارة يعود على وكالته
وفي البزازية لو وكله ببيع داره ثم بنى فيها فهو رجوع عنها عند الطرفين لا التخصيص والوصية بمنزلة الوكالة أو بقي أثر ملكه كما لو طلق امرأته وهي في العدة فإن تصرف الوكيل غير معتذر بأن يوقع الثاني في العدة وهي أثر ملكه كما تقدم انتهى
لكن في قوله أو بقي شيئان الأول أنه معطوف على قوله عاد وهو ظرف للعود ولا عود في صورة بقاء الأثر والثاني أنه يلزم التكرار بما سبق من قوله وبتصرفه بنفسه كما لو طلق امرأته وهي في العدة إلى آخره تدبر
ولا يشترط في الموت وما بعده من الجنون واللحاق في دار الحرب والعجز وافتراق الشريكين وتصرف الموكل فيما وكل به علم الوكيل لما مر أن العلم شرط للعزل القصدي لا للعزل الحكمي كما في أكثر المعتبرات قال يعقوب باشا وهنا كلام وهو أن في الكافي مسألة تدل على اشتراط العلم في العزل الحكمي أيضا وتمامه فيه فليطالع
____________________
(3/341)
كتاب الدعوى لما كانت الوكالة بالخصومة لأجل الدعوى ذكر الدعوى عقيب الوكالة هي واحدة الدعاوى بفتح الواو وكسرها وبعضهم قال الفتح أولى وبعضهم الكسر أولى ومنهم من سوى بينهما
وفي الكافي يقال ادعى زيد على عمرو مالا فزيد المدعي وعمرو المدعى عليه والمال المدعى
والمدعى به خطأ والمصدر الادعاء افتعال من دعا والدعوى على وزن فعلى اسم منه وألفها للتأنيث فلا ينون يقال دعوى باطلة أو صحيحة وجمعها دعاوى بفتح الواو لا غير كفتوى وفتاوى والدعوى في الحرب أن يقول الناس بالفلان انتهى
ثم اعلم أنها مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة هي أي الدعوى في اللغة عبارة عن إضافة الشيء إلى نفسه
____________________
(3/342)
حال المسالمة أو المنازعة مأخوذ من قولهم ادعى إذا أضاف الشيء إلى نفسه بأن قال لي ومنه دعوى الولد
وفي الشرع يراد به إضافة الشيء إلى نفسه حالة المنازعة لا غير كما في المبسوط وقيل هي في اللغة قول يقصد به الإنسان إيجاب حق على غيره
وفي الشرع ما اختاره المصنف تبعا للوقاية بقوله إخبار عند القاضي أو الحكم فإنه شرط كما في الكافي وغيره بحق معلوم فإنه شرط له أي للمخبر على غيره أي على غير المخبر الحاضر لما في التنوير وغيره وشرطها مجلس القاضي وحضور خصم ومعلومية المدعي وكونها ملزمة وكون المدعى مما يحتمل الثبوت فدعوى ما يستحيل وجوده باطلة انتهى
فعلى هذا إطلاق المصنف لا يخلو عن شيء كما في القهستاني إلا أن يقال عدم تقييده بالحضور لكون حضور مجلس القاضي مأخوذا في مفهوم الدعوى وهي مطالبة حق عند من له الخلاص ولئلا يخرج عن التعريف بلا تكلف الدعوى الصادرة عن صاحب كتاب القاضي إلى القاضي في مجلس القاضي الكاتب فإنه دعوى صحيحة حتى يكتب في الكتاب غب الاستشهاد بالدعوى الصحيحة الصادرة إلى آخره مع أنه إخبار بحق له على غيره وليس بحاضر وأما عدم تقييده بمجلس القضاء فلأنه جعله شرطا وشرط الشيء خارج عن ذلك الشيء تأمل
والمدعي شرعا من لا يجبر أي لا يكره على هذه الخصومة أي المخاصمة وطلب الحق فلا يشكل بما كان فيه مخاصما من وجه آخر كما إذا قال قضيت الدين بعد الدعوى فإنه لا يجبر على هذه الخصومة إذا تركها والمدعى عليه من يجبر على هذه الخصومة والجواب لكونه منكرا معنى ولو مدعيا صورة
____________________
(3/343)
ولذا قال محمد في الأصل المدعى عليه وهو المنكر وهو الصحيح إذ الاعتبار للمعاني فلا يشكل بوصي اليتيم فإنه مدعى عليه معنى فيما إذا أجبر القاضي على الخصومة لليتيم كما في القهستاني وإنما عرفهما بذلك وعدل عما يقتضي التعريف إشارة إلى اختلاف المشايخ فيهما فقيل المدعي من إذا ترك ترك والمدعى عليه خلافه وهذا حاصل ما ذكر في هذا المتن قال أبو المكارم والتعريف المذكور كان عاما صحيحا كما قال في الهداية لكنه تعريف له بما هو حكمه انتهى وقيل المدعي من لا حجة له عليه والمدعى عليه خلاف هذا ولذا يقال لمسيلمة الكذاب مدعي النبوة ولا يقال لرسولنا عليه الصلاة والسلام وقيل المدعي من لا يستحق إلا ببينة والمدعى عليه من يكون مستحقا بلا حجة إذ بقوله هو لي يكون له على ما كان ما لم يثبت المدعي استحقاقه قيل المدعي من يلتمس خلاف الظاهر وهو الأمر الحادث والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر كالعدم الأصلي انتهى
إذ لا يعرض على من له اليد حق المدعي بمجرد دعواه كما لا يعرض الوجود على العدم الأصلي فلم يلزم عليه ما قال بعض الفضلاء ومنهم من قال المدعي من يلتمس خلاف الظاهر ولا يلزم أن يكون أمرا حادثا والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر ولا يلزم أن يكون عدما أصليا انتهى لأن المراد بالأمر الحادث كونه محتاجا إلى الدليل في ظهوره ووجوده وبالعدم الأصلي عدم كونه محتاجا إليه أصلا فالمودع الذي يدعي رد الوديعة إلى المودع لا يكون مدعيا حقيقة وكذا لا يكون المودع بإنكاره الرد منكرا حقيقة لأنه بإنكاره يدعي شغل ذمة المودع معنى وكذا المودع بادعائه الرد ينكر الشغل معنى ليفرغ ذمته عن الضمان فيجبر على الخصومة فيما أنكره معنى من الضمان لكونه مدعى عليه فيصدق قوله مع اليمين إذ الاعتبار للمعاني دون الصور كما في شرح الوقاية لابن الشيخ ولا تصح الدعوى إلا بذكر شيء أي قول دين أو عين علم جنسه أي جنس ذلك الدين كالدراهم والدنانير والحنطة وغيرها وقدره مثل كذا وكذا درهما أو دينارا أو كرا قيل لا بد أيضا من ذكره وصفه بأنه جيد أو رديء في دعوى الدين إذ هو يعرف به لأن إلزام الخصم بالمجهول عند قيام البرهان متعذر وكذا الشهادة والقضاء غير ممكن بخلاف العين كما سيجيء وفيه إشارة إلى أنه لو كتب صورة الدعوى بلا عجز عن تقريرها لا تسمع كما في القهستاني فإن عجز عن الدعوى عن ظهر القلب فكتب فتسمع كما في الخزانة فإن كان
____________________
(3/344)
المدعى دينا أي حقا في الذمة ذكر المدعي أنه يطالبه به أي أن المدعي يطالب المدعى عليه بالدين لأن فائدة الدعوى إجبار القاضي المدعى عليه على إيفاء حق المدعي وليس للقاضي ذلك إلا إذا طالبه به فامتنع
وإن كان المدعى عينا نقليا أي منقولا ذكر المدعي أنها أي العين في يد المدعى عليه بغير حق دفعا لاحتمال أن يكون مرهونا أو محبوسا بالثمن في يده قال صدر الشريعة هذه العلة تشتمل العقار أيضا فلا أدري ما وجه تخصيص المنقول بهذا الحكم
وفي حاشية يعقوب باشا جواب عن طرف صاحب الدرر واعتراض عليه فليطالع وأنه أي المدعي يطالبه أي المدعى عليه بها أي بالعين ولا بد من إحضارها أي يكلف إحضار العين منقولة إن أمكن الإحضار ليشار إليها إي إلى العين عند الدعوى و عند الشهادة أو الحلف لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط وذلك بالإشارة في المنقول لأن النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف حتى قالوا في المنقولات التي يتعذر نقلها كالرحى ونحوه حضر الحاكم عندها أو بعث أمينا كما في البحر وغيره لكن على رواية وإلا فقوله وإن تعذر يذكر قيمتها يغني عنه تدبر
وفي المجتبى معزيا إلى الإسبيجابي في مسألة الشاهدين إذا شهدا على سرقة بقرة واختلفا في لونها تقبل الشهادة خلافا لهما ثم قال وهذه المسألة تدل على أن إحضار المنقول ليس بشرط لصحة الدعوى ولو شرط لأحضرت ولما وقع الاختلاف عند المشاهدة في لونها ثم قال وهذه المسألة الناس عنها غافلون لكن ليس في ذلك دليل على ما ذكر لأنها إذا كانت غائبة لا يشترط إحضارها والقيمة كافية كما في البحر
وإن تعذر أي تعذر إحضار المنقولات بأن كانت هالكة أو غائبة يذكر قيمتها ليصير المدعى معلوما بها لأن الغائب لا يعرف إلا بالوصف والقيمة قال أبو الليث يشترط مع بيان القيمة ذكر الذكورة أو الأنوثة في الدابة هذا إذا ادعى العين أما إذا ادعى قيمة شيء مستهلك فلا بد من بيان جنسه ونوعه واختلفوا في بيان الذكورة والأنوثة في الدابة قال العمادي ادعى أعيانا
____________________
(3/345)
مختلفة الجنس والنوع والصفة وذكر قيمة الكل ولم يذكر قيمة عين على حدة اختلف المشايخ فيه بعضهم شرط التفصيل وبعضهم اكتفى بالإجمال وهو الصحيح لأنه لو قال غصب مني عينا كذا ولا أدري أنه هالك أو قائم ولا أدري كم كانت قيمته ذكر في عامة الكتب أنه تسمع دعواه لأن الإنسان ربما لا يعرف قيمة ماله فلو كلف بيان القيمة لتضرر به كما في الكافي فإن عجز عن ردها كان القول في مقدار القيمة قول الغاصب فلما صح دعوى الغصب من غير بيان القيمة فلا يصح إذا بين قيمة الكل جملة كان أولى
وفي التبيين فإذا سقط بيان القيمة عن المدعي سقط عن الشهود أيضا بل أولى وقيل يشترط ذكر القيمة إذا كانت الدعوى سرقة ليعلم أن السرقة كانت نصابا فأما فيما سوى ذلك فلا يشترط كما في الجامع
وفي التنوير وفي دعوى الإيداع لا بد من بيان مكانه سواء كان له حمل أو لا وفي الغصب إن كان حمل ومؤنة فلا بد من بيان موضع الغصب وإلا لا وفي دعوى المثليات لا بد من ذكر الجنس والنوع والصفة والقدر وسبب الوجود وفي العقار لا يحتاج إلى قوله بغير حق كما يحتاج إليه في المنقول ولكن يذكر أن العقار في يده لأن المدعى عليه لا يكون خصما إلا إذا كان العقار في يده فلا بد من إثباته لكن سؤال صدر الشريعة باق على ما قاله يعقوب باشا في حاشيته ويؤيد ما في القهستاني من قوله ويزيده في العقار أيضا عند بعض المشايخ كما في قاضي خان والخزانة وهو المختار عند كثير انتهى
لكن اختلف المشايخ في الفتوى كما سيأتي تتبع
ولا تثبت اليد أي يد المدعى عليه فيه أي في العقار بتصادقهما أي لا تثبت بتصادق المدعي والمدعى عليه على أنه في يده بل تثبت اليد فيه ببينة بأن يشهد الشهود أنهم عاينوا في يده حتى لو قالوا سمعنا ذلك لم تقبل أو بعلم القاضي أنه في يده لاحتمال كون العقار في يد غيرهما وقد تواضعا على ذلك بخلاف المنقول لأن اليد فيه مشاهدة فلا حاجة إلى البينة ولا إلى العلم بل تثبت بتصادقهما في الصحيح احتراز عما قيل أن اليد تصح بالإقرار فلا حاجة إلى البينة ولا إلى العلم
وفي البحر شهدوا أنه ملكه ولم يقولوا في يده بغير حق يفتى بالقبول قال الحلواني اختلف فيه المشايخ والصحيح أنه لا تقبل لأنه إن لم يثبت أنه في يده بغيره لا يمكنه
____________________
(3/346)
المطالبة بالتسليم وبه كان يفتي أكثر المشايخ وقيل يقضى في المنقول لا في العقار حتى يقولوا إنه في يده بغير حق فالصحيح الذي عليه الفتوى أنه تقبل في حق القضاء بالملك لا في حق المطالبة بالتسليم وتمامه فيه فليراجع
وفي المنح وليس ما ذكر من اشتراط ثبوت اليد في العقار بالبينة أو العلم مطلقا في جميع الصور بل إذا ادعى المدعي ملكا مطلقا في العقار أما دعوى الغصب والشراء فلا يشترط ثبوت اليد ولا بد فيه أي في العقار من ذكر البلد والمحلة
وفي الفصولين في دعوى العقار لا بد أن يذكر بلدة فيها العقار ثم المحلة ثم السكة اختيارا لقول محمد فإن مذهبه أن يبدأ بالأعم ثم بالأخص وقيل يبدأ بالأخص ثم بالأعم
و لا بد من ذكر الحدود الأربعة في الدعوى والشهادة وأسماء أصحابها أي أصحاب الحدود ونسبتهم إلى الجد ليتميزوا عن غيرهم لأن تمام التعريف يحصل به في الصحيح من مذهب الإمام هذا إذا لم يكن مشهورا وفي الرجل المشهور يكتفي بذكره لحصول المقصود به فإن ذكر ثلاثة وترك الرابع صح
وقال زفر لا لأن التعريف لم يتم ولنا أن للأكثر حكم الكل على أن الطول يعرف بذكر الحدين والعرض بأحدهما وقد يكون بثلاثة روي عن أبي يوسف يكتفي الاثنان وقيل الواحد
وإن ذكره أي الحد الرابع وغلط فيه أي في الحد الرابع لا يصح لأنه يختلف المدعي ولا كذلك بتركه
وفي المنح وإنما يثبت الغلط بإقرار الشاهد أني غلطت فيه أما لو ادعاه المدعى عليه لا تسمع ولا تقبل بينته وتمامه فيه فليطالع وإذا صحت أي إذا جازت وقامت دعوى المدعي برعاية ما سبق سأل القاضي الخصم أي المدعى عليه عنها أي عن دعواه ليتضح وجه حكمه لأن القضاء بالبينة يخالف القضاء بالإقرار ومعنى سؤاله أن يقول خصمك ادعى عليك كذا وكذا فماذا تقول فإن أقر أي الخصم حكم عليه أي على الخصم أن يحكم القاضي بالخروج عن موجب ما أقر به لأن الإقرار حجة بنفسه فلا يتوقف في صدقه على الحكم من القاضي ولذا قال في الإصلاح فإن أقر فبها ولم يقل حكم
وإن أنكر الخصم إنكارا صريحا أو غير صريح كما إذا قال لا أقر ولا أنكر فإنه إنكار عندهم وما
____________________
(3/347)
روي أنه إقرار غير ظاهر فيحبس حتى يقر فغلط كما في القهستاني لكم قال السرخسي وعند أبي يوسف يحبس إلى أن يجيب
وفي البحر والفتوى على قول أبي يوسف فيما يتعلق بالقضاء كما في القنية والبزازية فلذا أفتيت بأنه يحبس إلا أن يجيب وتمامه فيه فليراجع
سأل القاضي المدعي البينة في دعواه فإن أقامها أي إن أقام المدعي البينة يحكم القاضي على خصمه لأنه نور دعواه بالبينة فهي فيعلة من البيان أو البين إذ بها يظهر الحق من الباطل ويفصل بينهما وإلا أي وإن لم يقمها بل عجز عن إقامتها حلف أي حلف القاضي الخصم وهو المدعى عليه إن طلبه خصمه أي طلب المدعي تحليف المدعى عليه لأنه عليه الصلاة والسلام قال للمدعي ألك بينة فقال لا وقال فلك يمينه فقال يحلف ولا يبالي فقال عليه السلام ليس لك إلا هذا شاهداك أو يمينه فصار اليمين حقا لإضافته إليه فاللام التمليك قيد بتحليف القاضي لأن المدعى عليه لو حلف بطلب المدعي يمينه بين يدي القاضي من غير استحلاف القاضي فذا ليس بتحليف لأن التحليف حق القاضي فلو برهن عليه تقبل وإلا يحلف ثانيا عند القاضي فلا يحلف قبل طلبه عند الطرفين في جميع الدعاوى وكذا عند أبي يوسف إلا في مسائل في الرد بالعيب يحلف المشتري بالله ما رضيت بالعيب والشفيع بالله ما أبطلت شفعتك والمرأة إذا طلبت فرض النفقة على زوجها الغائب تحلف بالله ما خلف لك زوجك شيئا ولا أعطاك النفقة والمستحق يحلف بالله ما بعت وأجمعوا على أن من ادعى دينا على الميت يحلفه القاضي بلا طلب الوصي والوارث فإن حلف المدعى عليه انقطعت الخصومة حتى تقوم البينة أي إذا حلف المدعى عليه فالمدعي على دعواه ولا يبطل حقه بيمينه إلا أنه ليس له أن يخاصمه ما لم يقم البينة على وفق دعواه فإن أقامها بعد الحلف تقبل قال عليه السلام اليمين الفاجرة أحق أن ترد بالبينة العادلة ولأن طلب اليمين لا يدل على عدم البينة لاحتمال أنها غائبة أو حاضرة في البلد ولم تحضر
____________________
(3/348)
ولأن اليمين بدل البينة فإذا قدر على الأصل بطل حكم الحلف فلا عبرة لما قاله بعض الفقهاء من أن البينة لا تسمع بعد اليمين كما في الدرر وغيره
وإن نكل عن اليمين مرة أي قال لا أحلف أو سكت بلا آفة من خرس أو طرش أو غيره فإن السكوت بلا آفة نكول حكمها هو الصحيح كما في السراج فقضى أي قضى القاضي له عليه بالمال بالنكول أي بسبب الامتناع عنه صح ذلك القضاء لأن النكول دل كونه باذلا أو مقرا إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب دفعا للضرر عن نفسه فترجح هذا الجانب على جانب التورع في نكوله وعرض اليمين عليه ثلاثا أن يقول له في كل مرة إني أعرض عليك اليمين فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه ثم القضاء على تقدير نكوله أحوط لما فيه من المبالغة في الإنظار ولا عبرة بعد القضاء بقوله أحلف لأنه أبطل حقه بالنكول فلا ينقض به القضاء ويعتبر قوله أحلف قبيل الحكم ولو بعد العرض ثلاثا وفيه إشعار بأنه لا بد أن يكون النكول في مجلس القضاء واتصل القضاء به وبدونه لا يوجب شيئا كما في التبيين
وفي المجتبى يشترط أن يكون القضاء على فور النكول عند بعض المشايخ وقال الخصاف لا يشترط حتى لو استمهله بعد العرض يوما أو يومين أو ثلاثة فلا بأس وهو قول الأئمة الثلاثة
وفي المنح ولم أر فيه ترجيحا
وفي البحر وأما المذهب فإنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة واحدة وهو الصحيح والأول أولى
____________________
(3/349)
انتهى
ولا ترد يمين على مدع إذا نكل المدعى عليه عن اليمين وعند الأئمة الثلاثة ترد عليه عند نكوله فإن حلف قضى له وإلا لا
ولا يقضي بشاهد ويمين
وقال الشافعي لو أقام المدعي شاهدا واحدا وعجز عن الآخر ترد اليمين على المدعي فإن حلف قضى له وإلا لا لأن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بشاهد ويمين ولنا قوله صلى الله تعالى عليه وسلم البينة للمدعي واليمين على من أنكر وهذا الحديث مشهور كائن كالمتواتر وحديث الشاهد واليمين غريب ضعفه الطحاوي وأول من قضى به معاوية رضي الله عنه ولم يقع العمل به إلى زمانه لعدم الحاجة إليه حتى لو قضى القاضي به لا ينفذ
ولا يحلف في نكاح أي نفس النكاح أو الرضى به أو الأمر به فلو ادعى أحد من الزوجين بلا بينة نكاحا على الآخر وهو منكر ورجعة بأن يدعي أحد الزوجين بعد العدة على الآخر أنه راجعها في العدة والآخر ينكرها فإن ادعى الرجعة في العدة يثبت بقوله في الحال كما في القهستاني وفيء وإيلاء كذا في نسخة المصنف لكن الأولى كما في سائر المتون وفيء إيلاء بدون الواو أي في الرجوع في مدة الإيلاء بأن يدعي أحدهما على الآخر بعد مدة الإيلاء أنه فاء ورجع إليها في مدته والآخر منكر
وفي القهستاني فإن اختلفوا قبل المدة ثبت الفيء بقوله واستيلاد أي طلب ولد بأن يدعي أحد من الأمة والمولى أو الزوجة والزوج أنها ولدت منه ولدا حيا أو ميتا كما في قاضي خان لكن في المشاهير أن دعوى الزوج والمولى لم يتصور لأن النسب ثبت بإقراره ولا عبرة لإنكارها بعده ويمكن أن يقال أنه بحسب الظاهر لم يدع النسب كما دل عليه تصويرهم كما في القهستاني ورق بأن ادعى رجل على مجهول الحال أنه رقه أو ادعى المجهول أنه سيده وأنكر الآخر ونسب بأن ادعى أن هذا ولده أو والده أو هو يدعى عليه والآخر ينكر وولاء سواء
____________________
(3/350)
كان ولاء العتاقة أو ولاء الموالاة بأن يدعي أحد من المعروف والمجهول على الآخر أنه معتقه أو مولاه فلا يحلف عند الإمام في هذه الأمور لأن المقصود من الاستحلاف القضاء بالنكول والنكول جعله بذلا وإباحة صيانة عن الكذب الحرام والبذل لا يجري في هذه الأمور وعندهما وهو قول الأئمة الثلاثة يحلف لأن النكول إقرار والظاهر أنه يحلف على تقدير صدقه فإذا امتنع عليه ظهر أنه غير صادق في إنكاره إذ لو كان صادقا لأقدم عليه ولما كان النكول إقرارا فالإقرار يجري في هذه الأشياء فيستحلف على صورة إنكار المنكر لا على دعوى المدعي حتى إن نكل يقضي بالنكول وبه أي بقول الإمامين يفتى كما في قاضي خان وهو اختيار فخر الإسلام علي البزدوي معللا بعموم البلوى
وفي النهاية قال المتأخرون أن المدعي إذا كان متعنتا يأخذ القاضي بقولهما وإن مظلوما بقوله
ولا يستحلف في حد اتفاقا هو خالص حق الله تعالى كحد الزنا والشرب والسرقة أو غالب حقه تعالى كحد القذف فإن حق العبد فيه مغلوب فلو ادعى أحد على أحد قذفه بالزنا فأنكره لم يحلف إلا إذا تضمن حقا بأن علق عتق عبده بالزنا وقال إن زنيت فأنت حر فادعى العبد أنه قد زنى ولا بينة عليه يستحلف المولى حتى إذا نكل يثبت العتق دون الزنا ذكره الزيلعي وصححه الحلواني خلافا للسرخسي و لا في لعان أيضا بالاتفاق إذا ادعت المرأة على زوجها أنه قذفها قذفا يوجب اللعان وأنكر الزوج لأن اللعان قائم مقام حد الزنا في جانب الزوج فلا يثبت بالنكول الذي هو إقرار مع شبهة والسارق يحلف بالاتفاق عند إرادة أخذ المال ويقول فيه بالله ماله عليك هذا المال وعن محمد أن القاضي يقول للمدعي ماذا تريد فإن قال أريد القطع يقول في جوابه إن الحدود لا يستحلف فيها وإن قال أريد المال يقول له دع دعوى السرقة وادع المال فإن نكل عن الحلف ضمن المال ولا يقطع لأن النكول إقرار مع شبهة فيعمل في الضمان دون القطع كما إذا شهد رجل وامرأتان على السرقة والمال تقبل في المال دون القطع
ويحلف
____________________
(3/351)
الزوج إن ادعت الزوجة طلاقا بلا بينة لها عليه قبل الدخول إجماعا لأن مقصودها المال والاستحلاف يجري في المال بالإجماع فإن نكل ضمن الزوج نصف المهر وإنما وضع المسألة في الطلاق قبل الدخول لأنه لو أطلق ينصرف إلى الطلاق الذي يلزم منه المهر تاما ويبقى أمر الطلاق الذي يلزم منه نصف المهر مستورا فكشفه أولى مع أن لزوم الحلف في الطلاق بعد الدخول بطريق الأولى فإنه إذا استحلفه قبل تأكد المهر فبعده أولى وكذا يحلف في النكاح إن ادعت المرأة مهرها وأنكر الزوج فلو نكل يلزم المهر ولا يثبت النكاح عند الإمام بخلاف الطلاق وكذا إذا ادعت النفقة بالنكاح يستحلف فإن نكل يلزم النفقة دون النكاح وفي النسب أي يحلف في دعوى النسب إن ادعى حقا كإرث ونفقة بأن ادعى رجل على رجل أنه أخوه مات أبوهما وترك مالا في يد المدعى عليه أو طلب من القاضي فرض النفقة على المدعى عليه بسبب الأخوة فإنه يستحلف على النسب بالإجماع فإن حلف برئ وإن نكل قضى بالمال والنفقة لا النسب إن كان النسب نسبا لا يصح الإقرار به وإن كان سببا يصح الإقرار به فعلى الخلاف وغيرهما كالحجر بأن كان الصبي في يد رجل التقطه وهو لا يعبر عن نفسه فادعت امرأة حرة الأصل أنه أخوها تريد قصر يد الملتقط لمالها من حق الحضانة وأرادت استحلافه فنكل ثبت حق نقل الصبي إلى حجرها ولا يثبت النسب وكذا العتق بسبب الملك بأن ادعى عبد على مولاه أنه عتق لأنه أخوه أو أراد الواهب الرجوع في الهبة فقال الموهوب له أنا أخوك فإن المدعى عليه يستحلف على ما يدعي بالإجماع وفي القصاص أي يحلف جاحد القود في النفس والأطراف بالاتفاق فإن نكل في دعوى النفس لم يقتص منه بل حبس حتى يقر فيقتص منه أو يحلف فيطلق عن الحبس وإلا يحبس أبدا
و إن نكل فيما دونها أي النفس يقتص منه وهذا عند الإمام لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال ولهذا أبيح قطعها للحاجة ولم يجب على القاطع الضمان
____________________
(3/352)
إذا قطعها بأمر صاحبها بخلاف النفس فإنه لو قتله بأمره يجب عليه القصاص في رواية والدية في أخرى وإذا سلك بالأطراف مسلك الأموال يجري فيه البذل كما يجري في الأموال كما في أكثر المعتبرات وما قاله أبو المكارم من أنه يتوجه عليه حينئذ لزم قطع يد السارق بالنكول وقد مر أنه لا يقطع ليس بوارد لأن قود الطرف حق العبد فيثبت بالشبهة كالأموال بخلاف القطع في السرقة فإنه خالص حق الله تعالى وهو لا يثبت بالشبهة فظهر الفرق بينهما تدبر
وعندهما يضمن الأرش فيهما أي في صورتي دعوى النفس والأطراف لأن النكول إقرار عندهما لكن فيه شبهة البذل فيمتنع في الطرف بما فيه شبهة القصاص كما في النفس فيجب المال فيهما لتعذر القصاص خصوصا إذا كان امتناع القصاص لمعنى من جهة من وجب عليه القصاص كما إذا أقر بالخطأ والولي يدعي العمد وعند الأئمة الثلاثة يقتص فيهما بعد حلف المدعي على أنه صادق في دعواه بناء على ما مر من أصولهم فإن قال المدعي لي بينة حاضرة في المصر وطلب يمين خصمه لا يحلف عند الإمام وهو الصحيح كما في المضمرات وغيرها
وقال أبو يوسف يستحلف لأن اليمين حقه بالحديث المعروف فإذا طالبه يجيبه وللإمام أن ثبوت اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة بما روينا فلا يكون حقه دونه ومحمد مع أبي يوسف فيما ذكره الخصاف ومع الإمام فيما ذكره الطحاوي كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا ينبغي للمصنف أن يذكر الخلاف تدبر
قيدنا بالمصر لأنها لو كانت في مجلس الحكم لا يحلف بالاتفاق وإن كانت خارج المصر يحلف بالاتفاق
وفي المجتبى وقدرت الغيبة بمسيرة السفر
وفي المنح وحضورها في المصر وهو محل الاختلاف وظاهر ما في خزانة المفتين خلافه فإنه قال الاستحلاف يجري في الدعاوى الصحيحة إذا أنكر المدعى عليه ويقول المدعي لا شهود لي أو شهود لي غيب أو مرضى
وفي البحر ادعى المديون الإيصال فأنكر المدعي ولا بينة له فطلب يمينه فقال المدعي اجعل حقي في الختم ثم استحلفني فله ذلك في زماننا ويكفل من التكفيل بنفسه أي يؤخذ من المدعى عليه كفيل بنفسه كي لا يغيب فيضيع حقه استحسانا والقياس أن لا يكفل قبل إقامة البينة وهو مذهب الشافعي ويجب أن يكون الكفيل معروفا ثقة ولا يتوهم اختفاؤه بأن يكون له دار وحانوت
____________________
(3/353)
ملكا له وله أن يطالب وكيلا بالخصومة حتى لو غاب الأصيل يقيم البينة على الوكيل فيقضي عليه وصح أن يكون كفيلا ووكيلا وإن أعطاه فله أن يطالبه بالكفيل بنفس الوكيل وإن كان المدعى منقولا فله أن يطالبه مع ذلك كفيلا بالعين ليحضرها ولا يغيبه المدعى عليه وإن كان عقارا لا يحتاج إلى ذلك وفيه إشارة إلى أن القاضي يكفله ولو لم يطلبه المدعي وهذا إذا كان المدعي جاهلا بالخصومة وأما إذا كان عالما فلا يكفله القاضي بلا طلبه ثلاثة أيام هذا مروي عن الإمام وهو الصحيح كما في الكافي وغيره وصحح في الخانية أنه إلى جلوس القاضي مجلسا آخر وقيل يفوض إلى رأي القاضي وهو الأشبه برأي الإمام ولا فرق في الظاهر بين الوجيه والحقير وكذا بين القليل من المال والكثير عن محمد أن الخصم إن كان بحيث لا يخفي نفسه بهذا القدر لا يجبر على إعطاء الكفيل قيد بقوله لي بينة حاضرة للتكفيل ومعناه في المصر حتى لو قال المدعي لا بينة لي أو شهودي غيب لا يكفل إذ لا فائدة فيه بل يحلف فإذا حضر بعدما حلف نقبل بينة المدعي وكذا لو قال المدعي لا بينة لي وطلب يمين خصمه فحلفه القاضي فقال لي بينة فإن القاضي يقبل ذلك منه وقيل لا تقبل
وفي البحر ادعى القاتل أن له بينة حاضرة على العفو أجل ثلاثة أيام فإن مضت ولم يأت بالبينة وقال لي بينة غائبة يقضي بالقصاص قياسا كالأموال
وفي الاستحسان يؤجل استعظاما لأمر الدم فإن أبى عن إعطاء الكفيل لازمه مقدار مدة التكفيل ودار معه أي مع الغريم حيث دار تفسير الملازمة
وفي البحر نقلا عن الصغرى رأيت في زيادات بعض المشايخ أن الطالب لو أمره غيره بملازمة مديونه فللمديون أن لا يرضى عند الإمام خلافا لهما وجعله فرعا لمسألة التوكيل بغير رضى الخصم لكن لا يحبسه في موضع لأن ذلك حبس وهو غير مستحق عليه بنفس الدعوى ولا يشغله عن التصرف بل هو يتصرف والمدعي يدور معه وإذا انتهى المطلوب إلى داره فإن الطالب لا يمنعه من الدخول إلى أهله بل يدخل المطلوب إلى أهله والملازم على باب داره
وإن كان المطلوب غريبا يكفل أو يلازم قدر مجلس القاضي إلى أن يقوم من مجلسه لأن في أخذ
____________________
(3/354)
الكفيل والملازمة زيادة على ذلك إضرارا به يمنعه عن السفر ولا ضرر في هذا المقدار ظاهرا فإن برهن في المجلس فبها وإلا يحلفه إن شاء أو يدعه واليمين بالله تعالى لا بطلاق وعتاق لقوله عليه الصلاة والسلام من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر وقيل أن إلخ الخصم صح اليمين بهما أي بالطلاق والعتاق في زماننا لقلة المبالاة باليمين بالله تعالى كما في الهداية لكن لا يقضي عليه بالنكول لأنه نكل عما هو منهي عنه شرعا حتى لو قضى لا ينفذ وإنما أتى بصيغة التمريض لأن أكثر مشايخنا لم يجوزوه
وفي البحر الفتوى على عدم التحليف بالطلاق والعتاق وهو ظاهر الرواية
وفي الخانية ومنهم من جوزه في زماننا والصحيح ما في ظاهر الرواية انتهى
وتغلظ اليمين بذكر صفاته تعالى أي صفات الله تعالى مثل قوله والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية ما لفلان هذا عليك ولا قبلك هذا المال الذي ادعاه وهو كذا وكذا ولا
____________________
(3/355)
شيء منه إن شاء القاضي لأن أحوال الناس شتى فمنهم من يمتنع عن اليمين بالتغليظ ويتجاسر عند عدمه فتغلظ عليه لعله يمتنع بذلك والاختيار في صفة التغليظ إلى القاضي يزيد فيه ما شاء وينقص ما شاء إلا أنه يحتاط ويحترز من التكرار أي يحترز عن عطف بعض الأسماء على البعض وإلا لتعدد اليمين ولو أمره بالعطف فأتى بواحدة ونكل عن الباقي لا يقضي عليه بالنكول لأن المستحق يمين واحدة وقد أتى بها ولو لم تغلظ جاز وقيل لا تغلظ على المعروف بالصلاح وقيل تغلظ في الخطير من المال دون الحقير لا تغلظ بزمان على المسلم بأن يستحلف في أول الجمعة أو آخرها أو ليلة القدر لأن فيه تأخير المدعي أو مكان بأن يستحلف في مسجد الجامع عند المنبر لأن المراد هو اليمين بالله تعالى والزيادة عليها زائدة على النص
وفي الحاوي القدسي ولا يستحب تغليظ اليمين بهما انتهى وظاهره أنه مباح لأنه نفي الاستحباب وهو لا يستلزم نفي الإباحة بخلاف العكس لكن قال الزيلعي فلا يشرع تدبر وعند الأئمة الثلاثة يجوز أن تغلظ بهما أيضا إن كانت اليمين في قسامة ولعان ومال عظيم ويحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى عليه الصلاة والسلام و يحلف النصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى عليه الصلاة والسلام فتؤكد اليمين بذكر المنزل على نبيهما و يحلف المجوسي بالله الذي خلق النار لأنهم يعظمون النار تعظيم العبادة فتؤكد بما يعتقدونه معظما ليفيد فائدة اليمين وقيل إن المجوسي حلف بالله لا غير كما لا يستحلف بالله الذي خلق الشمس لأن ذكر النار مع الله تعالى يشعر تعظيمها وما ينبغي أن يعظم بخلاف الكتابين لأن كتب الله تعالى معظمة وعن الإمام أنه لا يستحلف أحد إلا بالله خالصا
و يحلف الوثني بالله فحسب إذ يقر بالله تعالى أنه خالقه لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله تعالى أنه خالق العالم قال الله تعالى ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله هكذا قالوا
____________________
(3/356)
وفي المنح وغيره ويشكل عليه أن الدهرية منهم لا يعتقدونه ولا دلالة في الآية على ما ذكر لأن الوثني يعبد غير الله تعالى ويعتقد أن الله تعالى خالقه انتهى
لكن يمكن أن الدهري هو من يقول بقدم الدهر وبإسناد الحوادث إليه ويقولون إن مبدأ الممكنات هو الله تعالى كما قيل فلم يلزم عدم اعتقادهم الله تعالى وعدم دلالة النص ولأن الدهرية يعتقدون الدهر القديم هو الله تعالى فلم يلزم عدم اعتقادهم تأمل
ولا يحلفون أي الكفار في معابدهم لأن فيه تعظيما لها والقاضي ممنوع عن أن يحضرها وكذا أمينه لأنها مجمع الشياطين لا أنه ليس له حق الدخول
وفي البحر وقد أفتيت بتعزير مسلم لازم الكنيسة مع اليهود والنصارى ويحلف المدعى عليه على الحاصل هذا نوع آخر من كيفية اليمين وهو الحلف على الحاصل والسبب والضابط في ذلك أن السبب إما إن كان مما يرتفع برافع أو لا فإن كان الثاني فالتحليف على السبب بالإجماع وإن كان الأول فإن تضرر المدعي بالتحليف على الحاصل فكذلك وإن لم يتضرر يحلف على الحاصل عند الطرفين وعلى السبب عند أبي يوسف كما سيأتي ثم شرع في تفصيله فقال ففي البيع والنكاح تحلف بالله ما بينكما بيع قائم في الحال إذا ادعى أنه اشتراه أو نكاح قائم في الحال إذا ادعت النفقة فلو ادعت النكاح كان المثال على مذهبهما في التحليف وأما عند الإمام لا يحلف كما مر وفي الطلاق بالله ما هي بائن منك الآن إذا ادعت الطلاق البائن فلو ادعت رجعيا حلف على السبب لكنه خلاف الظاهر فإنه يحلف عل الحاصل في الظاهر وفيه إشعار بأن سبب الحاصل كما يتحقق في ضمن فعل العقد يتحقق في ضمن فعل آخر من الأفعال الحسية كما في القهستاني وفي الغصب بالله ما يجب عليك رده أي رد المغصوب وفي الوديعة بالله ماله هذا الذي ادعاه في يدك ولا شيء منه أي من الذي في يدك ولا له قبلك حق
وفي الاختيار ويحلفه في الدين بالله ماله عليك من الدين والقرض قليل ولا كثير لاحتمال أنه أدى البعض أو أبرأه منه فلا يحنث في يمينه على الجميع لا يحلف على السبب نحو أن يقول في البيع بالله ما
____________________
(3/357)
بعته لاحتمال أنه باع ثم أقال ولا يحلف في النكاح بالله ما علمت أنه نكحها ثم خالعها أو أبانها ولا يحلف في الطلاق بالله ما طلقها لاحتمال أنه طلقها ثم نكحها ولا يحلف في الغصب بالله ما غصبته لاحتمال أنه غصب ثم سلم أو ملك بالهبة أو بالبيع ولا يحلف في الوديعة بالله ما أودعتك هذا لاحتمال أنه أودعه ثم رده أو هلك في يده بغير صنعه وفي هذه الصور لا يحلف عند الطرفين على السبب فلو حلف يتضرر المدعى عليه لأنه لو حلف مثلا على نفي البيع يكون كاذبا ولو لم يحلف يجب عليه تسليم المبيع العائد إلى ملكه بالإقالة وهكذا في البواقي خلافا لأبي يوسف فإن عنده يحلف على السبب في جميع ذلك لأن اليمين تستوفى لحق المدعي فوجب أن يكون اليمين موافقة لدعواه والمدعي هو السبب إلا عند تعريض المدعى عليه بأن قال للقاضي لا تحلفني فإن الإنسان قد يبيع شيئا ثم يقيله فحينئذ يحلف القاضي على الحاصل قيل ينظر إلى إنكار المدعى عليه فإن أنكر السبب يحلف على المسبب وإن أنكر الحكم يحلف على الحاصل وعليه أكثر القضاة
وقال فخر الإسلام يفوض إلى رأى الحاكم كما في الكافي وغيره فإن كان والأنسب بالواو في الحلف على الحاصل ترك النظر للمدعي حلف على السبب إجماعا رعاية لجانبه كدعوى الشفعة بالجوار ونفقة المبتوتة والخصم لا يراهما أي لا يرى الشفعة بالجوار ونفقة المبتوتة بأن كان شافعيا فإنه يحلف على السبب بالله ما اشتريت هذه الدار وما هي معتدة منك إذ لو حلف على الحاصل بالله لا تجب الشفعة عليك وبالله لا تجب عليك النفقة يصدق في يمينه في اعتقاده فيفوت النظر في حق المدعي لا يقال أن المدعى عليه قد يتضرر ببطلان الشفعة بتأخير الطلب لأنه لا بد للقاضي من الإضرار بأحدهما والأولى بالضرر المدعى عليه لأنه متمسك بعارض السقوط والمدعي بالأصل حيث أثبت حقه بالسبب الموجب له من الشراء فيجب التمسك بالأصل حتى يقوم الدليل على العارض
وكذا يحلف على السبب إجماعا في سبب لا يرتفع برافع بعد
____________________
(3/358)
ثبوته كعبد مسلم يدعي العتق أي العتق الواقع في إسلامه على مولاه وهو ينكره فيحلف على السبب بالله ما أعتقه ليوافق اليمين الدعوى وليس فيه ضرر المدعى عليه إذ لا يتصور عوده إلى الرق لأنه إذا ارتد يقتل والهرب إلى دار الحرب نادر إلا أنه رواية عن أبي يوسف
وفي الاختيار ومن الأفعال الحسية أن يدعي على غيره أنه وضع على حائطه خشبة أو بنى عليه أو أجرى ميزابا على سطحه أو في داره أو رمى ترابا في أرضه أو شق في أرضه نهرا فإنه يحلف على السبب بالله ما فعلت كذا لأن هذه الأشياء لا ترتفع بخلاف العبد الكافر والأمة فيحلف على الحاصل بالله ما هو حر أو ما هي حرة الآن لأن الرق يتكرر على الأمة بالردة واللحاق والسبي وعلى العبد الكافر بنقض العهد واللحاق والسبي وعن أبي يوسف يحلف على السبب وتمامه في الذخيرة ومن ورث شيئا من عين علم ذلك بعلم القاضي أو إقرار المدعي أو بينة المدعى عليه فادعاه آخر ولا بينة للمدعي وأراد تحليف الوارث حلف على العلم أي علم المدعى عليه فقال له القاضي بالله ما تعلم أن هذا العين له لا على البتات لأن الوارث لا يعلم بما صنعه المورث وفيه إيماء إلى أنه لا يحلف وارث الدين قبل وصوله إليه خلافا للخصاف والأول المختار عند الفقيه وقاضي خان وإلى أنه لو لم يتحقق كونه ميراثا حلف على البتات لتحقق سببه من كون العين في يده كما في القهستاني
وإن شراه أو وهب له فعلى البتات أي يحلف المدعى عليه على البتات بالله ما هو عبده والأصل فيه أن التحليف على فعل نفسه يكون على البتات أي أنه ليس كذلك والبتات القطع والتحليف على فعل غيره على العلم نفي أي أنه لا يعلم أنه كذلك إلا أنه إذا كان شيئا يتصل بالحالف كما إذا ادعى سرقة العبد أو إباقه يحلف البائع على البتات بالله ما أبق أو ما سرق في يدي وهذا تحليف على فعل الغير وإنما صح لأن تسليمه سالما عن العيوب واجب على البائع فالتحليف يرجع على ما ضمن البائع بنفسه فيكون على البتات وإذا ادعى سبق الشراء يحلف خصمه على العلم أي أنه لا يعلم أنه اشتراه قبله كما في المنح وغيره
ولو افتدى المنكر يمينه أو
____________________
(3/359)
صالح عنها أي عن اليمين على شيء صح الافتداء والصلح إن رضي به الخصم لأن عثمان رضي الله تعالى عنه أعطى شيئا لمن ادعى عليه أربعين درهما وافتدى يمينه ولم يحلف إذ لو حلف لوقوع على القيل والقال إذ الناس بين التصديق والتكذيب على كل حال فإذا افتدى صان عرضه لقوله عليه الصلاة والسلام ذبوا عن أعراضكم بأموالكم بمعنى ادفعوا وامتنعوا ولا يحلف بعده أي ليس للمدعي أن يحلف بعد ذلك لأنه أسقط حقه بأخذ البدل منه وفيه إشعار بأنه لا يجوز أن يبيع اليمين لأنها لم يكن مالا فله أن يستحلفه بعد ذلك
وفي التنوير ولو أسقطه أي اليمين قصدا بأن قال برئت من الحلف أو تركته عليه أو وهبته لا يصح وله التحليف
باب التحالف لما ذكر حكم يمين الواحد ذكر حكم يمين الاثنين إذ الاثنين بعد الواحد ولو اختلفا أي المتبايعان في قدر الثمن بأن قال المشتري اشتريت بألف وقال البائع بعت بألفين مثلا أو في قدر المبيع بأن قال البائع بعت عبدا وقال المشتري عبدين وكذا الحكم لو اختلفا في وصف الثمن أو في الجنس كما في الهداية فعلى هذا لو حذف القدر لكان أشمل أو فيهما أي في الثمن والمبيع جميعا بأن قال البائع بعت عبدا بألفين وقال المشتري لا بل بعت عبدين بألف حكم لمن برهن أي يحكم القاضي لمن أقام البينة منهما لأن الجانب الآخر مجرد الدعوى والبينة أقوى منها إذ هي متعدية حتى توجب القضاء فلا يعارضها مجرد الدعوى
وإن برهنا أي أقام كل منهما البينة بما ادعاه فلمثبت الزيادة أي يحكم لمثبت
____________________
(3/360)
الزيادة لأنه خالص عن المعارض أما إذا كان الاختلاف في أحدهما فظاهر وأما فيهما فحجة البائع في الثمن الأكثر وحجة المشتري في المبيع الأكثر أولا فيحكم بعبدين للمشتري وبألفين للبائع
وإن عجزا أي البائع والمشتري عن إقامة البرهان قيل لهما إما أن يرضى أحدكما بدعوى الآخر وإلا فسخنا البيع لأن المقصود قطع المنازعة وهذا وجه في طريق قطع المنازعة فيجب أن لا يعجل القاضي بالفسخ فإن لم يرض والأنسب بالواو أحدهما بدعوى الآخر تحالفا أي استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى صاحبه فإن قال قبل القبض فهو قياسي لأن كلا منهما منكر وأما بعده فاستحساني فقط لأن المشتري لا يدعي شيئا لأن المبيع سالم له بقي دعوى البائع في زيادة الثمن والمشتري ينكره فيكتفى بحلفه لكن عرفناه بالنص وهو قوله عليه الصلاة والسلام إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا كما في البحر وغيره لكن ما في القهستاني نقلا عن المضمرات من أن التحالف يصح قبل قبض البيع وهذا استحسان فإن المشتري ينكر وجوب تسليمه والقياس أن لا يصح لأنه ملك المبيع ولا يصح بعد قبضه قياسا واستحسانا مخالف لما في البحر وغيره تتبع
وإنما قال المصنف فإن لم يرض أحدهما ولم يقل وإن لم يرضيا كما في الكنز وغيره لأن شرط التحالف عدم رضى واحد لا عدم رضى كل منهما كما لا يخفى كما في البحر وغيره فعلى هذا ما قاله صاحب الفرائد من أنه كان المناسب وإن لم يرضيا إلى آخره ليس بوارد تدبر
وبدئ يبدأ القاضي بيمين المشتري في الصور الثلاث لو بيع عين بدين هذا قول محمد وزفر وأبى يوسف آخرا وهو رواية عن الإمام وهو الصحيح لأنه أقواهما إنكارا لأنه المطالب بالثمن فيكون هو البادي بالإنكار وكان أبو يوسف يقول أولا يبدأ بيمين البائع وهو قول الشافعي في الأصح وقيل يقرع بينهما هذا إذا كان بيع عين بدين وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بثمن فالقاضي مخير للاستواء
وعن هذا قال وفي المقايضة أي في بيع العين بالعين يبدأ القاضي بأيهما شاء لاستوائهما في فائدة النكول وصفة
____________________
(3/361)
اليمين أن يحلف البائع بالله ما باعه بألف ولقد باعه بألفين ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين ولقد اشتراه بألف يضم الإثبات إلى النفي تأكيدا والأصح الاقتصار على النفي لأن الأيمان وضعت للنفي كالبينات للإثبات
ومن نكل من البائع والمشتري لزمه دعوى صاحبه بالقضاء لأن النكول إما بذل وإما إقرار فيه شبهة فبتقوية القضاء يكون حجة ملزمة
وإن حلفا أي المتبايعان فسخ القاضي البيع بطلب أحدهما أو كليهما فلا ينفسخ البيع بنفس التحالف وقيل ينفسخ والأول هو الصحيح لأنه لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما فيبقى بيع مجهول فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة أو يقال إذا لم يثبت البدل بقي بيعا بلا بدل وهو فاسد ولا بد من الفسخ في فاسد البيع فلو كان المبيع جارية فللمشتري وطؤها ولو فسد بنفس التحالف لم يحل له وقيد بطلب أحدهما لأنه لا يفسخه بدون طلب أحدهما ولو فسخاه انفسخ بلا توقف على القضاء وإن فسخ أحدهما لا يكفي كما في البحر
ولا تحالف لو اختلفا في الأجل سواء كان في الأجل أو في قدره خلافا لزفر والشافعي أو اختلفا في شرط الخيار سواء كان في وجوده بأن قال أحدهما البيع بالخيار والآخر ينكره أو في مدته أو قبض بعض الثمن أو كله أي لا تحالف عند اختلافهما بأن قال المشتري أديت بعضه أو كله والبائع ينكره وحلف المنكر في الصور الثلاث لأن هذا اختلاف في أداء الثمن لا في الثمن كما إذا وقع الاختلاف في أداء جميع الثمن يحلف المنكر فحسب بخلاف الاختلاف في وصف الثمن أو جنسه حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف لأن ذلك يرجع إلى نفس الثمن لأن الثمن دين وهو يعرف بالوصف ولا كذلك الأجل لأنه ليس بوصف ولا تحالف لو اختلفا في قدر الثمن بعد هلاك كل المبيع في يد المشتري لأنه لو هلك في يد البائع تحالفا على القائم عندهم وحلف المشتري عند الشيخين على الصحيح هذا إذا كان الثمن دينا وأما إذا كان عينا يتحالفان بالاتفاق لأن المبيع في أحد الجانبين قائم ثم يرد مثل الهالك إن كان له مثل وقيمته إن لم يكن وهذا إذا هلك بعد القبض وإن هلك قبله وكان الثمن مقبوضا يتحالفان اتفاقا وعند محمد والشافعي يتحالفان ويفسخ العقد وتلزم القيمة
____________________
(3/362)
أي قيمة الهالك يوم القبض لأن كلا منهما يدعي حقا ينكره الآخر فيتحالفان ولهما أن التحالف بعد قبض المبيع بخلاف القياس ولا يتعدى إلى حال هلاك السلعة
وفي القهستاني نقلا عن المبسوط وهلاكه شامل لخروجه عن ملك المشتري أو زيادته زيادة متصلة متولدة أو غير متولدة أو منفصلة متولدة فإنه لا يتحالفان عندهما ويتحالفان عنده فيفسخ على العين في المتصلة المتولدة من الأصل كالسمن وعلى العين أو القيمة في متصلة غير متولدة منه كالصبغ وعلى القيمة في المنفصلة المتولدة كالثمر وأما في منفصلة غير متولدة منه كالكسب فيتحالفان ويفسخ على العين بالإجماع
وكذا الخلاف لو تعذر الرد وهو أي المبيع قائم يعني لو تغير بحدوث العيب عنده وصار بحال لا يقدر على رده مع العيب ثم اختلفا في الثمن لا يتحالفان عندهما بل القول للمشتري وعند محمد والشافعي يتحالفان فيفسخ البيع على قيمة الهالك وكذا لو خرج المبيع عن ملكه
ولا تحالف بعد هلاك بعضه أي بعض المبيع بعد قبض الجميع عند الإمام كعبدين مات أحدهما قبل نقد الثمن عند المشتري فقال البائع الثمن ألف وقال المشتري بل خمسمائة لأن التحالف بعد القبض مشروط بقيام السلعة وهي اسم لجميع المبيع فإذا هلك بعضه فقد الشرط بل يحلف المشتري لإنكاره زيادة الثمن إلا أن يرضى البائع بترك حصة الهالك أي لا يأخذ من ثمن الهالك شيئا ويجعله كأن لم يكن والعقد كأنه على القائم فقط فيكون الثمن كله بمقابلة القائم فيتحالفان وهو قول عامة المشايخ فالاستثناء ينصرف إلى قوله لا تحالف كما هو الظاهر وهو الموافق لما في المبسوط
وفي الجامع الصغير إذا اختلف بعد هلاك أحدهما لم يتحالفا والقول للمشتري مع يمينه عند الإمام إلا أن يشاء البائع أن يأخذ حصة الحي ولا شيء له قال أبو المكارم ومعنى لا شيء له على قول هؤلاء المشايخ أن لا يأخذ من ثمن الهالك شيئا أصلا على ما صرح به في الكافي وكان غرضهم من هذا التفسير صرف الاستثناء إلى قوله لم يتحالفا كما هو مختارهم وفيه تأمل وعلى قول غيرهم من المشايخ أنه لا يأخذ البائع من الزيادة المتنازع فيها وإنما يأخذ عن الهالك بعدما أقر به المشتري فالاستثناء ينصرف إلى قوله مع يمينه فإنه إذا أخذ ما أقر به المشتري وأخذ الحي فقد صدق المشتري وارتفع الخصومة فلا يحلف المشتري ولا يخفى
____________________
(3/363)
أن الاستثناء المذكور في المتن لا يصلح لهذا التفسير إذ لم يذكر فيه أخذ البائع الحي وفي تقديره تعسف وعندهما يتحالفان ويرد الباقي أي حلفا لكن اختلفوا في تفسير التحالف عند أبي يوسف قيل يتحالفان على القائم لا الهالك لأن العقد ورد فيه لا في الثاني وهذا ليس بصحيح لأن المشتري لو حلف بالله ما اشتريت القائم بحصته من الثمن الذي يدعيه البائع يكون صادقا فيه لأن من اشترى شيئين بألف إذا حلف أنه ما اشترى أحدهما كان صادقا وكذا البائع لو حلف بالله ما بعت القائم بحصته من الثمن الذي يدعيه المشتري يكون صادقا فيه فلا يفيد التحالف بل الوجه أن يحلف على القائم والهالك ويقول أولا بالله ما اشتريتهما بما يدعيه البائع فإن نكل لزمه دعوى البائع وإن حلف يحلف البائع بالله ما بعتهما بالثمن الذي يدعيهما المشتري إن نكل لزمه دعوى المشتري وإن حلف يفسخان العقد في القائم وتسقط حصته من الثمن وتلزم المشتري حصة الهالك من الثمن الذي أقر به المشتري على القائم والهالك لأنها إنما يجب عند الانفساخ والعقد لم ينفسخ في الهالك عنده فينقسم الثمن الذي أقر به المشتري عليهما على قدر قيمتهما يوم القبض
وعند محمد يتحالفان عليهما ويفسخ فيهما ويرد القائم مع قيمة الهالك يوم القبض لأن هلاك الكل لا يمنع التحالف عنده على ما مر فهلاك البعض أولى والقول للمشتري مع يمينه إذا اختلفا في حصة الهالك عند أبي يوسف وتلزم قيمته أي الهالك عند محمد لما مر
وتعتبر قيمتهما أي قيمة القائم والهالك في الانقسام أي انقسام الثمن عليهما يوم القبض فإن استويا يلزمه نصف الثمن الذي أقر به المشتري وإن اختلف القيمتان يوم القبض تسقط عنه حصة القائم بقدر قيمته وتلزمه حصة الهالك بقدر قيمته
وإن اختلفا في قيمة الهالك فيه فقال المشتري قيمته يوم القبض خمسمائة وقيمة القائم ألف وقال البائع على عكسه فالقول للبائع مع يمينه لأن البائع بدعواه يستبقي ما كان واجبا والمشتري بدعواه يسقط ما كان واجبا وكان البائع متمسكا
____________________
(3/364)
بالأصل فوجب اعتبار قوله
وإن برهنا على قيمة الهالك فبرهانه أي برهان البائع أولى لأنها أكثر إثباتا ظاهرا لإثباتها الزيادة في قيمة الهالك
وإن اختلفا أي العاقدان في قدر الثمن بعد إقالة البيع فقال المشتري كان الثمن ألفا وقال البائع خمسمائة ولا بينة لهما تحالفا وعاد البيع الأول حتى يكون حق البائع في الثمن وحق المشتري في المبيع كما كان قبل الإقالة فلا يجب على كل واحد منهما أن يرد على صاحبه شيئا إن لم يقبض البائع المبيع قيل ينبغي أن لا يتحالفا في إقالة المبيع لأن التحالف ثبت بالبيع المطلق بالحديث والإقالة فسخ في حق العاقدين فلم يتناوله النص وأجيب أن التحالف قبل قبض المبيع ثبت قياسا لأن كل واحد مدع ومنكر على ما مر فصار التحالف معقولا فوجب القياس على المنصوص عليه كما قسنا الإجارة على البيع قبل القبض والوارث على العاقد والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري ولا كذلك بعد القبض فإنه على خلاف القياس وعن هذا قال
وإن قبضه أي قبض البائع المبيع بعد الإقالة ثم اختلفا فلا تحالف عند الشيخين ويكون القول للمنكر مع يمينه خلافا لمحمد لأنه يرى النص معلولا بعد القبض أيضا
و لو اختلفا في قدر رأس المال بعد إقالة السلم لا يتحالفان فالقول مع يمينه للمسلم إليه فيه أي في قدر رأس المال لإنكاره الزيادة اعتبارا لسائر الدعاوى ولا يعود السلم لأن الإقالة في باب السلم لا تحتمل النقض لأنه إسقاط فلا يعود بخلاف البيع
ولو اختلفا أي المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة بأن قال المستأجر درهم وقال المؤجر درهمان أو المنفعة بأن قال المؤجر مدة الإجارة شهر وقال المستأجر شهران أو فيهما أي في قدر الأجرة والمنفعة معا بأن قال المؤجر آجرتك الدار شهرا بدرهمين وقال المستأجر استأجرتها شهرين بدرهم قبل استيفاء المنفعة تحالفا وترادا إذ الإجارة مقيسة على البيع لأن العين المستأجرة في الإجارة قائمة مقام المنفعة في إيراد العقد وكذا الأمر في فسخها فالمعقود عليه قبل استيفاء المنفعة يكون قائما تقديرا وبدئ بيمين المستأجر إن اختلفا في الأجرة لكونه منكرا وجوب ما يدعيه
____________________
(3/365)
المؤجر من الزيادة
و بدئ بيمين المؤجر لو اختلفا في المنفعة لكونه منكرا وجوب زيادة المنفعة وفيه إشعار بأنه يحلف أولا من يدعي أولا إن اختلفا فيهما وإن ادعيا معا يحلف من شاء وإن شاء أقرع بينهما كما في البيع وأيهما نكل لزمه دعوى الآخر كما هو مقتضى النكول وأيهما برهن قبل برهانه وإن برهنا فحجة المستأجر أولى لو اختلفا في المنفعة وحجة المؤجر أولى لو اختلفا في الأجرة نظرا إلى إثبات الزيادة وتقبل حجة كل واحد منهما في فضل يدعيه لو اختلفا في الأجرة والمنفعة معا بأن ادعى المؤجر أن مدتها شهر بعشرة والمستأجر أن مدتها شهران بخمسة فيقضي بعشرة للمؤجر وشهرين للمستأجر
و لو اختلفا بعد استيفاء المنفعة لا يتحالفان اتفاقا والقول للمستأجر مع يمينه لإنكاره الزيادة هذا عند الشيخين ظاهر لأن التحالف بعد قبض المبيع على خلاف القياس فلا يقاس الإجارة هنا عليه إذ هلاك المعقود عليه بالاستيفاء يمنع التحالف على أصلهما بخلاف ما في صورة المقيس حيث وجد المعقود عليه وكذا على أصل محمد لأن الهلاك إنما لا يمنع عنده في البيع لما أن له قيمة تقوم مقامه فيتحالفان عليها ولو جرى التحالف هنا وفسخ العقد فلا قيمة لأن المنافع لا تتقوم بنفسها بل بالعقد وتبين أن لا عقد وإذا امتنع فالقول للمستأجر مع يمينه لأنه هو المستحق عليه
و لو اختلفا بعد استيفاء البعض أي بعض المنفعة يتحالفان فيما بقي اعتبارا للبعض بالكل وتفسخ الإجارة فيما بقي من المنافع لإمكان الفسخ وهذا لا ينافي ما مر أن هلاك بعض المعقود عليه يمنع التحالف عند الإمام لأن الإجارة تنعقد ساعة فساعة على حدوث المنفعة فكان كل جزء من المنفعة بمنزلة معقود عليه فيما بقي من المنفعة كمعقود عليه غير مقبوض يتحالفان في حقه بخلاف ما إذا هلك بعض المبيع لأنه بجميع أجزائه معقود بعقد واحد فإذا تعذر الفسخ في بعضه بالهلاك تعذر في كله ضرورة والقول للمستأجر مع اليمين فيما مضى
____________________
(3/366)
لأنه منكر بما يدعيه المؤجر من زيادة الأجرة
وإن اختلفا أي المولى والمكاتب في قدر بدل الكتابة بعدما اتفقا على عقد الكتابة لا يتحالفان عند الإمام لأن التحالف في المعاوضات عند تجاحد الحقوق الملازمة وبدل الكتابة غير لازم على المكاتب لأن له أن يرفعه عن نفسه بالعجز فلم تكن في معنى البيع والقول للعبد مع يمينه لإنكاره الزيادة وإن أقام أحدهما بينة قبلت وإن أقاماها فبينة المولى أولى لإثباتها الزيادة لكن يعتق بأداء قدر ما برهن عليه ولا يمتنع وجوب بدل الكتابة بعد عتقه كما لو كاتبه على ألف على أنه إن أدى خمسمائة عتق وكما لو استحق البدل بعد الأداء كما في البحر وقالا وهو قول الأئمة الثلاثة يتحالفان وتفسخ الكتابة لاختلافهما في بدل عقد يقبل الفسخ فكان بمنزلة البيع
وإن اختلف الزوجان في متاع أهل البيت والمراد بالمتاع هنا ما ينتفع به من نفسه أو مما حصل منه كالعقار وغيره وادعى كل أنه له ولا بينة لأحد فالقول لها أي للزوجة بلا خلاف مع اليمين فيما صلح لها أي ما يختص بالنساء عادة كالدرع والأسورة والخمار والملاءة والخلخال والحلي ونحوها لأن الظاهر شاهد لها إلا أن يكون الزوج ممن يبيع ما يتعلق بالنساء فالقول له لتعارض الظاهرين وله أي القول للزوج مع اليمين فيما صلح له كالعمامة والقلنسوة والقباء والسلاح والكتب ونحوها لأن الظاهر شاهد له إلا إذا كانت الزوجة صانعة أو بائعة ما يصلح له فلا يقبل قوله
وفي الخانية لو اختلفا في متاع النساء وأقاما البينة يقضي للزوج أو فيما صلح لهما أي القول للزوج فيما اختص بهما كالمنزل والفرش والرقيق والأواني والعقار والمواشي والنقود لأن الزوجة وما في يدها في يد الزوج والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها فإن الاختصاص أقوى من اليد
وفي البحر وبه علم أن البيت للزوج إلا أن يكون لها بينة
وفي الخانية ولو أقاما البينة يقضي ببينتها لأنها خارجة معنى أطلق الزوجين فشمل
____________________
(3/367)
المسلمين والمسلم مع الذمية والحربي والمملوكين والمكاتبين كما سيأتي والصغيرين إذا كان الصغير يجامع وشمل اختلافهما حال بقاء النكاح وما بعد الفرقة وما إذا كان البيت ملكا لهما أو لأحدهما خاصة لأن العبرة لليد لا للملك
وفي القنية افترقا وفي بيتها جارية نقلتها مع نفسها واستخدمتها سنة والزوج عالم به ساكت ثم ادعاها فالقول له لأن يده كانت ثابتة ولم يوجد المزيل انتهى وبه علم أن سكوت الزوج عند نقلها ما يصلح لهما لا يبطل دعواه كما في البحر وقيد باختلاف الزوجين للاحتراز عن اختلاف نساء الزوج دونه فإن متاع النساء بينهن على السواء إن كن في بيت واحد وإن كانت كل واحدة منهن في بيت على حدة فما في بيت كل امرأة بينها وبين زوجها على ما وصفنا ولا يشترك بعضهن مع بعض كما في خزانة الأكمل هذا إذا كانا حيين وبعد موت أحدهما أي أحد الزوجين ثم اختلف وارثه مع الحي والجواب في غير المحتمل على ما مر القول في المحتمل أي فيما يصلح لهما للحي مع اليمين أيهما كان لأنه لا بد للميت فبقيت يد الحي بلا معارض وهذا عند الإمام وعند أبي يوسف كذلك أي القول للزوج فيما صلح لهما في الزائد على جهاز مثلها وفي جهاز مثلها لها أي القول للزوجة إذا كانت حية أو لورثتها بعد موتها أي يدفع في المشكل إلى الزوجة أو إلى وارثها ما يجهز به مثلها والباقي للزوج مع يمينه لوارثه عنده لأن الظاهر أن الزوجة تأتي بالجهاز وهذا أقوى من ظاهر يد الزوج ولذا يأخذ الباقي لعدم المعارض لظاهره والحياة والموت في المشكل عنده سواء وعند محمد للرجل أو لورثته أي ما كان للرجال فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما يكون لهما فهو للرجل إن كان حيا أو لورثته إن كان ميتا لقيام الورثة مقام المورث وأما اختلافهما في غير متاع الميت وكان في أيديهما فإنهما كالأجنبيين يقسم بينهما
وفي القهستاني وعن زفر والشافعي أن المشكل بينهما وعنهما أن المتاع كله كذلك وإليه ذهب مالك وقال ابن أبي ليلى إن المشكل للزوج حيا ولورثته ميتا
وقال ابن شبرمة أن المتاع كله له إلا ما على المرأة من الثياب وقال الحسن البصري إن المتاع لصاحب الميت إلا ما على الرجل من الثياب فهذه مثمنة كتاب الدعوى أو مسبعته انتهى
واعلم أن الأب لو ادعى بعد موت ابنته أن الجهاز كان عارية لها والزوج أنها كان ملكا فقالوا للأب على المختار إلا إذا استمر العرف بدفع الجهاز ملكا لا عارية فالقول لها ولورثتها من بعدها ولو اختلف الأب وابنه فيما في البيت قال أبو يوسف إذا كان الأب في عيال الابن في بيته فالمتاع كله للابن كما لو كان الابن في بيت الأب وعياله فمتاع البيت للأب ولو اختلف المؤجر والمستأجر في متاع البيت فالقول قول المستأجر مع يمينه وليس للمؤجر إلا ما عليه من ثياب
____________________
(3/368)
بدنه ولو اختلف إسكافي وعطار في آلات الأساكفة وآلات العطارين وهي في أيديهما قضى بينهما نصفين ولا ينظر إلى ما يصلح لكل واحد منهما
وإن كان أحدهما أي أحد الزوجين مملوكا سواء كان مأذونا أو مكاتبا أو محجورا فالكل أي كل المتاع للحر في حال الحياة لأن يد الحر أقوى وللحي منهما في الموت أي موت أحدهما لأن يد الحي خالية عن المعارض كما في عامة شروح الجامع وذكر السرخسي أنه سهو والصواب أنه للحر مطلقا لكن اختار صاحب الهداية قول العامة فاقتفى أصحاب المتون أثره هذا عند الإمام وقالا المأذون والمكاتب كالحر لأن لهما يدا معتبرة في الخصومات حتى لو اختصما في شيء هو في أيديهما يقضي بينهما بخلاف ما كان محجورا حيث يقضي للحر لا للعبد وقوله الكل مشير إلى أن الخلاف فيما إذا اختلفا في مطلق المتاع على ما ذكره فخر الإسلام كما في المستصفى لكن في الحقائق أن الخلاف فيما إذا اختلفا في الأمتعة المشكلة كما في القهستاني
وفي التنوير أعتقت الأمة واختارت نفسها فما في البيت قبل العتق فهو للرجل وما بعد العتق قبل أن تختار نفسها فهو على ما وصفنا في الطلاق رجل معروف بالفقر والحاجة صار بيده غلام وعلى عنقه بدرة وذلك بداره فادعاه رجل عرف باليسار وادعاه صاحب الدار فهو للمعروف باليسار وكذا كناس في منزل الرجل وعلى عنقه قطيفة يقول هي لي وادعاها صاحب المنزل فهي لصاحب المنزل رجلان في سفينة بها دقيق فادعى كل واحد السفينة وما فيها وأحدهما يعرف ببيع الدقيق والآخر يعرف بأنه ملاح فالدقيق للذي يعرف ببيعه والسفينة لمن يعرف أنه ملاح وتمامه في المنح فليطالع
____________________
(3/369)
370 فصل أحكام دفع الدعاوى قال ذو اليد في جواب من ادعى شيئا في يده أن هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو أعارنيه أو آجرنيه أو رهنيه أو غصبته منه أي من فلان الغائب وبرهن على ذلك المذكور اندفعت خصومة المدعي لأنه أثبت أمرين أحدهما الملك للغائب وهو غير مقبول شرعا والآخر دفع خصومة المدعي وهذا مقبول
وقال ابن شبرمة لا تسقط خصومة المدعي لأن البينة تثبت الملك للغائب ولا ولاية لأحد على غيره في إدخال شيء في ملكه بلا رضاه
وقال ابن أبي ليلى تسقط الخصومة بلا بينة لأنه لا تهمة فيما أقر به على نفسه فتبين أن يده يد حفظ لا يد خصومة وقال أبو يوسف فيمن عرف بالحيل جمع حيلة لا تندفع الخصومة وبه يؤخذ واختاره في المختار أن المدعى عليه إن كان صالحا فكما قال الإمام وإن كان معروفا بالحيل لم تندفع عنه لأنه قد يأخذ مال الغير غصبا ثم يدفع سرا إلى من يريد أن يغيب ويقول له أودعه عندي بحضرة الشهود قصدا لإبطال حق الغير فلا تقبل بينته لهذه التهمة
وإن قال الشهود أودعه من لا نعرفه لا تندفع الخصومة بالإجماع لاحتمال أن يكون المدعي من أودعه بخلاف قولهم أي قول الشهود نعرفه أي المودع بوجهه لو رأيناه لا باسمه ونسبه حيث تندفع الخصومة
عند الإمام لأن القضاء لا يقع على الغائب ليشترط العلم بنفسه أو نسبه وإنما يقضي على المدعي بالدفع عن ذي اليد وهما معلومان وهو أثبت بينة أنه ليس بخصم لهذا المدعي خلافا لمحمد فإنه قال لا تندفع الخصومة معروفا كان
____________________
(3/370)
بالحيلة أو لا وإنما تندفع إذا عرف الشهود ذلك الرجل باسمه ونسبه لأن الخصومة توجهت على ذي اليد بظاهر يده ولا تندفع إلا بالحوالة على رجل يمكن اتباعه والمعروف بالوجه لا يكون معروفا فصار هذا بمنزلة قول الشهود لا نعرفه أصلا
وفي البزازية وتعويل الأئمة على قول محمد فهذه المسألة تسمى بمخمسة كتاب الدعوى للاشتمال على قول الإمام وأبي يوسف ومحمد وابن أبي ليلى وابن شبرمة كما ترى أو لأن صورها خمس وديعة وإجارة وإعارة ورهن وغصب كما في أكثر الكتب لكن في المنح هذا إذا ادعى المدعي ملكا مطلقا في العين كما أفاده عدم تقييده ويدل عليه ما سيأتي من المسائل القابلة لهذا ومن المعلوم أن فرض هذه المسألة بعد إقامة المدعي البرهان لما تقرر في كلامهم من أن الخارج هو الطالب بالبرهان ولا يحتاج المدعى عليه إلى الدفع قبله وحاصله أن المدعي لما ادعى الملك المطلق فيما في يد المدعى عليه أنكره وطلب من المدعي البرهان فأقامه ولم يقض القاضي به حتى دفعه المدعى عليه بما ذكر وبرهن على الدفع
وفي البحر وكذا الحكم لو قال وكلني صاحبه بحفظه كما في المبسوط وكذا الحكم لو قال أسكنني فيها فلان الغائب وكذا الحكم لو قال سرقته منه أو أخذته منه أو ضل منه فوجدته كما في الخلاصة فالصور عشر وبه علم أن الصور لم تنحصر في الخمس فالأولى أن يفسر المخمسة بالأقوال
ولو قال ذو اليد اشتريته منه أي من فلان الغائب لا تندفع الخصومة لكون يده يد خصومة لاعترافه سبب الملك وهو الشراء
وكذا لا تندفع الخصومة لو قال المدعي سرقته بتاء الخطاب أو غصبته مني فقال ذو اليد أودعنيه فلان الغائب
وإن وصلية برهن ذو اليد على إيداع الغائب لأن المدعي لما قال لصاحب اليد غصبته مني صار ذو اليد خصما باعتبار دعوى الفعل عليه وفيه لا يمكنه الخروج عنها بالإحالة على الغير لأن اليد في الخصومة فيها ليس بشرط حتى تصح دعواه على غير ذي اليد ولا تندفع الخصومة بانتفاء يده حقيقة بخلاف الملك المطلق
وكذا لا تندفع إن قال المدعي سرق مني على البناء للمفعول عند الشيخين استحسانا خلافا لمحمد وهو القياس لأنه لم يدع الفعل على ذي اليد بل على مجهول فصار كما لو قال غصب مني على البناء للمفعول ولهما أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة
____________________
(3/371)
والظاهر أنه ذو اليد إلا أنه لم يعينه درء للحد عنه فصار كأنه قال له سرقته مني بخلاف الغصب فإنه لا حد فيه فلو قضى عليه ثم حضر الغائب فأقام البينة تقبل لأنه لم يصر مقضيا عليه وإنما قضى على ذي اليد فقط
وفي التنوير قال في غير مجلس الحكم أنه ملكي ثم قال في مجلسه أنه وديعة عندي من فلان تندفع من البرهان على ما ذكر ولو برهن المدعي على مقالته الأولى يجعله خصما ويحكم عليه لسبق إقراره ويمنع من الدفع
ولو قال المدعي ابتعته من زيد وقال ذو اليد أودعنيه هو أي زيد اندفعت الخصومة بلا حجة لأنهما اعترفا على أن الملك في الأصل لغيرهما فيكون وصوله إلى صاحب اليد من جهة زيد البائع فلا تكون يده يد خصومة إلا إذا برهن المدعي أن زيدا وكله بقبضه فحينئذ لا تندفع وتصح دعواه لأنه أثبت بينة كونه أحق بإمساكها ولو صدقه ذو اليد في شرائه منه لا يأمره القاضي بالتسليم إليه حتى لا يكون قضاء على الغائب بإقراره وهي عجيبة
وفي البحر قيد بتلقي اليد من الغائب للاحتراز عما إذا قال ذو اليد أودعنيه وكيل فلان ذلك لم تندفع إلا بينة لأنه لم يثبت تلقي اليد ممن اشترى هو منه لإنكار ذي اليد ولا من جهة وكيله لإنكار المدعي وكذا لو أثبت بالبينة أنه دفعها إلى الوكيل ولم يشهدوا أن الموكل دفعها إلى ذي اليد وتقييده بدعوى الشراء من الغائب اتفاقي ففي البزازية ادعى أنه له غصبه منه فلان الغائب وبرهن عليه وزعم ذو اليد أن هذا الغائب أودعه عنده اندفعت الخصومة لاتفاقهما على وصول العين من غيره وإن صاحب اليد ذلك الرجل بخلاف ما لو كان مكان دعوى الغصب دعوى السرقة فإنه لا تندفع بزعم ذي اليد إيداع ذلك الغائب في الاستحسان انتهى
باب دعوى الرجلين لما فرغ من بيان دعوى الواحد ذكر دعوى ما زاد عليه والواحد قبل ما زاد لا تعتبر بينة ذي اليد في الملك المطلق وهو أن يقول في دعواه أن هذا ملكي ولم يبين سبب ملكه وبينة
____________________
(3/372)
الخارج فيه أي في المطلق أحق بالاعتبار وبه قال أحمد
وقال الشافعي ومالك بينة ذي اليد أحق لاعتضادها باليد ولنا أن البينة شرعت للإثبات وبينة الخارج أكثر إثباتا لأنه لا ملك له على المدعي بوجه وذو اليد له ملك عليه باليد فترجحت بينة الخارج بكثرة ثبوتها إلا إذا ادعى ذو اليد مع الملك فعلا كالعتق والتدبير والاستيلاد فبينة ذي اليد أولى بخلاف الكتابة كما سيأتي قيد بالمطلق لاستوائهما في المقيد بالسبب وهذا إن وقتا أو لم يوقتا باتفاق برهنا أي الخارجان على ما في يد آخر أي لو برهن خارجان على عين في يد ثالث منكر بعد ادعاء كل منهما ملكا مطلقا فأقاما البينة قضى به أي بهذا الشيء لهما بطريق الاشتراك عندنا لقبول الشركة على المناصفة لأن النبي عليه الصلاة والسلام قضى بناقة بينهما بنصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق ولم يأمر عليه الصلاة والسلام بالقرعة لأن استعمال القرعة في وقت كان القمار فيه مباحا ثم انتسخت بحرمة القمار إذ تعليق الاستحقاق بخروج القرعة قمار وكذا تعيين المستحق بخروج القرعة بخلاف قسمة المال المشترك فللقاضي ثمة ولاية التعيين بغير قرعة وإنما يقرع لتطيب القلوب ونفي تهمة الميل عن نفسه فلا يكون ذلك في معنى القمار خلافا للشافعي وأحمد كما سيأتي
ولو برهنا على نكاح امرأة سقطا لتعذر العمل بهما لأن المحل لا يقبل الاشتراك وإذا تهاترا فرق القاضي بينهما حيث لا مرجح وإذا تهاترا وكان قبل الدخول فلا شيء على كل واحد منهما كما في البحر وهذا مقيد بما إذا كان المدعيان حيين والمرأة أما لو برهنا عليه بعد موتها ولم يؤرخا أو أرخا واستوى تاريخهما فإنه يقضي بالنكاح بينهما وعلى كل واحد منهما نصف المهر ويرثان ميراث زوج فإن جاءت بولد يثبت النسب منهما ويرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل وهما يرثان من الابن ميراث أب واحد كما في المنح وهي أي المرأة لمن صدقته لأن النكاح مما يحكم به بتصادق الزوجين إذا لم تكن المرأة المتنازع فيها في يد من كذبته ولم يكن دخل من كذبته بها وأما إذا كانت في يد الآخر أو دخل بها فلا اعتبار بالتصديق لأنه دليل على سبق عقده كما في المنح فإن أرخا أي المدعيان لنكاحها وكان تاريخ أحدهما سابقا فالسابق أحق بها من الآخر لأنه لا معارض في هذا الزمان فيكون القضاء للسابق إذ عقد اللاحق وبرهانه باطل ولا يعتبر ما ذكر من كونها في يده أو دخل بها ولو أرخ أحدهما فقط فإنها لمن أقرت له كما لو أرخ أحدهما وللآخر يد فإنها لذي اليد كما في البزازية
وإن أقرت المرأة بالزوجية لأحدهما قبل البرهان فهي أي المرأة له لتصادقهما عليه فإن برهن الآخر أي الذي لم تقر
____________________
(3/373)
له بعد ذلك أي بعد الإقرار للأول قضى له أي للمبرهن لقوة البرهان فإن برهنا بعد الإقرار فالسابق أولى
وإن برهن أحدهما على نكاحها فقضى له بالنكاح ثم برهن الآخر على أنه نكحها لا يقبل برهانه إذ لا ينقض شيء بمثله وههنا صار الأول أقوى لاتصال القضاء به إلا وقت إن أثبت ذلك الآخر بالبينة سبقه أي سبق نكاحه إياها على نكاح الأول فحينئذ يقضي لتيقن الخطأ في الأول
وكذا لا يقبل برهان خارج على زوج ذي يد على امرأة نكاحه ظاهر بنقلها إلى بينة أو بالدخول معه إلا إن أثبت الخارج سبقه أي سبق نكاحه على نكاح ذي اليد بالبينة فإنه يقضي له لما مر وإن برهنا أي الخارجان على شراء شيء من آخر أي من ذي يد بلا تاريخ فكل نصفه أي لكل واحد منهما نصف ذلك الشيء بنصف ثمنه أي ثمن ذلك الشيء إن شاء ورجع به على البائع بنصف ثمنه أو تركه أي ترك النصف إن شاء لأنهما لما استويا في السبب وجب على القاضي أن يقضي به بينهما لتعذر القضاء بكله فيتخير كل منهما لتغير شرط عقده عليه فلعل رغبته في تملك الكل فيرده ويأخذ كل الثمن وعند الشافعي في قول واحد يقرع وفي قول آخر تهاترت البينتان ويرجع إلى تصديق البائع لأن إحداهما كاذبة بيقين قلنا أن المحل الواحد لا يتصور أن يكون مملوكا لزيد على الكمال ومملوكا لعمرو على الكمال لأن المشهود في الحقيقة هو السبب لأن المحسوس المحاط للشهود وكل واحد من الفريقين هناك صادق بأن يعاين السبب من الرجلين ولا يعلمان سبق أحدهما وبترك أحدهما نصفه بعدما قضى لهما لا يأخذ المدعي الآخر كله لأن بالقضاء انفسخ العقد في حق كل في النصف قيد بقوله بعد القضاء لأنه قبل القضاء به يأخذ كله لإثبات برهانه اشتراء الكل بلا مزاحم للقضاء فإن كان لأحدهما يد أو تاريخ فهو أي صاحب اليد أو التاريخ أولى لأن
____________________
(3/374)
تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه إذ قبض القابض وشراء غيره حادثان فيضافان إلى أقرب الأزمان وهو الحال مع أن قبض الشيء متأخر عن شرائه فصار شراؤه أقدم تاريخا من شراء غير القابض وبالتاريخ أثبت ملكه في ذلك الوقت واحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضي له بالشك
وقال صاحب البحر ولي إشكال في عبارة الكتاب وهو أن أصل المسألة مفروضة في خارجين تنازعا فيما في يد ثالث فإذا كان مع أحدهما قبض كان ذا يد تنازع مع خارج فلم تكن المسألة ثم رأيت في المعراج ما يزيله من جواز أن يراد أنه أثبت بالبينة قبضه فيما مضى من الزمان وهو الآن في يد البائع إلا أنه يشكل ما ذكره بعده عن الذخيرة بأن ثبوت اليد لأحدهما بالمعاينة انتهى
والحق أنها مسألة أخرى وكان ينبغي إفرادها انتهى
وإن أرخا فالسابق أولى وإن كان لأحدهما يد وللآخر تاريخ فذو اليد أولى لأنه أثبت الشراء في زمان لا ينازعه فيه أحد فاندفع به ثم لا يقضي بعده لغيره إلا إذا انتفى الملك منه والشراء أحق من هبة مع قبض وصدقة مع قبض أي لو برهن خارجان على ذي يد أحدهما على الشراء منه والآخر على الهبة منه كان الشراء أولى من الهبة والصدقة لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين ولأنه يثبت الملك بنفسه والملك في الهبة والصدقة يتوقف على القبض هذا إن لم يؤرخا فلو أرخا واتحد المملك فالأسبق تاريخا منهما أحق بخلاف ما إذا اختلف المملك فأيهما سواء في صورة التاريخ وعدمه لأن كلا منهما خصم عن مملكه في إثبات ملكه وهما فيه سواء بخلاف ما إذا اتحدا لاحتياجهما إلى إثبات السبب وفيه تقدم الأقوى ولو أرخت إحداهما فقط فالمؤرخة أولى قيد بكونهما خارجين للاحتراز عما إذا كانت في يد أحدهما والمسألة بحالها فإنه يقضي للخارج إلا في أسبق التاريخ فهو للأسبق وإن أرخت إحداهما فقط فلا ترجيح لها وإن كانت في أيديهما يقضي بينهما إلا في أسبق التاريخ فهي له كدعوى ملك مطلق كما في البحر
والهبة والصدقة فيما لا يحتمل القسمة كالعبد والدابة سواء بالاتفاق فيقضي بينهما نصفين لاستوائهما في كونهما تبرعا وأما فيما يحتمل القسمة كالدار فهما سواء عند البعض لأن الشيوع طار فيقضي بينهما نصفين وعند البعض لا يصح لأنه تنفيذ الهبة في الشائع فصار كإقامة البينتين على الارتهان وهذا أصح كما في الهداية
وفي البحر وحاصله أن الصدقة أولى من الهبة فيما يحتمل القسمة وهذا عند عدم التاريخ والقبض وأما إذا أرخا قدم الأسبق وإن لم يؤرخا ومع أحدهما قبض كان أولى وكذا إن أرخ
____________________
(3/375)
أحدهما فقط
وفي الخلاصة ولو كان كلاهما هبة أو صدقة أو أحدهما هبة والآخر صدقة فما لم يذكر الشهود القبض لا يصح وإن ذكروا القبض ولم يؤرخوا أو أرخوا تاريخا واحدا فهو بينهما إذا كان لا يحتمل القسمة وإن كان يحتملها فلا يقضي لهما بشيء عند الإمام وعندهما يقضي بينهما نصفين ولو كان في يد أحدهما يقضي له بالإجماع
وكذا الشراء والمهر عند أبي يوسف أي ادعى شخص أن هذا الشيء اشتريته من زيد وادعت امرأة أن زيدا تزوجها على هذا الشيء فأقاما البينة ولم يذكرا تاريخا أو ذكرا واستوى تاريخهما يقضي لكل واحد منهما بالنصف لأن الشراء والمهر سواء في إثبات الملك ثم للمرأة نصف القيمة على الزوج وللمشتري نصف الثمن المنقود على البائع وله فسخ البيع لتفرق الصفقة عليه وقال محمد الشراء أولى فيقضي لصاحب الشراء وعلى الزوج القيمة أي قيمة المبيع للمرأة لأن البينات حجج الشرع فيجب العمل بها ما أمكن وهو ممكن بأن يجعل الشراء سابقا إذ لو تزوج على ملك الغير صحت القسمة فتجب القيمة عند تعذر تسليم العين قيد بالشراء لأنه لو اجتمع نكاح وهبة أو رهن أو صدقة فالنكاح أولى
وفي المنح اعتراض عن طرف صاحب الفصولين وجواب عن طرف صاحب البحر فليطالع
والرهن مع القبض أولى من الهبة بلا عوض معه أي مع القبض يعني لو ادعى أحدهما رهنا مقبوضا والآخر هبة وقبضا وأقاما البينة ولم يؤرخا فمدعي الرهن أولى استحسانا والقياس أن الهبة أولى لأنها تثبت الملك والرهن لا يثبته فكانت البينة المثبتة للزيادة أولى وجه الاستحسان المقبوض بحكم الرهن مضمون وبحكم الهبة غير مضمون وعقد الضمان أقوى فإن كانت أي الهبة بشرط العوض فهي أي الهبة أولى من الرهن لكونها في معنى البيع انتهاء فيكون عقدها عقد زمان يثبت الملك معنى وصورة بخلاف الرهن فإنه لا يثبته إلا عند الهلاك معنى لا صورة هذا إذا كانت العين في يد ثالث إذا لو كانت في أيديهما يقضي بها بينهما نصفين إلا أن يؤرخا وتاريخ أحدهما أسبق فيقضي له
وإن برهن خارجان على ملك مؤرخ هذه المسألة قد ذكرت وإعادتها هنا لأجل ذكر التاريخ أو شراء مؤرخ من واحد متعلق بشراء غير ذي اليد احترز بهذا عما برهنا على ما في يد آخر كما مر تفصيلها فالسابق أولى لأنه أثبت ملكه في وقت لا
____________________
(3/376)
ينازعه فيه أحد إلا إذا تلقى الملك منه وهذا القول متفق عليه على تخريج الكرخي وقول الإمام على تخريج صاحب الأمالي وقول أبي يوسف آخرا ومحمد أولا وفي قوله الآخر وهو قول أبي يوسف أولا هو بينهما كما في التبيين
وإن برهن أحدهما على الشراء من زيد و برهن الآخر عليه أي على الشراء من بكر واتفق تاريخهما فهما سواء حتى يكون المبيع بينهما نصفين لأن كل واحد منهما أثبت الملك لبائعه وملك بائعه مطلق بلا تاريخ فصار ما إذا حضر البائع فادعى الملك المطلق فيكون بين الخارجين لاستواء تاريخهما
وكذا لو وقت أحدهما فقط لأن توقيت أحدهما لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم بخلاف ما إذا كان البائع واحدا لأنهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من جهته بخلاف ما إذا أثبت أحدهما تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه شراء غيره
وفي البحر أن البينة على الشراء لا تقبل حتى يشهدوا أنه اشتراها من فلان وهو يملكها وتمامه فيه فليطالع
ولو برهن خارج على الشراء من شخص و برهن خارج آخر على الهبة والقبض من غيره و برهن خارج آخر على الإرث من أبيه و برهن خارج آخر على الصدقة والقبض من رابع قضى بينهم أرباعا سواء كان معهم أو مع بعضهم تاريخ أو لم يكن لأنهم يثبتون الملك لمملكيهم وذلك تاريخ فيه ولا يقدم الأقوى كما في التبيين
ولو برهن خارج على ملك مؤرخ وذو اليد على ملك أقدم منه أي من الخارج فهو أي ذو اليد أولى عند الشيخين خلافا لمحمد في رواية
وفي رواية عنه على ما قالا ثم رجع عنه فقال لا تقبل بينة ذي اليد في ملك المطلق أصلا لأن البينة فيه تثبت أولية الملك فيستوي فيها التقدم والتأخر فصار كأنهما أقاماها على الملك المطلق ولهما أن البينة مع التاريخ تدفع ملك غيره في وقت التاريخ وبينة ذي اليد على الدفع مقبولة فلا يثبت الملك لغيره بعده إلا بالتلقي من جهته وهو لم يدع ذلك قيد بسبق تاريخ ذي اليد لأنه لو لم يكن لهما تاريخ أو استوى تاريخهما أو أرخت أحدهما فقط كان الخارج أولى
وكذا
____________________
(3/377)
الخلاف لو كانت اليد لهما وأقاما البينة فصاحب الوقت الأول أولى في قول الشيخين
وفي قول محمد لا يعتبر الوقت فكأنهما أقامتا على مطلق الملك فيكون بينهما
ولو برهن خارج وذو يد على ملك مطلق ووقت أحدهما فقط فالخارج أولى عند الطرفين وعند أبي يوسف وهو رواية عن الإمام ذو الوقت أولى لأنه أقدم وصار كما في دعوى الشراء إذا أرخ أحدهما كان صاحب التاريخ أولى ولهما أن بينة ذي اليد إنما تقبل لتضمنها معنى الدفع ولا دفع ههنا حيث وقع الشك في التلقي من جهته
ولو كان المدعى في أيديهما أو في يد ثالث والمسألة بحالها أي ادعى ذو اليد أو الخارج وأقاما البينة وأرخت إحدى البينتين فهما سواء عند الإمام وعند أبي يوسف الذي وقت أولى وعند محمد الذي أطلق أولى وعلل صاحب الهداية بأن دعوى أولية الملك بدليل استحقاق الزوائد ورجوع الباعة بعضهم على بعض ولأبي يوسف أن التاريخ يوجب الملك في ذلك الوقت بيقين والإطلاق يحتمل غير الأولية والترجيح بالتيقن وللإمام أن التاريخ يضامه احتمال عدم التقدم فسقط اعتباره فصار كما لو أقاما البينة على ملك مطلق بخلاف الشراء لأنه أمر حادث فيضاف إلى أقرب الأوقات فيترجح جانب صاحب التاريخ انتهى
لكن صوره في المسألة الثانية وهي قوله ولو في يد ثالث وأما في المسألة الأولى وهي قوله ولو في أيديهما فذكر أن يكون نظير قوله ولو أقام الخارج وذو اليد على ملك مطلق إلى آخره فقال في عقبه فعلى هذا إذا كانت الدار في أيديهما انتهى
قال صاحب الإيضاح وغيره في تفسيره بأن قام أحدهما على ملك مؤرخ والآخر على مطلق الملك سقط التاريخ عندهما وعنده صاحب الوقت أولى انتهى
فبهذا التقرير ظهر مخالفة المصنف لما في الهداية تتبع
وإن برهن خارج وذو يد على النتاج أي أقام كل منهما بينة فذو اليد أولى لأن بينتهما قامتا على ما لا تدل علي اليد فاستويا في الإثبات وترجحت بينة صاحب اليد باليد فيقضي له به ولا عبرة للتاريخ لأن أولية الملك يستوعب كل تاريخ فلا يفيد ذكره من أحدهما أو منهما اتحد التاريخان أو اختلفا ما لم يذكرا تاريخا مستحيلا بأن لم يوافق سن المدعي والقياس أن يكون الخارج أولى وبه قال ابن أبي ليلى
____________________
(3/378)
وقال عيسى بن أبان تهاترت البينتان ويترك في ذي اليد على وجه القضاء وجه لاستحسان ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قضى لذي اليد بناقة بعدما أقام الخارج بينة أنها ناقته نتجتها وأقام ذو اليد البينة أنها ناقته نتجتها ولأن اليد لا تدل على أولية الملك فكان مساويا للخارج فبإثباتها يندفع الخارج وبينة صاحب اليد مقبولة للدفع
وكذا لو برهن كل على تلقي الملك من آخر وعلى النتاج عنده أي لو تلقى كل واحد من الخارج وذي اليد الملك من رجل فكان هناك بائعان وأقام البينة على النتاج عند من تلقى منه فهو بمنزلة إقامتها على النتاج في يد نفسه فيقضي به لذي اليد كأن البائعين قد حضرا وأقاما على ذلك بينة فإنه يقضي ثمة لصاحب اليد كذلك ههنا كما في العناية
ولو برهن أحدهما على الملك المطلق والآخر على النتاج فهو أي صاحب النتاج أولى أيهما كان لأن بينته قامت على أولية الملك صريحا فلا يثبت للآخر إلا بالتلقي منه والآخر لم يتلق منه وأوليته تثبت دلالة ولا عبرة بها مع الصريح
وكذا لو كانا خارجين فبرهن أحدهما على الملك المطلق والآخر على النتاج فبينة النتاج أولا لما بينا
ولو قضى بالنتاج لذي اليد ثم برهن ثالث على النتاج قضى له أي للثالث إلا أن يعيد ذو اليد برهانه لأن بينة ذي اليد ما قامت على هذا المدعي وإنما قامت على الأول فلم يصر الثالث مقضيا عليه بتلك القضية كما لو برهن المقضي عليه بالملك المطلق على النتاج يقبل وينقض القضاء أي لو ادعى ذو اليد والخارج الملك المطلق وبرهنا فقضى على ذي اليد بالملك ثم إن ذا اليد المقضي عليه لو أقام البينة على النتاج تقبل وينقض به القضاء الأول لأنه بمنزلة النص في دلالته على الأولية قطعا فكان القضاء واقعا على خلافه كالقضاء الواقع على خلاف النص وهذا استحسان
وفي القياس لا يقبل برهانه لصيرورته مقضيا عليه بالملك كما في العناية
وفي البحر أطلق فشمل ما إذا برهن الخارج فقط على النتاج وقضى له ثم برهن ذو اليد يقضي له ويبطل القضاء الأول ولو ادعى ذو اليد نتاجا أيضا ولم يبرهنا حتى حكم بها للمدعي بالنتاج ثم برهن المدعى عليه على النتاج لا ينتقض الحكم ثم علم أن
____________________
(3/379)
المقضي عليه في حادثة لا تسمع دعواه بعده إلا إذا برهن على إبطال القضاء أو على تلقي الملك من المقضي له أو على النتاج انتهى
وكل سبب لا يتكرر أي في الملك إذا ادعاه ذو اليد فهو مثل النتاج أي حكمه حكم النتاج في جميع ما ذكرنا من الأحكام وذلك كنسج ثياب لا تنسج إلا مرة كما إذا ادعى رجل ثوبا أنه ملكه نسجه وهو مما لا يتكرر نسجه وكما إذا ادعت غزل قطن أنه ملكها غزلته بيدها وكحلب اللبن فإنه مما يتكرر أيضا فإذا ادعى لبنا أنه ملكه حلبه من شاته واتخاذ الجبن بأن ادعى جبنا أنه ملكه صنعه في ملكه واللبد بأن ادعى لبدا بأنه صنعه من الصوف الذي هو ملكه والمرعزى وهي كالصوف تحت شعر المعز وجز الصوف بأن ادعى صوفا مجزوزا أنه ملكه جزه من شاته وأقام على ذلك بينة وادعى ذو اليد مثل ذلك وأقام عليه بينة فإنه يقضي بذلك لذي اليد لأنه في معنى النتاج من كل وجه فيلحق به بدلالة النص وما يتكرر أي كل سبب يتكرر قضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق لا يلحق بالنتاج كنسج الخز وهو اسم دابة ثم سمي الثوب المتخذ من وبره خزا فإنه مما يتكرر لأن الخز والصوف والشعر إذا بلى ينقض ويغزل مرة أخرى ثم ينسج فيحتمل أن ذا اليد نسجه ثم غصبه الخارج ونقضه ثم نسجه فيكون ملكا له بهذا الطريق فلم يكن في معنى النتاج وكالبناء فإنه مما يتكرر لأنه يبنى ثم ينهدم ثم يبنى والغرس لأن النخل يغرس غير مرة وزراعة البر والحبوب لأن البر قد يزرع في الأرض ثم يغربل التراب فيميز البر منه ثم يزرع ثانيا فلم يكن في معنى النتاج وكذا كل ما يزرع مما يكال أو يوزن فإذا ادعى ثوبا أنه ملكه من خزه أو ادعى دارا أنها ملكه بناها أو ادعى غرسا أنه ملكه غرسه أو حنطة أنها ملكه زرعها أو حبا آخر من الحبوب وأقام على ذلك بينة وادعى ذو اليد مثل ذلك وأقام عليه بينة قضى به للخارج لما مر وما أشكل بحيث لا يتيقن بالتكرر وعدمه رجع فيه إلى أهل الخبرة لأنهم أعرف به وقد قال الله
____________________
(3/380)
تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فإن أشكل عليهم أي على أهل الخبرة جعل كالمطلق أي قضى به للخارج لأن القضاء بينة هو الأصل وإنما عدلنا عنه بخبر النتاج كما روينا فإذا لم يعلم يرجع على الأصل
وإن برهن خارج على ملك مطلق وذو يد على الشراء منه أي من الخارج بأن كان عبدا مثلا في زيد وادعاه بكر بأنه ملكه وبرهن عليه وبرهن زيد على الشراء منه فهو أي ذو اليد أولى لأن الخارج وإن كان يثبت أولية الملك فذو اليد يتلقى الملك منه ولا تنافي فيه فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه
وإن برهن كل منهما أي من الخارج وذي اليد على الشراء من صاحبه ولا تاريخ لهما تهاترتا أي سقطت البينتان وترك المال في يد ذي اليد بغير قضاء عند الشيخين وعند محمد إن كان في يد أحدهما يقضي بالبينتين للخارج لإمكان العمل بهما يجعل ذا اليد مشتريا من الخارج وقبضه ثم باعه منه ولم يقبضه فيؤمر بالدفع إليه لأن تمكنه من القبض دلالة السبق على ما مر ولا يعكس لأن البيع قبل القبض لا يجوز ولهما أن الإقرار بالشراء من صاحبه إقرار منه بالملك له فصار بينة كل منهما كأنها قامت على إقرار الآخر وفيه التهاتر بالإجماع لتعذر الجمع فكذا هذا كما في التبيين
وإن أرخا أي الخارج وذو اليد في العقار بلا ذكر قبض وتاريخ الخارج أسبق قضى لذي اليد عند الشيخين فيجعل كأن الخارج اشترى أولا ثم باع من ذي اليد وهو جائز في العقار عندهما وعند محمد قضى للخارج إذ لا يصح عنده بيعه قبل القبض فبقي على ملكه
وفي التبيين وكان ينبغي أن يقضي به لذي اليد عنده أيضا
____________________
(3/381)
فيجعل الخارج كأنه قبضه ثم باعه لذي اليد عنده أيضا فجعل الخارج كأنه قبضه ثم باعه من بائعه وهو ذو اليد تصحيحا للعقد انتهى
وإن أثبتا قبضا قضى لذي اليد اتفاقا لأن البيعين جائزان على القولين لأن الخارج باعه على بائعه بعدما قبضه وذلك صحيح
وإن كان وقت ذي اليد أسبق قضى للخارج في الوجهين فيجعل كأنه اشتراه ذوي اليد وقبض ثم باع ولم يسلم أو سلم ثم وصل إليه بسبب آخر كما في الهداية لكن في البحر
وفي المبسوط ما يخالفه كما علم من الكافي وتمامه فيه فليطالع قال ابن الشيخ في شرح الوقاية قالوا حاصل الكلام في ضبط هذه الأقسام إن كان تاريخ أحد المدعيين عند إقامتهما البينة سابقا فهو أحق وإن لم يكن سابقا بل كان مساويا بأن أرخا موافقا أو لم يؤرخا أصلا أو أرخ أحدهما وكان كل واحد منهما صاحب يد أو كان كل منهما خارجا في الملك المطلق أو في الملك بسبب فهما متساويان إلا إذا تلقيا من واحد وأرخ أحدهما فهو أحق وإن كان أحدهما صاحب يد والآخر خارجا فالخارج أحق في الملك المطلق عند التساوي في التاريخ إلا إذا ادعيا مع الملك فعلا بأن قال هو عبدي أعتقته أو دبرته فذو اليد أحق بخلاف ما إذا قال كل واحد هو عبدي كاتبته فهما متساويان لكونهما خارجين إذ لا بد في عقد الكتابة من أهلية العاقدين فإذا عقدا يكون العبد معتقا يدا فلا يتصور اليد عليه بخلاف المعتق فإنه في يد المولى إذا كان صغيرا أو كبيرا لا يعرف عتقه ولو قال أحدهما هو عبدي كاتبته وقال الآخر دبرته أو أعتقته فهو أولى لأن كل بينة يكون أكثر إثباتا فهو أحق هذا في الخارج وذي اليد في المطلق أما في الملك بسبب فإن ذكر الخارج وذو اليد سببا واحدا وتلقيا من واحد فذو اليد أحق وإن تلقيا من اثنين فالخارج أحق عند التساوي في التاريخ وإن ذكرا سببين كالشراء والهبة وغير ذلك ينظر إلى قوة السبب انتهى
ولا ترجيح بكثرة الشهود لأن الترجيح عندنا بقوة الدليل لا بكثرته حتى لو أقام أحد المدعيين شاهدين والآخر أربعة فهما سواء إذ شهادتهما ليست أقل من شهادتهم في إثبات المدعي لأن الاثنين علة تامة موجبة للحكم فالكثرة لا تصلح للترجيح ولهذا لا ترجح الآية بآية أخرى ولا الخبر بالخبر وإنما يرجح بقوة فيه بأن كان أحدهما متواترا والآخر من الآحاد أو كان أحدهما مفسرا والآخر محتملا فيرجح المفسر على المحتمل والمتواتر على الآحاد لقوة وصف فيه وقيل يقضي لأكثرهما عددا لأن القلب أميل إلى قول الأكثر وكذا لا ترجيح بزيادة العدالة لأن المعتبرة في الشاهد أصل العدالة وهي ليست بذي حد فلا يقع الترجيح بها خلافا لمالك
____________________
(3/382)
وإن ادعى أحد خارجين نصف دار والآخر كلها وبرهنا على ذلك فالربع للأول عند الإمام وعندهما للأول الثلث والباقي للآخر لأن الإمام اعتبر طريق المنازعة وهو أن صاحب النصف لا ينازع صاحب الكل في النصف فسلم له النصف واستوت منازعتهما في النصف الآخر فينصف النصف بينهما فلصاحب الكل ثلاثة أرباع ولصاحب النصف الربع وهما اعتبرا طريق العول والمضاربة لأن في المسألة كلا ونصفا فالمسألة من اثنين وتعول إلى ثلاثة ولصاحب الكل سهمان ولصاحب النصف سهم هذا هو العول وأما المضاربة فإن كل واحد يضرب بكل حقه فصاحب الكل له ثلثان من الثلاثة فيضرب الثلثين في الدار وصاحب النصف له ثلث من الثلاثة فيضرب الثلث في الدار فيحصل له ثلث الدار لأن ضرب الكسور بطريق الإضافة فإنه إذا ضرب الثلث في الستة يكون معناه ثلث الستة وهو اثنان
وفي البحر تفصيل فليراجع وإن كانت الدار في يديهما فكلها أي كل الدار لمدعي الكل نصف بقضاء ونصف بلا قضاء لأن دعوى مدعي النصف منصرفة إلى ما في يده لتكون يده يد محقة في حقه لأن حمل أمور المسلمين على الصحة واجب فمدعي النصف لا يدعي شيئا مما في يد صاحب الجميع فسلم النصف لمدعي الجميع بلا منازعة فبقي ما في يده لا على وجه القضاء إذ لا قضاء بدون الدعوى واجتمعت بينة الخارج وذي اليد فيما في يد صاحب النصف فتقدم بينة الخارج ولو كانت في يد ثلاثة فادعى أحدهم كلها وآخر ثلثها وآخر نصفها وبرهنوا فهي مقسومة عنده بطريق المنازعة وعندهما بالعول وبيانه في الكافي فليطالع
وإن برهن خارجان على نتاج دابة وأرخا قضى لمن وافق سنها تاريخه لرجحانه بشهادة الحال ولا فرق في ذلك
____________________
(3/383)
بين أن تكون الدابة في أيديهما أو في يد أحدهما أو في يد ثالث لأن المعنى لا يختلف
وإن أشكل أي سنها بأن لا يوافق التاريخين لعدم العلم فلهما أي يقضي لهما لعدم رجحان أحد البرهانين
وإن خالفهما أي خالف السن التاريخين معا بطلا أي البرهانان لظهور كذب كل من الفريقين فتترك الدابة بغير قضاء في يد صاحب اليد كما في الهداية وغيرها
وفي التبيين والأصح أنهما لا يبطلان بل يقضي بينهما إن كانا خارجين أو كانت في أيديهما وإن كانت في يد أحدهما يقضي بها لذي اليد وتمامه فيه فليطالع
وإن برهن أحد الخارجين على غصب شيء والآخر على وديعته استويا لأن المودع إذا أنكر الوديعة يصير غاصبا وبرهان الوديعة يتضمن إنكار صاحب يد
فصل في التنازع بالأيدي لما فرغ من بيان وقوع الملك بالبينة شرع في وقوعه بظاهر اليد لما أن الأول أقوى ولهذا إذا قامت البينة لا يلتفت إلى اليد فقال لابس الثوب أولى من الآخذ بكمه والراكب أحق من الآخذ باللجام ومن في السرج أحق من الرديف أي لو تنازعا ثوبا أحدهما لابس والآخر آخذ بكمه وغيره من الأطراف ولا بينة لهم فاللابس أولى من الآخذ في كونه صاحب اليد لأنه متصرف ومستعمل وكذا أو تنازعا أحدهما راكبا والآخر آخذ بلجامها والراكب أولى في كونه ذا يد إذ تصرفه أقوى
وكذا لو تنازعا دابة أحدهما راكب بسرجها والآخر رديفه فالأول أحق لأن تمكنه من ذلك دليل على تقدم يده وقيل هي بينهما على السواء وصاحب الحمل أولى ممن علق كوزه عليها أي إذا تنازعا في دابة وعليها حمل لأحدهما وللآخر كوز
____________________
(3/384)
والأول أولى من كونه ذا يد لأنه أكثر تصرفا فيها ولا ترجيح بكثرة الحمل إن كانا حملاها وتنازعا كما لا عبرة بكثرة الشهود وإذا أقاما بينة في هذه الصور فبينة من كان في حكم خارج أولى لما مر مرارا
والراكبان بلا سرج أو راكبان فيه أي في السرج سواء لاستوائهما في التصرف ولو كان أحدهما متعلقا بذنبها والآخر ممسكا بلجامها قالوا ينبغي أن يقضي بها لمن يمسك لجامها لأنه لا يتعلق باللجام غالبا إلا المالك بخلاف التعليق بالذنب
وكذا الجالس على البساط والمتعلق به سواء أي إذا تنازعا في بساط أحدهما قاعد عليه والآخر متعلق به فهو بينهما نصفان لا على طريق القضاء لأن الجلوس عليه ليس بيد فاستويا في عدم اليد بخلاف الركوب واللبس لأن المرء يصير بهما غاصبا لا بالجلوس وكذا إذا كانا جالسين عليه فهو بينهما ومن معه أي وكذا إن كان ثوب في يد رجل وطرفه مع آخر حيث ينصف بينهما وإن كان يد أحدهما في الأكثر لأن الزيادة ليست من جنس الحجة فإن كل واحد منهما مستمسك باليد إلا أن أحدهما أكثر استمساكا ومثل تلك لا يوجب الرجحان وفيه إشارة إلى الفرق بين هذا وبين مسألة القميص لأن الزيادة ليست من جنس الحجة فإن الحجة هي اليد والزيادة هي الاستعمال كما في العناية بخلاف جالسي الدار تنازعا فيها حيث لا يقضي بينهما لا بطريق الترك ولا بغيره لأن الجلوس لا يدل على الملك والحائط وهو الجدار لمن جذوعه عليه أي على الحائط أو اتصل ببنائه اتصال تربيع اتصال التربيع اتصال جدار بجدار بحيث يتداخل لبنات هذا الجدار في لبنات ذلك وإنما سمي اتصال التربيع لأنهما يبنيان ليحيطا مع جدارين آخرين بمكان مربع وإن كان الجدار من خشب فالتربيع أن يكون ساج أحدهما مركبا في الآخر وأما إذا نقب وأدخل فلا يكون مربعا فلا عبرة به ولا باتصال الملازقة من غير تربيع لعدم المداخلة فلا يدل على أنهما بنيا معا لا لمن له عليه هرادي وهي خشبات توضع على الجذوع ويلقى عليها التراب فإنها غير معتبرة وكذا البواري لأنه لم يكن استعمالا له وضعا إذ الحائط لا يبنى لها بل هي للتسقيف وهو لا يمكن على الهرادي والبواري كما في الدرر بل الجاران فيه سواء يعني إذا تنازعا في
____________________
(3/385)
حائط ولأحدهما عليه هرادي وليس للآخر شيء فهو بينهما لأن الحائط لا يبنى لأجلها بخلاف الجذوع
وإن كان لكل من الرجلين عليه أي على الحائط ثلاثة جذوع فبينهما لاستوائها في أصل العلة ولا ترجيح بالأكثر منها أي من الثلاثة يعني ولا عبرة بالكثرة والقلة بعد أن يبلغ ثلاثا لأن الترجيح بالقوة لا بالكثرة على ما بينا واشترط أن يبلغ ثلاثا لأن الحائط يبنى للتسقيف وذلك لا يحصل بما دون الثلاث غالبا فصار الثلاث كالنصاب له
وإن كان لأحدهما ثلاثة جذوع وللآخر أقل فهو أي الحائط لصاحب الثلاثة استحسانا وهو قول الإمام والقياس وهو مروي عن الإمام أن يكون بينهما نصفين لما بينا أن الترجيح بالقوة لا بالكثرة فيستويان ووجه الاستحسان أن ما دون الثلاث حجة ناقصة إذ لا يبنى الحائط فيما دونه والحجة الناقصة لا تظهر بمقابلة الكاملة وللآخر موضع خشبه باتفاق الروايات لأن حكمنا بالحائط لصاحب الجذوع بالظاهر وهو يصلح بالدفع لا للاستحقاق فلا يؤمر بالقلع ثم اختلف الروايات بعد ذلك في أنه هل يملك ذلك الموضع أو لا ذكر في كتاب الدعوى أن الحائط بينهما على قدر الإجذاع لأن موضع جذعه مشغول بجذعه فيكون في يده حقيقة باعتبار الاستعمال فيثبت لكل واحد منهما الملك فيما تحت خشبته لوجود سبب الاستحقاق فيه وصححه قاضي خان وفي كتاب الإقرار أن الحائط كله لصاحب الأجذاع ولصاحب القليل ما تحت جذعه يريد به حق الوضع لأن الحائط لا يبنى لأجل جذع أو جذعين عادة وإنما ينصب له أسطوانة فلا يحكم له بالملك
وفي المحيط وهو أصح وتمامه في التبيين فليطالع
ولو كان لأحدهما جذوع وللآخر اتصال فلذي الاتصال أي صاحب الاتصال أولى وللآخر أي لصاحب الجذوع حق الوضع وهذه رواية الطحاوي وصححه الجرجاني لأن الحائطين بهذا الاتصال كبناء واحد فالقضاء ببعضه يصير قضاء بكله ثم يبقى للآخر وضع جذوعه لما بينا ولا فرق بين أن يكون الاتصال من جانب أو من جانبين وقيل لذي الجذوع أي صاحب الجذوع أولى ورجح السرخسي هذه الرواية لأن له تصرفا في الحائط ولصاحب الاتصال اليد والتصرف أقوى في الدلالة على الملك وفي المحيط الأيدي في الحائط على ثلاث مراتب اتصال تربيع واتصال ملازقة ومجاورة ووضع جذوع ومحاذاة بناء فأولاهم صاحب التربيع
____________________
(3/386)
ثم صاحب جذوع ثم صاحب المحاذاة وذو بيت من دار كذي بيوت منها أي من الدار في حق ساحتها أي الساحة نصفان بينهما لاستوائهما في الاستعمال وهو المرور فيها والتوضؤ وكسر الحطب ووضع الأمتعة ونحو ذلك فصارت نظير الطريق بخلاف ما إذا تنازعا في الشرب حيث يقسم بينهما على قدر أراضيهما
ولو ادعيا أرضا كل منهما يدعي أنها أي الأرض في يده وبرهنا كذلك قضى بيدهما لأن اليد فيها غير مشاهد لتعذر إحضارها والبينة تثبت ما غاب عن علم القاضي فإن برهن أحدهما فقط أو كان أحدهما لبن فيها أي في الأرض لبنا أو بنى فيها أو حفر فيها قضى بيده أما الأول فلقيام الحجة فإن اليد حق مقصود وأما في الصورة الباقية فلوجود التصرف والاستعمال ولو قال أو تصرف فيها بدل أو كان لبن فيها أو بنى أو حفر لكان أشمل وأقصر تدبر
ومن في يده صبي يعبر عن نفسه أي يتكلم ويعلم ما يقول قال أنا حر وأنكر صاحب اليد فالقول له لأنه إن كان يعبر عن نفسه فهو في يد نفسه فلا يقبل دعوى أحد عليه أنه عبده عند إنكاره إلا ببينة كالبالغ وإن قال هذا الصبي أنا عبد لفلان وهو غير ذي اليد فهو عبد لذي اليد بالإجماع لأنه لما أقر بكونه رقيقا لفلان أقر أنه ليس له استقلال ولا قدرة على نفسه فلا يعمل بإقراره ويكون عبدا لذي اليد لا للخارج إلا بالبينة لا يقال إن الإقرار بالرق ضرر وكان الواجب أن لا يعتبر في حق الصبي لأن الرق لم يثبت بقوله بل بدعوى ذي اليد لعدم المعارض وتمامه في التبيين فليراجع
وكذا من لا يعبر عن نفسه إذ هو بمنزلة المتاع فيكون ملكا لمن هو في يده إن ادعاه لعدم المعارض من يد على نفسه حقيقة أو حكما فلو ادعى الحرية عند كبره لا يقبل بلا حجة أي لو كبر وادعى الحرية فلا يقبل قوله لأنه ظهر عليه الرق فلا ينقض ذلك إلا ببينة
____________________
(3/387)
باب دعوى النسب لما فرغ من بيان دعوى الأموال شرع في دعوى النسب لأن الأول أكثر وقوعا فكان أهم ذكرا فقدمه ولدت مبيعة لأقل من نصف سنة قمرية منذ بيعت فادعاه أي الولد البائع أي بائع المبيعة ولو أكثر من واحد فهو أي الولد ابنه فيثبت نسبه من البائع بدعوته وإن لم يصدقه المشتري لتيقن العلوق قبل البيع في ملكه مع دعوة لم تبطل بالبيع والمراد من المبيعة الجارية التي لا تباع إلا مرة كما هو المتبادر فبهذا اندفع ما قيل من أنه واجب عليه أن يقول مذ بيعت وقد ملكها سنتين احترازا عما إذا بيعت مرتين فولدت لأقل من ستة أشهر فإنه حينئذ لم يتيقن أن العلوق في ملك البائع الأول أو الثاني وهي أي الجارية أم ولده لأن العلوق وقع في ملكه بيقين ويفسخ البيع لعدم جواز بيع أم الولد فيأخذ البائع المبيعة ويرد الثمن لعدم سلامة المبيع للمشتري
وإن وصلية ادعاه أي النسب المشتري مع دعوته أي البائع أو ادعاه المشتري بعدها لأن دعوة البائع دعوة استيلاد لكون أصل العلوق في ملكه ودعوة المشتري دعوة تحرير إذ أصل العلوق لم يكن في ملكه والأول أقوى وأسبق هذا عندنا وهو استحسان لأن العلوق لما اتصل بملكه كان ذلك على كونه منه شهادة ظاهرة حيث إن الظاهر عدم الزنا مع أن النسب مبناه على الخفاء فيعفى فيه التناقض والقياس وهو قول زفر والأئمة الثلاثة دعوة باطلة لأن البيع اعتراف منه بأنها أمته وبالدعوة يكون مناقضا وإذا بطلت دعواه لم يثبت النسب بدون الدعوة إلا أن يصدقه المشتري أما لو ادعى المشتري أولا ثم ادعاه البائع لا يثبت النسب من البائع لأن النسب الثابت من المشتري لا يحتمل النقض كإعتاقه إذ يحمل على أن المشتري نكحها واستولدها ثم اشتراها وكذا يثبت النسب من البائع لو ادعاه
____________________
(3/388)
أي البائع بعد موت الأم أو عتقها أي إن ماتت الأم ثم ادعاه البائع وقد ولدت للأقل يثبت النسب من البائع ويأخذ الولد لأن الأصل في ثبوت النسب هو الولد لا الأم ولذا تضاف الأم إليه ويقال أم الولد وتستفيد الأم الحرية من جهته لقوله عليه الصلاة والسلام أعتقها ولدها فالثابت لها حق الحرية وله حقيقتها والأدنى يتبع الأعلى فلا يضره فوات التبع وكذا لو ادعى البائع الولد المولود لأقل من نصف سنة بعد إعتاق المشتري الأم يثبت نسبه ويحكم بحريته لا في حق الأم فلا تصير أم الولد للبائع لأن دعوته إن صحت في حق الأم بطل إعتاق المشتري والعتق بعد وقوعه لا يحتمل البطلان ويرد حصته أي حصة الولد من الثمن في العتق أي يقسم الثمن على قيمتي الولد والأم ويرد ما أصاب الولد من القيمة يوم الولادة دون ما أصاب الأم مع القيمة يوم القبض
و يرد كل الثمن في الموت عند الأم لأنه تبين أنه باع أم ولده وماليتها غير متقومة عنده في العقد والغصب فلا يضمنها المشتري وقالا يرد حصته فيهما أي في العتق والموت لأنها متقومة عندهما فيضمنها فعلى ما ذكره يكون رد حصته من الثمن لا حصتها متفقا عليه إنما الخلاف في الموت لكن في الدرر وغيره إذا أعتق المشتري الأم أو دبرها يرد البائع على المشتري حصته من الثمن عندهما وعنده برد كل الثمن في الصحيح كما في الموت كذا ذكر في الهداية فعلى هذا أن الخلاف ثابت فيهما على ما اختاره صاحب الهداية والمصنف اختار ما ذكر في المبسوط حيث قال يرد حصته من الثمن لا حصتها بالاتفاق وفرق على هذا بين الموت والعتق بأن القاضي كذب البائع فيما زعم حيث جعلها معتقة من المشتري فبطل زعمه ولم يوجد التكذيب في فصل الموت فيؤخذ بزعمه فيسترد بحصتها
____________________
(3/389)
أيضا كما في الكافي
ولو ادعاه البائع بعد موته أي بعد موت الولد أو عتقه ردت دعواه لعدم حاجته إلى النسب بعد الموت وكذا بعد عتقه لما ذكرنا أن الولد هو الأصل
ولو ولدت الجارية المبيعة لأكثر من نصف سنة وأقل من سنتين منذ بيعت إن صدقه المشتري الدعوة فالحكم كالأول يعني يثبت نسبه وأميتها ويفسخ البيع ويرد الثمن عندنا خلافا لزفر والشافعي على ما مر وإلا أي وإن لم يصدقه المشتري فلا يثبت النسب لاحتمال أن لا يكون العلوق في ملكه فلم توجد الحجة فلا بد من تصديقه فإذا صدقه فقد رضي بإسقاط حقه فيثبت النسب
وإن ولدت لأكثر من سنتين منذ بيعت لا تصح دعوته لأنه لم يوجد اتصال العلوي بملكه وهو الأصل فإن صدقه المشتري البائع ثبت نسبه أي نسب الولد وحمل على النكاح ولا يرد البيع ولا يعتق الولد ولا تصير الأمة أم ولد لحدوث العلوق بعد البيع ولا يستند على ما قبله حتى لزم بطلان
____________________
(3/390)
بيعه والأمة أم ولد لبائعه بملك نكاح بأن ملكها ثم باعها فاستولدها بالنكاح حملا لأمره على الصلاح
وإن باع عبدا ولد عنده أي عند البائع وكان العلوق أيضا عنده ثم ادعاه بعد بيع مشتريه من آخر صحت دعوته ويكون هو ابنه ورد بيع مشتريه لأن اتصال العلوق بملكه كالبينة والبيع يحتمل النقض وما له من حق الدعوة لا يحتمله فينتقض البيع لأجله
وكذا الحكم لو كاتبه أي الولد المشتري أو كاتب المشترى أمه أو رهن الولد أو أمه أو آجر الولد أو أمه أو زوجها أي الأم ثم كانت الدعوة صحت أي دعوته ونقضت هذه التصرفات لأن هذه العوارض يحتمل النقض فينتقض ذلك كله وتصح الدعوة بخلاف الإعتاق والتدبير لأنهما لا يحتملان النقض على ما مر
ولو باع أحد توأمين ولدا عنده فأعتقه مشتريه ثم ادعى البائع التوأم الآخر ثبت نسبهما منه لأنهما خلقا من ماء واحد وبطل عتق المشتري إذ ثبوت نسب أحدهما يستلزم نسب الآخر هذا إذا كان أصل العلوق في ملك البائع وإن لم يكن في ملكه يثبت نسبهما منه عند تصديق المشتري ولا يبطل عتق المشتري ولا ينتقض بيع البائع لأن هذه دعوة تحرير فيقتصر على محل ولايته ومن في يده صبي لا يعبر عن نفسه لو قال هو ابن زيد أو هو ابن عبد فلان الغائب ثم قال هو ابني لا يكون ابنه أي ابن ذي اليد
وإن وصلية جحد زيد بنوته عند الإمام لأن النسب مما لا يحتمل النقض بعد ثبوته والإقرار بمثله لا يرتد بالرد فبقي فتمتنع دعوته وإذا صدقه زيد أو لم يدر تصديقه ولا تكذيبه لم تصح دعوة المقر عندهم وعندهما يصح إن جحد زيد بنوته وهو ابن ذي اليد لأن الإقرار ارتد بالرد فصار كأن
____________________
(3/391)
لم يكن والإقرار بالنسب يريد بالرد وإن كان لا يحتمل النقص
وفي الدرر نقلا عن العمادية ولو قال لصبي هذا الولد مني ثم قال ليس مني ثم قال هو مني يصح إذ بالإقرار بأنه مني تعلق حق المقر والمقر له أما حق المقر له فإنه ثبت نسبه من رجل معين حتى ينتفي كونه مخلوقا من ماء الزنا فإذ قال ليس هذا الولد مني لا يملك إبطال حق الولد فإذا عاد إلى التصديق يصح ولو قال هذا الولد مني ثم قال ليس مني لا يصح النفي لأن النسب ثبت وإذا ثبت لا ينتفي بالنفي وهذا إذا صدقه الابن أما بغير التصديق فلا يثبت النسب لأنه إقرار على الغير بأنه جزئي لكن إذ لم يصدقه الابن ثم عاد إلى التصديق يثبت النسب لأن إقرار الأب لم يبطل بعدم تصديق الابن فيثبت النسب ولو أنكر الأب الإقرار أقام الابن البينة أنه أقر إني ابنه تقبل والإقرار بأنه ابني مقبول لأنه إقرار على نفسه بأنه جزؤه أما الإقرار بأنه أخوه لا تقبل لأنه إقرار على الغير
ولو كان الصبي في يد مسلم وذمي فادعى المسلم رقه و ادعى الكافر بنوته فهو حر ابن الكافر لأن الإسلام مرجح أينما كان والترجيح يستدعي التعارض ولا تعارض ههنا لأن النظر للصبي واجب ونظره فيما ذكرنا أوفر لأنه ينال شرف الحرية حالا وشرف الإسلام مآلا إذ دلائل الوحدانية ظاهرة وفي عكسه الحكم بالإسلام تبعا وحرمانه عن الحرية إذ ليس في وسعه اكتسابها وتمامه في العناية فليطالع
قيل مسلم أيضا حالا بحكم الإسلام لا عبد لمسلم هذا إذا ادعيا معا وإن سبق دعوى المسلم كان عبدا له وإن ادعيا البنوة كان ابنا لمسلم لحصول الإسلام حالا
ولو كان الصبي في يد زوجين فزعم الزوج أنه ابنه من غيرها وزعمت الزوجة أنه ابنها من غيره فهو أي الولد ابنهما لأن كلا منهما أقر للولد بالنسب وهو في أيديهما ثم يريد كل منهما إبطال حق صاحبه فلا يصدق عليه
والمراد من الصبي الصبي الغير معبر وإلا فهو لمن صدقه
ولو استولد مشتراته يعني لو اشترى أمة فولدت منه وادعاه ثم
____________________
(3/392)
استحقت الأمة بدعوى مستحق فالولد حر وكذا إذا ملكها بسبب آخر غير الشراء أي سبب كان كالإرث والهبة والوصية
وكذا إذا تزوجها على أنها حرة فولدت له فاستحقت كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا لو قال ولو ملك أمة بأي سبب كان لكان أشمل وعلى الأب قيمته أي قيمة الولد بإجماع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ولأن النظر من الجانبين واجب فيجعل الولد حر الأصل في حق أبيه ورقيقا في حق مدعيه نظرا لهما يوم الخصومة لأنه يوم المنع كولد المغصوبة فإن مات الولد قبل الخصومة إذ بعد الخصومة يغرم لتحقق المنع فيه فلا شيء على أبيه لانعدام المنع وتركته له أي تكون تركة الولد ميراثا لأبيه سواء كان قبل الخصومة أو بعدها لكونه حر الأصل إذ الولد في حياته أحق بماله فيكون الأب أحق بعد وفاته لأنه خلفه
وإن قتله الأب غرم قيمته لتحقق المنع من الأب بقتله
وكذا إن قتله غيره أي غير الأب فأخذ ديته أي أخذ الأب مقدار قيمة الولد لأن سلامة بدله كسلامته ومنع بدله كمنعه فيغرم قيمته كما إذ كان حيا ويرجع المشتري بقيمته أي قيمة الولد التي ضمنها وبالثمن أي ثمن الجارية على بائعه لأن البائع ضمن له سلامة الولد لكونه جزء المبيع إذ الغرور يشمل سلامة جميع أجزاء المبيع لا يرجع بالعقر الذي أخذ منه المستحق لأنه بدل استيفاء منفعة البضع وهي ليست من أجزاء المبيع فلم يكن البائع ضامنا لسلامته وعند الأئمة الثلاثة يرجع بالعقر أيضا ولو باعها المشتري من آخر فاستولدها الثاني ثم استحقت رجع المشتري الثاني على البائع الثاني بالثمن وبقيمة الولد والمشتري الأول على البائع الأول بالثمن ولا يرجع عليه بقيمة الولد عند الإمام وقالا يرجع عليه بقيمة الولد أيضا
وفي الدرر ادعى العصوبة وبين النسب وبرهن الخصم أن النسب بخلافه إن قضى بالأول لم يقض به وإلا تساقطا للتعارض
____________________
(3/393)
وعدم الأولوية برهن أنه ابن عمه لأبيه وأمه وبرهن الدافع أنه ابن عمه لأمه فقط أو على إقرار الميت به أي بأنه ابن عمه لأمه فقط كان دفعا قبل القضاء بالأول لا بعده لتأكده بالقضاء بخلاف الأول ادعى ميراثا بالعصوبة فدفعه أن يدعي خصمه قبل الحكم إقراره مفعول يدعي بأنه من ذوي الأرحام إذ يكون حينئذ بين كلاميه تناقص انتهى
____________________
(3/394)
كتاب الإقرار مناسبته بالدعوى لأن حال المدعى عليه دائر بين الإقرار والإنكار وإلى الإقرار أقرب لأن الغالب في حال المسلم الصدق وهو لغة الإثبات من قر الشيء قرارا إذا قام وثبت ومنه ثابت القدم لمن قر ويقال أقره إقرارا إذا أقامه هذا في الحسي وأما في القول يقال أقر به إذا أظهر بالقول وشرعا إخبار أي إعلام بالقول فلو كتب أو أشار ولم يقل شيئا لم يكن إقرارا ويدخل فيه ما إذا كتب إلى الغائب أما بعد فله كذا فإنه كالقول شرعا كما في القهستاني بحق أي بما يثبت ويسقط من عين وغيره لكنه لا يستعمل إلا في حق المالية فيخرج عنه ما دخل من حق التغرير ونحوه لآخر على نفسه أي لغير المخبر على المخبر أما لنفسه على آخر فهو
____________________
(3/395)
دعوى ولآخر على آخر فهو شهادة وفيما قاله أبو المكارم من أن التعريف منقوض بإقرار الوكيل في حق الموكل كلام لنيابته منابه شرعا والدليل على حجيته الكتاب والسنة وإجماع الأمة ونوع من المعقول
وشرطه الحرية والعقل والبلوغ
وركنه أن يقول المقر لفلان علي كذا ولا يصح الإقرار إلا لمعلوم أي لشخص معلوم لأن المجهول لا يصلح مستحقا
وفي المنح وأما جهالة المقر له فمانعة من صحته إن تفاحشت كلواحد من الناس علي كذا وإلا كلأحد هذين علي كذا لا
ولا يجبر على البيان ولكل منهما أن يحلفه وفي الدرر وإن لم يتفاحش بأن أقر بأنه غصب هذا البعد من هذا أو من هذا فإنه لا يصح عند شمس الأئمة السرخسي لأنه إقرار للمجهول وأنه لا يفيد وقيل يصح وهو الأصح وتمامه فيه فليطالع
وحكمه أي الإقرار ظهور المقر به أي المخبر به للمقر له عليه لا إنشاؤه أي لا إثبات المقر به له بهذا اللفظ ولذا قالوا إن المقر له إذا علم أن المقر كاذب في إقراره ثم أخذه منه لم يحل له ديانة إلا إن أخذه عن طيب نفسه فإنه تمليك مبتدأ وإنما لم يكتف بالإثبات عن النفي وجمعهما مبالغة في رد ما قال بعض المشايخ إن الإقرار إنشاء وإنما أطلق إشارة إلى أن تصديق المقر له لم يشترط وإن ارتد برده ولو صدقه ثم رده لم يصح الرد ولو رده ثم أعاد إقراره صح الإقرار كما في القهستاني وقد فرع على كون حكم الإقرار ظهور المقر به لا إنشاءه بقوله
فصح الإقرار بالخمر للمسلم ولو كان الإقرار إنشاء لما صح لأن المسلم لا يصلح له تمليك الخمر
وفي المحيط لو أقر بخمر للمسلم يصح ويؤمر بتسليمها إذا طلب استردادها ولو أقر بخمر مستهلك لمسلم لا يصح لأنه لا يجب للمسلم بدل الخمر
لا يصح الإقرار بطلاق وعتاق مكرها لقيام دليل الكذب وهو الإكراه ولو كان إنشاء لصح لأن طلاق المكره وإعتاقه واقعان عندنا
وإذا أقر حر وإنما شرط الحرية ليصح إقراره مطلقا لأن العبد المحجور عليه يتأخر إقراره بالمال إلى ما بعد العتق وكذا المأذون فيما ليس من باب التجارة كالمهر لوطء امرأة تزوجها بغير إذن مولاه والجناية الموجبة للمال لأن الإذن لا يتناول إلا التجارة فلم يكن مسلطا عليه بخلاف ما إذا أقر
____________________
(3/396)
بالحدود والقصاص مكلف لأن إقرار المجنون والمعتوه والصبي العاقل لا يصح لانعدام أهلية الالتزام إلا إذا كان الصبي والمعتوه مأذونا له في التجارة فيصح إقراره كما هو من ضرورات التجارة كالدين الوديعة والعارية والمضاربة والغصب دون ما ليس منها كالمهر والجناية والكفالة لدخول ما كان من باب التجارة تحت الإذن دون غيره والنائم والمغمى عليه كالمجنون لعدم التمييز وإقرار السكران جائز مطلقا إذا كان سكره بطريق محظور إلا إذا أقر فيما يقبل الرجوع كالحدود الخالصة لله تعالى وإن سكر بطريق مباح كالشرب مكرها وكذا شرب المتخذ من الحبوب والعسل عندهما خلافا لمحمد بحق معلوم أو مجهول كشيء وحق أي قال لفلان علي شيء أو حق صح إقراره لأن جهالة المقر به لا تمنع صحة الإقرار لأن الحق قد يلزمه مجهولا بأن أتلف مالا لا يدري أو جرح جراحة لا يدري أرشها
ولزمه فيما أقر بمجهول بيان المجهول حتى لو امتنع أجبره القاضي على بيانه بماله قيمة لأنه أخبر عن الواجب في ذمته وما لا قيمة له لا يجب كحبة من الحنطة فلا يقبل قوله بل يحمل على الرجوع فيجبر على البيان
وفي المحيط ولو قال لفلان علي حق ثم عنيت به حق الإسلام أو الجار لا يصدق إلا إذا قال ذلك موصولا لأنه بيان باعتبار العرف خلافا للأئمة الثلاثة والقول قوله أي القول للمقر مع يمينه إن ادعى المقر له أكثر مما بينه المقر بلا برهان لإنكاره الزيادة والقول للمنكر
وفي المنح تفصيل فليراجع وفي القهستاني لو أنكر الإقرار بمجهول وأريد إقامة البينة عليه لم يقبل لأن جهالة المشهود به تمنع صحة الشهادة وتمامه في الجواهر والتحفة
وفي قوله له علي مال لا يصدق في أقل من درهم لأن ما دونه من الكسور لا يطلق عليه اسم المال عادة وهو المعتبر خلافا للأئمة الثلاثة
و لزم في قوله علي مال عظيم نصاب مما بين
____________________
(3/397)
به فضة أو غيرها لأن النصاب عظيم يجعل صاحبه غنيا هذا قولهما ورواية عن الإمام وعنه أنه يصدق في عشرة دراهم لأنها مال عظيم حتى تقطع بها اليد ويستباح البضع قيل الأصح على قول الإمام أن ينظر إلى حال المقر في الفقر والغنى فإن القليل عند الفقير عظيم والكثير عند الغني ليس بعظيم وهو في الشرع متعارض فإن المائتين في الزكاة عظيم وفي السرقة والمهر العشرة عظيمة فيرجع إلى حال المقر ومن الإبل خمس وعشرون أي لزم في قوله علي مال عظيم من الإبل خمس وعشرون إبلا لأنه أول نصاب تجب فيه الزكاة من جنسه فهو عظيم من وجه دون وجه والمطلق ينصرف إلى الكامل
وفي المنح وإن قال غصبت إبلا كثيرة أو بقرا كثيرة أو غنما كثيرة ينصرف إلى أقل نصاب يؤخذ منه ما هو من جنسه عندهما وهو خمسة وعشرون من الإبل والثلاثون من البقر والأربعون من الغنم وعنده يرجع إلى بيان المقر ومن البر خمسة أوسق لأنه المقدر بالنصاب عندهما وعند الإمام يرجع إلى بيان المقر وقول المصنف مما بين إلى هنا لا يخلو عن التشوش يظهر لك عند التأمل
ومن غير مال الزكاة لزمه قيمة النصاب فلا يصدق في أقل من مقدار النصاب قيمة في غير مال الزكاة كالحمار والبغل لأن قدر قيمته عظيم أيضا
وعن الإمام أنه مقدر بعشرة دراهم كما في الاختيار
و لزم في له علي أموال عظام ثلاثة نصب من أي مال كان فسره به لأن أقل الجمع ثلاثة فلا يصدق في أقل منه للتيقن به
و في دراهم ثلاثة بالإجماع اعتبارا لأدنى الجمع و في دراهم كثيرة عشرة عند الإمام لأنها أقصى ما ينتهي إليه اسم الجمع وعندهما نصاب وهو مائتا درهم لأن صاحب النصاب مكثر حتى وجب عليه مواساة غيره بخلاف ما دونه وعلى هذا الخلاف إذا قال علي دنانير كثيرة عندهما ينصرف إلى النصاب وعنده إلى العشرة وكذا إذا قال علي ثياب كثيرة فعنده عشرة وعندهما يلزمه ما يساوي مائتي درهم ولو قال علي مال نفيس أو كريم أو خطير أو جليل قال الناطفي لم أجده منصوصا عليه وكان الجرجاني يقول يلزمه مائتان
و لو قال له علي كذا درهما لزم درهم لأن كذا مبهم
____________________
(3/398)
و درهما تفسير له
وفي التتمة والذخيرة يلزمه درهمان لأن كذا كناية عن العدد وأقل العدد اثنان لأن الواحد ليس بعدد
وفي شرح المختار قيل يلزمه عشرون وهو القياس لأن كذا يذكر للعدد عرفا وأقل عدد غير مركب يذكر بعده الدراهم بالنصب عشرون ولو ذكره بالخفض روي عن محمد يلزمه مائة ولو قال له علي درهم عظيم يلزمه درهم واحد ولو قال علي دريهم يلزمه درهم تام لأن التصغير قد يذكر على سبيل الاستقلال فلا ينقص عن الوزن والمعتبر هو الوزن المعتاد في كل زمان ومكان
و لو قال بلا واو له علي كذا كذا درهما لزم أحد عشر درهما لأن كذا كناية عن العددين بالإضافة وهو من أحد عشر إلى تسعة عشر فيحمل على الأقل لتيقنه وعند الشافعي يلزمه درهم
وإن ثلث أي قال بلا واو له علي كذا كذا كذا درهما فكذلك أي يلزمه أحد عشر أيضا لأنه لا نظير له في ألفاظ العدد فحمل الأخير على التكرار أو التأكيد
و لو قال له علي كذا وكذا بحرف العطف لزم أحد وعشرون درهما لأنه فصل بينهما بحرف العطف وأقل ذلك من العدد المفسر أحد وعشرون وأكثره تسعة وتسعون فالأول يلزمه من غير بيان والزيادة تقف على بيانه
وعند الشافعي يلزمه درهمان وإن ثلث لفظ كذا بالواو زيد مائة أي يلزمه مائة وواحد وعشرون لأنه أقل ما يعبر عنه بثلاثة أعداد مع الواو
وإن ربع لفظ كذا مع تثليث الواو زيد ألف على مائة وواحد وعشرين لأنه أقل ما يعبر عنه بأربع أعداد مع الواو فيحمل على الأقل المتيقن دون الأكثر إذ الأصل في الذمم البراءة ولو خمس يزاد عشرة آلاف ولو سدس يزاد مائة ألف ولو سبع يزاد ألف ألف وكلما زاد عددا معطوفا بالواو زيد عليه ما جرت العادة به إلى ما لا يتناهى كما في البحر
وكذا كل مكيل أو موزون في جميع ما ذكر من الصور
وبشرك في عبد يعني إذا قال له شرك في هذا العبد فهو نصف عند أبي يوسف لأن الشرك بمعنى الشركة وهي تنبئ عن التسوية وعند محمد يؤمر بالبيان لأن الشرك يجيء بمعنى النصيب وهو مجمل فعليه بيانه بما شاء
وفي التسهيل والفتوى على قول أبي يوسف
وقوله علي أو قبلي إقرار بدين أي لو
____________________
(3/399)
قال له علي أو قال له قبلي فهو إقرار بدين لأن علي للوجوب ولفظ قبلي يستعمل في الضمان كما مر في الكفالة
وفي القدوري أنه أمانة والأول أصح كما في الهداية وغيرها فإن وصل به أي قال المقر بلا تراخ وهو وديعة صدق لأن اللفظ يحتمله مجازا حيث يكون المضمون حفظه والمال محله فيكون من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال مجازا فيصدق موصولا كما في الهداية وغيرها
وفي المنح ولكنه خلاف الظاهر فلا ينصرف إليه عند الإطلاق ويجوز تفسيره به متصلا لأنه يحتمله مجازا وإن فصل لا يصدق كالاستثناء والتخصيص
و لو قال عندي أو قال معي أو قال في بيتي أو في صندوقي أو كيسي فهو إقرار بأمانة لأن هذه المواضع محل للعين لا للدين إذ الدين محله الذمة والعين تحتمل أن تكون مضمونة والأمانة أدناهما فيحمل عليها وهذا لأن كلمة عند للظرف و مع للقران وما عداهما لمكان معين فيكون من خصائص العين ولا يحتمل الدين لاستحالة كونه في هذه الأماكن كما في المنح
ولو قال لمن ادعى عليه ألفا اتزنها أمر معناه خذ بالوزن الواجب لك علي وإنما أنث الضمير مع أن الألف من العدد اعتبارا للدراهم أو انتقدها أو أجلني بها أو قد قضيتكها أو أبرأتني منها أو وهبتها لي أو تصدقت بها علي أو أحلتك بها فقد أقر الألف لأن الهاء كناية عن المذكور في الدعوى في جميع ذلك فصار كأنه أعاد المدعى فيكون إقرارا بها إلا إذا تصادقا أنه على سبيل الاستهزاء أو شهد الشهود بذلك أما إذا ادعى أنه قال مستهزئا لم تقبل منه وبلا ضمير لا أي لا يكون إقرارا بها كما إذا قال اتزن أو انتقد لأنه لا دليل حينئذ على انصرافه إلى المذكور فيكون كلاما مبتدأ فلا يلزمه شيء والأصل فيه أن الجواب ينتظم بإعادة الخطاب ليفيد الكلام فكل ما يصلح جوابا ولا
____________________
(3/400)
يصلح ابتداء يجعل جوابا وما يصلح للابتداء لا للبناء أو يصلح لهما فإنه يجعل ابتداء فإن ذكر هاء الكناية يصلح جوابا لا ابتداء وإذا لم يذكر الهاء لا يصلح جوابا أو يصلح جوابا أو ابتداء فلا يكون إقرارا بالشك
وفي المحيط ولو قال لي عليك ألف فقال نعم يكون إقرارا ولو أومأ برأسه لا لأن الإشارة لا تقوم مقام الكلام من غير الأخرس
ولو قال رجل لآخر أعطني ثوب عبدي هذا فقال نعم كان إقرارا منه بالعبد والثوب له
ولو قال أعطني سرج دابتي هذه أو لجامها أو افتح باب داري أو جصصها فقال نعم كان ذلك إقرارا لأن كلمة نعم لا تستقل فلا بد من حملها على الجواب كي لا يصير لغوا
وفي المنح رجل قال لغيره أقرضتك مائة درهم فقال لا أعود بها أو قال لا أعود بعد ذلك فهو إقرار ولو قال ما استقرضت من أحد سواك أو قال من أحد غيرك أو قال ما استقرضت من أحد قبلك أو قال ما استقرضت من أحد بعدك لم يكن إقرارا قال أليس لي عليك ألف درهم فقال المخاطب في جوابه بلى فهو إقرار له بالألف وإن قال نعم لا يكون إقرارا وتمامه فيه فليراجع
ولو أقر بدين مؤجل وقال المقر له هو حال لزمه أي المقر حال كون الدين حالا لأنه أقر بحق على نفسه وادعى لنفسه حقا فيه فيصدق في الإقرار بلا حجة دون الدعوى كما لو أقر بعبد في يده أنه لفلان استأجره منه فصدقه المقر له في الملك لا الإجارة وحلف المقر له على الأجل لكونه منكرا وعند الشافعي في قول واحد لزمه مؤجلا مع يمينه
وفي التنوير بخلاف ما لو أقر بالدراهم السود فكذبه في صفتها حيث يلزمه أي المقر ما أقر به فقط كإقرار الكفيل بدين مؤجل
ولو قال له علي مائة ودرهم فالكل دراهم فيلزمه مائة درهم ودرهم استحسانا عندنا لوقوع درهم تفسيرا للمائة المبهمة والقياس أن يرجع في تفسير المائة إليه وهو قول الشافعي
وكذا كل ما يكال أو يوزن يعني لو قال له علي مائة وقفيز حنطة يلزمه مائة قفيز حنطة وقفيز حنطة
ولو قال له علي مائة وثوب أو قال له علي مائة وثوبان لزمه تفسير المائة فيلزمه ثوب واحد في
____________________
(3/401)
الأولى وثوبان في الثانية بالاتفاق لأنهما مبهمة والثوب عطف عليها لا تفسير لها لأن المعطوف لم يوضع لتفسير المعطوف عليه ولم يكن من قبيل الاكتفاء كما في مائة ودرهم
وإن قال له علي مائة وثلاثة أثواب فالكل ثياب فيلزمه أثواب في الكل لأنه ذكر عددين مبهمين وذكر عقيبهما مميزا بلا واو فينصرف إليهما لاستوائهما في الحاجة إلى التفسير كعدد واحد بالاقتران
ولو أقر بتمر في قوصرة وهي وعاء من خوص وغيره ويقال وعاء للتمر منسوج من قصب
وفي الجوهرة القوصرة بتشديد الراء وتخفيفها وعاء التمر يتخذ من قصب وإنما سمي قوصرة ما دام فيها التمر وإلا فهي زنبيل لزماه أي التمر والقوصرة معا لأن غصب الشيء المتعدد لا يتحقق بدون الظرف وكذا الطعام في السفينة والجوالق بخلاف ما إذا قال غصبت من قوصرة أو من سفينة أو من جوالق لأن كلمة من للانتزاع فيكون إقرارا بغصب المنزوع
أو أقر بخاتم لزمه الحلقة والفص لإطلاق الاسم على جميع الأجزاء ولهذا يدخل الفص في بيعه من غير تسمية
أو أقر بسيف فالنصل أي لزمه حديده والجفن أي غلافه والحمائل وهي علاقة السيف لأن اسم السيف يطلق على الكل
أو أقر بحجلة بفتحتين فالكسوة أي لزمه الكسوة والبعيدان لإطلاق الاسم على الكل عرفا لأنه بيت مزين بالأسرة والثياب والستور وقيل بيت يتخذ من خشب وثياب اسمه خركاه وأوتاق
وإن أقر بدابة في إصطبل لزمه الدابة فقط عند الشيخين لأن غصب الإصطبل لا يتحقق لعدم إمكان النقل لكونه محلا للغير فلا يكون تابعا لها وعلى قياس قول محمد يضمنهما لأن غصب غير المنقول يتحقق عنده وعلى هذا الطعام في البيت
و إن أقر بثوب في منديل لزماه لأن المنديل ظرف للثوب
وكذا إن أقر بثوب في ثوب لزمه الظرف كالمظروف لأن الإقرار بالمظروف لا يتحقق بدون ظرفه
وإن أقر بثوب في عشرة أثواب لزمه ثوب واحد عند أبي يوسف وهو قول الإمام أولا لأن كلمة في تستعمل في البين والوسط قال الله تعالى فادخلي في عبادي بمعنى بين
____________________
(3/402)
عبادي فوقع الشك فلم تثبت الظرفية ولأن العشرة لا تكون ظرفا لواحد عادة والممتنع عادة كالممتنع حقيقة فيحمل على بيان محله كما لو قال غصبت سرجا على فرس فإنه إقرار بغصب سرج فيكون ذكر الفرس بيانا للمحل
و لزمه أحد عشر عند محمد لأنه قد يجوز أن يلف الثوب النفيس في عشرة أثواب فصار كقوله حنطة في جوالق
وفي التبيين ما قاله محمد منقوض بما إذا قال غصبت كرباسا في عشرة أثواب حرير يلزمه الكل عنده مع أنه ممتنع عرفا
ولو قال له علي خمسة في خمسة لزمه خمسة وإن وصلية نوى الضرب المصطلح عليه عند الحساب لأن المقر به خمسة مضروبة والخمسة إذا ضربت بخمسة تكثر أجزاؤها لأن عينها تكثر وتبلغ خمسة وعشرين
وقال زفر يلزمه عشرة
وقال الحسن يلزمه خمسة وعشرون كما في الإصلاح وبنية مع لزمه عشرة أي لو قال أردت خمسة مع خمسة لزمه عشرة بالاتفاق إذ اللفظ يحتمله
وفي قوله علي من درهم إلى عشرة أو ما بين درهم إلى عشرة يلزمه تسعة فيهما عند الإمام لأن الغاية لا تدخل تحت المغيا لكن الأولى تدخل هنا بالضرورة لأن الدرهم الثاني والثالث لا يتحقق بدون الأولى وعندهما والأئمة الثلاثة يلزمه عشرة لأن الغاية لا بد أن تكون موجودة إذ المعدوم لا يصلح أن يكون حدا للموجود فوجوده بوجوبه فتدخل الغايتان وعند زفر يلزمه ثمانية وهو اعتبر الحدين الخارجين وهو القياس لأن بعض الغايات يدخل وبعضها لا فلا يدخل بالشك
وإن قال له من داري ما بين هذا الجدار إلى هذا الجدار فله ما بينهما فقط بالإجماع لوجوده بلا انضمام شيء بخلاف قوله علي ما بين الواحد إلى
____________________
(3/403)
العشرة إذ ليس للبين وجود مستقل لتوقفه على الواحد فظهر الفرق بينهما
وصح الإقرار بالحمل المحتمل وجوده وقت الإقرار بأن أقر بحمل جارية أو شاة لرجل يصح إقراره بالاتفاق بلا بيان سببه وحمل على الوصية من غيره بيانه أن يوصي زيد حمل جاريته أو شاته لبكر ومات وأقر وارثه بأن هذا الحمل لبكر
و صح الإقرار للحمل إن بين المقر سببا صالحا يتصور للحمل كإرث بأن قال إن مورث الحمل مات فورثه الحمل واستهلكت من مال المورث ألفا مثلا أو وصية بأن قال إن مورثي أوصى في حياته بحمل فلانة ألفا مثلا لأنه بين سببا صالحا في الصورتين وهو الإرث والوصية فإن ولدت الحامل ولدا حيا لأقل من نصف حول منذ أقر فله أي للحمل ما أقر به المقر لأنه كان موجودا وقت الإقرار بيقين
وإن ولدت ولدين حيين فلهما أي فالمال بينهما على السوية إن كانا ذكرين أو أنثيين وإن كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى فكذلك في الوصية وفي الإرث للذكر مثل حظ الأنثيين
وفي القهستاني وفيه إشارة إلى أن الأم لو كانت معتدة فولدت لأقل من سنتين من موت أحدهما استحقق الولد ما أقر لأنه كان في البطن وإلى أنه لو لم تكن معتدة بل ذات زوج فولدت لأكثر من ستة أشهر لم يستحقق
وإن ولدت ولدا ميتا فللموصي والمورث أي يرد المال إلى ورثة الموصي والمورث لأن هذا الإقرار في الحقيقة لهما وإنما ينتقل إلى الجنين بعد ولادته ولم ينتقل فيكون لورثتهما
وإن فسر ببيع أو إقراض أي إن فسر المقر الإقرار بسبب غير صالح بأن قال إنه باع مني هذه الدار بكذا أو أقرضني أو وهب مني كذا لا يلزمه شيء إذ لا يتصور شيء منه من الجنين أو أبهم المقر الإقرار بلا بيان سبب أصلا بأن قال علي لحمل فلانة كذا يكون لغوا أي يكون إقراره لغوا فلا يلزمه شيء أيضا عند أبي يوسف لأن وجوه فساده أكثر
____________________
(3/404)
كالبيع والشراء والإقراض والهبة من وجوه جوازه كالإرث والوصية مع أن الحمل على الجواز متعذر إذ الجمع بينهما غير متصور وليس أحدهما بأن يعتبر سببا أولى من الآخر فتعين الفساد خلافا لمحمد لأن الإقرار من الحجج فيجب إعماله وقد أمكن بالحمل على السبب الصالح
وفي التنوير والإقرار للرضيع صحيح وإن بين سببا غير صالح حقيقة كالإقراض
وإن أقر بشرط الخيار بأن قال له علي ألف درهم قرض أو غصب أو عارية قائمة أو مستهلكة على أني بالخيار ثلاثة أيام لزمه المال وبطل الشرط لأن الإقرار إخبار والإخبار لا يقبل الخيار وزاد صاحب المنح قوله وإن صدق المقر له لا عبرة بتصديقه إلا إن أقر بعقد بيع وقع بالخيار له فإنه يصح الإقرار ويثبت الخيار إذا صدقه المقر له وأقام عليه بينة إلا أن يكذبه المقر له فلا يثبت الخيار وكان القول قول المقر له كإقراره بدين بسبب كفالة على أنه بالخيار في مدة ولو كانت طويلة فإنه يجوز إن صدقه المقر له وفي الغرر اشهدا على ألف في مجلس وآخران في آخر لزم ألفان
الأمر بكتابة الإقرار إقرار أحد الورثة إقرار بالدين قيل يلزمه كله وقيل حصته لكن الفتوى في زمننا بالأول
وفي التنوير أقر ثم ادعى المقر أنه كاذب في الإقرار يحلف المقر له أنه لم يكن كاذبا عند أبي يوسف وبه يفتى وسيأتي إن شاء الله تعالى في مسائل شتى وكذا لو ادعى وارث المقر وإن كانت الدعوى على ورثة المقر له فاليمين عليهم بالعلم إنا لا نعلم أنه كان كاذبا
وفي المنح إذا قال ذو اليد ليس هذا لي أو ليس ملكي أو لا حق لي فيه أو ليس لي فيه حق أو ما كان لي أو نحو ذلك ولا منازع له حينما قال ثم ادعى ذلك أحد فقال ذو اليد هو لي صح ذلك منه والقول قوله وهذا التناقض لا يمنع
أقر لرجل بعين لا يملكه صح إقراره حتى لو ملكه يوما من الدهر يؤمر بالتسليم إلى المقر له
طلب الصلح عن الدعوى لا يكون إقرارا وطلب الصلح عن المدعى يكون إقرارا أبرأني عن الدعوى ليس
____________________
(3/405)
بإقرار أبرأني عن هذا المال إقرار الإقرار بشيء محال باطل وتمامه فيه فليطالع
باب الاستثناء وما في معناه لما ذكر موجب الإقرار بلا تغير شرع في بيان موجبه مع التغيير وهو الاستثناء وما في معناه في كونه مغيرا للسابق كالشرط ونحوه
والاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا باعتبار الحاصل من مجموع التركيب ونفي باعتبار الأجزاء هذا عندنا
وعند الشافعي إخراج بعد الدخول بطريق المعارضة وهذا مشكل فإن الاستثناء جائز في الطلاق والعتاق ولو كان إخراجا لما صح لأنهما لا يحتملان الرجوع والرفع بعد الوقوع كما في التبيين وشرط في الاستثناء الاتصال بالمستثنى منه إلا إذا انفصل عنه لضرورة نفس أو سعال أو أخذ فم فإنه لا يقطع الاتصال كما في الطلاق
والنداء بينهما لا يضر كقوله لك علي ألف درهم يا فلان إلا عشرة بخلاف لك ألف فاشهدوا إلا كذا ونحوه مما يعد فاصلا فإن الاستثناء لا يصح معه كما في المنح وفيه إشارة إلى أنه لو استثنى منفصلا عن إقراره لا يصح لأنه يؤدي إلى الرجوع عن الإقرار والرجوع عنه غير جائز مطلقا فيلزمه ما أقر صح استثناء بعض ما أقر به لو كان الاستثناء متصلا بإقراره ولزمه باقيه لأن الاستثناء مع الجملة أي الصدر عبارة عن الباقي لأن معنى قوله علي عشرة إلا درهما معنى قوله علي تسعة سواء استثنى الأقل أو الأكثر وهو قول للأكثر لورودهما في كلام الله تعالى وهو المذهب كما في التبيين
وقال الفراء استثناء الأكثر لا يجوز لأن العرب لم يتكلم بذلك وهو مذهب زفر
وفي النهاية ولا فرق بين استثناء الأقل أو الأكثر وإن لم يتكلم به العرب ولا يمنع صحة إذا كان موافقا لطريقهم كاستثناء الكسور ولم يتكلم به العرب وهو الصحيح ولا فرق بين أن يكون الاستثناء مما لا يقسم أو مما يقسم حتى إذا قال هذا العبد لفلان إلا ثلثه أو قال إلا ثلثيه صح
وبطل استثناء الكل وإن ذكره
____________________
(3/406)
موصولا فيلزمه كله لأنه لا يكون بيانا لكلامه بل يكون رجوعا عن إقراره وذا غير جائز كما في أكثر المعتبرات
وقال صاحب المنح مقتضى هذا الكلام صحة استثناء الكل من الكل فيما يقبل الرجوع وليس كذلك وعن هذا قال في تنويره والاستثناء المستغرق باطل ولو فيما يقبل الرجوع كوصية إن كان بلفظ الصدر أو مساوية وإن بغيرهما كعبيدي أحرار إلا هؤلاء أو إلا سالما وغانما وراشدا وهم الكل صح الاستثناء وتفصيله ما مر في الطلاق
وفي شرح المجمع أن استثناء الكل من الكل إنما يبطل إذا كان بعين لفظ المستثنى منه وأما إذا كان بغيره فصحيح كما لو قال ثلث مالي لزيد إلا ألفا وثلث ماله ألف فيصح الاستثناء ولا يكون لزيد شيء كما مر في الطلاق
وفي الجوهرة واختلفوا في استثناء الكل فقال بعضهم هو رجوع لأنه يبطل كل الكلام وقال بعضهم هو استثناء فاسد وليس برجوع وهو الصحيح انتهى
وإن أقر بشيئين واستثنى أحدهما أو أحدهما وبعض الآخر بطل استثناؤه يعني لو قال له علي كر حنطة وكر شعير إلا كر حنطة وقفيز شعير فاستثناء كر وقفيز باطل عند الإمام خلافا لهما أي قال يصح استثناء القفيز لأنه كلام متصل لأن قوله إلا كر حنطة استثناء صحيح لفظا إلا أنه غير مفيد وإذا كان كلاما متصلا كان استثناء القفيز متصلا فيصح
وله أن استثناء الكر باطل إجماعا فكان لغوا فكان قاطعا للكلام الأول فيكون الاستثناء منقطعا وإنما صورناها بتقديم الكر لأنه لو قدم القفيز بأن قال إلا قفيز شعير وكر حنطة يصح استثناء القفيز اتفاقا لعدم الفاصل كما في شرح المجموع وغيره فعلى هذا إطلاق المصنف ليس بمحله بل يلزم التفصيل تأمل
وإن استثنى بعض أحدهما بأن قال له علي كر حنطة وكر شعير إلا قفيز حنطة أو إلا قفيز شعير أو بعض كل منهما بأن قال له علي كر حنطة أو كر شعير إلا قفيز حنطة وقفيز شعير صح اتفاقا في الصورتين لعدم تحلل القاطع في الأولى وفي الثانية أن قوله إلا قفيز حنطة استثناء صحيح مفيد فلا يكون قاطعا فصح العطف عليه فيلزمه كر حنطة وكر شعير إلا قفيز حنطة وقفيز شعير كما في الاختيار
ولو استثنى كيليا أو وزنيا أو عدديا متقاربا من دراهم بأن قال له علي مائة درهم إلا قفيز بر أو إلا دينارا أو إلا مائة جوز صح بالقيمة استحسانا عند الشيخين ولزمه مائة درهم إلا قيمة القفيز أو الدينار أو الجوز لأن الاستثناء
____________________
(3/407)
إخراج البعض من المستثنى منه من حيث المعنى إذ المقدرات جنس واحد معنى ولو أجناسا صورة لأنها تثبت في الذمة ثمنا فكانت جنسا واحدا في حكم الثبوت في الذمة والقياس أن يصح هذا الاستثناء وهو قول محمد وزفر وعن هذا قال خلافا لمحمد لأن الاستثناء إخراج بعض ما تناوله صدر الكلام على معنى أنه لولا الاستثناء لكان داخلا تحت الصدر وهذا لا يتصور في خلاف الجنس
ولو استثنى منها أي من الدراهم شاة أو ثوبا أو دارا بطل اتفاقا لأن ذلك القدر لا يفيد الاتحاد الجنسي بل لا بد من وصف الثمنية ولو معنى
وقال مالك والشافعي يجوز في كل واحد من الكيلي والوزني والعددي لتحقق المجانسة من حيث المالية فيطرح قدر قيمة المستثنى ولزمه الباقي
وفي التنوير وإذا استثنى عددين بينهما حرف الشك كان الأقل مخرجا نحو له علي ألف درهم إلا مائة أو خمسين فيلزمه تسعمائة وخمسون على الأصح وإذا كان المستثنى مجهولا يثبت أكثر نحو له علي مائة درهم إلا شيئا أو قليلا أو بعضا لزمه أحد وخمسون وتمام المسألتين في شرحه فليطالع
ولو استثنى منها أي من الدراهم شاة أو ثوبا أو دارا بطل اتفاقا لأن ذلك القدر لا يفيد الاتحاد الجنسي بل لا بد من وصف الثمنية ولو معنى
وقال مالك والشافعي يجوز في كل واحد من الكيلي والوزني والعددي لتحقق المجانسة من حيث المالية فيطرح قدر قيمة المستثنى ولزمه الباقي
وفي التنوير وإذا استثنى عددين بينهما حرف الشك كان الأقل مخرجا نحو له علي ألف درهم إلا مائة أو خمسين فيلزمه تسعمائة وخمسون على الأصح وإذا كان المستثنى مجهولا يثبت أكثر نحو له علي مائة درهم إلا شيئا أو قليلا أو بعضا لزمه أحد وخمسون وتمام المسألتين في شرحه فليطالع
ومن وصل بإقراره إن شاء الله بطل إقراره لأن التعليق بمشيئة الله تعالى إبطال عند محمد فبطل قبل انعقاده للحكم وتعليق لا يوقف عليه عند أبي يوسف فكان إعداما من الأصل كما في الدرر وغيره لكن في العناية خلافه لأنه قال ومن قال لفلان علي مائة درهم إن شاء الله لم يلزمه الإقرار لأن الاستثناء بمشيئة الله تعالى إما إبطال كما هو مذهب أبي يوسف أو تعليق كما هو مذهب محمد كما قررناه في الطلاق فتلزم المنافاة إلا أن يحمل على اختلاف الروايتين
وكذا إن علقه بمشيئة من لا تعرف مشيئته كالملائكة والجن أي إن شاء الجن أو الملائكة لأنه لا نعرف
____________________
(3/408)
مشيئتهم فلا يقع عليه شيء لأن الأصل براءة الذمم فلا يثبت بالشك
وفي البحر وكذا بمشيئة فلان وإن شاء وكذا كل إقرار علق بشرط على خطر ولم يتضمن دعوى أجل كأن قال إن حلفت فلك ما ادعيت به وإن بشرط كائن فتنجيز كعلي ألف درهم إن مت لزمه قبل الموت وإن تضمن دعوى الأجل كإذا جاء رأس الشهر فلك علي كذا لزمه للحال ويستحلف المقر له في الأجل
ولو أقر بدار واستثنى بناءها بأن قال هذه الدار لزيد والبناء لنفسي كانا أي الدار والبناء جميعا للمقر له لأن البناء داخل في إقرار معنى لا لفظا والاستثناء تصرف في اللفظ فلم يصح بخلاف استثناء البيت من الدار كاستثناء ثلثها لأن أجزاء الدار داخلة تحت الدار فصح استثناؤه وعند الأئمة الثلاثة يصح استثناء البناء منها
ولو قال المقر بناؤها لي والعرصة أي البقعة له كان الحكم أو الإقرار كما قال بأن يكون البناء له والعرصة للمقر له لأن العرصة عبارة عن البقعة دون البناء فصار كأنه قال بياض هذه الأرض دون البناء لفلان بخلاف ما إذا قال بناء هذه الدار إلي وأرضها لفلان حيث يكون له البناء أيضا لأن الأرض كالدار فيتبعها البناء بخلاف ما إذا قال بناء هذه الدار لزيد والأرض لعمرو حيث يكون لكل منهما ما أقر له به وفص الخاتم ونخل البستان كبنائها وكذا طوق الجارية لأن دخول الفص في الخاتم بالتبعية وكذا دخول النخل في البستان فلا يصح الاستثناء بخلاف ما لو قال الحقة لفلان والفص لي والأرض له والنخل لي يصح
وإن قال له علي ألف درهم من ثمن عبد اشتريته منه لم أقبضه أي العبد الجملة صفة عبد فإن عينه أي المقر العبد بأن ذكر عبدا بعينه وصدقه المقر له في شرائه وعدم قبضه قيل للمقر له سلم العبد إلى المقر وتسلم أمر من التفعل أي خذ ثمنه منه إن شئت فإن سلم المقر له العبد المعين بأن يحضره بين يديه يلزم على المقر ألف بهذا القيد لأنه أقر له بألف على صفة فيلزمه على الصفة التي أقر بها وإن لم يسلم العبد إلى المقر لا يلزمه ألف إجماعا وهذه المسألة على وجوه
أحدها ما ذكر هنا
والثاني أن يقول المقر له القن قنك ما بعته وإنما بعتك قنا غيره والحكم فيه كالأول
والثالث
____________________
(3/409)
أن يقول القن قني ما بعتكه وحكمه أن لا يلزم على المقر شيء
والرابع أن يقول القن قني ما بعتكه وأنا بعتك غيره وحكمه أن يتحالفا لأنهما اختلفا في المبيع وهو يوجب التحالف وتمامه في الدرر فليراجع
وإن لم يعينه أي المقر العبد ولم يصدقه المقر له في عدم قبضه لزمه أي المقر الألف ولغا قوله لم أقبضه عند الإمام لأنه رجوع بعد الإقرار فلا يصح لا موصولا ولا مفصولا وبه قال زفر والحسن وعندهما إن وصل صدق ولا يلزمه شيء وإن فصل فإن أنكر المقر له سبب الوجوب لم يصدق وإن صدقه المقر له لأنه بيان تغيير فيصح موصولا لا مفصولا وبه قالت الأئمة الثلاثة
ولو قال له علي ألف من ثمن خمر أو خنزير لا يصدق عند الإمام وصل أو فصل ولزمه الألف وعندهما والأئمة الثلاثة إن وصل صدق في المسألتين ولا يلزمه الألف على ما مر آنفا ولو قال له علي ألف وهو حرام أو ربا فهي لازمة له لاحتمال أن يكون هذا حلالا عند غيره ولو قال زورا أو باطلا إن صدقه المقر له فلا شيء عليه وإن كذبه لزمه كما في التبيين
ولو قال له علي ألف من ثمن متاع أو أقرضني وهي أي الألف زيوف أو نبهرجة أو ستوقة أو رصاص لزمه الجياد لأن البيع أو القرض يقع على الجياد فلا يجوز التفسير بضدها هذا عند الإمام لأنه رجوع عن إقراره وصل أو فصل وقالا يلزمه ما قال إن وصل لما مر من أنه بيان تغيير فيصدق موصولا لا مفصولا وبه قالت الأئمة الثلاثة
وإن قال له علي ألف من غصب أو وديعة وهي زيوف أو نبهرجة صدق اتفاقا وصل أو فصل فيلزمه ما أقر به لأن الغصب لا يقتضي السلامة وكذا الوديعة لأن الشخص يغصب بما يجده ويودع بما يملكه فلا يكون رجوعا بل بيانا للنوع فصدق مطلقا
ولو قال له علي ألف من غصب أو وديعة وهي ستوقة أو رصاص فإن وصل صدق لأنه بيان تغيير وإلا فلا أي وإن فصل لا يصدق لأنهما ليسا من جنس الدراهم إلا أن اسم الدراهم يتناولهما بطريق المجاز فكان بيانا مغيرا فلا بد من الوصل
ولو قال غصبت ثوبا وجاء بمعيب أي
____________________
(3/410)
بثوب معيب صدق المقر مع الحلف إن لم يثبت الخصم سلامته لما مر أن الغصب غير مختص بالسليم كالوديعة
ولو قال له علي ألف إلا أنه ينقص مائة صدق إن وصل وإلا لزم الألف لما مر أن الاستثناء يجوز متصلا لا منفصلا
ولو قال المقر أخذت منك ألفا وديعة فهلكت في يدي من غير تعد وقال المقر له بل أخذتها مني حال كونها غصبا ضمن المقر ما أقر بأخذه له لأنه أقر بسبب الضمان وهو الأخذ ثم إنه ادعى ما يوجب البراءة وهو الإذن بالأخذ والآخر ينكر فالقول قوله مع يمينه بخلاف ما إذا قال له المقر له بل أخذتها قرضا حيث يكون القول للمقر له لأنهما تصادقا على أن الأخذ حصل بإذنه وهذا لا يوجب الضمان على الآخذ إلا باعتبار عقد الضمان فالمالك يدعي عليه العقد وذلك ينكر فالقول قول المنكر
ولو قال المقر بدل أخذت أعطيتني لا يضمن المقر لأنه لم يقر بما يوجب الضمان بل أقر بالإعطاء وهو فعل المقر له فلا يكون مقرا على نفسه بسبب الضمان والمقر له يدعي عليه سبب الضمان وهو ينكر فالقول قوله
ولو قال غصبت هذا الشيء من زيد لا بل من عمرو فهو أي الشيء لزيد وعليه أي المقر قيمته لعمرو لأن قوله من زيد إقرار له ثم قوله لا رجوع عنه فلا يقبل وقوله بل لعمرو إقرار منه لعمرو وقد استهلكه بالإقرار لزيد فيجب عليه قيمته لعمرو
ولو قال له علي ألف لا بل ألفان يلزمه ألفان استحسانا
وفي القياس يلزمه ثلاثة آلاف وهو قول زفر ولو قال غصبته عبدا أسود لا بل أبيض لزمه عبد أبيض ولو قال غصبته ثوبا هرويا لا بل مرويا لزماه وكذا له علي كر حنطة لا بل كر شعير لزماه ولو قال لفلان علي ألف درهم لا بل لفلان لزمه المالان ولو قال له علي ألف لا بل خمسمائة لزمه الألف والأصل في ذلك أن لا بل متى تخللت بين المالين من جنسين لزماه وكذلك من جنس واحد إذا كان المقر له اثنين فإذا كان واحدا والجنس واحد لزم أكثر
____________________
(3/411)
المالين وتمامه في الاختيار فليراجع
وفي التنوير ولو قال الدين الذي لي على فلان لفلان أو الوديعة التي عند فلان هي لفلان فهو إقرار له وحق القبض للمقر ولكن لو سلم إلى المقر له برئ
ولو قال لآخر هذا الشيء كان لي وديعة عندك فأخذته وقال الآخر هو لي دفع إليه أي إلى الآخر لأن المقر أقر باليد له ثم بالأخذ منه وهو سبب الضمان ثم ادعى استحقاقه عليه فلا تقبل دعواه فوجب عليه رد عينه قائما وقيمته هالكا ثم يقيم البينة على صدق دعواه إن قدر
وإن قال آجرت فرسي أو ثوبي هذا فلانا فركبه أي الفرس أو لبسه أي الثوب ورده أي رد الفرس أو الثوب علي وقال فلان بل هما لي أو أعرته أو أسكنته داري ثم ردها أي الدار علي صدق يعني القول قول المقر في ذلك عند الإمام استحسانا لأن اليد في الإجارة والإعارة تثبت ضرورة استيفاء المنافع فيكون اليد عدما فيما عدا الضرورة فالإقرار له باليد لا يكون مطلقا بخلاف الوديعة والقرض لأن اليد فيهما مقصودة فيكون الإقرار بهما إقرارا لهما باليد وعندهما وعند الأئمة الثلاثة القول مع يمينه للمأخوذ منه وهو القياس لأن المقر اعترف بيد المقر له ثم ادعى عليه الاستحقاق فيقبل إقراره له دون دعواه عليه فيجب عليه الرد ثم يقيم على صدق دعواه بينة إن قدر
