ذلك على أن البناء والاشجار له لم تقبل بينته ا ه.
إلا أن يحمل على كونه مفصولا لا موصولا كما أشار لذلك في الخانية سائحاني.
وفي الخانية: لو قال هذا البستان لفلان إلا النخلة بغير أصولها فإنها لي لا يصح الاستثناء، بخلاف إلا نخلها بأصولها، وكذلك هذه الجبة لفلان إلا بطانتها لان البطانة تدخل في البيع تبعا فكانت كالبناء، ثم قال: وهو محمول على جبة بطانتها في النفاسة دون الظهارة.
قال في الرمز: وما
نقل عن السير الكبير أن الامام لو قال من أصاب جبة خز فهي له فله الظهارة دون البطانة، حمل على جبة بطانتها كظهارتها نفاسة، فلا تتبعها فهي كجبتين، وما هنا على دون البطانة حتى لو استويا صح الاستثناء ا ه.
أقول: ومثل نخلة البستان نخلة الارض، لان الشجر يدخل في البستان والارض تبعا فلا يصح استثناءه، بخلاف نخلة عرصة البستان، لان العرصة لا تتناول الشجرة كما لا تتناول البناء لا أصلا ولا تبعا إلا أن يستثنيها بأصولها كما ذكرنا.
قوله: (وطوق الجارية) استشكل بأنهم نصوا أنه لا يدخل معها تبعا إلا المعتاد للمهنة لا غير كالطوق، إلا أن يحمل على أنه لا قيمة له كثيرة كطوق حديد أو نحاس، وفيه نظر.
ط عن الحموي.
أقول: ذلك في البيع لانها وما عليها للبائع، أما هنا فإنه لما أقر بها ظهر أنها للمقر له والظاهر منه أن ما عليها لمالكها فيتبعها ولو جليلا.
تأمل.
قوله: (فيما مر) أي من أنه لا يصح.
قوله: (قال مكلف له علي ألف من ثمن عبد ما قبضته) قيد قوله علي لانه لو قال ابتداء اشتريت منه مبيعا إلا أني لم أقبضه قبل قوله، كما قبل قول البائع بعته هذا ولم أقبض الثمن والمبيع في يد البائع، لانه منكر قبض المبيع أو الثمن والقول للمنكر، بخلاف ما هنا، لان قوله ما قبضته بعد قوله له علي كذا رجوع، فلا يصح.
أفاده الرملي.
قوله: (حال منها) أي حال كون قوله ما قبضته موصولا بالكلام الاول، فلو لم يصله لم يصدق أفاده المصنف.
والذي يظهر أنه حال من الضمير في قال: أي قال حال كونه واصلا.
قوله: (فإن سلمه) لعلهم أرادوا بالتسليم هنا الاحضار، أو يخص هذا من قولهم يلزم المشتري تسليم الثمن أو لا، لانه ليس ببيع صريح.
مقدسي ملخصا قوله: (عملا بالصفة) قال في المنح: وإن لم يوجد ما ذكر من القيد وهو التسليم لا يلزمه لانه أقر له بالالف على صفة فيلزمه الصفة التي أقر بها، وإذا لم توجد لا يلزمه ا ه.
وصل أو فصل، هذا مذهب الامام، وقالا: إن وصل صدق فلا يلزمه، وإن فصل لا يصدق.
قوله: (وإن لم يعين العبد لزمه الالف مطلقا وصل أم فصل) كأنه بيان لوجه الاطلاق، ويحتمل أنه أراد بالاطلاق سواء كذبه المقر له أو صدقه بدليل ما يأتي حيث قيدها بقوله وإن كذبه المقر له، وهو أولى لانه حينئذ يتجه فصلها لكنه يبعد أن يلزمه ذلك مع اعتراف كل منهما أنه
حرام أو ربا تأمل.
قوله: (لانه رجوع) أي عما أقر به، وذلك لان الصدر موجب وإنكار قبض مبيع غير معين ينافيه، ولانه لو ادعى تأخير الثمن شهرا لم يقبل، فكيف دهرا، إذ ما من عبد يأتي به البائع إلا يأتي للمشتري منع كونه المبيع، بخلاف المعين.
وما ذكره المصنف أحد وجوه أربعة في المسألة.(2/277)
والثاني: أن يقول المقر له العبد عبدك ما بعتكه وإنما بعتك عبدا آخر وسلمته إليك، والحكم فيه كالاول لانهما اتفقا على ما أقر به من أن كل واحد منهما يستحق ما أقر به، غير أنهما اختلفا في سبب الاستحقاق، ولا يبالي باختلافهما، ولا باختلاف السبب عند حصول المقصود واتحاد الحكم، فصار كما إذا أقر له بغصب ألف درهم فقال المقر له هي قرض فإنه يؤمر بالدفع إليه لاتفاقهما على الاستحقاق.
والثالث: أن يقول العبد عبددي ما بعتكه، وحكمه أن لا يلزم المقر شئ لما ذكر أنه أقر له على صفة وهي سلامة العبد، فلا يلزمه بدونها.
والرابع: أن يقول المقر له لم أبعك هذا العبد وإنما بعتك عبدا آخر، فحكمه أن يتحالفا لانهما اختلفا في المبيع إذ كل منهما مدع ومنكر، فإذا حلفا انتفى دعوى كل عن صاحبه، فلا يقضي عليه بشئ والعبد سالم في يده ا ه.
وتمامه في الزيلعي والدرر موضحا.
قوله: (كقوله من ثمن خمر الخ) تشبيه للمسألة السابقة حكما وخلافا.
قوله: (أو مال قمار) الانسب تأخيره عما بعده ليسلط لفظ الثمن على الحر والميتة والدم، وهو معطوف على ثمن.
قوله: (فيلزمه مطلقا) عنده، وعندهما: إن وصل صدق، وإن فصل لا كما في المسألة الاولى، قوله: (إلا إذا صدقه) أي المقر له.
قوله: (أو أقام عليه) أي المقر، واعتمد المصنف في تعيين مرجع الضميرين المقام والظهور.
قوله: (لاحتمال حله عند غيره) أي في مذهب غيره كما إذا باع ما اشتراه قبل قبضه من بائعه بثمن أقل مما اشترى به فالزيادة هذه عندنا حرام أو ربا، وعند الشافعي: يجوز هذا البيع، وليس زيادة أحد الثمنين حراما ولا ربا، وظاهر هذا التعليل أنهما إذا اتفقا على ذلك لا يلزم المقر شئ ط.
قوله: (ولو قال على زورا أو باطلا) أي هو على حال كون زورا أو باطلا، أو من جهة ذلك فهما منصوبان على الحال أو التمييز.
قوله:
(لزمه إن كذبه) أي في كونه زورا أو باطلا.
قوله: (هي أن يلجئك الخ) قال الشارح في التذنيب آخر الصرف: هو أن يظهرا عقدا وهما لا يريدانه يلجأ إليه لخوف عدو، وهو ليس ببيع في الحقيقة بل كالهزل انتهى.
قوله: (إن كذبه) أي المشتري البائع.
قوله: (وإلا لا) قال في البدائع: كما لا يجوز بيع التلجئة لا يجوز الاقرار بالتلجئة بأن يقول لآخر إني أقر لك في العلانية بمال وتواضعا على فساد الاقرار لا يصح إقراره، حتى لا يملكه المقر له.
قوله: (زيوف) جمع زيف وصف بالمصدر ثم جمع على معنى الاسمية.
يقال: زافت الدراهم تزيف زيفا ردأت والمراد به ما يرده بيت المال ويقبله التجار والنبهرجة دون الزيوف، فإنهما مما يردها التجار والستوقة أردأ من النبهرجة، وتقدم آخر البيوع، وقدمناه في شتى القضاء.
قوله: (ولم يذكر السبب) كثمن مبيع أو غصب أو وديعة.
قوله: (على الاصح) أي إجماعا، وقيل على الخلاف الآتي.
قوله: (وهي زيوف مثلا) أو نبهرجة.
قوله: (لم(2/278)
يصدق مطلقا) أي عنده، وقالا: يصدق إن وصل: أي في قوله زيوف أو نبهرجة بل يلزمه الجياد لان العقد يقتضيها.
فدعوى الزيف رجوع عما أقر به، بخلاف ما إذا قال إلا أنها وزن خمسة ونقد البلد وزن سبعة حيث يصح موصولا لا مفصولا، لانه استثنى القدر فصار مغيرا فيصح بشرط الوصل ولو قال علي كر حنطة من ثمن دار اشتريتها منه إلا أنها رديئة يقبل موصولا ومفصولا، لان الرداءة نوع لا عيب فمطلق العقد لا يقتضي السلامة عنها، بخلاف الجودة.
زيلعي.
وقوله: مطلقا: أي وصل أم فصل.
وقال زفر: يبطل إقراره إذا قال المقر له هي جياد.
قوله: (صدق مطلقا) لان الغاصب يغصب ما يصادف والمودع يودع ما عنده فلا يقتضي السلامة.
قوله: (وصل أم فصل) إذ لا اختصاص للغصب والوديعة بالجياد دون الزيوف إلى آخر ما قدمناه، فلم يكن زيوفا تفسيرا لاول كلامه بل هي بيان للنوع فصح موصولا ومفصولا درر.
وحاصل الفرق بينهما وبين ما تقدم أن فيما تقدم أقر بعقد البيع أو القرض والعقد يقتضي سلامة العوضين عن العيب كما تقدم، وهنا أقر بالغصب والوديعة وهما لا يقتضيان السلامة، وهو قابض والقول للقابض أمينا كان أو ضمنيا.
قوله: (لانها دراهم مجازا) فكان
هذا من باب التغيير فلا يصح مفصولا.
قوله: (وصدق بيمينه في غصبته أو أودعني) لان الغصب والوديعة لا يقتضيان وصف السلامة كما تقدم.
قوله: (مثلا) أي أو قرضا.
قوله: (إلا أنه ينقص كذا) أي الدراهم، ومثله في الشرنبلالية، لكن في العيني قوله إلا أن ينق ص كذا: أي مائة درهم وهو ظاهر.
قوله: (أي الدراهم الخ) أي أن كل عشرة من دراهم هذا الالف وزن خمسة مثاقيل لا وزن سبعة منها.
قوله: (متصلا) أي قال ذلك متصلا.
قوله: (وإن فصل بلا ضرورة لا يصدق).
قال الزيلعي: ولو كان الانقطاع بسبب انقطاع النفس أو بسبب دفع السعال، فعن أبي يوسف أنه يصح إذا وصله به، وعليه الفتوى لان الانسان يحتاج إلى أن يتكلم بجميع ذلك بكلام كثير ويذكر الاستثناء في آخره، ولا يمكنه أن يتكلم بجميع ذلك بنفس واحد، فلو لم يجعل عذرا يكون عليهم حرج، وعليه الفتوى.
ا ه.
قوله: (لا الوصف كالزيافة) فلذا لم يصح له علي ألف من ثمن متاع إلا أنها زيوف فهو كما لو قال: وهي زيوف.
وحاصل الفرق بين هذا وبين ما إذا قال هي زيوف حيث لا يصدق هناك، لان الزيافة وصف فلا يصح استثناؤها وهذا قدر.
قوله: (ضمن المقر) ما أقر بأخذه له لانه أقر بسبب الضمان وهو الاخذ، ثم إنه ادعى ما يوجب البراءة وهو الاذن بالاخذ والآخر ينكر، فالقول قوله مع يمينه، بخلاف ما إذا قال له المقر له بل أخذتها قرضا، حيث يكون القول للمقر كما سيأتي، وكذا لو قال(2/279)
أخذته عارية فقال بل بيعا فالقول للآخذ لانكاره البيع، وهذا إذا لم يلبسه بزازية والعلة في عدم الضمان هو اتفاقهما أن الاخذ كما بالاذن سائحاني.
ولعل العارية محرفة عن الوديعة، لان اللبس في العارية مباح دون الوديعة، ومعلوم أن العارية تبيح التصرف كالبيع، فلا يصلح اللبس هنا فارقا، لكن في البدائع قال: أعرتني ثوبك فهلك وقال المقر له لا بل غصبته، فإن الهلاك بعد اللبس يضمن، لان لبس ثوب الغير سبب لوجوب الضمان في الاصل، فدعوى الاذن فدعوى براءة عن الضمان فلا يثبت إلا بحجة ا ه.
قوله: (وهو سبب الضمان) قال صلى الله تعالى عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترده أي ثم بعد إقراره بالاخذ ادعى
ما يوجب براءته، وهو الاذن بالاخذ والآخر ينكر، فكان القول له بيمينه، فإن نكل عنه لا يلزم، أما لو قال له بعد قوله أخذتها وديعة بل أخذتها قرضا يكون القول للمقر، لانهما تصادقا على أن الاخذ حصل بالاذن، وهو لا يوجب الضمان، ثم إن المالك يدعي عقد القرض والمقر ينكره فالقول له، ومثله لو قال أخذتها بيعا بعد قوله ما تقدم.
أفاده المصنف ومثله في العيني.
قوله: (أعطيتنيه) قال الخير الرملي: ومثله دفعتها لي وديعة ونحوه مما يكون من فعل المقر له.
تأمل.
قوله: (لانكاره الضمان) قال المصنف: لانه لم يقر بسبب الضمان بل أقر بالاعطاء وهو فعل المقر له، فلا يكون مقرا على نفسه بسبب الضمان والمقر له يدعي عليه سبب الضمان، وهو ينكر والقول قول المنكر.
قال في الهداية: والفرق أن في الفصل الاول أقر بسبب الضمان وهو الاخذ ثم ادعى ما يبرئه وهو الاذن والآخر ينكره، فيكون القول له مع اليمين، وفي الثاني أضاف الفعل إلى غيره وذلك يدعي بسبب الضمان وهو الغصب وهو ينكر فيكون القول للمنكر مع اليمين.
ومما يكثر وقوعه ما في التاترخانية أعرتني هذه الدابة فقال لا ولكنك غصبتها، فإن لم يكن المستعير ركبها فلا ضمان وإلا ضمن، وكذا دفعتها لي عارية أو أعطيتنيها عارية.
وقال أبو حنيفة: إن قال أخذتها منك عارية وجحد الآخر ضمن، وإذا قال أخذت هذا الثوب منك عارية فقال أخذته مني بيعا فالقول للمقر ما لم يلبسه لانه منكر الثمن، فإن لبس ضمن أعرتني هذا فقال لا بل أجرتك لم يضمن إن هلك بخلاف قوله غصبته حيث يضمن إن كان استعمله ا ه.
قوله: (وإلا فقيمته) فيه أن فرض المسألة في المشار إليه، إلا أن يقال كان موجودا حين الاشارة ثم استهلكه المقر.
تأمل.
قوله: (لاقراره باليد ثم بالاخذ منه) أي ثم ادعى الاستحقاق بعد فلا يصدق بلا برهان.
قوله: (وصدق من قال آجرت فلانا فرسي هذه الخ) أقول صورة المسألة: في يد إنسان فرس أو ثوب فقال مخاطبا لزيد إنك كنت أجرت أو أعرت فرسي هذه أو ثوبي هذا لعمرو فرده عمرو علي وكذبه عمرو: أي قال لم أستأجره ولم أستعره فالقول للمقر الذي هو ذو اليد، ولا يكون قوله لزيد أجرته أو أعرته إقرارا لزيد بالملك لقوله فرسي أو ثوبي.
تأمل.
ذكره في الحواشي الخيرية.
قوله:(2/280)
(فالقول للمقر استحسانا) وهو قول الامام وقالا القول قول المأخوذ منه، وكذا الاعارة والاسكان لانه أقر له باليد، ثم ادعى الاستحقاق وله أن اليد فيما ذكر لضرورة استيفاء المعقود عليه، فلا يكون إقرارا باليد قصدا فبقيت فيما وراء الضرورة في حكم يد المالك، بخلاف الوديعة والقرض ونحوهما، ولان في الاجارة ونحوها أقر بيد من جهته فالقول له في كيفيتها، ولم يقر بذا في الوديعة فيحتمل أنها وديعة بإلقاء الريح في بيته حتى لو قال أودعتها فهو على الخلاف، وليس مدار الفرق على ذكر الاخذ الوديعة ونحوها كما توهمه الزيلعي، لانه ذكر الاخذ في لطرف الآخر في إقرار.
كذا في التبيين.
وأنت خبير بأنه لم يذكر في القرض ما ذكر في الوديعة فكان قاصرا، وما ذكره فيها نادر لا يبتنى عليه حكم إلا أن يقال: اكتفي بما سيذكره بعد في توجيه حكم قوله قبضت منه ألفا كانت لي عليه فإنه يشمل القرض كما لا يخفى.
ونقل الزيلعي عن النهاية: أن الخلاف إذا لم يكن المقر به معروفا للمقر، وإلا فالقول له إجماعا وعزاه إلى الاسرار، وفيه بأنه إذا كان معروفا به فالقاضي لا يعرف ذلك إلا بشهادة العارفين عنده لا بمجرد قوله، فليتأمل.
وإن قلتم: القاضي يعلم ذلك.
قلنا: لا يقضي بعلمه الآن.
ولو قال قبضت منه ألفا كانت لي عليه وأنكر عليه أخذها لانه أقر له بالملك وأنه أخذ بحقه وهو مضمون عليه، إذ الدين يقضي بمثله وادعى ما يبرئه والآخر ينكر، بخلاف الاجارة ونحوهما لما بينا، ولانا لو آخذنا الناس بإقرارهم فيها لامتنعوا عنها والحاجة ماسة إليها، فلا يؤاخذ به استحسانا دفعا للحرج.
وفي الولوالجية: وعلى هذا الخلاف لو قال أودعت فلانا هذه الالف ثم أخذتها منه هما يقولان أقر بسبب يوجب ضمان الرد وادعى ما يبرئه فلا يصدق إلا ببينة، كما لو قال أخذت منك ألفا كانت وديعة لي عندك وقال المأخوذ منه بل ملكي، وأبو حنيفة يقول: الاقرار بالاجارة والاعارة والايداع أولا صح، لانه أقر بما في يده وليس بحقه دعوى البراءة عن الضمان فصار الثابت بالاقرار كثابت عيانا، ولو عاينا أنه أعار أو آجر أو أودع ثم أخذ لا يلزمه الرد، كذا هاهنا، فأما إذا قال أخذت منه وهو كان عنده عارية أو إجارة أو وديعة، فالاقرار بهذه الاشياء لا يصح، فصار كما لو سكت عن دعوى الثلاثة، ولو قال فلان ساكن في هذه الدار فالقول للساكن أنها له، ولو قال
زرع هذه الارض أو بنى هذه الدار أو غرس الكرم وهو بيد المقر أو خاط القميص ولم يقل قبضته منه فقال بل ملكي فالقول للمقر والاقرار بالسكنى إقرار باليد، ولو قال ذا اللبن أو الجبن من بقرته أو الصوف من غنمه أو التمر من نخله أو العسل من نحله وطلبه أمر بالدفع إليه.
وفي الخانية: ولدت أمة في يده وقال الامة لفلان والولد لي فكما قال، لان الاقرار بالجارية لا يكون إقرار بالولد، بخلاف البناء ونحوه، وكذا سائر الحيوان والثمار المحرزة في الاشجار بمنزلة ولد الجارية، ولو قال لصندوق فيه متاع في يده الصندوق لفلان والمتاع لي أو هذه الدار لفلان وما فيها من المتاع لي فالقول له.
مقدسي.
قوله: (بخلاف الوديعة) ومثلها القرض، لان اليد فيهما مقصورة فيكون الاقرار بهما إقرارا باليد كما في المنح.
قوله: (وعلى المقر ألف مثله للثاني) لان الاقرار صح(2/281)
للاول، قوله لا بل وديعة فلان إضراب عنه ورجوع، فلا يقبل قوله في حق الاول، ويجب عليه ضمان مثلها للثاني لانه أقر له بها وقد أتلفها عليه بإقراره بها للاول فيضمن له.
منح.
وسيأتي قبيل الصلح ما لو قال أوصى أبي بثلث ماله لفلان بل لفلان.
قوله: (بخلاف هي لفلان الخ) فلم يكن مقرا بسبب الضمان، بخلاف الاولى فإنه حيث أقر بأنه وديعة لفلان الآخر يكون ضامنا حيث أقر بها للاول لصحة إقراره بها للاول فكانت ملك الاول ولا يمكن تسليمها للثاني، بخلاف ما إذا باع الوديعة ولم يسلمها للمشتري لا يكون ضامنا بمجرد البيع حيث يمكنه دفعها له بها هذا ما ظهر.
فتأمل.
وأيضا لانه أقر بها للاول ثم رجع وشهد بها للثاني فرجوعه لا يصح وشهادته لا تقبل.
منح.
فرع: أقر بمالين واستثنى كله على ألف درهم ومائة دينار إلا درهما: فإن كان المقر له في المالين واحدا يصرف إلى المال الثاني، وإن لم يكن من جنسه قياسا وإلى الاول استحسانا لو من جنسه، وإن كان المقر له رجلين يصرف إلى الثاني مطلقا، مثل لفلان علي ألف درهم ولفلان آخر علي مائة دينار إلا درهما هذا كله قولهما، وعلى قول محمد: إن كانا لرجل يصرف إلى جنسه، وإن لرجلين لا يصح الاستثناء أصلا.
تاترخانية عن المحيط.
قوله: (لزمه أيضا) الثاني ألف لانه أقر له بشئ تقبله الذمة بأن كان دينا أو قرضا وهي تقبل حقوقا شتى كالدين والقرض ونحوهما: قوله: (وعليه للثاني مثلها) لما
تقدم في الوديعة.
قوله: (ولو كان المقر له واحدا) وقد زاد في أحد الاقرارين قدرا أو وصفا.
قوله: (يلزمه أكثرهما قدرا وأفضلهما وصفا) أي سواء كان ما بعد بل هو الافضل أو ما قبلها، وسواء كان الفضل في الذات أو في الصفة لانه حيث أقر بالقدر الزائد أو الوصف الفاضل لا يصح الرجوع عنه أو أخذه، لانه إن لم يقر به أولا فقد أقر به ثانيا وهذا إذا كان جنسا واحدا، فلو كان جنسين كألف درهم لا بل دينار لزمه الالفان.
قوله: (أو عكسه) راجع إلى المسألتين، والقياس أن يلزمه المالان وبه قال زفر، كما إذا اختلف جنس المالين بأن قال لفلان ألف درهم بل ألف دينار، فإنه يلزمه المالان بالاجماع كما قدمنا.
والحاصل: أن هذه المسألة على وجهين أحدهما: أن يكون المال متحدا.
والثاني: أن يكون مختلفا.
فإن كان متحدا فإنه يلزمه أفضل المالين، سواء كان ما بعد بل هو الافضل أو ما قبلها، وسواء كان الفضل في الذات أو في الصفة كما قدمنا، فلذا قال في المبسوط: إذا أقر لفلان بألف درهم ثم قال بل بخمسمائة فعليه ألف، وكذا لو قال خمسمائة بل ألف، ولو قال عشرة دراهم بيض لا بل سود أو قال سود لا بل بيض أو قال جيد لا بل ردئ أو ردئ بل جيد فعليه أفضلهما، وإن كان مختلفا فعليه المالان لان الغلط لا يقع في الجنس المختلف عادة فرجوعه عن الاول باطل والتزامه الثاني صحيح، فلو قال له علي درهم بل دينار لزمه ودينار، ولو قال له علي كر حنطة لا بل كر شعير(2/282)
لزمه الكران.
ا ه.
كما في شرح المنار لابن نجيم.
قوله: (فهو إقرار له) أي للمقر له، قال في شرح الملتقي: وإن تعددت الديون والودائع، ولا يصدق المقر له قال عنيت بعضها ا ه.
قوله: (وحق القبض للمقر) فيأخذ ما ذكر ويدفعه للمقر له.
قال في شرح الملتقى: ولو جحد المودع ضمن للمقر له إذا تلف.
قوله: (برئ) أي إذا أقر المقر أنه أذن له.
كذا في شرح الملتقى.
قوله: (لكنه مخالف الخ) هذا الاستدارك وجيه ومؤيد لا يقبل التغيير، وربما كلمة لي في الخلاصة من زيادة الناسخ، ولذا لم توجد في الوديعة بعده، لكن كلام الحاوي يؤيد الزيادة، وزيادة الحاوي وجيهة على ما ظهر لي حيث إن العبرة لآخر الكلام.
قوله: (لما مر الخ) أي أوائل كتاب الاقرار عند قول المصنف جميع مالي أو ما
أملكه هبة لا إقرار وقدمنا الجواب عن ذلك والتوفيق بما يشفي الغليل، فراجعه إن شئت.
قوله: (إن أضاف إلى نفسه كان هبة) أي فيراعي شروطها ولا يكون إقرارا لانه إخبار، وقضية الاضافة إلى نفسه منافية له فيكون هبة.