ولو قال لآخر خاط ثوبي هذا بكذا ثم قبضته منه وادعاه الآخر أي قال الثوب ثوبي فعلى هذا الخلاف أي يصدق القابض عند الإمام لا عندهما في الصحيح احتراز عن قول بعضهم إن القول قول المقر بالإجماع
وفي الأسرار الاختلاف إذا لم تكن الدابة أو الثياب معروفة للمقر ولو كانت معروفة كان القول قوله وفاقا
ولو قال له اقتضيت أي قبضت من فلان ألفا كانت لي عليه أو أقرضته ألفا ثم أخذتها منه وأنكر فلان فالقول له فله أن يأخذها منه وهذا أظهر لأن القابض قد أقر بأنه ملكه وأنه أخذه منه اقتضاء بحقه وهو مضمون عليه إذ الديون تقضى بأمثالها فإذا أقر بالاقتضاء فقد أقر
____________________
(3/412)
بسبب الضمان ثم ادعى عليه ما يبرئه من الضمان وهو تملكه عليه بما يدعيه من الدين مقاصة والآخر ينكره فالقول للمنكر
ولو قال زرع فلان هذا الزرع أو بنى هذه الدار أو غرس هذا الكرم لي استعنت به أي بفلان فيه أي في الزرع أو البناء أو الغرس وذلك كله في يد المقر وادعى فلان ذلك أي قال الملك ملكي وفعلت ذلك لنفسي لا بالإعانة لك ولا بأجر منك كما زعمت فالقول للمقر لأنه ما أقر له باليد إنما أقر بمجرد فعل منه وقد يكون ذلك في ملك في يد المقر وصار كما قال خاط لي الخياط قميصي هذا بنصف درهم ولم يقل قبضته منه لم يكن إقرارا باليد ويكون القول للمقر لما أنه أقر بفعل منه وقد يخيط ثوبا في يد المقر كذا هذا ولو قال إن هذا اللبن أو هذا السمن أو هذا الجبن من بقرة فلان أو هذا الصوف من غنمه أو هذا التمر من نخلته وادعى فلان أنه له أمر بالدفع إليه لأن الإقرار بملك الشيء إقرار بما يتولد منه لأنه يملك بملك الأصل كما في التبيين
____________________
(3/413)
414 باب إقرار المريض أقره في باب على حدة لاختصاصه بأحكام ليست للصحيح وأخره لأن المرض بعد الصحة دين صحته أي المريض وما لزمه أي المريض في مرضه أي في مرض الموت بسبب معروف كبدل ما ملكه بالاستقراض أو بالشراء وعاينهما الشهود أو أهلك مالا أو تزوج بمهر مثلها وعاينهما الناس سواء لأنه لما علم سببه انتفى التهمة في الإقرار به فصار كالدين الثابت بالبينة في مرضه ويقدمان أي دين الصحة وما لزمه في مرضه بسبب معروف على ما أقر به في مرضه ولو كان المقر به وديعة كما في البحر هذا عندنا وعند الأئمة الثلاثة الدينان سواء لأنه إقرار لا تهمة فيه لأنه صادر عن عقل والذمة قابلة للحقوق في الحالين ولنا أن حق غرماء الصحة تعلق بمال المريض مرض الموت في أول مرضه لأنه عجز عن قضائه عن مال آخر فالإقرار فيه صادف حق غرماء الصحة فكان محجورا عنه ومدفوعا به والكل أي كل واحد من دين الصحة ودين المرض بسبب معلوم ودين المرض الثابت بمجرد الإقرار فالكل إفرادي فإنه أكثر استعمالا كما في القهستاني مقدم على الإرث وإن أحاط الديون المذكورة جميع ماله والقياس أن لا ينفذ إلا من الثلث لكن ترك بالأثر وهو قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا أقر المريض بدين جاز ذلك في جميع تركته والأثر في مثله كالخبر لأنه من المقدرات فلا يترك بالقياس فصار المقر له أولى من الورثة ولأن حق الورثة يتعلق بالتركة بشرط الفراغ عن حاجته وقضاء دينه من حوائجه الأصلية كتكفينه
ولا يصح تخصيصه أي المريض غريما من الغرماء بقضاء دينه أي ليس للمريض أن يقضي دين بعض الغرماء دون بعض ولو إعطاء مهر وإيفاء أجره لأن فيه إبطال حق الباقين إلا إذا قضى ما استقرض في مرضه أو نقد ثمن ما اشترى فيه وقد علم ذلك بالبينة بخلاف ما إذا لم يؤد حتى مات فإن البائع أسوة للغرماء إذا لم تكن العين في يده وإذا أقر بدين ثم بدين تحاصا وصل أو فصل
ولو أقر بدين ثم بوديعة تحاصا وعلى القلب الوديعة أولى
وإقراره ببيع عبده في صحته وقبض
____________________
(3/414)
الثمن مع دعوى المشتري ذلك صحيح في البيع دون قبض الثمن إلا بقدر الثلث بخلاف إقراره بأن هذا العبد لفلان فإنه كالدين ولو أقر بقبض دينه إن كان دين الصحة يصح مطلقا سواء كان عليه دين الصحة أو لا وإن كان دين المرض إن كان عليه دين الصحة لا يصح وإلا نفذ من الثلث إلا في إقراره باستيفاء بدل الكتابة فنافذ كما في البحر وإبراؤه مديونه وهو مديون غير جائز إن كان أجنبيا وإن كان وارثا فلا يجوز مطلقا وقوله لم يكن لي على هذا المطلوب شيء صحيح قضاء لا ديانة كما في التنوير
وفي المنح قالت فيه ليس لي على زوجي مهر أو قال فيه لم يكن لي على فلان شيء ليس لورثته أن يدعوا عليه شيئا في القضاء وفي الديانة لا يجوز هذا الإقرار ولو أقر الابن فيه أنه ليس له على والده شيء من تركة أمه صح بخلاف ما لو أبرأه أو وهبه وكذا لو أقر بقبض ماله منه وتمامه فيه فليطالع
ولا يصح إقراره أي المريض بدين أو عين لوارثه عنده
وعند الشافعي في القول الأصح يصح لأنه إظهار حق ثابت لترجح جانب الصدق فيه فصار كالإقرار لأجنبي وبوارث آخر وبوديعة مستهلكة للوارث
ولنا قوله عليه السلام لا وصية للوارث ولا إقرار له بالدين لأنه ضرر لبقية الورثة إلا أن يصدقه أي المريض بقية الورثة لأن عدم الصحة كان لحقهم فإذا صدقوه فقد أقروا بتقدمه عليهم فيلزمهم
وكذا لو كان له دين على وارثه فأقر بقبضه لا يصح إلا أن يصدقه البقية وكذا لو رجع فيما وهبه منه في مرضه أو قبض ما غصبه منه ورهنه عنده أو استرد المبيع في البيع الفاسد
وكذا لا يجوز ذلك لعبد وارثه ولا مكاتبه لأنه يقع لمولاه ملكا أو حقا ولو صدرت هذه
____________________
(3/415)
الأشياء منه للوارث وهو مريض ثم برئ ثم مات جاز ذلك كله لأنه لم يكن مرض الموت فلم يتعلق به حق الورثة كما في الاختيار
وفي التنوير أقر فيه لوارثه يؤمر في الحال بتسليمه إلى الوارث فإذا مات يرده
وفي القنية تصرفات المريض نافذة وإنما تنقض بعد الموت
وإن أقر المريض لأجنبي صح لعدم التهمة ولو وصلية أحاط إقراره أي استغرق بماله لما بينا
وإن أقر المريض لأجنبي ثم أقر أنه ابنه ثبت نسبه لأن النسب من الحوائج الأصلية ولا تهمة فيه وبطل إقراره لأن دعوة النسب تستند إلى زمان العلوق فيظهر أن البنوة ثابتة زمان الإقرار فبطل إلا عند الشافعي في الأصح ومالك لا يبطل إذا لم يتهم
وإن أقر المريض لأجنبية أي لامرأة أجنبية ثم تزوجها لا يبطل إقراره لها
وقال زفر يبطل لأنها وارثة عند الموت فتحصل التهمة ولنا أنه أقر وليس بينهما سبب التهمة فلا يبطل بسبب يحدث بعده ولهذا قال في البحر وغيره والعبرة لكونه وارثا وقت الموت لا وقت الإقرار إلا إذا صار وارثا بسبب جديد كالتزويج بعد عقد الموالاة
وفي التنوير بخلاف إقراره لأخيه المحجوب إذا زال حجبه وصار غير محجوب فإنه يبطل
أقر فيه أنه كان له على ابنته الميتة عشرة قد استوفيتها وللمقر ابن ينكر ذلك صح إقراره كما لو أقر لامرأته في مرض موته بدين ثم ماتت قبله وترك وارثا وقيل لا يصح
ولو أوصى لها أي لأجنبية شيئا ثم تزوجها بطلت الوصية
____________________
(3/416)
لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت وهي وارثة في هذا الوقت فتبطل
ولو وهبها أي لأجنبية شيئا ثم تزوجها فلا رجوع هذا مخالف لعامة المتون والشروح قالوا في هذا المحل إن الهبة المذكورة باطلة كالوصية لأن الهبة في المرض وصية فعلى هذا لو قال ولو أوصى لها أو وهبها ثم تزوجها بطلت لكان أخصر وأولى والعجب من المصنف قد نطق بالحق في كتاب الوصايا حيث قال وتبطل هبة المريض ووصيته لأجنبية نكحها بعدها وغفل ههنا إلا أن يقال إنه يمكن الجواب عن طرف المصنف بأن المراد بقوله فلا رجوع لبطلانه إذا كانت الهبة باطلة لا يجري عليها الرجوع فذكر عدم الرجوع وأراد البطلان
وفي التنوير ولو أقر لمن طلقها ثلاثا فيه أي في المرض فلها الأقل من الإرث والدين هذا إذا طلقها بسؤالها وإن طلقها بلا سؤالها فلها الميراث بالغا ما بلغ ولا يصح الإقرار لها
وإن أقر رجل بغلام أي ولد فيشمل البنت مجهول النسب في بلد هو فيها وهو المراد من مجهول النسب في كل موضع على ما في القنية لكن في أكثر الكتب أن يجهل نسبه في مولده فإن عرف نسبه فيه فهو معروف النسب يولد صفة بعد صفة لغلام أو حال منه مثله أي مثل هذا الغلام لمثله أي لمثل هذا المريض بأن يكون الرجل أكبر منه باثنتي عشرة سنة ونصف والمرأة أكبر منه بتسع سنين ونصف كما في المضمرات أنه أي أن هذا الغلام ابنه وصدقه أي المقر الغلام إن كان الغلام معبرا لأنه في يد نفسه بخلاف الصغير لأنه في يد غيره فينزل منزلة البهيمة فلم يعتبر هذا الشرط وعند الأئمة الثلاثة بلا تصديقه أيضا يعتبر لو كان غير مكلف يثبت نسبه أي الغلام منه أي المقر لأن النسب من الحوائج الأصلية ولا تهمة فيه
ولو كان المقر في حالة الإقرار مريضا وشارك الغلام الورثة المعروفة في الميراث لأنه صار كالوارث المعروف بثبوت نسبه منه
____________________
(3/417)
وصح إقرار الرجل بالوالدين والولد بالشروط المتقدمة في الابن لأنه إقرار على نفسه وليس فيه حمل النسب على الغير والزوجة أي صح إقراره بالزوجة بشرط خلوها عن زوج وعدته وبشرط أن لا يكون تحت المقر أختها ولا أربع سواها والمولى أي صح إقراره بالمولى من جهة العتاقة إن لم يكن ولاؤه ثابتا من جهة غير المقر وشرط تصديق هؤلاء لأن إقرار غيرهم لا يلزمهم لأن كلا منهم في يد نفسه لا إذا كان المقر له صغيرا في يد المقر وهو لا يعبر عن نفسه أو عبدا له فثبت نسبه بمجرد الإقرار ولو كان عبدا لغيره يشترط تصديق مولاه لأن الحق له
وكذا يصح إقرار المرأة بالوالدين والولد والزوج والمولى لما ذكرنا لكن شرط في إقرارها أي المرأة بالولد تصديق الزوج أيضا كما أن تصديق الولد شرط لأن الولد للفراش والحق له فإذا صدقها فقد أقر به هذا إذا كان لها زوج أو كانت معتدة منه وادعت أن الولد منه لأن فيه تحميل النسب عليه فلا يلزمه بقولها أما إذا لم يكن لها زوج ولا هي معتدة أو كان لها زوج وادعت أن الولد من غيره صح إقرارها لأن فيه إلزاما على نفسها دون غيرها فينفذ عليها أو شهادة قابلة بولادته منها لأن قول القابلة حجة في تعيين الولد وصح تصديقهم بعد موت المقر لبقاء النسب بعد الموت إلا تصديق الزوج بعد موتها أي الزوجة لأن تصديقه
____________________
(3/418)
بعد موتها باطل عند الإمام لأنه لما ماتت زال النكاح بعلائقه في جانبه إذ يجوز له أن يتزوج أختها أو أربعا سواها ولا يحل له أن يغسلها عندنا فالتصديق منه لا يفيد شيئا ولو باعتبار إرث لأنه معدوم وقت الإقرار لأن التصديق إذا صح يستند إلى وقت الإقرار فلا يمكن اعتبار التصديق باعتبار إرث سيحدث بخلاف ما إذا أقر بنكاح امرأة ومات فصدقته بعد موته لأن علائق النكاح باقية بعد موته في جانبها ولذا يحل لها أن تغسله لكونه مالكا لها حتى يبقى ملكه إلى انقضاء العدة فلها المهر والإرث منه وفاقا
وعندهما والأئمة الثلاثة يصح أيضا أي كما يصح تصديقهم بعد موت المقر لبقاء النكاح بعد موتها في حق الإرث والإقرار قائم والتكذيب منه لم يوجد فصح التصديق في هذه الحالة فيثبت النكاح بتصادقهما فيرث منها ولهذا لو أقام البينة على النكاح بعد موتها تقبل
وإن أقر رجل بنسب غير الولاد كأخ وعم لا يثبت النسب منه لأن فيه حمل النسب على غيره فلا يجوز إلا بإقامة البينة إلا في حق نفس المقر حتى يلزمه الأحكام من النفقة والحضانة والإرث إذا تصادقا على ذلك الإقرار لأن إقرارهما حجة عليهما ويرثه أي يرث هذا المقر له من ذلك المقر إن لم يكن له أي للمقر وارث معروف ولو كان بعيدا لأنه مقر بشيئين بالنسب ففيه مقر على غيره فلا يجوز وباستحقاق ماله ففيه مقر على نفسه فيقبل عند عدم المزاحم وإن كان له وارث قريب أو بعيد لا يرث المقر له من المقر
ومن مات أبوه فأقر بأخ وهو يصدقه شاركه في الإرث ولا يثبت نسبه لأن الميراث حقه فيقبل فيه قوله وأما النسب ففي ثبوته
____________________
(3/419)
تحميله على الغير فلا يقبل فيه
ولو كان لأبيهما الميت دين على شخص فأقر أحدهما بقبض أبيه نصفه فالنصف الباقي للآخر ولا شيء للمقر يعني أن الأب مات وترك ابنين وله على رجل مائة درهم مثلا فأقر أحد الابنين أن أباه قبض منه نصفه وكذبه الآخر فلا شيء للمقر وللمكذب نصفه لأنه أقر بالدين على الميت وكذبه أخوه فينفذ في حقه خاصة فوجب على الميت خمسون على زعمه والدين مقدم على الميراث فاستغرق نصيبه وليس له أن يشارك أخاه في الخمسين وإن تصادقا على أنه مشترك بينهما لأنه لو رجع المقر على أخيه لرجع أخوه على الغريم بما بقي من الدين على زعمه ثم رجع الغريم على المقر بما زاد على خمسين مما
____________________
(3/420)
أخذه من أخيه المكذب لأن الوارث لا يأخذ شيئا إلا بعد قضاء الدين فيؤدي إلى الدور
وقال صاحب الدرر في غرره حرة أقرت بدين لآخر فكذبها زوجها صح في حق زوجها عند الإمام حتى تحبس وتلازم وعندهما لا
مجهولة النسب أقرت بالرق لإنسان ولها زوج وأولاد منه وكذبها الزوج صح في حق المرأة لا في حق الزوج وحق الأولاد حتى لا يبطل النكاح وأولاد حصلت قبل الإقرار وما في بطنها وقت الإقرار أحرار مجهول النسب حرر عبده ثم أقر بالرق لإنسان وصدقه المقر له صح إقراره في حقه حتى صار رقيقا له دون إبطال العتق حقا بقي معتقه حرا فإن مات العتيق يرثه وارثه إن كان له وارث وإلا فالمقر له فإن مات المقر ثم العتيق فإرثه لعصبة المقر
____________________
(3/421)
كتاب الصلح وجه المناسبة في إيراده بعد الإقرار أن إنكار المقر سبب للخصومة وهي تستدعي الصلح هو لغة اسم بمعنى المصالحة وهي المسالمة خلاف المخاصمة وأصله من الصلاح ضد الفساد
وفي الشرع هو أي الصلح عقد يرفع النزاع من الطرفين وسببه تعلق البقاء المقدور بتعاطيه وركنه الإيجاب والقبول الموضوعان له كما في الدرر وفي العناية الإيجاب مطلقا والقبول فيما يتعين بالتعيين وقال وأما إذا وقع الدعوى في الدراهم وطلب الصلح على ذلك الجنس فقد تم الصلح بقول المدعي فعلت ولا يحتاج فيه إلى قبول المدعى عليه وشرطه العقل لا البلوغ والحرية وصح من صبي مأذون إن عري عن ضرر بين ومن عبد
____________________
(3/422)
مأذون ومكاتب وشرط أيضا كون المصالح عليه معلوما إن كان يحتاج إلى قبضه وكون المصالح عنه حقا يجوز الاعتياض عنه ولو كان غير مال كالقصاص والتعزير معلوما كان المصالح عنه أو مجهولا لا يصح الصلح أو كان المصالح عنه مما لا يجوز الاعتياض عنه كحق الشفعة وحد القذف والكفالة بالنفس وحكمه وقوع البراءة عن الدعوى كما في المنح والبحر
ويجوز الصلح مع إقرار من المدعى عليه وسكوت منه بأن لا يقر ولا ينكر وإنكار وكل ذلك جائز عندنا لقوله تعالى والصلح خير عرفه باللام فالظاهر العموم ولقوله عليه الصلاة والسلام الصلح جائز فيما بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما وحرم حلالا
وقال الشافعي لا يجوز مع الإنكار والسكوت لأنهما صلح أحل حراما لأنه أخذ المال بغير حق في زعم المدعي فكان رشوة ولنا ما تلونا وأول ما روينا بتأويل آخر أحل حراما لعينه كالخمر أو حرم حلالا لعينه كالصلح على أن لا يطأ الضرة
وفي العناية تفصيل فليراجع فالأول أي الصلح بالإقرار كالبيع في أحكامه إن وقع عن مال
____________________
(3/423)
بمال لوجود معنى البيع وهو مبادلة المال بالمال بالتراضي من غير جنسه ثم فرعه بقوله فتثبت فيه الشفعة أي تثبت الشفعة في الصلح عن عقار أو على عقار كما يثبت في المبيع فللشفيع حق المطالبة في كل منهما والرد بالعيب بأن كان بدل الصلح عبدا مثلا فوجد المدعي فيه عيبا له أن يرده وخيار الرؤية بأن لم ير المصالح ما وقع عليه الصلح وقت الصلح ثم رآه فله الخيار فيه والشرط بأن يصالح على شيء فشرط أحدهما الخيار لنفسه لأنه من أحكام البيع وتفسده أي الصلح جهالة البدل أي الذي وقع عليه الصلح لأنه بيع فصار كجهالة الثمن لا تفسده جهالة المصالح عنه لأنه يسقط وجهالة الساقط لا تفضي إلى المنازعة خلافا للشافعي
وفي العناية تفصيل فليطالع
وتشترط القدرة على تسليم البدل لأن القدرة عليه شرط في صحة الصلح ككون معلومية البدل شرطا في الصحة
وإن استحق في صلح مع إقرار بعض المصالح عنه أو استحق كله رجع المدعى عليه على المدعي بكل البدل أو بعضه صورته ادعى زيد دارا مثلا في يد عمرو فأقر عمرو وصالح زيدا على مائة درهم فصارت المائة في يد زيد والدار في يد عمرو ثم استحق نصف الدار مثلا أو كلها يرجع عمرو على زيد بخمسين درهما في الأولى وبمائة درهم في الثانية وفي تحرير المصنف من اللف والنشر الغير مرتب وأما تصوير صاحب الدرر في هذا المحل لا يوافق متنه بل الصواب ما صورناه يتبع
وإن استحق بعض البدل أو كله رجع المدعي وهو زيد على المدعى عليه وهو عمرو بكل المصالح عنه أو بعضه لأن كل واحد منهما عوض عن الآخر فأيهما أخذ منه بالاستحقاق رجع بما دفع إن كلا فبالكل وإن بعضا فبالبعض
وإن وقع الصلح عن إقرار عن مال بمنفعة اعتبر هذا الصلح إجارة صورته ادعى رجل شيئا واعترف به ثم صالحه
____________________
(3/424)
على سكنى داره سنة أو على ركوب دابته معلومة أو على لبس ثوبه أو خدمة عبده أو زراعة أرضه مدة معلومة فيكون في معنى الإجارة لأن العبرة للمعاني والإجارة تمليك المنفعة وهذا الصلح كذلك ثم فرعه بقوله فيشترط فيه التوقيت لكن هذا في الأجير الخاص بأن ادعى شيئا فوقع الصلح على خدمة العبد أو سكنى سنة وفيما عدا ذلك لا يشترط التوقيف كما إذا صالحه على صبغ الثوب أو ركوب الدابة أو حمل الطعام إلى موضع كما في التبيين
ويبطل الصلح بموت أحدهما أي أحد المتصالحين لأنهما كالمؤجر والمستأجر وكذا يبطل بفوات المنفعة قبل الاستيفاء فيعود إلى الدعوى ولو كان ذلك بعد استيفاء بعض المنفعة بطل بقدر ما بقي فيرجع في دعواه بقدره وهذا قول محمد وهو القياس لأنه إجارة وهي تبطل بواحد من هذه الأشياء
وقال أبو يوسف لا يبطل الصلح بموت المدعى عليه بل المدعي يستوفي المنفعة على حاله وإن مات المدعي فكذلك في خدمة العبد وسكنى الدار والوارث يقوم مقامه ويبطل فيما يتفاوت فيه كلبس الثياب وركوب الدابة
والأخيران أي الصلح عن سكوت أو إنكار معاوضة في حق المدعي لأنه يزعم أن ما أخذه كان عوضا عما يدعيه وفداء اليمين وقطع المنازعة في حق الآخر أي المدعى عليه لأنه يزعم أن المدعي مفتر ومبطل في دعواه وإنما دفع المال إليه لئلا يحلف ولتقطع الخصومة ويجوز أن يكون لشيء واحد حكمان مختلفان باعتبار شخصين كالنكاح موجبه الحل في المتناكحين والحرمة في أصولهما فيأخذ كل واحد منهما بما يزعم ثم فرعه بقوله فلا شفعة في دار صولح عنها أي الدار مع أحدهما أي مع سكوت أو
____________________
(3/425)
إنكار صورته ادعى رجل على آخر داره فسكت الآخر أو أنكر فصالح عنها بدفع شيء آخر لم تجب الشفعة لأن المدعى عليه يأخذها على أصل حقه ويعطي المال دفعا للخصومة لا أنه يشتريها ولا يلزمه زعم المدعي لأن المرء لا يؤاخذ إلا بزعمه وتجب الشفعة في دار صولح عليها أي على الدار فيما ادعى مالا على آخر فسكت أو أنكر فصالح بدفع الدار بدله لأن المدعي يأخذها عوضا عن ماله فيؤاخذ بزعمه وما استحق من المدعى كلا أو بعضا في صورة الصلح مع سكوت أو إنكار يرد المدعي على المدعى عليه فيها حصته أي ما استحق من البدل لأن المدعى عليه قد بذل العوض لدفع خصومة المدعي فبالاستحقاق ظهر عدم خصومة المدعي مع المدعى عليه فيرد ما أخذه في مقابلة الخصومة على المدعى عليه
ويرجع المدعي بالخصومة مع المستحق فيه أي فيما استحقه بعضا كان أو كلا وما استحق من البدل بعضا أو كلا يرجع المدعي إلى دعواه في قدره أي في قدر البدل أي رجع المدعي إلى الدعوى في الكل إن استحق الكل وفي قدر المستحق إن استحق البعض لأن المدعي لم يترك الدعوى إلا ليسلم له البدل فإذا لم يسلم له رجع بالبدل بخلاف ما إذا وقع الصلح بلفظ البيع بأن قال أحدهما بعتك هذا الشيء بهذا وقال الآخر اشتريت حيث يرجع المشتري عند الاستحقاق على المدعى عليه بالمدعى نفسه لا بالدعوى كما في التبيين
وهلاك البدل أي بدل الصلح قبل التسليم إلى المدعي كاستحقاقه أي كاستحقاق بدل الصلح فيبطل به لأن هلاك البدل في البيع يبطل البيع
____________________
(3/426)
فكذا هذا إذا كان البدل مما يتعين بالتعيين فإن لم يكن كالنقدين لا يبطل بهلاكه في الفصلين أي في فصل الإقرار وفي فصل الإنكار والسكوت ففي الإقرار يرجع بكله أو بعضه وفي الإنكار يرجع بالدعوى
ولو صالح على بعض دار يدعيها يعني إذا ادعى رجل على آخر دارا فصالحه على قطعة معلومة منها لا يصح الصلح وهو على دعواه في الباقي لأن البعض لا يصلح عوضا عن الكل للزوم أن يكون الشيء عوضا عن نفسه إذ البعض داخل في ضمن الكل ولأن ما قبضه من عين حقه فيكون على طلبه في باقي الدار إذ الإسقاط لا يقع عن الأعيان لكونه مخصوصا بالديون
وحيلته أي حيلة جواز هذا الصلح أن يزيد المدعى عليه في البدل شيئا فيصير الزائد عن الباقي أو يبرأ بضم أوله وفتح ثالثه أي يبرأ المدعى عليه أو بضم أوله وكسر ثالثه أي يبرئ المدعي المدعى عليه عن دعوى الباقي بأن يقول المدعي أبرأتك أو برئت من دعوى هذه الدار لأن الإبراء عن دعوى العين جائز كما في الشمني
____________________
(3/427)
428 فصل يجوز الصلح عن مجهول لأنه إسقاط ولا يجوز إلا على معلوم لأنه تمليك فيؤدي إلى المنازعة والصلح على أربعة أوجه عن معلوم على معلوم وعن مجهول على معلوم وهما جائزان
وعن مجهول على مجهول وعن معلوم على مجهول وهما فاسدان فالحاصل أن كل ما يحتاج إلى قبضه لا بد أن يكون معلوما لأن جهالته تفضي إلى المنازعة وما لا يحتاج إلى قبضه يكون إسقاطا فلا يحتاج إلى علمه به فإنه لا يفضي إلى المنازعة وتمامه في العناية وغيرها فليطالع
فيجوز الصلح عن دعوى المال لوجود معنى البيع فما جاز بيعه جاز صلحه مطلقا سواء كان عن إقرار أو سكوت أو إنكار و عن دعوى المنفعة كأن يدعي في دار سكنى سنة وصية من صاحبها فجحد الوارث أو أقر فصالحه على مال أو على منفعة جاز لأن أخذ العوض عنها بالإجارة جائز فكذا الصلح لكن إنما يجوز عن المنفعة على المنفعة
____________________
(3/428)
إذا كانتا مختلفتي الجنس بأن يصالح عن السكنى على خدمة العبد مثلا وأما إذا اتحد جنسهما كما إذا صالح عن السكنى على السكنى مثلا فلا يجوز كما في الدرر وغيره وإنما احتيج إلى هذا التصوير لأن الرواية محفوظة على أنه لو ادعى استئجار عين والمالك ينكر ثم صالح لم يجز كما في السراج وغيره لكن في البحر أن الصلح عن دعوى المال مطلقا والمنفعة جائز كصلح المستأجر مع المؤجر عند إنكاره الإجارة أو مقدار المدة المدعى بها أو الأجرة وكذا الورثة إذا صالحوا الموصى له بالخدمة على مال مطلقا والمنافع إن اختلف جنسها فإنه يجوز لا إن اتحد انتهى
و يصح الصلح عن دعوى الجناية في النفس من القتل
و في ما دونها من نحو شج الرأس وقطع اليد عمدا كانت الجناية أو خطأ أما العمد فلقوله تعالى فمن عفي له من أخيه شيء الآية أي من أعطي له بدل أخيه المقتول شيء بطريق الصلح وأما الخطأ فلأن موجبه المال فالصلح كان عن المال لكنه لا تصح الزيادة على قدر الدية والأرش على أخذ مقادير الدية للربا إلا إذا قضى القاضي بأخذ مقاديرها فصالح على جنس آخر منها بزيادة جاز بخلاف الصلح عن القود حيث تجوز الزيادة فيه على قدر الدية وكذا على الأقل لأنه لا موجب له في المال ولو وقع الصلح على غير مقاديرها جاز كيف ما كان لعدم الربا لكن يشترط القبض في المجلس ليخرج عن أن يكون دينا بدين
و يصح الصلح أيضا عن دعوى الرق كما إذا ادعى على مجهول النسب أنه عبده ثم تصالحا على شيء معين وكان عتقا بمال في حق المدعي وفي حق الآخر لدفع الخصومة لأنه أمكن تصحيحه بهذا الاعتبار فصح ولا ولاء له عليه لإنكار العبد إلا أن يقيم المدعي البينة بعد ذلك فتقبل في حق ثبوت الولاء عليه لا غير هذا إذا أنكر العبد الرق أما إذا صالحه بإقراره فيثبت الولاء
و صح الصلح عن دعوى الزوج النكاح وكان خلعا مطلقا في زعمها إن كان
____________________
(3/429)
بإقرار فتجب عليها العدة وإن لم يكن بإقرار يكون خلعا في زعمه ودفعا في زعمها ولا تلزم العدة عليها قضاء فإن أقام على التزويج بينة بعد الصلح لم تقبل ويحرم أخذ المال عليه أي على المدعي ديانة إن كان مبطلا في دعواه وهذا عام في جميع أنواع الصلح إلا أن يسلمه بطيب نفسه فيكون تمليكا على طريق الهبة كما في العناية
ولو صالحها بمال لتقر له بالنكاح جاز وتجعل زيادة في المهر لأنها تزعم أنها زوجت نفسها منه ابتداء بالمسمى وهو يزعم أنه زاد في مهرها ولا يجوز إن ادعته أي النكاح المرأة هكذا في بعض نسخ القدوري وهو الصحيح صرح به الزاهدي ولذلك اختاره المصنف ووجهه أنه بذل لها المال لتترك الدعوى فإن جعل ترك الدعوى منها فرقة فالزوج لا يعطي العوض في الفرقة وإن لم يجعل فالحال على ما كان عليه قبل الدعوى فلا شيء يقابله العوض فلم يصح
وقيل يجوز وجهه أن يجعل بدل الصلح زيادة في مهرها
ولا يصح الصلح عن دعوى الحد من الحدود فلو أخذ زانيا أو سارقا أو شارب خمر فصالحه على مال على أن لا يرفعه إلى الحاكم بطل الصلح فله أن يرجع بما دفع وكذا إذا أخذ قاذف المحصن أو المحصنة فصالحه لأن الحدود حق الله تعالى لا حق المرافع والاعتياض عن حق الغير لا يجوز كصلح واحد عن حق العامة كما إذا صالحه عما أشرعه إلى الطريق نعم للإمام ذلك إذا كان فيه صلاح المسلمين ويضع ذلك في بيت المال
وإن قتل عبد مأذون رجلا عمدا وصالح عن نفسه لا يجوز لأن رقبته ليست من تجارته ولذا لا يملك التصرف فيها بيعا فلا يملك استخلاصا بمال المولى إلا أن ولي القتل لا يقبله بعد الصلح لأنه عفا عنه ببدله ولا يجب عليه البدل للحال ويتأخر إلى ما بعد العتق بخلاف المكاتب حيث يجوز أن يصالح عن نفسه
بخلاف صلحه أي المأذون عن نفس عبد له أي للمأذون قتل رجلا عمدا جاز صلحه لأن تصرفه في عبده من باب التجارة فيملك التصرف
____________________
(3/430)
بيعا واستخلاصا
وإن صالح الغاصب عن مغصوب تلف بأكثر من قيمته أي قيمة العبد قبل القضاء بالقيمة جاز يعني أن من غصب ثوبا أو عبدا قيمته ألف أو استهلكه فصالحه على ألفين جاز عند الإمام وقالا يبطل الفضل من قيمته إن كان مما لا يتغابن الناس فيه لأن حقه في القيمة والزائد عليها ربا وله أن حقه في الهالك باق وإنما ينتقل إلى القيمة بالقضاء فإذا تراضيا على الأكثر كان اعتياضا فلا يكون ربا
وإن صالح عنه بعرض صح مطلقا أي سواء كانت قيمته أكثر من قيمة المغصوب أو لا اتفاقا لأن الزيادة لا تظهر عند اختلاف الجنس وإنما قلنا قبل القضاء لأنه إذا قضى القاضي بالقيمة ثم صالحا بأكثر من قيمته لا يجوز إجماعا كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا لو قيد كما قيدنا لكان أولى
قيد بكون الصلح على أكثر من قيمته بعد الاستهلاك إذ لو كان قبله يجوز اتفاقا وكذا لو صالحه بغير جنسه يجوز اتفاقا وكذا لو صالح على طعام موصوف في الذمة حالا وقبضه قبل الافتراق جاز بالإجماع كما في العناية
وإن أعتق موسر عبدا مشتركا بينه وبين آخر وصالح الشريك عن باقيه بأكثر من نصف قيمته أي العبد بطل الفضل بالاتفاق أما عندهما فظاهر والفرق للإمام أن القيمة في العتق منصوص عليه وتقدير الشرع لا يكون دون تقدير القاضي فلا تجوز الزيادة عليه بخلاف ما تقدم لأنها غير منصوص عليها وإن صالحه بعرض صح كيف ما كان لما مر أنه لا يظهر الفضل عند اختلاف الجنس قيد المعتق بقوله موسرا إذ لو كان معسرا لا تلزم عليه قيمة نصيب شريكه بل تلزم على العبد سعايته كما مر
ويجوز صلح المدعي بمال يدفعه إلى المنكر ليقر له بالعين صورته رجل ادعى عينا على رجل في يده فأنكره فصالحه على مال ليعترف له بالعين فإنه يجوز ويكون في حق المنكر كالبيع
____________________
(3/431)
وفي حق المدعي كالزيادة في الثمن كما في الاختيار
وبدل الصلح عن دم عمد أو على بعض دين يدعيه على آخر من المكيلات والموزونات يلزم أي البدل الموكل لا الوكيل لأن الصلح عن القود معاوضة بإسقاط الحق والصلح على بعض الدين إسقاط محض فالوكيل فيه سفير ومعبر فلا ضمان عليه كالوكيل بالنكاح كما مر في الوكالة إلا إن ضمنه أي الوكيل البدل فإنه حينئذ يكون مؤاخذا بعقد الضمان لا بعقد الصلح والاستثناء منقطع وبدل ما أي بدل صلح هو كبيع بأن كان الصلح عن مال بمال مع إقرار يلزم البدل الوكيل لا الموكل لأن الوكيل في المعاوضة المالية أصيل وفي المعاوضة الإسقاطية سفير قيدنا مع إقرار لأنه إذا كان الصلح مع إنكار لا يجب البدل على الوكيل مطلقا كما في البحر وما في الإصلاح من أن كون البدل من غير جنس المصالح عنه ليس بشرط كيف والصلح عن فرس بفرس جائز مخالف لما ذكر في أول الكتاب وهو قوله صح مع إقرار كبيع إن وقع عن مال بمال من غير جنسه
ثم قال في تعليله لأنه إذا كان من جنسه فهو حط وإبراء أو قبض واستيفاء أو أفضل وربا تدبر
وإن صالح فضولي أي صالح رجل عن رجل آخر بلا أمر وضمن الفضولي البدل أو أضاف إلى ماله أي إلى مال نفسه بأن قال صالحتك على ألفي أو على عبدي هذا أو أشار إلى عرض أو نقد بلا إضافة بأن قال صالحتك على هذا العبد أو على هذا الألف أو أطلق بأن قال صالحتك على ألف وسلم القدر المصالح عليه إلى المدعي صح الصلح أما إذا ضمن البدل فلأن الحاصل للمدعى عليه ليس إلا البراءة وفي حقها الأجنبي والمدعى عليه فيه سواء ويجوز أن يكون الفضولي أصيلا إذا ضمن كالفضولي بالخلع إذا ضمن البدل وأما إذا أضاف إلى ماله فلأنه بهذه الإضافة التزم التسليم إلى المدعي وهو قادر على ذلك فيجب عليه تسليمه وأما إذا أشار إلى نقد أو عرض فلأنه تعيين للتسليم بشرط فيتم به الصلح وأما إذا أطلق وسلم فلأن التسليم إليه يوجب سلامة العوض له فيتم العقد لحصول مقصوده وكان الفضولي متبرعا لأنه فعله بلا إذن المدعي وعليه
وإن أطلق أي صالحتك
____________________
(3/432)
على ألف ولم يسلم توقف أي صار الصلح موقوفا على الإجازة فإن أجازه المدعى عليه جاز الصلح ولزمه البدل لالتزامه إياه باختياره هذا اختيار بعض المشايخ وقال بعضهم إنه ينفذ على المصالح ولم يتوقف إلا إذا لم يذكر البدل كما في القهستاني وإلا أي وإن لم يجزه بطل الصلح سواء كان المدعى عليه مقرا أو لا والبدل عينا أو دينا لأن المصالح هنا وهو الفضولي لا ولاية له على المطلوب فلا ينفذ تصرفه عليه فيتوقف على إجازته
وفي التنوير والخلع في جميع ما ذكرنا من الأحكام كالصلح
ادعى وقفية أرض على آخر ولا بينة للمدعي على دعواه فصالحه المنكر لقطع الخصومة عنه جاز الصلح وطاب له لو صادقا وقيل لا
كل صلح بعد صلح فالثاني باطل وكذا الصلح بعد الشراء
أقام المدعى عليه بينة بعد الصلح عن إنكار أن المدعي قال قبل الصلح ليس لي قبل فلان حق فالصلح ماض على الصحة ولو قال المدعي بعده ما كان لي قبل المدعى عليه حق بطل الصلح والصلح عن الدعوى الفاسدة يصح وعن الباطلة لا وقيل اشتراط صحة الدعوى لصحة الصلح غير صحيح مطلقا ويصح الصلح بعد حلف المدعى عليه دفعا للنزاع بإقامة البينة وقيل لا
طلب الصلح والإبراء من المدعى عليه عن الدعوى لا يكون إقرارا بخلاف طلب الصلح والإبراء عن المال
صالح البائع من المشتري عن عيب وظهر عدم ذلك العيب أو زال العيب بطل الصلح
باب الصلح في الدين وهو الذي ثبت في الذمة الصلح عما استحق بعقد المداينة مثل البيع نسيئة ومثل الإقراض على بعض جنسه كمن له على آخر ألف درهم فصالحه على خمسمائة أخذ خبر المبتدأ لبعض حقه وإسقاط لباقيه لأن تصحيح تصرف العاقل واجب ما أمكن وقد أمكن
____________________
(3/433)
ذلك فيحمل عليه لا معاوضة لإفضائه إلى الربا ثم فرعه بقوله فلو صالح المديون دائنه عن ألف حال في ذمته على مائة حالة بإسقاط ما فضل هو تسعمائة أو عن ألف حال على ألف مؤجل بإسقاط وصف الحلول فقط هو حق له كالفضل صح الصلح
وكذا صح لو صالح عن ألف جياد على مائة زيوف بإسقاط ما فضل وإسقاط وصف الجودة معا ولا يشترط قبض المبدل في هذه الصور لكونه مداينة لا معاوضة
ولا يصح لو صالح عن دراهم حالة على دنانير مؤجلة إلى شهر سواء عن إقرار أو إنكار لأن الدنانير غير مستحقة بعقد المداينة فلا يمكن حمله على التأخير فتعينت المعاوضة وبيع الدراهم بالدنانير نسيئة لا يجوز لكونه صرفا
أو صالحه عن ألف مؤجل على نصفه حالا فإنه لا يصح أيضا لأن المعجل خير من المؤجل وهو غير مستحق بالعقد فيكون بإزاء ما حط عنه وذلك اعتياض عن الأجل وهو حرام
أو صالحه عن ألف سود جمع أسود أي دراهم مضروبة من نقرة سوداء مغلوبة الغش على نصفه بيضا لأنه من دراهم سود لا يستحق البيض فقد صالح على ما لا يستحق بعقد المداينة وكان معاوضة الألف بخمسمائة وزيادة وصف وهو ربا بخلاف ما لو صالح على قدر الدين وهو أجود كما لو صالحه عن ألف حال على ألف مؤجل أو صالحه عن ألف بيض على ألف سود جاز بشرط قبضه في المجلس لأنه إذا كان الذي يستوفيه أو أدون من حقه قدرا ووصفا ووقتا أو في أحدهما فهو إسقاط وإذا كان أزيد منه فمعاوضة
ولو صالح عن ألف درهم ومائة دينار على مائة درهم حالة أو مؤجلة صح لأنه يجعل إسقاطا للدنانير
____________________
(3/434)
كلها وللدراهم إلا مائة وتأجيلا للمائة التي بقيت فلا يحمل على المعاوضة لأن فيه فسادا
وإن قال من له على آخر ألف أد غدا نصفه أي نصف الألف على أنك بريء من باقيه ففعل من عليه الألف ذلك بأن قبل وأدى إليه في الغد النصف برئ عن النصف الباقي بالاتفاق وإلا أي وإن لم يؤد غدا بالنصف فلا يبرأ عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإنه قال يبرأ وإن لم يؤد ولا يعود إليه النصف الساقط أبدا لأنه إبراء مطلق لأنه جعل الأداء عوضا عن الإبراء نظرا إلى كلمة على والأداء لا يصلح أن يكون عوضا لوجوبه عليه فصار ذكره كعدمه ولهما أنه إبراء مقيد بشرط الأداء وأنه غرض صالح حذرا من إفلاسه أو يتوصل بها إلى ما هو الأنفع من تجارة رابحة أو قضاء دين أو دفع حبس فإذا عدم الشرط بطل الإبراء وكلمة على تحتمل الشرط فتحمل عليه عند تعذر المعاوضة تصحيحا لكلامه وعملا بالعرف وهذه المسألة على وجوه
الأول ما ذكر
والثاني قوله وإن قال صالحتك على نصفه على أنك إن لم تدفع غدا النصف فالألف عليك لا يبرأ إذا لم يدفع إجماعا يعني إن قبل وأدى إليه النصف في الغد برئ عن الباقي وإلا فالكل عليه بالإجماع لأنه أتى بتصريح التقييد فإذا لم يوجد بطل
والثالث قوله فإن قال أبرأتك من نصفه على أن تعطيني نصفه غدا برئ جواب إن من نصفه أعطى النصف في الغد أو لم يعط لأن الدائن أطلق البراءة في أول كلامه ثم ذكر الأداء الذي لا يصلح عوضا فبقي احتمال كون الأداء شرطا وهو مشكوك هنا لكونه مذكورا مؤخرا عن البراءة فلم يتحقق كونه شرطا فبقي البراءة على الإطلاق فيصير الأداء وعدمه غير مقيد في حق البراءة بخلاف الأداء في الصورة الأولى لكونه مقيدا في البراءة لذكره في أول الكلام وبهذا التقرير اتضح الفرق بين الصورتين
والرابع قوله وكذا لو قال أد إلي نصفه على أنك بريء من باقيه ولم يوقت للأداء وقتا فإنه يصح الإبراء بالإجماع ولا يعود الدين فإنه إبراء مطلق لأنه لما لم يوقت للأداء وقتا لا يكون الأداء غرضا صحيحا لأن الأداء
____________________
(3/435)
واجب على المديون في مطلق الأزمان فلم يتقيد الإبراء فحمل على المعاوضة ولا يصلح عوضا بخلاف ما تقدم لأن الأداء في الغد غرض صحيح كما في الهداية
والخامس قوله ولو قال إن أديت إلي نصفه فأنت بريء أو إذا أديت أو متى أديت إلي نصفه فأنت بريء لا يصح الإبراء وإن وصلية أدى نصفه لأنه تعليق بالشرط صريحا والبراءة لا تحتمل التعليق بالشرط لما فيها من معنى التمليك
ومن قال أي المديون سرا لرب دينه لا أقر لك حتى تؤخر أي الدين عني أو تحط عني بعضه ففعل رب الدين التأخير أو الحط جاز أي التأخير والحط لأنه ليس بمكره عليه فصار نظير الصلح مع الإنكار فلا يتمكن من مطالبته في الحال بعد التأخير ولا من مطالبة ما حط في الحط أبدا
وإن أعلن ما قاله سرا لزمه أي جميع الدين للحال أي بلا تأخير إن أخر ولا حط إن حط
فصل في الدين المشترك والتخاريج إن صالح أحد ربي الدين في دين عن نصفه أي الدين وهو نصيبه على ثوب فلشريكه الخيار إن شاء أن يتبع المديون بنصفه أي بنصف الدين لبقاء حصته في ذمته أو يأخذ نصف الثوب من شريكه لأن له حق المشاركة لأنه عوض عن دينه إلا أن يضمن أي الشريك له المصالح ربع الدين لأن حقه في الدين لا في الثوب ولا فرق بين
____________________
(3/436)
أن يكون الصلح عن إقرار أو سكوت أو إنكار ثم ههنا قيدان
الأول أن يكون المصالح عنه دينا لأنه لو كان الصلح عن عين مشتركة يختص المصالح ببدل الصلح وليس لشريكه أن يشاركه فيه لكونه معاوضة من كل وجه لأن المصالح عنه مال حقيقة بخلاف الدين
والثاني أن يكون المصالح عليه ثوبا والمراد خلاف جنس الدين لأنه لو صالحه على جنسه يشاركه فيه أو يرجع على المديون وليس للقابض فيه خيار لأنه بمنزلة قبض بعض الدين
وإن قبض أحد الشريكين شيئا من الدين شاركه شريكه فيه أي في الذي قبضه إذا لم يشاركه تلزم قسمة الدين قبل القبض وهذا غير جائز فله أن يشاركه فيه إن شاء لأنه عين حقه من وجه وإن شاء رجع على الغريم لأن حقه عليه في الحقيقة واتبعا أي رجعا الشريكان على الغريم أي المديون بما بقي من الدين لاستوائهما في الاقتضاء ولو سلم له المقبوض واختار متابعة الغريم ثم توي نصيبه بأن مات المديون مفلسا رجع على القابض بنصف ما قبض لكن ليس له أن يرجع في عين تلك الدراهم المقبوضة بل يعود إلى ذمته
وإن لم يصالح أحد الشريكين بل اشترى من الذي عليه الدين بنصيبه من الدين شيئا فالآخر مخير إن شاء ضمنه شريكه ربع الدين لأنه صار قابضا لنصيبه بالمقاصة ولا ضرر عليه لأن مبنى البيع على المماكسة والمنازعة بخلاف الصلح لأن مبناه على الحطيطة والمسامحة فلو ألزمناه دفع ربع الدين يتضرر به لأنه لم يستوف تمام نصف الدين فلذا خيرناه أو اتبع الغريم إن شاء لأن القابض استوفى نصيبه حقيقة لكن له حق المشاركة فله أن يشارك
ومن أبرأ أحدهما ذمة المديون عن نصيبه أو قاص الغريم بدين سابق بأن كان للمطلوب على أحدهما دين قبل وجود دينهما عليه حتى صار دينه قصاصا به لا يضمن لشريكه شيئا في الصورتين أما في الأولى فلأن الإبراء إتلاف لا قبض والرجوع يكون في المقبوض لا في المتلف وأما في الثانية فلأنه قضى دينا كان عليه ولم يقبض لأن الأصل في الدينين إذا التقيا قصاصا أن يصير الأول مقضيا بالثاني والمشاركة إنما تثبت في الاقتضاء
وإن أبرأ أحدهما عن البعض أي بعض نصيبه قسم الباقي على
____________________
(3/437)
سهامه لأن الحق عاد إلى هذا القدر حتى لو كان لهما على المديون عشرون درهما فأبرأه أحدهما عن نصف نصيبه كان له المطالبة بالخمسة وللساكت المطالبة بالعشرة كما في الدرر وإن أجل أحدهما نصيبه لا يصح التأجيل عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإنه يصح عنده اعتبارا بالإبراء المطلق ولهما أنه يؤدي إلى قسمة الدين قبل القبض كما في الهداية
وفي النهاية ما ذكره من صفة الاختلاف مخالف لما ذكر في عامة الكتب حيث ذكر قول محمد مع قول أبي يوسف وذلك سهل لجواز أن يكون المصنف قد اطلع على رواية لمحمد مع الإمام
وبطل صلح أحد ربي السلم أي أحد الشريكين في سلم عن نصيبه على ما دفع من رأس المال وهذا عند الطرفين لأنه يستلزم جواز قسمة الدين في الذمة وإنها لا تجوز خلافا له أي لأبي يوسف أيضا كما خالف في المسألة الأولى فإن عنده يجوز لأنه دين مشترك فإذا صالح أحدهما على حصته جاز كسائر الديون كما في شرح الكنز للعيني وإنما شرط على دفع رأس المال لأن الصلح على غير رأس المال لا يجوز بالاتفاق لما فيه من استبدال المسلم فيه وفي التنوير صالح أحد ربي سلم عن نصيبه على ما دفع فإن أجازه الآخر نفذ عليهما وإن رده رد وبطل ثم قال وهذه العبارة أولى من قول الكنز وهو اختيار المصنف وبطل إلى آخره لأنه ليس بباطل بل هو صحيح موقوف إلا أن يراد به أنه سيبطل على تقدير عدم الإجازة انتهى
وإن أخرج الورثة أحدهم عن عرض هي التركة أو أخرجوه عن عقار هي التركة بمال أعطوه له أو أخرجوه عن أحد النقدين بالآخر أي عن ذهب هو التركة بفضة دفعوها إليه أو عن فضة هي التركة بذهب دفعوه إليه أو عنهما أي عن النقدين بهما أي بالنقدين بأن كان في التركة دراهم ودنانير وبدل الصلح أيضا دراهم ودنانير صح هذا الصلح في الوجوه كلها قل البدل أو كثر صرفا للجنس إلى خلافه كما في البيع لكن في الوجه الثاني والثالث يعتبر التقابض في المجلس تحرزا عن الربا لأنه صرف ولا يعتبر التساوي والأصل في جواز التخارج أثر عثمان رضي الله تعالى عنه فإنه صالح امرأة عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه عن
____________________
(3/438)
ربع الثمن وكان له أربع نسوة على ثمانين ألف دينار بمحضر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من غير نكير وعن نقدين وهما الذهب والفضة وغيرهما أي غير النقدين مثل العقار والعروض أراد أن التركة إن كانت مشتملة على هذه الأجناس فأخرجوه بأحد النقدين يعني دفعوا إليه إما فضة أو ذهبا لا يصح إلا أن يكون المعطى بفتح الطاء أي الذي أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس ليكون نصيبه بمثله والزيادة بمقابلة حقه من بقية التركة تحرزا عن الربا وذلك لأن الصلح لا تجوز بطريق الإبراء لأن التركة أعيان والبراءة من الأعيان لا تجوز لكن لا بد من التقابض في المجلس فيما يقابل النقدين لأنه صرف في هذا القدر وإن صالحوا بعرض في هذه الصورة جاز مطلقا لعدم الربا
وإن كان في التركة دين على الناس فأخرجوا أي أخرجت الورثة أحدهم ليكون الدين لهم بطل الصلح لأن فيه تمليك الدين الذي هو حصة المصالح من غير من عليه الدين وهم الورثة فبطل ثم تعدى البطلان إلى الكل لأن الصفقة واحدة سواء بين حصة الدين أو لم يبين عند الإمام وينبغي أن يجوز عندهما في غير الدين إذا بين حصته ثم ذكر لصحة الصلح حيلا فقال فإن شرطوا أي الورثة براءة الغرماء من نصيبه أي من الدين الذي هو نصيب المصالح صح الصلح لأنه إسقاط وتمليك للدين ممن عليه الدين وفي هذا الوجه ضرر لسائر الورثة حيث لا يمكنهم الرجوع على المديون بقدر نصيب المصالح ونوع نفع لهم حيث لا يبقى للمصالح حق فيما على المديون فإذا وجد الضرر مع النفع في محل لا يعد مثل هذا الضرر ضررا فتصير هذه الحيلة مقبولة عند البعض
وكذا صح الصلح إن قضوا أي تعجلوا قضاء حصته أي حصة المصالح منه أي
____________________
(3/439)
من الدين تبرعا ثم تصالحوا عما بقي من التركة ولا يخفى ما فيه من ضرر بقية الورثة فالأولى ما ذكره بقوله أو أقرضوه أي أقرض بقية الورثة المصالح قدرها أي قدر حصته من الدين وأحالهم أي أحال المصالح الورثة به أي بالقرض الذي أخذه منهم على الغرماء وهم يقبلون الحوالة وصالحوه عن غيره أي عن غير الدين بما يصلح أن يكون بدلا صح
وفي التبيين ولا وجه منه أن يبيعوا كفا من تمر أو نحوه بقدر الدين ثم يحيلهم على الغرماء أو يحيلهم ابتداء من غير بيع ليقبضوه ثم يأخذوه لأنفسهم
وفي صحة الصلح عن تركة هي أعيان غير معلومة على مكيل أو موزون اختلاف قال الإمام المرغيناني لا يصح لاحتمال الربا بأن كان في التركة المجهولة مكيل أو موزون ونصيبه من ذلك مثل بدل الصلح
وقال الفقيه أبو جعفر يصح لاحتمال أن لا يكون في التركة من جنس بدل الصلح وعلى تقدير كونه يحتمل أن لا يكون نصيبه أقل من بدل الصلح فاحتمال الاحتمال يكون شبهة الشبهة ولا عبرة بها هذا هو الصحيح كما في التبيين وغيره
والأصح الجواز إن علم أنها أي التركة غير المكيل أو الموزون والأولى بالواو كما في الهداية وغيرها إذا كانت كلها أي كل التركة في يد البقية أي بقية الورثة لأن التركة قائمة في أيديهم فالجهالة فيها لا تفضي إلى النزاع لعدم الحاجة إلى التسليم حتى لو كان بعض التركة في المصالح ولا يعرفه بقية الورثة لا يجوز وقيل لا يصح لأنه بيع إذ المصالح عنه عين ومع الجهالة لا يصح البيع
وبطل الصلح والقسمة إن
____________________
(3/440)
كان على الميت دين مستغرق للتركة لأن التركة لم يتملكها الوارث إلا أن يضمن الوارث الدين بشرط أن لا يرجع في التركة أو يضمن أجنبي بشرط براءة الميت
وإن كان الدين غير مستغرق فالأولى أن لا يصالح قبل قضائه أي قضاء الدين لحاجته إلى تقدم القضاء
ولو فعل وصالح قالوا يجوز لأن التركة لا تخلو عن قليل دين والدائن قد يكون غائبا فتضرر الورثة بالتوقف على مجيئه والدائن لا يتضرر لأن على الورثة قضاء دينه والقسمة تجوز قياسا لما مر من أن التركة لا تخلو عن قليل دين فتقسم نفيا للضرر عن الورثة لا تجوز استحسانا وهو قول الكرخي لأن الدين يمنع تملك الوارث إذ ما من جزء من التركة إلا وهو مشغول بالدين فلا تجوز القسمة قبل قضائه وقيل القياس أن يوقف الكل لما مر من أن الدين يتعلق بكل جزء من التركة والاستحسان أن يوقف قدر الدين ويقسم الباقي لدفع الضرر عن الورثة
وفي التنوير وإذا أخرجوا واحدا فحصته تقسم بين الباقي على السواء إن كان ما أعطوه من مالهم غير الميراث المشترك بينهم وإن كان ما أعطوه له مما ورثوه من مورثهم فعلى قدر ميراثهم
____________________
(3/441)
والموصى له كوارث فيما قدمناه
صالحوا أحدهم ثم ظهر للميت دين أو عين لم يعلموها هل يكون داخلا في الصلح فيه قولان أشهرهما أي القولين لا يكون داخلا فيه
____________________
(3/442)
443 كتاب المضاربة هي مفاعلة من الضرب في الأرض وهو السير فيها قال الله تعالى وآخرون يضربون في الأرض يعني الذين يسافرون في التجارة وسمي هذا العقد بها لأن العامل فيه يسير في الأرض غالبا لطلب الربح وأهل الحجاز يسمون هذا العقد مقارضة وقراضا لأن صاحب المال يقطع قدرا من ماله ويسلمه للعامل وأصحابنا اختاروا لفظة المضاربة لكونها موافقة للنص
وفي الشرع هي أي المضاربة شركة في الربح بأن يقول رب المال دفعته مضاربة أو معاملة على أن يكون لك من الربح جزء معين كالنصف أو الثلث أو غيره ويقول المضارب قبلت ففيه إشعار بأن كلا من الإيجاب والقبول ركن والظرف للشركة بمال من جانب وهو جانب رب المال وعمل من جانب آخر وهو جانب المضارب وهي مشروعة
____________________
(3/443)
للحاجة إليها فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه وبين مهتد في التصرف صفر اليد عن المال فمست الحاجة إلى شرع هذا النوع من التصرف لتنتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني وبعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والناس يباشرونه فقررهم عليه وتعاملت به الصحابة رضي الله تعالى عنهم والمضارب أمين ابتداء لأنه قبض المال بإذن مالكه لا على وجه المبادلة والوثيقة
والحيلة في أن يصير المال مضمونا على المضارب أن يقرضه من المضارب ويشهد عليه ويسلمه إليه ثم يأخذه منه مضاربة ثم يدفعه إلى المستقرض يستعين به في العمل بجزء شائع من الربح فإذا عمل وربح كان الربح بينهما على الشرط وأخذ رأس المال على أنه بدل القرض وإن لم يربح أخذ رأس المال بالقرض وإن هلك المال هلك على المستقرض وهو العامل وذكر الزيلعي حيلة أخرى فليطالع
فإذا تصرف المضارب في المال فوكيل لأنه متصرف في ملكه بأمره ولهذا يرجع بما لحقه من العهدة على رب المال كالوكيل فإن ربح منه فشريك لرب المال لأنه هو المقصود من عقد المضاربة
وإن خالف المضارب شرط رب المال فغاصب ولو أجاز بعده لوجود التعدي منه على مال غيره فصار غاصبا فيضمن وبه قالت الأئمة الثلاثة وأكثر أهل العلم
وعن علي كرم الله تعالى وجهه والحسن والزهري أنه لا ضمان كما في الشمني
وإن شرط كل الربح له أي للمضارب فمستقرض فإن استحقاق كل الربح لا يكون إلا بعد أن يصير رأس المال ملكا له لأن الربح فرع المال واشتراطه له يوجب تمليكه رأس المال اقتضاء
وإن شرط كل الربح لرب المال فمستبضع حيث يكون عاملا لرب المال بلا بدل وعمله لا يتقوم إلا بالتسمية فكأنه كان وكيلا متبرعا
وإن فسدت المضاربة بشيء فأجير لأن المضارب عامل لرب المال وما شرطه له كالأجرة على عمله ومتى فسدت ظهر معنى الإجارة فلا ربح حينئذ لأنه يكون في المضاربة الصحيحة ولما فسدت صارت إجارة فله أي للمضارب أجر مثله أي أجر مثل عمله كما هو حكم الإجارة الفاسدة ربح أو لم يربح وبه قال الشافعي لأنه لا يستحق المسمى لعدم الصحة ولم يرض
____________________
(3/444)
بالعمل مجانا فيجب أجر المثل وإن لم يربح في رواية الأصل وعن أبي يوسف لا أجر له إذا لم يربح اعتبارا بالمضاربة الصحيحة
ولا يزاد أجر مثل عمله على قدر ما شرط له من الربح عند أبي يوسف لأنه رضي به وهو المختار خلافا لمحمد فإن له أجر المثل عنده بالغا ما بلغ وبه قالت الأئمة الثلاثة
ولا يضمن المضارب المال بالهلاك فيها أي المضاربة الفاسدة أيضا أي كما لا يضمنه في المضاربة الصحيحة لأنه أمين فلا يكون ضمينا وهذا ظاهر الرواية وبه يفتى وعن محمد أنه يضمن كما في القهستاني وقال الطحاوي عدم الضمان قول الإمام وعندهما هو ضامن إذا هلك في يده بما يمكن التحرز عنه وقال الإسبيجابي والأصح أنه لا ضمان على قول الكل كما في العناية
ولا تصح المضاربة إلا بمال تصح به الشركة من النقدين والتبر والفلس النافق لكن في الكبرى أن في المضاربة بالتبر روايتين وعن الشيخين أنهما تصح بالفلس ولم تصح عند محمد وعليه الفتوى كما في القهستاني
وإن دفع عرضا وقال بعه واعمل في ثمنه مضاربة فقبل أو قال اقبض مالي على فلان من الدين واعمل به مضاربة فقبل جازت أيضا كما تصح به الشركة لأن المضاربة في المسألة الأولى أضيفت إلى ثمن العرض وهو مما تصح فيه المضاربة وفي الثانية أضيفت إلى زمان القبض والدين إذا قبض صار عينا فيجوز هذا العقد بخلاف ما لو قال اعمل بالدين الذي في ذمتك فإنه لا يجوز اتفاقا وفي المنح ولو قال اقبض ديني على فلان ثم اعمل به مضاربة فعمل قبل أن يقبض كله ضمن ولو قال فاعمل به لا يضمن وكذا بالواو لأن ثم للترتيب فلا يكون مأذونا بالعمل إلا بعد قبض الكل بخلاف الفاء والواو فإنه يكفي قبض البعض كذا في بعض المعتبرات لكن في القول بأن الفاء كالواو في هذا الحكم نظر لأن ثم يفيد الترتيب والتراخي والفاء يفيد التعقيب والترتيب فينبغي أن لا يثبت الإذن فيها قبل القبض بل يثبت عقيبه بخلاف الواو فإنها لمطلق الجمع من غير تعرض لمقارنة ولا ترتيب
وفي المجتبى ولو قال اشتر لي عبدا نسيئة ثم بعه واعمل بثمنه مضاربة فاشتراه ثم باعه وعمل فيه جاز ولو قال رب المال للغاصب أو المستودع أو المبعض اعمل بما في يدك مضاربة جاز
____________________
(3/445)
وشرط تسليم المال إلى المضارب بلا يد لرب المال فيه لأن تخلية المال للعامل واجب للتمكن من التصرف فيه حتى لو شرط عمل رب المال معه لفسدت المضاربة لأن ذلك مخل بالتسليم بخلاف الشركة عاقدا كان رب المال أو غير عاقد كالصغير إذا عقدها أي المضاربة له أي للمضارب وليه أي ولي الصغير وشرط عمل الصغير معه فإنه لا يجوز لأن يد المالك ثابت له وبقاء يده يمنع التسليم إلى المضارب وأحد الشريكين إذا عقدها أي المضاربة الآخر أي إذا دفع أحد المتفاوضين أو أحد شريكي العنان المال مضاربة وشرط عمل شريكه معه فإنه لا يجوز لقيام الملك له فالمعتبر فيه عمل المالك لا العاقد حتى لو دفع الأب الوصي مال الصغير وشرط عمل نفسه جاز لأنهما من أهل أن يأخذا مال الصغير مضاربة بأنفسهما فجاز اشتراط العمل عليهما بخلاف المأذون لو دفع ماله مضاربة وشرط عمله معه فإنه لم يجز لأن اليد المتصرفة ثابتة له فنزل منزلة المالك وفيه إشعار بأن الوصي إذا دفع مال الصغير إلى نفسه مضاربة جاز كما في الذخيرة لكن ينبغي أن يزاد في هذه المسألة أن الوصي لا يجعل لنفسه أكثر مما يجعل لأمثاله كما قاله الطرطوسي
و شرط كون الربح بينهما مشاعا أي لا تصح المضاربة حتى يكون الربح مشاعا بينهما بأن يكون أثلاثا أو منصفا ونحوهما لأن الشركة لا تتحقق إلا به فلو شرط لأحدهما دراهم مسماة تبطل فيكون الربح لرب المال وشرط كون نصيب كل من المضارب ورب المال معلوما عند العقد وكون رأس المال معلوما تسمية أو إشارة فتفسد المضاربة إن شرط لأحدهما عشرة دراهم مثلا لأن اشتراط ذلك مما يقطع الشركة بينهما لأنه ربما لا يربح بالشرط فإذا لم يصح بقيت منافعه مستوفاة بحكم العقد فيجب أجر المثل
وفي التنوير ولو ادعى المضارب فسادها فالقول لرب المال وبعكسه فللمضارب وكل شرط يوجب جهالة الربح كشرط رب المال على المضارب أن يدفع إليه أرضه ليزرعها سنة أو داره ليسكنها سنة يفسدها أي المضاربة لأنه جعل بعض الربح عوضا عن عمله والبعض أجرة داره أو أرضه ولا يعلم حصة العمل حتى تجب حصته وتسقط ما أصاب منفعة الدار وما أي كل شرط لا يوجب جهالة
____________________
(3/446)
الربح فلا يفسد المضاربة و لكن يبطل الشرط لأنه لا يفضي إلى جهالة حصة العمل إذ نصيبه من الربح مقابل بعمله لا غير ولا جهالة فيه كشرط الوضيعة وهي الخسران على المضارب لأن الخسران جزء هالك من المال فلا يجوز أن يلزم غير رب المال لكنه شرط زائد لا يوجب قطع الشركة في الربح ولا الجهالة فيه فلا يفسد المضاربة لأنها لا تفسد بالشروط الفاسدة كالوكالة ولأن صحتها تتوقف على القبض فلا تبطل بالشرط كالهبة
وللمضارب في مطلقها أي مطلق المضاربة وهو ما لم يقيد بمكان أو زمان أو نوع من التجارة نحو أن يقول دفعت إليك هذا المال مضاربة ولم يزد عليه أن يبيع ويشتري ويوكل بهما أي بالبيع والشراء ويسافر بمال المضاربة برا وبحرا ولو دفع المال في بلده على الظاهر وعن أبي يوسف لا يسافر وبه قال الشافعي
وعن الإمام إن دفع إليه المال في بلده ليس له أن يسافر
وفي القهستاني ولا يسافر سفرا مخوفا يتحامى الناس عنه في قولهم
ويبضع من الإبضاع وهو أن يدفع إلى غيره مالا يعمل فيه ويكون الربح لرب المال ويودع ويرهن ويرتهن ويؤاجر ويستأجر ويحتال بالثمن على الأيسر وغيره لأن كل ذلك من صنيع التجار
ولو أبضع المضارب لرب المال صح ولا تفسد به أي بالإبضاع المضاربة وقال زفر تفسد لأن رب المال حينئذ متصرف في مال نفسه وهو لا يصلح أن يكون وكيلا فيه فيكون مستردا له ولنا أن التصرف في مال المضاربة صار حقا للمضارب فيصلح أن يكون رب المال وكيلا عنه في التصرف فيه
وليس له أي للمضارب أن يضارب مال المضاربة لآخر إلا بإذن رب المال صريحا أو بقوله له أي للمضارب اعمل برأيك لأن الشيء لا يتضمن مثله فلا بد من التنصيص عليه أو التفويض المطلق إليه كالوكيل لا يملك التوكيل إلا
____________________
(3/447)
بقول الأصيل اعمل برأيك بخلاف الإبضاع والإيداع لأنهما دون المضاربة لا مثلها فيتضمنهما
ولا أي ليس للمضارب أن يقرض أو يستدين بأن يشتري بأكثر من مال المضاربة أو يهب أو يتصدق وإن قيل له اعمل برأيك لأن المراد بهذا القول التعميم في كل ما هو من صنيع التجار وهذا ليس من صنيعهم إذ الربح المقصود عندهم لا يحصل بها إلا بتنصيص من رب المال على الإقراض والاستدانة والهبة والتصدق فحينئذ ملكها وفرع على الاستدانة بقوله
فإن شرى بمالها أي المضاربة بزا بفتح الباء الموحدة والزاي المعجمة عند أهل الكوفة ثياب الكتان لا ثياب الصوف والخز كما في المغرب وقصره أي غسله بأجرة من ماله من قصر يقصر بالضم قصرا وقصارة أو من قصر الثوب بالتشديد أي جمعه فغسله كما في القهستاني أو حمله من موضع إلى آخره بماله أي بمال المضارب لا بمالها فهو أي المضارب متبرع فلا يرجع بماله على رب المال
وإن وصلية قيل له اعمل برأيك لأنه استدانة على المال بلا إذن صريح فلو قصر بالنشا فحكمه حكم الصبغ وله أي للمضارب الخلط بماله أي المضارب والصبغ بماله إن قيل له ذلك أي اعمل برأيك والمراد من الصبغ أن يصبغه أحمر لعدم الخلاف في كونه زيادة فيه بخلاف السواد فإنه نقصان عند الإمام لكن إطلاق المصنف يشعر أنه اختار قول الإمامين وسكت عن قول الإمام تتبع
فلا يضمن المضارب به أي بالخلط ولا بالصبغ فإنه مأذون فيه لأن قوله اعمل برأيك يتضمنه فلا يكون به متعديا ويصير المضارب شريكا لرب المال بما زاد الصبغ فيه وحصته أي حصة قيمة الصبغ له أي للمضارب إذا بيع المصبوغ وحصة الثوب الأبيض في مال المضاربة حتى إذا كانت قيمة الثوب غير مصبوغ ألفا ومصبوغا ألفا ومائتين كان الألف للمضاربة ومائتا درهم للمضارب بدل ماله وهو الصبغ بخلاف القصارة والحمل وتمامه في العناية فليطالع
وإن قيدت المضاربة ببلد معين بأن قال رب المال للمضارب دفعته مضاربة في الكوفة مثلا أو سلعة أي متاع معين بأن قال دفعته مضاربة في الكرباس
____________________
(3/448)
مثلا أو وقت معين بأن قال دفعته مضاربة بالصيف مثلا أو معامل معين بأن قال دفعته مضاربة لفلان فليس له أي للمضارب أن يتجاوز مما عينه المالك لأن المضاربة توكيل وفي التخصيص فائدة لأن التجارات تختلف باختلاف الأمكنة والأمتعة والأوقات والأشخاص وكذا ليس له أن يدفع بضاعة إلى من يخرجه من تلك البلدة
وقال مالك والشافعي إذا شرط المالك أن لا يشتري إلا من رجل بعينه أو سلعة بعينها أو ما لا يعم وجوده لا تصح المضاربة كما لا يتعدى الشريك في الشركة عما عينه الشريك الآخر بشيء منها فإن تجاوز المضارب بأن يخرج إلى غير ذلك البلد فتصرف فيه أو اشترى سلعة غير ما عينه أو في وقت غير ما عينه أو باع مع غير من عينه ضمن لأنه صار غاصبا بالمخالفة وكان المشترى له والربح له أي للمضارب وعليه خسرانه ثم قيل يضمن بنفس الإخراج من البلد لوجود المخالفة وقيل بل لا يضمن ما لم يشر لاحتمال عوده إلى البلد قبل الشراء فإن عاد زال الضمان فصار مضاربة على حاله بالعقد الأول فإن قال له أي قال المالك للمضارب عامل أهل الكوفة أو عامل الصيارفة فعامل في الكوفة غير أهلها أي الكوفة أو صارف أي عامل معاملة الصرف مع غير الصيارفة لا يكون مخالفا فيجوز لأن فائدة الأول التقييد بالمكان وفائدة الثاني التقييد بالنوع هذا هو المراد عرفا لا فيما وراء ذلك كما في الهداية
وكذا لا يكون مخالفا لو قال اشتر في سوقها أي الكوفة فاشترى في غيره أي غير سوق الكوفة لأن أماكن المصر كلها سواء في السعر والنقد والأمن فيجوز بخلاف قوله لا تشتر في غير السوق فإنه حينئذ لا يجوز لو اشتراه في غيره فيضمن لأنه صرح بالحجر والولاية إلى
____________________
(3/449)
المالك
وفي العناية كلام فليطالع
وإن قال المالك للمضارب خذ هذا المال تعمل به أي بالمال في الكوفة مرفوعا أو مجزوما أو خذ هذا المال فاعمل به أي بالمال فيها أي الكوفة أو خذه أي المال المضارب بالنصف فيها أي في الكوفة فهو تقييد فليس له أن يعمل في غير الكوفة لأن قوله تعمل به تفسير لقوله خذه والكلام المبهم إذا تعقبه تفسير كان الحكم للتفسير وكذا قوله فاعمل به لأنه في معنى التفسير لأن الفاء للوصل والتعقيب والذي وصل الكلام المبهم وتعقبه كان تفسيرا له وكذا لو قال خذه مضاربة بالنصف لأن الباء للإلصاق فيقتضي أن يكون العمل فيه وكذا لو قال خذه مضاربة بالنصف في الكوفة لأن في للظرف وإنما تكون البلدة ظرفا إذا حصل الفاعل والفعل فيها وكذا إذا قال خذه مضاربة على أن تعمل بالكوفة لأن على للشرط فيتقيد به كما في التبيين بخلاف خذه أي المال مضاربة واعمل به فيها أي في الكوفة فإنه ليس بتقييد حتى لا يضمن في العمل في غيرها لأن الواو للعطف والشيء لا يعطف على نفسه وإنما يعطف على غيره وقد تكون للابتداء إذا كانت بعدها جملة فتكون مشورة لا شرطا للأول
والضابط أن رب المال متى ذكر عقيب المضاربة ما لا يمكن التلفظ به ابتداء أو يمكن جعله مبنيا على ما قبله يجعل مبنيا عليه كما في الألفاظ الثلاثة السابقة التي تذكر في المتن وإن استقام الابتداء به لا يبنى على ما قبله ويجعل مبتدأ كما في اللفظ الأخير
وللمضارب أن يبيع بنسيئة معارفة عند التجار كسنة أو دونها ما لم يكن إجلالا يبيع إليه التجار كعشرين سنة مثلا وعند الأئمة الثلاثة لا يبيع بنسيئة إلا بإذنه لأن البيع بالنسيئة يوجب
____________________
(3/450)
قصر يد المضارب عن التصرف فيصير بمنزلة دفعه المال مضاربة فلا يجوز إلا بإذن ولنا أن البيع بالنسيئة من صنيع التجار وهو أقرب إلى تحصيل الربح الذي هو مقصود رب المال فإنه بالنسيئة أكثر منه بالنقد ولهذا كان له أن يشتري دابة للركوب وليس له أن يشتري سفينة للركوب وله أن يستكريها اعتبارا لعادة التجار كما في الهداية
وإن باع المضارب بنقد ثم أخر أي الثمن صح إجماعا أما عندهما فإن الوكيل يملك ذلك فالمضارب أولى لأن المضارب لا يضمن لأن له أن يقابل ثم يبيع نسيئة ولا كذلك الوكيل لأنه لا يملك ذلك وأما عند أبي يوسف فلأنه يملك الإقالة ثم البيع بالنسأ بخلاف الوكيل لأنه لا يملك الإقالة كما في الهداية
وله أي للمضارب أن يأذن لعبد المضاربة أي العبد الذي اشتراه من مال المضاربة في التجارة
وفي رواية المشهورة لأنه من صنيع التجار وعن محمد لا يملك ذلك لأنه بمنزلة الدفع مضاربة
وليس له أي للمضارب أن يزوج عبدا أو أمة من مالها أي مال المضاربة لأن التزويج ليس للتجارة مع أن عقد المضاربة يتضمن التوكيل بالتجارة فلا يملك التزويج وإن كان اكتسابا بجهة أخرى وعن أبي يوسف أن المضارب يزوج الأمة لأنه من الاكتساب إذ يستفيد به المهر وسقوط النفقة من مال المضاربة وفيه إشارة إلى أنه لا يحل وطء جارية المضاربة ربح أو لا وأذن به أو لا كما في القهستاني
ولا يجوز للمضارب أن يشتري به أي بمال المضاربة من يعتق على رب المال سواء كان ذلك العتق بسبب القرابة كاشتراء ابن رب المال أو بسبب اليمين كقوله إن ملكته فهو حر لأن حصول الربح غير متصور بالعتق فعقد المضاربة ينافيه فإن شرى المضارب به من يعتق عليه كان الشراء له أي لنفس المضارب ويضمن دفعا للضرر لا لها أي لا يكون للمضاربة لأن الشراء نافذ على المشتري لكونه أصيلا في حق البائع
ولا يجوز للمضارب أن يشتري من يعتق عليه أي على المضارب إن كان في المال ربح لأنه يعتق نصيبه ويفسد نصيب رب المال بسببه أو يعتق على الاختلاف الذي مضى بيانه في العتق والمراد من الربح هنا أن تكون قيمة العبد المشترى أكثر من رأس المال سواء
____________________
(3/451)
كان في جملة رأس المال ربح أو لا حتى لو كان المال ألفا فاشترى بها المضارب عبدين قيمة كل واحد منهما ألف فأعتقهما المضارب لا يصح عتقه وأما بالنسبة إلى استحقاق المضارب فإنه يظهر في الجملة ربح حتى لو أعتقهما رب المال في هذه الصورة صح وضمن نصيب المضارب منهما وهو خمسمائة موسرا كان أو معسرا كما في المنح فإن فعل أي اشترى من يعتق عليه قيمته أكثر من رأس المال ضمن أي المضارب لأنه مشترى لنفسه
وإن لم يكن في المال ربح صح شراؤه لأنه لا يعتق عليه إذ لا ملك للمضارب فيه لكونه مشغولا برأس المال فيمكنه أن يبيعه للمضاربة فيصح فإن حدث ربح بعد الشراء بأن كان قيمته وقت الشراء قدر رأس المال أو أقل ثم ازدادت قيمته حتى صارت أكثر من رأس المال عتق نصيبه أي نصيب المضارب لكونه مالكا قريبه ولا يضمن لرب المال شيئا من قيمته لعدم صنعه في زيادتها فصار كما إذا ورثه مع غيره بل يسعى المعتق بفتح التاء في قيمة نصيب رب المال منه لاحتباس رأس المال ونصيبه من الربح عنده
ولو اشترى المضارب بالنصف أمة بألف وقيمتها أي الأمة ألف فوطئها فولدت ولدا يساوي ألفا فادعاه أي ادعى المضارب الولد حال كونه موسرا أي في حال يساره فصارت قيمته أي قيمة الولد ألفا ونصفه أي خمسمائة استسعاه أي الغلام إن شاء رب المال في ألف وربعه أي ربع الألف وهو مائتان وخمسون أو أعتقه رب المال الغلام إن شاء فإذا قبض رب المال الألف من الغلام ضمن المدعي أي المضارب نصف قيمة الأمة وذلك لأن دعوة المضارب وقعت صحيحة ظاهرا
____________________
(3/452)
لأنه يحمل على أنه ولد من النكاح بأن زوجها البائع له ثم باعها منه وهي حبلى منه حملا لأمره على الصلاح لكن لا تقيد هذه الدعوة لعدم الملك وهو شرط فيها إذ كل واحد من الجارية وولدها مشغول برأس المال فلا يظهر الربح فيه لما عرف أن مال المضاربة إذا صارت أجناسا مختلفة كل واحد منها لا يزيد على رأس المال لا يظهر الربح عندنا لأن بعضها ليس بأولى به من البعض فحينئذ لم يكن للمضارب نصيب في الأمة ولا في الولد وإنما الثابت له مجرد حق التصرف فلا ينفذ دعوته فإذا زادت قيمته فصارت ألفا وخمسمائة ظهر الربح فملك المضارب منه نصف الزيادة فنفذت دعوته لوجود شرطها وهو الملك بخلاف ما إذا أعتق الولد ثم ظهر الربح حيث لا ينفذ إعتاقه السابق لأنه إنشاء فإذا بطل لعدم الملك لا ينفذ بعده بحدوثه وأما الدعوة فإخبار فإذا رد في حق غيره فهو باق في حق نفسه فإذا ملكه بعد ذلك نفذت دعوته كما إذا أخبر بحرية عبد لغيره يرد إخباره فإذا ملكه بعد ذلك صار حرا كما في الدرر هذا
باب يقرأ بالتنوين وعدمه المضارب يضارب مع آخر مضاربة المضارب مركبة فلهذا أخرها عن المفرد فإن ضارب المضارب أي دفع المضارب مال المضاربة إلى آخر مضاربة بلا إذن من رب المال فلا ضمان على المضارب إذا هلك المال بمجرد الدفع ما لم يعمل المضارب الثاني في المال فإذا عمل ضمن الدافع ربح الثاني أولا في ظاهر الرواية عن الإمام وهو قولهما وفي رواية الحسن عن الإمام لا يضمن بالعمل أيضا ما لم يربح أي الثاني
وقال زفر يضمن بالدفع تصرف أو لم يتصرف وهو رواية عن أبي يوسف وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه دفع ماله إلى غيره بلا أمر فيضمن ولنا أنه كالإيداع قبل العمل وهو يملك الإيداع بنفسه وجه ظاهر الرواية أن الربح إنما يحصل بالعمل فيقام سبب حصول الربح مقام حقيقة حصوله في
____________________
(3/453)
صيرورة المال مضمونا به هذا إذا كانت المضاربة الثانية صحيحة وإن كانت الثانية فاسدة فلا ضمان على الأول
وإن وصلية ربح الثاني لأنه أجير والأجير لا يستحق شيئا من الربح فلا تثبت المضاربة وله أجر مثله على المضارب الأول فيكون الربح بين الأول ورب المال على ما شرطا له وحيث ضمن أي حيث لزم الضمان بعمل الثاني في ظاهر الرواية وبالربح في رواية الحسن عنه فلرب المال تضمين أيهما شاء بإجماع أصحابنا في المشهور من الرواية أي خير رب المال إن شاء ضمن المضارب الأول رأس ماله لتعديه عليه وإن شاء ضمن الثاني لقبضه بغير إذن المالك وإن اختار رب المال أن يأخذ الربح ولا يضمن ليس له ذلك كما في المبسوط فإن ضمن الأول صحت المضاربة بينه وبين الثاني لأنه ملكه بالضمان من حين خالف بالدفع إلى غيره لا على الوجه الذي رضي به فصار كما إذا دفع مال نفسه وكان الربح على ما شرطا وإن ضمن الثاني رجع بما ضمن على الأول بالعقد لأنه عامل له كالمودع ولأنه مغرور من جهته في ضمن العقد وصحت المضاربة بينهما ويكون الربح بينهما على ما شرطا ويطيب للثاني ما ربح لأنه يستحقه بالعمل ولا خبث في العمل ولا يطيب للأول لأنه لا يستحقه بملكه المستند بأداء الضمان ولا يعرى عن نوع خبث كما في الهداية وقيل على الخلاف في إيداع المودع أي يضمن الأول فقط ولا يضمن الثاني عند الإمام وعندهما يضمن بناء على اختلافهم في مودع المودع فإن عنده لا يضمن وعندهما يتخير والفرق بينهما للإمام أن مودع المودع كان يقبضه لنفع الأول فلا يكون ضامنا أما المضارب الثاني فيعمل فيه لنفع نفسه فجاز أن يكون ضامنا
وإن أذن رب المال له أي للمضارب بالدفع إلى آخر بالمضاربة فضارب المضارب بالثلث و الحال أنه قد قيل له أي وكان رب المال قال للمضارب الأول ما رزق الله بيننا نصفان أو ما رزق الله فلي نصفه أو ما فضل من رأس
____________________
(3/454)
المال فنصفان فعمل الثاني وربح فنصف الربح لرب المال وثلثه للثاني أي للمضارب الثاني وسدسه للأول أي للمضارب الأول لأن الدفع إلى الثاني مضاربة لأنه بإذن المالك وقد شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى وقد جعل المضارب الأول للثاني ثلثه فينصرف ذلك إلى نصيبه لأنه لا يقدر أن ينقص من نصيب رب المال شيئا فيبقى للأول السدس ويطيب ذلك لكلهم لأن رب المال يستحقه بالمال وهما بالعمل
وإن دفع المضارب الأول للثاني بالنصف والمسألة بحالها فنصفه أي الربح لرب المال ونصفه للثاني أي للمضارب الثاني ولا شيء للأول لأن المالك شرط لنفسه جميع الربح فانصرف شرط الأول النصف للثاني إلى نصيبه فيكون للثاني بالشرط ويخرج الأول بغير شيء لأنه لم يبق له
وإن شرط الأول للثاني الثلثين أي ثلثي الربح والمسألة بحالها فكما شرط يعني لرب المال النصف للمضارب وللثاني الثلثان ويضمن المضارب الأول للثاني سدسا أي سدس الربح من ماله لأن المالك شرط النصف لنفسه فله ذلك واستحق المضارب الثاني ثلثي الربح بشرط الأول لأن شرطه صحيح لكونه معلوما لكن لا ينفذ في حق المالك إذ لا يقدر أن يغير شرطه فيغرم له قدر السدس تكملة للثلثين لالتزامه بالعقد
وإن كان قيل له أي للمضارب الأول يعني قال له رب المال ما رزقك الله تعالى أو ما ربحت بيننا نصفان فدفع المضارب لآخر مضاربة بالثلث فعمل الثاني وربح فلكل منهم أي لكل واحد من المالك والمضارب الأول والثاني ثلثه لأن ثلث الربح مشروط للثاني وما بقي من الربح ثلثان وهو مرزوق للأول فنصف الثلثين هو الثلث لرب المال على ما شرط ولا يبقى للأول إلا الثلث ويطيب لهم أيضا
وإن دفع المضارب لآخر مضاربة بالنصف في هذه الصورة فللثاني نصف الربح ولكل من المضارب الأول ورب المال ربع الربح لأن الأول شرط للثاني نصف الربح وذلك مفوض إليه من جهة رب المال فيستحقه وقد جعل رب المال لنفسه نصف ما ربح الأول ولم يربح
____________________
(3/455)
إلا النصف فيكون بينهما
ولو شرط المضارب لعبد رب المال ثلثا من الربح ليعمل العبد معه أي مع المضارب و شرط لرب المال ثلثا من الربح ولنفسه ثلثا صح ذلك لأن اشتراط العمل على العبد لا يمنع التخلية والتسليم من المالك سواء عليه دين أو لا لأن للعبد يدا معتبرة فيكون منفردا خصوصا إذا كان مأذونا واشتراط العمل إذن له فيكون حصته للمولى إن لم يكن على العبد دين وإلا فهو لغرمائه إن شرط عمله وإلا فهو للمولى
قوله معه عادي وليس بقيد بل يصح الشرط ويكون للمولى وإن لم يشترط عمله
قيد بعبد رب المال لأن عبد المضارب لو شرط له شيء من الربح ولم يشترط عمله لا يجوز ويكون ما شرط لرب المال إذا كان على العبد دين ولا يصح سواء شرط عمله أو لا ويكون للمضارب وقيد بكون العاقد المولى لأنه لو عقدها المأذون مع أجنبي وشرط عمل مولاه لم يصح إن لم يكن عليه دين وهو الأصح عند الإمام خلافا لهما وقيد باشتراط عمل العبد لأن اشتراط عمل رب المال مع المضارب مفسد وكذا اشتراط عمل المضارب مع مضاربة أو عمل رب المال مع الثاني ولو شرط بعض الربح للمساكين أو للحج أو في الرقاب لم يصح ويكون لرب المال ولو شرط لمن شاء المضارب فإن شاء لنفسه أو لرب المال صح وإن شاء لأجنبي لم يصح كما في البحر
وتبطل المضاربة بموت أحدهما أي بموت المالك أو المضارب لكونها وكالة وهي تبطل به ولا يورث
و تبطل أيضا بلحاق رب المال بدار الحرب حال كونه مرتدا والعياذ بالله تعالى إذا حكم بلحوقه من يوم ارتد وانتقل ملكه إلى ورثته فلم يتصرف المضارب بعد ذلك في المال إلا إذا كان متاعا أو عروضا فبيعه وشراؤه فيه جائز حتى يحصل رأس المال
قيد بلحوقه لأنه لو ارتد ولم يلحق وتصرفه موقوف فإن عاد بعد لحوقه مسلما فالمضاربة على حالها كما في البحر بخلاف الوكيل والفرق أن محل التصرف خرج عن ملك الموكل ولم يتعلق به حق الوكيل بخلاف المضارب لكن ينبغي أن يكون هذا إذا لم يحكم بلحوقه أما إذا
____________________
(3/456)
حكم فلا تعود المضاربة لأنها بطلت كما هو ظاهر كلام الأتقاني لكن في العناية تعود سواء حكم بلحاقه أو لا
لا تبطل المضاربة بلحاق المضارب إجماعا لأن تصرفات المرتد إنما تتوقف عند الإمام للتوقف في أملاكه ولا ملك للمضارب في مال المضاربة فبقيت المضاربة على حالها فإن مات أو قتل أو لحق وحكم بلحاقه بطلت المضاربة كما في السراج
ولا ينعزل المضارب بعزله أي بعزل رب المال إياه ما لم يعلم المضارب به أي بالعزل لأنه وكيل من جهته فيشترط فيه العلم بعزله فإن علم المضارب بعزله والمال عروض فله أي للمضارب بيعها أي العروض مطلقا لأن له حقا في الربح ولا يظهر إلا بالنقد فيثبت له حق البيع ليظهر ذلك ولا يتصرف في ثمنها أي في ثمن العروض التي باعها لأن البيع بعد العزل كان للضرورة ليظهر الربح ولا حاجة إليه بعد النقد ولا يملك المالك فسخها في هذه الحالة لأن للمضارب حقا في الربح كما في البحر
وإن كان مال المضاربة نقدا من جنس رأس المال أي مال عقد المضاربة حين أعلمه بعزله لا يتصرف المضارب فيه أي النقد لعدم الحاجة إليه وهو معزول وإن كان المال من غير جنسه أي غير جنس رأس المال فله أي للمضارب تبديله بجنسه أي إذا كان رأس المال دراهم وهو معزول ومعه دنانير له بيعها بالدراهم استحسانا لأن الواجب للمضارب أن يرد مثل رأس المال وهو يتحقق برد جنسه
____________________
(3/457)
فكان له تبديله بجنسه ضرورة
وفي القياس لا يبدل لأن النقدين جنس واحد من حيث الثمنية
ولو افترقا أي المضارب ورب المال بالفسخ و كان في المال دين على الناس لزمه أي المضارب الاقتضاء أي مطالبة الدين شرعا إن كان فيه ربح لأنه يأخذ الأجر فعليه عمل الطلب وإلا أي وإن لم يكن فيه ربح فلا يلزم الاقتضاء لأنه وكيل محض وهو متبرع فلا جبر على المتبرع ويوكل المضارب المالك به أي بالاقتضاء لأن المضارب هو العاقد وحقوق العقد تتعلق بالعاقد فلا بد من توكيله المالك في الطلب إذا امتنع كي لا يضيع حق رب المال حيث لا يدفع المديون الدين إليه وإنما يدفعه إلى من عقد معه أو إلى وكيله
وكذا أي مثل هذا حكم سائر الوكلاء فإنهم إذا امتنعوا عن الاقتضاء يوكلون الملاك والبياع من باع الناس بأجر والسمسار بالكسر المتوسط بين البائع والمشتري يبيع ويشتري للناس بأجر من غير أن يستأجر يجبران عليه أي على الاقتضاء لوجود سبب الإجبار وهو العمل بأجرة عادة فجعل ذلك بمنزلة الإجارة الصحيحة بحكم العادة فيجب عليهما التقاضي والاستيفاء لأنه وصل إليهما بدل عملهما فصار كالمضارب إذا كان في المال ربح
وما هلك من مال المضاربة صرف إلى الربح أولا دون رأس المال لأنه تابع ورأس المال أصل فينصرف الهالك إلى التابع كما في مال الزكاة إلى العفو ابتداء فإن زاد الهالك على الربح لا يضمن المضارب لكونه أمينا سواء كان من عمله أو لا ويقبل قوله في هلاكه وإن لم يعلم ذلك كما قيل في الوديعة وسواء كانت المضاربة صحيحة أو فاسدة فهي أمانة عند الإمام وعندهما إن كانت فاسدة فالمال مضمون كما في المنح وهو قول الطحاوي لكن ظاهر الرواية عدم الضمان في الكل كما قررناه في قوله ولا يضمن المال فيها
فإن اقتسماه أي المضارب والمالك الربح وفسخت
____________________
(3/458)
المضاربة ثم عقدت المضاربة جديدا فهلك المال أو بعضه في يد المضارب لا يترادان أي المضارب والمالك الربح المقسوم لأن المضاربة الأولى قد انتهت وثبوت الثانية بعقد جديد فهلاك المال في الثاني لا يوجب انتقاض الأول كما لو دفع إليه مالا آخر
وإن اقتسماه من غير فسخ ثم هلك المال كله أو بعضه تراداه أي المضارب والمالك الربح المقسوم حتى يتم رأس المال لأن الربح تابع فلا يسلم بدون سلامة الأصل فإن فضل شيء من الربح بعدما استوفى رأس المال اقتسماه أي ما فضل لأنه ربح
وإن لم يف أي ربح ما هلك من رأس المال فلا ضمان على المضارب لأنه أمين فيه
فصل في المتفرقات ولا ينفق المضارب من مالها أي من مال المضاربة في مصره الذي ولد فيه أو في مصر اتخذه دارا أي وطنا إذ لا يحتبس فيه لعمل المضاربة بل يسكن فيه بالسكنى الأصلي عمل أو لم يعمل قيد باتخذه وطنا لأنه لو نوى الإقامة في مصر ولم يتخذه وطنا فنفقته من مال المضاربة
ولا ينفق في المضاربة الفاسدة لأنه أجير ولا نفقة له فإن سافر المضارب للتجارة في المضاربة فطعامه وشرابه من مالها أي مال المضاربة لأن النفقة تجب بسبب الاحتباس كنفقة القاضي والزوجة فإذا سافر صار محبوسا به فتجب مؤنته الراتبة فيه خلافا للشافعي بالمعروف أي بحيث لا يعد مثل هذا الإنفاق في عرفهم إسرافا
وكذا كسوته بالمعروف وركوبه شراء واستئجارا وعلف الدابة التي يركبها في سفره وحوائجه
____________________
(3/459)
والركوب بالفتح المركوب
وكذا أجرة خادمه أي خابزه وطابخه وغاسل ثيابه وعامل ما لا بد له منه اعتبارا لعادة التجار وفراش ينام عليه وغسل ثيابه مستدرك بقوله وخادمه إلا أن يراد به ثمن ما يغسل به مثل الحرض والصابون كما في الكفاية
و كذا الدهن بفتح الدال وسكون الهاء بمعنى الأدهان في موضع يحتاج فيه إليه أي إلى الدهن كالحجاز وكذا أجرة الحمام والحلاق ودهن السراج والحطب وإنما قلنا اعتبارا لعادة التجار لأن غسل الثياب ونحوه ليس مما لا بد له منه فكان ينبغي أن لا يكون من مال المضاربة كأجرة الحمام ولكن في عادة التجارة لا بد منه ليزداد رغبات الناس في معاملتهم ولا يعدونهم في عداد المفاليس وضمن المضارب ما كان زائدا على العادة لانتفاء الإذن
ونفقته أي المضارب في مصره من ماله لما مر أنها جزاء الاحتباس هذا تصريح بما علم ضمنا في قوله ولا ينفق المضارب من مالها في مصره فلو اقتصر لكان أحصر كالدواء فإنه من ماله في ظاهر الرواية لأن الحاجة إلى النفقة دائمة بخلاف الدواء لأنه قد يمرض وقد لا يمرض فلا يعد من جملة النفقة سواء كان في السفر أو الحضر فيكون من ماله كزوجة يكون دواؤها من مالها
وعن الإمام أن الدواء من مال المضاربة لأنه لا يتمكن من التجارة إلا به فيصير كالنفقة ويرد ما بقي من كسوة وغيرها كالطعام ونحوه إذا قدم من السفر إلى مسكنه إلى رأس المال لانتهاء الاستحقاق بانتهاء السفر وما دون السفر كسوق المصر في كون نفقته في ماله لا في مال المضاربة إن أمكنه أن يغدو ويبيت في أهله لأن أهل السوق يتجرون في أسواق المصر ويبيتون في منازلهم مع أن ذهابهم وإيابهم لمصالح أنفسهم لا للغير وإلا أي وإن لم يمكنه أن يغدو ويبيت بأهله فكالسفر في كون نفقته في مال المضاربة لا في مال نفسه لأن ذهابه قد صار للمضاربة يقينا وليس للمستبضع الإنفاق من مالها أي من مال البضاعة لأنه كالوكيل فيكون متبرعا فلا تجب له النفقة
ويؤخذ ما أنفقه المضارب من الربح أولا يريد أن المضارب
____________________
(3/460)
إذا أنفق من مال المضاربة فربح يأخذ المالك من الربح مقدار ما أنفقه المضارب من رأس المال ليكمل رأس المال وما فضل من الربح قسم بينهما على ما شرطا فتكون النفقة مصروفة إلى الربح لا إلى رأس المال وفيه إشارة إلى أنه إن لم يربح تجب النفقة من رأس المال كما في الفرائد ولو أنفق المضارب من ماله ثم هلك مال المضاربة لم يرجع على رب المال
وإن سافر المضارب بماله ومال المضاربة أو خلط ماله بمال المضاربة بإذن رب المال أو سافر بمالين لرجلين أنفق بالحصة أي توزع النفقة على قدر الحصص من المال
وإن باع المضارب متاع المضاربة مرابحة حسب ما أنفقه أي المضارب عليه أي على المتاع من أجرة حمل ونحوه مما جرت العادة بين التجار بضمه كأجرة السمسار والقصار والصباغ وقال قام علي بكذا لأن هذه الأشياء تزيد في القيمة وتعارف التجار إلحاقها إلى رأس المال في بيع المرابحة فلهذا قال في التنوير وكذا يضم إلى رأس المال ما يوجب زيادة فيه حقيقة أو حكما أو اعتقده التجار وهذا هو الأصل كما في النهاية لا يحسب نفقة نفسه أي المضارب في سفره إذا باع مرابحة لأنها لا تزيد في القيمة
ولو شرى مضارب بالنصف بألف المضاربة بزا وباعه أي البز بألفين واشترى بهما عبدا فضاعا أي الألفان في يده أي المضارب قبل نقدهما أي ألفين يغرم المضارب ربعهما أي ربع الألفين وهو خمسمائة و يغرم المالك الباقي وهو ألف وخمسمائة لأن المال لما صار ألفين ظهر الربح في المال وهو ألف فكان بينهما نصفين فنصيب المضارب منه خمسمائة فإذا اشترى بالألفين عبدا صار مشتركا بينهما فربعه للمضارب وثلاثة أرباعه للمالك ثم إذا ضاع الألفان قبل النقد كان عليهما ضمان ثمن العبد على قدر ملكهما في العبد فربعه على المضارب وثلاثة أرباعه على المالك وربع العبد للمضارب وباقيه وهو ثلاثة أرباعه للمضاربة لأن نصيب المضارب خرج عن المضاربة لأنه صار
____________________
(3/461)
مضمونا عليه ومال المضاربة أمانة وبينهما تناف ونصيب رب المال على المضاربة لعدم ما ينافيها ورأس المال وهو جميع ما دفع رب المال إلى المضارب ألفان وخمسمائة لأنه دفع إليه مرة ألفا وأخرى ألفا وخمسمائة ولا يبيعه أي المضارب العبد مرابحة إلا على ألفين ولا يقول قام علي بألفين وخمسمائة إذ الشراء وقع بألفين فلا تضم الوضيعة التي وقعت بسبب الهلاك في يد المضارب فلو بيع العبد المذكور بعد ذلك بأربعة آلاف فحصة المضاربة ثلاثة آلاف بعد رفع المضارب حصته وهي الألف لأنه لما ضمن ربع العبد كان ربعه ملكه خاصة فالألف ربعه لكون ثمنه أربعة آلاف ثم يرفع منها رأس المال وهو ألفان وخمسمائة والربح منها خمسمائة بينهما أي بين المضارب والمالك فتكون حصة كل منهما خمسين ومائتين
ولو اشترى رب المال عبدا بخمسمائة وباعه من المضارب بألف لا يبيعه المضارب العبد مرابحة إلا على خمسمائة ولا يقول قام علي بألف لأن بيعه من المضارب كبيعه من نفسه لأنه وكيله فيكون بيع ماله بماله فيكون كالمعدوم وكذا لو كان بالعكس بأن اشترى المضارب عبدا بخمسمائة فباعه من رب المال بألف يبيعه مرابحة على خمسمائة لأن البيع الجاري بينهما كالمعدوم
ولو اشترى مضارب بالنصف بألف المضاربة عبدا يعدل أي تساوي قيمته ألفين فقتل ذلك العبد رجلا قتلا خطأ فأمر بالدفع أو الفداء فإذا دفعا العبد إلى ولي المقتول انتهت المضاربة بهلاك مالهما بالدفع بلا دليل وكذا إن فديا خرج العبد عن المضاربة أما خروج حصة المضارب فلتقرر ملكه في العبد بالفداء فصار كالقسمة وأما خروج حصة المالك فلسلامة الحصة منه بضمان الفداء فربع الفداء عليه أي المضارب وباقيه وهو ثلاثة أرباعه على المالك لأن الفداء مؤنة الملك فيتقدر بقدره وقد كان الملك بينهما أرباعا فكذا الفداء وإذا فدي على بناء المجهول يعني إذا
____________________
(3/462)
فديا صار العبد لهما ولكن خرج عن المضاربة فبقي أرباعا فيخدم المضارب يوما والمالك ثلاثة أيام بحكم الاشتراك بينهما لأنه بحكم الفداء كأنهما اشترياه ولو اختار رب المال الدفع واختار المضارب الفداء مع ذلك فله الفداء ثم اعلم أن العبد المشترى في المضاربة إذا جنى خطأ لا يدفع بها حتى يحضر المضارب والمالك سواء كان الإرث مثل قيمة العبد أو أقل أو أكثر وكذا لو كانت قيمته ألفا لا غير لا يدفع إلا بحضرتهما والحاصل أنه تشترط حضرة المالك والمضارب للدفع دون الفداء إلا إذا أبى المضارب الدفع والفداء وقيمته مثل رأس المال فلرب المال دفعه لتعينه فإن كان أحدهما غائبا وقيمة العبد ألفا درهم ففداء الحاضر كان متطوعا كما في البحر وذكر قاضي خان أن المضارب ليس له الدفع والفداء وحده لأنه ليس من أحكام المضاربة فلهذا كان إليهما
ولو اشترى بألف المضاربة عبدا وهلك الألف قبل نقده أي قبل دفعه إلى البائع دفع المالك الثمن يعني ألفا آخر ثم إذا جهز المالك ألفا آخر ليدفعه وهلكت قبل النقد يدفع إليه نقدا آخر وثم كذلك إلى ما لا يتناهى حتى يصل الثمن إلى البائع لأن هلاك الأمانة كهلاكها في يد المالك وجميع ما دفع المالك من الألفين والثلاثة والأكثر رأس المال لأن المال في يد المضارب أمانة دون استيفاء لأن حكم الأمانة ينافيه وليس فيه تضييع حق رب المال لأنه يلتحق برأس المال بخلاف الوكيل حيث لا يرجع عند هلاك الثمن بعد الشراء إلا مرة واحدة فإن قبضه بعد الشراء استيفاء فيصير مضمونا عليه فلا يرجع على الموكل مرة أخرى
ولو كان مع المضارب ألفان فقال المضارب لرب المال دفعت إلي ألفا وربحت ألفا وقال المالك بل دفعت إليك ألفين فالقول للمضارب
وقال زفر القول لرب المال وهو قول الإمام أولا لأن المضارب يدعي الربح والشركة فيه ورب المال ينكره فالقول قول المنكر ثم رجع وقال القول قول المضارب وهو قولهما لأنهما اختلفا في المقبوض والقول في مقداره للقابض ولو ضمينا اعتبارا بما لو أنكره أصلا فإن القول له
ولو اختلف مع ذلك أي مع الاختلاف في رأس المال في قدر الربح فلمالك أي فالقول لرب
____________________
(3/463)
المال في مقدار الربح فقط لأن الربح يستحق بالشرط وهو مستفاد من جهته فأيهما أقام البينة على ما ادعاه من فضل قبلت وإن أقاماها فالبينة بينة رب المال في دعواه الزيادة في رأس المال والبينة بينة المضارب في دعواه الزيادة في الربح
ولو قال من معه ألف قد ربح فيها الجملة حال أو صفة ألف هي مضاربة زيد وقال زيد بل بضاعة أبضعته لك فالقول لزيد لأن من معه ألف يدعي عليه تقويم عمله أو شرطا من جهته أو الشركة في ماله وهو ينكر فالقول قول المنكر
وكذا لو قال ذو اليد هي قرض وقال زيد بل بضاعة أو وديعة أو مضاربة يكون القول لزيد وهو رب المال والبينة للذي في يده المال لأنه يدعي عليه تمليك الربح وهو ينكره ولو كان بالعكس بأن ادعى رب المال القرض والمضارب المضاربة فالبينة بينة المضارب لأن رب المال يدعي عليه الضمان وهو ينكر وأيهما أقام البينة قبلت وإن أقاماها فبينة رب المال أولى لأنها مثبتة للضمان
ولو قال المضارب لرب المال أطلقت وقال المالك عينت نوعا من التجارة فالقول للمضارب مع يمينه لأن الأصل فيه العموم والإطلاق والتخصيص يصير لعارض الشرط وتقبل بينة من أقامها فإن أقاماها فإن وقتا وقتا قبل صاحبها يقضي بالمتأخرة وإن لم يوقتا أو وقتا على السواء أو وقت إحداهما دون الأخرى قضى ببينة رب المال كما في البحر
ولو ادعى كل أي كل واحد من المالك والمضارب نوعا مغايرا لما يدعيه الآخر فللمالك أي القول للمالك مع يمينه لأنهما اتفقا على التخصيص والإذن يستفاد
____________________
(3/464)
من جهته والبينة للمضارب لاحتياجه إلى نفي الضمان ولو وقت البينتان وقتا فصاحب الوقت الأخير أولى لأن آخر الشرطين ينقض الأول كما في الهداية فإن قلت إن البينة للإثبات لا للنفي وأجيب بأن إقامة البينة على صحة تصرفه ويلزمها نفي الضمان فأقام صاحب الهداية اللازم مقام الملزوم
وفي المنح وإن لم يوقتا أو وقتا على السواء أو وقت إحداهما دون الأخرى فالبينة للمالك وإن كان المالك يدعي العموم فالقول قوله قياسا واستحسانا كما في الذخيرة
____________________
(3/465)
كتاب الوديعة لا خفاء في اشتراكها مع ما قبلها في الحكم وهو الأمانة وهي في اللغة مشتقة من الودع وهو مطلق الترك قال عليه الصلاة والسلام لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات أو ليختمن على قلوبهم ثم ليكتبن مع الغافلين أي عن تركها يقال له مودع بفتح الدال ولتاركها مودع بكسرها
وفي الشريعة الإيداع تسليط المالك غيره على حفظ ماله صريحا أو دلالة لما قال في المحيط لو انفتق زق رجل فأخذه رجل ثم تركه ولم يكن المالك حاضرا يضمن لأنه لما أخذه فقد التزم حفظه دلالة وإن لم يأخذه ولم يذق منه لا يضمن وإن كان المالك حاضرا لا يضمن في الوجهين الوديعة ما يترك عند الأمين للحفظ مالا كان أو غيره وركنها الإيجاب
____________________
(3/466)
صريحا كقوله أودعتك هذا المال أو كناية كما لو قال الرجل أعطني ألف درهم أو قال رجل أعطنيه فقال أعطيتك فهذا على الوديعة كما في المنح أو فعلا كما لو وضع ثوبه بين يدي رجل ولم يقل شيئا فهو إيداع أما لو قال لم أقبله لم يضمن بالهلاك لأن الدلالة لا يعارض بالصريح والقبول من المودع صريحا كقوله قبلتها ونحوه أو دلالة كما لو سكت عند وضعه بين يديه لما قال في الخلاصة لو وضع كتابه عند قوم فذهبوا وتركوه ضمنوا إذا ضاع وإن قام واحد بعد واحد ضمن الأخير لأنه تعين للحفظ فتعين الضمان ولهذا لو وضع ثيابه في الحمام بمرأى الثيابي كان إيداعا وإن لم يتكلم ولا يكون الحمامي مودعا ما دام الثيابي حاضرا فإن كان غائبا فالحمامي مودع ولو قال صاحب الخان أين أربطها فقال هناك كان إيداعا
وفي البزازية لبس ثوبا بمرأى الثيابي فظن الثيابي أنه ثوبه فإذا هو ثوب الغير ضمن هو الأصح
ولو نام الحمامي وسرق الثوب إن نام قاعدا لا يضمن وإن مضطجعا يضمن وشرطها كون المال قابلا لإثبات اليد عليه حتى لو أودع الطير الآبق في الهواء والمال الساقط في البحر لا يصح
وكون المودع مكلفا شرط لوجوب الحفظ عليه حتى لو أودع صبيا فاستهلكها لم يضمن ولو كان عبدا محجورا ضمن بعد العتق كما سيأتي ولو كان الوديعة عبدا فقتله الصبي ضمن عاقلة الصبي قيمته وخير مولى العبد بين الدفع والفداء وحكمها وجوب الحفظ وصيرورة المال أمانة في يده ووجوب أدائه عند طلب مالكه وشرعية الإيداع بقوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأداء الأمانة لا يكون إلا بعدها وبالسنة لأنه عليه الصلاة والسلام كان يودع ويستودع وبالإجماع على أن قبول الوديعة من باب الإعانة وهي مندوبة لقوله تعالى تعاونوا على البر والتقوى وقوله عليه السلام والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه وهي أي الوديعة أمانة الفرق بين
____________________
(3/467)
الوديعة والأمانة بالعموم والخصوص لأن الوديعة خاصة والأمانة عامة وحمل العام على الخاص صحيح دون العكس كما يقال الإنسان حيوان ولا يقال الحيوان إنسان فالوديعة هي الاستحفاظ قصدا والأمانة ما يقع في يده من غير قصد بأن هبت الريح بثوب إنسان وألقته في حجر غيره وفي الوديعة يبرأ عن الضمان بالعود إلى الوفاق وفي الأمانة لا يبرأ بعد الخلاف كما في النهاية والكفاية
وقال يعقوب باشا وفيه كلام وهو أنه إذا اعتبر في إحداهما القصد وفي الأخرى عدمه كان بينهما تباين لا عموم وخصوص والأولى أن يقال والأمانة قد تكون بغير قصد كما لا يخفى انتهى لكن يمكن الجواب بأن المراد بقوله والأمانة ما يقع في يده من غير قصد كونها بلا اعتبار قصد لا إن عدم القصد معتبر فيها حتى يلزم التباين بل هي أعم من الوديعة لأنها تكون بالقصد فقط والأمانة قد تكون بالقصد وبغيره تدبر وما في العناية من أنه قد ذكرنا أن الوديعة في الاصطلاح هو التسليط على الحفظ وذلك يكون بالعقد والأمانة أعم من ذلك فإنها قد تكون بغير عقد فيه كلام وهو أن الأمانة مباينة للوديعة بهذا المعنى لا أنها أعم منها لأن التسليط على الحفظ فعل المودع وهو المعنى والأمانة عين من الأعيان فيكونان متباينين والأولى أن يقول الوديعة ما تترك عند الأمين كما في هذا المختصر
فلا يضمن أي لا يضمن المودع الوديعة بغير تعد بالهلاك سواء أمكن التحرز عنه أو لا هلك معها للمودع شيء أو لا لقوله عليه السلام ليس على المستودع غير المغل ضمان ولأن شرعيتها لحاجة الناس إليها ولو ضمنها المودع امتنع الناس عن قبولها وفي ذلك تعطيل المصالح واشتراط الضمان على الأمين باطل وبه يفتى كما في أكثر المعتبرات واستثنى صاحب الدرر فقال إلا أن يموت المودع مجهلا أي لم يبين حال الوديعة فإنه حينئذ يكون متعديا فتضمن وكذا الأمناء أي كل أمين مات مجهلا لحال الأمانة يضمن إلا متوليا أخذ الغلة ومات مجهلا وسلطانا أودع بعض الغانمين بعض الوديعة ومات مجهلا أي بلا بيان المودع وقاضيا
____________________
(3/468)
أودع مال اليتيم ومات مجهلا بلا بيان المودع انتهى لكن الأولى الموافق لما في الخلاصة وأودع بعض الغنيمة بعض الناس لكن الانحصار على الثلاثة لا يليق لأن الوصي إذا مات مجهلا فلا ضمان عليه وكذا الأب إذا مات مجهلا مال ابنه وكذا إذا مات الوارث مجهلا ما أودعه عند مورثه وكذا إذا مات مجهلا لما ألقته الريح في بيته وكذا إذا مات مجهلا لما وضعه مالكه في بيته بغير علمه وكذا إذا مات الصبي مجهلا لما أودع عنده محجورا وكذا لو مات أحد المتفاوضين ولم يبين حال المال الذي في يده لم يضمن نصيب شريكه
وللمودع أن يحفظها أي الوديعة بنفسه في داره ومنزله وحانوته ولو إجارة أو عارية وعياله من زوجته وولده ووالديه وأجيره للمساكنة سواء كانوا في نفقته أو لا وكذا لو حفظت الزوجة الوديعة بزوجها فضاعت لا تضمن الزوجة لأنه ساكن معها بلا نفقة منها والمراد من الأجير التلميذ الخاص الذي استأجره مسانهة أو مشاهرة بشرط أن يكون طعامه وكسوته عليه وولده الكبير إن كان في عياله دون الأجير المياومة
وعند الشافعي وأشهب المالكي يضمن بالدفع وشرط كون من في عياله أمينا فلو دفع إلى زوجته وهي غير أمينة وهو غير عالم بذلك أو تركها في بيته الذي فيه ودائع الناس وذهب فضاعت ضمن كما في الخلاصة
وله أي للمودع السفر بها أي الوديعة عند عدم النهي عن المالك والخوف على الوديعة بالإخراج بأن كان الطريق أمينا لا يقصد أحد بسوء غالبا فيه ولو قصده يمكنه دفعه بنفسه أو برفقته هذا عند الإمام سواء كان حمل ومؤنة أو لا لأن الأمر مطلق فلا يتقيد بالمكان كما لا يتقيد بالزمان وأما إذا قال احفظها في هذا المصر ولا تخرجها منه فإن كان سفرا له بد منه ضمن وإن كان سفرا لا بد منه إن كان في المصر من في عياله فكذلك لأنه أمكنه تركها في أهله وإلا لم يضمن ويضمن لو سافر بها في البحر إجماعا خلافا لهما فيما له حمل ومؤنة لأن الظاهر من حال صاحبها أنه لا يرضى به فيتقيد لكن قيل عند أبي يوسف إذا كان السفر بعيدا فليس له ذلك فيما له حمل ومؤنة
وعند محمد ليس له السفر بها بعيدا كان أو قريبا فيما له حمل ومؤنة
وقال الشافعي ليس له ذلك في الوجهين
فإن حفظها أي المودع الوديعة بغيرهم أي بغير من في عياله فضاعت ضمن
____________________
(3/469)
المودع أو ذلك الغير كما في القهستاني لأن صاحبها لم يرض بيد غير والأيدي تختلف في الأمانة ولكن روي عن محمد المودع إذا دفع الوديعة إلى وكيله وليس في عياله أو دفع إلى أمين من أمنائه ممن يثق به في ماله وليس في عياله لا يضمن
وفي النهاية وعليه الفتوى ثم قال وعن هذا لم يشترط في التحفة في حفظ الوديعة بالعيال إلا إذا خاف المودع الحرق بأن وقعت نار العياذ بالله تعالى في داره فخاف هلاك الوديعة أو خاف الغرق كذلك فدفعها أي الوديعة إلى جاره في صورة الحرق أو دفعها إلى سفينة أخرى في صورة الغرق فضاعت لا يضمن لأنه لا يمكنه أن يحفظها في هذه الحالة إلا بهذا الطريق فصار مأذونا فيه دلالة ولهذا قال في الخلاصة امرأة حضرتها الوفاة وعندها وديعة فدفعتها إلى جارة لها فهلكت عندها إن لم يكن وقت وفاتها بحضرتها أحد من عيالها لا يضمن
وفي التبيين هذا إذا لم يمكنه أن يدفعها إلى من هو في عيالها وإن أمكنه أن يحفظها في ذلك الوقت بعياله فدفعها إلى الأجنبي يضمن لأنه لا ضرورة له فيه وكذا لو ألقاها في سفينة أخرى وهلكت قبل أن يستقر فيها بأن وقعت في البحر ابتداء أو بالتدحرج يضمن لأن الإتلاف حصل بفعله وفي المنح إن ادعى المودع التسليم إلى جاره أو إلى فلك آخر صدق إن علم وقوعه أي الغرق ببينة وإن لم يعلم لا يصدق
فإن طلبها أي الوديعة ربها فحبسها أي حبس المودع الوديعة
و الحال هو قادر على تسليمها أي الوديعة صار غاصبا فيضمن إن ضاعت لوجود التعدي بمنعه وهذا لأنه لما طلبه لم يكن راضيا بإمساكه بعده فيضمنها بحبسه عنه وفيه إشارة إلى أنه لو استردها فقال لم أقدر أن أحضر هذه الساعة فتركها فهلكت لم يضمن لأنه بالترك صار مودعا ابتداء وإلى أنه لو استردها فقال اطلبها غدا فلما كان من الغد قال هلكت لم يضمن إن هلكت قبل قوله اطلبها كما في القهستاني وإلى أنه لو طلب وقت الفتنة ولم يردها خوفا على نفسه أو على ماله بأن كان مدفونا مع ماله لا
____________________
(3/470)
يضمن كما في شرح المجمع
وكذا يضمن إن هلكت لو طلبها صاحبها و جحده أي جحد عند مالكها على حذف المضاف بقرينة مقابله وهو قوله بخلاف جحدها عند غيره إياها أي الوديعة بأن قال لم تودعني
وإن وصلية أقر بعده أي بعد الجحود لأن بالطلب ارتفع عقد الوديعة فصار غاصبا بعده بخلاف جحدها أي الوديعة عند غيره أي غير المودع فإنه لا يضمن
وقال زفر يضمن لأن بالجحود صار غاصبا فيضمن ولنا أن إنكاره عند غيبة المالك كان لحفظ الوديعة خوفا عليها من طمع طامع فلا يكون موجبا للضمان بخلاف حضرته وفيه إشارة أنه لو قال له ما حال وديعتي عندك ليشكر على حفظها فجحدها لا ضمان عليه وإلى أن المودع لو ادعى أن المالك وهبها منه أو باعها له وأنكر صاحبها ثم هلكت لا يضمن كما في الخلاصة وإلى أن تكون الوديعة منقولا لأنها لو كانت عقارا لا يضمن بالجحود عند الشيخين خلافا لمحمد كما في التبيين
وفي البحر هذا إذا نقلها من مكانها وقت الإنكار لأنه لو لم ينقلها من مكانها حال جحوده فهلكت لا ضمان عليه
وقال صاحب المنح ولو جحد الوديعة ثم ادعى ردها بعد ذلك وبرهن على الرد قبل برهانه وبرئ منها قبل الجحود وقال غلطت في الجحود أو نسيت أو ظننت أني دفعتها وأنا صادق في قولي لم يستودعني فإن بينته تقبل في قول الشيخين
وفي الأقضية لو قال لم يستودعني ثم ادعى الرد والهلاك لا يصدق ولو قال ليس له علي شيء ثم ادعى الرد أو الهلاك يصدق وتمامه فيه فليطالع
وإن خلطها أي المودع الوديعة بماله بغير إذن المالك لأنه إن خلطها بإذنه كان شريكا فيها بحيث لا يتميز فإن خلطها بجنسها كخلط الحنطة بالحنطة في غير المائع واللبن باللبن في المائع ضمن المودع لأنه صار مستهلكا لها وإذا ضمنها ملكها وانقطع حق المالك منها أي من الوديعة في المائع وغيره عند الإمام لكن قالوا لا يباح له التناول قبل أداء الضمان قيد بكون المودع
____________________
(3/471)
هو الخالط لأنه لو كان أجنبيا أو من في عياله لا يضمن المودع والضمان على الخالط صغيرا كان أو كبيرا ولا يضمن أبوه لأجله كما في الخلاصة وعندهما في غير المائع للمالك أن يشركه إن شاء لأن هذا الخلط استهلاك من وجه دون وجه آخر إذا لم يتعذر وصول المالك إلى عين ماله حكما بالقسمة إذ القسمة فيما يكال أو يوزن إفراز معتبر شرعا وله أن الخلط استهلاك من كل وجه لتعذر وصول المالك إلى عين ماله حقيقة فينقطع ملك المالك على المخلوط والقسمة ليست بموصلة إلى عين حقه بل وسيلة إلى الانقطاع ضرورة
وكذا للمالك أن يشركه في المائع إن شاء عند محمد لأن الجنس لا يغلب الجنس وعند أبي يوسف يصير الأقل تابعا للأكثر فيه اعتبارا للغائب إجزاء
وفي التسهيل اعتراض فليطالع وعند الأئمة الثلاثة في الخلط بالجنس لا يضمن وإن خلطها بغير جنسها كبر بشعير وزيت بشيرج ضمن المودع وانقطع حق المالك إجماعا لأن هذا استهلاك حقيقة فيوجب الضمان بالإجماع وفيه إشارة إلى أنه لو خلط على وجه تتميز لم يضمن
وإن اختلطت الوديعة بمال المودع بلا صنعه أي المودع اشتركا أي المودع والمودع إجماعا لأن الضمان لا يجب عليه إلا بالتعدي ولم يوجد وكانت شركة ملك فالهالك من مالهما فلم يضمن
وإن تعدى المودع فيها أي الوديعة بأن كانت الوديعة ثوبا فلبسه أو دابة فركبها أو عبدا فاستخدمه فهلكت ضمن لأنه استهلاك معنى فإن أزال التعدي بأن ترك اللبس أو الركوب أو الاستخدام سليما زال الضمان وعند الأئمة الثلاثة لا يزول لأن حكم الوديعة ارتفع بالتعدي فلا يعود إليه إلا بسبب جديد فلم يوجد فلا يبرأ عن الضمان ولنا أن الشيء إنما
____________________
(3/472)
يبطل بما ينافيه والاستعمال لا ينافي الإيداع ولذا صح الأمر بالحفظ مع الاستعمال ابتداء فإذا زال عاد حكم العقد
وفي البحر أنه يزول الضمان عنه بشرط أن لا يعزم على العود إلى التعدي حتى لو نزع ثوب الوديعة ليلا ومن عزمه أن يلبسه نهارا ثم سرق ليلا لا يبرأ عن الضمان
وفي المنح أن المودع إذا خالف في الوديعة ثم عاد إلى الوفاق إنما يبرأ عن الضمان إذا صدقه المالك في العود وإن كذبه لا يبرأ إلا أن يقيم البينة على العود إلى الوفاق بخلاف المستعير والمستأجر للعين إذا تعديا ثم أزالاه يزول الضمان لأن قبضهما كان لأنفسهما لاستيفائهما المنافع عنها فبإزالة التعدي عن العين لم يوجد الرد إلى صاحبها بخلاف المودع فإن يده يد المالك حكما لكونه عاملا له في الحفظ خلافا لزفر اعتبارا الوديعة
وكذا زال الضمان لو أودعها أي الوديعة ثم استردها لما مر
وإن أنفق المودع بعضها أي الوديعة فهلك الباقي ضمن ما أنفق فقط ولا يضمن كلها لأن الضمان يجب بقدر الخيانة وقد خان في البعض دون البعض ويعمل بقوله في الإنفاق بيمينه
وإن رد مثله وخلطه بالباقي ضمن الجميع لأنه خلط مال غيره بماله فيكون استهلاكا على الوجه الذي تقدم كما في الهداية يعني عند الإمام وعندهما إن شاء شركه وإن شاء يضمن وعند الأئمة الثلاثة يضمن ما أنفق فقط قيد بالإنفاق ورد المثل لأنه إذا أخذ بعض الوديعة لينفقه في حاجته فرده إلى موضعه ثم ضاعت فلا ضمان عليه وتمامه في المنح فليراجع
ولو تصرف فيها أي الوديعة فربح يتصدق به أي بالربح عند الطرفين وعند أبي يوسف يطيب له الربح إذا أدى الضمان أو سلم عينها بأن باعها ثم اشتراها ودفع إلى مالكها ودليل الطرفين بين في البيع
وإن أودع اثنان من واحد شيئا لا يدفع الواحد إلى أحدهما أي إلى أحد الاثنين حصته بغيبة الآخر فإن دفع
____________________
(3/473)
ضمن نصفه إن هلك عند الإمام سواء كان مثليا أو غير مثلي في المختار لأن هذا الدفع يوجب القسمة والمودع مأمور بالحفظ لا بالقسمة خلافا لهما في المثلي لأن معنى الإفراز فيه غالب كما أن معنى المبادلة في غير المثلي غالب ولذا لا يجوز له الدفع فيه ويجوز في المثلي وفيه إشارة إلى أنه لا يجوز له الدفع حتى لو خاصمه إلى القاضي لم يأمره بدفع نصيبه إليه في قول الإمام وإلى أنه لو دفع إليه لا يكون قسمة اتفاقا حتى إذا هلك الباقي رجع صاحبه على الآخذ بحصته وإلى أنه يأخذ حصته منها إذا ظفر بها وإلى أنه لو دفع وارتكب الممنوع لا يضمن كما في المنح
وإن أودع واحد عند اثنين ما يقسم أي ما يمكن قسمته كالدراهم والدنانير اقتسماه أي المودعان وحفظ كل واحد منهما حصته لأنه يمكن الاجتماع على حفظهما وحفظ كل واحد منهما للنصف دلالة والثابت بالدلالة كالثابت بالنص فإن دفع أحدهما كله إلى الآخر ضمن الدافع عند الإمام وكذا المرتهنان والوكيلان بالشراء إذا سلم أحدهما إلى الآخر ما يمكن قسمته لأن الأصل أن فعل الاثنين إذا أضيف إلى ما يقبل التجزي تناول البعض لا الكل فإذا سلم أحدهما الكل إلى الآخر ولم يرض المالك به يضمن لا يضمن القابض لأن مودع المودع لا يضمن عنده وعندهما لكل واحد منهما حفظ الكل أي كل الوديعة بإذن الآخر لأنه رضي بأمانتهما فكان لكل واحد منهما أن يسلم الآخر ولا يضمنه
وإن كان ما أودع عند الاثنين مما لا يقسم أي مما لا يمكن قسمته كالعبد أو مما يتعيب بالقسمة كالثوب حفظه أي ما لا يقسم أحدهما بإذن الآخر إجماعا لأن المالك رضي بثبوت يد كل واحد منهما على الانفراد في الكل
وإن نهى أي نهى المالك المودع عن دفعها أي الوديعة إلى عياله فدفع المودع إلى من نهاه وكان له منه بد وعدم احتياج إليه كدفعه الخاتم إلى عبده مع أن له أهلا سواه ضمن إن هلك
وإن دفعها إلى من لا بد أي لا فراق له
____________________
(3/474)
منه كدفع الدابة إلى عبده و كدفع شيء يحفظه النساء إلى زوجته لا يضمن إن هلك لأن الوديعة مما يحفظ بيده أو بأيدي عياله في بيته فنهي المالك يعتبر إن كان النهي مفيدا وإلا يعتبر الحفظ المطلوب كما لو قال لا تدفع إلى فلان من عيالك ولم يكن له عيال سواه لم يصح نهيه لأنه لا بد له من الدفع وإن كان له عيال غيره فدفعه إلى من نهي عن دفعها إليه ضمن وعند الأئمة الثلاثة لو كان الآخر دون الأول يضمن وإلا فلا
وإن أمره أي أمر المالك المودع بحفظها أي الوديعة في بيت معين من دار المودع فحفظها في غيره أي حفظ المودع في بيت آخر منها أي من هذه الدار وكانت بيوت الدار مستوية في الحفظ لا يضمن المودع لأنه لا يمكنه الحفظ مع مراعاة هذا الشرط فلم يكن مفيدا فلا يعتبر الشرط إلا إذا كان فيه أي في البيت الآخر خلل ظاهر بأن كانت الدار التي فيها البيتان عظيمة والبيت الذي نهاه عن الحفظ فيه مكشوف يتخوف منه فإن الشرط معتبر حينئذ فيضمن لكون المعين أحرز من الآخر
وإن أمر بحفظها في دار فحفظ في غيرها أي في غير تلك الدار ضمن لتفاوت الدارين في الأغلب فيقيد بأمره
ولو أودع المودع غيره فهلكت الوديعة ضمن المودع الأول فقط عند الإمام لأن الثاني قبض المال من يد أمين إذ بالدفع لا يكون ضمينا ما لم يفارقه لحضور رأيه فإذا فارقه فقد ترك الحفظ اللازم بالتزام فيضمن بتركه والثاني مداوم على الحفظ ولم يوجد منه صنع في هلاك المال فلا يلزمه الضمان وعندهما وعند الأئمة الثلاثة ضمن أيا شاء أي يخير المالك في التضمين لأن الأول خائن بالتسليم إلى الثاني بغير إذن المالك والثاني متعد بقبضه بغير إذنه فإن ضمن المالك المودع الثاني رجع أي الثاني على الأول لأنه عامل له بأمره فيرجع عليه بما لحقه من العهدة لا يرجع بالعكس أي ضمن المالك المودع الأول لا يرجع الأول على الثاني لأنه ملك بالضمان فظهر أنه أودع ملك نفسه
ولو أودع
____________________
(3/475)
الغاصب المغصوب عند غيره ضمن المغصوب منه أيا شاء من الغاصب ومودعه إجماعا لأن الثاني صار مثل الأول في التلقي منه ابتداء لعدم إذن المالك فكذا بقاء ثم مودع الغاصب إن لم يعلم أن المودع غاصب فضمن رجع على الغاصب قولا واحدا وإن علم فكذلك في الظاهر وحكى أبو اليسر أنه لا يرجع وإليه أشار شمس الأئمة
ولو أودع عند عبد محجور لأن العبد المأذون بأخذ الوديعة يضمن في الحال اتفاقا شيئا فأتلفه أي أتلف العبد ذلك الشيء ضمنه بعد عتقه عند الطرفين
وإن أودع عند صبي يعقل فأتلفه فلا ضمان أصلا لا حال ولا بعد البلوغ عند الطرفين لأن المالك استحفظ ممن ليس بأهل التزام الحفظ أما الصبي فلا يصح التزامه أصلا فصار المالك كأنه أذن بإتلافه وأما العبد فالتزامه لم يصح في حق المولى نظرا فلا يضمن في الحال وصح في حق نفسه لكونه مكلفا فيضمن بعد العتق كما مر وقال أبو يوسف يضمنان أي العبد والصبي للحال فيباع العبد فيه لأن محجوريتهما في الأقوال فقط ولهذا لو استهلكا عينا قبل الإيداع يضمنان هذا بإتلافهما أما لو تلفت في أيديهما لا يضمنان اتفاقا ولو أتلفا ما أودع عند الأباب والمولى يضمنان اتفاقا وإنما قلنا عند صبي يعقل لأنه إذا كان لا يعقل لا يضمن اتفاقا كذا ذكره فخر الإسلام وغيره
وفي المحيط ظن بعض مشايخنا أن الخلاف في صبي يعقل وليس الأمر كما ظنوا بل الخلاف في كل واحد وعلى هذا الخلاف الإقراض والإعارة كما في شرح المجمع
وإن دفع العبد الوديعة إلى مثله أي إلى عبد محجور فهلكت عند الثاني ضمن الأول أي وللمالك أن يضمن العبد الدافع بعد العتق فلا يضمن الثاني عند الإمام لأنه مودع المودع وعند أبي يوسف ضمن أيهما شاء
____________________
(3/476)
للحال أي يخير المالك في التضمين لأن الأول متلف بالدفع والثاني متعد بقبضه بلا إذن كما مر آنفا وعند محمد إن ضمن الأول فبعد العتق لأنه مع الإمام في إيداع العبد المحجور
وإن ضمن الثاني فللحال لأن ضمانه ضمان فعل بقبضه ملك الغير بغير إذنه فلزمه في الحال كما في شرح المجمع محل الخلاف إذا دفع العبد الأول إلى الثاني فإنه لو أمر الأول الثاني بقبضه فقبضه وديعة وضاع ليس للمالك أن يضمن الأول قبل العتق اتفاقا
وفي رواية عن محمد أن الثاني يضمن بعد العتق
ومن معه ألف درهم فادعى كل واحد من اثنين إيداعها أي الألف عنده أي عند من ادعى فنكل عن الحلف لهما أي لكل واحد منهما على الانفراد بعد أن استحلفاه فهي أي الألف لهما للاثنين وضمن لهما أي للاثنين مثلها أي مثل الألف لأن دعواهما صحيحة فتجب عليه اليمين لهما فإن حلف لهما فلا شيء لهما عليه لعدم الحجة وإن حلف لأحدهما ونكل الآخر قضى به لمن نكل له دون الآخر لوجود الحجة في حقه دون الآخر وإن نكل لهما قضى بينهما لعدم الأولوية ثم يجب عليه ألف أخرى لإقراره لهما وللقاضي أن يبدأ أيهما شاء بالتحليف والأولى القرعة وفي التحليف للثاني يقول بالله ما هذه العين له ولا قيمتها لأنه لما أقر بها للأولى ثبت الحق فيها له فلا يفيد إقراره بها للثاني فلو اقتصر على الأول لكان صادقا
وفي البحر لو قال أودعنيها أحدكما ولا أدري أيكما فإن اصطلحا على أخذها بينهما فلهما ذلك ولا ضمان عليه وليس له الامتناع من التسليم بعد الصلح وإلا فإن ادعاها كل واحد أخذها ليس له ذلك لأن المقر له مجهول ولكل أن يستحلفه فإن حلف قطع دعواهما وإن نكل فكمسألة الكتاب وكذا لو قال علي الألف لهذا ولهذا
وفي التنوير دفع إلى رجل ألفا وقال ادفعها اليوم إلى فلان فلم يدفعها حتى ضاعت لم يضمن كما لو قال له احمل إلي الوديعة فقال افعل ولم يفعل حتى مضى اليوم
____________________
(3/477)
قال للمودع ادفع الوديعة إلى فلان فقال دفعت وكذبه فلان وضاعت الوديعة صدق المودع مع يمينه قال لا أدري كيف ذهبت لا يضمن على الأصح كما لو قال ذهبت ولا أدري كيف ذهبت
وفي المنح قال لا أدري دفنت في داري أو في موضع آخر يضمن ولم يبين مكان الدفن لكنه سرقت الوديعة من المكان المدفون فيه لا يضمن
وفي العدة إذا دفن الوديعة في الأرض إن جعل هناك علامة لا يضمن وإلا ضمن وفي المفازة يضمن مطلقا والله أعلم
____________________
(3/478)
كتاب العارية أخرها عن الوديعة لأن فيها تمليكا وإن اشتركا في الأمانة هي مأخوذة من العرية وهي العطية المخصوصة بالأعيان ومستعملة في تلك المنافع ورده المطرزي وغيره بالمشتقات استعاره منه فأعاره واستعاره الشيء على حذف من وقيل هي منسوبة إلى العار لأن طلبها عيب وعار على ما قاله الجوهر وابن الأثير ورد الراغب وغيره بأن العار يائي والعارية واوية على ما صرحوا أنفسهم به
وفي المغرب أنها منسوبة إلى العارة اسم من الإعارة
وفي النهاية إن ما في المغرب هو المعول عليه لأنه عليه السلام باشر الاستعارة فلو كان العار في طلبها لما باشرها وقيل هي في الأصل اسم موضوع بلا نسبة كالدردي والكرسي وهي من التعاور وهو التناوب بلا تشديد فكأنه يجعل للغير نوبة ولنفسه نوبة وقيل هي اسم العين المعار وشريعة هي أي العارية بمعنى الإعارة للعارية التي هي اسم لما أعير وإلا لم يصح حمل التمليك عليه تمليك منفعة من عين مع بقائها احتراز عن قرض نحو الدراهم وعن البيع والهبة بلا بدل احتراز عن الإجارة
وقال الكرخي هي إباحة الانتفاع بملك الغير لا تمليك المنفعة وهو قول
____________________
(3/479)
الشافعي لأنها تنعقد بلفظ الإباحة وتبطل بالنهي والتمليك لا يبطل به كالهبة والإجارة ولأن المستعير لا يملك الإجارة من غيره ومن ملك المنافع ملك إجارتها ولأن التمليك غير جائز مع الجهل بخلاف الإباحة إذ فيها لا يشترط ضرب المدة ولنا أن العارية تنبئ عن التمليك لكونها من العرية هي العطية من الثمار ولذا تنعقد بلفظ التمليك وإنما انعقدت بلفظ الإباحة لأنها استعيرت للتمليك بلا عوض كانعقاد الإجارة بلفظة الإباحة والنهي ليس إبطالا للملك بعد ثبوته بل يمنع عن التمليك لأنه دليل الرجوع والاسترداد وإنما لا يملك المستعير الإجارة لما فيها من الضرر بالمعير لأنه ملك المستعير المنافع على وجه يتمكن من الاسترداد متى شاء فلو ملك المستعير الإجارة لم يتمكن المعير من ذلك والجهل فيها ليس بمضر لعدم الإفضاء إلى النزاع لجواز رجوع المعير في كل ساعة ولحظة والمنافع قابلة للتمليك كما في الوصية بخدمة العبد بضرب المدة وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع وإنما اختلفوا في كونها مستحبة وهو قول الأكثر أو واجبة وهو قول البعد
وشرطها قابلية العين للانتفاع بها مع بقائها وسببها ما مر من التعاضد المحتاج إليه المدني بالطبع ومحاسنها النيابة عن الحق سبحانه في إجابة المضطر لأنها لا تكون إلا للمحتاج كالقرض فلهذا كانت الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر ولا تكون العارية إلا فيما ينتفع به مع بقاء عينه اعلم أن الإعارة نوعان حقيقة ومجاز فالحقيقة إعارة الأعيان التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها كالثوب والدار والعبد والدابة والمجاز إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه كالدراهم والدنانير وغيرهما من المكيل والموزونات فتكون إعارة صورة وقرضا معنى وعن هذا قال وإعارة المكيلات والموزون والمعدود قرض لأن الانتفاع بها إنما يمكن باستهلاك عينها فاقتضى إعارتها تمليكها وذلك يكون بالهبة أو القرض لكونه أدنى ضررا لأنه يوجب رد المثل إلا إذا عين انتفاعا يمكن رد العين بعده أي بعد الانتفاع كما لو استعار دراهم ليعاير بها ميزانا أو ليزين بها دكانا صارت عارية لا قرضا
وتصح العارية بأعرتك أي جعلتها عارية لك لكونه صريحا فيها لكن في المضمرات أن أركانها الإيجاب والقبول وشرطها القبض ومنحتك هذا الثوب بمعنى أعطيتك لأن هذا إذا أضيف إلى ما ينتفع به مع بقاء عينه فهو عارية إذا أصله إعطاء الشيء
____________________
(3/480)
لآخر لينتفع به أياما ثم يرده فروعي أصله إذا أضيف إلى ما لا ينتفع به مع بقاء عينه فهو هبة كالدراهم والدنانير والمطعوم والمشروب وأطعمتك أرضي هذه لأن الطعام إذا قارن إلى ما يطعم عينه كالبر يراد به تمليك عينه وإذا قارن إلى ما لا يطعم كالأرض يراد به أخذ غلتها إطلاقا لاسم المحل على الحال وحملتك على دابتي هذه لأنه يقال في العرف حمل فلان فلانا دابته إذا أعاره إياها وإذا وهبه إياها فإذا نوى أحدهما صحت نيته وإذا لم ينو حمل على الأدنى لئلا يلزم الأعلى بالشك ولأن الحمل هو الإركاب حقيقة فكان عارية
وفي الدرر وشرح المجمع كلام تتبع وأخدمتك عبدي لأنه أذن له في الاستخدام وهو العارية إذا لم يرد بذلك أي بكل من الإطعام والحمل والإخدام الهبة
فإذا نوى أحدها صحت نيته وإن لم تكن له نية حمل على الأدنى كما مر وداري لك سكنى أي من جهة السكنى لأن داري مبتدأ ولك خبره وسكنى تمييز عن النسبة إلى المخاطب لأن قوله لك يحتمل تمليك العين والمنفعة وقوله سكنى محكم في المنفعة وهو معين للثاني بحكم التفسير فيكون عارية أو داري لك عمري سكنى فعمري مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره أعمرتها لك عمري والعمرى جعل الدار لأحد مدة عمره وسكنى تمييز وتخصيص للتنصيص على العارية
وللمعير أن يرجع فيها أي في العارية المطلقة أو المقيدة متى شاء لعدم لزومها هذا إذا لم ينقلب إجارة وإلا فلا يرجع كما إذا استعار أمة لترضع ابنه فأرضعته فلما صار الصبي لا يأخذ ثدي غيرها فإنه لا يسترد منها وعليه أجر مثل خادمته إلى أن يفطم وكذا لو استعار من رجل فرسا ليغزو عليه فأعاره إياه أربعة أشهر ثم لقيه بعد شهرين في بلاد المسلمين فأراد أخذه كان له ذلك وإن لقيه في بلاد الشرك في موضع لا يقدر على الكراء أو الشراء كان للمستعير أن لا يدفعه لأن هذا ضرر بين وعلى المستعير أجر مثل الفرس من الموضع الذي طلب صاحبه إلى أدنى الموضع الذي يجد فيه كراء أو شراء
ولو هلكت العارية
____________________
(3/481)
بلا تعد من المستعير فلا ضمان ولو بشرط الضمان فإنه شرط باطل كما في المحيط وفي التبيين
والعارية إذا اشترط فيها الضمان يضمن عندنا في رواية وصاحب الجوهرة جزم بأن العارية تصير مضمونة بشرط الضمان ولم يقل في رواية
وفي البزازية أعرني هذا على أنه إن ضاع فأنا ضامن وضاع لم يضمن انتهى وهذا إذا لم يتبين أنها مستحقة للغير فإن ظهر استحقاقها ضمنها ولا رجوع له على المعير لأنه متبرع وللمستحق أن يضمن المعير وإذا ضمنه لا رجوع له على المستعير ولا يملك والد الصغير إعارة مال ولده والعبد المأذون يملك أن يعير والمرأة إذا أعارت شيئا من ملك الزوج فهلك إن كان شيئا داخل البيت وما يكون في أيديهن عادة فلا ضمان على أحد أما في الفرس والثور فيضمن المستعير أو المرأة كما في البحر
وقال الشافعي وأحمد يضمن إذا هلكت في غير حالة الاستعمال لقوله عليه الصلاة والسلام العارية مضمونة ولأنه قبض لنفسه فصار كالمقبوض على سوم الشراء ولنا قوله عليه الصلاة والسلام ليس على المستعير غير المغل ضمان ولأنها أمانة في يده سواء هلكت من استعماله أو لا وما روياه محمول على ضمان الرد
ولا تؤجر العارية لأنها دون الإجارة والشيء لا يستتبع فوقه ولا ترهن لأن الرهن إيفاء وليس له أن يوفي دينه بمال غيره بغير إذنه وله أن يودع على المفتى به وهو المختار وصحح بعضهم عدمه كما في المنح كالوديعة أي كما لا تؤجر ولا ترهن الوديعة لأنها أمانة فلا يجوز التصرف فيها فإن آجرها أي آجر المستعير العارية فتلفت أي هلكت العارية ضمن أيهما شاء أي المعير مخير إن شاء يضمن المستعير لأنه صار غاصبا بتعديه أو يضمن المستأجر لأنه قبض ملك المعير بغير
____________________
(3/482)
إذنه فإن ضمن أي المعير المؤجر أي المستعير لا يرجع بما غرمه على أحد لأنه بالضمان تبين أنه أجر ملك نفسه ويتصدق بالأجرة عندهما خلافا لأبي يوسف وإن ضمن المستأجر رجع على المؤجر أي المستعير إن لم يعلم المستأجر أنه أي أن ما استأجره عارية عند مؤجره وهو المستعير لكونه مغرورا من مؤجره قيد به لأنه إن علم لا يرجع لأن المؤجر حينئذ لم يكن منه غرور وصار كالمستأجر من الغاصب إذا كان عالما بالغصب
وله أي للمستعير أن يعير ما استعاره إن كان ما لا يختلف باختلاف المستعمل كالحمل على الدابة والاستخدام والسكنى والزراعة وإن شرط المالك أن ينتفع هو بنفسه لأن التقييد فيما لا يختلف غير مفيد خلافا للشافعي لأن العارية إباحة المنافع عنده فلا يملك إباحتها غيره ولنا أنها تمليك المنافع فيملك أن يعيرها كما مر لا ما يختلف باختلاف المستعمل كالركوب أي ركوب الدابة ولبس الثوب إن عين المعير مستعملا لأن المعير رضي بذلك المعين دون غيره لأن ركوب العسكري لا يكون كركوب السوقي ولبس القصاب ليس كلبس البزاز
وإن لم يعين المعير مستعملا جاز أيضا كما يجوز أن يعير ما لا يختلف باختلاف الاستعمال لا بد أن تكون الإعارة مطلقة حينئذ ما لم يتعين المنتفع بفعل المستعير فإن تعين المنتفع بفعله لا يجوز له أن يعيره وفرعه بقوله فلو ركب هو أي المستعير ليس له أي للمستعير إركاب غيره وإن أركب المستعير غيره ف ليس له أن يركب هو يعني من استعار دابة مطلقا كان له أن يحمل أو يعير غيره للحمل ويركب بنفسه أو يركب غيره وأيا فعل من الحمل أو حمل الغير من الركوب أو الإركاب فقد تعين العمل فليس بعد حمله أن يحمل غيره ولا عكس هذا وإلا ضمن وكذا حكم الإركاب بعد الركوب وعكسه لتعين الركوب في الأول والإركاب في الثاني
____________________
(3/483)
وهذا الذي ذكره اختيار فخر الإسلام وقال غيره له أن يركب بعد الإركاب ويركب بعد الركوب وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي وشيخ الإسلام كما في العناية
وإن قيدت الإعارة بنوع أو وقت أي قيد المعير العارية بنوع من الانتفاع بأن شرط أن ينتفع هو بنفسه أو فلان معين أو قيدها بوقت معين بشهر أو جمعة مثلا أو بهما أي قيدها بالنوع والوقت جميعا ضمن المستعير بالخلاف في واحد منها إلى شهر فقط فلم يضمن بالخلاف إلى مثل أو خير كما إذا قال له احمل على هذه الدابة هذه الحنطة كان له أن يحمل عليها مثلها أو دونها في الضرر كحمل مثل الحنطة شعيرا لأن الإذن بالشيء إذن بما يساويه وبما هو خير منه وهذا استحسان والقياس يضمن لأنه مخالف فإن عند اختلاف الجنس لا تعتبر المنفعة والضرر بخلاف ما لو قال احمل عليها عشرة أقفزة شعير فحمل عليها عشرة أقفزة بر لأن المعير لم يرض بالشيء الثقيل فيضمن لوجود التعدي
وإن أطلق المعير الانتفاع فيهما أي في النوع والوقت فله أي للمستعير الانتفاع بأي نوع شاء في أي وقت شاء عملا بالإطلاق
واختلفوا في إيداع المستعير فقال جماعة منهم الكرخي ليس له ذلك قال الباقلاني هذا القول أصح وأكثرهم على أن له ذلك منهم مشايخ العراق وأبو الليث وأبو بكر محمد بن الفضل وبرهان الأئمة قال ظهير الدين وعليه الفتوى
وفي المنح وجعل الفتوى في السراجية عليه أيضا لكن في الصيرفية أن القول بأن العارية تودع أولا تودع محله إذا كان المستعير تملك الإعارة أما فيما لا يملكها فلا يملك الإيداع
وإن اختلفا فيما حمل على الدابة وفي مسافة الركوب والحمل أو في الوقت فالقول في ذلك كله للمعير مع يمينه
وتصح إعارة الأرض للبناء والغرس أي غرس الشجر لأن منفعتها معلومة وتجوز إجارتها فكذا إعارتها بل أولى لكونها تبرعا وله أي للمعير أن يرجع عن العارية بعد أن بنى المستعير أو غرس متى شاء لأنها غير لازمة ويكلفه أي المعير المستعير قلعهما أي قلع البناء والغرس عن الأرض لأنه شغل أرض المعير بهما فيؤمر بتفريغه إلا إذا شاء أن يأخذهما بقيمتهما فيما إذا كانت الأرض تستضر بالقلع بخلاف ما إذا كانت لا تستضر بالقلع حيث لا يجوز الترك إلا باتفاقهما كما في التبيين ولا يضمن المعير ما نقص من البناء والغرس بسبب القلع إن لم يوقت العارية إذ المستعير بنى وغرس في محل كان لغيره حق الرجوع فاعترف
____________________
(3/484)
بنفسه اعتمادا على الإطلاق من غير أن يسبق من المعير وعد
وإن وقت المعير وقتا معينا ورجع قبله أي قبل الوقت الذي عينه كره له أي للمعير ذلك الرجوع لما فيه من خلف الوعد وضمن المعير للمستعير ما نقص من البناء والغرس بالقلع بأن يقوم قائما غير مقلوع يعني إذا كانت قيمة البناء إلى وقت المضروب عشرة دنانير مثلا وإذا قلع في الحال يكون قيمة النقص دينارين يرجع المستعير على المعير بثمانية دينار لأن المعير غره بالتوقيت
وقال زفر لا يضمن لأن التوقيت والإطلاق فيها سواء لبطلان التأجيل في العواري وقيل يضمن المعير قيمته أي قيمة البناء أو الغرس ذكره الحاكم الشهيد ويتملكه أي المعير البناء أو الغرس إلا أن يشاء المستعير أن يرفعهما ولا يضمنه قيمتهما فيكون له ذلك لأنه ملكه قالوا إذا كان في القلع ضرر بالأرض فالخيار إلى رب الأرض كما في الهداية
وعن هذا قال وللمستعير قلعه أي البناء والغرس بلا تضمين إن لم تنقص الأرض به أي بالقلع كثيرا وعند ذلك أي عند نقصان الأرض كثيرا بالقلع الخيار للمالك بين ضمان نقصانهما وضمان قيمتهما لا للمستعير لأنه صاحب أصل والمستعير صاحب تبع والترجيح بالأصل كما في الهداية
وفي المحيط يضمن المعير قيمة البناء والأشجار قائمة على الأرض غير مقلوعة منقوضة وإن رضي المستعير قلع غرسه وبناءه ولا يضمنه إذا لم يضر بالأرض وإن كان القلع يضر بالأرض لا يقلع إلا برضى صاحبها ويضمن له قيمته مقلوعا انتهى وظاهره مع ما قبله أن القلع إذا لم يضر بالأرض كان الخيار للمستعير بين قلعه وبين تضمين جميع القيمة وهو مخالف لما في المختصر والكنز حيث جعلا له تضمين ما نقصه القلع لا تضمين جميع القيمة كما في المنح
وإن أعارها أي الأرض للزرع لا تؤخذ منه أي من المستعير استحسانا لأن
____________________
(3/485)
التضرير بالمؤمن حرام حتى يحصد الزرع بل يترك في يده بطريق الإجارة بأجر المثل كي لا تفوت منفعة أرضه مجانا وقت المعير أم لا يوقت لأن للزرع نهاية معلومة فكان في الترك مراعاة الحقين وأيضا في القلع إبطال ملك المستعير وفي الترك تأخير حق تصرف المعير فيها والأول أشد ضررا فيصير إلى الثاني
وأجرة رد المستعار و أجرة رد المستأجر الوديعة والرهن والمغصوب على المستعير والمؤجر والمودع والمرتهن والغاصب أما المستعار فلأن رده على المستعير لأنه قبض العارية لمنفعة نفسه فتكون أجرة الرد عليه وأما المستأجر فلأنه مقبوض لمنفعة المؤجر لأن الأجر سلم له فلا يكون رده واجبا على المستأجر بل على المؤجر فتكون مؤنة رده عليه وأما الوديعة فلأن منفعة حفظها عائدة له فكانت مؤنة ردها عليه وأما الرهن فلأن قبضه قبض استيفاء فكان قابضا لنفسه وأما المغصوب فلأن الغاصب يجب عليه رد العين المغصوبة إلى يد مالكها كما كانت فتكون عليه مؤنة ردها
وفي عمدة الفتاوى نفقة العبد المستعار على المستعير وكسوته على المعير
وإذا رد المستعير الدابة المستعارة إلى إصطبل ربها أي صاحب الدابة أو رد العبد المستعار أو الثوب المستعار إلى دار مالكه برئ عن الضمان إذا هلكت الدابة أو هلك العبد أو الثوب استحسانا والقياس أن لا يبرأ لأنه لم يردهم إلى أصحابهم وإنما ضيعهم تضييعا وهو قول الأئمة الثلاثة وجه الاستحسان أنه أتى بالتسليم المتعارف وهو المعول عليه بخلاف الغصب الوديعة فإن الغاصب لا يبرأ إلا بتسليم العين المغصوبة إلى المالك لأنه متعد بإثبات يده فيها فلا تكون
____________________
(3/486)
إزالتها إلا بالتسليم إليه حقيقة وأما المودع فلا يبرأ أيضا إلا بتسليم الوديعة إلى مالكها لأنها للحفظ ولم يرض بحفظ غيره إذ لو رضي به لما أودعها عنده
وإن رد المستعير الدابة مع عبده أو أجيره مشاهرة أو مسانهة برئ إذا هلكت قبل الوصول إلى المالك لأنه من عيال المستعير وله ردها بيد من في عياله
وكذا إن ردها أي الدابة من أجير ربها أي رب الدابة مشاهرة أو مسانهة أو مع عبده أي رب الدابة برئ عن الضمان إذا هلكت استحسانا والقياس أن لا يبرأ إلا بالتسليم إلى صاحبها كما ذكرناه آنفا هذا في زمانهم وأما في زماننا فلا يبرأ إلا بالتسليم إلى يد صاحبها كما في الشمني يقوم حال من أجير لا صفة عبد لأن الجملة نكرة على الدابة أو لا يقوم وهو الصحيح لأن الدابة وإن لم يكن في يده دائما إلا أنها تدفع إليه في بعض الأوقات فيكون رضى المالك بدفعها إليه موجودا بخلاف الأجنبي والأجير مياومة فإنه إذا ردها مع الأجنبي أو الأجير مياومة لا يبرأ لأنه لا يعد من العيال فلا يرضى المالك به فيضمن إن هلكت قبل الوصول
و بخلاف رد شيء نفيس كعقد اللآلئ إلى دار مالكه فإنه إن هلك قبل القبض يلزم الضمان لأن هذا لا يعد تسليما في العرف
ويكتب مستعير الأرض للزراعة قد أطعمتني أرضك لا أعرتني أي إذا أعيرت الأرض للزراعة وأراد المستعير أن يكتب كتابا يكتب إنك قد أطعمتني أرضك ولا يكتب قد أعرتني عند الإمام لأن لفظ الإطعام أدل على الزراعة لأن عين الأرض لا يطعم وإنما يطعم ما يحصل منها بخلاف الإعارة فيها لأنها قد تكون للبناء خلافا لهما فإن عندهما يكتب الإعارة لأن لفظ الإعارة موضوع لهذا
____________________
(3/487)
العقد والكتابة بالموضوع أولى وإذا أعيرت الأرض سكنى لا للزراعة يكتب إنك أعرتني أرضك بالاتفاق
وفي التنوير ادعى إيصال الأمانة إلى مستحقها قبل قوله كالمودع ادعى الرد والوكيل والناظر سواء كان في حياة مستحقها أو بعد موته إلا في الوكيل بقبض الدين إذا ادعى بعد موت الموكل أنه قبضه ودفع له في حياته لم يقبل إلا ببينة بخلاف الوكيل بقبض العين
____________________
(3/488)
كتاب الهبة وجه المناسبة بين ما قبلها وبينها ظاهر لأن ما قبلها تمليك المنفعة بلا عوض وهي تمليك العين كذلك وهي لغة التفضل على الغير بما ينفعه ولو غير مال كقوله تعالى يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور
وفي العناية إنها في اللغة عبارة عن إيصال الشيء إلى الغير بما ينفعه قال الله تعالى فهب لي من لدنك وليا انتهى وهو يرجع إلى المعنى الأول ويتعدى إما باللام نحو وهبته له وحكى أبو عمر وهبتكه كما في القاموس وقالوا بحذف اللام منه وإما بمن نحو وهبته منك على ما جاء به في أحاديث كثيرة في الصحيح كما في دقائق النووي فظن من المطرزي أنه خطأ ومن التفتازاني أنه عبارة الفقهاء كما في القهستاني
وفي الشريعة هي تمليك عين بلا عوض هذا تعريف للهبة
____________________
(3/489)
المحصنة العارية عن شرط العوض فإن الهبة بشرط العوض بيع انتهاء فتثبت الشفعة والخيار كما سيأتي فلا ينتقض التعريف بالهبة بشرط العوض فعلى هذا لا يلزم ما ارتكبه صاحب الدرر واعتراض بعض عليه تدبر والمراد بالعين عين المال لا العين المطلق بقرينة التمليك المضاف إليه لأن العين الذي ليس بمال لا يفيد الملك وكذا المراد بالتمليك هو التمليك في الحال لأن قوله وهبت لإنشاء الهبة حالا كبعت فلا حاجة إلى قول من قال هي تمليك مال للحال للاحتراز عن الوصية ولأن العين قد لا يكون مالا تدبر
فخرجت عن هذا التعريف الإباحة والعارية والإجارة والبيع وهبة الدين ممن عليه الدين فإن عقد الهبة إسقاط وإن كان بلفظ الهبة وهي أمر مندوب وصنع محمود محبوب قال صلى الله تعالى عليه وسلم تهادوا تحابوا وقبولها سنة فإنه عليه الصلاة والسلام قبل هدية العبد وقال في حديث بريرة هو لها صدقة ولنا هدية وقال عليه السلام لو أهدي إلي طعام لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت وإليها أي الإجابة الإشارة بقوله تعالى فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا أي مسرورا مريئا أي راضيا على الأكل وهي
____________________
(3/490)
نوعان تمليك وإسقاط وعليهما الإجماع كما في الاختيار وسببها إرادة الخير للواهب دنيوي كالعوض وحسن الثناء والمحبة من الموهوب له وأخروي قال الإمام أبو منصور يجب على المؤمن أن يعلم ولده الجود والإحسان كما يجب عليه أن يعلمه التوحيد والإيمان إذ حب الدنيا رأس كل خطيئة كما في النهاية
وشرائط صحتها في الواهب العقل والبلوغ والملك وفي الموهوب أن يكون مقبوضا غير مشاع مميزا غير مشغول وحكمها ثبوت الملك في العين الموهوبة غير لازم وعدم صحة خيار الشرط فيها وأنها لا تبطل بالشروط الفاسدة كما سيأتي
وركنها هو الإيجاب والقبول وعن هذا قال وتصح الهبة بإيجاب وقبول على ما في الكافي وغيره لأنها عقد وقيام العقد بالإيجاب والقبول وإنما حنث بمجرد الإيجاب فيما إذا حلف لا يهب فوهب ولم يقبل لأن الغرض عدم إظهار الجود وقد وجد الإظهار لكن ذكر في الكرماني أن الإيجاب في الهبة عقد تام والقبول ليس بركن كما أشار إليه في الخلاصة وغيرها
وفي المبسوط القبض كالقبول في البيع ولذا لو وهب الدين من الغريم لم يفتقر إلى القبول
وفي القهستاني ولعل الحق هذا فإن في التأويلات التصريح بالهبة غير لازم ولذا قال أصحابنا لو وضع ماله في طريق ليكون ملكا للرافع جاز انتهى
لكن يمكن الجواب بأن القبول كما يكون بالصريح يكون بالدلالة فيكون أخذه قبولا دلالة
وتتم الهبة بالقبض الكامل ولو كان الموهوب شاغلا لملك الواهب لا مشغولا به لقوله عليه السلام لا تجوز الهبة إلا مقبوضة والمراد هنا نفي الملك لا الجواز لأن جوازها بدون القبض ثابت خلافا لمالك فإن عنده ليس القبض بشرط الهبة قال صاحب المنح هبة الشاغل تجوز وهبة المشغول لا تجوز والأصل في جنس هذه المسائل أن اشتغال الموهوب بملك الواهب يمنع تمام الهبة مثاله وهب جرابا فيه طعام لا تجوز ولو وهب طعاما في جراب جازت واشتغال الموهوب بملك غير الواهب هل يمنع تمام الهبة ذكر صاحب المحيط أنه لا يمنع فإنه قال أعار دارا من إنسان ثم إن المستعير غصب متاعا ووضعه في الدار ثم وهب المعير الدار من المستعير صحت الهبة في الدار وكذلك لو أن المعير هو الذي غصب المتاع ووضعه في الدار ثم وهب المعير من المستعير كانت الهبة تامة وتمامه فيه فليراجع
وفي الخانية رجل وهب دارا وسلم وفيها متاع الواهب لا تجوز لأن الموهوب مشغول بما ليس بهبة فلا يصح التسليم ولو وهبت امرأة دارها من زوجها وهي ساكنة فيها وزوجها أيضا ساكن فيها جازت الهبة ويصير الزوج قابضا للدار لأن المرأة ومتاعها في يد الزوج فصح التسليم
وفي الخلاصة رجل وهب لابنه الصغير
____________________
(3/491)
دارا والدار مشغولة بمتاع الواهب جازت ولو تصدق بدار على ابنه الصغير والأب ساكنها لا تجوز عند الإمام وعندهما تجوز وعليه الفتوى والمراد بالقبض الكامل في المنقول ما هو المناسب وفي العقار أيضا ما يناسبه فأخذ مفتاح الدار الموهوبة قبض لها بخلاف ما لو وهب ثيابا في صندوق مقفل ودفع الصندوق لا يكون قبضا فلا تتم الهبة
وفي الفصولين هبة المريض تبطل بموته قبل التسليم إذ الهبة في المرض ولو كانت وصية حتى تعتبر من الثلث لكنها هبة حقيقة فلا بد من القبض ولم يوجد
فإن قبض الموهوب في المجلس أي مجلس الهبة بلا إذن صريح من الواهب صح استحسانا والقياس أن لا يجوز وهو قول الشافعي لأنه تصرف في ملك الغير ولا يجوز إلا بإذنه
وجه الاستحسان أن القبض كالقبول في الهبة من حيث إنه يتوقف عليه ثبوت حكمه وهو الملك فيكون الإيجاب منه تسليطا على القبض كما أن الإيجاب منه يكون تسليطا على القبول
وبعده أي بعد المجلس أراد به بعد الافتراق لا بد من الإذن الصريح فلا يصح القبض بعد الافتراق بلا إذن صريح لأنا أثبتنا التسليط فيه إلحاقا له بالقبول والقبول يتقيد بالمجلس فكذا ما نزل منزلته فإن قيل يلزم على هذا ما إذا نهى عن القبض صريحا فإن التسليط موجود لكن لم يجز له القبض أجيب بأنه إذا نهاه صريحا لا تعمل الدلالة بعده لأن الدلالة لا تعمل بمقابلة الصريح فلهذا لو نهاه عن القبض لا يصح قبضه لا في المجلس ولا بعده
وفي القهستاني والحاصل إنه إذا أذن بالقبض صريحا يصح قبضه في المجلس وبعده ويملكه قياسا واستحسانا ولو نهى عن القبض بعد الهبة لا يصح القبض لا في المجلس ولا بعده ولا يملكه قياسا ولو لم يأذن له بالقبض ولم ينه عنه إن قبض في المجلس صح القبض استحسانا لا قياسا وإن قبض بعد المجلس لا يصح القبض قياسا واستحسانا ولو كان الموهوب غائبا فذهب وقبض فإن كان القبض بإذن الواهب جاز استحسانا لا قياسا وإن كان بغير إذنه لا يجوز هذا لكنه مخالف لما ذكرنا من التأويلات انتهى
لكن يمكن التوفيق بأن وضع ماله في طريق ليكون ملكا للرافع إذن بالقبض دلالة فيجوز فلا مخالفة أصلا تدبر
وتنعقد الهبة بوهبت أي بقوله وهبت لأنه صريح
وفي الفرائد قال المصنف أولا وتصح بإيجاب وقبول فمال إلى أن ركن الهبة الإيجاب والقبول ثم قال وينعقد بوهبت إلى آخره ومال إلى أن ركن الهبة الإيجاب فقط كما أن صاحب الهداية فعل كذلك لكن يمكن الجواب بأن المصنف بين أولا الركن فقال الإيجاب والقبول ثم أراد أن
____________________
(3/492)
يبين ألفاظ الإيجاب فقال وتنعقد بوهبت إلى آخره فلا يلزم ما قاله صاحب الفرائد تدبر ونحلت لكثرة استعماله فيه وأعطيت وأطعمتك هذا الطعام لأن الطعام إذا نسب إلى ما يطعم عينه يكون هبة كما مر أطلقه فشمل ما إذا كان على وجه المزاح كما في الخلاصة وغيرها ولو قال هبني هذا الشيء على وجه المزاح فقال وهبت وسلم إليه جاز وعن ابن المبارك أنه مر على قوم يضربون الطنبور فقال لهم هبوا هذا مني فدفعوه إليه فضرب به الأرض فكسره فقالوا يا شيخ خدعتنا انتهى
وشمل ما لو قال لقوم قد وهبت جاريتي هذه لأحدكم فليأخذها من شاء فأخذها رجل منهم ملكها كما في الخانية وكذا بقوله أذنت للناس جميعا في تمر نخلي من أخذ منه شيئا فهو له فبلغ الناس فمن أخذ شيئا يملكه كما نقله صاحب البحر عن المنتقى ثم قال وظاهره أن من أخذ منه ولم تبلغه مقالة الواهب لا يكون له كما لا يخفى انتهى لكن مخالف لما مر آنفا من أنه لو وضع ماله في طريق ليكون ملكا للرافع جاز لأنه مطلق سواء بلغته المقالة أو لا تأمل وكسوتك هذا الثوب لأن الكسوة يراد بها التمليك
وفي الخلاصة لو دفع إلى رجل ثوبا وقال ألبس نفسك ففعل يكون هبة ولو دفع إليه دراهم فقال أنفقها يكون قرضا وأعمرتك هذا الشيء لقوله عليه الصلاة والسلام من أعمر عمرى فهو للمعمر له ولورثته من بعده ولأن العمرى تمليك للحال فثبت الهبة ويبطل ما اقتضاه من شرط الرجوع ولذا لو شرط الرجوع صريحا يبطل شرطه أيضا كما لو قال وهبتك هذا العبد حياتك أو حياته أو أعمرتك داري هذه حياتك أو أعطيتها حياتك أو وهبت هذا العبد حياتك فإذا مت فهو لي وإذا مت فهو لورثتي فهذا تمليك صحيح وشرطه باطل وجعلته لك عمري لأن اللام فيه للتمليك فصار كأنه قال ملكتك هذا الشيء إلى آخر عمري
____________________
(3/493)
وداري لك حال كونها هبة تسكنها لأن اللام في لك للتمليك ظاهرا وقوله تسكنها مشورة وتنبيه على المقصود وليس بتفسير فصار نظير قوله هذا الطعام لك تأكله وبنيتها أي بنية الهبة في حملتك على هذه الدابة لأن الحمل يستعمل في الهبة مجازا فيحمل عليها عنده النية كما مر في العارية
وإن قال داري لك حالة كونها هبة سكنى لما مر أن سكنى تمييز فتصير تفسيرا لما قاله لكونه محكما في تمليك المنفعة فتكون عارية أو داري لك حال كونها سكنى هبة لأن في هذا تمليك منفعة أو داري لك حال كونها نحلى على وزن حبلى العطية سكنى فتقدير نحلتها نحلة سكنى فسكنى يرفع الإبهام أو داري لك حال كونها سكنى صدقة فسكنى يقرر تمليك المنفعة أو داري لك حال كونها صدقة عارية لأن العارية تمييز فيصير تفسيرا لما قبله أو داري لك عارية هبة أي داري لك بطريق العارية حال كون منافعها لك لأن قول العارية صريح في تمليك المنفعة فعارية أي فجميع هذه العبارات تكون عارية لا هبة
وتصح هبة مشاع لا يحتمل القسمة أي ليس من شأنه أن يقسم بمعنى لا يبقى منتفعا به بعد القسمة أصلا كعبد ودابة ولا يبقى منتفعا به بعد القسمة من جنس الانتفاع الذي كان قبل القسمة كالبيت الصغير والحمام لا أي لا تصح هبة ما أي مشاع يحتملها أي القسمة على وجه ينتفع به بعد القسمة كما قبلها كالأرض والثوب والدار ونحو ذلك ولو كانت الهبة لشريك الواهب لأن القبض في الهبة منصوص عليه فيشترط كماله والمشاع لا يقبل القبض إلا بضم غيره إليه وذلك غير موهوب فلم يوجد القبض الكامل فاكتفى بالقبض القاصر ضرورة ولا تجوز فيما يحتمل القسمة خلافا للبيع فإنه جائز فيها وقالت الأئمة الثلاثة الهبة عقد تمليك فتجوز في المشاع وغيره كالبيع بأنواعه وأراد المصنف بالشيوع المانع الشيوع المقارن للعقد لا الطارئ كأن يرجع الواهب في بعض الهبة شائعا فإنه لا يفسدها أما الاستحقاق فيفسد الكل لأنه مقارن لا طارئ قيد بالهبة لأن الرهن يبطله الشيوع الطارئ كالمقارن كما في البحر
وفي الدرر اعتراض على صدر الشريعة في هذا المحل فليراجع فإن قسم أي أفرز الجزء الموهوب المشاع وسلم إلى الموهوب له صح العقد لحصول الشرط بعد رفع الشيوع وهو كمال الشيوع ولو سلمه شائعا حتى لا ينفذ تصرفه فيه ويكون مضمونا عليه وينفذ فيه تصرف الواهب كما في الدرر
وفي المنح هبة المشاع إذا فسدت لا تفيد الملك وإن قبض الجملة روي ذلك عن أبي يوسف وهو الصحيح
وفي الخلاصة الهبة الفاسدة
____________________
(3/494)
مضمونة بالقبض ولا يثبت الملك للموهوب له بالقبض هو المختار
وفي جامع الفصولين والبزازية أن الهبة الفاسدة تفيد الملك بالقبض وبه يفتى فقد اختلف التصحيح لكن لفظ الفتوى آكد من لفظ التصحيح كما أفاده في بعض المعتبرات
ولا تصح هبة دقيق في بر و هبة دهن في سمسم وسمن في لبن وإن وصلية طحن البر أو استخرج الدهن من السمسم والسمن من اللبن وسلم لأن الموهوب معدوم وقت الهبة والمعدوم ليس بمحل للملك بخلاف المشاع إذ هو محل له حيث كان موجودا وقت العقد إلا أنه يتوقف على القسمة والتسليم وذلك لا ينافي العقد
وهبة لبن في ضرع وصوف على غنم ونخل وزرع في أرض وتمر في نخل كهبة المشاع لأن امتناع الجواز للاتصال وذلك يمنع القبض كالشائع حتى إذا فصلت هذه الأشياء عن ملك الواهب وسلمت صحت بخلاف ما لو وهب الحمل وسلمه بعد الولادة لا تجوز لأن في وجوده احتمالا فصار كالمعدوم
وفي الكافي لو وهب زرعا في أرض وتمرا في شجر وأمره بالحصاد والجذاذ جاز استحسانا ويجعل كأنه وهبه بعد الحصاد والجذاذ
وهبة شيء هو في يد الموهوب له تتم بلا تجديد قبض لتحقق شرط الهبة وهو القبض لأن القبض الواجب بالهبة قبض أمانة فينوب عنه كل قبض بخلاف ما إذا باعه منه لأن القبض فيه مضمون فلا ينوب عنه قبض أمانة فيلزمه قبض جديد وفي إطلاقه شامل لما إذا كانت في يده أمانة أو مضمونة ولو وديعة كأنه بعد الهبة لم يكن عاملا للمالك فاعتبرت يد الحقيقة
وهبة الأب لطفله تتم بالعقد لأنه في قبض الأب فينوب عن قبض الصغير لأنه وليه
وإن كان
____________________
(3/495)
الموهوب في يد الأب فلا يحتاج إلى قبض جديد سواء كان في عياله أو لا لكن يلزم الإشهاد وعليه الاحتياط والتحرز عن جحود سائر الورثة بعد موته أو في يد مودعه لأن يد المودع كيد المالك إلا إن كان الموهوب في يد غاصب أي لو غصب عبده مثلا غاصب فوهب لابنه الصغير وهو في يد الغاصب لا تتم الهبة بمجرد العقد لأنه ليس في يد الأب حقيقة وحكما لكونه مضمونا والضمان إنما يكون بتفويت اليد أو في يد مبتاع بيعا فاسدا أي لو باعه بيعا فاسدا وسلم ثم وهبه لابنه الصغير لا تجوز أو في يد متهب معناه لو وهب لآخر بلا عوض ثم وهبه لابنه الصغير لا تجوز وهو ظاهر لكن في عامة المعتبرات أو في يد مرتهن مكان متهب يعني لو رهن لآخر ثم وهب لطفله لا تتم الهبة بمجرد العقد تتبع
والصدقة في ذلك كالهبة والمراد من الصدقة هنا التصدق لابنه فقط وإلا يلزم التكرار لأن المصنف ذكر مطلق الصدقة في آخر هذا الكتاب فعلى هذا تفسير صاحب الفرائد في هذا المحل مطلقا ليس بشيء تتبع
والأم كالأب في أن هبتها لطفلها تتم بالعقد عند غيبته أي الأب غيبة منقطعة وتفسيرها تقدم في باب الأولياء أو موته أي الأب وعدم وصيه إن كان الطفل في عيالها لأن للأم ولاية الحفظ إذا كان في حجرها لكن بشرط غيبة الأب غيبة منقطعة أو موته وعدم وصيه لأنه عند حضور الأب أو الوصي لا يكون للأم ذلك ولو في حجرها
وكذا كل من يعول الطفل كالعم والأخ لأن هذا محض نفع للطفل ولأنه لما كان له تأديبه وتسليمه في حرفه كان له التصرف النافع بتمليكه بمجرد الهبة إذا كان في يده كما في الأب عند عدم الأب
وهبة الأجنبي له أي للطفل تتم بقبضه أي بقبض الطفل لو كان عاقلا أي مميزا يعقل التحصيل ولو
____________________
(3/496)
أبوه حيا لأنه في التصرف النافع يلحق بالبالغ العاقل وفي البحر من وهب لصغير يعبر عن نفسه شيئا فرده يصح كما يصح قبوله
وفي السراجية من وهب للصغير شيئا له أن يرجع فيه وليس للأب التعويض من مال الصغير
وفي الخانية ويبيع القاضي ما وهب للصغير حتى لا يرجع الواهب في هبته
و تتم أيضا بقبض أبيه حال صغره أو جده أو وصي أحدهما أي بقبض وصي الأب أو وصي الجد الصحيح سواء كان الصغير في حجرهم أو لا لأن لهؤلاء ولاية على اليتيم أما الأب فظاهر وأما غيره من الجد والوصي فلقيامهم مقام الأب أو بقبض أمه إن كان الطفل في حجرها لما مر
وفي الخلاصة ويباح للوالدين أن يأكلا من المأكول الموهوب للصغير فأفاد أن غير المأكول لا يباح لهما إلا عند الاحتياج وأشار إلى ما علم أن ما وهب للصغير يكون ملكا له أما لو اتخذ الأب وليمة للختان فأهدى الناس هدايا ووضعوا بين يدي الولد فإن كانت الهبة تصلح للصبي مثل ثياب الصبيان أو بشيء يستعمله الصبيان فالهدية للصبي وإلا ينظر إن كان من أقرباء الأب أو معارفه فهو للأب وإن كان من أقرباء الأم أو معارفها فهو للأم سواء كان المهدي يقول عند الهدية هذا للصبي أم لا وهذا إذا لم يقل المهدي هذا له أو لها وكذا لو اتخذ الوليمة لزفاف بنته كما مر
وفي السراجية وينبغي أن يعدل بين أولاده في العطايا والعدل عند أبي يوسف أن يعطيهم على السواء هو المختار كما في الخلاصة
وعند محمد يعطيهم على سبيل المواريث وإن كان بعض أولاده مشتغلا بالعلم دون الكسب لا بأس بأن يفضله على غيره وعلى جواب المتأخرين لا بأس بأن يعطي من أولاده من كان عالما متأدبا ولا يعطي منهم من كان فاسقا فاجرا أو بقبض أجنبي يربيه ويحجره لأن له عليه يدا معتبرة حتى لا يتمكن أجنبي آخر أن ينزعه من يده فيملك النفع في حقه أو تتم بقبض زوج الطفلة لها أي للطفلة
ولو وصلية مع حضرة الأب بعد الزفاف أي بعد أن زفت الصغيرة إليه في الصحيح لأن الأب أقامه مقام نفسه في حفظها وقبض الهبة منه ولو قبضه الأب أيضا صح لأن الولاية له واشتراط الزفاف لثبوت ولاية الزوج لأنه إنما يملكه باعتبار أنه يعولها وذلك بعد الزفاف لا قبله أي لا يصح قبض الزوج قبل الزفاف لأنه لا يعولها قبله ولا يشترط قبله أن يكون مما يجامع مثلها في الصحيح
وصح هبة اثنين لواحد دارا لأنها سلمت جملة
____________________
(3/497)
وقبضت جملة فلا شيوع وفيه إشعار بأن هبة الاثنين للاثنين لا تجوز لا عكسه أي لا تصح هبة الواحد للاثنين عند الإمام وزفر لأن هذه هبة النصف من كل واحد فيثبت الشيوع والقبض في المشاع لا يتحقق بخلاف الرهن لأن حكم الحبس بالدين وهو ثابت لكل واحد منهما بكماله
وقال يعقوب باشا رجل وهب من رجلين شيئا يحتمل القسمة فالهبة فاسدة وليست بباطلة عند الإمام فإذا قبضا ثبت لهما الملك على قول وبه يفتي كما في الذخيرة ويعلم من هذا أن المراد من عدم الصحة الفساد لا البطلان كما لا يخفى فليتأمل انتهى خلافا لهما فإن عندهما تصح نظرا إلى أنه عقد واحد فلا شيوع كما إذا رهن من رجلين
وفي السراجية وهب من رجلين درهما صحيحا تجوز وعليه الفتوى لأنها هبة مشاع لا يقسم وإنما قيدنا بالصحيح لأن المغشوش في حكم العروض فيكون مما يقسم فلا تصح هبته للرجلين للشيوع
وصح تصدق عشرة دراهم على فقيرين وهبتها أي هبة عشرة دراهم لهما أي الفقيرين ولا تصحان أي لا يصح التصدق بعشرة ولا هبتها لغنيين هذا رواية الجامع الصغير جعل كل واحد منهما مجازا عن الآخر حيث جعل الهبة للفقيرين صدقة والصدقة على الغنيين هبة وفرق بين الهبة والصدقة في حكم حيث أجاز الصدقة على اثنين ولم يجز الهبة والجامع بينهما أن كلا منهما تمليك بلا عوض فجازت الاستعارة والفرق أن الصدقة يبتغى بها وجه الله وهو واحد والفقير نائب عنه ولا كذلك الهبة فيكون تمليكا من اثنين ولهذا لو أوصى ثلث ماله للفقراء صح وإن كانوا مجهولين لأنها وقعت لله تعالى وهو معلوم ولو أوصى به لأغنياء غير معينين لا يجوز في الأصل سوى بينهما فوجب أن يمنع في الباقين فكان في المسألة روايتان وقيل المراد بالصدقة المذكورة في الأصل الصدقة على غنيين فلا مخالفة بين الروايتين وهذا كله على قول الإمام خلافا لهما فإن عندهما الهبة من شخص جائزة فالصدقة أولى
____________________
(3/498)
باب الرجوع عنها أي عن الهبة قد ذكرنا أن حكم الهبة ثبوت الملك للموهب له غير لازم فكان الرجوع صحيحا وقد يمنع عن ذلك مانع فيحتاج إلى ذكر ذلك في باب على حدة فقال يصح الرجوع فيها أي في الهبة بعد القبض ولو مع إسقاط حقه من الرجوع بأن قال أسقطت حقي من الرجوع كلا أو بعضا ما لم يمنع مانع من الموانع الآتية وعند الأئمة الثلاثة لا يصح الرجوع في الهبة إلا للوالد فيما وهب لولده لقوله عليه الصلاة والسلام لا يرجع الواهب في هبته إلا الوالد فيما يعطي لولده والعائد في هبته كالكلب يعود في قيئه
وفي رواية لا يحل لواهب أن يرجع في هبته ولنا قوله عليه الصلاة والسلام الواهب أحق بهبته ما لم يثب عنها أي ما لم يعوض والمراد به بعد التسليم لأنها لا تكون هبة حقيقة قبله فلهذا قيدنا ببعد القبض وتأويل ما رووه أن الواهب لا يستبد بالرجوع من غير تراض ولا حكم حاكم إلا الوالد فإن له أن يأخذ من ابنه عند الحاجة من غير رضاء ولا قضاء كسائر أموال ابنه
ويكره أي الرجوع تحريما لأن الإمام الزاهدي قد وصف الرجوع بالقبح وكذا الحدادي وكثير من الشارحين ولا يقال للمكروه تنزيها قبيح لأنه من قبيل المباح أو قريب منه كما في المنح
ويمنع منه أي من الرجوع حروف دمع خزقة أخذها من بيت شعر قيل فيه وهو قوله ومانع عن الرجوع في الهبه يا صاحبي حروف دمع خزقه
____________________
(3/499)
وفي خزانة الفقه اثني عشر ينقطع به حق الرجوع إذا كان الموهوب له ذا رحم محرم منه أو كانت زوجته أو كان زوجها أو كان أجنبيا وعوضها وقال خذ هذا عوض هبتك أو بدلا عنها أو جزاء عنها أو مكافأة عنها أو في مقابلها أو مات أحدهما أو خرج عن ملكه أو زاد فيها زيادة متصلة بأن كان عبدا صغيرا فكبر أو كان مهزولا فسمن أو كانت أرضا فبنى فيها أو كان ثوبا فخاطه أو صنعه صنعا يزيد أو غيره بأن كان حنطة فطحنها أو دقيقا فخبزه أو سويقا فلته بسمن أو كان لبنا فاتخذه جبنا أو سمنا أو أقطا أو كانت جارية فعلمها القرآن أو الكتابة أو المشاطة تسعة أشياء لا ينقطع به حق الرجوع إذا زادت قيمته أو ولدت الموهوبة يرجع في الأم دون الولد أو أثمرت الشجرة يرجع في الشجر دون الثمر أو كان ثوبا قطعه ولم يخطه أو كان دارا فانهدم شيء منها أو وهب لبني عمه أو في مرضه لورثته ثم مات الواهب عقبه فلورثته الرجوع فيه أو وهب لأخيه ولأجنبي عبدا يرجع في نصيب الأجنبي أو استحق العوض يرجع في الهبة أو استحق الهبة يرجع في العوض انتهى ثم شرع أن يبين ذلك بالفاء التفصيلية بقوله فالدال من هذه الحروف الزيادة المتصلة بالموهوب كالبناء على الأرض إذا كان يوجب زيادة في الأرض وإن كان لا يوجب لا يمنع الرجوع وإن كان يوجب في قطعة منها بأن كانت الأرض كبيرة بحيث لا يعد مثله زيادة فيها كلها امتنع من تلك القطعة دون غيرها كما في التبيين
وفي السراجية إذا وهب أرضا فبنى الموهوب له فيها بناء بطل الرجوع ولو زال عاد حق الرجوع والغرس
وفي المنح رجل وهب لرجل أرضا بيضاء أنبتت في ناحية منها نخلا أو بنى فيها بيتا أو دكانا كان ذلك زيادة فيها وليس له أن يرجع في شيء منها والسمن بأن كان الموهوب هزالا فسمن عند الموهوب له واحترز بالمتصلة عن الزيادة المنفصلة
وعن هذا قال لا المنفصلة كالولد والأرش والعقر فإنه يرجع في الأصل دون الزيادة قيد بالزيادة لأن النقصان كالحبل وقطع الثوب بفعل الموهوب أولا غير مانع لما في التبيين من أنه لا يرجع في الجارية الموهوبة إذا ولدت حتى
____________________
(3/500)
يستغني ولدها فإذا جعلت ولم ترد فللواهب الرجوع فيها لأنه نقصان انتهى
لكن يخالف ما في السراج من أنه لو وهب له جارية فحبلت في يد الموهوب له فأراد الرجوع فيها قبل انفصال الولد لم يكن له ذلك لأنها متصلة بزيادة لم تكن موهوبة تتبع ثم المراد بالاتصال هو أن يكون في نفس الموهوب شيء يوجب زيادة في القيمة كما هو المذكور في المتن وكالجمال والخياطة والصبغ ونحو ذلك وإن زاد من حيث السعر فله الرجوع لأنه لا زيادة للعين وكذا إذا زاد في نفسه من غير أن يزيد في القيمة كما إذا طال الغلام الموهوب لأنه نقصان في الحقيقة فلا يمنع الرجوع ولو نقله من مكان إلى مكان حتى ازدادت قيمته واحتاج فيه إلى مؤنة النقل عندهما ينقطع الرجوع خلافا لأبي يوسف ولو وهب عبدا كافرا فأسلم في يد الموهوب له أو وهب عبدا حلال الدم فعفا ولي الجناية وهو في يد الموهوب له لا يرجع ولو كانت الجناية خطأ ففداه الموهوب له لا يمنع الرجوع ولا يسترد منه الفداء ولو علم الموهوب له العبد القرآن أو الكتابة أو الصنعة لم يمنع الرجوع لأن هذه ليست زيادة في العين فأشبهت الزيادة في السعر وفيه خلاف زفر وروى الخلاف في العكس ولو اختلفا في الزيادة فالقول للواهب لأنه ينكر لزوم العقد كما في التبيين وشرح الكنز للعيني
وفي الخانية ولو علم القرآن أو الكتابة والقراءة أو كانت أعجمية فعلمها الكلام أو شيئا من الحروف لا يرجع الواهب في هبته لحدوث الزيادة في العين انتهى هذا يخالف ما في التبيين كما في المنح وفيه كلام لأن صاحب التبيين أشار إلى ما في الخانية فقال ويروى الخلاف في العكس تدبر
ولو أن مريضا وهب لرجل جارية فوطئها الموهوب له ثم مات الواهب وعليه دين مستغرق ترد الهبة ويجب على الموهوب له العقر وهو المختار
والميم موت أحد العاقدين أما موت الموهوب له فلخروج الموهوب عن ملكه وانتقاله إلى وارثه وأما موت الواهب فلتعذر الرجوع منه والوارث ليس بواهب والنص في حق الواهب هذا إذا كان بعد التسليم لأنه قبل التسليم بطلت لعدم الملك ورجوع المستأمن إلى دار الحرب بعد الهبة قبل القبض مبطل لها كالموت فإن كان الحربي أذن للمسلم في قبضه وقبضه بعد رجوعه إلى دار الحرب جاز استحسانا
والعين العوض المضاف إليها أي إلى الهبة إذا قبض الواهب العوض وفسره بقوله نحو خذ هذا عوضا عن هبتك أو بدلا عنها أي عن هبتك أو خذه في مقابلتها أي مقابلة الهبة لأن الشرط
____________________
(3/501)
في كونه عوضا أن يذكر لفظا يعلم الواهب أنه عوض
ولو وصلية كان التعويض من أجنبي أي جاز العوض من أجنبي وسقط حق الواهب في الرجوع في الهبة إذا قبض العوض لأن العوض لإسقاط الحق فيصح من الأجنبي كبدل الخلع ولو كان التعويض بغير إذن الموهوب له ولا رجوع للمعوض على الموهوب له ولو كان شريكه سواء كان بإذنه أو لا لأن التعويض ليس بواجب عليه فصار كما لو أمره أن يتبرع لإنسان إلا إذا قال على أني ضامن فلو لم يضف أي لم يقل الموهوب له خذ عوض هبتك يكون فعله هبة مبتدأة لا تعويضا فيشترط فيه ما يشترط في الهبة من القبض فلكل واحد منهما أن يرجع فيما وهب
وفي المبسوط هذا سواء كانت الهبة شيئا قليلا أو كثيرا وسواء كان العوض من جنسها أو من غير جنسها لأنها ليست بمعاوضة محضة حتى يتحقق فيها الربا وإنما هي لقطع الرجوع
والخاء الخروج أي خروج العين الموهوبة عن ملك الموهوب له بسبب من أسباب الملك كالبيع والهبة فإن تبدل الملك كتبدل العين فلو ضحى الشاة الموهوبة أو نذر التصدق بها وصارت لحما لا يمنع الرجوع عند الطرفين خلافا لأبي يوسف
والزاي الزوجية أي الزوجية مانعة من الرجوع لأن المقصود فيها الصلة أي الإحسان كما في القرابة وقت الهبة فله الرجوع لو وهب ثم نكح لأنها لم تكن زوجة وقت الهبة لا يرجع لو وهب ثم أبان لوجود الزوجية المانعة وقت الهبة
____________________
(3/502)
والقاف القرابة لأن المقصود منها صلة الرحم وقد حصل وفي الرجوع قطيعة الرحم فلا يرجع سواء كان القريب مسلما أو كافرا ثم فسر القرابة بقوله فلا رجوع فيما وهب لذي رحم محرم من الواهب وإن وهب لمحرم بلا رحم كأخيه من الرضاع وأمهات النساء والربائب وأزواج البنين والبنات لا يمنع الرجوع وقيد بالمحرم لأن الرحم بلا محرم كابن عمه لا يمنع الرجوع ولو وهب لعبد أخيه أو لأخيه وهو عبد لأجنبي فإنه يرجع فيها عند الإمام وقالا لا يرجع في الأولى ويرجع في الثانية ولو كانا أي العبد ومولاه ذا رحم محرم من الواهب فلا رجوع فيها أي في الهبة للواهب اتفاقا على الأصح
والهاء هلاك الموهوب فإنه مانع من الرجوع لتعذره بعد الهلاك إذ هو غير مضمون عليه والقول فيه أي في الهلاك قول الموهوب له لأنه منكر لوجوب الرد عليه فأشبه المودع
وفي الخلاصة لو قال الموهوب له هلكت فالقول قوله ولا يمين عليه وإن قال الواهب هي هذه حلف المنكر أنها ليست هذه كما يحلف الواهب أن الموهوب له ليس بأخيه إذا ادعى الأخ عليه ذلك كما في المنح وفي الزيادة قول الواهب أي لو ادعى الموهوب له ازدياد ما في يده زيادة متصلة وأنكرها الواهب فيكون القول له خلافا لزفر
ولو عوض الموهوب له فاستحق نصف الهبة رجع بنصف العوض لأن نصف العوض عوض عن نصف الهبة فلما لم يسلم له نصف الهبة يرجع بنصف
____________________
(3/503)
العوض كما في البيع
وإن استحق نصف العوض لا يرجع الواهب بشيء حتى يرد باقيه أي باقي العوض لأن العوض ليس ببدل حقيقة بدليل أنه يجوز أن يعوضه أقل من جنسه في المقدرات ولو كان معاوضة لما جاز للربا وإنما أعطاه ليسقط حقه في الرجوع كما مر آنفا إلا أنه لم يرض بسقوط حقه إلا بسلامة كل العوض فإذا لم يسلم له كله كان له الخيار إن شاء رضي بما بقي من العوض وإن شاء رد الباقي عليه ويرجع في الهبة خلافا لزفر إذ عنده يرجع بالنصف اعتبارا بالموهوب
وإن استحق الكل رجع بالكل فيهما أي لو استحق كل الهبة كان للموهوب له أن يرجع في جميع العوض إن كان قائما وبمثله إن هالكا وهو مثلي وبقيمته إن قيميا ولو استحق كل العوض حيث يرجع في كل الهبة إن كانت قائمة لا إن هالكة ويشترط أن لا تزداد العين الموهوبة فلو استحق العوض وقد ازدادت الهبة لم يرجع كما في الخلاصة
ولو عوض عن نصفها أي الهبة فله أي للواهب أن يرجع بما لم يعوض لأن المانع قد خص النصف غاية ما فيه أنه يلزم منه الشيوع في الهبة لكنه طار فلا يضره
وفي المنح نقلا عن المجتبى أن العوض المانع من الرجوع هو المشروط في عقد الهبة أما إذا عوضه بعده فلا ولم أر من صرح به غيره وفروع المذهب في هذا الباب مطلقة عن هذا الشرط منها ما تقدم من أن دقيق الحنطة يصلح عوضا عنها ومن أنه لو عوضه ولد أحد جاريتين موهوبتين وجد بعد الهبة فإنه يمتنع الرجوع وتمامه فيه فليطالع
ولو خرج نصفها أي نصف الهبة عن ملكه أي الموهوب له فله أي للواهب أن يرجع بما لم يخرج عن ملكه لأن المانع من الرجوع وهو الخروج عن ملكه لم يوجد إلا في النصف فيتقدر الامتناع بقدره ولأن له الرجوع في كل الهبة ففي النصف أولى أن يرجع إلى ما لم يعوض
ولا يصح الرجوع عن الهبة إلا بتراض من الطرفين أو حكم قاض بالرجوع لولايته على العامة ولولايتهما على أنفسهما كالردة بالعيب بعد القبض إذ في حصول المقصود وعدمه خفاء لأن من الجائز أن يكون المراد الثواب والتحبب وعلى هذا لا يرجع لحصول المرام ومن الجائز أن يكون المراد العوض وعلى هذا يرجع فلا بد من الإلزام والقضاء وعند الأئمة الثلاثة يصح بدونهما ثم فرعه بقوله
فلو أعتق الموهوب له العبد الموهوب بعد الرجوع قبل القضاء والتسليم نفذ إعتاقه لأنه لا يخرج
____________________
(3/504)
عن ملك الموهوب له إلا بالقضاء أو الرضى فيصح إعتاقه قبلها
ولو منعه أي منع الموهوب له الموهوب عن الواهب بعد أن يرجع قبل القضاء أو بعده فهلك الموهوب في يد الموهوب له لا يضمن لأن يده غير مضمونة إلا إذا طلبه بعد القضاء فمنعه مع القدرة على التسليم فحينئذ يكون يده يد ضمان لمنعه طلبه فظهر الفرق بين المنع بعد الرجوع وبين المنع بعد الطلب وهو أي الرجوع مع أحدهما أي مع التراضي أو قضاء القاضي فسخ لعقد الهبة من الأصل أو إعادة للملك القديم لا هبة من الموهوب له وعند زفر الرجوع بالتراضي عقد جديد فيجعل بمنزلة الهبة المبتدأة
ولنا أن عقد الهبة وقع جائزا موجبا لحق الفسخ فإذا رجع الواهب كان مستوفيا لحق ثابت له بالعقد لأن العقد وقع غير لازم لا ابتداء لعقد جديد ثم فرعه بقوله فلا يشترط قبضه أي الواهب لأن القبض إنما يعتمد في انتقال الملك لا في عوده إلى الملك القديم
وصح أي الرجوع في المشاع القابل للقسمة بأن وهب دارا ورجع في نصفها ولو كان هبة مبتدأة لما صح في المشاع القابل للقسمة
وإن تلف الموهوب عند الموهوب له فاستحق مستحق فضمن الموهوب له قيمته للمستحق لا يرجع على واهبه بما ضمن لأن العقد تبرع وهو غير عامل له فلا يستحق السلامة ولا يثبت به الغرور بخلاف الوديعة لأن المودع عامل له وبخلاف المعاوضات لأن عقد المعاوضة يقتضي السلامة والإعارة كالهبة هنا كما في التنوير
والهبة بشرط العوض هبة ابتداء أي في ابتداء العقد فشرط القبض في العوضين لأن القبض شرط في الهبة لما مر وكل واحد منهما واهب من وجه ومنعها أي الهبة الشيوع فيما يحتمل القسمة في أحدهما أي في أحد العوضين لما
____________________
(3/505)
مر من أن هبة المشاع لا تصح بيع انتهاء أي في انتهاء العقد بعد التقابض فتثبت الشفعة إذا كان عقارا كما مر وخيار العيب والشرط والرؤية في كل واحد منهما والفاء في قوله فشرط وفي قوله فتثبت نتيجة ما قبلهما من الكلام
وعند زفر والأئمة الثلاثة بيع مطلقا أي ابتداء وانتهاء لأنها تمليك ببدل من الابتداء فكان بيعا ولنا أنه اشتمل على وجهين فيجمع بينهما ما أمكن عملا بالشبهين فيكون ابتداؤه معتبرا بلفظه فيجري فيه أحكام الهبة وانتهاؤه معتبرا بمعناه فيجري فيه أحكام البيع ولا منافاة بين الحكمين لأن الهبة من حكمها تأخير الملك إلى القبض ومن حكم البيع اللزوم وقد ينقلب الهبة البيع بالتعويض هذا إذا ذكره بكلمة على بأن يقال وهبتك ذا على أن تعوضني كذا إذ لو قال وهبتك بكذا فهو بيع إجماعا كما في الحقائق والغاية وظاهره أنه بيع ابتداء وانتهاء كما في البحر وفيه إشعار بأنه إذا كان حرف الشرط كلمة إن بأن يقول وهبتك كذا إن كان كذا ينبغي أن تكون الهبة باطلة كالبيع
فصل في بيان أحكام مسائل متفرقة ومن وهب أمة إلا حملها أو وهبها على شرط أن يردها أي يرد الموهوب له الأمة عليه أي على الواهب أو على أن يعتقها أو على أن يستولدها أي يتخذ الأمة أم ولد صحت الهبة في الصور كلها وبطل الاستثناء لأنه لا يعمل إلا في محل يعمل فيه العقد والهبة لا تعمل في الحمل قصدا لأن ما في البطن ليس بمال ولا يعلم وجوده حقيقة فتصح فيهما وفي الجنين لا يجوز لأنه جزء منها فلا يجوز استثناؤه بخلاف الوصية لأن إفراد الحمل بالوصية جائز
____________________
(3/506)
وكذا استثناؤه
و بطل الشرط في الصور الباقية لكونه مخالفا بمقتضى العقد والتمليك فيكون فاسدا والهبة لا تفسد بالشرط الفاسد كما مر
وكذا تصح الهبة وبطل الشرط لو وهب دارا على أن يرد أي الموهوب له عليه أي على الواهب بعضها أي الدار أو على أن يعوضه شيئا منها أي من الدار واعترض الزيلعي تبعا لصاحب النهاية على قولهم أو يعوضه شيئا منها بأن المراد به أما الهبة بشرط العوض فهي والشرط جائزان فلا يستقيم قوله وبطل الشرط وإن أراد أن يعوضه عنها شيئا من العين الموهوبة فهو تكرار محض لأنه ذكره بقوله على أن يرد شيئا منها انتهى وأجاب صاحب الدرر بأن نختار الشق الأول وقوله فهي والشرط جائزان ممنوع وإنما يجوز إذا كان العوض معلوما كما عرفت من المباحث السابقة وصرح به بعض شراح الهداية وكذا الحال في الصدقة انتهى لكن إن ما جعل مبنى الجواب من كون العوض المجهول شرطا فاسدا موافق للخانية في مسألة هبة الأرض بشرط إنفاق ما يخرج منها على الواهب لكنه مخالف لما قاله التمرتاشي من أنه لو وهب بشرط العوض ولم يسم العوض جاز لأن الهبة تقتضي عوضا مجهولا وقد أجاب بعض الفضلاء بأنا نختار الشق الثاني ولا تكرار لأن في عبارة العوض مظنة الصحة كما لا يخفى لكن الأولى ما في شرح الكنز للعيني من أنه لا يلزم التكرار أصلا لأن قوله على أن يرد عنه شيئا منها لا يستلزم أن يكون عوضا لأن كونه عوضا إنما هو بألفاظ مخصوصة فيجوز أن يكون ردا ولا يكون عوضا لعدم الاستلزام وأما قوله أو يعوضه شيئا منها فصريح بالعوض ولا شك أنهما متغايران
ولو دبر الحمل ثم وهبها أي الأمة فالهبة باطلة لأن المدبر يبقى على ملك الواهب إلى موته فصار كهبة المشاع بخلاف ما لو أعتقه أي الحمل ثم وهبها أي الأمة فإنه يجوز العتق في الولد والهبة في الأمة لأن الجنين لم يبق على ملك الواهب فلم تشتغل الأمة غير حضانة الولد
ومن قال لمديونه إذا جاء غد فالدين لك أو قال فأنت بريء منه أي من الدين أو قال إن أديت إلي نصفه أي الدين فالباقي أي النصف الآخر لك أو قال له إن أديت إلي نصفه فأنت بريء منه أي من
____________________
(3/507)
النصف الباقي فهو باطل لأن الإبراء تمليك من وجه وإسقاط من وجه ولهذا يرتد بالرد ولا يتوقف على القبول والتعليق بالشرط يختص بالإسقاطات المحضة التي يحلف بها كالطلاق والعتاق وهذا تمليك من وجه فلا يجوز تعليقه بالشرط فيبطل بخلاف قوله أنت بريء من النصف على أن تؤدي إلي النصف لأنه تقييد وليس بتعليق كما في التبيين وغيره ولو قال لمديونه إن كان لي عليك دين أبرأتك عنه وله عليه دين صح الإبراء لأنه تعليق بشرط كائن فيكون تنجيزا ولو قالت لزوجها المريض إن مت من مرضك هذا فأنت في حل من مهري أو قالت مهري عليك صدقة فهو باطل لأن هذه مخاطرة وتعليق ولو قال الطالب لمديونه إذا مت فأنا بريء من الدين الذي لي عليك جاز ويكون وصية من الطالب للمطلوب كما في المنح
والعمرى جائزة للمعمر بفتح الميم الثانية وهو الموهوب له حال حياته ولورثته بعده أي بعد وفاته لقوله عليه الصلاة والسلام من أعمر عمرى فهو للمعمر له ولورثته لأن المفهوم منه بطلان الشرط لأنه قال عليه الصلاة والسلام ولورثته كما بيناه في أول الكتاب ثم أشار إلى تفسير العمرى بقوله وهي أن يجعل داره له مدة عمره فإذا مات ردت الدار إليه أي إلى الواهب بطل شرط الرد بعد الموت لما مر
والرقبى بضم الراء باطلة فإن قبضها كانت عارية في يده هذا عند الطرفين وعند أبي يوسف تصح كالعمرى لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه الصلاة والسلام قال العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها وبه قال الشافعي وأحمد والجواب عنه أنه مأخوذ من الإرقاب معناه رقبة داري لك وذلك جائز لكن لما احتمل الأمرين لم تثبت الهبة بالشك فتكون عارية ثم أشار
____________________
(3/508)
إلى تفسيرها بقوله وهي أن يقول إن مت قبلك فلك ذلك وإن مت قبلي فلي فيترقب كل واحد موت صاحبه
وفي التنوير بعث إلى امرأته متاعا وبعثت له أيضا ثم افترقا بعد الزفاف وادعى أنه عارية وأراد الاسترداد وأرادت أيضا يسترد كل ما أعطى لما في فتاوى قاضي ظهير الدين من أنه رجل تزوج امرأة وبعث هدايا إليها وعوضت المهر لهدايا عوضا للهبة فإذا لم يكن ذلك هبة لم يكن ذلك عوضا وكان لكل واحد منهما أن يسترد
والصدقة كالهبة لأنها تبرع مثلها فإذا كان كذلك لا تصح الصدقة بدون القبض بل لا بد من كونها مقبوضة كالهبة ولا تصح في مشاع يقسم أن يحتمل القسمة كسهم من الدار عند الإمام خلافا لهما على ما تقدم في الهبة ولا رجوع فيها أي في الصدقة بعد القبض لأن المقصود فيها هو الثواب دون العوض
ولو كانت الصدقة لغني استحسانا لأنه قد يقصد بالصدقة على الغني الثواب لكثرة عياله
وفي الخانية ولو اختلفا فقال الواهب كانت هبة وقال الموهوب له صدقة فالقول للواهب
وفي العناية في هذا المحل كلام وفي حاشيته للمولى سعدي جواب فليطالع
ولا رجوع في الهبة لفقير لأن المقصود الثواب وقد حصل بخلاف الهبة لغني لأنها قد تكون لعوض دنيوي لو قال جميع مالي أو ما أملكه لفلان فهو هبة لأن مملوكه لا يصير لغيره إلا بتمليكه
وإن قال ما ينسب إلي أو ما يعرف لي فلان فإقرار لأنه لا يفهم منه التمليك وإنما يفهم منه إنه ملك لفلان ولكنه منسوب إلي بكونه في يدي فيكون
____________________
(3/509)
إقرارا
وفي التنوير هبة الدين ممن عليه الدين وإبراؤه عنه يتم من غير قبول تمليك الدين ممن ليس عليه الدين باطل إلا إذا سلطه على قبضه
وفي المنح نقلا عن جواهر الفتاوى لما سألته عمن كتب قصة إلى السلطان وسأل منه تمليك أرض محدودة فأمر السلطان بالتوقيع فكتب كاتب السلطان على ظهر القصة إني جعلت الأرض ملكا له هل تصير الأرض ملكا له أم يحتاج إلى القبول من السلطان في مجلس واحد قال القياس نعم لأنه تمليك يحتاج إلى القبول عن السلطان في مجلس واحد لكن لما تعذر الوصول إليه أقيم السؤال بالقصة مقام حضوره فإذا أمر بذلك وأخذ منه بالتوقيع تملك
____________________
(3/510)
كتاب الإجارة عقبه بالهبة ترقيا من الأعلى إلى الأدنى فإن الإجارة تمليك المنافع والهبة تمليك العين والعين أقوى وهي في اللغة اسم للأجرة وهي ما يستحق على عمل الخير
وفي القهستاني فإنها وإن كانت في الأصل مصدر آجر زيد يأجر بالضم أي صار أجيرا إلا أنها في الأغلب تستعمل بمعنى الإيجار المصدر يقام بعضها مقام البعض فيقال آجرت إجارة أي أكريتها ولم يجئ من فاعل بهذا المعنى على ما هو الحق كذا في الرضى
وقال بعض أهل العربية الإجارة فعالة من المفاعلة وآجر على وزن فاعل لا أفعل لأن الإيجار لم يجئ منه والمضارع يؤاجر واسم الفاعل المؤاجر وعند الخليل أجرت زيدا مملوكي أوجره إيجارا وفي الأساس آجر وهو مؤجر ولم يقل مؤاجر فإنه غلط ومستعمل في موضع قبيح وقد جوز صاحب الكشاف في مقدمة الأدب كون آجره الدار من باب الإفعال والمفاعلة معا
وفي الإصلاح هي أي الإجارة بيع منفعة احتراز عن بيع عين معلومة جنسا وقدرا بعوض مالي أو نفع من غير جنس المعقود عليه كسكنى دار بركوب دابة ولا يجوز بسكنى دار أخرى للربا معلوم قدرا وصفة
____________________
(3/511)
في غير العروض لأن جهالتهما تفضي إلى المنازعة دين أي مثلي كالمكيل والموزون والعددي المتقارب أو عين أي قيمي كالثياب والدواب وغيرهما فخرج البيع والهبة والعارية والنكاح فإنه استباحة المنافع بعوض لا تمليكها
وفي الدرر وإنما عدل عن قولهم تمليك نفع معلوم بعوض كذلك لأنه إن كان تعريفا للإجارة الصحيحة لم يكن مانعا لتناوله الفاسدة بالشرط الفاسد وبالشيوع الأصلي وإن كان تعريفا للأعم لم يكن تقييد النفع والعوض بالمعلومية صحيحا وما اختير ههنا تعريف للأعم انتهى لكن المقصود قيد البدلين بالمعلومية فقد أخرج الإجارة الفاسدة بالجهالة عن التعريف ونبه أن المعتبر في الشرع هي الإجارة الغير المفضية إلى النزاع وجعل ذكر المعلوم توطئة لقوله الآتي والمنفعة تعلم تارة إلى آخر تدبر والقياس يأبى جواز عقد الإجارة لأن المعقود عليه معدوم وإضافة التمليك إلى ما سيوجد لا يصح لكنه جوز لحاجة الناس إليه وقد ثبت جوازه بالكتاب والسنة وضرب من المعقول أما الكتاب فقوله تعالى على أن تأجرني ثماني حجج وشريعة من قبلنا لازمة ما لم يظهر نسخها وأما السنة فقوله عليه الصلاة والسلام من استأجر أجيرا فليعلمه أجره وقوله قوله تعالى أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه وأما المعقول فلأن بالناس حاجة إليه ولا مفسدة فيه وتنعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنفعة
وفي البحر والمراد من انعقاد العلة ساعة فساعة في كلام مشايخنا على حسب حدوث المنافع هو عمل العلة ونفاذها في المحل ساعة فساعة لارتباط الإيجاب والقبول كل ساعة وإن كان ظاهر كلام المشايخ يوهم ذلك والحكم تأخر من زمان انعقاد العلة إلى حدوث المنافع ساعة فساعة لأن الحكم قابل للتراخي كما في البيع بشرط الخيار وتمامه فيه فليطالع وبهذا يندفع اعتراض المولى سعدي على الهداية بأنه لا بد أن يتأمل في هذا المقام فإن الانعقاد هو ارتباط القبول بالإيجاب فإذا حصل الارتباط بإقامة الدار مقام المنفعة يتحقق الانعقاد فما معنى الانعقاد ساعة فساعة بعد ذلك تدبر ومن محاسن الإجارة دفع الحاجة بقليل من البدل فإن كل واحد لا يقدر على دار يسكنها وحمام يغتسل فيها وإبل يحمل أثقاله إلى بلد لم يكن يبلغه إلا بمشقة النفس وسببها تعلق البقاء المقدر وشرطها معلومية البدلين وركنها الإيجاب والقبول بلفظين ماضيين من الألفاظ الموضوعة لعقد الإجارة مثل أن يقول أعرتك هذه الدار شهرا بكذا أو وهبتك منافعها
وتنعقد بالتعاطي كالبيع وشرطها ما تقدم من كون الأجرة والمنفعة معلومتين وحكما وقوع الملك في البدلين ساعة فساعة كما مر
وفي المنح ولا تنعقد الإجارة الطويلة بالتعاطي لأن الأجرة غير معلومة قد يجعلون لكل سنة دانقا وقد يجعلون فلوسا وفي غير الطويلة الإجارة تنعقد بالتعاطي
____________________
(3/512)
كذا في الخلاصة قلت مفاد كلامه أن الأجرة إذا كانت معلومة في الإجارة الطويلة تنعقد بالتعاطي انتهى
وما صلح ثمنا في البيع صلح أجرة في الإجارة لأن الأجرة بثمن المنفعة فيعتبر بثمن المبيع ومراده من الثمن ما كان بدلا عن شيء فدخل فيه الأعيان فإن العين يصلح بدلا في المقايضة فتصلح أجرة وفيه إشارة إلى أنها لو كانت الأجرة دراهم انصرفت إلى غالب نقد البلد فإن كانت الغلبة مختلفة فالإجارة فاسدة ما لم يبين نقدا منها فإن بين جاز وإلى أنها لو كانت كيليا أو وزنيا أو عدديا متقاربا فالشرط فيه بيان القدر والصفة قوله وما صلح ثمنا صلح أجرة لا ينافي العكس حتى صلح أجرة ما لا يصلح ثمنا كالمنفعة فإنها لا تصلح ثمنا وتصلح أجرة إذا كانت مختلفة الجنس كاستئجار سكنى الدار بزراعة الأرض وإن اتحد جنسهما لا
وتفسد الإجارة بالشروط كالبيع ويثبت فيها أي في الإجارة خيار الشرط كما يثبت في البيع
و خيار الرؤية خلافا للشافعي فيهما
و خيار العيب سواء كان حاصلا قبل العقد أو بعده وتقال الإجارة وتفسخ كما في البيع كما سيأتي ولما ذكر في التعريف معلومية المنفعة احتاج إلى ما به تكون معلومة فقال والمنفعة تعلم تارة ببيان المدة كالسكنى أي كإجارة الدار للسكنى والزراعة أي كأجرة الأرض للزراعة فتصح إجارتها مدة معلومة أي مدة كانت لأن المدة إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة فيها معلوما إذا كانت المنفعة لا تتفاوت فأفاد أنها تجوز ولو كانت المدة لا يعيش أحد العاقدين إلى مثلها عادة واختاره الخصاف لأن العبرة للفظ وإنه يقتضي التوقيف كما لو تزوج امرأة إلى مائة سنة فإنه توقيت فيكون متعة ومنعه بعضهم لأن الغالب كالمتيقن في حق الأحكام فصارت الإجارة مؤبدة معنى والتأبيد يبطلها فأفاد أنها تجوز مضافة كما لو قال آجرتك هذه الدار غدا وللمؤجر بيعها اليوم وتنتقض الإجارة كما في الخلاصة
وفي الخانية ولو كانت الإجارة إلى الغد ثم باع من غيره فيه روايتان في رواية ليس للآجر أن يبيع قبل مجيء الوقت
وفي رواية جاز والفتوى على أنه يجوز البيع وتبطل الإجارة المضافة وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني وتمامه في المنح فليطالع وعند الشافعي في أحد قوليه لا تجوز أكثر من سنة
وفي الوقف يتبع شرط الواقف لأنه
____________________
(3/513)
كنص الشارع في وجوب الاتباع فإن لم يشترط الواقف في إجارته مدة بل سكت عنها فالفتوى أن لا يزاد في إجارة الأراضي على ثلاث سنين وفي إجارة غيرها أي غير الأراضي أن لا يزاد على سنة واحدة كي لا يدعي المستأجر ملكها وهو المختار كما في الهداية وقد أفتى الصدر الشهيد بعدم الزيادة على ثلاث سنين في الضياع وعلى سنة واحدة في غيرها إلا إذا كانت المصلحة في غيره
وفي المحيط وهو المختار للفتوى فلو آجرها المتولي أكثر مما ذكر لم تصح وقيل تصح وتفسخ وهذه المسألة وما قبلها ذكرت في الوقف فما الفائدة في تكرارها والحيلة في الزيادة أن يعقد عقودا متفرقة كل عقد على سنة ويكتب في الكتاب أن فلان بن فلان استأجر الوقف كذا وكذا سنة بكذا فيكون العقد الأول لازما والباقي غير لازم لأنه مضاف فلمتولي الوقف أن يفسخ الإجارة في العقود الغير اللازمة إذا خاف بطلان الوقف لعلة مذكورة بخلاف ما إذا كانت الإجارة طويلة بعقد واحد فإنها لازمة في الكل كما في الخانية وغيرها فعلى هذا يندفع اعتراض صدر الشريعة من أن علة عدم الجواز إذا كانت هذا المعنى أي دعوى الملك بمرور الزمان لا تصح الإجارة الطويلة بعقود مختلفة كما جوزها البعض تجاوز الله تعالى عنهم انتهى وذكر صدر الإسلام أن الحيلة في الزيادة أن يرفع إلى الحاكم حتى يجيزه واعلم أن إجارة الوقف لا تجوز إلا بأجر المثل لو أكثر ولو آجر الناظر بدون أجر المثل لا تصح الإجارة ويلزم المستأجر تمام أجر المثل
وفي البحر متولي أرض الوقف آجرها بغير أجر المثل يلزم مستأجرها تمام أجر المثل عند بعض علمائنا وعليه الفتوى قيل إن استأجر دار الوقف بمدة طويلة إن كان السعر بحالها حيث لم يزد ولم ينقص يجوز وإن غلا أجر مثلها يفسخ العقد ويجدد ثانيا وكذا إذا استأجرها إلى سنة فغلا السعر بعد مضي نصف السنة يفسخ العقد ويجب المسمى ويجدد ثانيا فيما بقي بخلاف الكرم المستأجر ليأكل ثمرته في رأس السنة
و المنفعة تارة تعلم بذكر العمل كصبغ الثوب وخياطته أي خياطة الثوب وفيه إشارة إلى أنه لا بد أن يعين الثوب الذي يصبغ ولون الصبغ بأنه أحمر أو نحوه وقدر الصبغ إذا كان مما يختلف وجنس الخياطة والمخيط وحمل قدر معلوم على دابة مسافة معلومة لما في البحر من أن
____________________
(3/514)
استئجار الدابة للركوب لا بد فيه من بيان الوقت والموضع حتى لو خلا عنهما فهي فاسدة وبه يعلم فساد إجارة دواب العلافين الواقعة في زماننا لعدم بيان الوقت والموضع
و المنفعة تارة تعلم بالإشارة كنقل هذا الطعام مثلا إلى موضع كذا لأنه إذا عرف ما ينقله مع موضع ينتهي إليه صار معلوما
والأجرة في الإجارة لا تستحق بالعقد أي بنفس العقد فلا يجب تسليمها عينا كان أو دينا عندنا لأن حكم العقد يظهر عند وجود المنفعة وهي معدومة عند العقد ولذا يقام العين مقام المنفعة في حق إضافة العقد إلى المنفعة كما يقام السفر مقام المشقة فتجب الأجرة مؤجلا موقتا على تحقق أحد الأمور الآتي ذكرها
وعن هذا وقال بل تستحق بالتعجيل هو أو بشرطه أي بشرط التعجيل لأن امتناع ثبوت الملك بنفس العتق لتحقق المساواة فإذا عجل أو شرط التعجيل فقد أبطل المساواة التي هي حقه بخلاف الإجارة المضافة بشرط تعجيل الأجرة فإن الشرط باطل لامتناع ثبوت الملك من التبدل للتصريح بالإضافة إلى وقت في المستقبل والمضاف إلى وقت لا يكون موجودا قبله ولا يتغير هذا المعنى أو باستيفاء المعقود عليه لتحقق المساواة بينهما إذ العقد عقد معاوضة أو التمكن منه أي من استيفاء النفع إقامة للتمكن من الشيء مقام ذلك الشيء هذا إذا كانت الإجارة صحيحة فأما إذا كانت فاسدة لا يجب شيء بمجرد التمكن من استيفاء المنفعة إلا بحقيقة الانتفاع ثم فرع على هذا بقوله
فتجب الأجرة لو قبض المستأجر الدار ولم يسكنها أي الدار حتى مضت المدة لأن تسليم نفس المنفعة لما لم يكن أقيم تسليم محلها مقامها إذ التمكن من الانتفاع يثبت به
وفي النوازل إذا استأجر دابة إلى مكة فلم يركبها إن كان بغير علة في الدابة فعليه الأجر وإن كان لعلة فيها فلا أجر
وتسقط الأجرة بالغصب إلا إذا أمكن إخراج الغاصب من الدار بشفاعة وحماية كما في التنوير بقدر فوت التمكن يعني إذا غصب
____________________
(3/515)
الدار المستأجرة غاصب من يد المستأجر في جميع المدة سقطت الأجرة وإن غصب في بعضها سقطت بقدر ذلك وأشار بقوله تسقط الأجرة إلى أن العقد ينفسخ بالغصب كما في الهداية خلافا لقاضي خان فإنه قال لا تنفسخ وإطلاقه شامل للعقار وغيره ومراده من الغصب ههنا الحيلولة بين المستأجر والعين لا حقيقته إذ الغصب لا يجري في العقار عندنا قال صاحب المنح ولو أنكر المؤجر الغصب وأعاده المستأجر ولا بينة له على دعواه بحكم الحال فإن كان المستأجر هو الساكن في الدار حال المنازعة فالقول للمؤجر وإن كان فيها غير المستأجر فالقول للمستأجر ولا أجرة عليه كمسألة الطاحونة وفي تنويره ولو سلمه أي سلم الآجر المستأجر العين المؤجرة بعد مضي بعض المدة فليس لأحدهما الامتناع من ذلك إذا لم يكن في مدة الإجارة وقت يرغب في العين المؤجرة لأجل ذلك الوقت فإن كان فيها وقت كذلك أي يرغب فيها في وقت معين دون وقت كما في بيوت مكة ومنى خير في قبض الباقي وفي السراجية وغيرها إذا سكن دارا معدة للغلة أو زرع أرضا معدة للاستغلال من غير إجارة تجب الأجرة وعليه الفتوى
وفي القنية تسليم المفتاح في المصر مع التخلية بينه وبين الدار تسليم للدار حتى تجب الأجرة بمضي المدة وإن لم يسكن وتسليم المفتاح في السواد ليس بتسليم الدار وإن حضر المصر والمفتاح في يده
ولرب الدار والأرض طلب الأجر لكل يوم ولرب الدابة لكل مرحلة لأن العقد في حق المنفعة ينعقد شيئا فشيئا وكان ينبغي أن يجب تسليمه ولو خطوة أو سكن ساعة إلا أنا جوزنا استحسانا وقدرنا بيوم ومرحلة لأن هذا يفضي إلى الحرج إلا إذا بين زمان الطلب عند العقد فيوقف المؤجر إلى ذلك الوقت لكونه بمنزلة التأجيل
وقال زفر ليس لهم ذلك إلا بعد انقضاء المدة وانتهاء السفر كما قال الإمام أولا
وللقصار والخياط بعد الفراغ من عمله إذ قبله لا ينتفع بالبعض فلا استحقاق للأجر
____________________
(3/516)
وإن وصلية عمل في بيت المستأجر على ما في الهداية والتجريد
وفي المبسوط والذخيرة وقاضي خان والتمرتاشي والفوائد الظهيرية إذا خاط البعض في بيت المستأجر يجب الأجر له بحسابه كما إذا سرق الثوب في بيت المستأجر يستحق الأجر بحسابه واستشهد في الأصل بما استأجر إنسانا ليبني له حائطا فبنى بعضه ثم انهدم فله أجر ما بنى
وفي التنوير ثوب خاطه الخياط بأجر ففتقه رجل قبل أن يقبضه رب الثوب فلا أجر له ولا يجبر على الإعادة وإن كان الخياط هو الفاتق للثوب فعليه الإعادة كأنه لم يعمل
وللخباز طلب الأجر بعد إخراج الخبز من التنور لأن تمام العمل بالإخراج وفي إطلاقه إشارة إلى أنه يستحق الأجر بإخراج البعض بقدره لأن العمل في ذلك القدر صار مسلما إلى صاحب الدقيق فإن احترق الخبز قبل الإخراج من التنور سقط الأجر سواء كان في بيت المستأجر أو في بيت الأجير لأنه هلك قبل التسليم فعليه الضمان في قول أصحابنا جميعا لأن هذا جناية يده بتقصيره في القلع من التنور فإن ضمنه قيمته مخبوزا أعطاه الأجر وإن ضمنه دقيقا لم يكن له أجر كما في الغاية وغيرها وبهذا ظهر لك أن قول الوقاية فإن احترق بعدما أخرجه فله الأجر وقبله لا ولا غرم فيهما
وقول صدر الشريعة أي في الاحتراق قبل الإخراج وبعد الإخراج غير موافق للمنقول عن الأئمة الفحول كما في الدرر لكن يمكن التوفيق بين كلام صاحب الوقاية وصاحب الغاية بأن المراد بالاحتراق في الوقاية ما لا يكون بصنعه وفي الغاية ما يكون بصنعه كما يدل عليه قوله بالإجماع وأما ما قيل من أنه لا ضمان في الفصلين على الخباز لأن الجناية غير واقعة منه فيهما هذا على ظاهر الرواية عن الإمام كما قيل في الهداية لأنه لم يوجد منه الجناية فصاحب الوقاية اختار ما اختاره صاحب الهداية فليس بسديد لأن قول صاحب الهداية لا ضمان عليه متعلق بقوله فإن أخرجه ثم احترق من غير فعله فقط لا فيما إذا احترق قبله تتبع
وعن هذا قال وإن احترق من غير فعله بعده أي بعد الإخراج فلا يسقط إن كان يخبز في بيت المستأجر لأنه بمجرد الإخراج صار مسلما إليه في منزل
____________________
(3/517)
المستأجر فاستحق الأجر بوضعه فيه وفيه إشارة بأن من كان يخبز في منزل نفسه لا يستحق الأجر بالإخراج بل بالتسليم الحقيقي ولا ضمان فيهما عند الإمام وقالا إن شاء المستأجر ضمنه مثل دقيقه ولا أجر وإن شاء ضمنه الخبز وله الأجر ويجب عليه ضمان الحطب والملح
وفي النهاية هذا الذي ذكر من الاختلاف اختيار القدوري وأما عند غيره فهو مجرى على عمومه فإنه لا ضمان بالاتفاق أما عند الإمام فلأنه لم يهلك من عمله وأما عندهما فلأنه هلك بعد التسليم
وقال القدوري يضمن عندهما مثل دقيقه لأنه مضمون عليه فلا يبرأ إلا بعد حقيقة التسليم
وللطباخ للوليمة طلب الأجر بعد الغرف أي بعد وضع الطعام في القصاع اعتبارا للعرف وإنما قيد الوليمة لأنه لو كان لأهل بيته فلا عرف عليه كما في الجوهرة فإن أفسد الطباخ أو أحرقه أو لم ينضجه فهو ضامن للطعام وإذا دخل الخباز أو الطباخ البيت بنار ليخبز بها أو يطبخ بها فوقعت منه شرارة فاحترق بها البيت فلا ضمان عليه
ولضارب اللبن على وزن الكلم أي للذي يتخذ اللبن من الطين طلب الأجرة بعد إقامته أي إقامة اللبن عن محله عند الإمام حتى لو فسد بالمطر قبلها فلا أجر له وقالا بعد تشريحه وهو جعل بعض على بعض حتى لو فسد بعد الإقامة قبل النقل فلا أجر له إذ لا يؤمن الفساد قبله وله أن الفراغ هو الإقامة والتشريج عمل زائد كالنقل إلى موضع العمارة بخلاف ما قبل الإقامة لأنه طين منتشر هذا إذا لبن في أرض المستأجر وإن لبن في أرض نفسه لا يستحق حتى يسلمه وذلك بالعد بعد الإقامة عنده وعندهما بالعد بعد التشريج قيل الفتوى على قولهما والعرف في ديارنا على ما قاله الإمام
____________________
(3/518)
ومن كان لعمله أثر في العين كصباغ يظهر لونا في الثوب وقصار يقصر بالنشا والبيض هذا في ديار الشام ليظهر البياض المستور وكذا حكم قصار يقصر بالماء الصافي والرماد كما في ديارنا كما في شرح الوقاية لابن الشيخ فله أي للمستأجر حبسها أي العين للأجر أي لأجل الأجرة حتى يستوفيها
وقال زفر ليس له ذلك لأن المعقود عليه صار مسلما إلى صاحب العين باتصاله بملكه فيسقط حق الحبس به
ولنا أن اتصال العمل بالمحل ضرورة إقامة العمل فلم يكن راضيا بهذا الاتصال من حيث إنه تسليم بل رضاه في تحقيق عمل الصبغ ونحوه من الأثر في المحل إذ لا وجود للعمل إلا به وكان مضطرا إليه والرضى لا يثبت مع الاضطرار هذا إذا كان حالا أما إذا كان مؤجلا فلا يملك حبسها
وفي الخلاصة هذا إذا عمل في دكانه وأما إذا عمل في بيت المستأجر فليس له حق الحبس فإن حبسها للأجر فضاعت العين بلا تعد منه فلا ضمان عليه لكونه أمانة في يده كما كان قبل الحبس ولا أجر له إذا هلك المعقود عليه قبل التسليم هذا عند الإمام وقالا إن شاء المالك ضمنه مصبوغا وله الأجر لأن العمل صار مسلما إليه تقديرا لوصول قيمته إليه فصار كما لو صار مسلما حقيقة أو غير مصبوغ ولا أجر له لأن العمل لم يصر مسلما إليه
ومن لا أثر لعمله فيها أي في العين كالحمال والملاح وغاسل الثوب ليس له أي للعامل حبسها أي العين لأن المعقود عليه نفس العمل وهو عرض ولا له أثر يقوم مقامها فلا يتصور حبسه ولو حبسها ضمن ضمان الغصب وصاحبها بالخيار إن شاء ضمن المستأجر قيمتها مقبولة وله الأجر وإن شاء غير محمولة ولا أجر بخلاف راد الآبق فإنه يحبسه على الجعل وإن لم يكن لعمله أثر لأنه كان على شرف الزوال والهلاك فأحياه بالرد فكأنه باعه فكان له حق الحبس وإذا أطلق المستأجر العمل للصانع ولم يقيد بعمله فله أن يستعمل غيره كما إذا أمر أن يخيط هذا
____________________
(3/519)
الثوب بدرهم فاللازم عليه العمل سواء أوفاه بنفسه أو باستعانة غيره كالمأمور بقضاء الدين وقوله على أن يعمل إطلاق لا تقييد فله أن يستأجر غيره
وإن قيده بعمله بنفسه بأن قال خطه بيدك فلا أي فليس له أن يستعمل غيره ولو غلامه أو أجيره لأن عمله يكون هو المعقود عليه وإلا فيضمن
ومن استأجره رجل ليجيء بعياله من موضع فوجد بعضهم أي بعض العيال قد مات فأتى بمن بقي من العيال فله أي للأجير أجره بحسابه لأنه أوفى بعض المعقود عليه فيستحق الأجر بحسابه قال الفقيه أبو جعفر الهندواني هذا إذا كان عياله معلومين حتى يكون الأجر مقابلا بجملتهم وإن كان غير معلومين يجب الأجر كله كما في التبيين فعلى هذا لو قيد المصنف بقوله لو كانوا معلومين وإلا فكله لكان أولى وفي الخلاصة فإن لم يكونوا معلومين فالإجارة فاسدة
وإن استؤجر لإيصال طعام إلى زيد فوجده ميتا أو لم يجده فرده أي الطعام فلا أجر له لأنه نقض المعقود عليه وهو حمل الطعام وإيصاله إليه
وقال زفر له الأجر لأنه بمقابلة الحمل إلى البصرة وقد أوفى به وجنى في رده فلا يسقط بجنايته حقه من أجرته
وكذا لو استأجر لإيصال كتاب إليه أي إلى زيد فرده أي الكتاب لموته أي زيد أو غيبته فلا شيء له عند الشيخين وقال محمد له أجر ذهابه هنا أي له الأجر للذهاب في نقل الكتاب لأنه أوفى بعض المعقود عليه وهو قطع المسافة لأن الأجر مقابل لما فيه من المشقة دون حمل الكتاب لخفة مؤنته ولهما أن المعقود عليه نقل الكتاب لأنه هو المقصود أو وسيلة إليه وهو العلم بما في الكتاب لكن الحكم متعلق به وقد نقضه فسقط الأجر هذا موافق لما في الهداية وشروحها ومخالف لما في المجمع وشرحه حيث صرح بأن أبا يوسف مع محمد لا مع الإمام لكن يمكن الحمل على اختلاف الروايتين
ولو تركه أي الكتاب هناك للورثة وكذا إذا دفع إلى وصيه فله أجر الذهاب إجماعا لأنه أتى بأقصى ما في وسعه وهذا إذا شرط المجيء وإلا وجب كل الأجرة لو ترك الكتاب ثمة كما في القهستاني وفيه إشارة إلى أنه لو وجده ولم يوصله إليه لم يجب له
____________________
(3/520)
شيء من الأجر لانتفاء المعقود عليه وهو الإيصال
باب ما يجوز من الإجارة وما لا يجوز لما فرغ من ذكر الإجارة وشروطها ووقت استحقاق الأجر ذكر هنا ما يجوز من الإجارة وما لا يجوز وصح استئجار الدار والحانوت وإن وصلية لم يذكر ما يعمل فيه أي في كل واحد منهما استحسانا لأن العمل المتعارف في كل واحد منهما السكنى فينصرف العقد المطلق إليه والقياس أن لا يجوز للجهالة كالأرض والثياب فإنهما مختلفان باختلاف العامل والعمل فلا بد من البيان وله أي للمستأجر أن يعمل كل شيء من العمل لأنها لا تختلف باختلاف المستعمل فله الوضوء والاغتسال وغسل الثياب وكسر الحطب المعتاد والاستئجار بحائطه والدق المعتاد اليسير وأن يدق فيه وتدا ويربط الدواب في موضع معتاد له ويسكنها من أحب سواء كان بإجارة أو غيرها وليس للأجير أن يدخل دابته الدار المستأجرة بعدما سكن
____________________
(3/521)
المستأجر وفيه إشارة إلى أنه لو قال عند العقد استأجرت هذه الدار للسكنى ليس له أن يعمل فيها غير السكنى كما في القهستاني سوى ما يوهن البناء كالحدادة والقصارة والطحن من غير رضى المالك أو اشتراطه ذلك في عقد الإجارة لأن هذه الأشياء توهن البناء والمراد رحى الثور والماء لا رحى اليد فإنه لا يمنع من النصب فيه ولو انهدم البناء بهذه الأشياء وجب عليه الضمان لأنه متعد فيها ولا أجر عليه لأن الضمان والأجر لا يجتمعان وإن لم ينهدم وجب عليه الأجر استحسانا والقياس أن لا يجب ولو اختلفا في اشتراط ذلك كان القول للمؤجر لأنه لو أنكر الإجارة كان القول له فكذا إذا أنكر نوعا من الانتفاع ولو أقاما البينة كانت بينة المستأجر أولا لأنها تثبت الزيادة
و صح استئجار الأرض للزرع إن بين المستأجر ما يزرع لجريان العادة باستئجارها للزراعة من غير نكير فانعقد الإجماع عليها غير أن ما يزرع فيها يتفاوت فلا بد من بيانه أو قال على أن يزرع فيها ما شاء كي لا يفضي إلى المنازعة ولم يبين ما يزرع فيها أو لم يقل على أن يزرع فيها ما يشاء فسدت الإجارة للجهالة ولو زرعها بعد ذلك لا تعود صحيحة في القياس كما إذا اشترى بخمر أو خنزير
وفي الاستحسان يجب المسمى وينقلب العقد صحيحا وللمستأجر الشرب والطريق بخلاف البيع
وفي القنية استأجر أرضا سنة على أن يزرع فيها ما شاء فله أن يزرع زرعين ربيعيا وخريفيا
وفي التنوير آجرها وهي مشغولة بزرع غيره إن كان الزرع بحق لا تجوز ما لم يستحصد إلا أن يؤجرها مضافة إلى المستقبل وإن بغير حق صحت
و صح استئجار الأرض للبناء والغرس أي غرس الأشجار لأن كل واحد منهما نفع مقصود بالإجارة وإذا انقضت المدة أي مدة الإجارة طويلة كانت أو غير طويلة لزمه أي المستأجر أن يقلعهما أي البناء والغرس ويسلمها أي الأرض حال كونها فارغة عنهما لأنه ليس لهما نهاية معلومة حتى يتركا إليها وفي تركها على الدوام ضرر
____________________
(3/522)
لصاحب الأرض سواء كان بأجر أو بغيره فوجب القلع
وفي القنية استأجر أرضا وقفا وغرس فيها وبنى ثم مضت مدة الإجارة فللمستأجر أن يستبقيها بأجر المثل إن لم يكن في ذلك ضرر ولو أبى الموقوف عليهم القلع ليس لهم ذلك انتهى
وفي البحر وبهذا تعلم مسألة الأرض المحتكرة إلا أن يغرم للمستأجر المؤجر وهو صاحب الأرض قيمة ذلك أي البناء والغرس مقلوعا لأن في ذلك نظرا لهما برضى صاحبه أي صاحب البناء أو الغرس إن لم تنقص الأرض بالقلع
وإن كانت الأرض تنقص بقلعه أي البناء أو الغرس فبدون رضاه أي يغرم المؤجر قيمته مقلوعا ويتملكه بدون رضى صاحبه أيضا أي كما يغرم برضاه إن كانت تنقص بقلعه ومعرفة قيمة ذلك أن يقوم الأرض بدون البناء والشجر ويقوم وفيها بناء وشجر ولصاحب الأرض أن يقلعه فيضمن فضل ما بينهما أو يرضيا عطف على أن يغرم أي إلا أن يرضى المؤجر والمستأجر لكن رضى المؤجر يكفي فلا حاجة إلى رضى المستأجر لما قالوا في تعليله لأن الحق له فإذا رضي باستمراره على ما كان بأجر أو بغيره كان له ذلك تأمل بتركه أي بترك كل واحد من البناء والغرس على الأرض فيكون البناء والغرس لهذا أي للمؤجر والأرض لهذا أي للمؤجر الذي هو صاحب الأرض والرطبة في الأرض المستأجرة وكذا الكراث ونحوهما كالشجر في القطع إذا انقضت المدة إذ ليس لانتهائهما مدة معلومة والزرع يترك على الأرض بأجر المثل إلى أن يدرك لأن له نهاية معلومة فيوجد في التأخير مراعاة للحقين بخلاف موت أحدهما قبل إدراكه فإنه يترك بالمسمى على حاله إلى الحصاد وإن انفسخت الإجارة لأن إبقاءه على ما كان عليه أولى ما دامت المدة باقية ويلحق بالمستأجر المستعير فيترك إلى إدراكه بأجرة المثل كما في المنح وأما الغاصب فيؤمر بالقلع مطلقا
و صح استئجار الدابة للركوب والحمل و استئجار الثوب للبس لجريان العادة
____________________
(3/523)
بذلك فإن أطلق المؤجر للمستأجر الركوب أو اللبس بمعنى أن يقول على أن يركبها من شاء ويلبس الثوب من شاء فله أي للمستأجر أن يركب من شاء ويلبس من شاء لأنه يختلف باختلاف الراكب واللابس فلا يجوز إلا بالتعيين أو بأن يشترط أن يفعل ما شاء
وفي التبيين ولو لم يبين ولم يقل أن يفعل فيها ما شاء فسدت الإجارة للحاجة فإذا ركب الدابة أو لبس الثوب هو أي المستأجر نفسه أو أركب المستأجر الدابة أو ألبس الثوب غيره تعين مرادا من الأصل فلا يستعمله غيره فصار كالنص عليه ابتداء
وفي البحر وإذا تكارى قوم مشاة إبلا على أن المكاري يحمل عليه من مرض منهم أو من عي منهم فهو فاسد وإن قيد المؤجر براكب معين أو لابس معين فخالف ضمن المستأجر إذا هلكت الدابة أو الثوب لأن الناس يتفاوتون في العلم بالركوب واللبس ولا أجر عليه وإن سلم لأنه مع الضمان ممتنع
وكذا كل ما يختلف باختلاف المستعمل في كونه يضمن إذا هلك مع المخالفة والتقييد وما لا يختلف به أي باختلاف المستعمل فتقييده أي تقييد المؤجر بشخص معين هدر فلو شرط المؤجر سكنى واحد بعينه في إجارة الدار جاز للمستأجر أن يسكن غيره لأن الشرط ليس بمفيد لعدم التفاوت في السكنى وما يضر بالبناء كالحدادة والقصارة فهو خارج بدلالة العادة والفسطاط كالدار عند محمد وعند أبي يوسف هو كاللبس لاختلاف الناس في ضربه ونصب أوتاده واختيار مكانه
وإن سمى ما يحمل على الدابة نوعا وقدرا ككر بر يحمله على الدابة التي استأجرها فله أي للمستأجر حمل مثله أو ما أخف منه في الضرر كالشعير والسمسم لا أي ليس له أن يحمل عليها ما هو أضر منه كالملح لأن الأصل أن
____________________
(3/524)
من استحق منفعة مقدرة بالعقد فاستوفى أكثر منها لم يجز فله أن يحمل كر حنطة لغيره لو استأجرها بحمل كر حنطة لأنه مثله وله حمل كر شعير لأنه دونه والقياس أن يضمنه بالحمل عليها خلاف الجنس كيف ما كان للمخالفة وجه الاستحسان أن التقيد إنما يعتبر إذا كان مفيدا ولا فائدة هنا وفيه إشارة بأن سمى مقدارا من الحنطة وزنا فحمل مثل ذلك الوزن من الشعير أو القطن يضمن لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر من البر كما في شرح الكنز لكن ذكر في الذخيرة في هذا أيضا عدم الضمان
وقال شيخ الإسلام أنه لا يضمن استحسانا وهو الأصح لأن ضرر الشعير أو القطن مثل ضرر الحنطة في حق الدابة عند استوائهما وزنا وبه يفتي الصدر الشهيد كما في النهاية
وإن سمى قدرا من القطن فليس له أن يحمل مثل وزنه حديدا لأنه يجتمع في مكان واحد من ظهرها فيضرها أكثر
وإن زاد على ما سمى فعطبت الدابة ضمن قدر الزيادة إن كانت تطيق ما حملها لأنها عطبت بما هو مأذون فيه وغير مأذون فيه والسبب الثقل فانقسم عليهما حتى لو كان المأذون مائة من وزاد عليه عشرين منا يضمن سدس الدابة وأشار بالزيادة إلى أنها من جنس المسمى فلو حمل جنسا آخر غير المسمى وجب جميع القيمة وإلى أنه حمل الزيادة مع المسمى معا فلو حمل المسمى وحده ثم حمل الزيادة وحدها فهلكت ضمن جميع القيمة كما في البحر وإلا أي وإن لم تطق ما حملها فكل القيمة لعدم الإذن فيه هذا إذا حملها المستأجر أما إذا حملها صاحبها بيده فلا ضمان على المستأجر وإن حملا معا وجب النصف على المستأجر ولو حمل كل واحد جوالقا وحده لا ضمان على المستأجر ويجعل حمل المستأجر ما كان مستحقا بالعقد ولم يتعرض المصنف للأجر إذا هلك
وفي العناية إن عليه الكراء لا يقال كيف اجتمع الأجر والضمان لأنا نقول الأجر في مقابلة الحمل المسمى والضمان في مقابلة الزائد
وفي البحر ولم يتعرض للأجر إذا سلمت
____________________
(3/525)
ولم أره صريحا والقواعد تقتضي أن يجب المسمى فقط أما إذا حمله الحمال بنفسه وحده فلا كلام وأما إذا حمله المستأجر زائدا على المسمى فمنافع الغصب لا تضمن عندنا ومن هنا يعلم حكم المكاري في طريق مكة وإن كان لا يحمل المستأجر الزيادة على المسمى إلا برضى صاحب الدابة ولهذا قالوا ينبغي أن يرى المكاري جميع ما يحمله انتهى وفي الإرداف يضمن النصف أي المستأجر إذا استأجر الدابة ليركبها فأردف معه رجلا فعطبت يضمن المستأجر نصف قيمتها ولا عبرة بالثقل لأن ركوب العالم بالفروسية لا يضر وإن ثقل وركوب غير العالم أضر وإن خف هذا إذا كانت الدابة تطيق حمل الاثنين وإن لم تطق حملهما يضمن كل القيمة وقالوا هذا إذا كان الرديف يستمسك بنفسه وإن كان صغيرا لا يستمسك يضمن بقدر ثقله وقيد بالإرداف لأنه إذا حمله على عاتقه فإنه يضمن جميع القيمة ثم للمالك الخيار إن شاء ضمن الرديف وإن شاء ضمن الراكب فالراكب لا يرجع بما ضمن والرديف يرجع إن كان مستأجرا وإلا فلا كما في التبيين وغيره
وإن كبحها أي الدابة من كبحت الدابة بلجامها إذا ردها وهو أن يجذبها إلى نفسه لتقف ولا تجري أو ضربها فعطبت أي هلكت ضمن عند الإمام لأنه فعل غير مأذون فيه خلافا لهما أي لا يضمن عندهما وعند الأئمة الثلاثة فيما هو معتاد لأن الضرب في السير معتاد فكان مأذونا فيه بخلاف غير المعتاد
وفي العناية إن ضربه للدابة يكون تعديا موجبا للضمان قيد بالكبح لأن بالسوق لا يضمن اتفاقا
وإن تجاوز بها أي بالدابة مكانا سماه فعطبت ضمن قيمتها لأنه صار غاصبا ولا يبرأ عن الضمان بردها أي الدابة إلى ما سماه أي إلى مكان سماه
وإن وصلية استأجرها ذهابا وإيابا في الأصح
وقال زفر لا يضمن لأنه لما عاد إلى الوفاق برئ عن
____________________
(3/526)
الضمان كالمودع ولنا أن يد المستأجر ليست يد المالك ولا بد من الرد إليه بعد التعدي وبالعود لا يكون رادا لها إليه بخلاف المودع فإن يده يد المالك في الحفظ فإذا عاد المودع إلى الوفاق عاد إلى يد المالك حكما فقوله في الأصح احتراز عما قيل إنما يضمن إذا استأجر ذاهبا فقط لا جائيا لأن الإجارة انتهت إلى ذلك الموضع فيضمن بالتجاوز عنه قال صاحب الهداية الإطلاق أصح وقال صاحب الكافي التقييد أصح
وإن نزع سرج الحمار الذي اكتراه بسرج وأسرجه بما يسرج به مثله فهلكت لا يضمن اتفاقا لأنه إذا كان يماثل الأول تناوله إذن المالك إذ لا فائدة في التقييد بغيره إلا إذا كان زائدا عليه في الوزن فحينئذ يضمن الزيادة كما في الهداية
وإن أسرجه أو أوكفه بما لا يسرج متعلق بقوله أسرجه أو بما لا يوكف به متعلق بقوله أوكفه مثله فهلكت ضمن جميع قيمته لأنه لم يتناوله الإذن من جهته فصار مخالفا
وكذا إن أوكفه بما يوكف به مثله عند الإمام لأن الإكاف يستعمل بغير ما يستعمل له السرج وهو الحمل وأثره يخالف أيضا لأنه لا ينبسط انبساط السرج فكان في حق الدابة خلافا إلى جنس غير المسمى فلم يصر مستوفيا شيئا من المسمى فيضمن الكل قيد بكونه لا يسرج مثله لأنه إذا استأجرها بإكاف فأوكفها بإكاف مثله أو أسرجها مكان الإكاف لا يضمن كما في الخلاصة
وفي البحر لو استأجرها عريانة فأسرجها وركبها ضمن قال مشايخنا إذا استأجرها من بلد إلى بلد لا يضمن وإن استأجرها ليركبها في المصر إن كان المستكري من الأشراف لا يضمن ثم قال
وفي الكافي الضمان مطلقا من غير تفصيل المشايخ وكان هو المذهب لأنه ظاهر الرواية كما لا يخفى انتهى وقالا يضمن قدر ما زاد وزنه على السرج فقط حتى لو كان وزن الإكاف ضعف وزن السرج ضمن نصف قيمتها لانعدام الإذن في قدر الزيادة والجواب قد مر آنفا
وفي العناية ولم يبين مقدار المضمون اتباعا لرواية الجامع الصغير لأنه لم يذكر فيه أنه ضامن بجميع القيمة ولكنه قال هو ضامن وذكر في الإجارات يضمن بقدر ما زاد فمن المشايخ من قال ليس في المسألة روايتان وإنما المطلق محمول على المفسر ومنهم من قال فيها روايتان في رواية الإجارات يضمن ما زاد وفي رواية الجامع يضمن جميع القيمة
وقال شيخ الإسلام وهذا أصح وتكلموا في معنى قولهما يضمن بحسابه وهو إحدى
____________________
(3/527)
الروايتين عن الإمام فمنهم من قال إنه يقدر بالمساحة حتى إذا كان السرج يأخذ من ظهر الدابة قدر شبرين والإكاف قدر أربعة أشبار يضمن نصف قيمتها ومنهم من قال معناه بحسابه في الثقل والخفة حتى إذا كان وزن السرج منوين والإكاف ستة أمناء يضمن ثلثي قيمتها
وإن سلك الحمال طريقا غير ما عينه المالك مما يسلكه الناس فلا ضمان عليه أي على الحمال إن لم يتفاوت الطريقان لأن التقييد غير مفيد عند عدم التفاوت
وإن تفاوتا أي الطريقان بأن كان الطريق المسلوك أعسر أو أبعد أو أخوف من الطريق الآخر أو كان الطريق المسلوك مما لا يسلكه الناس وإن لم يكن بين الطريقين تفاوت كما في شرح الوقاية لابن الشيخ وغيره فعلى هذا ظهر لك عدم فهم من قال إنه لا حاجة إليه لأن تفاوت الطريقين يغني عنه ويمكن دفعه بالتكلف انتهى لأنه لا بد من ذكر هذه المسألة لأنها مستقلة تبع قيد بالتعيين لأنه لو لم يعين لا ضمان
وفي الخلاصة الحمال إذا نزل في مفازة وتهيأ له الانتقال فلم ينتقل حتى فسد المتاع بمطر أو سرقة فهو ضامن إذا كانت السرقة والمطر غالبا أو حمله أي حمل الحمال المتاع في البحر إذا قيدنا بالبر فتلف المتاع في هذه الصور ضمن الحمال لصحة التقييد أما إذا تفاوتا أو لا يسلكه الناس فظاهر وإذا حمله في البحر فلخطر البحر وندرة السلامة أطلقه فشمل ما إذا كان مما يسلك الناس أو لا وقيدنا بكونه قيد بالبر لأنه لو لم يقيد به لا ضمان كما في البحر
وإن بلغ قال الأتقاني السماع بلغ بالتشديد أي إن بلغ الحمال المتاع ذلك الموضع الذي اشترط ويجوز بالتخفيف على إسناد الفعل إلى المتاع أي إذا بلغ إلى ذلك الموضع كما في البحر فله الأجر أي للحمال لحصول المقصود وارتفاع الخلاف معنى فلا يلزم اجتماع الأجر والضمان لأنهما في حالتين كما في شرح الكنز للعيني
وإن عين زرع بر فزرع رطبة أي من استأجر أرضا ليزرعها حنطة فزرعها رطبة ضمن ما نقصت الأرض لأن الرطاب أكثر ضررا بالأرض من البر لانتشار عروقها فيها وكثرة الحاجة إلى سقيها فكان خلافا إلى شر مع اختلاف الجنس فيجب عليه جميع النقصان ولا أجر عليه لأنه لما خالف صار غاصبا فاستوفى
____________________
(3/528)
المنفعة بالغصب فلا يجب الأجر به قال العيني وإن زرع ما هو أقل ضررا من البر لا يجب عليه الضمان ويجب عليه الأجر لأنه خلاف إلى خير فلا يصير به غاصبا وفي المنح ما ذكر ههنا من عدم وجوب الأجر ووجوب ما نقص من الأرض هو مذهب المتقدمين من المشايخ وأما مذهب المتأخرين فيجب أجر المثل على الغاصب إذا كانت الأرض للوقف أو لليتيم أو أعدها صاحبها للاستغلال كالخان ونحوه
وإن أمر بخياطة الثوب قميصا فخاطه قباء خير المالك بين تضمين قيمته أي الثوب وبين أخذ القباء ودفع أجر مثله لأنه لما كان يشبه القميص من وجه لأن الأتراك يستعملونه استعمال القميص كان موافقا من وجه مخالفا من وجه فإن شاء مال إلى جانب الوفاق وأخذ الثوب وإن شاء مال إلى جانب الخلاف وضمنه القيمة وإنما وجب أجر المثل دون المسمى لأن صاحبه إنما رضي بالمسمى عند حصول المقصود من كل وجه ولم يحصل لا يزاد على ما سمى كما هو الحكم في سائر الإجارات الفاسدة
وفي البحر أطلقه فشمل ما إذا كان يستعمل استعمال القميص وما إذا شقه وجعل قباء خلافا للإسبيجابي في الثاني حيث أوجب فيه الضمان من غير خيار وعن الإمام أنه لا خيار لرب الثوب في الكل بل يضمنه قيمة الثوب وكذا خير المالك لو أمر بقباء فخاط سراويل في الأصح للاتحاد في أصل المنفعة وصار كمن أمر بضرب طست من شبه فضرب منه كوزا فإنه يخير فكذا ههنا وقيل يضمنه هنا بلا خيار للتفاوت في المنفعة
____________________
(3/529)
530 باب الإجارة الفاسدة وجه التأخير عن الصحيحة ظاهر يجب فيها أي في الإجارة الفاسدة أجر المثل لا تزاد على المسمى المعلوم عندنا
وعند زفر والأئمة الثلاثة يجب الأجر بالغا ما بلغ اعتبارا ببيع الأعيان ولنا أن المنافع غير متقومة بنفسها بل بالعقد ضرورة لحاجة الناس وقد أسقط المتعاقدان بالتسمية الزيادة فيه وإذا نقص أجر المثل لا تجب زيادة المسمى لفساد التسمية بخلاف البيع لأن تقوم الأعيان ليس بضروري فالحاصل أن المسمى إن كان مساويا لأجر المثل أو زاد عليه فأجر المثل وإن كان أقل منه فالمسمى كما في القهستاني هذا إذا لم يكن الفساد لجهالة المسمى أو لعدم التسمية فإن كان لجهالة المسمى أو لعدم التسمية يجب أجر مثله بالغا ما بلغ وكذا إذا كان بعضه معلوما وبعضه غير معلوم مثل أن يسمي دابة أو ثوبا أو يستأجر الدار أو الحمام على أجرة معلومة بشرط أن يعمرها أو يرمها وقالوا إذا استأجر دارا على أن لا يسكنها المستأجر فسدت الإجارة ويجب عليه أجر المثل بالغا ما بلغ إن سكنها ومن استأجر دارا كل شهر بكذا صح العقد في شهر واحد فقط وفسد في الباقي لأن كلمة كل للعموم وقد يتعذر العمل بها لأن الشهور لا نهاية لها والواحد معين فيصح فيه وإذا تم الشهر كان لكل منهما فسخ الإجارة لانتهاء العقد الصحيح من غير محضر صاحبه على قول أبي يوسف وبمحضره على قولهما وقيل لا يفسخ إلا بمحضر صاحبه بالاتفاق إلا أن يسمي جملة الشهور أي إلا أن يعين كل الأشهر بأن يقول آجرتها عشرة أشهر كل شهر بدرهم مثلا لأنه حينئذ تعلم المدة فيصح العقد فيها بالإجماع وكل شهر سكن المستأجر منه أي من الشهر ساعة صح فيه أي في ذلك الشهر الذي سكن ساعة لحصول رضاهما بذلك وسقط حق الفسخ أي لا يكون
____________________
(3/530)
للمؤجر إخراجه إلى أن ينقضي ذلك الشهر إلا بعذر لأنه تم العقد به لتراضيهما في أوله وهذا هو القياس وقد مال إليه بعض المتأخرين وظاهر الرواية بقاؤه أي بقاء حق الفسخ في الليلة الأولى ويومها أي لكل واحد منهما الخيار في الليلة الأولى من الشهر الداخل ويومها وبه يفتى كما في أكثر المعتبرات لأن ذلك رأس الشهر وفي اعتبار أول الشهر نوع حرج لتعذر اجتماع المتعاقدين في ساعة رؤية الهلال ولو فسخ في أثناء الشهر لم ينفسخ وقيل ينفسخ إذا خرج الشهر ولو قال في أثناء الشهر فسخت في رأس الشهر ينفسخ إذا أهل الشهر بلا شبهة ولو قدم أجرة شهرين أو ثلاثة وقبض الأجرة لا يكون لواحد منهما الفسخ فيما عجل
وإن آجرها أي الدار سنة بكذا صح وإن وصلية لم يبين قسط كل شهر لأن المنفعة صارت معلومة ببيان المدة والأجرة معلومة فتصح وتقسم الأجرة على الأشهر على السواء ولا يعتبر تفاوت الأسعار باختلاف الزمان وابتداء المدة أي مدة الإجارة ما سمى إن وقعت التسمية بأن يقول من شهر رجب من هذه السنة مثلا وإلا أي إن لم يقع تسميته فوقت العقد هو المعتبر في ابتداء المدة لأن الأوقات كلها سواء في حكم الإجارة وفي مثله يتعين الزمان الذي يلي العقد كالأجل واليمين أن لا يكلم فلانا شهرا هذا إذا كان العقد مطلقا من غير تعيين المدة وإن بين المدة تعين ذلك وهو ظاهر فإن كان عقد الإجارة حين يهل على صيغة المفعول بمعنى يبصر الهلال والمراد من الحين اليوم الأول من الشهر دون ليله كما في اليمين تعتبر السنة كلها بالأهلة لأنها هي الأصل في الشهور قال الله تعالى يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس وإلا أي وإن لم يكن العقد حين يهل الهلال بل كان بعدما مضى من الشهر فبالأيام أي فتعتبر الأيام في الشهور بالعدد وهو أن يعتبر كل شهر ثلاثين يوما هذا عند الإمام لأنه لما تعذر اعتبار الشهر الأول بالأهلة تعذر اعتبار الثاني والثالث أيضا لأن الشهر الأول لما وجب تكميله من الثاني لكونه متصلا به نقص الثاني أيضا فوجب تكميله من الثالث وهكذا إلى آخر المدة وعند محمد الأول أي الشهر الأول بالأيام والباقي بالأهلة لأن الأصل في الشهور اعتبارها بالأهلة عند الإمكان وقد أمكن ذلك في الشهور المتخللة وتعذر بالأول فيكمل بالأيام الشهر الآخر وأبو يوسف معه أي مع محمد في رواية
____________________
(3/531)
ومع الإمام في أخرى وكذا العدة فإن الإيقاع إذا كان حين يهل الهلال تعتبر شهور العدة بالأهلة وهذا بلا خلاف وإذا كان في أثناء الشهر ففي حق تفريق الطلاق يعتبر بالأيام اتفاقا وكذا في حق انقضاء العدة عنده وأما عندهما فيعتبر شهر واحد بالأيام وشهران بالأهلة وذكر في النهاية أن العدة في هذه الصورة تعتبر بالأيام اتفاقا كما في القهستاني ويجوز أخذ الحمامي أجرة الحمام للتوارث والتعارف قال صلى الله عليه وسلم ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن فلا تعتبر جهالة المنفعة في مثل هذا ومن العلماء من كره الحمام لأنه شر بيت بإشارة النبي عليه الصلاة والسلام وكره بعضهم اتخاذه للنساء لأنه قلما يخلو اجتماعهن عن فتنة والصحيح أنه لا بأس باتخاذه للرجال والنساء جميعا للضرورة كما في أكثر المعتبرات
و يجوز أخذ الحجام أجرته لما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم احتجم وأعطى أجرته فكان قوله عليه الصلاة والسلام إن من الحرام السحت كسب الحجام منسوخا بما روي لا يجوز أخذ أجرة عسب التيس هو أن يؤاجر فحلا لينزو على الإناث لقوله عليه الصلاة والسلام إن من السحت عسب التيس بمعنى أخذ أجرة عسب التيس على حذف المضاف والمضاف إليه لأن حقيقة العسب ليس بمكروه لأنه سبب لبقاء النسل ولأن الاستئجار للإحبال والإنزاء وهو أمر موهوم غير معلوم
ولا يجوز أخذ الأجرة عند المتقدمين على الطاعات
____________________
(3/532)
وفي شرح الوافي والمذهب عندنا أن كل طاعة يختص بها المسلم فالاستئجار عليها باطل كالأذان والحج والإمامة والتذكير والتدريس والغزو وتعليم القرآن والفقه وقراءتهما لأن القربة تقع على العامل ولقوله عليه الصلاة والسلام اقرءوا القرآن أي علموا ولا تأكلوا به بخلاف بناء المساجد وأداء الزكاة وكتابة المصحف والفقه وتعليم الكتابة والنجوم والطب والتعبير والعلوم الأدبية فإن أخذ الأجرة في الجميع جائز بالاتفاق
وقال الشافعي يجوز في كل ما لا يتعين على الأجير وعند مالك يجوز على الإمامة إذا جمعها مع الأذان أو المعاصي أي لا يجوز أخذ الأجرة على المعاصي كالغناء والنوح والملاهي لأن المعصية لا يتصور استحقاقها بالعقد فلا يجب عليه الأجر وإن أعطاه الأجر وقبضه لا يحل له ويجب عليه رده على صاحبه
وفي المحيط إذا أخذ المال من غير شرط يباح له لأنه عن طوع من غير عقد
وفي شرح الكافي لا يجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح والمزامير والطبل أو شيء من اللهو ولا على قراءة الشعر ولا أجر في ذلك
وفي الولوالجي رجل استأجر رجلا ليضرب له الطبل إن كان للهو لا يجوز وإن كان للغزو أو القافلة أو العرس يجوز لأنه مباح فيها ويفتى اليوم بالجواز أي بجواز أخذ الأجرة على الإمامة وتعليم القرآن والفقه والأذان كما في عامة المعتبرات وهذا على مذهب المتأخرين من مشايخ بلخي استحسنوا ذلك وقالوا بنى أصحابنا
____________________
(3/533)
المتقدمون الجواب على ما شاهدوا من قلة الحفاظ ورغبة الناس فيهم وكانت لهم عطيات من بيت المال وافتقاد من المتعلمين في مجازاة الإحسان بالإحسان من غير شرط مروءة يعينونهم على معاشهم ومعادهم وكانوا يفتون بوجوب التعليم خوفا من ذهاب القرآن وتحريضا على التعليم حتى تنهضوا لإقامة الواجب فيكثر حفاظ القرآن وأما اليوم فذهب ذلك كله وانقطعت العطيات من بيت المال بسبب استيلاء الظلمة واشتغل الحفاظ بمعاشهم وقلما يعلمون الحسبة ولا يتفرغون له أيضا فإن حاجتهم يمنعهم من ذلك فلو لم يفتح باب التعليم بالأجر لذهب القرآن فأفتوا بجوازه لذلك ورأوه حسنا وقالوا الأحكام قد تختلف باختلاف الزمان ألا يرى أن النساء كن تخرجن إلى الجماعات في زمانه عليه الصلاة والسلام وزمان أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حتى منعهن عمر رضي الله تعالى عنه واستقر الأمر عليه وكان ذلك هو الصواب كما في التبيين
وفي النهاية يفتي بجواز الاستئجار على تعليم الفقه أيضا في زماننا
وفي الخانية خلافه تتبع وفي المجمع يفتي بجواز الاستئجار على التعليم والفقه والإمامة كذا في الذخيرة والروضة ولا يجوز استئجار المصحف وكتب الفقه لعدم التعارف كما في شرح الكنز للعيني
ويجبر المستأجر وهو الصبي أو وليه على دفع ما سمى من الأجر ويحبس به أي بالأجر الذي سمى
و يجبر على دفع الحلوة المرسومة الحلوة بفتح الحاء المهملة هدية تهدى إلى المعلمين على رءوس بعض سور القرآن سميت بها لأن العادة إهداء الحلاوى وهي لغة يستعملها أهل ما وراء النهر حتى لو لم يكن بينهما قول وشرط يؤمر بإرضائه المعلم
وفي الخانية وغيرها رجل استأجر رجلا ليعلم ولده أو عبده الحرفة فيه روايتان في
____________________
(3/534)
رواية المبسوط تجوز
وفي رواية القدوري لا تجوز فإن بين لذلك وقتا معلوما سنة أو شهرا جازت الإجارة ويستحق المسمى تعلم الولد أو لم يتعلم وإن لم يبين لذلك وقتا لا تصح الإجارة وله أجر المثل إن تعلم الولد والعبد وإن لم يتعلم فلا أجر له
وفي الجواهر استؤجروا لحمل جنازة مسلم أو لغسل ميت فإن كان في موضع لا يوجد من يغسله غير هؤلاء فلا أجر لهم وإن كان في موضع فيه إناس غيرهم فلهم الأجر وفي النتف إجارة السفن جائزة وهي على وجهين أحدهما أن يستأجرها إلى مدة معلومة والآخر أن يستأجرها إلى مكان معلوم وكلاهما جائزان إن مضت المدة وهي في البحر فله أن يمسكها حتى تخرج من البحر ويعطبه أجر مثلها وكذا إجارة الخيام والفسطاط جائزة وله أن ينصب ذلك كما ينصب الناس فإن احترق في الشمس أو فسد في السفر من المطر أو الثلج أو تخرق من غير عنف أو خلاف فلا ضمان وكذا إجارة الأسلحة جائزة وله أن يقاتل ولا ضمان عليها إن هلكت وإن تعدى عليها فهلك فعليه الضمان ولا أجر عليه
ولا تصح إجارة المشاع سواء كان الشيوع فيما يحتمل القسمة كالعروض أو فيما لا يحتمل القسمة كالعبد عند الإمام لأن إجارة الدار مثلا إنما هي للانتفاع بعينها وهذا غير متصور في المشاع حيث لا يمكن التسليم بخلاف بيعه والمراد من الشيوع الشيوع الأصلي لأن الطارئ لا يفسد الإجارة في ظاهر الرواية عند الإمام وعنه يفسدها إلا من الشريك فإنه يجوز مشاعا بالإجماع في ظاهر الرواية عن الإمام لأن الكل مجتمع على ملكه فلا يلزم الشيوع
وعنه لا يجوز أيضا ثم اختلف المشايخ على قول الإمام قيل لا ينعقد حتى لا يجب الأجر أصلا وقيل ينعقد فاسدا حتى يجب أجر المثل وهو الصحيح وعندهما تصح إجارة المشاع مطلقا سواء آجر نصيبه شريكه أو غيره لأنه نوع
____________________
(3/535)
تمليك فيجوز كالبيع وبه قال الشافعي ومالك والحيلة في جواز إجارة المشاع أن يستأجر الكل ثم يفسخ في النصف فإنه يجوز لأن الشيوع الطارئ لا يفسدها كما مر ويحكم الحاكم بجوازه
وفي المغني الفتوى في إجارة المشاع على قولهما لكن في الخانية وغيرها الفتوى على قول الإمام وبه جزم أصحاب المتون والشروح فكان هو المذهب كما في المنح
وإن آجر دارا من رجلين صح اتفاقا لأن التسليم يقع جملة ثم الشيوع لتفرق الملك بينهما طارئ
ويجوز استئجار الظئر وهي مرضعة بأجر معلوم والقياس أن لا يصح كإجارة البقر أو الشاة ليشرب لبنها وإجارة البستان ليأكل ثمره وجه الاستحسان قوله تعالى فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وعليه انعقد الإجماع وقد جرى به التعامل في الإعصار بلا نكير لأنه عقد على منفعة هي تربية الصبي واللبن تابع وهو اختيار صاحب الذخيرة والإيضاح وأقرب إلى الفقه كما في الهداية وهو الصحيح كما في الكافي وقيل عقد على اللبن لأنه المقصود والخدمة تابعة وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي
وفي العناية كلام فليطالع وكذا يجوز استئجارها بطعامها وكسوتها استحسانا عند الإمام لأن الجهالة هنا لا تفضي إلى النزاع لأن العادة جارية بالتوسعة على الظئر شفقة على الولد خلافا لهما أي قالا لا يجوز قياسا للجهالة وهو قول الشافعي
____________________
(3/536)
وفي الجامع الصغير إن سمى الطعام دراهم ووصف جنس الكسوة وأجلها وبين ذراعها جاز إجماعا ومعنى تسمية الطعام دراهم أن تجعل الأجرة دراهم ثم يدفع الطعام عوضا عنها ولو بين جنس الطعام ووصفه وقدره جاز أيضا وفي الطعام لا يشترط الأجل وعليها أي على الظئر غسل الصبي وغسل ثيابه عن البول والغائط لا عن الوسخ وإصلاح طعامه بالمضغ أو الطبخ ودهنه بفتح الدال أي جعل الصبي مطلى بالدهن بالضم لأن كلا منها عليها عرفا والعرف معتبر فيما لا نص فيه و لا يجب على الظئر ثمن شيء منها أي من هذه المذكورات بل هو أي ثمن طعامه ودهنه وما غسل به ثيابه من الصابون ونحوه وأجرها أي أجر الظئر على من نفقته أي نفقة الصبي عليه سواء كان والده أو غيره ممن تجب عليه نفقته فلو مات ممن تجب عليه نفقته فعلى الوصي من مال الصبي فلا تبطل الإجارة بموته
وقال أبو بكر إنها تبطل إذا كان للصبي مال كما في القهستاني وما ذكره محمد من أن الدهن والريحان على الظئر فبناء على ما هو عرف الكوفة ثم فرعه بقوله فإن أرضعته أي أرضعت الظئر الصبي بمعنى أوجرته فقولهم فإن أرضعته يكون من قبيل المشاكلة في المدة أي في مدة الرضاع بلبن شاة في فمه أو غذته من التغذية بطعام ومضت المدة فلا أجر لها لأنها لم تأت بالعمل الواجب عليها وهو الإرضاع وهذا إيجار وليس بإرضاع وهو غير ما وقع عليه عقد الإجارة ولهذا لو أوجر الصبي بلبن الظئر في المدة لم تستحق الأجرة فعلم بهذا أن المعقود عليه هو الإرضاع والعمل دون العين وهو اللبن كما في العناية
____________________
(3/537)
وفي المحيط لو استأجر شاة لترضع جديا أو صبيا لا يجوز لأن للبن البهائم قيمة فوقعت الإجارة عليه وهو مجهول فلا يجوز وليس للبن المرأة قيمة فلا تقع الإجارة عليه وإنما تقع على فعل الإرضاع والتربية والحضانة
وفي القهستاني فإن جحدته الظئر فالاعتبار ليمينها ولبينتهم وإن أقام كل بينة فبينتها وهذا إذا شهدوا أنه أرضعته بلبن شاة وما أرضعته بلبن نفسها فلو اكتفى بالنفي لم تقبل لأنها شهادة على النفي بخلاف الأول فإن النفي فيها دخل في ضمن الإثبات كما في المحيط وفي الغرر بخلاف ما إذا دفعته إلى خادمتها حتى أرضعته حيث تستحق الأجر ولزوجها أي لزوج الظئر وطؤها إذا أراد لأنه حقه فلا يتمكن المستأجر من إبطاله لا وطؤها في بيت المستأجر إذا منع المستأجر عن الوطء فيه لأنه ملكه فيمنعه فإن لم يمنع بل أذن فيه جاز وله أي لزوج الظئر فسخها أي الإجارة إن لم تكن الإجارة برضاه سواء كان تشينه إجارتها بأن كان وجيها بين الناس أو لم تشنه في الأصح لكن ليس على الإطلاق بل إن كان نكاحه أي نكاح الزوج ظاهرا بين الناس أو يكون عليه شهود صيانة لحقه لا أي ليس له أن يفسخ الإجارة إن أقرت المرأة به أي بالنكاح لأن الإقرار حجة قاصرة غير مقبولة في إبطال حق الغير وهو المستأجر ولأهل الطفل فسخها أي الإجارة إن مرضت الظئر أو حبلت لأن الحبلى والمريضة تضر بالصغير وكذا تفسخ المرضعة إذا مرضت أو حبلت إن خيف عليها وكذا تفسخ إذا تقيأ لبنها أو كانت سارقة أو فاجرة ثابتا فجورها بخلاف ما إذا كانت كافرة كما في شرح الكنز وغيره
____________________
(3/538)
وما في القهستاني من أنه صح استئجار الظئر الكافرة والفاجرة لكن نهي عن إرضاع الحمقاء نوع مخالفة إلا أن يراد بالفاجرة غير ثابت فجورها أو يراد صحة الاستئجار فقط وكذا تفسخ إذا كان الصبي لا يأخذ ثديها ولها أيضا فسخها إذا كانت تتأذى منهم وكذا إذا لم تجر عادة بإرضاع ولد غيرها ولا تفسخ بموت أب الصبي لأن الإجارة واقعة للصبي لا للأب سواء كان له مال أو لم يكن بخلاف موت الصبي أو الظئر فإنها انتقضت ولو سافرت هي وأهل الصبي تفسخ الإجارة
وفسد استئجار حائك لينسج له غزلا بنصفه أي بنصف الغزل أو ثلثه أو استئجار حمار ليحمل عليه طعاما إلى بيته بقفيز منه أي من الطعام بأن جعل القفيز أجرته أو استئجار ثور ليطحن له برا بقفيز من دقيقه أي دقيق ذلك البر أما فساد الأولى والثانية فلأنه جعل الأجر بعض ما يخرج من عمله فصار في معنى قفيز الطحان وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى فيه أن المستأجر عاجز عن تسليم الأجر لأنه بعض ما يخرج من عمل الأجير والقدرة على التسليم شرط لصحة العقد وهو لا يقدر بنفسه وإنما يقدر بغيره فلا يعد قادرا ففسد قال أبو المكارم قال قاضي خان يجوز النسج بالثلث أو الربع وبه أخذ الفقيه أبو الليث والإمام الحلواني والإمام أبو علي النسفي ويجب أجر المثل في الكل لا يجاوز المسمى لأن الإجارة لما فسدت وجب الأقل من المسمى ومن أجر المثل لرضاه بخط الزيادة بخلاف ما إذا استأجره ليحمل نصف طعامه بالنصف الآخر حيث لا يجب الأجر لأن الأجير فيه ملك
____________________
(3/539)
النصف في الحال بالتعجيل فصار حاملا طعاما مشتركا بينهما وبحمل طعام مشترك بينهما لا يجب الأجر إذ ما من جزء يحمله إلا وهو عامل لنفسه فلا يتحقق تسليم المعقود عليه وفي المنح إشكال وجواب إن شئت فارجع
وفي الهداية بخلاف ما إذا اشتركا في الاحتطاب حيث يجب الأجر بالغا ما بلغ عند محمد لأن المسمى هناك غير معلوم فلم يصح الحط
وعند أبي يوسف لا يجاوز بأجرة نصف ثمن ذلك لأنه رضي بنصف المسمى حيث اشترك هذا إذا احتطب أحدهما وجمع الآخر وأما إذا احتطبا جميعا فهما شريكان على السواء كما في النهاية والعناية
وفي التنوير إذا استأجره ليصيد له أو يحتطب فإن وقت جاز وإلا لا إلا إذا عين الحطب وهو ملكه
وإن استأجره ليخبز له اليوم قفيزا بدرهم فسد العقد عند الإمام لأن المعقود عليه مجهول ذكره فيه أمرين يحتمل كل منهما أن يكون معقودا عليه العمل والوقت فالعمل ينفع المستأجر لأنه لا يعطي الأجر إلى المؤجر إلا بعد تمام العمل والوقت ينفع الأجير لأنه يستحق الأجر بمضي المدة سواء عمل أو لم يعمل ولا رجحان في أحدهما فيؤدي إلى النزاع ولو كان المعقود عليه كليهما يلزم أن يعمل مستغرقا لهذا اليوم فذلك مما لا يقدر عليه أحد عادة خلافا لهما أي قالا هذه جائزة ويكون العقد على العمل دون اليوم حتى إذا فرغ منه نصف النهار فله الأجر كاملا وإن لم يفرغه في اليوم وعليه أن يعمل في الغد لأن المعقود عليه هو العمل وذكر اليوم للتعجيل
ولو قال في اليوم أي بكلمة في صح اتفاقا لأن كلمة في للظرف لا لتقدير المدة فلا يقتضي الاستغراق فكان المعقود عليه هو العمل وهو المعلوم بخلاف ما إذا حذفت في فإنه يقتضي الاستغراق ولو استأجره ليخبز له كذا من الدقيق على أن يفرغ منه اليوم يجوز بالإجماع
وإن استأجر أرضا على أن يكربها من كرب الأرض إذا أصلحها بالمحراث من باب نصر ويزرعها أو استأجرها على أن يسقيها ويزرعها صح الاستئجار لكونه شرطا يقتضيه العقد لأن الزراعة لا تتأتى إلا بالكراب والسقي
و إن استأجرها على أن يثنيها إن كان المراد بالتثنية أن يرد الأرض مكروبة تفسد الإجارة لبقاء نفع الكراب بعد انقضاء المدة
____________________
(3/540)
وهذا شرط لا يقتضيه العقد وسبب الفساد بقاء النفع لرب الأرض فتوجد صفقتان في صفقة وهي منهي عنها وإن كان المراد كرب الأرض مرتين وكانت الأرض تخرج الزرع بكربها مرة والمدة سنة واحدة تفسد الإجارة أيضا لما مر وإن كانت تخرجه بكربها مرتين لا تفسد لعدم بقاء أثر التثنية وكذا لا تفسد إن كانت المدة في هذه الصورة سنتين أو أكثر لعدم منفعة التثنية أو استأجرها على أن يكري نهرها أي يحفر أنهارها العظام تفسد الإجارة لبقاء منفعته في العام القابل بخلاف الجداول كما في التبيين أو على أن يسرقنها أي يجعل السرقين عليها وهو الزبل وهو معرب ويقال له السرجين تفسد الإجارة لبقاء الأثر بعد الانقضاء إلا إذا كان الريع لا يخرج إلا بالسرقنة أو كانت المدة طويلة لا يصح الاستئجار في الكل لما قررناه آنفا وكذا لا يصح الاستئجار للزراعة أي لزراعة الأرض بزراعة أرض أخرى بأن جعلت زراعة الأرض الأخرى أجرة بها وللركوب أي لا يصح استئجار دابة ليركبها بركوب دابة أخرى ليركبها الآخر بمقابلتها وللسكنى أي لا يصح استئجار دار ليسكنها بسكنى دار أخرى ليسكنها الآخر بمقابلتها وللبس أي لا يصح استئجار ثوب ليلبسه بلبس ثوب آخر ليلبسه الآخر بمقابلته ويكون من قبيل بيع الشيء بجنسه نسيئة وذا لا يجوز خلافا للأئمة الثلاثة
وفي الدرر كلام إن شئت فليطالع ثم لو استوفى أحدهما المنفعة عند اتحاد الجنس فله أجر المثل في ظاهر الرواية وذكر الكرخي عن أبي يوسف أنه لا شيء عليه
وإن استأجر شريكه أو حماره أي حمار شريكه لحمل طعام هو أي الطعام لهما لا يلزم الأجر الذي سماه ولا أجر المثل لأنه لا يعمل شيئا لشريكه إلا ويقع بعضه لنفسه فلا يستحق الآخر
وعند الأئمة الثلاثة تجوز هذه الإجارة ويجب المسمى لأنه أوفى المشروط عنه كراهن استأجر الرهن من المرتهن أي كما لا يجوز للراهن استئجار الراهن من المرتهن لأن الرهن ملك الراهن والمرتهن ليس بمالك حتى يؤجره منه
وفي المنح لو استأجر حماما فدخل الآجر مع بعض أصدقائه الحمام فإنه لا تجب
____________________
(3/541)
الأجرة لأنه يسترد بعض المعقود عليه وهو منفعة الحمام في المدة ولا يسقط شيء من الأجرة لأنه ليس بمعلوم
وإن استأجر رجل أرضا ولم يذكر أنه يزرعها أو لم يبين ما يزرعها لا يصح العقد لأن استئجار الأرض غير مختص للزراعة وكذا ما يزرع فيها مختلف فبعضه أقل ضررا بها من بعض فلا بد من التسمية عند العقد وإلا لا يعلم المعقود عليه فيفضي إلى الفساد هذا إن لم يعمم المؤجر أما إن عمم بأن يقول على أن تزرع ما شئت فحينئذ يصح لوجود الإذن منه فإن زرعها بلا ذكر الزراعة أو ما يزرع فيها ومضى الأجل عاد العقد صحيحا وله أي للمؤجر المسمى من الأجرة استحسانا لارتفاع الجهالة وانقطاع المنازعة فينقلب جائزا كما إذا أسقط الأجل المجهول قبل مجيئه
وفي القياس لا يعود وهو قول زفر لأنه وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا فيلزم أجر المثل كما في أكثر الكتب وما في المنح من أنه عند محمد لا يعود صحيحا وهو القياس مخالف لأكثر الكتب تدبر
وإن استأجر حمارا إلى مكة ولم يذكر ما يحمل عليه فحمل المعتاد أي ما يحمل الناس على مثله فنفق أي هلك في الطريق لا يضمن المستأجر لأن العين المستأجر أمانة في يد المستأجر وإن كانت الإجارة فاسدة هذا إذا لم يتعد فإذا تعدى ضمن ولا أجر عليه
وإن بلغ الحمار مع الحمل مكة شرفها الله تعالى فله أي للمؤجر المسمى من الأجرة عند العقد استحسانا لأن الفساد كان للجهالة فإذا حمل عليه شيئا يحمل على مثله تعين ذلك فانقلب صحيحا
وفي البزازية تكارى دابة إلى فارس فالإجارة فاسدة لأن فارس وخراسان وخوارزم والشام وفرغانة وسغد وما وراء النهر وهند والخطا والدشت والروم واليمن اسم للولاية وبخارى وسمرقند وبلخي وجرجانية وهراة وأوزجند اسم البلدة وجعل شمس الأئمة بخارى
____________________
(3/542)
اسم الولاية ففي كل موضع هو اسم الولاية إذا بلغ الأدنى له أجر المثل لا يتجاوز عن المسمى وفي كل موضع هو اسم البلد إذا وصل البلد يلزم البلاغ إلى منزله
وإن اختصما أي المؤجر والمستأجر قبل الزرع في مسألة استئجار الأرض بلا ذكر الزرع و قبل الحمل في مسألة استئجار الحمار نقضت الإجارة للفساد لبقائه قبل ارتفاع الجهالة بالتعيين بالزرع في المسألة السابقة وبالحمل في هذا فلو اختصما بعد الزرع أو الحمل لا يقضي بنقض العقد لعدم الإمكان بل يبقى على ما كان فلا يندفع الفساد في المسألة السابقة إلا بمضي الأجل أو بالبلوغ في المسألة الثانية ولو استأجر دابة ثم جحد الإجارة في بعض الطريق وجب عليه أجر ما ركب قبل الإنكار ولا يجب لما بعده هذا عند أبي يوسف وعند محمد يجب الأجر كله
وفي التنوير إجارة المنفعة بالمنفعة تجوز إذا اختلفا وإذا اتحدا لا
فصل لما فرغ من بيان أنواع الإجارة شرع في بيان أحكامه بعد الإجارة وهي الضمان والأجير نوعان مشترك وخاص والسؤال عن وجه تقديم المشترك على الخاص دوري
الأجير المشترك من يعمل لغير واحد معناه أن لا يختص بواحد عمل لغيره أو لم يعمل ولا
____________________
(3/543)
يشترط أن لا يكون عاملا لغير واحد بل إذا عمل لواحد أيضا فقط فهو مشترك إذا كان لا يمتنع ولا يتعذر عليه أن يعمل لغيره وفي الغرر الأجير المشترك من يعمل لا لواحد أو يعمل له غير مؤقت أو مؤقتا بلا تخصيص
وفي القدوري الأجير المشترك من لا يستحق الأجر حتى يعمل والأجير الخاص هو الذي يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل
وفي التبيين هذا يئول إلى الدور لأن هذا حكم لا يعرفه إلا من يعرف الأجير المشترك والخاص وأجاب صاحب العناية بأنه قد علم مما سبق في باب الأجر متى يستحق أن بعض الأجراء يستحق الأجرة بالعمل فلم يتوقف معرفته على معرفة المعرف وقيل قوله من لا يستحق الأجرة حتى يعمل مفرد والتعريف بالمفرد لا يصح عند عامة المحققين وإذا انضم إلى ذلك قوله كالصباغ والقصار جاز أن يكون تعريفا بالمثال وهو الصحيح لكن قوله لأن المعقود ينافي ذلك لأن التعليل على التعريف غير صحيح وفي كونه مفردا لا يصح التعريف به وفيه نظر والحق أن يقال إنه من التعريفات اللفظية وتمامه فيه فليطالع قال الزيلعي والأوجه أن يقال الأجير المشترك من يكون عقده واردا على عمل معلوم ببيان محله ليسلم عن النقض والأجير الخاص الذي يكون عقده واردا على منافعه ولا تصير معلومة إلا بذكر المدة أو بذكر المسافة وتمامه فيه فليراجع ولا يستحق الأجير المشترك الأجر حتى يعمل كالصباغ والقصار ونحوهما لأن الإجارة عقد معاوضة فتقتضي المساواة بين المعوضين فما لم يسلم المعقود عليه للمستأجر وهو العمل لا يسلم للأجير العوض وهو الأجر والمتاع في يده أي في يد الأجير أمانة لا يضمن إن هلك المتاع من غير فعله عند الإمام وهو قول زفر وحسن بن زياد قياسا سواء هلك
____________________
(3/544)
بأمر يمكن التحرز عنه كالسرقة والغصب أو لا يمكن التحرز عنه كالحريق الغالب والعدو المكابر لأن العين أمانة في يده لحصول القبض بإذنه فلا يكون الحفظ مقصودا بالذات ولذا لا يقابله الأجر لأن الأجر في الإجارة بمقابلة العمل أو الوصف بخلاف المودع بأجر لأن حفظه مقصود حتى يقابله الأجر
وإن وصلية شرط عليه ضمانه لأنه شرط لا يقتضيه العقد به أي بعدم الضمان يفتى
وفي الخانية والفتوى على قول الإمام
وفي المنح وقد جعل الفتوى عليه في كثير من المعتبرات وبه جزم أصحاب المتون وكان هو المذهب وعندهما
وعند مالك والشافعي في قول يضمن إن أمكن التحرز منه أي من الهلاك كالغصب والسرقة بخلاف ما لا يمكن التحرز عنه كالموت حتف أنفه والحريق الغالب والعدو المكابر لكونه سببا لصيانة أموال الناس وأفتى المتأخرون بالصلح على نصف القيمة لاختلاف الصحابة والأئمة وعلى هذا حكم الولاة والقضاة عملا بالقولين
وفي شرح المجمع نقلا عن المحيط الخلاف فيما إذا كانت الإجارة صحيحة وإن فاسدة لا يضمن اتفاقا ويضمن ما أي الذي تلف بعمله أي بعمل الأجير المشترك اتفاقا كتخريق الثوب من دقه أي دق القصار وزلق الحمال إذا لم يكن من مزاحمة الناس كما في الإصلاح فإن التلف الحاصل من زلقه حصل من تركه التثبيت في المشي وانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري الحمل فإن التلف الحاصل به حصل من تركه التوثيق في شد الحبل وغرق السفينة من مدها وفيه إشارة إلى أن السفينة لو غرقت من موج أو ريح أو نحوهما لم يضمن كما في القهستاني
____________________
(3/545)
وقال زفر والشافعي لا يضمن لأنه مأمور بالعمل مطلقا وأنه ينتظم السليم والمعيب ولنا أن المقصود هو المصلح دون المفسد فكان هو المأذون فيه دون غيره
وفي شرح الوقاية لصدر الشريعة ينبغي أن يكون المراد بقوله ما تلف بعمله عملا جاوز فيه القدر المعتاد على ما يأتي في الحجام أو عملا لا يعتاد فيه المقدار المعلوم لكن ما في المنح نقلا عن العمادية مخالف لأنه قال وإن هلك بفعله بأن تخرق بدقه أو عصره يضمن عندنا بخلاف البزاغ والحجام فإن البزاغ ونحوه لا يضمن ما هلك بفعله إذا لم يجاوز المعتاد ومعناه أن الأجير المشترك يضمن ما هلك بفعله جاوز المعتاد أو لا تدبر لكن لا يضمن به أي بغرق السفينة الآدمي من مدها ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة وإن كان بسوقه أو قوده لأن ضمان الآدمي لا يجب بالعقد بل بالجناية وما يجب بها يجب على العاقلة والعاقلة لا يتحمل ضمان القود وهذا ليس بجناية لكونه مأذونا فيه قيل هذا الكلام إذا كان ممن يستمسك على الدابة ويركب وحده وإلا فهو كالمتاع والصحيح أنه لا فرق فيه ولا يضمن فصاد ولا بزاغ لم يتجاوز المعتاد فإنه لا يجب الضمان إذا سرى إلى النفس لأنه ليس بالوسع لعدم العلم بحصول الموت إلا أن يتجاوز الموضع المعتاد لأن ذلك غير مأذون فيه فيضمن الزائد هذا كله إذا لم يهلك وإن هلك يضمن نصف الدية حتى أن الختان لو قطع الحشفة وبرئ المقطوع تجب عليه الدية كاملة لأن الزائد هو الحشفة وهو عضو كامل فتجب عليه الدية كاملة وإن مات وجب عليه نصف الدية لأن النفس تلف بمأذون فيه وغير مأذون فيه فيضمن نصف الدية وهو من أغرب المسائل حيث يجب الأكثر بالبرء والأقل بالهلاك وتفصيله في المنح فليطالع
سئل صاحب المحيط عن فصاد جاء إليه غلام وقال افصد لي ففصده فصدا معتادا فمات من ذلك السبب قال يضمن الفصاد قيمة العبد ويكون على عاقلة الفصاد لأنه خطأ وكذلك الصبي تجب ديته على عاقلة الفصاد وسئل عن رجل فصد نائما وتركه حتى
____________________
(3/546)
مات في سيلان الدم قال يجب عليه القصاص كما في الفصول العمادية
ولو انكسر دن من طريق الفرات ذكر الفرات للشهرة بالوفرة والزيادة بلا فائدة فللمالك أن يضمنه أي الحمال قيمته أي قيمة الدن التي تقوم في مكان حمله ولا أجر له أو ضمن قيمته في مكان كسره وله أي الحمال الأجر بحسابه أما الضمان فلأن السقوط بالعثار أو بانقطاع الحبل وكل ذلك من صنعه وأما الخيار فلأنه إذا انكسر في الطريق والحمل شيء واحد تبين أنه وقع تعديا من الابتداء من هذا الوجه وله وجه آخر وهو أن ابتداء الحمل حصل بإذنه فلم يكن تعديا وإنما صار تعديا عند الكسر فيميل إلى أي الوجهين شاء
وفي الوجه الثاني له الأجر بقدر ما استوفى
وفي الوجه الأول لا أجر له لأنه ما استوفى أصلا كما في الهداية
و ثاني النوعين الأجير الخاص وهو من يعمل لواحد قيد صاحب الدرر بقوله عملا مؤقتا بالتخصيص وقال فوائد القيود عرفت مما سبق ويسمى أجير وحد أيضا ويستحق الأجير الخاص الأجر بتسليم نفسه أي الأجر مدته أي العقد سواء عمل
____________________
(3/547)
أو لم يعمل مع التمكن بالإجماع كمن استؤجر للخدمة الغير المعينة سنة أو لرعي الغنم لهذا المستأجر دون غيره لأن العقد ورد على منافعه وذكر العمل لصرف المنفعة المستحقة إلى تلك الجهة وصار كما لو باع عبدا من رجل حيث لا يملك بيعه من آخر
وفي شرح الوافي واعلم أنه إن استأجره لرعي غنمه بدرهم شهرا فهو أجير مشترك لا أن يقول ولا ترعى غنم غيري فحينئذ يصير أجير وحد وإن استأجره لرعي غنمه شهرا بدرهم فهو أجير وحد إلا أن يقول وترعى غنم غيري
وفي الذخيرة ولو استأجره يوما ليعمل في الصحراء فمطرت السماء بعدما خرج الأجير إلى الصحراء لا أجر له لأن تسليم النفس في ذلك العمل لم يوجد لمكان العذر وبه كان يفتي المرغيناني كما في الشمني وفي المنح
وإن هلك في المدة نصف الغنم أو أكثر من النصف فله الأجرة كاملة ما دام يرعى منها شيئا لأن المعقود عليه هو تسليم نفسه وقد وجد وليس للراعي أن ينزو على شيء منها بغير إذن صاحبها لأن الإنزاء حمل عليها فلا يجوز بغير إذن صاحبها فإن فعل فعطبت ضمن وإن كان الفحل نزا عليها فعطبت فلا ضمان عليه لأنه بغير فعله كما في الجوهرة
وفي العمادية ثم الراعي إذا كان أجير وحد فماتت من الأغنام واحدة حتى لا يضمن لا ينقص من الأجر بحسابها لأن الغنم لو ماتت كلها لا ينقص من الأجر شيء انتهى وهو مخالف لقول الجوهرة ما دام يرعى منها شيئا كما لا يخفى ولا يضمن الأجير الخاص ما تلف في يده بأن يسرق منه أو غاب أو غصب أو بعمله لأن العين أمانة في يده بالاتفاق لأنه لا يتقبل الأعمال الكثيرة من الناس فلا يوجد العجز والتقصير في الحفظ بخلاف الأجير المشترك المأذون كانكسار القدوم أو تخرق الثوب عند العمل إذا لم يتعمد الفساد لأنه يتقبل الأعمال الكثيرة من الخلق طمعا في الأجر فيعجز عن القيام فيجب عليه الضمان عندهما استحسانا لصيانة أموال الناس كما مر
وفي المنح الراعي إذا خلط الغنم بعضها ببعض فإن كان يقدر على التمييز لا يضمن
____________________
(3/548)
ويكون القول قوله في تعيين الدواب أنها لفلان وإن كان خلطا لا يمكن التمييز يكون ضامنا قيمتها
والقول في مقدار القيمة قول الراعي وتعتبر قيمة الأغنام يوم الخلط فإن دفع غنم رجل إلى غير صاحبها فاستهلكها المدفوع إليه وأقر الراعي بذلك ضمن الراعي ولا ضمان على المدفوع إليه ولا يقبل قول الراعي على المدفوع إليه إن كان الراعي أقر وقت الدفع أنها للمدفوع إليه
ولو ندت بقرة من الباقورة فخاف البقار أنه لو تبعها يضيع الباقي كان في سعة من أن لا يتبعها ولا ضمان عليه بالاتفاق إن كان الراعي خاصا وإن مشتركا فكذلك عند الإمام وعندهما يضمن
وفي التنوير استأجر حمارا فضل عن الطريق إن علم أنه لا يجده بعد الطلب لا يضمن
وفي الجواهر بقار ترك البقور مع صبي لحفظهن فهلكت بقرة وقت السقي بآفة فإن كان للصبي قدرة الحفظ لم يضمن وإلا يضمن ولو جاء البقار ليلا وزعم أنه رد البقرة وأدخلها القرية فطلبها صاحبها ولم يجدها ثم وجدها بعد أيام في قرى الجبانة قد عطبت قالوا إن كان العرف فيما بينهم أن البقار يدخل البقور في القرية ولم يطلبوا منه أن يدخل كل بقرة في منزل صاحبها كان القول قول البقار مع يمينه أنه أدخل البقرة في القرية فلا ضمان عليه
وصح ترديد الأجير أي جعله مترددا بين نفعين مختلفين وأيهما وجد لزم ما سمى له نحو لو قال للخياط إن خطته فارسيا فبدرهم أو روميا فبدرهمين فأي عمل من هذين العملين عمل يستحق المسمى هذا عند الكل لأنه خيره بين عقدين صحيحين مختلفين والأجر قد يجب بالعمل وعند العمل يرتفع الجهل
وعند زفر والأئمة الثلاثة لا يجوز لجهالة المعقود عليه للحال و كذا لو قال للصباغ إن صبغته بعصفر فبدرهم وبزعفران فبدرهمين هذا عند الكل لما مر
و كذا لو قال للمستأجر إن سكنت في هذه الدار فبدرهم في الشهر أو إن سكنت في هذه الدار فبدرهمين و كذا لو قال إن ركبتها إلى الكوفة فبدرهم أو إن ركبتها إلى واسط
____________________
(3/549)
فبدرهمين قيل فيه احتمال الخلاف لأن هذه المسألة ذكرت في الجامع الصغير مطلقا فيحتمل أن يكون قول الكل أو قول الإمام خاصة
وكذا يصح لو ردد بين ثلاثة أشياء بأن قال إن خطته فارسيا أو روميا أو تركيا لا يصح بين أربعة أشياء كما في البيع والجامع دفع الحاجة غير أنه يشترط خيار التعيين في البيع دون الإجارة لأن الأجرة إنما تجب بالعمل وإذا وجد يصير المعقود عليه معلوما بخلاف البيع فإن الثمن يجب بنفس العقد والمبيع مجهول
ولو قال للخياط إن خطته اليوم فبدرهم أو إن خطته غدا فنصفه فخاطه اليوم فله الدرهم وإن خاطه غدا فله أجر المثل لكن لا يجاوز أي المثل نصف درهم لأنه هو المسمى في اليوم الثاني قال القدوري هي الصحيحة
وفي الجامع الصغير لا يزاد على درهم ولا ينقص من نصف درهم هذا عند الإمام لأن ذكر اليوم للتعجيل دون التوقيت ويدل عليه هنا نقص الأجر لو أخر الفعل إلى الغد فتبقى في اليوم الثاني تسميتان إحداهما درهم والأخرى نصف والتسميتان في عقد واحد مفسدة فوجب أجر المثل كما لو قال خطه اليوم بدرهم أو نصفه فلا يكون ذكر اليوم للتأقيت إذ لو كان للتأقيت يفسد العقدان لاجتماع الوقت والعمل فيصير أجيرا مشتركا وأجيرا خاصا وأنه لا يجوز وكذا لا يكون ذكر الغد للترفيه بل يكون للتعليق فيجوز في الأول دون الثاني على ما مر وفي أكثر الكتب ولو خاطه بعد غد فالصحيح أنه لا يجاوز به نصف درهم عند الإمام وأما عندهما فالصحيح أنه ينقص من نصف درهم ولا يزاد عليه
وقالا الشرطان جائزان حتى إذا خاطه اليوم فله درهم وإذا خاطه غدا فله نصف درهم لأن ذكر اليوم للتأقيت وذكر الغد للتعليق فوجدت في كل واحد من وقتين التسمية مقصودة فصارا عقدين كاختلاف النوعين كالرومية والفارسية
____________________
(3/550)
وعند زفر الشرطان فاسدان وهو قول الأئمة الثلاثة لأن ذكر اليوم للتعجيل وذكر الغد للترفيه والتوسيع فيجتمع في كل يوم تسميتان
ولو قال إن سكنت بالتشديد من باب التفعيل ويجوز أن يكون سكنت بالتخفيف من الثلاثي فعلى هذا يكون قوله عطارا أو حدادا حالا ويكون المعنى إن سكنت هذا الحانوت حال كونك عطارا أو حال كونك حدادا هذا الحانوت عطارا فبدرهم أو سكنت حدادا فبدرهمين جاز عند الإمام لأنه خيره بين عقدين صحيحين مختلفين والجهالة في العمل ترتفع عند المباشرة خلافا لهما أي قالا لا يجوز لأن المعقود عليه واحد والأجران مختلفان ولا يدري أيهما يجب فلا يجوز وبه قال زفر والأئمة الثلاثة وكذا الخلاف بين الإمام وصاحبيه
لو قال إن ذهبت بهذه الدابة الباء للتعدية إلى الحيرة فبدرهم وإن جاوزتها أي الحيرة منتهيا إلى القادسية فبدرهمين أو قال إن حملت عليها إلى الحيرة كر شعير فبدرهم وإن حملت كر بر فبدرهمين فالعقد جائز فيها عند الإمام لما مر أنه خير بين عقدين صحيحين مختلفين كما في مسألة الخياطة الرومية والفارسية وعندهما لا يجوز وبه قال زفر والأئمة الثلاثة لأن المعقود عليه أحد الشيئين وكذا الأجر وهو مجهول والجهالة توجب الفساد
ولا يجوز أن يسافر المستأجر بعبد استأجره للخدمة بلا اشتراطه أي بلا اشتراط السفر لأن في خدمة السفر زيادة مشقة فلا ينتظمها الإطلاق وعليه عرف الناس فانصرف إلى الحضر بخلاف العبد الموصى بخدمة حيث لا يتقيد بالحضر لأن مؤنته عليه ولم يوجد العرف في حقه إلا إذا شرط ذلك أو كان وقت الإجارة متهيئا للسفر وعرف بذلك فيجوز ولو سافر المستأجر بالعبد المتأجر ضمن قيمته لمالكه إذا هلك لأنه صار غاصبا ولا أجر عليه وإن سلم لأن الأجر والضمان لا يجتمعان
ولو استأجر عبدا محجورا فعمل العبد وأخذ الأجر لا يسترده منه أي لا يسترد المستأجر ما دفعه إليه لعمله من العبد المحجور لأن هذه
____________________
(3/551)
الإجارة بعد الفراغ صحيحة استحسانا لأن الفساد لرعاية حق المولى فبعد الفراغ رعاية حقه في الصحة ووجوب الأجر له والقياس أن يسترده لانعدام إذن المولى وقيام الحجر وهو قول الأئمة الثلاثة
وفي شرح الكنز للعيني وعليه أجر المثل وكذا الحكم في الصبي المحجور عليه إذا آجر نفسه فالأجر له ولو أعتقه المولى في نصف المدة نفذت الإجارة ولا خيار للعبد فأجر ما مضى للسيد وأجر ما يستقبل للعبد وإن آجره المولى ثم أعتقه في نصف المدة فللعبد الخيار فإن فسخ الإجارة فأجر ما مضى للمولى وإن أجاز فأجر ما يستقبل للعبد والقبض للمولى وإذا هلك العبد المحجور في حالة الاستعمال تجب عليه قيمته ولا يجب عليه الأجرة
ولو آجر العبد المغصوب نفسه لآخر فأكل غاصبه أي العبد أجره لا يضمنه أي لا يضمن الغاصب ما أخذ من الأجر من يد العبد فأتلفه عند الإمام لأن الضمان إنما يجب بإتلاف مال محرز لأن التقوم به وهذا غير محرز في حق الغاصب لأن العبد لا يحرز نفسه فكيف يحرز ما في يده كما لو آجره الغاصب فأخذ أجره فأتلف لا ضمان عليه بالاتفاق قبل رده على المغصوب منه أو تصدقه وهو أولى لتطرق خبث فيه خلافا لهما أي قالا يضمن لأنه أكل مال المالك بغير إذنه لأن الإجارة تعتبر صحيحة بعد الفراغ على ما مر فيكون الأجر راجعا إلى مولاه وما وجده من الأجر سيده في يد العبد وغيره أخذه بالاتفاق لأنه عين ماله ولا يلزم من بطلان التقوم بطلان الملك وقبض العبد أجره من المستأجر صحيح بالإجماع لأنه المباشر للعقد فيخرج المستأجر عن عهدة الأجرة بالأداء إلى العبد
ولو آجر رجل عبده هذين الشهرين آجر شهرا بأربعة دراهم وشهرا بخمسة دراهم من غير تعيين منهما صح العقد على الترتيب المذكور و الأول بأربعة لأنه لما قال شهرا بأربعة ينصرف إلى ما يلي العقد تحريا بالجواز فينصرف الثاني إلى ما يلي الأول ضرورة
ولو استأجر عبدا فأبق أو مرض يعني إذا استأجر عبدا شهرا بدرهم فقبضه في أول الشهر ثم جاء
____________________
(3/552)
آخر الشهر والعبد مريض أو آبق واختلفا فادعى المستأجر وجوده أي وجود المرض أو الإباق أول المدة و ادعى المولى وجوده قبيل الإخبار بساعة حكم الحال أي يجعل الحال حكما بينهما فيكون القول قول من يشهد له الحال مع يمينه لأن القول في الدعاوى قول من يشهد له الظاهر
وعن هذا قال فإن كان العبد حاضرا وقت الدعوى في صورة الإباق أو صحيحا في صورة المرض صدق المولى ويحكم بأنه ليس كذلك من أول المدة فيجب الأجر وإلا أي وإن لم يكن حاضرا أو صحيحا وقت الدعوى فالمستأجر أي يصدق المستأجر ويحكم بأن مرض العبد أو إباقه من أول المدة
وكذا الاختلاف في انقطاع ماء الرحى وجريانه أي وكذا لو قال المالك ماء الطاحونة كان جاريا في المدة وقال المستأجر لم يكن جاريا فيها فالقول للمالك إن كان جاريا وإلا فللمستأجر
وفي الخلاصة رجل استأجر رحى ماء وبيتها ومتاعها مدة معلومة بأجرة معلومة فانقطع الماء سقط من الأجر بحسابه وإن لم ينقض الإجارة حتى عاد الماء لزمته الإجارة وإن اختلفا في نفس الانقطاع يحكم الحال
ولو قال رب الثوب أمرتك أن تصبغه أحمر فصبغته أصفر وقال الصانع أمرتني بما صنعت صدق رب الثوب لأن الإذن يستفاد من قبل رب الثوب فكان أعلم بكيفيته فالقول قوله مع يمينه ألا يرى لو أنكر الإذن بالكلية كان القول قوله وكذا إذا أنكر صفته
وكذا الاختلاف في القميص والقباء بأن قال رب الثوب أمرتك أن تعمله قباء
وقال الخياط قميصا فالقول لرب الثوب أيضا مع يمينه فإن حلف رب الثوب ضمن الصانع قيمة ثوبه غير معمول أي صاحب الثوب بعد الحلف مخير إن شاء ضمنه قيمة الثوب غير معمول ولا أجر له أو أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به المسمى على ما بينا من قبل وعن محمد أنه يضمن له ما زاد الصبغ فيه لأنه بمنزلة الغاصب
وقال ابن أبي ليلى القول قول الصباغ
وإن قال رب الثوب عملت لي بلا أجر وقال الصانع بأجر فالقول لرب الثوب لأنه ينكر تقوم عمل الصانع لأنه يتقوم بالعقد ولا ينكر
____________________
(3/553)
الضمان والصانع يدعيه فالقول قول المنكر مع يمينه عند الإمام في القياس وعند الشافعي في قول واحد القول للصانع وعند أبي يوسف القول للصانع إن كان حريفا أي معاملا له بأن سبق بينهما أخذ وإعطاء يلزم له الأجر لأن ما سبق من المعاملة يدل على أنه يعمل بأجر فقام ذلك مقام الاشتراط في الاستحسان وعند محمد القول للصانع إن كان معروفا بعمله بالأجر لأنه فتح الحانوت لأجل الأجر جرى ذلك مجرى التنصيص على اعتبار الظاهر في الاستحسان فجواب الإمام عن استحسانهما أن الظاهر يصلح للدفع لا للاستحقاق وهنا تحتاج إلى استحقاق الأجر والفتوى على قول محمد رحمه الله تعالى كما في التبيين وغيره
باب فسخ الإجارة وجه التأخير عما قبله ظاهر إذا الفسخ يعقب العقد لا محالة تفسخ الإجارة بعيب فوت صفة عيب النفع كخراب الدار وانقطاع ماء الأرض أو ماء الرحى فإن كلا منها يفوت النفع فيثبت خيار الفسخ
وفي الهداية ومن أصحابنا من قال بأن العقد لا ينفسخ لأن المنافع فاتت على وجه يتصور عودها فأشبه الإباق في العبد
وعن محمد أن الآجر لو بناها أي بعد الخراب ليس للمستأجر أن يمتنع ولا للآجر وهذا تنصيص منه على أنه لا ينفسخ لكنه أي العقد يفسخ والأصح ولو انقطع ماء الرحى والبيت مما ينتفع به لغير الطحن فعليه من الأجر بحصته لأنه جزء من المعقود عليه
____________________
(3/554)
وفي التبيين فإذا استوفاه لزمته حصته
وفي الولوالجي رجل استأجر أرضا ليزرعها فزرعها ولم يجد الماء ليسقيها فهلك الزرع والمسألة على وجهين إما أن يستأجرها بشربها أو بغير شربها ففي الوجه الأول سقط عنه الأجر لفوات التمكن من الانتفاع
وفي الوجه الثاني إن انقطع ماء الزرع على وجه لا يرجى فله الخيار وإن انقطع قليلا قليلا ويرجى منه السقي فالأجر عليه واجب ولو لم ينقطع الماء لكن سال الماء عليها حتى لا تتهيأ به الزراعة فلا أجر عليه لأنه عجز عن الانتفاع به وصار كما إذا غصبه غاصب
وفي الخانية رجل استأجر أرضا فانقطع الماء قال إن كانت الأرض تسقى من ماء الأنهار لا شيء على المستأجر وكذا إذا كانت بماء السماء فانقطع المطر أو أخل عطف على فوت به أي بالنفع يعني العيب لا يفوت النفع بالكلية بل يخل به بحيث ينتفع به في الجملة كمرض العبد ودبر الدابة الدبرة واحدة الدبر بالفتح جراحة تحدث في ظهرها من ثقل الرجل فإن الإجارة تفسخ به أيضا
وفي شرح الوقاية لابن الشيخ ولا حاجة إلى القضاء ولا إلى الرضى في الفسخ بعيب لفوات النفع بتمامه ويحتاج إلى القضاء أو الرضى بالعيب الذي يخل به عند عامة المشايخ لفوات النفع على وجه يتصور عوده فلو انتفع المستأجر به أي بالمستأجر معيبا ورضي بالعيب أو أزال المؤجر عيبه سقط خياره أي خيار المستأجر لحصول الرضى والتمكن من الانتفاع فيجب عليه أجره كاملا
وفي المنح وعمارة الدار المستأجر وتطيينها وإصلاح الميزاب وما كان من البناء على رب الدار فإن أبى صاحبها كان للمستأجر أن يخرج من الدار إلا أن يكون المستأجر استأجرها وهي كذلك وقد رآها لرضاه بالعيب وإصلاح بئر الماء والبالوعة والمخرج على صاحب الدار بلا جبر عليه لأنه لا يجبر على إصلاح ملكه فإن فعل ما ذكر من إصلاح المستأجر فهو متبرع فيه فليس له أن يحبسه من الأجرة وكذا تفسخ الإجارة بخيار الشرط والرؤية عندنا خلافا للشافعي وتفسخ الإجارة بالعذر عندنا لأن المعقود عليه في الإجارة النفع وهو غير مقبوض فيكون العذر فيها كالعيب
____________________
(3/555)
قبل القبض في البيع خلافا للشافعي لأن العقد في الإجارة واقع على الأعيان لكون المنافع بمنزلتها عنده فتكون الإجارة كالبيع فلا تفسخ بالعذر بل تفسخ بالعيب وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وهو أي العذر العجز عن المضي على موجب العقد إلا بتحمل ضرر غير مستحق به أي بعقد الإجارة كقلع سن سكن وجعه أي السن بعدما استؤجر له أي لقلع السن فإن العقد إن بقي لزم قلع سن صحح وهو غير مستحق بالعقد وطبخ لوليمة ماتت عروسها بعد الاستئجار للطبخ لها أي لوليمتها أو طبخ لوليمة اختلعت عروسها بعد الاستئجار للطبخ لها فإن العقد إن بقي تضرر المستأجر بإتلاف ماله في غير الوليمة وكذا تفسخ لو استأجر دكانا ليتجر فيه فذهب ماله أي مال المستأجر وأفلس أو آجر شيئا فلزمه أي المؤجر دين لا يجد قضاءه أي قضاء دينه إلا من ثمن ما آجره من دار أو دكان ولو وصلية بإقراره أي ولو كان الدين بإقرار المؤجر لأنه لو بقي العقد يلزمه الحبس لأجله حيث لا يقدر مالا سواه وهو ضرر زائد لم يستحقه بالعقد وفيه إشارة إلى أنه لو كان له مال غيره لا تفسخ
أو استأجر عبدا للخدمة في المصر أو مطلقا أي بلا تقييد بالمصر فسافر المستأجر فإنه حينئذ يثبت حق
____________________
(3/556)
الفسخ لأن خدمة السفر أشق فلا ينتظمها الخدمة المطلقة فضلا عن المقيدة بالمصر وفي منع المستأجر عن السفر ضرر لم يستحق بالعقد ولو اكتفى بقوله مطلقا لكان أخصر وشمل للمصر وغيره تدبر أو اكترى دابة للسفر ثم بدا له منه أي ظهر للمستأجر ما يوجب المنع من السفر لاحتمال كون قصده سفر الحج فذهب وقته أو طلب غريم له فحضر أو التجارة فافتقر وغير ذلك فإنه يثبت له حق الفسخ لأنه لو مضى على موجب العقد لزمه ضرر زائد
ولو بدا للمكاري منه أي ولو ظهر له ما يوجب المنع من السفر فليس بعذر لأنه لا يلزمه ضرر لأنه يمكنه أن يعقد ويبعث تلميذا أو أجيرا
ولو مرض المكاري فهو عذر في رواية الكرخي لأنه لا يعرى عن ضرر لأن غيره لا يشفق على دابته مثله وهو لا يمكنه الخروج بخلاف ما إذا لم يمرض دون رواية الأصل لما ذكرنا
وفي القهستاني الفتوى على الرواية الأولى فلهذا اختار المصنف فقدمها
ولو استأجر خياط يعمل لنفسه لا لغيره عبدا يخيط له أي للخياط فأفلس الخياط
____________________
(3/557)
فهو عذر لأنه يلزمه الضرر على موجب العقد لفوات مقصوده وهو رأس ماله بخلاف خياط يخيط بالأجر فإنه ليس بعذر لأن رأس ماله الخيط والمخيط والمقراض فلا يتحقق الإفلاس فيه وبخلاف تركه أي الخياط الخياطة ليعمل في الصرف حيث لا يكون عذرا لأنه يمكنه أن يعقد الغلام للخياطة في ناحية من الدكان وهو يعمل في الصرف في ناحية وبخلاف بيع ما آجره فإن هذا ليس بعذر للفسخ بدون لحوق دين لإمكان استيفاء المستأجر والعين على ملك المشتري كما يستوفيها والعين على ملك البائع كما في الشمني
وقال أبو المكارم وهل يجوز البيع اختلفت الروايات فيه في الكفاية قال الإمام السرخسي الصحيح أن البيع موقوف على سقوط حق المستأجر وليس للمستأجر أن يفسخ البيع وهو اختيار صدر الشهيد
وفي الخانية هو أصح الروايات
وفي الجامع الصغير كل ما ذكرنا أنه عذر فإن الإجارة فيه تنتقض وهذا يشير إلى أنه لا يحتاج فيه إلى قضاء القاضي
وفي الزيادات أن الأمر يرفع إلى الحاكم ليفسخ الإجارة لأنه فعل مجتهد فيه فيتوقف على قضاء القاضي كالرجوع في الهبة قال السرخسي هذا هو الأصح ومنهم من فرق فقال إن كان العذر ظاهرا انفسخت وإلا يفسخها الحاكم قال قاضي خان والمحبوبي وهو الأصح
ولو استأجر دكانا ليعمل الخياطة فتركه أي عمل الخياطة لعمل آخر فعذر تفسخ به الإجارة لأن الواحد لا يمكنه الجمع بين العملين بخلاف ما إذا استأجر الخياط عبدا ليخيطه فترك الخياطة لعمل الصرف لأن العامل ثمة شخصان فأمكنهما كما في الهداية
وفي الفرائد وفيه بحث لأنه يمكن أن يعمل العمل الآخر فيه مكان عمل الخياطة فلا يلزم الجمع بين العملين انتهى لكن يمكن أن يجاب بأن المكان الذي تعمل فيه الخياطة لا يمكن أن يعمل فيه عمل آخر في أكثر البلاد عادة فيلزم العذر
وكذا لو استأجر عقارا ثم أراد السفر فهو عذر لما فيه من المنع عن السفر وفيه ضرر تعطيل مصالح السفر أو إلزام الأجر بدون الانتفاع بخلاف ما إذا آجر عقارا ثم سافر لأنه لا ضرر إذا المستأجر يمكنه
____________________
(3/558)
استيفاء المنفعة بعد غيبة المؤجر
وتنفسخ الإجارة بلا حاجة إلى الفسخ بموت أحد العاقدين أي أحد من الآجر والمستأجر وعند الأئمة الثلاثة لا يبطل بموت أحدهما ولا بموتهما كالبيع ولنا أن المنافع والإجارات صارت ملكا للورثة والعقد السابق لم يوجد منهم فينتقض عقدها لنفسه فالجملة حال عن أحد أي حال كون أحد العاقدين قد عقدها لنفسه أو صفة لعدم تعرفه بالإضافة على طريقة قوله ولقد أمر على اللئيم يسبني لأن المعرف فاللام العهد الذهني وما أضيف إليه في حكم النكرة فإن عقدها أي الإجارة لغيره فلا تنفسخ الإجارة لموته كالوكيل يعقدها لموكله والوصي وكذا الأب والقاضي يعقدها لمحجوره ومتولي الوقف يعقدها للوقف لأن المؤجر والمستأجر باقيان فلا يلزم ما مر من عدم الجواز لانعدام الانتقال حتى لو مات المعقود عليه بطلت
ولو مات أحد المستأجرين أو أحد المؤجرين بطلت الإجارة في نصيبه وبقيت في نصيب الآخر
وقال زفر تبطل في نصيب الحي أيضا لأنها أجرة المشاع ولنا أن عدم الشيوع شرط في ابتداء العقد لا في بقائه
____________________
(3/559)
مسائل منثورة أي هذه مسائل متفرقة على أبواب الإجارة قد تداركها وجمعها في آخر الكتاب ولو أحرق المستأجر حصائد أرض مستأجرة أو مستعارة وهي جمع حصيدة وهي ما يحصد من الزرع والنبت والمراد هنا ما يبقى من أصول القصب المحصود في الأرض فاحترق بسببه شيء في أرض غيره لم يضمن لأنه غير متعد في التسبيب فلم يوجد شرط الضمان لأن فعله وقع في ملك نفسه كمن حفر بئرا في داره فوقع إنسان لا ضمان عليه إن كانت الريح هادئة حين أوقد النار ثم تحركت لأنه لا صنع له والهادئة من هدأ بالهمزة أي سكن وفي بعض النسخ هادنة من هدن أي سكن
وإن كانت الريح مضطربة ضمن لأنه قد فعل مع علمه بعاقبته فأفضى إليها فجعل كمباشر وهذا القول الذي ذكره من تفصيل الهادئة والمضطربة اختيار شمس الأئمة السرخسي كما في أكثر المعتبرات
وفي التنوير بنى المستأجر تنورا أو دكانا في الدار المستأجرة واحترق به بعض بيوت الجيران أو الدار لا ضمان عليه مطلقا أي سواء بنى بإذن صاحب الدار أو لا إلا أن يجاوز ما يصنعه الناس
وفي التبيين لو وضع جمرة في الطريق فأحرقت شيئا ضمن لأنه متعد بالوضع ولو رفعته الريح إلى شيء فأحرقته لا يضمن لأن الريح نسخت فعله ولو أخرج الحداد الحديد من الكور في دكانه فوضعه على العلاة وضربه بمطرقة وخرج شرار النار إلى طريق العامة وأحرق شيئا ضمن ولو لم يضربه ولكن أخرج الريح شيئا لم يضمن ولو سقى أرضه سقيا لا يحتمله الأرض فتعدى إلى أرض جاره ضمن
ولو أقعد خياط أو صباغ في حانوته من يطرح عليه العمل
____________________
(3/560)
بالنصف صح هذا الفعل لأن صاحب الدكان قد يكون ذا جاه وحرمة ولا يكون حاذقا في العمل فيقعد عنده حاذقا يطرح عليه العمل وكان القياس أن لا يجوز لأنه استأجره بنصف ما يخرج من عمله وهو مجهول لكنه جاز استحسانا لأن أحدهما يقبل العمل بالوجاهة والآخر يعمل بالحذاقة فبذلك تنتظم المصلحة ولا تضره الجهالة الحاصلة من الكسب قيل لأن تخصيص العمل بأحدهما لا يدل على نفي العمل عن الآخر فإذا تقبل أحدهما العمل والآخر يعمل يجوز كما يجوز في شركة الصنائع والتقبل لعدم الجهالة المفضية إلى النزاع قال صاحب الهداية هذه شركة الوجوه
وقال العيني في شرح الكنز وفيه نظر لأن شركة الوجوه أن يشتركا على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا وليس شيء في هذه من بيع ولا شراء فكيف يتصور أن يكون شركة الوجوه انتهى
لكن يمكن التوفيق بأن مراد صاحب الهداية بشركة الوجوه ليس ما هو المصطلح عليه المار في كتاب الشركة بل مراده بها ههنا ما وقع فيه تقبل العمل بالوجاهة يرشدك إليه قوله هذا بوجاهته يقبل وهذا بحذاقته يعمل ويمكن بوجه آخر أنه أطلق عليه شركة الوجوه تغليبا لجهة الوجاهة على جهة العمل لكونها سببا تأمل
وكذا صح لو استأجر جملا يحمل عليه محملا وراكبين يقعدان فيه إلى مكة استحسانا لأن المقصود هو الراكب وهو معلوم والمحمل تابع وما فيه من الجهالة تزول بالصرف إلى المعتاد فلهذا قال وله أي للمستأجر المحمل المعتاد بين الناس والقياس أن لا يجوز لجهالته وبه قال الشافعي وإن شاهد الجمال المحمل فهو أجود لأنه أقرب لحصول الرضى
وإن استأجره أي الجمل لحمل زاد فأكل المستأجر منه أي من الزاد في الطريق
____________________
(3/561)
فله أي للمستأجر رد عوضه أي عوض ما أكل لأن المستحق عليه حمل معلوم في جميع الطريق فله استيفاؤه
وعند الشافعي في الأظهر لا يرده ولو شرط رده صح بالإجماع ولو شرط عدمه لا يصح بالإجماع
ولو قال لغاصب داره فرغها أي الدار وإلا أي وإن لم تفرغ فأجرها كل شهر كذا فلم يفرغ الغاصب بعد ذلك بل مكث فيها أياما فعليه أي الغاصب المسمى أي الذي سماه له المالك من الأجر لوجود الالتزام بسبب عدم التفريع فإن جحد الغاصب ملكه أي كون الدار ملك من يدعيها أو لم يجحد لكن قال لا أريدها أي الدار بالأجر فلا عليه المسمى لأنه حينئذ لا يكون ملتزما بالإجارة
وإن وصلية برهن المدعي على ملكه بعد جحده أي بعد جحد الغاصب لأن البينة بعد ذلك لا تفيد في حق الإجارة وكذا لا يلزم عليه الأجر إذا أقر بالملك له لكن قال له لا أريد بالإقرار الأجر لعدم رضاه صريحا بالإجارة ومن آجر ما استأجره بأكثر من الأجر الأول يتصدق بالفضل لأنه ربح ما لم يقبضه وعند الشافعي يطيب له الفضل هذا إذا كانت الأجرة الثانية من جنس الأولى لأنه لو لم تكن من جنسها طاب الفضل اتفاقا ذكره الطحاوي كما في شرح المجمع قال المولى خسرو جاز للمستأجر أن يؤجر الأجير من غير مؤجره ولا يجوز أن يؤجره لمؤجره لأن الإجارة تمليك المنفعة والمستأجر في حق المنفعة قائم مقام المؤجر فيلزم تمليك المالك وفي المنح تفصيل فليراجع
وفي الغرر وكله لاستئجار دار ففعل وقبض الوكيل ولم يسلمها إلى الموكل حتى مضت المدة رجع الوكيل بالأجر على الآمر كذا إن شرط تعجيل الأجر وقبض الوكيل ومضت المدة ولم يطلب الآمر وإن
____________________
(3/562)
طلب الآمر وأبى ليعجل لا يرجع
وتصح الإجارة حال كونها مضافة إلى زمان في المستقبل بأن قال مثلا إذا جاء رأس الشهر فقد آجرتك هذه الدار بكذا إلى سنة هذا عندنا لأن مطلقها يقع مضافا لأن انعقادها يتجدد بحسب ما يحدث من المنفعة على ما عرف فوقوع المقيد أولى بالجواز خلافا للشافعي لأن المنفعة عنده كالعين فأشبه بيع العين
وكذا يصح فسخها أي فسخ الإجارة كما إذا قال فاسختك هذه الإجارة رأس الشهر الآتي ولو قال إذا جاء رأسه فقد فاسختك لم يجز
وقال السرخسي جاز والفتوى على الأول وفي العمادي أنه لا يصح إجماعا
و كذا تصح المزارعة والمعاملة أي المساقاة أيضا بالإضافة كما إذا قال دفعت إليك هذه الأرض أو الأشجار للزراعة أو العمل فيها بعد شهر من هذا الوقت لأن كلا منهما إجارة و كذا المضاربة كما إذا دفع عشرة دراهم إلى فلان وقال بعد ما صارت بالعشرة عشرين اعمل به مضاربة بالنصف فإنه لم يصر مضاربا إلا عند صيرورتها عشرين درهما والوكالة كما إذا قال بع عبدي غدا فإنه يصير وكيلا لا يصح تصرفه إلا بعد الغد واختلف في العزل قبله وصح الرجوع إجماعا بشرط علم الوكيل لأنهما من باب الإطلاق كالطلاق والعتق والوقف والكفالة بأن قال ما ثبت لك على فلان فعلي لأنها التزام المال ابتداء فتجوز إضافتها والإيصاء أي جعل الغير وصيا بأن قال إذا مت فأنت وصي فيما أخلف إذ الإيصاء لا يتصور في الحال إلا إذا جعل مجازا عن الوكالة والوصية بأن قال فثلث مالي لفلان لأنها تمليك بعده والقضاء والإمارة كما بيناه في القضاء والطلاق بأن قال لامرأته إن قدم فلان فأنت طالق لا تطلق حتى يجيء والعتق بأن قال لعبده أنت حر إذا جاء رأس الشهر
____________________
(3/563)
والوقف كما إذا قال أرضي هذه موقوفة غدا
وفي القهستاني وتصح العارية والإذن في التجارة مضافين كما في العمادي وفيه إشعار بأنه لم يصح تعليق كل منها وقد صح تعليق المزارعة والمساقاة كما في النهاية وينبغي أن لا يصح فسخ كل منها غير الإجارة مضافا انتهى
لا يصح كل واحد من البيع وإجازته وفسخه والقسمة والشركة والهبة والنكاح والرجعة والصلح عن مال وإبراء الدين حال كونه مضافا إلى زمان في المستقبل لأن هذه الأشياء تمليك وقد أمكن تنجيزها للحال فلا حاجة إلى الإضافة كما في التبيين
وفي التنوير فسخ العقد بعد تعجيل البدل فللمعجل حبس البدل حتى يستوفي مال البدل كما في التبيين استأجر مشغولا وفارغا صح في الفارغ فقط المستأجر فاسدا إذا أجاز صحيحا جازت وقيل لا
وفي الغرر المستأجر لا يكون خصما لمدعي الإجارة والرهن والشراء بخلاف المشتري
____________________
(3/564)
كتاب المكاتب أورد عقد الكتابة بعد عقد الإجارة لمناسبة أن كل واحد عقد يستفاد به المال بمقابلة ما ليس بمال على وجه يحتاج فيه إلى ذكر العوض بالإيجاب والقبول بطريق الأصالة وبهذا وقع الاحتراز عن البيع والهبة والطلاق والعتاق يعني قولنا بمقابلة ما ليس بمال خرج به البيع والهبة بشرط العوض وقولنا بطريق الأصالة خرج به النكاح والعتاق على مال فإن ذكر العوض فيها ليس بطريق الأصالة قيل الأنسب أن يذكر عقيب العتاق لأن الكتابة مآلها الولاء والولاء حكم من أحكام العتق أيضا لكن لا نسلم ذلك لأن العتق إخراج الرقبة عن الملك بلا عوض والكتابة ليست كذلك بل فيها ملك لشخص ومنفعة لغيره وهو أنسب للإجارة لأن نسبة الذاتيات أولى من العرضيات كما في العناية لكن في حاشية المولى سعدي كلام فليطالع والمكاتب هو مفعول من كاتب مكاتبة والمولى مكاتب بكسر التاء وأصله من الكتب وهو الجمع ومنه كتبت القرية إذا أحرزتها والكتيبة هي الطائفة المجتمعة من الجيش والكتاب لأنه يجمع الأبواب والفصول والكتابة لأنها تجمع الحروف ويسمى هذا العقد كتابة ومكاتبة لأن فيه ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة أو لأن فيه جمعا بين نجمين فصاعدا أو لأن كلا منهما يكتب الوثيقة الكتابة في اللغة مصدر كتب
وفي الشرع تحرير المملوك يدا أي من جهة
____________________
(4/3)
اليد في الحال ورقبة أي من جهة الرقبة في المآل أي في المستقبل لأن المكاتب لا يتحرر رقبة إلا إذا أدى بدل الكتابة وأما في الحال فهو حر من جهة اليد فقط حتى يكون أحق بكسبه ويجب على المولى الضمان بالجناية عليه أو على ماله ولهذا قيل المكاتب طار عن ذل العبودية ولم ينزل في ساحة الحرية فصار كالنعامة إن استطير تباعر وإن استحمل تطاير ثم شرط الكتابة أن يكون الرق قائما بالمحل وأن يكون البدل معلوم القدر والجنس وسببها رغبة المولى في بدل الكتابة عاجلا وفي ثواب العتق آجلا
ورقبة العبد في الحرية وركنها الإيجاب والقبول وحكمها من جانب العبد فكاك الحجر وثبوت حرية اليد في الحال حتى يكون العبد أخص بنفسه وكسبه من مولاه وألفاظها كاتبتك على كذا أو ما يقوم مقامه فمن كاتب مملوكه ولو وصلية صغيرا يعقل قيده لأنه إذا لم يعقل العقد لا يجوز اتفاقا لأنه ليس بأهل للقبول والعقد موقوف عليه بمال حال بأن يؤدي البدل عقيب العقد أو بمال مؤجل بأن يؤدي كله في مدة معلومة أو بمال منجم بأن يؤدي في كل شهر مقدارا معلوما من البدل الأولى بالواو كما في النهاية حيث قال وكون بدلها منجما ومؤجلا فليس بشرط عندنا تدبر فقبل المملوك ذلك صح العقد عندنا لإطلاق قوله تعالى فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا الآية فتناولت جميع ما ذكرنا من الحال والمؤجل والمنجم والصغير والكبير وكل من يتأتى منه الطلب أو لا لأنه عقد معاوضة والبدل معقود عليه فأشبه الثمن في عدم اشتراط القدرة عليه لأن توهم القدرة كاف هنا كما في البيع وقيل يمكن أن يستقرض فيقدر على الأداء ولو كان مديونا للغير
وقال الشافعي لا تجوز كتابة الصغير لأنه ليس بأهل للتصرف وكذا لا تجوز عنده إلا منجما وأقله نجمان ليتمكن من التحصيل إذ القدرة على التسليم شرط لصحة العقد لكن قيد التأجيل زيادة على النص فرد كما في سائر المعاوضات والأمر في هذه الآية ليس أمر إيجاب بإجماع بين الفقهاء وإنما هو أمر ندب هو الصحيح وفي الحمل على الإباحة ألغى الشرط إذ هو مباح بدونه وأما نالندبية فمتعلقة به والمراد بالخير المذكور على ما قيل أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق فإن كان يضر بهم فالأفضل أن لا يكاتبه وإن كان يصح لو فعله وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه فلا بد من التزامه ولا يعتق إلا بأداء كل البدل لقوله عليه الصلاة والسلام أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد
____________________
(4/4)
وقال صلى الله تعالى عليه وسلم المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وفيه اختلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم وما اخترناه قول زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه ويعتق بأدائه وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح كما في البيع خلافا للشافعي ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع كما في الهداية
وقال الشافعي يجب عليه حط ربع البدل
وكذا لو قال المولى جعلت عليك ألفا تؤديه نجوما أي متفرقا على النجم أولها أي أول النجوم كذا من الدرهم وآخرها كذا منها فإذا أديته أي الألف فأنت حر وإن عجزت فقن أي فأنت قن على حالك فقبل العبد ذلك صح العقد وصار مكاتبا والقياس أن لا يجوز لأن فيه تعليق العتق بأداء المال وهو لا يوجب الكتابة وجه الاستحسان أن العبرة للمعاني وقد أتى بمعنى الكتابة مفسرا فينعقد به قيل قوله جعلت عليك يحتمل عقد الكتابة ويحتمل الضريبة على العبد فلا تتعين جهة الكتابة إلا بقوله فإن أديته فأنت حر فيكون قوله وإن عجزت فقن حثا للعبد على الأداء
ولو قال المولى إذا أديت إلي ألفا كل شهر مائة فأنت حر فهو تعليق يعني يكون إعتاقا بالمال لا بالمكاتبة في رواية أبي حفص قال فخر الإسلام وهو الأصح لأن التنجيم ليس من خواص الكتابة حتى يجعل تفسيرا لها لأنه يدخل في سائر الديون وقد تخلو الكتابة عنه ولم يوجد لفظ يختص بالكتابة ليكون تفسيرا لها فلا يكون مكاتبا وقيل مكاتبة وهو رواية أبي سليمان لأن التنجيم يدل على الوجوب لأنه يستعمل للتيسير وذلك في المال ولا يجب المال إلا بالكتابة لأن المولى لا يستوجب على عبده دينا إلا في الكتابة وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب عن يد المولى لأن موجب الكتابة مالكية اليد في حق المكاتب ولهذا ليس له المنع
____________________
(4/5)
من الخروج والسفر دون ملكه أي لا يخرج من ملك المولى لما رويناه ثم فرع عليه بقوله فإن أتلف المولى ماله أي مال المكاتب ضمنه أي ضمن المولى ما أتلفه لكونه أجنبيا في مال كسبه
وكذا ضمنه إن وطئ المولى المكاتبة أي يغرم العقر لأنها تخرج بعقد الكتابة من يد المولى فصار كالأجنبي في حق نفسها أو جنى المولى عليها أي على المكاتبة أو على ولدها أي يغرم المولى أرش الجناية لها ولولدها لكونه أجنبيا في حقها وولدها
وإن كاتبه أي إن كاتب المولى عبده على قيمته بأن قال كاتبتك على قيمتك فسدت الكتابة لأن القيمة مجهولة قدرا وجنسا ووصفا فتفاحشت الجهالة وصار كما إذا كاتب على ثوب أو دابة ولأن الكتابة على القيمة تنصيص على ما هو موجب العقد الفاسد لأنه موجب للقيمة فإن أداها أي القيمة عتق العبد لكونها بدلا معنى
وكذا تفسد الكتابة لو كاتبه على عين لغيره بأن قال كاتبتك على هذا العبد وهو مملوك لغيره يتعين صفة عين بالتعيين كالثوب والعبد وغيرها من المكيل والموزون غير النقدين في ظاهر الرواية لعدم القدرة على تسليم ملك الغير
وعن الإمام يجوز إن قدر على تسليمها بأن يملكها وفيه إشارة إلى أنه لو كاتب على دراهم أو دنانير بعينها وهي لغيره جاز لأنها لا تتعين في المعاوضات فيتعلق بدراهم دين في الذمة لا بدراهم الغير فيجوز أو على مائة دينار ويرد السيد عليه أي العبد عبدا غير معين أي لو كاتبه على مائة على أن يرده سيده عبدا بغير عينه بأن قال أد إلي مائة دينار على أن تأخذ مني عبدا بغير عينه فأنت حر فالكتابة فاسدة عند الطرفين بناء على أن استثناء العبد من المائة لا يصح لانعدام شرطه وهو المجانسة وإنما يصح استثناء قيمته ولكنها مجهولة لاختلاف المقومين فيها وعند أبي يوسف تجوز الكتابة وتقسم المائة على قيمة المكاتب وقيمة عبد وسط فيسقط قسط العبد أي حصته والباقي من المائة بعد حصته بدل الكتابة يعني إذا كان بدل الكتابة مائة وقيمة المكاتب خمسين وقيمة العبد خمسين يجب على المكاتب أداء خمسين ويسقط خمسون لأن كل ما
____________________
(4/6)
جاز إيراد العقد عليه جاز استثناؤه منه وتجوز الكتابة على عبد فكذا يجوز استثناؤه هذا في عبد غير معين حتى لو شرطه أن يرد عبدا معينا صح اتفاقا
وإن كاتب المسلم عبده بخمر أو خنزير فسد العقد سواء كان العبد مسلما أو كافرا لأنهما ليسا بمال فلا يصلحان للعوض في عقد المعاوضة وكذا لو كان المولى ذميا والعبد مسلما لأن إسلام أحد الطرفين يمنع صحة العقد فإن أداه أي إن أدى المكاتب الخمر أو الخنزير عتق العبد ولزمه قيمة نفسه هذا في ظاهر الرواية سواء أتى بالشرط بأن قال إن أديت الخمر فأنت حر أو لم يأت به لأنها مال في الجملة وإن لم يكن لها قيمة في حق المسلمين
وقال زفر لا يعتق إلا بأداء قيمة نفسه لأن البدل في الكتابة الفاسدة هو القيمة
وعن أبي يوسف أنه يعتق بأداء الخمر لأنه بدل صورة ويعتق بأداء القيمة أيضا لأنه هو البدل معنى
وعن الطرفين أنه يعتق بأداء عين الخمر إذا قال إن أديتها إلي فأنت حر باعتبار أنه معلق بالشرط وقد وجد الشرط والكتابة على ميتة أو دم باطلة لأنهما ليسا بمال أصلا عند أحد فلا يعتق بأداء المسمى لعدم انعقاد الكتابة ببطلانها فلا يلزم على المكاتب شيء
وفي الاختيار ولو علق العتق بأدائها عتق بالأداء لوجود الشرط وتجب القيمة أي قيمة العبد في الكتابة الفاسدة لأن الواجب رد رقبته لفساد العقد وقد تعذر بالعتق فوجب رد قيمته بالغة ما بلغت لأن المولى لم يرض بالنقصان والعبد رضي بالزيادة لئلا يبطل حقه في العتق لأن عتقه أولى له من الرقبة إلى آخر عمره وعن هذا قال ولا تنقص القيمة عن المسمى لما مر أن المولى لم يرض بالنقصان وتزاد القيمة عليه أي على المسمى إن كانت زائدة عليه فيسعى في قيمة نفسه بالغة ما بلغت لما مر قيل هذه المسألة متعلقة بمسألة الخمر لأن بدل الكتابة في الفاسدة هو قيمة المكاتب
____________________
(4/7)
وقيل هذه مسألة مبتدأة لا تعلق لها بمسألة الخمر لأن وضع المسألة فيما إذا كاتب عبده بألف على أن يخدمه أبدا فالعقد فاسد فتجب القيمة فإن كانت ناقصة عن ألف لا تنقص وإن زائدة زيدت عليه وقيل هذه مسألة لها نوع تعلق بما قبلها غير مختصة لأن القيمة في الكتابة الفاسدة من جنس المسمى فقيمة المكاتب إن كانت ناقصة عن المسمى لا تنقص منه وإن زائدة زيدت عليه
وصحت الكتابة على حيوان ذكر جنسه فقط كالعبد والفرس لا وصفه كالجيد والرديء ولا بد للمصنف أن يذكر النوع بأن يقول ولا نوعه كما في أكثر المعتبرات لأن الكتابة بدون ذكر النوع كالتركي والهندي جائزة لأنها مبادلة مال بمال من حيث إن العبد مال في حق المولى ومبادلة مال بما ليس بمال من حيث إن العبد ليس بمال في حق نفسه فتقع الكتابة بين الجواز والفساد فحمل على الجواز فالجهالة بعد ذكر الجنس لا تضر لكونها يسيرة لأن مبناها على المسامحة
وقال الشافعي لا يجوز هذا العقد للجهالة ولزم المكاتب الوسط أي الحيوان الوسط أو قيمته أي قيمة الوسط لأن كل واحد أصل من وجه فالعين أصل تسمية والقيمة أصل أيضا لأن الوسط لا يعلم إلا بها فاستويا فيخير ويجبر المولى على قبول ما أدى
وصح كتابة كافر عبده الكافر بخمر مقدر لأنها مال عندهم بمنزلة الخل عندنا وإنما قال مقدر ولم يقل مقدرة بناء على ما قاله صاحب القاموس إنه قد يذكر وأي من السيد وعبده أسلم فللسيد قيمتها أي قيمة الخمر لأن المسلم ممنوع عن تمليك الخمر وتملكها وعتق العبد بأداء عينها أي الخمر لأن الكتابة عقد معاوضة وسلامة أحد العوضين لأحدهما يوجب سلامة العوض الآخر للآخر وإذا أدى الخمر عتق أيضا لتضمن الكتابة تعليق العتق بأداء الخمر إذ هي المذكورة في العقد كما في الرمز
وفي شرح الطحاوي والتمرتاشي لو أدى الخمر لا يعتق ولو أدى القيمة يعتق
وفي الغرر وصحت على خدمة شهر للمولى أو لغيره أو حفر بئر أو بناء دار إذا بين قدر المعمول والأجر بما يرفع النزاع ولا تفسد الكتابة بشرط إلا أن يكون في صلب العقد
____________________
(4/8)
9 باب تصرف المكاتب له أي للمكاتب أن يبيع ويشتري ويسافر لأنه لا يقدر على تحصيل البدل إلا بها وقوله وإن وصلية شرط عدمه أي عدم سفر المكاتب متصل بما قبله أي له أن يسافر وإن شرط عليه المولى أن لا يخرج من البلد استحسانا لكونه شرطا مخالفا لمقتضى عقد الكتابة
وعند مالك والشافعي في قول لا يسافر إلا بإذنه وهو القياس ويزوج أمته أي للمكاتب أن يزوج أمته بالإجماع لما مر أنه من باب الاكتساب بأخذ المهر والخلاص عن نفقتها
و له أن يكاتب عبده أو أمته استحسانا لكونها اكتسابا بأخذ بدل الكتابة أيضا فيكون داخلا في العقد كالبيع بل هو أنفع منه لأن الكتابة لا تزيل الملك إلا بعد وصول البدل والبيع يزيل قبل وصوله
وقال زفر ليس له ذلك وهو القياس وبه قال الشافعي وأحمد لأن المآل هو العتق والمكاتب ليس من أهله فإن أدى المكاتب الثاني بدل الكتابة بعد عتق المكاتب الأول فولاؤه أي المكاتب الثاني له أي للمكاتب الأول لأنه صار أهلا بعد العتق
وإن أدى المكاتب الثاني بدل الكتابة قبله أي قبل عتق المكاتب الأول فللسيد أي ولاء المكاتب الثاني لسيد المكاتب الأول لتعذر جعل المكاتب معتقا له لعدم أهليته الإعتاق فيخلفه فيه أقرب الناس إليه وهو مولاه ولو أدى الأول بعد ذلك لا ينتقل الولاء إليه لأن المولى جعل معتقا والولاء لا يتحول عن المعتق إلى غيره ولو أديا معا فولاؤهما للمولى لكونه أصلا
وليس له أي للمكاتب أن يتزوج بلا إذن من المولى لأنه ليس من الاكتساب لما فيه من شغل ذمته بالمهر والنفقة ويجوز بإذنه لأن الحجر لأجله فإذا أذن جاز ولا أن يهب لأنها تبرع
ولو وصلية بعوض لأنها تبرع ابتداء ولا يتصدق لأنه تبرع أيضا إلا بيسير منهما لأنهما من ضرورات التجارة ولا يكفل
____________________
(4/9)
مطلقا سواء كان في المال أو في النفس بأمر أو بغير أمر لأنها تبرع محض ولا يقرض ولا يعتق ولو وصلية بمال لأنه ليس بأهل ولا يزوج عبده لأنه تعييب له ونقص لماليته لكونه شاغلا لرقبته بالمهر والنفقة ولا يبيعه من نفسه لأن بيع العبد من نفسه إعتاق فلا يملكه
والأب والوصي في رقيق الصغير الذي تحت حجرهما كالمكاتب في التصرفات المذكورة من تزويج الأمة وكتابة رقيق الصغير لا على إعتاقه على مال ولا بيعه من نفسه ولا تزويج عبده ولا يملك العبد المأذون شيئا من ذلك عند الطرفين وعند أبي يوسف له أي للمأذون تزويج أمته وعلى هذا الخلاف المضارب والشريك شركة عنان ومفاوضة لهما أنهم لا يملكون شيئا مما ذكر وإنما يملكون التجارة والتزويج والكتابة ليسا منها وهذا لأن التجارة مبادلة المال بالمال والبضع ليس بمال وكذا المكاتبة لأن المال مقابل بفك الحجر في الحال وهو ليس بمال فلا يملكونه وله أنهم يملكون تزويج الأمة لأن فيه منفعة على ما بينا
وإن اشترى المكاتب قريبه ولادا دخل في كتابته لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن أهلا للعتق فيجعل مكاتبا معه تحقيقا للصلة بقدر الإمكان فيدخلون في كتابته تبعا له وأقواهم دخولا الولد المولود في الكتابة ثم الولد المشترى ثم الوالدان وعن هذا يتفاوتون في الأحكام فإن الولد المولود في الكتابة يكون حكمه كحكم أبيه حتى إذا مات أبوه ولم يترك وفاء يسعى على نجوم أبيه والولد المشترى يؤدي بدل الكتابة حالا وإلا يرد في الرق والوالدان يردان في الرق كما مات ولا يؤديان حالا ولا مؤجلا
ولو اشترى المكاتب ذا رحم محرم غير الولاد كالأخ وابنه والعم وابنه لا يدخل فيجوز له بيعه
____________________
(4/10)
عند الإمام لأن المكاتب لا ملك له حقيقة إلا أنه يقدر على الكسب فالمكاتب فقير كاسب وهذه القدرة تكفي للصلة في قرابة الولاد لا في غيرها ولذا تجب نفقة الأولاد والوالدين على من يقدر الكسب ولو كان فقيرا وأما نفقة الأخ والعم فتجب على الغني لا على الكاسب الفقير
____________________
(4/11)
خلافا لهما فإنهما قالا يدخل في كتابته بالشراء فلا يجوز بيعه لأن وجوب الصلة يشمل القرابة المحرمية ولذا يعتق على الحر كل ذي رحم محرم وتجب نفقتهم عليه ولا يرجع فيما وهبه لهم ولا تقطع يده إذا سرق منهم ونحو ذلك من الأحكام وعند الأئمة الثلاثة لو اشترى بلا إذن السيد لا يكاتب ولا يصح شراؤه وبالإذن يصح هذه المسألة تذكر في العتاق فلو اقتصر على إحداهما لكان أخصر
وإن اشترى المكاتب أم ولده أي امرأته المنكوحة المملوكة للغير مع ولدها منه دخل الولد في الكتابة تحقيقا للصلة كما مر ولا تباع الأم لأن الولد لما دخل في كتابته امتنع بيعه فتتبعه أمه في امتناع البيع فامتنع بيعها لأنها تبع له قال عليه الصلاة والسلام أعتقها ولدها ولا تدخل في كتابته حتى لا تعتق بعتقه ولم ينفسخ النكاح لأنه لم يملكها فجاز له أن يطأها بملك النكاح وكذا المكاتبة إذا اشترت زوجها غير أنها لها أن تبيعه كيف ما كان لأن الحرية لم تثبت من جهتها كما في التبيين وإن لم يكن الولد معها أي مع أم الولد جاز بيعها لعدم دخولها في كتابته قياسا عند الإمام لأن ما كسبه المكاتب متردد بين أن يؤدي وبين أن يعجز فإن أدى الكل يتقرر له وإن عجز يتقرر له للمولى فلا يتعلق به ما لا يحتمل الفسخ وهو أمومية الولد خلافا لهما فإن عندهما لا يجوز بيعها لكونها أم ولده وبه قال الشافعي في قول وولده أي ولد المكاتب من أمته يدخل في كتابته لأنه بالدعوة ثبت نسبه منه فيتبعه في الكتابة وكسبه أي كسب الولد له أي للمكاتب لأنه في حكم مملوكه وكان كسبه له وكذا المكاتبة إذا ولدت ولدا فالحكم كما سبق