قوله: (فيلزم التسليم) لان هبة الدين لا تصح من غير من عليه الدين إلا إذا سلط على قبضه.
قوله: (ولذا قال في الحاوي القدسي) عبارته كما في المنح قال: الدين الذي لي على زيد فهو لعمرو ولم يسلطه على القبض لكن قال واسمي في كتاب الدين عارية صح، ولو لم يقل هذا لم يصح ا ه.
فهو من غير ذكر لفظ لو، واستفيد من هذا أنه لو سلطه على قبضه أو قال هذه الجملة صح على أنه إقرار وإلا يصح إقرارا بل هبة.
قوله: (قال المصنف وهو) أي قوله وإن لم يقله لم يصح هو المذكور في عامة المعتبرات، خلافا للخلاصة.
حاصله: أنه إن سلطه على قبضه أو لم يسلطه ولكن قال اسمي فيه عارية يصح كما في فتاوي المصنف، وعلى الاول يكون هبة وعلى الثاني إقرارا، وتكون إضافته إلى نفسه إضافة نسبة لا ملك كما ذكره الشارح فيما مر وإنما اشترط.
قوله: واسمي عارية ليكون قرينة على إرادة إضافة النسبة، وعليه يحمل كلام المتن ويكون إطلاقا في محل التقييد، فلا إشكال حينئذ في جعله إقرارا ولا يخالف الاصل المار للقرينة الظاهرة.
وفي شرح الوهبانية: امرأة قالت الصداق الذي لي على زوجي ملك فلان بن فلان لا حق لي فيه وصدقها المقر له ثم أبرأت زوجها قيل يبرأ، وقيل لا.
والبراءة أظهر لما أشار إليه المرغيناني من عدم صحة الاقرار، فيكون الابراء ملاقيا لمحله ا ه.
أي فإن هنا الاضافة للملك ظاهرة، لان صداقها لا يكون لغيرها فكان إقرارها له هبة بلا تسليط على القبض.
وأعاد الشارح المسألة في متفرقات الهبة واستشكلها، وقد علمت زوال الاشكال بعون الملك المتعال فاغتنمه.
قوله: (فتأمل عند الفتوى) العبرة لما في عامة كتب المذهب، وفي شرح العلامة عبد البر، وقالوا: إذا أضاف المال إلى نفسه بأن قال عبدي هذا لفلان يكون هبة على كل حال، وإن لم يضف إلى نفسه بأن قال هذا المال لفلان يكون إقرارا ا ه.
وهذه المسألة ذكرها ابن وهبان حيث قال:(2/283)
ومن قال ديني ذا لذا صح دفعه إلى ذا وذا حيث التصادق يذكر قال شارحها عبد البر: مسألة البيت من التتمة وغيرها قال المقر له بالدين إذا أقر أن الدين لفلان وصدقه فلان صح، وحق القبض للاول دون الثاني، لكن مع هذا لو أدى إلى الثاني برئ، وجعل الاول كوكيل، والثاني كموكل.
ا ه.
وظاهره أنه يكون لفلان بمجرد التصادق وإن لم يقل اسمي عارية، ولم يسلط المقر له على قبضه، فكان هذا التصادق مفيدا لملك المقر له، وكان المقر كالوكيل عن المقر له، وإن حمل ما في الحاوي على أن المقر له كان ساكتا، ومسألة البيت فيما إذا وجد منه تصديق حصل التوافق وزال التنافي والاضطراب، والله تعالى أعلم بالصواب، وأستغفر الله العظيم.
باب إقرار المريض وجه تأخيره ظاهر، لانه عارض وإفراده في باب على حدة لاختصاصه بأحكام على حدة، ولان في بعضها اختلافا.
قال في نور العين: ومن الامور المعترضة على الاهلية المرض، وهو لا ينافي أهلية وجوب الحكم حتما لله تعالى أو للعبد، ولا لاهلية العبارة حتى صح نكاح المريض وطلاقه وسائر ما يتعلق بالعبارة، ولكن المرض لما كان سبب الموت والموت عجز خالص كان المرض من أسباب العجز فشرعت العبادات على المريض بقدر القدرة، ولما كان الموت علة خلافة الوارث والغرماء في المال كان المرض من أسباب تعلق حق الوارث والغريم بماله فيكون المرض من أسباب الحجر على المريض بقدر ما يتعلق به صيانة للحقين، إذا اتصل المرض بالموت مستندا إلى أول المرض، حتى لا يورث المرض فيما لا يتعلق به حق غريم، ووارث كنكاح بمهر المثل حيث يصح منه لانه من الحوائج الاصلية وحقهم يتعلق فيما فضل عنها، فيصح في الحال كل تصرف يحتمل الفسخ كهبة وبيع بمحاباة، ثم ينتقض إن احتيج إليه، وما لا يحتمل النقض جعل كمعلق بالموت كإعتاق إذا وقع على حق غريم أو ورث، بخلاف إعتاق الراهن حيث ينفذ، لان حق المرتهن في ملك اليد دون الرقبة ا ه.
قوله: (يعني مرض الموت) أشار به إلى أن أل للعهد، ولما كانت أل تحتمل الاستغراق وغيره فسرها بيعني وكان المقام أي.
قوله: (مر في طلاق المريض) وهو قوله من غالب حاله الهلاك بمرض أو غيره بأن أضناه مرض عجز به عن إقامة مصالحه
خارج البيت أو بارز رجلا أو قدم ليقتل من قصاص أو رجم أو بقي على لوح من السفينة أو افترسه سبع وبقي في فيه، ولا يصح تبرعه إلا من الثلث ا ه.
ومنه: لو قدمه ظالم ليقتله، ومنه: لو تلاطمت الامواج وخيف الغرق فهو كالمريض: أي ومات من ذلك كله كما قيده ثمة وأوضحه سيدي الوالد رحمه الله تعالى، فراجعه.
قوله: (وسيجئ في الوصايا) حيث قال المؤلف هناك: قيل مرض الموت أن لا يخرج لحوائج نفسه، وعليه اعتمد في التجريد.
بزازية.
والمختار أنه ما كان الغالب منه الموت، وإن لم يكن صاحب فراش.
قهستاني عن هبة الذخيرة.
ا ه.
واختاره صاحب الهداية في التجنيس.
لكن في المعراج: وسئل صاحب المنظومة عن حد مرض الموت، فقال: كثرت فيه أقوال المشايخ، واعتمادنا في ذلك على قول الفضلي، وهو أن لا يقدر أن يذهب في حوائج نفسه خارج الدار والمرأة لحاجتها داخل الدار لصعود السطح ونحوه ا ه.
وهذا الذي جرى عليه في باب طلاق المريض، وصححه الزيلعي.(2/284)
أقول: والظاهر أنه مقيد بغير الامراض المزمنة التي طالت، ولم يخف منها الموت كالفالج ونحوه، وإن صيرته ذا فراش ومنعته عن الذهاب في حوائجه فلا يخالف ما جرى عليه أصحاب المتون والشروح هنا تأمل.
قال في الاسماعيلية: من به بعض مرض يشتكي منه وفي كثير من الاوقات يخرج إلى السوق ويقضي مصالحه لا يكون به مريضا مرض الموت وتعتبر تبرعاته من كل ماله، وإذا باع لوارثه أو وهبه لا يتوقف على إجازة باقي الورثة ا ه.
وتمام الكلام على ذلك مفصلا في المحلين المذكورين.
قوله: (إقراره بدين لاجنبي) المراد بالاجنبي من لم يكن وارثا وإن كان ابن ابنه.
قوله: (نافذ من كل ماله) لكن يحلف الغريم كما مر قبيل باب التحكيم، ومثله في قضاء الاشباه.
قوله: (بأثر عمر) رضي الله تعالى عنه، وهو ما روي عنه أنه قال: إذا أقر المريض بدين جاز ذلك عليه في جميع تركته، والاثر في مثله كالخبر لانه من المقدرات، فلا يترك بالقياس فيحمل على أنه سمعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ولان قضاء الدين من الحوائج الاصلية لان فيه تفريغ ذمته ورفع الحائل بينه وبين الجنة فيقدم
على حق الغرماء كسائر حوائجه، لان شرط تعليق حقهم الفراغ من حقه، ولهذا يقدم كفنه عليهم، والقياس أن لا ينفذ إلا من الثلث، لان الشرع قصر تصرفه على الثلث وعلق حق الورثة بالثلثين، فكذا إقراره.
كذا في الزيلعي.
وفيه: ولانه لو لم يقبل إقراره لامتنع الناس عن معاملته حذرا من إتواء مالهم فينسد عليهم طريق التجارة أو المداينة ا ه.
وفي بعض النسخ بأثر ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: وهي الموافقة لما في الاتقاني عن المبسوط.
أقول: وفي البخاري في كتاب الوصايا ما نصه: ويذكر أن شريحا وعمر بن عبد العزيز وطاوسا وعطاء وابن أذينة أجازوا إقرار المريض بدين ا ه.
فلعل مراد الشارح بأثر عمر هو عمر بن عبد العزيز قوله: (ولو بعين فكذلك) قال العلامة الرملي في حاشيته على المنح: قوله إقراره بدين ليس احترازا عن العين لان إقراره له بها صحيح.
قال في مجمع الفتاوي إذا أقر المريض لاجنبي بجميع ماله صح، ولو أقر لغير الوارث بالدين يصح ولو أحاط بجميع ماله، وبه نأخذ.
وفيها: المريض الذي ليس عليه دين إذا أقر بجميع ماله صح إقراره ولا يتوقف على إجازة الورثة، ولو كان تمليكا لا ينفذ إلا بقدر الثلث عند عدم الاجازة، وقد ذكر الزيلعي: لو كان عليه دين لا يصح إقراره بدين ولا بعين في يده لآخر في حق غرماء الصحة والمرض بأسباب معلومة ا ه.
قوله: (إلا إذا علم تملكه) أي بقاء ملكه لها في زمن مرضه.
قوله: (فيتقيد بالثلث) أي فيكون إقراره له تمليكا له والتمليك في المرض وصية، وهو معنى ما أفاده الحموي أن إقراره بالعين للاجنبي صحيح إن كان إقراره حكاية، وإن كان بطريق الابتداء يصح من الثلث كما في فصول العمادي.
وقد سئل العلامة المقدسي: عن المراد بالحكاية والابتداء.
فأجاب: بأن المراد بالابتداء ما يكون صورته صورة إقرار، وهو في الحقيقة ابتداء تمليك بأن يعلم بوجه من الوجوه أن ذلك الذي أقر به ملك له، وإنما قصد إخراجه في صورة الاقرار، حتى لا يكون في ذلك منع ظاهر على المقر، كما يقع أن الانسان يريد أن يتصدق على فقير ولكنه يعرض عنه(2/285)
بين الناس، وإذا خلا به تصدق عليه كي لا يحسد على ذلك من الورثة فيحصل منهم إيذاء في الجملة بوجه ما، وأما الحكاية فهي على حقيقة الاقرار.
ا ه.
وقول المقدسي: بأن يعلم الخ، يفيد إطلاقه أن
التقييد من المؤلف.
قوله: في مرضه اتفاقي ط.
قال: إذا أقر الرجل في مرضه بدين لغير وارث فإنه يجوز، وإن أحاط ذلك بماله، وإن أقر لوارث فهو باطل إلا أن يصدقه الورثة ا ه.
وهكذا في عامة المعتمدة المعتبرة من مختصرات الجامع الكبير وغيرها، لكن في الفصول العمادية: إن إقرار المريض للوارث لا يجوز حكاية ولا ابتداء، وإقراره للاجنبي يجوز حكاية من جميع المال وابتداء من ثلث المال.
ا ه.
قلت: وهو مخالف لما أطلقه المشايخ فيحتاج إلى التوفيق، وينبغي أن يوفق بينهما بأن يقال: المراد بالابتداء ما يكون صورته صورة إقرار وهو في الحقيقة ابتداء تمليك بأن يعلم بوجه من الوجوه أن ذلك الذي أقر به ملك له وإنما قصد إخراجه في صورة الاقرار، حتى لا يكون في ذلك إظهار على المقر له، وكما يقع لبعض أن يتصدق على فقير الخ.
وأما الحكاية فهو على حقيقة الاقرار، وبهذا الفرق أجاب العلامة المقدسي، ونقله عن السيد الحموي كما نقله الرملي في حاشية جامع الفصولين.
أقول: ومما يشهد لصحة ما ذكرنا من الفرق ما صرح به صاحب القنية.
أقر الصحيح بعبد في يد أبيه لفلان ثم مات الاب والابن مريض، فإنه يعتبر خروج العبد من ثلث المال، لان إقراره متردد بين أن يموت الابن أولا فيبطل، أو الاب أولا فيصح، فصار كالاقرار المبتدأ في المرض.
قال أستاذنا: فهذا كالتنصيص أن المريض إذا أقر بعين في يده للاجنبي فإنما يصح إقراره من جميع المال إذا لم يكن تمليكه إياه في حال مرضه معلوما حتى أمكن جعل إقراره إظهارا أي لحق المقر له لا تمليكا، فأما إذا علم تملكه في حال مرضه فإقراره به لا يصح إلا من ثلث المال.
قال رحمه الله تعالى: وأنه حسن من حيث المعنى ا ه.
قلت: وإنما قيد حسنه بكونه من حيث المعنى لانه من حيث الرواية مخالف لما أطلقوه في مختصرات الجامع الكبير، فكان إقرار المريض لغير وارثه صحيحا مطلقا، وإن أحاط بماله، والله سبحانه أعلم.
معين المفتي.
ونقله شيخ مشايخنا منلا علي ثم قال بعد كلام طويل فالذي تحرر من المتون والشروح أن إقرار المريض لاجنبي صحيح، وإن أحاط بجميع ماله وشمل الدين والعين، والمتون لا تمشي غالبا إلا على ظاهر الرواية.
وفي البحر من باب قضاء الفوائت: متى اختلف الترجيح
رجح إطلاق ما في المتون ا ه.
وقد علمت أن التفصيل مخالف لما أطلقوا، وإن حسنه من حيث المعنى لا الرواية ا ه.
فقد علمت أن ما نقله الشارح عن المصنف لم يرتضه المصنف.
أقول: حاصل هذا الكلام: أن إقرار المريض لاجنبي صحيح، وإن أحاط بكل ماله، لكنه مشروط بما إذا لم يعلم أنه ابتداء تمليك في المرض كما إذا علم أن ما أقر به إنما دخل في ملكه في مرضه، كما إذا أقر في مرض موته بشئ لاجنبي لم يعلم تملكه له في مرضه، ولم يكن عليه دين الصحة، فإن إقراره بأنه ملك فلان الاجنبي دليل على أنه ابتداء تمليك، كما يقع كثيرا في زماننا من أن المريض يقر بالشئ لغيره إضرارا لوارثه، فإذا علم ذلك تقيد بثلث ماله، وهو معنى قول الفصول العمادية: وابتداء من ثلث ماله، لكن أنت خبير بأن المعتمد أن الاقرار إخبار لا تمليك، وأن المقر له بشئ إذا لم يدفعه له المقر برضاه لا يحل له أخذه ديانة إلا إذا كان قد ملك ذلك بنحو بيع أو هبة وإن(2/286)
كان يحكم له بأنه ملكه بناء على ظاهر الامر، وإن المقر صادق في إقراره، فعلى هذا إذا علمنا أن هذا المقر كاذب في إقراره وأنه قصد به ابتداء تمليك فبالنظر إلى الديانة لا يملك المقر له شيئا منه، وبالنظر إلى القضاء في ظاهر الشرع يحكم له بالكل، فلا وجه لتخصيص نفاذه من الثلث، لانا حيث صدقناه في إقراره في ظاهر الشرع لزم نفاذه من كل ماله، وإن أحاط به، فلذا أطلق أصحاب المتون والشروح نفاذ الاقرار للاجنبي من كل المال، فليس فيما ذكره في القنية شئ من الحسن، لا من حيث المعنى ولا من حيث الرواية، ولا يكون فيه تأييد لما ذكره من الفرق إلا أن يحمل الاقرار المزبور على الهبة، وهي في المرض وصية لكنه يشترط فيها التسليم، والاصل أنه متى أضاف المقر به إلى ملكه كان هبة، فعلى هذا فيمكن حمل ما ذكر على الوصية حيث كان المقر في ذكر الوصية، فلا يشترط التسليم، وإلا حمل على الهبة واشترط التسليم كما علمت، وهذا كله أيضا حيث أضاف ما أقر به إلى نفسه كقوله داري أو عبدي لفلان، بخلاف قوله هذه الدار أو العبد لفلان ولم يكن معلوما للناس بأنه ملك المقر، فإنه حينئذ لا يمكن حمله على التمليك بطريق الهبة أو الوصية، لانه يكون مجرد إقرار وهو إخبار لا تمليك كما في المتون والشروح.
وما نقل عن القنية محمول على إنه إنشاء تمليك ابتداء، ولذا قيد نفاذه
بكونه من الثلث، إلا أن يقال: إن إقرار هذا الابن كان إخبارا في حال صحته لكنه لما دخل العبد في ملكه وهو مريض ولزمه تسليمه إلى المقر له في تلك الحالة اعتبر تبرعا في المرض فتقيد بالثلث.
وما نقل عن العمادية فالمراد به الاقرار بالابراء عن العين: يعني أنه إذا أقر المريض أنه أبرأ وارثه عن دين له عليه لا يصح حكاية بأن يسند الابراء إلى حال الصحة، ولا ابتداء بأن يقصد إبراءه الآن.
وأما الاجنبي إذا حكى أنه أبرأه في الصحة يجوز من كل المال، وإذا ابتدأ إبراءه الآن لا على سبيل الحكاية فمن الثلث لانه تبرع.
وما نقل عن جامع الفصولين من أنه لم يجز فصرح في الجوهرة بأنه أي من كل المال، وإنما يجوز من الثلث، وعليه فلا فرق في إقراره بإبراء الاجنبي بين كونه حكاية أو ابتداء، حيث ينفذ من الثلث، بخلاف الاقرار بقبض الدين منه فإنه من الكل كما مر ا ه.
ملخصا من التنقيح لسيدي الوالد رحمه الله تعالى.
أقول: لكن في قوله في صدر العبارة وإن أقر لوارث فهو باطل فيه نظر، لان الباطل لا تلحقه الاجارة، فيتعين أن يقال إنه موقوف لا باطل.
تأمل.
وفي المجلة من المادة 1061: الاقرار لاجنبي صحيح من جميع المال في مرض الموت إذا لم يكن عليه دين الصحة، ولم يعلم أن المقر ملكه بسبب هبة أو إرث أو شراء من مدة قريبة، وأما إذا علم أن المريض كان ملكه بسبب مما ذكر وكان قريب عهد في تملكه، فيكون من الثلث، سواء حمل على الوصية إن كان في مذاكرة الوصية، وإلا فعلى الهبة إذا كان معلوما ذلك عند كثير من الناس.
قوله: (في معينه) وهو معين المفتي للمصنف.
قوله: (وأخر الارث عنه) لان قضاء الدين من الحوائج الاصلية، لان فيه تفريغ ذمته ورفع الحائل بينه وبين الجنة كما قدمنا فيقدم على حق الورثة.
قوله: (ودين الصحة مطلقا) سواء علم بسبب معروف أو بإقراره، سواء كان لوارث أم لا بعين أو بدين ط.
قوله: (ودين) مبتدأ خبره جملة قدم، ويصح جره، والاول قول الشارح في الفرائض: ويقدم دين الصحة على دين المرض إن جهل سببه وإلا فسيان.
قوله: (وما لزمه في مرضه بسبب معروف) وإنما ساوى ما قبله لانه لما علم سببه انتفت التهمة عن الاقرار.
منح.(2/287)
قال في المبسوط: إذا استقرض مالا في مرضه وعاين الشهود دفع المقرض المال إلى المستقرض أو اشترى شيئا بألف درهم وعاين الشهود قبض المبيع أو تزوج امرأة بمهر مثلها أو استأجر شيئا بمعاينة الشهود، فإن هذه الديون تكون مساوية لديون الصحة، وذلك لانها وجبت بأسباب معلومة لا مرد لها، ولانه بالقرض والشراء لم يفوت على غرماء الصحة شيئا لانه يزيد في التركة مقدار الدين الذي تعلق بها، ومتى لم يتعرض لحقوقهم بالابطال نفذ مطلقا ا ه.
جلبي وفي التعليل الثاني نظر لاحتمال استهلاك ما اقترضه أو ما اشتراه ط قوله: (أو بمعاينة قاض) هذا بناء على أن القاضي يقضي بعلمه وهو مرجوح كما مر مرارا.
قوله: (قدم على ما أقر به في مر ض موته) حتى لو أقر من عليه دين في صحته في مرضه لاجنبي بدين، أو عين مضمونة أو أمانة بأن قال مضاربة أو وديعة أو غصب يقدم دين الصحة، ولا يصح إقراره في حق غرماء الصحة، فإن فضل شئ من التركة يصرف إلى غرماء المرض.
إتقاني.
وإنما قدم عليه، لان المريض محجور عن الاقرار بالدين ما لم يفرغ عن دين الصحة، فالدين الثابت بإقرار المحجور لا يزاحم الدين الثابت بلا حجر، كعبد مأذون أقر بدين بعد حجره، فالثاني لا يزاحم الاول.
حموي.
وفيه: ولنا أن حق غرماء الصحة تعلق بمال المريض مرض الموت في أول مرضه لانه عجز عن قضائه من مال آخر، فالاقرار فيه صادف حق غرماء الصحة فكان محجورا عليه ومدفوعا به.
قوله: (ولو المقر به وديعة) أي لم يتحقق ملكه لها في مرضه، وإلا كانت وصية.
قوله: (وعند الشافعي الكل سواء) لانه إقرار لا تهمة فيه لانه صادر عن عقد والذمة قابلة للحقوق في الحالين، ولنا أن المريض محجور عن الاقرار بالدين ما لم يفرغ عن دين الصحة، فالدين الثابت بإقرار المحجور لا يزاحم الدين الثابت بلا حجر، كعبد مأذون أقر بالدين بعد الحجر، فالثاني لا يزاحم الاول.
درر.
والحاصل: أن الدين الثابت قبل الحجر لا يزاحمه الثابت بعده، ولكن ما لو علم منه سبب بلا إقرار يلحق بالثابت قبل الحجر فيؤخر عنهما الثابت بمجرد الاقرار، ثم الدين الثابت بالسبب نوعان: نوع لو قبض صاحبه من المريض ذلك لا يشاركه فيه صاحب دين الصحة كالمقرض والمبيع فيه.
ونوع: يشارك فيه معه كمهر قبضته المرأة وأجرة قبضها الآجر كما في غاية البيان، وأجرة مسكنه ومأكله
وملبسه، ومنه أدويته وأجرة طبيبه من النوع الاول لو قبضت لا يشاركها الغرماء والمهر من النوع الثاني، ولم يعد من التبرعات لان النكاح من الحوائج الاصلية كما مر ويأتي.
قوله: (كنكاح مشاهد) أي للشهود، وإنما جعل النكاح من جملة ما يجب تقديمه لانه من الحوائج الاصلية كما مر، وإن كانت رابعة لشيخ فان، لان النكاح في أصل الوضع من مصالح المعيشة، والاصل الوضع لا الحال لان الحال مما لا يتوقف عليها كما في المنح.
قوله: (أما الزيادة فباطلة) أي ما لم تجزها الورثة لانها وصية لزوجته الوارثة، فافهم.
قوله: (وبيع مشاهد) إنما يكون مشاهدا بالبينة على ما تقدم.
قوله: (والمريض) بخلاف الصحيح كما في حبس العناية.
قوله: (ليس له) أي للمريض، ومفاده أن تخصيص الصحيح صحيح كما في حجر النهاية شرح الملتقى.
قوله: (دين بعض الغرماء) ولو غرماء(2/288)
لتعلق حق كل الغرماء بما في يده، والتقييد بالمريض يفيد أن الحر غير المحجور لا يمنع من ذلك.
قال في الدرر: ولم يجز تخصيص غريم بقضاء دينه، وهذا ظاهر في أنه لو أداه شاركه الغرماء الآخر، بخلاف قوله وليس له الخ، فإنه يحتمل، ويدل على ذلك قول الشارح فلا يسلم لهما.
قوله: (فلا يسلم) بفتح اللام المخففة من السلامة.
قوله: (لهما) بل يشاركهما غرماء الصحة، لان ما حصل له من النكاح وسكنى الدار لا يصلح لتعلق حقهم بعين التركة، فكان تخصيصهما إبطالا لحق الغرماء، بخلاف ما بعده من المسألتين لانه حصل في يده مثل ما نقد، وحق الغرماء تعلق بمعنى التركة لا بالصورة، فإذا حصل له مثله لا يعد تفويتا كما في الكفاية وهذا في الاجرة المستوفية المنفعة.