ولو زوج المكاتب أمته من عبده ثم كاتبهما أي كاتب المكاتب العبد والأمة فولدت الأمة يدخل الولد في كتابة الأم وكسبه أي كسب الولد لها أي للأم لأن تبعية الأم أرجح ولهذا يتبعها في الكتابة والرق كما مر في العتاق حتى لو قتل الولد تكون قيمته للأم دون الأب
ولو نكح أي تزوج مكاتب بالإذن أي بإذن المولى امرأة زعمت أنها حرة فولدت من المكاتب فاستحقت أي ثم استحقت بولدها فولدها عبد وكذا إن ولدت من عبد فولدها عبد عند الشيخين لكونه مولودا من المملوكين فيكون رقيقا إذ الولد يتبع الأم في الرق والحرية كما مر مرارا وهو القياس وتركنا هذا في ولد الحر بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأن حق المولى مجبور بقيمة واجبة في الحال بخلاف ولد المكاتب والعبد لأن قيمته متأخرة إلى العتق هكذا ذكروا هنا لكن في التبيين هذا مشكل جدا فإن دين العبد إذا لزمه بسبب أذن فيه المولى يظهر في حق المولى ويطالب به للحال والموضوع هنا مفروض فيما إذا كان بإذن المولى وإنما يستقيم هذا إذا كان التزوج بغير إذن المولى لأنه لا يظهر الدين فيه في حق المولى فلا يلزم المهر ولا قيمة الولد في الحال انتهى
لكن يمكن الجواب بأنه ليس فيه دين كسائر الديون حتى يقاس عليه لأن المولى أذن بالتزوج المقيد بكونها حرة لا مطلقا فالمغرور حينئذ هو العبد فلا يوجب أن يلزم على المولى
____________________
(4/12)
ما يلزم على العبد عند كون ابنه حرا لأن الغرم بالغنم ولا غنم للمولى حتى يجب الضمان ولأن ولد المكاتب ليس في معنى الحر لأنه خلق من ماء الرقيق وولد الحر خلق من ماء الحر فافترقا من هذا الوجه فلا يلحق بولد الحر المغرور بالقياس والدلالة تدبر
وعند محمد وزفر والأئمة الثلاثة حر بالقيمة وتؤخذ منه أي من المكاتب قيمته أي قيمة الولد بعد عتقه لأنه شارك الحر في سبب ثبوت هذا الحق وهو الغرور فإنه لم يرغب في نكاحها إلا لينال حرية الأولاد فيلحق بولد الحر والمغرور إلا أن قيمته تطالب بعد العتق كما في أكثر الكتب لكن في التبيين ولدها حر بالقيمة يعطيها للمستحق في الحال إذا كان التزوج بإذن المولى وإن كان بغير إذنه يعطيها بعد العتق ثم يرجع هو بما ضمن من قيمة الولد على الأمة المستحقة بعد العتق إن كانت هي الغارة له انتهى
فعلى هذا يلزم المصنف التفصيل تتبع
وإن وطئ المكاتب أمة بملك أي إذا اشترى المكاتب فوطئها بغير إذن سيده وإنما اقتصر بغير إذنه مع أن المسألة على حالها مع الإذن ليفهم منه ما إذا كان بإذنه بالطريق الأولى فاستحقت أي الأمة أخذ منه أو من المكاتب عقرها في الحال من غير تأخير إلى العتق
وكذا إن شراها أي شرى المكاتب أمة شراء فاسدا فوطئها فردت بحكم الفساد أخذ منه عقرها في الحال أيضا من غير تأخير إلى العتق وإن وطئها أي المكاتب الأمة بنكاح بأن تزوجها بغير إذن المولى فاستحقت لا يؤخذ منه العقر إلا بعد عتقه بالإجماع والفرق أن في الوجهين الأولين ظهر الدين في حق المولى لأن التجارة وتوابعها داخلة تحت الكتابة والعقر من توابعها
وفي الوجه الثاني لم يظهر لأن النكاح ليس من الاكتساب في شيء فلا تنتظمه الكتابة فلا يظهر في حق المولى كما في أكثر الكتب
وقال صدر الشريعة ولقائل أن يقول إن العقر ثبت بالوطء لا بالشراء والإذن بالشراء ليس إذنا بالوطء والوطء ليس من التجارة في شيء فلا يكون العقر ثابتا في حق المولى انتهى
وقال يعقوب باشا هذا القول ليس بظاهر لأن وجوب العقر مبني على سقوط الحد وسقوطه مبني على الملك والملك مبني على الشراء وهو مأذون فيه فيكون مأذونا فيما سبق فيما يتعلق انتهى لكن الإذن بالشيء إنما يكون إذنا بما يتعلق به إذا كان ما يتعلق به من لوازمه والوطء ليس كذلك فالأظهر أن الوطء وإن لم يكن من التجارة في شيء لكن سببه الذي هو الشراء
____________________
(4/13)
منها وتنزيل السبب منزلة المسبب من القواعد المقررة عندهم تأمل
ومثله أي مثل المكاتب في الحكم المذكور المأذون له في التجارة قيل هذا إذا كانت الأمة المنكوحة ثيبا أما لو كانت بكرا يؤخذ بالعقر حالا وكذا لو نكحها بإذن مولاه يؤخذ بالمهر في الحال
فصل وإذا ولدت المكاتبة من مولاها فلها الخيار إن شاءت مضت على الكتابة أو إن شاءت عجزت من التعجيز نفسها مفعول عجزت لأنه تلقتها جهتا حرية عاجلة ببدل وهي الكتابة وآجلة بغير بدل وهي أمومية الولد فتختار أيهما شاءت وهي أي المكاتبة أم ولده سواء صدقته إذا ادعى أو كذبته لأن للمولى حقيقة الملك في رقبتها ولها حق الملك والحقيقة راجحة فثبت من غير تصديق بخلاف ما إذا ادعى ولد جارية المكاتب حيث لا يثبت النسب من المولى إلا بتصديق المكاتبة بخلاف ما إذا ادعى جارية ابنه يثبت نسبه بمجرد الدعوى ولا يحتاج إلى تصديق الابن وإذا مضت على الكتابة يعني إذا اختارت الكتابة ومضت عليها أخذت أي أم الولد منه أي مولاه عقرها أي مهر مثلها لأنها مختصة بنفسها بالكتابة فصار المولى كالأجنبي في حق نفسها
وإن مات المولى بعد مضيها على الكتابة عتقت بالاستيلاد وسقط عنها البدل لأن كتابتها بطلت وانتفت الفائدة في إبقائها لأنها تعتق مجانا من جهة كونها أم ولد
وإن ماتت المكاتبة وتركت مالا أديت منه أي من المال كتابتها وما بقي من المال ميراث لابنها لثبوت عتقها في آخر جزء من حياتها وإن لم تترك مالا فلا سعاية على هذا الولد لأنه حر قيل لو قال لولدها لكان أشمل للبنت انتهى لكن الابن يأخذ جميع المال وليست البنت كذلك لأنها تأخذ النصف والآخر للمولى ومراد المصنف ما يأخذ الجميع وهو الابن فقط لأنه قال وما بقي أي مجموع ما بقي تأمل
____________________
(4/14)
ولا يثبت نسب من تلده بعده أي بعد الولد الأول بلا دعوة بل هو مثلها أي مثل أم الولد في الحكم لحرمة وطئها عليه وولد أم الولد إنما يثبت نسبه من غير دعوة إذا لم يحرم على المولى وطؤها وإن حرم فلا يلزمه حتى إذا عجزت نفسها وولدت بعد ذلك في مدة يمكن العلوق بعد التعجيز ثبت نسبه من غير دعوة إلا إذا نفاه صريحا كسائر أمهات الأولاد ولو لم يدع الولد الثاني وماتت من غير وفاء سعى هذا الولد في بدل الكتابة لأنه مكاتب تبعا لها ولو مات المولى بعد ذلك عتق وبطلت عنه السعاية لأنه في حكم أمه
وإن كاتب شخص مدبره أو أم ولده صح ما فعله من الكتابة لقيام الملك فيهما وإن كانت أم الولد غير متقومة عند الإمام فإن مات المولى عتقت أم الولد المكاتبة مجانا أي بغير شيء لأنها عتقت بالاستيلاد والبدل وجب لتحصيل العتق وقد حصل ويسلم لها الأولاد والأكساب لأنها عتقت وهي مكاتبة وملكها يمنع من ثبوت ملك الغير فيه فصار كما إذا أعتقها المولى في حال حياته والمدبر المكاتب يسعى بعد موت المولى في جميع بدل كتابته إن شاء أو يسعى في ثلثي قيمته إن كان المولى يموت معسرا عند الإمام لأنه استحق حرية الثلث ظاهرا فالإنسان لا يلتزم المال في مقابلة ما يستحق حريته مجانا فيبقى البدل جميعا في مقابلة ثلثي الرقبة كما إذا طلق امرأته ثنتين ثم طلقها ثلاثا على ألف يصير كل الألف في مقابلة الواحدة الباقية بخلاف ما إذا تقدمت الكتابة لأن البدل يقابل بكل الرقبة لا بثلثيها إذ لا استحقاق عند عقد الكتابة في شيء من الحرية وعند أبي يوسف يسعى من الأقل من البدل أو من ثلثي قيمته لكون الأقل نافعا وعند محمد يسعى في الأقل من ثلثي البدل أو من ثلثي القيمة لأن المدبر يعتق ثلث
____________________
(4/15)
رقبته مجانا فتسقط حصته من بدل الكتابة كما تسقط من قيمته فيبقى الثلثان من البدل فصار الاختلاف بينهم فالخيار عند الإمام فرع التجزؤ وعدم الخيار عندهما لعدم التجزؤ لما بين في موضعه وإنما وضع المسألة في المعسر لأنه إن كان له مال غيره وهو يخرج من الثلث عتق وبطل كتابته
وإن دبر المولى مكاتبه صح التدبير بالإجماع لأنه يملك تنجيز العتق فيه فيملك التعليق بشرط الموت ومضى عليها أي على الكتابة إن شاء أو عجز التعجيز نفسه وصار مدبرا لأن الكتابة عقد غير لازم في حق العبد وإن كان لازما في حق المولى فإن مضى عليها أي على الكتابة فمات سيده حال كونه معسرا يسعى المدبر في ثلثي البدل أو في ثلثي قيمته عند الإمام لأن الإعتاق متجزئ فيسقط من بدل الكتابة الثلث فيختار منهما ما شاء وعندهما يسعى في الأقل من ثلثي كل منهما لأن العاقل يختار أقل الدينين ضرورة فالخلاف في الخيار مبني على تجزؤ الإعتاق وعدم تجزئه أما المقدار هنا فمتفق عليه
وإن أعتق مكاتبه عتق لقيام الملك فيه وسقط عنه بدل الكتابة لأنه التزمه ليحصل العتق وقد حصل بدونه
وإن كوتب العبد على ألف مؤجل فصالح على نصفه حالا صح الصلح والقياس أن لا يجوز لأنه اعتياض بالمال الحال عن الآجل وهو ليس بمال والدين مال فكان ربا وبه قاله أبو يوسف وزفر والشافعي ومالك كما في عيون المذاهب وجه الاستحسان أن الأجل في حق المكاتب مال من وجه لأنه لا يقدر على الأداء إلا بالأجل دون وجه آخر وبدل الكتابة ليس بمال من وجه حيث لا تجوز الكفالة به دون وجه آخر فاستويا في كونهما مالا وغير مال
وإن مات مريض وهو الذي قد كان كاتب عبدا قيمته ألف فكاتبه على ألفين إلى سنة ولا مال له أي للمريض غيره أي غير العبد ولم تجز
____________________
(4/16)
الورثة ذلك أدى العبد المكاتب ثلثي البدل حالا و أدى الباقي إلى أجله أي عند انتهاء أجله أو رد رقيقا عند الشيخين لأن جميع المسمى بدل الرقبة وحق الورثة متعلق بجميع المبدل فيصير متعلقا بكل البدل ولذا يكون عتقه متعلقا بأداء الكل فلا يجوز في قدر الثلثين منه وعند محمد إن شاء يؤدي ثلثي قيمته وهي ألف للحال والباقي إلى أجله أو يرد رقيقا لأن المريض ليس له التأجيل في ثلثي القيمة إذ لا حق له فيه وأما في الزيادة فيجوز الترك فيصح بالتأخير
وإن كاتبه على ألف إلى سنة وقيمته ألفان ولم يجيزوا أي الورثة أدى ثلثي القيمة للحال أو رد إلى الرق اتفاقا يعني أنه يخير بين الأمرين لأن المحاباة هنا حصلت في القدر والتأخير فاعتبر الثلث فيهما أي يصح تصرفه في ثلث جميع قيمته في الإسقاط والتأخير لكن لما سقط ذلك الثلث لم يبق التأخير أيضا فلم يصح تصرفه في ثلثي القيمة لا في حق الإسقاط ولا في التأخير كما في المنح ومثلها أي مثل الكتابة البيع يعني إذا باع المريض داره بألفين إلى سنة وقيمتها ألف ثم مات ولم يجز الورثة فعندهما يقال للمشتري أد ثلثي جميع الثمن حالا والثلث إلى أجله وإلا فانقض البيع وعنده يعتبر الثلث بقدر القيمة لا فيما زاد عليه كما في الهداية
وإن كاتب حر عن عبد بألف وأدى الحر الألف عنه عتق ولا يرجع الحر به أي بالألف عليه أي على العبد لكونه متبرعا إذ لم يأمره بذلك صورة المسألة أن يقول الحر لمولى العبد كاتب عبدك على ألف درهم سواء شرط العتق
____________________
(4/17)
بأدائه بأن قال إن أديت إليك فهو حر أو لم يقل ذلك فكاتب المولى ثم أدى الحر الألف يعتق في الصورتين أما في الأولى فبحكم الشرط وأما في الثانية فلعدم توقف الكتابة المزبورة على قبول الغائب فيما ينفعه وهو صحة أداء الحر القابل بعد الكتابة استحسانا وفي القياس لا يعتق لأن الشرط معدوم والعقد موقوف على قبول العبد الغائب فيما يصيره وهو وجوب البدل عليه والموقوف لا حكم له
وإن قبل العبد حين بلوغ الكلام إليه قبل أداء الحر فهو أي العبد مكاتب لأن الكتابة كانت موقوفة على إجازته وقبوله إجازة وإنما قلنا قبل أدائه لأنه إن قبل بعد أداء الحر فلا يكون حكم المكاتب لوجود الحرية قيل إن قال العبد لا أقبله ثم أدى القابل لا يعتق لأن العقد ارتد برده
وإن كاتب المولى عبدا عن نفسه وعن آخر غائب بأن قال الحاضر لمولاه كاتبني بألف درهم على نفسي وعلى فلان الغائب فكاتبهما فقبل العبد الحاضر صح عقد الكتابة والقياس أن لا يجوز إلا عن نفسه لولايته عليها ويتوقف في حق الغائب لعدم الولاية وجه الاستحسان أن الحاضر أضاف العقد إلى نفسه ابتداء فجعل نفسه أصيلا والغائب تبعا فيصح كأمة كوتبت دخل أولادها تبعا حتى عتقوا بأدائها ولا يلزم عليها من البدل شيء وقبول الغائب ورده لغو إذ لا يتوقف في حقه ويؤخذ الحاضر بكل البدل لأن كل البدل عليه ولا يؤخذ الغائب بشيء من البدل لكون العقد نافذا على الحاضر ولو اكتسب الغائب شيئا ليس للمولى أن يأخذه وليس له أن يبيعه من غيره ولو أبرأه المولى أو وهبه مال الكتابة لا يصح لعدم وجوبه عليه ولو أبرأ الحاضر أو وهبه له عتقا جميعا ولو أعتق الغائب سقط عن الحاضر حصته من البدل وإن أعتق الحاضر أو مات سقطت حصة الحاضر وأدى الغائب
____________________
(4/18)
حصته حالا وإلا رد قنا وأيهما أي أي واحد من الاثنين وهما الحاضر والغائب أدى بدل الكتابة أجبر المولى على القبول أي على قبول المدفوع إليها أما الحاضر فلأن البدل عليه وأما الغائب فلأنه ينال به شرف الحرية وإن لم يكن البدل عليه وصار كمعير الرهن إذا أدى الدين يجبر المرتهن على القبول لحاجته إلى استخلاص عينه وإن لم يكن الدين عليه وعتقا أي الحاضر والغائب جميعا لوجود الشرط في حقهما وهو أداء بدل الكتابة ولا يرجع أحدهما على الآخر بما أدى إلى المولى من بدل الكتابة أما الحاضر فلأنه قضى دينا عليه وأما الغائب فلأنه أدى بغير أمره
وكذا لو كاتبهما معا أي لو كاتب عبديه كتابة واحدة إن أديا عتقا وإن عجزا ردا إلى الرق ولا يعتقان إلا بأداء الجميع لأن الكتابة واحدة وشرطها فيهما معتبر وأيهما أدى أجبر المولى على القبول وعتقا ولا يعتق أحدهما بأداء حصته لأنهما كشخص واحد بخلاف ما لو كانا أي العبدان لاثنين أي لرجلين وكاتباهما كذلك فكل واحد منهما مكاتب لحصته يعتق بأدائها لأن كل واحد من السيدين إنما استوجب البدل على مملوكه ويعتبر شرطه في مملوكه لا في مملوك غيره بخلاف المسألة الأولى لأن شرطه معتبر في حقهما لأنهما مملوكاه كما في الاختيار
ولو عجز أحدهما في المسألة الأولى فرد إلى الرق أما بتصالحهما أو رده القاضي ولم يعلم الآخر ثم أدى الآخر الكل عتقا جميعا لما مر أنهما كشخص واحد ولو ذكر هذه المسألة عقيب الأولى لكان أوضح وأنسب تدبر
وإن كاتبت أمة عنها وعن ولدين صغيرين لها جاز العقد استحسانا إذا قبلت الأمة وأي واحد من الثلاثة وهم الأم والابنان أدى أجبر المولى على القبول وعتقوا لأنها جعلت نفسها أصلا في الكتابة وأولادها تبعا ولو أعتق المولى الأم بقي عليهما من بدل الكتابة بحصتهما يؤديانه في الحال فيطالب المولى الأم بالبدل دونهما ولو أعتقهما سقط عنها حصتهما وعليها الباقي على نجومها كما مر في كتابة الحاضر والغائب ولا يرجع على غيره بشيء لكونه منتفعا بالأداء ومتبرعا في حق الغير
____________________
(4/19)
باب كتابة العبد المشترك بين الاثنين ذكر كتابة المشترك بعد غير المشترك لأن الاشتراك خلاف الأصل ولأن المشترك من غيره كالمركب من المفرد
ولو أذن أحد شريكين في عبد للآخر أن يكاتب حصته منه أي من العبد بألف درهم ويقبض البدل أي بدل الكتابة ففعل المأذون أي كاتب الشريك المأذون وقبض البعض أي بعض البدل فعجز المكاتب عن أداء باقيه فالمقبوض من البدل للقابض خاصة عند الإمام لأن الكتابة متجزئة على قوله لإفادتها الحرية يدا فيكون مقتصرا على نصيبه ودالا عن إذن للعبد بالأداء إليه فيكون متبرعا في نصيبه على القابض فيكون كل المقبوض له وقالا هو مكاتب بينهما وما أدى فهو بينهما لأن الإذن بكتابة نصيبه إذن بكتابة الكل لأن الكتابة لا تتجزأ عندهما كالحرية فيكون القابض أصيلا في بعض مقبوضه ووكيلا في بعضه لشريكه فيصير المقبوض مشتركا بينهما بعد العجز كما كان مشتركا قبل العجز أمة مشتركة لرجلين كاتباها فأتت بولد فادعاه أحدهما أي ادعى أحد الشريكين الولد ثم أتت بآخر أي بولد آخر فادعاه الشريك الآخر فعجزت الأمة عن أداء البدل فهي أي الأمة أم ولد الشريك الأول لأن دعوته صحيحة لقيام ملكه وكون استيلاده غير متجز إلا أن المكاتبة لا تقبل النقل من ملك إلى ملك فتقصر أمومية الولد على نصيبه كما في المدبرة المشتركة
____________________
(4/20)
وكذا دعوة الآخر صحيحة في ولدها الثاني ما دامت الأمة باقية على الكتابة لقيام ملكه ثم إن الكتابة لما جعلت كأن لم تكن بسبب العجز وقع وطء الآخر حقيقة في أم ولد الغير وظهر أن كل الأمة أم ولد للأول لزوال الكتابة المانعة من الانتقال ولتقدم وطئه وضمن الأول للثاني نصف قيمتها لأنه تملك نصيبه لما استكمل الاستيلاد و ضمن نصف عقرها لوطئه جارية مشتركة وضمن الثاني للأول تمام عقرها لأنه وطئ أم ولد الغير حقيقة
و ضمن قيمة الولد الثاني وهو أي الولد الثاني ابنه أي ابن الثاني لأنه بمنزلة المغرور لأنه حين وطئها كان ملكه قائما ظاهرا وولد المغرور ثابت النسب منه وحر بالقيمة كما عرف في موضعه وأيهما أي أي واحد من الشريكين دفع العقر إليها أي المكاتبة قبل العجز جاز دفعه لأنه حقها حال قيام الكتابة لاختصاصها بنفسها فإذا عجزت ترد إلى المولى لأنه ظهر اختصاصه بها هذا كله عند الإمام وعندهما كل الأمة أم ولد للأول حين ادعاه لأن تكميل أمومية الولد واجب بالاتفاق فيما أمكن بناء على أن استيلاد المكاتبة غير متجز والتكميل ممكن بسبب فسخ الكتابة بالاستيلاد فيما لا تتضرر به المكاتبة فينتقل نصيب الثاني إلى الأول كما ينتقل بفسخ الكتابة بالعجز و لا يثبت نسب الولد الثاني من الثاني لأن وطء الثاني صادف أم ولد الغير فلا يثبت نسب الولد منه ولا يضمن الثاني قيمته أي قيمة الولد ولا يكون حرا بالقيمة غير أنه لا يجب الحد عليه للشبهة وهي شبهة أنها مكاتبة بينهما وحكمه أي حكم الولد كأمه يعني يكون تابعا لأمه في الاستيلاد ويضمن تمام العقر لأن الحد لا يعرى عن أحد الغرامتين والحد مندرئ للشبهة فتحقق الغرامة ويضمن الأول للآخر نصف قيمتها مكاتبة عند أبي يوسف لأنه يملك نصيب شريكه وهي مكاتبة سواء كان موسرا أو معسرا لأنه ضمان التملك
و يضمن الأقل منه أي من نصف قيمتها ومن نصف ما بقي من البدل أي بدل الكتابة عند محمد لأن حق الآخر في نصف الرقبة نظرا إلى العجز وفي نصف البدل نظرا إلى الأداء فللتردد يلزم أقلهما لتيقنه
____________________
(4/21)
وإذا انفسخت الكتابة في حصة الشريك عندهما قبل العجز فكلها مكاتبة للأول بنصف البدل عند الشيخ أبي منصور وبكل البدل عند عامة المشايخ ولو لم يطأ الثاني الأمة المكاتبة المشتركة بعد استيلاد الأول بل دبرها فعجزت عن الكتابة بطل التدبير بالاجتماع لأن الأول تملك نصيب شريكه بالعجز من وقت وطئه على مذهب الإمام أو تملك كلها بالاستيلاد قبل العجز على مذهبهما فالتدبير يقع في ملك غيره وهي أي الأمة أم ولد الأول لزوال الكتابة المانعة بالعجز وللزوم استكمال الاستيلاد والولد له أي للأول لصحة دعوته وضمن الأول لشريكه نصف قيمتها لتملكه بالاستيلاد ونصف عقرها لوقوع الوطء في المشتركة
ولو أعتقها أحدهما أي أعتق أحد الشريكين الأمة المكاتبة المشتركة حال كونه موسرا فعجزت عن الكتابة ضمن المعتق لشريكه نصف قيمتها ويرجع المعتق به أي بما ضمنه عليها أي على الأمة لأن الساكت عن التحرير يضمن المحرر وهو أيضا يضمنها عند الإمام خلافا لهما أي قالا لا يرجع عليها إذ بالعجز صارت كأنها لم تزل عن القنية وهذا الخلاف على ما مر أن الساكت إذا ضمن المعتق يرجع عنده لا عندهما وإن لم تعجز الأمة عن أداء البدل حال كون المعتق موسرا فلا ضمان عند الإمام إذ بالإعتاق لم يتغير نصيب الساكت بناء على أن الإعتاق متجز عنده وهي مكاتبة قبل الإعتاق وعندهما يضمن الموسر وتجب السعاية في المعسر لأن الإعتاق لما كان لا يتجزأ عندهما يعتق الكل فإن كان المعتق موسرا يضمن للساكت قيمة نصيبه من المكاتبة وإن كان معسرا تسعى الأمة لأن ضمان الإعتاق يختلف باليسار والإعسار كما بين في موضعه
ولو دبر أحد الشريكين ثم أعتق الآخر حال كونه موسرا ضمنه للمدبر بكسر الباء يعني للمدبر أن يضمن المعتق نصف
____________________
(4/22)
قيمته إن شاء أو استسعى العبد أو أعتقه أي خير المدبر بين الثلاثة عند الإمام
وإن عكسا أي إن أعتقه أحد الشريكين ثم دبره الآخر فالمدبر بالكسر يعتق أو يستسعي ولا يضمن عند الإمام ووجهه أن التدبير يتجزأ عنده فتدبير أحدهما يقتصر على نصيبه لكن يفسد به نصيب الآخر فتثبت له خيرة الإعتاق والتضمين والاستسعاء لما عرف من مذهبه وإذا أعتق لم يبق له خيار التضمين والاستسعاء وإعتاقه يقتصر على نصيبه لأنه يتجزأ عنده ولكن يفسد به نصيب شريكه فله أن يضمنه قيمة نصيبه وله خيار العتق والاستسعاء أيضا كما هو مذهبه ويضمنه قيمة نصيبه مدبرا لأنه إعتاق صادف المدبر ثم قيل قيمة المدبر تعرف بتقويم المقومين وقيل يجب ثلثا قيمته قنا كما في الهداية وعندهما إن دبر الأول ضمن نصف قيمته موسرا أو معسرا لأنه ضمان تملك فلا يختلف بهما وعتق الآخر لغو لأن التدبير لا يتجزأ عندهما فيتملك نصيب صاحبه بالتدبير ويضمن نصف قيمته قنا لأنه صادفه التدبير وهو قن
وإن أعتق الأول ضمن لشريكه نصف قيمته لو كان موسرا أو استسعى العبد لو كان معسرا لأن هذا ضمان الإعتاق فيختلف باليسار والإعسار عندهما وتدبير الآخر لغو لأن الإعتاق لا يتجزأ فعتق كله فلم يصادف التدبير الملك وهو يعتمده
باب العجز والموت أي عجز المكاتب وموت المولى
تأخير باب أحكام هذه الأشياء ظاهر التناسب لأن هذه الأشياء متأخرة عن عقد الكتابة إذا عجز المكاتب عن نجم أي مكاتب عجز عن أداء وظيفة
____________________
(4/23)
مقطوعة من بدل الكتابة لما مر أن النجم في الأصل الطالع ثم سمي به الوقت ثم الوظيفة التي تؤدى في ذلك الوقت لملابسة بينهما فإن رجي له حصول مال بأن كان لهذا المكاتب على آخر دين يرجى أن يكون مقبوضا أو مال يرجى قدومه لا يعجل الحاكم بتعجيزه ويمهل يومين أو ثلاثة أيام نظرا للجانبين والثلاثة هي المدة التي ضربت لإبلاء الأعذار كإمهال الخصم للدفع والمديون المقر للقضاء وكشرط الخيار ونحو ذلك فلا يزاد عليه وإلا أي إن لم يرج له حصول مال عجزه الحاكم وفسخ الكتابة إن طلب سيده أو عجزه سيده برضاه أي برضى المكاتب وإن لم يرض به العبد فلا بد من القضاء بالفسخ عند الطرفين لأن الكتابة عقد لازم تام فلا يفسخ إلا بالقضاء أو الرضى كما في الرجوع عن الهبة
وفي بعض الروايات ينفرد المولى بالفسخ كما في الكافي وللمولى حق الفسخ في الكتابة الفاسدة بلا رضى العبد وللعبد حق الفسخ أيضا في الجائزة والفاسدة بغير رضى المولى كما في التنوير وعند أبي يوسف لا يعجز أي لا يحكم الحاكم بعجزه ما لم يتوال عليه نجمان لقول علي رضي الله تعالى عنه إذا توالى على المكاتب نجمان رد إلى الرق والأثر فيما لا يدرك بالقياس كالخبر ولهما ما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن مكاتبا له عجز عن نجم فرده إلى الرق ولأن المقصود بالعقد من جانب المولى تعيين المسمى عند انقضاء النجم الأول وأنه قد فات فوجب تخييره كما لو توالى عليه نجمان وهذا لأن الكتابة قابلة للفسخ والإخلال بالنجم الواحد إخلال بما هو غرض المولى من الكتابة فوجب له حق الفسخ دفعا للضرر عنه كفوات وصف السلامة في المبيع
وفي المضمرات أن الصحيح قولهما وإذا عجز المكاتب عادت إليه أحكام رقه لأن فك الحجر كان لأجل عقد الكتابة فلا يبقى بدون العقد وما في يده من الاكتساب لمولاه إذا ظهر أنه كسب عبده بسبب عجزه ويحل ما في يد المكاتب له أي للمولى ولو وصلية كان أصله من صدقة ولم يكن المولى مصرفا للصدقة زكاة كانت أو
____________________
(4/24)
غيرها لأنه أخذه عوضا عن العتق زمان الأخذ والمكاتب قد أخذه صدقة وهو من المصارف ومن الأصول المقررة أن تبدل الملك قائم مقام تبدل الذات أخذا لقوله عليه السلام لبريرة هي لك صدقة ولنا هدية كما مر
وفي المنح ولا فرق على الصحيح بين ما إذا أداه إلى المولى ثم عجز أو عجز قبل الأداء
وفي العناية تفصيل فليراجع
وإن مات المكاتب عن وفاء أي إن مات وله مال يفي ببدل الكتابة لا تفسخ الكتابة ويؤدى بدلها أي الكتابة من ماله ويحكم بعتقه في آخر جزء من أجزاء حياته ويورث ما بقي من ماله وهو قول علي وابن مسعود وبه أخذ علماؤنا لأن الكتابة عقد معاوضة فلا تبطل بموته كما لا تبطل بموت مولاه إذ المعاوضة تقتضي المساواة قال الجمهور إن المكاتب يعتق في آخر جزء من أجزاء حياته لأن بدل الكتابة هو سبب الأداء موجود قبل الموت فيستند الأداء إلى ما قبله فيجعل أداء نائبه كأدائه ولأن بدل الكتابة يقام في آخر عمره مقام التخلية وهي الأداء فيكون المولى مستحقا عليه قبل الموت وقال البعض إن المكاتب يعتق بعد الموت
وقال زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه يفسخ الكتابة بموت المكاتب كما إذا لم يترك مالا وافيا وبه أخذ الشافعي لفوات المحل ويعتق أولاده الذين شراهم في كتابته أو ولدوا في كتابته متعلق بقوله شراهم وولدوا على التنازع حتى لو ولدوا قبل الكتابة لا يتبعون ولا يعتقون إلا أن يكونوا صغارا وعن هذا قال أو أولاده الذين كوتبوا معه تبعا بأن يكونوا صغارا أو قصدا بأن يكونوا كبارا ولكن كوتبوا معه لأن الصغار يتبعون الأب في الكتابة والكبار يجعلون مع الأب كشخص واحد فيعتقون ويرثون أما لو كان الأب والولد مكاتبين بعقد على حدة يعتق من وقت أداء بدل الكتابة مقصورا عليه ولا يرث لأنه مقصود بالكتابة كما في شرح الوقاية لابن الشيخ وإن لم يترك وفاء أي إن مات المكاتب ولم يترك مالا يفي ببدل الكتابة وله ولد ولد في كتابته سعى الولد في كتابة أبيه كما كان يسعى أبوه على نجومه أي على نجوم أبيه المقسطة فإذا أدى الولد الكتابة حكم بعتقه أي بعتق الولد لأنه داخل في كتابة أبيه فيعتق بعتقه وعتق أبيه قبل موته يعني في آخر جزء من أجزاء حياته والولد المشرى أي الولد الذي اشتراه المكاتب في كتابته ومات
____________________
(4/25)
إما أن يؤدي البدل حالا أو يرد في الرق عند الإمام لأن حكم العقد لم يسر إليه لكنه إذا أدى في الحال فقد ظهر أن أباه مات عن وفاء وأن الكتابة باقية وأنه مات حرا وعندهما هو أي الولد المشرى كالأول أي كالمولود في الكتابة لكونه مكاتبا بتبعية الأب وبه قال مالك
وفي التنوير اشترى المكاتب ابنه فمات عن وفاء ورثه ابنه
وإن مات المكاتب وترك ولدا من امرأة حرة و ترك دينا على الناس فيه وفاء ببدل الكتابة فجنى الولد فقضى القاضي أي قضى القاضي بأرش الجناية على عاقلة الأم لا يكون ذلك قضاء بعجز المكاتب لأن هذا القضاء يقرر حكم الكتابة لأنها تقتضي إلحاق الولد بموالي الأم وإيجاب الدية عليهم لكن على وجه يحتمل أن يعتق فينجر الولاء إلى موالي الأب والقضاء بما يقرر حكم الكتابة لا يكون تعجيزا عنها
وإن اختصم موالي الأم و موالي الأب في ولائه فقضى به أي قضى القاضي بالولاء لموالي الأم فهو قضاء بعجزه أي المكاتب لأن هذا اختلاف في الولاء مقصود وذلك على بقاء الكتابة وانتقاضها فإنها إذا فسخت مات عبدا واستقر الولاء على موالي الأم وإذا بقيت واتصل بها الأداء مات حرا وانتقل الولاء إلى موالي الأب وهذا فصل مجتهد فيه فينفذ ما يلاقيه القضاء ولهذا كان تعجيزا وهذا كله فيما إذا مات المكاتب عن وفاء فأديت الكتابة أو عن ولد فأداها أما إذا مات لا عن وفاء أو لا عن ولد فاختلفوا في بقاء الكتابة قال الإسكاف تنفسخ حتى لو تطوع إنسان بأداء بدل الكتابة عنه لا يقبل منه
وقال أبو الليث لا تنفسخ ما لم يقض بعجزه حتى لو تطوع به إنسان عنه قبل القضاء بالفسخ جاز ويحكم بعتقه في آخر حياته كما في
____________________
(4/26)
شرح الكنز للعيني
ولو جنى عبد فكاتبه سيده حال كونه جاهلا بجنايته فعجز العبد عن الكتابة فالمولى بالخيار إن شاء دفع العبد بالجناية إلى المجني عليه أو فدى العبد بالأرش لأنه الموجب لجناية العبد في الأصل ولم يكن عالما بالجناية حتى يصير مختارا للفداء ولهذا قيده بكونه جاهلا لكن الكتابة مانعة للدفع فإذا زال المانع عاد الحكم الأصلي
وكذا الحكم لو جنى المكاتب فعجز من الكتابة قبل القضاء به أي بموجب الجناية لأنه لما عجز صار قنا وحكم جناية القن يخير فيه المولى بين الدفع والفداء على ما عرف في موضعه ولو عجز بعدما قضى عليه أي على المكاتب به أي بموجب الجناية في حال كتابته فعجز فهو أي موجب الجناية دين عليه ويباع العبد فيه لانتقال الحق من رقبته إلى قيمته بالقضاء هذا عندنا لما مر من أن الأصل في جناية العبد وجوب الدفع إلا إذا تعذر التسليم لوجود المانع عن الانتقال من ملك إلى ملك وهو قابل للفسخ والزوال فيكون المانع مترددا فلم يثبت الانتقال إلا بالقضاء أو بالرضى أو بالموت عن الوفاء بخلاف التدبير والاستيلاد لأن المانع لا يقبل الانتقال فوجبت القيمة بلا توقف وعند زفر وهو قول أبي يوسف أولا يباع فيه وإن عجز قبل القضاء لأن المانع من الدفع قائم وقت وقوع الجناية وهو الكتابة فوجبت القيمة بنفس الوقوع جناية المدبر وأم الولد
وفي الدرر أقر المكاتب بجناية خطأ لزمته وحكم بها عليه لأن جنايته مستحقة في كسبه وهو أحق باكتسابه فنفذ إقراره كالحر وإذا لم يحكم عليه حتى عجز بطلت
ولا تنفسخ الكتابة بموت السيد لأن الكتابة من أسباب العتق والعتق حق للمكاتب وكذا سببه حق له فلا تبطل بموت السيد كالتدبير وأمومية الولد والدين والأجل إذا مات الطالب ويؤدي المكاتب البدل إلى ورثته أي إلى ورثة سيده على نجومه لأن النجوم حقه لأنه أصل وهو الحق المطلوب فلا يبطل بموت الطالب كالأجل في الدين
____________________
(4/27)
هذا إذا كاتبه وهو صحيح ولو كاتبه وهو مريض لا يصح تأجيله إلا من الثلث فإن أعتقه أي العبد المكاتب بعضهم أي بعض الورثة في مجلس وأعتقه الآخر في مجلس آخر لا ينفذ عتقه لأنه لم يملكه إذ المكاتب لا ينتقل من ملك المورث إلى ملك الوارث كما لا يملك بسائر أسباب الملك ولا تسقط حصته من البدل عندنا خلافا للشافعي وقيل يعتق إذا أعتقه الباقون ما لم يرجع الأول
وإن أعتقوه أي جميع الورثة في مجلس واحد كلهم عتق العبد المكاتب مجانا والقياس أن لا يعتق لعدم ملكهم وجه الاستحسان أنه يجعل إبراء عن بدل الكتابة اقتضاء تصحيحا للعتق كما إذا أبرأه المولى عن كل بدل الكتابة
وفي التنوير مكاتب تحته أمة طلقها ثنتين فملكها لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
كاتبا عبدا كتابة واحدة وعجز المكاتب لا يعجزه القاضي حتى يجتمعا
____________________
(4/28)
كتاب الولاء أورد كتاب الولاء عقيب المكاتب لأنه من آثار زوال ملك الرقبة وهو لغة القرابة وشرعا قرابة حكمية حاصلة من العتق أو من الموالاة وهي المتابعة لأن في ولاء العتاقة إرثا يوالي وجود الشرط وكذا في ولاء الموالاة وقيل الولاء والولاية بالفتح النصرة والحجة بالعتق ولو بمال أو بالعقد والوعد ولو كافرا فالولاء عبارة عن النصرة بالعتق أو بالفعل فيرثه شرعا عند عدم المانع من الإرث
وفي التنوير هو عبارة عن التناصر بولاء العتاقة أو بولاء الموالاة ومن آثاره الإرث والعقل الولاء لمن أعتق وهو لفظ الحديث أخرجه الأئمة الستة عن عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام الولاء لمن أعتق يعني أعتق مملوكه ذكرا كان السيد أو أنثى فولاؤه له ولذا قال الجمهور سبب هذا الولاء الإعتاق والأصح أن سببه العتق على ملكه لأنه يضاف إليه يقال ولاء العتاقة ولا يقال ولاء الإعتاق والإضافة دليل الاختصاص وهو بالسببية ولأن من ورث قريبه فعتق عليه كان مولى له ولا إعتاق من جهته والحديث لا
____________________
(4/29)
ينافي أن يكون العتق على الملك هو السبب لأن العتق يوجد عند الإعتاق لا محالة وتخصيصه به خرج مخرج الغالب ولو وصلية بتدبير بأن دبر عبده فمات وعتق من ثلثه أو استيلاد بأن استولد جارية ومات عتقت من جميع ماله أو كتابة بأن كاتب عبده وأدى بدل الكتابة فعتق أو وصية أو ملك قريب بأن يملك أباه أو ابنه بشراء أو هبة أو نحو ذلك فعتق عليه ذلك لإطلاق الحديث قال صدر الشريعة فإن قيل كيف يكون الولاء في التدبير والاستيلاد للسيد والمدبر وأم الولد إنما تعتقان بعد موت السيد قلنا صورته أن يرتد السيد ويلحق بدار الحرب حتى يحكم بعتق مدبره وأم ولده ثم جاء مسلما فمات مدبره أو أم ولده فالولاء له انتهى وفيه كلام لأن الغرض إثبات الولاء للسيد في جميع المواد كما يدل عليه تصوير المسألة فالجواب أن يقال إن الولاء يثبت ابتداء للمولى ثم ينتقل إلى ورثته فيستقيم الكلام في المكاتب الذي أدى البدل بعد موت السيد إلى الورثة وكذا في العبد الموصي بشرائه ثم أعتقه وغيرهما تدبر ولغا شرطه لغيره أو سائبة يعني لو أعتق العبد وشرط الولاء لغيره أو شرط أن يكون معتقا ولا ولاء بينهما ويرثه غيره كان الشرط لغوا لأنه مخالف للشرع فيرثه كما في النسب إذا شرط أن لا يرثه وما في شرح الوقاية لصدر الشريعة من أن ذلك شرط مخالف لمقتضى العقد مقام النص سهو من قلم الناسخ تتبع
ومن أعتق أمة حاملا من زوج قن للغير فولدت الأمة الحامل ولدا بعد عتقها لأقل من نصف سنة فولاء الولد له أي لمولى الأم لا ينتقل ولاء الحمل عنه أي عن مولى الأم إلى
____________________
(4/30)
مولى الأب إن أعتقه أبوه أبدا لأنها لما أعتقت وتيقن وجود الحمل في ذلك الوقت عتق حملها مقصودا لأنه جزؤها فلا ينتقل من مواليها الولاء على التأبيد لقوله عليه الصلاة والسلام الولاء لمن أعتق
وكذا لو ولدت الأمة المذكورة ولدين توأمين أحدهما أي ولادة أحدهما لأقل من نصفها أي من نصف السنة من وقت الإعتاق والآخر لأكثر منه وبين الولدين أقل من ستة أشهر فولاؤهما لمولى الأم أبدا بلا نقل عنه إلى مولى الأب إن أعتق الأب لأن التوأمين مخلوقان من ماء واحد فيعتقان معا بالإعتاق المزبور لو كان ما بين الولدين أقل من أقل مدة الحمل
وإن ولدت الأمة المزبورة ولدا بعد عتقها لأكثر من ذلك أي من نصف سنة فولاؤه أي الولد له أي لمولى الأم أيضا لأن الولد جزؤها فيتبعها في الصفات الشرعية ألا يرى أنه يتبعها في الحرية والرق فكذا في الولاء عند تعذر جعله تبعا للأب لرقه لكن إن أعتق الأب والولد حي جره أي جر الإعتاق الولاء إلى مواليه أي يجر الأب ولاء
____________________
(4/31)
ابنه من مولى الأم إلى قوم نفسه لأن الولاء لحمة كلحمة النسب ثم النسب من الآباء وكذا الولاء وإنما يكون من الأمهات للضرورة وقد زالت بالعتق فينتقل إلى مولى الأب كولد الملاعنة ينسب إلى قوم الأم ثم إذا كذب نفسه ينتقل إلى الأب لزوال المانع فإن مات مولى الأب قبل الولد بعد إعتاق الأب لا يكون مولى الأم وارثا بذلك الولاء كما قال ابن كمال الوزير في شرح الفرائض
وفي التبيين هذا إذا لم تكن معتدة فإن كانت معتدة فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت العتق ولأقل من سنتين من وقت الفراق لا ينتقل ولاؤه إلى موالي الأب لأنه كان موجودا عند عتق الأم ولهذا ثبت نسبه من الزوج ولا يرجع الأولون عليهم بما عقلوا عنه قبل الجر أي لو تزوجت معتقة بعبد فولدت أولادا فجنى الأولاد فعقلهم على مولى الأم لا يرجعون على عاقلة الأب بما عقلوا لأنه حين عقل عنه قوم الأم كان النسب ثابتا لهم وإنما يثبت لقوم الأب مقصرا على زمان الإعتاق لأن سببه هو العتق فلا يرجعون به
ولو تزوج عجمي حر الأصل له مولى موالاة أو لا معتقة سواء كانت معتقة العرب أو العجم وما وقع في القدوري وهو من تزوج من العجم بمعتقة العرب
اتفاقي فولدت ولدا منه أي من العجم فولاء الولد لمواليها أي موالي الأم عند الطرفين وعند أبي يوسف حكمه أي حكم الولد حكم أبيه فيكون الولاء لموالي أبيه لا مواليها لأنه كالنسب والنسب إلى الأب وإن كانت الأم أشرف لكونه أقوى وبه قالت الأئمة الثلاثة ولهما أن ولاء العتاقة قوي معتبر والنسب بين العجميين ضعيف لأنهم ضيعوا أنسابهم ولا تفاخر لهم به وولاء الموالاة ضعيف والضعيف لا يعارض القوي قيد بعجمي لأن أباه إن كان عربيا يكون ولاؤه لموالي أبيه اتفاقا لشرف نسبه وقيدنا بحر الأصل لأن الأبوين لو كانا معتقين فالنسبة إلى قوم الأب اتفاقا لأنهما استويا والترجيح لجانب الأب
____________________
(4/32)
وقيد بمولى الموالاة لأنه لو كان مولى عتاقة فولاؤه لموالي أبيه اتفاقا وفصل صاحب الدرر في هذا المحل وحاصله أن الأم إذا كانت حرة الأصل بمعنى عدم الرق في أصلها فلا ولاء على ولدها لأنه كما لا ينتقل الولاء في المسألة الأولى وهي قوله ومن أعتق حاملا إلى آخره فلأن لا ينتقل عند كونها حرة الأصل بالطريق الأولى ويوافق ما ذكر في البدائع والتكملة ومختصر المحيط من اشتراط عدم كون الأم حرة أصلية في ثبوت الولاء وأما ما في المنية وإن كان المتبادر منه المخالفة لكنه لا مخالفة في الحقيقة على ما حقق في الدرر وذهب البعض إلى ثبوته عند كون الأم حرة أصلية ومن علماء هذه الدولة منهم من أفتى على الثبوت ومنهم من على خلافه والمولى أبو السعود أفتى أولا على الثبوت ثم رجع وأفتى على خلافه وثبت عليه كما فصل في حاشية عزمي زاده على الدرر وموجب ما يقتضيه الأصول عدم الثبوت لأن الولاء يتفرع على زوال الملك وهو على ثبوته وثبوته في الولد من جانب الأم ألبتة وإذا كانت حرة أصلية كيف يتصور الملك على الولد وينبغي أن يتنبه أن لفظ حر الأصل يستعمل في معنيين عدم جري الرق على النفس من حين العلوق مع جريه على الأصل وعدم جريه على الأصل أبدا والاختلاف إنما هو على المعنى الثاني وأما على الأول فلا نزاع في الثبوت ومرجع مسائل الولاء إلى هذه الصور وهي أن الولد إما أن تكون أمه حرة أصلية بهذا المعنى أو لا وحينئذ إما أن تكون معتقة حال الحمل من قن ولدت لأقل من نصف سنة أو لا وحينئذ إما أن يكون أبوه رقيقا أو لا وحينئذ إما أن يكون حر الأصل بهذا المعنى أو لا فإن كان فإما أن يكون عربيا أو لا فهذه ست صور ففي الأولى والخامسة لا ولاء أصلا وفي الثانية والثالثة الولاء لقوم الأم وفي الرابعة لقوم الأب وفي السادسة لقوم الأم عند الطرفين خلافا لأبي يوسف وفي قول المصنف من أعتق حاملا إلى آخره دلالة إلى الأولى والثانية وفي قوله وإن ولدت لأكثر إلى آخره إلى الثالثة والرابعة وفي قوله لو تزوج أعجمي إلى الخامسة والسادسة تتبع
والمعتق عصبة سببية مقدم على ذوي الأرحام وهو من لا فرض له ويدخل في نسبته إلى الميت أنثى مؤخر عن العصبة النسبية سواء كانت عصبة بنفسه أو بغيره أو مع غيره وكذا
____________________
(4/33)
مقدم على الرد على ذوي السهام وهو آخر العصبات وهو قول علي رضي الله تعالى عنه وبه أخذ علماء الأمصار وسيأتي في الفرائض إن شاء الله تعالى فإن مات السيد ثم مات المعتق ولا وارث له من النسب فإرثه أي إرث المعتق لأقرب عصبة سيده على الترتيب المعروف في علم الفرائض فيكون إرثه لابنه أي ابن السيد دون أبيه لو اجتمعا عند الطرفين لأن الجزء أقرب وهو اختيار سعيد بن المسيب ومذهب الشافعي والقول الأول لأبي يوسف وعند أبي يوسف لأبيه السدس والباقي للابن وهو إحدى الروايتين عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه وبه
وقال شريح والنخعي لأن الولاء كله أثر الملك فيلحق بحقيقة الملك ولو ترك المعتق مالا وترك أبا وابنا كان لأبيه سدس ماله والباقي لابنه فكذا إذا ترك ولاء والجواب أنه وإن كان أثر الملك لكنه ليس بمال ولا له حكم المال كالقصاص الذي يجوز الاعتياض عنه بالمال فلا يجري فيه سهام الورثة بالفرضية كما في المال بل هو سبب يورث به بطريق العصوبة فيعتبر الأقرب فالأقرب ولو ترك المعتق ابن المعتق وحده فالولاء كله للابن بالاتفاق ولو ترك جد المعتق وأخاه فالولاء للجد عند الإمام وعندهما الولاء بينهما نصفان
وعند استواء القرب كما إذا ترك المعتق ابني أخوي معتقه تستوي القسمة لاستواء الاستحقاق وليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن أو كاتبن أو كاتب من كاتبن الحديث أي اقرأ الحديث إلى آخره وآخره أو دبرن أو دبر من دبرن أو جر ولاء معتقهن أو معتق معتقهن وسيأتي تمامه في الفرائض إن شاء الله تعالى
وفي شرح الكنز للعيني هذا حديث منكر لا أصل له وإنما المروي عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما خرجه البيهقي عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله تعالى عنهم أنهم لا يورثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن وتمامه فيه فليطالع ثمة
وفي الشمني لو مات المعتق ولم يترك إلا ابنة معتقه ولا شيء لها في ظاهر الرواية وتوضع تركته في بيت المال وأفتى بعض المشايخ بدفع المال إليها لا بطريق الإرث بل لأنها أقرب الناس إلى الميت فكانت أولى من بيت المال وليس في زماننا بيت المال انتهى
وفي التنوير إذا ملك الذمي عبدا فأعتقه فولاؤه له كالنسب ولو أعتق حربي في دار الحرب عبدا حربيا لا يعتق إلا أن يخلي سبيله فإن خلاه عتق ولا ولاء له وله أن يوالي من شاء
____________________
(4/34)
ولو دخل مسلم في دار الحرب فاشترى عبدا ثمة وأعتقه بالقول عتق ولو كان عبدا مسلما فأعتقه مسلم أو حربي في دار الإسلام فولاؤه له
فصل هذا الفصل لبيان ثاني نوعي الولاء كما في الإصلاح ووجه تأخيره عن ولاء العتاقة ظاهر ولاء الموالاة سببه العقد ولهذا يضاف إلى موالاة وهي العقد والأصل في الإضافة إضافة المسبب إلى السبب كما يضاف الولاء إلى العتاقة لأن سببه العتق فلو أسلم عجمي مجهول النسب وإنما شرط كونه عجميا لأن تناصر العرب بالقبائل فأغنى عن الولاء وإنما شرطنا كونه مجهول النسب لأن من عرف نسبه لا يجوز أن يوالي غيره كما في الدرر وغيره قال ابن كمال الوزير وأما كونه مجهول النسب فليس بشرط
وفي شرح المجمع لابن ملك وهو المختار على يد رجل ووالاه بأن قال أنت مولاي ترثني إذا مت وتعقل عني إذا جنيت فيقبل الآخر فذلك عقد صحيح وأشار إليه بقوله على أن يرثه أي الرجل إذا مات هو
و أن يعقل الرجل عنه أي عن الذي أسلم على يده أي يؤدي الجناية عنه إذا جنى أو والى غير من أسلم على يده معناه أنه أسلم على يد رجل ووالى غيره صح هذا العقد إن لم يكن معتقا فإنه إذا كان معتقا لم يصح عقد الموالاة لقوة ولاء العتاقة وكذا يصح لو والى صبي عاقل بإذن أبيه أو وصيه لأن الصبي من أهل أن يثبت له ولاء
____________________
(4/35)
العتاقة إذا ثبت سببه بأن ملك قريبه أو كاتب أبوه أو وصيه عبده وعتق كان ولاؤه له فجاز أن يثبت له ولاء الموالاة إذا صدر عنه عقدها بالإذن كما لو والى العبد بإذن سيده آخر فإنه يكون وكيلا من سيده بعقد الموالاة
و إذا صح يكون عقله أي جنايته عليه أي على المولى الذي أسلم على يده ووالاه أو الذي والاه وكان قد أسلم على يد غيره وارثه له أي ميراثه للذي والاه إذا مات إن لم يكن له وارث من النسب وهو أي القابل للموالاة مؤخر عن ذوي الأرحام لأن ذوي الأرحام يرثون بالقرابة وهي أقوى وآكد من الولاء لأنها لا تقبل النقض والولاء يقبله بخلاف الزوجين حيث يرث معهما لأنهما بعد الموت كالأجانب ولهذا لا يرد عليهما فإذا أخذا حقهما صار الباقي خاليا عن الوارث فيكون لمولى الموالاة وعند الأئمة الثلاثة لا يصح عقد الموالاة أصلا ويوضع ماله في بيت المال لأن سبب الإرث الفرض والتعصيب ولهذا لا ميراث لذوي الأرحام عندهم ولنا قوله تعالى والذين عقدت أيمانكم إلى آخره ونقل عن أئمة التفسير أن المراد بها الصفقة لا القسم إذ العادة أن يأخذ كل واحد من المتعاقدين بيمين صاحبه عند العقد وما لم يعقل عنه أو عن ولده فله أي لمن والى أن يفسخه أي ولاء الموالاة بغير رضى صاحبه قولا بأن قال فسخت عقد الموالاة معك لأنه عقد تبرع فلا يكون لازما بحضرته أي بحضرة صاحبه لأنه عقد واقع منهما فلا يفسخ أحدهما إلا بحضرة صاحبه كالمضاربة والشركة وفعلا مع غيبته أي غيبة صاحبه بأن ينتقل عنه إلى غيره بأن ولى رجلا آخر فيكون فسخا للعقد مع الأول ولا يلزم من ذلك حضور صاحبه لثبوت الانفساخ في ضمن العقد الثاني مع الآخر فصار كالعزل الحكمي في الوكالة وكل من الفسخين ما لم يعقل عنه وبعد أن عقل الأعلى عنه أو عن ولده لا يفسخه أي عقد الموالاة هو أي الأسفل ولا ولده لتعلق حق الغير به ولحصول المقصود به ولاتصال القضاء به وللأعلى أيضا أي كالأسفل أن يبرأ عن ولائه أي الأسفل بمحضره أي الأسفل لعدم اللزوم إلا أنه يشترط في هذا أن يكون بمحضر من الآخر
ولو أسلمت امرأة فوالت رجلا بشروطها أو أقرت بالولاء
____________________
(4/36)
أي أقرت أنها مولاة لفلان فولدت ولدا مجهول النسب أي لا يعرف له أب أو كان معها ولد صغير كذلك أي كان الصغير مجهول النسب كذلك صح إقرارها على نفسها و تبعها فيه أي تبع الولد أمه في الولاء ويصيران مولى فلان عند الإمام خلافا لهما أي قالا لا يتبعها ولدها في الصورتين لأن الأم لا ولاية لها على مال الصغير فلا يكون لها ولاية على نفسه وله أن الولاء بمنزلة النسب فيكون نفعها محضا في حق الصغير المجهول النسب فتملكه الأم كقبول الهبة
ولو أقر رجل أنه معتق فلان فكذبه المقر له في الولاء أصلا أو قال لا بل واليتني فأقر المقر لغيره فالولاء لا يصح عند الإمام وعندهما يصح
____________________
(4/37)
كتاب الإكراه قيل الموالاة تغيير حال المولى الأعلى عن حرمة أكل مال لمولى الأسفل بعد موته إلى حله كما أن الإكراه تغيير حال المخاطب من الحرمة إلى الحل فكان مناسبا أن يذكر الإكراه عقيب الموالاة هو لغة مصدر أكرهه إذا حمله على أمر يكرهه والكره بالفتح اسم منه فعل يوقعه الإنسان بغيره يفوت به أي بذلك الفعل رضاه أي رضى ذلك الغير فقط بدون فساد اختياره كالحبس مثلا أو يفسد اختياره مع تحقق عدم الرضى أيضا كالتهديد بالقتل مثلا
وفي الدرر أن عدم الرضى معتبر في جميع صور الإكراه وأصل الاختيار ثابت في جميع صوره لكن في بعض الصور يفسد الاختيار وفي بعضها لا يفسد أقول هذا هو المسطور في كتب الأصول والفروع حتى قال صدر الشريعة في التنقيح وهو إما ملجئ بأن يكون بفوت النفس أو العضو وهذا معدم للرضى مفسد للاختيار وإما غير ملجئ بأن يكون بحبس أو قيد أو ضرب وهذا معدم للرضى غير مفسد للاختيار فلا يصح ما قال في الوقاية وهو فعل يوقعه بغيره فيفوت به رضى أو يفسد اختياره فإن فيه جعل قسم الشيء قسيما له انتهى
____________________
(4/38)
لكن يمكن دفعه بأن القسم الأول الرضى فقط والقسم الثاني الرضى مع الاختيار
وقال في الإصلاح وهذا ظاهر بقرينة المقابلة فمن وهم أن فيه جعل قسم الشيء قسيما له فقد وهم
وفي القهستاني أن الإكراه لم يتحقق مع الرضى وهذا صحيح قياسا وأما استحسانا فلا لأنه لو هدد بحبس أبيه أو ابنه أو أخيه أو أمه أو زوجته أو واحد من محارمه ولا بالبيع أو هبة أو غيره كان إكراها استحسانا فلا ينفذ شيء من هذه التصرفات وينفذ قياسا لأن هذا ليس بإكراه حقيقة مع بقاء أهليته أي الإكراه بقسميه لصحيح الاختيار وفاسده لا ينافي أهلية الوجوب والأداء لأنها ثابتة بالذمة والعقل والبلوغ والإكراه لا يخل بشيء منها ألا ترى أنه متردد بين فرض وخطر ورخصة ومرة يأثم ومرة يثاب كما في القهستاني وشرطه أي شرط الإكراه مطلقا أربعة الأول قدرة المكره بكسر الراء على إيقاع ما هدد به سلطانا كان أو لصا هذا عندهما لأن كل متغلب قادر على الإيقاع وعند الإمام لا إكراه إلا من السلطان لأن القدرة لا تكون بلا منعة والمنعة للسلطان قالوا هذا اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان لأن زمان الإمام لم يكن فيه لغير السلطان من القدرة ما يتحقق منه الإكراه وزمانهما كان فيه ذلك فيتحقق الإكراه من كل متغلب لفساد زمانهما والفتوى على قولهما كما سيأتي وفي البزازية الزوج سلطان زوجته فيتحقق منه الإكراه ولم يذكر الخلاف وسوقه للفظ يدل على أنه أعلى الوفاق وفي المنح تفصيل فليطالع
وفي الظهيرية أن مجرد الأمر من السلطان إكراه مع تهديد
و الثاني خوف المكره بالفتح وقوع ذلك أي ما هدد به الحامل بأن ظن أنه يوقعه والحامل أعم من أن يكون حقيقيا كما إذا كان حاضرا أو حكميا كما إذا كان غائبا ورسوله حاضر خاف الفاعل منه خوف المرسل وأما إذا غاب الرسول أيضا فلا إكراه كما سيأتي و الثالث كونه أي كون المكره ممتنعا قبله أي قبل الإكراه عن فعل ما أكره عليه
وفي القهستاني إذ لو لم يمتنع عنه لم يكن إكراها لفوات ركنه وهو فوت الرضى كما
____________________
(4/39)
أشير إليه في الاختيار وفيه دلالة على أن هذا الشرط مستدرك لحقه أي لحق نفسه كبيع ماله أو إتلافه بلا عوض أو إعتاق عبده ولو بمال أو أجر أخروي أو لحق شخص آخر كإتلاف مال آخر أو لحق الشرع كشرب الخمر والزنا ونحوهما لأن الإكراه لهذه الحقوق يعدم الرضى لامتناعه قبل الإكراه و الرابع كون المكره به متلفا نفسا أو عضوا من الأعضاء أو موجبا عما يعدم الرضى لأن من كان شريفا يغتم بكلام خشن فيعد مثل هذا في حقه إكراها إذ هو أشد له من ألم الضرب ومن كان رذيلا فلا يغتم إلا بضرب مؤلم أو بحبس شديد فلا يعد الضرب مرة بسوط ولا الحبس ساعة بل يوما في حقه إكراها لكون الأشخاص متفاوتين ولذا قيد ما يوجب الغم بإعدام الرضى
وفي المنح الإكراه بحق لا يعدم الاختيار شرعا كالعنين إذا أكرهه القاضي بالفرقة بعد مضي المدة ألا ترى أن المديون إذا أكرهه القاضي على بيع ماله نفذ بيعه والذمي إذا أسلم عبده فأجبر على بيعه نفذ بيعه بخلاف ما إذا أكرهه على البيع بغير حق فلو أكره على بيع ماله أو شراء سلعة أو إجارة دار أو إقرار أي على أن يقر لرجل بدين بقتل متعلق بأكره بأن قال افعله وإلا أقتلك أو أكره على هذه الأشياء بنحو ضرب شديد أو حبس مديد أو قيد مؤبد خير المكره بعد زوال الإكراه عنه بين الفسخ أي فسخ العقد الصادر ويرجع عن الإقرار لانعدام الشرط وهو الرضى بالإكراه سواء كان الإكراه ملجئا أو غير ملجئ والإمضاء لأن العقد والإقرار يثبت الملك ولو بإكراه ويمنع النفاذ الذي لا يكون فيه حق الاسترداد للعاقد لأن هذا النفاذ يتوقف على العقد بالطوع
ويملكه أي المبيع المشتري ملكا فاسدا إن قبضه أي إذا باع مكرها ثبت فيه الملك إن قبض المشتري المبيع عندنا وعند زفر والأئمة الثلاثة لا يثبت لأنه بيع موقوف والموقوف قبل
____________________
(4/40)
الإجازة لا يفيد الملك ولنا أنه فات شرطه وهو الرضى بعد وجود الركن فصار كسائر الشروط المفسدة فيثبت الملك وبعض المشايخ جعلوا بيع الوفاء كبيع المكره وصورته أن يقول البائع للمشتري بعت هذا العين منك بدين لك علي على أني متى قضيت ديني فهو لي وبعضهم جعلوه رهنا لا يملكه المشتري ولا ينتفع به وأي شيء أكل من زوائده يضمن ويسترده عند قضاء الدين ولو استأجره البائع لا يلزمه الأجرة وسقط الدين بهلاكه وبعضهم جعلوه بيعا جائزا مفيدا لبعض الأحكام وهو الانتفاع به دون البعض وهو البيع
وفي النهاية وعليه الفتوى وبعضهم جعلوه بيعا باطلا
وفي الكافي والصحيح أن العقد الجاري بينهما إن كان بلفظ البيع لا يكون رهنا ثم ينظر إن ذكرا شرط الفسخ في البيع عند أداء الدين فسد وإن لم يذكرا أو تلفظا بلفظ البيع بالوفاء أو تلفظا بالبيع الجائز والحال أن عندهما أي في زعمهما هذا البيع عبارة عن بيع غير لازم فإنه يفسد حينئذ عملا بزعمهما وإن ذكرا البيع من غير شرط وذكرا الشرط على الوجه الميعاد جاز البيع ويلزمه الوفاء بالميعاد ثم فرع عليه بقوله فلو أعتق المشتري صح إعتاقه لكونه ملكه وكذا تصرفه فيه تصرفا لا يمكنه نقضه ولزمه أي المشتري قيمته لأنه أتلف ما ملكه بعقد فاسد وقبض المكره الثمن من المشتري أو تسليم المبيع للمشتري حال كونه طوعا أي طائعا قيد للمذكورين إجازة بالبيع إذ القبض والتسليم طائعا دليل الرضى لا فعلهما كرها أي إن قبض الثمن وسلم المبيع مكرها لا ينفذ البيع لعدم الرضى ولا دفع الهبة طوعا بعد ما أكره عليها أي إذا أكره على الهبة دون التسليم وسلم طوعا لا يكون إجازة لأن غرض المكره إنما هو استحقاق الموهوب له لا مجرد لفظ الهبة والاستحقاق لا يثبت فيها بدون التسليم فكان التسليم فيها داخلا في الإكراه والإكراه في البيع يثبت بنفس العقد ولم يكن التسليم فيه داخلا في الإكراه فافترقا
فإن هلك المبيع في يد مشتر غير مكره بفتح الراء والبائع مكره لزمه أي المشتري قيمته أي قيمة المبيع للبائع المكره لكون العقد فاسدا فكان مضمونا عليه بالقيمة وللبائع تضمين أي شاء من المكره بكسر الراء والمشتري لأن لكل واحد منهما دخلا في هلاك ماله واحد منهما بالذات وواحد آخر بالواسطة فإن ضمن المكره بالكسر لكونه في حكم الغاصب لدفع مال المالك إلى المشتري رجع على
____________________
(4/41)
المشتري بقيمته لأنه بأداء الضمان ملكه فقام مقام المالك المكره فيكون مالكا له من وقت وجود السبب بالاستناد وإن ضمن البائع المشتري الأول من المشتريين بالقيمة بعدما تداولته البياعات بأن باعه المشتري من آخر وباع آخر من آخر ثم وثم وإنما يلزم الضمان لكونه في حكم غاصب الغاصب بأخذه المال بواسطة من كان آلة للبائع ولذا لا يرجع المشتري بما ضمن على المكره الذي كان واسطة وآلة للبائع نفذ كل شراء وقع بعد شرائه أي المشتري الأول لكونه مالكا بالضمان فظهر أنه باع ملك نفسه وللبائع المكره أن يضمن من شاء من المشتريين فأيهم ضمنه ملكه وجازت البياعات التي بعده و لا ما أي لا ينفذ الشراء الذي وقع قبله أي قبل الضمان لعدم دخوله في ملك غيره قبل التضمين حتى يملكه
وإن أجاز المالك المكره عقدا منها أي من هذه البياعات جاز ما قبله أي ما قبل هذا العقد أيضا أي كما جاز ما بعده ويأخذ هو الثمن من المشتري الأول لأن البيع كان موجودا والمانع من النفوذ حقه وقد زال المانع بالإجارة فعاد الكل إلى الجواز وفي الضمان يثبت المستند إلى حين القبض لا ما قبله وله أي للمشترك استرداده أي الثمن إذا فسخ البيع لو كان الثمن باقيا في يد البائع والمكره لفساد البيع وإن كان مالكا لا يأخذ منه شيئا لكونه أمانة في يده لأنه أخذه بإذن المشتري ولو ذكر هذه المسألة عقيب قوله لا فعلهما كرها كما في أكثر الكتب لكان أنسب تتبع
وضرب سوط وحبس يوم ليس بإكراه فإنه لا يبالي بمثله عادة فلا يعدم الرضى وهو شرط لثبوت حكم الإكراه إلا فيمن أي في حق من يستضربه أي بضرب سوط وحبس يوم لكونه ذا منصب فيكون مكرها بمثله لأن ضرره أشد من ضرر الضرب الشديد فيفوت به الرضى
وفي المبسوط الحد في الحبس الذي هو إكراه ما يجيء به الاهتمام البين به وفي الضرب الذي هو إكراه ما يجد منه الألم الشديد وليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه لأن المقادير لا تكون بالرأي ولكنه على قدر ما يرى الحاكم إذا رفع إليه
وإن أكره على أكل ميتة أو أكل دم ووقع في الإصلاح أو شرب دم لأن
____________________
(4/42)
الدم من المشروب لا من المأكول لكن يمكن التوفيق بأن يكون مأكولا فيما إذا كان جامدا أو مشروبا فيما إذا كان سائلا تدبر أو أكل لحم خنزير أو أكره على شرب خمر بضرب أو حبس أو قيد لا يحل للمكره التناول لأن هذا لا يكون إكراها ملجئا إذ لا يضطر بمثله أكثر الناس فيلزم عليهم التحمل إلا أن يقول لأضربن على عينيك أو ذكرك
وفي البزازية الإكراه بالحبس المؤبد والقيد المؤبد لا يوجب الإكراه إذا لم يمنع الطعام والشراب لعدم الإفضاء إلى تلف نفس أو مال وإنما يوجبان غما والتناول للمحرم لإزالة الغم لا يحل ومن المشايخ من قال لو كان ذا تنعم يقع في قلبه أنه بالحبس المذكور أو بالحبس في بيت مظلم يخاف عليه التلف غما أو على عضو من أعضائه أو عينه بظلمة المكان يحل ومحمد لم يجعل الحبس الذي كان في زمانه وهو المكث المجرد إكراها أما الحبس الذي أحدثوه اليوم فهو إكراه لأنه تعذيب لا حبس مجرد
وإن أكره على تناول هذه الأشياء بقتل أو قطع عضو حل تناولها لأن الإكراه ملجئ بهما وحرمة هذه الأشياء مقيدة بحالة الاختيار وأما حالة الاضطرار فمبقاة على أصل الحل لقوله تعالى إلا ما اضطررتم إليه ويأثم المكره بصبره على التلف إن علم الإباحة لأنه امتنع عن مباح وألقى نفسه في مهلكة كما في المخمصة أي كما يكون آثما بالصبر في حالة المخمصة والجوع فأتلف نفسه وذكر شيخ الإسلام أن المكره إنما أثم إذا علم بالإباحة ولم يتناول وأما إذا لم يعلم فقد رجونا أن يكون في سعة منه لأنه يعذر بالجهل فيما فيه خفاء
وإن أكره على الكفر أو سب النبي عليه الصلاة والسلام بقتل أو قطع عضو رخص له إظهاره أي إظهار الكفر أو غيره وقلبه مطمئن بالإيمان أي غير متغير عقيدته فإن المشركين أكرهوا عمارا فأعطاهم ما أرادوا مع طمأنينة القلب فقال عليه السلام فإن عادوا فعد أي إن عاد
____________________
(4/43)
الكفار بالإكراه فعد إلى اطمئنان القلب بالإيمان فيما أجريته على لسانك ونزل في حقه قوله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولأن بهذا الإظهار لا يفوت الإيمان حقيقة لقيام التصديق وفي الامتناع فوت النفس حقيقة فيسعه الميل إليه ويؤجر بالصبر على التلف لأن خبيبا رضي الله تعالى عنه قد صبر حين ابتلي حتى صلب ولم يظهر كلمة الكفر وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء وقال في مثله هو رفيقي في الجنة ولأن الحرمة قائمة والامتناع عزيمة فإذا بدل نفسه لإعزاز الدين وإقامة حق الله تعالى كان شهيدا
وفي الإصلاح وغيره تفصيل فليطالع ولا رخصة على إجراء الكفر على اللسان بغيرهما أي بغير القتل والقطع لأن غيرهما ليس بملجئ
وإن أكره على إتلاف مال مسلم بأحدهما أي بالقتل أو القطع رخص الإتلاف له أي للمكره لأن إتلاف مال الغير يستباح للضرورة كما في المخمصة وقد ثبتت والضمان على المكره بالكسر لأن المكره في حق الإتلاف آلة للمكره فلم يلزم عليه الضمان وفيه إشارة إلى الاحتراز عن الأكل والتكلم والوطء فإن فيها لا يصلح آلة وإلى أن المكره على الأخذ والدفع إلى المكره إنما يسعه إذا كان حاضرا عند المكره فإن كان أرسله ليفعل فخاف إن ظفر يفعل ما يوعده لم يحل له الإقدام على ذلك لزوال القدرة على ذلك والإنجاء بالبعد منه وبهذا تبين أنه لا عذر لأعوان الظلمة في أخذ الأموال من الناس عند غيبة الآمرين وتعللهم بأمرهم والخوف من عقوبتهم ليس بعذر إلا أن يكون رسول الآمر معه على أن يرده عليه فيكون بمنزلة حضور الآمر
أو إن أكره على قتله أي قتل غيره أو قطع عضوه بالقتل أو القطع لا يرخص له في ذلك بل يلزم الصبر عليه فإن قتله أثم لأن قتل المسلم حرام لا يباح لضرورة ما فكذا بهذه الضرورة إلا أن يعلم أنه لو لم يقتله قتله وكذا لو أكره على الزنا لا يرخص وفي جانب المرأة يرخص لها الزناء بالإكراه الملجئ ولا يلزم عليها الحد كما في التنوير إذا أكرهت بغير ملجئ فإن فعل أي إن قتل أو قطع العضو بالكره فالقصاص على المكره بكسر الراء فقط أي دون المكره بالفتح إن كان القتل عمدا لكونه حاملا ولا يقتص من القاتل لأنه آلة له كالسيف هذا عند الطرفين وعند أبي يوسف لا يجب قصاص على أحد منهما لأن
____________________
(4/44)
الحد مضاف إلى المكره من وجه لأنه المباشر وإلى المكره من وجه لأنه الحامل فهو كالدافع إلى القتل فتمكنت فيه الشبهة في الجانبين فلا قصاص على واحد منهما والدية من مالهما إذ العاقلة لا تتحملها في العمد وعند زفر يقتص من الفاعل فقط لأنه هو المباشر حقيقة وكذا حكما لا على المكره وعند الأئمة الثلاثة يقتص من كل منهما لكون الفاعل مباشرا والحامل سببا
ولو أكره على أن يتردى أي يسقط من جبل ففعل أي تردى فديته على عاقلة المكره لأنه لو باشر لا يجب عليه القصاص لأنه في معنى القتل بالمثقل بل فيه الدية على العاقلة فكذا إذا أكره عليه وهذا عند الإمام وعند أبي يوسف تجب الدية في ماله أي في مال المكره لما مر أن القتل الحاصل بالإكراه لا يوجب القصاص عنده وعند محمد عليه أي على المكره القصاص لأن القتل بالمثقل كالقتل بالسيف عنده فيجب القصاص ولو أكره بقتل على ترد أي على سقوط من مكان عال أو اقتحام نار أي لو أكره بقتل على إدخال نفسه في نار أو ماء وكل أي كل واحد من هذه الثلاثة مهلك فله أي للمكره الخيار في الإقدام عليه والصبر عند الإمام لأنه ابتلي ببليتين متساويتين في الإفضاء إلى الإهلاك فيختار ما هو الأهون في زعمه وقالا يلزمه الصبر أي يصبر ولا يفعل ذلك لأن مباشرة الفعل سعي في إهلاك نفسه فيصبر تحاميا عنه ثم إذا ألقى نفسه فعلى المكره قصاص لأنه مضطر إلى الإلقاء وعندهما لا قصاص لأنه مختار في إلقاء نفسه قيد بالقتل لأنه لو أكره بالعصا ليس له الإقدام اتفاقا وقيد بقوله كل مهلك لأنه لو لم يكن كذلك كان له الإقدام اتفاقا كما في شرح المجمع
ولو
____________________
(4/45)
وقعت نار في سفينة فكان بحيث إن صبر احترق وإن ألقى نفسه في الماء غرق فله أي لمن ابتلي به الخيار بين الصبر والإلقاء عند الإمام وعند محمد يلزمه الثبات
وعن أبي يوسف روايتان مع الإمام في رواية ومع محمد في رواية وعلة الطرفين قد مرت قبيله وأصل هذه المسألة في السير الكبير ذكره ابن الساعاتي
وإن أكره على طلاق امرأته أو عتاق عبده أو توكيل بهما أي بالطلاق والإعتاق ففعل أي أعتق عبده أو طلق امرأته أو وكل بهما فأعتق الوكيل أو طلق نفذ لأن الإكراه لا ينافي الأهلية خلافا للأئمة الثلاثة والقياس أن لا تصح الوكالة لأنها تبطل بالهزل فكذا مع الإكراه كالبيع وأمثاله وجه الاستحسان أن الإكراه لا يمنع انعقاد البيع ولكن يوجب فساده فكذا التوكيل ينعقد مع الإكراه والشروط الفاسدة لا تؤثر لكونها من الإسقاطات فإذا لم يبطل فقد نفذ تصرف الوكيل فعلى هذا ما وقع في الفوائد الزينية من أنه لو أكره على الطلاق وقع إلا إذا أكره على التوكيل به فوكل يجري على القياس لا على الاستحسان تدبر ويرجع المكره بقيمة العبد المعتق على المكره بالكسر في صورة الإعتاق لأنه يصلح
____________________
(4/46)
آلة للحامل نظرا إلى الإتلاف لا إلى تكلمه لأن كلامه بالإعتاق لا يصلح آلة للحامل بل يضاف إليه ولذا يكون الولاء للمكره لا للحامل فيضمنه لإتلافه وإخراجه عن ملكه سواء كان موسرا أو معسرا لأنه ضمان إتلاف فلا يختلف باليسار والإعسار ولا سعاية على العبد ولا يرجع المكره على العبد لأن الضمان وجب عليه بفعله فلا يرجع به على غيره قبل هذا إذا كان العتق بالقول أما إذا كان بالفعل كما إذا اشترى ذا رحم محرم لا يرجع المكره بالقيمة لحصول العوض وهو صلة الرحم
وفي التجريد ومن أكره على شراء ذي رحم محرم منه بعشرة آلاف وقيمته ألف أو كان المشتري جعله حرا إن ملكه ففعل فهو حر وعلى المشتري قيمة ألف وبطلت الزيادة ولا يرجع على الذي أكرهه بشيء
وكذا يرجع المكره على المكره في صورة التطليق بنصف المهر إذا سمى أو يرجع على المكره بما لزمه من المتعة إذا لم يسم لو كان الطلاق قبل الدخول لأن المكره يصلح آلة للحامل في إتلاف المال لا في إيقاع الطلاق لأن ما عليه من المهر أو المتعة كان على شرف السقوط بوقوع الفرقة من جهتها كالارتداد أو تقبيل ابن الزوج وقد تأكد ذلك بالطلاق كرها وكان هذا تقريرا للمال فيضاف التقرير إلى الحامل فكان متلفا له فيرجع الزوج عليه ولا رجوع عليه لو كان الطلاق بعده أي بعد الدخول لأن المهر هنا تقرر بالدخول لا بالطلاق والدخول ليس بصنع من المكره وفي الجواهر لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر فأكره على الدخول عتق ولم يضمن المكره شيئا وكذا لو أكره على أن يتزوج امرأة قد كان جعلها طالقا إن تزوجها فتزوجها وغرم نصف المهر لم يرجع على من أكرهه بشيء ولو أكره على أن يجعل كل مملوك يملكه فيما يستقبل حرا ففعل ثم ملك بهبة أو صدقة أو شراء عتق عليه ولم يغرم الذي أكرهه شيئا ولو ورث مملوكا ضمن الذي أكرهه قيمته استحسانا
وصح يمين المكره بشيء من الطاعات أو المعاصي و صح نذره أي نذر المكره بكل طاعة كالصوم والصدقة والعتق وغيرها
و صح ظهاره أي ظهار المكره هو تشبيه امرأته بظهر أمه فيحرم عليه قربانها حتى يكفر لأن كل واحد منها لا يحتمل الفسخ فلا يتأتى فيه الإكراه ولا يرجع المكره على الحامل في الصور الثلاث بما غرم بسبب ذلك إذ لا مطالب له في الدنيا
و صح رجعته أي لو أكره أن يراجع امرأته فراجعها صح لأنها استدامة النكاح وإيلاؤه بأن حلف أن لا يقرب امرأته وفيؤه أي باللسان فيه أي في الإيلاء لأنه كالرجعة لأن كل ما ينفذ مع الهزل ينفذ مع الإكراه و كذا يصح إسلامه أي إذا أسلم مكرها يحكم عليه بالإسلام لأنه لما احتمل رجحنا الإسلام احتياطا لأنه يعلو ولا يعلى كما في أكثر المعتبرات فبهذا علم أن ما في الخانية من أن إسلام المكره إسلام عندنا إن كان حربيا وإن كان ذميا لا يكون إسلاما محمول على جواب القياس لأنه يصح في الاستحسان كما في المتن
لكن لا قتل فيه لو ارتد بعد
____________________
(4/47)
الإسلام مكرها لأن في إسلامه شبهة دارئة للقتل ونظيره السكران فإن إسلامه وكفره لا يصح ولا يحكم بردته لعدم القصد كما في شرح الكنز ولا يصح إبراؤه أي إبراء المكره دينه عن مديونه أو عن كفل مديونه لكونهما مما يحتمل الفسخ كالبيع فالفاعل بعد زوال الكره يصير مخيرا وكذا لو أكره الشفيع على أن يسكت عن طلب الشفعة فسكت لا تبطل شفعته ولا تصح ردته لما مر من الرخصة في إظهار الكفر إذا أكره بالملجئ فلا تبين بها أي بهذه الردة امرأته لعدم الحكم بردته وإنما قيدنا إذا أكره بالملجئ لأنه لو أكره بغيره فقط صحت ردته فتبين امرأته
فإن ادعت المرأة تحقق ما أظهره وادعى المكره أن قلبه مطمئن بالإيمان صدق استحسانا والقياس أن يكون القول قولها فيفرق بينهما لأن كلمة الكفر سبب للبينونة بها فيستوي فيها الطائع والمكره كلفظة الطلاق وجه الاستحسان أن هذه اللفظة غير موضوعة للفرقة وإنما يقع باعتبار تغير الاعتقاد والإكراه دليل على عدم تغيره فلا تقع الفرقة كما في شرح الكنز
ولو أكره على الزناء ففعل المكره حد ما لم يكرهه السلطان لما مر أن الإكراه لا يتحقق من غيره عند الإمام فالزناء لا يوجد مع الإكراه وعندهما لا حد عليه لما مر أن الإكراه يتحقق من السلطان ومن غيره فلا يحد في الصورتين وبه أي بقول الإمامين يفتى إذ ليس فيه اختلاف يظهر في حق الحجة فإن حكم الإكراه لا خلاف فيه وإنما النظر في أن يقع من غير سلطان أولا فإن وقع من غيره إكراه ملجئ كما في زماننا يجري على حكمه بلا نكير
وقال زفر يحد لأن انتشار الآلة دليل الطواعية ولنا أن انتشار الآلة قيد يكون طبعا لا طوعا كما في النائم والصبي كما في بعض المعتبرات فعلى هذا اندفع على ما قال صاحب الإصلاح من أن مدار الجواب هنا ليس على ذلك الأصل الخلاف كما ذهب إليه كثير من الناظرين في هذه المسألة بل على أصل آخر قرره الزاهدي حيث قال إن الإكراه لا يتصور في الزناء لأن الوطء لا يحصل إلا بانتشار الآلة
____________________
(4/48)
والإكراه لا يتصور في الانتشار فكان طوعا فيجب الحد إلا أن يكرهه السلطان لأن إقامة الحد إليه وهو الذي حمله عليه انتهى لأنه ليس على الأصل معتبر بل على زفر كما في شرح الوقاية لابن الشيخ
وفي التنوير أكرهه القاضي ليقر بسرقة أو قتل رجل بعمد أو بقطع يد رجل بعمد فأقر بذلك فقطعت يده أو قتل إن كان المقر موصوفا بالصلاح اقتص من القاضي وإن متهما بالسرقة معروفا بها وبالقتل لا يقتص من القاضي استحسانا لوجود الشبهة صادره السلطان ولم يعين بيع ماله فباعه صح والحيلة له فيه من أين أعطي ولا مال لي فإذا قال الظالم بع جاريتك وقد صار مكرها على بيع الجارية فلا ينفذ بيعها المكره بأخذ المال لا يضمن بأخذه إذا نوى وقت الأخذ أنه يرده على صاحبه وإلا يضمن وإن اختلفا في النية فالقول للمكره مع يمينه
____________________
(4/49)
كتاب الحجر المناسبة بين الكتابين أن كل واحد منهما من العوارض التي تزيل سبب الولاية والرضى وسبب تأخير هذا الكتاب عن الإكراه لأن ما تقدم عليه متفق عليه وهذا مختلف فيه هو في اللغة المنع مطلقا أي منع كان ومنه سمي الحطيم حجرا لأنه منع من الكعبة ومنه سمي العقل حجرا لأنه يمنع عن القبائح ومنه قوله تعالى هل في ذلك قسم لذي حجر أي لذي عقل وفي العرف عبارة عن منع حكمي كالنهي إلا أن التصرف في الحجر لا يفيد الملك بحال في البيع وفي النهي يفيده بعد القبض كما في البيع الفاسد فهذا فرق بين الحجر والنهي من حيث الحكم وكذا يفرق من حيث الماهية لأن الحجر هو المنع لحق الغير والنهي هو المنع لحق الشرع وفي الشرع منع نفاذ تصرف قولي لأن الحجر في الحكميات دون الحسيات ونفوذ القول حكمي ألا ترى أنه يرد ولا يقبل والفعل حسي لا يمكن رده إذا وقع فلا يتصور الحجر عنه وهو المراد بقوله هو منع نفاذ تصرف قولي وأسبابه أي الحجر الصغر بأن يكون غير بالغ فإن كان غير مميز كأن يكون عديم العقل وإن كان مميزا فعقله
____________________
(4/50)
ناقص فالضرر محتمل وإذا أذن له الولي صح تصرفه لترجح جانب المصلحة والجنون
وفي الدرر فإن عدم الإفاقة كان عديم العقل كصبي غير مميز وإن وجدت في بعض الأوقات كان ناقص العقل كصبي عاقل في تصرفاته وأما المعتوه فاختلفوا في تفسيره وأحسن ما قيل فيه هو من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا أنه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون والرق ليس بسبب للحجر في الحقيقة لأنه مكلف مختار كامل الرأي كالحر غير أنه وما في يده ملك للمولى فلا يجوز أن يتصرف لأجل حقه فإن أذن المولى رضي بفوات حقه اعلم أنه تعالى شرف البشر بالإنعام بالعقل وركب فيهم الهوى والعقل وجعل في الملائكة العقل دون الهوى وفي البهائم الهوى دون العقل فمن غلب عقله على هواه كان أفضل خلقه لما يقاسي من مخالفة الهوى ومن غلب هواه على عقله كان أردى من البهائم قال الله تعالى أولئك كالأنعام بل هم أضل فجعل بعضهم ذوي النهى حتى كان بعضهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وابتلى بعضهم بالردى كالجنون والعته والصغر وجعل تصرف الصغير والمعتوه غير نافذ بالحجر عليهما كي لا يتعلق بهم الضرر باحتيال بعض من يعاملها وجعل الصبا والجنون سببا للحجر عليهما كل ذلك رحمة منه ولطفا كما في التبيين ثم فرعه بقوله فلا يصح تصرف صبي أو عبد بلا إذن ولي أو سيد لما قررنا قبيله هذا لف ونشر مرتب فلو قال وسيد بالواو لكان أولى
ولا يصح تصرف المجنون المغلوب بحال ولو أجازه الولي لعدم عقله قيد بالمغلوب أي المستغرق لأنه إن كان يجن تارة ويفيق أخرى فهو في حال إفاقته كالعاقل ومن عقد منهم أي من هؤلاء المحجورين وهو يعقله أي يعقل العقد فوليه مخير بين أن يجيزه أي العقد أو يفسخه لأنه إذا كان بهذه الصفة يحتمل أن يكون في عقده مصلحة فيجيزه الولي أو المولى إن رأى فيه ذلك كعقد الأجنبي وعند الأئمة الثلاثة لا تصح إجازته ومن أتلف منهم أي من المحجورين شيئا فعليه أي على من أتلف ضمانه بالإجماع لأنهم غير محجورين عليهم في الأفعال
ولا يصح طلاق الصبي أو المجنون ولو قال والمجنون بالواو لكان أولى ولا يصح إعتاقهما لقوله عليه الصلاة والسلام رفع
____________________
(4/51)
القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وظاهره يقتضي أن لا يتعلق بأقوالهما حكم وكذلك لا يقع طلاقهما ولا إعتاقهما ولا إقرارهما لنقصان عقلهما أو عدمه
وصح طلاق العبد لقوله عليه الصلاة والسلام لا يملك العبد والمكاتب إلا الطلاق
و صح إقراره أي إقرار العبد في حق نفسه لكونه مكلفا وأهلا لا في حق سيده لعدم ولاية العبد عليه ثم فرعه بقوله فلو أقر أي العبد المحجور بمال لزمه بعد عتقه لأنه إقرار على غيره وهو المولى لما أنه وما في يده ملك المولى فإذا أعتق زال المانع هذا إذا أقر المولى وأما إذا أقر له به فلا يلزمه شيء
وفي الخانية ولو أن صبيا سفيها محجورا استقرض مالا فيعطي صداق المرأة صح استقراضه فإن لم يعطه المرأة وصرف المال في بعض حوائجه لا يؤاخذ به لا في الحال ولا بعد البلوغ لأنه ليس من أهل الالتزام بخلاف العبد المحجور فإنه يؤاخذ بعد العتق لأنه أهل الالتزام
وإن أقر العبد المحجور بحد أو قود لزمه في الحال لأنه مبق على أصل الحرية والآدمية في إيجاب الحد عليه وفي حق الدم ولهذا لا يجوز إقرار المولى عليه في الحد والقصاص
ولا يحجر على السفيه أي لا يحجر حر عاقل بالغ عن التصرف بسبب سفه هو إتلاف مال بلا مصلحة لخفة عقله عند الإمام لأنه لا يرى الحجر على الحر البالغ بسبب السفه والدين والغفلة
وإن وصلية كان مبذرا لأنه مخاطب قادر على التصرف فإبطال قدرته يؤدي إلى إهدار آدميته وهذا أضر
____________________
(4/52)
من ضرر الإتلاف ومن بلغ غير رشيد وهو لا ينفق ماله فيما يحل ولا يمسك عما يحرم ويتصرف فيه بالتبذير والإسراف لا يسلم إليه ماله بالإجماع لبقاء أثر الصبا فلو بلغ رشيدا ثم صار سفيها لا يمنع المال عنه لأنه ليس بأثر الصبا ما لم يبلغ سنه خمسا وعشرين سنة فإذا بلغها دفع إليه ماله عند الإمام
وإن وصلية لم يؤنس رشده لأن هذا السن لا ينفك عنه الرشد إلا نادرا والحكم في الشرع للغلبة وإن تصرف السفيه فيه أي في ماله قبل ذلك أي قبل البلوغ إلى خمس وعشرين نفذ تصرفه لعدم الحجر عنده كما ذكر وعندهما والأئمة الثلاثة يحجر على السفيه ولا يدفع إليه ماله ما لم يؤنس رشده ولا يصح تصرفه أي تصرف السفيه فيه أي في ماله بسبب سفه في تصرفات لا تصح مع الهزل كالبيع والهبة والإجارة والصدقة ولا يحجر عليه في غيرها كالطلاق والعتاق ولا عن الأسباب الموجبة للعقوبة كالحدود والقصاص إذ لا يجري الحجر فيها بالإجماع لقوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم إلى قوله فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم إذ الأمر بالدفع عند إيناس الرشد فلا يجوز الدفع قبل العلم بالرشد لأن علة المنع هي السفه فبقي المنع ما دامت العلة باقية فلا يكون للزمان دخل هنا وفي التنوير نقلا عن الخانية وبقولهما يفتى ثم فرعه بقوله فإن باع المحجور لا ينفذ بيعه لأنه محجور عندهما وفائدة الحجر عدم النفاذ
وإن كان فيه أي في بيعه مصلحة بأن كان بمثل القيمة أو كان رابحا وكان الثمن باقيا في بدء أجازه الحاكم وإن كان الثمن أقل من القيمة أو كان البيع خاسرا أو لم يبق الثمن في يده لم يجزه والحاصل أن تصرفه موقوف لاحتمال أن يكون فيه مصلحة فإذا رأى الحاكم فيه مصلحة أجازه وإلا رده وإن باع قبل حجر القاضي جاز عند أبي يوسف وعند محمد لا يجوز
وإن أعتق عبدا نفذ عتقه عندهما لأن كل كلام لا يؤثر فيه الهزل لا يؤثر فيه
____________________
(4/53)
السفه والعتق لا يؤثر فيه الهزل فينفذ من السفيه وعند الشافعي لا ينفذ والأصل عنده أن الحجر بسبب السفه بمنزلة الحجر بسبب الرق حتى لا ينفذ بعده شيء من تصرفاته إلا الطلاق كالمرقوق والإعتاق لا يصح من الرقيق فكذا من السفيه وسعى العبد في قيمته أي إذا نفذ عندهما فعلى العبد أن يسعى في قيمته عند محمد وهو قول أبي يوسف أولا لأن الحجر لمعنى النظر وذلك في رد العتق إلا أنه متعذر فيجب رده برد القيمة كما في الحجر على المريض وفي قوله الأخير وهو رواية عن محمد ليس عليه سعاية لأنه لو وجب إنما يجب حقا لمعتقه والسعاية ما عهد وجوبها في الشرع إلا لحق غير المعتق
وإن دبر عبده صح تدبيره لأنه يوجب حق العتق للمدبر فيعتبر بحقيقة العتق إلا أنه لا تجب السعاية ما دام المولى حيا لأنه باق على ملكه فإن مات المولى قبل رشده أي قبل أن يؤنس منه الرشد سعى العبد في قيمته مدبرا لأنه بموت المولى عتق ولأنه أعتقه في حياته فعليه السعاية في قيمته مدبرا لأن العتق لاقاه مدبرا كما لو أعتقه بعد التدبير
وفي شرح الكنز للعيني وإن جاءت جاريته بولد فادعاه ثبت نسبه منه وكان الولد حرا والأمة أم ولد له ولا تسعى هي ولا ولدها في شيء بخلاف ما لو أعتقها من غير أن يدعي الولد ولو لم يكن معها ولد فقال هذه أم ولدي كانت بمنزلة أم الولد لا يقدر على بيعها فإن مات سعت في كل قيمتها كالمريض إذا قال لأمته وليس معها ولد فقال هذه أم ولدي
ويصح تزوجه أي تزوج السفيه ملابسا بمهر المثل وإنما صح نكاحه لأنه لا يؤثر فيه الهزل فلا يؤثر فيه السفه مع أن التزوج من حوائجه الأصلية ومن ضرورة صحة النكاح وجوب المهر فيلزم منه قدر مهر المثل لأنه من ضرورات صحته كما في أكثر الكتب لكن أن ما هو من ضرورات صحة النكاح مقدار النصاب من المهر لا قدر مهر المثل تدبر وإن سمى أكثر أي من مهر المثل
____________________
(4/54)
بطلت الزيادة لأن ما زاد عليه يلزمه بالتسمية وهو ليس من أهل التزام المال وإن طلقها قبل الدخول وجب لها نصف المسمى وكذا لو تزوج أربعا أو تزوج كل يوم واحدة فطلقها كما في التبيين
وتخرج على صيغة المبني للمفعول من الأفعال زكاة مال السفيه لأنه واجب عليه حقا لله تعالى وينفق منه أي من ماله عليه وعلى من تلزمه نفقته من أولاده وزوجته وسائر من تجب عليه نفقته لأن إحياء هؤلاء من حوائجه الأصلية حقا لقريبه والسفه لا يبطل حق الله تعالى ولا حق الناس ويدفع القاضي قدر الزكاة من ماله إليه أي إلى السفيه ليؤدي بنفسه ليصرفها إلى مصرفها لأن الواجب عليه الإيتاء وهو عبارة عن فعل يفعله هو عبادة ولا يحصل ذلك إلا بنية ويوكل أي القاضي أمينا إلى أن يؤديها كي لا يصرفها إلى غير المصرف ويسلم القاضي النفقة إلى أمينه ليصرفه إلى مستحقها لأنه لا يحتاج فيه إلى النية فاكتفى فيها بفعل الأمين فإن أراد حجة الإسلام لا يمنع منها أي من الحجة لأنه واجب عليه بإيجاب الله تعالى من غير صنعه
وفي الفرائض هو ملحق بالمصلح وغير السفيه إذ لا تهمة فيه ولا يمنع من عمرة واحدة والقياس أن يمنع لأنه تطوع كالحج تطوعا وجه الاستحسان أنها واجبة عند بعض العلماء فيمكن منها احتياطا وكذا لا يمنع من أن يسوق البدنة تحرزا عن موضع الخلاف ولا يمنع من القران وإن جنى في إحرامه ينظر إن كانت جناية تجوز فيها الصوم كقتل الصيد والحلق عن أذى ونحو ذلك لا يمكن من التكفير بالمال بل يكفر بالصوم وإن كانت جناية لا يجري فيه الصوم كالحلق من غير ضرورة والتطيب وترك الواجبات فإنه يلزمه الدم لكن لا يمكن من التكفير في الحال بل يؤخر إلى أن يصير مصلحا بمنزلة الفقير الذي لا يجد مالا والعبد المأذون له في الإحرام وكذا لو جامع امرأته بعد الوقوف بعرفة تلزمه بدنة ثم يتأخر إلى أن يصير مصلحا وتدفع نفقته أي نفقة السفيه في طريق الحج والعمرة إلى ثقة من الحجاج ينفق عليه أي على السفيه في الطريق بالمعروف لا تدفع إليه كي لا يبذر ولا يسرف
وتصح منه أي من السفيه الوصية بالقرب جمع قربة وأبواب الخير من الثلث إن كان له وارث والقياس أنها لا تصح لأنها تبرع لكنا استحسنا ذلك إذا كانت مثل وصايا الناس لأنها قربة يتقرب بها إلى الله تعالى وهو يحتاج إليها سيما في هذه الحالة وفي إشارة إلى أنه إذا أوصى بما يستقبحه المسلمون
____________________
(4/55)
فلا ينفذ كما في التبيين
ويحجر على المفتي الماجن هو الذي يعلم الناس الحيل الباطلة بأن علم المرأة الارتداد لتبين من زوجها وبأن علم الرجل أن يرتد لتسقط عنه الزكاة ثم يسلم ولا يبالي أن يحرم حلالا ويحل حراما والطبيب الجاهل وهو الذي يسقي الناس في أمراضهم دواء مخالفا لعدم علمه فيفسد أبدان المسلمين والمكاري المفلس لأنه يأخذ الكراء أولا ليشتري به الجمال والظهر ويدفع إلى بعض ديونه فيعوق المسلمين من نحو الحج والغزو اتفاقا قيد للثلاثة جميعا لأن منع كل واحد منها دفع ضرر العامة إذ المفتي الماجن يفسد على الناس دينهم والطبيب الجاهل يهلك أبدانهم والمكاري المفلس يتلف أموالهم فيحجر هؤلاء عن عملهم لأن المنع عن ذلك من باب أمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يحجر على فاسق سواء كان أصليا أو طارئا ومغفل إذا كان كل واحد منهما مصلحا لماله لأن حجر السفيه عندهما كان للنظر له صيانة والفاسق يصلح ماله فيدخل في قوله تعالى فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم لأنه تعالى علق الدفع بعلم رشد واحد لأنه نكرة في الإثبات فيكون أقله كافيا فالمراد هو الرشد في المال لا في الدين بكسر الدال وإلا يلزم الرشد ولو كان الفسق موجبا للحجر لكان حجر الكافر أولى به ولم يذهب إليه أحد وعند الشافعي يمنع زجرا له وعقوبة عليه وإن كان مصلحا لماله ولذا لا يكون الفاسق أهلا للولاية والشهادة عنده
وفي المنح ولو أن قاضيا حجر على مفسد يستحق الحجر ثم رفع إلى قاض آخر
____________________
(4/56)
فأطلقه ورفع عنه الحجر فأجاز ما صنع جاز إطلاق الثاني لأن قضاء الأول كان في فصل مجتهد فيه وهذا اختلاف في نفس القضاء ولأن الحجر الأول لم يكن قضاء لعدم المقضي عليه فينفذ قضاء الثاني فهو بمنزلة ما لو قضى وهو محجور عليه فإذا أطلقه الثاني صح إطلاقه وليس للقاضي الثالث بعد ذلك أن ينفذ قضاء الأول بالحجر وكذا لا يحجر من له غفلة شديدة عند الإمام لأنه ليس بمفسد ماله ولا يقصده لكنه لا يهتدي إلى التصرفات الرابحة فيغبن في البياعات لسلامة قلبه وعندهما يمنع القاضي عن التصرف شفقة له وهو قول الأئمة الثلاثة كما في أكثر المعتبرات لكن المصنف لم يذكر الاختلاف في المتن بل أتى بصورة الاتفاق اكتفاء بذكر الخلاف في حكم السفيه للمشاركة في إتلاف المال أو لعدم اعتناء قولهما في هذه المسألة تتبع
ولا يحجر على مديون وإن طلب الحجر غرماؤه عند الإمام لأن المنع عن التصرف بطلب الغرماء يبطل أهليته وإلحاقه بالبهائم وهو شنيع لا يرتكب لدفع ضرر خاص ولا ببيع القاضي ماله أي مال المديون فيه أي في الدين لأن تصرف الحاكم فيه حجر عليه ولأن البيع لا يجوز إلا بالتراضي بالنص فيكون باطلا بل يحبسه أي القاضي لبيع ماله أبدا حتى يبيعه أي المال هو أي المديون بنفسه فيكون الجنس لقضاء الدين لا لأجل البيع لأن قضاء الدين بالبيع ليس بطريق متعين بل يكون بالاستيهاب والاستقراض والصدقة من الناس إلا أن قدرته على القضاء ببيع ماله الموجود أظهر من قدرته عليه بالاستقراض وغيره وسبب الحبس المماطلة والظلم بتأخير القضاء الواجب وامتناعه مع القدرة عليه فإن كان والأولى بالواو ماله أي مال المديون من جنس دينه كالدراهم أداه أي الدين الحاكم منه من جنس الدراهم بالإجماع لأن للدائن الأخذ بلا رضى المديون عند المجانسة فالقاضي إذا قضى دينه لا يلزمه حجره عند الإمام لأن قضاء الدين من القاضي إعانة ويبيع أحد النقدين بالآخر استحسانا بالإجماع وفي القياس لا يبيع الدراهم للدنانير ولا الدنانير للدراهم للاختلاف في الصورة ولا يؤخذ رب الدين جبرا وجه الاستحسان الاتحاد في الثمنية ولذا يضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة وعندهما وعند الأئمة الثلاثة يحجر عليه أي على المديون إن طلب غرماؤه الحجر عليه ويمنع من التصرف
____________________
(4/57)
الذي يضر بالغرماء
و يمنع من الإقرار أي إقرار الدين بغيرهم حتى لا يضر بالغرماء لأن الحجر على السفيه إنما جوزاه نظرا له وفي هذا الحجر نظر للغرماء لأنه عساه يلجئ ماله فيفوت حقهم ومعنى قولهما ومنعه من البيع أن يكون بأقل من ثمن المثل أما البيع بثمن المثل لا يبطل حق الغرماء والمنع لحقهم فلا يمنع منه كما في الهداية ويبيع الحاكم ماله أي مال المديون الحاضر ليؤدي الدين من ثمنه لأنه لو كان غائبا لا يبيع ماله اتفاقا إن امتنع من بيعه ويقسمه أي يقسم ثمنه بين غرمائه بالحصص إذ الإيفاء حق عليه فبإبائه ناب عنه الحاكم كجب فإن المجبوب إذا امتنع عن المفارقة فرق الحاكم بينهما والأصل أن من امتنع عن إيفاء حق مستحق عليه وهو مما تجري فيه النيابة ناب القاضي منابه كذمي أسلم عبده فأبى أن يبيعه باعه القاضي عليه
وإن أقر حال حجره بمال لزمه ذلك المال بعد قضاء ديونه لا في الحال لأن المديون لما حجر للغرماء تعلق حقهم بما في يده فلا يملك إبطاله بالإقرار لغيرهم مع أن الإقرار أمر مشاهد فيحتمل أن يكون كاذبا فلا يزاحم لكن ينفذ إقراره على نفسه وفيه إشارة إلى أنه لو استفاد مالا آخر بعد الحجر نفذ إقراره وتبرعاته فيه لأن حقهم تعلق بالمال القائم لا بالمستفاد وإلى أنه لو استهلك مالا لغيرهم فله أن يشاركهم فيما في يده لأنه مشاهد وكذا لو تزوج امرأة بمهر مثلها وكذا لو كان سبب وجوب الدين ثابتا عند القاضي بعلمه أو بشهادة الشهود فله أن يشاركهم فيه وينفق من مال المفلس عليه وعلى من تلزمه نفقته كأولاده الصغار وزوجته وذوي أرحامه لأن حاجته الأصلية مقدمة على الغرماء والفتوى على قولهما في بيع ماله لامتناعه عن البيع كما في الاختيار ويباع النقود جملة مستأنفة استئنافا
____________________
(4/58)
بيانيا كأن قائلا قال إذا كان الفتوى على قولهما في بيع ماله فأي يباع أولا فأجاب بقوله ويباع النقود أولا ثم يباع العروض ثم العقار وقيل يبدأ القاضي ببيع ما يخشى عليه التوى من عروضه ثم ما لا يخشى عليه التلف منه ثم بيع العقار فالحاصل أن القاضي نصب ناظرا فينبغي له أن ينظر للمدين كما ينظر للمداين فيبيع ما كان أنظر إليه وبيع ما يخشى عليه التلف أنظر له ويترك له أي للمديون دست من ثياب بدنه ويباع الباقي لأن به كفاية وقيل يترك له دستان لأنه إذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس وقالوا إذا كان للمدين ثياب يلبسها ويكتفي بدون ذلك فإنه يبيع ثيابه فيقضي الدين ببعض ثمنها ويشتري بما بقي ثوبا يلبسه لأن قضاء الدين فرض عليه وكان أولى من التجمل وعلى هذا إذا كان له مسكن ويمكنه أن يشتري بما دون ذلك يبيع ذلك المسكن ويقضي ببعض الثمن الدين ويشتري بالباقي مسكنا يكفيه كما في التبيين
ومن أفلس وعنده متاع رجل شراه منه أي من الرجل فقبضه من البائع بعد الشراء بإذنه والمتاع قائم بيده فرب المتاع أسوة الغرماء فيه أي في المتاع فيبيع ويقسم ثمنه بينهم بالحصص إذا كان الدين كله حالا وأما إذا كان الدين بعضه حالا فيقسم بين غرماء الحال ثم بعد انقضاء الأجل شاركهم فيما قبضوه بالحصص كما في القهستاني قيدنا القبض بعد الشراء بالإذن لأنه إن أفلس قبل قبضه أو بعده بغير إذن بائعه كان للبائع استرداده وحبس المبيع بالثمن
وقال الشافعي البائع أولى سواء كان قبل القبض أو بعده
____________________
(4/59)
60 فصل في بيان أحكام البلوغ يحكم ببلوغ الغلام بالاحتلام أو الإنزال أو الإحبال أي بجعل المرأة حبلى وببلوغ الجارية بالحيض أو الاحتلام أو الحبل بفتحتين وذا لا يكون بلا إنزال منها ولذا لم يذكر الإنزال في الجارية قيل وجه عدم الذكر فيها أنه أمر باطني لا يعلم منها كما يعلم من الصبي وفي الدرر والأصل أن البلوغ يكون بالإنزال حقيقة ولكن غيره مما ذكر لا يكون إلا مع الإنزال فجعل كل واحد علامة على البلوغ وفي التسهيل فعلى هذا ينبغي أن يكون المراد بالاحتلام هو الاحتلام مع الإنزال فحينئذ يغني ذكر الاحتلام
وفي الفرائد في عدم كون الحيض إلا مع الإنزال كلام تدبر
انتهى
لكن يمكن أن الحيض لا يوجد إلا ممن تحبل عادة وذا يكون بعد الإنزال فإن لم يوجد شيء من ذلك أي من أسباب الحكم ببلوغهما فإذا تم له أي للغلام ثماني عشرة سنة يحكم ببلوغه
و إذا تم لها سبع عشرة سنة يحكم ببلوغها عند الإمام لقوله تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأشد الغلام على ما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومن تبعه ثماني عشرة سنة وقيل اثنان وعشرون وقيل خمس وعشرون فوجب أن يدور الحكم على القول الأول للاحتياط إلا أن الجارية أسرع في بلوغها من الغلام ففرقنا بينهما بسنة وعندهما والأئمة الثلاثة إذا تم خمس عشرة سنة فيهما أي في الغلام والجارية وهو رواية عن الإمام وبه يفتى لأن علامة البلوغ لا تتأخر عن هذه المدة فيهما غالبا وأدنى مدته أي مدة البلوغ بالاحتلام ونحوه له أي للغلام ثنتا عشر سنة ولها أي للجارية أدنى المدة تسع سنين كذا ذكروا ولا
____________________
(4/60)
يعرف ذلك إلا سماعا أو بالتتبع وإذا راهقا أي قربا بالبلوغ وقالا قد بلغنا صدقا في دعواهما إن لم يكذبهما الظاهر لما في الخانية صبي أقر أنه بالغ وقاسم وصي الميت قال أبو بكر محمد بن الفضل إن كان الصبي مراهقا قبل قوله ويجوز قسمته وإن لم يكن مراهقا ويعلم أن مثله لا يحتلم لا تجوز قسمته ولا يقبل قوله لأنه يكذب ظاهرا وتبين بهذا أن بعد ثنتي عشرة سنة إذا كان بحال لا يحتلم مثله إذا أقر بالبلوغ لا يقبل قوله وكانا أي الغلام والجارية كالبالغ حكما أي أحكامهما حكم البالغين لأنه أمر لا يوقف عليه إلا من جهتهما فيقبل فيه قولهما بالضرورة
____________________
(4/61)
62 كتاب المأذون إيراد المأذون بعد الحجر ظاهر المناسبة إذ الإذن يقتضي سبق الحجر وفي اللغة عبارة عن الإعلام وفي الشرع الإذن فك الحجر الثابت شرعا وإسقاط الحق مطلقا سواء كان حق الصبي أو المعتوه أو حق مولى عبد وقد ذهب البعض إلى تخصيص الإسقاط بحق مولى العبد هنا وهو التصرف والخدمة لمولاه إذ هذا الحق يمنع تصرف العبد لنفسه فإذا أسقط المولى حقه هذا يقدر العبد إلى الاكتساب بالإضافة إلى نفسه ليتعلق حق من يعامله بذمته ولا يقدر إلى دفع يد مولاه عما اكتسبه كالحر فيأخذ من كسب عبده كما في شرح الوقاية لابن الشيخ
وفي الدرر والإذن نوعان أحدهما إذن العبد وهو فك الحجر بالرق الثابت شرعا على العبد وإسقاط الحق فيتصرف العبد لنفسه لأهليته والنوع الثاني إذن الصبي والمعتوه وهو فك الحجر وإثبات الولاية لهما ثم يتصرف العبد بعد ذلك لنفسه بأهليته القديمة فقوله ثم يتصرف عطف على محذوف فإن قوله الإذن فك الحجر معناه إذا أذن المولى ينفك الحجر عن العبد فعطف على قوله ينفك قوله ثم يتصرف العبد فقوله وإسقاط الحق كالتفسير لقوله فك الحجر فلا يلزم تفريع على كون تصرف العبد لنفسه بأهليته سيده عهدته أي عهدة التصرف كما إذا اشترى شيئا ولم يؤد ثمنه يطلب منه الثمن ولم يرجع على سيده لأنه اشترى لنفسه لا لسيده والوكيل عكس هذا إذا الثمن يطلب من الموكل لا من الوكيل
ولا يتوقت الإذن بزمان
____________________
(4/62)
ولا مكان فلو أذن له أي للعبد يوما ونحوه من اليوم المعين والليل والشهر والسنة أو مكانا فهو مأذون دائما إلى أن يحجر عليه لأن الإسقاطات لا تتوقت فإن قيل ينبغي أن لا يكون له ولاية الحجر لأن الساقط لا يعود قلت بقاء ولاية الحجر باعتبار بقاء الرق فكان في الحجر امتناع عن الإسقاط فيما يستقبل إلا أن الساقط لا يعود وفيه إشعار بأن تعلق الإذن بالشرط جائز كإضافته إلى المستقبل كما في القهستاني ولا يتخصص بنوع من التجارة فإذا أذن في نوع من التجارة كان مأذونا في سائر الأنواع حتى لو أذن بشراء الخز ونهي عن شراء البز كان إذنا بشراء البز وغيره وإن لم يكن العبد مهتديا إلى التصرف في غير الخز والسيد عالم به فإن قلت إنه أزال الحجر في حق تصرف خاص قلت نعم إلا أنه يوجب الرضى بتعطيل منافعه مطلقا والتخصيص لغو كما في القهستاني
وقال زفر الإذن عبارة عن توكيل وإبانة فيتقيد بما قيد به المولى وبه قال الشافعي وأحمد
ويثبت الإذن صريحا كما إذا قال لعبده أذنت لك بالتجارة ودلالة بأن رأى عبده يبيع ويشتري فسكت ولم يمنعه منه فسكوته إذن له في التجارة بخلاف سكوت القاضي فإنه ليس بإذن لكن لا يكون مأذونا في ذلك الشيء لأنه وسيلة الإذن ووسيلة الشيء خارج عن ذلك الشيء سواء كان البيع للمولى أو لغيره بأمره أو بغير أمره بيعا صحيحا أو فاسدا
وفي التبيين هكذا ذكره صاحب الهداية وغيره ذكره قاضي خان في فتاواه إذا رأى عبده يبيع عينا من أعيان المالك فسكت لم يكن إذنا له وكذا المرتهن إذا رأى الراهن يبيع الرهن فسكت لا يبطل الرهن انتهى لكن يمكن التوفيق بين كلام صاحب الهداية وقاضي خان بأن يقال إن مراد قاضي خان بقوله لم يكن ذلك إذنا له هو أن سكوت المالك فيما إذا رأى عبده يبيع عينا من أعيان مال المولى لا يصير إذنا في حق ذلك التصرف الذي صادفه السكوت لا في
____________________
(4/63)
حق سائر تصرفات ذلك العبد في باب التجارة مطلقا ويرشد إليه قوله وكذا المرتهن إلى آخره فإن المراد هناك عدم صحة التصرف الذي صادفه السكوت لا محالة وكذا يؤيده ما قاله القهستاني في هذا المحل نقلا عن الذخيرة فإنه يصير مأذونا فيما يستقبل فيصح تصرفاته فيه لا فيما يبيع من مال سيده في الحال لأنه لا بد فيه من الإذن الصريح بخلاف ما إذا اشترى من ماله فعلى هذا أن ما في الدرر في هذا المحل محل تأمل تتبع وعند زفر والشافعي لا يثبت الإذن بسكوت المولى عندما يراه يبيع أو يشتري لأنه يحتمل الرضى والسخط فلا يثبت بالشك ولنا أن العادة قد جرت بذلك لأجل دفع الضرر عن الناس
وللمأذون خبر مقدم إذنا عاما لا بشراء شيء بعينه أو شراء طعام الأكل أو شراء ثياب الكسوة يعني للعبد الذي قال له مولاه قد أذنت لك في التجارة ولم يقيده بشراء شيء بعينه أو بشراء طعام الأكل أو ثياب الكسوة ولم يقيده أيضا بنوع من التجارة أن يبيع مبتدأ مؤخر ويشتري لأن اللفظ يتناول جميع أنواع التجارة وأما إذا أمره بشراء شيء بعينه كالطعام والسكوت لا يكون مأذونا له لأنه استخدام ولو صار مأذونا له لتضرر كما في شرح الكنز للعيني
وفي القهستاني إذا قال له أذنت لك في التجارة أي في كل تجارة أو قال له اشتر لي ثوبا أو بعه أو قال له آجر نفسك من الناس فإنه صار مأذونا لأنه أمر بالعقود المتكررة بخلاف ما لو قال اشتر لي ثوبا للكسوة أو آجر نفسك من فلان في عمل كذا فإنه لم يصر مأذونا لأنه أمره بعقد واحد وقد صح أن يكون استخداما فلو لم يصح للاستخدام صار مأذونا وإن أمره بعقد واحد كما إذا غصب العبد متاعا وأمره السيد أن يبيعه فإنه صار مأذونا لأنه لم يكن أن
____________________
(4/64)
يجعل استخداما لا للسيد وهذا ظاهر ولا للمالك لأنه لم يعمل له وعلى هذا الأصل يخرج جنس هذه المسائل كما في الذخيرة ويوكل بهما أي له التوكيل بالبيع والشراء لأنه من توابع التجارة فلعله لا يتمكن من مباشرة الكل فيحتاج إلى معين
و له أن يسلم أي يجعل نفسه رب السلم
و له أن يقبل السلم أي يجعل نفسه المسلم إليه لأنهما من توابع التجارة
و له أن يرهن ويرتهن لأنهما إيفاء واستيفاء وهما من توابع التجارة ويزارع أي له أن يدفع الأرض مزارعة ويأخذها مزارعة لأنها من عمل التجارة
و له أن يشتري بذرا يزرعه لأن يربح
و له أن يشارك عنانا لأنه وكالة وليس أن يشارك مفاوضة لأنها كفالة
و له أن يستأجر الأجير والبيت وغيرهما ويؤجر ولو وصلية نفسه فإن إجارة نفسه بيع منافعه وليس كبيع نفسه فيملك التصرف وعند الأئمة الثلاثة ليس له ذلك لأن ذلك تصرف في نفسه فلا ينتظمه الإذن
و له أن يضارب أي يأخذ المال مضاربة ويدفع المال مضاربة لأنه إن دفع يكون مستأجرا وإن أخذ يكون مؤجرا نفسه وهما من التجارة
و له أن يبضع أي يدفع المال بضاعة يعني له أن يعطي رجلا قدر رأس المال ليتجر به ويكون الربح له
و له أن يعير و له أن يقر بدين إذ لو لم يجز الإقرار لم يعامله أحد فيكون من لوازم المعاملة سواء صدقه المولى أو كذبه وسواء كان مديونا أو لا هذا إذا كان إقراره في صحته وإن كان في المرض قدم غرماء الصحة كما في الحر وعند الأئمة الثلاثة بدين معاملة فقط وإذا أقر لزوجته ووالده وولده بطل عند الإمام خلافا لهما الوديعة لأن الإيداع وقبول الوديعة من عادة التجار فله أن يقر بها وغصب لأن ضمان الغصب مفاوضة فيملك المغصوب بالضمان فله أن يقر به
ولو باع أو اشترى بغبن فاحش جاز عند الإمام لأن المأذون متصرف بأهلية نفسه كالحر فيصح عقده بالفاحش ولو نهي عن البيع بالغبن الفاحش كما في المنح خلافا لهما لأن المقصود من الإذن الاسترباح والعقد بالفاحش إتلاف فلا يدخل تحت الإذن فلا يجوز قيد بالفاحش لأن
____________________
(4/65)
بيعه وشراءه بغبن يسير جائز بالاتفاق لتعذر الاحتراز عنه
ولو حابى العبد المأذون أي باع شيئا بأقل من قيمته والمحاباة الغبن بالرضى في مرض موته صح من جميع المال إن لم يكن عليه أي على المأذون دين فينفذ وإن زادت المحاباة على الثلث وإن كان عليه دين فمن جميع ما بقي بعد الدين يعني يؤدي دينه أولا فما بقي يكون المحاباة من جميعه لأن الاقتصار في الحر على الثلث لحق الوارث ولا وارث للعبد والمولى وإن كان بمنزلة الوارث إلا أنه رضي بسقوط حقه بالإذن فصار كالوارث إذا أسقط حقه من الثلثين
وإن لم يبق شيء بعد الدين بأن كان محيطا بما في يده أدى المشتري جميع المحاباة أو رد المبيع أي يقال له أد جميع المحاباة وإلا فأردد البيع كما في الحر هذا إذا كان المولى صحيحا وإن مريضا لا تصح محاباة العبد إلا من ثلث مال المولى كتصرف المولى بنفسه كما في التبيين وله أي للمأذون أن يضيف معامله لجريان العادة بذلك بين التجار لاستجلاب القلوب
وفي البزازية ويتخذ الضيافة اليسيرة لا الكثيرة وذا بقدر المال حتى لو كان في يده عشرة آلاف درهم فبعشرة يسيرة ولو عشرة دراهم في يده فبدانق كثيرة
و له أن يحط من الثمن قدر ما يحط التجار لأنه لا يملك أن يحط من الثمن أكثره من العادة لأنه تبرع بعد تمام العقد بعيب أي بسبب عيب ظهر فيه لأنه من صنيع التجار قيد بالعيب لأنه لا يحط بدونه لأنه تبرع
و له أن يأذن لرقيقه في التجارة لأنه نوع تجارة والأصل أن كل من له ولاية التجارة يصح إذنه للعبد فيها كالمكاتب والمأذون والمضارب والأب والجد والقاضي وشريكي المفاوضة والعنان
____________________
(4/66)
والوصي ولا يجوز للأم والأخ والعم لأنهم ليس لهم ولاية التجارة كما في الاختيار لا أن يتزوج أي ليس للمأذون أن يتزوج إلا بإذن المولى لأنه ليس من باب التجارة ولا أن يتسرى جارية اشتراها وإن أذن له مولاه كما في جواهر الفقه أو يزوج عبده لأن التزويج ليس بتجارة فلا ولاية له في ذلك إلا بإذن المولى
وكذا لا يزوج أمته عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإن عنده يزوج الأمة دون العبد لأن تزويجها تحصيل مال بإسقاط النفقة وإيجاب المهر فيصير كإجارتها ولهما أن الإذن لا يتناول غير التجارة وقد مر أن التزويج ليس منها ولا أن يكاتب رقيقه لأنه ليس بتجارة إذ هي مبادلة مال بمال وبدل الكتابة مقابل بفك الحجر وهو ليس بمال أو يعتق ولو وصلية بمال لأن الإعتاق فوق الكتابة فإذا لم يملك هذا لا يملك الأعلى ولأنه ليس بحر فلا يملك التحرير وهذا إذا لم يجز المولى فإن أجاز ولا دين عليه جاز وكذا إذا كان عليه دين عندهما لكن ضمن قيمة العبد للغرماء أو يقرض أي ليس له أن يقرض لأنه تبرع ابتداء أو يهب ولو وصلية بعوض لأنها من التبرعات أو يهدي أي ليس له الإهداء إلا إهداء الشيء اليسير من الطعام كالرغيف ونحوه لاستجلاب القلوب لا الدراهم والدنانير والمحجور لا يهدي اليسير أيضا لعدم الإذن وعن أبي يوسف إذا دفع المولى إلى العبد المحجور قوت يومه فدعا بعض رفقائه على ذلك الطعام للأكل معه فلا بأس به لعدم ظهور الضرر على المولى بخلاف ما لو دفع إليه أي إلى العبد المحجور قوت شهر لما في أكلهم حينئذ ضرر بين للمولى قالوا ولا بأس للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها باليسير كالرغيف ونحوه بدون استطلاع رأي الزوج لأنها غير ممنوعة من قبله عادة وهذه المسألة ليست من مسائل هذا الباب فيكون ذكرها لمناسبة هي كونها مأذونة عادة وفي أكثر الكتب والأب والوصي لا يملكان في مال الصغير ما يملكه العبد المأذون له من اتخاذ الضيافة اليسيرة والصدقة
وما لزم المأذون من الدين بسبب تجارة أو ما في معناها أي في حكم التجارة كبيع
____________________
(4/67)
وشراء نظير للتجارة قيل صورة وجوب الدين بالبيع والشراء أن يبيع ويستحق المبيع ويهلك الثمن في يده وإجارة واستئجار وغصب وجحد أمانة وعقر أمة شراها فوطئها فاستحقت نظير لما هو في معنى التجارة قيل صورة وجوب الدين بالإجارة أن يأخذ المأذون الأجرة معجلا ثم يهلك المستأجر أو يستحق قبل تمام المدة يتعلق ذلك الدين برقبته أي المأذون وفيه إشعار بأنه لو باع مولاه بعد الدين كان باطلا فقيل معناه سيبطل لأنه موقوف على إجازة الغرماء وقيل إنه فاسد لأنه لو أعتقه المشتري بعد القبض يصح ولزمه قيمته فلا يكون موقوفا كما في القهستاني فيباع فيه أي يبيع القاضي المأذون مرة في ذلك الدين بطلب الغرماء بحضرة مولاه أو نائبه وإن لم يرض بذلك مولاه إن لم يفده أي الدين المولى
وقال زفر يتعلق بالكسب لا بالرقبة لأنه مأذون في التجارة لا في التصرف في رقبته لأن غرض المولى من إذنه تحصيل مال لم يكن لا تفويت مال قد كان بخلاف دين الاستهلاك فإنه يباع فيه لجناية لا تعلق لها بالإذن وبه قال الشافعي ومالك وعن أحمد يتعلق بذمة مولاه ولنا أنه ظاهر في المولى بسبب الإذن وكل دين يظهر في حقه فهو متعلق بالرقبة لأنه لا بد من محل يستوفى منه وأقرب المحال إليه نفسه فصار كدين الاستهلاك والجامع دفع ضرر الناس ويقسم القاضي ثمنه أي ثمن العبد وما في يده أي يد المأذون من كسبه بين الغرماء بالحصص أي بمقدار نصيب دين كل واحد منهم لأن ديونهم متعلقة برقبته فيتحاصصون في الاستيفاء من البدل كما في التركة سواء كان كسبه أي كسب المأذون ما في يده قبل الدين أو بعده أو اتهبه وحاصله سواء كان كسبه قبل الدين أو بعده بالمبايعة أو بقبول الهبة وفيه إشعار بأنه يشترط حضور المأذون في بيع كسبه لأنه الخصم فيه ولا يشترط رضاه ولا حضور مولاه وما بقي عليه أي على العبد من الدين بعده ما اقتسم الغرماء ثمنه يطالب به بعد عتقه ولا يطالب به للحال إذ
____________________
(4/68)
لهم الخيار في القليل العاجل بالبيع والكثير الآجل بالسعاية لا في الجمع بينهما ولا في الطلب من المولى لانقطاع تعلقه به وما أخذه سيده منه أي من كسبه قبل ظهور الدين لا يسترد لأنه أخذه حين كان فارغا عن حاجة العبد فخلص له بمجرد القبض وله أي للمولى أخذ غلة أي أجرة مثله مع وجود الدين يعني لو كان المولى يأخذ من العبد كل شهر عشرة دراهم مثلا قبل لحوق الدين يكون له أخذ غلة بعد وجود الدين مثل ما أخذه قبل الدين استحسانا والقياس أن لا يأخذ لأن الدين مقدم على حق المولى في الكسب وجه الاستحسان أن في أخذه الغلة منفعة للغرماء فإنه يترك على حاله لأجل ما يحصل له من المنفعة ولو لم يأخذ يحجر عليه فينسد عليهم باب الاكتساب والزائد عليها أي على غلة مثله للغرماء لعدم ضرورة فيه وتقدم حقهم
وينحجر المأذون غير المدبر إن أبق لأن الإباق يمنع ابتداء الإذن عندنا على ما ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده وكذا يمنع بقاءه فلا يلزم شيء من تصرفاته كالبيع وعند زفر والأئمة الثلاثة يبقى مأذونا لأن الإباق لا ينافي ابتداء الإذن فلا ينافي دوامه وهل يعود الإذن إن عاد من الإباق فالصحيح أنه لا يعود
وفي القهستاني لو أذن الآبق لم يصح الإذن لكن في الهداية إشارة إلى أنه قد صح إذنه كإذن العبد المغصوب فإنه قد صح إلا أنه لا يبطل إذنه به وفصل في الذخيرة بأنه إن أقر الغاصب أو كان للمالك بينة عادلة فقد صح الإذن وإلا فلا أو مات سيده أو جن مطبقا أو لحق بدار الحرب حال كونه مرتدا علم العبد بذلك أو لم يعلم أما الموت فلأنه يزيل الملك وأما الجنون فلأنه يزيل الأهلية وأما اللحاق فلأنه موت حكما أو حجر عليه أي يصير محجورا إن حجر المولى عليه بأن قال حجرتك عن التصرف أو بإيصال خبر الحجر
____________________
(4/69)
إليه بشرط أن يعلم المأذون حجر نفسه للاحتراز عن الضرر هو قضاء الدين بعد الحرية وعلم به أكثر أهل سوقه أي سوق العبد لأن الأكثر قائم مقام الكل هذا إذا كان الإذن شائعا أما إذا لم يعلمه إلا العبد فيكفي علمه حجره
وقال الشافعي حجره صحيح وإن لم يعلم به أحد من أهل سوقه وبه قال مالك وأحمد
و تنحجر الأمة المأذونة إن استولدها سيدها عندنا استحسانا لأنه يمنع عن أن تخرج إلى الناس لتعامل معهم فيكون الاستيلاد إحصانا دالا على الحجر عادة إلا إذا أذنها صريحا وهو يتفوق دلالة
وقال زفر لا يصير محجورا عليها اعتبارا للبقاء بالابتداء فإنه يصح أن يأذن لأم ولده والبقاء أسهل وبه قالت الأئمة الثلاثة لا تنحجر الأمة المأذون إن دبرها المولى وهذا بالإجماع لانعدام دلالة الحجر ويضمن المولى القيمة فقط للغريم فيهما أي في الاستيلاد والتدبير لأنه أتلف بهما محلا تعلق به حق الغرماء وهو الرقبة المحبوسة عنده لأنه بفعله امتنع بيعهما وبالبيع يقضي حقهم وعند الأئمة الثلاثة لا يضمن
وإقراره أي المأذون وهو رفع بالابتداء بعد الحجر بدين أو بأن ما في يده أمانة لغيره أو غصب منه صحيح فيقضي مما في يده لا من رقبته لأنها ليست من كسبه بل من كسب مولاه هذا عند الإمام خلافا لهما فإنهما قالا لا يصح إقراره وهو القياس لأن المصحح هو الإذن وقد زال وبه قالت الأئمة الثلاثة وجه الاستحسان أن المصحح هو اليد وهي باقية حقيقة وبطلان اليد حكما بالحجر فراغ ما في يده من الإكساب عن حاجته وإقراره دليل على تحققها
وإن استغرق دينه أي دين المأذون رقبته ما في يده لا يملك سيده ما في يده من اكتسابه عند الإمام ثم فرع عليه بقوله فلو أعتق عبدا مما في يده لا يصح عند الإمام وعندهما وعند الأئمة الثلاثة يملك السيد ما في يده فيصح عتقه في عبده ويغرم قيمته للغرماء لوجود سبب الملك في كسبه وهو كونه مالكا لرقبته ولهذا يحل وطء المأذونة وله
____________________
(4/70)
أن ملك المولى إنما يثبت خلافة عن العبد عند فراغه عن حاجته والمحيط به الدين مشغول بها فلا يخلفه فيه والعتق وعدمه فرع ثبوت الملك وعدمه
وقال صاحب المنح ولو اشترى ذا رحم محرم من المولى لم يعتق ولو كان المولى يملك ما معه لعتق ولو أتلف المولى ما في يده من الرقيق ضمن لأنه أتلف ما لا يملكه ولو كان المولى يملك ما معه لم يضمن
وإن لم يستغرق دينه رقبته صح إعتاق عبده اتفاقا أما عندهما فظاهر وأما عنده فلأنه لا يعرى عن دين قليل فلو جعل مانعا لا يبقى الانتفاع بكسبه فيفوت الغرض من الإذن ويصح بيعه أي بيع هذا المأذون من سيده بمثل القيمة أو أكثر لأنه لا تهمة في البيع بمثل القيمة فيصح لا يصح بيعه بأقل من القيمة ولو يسيرا لأن حق الغرماء تعلق بالمالية فليس له أن يبطل حقهم أما لو كان دينه أقل بحيث لا يحيط فجاز بيعه بأقل من قيمته لعدم تعلق حق الغرماء
وفي القهستاني وهذا عنده وأما عندهما فيبيع من سيده مطلقا إلا أن السيد مخير بين إزالة الغبن وبين نقض البيع ويبيع من أجنبي بالغبن اليسير لا الفاحش وقيل الصحيح أن قوله كقولهما كما في الكافي
و يصح بيع سيده منه أي من هذا المأذون بمثلها أي بمثل القيمة وبالأقل منها لا يصح لأن المولى أجنبي عن كسب عبده إذا كان عليه دين فالكلام فيه لأنه لا يملك كسبه فيخرج المبيع عن ملكه فيصح كما في الأجنبي وعندهما جواز البيع يعتمد على الفائدة وقد وجدت فإن المولى يستحق أخذ الثمن والعبد المبيع فثبت لكل واحد منهما ما لم يكن ثابتا قبل ذلك فأفاد كما في التبيين لا يصح بأكثر لأن الزيادة تعلق بها حق الغرماء فلو باع المولى منه بأكثر من قيمة المثل يحط المولى الزائد عن القيمة أو ينقص البيع صيانة لحق الغرماء كما في المبسوط بلا ذكر الخلاف لكن في المحيط وغيره أنه عندهما وأما عنده فالبيع فاسد وإن أسقط المحاباة وكان الغبن يسيرا كما في القهستاني فإن سلم سيده إليه أي إلى العبد المبيع قبل نقد الثمن سقط عن ذمة هذا المأذون الثمن أي ثمن مبيع باعه سيده منه لأن المولى لما سلم المبيع فقد أبطل حقه من العين فلم يبق له حق إلا في الدين مع أن المولى لا يستوجب على عبده دينا فيبطل الثمن أيضا فيخرج مجانا بخلاف ما إذا كان الثمن عرضا حيث يكون المولى أحق به من الغرماء لأنه تعين بالعين بالعقد فملكه به عنده وعندهما تعلق حقه بعينه
____________________
(4/71)
فكان أحق به وبخلاف ما إذا باع العبد من سيده فسلم إليه المبيع قبل قبض الثمن حيث لا يسقط الثمن كما في التبيين وعن أبي يوسف أن للمولى أن يسترد المبيع إن كان قائما في يد العبد ويحبسه حتى يستوفي الثمن وله أي للمولى أن لا يسلمه أي المبيع حتى يأخذ ثمنه لأن البيع لا يزيل ملك اليد ما لم يصل إليه الثمن فيبقى للمولى على ما كان عليه حتى يستوفي الثمن ولذا يكون أخص من سائر الغرماء ويضمن السيد للغرماء بإعتاقه العبد المأذون حال كونه مديونا الأقل من قيمته أي العبد ومن الدين أي إن كانت قيمة المأذون أقل من الدين ضمن سيده للغرماء القيمة لتعلق حقهم برقبته وإن كان الدين أقل من القيمة ضمن الدين لأن حق الغرماء ليس إلا فيه وقد وصلوا إليه وصار هذا كما لو أعتق الراهن المرهون وما زاد من دينه على قيمته طولب به معتقا أي للغرماء أن يطالبوه بعد عتقه لأن الدين مستقر في ذمته لوجوب سببه والمولى لم يتلف إلا قدر القيمة فبقي الباقي عليه كما كان فيرجع به عليه وعند مالك والشافعي يؤخذ من كسبه وإلا طولب بعد عتقه قيل الغرماء بالخيار إن شاءوا اتبعوا المعتق بالدين وإن شاءوا اتبعوا المولى بالأقل من قيمته ومن الدين
وإن باعه المولى وهو أي العبد المأذون مديون مستغرق برقبته وغيبه مشتريه أي جعله المشتري بعد قبضه غائبا فللغرماء إجازة بيعه وأخذ ثمنه أي إن شاء الغرماء أجازوا البيع وأخذوا ثمن العبد وحينئذ لا يضمنون أحدا القيمة لأن الحق لهم والإجازة اللاحقة كالإذن السابق أو تضمين أي شاءوا من السيد أو المشتري قيمته أي قيمة العبد لأنه متعد ببيعه وتسليمه إلى المشتري وإنما قيد بقوله وغيبه لأن الغرماء إذا قدروا على العبد كان لهم أن يبطلوا البيع إلا أن يقضي المولى ديونهم فإن ضمنوا السيد أي إن اختاروا تضمين قيمته إياه ثم رد عليه أي رد المشتري العبد على البائع بقضاء بعيب أي بسبب عيب بعدما ضمنه الغرماء قيمته رجع المولى عليهم أي على الغرماء بالقيمة وعاد حقهم أي الغرماء في العبد لأن سبب الضمان قد زال وهو البيع والتسليم هذا إذا رده عليه
____________________
(4/72)
قبل القبض مطلقا أو بعده بقضاء لأنه فسخ من كل وجه وكذا إذا رده عليه بخيار الرؤية أو الشرط وإن رده بالعيب بعد القبض بغير قضاء فلا سبيل للغرماء على العبد ولا للمولى على القيمة لأن الرد بالتراضي إقالة وهي بيع في حق غيرهما وإن فضل شيء من دينهم رجعوا به على العبد بعد الحرية
وإن باعه المولى و الحال أنه قد أعلم المشتري بكونه مديونا فللغرماء رد البيع إن لم يصل ثمنه إليهم لأن حقهم تعلق به وهو حق الاستسعاء أو الاستيفاء من رقبته وفي كل منهما فائدة فالأول تام مؤخر والثاني ناقص معجل وبالبيع تفوت هذه الخيرة فلهذا لهم أن يردوه
وإن وصل ثمنه إليهم ولا محاباة في البيع فلا أي فليس لهم أن يردوه لوصول حقهم إليهم فينفذ البيع لزوال المانع هذا إذا كان الدين حالا وكان البيع من غير طلب الغرماء والثمن لا يفي بدينهم فأما إذا كان دينهم مؤجلا فالبيع جائز لأنه باع ملكه وهو قادر على تسليمه ولم يتعلق به حق لغيره لأن حق الغرماء متأخر وكذا إذا كان البيع بطلبهم لأن البيع وقع لأجلهم وكذا إذا كان الثمن يفي بدينهم فإن غاب البائع بعد بيع المولى المأذون وقبض المشتري فالمشتري ليس خصما لهم إن أنكر المشتري الدين عند الطرفين وعند أبي يوسف هو خصم ويقضي لهم بالدين
____________________
(4/73)
لأنه يدعي الملك لنفسه فيكون خصما لكل من ينازعه ولهما أن الدعوى تتضمن فسخ العقد وقد قام بهما فيكون الفسخ قضاء على الغائب وعلى هذا الخلاف إذا اشترى دارا ووهبها وسلمها وغاب ثم حضر الشفيع فالموهوب له ليس بخصم عندهما خلافا له وأما إذا كان البائع حاضرا والمشتري غائبا فالحكم كذلك إجماعا
ومن قال عند قدومه مصرا أنا عبد فلان فاشترى وباع ساكتا عن إذنه وحجره أو ساكتا فحكمه كالمأذون بناء على أن أمور المسلمين محمولة على الصلاح والجواز لا يكون إلا بالإذن فوجب أن يحمل عليه مع أن العمل بالظاهر هو الأصل في المعاملات دفعا للضرر عن الناس أو لأن تصرفه وإقدامه عليه كالحر دليل الإذن إلا أنه لا يباع في الدين لأن بيع الرقبة ليس من لوازم الإذن لأن المدبر المأذون إذا لحقه الدين لا تباع رقبته إذ الدين لم يظهر في حق المولى لأن الغرور والضرر ليس من جانبه فيطالب الدين من العبد بعد عتقه ما لم يقر سيده بإذنه يعني إذا حضر المولى وأقر بإذنه أو أثبت الغريم إذنه على وجه المولى فيباع العبد المأذون
فصل في بيان حكم الصبي والمعتوه تصرف الصبي إن نفع بلا ضرر أصلا كالإسلام وقبول الهبة والصدقة صح بلا إذن أي بلا توقف على إذن الولي لكونه أهلا ولو على القصور
وإن ضر أي إن كان تصرفه ضارا كالطلاق والإعتاق فلا يصح ولو وصلية بإذن لانعدام
____________________
(4/74)
75 الشرط فيه وهو الأهلية الكاملة وإن احتملهما أي النفع والضر كالبيع والشراء صح بالإذن أي بإذن الولي لا بدونه أي الإذن علق بإذن وليه دفعا للضرر بانضمام رأي الولي في المتردد بينهما وعند الشافعي لا يصح تصرفه بإجازة الولي ولذا لا يصح إسلامه فإذا أذن للصبي في التجارة أبوه أو جده عند عدمه أي عدم الأب أو وصي أحدهما أي وصي الأب أو الجد عند عدم وصي الأب والمراد منه الترتيب لأن وصي الأب مقدم على الجد وترتيبه أبوه ما دام حيا حاضرا وبعد موته وصيه المختار ثم وصي وصيه كما في القهستاني ثم جده هو أب الأب ثم وصيه ثم وصي وصيه أو القاضي أي ثم القاضي أو من يقوم مقامه دون الأم ووصيها وصاحب الشرط فحكمه أي حكم هذا الصبي حكم العبد المأذون في جميع ما ذكرنا من الأحكام من أنه لا يتقيد بنوع من التجارة ويكون مأذونا لسكوت الولي حين يراه يبيع ويشتري ويصح إقراره
____________________
(4/75)
بما في يده من كسبه ويجوز بيعه بالغبن الفاحش عنده خلافا لهما بشرط أن يعقل كون البيع سالبا للملك والشراء جالبا له أي للملك زاد الزيلعي عليه وأن يقصد الربح ويعرف الغبن اليسير من الفاحش فلو أقر الصبي المأذون بالتجارة من قبل الولي بما في يده من كسبه من عين أو دين لوليه أو لغيره لأنه من تمامه التجارة ولو لم يصح لا يعامله الناس أو إرثه أي بما ورث عن أبيه أو غيره صح إقراره في ظاهر الرواية لأن الحجر ارتفع بالإذن فصار كالبالغ وعن الإمام أنه لا يصح في الإرث لأن الحاجة في صحة الإقرار بما معه للحاجة إليه في التجارة ولا حاجة في المورث والمعتوه الذي لا يعقل البيع والشراء بالمعنى المذكور بمنزلة الصبي فيما مر من الأحكام
وفي التبيين تفصيل فليراجع وصح إذن الوصي أو القاضي لعبد اليتيم لأن لهما تصرفا في مال اليتيم والإذن منه
____________________
(4/76)
77 كتاب الغصب وكان المناسب إيراده تلو كتاب الحجر لما بينهما من المناسبة الظاهرة لكن عارضه أن إيراد المأذون بعد الحجر أدخل في المناسبة لما تقرر من أنه فك الحجر فأورده بعده كما في المنح هو في اللغة أخذ الشيء من الغير على وجه القهر مالا كان أو غيره حتى يطلق على أخذ الحر ونحوه مما لا يتقوم يقال غصبه منه وغصبته عليه وقد يسمى المغصوب غصبا تسمية للمفعول بالمصدر
وفي الشرع هو أي الغصب إزالة اليد المحقة أي التي لها حق بإثبات اليد المبطلة في مال متقوم محترم قابل للنقل بغير إذن مالكه لا بخفية وهذه القيود لا بد منها لأن قولنا في مال بمنزلة جنس لكونه شاملا مع أنه احتراز عن ميتة وحر وقولنا متقوم احتراز عن خمر مسلم وقولنا محترم احتراز عن مال الحربي وقولنا قابل للنقل احتراز عن العقار فإن غصبه غير متصور خلافا لمحمد فعنده الغصب تفويت يد المالك لا غير
وعند الأئمة الثلاثة إثبات يد مبطلة لا غير
____________________
(4/77)
وفائدة الخلاف في زوائد المغصوب كولد المغصوبة وثمرة البستان فإنها ليست بمضمونة عندنا وعندهم مضمونة وقولنا بغير إذن مالكه احتراز عن أخذه من يد المالك بإذنه كالوديعة وقولنا لا بخفية احتراز عن السرقة ثم أشار إلى الخلاف بقوله فاستخدام العبد أي عبد الغير بغير إذنه وحمل الدابة أي دابة الغير بغير إذنه غصب لوجود إزالة اليد المحقة وإثبات اليد المبطلة فيهما لا الجلوس على البساط لأن الجلوس عليه ليس بتصرف فيه إذ البسط فعل المالك وقد بقي أثر فعله في الاستعمال فلم يكن آخذا وعند الأئمة الثلاثة الجلوس أيضا غصب وحكمه أي الغصب الإثم إن علم أنه مال الغير وأن ذلك الفعل غصب وأقدم عليه أما إن ظن أنه ماله فالضمان ولا إثم إذ الخطأ مرفوع ووجوب رد عينه أي عين المغصوب في مكان غصبه أي غصب الغاصب إياها لاختلاف القيم باختلاف الأماكن إن كانت العين باقية لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترد أي يجب على اليد الغاصب رد ما أخذت حتى ترد فإذا ردت سقط وجوب الرد والضمان لو هلكت أي العين سواء علم أو لم يعلم وسواء هلك أو أهلك لأنه حق العبد فلا يتوقف
____________________
(4/78)
على علمه وقصده ففي المثلى وهو ما يوجد له مثل في الأسواق بلا تفاوت متعد به كما في أكثر الكتب لكن يشكل بنحو التراب والصابون فإنه قيمي كالكيلي والوزني والعددي المتقارب أي ما لا يتفاوت آحاده في القيمة يجب مثله لأن هذا الواجب ضمان جبر والجبر إنما يتحقق بإيجاب المثل لقوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ورد العين هو الموجب الأصلي لأنه أعدل وأكمل ورد القيمة أو المثل مخلص يصار إليه عند تعذر رد القيمة ولهذا يطالب برد العين قبل الهلاك ولو أتى بالقيمة والمثل لا يعتد به لكونه قاصرا
وكذا يبرأ الغاصب برد العين من غير علم المالك بأن سلمه إليه بجهة أخرى كما إذا وهبه له أو أطعمه إياه فأكله والمالك لا يدري أنه ملكه وفي الإطعام خلاف الشافعي كما في شرح الكنز للعيني فإن انقطع المثل عن أيدي الناس تجب قيمته يوم الخصومة والقضاء عند الإمام لأن المثل نوعان كامل وهو المثل صورة ومعنى فصار أصلا في ضمان العدوان وقاصر وهو المثل معنى هو القيمة وضمان القاصر لا يكون مشروعا مع احتمال الأصل لكونه خلفا عنه ولا ينقطع الاحتمال بالانقطاع ولكن بالخصومة والقضاء ولذا لو صبر المالك إلى مجيء أو أنه كان له أن يطالب بالمثل الكامل وبه قال مالك وأكثر الشافعية وهو الصحيح كما في القهستاني نقلا عن التحفة وعند أبي يوسف يوم الغصب لأن سبب الوجوب هو الغصب فتعتبر قيمته يومه
وفي القهستاني هو أعدل الأقوال كما قال صدر الشريعة وهو المختار على ما قال صاحب النهاية وعند محمد يوم الانقطاع لأنه صار الآن كالذي لا مثل له وبه قال أحمد وبعض الشافعية وبه أفتى كثير من المشايخ كما في القهستاني وفيه كلام لأن يوم الانقطاع على قول محمد لا ضبط له
وفي القيمي كالعددي المتفاوت كالثياب والحيوان
و
____________________
(4/79)
المثلى المخلوط بخلاف جنسه نحو البر المخلوط بالشعير والموزون الذي في تبعيضه ضرر كالأواني المصوغة بحيث تخرجه الصنعة عن المثلية بجعله نادرا بالنسبة إلى أصله كالقمقم والقدر والإبريق تجب قيمته يوم الغصب إجماعا لأنه لا مثل له لأن الصورة لما تعذر اعتبارها لتفاوتها اعتبر المعنى وهو القيمة دفعا للضرر بقدر الإمكان وقال مالك يضمن مثله صورة
وفي المنح كل مكيل وموزون مشرف على الهلاك مضمون بقيمته في ذلك الوقت كسفينة موقورة أخذت في الغرق وألقى الملاح ما فيها من المكيل والموزون في الماء يضمن قيمتها ساعتئذ
وفي الصيرفية صب ماء في طعام فأفسده وزاد في كيله فله أن يضمنه قيمة الحنطة قبل أن يصب الماء فيه وليس له أن يضمنه طعاما مثله هذا إذا لم ينقله إلى مكان فإن نقله يضمن المثل لأنه حينئذ غصب وهو مثلي يجب عليه المثل بخلاف ما لو صب الماء في الموضع الذي فيه الحنطة بغير نقل
فإن ادعى الغاصب الهلاك أي هلاك المغصوب حبس ذلك الغاصب إذا لم يرض المالك بالقيمة فإنه مقر بالغصب فإذا أنكر أقام عليه بينة والصحيح أنه تقبل البينة في حق الحبس كما في القهستاني حتى يعلم ويظن بمضي مدة موكولة إلى رأي القاضي أنه أي المغصوب لو كان باقيا لأظهره ثم يقضي أي يقضي الحاكم عليه أي على الغاصب بالبدل أي بدل المغصوب أي بالمثل في المثل وبالقيمة في القيمي وفي التنوير ولو ادعى الغاصب الهلاك عند صاحبه بعد الرد وادعى المالك الهلاك عند الغاصب وأقاما البرهان فبرهان الغاصب أولى هذا عند محمد وعند أبي يوسف بينة المالك أولى وفي المنح الغاصب أو المودع المتعدي إذا قال لا أعرف قيمة المغصوب بعد هلاكه والمالك يقول قيمته كذا درهما وهو لا يصدقه ولا يقر بشيء من القيمة ويقول لا أعرف قيمته فإنه يحلف على دعوى المدعي فإن
____________________
(4/80)
لم يحلف يكون حكمه حكم النكول يحكم عليه بعد العرض ثلاثا ولو قال المغصوب منه كانت قيمة ثوبه مائة فالقول قول الغاصب مع يمينه ويجبر على البيان لأنه أقر بقيمة مجهولة فإذا لم يبين يحلف على ما يدعي المغصوب منه من الزيادة فإن حلف يحلف المغصوب منه أيضا أن قيمة ثوبه مائة ويأخذ من الغاصب فإذا أخذ ثم ظهر الثوب كان الغاصب بالخيار إن شاء رضي بالثوب وسلم القيمة للمغصوب منه وإن شاء رد الثوب وأخذ القيمة
والغصب إنما هو فيما ينقل لأنه إزالة يد المالك بإثبات يده وذلك يتصور في المنقول ثم فرع عليه بقوله فلو غصب عقارا هو ماله أصل وقرار كالضيعة والدار فهلك في يده بأن غلب السيل على الأرض أو هدم البناء بآفة سماوية لا يضمن عند الشيخين لانتفاء الشرط هو النقل بل يرد لما مر أن الغصب إزالة اليد بفعل في العين وهو لا يتصور في العقار لأن يد المالك تزول عنه بإخراجه وهو فعل فيه لا في العقار فصار كما إذا أبعد المالك عن المواشي حتى تلف لا يضمن لأن منع المالك بالتبعيد فعل فيه لا في المواشي خلافا لمحمد فإن عنده يجري الغصب في العقار لأن إزالة اليد فيه يكون بما يمكن لا بالنقل وبقوله قال أبو يوسف أولا وزفر وهو قول الأئمة الثلاثة وبه يفتى في الوقف كما في شرح الكنز للعيني وغيره
وفي المنح الفتوى في غصب العقار والدور الموقوفة بالضمان
وقال الأسروشني وعماد الدين في فصولهما والأصح أنه أي العقار يضمن بالبيع والتسليم وبالجحود في الوديعة أي إذا كان العقار وديعة عنده فجحده كان ضامنا بالاتفاق وبالرجوع عن الشهادة بأن شهدا على رجل بالدار ثم رجعا بعد القضاء ضمنا وما نقص منه أي من العقار بفعله كسكناه أي سكنى الغاصب في الدار المغصوبة وزرعه في الأرض المغصوبة ضمنه أي النقصان بالإجماع كما في النقلي لأن ذلك إتلاف وإهلاك والعقار يضمن به ولا يشترط للضمان الإتلاف في يده قيل في تفسير النقصان إنه ينظر بكم تستأجر هذه الأرض قبل الاستعمال وبعده وقيل بل ينظر بكم تباع قبل الاستعمال وبكم تباع بعده فيضمن تفاوت ما بينهما من النقصان
وقال العيني وغيره وهو الأقيس ويأخذ الغاصب رأس ماله وهو البذر وما غرم من النقصان وما أنفق على الزرع ويتصدق بالفضل عند الطرفين حتى إذا غصب أرضا فزرعها كرين فأخرجت ثمانية أكرار ولحقه من المؤنة قدر كر ونقصها قدر كر فإنه يأخذ منه أربعة أكرار ويتصدق بالباقي وعند أبي يوسف لا يتصدق به أي بالباقي لأن الزيادة حصلت في ضمانه وملكه لأن ما ضمن من
____________________
(4/81)
الفائت يملكه بالضمان ولهما أنه صار ملكا له ملكا خبيثا وحراما لخبث السبب وهو التصرف في ملك الغير فيكون سبيله التصدق
وكذا لو استغل العبد المغصوب أي لو آجر العبد المغصوب وأخذ غلته فنقصه الاستغلال أو آجر المستعير المستعار ونقص يضمن النقصان لأنه دخل جميع أجزائه في ضمانه فيجب عليه ضمان قيمة ما تعذر رده من أجزائه كلا أو بعضا وما فضل من الغلة والأجرة تصدق به عند الطرفين خلافا له أي لأبي يوسف لما ذكرنا آنفا
وإن تصرف في الغصب أو الوديعة فربح وهما يتعينان بالتعيين كالعروض ونحوها تصدق بالربح ولا يطيب له عند الطرفين خلافا له أي لأبي يوسف أيضا أي كخلافه في المسألة التي قبلها
وإن كانا أي المغصوب أو الوديعة لا يتعينان كالنقدين فقد قال الكرخي على أربعة أوجه ذكرها المصنف بقوله
____________________
(4/82)
فإن أشار المتصرف إليهما أي إلى دراهم الغصب أو الوديعة ونقدهما فكذلك لا يطيب له الربح ويتصدق به عندهما خلافا له
وإن أشار إلى غيرهما ونقدهما أي دراهم الغصب أو الوديعة أو أشار إليهما ونقد غيرهما أو أطلق إطلاقا ولم يشر إليهما ولا إلى غيرهما بل قال اشتريت بدرهم
و لكن نقدهما أي دراهم الغصب أو الوديعة طاب له الربح اتفاقا قيل وبه أي بعدم الطيب في الأولى وبالطيب في الصور الثلاث الباقية يفتى قائله صاحب الوقاية موافقا لما في المحيط حيث قال الفتوى على قول الكرخي لكثرة الحرام دفعا للحرج عن الناس في هذا الزمان وهذا قول الصدر الشهيد
وفي الدرر وبه كان يفتي الإمام أبو الليث والمختار عند مشايخنا أنه لا طيب مطلقا يعني في الصور كلها لإطلاق المبسوط والجامعين ولو اشترى بألف الغصب أو الوديعة جارية تعدل ألفين فوهبها أو طعاما فأكله لا يتصدق بشيء وهذا قولهم جميعا لأن الربح إنما يتبين عند اتحاد الجنس كما في الهداية
فصل وإن غير ما غصبه بالتصرف فيه احتراز عما إذا تغير بغير فعله بأن صار العنب مثلا زبيبا بنفسه أو الرطب تمرا فالمالك يخير إن شاء يأخذه وإن شاء يتركه ويضمنه فزال بذلك التغيير اسمه أي اسم المغصوب احتراز عما إذا غصب شاة فذبحها فقط فإن ملك مالكها لم يزل بالذبح المجرد إذا لم يزل اسمها به حيث يقال شاة مذبوحة لكن أورد على ذلك بقولهم شاة مشوية مع أنها تخلف المذبوحة في الحكم وأعظم منافعه أي أكثر مقاصده احتراز عن
____________________
(4/83)
دراهم فسبكها بلا ضرب فإنه وإن زال اسمه لكن يبقى أعظم منافعه ولذا لا ينقطع حق المالك عنه كما في المحيط وغيره فلم يكن زوال الاسم مغنيا عن اسم المنافع كما في القهستاني فعلى هذا أن ما قال صاحب الدرر من أنه لم يقل وأعظم منافعه لأن من قاله قصد تناوله الحنطة إذا غصبها وطحنها فإن المقاصد المتعلقة بعين الحنطة كجعلها هريسة ونحوها يزول بالطحن ولا حاجة إليه لأن قول زال اسمه مغن عنه لأنه يلزمه ليس بسديد بل هو عدم اطلاع على ما قررنا نقلا عن المحيط وغيره تدبر ضمنه أي الغاصب المغصوب وملكه بتقرر الضمان على الغاصب كما هو المتبادر وإليه ذهب بعض المتقدمين
وقال بعض المتأخرين إن سبب الملك الغصب عند أداء الضمان فلو أبى المالك عن أخذ القيمة وأراد أخذ المغير لم يكن له ذلك كما في النهاية لكن حكى عن الإمام مفتي الثقلين أن الصحيح عند المحققين ومشايخنا على قضية مذهب أصحابنا أنه لا يملك إلا عند تراضي الخصمين بالضمان أو قضاء القاضي به أو أداء البدل كما في القهستاني نقلا عن الذخيرة وعند الشافعي في القول الأظهر لا ينقطع حق المالك وهو رواية عن أبي يوسف غير أنه إذا اختار أخذ العين لا يضمن النقصان عنده في الأموال الربوية وعند الشافعي يضمنه
ولا يحل انتفاعه أي انتفاع الغاصب به أي بالمغصوب المغير قبل أداء الضمان استحسانا والقياس الحل وهو رواية عن الإمام وقول الحسن قول زفر لأن ملكه ثبت بكسبه والملك مبيح للتصرف ولهذا لو وهبه أو باعه صح وجه الاستحسان أن في إباحة الانتفاع به قبل الأداء فتحا لباب الغصب فيحرم الانتفاع لكن جاز للغاصب بيعه وهبته لأنه مملوك له بجهة محظورة كالمقبوض بالبيع الفاسد كشاة ذبحها وطحنها أو شواها أو قطعها وبر طحنه أو زرعه ودقيق خبزه وعنب أو زيتون عصره قيد للعنب والزيتون وقطن غزله وغزل نسجه وحديد جعله سيفا وصفر جعله آنية وساجة
____________________
(4/84)
بالجيم وهو مفرد ساج وهو شجر عظيم صلب قوي ينبت ببلاد الهند وهي من أعز الأشجار ويستعمل في بناء الدور وأبوابها وأساسها وأما إذا بنى عليها فلا ينقطع حق المالك لأنه متعد في البناء عليها والساجة من وجه كالأصل لهذا البناء فيهدم للرد كما إذا بنى في الأرض المغصوبة أو لبنة بنى عليها وهذه الأشياء تمثيلات للأعيان المغصوبة المتغيرة بفعل الغاصب تغيرها ظاهر فيما عدا الساجة وأما لغيرها فيها فلأنها كانت نقلية والآن صارت من العقار ولذا استحق بالشفعة فيكون هالكا من وجه ومتغيرا من وجه والتغير يوجب انقطاع حق المالك وهو يملكها بهذه التصرفات عندنا خلافا للشافعي وهو يضمنه النقصان
وفي الذخيرة إنما يزول الملك عن الساجة إذا كانت قيمتها أقل من قيمة البناء وأما إذا كانت أكثر منها فلا تزول عن ملكه كما في شرح المجمع
وإن جعل الفضة أو الذهب دراهم أو دنانير أو جعل الفضة أو الذهب آنية لا يملكه أي المجعول وهو لمالكه بلا شيء في مقابلة الجعل عند الإمام لأن الجودة والصنعة في الأموال الربوية عند مقابلتها بجنسها لا قيمة لها ولهذا لو غصب حليا فكسره ثم رده إلى مالكه لا يضمن وعندهما يملكه الغاصب وعليه أي على الغاصب مثله أي مثل الذهب والفضة لتبدل الاسم بالصنعة
فإن ذبح الغاصب الشاة بغير إذنه فالمالك يخير إن شاء طرحها أي الشاة عليه أي على الغاصب وضمنه قيمتها أي الشاة المذبوحة أو أخذها أي الشاة وضمنه نقصانها أي الشاة بذبحها لوجود نقصان بعض منافعها كالدر والنسل دون بعض إذ لحمها منتفع به
____________________
(4/85)
وروى الحسن عن الإمام أنه ليس له أن يضمنه النقصان إذا أخذ اللحم لأن الذبح والسلخ زيادة فيها والأول هو الظاهر
وكذا لو قطع يدها أي الشاة لأن قطع اليد أو الرجل كالذبح في الحكم فله الخيار المذكور في الذبح أو قطع طرف دابة غير مأكولة وظاهر كلام المصنف أنه يخير فيه أيضا بين تضمين جميع قيمتها وتركها له وبين تضمين نقصانها لكن ما في أكثر الكتب المعتبرات يخالف ظاهره لأنهم قالوا لو كانت الدابة غير مأكولة اللحم يضمن قاطع الطرف جميع قيمتها لأنه استهلاك من كل وجه بخلاف طرف العبد حيث يضمنه نصف قيمته مع أخذه انتهى
وفي الفرائد تفصيل وحاصله أن العلماء اختلفوا ففرق بعضهم بين مأكول اللحم وغير مأكول اللحم كما في الهداية ومختار الفتاوى وشروح الكنز والدرر وغيرها وبعضهم سوى بينهما والمصنف اختار التسوية بينهما فلهذا قال أو قطع طرف دابة غير مأكولة معطوفا على ما قبله انتهى لكن التسوية على قول محمد فقط لما في الخانية ولو ذبح حمار غيره ليس له أن يضمنه النقصان في قول الإمام ولكن يضمنه جميع القيمة وعلى قول محمد إن ذبح حمار غيره فللمالك أن يمسك الحمار ويضمنه النقصان وإن شاء ضمنه كل القيمة فلا يمسك المذبوح وإن قتله قتلا فليس له أن يضمنه النقصان
وقال محمد إن كان له قيمة بعد قطع اليد والرجل فإن شاء ضمنه جميع القيمة وإن شاء أمسك الدابة ويضمن النقصان والاعتماد على قول الإمام انتهى فعلى هذا أن ما قاله صاحب الفرائد ليس بشيء بل الصواب أن يقال إن مراد المصنف من قطع طرف دابة غير مأكولة الدابة التي يمكن الانتفاع بما بقي قيمة لما في النهاية نقلا عن النوادر إذا قطع أذن الدابة أو ذنبها يضمن النقصان فلهذا قال من قطع طرف دابة غير مأكولة ولم يقل يد دابة أو رجلها وكذا يضمن النقصان لو قال صاحب الدابة إني أضمنه النقصان ولو سلم الجلد إليه إن كان لجلدها ثمن تتبع
أو خرق الثوب أي يخير أيضا لو خرق ثوب الغير خرقا فاحشا يفوت الجملة صفة خرقا بعض العين وبعض نفعه لا كله لأنه لو فوت كل النفع ضمنه القيمة
____________________
(4/86)
هذا تفسير الخرق الفاحش عن الصحيح
وفي التبيين والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض العين وجنس المنفعة ويبقى بعض العين وبعض المنفعة واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة وإنما يدخل فيه نقصان في المنفعة
وفي النهاية أن الفاحش هو المستأصل للثوب وهو أن يجعل الثوب لا يصلح إلا للخرق ولا يرغب في شرائه وعزاه إلى الحلواني قلت
وفي المجتبى والصحيح ما حده محمد له وهو أن يفوت بعض العين وجنس من منافعه ويبقى بعض العين وبعض المنفعة وقيل يرجع في ذلك إلى الخياطين وقيل إن كان طولا ففاحش وإن كان عرضا فيسير والكل في المنح وفي خرق يسير نقصه أي نقص الخرق الثوب والجملة صفة يسير ولم يفوت شيئا من النفع يضمن الخارق نقصانه يعني مع أخذ عينه وليس له غير ذلك لأن العين قائمة من كل وجه وإنما دخله عيب فنقص لذلك فكان له أن يضمنه النقصان
ومن بنى في أرض غيره أو غرس فيها شجرا أمر الباني والغارس بالقلع في ظاهر الرواية والرد أي رد الأرض إلى المالك لقوله عليه الصلاة والسلام ليس لعرق ظالم حق أي لذي عرق ظالم وصف العرق بصفة صاحبه وهو الظلم مجازا كما يقال صام نهاره وقام ليله إذا كانت الأرض لا تنقص بالقلع
وإن كانت تنقص بالقلع فللمالك أن يضمن له أي للغاصب قيمتهما أي قيمة البناء والغرس مأمورا بقلعهما لأن فيه دفع الضرر عنهما وإنما يضمن قيمته مقلوعا لأنه مستحق القلع ثم بين طريق معرفة قيمتهما بقوله فتقوم الأرض بلا شجر أو بناء بمائة مثلا وتقوم مع أحدهما بمائة وعشرة حال كونه مستحق القلع فحينئذ ينقص أجرة القلع هي درهم فيبقى مائة وتسعة دراهم فيضمن المالك الفضل هو التسعة قال المشايخ هذا إذا
____________________
(4/87)
كانت قيمة البناء أو الغرس أقل من قيمة الأرض وأما إذا كانت قيمة البناء أو الغرس أكثر من قيمة الأرض فلا يقال للغاصب اقلع البناء أو الغرس ورد الأرض بل يضمن قيمة الأرض فيملكها بالضمان وبه يفتي بعض المتأخرين لكن ظاهر الرواية ما ذكر في المتن وبه يفتي البعض في زماننا سدا لباب الظلم هذا إذا كانت الأرض ملكا أما إذا كانت وقفا فيؤمر بالقلع والرد مطلقا
وفي التبيين وعلى هذا لو ابتلعت دجاجة لؤلؤة ينظر أيهما أكثر قيمة فلصاحبه أن يأخذ ويضمن قيمة الآخر وعلى هذا التفصيل لو أدخل فصيل غيره في داره وكبر فيها ولا يمكن إخراجه إلا بهدم الجدار وعلى هذا التفصيل لو أدخل البقر رأسه في قدر من النحاس فتعذر إخراجه
وإن صبغ الغاصب الثوب الذي غصبه أحمر أو أصفر أو لت السويق الذي غصبه بسمن فالمالك بالخيار إن شاء ضمنه أي
____________________
(4/88)
الغاصب قيمة ثوبه حال كونه أبيض أي أخذ قيمة ثوب أبيض لأنه متلف من وجه
و ضمنه مثل سويقه لكونه مثليا وترك ما غصبه الغاصب له أو أخذهما أي إن شاء أخذ الثوب والسويق وضمن ما زاد الصبغ والسمن في الثوب والسويق لأن الصبغ مال متقوم كالثوب وبغصبه وصبغه لا يسقط حرمة ماله ويجب صيانتهما ما أمكن وذا في إيصال معنى مال أحدهما إليه وإيفاء حق الآخر في عين ماله وهو فيما قلنا من التخيير إلا أنا أثبتنا الخيار لرب الثوب لأنه صاحب أصل والغاصب صاحب وصف كما في الدرر وعند الشافعي يؤمر الغاصب بقلع الصبغ بالغسل بقدر الإمكان ويسلمه وإن انتقص قيمة الثوب بذلك فعليه ضمان النقصان
وإن صبغه أي الثوب أسود ضمنه أي المالك قيمته أبيض أو أخذه بلا رد شيء لأنه أي الصبغ بالسواد نقص عند الإمام وعندهما الأسود كغيره وهو أي الاختلاف بين الإمام وبينهما اختلاف زمان فإن بني أمية في زمانه كانوا يمتنعون عن لبس السواد وفي زمانهما بنو العباس كانوا يلبسون السواد فأجاب كل على ما شاهده وفي التنوير رد غاصب الغاصب المغصوب على الغاصب الأول يبرأ عن ضمانه كما لو هلك المغصوب في يد غاصب الغاصب فأدى القيمة إلى الغاصب إذا كان قبضه القيمة معروفا غصب شيئا ثم غصبه آخر منه فأراد المالك أن يأخذ بعض الضمان من الأول وبعضه من الثاني له ذلك الإجازة لا تلحق الإتلاف فلو أتلف مال غيره تعديا فقال المالك أجزت أو رضيت لم يبرأ من الضمان كسر الغاصب الخشب فاحشا لا يملكه ولو كسره الموهوب له لم ينقطع الرجوع
فصل في بيان مسائل تتصل بمسائل الغصب وإن غيب ما غصبه أي إن جعل الغاصب
____________________
(4/89)
المغصوب غائبا وضمن قيمته للمالك ملكه أي الغاصب المغصوب إن كان قابلا للنقل من ملك إلى ملك هذا عندنا لأن المالك ملك البدل بكماله فيملك الغاصب البدل وإلا يلزم اجتماع البدل والمبدل في ملك شخص واحد فلا توجد العدالة بل يقع الضرر فيملك الغاصب المبدل كما ملك المالك البدل تحقيقا للعدالة بينهما ودفعا للضرر حتى لو كان المغصوب قريب الغاصب يعتق عليه بأداء الضمان عندنا
وقال الشافعي لا يملكه الغاصب لأن الغصب محظور فلا يصلح سببا للملك مستندا إلى وقت الغصب وكل شيء ثبت مستندا فهو ثابت من وجه دون وجه فيكون ناقصا فلا يظهر أثره في حق الأولاد ويظهر في حق الأكساب وعن هذا قال وتسلم له الأكساب للتبعية دون الأولاد لأن تبعيتهم فوق تبعية الأكساب ألا يرى أن ولد المدبر والمكاتب مدبر ومكاتب ولا يكون أكسابهما مدبرا ومكاتبا
والقول في القيمة عند اختلافهما للغاصب مع يمينه لأنه منكر إن لم يبرهن مالكه على الزيادة التي ادعاها فإن أقيمت حجتها وجبت تلك الزيادة ولم يعتبر قول الغاصب حينئذ لأن المالك أثبته بالحجة الملزمة وفيه إشعار بأنه لو لم يقم وأقام الغاصب حجة القلة لم تقبل وهو الصحيح بل يحلف على دعواه لأن بينته تنفي الزيادة والبينة على النفي لا تقبل
وقال بعض مشايخنا ينبغي أن تقبل لإسقاط اليمين عن نفسه كالمودع إذا ادعى رد الوديعة فإن القول قوله ولو أقام بينة على ذلك قبلت وكان القاضي أبو علي النسفي يقول هذه المسألة عدت مشكلة ومن المشايخ من فرق بين هذه المسألة وبين مسألة الوديعة وهو الصحيح كما في النهاية وغيرها
وفي المنح الغاصب أو المودع المتعدي إذا قال لا أعرف قيمة المغصوب بعد هلاكه والمالك يقول قيمته كذا درهما وهو لا يصدقه ولا يقر بشيء من القيمة ويقول لا أعرف قيمته فإنه يحلف على دعوى المدعي فإن لم يحلف يكون حكمه حكم النكول وهل يشترط ذكر أوصاف المغصوب في دعوى الغصب أم لا الأصح عدم الاشتراط
____________________
(4/90)
قال محمد في الأصل إذا ادعى رجل على رجل أنه غصب منه جارية له وأقام على ذلك بينة يحبس المدعى عليه حتى يجيء بها أو يردها على صاحبها وتمامه في العناية فليراجع
فإن ظهر المغصوب الغائب وقيمته أكثر أي حال كون قيمته أكثر مما ضمن الغاصب به و الحال أنه قد ضمنه الغاصب بقول المالك أو ببرهانه أو بالنكول أي بنكول الغاصب عن اليمين فهو أي المغصوب للغاصب ولا خيار للمالك لأنه رضي به لادعائه هذا القدر وينفذ بيع الغاصب ضمن القيمة بعد بيعه
وإن ضمنه الغاصب بقوله أي بقول الغاصب مع يمينه فالمالك بالخيار إن شاء أمضى الضمان أي أجاز بأن رضي بالبدل وترك المغصوب في يد الغاصب أو إن شاء أخذه أي المغصوب الظاهر من الغاصب ورد عوضه الذي أخذه من الغاصب لأنه لم يرض بزوال عينه بهذا المقدار لادعاءه الزيادة فيصير أخذه لضرورته عن إقامة البينة قال العيني وغيره ولو ظهر المغصوب وقيمته مثل ما ضمنه أو أقل في هذه الصورة وهي ما إذا ضمنه بقول الغاصب مع يمينه قال الكرخي لا خيار له لأنه توفر عليه مالية ملكه بكماله وفي ظاهر الرواية يثبت له الخيار وهو الأصح
ولو برهن كل من المالك والغاصب على الهلاك عند الآخر أي لو أقام الغاصب البينة على أنه رد المغصوب إلى المالك فهلك عنده وأقام المالك بينة على أنه هلك عند الغاصب فبينة الغاصب أولى عند محمد لأن الضمان ثابت بنفس الغصب فلا حاجة إلى إثباته لكن الغاصب يدعي زواله والمالك ينكره فبينة الغاصب تكون أولى
وفي المجمع وهذا ظاهر المذهب خلافا لأبي يوسف فإن عنده بينة المالك أولى لأنها مثبتة للضمان ولم ينقل عن الإمام شيء
وفي الجواهر ولو شهدوا أن الغاصب غصب هذا العبد ومات عنده وشهد شهود الغصب أنه مات في يد المالك لم تسمع بينة الغاصب وروي عن محمد في الإملاء أن البينة
____________________
(4/91)
بينة الغاصب ولو أقام المالك البينة أن الغاصب غصب يوم النحر بالكوفة وأقام الغاصب البينة أنه كان يوم النحر بمكة هو أو العبد فالضمان واجب على الغاصب ولو شهد أحدهما أنه غصب هذا العبد منه وشهد آخر على إقراره بالغصب لم تقبل
ومن غصب عبدا فباعه أي الغاصب المغصوب فضمنه المالك قيمته نفذ بيعه أي بيع الغاصب
وإن أعتقه فضمنه بعده لا ينفذ عتقه والفرق أن ملك الغاصب ناقص لأنه ثبت مستندا كما مر وهو يكفي لنفاذ البيع دون العتق ألا ترى أن البيع ينفذ من المكاتب بل من المأذون دون عتقه
وزوائد المغصوب غير مضمونة ما لم يتعد الغاصب فيها أي في الزوائد أو يمنعها بعد طلب المالك إياها أي الزوائد سواء كانت متصلة كالحسن والسمن أو منفصلة كالولد والثمرة لأنها أمانة وحكمها هذا
وقال الشافعي عليه الضمان مطلقا لوجود حد الغصب لما مر هو إثبات اليد المبطلة فحسب عنده ولنا أن سبب الضمان إخراج العين من أن تكون منتفعا بها في حق المالك ولم يوجد إلا إذا وجد ما يفوت حقه كالتعدي والمنع بعد الطلب فحينئذ يتحقق حد الغصب لأنه صار مزيلا على المالك يد التصرف والانتفاع ويستثنى منه منافع غصب الوقف فإنها تضمن وعليه الفتوى كما في القهستاني نقلا عن العمادي
وإن نقصت الجارية بالولادة في يد الغاصب أي إذا ولدت الجارية المغصوبة التي حبلت عند الغاصب ولدا ونقصت بالولادة ضمن الغاصب نقصانها أي الجارية
و لكن يجبر النقصان بقيمة الولد قال زفر والشافعي لا يجبر النقصان بالولد لأنه ملكه فكيف يجبر ملكه بملكه كما لو جز صوف شاة الغير ونبت آخر فلا يفيد اتحاد سبب الزيادة والنقصان فيلزم عليه الضمان ولنا أن سبب النقصان والزيادة واحد وهو الولادة لأنها أوجبت فوات جزء من مالية الأم وحدوث مالية الولد فإذا صار مالا انعدم ظهور النقصان به فانتفى الضمان أو يجبر بالغرة لأنها كالولد لكونها قائمة مقامه لوجوبها بدلا عنه إن وقت قيد لقيمة الولد والغرة
____________________
(4/92)
معا أي يجبر النقصان بقيمة الولد إن كان في قيمته وفاء ويسقط ضمانه عن الغاصب وإن لم يكن وفاء به يسقط بحسابه وكذا يجبر النقصان بالغرة أن فيها وفاء به ويسقط ضمانه عن الغاصب وإن لم يكن وفاء يسقط بحسابه أيضا
ولو زنى الغاصب بأمة غصبها فحبلت فردها أي الأمة حاملا فولدت فماتت عند المالك بها أي بسبب الولادة في نفسها ضمن الغاصب قيمتها يوم علوقها عند الإمام لأن ما انعقد فيها من العلوق هو سبب التلف فلا يوجد الرد بعد ذلك على الوجه الذي غصبها كما إذا جنت في يد الغاصب وقتلت في يد المالك بخلاف الحرة يعني لو أخذها مكرهة فزنى بها فردها حاملا فولدت وماتت لا يضمن الغاصب ديتها لأن الحرة لا تكون مضمونة بالغصب ليبقى ضمان الغصب بعد فساد الرد وعندهما لا يضمن في الأمة أيضا أي كالحرة بل يضمن نقصان الحبل وهو قول الأئمة الثلاثة لأن سبب التلف هو الولادة في يد المالك بعد صحة الرد من الغاصب لأن العيب لا يمنع صحة الرد ولكنها معيبة بالحبل فيجب عليه نقصان العيب
ولو ردها محمومة أي لو غصب أمة فحمت ثم ردها محمومة فماتت لا يضمن الغاصب إلا نقصان الحمى اتفاقا كما في البزازية وغيرها لأن الموت يحصل بزوال القوى وأنه يزول بترادف الآلام فلم يكن الموت حاصلا بسبب وجد في يد الغاصب فيجب عليه قدر ما كان عنده دون الزيادة
وفي الجواهر إذا غصب صبيا حرا من أهله فمرض ومات في يده فلا ضمان عليه وكذا إذا أصابه شيء من آفة السماء ولو عقره سبع أو نهشته حية فالغاصب ضامن وفي نسخة فعلى عاقلة الغاصب الدية
وكذا لو زنت الأمة المغصوبة عنده أي عند الغاصب فردها أي الأمة فجلدت في يد المالك فماتت منه أي من الجلد لا يضمن الغاصب إلا نقصان الزنا لأنه الحاصل عنده لا سبب الموت وهو الجلد
ولا يضمن الغاصب منافع ما غصبه سواء سكنه أي فيما غصبه أو عطله أي جعله معطلا
____________________
(4/93)
هذا عندنا وعند الشافعي وأحمد يضمن فيجب أجر المثل لأنها مال متقوم مضمونة بالعقود كالأعيان وعند مالك يضمن الأجر في السكنى لا في التعطيل ولنا أن عمر وعليا رضي الله تعالى عنهما حكما بوجوب قيمة ولد المغرور وحريته ورد الجارية مع عقرها على المالك ولم يحكما بوجوب أجر منافع الجارية والأولاد مع علمهما أن المستحق يطلب جميع حقه وأن المغرور كان يستخدمها مع الأولاد ولو كان ذلك واجبا له لما سكتا عن بيانه بوجوبه عليهما ولعدم المماثلة بين المنافع والدراهم لانعدام البقاء في المنافع فلا يكون تقومها لذاتها بل لضرورة عند ورود العقد ولا عقد هنا وأما إذا انتقص بالاستعمال فيضمن لاستهلاكه بعض أجزاء العين إلا في الوقف وكذا في مال اليتيم والمعد للاستغلال ذكره صدر القضاة ويصير الدار معدة للاستئجار إذا بناها لذلك أو اشتراها لذلك أو تؤاجر ثلاث سنين على الولاء ويشترط علم المستعمل بكونها معدة حتى يجب الأجر واستثنى صاحب المنح فقال إلا إذا سكنها بتأويل ملك أو عقد يعني منافع المعد للاستغلال مضمونة في كل الأحوال إلا فيما ذكر من السكنى بتأويل ملك أو عقد كبيت سكنه أحد الشريكين أما في الوقف إذا سكنه أحدهما بالغلبة بدون إذن الآخر سواء كان موقوفا للسكنى أو للاستغلال فإنه لا يجب الأجر وكذا السكنى بتأويل العقد لما تقدم عن القنية من سكنى المرتهن بتأويل عقد الرهن انتهى
ولا يضمن أيضا خمر المسلم أو خنزيره بالإتلاف سواء كان المتلف مسلما أو ذميا لعدم تقومهما في حق المسلم والعبرة لجانب المتلف عليه دون المتلف وضمن المتلف القيمة فيهما لو كانا أي الخمر والخنزير لذمي لأنهما مال في حقه وقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون وعند الشافعي لا يضمن لعدم التقوم أيضا في حق الذمي لكونه تابعا في الأحكام لنا
وإن أتلف ذمي خمر ذمي ضمن مثلها لقدرته عليه ولو أسلم الطالب بعدما قضي له بمثلها
____________________
(4/94)
فلا شيء على المطلوب لأن الخمر في حقه ليست بمتقومة فكان بإسلامه مبرئا له عما كان في ذمته من الخمر وكذا لو أسلما ولو أسلم المطلوب وحده أو أسلم المطلوب ثم الطالب بعده قال أبو يوسف لا يجب عليه شيء وهو رواية عن الإمام
وقال محمد يجب عليه قيمة الخمر وهو رواية عن الإمام أيضا وفي التنوير بخلاف ما إذا اشتراها أي الخمر من الذمي وشربها فلا ضمان عليه ولا ضمان بإتلاف الميتة ولو وصلية لذمي لأن أحدا لا يعتقد تمولها
ولا ضمان بإتلاف متروك التسمية عمدا ولو وصلية لمن يبيحه من المسلمين لأن استحلال متروك التسمية مخالف لنص الكتاب والخصم مؤمن به فتثبت ولاية المحاجة فلا يجب على متلفه الضمان ولا على من اشتراه بالثمن ولا ينعقد صحيحا
وإن غصب خمر مسلم فخللها أي صيرها خلا بما لا قيمة له كالنقل من الشمس إلى الظل أو من الظل إلى الشمس أخذها المالك بلا شيء لأن التخليل بما ذكر تطهير لها بمنزلة غسل الثوب النجس فلا يوجب المالية فيبقى على ملك المغصوب منه فلو أتلفها أي الخمر التي تصير خلا الغاصب قبل أن يردها إلى المالك ضمنها لأن المغصوب واجب الرد عليه فإذا فوته عليه وجب عليه قيمته خلفا عنه لا يضمن لو تلفت بلا صنعه لأنه لم يوجد منه التفويت
وإن خلل الغاصب الخمر بإلقاء ملح ذي قيمة ونحوه ملكها أي الخمر التي تصير خلا ولا شيء للمالك عليه أي الغاصب عند الإمام لأن الخمر لم تكن متقومة والملح مثلا متقوم فترجح جانب الغاصب فيكون له بغير شيء وعندهما يأخذها المالك إن شاء ويرد قدر وزن الملح من الخل هكذا ذكروه كأنهم اعتبروا الملح مائعا لأنه يذوب فيكون اختلاط المائع بالمائع فيشتركان عندهما فلو أتلفها الغاصب لا يضمن عند الإمام خلافا لهما لما سيأتي في دبغ الجلد
وإن خللها بإلقاء خل ملكها ولا شيء للمالك عند الإمام ولو بمرور الزمان لأنه استهلك الخمر الغير المتقومة في
____________________
(4/95)
حق المسلم كما لو أراقها والخلط استهلاك عنده
وكذا ملكها الغاصب ولا شيء للمالك عند محمد إن تخللت من ساعتها لأنه استهلاك وإلا أي وإن لم يتخلل من ساعتها بل بعد زمان فالخل بينهما على قدر ملكهما
وفي التبيين وعندهما إن صارت خلا من ساعتها فكما قال الإمام وإن صارت بمرور الزمان كان الخل بينهما على قدر حقهما كيلا لأنه لم يستهلك الخمر فيصير في التقدير كأنه خلط الخل بالخل وليس باستهلاك عند محمد وإن كان مائعا لأن الجنس لا يهلك وقيل ظاهر الجواب فيها أنه يقسم بينهما على قدر حقهما سواء صارت خلا من ساعتها أو بعد حين أما عندهما فلا يشكل لأن الخلط ليس باستهلاك وكذا عند الإمام لأن الخلط إنما يوجب زوال الملك إذا كان يوجب الضمان وها قد تعذر وجوب الضمان لأن خمر المسلم لا يضمن بإتلاف فصار كما إذا اختلط بنفسه من غير صنعه ولو استهلكه الغاصب في هذه الرواية ينبغي أن يجب عليه الضمان إجماعا كما في النهاية انتهى
وإن غصب جلد ميتة فدبغه بما لا قيمة له كالتراب والشمس أخذه المالك بلا شيء إذ ليس فيه مال متقوم للغاصب وكانت الدباغة إظهارا للمالية والتقوم فصارت كغسل الثوب النجس فلو أتلفه الغاصب ضمن قيمته مدبوغا اتفاقا وقيل طاهرا غير مدبوغ لأن وصف الدباغة هو الذي حصله فلا يضمنه وجه الأول وعليه الأكثرون أن صنعة الدباغة تابعة للجلد فلا تفرد عنه وإذا صار الأصل مضمونا عليه فكذا صفته
وإن دبغه أي الغاصب الجلد المصبوغ بما له قيمة كالعفص والقرظ يأخذه المالك ويرد ما زاد الدبغ لأنه بهذا الدباغ اتصل بالجلد مال متقوم فيه فيأخذ الجلد ويعطي ما زاد الدباغ فيه وطريق معرفته ما ذكره بقوله بأن يقوم مدبوغا وذكيا غير مدبوغ ويرد المالك إلى الغاصب فضل ما بينهما كما في الثوب المصبوغ
____________________
(4/96)
وللغاصب أن يحبسه أي الجلد حتى يستوفي حقه لأن فعل الغاصب متقوم لاستعماله مالا متقوما فيه كحبس المبيع بالثمن والرهن بالدين والعبد الآبق بالجعل
وإن أتلفه أي الغاصب الجلد المدبوغ بما له قيمة لا يضمن عند الإمام لأن تقوم الجلد المذكور قد حصل بمال الغاصب وصنعه فقام حقه فيه ولذا كان له أن يحبسه حتى يستوفي ما زاده الدباغ لما مر أن صنعته متقومة لإنفاقه فيه مالا متقوما فصار الجلد تابعا لها في حق التقوم لأنه لم يكن متقوما قبل الدباغة ثم الأصل وهو الصنعة إذ المال غير مضمونة عليه بالإتلاف فكذا التابع غير مضمون من غير صنعه
وفي الباقاني على صدر الشريعة في هذا المحل كلام لكن دفعه ابن الشيخ في شرح الوقاية فليراجع وعندهما يضمنه مدبوغا إلا قدر ما زاد الدبغ لأنه استهلك مالا متقوما للمالك فعليه الضمان ولو تلف لا يضمن اتفاقا لعدم صنعه
ومن كسر لمسلم بربطا أو طبلا أو مزمارا أو دفا أو أراق له أي المسلم سكرا بفتحتين اسم للنيء من ماء الرطب إذا غلا واشتد أو منصفا هو ما ذهب نصفه بالطبخ وغلا واشتد ضمن قيمته صالحا لغير لهو ففي البربط يضمن الخشب الصالح للاستعمال وكذا الباقي وفي السكر ونحوه يضمن قيمته صالحا لكونه خلا وغيره ويصلح بيع هذه الأشياء عند الإمام لأنها أموال لصلاحيتها لما يحل له
____________________
(4/97)
به الانتفاع وإن صلحت بما لا يحل فصار كالأمة المغنية والحمامة الطيارة وقالا لا يضمن ولا يجوز بيعها لأن هذه الأشياء أعدت للمعصية فيبطل تقومها وبقولهما قالت الأئمة الثلاثة وعليه الفتوى لفساد الزمان فيما بين الناس حتى ذكر الصدر الشهيد أن البيت يهدم على من اعتاد الفسق وأنواع الفساد وأنه لا بأس بالهجوم على بيت المفسدين وبإراقة العصير قبل أن يشتد على من اعتاد الفسق وقيل الاختلاف في الدف والطبل الذي يضرب للهو فأما طبل الغزاة أو طبل الحاج أو طبل الصيد أو الدف الذي يباح ضربه في العرس أو يلعب به الصبية في البيت فيضمن بالاتفاق بالإتلاف كما في شرح الكنز للعيني
ومن غصب مدبرة فماتت في يده أي الغاصب ضمن الغاصب قيمتها بالاتفاق لتقومها وكذا الحكم لو غصب مدبرا فلا فائدة في التخصيص سوى التوطئة والمناسبة لقوله ولو غصب أم ولد فماتت في يده فلا ضمان عليه عند الإمام لعدم تقومها عنده خلافا
____________________
(4/98)
لهما فإن عندهما يضمن قيمتها لتقومها عندهما وبقولهما قالت الأئمة الثلاثة
ولو شق الزق لإراقة الخمر التي فيه لا يضمنه عند أبي يوسف لأنه لا يتيسر الإراقة إلا بالشق فيكون مأذونا فيه خلافا لمحمد هو أن يقول إن الإراقة ممكنة بدون الشق فيضمن الزق لأنه مال متقوم
ولا ضمان على من حل قيد عبد غيره أو حل رباط دابته أي دابة غيره أو فتح إصطبلها أي إصطبل دابة الغير أو فتح قفص طير غيره فذهب العبد أو الدابة أو الطير عقيب ذلك الفعل هذا عند الشيخين لأنه تخلل بين فعله والتلف فعل فاعل مختار وهو ذهاب العبد والدابة وطيران الطيور واختيارهم صحيح وتركهم منهم متصور والاختيار لا ينعدم بانعدام العقل فيضاف التلف إلى المباشر دون التسبيب كما في الاختيار خلافا لمحمد في الدابة والطير لأنه فرق بين ذي العقل وغيره ذكر هذا الخلاف صدر الشريعة والمفهوم من الشمني وغيره أن الخلاف في الطير لأنه قال وعن محمد يضمن في الطائر سواء طار من فوره أو مكث ساعة ثم طار لأن الطائر مجبول على النفار قيدنا بالذهاب عقيب الفتح لأنه لو مكث ساعة ثم ذهب لا يضمن عندنا وعند الشافعي خلافا لمحمد في رواية وفي الاختيار ذهبت دابة رجل ليلا أو نهارا بغير إرسال صاحبها فأفسدت زرع رجل لا ضمان عليها لأنها ذهبت باختيارها وفعلها هدر وإن أرسلها ضمن
رجل وجد في زرعه أو داره دابة فأخرجها فهلكت أو أكلها الذئب لم يضمن لأن له ولاية الإخراج وإن ساقها بعد الإخراج ضمن
ولا ضمان على من سعى إلى السلطان بمن يؤذيه ولا يندفع عنه إلا بالسعي والرفع إليه لأن دفع الإيذاء عن نفسه حقه فلا يلزم الضمان لما أخذه السلطان أما لو كان دفع الإيذاء ممكنا بلا سعاية فسعى إليه فيلزم الضمان أو لا ضمان للساعي بمن يفسق ولا يمتنع لنهيه أي الساعي لوجوب دفع المنكرات بما أمكن ولا ضمان على من قال لسلطان الذي قد يغرم وقد لا يغرم أن فلانا وجد مالا هذه الجملة مقول قول فغرمه شيئا لا يضمن الساعي لانتفاء التسبيب في هذه الصور بتوسط فعل فاعل مختار
وإن كان عادته أي عادة السلطان أن يغرم ألبتة ضمن الساعي لوجود التسبيب
وكذا ضمن الساعي لو سعى بغير حق عند محمد زجرا له وبه أي بقول محمد يفتى لكثرة السعاة في زماننا وعند الشيخين لا يضمن الساعي لما مر
____________________
(4/99)
وفي التنوير ولو مات الساعي للمسعى به أن يأخذ قدر الخسران من تركته
ولو أطعم الغاصب المغصوب مالكه برئ وإن وصلية لم يعلمه أي وإن لم يعلم الغاصب المالك أنه طعامه لأنه عين ماله وصل إليه فلا يضمنه ثانيا وكذا فيما إذا لبس الثوب المغصوب مالكه خلافا للشافعي وفي الغرر أمر شخص عبد غيره بالإباق أو قال اقتل نفسك ففعل وجب على الآمر قيمته ولو قال له أتلف مال مولاك فأتلف لا يضمن استعمل عبد الغير لنفسه وإن لم يعلم أنه عبد أو قال ذلك العبد إني حر ضمن قيمته إن هلك ولو استعمله لغيره لا يضمن
____________________
(4/100)
كتاب الشفعة تناسب الكتابان من حيث إن كلا منهما يفضي إلى تملك مال الإنسان بغير رضاه إلا أن الغصب يصلح شيئا لتملك مال والشفعة لا تجري إلا في العقار فلذلك قدم الغصب مع كونه عدوانا هي أي الشفعة لغة فعلة بالضم بمعنى مفعول من قولهم كان هذا الشيء وترا فشفعته بآخر أي جعلته زوجا له فهي في الأصل اسم للملك المشفوع بملك ولم يسمع منها فعل ومن لغة الفقهاء باع الشفيع الدار التي يشفع بها أي تؤخذ بالشفعة كما في القهستاني ومنه شفاعة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للمذنبين لأنه يضمهم بها إلى الفائزين
وفي الشرع تملك العقار وهو الضيعة وقيل ما له أصل من دار وضيعة وما في حكمه كالعلو دون المنقول كالشجر والبناء فإنه من منقول لم تجب الشفعة فيه إلا بتبعية لعقار كالدار والكرم والرحى والبئر وغيرها على
____________________
(4/101)
مشتريه بما أي بالذي أي بالثمن الذي قام عليه أي على المشتري جبرا أي من حيث الجبر ومعناه اللغوي وهو موجود فيه مع زيادة أوصاف كالتملك وعلى وجه الجبر وقيل هي ضم بقعة مشتراة إلى عقار الشفيع بسبب الشركة أو الجوار وهذا أحسن كما في شرح الكنز للعيني وسببها اتصال ملك الشفيع بالمشتري لأنها تجب لدفع ضرر الدخيل عنه على الدوام بسبب سوء المعاشرة والمعاملة من حيث إعلاء الجدار وإيقاد النار ومنع ضوء النهار وإثارة الغبار وإيقاف الدواب لا سيما إذا كان يضاده كما قيل أضيق السجون معاشرة الأضداد وشرطها أن يكون المحل عقارا سفلا كان أو علوا احتمل القسمة أو لا وأن يكون العقد عقد معاوضة مال بمال وركنها أخذ الشفيع من المتعاقدين عند وجود سببها مع شرطها وحكمها جواز الطلب عند تحقق السبب وصفتها أن الأخذ بها بمنزلة شراء مبتدأ حتى يثبت بها ما يثبت بالشراء نحو الرد بخيار الرؤية والعيب
وتجب أي تثبت ولاية الشفعة بعد البيع الصحيح أو الفاسد انقطع فيه حق لمالك
وتستقر بالإشهاد والطلب في الحال حتى لو أخر ساعة قبل الاستقرار تبطل الشفعة لأن حقها ضعيف متزلزل فلا بد من الطلب والإشهاد في الحال فإذا أشهد استقر فبعد ذلك لا تبطل بالتأخير
وتملك بالأخذ بقضاء أو برضى والصواب أن يقول وتملك بالقضاء أو الأخذ بالرضا كما في الغرر لأن القاضي إذا حكم يثبت الملك للشفيع من غير أخذ وحاصله أنه ليملك العقار المشفوع بأحد الأمرين إما بالأخذ إذا سلمها المشتري برضاه أو بحكم الحاكم من غير أخذ كما في أكثر المعتبرات تأمل
وإنما تجب أي تثبت الشفعة للخليط وهو الشريك الذي لم يقاسم في نفس المبيع وهذا بالإجماع فإن لم يكن أي وإن لم يوجد الخليط في نفس المبيع أو وجد ولكن سلم الشفعة فللخليط في حق المبيع كالشرب بكسر الشين وهو الشريك الذي لم يخالط والطريق الخالصين ثم فسر ذلك بقوله كنهر لا تجري فيه السفن أي أصغر السفن مثال للشرب
____________________
(4/102)
الخاص وطريق لا ينفذ مثال للطريق الخاص حتى إذا كانا عامين لم يستحق بهما الشفعة فالنهر العام عند الطرفين ما تجري فيه السفن كدجلة وفرات وذكر شيخ الإسلام اختلفوا فيه فقيل الخاص ما يتفرق ماؤه بين الشركاء ولا يبقى إذا انتهى إلى آخر الأراضي ولا يكون له منفذ والعام ما يتفرق ويبقى وله منفذ وعامة المشايخ على أنه ما كان شركاؤه لا يحصون واختلفوا فيما لا يحصى من خمسمائة أو مائة أو أربعين أو عشرة وعن أبي يوسف الخاص أن يكون نهرا يسقى منه قراحان أو ثلاثة وما زاد على ذلك فهو عام والأصح أنه مفوض إلى رأي كل مجتهد في زمانه وهو أشبه الأقاويل
ثم تثبت بعد الطريق للجار الملاصق أي لجار له عقار واحترز به عما يكون وقفا أو إجارة أو وديعة لأنها لا تثبت فيها لما في التجريد لا شفعة في الوقف ولا بجواره ولو بابه في سكة أخرى والظاهر أن ولو وصلية لكن الأولى أن يقول لو كان بابه في سكة أخرى بدون الواو لأنه إن كان بابه في تلك السكة كان خليطا في حق المبيع فلا يكون جارا ملاصقا فلهذا قال صاحب الهداية وغيره في تفسير الجار الملاصق هو الذي داره على ظهر الدار المشفوعة وبابه في سكة أخرى
وقال الشافعي لا شفعة بالجوار بل بالشركة في البقعة لقوله عليه الصلاة والسلام الشفعة فيما لا يقسم وبه قال مالك وأحمد ولنا قوله عليه الصلاة والسلام جار الدار حق من غيره فلا تثبت للجار المقابل إذا كانت السكة نافذة أما إذا كانت غير نافذة فتثبت
ومن مبتدأ له جذوع على حائطها أي حائط الدار أو من له شركة في خشبة عليه أي على
____________________
(4/103)
الحائط جار خبر المبتدإ لأن الجار بهذا المقدار لا يكون خليطا في حق المبيع ولا يخرج عن كونه جارا ملاصقا
وإن كان شريكا في نفس الجدار فشريك يقدم على الخليط لكن في التبيين وغيره وإذا كان بعض الجيران شريكا في الجدار لا يقدم على غيره من الجيران لأن الشركة في البناء المجرد بدون الأرض لا يستحق بها الشفعة ولو كان البناء والمكان الذي عليه البناء مشتركا بينهما كان هو أولى من غيره من الجيران انتهى فيلزم التوفيق بينه وبين ما في المتن بأن مراد المصنف بالبناء المكان الذي عليه البناء لا البناء المجرد تدبر
وهي أي الشفعة على عدد الرءوس أي رءوس الشفعاء لا السهام أي سهام ملكهم لأن علة الاستحقاق اتصال الملك لا قدره والترجيح لقوة العلة لا للكثرة ولذا قسم على التنصيف دار بين ثلاثة نصف وثلث وسدس إذا باع أحدهم نصيبه وكذا دار له جاران أحدهما من ثلاثة جوانب وثانيهما من جانب خلافا للشافعي إذ عنده يقضى بقدر الأملاك لا بقدر الرءوس لأن الشفعة من مرافق الملك فيكون على قدر الملك
وفي التنوير لو أسقط بعضهم حقه من الشفعة بعد القضاء ليس لمن بقي أخذ نصيب التارك ولو كان بعضهم غائبا يقضى بالشفعة بين الحاضرين في الجميع وكذا لو كان الشريك غائبا فطلب الحاضر يقضى له بالشفعة كلها ثم إذا حضر وطلب قضي له بها وإذا أسقط الشفيع الشفعة قبل الشراء لم يصح أراد الشفيع أخذ البعض وترك الباقي لم يملك ذلك جبرا على المشتري ولو جعل بعض الشفعاء نصيبه لبعض لم يصح وسقط حقه به
فإذا علم الشفيع بالبيع أي العقار المشفوع يشهد من الأفعال في مجلس علمه أي الشفيع على أنه يطلبها سواء علم بسمع البيع من البائع أو المشتري أو بسمع الكلام في حق البيع أو بإخبار شخص بأن فلانا باع داره بلفظ يفهم طلبها كطلبت الشفعة أو أنا طالب لها أو أطلبها لأن الاعتبار للمعنى
____________________
(4/104)
والمعتبر الطلب دون الإشهاد وإنما الإشهاد للإثبات حتى لو صدقه المشتري على الطلب لا يحتاج إلى الشهود ثم اعتبار المجلس اختيار الكرخي وبعض مشايخ بخارى للتأمل
وفي رواية الأصل يشترط على فور علمه بالبيع حتى لو سكت ساعة تبطل وإليه ذهب مشايخ بلخي وعامة مشايخ بخارى وعليه الفتوى كما في المنح وقيل تبطل إن سكت أدنى سكوت حتى ولو أخبر بكتاب والشفعة في أوله أو وسطه فقرأ الكتاب إلى آخره بطلت شفعته إذا كان ذلك بعد العلم بالمشتري وبالثمن ويسمى أي الطلب في المجلس طلب مواثبة أي مسارعة من الوثوب سمي به ليدل على غاية التعجيل ثم يشهد عند العقار لأنه محل للشفعة أو يشهد على المشتري ولو غير ذي يد بأن يقول له أطلب منك الشفعة في دار اشتريتها من فلان حدودها كذا وأنا شفيعها بالشركة في الدار أو الطريق أو بالجوار بدار حدودها كذا فسلمها لي فلا بد أن يبين حدود الدارين مع كل واحدة من مراتب الثبوت كما في الخانية لكن في الكافي وغيره أن تبين هذه الأمور ليس مما لا بد منه وفيه إشارة إلى أن له الإشهاد عند أبعد هؤلاء مع الأقرب على ما قال بعض المشايخ وذهب الآخرون إلى أنه إنما يشهد عند الأقرب كما في القهستاني أو على البائع إن كان المبيع في يده فلا يصح الإشهاد عند البائع ليس بذي يد على ما ذكره القدوري واختاره الصدر الشهيد وذكر شيخ الإسلام وغيره أن الإشهاد يصح عنده استحسانا وإنما ذكر كلمة ثم إشارة إلى أن هذه مدة هذا الطلب لم يكن على فور المجلس في الأكثر بل مقدرة بمدة التمكن من الإشهاد كما في النهاية وغيره حتى لو تمكن ولم يطلب بطلت شفعته فيقول اشترى فلان هذه الدار وقد كنت طلبت الشفعة قبله طلب المواثبة وأنا أطلبها الآن فاشهدوا على ذلك ويسمى هذا الطلب طلب تقرير وإشهاد ولا بد منه لأنه يحتاج
____________________
(4/105)
إليه لإثباته عند القاضي ولا يمكنه الإشهاد على طلب المواثبة ظاهرا لأنه على الفور فيحتاج بعد ذلك إلى الإشهاد للتقرير ثم يطلب عند قاض فيقول اشترى فلان دار كذا وأنا شفيعها بسبب كذا قيل هذا ظاهر في الشفيع في الجوار لا في الشفيع في نفس المبيع فمره أيها القاضي بالتسليم إلي حقي بالرد أو بترك الداخل بينه وبيني فالتسليم على هذا المعنى لا يقتضي القبض بل يوجد قبل القبض وبعده فلا يرد ما قيل من أنه هذا إذا قبض المشتري المبيع وطلب الخصومة لا يتوقف عليه انتهى ويسمى هذا الطلب طلب خصومة وتمليك فلا بد منه أيضا لا يحكم له بدون طلبه
ولا تبطل الشفعة بتأخيره أي بتأخير طلب الأخذ مطلقا بعدما استقرت شفعته بالإشهاد عند الشيخين في ظاهر المذهب وعليه أي على قول الإمام الفتوى لأن الحق قد ثبت بالطلب فلا يبطل بالتأخير كسائر الحقوق ولو كان التأخير بعذر من مرض أو سفر أو حبس أو عدم قاض يرى الشفعة بالجوار في بلده لا يسقط بالإجماع وإن طالت المدة وعن أبي يوسف إن أخره إلى مجلس حكم يبطل لتركه عند إمكان الأخذ
وفي رواية إلى ثلاثة أيام وقيل يفتى بقول محمد وزفر ورواية عن أبي يوسف أنه أي الشفيع إن أخره أي طلب الخصومة شهرا بلا عذر بطلت الشفعة لأنه قال الفتوى اليوم على إذا أخر شهرا سقطت الشفعة لتغير أحوال الناس في قصد الإضرار بالغير
وفي المحيط والخلاصة ومنية المفتي ومختارات النوازل والفتوى على قول محمد
وإذا ادعى الشفيع الشراء وطلب الشفعة سأل القاضي المدعى عليه وهو المشتري عن الدار التي يشفع بها الشفيع هل هي ملك للشفيع أو لا فإن أقر المشتري بملك ما يشفع به أو أنكر فحلف أو نكل عن الحلف على العلم بملكيته بأن يحلف بالله ما أعلم أنه مالك لما يشفع به أو أنكر و برهن الشفيع أي أقام بينة
____________________
(4/106)
أنها ملكه سأله أي القاضي المشتري عن الشراء فيقول له اشتريت أم لا فإن أقر المشتري به أي بالشراء أو أنكر فحلف أو نكل عن اليمين أنه ما ابتاع أو ما يستحق الشفيع عليه هذه الشفعة أو برهن الشفيع يعني أن ثبوت الشفعة إن كان متفقا عليه يحلف على الحاصل بالله ما استحق هذا الشفيع الشفعة علي فإن كان مختلفا فيه كشفعة الجوار يحلف على السبب بالله ما اشتريت هذه الدار لأنه ربما يحلف على الحاصل بمذهب الشافعي كما في شروح الكنز
وفي التنوير من لم ير الشفعة بالجوار كالشافعي طلبها عند حاكم يراه قضى أي القاضي له أي للشفيع بها أي بالشفعة لثبوته عنده قال العيني والواجب في هذا أن يسأل القاضي أولا عن المدعي عن موضع الدار من مصر ومحلة وحدودها لأنه ادعى حقا فلا بد أن تكون معلومة فإذا بين ذلك سأل هل قبض المشتري الدار أم لا لأنه إذا لم يقبضها لا تصح دعواه على المشتري حتى يحضر البائع فإذا بين ذلك سأله عن طلب التقرير كيف كان وعند من أشهد فإذا بين ذلك كله تمت دعواه ثم أقبل على المدعى عليه فسأله كما في المتن
ولا يشترط إحضار الثمن وقت الدعوى في ظاهر الرواية فتجوز له المنازعة وإن لم يحضره إلى مجلس القاضي لأن لزوم الثمن على الشفيع بعد القضاء لا قبله وعن محمد وهو رواية الحسن عن الإمام أنه لا يقضي حتى يحضر الثمن لاحتمال أن يكون الشفيع مفلسا فتوى المال على المشتري فإذا قضى له لزم إحضاره أي الثمن لتحقق سبب اللزوم وللمشتري حبس الدار لقبضه أي للمشتري حبس الدار لقبض ثمنه فلو لم ينقده حبس القاضي الشفيع بالإباء لأن الشفيع والمشتري نزلا منزلة البائع والمشتري ولا تبطل شفعته بتأخير الثمن بعدما أمر القاضي بأدائه إجماعا لتأكد الشفعة بالقضاء
وللشفيع أن يخاصم البائع إن كان المبيع في يده لأن له يدا محقة أصالة فكان خصما كالمالك
و لكن لا يسمع القاضي البينة أي بينة الشفيع عليه أي البائع بغيبة المشتري حتى يحضر المشتري لأنه المالك فيفسخ البيع بحضرته أي المشتري عند حضور البائع
____________________
(4/107)
لأن أحدهما صاحب يد وللآخر ملكا ويقضي بالشفعة على البائع ويجعل العهدة أي يجعل ما يترتب على البيع من الأحكام عليه أي على البائع قبل تسليم المبيع إلى المشتري والعهدة على المشتري لو كان ذلك بعده لأن البائع يصير أجنبيا كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا أن المصنف أطلق في محل التقييد
وقال الشافعي العهدة على المشتري مطلقا
والوكيل بالشراء خصم للشفيع لأنه العاقد والأخذ بالشفعة من حقوق العقد ولهذا لو كان البائع وكيلا كان للشفيع أن يخاصمه ويأخذها منه بحضرة المشتري ما لم يسلم إلى الموكل فإذا سلمها إلى الموكل لا يبقى له يد ولا ملك فلا يكون خصما بعده
وللشفيع خيار الرؤية والعيب وإن وصلية شرط المشتري البراءة منه أي من العيب بالإجماع لأن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء فيثبت فيها الخيار ولا يسقط برؤية المشتري وبشرط براءته لأن الشفيع ليس بنائب عنه فلا يسقط حقه بإسقاط المشتري
فصل وإن اختلف الشفيع والمشتري في الثمن فالقول للمشتري مع اليمين لأن الشفيع يدعي عليه حق الأخذ عند نقد الأقل والمشتري ينكره فالقول للمنكر ولا يتخالفان
وإن برهنا أي لو أقام كل منهما البينة على دعواه فللشفيع أي بينة الشفيع أحق بالتقديم عند الطرفين لكونه مدعيا ولأنه يمكن صدق البينتين بجريان العقد مرتين فيجعلان موجودين فالشفيع يأخذ بأيهما شاء وعند أبي يوسف للمشتري أي بينة المشتري أحق لأنها تثبت الزيادة وهو قول
____________________
(4/108)
الشافعي وأحمد
وإن ادعى المشتري ثمنا و ادعى البائع ثمنا أقل منه أي من ذلك الثمن أخذه أي العقار الشفيع بما قال البائع قبل قبض الثمن سواء قبض المشتري العقار أو لا لأن هذا القول من البائع حط بعض الثمن عن المشتري والحط عنه حط عن الشفيع وبما قال المشتري بعده أي أخذ الشفيع بقول المشتري بعد قبض البائع الثمن لأنه حينئذ كالأجنبي وبقي الاختلاف بين المشتري والشفيع فالقول للمشتري ولو كان قبض الثمن غير ظاهر فقال البائع بعت الدار بألف وقبضت الثمن أخذها الشفيع بألف لأنه بين الثمن في حال له ولاية البيان فيه فقبل بيانه وإن قال قبضت الثمن وهو ألف أخذها بقول المشتري لأنه لما أقر باستيفاء بالثمن أولا صار أجنبيا فلا يعتبر قوله في مقدار الثمن وعند الأئمة الثلاثة يأخذها بقول المشتري فيهما وإن عكسا أي ادعى البائع ثمنا والمشتري أقل منه فبعد القبض يعتبر قول المشتري أي لو كان بعد قبض البائع الثمن أخذها الشفيع بما قال المشتري وقبله أي قبل القبض يتحالفان ويترادان البيع وأي من البائع والمشتري نكل عن اليمين اعتبر قول صاحبه فيأخذها الشفيع بذلك لأن النكول بمنزلة الإقرار بما يدعيه الآخر
وإن حلفا فسخ البيع أي فسخ القاضي العقد بينهما ويأخذه أي العقار الشفيع بما قال البائع لأن فسخ البيع لا يوجب بطلان حق الشفيع كما لو رد عليه بعيب بقضاء قاض كما في أكثر المعتبرات
وإن حط البائع عن المشتري بعض الثمن يأخذه أي العقار الشفيع بالباقي من الثمن سواء كان قبل قبضه أو بعده لما مر أن الحط عن المشتري حط عن الشفيع أي حط يلحق بأصل العقد خلافا لزفر والأئمة الثلاثة فإن عندهم لا أثر للحط بل عليه الثمن المسمى
وإن حط البائع على المشتري الكل أي كل الثمن يأخذه الشفيع بالكل أي بكل الثمن بالإجماع لأنه يصير بيعا بلا ثمن وأنه باطل لكن في شرح الهداية للدهلوي كلام فليطالع
وإن حط البائع عن المشتري النصف أي نصف الثمن ثم حط النصف الآخر يأخذ الشفيع بالنصف الأخير لأنه لما حط النصف التحق بأصل العقد فوجب عليه النصف فلما حط النصف الآخر كان حطا للجميع فلا يسقط عن الشفيع
وإن زاد المشتري في الثمن بعد
____________________
(4/109)
عقد البيع لا تلزم الشفيع الزيادة أي أخذه بالثمن الأول بالإجماع لأنه حق الشفيع فتكليف الزيادة إبطال حقه
وإذا كان الثمن مثليا لزم الشفيع مثله أي يأخذ الشفيع المبيع بمثل الثمن في شراء العقار بمكيل أو موزون لأنهما من ذوات الأمثال
وإن كان الثمن قيميا فقيمته أي يأخذ المبيع بالقيمة في شراء دار بثوب أو فرس لأنهما من ذوات القيم فيأخذ كل واحد بقيمة لآخر في شراء بعقار لتحقق البدلية بينهما ولكونه من ذوات القيم
وإن كان الثمن مؤجلا بأجل معلوم لأنه إن كان مجهولا فالبيع فاسد أخذ بثمن حال أو يطلب الشفيع شفعته في الحال لأن تركه بعد ثبوت حقه دليل الإعراض
وفي الهداية فللشفيع الخيار إن شاء أخذها بثمن حال وإن شاء صبر حتى ينقضي الأجل ويأخذ الشفيع العقار بعد مضي الأجل لكون الثمن مؤجلا
وقال زفر ومالك وأحمد والشافعي في القديم له أن يأخذها في الحال بالثمن المؤجل لأن الشراء وقع به ولنا أن الأصل في الثمن أن يكون حالا وإنما يؤجل بالشرط ولا شرط في حق الشفيع ولا يتعجل ما على المشتري لو أخذ الشفيع بالحال لأن الأجل ثبت له بالشرط فلا يبطل بأخذ الشفيع بثمن حال كما لا يبطل ببيعه المشتري بثمن حال وإن اختار الانتظار كان له ذلك لأن له أن لا يلتزم الضرر الزائد كما في التبيين ولو سكت عن الطلب ليحل الأجل بطلت شفعته عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإن عنده لا تبطل بالتأخير إلى حلول الأجل لأن الطلب ليس بمقصود لذاته بل للأخذ وهو لا يتمكن منه في الحال بثمن مؤجل فلا فائدة في طلبه في الحال ولهما أن حقه قد ثبت ولهذا له أن يأخذ بثمن حال والسكوت عن الطلب بعد ثبوت حقه يبطل الشفعة
ولو اشترى ذمي بخمر أو خنزير يأخذه الشفيع الذمي بمثل الخمر وقيمة الخنزير لأن هذا البيع مقتضى بالصحة فيما بينهم وحق الشفعة
____________________
(4/110)
يعم المسلم والذمي والخمر لهم كالخل لنا والخنزير كالشاة فيأخذ الأول بالمثل والثاني بالقيمة ولو أسلم الذمي صار حكمه حكم المسلم من الابتداء فيأخذها بالقيمة
و يأخذ الشفيع المسلم بالقيمة فيهما أما الخنزير فمن ذوات القيم وأما الخمر فلأن المسلم عاجز عن تسليمها فالتحق بغير المثل ثم إن طريق معرفة قيمة الخمر والخنزير بالرجوع إلى ذمي أسلم أو فاسق تاب وفيما في الفرائد من أنه بقي صورة وهي أنه لو اشترى ذمي بخنزير وكان شفيعها مسلما وذميا لم يبينوا حكمها كلاما لأنه بين آنفا أن المسلم يأخذ بالقيمة وكذا يأخذ الذمي بالقيمة لأن الخنزير من ذوات القيم عندهم فلا وجه على ما قاله تأمل
ولو بنى المشتري على الأرض المشفوعة أو غرس فيها فحكم بالشفعة أخذها الشفيع بالثمن وبقيمتها أي البناء والغرس مقلوعين والمراد بقيمتهما مقلوعين قيمتهما مستحق القلع كما في الغصب أو كلف المشتري قلعهما أي البناء والغرس ويأخذ الأرض فارغة بكل الثمن بدونهما وعن أبي يوسف لا يكلفه بالقلع بل يكون بالخيار بين أن يأخذها بالثمن وبقيمة البناء والغرس وبين أن يترك لأن المشتري محق في البناء وليس بمتعد إذا بنى وغرس لثبوت ملكه فيه بالشراء فلا يعامل بأحكام العدوان فصار كالموهوب له والمشتري شراء فاسدا وكما إذا زرعها فإن كل واحد منهم لا يكلف القلع لتصرفه في ملكه فكذا المشتري في الأرض المشفوعة ولهذا لا يكلف قلع الزرع وهذا لأن ضرر الشفيع بإلزام قيمة البناء والغرس أهون من ضرر المشتري بالقلع لأن الشفيع يحصل له بمقابلة القيمة عوض البناء والغرس فلا يقدر ضررا ولم يحصل للمشتري بمقابلة القلع شيء فكان الأول أهون فكان أولى بالتحمل وجه ظاهر الرواية أنه بنى في محل ظهر تعلق حق متأكد للغير هو الشفيع من غير تسليط
____________________
(4/111)
فيأمر الشفيع بالنقص كالغاصب إذا بنى لأن حق الشفيع أقوى من حق المشتري لتقدم حق الشفيع عليه ولذا ينقض الشفيع بيع المشتري وهبته وجعله مسجدا ومقبرة وجعل تصرفه كالتصرف في ملك الشفيع في حق النقض وله أن ينقض المسجد وينبش الموتى كما في القهستاني
ولو استحقت الأرض بعدما بنى الشفيع أو غرس رجع الشفيع على المشتري بالثمن فقط يعني لا يرجع بقيمة البناء والغرس لا على البائع إن أخذها منه ولا على المشتري أن يأخذها منه معناه لا يرجع بما نقص بالقلع وعن أبي يوسف أنه يرجع به لأنه متملك عليه وكان كالمشتري وجه الظاهر وهو الفرق بينه وبين المشتري أن المشتري مغرور من جهة البائع ومسلط عليه من جهته ولا غرور ولا تسليط للشفيع من جهة المشتري لأن الشفيع أخذها منه جبرا
وإن جف الشجر بآفة سماوية أو انهدم البناء عند المشتري بعد شراء المشتري بغير صنع أحد ولم يبق شيء من نقض أو خشب فأما إذا بقي به شيء من ذلك فلا بد من سقوط بعض الثمن فيقسم الثمن على قيمة الدار يوم العقد وعلى قيمة النقض يوم الأخذ يأخذه الشفيع بكل الثمن إن شاء ولا يسقط من الثمن شيء لأنهما تابعان للأرض حتى يدخلا في البيع من غير ذكر فلا يقابلهما شيء من الثمن بخلاف ما إذا أتلف بعض الأرض بغرق حيث يسقط من الثمن بحصته
وإن هدم المشتري البناء أخذ الشفيع العرصة بحصتها من الثمن إن شاء وإن شاء ترك لأن المشتري قصد الإتلاف فيلزم الخيار المذكور ونقص الأجنبي كنقض المشتري وليس له أي للشفيع أخذ النقض بل هو للمشتري لكونه مفصولا ومنقولا
وإن شرى المشتري الأرض مع شجر مثمر بأن شرطه في البيع أو غير مثمر فأثمر
____________________
(4/112)
في يده أي المشتري بعد الشراء أخذها الشفيع مع الثمر فيهما لأنه بالاتصال خلقة صار تبعا من وجه هو الاستحسان والقياس أن لا يكون له أخذ الثمن لعدم التبعية كالمتاع الموضوع فيها فإن جذه أي قطع الثمر واجتناه المشتري فليس للشفيع أخذه لأنه لم يبق تبعا للعقار وقت الأخذ حيث صار مفصولا عنه فلا يأخذه ويأخذ ما سواه أي ما سوى الثمر بالحصة في الأول وهو ما إذا اشتراها بثمرها فيسقط من الثمن حصة الثمر لأنه دخل في البيع مقصودا فيقابله شيء من الثمن وبكل الثمن في الثاني أي فيما أثمر في يد المشتري أي يأخذ الأرض والنخل بجميع الثمن لأن الثمر لم يكن موجودا عند العقد فلا يدخل عند الأخذ في المبيع إلا تبعا فلا يقابله شيء من الثمن وفي التنوير قضى الشفعة للشفيع ليس له تركها الطلب في بيع فاسد وقت انقطاع حق البائع اتفاقا
باب ما تجب فيه الشفعة ومالا تجب وما يبطلها أي الشفعة ذكر تفصيلها بعد ذكر الوجوب مجملا لأن التفصيل بعد الإجمال إنما تجب أي تثبت الشفعة قصدا في عقار إنما قال قصدا لأنها تثبت في غير العقار بتبعية العقار كالثمر والشجر كما في الدرر وقوله ملك على صيغة المجهول صفة عقار واحترز بقوله بعوض عما إذا ملك بالهبة فإن الشفعة لا تجب فيها بقوله هو مال عما إذا ملك بعوض غير مال كالمهر ونحوه فإن الشفعة لا تجب له كما سيأتي وإن وصلية لم يكن قسمته كرحى وحمام وبئر وبيت صغير لا ينتفع إذا قسم عندنا لدفع ضرر الجوار خلافا للشافعي إذ عنده لا شفعة فيما لا تقسم لأن وجوب الشفعة لدفع مؤنة القسمة فلا يستحق إلا
____________________
(4/113)
فيما يقسم
فلا تجب الشفعة في عرض وفلك لأنهما ليسا بعقار قال النبي عليه الصلاة والسلام لا شفعة إلا في ربع أو حائط خلافا لمالك في السفينة وبناء وشجر بيعا صفة بناء أو شجر بدون الأرض لأنهما منقولان وإن بيعا مع الأرض تجب فيهما الشفعة تبعا للأرض ولا تجب في إرث وصدقة لأن تمليكهما ليس بمقابلة مال وهبة بلا عوض مشروط في العقد حتى لو عوض دارا أخرى لا تجب الشفعة أيضا فيها لأن هذا التعويض تبرع لا عوض حقيقة عن الهبة وفيه إشارة إلى أنه إذا شرط العوض تجب لأنها بيع انتهاء كما مر في الهبة وأما إذا وهب له هبة ثم عوض عنها بغير شرط لا تجب عندنا خلافا لمالك
وما بيع أي لا تثبت الشفعة في عقار بيع بخيار البائع لأنه يمنع زوال الملك عن البائع أو بيع العقار بيعا فاسدا يعني إذا اشترى عقارا شراء فاسدا فلا شفعة فيها أما قبل القبض فلبقاء ملك البائع فيها وأما بعده فلاحتمال الفسخ لأن لكل واحد من المتبايعين سبيلا من فسخه ما لم يسقط حق الفسخ فإن سقط حق الفسخ في البيع بخيار البائع بأن أسقط الخيار أو بنى المشتري فيها في البيع الفاسد تجب الشفعة لزوال المانع وإن اشترى بشرط الخيار فللشفيع الشفعة بالإجماع
ولا تثبت الشفعة في عقار فيما قسم بين الشركاء لأن في القسمة معنى الإفراز ولم تشرع إلا في المبادلة المطلقة أو لا تجب في عقار جعل أجرة بأن استأجر حماما بدار يدفعها إليه عوض الأجرة أو بدل خلع بأن خالعها على دار دفعها إليها أو بدل عتق بأن أعتق عبده على دار فلان فقبل العبد أو بدل صلح عن دم عمد أو جعل مهرا لأنها ليست بأموال ولا مثل لها حتى يأخذه الشفيع به هذا عندنا لأن تقوم المنافع في الإجارة لضرورة
____________________
(4/114)
الحاجة وكذا تقوم الدم لضرورة الصيانة عن الهدر وما يثبت بالضرورة لا يتعدى عن موضعها فلا تكون متقومة في حق الشفعة وأما الإعتاق فهو إزالة مالية فكيف يقوم المال وعند الأئمة الثلاثة تجب فيها بناء على أن الأعواض متقومة عندهم وإن وصلية قوبل ببعضه أي ببعض ما جعل بدلا بهذه الأشياء مال عند الإمام لأن معنى البيع فيه تابع فلا شفعة في التبع كما لا شفعة في الأصل وعندهما تجب الشفعة في حصة المال حيث كان فيها مبادلة مال بمال
ولا تثبت فيما صولح عنه أي عن العقار بإنكار أو سكوت لأنه إذا صالح عنها بإنكار بقي الدار في يده فهو يزعم أنها لم تزل عن ملكه وكذا إذا صالح عنها بسكوت لأنه يحتمل أنه بذل المال افتداء ليمينه وقطعا لشغب خصمه كما إذا أنكر صريحا بخلاف ما إذا صالح عنها بالإقرار لأنه معترف بالملك للمدعي كما في الهداية وتجب فيما صولح عليه أي العقار بأحدهما وفي الهداية إذا صالح على الدار بإقرار أو سكوت أو إنكار وجبت الشفعة في جميع ذلك لأن المدعي أخذها عوضا عن حقه في زعمه إذا لم يكن من جنس المدعى به فيعامل بزعمه انتهى فعلى هذا إن تقييد المصنف بالإنكار والسكوت مما لا ينبغي تدبر
ولا تجب شفعة فيما سلمت شفعته ثم رد بخيار رؤية أو شرط أو بخيار عيب بقضاء لأنه فسخ من كل وجه فعاد إلى قديم ملكه والشفعة في المبيع لا في الفسخ قوله بقضاء قيد للرد بعيب سواء كان الرد بعد القبض أو قبله
وما رد به أي بعيب بلا قضاء أو بالإقالة تجب الشفعة فيه لأنه فسخ في حقهما لولايتهما على أنفسهما وقد قصدا والفسخ بيع جديد في حق ثالث لوجود حد البيع وهو مبادلة المال بالتراضي والشفيع ثالث ومراده بالعيب بعد القبض لأن قبله فسخ من الأصل وإن كان بغير قضاء كما في الهداية
وفي التبيين كلام وفي التسهيل جواب فليطالع إن شئت
وقال زفر لا تجب لأن العقد قد انفسخ بالرد بالعيب والإقالة وهو قول الشافعي وأحمد
وتجب الشفعة في العلو وحده و تجب في السفل بسببه أي بسبب العلو هذا إذا لم يكن
____________________
(4/115)
طريق العلو فيه لأنه بما له من حق القرار التحق بالعقار أما إذا كان طريق العلو في السفل فحينئذ تثبت الشفعة بالطريق لا من حق القرار لأن شركة الطريق أقوى من حق القرار
و تجب الشفعة فيما بيع بخيار المشتري لأن الخيار لا يمنع زوال الملك عن البائع بالاتفاق والشفعة تبتنى عليه كما في الهداية
وإن بيعت دار بجنب المبيعة بالخيار فالشفعة لمن له الخيار بائعا أو مشتريا أما البائع فلأن الملك في الدار عند هذا البائع للبائع فإذا أخذها بالشفعة فهذا نقض منه للبيع وأما المشتري فلأن المبيع دخل في ملكه عندهما لأنه يصير بالأخذ مختارا للبيع فيصير إجازة فيلزم ويملك به المبيع وكذا عنده لأنه صار أحق بالمبيع من غيره وذلك يكفي استحقاقه الشفعة كالمأذون أو المكاتب إذا بيعت دار بجنب دارهما وعن هذا قال وتكون الشفعة إجازة وإسقاطا للخيار من المشتري في حق مبيعه لوجود دليل الرضا بخلاف ما إذا اشتراها ولم يرها حيث لا يبطل خياره بأخذ ما بيع بجنبها بالشفعة لأن خيار الرؤية لا يبطل بصريح الإبطال فكيف بدلالته كما في الهداية ولشفيع الدار الأولى أخذها أي أخذ الأولى منه يعني إذا حضر شفيع الدار الأولى وهي التي اشتراها المشتري كان له أن يأخذها بالشفعة لأنه هو أولى بها من المشتري لما عرف أن الشفيع أولى من المشتري لا أخذ الثانية وهي التي أخذها المشتري بطريق الشفعة لانعدام ملكه في الأولى حين بيعت الثانية هذا إذا لم تكن متصلة بملكه وإن كانت متصلة له أن يشاركه فيها بالشفعة
وإن بيعت دار بجنب ما أي الدار التي بيعت بيعا فاسدا فشفيعها أي الدار المبيعة البائع إن بيعت قبل قبض المشتري لبقاء ملكه فيها فإذا قبض المشتري بعد الحكم له أي للبائع بها أي بالشفعة لا تبطل الشفعة أي إن سلمها بعد الحكم له بها لا تبطل لأن ملكه في المشفوعة قد تقرر بالحكم فلا يبطل بإخراج الأولى عن ملكه وإنما يستحق المشتري الدار المبيعة بجنبها بالشفعة إذا كان بيعها بعد قبضه لا قبله لأن الشفعة إنما تستحق بالملك ولا ملك له قبله
وإن بيعت بعد قبض المشتري المبيعة فاسدا فالشفعة للمشتري لثبوت الملك بالقبض فإن استرد البائع منه أي من المشتري المبيعة بحكم الفساد قبل الحكم له أي للمشتري بالشفعة بطلت شفعته
____________________
(4/116)
لانقطاع ملكه عن التي يشفع بها قبل الحكم بالشفعة وإن استردها منه بعد الحكم له بقيت الثانية على ملكه أي ملك المشتري لأنه أخذها حين كان له حق الأخذ
والمسلم والذمي في الشفعة سواء للعمومات ولأنهما يستويان في السبب وفي الحكمة فيستويان في الاستحقاق ولهذا يستوي فيها الذكور والإناث والصغير والكبير خلافا لابن أبي ليلى في الذمي والصغير
وكذا الحر والعبد المأذون والمكاتب أي سواء ولو وصلية في مبيع السيد كالعكس أي للمأذون والمكاتب شفعة في مبيع السيد كما للسيد شفعة في مبيع المأذون والمكاتب لأن ما في يدهما ليس ملك مولاهما قال ابن الشيخ في شرح الوقاية وغيره تجب الشفعة للعبد المأذون حال كونه مديونا دينا محيطا برقبته وكسبه فيما باعه سيده لكونه أجنبيا وكذا تجب الشفعة لسيده فيما باعه عبده المأذون الذي عليه دين محيط لأن ما في يد العبد المستغرق ملك له لا لمولاه قيل إحاطة الدين ماله ورقبته ليس بشرط يقال الإحاطة هنا قيد لازم لظهور حق الشفعة بخلاف ما إذا لم يكن عليه دين لأنه يبيعه لمولاه ولا شفعة لمن بيع له انتهى فعلى هذا أن المصنف قد أطلق في محل التقييد وحمل صاحب الفرائد على ما قاله صاحب الإصلاح ليس مما ينبغي تدبر
فصل وتبطل الشفعة بتسليم الكل أو البعض أي كل المشتراة أو بعضها إلى البائع بعد البيع لأن التسليم قبله لا يبطلها أما تسليمه الكل فلأنه صريح في الإسقاط وأما البعض فلأن حق
____________________
(4/117)
الشفعة لا يتجزأ ثبوتا لأنه يملكه كما ملكه المشتري والمشتري لا يملك البعض لأنه تفريق الصفقة فلا يتجزأ إسقاطا فيكون ذكر بعضه كذكر كله كما في الاختيار ولو وصلية أي ولو كان التسليم من الوكيل والمراد من الوكيل الوكيل بطلب الشفعة وأما الوكيل بالشراء فتسليمه الشفعة صحيح بالإجماع وكذا سكوته إعراض بالإجماع ثم الوكيل بالشفعة إنما يصح تسليمه إذا كان في مجلس القاضي عند الإمام وعند أبي يوسف يصح مطلقا وعند محمد وزفر لا يصح تسليمه أصلا ولو أقر هذا الوكيل على موكله بأنه سلم الشفعة جاز إقراره عليه عندهما إذا كان في مجلس القاضي وإن كان في غيره فلا يجوز إلا أنه يخرج من الخصومة
وقال أبو يوسف يجوز مطلقا وقال زفر لا يجوز مطلقا وهي مسألة إقرار الوكيل وموضعها في الوكالة
و تبطل الشفعة بترك طلب المواثبة أو التقرير حين علم مع القدرة عليهما لأنها تبطل بالإعراض وترك الطلبين أو أحدهما دليل الإعراض
و تبطل الشفعة بالصلح أي صلح المشتري الشفيع عن الشفعة على عوض لأنه أخذ الاعتياض عن حق ليس بمال فسقط حقه وعليه أي على الشفيع رده أي العوض لأن حق الشفعة لم يكن متقررا في المحل وهو مجرد التملك الغير المتقوم فيكون المأخوذ رشوة
وكذا تبطل شفعته لو باع شفعته بمال لأن البيع تمليك مال بمال وحق الشفعة لا يحتمل التمليك فكان عبارة عن الإسقاط مجازا فتسقط الشفعة ولا يلزم المال بخلاف القصاص لأنه حق متقرر وبخلاف الطلاق والعتاق لأنه اعتياض عن ملك في المحل
وكذا لو قال للمخيرة اختاريني بألف أو قال العنين لامرأته ذلك أي ترك الفسخ بألف فاختارته أي اختارت الزوج بطل خيارها ولا يجب العوض لأنه لم يقابله حق متقرر فلا يكون تجارة عن تراض فلا يحل
وتبطل الشفعة ببيع ما يشفع به قبل الحكم له أي للشفيع بها أي بالشفعة لزوال سبب الاستحقاق قبل القضاء وأما بعد القضاء فيكون ميراثا للورثة ولا فرق بين أن يكون عالما وقت بيع العقار بشراء المشفوع أو لا لأنه لا يختلف في الحالين وكذا إبراء الغريم لأن ذلك إسقاط فلا
____________________
(4/118)
يتوقف على العلم
و تبطل أيضا بموت الشفيع قبل الأخذ بعد الطلب أو قبله فلا يورث عنه
وقال الشافعي لا تبطل لأنها حقه والوارث يخلفه في حقوق ولنا أن حق الشفعة حق التمليك وهو قائم بالشفيع فلا يبقى بعد موته لا تبطل بموت المشتري لوجود المستحق
ولا شفعة لمن باع صورته وكل صاحب الدار شفيعها ببيعها فباعها لأن البيع يدل على الإعراض وعند الأئمة الثلاثة تجب له الشفعة أو بيع له صورته أن المضارب باع دار المضاربة ورب المال شفيعها فلا شفعة له لأن البيع له أو ضمن الشفيع الدرك عن البائع فإن الشفعة تبطل لأنه بضمانه له الدرك ضمن له أن يحصل له الدار وذلك لا يكون إلا بتركه للشفعة وفي أخذه بها إبطال ذلك وعند الأئمة الثلاثة تجب أو ساوم المشتري بيعا أو إجارة أو طلب الشفيع من المشتري أن يوليه عقد الشراء فإن الشفعة تبطل بذلك لأنه دليل الإعراض
وتجب الشفعة لمن ابتاع قيل بيانه لو وكل المشتري شفيع الدار بشرائها فاشترى فله الشفعة أو ابتيع له بيانه اشترى المضارب بمال المضاربة دارا ورب المال شفيعها بدار أخرى كان له الشفعة ولا فرق بين أن يكون البيع أو الشراء من الأصيل أو وكيله في بطلان الشفعة في الأول ووجوبها في الثاني
ولو قيل للشفيع أنها أي الدار التي تثبت فيها الشفعة له بيعت بألف درهم فسلم الشفيع لأجل الاستكثار ثم بان أي ظهر أنها بيعت بأقل من الألف أو ظهر أنها بيعت بكيلي أو وزني أو عددي متقارب قيمته ألف أو أكثر فله أي للشفيع الشفعة لأن تسليمه كان لاستكثار الثمن أو لتعذر الجنس ظاهرا فإذا تبين له خلاف ذلك كان له الأخذ للتيسير وعدم الرضا على تقدير أن يكون الثمن غيره لأن الرغبة في الأخذ تختلف باختلاف الثمن قدرا أو جنسا فإذا سلم على بعض وجوهه لا يلزم منه التسليم في الوجوه كلها
ولو بان أنها بيعت بعرض قيمته ألف أو بدنانير قيمتها ألف أو أكثر
____________________
(4/119)
فلا شفعة له أما عدم الشفعة إن ظهر أنها بيعت بعرض قيمته مثل قيمته الذي بلغه أو أكثر فلعدم الفائدة لأن الواجب في غير المكيل والموزون القيمة فلا يظهر التفاوت
وأما عدم الشفعة إن ظهر أنها بيعت بدنانير قيمتها ألف فلأن الجنس متحد في حق الثمنية ولهذا يضم أحدهما الآخر في الزكاة
وقال زفر له الشفعة لاختلاف الجنس وهو قول الأئمة الثلاثة كما في الهداية وغيرها لكن في التبيين هذا قول أبي يوسف وهو استحسان والقياس أن يثبت له حق الشفعة وهو قول الإمام وزفر
وفي النهاية نقلا عن المبسوط وقول محمد مع الإمام لأن الجنس مختلف حقيقة وحكما ولهذا جاز التفاضل بينهما في البيع والمصنف اختاره صاحب الهداية فلهذا لم يذكر الاختلاف بين علمائنا الثلاثة تتبع وإنما قيد بألف أو أكثر لأن قيمته إن قل فهو على شفعته
ولو قيل له أي للشفيع المشتري فلان فسلم الشفعة فبان أنه أي المشتري غيره أي غير فلان فله الشفعة لأن رضاه بجواره لا بجوار غيره لتفاوت الناس
ولو قيل له المشتري فلان فسلم ثم بان أنه أي المشتري هو أي فلان مع غيره فله الشفعة في حصة الغير لأن التسليم لم يوجد في حقه
ولو بلغه أي الشفيع بيع النصف فسلم الشفعة فظهر بيع الكل فله الشفعة في الكل لأنه سلم النصف وكان حقه في أخذ الكل والكل غير النصف فلا يكون إسقاطه إسقاطا للكل وعلل صاحب الهداية بأن التسليم لضرر الشركة ولا شركة لكن في التبيين هذا التعليل يستقيم في الجار دون الشريك والأول يستقيم فيهما وأما إذا أخبر بشراء الكل فسلم ثم ظهر بشراء النصف لا شفعة في ظاهر الرواية لأن التسليم في الكل تسليم في أبعاضه وقيل له الشفعة ومال إليه شيخ الإسلام كما في المنح
ثم شرع في بيان الحيلة فيها فقال وإن باعها أي الدار إلا ذراعا أي مقدار ذراع من طول الجدار الذي يلي جانب الشفيع فلا شفعة له لأن الاستحقاق بالجوار ولم يوجد الاتصال بالمبيع وكذا لو وهب هذا القدر للمشتري لعدم الالتزاق
وإن اشترى منها أي من الدار سهما بثمن ثم شرى باقيها أي باقي الدار فالشفعة في السهم فقط لأن الشفيع جار والمشتري شريك في الباقي فيقدم عليه ولو أراد الحيلة اشترى السهم الأول بجميع الثمن إلا درهما والباقي بالدرهم فلا يرغب الجار في أخذ السهم الأول لكثرة
____________________
(4/120)
الثمن لا سيما إذا كان جزأ قليلا كالعشر أو أقل مثلا
وإن ابتاعها أي إن اشترى الدار بثمن كثير كألف ثم دفع عنه أي عن الثمن ثوبا يساوي مائة درهم مثلا أخذها الشفيع بالثمن لا بقيمة الثوب لأن الثوب عوض عما في ذمة المشتري فيكون البائع مشتريا بعقد آخر غير العقد الأول وهذه الحيلة تعم الشريك والجار لكن فيه ضرر البائع لأنه إذا استحقت الدار المشفوعة يبقى كل الثمن والأوجه أن يباع بالدرهم الثمن دينار حتى إذا استحق المشفوعة يبطل الصرف فيجب رد الدينار لا غيره كما في الهداية وله حيلة أخرى أحسن وأسهل ذكرها صاحب الدور وهو قوله ولو اشترى بدراهم معلومة إما بالوزن أو الإشارة مع قبضه فلوس أشير إليها وجهل قدرها وضيع الفلوس بعد القبض لأن الثمن معلوم حال العقد ومجهول حال الشفعة فجهالة الثمن تمنع الشفعة
ولا تكره الحيلة في إسقاطها أي الشفعة عند أبي يوسف لأنه يحتال لدفع الضرر عن نفسه وهو الأخذ بلا رضاء والحيلة لدفع الضرر عن نفسه مباح وإن تضرر الغير في ضمنه وهو رواية عن الإمام وبه أي بقول أبي يوسف يفتى قبل وجوبها وإن بعد وجوبها فمكروهة بالإجماع وعند محمد تكره لأنها وجبت لدفع الضرر وهو واجب وإلحاق الضرر به حرام وبه قال الشافعي قيل لا تكره الحيلة لمنع وجوب الشفعة بالإجماع وإنما الخلاف في فصل الزكاة والمختار عندي أن لا تكره في الشفعة دون الزكاة كما في شرح الكنز للعيني
وفي التنوير ولا حيلة لإسقاط الحيلة لما قال البزازي وطلبناها كثيرا فلم نجدها
وللشفيع أخذ حصة بعض المشترين لا حصة بعض البائعين يعني اشترى جماعة عقارا والبائع واحد يتعدد
____________________
(4/121)
الآخذ بالشفعة بتعددهم فللشفيع أن يأخذ نصيب بعضهم ويترك الباقي وإن تعدد البائع بأن باع جماعة عقارا مشتركا بينهم والمشتري واحد لا يتعدد الآخذ بالشفعة بتعددهم حتى لا يكون للشفيع أن يأخذ بعضهم دون بعض بل يأخذ الكل أو يترك والفرق أن في الوجه الثاني يأخذ البعض تتفرق الصفقة على المشتري فيتضرر به زيادة الضرر بالأخذ منه وبعيب الشركة
وفي الوجه الأول يقوم الشفيع مقام أحدهم فلا تتفرق الصفقة على أحد ولا فرق في هذا بين أن يكون قبل القبض وبعده هو الصحيح إلا أن قبل القبض لا يمكنه أخذ نصيب أحدهم إذا نقد حصته من الثمن حتى ينقد الجميع كي لا يؤدي إلى تفريق اليد على البائع بمنزلة المشترين أنفسهم لأنه كواحد منهم بخلاف ما بعد القبض لأنه سقطت يد البائع سواء سمى لكل بعض ثمنا أو سمى للكل جملة لأن العبرة في هذا لاتحاد الصفقة لا لاتحاد الثمن واختلافه والمعتبر في التعدد والاتحاد للعاقد دون المالك وتمامه في التبيين فليطالع
وللجار أخذ بعض مشاع بيع فقسم وإن وصلية وقع في غير جانبه يعني اشترى رجل نصف دار غير مقسوم فقاسم المشتري البائع أخذ الشفيع نصيب المشتري الذي حصل له بالقسمة وليس للشفيع نقضها مطلقا سواء كانت القسمة بحكم أو بالتراضي إذ القسمة من تمام القبض لما فيه من تكميل الانتفاع بخلاف ما إذا باع أحد الشريكين نصيبه من دار مشتركة وقاسم المشتري الشريك الذي لم يبع حيث يكون للشفيع نقضه لأن العقد لم يقع من الذي قاسم فلم تكن القسمة من تمام القبض الذي هو حكم البيع الأول بل هو تصرف بحكم الملك فينقضه الشفيع كما لو اشترى اثنان وهما شفيعان ثم جاء شفيع ثالث بعدما اقتسما بالقضاء أو بالتراضي فللشفيع أن ينقض القسمة
وفي الهداية ثم إطلاق الجواب في الكتاب يدل على أن الشفيع يأخذ النصف الذي صار للمشتري في أي جانب كان وهو المروي عن أبي يوسف أن المشتري لا يملك إبطال حقه بالقسمة وعن الإمام أنه إنما يأخذه إذا وقع في جانب الدار التي يشفع بها لأنه لا يبقى جارا فيما يبقى في الجانب الآخر
وللعبد المأذون المديون الأخذ بالشفعة في مبيع سيده وبالعكس هذا مستدرك لما سبق قبيل الفصل بل الأولى أن يذكرها فيما سبق مقيدة بهذا القيد واكتفى تدبر
وصح تسليم الأب والوصي شفعة الصغير عند
____________________
(4/122)
الشيخين خلافا لمحمد فيما بيع بقيمته أو أقل أي فإن عنده لا يصح تسليمها شفعة الصغير والصبي على شفعته إذا بلغ لأنه حق ثابت له فلا يملكان إبطاله وبه قال زفر ولهما أن هذه معنى المبادلة وهما يملكانها ألا ترى أن من أوجب بيعا للصبي صح رده منهما وعلى هذا الخلاف بطلان الشفعة بسكوت الأب والوصي عند العلم بالشراء وقوله أي قول محمد رواية عن الإمام في الأقل الذي لا يتغابن فيه
وفي الكافي إذا سلم الأب شفعة الصغير والشراء بأقل من قيمته بكثير فعن الإمام أن التسليم يجوز لأنه امتناع عن إدخاله في ملكه لإزالة عن ملكه ولم يكن تبرعا وعن محمد أنه لا يجوز لأنه بمنزلة التبرع بماله ولا رواية عن أبي يوسف وفي التبيين كلام فليطالع
____________________
(4/123)
124 كتاب القسمة عقب بالشفعة مع اشتمال كل على المبادلة ترقيا من الأدنى إلى الأعلى لجوازها ووجوب القسمة في الجملة هي أي القسمة لغة بالكسر اسم من الاقتسام كما في المغرب أو من التقسيم كما في القاموس لكن الأنسب بما يأتي من لفظ القاسم أن يكون مصدر قسمه بالفتح أي جزأه كما في القهستاني
وفي الشريعة جمع نصيب شائع في معين أي في مكان معين وسبب القسمة طلب الشركاء أو بعضهم الانتفاع بملكه على وجه الخصوص حتى إذا لم يوجد منهم الطلب لا تصح القسمة وركنها هو الذي يحصل بذلك الفعل الإفراز والتمييز بين الأنصباء كالكيل والوزن والعدد والذرع وشرطها عدم فوت المنفعة بالقسمة فإن فاتت بها لا تقسم جبرا كالبئر والرحى والحمام لأن الغرض المطلوب منها توفير المنفعة فإذا أدت إلى فواتها لم يجبر وحكمها تعيين نصيب كل من الشركاء على حدة وهي مشروعة في الأعيان المشتركة لأن النبي عليه الصلاة والسلام باشرها في المغانم والمواريث وجرى التوارث بها من غير نكير
وتشتمل أي القسمة مطلقا سواء كانت في المثليات أو القيميات على معنى الإفراز
____________________
(4/124)
وهو أخذ عين حقه والمبادلة وهي أخذ عوض عن حقه والإفراز وهو التمييز أغلب أي أرجح في المثليات كالمكيل والموزون والمعدود المتقارب لعدم التفاوت بين أبعاضها ثم فرغ بقوله فيأخذ الشريك حظه أي نصيبه منها أي من المثليات حال غيبة صاحبه في ذوات الأمثال لكونه عين حقه
ولو اشترياه الضمير المنصوب راجع إلى المثلي الدال عليه لفظ المثليات فاقتسماه فلكل أي لكل واحد منهما أن يبيع حصته مرابحة وتولية بحصة ثمنه ولو كانت مبادلة لما جاز هذا
وفي الاختيار فلا يخلو عن معنى المبادلة أيضا لأن ما حصل له كان له بعضه وبعضه لشريكه إلا أنه جعل وصول مثل حقه إليه كوصول عين حقه لعدم التفاوت
والمبادلة أي الإعطاء من الجانبين أغلب في غيرها أي في غير المثليات من العقار وسائر المنقولات للتفاوت بين أبعاضها فلا يأخذه أي الشريك نصيبه حال غيبة صاحبه ولا يمكن أن يجعل كأنه أخذ عين حقه لعدم المعاملة بينهما ولا يبيع حصته مرابحة بعد الشراء أو القسمة ولو كانت إفرازا جاز ويجبر عليها أي على القسمة فيه أي في غير المثلي بطلب الشريك في متحد الجنس فحسب لمعنى الإفراز في الجملة عند طلب أحد الشركاء من القاضي أن يخصه بالانتفاع بنصيبه لا في غيره أي لا يجبر في غيره على القسمة لتعذر المبادلة باعتبار فحش التفاوت لأن ما يوفيه ليس عين حقه بل هو عوض حقه فيلزم من الرضا ولو توقفوا عليها تجوز لأن الحق لهم هذا إذا أمكن الوصول إلى حقه أما إذا لم يمكن الوصول إلى حقه بدون المبادلة يجبر على المبادلة كما في قضاء الديون
وندب للقاضي نصب رجل قاسم يكون رزقه من بيت المال لأن منفعته للعامة كالقضاة والمفتين
____________________
(4/125)
والمقاتلة فتكون كفايته من بيت المال لأنه أعد لمصالحهم كنفقة هؤلاء ليقسم بلا أخذ أجر منهم لكونه أرفق للأنام وأبعد من التهمة فإن لم يفعل أي لم ينصب قاسما رزقه من بيت المال لأن النصب غير واجب حتى يجب النصب بل هو مندوب فيجوز أن ينصب وأن لا ينصب فإن لم ينصب ينصب قاسما يقسم بين الناس بأجر على المتقاسمين لأن النفع لهم على الخصوص وليست بقضاء حقيقة حتى للقاضي أن يأخذ الأجر على القسمة وإن كان لا يجوز له على القضاء يقدره أي أجر المثل له أي للقاسم القاضي لئلا يطمع في أموالهم ويتحكم بالزيادة ثم إن الأجر هو أجر المثل وليس له قدر معين وقيل يقدر الأجر بربع العشر كالزكاة لأنها عمل العامة فأشبه الزكاة كما في شرح الوقاية لابن الشيخ وهو أي أجر المثل على عدد الرءوس أي رءوس المتقاسمين عند الإمام لأن تمييز الأقل من الأكثر كتمييز الأكثر من الأقل في المشقة وعندهما على قدر السهام لأنه مؤنة الملك فيقدر بقدره وبه قال الشافعي وأحمد وأصبغ المالكي
وأجرة الكيل والوزن على قدر السهام إجماعا إن لم يكن أي ما ذكر من الكيل والوزن للقسمة لأن الأجرة مقابل العمل بعمل الكيل والوزن لا بالتمييز
وإن كان لها أي للقسمة فعلى الخلاف حيث تجب الأجرة على عدد الرءوس عنده وعندهما على قدر السهام
ويجب كونه أي القاسم عدلا أمينا عالما بالقسمة لأنه من جنس عمل القضاة ويعتمد على قوله فتشترط العدالة والأمانة والعلم بها وإنما ذكر الأمانة بعد العدالة وهي من لوازمها لجواز أن يكون غير ظاهر الأمانة كما في المنح وغيره وليس بتمام لأن ظهور العدالة يستلزم
____________________
(4/126)
ظهورها كما لا يخفى تأمل
كما قال يعقوب باشا
ولا يجبر الناس على قاسم واحد أي لا يعين القاضي قاسما واحدا للقسمة لأنه يتحكم في الزيادة على أجر مثله ولا يترك القسام جمع قاسم ليشتركوا أي يمنعهم القاضي من الاشتراك كي لا تصير الأجرة غالية بتواكلهم وعند عدم الشركة يتبادر كل منهم إليه خيفة الفوت فيرخص الأجر بسبب ذلك وصح الاقتسام بأنفسهم بالتراضي بلا أمر القاضي لولايتهم على أنفسهم وأموالهم
ويقسم على الصبي وليه أو وصيه كالبيع وسائر التصرفات فإن لم يكن أي وإن لم يوجد أحدهما فلا بد من أمر القاضي أي نصب القاضي له من يقسم
قوله ويقسم إلى هنا كلام صاحب الاختيار لكن في عامة المعتبرات وصحت برضا الشركاء إلا عند صغر أحدهم ولا نائب عنه وكذا الحكم عند جنون أحدهم
ولا يقسم عقار بين الورثة بإقرارهم أي لو ادعى الشركاء إرث العقار عن زيد عند القاضي لا يقسم بينهم باعترافهم ما لم يبرهنوا على الموت وعدد الورثة عند الإمام لأن الشركة مبقاة على ملك الميت والقسمة قضاء على الميت والإقرار حجة قاصرة لا يتعدى إلى غير المقر فلا بد من البينة لكونه حجة على الميت مع أن العقار محصن بنفسه فلا حاجة إلى القسمة بخلاف المنقول لأنه غير محفوظ بنفسه وعندهما يقسم باعترافهم ويذكر في كتاب القسمة ذلك يعني أنه قسمها بقولهم ليقتصر الحكم بالقسمة عليهم ولا يتعدى إلى شريك لهم آخر وبه قال الشافعي وأحمد في قول وغير العقار يقسم إجماعا لأن في قسمته نظرا لاحتياجه إلى الحفظ كما مر
وكذا العقار المشترى يقسم اتفاقا لأن من في يده شيء فالظاهر أنه له
وفي رواية لا يقسم حتى يقيموا البينة على الملك لجواز أن يكون في أيديهم والملك للغير والأول أصح والمذكور مطلق ملكه أي يقسم اتفاقا فيما إذا ادعوا الملك ولم يذكروا
____________________
(4/127)
كيفية انتقاله إليهم بقولهم من غير إقامة البينة وذلك لأنه ليس في القسمة قضاء على الغير فإنهم لم يقروا بالملك لغيرهم فيكون مقتصرا عليه فيجوز
وإن برهنا أي أقام رجلان بينة أن العقار في أيديهما وطلبا القسمة لا يقسم حتى يبرهنا أي حتى يقيما البينة أنه أي العقار ملك لهما لاحتمال أن يكون لغيرهما قال العيني وغيره في شرح الكنز وهذه المسألة بعينها هي المسألة السابقة وهي قوله والمذكور مطلق ملكه لأن المراد فيها أن يدعوا الملك ولم يذكروا كيف انتقل إليهم ولم يشترط فيها إقامة البينة على أنه ملكهم وهو رواية القدوري وشرط هنا وهو رواية الجامع الصغير فإن كان قصد الشيخ تعيين الروايتين فليس فيه ما يدل على ذلك وإلا فتقع المسألة مكررة يتحاشى عنه في مثل هذا المختصر انتهى
ولو برهنوا على الموت وعدد الورثة والعقار في أيديهم ومعهم وارث غائب أو صبي قسم العقار بينهم بطلب الحاضرين هكذا وقع في الوقاية والهداية
وفي العناية قيل هذا سهو والصحيح في أيديهما لأنه لو كان في أيديهم لكان البعض في يد الطفل أو الغائب وسيأتي أنه إن كان لا يقسم وأجيب عنه بأنه أطلق الجمع وأراد المثنى بقرينة قوله وارثان وأقاما لكنه ملتبس انتهى هذه القرينة وقعت في عبارة الهداية لا في عبارة المصنف لأنه قال وبرهنوا بصيغة الجمع فلا يمكن الجواب عنه تدبر ونصب وكيل للغائب أو وصي للصبي لقبض الوكيل حصة الغائب أو لقبض الوصي حصة الصبي لأن في هذا نظرا للغائب والصبي ولا بد من إقامة البينة عند الإمام وعندهما يقسم بقولهم كما مر
ولو كان العقار في يد الغائب أو شيء منه أي من العقار الغائب أو كان في يد مودعه أو كان في يد الصغير لا يقسم لأن في هذه القسمة قضاء على الغائب أو الطفل بإخراج شيء مما في يده من غير خصم حاضر عنهما وأمين الخصم ليس بخصم عنه فيما يستحق عليه سواء أقيمت البينة هنا أو لا
وكذا لا يقسم لو حضر وارث واحد وبرهن على الموت والعدد والباقي غائب عن النظر أو صبي لأن
____________________
(4/128)
الواحد لا يكون مخاصما ومخاصما فلا بد من اثنين أو كانوا مشترين وغاب أحدهم أي لا يقسم لأن الملك الثابت ملك جديد بسبب باشره فلا يصلح الحاضر خصما عن الغائب بخلاف الإرث لأن الملك الثابت فيه ملك خلافه فانتصب أحدهما خصما عن الميت فيما في يده والآخر عن نفسه فصارت القسمة قضاء بحضرة المتخاصمين وصح القضاء لقيام البينة على خصم حاضر وفي الشراء قامت على خصم غائب فلا يقبل ولا يقضى
وإذا انتفع كل واحد من الشركاء بنصيبه بعد القسمة قسم بطلب أحدهم لأن في القسمة تكميل المنفعة وكانت حتما لازما فيما يحتملها
وإن تضرر الكل بالقسمة كالحمام وغيره لا يقسم إلا برضاهم لأن القسمة لتكميل المنفعة
وفي هذا تفويته فيعود على موضوعه بالنقض وإن انتفع البعض لكثرة نصيبه دون البعض بل تضرر لقلة حظه قسم بطلب ذي النفع لأنه طالب تكميل منفعة ملك لا بطلب الآخر و هو الأصح هذا قول الخصاف والإمام السرخسي لأنه لا فائدة له فهو متعنت في طلب القسمة حيث يشتغل بما لا ينفعه
وفي الدرر نقلا عن الذخيرة وعليه الفتوى وذكر الخصاف عكسه لأن صاحب الكثير يطلب ضرر صاحبه وصاحب القليل يرضى بضرره وذكر الحاكم أن أيهما طلب القسمة قسم القاضي قال في الخانية وهو اختيار الشيخ الإمام المعروف بخواهر زاده وعليه الفتوى
وفي المنح ينبغي أن يعول على ما جزم به عامة أصحاب المتون والشروح لأنها هي الموضوعة لنقل المذهب فلا يعارضه ما في الفتاوى وإنما يعول عليها إذا لم يعارضها كتب الأصول وهي الموضوعة لنقل المذهب وأما مع معارضتها لها لا يلتفت إليها كما في أنفع الوسائل
ويقسم العروض من جنس واحد أي يقسم القاضي عروضا إذا اتحد جنسها بطلب بعض الشركاء جبرا لوجود المعادلة بالمالية والمنفعة ولا يقسم القاضي الجنسين بإعطاء بعضهما في بعض لعدم الاختلاط بينهما فلا تكون القسمة تمييزا بل معاوضة ولا بد فيها عن التراضي وهذا بالإجماع
ولا يقسم القاضي الجواهر مطلقا لأن جهالتها متفاحشة لتفاوتها قيمة وقيل لا يقسم الكبار
____________________
(4/129)
ويقسم الصغار لقلة التفاوت وقيل لا يقسم الجواهر إن كانت مختلفة الجنس كاللآلئ واليواقيت
ولا يقسم الحمام ولا البئر ولا الرحى ولا الثوب الواحد ولا الحائط بين دارين إلا برضاهم استثناء من قوله ولا يقسم الجنسين إلى هناك أي إلا برضا الشركاء لما فيه من إلحاق الضرر بهم
وكذا لا يقسم الرقيق لا برضاهم عند الإمام خلافا لهما فإن عندهما يجوز لاتحاد الجنس فصار كالإبل والخيل والغنم وبه قالت الأئمة الثلاثة وله أن قسمة الرقيق لمعانيها الباطنة متعذر ولا وقوف عليها ولا يمكن التعديل فلا يقسم إلا بتراض بخلاف الحيوانات إذا كانت من جنس واحد وبخلاف المغنم لأن حق الغانمين يتعلق بالمالية لا بالعين وهذا الخلاف فيما إذا كان الرقيق وحدهم وليس معهم شيء آخر من العروض وهم ذكور فقط أو إناث فقط وأما إذا كانوا مختلطين بين الذكور والإناث لا يقسم بالإجماع وإن كان مع الرقيق شيء آخر مما يقسم جازت القسمة في الرقيق تبعا لغيرهم بالإجماع
والدور المشتركة بين الاثنين أو أكثر كلها في مصر واحد يقسم كل واحدة على حدته إلا بتراضي الشركاء عند الإمام وهو الصحيح وهذا قسمة فرد لا قسمة جمع لأن الدور أجناس مختلفة بوجوه السكنى وإن كانت جنسا واحدا نظرا إلى أصل السكنى فيوجد فحش التفاوت باعتبار المقاصد باختلاف المحال والجيران والقرب إلى المسجد والماء والسوق وقالا إن كان الأصلح قسمة بعضها في بعض جاز أن يقسم هذا على الوجه لأنها جنس واحد اسما وصورة ونظرا إلى أصل السكنى وأجناس نظرا إلى اختلاف الأغراض وتفاوت منفعة السكنى فكان أمرها مفوضا إلى رأي القاضي إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم وعلى هذا الخلاف الأقرحة المتفرقة أو الكرم المشتركة وفي مصرين يقسم كل على حدته اتفاقا فيما رواه هلال وعن محمد لو كانت أحدهما بالرقة والأخرى بالبصرة قسمت إحداهما في الأخرى كما في الاختيار
وكذا لا يقسم إحداهما في الأخرى دار وضيعة أو دار وحانوت في مصر بل يقسم على الانفراد بالاتفاق لاختلاف الجنس قال صاحب الهداية جعل الدار والحانوت هنا جنسين وذكر في إجارات الأصل أن إجارة منافع الدار بمنافع الحانوت لا
____________________
(4/130)
تجوز لاحتمال الربا وهذا يدل على أنهما جنس واحد فيجعل في المسألة روايتان أو تبنى حرمة الربا هنالك على شبهة المجانسة باعتبار اتحاد منفعتهما وهي السكنى
وفي الكافي أن هذا مشكل لأنه يؤدي إلى اعتبار شبهة الشبهة والمعتبر هو الشبهة لا النازل عنها وقال الإمام الحلواني إما أن يكون في المسألة روايتان أو يكون من مشكلات هذا الكتاب
وفي العناية وحاشيته لمولى سعدي جواب فليطالع
والبيوت في محلة واحدة أو في محلات يجوز قسمة بعضها في بعض لأن التفاوت في البيوت يسير والمنازل المتلاصقة بعضها مع بعض كالبيوت أي يجوز قسمة بعضها في بعض
و المنازل المتباينة بعضها عن بعض كالدور أي لا تجوز قسمة بعضها في بعض بل يقسم كل منزل على حدة سواء كان في دار أو محال لأنها لا تتفاوت في السكنى لكن دون الدار وفوق البيت فأخذ شبها من كل واحد فإن تلازقت فقسمة فرد وإلا فقسمة جمع
وفي الاختيار وإذا قسمت الدار تقسم العرصة بالذراع والبناء بالقيمة ويجوز أن يفضل بعضهم على بعض تحقيقا للمعادلة في الصورة والمعنى أو في المعنى عند تعذر الصورة
فصل في كيفية القسمة وينبغي للقاسم أن يصور على قرطاس أو نحوه ما يقسمه ليمكنه حفظه وإصابته ويعدله أي يسوي ما قسمه على سهام القسمة ويذرعه أي يذرع ما قسمه ليعرف قدره بأن يصور الذرعان على ذلك القرطاس بقلم الجدول فيكون كل ذراع في ذراع بشكل لبنة ويقوم بناءه إذ التقويم محتاج إليه بالآخرة ويفرز كل نصيب بطريقه وشربه لأن القسمة لتكميل المنفعة وبه يكمل ولارتفاع النزاع هذا ما هو الأفضل إن أمكن ولذا يجوز تركه ويلقب الأنصباء جمع نصيب بالأول والثاني والثالث والرابع والخامس وهلم جرا
____________________
(4/131)
ويكتب أسماءهم أي أسامي الشركاء ويجعلها بطاقات ويطوي كل بطاقة ويجعلها شبه البندقة ويدخلها في طنين ثم يخرجها ثم يدلكها ثم يجعلها في وعاء أو في كمه ثم يخرج واحدا بعد واحد ويقرع لتطييب المقلوب فالأول لمن خرج اسمه أولا والثاني لمن خرج ثانيا والثالث لمن خرج ثالثا إلى أن ينتهي إلى الأخير قال ابن الشيخ في شرح الوقاية ويكتب أسماءهم على القرعة أو غيرها ويبدأ القسمة من أي طرف كان فإن جعل الطرف الشرقي أولا يجعل ما يليه ثانيا ثم ما يليه ثالثا فيخرج القرعة المكتوبة فيعطي السهم لمن خرج اسمه فيها أولا والثاني لمن خرج اسمه ثانيا والثالث ثالثا بلا حاجة إلى إخراج قرعة إذ بقي له سهم واحد بلا منازع هذا في السهام المتساوية ظاهر وأما إن كانت متفاوتة بأن كان لأحدهم مثلا نصف وللثاني سدس وللثالث ثلث فيجعل السهام ستة فإن خرج في القرعة الأولى اسم من له الثلث اتفاقا فله السهمان أحدهما هو الملقب بالأول في طرف شرقي والآخر ما يليه تتميما لحقه ثم إن خرج في الدفعة الثانية اسم من له النصف فله ثلاثة أسهم على الاتصال فيبقى سهم واحد لمن له السدس بلا إخراج قرعة والقرعة هنا لإزالة تهمة الميل عن القسام أو القاضي في إعطاء كل سهامه لا في أصل الاقتسام فمعنى القمار يسقط عن الاعتبار
ولا تدخل الدراهم في القسمة إلا برضاهم صورته دار بين جماعة فأرادوا قسمتها وفي أحد الجانبين فضل بناء فأراد أحد الشركاء أن يكون عوض البناء دراهم وأراد الآخر أن يكون عوضه من الأرض فإنه يجعل عوض البناء من الأرض ولا يكلف الذي وقع البناء في نصيبه أن يرد بإزاء البناء من الدراهم إلا إذا تعذر فحينئذ للقاضي ذلك لأن القسمة من حقوق الملك المشترك والشركة بينهم في الدار لا في الدراهم فلا تجوز قسمة ما ليس بمشترك كما في الدرر وعن أبي يوسف يقسم الكل باعتبار القيمة إذا كان أرضا وبناء لتعذر التعديل إلا بالقيمة وعن الإمام أنه يقسم الأرض بالمساحة على الأصل في المسموحات فمن كان نصيبه أجود أو وقع له البناء يرد على الآخر دراهم حتى يساويه فيدخل الدراهم في القسمة ضرورة كالأخ لا ولاية له في المال ثم يملك تسمية الصداق ضرورة التزويج وعن محمد أنه يرد على شريكه من الأرض في
____________________
(4/132)
مقابلة البناء فإذا بقي فضل ولا يمكن التسوية بأن لا تفي الأرض بقيمة البناء فحينئذ يرد في مقابلة الفضل دراهم لأن الضرورة في هذا القدر
وفي الاختيار وقول محمد أحسن وأوفق للأصول
فإن وقع مسيل ماء أو طريق المرور لأحدهم في نصيب آخر و الحال أنه لم يشترط ذلك في القسمة صرف المسيل أو الطريق عنه أي عن الآخر إن أمكن صرفه تحقيقا لمعنى القسمة وهو قطع الاشتراك وإلا أي وإن لم يمكن صرفه عنه فسخت القسمة بالإجماع لاختلالها وتستأنف لأن المقصود تمليك المنفعة ولا يكون ذلك إلا بالطريق والمسيل
ويقسم القاضي سهمين من العلو بسهم من السفل عند الإمام وعند أبي يوسف يقسم سهما بسهم وعند محمد يقسم بالقيمة كما إذا كان علو مشترك بين رجلين وسفله لرجل أو سفل مشترك بينهما وعلوه لآخر وطلبا القسمة أو أحدهما قال الإمام يحسب ذراع من السفل بذراعين من العلو لأن السفل يبقى بعد فوات العلو والعلو لا يبقى بعد فناء السفل
وقال أبو يوسف يحسب ذراع من السفل بذراع من العلو لأن الأصل هو السكنى وقد استويا فيه
وقال محمد يقوم كل على حدة ويقسم بالقيمة لأن منفعة العلو والسفل متفاوتة بحسب الأوقات ففي الصيف يختار العلو وفي الشتاء السفل فلا يمكن التعديل إلا بالقيمة قيل هذا اختلاف عصر وزمان أجاب كل واحد بما شاهده في زمانه
وفي شرح الطحاوي الاختلاف في الساحة وأما البناء فيقسم بالقيمة اتفاقا وعليه أي على قول محمد الفتوى كما في أكثر المعتبرات
فإن أقر والأولى بالواو أحد المتقاسمين بالاستيفاء أي بأخذ تمام حصته من المقسوم ثم ادعى أن بعض نصيبه منه وقع في يد صاحبه غلطا بعدما شهد على نفسه بالاستيفاء لا يصدق قوله إلا بحجة منه لأن هذه الدعوى تخالف إقراره السابق بالاستيفاء فلا تسمع دعواه إلا بالبينة حتى قالوا يحمل دعوى الغلط على فسخ القسمة ليكون
____________________
(4/133)
وجها لإقامة البينة
وقال صدر الشريعة وجه رواية المتن أنه اعتمد على فعل القاسم في إقراره باستيفاء حقه ثم لما تأمل حق التأمل ظهر الغلط في فعله فلا يؤاخذ بذلك الإقرار عند ظهور الحق انتهى وهذا على رواية الهداية في ثبوت هذه الدعوى بالبينة حيث قال إن لم يقم عليه بينة استخلف الشركاء انتهى
وقال ابن الشيخ في شرح الوقاية وهذا لا يمنع ثبوت هذه الدعوى بالنكول أو بالإقرار أيضا إذ لا نزاع فيه بل يمنع قول من نازع وقيل المراد بالحجة إقرار الخصم أو نكوله لا غير لكون الدعوى على التناقص وقال صاحب الإصلاح إلا بحجة من بينة المدعي وإقرار الخصم ونكوله على التعميم
وتقبل شهادة القاسمين بفتح الميم عند اختلاف المتقاسمين فيها أي في القسمة عند الشيخين لأنها شهادة على فعل غيرهما باستيفاء حقهما خلافا لمحمد فإن عنده لا تقبل وهو قول أبي يوسف أولا وبه قالت الأئمة الثلاثة لأنها شهادة على فعل نفسهما فأورثت التهمة وهذا إذا تقاسما مجانا ولا يجران لهما نفعا قال الطحاوي إذا اقتسما بأجر لا تقبل الشهادة إجماعا وقيل الخلاف في الكل وهو الأصح فلذا أطلق في الكتاب كما في شرح الكنز للعيني
وإن قال أحد المتقاسمين بعدما أقر بالاستيفاء قبضته أي حقي ثم أخذ صاحبي بعضه مني بعدما قبضته وأنكر شريكه ذلك حلف خصمه لأنه يدعي عليه الغصب وهو منكر فالقول قول المنكر
وفي التسهيل ولا فرق بين هذه المسألة وبين المسألة الأولى في أن الخصم يحلف فيها إذا لم تكن له بينة إلا أنه في الأولى ينبغي أن تقبل دعواه كما مر بخلاف الثانية
وإن قال قبل أن يقر بالاستيفاء أصابني من ذلك كذا إلى كذا ولم يسلم ما أصابني من حقي إلي وكذبه الآخر تحالفا وفسخت القسمة لأن الاختلاف في مقدار ما حصل له بالقسمة فصار نظير الاختلاف في مقدار المبيع
وفي الفرائد نقلا عن التسهيل هذه هي المسألة بعينها وأجاب هنا أنه تقبل دعواه لكن ينبغي أن لا تقبل للتناقض فظهر أن في المسألتين روايتين
ولو ادعى أحد المتقاسمين غبنا في القسمة لا يعتبر كالبيع أي كما لا اعتبار بدعوى الغبن في البيع لوجود التراضي إلا إذا كانت
____________________
(4/134)
القسمة بقضاء القاضي والغبن فاحش فتفسخ القسمة حينئذ
وقال صاحب المنح ولو ظهر غبن فاحش في القسمة فإن كانت بقضاء القاضي بطلت عند الكل لأن تصرف القاضي مقيد بالعدل ولم يوجد ولو وقعت القسمة بالتراضي تبطل أيضا في الأصح وقيل لا يلتفت إلى قول من يدعيه لأنه دعوى الغبن ولا معتبر به في البيع فكذا في القسمة لوجود التراضي وقيل تفسخ هو الصحيح ذكره الكافي وتمامه فيه فليطالع
ولو استحق بعض معين من نصيب البعض لا تنفسخ القسمة اتفاقا على الصحيح ويرجع البعض بقسطه في حظ شريكه كما إذا كانت الدار بينهما نصفين فقسمت فاستحق من يد أحدهما بيت هو خمسة أذرع رجع بنصف ما استحق في نصيب صاحبه
وكذا لا تنفسخ في الشائع عند الإمام وعند أبي يوسف تنفسخ القسمة لعدم تحقق الإفراز باستحقاق النصيب الشائع وبه قال الشافعي وأحمد وهو قول محمد في رواية أبي سليمان وروى أبو حفص أنه مع الإمام وهو الأصح كما في الكافي وغيره وفي بعض مشاع في الكل تفسخ إجماعا لأنه لو ثبت القسمة لتضرر المستحق بتفرق نصيبه
ولو ظهر بعد القسمة دين على الميت محيط بماله نقضت القسمة لأنه يمنع وقوع الملك للوارث
وكذا تنقض القسمة لو ظهر دين لكنه غير محيط بماله لتعلق حق الغرماء بالتركة إلا إذا بقي بلا قسمة ما يفي به أي بالدين فحينئذ لا تفسخ لعدم الحاجة إلى نقض القسمة في إيفاء حقهم
ولو أبرأ الغرماء بعد القسمة ذمم الورثة من ديونهم أو أداه أي الدين الورثة من مالهم لا تنقض القسمة مطلقا أي سواء كان الدين محيطا أو غير محيط لزوال المانع
وفي الهداية ولو ادعى أحد المتقاسمين دينا في التركة صح دعواه لأنه لا تناقض إذ الدين يتعلق بالمعنى والقسمة تصادف الصورة ولو ادعى عينا بأي سبب كان لم يسمع للتناقض إذ الإقدام على القسمة اعتراف منه بكون المقسوم مشتركا
____________________
(4/135)
136 فصل في المهايأة وتجوز المهايأة عند تعذر الاجتماع على الانتفاع وهي لغة مفاعلة من التهيئة وهي الحالة الظاهرة للمتهيئ للشيء والتهايؤ تفاعل منها وهو أن يتواضعوا على أمر فيتراضوا به وحقيقته أن كلا منهم رضي بهيئة واحدة ويختارها وقيل مفاعلة من التهايؤ فكأنه يتهايأ بالانتفاع به عند فراغ صاحبه والفرق بين القسمة والتهايؤ أن الأول يجمع المنافع في زمان واحد والثاني يجمع على التعاقب ويجري فيه جبر القاضي كما في القسمة فيما يحتملها وشرعا قسمة المنافع والقياس أن لا تجوز لأنها مبادلة المنفعة بجنسها لكنها جازت استحسانا بالإجماع
ويجبر عليها أي على المهايأة إذا طلبها بعض الشركاء في دار واحدة متعلق بقوله وتجوز وتجبر على سبيل التنازع بأن يسكن هذا الشريك بعضا أي بعض الدار وهذا الشريك بعضا آخر من الدار أو هذا يسكن في علوها وهذا في سفلها لأن القسمة على هذا الوجه جائزة فكذا المهايأة والتهايؤ في هذا الوجه إفراز بجميع الأنصباء لا مبادلة ولهذا لا يشترط فيه التأقيت ولكل واحد أن يستقل ما أصابه بالمهايأة شرط ذلك في العقد أو لم يشترط لحدوث المنافع على ملكه كما في الهداية
و تجوز المهايأة في بيت صغير يسكن هذا شهرا وهذا شهرا وله أي لكل واحد منهما الإجارة أي إجارة ما أصابه وأخذ الغلة في نوبته متعلق بالإجارة لأنها قسمة المنافع وقد ملكها فله استغلالها
و تجوز المهايأة في عبد واحد يخدم العبد هذا يوما وهذا يوما لأن المهايأة قد تكون في الزمان وقد تكون من حيث المكان والأول متعين ههنا ولو اختلفا في التهايؤ من حيث الزمان والمكان في محل يحتملها يأمرهما القاضي أن يتفقا لأن التهايؤ في المكان أعدل وفي الزمان أكمل فلما اختلفت الجهة لا بد من الاتفاق فإن اختاراه حيث الزمان يقرع في البداية نفيا للتهمة
و تجوز المهايأة في عبدين يخدم أحدهما أي أحد العبدين أحدهما أي أحد الشريكين و يخدم العبد الآخر
____________________
(4/136)
الشريك الآخر لا إشكال على أصلهما لأن عندهما تجوز قسمة الرقيق جبرا واختيارا فكذا منفعتهم وأما عند الإمام والقياس على عدم جواز القسمة يمنع الجواز لكن الصحيح الجواز لقلة التفاوت في الخدمة بخلاف أعيان الرقيق لأنها تتفاوت تفاوتا فاحشا على ما بيناه
ولو اتفقا على أن نفقة كل عبد على من يخدمه جاز استحسانا بخلاف الكسوة لأن العادة جرت بالمسامحة في الطعام دون الكسوة ولقلة التفاوت في الطعام وكثرتها في الكسوة فإن وقت شيئا من الكسوة معروفا جاز استحسانا لأن عند ذكر الوصف ينعدم التفاوت أو يقل
و جوز في دارين يسكن هذا الشريك هذه الدار و يسكن هذا الشريك الآخر الدار الأخرى ويجبره القاضي عليه إذا طلبه أحد الشريكين وهذا ظاهر لأن الدارين عندهما كدار واحدة حتى يجري الجبر على قسمتهما وأما عنده فلأن المنافع فيها لا تتفاوت فيجوز ويجبر منهما ويعتبر إفرازا كالأعيان المتقاربة بخلاف القسمة وقد قيل لا يجبر اعتبارا بالقسمة وعنه لا يجوز التهايؤ فيه أصلا لا بالجبر ولا بالتراضي
ولا يجوز ذلك أي التهايؤ في دابة يركب هذا يوما وهذا يوما أو دابتين هذا هذه وهذا الأخرى إلا بتراضيهما عند الإمام لأن الاستعمال يتفاوت بتفاوت الراكبين فإنهم بين حاذق وأحذق بخلاف العبد والعبدين لأنه يخدم باختياره فلا يتحمل الزيادة على طاقته والدابة تتحملها خلافا لهما أي عندهما يجوز اعتبارا بقسمة الأعيان
ويجوز التهايؤ في استغلال دار يستغلها هذا الشهر أو يأخذ غلتها وهذا شهرا ويأخذ غلتها أو دارين هذا هذه يعني هذا الشريك يستغلها هذه الدار ويأخذ غلتها وهذا الشريك الآخر يستغل الدار الأخرى ويأخذ غلتها في ظاهر الرواية لأن الظاهر عدم التغير لا في استغلال عبد أو دابة أي لا يجوز التهايؤ في استغلالهما لأن النصيبين يتعاقبان في الاستيفاء فالظاهر التغير في الحيوان فتفوت المعادلة وما زاد في نوبة أحدهما في الدار الواحدة من الغلة على الغلة في نوبة الآخر مشترك لتحقق التعديل بخلاف ما إذا كان التهايؤ على المنافع
____________________
(4/137)
فاستغل أحدهما في نوبته زيادة لأن التعديل فيما وقع على التهايؤ حاصل وهو المنافع فلا تضره زيادة الاستغلال من بعد لا في الدارين
وفي الهداية والتهايؤ على الاستغلال في الدارين جائز أيضا في ظاهر الرواية ولو فضل غلة أحدهما لا يشتركان بخلاف الدار الواحدة والفرق أن في الدارين معنى التمييز والإفراز راجح لاتحاد زمان الاستيفاء وفي الدار الواحدة يتعاقب الوصول فاعتبر فرضا وجعل كل واحد في نوبته كالوكيل عن صاحبه فلذا يرد عليه حصته من الفضل
و يجوز التهايؤ في استغلال عبدين هذا هذا أي يستغل هذا الشريك هذا العبد ويأخذ غلته وهذا الآخر أي يستغل الشريك الآخر ويأخذ غلته ولا يجوز عند الإمام لأن التفاوت في أعيان الرقيق أكثر من التفاوت من حيث الزمان في العبد الواحد فالأولى أن يمتنع الجواز والتهايؤ في الخدمة يجوز ضرورة ولا ضرورة في الغلة لإمكان قسمتها لكونه عينا ولأن الظاهر هو التسامح في الخدمة والاستقصاء في الاستغلال فلا يتقايسان كما في الهداية خلافا لهما أي عندهما يجوز اعتبارا بالتهايؤ في المنافع وعلى هذا الخلاف الدابتان حيث منع الإمام المهايأة في بغلتين مثلا وجوزها صاحباه لما ذكر
ولا تجوز المهايأة في ثمر شجر أو لبن غنم أو أولادها لأنها أعيان باقية ترد عليها القسمة عند حصولها فلا حاجة إلى التهايؤ بخلاف لبن ابن آدم حيث تجوز المهايأة فيه ولو كانت جاريتان مشتركتان بين اثنين فتهايئا أن ترضع إحداهما ولد أحدهما والأخرى ولد الآخر جاز لأن لبن ابن آدم لا قيمة له فجرى مجرى المنافع والحيلة في الثمار ونحوه أن يشتري نصيب شريكه ثم يبيع كلها بعد مضي نوبته أو ينتفع باللبن المقدر بطريق القرض في نصيب صاحبه إذ قرض المشاع جائز كما في التبيين
وتجوز المهايأة في عبد ودار على السكنى والخدمة لأن المقصود منهما تجوز عند اتحاد الجنس فعند الاختلاف أولى
وكذا تجوز المهايأة في كل مختلفي المنفعة كسكنى الدار وزرع الأرض
____________________
(4/138)
وكذا الحمام والدار لأن كل واحدة من المنفعتين يجوز استحقاقها بالمهايأة
ولا تبطل المهايأة بموت أحدهما ولا بموتهما لأنه لو انتقض لاستأنفه الحاكم فلا فائدة في النقض ثم الاستئناف
ولو طلب أحدهما القسمة والآخر المهايأة بطلت المهايأة فيما يحتمل القسمة لأن القسمة أقوى في استكمال المنفعة
____________________
(4/139)
كتاب المزارعة لما كان الخارج في عقد المزارعة من أنواع ما يقع فيه القسمة ذكر المزارعة بعدها وهي مفاعلة من زارع من الزرع وهو إلقاء الحب ونحوه في الأرض
وفي الشرع هي أي المزارعة عقد على الزرع ببعض الخارج ويسمى المخابرة والمحاقلة ويسميها أهل العراق القراح وهي أي المزارعة فاسدة عند الإمام لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن المخابرة بالثلث والربع والمخابرة هي الزراعة على لغة أهل المدينة والتخصيص بالثلث والربع للعادة في هذا الزمان بهما إذ الفساد ثابت في غيرهما أيضا ولذا قيل في التعريف ببعض الخارج ولأنها في معنى قفيز الطحان ولأن الأجر مجهول أو معدوم وكل ذلك مفسد ومعاملة النبي عليه الصلاة والسلام أهل خيبر كان خراج مقاسمة بطريق المن والصلح وهو جائز وعندهما جائزة لأنه عليه الصلاة والسلام عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج من ثمر وزرع ولأن الحاجة ماسة إليها لأن صاحب الأرض قد لا يقدر على العمل بنفسه ولا يجد ما يستأجر به والقادر على العمل لا يجد أرضا ولا ما يعمل به فدعت الحاجة إلى جوازها دفعا للحاجة كالمضاربة وبه أي بقولهما يفتى لتعامل الناس وبمثله يترك خبر الواحد والقياس قال الإمام الحصيري وأبو حنيفة هو الذي فرع هذه المسائل على أصوله أي على قول من
____________________
(4/140)
جوز المزارعة كما في الخلاصة
وفي المبسوط ثم التفريغ بعد هذا على قول من يجوز المزارعة وعلى أصول أبي حنيفة أن لو كان يرى جوازها لعلمه أن الناس لا يأخذون فيها بقوله لحاجتهم إليها وتعاملهم بها
ويشترط فيها أي في المزارعة عند من يجوزها صلاحية الأرض للزرع لأن المقصود وهو الريع لا يحصل بدون كونها صالحة للزراعة
و يشترط أهلية العاقدين لأنه لم يصح عقد بدون الأهلية
و يشترط تعين المدة لتصير المنافع معلومة كسنة أو أكثر فإن ذكر وقت لا يتمكن فيه من الزراعة فهي فاسدة وكذا ذكر مدة لا يعيش أحدهما إلى مثلها غالبا وجوزه بعض وعن محمد بن سلمة أنها بلا ذكر المدة جائزة وتقع على سنة واحدة وبه أخذ الفقيه أبو الليث
و يشترط تعيين رب البذر قطعا للمنازعة
و يشترط تعيين جنسه أي البذر ليصير الأجر معلوما إذ الأجر بعض الخارج
و يشترط تعيين نصيب الآخر أي بيان نصيب من لا بذر من جهته لأنه أجرة عمله أو أرضه فلا بد أن يكون معلوما
و يشترط التخلية بين الأرض والعامل لأنه بذلك يتمكن من العمل فصار نظير المضاربة لا تصح حتى يسلم المال إليه حتى إذا شرط في العقد ما يفوت به التخلية وهو عمل رب الأرض مع العامل لا يصح
و يشترط الشركة في الخارج بعد حصوله ليتحقق المعنى المقصود من المزارعة وهو الشركة لأنها تنعقد إجارة في الابتداء وشركة في الانتهاء ثم فرع على هذا الشرط بقوله فتفسد أي المزارعة إن شرط لأحدهما أي لأحد العاقدين قفزان جمع قفيز معينة لاحتمال انقطاع الشركة عند إخراج الأرض مقدارا مذكورا أو قليلا فحينئذ لا يوجد على ما عقد عليه وهو الاشتراك فيما يخرج على الشيوع أو شرط لأحدهما ما يخرج من موضع معين وكون الباقي بينهما لانقطاع الشركة بأن لا يحصل حبة إلا من موضع مذكور كالماذيانات جمع ماذيان وهو معرب وهو أصغر من النهر وأعظم من جدول والسواقي جمع ساقية وهي فوق الجدول دون النهر كما في المغرب فيكون الماذيان والساقية من الألفاظ المترادفة وإنما تفسد المزارعة لاحتمال أن يخرج إلا
____________________
(4/141)
منها فيؤدي إلى قطع الشركة
أو شرط أن يرفع قدر البذر لصاحب البذر وكون الباقي بينهما أو شرط أن يرفع قدر الخراج ويقسم ما يبقى من قدر البذر أو قدر الخراج بينهما لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في بعض معين أو في الجميع لاحتمال أن لا يخرج إلا قدر البذر أو الخراج والمراد من الخراج الخراج الموظف بأن كان الموضوع على الأرض دراهم مسماة وأما إذا كان الخراج خراج مقاسمة بأن كان الموضوع عليها نصف الخراج أو ثلثه أو نحو ذلك من الجزء الشائع وإن اشترطا رفعه لا تفسد المزارعة لأنه لا يؤدي إلى قطع الشركة
أو شرط أن يكون التبن لأحدهما والحب للآخر لأنه يحتمل أن تصيبه آفة لا يحصل بها الحب سوى التبن فيؤدي إلى انقطاع الشركة في المقصود وهو الحب أو يكون الحب بينهما والتبن لغير رب البذر لأنه خلاف مقتضى العقد أو يكون التبن بينهما والحب لأحدهما بعينه لأنه يؤدي إلى قطع الشركة فيما هو المقصود وهو الحب
وإن شرط كون الحب بينهما والتبن لرب البذر أو شرط دفع العشر أي عشر الخارج والأرض عشرية والباقي بينهما صحت المزارعة أما الأولى فيجوز الشركة لوجودها في المقصود ولكون التبن لصاحب البذر على ما يقتضيه حكم العقد لأنه نماء البذر وأما الثانية فلأن العشر مشاع فلا يؤدي إلى قطع الشركة وكذلك إذا شرط صاحب البذر عشر الخارج لنفسه أو للآخر والباقي بينهما
وإن شرط كون الحب بينهما و لم يتعرض للتبن لحصول الشركة فيما هو المرام فهو أي التبن بينهما وهذا قول مشايخ بلخي اعتبارا للعرف فيما لم ينص عليه العاقدان ولأنه تبع للحب والتبع يقوم بشرط الأصل وقيل يكون التبن لرب البذر لأنه نماء ملكه قال ابن الشيخ في شرح الوقاية وفي ديارنا لصاحب البقر لكونه عفا له
وأجر الحصاد والرفاع والدياس والتذرية عليهما أي
____________________
(4/142)
على العامل ورب الأرض بالخصص لأن الغرم بالغنم فإن شرط الأجر على العامل فسدت المزارعة لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحدهما فتفسد وعن أبي يوسف أنه أي الشرط على العامل يصح للتعامل بين الناس اعتبارا بالاستصناع وهو الأصح وعليه الفتوى وهو اختيار مشايخ بلخي قال شمس الأئمة السرخسي هذا هو الأصح في ديارنا وشرطه أي الأجر على رب الأرض مفسد اتفاقا لعدم التعامل بذلك
وما كان قبل الإدراك كالسقي والحفظ فهو على المزارع وإن وصلية ولم يشترط لأن ذلك موجب عقد المزارعة لأنه عمل يزاد به الزرع ولا ينقص
وفي الهداية فالحاصل أن ما كان من عمل قبل الإدراك كالسقي والحفظ فهو على العامل وما كان منه بعد الإدراك قبل القسمة فهو عليهما في ظاهر الرواية كالحصاد والدياس وأشباهه على ما بيناه وما كان بعد القسمة فهو عليهما قال في العناية لكن فيما هو قبل القسمة على الاشتراك وفيما هو بعدها على كل واحد منهما في نصيبه خاصة لتميز ملك كل واحد منهما عن ملك الآخر
وإذا كان البذر والأرض لأحدهما والعمل والبقر للآخر أو كانت الأرض لأحدهما والبقية من العمل والبذر والبقر للآخر أو كان العمل لأحدهما والبقية من الأرض والبذر للآخر صحت المزارعة في الكل
أما الأولى فلأن الاستئجار يقع على العمل هنا والبقر آلة للعامل كما يقع الاستئجار في الخياطة على الخيط ويجعل إبرته آلة لها
وأما الثانية فلأن صاحب البذر استأجر الأرض بجزء معلوم من الخارج كاستئجارها بدراهم معلومة
وأما الثالثة فلأن صاحب الأرض استأجر العامل ليعمل بآلة المستأجر فصار كما إذا استأجر خياطا ليخيط ثوبه بإبرته أو ليطين بمره
وإن كانت الأرض والبقر لأحدهما والبذر والعمل للآخر بطلت المزارعة لأن رب البذر يصير مستأجرا بالبذر وأنه لا
____________________
(4/143)
يجوز لكون الانتفاع بالاستهلاك أو يصير مستأجرا للبقر مع الأرض ببعض الخارج وأنه لا يجوز لعدم التعامل وهو ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه يجوز لما فيه من العادة والقياس يترك به
وكذا تبطل لو كان البذر والبقر لأحدهما والأرض والعمل للآخر لأن الشرع لم يرد به أو كان البذر لأحدهما والباقي وهو العمل والبقر والأرض للآخر وإنما بطلت لأن العامل أجير فلا يمكن أن تجعل الأرض تبعا له لاختلاف منفعتهما وههنا صورة أخرى لم يذكرها وهي أن يكون البقر من واحد والباقي من الآخر قالوا هي فاسدة لأن ذلك استئجار البقر بأجر مجهول إذ لا تعامل في استئجار البقر ببعض الخارج فلا يعلم ما هو أجره بحسب التعامل
وفي التنوير دفع رجل أرضه إلى آخر على أن يزرعها بنفسه وبقره والبذر بينهما نصفان والخارج بينهما كذلك فعملا على هذا فالمزارعة فاسدة ويكون الخارج بينهما نصفين وليس للعامل على رب الأرض أجر ويجب عليه أجر نصف الأرض لصاحبها وكذلك تفسد لو كان البذر ثلثاه من أحدهما وثلثه من الآخر والريع بينهما على قدر بذرهما
وإذا صحت المزارعة فالخارج على الشرط أي الخارج على ما شرط من النصف أو الثلث أو نحو ذلك لصحة الالتزام
وإن لم يخرج من الأرض شيء فلا شيء للعامل لأن استحقاقه بالشركة في الخارج ولا شركة في الخارج
ومن أبى أي امتنع عن المضي على موجب عقد المزارعة بعد العقد أجبر من طرف الحاكم لأنها انعقدت إجارة وهي عقد لازم إلا رب البذر فإنه لا يجبر عند الإباء فإنه لا يمكنه المضي إلا بإتلاف ماله وهو إلقاء البذر على الأرض ولا يدري هل يخرج أم لا فصار نظير ما لو استأجره ليهدم داره ثم امتنع العامل أجبر على العمل لأنه لا يلحقه به ضرر كما في التبيين
وإن فسدت المزارعة فالخارج لرب البذر لما مر من أنه نماء ملكه وللآخر أجر مثل عمله وإن كان رب البذر صاحب الأرض أو أجر مثل أرضه إن كان البذر من قبل العامل ولا يزاد أجر المثل على ما شرط أي على المسمى عند الشيخين لوجود الرضا كما في الإجارة الفاسدة خلافا لمحمد فإن عنده تجب بالغة ما بلغت لأن التسمية عند الفساد تكون لغوا وبه قالت الأئمة الثلاثة
وإن فسدت المزارعة لكون الأرض
____________________
(4/144)
والبقر فقط لأحدهما لزم أجر مثلهما أي أجر مثل الأرض والبقر لأنه استوفى منفعة الأرض والبقر بحكم عقد فاسد فيلزم أجر مثلهما وهو الصحيح احترازا عما قيل يغرم له مثل أجر الأرض مكروبة وأما البقر فلا يجوز أن يستحق بعقد المزارعة بحال فلا ينعقد العقد عليه لا صحيحا ولا فاسدا ووجوب أجر المثل لا يكون بدون انعقاد العقد والمنافع لا تتقوم بدونه
وإذا فسدت المزارعة بوجه من وجوه الفساد والبذر لرب الأرض فالخارج كله حل له أي حل له قدر البذر والفضل لأنه نماء ملكه
وإن فسدت والبذر للعامل لا يطيب له الخارج فحينئذ تصدق بما فضل عن قدر بذره و قدر أجرة الأرض لأنه حصل من بذره لكن في أرض مملوك للغير بعقد فاسد فأوجب خبثا فما كان عوض ماله طاب له وتصدق بالفضل كما في الاختيار وإذا أبى رب البذر عن المضي وقد كرب العامل الأرض أي قلبها للحرث فلا شيء له أي للعامل في عمل الكراب حكما أي قضاء لأن المنافع إنما تتقوم بالعقد وهو إنما يتقوم بالخارج فإذا انعدم الخارج لا يجب شيء ويسترضى أي الآبي في عمله ديانة على وجه يمكن إذ الغرور في الكراب من جانب الآبي
وتبطل المزارعة بموت أحدهما أي أحد العاقدين وتفسخ بالأعذار كالإجارة وقد مر الوجه في الإجارات
فتفسخ المزارعة إن لزم دين محوج إلى بيع الأرض بأن لم يقدر على قضائه إلا ببيع الأرض قبل نبات الزرع لأن ذلك عذر وهي تنفسخ الأعذار لا بعده أي لا بعد نبات الزرع ما لم يحصد أي لو نبت الزرع أو لم يستحصد لا تباع الأرض بالدين حتى يستحصد الزرع في البيع إبطال حق المزارع والتأخير أهون من الإبطال ويخرج القاضي من الحبس إن كان حبسه به قال صاحب الدرر ولو دفعها ثلاث سنين فلما نبت في الأولى ومات صاحب الأرض قبل إدراكه ترك الزرع في يد المزارع وقسم على الشرط وبطلت المزارعة في السنتين الأخريين لأن في بقاء العقد في السنة
____________________
(4/145)
الأولى مراعاة حق المزارع والورثة وفي القطع إبطالا لحق العامل أصلا فكان الإبقاء أولى وأما في الأخريين فلا حاجة إلى الإبقاء إذا لم يثبت الحق للمزارع في شيء بعد فعملنا بالقياس ولا شيء للعامل إن كان كرب الأرض أو حفر النهر لأن المنافع لا تتقوم إلا بالعقد وتقويمها بالخارج فلا خارج
وإن تمت مدتها أي المزارعة قبل إدراك الزرع فعلى العامل أجر مثل حصته من الأرض حتى يدرك الزرع ويستحصد لأن في قلعه ضررا يبقى بأجر المثل إلى أن يستحصد ويجب على غير صاحب الأرض بحصته من الأجرة
ونفقة الزرع ومؤنة الحفظ وكري الأنهار عليهما أي على المتعاقدين بقدر حصصهما أي على قدر ملكهما بعد انقضاء المدة عليهما لأنها كانت على العامل لبقاء العقد لأنه مستأجر في المدة فإذا مضت انتهى العقد فتجب عليهما لأنه مال مشترك بينهما وأيهما أنفق بغير إذن الآخر ولا أمر قاض فهو متبرع لأن كل واحد منهما غير مجبور على الإنفاق ولا يقال هو مضطر إلى ذلك لإحياء حقه لأنه يمكنه أن ينفق بأمر القاضي فصار كالدار المشتركة
وليس لرب الأرض أخذ الزرع بقلا لما فيه من الإضرار بالمزارع
وإن أراد المزارع ذلك أي أخذ الزرع بقلا قيل لرب الأرض اقلع الزرع ليكون بينكما أو أعطه قيمة نصيبه أي المزارع أو أنفق أنت على الزرع وارجع في حصته أي ارجع عليه بما أنفقته في حصته لأن المزارع لما امتنع من العمل لا يجبر عليه لأن إبقاء العقد بعد وجود النهي نظر للعامل وقد ترك النظر لنفسه ورب الأرض بين هذه الخيارات لأن بكل ذلك يستدفع الضرر كما في الهداية
ولو مات رب الأرض والزرع بقل فعلى العامل العمل إلى أن يدرك لأن العقد ثمة يبقى في مدته وموجبه عليه إلى إدراكه وحصاده
وإن مات العامل
____________________
(4/146)
والزرع بقل فقال وارثه أنا أعمل إلى أن يستحصد فله أي للوارث ذلك أي أن يعمل مكانه نظرا للورثة
وإن وصلية أبى رب الأرض ولا أجر للوارث بمقابلة عمله لأنه قام مقام العامل وهو لا يستحق الأجر في المدة كأن الوارث ورثه مع ما لزم عليه من العمل فإن أراد الوارث قلع الزرع لم يجبر على العمل والعامل على الخيارات الثلاث لما بينا لكن لو رجع المالك بالنفقة يرجع بكلها إذ العمل على العامل مستحق لبقاء العقد كما في الكفاية وفي التنوير الغلة في المزارعة مطلقا أي صحيحة أو فاسدة أمانة في يد المزارع فلا ضمان لو هلكت ومثله المعاملة وإذا قصر المزارع في سقي الزرع حتى هلك الزرع لم يضمن في الفاسدة ويضمن في الصحيحة
____________________
(4/147)
كتاب المساقاة لا يخفى عليك أنه كان المناسب أن يقدم المساقاة على المزارعة لكثرة من يقول بجوازها ولو وردت الأحاديث في معاملة النبي عليه الصلاة والسلام بأهل خيبر غير أن اعتراض موجبين صوب إيراد المزارعة قبل المساقاة أحدهما شدة الاحتياج إلى معرفة أحكام المزارعة لكثرة وقوعها والثاني كثرة تفريع مسائل المزارعة بالنسبة إلى المساقاة والمساقاة من المزارعة كما في النتف وإنما آثر على المعاملة التي هي لغة أهل المدينة لأنها أوفق بحسب الاشتقاق ولم يفرق بين معناها اللغوي والشرعي فالتفرقة من الظن كما في القهستاني هي دفع الشجر إلى من يصلحه بجزء معلوم من ثمره أي الشجر وهي المساقاة كالمزارعة حكما حيث يفتي على صحتها وخلافا حيث تبطل عند الإمام وتصح عندهما كالمزارعة وبه قالت الأئمة الثلاثة
وشروطا يمكن اشتراطها في المساقاة كذكر نصيب العامل والشركة في الثمر والتخلية بين العامل والشجر وأما بيان البذر ونحوه فلا يمكن في المساقاة إلا لمدة فإنها أي المساقاة تصح بلا ذكرها أي بلا بيان المدة استحسانا فإن لإدراك الثمر وقتا معلوما وقل ما يتفاوت فيه فيدخل فيه ما هو المتيقن به وإدراك البذر في أصول الرطبة في هذا بمنزلة إدراك الثمار لأن له نهاية معلومة فلا يشترط فيه بيان المدة بخلاف الزرع في ظاهر
____________________
(4/148)
الرواية لأن ابتداءه يختلف كثيرا خريفا وصيفا وربيعا والانتهاء بناء عليه فتدخله الجهالة الفاحشة قال صاحب المنح وغيره وشروطا إلا في أربعة أشياء أحدها إذا امتنع أحدهما يجبر عليه إذ لا ضرر عليه في المعنى بخلاف المزارعة والثاني إذا انقضت المدة يترك بلا أجر ويعمل بلا أجر وفي المزارعة بأجر والثالث إذا استحق النخيل يرجع العامل بأجر مثله وفي المزارعة بقيمة الزرع والرابع ما بين في المتن
وتقع مدة المساقاة على مدة أول ثمرة تخرج في هذه السنة فأول المدة وقت العمل في الثمر المعلوم وآخرها وقت إدراكه المعلوم فتجوز
وفي المنح والفتوى على أنه تجوز وإن لم يبين المدة فتكون له ثمرة واحدة فلو لم يخرج فيها انتقضت المساقاة
و تقع في الرطبة على إدراك بذرها أي دفع الرطبة لإدراك البذر كدفع الشجر لإدراك الثمر يعني إذا دفعها بعد ما تناهى نباتها ولم يخرج بذرها فيقوم عليها ليخرج البذر فهو جائز كما في القهستاني
ولو دفع نخيلا أو أصول رطبة ليقوم عليها معناها حتى يذهب أصولها أو ينقطع نباتها لأنه لا يعرف متى ذلك أو أطلق في الرطبة يعني لم يقل حتى يذهب أصولها فسدت المعاملة لأنه لا يعلم أي وقت أو جزء منها حتى لو عرف جاز كما لو أطلق في النخل فإنه ينصرف إلى الثمرة الأولى
ويفسدها أي المساقاة ذكر مدة لا يخرج الثمر فيها أي في المدة لفوات المقصود وهو الشركة في الخارج فللعامل أجر المثل
وإن احتمل خروجها أي خروج الثمر فيها وعدمه أي عدم خروجها فيها جازت المساقاة لاحتمال حصول المقصود فإن خرج الثمر فيها أي المدة فعلى الشرط الذي شرطاه لتحقيق المرام
وإن تأخر عنها أي عن المدة فسدت المساقاة وللعامل أجر مثله لفساد العقد لأنه تبين الخطأ في المدة المسماة فصار كما إذا علم في الابتداء كما في الهداية
وفي المنح كلام فإن شئت فارجع إليه وكذا أي للعامل أجر مثل كل موضع فسدت المساقاة
____________________
(4/149)
فيه لأنها في معنى الإجارة الفاسدة وإن لم يخرج شيء من الثمر فلا شيء له أي للعامل بناء على جواز أن لا يخرج أبدا لآفة سماوية فلم يتبين الخطأ في المدة
وفي القهستاني هذا عند أبي يوسف وقالا له أجر المثل
وتصح المساقاة في النخل والكرم والشجر والرطاب يعني البقول كالكراث والإسفاناخ ونحوهما وأصول الباذنجان عندنا لحاجة الناس في كلها لا في بعضها وإنما ذكر الشجر هنا مع انفهامه مما سبق وذكر النخل مع دخوله في الشجر ردا للشافعي إذ عنده لا يجوز في الشجر ويجوز في النخل والكرم لوقوع الأثر فيهما لا في غيرهما فإن كان في الشجر ثمر إن كان الثمر يزيد بالعمل صحت المساقاة وإلا أي إن لم يزد بالعمل بأن انتهى الثمر فلا تصح لأن العامل لا يستحق الأجر إلا بالعمل ولا أثر للعمل بعد التناهي لأن جوازه قبل التناهي للحاجة على خلاف القياس ولا حاجة إلى مثله فبقي على الأصل
وكذا في المزارعة لو دفع أرضا فيها بقل فإنها تجوز وإن استحصد وأدرك لم تجز لما قررناه قبيله والأصل أن المعاملة متى عقدت على ما هو في حد النمو والزيادة صحت وإذا عقدت على ما تناهى عظمه وصار بحال لا يزيد في نفسه بسبب عمل العامل لا تصح وإنما يعرف خروج الأشجار عن حد الزيادة إذا بلغت وأثمرت كما في المنح وما قبل الإدراك كالسقي والتلقيح والحفظ فعلى العامل لأنه من تمام عمله وما بعده أي بعد الإدراك كالجذاذ أي القطع والحفظ بعد الجذاذ فعليهما لأن الثمر بعد الإدراك صار ملكا مشتركا فيه فيشتركان في نحو هذا العمل بقدر الحصص ولو شرط أي ما يعمل بعده على العامل فسدت المساقاة اتفاقا لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للآخر فيكون مفسدا
وتبطل المساقاة بموت أحدهما أي أحد العاقدين فإن كان الثمر خاما أي نيئا لكن في الفرائد كلام إن شئت فارجع إليه عند الموت أو تمام المدة على تقدير ذكر المدة فيها يقوم العامل أو وارثه
____________________
(4/150)
عليه كما كان يقوم قبل ذلك إلى أن يدرك الثمر قال ابن الشيخ في شرح الوقاية إن مات الدافع في حال أن الثمر نيء يقوم العامل عليه كما قام وإن مات العامل والثمر نيء يقوم وارث العامل عليه كما قام مورثه وإن وصلية أبى الدافع على كونه حيا أو ورثته إن ميتا أي ليس لهما المنع من ذلك استحسانا كما في المزارعة لأن في منعه إلحاق الضرر به فيبقى العقد دفعا للضرر عنه ولا ضرر للدافع ولا على ورثته
فإن أراد العامل أو وارثه صرمه أي قطعه بسرا والمناسب أن يقول نيئا خير الآخر إن حيا أو وارثه إن ميتا بين أن يقسموه أي البسر على الشرط أو يدفعوا قيمة نصيبه أي نصيب العامل من البسر أو ينفقوا على البسر حتى يبلغ ويرجع عليه بما أنفقوا في حصة العامل من البسر لأنه ليس له إلحاق الضرر بهم كما مر في المزارعة على هذا الوجه وقد بينا ههنا وجه الخيار فيها فلا نعيد
ولا تفسخ المساقاة بلا عذر لأن المساقاة تنعقد إجارة وتتم شركة فيكون انفساخ عقدها بما تفسخ الإجارة به ومرض العامل إذا عجز عن العمل عذر
وفي الهداية ومن الأعذار مرض العامل إذا كان يضعفه عن العمل لأن في إلزامه استئجار الأجراء زيادة ضرر عليه ولم يلتزمه فيجعل عذرا ولو أراد العامل ترك ذلك العمل هل يكون عذرا فيه روايتان وتأويل أحدهما أن يشترط العمل بيده فيكون عذرا من جهته
وكذا كونه أي العامل سارقا يخاف منه على الثمر أو السعف قبل الإدراك لأنه يلزم صاحب الأرض ضرر لم يلتزمه فتفسخ به
ولو دفع فضاء أي أرضا بيضاء إلى رجل مدة معلومة لمن يغرس فيها شجرا لتكون الأرض والشجر بينهما لا يصح لاشتراط الشركة فيما كان حاصلا للدافع قبل الشركة بلا عمله والشجر الذي يغرس لرب الأرض لوقوع الغرس بالتراضي فيتبع الأرض لاتصاله بها وللغارس قيمة غرسه و أجر مثل عمله
____________________
(4/151)
لأنه ابتغى لعمله أجرا وهو نصف الأرض أو نصف الخارج ولم يحصل له منه شيء فيجب عليه أجر مثله قيل حيلة الجواز أن يبيع نصف الأغراس بنصف الأرض ويستأجر صاحب الأرض العامل ثلاث سنين مثلا بشيء قليل ليعمل في نصيبه
وفي التنوير ذهب الربح بنواة رجل وألقتها في كرم آخر فنبت منها شجرة فهي لصاحب الكرم وكذا لو وقعت خوخة في أرض غيره فنبتت وفي المنح دفع كرمه معاملة بالنصف ثم زاد أحدهما على النصف إن زاد صاحب الكرم لا يجوز لأنه هبة مشاع وإن زاد العال يجوز لأنه إسقاط
____________________
(4/152)
153 كتاب الذبائح وجه المناسبة بين المساقاة والذبائح إصلاح ما لا ينتفع به بالأكل في الحال للانتفاع في المآل الذبيحة اسم ما يذبح مجازا باعتبار ما يئول إليه لأن الذبيحة اسم لما ذبح أو لما أعد للذبح كما في شرح الكنز للعيني
وفي القهستاني والذبيحة ما يستذبح من النعم فإنه منقول إلى الاسمية من الوصفية إذ الذبيح اسم ما ذبح فليس الذبيحة المذكاة كما ظن والمراد ذبح الذبائح والذبح في الشرع قطع الأوداج جمع ودج والمراد الودجان والحلقوم والمريء وإنما عبر عنه بالأوداج تغليبا كما ورد في الحديث قال ابن الشيخ في شرح الوقاية الذبائح جمع ذبيحة وهي اسم للمذبوح والذبح بالفتح مصدر ذبح إذا قطع الأوداج وبالكسر اسم كالذبيحة والذكوة الذبح وهي اسم من ذكى الذبيحة تذكية إذا ذبحها قال حرم ذبيحة لم تذك قيل يراد بالذبيحة معناه المجازي فالمعنى حرم حيوان من شأنه الذبح إذا لم يذبح فيخرج السمك والجراد إذ ليس من شأنهما الذبح وقيل يراد بها معناها الحقيقي فالمعنى حرم مذبوح لم يذك بمعنى لم يذكر اسم الله تعالى عليه فهذا لا يتناول حرمة ما ليس بمذبوح كالمتردية والنطيحة ونحوهما تناولا ظاهرا وقيل المعنى حرم مذبوح لم يذبح ذبحا شرعيا
____________________
(4/153)
فحينئذ يفهم حرمة مثل التردية والنطيحة بطريق الدلالة فإن ما كان حراما إذا لم يذك حال كونه مذبوحا فحرمة ما لم يذك حال عدم كونه مذبوحا أحرى وأليق وحكمه إلى الفهم أسبق لكن لا يخرج منه السمك يقال حمل الذبيحة على معناها المجازي أولى من الحمل على معناها الحقيقي إذ في تناول الحقيقي لحرمة بعض الصور تكلف وفي إخراج ما لم يذبح منه تعسف
وتحل ذبيحة مسلم وكتابي ذمي أو حربي أما المسلم فلقوله تعالى إلا ما ذكيتم والخطاب للمسلمين وأما الكتابي فلقوله تعالى وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم والمراد به مذكاهم لأن مطلق الطعام غير المذكى يحل من أي كافر كان
وفي المنح المولد بين كتابي ومجوسي تحل
وفي التجريد ولو أهل نصراني على ذبيحته بغير اسم الله تعالى فيسمع كلامه لم تؤكل ومن لم يشاهد ذبحه منهم حل أكل ذبيحتهم لكن فيه كلام قد قررناه في النكاح
ولو كان الذابح امرأة أو صبيا أو مجنونا يعقلان حل الذبيحة بالتسمية ويضبطان شرائط الذبح ويقدران على الذبح
وفي الإصلاح فمن لا يعقل ولا يضبط لا تحل ذبيحته أو كان الذابح أخرس لأن الأخرس عاجز عن الذكر معذور وتقوم الملة مقام تسميته كالناسي بل أولى أو أقلف وإنما ذكر الأقلف مع أن حل ذبيحته يفهم مما سلف احترازا عن قول ابن عباس رضي الله عنهما فإنه يقول شهادة الأقلف وذبيحته لا تجوز منعا عن ترك الختن بلا عذر
لا تحل ذبيحة وثني لأنه مشرك كالمجوس وهو الذي يعبد الوثن وهو الصنم هذا عندهما وأما عنده تحل لكن لا خلاف حقيقة على ما مر في النكاح أو مجوسي لأنه مشرك ليس له احتمال ملة التوحيد أو مرتد لأنه لا ملة له حيث ترك ما عليه ولم يقر على ما انتقل إليه عندنا بخلاف اليهودي إذا تنصر أو العكس أو تنصر المجوسي أو تهود لأنه يقر على ما انتقل إليه عندنا فيعتبر ما هو عليه عند الذبح حتى لو تمجس يهودي أو نصراني لا يحل صيده ولا ذبيحته أو تارك التسمية حال كونه عمدا مسلما كان أو كتابيا
____________________
(4/154)
عندنا لقوله تعالى ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه خلافا للشافعي لقوله تعالى إلا ما ذكيتم قال أبو يوسف والمشايخ على أن متروك التسمية عامدا لا يسع فيه الاجتهاد ولو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ
وفي شرح الوقاية لصدر الشريعة تفصيل ولحاشيته للآخر مناقشة فليرجعهما وفي الهداية لكونه مخالفا للإجماع وفي القهستاني وفيه إشعار التسمية شرط للحل ويدخل فيه كل اسم من أسمائه تعالى فلو قال الله أو غيره مريدا له جاز فلو سمى ولم ينو الذبح لم يحل وحسن باسم الله الله أكبر والمستحب عند البقالي باسم الله والله أكبر وكذا عند الحلواني إلا إنه كرهه مع الواو ولكن المنقول عن الأثر بالواو فلا يكره وإنما حل الأكل إذا سمى على الذبيحة لأنه لو سمى عند الذبح لافتتاح عمل آخر لم يحل لما في التنوير ولو سمى ولم يحضره النية صح بخلاف ما لو قصد بالتسمية التبرك في ابتداء الفعل فإنه لا يصح كما لو قال الله أكبر وأراد به مناجاة المؤذن فإنه لا يصير شارعا في الصلاة وإن لم يكن له نية في التسمية يحل وكذا إذا فصل بينه وبين التسمية بعمل كثير لم يحل وكذا لو سمى وذبح لقدوم الأمير أو غيره من العظماء لا يحل لأنه ذبح تعظيما له لا لله تعالى بخلاف ما إذا ذبح للضيف فإنه لله تعالى فإن تركها أي التسمية ناسيا تحل ذبيحته لأن النسيان مرفوع حكمه خلافا لمالك
وكره المذبوح أن يذكر مع اسم الله تعالى غيره وصلا دون عطف مثل أن يقول باسم الله محمد رسول الله بالرفع لأنه غير مذكور على سبيل العطف فيكون مبتدأ لكن يكره لوجود القرآن والوصل صورة وإن قال بالخفض لا يحل قيل هذا إذا كان يعرف النحو أكل ذبيحته و كره أن يقول باسم الله اللهم تقبل من فلان فإنه لا يحرم لأن الشركة لم توجد ولم يكن الذبح واقعا عليه ولكنه يكره لما ذكرنا قبيله فإن قاله أي قوله اللهم تقبل من فلان قبل الإضجاع أو بعد الإضجاع أو قبل التسمية أو بعد الذبح لا يكره لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه إذا أراد أن يذبح أضحيته يقول هذا منك ولك إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين باسم الله والله أكبر كما قررناه في الحج ثم يذبح ويقول بعده اللهم تقبل هذا من أمة محمد
____________________
(4/155)
ممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ
وإن عطف حرمت ذبيحته نحو باسم الله وفلان بالجر قال العيني في شرح الكنز والأوجه أن لا يعتبر الإعراب بل يحرم أكل الذبيحة مطلقا بالعطف نحو أن يقول باسم الله واسم فلان وباسم الله ومحمد رسول الله بالخفض ولو رفع المعطوف على اسم الله تحل واختلفوا في النصب ويكره فيهما بالاتفاق لوجود الوصل صورة
وكذا تحرم إن أضجع شاة وسمى ثم تركها ولم يذبحها وذبح غيرها أي غير هذه الشاة بتلك التسمية لأن التسمية في الذبح مشروطة على الذبيحة ولم تقع على الثانية فتحرم
وإن ذبحها أي الذبيحة الأولى بشفرة أخرى حلت لأنه لا اعتبار باختلاف الآلة هنا
وإن رمى إلى صيد وسمى فأصاب السهم غيره أي غير ذلك الصيد أكل لأن التسمية هنا على الآلة لأن التكليف بحسب الوسع والذي في وسعه هو الرمي دون الإصابة على ما قصده
وإن سمى على سهم ورمى بغيره أي بغير ذلك السهم الذي سمى عليه لا يؤكل لأنه لم يعلق التسمية على ذلك الغير فكان رميه بلا تسمية
والإرسال أي إرسال الكلب والجارح كالرمي حكما فلو أرسل كلبه إلى صيد وسمى فترك الكلب ذلك الصيد فأخذ غيره حل لتعليق التسمية بالآلة بخلاف ما إذا أرسل كلبا وسمى ثم ترك وأرسل آخر فأصاب لا يؤكل لعدم وجود التسمية على الآلة وهو الشرط
وفي المنح ويشترط التسمية حال الذبح وفي الرمي عند الرمي وفي الإرسال عند الإرسال والمعتبر الذبح عقيب التسمية قبل تبدل المجلس
والشرط في التسمية الذكر الخالص المجرد عن شوب الدعاء وغيره قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه جردوا التسمية ثم فرعه بقوله فلو قال عند الذبح اللهم اغفر لي لا يحل لأنه دعاء وسؤال وبالحمد لله وسبحان الله يريد به التسمية يحل لأنه ذكر خالص فيقوم مقام التسمية لا يحل في الأصح لو عطس عند الذبح وحمد له لأنه يريد الحمد لله على النعمة دون التسمية
____________________
(4/156)
بخلاف الخطبة حيث يجزيه ذلك عن الخطبة إذا نوى لأن المذكور ذكر الله تعالى مطلقا وفي الذبيحة المأمور به هو الذكر على المذبوح
وفي المنح وفي قواعد صاحب البحر وأما النية في الخطبة للجمعة فشرط لصحتها حتى لو عطس بعد صعود المنبر فقال الحمد لله للعطاس غير قاصد لها لم تصح
والسنة نحر الإبل أي قطع عروقها الكائنة في أسفل عنقها عند صدورها لأنه موضع النحر عنها لا لحم عليه ما سوى ذلك من الحلق عليه لحم غليظ فالنحر أسهل من الذبح وذبح البقر والغنم لأن أسفل الحلق وأعلاه سواء في اللحم منهما والذبح أيسر ويكره العكس أي ذبح الإبل ونحر البقر والغنم لترك السنة المتوارثة لقوله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة
وقال الله تعالى وفديناه بذبح عظيم وقال الله تعالى فصل لربك وانحر أي انحر الجزور ويحل لوجود شرط الحل وهو قطع العروق وإنهار الدم والسنة أن ينحر البعير قائما ويذبح الشاة مضطجعة وكذا البقر والذبح أي قطع الأوداج بين الحلق هو الحلقوم على ما في النهاية واللبة بفتح اللام والباء المشددة هي المنحر من الصدر على ما في الكافي والهداية موافقا لرواية المبسوطة
وفي الخانية محل الذكوة الحلق كله لقوله عليه الصلاة والسلام الذكوة ما بين اللبة واللحيين وهو الموافق لرواية الجامع الصغير إنه لا بأس بالذبح في الحلق أعلاه وأسفله وأوسطه وعن هذا قال أعلى الحلق أو أسفله أو أوسطه فيكون عطف بيان لقوله بين قال أبو المكارم
وفي الكافي إن ما بينهما هو الحلق كله وقد سبق أن الحلق وهو الحلقوم فظهر فساد ما في الكفاية من أن مقتضى رواية الجامع أن الذبح لو وقع في أعلى من الحلقوم كان المذبوح حلالا لكونه ما بين اللبة واللحيين وقد صرح في الذخيرة أن الذبح إذا وقع في أعلى من الحلقوم لا يحل انتهى لكن قال القهستاني والحلق في الأصل الحلقوم استعمل في بعض العنق بعلاقة الجزئية لقرينة رواية المبسوط والذخيرة وكلام التحفة والعتابي والكافي والمضمرات يدل على أن الحلق يستعمل في العنق بعلاقة الجزئية بقرينة رواية الجامع
____________________
(4/157)
فالمعنى من مبدأ الحلق واللبة فالمذبح عند الأولين من العقدة وعند الآخرين من أصل العنق فمن الظن الفاسد إفساد كلام الكفاية بناء على كلام الآخرين مع إنه حمله على خلاف مراده حيث نقله هو هكذا مقتضى رواية الجامع أن الذبح لو وقع في أعلى من الحلقوم كان المذبوح حلالا وكلامه هكذا هذه الرواية تقتضي أن يحل وإن وقع الذبح فوق الحلق قبل العقدة ولو جعل بين بمعنى في كما في الكرماني لم يستقم كما لا يخفى وقيل لا يجوز فوق العقدة وإنما أتى بصيغة التمريض لمخالفة ظاهر الحديث الذي مر آنفا
والعروق أي عروق الذبح الاختياري كما في أكثر الكتب لكن بعيد بل الأولى عروق الحلق في المذبح كما في القهستاني التي تقطع في الذكوة أربعة الحلقوم مجرى النفس والمريء مهموز اللام فعيل مجرى الطعام والشراب أصله رأس المعدة المتصلة بالحلقوم كما في الديوان وغيره لكن في الطلبة أن الحلقوم مجرى الطعام والمريء مجرى الشراب وفي العيني أن الحلقوم مجراهما
وفي المبسوطين أنهما عكس ما ذكرنا موافق لما في الهداية فإنه قال وأما الحلقوم فيخالف المريء فإنه مجرى العلف والماء والمريء مجرى النفس والودجان تثنية ودج بفتحتين عرقان عظيمان في جانب قدام العنق بينهما الحلقوم والمريء ويكفي قطع ثلاثة منها أي من الأربعة أيا كانت عند الإمام لأن للأكثر حكم الكل وبه كان يقول أبو يوسف أولا ثم رجع إلى ما سيأتي وعند محمد كما في المحيط وغيره
وفي الهداية وعن محمد لا بد من قطع أكثر كل واحد منها أي من الأربعة وهو رواية عن الإمام لأن كل واحد منها منفصل عن الآخر والأمر ورد بقطعه فقام الأكثر مقام الكل وعند أبي يوسف لا بد من قطع الحلقوم والمريء ولا يكتفي بواحد منها وأحد الودجين لأن كلا منهما مخالف للآخر ولا بد من قطعهما وأما الودجان فالمقصود من قطعهما إنهار الدم فينوب أحدهما عن الآخر وعند الشافعي قطع الودجين ليس بشرط وعند مالك لا بد من قطع الكل وقيل محمد معه أي مع أبي يوسف
وفي الهداية
____________________
(4/158)
المشهور في كتب أصحابنا أن هذا قول أبي يوسف وحده وكون محمد معه رواية القدوري في مختصره
ويجوز الذبح بكل ما أفرى الأوداج أي قطع العروق وأخرج ما فيها من الدم لأن المراد من الأوداج ههنا كل الأربعة تغليبا وأنهر الدم يعني أساله من نهر الماء في الأرض سال ولو وصلية مروة بكسر الميم أي يجوز الذبح بها وهي حجر أبيض يذبح بها كالسكين أو ليطة بكسر اللام وسكون الياء هي قشر القصب أو سنا أو ظفرا منزوعين إذ بهما تحل الذبيحة مع الكراهة عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام أنهر الأوداج بما شئت ويروى أفر الأوداج بما شئت لا تحل بالقائمين أي متصلين بموضعهما وعند الشافعي الذبيحة ميتة ولو كانا منزوعين لقوله عليه الصلاة والسلام ما خلا الظفر والسن وأما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة ونحن نحمله على غير المنزوع فإنه الصادر من الحبشة
وندب إحداد الشفرة قبل الإضجاع لورود الأثر وأن يضجع بالرفق وعلى اليسار ويوجه إلى القبلة ويشد منها ثلاث قوائم فقط ويذبح باليمين ويسرع على الذبح وإجراء الشفرة على الحلق وكره بعده أي بعد الإضجاع إشفاقا على المذبوح
وكذا كره جرها برجلها أي الذبيحة إلى المذبح إرفاقا لها والنخع بفتح النون وسكون الخاء المعجمة وهو أن يصل إلى النخاع وهو خيط أبيض في جوف عظم الرقبة لزيادة ألم بلا حاجة إليه وقيل أن يمد رأسها حتى يظهر مذبحها وقيل أن يكسر رقبتها قبل أن يسكن من الاضطراب
و كره قطع الرأس والسلخ قبل أن تبرد والذبح من القفاء إذ هو عذاب فوق العذاب
وتحل الذبيحة لو ذبحها من القفاء إن بقيت حية حتى قطعت العروق ليتحقق الموت بما هو ذكاة كما إذا جرحها ثم قطع الأوداج وإلا أي لم تبق بل ماتت قبل قطع
____________________
(4/159)
العروق فلا تحل ولا تؤكل لوجود ما ليس بذكوة كما لو ماتت حتف أنفها ولزم ذبح صيد استؤنس كالظبي إذا تألف في البيت فإنه يذبح لإمكانه
وجاز جرح نعم بفتحتين مثل الغنم والإبل والبقر توحش بأن ند عن أهله ودخل في البادية وصار وحشيا لأن الذكوة الاختيارية تعذرت فيذكى بالجرح في بدنه حيث اتفق كالصيد أو تردى حيوان في بئر إذا لم يمكن ذبحه فإنه يجرح ويؤكل إذا علم بموته من الجرح وإلا لا وإن أشكل ذلك أكل لأن الظاهر أن الموت منه وكذا الدجاجة إذا تعلقت على شجرة وخيف موتها صارت ذكوتها الجرح ثم إن المصنف أطلق الجواب فيما توحش من الغنم وكذا فيما تردى وعن محمد أن الشاة إذا ندت في المصر لا تحل بالعقر وإن ندت في الصحراء تحل بالعقر وفي الإبل والبقر يتحقق العجز في المصر والصحراء فتحل بالعقر
وقال مالك يلزم الذبح في الوجهين لا الجرح لأن ذلك نادر ولا عبرة للنادر في الأحكام
ولا يحل الجنين بذكوة أمه أشعر أو لا حتى لو نحر ناقة أو ذبح بقرة أو شاة فخرج من بطنها جنين ميت لم تؤكل عند الإمام وزفر وحسن بن زياد لأنه مستقل في حياته فيشترط فيه ذكوة استقلالية وقالا يحل إن تم خلقه لقوله عليه الصلاة والسلام ذكاة الجنين ذكاة أمه وبه قالت الأئمة الثلاثة
فصل فيما يحل أكله وما لا يحل ويحرم أكل كل ذي أي صاحب ناب هو كل حيوان
____________________
(4/160)
ينتهب بالناب كالذئب من سبع هو كل جارح منتهب قاتل أو يحرم كل ذي مخلب يختطف بالمخلب كالبازي من الطير فكان من شأنهما الإيذاء بالناب والمخلب وهو المؤثر في الحرمة وقوله من سبع بيان لقوله ذي ناب وقوله أو طير بيان لقوله ذي مخلب والمراد من ذي ناب الذي يصيد بنابه ومن ذي مخلب الذي يصيد بمخلبه لأكل ذي ناب ومخلب فإن الحمامة لها مخلب والبعير له ناب لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نهى صلى الله تعالى عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير
ولو ضبعا أو ثعلبا لأنهما من السباع فلا يؤكل لحمهما كالذئب والنمر والفهد والكلب والسنور أهليا أو بريا فيكون الحديث حجة على الأئمة الثلاثة في إباحة أكلهما
و يحرم أكل الحمر الأهلية لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام حرم لحوم الأهلية يوم خيبر بخلاف الوحشية فإنها يحل أكلها وعند مالك يحل أيضا في الأهلية والبغال لأنه متولد من الحمار وإن كانت أمه فرسا كان على الخلاف المعروف في لحوم الخيل وإن كانت أمه بقرة لا يؤكل بلا خلاف لأن المعتبر في الحل والحرمة الأم فيما تولد من مأكول وغير مأكول والفيل لأنه ذو ناب والضب لأنه من السباع خلافا للأئمة الثلاثة واليربوع وابن عرس يقال لها بالفارسي راسو لأنهما من سباع الهوام خلافا للشافعي والزنبور لأنه من المؤذيات والسلحفاة البرية والبحرية لأنها من الخبائث والحشرات الصغار من الدواب جمع الحشرة كالفأرة والوزغة وسام أبرص والقنفذ والحية والضفدع والبرغوث والقمل والذباب والبعوض والقراد لأنها من الخبائث وقد قال الله تعالى ويحرم عليهم الخبائث وما روي من إباحة الضب محمول على الابتداء قبل تحريم الخبائث فالمؤثر في الحرمة الخبث الخلقي كما في الهوام أو بعارض كما في الجلالة كبقرة تتبع النجس قيل الحكمة في حرمية هذه الحيوانات كرامة بني آدم كي لا يتعدى شيء من الأوصاف الذميمة إليهم بالأكل
وفي الخانية لا بأس بدود الزنبور قبل نفخ
____________________
(4/161)
الروح فيه لأن ما لا روح له لا يسمى ميتة واعلم أن الحشرات محرمة عندنا حلال مكروه عند غيرنا وإن شاة لو حملت من كلب ورأس ولدها رأس الكلب أكل إلا رأسه إن أكل العلف دون اللحم أو صاح صياح الغنم لا الكلب أو أتى بالصورتين وكان له الكرش لا الأمعاء كما في القهستاني ويكره الغراب الأبقع الذي يأكل الجيف والغداف بضم الغين المعجمة والدال المهملة وفي آخره فاء نوع من الغراب لأكلهما الجيف والرخم جمع رخمة وهو طير أبلق يشبه النسر في الخلقة والبغاث وهو طائر صغير يشبه العصفور لأنهما يأكلان الجيف
و يكره أكل لحم الخيل تحريما أي كراهة تحريم عند الإمام في الأصح كما في الخلاصة والهداية وهو الصحيح كما في المحيط وغيره وهو قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وبه قال مالك لأنه عليه السلام نهى عن لحم الخيل والبغال والحمير كما في الكرماني وغيره وحكي عن عبد الرحيم الكرميني أنه قال كنت مترددا في هذه المسألة فرأيت أبا حنيفة في المنام يقول لي هو كراهة تحريم يا عبد الرحيم وقيل إنه رجع قبل موته بثلاثة أيام عن حرمة لحمه وعليه الفتوى كما في كفاية البيهقي ثم إنه مكروه كراهة تنزيه في ظاهر الرواية وهو الصحيح على ما ذكره فخر الإسلام وغيره وعندهما والشافعي وأحمد لا يكره لحم الخيل لحديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال وأذن في لحم الخيل يوم خيبر
وحل العقعق لأنه يخلط في أكله فأشبه الدجاج وعن أبي يوسف أنه يكره لأن غالب مأكوله الجيف والأول أصح وغراب الزرع لأنه يأكل الحب وليس من سباع الطير ولا من الخبائث فحاصله أن الغراب ثلاثة أنواع نوع يأكل الحب فقط وهو ليس بمكروه ونوع يأكل الجيف فقط وهو مكروه ونوع يأكل الحب مرة والجيف أخرى وهو غير مكروه عند الإمام ومكروه عند أبي يوسف والأرنب لأنه عليه السلام أمر أصحابه أن يأكلوه حين أهدي إليه مشويا وكذا الوبر كما في شرح الكنز للعيني
وفي النهاية وذكر في بعض المواضع أن الخفاش يؤكل وذكر في بعضها لا يؤكل لأن له نابا
ولا يؤكل من حيوان الماء وهو الذي يكون مثواه وعيشه في الماء عندنا لقوله
____________________
(4/162)
تعالى ويحرم عليهم الخبائث إلا السمك بأنواعه غير الطافي
وقال مالك وجماعة بإطلاق جميع ما في البحر واستثنى بعضهم الخنزير والكلب والإنسان وعن الشافعي أنه أطلق ذلك كله والخلاف في الأكل والبيع واحد لهم قوله تعالى أحل لكم صيد البحر من غير فصل وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في البحر هو الطهور ماؤه والحل ميتته ولأنه لا دم في هذه الأشياء إذ الدموي لا يسكن في الماء والمحرم هو الدم فأشبه السمك ولنا قوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث وما سوى السمك خبيث ونهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن دواء يتخذ فيه الضفدع ونهى عن بيع السرطان والصيد المذكور فيما تلا محمول على الاصطياد وهو مباح فيما لا يحل والميتة المذكورة فيما روي محمول على السمك وهو حلال مستثنى عن ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال كالجريث بكسر الجيم وتشديد الراء نوع من السمك غير المارماهي والمارماهي وإنما أفردهما بالذكر لمكان الخفاء في كونهما من جنس السمك ولمكان الخلاف فيهما لمحمد ذكره صاحب المغرب وما قيل أن الجريث كان ديوثا يدعو الناس إلى حليلته فمسخ الله تعالى به فممنوع لأن الممسوخ لا نسل له ولا يقع باقيا بعد ثلاثة أيام وإن المارماهي متولد من الحية ليس بواقع بل هو جنس شبيه بها صورة ولا يؤكل الطافي منه هو السمك الذي يموت في الماء حتف أنفه بلا سبب ثم يعلو فيظهر حتى إذا انحسر عنه الماء يجوز أكله لقوله عليه الصلاة والسلام ما انحسر عنه الماء فكل وروي عن محمد أنه إذا انحسر الماء عن بعضه فإن كان رأسه في الماء فمات لا يؤكل وإن كان ذنبه في الماء فمات يؤكل إذ هذا سبب لموته
وفي الفتاوى الصغرى إذا وجد السمك ميتا على الماء وبطنه من فوق لم يؤكل لأنه طاف
وإن كان ظهره من فوق أكل لأنه ليس بطاف
وقال الشافعي ومالك لا بأس به لإطلاق ما روينا ولأن ميتة البحر موصوفة بالحل بالحديث ولنا ما روى جابر رضي
____________________
(4/163)
الله تعالى عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال ما انصب عنه الماء فكلوا وما لفظه الماء فكلوا وما طفئ فلا تأكلوا
وإن مات لحر أو برد أو في كدر الماء ففيه روايتان في رواية يؤكل لوجود السبب بموتها
وفي المنح وقال محمد يحل أكله وبه أخذ أبو الليث وعليه الفتوى وفي أخرى لا لأن الماء لا يقتل السمك حارا أو باردا وبه أخذ السرخسي
وفي الدرر وإن ضرب سمكة فقطع بعضها يحل أكله ما أبين وما بقي لأن موته بسبب وما أبين من الحي وإن كان ميتا فميتته حلال للحديث وكذا إن وجد في بطنها سمكة أخرى لأن ضيق المكان سبب لموتها وكذا إن قتلها شيء من طير الماء أو ماتت في جب ماء أو جمعها في حظيرة لا يستطيع الخروج منها وهو يقدر على أخذها بغير صيد فمتن فيها لأن ضيق المكان سبب لموتها وإذا ماتت في الشبكة وهي لا تقدر على التخليص منها أو أكل شيئا ألقاه في الماء ليأكله فماتت منه أو ربطها في الماء فماتت أو انجمد الماء فبقيت بين الجمد فماتت يؤكل وفي المنح إذا رمى صيدا فقطع عضوا أكل الصيد دون العضو ولو قطعن نصفين أكلا انتهى ويحل هو أي السمك والجراد بلا ذكوة لما رويناه لكن بينهما فرق وهو أن الجراد يؤكل وإن ماتت حتف أنفه بخلاف السمك وعند مالك لا بد من موت الجراد من سبب وبه قال أحمد في رواية وعن مالك يعتبر قطع رأسه ويشويه
ولو ذبح شاة لم تعلم حياتها فتحركت أو خرج منها أي من الشاة دم من غير تحرك حلت أكلها لأن الحركة وخروج الدم لا يكونان إلا من الحي وذكر محمد بن مقاتل إن خرج الدم ولم يتحرك لا يحل وإلا أي وإن لم يتحرك أو لم يخرج الدم فلا تحل إن لم تعلم حياته وقت الذبح
وإن علمت حياتها وقت الذبح حلت مطلقا أي على كل حال قال العيني في شرح الكنز ولو ذبح شاة مريضة لم تتحرك منها إلا فوهها
وقال محمد بن سلمة إن
____________________
(4/164)
فتحت عينها لا تؤكل وإن فتحت عينها تؤكل وإن مدت رجلها لا تؤكل وإن قبضت رجلها أكلت وإن نام شعرها لا تؤكل وإن قام شعرها أكلت وفي التنوير سمكة فإن كانت المظروفة صحيحة حلتا وإلا حل الظرف لا المظروف
____________________
(4/165)
كتاب الأضحية عقب به الذبائح لأنها كالمقدمة له إذ بها تعرف التضحية أي الذبح في أيام الأضحى وهي أفعولة وكان أصله أضحوية اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء وكسرت الحاء لثبات الياء ويجمع على أضاحي بتشديد الياء قال الأصمعي وفيها أربع لغات أضحية بضم الهمزة وبكسرها وضحية بفتح الضاد على وزن فعيلة ويجمع على ضحايا كهدية على هدايا وضحاة وجمعه أضحى كأرطاة وأرطى
وقال الفراء الأضحى يذكر ويؤنث وفي الشرع هي ذبح حيوان مخصوص بنية القربة في وقت مخصوص وهو يوم الأضحى وشرائطها الإسلام واليسار الذي يتعلق به صدقة الفطر فتجب على الأنثى وسببها الوقت وهو أيام النحر وركنها ذبح ما يجوز ذبحها وحكمها الخروج عن عهدة الواجب في الدنيا والوصول إلى الثواب في العقبى هي أي الأضحية واجبة وعن أبي يوسف سنة مؤكدة وهو قول الشافعي وأحمد وقيل هو أي كونها سنة قولهما يعني ذكر الطحاوي أنها واجبة عند الإمام سنة عندهما ووجه الوجوب قوله عليه الصلاة والسلام من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا هذا وعيد يلحق بترك الواجب ووجه السنة قوله صلى الله تعالى عليه وسلم من أراد أن يضحي
____________________
(4/166)
منكم شاة فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئا إذ التعليق بالإدارة ينافي الوجوب لكن المراد من الإرادة القصد الذي هو ضد السهو لا التخيير لأنه بين الأداء والترك فكأنه صرح به وقال من قصد منهم أن يضحي وهذا لا يدل على نفي الوجوب فصار هذا نظير قوله عليه الصلاة والسلام من أراد منكم الجمعة فليغتسل لم يرد التخيير هناك فكذا هنا
وإنما تجب التضحية دون الأضحية لما تقرر من أن الوجوب من صفات الفعل إلا أن القدوري ومن تبعه قال ذلك توسعة ومجاز والمراد بالوجوب الوجوب العملي لا الاعتقادي حتى لا يكفر جاحدها كما في المنح على حر فلا تجب على العبد مسلم فلا تجب على الكافر مقيم فلا تجب على المسافر لقول علي رضي الله تعالى عنه ليس على مسافر جمعة ولا أضحية وعن مالك لا يشترط الإقامة ويستوي فيه المقيم بالمصر والقوي والبوادي موسر لأن العبادة لا تجب إلا على القادر وهو الغني دون الفقير ومقداره ما تجب فيه صدقة الفطر وقوله عن نفسه يتعلق بقوله تجب لأنه أصل في الوجوب عليه لا عن طفله أي أولاده الصغار في ظاهر الرواية لكونها قربة محضة فلا تجب على الغير بسبب الغير وقيل أي في رواية الحسن عن الإمام تجب عنه أي عن الطفل أيضا أي كنفسه لكونها قربة مالية والطفل في معنى نفسه فيلحق به كما في صدقة الفطر وقيل يضحي عنه أي عن الطفل أبوه أو وصيه من ماله إن كان له مال فيطعم الطفل منها ما أمكن الإطعام بقدر الحاجة ويستبدل بالباقي ما ينتفع به مع بقائه كالثوب والخف فلا يستبدل بما ينتفع به بالاستهلاك كالخبز والإدام لأن الواجب هو إراقة الدم فالتصدق باللحم تبرع وهو لا يجري في مال الصبي فينبغي أن يطعم الطفل
____________________
(4/167)
ويدخر له ويستبدل الباقي بالأشياء التي ينتفع الطفل بها مع بقاء أعيانها اعتبارا بجلد الأضحية وفي الهداية وإن كان للصغير مال يضحي عنه أبوه أو وصيه من ماله عند الشيخين وقال محمد وزفر والشافعي من مال نفسه لا من مال الصغير فالخلاف في هذا كالخلاف في صدقة الفطر وقيل لا تجوز التضحية من ماله الصغير في قولهم جميعا لما قررناه قبيله والأصح أن يضحي من ماله يأكل منه ما أمكنه ويبتاع بما بقي ما ينتفع بعينه
وهي أي الأضحية شاة تجوز من فرد فقط أو بدنة تجوز من واحد أيضا أو سبع بضم السين بمعنى واحد من السبع بدنة بيان للقدر الواجب والقياس أن لا تجوز البدنة إلا عن واحد لأن الإراقة واحدة وهي القربة والقربة لا تتجزأ إلا أنا تركناه بالأثر وهو ما روي عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال نحرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة ولا نص في الشاة فيبقى على أصل القياس ثم أراد تفسير قوله أو سبع بدنة فقال بأن اشترك المضحي مع ستة في بقرة أو بعير وكل واحد منهم يريد القربة وهو أي كل واحد منهم من أهلها أي أهل القربة بكونهم مسلمين ولم ينقص نصيب أحدهما عن سبع ثم فرعه فقال فلو أراد أحدهم بنصيبه اللحم أو كان كافرا أو نصيبه أي نصيب أحدهم أقل من سبع لا يجوز عن واحد منهم لما مر أن وصف القربة لا يتجزأ حتى إذا مات رجل وترك امرأة وابنا وبقرة فضحياها يوم العيد لا يجوز في نصيب المرأة لأنه أقل من السبع وكذا لا يجوز في نصيب الابن لانعدام وصف القربة في البعض
وقال مالك تجوز البدنة عن أهل بيت واحد وإن كانوا أكثر من سبعة ولا تجوز عن أهل بيتين وإن كانوا أقل منها ويجوز اشتراك أقل من سبعة ولو كانت البدنة بين اثنين نصفين في الأصح قال العيني في شرح الكنز وتجوز عن ستة أو خمسة أو أربعة أو ثلاثة ذكره محمد في الأصل لأنه لما جاز عن السبعة فعن دونه أولى ولا تجوز عن الثمانية لعدم النقل فيه ويقسم لحمها أي إذا جاز على الشركة فيقسم اللحم وزنا بين الشركاء لأنه موزون لا جزافا لأن في القسمة معنى التمليك فلا يجوز جزافا عند وجود الجنس والوزن ولا يجوز التحليل لأنه في معنى الهبة
____________________
(4/168)
وهبة المشاع فيما يقسم لا تجوز إلا إذا خلط وضم به أي باللحم من أكارعه أو جلده أي يكون في كل جانب شيء من اللحم ومن الأكارع أو يكون في كل جانب شيء من اللحم وبعض الجلد أو يكون في جانب لحم وأكارع وفي آخر لحم وجلد فحينئذ يجوز صرفا للجنس إلى خلاف الجنس كما في الدرر
ولو شرى بدنة للأضحية ثم أشرك فيها ستة جاز استحسانا وفي القياس لا يجوز وهو قول زفر ورواية عن الإمام لأنه أعدها للقربة فلا يجوز بيعها وجه الاستحسان أنه قد يجد بقرة سمينة ولا يجد الشريك وقت الشراء فمست الحاجة إلى هذا والاشتراك قبل الشراء أحب إذ به يبعد عن الخلاف ويسلم عن الرجوع في القربة وروي عن الإمام كراهة الاشتراك بعده
وأول وقتها أي أول وقت تضحية الأضحية بعد فجر النحر و لكن لا تذبح في المصر قبل صلاة العيد لقوله عليهم الصلاة والسلام من ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته وهذا الشرط لمن تجب عليه صلاة العيد ويذبح غير المصري كأهل القرى قبل الصلاة ومن هنا ظهر أن وقت التضحية في حق البعض الذي لا تجب عليه صلاة العيد من طلوع فجر يوم النحر لانعدام المانع وهو الاشتغال بالصلاة وفي حق البعض يعتبر بعد أن يصلي الإمام صلاة العيد الواجبة وعند مالك وأحمد أهل المصر لا يذبحون قبل ذبح الإمام أيضا وعند الشافعي صح قبل الصلاة لو مضى من الوقت قدر ما يصلي ركعتين مع خطبتين وآخره أي آخر وقتها قبيل غروب الشمس في اليوم الثالث عندنا لما روي عن عمر وعلي
____________________
(4/169)
وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنهم قالوا أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها وقد قالوه سماعا لأن الرأي لا يهتدي إلى المقادر وعند الشافعي أربعة لقوله عليه الصلاة والسلام أيام التشريق كلها أيام ذبح قلنا إذا كان في الأخبار تعارض فالأخذ بالمتيقن أولى ثم المعتبر في ذلك مكان الأضحية حتى لو كان في السواد والمضحي في المصر يجوز من انشقاق الفجر وعلى عكسه لا يجوز إلا بعد الصلاة وحيلة المصري إذا أراد التعجيل أن يخرج بها إلى خارج المصر فيضحي بها كما طلع الفجر اعتبار بالزكاة بخلاف صدقة الفطر ولو ضحى بعدما صلى أهل المسجد ولم يصل أهل الجبانة أجزأه استحسانا والمعتبر هي الصلاة دون الخطبة واعتبر آخره أي آخر وقتها للفقير وضده والولادة والموت فلو كان غنيا في أول الأيام فقيرا في آخرها لا تجب عليه وفي العكس تجب وإن ولد في اليوم الأخير تجب عليه وإن مات فيه لا تجب عليه فتبين أن الإمام صلى بغير طهارة يعاد الصلاة دون التضحية كما لو شهدوا أنه يوم العيد عند الإمام يصلي بالناس العيد ثم ضحوا ثم بان أنه يوم عرفة أجزأهم الصلاة والتضحية كما في التنوير ولو وقعت في البلد فتنة ولم يبق فيها وال ليصلي بهم العيد فضحوا بعد طلوع الفجر أجزأهم كما في المنح وأولها أي أول أيام النحر أفضلها لما بيناه آنفا
وكره الذبح ليلا وإن جاز لاحتمال الغلط في ظلمة الليل
وفي المنح الظاهر أن هذه الكراهة للتنزيه ومرجعها إلى خلاف الأولى إذ احتمال الغلط لا يصلح دليلا على كراهة التحريم التي نسبتها إلى الحرام كنسبة الواجب إلى الفرض فإن فات وقتها قبل ذبحها أي ولو لم يضح ما أوجب على نفسه بأن عين شاة في ملكه وقال لله علي أن أضحي بهذه الشاة لزم التصدق بعين المنذورة حية سواء كان ذلك الموجب فقيرا أو غنيا
ولو نذر أن يضحي ولم يسم شيئا يقع على الشاة ولا يأكل الناذر منها ولو أكل فعليه قيمة ما أكله لأن سبيلها التصدق وليس للمتصدق أن يأكل من صدقته
وكذا أي لزم التصدق بعين المنذورة حية ما شراها فقير للتضحية لأن الفقير إنما تجب عليه إذا شراها
____________________
(4/170)
بنية التضحية فيتعلق بالمحل والغني يتصدق بقيمتها شراء أي الشاة أولا لأن الواجب يتعلق بذمته
وإنما يجزئ فيها أي في الأضحية الجذع من الضأن الجذع شاة تمت لها ستة أشهر عند الفقهاء إذا كانت عظيمة لقوله عليه الصلاة والسلام لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن وعند أهل اللغة ما تمت له سنة وذكر الزعفراني أنه ابن سبعة أشهر وعن الزهري من المعز لسنة ومن الضأن لثمانية أشهر والثني فصاعدا من الجميع وهو ابن خمس من الإبل وحولين من البقر والجاموس وحول من الشاة والمعز لأنه عرف بالنص على خلاف القياس فيقتصر عليها والمولود بين الأهلي والوحشي يتبع الأم لأنها هي الأصل في التبعية فيجوز بالبغل الذي أمه بقرة وبالظبي الذي أمه شاة وتجوز الجماء بتشديد الميم وهي التي لا قرن لها بالخلقة إذ لا يتعلق به المقصود وكذا مكسور القرن بل أولى لما قلنا والخصي
وعن الإمام إن الخصي أولى لأن لحمه ألذ وأطيب والثولاء وهي المجنونة إذا لم يمنعها من السوم والرعي لأن هذا لا يخل بالمقصود وإن منعها من ذلك لا تجوز إذ يخل المقصود والجرباء السمينة ولم يتلف جلدها لأن الجرب في الجلد ولا نقصان في اللحم وإنما قيدنا بالسمينة لأنها إذا كانت مهزولة لا تجوز لأن الجرب إذا كان في اللحم انتقص لا تجوز العميان وهي الذاهبة العينين والعوراء وهي الذاهبة إحدى العينين والعجفاء أي المهزولة التي لا تنقي أي يبلغ عجفها إلى حد لا يكون في عظمها مخ والعرجاء التي لا تمشي إلى المنسك أي المذبح لورود النهي عنهن ولا لا تجوز مقطوعة اليد أو الرجل لنقصانها وذاهبة أكثر العين أو أكثر الأذن لقول علي رضي الله تعالى عنه