أما إذا كانت الاجرة مشروطة التعجيل وامتنع من تسليم العين المؤجرة حتى يقبض الاجرة فهي كمسألة ثمن المبيع الآتية الذي امتنع من تسليمه حتى يقبض ثمنه.
قوله: (إلا في مسألتين الخ) وذلك لان المريض إنما منع من قضاء دين بعض الغرماء لما فيه من إسقاط حق الباقين، فإذا حصل للغرماء مثل ما قضى ولم يسقط من حقهم شئ جاز القضاء، ولان حق الغرماء في معنى التركة لا في عينها كما مر.
فإذا اشترى عبدا وأوفى ثمنه من التركة فمعنى التركة حاصل لهم لم يسقط منه شئ فجاز ما فعله ط.
قوله: (لو بمثل القيمة) والزيادة تبرع فهي وصية.
قوله: (أي ثبت كل منهما) أي من
القرض والشراء.
قوله: (بخلاف اعطاء المهر ونحوه) أي كإيفاء أجرة عليه، وذكرهما ليفيد الحكم فيهما وفيما ذكره المصنف بعد.
قال في خزانة المفتين: المريض إذا تزوج امرأة وأعطاها مهرها يسترد منها ما أخذت ويكون بين الغرماء بالحصص، والمرأة واحدة منهم، بخلاف ثمن المبيع، فإن الثمن يسلم للدافع: أي للبائع الذي دفع السلعة، أما إذا لم يدفعها فإن له حبسها حتى يقبض الثمن على كل حال، ولكن ينظر الفرق بين المهر وبذل الاجرة وبين ثمن المبيع والقرض، والفرق أن المهر تبرع من وجه وصلة وعرض من وجه، فباعتبار ما فيه من المعاوضة تشارك الغرماء، وباعتبار ما فيه من الصلة والتبرع يسترد ما أخذته في المرض والاجرة بعد استيفاء المنفعة دين في ذمة المستأجر فساوت بقيمة الديون، أما قضاء ما استقرض في مرضه لا يسترد دفعا للحرج، لان المقرض إذ علم عدم وفائه في المرض يمتنع عن إقراضه، وكذا البائع فيلحق المريض الحرج، وما جعل عليكم في الدين من حرج.
قوله: (وما إذا لم يؤد) أي وبخلاف ما إذا لم يؤد بدل ما استقرض أو ثمن ما اشترى في المرض.
قوله: (فإن البائع) أي والمقرض.
قوله: (أسوة) بضم الهمزة وكسرها وبهما قرئ في السبع.
قوله: (في الثمن) الاولى أن يقول في التركة.
قوله: (كان أولى) فتباع ويقضى من ثمنها ماله، فإن زاد رده في التركة، وإن نقص حاصص بنقصه كما لا يخفى.
قوله: (أقر المريض الخ) ولو للمريض على الوارث دين فأقر بقبضه لم يجز، سواء وجب الدين بصحته أو لا على المريض دين أو لا.
فصولين.
قوله: (ثم أقر بدين) وقد تساوى الدينان صحة أو مرضا.
قوله: (للاستواء) في الثبوت في ذمة المقر.
قوله: (ولو أقر بدين ثم(2/289)
بوديعة تحاصا) لانه لما بدأ بالاقرار بالدين تعلق حق الغريم بالالف التي في يده، فإذا أقر أنها وديعة يريد أن يسقط حق الغريم عنها فلا يصدق إلا أنه قد أقر بوديعة تعذر تسليمها بفعله، فصارت كالمستهلكة فتكون دينا عليه، ويساوي الغريم الآخر في الدين ولو أقر بوديعة ثم بدين، فصاحب الوديعة أولى بها لانه لما بدأ بالوديعة ملكها المقر له بعينها، فإذا أقر بدين لم يجز أن يتعلق بمال الغير ط عن الحموي.
قوله: (وبعكسه الوديعة أولى) يعني أن الالف المعين يصرف للوديعة من غير محاصصة
فيه، لانه حين أقر بها علم أنها ليست من تركته، ثم إقراره بالدين لا يكون شاغلا لما لم يكن من جملة تركته.
بزازية.
والحاصل: أن في الصورة الاولى يتحاصان، وفي الصورة الثانية ينصرف للوديعة من غير تحاصص ويلزمه ما أقر به، وإقراره بمال في يده إنه بضاعة أو مضاربة حكمه مساو للوديعة كما في البدائع.
قوله: (وإبراؤه مديونه وهو مديون) أي بمستغرق قيد به احترازا عن غير المديون، فإن لم يكن مديونا وأبرأ الاجنبي فهو نافذ من الثلث كما في الجوهرة.
قال أبو السعود في حاشية الاشباه ما نصه: ليس على إطلاقه، بل يقيد أن لا يبقى له من المال الفارغ عن الدين ما يمكن خروج القدر المبرأ من ثلثه، ولا بد من قيد آخر وهو أن يكون له وارث ولم يجز.
قوله: (للتهمة) علله أو السعود في حاشية الاشباه بقوله: لان إبراء الوارث في مرض موته وصية، وهي للوارث لا تجوز ما لم يجز الوارث الآخر، لكن الشارح تبع المنح، والاظهر ما نقلناه عن أبي السعود.
قوله: (إن كان أجنبيا) إلا أن يكون الوارث كفيلا عنه فلا يجوز، إذ يبرأ الكفيل ببراءة الاصيل جامع الفصولين.
ولو أقر باستيفائه دينه منه صدق كما بسطه في الولوالجية.
قوله: (وإن كان وارثا فلا يجوز) أي سواء كان من دين له عليه أصالة أو كفالة، وكذا إقراره بقبضه واحتياله به على غيره.
فصولين.
قوله: (وحيلة صحته الخ) قال في الاشباه: وهي الحيلة في إبراء المريض وارثه مرض موته، بخلاف قوله أبرأتك فإنه يتوقف كما في حيل الحاوي القدسي، وعلى هذا لو أقر المريض بذلك لاجنبي لم تسمع الدعوى عليه بشئ من الوارث، فكذا إذا أقر بشئ لبعض ورثته كما في البزازية.
قوله: (يشمل الوارث وغيره) صرح به في جامع الفصولين حيث قال: مريض له على وارثه دين فأبرأه لم يجز، ولو قال لم يكن لي عليك شئ ثم مات جاز إقراره قضاء لا ديانة ا ه.
وينبغي لو ادعى الوارث الآخر أن المقر كاذب في إقراره أن يحلف المقر له بأنه لم يكن كاذبا بناء على قول أبي يوسف المفتى به كما مر قبيل باب الاستثناء.
وفي البزازية: ادعى عليه ديونا ومالا ووديعة فصالح الطالب على يسير سرا وأقر الطالب في العلانية أنه لم يكن له على المدعى عليه شئ وكان ذلك في مرض المدعي ثم مات فبرهن الوارث أنه
كان لمورثي عليه أموال كثيرة وإنما قصد حرماننا لا تسمع، وإن كان المدعى عليه وارث المدعي وجرى ما ذكرنا فبرهن بقية الورثة على أن أبانا قصد حرماننا بهذا الاقرار تسمع.
ا ه.
وينبغي أن يكون في مسألتنا كذلك، لكن فرق في الاشباه بكونه متهما في هذه الاقرار لتقدم الدعوى عليه والصلح معه على يسير والكلام عند عدم قرينة على التهمة.
ا ه.(2/290)
قلت: وكثيرا ما يقصد المقر حرمان بقية الورثة في زماننا، وتدل عليه قرائن الاحوال القرينة من الصريح، فعلى هذا تسمع دعواهم بأنه كان كاذبا وتقبل بينتهم على قيام الحق على المقر له، وكذا الحكم يجري لو ادعى وارث المقر فيحلف، والنفي عبر عنه في البحر هنا بالاقرار، وتارة عبر عنه بالابراء في أول الاقرار، وفي الصلح، وكذا البزازي، وحينئذ فما في المتن إما إقرار أو إبراء، وكلاهما لا يصح للوارث كما في المتون والشروح، فما في المتن هنا غريب لا يعول عليه، لئلا يصير حيلة لاسقاط الارث الجبري مع ضعفه، ويوضحه ما لو قالوا قصد حرماننا بذلك تسمع دعواهم كما سمعت ويأتي، والله تعالى أعلم.
قوله: (صحيح قضاء لا ديانة) لانه في الديانة لا يجوز إذا كان بخلاف الواقع، ونفس الامر بأن كان له في الواقع عليه شئ لاستلزامه إيثار بعض الورثة، وحرمان البعض، إذ لو قال طابق الواقع إقراره بأن لم يكن عليه شئ لصح قضاء وديانة كما لا يخفى.
قوله: (إلا المهر) أي إذا قالت في مرض موتها لا مهر لي عليه أو لم يكن لي عليه مهر.
قوله: (على الصحيح) مقابله ما في المنح عن البزازية معزيا إلى حيل الخصاف قالت فيه: ليس على زوجي مهر أو قال فيه لم يكن لي على فلان شئ يبرأ عندنا خلافا للشافعي ا ه.
قوله: (لظهور أنه عليه غالبا) لعل المراد ما تعورف تأجليه غالبا.
تأمل قوله (بخلاف) راجع إلى.
قوله: (فلا يصح).
قوله: (فإنه يصح ولا تسمع دعوى زوجها فيه) اعلم أن صاحب الاشباه استنبط هذه المسألة من مسألة الاقرار المصدر بالنفي، وقال: إن هذا الاقرار منها: أي البنت بمنزلة قولها لا حق لي فيه، فيصح وليس من قبيل الاقرار بالعين للوارث لانه فيما إذا قال هذا لفلان، فليتأمل ويراجع المنقول ا ه.
وأقره على ذلك المصنف في منحه حيث قال: وفي التاترخانية من باب إقرار المريض معزيا إلى
العيون: ادعى على رجل مالا وأثبته وأبرأه لا تجوز براءته إن كان عليه دين، وكذا لو أبرأ الوارث لا يجوز سواء كان عليه دين أو لا، ولو أنه قال لم يكن لي على هذا المطلوب شئ ثم مات جاز إقراره في القضاء ا ه.
وفي البزازية معزيا إلى حيل الخصاف قالت فيه: ليس لي على زوجي مهر وقال فيه لم يكن لي على فلان شئ يبرأ عندنا خلافا للشافعي.
ا ه.
وفيها قبله وإبراء الوارث لا يجوز فيه.
قال فيه: لم يكن لي عليه شئ ليس لورثته أن يدعوا عليه شيئا في القضاء، وفي الديانة لا يجوز هذا الاقرار، وفي الجامع أقر الابن فيه أنه ليس له على والده شئ من تركة أمه صح، بخلاف ما لو أبرأه أو وهبه، وكذا لو أقر بقبض ماله منه ا ه.
وبهذا علم صحة ما أفتى به مولانا صاحب البحر: فيما لو أقرت البنت في مرض موتها بأن الامتعة الفلانية ملك أبيها لا حق لها فيها أنه يصح، ولا تسمع دعوى زوجها فيها مستندا إلى ما ذكرناه، وقد خالفه في ذلك شيخنا أمين الدين بن عبد العال المصري، وأفتى بعدم الصحة مستندا إلى عامة ما في المعتبرات من أن الاقرار للوارث لا يصح، وكثير من النقول الصحيحة يشهد بصحة هذا: أي إفتاء صاحب البحر، وليس هذا من قبيل الاقرار لوارث كما لا يخفى.
قال مولانا صاحب البحر: ولا ينافيه ما في البزازية معزيا للذخيرة قولها فيه لا مهر لي عليه أو(2/291)
لا شئ لي عليه أو لم يكن لي عليه مهر قيل يصح، وقيل لا يصح، والصحيح أنه لا يصح.
ا ه.
لان هنا في خصوص المهر لظهور أنه عليه غالبا، وكلامنا في غير المهر، ولا ينافيه أيضا ما ذكره في البزازية أيضا بعده: ادعى عليه مالا وديونا ووديعة فصالح مع الطالب على شئ يسير سرا وأقر الطالب في العلانية أنه لم يكن له على المدعى عليه شئ وكان ذلك في مرض المدعي ثم مات ليس لورثته أن يدعوا على المدعى عليه بشئ، وإن برهنوا على أنه كان لمورثنا عليه أموال لكنه قصد بهذا الاقرار حرماننا لا تسمع، وإن كان المدعى عليه وارث المدعي وجرى ما ذكرنا فبرهن بقية الورثة على أن أبانا قصد حرماننا بهذا الاقرار وكان عليه أموال تسمع ا ه.
لكونه متهما في الدعوى عليه والصلح
معه على يسير، والكلام عند عدم قرينة على التهمة والله تعالى أعلم ا ه.
ما ذكره في المنح.
وأقره على ذلك الشارح كما ترى، قال محشيه الفاضل الخير الرملي قوله: وبهذا علم صحة ما أفتى به مولانا صاحب البحر الخ.
أقول: لا شاهد على ذلك مما تقدم، وحيث كانت الامتعة في يد البنت المقرة لا يصح إقرارها بها لابيها، يدل عليه ما صرح به الزيلعي وغيره من أنه لو أقر بعين في يده لآخر لا يصح في حق غرماء الصحة، وإذا لم يصح في حق غرماء الصحة لا يصح في حق بقية الورثة لاشتراكهما في الحكم لشمول العلة وهي التهمة لهما، وما قدمه من قوله بخلاف إقراره بأن هذا العبد لفلان، فإنه كالدين فإذا كان كالدين فكيف يصح الاقرار به للوارث، أما عدم شهادة ما تقدم له فبيانه أن قوله ليس لي على فلان أو لم يكن لي عليه دين مطابق لما هو الاصل من خلو ذمته عن دينه فلم يكن من باب الاقرار له، فصار كاعترافه بعين في يد زيد بأنها لزيد فانتفت التهمة، ومثله ليس له على والده شئ من تركة أمه، وليس لي على زوجي مهر على القول المرجوح، وقد علمت أن الاصح أنه لا يصح، بخلاف الامتعة التي بيد المقرة، فإنه إقرار بها للوارث بلا شك، لان أقصى ما يستدل به على الملك اليد، فقد أقرت بما هو ملكها ظاهرا لوارثها فأنى يصح وأنى تنتفي التهمة؟ وقوله وكثير من النقول الصحيحة نشهد بصحة هذا، وليس هذا من باب الاقرار لوارث غير صحيح، لانا لم نجد في النقول الصحيحة ولا الضعيفة ما يشهد بصحته، ووجدنا النقول مصرحة بأن الاقرار بالعين التي في يد المقر كالاقرار بالدين، ولم يبعد عهدك بنقلها وقول صاحب البحر ولا ينافيه الخ.
أقول: بل يفهم منه عدم الصحة بالاولى، وذلك لانه إذا لم يصح فيما منه الاصل براءة الذمة، فكيف يصح فيما فيه الملك مشاهد؟ ظاهرا باليد نعم، لو كانت في الامتعة يد الاب هي المشاهدة لا يد البنت، فلا كلام في الصحة، فالحق ما أفتى به ابن عبد العال، ويدل أيضا لصحة ما قلنا ما في شرح القدوري المسمى بمجمع الرواية من قوله قال في حاشية الهداية: قوله وإقرار المريض لوارثه لا يصح إلا أن يصدقه بقية الورثة، هذا إشارة إلى أن إقرار المريض لوارثه إذا كان هنا وراث آخر غير المقر له إنما لا يصح لا لعدم المحلية بل لحق بقية الورثة، فإذا لم يكن له وارث غير المقر له صح إقراره، دل
عليه ما ذكر في الديات إذا ماتت المرأة وتركت زوجا وعبدين لا مال لها غيرهما فأقرت أن هذا العبد بعينه وديعة لزوجها عندها، ثم ماتت فذلك جائز ويكون العبد للزوج بالاقرار بالوديعة والعبد الآخر ميراث نصفه للزوج ونصفه لبيت المال ا ه.
فهذا صريح في أنه إذا كان هناك وارث غير الزوج وغير بيت المال لا يصح إقرارها بالعبد للزوج، وأي فرق بين قول البنت هذه الامتعة التي بيدي أو في بيتي(2/292)
ملك أبي لا حق لي فيها، وبين قول الزوجة هذا العبد ملك زوجي، فإن كان زيادة لا حق لي فيها فهذا نفى حقها المشاهد باليد ظاهرا بعد إثباته للاب.
وبه لا يخرج عن كونه إقرارا للوارث بعين في يده، فتأمل ا ه ما ذكره الشيخ خير الدين الرملي رحمه الله تعالى، فالعجب من الشارح مع قول شيخه الخير الرملي في حاشيته على الاشباه أيضا: أن كل ما أتى به من الشواهد لا يشهد له مع تصريحهم بأن إقرار المريض بعين في يده لوارثه لا يصح، ولا شك أن الامتعة التي بيد البنت، وملكها فيها ظاهر باليد إذا قالت هي ملك أبي لا حق لي فيها إقرار بالعين للوارث، بخلاف قوله لم يكن لي عليه شئ أو لا حق لي عليه أو ليس لي عليه شئ ونحوه من صور النفي لتمسك النافي فيه بالاصل، فكيف يستدل به على مدعاه، ويجعله صريحا فيه.
ثم قال: وقد خالفه في ذلك علماء عصره بمصر، وأفتوا بعدم الصحة، ومنهم والد شيخنا الشيخ أمين الدين بن عبد العال.
وبعد هذا البحث والتحرير رأيت شيخ شيخنا شيخ الاسلام الشيخ علي المقدسي رد على المؤلف: أي صاحب الاشباه كلامه، وكذلك الشيخ محمد الغزي على هامش نسخة الاشباه والنظائر، فقد ظهر الحق واتضح ولله الحمد والمنة ا ه كلام الخير الرملي أيضا.
وتبعه السيد الحموي في حاشية الاشباه، وكذلك رد عليه العلامة جوي زاده كما رأيته منقولا عنه في هامش نسختي الاشباه، ورد عليه أيضا العلامة البيري وقال بعد كلام: وعليه فلا يصح الاستدلال لمفت ولا لقاض بما أفتى به من صحة الاقرار للوارث بالعروض في مرض الموت الواقع في زماننا، لان الخاص والعام يعلمون أن المقر مالك لجميع ما حوته داره لا حق فيه للمقر له بوجه من الوجوه، وإنما قصد حرمان باقي الورثة: أي تهمة بعد هذه التهمة يا عباد الله ا ه.
وكذا رد عليه الشيخ إسماعيل الحائك مفتي دمشق الشام سابقا حيث سئل: فيمن أقر في مرضه أن لا حق له في
الامتعة المعلومة مع بنته وملكه فيها ظاهر؟ فأجاب بأن الاقرار باطل على ما اعتمده المحققون، ولو مصدرا بالنفي خلافا للاشباه وقد أنكروا عليه ا ه.
وكذا رد عليه شيخنا السائحاني وغيره.
والحاصل كما رأيته منقولا عن العلامة جوي زاده: أن الامتعة إن كانت في يد البنت فهو إقرار بالعين للوارث بلا شك، وإن لم تكن في يدها فهو صحيح، وبه يشعر كلام الخير الرملي المتقدم، وصرح به أيضا في حاشيته على المنح، وأطال في الرد على الاشباه كما علمت.
مطلب: الاقرار للوارث موقوف إلا في ثلاث فإن قلت: قد ذكر الشارح فيما يأتي عن الاشباه أن إقراره للوارث موقوف إلا في ثلاث منها: إقراره كلها الخ، وقول البنت هذا الشئ لابي إقرار بالامانة بالامانات فيصح وإن كان في يدها.
قلت: المراد يصح إقرارها بقبض الامانة التي له عند وارثه، لان صاحب الاشباه ذكر عن تلخيص الجامع أن الاقرار للوارث موقوف إلا في ثلاث: لو أقر بإتلاف وديعته المعروفة، أو أقر بقبض ما كان عنده وديعة، أو بقبض ما قبضه الوارث بالوكالة من مديونه.
ثم قال في الاشباه: وينبغي أن يلحق بالثانية إقراره بالامانات كلها ولو مال الشركة أو العارية، والمعنى في الكل أنه ليس فيه إيثارا لبعض ا ه: يعني أن الوديعة في قوله أو أقر بقبض ما كان عنده وديعة غير قيد، بل ينبغي أن يلحق بها الامانات كلها فيكون إقراره بقبضها كإقراره بقبض الوديعة، ويؤيد هذا البحث ما قدمناه(2/293)
عن نور العين من قوله: مريض عليه دين محيط بقبض وديعة أو عارية أو مضاربة كانت له عند وارثه صح إقراره، لان الوارث لو ادعى رد الامانة إلى مورثه المريض وكذبه المورث يقبل قول الوارث ا ه.
فقد تبين لك أنه ليس المراد إقراره بأمانة عنده لوارثه، بل المراد ما قلنا فتنبه لذلك، فإني رأيت من يخطئ في ذلك مع أن النقول صريحة بأن إقراره لوارثه بعين غير صحيح كما مر، ثم إن ما ذكره في الاشباه من استثناء المسألة الثالثة الظاهر أنه يستغني عنه بالثانية، لان المريض إذا كان له دين على أجنبي فوكل المريض وارثه بقبض الدين المذكور فقبضه صار ذلك الذين أمانة في يد الوارث، فإذا أقر
بقبضه منه فقد أقر له بقبض ما كان له أمانة عنده، لان المال في يد الوكيل أمانة.
تأمل.
وقد ذكر في جامع الفصولين صورة المسألة الاولى من المسائل الثلاث فقال: صورتها أودع أباه ألف درهم في مرض الاب أو صحته عند الشهود، فلما حضره الموت أقر بإهلاكه صدق، إذ لو سكت ومات ولا يدري ما صنع كانت في ماله، فإذا أقر بإتلافه فأولى ا ه.
قوله عند الشهود قيد به لتكون الوديعة معرفة بغير إقراره، ولهذا قيد في الاشباه بقوله المعروفة، فيدل على أنه لو أقر بإهلاك وديعة لوارثه ولا بينة على الايداع لا يقبل قوله، وبه تعلم ما في عبارة المصنف والشارح من الخلل حيث قال: بخلاف إقراره له: أي لوارثه بوديعة مستهلكة فإنه جائز.
وصورته أن يقول: كانت عندي وديعة لهذا الوارث فاستهلكتها.
جوهرة ا ه.
فإنه كان عليه أن يقول: بخلاف إقراره له باستهلاك وديعة معرفة فإنه جائز فاغتنم ذلك.
قوله: (كما بسطه في الاشباه الخ) أقول: وقد خالفه علماء عصره، وأفتوا بعدم الصحة كما علمت.
وقد كتب العلامة الحموي في حاشية الاشباه في الرد على عبارتها فقال: كل ما أتى به المصنف: أي صاحب الاشباه لا يشهد له مع تصريحهم بأن إقراره بعين في يده لوارثه لا يصح، ولا شك أن الامتعة التي بيد البنت ملكها فيها ظاهر باليد، فإذا قالت هي ملك أبي لا حق لي فيها، فيكون إقرارا بالعين للوارث، بخلاف قوله لم يكن لي عليه شئ أو لا حق لي عليه أو ليس لي عليه شئ ونحوه من صورة النفي لتمسك النافي فيه بالاصل، فكيف يستدل به على مدعاه ويجعله صريحا فيه.
وذكر الشيخ صالح في حاشيته على الاشباه متعقبا لصاحبها في هذه المسألة ما نصه: أقول: ما ذكره المصنف هنا لا يخرج عن كونه إقرارا للوارث بالعين، وهو غير صحيح، وبه أفتى شيخ الاسلام أمين الدين، وليس هذا داخلا تحت صور النفي التي ذكرها مستدلا بها.
وقال أخو المؤلف الشيخ عمر بن نجيم: لا يخفى ما في إقرارها من التهمة خصوصا إذا كان بينها وبين زوجها خصومة كتزوجه عليها.
وقال البيري: الصواب أن ذلك إقرار للوارث بالعين بصيغة النفي، ولا نزاع في عدم صحة ذلك للوارث في مرض الموت، وما استند له المصنف مفروض في إقرار بصيغة النفي في دين لا في عين، والدين وصف قائم بالذمة وإنما يصير مالا باعتبار قبضه ا ه.
وقول المصنف: وليس هذا من
قبيل الاقرار للوارث فيه نظر.
قوله: (أو مع أجنبي) قال في نور العين: أقر لوارثه ولاجنبي بدين مشترك بطل إقراره عندهما تصادقا في الشركة أو تكاذبا، وقال محمد: للاجنبي بحصته لو أنكر الاجنبي الشركة، وبالعكس لم يذكره محمد، ويجوز أن يقال: إنه على اختلاف، والصحيح أنه لم يجز(2/294)
على قول محمد كما هو قولهما ا ه.