____________________
(4/171)
أمرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء أو أكثر الذنب لأنه عضو كامل مقصود فصار كالأذن أو أكثر الألية وإنما قيد الذهاب بالأكثر لأنه أن يبقى الأكثر من العين والأذن والذنب ونحوها جاز لأن للأكثر حكم الكل بقاء وذهابا
وفي المنح واختاره أبو الليث وعليه الفتوى وفي ذهاب النصف روايتان عن الإمام وكذا عنهما لما في الهداية وفي كون النصف مانعا روايتان عنهما كما في انكشاف العضو عن أبي يوسف وتجوز إن ذهب أقل منه أي من النصف وقيل إن ذهب أكثر من الثلث لا تجوز قال ابن الشيخ في شرح الوقاية في ظاهر الرواية عن الإمام لأن الثلث قليل ولذا تنفذ فيه الوصية بخلاف ما زاد عليه لكونه أكثر وقيل إن ذهب الثلث لا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث وصية الثلث والثلث كثير
وفي رواية عنه الربع وفي القهستاني أن كل عيب مانع لها إن كان أكثر من النصف لا يجوز بالإجماع وإن كان أقل منه يجوز بالإجماع وطريق معرفة ذهاب العين أن تشد العين المعلولة بعد أن كانت جائعة فيقرب إليها العلف فينظر إليها من أي مكان رأت العلف ثم تشد العين الصحيحة ويقرب العلف فينظر إلى تفاوت ما بين المكانين فإن كان ثلثا فقد ذهب الثلث وهكذا في القهستاني ولا يجمع ما ذهب من الأذنين على ما قال أبو علي الرازي
____________________
(4/172)
وقال ابن سماعة إنه يجمع
وفي شرح الكنز للعيني ولا يجوز الهتماء وهي التي لا أسنان لها ولا السكاء وهي التي لا أذن لها خلقة وإن كان صغيرا لا يجوز ولا الجلالة وهي التي تأكل العذرة ولا تأكل غيرها ولا الجداء وهي المقطوعة ضرعها ولا المصرمة وهي التي لا تستطيع أن ترضع فصيلها ولا الجداء وهي التي يبس ضرعها
وفي الهداية وهذا الذي ذكرنا إذا كانت هذه العيوب قائمة وقت الشراء ولو اشتراها سليمة ثم تعيبت بعيب مانع إن كان غنيا عليه غيرها وإن كان فقيرا يجزيه بهذه لأن الوجوب على الغني بالشرع ابتداء فلم يتعين به وعلى الفقير بشرائه بنية الأضحية فتعينت ولا يجب عليه ضمان نقصانه كما في نصاب الزكاة وعن هذا الأصل قالوا إذا ماتت المشتراة للتضحية على موسر تجب مكانها أخرى ولا شيء على الفقير ولو ضلت أو سرقت واشترى أخرى ثم ظهرت الأولى في أيام النحر على الموسر ذبح إحداهما وعلى الفقير ذبحهما ولا يضر تعييبها من اضطرابها عند الذبح
وفي الهداية ولو أضجعها فاضطربت فانكسر رجلها فذبحها أجزأه استحسانا عندنا خلافا لزفر والشافعي لأن حالة الذبح ومقدماته ملحق الذبح فكأنه حصل به اعتبارا أو حكما وكذا لو تعيبت في هذه الحالة فانفلتت ثم أخذت من فوره وكذا بعد فوره عند محمد خلافا لأبي يوسف لأنه حصل بمقدمات الذبح
وإن مات أحد سبعة الذين شاركوا في البدنة وقال ورثته وهم كبار اذبحوها أي البدنة عنكم وعنه أي عن الميت صح ذبحها استحسانا عن الجميع لوجود قصد القربة من الكل والتضحية عن الغير عرفت قربة لأنه عليه الصلاة والسلام ضحى عن أمته والقياس أن لا يصح وهو رواية عن أبي يوسف لأنه تبرع بالإتلاف فلا يجوز عن غيره وكذا
وصح لو ذبح بدنة عن أضحية ومتعة وقران مع اختلاف جهات قربتهم عندنا لاتحاد المقصود وهو القربة
وفي التنوير وإن كان شريك الستة نصرانيا أو مريد اللحم لم يجز عن واحد منهم ويأكل من لحم أضحيته ويطعم من شاء من غني وفقير
____________________
(4/173)
لما روي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال كلوا وتزودوا وادخروا والنصوص كثيرة وعليه إجماع الأمة وندب أن لا تنقص الصدقة عن الثلث لأن الجهات ثلاث الأكل والإدخال والتصدق وهذا لا ينافي استحباب التصدق بما فوقه كالنصف مثلا وتركه أي وندب ترك التصدق لذي عيال توسعة عليهم أي على العيال
و ندب أن يذبح بيده إن أحسن الذبح لكونه عبادة وإلا أي إن لم يحسنه يأمر غيره بالذبح كي لا يجعلها ميتة ويحضرها لقوله عليه الصلاة والسلام لفاطمة رضي الله عنها قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها كل ذنب
ويكره أن يذبحها كتابي لأنه قربة وليس هو من أهلها ولو أمره فذبح جاز لأنه من أهل الذبح بخلاف المجوسي
ويتصدق بجلدها لكونه جزءا منها أو يعمله آلة كجراب أو خف أو فرو لأن الانتفاع به ليس بحرام أو يشتري به أي بالجلد ما ينتفع به مع بقائه أي بقاء ما ينتفع به استحسانا كغربال ونحوه لأن للبدل حكم المبدل لا ما يستهلك أي لا يشتري به ما لا ينتفع به إلا بعد الاستهلاك كخل وشبهه ولا يبيعه بالدراهم لينفق الدراهم على نفسه وعياله والمعنى إنه لا يتصرف على قصد التمول واللحم بمنزلة الجلد في الصحيح حتى لا يبيعه بما لا ينتفع به إلا بعد الاستهلاك فإن بدل اللحم أو الجلد به أي بما ينتفع بالاستهلاك جاز و يتصدق به لانتقال القربة إلى البدل
____________________
(4/174)
وقوله عليه الصلاة والسلام من باع جلد أضحيته فلا أضحية له يفيد كراهة البيع أما البيع جائز لقيام الملك والقدرة على التسليم هذا قول الإمام وعن أبي يوسف بيع الأضحية أو جلدها أو لحمها باطل لأنه بمنزلة الوقف وفي التنوير ولا يعطى أجر الجزار منها
ويكره جز صوفها قبل الذبح لينتفع به بخلاف ما بعده ويكره الانتفاع بلبنها قبله
ولو ذبح أضحية غيره بغير أمره جاز استحسانا ولا ضمان على الذابح ولا يجوز قياسا وهو قول زفر لأنه ذبح شاة غير بغير أمره فيضمن كما إذا ذبح شاة اشتراها القصاب وإذا ضمن لا يجزيه عن الأضحية وجه الاستحسان أنه لما اشتراها للأضحية فقد تعينت للذبح أضحية حتى وجب عليه أن يضحي بها فصار مستغنيا بكل من يكون أهلا للذبح آذنا له دلالة لأنه ربما يعجز عن إقامتها لعارض يعرض له فصار كما إذا ذبح شاة شد القصاب رجلها ليذبحها وإن كان تفوته المباشرة وحضورها لكن يحصل له تعجيل البر وحصول مقصوده بالتضحية بما عينه فيرضى به ظاهرا
وفي شرح المجمع ولو ذبح الراعي والأجنبي شاة لا يرجى حياتها لا يضمن وقال الصدر الشهيد يضمن
ولو غلط اثنان فذبح كل شاة الآخر صح ولا ضمان استحسانا ولا يصح قياسا ويضمن كل واحد منهما لصاحبه لما مر قبيله ويتحالان يعني يأخذ كل واحد منهما أضحيته إن كانت باقية ولا يضمنه لأنه وكيله إن كانت مأكولة يحلل كل واحد منهما صاحبه ويجريهم لأنه لو أطعمه الكل في الابتداء يجوز وإن كان غنيا فكذا له أن يحل له في الانتهاء وإن تشاحا أي تنازعا بأن أضحيتي أعظم وأسمن ولم يرضيا ضمن كل واحد منهما صاحبه قيمة لحمه لأن التضحية
____________________
(4/175)
لما وقعت لصاحبه كان اللحم له ومن أتلف لحم أضحية غيره ضمنه وتصدق بها أي بتلك القيمة لأنه بدل لحم الأضحية
وصحت التضحية بشاة الغصب دون شاة الوديعة وضمنها لأن في الغصب يثبت الملك من وقت الغصب فكانت التضحية واردة على ملكه ولكن يأثم خلافا لزفر وفي الوديعة يصير غاصبا بالذبح فيقع الذبح في غير الملك فلم يثبت الملك إلا بعد الذبح فكانت الأضحية واردة على غير الملك كما في أكثر المعتبرات قال صدر الشريعة يصير غاصبا بمقدمات الذبح كالإضجاع وشد الرجل فيكون غاصبا قبل الذبح
وقال صاحب الدرر حقيقة الغصب كما تقرر في موضعه إزالة اليد المحقة بإثبات اليد المبطلة وغاية ما يوجد في الإضجاع وشد الرجل إثبات اليد المبطلة ولا يحصل به إزالة اليد المحقة وإنما يحصل ذلك بالذبح كما ذهب إليه الجمهور انتهى لكن الظاهر تحقق إزالة اليد المحقة بالإضجاع وشد الرجل للذبح فإنهما ليسا من أحكام الوديعة ولا من شاء المودع تأمل
____________________
(4/176)
كتاب الكراهية أورد الكراهية بعد الأضحية لأن عامة مسائل كل واحدة منهما لم تخل من أصل وفرع ترد فيه إلى الكراهية ألا يرى أن في وقت الأضحية من ليالي أيام النحر وفي التصرف في الأضحية بجز الصوف وحلب اللبن كما تقدم الكلام فيه وفي إقامة غيره مقامه كيف تحققت الكراهة فناسب ذكر الكراهية بعدها وهي ضد الإرادة والرضا في اللغة وإنما لقبه بها وفيه غير المكروه لأن بيان المكروه أهم لوجود الاحتراز عنه ولقبه القدوري بالحظر والإباحة وهو حسن لأن الحظر المنع والإباحة الإطلاق وفيه بيان ما أباحه الشرع وما منعه ولقبه بعضهم بالاستحسان لأن فيه بيان ما حسنه الشرع وقبحه وبعضهم بكتاب الزهد والورع لأن كثيرا من مسائله أطلقه الشرع والزهد والورع تركها
وفي الشرع المكروه كراهة تحريم إلى الحرام أقرب عند الشيخين لتعارض الأدلة فيه وتغليب جانب الحرمة فيه فيلزمه تركه وتكلموا في المكروه والصحيح ما قاله الشيخان كما في جواهر الفتاوى وعند محمد كل مكروه حرام ما لم يقم دليل على خلافه ولم يلفظ به أي لم يطلق عليه لفظ الحرام في كتبه لعدم الدليل
____________________
(4/177)
القاطع بل كتب بالكراهة فتركه واجب كما في الحرام فالحرام ما منع عنه بدليل قطعي وتركه فرض كشرب الخمر والمكروه ما منع بظني وتركه واجب كأكل الضب فنسبة المكروه إلى الحرام كنسبة الواجب إلى الفرض قال ابن الساعاتي في بحث الحكم وإن كان طلبا لفعل ينتهض تركه في جميع وقته سببا لاستحقاق العقاب فوجوب أو لفعل ينتهض فعله خاصة للثواب فندب وخاصة يفيد أن الترك لا يترتب عليه شيء أو لترك يصير فعله سببا لاستحقاق العقاب فتحريم أو لترك يصير تركه خاصة للثواب فكراهة وإن لم يكن طلبا فإن كان تخييرا فإباحة وإلا فوضعي وقد علم بذلك حدودها واعلم أن الكراهة على قسمين كراهة تحريم وكراهة تنزيه فمشايخنا تارة يقيدونها وتارة يطلقونها فأما المقيدة فلا كلام فيها والمطلقة فتجعل على التحريم
فصل في الأكل أي في بيان أحوال الأكل منه أي بعض الأكل وكذا الشرب فرض وهو بقدر ما يندفع به الهلاك وفي تركه إلقاء النفس في التهلكة فإن هلك فقد عصى وبه يتمكن من أداء الفرائض ويؤجر على ذلك قال عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى ليؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها العبد إلى فيه
و بعضه مندوب وهو ما زاد على ما يندفع به الهلاك ليتمكن من الصلاة قائما ويسهل عليه الصوم لأن الاشتغال بما يتقوى
____________________
(4/178)
به على الطاعة طاعة وسئل أبو ذر عن أفضل الأعمال فقال الصلاة وأكل الخبز
و بعضه مباح أي لا أجر فيه ولا وزر وهو ما زاد منتهيا إلى الشبع لزيادة قوة البدن
وفي القهستاني لو أكل للسمن كره على ما قاله ابن مقاتل وعن أبي مطيع لا بأس بأكلها خبزا مكسورا في الماء البارد للسمن ولا شيء على من رزق بطنا عظيما خلقة له من غير أن يتعمد السمن ولو أكل ألوان الطعام ثم تقيأ فوجد نافعا فلا بأس به لأنه علاج
و بعضه حرام وهو الزائد عليه أي على الشبع لأنه إضاعة للمال وأمراض للنفس ولأنه تبذير وإسراف قال عليه الصلاة والسلام لا خير في الشبع ولا في الجوع خير الأمور أوساطها إلا لقصد التقوى على صوم الغد لأن فيه فائدة أو لئلا يستحي الضيف لأنه إذا أمسك والضيف لم يشبع ربما يستحي فلا يأكل حياء أو خجلا فلا بأس بأكله معه فوق الشبع لئلا يكون ممن أساء القرى وهو مذموم عقلا وشرعا ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء العبادة قال عليه الصلاة والسلام إن نفسك مطيتك فارفق بها وليس من الرفق أن تجيعها وتذيبها ولأن ترك العبادة لا يجوز فكذا ما يفضي إليه وأما تجويع النفس على وجه لا يعجز عن أداء العبادات فهو مباح كما
____________________
(4/179)
في الاختيار
ومن امتنع عن أكل الميتة حال المخمصة أو صام ولم يأكل حتى مات أثم لأنه أتلف نفسه لما بينا أنه لا بقاء إلا بالأكل والميتة حال المخمصة إما حلال أو مرفوع الإثم فلا يجوز الامتناع عنه إذا تعين لإحياء النفس وروي ذلك عن مسروق وجماعة من العلماء والتابعين وإذا كان يأثم بترك الميتة فما ظنك لترك الذبيحة وغيرها من الحلالات حتى يموت جوعا كما في الاختيار وفي البزازية خاف الموت جوعا أو عطشا ومع رفيقه طعام أو ماء أخذ بالقيمة منه قدر ما يسد جوعته أو عطشه فإن امتنع قاتل بلا سلاح وإن الرفيق يخاف الموت جوعا أو عطشا أيضا ترك له البعض بخلاف من امتنع من التداوي حتى مات فإنه لا يأثم لأنه لا يقين أن هذا الدواء يشفيه ولعله يصح من غير علاج كما في الاختيار
ولا بأس بالتفكه بأنواع الفواكه لقوله تعالى كلوا من طيبات ما رزقناكم وتركه أفضل لئلا تنقص درجته
واتخاذ ألوان الأطعمة سرف دل عليه قوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا
وكذا سرف وضع الخبز على المائدة أكثر من قدر الحاجة
وفي المحيط من الإسراف الإكثار في ألوان الطعام فإنه منهي إلا إذا قصد قوة الطاعة أو دعوة الأضياف قوما بعد قوم حتى يأتوا على آخره لأن فيه فائدة ومن السرف أن يأكل وسط الخبز ويدع جوانبه وترك اللقمة الساقطة من المائدة بل يرفعها ويأكلها قبل غيرها ولا يأكل طعاما حارا ولا يشم ويكره أكل الترياق إن كان فيه شيء من لحوم الحيات وكذا معالجة الجراحة بعظم إنسان أو خنزير لأنها محرم الانتفاع
وفي البزازية وضع العجين على الجرح إن علم فيه شفاء لا بأس به وللذي يرعف ولا يرقأ أن يكتب شيئا من القرآن على جبهته ولو بالبول أو على جلد ميتة أن فيه شفاء
ومسح الأصابع والسكين بالخبز ووضع المملحة عليه أي على الخبز مكروه لا الملح
____________________
(4/180)
وكذا وضع الخبز تحت القصعة لأن فيه إهانة الخبز وقد أمرنا بإكرامه وفي الزاهدي اختلفوا في جواز وضع القصعة على الخبز ومسح اليد بالخبز وأكله بعده
وفي البزازية ولا يعلق الخبز بالخوان بل يوضع بحيث لا يعلق ولا يكره قطع اللحم والخبز بالسكين
وسنة الأكل البسملة في أوله والحمدلة في آخره فإن نسي البسملة فليقل إذا ذكر باسم الله على أوله وآخره بجميع ذلك ورد الأثر وهو شكر المؤمن إذا رزق قال عليه الصلاة والسلام إن الله يرضى عن عبده المؤمن إذا قدم إليه طعام أن يسمي الله في أوله ويحمد الله في آخره
وغسل اليد قبله أي قبل الطعام وبعده قال النبي عليه الصلاة والسلام الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم والوضوء هنا غسل اليد ويبدأ بالشبان قبله أي قبل الأكل لئلا ينظر إليهم الشيوخ وبالشيوخ بعده وهو أدب لما فيه إكرام لهم فلا يمسح يد قبل الطعام بالكلية
ولا يحل شرب لبن الأتان بالفتح هي أنثى الحمر الأهلية لكون اللبن متولدا من لحم فيأخذ حكمه ولا يأكل الجلالة ولا يشرب لبنها لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن أكلها وشرب لبنها
وفي التنوير ولو سقى ما يؤكل لحمه خمرا فذبح من ساعة حل أكله ويكره
ولا يحل بول إبل للاختلاف إذ عند الإمام حرام لكون الأصل في البول حرمة وقد علم النبي عليه الصلاة والسلام شفاء العرنيين بالوحي فالشفاء في غيرهم غير معلوم فبقي على الأصل وعند أبي يوسف يحل
____________________
(4/181)
التداوي بشربه لما روي أن قوما من عرنة مرضوا في المدينة فأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بأن يلحقوا المرعى ويشربوا من أبوال الإبل وألبانها وعند محمد يحل مطلقا إذ لو كان حراما لا يحل به التداوي لقوله عليه الصلاة والسلام ما وضع شفاؤكم فيما حرم عليكم
و لا يحل استعمال إناء ذهب أو فضة لرجل أو امرأة لقوله عليه الصلاة والسلام فيمن شرب منه إنما تجرجر في بطنه نار جهنم قيل يجرجر بمعنى يلقى فيكون نار جهنم مفعولا وقيل بمعنى يصوت من جرجر الجمل إذا ازداد صوته في حنجرته فيكون نار فاعلا فإذا ثبت ذلك في الأكل والشرب فكذا في التطيب وغيره لأنه مثله في الاستعمال ويستوي الرجل والنساء لإطلاق الحديث وكذا الأكل بملعقة الذهب والفضة والاكتحال بميلهما وما أشبه ذلك
وفي الذخيرة الإدهان المحرم أن يأخذ آنية الذهب والفضة ويصب الدهن على الرأس أما إذا أدخل يده وأخذ الدهن ثم صبه على الرأس من اليد لا يكره كما في النهاية
وفي التسهيل وعلى هذا لو أخذ الطعام من آنية الذهب والفضة بملعقة ثم أكله من الملعقة ينبغي أن لا يكره وكذا لو أخذه بيده وأكله ولكن ينبغي أن لا يفتى بهذه الرواية لئلا ينفتح باب استعمالها لكن في الدرر تفصيل فليطالع
وحل استعمال إناء عقيق وبلور وزجاج ورصاص عندنا لعدم التفاخر بمثل هذه الآنية عادة لأنها ليست من جنس الأثمان
وقال الشافعي يكره لحصول
____________________
(4/182)
التفاخر كالحجرين قلنا لا نسلم ولئن كانت عادتهم جارية بالتفاخر في غيرها فلم تكن هذه الأشنان في معناهما فامتنع الإلحاق بهما ويجوز استعمال الأواني من الصفر
وفي التبيين ويمكن أن يستدل به على إباحة غير الذهب والفضة لأنه في معناه بل عينه
فصل في الكسب وفي الاختيار قال محمد بن سماعة سمعت محمد بن حسن يقول طلب الكسب فريضة كما أن طلب العلم فريضة وهذا صحيح لما روى ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال طلب الكسب فريضة على كل مسلم ومسلمة وقال عليه الصلاة والسلام طلب الكسب بعد صلاة المكتوبة أي الفريضة بعد الفريضة ولأنه لا يتوسل إلى إقامة الفرض إلا به وكان فرضا لأنه لا يتمكن من أداء العبادات إلا بقوة بدنه وقوة بدنه بالقوت عادة وخلقة وتحصيل القوت بالكسب ولأنه يحتاج في الطهارة إلى آلة الاستقاء
____________________
(4/183)
والآنية وفي الصلاة إلى ما يستر عورته وكل ذلك إنما يحصل عادة بالاكتساب والرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا يكتسبون وكذا الخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم ولا يلتفت إلى قول جماعة أنكروا ذلك وتمامه فيه إن شئت فليراجع
وطلب العلم فريضة أيضا على كل مسلم ومسلمة قال في الخلاصة حكي عن أبي مطيع أنه قال النظر في كتب أصحابنا من غير سماع أفضل من قيام ليلة
وفي البزازية طلب العلم والفقه إذا صحت النية أفضل من جميع أفعال البر وكذا الاشتغال بزيادة العلم إذا صحت النية وهو أقسام فرض وهو مقدار ما يحتاج إليه لإقامة الفرائض ومعرفة الحق والباطل والحلال والحرام ومستحب وقربة كتعلم ما لا يحتاج إليه لتعليم من يحتاج إليه ومباح وهو الزيادة على ذلك للزينة والكمال ومكروه وهو التعلم ليباهي به العلماء ويماري به السفهاء ولذلك كره الإمام تعلم الكلام والمناظرة فيه وراء قدر الحاجة
وفي البزازية وتعلم علم النجوم لمعرفة القبلة وأوقات الصلاة لا بأس به والزيادة حرام والحيلة والتمويه في المناظرة إن تكلم مسترشدا منصفا بلا تعنت لا يكره وكذا إن غير مسترشد لكنه منصف غير متعنت فإن أراد بالمناظرة طرح المتعنت لا بأس به ويحتال كل الحيلة ليدفع عن نفسه التعنت والتعنت لدفع التعنت مشروع
وفي القهستاني وتعلم المنطق كشرب الخمر وفي قوت القلوب جعل الجهال أصحاب المنطق علماء انتهى
والتعليم بقدر ما يحتاج إليه لإقامة الفرض فرض ولا يجب على الفقيه أن يجيب عن كل ما يسأل عنه إذا كان هناك من يجيب غيره فإن لم يكن غيره يلزمه الجواب لأن الفتوى والتعليم فرض كفاية
أفضله أي الكسب الجهاد لأن فيه الجمع بين حصول الكسب وإعزاز الدين وقهر عدو الله ثم التجارة لأن النبي عليه الصلاة والسلام حث عليها فقال التاجر الصدوق مع الكرام البررة ثم الحراثة وأول من فعله آدم عليه الصلاة والسلام ثم الصناعة لأنه عليه الصلاة والسلام حرض عليها فقال الحرفة أمان من الفقر لكن في الخلاصة ثم المذهب عند جمهور العلماء والفقهاء أن جميع أنواع الكسب في الإباحة على السواء هو الصحيح
ومنه أي وبعض الكسب فرض وهو أي الكسب قدر الكفاية لنفسه وعياله وقضاء ديونه لما بينا أنه لا
____________________
(4/184)
يتوسل إلى إقامة الفرض إلا به خصوصا إلى قضاء الدين ونفقة من تجب عليه نفقته فإن ترك الاكتساب بعد ذلك وسعه وإن اكتسب ما يدخره لنفسه وعياله فهو في سعة لأن النبي عليه الصلاة والسلام ادخر قوت عياله سنة كما في الاختيار
ومستحب وهو الزيادة عليه أي على قدر الكفاية ليواسي به أي بالزائد فقيرا أو يصل به قريبا فإنه أفضل من التخلي لنفل العبادة لأن منفعة النفل تخصه ومنفعة الكسب له ولغيره قال عليه السلام الناس عيال الله في الأرض وأحبهم إليه أنفعهم لعياله
ومباح وهو الزيادة للتجمل والتنعم قال عليه السلام نعم المال الصالح للرجل الصالح وقال عليه السلام من طلب من الدنيا حلالا متعففا لقي الله تعالى ووجهه كالقمر ليلة البدر كما في الاختيار
وحرام وهو الجمع للتفاخر والبطر وإن وصلية كان من حل قال عليه الصلاة والسلام من طلب الدنيا مفاخرا مكاثرا لقي الله وهو عليه غضبان
وينفق على نفسه وعياله بلا إسراف ولا تقتير ولا يتكلف لتحصيل جميع شهواتهم ولا يمنعهم جميعا بل يكون وسطا قال الله تعالى والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ولا يستديم الشبع قال عليه السلام أجوع يوما وأشبع
____________________
(4/185)
يوما ومن قدر على الكسب لزمه أي من الكسب لما بيناه آنفا وإن عجز عنه أي عن الكسب لزمه السؤال لأنه نوع اكتساب لكن لا يحل إلا عند العجز قال عليه السلام السؤال آخر كسب العبد فإن تركه أي السؤال وهو قادر عليه حتى مات من جوعه أثم لأنه ألقى نفسه إلى التهلكة فإن السؤال يوصله إلى ما تقوم به نفسه في هذه الحالة كالكسب ولا ذل في السؤال في هذه الحالة
وإن عجز عنه أي عن السؤال الكسب يفرض على من علم به أي بعجزه أن يطعمه أو يدل عليه من يطعمه صونا له عن الهلاك فإن امتنعوا من ذلك حتى مات اشتركوا في الإثم وإذا أطعمه واحد سقط عن الباقين ومن كان له قوت يومه لا يحل السؤال ويكره إعطاء سؤال جمع سائل كنصار جمع ناصر المسجد فقد جاء في الأثر ينادي يوم القيامة ليقم من يبغض الله فيقوم سؤال المسجد وقيل إن كان أي السائل في المسجد لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين يدي مصل لا يكره إعطاؤه وهو المختار كما في الاختيار فقد روي أنهم كانوا يسألون في المسجد على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى روي أن عليا رضي الله تعالى عنه تصدق بخاتمه في الصلاة في المسجد
ولا يجوز قبول هدية أمراء الجور لأن الغالب في مالهم الحرمة إلا إذا علم أن أكثر ماله من حل بأن كان صاحب تجارة أو زرع فلا بأس به
وفي البزازية غالب مال المهدي إن حلالا لا بأس بقبول هديته وأكل ماله ما لم يتبين أنه من حرام لأن أموال الناس لا يخلو عن حرام فيعتبر الغالب وإن غالب ماله الحرام
____________________
(4/186)
لا يقبلها ولا يأكل إلا إذا قال إنه حلال أورثته واستقرضته ولهذا قال أصحابنا لو أخذ مورثه رشوة أو ظلما إن علم وارثه ذلك بعينه لا يحل له أخذه وإن لم يعلمه بعينه له أخذه حكما لا ديانة فيتصدق به بنية الخصماء
وفي الخانية وقال الحلواني وكان الإمام أبو القاسم الحكيم يأخذ جوائز السلطان والحيلة فيه أن يشتري شيئا بمال مطلق ثم ينقده من أي مال شاء كذا رواه الثاني عن الإمام وعن الإمام أن المبتلى بطعام الظلمة يتحرى إن وقع في قلبه حله قبل وأكل وإلا لا لقوله عليه الصلاة والسلام استفت قلبك الحديث وجواب الإمام فيمن به ورع وصفاء قلب ينظر بنور الله تعالى ويدرك بالفراسة
وفي الخلاصة السلطان إذا قدم شيئا من المأكولات إن اشتراه يحل وإن لم يشتره ولكن الرجل لا يعلم أن في الطعام شيئا مغصوبا بعينه يباح أكله
وفي الخانية رجل غصب لحما فطبخه أو حنطة فطحنها قال أبو بكر البلخي يحل له أكله وعليه الضمان في قول الإمام وهذا ظاهر قوله لأن قول الإمام ومحمد إذا غصب حنطة فطحنها أو لحما فطبخه ينقطع حق المالك ويصير ملكا للغاصب
وقال أبو يوسف أكله حرام قبل أن يرضى صاحبها
ولا تكره إجارة بيت بالسواد أي بالقرية ليتخذ بيت نار أو كنيسة أو بيعة أو يباع معطوف على قوله ليتخذ أي ليباع فيه الخمر عند الإمام لأن الإجارة واردة على منفعة البيت ولا معصية فيه وإنما معصيته بفعل المستأجر وهو فعل الفاعل المختار فقطع نسبته منه كبيع الجارية لمن لا يستبرئها أو يأتيها من دبرها أو بيع الغلام من اللوطي كما في التبيين وغيره وهذا صريح في جواز بيع الغلام من اللوطي والمنقول في كثير من المعتبرات أنه يكره وعندهما يكره أن يؤجر بيتا لشيء من ذلك لأنه إعانة على المعصية وبه قالت الأئمة الثلاثة قالوا إن ما ذكره الإمام مختص بسواد الكوفة لأن أغلب أهلها ذمي وأما في سوادنا فأعلام الإسلام ظاهرة فلا يمكنون من إجارة البيت ليتخذه معبدا ومفسقا في الأصح كما لا يمكنون في الأمصار لعدم الإذن من الحكام فيما تغلب فيه شعائر الإسلام وعن هذا قال ويكره في المصر إجماعا وكذا في سواد غالبه أهل الإسلام لما مر أن
____________________
(4/187)
شعائر الإسلام ظاهرة
ومن حمل لذمي خمرا بأجر طاب له عند الإمام وعندهما يكره له ذلك لوجود الإعانة على المعصية وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام لعن في الخمر عشرا وعد منها حاملها والمحمول إليه وله أن المعصية في شربها لا في حملها مع الحمل يحمل على الإراقة أو التخليل والحديث محمول على الحمل المقرون بقصد المعصية وعلى هذا الخلاف إذا آجر دابة لينقل عليها الخمر أو آجر نفسه ليرعى الخنازير ولا بأس ببيع الزنار من النصارى والقلنسوة من المجوسي ولو أن إسكافا أمره إنسان أن يتخذ له خفا على زي المجوسي أو الفسقة أو خياطا أمره إنسان أن يخيط له ثوبا على زي الفساق يكره له أن يفعل ذلك
ولا بأس بقبول هدية العبد التاجر وإجابة دعوته واستعارة دابته والقياس أن لا يجوز لأنه تبرع والعبد ليس من أهله لكن جوز في الشيء اليسير للضرورة استحسانا كما مر في المأذون وكره قبول كسوته ثوبا وإهدائه أحد النقدين لأنه لا ضرورة في الشيء الكثير كالدراهم والثبات فيبقى على الأصل وهو عدم الجواز
ويقبل في المعاملات قول الفرد ولو وصلية كان أنثى أو عبدا أو فاسقا أو كافرا كقوله أي قول الفرد شريت اللحم من مسلم أو كتابي فيحل أو شريته من مجوسي فيحرم هذه العبارة أولى من عبارة الكنز وهو قوله ويقبل قول الكافر في الحل والحرمة لأن شارحه الزيلعي قال هذا سهو لأن الحل والحرمة من الديانات وإنما يقبل قوله في المعاملات خاصة للضرورة انتهى لكن حمله على المساهلة أولى من حمله على السهو ويكون المراد يقبل قول الكافر فيما يؤدي إلى الحل والحرمة لأنه قال العيني أراد بالحل الحل الضمني وبالحرمة الحرمة الضمنية لأنه أراد حاصل مسألة في الهداية وهي قوله ومن أرسل أجيرا له مجوسيا أو خادما فاشترى لحما فقال اشتريته من يهودي أو نصراني أو مسلم
____________________
(4/188)
وسعه أكله لأن قول الكافر مقبول في المعاملات لأنه خبر صحيح لصدوره عن عقل ودين تعتقد فيه حرمة الكذب والحاجة ماسة إلى قبوله لكثرة وقوع المعاملات وإن كان غير ذلك لم يسعه أن يأكل منه معناه إذا كان ذبيحة غير الكتابي والمسلم لأنه لما قبل قوله في الحل أولى أن يقبل في الحرمة ومراد الشيخ في الحل والحرمة هو هذا أعني لما قبل قوله في الحل أولى أن يقبل في الحرمة فافهم قال صاحب المنح ويقبل قول الفاسق والكافر في المعاملات لأنها يكثر وجودها فيما بين أجناس الناس فلو شرطنا شرطا زائدا أدى إلى الحرج فقبل قوله مطلقا دفعا للحرج كما إذا أخبر أنه وكيل فلان في بيع كذا فيجوز الشراء منه وكذا في الوكالات والمضاربات وغيرها وهذا إذا غلب على الرأي صدقه أما إذا غلب عليه كذبه فلا يعتمد عليه
و يقبل قول العبد والأمة والصبي في الهدية بأن قال العبد أو الأمة أو الصبي هذه هدية أهداها سيدي أو أبي يجوز أن يأخذها لأن الهدايا تبعث عادة على أيدي هؤلاء و يقبل قولهم في الأذان بأن قال العبد أو الأمة أو الصبي المميز أذن لي مولاي أو الولي في البيع والشراء يجوز لمن سمع ويرى معاملته مع الغير أن يبيع ويشتري منه وإلا يؤدي إلى الحرج في استحضار الشهود إلى مواضع العقود
وشرط العدل في الديانات لأنه لا يكثر وقوعا فلا حرج في اشتراط العدالة ولا حاجة إلى قبول قول الفاسق لأنه متهم فيها كالخبر عن نجاسة الماء فيتيمم ولا يتوضأ و إن أخبر بها مسلم عدل ولو وصلية كان أنثى أو عبدا لترجح جانب الصدق في خبره لظهور عدالته ويتحرى في الفاسق بنجاسة الماء
و في خبر
____________________
(4/189)
المبتور ثم يعمل بغالب رأيه إن وقع في قلبه صدقه يتيمم وإن وقع فيه كذبه يتوضأ لترجح جانب الكذب ولو أراق الماء الذي أخبر بنجاسته فاسق أو مستور فتيمم عند غلبة صدقه وتوضأ معطوف على قوله أراق والمعنى لو لم يرق الماء وتوضأ وتيمم عند غلبة كذبه كان أحوط كما في شرح الوقاية وغيره
وفي الجوهرة وهذا جواب الحكم أما في الاحتياط فيتيمم بعد الوضوء
فصل في اللبس لما فرغ من مقدمات مسائل الكراهة ذكر تفصيل ما يحتاج إليه الإنسان قدم اللبس لكثرة الاحتياج إليه الكسوة منها فرض وهو أي ما هو فرض ما يستر العورة ويدفع ضرر الحر والبرد قال الله تعالى خذوا زينتكم عند كل مسجد أي ما يستر عوراتكم عند الصلاة ولأنه لا يقدر على أداء الصلاة إلا بستر العورة وخلقته لا تتحمل الحر والبرد فيحتاج إلى دفع ذلك بالكسوة فصار نظير الطعام والشراب فكان فرضا كما في الاختيار
____________________
(4/190)
والأولى كونه من القطن أو الكتان وهو المأثور وهو أبعد عن الخيلاء بين النفيس والخسيس لئلا يحتقر في الدنيء ويأخذه الخيلاء في النفيس وعن النبي عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن الشهرتين وهو ما كان في نهاية النفاسة وما كان في نهاية الخساسة وخير الأمور أوساطها ومستحب وهو الزائد على قدر الضرورة
وفي المنح وهو ما يحصل به أصل الزينة في الإزار والرداء والعمامة والقميص الرقيق ونحوها لأخذ الزينة المأمور به بقوله تعالى خذوا زينتكم الآية وإظهار نعمة الله تعالى خصوصا إذا كان ذا علم ومروءة
وفي القنية العمامة الطويلة ولبس الثياب الواسعة حسن في حق الفقهاء الذين هم أعلام الهدى دون سائر الناس والأحسن أن يلبس أحسن ثيابه للصلاة
وفي الحديث صلاة مع عمامة خير من سبعين صلاة بغير عمامة وروي من صلى وجيبه مشدود كان خيرا ممن صلى سبعين صلاة وجيبه مكشوف قال عليه الصلاة والسلام إن الله يحب أن يرى أثر نعمه على عبده ومباح وهو الثوب الجميل للتزين في الجمع والأعياد ومجامع الناس إذا لم يكن للكبر وكذا جمع المال إذا كان من حلال لأن النبي عليه الصلاة والسلام خرج وعليه رداء قيمته ألف درهم وربما قام النبي عليه الصلاة والسلام إلى الصلاة وعليه رداء قيمته أربعة آلاف درهم وكان الإمام أبو حنيفة يرتدي برداء قيمته أربع مائة درهم وكان يقول لتلامذته إذا رجعتم إلى بلادكم فعليكم بالثياب النفيسة فالسرخسي يلبس الغسيل في عامة الأوقات ويلبس الأحسن في بعض الأوقات إظهارا لنعمة الله تعالى حتى لا يؤذي المحتاجين كما في البزازية
وفي القنية وعن النخعي كان يخرج من بيته في ثياب حسنة وأصحابه يقولون نحن نعرف حقيقة أنه يحل له الآن أكل الميتة ومكروه وهو اللبس للتكبر والخيلاء لقوله عليه الصلاة والسلام لمقداد بن معدي كرب كل والبس واشرب من غير مخيلة
ويستحب الثوب الأبيض والأسود لقوله عليه الصلاة
____________________
(4/191)
والسلام إن الله يحب الثياب البيض وإنه خلق الجنة بيضاء وقد روي أنه عليه السلام لبس الجبة السوداء والعمامة السوداء يوم فتح مكة ولا بأس بالأزرق وفي الشرعة ولبس الأخضر سنة
ويكره الثوب الأحمر والمعصفر للرجال لأنه عليه السلام نهى عن لبس الأحمر والمعصفر
وفي المنح ولا بأس بلبس الثوب الأحمر وبه صرح أبو المكارم في شرح النقاية وهذا ظاهر في أن المراد بالكراهة كراهة التنزيه لأنها ترجع إلى خلاف الأولى كما صرح به كثير من المحققين لأن كلمة لا بأس تستعمل غالبا فيما تركه أولى كما قاله بعض أهل التحقيق لكن صرح صاحب تحفة الملوك بالحرمة فأفاد أن المراد كراهة التحريم وهو المحمل عند الإطلاق
والسنة إرخاء طرف العمامة بين كتفيه هكذا فعله النبي عليه الصلاة والسلام قدر شبر وقيل إلى وسط الظهر وقيل إلى موضع الجلوس وإذا أراد تجديد لفها نقضها كما لفها ولا يلقيها على الأرض دفعة واحدة هكذا نقل من فعله عليه السلام كما في الاختيار
ويحل للنساء لبس الحرير ولا يحل للرجال ولو بحائل بينه وبين بدنه على المذهب كما في التنوير لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن لبس الحرير والديباج وقال إنما يلبسه من لا خلاق له أي لا نصيب له في الآخرة وإنما جاز للنساء بحديث آخر وهو ما رواه عدة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم منهم علي رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خرج وبإحدى يديه حرير وبالأخرى ذهب وقال هذان حرامان على ذكور أمتي حلال لإناثهم ويروى حل لإناثهم إلا أن القليل عفو وعن هذا قال الأقدر أربع أصابع مضمومة فلا يحرم فهو استثناء من قوله ولا يحل
وفي القنية من أصابع عمر رضي الله تعالى عنه وذلك قيس شبرنا يرخص فيه
وفي المنح القليل من الحرير عفو وهو مقدار ثلاث أصابع أو أربع يعني مضمونة وذلك كالعلم لأن الناس يلبسون الثياب وعليها
____________________
(4/192)
الأعلام والطراز في تلك الأعصار من غير نكير وإن كان أكثر من الأربع فهو مكروه وقد روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لبس جبة مكفوفة بالحرير وروي أنه عليه الصلاة والسلام لبس فروة أطرافها من الديباج وكان المعنى في ذلك أنه تبع كما في السراج وفي السير الكبير العلم حلال مطلقا صغيرا كان أو كبيرا انتهى هذا مخالف لما وقع في كثير من المعتبرات من التقييد بثلاث أصابع أو أربع وفيه رخصة عظيمة لمن ابتلي بذلك من الأشراف والعظماء وكذلك إذا كان في طرف القلنسوة لا بأس به إذا كان قدر أربع أصابع أو دونها في ظاهر المذهب كما في القنية وعن محمد أنه قال لا ينبغي ذلك في القلنسوة وإن كان أقل من أربع أصابع وفي المجتبي وإنما رخص الإمام في العلم في عرض الثوب قلت وهذا يدل على أن القليل في طوله يكره وبه جزم مولى خسرو ولكن إطلاق الهداية وكثير من المعتبرات مخالف
وفي القنية نقلا عن برهان صاحب المحيط أن عند الإمام لا يكره لبس الحرير إذا لم يتصل بجلده حتى لو لبسه فوق قميص من غزل أو نحوه لا يكره عنده فكيف إذا لبسه فوق قباء أو شيء آخر محشوا وكانت جبة من حرير بطانتها ليس بحرير ولو لبسها فوق قميص غزلي قال رضي الله تعالى عنه وفي هذا رخصة عظيمة في موضع عم به البلوى ولكن طلبت هذا القول عن الإمام في كثير من الكتب فلم أجد سوى هذا ثم قال نقلا عن الحلواني قال ومن الناس من يقول إنما يكره لبس الحرير إذا كان يمس الجلد وما لا فلا وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان عليه جبة من حرير فقيل له في ذلك فقال أما ترى إلى ما يلي الجسد وكان تحته ثوب من قطن ثم قال إلا أن الصحيح ما ذكرنا أن الكل حرام
وفي الجامع للبزدوي ومن الناس من أباح لبس الحرير والديباج للرجال ومنهم من قال هي حرام على النساء أيضا وعامة الفقهاء على أنه يحل للنساء دون الرجال انتهى قال عبد البر في شرح الوهبانية بعد حكايته لما قدمناه عن القنية قلت وفي حفظي من خزانة الأكمل ما لفظه قال الإمام ومحمد لا بأس بلبس الحرير وقلنسوة الثعالب انتهى وهذا مطلق وفيه زيادة محمد مع الإمام كما في المنح
وفي التنوير والثوب المنسوج بذهب يحل إذا كان هذا المقدار وإلا لا ولا بأس بتكة ديباج للرجال لأنها كالبيت وكذا لا بأس بملأة حرير يوضع في مهد الصبي لأنه ليس بلبس
وفي القنية تكره التكة المعمولة من الإبريسم هو الصحيح وكذا القلنسوة وإن كانت تحت العمامة والكيس الذي يعلق لكن في الفتاوى الصغرى
____________________
(4/193)
والذخيرة وشرح القدوري لا تكره التكة من الحرير عند الإمام وعند أبي يوسف تكره
واختلف في عصبة الجراحة بالحرير وعن محمد لا بأس أن يكون عروة القميص وزره من الحرير وهو كالعلم يكون في الثوب ومعه غيره فلا بأس به وإن كان وحده كرهته وأكره تكة الحرير لأنها تلبس وحدها لأنه إذا كان معه غيره فاللبس لا يكون مضافا إليه بل يكون تبعا في اللبس والمحرم هو اللبس الحرير كما في المحيط
وفي القهستاني ولا بأس أن يشد خمارا أسود من الحرير على العين الرامدة أو الناظرة إلى الثلج وكذا لو صلى على سجادة من الإبريسم لم يكره فإن الحرام هو اللبس أما الانتفاع بسائر الوجوه فليس بحرام
ولا بأس للرجال والنساء بتوسده أي باتخاذ الحرير وسادة وافتراشه أي اتخاذه فراشا والنوم عليه وكذا ستر الحرير وتعليقه على الباب عند الإمام خلافا لهما لعموم النهي ولأنه من زي الأكاسرة والجبابرة والتشبه بهم حرام قال عمر رضي الله تعالى عنه إياكم وزي الأعاجم وبه قالت الأئمة الثلاثة وهذا الخلاف على قول القدوري وصاحب المنظومة والمجمع وذكر في الجامع الصغير الخلاف بين الإمام ومحمد وذكر أبو الليث أن أبا يوسف مع الإمام وله ما روي أنه عليه الصلاة والسلام جلس على مرفقة حرير وقد كان على بساط عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفقة حرير ولأن القليل من الملبوس مباح كالأعلام فكذا القليل من اللبس وهو التوسد والافتراش ولأنه ليس باستعمال كامل بل استعمال على سبيل الامتهان فكان قاصرا عن معنى الاستعمال والتزيين فلم يتعد حكم التحريم من اللبس الذي هو في الاستعمال إليه فلم يحرم بل كان ذلك تقليلا للبس وأنموذجا وترغيبا في نعيم الآخرة ونظيره انكشاف العورة في الصلاة فإن القليل منه لا يفسد وكذا الكثير في الزمان القليل كما في المطلب وغيره
ولا بأس بلبس ما سداه بالفتح أي
____________________
(4/194)
ما سدى من الثوب بالفارسية تان وتار إبريسم بكسر الهمزة وسكون الباء وكسر الراء وفتحها وحركات السين المهملة عربي أو معرب ولحمته ما أدخل بين السدى غيره أي غير الإبريسم سواء كان مغلوبا أو غالبا أو مساويا للحرير كالقطن والكتان والصوف يعني في الحرب وغيره لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يلبسون مثل هذا ولأن الثوب يصير بالنسج والنسج باللحمة فهي معتبرة لكونها علة قريبة فيضاف الحكم من الحل والحرمة إليها دون السدى فيكون العبرة لما يظهر دون ما يخفى وقيل لا يلبس إلا إذا غلب اللحمة على الحرير والصحيح الأول وهذا بالإجماع وعكسه أي ما لحمته إبريسم وسداه غيره لا يلبس إلا في الحرب لا في غيره وهذا أيضا بالإجماع للضرورة
ويكره لبس خالصه أي الحرير فيها أي في دار الحرب عند الإمام خلافا لهما فإن عندهما يجوز لما روي أنه عليه الصلاة والسلام رخص لبس الحرير والديباج في الحرب ولأن فيه ضرورة فإن الخالص منه أدفع لمضرة السلاح وأهيب في عين العدو لبريقه وله إطلاق النصوص الواردة في النهي عن لبس الحرير والضرورة اندفعت بالمخلوط الذي لحمته حرير فلا حاجة إلى الخالص منه
وفي المنح هذا إذا كان الثوب صفيقا يحصل به اتقاء العدو في الحرب أما إذا كان رقيقا لا يحصل منه الاتقاء فإن لبسه لا يحل بالإجماع لعدم الفائدة ولا بأس بلبس الفراء كلها من جلود السباع والأنعام وغيرها من
____________________
(4/195)
الميتة المدبوغة والذكية وكذلك الصوف والوبر واللبد لأنها عين طاهرة مباحة
وقال أبو يوسف أكره ثوب القز يكون بين الفرو والظهارة ولا أرى بحشو القز بأسا لأن الثوب ملبوس والحشو غير ملبوس
ويجوز للنساء التحلي بالذهب والفضة لا يجوز للرجال أما بالذهب فلما روينا وأما بالفضة فلأنها في معنى الذهب في التزين ووقوع التفاخر بها إلا الخاتم على هيئة خاتم الرجال أما إذا كان له فصان أو أكثر فحرام والمنطقة وحلية السيف من الفضة لأنها مستثناة مما لا يجوز للرجال تحقيقا لمعنى النموذج والفضة أغنت عن الذهب لأنهما من جنس واحد وقد ورد آثار في جواز التختم بالفضة وكان النبي عليه الصلاة والسلام اتخذ خاتما من فضة وكان في يده حتى توفي ثم في يد أبي بكر إلى أن توفي ثم في يد عمر إلى أن توفي ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنهم إلى أن وقع من يده في البئر فأنفق مالا عظيما في طلبه فلم يجده وقالوا إن قصد بالتختم التجبر فمكروه
وفي الاختيار سن أن يكون الخاتم على قدر مثقال أو دونه
و إلا مسمار الذهب في ثقب الفص لأنه تابع كالعلم في الثوب ولا يعد لابسا له و إلا كتابة الثوب بذهب أو فضة لأنه تبع للثوب ولا حكم له وفيه خلاف أبي يوسف
و إلا شد السن بالفضة ولا يجوز بالذهب عند الإمام خلافا لهما
وفي الهداية ولا يشد الأسنان بالذهب ويشد بالفضة وهذا عند الإمام وقال محمد لا بأس بالذهب أيضا وعن أبي يوسف مثل قول كل منهما فلهذا قال في التبيين عند الإمام وأبي يوسف لأن المحرم لا يباح إلا للضرورة وهي تندفع بالفضة
وقال محمد يجوز بالذهب أيضا لما روي عن عرفجة بن أسعد أصيب أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفا من فضة فأنتن فأمره عليه الصلاة والسلام أن يتخذ أنفا من ذهب وبه قالت الأئمة الثلاثة قلنا الكلام في السن والمروي في الأنف ولا يلزم من الإغناء في السن ألا يرى التختم لأجل الختم ثم لما وقع الاستغناء بالأدنى لا يصار إلى الأعلى ولا يجوز قياسه على الأنف فكذا هنا ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام خص عرفجة بذلك كما خص الزبير وعبد الرحمن رضي الله
____________________
(4/196)
تعالى عنهما بلبس الحرير لأجل الحكة في جسمهما
ولا يتختم بحجر ولا صفر ولا حديد لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن التختم من هذه الأنواع وقيل يباح بالحجر اليشب لأنه ليس بحجر إذا ليس له ثقل الحجر وإطلاق الجواب في الكتاب يدل على تحريمه كما في الهداية
وفي الدرر نقلا عن السرخسي والأصح أنه لا بأس به كالعقيق فإنه عليه السلام كان يتختم بالعقيق وقال تختموا بالعقيق فإنه مبارك وفي الخانية والصحيح أنه لا بأس به لأنه ليس بذهب ولا حديد ولا صفر بل هو حجر وتمامه فيه فليطالع
وفي المنح لأن حل العقيق لما ثبت حل سائر الأحجار لعدم الفرق بين حجر وحجر لكن يجوز التختم إن كانت الحلقة من الفضة والفص من الحجر سواء كان من عقيق أو زبرجد أو فيروزج أو غيرها لكونه تابعا ولأن القوام بها ولا يعتبر بالفص ويجعل الفص إلى باطن كفه بخلاف المرأة لأنه للزينة في حقها ويلبس خاتمه في اليسرى لا في اليمنى ولا في غير خنصره اليسرى من أصابعه وسوى الفقيه أبو الليث بين اليمين واليسار وهو الحق لاختلاف الروايات
وترك التختم أفضل لغير السلطان والقاضي لعدم احتياجه إليه بخلاف السلطان والقاضي كما في الهداية وفي المنح وظاهر كلامهم أنه لا خصوصية لهما بل الحكم في كل ذي حاجة كذلك فلو قيل وترك التختم أفضل لغير ذي حاجة إليه ليدخل فيه المباشر ومتولي الأوقاف وغيرهما ممن يحتاج إلى الختم لضبط
____________________
(4/197)
المال كان أعم فائدة كما لا يخفى انتهى لكن ذكر الشيء لا ينافي جريان الحكم على غير هذا الشيء عند وجود العلة وهي الحاجة والضرورة خصوصا في أمر الاستحباب تدبر
ويجوز الأكل والشرب من إناء مفضض والجلوس على سرير مفضض بشرط اتقاء موضع الفضة بأن لا يكون الفضة في موضع الفم عند الأكل والشرب وقيل يتقي موضع الفم واليد
وفي موضع الجلوس عنده هذا عند الإمام ويكره ذلك عند أبي يوسف مطلقا وعن محمد روايتان في رواية مع الإمام
وفي رواية مع أبي يوسف وعلى هذا الخلاف الإناء المضبب بالذهب والفضة والكرسي المضبب بهما وكذا إذا فعل ذلك في السقف والمسجد وحلقة المرآة أي جعل المصحف مذهبا أو مفضضا كما لو جعله في نصل سيف وسكين أو قبضتهما أو في لجام أو ركاب ولم يضع يده موضع الذهب والفضة كما في التنوير وفي الهداية وغيرها وهذا الاختلاف فيما يخلص وأما التمويه الذي لا يخلص فلا بأس به بالإجماع لأنه مستهلك فلا عبرة لبقائه لونا لهما إن مستعمل جزء من الإناء مستعمل جميع الأجزاء فيكره كما إذا استعمل موضع الذهب والفضة وللإمام أن ذلك تابع ولا تعتبر بالتوابع فلا يكره كالجبة المكفوفة بالحرير والعلم في الثوب
ويكره إلباس الصبي ذهبا أو حريرا لئلا يعتاده والإثم على الملبس كالخمر فإن سقيها الصبي
____________________
(4/198)
حرام كشربها وكذا الميتة والدم والتنوير لا بأس بلبس الصبي اللؤلؤ وكذا البالغ ويكره حمل خرقة لمسح العرق أو المخاط أو ماء الوضوء إن للتكبر وإن للحاجة فلا هو الصحيح لأنه نوع تجبر لكن الصحيح أنها إن كانت لحاجة لا يكره كما في الهداية وغيرها والرتم وهو الخيط الذي يعقد على الأصبع لتذكر الشيء لا بأس به لأنه ليس بعبث لما فيه من الغرض الصحيح وهو التذكر عند النسيان أما شد الخيوط والسلاسل على بعض الأعضاء فإنه مكروه لكونه عبثا محضا أو حاصله أن كل ما فعل على وجه التجبر فهو مكروه وبدعة وما فعله لحاجة وضرورة لا يكره وهما نظير التربع في الجلوس والاتكاء
فصل في بيان أحكام النظر ونحوه كالمس ويحرم النظر إلى العورة إلا عند الضرورة كالطبيب أي له النظر إلى موضع النظر ضرورة فيرخص له إحياء لحقوق الناس ودفعا لحاجتهم والخاتن والخافضة بالخاء والضاد المعجمة هي التي تختن النساء والقابلة والحاقن الذي يعمل الحقنة ولا يتجاوز كل واحد منهم قدر الضرورة فإنه يلزم أن يغضوا أبصارهم من غير
____________________
(4/199)
موضع المرض والختان والحقنة
وفي التبيين وينبغي للطبيب أن يعلم امرأة إذا كان المريض امرأة إن أمكن لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف وإن لم يمكن يستر كل عضو منها سوى موضع المرض ثم ينظر ويغض بصره عن غير ذلك الموضع ما استطاع لأن ما يثبت للضرورة يتقدر بقدرها
وينظر الرجل من الرجل إلى ما سوى العورة وقد بينت في الصلاة أن العورة ما بين السرة إلى الركبة والسرة ليست بعورة خلافا لما يقوله أبو عصمة والشافعي والركبة عورة خلافا للشافعي ثم حكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ وفي الفخذ أخف منه في السوأة حتى ينكر عليه في كشف الركبة برفق وفي الفخذ بعنف
وفي السوأة بضرب إن أصر وفي القهستاني والأولى تنكير الرجل لئلا يتوهم أن الثاني عين الأول وكذا الكلام فيما بعد وفيه إشعار بأنه لا بأس بالنظر إلى الأمرد الصبيح الوجه وكذا الخلوة ولذا لم يؤمر بالنقاب كما في التجنيس انتهى
وتنظر المرأة المسلمة من المرأة لوجود المجانسة وانعدام الشهوة غالبا لأن المرأة لا تشتهي المرأة كما لا يشتهي الرجل الرجل ولأن الضرورة داعية إلى الانكشاف فيما بينهن وعن الإمام إن نظر المرأة إلى المرأة كنظر الرجل ذوات محارمه والأول أصح كما في أكثر المعتبرات
و من الرجل إلى ما ينظر الرجل من الرجل أي إلى ما سوى العورة إن أمنت الشهوة وذلك لأن ما ليس بعورة لا
____________________
(4/200)
يختلف فيه النساء والرجال فكان لها أن تنظر منه ما ليس بعورة وإن كانت في قلبه شهرة أو في أكبر رأيها إنها تشتهي أو شكت في ذلك يستحب لها أن تغض بصرها ولو كان الرجل هو الناظر إلى ما يجوز له النظر منها كالوجه والكف لا ينظر إليه حتما مع الخوف وإنما قيدنا بالمسلمة لأن الذمية كالرجل الأجنبي في الأصح إلى بدن المسلمة كما في المجتبى
وفي المجتبى والتنوير وكل عضو لا يجوز النظر إليه قبل الانفصال لا يجوز بعده وهو الأصح كشعر رأسها
وينظر الرجل إلى جميع بدن زوجته وأمته التي يحل له أي للرجل وطؤها لقوله عليه الصلاة والسلام غض بصرك إلا عن زوجتك وأمتك قيل الأولى أن لا ينظر كل واحد منهما إلى عورة صاحبه لأنه يورث النسيان وكذا لا ينظر الرجل عورة نفسه لأن الصديق رضي الله تعالى عنه لا ينظر إلى عورته ولا يمسها بيمينه قط وقال البعض إن الأولى أن ينظر إلى فرج امرأته وقت الوقاع ليكون أبلغ في تحصيل معنى اللذة وقيد الأمة بكونها يحل له وطؤها لأن ما لا يحل وطؤها كأمته المشتركة أو المنكوحة للغير أو المجوسية لا يحل له النظر إلى فرجها و ينظر من محارمه نسبا ورضاعا أو مصاهرة بالنكاح وكذا بالسفاح على الأصح كما في القهستاني ولذا قال في المنح وغيره والمصاهرة وإن كان زنا
و من أمة غيره ولو مكاتبة أو مدبرة أو أم ولد أو معتقة البعض عنده إلى الوجه والرأس والصدر والساق والعضد إن أمن شهوته لقوله تعالى ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن إذ المراد بالزينة مواضع الزينة بطريق حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لأن الرأس موضع التاج والشعر موضع العقاص والوجه موضع الكحل والعنق موضع القلادة التي تنتهي إلى الصدر والأذن موضع القرط والعضد موضع الدملوج والساعد موضع السور والكف موضع الخاتم والساق موضع الخلخال والقدم موضع الخضاب فحل النظر للمحارم إلى تلك الأعضاء لأن المرأة تكون في بيتها في ثبات مهنتها عادة ولا تكون مستترة ويدخل عليهن بعض المحارم من غير استئذان فلو حرم النظر إلى هذه المواضع يؤدي إلى الحرج
____________________
(4/201)
وكذا الرغبة تقل للحرمة المؤبدة فقلما تشتهى بخلاف ما وراءها لأنها لا تنكشف عادة وحكم أمة الغير كحكم المحرم لأنها تحتاج إلى الخروج لحوائج مولاها في ثياب مهنتها وكان عمر رضي الله تعالى عنه إذا رأى جارية مقنعة يضربها بالدرة ويقول ألقي عنك الخمار يا دفار أتتشبهين بالحرائر ولا يحل النظر إلى بطنها وظهرها خلافا لمحمد بن مقاتل فإنه قال ينظر إلى ظهرها وبطنها
ولا بأس بمسه أي بمس الرجل المواضع التي يحل النظر إليها من محارمه وأمة غيره بشرط أمن الشهوة في النظر والمس لتحقق الحاجة إلى ذلك بالإركاب والإنزال في المسافرة والمخالطة وكان عليه الصلاة والسلام يقبل رأس بنته فاطمة رضي الله عنها ويقول أجد منها ريح الجنة ولا ينظر الرجل إلى البطن والظهر والفخذ وإن وصلية أمن أي عن الشهوة لأنها ليست مواضع الزينة
وقال الشافعي يجوز أن ينظر إلى ظهر محارمه وبطنها
ولا ينظر الرجل إلى الحرة الأجنبية إلا إلى الوجه والكفين إن أمن الشهوة لأن إبداء الوجه والكف يلزمها بالضرورة للأخذ والإعطاء ولا ينظر إلى قدميها لعدم الضرورة في إبدائهما في ظاهر الرواية وعن الإمام يحل النظر إلى قدميها إذا ظهرتا في حال المشي وعن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعها أيضا لأنها قدر يبدو منها عادة وإلا أي وإن لم يأمن الشهوة ولا يجوز النظر إلى الوجه والكفين لقوله عليه الصلاة والسلام من نظر إلى محاسن امرأة بشهوة صبت في عينيه الآنك يوم القيامة قالوا ولا بأس بالتأمل في جسدها وعليها ثياب ما لم يكن ثوب يبين حجمها فيه فلا ينظر إليه حينئذ كما في التبيين لغير الشاهد
____________________
(4/202)
عند الأداء فلا يجوز عند التحمل أن ينظر مع عدم أمن الشهوة في الأصح لأن وجود من لا يشتهي في التحمل ليس بمعدوم بخلاف من يؤديها وقيل يباح كما في النظر عند الأداء والحاكم عند الحكم وإن لم يأمنا لأنهما مضطران إليه في إقامة الشهادة والحكم عليها كما يجوز له النظر إلى العورة لإقامة الشهادة على الزنا ولا يجوز مس ذلك أي الوجه والكفين
وإن أمن الشهوة إن كانت المرأة شابة قال عليه الصلاة والسلام من مس كف امرأة ليس منها سبيل وضع على كفه جمرة يوم القيامة ولأن اللمس أغلظ من النظر لأن الشهوة فيه أكثر ويجوز مسه إن كانت عجوزا لا تشتهى لانعدام خوف الفتنة أو هو شيخ يأمن على نفسه وعليها وإن كان لا يأمن نفسه أو عليها لا يحل له مصافحتها لما فيه من التعرض للفتنة ويجوز النظر والمس مع خوف الشهوة عند إرادة الشراء للضرورة
وفي الهداية وأطلق أيضا في الجامع الصغير ولم يفصل بين وجود الشهوة وعدمها سواء كان في النظر أو في المس حيث قال رجل أراد أن يشتري جارية لا بأس بأن يمس ساقها وذراعها وصدرها وينظر إلى صدرها وساقها مكشوفين وقال مشايخنا يباح النظر في هذه الحالة وإن اشتهى للضرورة ولا يباح المس إذا اشتهى أو كان أكثر رأيه ذلك لأنه نوع استمتاع
وفي الاختيار إذا أراد الرجل الشراء يباح له النظر مع الشهوة دون المس انتهى فعلى هذا يلزم للمصنف التفصيل أو النكاح فلا بأس أن ينظر إليها مع الشهوة لما روي أن المغيرة أراد أن يتزوج امرأة فقال عليه الصلاة
____________________
(4/203)
والسلام انظر إليها فإنه أحرى أن يدوم بينكما
والعبد مع سيدته كالأجنبي من الرجال حتى لا يجوز لها أن تبدي من زينتها إلا ما يجوز أن تبديه للأجنبي ولا يحل له أن ينظر من سيدته إلا ما يجوز أن ينظر إليه من الأجنبية
وقال مالك هو كالمحرم وهو أحد قولي الشافعي والمجبوب والخصي كالفحل أما المجبوب فإنه يستحق فينزل قيل إن جف ماء المجبوب يحل اختلاطه بالنساء في حقه وقيل لا يحل في الأصح وأما الخصي فلقول عائشة رضي الله عنها الخصاء مثلة فلا يبيح ما كان حراما قبله ولأنه فحل يجامع وكذا المخنث في الرديء من الأفعال كالفحل الفاسق
ويكره للرجل أن يقبل الرجل سواء كان فمه أو يده أو عضوا منه وكذا تقبيل المرأة فم امرأة أو خدها عند اللقاء والوداع أو يعانقه في إزار بلا قميص عند الطرفين وعند أبي يوسف لا يكره لما روي أنه عليه الصلاة والسلام عانق جعفر عند قدومه من الحبشة وقبل ما بين عينيه ولهما ما روى أنس رضي الله تعالى عنه قال قلنا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أيعانق بعضنا لبعض قال لا قلنا أيصافح بعضنا لبعض قال نعم قالوا الخلاف فيما إذا لم يكن عليهما غير الإزار أما إذا كان عليهما قميص أو جبة بالإجماع
وقال الإمام أبو المنصور إن المكروه من المعانقة ما كان على وجه الشهوة وأما على وجه البر والكرامة فجائز عند الكل ولا بأس بالمصافحة لأنها سنة قديمة متوارثة في السنة والسنة في المصافحة بكلتا يديه ولا يجوز للرجل مضاجعة الرجل وإن كان كل واحد منهما في جانب عن
____________________
(4/204)
الفراش كما في التنوير
و لا بأس تقبيل يد العالم أو الزاهد إعزازا للدين أو السلطان العادل لعدله ويد غيرهم بتعظيم إسلامه وإكرامه كما في القهستاني وقال سفيان الثوري تقبيل يد العالم أو السلطان العادل سنة فقام عبد الله بن مبارك فقبل رأسه لكن تقبيل رأس العالم أجود
وقال شرف الأئمة لو طلب من عالم أو زاهد أن يدفع إليه قدمه ليقبله لم يجبه وقيل أجابه لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم يقبلون أطراف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كما في الاختيار
وفي التنوير وتقبيل يد نفسه مكروه كتقبيل الأرض بين يدي العلماء والسلاطين فإنه مكروه والفاعل والراضي آثمان لأنه يشبه عبادة الوثن هذا على وجه التحية فلو كان على وجه العبادة يكفر وكذا من سجد له على وجه التحية لا يكفر ولكن يصير آثما مرتكبا للكبيرة
وفي الظهيرية أنه يكفر بالسجدة مطلقا وقال شمس الأئمة السرخسي السجود لغير الله تعالى على وجه التعظيم كفر
وفي الاختيار ومن أكره على أن يسجد للملك أفضل أنه لا يسجد لأنه كفر
____________________
(4/205)
ولو سجد عند السلطان على وجه التحية لا يصير كافرا
وفي القهستاني الإيماء في السلام إلى قريب الركوع كالسجود
وفي العمادية ويكره الانحناء لأنه يشبه فعل المجوس وفي القهستاني يكره عند الطرفين إلا عند أبي يوسف
وفي القنية قيام الجالس في المسجد لمن دخل عليه تعظيما له وكذا القيام لغيره ليس بمكروه لعينه وإنما المكروه محبة القيام ممن يقام له فإن لم يحب القيام وقاموا له لا يكره لهم وكذا لا يكره قيام قارئ القرآن لمن يجيء عليه تعظيما له إذا كان ممن يستحق التعظيم وقيل له أن يقوم بين يدي العالم تعظيما له فأما في حق غيره فلا يجوز
ويعزل المولى ماءه عن أمته عند الجماع بلا إذنها أي الأمة لأنه لا حق لها في الوطء لا يعزل الزوج عن زوجته إلا بالإذن لأن لها حقا في الوطء ولا تعرض الأمة إذا بلغت في إزار واحد لوجود الاشتهاء والمراد بالإزار ما يستر بين السرة إلى الركبتين لأن ظهرها وبطنها عورة فلا يجوز كشفهما
فصل في بيان أحكام الاستبراء وهو طلب البراءة مطلقا وهنا طلب براءة الرحم من ملك أمة رقبة ويدا بشراء أو غيره
____________________
(4/206)
كهبة ورجوع عنها أو خلع أو صلح أو كتابة أو عتق عبد أو صدقة أو وصية أو ميراث أو فسخ بيع بعد القبض أو دفع بجناية أو نحو ذلك يحرم عليه أي على المالك وطؤها و يحرم دواعيه أي دواعي الوطء كالمس والقبلة والنظر إلى الفرج لإفضائها إلى الوطء أو لاحتمال وقوعها في غير ملكه إذا ظهر الحبل وادعاء البائع هذا رد لمن قال لا يحرم الدواعي لأن الوطء إنما حرم لئلا يختلط الماء ويشتبه النسب وهذا معدوم في الدواعي حتى يستبرئ المالك بحيضة فيمن تحيض وبشهر في غيرها أي تستبرئ بشهر واحد في الصغيرة والآيسة والمنقطعة الحيض فإن الشهر قائم مقام الحيض في العدة فكذا في الاستبراء وإذا حاضت في أثنائه بطل الاستبراء بالأيام لأن القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل يبطل حكم البدل كالمعتدة بالشهور إذا حاضت
وفي الهداية والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام في سبايا أوطاس ألا لا توطئوا الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة وهذا يفيد وجوب الاستبراء بسبب إحداث الملك واليد لأنه هو الموجب في مورد النص وهذا لأن الحكمة فيه التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحرمة عن الاختلاط والأنساب عن الاشتباه والولد عن الهلاك وذلك عند تحقق الشغل أو توهمه بماء محترم
وفي أمة مرتفعة الحيض لآفة بأن صارت ممتدة الطهر وهي ممن تحيض لا بإياس يجب الاستبراء بثلاثة أشهر لأنها عدة الآيسة والصغيرة ليتبين أنها ليست بحامل وفي أكثر المعتبرات لا تفيد في ظاهر الرواية عند الشيخين وعند محمد بأربعة أشهر
____________________
(4/207)
وعشر لأنها مدة فراغ رحم الحرة المتوفى عنا زوجها وفي رواية عن محمد بنصفها أي بشهرين وخمسة أيام
وفي المنح نقلا عن الكافي والفتوى عليه لأن هذه المدة متى صلحت للتعرف عن شغل يوهم بالنكاح في الإماء فلأن يحصل للتعرف عن شغل يتوهم بملك اليمين وهو دونه أولى
وفي الأمة الحامل الاستبراء بوضعه أي بوضع حملها لما روينا آنفا
ولو وصلية كانت الأمة بكرا متصل بقوله يحرم أو مشرية من امرأة أو من مال طفل بأن باع أبوه أو وصيه وكذا الحكم إذا اشتراه من مال ولده الصغير كما في الغاية أو ممن يحرم عليه وطؤها كالمحرم رضاعا أو مصاهرة أو نحو ذلك ولكن غير ذي رحم محرم حتى لا تعتق الأمة عليه وإنما حرمت عليه إقامة لتوهم شغل الرحم مقام تحققه لوجود السبب وهو الملك واليد إذ الحكم يدار على السبب وعن أبي يوسف إذا تيقن بفراغ رحمها من ماء البائع لم يستبرأ
وفي الإصلاح في هذا المحل كلام
وفي شرح الوقاية لابن الشيخ جواب إن شئت فراجعهما
ويستحب الاستبراء للبائع أي يستحب لمن يريد بيع أمته الموطوءة أن يستبرئها بترك الوطء تجنبا عن احتمال اشتغال رحم ما أراد بيعها بمائة ولا يجب عليه لأن ملك البائع قائم ويقتضي جواز وطئها خلافا لمالك ولا تكفي فيما يكفي في الاستبراء حيضة ملكها المشتري فيها أي في الحيضة يعني لا يعتبر بالحيضة التي اشترى بها في خلال الحيضة لأن الواجب عليها الحيضة الكاملة ولا تكفي الحيضة التي حدثت بعد تملكها بسبب من
____________________
(4/208)
الأسباب قبل القبض أي الأمة لأنها وجدت قبل علته وهو الملك واليد جميعا فلا يعتبر أحدهما أو التي حاضت بها قبل الإجازة في بيع الفضولي أي باعها الفضولي فحاضت قبل الإجازة وإن كانت في يد المشتري كما لا يعتبر بالحاصل بعد القبض في الشراء الفاسد قبل أن يشتريها شراء صحيحا لانتفاء العلة
وكذا الولادة أي لا تكفي الولادة التي حصلت بعد سبب الملك قبل القبض لانتفاء العلة خلافا لأبي يوسف وتكفي حيضة وجدت تلك الحيضة بعد القبض وهي أي والحال أن الأمة مجوسية فأسلمت لأنها وجدت بعد سببه وحرمة الوطء لمانع وقد زال كما في حالة الحيض وكذا المكاتبة بأن كاتبها بعد الشراء فعجزت
ويجب الاستبراء عند تملك نصيب شريكه في الأمة المشتركة بينهما لأن السبب قد تم في ذلك الوقت والحكم يضاف إلى تمام العلة لا يجب عند عود الأمة الآبقة ورد المغصوبة والمستأجرة على صيغة المفعول وفك المرهونة لما مر من انعدام السبب هذا إن أبقت في دار الإسلام ثم رجعت أما إن أبقت إلى دار الحرب ثم عادت إليه بوجه من الوجوه فكذلك عند الإمام وعندهما يجب عليه الاستبراء
ولا تكره الحيلة لإسقاطه أي الاستبراء عند أبي يوسف خلافا لمحمد إذ عنده مكروهة وأخذ بالأول أي بعدم كراهة الحيلة إن علم عدم الوطء من المالك الأول في هذا الطهر و أخذ بالثاني أي بكراهة الحيلة إن احتمل الوطء منه
وفي الدرر وبه يفتى والحيلة في إسقاطه إن لم تكن تحته أي تحت المشتري حرة أن يتزوجها أي الأمة التي يريد شراءها من سيدها ثم يشتريها بعد
____________________
(4/209)
تسليمها المولى إليه ذكر هذا القيد في الخانية ولا بد منه كي لا يوجد القبض بحكم الشراء بعد فساد النكاح بالشراء فيجب الاستبراء بالقبض بحكم الشراء قيل لا يكفي القبض بل يشترط أن يطأ الزوج قبل الشراء لأن ملك النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين فلا توجد الأمة عند الشراء منكوحة ولا معتدة فيجب الاستبراء لتحقق سببه وهو استحداث حل الوطء بملك اليمين أما إذا وطئها تصير معتدة فلا يجب الاستبراء
وإن كانت تحته حرة فأن يزوجها البائع إلى شخص ممن يثق به قبل البيع أو يزوجها المشتري بشرط أن يكون أمرها بيدها بعد البيع أي بيع البائع منه قبل القبض ثم يطلق الزوج قبل الدخول بعد الشراء والقبض إن كان التزويج من البائع قبل البيع أو بعد القبض إن كان التزويج من المشتري بعد البيع قبل القبض يعني الحيلة أن ينكحها البائع قبل شراء المشتري رجلا عليه اعتماد أن يطلقها ثم يشتري المشتري ثم يطلق الزوج فإنه لا يجب الاستبراء لأنه اشترى منكوحة الغير ولا يحل وطؤها فلا استبراء فإذا طلقها الزوج قبل الدخول حل على المشتري وحينئذ لم يوجد حدوث الملك فلا استبراء أو ينكحها المشتري قبل القبض ذلك الرجل ثم يطلقها الزوج فإن الاستبراء يجب بعد القبض وحينئذ لا يحل الوطء فإذا حل بعد طلاق الزوج لم يوجد حدوث الملك
ومن ملك أمتين لا يجتمعان والجملة صفة أمتين كما في الفرائد لكن في القهستاني والجملة حال لا صفة بحذف اللتين فإنه مما اختلف فيه ولم يجوزه البصرية نكاحا كأختين أو بنت وأمها نسبا أو رضاعا فله أي للمالك وطء إحداهما فقط لا وطؤهما ودواعيه أي دواعي وطء تلك الواحدة فقط دون وطء الأخرى ودواعيه كالتقبيل بشهوده والمس بها فإن وطئهما أو فعل بهما شيئا من الدواعي حرم عليه وطء كل منهما ودواعيه حتى يحرم إحداهما بتمليك أو نكاح صحيح لآخر أو عتق
____________________
(4/210)
211 فصل في البيع أي في بيع العذرة وغيرهما ويكره بيع العذرة وهي رجيع الآدمي خالصة لأن العادة لم تجر بالانتفاع بها وإنما ينتفع بها برماد أو تراب غالب عليها بالإلقاء في الأرض فحينئذ يجوز بيعها وعن هذا قال وجاز بيعها لو مخلوطة برماد أو تراب في الصحيح
وفي التبيين والصحيح عن الإمام أن الانتفاع بالعذرة الخالصة جائز
وجاز بيع السرقين مطلقا في الصحيح عندنا لكونه مالا منتفعا به لتقوية الأرض في الإنبات وعند الأئمة الثلاثة لا يجوز بيع السرقين كالعذرة مطلقا لأنها من الأنجاس
والانتفاع من العذرة الخالصة والمخلوطة والسرقين
____________________
(4/211)
كالبيع في الحكم فما كان بيعه غير جائز يكون الانتفاع به غير جائز وما كان بيعه جائزا يكون الانتفاع به جائزا
ومن رأى جارية رجل مع آخر يبيعها قائلا وكلني صاحبها أي صاحب الجارية ببيعها أو اشتريتها أي الجارية منه أي من صاحبها أو وهبها لي صاحبها أو تصدق صاحبها بها أي بالجارية علي ووقع في قلبه أي في قلب الرائي صدقه أي صدق البائع القائل بهذه الكلمات حل له أي للرائي شراؤها أي الجارية منه أي من البائع القائل و حل له وطؤها أيضا بعد الشراء لأنه أخبر بخبر صحيح لا منازع له وقول الواحد في المعاملات مقبول على أي وصف كان لما مر وهذا إذا كان ثقة وكذا إذا كان غير ثقة وأكبر رأيه أنه صادق لأن عدالة المخبر في المعاملات غير لازمة للحاجة وإن كان أكبر رأيه أنه كاذب لا يسع له أن يتعرض لشيء من ذلك كما في الهداية
ويجوز بيع بناء مكة لكونه ملك من بناها وهذا بالإجماع ألا يرى أن من بنى على الأرض الوقف جاز بيعه فهذا كذلك ويكره بيع أرضها أي أرض مكة وإجارتها عند الإمام لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال مكة حرام لا تباع رباعها ولا تؤجر بيوتها ولأن الحرم وقف الخليل عليه الصلاة والسلام ولقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من أكل أجور أرض مكة فكأنما أكل الربا خلافا لهما لأنها مملوكة لهم لظهور الاختصاص الشرعي بها فصار كالبناء وقوله عليه الصلاة والسلام وهل ترك لنا عقيل من ربع دليل على أن أرضها تملك وتقبل الانتقال من ملك إلى ملك وقد تعارف الناس بيع أراضيها والدور التي فيها من غير نكير وهو من أقوى الحجج وبه قال الشافعي وقولهما رواية عن الإمام
وفي شرح الكنز للعيني وبه يفتى
ويكره
____________________
(4/212)
الاحتكار في أقوات الآدميين كالبر ونحوه والبهائم كالشعير والتبن ببلد يضر بأهله لأنه تعلق به حق العامة قيد بقوله يضر بأهله لأنه لو كان المصر كبيرا لا يضر بأهله فليس بمحتكر لأنه حبس ملكه ولا ضرر فيه لغيره وعند أبي يوسف لا يختص بالأقوات بل يكره الاحتكار في كل ما يضر احتكاره بالعامة ولو وصلية كان ذهبا أو فضة أو ثوبا أو نحو ذلك لأنه اعتبر حقيقة الضرر إذ هو المؤثر في الكراهة وعند محمد لا احتكار في الثياب
واختلفوا في مدة حبس القوت المكروه قيل هي أربعون يوما لقوله عليه الصلاة والسلام من احتكر أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه وقيل شهر لأن ما دونه قليل عاجل كما مر هذا في حق المعاقبة في الدنيا لكن الإثم يلزم في مدة قليلة لكون التجارة غير محمودة في الطعام
وإذا رفع إلى الحاكم حال المحتكر أمره أي القاضي المحتكر ببيع ما يفضل عن حاجته أي عن قوته
____________________
(4/213)
وقوت عياله ودوابه فإن امتنع المحتكر عن البيع حبسه القاضي وعزره و باع عليه وقيل لا يبيع عند الإمام وعندهما يبيع وقيل يبيعه بالإجماع وهو الصحيح كما في المنح وغيره فلذا أتى بصورة الاتفاق
ولا احتكار في غلة ضيعته لأنه خالص حقه ولا فيما جلبه من بلد آخر عند الإمام لعدم تعلق أهل بلد بطعام بلد آخر وعند أبي يوسف يكره أن يحبس ما جلبه من بلد آخر لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام من احتكر فهو خاطئ
وكذا يكره عند محمد إن كان يجلب منه إلى المصر عادة فهو بمنزلة فناء المصر لتعلق حق العامة بخلاف ما إذا كان البلد بعيدا لم تجر العادة بالحمل منه إلى المصر لأنه لم يتعلق به حق العامة وهو أي قول محمد المختار هذا لم يوجد في الكتب التي أخذ المصنف مسائل كتابه منها كما في الفرائد
ويجوز بيع العصير أي عصير العنب ممن يعلم أنه يتخذه خمرا لأن المعصية لا تقوم بنفس العصير بل بعد تغيره فصار عند العقد كسائر الأشربة من عمل ونحوه بخلاف بيع السلاح من أهل الفتنة لأن المعصية تقوم بعينه
ولو باع مسلم خمرا وأوفى دينه من ثمنها كره لرب الدين أخذه يعني كان لمسلم دين على مسلم فباع الذي عليه دين خمرا وأخذ ثمنها وقضى به الدين لا يحل للدائن أن يأخذ ثمن الخمر بدينه
وإن كان المديون ذميا لا يكره
____________________
(4/214)
والفرق أن البيع في الوجه الأول باطل لأن الخمر ليس بمال متقوم في حق المسلم فبقي الثمن على ملك المشتري فلا يحل أخذه
وفي الوجه الثاني أن البيع صحيح لأنه مال متقوم في حق الكافر فيملكه البائع فيحل الأخذ منه
ويكره التسعير لقوله عليه الصلاة والسلام لا تسعروا فإن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق ولأن الثمن حق العاقد فلا ينبغي له أن يتغرض لحقه إلا إذا تعدى أرباب الطعام في القيمة تعديا فاحشا كالضعف وعجز الحاكم عن صيانة حقوقهم إلا بالتسعير فلا بأس حينئذ به أي بالتسعير بمشورة أهل الخبرة أي أهل الرأي والبصارة لأن فيه صيانة حقوق المسلمين عن الضياع فإن باع بأكثر مما سعره أجازه القاضي قيل إذا خاف البائع أن يضربه الحاكم إن نقص من سعره لا يحل ما باعه لكونه من معنى المكره فالحيلة فيه أن يقول له المشتري يعني ما تحبه فحينئذ بأي شيء باع يحل كما في الاختيار وغيره لكن في الهداية وغيرها ومن باع منهم بما قدر الإمام صح لأنه غير مكره على البيع وإن لم يؤجر الرضي في التقدير فالمشتري إذا وجد المبيع ناقصا منه له أن يرجع على البائع بالنقصان لأن المقدر المعروف كالمشروط
ويجوز شراء ما لا بد للطفل منه مثل النفقة والكسوة وبيعه أي بيع ما لا بد للطفل من بيعه لأخيه وعمه وأمه وملتقطه إن هو أي الطفل
____________________
(4/215)
في حجرهم
وقال الشافعي ومالك لا يجوز شراؤهم وبيعهم له إلا بأمر الحاكم وتؤجره أي الطفل أمه فقط إذا كان في حجرهم لأنها تملك إتلاف منافعه بغير عوض بأن تستخدمه فتملك إتلافها بعوضه والإجارة بالأولوية دون الأخ والعم والملتقط فإنهم لا يتملكون إتلاف منافعه ولو في حجرهم هذه رواية الجامع الصغير
وفي رواية القدوري يجوز أن يؤجره الملتقط ويسلمه في صناعة فجعله من النوع الأول وهذا أقرب لأن فيه ضرورة ونفعا محضا للصغير وأما الأب والجد ووصيهما فإنهم يتملكون التصرف بحكم الولاية ولهذا لا يشترط أن يكون في أيديهم وحجرهم
فصل في المتفرقات تجوز المسابقة بالسهام والخيل والحمير والإبل والأقدام لقوله عليه الصلاة والسلام لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر والمراد بالخف الإبل وبالنصل الرمي وبالحافر الفرس والبغل
وفي الحديث سابق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم فسبق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولأنه يحتاج إليه في الجهاد للكر والفر وكل ما هو من أسباب الجهاد فتعلمه مندوب إليه سعيا في إقامة هذه الفريضة وعن النبي عليه الصلاة والسلام لا تحضر الملائكة شيئا من الملاهي سوى النضال والرهان
وإن شرط فيها أي في المسابقة جعل من إحدى الجانبين مثل أن يقول أحدهما لصاحبه إن سبقتني أعطيك كذا وإن سبقتك لا آخذ منك شيئا أو شرط فيها جعل من ثالث لأسبقهما مثل أن يقول ثالث للمتسابقين أيكما سبق له علي كذا جاز لأنه تحريض على آلة الحرب والجهاد لقوله عليه الصلاة والسلام المؤمنون عند شروطهم
وفي القياس لا يجوز لأنه تعليق المال بالحظر وعند الأئمة الثلاثة لا يجوز في الأقدام
وإن شرط من كلا الجانبين يحرم بأن يقول إن سبق فرسك أعطيتك كذا وإن سبق فرسي فأعطني كذا لأنه يصير قمارا والقمار حرام إلا أن يكون بينهما فرس محلل كفء لهما أي لفرسيهما
____________________
(4/216)
يتوهم أنه يسبقهما إن سبقهما أخذ الجعل منهما وإن سبقاه لا يعطيهما شيئا أو بالعكس يعني شرط أيهما لو سبقاه يعطيهما ولو سبقهما لا يأخذ شيئا منهما كما في التسهيل وفيما بينهما أيهما سبق أخذ المال المشروط من الآخر لأن بالمحلل خرج من أن يكون قمارا فيجوز وإن لم يكن الفرس المحلل مثلهما لم يجز لأنه لا فائدة في إدخاله بينهما فلم يخرج حينئذ من أن يكون قمارا
وعلى هذا لو اختلف عالمان اثنان في مسألة وأرادا الرجوع إلى شيخ فاضل وجعلا على ذلك جعلا قال في المنح لو وقع الاختلاف بين اثنين وشرط أحدهما لصاحبه أنه إن كان الجواب كما قلت أعطيتك كذا وإن كان كما قلت لا آخذ منك شيئا فهذا جائز لأنه لما جاز في الأفراس لمعنى يرجع إلى الجهاد يجوز هنا للحث على الجهد في طلب العلم لأن الدين يقوم بالعلم كما يقوم بالجهاد
ووليمة العرس سنة قديمة وفيها مثوبة عظيمة ومن دعي إليها فليجب وإن لم يجب أثم لقوله عليه الصلاة والسلام من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله فإن كان صائما أجاب ودعا وإن لم يكن صائما أكل ودعا وإن لم يأكل أثم وجفا كما في الاختيار ولا يرفع منها أي من الوليمة شيئا ولا يعطي سائلا إلا بإذن صاحبها لأن الإذن في الأكل دون الرفع والإعطاء
وإن علم المدعو أن فيها لهوا لا يجيب سواء كان ممن يقتدى به أو لا لأنه لا يلزمه إجابة الدعوة إذا كان هناك منكر قال علي رضي الله تعالى عنه صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرأى في البيت تصاوير فرجع بخلاف ما هجم عليه لأنه قد لزمه
وإن لم يعلم أن ثمة لهوا حتى حضر فإن قدر على المنع فعل المنع لأنه نهي عن منكر ولا
____________________
(4/217)
أي وإن لم يقدر عليه فإن كان مقتدى به أو كان اللهو على المائدة فلا يقعد لأن في ذلك شين الدين وفتح باب المعصية على المسلمين وقال تعالى فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين وإلا أي وإن لم يكن مقتدى به ولم يكن اللهو على المائدة فلا بأس بالقعود والصبر فصار كتشييع الجنازة إذا كان معها نياحة حيث لا يترك التشييع والصلاة عليها لما عندها من النياحة كذا هنا
وقال الإمام ابتليت به أي باللهو مرة فصبرت وهو أي قول الإمام محمول على ما قبل أن يصير مقتدى به إذ قد عرفت أنه لا رخصة للمقتدى به ودل قوله ابتليت على حرمة كل الملاهي حتى التغني بضرب القضيب لأن الابتلاء إنما يكون بالمحرم قيل إن الابتلاء لا ينفك عن الشر ولو في المآل فلا يرد ما قاله في الإصلاح من أنه وفيه نظر لأن الابتلاء يستعمل فيما هو محظور العواقب ولو كان مباحا ومنه قوله عليه الصلاة والسلام من ابتلي بالقضاء الحديث انتهى لأن الابتلاء يستعمل فيما يوجد فيه الشر كما هنا وفيما يفضي إليه غالبا كما في القضاء ولذا قالوا هنا دل هذا على حرمة كل الملاهي ولم يقولوا دل على حرمة كل ما يطلق عليه كما في شرح الوقاية لابن الشيخ قيل الصبر على الحرام لإقامة السنة لا يجوز يقال الظاهر أنه يجلس معرضا عن اللهو منكرا له غير مشتغل ولا متلذذ به فلم يتحقق منه الجلوس على اللهو فعلى هذا لا يكون مبتلى بحرام
والكلام منه أي بعضه ما يؤجر به كالتسبيح ونحوه كالتحميد والتكبير والتهليل والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام والأحاديث النبوية وعلم الفقه قال الله تعالى والذاكرين الله كثيرا والذاكرات الآية وقد يأثم به أي بالتسبيح ونحوه إذا فعله في مجلس الفسق وهو
____________________
(4/218)
يعلمه لما فيه من الاستهزاء والمخالفة لموجبه
وإن قصد به أي بنحو التسبيح فيه أي في مجلس الفسق الاعتبار والاتعاظ والإنكار لأفعال الفاسقين وأن يشتغلوا عما هم فيه من الفسق فحسن وكذا من سبح في السوق بنية أن الناس غافلون فلعلهم تنبهوا للآخرة فهو أفضل من تسبيحه في غير المجامع قال عليه الصلاة والسلام ذاكر الله في الغافلين كالمجاهد في سبيل الله كما في الاختيار ويكره فعله للتاجر عند فتح متاعه بأن يقول عند فتح المتاع لا إله إلا الله سبحان الله أو يصلي على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه يأثم لأنه يكون لأمر الدنيا بخلاف الغازي أو العالم إذا كبر أو هلل عند المبارزة وفي مجلس العلم لأنه يقصد به التعظيم والتفخيم وإظهار شعائر الدين
و يكره الترجيع بقراءة القرآن و كذا يكره الاستماع إليه لأنه تشبه بفعل الفسقة حال فسقهم وهو التغني ولم يكن هذا في الابتداء ولهذا كره في الأذان وقيل لا بأس به لقوله عليه الصلاة والسلام زينوا القرآن بأصواتكم وعن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه كره رفع الصوت عند قراءة القرآن والجنازة
وفي البزازية ويكره رفع الصوت بالذكر ويذكر عند الجنازة في نفسه وقد جاء سبحان من قهر عباده بالموت وتفرد بالبقاء سبحان الحي الذي لا يموت والزحف أي الحرب والتذكير أي الوعظ فما ظنك به أي برفع الصوت عند استماع الغناء المحرم الذي يسمونه وجدا والظاهر أن الموصول مع
____________________
(4/219)
صلته صفة لقوله الغناء لكن في تسميتهم الغناء وجدا بحث تدبر
وفي التسهيل في الوجد مراتب وبعضه يسلب الاختيار فلا وجه للإنكار بلا تفصيل انتهى
وفي القنية ولا بأس باجتماعهم على قراءة الإخلاص جهرا عند ختم القرآن ولو قرأ واحد واستمع الباقون فهو أولى
وكره الإمام القراءة عند القبر لأن أهل القبر جيفة وكذا يكره القعود على القبر لأنه إهانة وجوزها أي القراءة عند القبر محمد وبه أي يقول محمد أخذ للفتوى لما فيه من النفع لورود الآثار بقراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والفاتحة وغير ذلك عند القبور ومذهب أهل السنة والجماعة أن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره ويصلي وقد مر في الحج ويؤيده ما قال في كتاب المسمى بالحجج من أنه أخبرنا سفيان الثوري قال حدثنا عمران بن أبي عطاء قال شهدت محمد بن حنيفة صلى على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فكبر عليه أربعا وأدخله من قبل القبلة وضرب عليه فسطاطا ثلاثة أيام انتهى وظاهر أن ضرب الفسطاط ليس إلا لأجل القراءة لا غير
وفي التنوير تطيين القبور لا يكره في المختار
وفي القهستاني ويستحب زيارة القبور فيقوم بحذاء الوجه قربا وبعدا كما في الحياة فيقول عليكم السلام يا أهل القبور ويدعوه مستقبل القبلة وقيل الدعاء قائما أولى
وقال السرخسي لا بأس بالزيارة للنساء على الأصح ومنه أي من بعض الكلام ما لا أجر فيه ولا وزر نحو قم واقعد ونحوهما لأنه ليس بعبادة ولا معصية وقيل لا يكتب عليه ولا له لأنه لا أجر عليه ولا عقاب وعن محمد ما يدل عليه
____________________
(4/220)
وعن ابن عباس أنه قال الملائكة لا تكتب إلا ما كان فيه أجر أو وزر وقيل يكتب ثم يمحى ما لا جزاء فيه ويبقى ما فيه جزاء ثم قيل يمحى في كل اثنين وخميس وفيهما تعرض الأعمال والأكثرون على أنها تمحى يوم القيامة كما في الاختيار
ومنه أي بعضه ما يأثم به كالكذب والغيبة والنميمة والشتيمة لأن كل ذلك معصية حرام بالنقل والعقل وكذا التملق فوق العادة لأن التملق مذموم بخلاف التواضع لأنه محمود
وفي التنوير ويكره الكلام في المسجد وخلف الجنازة وفي الخلاء وفي حالة الجماع والكذب حرام إلا في الحرب للخدعة وفي الصلح بين اثنين وفي إرضاء الأهل وفي دفع الظالم عن الظلم لأنا أمرنا بهذا فلا يبالي فيه الكذب إذا كانت نيته خالصة ويكره التعريض به أي بالكذب إلا لحاجة كقولك لرجل كل فيقول أكلت يعني أمس فلا بأس به لأنه صادق في قصده وقيل يكره لأنه كذب في الظاهر
ولا غيبة لظالم يؤذي الناس بقوله وفعله قال عليه الصلاة والسلام اذكروا الفاجر بما فيه لكي يحذره الناس ولا إثم في السعي به أي بالظالم إلى السلطان ليزجره لأنه من باب النهي عن المنكر ومنع الظلم ولا غيبة إلا لمعلوم فاغتياب أهل قرية ليس بغيبة لأنه يريد به جميع أهل القرية وكان المراد هو البعض وهو مجهول فصار
____________________
(4/221)
كالقذف
وفي التنوير وكما تكون الغيبة باللسان تكون أيضا بالفعل وبالتعريض وبالكتابة وبالحركة وبالرمز وبغمز العين وكل ما يفهم منه المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام
وفي الدرر رجل يذكر مساوئ أخيه المسلم على وجه الاهتمام لا يكون غيبة إنما الغيبة أن تذكر على وجه الغضب يريد السب
ويحرم اللعب بالنرد أو الشطرنج وقد مر تفصيلهما في الشهادة والأربعة عشر وهو لعب يستعمله اليهود وكل لهو لقوله عليه الصلاة والسلام كل لعب ابن آدم حرام الحديث
وفي البزازية استماع صوت الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر أي بالنعمة ويكره استخدام الخصيان بكسر الخاء المعجمة وسكون الصاد جمع خصي على وزن فعل لأن فيه تحريض الناس على الخصاء الذي هو مثلة وقد نهي
____________________
(4/222)
عنها
و يكره وصل الشعر بشعر آدمي سواء كان شعرها أو شعر غيرها لقوله عليه الصلاة والسلام لعن الله الواصلة والمستوصلة الحديث
و ويكره قوله في الدعاء أسألك بمعقد العز من عرشك بتقديم العين أو بتقديم القاف عند الطرفين لأن الكراهة في القول الثاني ظاهرة لاستحالة القعود وكذا في الأول لأنه يوهم تعلق عزه بالعرش المحدث والله تعالى بجميع صفاته قديم خلافا لأبي يوسف فإنه يجوز الأول عنده لدعاء مأثور وهو اللهم إني أسألك بمعقد العز من عرشك وبمنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة وبه أخذ أبو الليث والأئمة الثلاثة وقيل وجه الجواز جواز جعل العز صفة للعرش العظيم كما وصف بالمجد والكرم
و يكره قوله أسألك بحق أنبيائك ورسلك أو بحق البيت أو بحق المشعر الحرام إذ لا حق لأحد على الله تعالى وإنما يختص برحمته من يشاء من غير وجوب عليه واستماع الملاهي حرام والمناسب أن يذكر بعد قوله وكل لهو
ويكره تعشير المصحف والتعشير أن يجعل على كل عشر آيات من القرآن العظيم علامة ونقطه وبفتح النون أي نقط المصحف وهو إظهار إعرابه لقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه جردوا المصاحف إلا للعجم الذي لا يحفظ القرآن ولا يقدر على القراءة إلا بالنقط فإنه أي النقط حسن
____________________
(4/223)
خصوصا في هذا الزمان فالمروي مخصوص بزمانهم كانوا يتلقونه عن النبي عليه الصلاة والسلام كما أنزل وكانت القراءة سهلا عليهم لكونهم أهلا فيرون النقط مخلا لحفظ الأعراب والتعشير مخلا لحفظ الآي ولا كذلك العجمي وعلى هذا لا بأس بكتب أسامي السور وعد الآي فهو وإن محدثا فمستحسن وكم من شيء يختلف باختلاف الزمان والمكان ولا بأس بتحليته أي المصحف لما فيها من تعظيمه كما في نقش المسجد وتزيينه
وفي القنية ينبغي لمن أراد كتابة القرآن أن يكتبه بأحسن خط وأبينه على أحسن ورقة وأبيض قرطاس بأفخم قلم وأبرق مداد ويفرج السطور ويفخم الحروف ويضخم المصحف وعن الإمام أنه يكره أن يصغر المصحف وأن يكتب بقلم دقيق وكذا لا بأس بقبلة المصحف لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأخذ المصحف كل غداة ويقبله ويقول عهد ربي ومنشور ربي عز وجل كما في القنية
ولا بأس بدخول الذمي المسجد الحرام وقال مالك يكره ذلك في كل مسجد
وقال الشافعي وأحمد يكره في المسجد الحرام ولا بأس بعيادته أي عيادة الذمي إذا مرض بالإجماع لأن فيه إظهار محاسن الإسلام وكذا عيادة فاسق في الأصح
وفي التنوير ويسلم على أهل الذمة ولا يزيد على قوله وعليك إن رد عليه
ويجوز إخصاء البهائم منفعة للناس لأن لحم الخصي أطيب وقيل الصواب خصاء البهائم إذ يقال خصاء إذا نزع خصيته
و يجوز إنزاء الحمير على الخيل إذ لو كان هذا الفعل حراما لما ركب النبي عليه الصلاة والسلام البغلة لما فيه من فتح بابه
و تجوز الحقنة للرجال والنساء للتداوي بالإجماع أو لأجل الهزال إذا فحش يفضي إلى السل ولا جناح إذا كان يعتقد أن الشافي هو الله تعالى دون الدواء لا تجوز الحقنة بمحرم كالخمر ونحوها قيل يجوز التداوي بالمحرم كالخمر والبول إن أخبره طبيب مسلم أن فيه شفاء
____________________
(4/224)
والحرمة ترتفع بالضرورة فلم يكن متداويا بالحرام فلم يتناوله حديث النهي كما في حاشية أخي حلبي لكن فيه كلام كما لا يخفى تأمل
ولا بأس برزق القاضي من بيت المال كفاية يعني يعطى منه ما يكفيه وأهله في كل زمان سواء كان غنيا في الأصح أو فقيرا بلا شرط إذ لو شرط يكون استئجارا بأجر على أفضل طاعة وإذا لا يجوز هذا إذا كان بيت المال حلالا جمع بحق وإن كان حراما جمع من باطل لم يحل أخذه وقد مر تفصيله في القضاء
ولا بأس بسفر الأمة وأم الولد بلا محرم لأن الأجنبي في الأمة بمنزلة المحارم في النظر والمس عند الإركاب وكذا أم الولد لقيام الرق فيها وكذا المكاتبة ومعتق البعض عند الإمام والفتوى على أنه يكره في زماننا لغلبة أهل الفساد والخلوة بها أي ولا بأس بالخلوة بالأمة قيل تباح اعتبارا بالمحارم وقيل لا تباح لعدم الضرورة
ويكره جعل الراية أي جعل الطوق الحديد الثقيل المانع من تحريك الرأس في عنق العبد لأنه عقوبة الكفار فيحرم كالإحراق بالنار
وفي النهاية لا بأس في زماننا لغلبة التمرد والفرار لا يكره تقييده احترازا عن الإباق والتمرد وهو سنة المسلمين في الفساق
ويكره أن يقرض بقالا درهما ليأخذ منه أي من البقال به أي بالدرهم ما يحتاج من الطعام وغيره إلى أن يستغرقه أي الدرهم فإنه قرض جر نفعا وهو منهي عنه وينبغي أن يودعه إياه ثم يأخذ منه
____________________
(4/225)
شيئا فشيئا وإن ضاع فلا شيء عليه لأن الوديعة أمانة
والسنة تقليم الأظافير
وفي الدرر رجل وقت لقلم أظافيره وحلق رأسه يوم الجمعة قالوا إن كان يرى جواز ذلك في غير الجمعة وأخره إلى يومها تأخيرا فاحشا كان مكروها لأن من كان ظفره طويلا يكون رزقه ضيقا وإن لم يجاوز الحد وأخره تبركا بالأخبار فهو مستحب لما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال من قلم أظافيره يوم الجمعة أعاذه الله تعالى من البلايا إلى الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وينبغي أن يدفنه وإن ألقاه فلا بأس به ويكره إلقاؤه في الكنيف والمغتسل
و السنة نتف الإبط وحلق العانة والشارب
وفي القنية ويستحب حلق عانته وتنظيف بدنه بالاغتسال في كل أسبوع مرة فإن لم يفعل ففي خمسة عشر يوما مرة ولا عذر في تركه وراء أربعين وقصه أي الشارب حسن وفي حق الغازي في دار الحرب أن توفير شاربه مندوب إليه
ولا بأس بدخول الحمام للرجال والنساء إذا اتزر الداخل فيه وغض بصره ويستحب اتخاذ الأوعية لنقل الماء إلى البيوت لحاجة الوضوء والشرب للنساء لأنهن نهين عن الخروج فيلزم كسائر حاجاتها وكونها أي الأوعية من الخزف أفضل وفي الحديث من اتخذ أواني بيته خزفا زارته الملائكة ويجوز اتخاذها من نحاس أو رصاص أو شبه أو أديم
ولا بأس بستر حيطان البيت باللبود جمع اللبد للبرد لأن فيه منفعة ويكره للزينة وكذا إرخاء الستر على البيت يعني لا
____________________
(4/226)
يكره إذا كان لدفع البرد ويكره إن للتكبر وإذا أدى الفرائض من النفقة والكسوة وغيرهما وأحب أن يتنعم بمنظر حسن وجوار جميلة فلا بأس به لأن النبي عليه الصلاة والسلام تسرى مارية أم إبراهيم مع ما كان عنده من الحرائر والأصل فيه قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والقناعة بأدنى الكفاية وصرف الباقي إلى ما ينفع في الآخرة أولى لأن ما عند الله خير وأبقى
____________________
(4/227)
كتاب إحياء الموات مناسبة هذا الكتاب بكتاب الكراهية يجوز أن يكون من حيث إن مسائل هذا الكتاب ما يكره وما لا يكره ومن محاسنه التسبيب في الخصب في أقوات الأنام ومشروعيته بقوله عليه الصلاة والسلام من أحيا أرضا ميتة فهي له وشروطه ستذكر في أثناء الكلام وسببه تعلق الباء المقدر وحكمه تملك المحيي ما أحياه كما في العناية الموات لغة حيوان مات وسمي به أرض لا مالك لها ولا ينتفع بها تشبيها بالموات بالحيوان إذا مات وبطل الانتفاع به فالمراد من الإحياء عرفا التصرف والانتفاع بأن يبني فيها بناء أو يزرع فيها زرعا أو يغرس فيها شجرا أو نحو ذلك وشرعا هي أي الموات بفتح الميم وضمها على وزن فعال من الموت أرض لا ينتفع بها أي بالأرض لانقطاع مائها أصلا أو عارضا بحيث لا يرجى عوده أو لغلبة الماء عليها أو نحوهما مما يمنع الانتفاع مثل غلبة الرمل والحجر والشوك ومثل أن يكون الأرض مالحة أو غيرها عادية أي قديمة غير مملوكة لأحد من زمان بعيد ولذا نسبت إلى عاد أو مملوكة في الإسلام لكن ليس لها اليوم مالك معين مسلم أو ذمي سواء كان فيها
____________________
(4/228)
آثار العمارة أو لا فإن حكمها كالموات حيث يتصرف فيها الإمام كما يتصرف في الموات لكن لو ظهر لها مالك يرد عليه ويضمن نقصانها إن نقصت بالزراعة وإلا فلا وعن محمد لا يحي ماله آثار العمارة ولا يؤخذ منه التراب كالقصور الخربة كما في القهستاني قيد بما ليس لها بمالك لأنها إذا كانت مملوكة لمسلم أو ذمي لم يكن مواتا وإن مضت عليه القرون وصارت خربة
وفي الذخيرة أن الأراضي التي انقرض أهلها كالموات وقيل كاللقطة وعند محمد إن ملكت في الإسلام لا تكون مواتا علم لها مالك معين أو لا بل تكون لجماعة المسلمين ويشترط عند أبي يوسف كونها أي الأرض بعيدة عن العامر أي البلد والقرية فإن العامر بمعنى المعمور لأن الظاهر أن ما يكون قريبا من القرية لا ينقطع احتياج أهلها إليه كرعي مواشيهم وطرح حصائدهم فلا يكون مواتا وحد البعيد أن يكون في مكان بحيث لو صيح من أقصاه أي لو وقف إنسان في أقصى العامر فصاح بأعلى صوته لا يسمع فيها فإنه موات وإن كان يسمع فليس بموات
وفي رواية عنه أن البعد قدر غلوة كما في الظهيرة وعند محمد يشترط أن لا ينتفع بها أي بالأرض أهل العامر من حيث الاحتطاب والاحتشاش إلى غير ذلك
ولو وصلية قريبة منه أي من العامر حتى لا يجوز إحياء ما ينتفع به أهل القرية وإن كان بعيدا ويجوز إحياء ما لا ينتفعون به وإن كان قريبا من العامر وبه قالت الأئمة الثلاثة وشمس الأئمة اعتمد قول أبي يوسف كما في التبيين
وفي القهستاني وبقول محمد يفتى كما في زكاة الكبرى وهو ظاهر الرواية كما في شرح الطحاوي والمفهوم من كلام صاحب التسهيل أن قول الإمام كقول أبي يوسف في اشتراطه البعد حيث قال اعتبر محمد عدم الارتفاق لا البعد خلافا لهما من أحياها أي الموات بإذن الإمام أو نائبه ولو وصلية ذميا ملكها أي ملك المحيي الموات وبلا إذنه أي بلا إذن الإمام أو نائبه لا يملكها عند الإمام خلافا لهما فإن عندهما
____________________
(4/229)
يملكها بدون الإذن لأنها كانت مباحة ويده سبقت إليها بالخصوص فيملكه كما في الحطب والصيد وبه قالت الأئمة الثلاثة إلا عند مالك لو تشاحا أهل العامر يعتبر الإذن وإلا لا وللإمام أن الأرض مغنومة لاستيلاء المسلمين عليها فلم يكن لأحد أن يختص بدون إذن الإمام كسائر المغانم
وفي القهستاني وإن كان مستأمنا فلا يملكها أصلا بالاتفاق
وفي التبيين ولو تركها بعد الإحياء وزرعها غيره قيل الثاني أحق بها لأن الأول ملك استغلالها دون رقبتها والأصح أن الأول أحق بها لأنه ملك رقبتها بالإحياء فلا يخرج عن ملكه بالترك ولو أحيا أرضا ميتة ثم أحاط الأحياء بجوانبها الأربعة من أربعة نفر على التعاقب تعين طريق الأول في الأرض لرابعة في المروي عن محمد لأنه لما أحيا الجوانب الثلاثة تعين الجانب الرابع للاستطراد ويملك الذمي بالإحياء كالمسلم لأنهما لا يختلفان في سبب الملك انتهى
ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر بل يترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم لتحقق حاجتهم إليه تحقيقا أو تقديرا فصار كالنهر والطريق وعلى هذا قالوا ليس للإمام أن يقطع به ما لا غناء للمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقى منها كما في التبيين لكن بين هذا وبين ما نقل آنفا عنه وهو قوله ويجوز إحياء ما لا ينتفعون به وإن كان قريبا من العامر أو قول المصنف وعند محمد أن لا ينتفع بها العامر ولو قريبة منه مخالفة لأن مقتضاهما أن يجوز إحياء ما قرب من العامر على تقدير عدم انتفاعهم بها تتبع
ولا يجوز إحياء ما أي محل عدل أي رجع عنه ماء الفرات ونحوها كدجلة والشط وغيرهما واحتمل عوده إليه لحاجة العامة إلى كونه نهرا فإن الظاهر وإن بالواو لم يحتمل عوده إلى مكانه ولم يكن على قول أبي يوسف حريما لعامر جاز إحياؤه لكونه ملحقا بالموات
ومن حجر أرضا ثلاث سنين ولم يعمرها أي الأرض أخذت الأرض منه أي غير الحجر ودفعت إلى غيره أي غير المحجر لأن الدفع كان إلى الأول ليعمرها فتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر والخراج فإذا لم تحصل يدفعه إلى غيره تحصيلا للمقصود ولأن التحجير ليس بإحياء في الصحيح لأن الإحياء جعلها
____________________
(4/230)
صالحة للزراعة والتحجير للإعلام بوضع الأحجار حولها أنه قصد إحياءها لكونه من الحجر بالحركة وقيل اشتقاقه من الحجر بالسكون هو المنع لأن من أعلم في قطعة أرض من الموات علامة بوضع الأحجار أو الشوك في أطرافها أو بإحراق ما فيها من الشوك وغيره فكأنه يمنع الغير فسمي فعله تحجيرا ولا يفيد الملك فبقيت مباحة على حالها لكنه هو أولى بها وإنما قدر بثلاث سنين لقول عمر رضي الله تعالى عنه ليس لمتحجر بعد ثلاث سنين حق وهذا من طريق الديانة فأما إذا أحياها غيره قبل مضي هذه المدة ملكها لتحقق الإحياء منه دون الأول ونظيره الاستيام وحفر المعدن وإن حفر بها بئرا فهو تحجير وليس بإحياء وكذا إذا جعل الشوك حولها ولو كربها أو ضرب عليها المسناة أو شق لها نهرا فهو إحياء كما في التبيين
ومن حفر بئرا في أرض موات فله حريمها إن حفرها بإذن الإمام عند الإمام لأنه إحياء بالإذن عنده وإلا لا
وكذا له حريمها إن حفرها بغير إذنه عندهما لأن حفر البئر إحياء عندهما سواء بالإذن أو بغير الإذن وحريم بئر العطن التي ينزح الماء منها باليد ويناخ الإبل حولها للشرب أربعون ذراعا من كل جانب لقوله عليه الصلاة والسلام من حفر بئرا فله مما حولها أربعون ذراعا من كل جانب عطنا لماشيته ولأن الحافر لا يتمكن من الانتفاع ببئره إلا بحريمها هو الصحيح احتراز عما قيل الأربعون من كل الجوانب الأربعة من كل جانب عشرة أذرع لأن ظاهر اللفظ يجمع الجوانب الأربعة والصحيح ما في المتن لأن في الأراضي الرخوة يتحول الماء إلى ما يحفر دونها فيؤدي إلى اختلاف حقه
وكذا أربعون ذراعا من كل جانب في الصحيح حريم البئر الناضح التي نزح الماء بالناضح عند الإمام وعندهما للناضح ستون أي فحريمها ستون ذراعا لقوله عليه الصلاة والسلام حريم العين
____________________
(4/231)
خمسمائة ذراع وحريم بئر العطن أربعون ذراعا وحريم بئر ناضح ستون ذراعا وله قوله عليه الصلاة والسلام من حفر بئرا فله ما حوله أربعون ذراعا من غير فصل ولما تعارض الخبران أخذنا بالأقل لتيقنه
وفي المحيط إذا كان عمق الماء زائدا على أربعين يزاد عليها وحريم العين خمسمائة ذراع من كل جانب لما روينا ولأن العين تستخرج للزراعة فلا بد من مكان يجري فيه الماء ومن حوض يجمع فيه الماء ومن موضع ينزل فيه المسافر والدواب ومن موضع يجري منه إلى المزارع والمراتع فقدر بالزيادة قيل لو كان عادية فحريمها خمسون ذراعا وعند الشافعي ومالك يعتبر العرف في الحريم مطلقا
ويمنع غيره أي غير حافر البئر أو العين من الحفر في حريمه لأنه بالحفر ملك حريم ذلك المحفور فليس لغيره أن يتصرف في ملكه لا يمنع من الحفر فيما وراءه أي فيما وراء الحريم لعدم تعلقه بما وراءه فإن حفر أحد بئرا فيه أي في داخل الحريم ضمن بالتشديد الأول للثاني النقصان لتعدي الثاني بتصرفه في ملك غيره وطريق معرفة النقصان أن يقوم الأولى قبل حفر الثانية وبعده فيضمن نقصان ما بينهما ويكبس الأول بنفسه أي يملؤها بالتراب كما إذا هدم جدار غيره فإنه لا يؤمر بأن يبني جداره بل يضمن قيمة بنائه ثم يبني بنفسه هو الصحيح كما في الهداية وقيل لا يضمنه النقصان وأن يأخذه بكبس ما احتفره لأن إزالة جناية حفره عليه كما في الكناسة يلقيها في دار غيره فإنه يؤخذ برفعها وما عطب في الأولى فلا ضمان فيه لأنه غير متعد أما إن كان بإذن الإمام فظاهر وكذا إذا كان بغير إذنه عندهما والعذر للإمام أنه يجعل الحفر تحجيرا وهو تسبيل منه بغير إذن الإمام والمتحجر لا يكون متعديا فلا يضمن بالاتفاق وإن كان لا يملكه بدون الإذن وما عطب في الثانية ففيه الضمان لأنه متعد فيه حيث حفر في ملك غيره كما في الهداية
وإن حفر بئرا بأمر الإمام فيما وراءه أي في غير حريم الأول قريبة منه فذهب ماء البئر الأولى وعرف أن ذهابه من حفر الثاني فلا ضمان عليه لأنه غير متعد فيما صنع والماء تحت الأرض غير مملوك لأحد فليس له أن يخاصمه في تحويل ماء بئره إلى البئر الثاني كالتاجر إذا كان له حانوت فاتخذ آخر بجنبه حانوتا لمثل تلك التجارة فكسدت تجارة الأول بذلك لم يكن له أن يخاصم الثاني كما في الدرر
____________________
(4/232)
وله أي للذي حفر فيما وراء الحريم متصلا بحريم البئر الأولى الحريم من الجوانب الثلاثة مما أي من جانب سوى حريم الحافر الأول لسبق ملك الحافر الأول فيه وإن أراد التوسعة عليه حفر بعيدا من حريم البئر الأولى
وللقناة أي مجرى الماء تحت الأرض حريم بقدر ما يصلحها أي يحتاج إليه لإلقاء الطين ونحوه عند الإمام وقيل لا حريم لها ما لم يظهر ماؤها عنده لكونها جوف الأرض كالنهر وقيل إنه مفوض إلى رأي الإمام كما في الاختيار وعندهما هي أي القناة كالبئر في استحقاق الحريم
وإن ظهر ماؤها أي ماء القناة فهي كالعين الفوارة إجماعا فيقدر حريمها بخمسمائة ذراع
ولا حريم لنهر فهو مجرى كبير لا يحتاج إلى الكري في كل حين في أرض الغير إلا بحجة أي من كان له نهر في أرض غيره فليس له حريم عند الإمام إلا أن يقيم بينة على ثبوت الحريم له وعندهما له أي للنهر مسناة أي مسناة نهره لأن يمشي عليها ويلقي طينه عليها قيل هذه المسألة بناء على من أحيا نهرا في أرض موات بإذن الإمام لا يستحق الحريم عنده وعندهما يستحقه لكن المحققين من مشايخنا قالوا إن له الحريم بالاتفاق بقدر ما يحتاج إليه لإلقاء الطين ونحوه وهو الصحيح كما في القهستاني نقلا عن التتمة وهذا الحريم بقدر نصف عرضه من كل جانب عند أبي يوسف لأن المعتبر الحاجة الغالبة وذلك بنقل ترابه إلى حافتيه فيكفي ما ذكرناه وبقدر عرضه عند محمد من كل جانب لأنه قد لا يمكنه إلقاء التراب من الجانبين فيحتاج إلى إلقائه في أحدهما فيقدر في كل طرف ببطن النهر والحوض على هذا الاختلاف لهما أنه لا انتفاع بالنهر إلا بالحريم لأنه يحتاج إلى المشي فيه لتسييل الماء ولا يكون ذلك عادة في بطنه وإلى إلقاء الطين ولا يمكنه النقل إلى مكان بعيد إلا بحرج فيكون له الحريم
____________________
(4/233)
اعتبارا بالبئر وله أن الحريم ثبت في البئر بالنص على خلاف القياس فيقتصر على مورده ولأن الحاجة في البئر أكثر لأنه لا يمكن الانتفاع بماء البئر بدون الاستقاء والاستقاء إلا بالحريم وأما النهر فيمكن الانتفاع بمائه بدون الحريم
وفي الشمني وإنما اختلف الإمام وصاحباه في موضع الاشتباه وهو أن يكون النهر موازيا للأرض ولا فاصل بينهما وأن لا يكون الحريم مشغولا بحق أحدهما كالغرس حتى لو كان مشغولا بحق أحدهما كان أحق به بالاتفاق انتهى وإنما قلنا هو مجرى كبير لأن المجرى لو كان صغيرا يحتاج إلى الكري في كل وقت فله الحريم بالاتفاق كما في الكفاية وهو أي قول محمد الأرفق بالناس الذين هم أهل النهر كما في الهداية وغيرها
وفي القهستاني نقلا عن الكرماني والفتوى على قول أبي يوسف فالمسناة مبتدأ خبره قوله الآتي لصاحب الأرض وتفريع على الخلاف المذبور يعني المسناة التي بين النهر أي بين نهر رجل صفة المسناة والأرض أي وأرض الآخر
و الحال أنها ليست في يد أحد منهما بأن لم يكن عليها غرس ولا طين ملقى لواحد منهما وإلا فصاحب الشغل أولى لأنه صاحب يد وإن كان لكل واحد منهما يد فيشتركان فيها ولو كان عليه غرس لا يدرى من غرسه فهو من مواضع الخلاف لصاحب الأرض هذا عند الإمام إذ لا حريم للنهر عنده فلا يغرس فيها صاحب النهر ولا يلقي عليها طينه ولا يمر لكونها تعديا منه في حق مالكها وقيل له أي لصاحب النهر المرور وإلقاء الطين فيها ما لم يفحش وهو الصحيح كما في التبيين وغيره لأنه لا يبطل بذلك حق صاحب الأرض وبذلك جرت العادة ولكن لا يغرس فيه إلا المالك وعندهما هي أي المسناة لرب النهر فله ذلك أي الغرس والإلقاء والمرور بناء على أصلهما كما مر آنفا و قال الفقيه أبو جعفر أخذ بقول الإمام في الغرس وبقولهما في إلقاء الطين فلا يغرس فيها صاحب النهر كي لا يبطل حق مالكها ولكن يلقي
____________________
(4/234)
الطين للحاجة والضرورة
ومن غرس شجرة في أرض موات فله حريمها خمسة أذرع من كل جانب كما جزم به في المختار حيث قال ولو غرس شجرة في أرض موات فحريمها من كل جانب خمسة أذرع ليس لغيره أن يغرس فيه انتهى يمنع غيره من الغرس فيه لأنه يحتاج إلى الحريم لجذاذ ثمره والوضع فيه
فصل في الشرب لما فرغ من إحياء الموات ذكر ما يتعلق من مسائل الشرب لأن إحياء الموات يحتاج إليه
وفي القهستاني الشرب بالكسر اسم المصدر فهو لغة الماء المشروب وإليه أشار بقوله هو أي الشرب النصيب قال الله تعالى لها شرب ولكم شرب يوم معلوم أي نصيب من الماء أي الحظ المعين من الماء الجاري أو الراكد للحيوان أو الجماد وشريعة زمان الانتفاع بالماء سقيا للمزارع أو الدواب والشفة شرب بني آدم أي استعمالهم الماء لدفع العطش أو الطبخ أو الوضوء أو الغسل أو غسل الثياب أو نحوها
و شرب البهائم أي استعمالهن الماء للعطش ونحوه مما يناسبهن والبهيمة ما لا نطق له وذلك لما في صوته من الإبهام لكن يخص التعارف بما عدا السباع والطير كما في القهستاني الأنهار العظام كالفرات نهر الكوفة ودجلة نهر بغداد وغيرهما غير مملوكة لأحد لعدم يد
____________________
(4/235)
فيها على الخصوص لأن قهر الماء يمنع قهر غيره فلا تكون محرزا والملك بالإحراز ولكل أحد فيها أي في الأنهار العظام حق الشفة والوضوء ونصب الرحى وكري نهر إلى أرضه لقوله عليه الصلاة والسلام المسلمون شركاء في ثلاثة الماء والكلإ والنار ولأن الانتفاع بالنهر كالانتفاع بالشمس والقمر لا يمنع منه أحد على أي وجه كان وشرط لجواز الانتفاع إن لم يضر الشق بالعامة وإن كان مضرا بأن مال الماء إلى جانب تغرق الأراضي ليس له الشق ونصب الرحى عليه لأن شق النهر للرحى كشقه للسقي
وفي الأنهار المملوكة والحوض والبئر والقناة لكل أحد حق الشفة وحق سقي الدواب إن لم يخف التحريب لكثرة المواشي حتى لو خيف التحريب لكثرة الدواب يمنع لأن الحق لصاحبه على الخصوص وإنما أثبتنا حق الشرب لغيره للضرورة فلا معنى لإثباته على وجه يتضرر به صاحبه أو لم يخف الإتيان على جميع الماء
وفي الهداية الشفة إذا كان يأتي على الماء كله بأن كان جدولا صغيرا وفيما يرد من الإبل والمواشي كثيرة ينقطع الماء بشربها قيل لا يمنع منه لأن الإبل لا تردها في كل وقت فصار كالمياومة وهو سبيل في قسمة الشرب وقيل له أن يمنع اعتبارا بسقي المزارع والمشاجر والجامع تفويت حقه انتهى
وفي التبيين واختلفوا فيه قال بعضهم لا يمنع لإطلاق ما رويناه آنفا وقال أكثرهم له أن يمنع لأنه يلحق ضرر بذلك كسقي الأراضي انتهى ولهذا اختار المصنف المنع تابعا للأكثر
ولا سقي أرضه أو شجره أي ليس لأحد سقي أرضه وشجره من نهر غيره وقناته وبئره وحوضه إلا بإذن مالكه لأن الحق له فيتوقف على إذنه وفي المنح نقلا عن الخانية نهر لقوم لرجل أرض بجنبه ليس له شرب من هذا النهر وليس له أن
____________________
(4/236)
يسقي منه أرضا أو شجرا أو زرعا ولا أن ينصب دولابا على النهر لأرضه وإن أراد أن يرفع الماء منه بالقرب والأواني ويسقي زرعه أو شجره اختلف المشايخ والأصح أنه ليس ذلك ولأهل النهر أن يمنعوه وله أي لكل أحد الأخذ أي أخذ الماء منها للوضوء وغسل الثياب ولو بغير رضاه لئلا يلزم ما هو مدفوع شرعا وسقي شجر وخضر اتخذهما في داره بالجرار في الأصح قال في المنح لو اتخذ في داره خضرة أو شجرة وأراد أن يسقي ذلك بالأوان من نهر لغيره اختلفوا فيه قال بعض مشايخ بلخي ليس له ذلك إلا بإذن صاحب الماء كما ليس له سقي شجرة أو خضرة في غير داره
وقال شمس الأئمة السرخسي أنه لا يمنع من هذا المقدار واختار المصنف ما قال السرخسي لأن الناس يتوسعون فيه ويعدون المنع من الدناءة
وما أحرز من الماء بحب وكوز ونحوه لا يؤخذ إلا برضى صاحبه وله أي لصاحب الماء المحرز بيعه أي بيع الماء لأنه ملكه بالإحراز وصار كالصيد إذا أخذه إلا أنه لا قطع في سرقته بقيام شبهة الشركة فيه بالحديث فإن قيل بهذا الاعتبار ينبغي أن لا يقطع في الأشياء كلها لأن قوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا يصير شبهة قالوا قوله تعالى خلق لكم ما في الأرض مقابلة الجمع بالجمع يقتضي انقسام الآحاد إلى الآحاد كقوله تعالى حرمت عليكم أمهاتكم وقوله تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم ولا يجوز الزوائد على الأربع وفيما نحن فيه من الحديث أثبت الشركة للناس عاما
ولو كانت البئر أو العين أو النهر في ملك أحد فله أي لصاحب الماء منع من يريد الشفة من الدخول أي في ملكه إذا كان يجد ماء آخر بقرب من هذا الماء في أرض مباحة لعدم الضرورة فإن لم يجد غيره أي غير ذلك الماء لزمه أي صاحب الماء أن يخرج إليه الماء أو يمكنه من التمكين من الدخول بشرط أن لا يكسر صفته وهذا عن الطحاوي وقيل ما قاله صحيح
____________________
(4/237)
فيما إذا احتفر في أرض مملوكة له أما إذا احتفرها في أرض موات ليس له أن يمنعه كما في الهداية فإن لم يفعل ما ذكر من الإخراج والتمكين وخيف العطش على نفس الطالب أو دابته قوتل بالسلاح لأثر عمر رضي الله تعالى عنه ولأنه قصد إتلافه بمنع حقه وهو الشفة لأن الماء في البئر والنهر ونحوهما مباح غير مملوك وفي الماء المحرز في الأواني يقاتل بغير سلاح يعني عند خوف الهلاك إذا كان فيه فضل من حاجته ولا يقاتله بالسلاح لأنه ملكه بالإحراز حتى كان له تضمينه إلا أنه مأمور أن يدفع إليه قدر حاجته فبالمنع خالف الأمر فيؤديه إلى القتال كما في الاختيار كما في الطعام حال المخمصة والمفهوم من الكافي وغيره جواز أن يقاتل بالسلاح لأنه قال الأولى أن يقاتله بغير سلاح لأنه ارتكب معصية فصار ذلك بمنزلة التعزير
فصل في كري الأنهار وكري الأنهار العظام من بيت المال خبر كري الأنهار
وفي الهداية الأنهار ثلاثة نهر غير مملوك لأحد ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد أي قط كالفرات ونحوه ونهر مملوك دخل ماؤه تحت القسمة إلا أنه عام ونهر مملوك دخل ماؤه في القسمة وهو خاص والفاصل بينهما استحقاق الشفة به وعدمه والأول كريه على السلطان من بيت مال المسلمين لأن منفعة الكري لهم فتكون مؤنته عليهم ويصرف إليهم من مؤنة الخراج والجزية دون العشور والصدقات لأن الثاني للفقراء والأول للنوائب
وإن لم يكن فيه أي في بيت المال شيء فعلى العامة أي فالإمام يجبر الناس على كريه إحياء لمصلحة العام إذ هم لا يجتمعون ولا ينفقون عليها بأنفسهم ولا يقيمونها إن لم يجبرهم الإمام عليه وفي مثله قال عمر رضي الله تعالى عنه لو تركتم لبعتم أولادكم إلا أنه يخرج للكري من كان يطيقه وتجعل مؤنته على المياسير الذين لا يطيقونه بأنفسهم كما يفعله في تجهيز الجيوش فإنه يخرج من كان يطيق على القتال وتجعل مؤنته على الأغنياء
وكري ما ملك ودخل ماؤه في المقاسم قوله
____________________
(4/238)
ملك على صيغة المبني للمفعول على أربابه وهذا النوع اثنان أن يكون عاما من وجه وخاصا من وجه والثاني أن يكون خاصا من كل وجه والفارق بينهما أن ما يستحق به الشفة فهو خاص من كل وجه وما لا يستحق فهو عام من وجه فكريه على أهلها لا على بيت المال لأن منفعته لهم على الخصوص فتكون مؤنته عليهم لأن الغرم بالغنم لا على أهل الشفة لأنهم لا يخصون أو لأهل الدنيا كلهم حق الشفة ولأنهم أتباع والمؤنة تجب على الأصول دون الأتباع
ويجبر من أبى عن الكري دفعا لضرر بقية الشركاء وقيل لا يجبر في المملوك الخاص لأن كل واحد من الضررين خاص ويمكن دفعه بالكري بأمر القاضي ثم يرجع على الآبي ولا كذلك الأول ومؤنته أي مؤنة الكري المشترك عليهم أي على الأرباب من أعلاه أي من أعلى النهر
وإذا جاوز الكري أرض رجل من الشركاء سقطت المؤنة عنه أي عن الرجل عند الإمام وفي الخانية الفتوى على قوله
وليس له أي للرجل سقي أرضه ما لم يفرغ شركاؤه عن الكري لاختصاصه بالانتفاع بالماء دون شركائه وقيل له أي للرجل ذلك أي السقي قبل فراغهم وعندهما هي أي المؤنة عليهم على الأرباب جميعا من أوله أي من أول النهر إلى آخره بحصص الشرب وبيانه أن الشركاء في النهر إذا كانوا عشرة مثلا فعلى كل واحد منهم عشر مؤنة الكري فإذا جاوز عن أرض أحدهم فعلى كل من الباقين تسعها وإذا تجاوز عن أرض الأخرى فعلى كل منهم ثمنها هذا عند الإمام وقالا على كل منهم أعشار من أول الكري إلى آخره لأن لصاحب الأعلى حقا في الأسفل لاحتياجه إلى تسييل ما فضل من الماء فيه وله أن المقصد من الكري الانتفاع بالسقي وقد حصل لصاحب الأعلى فلا يلزمه انتفاع غيره وليس على صاحب المسيل عمارته كما إذا كان له مسيل على سطح غيره كيف وأنه يمكنه رفع الماء عن أرضه بسده من أعلاه ثم إنما يرفع عنه إذا جاوز أرضه كما ذكرناه وقيل إذا جاوز فوهة نهره وهو مروي عن محمد والأول أصح لأن له رأيا في اتخاذ الفوهة من أعلاه وأسفله إذا جاوز الكري أرضه حتى سقطت عنه مؤنته قيل له أن يفتح الماء ليسقي أرضه لانتهاء الكري في حقه وقيل ليس له ذلك ما لم يفرغ شركاؤه نفيا لاختصاصه كما في الهداية
وتصح دعوى الشرب بلا أرض استحسانا لأن الشرب قد يملك بلا أرض إرثا ووصية وقد
____________________
(4/239)
يباع الأرض بدون الشرب فيبقى له الشرب وحده فصار هو مرغوبا منتفعا به فتصح الدعوى وتقبل البينة
وفي القياس لا تصح دعواه بدونها لعدم تحقق شرط صحة الدعوى وهو الإعلام والشرب لا يقبل الإعلام لجهالة المقام
ومن كان له نهر يجري في أرض غيره فأراد رب الأرض منع الإجراء في أرضه فليس له أي للرب ذلك أي المنع ويترك على حاله لأن موضع النهر مستعمل له بإجراء مائه فيكون في يده فعند الاختلاف يكون القول قوله في أنه ملكه فإن لم يكن أي النهر في يده أو لم يكن له أشجار ولا طين ملقى على جانبي النهر أو لم يكن جاريا فادعى أنه أي النهر له وقصد إجراءه لا يسمع بلا بينة أنه أي النهر له أو أنه كان له حق الإجراء في هذا النهر يسوقه إلى أرضه لسقيها فيقضى له به لإثباته بالحجة ملك الرقبة إذا كانت الدعوى فيه أو حق الإجراء بإثبات الجري من غير دعوى الملك وعلى هذا المصب في نهر أو سطح والميزاب والممشى في دار الغير فحكم الاختلاف فيها نظيره في الشرب وقع في نسخة المصنف بالواو في الميزاب والممشى لكن الظاهر بأو فيهما تدبر
وإن اختصم جماعة في شرب أي نهر بين قوم اختصموا في الشرب فالنهر بينهم قسم الشرب على قدر أراضيهم لأن المقصود بالشرب سقي الأراضي والحاجة إلى ذلك تختلف بقلة الأراضي وكثرتها والظاهر أن حق كل واحد منهم من الشرب بقدر أراضيه وبقدر حاجته بخلاف الطريق إذا اختلف فيه الشركاء حيث يستوون في ملك رقبة الطريق ولا يعتبر في ذلك سعة الدار وضيقها لأن المقصود فيه التطرق ولا يختلف باختلاف الدار الواسعة والضيقة
ويمنع الأعلى منهم من سكر النهر أي من سده يعني إذا كان أرض الأعلى منهم مرتفعة والماء قليلا بحيث
____________________
(4/240)
لا يمكنه سقي أرضه بتمامها إلا بسده لم يكن له ذلك لأن الماء يكون محبوسا عن الباقين في بعض المدة وفيه منع لحقهم فلو انحدر الماء من الجبل إلى وجه الأرض فانتشر لا يمنع الأعلى منه بل يكون لمن سبق إليه يده
وفي القهستاني فيه إشعار بأنه يشرب بقدر ما يدخل في أرضه بدون السكر انتهى بلا رضاهم أي بلا رضى الشركاء الباقية
وإن وصلية لم تشرب أرضه أي الأعلى بدونه أي السكر فإن تراضوا على أن يسكر الأعلى النهر حتى يشرب بحصته أو اصطلحوا على أن يسكر كل رجل منهم في نوبته جاز لأن الحق لهم إلا أنه إذا أمكنه أن يسكر بلوح أو باب لا يسكر بما ينكبس به النهر كالطين والتراب من غير تراض لكونه إضرارا بهم فإن لم يسكر باللوح فبالتراب ولو كان الماء في النهر بحيث لا يجري إلى أرض كل واحد منهم إلا بالسكر فإنه يبدأ بأهل الأسفل حتى يرووا ثم بعد ذلك لأهل الأعلى أن يسكروا ليرتفع الماء إلى أراضيهم
وليس لواحد منهم أي من الشركاء أن يشق منه أي من النهر المشترك نهرا أو ينصب عليه رحى أو ينصب عليه دالية وهي بالفارسية جرخ آب أو ينصب عليه جسرا وهو اسم لما يتخذ من الخشبة والألواح على النهر بلا إذن البقية إذ بالشق يكسر ضفة النهر المشترك وبالنصب يتغير عن سننه الذي كان يجري عليه وتسد جانب النهر فيتوقف على إذن شريكه إلا رحى في ملكه ولا تضر بالنهر ولا بمائه أي إلا إذا وضع رحى في ملكه بأن وقع في بطن النهر وكان جانباه ملكا له وللآخر حق التسييل حال كونه غير مضر بالنهر من كسر ضفته ولا بالماء من إخراجه عن سننه فيجوز كما ذكر آنفا ولا أن يوسع فم النهر أي نهره في أرضه لأنه يكسر طرف أصل النهر ويزيد على مقدار حقه في أخذ الماء ولا أن يقسم بالأيام أو مناصفة بعد كون القسمة من القديم بالكوى بكسر الكاف جمع كوة بفتحها وقد يضم الكاف في المفرد فالجمع كوى كعروة وعرى ويجوز فيه المد والقصر والمراد ثقب في الخشب أو الحجر ليجري الماء إلى المزارع أو الجداول أي ليس لواحد منهم أن يقسم بالأيام ولا مناصفة مع أن القسمة قد كانت من القديم بالكوى وكذا لا يجوز أن يقسم بالكوى وقد كانت بالأيام لأن القديم يترك على قدمه إلا أن
____________________
(4/241)
يرضى الكل ولا أن يزيد كوة أي لو كان لكل منهم كوى مسماة في نهر خاص ليس لواحد أن يزيد كوة
وإن وصلية لم يضر بالباقين لأن الشركة خاصة بخلاف ما إذا كان الكوى في النهر الأعظم لأن لكل منهم أن يشق نهرا منه ابتداء فكان له أن يزيد في الكوى بالطريق الأولى كما في الهداية ولا أن ينقص بعض كواه
وفي التبيين ولو أراد الأعلى من الشريكين من النهر الخاص وفيه كوى بينهما أن يسد بعضها دفعا لفيض الماء عنها كي لا تنزل ليس له ذلك لما فيه من الإضرار بالآخر وكذا إذا أراد أن يقسم النهر مناصفة لأن القسمة بالكوى تقدمت إلا أن يتراضيا لأن الحق لهما
ولا أي ليس لواحد أن يسوق شربه إلى أرض أخرى له ليس لها أي للأرض الأخرى منه أي من ذلك النهر شرب لاحتمال أن يدعي رب الأرض بتقادم العهد حقا لتلك الأرض في الشرب وكذا إذا أراد أن يسوق شربه في أرضه الأولى حتى تنتهي إلى هذه الأرض الأخرى لأنه يستوفي زيادة على حقه إذ الأرض الأولى تنشف بعض المال قبل أن يسقي الأخرى فإن رضي البقية أي بقية الشركاء بشيء من ذلك المذكور من النقص والزيادة والقسمة من الأيام وغيرها جاز لأن الحق لهم ولهم إسقاطه ولهم أي للبقية نقضه بعد الإجازة ولورثتهم من بعدهم لأنه إعارة الشرب لا مبادلة لأن مبادلة الشرب بالشرب باطلة وكذا إجارة الشرب لا تجوز لما عرف في موضعه فتعينت الإعارة وهذا لأن القسمة بالكوى قد تمت وليس لأحدهما أن ينقض تلك القسمة فإذا تراضيا على خلاف ذلك يكون كل واحد منهما معيرا نصيبه من صاحبه فيرجع فيها هو وورثته أي وقت شاء لأن العارية غير لازمة كما في التبيين
والشرب يورث لكونه حقا ماليا فيجري فيه الإرث ويوصى بالانتفاع به أي بعينه لا برقبته إذ الوصية كالإرث في الثبوت بعد الموت فيصير حكمها كحكمه وجهالة الموصى به لا تمنع الوصية لأنها من أوسع العقود حتى جازت للمعدوم بالمعدوم كما في
____________________
(4/242)
المنح
ولا يباع الشرب ولا يوهب ولا يوجر ولا يتصدق به بلا أرض للجهالة الفاحشة وعدم تصور القبض ولكونه غير متقوم حتى لو أتلف شرب إنسان بأن سقى أرضه من شرب غيره لا يضمن على رواية الأصل وفي الهداية ولا يباع الشرب في دين صاحبه بعد موته بدون أرض كما في حال حياته وكيف يصنع الإمام والأصح أن يضم إلى أرض لا شرب له فيبيعها بإذن صاحبها ثم ينظر إلى قيمة الأرض مع الشرب وبدونه فيصرف التفاوت إلى قضاء الدين وإن لم يجد ذلك اشترى على تركة الميت بغير شرب ثم ضم الشرب إليها وباعها فيصرف الثمن إلى ثمن الأرض والفاضل إلى قضاء الدين
ولا يجعل الشرب مهرا حتى لو تزوج امرأة على أن يكون الشرب مهرا لها يجب مهر المثل عليه لا الشرب ولا يجعل بدل صلح فيكون المدعي على دعواه ولا يضمن من ملأ أرضه فنزت أرض جاره أو غرقت لأنه مسبب وليس بمتعد فيه فلا يضمن لأن شرط وجوب الضمان في السبب أن يكون متعديا وإنما قلنا ليس بمتعد فيه لأن له أن يملأ أرضه ماء ويسقيها كما في المنح
وفي القهستاني هذا إذا سقى في نوبته مقدار حقه وأما إذا سقى في غير نوبته أو زاد على حقه يضمن على ما قال إسماعيل الزاهد وذكره في التتمة أنه إذا سقى سقيا غير معتاد فتعدى ضمن وعليه الفتوى
ولا يضمن من سقى من شرب غيره لأن الشرب ليس بمال متقوم وهذا على رواية الأصل وهو مختار الإمام المعروف بخواهر زاده وعليه الفتوى كما في القهستاني
وفي الزاهدي من سقى من شرب غيره يرفع إلى السلطان ليؤدبه بالحبس والضرب
وفي المنح وإن أخذ مرة بعد مرة يؤدبه السلطان بالضرب والحبس إن رأى ذلك
____________________
(4/243)
كتاب الأشربة ذكر الأشربة بعد الشرب لأنهما شعبتا عرق واحد لفظا ومعنى وقدم الشرب لمناسبته لإحياء الموات ومن محاسنه بيان حرمتها إذ لا شبهة في حسن تحريم ما يزيل العقل الذي هو ملاك معرفة الله تعالى وشكر إنعامه فإن قيل ما باله حل للأمم السالفة مع احتياجهم إلى ذلك قلت بأن السكر حرام في جميع الأديان وحرمة شرب القليل علينا كرامة لنا من الله تعالى لئلا نقع في المحظور ونحن مشهود لنا بالحرمة واعلم أن الأصل في الأشياء كلها سوى الفروج الإباحة قال الله تعالى هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا وقال كلوا مما في الأرض حلالا طيبا وإنما تثبت الحرمة بعارض نص مطلق أو خبر مروي فما لم يوجد شيء من الدلائل المحرمة فهي على الإباحة وقد دل كتاب الله تعالى وهو قوله تعالى إنما الخمر والميسر الآية وقول النبي عليه الصلاة
____________________
(4/244)
والسلام وعليه إجماع الأمة والسكر من كل شراب فالشراب لغة اسم لما يشرب ماء كان أو غيره حلالا أو غيره واصطلاحا ما هو مسكر وما يستخرج منه وهو أكثر من عشرة عند بعض أصحابنا والمضاف محذوف أي شرب الأشربة وأصولها الثمار كالعنب والتمر والزبيب والحبوبات كالبر والذرة والدخن والحلاوات كالسكر والفانيذ والعسل والألبان كلبن الإبل والرماك والمتخذ من العنب خمسة أنواع أو ستة ثلاثة ومن الزبيب اثنان ومن كل البواقي واحد وكل منهما على نوعين ومطبوخ كما سيأتي
تحرم الخمر وإن قلت وهي الني بكسر النون وتشديد الياء من ماء العنب إذا غلا من غلا يغلي غليا وغليانا أي صار أسفله أعلى واشتد أي قوي بحيث تصير مسكرا والقذف بالزبد بالتحريك أي رميه بحيث لا يبقى فيه شيء من الزبد فيصفو ويرق شرط عند الإمام لأن الغليان بداية الشدة والقذف بالزبد والسكون كمال الشدة إذ به يتميز الصافي عن الكدر خلافا لهما لأن عندهما وعند الأئمة
____________________
(4/245)
الثلاثة لا يشترط فيه القذف بالزبد لأنه يسمى خمرا قبل القذف
وفي المنح والغليان والشدة شرط بالإجماع
وفي النهاية ولا يحد بدون القذف احتياطا به قال ابن الشيخ في شرح الوقاية وخص اسم الخمر بالني من ماء العنب إذا صار مسكرا باتفاق أهل اللغة واستعمل فيه وقال بعض الناس لفظ الخمر اسم لكل مسكر نيا كان أو مطبوخا من ماء عنب أو غيره لأنه مشتق من مخامرة العقل وهو موجود في كل مسكر وأجيب عنه إنما سمي هذا خمرا لتخمره وهو الشدة والقوة أو لاختماره وهو تغير ريحه لا للمخامرة ولو سلم إنما سمي لمخامرته العقل وذا لا يدل على أن كل ما يخامر العقل يسمى خمرا كالنجم لأنه اسم خاص بالكواكب لظهوره وهذا لا يدل على أن كل ما ظهر يسمى نجما مع أن المناسبة في الوضع تعتبر تارة كما في النجم والخمر وقد لا تعتبر تارة كما في الحجر والجدار
و يحرم الطلاء بكسر الطاء وتخفيف اللام ومد الألف وهو ما طبخ منه أي من ماء العنب فذهب أقل من ثلثيه كما في الوقاية والكنز لكن في التبيين نقلا عن المحيط الطلاء اسم للمثلث وهو ما إذا طبخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وصار مسكرا وهو الصواب لما روي أن كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يشربون من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه على ما يجيء من قريب ويؤيد المحيط تفسير الجوهري إياه بما ذهب ثلثاه
وفي الهداية كما في المتن اعتبر الذاهب أقل من ثلثيه ويسمى الباذق أيضا سواء كان الذاهب قليلا أو كثيرا بعد أن لم يكن الذاهب ثلثين فإن ذهب نصفه بالطبخ وبقي النصف سمي منصفا وإن طبخ بأدنى طبخة سمي باذقا اسم لما يطبخ من ماء العنب حتى يذهب أقل من ثلثيه سواء كان أقل من الثلث أو النصف بعدما صار مسكرا إذا غلا واشتد وقذف بالزبد على الاختلاف لأنه رقيق ملذ مطرب يدعو قليله إلى كثيره
____________________
(4/246)
كالخمر ولهذا يجتمع عليه الفساق فيحرم شربه دفعا لما يتعلق به الفساد وقال الأوزاعي إنه مباح وهو قول بعض المعتزلة لأنه مشروب طيب وليس بخمر
و يحرم السكر وفي المغرب بفتحتين عصير الرطب ولهذا قال وهو الأحمز من ماء الرطب
وفي المنح واشتقاقه من سكرت الريح إذا سكنت فسره الجوهري بنبيذ التمر
وفي الهداية السكر هو الأحمز من ماء التمر أي الرطب
وفي العناية إنما فسر التمر بالرطب لأن المتخذ من ماء التمر اسمه نبيذ التمر لا السكر وهو حلال على قول الشيخين فبين قول الجوهري والفقهاء نوع مخالفة فليتأمل وإنما يحرم إذا غلا واشتد وقذف بالزبد وقيل حلال
وقال شريك بن عبد الله هو مباح وإن قذف بالزبد لقوله تعالى ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا لأن الذكر وقع في موضع المنة وهي لا تتحقق بالمحرم قيل في جوابه إن توصيف المعطوف بالحسن لا يخلو عن الدلالة على أن في المعطوف عليه فيجامع أن الامتنان مشوب بالتوبيخ هو تتخذون سكرا وتدعون رزقا حسنا
و يحرم نقيع الزبيب وهي الأحمز من ماء الزبيب إذا غلا واشتد ويتأتى فيه خلاف الأوزاعي واشترط قذف الزبد فيهن أي في النقيع والسكر والطلاء على ما في الخمر أي على الخلاف الواقع فيها والكل من الطلاء والمنصف والباذق والسكر والنقيع حرام لحديث كل مسكر حرام ولعله لإخلاله بسلامة العقل وحرمتها أي حرمة هذه الأشياء دون حرمة الخمر فنجاسة الخمر غليظة رواية واحدة كالبول لثبوت حرمتها بدليل مقطوع ونجاسة هذه الأشياء مختلف في غلظتها وخفتها فإن نجاستها خفيفة في رواية
ويكفر مستحل الخمر لإنكاره الدليل القطعي دون
____________________
(4/247)
هذه الأشياء لأن حرمتها غير قطعية بل اجتهادية ويحد بشرب قطرة من الخمر وإن وصلية لم يسكر بخلاف هذه الأشياء أي لا يحد فيها ما لم يسكر منها لأن الحد ورد في الني خاصة ولا يتعدى إلى المطبوخ ويجوز بيع هذه الأشياء و ويضمن متلفها عند الإمام خلافا لهما كما مر في الغصب وفي الخمر عدم جواز البيع وعدم الضمان على المتلف إجماع أما عدم جواز البيع لقوله عليه الصلاة والسلام إن الذي حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها وأما عدم الضمان فلسقوط تقومها في حق المسلم ولو طبخت الخمر أو غيرها من الأشربة المحرمة بعد الاشتداد لا تحل وإن وصلية ذهب الثلثان وبقي الثلث لأن الطبخ للمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها لكن قيل لا يحد من شرب ذلك المطبوخ ما لم يسكر لأن الحد في القليل ورد في الني والطبخ يورث الشبهة والحد يندرئ بها وعند السكر يلحق بالخمر
ويحل نبيذ التمر والزبيب إذا طبخ أدنى طبخة وهو أن يطبخ إلى أن ينضج
وإن وصلية اشتد بمكثه ما لم يسكر بلا نية لهو وطرب بل بنية تقو لقوله عليه الصلاة والسلام لا تنتبذوا الرطب والزبيب معا ولكن انتبذوا كل واحد منهما على حدته وهذا نص على أن المتخذ من كل واحد منهما فرادى مباح وهذا محمول على المطبوخ منه إذ الأحمز حرام بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم
وفي الهداية ولو جمع في الطبخ بين العنب والتمر أو بين التمر
____________________
(4/248)
والزبيب لا يحل حتى يذهب ثلثاه لأن التمر إن كان يكتفى فيه بأدنى طبخة فعصير العنب لا بد أن يذهب ثلثاه فيعتبر جانب العنب احتياطا وكذا إذا جمع بين عصير العنب ونقيع التمر لما قلنا انتهى هذا مخالف لما قبله وهو قوله ونبيذ التمر والزبيب إذا طبخ كل واحد منهما أدنى طبخة حلال تتبع
وكذا يحل نبيذ العسل والتين والحنطة والشعير والذرة
وفي الهداية ونبيذ العسل والتين ونبيذ الحنطة والذرة والشعير حلال وإن لم يطبخ وهذا عند الشيخين إذا كان من غير لهو وطرب لقوله عليه الصلاة والسلام الخمر من هاتين الشجرتين وأشار إلى الكرمة والنخلة خص التحريم بهما والمراد بيان الحكم انتهى لكن ينافي قوله عليه الصلاة والسلام حرمت الخمر لعينها والسكر من كل شراب إلا أن يحمل هذا على سكر من كل شراب يتخذ من هاتين الشجرتين غير الخمر كما في التسهيل لكن يرد عليه ما روي عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال ما أسكر كثيره قليله حرام
وقال كل مسكر خمر إلا أن يقال هذا ليس بثابت ولئن سلمنا ثبوته فهو محمول على القدح الأخير تتبع فإن أقوال الفقهاء في هذا المحل مضطربة والخليطين من الزبيب والتمر طبخت أو لا هذا قيد لقوله وكذا نبيذ العسل إلى هنا لكن في الهداية وغيرها من المعتبرات ولا بأس بالخليطين لما روي عن ابن زياد أنه قال سقاني ابن عمر رضي الله تعالى عنهما شربة ما كدت أهتدي إلى أهلي فغدوت إليه من الغد فأخبرته بذلك فقال ما زدناك على عجوة وزبيب وهذا من الخليطين وكان مطبوخا لأن مذهب ابن عمر نقيع الزبيب كان حراما وهو الأحمز منه وإلا يؤدي إلى التناقص وما روي من النهي عن الخليط محمول على حالة القحط وكان ذلك في الابتداء والإباحة في حالة السعة انتهى فعلى هذا ظهر المنافاة بين قول المصنف وهو طبخت أو لا وبين قول الهداية وغيرها وهو وكان مطبوخا لكن يمكن التوفيق بأن قول الهداية وغيرها بعد الاشتداد وقول المصنف وهو ما طبخت أو لا قبل الاشتداد ويؤيده ما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت ننتبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مسقاه فيأخذ قبضة من تمر وقبضة من
____________________
(4/249)
زبيب فيطرحهما فيه ثم يصب عليه الماء فينتبذه غدوة فيشربه عشية وينتبذه عشية فيشربه غدوة فعلم أنه قبل الاشتداد لأنه لا يشتد في الغدوة وكذا في العشية غالبا تتبع
وكذا يحل المثلث وهو عصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي الثلث ولا يعتبر بما خرج من القدر من شدة الغليان من الزبد فلو طبخ عشرة أصوع من العصير فذهب صاع بالزبد طبخ الباقي حتى يذهب ستة أصوع ويبقى الثلث فيحل وينبغي أن يطبخ موصولا فإذا انقطع الطبخ ثم أعيد فإن كان قبل تغيره بحدوث المرارة وغيرها حل وإلا حرم وهو المختار للفتوى كما في القهستاني
وإن وصلية اشتد وقذف ما لم يسكر بلا نية لهو وطرب عند الشيخين لأنه لغلظته لا يدعو إلى إكثار شربه وهو في نفسه غداء فبقي على أصل الإباحة كما مر تفصيله قبيله
وفي الهداية والذي يصب الماء بعدما ذهب ثلثاه بالطبخ حتى يرق ثم يطبخ طبخة فحكمه حكم المثلث لأن صب الماء لا يزيده إلا ضعفا بخلاف ما إذا صب الماء على العصير ثم يطبخ حتى يذهب ثلثا كل منهما لأن الماء يذهب أولا للطافته أو يذهب منهما فلا يكون الذاهب ثلثي ماء العنب وفي الحد بالسكر منها إلى من هذه الأشياء روايتان والصحيح وجوبه أي وجوب الحد لأن الفساق يجتمعون عليه في زماننا اجتماعهم على سائر الأشربة بل فوق ذلك
ووقوع طلاق من سكر منها أي من هذه الأشياء تابع للحرمة فمن قال إنها حرام يقع طلاق من سكر منها ومن قال إنها حلال لا يقع طلاق من سكر منها لأنه بمنزلة النائم وذهاب العقل بالبنج ولبن الرماك والكل حرام عند محمد وعند مالك والشافعي وبه أي بقول محمد يفتى لفساد الزمان وعن محمد مثل
____________________
(4/250)
قولهما وعنه أنه كره ذلك وعنه أنه توقف فيه والخلاف بينه وبين الشيخين إنما هو عند قصد التقوي بشربها أما عند قصد التلهي فحرام إجماعا فإنه يقع الطلاق بالإجماع لأن التلهي حرام وما يؤدي إلى الحرام فهو حرام أيضا
وخل الخمر حلال لزوال اشتدادها الذي هو علة الحرمة
ولو وصلية خللت بعلاج بإلقاء ملح أو خل عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام خير خلكم خل خمركم ولأن التخليل إصلاح كدبغ الجلد بإزالة صفة الإسكار وعند الشافعي يكره تخليلها ولا يحل الخل الحاصل به إن كان التخليل بإلقاء شيء فيه قولا واحدا لاحتمال بقاء أجزاء الخمر وإن كان بغير إلقاء شيء فيه فله في الخل الحاصل به قولان ثم إذا صارت خلا يطهر ما يوازيها من الإناء وأما أعلاه وهو الذي انتقص منه الخمر فقد قيل يطهر تبعا وقيل لا يطهر ولو غسل بالخل فخلل من ساعته طهر للاستحالة
ولا بأس بالانتباذ أي اتخاذ النبيذ
____________________
(4/251)
في الدباء وهو القرع والحنتم بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح التاء المثناة وهو الجرة الخضراء وقيل هو الجرة الحمراء يحمل فيها الخمر ويؤدى بها من نواحي اليمن والمزفت هو الوعاء المطلي بالزفت والنقير هو الخشب المنقور لأن هذه الظروف كانت مختصة بالخمر فلما حرمت الخمر حرم استعمال هذه الظروف تشديدا في تحريم الخمر ليتركه الناس فلما مضت الأيام أبيح استعمالها لاستقرار الأمر بالتمام وإن استعمل فيها الخمر ثم انتبذ فيها ينظر فإن كان الوعاء عتيقا يغسل ثلاثا فيطهر وإن جديدا لا يطهر عند محمد لتشربه الخمر فيه بخلاف العتيق وعند أبي يوسف يغسل ثلاثا ويجفف في كل مرة وقيل عند أبي يوسف يملأ ماء مرة بعد أخرى حتى إذا خرج الماء صافيا غير متغير يحكم بطهارته
وفي الخانية أنه حكي عن الفقيه أبي جعفر أن الخمر إذا صارت خلا يطهر الظرف كله ولا يحتاج إلى ذلك التكلف وبه أخذ الفقيه أبو الليث وهو اختيار صدر الشهيد وعليه الفتوى لأن بخار الخل يرتفع إلى أعلاه فيطهر كله
ويكره شرب دردي الخمر وهو ما يبقى في أسفله والامتشاط به أي بدردي الخمر وإنما خص الامتشاط بالذكر مع أن الانتفاع به حرام لأن له تأثيرا في تحسين الشعر والمراد بالكراهة الحرمة لأن فيه أجزاء الخمر وهذا هو المفهوم من الهداية وغيرها ولذا قال في مختصر الوقاية وحرم شرب دردي الخمر ولا يحد شاربه بلا سكر لأن وجوب الحد للزجر عن الميل والطبع لا يميل إلى الدردي فقليله لا يدعو إلى كثيره خلافا للشافعي فإنه قال يحد لأنه شرب جزء من الخمر
ولا يجوز الانتفاع بالخمر لأن الانتفاع بالنجس حرام كما حققناه في الكراهية ولا يجوز أن يداوى بها أي بالخمر جرح بضم الجيم ولا يجوز أن يداوي بها دبر دابة لأنه نوع انتفاع والدبر بالتحريك قرحة دابة ولا تسقى آدميا ولو وصلية صبيا للتداوي كما بيناه في الكراهية ولا تسقى الدواب مطلقا وقيل إن أريد سقي الدواب لا يحمل الخمر إليها أي إلى الدابة فإن قيدت أي الدابة إلى
____________________
(4/252)
الخمر فلا بأس به أي بالقود لأنه لا يكون حاملها كما في الكلب مع الميتة فإنه إن دعاه إليها فلا بأس به وإن حملها إليه لا يجوز ولا بأس بإلقاء الدردي في الخل لأنه يصير خلا لكن بحمل الخل إليه أي إلى الدردي دون عكسه أي لا يحمل الدردي إليه لأن النجس لا يحمل
____________________
(4/253)
كتاب الصيد مناسبة كتاب الصيد لكتاب الأشربة من حيث إن كل واحد من الأشربة والصيد مما يورث السرور ومن حيث إن الصيد من الأطعمة ومناسبتها للأشربة غير خفية ثم كما أن منها ما هو حلال وحرام كذلك من الصيود ما هو حلال وحرام إلا أنه قدم الأشربة لحرمتها اعتناء بالاحتراز عنها ومحاسنها محاسن المكاسب ولأن فيه تحقيق منة الله تعالى بقوله خلق لكم ما في الأرض جميعا وسببه يختلف باختلاف حال الصائد فقد يكون للحاجة وقد يكون إظهارا للجلادة وقد يكون للتفرج هو أي الصيد مصدر بمعنى الاصطياد ثم صار اسما للمصيد الممتنع بقوائمه أو بجناحيه لأن المصدر يطلق على المفعول كضرب الأمير وهو جائز
____________________
(4/254)
بالجوارح المعلمة من الكلب والفهد والبازي والشاهين والباشق والعقاب والصقر ونحوها وقيده صاحب التنوير بشرط قابلية التعليم وبشرط كون الحيوان الذي يصاد به ليس بنجس العين فلا يجوز الصيد بدب وأسد لعدم قابلية التعليم ولا يجوز بالخنزير لنجاسة عينه فلا حاجة إلى الاستثناء فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز الاصطياد بالكلب على القول بنجاسة عينه إلا أن يقال إن النص ورد في حل الاصطياد به بخصوصه والأصل فيه قوله تعالى أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله أي صيد ما علمتم من الجوارح وهو معطوف على الطيبات والجوارح الكواسب والجرح الكسب والمكلبين المسلطين وقيل أن يكون جارحة بنابها ومخلبها حقيقة ويمكن حمل الآية على المعنيين فيشترط الجراحة حقيقة على ما هو ظاهر الرواية لأن في اشتراط الجرح من الكواسب عملا بالمتيقن به ومعنى قوله مكلبين معلمين الاصطياد تعلمونهن تؤدبونهن والمعلم من الكلاب مؤدبها ثم عم في كل ما أدب جارحة بهيمة كانت أو طيرا كما في التبيين والمحدد من سهم وغيره لقوله عليه الصلاة والسلام إذا رميت سهمك وذكرت اسم الله عليه فكل
لما يؤكل لا كله أي يجوز اصطياد ما يؤكل لحمه بما ذكر لأكله
و يجوز اصطياد ما لا يؤكل لحمه لجلده وشعره لإطلاق قوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا ولا يختص بمأكول اللحم قال قائلهم صيد الملوك أرانب وثعالب وإذا ركبت فصيدي الأبطال ولأن صيده سبب الانتفاع بجلده أو شعره أو ريشه أو لاستدفاع شره وكل ذلك مشروح كما في الهداية
ولا بد فيه أي في الصيد من الجرح أي موضع منه فمات بعد جرحه يؤكل في ظاهر الرواية لأن الذبح الاختياري يحصل بالجرح وكذا الذبح الاضطراري وعن أبي يوسف وهو رواية الحسن عن الإمام والشافعي في قول أنه لا يشترط الجرح لأن الجوارح في الآية بمعنى الكواسب قوله تعالى ويعلم ما جرحتم بالنهار أي كسبتم لا الجوارح بالناب والمخلب حقيقة كما مر قبيله
و لا بد فيه من كون المرسل أي مرسل الجوارح أو الرامي مسلما أو كتابيا وهو يعقل التسمية
____________________
(4/255)
ويضبط على نحو ما ذكرنا في الذبائح وبه يصير أهلا للذكاة وأن لا يترك التسمية عمدا عند الإرسال أو الرمي لقوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى فكل شرط التسمية لحل الأكل وعند الشافعي لا يشترط في رواية قيد بالعمد لأنه لو تركه ناسيا حل أيضا كما مر في الذبائح وكون الصيد ممتنعا من الآدمي قادرا على الامتناع بالقوائم أو الجناحين متوحشا قال ابن الشيخ في شرح الوقاية فالحيوان كالظبي والأرنب إذا وقع في الشبكة أو سقط في البئر أو كان ضعيفا مجروحا هو متوحش غير ممتنع وإذا استأنس بالآدمي هو ممتنع غير متوحش فلا يجري الحكم المذكور من الذبح الاضطراري وإن كان ممتنعا ولم يكن متوحشا في الأصل كالبقر لا يكون صيدا وإن كان متوحشا كالذئب والثعلب لا يكون من الذبائح لأنه لا يؤكل بل يكون صيدا ينتفع بجلده
و لا بد أن لا يقعد المرسل أو الرامي عن طلبه بعد التواري عن بصره إلا أن يقعد لحاجة إنسانية كقضاء حاجة وأكل عن جوع وشرب عن عطش وصلاة عن فرض وجلوس عن عي فإن قعد طلبه بلا ضرورة فوجده ميتا يحرم أكله لقوله عليه الصلاة والسلام لعل هوام الأرض قتلته كما سيأتي تفصيله و لا بد أن لا يشارك المعلم غير المعلم بفتح اللام فيهما فلو أرسل الكلب المعلم وشاركه غير المعلم في جرح صيد لم يؤكل لأنه اجتمع فيه المبيح والمحرم والاحتراز عنه ممكن فيرجح المحرم احتياطا ولو شاركه في أخذه دون الجرح كره كراهة التحريم على الصحيح أو أن لا يشارك المعلم مرسل اسم مفعول مضافا إلى من لا يحل إرساله ككلب المرتد والوثني أو المجوسي أو كلب لم يرسل للصيد أو أرسل وترك التسمية عمدا لما بيناه وأن لا تطول وقفته أي وقفة المعلم بعد الإرسال حتى لا ينقطع إرساله بالتسمية لغير إمكان للصيد فلو وقف الفهد وكمن للاحتيال في الأخذ فلا يحرم لأن ذلك عادته وكذا لبعض الكلاب فلا ينقطع به فور الإرسال كما سيأتي
ويجوز بكل جارح علم من
____________________
(4/256)
السباع والطير من ذي ناب أو مخلب أخذ الصيد بطريق الشرع وفيه إشعار بأن ما لا ناب له ولا مخلب لم يحل صيده بلا ذبح لأنه لم يجرح كما في القهستاني ويثبت التعلم بغالب الرأي أو بالرجوع إلى أهل الخبرة عند الإمام فإن عنده لا تأقيت فيه لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل سماعا ولا سماع فيفوض إلى رأي المبتلى به كما هو أصله في جنسها وإخبار أهل الخبرة ولأن ذلك يختلف باختلاف طباعها وعندهما وهو رواية عن الإمام يثبت التعلم في ذي الناب بترك الأكل ثلاثا لأن تركه مرة يحمل على الشبع ومرتين على الترك بالشك وإذا تركه ثلاثا يحمل على ترك الانتهاب والاستلاب يقينا لأن الثلاث مدة ضربت للاختبار وإبلاء الأعذار كما في مدة الخيار
و يثبت التعلم في ذي المخلب بالإجابة إذا دعي بعد الإرسال وهو مأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ولأن بدنه لا يتحمل الضرب للتعليم كما يتحمل الكلب ونحوه فاكتفي بغيرة مما يدل على التعليم فإن في طبعه نفورا فيعرف زواله برجوعه بالدعاء سواء كان الرجوع بطمع اللحم أو لا وقيل لو كان يرجع بلا طمع فهو معلم وإلا فلا وأما مثل الفهد مما يتحمل الضرب فتعلمه بترك الأكل والإجابة جميعا لأن في طبعه الافتراس مع النفور
فلو أكل منه أي من الصيد البازي أكل أي حل أكل الباقي من هذا الصيد لأن تعلمه بالإجابة لا بترك أكله بالإجماع إلا عند الشافعي في الجديد لا يؤكل لا أي لا يؤكل إن أكل منه الكلب أو الفهد عندنا مطلقا سواء كان نادرا أو معتادا وللشافعي قولان فيما إذا أكل نادرا ففي قول يحرم وفي قول يحل وبه قال مالك ولو اعتاد الأكل حرم ما ظهرت عادته فيه وهل يحرم ما أكل منه قبل الذي ظهرت به عادته فيه وجهان والأصح ما قلنا لقوله عليه الصلاة
____________________
(4/257)
والسلام إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله تعالى فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه كما في التبيين وغيره
فإن أكل ذو الناب من الصيد أو ترك ذو المخلب الإجابة بعد الحكم بتعلمه حرم ما صاده بعده أي بعد ترك الأكل ثلاث مرات على التوالي أو بعد ترك الإجابة حتى يتعلم على الخلاق الذي بيناه آنفا
وكذا ما صاد قبله أي حرم ما صاد قبل أكله وقبل ترك الإجابة لأنه علامة الجهل في الابتداء فظهر أن الحكم عليه بالتعلم خطأ وبقي في ملكه بأن كان محرزا في بيته عند الإمام خلافا لهما فإن عندهما لا يحرم إلا الذي أكل منه لأن تعلمه علم بالاجتهاد فلا ينتقض باجتهاد آخر وإن لم يبق في ملكه بأن يأكله أو يتلفه لا تظهر الحرمة لانعدام المحلية وإنما قلنا محرزا في بيته لأن ما ليس بمحرز بأن كان في المفازة بعد تثبيت فيه الحرمة اتفاقا
فإن شرب الكلب من دمه أي دم الصيد ولم يأكل من لحمه أو نهسه أي الكلب فقطع منه أي من الصيد بضعة أي قطعة من اللحم فرماها أي رمى الصائد تلك البضعة واتبعه أي اتبع الكلب الصيد بعد النهس والقطع والرمي فأخذه وقتله ولم يأكل منه أكل وذلك لأنه بالشرب بدون الأكل أمسك على صاحبه وسلمه إليه وكذا إذا قطع منه بضعة ولم يأكل الصيد لأن الأول من غاية علمه حيث شرب ما لا يصلح لصاحبه وأمسك عليه ما يصلح له وكذا إذا لم يأكل وأخذ ما رماه يدل علمه بأن غير ما رماه مطلوب صاحبه وفي كل منهما سلم الصيد صاحبه وذا كاف في تحقق علمه
وإن وصلية أكل الكلب تلك البضعة
____________________
(4/258)
بعد صيده لأن هذا ليس بأكل من الصيد إذ لم يبق صيدا بعد تسليمه وقبض صاحبه
وكذا يؤكل لو أكل ما أطعمه صاحبه من الصيد لأنه لم يبق صيدا كما إذا ألقى إليه طعاما غيره أو أكل هو أي الكلب بنفسه منه أي من الصيد بأن خطف شيئا منه بعد إحراز صاحبه لأنه خرج عن كونه صيدا في هذه الحالة بخلاف ما لو أكل القطعة قبل أخذه الصيد أي نهس الصيد فقطع منه بضعة فأكلها ثم أدرك الصيد فقتله ولم يأكل منه لا يؤكل لما مر أنه أكل في حالة الاصطياد فتبين أنه جاهل ممسك على نفسه
وإن خنقه أي خنق الكلب الصيد ولم يجرحه لا يؤكل لأن الجرح شرط على ظاهر الرواية على ما ذكرناه وهذا يدلك على أنه لا يحل بالكسر وعن الإمام أنه إذا كسر عضوا فقتله لا بأس بأكله لأنه جراحة باطنة فهي كالجراحة الظاهرة كما في الهداية وفي الغاية الفتوى على ظاهر الرواية