لهما أن الاقرار إخبار، ولا يصح أن ينفذ على خلاف الوجه الذي أقر به، فإذا أقر مشتركا لا يمكن أن ينفذ غير مشترك.
وفي أحكام الناطفي: لو أقر لاثنين بألف فرد أحدهما وقبل الآخر فله النصف.
قوله: (بعين) قيست على الدين المذكور في الحديث، ومثال العين أن يقر المريض بأن هذه العين وديعة وأرثي أو عاريته أو غصبتها أو رهنتها منه.
قوله: (بطل) أي على تقدير عدم الاجازة، وإلا فهو موقوف ا ه.
منح لكنه لو طلب سلم إليه، ثم إن مات لا يرد لاحتمال صحة الاقرار بالتحاق صحة المريض ا ه.
حموي عن الرمز.
قوله: (ولنا حديث لا وصية لوارث ولا إقرار له بدين) رواه الدارقطني، لكن في المبسوط أن الزيادة شاذة ولذلك تركها في الدرر، والمشهور: لا وصية لوارث، ولدلالة نفي الوصية على نفي الاقرار له بالطريق الاولى، لان بالوصية إنما يذهب ثلث المال، وبالاقرار يذهب كله، فإبطالها إبطال للاقرار بالطريق الاولى كما في المنبع.
فظهر أن ما يقال المدعي عدم جواز الاقرار والدليل على عدم جواز الوصية.
فالصواب ما أتى به صاحب الهداية ساقط غايته أن الدليل لم ينحصر على عبارة النص كما صرح به في الاصول.
قوله: (إلا أن يصدقه بقية الورثة) أي بعد موته، ولا عبرة لاجازتهم قبله كما في خزانة المفتين وإن أشار صاحب الهداية لضده، وأجاب به ابنه نظام الدين وحفيده عماد الدين.
ذكره القهستاني شرح الملتقى.
وفي النعيمية: إذا صدق الورثة إقرار المريض لوارثه في حياته لا يحتاج لتصديقهم بعد وفاته، وعزاه لحاشية مسكين قال: فلم تجعل الاجازة كالتصديق، ولعله لانهم أقروا ا ه.
قال العلامة أبو السعود في حاشية مسكين: وكذا لو كان له دين على وارثه فأقر بقبضه لا يصح، إلا أن يصدقه البقية.
زيلعي.
فإذا صدقوه في حياة المقر فلا حاجة إلى التصديق بعد الموت،
بخلاف الوصية بما زاد على الثلث حيث لا تنفذ إلا بإجازة الورثة بعد موت الموصي حموي ا ه.
أقول: ينبغي أن يكون على هذا المنوال رضا الغرماء قبل موته.
تدبر.
وأقول: وكذا وقف بيعه لوارثه على إجازتهم كما قدمه في باب القضولي، وأشار في الخزانة إلى أنهم قالوا أجزنا إقراره في حياته فلهم الرجوع: أي فلا مخالفة لان التصديق كصريح الاقرار، بخلاف الاجازة.
قوله: (فلو لم يكن وارث آخر) أي ذو فرض أو تصعيب أو رحم محرم.
قوله: (أو أوصى لزوجته) يعني ولم يكن له وارث آخر، وكذا في عكسه كما في الشرنبلالية، وفي بعض النسخ وأوصى بدون ألف، وهي الاولى لانه تصوير للوصية للوارث الذي ليس له وارث غيره، وذلك لا يتصور بغير أحد الزوجين لما قاله من أن غيرهما فرضا وردا.
قوله: (صحت الوصية) ولو كان معها بيت المال لما أنه غير وارث، بل يوضع فيه المال على أنه مال ضائع لا بطريق الارث، فلا يعارضه الوصية والاقرار ولا المحاباة، كما أفاده الخير الرملي في فتاواه آخر الوصايا، قال فيها: وحيث لا وارث نفذت محاباتها مع زوجها بلا توقف، ولو أوصت بكل ما لها نفذت وصيتها له، لكن قد يقال: إن ما ذكره الشارح أنه لا يوافق مسألة المصنف، لان موضوعها الاقرار لا بملاحظة أن هذا الاقرار(2/295)
يكون وصية بدليل قوله: إلا أن يصدقه الورثة فإنه يصح الاقرار، وإن لم يكن وارث آخر.
والحاصل: أن المسألة في حد ذاتها صحيحة، إلا أنها لا توافق مسألة المصنف لما ذكرنا.
تأمل.
قوله: (وأما غيرهما) أي غير الزوجين ولو كان ذا رحم.
شرنبلالية.
قوله: (فرضا وردا) المناسب زيادة أو تعصيبا ط.
قوله: (فلا يحتاج لوصية شرنبلالية) والحاصل أن إقرار المريض لوارثة لا يصح إذا كان هناك وارث آخر غير المقر له لا لعدم المحلية بل لحق الورثة، فإذا لم يكن له وارث آخر غير المقر له صح إقراره.
قوله: (أقر بوقف الخ) هذا كلام مجمل يحتاج إلى بيان، ذكر الشارح العلامة عبد البر عن الخانية: رجل أقر في مرضه بأرض في يده أنها وقف إن أقر بوقف من قبل نفسه كان من الثلث كما لو أقر المريض بعتق عبده، وإن من جهة غيره إن صدقه ذلك الغير أو ورثته جاز في الكل، وإن لم يبين أنه منه أو من غيره فهو من الثلث.
وفي منية المفتي مثله.
وسواء أسند الوقف إلى حال الصحة أو
لم يسند فهو من الثلث، إلا أن يجيز الورثة أو يصدقوه في الاسناد إلى الصحة، ولو كان المسند إليه مجهولا أو معروفا ولم يصدق ولم يكذب أو مات ولا وارث له إلا بيت المال فالظاهر أن يكون من الثلث، لان التصديق منه أو من الوارث شرط في كونه من جميع المال، وفرع عليه صاحب الفوائد أنه لا يعتبر تصديق السلطان فيما إذا كان لم يكن له وارث إلا بيت المال، وهذا منقول من كلام شيخنا وإن قال الطرسوسي تفقها ا ه.
بتصرف.
وفي شرح الشرنبلالي: وإن أجاز ورثته أو صدقوه فهو من جميع المال، لان مظهر بإقراره لا منشئ، فلو لم يكن للغير وارث.
قال المصنف: لا يعتبر تصديق السلطان، كذا أطلقه.
قلت: وهذا في الوقف لا على جهة عامة ظاهر لتضمنه إقراره على غيره وإبطال حق العامة، وأما الوقف على جهة عامة فيصح تصديق السلطان كإنشائه لما تقدم من صحة وقف السلطان شيئا من بيت المال على جهة عامة، ثم لا يخفى أن المقر لم يسنده لغيره ولم يكن له وارث تجوز إجازة السلطان، ومن له بيت المال.
كذا في البزازية.
ولنا فيه رسالة.
ولا يعمل بما فهمه الطرسوسي كما نقله المصنف عنه من أنه يكون من الثلث مع عدم اعتبار تصديق السلطان أنه نافذ من كل المال ط.
قوله: (فلو على جهة عامة) كبناء القناطر والثغور.
قوله: (صح تصديق السلطان) لان له أن يفعل ذلك من بيت المال، ومن حكى أمرا يملك استئنافه صدق.
قوله: (وكذا لو وقف) أي أنشأ وقفا في مرض موته ولا وارث له على جهة عامة فإنه ينفذ من الجميع بتصديق السلطان.
قوله: (خلافا لمن زعمه الطرسوسي) هو يقول: لو لم يكن له وارث إلا بيت المال لا يعتبر تصديق السلطان، بل يكون من الثلث كما يؤخذ من شرح الوهبانية لعبد البر السابقة، ووجه فساد ما زعمه الطرسوسي أن الوقف والحالة هذه وصية وهي مقدمة على بيت المال، بل لا يحتاج ذلك لتصديق السلطان.
قوله: (ولو كان ذلك) أي الاقرار ولو وصلية.
قوله: (إقرار بقبض دينه أو غصبه) بأن أقر أنه قبض ما غصبه وارثه منه.(2/296)
قال في الخانية: لا يصح إقرار مريض مات فيه بقبض دينه من وارثه، ولا من كفيل وارثه، ولو
أقر لوارثه وقت إقرار ووقت موته وخرج من أن يكون وارثا فيما بين ذلك بطل إقراره عند أبي يوسف، لا عند محمد ويأتي تمامه، وقيد بدين الوارث احترازا عن إقراره باستيفاء دين الاجنبي، والاصل فيه أن الدين لو كان وجب له على أجنبي في صحته جاز إقرار باستيفائه، ولو عليه دين معروف، سواء وجب ما أقر بقبضه بدلا عما هو مال الثمن أو لا كبدل صلح دم العمد والمهر ونحوه، ولو دينا وجب له في مرضه وعليه دين معروف أو دين وجب عليه بمعاينة الشهود بمرضه، فلو ما أقر بقبضه بدلا عما هو مال لم يجز إقراره: أي في حق غرماء الصحة أو المرض بمعاينة الشهود كما في البدائع، ولو بدلا عما ليس بمال جاز إقراره بقبضه ولو عليه دين معروف جامع الفصولين.
وفيه: لو باع في مرضه شيئا بأكثر من قيمته فأقر بقبض ثمنه والمسألة بحالها من كون المقر مديونا دينا معروفا ببينة لم يصدق، وقيل للمشتري أد ثمنه مرة أخرى أو انقض البيع عند أبي يوسف، وعند محمد: يؤدي قدر قيمته أو ينقض البيع.
قال في جامع الفصولين: أقر بدين لوارثه أو لغيره، ثم برئ فهو كدين صحته، ولو أوصى لوارثه ثم برئ بطلت وصيته ا ه.
وفي الخلاصة: نفس البيع من الوارث لا يصح إلا بإجازة الورثة: يعني في مرض الموت وهو الصحيح، وعندهما يجوز، لكن إن كان فيه غبن أو محاباة يخير المشتري بين الرد وتكميل القيمة ا ه.
أقول: وبيان ما تقدم أن حق الغرماء يتعلق بذمة المديون في الصحة، فإذا مرض تعلق بمعنى التركة، وهي أعيانها، والدين مطلقا ليس منها فلم يكن أتلف عليهم بهذا الاقرار شيئا، وأما إذا مرض وتعلق حقهم بعين التركة فإذا باع منها شيئا أو أقر باستيفاء ثمنه فقد أتلف عليهم، وقوله وقيل للمشتري أد ثمنه مرة أخرى: أي على زعمك، وإلا بأن أقروا: أي الغرماء بدفع الثمن لا يكون لهم مطالبة، وهذا الفرع مشكل من حيث أن البيع صحيح نافذ، فكيف يتخير والحالة هذه بين نقض البيع أو تأدية الثمن.
وقول محمد أشد إشكالا من حيث إن الواجب في البيع الثمن دون القيمة، ويمكن تصويره على قول الامام، وذلك بأن يكون المشتري وارثا والبيع منه غير نافذ عنده، بل موقوف على إجازة الورثة، فإذا لم يجيزوا ولم يردوا كان للمشتري الخيار.
وحينئذ يخير بين الفسخ وعدمه.
فإذا قالت
له الورثة إن شئت فادفع الثمن لنجيز البيع وإن شئت رد علينا بخيارك صح، لكن يشكل عليه قول محمد، وأن القولين منسوبا للصالحين، وهما يجيزان البيع من الوارث مطلقا، غير أنه يقال له في صورة المحاباة: أد القيمة أو افسخ.
تأمل.
قوله: (ونحو ذلك) كأن يقر أنه قبض المبيع فاسدا منه أو أنه رجع فيما وهبه له مريضا حموي ط.
أو أنه استوفى ثمن ما باعه كما في الهندية.
قوله: (بقبض دينه) فيه إشارة إلى أن إقراره وديعة له كانت عنده صحيح، وبه صرح في الاشباه ثم قال وينبغي أن يلحق بذلك الاقرار بالامانات كلها.
قوله: (لا يصح لوقوعه لمولاه) ملكا في العبد والمكاتب إذا عجز وحقا فيه إن لم يعجز نفسه.
والحاصل: أنه لا يصح إقرار مريض مات فيه بقبض دين من وارثه، ولا من كفيل وارثه أو عبد وارثه، لان الاقرار لعبد الوارث إقرار لمولاه، وما أقر به للمكاتب فيه حق لمولاه، لذلك قال في المنح:(2/297)
لانه يقع لمولاه ملكا أو حقا ا ه.
قوله: (ولو فعله) أي الاقرار بهذه الاشياء للوارث.
قوله: (ثم برئ) أي من مرضه.
قوله: (لعدم مرض الموت) فلم يتعلق به حق الورثة.
قوله: (ولو مات المقر له) أي الوارث للمقر ثم المريض المقر.
قوله: (وورثة المقر له من ورثة المريض) صورته: أقر لابن ابنه ثم مات ابن الابن عن أبيه ثم مات المقر عن ذلك الابن فقط أو ابنين أحدهما والد المقر له أو أقر لامرأته بدين فماتت ثم مات هو وترك منها وارثا.
قوله: (جاز إقراره) عند أبي يوسف آخرا ومحمد لخروجه عن كونه وارثا في الصورة الاولى، وفي الصورة الثانية فلان العبرة لكون المقر له وارثا ولا وقت موت المقر، وهي إذ ذاك ليست وارثة، لان الميت ليس بوارث، وهذا هو الذي يأتي قريبا عن الصيرفية.
قوله: (كإقراره لاجنبي) يعني لو كان المقر له أجنبيا ومات قبل المقر وورثته ورثة المقر فإن إقراره جائز لانه لم يقر لوارث حين أقر، أما في الاجنبي فظاهر، وأما في الوارث الذي مات فإنه بموته قبل المقر خرج عن كونه وارثا له.
قال في المنح: ولو أقر لوارثه ثم مات المقر له ثم المريض ووارث المقر له من ورثة المريض لم يجز إقراره عند أبي يوسف أولا، وقال آخرا: يجوز وهو قول محمد.
قوله: (وسيجئ) أي قريبا.
قوله: (بوديعة مستهلكة) أي وهي معروفة لعدم التهمة، ولو كذبناه ومات وجب الضمان من ماله لانه مات
مجهلا، وعليه بينة فلا فائدة في تكذيبه، ولو كانت الوديعة غير معروفة لا يقبل إقراره باستهلاكها إلا أن يصدقه بقية الورثة كما في التبيين، والاصوب أن يقول المصنف باستهلاكه الوديعة أي المعروفة بالبينة بدل قوله بوديعة مستهلكة.
قوله: (وصورته) لم يبين بهذه الصورة أن الوديعة معروفة كما صرح به في الاشباه، وقد أوضح المسألة في الولواجية فراجعها وصورها في جامع الفصولين راقما.
صورتها: أودع أباه ألف درهم في مرض الاب أو صحته عند الشهود فلما حضره الموت أقر بإهلاكه صدق.
إذ لو سكت ومات ولا يدري ما صنع كانت دينا في ماله، فإذا أقر باستهلاكه فأولى، ولو أقر أولا بتلفها في يده فنكل عن اليمين ومات لم يكن لوارثه في ماله شئ ا ه.
والحاصل: أن مدار الاقرار هنا على استهلاك الوديعة المعروفة لا عليها، ومنه تعلم أن قوله ومنها إقراره بالامانات كلها مقيد بما هنا، ثم فيه أيضا، لو أقر المريض بقبض ثمن ما باعه لوارثه بأمره أو بولاية لم يصدق إذا أقر بدين لوارثه إلا أن يدعي الهلاك لكونه دينا في تركته، فلو قال قبضت الثمن وأتلفته يبرأ المشتري، ولو أدى لم يرجع، وكذا لا يصدق في قبض ثمن ما باع لغيره من وارثه إلا أن يقول ضاع عندي أو دفعته إلى الآمر ا ه.
واللام في لوارثه ولغيره: لام العلة أو الملك لا التعدية، وقوله إلا أن يدعي الهلاك لكونه دينا في تركته صوابه: لكونه ليس دينا في تركته، لان الوكيل أمين غير ضمين، ويدل على ذلك أيضا قوله بعده إلا أن يقول ضاع عندي أو دفعته إلى الآمر، لانه لم يصر دينا في التركة لا لوارث ولا من جهة الوارث، وقوله قبضت الثمن وأتلفته هو مثل إقراره لوارثه بوديعة استهلكها فتقيد المبايعة بمعاينة الشهود، وحينئذ فإذا أدى ضمان ذلك للوارث لم يرجع على المشتري، ويمكن رجوع ضمير أدى للمشتري، وإنما لا يرجع لانه متبرع، وسيأتي في آخر كتابته على الوصايا ما يخالفه، ولكن ما هنا أولى.(2/298)
وفي خزانة المفتين: باع عبدا من وارثه في صحته، ثم أقر باستيفاء الثمن في المرض لا يصح.
وفي الزيلعي: لو كانت الوديعة غير معروفة لا يقبل قوله استهلكتها إلا أن يصدقه بقية الورثة.
قوله: (والحاصل الخ) فيه مخالفة للاشباه، ونصها: وأما مجرد الاقرار للوراث فهو موقوف على الاجازة، سواء
كان بعين أو دين أو قبض منه أو أبرأه إلا في ثلاث: لو أقر بإتلاف وديعته المعروفة، أو أقر بقبض ما كان عنده وديعة، أو بقبض ما قبضه الوارث بالوكالة من مديونه.
كذا في تلخيص الجامع.
وينبغي أن يلحق بالثانية إقراره بالامانات كلها ولو مات الشركة أو العارية، والمعنى في الكل أنه ليس يه إيثار البعض، فاغتنم هذا التحرير فإنه من مفردات هذا الكتاب.
اه.
وقد ظن من لا خبرة له أن النفي من قبيل الاقرار وهو خطأ، وقال قبل هذا: لو قال المريض مرض الموت لا حق لي على فلان الوارث لم تسمع الدعوى عليه من وارث آخر، وعلى هذا يقع كثيرا أن البنت في مرض موتها بأن الامتعة الفلانية ملك أبيها لا حق لها فيها، وقد أجبت فيها مرارا بالصحة لما في التاترخانية من باب إقرار المريض: ادعى على رجل مالا وأثبته وأبرأه لا تجوز براءته إن كان مديونا وكذا لو أبرأ الوارث لا يجوز سواء كان مديونا أو لا، ولو قال: لم يكن لي على هذا المطلوب شئ ثم مات جاز إقراره في القضاء.
وفي البزازية: قالت فيه ليس لي على زوجي مهر يبرأ عندنا، خلافا للشافعي، وفيها قبله: قال فيه لم يكن لي عليه شئ ليس لورثته أن يدعوا عليه شيئا في القضاء، وفي الديانة لا يجوز هذا الاقرار.
وفي الجامع: أقر الابن فيه أنه ليس له على والده شئ من تركة أمه صح، بخلاف ما لو أبرأه أو وهبه، وكذا لو أقر بقبض ماله منه فهذا صريح فيما قلناه، ولا ينافيه ما في البزازية قولها فيه لا مهر لي عليه أو لا شئ لي عليه أو لم يكن عليه مهر، قيل لا يصح، وقيل يصح، والصحيح أنه لا يصح ا ه.
لان هذا في خصوص المهر لظهور أنه على غالبا وكلامنا في غير المهر، ولا ينافيه ما ذكره البزازي أيضا: ادعى عليه ديونا ومالا ووديعة فصالح الطالب على يسير سرا وأقر الطالب في العلانية أنه لم يكن له على المدعى عليه شئ، وكان ذلك في مرض المدعي ثم مات فبرهن الوارث أنه كان لمورثي عليه أموال كثيرة، وإنما قصد حرماننا لا تسمع، وإن كان المدعى عليه وارث المدعي وجرى ما ذكرنا فبرهن بقية الورثة على أنا أبانا قصد حرماننا بهذا الاقرار تسمع ا ه.
لكونه متهما في هذا الاقرار لتقدم الدعوى عليه والصلح معه على يسير والكلام عند عدم قرينة على التهمة ا ه كلام الاشباه.
فقول الشارح منها إقراره الخ وقوله ومنه هذا الشئ الخ إنما هما بحثان لا منقولان،
فتحريره في غير محله لان المراد بالامانة قبضها منه لا أنها له، وقدسها أيضا في الاخير لانه من الاقرار بالعين للوارث، وقدم هو عدم صحة ذلك، وقياسه على قول المورث لم يكن لي على الوارث دين قبل ثبوته قياس مع الفارق، لان العين غير الدين وهو لا يصح، ويأتي قريبا تأييد الموافقة لما فهمته عن الخير الرملي والحموي والحامدي، ولله تعالى الحمد والمنة، وقدمنا ما يفيد ذلك مع بعض النقول المذكورة.
قوله: (منها إقراره بالامانات كلها) أي بقبض الامانات التي عند وارثه، لا بأن هذه العين لوارثه فإنه لا يصح كما صرح به الشارح قريبا، وصرح به في الاشباه، وهذا مراد صاحب الاشباه بقوله: وينبغي أن يلحق بالثانية إقراره بالامانات كلها، فتنبه لهذا فإنا رأينا من يخطئ فيه ويقول: إن(2/299)
إقراره لوارثه بها جائز مطلقا، مع أن النقول مصرحة بأن إقراره له بالعين كالدين كما قدمناه عن الرملي.
ومن هذا يظهر لك ما في بقية كلام الشارح، وهو متابع فيه للاشباه مخالفا للمنقول، وخالفه فيه العلماء الفحول كما قدمناه.
وفي الفتاوى الاسماعيلية: سئل فيمن أقر في مرضه أن لا حق له في الاسباب والامتعة المعلومة مع بنته المعلومة وأنها تستحق ذلك دونه من وجه شرعي، فهل إذا كانت الاعيان المرقومة في يده وملكه فيها ظاهر ومات في ذلك المرض فالاقرار بها للورثة باطل؟.
الجواب: نعم على ما اعتمده المحققون، ولو مصدرا بالنفي خلافا للاشباه وقد أنكروا عليه ا ه.
ونقه السائحاني في مجموعه ورد على الاشباه والشارح في هاشم نسخته.
وفي الحامدية: سئل في مرض الموت أقر فيه أنه لا يستحق عند زوجته هند حقا وأبرأ ذمتها عن كل حق شرعي ومات عنها وعن ورثة غيرها وله تحت يدها أعيان وله بذمتها دين والورثة لم يجيزوا الاقرار، فهل يكون غير صحيح.
الجواب: يكون الاقرار غير صحيح والحالة هذه، والله تعالى أعلم ا ه.
أقول: لكن يجب تقييد عدم الصحة بما إذا كان ملكه فيها معلوما أيضا ليكون ذلك قرينة على قصد الاضرار بباقي الورثة لئلا يتنافى كلامهم.
تأمل.
قوله: (ومنها النفي) فيه أنه ليس بإقرار للوارث
كما صوبه في الاشباه قوله: (كلا حق لي) هذا صحيح في الدين لا في العين كما مر.
قوله: (وهي الحيلة) أي في قوله: لا حق لي قبل أمي وأبي: يعني إذا علم أنه لا حق له قبلهما وخاف أن يتعلل عليهما أحد من الورثة أو يدعي عليهما بشئ، أما لو كان له حق فلا يحل له إضرار باقي الورثة، فليتق الله من كان خارجا من الدنيا مقبلا على الآخرة.
قوله: (ومنه) الاولى ومنه كما قال في سابقه إلا أن يقال: إنه عائد إلى النفي: أي ومن النفي السابق هذا الخ.
قوله: (هذا) غير صحيح كما علمته مما مر لانه مخالف لعامة المعتبرات.
قوله: (وهذا حيث لا قرينة) لم يذكر ذلك في الاشباه أصلا، وحيث كان هذا إقرارا بعين لوارث وأنه لا يصح فلا حاجة إلى هذا التقييد.
قوله: (فليحفظ فإنه مهم) الحاصل أن الشارح رحمه الله تعالى تابع صاحب الاشباه، وقد علمت أنه مخالف للمنقول، واستنبط من كلامه أشياء مخالفة أيضا، وقد ظهر لك بما قدمناه حقيقة الحال بعون الملك المتعال.
تتمة: قال في البحر في متفرقات القضاء: ليس لي على فلان شئ ثم ادعى عليه مالا وأراد تحليفه لم يحلف، وعند أبي يوسف يحلف، وسيأتي في مسائل شتى آخر الكتاب أن الفتوى على قول أبي يوسف، واختاره أئمة خوارزم، لكن اختلفوا فيما إذا ادعاه وارث المقر على قولين، ولم يرجح في البزازية منهما شيئا.
وقال الصدر الشهيد: الرأي في التحليف إلى القاضي، وفسره في فتح القدير بأنه يجتهد في خصوص الوقائع، فإن غلب على ظنه أنه لم يقبض حين أقر يحلف له الخصم، ومن لم يغلب على ظنه ذلك لا يحلفه، وهذا إنما هو في المتفرس في الاخصام ا ه.
قلت: وهذا مؤيد لما بحثناه، والحمد لله.(2/300)
قال في التاترخانية عن الخلاصة: رجل قال استوفيت جميع مالي على الناس من الدين لا يصح إقراره، وكذا لو قال أبرأت جميع غرمائي لا يصح، إلا أن يقول قبيلة فلان وهم يحصون فحينئذ يصح إقراره ويبرأ.
وفي التاترخانية أيضا عن واقعات الناطفي: أشهدت المرأة شهودا على نفسها لابنها أو لاخيها تريد بذلك إضرار الزوج، أو أشهد الرجل شهودا على نفسه بمال لبعض الاولاد يريد به إضرار باقي الاولاد والشهود يعلمون ذلك وسعهم أن لا يؤدوا الشهادة إلى آخر ما ذكره العلامة البيري،
وينبغي على قياس ذلك أن يقال: إذا كان للقاضي علم بذلك لا يسعه الحكم.
كذا في حاشية أبي السعود على الاشباه والنظائر.
قوله: (يؤمر في الحال بتسليمه) لاحتمال صحة هذا الاقرار بصحته من هذا المرض.
قوله: (يرده) أي إن كان له وارث غيره ولم يصدقه.
قوله: (تصرفات المريض نافذة) لما تقدم احتمال صحته، ويظهر لي أن يتفرع على هذا ما في الخانية، وهو لو أقر لوارثه بعبد فقال ليس لي لكنه لفلان الاجنبي فصدقه ثم مات المريض فالعبد للاجنبي ويضمن الوارث قيمته وتكون بينه وبين سائر الورثة.
قوله: (وإنما ينتفض) أي التصرف المأخوذ من التصرفات، وهذا في تصرف ينقض، أما ما لا ينقض كالنكاح فالامر فيه ظاهر، وفي نسخة بالتاء.
قوله: (بعد الموت) محله ما إذا تصرف لوارث، وأما إذا كان لغير وارث: فإن كان تبرعا أو محاباة ينفذ من الثلث، وإلا فصحيح كالنكاح.
قوله: (والعبرة لكونه وارثا الخ) قال الزيلعي: اعلم أن الاقرار لا يخلو إما أن يكون المقر له وارثا وقت الاقرار دون الموت، أو كان وارثا فيهما، وإن لم يكن وارثا فيما بينهما أو لم يكن وارثا وقت الاقرار وصار وارثا وقت الموت، فإن كان وارثا وقت الاقرار دون وقت الموت بأن أقر لاخيه مثلا ثم ولد له ولد يصح الاقرار، لعدم كونه وارثا وقت الموت، وإن كان وارثا فيهما لا فيما بينهما بأن لامرأته ثم أبانها وانقضت عدتها ثم تزوجها أو والى رجلا فأقر له ثم فسخ الموالاة ثم عقدها ثانيا لا يجوز الاقرار عند أبي يوسف، لان المقر متهم بالطلاق، وفسخ الموالاة ثم عقدها ثانيا، وعند محمد يجوز، لان شرط امتناع الاقرار أن يبقى وارثا إلى الموت بذلك السبب ولم يبق، ولانه لما صار أجنبيا تعذر الاقرار كما لو أنشأه في ذلك الوقت، ألا ترى أنه لو لم يعقد ثانيا كان جائزا فكذا إذا عقد، وإن لم يكن وارثا وقت الاقرار ثم صار وارثا وقت الموت ينظر: فإن صار وارثا بسبب كان قائما وقت الاقرار بأن أقر لاخيه وله ابن مات الابن قبل الاب لا يصح إقراره، فإن صار وارثا بسبب جديد كالتزوج وعقد الموالاة جاز.
وقال زفر: لا يجوز لان الاقرار حصل للوارث وقت العقد فصار كما إذا صار وارثا بالنسب ولنا أن الاقرار حين حصل للاجنبي لا للوارث فينفذ ولزم فلا يبطل، بخلاف الهبة لانها وصية ولهذا من الثلث، فيعتبر وقت الموت، بخلاف ما إذا صار وارثا بالنسب بأن أقر مسلم مريض لاخيه الكافر، ثم أسلم قبل موته أو كان محجوبا بالابن ثم مات الابن، حيث لا يجوز الاقرار له لان سبب الارث كان
قائما وقت الاقرار، ولو أقر لوارثه ثم مات المقر له ثم المريض ووارث المقر له من ورثة المريض لم يجز إقراره عند أبي يوسف أولا، لان إقراره حصل للوارث ابتداء وانتهاء.
وقال آخرا: يجوز وهو قول(2/301)
محمد، لانه بالموت قبل موت المريض خرج من أن يكون وارثا، وكذلك لو أقر لاجنبي ثم مات المقر له ثم المريض وورثة المقر له من ورثة المقر، لان إقراره كان للاجنبي فيتم به ثم لا يبطل بموته ا ه.
قوله: (لعدم إرثه) أي وقت الموت.
قوله: (فيجوز) يعني لو أقر لاجنبي في مرض موته وكان المقر مجهول النسب وعقد الموالاة معه فلما مات وارثا بعقد الموالاة، فلا يبطل إقراره له لان الارث إنما كان بسبب حادث بعد الاقرار، فيبقى الاقرار لكن لا تظهر له ثمرة لان مولى الموالاة لا يرث مع وارث قريب أو بعيد، وإنما يتوقف لحق الوارث ولا وارث معه، إذ لو كان معه وارث لم يستحق الميراث فلا يكون وارثا وربما يظهر ثمرته مع أحد الزوجين، فإن الاقرار ينفذ في حق الزوج المقر لما تقرر، وكذا إن صح عقد الولاء مع اثنين بعد أن أقر لاحدهما فليراجع هذا الاخير.
قوله: (لان إرثه بسبب قديم) أي قائم وقت الاقرار، ولم أقر لوارثه وقت إقراره ووقت موته وخرج من أن يكون وارثا فيما بين ذلك بطل إقراره عند أبي يوسف لا عند محمد.
نور العين عن قاضيخان.
أقول: وإيضاحه أنه لو أقر لمن كان وارثا وقت الاقرار ثم خرج عن ذلك بعده ثم صار وارثا عند الموت فالاولى أو يقول: فلو أقر لمن هو وارث وقت الخ.
وفي جامع الفصولين: أقر لابنه وهو قن ثم عتق فمات الاب جاز، لان الاقرار للمولى لا للقن، بخلاف الوصية لابنه وهو قن ثم عتق فإنها تبطل لانها حينئذ للابن ا ه.
وبيانه في المنح.
وانظر ما حرره سيدي الوالد رحمه الله تعالى في الوصايا.
قوله: (بخلاف الهبة) الظاهر أنه لا بد من القبض في الهبة، وإلا فلا اعتبار لها.
قوله: (فلا تصح) يعني لو وهب لها شيئا أو أوصى لها ثم تزوجها فإنهما يبطلان اتفاقا.
قوله: (لان الوصية تمليك بعد الموت وهي حينئذ وارثة) تعليل لقوله والوصية لها ثم تزوجها، كذا الهبة لها في مرضه، لان الهبة في مرض الموت وصية.
قوله: (أقر فيه الخ) يفيد أنها لو كانت حية وارثة لم يصح.
قال في الخانية: لا يصح إقرار مريض مات فيه بقبض دينه من وارثه ولا من كفيل وارثه ولو كفل في صحته.
وكذا لو أقر بقبضه من أجنبي تبرع عن وارثه.
وكل رجلا ببيع شئ معين فباعه من وارث موكله وأقر بقبض المثن من وارثه أو أقر أن وكيله قبض الثمن ودفعه إليه لا يصدق، وإن كان المريض هو الوكيل وموكله صحيح فأقر الوكيل أنه قبض الثمن من المشتري وجحد الموكل صدق الوكيل، ولو كان المشتري وارث الوكيل والموكل والوكيل مريضان فأقر الوكيل بقبض الثمن لا يصدق إذ مرضه يكفي لبطلان إقراره لوارثه بالقبض فمرضهما أولى.
مريض عليه دين محيط فأقر بقبض وديعة أو عارية أو مضاربة كانت له عند وارثه صح إقراره،(2/302)
لان الوارث لو ادعى رد الامانة إلى مورثه المريض وكذبه المورث يقبل قول الوارث ا ه.
من نور العين قبيل كتاب الوصية.
فرع: باع فيه من أجنبي عبدا وباعه الاجنبي من وارثه أو وهبه منه صح إن كان بعد القبض، لان الوارث ملك العبد من الاجنبي لا من مورثه.
بزازية.
قوله: (وترك منها وارثا) الظاهر أن قول المؤلف منها اتفاقي، ويحمل كلام المصنف على أنه ترك وارثا منكرا ما أقر به.
قوله: (ولو أقر فيه لوارثه ولاجنبي بدين لم يصح) أي للوارث ولا للاجنبي.
قوله: (خلافا لمحمد) فإنه يجيزه في حق الاجنبي ويبطل منه ما أصاب الوارث، وهذا مستدرك بقوله سابقا أو مع أجنبي بدين أو عين أطلقه هنا، وقيد الخلاف في الوصايا بما إذا أنكر أحدهما الشركة مع الآخر فيصح في حصة الاجنبي عند محمد خلافا لهما، أما إذا تصادقا فلا يصح اتفاقا، ومثله في التمرتاشية والمجمع له أن أقراره للوارث لم يصح فلم تثبت الشركة، فتصح للاجنبي كما لو أوصى لوارثه ولاجنبي، وكما لو أقر لاخيه في مرض موته لا وارث له غيره ثم ولد له ابن ينفذ إقراره لاخيه.
كذا هنا.
ولهما، أنه أقر بمال موصوف بصفة فإذا بطلت الصفة يبطل الاصل كما لو تصادقا كما في شرح المنظومة.
فرع: في التاترخانية عن السراجية: ولو قال مشترك أو شركة في هذه الدار فهذا إقرار بالنصف،
وفي العتابية: ومطلق الشركة بالنصف عند أبي يوسف، وعند محمد ما يفسره المقر.
ولو قال لي الثلثان موصولا صدق، وكذا قوله بيني وبينه أولى وله.
ا ه.
نهج النجاة.
قوله: (عمادية) وعبارتها كما في المنح حيث قال: ولو أقر المريض لوارثه ولاجنبي بدين فإقراره باطل تصادقا في الشركة أو تكاذبا.
وقال محمد: إقراره للاجنبي بقدر نصيبه جائز إذا تكاذبا في الشركة وأنكر الاجنبي الشركة، وهي معروفة في الجامعين.
وذكر شيخ الاسلام المعروف بخواهر زاده: إذا كذب الوارث المقر في الشركة وصدقه في الاجنبي لم يذكر محمد هذا الفصل، ويجوز أن يقال: إنه على الاختلاف، ولكن للصحيح أن يقال: إنه لا يجوز على قول محمد كما هو مذهبهما.
هذه الجملة في فتاوى القاضي ظهير ا ه.
ما في الفصول.
وبه وبما ذكرناه عن شرح المنظومة يعلم ما في كلام الشارح فتأمله، وقدمنا نظيره فلا تنسه.
قوله: (وإن أقر لاجنبي مجهول نسبه الخ) وهو من لا يعلم له أب في بلده على ما ذكر في شرح تلخيص الجامع لاكمل الدين، والظاهر أن المراد به بلد هو فيه كما في القنية لا مسقط رأسه كما ذكر البعض، واختار المقدسي وبعض أرباب الحواشي بأنه هو الظاهر، لان المغربي إذا انتقل إلى الشرق فوقع عليه حادثة يلزمه أن يفتش على نسبه في المغرب، وفيه من الحرج ما لا يخفى فليحفظ هذا، ذكره في الحواشي اليعقوبية.
وإلى القولين أشار الشارح فيما يأتي، وقيد بمجهول النسب لان معروفه يمتنع ثبوته من غيره.
قوله: (وصدقة) أي إذا كان يولد مثله لمثله لئلا شكون مكذبا في الظاهر.
ذكره الشمني قوله: (وهو من أهل التصديق) بأن كان يعبر عن نفسه، أما إذا لم يكن يعبر عن نفسه لم يحتج إلى التصديق كما سيذكره الشارح.
قوله: (لما مر) من أنه إقرار لوارث عند الموت بسبب قديم كان عند الاقرار، ولو أقر(2/303)
المريض المسلم بدين لابنه النصراني أو العبد فأسلم أو أعتق قبل موته فلاقرار باطل، لان سبب التهمة بينهما كان قائما حين الاقرار، وهو القرابة المانعة للارث، ولو في ثاني الحال وليس هذا كالذي أقر لامرأة ثم تزوجها، والوجه ظاهر كما في غاية البيان نقلا عن وصايا الجامع الصغير.
وذكر فخر الدين قاضيخان في شرحه خلاف زفر في الاقرار لابنه وهو نصراني أو عبد الخ فقال: إن الاقرار صحيح عند زفر لانه وقت الاقرار لم يكن وارثا ا ه.
أقول: يظهر من هذا أن مذهبه مضطرب، لان هذا التعليل يقتضي صحة إقراره في المسألة المارة بصحة إقراره لاجنبية ثم تزوجها مع أن مذهبه عدم الصحة كهذه المسألة.
تدبر.
قوله: (ولو لم يثبت) الانسب في التعبير أن يقول، فلو عرف أو كذبه لا يثبت نسبه، ويكون ذلك مفهوم قوله مجهول نسبه وقوله وصدقه كما علمت فتدبر.
قوله: (لعدم ثبوت النسب) تكرار لا فائدة فيه.
قوله: (ولو أقر لمن طلقها) أي في مرضه.
قوله: (يعني بائنا) أي الثلاث ليس بقيد لان البائن يمنعها من الارث، ولو واحدة حيث كان بطلبها أو في الصحة فالشرط البينونة ولو صغيرة، أما الرحمية فهي زوجة، وإن كانت ممن لا ترث بأن كانت ذمية صح إقراره لها من جميع المال ووصيته من الثلث.
حدادي.
وإن طلقها بلا سؤالها فلها الميراث بالغا ما بلغ، ولا يصح الاقرار لها لانها وارثة إذا هو فار.
قوله: (فلها الاقل من الارث والدين) لقيام التهمة ببقاء العدة لاحتمال تواطئها معه على الطلاق ليقر لها بالدين الزائد على فرضها فعوملت بالاقل دفعا لقصدها السئ بإضرار الورثة، وباب الاقرار كان منسدا لبقاء الزوجية، فربما أقدم على الطلاق ليصح إقراره لها زيادة على إرثها ولا تهمة في أقلهما فيثبت.
قوله: (في أعيان التركة) ولو كان إرثا لشاركت فيها، والمألة تقدمت في آخر إقرار المريض بأوفى مما هنا فراجعها إن شئت.
فرع: إقراره لها، أي للزوجة بمهرها إلى قدر مثله صحيح لعدم التهمة فيه، وإن بعد الدخول فيه قال الامام ظهير الدين، وقد جرت العادة بمنع نفسها قبل قبضها مقدار من المهر فلا يحكم بذلك القدر إذا لم تعترف هي بالقبض، والصحيح أنه يصدق إلى تمام مهر مثلها وإن كان الظاهر أنها استوفت شيئا بزازية.
وفيها: أقر فيه لامرأته التي ماتت عن ولد منه بقدر مهر مثلها وله ورثة أخرى لم يصدقوه في ذلك، قال الامام ظهير الدين: لا يصح إقراره، ولا يناقض هذا ما تقدم لان الغالب هنا بعد موتها استيفاء ورثتها أو وصيها المهر بخلاف الاول.
ا ه.
قوله: (فإذا مضت العدة) أي سواء كان الاقرار قبل مضيها أو بعده، والظاهر أن مثله مالو أقر لها وهي زوجته في مرض موته ثم طلقها وانقضت العدة ثم ماتت.
قوله: (وإن أقر لغلام) لا يخفى أن قوله سابقا وإن أقر لاجنبي الخ مندرج في
هذه شرنبلالية.(2/304)
قال السيد الحموي: وكان الاولى تقديم هذه المسألة على قوله وإن أقر لاجنبي ثم أقر ببنوته لان الشروط الثلاثة هنا معتبرة هناك أيضا ا ه.
قوله: (أو في بلد هو فيها) حكاية قول آخر كما قدمناهما قريبا.
قال العلامة الرحمتي: إذا كان مجهول النسب في أحد المكانبن: أي بلده أو بلد هو فيها يقضي بصحة الدعوى، لكن مجهول النسب في موضع الدعوى إذا قضى بثبوت نسبه من المدعي ثم جاءت بينة من مولده بأنه معلوم النسب من غير المدعي تبطل بها تلك الدعوى، أما لو كان مجهول النسب في مولده فلا تنقض الدعوى بعد ثبوتها.
قوله: (بحث يولد مثله لمثله) أي مثل هذا الغلام لمثل هذا المريض بأن يكون الرجل أكبر منه باثنتي عشرة سنة ونصف، والمرأة أكبر منه بتسع سنين ونصف كما في المضمرات، والمراد بالغلام الولد فيشمل البنت.
قوله: (إنه ابنه) أي بلا واسطة، حتى لو أقر لشخص أنه ابن ابنه لم يثبت نسبه وكان حكمه حكم ما لو أقر بأخ كما في البرجندي، وسيأتي.
قوله: (وصدقه) أي المقر الغلام.
قوله: (وإلا لم يحتج لتصديقه) لانه في يد غيره فينزل منزلة البهيمة فلم يعتبر تصديقه، بخلاف المميز لانه في يد نفسه، وعند الائمة الثلاثة بلا تصديقه لو كان غير مكلف.
قوله: (وحينئذ) ينبغي حذفها فإنه بذكرها بقي الشرط بلا جواب ح.
قوله: (ولو المقر مريضا) لا حاجة إليه بعد كون الباب باب إقرار المريض.
قوله: (شارك الغلام الورثة) لانه من ضرورات ثبوت النسب.
زيلعي.
ثم لا يصح الرجوع، لان النسب بعد ثبوته لا يقبل الابطال، بخلاف الرجوع عن الاقرار لنسب نحو الاخ، فإنه يصح لعدم ثبوته لانه كالوصية وإن صدقه المقر له كما في البدائع، لكن يأتي في كلام الشارح عن المصنف قريبا بالتصديق يثبت فلا ينفع الرجوع الخ ويأتي الكلام عليه.
قوله: (فإن انتفت هذه الشروط) أي أحدها بأن علم نسبه أو لم يولد مثله لمثله، أو لم يصدقه الغلام فيصير مكذبا فلا يثبت النسب، لكنه يؤاخذ المقر من حيث استحقاق المال كما قال.
قوله: (يؤاخذ المقر من حيث استحقاق المال) أي ولا يثبت النسب لما علمت، وكونه يؤاخذ المقر من حيث استحقاق
المال لا يظهر هنا، لان هذا في مجرد الاقرار بالنسب لا الاقرار بالمال أيضا.
وإنما يظهر ذلك في المسألة السابقة، وهي ما إذا أقر لاجنبي ثم ادعى بنوته، فإنه إذا لم توجد هذه الشروط لزمه المال، وإن كان النسب لا يثبت، ولا يراد بالمال ما يلزمه من النفقة والحضانة والارث كما يأتي لما فيه من تحميل النسب على الغير، فإنه إذا انتفى هنا التصديق كيف يرثه أو تجب عليه نفقته؟ وكذا إذا كان لا يولد مثله لمثله أو كان معلوم النسب، وما يأتي محله إذا وجدت الشروط اللائقة ولم يصدق المقر عليه: أي وقد أقر له مع ذلك بمال فإن النسب لا يثبت، لان فيه تحميلا على الغير، ولكنه يصح إقراره بالمال كما لو أقر بأخوة غيره فما في يده من مال أبيه كان للمقر له نصفه، وظاهره أنه يقدم على دين الصحة فيكون مخالفا لما مر أن ما أقر به في المرض مؤخر عنه على أن المؤاخذة حينئذ ليست للمقر بل للورثة حيث يشاركهم في الارث، ومع هذا فإن كان الحكم كذلك فلا بل له من نقل صريح حتى يقبل.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى، وقد راجعت عدة كتب فلم أجده، ولعله لهذا أمر الشارح(2/305)
بالتحرير، فتأمل.
قوله: (كما مر عن الينابيع) الذي قدمه الشرنبلالي عن الينابيع في المسألة السابقة نصه: ولو كذبه أو كان معروف النسب من غيره لزمه ما أقر به ولا يثبت النسب ا ه.
وعبارة الشارح ركيكة، فلو قال: فلو انتفى أحد هذه الشروط وقد أقر له بمال يؤاخذ به المقر لكان أوضح، لان المانع من صحة الاقرار ثبوت النسب فحيث لم يثبت لزم المقر به، وهذا هو تحرير المقام ط.
قوله: (فيحرر عنه الفتوى) قال الحلبي: لم يظهر لي المخالفة الموجبة للتحرير، فتأمل.
قوله: (والرجل صح إقراره) في بعض النسخ هكذا بزيادة لفظ الرجل لافادة أن الاقرار بالمذكورات ليس قاصر على المريض.
فقوله: (بعد أي المريض) تفسير مضر ولا حاجة إليه بعد تقدم مرجعه إلا أن يجعل مرفوعا تقييد الرجل، وهو تقييد مضر أيضا كما في ط.
لكن الاولى كما في بعض النسخ المحذوف منها لفظ الرجل أن يقال: قيد بالمريض ليعلم: أي الصحيح كذلك بالاولى، وأنما قيده به لان الكلام في إقرار المريض.
قوله: (بالولد والوالدين) لانه إقرار على نفسه وليس فيه حمل النسب على الغير وأعاد صحة الاقرار بالولد
لذكر جملة ما يصح في جانب الرجل، وأفاد بالصراحة الاقرار كما يأتي قريبا اعتماد الشارح له تبعا للمصنف.
قال في العناية: وهو رواية تحفة الفقهاء وشرح الفرائض للامام سراج الدين، والمذكور في المبسوط والايضاح والجامع الصغير للمحبوبي: أن إقرار الرجل يصح بأربعة بالابن والاب والمرأة ومولى العتاقة.
ا ه.
ومن الظاهر أن الابن ليس بقيد مخرج صحة الاقرار بالبنت ا ه.
قوله: (وإن عليا) أي الوالدان، ولا يرجع الضمير إلى الوالدين والابن لانه لا يقال فيه وإن علا، وعبارة البرهان يصح إقراره بالولد والوالدين: يعني الاصل وإن علا ا ه.
ولا غبار عليها.
قوله: (وفيه نظر) وجهه ظاهر فهو كإقراره ببنت ابن.
قال في جامع الفصولين: أقر ببنت فلها النصف والباقي للعصبة إذ إقراره ببنت جائز لا ببنت الابن ا ه.
وما ذاك إلا لان فيه تحميل النسب على الابن، فتدبر ط.
قوله: (لا يصح) سيأتي التصريح به في المتن وهو مؤيد أيضا لكلام المقدسي.
قوله: (بالشروط الثلاثة المتقدمة في الابن) لم يذكرها اتكالا على ما تقدم، إلا أن في دعواه هذا أبي يشترط أن يكون المقر مجهول النسب، وأن يولد مثل المقر لمثل المقر له.
قوله: (بشرط خلوها الخ) ينبغي أن يزاد وأن لا تكون مجوسية أو وثنية، ولم أر من صرح به حموي.
وفي حاشية سري الدين على الزيلعي.
قوله: (والزوجة: أي بشرط أن تكون الزوجة صالحة لذلك ا ه) كافي.
وأدخل في ذلك ما إذا كانت حرمتها بالرضاع.
قوله: (مثلا) أشار به إلى أن الاخت ليست بقيد بل مثلها كل امرأة لا يحل جمعها معها في عقد كخالتها وعمتها.
قوله: (وأربع سواها) أي وكذلك لو كان معه أربعة سواها أو معه حرة وأقر بنكاح الامة.
قال المصنف في منحه: وقد أخل بهذه القيود صاحب الكنز والوقاية، وكذلك مما لا ينبغي الاخلال به ا ه.(2/306)
قال العلامة الرملي: أقول: أيتوهم متوهم صحة الاقرار بالزوجة مع وجود زوج وعدته أو أختها أو أربع سواها فلا أدري لهذا مثلا إلا ما اعترض به بعض جهلة الاروام على قول الكنز في الماء
الجاري، وهو ما يذهب بتبنه حيث قال: الجمل يذهب بأتبان، فتأمل وأنصف.