وكذا إن شاركه كلب غير معلم أو كلب مجوسي أو كلب ترك مرسله التسمية عمدا هذه المسألة مستدركة لأنها ذكرت بعينها آنفا فلا فائدة في ذكرها ثانيا إلا أن يقال توطئة إلى قوله
وإن أرسل مسلم كلبه فزجره مجوسي فانزجر والمراد بالزجر التهييج أي هيجه مجوسي فهاج بأن صاح عليه فازداد في العدو كما في التبيين حل أكل الصيد وبالعكس يعني إن أرسله مجوسي فزجره مسلم فانزجر حرم أكله الحاصل أنه إذا اجتمع الإرسال والإغراء فالعبرة للإرسال لأن الزجر دون الإرسال لكونه بناء على الإرسال فلا ينسخ به الإرسال لأن الشيء لا يرتفع إلا بمثله أو بما فوقه كما في نسخ الآي فلا يرتفع إرسال المسلم بزجر المجوسي ولا إرساله بزجر المسلم فبقي كل واحد منهما على ما كان عليه
وفي الهداية وكل من لا تجوز ذكوته كالمرتد والمحرم وتارك التسمية عامدا في هذا بمنزلة المجوسي
وإن لم يرسله أي الكلب أحد فزجره مسلم أو غيره فالعبرة للزاجر أي لو انبعث الكلب بنفسه على الصيد فزجره مسلم فانزجر وأخذه حل أكله استحسانا والقياس أن لا يحل لأن الإرسال ذكوة اضطرارية ولهذا شرط فيه التسمية فإن لم يوجد تعدم الذكوة حقيقة وحكما وجه الاستحسان أن الزجر عند عدم الإرسال بمنزلة الإرسال لأن انزجاره عقيب
____________________
(4/259)
زجره دليل على طاعته
وإن أرسله أي الكلب ولم يسم وقت الإرسال عمدا ثم زجره فسمى فالعبرة لحال الإرسال يعني لا يؤكل فلا عبرة بالتسمية وقت الزجر
وإن أرسله على صيد فأخذ الكلب غيره أي غير الصيد حل ما دام على سنن إرساله
وقال مالك لا يحل لأنه أخذ بغير إرسال إذ الإرسال مختص بالمشار ولنا أن الإرسال شرط غير مقيد لأن المقصود حصول الصيد إذ لا يقدر على الوفاء به إذ لا يمكنه تعليمه على وجه بأخذ ما عينه فسقط اعتباره ما دام لم يعدل عن سننه ولو عدل عن الصيد يمنة ويسرة وتشاغل في غير طلب الصيد وترك سننه واتبع الصيد فأخذه وقتله لم يؤكل لأنه غير مرسل إليه
وكذا لو أرسله على صيود بتسمية واحدة فأخذ كلها حلت الصيود كلها لأن المقصود به حصول الصيد والذبح يقع بالإرسال وهو فعل واحد فيكتفى فيه بتسمية واحدة بخلاف من ذبح الشاتين بتسمية واحدة لأن الثانية مذبوحة بفعل آخر فلا بد من تسمية أخرى
وإن أرسل الفهد فكمن حتى استمكن ثم أخذ حل لأن مكثه ذلك حيلة منه للصيد لا استراحة فلا يقطع الإرسال
وكذا الكلب إذا اعتاد ذلك أي الكمون فيكون حينئذ بمنزلة الفهد
ولو أرسله أي الكلب على صيد فقتله ثم أخذ آخر فقتله أكلا جميعا لأن الإرسال قائم لم ينقطع كما لو رمى صيدا فأصاب اثنين أي أصابه وغيره أكلا ولو قتل الأول فمكث عليه طولا من النهار ثم مر به صيد آخر لا يؤكل الثاني لانقطاع الإرسال إذ لم يكن ذلك حيلة منه للأخذ وإنما كان استراحة بخلاف ما تقدم
وإذا رمى سهمه وسمى أكل ما أصاب إن جرحه أي السهم لأنه ذبح حكمي ولا حل بدون الذبح لما روي عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا رميت فسميت فخرقت فكل وإن لم تخرق فلا تأكل
وإن تركها أي التسمية عمدا حرم أكله لاشتراط التسمية في كل ذبح حقيقة أو حكما بالنص
وإن
____________________
(4/260)
وقع السهم به أي بصيد فتحامل أي تكلف في المشي حاملا للسهم وغاب الصيد ولم يقعد الرامي عن طلبه أي الصيد ثم وجده أي الصيد ميتا حل إن لم يكن به جراحة غير جراحة السهم لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي ثعلبة إذا رميت سهمك وغاب ثلاثة أيام فأدركته فكل ما لم ينتن رواه مسلم وأما لو وجد به جراحة سوى جراحة سهمه لا يحل لأنه يظهر حينئذ لموته سببان أحدهما موجب لحله والآخر موجب لحرمته فيغلب الموجب للحرمة مع أن الموهوم في مثل هذا كالتحقيق بدليل قوله عليه الصلاة والسلام لعل هوام الأرض قتلته خلافا للشافعي ولا يحل إن قعد عن طلبه ثم وجده ميتا لأن الاحتراز عن مثله ممكن فلا ضرورة إليه فيحرم وهو القياس في الكل إلا أنا تركناه للضرورة فيما لا يمكن التحرز عنه وبقي على الأصل فيما يمكن
وفي التبيين وجعل قاضي خان في فتاواه من شرط حل الصيد أن لا يتوارى عن بصره ثم قال وهذا نص على أن الصيد يحرم بالتواري وإن لم يقعد عن طلبه وإليه أشار صاحب الهداية بقوله والذي رويناه حجة على مالك في قوله إن ما توارى عنك إذا لم يبت يحل فإذا بات ليلة لا يحل وهذا يشير إلى أنه إذا توارى عنه لا يحل عندنا وإن لم يقعد عن طلبه فيكون مناقضا لقوله وإذا وقع السهم بالصيد فتحامل حتى غاب عنه ولم يزل في طلبه حتى أصابه ميتا أكل وإن قعد عنه لم يؤكل فبنى الأمر على الطلب وعدمه لا على التواري وعدمه وعلى هذا أكثر كتب فقه أصحابنا ولو حمل ما ذكره على ما قعد عن طلبه كان يستقيم ولم يناقض لكنه خلاف الظاهر انتهى لكن يمكن أن يقال إن كلام صاحب الهداية مبني على أن مدار الحل وعدمه عدم التواري وذكر الطلب فيما سبق لإعلام أن مجرد التواري لا يضر بل لا بد مع هذا من أن يقعد عن طلبه حتى يتحقق كمال التواري فإنه إذا غاب المرمي ولم يقعد الرامي عن طلبه فوجده ميتا لا يعد هذا تواريا وقد أومأ إليه صاحب الهداية بقوله إلا أنا أسقطنا اعتباره أي اعتبار الموهوم ما دام في طلبه ضرورة أن لا يعرى الاصطياد عنه
وفي النهاية أي عن التغيب عن بصره في الغياض والمشاجر والبراري والطير بعدما أصابه السهم يتحامل ويطير حتى يغيب عن بصره فيسقط اعتبار ضرورة إذا كان في طلبه لأن الطالب كالواجد ولا ضرورة فيما إذا قعد عن طلبه ولأنه لو قعد يكون التواري بسبب عمله ويمكن الاحتراز عن ذلك التواري بأن يتبع أثره ولا يشتغل بعمل آخر
والحكم فيما
____________________
(4/261)
جرحه الكلب بالإرسال كالحكم فيما جرحه السهم في جميع ما ذكر
وإن رماه أي الصيد فوقع في ماء فمات فيه أي في الماء أو وقع على سطح أو على جبل أو شجر أو حائط أو آجرة ثم تردى منه إلى الأرض فمات حرم أكله لأنه متردية وهي حرام بالنص ولأنه احتمل الموت بغير الرمي إذ الماء مهلك قيل هذا إذا لم يقع الجرح مهلكا في الحال أما إذا كان مهلكا فوقوعه في الماء حيا لا يضر لأن الحياة الباقية فيه كالحياة في المذبوح بعد الذبح فيؤكل وكذا السقوط من علو لاحتمال أن يكون من السقوط لا من الجرح هذا إذا لم يكن الجرح مهلكا في الحال أما إذا كان مهلكا وبقي فيه الحياة بقدر ما في المذبوح ثم تردى يحل كما في النهاية
وكذا يحرم لو وقع على رمح منصوب أو قصبة قائمة أو حرف أي طرف آجرة فجرح بها لاحتمال أن أحد هذه الأشياء قتله بحده أو بترديه وهو ممكن الاحتراز عنه
وإن وقع على الأرض ابتداء حل لأنه لا يمكن الاحتراز عنه وفي اعتباره سد باب الاصطياد بخلاف ما إذا أمكن التحرز عنه لأن اعتباره لا يؤدي إلى الحرج فأمكن ترجيح المحرم عند التعارض على ما هو الأصل في الشرع كما في التبيين
وكذا لو وقع على صخرة أو آجرة فاستقر عليهما وكذا لو وقع على جبل أو ظهر بيت ولم يترد منه ولم ينجرح حل لأن وقوعه على هذه الأشياء وعلى الأرض سواء
وفي الهداية وذكر في المنتقى لو وقع على صخرة فانشق بطنه لم يؤكل لاحتمال الموت بسبب آخر وصححه الحاكم الشهيد وحمل مطلق المروي من قوله فاستقر عليها في الأصل على غيره حالة الانشقاق وحمله أي رواية المنتقى شمس الأئمة السرخسي على ما أصابه حد الصخرة فانشق بطنه لذلك وحمل المروي في الأصل على أنه لم يصبه من الآجرة إلا ما يصيبه من الأرض لو وقع عليه وذلك عفو كما لو وقع على الأرض وانشق بطنه وهذا أي ما فعله شمس الأئمة أصح انتهى
وإن وقع في الماء فمات حرم هذه المسألة مستدركة لأنها ذكرت بعينها آنفا فلا فائدة في ذكرها ثانيا إلا أن يقال ذكرها تمهيدا
____________________
(4/262)
لقوله
وإن كان الطير مائيا فوقع فيه أي في الماء فإن انغمس جرحه بضم الجيم فيه أي في الماء حرم لاحتمال الموت بالماء وبه قالت الأئمة الثلاثة إذا كانت جراحة غير مهلكة أما إذا كانت مهلكة يحل عند الشافعي ومالك وإلا أي وإن لم ينغمس جرحه في الماء حل لتيقن الموت بالرمي
ويحرم ما قتله المعراض وهو اسم لسهم لا ريش له يمر على أرضه فيصيب بعرضه لقوله عليه الصلاة والسلام فيه ما أصابه بحده فكل وما أصابه بعرضه فلا تأكل ولأنه لا بد له من الجرح ليتحقق معنى الذكوة كما في الهداية أو البندقة معطوف على المعراض أي يحرم ما قتلته البندقة وهي طينة مدورة يرمى بها لأنه يدق ويكسر ولا يجرح فصار كالمعراض إذا لم يخرق ولم يجرحه قيد لهما
وإن أصابه أي أصاب الرامي الصيد بحجر أي بأن رماه بحجر وجرحه بحده بكسر الحاء بمعنى الحدة كما في شرح المجمع والظاهر أنه بالفتح بمعنى طرفه فإن كان الحجر ثقيلا لا يؤكل لاحتمال أنه قتله بثقله
وإن كان خفيفا أكل لتعين الموت بالجرح وإن كان خفيفا وجعله أي الجرح طويلا كالسهم وبه حدة فإنه يحل لأنه يقتله بجرحه ولو رماه بمروة حديدة ولم يبضع بضعا لا يحل لأنه قتله دقا كما في الهداية
وإن لم يجرحه لا يؤكل مطلقا سواء كان ثقيلا أو خفيفا لاشتراط الجرح
ولو رماه بسيف أو ب سكين فأصاب ظهره أي ظهر السيف أو السكين أو مقبضه أي مقبض السيف أو السكين فقتله لا يؤكل لأنه قتله دقا والحديد وغيره فيه سواء والأصل في هذه المسائل أن الموت إذا كان مضافا إلى الجرح بيقين كان الصيد حلالا وإذا كان مضافا إلى الثقل بيقين كان حراما وإن وقع الشك ولا يدري مات بالجرح أو الثقل كان حراما احتياطا
____________________
(4/263)
وشرط في الجرح الإدماء لقوله عليه الصلاة والسلام ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل شرط الإنهار وقيل لا يشترط الإدماء لإتيان ما في وسعه وهو الجرح وإخراج الدم ليس في وسعه فلا يكون مكلفا به لأن الدم قد يحتبس لغلظه أو لضيق المنفذ بين العروق وكل ذلك ليس في وسعه وقيل إن كان الجرح كبيرا لا يشترط الإدماء
وإن كان صغيرا يشترط لأن الكبير إنما لا يخرج منه الدم لعدمه والصغير لضيق المخرج ظاهرا فيكون التقصير منه
وإن أصاب السهم ظلفه أي ظلف الصيد بكسر الظاء المعجمة حافره أو قرنه فإن أدماه حل أكله وإلا فلا يحل وهذا يؤيد قول من يشترط خروج الدم ولو ذبح شاة أو غيرها فتحركت بعد الذبح وخرج منها دم مسفوح تؤكل ولو لم يتحرك ولم يخرج الدم لا تؤكل ولو لم يتحرك وخرج الدم المسفوح أو تحرك ولم يخرج منها الدم أكلت وإن علم حياتها عند الذبح تؤكل وإن لم يخرج الدم ولم تتحرك
وإن رمى صيدا فقطع عضوا منه أكل الصيد دون العضو أي يؤكل صيد قطع عضو منه بالرمي كاليد أو الرجل لأنه ذابح برميه ولا يؤكل عضوه المقطوع لقوله عليه الصلاة والسلام ما أبين من الحي فهو ميت قد ذكر عليه الصلاة والسلام الحي مطلقا فينصرف إلى الحي الحقيقي وعند الشافعي يؤكلان إذا مات الصيد في الحال وإلا يؤكل المبان منه لا المبان
وإن قطعه أي العضو ولم يبنه فإن احتمل التيامه فمات أكل العضو أيضا أي كما يؤكل الصيد لأنه بمنزلة سائر أجزائه وإلا أي وإن لم يحتمل ولم يتوهم التيامه
____________________
(4/264)
بعلاج إن بقي منه معلقا بجلده فلا يؤكل المبان لوجود الإبانة معنى والعبرة للمعاني
وإن قده أي شق الصيد طولا وكذا عرضا كما في القهستاني نصفين أو قطعه أثلاثا والأكثر من جانب العجز أكل الكل أي يؤكل المبان والمبان منه جميعا إذ لا يمكن بقاء الحياة بعد هذا الجرح فلا يتناوله الحديث بخلاف ما إذا كان الثلثان في طرف الرأس والثلث في طرف العجز إذ يؤكل المبان منه لا المبان لإمكان الحياة في الثلثين فوق حياة المذبوح بخلاف ما إذا قطع أقل من نصف الرأس إذ يؤكل المبان منه لا المبان لإمكان الحياة المذكورة وكذا أكل الكل لو قطع نصف رأسه أو أكثر للعلة المذكورة
وإذا أدرك الصيد حيا فيه حياة فوق حياة المذبوح فلا بد من ذكوته لأنه قدر على الأصل وهو ذكوة حقيقة قيل حصول المقصود بالبدل وهو ذكوة الاضطرار إذ المقصود هو الإباحة بالذكوة الاضطرارية ولم يثبت قبل موت الصيد فبطل حكم البدل فإن تركها أي الذكوة متمكنا أي قادرا منها أي من الذكوة حرم لما بيناه آنفا
وكذا يحرم لو تركها غير متمكن منها إما لفقد الآلة أو لضيق الوقت ومعه آلة الذبح وفيه من الحياة فوق ما يكون في المذبوح في ظاهر الرواية لأن ذكوة الاضطرار إنما تعتبر إذا لم يقع في يده حيا وهذا وقع في يده حيا فيسقط اعتبار ذكوة الاضطرار فيه وعن الشيخين وهو قول الشافعي أنه يحل إذا كان فيه من الحياة أكثر مما في المذبوح بعد الذبح
وإن لم يبق من حياته إلا مثل حياة المذبوح وهو ما لا يتوهم بقاؤه بعد هذا كما إذا شق بطنه وأخرج ما فيه فلم يدركه حيا فيحل ولا تلزم تذكيته لأن ما بقي فيه اضطراب المذبوح وفيه إشارة إلى أنه لو مات قبل وصول الذبح أو مع وصوله أو بعد وصوله بلا فصل أكل وبه نأخذ كما في
____________________
(4/265)
القهستاني نقلا عن النظم وقيل عند الإمام لا بد من تذكيته أيضا أي كما يكون فيه حياة فوق ما يكون في المذبوح لأنه وقع في يده حيا فلا يحل إلا بالذكوة الاختيار فإن ذكاه حل إجماعا
وكذا إن ذكى المتردية أي التي سقطت من العلو والنطيحة أي التي ماتت من النطح وهو ضرب الكبش بالقرن له والموقوذة أي التي قتلت بالخشب والتي بقر أي شق الذئب بطنها وفيه أي في كل واحد من هذه الأربعة حياة خفية أي دون حياة المذبوح أو جلية أي فوق حياة المذبوح وقيل الخفية بأن لم يتحرك ولكن يتنفس بالحياة والجلية بأن حل أي يحل أكل هذه الأربعة إذا ذكيت وعليه الفتوى لقوله تعالى وما أكل السبع إلا ما ذكيتم استثناء مطلقا من غير تفصيل فيتناول كل حي مطلقا لأن المقصود تسييل الدم النجس بفعل الذكوة وقد حصل وعند أبي يوسف إن كان أحد هذه الأربعة بحيث لا يعيش مثله لا يحل بالتذكية لأنه لم يكن موته بالذبح أي مضافا إلى الذبح وبه قالت الأئمة الثلاثة وعند محمد إن كان يعيش فوق ما يعيش المذبوح حل وإلا أي وإن لم يكن يعيش فوق ما يعيش المذبوح بل كان يعيش مقدار ما يعيش المذبوح فلا يحل بالتذكية لأن قدر حياة المذبوح غير معتبر
ومن رمى صيدا فأثخنه أي جعله ضعيفا وأخرجه عن حيز الامتناع أي صيره إلى حال لا ينجو من يد الصائد ولكن ترجى حياته ثم رماه آخر فقتله حرم أكله لاحتمال الموت بالثاني وهو ليس بذكوة للقدرة على ذكوة الاختيار وضمن الثاني قيمته أي قيمة الصيد مجروحا للأول يعني الأول ملك الصيد بإثخانه والثاني برميه أتلف ملكه
____________________
(4/266)
فيضمن قيمته معينا بالجراحة وفي التبيين تفصيل فليطالع قيدنا بقولنا ترجى حياته لأنه لو لم ترج حياته بأن قطع بالرمي الأول رأسه أو بقر بطنه أو نحوهما يحل أكله لأن الموت مضاف إلى الأول لا الثاني كما في شرح المجمع فإن لم يثخنه الأول ورماه الثاني فقتله حل أكله لأنه حين رمى الثاني كان صيدا لقدرته على الامتناع وهو أي الصيد للثاني لأنه هو الذي أخذه وأخرجه عن حيز الامتناع وقد قال عليه الصلاة والسلام الصيد لمن أخذ
وفي التبيين ولو رمياه معا فأصاب أحدهما قبل الآخر وأثخنه ثم أصابه الآخر أو رماه أحدهما أولا ثم رماه الثاني قبل أن يصيبه الأول أو بعدما أصابه قبل أن يثخنه فأصابه الأول وأثخنه أو أثخنه ثم أصابه الثاني فقتله فهو للأول ويؤكل
وقال زفر لا يحل أكله ولو رمياه معا وأصاباه معا فمات منهما فهو بينهما لاستوائهما في السبب والبازي والكلب في هذا كالسهم حتى يملكه بإثخانه ولا يعتبر إمساكه بدون الإثخان وتمامه فيه إن شئت فليراجع
ومن أرسل كلبا على صيد فأدركه فضربه فصرعه أي طرحه على الأرض ثم ضربه فقتله أكل وكذا يؤكل لو أرسل كلبين فصرعه أحدهما وقتله الآخر لأن الامتناع عن الجرح بعد الجرح لا يدخل تحت التعليم فجعل عفوا ما لم يكن إرسال أحدهما بعدما أثخنه الأول
ولو أرسل رجلان كل منهما كلبه فصرعه أحدهما وقتله الآخر حل أكله إذا كان إرسال الثاني قبل أن يثخنه الأول لما بينا وهو أي الصيد للأول إن كان أثخنه قبل أن يجرحه الثاني لأنه أخرجه عن حد الصيدية فملكه به ولا يحرم بجرح الثاني بعدما أثخنه الأول لأن إرسال الثاني حصل إلى الصيد لكونه قبل أن يثخنه لأن المعتبر في الحل والحرمة حالة الإرسال لقدرته على الامتناع ولا يعتبر بعده لعدم قدرته عليه وعن هذا قال
ولو أرسل الثاني بعد صرع الأول حرم لما بينا أن الإرسال إذا كان بعد الخروج عن الصيدية لم يكن موته ذكوة للقدرة على ذكوة الاختيار وضمن الثاني للأول كما في الرمي لتلف الصيد المملوك للأول بإرسال الثاني
ومن سمع حسا أي صوتا خفيفا
____________________
(4/267)
فظنه إنسانا فرماه أو أرسل عليه كلبه فإذا هو صيد فقتله أكل لأنه لا معتبر بظنه مع تعينه صيدا كما في الهداية وذكر في المنتقى إذا سمع حسا بالليل فظن أنه إنسان أو دابة فرماه فإذا ذلك المرمي صيد أو أصاب صيدا آخر وقتله لا يؤكل لأنه رماه وهو لا يريد الصيد ثم قال ولا يحل الصيد إلا بوجهين أن يرميه وهو يريد الصيد وأن يكون مرميه صيدا سواء كان مما يؤكل أو لا وهذا أوجه لأن الرمي إلى الآدمي ونحوه بقصده لا يعد صيدا فلا يمكن اعتباره ولو أصاب صيدا وقد قال في الهداية وإن تبين أنه حس آدمي لا يحل المصاب وحمل قولاه المختلفان على الروايتين عن أبي يوسف وتمامه في التبيين فليطالع
____________________
(4/268)
كتاب الرهن وجه المناسبة بين كتاب الرهن وكتاب الصيد أن كل واحد منهما سبب لتحصيل المال ومن محاسنه حصول النظر لجانب الدائن والمديون وهو مشروع بقوله تعالى فرهان مقبوضة وبما روي أنه عليه الصلاة والسلام اشترى من يهودي طعاما ورهنه بها درعه وقد انعقد الإجماع على ذلك لأنه عقد وثيقة لجانب الاستيفاء فيعتبر بالوثيقة في طرف الوجوب وهي الكفالة كما في الهداية هو أي الرهن لغة الحبس مطلقا قال الله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة أي محبوسة بجزاء عملها ويقال قلب المحب رهن عند حبيبه وقيل هو جعل الشيء محبوسا أي شيء كان بأي سبب كان وقد يطلق الرهن على المرهون تسمية للمفعول بالمصدر وحينئذ يجمع على رهان ورهون ورهن وشرعا حبس شيء بحق يمكن استيفاؤه أي استيفاء الحق منه أي من ذلك الشيء كالدين أي مثل ما وجب في الذمة حتى إذا ارتهن بما لا يمكن استيفاؤه من الرهن كان الرهن باطلا كالرهن بالقصاص والحدود والمراد بالشيء هنا المال ولذا قال البعض هو حبس المال
____________________
(4/269)
بحق كما قيل هو حبس العين بالدين فصار ذلك خروجا من العموم إلى الخصوص ويراد بالحق هنا ما يعم الدين الواجب حقيقة وهو الظاهر كالديون في الذمة أو حكما كالأعيان المضمونة بنفسها مثل المغصوب والمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم العمد لأن الموجب الأصلي في هذه الأعيان المثل والقيمة ومالهما إلى الدين ولهذا تصح الكفالة به والإبراء عن قيمته هذا عند الجمهور ويدل على هذا عبارة الضمان فرد العين وجودها خلاص عن الدين بخلاف العين الغير المضمونة كالودائع والعواري وبخلاف المضمونة بغيرها كالمبيع في يد البائع وفي الإصلاح
وفي الشريعة جعل الشيء محبوسا بحق لا حبس الشيء بحق لأن الحابس هو المرتهن لا الراهن بخلاف الجاعل إياه محبوسا انتهى وفيه كلام لأنه لا يرد ذلك لأن اللازم في الرهن الشرعي كونه مقبولا ومحبوسا عند المرتهن أو العدل إذ مجرد جعل الراهن الشيء محبوسا لا يفيد بدون مطاوعة المرتهن لأنه آخذ الحق منه تدبر وينعقد الرهن بإيجاب من الراهن بأن قال رهنتك هذا المال بدين لك علي وقبول من المرتهن كما في سائر العقود حال كون ذلك العقد غير لازم لزوما شرعيا ويتم بالقبض اختلف العلماء في القبول قال بعضهم إنه شرط والظاهر ما ذكر في المحيط يشير إلى أنه ركن
وقال بعضهم الإيجاب ركن والقبول شرط أما القبض فشرط اللزوم
وفي الذخيرة قال محمد لا يجوز الرهن إلا مقبوضا فقد أشار إلى أن القبض شرط الجواز
وقال شيخ الإسلام إنه شرط اللزوم وبه قال أكثر العلماء والأول أصح كما في الهداية
وفي الكنز ولزم بإيجاب وقبول ويتم بقبضه انتهى وهو مذهب مالك
وفي التبيين وهذا سهو فإن الرهن لا يلزم بالإيجاب والقبول لأنه تبرع كالهبة والصدقة ولكنه ينعقد بهما فيلزم به انتهى لكن يمكن الجواب بأن المراد باللزوم هو الانعقاد يدل عليه قوله ويتم بقبضه فإنه لو أراد ما هو الظاهر منه لما قال إنه يتم به إذ اللازم لا يحتاج في تمامه إلى شيء آخر تدبر محوزا أي يتم بالقبض حال كونه مجموعا احتراز عن رهن الثمر على الشجر ورهن الزرع في الأرض لأن المرتهن لم يحزه أي لم يجمعه ولم يضبطه حال كونه مفرغا عن ملك الراهن وهو احتراز عن عكسه وهو رهن الشجر دون الثمر ورهن الأرض دون الزرع ورهن دار فيها متاع الراهن حال كونه مميزا عن اتصاله بغيره اتصال خلقة وهو احتراز عن رهن المشاع كرهن نصف العبد أو الدار وفي الدرر وهذه المعاني هي المناسبة لهذه الألفاظ لا ما قيل إن الأول احتراز عن رهن المشاع والثاني عن المشغول والثالث عن رهن ثمر على الشجر دون الشجر كما لا يخفى على أهل النظر تدبر
والتخلية هي أن يخلي بين الراهن والمرتهن
____________________
(4/270)
فيه أي في الرهن وفي البيع قبض أي في حكم قبض المرتهن وبه قال الشافعي ومالك حتى إذا وجدت من الراهن بحضرة المرتهن ولم يأخذه فضاع ضمن المرتهن كما أن التخلية في البيع قبض كذلك هذا في ظاهر الرواية لأن الراهن يقدر على التخلية دون القبض الحقيقي لكونه فعل الغير فلا يكلف به ولذا قيل التخلية تسليم إلا أن ذكر القبض هنا أبلغ وأنسب من التسليم لأن القبض كان منصوصا فيه فصار مخصوصا به كما في الهبة والصدقة وعن أبي يوسف أن القبض لا يثبت بها في المنقول إلا بالنقل كما في الغصب لأن القبض هو موجب للضمان قيل القياس على البيع المشروع أولى من القياس على الغصب الممنوع
وفي المنح فإن قلت ينبغي أن لا تكفي التخلية في قبض الرهن إذا القبض منصوص عليه في الرهن بخلاف البيع وقد استدل المشايخ على شرطية القبض في الرهن بقوله تعالى فرهان مقبوضة فإنه أمر بالرهن لأن المصدر متى قرن بالفاء في محل الجزاء يراد به الأمر كما وقع في كثير من القرآن والأصل أن المنصوص يراعى وجوده على أكمل الجهات قلت أجيب عنه بأن المنصوص إنما يراعى وجوده على أكمل الجهات إذا نص عليه بالاستقلال وأما إذا ذكر تبعا للمنصوص فلا يجب أن يراعى وجوده كما ذكر فإن التراضي في البيع منصوص عليه بقوله تعالى إلا أن تكون تجارة عن تراض فلو صح ما قال المعترض لبطل بيع المكره ولم يفسد وليس كذلك انتهى لكن لا نسلم هذه الملازمة بل الملازم من صحة ما قال المعترض هو ثبوت صحة البيع بالرضى في الجملة على قياس التخلية في الرهن فإنها قبض في الجملة كما في البيع والهبة تدبر
وللراهن أن يرجع عنه أي عن الرهن قبل القبض لكونه غير تام وغير لازم قبل القبض فإذا قبض لزم الرهن لما قررناه آنفا فلا رجوع بعده وهو أي الرهن مضمون بالأقل من قيمته أي الرهن ومن الدين إذا هلك والأقل اسم تفضيل استعمل باللام وكلمة من ليست تفضيلية بل بيانية والمعنى بالأقل الذي هو من هذين المذكورين أيهما كان
وقال الشافعي الرهن كله أمانة في يد المرتهن فلا يسقط شيء من الدين بهلاكه لقوله عليه الصلاة والسلام لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه أي للراهن الزوائد
____________________
(4/271)
وعليه غرمه أي لو هلك كان الهلاك على الراهن قال معناه لا يصير مضمونا بالدين ولنا قوله عليه الصلاة والسلام للمرتهن بعدما نفق فرس الرهن عنده ذهب حقك وقوله عليه الصلاة والسلام إذا عمى الرهن فهو بما فيه معناه على ما قالوا إذا اشتبهت قيمة الرهن بعدما هلك الرهن وإجماع الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم على أن الرهن مضمون مع اختلافهم في كيفيته والقول بالأمانة خرق له والمراد بقوله عليه الصلاة والسلام لا يغلق الرهن على ما قالوا الاحتباس الكلي بأن يصير مملوكا كذا ذكره الكرخي عن السلف وعن النخعي في رجل دفع إلى رجل رهنا وأخذ درهما فقال إن جئتك بحقك إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك فقال إبراهيم لا يغلق الرهن فجعله جوابا للمسألة وتحقيقه في شروح الهداية وغيرها تتبع
فلو هلك كل الرهن في يد المرتهن وهما أي الرهن والدين سواء أي متساويان في المقدار صار المرتهن مستوفيا لدينه حكما فلا يطلب المرتهن من الراهن ولا الراهن من المرتهن شيئا
وإن كانت قيمته أي الرهن أكثر من الدين فالزائد أمانة في يد المرتهن لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال المرتهن أمين في الفضل ولأن المضمون يقع بقدر ما يقع به الاستيفاء وذلك بقدر الدين فلا يدخل الفضل في ضمانه خلافا لزفر إذ عنده مضمون بقيمة الهلاك لا بالأقل منهما فيدخل الفضل في ضمانه بالهلاك لأن الفضل عن الدين مرهون لكونه محبوسا به فيكون مضمونا
وإن كان الدين أكثر من قيمة الرهن سقط منه أي من الدين قدر القيمة أي قيمة الرهن وطولب الراهن بالباقي من الدين مثلا إذا كان الدين مائة درهم والرهن أيضا يساوي مائة درهم فهلك من غير تعد صار المرتهن مستوفيا دينه حكما ولا يبقى له مطالبة على الراهن فإن كان الرهن يساوي مائة وخمسين درهما مثلا فالخمسون أمانة في يده فلا يضمنها إلا بالتعدي وإن كان الرهن يساوي تسعين يصير المرتهن مستوفيا من دينه تسعين درهما ويرجع على الراهن بعشرة دراهم
وتعتبر قيمته أي قيمة الرهن يوم قبضه
وفي المنح نقلا عن الخلاصة وحكم الرهن أنه لو هلك في يد المرتهن أو العدل ينظر إلى قيمته يوم القبض وإلى الدين فإن كانت قيمته مثل الدين سقط الدين بهلاكه إلى آخر ما قاله
وفي التبيين إن ضمان الرهن على المرتهن يخالف ضمان الأجنبي فإنه تعتبر قيمته يوم القبض بخلاف ما لو أتلفه أجنبي فإن المرتهن يضمنه قيمته ويكون رهنا عنده والواجب هنا في المستهلك قيمته يوم هلك باستهلاكه ثم بحث وقال وإن نقصت القيمة بتراجع السعر إلى خمسمائة وقد كانت قيمته يوم القبض ألفا وجب بالاستهلاك خمسمائة وسقط من الدين خمسمائة لأن ما انتقص كالهالك وسقط الدين بقدره وتعتبر قيمته
____________________
(4/272)
يوم القبض فهو مضمون بالقبض لا بتراجع السعر انتهى إذا تقرر هذا ظهر لك أن ما ذكره صاحب الفرائد من قوله المعتبر قيمة الرهن يوم الهلاك لقولهم إن يده أمانة فيه إلى آخر ما قاله مخالف لصريح المنقول انتهى
وفي التنوير المقبوض على سوم الرهن إذا لم يبين المقدار أي مقدار ما يريد أخذه من الدين ليس بمضمون من الدين في الأصح
ويهلك الرهن على ملك الراهن فكفنه أي كفن العبد الرهن أو الأمة المرهونة عليه أي على الراهن لأنه ملكه حقيقة وهو أمانة في يد المرتهن حتى إذا اشتراه لا ينوب قبض الرهن عن قبض الشراء لأنه قبض أمانة فلا ينوب عن قبض الضمان وإذا كان ملكه فمات كان عليه كفنه
وللمرتهن أن يطالب الراهن بدينه لأن هلاك الرهن لا يسقط طلب الدين ويحبسه به أي يحبس المرتهن الراهن بدينه
وإن وصلية كان الرهن عنده لأن حقه باق بعد الرهن والحبس جزاء الظلم فإذا ظهر مطله عند القاضي يحبسه دفعا للظلم وهو المماطلة وله أي للمرتهن أن يحبس الرهن بعد فسخ عقده أي عقد الرهن حتى يقبض دينه إلا وقت أن يبرئه أي المرتهن عن الدين لأن الرهن لا يبطل بمجرد الفسخ بل يرده على الراهن بطريق الفسخ فإنه يبقى ما بقي القبض والدين
وليس عليه أي على المرتهن إن كان الرهن في يده أي المرتهن أن يمكن الراهن من بيعه أي من بيع الرهن للإيفاء يعني لو أراد الراهن أن يبيع الرهن ليقضي الدين بثمنه لا يجب على المرتهن أن يمكنه من البيع لأن حكم الرهن الحبس الدائم إلى أن يقضي الدين فكيف يصح القضاء من ثمنه
وليس للمرتهن الانتفاع بالرهن باستخدام ولا بسكنى ولا بلبس إلا بإذن المالك لأن حق المرتهن الحبس إلى أن يستوفى دينه دون الانتفاع ولا إجارته ولا إعارته أي ليس للمرتهن الانتفاع بإجارة أو بإعارة إذا لم يكن له الانتفاع بنفسه فلا يكون مالكا لتسليط الغير عليه إلا بإذن الراهن
وفي المنح وعن عبد الله بن محمد بن مسلم السمرقندي وكان من كبار علماء سمرقند أن من ارتهن شيئا لا يحل له أن ينتفع بشيء منه بوجه من الوجوه وإن أذن الراهن لأنه
____________________
(4/273)
أذن له في الربا لأنه يستوفي دينه كاملا فتبقى له المنفعة التي استوفى فضلا فيكون ربا وهذا أمر عظيم كذا رأيت منقولا بهذا اللفظ وعزاه إلى الجامع لمجد الأئمة السرخسي قلت وهو مخالف لكلام عامة المعتبرات ففي الخانية رجل رهن شاة وأباح للمرتهن أن يشرب لبنها كان للمرتهن أن يشرب ويأكل ولا يكون ضامنا
وفي الفوائد الزينية أباح الراهن للمرتهن أكل الثمار فأكلها لم يضمن ثم قال يكره للمرتهن الانتفاع بالرهن بإذن الراهن وإن أذن له في السكنى فلا رجوع بالأجرة انتهى فليحمل ما تقدم على الديانة وما في سائر المعتبرات على الحكم ويصير بذلك أي يصير المرتهن بالانتفاع قبل الإذن متعديا إذ هو غير مأمور به من جهة المالك ولا يبطل به أي بالتعدي الرهن لبقاء العقد قبل استيفاء الدين
وإذا طلب المرتهن دينه أمر بإحضار الرهن أولا إن لم يكن للرهن حمل ومؤنة بقرينة الآتي ليعلم أنه باق ولأن قبضه قبض استيفاء فلا وجه لقبض ماله مع قيام يد الاستيفاء لأن هلاكه يحتمل فإذا هلك في يد المرتهن تكرر الاستيفاء فإذا أحضره أي المرتهن الرهن أمر الراهن بتسليم كل دينه أولا لتعيين حق المرتهن في الدين كما يعين حق الراهن في الرهن الحاضر تحقيقا للتسوية بينهما ثم أمر المرتهن بتسليم الرهن كما أمر البائع بتسليم المبيع بعد تسليم المشتري الثمن
وكذا أي وكذا الحكم فيه مثل الحكم فيما تقدم
لو طالبه المرتهن بالدين في غير بلد العقد أي عقد الرهن ولم يكن للرهن حمل ومؤنة فإن الأماكن في حق التسليم كمكان واحد فيما ليس لحمله مؤنة فإن كان له أي للرهن حمل ومؤنة فله أي للمرتهن أن يستوفي دينه بلا تكليف إحضار الرهن لأن الواجب عليه التسليم بمعنى التخلية لا النقل من مكان إلى مكان وللراهن أن يحلف المرتهن بالله ما هلك
وكذا أي للمرتهن أن يستوفي دينه من الراهن إن
____________________
(4/274)
كان الرهن وضع عند عدل بأمر الراهن ولا يكلف بإحضاره لكونه في يد الغير بأمر الراهن ولا يكلف أيضا المرتهن بإحضار ثمن رهن باعه أي الرهن المرتهن بأمر الراهن حتى يقبضه أي الثمن من المشتري لأنه صار دينا بالبيع بأمر الراهن فصار كأن الراهن رهنه وهو دين ولو قبضه يكلف بإحضاره لقيام البدل ولا يكلف أيضا إن قضى بعض حقه بتسليم حصته حتى يقبض الباقي من الدين لأن له أن يحبس كل الرهن حتى يستوفي البقية كما في حبس المبيع
وللمرتهن أن يحفظ الرهن بنفسه وزوجته وولده وخادمه الذي في عياله وأجيره مشاهرة أو مسانهة لأن العبرة بالمساكنة لا بالنفقة حتى إن الزوجة لو دفعت الرهن إلى الزوج لا يضمن إن هلك مع أن الزوج ليس في نفقتها فإن حفظه أي المرتهن الرهن بغيرهم أي بغير المذكورين أو أودعه المرتهن عند آخر فهلك ضمن المرتهن كل قيمته لأن المالك ما أذن له في ذلك فيضمن جميع قيمته كالمغصوب لكونه متعديا وهل يضمن المودع الثاني فهو على الخلاف الذي بيناه في مودع المودع ثم إن قضى بقيمة الرهن فيما إذا تعدى المرتهن عليه من جنس الدين يتقاصا بمجرد القضاء بالقيمة إذا كان الدين حالا ويطالب المرتهن الراهن بالفضل إن كان هناك فضل وإن كان الدين مؤجلا يضمن قيمة الرهن وتكون القيمة رهنا عند المرتهن فإذا حل الأجل أخذه المرتهن بدينه وإن قضى بالقيمة من خلاف جنسه كان الضمان رهنا عنده إلى قضاء دينه لأنه بدل الرهن فأخذ حكمه
وكذا يضمن جميع قيمته إن تعدى فيه أي في الرهن صريحا كما في الغصب لأن الزيادة على مقدار الدين أمانة والأمانات تضمن بالإتلاف
أو جعل الخاتم الرهن في خنصره فهلك يضمن جميع قيمته لأنه استعمال فإن جعله أي الخاتم والظاهر بالواو لا بالفاء في أصبع غيرها أي غير الخنصر فلا يضمن لأن ذلك يعد
____________________
(4/275)
حفظا فظهور التعدي في الأول دون الثاني مبني على العادة ولو رهنه خاتمين فلبس خاتما فوق خاتم فإن كان ممن يتجمل بلبس خاتمين ضمن وإلا كان حافظا فلا يضمن وكذا يضمن بتقلد سيفي الرهن لأنه أيضا استعمال لا الثلاثة فإنه حفظ فإن الشجعان يتقلدون في العادة بسيفين لا الثلاثة
وعليه أي على المرتهن مؤنة حفظه أي الرهن أي ما يحتاج في حفظ نفس الرهن
و مؤنة رده أي رد الرهن إلى يده أي إلى يد المرتهن إن خرج من يده كجعل الآبق إن كانت قيمة الرهن مثل الدين وإن كانت أقل منه فالمؤنة عليه أيضا بطريق الأولى ولذا لم يتعرض له أو كذا مؤنة رد جزئه إلى يد المرتهن بأن تبيض عين الرهن أو يحدث به مرض آخر فمداواته على المرتهن لأن الإمساك حق له واجب عليه فتكون المؤنة عليه كأجرة بيت حفظه و أجرة حافظه
وفي الهداية هذا في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أن كراء المأوى على الراهن بمنزلة النفقة لأنه سعى في تبقيته ومن هذا القسم جعل الآبق فإنه على المرتهن لأنه محتاج إلى إعادة يد الاستيفاء التي كانت له ليرده وكانت من مؤنة الرد فيلزمه وهذا إذا كانت قيمة الرهن والدين سواء وإن كانت قيمة الرهن أكثر فعليه بقدر المضمون وعلى الراهن بقدر الزيادة عليه لأنه أمانة في يده والرد لإعادة اليد ويده في الزيادة يد المالك إذ هو كالمودع فيها فلهذا يكون على المالك وهذا بخلاف أجرة البيت الذي ذكرناه فإن كلها يجب على المرتهن وإن كان في قيمة الرهن فضل لأن وجوب ذلك أي أجرة البيت بسبب الحبس وحق الحبس في الكل ثابت له وأما الجعل إنما يلزمه لأجل الضمان فيتقدر بقدر المضمون وعن هذا قال
أما جعل الآبق والمداواة أي مداواة القروح ومعالجة الأمراض والفداء من الجناية فمنقسم على المضمون والأمانة يعني ما كان من حصة المضمون فعلى المرتهن وما كان من حصة الأمانة فعلى الراهن إذا تقرر عندك ما نقلنا من الهداية لا يخفى عليك ما في المتن من الاختلال ولو قال وعليه مؤنة حفظه كأجرة بيت حفظ وحافظ وإن كان في قيمة الرهن فضل وعليه مؤنة رده إلى يده أو رد جزئه إذا كانت قيمته والدين سواء وأما إذا كانت أكثر منه أي الدين فمنقسم على المضمون والأمانة كالفداء من الجناية كما في أكثر المعتبرات لكان أسلم تدبر
ومؤنة تبقيته أي جعل الرهن باقيا و مؤنة إصلاحه أي
____________________
(4/276)
إصلاح منفعته على الراهن كالنفقة من مأكله ومشربه والكسوة وأجرة الراعي وأجرة ظئر ولد الرهن هذه أمثلة مؤنة التبقية وسقي البستان وتلقيح نخله أي نخل البستان وجذاذه أي التمر من النخل والقيام بمصالحه كإصلاح جداره وقلع الحشيش المضر وغيرهما عنه هذه أمثلة المؤنة لإصلاح منافعه الأصل فيه أن ما يحتاج إليه لمصلحة الرهن بنفسه وتبقيته فهو على الراهن سواء كان في الرهن فضل أو لا لأن العين باقية على ملكه وكذا منافعه مملوكة له أصلا وتبقيته عليه لما أنه مؤنة ملكه كما في الوديعة
وما أداه أحدهما أي الراهن والمرتهن مما وجب على صاحبه بلا أمر أي بغير أمر القاضي فهو تبرع فيما أداه كما إذا قضى دين غيره بغير أمره
و ما أداه مما وجب على صاحبه بأمر القاضي يرجع المؤدي به أي بما أداه وقيد صاحب المنح في متنه بقوله ويجعله دينا على الآخر وقال وحينئذ يرجع عليه وبمجرد أمر القاضي من غير تصريح بجعله دينا عليه لا يرجع كما في التبيين نقلا عن المحيط وفي النهاية نقلا عن الذخيرة فعلى هذا لو قيد المصنف كما في التنوير لكان أولى تدبر وعن الإمام أنه لا يرجع به أيضا أي كما لا يرجع به إذا أداه بلا أمر صاحبه إن كان صاحبه حاضرا وإن كان بأمر القاضي لأنه يمكنه أن يرجع الآمر إلى القاضي فيأمر صاحبه بذلك وقال أبو يوسف يرجع في الوجهين وهي فرع مسألة الحجر لأن القاضي لا يلي الحاضر ولا ينفذ أمره عليه فلو نفذ أمره عليه لصار محجورا عليه ولا يملك الحجر عنده وعند أبي يوسف يملك فينفذ أمره عليه كما في التبيين قال صاحب المنح لو قال الراهن الرهن غير هذا وقال المرتهن بل هذا هو الذي رهنته عندي فالقول للمرتهن لأنه هو القابض والقول للقابض بخلاف ما إذا ادعى المرتهن رده على الراهن حيث لا يقبل قوله لأن ذاك شأن الأمانات الغير المضمونة والرهن مضمون على المرتهن
وفي التتارخانية ويصدق المرتهن في دعوى الهلاك ولا يصدق في دعوى الرد
وفي شرح المجمع إذا ادعى المرتهن هلاك الرهن ولم يقم البينة عليه ضمنه عندنا سواء كان الرهن من الأموال الظاهرة أو الباطنة خلافا لمالك في الباطنة
وفي البزازية زعم
____________________
(4/277)
الراهن هلاكه عند المرتهن وسقوط الدين وزعم المرتهن أنه رده إليه بعد القبض وهلك في يد الراهن فالقول للراهن فإن برهنا فللراهن أيضا ويسقط الرهن لإثباته الزيادة وإن زعم المرتهن أنه هلك في يد الراهن قبل قبضه فالقول للمرتهن وإن برهنا فللراهن لإثباته الضمان أذن للمرتهن في الانتفاع بالرهن ثم هلك الرهن فقال الراهن هلك بعد ترك الانتفاع وعوده للرهن وقال المرتهن هلك حال الانتفاع فالقول للمرتهن فلا يصدق الراهن في العود إلا بحجة رهن عبدا يساوي ألفا بألف فوكل المرتهن بالبيع فقال المرتهن بعته بنصفها وقال الراهن لا بل مات عندك يحلف الراهن بالله ما يعلم أنه باعه ولا يحلف بالله ما مات عنده فإذا حلف سقط الدين إلا أن يبرهن على البيع أذن الراهن للمرتهن في لبس ثوب مرهون يوما فجاء به المرتهن متخرقا وقال تخرق في لبس ذلك اليوم وقال الراهن ما لبسته في ذلك اليوم ولا تخرق به فالقول للراهن وإن أقر الراهن باللبس فيه ولكن قال تخرق قبل اللبس وبعده فالقول للمرتهن ويجوز للمرتهن السفر بالرهن إذا كان الطريق آمنا وإن كان له حمل ومؤنة عند الإمام كالوديعة وعند محمد ليس له أن يسافر بالرهن الوديعة أيضا إذا كان له حمل ومؤنة وتمامه في المنح فليراجع
باب ما يجوز ارتهانه والرهن به وما لا يجوز لما ذكر مقدمات الرهن شرع في تفصيل ما يجوز رهنه وما لا يجوز إذ التفصيل بعد الإجمال لا يصح رهن المشاع وإن وصلية كان المشاع مما لا يحتمل القسمة بخلاف الهبة حيث يجوز فيما لا يحتمل القسمة أو كان من الشريك هذا عندنا لأن موجب ثبوت يد الاستيفاء للمرتهن ويد الاستيفاء في الجزء الشائع لا يثبت لأن شرط الصحة هو التمييز ولم يتحقق وقال الشافعي يجوز فيما يصح فيه البيع وهو قول مالك وأحمد لأن موجب الرهن استحقاق البيع في الدين والمشاع يجوز بيعه فيجوز رهنه كالمقسوم
ولو طرأ الشيوع بعد الارتهان فسد عند الطرفين وقيل إنه باطل لا يتعلق به ذلك وليس بصحيح لأن الباطل منه هو فيما إذا لم يكن الرهن مالا أو لم يكن القابل به مضمونا وما نحن فيه ليس كذلك بناء على أن
____________________
(4/278)
القبض شرط تمام العقد لا شرط جوازه وصورة الشيوع الطارئ أن يرهن الجميع ثم يتفاسخا في البعض وأذن
الراهن للعدل أن يبيع الرهن كيف شاء فباع نصفه وإنه يمنع بقاء الرهن في رواية الأصل وهو الصحيح كما في المنح خلافا لأبي يوسف لأنه لا يمنع لأن حكم البقاء أسهل من الابتداء فأشبه الهبة وإنما فسد لأن هذا الشيوع راجع إلى محل الرهن وما يرجع إلى محل فالبقاء كالابتداء وقد قالوا باستثناء الهبة من هذا الأصل لأنها لا تحتاج إلى القبض إلا عند العقد بخلاف الرهن فإن حكمه دوام القبض فعلى هذا اندفع ما قاله أبو المكارم من أن وجهه على ما في الهداية وغيرها أن الكلام في محل الرهن فالبقاء والابتداء فيه سواء كالمحرمية في النكاح ولا يخفى أنه منقوض بالهبة فإن الشيوع فيها مانع ابتداء لا بقاء فالوجه الأليق بالمقام هو بيان الفرق بين الرهن والهبة انتهى تدبر واعلم أن ما قبل البيع قبل الرهن إلا في أربعة بيع المشاع جائز لا رهنه بيع المشغول جائز لا رهنه بيع المتصل بغيره جائز لا رهنه بيع المعلق عتقه بشرط قبل وجوده في غير الدين جائز لا رهنه كما في شرح الأقطع
ولا يصح رهن الثمر على الشجر بدون الشجر ولا يصح رهن الزرع في الأرض بدونها أي بدون الأرض لما مر أن القبض شرط في الرهن ولا يمكن قبض المتصل بغيره وحده فصار في معنى المشاع ولا يصح رهن الشجر أو الأرض مشغولين بالثمر والزرع دون الثمر والزرع لأن الاتصال يقوم بالطرفين فصار الأصل المرهون إذا كان متصلا بما ليس برهن لم يجز لأنه لا يمكن قبض المرهون وحده وعن الإمام أن رهن الأرض بدون الشجر جائز لأن الشجر اسم للنابت فيكون استثناء الأشجار بمواضعها بخلاف ما إذا رهن الدار بدون البناء ولأن البناء اسم للمبني فيصير راهنا جميع الأرض وهي مشغولة بملك الراهن كما في الهداية
ولو رهن الشجر بمواضعها جاز لأنه رهن الأرض بما فيها من الشجر وذلك جائز ومجاورة ما ليس برهن لا
____________________
(4/279)
يمنع الصحة ولو كان فيه ثمر يدخل في الرهن لأنه تابع لاتصاله به فيدخل تبعا تصحيحا للعقد بخلاف البيع لأن بيع النخيل بدون الثمر جائز فلا ضرورة إلى إدخاله من غير ذكره وبخلاف المتاع في الدار حيث لا يدخل في رهن الدار من غير ذكر لأنه ليس بتابع بوجه ما وكذا يدخل الزرع والرطبة رهن الأرض ولا يدخل في البيع ويدخل البناء والغرس في رهن الأرض أي لو قال رهنتك هذه الدار أو هذه القرية وأطلق القول ولم يخص شيئا دخل البناء والغرس
أو رهن الدار بما فيها أي الدار جاز
وفي الهداية ولو استحق بعضه إن كان الباقي يجوز ابتداء الراهن عليه وحده بقي رهنا بحصته وإلا بطل كله لأن الرهن جعل كأنه ما ورد إلا على الباقي ويمنع التسليم كون الرهن أو متاعه في الدار المرهونة وكذا متاعه في الوعاء المرهونة ويمنع تسليم الدابة المرهونة الحمل
عليها فلا يتم حتى يلقى الحمل لأنه شاغل لها بخلاف ما إذا رهن الحمل دونها حيث يكون رهنا تاما إذا دفعها إليه لأن الدابة مشغولة به فصار كما إذا رهن متاعا في دار أو وعاء دون الدار والوعاء بخلاف ما إذا رهن سرجا على دابة أو لجاما في رأسها ودفع الدابة مع السرج واللجام حيث لا يكون رهنا حتى ينزعه منها ثم يسلمه إليه لأنه من توابع الدابة بمنزلة الثمرة للنخيل حتى قالوا يدخل فيه من غير ذكر
ولا يجوز رهن الحر والمدبر وأم الولد والمكاتب لأن موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء والاستيفاء من هؤلاء متعذر لاستحقاقهم الحرية فصاروا كالحر ولا يجوز الرهن بالأمانات كالوديعة والعارية والمضاربة ومال الشركة لأنها ليست بمضمونة ولا يجوز الرهن بالدرك صورته باع وسلمه إلى المشتري فخاف المشتري من الاستحقاق فأخذ الثمن رهنا فهذا الرهن باطل والكفالة به جائزة والفرق أنه شرع للاستيفاء ولا استيفاء إلا في الواجب فلا يحتمل الإضافة والتعليق وأما الكفالة فهي التزام بغير عوض وذلك يحتملهما كالتزام الصوم والصلاة
ولا يجوز الرهن بما هو مضمون بغيره كالمبيع في يد البائع فإنه
____________________
(4/280)
مضمون بالثمن حتى لو هلك ذهب بالثمن فلا يجب على البائع شيء فالرهن لا يجوز إلا بالأعيان المضمونة بنفسها كما مر ولا يجوز بالأعيان المضمونة بغيرها كالرهن وإن هلك الرهن بالمبيع ذهب بغير شيء لأنه لا اعتبار بالباطل فلا يجب على المشتري شيء وقال شيخ الإسلام أنه فاسد لأن البيع والرهن مال والفاسد ملحق بالصحيح بالأحكام
وفي المبسوط أنه جاز الرهن به فيضمن بالأقل من قيمته ومن قيمة العين وبه أخذ الفقيه أبو سعيد البردعي وأبو الليث قيل الأعيان ثلاثة عين غير مضمونة أصلا كالأمانات وعين مضمونة بنفسها كالمغصوب ونحوه وعين غير مضمونة بنفسها بل مضمونة بغيرها هو سقوط الثمن فصار هذا للتسمية بالعين المضمونة بالغير
ولا يجوز الرهن بالكفالة بالنفس أي لا يجوز رهن الكفيل شيئا عند المكفول له ليسلم نفس المكفول به إليه لأن استيفاءه من الرهن متعذر
وفي الخانية رجل تكفل عن رجل بمال ثم إن المكفول عنه أعطى الكفل رهنا ذكر في الأصل أنه لو كفل بمال مؤجل على الأصيل فأعطاه المكفول عنه رهنا بذلك جاز الرهن ولو كفل رجل على أنه إن لم يواف به إلى سنة فعليه المال الذي عليه وهو ألف درهم ثم أعطاه المكفول عنه بالمال رهنا إلى سنة كان الرهن باطلا وكذا لو كان الكفيل قال للطالب في الكفالة إن مات فلان ولم يؤد المال فهو علي ثم أعطاه المكفول عنه رهنا لم يجز
ولا يجوز الرهن بالقصاص في النفس وما دونها عند ولي القصاص لئلا يمتنع عما وجب عليه لما مر من أن استيفاء القصاص من الرهن غير ممكن بخلاف الجناية خطأ لأن استيفاء الأرش من الرهن ممكن
ولا بالشفعة أي لا يجوز
رهن البائع والمشتري عند الشفيع ليسلم الدار بالشفعة لأن استيفاء المبيع من الرهن غير ممكن إذ لو هلك المبيع لا يلزمه الضمان
ولا يجوز بأجرة النائحة أو المغنية لأن الإجارة على ذلك باطلة شرعا فالرهن أيضا باطل لكونه في مقابلة عمل غير جائز أصلا
ولا يجوز رهن المولى شيئا بالعبد الجاني أو العبد المديون لأنه غير مضمون على المولى فإنه لو هلك العبد لا يجب على المولى شيء فإذا لم يصح الرهن في هذه الصورة فللراهن أن يأخذ الرهن من المرتهن حتى لو هلك الرهن في يد المرتهن قبل الطلب يهلك بلا شيء إذ لا حكم للباطل فيبقى القبض بإذن المالك
ولا يجوز للمسلم رهن الخمر ولا ارتهانها من مسلم أو ذمي لأن المسلم لا يملك
____________________
(4/281)
الإيفاء إذا كان راهنا ولا يملك الاستيفاء إذا كان مرتهنا وكذا الحال في الخنزير ولا يضمن له أي للمسلم مرتهنها أي مرتهن الخمر
ولو وصلية ذميا أي إذا كان المرتهن ذميا لم يضمنها كما لا يضمنها بالغصب منه لأنها ليست بمال في حق المسلم ويضمنها هو أي المسلم لو ارتهنها من ذمي أي إذا كان الراهن ذميا والمرتهن مسلم فهلك في يد المرتهن يضمن المسلم الخمر للذمي لأنها مال متقوم في حقه فتصير الخمر مضمونة على المسلم للذمي بأقل من قيمتها ومن الدين كما يضمنها بالغصب
ويصح الرهن بالدين ولو وصلية موعودا بأن رهن شيئا من شخص ليقرضه كذا من المال وعند الأئمة الثلاثة لا يصح الرهن به فلو هلك هذا الرهن في يد المرتهن لزمه أي المرتهن دفع ما وعد للراهن أي إن رهن ليقرضه ألف درهم مثلا وهلك الرهن في يد المرتهن قبل أن يقرضه ألفا يجب على المرتهن تسليم الألف الموعود إلى الراهن جبرا لأن الموعود جعل موجودا حكما باعتبار الحاجة ولأنه مقبوض من جهة الراهن الذي يصح على إشارة وجوده فيعطى له حكمه كالمقبوض على سوم الشراء فيضمنه إن كان الدين مثل قيمته أي الرهن أو أقل منها أما إذا كان الدين أكثر من قيمة الرهن فعليه قدر قيمته هذا إذا سمى قدر الدين فإن لم يسمه بأن رهنه على أن يعطي شيئا فهلك في يده يعطي المرتهن الراهن ما شاء لأنه بالهلاك صار مستوفيا شيئا فيكون بيانه إليه وقال محمد لا يصدق في أقل من درهم والمصنف لم يلتفت إلى هذا لأنه غير متعارف كما قاله أبو المكارم لكن لا نسلم ذلك لأن المصنف قد ذكر حكمه فيما سبق وهو قوله وإن كان الدين أكثر سقط منه قدر القيمة وطولب الراهن بالباقي تدبر وروي عن أبي يوسف إذا قال لغيره أقرضني وخذ هذا الرهن ولم يسم القرض فأخذ الرهن ولم يقرضه حتى ضاع الرهن فعليه قيمة الرهن في الدين الموعود بالغة ما بلغت كالمقبوض على سوم الشراء وفي البزازية والحاصل في الرهن بالدين
الموعود أن المستقرض إذا سمى شيئا ورهن به هلك الرهن قبل الإقراض ضمن الأقل من القيمة ومن المسمى وإن لم يكن سمى شيئا اختلف فيه الإمام الثاني ومحمد لكن قد قررناه نقلا عن التنوير أن المقبوض على سوم الرهن إذا لم يبين المقدار ليس بمضمون في الأصح تتبع
____________________
(4/282)
و يصح الرهن برأس مال السلم وثمن الصرف قبل الافتراق ولم يصح عند زفر وهو قول الأئمة الثلاثة لأنه استبدال ورد بأن الاستبدال أخذ صورة ومعنى والاستيفاء في الرهن أخذه معنى فإن العين أمانة والمضمون هو المالية كما في القهستاني وبالمسلم فيه قبل الافتراق وبعده وعن زفر فيه روايتان ثم أشار إلى ما يظهر فيه فائدة جواز الرهن بالأشياء المذكورة بالفاء بقوله فإن هلك الرهن في مجلس العقد قبل الافتراق فقد استوفى أي صار المرتهن مستوفيا حكما لوجود القبض واتحاد الجنس من حيث المالية فيتم السلم والصرف
وإن افترقا أي المتعاقدان قبل النقد أي قبل نقد رأس المال وثمن الصرف و قبل الهلاك أي هلاك الرهن بطل العقد فيهما لعدم القبض حقيقة لا حكما فإن المرتهن لم يصر قابضا لحقه إلا بالهلاك والرهن بالمسلم فيه رهن ببدله إذا فسخ أي لو تفاسخا السلم وبالمسلم فيه رهن يكون ذلك رهنا برأس المال استحسانا حتى يحبسه به والقياس أن لا يحبسه به لأنه دين آخر وجب بسبب آخر وهو القبض والمسلم فيه وجب بالعقد فلا يكون الرهن بأحدهما رهنا بالآخر كما لو كان عليه دينان دراهم ودنانير وبأحدهما رهن فقضى الذي به الرهن أو أبرأه منه ليس له حبسه بالدين الآخر وجه الاستحسان أنه ارتهن لحقه الواجب بسبب العقد الذي جرى بينهما وهو المسلم فيه عند عدم الفسخ ورأس المال عند الفسخ فيكون محبوسا به لأنه بدله فقام مقامه إذ الرهن بالشيء يكون رهنا ببدله كما إذا ارتهن بالمغصوب فهلك المغصوب صار رهنا بقيمته وهلاكه أي هلاك الرهن بعد الفسخ هلاك بالأصل أي هلك الرهن بعد التفاسخ هلك الرهن بالمسلم فيه لأنه رهنه به وإن كان محبوسا بغيره وهو رأس المال كمن باع عبدا وسلم المبيع وأخذ بالثمن رهنا ثم تقايلا البيع له أن يحبسه لأخذ المبيع لأن الثمن بدله ولو هلك المرهون يهلك بالثمن
ويصح الرهن بالأعيان المضمونة بنفسها أي بالمثل أو القيمة كالمغصوب والمهر وبدل الخلع وبدل الصلح عن دم عمد فإن هذه الأشياء يجب تسليم عينها
____________________
(4/283)
عند قيامها إذ لا يجوز البدل عند وجود الأصل وعند هلاكها يجب الإتيان بمثلها إن كان لها مثل وبقيمتها إن لم يكن لها مثل فإذا هلك الرهن عند قيام العين في يد الراهن يقال له سلم العين وخذ من المرتهن الأقل من قيمة العين ومن قيمة الرهن لأن الرهن مضمون عندنا وإذا هلك العين قبل هلاك
الرهن يصير الرهن رهنا صحيحا بقيمة العين المضمونة ثم إذا هلك الرهن يهلك بالأقل من القيمة ومن قيمة الرهن
و يصح الرهن به ب بدل الصلح عن إنكار وإن وصلية أقر المدعي بعدم الدين صورته لو ادعى رجل على رجل دينا ألف درهم مثلا فأنكر المدعى عليه فصالحه على خمسمائة على الإنكار وأعطاه بها رهنا يساوي خمسمائة فهلك الرهن عند المرتهن ثم تصادقا أن لا دين عليه فإن المرتهن يضمن قيمته خمسمائة للراهن باعتبار الظاهر وعن أبي يوسف خلافه أي ليس عليه أن يرد شيئا
ولو رهن الأب لدينه عبد طفله جاز لأنه يملك إيداعه وهذا أنظر منه في حق الصبي لأنه إذا هلك يهلك مضمونا الوديعة أمانة ولو كان الولد كبيرا لا يجوز للأب أن يرهن ماله بدين على نفسه إلا بإذنه
وكذا الوصي أي الوصي مثل الأب في الحكم المذكور وعن أبي يوسف وزفر أنهما لا يملكان ذلك وهو القياس لأن الرهن إيفاء حكما فلا يملكان كالإيفاء حقيقة وجه الاستحسان أن في حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله في الحال والرهن حفظ مال الصغير في الحال مع بقاء ملكه فيه فإن هلك العبد الرهن لزمهما أي الأب والوصي مثل ما سقط به أي بالرهن من دينهما أي من دين الأب والوصي ولا يضمنان الفضل إن كانت قيمة الرهن أكثر من الدين لأنه أمانة عند المرتهن ولهما ولاية الإيداع وذكر التمرتاشي أن قيمة الرهن إذا كانت أكثر من الدين يضمن الأب بقدر الدين والوصي بقدر القيمة لأن للأب أن ينتفع بمال الصبي بخلاف الوصي
وفي الذخيرة التسوية بينهما في الحكم وقال لا يضمنان الفضل لما مر من أنه أمانة وكذا لو سلطا المرتهن على البيع لأنه موكل على بيعه وهما يملكانه
ولو رهنه أي متاع الصغير الأب من نفسه أو من ابن آخر صغير له أي للأب أو من عبد له أي للأب تاجر لا دين عليه صح لأن الأب لوفور شفقته نزل منزلة شخصين وأقيمت عبارته مقام عبارتين في هذا
____________________
(4/284)
العقد كما في بيعه مال الصغير من نفسه فتولى طرفي العقد بخلاف الوصي أي لو ارتهنه الوصي من نفسه أو من هذين أو رهن عينا له من اليتيم بحق لليتيم عليه لم يجز لأنه وكيل محض والواحد لا يتولى طرفي العقد في الرهن كما لا يتولاهما في البيع وهو قاصر الشفقة ولا يعدل عن الحقيقة في حقه إلحاقا له بالأب والرهن من ابنه الصغير ومن عبده التاجر الذي ليس عليه دين بمنزلة الرهن من نفسه أي الوصي بخلاف ابنه الكبير وأبيه أي أب الوصي وعبده الذي عليه دين لأنه لا ولاية له عليهم بخلاف الوكيل بالبيع إذا باع من هؤلاء لأنه متهم فيه ولا تهمة في الرهن لأن له حكما واحدا
وإن استدان الوصي لليتيم في كسوته أو طعامه ورهن به متاعه أي متاع اليتيم صح لأن الاستدانة جائزة للحاجة والرهن
يقع إيفاء للحق فيجوز وكذلك لو اتجر لليتيم فارتهن أو رهن لأن الأولى للوصي التجارة تثميرا لما له ولا يجد بدا من الارتهان والرهن لأنه إيفاء واستيفاء وليس للطفل إذا بلغ نقض الرهن في شيء من ذلك ما لم يقض الدين لوقوعه لازما من جانبه ولو كان الأب رهنه فقضاء الابن رجع به في مال الأب لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه فأشبه معير الرهن وكذلك إذا هلك قبل أن يفتكه الأب يصير قاضيا دينه بماله فله أن يرجع عليه
ولو رهن شيئا بثمن عبد فظهر العبد حرا أو بثمن خل فظهر الخل خمرا أو بثمن ذكية فظهرت ميتة فالرهن مضمون لأنه رهنه بدين واجب ظاهرا وهو كاف لأنه آكد من الدين الموعود
وجاز رهن الذهب والفضة وكل مكيل وموزون لأنه يتحقق الاستيفاء منه فكان محلا للرهن فإن رهنت بجنسها فهلاكها بمثلها من الدين ولا عبرة للجودة لأنها ساقطة الاعتبار عند المقابلة بالجنس في الأموال الربوية وهذا عند الإمام فإن عنده يصير مستوفيا باعتبار الوزن دون القيمة وعندهما هلاكها بقيمتها إن خالفت وزنها فيضمن بخلاف الجنس ويجعل رهنا مكان الهالك
____________________
(4/285)
قالوا وعندهما إن لم يكن في اعتبار الوزن إضرارا بأحدهما بأن كانت قيمة الرهن مثل وزنه أي يكون هلاكها بمثلها من الدين عند الإمام وإن كان فيه إلحاق ضرر بأحدهما بأن كانت قيمته أكثر من وزنه أو أقل ضمن المرتهن قيمته من خلاف جنسه ثم يجعل ما ضمن رهنا مكانه ويكون دينه على حاله لأنه لا وجه إلى الاستيفاء بالوزن لما فيه من الضرر بالمرتهن ولا إلى اعتبار القيمة لأنه يؤدي إلى الربا فصرنا إلى التضمين بخلاف الجنس لينتقض القبض ويجعل مكانه ثم يتملكه
وفي النهاية والتبيين تفصيل فليراجعهما
ومن شرى شيئا على أن يعطى بالثمن رهنا بعينه أو كفيلا بعينه صح استحسانا لأنه شرط ملائم للعقد إذ الرهن والكفالة للاستيثاق وهو يلائم الوجوب وفي القياس لا يجوز لكونه صفقة في صفقة وهي منهي عنها وإذا كان الرهن أو الكفيل غائبا يفوت معنى الاستيثاق لأن المشتري ربما يرهن شيئا حقيرا أو يعطي كفيلا فقيرا لا يعد من الاستيثاق فيبقى العقد بشرط غير ملائم فيفسده قياسا واستحسانا أما لو كان الكفيل غائبا فحضر في المجلس وقبل صح وكذا لو لم يكن الرهن معينا فاتفقا على تعيين الرهن في المجلس أو نقد المشتري الثمن حالا جاز وبعد المجلس لا يجوز فإن امتنع المشتري عن إعطائه أي إعطاء الرهن لا يجبر المشتري على إعطائه عندنا لأن عقد الرهن تبرع ولا جبر على التبرعات وقال زفر يجبر عليه لأن الرهن صار بالشرط حقا من حقوقه كالوكالة المشروطة في عقد الرهن فيلزم الرهن بلزومه و يثبت للبائع الخيار إن شاء فسخ البيع
إن أبى عن عطاء الرهن وإن شاء ترك الرهن لأنه وصف مرغوب في العقد وما رضي إلا به فيتخير بفواته إلا إن دفع المشتري الثمن حالا فحينئذ لا يفسخه لحصول المقصود وهو الإثمار في العقود أو دفع قيمة الرهن رهنا لأن يد الاستيفاء تثبت على المعنى وهو القيمة ومن شرى شيئا وقال المشتري لبائعه أمسك هذا الثوب مثلا حتى أعطيك الثمن فهو أي الثوب رهن عند الطرفين وعند أبي يوسف وديعة لا رهن وهو قول زفر والأئمة الثلاثة لأن قوله أمسك يحتمل الأمرين الرهن والإيداع لأنه أقل وأدون من الرهن فيقضى بثبوته بخلاف ما إذا قال أمسك بدينك أو
____________________
(4/286)
بمالك علي لأنه لما قابله بالدين فقد عين جهة الرهن ولنا أنه أتى بما ينبئ عن معنى الرهن وهو الحبس إلى إيفاء الثمن فالعبرة في العقود للمعاني ألا يرى أنه لو قال ملكتك هذا بكذا يكون بيعا للتصريح بموجب البيع كأنه قال بعتك بكذا ولا فرق بين أن يكون ذلك الثوب هو المشترى أو لم يكن بعد إن كان بعد القبض لأن المبيع بعد القبض يصلح أن يكون رهنا بثمنه حتى يثبت فيه حكم الرهن بخلاف ما إذا كان قبل القبض لأنه محبوس بالثمن وضمانه يخالف زمان الرهن فلا يكون مضمونا بضمانين مختلفين لاستحالة اجتماعهما حتى لو قال له أمسك المبيع حتى أعطيك الثمن قبل القبض فهلك انفسخ البيع كما في التبيين
ولو رهن عبدين بألف فليس له أخذ أحدهما بقضاء حصته أي حصة أحدهما من الألف كالبيع لأن المجموع محبوس بكل الدين فيكون الجميع محبوسا بكل جزء من أجزاء الدين تحصيلا للمقصود وهو المبالغة في الحمل على الإيفاء فصار كالبيع في يد البائع فإن سمى لكل واحد من أعيان الرهن شيئا من المال الذي رهنه فكذلك الجواب في رواية الأصل
وفي الزيادات له أن يقبضه إذا ادعى ما سمى له وجه الأول أن العقد متحد لا يتفرق بتفريق التسمية كما في المبيع ووجه الثاني أنه لا حاجة إلى الاتحاد لأن أحد العقدين لا يصير مشروطا في الآخر ألا يرى أنه لو قبل الرهن في أحدهما جاز بخلاف البيع
ولو رهن رجل عينا عند رجلين بدين لكل واحد منهما عليه سواء كانا شريكين في الدين أو لم يكونا شريكين فيه صح الرهن وكلها أي كل العين رهن لكل واحد منهما أي من الرجلين لأن الرهن أضيف إلى جميع العين صفقة واحدة ولا شيوع في الرهن وموجبه صيرورته محتسبا بالدين وهذا الحبس مما لا يقبل الوصف بالتجزي فصار محبوسا لكل واحد منهما بخلاف الهبة من رجلين حتى لا يجوز عند الإمام لأن العين تنقسم عليهما فيثبت الشيوع ضرورة والمضمون على كل واحد منهما حصة دينه لأن كل واحد منهما يصير مستوفيا بالهلاك إذ ليس أحدهما بأولى من الآخر
فينقسم عليهما لأن الاستيفاء مما يقبل التجزؤ فإن تهايأ أي المرتهنان في حفظها أي العين المرهونة فكل واحد منهما في نوبته كالعدل الذي وضع عنده الرهن في حق الآخر وفيه إشارة إلى أن ارتهان كل واحد
____________________
(4/287)
منهما باق ما لم يصل الرهن إلى الراهن كما في العناية وفي التبيين هذا إذا كان فيما لا يتجزأ فظاهر وإن كان مما يتجزأ وجب أن يحبس كل واحد منهما النصف فإن دفع أحدهما كله إلى الآخر وجب أن يضمن الدافع عند الإمام خلافا لهما فإن قضى الراهن دين أحدهما أي أحد المرتهنين دون الآخر فكلها أي كل العين رهن عند الآخر لأن جميع العين رهن في يد كل واحد منهما من غير تفرق على ما ذكر آنفا
ولو رهن اثنان من واحد صح وله أي للواحد أن يمسكه أي الرهن حتى يستوفي جميع حقه منهما لأن قبض الرهن يحصل في الكل من غير شيوع فصار نظير البائع وهما نظير المشتريين
ولو ادعى كل من اثنين أن هذا رهن فعل ماض هذا الشيء مفعول رهن منه وقبضه أي الشيء وبرهنا عليه أي على ما ادعيا بطل برهانهما صورتها رجل في يده عبد ادعاه رجلان يقول كل واحد منهما لذي اليد قد رهنتني عبدك هذا بألف درهم وقبضته منك وأقام البينة على مدعاهما فهو باطل إذ لا وجه إلى القضاء لكل واحد منهما بالكل لاستحالة أن يكون العبد الواحد كله رهنا لهذا وكله لذلك في حالة واحدة ولا لأحدهما بكله لعدم أولوية حجته على حجة الآخر ولا إلى القضاء لكل منهما بالنصف لإفضائه إلى الشيوع فيتعذر العمل بهما وتعين التهاتر ولا يمكن أن يقدر كأنهما ارتهناه معا استحسانا إذا جهل التاريخ لأن ذلك يؤدي إلى العمل بخلاف ما اقتضته الحجة لأن كلا منهما أثبت ببينته جنسا يكون وسيلة إلى مثله في الاستيفاء وبهذا القضاء يثبت حبس يكون وسيلة إلى شطره في الاستيفاء وليس هذا عملا على وفق الحجة وما ذكرناه وإن كان قياسا لكن محمدا أخذ به لقوته وإذا وقع باطلا فلو هلك يهلك أمانة لأن الباطل لا حكم له هذا إذا لم يؤرخا فإن أرخا كان صاحب التاريخ الأقدم أولا وكذا إذا كان الرهن في يد أحدهما كان صاحب اليد أحق
ولو كان هذا بعد موت الراهن أي لو مات الراهن فأقام كل واحد منهما أنه رهنه عنده وقبضه قبلا ويحكم بكون الرهن مع كل واحد منهما نصفه بدل من الرهن رهنا بحقه أي بحق كل منهما استحسانا وهو قول الطرفين لأن حكم الرهن هو الحبس في الحياة وليس للشيوع وجه هنا بخلاف الممات إذ بعده ليس له الحكم إلا الاستيفاء بأن يبيعه في الدين شاع أو لم يشع وعند أبي يوسف يبطل
____________________
(4/288)
هذا قياسا لأن القضاء بالنصف غير جائز في الحياة للشيوع وكذا في الممات له وفي التنوير أخذ عمامة المديون ليكون رهنا عنده لم يكن رهنا دفع ثوبين فقال خذ أيهما شئت رهنا بكذا فأخذهما لم يكن واحد منهما رهنا قبل أن يختار أحدهما
باب الرهن يوضع عند عدل لما فرغ من الأحكام الراجعة إلى نفس الراهن والمرتهن ذكر في هذا الباب الأحكام الراجعة إلى نائبهما وهو العدل لما أن حكم النائب أبدا يقفو حكم الأصل ثم إن المراد بالعدل ههنا من رضي الراهن والمرتهن بوضع الرهن في يده وزاد عليه بعض المعتبرات قيدا آخر حيث قال ورضيا ببيع الرهن عند حلول الأجل بناء على ما هو الجاري بين الناس فيما هو الغالب وإلا فرضاهما ببيعه الرهن عند حلول الأجل ليس بأمر لازم
وعن هذا قال في الكافي ليس للعدل بيع الرهن ما لم يسلط عليه لأنه مأمور بالحفظ فحسب
ولو اتفقا أي الراهن والمرتهن على وضع الرهن عند عدل صح وضعهما ويتم الرهن بقبض العدل هذا عندنا
وقال زفر لا يصح لأن العدل يملكه عند الضمان بعد الاستحقاق فينعدم القبض وبه قال ابن أبي ليلى قلنا يده يد المرتهن فيصح والمضمون هو المالية فينزل منزلة شخصين وليس لأحدهما أي للراهن والمرتهن أخذه أي أخذ الرهن منه من العدل بلا رضى الآخر لتعلق حق كل واحد منهما به حفظا واستيفاء فلا يبطل كل واحد حق الآخر ويضمن العدل قيمة الرهن بدفعه إلى أحدهما لأنه مودع الراهن في حق العين ومودع المرتهن في حق المالية وكل واحد أجنبي عن الآخر والمودع إذا دفع إلى الأجنبي يضمن ولأنه لو دفع إلى المرتهن يدفع ملك الغير إلى الراهن تبطل اليد على المرتهن وذلك تعد وهلاكه أي الرهن في يده
____________________
(4/289)
أي في يد العدل على المرتهن لأن يده في حق المالية يد المرتهن والمالية هي المضمونة
فإن وكل الراهن العدل أو المرتهن أو غيرهما أي غير العدل والمرتهن ببيعه أي ببيع الرهن عند حلول الدين صح التوكيل لأن الرهن ملكه فله أن يوكل من شاء من هؤلاء ببيع ماله معلقا ومنجزا فلو وكل ببيعه صغيرا لا يعقل فباعه بعد بلوغه لم يصح عند الإمام لأن أمره وقع باطلا لعدم القدرة وقت الأمر فلا ينقلب جائزا وقالا يصح لقدرته عليه وقت الامتثال
فإن شرطت الوكالة في عقد الرهن لا ينعزل الوكيل بالعزل أي عزل الراهن بدون رضى المرتهن لتعلق الحق بالمرهون وفي القهستاني ولو وكل بعد الرهن انعزل بالعزل وهذا ظاهر الرواية وقال شيخ الإسلام الصحيح
أنه لم ينعزل كما في الذخيرة لكن الصحيح انعزل كما في الخانية ولا ينعزل أيضا بموت الراهن أو بموت المرتهن لأن الوكالة المشروطة في ضمن عقد الرهن صارت حقا من حقوقه فيلزم بلزوم أصله كما في الهداية لكن هذا الدليل يقتضي جواز عزله قبل أن يقبض المرتهن فإن اللزوم إنما يتحقق بالقبض إلا أن يقال لما كانت هذه الوكالة ثابتة في ضمن عقد الرهن فزوالها يكون في ضمن زواله أيضا تدبر
وله أي للوكيل بيعه أي بيع الرهن بعد موت الراهن بغيبة ورثته أي ورثة الراهن كما كان له حال حياته أن يبيعه بغير حضرة الراهن وتبطل الوكالة بموت الوكيل فلا يقوم وارثه ولا وصيه مقامه لأن الوكالة لا يجري فيها الإرث ولأن الموكل رضي رأيه لا برأي غيره كما في الهداية وهذا يقتضي أن يجوز بيع الوصي إذا قال الراهن للوكيل بالبيع أجزت لك ما صنعت فيه من شيء وصرح بذلك في الذخيرة وعن أبي يوسف أن وصي الوكيل يملك بيعه للزوم الوكالة كالمضارب إذا مات
____________________
(4/290)
والمال عروض يملك وصي المضارب بيعها
ولو وكله أي العدل بالبيع مطلقا ملك بيعه بالنقد والنسيئة فلو نهاه أي العدل بعده أي بعد توكيله مطلقا عن بيعه نسيئة لا يعتبر نهيه لأنه لازم بأصله فكذا بوصفه وكذا لا ينعزل بالعزل الحكمي كموت الموكل أو ارتداده ولحوقه بدار الحرب لأن الرهن لا يبطل بموته ولو بطل إنما كان يبطل لحق الورثة وحق المرتهن مقدم عليه كما تقدم على حق الراهن بخلاف الوكالة المفردة حيث تبطل بالموت وتنعزل بعزل الموكل وتمامه في التبيين فليراجع
ولا يبيع الراهن ولا المرتهن الرهن بلا رضى الآخر لتعلق حق كل منهما بالرهن كما بيناه فإن حل الأجل والراهن أو وارثه بعد موته غائب وأبى الوكيل أن يبيعه أجبر بالاتفاق الوكيل على بيعه أي الرهن بأن يحسبه القاضي أياما فإن لج بعد الحبس أياما فالقاضي يبيع عليه وهذا على أصلهما ظاهر وأما على أصل الإمام فكذلك عند البعض لأن جهة البيع تعينت لأن بيع الرهن صار حقا للمرتهن إيفاء لحقه بخلاف سائر أموال المديون وقيل لا يبيع كما لا يبيع مال المديون عنده وفيه إشعار بأنه لو حضر الراهن لم يجبر الوكيل بل أجبر هو كما في القهستاني ثم إن البيع لا يفسد بهذا الإجبار لأنه إجبار بحق فصار كلا إجبار وفيه إيهام أنه لا يجوز البيع قبل حلول الأجل
وفي الخانية لو سلط العدل على البيع مطلقا ولم يقل عند حلول الدين فله أن يبيع قبل ذلك كما يجبر الوكيل بالخصومة عليها أو على الخصومة عند غيبة موكله أي إذا وكل المدعى عليه رجلا بخصومته بطلب المدعي فغاب الموكل وأبى الوكيل أن يخاصمه فإنه يجبر
على الخصومة لأن المدعي خلى سبيل المدعى عليه اعتمادا على أن وكيله يخاصمه فلا يمكن للوكيل أن يمتنع كما في الكافي وفيه إشعار بأن تكون الوكالة بطلب المدعي لكن إطلاق المتن بخلافه تدبر وفي البرجندي والخلاف في إجبار الوكيل بالخصومة كالخلاف في إجبار الوكيل ببيع الرهن وإنما قيد الوكيل بالخصومة لأن الوكيل بقضاء الدين لا يجبر إذا وكله بقضائه من مال نفسه بخلاف ما إذا وكله بقضاء الدين من قال الموكل انتهى
وكذا يجبر على بيعه لو شرط الوكالة بعد عقد الرهن
____________________
(4/291)
في الأصح وذكر السرخسي أن في ظاهر الرواية لا يجبر الوكيل على البيع وعن أبي يوسف أن الجواب في الفصلين واحد أي يجبر سواء شرط أو لم يشترط ويؤيده إطلاق الجواب في الجامع الصغير فإن باعه أي الرهن العدل فثمنه أي ثمن الرهن قائم مقامه أي مقام الرهن ولا فرق بين أن يكون الثمن مقبوضا أو لم يكن لقيامه مقام ما كان مقبوضا وهو الرهن وهلاكه أي هلاك الثمن أو توي على المشتري كهلاكه أي الرهن فيسقط بقدره دين المرتهن ولا ينظر إلى قيمة الرهن بل إلى قيمة الثمن خص العدل بالذكر والظاهر أنه إذا وكل المرتهن ببيع المرهون كان الحكم أيضا كذلك كما في البرجندي فإن أوفاه أي الثمن بعد بيع العدل الرهن المرتهن فاستحق الرهن وكان هالكا في يد المشتري فللمستحق أن يضمن الراهن قيمة الرهن إن شاء لأنه غاصب في حقه بالأخذ ويصح البيع والقبض أي قبض المرتهن الثمن بمقابلة دينه لأن الراهن يملكه بأداء الضمان مستندا إلى وقت الغصب فتبين أنه أمره ببيع نفسه أو ضمن المستحق العدل معطوف على قوله الراهن لأنه متعد في حقه بالبيع والتسليم ثم العدل على تقدير تضمينه مخير إن شاء ضمن الراهن لأنه وكيل من جهته عامل له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة ويصحان أي البيع وقبض الرهن أيضا لأن العدل ملكه بأداء الضمان فتبين أنه باع ملك نفسه فلا يرجع المرتهن على العدل بشيء بدينه أو ضمن المرتهن ثمنه الذي أداه إليه لظهور أخذه الثمن من غير حق وهو أي الثمن له أي للعدل لأنه ملكه وإنما أداه إلى المرتهن على ظن أن المبيع ملك الراهن فإذا تبين أنه ملكه لم يكن العدل راضيا به فله أن يرجع به عليه ويبطل القبض فيرجع المرتهن على الراهن بدينه لأن العدل إذا رجع بطل قبض المرتهن الثمن فيرجع المرتهن على راهنه بدينه ضرورة
وإن كان الرهن قائما في يد المشتري أخذه
____________________
(4/292)
أي الرهن المستحق من مشتريه لأنه وجد عين ماله ورجع المشتري على العدل بثمنه لكونه عاقدا فحقوق العقد راجعة إليه ثم يرجع هو
أي العدل على الراهن به أي بثمنه لأنه الذي أدخله في العهدة بتوكيله فيجب عليه تخليصه وصح القبض أي قبض المرتهن الثمن لأن مقبوضه سلم له أو يرجع العدل على المرتهن بالثمن الذي أداه إذ بانتقاض العقد يبطل الثمن وكذا ينتقض قبضه بالضرورة ثم يرجع المرتهن على الراهن بدينه لأنه إذا رجع عليه وانتقض قبضه عاد حقه في الدين كما كان فيرجع به على الراهن هذا على اشتراط التوكيل أما إن لم يشترط في الرهن لا خيار للعدل وعن هذا قال
وإن لم يكن التوكيل مشروطا في الرهن يرجع العدل على الراهن فقط لا على المرتهن سواء قبض المرتهن ثمنه أو لم يقبض كما إذا باع العدل بأمر الراهن وضاع الثمن في يده من غير تعد منه ثم استحق المرهون وضمن العدل يرجع به على الراهن
وإن هلك الرهن عند المرتهن ثم استحق فللمستحق أن يضمن الراهن قيمته إن شاء لأنه متعد في حقه بالتسليم ويصير المرتهن مستوفيا بدينه لأن الراهن ملكه بأداء الضمان فصح الإيفاء
و إن شاء أن يضمن المرتهن لأنه متعد في حقه أيضا بالقبض ويرجع المرتهن بها أي بالقيمة التي ضمنها لأنه مغرور من جهة الراهن
و يرجع بدينه على الراهن لأنه انتقض قبضه فيعود حقه كما كان قيل لما كان قرار الضمان على الراهن والملك في المضمون يثبت لمن عليه قرار الضمان فتبين أنه رهن ملك نفسه يقال لما كان رجوع المرتهن على الراهن بسبب أنه مغرور من جهته كان الملك بالرجوع متأخرا عن عقد الرهن فتبين أنه ملك غيره
____________________
(4/293)
294 باب التصرف في الرهن وجنايته والجناية عليه لما ذكر الرهن وأحكامه شرع فيما يعترض عليه إذا عارضه بعد وجوده بيع الراهن الرهن موقوف على إجازة المرتهن أو قضاء دينه
وعن أبي يوسف أنه نافذ كالإعتاق لأنه تصرف في خالص ملكه والصحيح ظاهر الرواية لتعلق حق المرتهن به فيتوقف على إجازته وإن تصرف الراهن في ملكه كالوصية يتوقف نفاذها فيما زاد على الثلث على إجازة الورثة لتعلق حقهم به فإن أجاز المرتهن جاز لأن المانع من النفاذ حقه وقد زال بالإجازة وإن قضى الراهن دينه جاز أيضا لأن المقتضي لنفاذ البيع موجود وهو التصرف الصادر عن الأهل في المحل وقد زال المانع من النفوذ فإن أجاز صار ثمنه رهنا مكانه
وفي الهداية فإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن ينتقل حقه إلى بدله هو الصحيح لأن حقه تعلق بالمالية والبدل له حكم المبدل وصار كالعبد المديون إذا بيع برضاء الغرماء ينتقل حقهم إلى البدل لأنهم رضوا بالانتقال دون السقوط رأسا فكذا
هذا وعن أبي يوسف أنه إنما يكون الثمن رهنا إذا كان الراهن شرط أن يباع بدينه أما إذا لم يكن شرطا فلا والصحيح هو الأول وهذا كله إذا باع الراهن وهو في يد المرتهن أما إذا دفعه إلى الراهن فقيل لا يبقى الرهن فلا يكون الثمن رهنا والأصح أنه يبقى رهنا لأنه بمنزلة الإجازة فلا يبطل الرهن لكن يبطل ضمانه كما في العمادية
وإن لم يجز المرتهن البيع وفسخ لا ينفسخ في الأصح إذ ثبوت حق الفسخ له لضرورة صيانة حقه ولا حاجة إلى هذه الضرورة إذ حقه في الحبس لا يبطل بانعقاد هذا العقد فيبقى موقوفا وينفسخ في رواية ابن سماعة كعقد الفضولي حتى لو استفكه الراهن فلا سبيل للمشتري عليه وإذا كان موقوفا فإن شاء المشتري صبر إلى أن يفك الرهن لأن العجز على شرف الزوال أو رفع المشتري الأمر إلى القاضي ليفسخه أي يفسخ القاضي البيع بسبب العجز عن التسليم فإن ولاية الفسخ إلى القاضي لا إلى المشتري كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض فإنه يتخير المشتري لما ذكرنا
____________________
(4/294)
كذلك هنا ولو باعه الراهن من رجل ثم باعه بيعا ثانيا من غيره قبل أن يجيزه المرتهن فالثاني موقوف أيضا على إجازته لأن الأول لم ينفذ والموقوف لا يمنع توقف الثاني فلو أجاز المرتهن البيع الثاني جاز الثاني ولو باع الراهن ثم أجر أو رهن أو وهب من غيره وأجاز المرتهن هذه العقود جاز البيع الأول والفرق هو أن المرتهن ذو حظ من البيع الثاني لأنه يتعلق حقه ببدله فيصح تعيينه لتعلق فائدته به إذ لا حق له في هذه العقود لأنه لا بدل في الهبة والرهن والذي في الإجارة بدل المنفعة لا بدل العين وحقه في مالية العين لا في المنفعة فكانت إجازته إسقاطا لحقه فزال المانع فنفذ البيع الأول فوضح الفرق كما في الهداية
وصح عتق الراهن موسرا كان أو معسرا الرهن أي العبد الرهن بلا إذن المرتهن
و كذا يصح تدبيره واستيلاده عندنا لأنه تصرف صدر عن الأهل ووقع في المحل فخرجوا من الرهينة لبطلان المحلية فلا يجوز استيفاء الدين منهم وإنما لا ينفذ ببيعه للعجز عن التسليم والبيع مفتقر إلى القدرة على التسليم بخلاف الإعتاق ولهذا ينفذ إعتاق الآبق دون بيعه فإن كان الراهن موسرا طولب بدينه إن كان حالا لأنه لو طولب بأداء القيمة تقع المقاصة بقدر الدين فلا فائدة فيه وأخذت قيمة الرهن أي أخذ المرتهن من الراهن قيمة العبد فجعلت أي القيمة رهنا مكانه لو كان الدين مؤجلا حتى يحل الدين لأن السبب الضمان متحقق وفي التضمين فائدة وهو أن يكون الكل رهنا فإذا حل الدين اقتضاه بحقه إذا كان من جنس حقه ورد الفضل كما في الهداية
وإن كان الراهن معسرا سعى العبد المعتق في الأقل من قيمته ومن الدين
أي إن كانت القيمة أقل سعى العبد في القيمة وإن كان الدين أقل من القيمة سعى في الدين وإنما يسعى لأنه لا يتمكن المرتهن من استيفاء حقه من الراهن الفقير فيأخذ من المنتفع بالعتق وهو العبد بمقدار ماليته إذ ليس عليه أن يسعى فيما زاد على مقدارها ورجع العبد به أي بما سعى على سيده إذا أيسر لأنه قضاه بإلزام الشرع ومن قضى دين غيره وهو مضطر فيه يرجع عليه بخلاف المستسعى في إعتاق أحد الشريكين لأنه يؤدي ضمانا عليه لأنه إنما يسعى لتحصيل العتق عنده ولتكميله عندهما
وقال الشافعي إنه ينفذ إن كان موسرا لإمكانه تضمينه ولا ينفذ إن كان معسرا
و سعي المدبر وأم الولد في التدبير والاستيلاد
____________________
(4/295)
في كل الدين بلا رجوع لأن كسب المدبر والمستولد ملك المولى فيسعيان في كل دينه بلا رجوع وإتلافه أي إتلاف الراهن الرهن كإعتاقه موسرا أي إن كان الدين حالا أخذ منه كل الدين وإن كان مؤجلا أخذ قيمته ليكون رهنا عنده إلى زمان حلول الأجل
وإن أتلفه أي الرهن أجنبي أي غير الراهن ضمنه أي المتلف المرتهن قيمته أي الرهن يوم هلك فكانت القيمة رهنا مكانه لأنه أحق بعين الرهن حال قيامه فكذا في استرداد ما قام مقامه والواجب في هذا المستهلك قيمته يوم هلك باستهلاكه بخلاف ضمانه على المرتهن تعتبر قيمته يوم القبض حتى لو كانت قيمته يوم الاستهلاك خمسمائة ويوم الارتهان ألفا غرم خمسمائة وكانت رهنا وسقط من الدين خمسمائة لأن المعتبر في ضمان الرهن يوم قبضه كما مر لأنه به دخل في ضمانه لأنه قبض الاستيفاء إلا أنه يتقرر عند الهلاك ولو استهلكه المرتهن والدين مؤجل ضمن قيمته لأنه أتلف مال الغير وكانت رهنا في يده حتى يحل الأجل لأن الضمان بدل العين فإنه حكمه ويؤجل الدين والمضمون من جنسه حقه استوفى المرتهن منه دينه ورد الفضل على الراهن إن كان فيه فضل وإن كان دينه أكثر من قيمته رجع بالفضل وإن نقصت عن الدين بتراجع السعر إلى خمسمائة وقد كانت قيمته يوم القبض ألفا وجب بالاستهلاك خمسمائة وسقط من الدين خمسمائة لأن ما انتقص كالهالك وسقط من الدين بقدره وتعتبر قيمته يوم القبض فهو مضمون بالقبض السابق لا بتراجع السعر ووجب عليه الباقي بالإتلاف وهو قيمته يوم التلف كما في الهداية وغيرها وهو مشكل فإن النقصان بتراجع السعر إذا لم يكن مضمونا عليه ولا معتبرا فكيف يسقط من الدين خمسمائة سوى ما ضمن بالإتلاف وكيف يكون ما انتقض به كالهالك حتى يسقط الدين بقدره وهو لم ينتقض إلا بتراجع السعر وهو لا يعتبر فوجب أن لا يسقط بمقابلته شيء من الدين كما في التبيين لكن الإشكال يضمحل بقول صاحب الهداية وغيره وتعتبر قيمته يوم القبض فهو مضمون بالقبض السابق لا بتراجع السعر إذ لا شك أن القبض السابق مضمون عليه لأنه قبض
استيفاء فبالهلاك يتقرر الضمان ولما كان المعتبر قيمته يوم القبض وقد كانت قيمته يوم القبض ألفا ثم انتقصت منهما خمسمائة بتراجع السعر سقط عن الدين لا محالة مقدار تمام الألف خمسمائة منه بإتلافه خمسمائة منه بقبضه السابق حيث كانت قيمته وقت القبض ألفا تاما ولا تأثير في سقوط شيء منه بتراجع السعر أصلا وهذا ظاهر من عبارة الهداية وغيرها تدبر
ولو أعار المرتهن الرهن أي فعل به مثل ما يفعل بالعارية وإلا فالعارية تمليك
____________________
(4/296)
المنافع والمرتهن لا يملك ذلك وفي المنح تفصيل فليراجع من راهنه خرج من ضمانه لأن الضمان كان باعتبار قبضه وقد انتقض بالرد إلى صاحبه فارتفع الضمان لارتفاع المقتضي له فلا يكون مضمونا على صاحبه لأن الاسترداد بإذنه وبرجوعه أي برجوع الرهن إلى يد المرتهن يعود ضمانه حتى يذهب الدين بهلاكه لعود القبض الموجب للضمان وله أي للمرتهن الرجوع من الإعارة متى شاء لأن عقد الرهن باق إلا في حكم الضمان في تلك الحالة
ولو أعاره أحدهما أي أعار المرتهن أو الراهن الرهن بإذن الآخر من أجنبي خرج من ضمانه أيضا لما بيناه من أن الضمان كان باعتبار قبضه وقد انتقض فلو هلك في يده أي في يد المستعير هلك مجانا لارتفاع القبض الموجب للضمان ولكل منهما أي من الراهن والمرتهن أن يرده من المستعير رهنا كما كان لأنه لم يخرج عن الرهنية بالإعارة ولأن لكل واحد حقا محترما في الرهن وهذا بخلاف الإجارة والبيع والهبة من الأجنبي إذا باشرها أحدهما بإذن الآخر حيث يخرج عن الرهن فلا يعود إلا بعقد مبتدأ كما في الهداية
فإن مات الراهن قبل رده أي قبل رد المستعير الرهن أي المرتهن فالمرتهن أحق به أي بالرهن من سائر الغرماء لأن حكم الرهن باق فيه إذ يد العارية ليست بلازمة وكونه غير مضمون لا يدل على أنه غير مرهون فإن ولد المرهون مرهون وليس بمضمون بالهلاك فظهر منه أن الضمان ليس من لوازم الرهن من كل وجه
ولو استعار المرتهن الرهن من راهنه للعمل أو استعماله بإذنه فهلك حال استعماله سقط ضمانه عنه أي عن المرتهن لثبوت يد العارية بالاستعمال وهي مخالفة ليد الرهن فانتفى الضمان
وإن هلك الرهن قبل استعماله أي المرتهن الرهن أو هلك بعده أي بعد استعماله فلا يسقط ضمانه عن المرتهن أما الأول فلبقاء عقد الرهن واليد والضمان وأما الثاني فلأن يد العارية ترفع بالفراغ فيبقى على أصل الرهن
____________________
(4/297)
وصح استعارة شيء ليرهنه ذلك الشيء لأنه متبرع بإثبات ملك اليد فيعتبر بالتبرع بإثبات ملك العين واليد وهو قضاء الدين بماله ويجوز أن ينفصل ملك اليد عن ملك العين ثبوتا للمرتهن كما ينفصل في حق البائع زوالا لأن البيع يزيل الملك دون اليد فإن أطلق المعير ولم يقيده بشيء رهنه أي المستعير بما شاء من قليل أو كثير عند من شاء عملا للإطلاق وإن قيد المعير ما أعاره للرهن بقدر أو جنس أو مرتهن أو بلد تقيد به فليس للمستعير أن يتجاوز عنه إذ كل ذلك لا يخلو عن إفادة شيء من التيسر والحفظ والأمانة ثم بين فائدته فقال فإن خالف ما قيده به المعير فهلك كان ضامنا فإن شاء المعير ضمن المستعير قيمته ويتم الرهن بينه أي بين المستعير والراهن وبين مرتهنه لأن كل واحد منهما متعد في حقه فصار الراهن كالغاصب والمرتهن كغاصب الغاصب أو المرتهن ويرجع المرتهن بما ضمنه وبدينه على المستعير لما مر في الاستحقاق وإن خالف إلى خير بأن عين له أكثر من قيمته فرهنه بأقل من ذلك بمثل قيمته أو أكثر فإنه لا يضمن
وإن وافق المستعير في ارتهانه بعدما عينه المعير
____________________
(4/298)
وهلك عند مرتهنه صار مستوفيا دينه إن كانت قيمته مثل الدين أو أكثر أو صار مستوفيا قدر قيمة الرهن لو كانت قيمته أقل من الدين وطالب راهنه بباقيه أي بباقي الدين إذا لم يقع الاستيفاء بالزيادة على قيمته
ووجب للمعير على المستعير مثل الدين لو صار مستوفيا دينه بأن كانت قيمته كالدين أو أكثر لأنه قضى دينه كله أو قدر القيمة لو صار مستوفيا قدر قيمة الرهن لأنه قضى ذلك القدر من دينه ولا تجب عليه قيمته مطلقا لأنه قد وافق فلا يكون متعديا
ولو هلك عند المستعير قبل الرهن أو بعد فكه عن الرهن لا يضمن لأنه لم يصر قاضيا دينه به وهو الموجب للضمان على ما بيناه
وإن وصلية كان قد استعمل من قبل بالاستخدام أو بالركوب أو نحو ذلك لأنه أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق فلا يضمن خلافا للشافعي ولو أراد المعير افتكاك الرهن بقضاء دين المرتهن من عنده فله ذلك وليس للمرتهن أن يمتنع من تسليم الرهن بل يكون مجبورا على الدفع لأن قضاءه كقضاء الراهن في استخلاص ملكه ويرجع المعير بما أدى على الراهن
لكونه غير متبرع في القضاء لأنه سعى في استخلاص ماله ولو قال المستعير هلك في يدي قبل الرهن أو بعد الفكاك وادعى المعير هلاكه عند
____________________
(4/299)
المرتهن فالقول للمستعير مع يمينه لأنه ينكر الإيفاء بدعواه الهلاك في هاتين الحالتين فإن قيل قد صار مضمونا عليه بالرهن وهو يدعي سقوط الضمان بالافتكاك فلا يقبل قوله في ذلك إلا بحجة كالغاصب يدعي رد المغصوب قلنا الرهن وإن كان إثبات يد الاستيفاء ولكن حقيقة الإيفاء بالهلاك فإذا أنكر الهلاك في يد المرتهن فقد الإيفاء حقيقة والضمان ينشأ منه وكان منكرا للضمان
ولو اختلفا في قدر ما أمره بالرهن به فللمعير أي فالقول للمعير لأن الإذن يستفاد من جهته ولو أنكر أصله كان القول له فكذا إذا أنكر وصفه
وجناية الراهن على الرهن مضمونة لأنه تعلق به حق المرتهن وتعلق حق الغير بالمال يجعل المالك كالأجنبي في حق الضمان ألا ترى أن تعلق حق الورثة بمال المريض يمنع نفوذ تصرفه فيما زاد على الثلث وكذا الورثة إذا أتلفوا العبد الموصى بخدمته ضمنوا قيمته ليشترى به عبد يقوم مقامه
وكذا جناية المرتهن عليه مضمونة فيسقط من دينه بقدرها أي بقدر الجناية لأن عين الرهن ملك المالك وقد تعدى عليه المرتهن وهو سبب الضمان فيصير مستوفيا من دينه بقدر الجناية أما إذا كان قدر الجناية أكثر من الدين يضمن الراهن المرتهن ما زاد على الدين لأن الكل صار مضمونا عليه بالاستهلاك
وجناية الرهن عليهما أي على الراهن والمرتهن إذا كانت موجبة للمال بأن كانت خطأ في النفس أو فيما دونها وأما ما يوجب القصاص فهو معتبر بالإجماع كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا لو قيده لكان أولى تدبر وعلى ما لهما هدر أي باطل عند الإمام خلافا لهما في المرتهن فإن عندهما جناية الرهن على المرتهن معتبرة وهو مذهب الأئمة
____________________
(4/300)
الثلاثة أما الوفاقية فلأنها جناية المملوك على المالك وجناية المملوك على المالك فيما يوجب المال هدر بالاتفاق بخلاف الجناية الموجبة للقصاص وأما الخلافية فلهما أن الجناية حصلت على غير المالك وفي الاعتبار فائدة وهو دفع العبد إليه بالجناية فتعتبر ثم إن شاء الراهن والمرتهن أبطلا الرهن ودفعاه بالجناية إلى المرتهن وإن قال المرتهن لا أطلب الجناية فهو رهن على حاله وله أن هذه الجناية لو اعتبرناها للمرتهن كان على المرتهن التطهير من الجناية حصلت في ضمانه فلا يفيد وجوب الضمان له مع وجوب التخليص عليه وجناية على مال المرتهن لا تعتبر بالاتفاق إذا كانت قيمته والدين سواء لأنه لا فائدة في اعتباره لأنه لا يتملك بها العبد مع أن التملك فائدة ولم يوجد وإن كانت القيمة أكثر من الدين فعن الإمام أنه يعتبر بقدر الأمانة لأن الفضل ليس في ضمانه فأشبه جناية العبد
الوديعة على المستودع وعنه أنه لا يعتبر لأن حكم الرهن وهو الحبس فيه ثابت فصار كالمضمون وهذا بخلاف جناية الرهن على ابن الراهن أو على ابن المرتهن لأن الأملاك حقيقة متباينة فصار كالجناية على الأجنبي كما في الهداية
ولو رهن عبدا يساوي ألفا بألف مؤجلة فصارت قيمته مائة بأن انتقص سعره فقتله أي العبد رجل خطأ وغرم مائة وحل الأجل يقبض المرتهن المائة قضاء عن حقه وسقط باقيه وهو تسعمائة ولا يرجع على راهنه بشيء لأن النقصان من حيث السعر لا يوجب السقوط عندنا لأن نقصان السعر عبارة عن فتور رغبات الناس فيه وذا غير معتبر وأما نقصان العين فيتقرر بفوات جزء منه فيسقط الدين في انتقاصها لا في انتقاص المالية من جهة السعر ولما كان الدين باقيا ويد الرهن يد الاستيفاء صار مستوفيا الكل من الابتداء خلافا لزفر لأن المالية انتقصت فأشبه انتقاص العين
وإن باعه أي المرتهن الرهن وهو العبد الذي يساوي ألفا وكان رهنا بألف بالمائة بأمر راهنه قبض المائة قضاء لحقه و رجع المرتهن بعد قبض المائة عليه أي على الراهن بالباقي أي بباقي الدين هو تسعمائة
وفي الكافي وأما الفصل الرابع وهو ما إذا باعه بمائة فإنه يصح لأنه إن كان موضوع المسألة أن سعره تراجع إلى مائة فظاهر لأنه باعه بمثل قيمته فصح بالإجماع وإن كان موضوع المسألة أنه لم ينتقص فصح البيع أيضا عند الإمام وصح عندهما إن كان قال بع بما شئت وإذا صح البيع صار المرتهن وكيل الراهن بما باعه بإذنه وصار كأن الراهن استرده وباعه بنفسه ولو كان كذلك يبطل الرهن ويبقى الدين إلا بقدر ما استوفى
____________________
(4/301)
كذا هذا وإن قتله أي العبد الرهن الذي يساوي ألفا قبل نزول السعر إلى مائة أو بعد النزول عبد هو يعدل مائة فدفع بصيغة المجهول به أي دفع العبد الجاني مقام العبد المقتول بسبب قتله افتكه الراهن بكل الدين وهو الألف عند الشيخين لأن التغير لم يظهر في نفس العبد إذا العبد الثاني قام مقام الأول من حيث أنه دم ولحم فكأنه تراجع سعره إلى مائة فلو كان الأول قائما وتراجع سعره لم يكن له خيار فكذلك هنا وعند محمد هو بالخيار إن شاء دفعه أي العبد المدفوع إلى المرتهن بدينه ولا شيء عليه غيره
وإن شاء افتكه بالدين لأنه تغر في ضمان المرتهن فأوجب التخيير
وقال زفر يصير رهنا بمائة لأن يد المرتهن يد الاستيفاء وقد تقرر بالهلاك إلا أنه أخلف بدلا بقدر العشرة فيبقى الدين بقدره
وإن جنى العبد الرهن خطأ فداه المرتهن لأن ضمان الجناية على المرتهن والعبد كله في ضمانه ودينه مستغرق لرقبته وعلى تقدير الفداء يبقى الدين والعبد رهنا فليس له ولاية الدفع إلى ولي القتل إذ الدفع للمالك وهو ليس بمالك ولا يرجع المرتهن
على الراهن بشيء من الفداء لأن العبد كله مضمون وجناية المضمون كجناية الضامن فلو رجع على الراهن رجع الراهن عليه ولا يفيد فإن أبى أي امتنع المرتهن من الفداء دفعه الرهن إلى ولي الجناية أو فداه أي يقال للراهن افعل واحدا من الدفع والفداء إن شاء يدفعه وإن شاء يفدي عنه وسقط الدين تاما بفعل كل منهما من الراهن إن كان الدين أقل من قيمة الرهن أو مساويا وإن كان الدين أكثر يسقط من الدين مقدار قيمة العبد ولا يسقط الباقي كما في أكثر المعتبرات فعلى هذا لو قيده كما قيدناه لكان أولى تدبر وفي بعض المعتبرات إذا ولدت المرهونة ولدا فقتل إنسانا خطأ أو استهلك مال إنسان فلا ضمان على المرتهن بل يخاطب الراهن بالدفع أو الفداء في الابتداء لأنه غير مضمون على المرتهن فإن دفع خرج من الرهن ولم يسقط شيء من الدين كما لو هلك في الابتداء وإن فدى فهو رهن مع أمه على حالهما ولو استهلك العبد المرهون مالا يستغرق رقبته فإن ادعى المرتهن الدين الذي لزم العبد فدينه على حاله كما في الفداء وإن أبى قيل
____________________
(4/302)
للراهن بعه في الدين إلا أن يختار أن يؤدي عنه فإن أدى بطل دين المرتهن كما ذكرنا في الفداء وإن لم يؤد وبيع العبد في الدين يأخذ صاحب دين العبد دينه وتمامه في الهداية والكافي فليطالعهما وفي المنح لو رهن حيوانا من غير بني آدم فجنى البعض على البعض كان هدرا ويصير كأنه هلك بآفة سماوية ولو رهن عبدين كل واحد منهما يساوي ألفا بألفين فقتل أحدهما الآخر أو جنى أحدهما على الآخر فيما دون النفس قل الأرش أو كثر لا تعتبر الجناية ويسقط دين المجني عنه بقدره ولو كانا جميعا رهنا بألف فقتل أحدهما الآخر فلا دفع ولا فداء ويبقى القاتل رهنا بسبعمائة وخمسين ولو رهن عبدا أو دابة فجناية الدابة على العبد هدر وجناية العبد على الدابة معتبرة حسب جناية العبد على عبد آخر
ولو مات الراهن باع وصيه الرهن وقضى الدين لأن الوصي قائم مقامه فإن لم يكن له وصي نصب القاضي له وصيا وأمره أي الوصي بذلك أي بالبيع لأن القاضي نصب ناظرا لحقوق المسلمين إذا عجزوا عن النظر لأنفسهم وقد تعين النظر في نصب الوصي ليؤدي ما عليه لغيره ويستوفي حقوقه من غيره ولو كان الدين على الميت فرهن الوصي بعض التركة عند غريم له من غرمائه لم يجز وللآخرين أن يردوه ولو لم يكن للميت غريم آخر جاز الرهن
فصل هذا الفصل كالمسائل المتفرقة التي تذكر في أواخر الكتب رهن رجل عصيرا أي عصير عنب عند رجل قيمته عشرة دراهم بعشرة دراهم فتخمر العصير أي صار خمرا ثم تخلل أي صار خلا وهو أي والحال أنه يساويها أي عشرة دراهم فهو أي العصير المذكور الذي صار خلا بعد أن صار خمرا رهن بها أي بعشرة دراهم لأن عقد الرهن لم يبطل بالخمر لأن ما صلح محلا للبيع صلح محلا للرهن لأن المحلية إنما تكون بالمالية فيهما والخمر لا يصلح محلا لابتداء البيع ويصلح لبقائه فإن من باع عصيرا فتخمر في يد البائع بقي
____________________
(4/303)
البيع إلا أنه يخير في البيع لتغير وصف المبيع كما لو تعيب فإذا صار خلا فقد زال العرض قبل تقرر حكمه فجعل كأن لم يكن
وإن رهنت شاة قيمتها عشرة فماتت فدبغ جلدها وهو يساوي درهما فهو رهن به أي بدرهم لأن الرهن يتقرر بالهلاك فإذا بقي بعض المحل يعود الحكم بقدره بخلاف ما إذا ماتت الشاة المبيعة قبل القبض فدبغ جلدها حيث لا يعود البيع بقدره على ما هو المشهور وإن قال بعض المشايخ يعود البيع هذا إذا كانت قيمة الجلد يوم الرهن درهما وإن كانت قيمته يومئذ درهمين كان الجلد رهنا بدرهمين وفي البزازية اشترى خلا بدرهم أو شاة على أنها مذبوحة بدرهم رهن به شيئا هلك الرهن فظهر أن الخل خمر والشاة ميتة يهلك مضمونا بخلاف ماذا اشترى خمرا أو خنزيرا أو ميتة أو حرا ورهن بالثمن شيئا وهلك عند المرتهن لا يضمن لأنه باطل وإن انتقص الرهن عند المرتهن قدرا أو وصفا يسقط من الدين بقدره بخلاف النقصان بتراجع السعر على ما عرف فلو رهن فروا قيمته أربعون بعشرة فأفسده السوس حتى صارت قيمته عشرة يفتكه الراهن بدرهمين ونصف ويسقط ثلاثة أرباع الدين لأن كل ربع من الفرو مرهون بربع الدين وقد بقي من الفرو ربعه فيبقى من الدين أيضا ربعه
ونماء الرهن كولده ولبنه وصوفه وثمره للراهن لأنه متولد من ملكه فلا يدخل الكسب والهبة والصدقة في الرهن لأنها غير متولدة من الأصل فيأخذ الراهن في الحال ويكون رهنا مع الأصل لأنه تبع له والرهن حق متأكد لازم فيسري إلى الولد ألا ترى أن الراهن لا يملك إبطاله بخلاف ولد الجارية الجانية حيث لا يسري حكم الجناية إلى الولد ولا يتبع أمه فيه فإن هلك النماء هلك بلا شيء لعدم دخوله تحت العقد مقصودا
وإن بقي النماء وهلك الأصل يفتك الراهن بحصته من الدين ويقسم الدين على قيمة الأصل يوم القبض وقيمة النماء يوم الفكاك لأن الرهن يصير مضمونا بالقبض والزيادة تصير مقصودة بالفكاك إذا بقي إلى وقته والتبع يقابله شيء إذا صار مقصودا كولد المبيع فما أصاب الأصل سقط من الدين لأنه يقابله
____________________
(4/304)
305 الأصل مقصودا وما أصاب النماء افتك به صورته رجل رهن شاة بتسعة دراهم وقيمتها عشرة يوم القبض ثم ولدت ولدا قيمته خمسة دراهم يوم الفك فصارت قيمتهما خمسة عشرة والدين يقسم على قيمتهما أثلاثا يصيب ثلثا الدين للأم وهو ستة فتسقط ويصيب ثلثه للولد وهو ثلاثة لأن قيمتهما أثلاث فيلزم الراهن أن يدفع الثلث ثم يأخذ الولد
وفي التنوير ولو أذن الراهن للمرتهن في أكل زوائد الرهن فأكلها فلا ضمان عليه ولا يسقط شيء من الدين وإن لم يفتك الراهن الرهن حتى هلك الرهن في يد المرتهن قسم الدين على قيمة الزيادة التي أكلها المرتهن وعلى قيمة الأصل فما أصاب الأصل سقط وما أصاب الزيادة أخذه المرتهن من الراهن كما مر
وفي الخانية رهن جارية فأرضعت صبيا المرتهن لم يسقط شيء من دينه بخلاف ما لو رهن شاة فشرب المرتهن من لبنها فإنه محسوب عليه من الدين
وتصح الزيادة في الرهن مثل أن يرهن ثوبا بعشرة يساوي عشرة ثم زاد الراهن ثوبا آخر فيكون مع الأول رهنا بالعشرة ولا تصح الزيادة في الدين مثل أن يقول الراهن أقرضني خمسمائة أخرى على أن يكون العبد الذي عندك رهنا بألف فلا يكون الرهن رهنا بها أي بالزيادة عند الطرفين لأن الزيادة في الدين ترك الاستيثاق وهو يكون منافيا لعقد الرهن ولأن الزيادة في الدين توجب الشيوع في الرهن وهو غير مشروع فلا يصير الرهن الأول رهنا بالدين الحادث بل يصير كل الرهن بمقابلة الدين السابق فإن هلك العبد يسقط الدين الأول ويبقى الدين الثاني بلا رهن خلافا لأبي يوسف فإن عنده تجوز الزيادة في الدين فيسقط بموت العبد الرهن الدينان قياسا على الجانب الآخر ولأن الدين في باب الرهن كالثمن في البيع والرهن كالثمن فتجوز الزيادة فيهما كما في البيع
وقال زفر والشافعي لا تجوز الزيادة في الرهن ولا في الدين لعدم جوازها في الثمن والمبيع ثم المراد بقولهم أن الزيادة في الدين لا تصح أن لا يكون رهنا بالزيادة كما أنه رهن بأصل الدين وأما نفس زيادة الدين على الدين فصحيحة لأن الاستدانة بعد الاستدانة قبل قضاء الدين الأول جائز إجماعا
وإن رهن عبدا يعدل ألفا بألف فدفع مكانه عبدا يعدلها أي الألف فالأول رهن فمات قبل الرد يصير مستوفيا لدينه فالعبد الأول رهن كما كان حتى يرد
____________________
(4/305)
المرتهن إلى راهنه والمرتهن أمين في العبد الثاني حتى يجعله مكان الأول برد الأول على الراهن فحينئذ يصير الثاني مضمونا لأن الأول دخل في ضمانه بالقبض والدين وهما باقيان فلا يخرج عن الضمان إلا بنقض القبض ما دام الدين باقيا وإذا بقي الأول في ضمانه لا يدخل الثاني في ضمانه لأنهما رضيا بدخول أحدهما فيه لا بدخولهما فإذا رد الأول دخل الثاني في ضمانه ثم قيل يشترط تجديد القبض وقيل لا يشترط كما في الهداية وغيرها لكن في الخانية رجل رهن عند إنسان عبدا بألف درهم ثم جاء الراهن بجارية وقال خذها مكان العبد يصح ذلك إذا قبض انتهى يفهم من هذا أنه إذا قبض الرهن الثاني خرج الأول من أن يكون رهنا رد الأول على الراهن أو لم يرد
ولو أبرأ المرتهن الراهن عن الدين أو وهبه أي الدين منه أي من الراهن فهلك الرهن في يد المرتهن هلك بلا شيء استحسانا
وقال زفر يضمن قيمة الرهن وهو القياس لأن القبض وقع مضمونا فيبقى الضمان ما بقي القبض ولنا أن ضمان الرهن باعتبار القبض والدين لأنه ضمان استيفاء وذا لا يتحقق إلا باعتبار الدين وبالإبراء لم يبق أحدهما وهو الدين والحكم الثابت بعلة ذات وصفين يزول بزوال أحدهما ولهذا لو رد الرهن يسقط الضمان لعدم القبض ولو بقي الدين وكذا إذا أبرأه عن الدين يسقط الضمان لعدم الدين وإن بقي القبض فأما إذا أحدث المرتهن بعد البراءة منعا ثم تلف في يده ضمن قيمته لأن حق المنع لم يبق فصار فيما يمنع غاصبا فيضمن القيمة وكذا لو ارتهنت المرأة رهنا بالصداق وأبرأته أو وهبته أو ارتدت والعياذ بالله تعالى قبل الدخول أو اختلعت منه على صداقها ثم هلك الرهن في يدها يهلك بغير شيء في هذا كله ولم يضمن شيئا لسقوط الدين كما في الإبراء
ولو قبض المرتهن دينه أو بعضه منه أي من الراهن أو من غيره كالمتطوع أو شرى به أي بالدين عينا منه أو صالح عنه أي عن الدين على شيء أو احتال به أي أحال الراهن مرتهنه بدينه على آخر ثم هلك الرهن في يد المرتهن قبل
____________________
(4/306)
رده أي إلى الراهن هلك بالدين لأن نفس الدين بالاستيفاء ونحوه لما تقرر في موضعه أن الديون تقضى بأمثالها لا بأنفسها لكن الاستيفاء يتعذر لعدم الفائدة لا يعقب مطالبة مثله فيقضي إلى الدور فإذا هلك الرهن تقرر الاستيفاء الأول فانتقض الاستيفاء الثاني لئلا يتكرر الاستيفاء ويرد ما قبض إلى من قبض منه هذا في صورة إيفاء الراهن أو المتطوع أو الشراع أو الصلح
وتبطل الحوالة ويهلك الرهن بالدين إذ بالحوالة لا يسقط الدين ولكن ذمة المحتال عليه تقوم مقام ذمة المحيل ولذا يعود إلى ذمة المحيل إذا مات المحتال عليه مفلسا
وكذا أي كما يهلك الرهن بالدين في الصورة المذكورة يهلك به أيضا لو تصادقا على عدم الدين ثم هلك الرهن هلك بالدين لأن الرهن مضمون بالدين أو بجهته عند توهم الوجود كما في الدين الموجود وقد بقيت الجهة لاحتمال أن يتصادقا على قيام الدين بعد تصادقهما على عدم الدين بخلاف الإبراء لأن الإبراء يسقط الدين أصلا وبالاستيفاء لا يسقط الدين بل يثبت لكل واحد منهما على الآخر فيتعذر الاستيفاء لما مر من عدم الفائدة
وفي الكافي إذا تصادقا على أن لا دين بقي ضمان الرهن إذا كان تصادقهما بعد هلاك الرهن لأن الدين كان واجبا ظاهرا حين هلك الرهن ووجوب الدين ظاهرا يكفي بضمان الرهن فصار مستوفيا فأما إذا تصادقا على أن لا دين والرهن قائم ثم هلك الرهن فإن هناك يهلك أمانة لأن بتصادقهما ينتفي الدين من الأصل فضمان الرهن لا يبقى بدون الدين وذكر شيخ الإسلام الإسبيجابي أنهما إذا تصادقا قبل الهلاك ثم هلك الرهن اختلف مشايخنا فيه والصواب أنه لا يهلك مضمونا
وفي التنوير كل حكم عرف في الرهن الصحيح فهو الحكم في الرهن الفاسد وفي كل موضع كان الرهن مالا وللقابل به مضمونا إلا أنه فقد بعض شرائط الجواز ينعقد الرهن بصفة الفساد وفي كل موضع لم يكن كذلك لا ينعقد الرهن أصلا فإذا هلك هلك بغير شيء وتمامه في المنح فليطالع
____________________
(4/307)
كتاب الجنايات أورد الجنايات عقيب الرهن لأن الرهن لصيانة المال وحكم الجناية لصيانة الأنفس ولما كان المال وسيلة لبقاء النفس قدم الرهن على الجنايات لأن الوسائل تقدم على المقاصد كما في أكثر الشروح
وقال في غاية البيان ولكن قدم الرهن لأنه مشروع بالكتاب والسنة بخلاف الجناية فإنها محظورة عما ليس للإنسان فعله انتهى وأورد عليه أن هذا التعليل ليس بشيء لأن المقصود بالبيان في كتاب الجنايات إنما هو أحكام الجنايات دون أنفسها ولا شك أن أحكامها مشروعة ثابتة بالكتاب والسنة فلا وجه لتأخيرها من هذه الحيثية ويمكن الجواب عنه بأن كلا من الرهن والجناية من أفعال المكلفين ويبحث في كل منهما عما يتعلق بفعل المكلف من الأحكام الخمسة ولا شك في جواز الرهن وحظر الجناية ويكفي هنا هذا القدر في تقديمه عليها كما لا يخفى والجناية في اللغة اسم لما يجنيه أي يكسبه المرء من شر تسمية للمفعول بالمصدر من جنى عليه جناية ثم خص في العرف بما يحرم من الفعل سواء كان في نفس أو مال وفي عرف الفقهاء بما حرم فعله في نفس أو طرف الأول يسمى قتلا وأنواعه خمسة عمد وشبه عمد وخطأ وجار مجرى الخطأ والقتل بسبب كما سيأتي تفصيله والثاني يسمى جناية فيما دون النفس وشرع القصاص لما فيه من معنى الحياة شرعا كما قال تعالى ولكم في القصاص حياة والفرق بين هذه الآية وبين قول العرب القتل أنفى للقتل بلاغة وفصاحة مبين في كتب البيان بما لا مزيد عليه ثم شرع في بيان أحكام القتل فقال القتل
____________________
(4/308)
إما عمد موجب للضمان احتراز عن نحو قتل قطاع الطريق والحربي والمرتد وهو أن يقصد ضربه أي ضرب القاتل المكلف ما يحرم ضربه كما هو المتبادر بما
يفرق الأجزاء من سلاح أعد للحرب أو محدد من حجر أو خشب أو ليطة أو حرقة بنار أقول إنما شرط في الآلة ما ذكر لأن العمد هو القصد وهو من أعمال القلب لا يوقف عليه إلا بدليله وهو استعمال ما ذكر من الآلات فأقيم الدليل مقام المدلول هذا عند الإمام وعندهما وفاقا للشافعي بما يقتل غالبا حتى لو ضربه بحجر عظيم أو خشبة عظيمة فهو عمد وقوله أو ليطة بكسر اللام قشر القصب والإحراق بالنار من القتل العمد الموجب للقصاص لأن النار من المفرقات للأجزاء كما في الإتقان
وقال في الكفاية ألا ترى أنها تعمل عمل الحديد حتى أنها أي النار إذا وضعت في المذبح فقطعت ما يجب قطعه في الذكاة وسال بها الدم حل وإن انجمد ولم يسل الدم لا يحل انتهى
وفي الخانية أن الجرح لا يشترط في الحديد وما يشبهه كالنحاس وغيره في ظاهر الرواية انتهى
وفي الخلاصة رجل ضرب رجلا بمر فقتله فإن أصابته الحديدة قتل به عند الكل وإن أصابه بظهره ولم يجرحه فعندهما لا شك أنه يجب القصاص وكذا عند الإمام في ظاهر الرواية وفي رواية الطحاوي عنه أنه لا يجب فعلى هذه الرواية يعتبر الجرح سواء كان حديدا أو عودا أو حجرا بعد أن يكون آلة يقصد بها الجرح
وقال صدر الشهيد والأصح أن المعتبر عنده الجرح وكذا سنجات الميزان من الحديد
وقال رجل أحمى تنورا ورمى فيه إنسانا أو ألقاه في نار لا يستطيع الخروج منها عليه القصاص هي بمنزلة السلاح وكذا كل ما لا يثبت عادة كالسلاح إلا أنه لا يجعل النار كالسلاح في حكم الذكاة حتى لو توقدت النار على المذبح وانقطع بها العروق لا يحل أكله انتهى لكن قال في البزازية إن النار تعمل في الحيوان عمل الذكاة حتى لو قذف النار في المذبح فاحترق العروق يؤكل انتهى وهذا موافق لما قدمناه عن الكفاية ويحمل على ما إذا سال بها الدم وبه يحصل التوفيق بين كلامي صاحب الخلاصة والبزازية وموجبه أي القتل العمد الإثم لقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم وفي الحديث سباب المسلم فسق وقتاله كفر
وقال عليه الصلاة والسلام لزوال الدنيا أهون على الله تعالى من قتل امرئ مسلم وعليه انعقد الإجماع
____________________
(4/309)
والقصاص عينا نصب على الحال من القصاص أي حال كونه متعينا خلافا للشافعي فإنه قال لا يتعين القصاص بل الولي مخير بينه وبين أخذ الدية لقوله عليه الصلاة والسلام من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل وإما يودى ولنا قوله تعالى كتب عليكم القصاص في القتلى الآية وقوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والمراد به القتل العمد وما أورده من الحديث فعلى تقدير صحته لا تجوز به الزيادة على النص لأنه نسخ وإلى ذلك أشار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بقوله العمد قود لا مال فيه ولأن المال لا يصلح موجبا لعدم المماثلة بينه وبين الآدمي صورة ومعنى إذ الآدمي خلق مكرما لقوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم ليشتغل بالطاعات والعبادات والمال خلق لإقامة مصالحه ومبتذلا في حوائجه فلا يصلح جابرا وقائما مقامه إلا أن الصلح على مال يجوز بالتراضي سواء كان بأقل من الدية أو أكثر منها إلا أن يعفى على صيغة المجهول أي إلا أن يعفو ولي القصاص أو يصالحه على شيء من ماله كما مر آنفا والعفو أفضل ولا كفارة فيه لأنها فيما كان دائرا بين الحظر والإباحة والقتل كبيرة محضة لا تليق أن تكون الكفارة ساترة له لوجود معنى العبادة فيها ولقوله عليه الصلاة والسلام خمس من الكبائر لا كفارة فيهن منها قتل النفس بعمد وعند الشافعي عليه الكفارة كما في الخطأ مراعاة لحق الله تعالى في العبد
وأما شبه عمد وهو ضربه أي القاتل قصدا بغير ما ذكر في العمد مما لا يفرق الأجزاء كالشجر مطلقا والحجر أيضا إن كانا غير محددين والسوط واليد هذا عند الإمام لغيره في الثقيل العظيم على ما مر في القتل العمد لأن شبه العمد عند الغير ضرب القاتل بآلة لا يقتل مثلها غالبا كالعصا والحجر الصغير والسوط واليد
____________________
(4/310)
وموجبه أي شبه العمد الإثم لقصد ما هو محرم شرعا ولقوله تعالى ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها فإن قيل إن المدعى عام للمؤمن والذمي والدليل خاص بالمؤمن قلنا إن موجبها في المؤمن ثبت بعبارة النص وفي الذمي بدلالته لتحقيق المساواة في العصمة لا يقال إن الآية دليل للمعتزلة على خلود مرتكب الكبيرة في النار لأنا نقول ذلك في المستحل أو يراد بالخلود طول المكث أو يراد بها الوعيد الشديد تنبيها على عظم تلك الجناية والكفارة على القاتل لأنه خطأ نظرا إلى الآلة فدخل في قوله تعالى ومن قتل مؤمنا خطأ الآية والدية المغلظة على العاقلة الناصرة للقاتل أما وجوبها فلقوله عليه الصلاة والسلام ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا والحجر فيه دية مغلظة مائة من الإبل الحديث وأما كون الوجوب على العاقلة فلأنه خطأ من وجه فيكون معذورا فيتحقق التخفيف لذلك ولأنها تجب بنفس القتل فتجب على العاقلة كما في الخطأ وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر رضي الله تعالى عنه وهو ما روي عنه رضي الله تعالى عنه أنه قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين والمروي عنه كالمروي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام لأنه مما لا يعرف بالرأي لا القود عطف على الدية أي ليس فيه لشبهة بالخطأ وهو أي شبه العمد فيما دون النفس من الأطراف عمد باعتبار الضرب والإتلاف جميعا يعني إذا جرح عضوا بآلة جارحة وجب فيه القصاص إن كان مما يراعى فيه
المماثلة وليس فيما دون النفس شبه العمد كما كان في النفس لأن إتلاف النفس يختلف باختلاف الآلة وما دون النفس ليس كذلك لما روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن عمة الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها فطلبوا منهم العفو فأبوا والأرش فأبوا إلا القصاص فاختصموا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فأمر بالقصاص فقال أنس بن نضر أتكسر ثنية عمة الربيع والذي بعثك نبيا بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم وعفوا وطلبوا
____________________
(4/311)
الأرش فقال عليه الصلاة والسلام إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ووجه دلالته على ما نحن فيه أن اللطمة لو أتت على النفس لا توجب القصاص ورأيناها فيما دون النفس قد أوجبته بحكمه عليه الصلاة والسلام أنه ما كان في النفس شبه عمد وهو عمد فيما دونها ولا يتصور أن يكون فيه شبه عمد كما في التبيين
وأما خطأ عطف على قوله أما عمد أو شبه عمد وهو أي الخطأ قسمان أما الخطأ في القصد بأن يرمي شخصا ظنه صيدا فإذا هو آدمي أو يرمي بظنه حربيا فإذا هو آدمي معصوم الدم وإنما سمي خطأ في القصد أي في الظن حيث ظن الآدمي صيدا والمسلم حربيا وأما الخطأ في الفعل فقد بينه بقوله أو في الفعل بأن يرمي غرضا فيصيب آدميا فإنه أخطأ في الفعل لا القصد فيكون معذورا لاختلاف المحل بخلاف ما لو تعمد ضرب موضع في جسده فأصاب موضعا آخر منه فمات حيث يجب القصاص إذ جميع البدن محل واحد فيما يرجع إلى مقصوده فلا يعذر بخلاف ما إذا أراد يد رجل فأصاب عنق غيره وأبانه فهو خطأ كما في العناية وأما لو أراد أن يضرب يد رجل بالسيف فأخطأ فأصاب عنقه فبان رأسه فهو عمد
وفي المنح قال في البدائع والخطأ قد يكون في نفس الفعل وقد يكون في ظن الفاعل أما الأول فنحو أن يقصد صيدا فيصيب آدميا وأن يقصد رجلا فيصيب غيره وإن قصد عضوا من رجل فأصاب عضوا آخر منه فهذا عمد وليس بخطأ وأما الثاني فنحو أن يرمي إلى إنسان على ظن أنه حربي أو مرتد فإذا هو مسلم انتهى وأما ما أجري مجرى الخطأ كنائم انقلب على آخر فقتله فحكمه حكم الخطأ وليس بخطأ حقيقة لعدم قصد النائم إلى شيء حتى يصير مخطئا لمقصوده ولما وجد فعل حقيقة وجب عليه ما أتلفه كفعل الطفل فجعل كالخطأ لأنه معذور كالمخطئ وموجبهما أي الخطأ مطلقا وما أجري مجراه الكفارة والدية على العاقلة لقوله
____________________
(4/312)
تعالى فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله وقد قضى به عمر رضي الله تعالى عنه في ثلاث سنين بمحضر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فصار إجماعا
وأما قتل بسبب أي بكونه سببا للقتل وهو أي القتل بسبب نحو أن يحفر بئرا أو يضع حجرا في غير ملكه بلا إذن من له الإذن وهو قيد للمتعاطفين فيهلك به إنسان نبه بقوله في غير ملكه على أنه لو فعله في ملكه لا يضمن ما تلف به لأنه مأذون في فعله فلم يكن متعديا فيه ومما ينبغي أن يعلم أنه إذا مشى الهالك عليه بعد علمه بالحفر فإنه لا يلزم على الحافر شيء وموجبه أي كل واحد من الحفر ووضع الحجر الدية على العاقلة لأنه سبب التلف وهو متعد فيه بالحفر ووضع الحجر فجعل كالمباشر للقتل فتجب فيه الدية صيانة للأنفس فتكون على العاقلة لأن القتل بهذا الطريق دون القتل بالخطأ فيكون معذورا فتجب على العاقلة تخفيفا عنه لا في الخطأ بل أولى لعدم القتل منه مباشرة ولهذا قال لا تجب الكفارة فيه وفي المجتبى وفيه ذنب الحفر والوضع في غير ملكه دون ذنب القتل قالوا ولا إثم فيه معناه لا إثم فيه إثم القتل دون إثم الحفر والوضع وكلها أي ما ذكر من أنواع القتل كالعمد وشبهه والخطأ توجب حرمان الإرث إلا هذا أي إلا القتل بسبب فإنه لا يوجب حرمان الإرث كما لا يوجب الكفارة
وقال الشافعي هو ملحق بالخطأ في الأحكام
باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه لما فرغ من بيان أقسام القتل وكان من جملتها العمد وهو قد يوجب القصاص وقد لا يوجبه احتاج إلى تفصيل ذلك في باب على حدة فقال يجب القصاص بقتل من محقون
____________________
(4/313)
الدم على التأبيد قوله على التأبيد صفة لموصوف محذوف تقديره حقنا واحترز به عن المستأمن فإن في قتله شبهة الإباحة بالعود إلى دار الحرب فلا يكون محقون الدم على التأبيد وقوله عمدا قيد للقتل أي قتل عمد فهو منصوب على أنه مفعول مطلق لبيان النوع واحترز به عن القتل غير العمد فإنه لا يجب فيه القصاص فيقتل الحر بالحر لكمال المماثلة و يقتل بالعبد لقوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس وقوله تعالى كتب عليكم القصاص في القتلى الآية ولقوله عليه الصلاة والسلام العمد قود ولأن القود يعتمد على المساواة في العصمة وهي إما في الدين أو في الدار ولأن التخصيص بالذكر في قوله تعالى الحر بالحر والعبد بالعبد لا ينفي ما عداه مع أن اللام لتعريف العهد لا لتعريف الجنس على ما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في سبب نزول هذه الآية وعند الشافعي لا يقتل الحر بالعبد لقوله تعالى الحر بالحر والعبد بالعبد وأنت خبير بأن حمل اللام في قوله تعالى الحر بالحر والعبد بالعبد على العهد كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في سبب النزول يحسم مادة
الاستدلال بها رأسا لأن مبنى استدلال الشافعي على حمل اللام للجنس وليس كذلك
المسلم بالذمي لعمومات الكتاب والسنة ولما روي أنه عليه الصلاة والسلام قتل مسلما بذمي وإنما أعطوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا خلافا للشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام لا يقتل مؤمن بكافر ولأنه لا مساواة بينهما وقت الجناية وكذا الكفر مبيح فيورث الشبهة ولنا أن المساواة في العصمة ثابتة نظرا إلى التكليف أو
____________________
(4/314)
الدار والمبيح كفر المحارب دون المسالم والقتل بمثله يؤذن بانتفاء الشبهة والمراد بما رواه الحربي ولا ذو عهد في عهده والعطف للمغايرة كما في الهداية ولا يقتلان أي المسلم والذمي بمستأمن لأنه غير معصوم الدم على التأبيد كما مر بل يقتل المستأمن بمثله للمساواة بينهما وهو القياس وفي الاستحسان أن لا يقتل لقيام مبيح القتل فيه
وفي المنح وينبغي أن يعول على الاستحسان لتصريحهم بأن العمل على الاستحسان إلا في مسائل مضبوطة يعمل فيها بالقياس ليست هذه المسألة منها وقد اقتصر ملا خسرو في مختصره على القياس انتهى
و يقتل الذكر بالأنثى
وفي النهاية وذكر صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى والأنثى بالأنثى قال مالك والشافعي لا يقتل الذكر بالأنثى لكن هذا مخالف لعامة كتب الشافعي ومالك و يقتل العاقل بالمجنون لا بعكسه و يقتل البالغ بغيره أي غير البالغ لا بعكسه أيضا و يقتل الصحيح بغيره أي بغير الصحيح كالأعمى والزمن و يقتل كامل الأطراف بناقصها أي بناقص الأطراف للعمومات المذكورة
و يقتل الفرع بأصله وإن علا لعدم المسقط لا يقتل الأصل بفرعه لقوله عليه الصلاة والسلام لا يقاد الوالد بولده فالوالد يتناول الجد من قبل الأب والأم وإن علا والوالدة والجدة من طرف الأب والأم وإن علت وهو بإطلاقه حجة على مالك في قوله يقاد إذا ذبحه ذبحا ولأنه سبب لإحيائه فمن المحال أن يستحق له إفناؤه ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده في صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن والقصاص يستحقه المقتول ثم يخلفه الوارث كما في الهداية بل تجب الدية في مال الأب القاتل لأنه قتل ابنه عمدا والعاقلة لا تعقل العمد في ثلاث سنين
وقال الشافعي تجب في الحال لأن التأجيل كان للتخفيف في حق الخاطئ وهذا عامد فلا يستحقه ولنا أن المال ليس بمماثل للنفس فكان القياس أن لا يكون بدلا عنها إلا أن الشرع ورد به مؤجلا فلا يعدل عنه
ولا يقتل السيد بعبده أو مدبره أو مكاتبه لأنه لو وجب القصاص لوجب له كما لو قتله غيره لا يجوز أن يجب له على نفسه قصاص وعبد ولده أي لا
____________________
(4/315)
يقتل الوالد بقتل عبد ولده لأن الوالد لا يستوجب القصاص على الأب وعبد بعضه له أي ولا يقتل المولى بقتل عبد بعضه له وبعضه
لآخر لأن القصاص لا يتجزأ فإذا سقط في البعض يسقط في الكل وإن ورث قصاصا على أبيه بأن قتل الأب أم ابنه أو قتل الأب أخا لامرأته ثم ماتت امرأته قبل أن تقتص منه فإن ابنها منه يرث القصاص الذي لها على أبيه سقط القصاص لحرمة الأبوة
ولا قصاص على شريك الأب أو المولى أو شريك المخطئ أو شريك الصبي أو شريك المجنون و شريك كل من لا يجب القصاص بقتله كشريك الجد والأم وغيرهما لما مر من أنه إذا سقط في البعض لأجل أنه ملك البعض سقط في الكل لعدم التجزؤ في القصاص
وإن قتل عبد الرهن لا يقتص حتى يحضر الراهن والمرتهن لأن المرتهن لا ملك له فلا يلي القصاص والراهن لو تولاه يبطل حق المرتهن في الرهن فشرط اجتماعهما ليسقط حق المرتهن برضاه وقيل لا يثبت القصاص لهما وإن اجتمعا وقيد باجتماعهما حتى لو اختلفا فلهما القيمة يكون رهنا مكانه
وإن قتل مكاتب عن وفاء وله أي للمكاتب وارث مع سيده فلا قصاص لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم اختلفوا في موته حرا ورقا فعلى الأول الولي هو الوارث وعلى الثاني المولى فاشتبه من له حق القصاص فارتفع
وإن لم يكن له وفاء يقتص سيده بالإجماع سواء
____________________
(4/316)
كان مع السيد وارث أو لا لأنه مات عبدا بلا ريب لانفساخ الكتابة بموته عاجزا فيقتص المولى
وكذا يقتص المولى إن كان له وفاء ولا وارث له غير سيده أي المكاتب عند الشيخين لأن حق الاستيفاء للمولى يتعين لانعدام الوارث وتعدد السبب لا يقتضي تعدد الحكم ولا يؤدي إلى المنازعة لاتحاد الحكم للمولى خلافا لمحمد فإن عنده لا يقتص المولى لأنه لا يستوفي لاشتباه سبب الاستيفاء وهو الولاء إن مات حرا أو الملك إن مات عبدا
ولا قصاص إلا بالسيف سواء قتله به أو بغيره لقوله عليه الصلاة والسلام لا قود إلا بالسيف والمراد به السلاح وقوله عليه الصلاة والسلام لا تعذبوا عباد الله
وقال الشافعي يفعل بالقاتل مثل ما فعل إن كان فعلا مشروعا فإن مات فبها وإلا تحز رقبته لأن مبنى القصاص على المساواة والفعل المشروع كالرجم وهو في الجملة مشروع وغير المشروع كوطء الصغيرة واللواطة بالصغير لو أجرع أحدا خمرا حتى قتله اختلف أصحاب الشافعي فيه قال بعضهم تحز رقبته ولا يفعل به مثله وأما القتل بحجر مشروع في الرجم فجاز أن يقتل به وقال بعضهم يتخذ له مثل آلته من الخشب ويفعل به مثل ما فعل وفي الخمر يجرع الماء حتى يموت
ولأبي المعتوه أن يقتص من قاطع يده أي المعتوه وقاتل قريبه يعني إذا قطع رجل يد المعتوه عمدا أو قتل قريبه كولده فولي المعتوه يعني أباه يقتص من جانب المعتوه لأنه من الولاية على النفس شرع لأمر راجع إلى النفس وهي تشفي الصدر فيليه كالإنكاح وإن يصالح أي لأب المعتوه أن يصالح القاطع على مال قدر الدية أو أكثر لأنه أنظر في حق المعتوه ولو صالح على أقل منه لا يجوز فتجب دية كاملة لا أن يعفو أي ليس له ولاية العفو لأنه إبطال لحقه بلا عوض والصبي كالمعتوه لأن كل ما ثبت من الأحكام المذكورة لأب المعتوه يثبت لأب الصبي والقاضي كالأب هو الصحيح عند عدم الأب في الأحكام المذكورة لأنه نائب من السلطان والسلطان يقتص من قاتل القتيل الذي لا ولي له كذا يقتصه النائب وقوله هو الصحيح احتراز عما روي عن محمد أن القاضي لا يستوفي
____________________
(4/317)
القصاص للصغير لا في النفس ولا فيما دون النفس ولا أن يصالح كذا في الخانية
وفي النهاية قال أبو يوسف ليس للسلطان أن يقتص إذا كان المقتول من أهل دار الإسلام كاللقيط كما ليس له أن يعفو بغير مال لأن الحق للمسلمين وقلنا للسلطان ولنائبه ولاية عامة فيلي الاستيفاء
وكذا الوصي أي هو كالأب في جميع ذلك إلا أنه لا يقتص في النفس لأنه ليس ولاية على نفسه حتى لا يتملك تزويجه ويدخل تحت هذا الإطلاق الصلح عن النفس واستيفاء القصاص في الطرف لأنه لم يستثن إلا القود في النفس وفي كتاب الصلح أن الوصي لا يملك الصلح لأنه تصرف في النفس بالاعتياض عنه فينزل منزلة الاستيفاء ووجه المذكور هنا أن المقصود من الصلح المال وأنه يجب بعقده كما يجب بعقد الأب بخلاف القصاص لأن المقصود منه التشفي وهو مختص بالأب ولا يملك العفو لأن الأب لا يملكه لما فيه من الإبطال فهو أولى قالوا القياس أن لا يملك الوصي الاستيفاء في الطرف كما لا يملكه في النفس لأن المقصود متحد وهو التشفي وفي الاستحسان يملكه لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فإنها خلقت وقاية للأنفس كالمال كذا في الهداية
ومن قتل وله أولياء كبار وصغار بأن كان للمقتول بنون صغار وكبار أو إخوة صغار وكبار فللكبار الاقتصاص من قاتله قبل كبر الصغار عند الإمام لأنه حق ثابت لكل منهم على الكمال فيجوز على الانفراد واحتمال العفو من الصغير منقطع كما في ولاية الإنكاح بخلاف الكبيرين لأن احتمال العفو من الغائب ثابت خلافا لهما لأن الحق مشترك بينهم فلا ينفرد بعضهم باستيفائه وبه قال الشافعي وأحمد في رواية
ولو غاب أحد الكبار ينتظر حضوره إجماعا لما بينا من احتمال العفو من الكبير الغائب
ومن قتل بحديدة المر اقتص منه إن جرحه لأنه سبب ظاهر للجرح
وإن قتل بظهره أي بظهر المر أو
____________________
(4/318)
عصاه فلا يقتص لكونه غير جارح وعليه الدية عند الإمام وعندهما يقتص وهو رواية عن الإمام
اعتبارا منه لآلة وهو الحديد وعنه إنما يجب إذا جرح وهو الأصح وعلى هذا الضرب بسنجات الميزان كما في الهداية
وكذا الخلاف في كل مثقل إن كان مما لا يطيقه الإنسان وفي التغريق والخنق يعني لا يقتص عند أبي حنيفة خلافا لهما لوجود القتل بغير حق وهو مذهب الشافعي وله أن القصاص يتعلق بالعمد المحض وهو أن تقتل بآلة جارحة تعمل في نقض البنية ظاهرا وباطنا ولم يوجد والقود يستوفى بالسيف وفيه جرح الظاهر والباطن فلا يتماثلان وكذا لا يقتص في القتل بتغريق إن كان الماء كثيرا بحيث لا يمكنه النجاة بالسباحة كالبحر خلافا لهما وهو قول الشافعي فعنده يغرق أما إن كان كثيرا يمكنه النجاة بالسباحة فهو شبه العمد عندنا وإن كان قليلا لا يقتل به غالبا فلا يقتص فيه بالاتفاق كما في شرح الوقاية لابن الشيخ
وفي المنح وإن سبح ساعة فلا دية فيه وإن ألقاه من سطح أو جبل أو بئر ويرجى نجاته غالبا فهو خطأ العمد وإلا فعلى الخلاف ولو أجرعه سما كرها أو ناوله وأكرهه على شربه فلا قود فيه والدية على عاقلته وقيل هو على الخلاف المعروف إذا كان السم مقدار ما يقتل غالبا وإن ناوله فشرب من غير إكراه فلا قصاص فيه ولا دية علم الشارب أو لم يعلم ولو أدخله بيتا فمات فيه جوعا لم يضمن شيئا عند الإمام وعندهما تجب الدية ولو دفنه حيا فمات يقاد به
وإن تكرر أي القتل بالمثفل والتغريق والخنق منه أي من القاتل قتل به أي بالقتل المكرر إجماعا لكن قال صاحب الاختيار وإن تكرر منه ذلك فللإمام قتله سياسة لأنه سعى في الأرض بالفساد ولا قصاص في القتل بموالاة ضرب السوط
وقال الشافعي فيه القصاص لأن الموالاة في ضرب السوط إلى أن مات دليل العمدية فيتحقق موجب العمد وهو القصاص ولنا ما روي ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل ولأن هذه الآلة غير موضوعة للقتل
ومن جرح أي عمدا فلم يزل ذا فراش حتى مات اقتص من جارحه لوجوب السبب وعدم ما يبطل حكمه في الظاهر فأضيف إليه كما في الهداية
وإذا التقى الصفان من المسلمين وأهل الحرب فقتل مسلم مسلما ظنه حربيا فعليه الدية والكفارة لا القصاص لأن هذا
____________________
(4/319)
أحد نوعي الخطأ والخطأ بنوعيه لا يوجب القود ويوجب الكفارة وكذا الدية على ما نطق به نص الكتاب ولما اختلفت سيوف المسلمين على إيمان أبي حذيفة قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالدية قالوا إنما تجب إذا كانوا مختلطين فإن كان في صف المشركين لا تجب لسقوط عصمته بتكثير سوادهم قال عليه الصلاة والسلام من كثر سواد قوم فهو منهم
ومن مات بفعل نفسه وزيد وحية وأسد يعني من شج نفسه وشجه رجل وعقره أسد وأصابته
حية فمات من ذلك فعلى زيد ثلث ديته لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدرا في الدنيا والآخرة وفعله بنفسه جنس آخر لكونه هدرا في الدنيا معتبرا في الآخرة حتى يأثم به بالاتفاق ولا يصلى عليه عند أبي يوسف ويغسل فقط وفعل زيد معتبر في الدنيا والآخرة فصارت ثلاثة أجناس ويوزع دية النفس أثلاثا فيكون التلف زيد ثلثها فعليه ثلث الدية في ماله لأنه عمد والعاقلة لا تعقل فيه يفهم من هذا الكلام أن يكون المقتول عاقلا بالغا وإلا يلحق فعله بفعل الأسد والحية فيكون فعله هدرا كفعلهما وكذا يفهم أن لا يتفاوت في جانب الأسد والحية زيادة من وطئ فرسه حيث يكون فعل هذه الثلاثة جنسا واحدا لكونه هدرا مطلقا أيضا حتى لا ينقص بانضمام الفرس إليهما عن الثلث الواجب على زيد
ومن شهر على المسلمين سيفا وجب قتله لقوله عليه الصلاة والسلام من شهر على المسلمين سيفا فقد أحل دمه أي أهدره ولأن دفع الضرر واجب فوجب عليهم قتله إذا لم يمكن دفعه إلا به ولا شيء بقتله لأنه باغ سقطت عصمته ببينة فلم يلزم على القاتل قصاص ولا دية ولا كفارة ولا يختلف بين أن يكون بالليل أو بالنهار في مصر أو غيره ولا شيء في قتل من شهر على آخر سلاحا ليلا أو نهارا في مصر أو غيره أو شهر عليه عصا ليلا
____________________
(4/320)
في مصر أو نهارا في غيره فقتله المشهور عليه لأن السلاح لا يلبث فيحتاج إلى دفعه بالقتل فلا يختلف الحكم فيه بالنهار أو الليل أو المصر أو غيره هذا في السلاح وأما العصا فكالسلاح إن كانت خارج المصر لا فرق فيها بين الليل والنهار لأنه لا يلحقه الغوث حينئذ فكان له دفعه بالقتل بخلاف ما إذا كان في المصر فجواز الدفع بالقتل مشروط بأن يكون بالليل أما إذا كانت العصا في المصر نهارا فلا يجوز له الدفع بالقتل كما سيأتي في المتن
ولا شيء على من أي شخص قتل أي ذلك الشخص من أي شخصا آخر سرق متاعه ليلا وأخرجه إن لم يمكنه الاسترداد بدون القتل لقوله عليه الصلاة والسلام قاتل دون مالك ولأنه يباح له القتل دفعا في الابتداء فكذا الاسترداد في الانتهاء وهذا إذا كان لا يمكن من الاسترداد إلا بالقتل كما في الهداية وغيرها أما إذا أمكن الاسترداد بدون القتل كالتهديد والصياح وقتله مع ذلك يجب عليه القصاص لأنه قتله بغير حق وهو بمنزلة المغصوب منه إذا قتل الغاصب حيث يجب عليه القصاص لأنه يقدر على دفعه بالاستغاثة من المسلمين والحاكم فلا تسقط عصمته بخلاف السارق الذي لا يندفع إلا بالقتل كذا في الزيلعي وشرط الإخراج لأنه ما لم يخرج المتاع لم يكن سارقا والذي في أكثر الكتب أنه إذا قصد الأخذ ولا يتمكن من دفعه إلا بالقتل فلا شيء بقتله وعلى هذا لا فرق بين القتل بعد الإخراج أو قبل الإخراج حيث إنه في الصورتين
إن أمكن الدفع أو الاسترداد بدون القتل لا يقتل وإن لم يمكن يجوز له القتل فلا فائدة يعتد بها حينئذ بقيد الإخراج فتأمل
ويجب القصاص على قاتل من شهر عصا نهارا في مصر لأنه يلبث فيمكن أن يلحقه الغوث ويفرق بين العصا التي تلبث والتي لا تلبث بالصغر والكبر فعند الإمامين العصا التي لا تلبث مثل السلاح في الحكم حيث لم يفرق فيها بين الليل والنهار والمصر وغيره أو شهر سيفا وضرب به ولم يقتل ورجع عطف على قوله شهر عصا يعني يجب القصاص إذا شهر رجل على رجل سلاحا فضربه الشاهر ولم يقتله وانصرف ثم إن المشهور عليه ضرب
____________________
(4/321)
الشاهر فقتله لعصمة دم الشاهر بالانصراف لأن هدر دمه كان باعتبار شهره وضربه فإذا انصرف عن ذلك عاد إلى ما كان عليه من العصمة فيقتص من قاتله لأنه قتل رجلا معصوم الدم
ولو شهر مجنون أو صبي على آخر سيفا فقتله الآخر عمدا فعليه الدية في ماله ولو قتل جملا صائلا عليه ضمن قيمته
وعن أبي يوسف لا تجب الدية في الصبي والمجنون ويجب الضمان في الدابة
وقال الشافعي لا يجب في الكل لأنه قتله دفعا عن نفسه ولنا أن الفعل من هذه الأشياء غير متصف بالحرمة فلم يقع بغيا فلا تسقط العصمة به لعدم الاختيار الصحيح ولهذا لا يجب القصاص على الصبي والمجنون بقتلهما ولا الضمان بفعل الدابة وإذا لم يسقط كان قضيته أن يجب القصاص لأنه قتل نفسا معصومة إلا أنه لا يجب القصاص لوجود المبيح وهو دفع الشر فيجب الدية في الآدمي والقيمة في الدابة
باب القصاص فيما دون النفس لما فرغ من بيان القصاص في النفس شرع في بيان القصاص فيما دون النفس إذ الجزء يتبع الكل هو أي القصاص فيما دون النفس فيما يمكن فيه الضمير في فيه يرجع إلى ما وهي
____________________
(4/322)
نكرة موصوفة عبارة عن فعل الجناية حفظ المماثلة وكل ما أمكن رعايتها فيه يجب القصاص وما لا فلا إذا كان عمدا فيقتص بقطع اليد من المفصل لا فيما إذا قطع من نصف الساعد حيث لا يمكن فيه رعاية المماثلة كما سيأتي
وإن وصلية كانت أكبر من يد المقطوع لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك وإنما اعتبر الكبر والصغر في شجة الرأس إذا استوعبت رأس المشجوج وكان رأس الشاج أكبر من رأس المشجوج لعدم المماثلة بينهما إذ المعتبر في ذلك هو الشين دون المنفعة بخلاف قطع اليد فإن الشين فيه لا يختلف ولهذا خير بين الاقتصاص وأخذ الأرش
وكذا الرجل إذا قطعت من المفصل للمماثلة لا من نصف الساق حيث لا يمكن المماثلة أيضا كما سيأتي
و كذا في مارن الأنف وفي الأذن إذا قطعا عمدا فيقتص من القاطع لا في قصبة الأنف لهدم إمكان رعاية المماثلة
و كذا يقتص في العين إن ذهب ضوءها بضرب أو غيره وهي قائمة أي الحال أن العين قائمة وقوله بضرب أو غيره أي بحيث لم تدمع إذا كانت مفتوحة مقابلة للشمس أو لم تهرب من الحية أو قال ذلك طبيبان وفيه رمز إلى أنه لو ابيض بعض الناظرة أو أصابها قرحة أو سبل أو شيء مما يقبح بالعين ليس فيه قصاص بل حكومة عدل وإلى أنه لو ذهب بياضه ثم أبصر لم يكن عليه شيء قالوا وهذا إذا صار كما كان وأما إذا عاد دون ذلك ففيه حكومة عدل وإلى أنه إذا كان عين المجني عليه أكبر من عين الجاني أو أصغر فهو سواء وكذا اليدان والرجلان وكذا أصبعهما ويؤخذ إبهام اليمنى باليمنى والسبابة بالسبابة والوسطى بالوسطى ولا يؤخذ شيء من الأعضاء اليمنى إلا باليمنى ولا اليسرى إلا باليسرى فالحاصل أنه لا يؤخذ شيء من الأعضاء إلا بمثله من القاطع ومن قطع يدا ظفرها مسود أو بها جراحة لا يوجب نقصان دية اليد بل يجب القصاص كما في المنح لا يقتص إن قلعت العين وذهب نورها إذ رعاية المماثلة في القطع والانخساف غير ممكن فيجعل على الوجه قطن رطب
____________________
(4/323)
وتقابل العين بمرآة محماة حتى يذهب ضوءها وإنما جعل هذا الوجه لصيانة الوجه والعين الأخرى عن الضرر
و يقتص في كل شجة تراعى فيها المماثلة كالموضحة وهي أن يظهر العظم كما سيأتي ولا قصاص في عظم سوى السن لتعذر استيفاء المثل لأنه يحتمل الزيادة والنقصان ولقوله عليه الصلاة والسلام لا قصاص في العظم
وقال عمر وابن مسعود رضي الله تعالى عنهما لا قصاص في عظم إلا في السن وهو المراد بالحديث فإن كان السن عظما فالاستثناء متصل وإن كان غير عظم فمنقطع وقد اختلف الأطباء في ذلك فمنهم من قال هو طرف عصب يابس لأنه يحدث وينمو بعد تمام الخلقة ومنهم من قال هو عظم وإلى هذا ميل المصنف فيقلع من الضارب إن قلع سن المضروب سواء كان بينهما تفاوت في الصغر والكبر أو لا لأن منفعة السن لا تختلف بهما ويبرد بالمبرد إن كسر إلى أن يتساويا لتحقيق المماثلة في الكسر كما قال الله تعالى والسن بالسن قيل لا تقلع بالقلع بل تبرد إلى أن تنتهي إلى اللحم ويسقط ما سواه
ولا قصاص بين طرفي ذكر وأنثى وحر وعبد أو في طرفي عبدين في القطع والقتل ونحوهما لانعدام المماثلة في الأطراف عندنا لأنها يسلك بها مسلك الأموال فيثبت التفاوت بينهما في القيمة وعند الشافعي يجب القصاص في جميع ذلك اعتبارا للأطراف بالعكس لكونها تابعة لها ولا في قطع يد من نصف
____________________
(4/324)
الساعد لما سلف من عدم إمكان المماثلة ولا قصاص في جائفة برئت والجائفة هي الطعنة التي بلغت الجوف وإنما قال برئت لأن البرء فيها نادر فالظاهر أن الثاني يفضي إلى الهلاك فلا يمكن رعاية المماثلة بخلاف ما إذا لم يبرأ فإنها إما سارية فيجب الاقتصاص وإما أن لا تسري بعد فينتظر إلى أن يظهر الحال من البرء أو السراية
ولا قصاص في قطع اللسان ولا في الذكر عندنا حيث يجري فيهما الانقباض والانبساط فلا يمكن المماثلة في الاستيفاء إلا إن قطعت الحشفة فقط فحينئذ يقتص لأن موضع القطع معلوم فصار كالمفصل ولو قطع بعض الحشفة أو بعض الذكر فلا قصاص عليه لأن البعض لا يعلم مقداره والشفة إن استقصاها بالقطع يجب القصاص لإمكانه اعتبار المساواة بخلاف ما إذا قطع بعضهما لأنه يتعذر اعتبارها وعن أبي يوسف إن قطع من الأصل يقتص لإمكان اعتبار المماثلة
وطرف المسلم والذمي سواء للتساوي بينهما في الأرش وخير المجني عليه بين القصاص وأخذ الأرش لو كانت يد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع لتعذر استيفاء حقه بكماله فيتخير بين أن يتجوز بدون حقه في القطع وبين أن يأخذ الأرش كاملا كمن أتلف مثليا لإنسان فانقطع عن أيدي الناس ولم يبق إلا الردي فإنه يخير بين أن يأخذ الموجود ناقصا وبين أن يأخذ القيمة ثم إذا استوفى القصاص سقط حقه في الزيادة
وقال الشافعي يضمنه النقصان وتمامه في المنح فليطالع أو كان رأس الشاج أصغر أو أكبر بحيث لا تستوعب الشجة ما بين قرنيه أي ما بين ناحيتي رأسه وقد استوعبت الشجة ما بين قرني المشجوج فقوله لا
____________________
(4/325)
تستوعب إلى آخره قيد لكون رأس المشجوج أكبر فإن الشجة إنما كانت موجبة لكونها مشينة فيتعذر الاستيفاء كاملا إذا كان رأس المشجوج أكبر ورأس الشاج أصغر لما فيه من زيادة الشين فيخير إن شاء أخذ أرشها وإن شاء اقتص ويسقط حقه في الزيادة وأما الثاني وهو ما إذا كان رأس الشاج أكبر ورأس المشجوج أصغر فإن الشين يزداد بازدياد الشجة فيزيد بالاستيفاء على فعله وباستيفاء قدر حقه لا يلحق الشاج من الشين ما يلحق المشجوج فلهذا قلنا بالخيار
فصل لما كان سقوط القصاص والصلح عنه بعد تحقيق الجناية وأحكامها عقد هذا الفصل لذلك لتميز مسائله عما سبق بيانه من الجنايات بأنواعها فقال ويسقط القصاص بموت القاتل لفوات المحل وبعفو الأولياء وبصلحهم على مال وإن قل المال لأنه حقهم فيجوز تصرفهم فيه كيف شاءوا ويجب المال المصالح عليه حالا يعني إذا صالح الأولياء على مال عن القصاص وجب المال المصالح عليه قليلا كان أو كثيرا حالا وإن لم يذكروا الحلول والتأجيل لأنه مال واجب بالعقد والأصل في أمثاله الحلول كالمهر والثمن ومشروعية الصلح ثابتة بقوله تعالى فمن عفي له من أخيه شيء وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت هذه الآية في الصلح وقوله عليه الصلاة والسلام من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين بين أن يأخذوا المال وبين أن يقتلوا فالمراد أخذ المال برضى القاتل وهو معنى الصلح ولأنه حق ثابت للأولياء يجوز لهم التصرف فيه بإسقاطه مجانا وهو العفو وبعوض وهو معنى الصلح بخلاف حد القذف لأن الغالب فيه حق الله فلا يجري فيه العفو فكذا التعويض وإنما كان القليل والكثير فيه سواء لأنه ليس فيه شيء مقدر شرعا فيفوض إلى رضاهما كالخلع وبدل الكتابة والإعتاق على مال بخلاف ما إذا كان القتل خطأ فإنه لا يجوز الصلح بأكثر من الدية لأنه دين ثابت في الذمة مقدر بقوله تعالى ودية مسلمة إلى أهله فيكون أخذ أكثر منه ربا
و يسقط القصاص بصلح بعضهم أي الأولياء أو
____________________
(4/326)
عفوه أي البعض لأن كل واحد منهم يتمكن من التصرف في نصيبه استيفاء وإسقاطا بالعفو أو الصلح لأنه تصرف في خالص حقه ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين فيه لأنه لا يتجزأ بخلاف ما لو قتل رجلين فعفا أولياء أحدهما حيث يكون لأولياء الآخر قتله لأن الواجب فيه قصاصان لاختلاف القتل والمقتول فبسقوط أحدهما لا يسقط الآخر
ولمن بقي من الأولياء حصته من الدية في ثلاث سنين على القاتل هو الصحيح لأن استيفاء القصاص تعذر لمعنى في القاتل وهو ثبوت عصمته بعفو البعض فيجب المال كما في الخطأ فإن العجز عن القصاص ثمة لمعنى في القاتل وهو كونه خاطئا ولا حصة للعافي لإسقاط حقه وقيل على العاقلة والصحيح هو الأول لأن القتل عمد والعاقلة لا تتحمل العمد
ولو قتل حر وعبد شخصا فأمر الحر وسيد العبد رجلا بالصلح عن دمهما بألف فصالح فهي نصفان يعني إذا قتل حر وعبد رجلا عمدا حتى وجب عليهما الدم فأمر الحر ومولى العبد رجلا أن يصالح عن دمهما على ألف ففعل فالألف على الحر ومولى العبد نصفان لأنه مقابل بالقصاص وهو عليهما على السواء فيقسم بدله عليهما على السواء
ولأن الألف وجب بالعقد وهو مضاف إليهما فيتنصف موجبه وهو الألف
ويقتل الجمع بالفرد والقياس أن لا يقتل لعدم المساواة وترك القياس بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم روي أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا واحدا فقتلهم عمر رضي الله تعالى عنه وقال لو اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلتهم ولأن زهوق الروح لا يتجزأ واشتراك الجماعة فيما لا يتجزأ يوجب التكامل في حق كل واحد منهم فيضاف إلى كل واحد منهم كاملا كأنه ليس معه غيره كولاية الإنكاح في باب النكاح ثم اعلم أنه لا بد في المتن من قيدان يجرح كل واحد جرحا مهلكا لأن زهوق الروح يتحقق بالمساواة فيه كما في تصحيح القدوري للشيخ قاسم حتى إذا لم يجرح كل واحد جرحا مهلكا لا يقتل قال الزاهدي في المجتبى إنما يقتل جميعهم إذا وجد من كل واحد منهم جرح يصلح لزهوق الروح فأما إذا كانوا نظارة أو مغريين أو معينين بالإمساك والأخذ لا قصاص
____________________
(4/327)
عليهم انتهى ويدل عليه قول الزيلعي في تعليل وجوب قتل الجمع بالفرد لأن زهوق الروح لا يتجزأ واشتراك الجماعة فيما لا يتجزأ يوجب التكامل في حق كل واحد منهم فيضاف إلى كل واحد منهم كأنه ليس معه غيره
و يقتل الفرد بالجمع اكتفاء إن حضر أولياؤهم أي يكتفى بقتل الفرد حيث لا تجب الدية عندنا خلافا للشافعي لأنه يقتل بالأول ويجب المال للباقين إن علم أول من قتل وإن لم يعلم أول المقتولين يقتل لهم وقسمت الديات بينهم وقيل يقرع فيقتل لمن خرجت قرعته فيجب المال للباقين
وإن حضر واحد من الأولياء قتل له أي لذلك الواحد الحاضر وسقط حق أولياء البقية وهو القصاص عندنا لفوات المحل فصار كموت العبد الجاني
ولا تقطع يدان بيد وإن أمرا سكينا فقطعا معا بل يضمنان ديتها يعني لا تقطع يدا رجلين بيد رجل أمرا سكينا واحدا على يد فقطعت وضمنا دية واحدة على المناصفة عندنا لأن كل واحد قاطع بعض اليد فلا مماثلة لأن الانقطاع حصل باعتماد يديهما على السكين عند الإمرار والمحل متجز فيضاف البعض إلى كل واحد بخلاف النفس لأن زهوق الروح لا يتجزأ وعند الشافعي يقطع يداهما قياسا بالأنفس لكون الطرف تابعا لها أو زجرا لهما وقيل عند الشافعي يقطع يد أحدهما بالقرعة وعلى الآخر الدية قيل لو وضع أحدهما السكين من جانب والآخر وضع السكين الآخر من جانب وأمرا حتى التقى السكينان لا يجب القصاص اتفاقا لأن كلا منهما قاطع للبعض
فإن قطع رجل يميني رجلين سواء قطعهما معا أو على التعاقب فلهما قطع يمينه ودية يد بينهما وهو نصف دية النفس فيقسم بينهما نصفين إن حضرا معا لأن المماثلة مرعية بالقيمة في الأطراف وعند الشافعي
يقطع بالأول في التعاقب وللثاني الأرش ويقرع بينهما في القران والقصاص لمن خرجت قرعته وللآخر الأرش
وإن حضر أحدهما أي أحد المقطوعين وقطع القاطع عند حضوره فللآخر الدية أي دية واحد
____________________
(4/328)
لأن للحاضر أن يستوفي لثبوت حقه وتردد حق الغائب بين أن لا يطلب أو يعفو مجانا أو يصالح فإذا استوفى لم يبق محل الاستيفاء فيتعين حق الآخر في الدية لأنه أوفى به حقا مستحقا
وصح إقرار العبد بقتل العمد ويقتص به عندنا لأنه غير متهم فيه لأنه مضر بالعبد فيقبل قوله ولأن العبد مبقى على أصل الحرية في حق الدم عملا بالآدمية سواء كان مأذونا أو محجورا حتى لا يجوز إقرار المولى عليه بالحد والقصاص وبطلان حق المولى بطريق الضمان فلا يبالي به خلافا الفرس إذ عنده لا يجوز إقراره لأنه يؤدي إلى إبطال حق المولى فصار كالإقرار بالقتل خطأ أو بالمال
ومن رمى رجلا عمدا فنفذ إلى آخر عمدا فماتا اقتص للأول لأنه عمد وعلى عاقلته الدية للثاني لأنه أحد نوعي الخطأ كأنه رمى إلى صيد فأصاب آدميا والفعل يتعدد بتعدد الأثر
فصل ومن قطع يد رجل ثم قتله أخذ بهما مطلقا أي سواء كان عمدين أو خطأين أو مختلفين إن تخللهما برء فيجب القطع والقتل في العمدين ودية ونصف دية في الخطأين والقطع والدية إذا كان القطع عمدا والقتل خطأ والقصاص ونصف الدية في عكسه والأصل فيه
____________________
(4/329)
أن الجمع بين الجراحات واجب ما أمكن تتميما للأول لأن القتل في الأعم يقع بضربات متعاقبة وفي اعتبار كل ضربة بنفسها بعض الحرج إلا أن يمكن الجمع فيعطى كل واحد حكم نفسه لتخلل البرء بينهما وهو قاطع للسراية في العمدين والخطأين ولاختلاف حكم الفعلين وتخلل البرء بينهما أيضا في المختلفين وإلا أي وإن لم يتخلل بينهما برء فإن اختلفا عمدا وخطأ بأن كان القطع عمدا والقتل خطأ أو بالعكس أخذ بهما أيضا فيجب القطع والدية في الأول والقصاص ونصف الدية في الثاني لتعذر الجمع لاختلاف الجنايتين لكون أحدهما عمدا والآخر خطأ لا يؤخذ بهما إن كان خطأين ولم يتخلل بينهما برء بل تكفي دية واحدة
أعني دية القتل لأن دية القطع إنما تجب عند استحكام أثر الفعل وهو أن يعلم عدم السراية وفي العمدين اللذين لم يتخلل بينهما برء يؤخذ بهما فيجب القطع والقتل عند الإمام وعندهما لا يقطع بل يقتل فقط فيدخل جزاء القطع في جزاء القتل لأن الجمع بينهما ممكن لتجانس الفعلين وعدم تخلل البرء فيجمع بينهما وله أن الجمع متعذر للاختلاف بين هذين الفعلين لأن الموجب القود وهو يعتمد المساواة في الفعل وذلك بأن يكون القتل بالقتل والقطع بالقطع وهو متعذر
ولو ضربه مائة سوط فبرئ من تسعين ومات من عشرة وجبت دية واحدة فقط عند الإمام لأنه لما برئ منها لا تبقى معتبرة في حق الأرش وإن بقيت معتبرة في حق التعزير للضارب فبقي الاعتبار للعشرة وكذلك كل جراحة اندملت ولم يبق لها أثر على أصل الإمام وعن أبي يوسف في مثله حكومة عدل وعن محمد أنه تجب أجرة الطبيب وثمن الأدوية كما في الهداية