قوله: (وصح بالمولى من جهة العتاقة) سواء كان أعلى أو أسفل بأن كان معتقا أو معتقا، فإن الاقرار لكل واحد صحيح إذا صدقه المقر له وقوله من جهة العتاقة: أي وكذا من جهة الموالاة إن كان الاول قد عقل عنه.
قوله: (إن لم يكن ولاؤه ثابتا من جهة غيره) قال المصنف في المنح: وهذا قيد لا بد منه، وقد أخل به في الكنز والوقاية أيضا، لان موجب إقراره يثبت بينهما بتصادقهما من غير إضرار بأحد فينفذ ا ه.
قال الخير الرملي أقول: إذا كان ولاؤه ثابتا من جهة غيره لا يصح إقرار الصحيح به فكيف يصح إقرار المريض به؟ والكلام إنما هو في مسائل يخالف المريض الصحيح فيها فما الحاجة إلى ذكر ما لا حاجة إلى ذكره لعدم خطوره ببال من له بال، وهذا الاستدراك كالذي قبله ففي ذكره خلل لا في تركه، فليتأمل ا ه.
قوله: (أي غير المقر) صوابه المقر له وكأنها سقطت من قلم الناسخ، وذلك لان موجب الاقرار يثبت بتصادقهما، وليس فيه تحميل النسب على الغير.
والحاصل: أن الولاء كالنسب وثبوت النسب من الغير يمنع صحة الاقرار، فكذا الولاء.
قوله: (من صحة الاقرار بالام) في جابن الرجل والمرأة.
قوله: (لان النسب للآباء لا للامهات) فيه أنه لا ينكر انتساب الولد إلى أمه، وإنما معناه أنه ينظر في النسب والدعوة للاب.
قال الحموي: وفي حواشي شيخ الاسلام الحفيد على صدر الشريعة: هذا أي ما ذكر من صحة إقرار الرجل بالولد والوالدين والزوجة والمولى وما ذكر من صحة إقرارها بالوالدين والزوج والمولى موافق لتقدير الهداية والكافي وتحفة الفقهاء، لكنه مخالف لعامة الروايات على ما في النهاية، ولتقرير الخلاصة والمحيط وقاضيخان حيث صرحوا بأنه لا يجوز إقرار الرجل بوارث مع ذي قرابة معروفة إلا بأربعة: الابن والاب والزوجة والمولى، ففيما وراء الاربعة كالام مثلا لا ترث مع الوارث المعروف، أما الاقرار فصحيح في نفسه حتى يقدم المقر له على بيت المال إذا لم يبق وارث معروف.
تأمل.
ا ه ط.
قوله: (وفيه حمل الزوجية على الغير) المضر تحميل النسب على الغير لا الزوجية على أن المقر يعامل بإقراره من جهة الارث، وإن كان إقراره لا يسري على الزوج ط.
قوله: (ولكن الحق الخ) الظاهر من نقل الحفيد أنهما قولان.
قوله: (بجامع الاصالة) وهو في الاب معلول بأن الانتساب إليه كما قدمه من
التعليل على ما فيه، ولا يظهر ذلك في حق الام، وليست العلة الاصالة وإلا لثبت النسب في الآباء الاعلين، وقد تقدم عن الزيلعي خلافه.
قوله: (وكذا صح) أي إقرارها.
قوله: (ولو قابلة) أشار به إلى أن القابلة ليست بقيد، ومن قيد به فباعتبار العادة من حضورها وقت الولادة.
أفاده الرحمتي.
وأفاد(2/307)
بمقابلته بقوله بعده أو صدقها الزوج أن هذا حيث جحد الزوج وادعته منه، وأفاد أنها ذات زوج، بخلاف المعتدة كما صرح به الشارح، أما إذا لم تكن ذات زوج ولا معتدة أو كان لها زوج وادعت أن الولد من غيره فلا حاجة إلى أمر زائد على إقرارها، صرح بذلك كله ابن الكمال وسيأتي، فقد علم أن قوله إن شهدت الخ محله عند التجاحد، وأفاد كلامه أنه إذا لم يوجد شرط صحة الاقرار لا يعمل به في حقه أيضا.
وفي الشلبي عن الاتقاني: ولا يجوز إقرار المرأة بالولد وإن صدقها، ولكنهما يتوارثان إن لم يكن لهما وارث معروف، لانه اعتبر إقرارها في حقها، ولا يقضي بالنسب، لانه لا يثبت بدون الحجة وهو شهادة القابلة، فإن شهدت لها امرأة على ذلك وقد صدقها الولد ثبت نسبه منها، وكذلك إذا لم تشهد لها امرأة وقد صدقها زوجها ثبت النسب منهما، لان النسب يثبت بتصادقهما لانه لا يتعدى إلى غيرهما، كذا في شرح الكافي ا ه.
فليتأمل.
وهذا يفيد أن شهادة القابلة مثلا لثبوت النسب إذا أنكر ولادتها.
فقوله: (بتعيين الولد) إنما يكون هذا إذا تصادقا على الولادة، واختلفا في التعيين.
وعبارة غاية البيان عن شرح الاقطع: فتثبت الولادة بشهادتها، ويلتحق النسب في الفراش.
ا ه.
والظاهر أن ما أفاده الشارح حكمه كذلك.
قوله: (بتعيين الولد) وكذا بإثباته لو جحد: أما الثابت بالفراش فبعد اعترافه بالولادة: أي إذا اعترف أنها ولدت ثبت أنه منه لقيام فراشه، فإن نفاه لاعن أما لو جحد للولادة أو تعيين الولد فإنه يثبت بشهادة امرأة لانه مما لا يطلع عليه الرجال عادة، حتى لو شهد به رجل صح كما يفهم هذا كله من باب ثبوت النسب، ولا بد فيه من العدالة كما هو في سائر أنواع الشهادة.
قوله: (ولو معتدة الخ) إلا معتدة الرجعي إذا جاءت به لاكثر من سنتين فإنه يثبت به الرجعة، فكانت زوجة لا معتدة، فيكتفي في إثباته عند الجحد بشهادة امرأة على ما اختاره في البحر
وأقره عليه في النهر والشارح في باب ثبوت النسب.
قوله: (جحدت) بالبناء للمجهول أي جحد الزوج، أو ورثته.
قوله: (أو صدقها الزوج إن كان لها زوج) بيان لمحل اشتراط شهادة المرأة وما عطف عليها.
قوله: (أو كانت معتدة منه) بأن طلقها أو مات عنها فادعت الولد، فلا بد من تصديق الزوج أو الورثة، فإن كذبت يكفي شهادة القابلة أو امرأة غيرها، هذا ما يفهم مما هنا، وبه صرح العيني تبعا للزيلعي، لكن تقدم في باب ثبوت النسب أن المعتدة إذا جحدت ولادتها لا يثبت نسب ولدها إلا بحجة تامة، ويكتفي بالقابلة عندهما، فلعله جرى هنا على قولهما.
وفي المواهب: لو جحد ولادة معتدته فثبوتها بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو بحبل ظاهر أو اعترافه أو تصديق الورثة، واكتفينا بامرأة ثقة كتعينه بها ا ه.
وهذا كله في عدة البائن.
أما معتدة الرجعي فإنه يثبت نسبه، وإن جاءت به لاكثر من سنتين، ويكون رجعة، وحينئذ فتكون زوجة لا معتدة، ويكتفي في إثباته عند الجحد بشهادة امرأة على ما اختاره في البحر كما قدمناه آنفا.
واعلم أن ما ذكره من الشروط إنما هو لصحة الاقرار بالنسب لئلا يكون تحميلا على الزوج، فلو فقط شرط صح إقرارها عليها فيرثها الولد وترثه إن صدقها، ولم يكن لهما وارث غيرهما فصار كالاقرار بالاخ، ويفهم هذا مما قدمناه.
قوله: (وصح) أي إقرارها مطلقا: أي وإن لم يوجد شهادة ولا(2/308)
تصديق من زوج.
قوله: (ولا معتدة) لان فيه إلزاما على نفسها دون غيرها فينفذ عليها.
قوله: (وادعت أنه من غيره) أي فيصح إقرارها في حقها فقط.
قوله: (فصار كما لو ادعاه منها الخ) لكن يفرق بينها وبين ما قبلها بأن دعوى الزوج لا تتوقف على تصديق المرأة لانه يتزوج غيرها، ويتسرى بملك اليمين، ولكن لا يلزمها لو ادعى أنه منها إلا بتصديقها، والمرأة لو صح إقرارها بالولد للزم الزوج، لان الولد للفراش فلا بد من تصديقه أو حجة تقوم عليه، ويكفي الواحدة لانه مما لا يطلع عليه الرجال، إلا إن قالت هو من غيره فقد نفته عنه فيلزمها ولا يلزمه.
قوله: (قلت) أقول: غاية ما يلزم على عدم معرفة زوج آخر كونه من الزنا مع أنه ليس بلازم، وبفرض تحقق كونه من الزنا يلزمها أيضا، لان ولد الزنا واللعان يرث بجهة الام فقط، فلا وجه للتوقف في ذلك.
أبو السعود.
قوله:
(بقي لو لم يعرف لها زوج غيره) أي وقد ادعت أنه من غير هذا الزوج، والظاهر ثبوته منها لعدم تحميل نسب على معلوم فيرثها.
قال الرحمتي: هو داخل تحت قوله وادعت أنه من غيره لشموله ما إذا عرف لها زوج غيره أو لم يعرف، إذ يكفي في ذلك الامان العقلي كما هو ظاهر إطلاقهم.
قوله: (فيحرر) وهو أنه يثبت نسبه من الام كما علمت، لان غاية ما يكون كونه من الزنا، وهو يثبت من الام لا الاب.
قوله: (ولا بد من تصديق هؤلاء) يعني الولد والوالدين والزوجة والمولى والزوج، لان إقرار غيرهم لا يلزمهم لان كلا منهم في يد نفسه.
عيني.
قوله: (ولو كان المقر له عبد الغير) أي فادعى أنه ابنه أو أبوه أو أنه زوجها أو كانت أمة فأقر أنها زوجته.
قوله: (وصح التصديق من المقر له) بنسب أو زوجية: أي ولو بعد جحود المقر لقول البزازي: أقر أنه تزوج فلانة في صحة أو مرض ثم جحد وصدقته المرأة في حياته أو بعد موته جاز ا ه.
قوله: (لبقاء النسب والعدة بعد الموت) بهذا علم أن المراد بموت المقر في جانب الزوجية الزوج، وإذا صح إقراره كان لها الميراث والمهر.
أبو السعود: أي لبقاء حكم النكاح وهو العدة.
قوله: (إلا تصديق الزوج بعد موتها) أي إنها أقرت بنكاح لرجل وماتت، فصدقها الزوج لم يصح تصديقه عند أبي حنيفة، وعندهما يصح، فعليه مهرها وله الميراث منها لابي حنيفة أنها لما ماتت زال النكاح بعلائقه، حتى يجوز له أن يتزوج أختها وأربعا سواها، ولا يحل له أن يغسلها فبطل إقرارها، فلا يصح التصديق بعد بطلان الاقرار.
وقول العيني: وكذا إذا أقر الرجل بالزوجية فصدقته المرأة بعد موته عند أبي حنيفة ظاهر في التسوية بين الزوج والزوجة، وليس كذلك، ولهذا تعقبه الشيخ شاهين بأن تصديق الزوجة بعد موت الزوج صحيح بالاتفاق، لان حكم النكاح باق في حقها وهي العدة فإنها من آثار النكاح، ولهذا جاز لها غسله ميتا كما في حال الحياة، وإنما الخلاف في تصديق الزوج بعد موتها، فعند أبي حنيفة لا يجوز، وعندهما يجوز.
زيلعي قوله: (بموتها) كذا في نسخة، وهو الصواب موافقا لما في شرحه على الملتقى.
قوله: (بخلاف عكسه) أي(2/309)
فإن النكاح لم ينقطع بعلائقه.
قوله: (ولو أقر رجل) مثله المرأة.
قوله: (كما في الدرر) عبارته: أقر بنسب من غير ولاد كأخ وعم لا يثبت: أي النسب ولا يقبل إقراره في حقه، لان فيه تحميل النسب
على الغير، فإن ادعى نفقة أو حضانة يقبل في حقها، ويورث إلا مع وارث وإن بعد: يعني إذا كان للمقر وارث معروف قريب أو بعيد فهو أحق بالارث من المقر له، حتى لو أقر بأخ وله عمة أو خالة فالارث للعمة والخالة، لان نسبه لم يثبت فلا يزاحم الوارث المعروف ا ه.
قوله: (لفساده بالجد وابن الابن) فإنهما في حكم غيرهما مما فيه تحميل على الغير، إلا أن يخص كلام الدرر بالاب والابن، لانه أراد به الولاد الاصلي أو الفرعي بلا واسطة، وهو الكامل، فيشمل الغير ابن الابن والجد كما صرح بهما في الكافي: أراد بابن الابن فرع الولد وبالجد أصل الابوين، ومثل هذا الاجمال غير قليل في المتون فلا يعد مخلا كما لا يخفى.
لا يقال: إن صاحب الدرر قال: وإن أقر بنسب من غير ولاد لا يصح وهو غير شامل لمن إذا ادعى أنه جده أو ابن ابنه مع أنه لا يصح أيضا لما فيه من تحميل النسب على الغير، وقوله هنا وإن أقر بنسب فيه تحميل الخ شامل لذلك، فكان أولى لحمل كلامه على ما قلنا.
تأمل.
أقول: ولا تنس ما تقدم من صحته عن البرهان ومن تنظير المقدسي له، وقول صاحب الدرر أيضا: ويرث إلا مع وارث وإن بعد أطلقه، فشمل الزوج والزوجة وهذا مستقيم على قول بعض مشايخنا أنه يرد عليهما أيضا في زماننا كما في القنية، والاصح أن ليس لهما الرد فيرث المقر له معهما كما في البرجندي، وأراد بالقريب صاحب فرض وعصبة ولو مولى العتاقة، وبالبعيد من كان من ذوي الارحام ومولى الموالاة، ولا يكون له الثلث بالوصية، لانه ما أوجبه وصية وإنما أوجبه إرثا كما في الكافي وغيره، وأنت خبير بأن هذا لم يخالف ما سبق عن القنية ندبر.
قوله: (وابن الابن) أي إذا كان في حياة ابنه، لان فيه حمل النسب على الغير كما قيده الحموي.
قال العلامة أبو السعود: وعلم أن الاقرار بابن الابن ذكره في التنوير وشرحه مطلقا، لكن ذكره الحموي بخطه مقيدا بما إذا أقر به في حياة ابنه معللا بأن فيه حمل النسب على الغير ا ه فليحفظ قوله: (إلا ببرهان) يعم ما إذا أقامه المقر أو المقر له على المقر عليه وهو من حمل عليه النسب قوله: (ومنه إقرار اثنين) أي من ورثة المقر عليه فيتعدى الحكم إلى غيرهما، وإنما قيد باثنين لان المقر لو كان واحدا اقتصر حكم إقراره عليه، أما إقرار ورثة المقر له لا يثبت النسبة فإنه كتصديقه، وأطلق في
الاثنين فشمل الرجل والمرأتين.
قال في البدائع إن الوارث لو كان كثيرا فأقر واحد منهم بأخ آخر ونحوه لا يثبت نسبه ولا يرث معهم، ولو أقر منهم رجلان أو رجل وامرأتان يثبت نسبه بالاتفاق، ولو كان الوارث واحدا فأقر به يثبت به عند أبي يوسف، خلافا لابي حنيفة ومحمد، وبقول أبي يوسف أخذ الكرخي.
ا ه.
وظاهر إطلاق المتون على ترجيح قولهما كما لا يخفى قوله: (كما مر في باب ثبوت النسب) حيث قال أو تصديق بعض الورثة فيثبت في حق المقرين، وإنما يثبت النسب في حق غيرهم، حتى الناس كافة إن تم نصاب الشهادة بهم: أي بالمقرين، وإلا يتم نصابها لا يشارك المكذبين لانها لا تكون شهادة حينئذ حتى تتعدى، بل يكون مجرد إقرار وهو قاصر على المقر فقط، بل لا بد من(2/310)
الشهادة ونصابها حتى تكون حجة تتعدى على غيرهما.
قوله: (وكذا لو صدقه المقر عليه) هو من حمل عليه النسب.
قوله: (أو الورثة) يغني عنه قوله ومنه إقرار اثنين لكن كلامه هنا في تصديق المقر وهناك في نفس الاقرار، وإن كان في المعنى سواء لكن بينهما فرق، وهو أن التصديق بعد العلم بإقرار الاول كقوله نعم أو صدق، والاقرار لا يلزم منه العلم تأمل.
قال: ويمكن التفرقة بينهما بأن صورة الاولى: أقر اثنان من ورثة المقر عليه فبه يثبت النسب، وصورة الثانية: أقر المقر وصدقه اثنان من ورثة المقر عليه.
قوله: (وهم من أهل التصديق) بأن يكونوا بالغين عاقلين، وتم نصاب الشهادة كما يأتي قريبا ما يفيده، لكن هذا بالنظر لثبوت النسب، أما بالنظر لاستحقاق الارث فيستحقه، ولو المصدق امرأة واحدة كانت هي الوارثة فقط مع المقر.
ط.
قوله: (حتى تلزمه) برفع تلزم لان حتى للتفريع لا للغاية.
قوله: (من النفقة) أي إذا كان ذا رحم محرم من المقر.
قوله: (والحضانة) فيه أنه يشترط في لزوم هذه الاحكام تصديق المقر له، وهو لا يكون محضونا فيراد بالحضانة الضم إليه فيما إذا كان المقر له بنتا بالغة يخشى عليها، ولا يقال: تظهر في فرع المقر له إذا مات عنه.
قلنا: الظاهر أن الحضانة كالارث لا تظهر في غير المقر له، أفاده العلامة الطحطاوي قوله: (والارث) أي في حقهما فقط بحيث لا يمنعان بإقرارهما وارثا آخر كما سيأتي.
قوله: (كذوي الارحام) قد علمت مما قدمناه عن الكافي تفسير القريب والبعيد.
قال في الشرنبلالية: ناقلا عن العناية مفسرا للقريب بذوي الفروض، والعصبات والبعيد بذوي الارحام بعد ذكر ما مشى عليه الشارح، والاول أوجه، لان مولى الموالاة إرثه بعد ذوي الارحام مقدما على المقر له بنسب الغير ا ه.
فتنبه.
قوله: (ورثه) أي المقر له ويكون مقتصرا عليه، ولا ينتقل إلى فرع المقر له ولا إلى أصله لانه بمنزلة الوصية.
أبو السعود عن جامع الفصولين.
قوله: (لان نسبه لم يثبت) قال في المنح: وهذا لانه أقر بشيئين بالنسب، وباستحقاق ماله بعده، وهو في النسب مقر على غيره فيرد وفي استحقاق ماله مقر على نفسه، فيقبل عند عدم المزاحم، لان ولاية التصرف في ماله عند عدم الوارث له فيضعه حيث شاء، حتى كان له أن يوصي بجميع المال فلذا كان له أن يجعله لهذا المقر له.
والظاهر أن المقر يرث المقر له، لان صدقه وهو إقرار، ولكنه يتأخر عن الوارث المعلوم.
قوله: (فلا يزاحم الوارث المعروف) قريبا أو بعيدا فهو أحق بالارث من المقر له، حتى لو أقر بأخ وله عمة أو خالة فالارث للعمة أو للخالة لان نسبه لم يثبت فلا يزاحم الوارث المعروف.
قوله: (والمراد غير الزوجين) أي بالوارث الذي يمنع المقر له من الارث لانه وصية من وجه، لان نسبه لم يثبت فثبت حق الرجوع وارث من وجه، حتى لو أوصى لغيره بأكثر من الثلث لا ينفذ إلا بإجازة المقر له ما دام المقر مصرا على إقراره لانه وارث حقيقة كما في الزيلعي، وفيه إشارة إلى أن المقر بنحو الولد والوالدين ليس له الرجوع عنه، وبذلك صرح في الاختيار.
قوله: (أي وإن صدقه المقر له) صوابه: المقر عليه كما(2/311)
عبر به فيما مر، ويدل عليه قطعا كلام المنح حيث قال: قوله أي الزيلعي: للمقر أن يرجع عنه محله ما إذا لم يصدق المقر له على إقراره، أو لم يقر بمثل إقراره الخ، وعزاه لبعض شروح السراجية فقوله أو لم يقر لا شك أن الضمير فيه للمقر عليه لا للمقر له، فعلم أن قوله المقر له صوابه المقر عليه كما عبر به صاحب المنح في كتاب الفرائض، ويدل عليه قوله الآتي إن بالتصديق يثبت النسب ولا يكون ذلك إلا من المقر عليه.
قال في روح الشروح على السراجية: واعلم أنه إن شهد مع المقر رجل آخر أو صدقه المقر عليه أو الورثة وهم من أهل الاقرار، فلا يشترط الاصرار على الاقرار إلى الموت، ولا ينفع الرجوع لثبوت
النسب حينئذ ا ه.
وفي شرح فرائض الملتقى للطرابلسي: وصح رجوعه لانه وصية معنى ولا شئ للمقر له من تركته.
قال في شرح السراجية المسمى بالمنهاج: وهذا إذا لم يصدق المقر عليه إقراره قبل رجوعه أو لم يقر بمثل إقراره، أما إذا صدق إقراره قبل رجوعه أو أقر بمثل إقراره، فلا ينفع المقر رجوعه عن إقراره، لان نسب المقر له قد ثبت من المقر عليه ا ه.
فهذا كلام شراح السراجية، فالصواب التعبير بعليه كما عبر به في المنح في كتاب الفرائض، وإن كانت عبارتها هنا كعبارة الشارح وعبارة الشارح في الفرائض غير محررة.
فتنبه.
أقول: لكن قد يقال: إن هذا التصويب غير صحيح، وإنما الخطأ في الاستدراك بعده، لان الاقرار هنا من المقر له وهنا من المقر عليه فالاستدراك به غلط.
تأمل قوله: (لكن الخ) استدراك عن الزيلعي والبدائع، ولا شك أن الزيلعي وصاحب البدائع أولى بالاعتماد من شروح السراجية، مع أن الوجه ظاهر معهما لانه جعله وصية من وجه فباعتباره يصح الرجوع، والوصية يصح الرجوع عنها، سواء قبل الموصى له أم لا، وما في الزيلعي والبدائع موافق لما في الكتب، وعبارة الهداية: حتى لو أقر في مرضه بأخ وصدقه المقر له ثم أنكر المقر وراثته ثم أوصى بماله كله لانسان كان ماله للموصى له، ولو لم يوص لاحد كان لبيت المال، لان رجوعه صحيح لان النسب لم يثبت فبطل الاقرار ا ه.
وأقره الشراح.
وقد صرح بأنه بعد تصديق المقر له لم يصح رجوعه، ونقله المصنف مزاد به بعد تصديق المقر عليه، وهو الاب مثلا فيما إذا أقر بأخ.
وقال في الدر المنتقى: وعندي في ثبوته بمجرد تصادقهما تردد، ولعل مراد بعض شراحها بالتصديق تصديق أخ آخر كما مر فتدبر ا ه.
وذكره بعده فرعا آخر: لو أقر الاخ بابن هل يصح؟ قال الشافعية لا لان ما دعا وجوده إلى نفيه انتفى من أصله، ولم أره لائمتنا صريحا وظاهر كلامهم نعم، فليراجع ا ه.
وتوضيحه: أن أخا الميت لو أقر أن للميت ابنا، قالت الشافعية: لا يصح إقراره، لانه لو صح لبطل كونه وارثا، وإذا بطل كونه وارثا لم يصح إقراره، وظاهر كلام أئمتنا أنه أقر بسقوط حق في
الميراث، وأن المستحق له من أقر ببنوته للميت فينفذ عليه.
قال في غاية البيان: وينبغي لك أن تعرف أن الرجوع عن الاقرار بالنسب إنما يصح إذا كان الرجوع قبل ثبوت النسب كما نحن فيه، لان النسب لم يثبت لكونه تحميلا على الغير وليس له ذلك، فإذا ثبت النسب فلا يصح الرجوع بعد ذلك، لان النسب لا يحتمل النقض بعد ثوبته ا ه.
وإنما(2/312)
يثبت النسب بتصديق المقر عليه وهو الاب فيما إذا أقر بأخ لا بتصديق الاخ المقر له، والله تعالى أعلم.
قوله: (فليحرر عند الفتوى) تحريره أنه لو صدقه المقر له فله الرجوع، لانه لم يثبت النسب وهو ما في البدائع، ولو صدقه المقر عليه لا يصح رجوعه، لانه بعد ثبوته وهو ما في شروح السراجية فمنشأ الاشتباه تحريف الصلة فالموضوع مختلف، ولا يخفى أن هذا كله في غير الاقرار بنحو الولد.
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
أقول: ويقال أيضا في تحريره أن الاقرار بالنسب إن لم يكن فيه تحميل على الغير ووجد التصديق لا يصح الرجوع فيه، وإن كان فيه تحميل على الغير وصدقه المقر عليه فله الرجوع، فالكلام في مقامين، وهذا حيث لم يكن الاقرار بنحو الولد كما علمت، فتأمل.
قوله: (ومن مات أبوه الخ) هذه المسألة بعينها فهمت مما تقدم فتقع مكررة، إلا أن يقال: إن المقر في المسألة السابقة مورث وهنا وارث، وإن كانتا سواء في عدم ثبوت النسب كما في أبي السعود عن العيني.
قال في البدائع: إذا أقر وارث واحد بوارث كمن ترك ابنا فأقر بأخ لا يثبت نسبه عندهما.
وقال أبو يوسف: يثبت وبه أخذ الكرخي، لانه لما قبل في الميراث قبل في النسب وإن كان أكثر من واحد بأن كانا رجلين أو رجلا وامرأتين فصاعدا يثبت النسب بإقرارهم بالاجماع لكمال النصاب، ويستحق حظه من نصيب المقر ا ه.
حموي.
قوله: (فأقر بأخ) وإن كان للمقر له أولاد فلا يشترط في المقر أن يكون وارثا للمقر له، بل ولو في الجملة ط.
قوله: (فيستحق نصف نصيب المقر) ولو معه وارث آخر شرح الملتقى وبيانه في الزيلعي.
قوله: (لما تقرر أن إقراره مقبول في حق نفسه فقط) فصار كالمشتري إذا أقر أن البائع كان أعتق العبد المبيع يقبل إقراره في العتق، ولم يقبل في الرجوع بالثمن
بيانية.
وفي الزيلعي: فإذا قبل إقراره في حق نفسه يستحق المقر له نصف نصيب المقر مطلقا عندنا، وعند مالك وابن أبي ليلى: يجعل إقراره شائعا في التركة فيعطى المقر من نصيبه ما يخصه من ذلك، حتى لو كان لشخص مات أبوه أخ معروف فأقر بأخ آخر، فكذبه أخوه المعروف فيه أعطي المقر نصف ما في يده.
وعندهما: يعني عند مالك وابن أبي ليلى ثلث ما في يده، لان المقر قد أقر له بثلث شائع في النصفين فنفذ إقراره في حصته، وبطل ما كان في حصة أخيه، فيكون له ثلث ما في يده وهو سدس جميع المال والسدس الآخر في نصيب أخيه بطل إقراره فيه لما ذكرنا، ونحن نقول: إنه في زعم المقر أنه يساويه في الاستحقاق والمنكر ظالم بإنكاره، فيجعل ما في يد المنكر كالهالك، فيكون الباقي(2/313)
بينهما بالسوية، ولو أقر بأخت تأخذ ثلث ما في يده، وعندهما خمسة، ولو أقر ابن وبنت بأخ وكذبهما ابن وبنت يقسم نصيب المقرين أخماسا، وعندهما أربعا والتخريج ظاهر، ولو أقر بامرأة أنها زوجة أبيه أخذت ثمن ما في يده، ولو أقر بجدة هي أم الميت أخذت سدس ما في يده فيعامل فيما في يده كما يعامل لو ثبت ما أقر به ا ه.
وتمامه فيه.
قوله: (بابن) أي من أخيه الميت.
قوله: (لان ما أدى الخ) أي لان ما أدى صحة وجوده وهو الاقرار إلى نفيه انتفى، وهنا لو صح إقراره بابن الاخ تبين أنه ليس بوارث وإذا لم يكن وارثا لا يصح إقراره، فأدى وجود هذا الاقرار إلى نفيه، فينتفي من أصله: يعني لا يصح.
والحاصل: أن الاخ بإقراره بالابن يصير مقرا على نفيه فيحرم من الميراث بسبب الابن، وإذا خرج من الميراث صار أجنبيا، فإقراره غير صحيح، ولم يكن مقرا على نفيه فلا يرث الابن فيعود الميراث له، وهكذا فيلزم الدور الحكمي الذي عده الشافعية من موانع الارث لانه يلزم من التوريث عدمه، فقد أدى وجود الاقرار إلى عدمه بيانه كما في شرح البولاقي على شرح الشنشوري: أنه إذا أقر أخ حائز بابن للميت يثبت نسبه ولا يرث، لانه لو ورث لحجب الاخ، فلا يكون الاخ وارثا حائزا فلا يقبل إقراره بالابن فلا يثبت نسبه فلا يرث، لان إثبات الارث يؤدي إلى نفيه، وما أدى إثباته إلى نفيه
انتفى من أصله، وهذا هو الصحيح من مذهبهم.
ويجب على المقر باطنا أن يدفع له التركة إن كان صادقا في إقراره، لانه يعلم استحقاقه المال، والقول الثاني للشافعي: أنه يثبت نسبه ويرث، وبه قال أحمد، ونقل عن أبي حنيفة.
وقيل لا يثبت ولا يرث، وبه قال داود.
وقال أبو يوسف: لا يثبت نسبه إلا بإقرار اثنين من الورثة.
وعند مالك: يرث المقر له ولا يثبت نسبه إلا إذا أقر به عدلان من الورثة أو أقر به عدل وصدقه عدل آخر من الورثة، هذا غاية ما رأيته.
ثم رأيت بعض الافاضل أوضح المقام.
بقوله: بيان الملازمة أو الاقرار لا يصح إلا من وارث، وإذا صح هذا الاقرار صار هذا الاخ مع وجود الابن غير وارث، وإذا صار غير وارث لم يصح الاقرار بالنبوة فلم تحصل فائدة، فصار هذا الاقرار عبثا.
ولنا أنه أقر بشيئين المال والنسب على الغير.
ومن المعلوم أن إقرار الشخص يسري على نفسه، والمال ملك نفسه فينفذ فيه، ويلزمه دفعه له.
وأما تحميل النسب على غيره فلا يملكه، فلا ينفذ فيه إقراره، على أن النسب يثبت في حق المقر مؤاخذة له بزعمه، حتى لو مات المقر لا عن وارث فإرثه لهذا المقر له لا لبيت المال.
هذا ما أفاده المتن قريبا.
فلهذا قال الشارح: وظاهر كلامهم نعم.
والاولى أن يجزم لان الاطلاق السابق يعمل به حتى يوجد ما يخصصه، والمطلق السابق هو قوله وإن أقر بنسب على غيره إلى قوله ويصح في حق نفسه، ونظيره لو أقر بعبد فاكتسب ثم مات ثم صدقه المقر له يلزمه دفع الاكساب له، مع أن الاقرار بالعبد نفسه بطل بالموت، وكذا لو أقر المشتري بأن البائع أعتق العبد ينفذ في حق نفسه.
قوله: (وظاهر كلامهم نعم فليراجع) أي يصح الاقرار، لان مقتضى ما ذكروه هنا أن المقر إذا ثبت إقراره بنصاب الشهادة يثبت النسب وإن كان النصاب من الورثة، وإلا فيعمل بالاقرار في حق نفسه وإن لم يثبت(2/314)
النسب، وهنا إقر بنسب على الغير فلا يقبل، وأقر بالمال الذي يستحقه ظاهرا إنما هو للمقر له فيكون إقراره به على نفسه فيقبل.
ويكفي في إقراره كونه وارثا ظاهرا، وإن تبين بإقراره أنه ليس بوارث لكن تقدم في الشهادات أنه تقبل شهادة العتيق على معتقه إلا في مسألة وهي: رجل مات عن عم وبنت
وأمتين وعبدين فأعتق العم العبدين فشهدا أن الثانية أخت الميت قبل الاولى: أي قبل الشهادة بالبينة أو بعدها أو معها لا تقبل بالاجماع.
لانا لو قبلناها لصارت عصبة مع البنت، فيخرج العم عن الوارثة فيبطل العتق ا ه.
والحاصل: أن ظاهر كلامهم صحة إقرار هذا الاخ بالابن وثبت نسبه في حق نفسه فقط، فيرث الابن دونه لما قالوا: إن الاقرار بنسب على غيره يصح في حق نفسه، حتى تلزمه الاحكام من النفقة والحضانة لا في حق غيره.
وقد رأيت المسألة منقولة ولله الحمد والمنة في فتاوى العلامة قاسم بن قطلو بغا الحنفي.
ونصه: قال محمد في الاصل: ولو كانت للرجل عمة أو مولى نعمة فأقرت العمة أو مولى النعمة بأخ للميت أبيه أو أمه أو بعم أو بابن عم أخذ المقر له الميراث كله، لان الوارث المعروف أقر بأنه مقدم عليه في استحقاق ماله وإقراره حجة على نفسه.
ا ه.
هذا كلامه.
ثم قال: فلما لم يكن في هذا دور عندنا لم يذكر في الموانع وذكر في بابه ا ه.
وهذا مؤيد لما قدمناه قريبا عن بعض الافاضل أيضا فاغتنمه.
قوله: (فلا شئ للمقر) سبق قبل الاستثناء أن مختار أبي الليث أنه لا يلزمه قدر حصته، وكان وضع هذا الفرع هناك أولى، لان الديون تقضى بأمثالها قوله: (لان إقراره ينصرف إلى نصيبه) وذلك لان المائة صارت ميراثا بينهما، فلما أقر أحدهما باقتضاء أبيه ذلك صح في نصيبه خاصة لا في نصيب أخيه، فبقيت حصة الآخر كما كانت، فيجعل كأن المقر استوفى نصيبه، ولان الديون تقضي بأمثالها.
وقد أقر المقر أن أباه أخذ خمسين فوجبت، ثم تلتقي قصاصا على المديون فقد أقر بدين على الميت هو لا ينفذ في حق الوارث الآخر، وينفذ في حقه خاصة، والدين مقدم على الميراث فاستغرق نصيبه فلا يأخذ منه شيئا، كما إذا أقر عليه بدين آخر فيلزم المقر كما مر قبيل باب الاستثناء، ولا يجري في هذه المسألة الخلاف السابق كما لا يخفى على الحاذق.
قوله: (بعد حلفه) أي حلف المنكر لاجل الاخ لاجل الغريم، لانه لا ضرر على الغريم، فلا ينافي ما يأتي، ولو نكل شاركه المقر في الخمسين.
قوله: (لكنه الخ) الاستدارك يقتضي أن لا يحلف في الاولى، وبه صرح الزيلعي.
وهو مخالف لما قدمه عن الاكمل ومر جوابه.
قوله: (يحلف) أي المنكر
بالله لم يعلم أنه قبض الدين، فإن نكل برئت ذمة المدين، وإن حلف دفع إليه نصيبه، بخلاف المسألة الاولى حيث لا يحلف لحق الغريم، لان حقه كله حصل له من جهة المقر فلا حاجة إلى تحليفه، وهنا لم يحصل إلا النصف فيحلفه زيلعي.
وقد وفق أبو السعود بين العبارتين كما ذكرنا، وحينئذ اندفع ما أبداه الحلبي من التنافي وحينئذ، فقوله حيث لا يحلف مخالف لما قاله الاكمل في المسألة الاولى يحلف(2/315)
الاخ بالله الخ.
ولعل الذي نفاه الزيلعي الحلف لحق الغريم، والذي قاله الاكمل لحق أخيه المقر، لان كل من إذا أقر بشئ لزمه يحلف عند إنكاره ليقضي عليه بالنكول.
تأمل.
وفي الدر المنتقى: لو مات عن ابنين وكان لابيهما الميت دين على شخص فأقر أحدهما بقبض أخيه نصفه صح في حصته، وحينئذ فالنصف الباقي للآخر بعد حلفه.
قلت: وكذا الحكم لو أقر بقبض كله لكن هنا يحلف لحق الغريم.
ذكره الزيلعي وغيره.
ا ه.
والحاصل: أن في المسألة الاولى لا يحل ف لحق الغريم، لان حقه كله حصل له من جهة المقر فلا حاجة إلى تحليفه، بخلاف المسألة الثانية فإنه يحلف المنكر بالله ما تعلم أنه قبض الدين، فإن نكل برئت ذمته، وإن حلف دفع إليه نصيبه، والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
فصل في مسائل شتى قال عزمي زاده: أفرز صاحب التسهيل هاهنا مسائل مهمة وأدرجها تحت زيادة على سائر المتون، واقتفى صاحب الدرر أثره، وانتخب المسائل المذكورة فيه من الكافي.
ا ه.
والشارح رحمه الله تعالى جمع بين ما أتى به في التسهيل وبين ما جرت به عادة المتون من ذكر مسائل شتى، فترجم بها، وفيه ظرفية الشئ في نفسه، لان الفصل هو المسائل، إلا أن يقال: الفصل مراد به الالفاظ مراد بها المعاني فيكون من ظرفية الدال في المدلول.
قوله: (المكلفة) أي العاقلة البالغة: أي وهي حرة أو مأذونة ط.
قوله: (فكذبها زوجها) إما إذا صدقها فيظهر في حقه اتفاقا.
قوله: (أيضا) أي كما يصح في حقها وتركه لظهوره.
قوله: (ولا يتعدى إلى غيره) لان كونه حجة إنما هو في زعم المقرر وزعمه ليس حجة على غيره، ولذا لا يظهر في حق الولد والثمرة، بخلاف البينة فإنها حجة في حق الكل، لان
حجيتها بالقضاء وهو عام.
حموي.
قوله: (وهذه إحدى المسائل الست) الثانية: لو أقر المؤجر بدين لا وفاء له إلا من ثمن العين المؤجرة فللدائن بيعها، وإن تضرر المستأجر قال الشيخ صالح في هذا: إشارة إلى أن رب الدين إذا أراد حبس المديون، وهو في إجارة الغير يحبس، وإن بطل حق المستأجر قاله تفقها، فوافق بحث المؤلف الآتي.
الثالثة: لو أقرت مجهولة النسب بأنها بنت أبي زوجها وصدقها الاب انفسخ النكاح بينهما، ومثل الاب الجد، بخلاف ما إذا أقرت بالردة، ولو طلقها ثنتين بعد الاقرار بالرق لم يملك الرجعة.
الرابعة: إذا ادعى ولد الامة المبيعة وللمدعي على أخ ثبت نسبه وتعدى إلى حرمان الاخ من الميراث.
الخامسة: المكاتب إذا ادعى نسب ولد حرة في حياة أخيه صحت، وميراثه لولده دون أخيه.
السادسة: باع المبيع ثم أقر أن البيع كان تلجئة وصدقه المشتري، فله الرد على بائعه بالعيب، كذا في الجامع.
قال الحموي: قوله لو أقر المؤجر الخ، قال بعض الفضلاء: يؤخذ من هذا جواب حادثة لم أجد فيها نقلا، وهو أن رب الدين إذا أراد حبس المديون وهو في إجارة الغير هل يحبس وإن بطل(2/316)
حق المستأجر؟ فهذا يشير إلى أنه يحبس وإن بطل حق المستأجر.
قوله: لو أقرت مجهول النسب الخ.
وقعت حادثة بالقاهرة: وهي أن شخصا أقر في مرض موته بأن فلانا أخي وشقيقي، ولهذا المقر أخت شقيقة والمقر له غير أب المقر، وكل منهما حر الاصل من الاب وصدقت على إقرار أخيها حتى لا يشاركها بيت المال، وهي شافعية المذهب، وثبت الاقرار بين يدي قاض حنفي، وحكم بصحة قاض شافعي، فنازع صاحب بيت المال المقر له، ودار سؤالهم بين العلماء، فمنهم من أجاب بصحة الاقرار وهم الاكثر، ومنهم: من أجاب ببطلانه، ومنهم علامة الورى الشمس الرملي معللا بأنه محال شرعي، إذ يستحيل أن يكون لواحد أبوان.
وقال بعض الفضلاء من الحنفية: مقتضى مذهبنا بطلان الاقرار: أي في خصوص هذه المسألة.
وإلا فلا يستحيل شرعا أن يكون للواحد أبوان أو ثلاثة إلى خمسة، كما في ولد الجارية المشتركة إذا ادعاه الشركاء، بل قد يثبت نسب لواحد الحر الاصل من
الطرفين، كما في اللقيط إذا ادعاه رجلان حران كل واحد منهما من امرأة حرة كما في التاترخانية.
ا ه.
قوله: (ولم نرها صريحة) هذا البحث لصاحب المنح، ومثله في حاشية الاشباه للحموي كما قدمناه قريبا.
قوله: (وعندهما لا) لما لم يقف على من يرجح قول الامام على قولهما صرح بذكر قولهما في المتن: فإن عادته كعادة أرباب المتون المألوفة التصريح بقولهما أيضا عند رجحان قولهما على قوله، وكذا عند التساوي بينهما كما في المولى عبد الحليم، ولكن يأتي تصحيح قول الامام.
قوله: (فلا تحبس ولا تلازم) لان فيه منع الزوج عن غشيانها وإقرارها فيما يرجع إلى بطلان حق الزوج لا يصح انتهى درر.
والظاهر أنه على قولهما يأمرها القاضي بالدفع وبيع عليها ما يباع في الدين ط.
قوله: (إفتاء وقضاء) منصوبين على الحال.
قوله: (لان الغالب الخ) فيه نظر، إذ العلة خاصة والمدعي عام، لانه لا يظهر فيما إذا كان الاقرار لاجنبي، وقوله لتوصل بذلك إلى منعها بالحبس عنده لا يظهر أيضا، إذا بالحبس عند القاضي لا عند الاب، فإذا المعول عليه قول الامام.
ا ه.
إذ لم يستند في هذا التصحيح لاحد من أئمة الترجيح ط.
لكن قوله إذ الحبس عند القاضي مخالف لما مر في بابه أن الخيار فيه للمدعي.
قوله: (في حقها خاصة) أي في بعض الاحكام، فإنه يظهر في حق الزوج في المستقبل، حتى لو جاءت بولد بعده يكون ملكا للمقر له، ويملك عليها الزوج طلقتين فقط، وقد كان يملك عليها ثلاثا.
وهذا عند أبي يوسف في حق الاولاد وإجماعا في الطلاق والعدة، فإن طلاقها اثنتان وعدتها حيضتان، وقد كان يملك عليها ثلاثا وتعتد بثلاث حيض، والعدة حق الزوج وحق الشرع، فقد ظهر إقرارها في حق غيره كما نقله الشرنبلالي عن المحيط عن المبسوط.
قوله: فولد التفريع غير ظاهر، ومحله فيما بعد، والظاهر أن يقال: فتكون رقيقة له كما في العزمية، ويأتي قريبا.
قوله:(2/317)
(رقيق) عند أبي يوسف: لانه حكم برقيتها وولد الرقيقة رقيق.
درر.
قوله: (خلافا لمحمد) هو يقول: تزوجها بشرط حرية أولاده منها فلا تصدق في إبطال هذا الحق.
ا ه.
منح: أي فيكون أولادها بعد الاقرار أحرارا، وهذا ليس على إطلاقه لما في الاشباه: مجهول النسب إذا أقر بالرق لانسان وصدقه المقر له صح وصار عبدا، وهذا إذا كان قبل تأكد الحرية بالقضاء، أما بعد قضاء القاضي عليه بحد كامل أو
بالقصاص في الاطراف لا يصح إقراره بالرق بعد ذلك.
ا ه.
قوله: (يرد عليه) أي على عدم صحة إقرارها في حقه.
قوله: (انتقاص طلاقها) وكذا عدتها كما علمت.
قوله: (كما حققه في الشرنبلالية) حيث قال ويرد على كون إقرارها غير صحيح في حقه انتقاص طلاقها، لانه نقل في المحيط عن المبسوط: أن طلاقها ثنتان وعدتها حيضتان بالاجماع، لانها صارت أمة، وهذا حكم يخصها.
ثم نقل عن الزيادات: ولو طلقها الزوج تطليقتين وهو لا يعلم بإقرارها ملك عليها الرجعة، ولو علم لا يملك، وذكر في الجامع: لا يملك علم أو لم يعلم.
قيل ما ذكره في الزيادات قياس، وما ذكره في الجامع استحسان.
وفي الكافي: آلي وأقرت قبل شهرين فهما مدته، وإن أقرت بعد مضي شهرين فأربعة، والاصل أنه متى أمكن تدارك ما خاف فوته بإقرار الغير ولم يتدارك بطل حقه، لان فوات حقه مضاف إلى تقصيره فإن لم يمكن التدارك لا يصح الاقرار في حقه، فإذا أقرت بعد شهر أمكن الزوج التدارك وبعد شهرين لا يمكنه، وكذا الطلاق والعدة حتى لو طلقها ثنتين ثم أقرت يملك الثالثة، ولو أقرت قبل الطلاق تبين بثنتين، ولو مضت من عدتها حيضتان ثم أقرت يملك الرجعة، ولو مضت حيضة ثم أقرت تبين بحيضتين ا ه.
قلت: وعلى ما في الكافي لا إشكال لقوله: إن فوات حقه مضاف إلى تقصيره.
تأمل.
قوله: (وفرع على حقه) الاولى أن يقول على قوله لا في حقه.
قوله: (مجهول النسب) قيد به احترازا عمن علم نسبه وحريته فلا يصح إقراره بالرق لتكذيب العيان له كما لا يخفى، وكذا من علم أنه عتيق الغير، ويصح هذا الاقرار من المجهول، ولو كان صبيا مميزا كما في تنوير الاذهان، ويستثنى منه اللقيط حيث لا يصح إقراره بأنه عبد لفلان، إلا إذا كان بالغا.
أبو السعود.
وفي الاشباه: مجهول النسب: لو أقر بالرق لانسان وصدقه المقر له صح وصار عبده إن كان قبل تأكد حريته بالقضاء، أما بعد قضاء القاضي عليه بحد كامل أو بالقصاص في الاطراف لا يصح إقراره بالرق بعد ذلك، وإذا صح إقراره بالرق فأحكامه بعده في الجنايات والحدود وأحكام العبيد وفي النتف يصدق، إلا في خمسة: زوجته، ومكاتبه، ومدبره، وأم ولده، ومولى عتقه.
انتهى.
أقول: وهذا يفيد مجهول النسب أيضا قوله: (صح إقراره في حقه) أي وصار عبده إن كان قبل تأكد حريته بالقضاء كما علمت.
قوله: (دون إبطال العتق) أي دون ما يتعلق بعصبة المقر من إرث(2/318)
المعتق بعد موت المقر.
قوله: (يرثه وارثه الخ) لانه مقدم على المعتق.
قوله: (وإلا) صادق بأن لم يكن له وارث أصلا، أو وارث لا يرث الكل كأحد الزوجين.
قوله: (فيرث الكل) أي إن لم يكن له وارث أصلا.
قوله: (أو الباقي) إن كان له وارث لا يستغرق.
قوله: (كافي وشرنبلالية) الاولى: شرنبلالية عن الكافي، لقوله كذا في الكافي.
وعبارة الشرنبلالية عن المحيط: وإن كان للميت بنت كان النصف لها، والنصف للمقر له.
ا ه.
فعلم أن المراد بالوارث ذو الفرض أو العصبة، وإن كان المقر له مقدما على الرد وهل يقدم على ذوي الارحام يراجع.
قال في الشرنبلالية: وإن جنى هذا العتيق سعى في جنايته لانه لا عاقلة له، وإن جني عليه يجب عليه أرش العبد، وهو كالمملوك في الشهادة، لان حريته في الظاهر وهو يصلح للدفع لا للاستحقاق.
ا ه.
قوله: (المقر له) فاعل يرث: أي وإلا فيرث الكل أو الباقي المقر له.
قوله: (فإرثه لعصبة المقر) لانه لما مات انتقل الولاء إليهم، بخلاف ما إذا كان حيا.
درر.
وذلك لان إقراره بالرق لا يظهر في حقهم، فلو كان عصبة أولاده فمن قبل الاقرار أحرار يرثون، ومن بعده من أمة أرقاء لا ترثون، فتدبر ط.
والحاصل: أن الاقرار حجة قاصرة، فما دام حيا يكون إرث العتيق للمقر له عند عدم الوارث، وبعد المقر ينتقل الولاء لعصبته، فيكون الارث لهم فلا ينفذ إقراره عليهم، ويستحقون الميراث دون المقر له.
قوله: (لانه لا عاقلة له) إذ الذي أعتقه صار رقيقا والمقر له لم يظهر حكمه في حق ذلك العتيق.
قوله: (ولو جنى عليه يجب أرش العبد) وعليه فقد صار الاقرار حجة متعدية في حق المجني عليه، فينبغي زيادة هذه المسألة على الست المتقدمة آنفا.
قوله: (لان حريته بالظاهر) لانا نظرنا فيها إلى ظاهر حرية المعتق حال إعتاقه.
قوله: (قال رجل لآخر لي عليك ألف الخ).