وإن جرحته أي جرحت المضروبة مائة سوط وبقي لها الأثر أي أثر الجراحة بعد البرء ولم يمت تجب حكومة عدل عند الإمام لبقاء الأثر والأرش إنما يجب باعتبار معنى الأثر في النفس وإن لم يبق لها أثر لا يجب شيء عنده
ومن قطعت يده عمدا فعفا المقطوع عن القطع فمات منه
____________________
(4/330)
أي من القطع فعلى قاطعه الدية في ماله عند الإمام لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل فلما سرى تبين أنه القتل لا القطع فتجب ضمان القتل لأن حقه فيه هذا في القياس إلا أن الدية وجبت استحسانا لأن صورة العفو مورثة للشبهة وعندهما هو أي عفو المقطوع عفو عن النفس فلا يلزم على القاطع شيء إذ العفو عن القطع عفو عن موجبه وهو أحد الأمرين هو القطع إن لم يسر أو القتل إن سرى
وإن عفا المقطوع عن القطع وما يحدث منه أي من القطع أو عفا عن الجناية عمدا فهو عفو عن النفس إجماعا لكون الجناية جنسا متناولا للسارية والمقتصرة ثم مات من ذلك لا شيء عليه والعمد من كل المال والخطأ من ثلثه أي ثلث المال يعني إن كان القطع عمدا وعفا عنه كان من كل المال لأن موجبه قود وهو ليس بمال فلم يتعلق به حق الورثة فيصح العفو عنه على الكمال وإن كان خطأ وعفا عنه فهو عفو عن الدية فيعتبر من ثلث المال لأن الدية مال وحق الورثة يتعلق بها والعفو وصية فيصح من الثلث والشج كالقطع أي العفو عن الشجة كالعفو عن القطع فإذا عفا المشجوج عن الشجة فمات منها يضمن شاجه أرشه عند الإمام لأن العفو مورث للشبهة فلا يضمن القتل وعندهما لا يجب شيء إذ العفو عن الشجة عفو عن موجبه هو الأرش إن لم يسر أو القتل إن سرى ولو عفا عن الشجة فهو عفو عن النفس
وكذا لو عفا عن الشجة وما يحدث منها فهو عفو عن النفس ولو عفا عن الشجة خطأ فهو عفو معتبر من الثلث ولو عفا عن الشجة عمدا فهو عفو مجانا
وإن قطعت امرأة يد رجل فتزوجها على موجب يده ثم مات المقطوع يده فعليه مهر مثلها وعليها الدية في مالها إن قطعت عمدا وعلى عاقلتها إن قطعت خطأ هذا عند الإمام
____________________
(4/331)
لأن العفو عن اليد أو القطع لا يكون عفوا عن ما يحدث منه عنده ثم إن كان القطع عمدا كان تزوجا على القصاص في الطرف وليس بمال على تقدير الاستيفاء فعلى تقدير السقوط أولى فلا يصلح للمهر فيجب لها عليه مهر المثل فإن قيل قد سبق أن القصاص لا يجري بين الرجل والمرأة في الطرف فكيف يصح تزوجها عليه أجيب أن الموجب الأصلي للعمد هو القصاص لإطلاق قوله تعالى والجروح قصاص وإنما سقط للتعذر ثم تجب عليها الدية لأن التزوج وإن تضمن العفو لكن القصاص في الطرف فإذا سرى تبين أنه قتل ولم يتناوله العفو فتجب الدية لعدم صحة العفو عن النفس وهو في مالها لأنه عمد والعاقلة لا تتحمله فإذا وجبت له الدية ولها المهر تقاصا إن استويا وإن فضلت الدية ترده على الورثة وإن فضل المهر ترده الورثة عليها وإن كان القطع خطأ يكون تزوجها على أرش اليد وإذا سرى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم فيجب مهر المثل كما إذا تزوجها على ما في يده ولا شيء فيها والدية واجبة بنفس القتل لأنه خطأ ولا تقع المقاصة لأن الدية على العاقلة قيل ينبغي أن تقع المقاصة على القول المختار في الدية وهو عدم وجوبها على العاقلة بل على القاتل
وإن تزوجها على اليد وما يحدث منها يعني السراية أو على الجناية ثم مات من ذلك القطع فعليه مهر المثل في العمد لأن هذا تزوج على القصاص وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا كما لو تزوجها على خمر أو خنزير ويرفع عن العاقلة مقداره أي مقدار مهر مثلها في الخطأ إن كان مهر المثل أقل من الدية والباقي من الدية وصية لهم أي للعاقلة فإن خرج الباقي من الثلث سقط وإلا أي وإن لم يخرج الباقي من الثلث فقدر ما يخرج منه لأنه تزوج على الدية وهي تصلح مهرا إلا أنه يعتبر بقدر مهر المثل من جميع المال لأنه وإن كان مريضا مرض الموت لكن التزوج من الحوائج الأصلية ولا تصح في حق الزيادة على مهر المثل لأنه محاباة فيكون وصية والدية تجب على العاقلة وقد صارت مهرا فيسقط كلها عنهم إن كان مهر مثلها مثل الدية أو أكثر
وكذا الحكم عندهما في صورة الأولى أي فيما إذا
____________________
(4/332)
تزوجها على اليد لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما فاتفق جوابهما في الفصلين أي في الخطأ والعمد
ومن قطعت يده فمات بعدما اقتص له من القاطع قتل قاطعه يعني لو أن رجلا قطع يد رجل فاقتص له بأن قطع يده ثم مات المقطوع الأول منه قبل المقطوع الثاني قتل المقطوع الثاني به وهو القاتل الأول قصاصا لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد وحق المقتص القود واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود إذا استوفى طرف من عليه القصاص وعن أبي يوسف أنه يسقط حقه في القصاص لأنه لما أقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه ونحن نقول إنما أقدم على القطع ظنا منه أي من المقطوع الأول أن حقه فيه وبعد السراية يتبين أنه في القود فلم يكن مبرئا عنه بدون العلم به
ومن قتل له ولي عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا عن القتل فعليه أي قاطع اليد دية اليد عند الإمام لأنه استوفى غير حقه لأن حقه في القتل وهذا قطع وكان القياس أن يجب القصاص إلا أنه سقط للشبهة وإذا سقط وجب المال
ومن قطعت يده فاقتص من قاطعها بنفسه بلا حكم حاكم كما في الدرر فسرى القطع إلى نفسه فعليه أي على المقتص دية النفس عند الإمام لأن حقه في القطع لا في القتل ولما سرى كان قتلا لا قطعا فصار فعله بغير حق وما يتقيد بوصف السلامة هو من الواجبات كالرمي إلى الحربي وما نحن فيه ليس منها إذ العفو مندوب لكن لم يجب القصاص لاندرائه بشبهة فانقلب إلى الدية خلافا لهما فيهما أي في هذه المسألة والمسألة التي قبلها أما في الأولى فلأن إقدامه على القطع دليل على أنه أبرأه عن غيره وأما في هذه المسألة فلأنه استوفى حقه وهو القطع فسقط حكم السراية إذ الاحتراز عن السراية خارج عن وسعه فلا يتقيد بشرط السلامة لما فيه من سد باب القصاص كالإمام والقاضي إذا قطع يد السارق فسرى إلى النفس ومات
____________________
(4/333)
وكالبزاغ والفصاد والحجام والختان وكما لو قال اقطع يدي ومات
وفي المنح وضمان الصبي إذا مات من ضرب أبيه أو وصيه تأديبا عليهما أي على الأب والوصي عند الإمام كضرب معلم صبيا أو عبدا بغير إذن أبيه ومولاه وإن كان الضرب بإذنهما لا ضمان وكذا يضمن زوج امرأة ضربها تأديبا
باب الشهادة في القتل واعتبار حاله لما كانت الشهادة في القتل أمرا متعلقا بالقتل أوردها بعد ذكر حكم القتل لأن ما يتعلق بالشيء كان أدنى درجة من نفس ذلك الشيء القود يثبت للوارث بطريق الخلافة ابتداء لا بطريق الإرث عند الإمام لأنه يثبت بعد الموت والميت ليس أهلا لأن يملك شيئا إلا ما له إليه حاجة كالمال مثلا ولهذا يجهز وتقضى ديونه وتنفذ وصاياه من ماله وطريق ثبوته الخلافة وعندهما بطريق الإرث والفرق بينهما أن الوراثة تستدعي سبق ملك المورث ثم الانتقال منه إلى الوارث والخلافة لا تستدعي ذلك فالمراد بالخلافة ههنا ما ذكره صدر الشريعة أن يقوم شخص مقام غيره في إقامة فعله ففي القتل اعتدى القاتل على المقتول بمثل ما اعتدى عليه لكنه عاجز عن إقامته فالورثة قاموا مقامه من غير أن يكون المقتول ملكه ثم انتقل منه إلى الورثة فلا يكون أحدهم أي أحد الورثة خصما عن البقية فيه أي في إثبات فعل القصاص بغير وكالة منهم فإذا أقيم القصاص أقيم بجميعهم بخلاف المال لأن الميت أهل لأن يملك المال ولذا لو نصب شبكة وتعلق به صيد بعد موته يملكه وعندهما يثبت بطريق الوراثة فلو أقام أحد ابنين حجة بقتل أبيهما عمدا والآخر غائب لزم إعادتها أي إعادة الحجة بعد
____________________
(4/334)
عود الغائب ليتمكن من الاستيفاء عند الإمام وحاصله أنه ليس للحاضر أن يستوفي القصاص قبل عود الغائب بل إذا أقام الحاضر البينة يحبس القاتل لأنه صار متهما بالقتل والمتهم يحبس فإن عاد الغائب فليس لهما أن يقتلاه بتلك البينة بل لا بد لهما من إعادة البينة خلافا لهما أي قالا لا يلزم إعادتها بعد عود الغائب بل يحبس أيضا إذا أقام الحاضر البينة فإذا عاد الغائب فلهما أن يقتلاه بتلك البينة وفي قتل الخطأ والدين لا تلزم إعادة البينة إذا جاء الغائب بعد إقامة الحاضر لأن هذا لا يوجب القود بل يوجب الدية فطريق ثبوته الوراثة إجماعا وحاصل الكلام أن أحد الورثة ينتصب خصما عن الباقين فيما يدعي مالا للميت أو عليه كما إذا ادعى أحد الورثة شيئا من تركة الميت على أحد وأقام عليه بينة يثبت حق الجميع بلا حاجة إلى الدعوى والإثبات من الباقين وكذا إذا ادعى أحد على أحدهم شيئا من التركة وأقام عليه بينة تثبت على جميعهم بلا حاجة إلى الدعوى والإثبات على الباقين
ولو برهن القاتل على عفو الوارث الغائب فالحاضر خصم عن الغائب ويسقط القود أي لو أقام القاتل البينة على الوارث الحاضر أن الوارث الغائب قد عفا ينتصب الحاضر خصما عن الغائب فتقبل بينة العفو عليه لأنه يدعي على الحاضر سقوط حقه في القصاص وانتقاله إلى المال فإذا قضى عليه يصير الغائب مقضيا عليه تبعا ويسقط القود عن القاتل لعدم التجزؤ وينقلب إلى الدية
وكذا لو قتل عبد لرجلين وأحدهما غائب فأقام القاتل بينة على الحاضر أن شريكه الغائب قد عفا عنه ينتصب الحاضر خصما ويسقط القود لما بين آنفا
ولو شهد وليا قصاص بعفو أخيهما لغت تلك الشهادة يعني إذا كان أولياء المقتول ثلاثة فشهد اثنان منهما على الثالث أنه عفا فشهادتهما باطلة لأنهما
____________________
(4/335)
يجران إلى أنفسهما نفعا وهو انقلاب القود مالا وهو عفو منهما لأنهما زعما أن القصاص قد سقط وزعمهما معتبر في حق أنفسهما وهذه المسألة على وجوه أربعة ذكر الأول بقوله فإن صدقهما أي الوليين القاتل فقط وكذبهما المشهود عليه فالدية بينهم أثلاثا لأنه بتصديقه إياهما أقر لهما بثلثي الدية فلزم وادعى بطلان حق الشريك فلم يصدق فتحول مالا وغرم القاتل الدية أثلاثا وذكر الثاني بقوله
وإن كذبهما القاتل بعد أن كذبهما الولي المشهود عليه بالعفو فلا شيء لهما أي للوليين الشاهدين ولأخيهما ثلث الدية لأنهما بشهادتهما عليه بالعفو أقرا بطلان حقهما في القصاص فصح إقرارهما في حق أنفسهما وادعيا انقلابه مالا فلا تصدق دعواهما إلا ببينة وللولي المشهود عليه ثلث الدية لأن دعواهما عليه العفو وهو ينكر فينقلب نصيبه مالا لأن سقوط القصاص مضاف إليهما وذكر الثالث بقوله
وإن صدقهما أخوهما فقط دون القاتل غرم القاتل له أي للأخ ثلث الدية يعني يغرم القاتل ثلث الدية وهو نصيب الشريك ثم يأخذانه أي يأخذ المخبران الثلث منه أي من الشريك المصدق لأن زعم الشريك أنه عفا بتصديق المخبرين فلا شيء له على القاتل ولهما على القاتل ثلث الدية وما في يد الشريك وهو ثلث الدية مال القاتل وهو من جنس حقهما فيصرف إليهما لإقراره لهما بذلك كمن قال لفلان علي ألف درهم فقال المقر له ليس ذلك لي وإنما هو لفلان فإن ذلك يصرف إليه فكذا هذا وهذا كله استحسان والقياس أن لا يلزم القاتل شيء لأن ما ادعاه الشاهدان على القاتل لم يثبت لإنكاره وما أقر به القاتل للمشهود عليه قد بطل بإقراره بالعفو لكونه تكذيبا له وجوابه أن القاتل بتكذيبه للشاهدين قد أقر للمشهود عليه بثلث الدية لزعمه أن القصاص قد سقط بشهادتهما كما إذا عفا والمقر له ما كذب القاتل حقيقة بل أضاف الوجوب إلى غيره فجعل الواجب للشاهدين وفي مثله لا يرتد الإقرار كمن قال لفلان علي كذا فقال المقر له ليس لي ولكنه لفلان على ما بيناه كما في التبيين
وإن اختلف شاهدا القتل في زمانه أي زمان
____________________
(4/336)
القتل أو مكانه أو في آلته بأن قال أحدهما قتله بعصا وقال الآخر قتله بالسيف أو قال أحدهما ضربه بعصا وقال الآخر لا أدري بماذا قتله بطلت شهادتهما لأن القتل لا يتكرر فالقتل في زمان أو مكان غير القتل في زمان آخر ومكان آخر وكذا القتل بآلة غير القتل بآلة أخرى وتختلف الأحكام باختلاف الآلة فكان على كل قتل شهادة فرد فلم تقبل ولأن اتفاق الشاهدين شرط للقبول ولم يوجد ولأن القاضي تيقن كذب أحدهما لاستحالة اجتماع ما ذكر وإذا بين أحدهما الآلة وقال الآخر لا أدري بماذا قتله فلا تقبل شهادتهما أيضا لأن المطلق يغاير المقيد لأن المطلق يوجب الدية في ماله والمقيد يوجب الدية على العاقلة فاختلف حكمهما كالصورة الأولى فلا تقبل وأما إذا شهد أحدهما بالقتل معاينة والآخر على إقرار القاتل كان باطلا لاختلاف المشهود به فإن أحدهما فعل والآخر قول وقد تقرر في كتاب الشهادة أنه لا يجمع بين قول وفعل وكذا تبطل الشهادة لو كمل النصاب في كل واحد منهما بأن شهد شاهدان أنه قتله يوم الجمعة وآخران أنه قتله يوم السبت أو شهدا كذلك في المكان لتيقن القاضي بكذب أحد الفريقين وعدم الأولوية بالقبول ولو كمل أحد الفريقين دون الآخر قبل الكامل منهما لعدم المعارض كما في المنح
وإن شهدا بالقتل وجهلا الآلة بأن قالا لا ندري بأي شيء قتله لزم الدية استحسانا والقياس أن لا تقبل هذه الشهادة لأن الفعل يختلف باختلاف الآلة فجهل المشهود به وجه الاستحسان أنهم شهدوا بقتل مطلق والمطلق ليس بمجمل فيجب أقل موجبه وهو الدية ولأنه يحمل إجمالهم في الشهادة على إجمالهم بالمشهود عليه سترا عليه ومثل ذلك سائغ شرعا لأن الشرع أجاز الكذب في إصلاح ذات البين على ما ورد به الحديث ليس بكذاب من أصلح بين اثنين وقال خيرا فهذا مثله أو أحق منه فيحمل عليه وإنما وجبت الدية في ماله دون العاقلة لأن المطلق يحمل على الكامل فلا يثبت الخطأ بالشك
ولو أقر كل واحد من رجلين بقتل زيد وقال وليه قتلتماه جميعا فله أي للولي قتلهما جميعا لأن تكذيب الولي في بعض ما أقر به وهو الانفراد بالقتل لا يبطل الإقرار وإن كان فيه التفسيق لأن فسق المقر لا يمنع صحة الإقرار
____________________
(4/337)
وكذا لو قال الولي لأحدهما أنت قتلته له أن يقتله دون الآخر ولو قال الولي في صورة الإقرار صدقتما ليس له أن يقتل واحدا منهما لأن كل واحد منهما يدعي الانفراد بالقتل فتصديقه يوجب ذلك فصار كأنه قال لكل واحد منهما قتلته وحدك ولم يشارك فيه أحد كما تقول فيكون مقرا بأن الآخر لم يقتله بخلاف الأول وهو ما إذا قال قتلتماه لأنه دعوى القتل من غير تصديق فيقتلهما بإقرارهما ولو أقر رجل بأنه قتله فقامت البينة على آخر أنه قتله كلاهما كان للولي قتل المقر دون المشهود عليه ولو قال الولي لأحد المقرين صدقت أنت قتلته وحدك كان له قتله كما إذا قال ذلك لأحد المشهود عليها شهدا على رجل بقتله خطأ وحكم بالدية وجاء المشهود بقتله حيا ضمنت العاقلة الولي أو الشهود ورجع الشهود على الولي والعمد كالخطأ إلا في الرجوع ولو شهدا على إقراره أو شهدا على شهادة غيرهما في الخطأ لم يضمنا وضمن الولي الدية للعاقلة كما في التنوير
ولو شهدا بقتل زيد عمر أو شهد آخران بقتل بكر إياه وادعى وليه قتلهما لغتا أي الشهادتان لأن تكذيب الولي الشاهد في بعض ما شهد به وهو الانفراد في القتل يبطل الشهادة أصلا لأن التكذيب تفسيق وفسق الشاهد يمنع القبول
والعبرة بحالة الرمي لأن الرمي فعل الرامي ولا فعل له بعده يوجب اعتبار حاله في حق المحل والضمان عند ذلك لا الوصول أي ليس المعتبر حالة الوصول في تبدل حال المرمي عند الإمام فلو رمى مسلما عمدا فارتد فوصل السهم إليه فمات تجب الدية عنده لأن التضمين لورثة المرتد لكونه معصوما وقت الرمي لا القصاص لاندرائه بالشبهة فتجب الدية خلافا لهما أي لا شيء على الرامي لأن التلف حصل في محل غير معصوم فيكون هدرا ولأن المرمي إليه كان مبرئا بالارتداد عن موجبه كما إذا أبرأ بعد الجرح قبل الموت
ولو رمى مرتدا فأسلم قبل الوصول لا يجب شيء اتفاقا وكذا إذا رمى حربيا ثم أسلم لأن الرمي ما انعقد
____________________
(4/338)
موجبا للضمان لعدم تقوم المحل فلا ينقلب موجبا بصيرورته متقوما بعد ذلك
وإن رمى عبدا فأعتق فوصل السهم إليه بعد ما أعتق فعليه أي على الرامي قيمته عبدا عند الشيخين لأنه يصير قاتلا من وقت الرمي وقد صار هو مملوكا في تلك الحالة فتجب قيمته وعند محمد عليه فضل ما بين قيمته مرميا وغير مرمي لأن توجه السهم عليه أوجب إشرافه على الهلاك حتى لو كانت قيمته قبل الرمي ألفا وبعده ثمانمائة يلزم الرامي مائتان وقال زفر تجب عليه الدية لأن الرمي يصير علة عند الإصابة إذ علة الإتلاف لا تصير من غير تلف يتصل به وقد تلف به الحي
وإن رمى محرم صيدا فحل من إحرامه قبل الإصابة فوصل السهم إلى الصيد فقتله وجب الجزاء إذ الاعتبار بحالة الرمي وإن رماه حلال فأحرم بعد الرمي فوصل السهم إلى الصيد فقتله فلا يجب الجزاء لأن رميه وقع حال كونه حلالا وإن وصل إليه السهم بعد إحرامه
وإن رمى من قضي عليه برجم أي إذا قضى القاضي برجم رجل فرماه رجل فرجع شهوده بعد الرمي فوصل بعد رجوع الشهود لا يضمن الرامي لما أن المعتبر حالة الرمي وهو مباح الدم فيها
ولو رمى مسلم صيدا فتمجس أي صار مجوسيا فوصل حل الصيد وفي العكس يعني لو رمى مجوسي صيدا فأسلم فوصل يحرم لأن المعتبر حالة الرمي وهو الأصل في مسائل هذا الباب وذلك بالاتفاق وإنما عدل أبو يوسف ومحمد عن ذلك فيما إذا رمى إلى مسلم فارتد والعياذ بالله تعالى قبل الإصابة باعتبار أنه صار مبرئا له بالردة على ما بينا في أول هذا الفصل كما في المنح
____________________
(4/339)
كتاب الديات
وجه المناسبة في ذكر الديات بعد الجنايات كون الدية إحدى موجبي الجناية المشروعين للصيانة ولما كان القصاص أشد صيانة قدم موجبه والديات جمع دية وهو مصدر ودى القاتل المقتول إذا أعطى وليه المال الذي هو بدل النفس قال المولى المعروف بأخي جلبي ثم قيل لذلك المال دية تسمية بالمصدر وواوها محذوفة كذا في المغرب الدية المغلظة من الإبل مائة أرباعا يعني أن الدية المغلظة في شبه العمد تكون أربعة أنواع بينها بقوله بنات مخاض وبنات لبون وحقاق وجذاع قد سبق تفسير الكل في كتاب الزكاة من كل أي من كل واحدة منها خمس وعشرون فيكون جملتها مائة هذا عند الشيخين وعند محمد وهو قول الشافعي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ثنية قد سبق تفسيرها في كتاب الزكاة أيضا كلها أي كل الثنيات خلفات بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام والفاء جمع خلفة وهي الحامل من النوق
____________________
(4/340)
فيكون قوله في بطونها أولادها صفة كاشفة
وفي غاية البيان أن تغليظ الدية مروي عن ابن مسعود وزيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنهم لكن اختلفوا في كيفية التغليظ فعند الشيخين ما ذكر أولا وعند محمد والشافعي ما ذكر ثانيا لقوله عليه الصلاة والسلام إلا أن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه دية مغلظة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها ولأن دية شبه العمد أغلظ من دية الخطأ المحض ودليل الشيخين قوله عليه السلام في نفس المؤمن مائة من الإبل وجه الاستدلال به أن الثابت عنه صلى الله تعالى عليه وسلم هو هذا وما رواه محمد والشافعي غير ثابت لاختلاف الصحابة رضي الله تعالى عنهم في صفة التغليظ فإن عمر رضي الله تعالى عنه وزيد بن ثابت والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهم قالوا مثل ما قالا وقال علي رضي الله تعالى عنه تجب أثلاثا ثلاثة وثلاثون حقة وثلاثة وثلاثون جذعة وأربعة وثلاثون خلفة وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مثل ما قلنا ولا مدخل للرأي في المقادير فكان كالمرفوع وصار معارضا بما روياه وإذا تعارضا كان الأخذ بالأدنى وهو المتيقن أولى
وفي النهاية وذكر في المبسوط أن الشيخين احتجا بحديث السائب بن يزيد أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قضى في الدية بمائة من الإبل أرباعا ومعلوم أنه لم يرد به الخطأ لأنها في الخطأ تجب أخماسا فعلم أن المراد به شبه العمد على أنه قال عليه الصلاة والسلام في النفس المؤمنة مائة من الإبل والمراد أدنى ما يكون منه فكان ما قلناه أولى ولأن الدية إنما تجب عوضا والحامل لا يجوز أن تستحق بشيء من المعاوضات لوجهين أحدهما أن صفة الحمل لا يمكن الوقوف على حقيقتها والثاني أن الجنين من وجه كالمنفصل فيكون هذا في معنى إيجاب الزائد على المائة عددا وبالاتفاق ليس التغليظ من حيث العدد بل من حيث السن ثم إن الديات تعتبر بالصدقات والشرع نهى عن أخذ الحوامل في الصدقات لأنها كرائم أموال الناس فكذلك في الديات ولا تغليظ في غير الإبل يعني لا يزاد في الدراهم والدنانير على عشرة آلاف درهم أو ألف دينار وهي أي الدية المغلظة في شبه العمد لما روي من الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام إلا أن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه دية مغلظة
و الدية المخففة مبتدأ خبره قوله ألف دينار وهي أي الدية المخففة
____________________
(4/341)
في الخطأ وما بعده مما أجري مجرى الخطأ والقتل بتسبب من الذهب ألف دينار قيمة كل دينار عشرة دراهم فقوله من الذهب حال من ألف قدمت على صاحبها ومن الورق بفتح الواو وكسر الراء الفضة عشرة آلاف درهم وقال مالك والشافعي اثنا عشر ألف درهم لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رجلا قتل فجعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ديته اثني عشر ألف درهم رواه أبو داود والترمذي ولنا ما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قضى بالدية في قتيل بعشرة آلاف درهم وما قلناه أولى للتيقن به لأنه أقل ويحمل ما رواه على وزن خمسة وما رويناه على وزن ستة وهكذا كانت الدراهم من زمان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى زمان عمر رضي الله تعالى عنه على ما حكاه الخبازي فإنه قال كانت الدراهم على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاثة الواحد منها وزن عشرة أي العشرة منها وزن عشرة دنانير فيكون الواحدة قدر دينار والثاني وزن ستة أي العشرة منها وزن ستة دنانير والثالث وزن خمسة أي العشرة منها وزن خمسة دنانير فجمع عمر رضي الله تعالى عنه بين الثلاثة فخلطه فجعله ثلث درهم فصار ثلث المجموع وتمامه في التبيين فليراجع ومن الإبل مائة قيمة كل إبل مائة درهم حال كونها أخماسا من ابن مخاض ذكر وبنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة من كل واحد منها عشرون لما روى ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض رواه أبو داود والترمذي وأحمد والشافعي أخذا بمذهبنا غير أنه قال يجب عشرون ابن لبون مكان ابن مخاض والحديث حجة عليه ولا دية من غير هذه الأموال أي من النقدين والإبل عند الإمام لأن مالية الغير مجهولة فلا يجوز التقدير وأما التقدير فمعروف بالآثار المشهورة وقالا منها أي من هذه الأنواع ومن البقر أيضا مائتا بقرة قيمة كل بقرة خمسون ومن الغنم ألفا شاة كل شاة خمس ومن الحلل مائتا
____________________
(4/342)
حلة كل حلة ثوبان أي إزار ورداء قيمة كل حلة خمسون لأن عمر رضي الله تعالى عنه هكذا جعل على أهل كل مال منها
وكفارة شبه العمد والخطأ وما أجري مجرى الخطأ عتق أي إعتاق رقبة مؤمنة فإن عجز عن الإعتاق فصيام شهرين متتابعين لقوله تعالى وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وشبه العمد خطأ في حق القتل وإن كان عمدا في حق الضرب فتتناولهما الآية ولا إطعام فيها أي في هذه الكفارة لعدم ورود النص به والمقادير لا تجب إلا سماعا وصح إعتاق رضيع أحد أبويه مسلم للكفارة لأنه يكون مؤمنا بالتبعية لقوله عليه الصلاة والسلام والولد يتبع خير الأبوين دينا ولا يقال كيف اكتفى هنا بالظاهر في سلامة أطرافه حتى أجاز التكفير به ولم يكتف بذلك في حق وجوب الضمان بإتلاف أطرافه لأنا نقول الحاجة في التكفير إلى دفع الواجب والظاهر يصلح حجة للدفع والحاجة في الإتلاف إلى إلزام الضمان وهو لا يصلح حجة فيه ولأنه يظهر حال الأطراف فيما بعد التكفير إذا عاش ولا كذلك في الإتلاف فافترقا لا إعتاق الجنين لأنه لم تعرف حياته ولا سلامته بعد
و الدية للمرأة في النفس وما دونها نصف ما للرجل روي ذلك عن علي رضي الله
____________________
(4/343)
تعالى عنه موقوفا ومرفوعا
وقال الشافعي لا ينتصف الثلث وما دونه يعني إذا كان الأرش بقدر ثلث الدية أو دون ذلك فالمرأة والرجل فيه سواء وإن زاد على الثلث فحالها فيه على النصف من حال الرجل و يجب للذمي مثل ما للمسلم في النفس والأطراف عندنا لقوله عليه الصلاة والسلام دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار ولتساويهما في الحياة والعصمة وكذا حكم المستأمن لما روي أنه عليه الصلاة والسلام جعل ديته كالذمي وعند الشافعي دية الكتابي دية ثلث المسلم وهي أربع آلاف درهم إذ دية المسلم عنده اثنا عشر ألف درهم كما ذكر ودية المجوسي خمس ثلث دية المسلم وهو ثمانمائة درهم وعند مالك دية الكتابي نصف دية المسلم وهو ستة آلاف درهم إذ دية المسلم عنده أيضا اثنا عشر ألف درهم
فصل في النفس الدية إنما ذكر دية النفس في أول هذا الفصل مع أنه معقود لبيان أحكام الدية فيما هو تبع لها وهو الأطراف تمهيدا لذكر ما بعده وتبركا بلفظ الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام في النفس الدية وفي اللسان الدية وفي المارن الدية فلهذا قال
وكذا في المارن وهو مارن الأنف الدية
و كذا في اللسان الدية إن منع النطق لفوات منفعة مقصودة وهو النطق وكذا في قطع بعضه إذا امتنع من الكلام ولو قدر على التكلم ببعض الحروف دون البعض
____________________
(4/344)
تقسم الدية على عدد الحروف وقيل على عدد حروف تتعلق باللسان وهي ستة عشر حرفا التاء والثاء والجيم والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون والياء فما أصاب الفائت يلزمه وقيل إن قدر على أداء أكثر الحروف تجب حكومة عدل لحصول الإفهام مع الإخلال وإن عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا يحصل منه الإفهام واختاره المصنف ولهذا قال أو منع أداء أكثر الحروف لتفويت منفعة الإفهام
وفي الصلب الدية إن منع الجماع وقطع الماء وفي الإفضاء الدية إذا منع استمساك البول لأنه من جنس المنافع وفي الذكر الدية لأن فيه تفويت المنفعة وهي الوطء والإيلاد واستمساك البول والرمي به ودفق الماء والإيلاج الذي هو طريق الإعلاق عادة
وفي البزازية وإن قطع الذكر من أصله إن خطأ فدية وإن عمدا اختلف أصحابنا
وفي المنتقى لا قصاص فيه قالوا وهو قول محمد وعن الثاني أن في الحشفة القصاص وإذا قطع بعضها فلا قصاص وفي حشفته أي حشفة الذكر الدية لأنها أصل في منفعة الإيلاج والدفق والقصبة كالتابع لها
وفي العقل الدية إذا ذهب بالضرب لفوات منفعة الإدراك لأن الإنسان بالعقل يمتاز عن غيره من الحيوان وبه ينتفع في معاشه ومعاده
وفي السمع وفي البصر وفي الشم وفي الذوق يعني في كل منها الدية كاملة لأن لكل واحد منها منفعة مقصودة وقد روي أن عمر رضي الله تعالى عنه قضى لرجل على رجل بأربع ديات بضربة واحدة وقعت على رأسه فذهب عقله وسمعه وبصره وكلامه
وقال أبو يوسف إذا لم يعرف الذهاب والقول قول الجاني لأنه منكر فلا يلزمه شيء إلا إذا صدقه أو نكل عن اليمين وقيل ذهاب البصر يعرفه الأطباء فيكون قول رجلين منهم عدلين حجة فيه وقيل يستقبل به الشمس مفتوح العين فإذا دمعت عينه علم أنها باقية وإلا فلا وقيل يلقى بين يديه حية فإن هرب منها علم أنها لم تذهب وإن لم يهرب فهي ذاهبة وطريق معرفة ذهاب السمع أن يغافل ثم ينادى فإن أجاب علم أنه لم يذهب وإن لم يجب
____________________
(4/345)
فهو ذاهب وروي عن إسماعيل بن حماد أن امرأة ادعت أنها لا تسمع وتطارشت في مجلس حكمه فاشتغل بالقضاء عن النظر إليها ثم قال لها فجأة غطي عورتك فاضطربت وتسارعت إلى جميع ثيابها فظهر كذبها
وفي اللحية إن لم تنبت الدية
و كذلك في شعر الرأس الدية إن لم ينبت لأنه أزال جمالا على الكمال
وقال مالك والشافعي لا تجب فيه الدية وتجب حكومة عدل لأن ذلك زيادة في الآدمي ولهذا ينمو بعد كمال الخلق ولهذا يحلق الرأس واللحية في بعض البلاد فلا تتعلق بهما الدية كشعر الصدر والساق إذ لا تتعلق به منفعة ولنا قول علي رضي الله تعالى عنه في الرأس إذا حلق ولم ينبت الدية كاملة والموقوف في مثل هذا كالمرفوع لأنه من المقادير فلا يهتدى إليه بالرأي وأما لحية العبد وقد روى الحسن عن الإمام أنه يجب فيه كمال القيمة فلا يلزمنا والجواب أن المقصود من العبد الاستخدام دون الجمال وهو لا يفوت بالحلق بخلاف الحر لأن المقصود منه في حقه الجمال فيجب بفواته كمال الدية وفي الشارب حكومة عدل وإنما وجب فيه حكومة عدل لأنه تابع للحية وفي هذا التعليل إشارة إلى أن الواجب في بعض اللحية حكومة عدل إذا كان دون النصف أما إذا كان النصف فالواجب به نصف الدية كما في البزازية وذكر الفضلي نتف لحيته ينظر إلى الذاهب وإلى الباقي فيجب بحسابه وإذا نبت بعض اللحية فحكومة عدل انتهى
وكذا الحاجبان يجب فيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية خلافا للشافعي ومالك فإنه يجب عندهما حكومة عدل
و كذا الأهداب لأنه يفوت بها الجمال على الكمال وجنس المنفعة وهو دفع القذى عن العينين
وفي العينين الدية لأن جنس المنفعة يفوت بفواتهما وفي الأذنين وفي الشفتين وفي ثديي المرأة إنما قيد بثديي المرأة لأن فيه تفويت منفعة الإرضاع بخلاف ثديي الرجل لأنه ليس تفويت منفعة ولا الجمال على الكمال فتجب فيه حكومة عدل وفي حلمتي المرأة كمال الدية وفي إحداهما نصف الدية
وفي اليدين وفي الرجلين وفي أشفار العينين جمع شفر وهو منبت الأهداب من طرف الجفن أخذ من شفير الوادي وإنما وجبت الدية فيما ذكر لفوات الجمال
____________________
(4/346)
والمنفعة
وفي كل واحد مما هو اثنان في البدن كالأذن والشفة واليد والرجل مثلا نصف الدية لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كتب لعمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه وفي العينين كل الدية وفي أحدهما نصف الدية ولأن في تفويت الاثنين تفويت جنس المنفعة وكمال الجمال فيجب كل الدية وفي تفويت إحداهما تفويت النصف فيجب نصف الدية
و في كل واحد مما هو أربعة من البدن ربعها أي ربع الدية كالأشفار وفي كل إصبع من يد أو رجل عشرها لقوله عليه الصلاة والسلام في كل إصبع عشر من الإبل وفي كل مفصل منها أي من الأصابع مما فيه مفصلان كالإبهام نصف عشرها أي نصف عشر الدية ومما فيه ثلاثة مفاصل كباقي الأصابع في كل مفصل ثلثه أي ثلث عشر الدية تنقسم عشر الدية على المفاصل كانقسام دية اليد على الأصابع
وفي كل سن نصف عشرها وهو خمس من الإبل لقوله عليه الصلاة والسلام وفي كل سن خمس من الإبل ومن الدراهم خمسمائة درهم
وكل عضو ذهب نفعه ففيه أي في ذلك العضو ديته وإن كان قائما كيد شلت وعين ذهب ضوءها بالضرب لأن وجوب الدية
____________________
(4/347)
يتعلق بتفويت جنس المنفعة ولا عبرة للصورة بلا منفعة لكونها تابعة فلا يكون لها حصة من الأرش إلا إذا تجردت عن المنفعة قبل الإتلاف كإتلاف اليد التي خلت عن البطش ففيها حكومة عدل إن لم يكن فيه جمال كاليد الشلاء وأرشه كاملا إن كان فيه جمال كالأذن الشاخصة كذا في التبيين
فصل لا قود في الشجاج فصل أحكام الشجاج بفصل على حدة لتكاثر مسائل الشجاج اسما وحكما وإنما لم يجب القود فيه لأنه لا يمكن اعتبار المساواة فيه لأن ما دون الموضحة ليس له حد ينتهي إليه السكين وما فوقها كسر العظم ولا قصاص فيه لقوله عليه الصلاة والسلام لا قصاص في العظم هذه رواية الحسن عن الإمام وفي ظاهر الرواية يجب القصاص فيما دون الموضحة إلا في الموضحة إن كانت عمدا بالاتفاق لما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قضى بالقصاص في الموضحة ولأنه يمكن أن ينتهي السكين إلى العظم ولأنه يمكن أن يستر غورها بالمسبار ثم يتخذ حديدة بقدر ذلك فيقطع بها مقدار ما قطع فيتساويان فيتحقق القصاص وفيها أي في الموضحة خطأ نصف عشر الدية لما روي في كتاب عمرو بن حزم أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال في الموضحة خمس من الإبل وهي أي الموضحة الشجة التي توضح العظم أي تبينه
وفي الهاشمة خبر مقدم للمبتدأ الآتي وهو قوله عشرها وهي أي الهاشمة الشجة التي تهشم العظم أي تكسرها عشرها أي عشر الدية لقوله عليه الصلاة والسلام وفي الهاشمة عشر من
____________________
(4/348)
الإبل
وفي المنقلة وهي التي تنقل العظم أي تحوله بعد الكسر عشرها أي عشر الدية ونصفه أي نصف عشرها فيكون خمسة عشر من الإبل لقوله عليه الصلاة والسلام وفي المنقلة خمسة عشر من الإبل
وفي الآمة وهي الشجة التي تصل إلى أم الدماغ وهي الجلدة الرقيقة التي تجمع الدماغ ثلثها أي ثلث الدية لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال وفي الآمة ويروى وفي المأمومة ثلث الدية
وكذا في الجائفة أي يجب ثلث الدية في الجائفة أيضا وهي الجراحة التي تصل إلى الجوف فإن نفذت الجائفة إلى الجانب الآخر فهما جائفتان ويجب ثلثاها أي ثلثا الدية لما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية ولأنها إذا نفذت صارت جائفتين فيجب في كل واحدة منهما الثلث
وفي كل من الحارصة بالحاء والراء والصاد المهملات وهي التي تشق الجلد ولا تخرج الدم والدامعة بالعين المهملة وهي التي تخرج منه أي من المجروح ما يشبه الدمع يعني تظهر الدمع ولا تسيل بل يجمع في موضع الجراحة كالدمع في العين والدامية وهي التي تسيل الدم
وفي القهستاني نقلا عن الذخيرة الدامعة على ما ذكره الطحاوي شجة تسيل الدم وعلى ما ذكره شيخ الإسلام ما يسيله أكثر مما يكون في الدامية فالدامية على ما ذكره ما يدمي الجلد سواء كان سائلا أو غير سائل وعلى ما ذكره الطحاوي ما يدميه ولا يسيله
وفي الظهيرية هي ما يدميه من غير أن يسيله وهو الصحيح والدامعة ما يسيله كدمع العين والباضعة بالضاد المعجمة والعين المهملة وهي التي تبضع الجلد أي تقطعه
____________________
(4/349)
مأخوذ من البضع وهو القطع والمتلاحمة وهي التي تأخذ في اللحم وتقطعه بعد قطع الجلد من تلاحم أي التأم وتلاصق سميت بذلك تفاؤلا كما سمي اللديغ سليما والسمحاق بكسر السين المهملة وسكون الميم والحاء المهملة وهي جلدة رقيقة فوق العظم تحت اللحم تصل إليها أي إلى تلك الجلدة الرقيقة الشجة حكومة عدل لا بإجماع مبتدأ مؤخر خبره ما تقدم من قوله وفي كل من الحارصة إلى آخر ما ذكره وسيأتي تفسير حكومة عدل وإنما وجبت لأنه ليس في كل منها أرش مقدر شرعا ولا يمكن الإهدار فوجب الاعتبار بحكم العدل وهو مأثور عن إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وعن محمد فيها أي فيما ذكر من أنواع الشجاج القصاص إذا كان عمدا كالموضحة وقد تقدم أنها ظاهر الرواية في أول المفصل والشجاج يختص بالوجه والرأس والجائفة بالجوف والجنب والظهر وما كان في غيرهما يسمى جراحة لأن الوارد فيما يختص بالوجه والرأس والجوف والجنب والظهر ولأنه إنما ورد الحكم لمعنى الشين وهو في الرأس والوجه ولهذا قال وما سوى ذلك أي ما في الوجه والرأس والجوف والجنب والظهر جراحات
وفي الهداية وأما اللحيان فقد قيل ليسا من الوجه وهو قول مالك حتى لو وجد فيما فيه أرش مقدر لا يجب المقدر وهذا لأن الوجه مشتق من المواجهة ولا مواجهة للناظر فيهما إلا أن عندنا هما من الوجه لاتصالهما به من غير فاصلة وقد يتحقق معنى المواجهة أيضا وفيها أي في الجراحات حكومة عدل وهي أي حكومة العدل على ما قاله الطحاوي أن يقوم المجروح عبدا بلا هذا الأثر ومعه أي مع هذا الأثر ثم ينظر إلى تفاوت ما بين القيمتين فما نقص من قيمته وجب بنسبته من ديته مثلا يفرض أن هذا الحر عبد
____________________
(4/350)
وقيمته بلا هذا الأثر ألف درهم ومع ذلك الأثر تسعمائة فالتفاوت بينهما مائة درهم وهو عشر الألف فيؤخذ هذا التفاوت من الدية وهي عشرة آلاف درهم فعشرة ألف درهم فهو حكومة عدل و به يفتى أي بما ذكر من هذا التفسير بحكومة العدل وقيد يفتي احترازا ما ذكره الكرخي وهو أن ينظر مقدار هذه الشجة من الموضحة فيجب بقدر ذلك من نصف عشر الدية لأن ما لا نص فيه يرد إلى المنصوص عليه قيل قول الكرخي أصح مما قاله الطحاوي لأن عليا رضي الله تعالى عنه اعتبر بهذا الطريق فيمن قطع طرف سنه
وفي قطع أصابع اليد الواحدة وحدها أو مع الكف نصف الدية لأن الأرش لا يزيد بسبب الكف لأنها تابعة بل الواجب في كل إصبع عشر من الإبل فيكون في الخمس خمسون وهو نصف الدية
و في قطع الأصابع مع نصف الساعد نصف الدية وحكومة عدل وهو رواية عن أبي يوسف وعنه أن ما زاد على أصابع اليد والرجل فهو تبع إلى المنكب وإلى الفخذ لأن الشرع أوجب في اليد الواحدة نصف الدية واليد اسم لهذه الجارحة إلى المنكب فلا يزاد على تقدير الشرع ولهما أن اليد آلة باطشة والبطش يتعلق بالكف والأصابع دون الذراع فلم يجعل الذراع تبعا في حق التضمين ولأنه لا وجه لأن يكون تبعا للأصابع لأن بينهما عضوا كاملا ولا إلى أن يكون تبعا للكف لأنه تابع ولا تبع للتبع كما في الهداية
وفي قطع كف فيها أصبع عشر الدية وإن كان فيها إصبعان فخمسها ولا شيء في الكف وهذا عند الإمام لأن الأصابع أصل حقيقة لأن منفعة اليد وهي القبض والبسط والبطش قائمة بها وكذا حكما لأنه عليه الصلاة والسلام جعل الدية بمقابلة الأصابع حيث أوجب في اليد نصف الدية وجعل في كل إصبع عشرا من الإبل ومن ضرورته أن يكون كلها بمقابلة أصابع كل الكف والأصل أولى بالاعتبار وإن قل ولا يظهر التابع بمقابلة الأصل فلا يعارض حتى يصار إلى الترجيح بالكثرة ولئن تعارضا فالترجيح بالأصل حقيقة وحكما أولى من الترجيح بالكثرة وعندهما يجب الأكثر من أرش الكف ودية الإصبع والإصبعين ويدخل الأقل فيه أي في الأكثر لأنه لا وجه للجمع بين الأرشين لأن الكل شيء واحد ولا إلى إهدار أحدهما
____________________
(4/351)
لأن كل واحد أصل من وجه فرجحنا بالكثرة وإن كان فيها أي في الكف ثلاث أصابع فدية الأصابع ولا شيء في الكف إجماعا لأن الأصابع أصول وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما إذا كانت الأصابع قائمة وهي أي دية هذه الأصابع الثلاثة ثلاثة أعشار الدية إجماعا يعني لزوم دية الأصابع متفق عليه كما أن الأول مختلف فيه
وفي الإصبع الزائدة حكومة أي حكومة عدل تشريفا للآدمي لأنها جزء للآدمي ولكن لا منفعة فيها ولا زينة
وكذا أي يلزم في الشارب حكومة عدل في الصحيح لأنه تابع للحية فصار طرفا من أطراف اللحية
ولحية الكوسج أي يلزم فيها حكومة عدل قال الزيلعي بخلاف لحية الكوسج حيث لا يجب فيها شيء لأن اللحية لا يبقى فيها أثر الحلق فلا يلحقها الشين بالحلق بل ببقاء الشعرات يلحقه ذلك فيكون نظير من قلم ظفر غيره بغير إذنه
و تجب في ثدي الرجل حكومة عدل
و كذا في ذكر الخصي والعنين ولسان الأخرس واليد الشلاء والعين العوراء والرجل العرجاء والسن السوداء فإنه لا يجب في هذه الأشياء الدية لعدم فوات جنس المنفعة وعدم جمال السن السوداء ولكن يجب فيها حكومة العدل تشريفا للآدمي لأنها أجزاء منه
وقال الشافعي تجب دية كاملة في ذكر الخصي والعين لقوله عليه الصلاة والسلام وفي الذكر الدية من غير فصل ولنا أن المنفعة وهي الإيلاج والإنزال والإحبال هي المعتبرة من هذا العضو فإذا عدمت لا يجب فيها الدية كالعين القائمة بلا ضوء واليد الشلاء
وكذا تجب حكومة عدل في عين الطفل ولسانه وذكره إذا لم تعلم صحة ذلك أي صحة كل منها بما يدل على إبصاره وتحرك ذكره وكلامه لأن المقصود من هذه الأشياء المنفعة فإذا لم تعلم صحتها لا يجب الأرش الكامل بالشك والظاهر لا يصلح حجة للإلزام بخلاف المارن والأذن الشاخصة لأن المقصود هو الجمال وقد فوته على الكمال وكذلك لو استهلك الصبي لأنه ليس بكلام وإنما هو مجرد صوت وإن علمت الصحة فيه بما ذكره فحكمه حكم البالغ في العمد والخطأ
وإن شج رجل
____________________
(4/352)
رجلا موضحة فذهب عقله أو شعر رأسه ولم ينبت دخل أرش الموضحة في الدية لأن فوات العقل يبطل منفعة جميع الأعضاء إذ لا ينتفع بدونه فصار كما إذا أوضحه فمات وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر وقد تعلقا جميعا بسبب واحد وهو فوات الشعر فيدخل الجزء في الكل كمن قطع إصبع رجل فشلت به يده كلها
وإن ذهب سمعه أو بصره أو كلامه لا يدخل أرش الموضحة في الدية لأن كلا منها جناية فيما دون النفس والمنفعة مختصة فأشبه الأعضاء المختلفة بخلاف العقل لأن منفعته عائدة إلى جميع الأعضاء كما مر هذا عند الطرفين وعند أبي يوسف أن الشجة تدخل في دية السمع والنطق ولا تدخل في دية البصر قيل هذا إذا كان خطأ أما إذا شج رجلا موضحة عمدا فذهب من ذلك سمعه وبصره فلا قصاص في شيء من ذلك عند الإمام ولكن يجب أرش الموضحة ودية السمع والبصر وعندهما يجب القصاص في الشجة ويجب الدية في السمع والبصر
وإن ذهب بها أي بالموضحة عيناه فلا قصاص ويجب أرشها أي أرش الشجة وأرش العينين عند الإمام وعندهما يجب القصاص في الموضحة والدية في العينين والأصل في ذلك عنده أن الفعل إذا أوجب مالا في البعض سقط القصاص سواء كانا عضوين أو عضوا واحدا وعندهما في العضوين يجب القصاص مع وجوب المال وإن كان عضوا واحدا لا يجب
ولا قصاص في أصبع قطعت فشلت أخرى جنبها بل يجب الأرش عند الإمام لأن القصاص غير واجب لعدم المماثلة لأن قطع الثاني على وجه يوجب شل الأخرى غير ممكن وعندهما وهو قول زفر والحسن يقتص في المقطوعة وتجب الدية في الأخرى التي شلت لأن القصاص واجب بالنصوص
ولو قطع مفصلها أي مفصل الإصبع الأعلى فشل ما بقي من المفاصل كما في الرمز شرح الكنز وقول صاحب الهداية وغيره فشلت ما بقي من الإصبع محل تأمل تدبر فلا قصاص بل الدية فيما قطع وحكومة أي حكومة عدل فيما شل وإنما وجبت الدية لأنه مقدر شرعا وتلزم الحكومة فيما بقي لانتفاء
____________________
(4/353)
تقدير الشرع فيه
ولا قصاص لو كسر نصف سن فاسود باقيها بل تجب دية السن كلها وكذا لو احمر باقيها أو اصفر أو اخضر الأصل في هذا عنده أن الفعل الواحد إذا أوجب مالا في البعض سقط القصاص سواء كانا عضوين أو عضوا واحدا
ولو اسودت كلها بضربة وهي أي السن قائمة فالدية في الخطأ على العاقلة وفي العمد في ماله ولا يجب القصاص لأنه لا يمكن للمجني عليه أن يضربه ضربا يسودها جميعا بل يجب الأرش في الخطأ على العاقلة وفي العمد في ماله
ولو قلعت سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط أرشها عند الإمام لأن الجناية قد زالت معنى لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد
____________________
(4/354)
حيث نبت مكانها أخرى فلم تفت المنفعة به ولا الزينة خلافا لهما لأن الجناية قد تحققت والحادثة نعمة مبتدأة من الله تعالى فصار كما لو أتلف مال إنسان فحصل للمتلف عليه مال آخر
وفي سن الصبي يسقط إجماعا لأن سن الصبي لا تتقرر في مكانها فوجودها كعدمها فلم يعد قلعها جناية وعن أبي يوسف أنه تجب حكومة عدل لمكان الألم الحاصل
وإن أعاد الرجل سنة المقلوعة إلى مكانها أي السن فنبت عليها اللحم لا يسقط أرشها إجماعا وعلى القالع كمال الأرش لأن هذا لا يعتد به إذ العروق لا تعود
وقال شيخ الإسلام هذا إذا لم تعد إلى حالها الأولى بعد النبات في المنفعة والجمال وأما إذا عادت فلا شيء عليه
وكذا لو قطع أذنه فألصقها فالتحمت يعني يجب على القالع أرشها لأنها لا تعود إلى ما كانت عليه
ومن قلعت سنه فاقتص من قالعها ثم نبتت أي نبت مكانها أخرى فعليه دية سن المقتص منه لأنه تبين أنه استوفى بغير حق لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى فانعدمت الجناية ويستأنى في اقتصاص السن و اقتصاص الموضحة حولا الاستنان الانتظار كما في المغرب
كذا لو ضرب سنه فتحركت فلو أجله القاضي فجاء المضروب وقد سقطت سنه فاختلفا في سبب سقوطها فإن قبل مضي السنة فالقول للمضروب وإن بعد مضيها ف القول للضارب
وفي المنح ضرب سن إنسان فتحركت يستأنى حولا ليظهر أثر فعله ولو سقطت سنه واختلفا قبل الحول فالقول للمضروب ليفيد التأجيل بخلاف ما إذا شجه موضحة ثم جاء وقد صارت منقلة حيث يكون القول للضارب لأن الموضحة لا تورث المنقلة والتحريك يورث السقوط ولو اختلفا بعد الحول كان القول للضارب لأنه منكر وقد مضى الأجل الذي ضرب للسن ولم تسقط فلا شيء على الضارب ولو اسودت بالضرب أو احمرت أو أحضرت يجب الأرش كله لذهاب الجمال ولا يجب القصاص لما قلنا فأوجب في الاسوداد ونحوه كمال الأرش ولم يفرق بين سن وسن وقالوا ينبغي أن يفصل بين الأضراس وبين العوارض التي ترى فتجب في الأول حكومة عدل إذا لم يفوت به منفعة المضغ وإن فات يجب الأرش كله كيف ما كان لفوات الجمال وإن اصفرت تجب فيها حكومة عدل
وقال زفر يجب فيها أرش السن كاملا لأن الصفرة تؤثر في تفويت الجمال كالسواد ولنا أن الصفرة لا توجب تفويت الجمال ولا تفويت المنفعة فإن الصفرة لون السن في بعض الناس ولا كذلك السواد والحمرة والخضرة
ولو شج رجلا فالتحمت ونبت الشعر ولم يبق لها أثر يسقط الأرش عند الإمام وعند أبي يوسف يجب أرش الألم وهو حكومة عدل لأن الشين الموجب إن زال فالألم الحاصل لم يزل وعند محمد عليه أجرة الطبيب
____________________
(4/355)
لأن ذلك لزمه بفعله وكأنه أخذ ذلك من ماله وأعطاه للطبيب وفسر في شرح الطحاوي قول أبي يوسف عليه الأرش بأجرة الطبيب والمداواة فعلى هذا لا خلاف بين أبي يوسف ومحمد وللإمام أن الموجب الأصلي هو الشين الذي يلحقه بفعله وزوال منفعته وقد زال ذلك بزوال أثره والمنافع لا تتقوم إلا بالعقد كالإجارة والمضاربة الصحيحين أو شبه العقد كالفاسد منهما ولم يوجد شيء من ذلك في حق الجاني فلا تلزمه الغرامة وكذا مجرد الألم لا يوجب شيئا لأنه لا قيمة له
وكذا لو جرحه بضرب فزال أثره فهو على الاختلاف المذكور في سقوط الأرش عند الإمام ووجوب الأرش عند أبي يوسف ووجوب أجرة الطبيب عند محمد
وإن بقي أثره فحكومة عدل بالإجماع وقيد المسألة بقوله لو جرحه لأنه إذا ضربه ولم يجرح في الابتداء لا يجب شيء بالاتفاق كذا في النهاية ولا يقتص لجرح أو طرف أو موضحة إلا بعد البرء
وقال الشافعي يقتص منه في الحال لأن الموجب قد تحقق فلا يؤخر كما في القصاص في النفس ولنا ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه نهى أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه رواه أحمد والدارقطني ولأن الجراحات يعتبر فيها مآلها لاحتمال أن تسري إلى النفس فيظهر أنه قتل فلا يعلم أنه جرح إلا بالبرء
وكل عمد سقط فيه القود لشبهة كقتل الأب ابنه فالدية فيه في مال القاتل لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما موقوفا ومرفوعا لا يعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا
وعمد الصبي والمجنون خطأ وديته على عاقلته ولا كفارة فيه ولا حرمان إرث وذلك عندنا لعدم القصد الصحيح ولما روي أن مجنونا صال على رجل بسيف فضربه
____________________
(4/356)
ففزع ذلك إلى علي رضي الله تعالى عنه فجعل عقله على عاقلته بمحضر من الصحابة وقال عمده وخطؤه سواء ولأن الصبي مظنة المرحمة والعاقل الخاطئ لما استحق التخفيف حتى وجبت الدية على العاقلة فالصبي وهو أعذر وأولى بهذا التخفيف ولا نسلم تحقق العمدية فإنها تترتب على العلم والعلم بالعقل والمجنون عديم العقل والصبي قاصر العقل فأنى يتحقق منهما القصد وصار كنائم وحرمان الميراث عقوبة وهما ليسا من أهل العقوبة والكفارة كاسمها ستارة ولا ذنب تستره لأنهما مرفوعا القلم كما في الهداية والمعتوه كالمجنون في لزوم الدية على عاقلته وعدم لزوم الكفارة وعدم الحرمان عن الإرث
فصل في الجنين ومن ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا فعلى عاقلته غرة خمسمائة درهم وإنما سميت الغرة غرة لأنها أقل المقادير في الديات وأقل الشيء أوله في الوجود ولهذا يسمى أول الشهر غرة لأنه أول شيء يظهر منه كما في التبيين ووجبت فيه الغرة خمسمائة درهم سواء كان ذكرا أو أنثى وهو نصف عشر دية الرجل وعشر دية المرأة والقياس أن لا يجب شيء في الجنين لأنه لم يتيقن بحياته وإنما وجب استحسانا لما روي أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة درهم ويروى أو خمسمائة فتركنا القياس بالأثر وهو
____________________
(4/357)
حجة على من قدرها بستمائة نحو مالك والشافعي وهو على العاقلة عندنا
وقال مالك في ماله لأنه بدل الجزء ولنا أنه عليه الصلاة والسلام قضى بالغرة على العاقلة ولأنه بدل النفس ولهذا سماه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دية حيث قال دوه وقال أندي من لا صاح ولا استهل الحديث إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة درهم ويجب في السنة
وقال الشافعي في ثلاث سنين فإن ألقته أي الجنين حيا فمات فدية أي فعليه الدية الكاملة لأنه أتلف حيا بالضرب السابق
وإن ألقت ميتا سواء كان الجنين ذكرا أو أنثى وماتت الأم فغرة للجنين ودية للأم لأنه جنى جنايتين فيجب عليه موجبهما فصار كما إذا رمى شخصا ونفذ منه للآخر فقتله فإنه يجب عليه ديتان إن كان خطأ وإن كان عمدا يجب القصاص والدية كما في التبيين
وإن ماتت الأم فألقته أي الجنين حيا فمات الجنين فديتها أي تجب دية الأم وديته أي دية الجنين لأنه قاتل شخصين
وإن ماتت الأم بالضرب ثم ألقت الجنين ميتا فديتها أي دية الأم فقط ولا شيء في الجنين
وقال الشافعي تجب الغرة في الجنين لأن الظاهر موته بالضرب فصار كما إذا ألقته ميتا وهي حية ولنا أن موت الأم أحد سببي موته لأنه يختنق بموتها إذ تنفسه بتنفسها فلا يجب الضمان بالشك وما يجب في الجنين يورث عنه لأنه بدل نفسه ولا يرث منه الضارب لكونه قاتلا مباشرا ظلما ولا ميراث للقاتل بهذه الصفة وفي جنين الأمة نصف عشر قيمته أي الرقيق لو ذكرا وعشر قيمته لو كان أنثى
وقال الشافعي فيه عشر قيمة الأم لأنه جزء من وجه وضمان الأجزاء يؤخذ مقدارها من الأصل ولهذا وجب في جنين الحرة عشر ديتها بالإجماع وهو الغرة ولنا أنه بدل نفسه لأن ضمان الطرف لا يجب إلا عند ظهور النقصان في الأصل ولا معتبر به في ضمان الجنين فكان بدل نفس الجنين فيقدر بها وعند أبي يوسف إن
____________________
(4/358)
نقصت الأم ضمن نقصانها وإلا فلا ضمان أي قال أبو يوسف يجب ضمان النقصان لو انتقصت الأم بإلقائها الجنين اعتبارا بجنين البهائم لأن الضمان في قتل الرقيق ضمان مال عنده فجاز الاعتبار على أصله
فإن ضربت أي الأمة فحرر سيدها حملها فألقته حيا فمات تجب قيمته حيا لا ديته لأن الحكم يترتب على سببه فسبب القتل هنا الضرب السابق فحمل عليه فلزمته قيمته حيا إذ السبب وقع في حالة الرق وقد مر أن العبرة بحالة الرمي لا الوصول فلا تجب الدية ولا كفارة في إتلاف الجنين لأن الشرع إنما ورد بإيجاب الكفارة في النفوس المطلقة وهو جزء من وجه فلم يكن مورد النص ولا في معناه من كل وجه ولذا لم تجب فيه دية كاملة وإن تبرع بها احتياطا فهو أفضل لارتكابه محظورا
وقال الشافعي تجب الكفارة لأنه نفس من وجه فإتلاف النفس يوجب الكفارة لما فيها من معنى العبادة والاستغفار مما صنع
و الجنين المستبين بعض خلقه كتمام الخلق أي الجنين الذي استبان بعض خلقه كالجنين التام في جميع ما ذكر من الأحكام
وإن شربت حرة دواء أو عالجت فرجها لطرح جنينها حتى طرحته فالغرة على عاقلتها إن فعلت بلا إذن أبيه لأنها أتلفته متعدية فيجب عليها ضمانه وتتحمل عنها العاقلة
وإن فعلت ذلك بإذنه فلا تضمن الغرة عاقلتها إذ لم يوجد منها التعدي بسبب استبذالها والله تعالى أعلم
____________________
(4/359)
باب ما يحدث في الطريق لما فرغ من أحكام القتل مباشرة عقبه بذكر أحكامه تسببا والأول أولى بالتقديم لأنه قتل بلا واسطة ولكثرة وقوعه من أحدث في طريق العامة كنيفا أو ميزابا أو جرصنا الجرصن قيل هو البرج وقيل جذع يخرجه الإنسان من الحائط ليبني عليه وقيل هو مجرى ماء يركب في الحائط وهو بضم الجيم وسكون الراء المهملة وضم الصاد المهملة أو دكانا وسعه ذلك إن لم يضر بهم أي بالعامة لأن الطريق معد للتطرق فله الانتفاع ما لم تتضرر العامة به وإنما قيد بذلك لقوله عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام فما تحقق فيه الضرر يأثم بأحداثه ولكل منهم أي العامة نزعه ومطالبته بالنقض لأن كل واحد منهم له حق فيه بالمرور بنفسه وبدوابه فكان له حق النقض كما في الملك المشترك فإن لكل واحد حق النقض لو أحدث غيرهم فيه شيئا هذا إذا بنى لنفسه وأما إذا بنى للمسلمين فلا ينقض كذا روي عن محمد وتفصيل الكلام في هذا المقام أنه هل له إحداثه في الطريق أم لا وهل لأحد الخصومة في منعه من الإحداث فيه ورفعه بعده وهل يضمن فيما تلف بسبب الإحداث أما الإحداث فقال شمس الأئمة إن كان الإحداث يضر بأهل الطريق فليس له ذلك وإن كان لا يضر بأحد لسعة الطريق جاز إحداثه فيه وعلى هذا القعود في الطريق للبيع والشراء يجوز إن لم يضر بأحد وإن أضر لم يجز وأما الخصومة فيه فقال الإمام لكل أحد مسلما كان أو ذميا أن يمنعه من الوضع وأن يكلفه الرفع أضر أو لم يضر إن كان الوضع بغير إذن الإمام لأن التدبير في أمور العامة مفوض إلى رأي الإمام وعن أبي يوسف لكل أحد أن يمنعه من الوضع قبل الوضع وليس له أن يكلفه الرفع بعد الوضع وعن محمد ليس لأحد أن يمنعه قبل الوضع ولا بعده إذا لم يكن فيه ضرر بالناس لأنه مأذون له في إحداثه شرعا وأما الضمان بالإتلاف فسيأتي تفصيله مشروحا وفي الطريق الخاص لا يسعه بلا إذن الشركاء وإن لم يضر
____________________
(4/360)
لأنه مملوك لهم ولهذا وجبت الشفعة لهم على كل حال فلا يجوز التصرف أضر بهم أو لم يضر إلا بإذنهم بخلاف العام فإنه ليس لأحد فيه ملك فيجوز له الانتفاع به ما لم يضر بأحد وعلى عاقلته دية من مات بسقوطها فيهما كما لو حفر بئرا في طريق خاص أو عام أو وضع حجرا فيه فتلف به إنسان فتجب على العاقلة ديته لأنه متسبب لهلاكه متعد في إحداثه وكذا لو عثر بنقضه إنسان فيجب الدية على العاقلة لما ذكر من التسبب
وإن وقع العاثر على آخر فماتا فالضمان على من أحدثه يعني إذا مات العاثر والآخر الذي مات بوقوعه عليهما فضمان ديتهما على المحدث في الطريق ما به الإتلاف لأنه بمنزلة الدافع فكأنه دفعه بيده على غيره ولا ضمان على الذي عثر لأنه مدفوع في هذه الحالة فكان كالآلة
وإن أصابه طرف الميزاب الذي في الحائط فلا ضمان وإن أصابه الطرف الخارج ضمن يعني إذا سقط عليه طرف الميزاب فقتله ينظر إن كان ذلك الطرف متمكنا في الحائط فلا ضمان على صاحب الميزاب لأنه غير متعد فيه لما أنه وضعه في ملكه وإن كان الذي أصابه هو الطرف الخارج من الحائط ضمن الذي وضعه لكونه متعديا فيه ولا ضرورة لأنه يمكن أن يركبه في الحائط ولا كفارة عليه ولا يحرم من
____________________
(4/361)
الميراث لأنه ليس بقاتل حقيقة ولو أصابه الطرفان جميعا وعلم ذلك وجب النصف وهدر النصف كما إذا جرحه سبع وإنسان فإنه يضمن النصف اعتبارا للأحوال لأنه يضمن في حال ولا يضمن في حال فيتوزع الضمان على الأحوال لأن فيه النظر من الجانبين
كمن حفر بئرا أو وضع حجرا في الطريق فتلف به إنسان قوله في الطريق متعلق بحفر ووضع على التنازع وقوله فتلف به إنسان أي يضمن الدية عاقلته يعني كما أن من حفر بئرا أو وضع حجرا في طريق فتلف به إنسان تكون ديته على عاقلة الحافر أو الواضع فكذا تجب الدية على عاقلة من تسبب لتلف إنسان بسقوط ما أحدث من الكنيف والميزاب والجرصن والدكان
وإن تلف به بهيمة فضمانها في ماله أي إذا تلف بالحفر أو الوضع أو السقوط بهيمة فضمان تلك البهيمة في مال المتسبب بما ذكر أما الضمان فلأنه متعد فيه فيضمن وأما عدم تضمين العاقلة فلأن العاقلة لا تتحمل ضمان المال وإنما تتحمل ضمان النفس
وإلقاء التراب واتخاذ الطين في الطريق كوضع الحجر في وجوب الضمان لأن كل ذلك تسبب بنوع من التعدي وهذا أي وجوب الضمان إذا فعله أي جميع ما ذكر بلا إذن الإمام فإنه يضمن لوجود التعدي فإن فعل شيئا من ذلك بإذنه أي بإذن الإمام فلا ضمان لأنه غير متعد حيث فعل بأمر من له الولاية في حقوق العامة وإن كان بغير أمره فهو متعد إما بالتصرف في حق غيره أو بالافتيات على رأي الإمام كما في الهداية والافتيات الاستبداد بالرأي كما في المغرب وكذا لو حفر في ملكه لم يضمن لأنه غير متعد وكذلك إذا حفر في فناء داره لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه وقيل هذا إذا
____________________
(4/362)
كان الفناء مملوكا له إذا كان له حق الحفر فيه لأنه غير متعد ولو مات الواقع في البئر جوعا أو غما فلا ضمان على حافره وإن وصلية حفر بلا إذن الإمام لأنه مات بفعل نفسه وهو الجوع والغم والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع وعند محمد عليه الضمان في الوجوه كلها لأن ذلك حصل بسبب الوقوع في البئر ولولا ذلك لما مات جوعا ولا غما
وكذا عند أبي يوسف عليه الضمان في الغم لا في الجوع لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع فيه وأما الجوع والعطش فلا يختصان بالبئر
وإن وضع حجرا فنحاه آخر فضمان ما تلف به على الثاني لأن فعل الأول قد انتسخ فكان الضمان على الذي نحاه لفراغ ما شغله وإنما اشتغل بفعل الثاني موضع آخر
ولو أشرع أي أخرج جناحا إلى الطريق قال صاحب القاموس الجناح الروشن ثم قال الروشن الكوة
وقال في المغرب الروشن الممر على العلو
وقال صاحب الكفاية الروشن هو الخشبة الموضوعة على جدار السطحين تتمكن من المرور
وقال صدر الشريعة أشراع الجناح إخراج الجذوع إلى الطريق وهو المناسب إن يراد هنا في دار ثم باعها أي الدار فضمان ما تلف به أي بالجناح عليه أي على البائع لأن فعله وهو الإشراع لم ينفسخ بزوال ملكه عنه
وكذا لو وضع خشبة في الطريق ثم باعها أي الخشبة وبرئ البائع المشتري متعلق ببرئ على تضمين معنى الانتهاء كما في أحمد الله تعالى إليك منها أي من الخشبة فتركها أي الخشبة المشتري فضمان ما تلف بها أي بالخشبة على البائع أيضا لأن فعله وهو الوضع لم ينفسخ بزوال ملكه وهو أعني الوضع موجب للضمان
ولو وضع في طريق جمرا فأحرق ذلك الجمر شيئا ضمنه أي يضمن الواضع ما أحرقه لأنه متعد في ذلك
____________________
(4/363)
الوضع
ولو أحرق بعدما حركته أي الجمر الريح إلى موضع آخر لا يضمن لنسخ الريح فعله إن كانت أي الريح ساكنة عند وضعه أي الجمر
وفي النهاية لو حركت الريح عين الجمر وإنما قيد به لأن عند بعض أصحابنا أن الريح إذا هبت بشررها فأحرقت شيئا فإن الضمان عليه في ذلك لأن الريح إذا هبت بشررها ولم تذهب بعينها فالعين باقية في مكانها فكانت الجناية باقية فيكون الضمان عليه وقد مر ذلك مفصلا وقيل إذا كان اليوم ريحا يضمنه هذا اختيار السرخسي وكان الحلواني لا يقول بالضمان من غير تفصيل
ويضمن من حمل شيئا في الطريق ما تلف بسقوطه أي المحمول منه أي من الحامل يعني من حمل شيئا في الطريق فسقط المحمول على إنسان أو غيره فتلف ضمن الحامل لأن حمل المتاع في الطريق على رأسه أو على ظهره مباح له لكنه مقيد بشرط السلامة بمنزلة الرمي إلى الهدف أو الصيد
وكذا يضمن من أدخل حصيرا أو قنديلا أو حصاة إلى مسجد غيره أي غير حيه بلا إذن فعطب به أحد هذا عند الإمام لأن تدبير أمور المسجد مسلم إلى أهل دون غيره فيكون فعل الغير تعديا أو مقيدا بشرط السلامة فقصد القربة والخير لا ينافي الغرم إذا أخطأ الطريق خلافا لهما لأن عندهما لا يضمن لأن القربة لا تتقيد بشرط السلامة
ولو أدخل هذه الأشياء إلى مسجد حيه لا يضمن إجماعا لأن هذه من القرب وكل واحد مأذون في إقامة ذلك فلا تتقيد بشرط السلامة فكان فعلهم مباحا مطلقا
وكذا لا يضمن لو تلف شيء بسقوط رداء هو لابسه إذا اللابس لا يقصد حفظ ما يلبسه فيقع الحرج بالتقييد بوصف السلامة وعند محمد إذا لبس ما لا يلبس عادة كدروع
____________________
(4/364)
الحرب والجوالق فسقط على إنسان فتلف يضمن لأن هذا اللبس بمنزلة الحمل وفي الحمل يضمن
ومن جلس في المسجد غير مصل فعطب به أحد ضمنه عند الإمام خلافا لهما فإنهما قالا لا يضمن على كل حال وإلى هذا أشار بقوله ولا فرق بين جلوسه لأجل الصلاة أو للتعليم أو يقرأ القرآن أو نام فيه في أثناء الصلاة وبين أن يمر فيه لحاجة من الحوائج أو يقعد للحديث وذكر صدر الإسلام أن الأظهر ما قالاه لأن المسجد إنما بني للصلاة والذكر ولا يمكنه أداء الصلاة بالجماعة إلا بانتظارها فكان الجلوس مباحا لأنه من ضرورات الصلاة فيكون ملحقا بها لأن ما ثبت ضرورة للشيء يكون حكمه كحكمه وللإمام أن المسجد بني للصلاة وهذه الأشياء ملحقة بها فلا بد من إظهار التفاوت فجعلنا الجلوس للأصل مباحا مطلقا والجلوس لما يلحق به مباحا مقيدا بشرط السلامة ولا ضرر أن يكون الفعل مباحا أو مندوبا إليه وهو مقيد بشرط السلامة كالرمي إلى الكافر وإلى الصيد والمشي في الطريق والمشي في المسجد إذا وطئ غيره والنوم فيه إذا انقلب على غيره وذكر شمس الأئمة أن الصحيح من مذهب الإمام أن الجالس للانتظار لا يضمن وإنما الخلاف في عمل لا يكون له اختصاص بالمسجد كقراءة القرآن ودرس الفقه والحديث ولا فرق أيضا بين مسجد حيه وغيره في الصحيح أما المعتكف فقيل على هذا الخلاف وقيل لا يضمن بلا خلاف وذكر الفقيه أبو
____________________
(4/365)
جعفر سمعت أبا بكر يقول إن جلس لقراءة القرآن أو معتكفا لا يضمن بالإجماع كما في المنح وفي الجالس مصليا لا يضمن إجماعا وإن كان الجالس من غير أهله لأن المسجد بني للصلاة فلا يكون متعديا بذلك
ولو استأجر رب الدار عملة جمع عامل لإخراج الجناح أو الظلة من الدار فتلف به أي بالإخراج شيء فالضمان عليهم إن كان التلف قبل فراغ عملهم لأن التلف بفعلهم وما لم يفرغوا لم يكن العمل مسلما إلى رب الدار وهذا لأنه انقلب فعلهم قتلا حتى وجبت عليهم الكفارة والقتل غير داخل في عقده فلم يتسلم فعلهم إليه فاقتصر عليهم وإن كان التلف بعده أي بعد فراغ عمله فعليه أي الضمان يكون على المستأجر استحسانا لأنه صح الاستئجار حتى لو استحقوا الأجر ووقع فعلهم عمارة وإصلاحا فانتقل فعلهم إليه فكأنه فعل بنفسه فلهذا يضمنه
ويضمن من صب الماء في الطريق العام ما عطب به لأنه متعد فيه بإلحاق الضرر بالمارة
وكذا إذا رشه أي رش الماء بحيث يزلق فيه من مشى عليه أو توضأ به أي بالماء في الطريق واستوعب الماء الطريق فعطب به أحد لما سبق أنه متعد في ذلك الفعل بإلحاق الضرر بالمارة
وإن فعل شيئا من ذلك المذكور من الصب والرش والوضوء في سكة غير نافذة وهو أي الفاعل من أهلها أي من أهل تلك السكة أو قعد فيها أي في تلك السكة أو وضع متاعه فيها لا يضمن لأن لكل واحد أن يفعل ذلك فيها لكونه من ضرورات السكنى كما في الدار المشتركة فإنه يجوز لكل واحد من الشركاء أن يفعل فيها ما هو من ضرورة السكنى
وكذا لا يضمن إن رش ما لا يزلق به عادة أو توضأ به واستوعب الماء بعض الطريق لا كله فتعمد المار المرور عليه أي على بعض الطريق الذي
____________________
(4/366)
فيه الماء مع إمكان أن لا يمر عليه لأنه هو الذي خاطر بنفسه فصار كمن وثب على البئر من جانب إلى جانب فوقع فيها بخلاف ما إذا لم يعلم فوقع من غير علم بأن كان المرور ليلا أو كان المار أعمى فإنه يضمن
ووضع الخشبة في الطريق كالرش في استيعاب الطريق وعدمه يعني إذا استوعبت الخشبة الطريق يضمن وإن لم تستوعبه لا يضمن
وفي المنح ولو حفر في مفازة أو نحوها من الطريق في غير الأمصار أو ضرب فسطاطا أو نصب تنورا أو ربط دابة لم يضمن كما في منية الفقهاء وفيه حفر بئرا في طريق مكة أو غيره من الفيافي لم يضمن بخلاف الأمصار دون الفيافي والصحاري لأنه لا يمكن العدول عنه في الأمصار دون الصحاري
وإن رش فناء حانوت بإذن صاحبه فالضمان على الآمر استحسانا كما لو استأجره أي الأجير ليبني له في فناء حانوته فتلف به شيء بعد فراغه فإنه يجب الضمان على الآمر دون الأجير ولو كان أمره بالبناء في وسط الطريق فالضمان على الأجير لفساد الأمر
ولو كنس الطريق لا يضمن ما تلف بموضع كنسه وفي الكافي وإن استأجر أجيرا ليبني له في فناء حانوته فتعلق به إنسان بعد فراغه فمات يضمن الآمر استحسانا ولو أمره بالبناء في وسط الطريق ضمن الأجير لفساد الأمر بخلاف البناء في فناء حانوته لأنه يباح له فيما بينه وبين ربه إحداث مثل ذلك في فنائه إذا كان لا يتضرر به غيره وقد جرت العادة بذلك في بلاد المسلمين فاعتبر أمره في ذلك ولكن لما كان البناء غير مملوك له يتقيد بشرط السلامة ولو كنس الطريق فعطب بموضع كنسه إنسان لم يضمن لأنه ما أحدث في الطريق شيئا وإنما كنس الطريق لئلا يتضرر به المارة ولا يؤذيهم
____________________
(4/367)
التراب ولا يكون هو متعديا في هذا التسبب ولو جمع الكناسة في الطريق ضمن ما تلف بها أي بالكناسة لتعديه بوضع ما شغل الطريق
ولا ضمان فيما تلف بشيء فعل في الملك لأنه مأذون فيه شرعا فلا يكون متعديا أو في فناء عطف على تلف له أي للمالك فيه أي في ذلك الفناء حق التصرف بأن لم يكن للعامة ولا مشتركا لأهل سكة غير نافذة لأن ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه
وفي الهداية أما إذا كان لجماعة المسلمين أو مشتركا بأن كان في سكة غير نافذة فإنه يضمنه لأنه مسبب متعد لفعله في غير ملكه
وإن استأجر من حفر له في غير فنائه فالضمان على المستأجر لا على الأجير إن لم يعلم الأجير أنه غير فنائه لأن الأجير يعمل له ولهذا يستوجب عليه وقد صار مغرورا من جهته حيث لم يعلمه أن ذلك ليس من فنائه وإنما حفر اعتمادا على أمره فلدفع ضرر الغرور نقل فعله إلى الآخر
وإن علم الأجير أنه غير فنائه فعلى الأجير أي يجب الضمان على الأجير لم يصح أمره لأنه لا يملك أن يفعل بنفسه ولا غرور من جهته لعلمه بذلك فبقي مضافا إليه
وإن قال المستأجر هو فنائي وليس لي فيه حق الحفر فالضمان على الأجير قياسا لعلمه بفساد الأمر فلم يوجد الغرور وعلى المستأجر استحسانا لأن كونه فناء له بمنزلة كونه مملوكا له لانطلاق يده في التصرف من إلقاء الطين والحطب وربط الدابة والركوب وبناء الدكان فكان أمرا بالحفر في ملكه ظاهرا بالنظر إلى ما ذكرنا فكفى ذلك لنقل الفعل إليه قال شيخ الإسلام إذا كان الطريق معروفا أنه للعامة ضمن سواء قال له إنه لي أو لم يقل لعلمه بفساد أمره
ومن بنى قنطرة أي
____________________
(4/368)
على نهر كبير بغير إذن الإمام فتعمد أحد المرور عليها أي على تلك القنطرة فعطب فلا ضمان على الباني لأنه إذا تعمد المرور وكان بصيرا ويجد موضعا آخر للمرور صار كأنه أتلف نفسه فنسب التلف إليه دون المتسبب فإذا لم يتعمد بأن كان أعمى أو مر ليلا يضمن إذا وضعه بغير إذن الإمام أما إذا وضعه بإذن الإمام فلا يضمن
فصل في الحائط المائل لما ذكر أحكام مسائل القتل التي تتعلق بالإنسان مباشرة وتسببا شرع في بيان أحكام القتل المتعلقة بالجماد إن مال حائط إلى طريق العامة فطولب ربه أي رب الحائط بنقضه من مسلم أو ذمي رجل أو امرأة حر أو مكاتب لأن الناس في المرور شركاء ممن يملك نقضه وهدمه فيصح التقدم من كل واحد منهم وأشهد عليه بأن يقول إن حائطك هذا مخوف أو مائل فانقضه حتى لا يسقط أو اهدمه فإنه مائل والإشهاد بعد الطلب ليس بشرط فيكون ذكر الإشهاد فيما ذكر ليتمكن من إثبات الطلب عند الإنكار فيكون من قبيل الاحتياط وهذا لا ينفي وجود معنى الإشهاد إذا وقع الطلب عند الشهود بل ينبغي الإشهاد بلفظ اشهدوا وتدل عليه عبارة الإشهاد
وفي المنح لو قال اشهدوا أني تقدمت
____________________
(4/369)
إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا صح أيضا ولو قال ينبغي لك أن تهدمه فهذا ليس بطلب ولا إشهاد بل هو مشورة فلم ينقضه في مدة يمكن نقضه فيها فتلف به أي بانهدامه نفس أو مال ضمن عاقلته أي عاقلة رب الحائط النفس و ضمن هو أي رب الحائط المال والقياس أن لا يضمن وهو قول الشافعي لأنه لم يوجد منه صنع هو متعد فيه لأنه بنى الحائط في ملكه والسقوط والميلان ليس من صنعه فلا يضمن كما قبل الإشهاد وجه الاستحسان أنه إذا مال إلى الطريق فقد شغل هواء الطريق بحائطه ووقع في يده هواء المسلمين ورفعه في يده فإذا طولب بالنقض وتفريغ الهواء عن هذا الشغل لزمه ذلك فإذا لم يفرغ مع التمكن صار خائنا كأنه شغل ابتداء باختياره
وكذا لو طولب به من يملك نقضه كأب الطفل الذي وقع في عامة النسخ بدون الياء في أب لكن الصحيح أن يرسم بالياء ووصيه لقيام الولاية لهما بالنقض في حقه والراهن فيصح التقدم إليه لقدرته على النقض بفك الرهن وإرجاع المرهون إلى يده والعبد التاجر ولو مديونا لأن له ولاية النقض ثم ما تلف بالسقوط إن كان مالا فهو في رقبته وإن كان نفسا فعلى عاقلة المولى لو كان عاقلة لأن الإشهاد من وجه على المولى وضمان المال أليق بالعبد وضمان النفس بالمولى والمكاتب لأنه مالك يدا فيكون ولاية النقض له وضمان ما تلف نفسا أو مالا فيه حكم ضمان ما تلف في العبد التاجر ولا يضمن إن
____________________
(4/370)
باعه أي الحائط ربه بعد الإشهاد وسلمه إلى المشتري فسقط لأنه خرج عن ملكه بالبيع سواء قبضه المشتري أو لا كما في الدرر وعزاء إلى الكافي وليس في الهداية لفظ أو لا
وفي الجوهرة شرط أن يكون بعد القبض حيث قال ولو باع الدار بعدما أشهد عليه وقبضها المشتري برئ من ضمانه
وفي المنح فإن قلت هل قولهم خرج عن ملكه ببيع قيد أو لا قلت ليس بقيد بل غير البيع كذلك كالهبة ونحوها قال في الحاوي القدسي إذا أشهد على صاحب الحائط المائل بالنقض ثم خرج الحائط عن ملكه ببيع أو غيره بطل الإشهاد والتقدم حتى إذا عاد إلى ملكه فسقط بعد تمكن النقض أو قبله لا يجب عليه الضمان بذلك الإشهاد انتهى ولا يضمن إن طولب به أي بالنقض من لا يملكه أي النقض كالمرتهن والمستأجر والمودع لأنه ليس لهم قدرة على التصرف فلا يفيد طلب النقض منهم ولهذا لا يضمنون بما تلف من سقوطه
وإن بناه أي الحائط صاحبه مائلا ابتداء ضمن ما تلف بسقوطه وإن لم يطالب بنقضه كما في إشراع الجناح ونحوه وهو إخراج الجذوع من الجدال إلى الطريق والبناء عليه والكنيف لتعديه بالبناء على هذه الكيفية
فإن مال أي الحائط إلى دار رجل فالطلب لربها أي لرب الدار لأن الطلب حق له أو ساكنها أي ساكن الدار فللسكان أن يطالبوه لأن لهم المطالبة بإزالة ما شغل الدار فكذا بإزالة ما شغل هواءها فيصح تأجيله وإبراؤه أي يصح تأجيل كل من مالك الدار وإبراؤه حتى لو سقط بعد مدة الأجل وبعد الإبراء وتلف به شيء لا يضمن لأن الحق له فيصح تأجيله وإسقاطه
ولا يصح التأجيل فيما مال إلى الطريق لأن الحق لجماعة الناس ولو كان
____________________
(4/371)
أي التأجيل من القاضي أو المشهد لأنه حق المارة وليس للقاضي ولا للمشهد على صيغة اسم الفاعل إبطال حقهم
ولو كان الحائط بين خمسة فأشهد على صيغة المفعول على أحدهم أي أحد الخمسة ضمن خمس ما تلف به عند الإمام ويكون ذلك على عاقلته وعندهما نصفه أي نصف ما تلف به لأن التلف بنصيب من أشهد عليه معتبر وبنصيب من لم يشهد عليه هدر فكانا قسمين فانقسم نصفين كما مر في عقر الأسد ونهش الحية وجرح الرجل حيث يلزم الجارح نصف الدية وللإمام أن الموت حصل بعلة واحدة وهو الثقل المقدر والعمق المقدر لأن أصل ذلك ليس بعلة وهو القليل حتى يعتبر كل جزء علة فتجتمع العلل وإذا كان كذلك يضاف إلى العلة الواحدة ثم يقسم على أربابها بقدر الملك بخلاف الجراحات فإن كل جراحة علة التلف بنفسها صغرت أو كبرت على ما عرفت إلا أن عند المزاحمة أضيف إلى الكل لعدم الأولوية كما في الهداية
وإن حفر أحد ثلاثة في دار هي لهم بئرا بغير إذن شريكيه أو بنى حائطا ضمن ثلثي ما تلف به عند الإمام وعندهما ضمن نصفه أي نصف ما تلف به والدليل من الجانبين هو ما ذكر في مسألة الشركاء السالفة قبل هذا
باب في جناية البهيمة والجناية عليها جناية البهيمة والجناية عليها يضمن الراكب أي في طريق العامة وإنما قيد به لأنه لو كان ملكه لا يضمن شيئا لأنه غير
____________________
(4/372)
متعد بخلاف ما إذا كان في طريق العامة فيضمن للتعدي ما وطئت دابته أو أصابت بيدها أو رجلها أو رأسها أو كدمت أو خبطت برجلها أو صدمت والأصل في هذا أن المرور في طريق المسلمين مباح مقيد بشرط السلامة بمنزلة المشي لأن الحق في الطريق مشترك بين الناس فهو يتصرف في حقه من وجه وفي حق غيره من وجه فالجناية مقيدة بشرط السلامة وإنما تقيد بشرط السلامة فيما يمكن التحرز عنه دون ما لا يمكن التحرز عنه لأنا لو شرطنا عليه السلامة عما لا يمكن التحرز عنه يتعذر عليه استيفاء حقه لأنه يمتنع عن المشي والسير مخافة أن يبتلى بما لا يمكن أن يتحرز عنه والتحرز عن الوطء والإصابة باليد أو الرجل والكدم وهو العض بمقدم الأسنان أو الخبط وهو الضرب باليد أو الصدم وهو الضرب بنفس الدابة وما أشبه ذلك في وسع الراكب إذا أمعن النظر في ذلك وأما ما لا يمكن التحرز عنه فهو ما ذكره بقوله لا ما نفحت برجلها أو ذنبها قال في المغرب يقال نفحت الدابة بالفاء والحاء المهملة أي ضربت بحد حافرها هذا إذا كانت سائرة إلا إذا أوقفها أي الراكب الدابة في الطريق فإنه حينئذ يضمن بالنفحة سواء كانت بالرجل أو بالذنب لأنه يمكنه التحرز عن الإيقاف وإن لم يمكنه التحرز عن النفح فصار متعديا في الإيقاف وشغل الطريق به ولا ما عطب بروثها أو بولها سائرة أو واقفة يعني إذا بالت أو راثت في الطريق وهي تسير فعطب به إنسان لا ضمان عليه لأنه لا يمكن التحرز عنه وكذا إذا أوقفها لذلك فلا ضمان لأن من الدواب ما لا يفعل ذلك حتى يقف فهو أيضا مما لا يمكن التحرز عنه فلهذا لا يضمن بذلك سواء كانت سائرة أو واقفة لأجله أي لأجل الروث أو البول فإن أوقفها لا لأجله أي لا لأجل الروث أو البول ضمن ما عطب به أي بالروث أو البول لأنه يكون متعديا في الإيقاف لأنه ليس من ضرورات السير
فإن أصابت بيدها
____________________
(4/373)
أو رجلها حصاة أو نواة أو أثارت غبارا أو حجرا صغيرا ففقأ أي كل واحد مما ذكر عينا فذهب ضوءها أو أفسد ثوبا لا يضمن لأنه لا يمكنه التحرز عنه فإن سير الدابة لا يعري عنه وإن كان حجرا كبيرا ضمن لأنه مما يستطاع الامتناع عنه فسير الدواب ينفك عنه وإنما يكون لخرق منه في السير ويضمن القائد ما يضمنه الراكب وكذا السائق في الأصح لأن الدابة في أيديهم وهم يسيرونها ويصرفونها كيف شاءوا وهو مختار أكثر المشايخ وقيل قائله القدوري يضمن أي السائق النفحة أيضا ولا يضمنها الراكب والقائد قال البرجندي وذكر القدوري في مختصره أن السائق ضامن لما أصابت بيدها أو رجلها والقائد ضامن لما أصابت بيدها دون رجلها يعني النفحة لأن السائق يرى النفحة فيمكنه التحرز عنها والقاعد لا يراها ولا يخفى أن هذا الفرق غير مؤثر في تمكن الاحتراز ولا كفارة عليهما أي على السائق والقائد ولا حرمان إرث أو وصية لأنهما يختصان بالمباشرة وليسا من أحكام التسبيب ولا يخفى أنه لو أتى بالواو دون أو لكان أنسب ولعله أتى بأو بناء على عدم جواز الوصية للوارث بخلاف الراكب فيما أوطأته الدابة بيدها أو برجلها فإن عليه الكفارة وحرمان الإرث والوصية وذلك لتحقق المباشرة منه فإن التلف بثقله وثقل الدابة تبع له فإن سير الدابة مضاف إليه وهي آلة له وهما سببان لأنه لا يتصل منهما إلى المحل شيء
وإن اجتمع الراكب والقائد أو الراكب والسائق فالضمان عليهما أي عند البعض لأن كل ذلك سبب للضمان وقيل على الراكب
____________________
(4/374)
وحده دون السائق والقائد لأن الراكب مباشر فيه كما ذكرنا والسائق متسبب فالإضافة إلى المباشر أولى
وإن اصطدم فارسان خطأ أي ضرب أحدهما الآخر بنفسه أو اصطدم ماشيان فماتا ضمن عاقلة كل أي كل واحد دية الآخر عندنا لأن هلاكه إما مضاف إلى فعل نفسه أو فعل صاحبه أو فعلهما معا لا سبيل إلى الأول لأن فعله مباح لا يصلح في حق نفسه أن يضاف إليه الهلاك فضلا عن أن يصلح في حق الضمان ولا إلى الثالث لأن ما يركب من صالح وغير صالح ليس بصالح فثبت الثاني فإنه وإن كان فعلا مباحا وهو المشي في الطريق إلا أنه في حق غيره يصلح أن يضاف إليه الهلاك فيصلح أيضا في حق الضمان وعند زفر والشافعي يجب على عاقلة كل منهما نصف دية الآخر لأن كل واحد عطب بفعله وفعل صاحبه فكان نصفين أحدهما معتبر والآخر هدر قيل لو كانا عامدين في الاصطدام يضمن كل واحد نصف الدية للآخر اتفاقا وقيل هذا لو وقع كل واحد منهما على قفاه لتحقق فعل الاصطدام ولو وقع على وجهه فلا شيء على واحد منهما وإن وقع أحدهما على قفاه والآخر على وجهه فدم الذي وقع على وجهه هدر قيل يجب عند الشافعي نصف الدية سواء وقع على قفاه أو ظهره أو وجهه
وإن تجاذبا حبلا فانقطع الحبل فماتا فإن وقعا أي كل واحد منهما على ظهرهما فهما هدر لأن كل واحد مات بقوة نفسه
وإن وقعا على وجههما فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر لأن كل واحد منهما مات بقوة صاحبه وإن اختلفا أي وقع أحدهما على القفاء والآخر على الوجه فدية من وقع على وجهه على عاقلة من وقع على ظهره فالذي على القفاء لا دية له
وإن قطع آخر الحبل أي إن تجاذبا الحبل فقطعه إنسان آخر فوقع كل منهما على القفاء فماتا فديتهما على عاقلته أي عاقلة القاطع لأنه مضاف إلى فعله فكان سببا
وإن
____________________
(4/375)
ساق دابة فوقع سرجها أو غيره من أدواتها كاللجام ونحوه وما يحمل عليها على إنسان فمات ضمن السائق لأنه متعد في هذا التسبب لأن الوقوع بتقصير منه وهو ترك الشد والأحكام فيه بخلاف الرداء لأنه لا يشد في العادة ولا يقيد بشرط السلامة ولأنه قاصد لحفظ هذه الأشياء كما في المحمول على عاتقه دون اللباس فيقيد بشرط السلامة
وكذا يضمن قائد قطار وطئ بعير منه أي من ذلك القطار إنسانا وضمان النفس على عاقلته و ضمان المال في ماله لأن القائد عليه حفظ القطار كالسائق وقد أمكنه التحرز عنه فصار متعديا بالتقصير في الحفظ والتسبيب بوصف التعدي سبب الضمان
وإن كان مع القائد سائق فالضمان عليهما لأن قائد الواحد قائد الكل وكذا سائقه لاتصال الأزمة وهذا إذا كان السائق في جانب الإبل أما إذا توسطها وأخذ بزمام واحد يضمن ما عطب بما هو خلفه ويضمنان ما تلف بما بين يديه لأن القائد لا يقود ما خلف السائق لانفصام الزمام والسائق يسوق ما يكون قدامه ولو كان رجل راكبا على بعير وسط القطار ولا يسوق منها شيئا لم يضمن ما أصابت الإبل التي بين يديه لأنه ليس بسائق لها وكذا ما أصابت الإبل التي خلفه لأنه ليس بقائد لها إلا إذا كان أخذ بزمام ما خلفه أما البعير الذي هو راكبه فهو ضامن لما أصابه فيجب عليه وعلى القائد غير ما أصابه بالإيطاء فإن ذلك ضمانه على الراكب وحده لأنه جعل فيه مباشرا حتى جرى عليه أحكام المباشرين كما في التبيين
فإن ربط بعير على قطار بغير علم قائده فعطب به أي بالبعير المربوط إنسان ضمن عاقلة القائد الدية لأنه قائد للكل فيكون قائدا لذلك والقود سبب قريب لوجوب الضمان فلا يسقط الضمان المحقق بجهله ورجعوا أي عاقلة القائد بها أي بهذه الدية على عاقلة الرابط قال صدر الشريعة في شرح الوقاية أقول ينبغي أن يكون في مال الرابط لأن الرابط
____________________
(4/376)
أوقعهم في خسران المال وهذا مما لا تتحمله العاقلة انتهى ويجاب عنه بأن الرابط لما كان متعديا فيما صنع صار في التقدير هو الجاني وإذا كان كذلك وجبت الدية على عاقلته فإن قيل إن كل واحد منهما مسبب فكان ينبغي أن يجب الضمان على القائد والرابط ابتداء أجيب بأن القود بمنزلة المباشرة بالنسبة إلى الرابط لاتصال التلف به دون الربط فيجب عليه الضمان وحده ثم يرجع على عاقلته قالوا هذا إذا ربط والقطار يسير لأن الرابط أمر بالقود دلالة وإذا لم يعلم لا يمكنه التحفظ عنه ولكن جهله لا ينفي وجوب الضمان عليه لتحقق الإتلاف منه وإنما ينفي الإثم فيكون قرار الضمان على الرابط وأما إذا ربط والإبل واقفة ضمنها عاقلة القائد ولا يرجعون به على عاقلة الرابط لأنه قاد بعير غيره بغير إذنه لا صريحا ولا دلالة فلا يرجع بما لحقه على أحد وتمامه في التبيين فليطالع
ومن أرسل بهيمة أو كلبا وساقه بأن يمشي خلفه فأصاب أحدهما مملوكا ضمن ما أصاب في فوره أي فور الإرسال بأن لا يميل يمنة أو يسرة لأن فعله ينتقل إلى المرسل بسوقه كما يضاف فعل المكره إلى المكره فيما يصلح آلة له وفي الطير لا يضمن وإن ساقه والفرق أن بدن البهيمة والكلب يحتمل السوق فاعتبر سوقه وبدن الطير لا يحتمل السوق فصار وجود السوق وعدمه بمنزلة واحدة وكذا لا يضمن في الدابة والكلب إذا لم يسق لكون كل واحد من الدابة والكلب مستقلا في فعله
أو انفلتت أي الدابة بنفسها ليلا أو نهارا فأصابت مالا أو نفسا لا يضمن صاحبها لقوله عليه الصلاة والسلام جرح العجماء جبار قال محمد هي المنفلتة ولأن الفعل غير مضاف إليه لعدم ما يوجب النسبة إليه من الإرسال وغيره
____________________
(4/377)
وفي الهداية إذا أرسل دابة في طريق المسلمين فأصابت في فورها فالمرسل ضامن لأن سيرها مضاف إليه ما دامت تسير على سننها ولو انعطفت يمنة أو يسرة انقطع حكم الإرسال إلا إذا لم يكن له طريق آخر سواه وكذا إذا أوقف ثم سارت بخلاف ما إذا وقفت بعد الإرسال في الاصطياد ثم سارت فأخذت الصيد يعني يحل صيده لأن تلك الوقفة تحقق مقصود المرسل لأنه لتمكنه من الصيد وهذه تنافي مقصود المرسل وهو السير فينقطع حكم الإرسال وبخلاف ما إذا أرسله إلى صيد فأصاب نفسا أو مالا في فوره حيث لا يضمن المرسل وفي الإرسال في الطريق يضمنه لأن شغل الطريق تعد فيضمن ما تولد منه أما الإرسال للاصطياد فمباح ولا تسبيب إلا بوصف التعدي ولو أرسل بهيمة فأفسدت زرعا على فوره ضمن المرسل وإن مالت يمينا أو شمالا وله طريق آخر لا يضمن
وفي الكافي ومن فتح باب قفص وطار الطير أو باب الإصطبل فخرجت الدابة وضلت لا يضمن الفاتح لأنه اعترض على التسبب فعل فاعل مختار
وقال محمد يضمن لأن طيران الطير هدر شرعا وكذا فعل كل بهيمة فكأنه خرج بلا اختيار فيضمن كما لو شق زقا فسال ما فيه
ومن ضرب دابة عليها راكب أو نخسها أي الدابة والنخس الطعن فنفحت أو ضربت بيدها أحدا مفعول نفحت وضربت على سبيل التنازع أو نفرت أي الدابة من ضربه أو نخسه فصدمته أي ضربت بنفسها أحدا فمات ضمن هو أي ضارب الدابة أو الناخس لا الراكب إن فعل أي الضارب أو الناخس ذلك أي الضرب والنخس حال السير أي سير الدابة لأن الضارب أو الناخس متعد في تسببه والراكب غير متعد فيترجح جانبه في التغريم للتعدي
وإن أوقفها لا في ملكه فعليهما أي إن أوقف الدابة راكبها في غير ملكه والمسألة بحالها فالضمان عليهما
____________________
(4/378)
نصفين وإنما قيد بقوله لا في ملكه لأنه إذا أوقفها في ملكه لا يضمن الراكب أيضا
وإن نفحت الدابة الناخس فدمه هدر لأنه بمنزلة الجاني على نفسه وإن ألقت الدابة الراكب فمات فضمانه على الناخس أي على عاقلته لأنه متعد في تسببه ففيه الدية على العاقلة وإن فعل ذلك أي الضرب أو النخس بإذن الراكب فهو كفعل الراكب ولا ضمان عليه في نفحتها لأن الراكب له ولاية نخس الدابة وضربها فإذا أمر غيره بما يملك مباشرته جعل فعل المأمور كفعل الآمر لكن إن وطئت الدابة أحدا في فورها من غير أن تميل يمنة أو يسرة بعد النخس بإذن فديته عليهما لأنه قد نخسها الناخس بإذن الراكب فالدية عليهما إذا كانت في فورها الذي نخسها لأن سيرها في تلك الحالة مضاف إليها والإذن يتناول فعل السوق ولا يتناوله من حيث إنه إتلاف فمن هذا الوجه يقتصر عليه فالركوب وإن كان علة للوطء فالنخس ليس بشرط لهذه العلة بل هو شرط أو علة للسير والسير علة للوطء وبهذا لا يترجح صاحب العلة كمن جرح إنسانا فوقع في بئر حفرها غيره على قارعة الطريق ومات فالدية عليهما كما أن الحفر شرط وجود علة أخرى وهو الوقوع دون علة الجرح فكذا هذا ولا يرجع الناخس على الراكب في الأصح لأنه لم يأمره بالإيطاء والنخس ينفصل عنه والتلف إنما حصل بالوطء
كما لو أمر صبيا يستمسك على دابة بتسييرها فوطئت إنسانا فمات ضمن عاقلة الصبي ديته و لا يرجع عاقلة الصبي بما غرموا من الدية على الآمر لأنه أمره لأنه بالتسيير والإيطاء ينفصل عنه وإنما قال في الأصح احترازا عما قيل يرجع الناخس على الراكب بما ضمن في الإيطاء لأنه فعله بأمره فرجع بما لحقه من العهدة عليه
وكذا
____________________
(4/379)
لو ناول الصبي سلاحا فقتل به أحدا فإنه يضمن ولا يرجع على المناول
وكذا الحكم في نخسها ومعها قائد أو سائق يعني من قاد دابة أو ساقها فنخسها رجل آخر فانفلتت وأصابت في فورها فالضمان على الناخس وكذا إذا كان لها سائق فنخسها غيره لأنه مضاف إليه كذا في الهداية
وإن نخسها شيء منصوب في الطريق فالضمان على من نصبه لأن الناصب متعد بشغل الطريق فأضيف إليه كأنه نخسها بفعل نفسه ولا فرق بين كون الناخس صبيا أو بالغا لأن الصبي كالبالغ يؤاخذ بأفعاله فيكون الضمان في ماله
وفي الكافي نقلا عن المبسوط إن كان الناخس صبيا فهو كالرجل في أن ضمان الدية تجب على عاقلته لأنه يؤاخذ بأفعاله وما في الهداية وإذا كان صبيا ففي ماله يحتمل أن يراد به إذا كانت الجناية على المال أو فيما دون أرش الموضحة
وإن كان أي الناخس عبدا فالضمان في رقبته فيدفعه المولى بالضمان أو يفديه وجميع مسائل هذا الفصل والذي قبله إن كان الهالك آدميا فالدية على العاقلة وإن كان الهالك غيره أي غير الآدمي فالضمان في مال الجاني لما تقرر أن العواقل لا يتحملون ضمان المال ومن فقأ عين شاة قصاب ضمن ما نقصها من حيث المالية لأن المقصود منها اللحم فقط دون العمل فلا يعتبر فيها إلا النقصان بلا تقدير وقيد بالعين لأن في العينين صاحبها بالخيار إن شاء تركها على الفاقئ وضمنه القيمة كاملة وإن شاء أمسكها
____________________
(4/380)
وضمنه النقصان كما في التبيين
وفي عين الفرس أو البغل أو الحمار أو بعير الجزار أو بقرته ربع القيمة لما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قضى في عين الدابة بربع القيمة وهكذا قضى عمر رضي الله تعالى عنه ولأن إقامة العمل إنما يكون بأربع أعين عيناها وعيني المستعمل لها فصارت كأنها ذات أعين أربع فيجب الربع بفوات إحداها
وقال الشافعي يجب النقصان كما في الشاة قيل والقصاب ليس بقيد فالحكم في كل بقرة وبعير ربع القيمة في العين الواحدة وفي كل شاة النقصان وإنما وضع المسألة في بقرة الجزار وجزوره لئلا يتوهم أنهما معدان للحم فيكون حكمها حكم الشاة وترك في الإصلاح إضافة الشاة إلى القصاب معللا بقوله لما فيه من مظنة الاختصاص خصوصا عند ملاحظة التعليل وليس بصحيح وجوابه أن وضع المسألة في شاة القصاب أيضا لئلا يتوهم أنها معدة للحم فلا يعتبر النقصان فيما لا يتعلق باللحم بل يوجد نقصان في ماليتها لكونها في حكم اللحم باعتبار المآل
باب في جناية الرقيق والجناية عليه لما فرغ من بيان أحكام جناية المالك وهو الحر والجناية عليه شرع في بيان أحكام
____________________
(4/381)
جناية المملوك وهو العبد وأخره لانحطاط رتبة العبد عن رتبة الحر كما في شروح الهداية ولقائل أن يقول إنه ما وقع الفراغ من بيان أحكام جناية الحر مطلقا بل بقي منه جناية الحر على العبد وهو إنما يتبين في هذا الباب فالأظهر أن يقال لما فرغ من بيان جناية الحر على الحر شرع في بيان جناية المملوك والجناية عليه ولما كان فيه تعلق بالمملوك ألبتة من جانب أخره لانحطاط المملوك رتبة من المالك اعلم أنهم اختلفوا في موجب جناية العبد قيل موجبها الأرش لأن النصوص مطلقة من غير فصل إلا أن للمولى أن يتخلص بالدفع تخفيفا عليه وقيل موجبها الدفع وللمولى أن يتخلص بالفداء ولهذا يبرأ المولى بهلاكه ولو كان الموجب الأصلي غيره لما برئ بهلاكه لأنه يفوت به الدفع لا الفداء جنايات المملوك لا توجب إلا دفعا واحدا لو كان محلا للدفع بأن كان قنا وهو الذي لم ينعقد له شيء من أسباب الحرية كالتدبير وأمومة الولد والكتابة وإلا أي وإن لم يكن محلا للدفع بأن كان له شيء من أسباب الحرية المذكورة فيما سلف فتوجب قيمة واحدة لو كان غير محل له أي للدفع ولا يخفى أن قوله وإلا يفيد ما صرح به من قوله غير محل له فهو مستدرك بلا فائدة وفرع بقوله
فلو جنى عبد خطأ هكذا في الهداية وغيرها والتقييد بالخطأ هنا إنما يفيد في الجناية في النفس لأنه إذا كان عمدا يجب القصاص وأما فيما دون النفس فلا يفيد لأن خطأ العبد وعمده فيما دون النفس سواء فإنه يوجب المال في الحالين إذ القصاص لا يجري بين العبد والعبد ولا بين العبيد والأحرار فيما دون النفس هذا إذا كان العبد كبيرا وأما إذا كان صغيرا فعمده كالخطأ فإن شاء مولاه دفعه أي العبد بها أي بالجناية ويملكه وليها أي ولي الجناية
وإن شاء فداه بأرشها أي الجناية وذلك لأن العبد لا مال له ولا عاقلة ولا يمكن إهدار الدم فجعلت رقبته مقام الأرش إلا أنه خير المولى بين الدفع والفداء لئلا يفوت حقه في العبد بالكلية حالا قيد للدفع والفداء جميعا أما الدفع فلأنه عين ولا تأجيل في الأعيان وأما الفداء فلأنه بدل العين فيكون في حكمه ثم الأصل عند الإمام أن الخطأ هو الأرش وعندهما الأصل هو أن يصرف المال إلى الجناية كما في العمد فإذا اختار المولى الفداء وليس عنده ما يؤدي فالعبد عبده عند الإمام
____________________
(4/382)
ويؤدي الأرش متى وجد وعندهما إن لم يؤد الدية في الحال فعليه الدفع إلا أن يرضى الأولياء وفي الاقتصار على دفع العبد إيماء إلى أنه لو كسب العبد بعد الجناية كسبا واختار المولى دفعه لا يدفع الكسب اتفاقا ولو ولدت أمة الجناية لا يدفع الولد عند صاحب المحيط وذكر شيخ الإسلام أنه يدفع الولد كما في البرجندي وإن مات العبد قبل أن يختار شيئا من الدفع أو الفداء بطل حق المجني عليه لفوات محل الواجب
وإن مات بعدما اختار المولى الفداء لا يبطل حقه أي المجني عليه ولم يبرأ المولى لتحول الحق حينئذ من رقبة العبد إلى ذمة المولى وبموت العبد لا تفسد ذمته فإن فداه المولى فجنى أي العبد ثانيا فالحكم كذلك لأنه قد ظهر وخلص عن الجناية الأولى فيجب بالثانية الدفع أو الفداء وإن جنى جنايتين دفعه أي المولى العبد بهما أي بالجنايتين فيقتسمانه بنسبة حقوقهما أي للعبد المدفوع على قدر حقيهما أو فداه بأرشهما أي بأرش كل واحد منهما لأن تعلق الأولى برقبته لا يمنع تعلق الثانية بها كالديون المتلاحقة ثم إذا دفعه إليهم اقتسموه على قدر حقوقهم وحق كل واحد منهم أرش جنايته وللمولى أن يفتدي من بعدهم ويأخذ نصيبه من العبد ويدفع الباقي إلى غيره لاختلاف الحقوق بخلاف ما إذا كان المقتول واحدا وله وليان أو أولياء حيث لم يكن له أن يفتدي من البعض ويدفع الباقي إلى البعض لاتحاد الحق
فإن باعه أي المولى العبد الجاني أو وهبه أو
____________________
(4/383)
أعتقه أو دبره أو استولدها أي الجارية الجانية حال كونه غير عالم بها أي بالجناية ضمن أي المولى الأقل من قيمته و الأقل من الأرش لأنه فوت حقه بما صنع فيضمنه وحقه في أقلهما بخلاف الإقرار على رواية الأصل لأن المقر له يخاطب بالدفع أو الفداء لأنه ليس فيه نقل الملك لاحتمال صدقه وألحقه الكرخي بالبيع لزوال ملكه ظاهرا ولو باعها من المجني عليه فهو مختار بخلاف ما إذا وهبه منه لأن المستحق أخذه بغير عوض لكن في الهبة دون البيع وإعتاق المجني عليه بأمر المولى بمنزلة إعتاق المولى لأن فعل المأمور مضاف إلى الآمر ولو ضربه بعد العلم فنقصه فهو مختار لأنه حبس جزء منه وكذا لو وطئ البكر دون الثيب إلا إذا علقها بخلاف التزويج لأنه عيب حكمي وبخلاف الاستخدام لأنه لا يختص بالملك وكذا بالإذن في التجارة وإن ركبه ديون لأن الإذن والدين لا يمنع الدفع وعند الشافعي في قول وأحمد في رواية ومالك ضمن الأرش فقط
وإن عالما بها أي بالجناية ضمن الأرش فقط بالإجماع لأنه صار مختارا للفداء
كما لو علق أي المولى عتقه بقتل زيد أو رميه أو شجه بأن قال له إن قتلت فلانا أو رميت زيدا أو شججت رأسه فأنت حر ففعل أي قتل أو رمى أو شج كان المولى مختارا للفداء في جميع ذلك
وقال زفر لا يصير مختارا للفداء لأن وقت تكلمه لا جناية ولا علم له بوجوده وبعد الجناية لم يوجد منه فعل يصير به مختارا للفداء وعليه القيمة ولنا أن تعليقه مع علمه بأنه يعتق عند القتل دليل اختياره فتلزمه الدية
وإن قطع عبد يد حر حال كونه عمدا أي عامدا فدفع العبد إليه أي إلى الحر الذي قطعت يده فأعتقه أي المدفوع إليه فسرى أي القطع إلى النفس فمات فالعبد صلح بالجناية لأنه قصد صحة الإعتاق ولا صحة له إلا بالصلح عن الجناية وما يحدث منها ابتداء ولهذا لو نص عليه ورضي به جاز وكان مصالحا عن الجناية وما يحدث منها وإن لم يكن أعتقه أي العبد المجني عليه ومات من السراية يرد العبد على سيده فيقاد أو يعفى لأنه ظهر أن الصلح كان باطلا لأنه وقع
____________________
(4/384)
على المال وهو العبد عن دية اليد إذ القصاص لا يجري بين الحر والعبد في الأطراف وبالسراية ظهر أن دية اليد غير واجبة وأن الواجب هو القود فصار الصلح باطلا لأن الصلح لا بد له من مصالح عنه والمصالح عنه المال فلم يوجد فبطل الصلح فوجب القصاص فالأولياء بالخيار إن شاءوا عفوا عنه وإن شاءوا قتلوه وكذا لو كان القاطع حرا فصالح المقطوع يده على عبد ودفعه أي القاطع العبد إليه أي إلى المقطوع فإن أعتقه المقطوع ثم سرى القطع إلى القتل فمات فهو أي العبد صلح بها بالجناية
وإن لم يعتقه فسرى رد العبد إلى القاطع وأقيد أو عفا والوجه ما بين فاتحد الحكم والعلة
وفي الهداية وفي هذا الوضع يرد إشكالا فيما إذا عفا عن اليد ثم سرى إلى النفس ومات حيث لا يجب هناك وهنا قال يجب قيل ما ذكر هنا جواب القياس فيكون الوضعان جميعا على القياس والاستحسان وقيل بينهما فرق ووجهه أن العفو عن اليد صح ظاهرا لأن الحق كان له في اليد من حيث الظاهر فيصح العفو ظاهرا فبعد ذلك وإن بطل حكما يبقى موجودا حقيقة فكفى لمنع وجوب القصاص أما ههنا الصلح لا يبطل الجناية بل يقررها حيث صالح عنها على مال فأما إذا لم تبطل الجناية لم تمتنع العقوبة هذا إذا لم يعتقه أما إذا أعتقه فالتخريج ما ذكرناه من قبل
وإن جنى عبد مأذون مديون جناية خطأ فأعتقه أي سيده غير عالم بها أي بالجناية ضمن أي السيد لرب الدين الأقل من قيمته ومن دينه و ضمن لولي الجناية الأقل من قيمته أي العبد ومن أرشها أي الجناية لأنه أتلف حقين كل واحد منهما مضمون بكل القيمة على الانفراد الدفع للأولياء والبيع للغرماء فكذا عند الاجتماع ويمكن الجمع بين الحقين إيفاء من الرقبة الواحد على تقدير كونه مملوكا بأن يدفع إلى ولي الجناية ثم يباع للغرماء فيضمنهما السيد المعتق بالإتلاف وإن أعتقه بعد العلم فعليه قيمته لرب الدين وأرش الجناية لأولياء المجني عليه
ولو ولدت مأذونة مديونة يباع الولد معها أي مع أمه في دينها أي الأم المأذونة ولو جنت فولدت لا يدفع الولد
____________________
(4/385)
في جنايتها أي الجناية لولي الجناية والفرق أن الدين وصف حكمي فيها واجب في ذمتها متعلق برقبتها فيسري إلى الولد كولد المرهونة بخلاف الجناية لأن وجوب الدفع في ذمة الولي لا في ذمتها فلا يسري إلى الولد ثم اعلم أن شرط السراية إلى الولد أن تكون الولادة بعد لحوق الدين أما إذا ولدت ثم لحقها الدين لا يتعلق حق الغرماء بالولد بخلاف الأكساب حيث يتعلق الغرماء بها سواء كسبت قبل الدين أو بعده
ولو أقر رجل أن زيدا حرر عبده فقتل ذلك العبد فاعل قتل ولي المقر خطأ فلا شيء له أي للمقر يعني أنه إذا كان لرجل عبد زعم رجل آخر أن مولى ذلك العبد أعتقه ثم إن هذا العبد قتل وليا لهذا الزاعم خطأ فلا شيء له لأنه متى زعم أن مولاه أعتقه فقد ادعى ديته على عاقلته وإبراء العبد والمولى فلزمه ما أقر به ولم يصدق على العاقلة بلا حجة
وإن قال معتق على صيغة المفعول قتلت أخا زيد قتلا خطأ قبل عتقي وقال زيد بل بعده فالقول للمعتق لأنه منكر للضمان لأنه أسنده إلى حالة منافية للضمان وهذا لأن الوجوب في جناية العبد على المولى دفعا أو فداء فلا يتصور وجوب الضمان في قتل الخطأ على العبد في حال رقه بحال
وإن قال المولى لأمة أعتقها أي أمة نفسه قطعت على صيغة المتكلم يدك قبل العتق وقالت الأمة لا بل بعده فالقول لها أي للأمة لأنه أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه وهي تنكر فالقول للمنكر
وكذا القول في كل ما نال منها أي أخذ المولى من الأمة إلا الجماع والغلة بأن قال وطئتك وأنت أمتي وقالت لا بل بعد العتق فيكون القول قوله وكذا إذا أخذ من غلتها أي أكسابها لا يجب عليه الضمان وإن كانت مديونة وهذا عندهما وعند محمد لا يضمن المولى إلا شيئا قائما بعينه يؤمر المولى برده إليها أي على الأمة لأنه منكر وجوب الضمان لإسناده الفعل إلى حالة معهودة منافية له كما في المسألة الأولى وكما في الوطء والغلة وفي الشيء القائم أقر بيدها حيث اعترف بالأخذ
____________________
(4/386)
منها ثم ادعى التملك عليها وهي منكرة والقول قول المنكر فلهذا يؤمر بالرد إليها ولهما أنه أقر بسبب الضمان ثم ادعى ما يبرئه فلا يكون القول قوله كما إذا قال لغيره فقأت عينك اليمنى وعيني اليمنى صحيحة ثم فقئت وقال المقر له لا بل فقأتها وعينك اليمنى ذاهبة ولي عليك الأرش فالقول للمفقوء عينه وعلى الفاقئ الأرش لأن القضاء حصل مضمونا بتصادقهما إلا أن الفاقئ يدعي البراءة وخصمه منكر فكان القول قوله
ولو أمر عبد محجور أو صبي صبيا بقتل رجل فقتله فالدية على عاقلة القاتل لأنه هو القاتل حقيقة وعمده وخطؤه سواء ولا شيء على الآمر سواء كان عبدا محجورا أو صبيا لأنهما لا يؤاخذان بأقوالهما لعدم اعتبارها شرعا ورجعوا أي العاقلة على العبد بعد عتقه لأن عدم اعتبار قول العبد إنما هو لحق المولى وقد زال حق المولى بالإعتاق لا على الصبي الأمر أي لا ترجع العاقلة على الصبي الآمر لنقصان الأهلية
وفي التبيين لا ترجع العاقلة على العبد أيضا لأن هذا ضمان جناية وهو على المولى لا على العبد وقد تعذر إيجابه على المولى لمكان الحجر وهذا أوفق للقواعد ألا ترى أن العبد إذا أقر بعد العتق بالقتل قبله لا يجب عليه شيء لكونه أسنده إلى حالة منافية للضمان ولهذا لو حفر العبد بئرا فأعتقه مولاه ثم وقع فيه إنسان فهلك لا يجب على العبد شيء وإنما تجب على المولى قيمته لأن جنايته لا توجب عليه شيئا وإنما توجب على المولى فتجب عليه قيمة واحدة ولو مات فيها ألف فيقتسمونها بالحصص
ولو كان مأمور العبد مثله بأن أمر العبد المحجور عبدا محجورا مثله بقتل رجل دفع السيد العبد القاتل أو فداء إن كان القتل خطأ أو كان القتل عمدا أو العبد المأمور صغيرا لأن عمد الصغير كالخطأ ولا يرجع السيد على الآمر في الحال لأن الأمر قول وقول المحجور غير معتبر فلا يؤاخذ به في الحال بل ويجب أن يرجع السيد عليه أي على العبد بعد عتقه لزوال المانع وهو حق المولى بالأقل من قيمته ومن الفداء لأن القيمة إن كانت أقل من الفداء فالمولى غير مضطر إلى إعطاء الزيادة على القيمة بل يدفع العبد قال صدر الشريعة أقول ينبغي أن لا يرجع بشيء لأن الأمر لم يصح والأمر لم يوقعه في هذه الورطة لكمال عقل المأمور بخلاف ما إذا كان المأمور صبيا انتهى
وإن كان القتل عمدا والمأمور عبدا كبيرا اقتص لأنه من أهل العقوبة
وفي النهاية هذا الذي ذكر من الحكم لا يقتضي أن يكون الآمر والمأمور محجورا عليهما لا محالة بل
____________________
(4/387)
يكتفي بأن يكون الأمر محجورا عليه لأنه إذا أمر العبد المحجور عليه العبد المأذون وباقي المسألة بحالها فالحكم كذلك وأما لو كان الآمر عبدا مأذونا والمأمور عبدا محجورا أو مأذونا يرجع مولى العبد القاتل بعد الدفع أو الفداء على رقبة العبد الآمر في الحال بقيمة عبده لأن الآمر بأمره صار غاصبا للمأمور فصار كإقراره بالغصب والعبد المأذون لو أقر بالغصب يؤاخذ به في حال رقه بخلاف المحجور
وإن قتل عبد حرين لكل منهما وليان فعفا أحد ولي كل منهما دفع السيد نصفه أي نصف العبد إلى الآخرين أو فدى بدية لهما يعني للمولى الخيار إن شاء دفع نصف العبد إلى اللذين لم يعفوا من ولي القتيلين وإن شاء فداه بدية كاملة لأنه لما عفا أحد ولي كل منهما سقط القصاص في الكل وانقلب نصيب الساكتين مالا وهو دية كاملة لأن كل واحد من القبيلتين يجب له قصاص كامل على حدة فإذا سقط القصاص وجب أن ينقلب كله مالا وذلك ديتان فيجب على المولى عشرون ألفا أو يدفع العبد غير أن نصيب العافين سقط مجانا وانقلب نصيب الساكتين مالا وذلك دية واحدة لكل واحد منهما نصف الدية أو دفع نصف العبد لهما فيخير المولى بينهما
وإن قتل العبد أحدهما أي أحد الحرين عمدا و قتل الآخر خطأ فعفا أحد ولي العمد فدى السيد بدية كاملة
____________________
(4/388)
لولي الخطأ و فدى بنصفها لأحد ولي العمد الذي لم يعف لأن نصف الحق بطل بالعفو فبقي النصف وصار مالا ويكون خمسة آلاف درهم ولم يبطل شيء من حق ولي الخطأ وكان حقهما في كل الدية عشرة آلاف أو دفع أي دفع السيد العبد إليهم أي إلى الأولياء يقتسمونه أثلاثا ثلثاه لولي الخطأ وثلثه للذي لم يعف من ولي العمد عولا عند الإمام فيضرب لولي الخطأ بالكل وهو عشرة آلاف وغير العافي بالنصف وهو خمسة آلاف لأن حقه في النصف وحقهما في الكل فصار كل نصف بينهما فصار حق ولي الخطأ في سهمين وحق غير العافي في سهم فيقسم العبد بين ولي الخطأ وبين غير العافي أثلاثا ثلثاه لولي الخطأ وثلثه لغير العافي وعندهما أرباعا منازعة ثلاثة أرباعه لولي الخطأ وربعه لولي العمد بطريق المنازعة فيسلم النصف لولي الخطأ بلا منازعة ومنازعة الفريقين في النصف الآخر فينصف فلهذا يقسم أرباعا
وإن قتل عبد لاثنين قريبا لهما فعفا أحدهما بطل الكل بمعنى إذا كان عبد بين رجل فقتل العبد قريبا لهما كأخيهما فعفا أحدهما بطل حق الجميع عند الإمام فلا يستحق غير العافي شيئا من العبد غير نصيبه الذي كان له من قبل وقالا يدفع العافي نصف نصيبه إلى الآخر إن شاء أو يفديه بربع الدية إن شاء لأن حق القصاص يثبت لهما في العبد على الشيوع لأن الملك لا ينافي استحقاق القصاص عليه للمولى لأنه مبقي على أصل الحرمة في حق الدم وإذا وجب القصاص وجب لكل منهما نصف القود شائعا نصفه في ملكه ونصفه في ملك صاحبه فإذا عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر وهو النصف مالا غير أنه شائع في كل العبد فما أصاب نصيبه سقط لأن المولى لا يستوجب على عبده مالا وما أصاب نصيب صاحبه يثبت وهو نصف النصف وهو الربع فيدفع نصف نصيبه أو يفديه بربع الدية وللإمام أن القصاص وجب حقا لهما من غير تعيين فاحتمل أنه وجب لكل منهما في كل العبد أو في النصف مترددا بين نصفه أو نصف صاحبه أو فيهما شائعا وكل ذلك لا يمنع وجوب القود لأن أجزاء العبد في القود ليس بعضها بأولى من بعض فإذا زال حقه إلى المال احتمل وجوب الكل على احتمال تعلقه بنصيب صاحبه وبطلان الكل على احتمال التعلق بنصيبه ووجوب النصف بأن يتعلق بهما شائعا والمال لا يجب بالشك وقيل محمد مع الإمام
فصل شرع في بيان الجناية على العبد بعدما فرغ من بيان أحكام جناية العبد على غيره دية العبد قيمته لأن العبد أنقص حالا من الأحرار فإن كانت قيمة العبد قدر دية الحر أو أكثر نقصت القيمة عن دية الحر عشرة دراهم وكذا لو كانت قيمة الأمة كدية الحرة أو أكثر يعني
____________________
(4/389)
أن من قتل عبدا خطأ تجب عليه قيمته ولا تزاد على عشرة آلاف درهم فإن كانت قيمته عشرة آلاف درهم أو أكثر يقضى لوليه بعشرة آلاف درهم إلا عشرة دراهم وفي الأمة إذا زادت قيمتها على الدية يقضى بخمسة آلاف إلا عشرة في أظهر الروايتين
وفي رواية إلا خمسة هذا عند الطرفين وقال أبو يوسف والشافعي تجب قيمة العبد أو الأمة بالغة ما بلغت لما روي عن عمر وعلي وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهم أوجبوا في قتل العبد قيمته بالغة ما بلغت وبه قالت الأئمة الثلاثة ولهما قوله تعالى ودية مسلمة إلى أهله فإنه أوجبها مطلقا من غير فصل بين أن يكون حرا أو عبدا والدية اسم للواجب بمقابلة الآدمية وهو آدمي فيدخل في النص
وفي الغصب تجب القيمة بالغة ما بلغت يعني إذا هلك العبد في يد الغاصب فتجب قيمته بالغة ما بلغت بالإجماع لأن ضمان الغصب يكون باعتبار المالية لا باعتبار الآدمية
و كل ما قدر من دية الحر قدر من قيمة الرقيق لما أن القيمة في الرقيق كالدية في الحر لأنها بدل الدم ففي يده أي يد الرقيق نصف قيمته كما أن في يد الحر نصف ديته ولا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة لأن اليد من الآدمي نصفه فيعتبر بكله وينقص هذا المقدار إظهارا لدنو مرتبته عن مرتبة الحر وقيل يضمن في الأطراف بحسابه بالغة ما بلغت ولا ينقص منه لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال وهو الصحيح كما في الدرر
وفي العناية وقوله لا يزاد على خمسة آلاف إلا خمسة أي لا يزاد على هذا المقدار قال في النهاية هذا الذي ذكره خلاف ظاهر الرواية فإنه ذكر في المبسوط فأما طرف المملوك فقد بينا أن المعتبر فيه المالية لأنه لا يضمن بالقصاص ولا بالكفارة فلهذا كان الواجب فيه التسمية بالغة ما بلغت إلا أن محمدا رحمه الله تعالى قال في بعض الروايات إن الأخذ بهذا القول يؤدي إلى أنه يجب بقطع طرف العبد فوق ما يجب بقتله إلى أن قال فلهذا لا يزاد على نصف بدل نفسه فيكون الواجب خمسة آلاف إلا خمسة انتهى وفي التنوير وتجب حكومة عدل في لحيته قال في شرحه وهو رواية الأصل لأن المقصود من العبد الخدمة لا الجمال وروى الحسن عن الإمام أنه يجب كمال القيمة لأن الجمال في حقه مقصود أيضا
وفي المجتبى حلق رأس عبد فلم ينبت قال الإمام إن شاء المولى دفعه إليه وأخذ قيمته وإن شاء تركه
ومن قطع يد عبد عمدا فأعتق فسرى إلى القتل اقتص منه إن كان
____________________
(4/390)
وارثه سيده فقط وإلا أي بأن كان له ورثة غير سيده فلا يقتص هذا عند الشيخين وعند محمد لا قصاص أصلا أي سواء كان وارثه سيده فقط أو لم يكن بل كان له ورثة غيره وعليه أي على القاطع أرش اليد وما نقصه إلى حين العتق أي ما نقصه القطع إلى أن أعتقه وإنما لم يجب القصاص فيما إذا كان له ورثة سواه لاشتباه من له الحق لأن القصاص يجب عند الموت مستندا إلى وقت الجرح فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى وعلى اعتبار الحالة الثانية يكون الحق للورثة فيتحقق الاشتباه ويتعذر الاستيفاء فلا يجب على وجه يستوفى إذ الكلام فيما إذا كان للعبد ورثة أخرى سوى المولى واجتماعها لا يزيل الاشتباه لأن الملك يثبت لكل واحد منهما في إحدى الحالتين ولا يثبت على الدوام فيهما فلا يكون الاجتماع مفيدا ولا يقاد بإذن كل واحد منهما لصاحبه لأن الإذن إنما يصح إذا كان الآذن يملك ذلك بخلاف العبد الموصي بخدمته لرجل وبرقبته لآخر إذا قتل لأن ما لكل منهما من الحق ثابت من وقت الجرح إلى وقت الموت فإذا اجتمعا زال الاشتباه
ومن قال لعبديه أحدكما حر فشجا أي العبدان بأن شجهما آخر فبين المولى العتق في أحدهما بعد الشج فأرشهما أي أرش شجة ذينك العبدين له أي للمولى لأن العتق لم يكن نازلا في المعين والشجة تصادف المعين فبقيا مملوكين في حق الشجة
وإن قتلا على صيغة المجهول قبل التعيين ثم بين المولى العتق في أحدهما فله أي للمولى دية حر وقيمة عبد إن كان القاتل واحدا لا قيمة عبدين ولا دية حرين والفرق أن البيان إنشاء من وجه وإظهار من وجه على ما عرف في أصول الفقه فاعتبر إنشاء في حق المحل وبعد الموت لم يبق محلا للبيان فاعتبر إظهارا محضا فيكون أحدهما حرا بيقين حين الموت فيكون الكل نصفين بين المولى والورثة لعدم الأولوية وإن اختلف قيمتهما يجب على القاتل نصف قيمة كل واحد منهما هذا إذا قتلا معا ولو قتلهما واحد على التعاقب تجب عليه قيمة الأول للسيد ودية الآخر لوارثه إذ يقتل أحدهما تعين العتق بالضرورة لمن أخر
وإن قتل كلا أي كل واحد منهما واحد فقيمة العبدين أي إذا قتل اثنان كلا من العبدين ولم يدر أولهما أو قتلا معا تجب على كل قاتل قيمة عبد قتله لأن العتق المبهم لا يتعين إلا بالبيان وهو لا
____________________
(4/391)
يتصور بعد الموت فلا يحكم بعتق واحد منهما
ومن فقأ عيني عبد فإن شاء سيده دفعه أي العبد إليه أي إلى الفاقئ وأخذ قيمته أو إن شاء أمسكه أي العبد ولا شيء له أي للمولى هذا عند الإمام وعندهما إن شاء دفع العبد وأخذ قيمته وإن شاء أمسكه لكن إن أمسكه فله أي للمولى أن يضمنه أي الفاقئ نقصانه أي نقصان قيمة العبد لهما أنه في الجناية بمنزلة المال فأوجب ذلك تخيير المولى على الوجه المذكور كما في سائر الأموال وله أن المالية وإن كانت معتبرة في الذات فالآدمية غير مهدرة فيه وفي الأطراف ومن أحكام الآدمية أن لا ينقسم الضمان على الجزء الفائت والقائم بل يكون بإزاء الفائت لا غير ولا يتملك الجثة ومن أحكام المالية أن ينقسم على الجزء الفائت والقائم فقلنا بأنه لا ينقسم اعتبارا للآدمية ويتملك الجثة اعتبارا للآدمية وهذا أولى مما قالاه لأن فيما قالاه اعتبار جانب المالية فقط
فصل وإن جنى مدبر أو أم ولد ضمن السيد الأقل من القيمة ومن الأرش إذ لا حق لولي الجناية في أكثر من الأرش ولا منع من المولى في أكثر من القيمة ولا يثبت الخيار بين الكثير والقليل في متحد الجنس لاختياره الأقل بلا شبهة فإن جنى أي كل واحد من المذكورين جناية أخرى فعند الإمام شارك ولي الجناية الثانية ولي الجناية الأولى في القيمة إن دفعت أي القيمة إليه أي إلى ولي الأولى بقضاء ولا يطلب ولي الثانية من المولى شيئا لأنه لا تعدي من المولى بدفعها إلى ولي الجناية الأولى لأنه مجبور على الدفع بالقضاء فيتبع ولي الجناية الثانية ولي الجناية الأولى فيشاركه فيها ويقتسمانه على قدر حقهما وإلا أي وإن لم يدفع المولى القيمة إلى ولي الجناية الأولى بقضاء بل برضى فإن شاء اتبع ولي الثانية ولي الجناية الأولى وإن شاء اتبع المولى لأن جناية المدبر وأم الولد إنما توجب قيمة واحدة فإذا
____________________
(4/392)
دفعها إلى الأول باختياره صار متعديا في حق الثاني لأن حصته وجبت عليه وليس له ولاية عليه حتى ينفذ هذا الدفع في حقه وإذا لم ينفذ دفع المولى في حق الثاني فالثاني بالخيار إن شاء اتبع ولي الأول لأنه تبين أنه قبض حقه ظلما فصار به ضامنا فيأخذ حقه منه وإن شاء اتبع المولى لأنه تعدى بدفع حقه اختيارا منه لا جبرا بخلاف ما لو كان بقضاء القاضي على ما بين آنفا هذا عند الإمام وعندهما يتبع ولي الجناية الثانية ولي الأولى بكل حال أي سواء كان دفع المولى بقضاء القاضي أو برضاه ولا شيء على المولى لأن ما فعله باختياره بمنزلة ما فعله بالقضاء لأنه إيصال حق إلى مستحقه ولم تكن الجناية الثانية موجودة حينئذ حتى يجعل متعديا بالدفع
وإن أعتق المولى المدبر وقد جنى جنايات لا يلزمه إلا قيمة واحدة لأن دفع القيمة فيه كدفع العين ودفع العين لا يتكرر فكذا ما قام مقامه وأم الولد كالمدبر في جميع ما ذكر من الأحكام
وإن أقر المدبر بجناية خطأ لا يلزمه شيء في الحال ولا بعد عتقه لأن موجب جناياته على المولى لا على نفسه وإقراره على المولى غير نافذ
باب غصب العبد والصبي والمدبر والجناية في ذلك لما ذكر حكم المدبر في الجناية ذكر في هذا الباب ما يرد عليه وما يرد منه وذكر حكم من يلحق به
ولو قطع سيد يد عبده فغصب أي العبد بأن غصبه آخر فمات من القطع في يد
____________________
(4/393)
الغاصب ضمن الغاصب قيمته أي العبد مقطوعا لأن الغصب قاطع للسراية لأنه سبب الملك كالبيع فصير كأنه هلك بآفة سماوية فتجب قيمته إن قطع
وإن قطع سيده أي العبد يده عند الغاصب فمات من القطع برئ الغاصب من الضمان لأن السراية مضافة إلى البداية فصار المولى متلفا فيصير مستردا
وكيف لا يكون كذلك وقد استولى عليه بحيث قطع يده وهو استرداد فبرئ الغاصب من الضمان
ولو غصب عبد محجور عبدا محجورا مثله فمات المغصوب في يده أي الغاصب ضمن لأن المحجور عليه مؤاخذ بأفعاله وهذا منها فيضمن حتى لو ثبت الغصب بالبينة يباع فيه بالحال بخلاف أقواله حتى لو أقر بالغصب لا يباع بل يؤخذ به بعد العتق
ولو غصب على صيغة المفعول مدبر فجنى ذلك المدبر عند غاصبه ثم رده إلى مولاه فجنى عند سيده أو بالعكس بأن جنى عند سيده جناية ثم جنى عند غاصبه جناية أخرى ضمن سيده قيمته لهما أي لولي الجنايتين فيكون بينهما نصفين لأن جناية المدبر وإن كثرت قيمة واحدة وإنما كانت القيمة بينهما نصفين لاستوائهما في السبب ورجع السيد بنصفها أي بنصف القيمة التي ضمنها على الغاصب لأنه ضمن القيمة بالجنايتين نصفها بسبب كان عند الغاصب ونصفها بسبب آخر وجد عنده فيرجع على الغاصب بالسبب الذي لحقه من جهة الغاصب فصار كأنه لم يرد نصف العبد ودفعه إلى رب الجناية الأولى في الصورة الأولى وهي ما إذا جنى المدبر عند غاصبه ثم عند مولاه ثم رجع به ثانيا عليه أي على الغاصب لأن حق الأولى في جميع القيمة لأنه حين جنى في حقه لا يزاحمه أحد وإنما انتقص باعتبار مزاحمة الثاني فإذا وجد الأول شيئا من بدل العبد في يد المولى فارغا يأخذه ليتم حقه فإذا أخذه منه يرجع المولى ثانيا بما أخذه منه على الغاصب لأنه استحق من يده بسبب كان عند الغاصب
وهذا عند الشيخين وعند محمد لا يدفعه أي نصف القيمة الذي رجع به على
____________________
(4/394)
الغاصب لولي الجناية الأولى بل هو مسلم للمولى إذ هو عوض ما أخذه ولي الجناية الأولى فلا يدفعه إليه كي لا يؤدي إلى اجتماع البدل والمبدل منه في ملك شخص واحد ولا يرجع ثانيا لأن الذي يرجع به المولى على الغاصب عوض ما سلم لولي الجناية الأولى فلا يرجع كي لا يتكرر الاستحقاق وفي الصورة الثانية وهي ما إذا جنى المدبر عند مولاه جناية ثم عند غاصبه أخرى يدفعه أي يدفع المولى ما رجع به على الغاصب إلى ولي الجناية الأولى ولا يرجع المولى على الغاصب ثانيا بما دفعه إلى ولي الجناية الأولى بالإجماع لأن الجناية الأولى صدرت من المدبر وهو في يد المولى والقن في الفصلين أي فيما إذا جنى عند غاصبه ثم عند مولاه كالمدبر إلا أن الفرق بينهما أنه أي المولى يدفعه أي القن نفسه وفي المدبر يدفع القيمة أي قيمة المدبر وحكم تكرار الرجوع والدفع كما في المدبر اختلافا واتفاقا فإنه إذا دفع القن إليهما رجع بنصف قيمته على الغاصب وسلم للمالك عند محمد وعندهما لا يسلم له بل يدفعه إلى الأول وإذا دفعه إليه يرجع في الفصل الأول على الغاصب ثانيا وفي الفصل الثاني لا يرجع
ولو غصب رجل مدبرا مرتين فجنى المدبر عنده أي الغاصب في كل منهما أي في كل من المرتين غرم سيده قيمته لهما أي لولي الجنايتين ورجع بها على الغاصب ودفع نصفها أي القيمة إلى ولي الجناية الأولى ورجع به أي بالنصف عليه أي على الغاصب ثانيا اتفاقا وصورة المسألة أنه غصب رجل مدبرا فجنى عنده خطأ ثم رده على المولى فغصبه ثانيا ثم جنى ذلك المدبر عنده مرة أخرى يضمن المولى قيمة المدبر لولي الجنايتين بأن يجعل القيمة نصفين لمنعه رقبته بالتدبير فتجب عليه قيمة واحدة بدل الرقبة ثم يرجع بتلك القيمة على الغاصب لحصول كل من الجنايتين عنده ثم قيل هذه المسألة على الاختلاف السابق كالمسألة الأولى وقيل على الاتفاق
وإلى القول بالاختلاف أشار بقوله وقيل فيه خلاف محمد والفرق لمحمد أن في الأولى الذي يرجع به عوض عما سلم
____________________
(4/395)
لولي الجناية الأولى لأن الثانية كانت في يد المالك فلو دفع إليه ثانيا يتكرر الاستحقاق أما في هذه المسألة يمكن أن يجعل عوضا عن الجناية الثانية لحصولها في يد الغاصب فلا يؤدي إلى ما ذكر
ومن غصب صبيا حرا أي ذهب به بغير إذن وليه وذكره بلفظ الغصب مشاكله إذ الغصب لا يتحقق إلا في الأموال والحر ليس كذلك فمات أي الصبي في يده أي في يد الذاهب به فجأة أو بحمى فلا شيء عليه وإن مات بصاعقة أو نهش حية فعلى عاقلته أي الذاهب ديته أي دية الصبي استحسانا والقياس أن لا يضمن وهو قول زفر والشافعي لأن الغصب في الحد لا يتحقق
وجه الاستحسان أن ضمانه ليس لكونه غاصبا بل لتسببه لإتلافه بنقله إلى مكان فيه الصواعق والحيات بخلاف الموت فجأة أو بحمى لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأماكن حتى لو نقله إلى مكان تغلب فيه الحمى والأمراض كالطاعون وغيره فإنه يضمن وتجب الدية على العاقلة لقتله بالنقل تسببا قال في الغاية فإن قيل فما حكم الحر الكبير إذا نقل إلى هذه الأماكن تعديا فأصابه شيء من ذلك أجيب حكمه أن ينظر إن كان الناقل قيده ولم يمكن التحرز عنه ضمن لأن المغصوب عجز عن حفظ نفسه بما فعل به فيجب الضمان على الغاصب وإن لم يمنعه من حفظ نفسه لا يضمن لأن البالغ العاقل إذا لم يحفظ نفسه مع تمكنه من الحفظ كان التلف مضافا إلى تقصيره لا إلى الغاصب فلا يضمن فكان حكم الحر الصغير حكم الحر الكبير المقيد حيث لا يمكنه حفظ نفسه انتهى
ولو قتل صبي عبدا مودعا عنده ضمن عاقلته يعني أودع مولى العبد عبده عند صبي فقتله ذلك الصبي ضمن عاقلة الصبي قيمة العبد
وإن أكل الصبي طعاما أو أتلف مالا أودع عنده فلا ضمان عند الطرفين خلافا لأبي يوسف والشافعي
____________________
(4/396)
لأنه أتلف مالا معصوما متقوما حقا للمالك فيجب عليه ضمانه ولهما أن المال غير العبد ليس بمعصوم لنفسه بل معصوم لحق المالك وقد فوت العصمة على نفسه حيث وضع ماله في يد الصبي بخلاف العبد فإن عصمته لحق نفسه إذ هو مبقي على أصل الحرية في حق الدم فلهذا قلنا بضمان العاقلة قيمة العبد
ولو أودع على صيغة المجهول عند عبد محجور مال فاستهلكه أي المال ضمن العبد بعد العتق لا في الحال عند الطرفين خلافا له أي لأبي يوسف فإنه يؤاخذ به في الحال عنده والإقراض والإعارة كالإيداع فيهما أي في العبد والصبي والدليل من الجانبين ما مر آنفا والمراد بالصبي العاقل كما شرطه محمد في الجامع الصغير
وفي الجامع الكبير وضع المسألة في صبي عمره اثني عشر سنة وذلك دليل على أن غير العاقل يضمن بالاتفاق لأن التسليط غير معتبر فيه وفعله معتبر ولهذا قال وفي غير العاقل يضمن المال أيضا بالاتفاق كما يضمن العاقل أيضا مالا أتلفه بلا إيداع ونحوه بالاتفاق لما بينا أن التسليط فيه غير معتبر لعدم عقله وفعله معتبر فلهذا قلنا بالضمان
باب القسامة لما كان أمر القتيل في بعض الأحوال يئول إلى القسامة أوردها في آخر الديات في باب
____________________
(4/397)
على حدة وهي في اللغة اسم وضع موضع الإقسام
وفي الشرع أيمان يقسم بها أهل محلة أو دار وجد فيهما قتيل به جراحة أو أثر ضرب أو خنق ولا يعلم من قتله يقسم خمسون رجلا من أهل المحلة يقول كل واحد منهم بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا وسببها وجود القتيل كما ذكرنا وركنها إجراء اليمين على لسان كل واحد من الخمسين بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا كما سيجيء وشرطها بلوغ المقسم وعقله وحريته وأن يكون الميت الموجود على الكيفية المذكورة وتكميل اليمين خمسين فإن لم يبلغ المقسمون هذا العدد يكرر عليهم اليمين حتى يبلغ الخمسين وحكمها القضاء بوجوب الدية بعد الحلف والحبس إلى الحلف إن أبوا إذا ادعى الولي العمد والحكم بالدية عند النكول إن ادعى الولي القتل خطأ
ومن محاسنها خطر الدماء وصيانتها عن الإهدار وخلاص من يتهم بالقتل عن القصاص وتعيين الخمسين ثبت بالأحاديث المشهورة الواردة في باب القسامة
إذا وجد ميت في محلة به أي بالميت أثر القتل من جرح أو خروج دم من أذنه أو عينه لأنه لا يخرج الدم منهما عادة إلا من شدة الضرب فيكون قتيلا ظاهرا فيجرى عليه أحكامه أو أثر خنق أو أثر ضرب ولم يدر قاتله إذ لو علم قاتله سقطت القسامة عن أهلها فادعى وليه قتله أي الميت على أهلها أي على أهل المحلة كلهم أو بعضهم عمدا أو خطأ ولا بينة له أي للولي حلف على صيغة المفعول جواب إذا خمسون رجلا منهم أي من أهل المحلة يختارهم الولي صفة خمسون وإنما كان الاختيار للولي لأن اليمين حقه سواء اختار من يتهمه بالقتل كالفسقة أو الشبان أو صالحي أهل المحلة لتحرزهم عن اليمين الكاذبة أكثر مما يحترزه الفسقة فإذا علموا القاتل فيهم أظهروه ولم يحلفوا
ولو اختار في القسامة أعمى أو محدودا في قذف جاز لأن هذه يمين وليس بشهادة فيعتبر أهلية اليمين بخلاف اللعان لأنه شهادة وهما ليسا بأهل للشهادة بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا فقوله بالله متعلق بحلف وقوله ما قتلناه وارد على سبيل الحكاية عن الجمع وإلا فعند الحلف يحلف كل واحد منهم بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا ولا يجمع معه غيره في إسناد نفي القتل لأنه يجوز أن يكون قاتلا وحده وينوي بلفظ الجمع أن يكون قاتلا مع الجماعة وكذا العلم فإنه يجوز أن يكون عالما بالقتل وحده وينفي أن يكون غيره عالما به
فإن قيل أي فائدة في
____________________
(4/398)
قوله ما علمت له قاتلا مع أن شهادة أهل المحلة غير مقبولة قلنا فائدته تعيين محل الخصومة فإن الولي قد يعجز عن تعيينه وقد يظن غير القاتل قاتلا ثم قضي على صيغة المجهول على أهلها أي المحلة بالدية لوجود القتيل بينهم والأصل في ذلك ما روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كتب إلى أهل خيبر إن هذا قتيل وجد بين أظهركم فما الذي يخرجه عنكم فكتبوا إليه إن مثل هذه الحادثة وقعت في بني إسرائيل فأنزل الله على موسى أمرا فإن كنت نبيا فاسأل الله مثل ذلك فكتب إليهم إن الله تعالى أراني أن أختار منكم خمسين رجلا فيحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلا ثم يغرمون الدية قالوا لقد قضيت فينا بالناموس أي بالوحي وما تم خلقه كالكبير أي إذا وجد سقط أو جنين تام الخلق به أثر من الآثار المذكورة فهو كالكبير في الأحكام المذكورة لأن تمام الخلق ينفصل حيا ظاهرا وإن كان ناقص الخلق فلا شيء عليهم لأنه انفصل ميتا ظاهرا ولا يحلف الولي وإن كان لوث أي عداوة خلافا للشافعي فإنه قال إذا كان هناك لوث استحلف الأولياء خمسين يمينا فإن حلفوا يقضى بالدية على المدعى عليه عمدا كانت دعوى القتل أو خطأ في قول وفي قول يقضى بالقود إذا كانت الدعوى في العمد وهو قول مالك وإن نكل المدعي عن اليمين حلف المدعى عليهم فإن حلفوا برئوا ولا شيء عليهم وإن نكلوا فعليهم القصاص في قوله والدية في قول واللوث عندهما قرينة حال توقع في القلب صدق المدعي بأن يكون هناك علامة القتل على واحد بعينه كالدم أو ظاهر يشهد للمدعي من عداوة ظاهرة أو شهادة عدل أو جماعة غير عدول أن أهل المحلة قتلوه وإن لم يكن الظاهر شاهدا له حلف أهل المحلة على ما قلنا والاختلاف في موضعين في تحليف المدعي أولا وفي براءة أهل المحلة باليمين فإن نقص أهلها أي أهل المحلة عن الخمسين كررت اليمين عليهم إلى أن يتم خمسون لأن اليمين واجب بالنص فيجب إتمامها ما أمكن ولا يشترط معرفة الحكمة في هذا العدد الثابت بالنص وقد روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قضى بالقسامة وعنده تسعة وأربعون رجلا فكرر اليمين على رجل منهم ليتم به خمسون ثم قضى بالدية وعن شريح والنخعي مثله ومن نكل منهم عن اليمين حبس حتى يحلف لأن اليمين
____________________
(4/399)
واجبة فيه تعظيما لأمر الدم ولهذا يجمع فيه بين اليمين والدية بخلاف النكول في الأموال
هذا إذا ادعى الولي القتل على جميع أهل المحلة أو على بعض منهم غير معين والدعوى في العمد والخطأ سواء ولو ادعى على واحد منهم بعينه أنه قتل عمدا أو خطأ فكذلك الحكم على ما ذكر في المبسوط وعن أبي يوسف في غير رواية الأصول أنه تسقط القسامة والدية عن الباقين في القياس كما لو ادعى على واحد من غيرهم
وفي الاستحسان تجب القسامة والدية على أهل المحلة لإطلاق النصوص ومن قال منهم أي من المستحلفين قتله فلان استثناه ضمير الفاعل عائد إلى من وضمير المفعول إلى فلان في يمينه بأن يقول بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا إلا فلانا لأنه قد يريد إسقاط الخصومة عن نفسه بقوله قتله فلان فلا يقبل قوله فيحلف كما ذكرنا
وإن ادعى الولي القتل على غيرهم أي على رجل من غير أهل المحلة سقطت القسامة عنهم أي من أهل المحلة أما إذا ادعى على واحد من أهل المحلة بعينه لا تبطل القسامة والدية عن أهلها
وعن الإمام في رواية يكون ذلك إبراء منه لأهل المحلة كما في الخانية
ولا تقبل شهادتهم أي أهل المحلة به أي بالقتل على غيرهم أي على غير أهل المحلة الذي ادعى الولي القتل عليه هذا عند الإمام خلافا لهما لبراءتهم من التهمة بادعاء الولي القتل على غيرهم كالوصي إذا خرج عن الوصاية بعدما قبلها ثم يشهد لا تقبل شهادته وأصله أن من صار خصما في حادثة لا تقبل شهادته فيها ومن كان بعرضة أن يصير خصما ولم ينتصب خصما بعد تقبل شهادته وهذان الأصلان متفق عليهما عند الكل غير أنهما يجعلان أهل المحلة ممن له عرضة أن يصير خصما وهو يجعله ممن انتصب خصما وعلى هذين الأصلين يتخرج كثير من المسائل فمن ذلك الوكيل بالخصومة إذا خاصم عند الحاكم ثم عزل لا تقبل شهادته والشفيع إذا طلب الشفعة ثم تركها لا تقبل شهادته بالبيع أما إذا لم يخاصم الوكيل ولم يطلب الشفعة الشفيع فتقبل شهادتهما لكونهما في عرضة الخصومة
وفي الذخيرة إذا وجد القتيل في المحلة وادعى أهل المحلة أن فلانا قتله دونهم وأقاموا على ذلك بينة من غير محلتهم جازت الشهادة وتثبت لهم البراءة عن القسامة والدية ادعى ولي القتيل ذلك أو لم يدع بخلاف ما إذا عينوا رجلا من أهل المحلة فإن الدية والقسامة على أهل المحلة في الشرع على حالها ولم يتضمن ذلك براءتهم وروي عن الطرفين أن القسامة تسقط
وفي التبيين ودعوى الولي على واحد من غير أهل المحلة تسقط القسامة عنهم وعلى معين منهم لا هذا إن ادعى الولي أما إذا ادعى المجروح فقال قتلني فلان ثم مات وأقام وارثه بينة على رجل آخر أنه قتله لا تقبل بينته ولا تقبل شهادة أهل المحلة على بعضهم لو ادعاه أي الولي إجماعا لأن الخصومة قائمة
____________________
(4/400)
مع الكل لما مر أنهم كانوا خصماء في هذه الحادثة وبالشهادة تقطع الخصومة عن نفسه فكان متهما في هذه الشهادة فلا تقبل شهادته
وفي رواية عن أبي يوسف أنها تقبل فكان الأولى ترك قوله إجماعا ووجود أكثر البدن أو نصفه مع الرأس في المحلة كوجود كله لأن هذا قتيل وجد في محلة فللأكثر حكم الكل
ولا قسامة على صبي و لا على مجنون لأن اليمين يجري على قول صحيح ولا يجري منهما قول صحيح على قاتل
و لا على امرأة و لا على عبد حيث لم يكونا من أهل النصرة واليمين على أهلها إلا إذا جعل كل منهما قاتلا
ولا قسامة ولا دية في ميت لا أثر به من الضرب أو يخرج الدم من فمه أو أنفه أو دبره أو ذكره لأن الدم يسيل في هذه المواضع بعلة فلا يكون قتيلا لأن القتيل عرفا هو فائت الحياة بسبب مباشرة الحي عادة والقسامة شرعت في المقتول وهو إنما باين الميت حتف أنفه بالأثر فمن لا أثر له فهو ميت فلا حاجة بنا إلى صيانة دمه عن الهدر ومن به أثر فهو مقتول وبنا حاجة إلى صيانة دمه عن الهدر وذا بأن يكون به جراحة أو أثر ضرب أو خنق وكذا إذا خرج الدم من عينه أو أذنه لأن الدم لا يخرج منهما عادة إلا بجرح في الباطن أو وجد في محلة أقل من نصفه ولو كان الأقل مع الرأس أو وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد يده أو رجله أو رأسه فلا شيء عليهم فيه لأن الموجود ليس بقتيل إذ الأقل ليس كالكل ولأن هذا يؤدي إلى تكرار القسامة والدية في قتيل واحد فإنا لو أوجبنا بوجود النصف في هذه المحلة القسامة والدية على أهلها لم نجد بدا من أن نوجب إذا وجد النصف الآخر في محلة أخرى القسامة والدية على أهلها وتكرار القسامة والدية في قتل واحد غير مشروع والأصل فيه أن الموجود إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب فيه وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجري فيه القسامة تجب والمعنى ما بينا
وإن وجد القتيل على دابة يسوقها أي الدابة رجل فالدية على عاقلته أي عاقلة السائق سواء كان السائق مالكا للدابة أو غير مالك لا على أهل المحلة لأنه في يده لا في أيديهم
وكذا
____________________
(4/401)
أي يضمن عاقلة القائد أو عاقلة الراكب لو كان يقودها أو راكبها لأنه في يده فصار كما إذا كان في داره
وإن اجتمعوا أي السائق والقائد والراكب فعليهم أي تجب الدية عليهم لأنه في أيديهم فصار كما إذا وجد في دارهم ولا يشترط أن يكونوا مالكين للدابة بخلاف الدار والفرق أن تدبير الدابة إليهم وإن لم يكونوا مالكين لها وتدبير الدار إلى مالكها وإن لم يكن ساكنا فيها وقيل القسامة والدية على مالك الدابة فعلى هذا لا فرق بينها وبين الدار
وإن وجد قتيل على دابة بين قريتين فعلى أقربهما أي أقرب القريتين إلى القتيل الذي وجد على ظهر الدابة التي مرت بين القريتين لما روي أنه عليه الصلاة والسلام أمر في قتيل وجد بين قريتين بأن يذرع فوجد أقرب إلى أحدهما بشبر فقضى عليهم بالقسامة والدية واشترط سماع الصوت من القريتين ولم يقيده المصنف هنا بهذا القيد تبعا للكنز قال شارحه الزيلعي هذا محمول على ما إذا كانوا بحيث يسمع منهم الصوت وأما إذا كانوا بحيث لا يسمع منهم الصوت فلا شيء عليهم لأنهم إذا كانوا بحيث يسمع منهم الصوت يمكنهم الغوث فينسبون إلى التقصير في النصرة وإن كانوا بحيث لا يسمع منهم الصوت فلا ينسبون إلى التقصير في النصرة انتهى
وقد صرح بهذا القيد في الولوالجية حيث قال ولو وجد القتيل بين القريتين ينظر إلى أيهما أقرب وإنما تجب القسامة والدية على أقرب القريتين إذا كان بحال يسمع منه الصوت أما إذا كان بحال لا يسمع منه الصوت لا تجب على واحدة من القريتين ويراعى حال المكان الذي وجد فيه القتيل إن كان مملوكا تجب القسامة على الملاك والدية على عاقلتهم وإن كان مباحا لكنه في أيدي المسلمين تجب الدية في بيت المال وفيها أيضا ولو وجد قتيل في أرض رجل إلى جانب قرية ليس صاحب الأرض من أهل القرية فهو على صاحب الأرض لا العبرة للملك والولاية
وإن وجد قتيل في دار نفسه فعلى عاقلته أي تجب الدية على عاقلة القتيل لورثته عند الإمام وعندهما لا شيء فيه لأنه لما
____________________
(4/402)
وجد قتيلا في دار نفسه جعل كأنه قتل نفسه ومن قتل نفسه يهدر دمه وقال الإمام إنما وجبت الدية على عاقلته لأنه لو وجد غيره قتيلا في ذلك الموضع كانت الدية على عاقلته لأن السبب وجود القتيل في ذلك المكان كما نص عليه عمر رضي الله تعالى عنه حين وجد قتيلا وكانت الدار مملوكة لورثته لا له لأنه ميت ليس من أهل الملك فلهذا كانت الدية على عاقلته
وإن وجد أي القتيل في دار إنسان فعليه أي على ذلك الإنسان القسامة لأن التدبير في حفظ الملك الخاص إلى المالك وعلى عاقلته الدية لأن نصرته وقوته بهم
وإن كانت العاقلة حضورا يدخلون في القسامة أيضا أي كصاحب الدار عند الطرفين خلافا لأبي يوسف فإنه قال لا قسامة على العاقلة لأن رب الدار أخص بها من غيره فلا يشاركه غيره في القسامة كأهل المحلة فإنه لا يشاركهم عواقلهم فيها ولهما أن الحضور ألزمهم نصرة الموضع كما يلزم رب الدار فيتشاركونه في القسامة وإلا أي وإن لم تكن العاقلة حضورا بل كانوا غائبين كررت الأيمان عليه أي على رب الدار ووجبت الدية على العاقلة لما تقدم
والقسامة على الملاك دون السكان عند الطرفين يعني إذا كان في المحلة سكان وملاك فالقسامة على الملاك عندهما وعند أبي يوسف على الجميع لأن ولاية التدبير كما تكون بالملك تكون بالسكنى ولأنه عليه الصلاة والسلام قضى بالقسامة والدية على أهل خيبر وقد كانوا سكانا ولأن وجوبهما عليهم لالتزامهم الحفظ أو لوجود القتيل بينهم والكل في ذلك سواء وإن كانوا ينتقلون إلى أهليهم بالليل مثل الخياط والصباغ يكونون بالنهار في موضع وينصرفون إلى أهليهم بالليل فلا شيء عليهم ولهما أن التدبير في حفظ المحلة إلى الملاك دون السكان لأن السكان ينتقلون في كل وقت من محلة إلى محلة دون الملاك ولأن ما يكون من الغنم وهو الشفعة يختص به الملاك فكذا ما يكون من الغرم وأما أهل خيبر فكانوا ملاكا لا سكانا الملاك هم أصحاب الرقبة والسكان هم المستأجرون والمستعيرون والمودعون والمرتهنون
وإذا وجد الضيف في دار المضيف قتيلا فهو على رب الدار عند الإمام وقال أبو يوسف إن كانا نازلا في بيت على حدة فلا دية ولا قسامة وإذا كان مختلطا فعليه الدية والقسامة والفتوى اليوم على قول أبي يوسف
وهي أي القسامة على أهل الخطة أي أصحاب الأملاك القديمة الذين تملكوها حين فتح الإمام البلدة وقسمها بين الغانمين
ولو بقي منهم أي من أهل الخطة واحد دون المشترين هذا عند الطرفين رحمهما الله تعالى وعنده أي عند أبي يوسف على
____________________
(4/403)
المشترين أيضا لأن الضمان إنما يجب بترك الحفظ ممن له ولاية الحفظ ولهذا جعلوا مقصرين وولاية الحفظ باعتبار الكون فيها وقد استووا فصار كالدار المشتركة بين واحد من أهل الخطة وبين المشتري ولو كان للخطة تأثير في التقدم لما شاركه المشتري ولهما أن صاحب الخطة هو المختص بتدبير المحلة والمحلة تنسب إليه دون المشترين وقلما يزاحمه المشتري في التدبير والقيام بحفظ المحلة فكان هو المختص بالقسامة ووجوب الدية دون المشتري وقيل إنما أجاب الإمام بهذا بناء على ما شاهده من عادة أهل الكوفة في زمانه أن أصحاب الخطة في كل محلة يقومون بتدبير المحلة ولا يشاركهم المشترون في ذلك
وإن لم يبق من أهل الخطة أحد فعلى المشترين بالاتفاق أي إذا لم يبق من أهل الخطة أحد بأن باعوا كلهم فالقسامة والدية على المشترين لأنه زال من يتقدمهم أو يزاحمهم فانتقلت الولاية إليهم عندهما وعند أبي يوسف حصلت لهم الولاية لزوال من يزاحمهم والفرق بين التعليلين خفي يظهر بالتأمل
وإن بيعت دار ولم تقبض فوجد فيها قتيل فعلى البائع أي تجب القسامة والدية على عاقلة البائع عند الإمام وعندهما على المشتري لأنه إنما نزل قاتلا باعتبار التقصير في الحفظ والملك للمشتري قبل القبض في البيع البات فلهذا وجبت عليه القسامة والدية وله إن القدرة على الحفظ باليد لا بالملك واليد قبل القبض للبائع فكان مقصرا في الحفظ فوجبت عليه وفي البيع بخيار على عاقلة ذي اليد عند الإمام وعندهما على من يصير الملك له لأنه إنما نزل قاتلا باعتبار التقصير في الحفظ فلا تجب إلا على من له ولاية الحفظ والولاية تستفاد بالملك ولهذا لو كانت الدار وديعة تجب الدية على صاحب الدار دون المودع وما شرط فيه الخيار يعتبر فيه قرار الملك وله أن الحفظ إنما يكون في الأيدي لأنه يقدر على الحفظ باليد بدون الملك ولا يقدر عليه بالملك دون اليد والحاصل أنه اعتبر اليد وهما اعتبرا الملك إن وجد وإلا فيتوقف على قرار الملك
ولا تدي عاقلة ذي اليد إلا بحجة أنها أي الدار له يعني إذا كانت دار في يد رجل فوجد فيها قتيل لا تعقله عاقلته حتى يشهد الشهود أنها لصاحب اليد واليد وإن كانت تدل على الملك إلا أنها تحتمله فلا تكفي لإيجاب الضمان على العاقلة كما لا تكفي لاستحقاق الشفعة في الدار المشفوعة لأن ما ثبت بالظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق
____________________
(4/404)
ويصلح للدفع كما عرف في الحصول ولا فرق في ذلك بين أن يكون القتيل الموجود فيها هو صاحب الدار أو غيره
وإن وجد أي القتيل في دار مشتركة سهاما مختلفة بأن كان نصفها لرجل وعشرها لآخر ولآخر ما بقي فالقسامة والدية على الرءوس لأن هذا الحكم مضاف إلى ولاية الحفظ وعند التقصير فيه ثبت أحكام القتل بدلالة الملك وولاية الحفظ ثابتة لهم على السواء والدلالة واحدة لا يختلف أثرها بتفاوت الملك فكان على عدد الرءوس كالشفعة
وإن وجد أي القتيل في سفينة فعلى من فيها أي في السفينة من الملاحين والركاب جمع راكب أي تجب القسامة والدية على من كان في السفينة من أربابها وسكانها المالك وغير المالك في ذلك سواء لأنهم في تدبيرها سواء إذا حزبهم أمر أما على مذهب أبي يوسف فظاهر لتسويته في الدار بين السكان والملاك وأما على قولهما فلأن السفينة تنقل وتحول فتكون في اليد حقيقة فإنها مركب كالدابة
وإن وجد في مسجد محلة فعلى أهلها لأنهم أحق الناس بالتدبير فيه
وإن وجد القتيل بين قريتين فعلى أقربهما أي القريتين إلى القتيل لما روينا سابقا
وإن وجد في سوق مملوك فعلى المالك عند الإمام وعند أبي يوسف على السكان سواء كانوا ملاكا أو غير ملاك قال صاحب التسهيل أقول ينبغي أن يشارك الملاك السكان عند أبي يوسف كما في مسألة الدار وفي غير المملوك من الأسواق كالشوارع جمع شارع وهو الطريق الأعظم على بيت المال أي تجب الدية على بيت المال بدون قسامة لأن المقصود بالقسامة نفي تهمة القتل وهذا لا يتحقق في حق العامة
وفي الدرر اعلم أن الطريق ينقسم ابتداء إلى قسمين أحدهما طريق خاص وهو ما يختص بواحد أو أكثر ويكون له مدخل لا مخرج والآخر طريق عام وهو ما لا يختص بواحد أو أكثر ويكون له مدخل ومخرج ويسمى هذا بالشارع وهو أيضا
____________________
(4/405)
قسمان أحدهما شارع المحلة وهو ما يكون المرور فيه أكثر لأهل المحلة وقد يكون لغيرهم أيضا وهذا ما قال في الينابيع وفي مسجد محلة على أهلها كما لو وجد في شارع المحلة والآخر الشارع الأعظم وهو ما يكون مرور جميع الطوائف فيه على السوية كالطرق الواسعة في الأسواق وخارج البلدان وهذا ما قال صاحب الهداية ومن وجد في الجامع والشارع الأعظم فلا قسامة فيه هكذا يجب أن يعلم هذا المقام حتى تندفع الشبهة وتضمحل الأوهام انتهى
وقال صاحب النهاية في شرح قول صاحب الهداية وإن لم يكن مملوكا كالشوارع العامة فعلى بيت المال إنما أراد بها أن تكون نائية عن المحال وأما الأسواق التي تكون في المحال فهي محفوظة بحفظ أهل المحلة فتكون القسامة والدية على أهل المحلة انتهى
وقال الزيلعي
وفي الجامع والشارع لإمامه والدية على بيت المال لأن التدبير في مسجد المحلة إليهم والجامع والشارع للعامة ثم قال بخلاف الأسواق المملوكة لأهلها والتي في المحال والمساجد التي فيها حيث يجب الضمان فيها على أهل المحلة أو على الملاك على الاختلاف الذي هنا لأنها محفوظة بحفظ أربابها أو بحفظ أهل المحلة انتهى ونحوه في البزازية وقد أفتى بعض الفضلاء بوجوب القسامة والدية على أقرب المحلات وقال وإنما يكون على بيت المال فيما إذا كان الشارع نائيا عن المحلات نص على ذلك في شروح الهداية وعامة كتب الفتاوى انتهى
وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لما يفهم من إطلاق المتون أن الدية فيما ذكر على بيت المال من غير تقييد بالعبد عن المحلات ولا بد من اعتبار هذا التقييد كما هو في أكثر المعتبرات وكذا تجب الدية على بيت المال إن وجد القتيل في المسجد الجامع لأنه للعامة لا يختص به واحد دون واحد
وكذا