أقول: هذه المسائل معرفة
أو منكرة أو مكررة أو مقرونا بها البر ينبغي أن تذكر عند قول المصنف في كتاب الاقرار قال: أليس لي عليك ألف؟ فقال بلى الخ لوجهين.
الاول: أنها من قبيل نعم.
والثاني: أنها نظيرة اتزنها واتزن، فنظير الاول قوله الحق ونحوه، لان المفعول المطلق أو المفعول به لا يستقل بنفسه، لان الهاء لا بد له من مرجع سابق، ونظير الثاني قوله الحق حق ونحوه، لانه كلام تام غير محتاج إلى ما قبله، وكذلك اتزن، ثم هذه الالفاظ الرواية فيها النصب، وعليه كلام المصنف حيث صرح به في النكرة: إما بكونه على المصدرية والتقدير القول الحق الخ، أو بكونه مفعولا به: أي ادعيت الحق الخ، وجاز في الكل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف يدل عليه فحوى الكلام.
فالتقدير: قولك الحق أو دعواك الحق الخ، ولو قدر مجرورا فله وجه أيضا فيكون التقدير قولك: أو(2/319)
دعواك بالحق، ولو لم يعرب فيحمل على واحد منهما، فلا يختلف الحكم في الجميع في الصحيح.
كذا في الجامع العاملي.
قوله: (ونحوه) بأن كرر اليقين أيضا معرفا أو منكرا.
قوله: (أو قرن بها البر) قيد به لانه لو قرن بها الصلاح لم يكن إقرارا، لان الصلاح محكم في الرد، إذ القول لا يوصف به فيكون أمرا بالصلاح والاجتناب عن الكذب، فيحمل ما قرن به عليه أطلقه ولكنه مقيد بالنصب، إذ لو رفع يكون جملة تامة من مبتدأ وخبر فلا يجعل جوابا لما سبق، بخلاف تكرير هذه الالفاظ حيث يحمل على التأكيد.
وأشار بالمقارنة إلى أن البر لو انفرد معرفا أو منكرا أو مكررا لا يكون إقرارا لعدم العرف.
عبد الحليم.
قوله: (البر حق) هذا مما يصلح للاخبار ولا يتعين جوابا، والذي في نسخة الدرر: البر الحق، وهو في بعض النسخ كذلك، وهو ظاهر فإنه يحمل على الابدال ط.
قوله: (لانه كلام تام) من مبتدأ وخبر مستقل بنفسه، هذا هو المنطوق، وجعله جوابا إنما هو باعتبار دلالة الحال، وذا ساقط في مقابله.
وقوله: (لانه لا يصلح للابتداء) أي لان يكون كلاما مبتدأ، هذا هو الظاهر، أو لا يصلح لان يكون مبتدأ، لانه لو رفع يكون خبرا لمبتدأ يقدر بدلالة الحال، وهو قولك أو دعواك على ما أشرنا إليه.
قوله: (يا سارقة الخ) مأخذ هذه المسألة بتفاريعها من باب الاقرار بالعيب في الجامع الكبير وإتيان
المصنف بها في أواخر باب العيب أنسب من إتيانه بها هنا كما لا يخفى.
قوله: (لانه نداء) أي فيما عدا الاخير والنداء إعلام المنادى وإحضاره لا تحقيق الوصف، ولهذا لو قال لامرأته يا كافرة لا يفرق بينهما.
ا ه.
درر.
قوله: (أو شتمة) أي في الاخيرة وهي قوله هذه السارقة فعلت كذا: أي ولم يكن لتحقيق الوصف، وفي نسخة شتيمة ويحتمل أن أو بمعنى الواو، فإن كل أمثلة النداء تصلح للشتم وينفرد الشتم في الاخيرة ط.
قوله: بخلاف هذه سارقة وكذا هذه السارقة بلام التعريف، الحاصل أن الاعتبار إلى مجئ الوصف خبرا فيستوي حينئذ كونه معرفا أو منكرا، بخلاف مجيئه نعتا فحينئذ يحمل على الشتم، هذا هو المصرح به في تلخيص الجامع الكبير، وعليه كلام الكافي، فيظهر منه أن تنكير هذه الاوصاف في عبارة المصنف ليس للاحتراز.
قوله: (حيث ترد بأحدها) أي لو اشتراها من لم يعلم بهذه الاخبار ثم علم ط.
أقول: فيه نظر، لان الشرط في رد المبيعة بالعيب أن يوجد عند المشتري والبائع، فلو أقر البائع بالعيب عنده ولم يوجد عند المشتري لا ترد بل يكون قد زال.
تأمل.
قوله: (بخلاف أول) فإن السيد لا يتمكن من إثبات هذه الاوصاف فيها.
قوله: (بطريق محظور) متعلق بالسكران.
قوله: (محرم) لا(2/320)
حاجة إليه.
قوله: (صحيح) لتكليفه شرعا لقوله تعالى: * ((4) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء: 34) خاطبهم تعالى ونهاهم حال سكرهم.
أشباه.
قوله: (أقيم عليه الحد في سكره) لعله سبق قلم.
والصواب القصاص لانه لا فائدة في انتظاره، وأشار إلى أن الحد تارة يقصد به تأديب بإيصال الالم إليه، وهذا لا يحصل في حال السكر فلا يقام عليه فيه لانه لا يحس به كحد الشرب والقذف، وتارة يقصد به تأديب غيره أو تحصيل ثمرته، وإن أقيم في حال السكر لبقاء أثره بعده كالقود فإنه إن كان في النفس يحصل به إزهاق الروح، فلا فرق أن يكون في حال الصحو لحصول المقصود به، وهو زجر غيره أن يفعل كفعله، وكذا فيما دون النفس المقصود به يحصل في حال السكر أو في حال الصحو.
وينبغي أن يكون حد السرقة كذلك لبقاء أثره بعد الصحو.
قوله: (وفي السرقة يضمن المسروق) أي لو أقر بالسرقة يتضمن ذلك الاقرار حق الله، وهو إقامة الحد وحق العبد، وهو ضمان المال فلا يلزمه
الحد لدرئه بالشبهات، ويصح في حق العبد فيضمن المال المسروق.
قوله: (سعدي أفندي) وعبارته هناك.
وقال صاحب النهاية: ذكر الامام التمرتاشي: ولا يحد السكران بإقراره على نفسه بالزنا والسرقة، لانه إذا صحا ورجع بطل إقراره ولكن يضمن المسروق، بخلاف حد القذف والقصاص حيث يقام عليه في حال سكره لانه لا فائدة في التأخير لانه لا يملك الرجوع، لانهما من حقوق العباد، فأشبه الاقرار بالمال والطلاق والعتاق انتهى.
ولا يخفى عليك أن قوله لانه لا فائدة في التأخير محل بحث، وفي معراج الدراية: بخلاف حد القذف فإنه يحبس حتى يصحو ثم يحد للقذف، ثم يحبس حتى يخف منه الضرب، ثم يحد للسكر.
ذكره في المبسوط.
وفي معراج الدراية: قيد بالاقرار لانه لو زنى أو سرق في حاله يحد بعد الصحو، بخلاف الاقرار، وكذا في الذخيرة انتهى.
أقول: لكن في قوله بخلاف الاقرار أن الاقرار كذلك فما وجه المخالفة.
تأمل.
قوله: (إلا فيما يقبل الرجوع كالردة) أي ولو بسب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإنها كسائر ألفاظ الردة خلافا لما قدمه الشارح في بابها.
وكتب عليه سيدي الوالد رحمه الله تعالى كتابة حسنة حرر فيها أن القبول هو المذهب، وأن عدم القبول هو مذهب مالك رحمه الله تعالى فارجع إليه.
والحكمة في عدم صحة إقراره فيما يقبل الرجوع أن الردة مبنية على الاعتقاد وهو يعتمد وجود العقل ولا عقل له مع السكر ولو أقر، ولذا لو ارتد في سكره لا تصح ردته، وعليه فينبغي أن لا تلحقه أحكام المرتد من بينونة زوجة ونحوه، فليراجع.
أما من ثبتت ردته بالبينة وأنكر فإن إنكاره توبة فتلزمه أحكام المرتد كما صرحوا به.
قوله: (وشرب الخمر) أي إذا أقر وهو سكران بأنه شرب الخمر الذي هو فيه أو غيره لا يصح إقراره فلا يقام عليه الحد، وإنما ترتب على البينة مثلا الاحكام ط.
قوله: (لا يعتبر) أي إقراره.
قوله: (إلا في سقوط القضاء) أي قضاء الصلاة أزيد من يوم وليلة، فتسقط بالاغماء لا بالسكر، لانه بصنعه كما في(2/321)
الاشباه قوله: (وتمامه في أحكامات الاشباه) وعبارتها أحكام السكران هو مكلف لقوله تعالى: * ((4) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) * (النساء: 34) خاطبهم تعالى ونهاهم حال سكرهم، فإن كان السكر من محرم، فالسكرا منه هو المكلف، وإن كان من مباح فلا فهو كالمغمى عليه لا يقع طلاقه.
واختلف التصحيح فيما إذا سكر مكرها أو مضطرا فطلق، وقدمنا في الفوائد أنه من محرم كالصاحي إلا في ثلاث: الردة، والاقرار بالحدود الخالصة، والاشهاد على شهادة نفسه، وزدت على الثلاثة: تزويج الصغير والصغيرة بأقل من مهر المثل أو بأكثر فإنه لا ينعقد.
الثانية: الوكيل بالطلاق صاحيا إذا سكر فطلق لم يقع.
الثالثة: الوكيل بالبيع، ولو سكر فباع لم ينفذ على موكله.
الرابعة: غصب من صاح ورده عليه وهو سكران وهي في فصول العمادية فهو كالصاحي، إلا في سبع فيؤاخذ بأقواله وأفعاله، واختلف التصحيح بما إذا سكر من الاشربة المتخذة من الحبوب أو العسل، والفتوى على أنه سكر محرم، فيقع طلاقه وعتاقه ولو زال عقله بالبنج لم يقع وعن الامام أنه إن كان يعلم أنه بنج حين يشرب يقع وإلا فلا، وصرحوا بكراهة أذان السكران، واستحباب إعادته وينبغي أن لا يصح أذانه كالمجنون.
وأما صومه في رمضان فلا إشكال أنه إن صحا قبل خروج وقت النية أنه يصح إذا نوى، لانا لانشرط التبييت فيها، وإذا خرج وقتها قبل صحوة أثم وقضى، ولا يبطل الاعتكاف بسكره ويصح وقوفه بعرفات كالمغمى عليه، لعدم اشتراط النية فيه.
واختلفوا في حد السكران: فقيل من لا يعرف الارض من السماء ولا الرجل من المرأة، وبه قال الامام الاعظم.
وقيل من في كلامه اختلاط وهذيان، وهو قولهما وبه أخذ أكثر المشايخ.
والمعتبر في قدح السكر في حق الحرمة ما قالاه احتياطا في الحرمات، والخلاف في الحد والفتوى على قولهما في إنتقاض الطهارة وفي يمينه لا يسكر كما بيناه في شرح الكنز.
تنبيه قولهم إن السكر من مباح كالاغماء، يستثنى منه سقوط القضاء فإنه لا يسقط عنه وإن كان أكثر من يوم وليلة لانه بصنيعه.
كذا في المحيط انتهى ما ذكره في الاشباه.
قال في نور العين: ويلحق السكران بالصاحي في العبادات والحقوق فيلزمه سجدة تلاوة وقضاء
الصلاة شح، وإذا أفاق يلزمه الوضوء لو كان بحال لا يعرف الذكر من الانثى لا كمغمى عليه، ومن سكر من شراب محرم أو من المثلث لزمه كل التكاليف الشرعية، ويصح جميع عباراته وتصرفاته سواء شرب مكرها أو طائعا.
بزدوي.
السكر لو بمباح كشرب مكره، ومضطر، وشرب دواء، وشرب ما يتخذ من حبوب وعسل عند أبي حنيفة كالاغماء يمنع من صحة طلاق، وعتاق وسائر التصرفات، والسكر بمحظور كسكر من كل شراب محرم، ونبيذ المثلث، ونبيذ الزبيب المطبوخ المعتق لا ينافي الخطاب، فيلزمه جميع أحكام الشرع، وتصح عباراته كلها بطلاق وعتاق وبيع وشراء، وأقارير، ويصح إسلامه لا ردته استحسانا، ولو أقر بقصاص أو باشر سببا لزمه حكمه، ولو قذف أو أقر به لزمه الحد، ولو زنى حد إذا صحا، ولو أقر أنه سكر من خمر طائعا لم يحد حتى يصحو فيقرأ وتقوم عليه البينة، ولو أقر بشئ من الحدود لم يحد إلا في حد قذف، وتقام عليه الحدود إذا صحا.(2/322)
قال في الهداية: لا يحد السكران حتى يعلم أنه سكر من النبيذ وأنه شربه طوعا، إذ السكر من المباح لا يوجب الحد كالبنج ولبن الرماك، وكذا شرب المكره لا يوجب الحد ولا يحد السكران حتى يزول عنه السكر تحصيلا لمقصود الانزجار والسكران الذي يحد عند أبي حنيفة، هو من لا يعقل منطقا لا قليلا ولا كثيرا، ولا يعقل الرجل من المرأة، وعندهما: من يهذي ويخلط كلامه إذا هو السكران في العرف، وإليه مال أكثر المشايخ، والمعتبر في القدح المسكر في حق الحرمة ما قالا إجماعا أخذا بالاحتياط انتهى.
وقدمنا عن الاشباه أن الفتوى على قولهما في إنتقاض الطهارة، وفي يمينه أن لا يسكر، وأنه يستثنى سقوط القضاء من قولهم السكر بمباح كإغماء، فإنه لا يسقط عنه وإن كان أكثر من يوم وليلة لانه بفعله.
قال قاضيخان: يجوز جميع تصرفات السكران إلا الردة والاقرار بالحدود والاشهاد على شهادة نفسه.
وفي محل آخر منه من سكر من خمر أو شراب متخذ من أصل الخمر وهو العنب والزبيب والتمر كنبيذ ومثلث وغيرهما ينفذ جميع تصرفاته عندنا، وبه أخذ عامة المشايخ.
وقال الحسن بن زياد
الطحطاوي والكرخي والصفار ومالك والشافعي في أحد قوليه وداود الاصفهاني: لا يصح منه تصرف ما وردته لا تصح عندنا استحسانا.
إذ الكفر واجب النفي لا واجب الاثبات.
وعن أبي يوسف أنه كان يأخذ بالقياس ويقول: تصح ردته انتهى.
قال: فلو قضى قاض بقول واحد من هؤلاء نفذ قضاؤه.
واختلف المشايخ فيما يتخذ من حبوب وثمار وعسل: من قال بوجوب الحد بالسكر به يقول ينفذ تصرفاته ليكون زجرا له، ومن قال لا يجب الحد به وهو الفقيه أبو جعفر والامام السرخسي يقول لا ينفذ تصرفاته، ولو شر ب شرابا حلوا فلم يوافقه وذهب عقله بالصداع لا بالشراب فطلق، قال محمد: لا يقع، وبه يفتى.
هذا كله في الشراب طائعا، فلو مكرها فطلق فالصحيح أنه لا يقع، وفي محل آخر منه: ولو شرب الخمر مكرها أو لضرورة وسكر فطلق اختلفوا فيه، والصحيح أنه كما لا يلزمه الحد لا يقع طلاقه ولا تنفذ تصرفاته، ولو سكر مما يتخذ من حبوب وفواكه وعسل اختلفوا فيه، قال الفقيه أبو جعفر: أنه كما لا يلزمه الحد لا تنفذ تصرفاته.
قاضيخان.
لو كانت الخمر مغلوبة بالماء تحرم، لكن لا يحد شاربها ما لم يسكر، وفيما سوى الخمر مما يتخذ من عنب وزبيب لا يحد شاربه ما لم يسكر، ومن سكر بالبنج فالصحيح أنه لا يحد، ولا تصح تصرفاته ولا تقع ردته.
ابن الهمام.
عدم وقوع طلاق السكران بالبنج والافيون لعدم المعصية، فإنه يكون للتداوي غالبا فلا بكون زوال العقل بسبب هو معصية، حتى لو لم يكن للتداوي بل للهو وإدخال الآفة قصدا ينبغي أن نقول يقع.
وقال أيضا: اتفق مشايخ الحنفية والشافعية بوقوع طلاق من زال عقله بأكل الحشيش، وهو المسمى ورق القنب لفتواهم بحرمته اتفاقا من متأخريهم، إذ لم يظهر أمر الحشيش في زمن المتقدمين سني طلاق السكران غير واقع، وبه أخذ كثير من مشايخ بلخ، وهو قول عثمان رضي الله تعالى عنه: هذا نبيذ عسل وتين وحنطة وشعير وذرة حلال، وإن لم يطبخ عند أبي حنيفة، وأبي يوسف: إذا شرب بلا لهو ولا طرب لقوله عليه الصلاة والسلام الخمر من هاتين الشجرتين، وأشار إلى كرم ونخل خص التحريم بهما، إذا المراد بيان الحكم.
ثم قيل: يشترط الطبخ لاباحته، وقيل لا، وهو المذكور في(2/323)
الكتاب.
وهل يحد إذا سكر منه؟ قيل لا يحد، وقالوا: الاصح أنه يحد، إذ روي عن محمد فيمن سكر من الاشربة أنه يحد بلا تفصيل، إذ الفساق يجتمعون عليه في زماننا كما على سائر الاشربة بل فوق ذلك.
يقول الحقير: قوله الاصح موافق لما اختاره صاحب المبسوط كما مر، لكنه مخالف لما نقله قاضيخان عن الفقيه أبي جعفر، ولما نقله البزدوي أيضا عن أبي حنيفة، كما مر كلاهما في أول المبحث، والله تعالى أعلم بالصواب.
هداية المثلث.
العنبي حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف إذا قصد به التقوية لا التلهي.
وعند محمد: حرام، وعنه أنه حلال، وعند أنه مكروه، وعنه أنه توقف فيه مختارات النوازل نبيذ تمر ونبيذ زبيب إذا طبخ أدنى طبيخ، وإن اشتد إذا شرب ما يغلب على ظنه أنه لا يسكر من غير لهو ولا طرب جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وهو الصحيح، لانه أبعد من تفسيق الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ونبيذ حنطة وشعير وعسل حلال وإن لم يطبخ إذا شرب منه بلا لهو، عند أبي حنيفة وأبي يوسف فهو المثلث ولا يحد شاربه عندهما، ولا يقع طلاقه وإن سكر منه، وعن محمد أنه حرام، ويحد شاربه إذا سكر منه، ويقع طلاقه.
والاصح فيه قول محمد، وكذا المتخذ من الالبان إذا اشتد، فهو على هذا الخلاف أشباه.
صرحوا بكراهة أذان السكران، والاستحباب الاعادة، وينبغي أن لا يصح أذانه كالمجنون فضك.
سكران جمح فرسه فاصطدم إنسانا فمات، لو كان يقدر على منعه فليس بمسير له فلا يضاف إليه سيره، وكذا غير السكران لو عاجزا عن منعه.
زوج بنته الصغيرة بأقل من مهرها: لو صاحيا جاز عند أبي حنيفة، أما عندهما فقيل: يجوز النكاح لا النقصان، ونص في جمع أنه لا يجوز النكاح عندهما، ولو في سكر اختلف على قول أبي حنيفة، قيل يجوز، وقيل لا، وهو الصحيح فقط.
تزوج امرأة بحضرة سكارى وعرفوا أمر النكاح إلا أنهم لا يذكرون بعد صحوهم جاز ط.
وكله بطلاق فطلقها وهو سكران، فلو وكله وهو سكران يقع إذ رضي بعبارته، ولو وكله وهو صاح لا يقع إذ رضي بعبارة الصاحي لا السكران خ.
وكيل بيع وشراء إذا سكر نبيذ تمر: فلو يعرف البيع والشراء والقبض قال سنجر: جاز عقده على موكله كما باشر لنفسه لا لو ببنج كمعتوه.
وقال غيره: لا يجوز في النبيذ أيضا، إذ بيع السكران إنما جاز زجرا عليه فلا يجوز على موكله، فسقط رد الغصب على سكران ورفع ثوبه للحفظ مر في أوائل فصل الضمان انتهى.
قال بعض الفضلاء: وهل يدخل في ذلك تصرفات الصبي السكران من إسلامه وغيره؟ وكانت واقعة الفتوى تأمل.
أقول: الظاهر أنه لا يدخل في ذلك، لان البالغ السكران من محرم جعل مخاطبا زجرا له وتغليظا عليه، والصبي ليس أهلا للزجر والتغليظ.
كذا ذكره في الحواشي الحموي.
قوله: (بطل إقراره) قال في الذخيرة: من أقر لانسان بشئ وكذبه المقر له فقال المقر أنا أقيم البينة على ذلك لا تقبل بينته ا ه.
بيري.
ولو عاد المقر في الاقرار ثانيا وصدقه المقر له كان للمقر له أن يؤاخذه بإقراره الثاني.
تاترخانية.
والمعنى: أنه إذا كذبه ثم صدقه لا يعمل تصديقه إلا في المواضع المذكورة فإنه يعمل تصديقه بعد التكذيب ط.(2/324)
أقول: وما نقله في التاترخانية استحسان، والقياس أن لا يكون له ذلك، وفي الذخيرة: وصدقه المقر له بأن قال لك علي ألف درهم فقال المقر له أجل لي عليك، ولو أقر بالبيع وجحد المشتري ووافقه المقر في الجحود أيضا ثم إن المقر له ادعى الشراء لا يثبت الشراء، وإن أقام المشتري بينة على ذلك ولو صدقه البائع على الشراء يثبت الشراء.
ا ه.
قال السيد الحموي أقول: وجه القياس أن الاقرار الثاني عين المقر به أولا فالتكذيب في الاول تكذيب في الثاني.
ووجه الاستحسان أن يحتمل أنه كذبه بغير حق لغرض من الاغراض الفاسدة فانقطع عنه ذلك الغرض، فرجع إلى تصديقه فجاء الحق وزهق الباطل.
ا ه.
قوله: (على ما هنا) أي على ما في المتن، وإلا فسيأتي زيادة عليها.
قوله: (الاقرار بالحرية) فإذا أقر أن العبد الذي في يده حر تثبت حريته، وإن كذبه العبد ط.
قوله: (والنسب) قد تقدم في باب دعوى النسب فيما تصح فيه دعوى الرجل والمرأة أنه لا بد من تصديق هؤلاء، إلا في الولد إذا كان لا يعبر عن نفسه، ومن جملة
ما يشترط تصديقه مولى العتاقة، إلا أن يحمل أنه إذا عاد إلى التصديق بعد الرد يقبل كما قلنا.
ويدل على ذلك عبارة البحر في المتفرقات فإنه قال: وقد بالاقرار بالمال احترازا عن الاقرار بالرق والطلاق والعتاق والنسب والولاء فإنها لا ترتد بالرد، أما الثلاثة الاول ففي البزازية: قال لآخر أنا عبدك فرد المقر له ثم عاد إلى تصديقه فهو عبده، ولا يبطل الاقرار بالرق بالرد كما لا يبطل بجحود المولى، بخلاف الاقرار بالعين والدين حيث يبطل بالرد، والطلاق والعتاق لا يبطلان بالرد لانهم إسقاط يتم بالمسقط وحده، وأما الاقرار بالنسب وولاء العتاقة ففي شرح المجمع من الولاء، وأما الاقرار بالنكاح فلم أره الآن.
ا ه.
فتصور المسائل المذكورة هنا مثل تصوير الرق إلا الطلاق والعتاق لما علل به ط.
قوله: (والوقف) قال في الاشباه: إن المقر له إذا رده ثم صدقه صح كما في الاسعاف.
قوله: (في الاسعاف لو وقف على رجل الخ) يشير به للرد على المتن، ولكن رأيت معزيا للخزانة ما يوافق المتن، وهو لو قال لا أقبل يبطل، وقيل لا يبطل، وهو المختار عند بعض المتأخرين ا ه.
لكن فيه أن الكلام في الاقرار بالوقف لا في الوقف، وأيضا الكلام فيما لا يرتد ولو قبل القبول على أن عبارة الاسعاف على ما في الاشباه والمنح هكذا: ويزاد الوقف، فإن المقر له إذا زاده ثم صدقه صح، وهي موافقة لما نحن بذكره من أن الاقرار لا يرتد بالرد ولو قبل القبول، وما نقله الشارح من أن الوقف يرتد بالرد قبل القبول لا بعده هو غير ما نحن فيه.
ونقل الحموي عن الاسعاف ما يناسب هذا فقال: ولو أقر لرجلين بأرض في يده أنها وقف عليهما أو على أولادهما ونسلهما أبدا ثم من بعدهم على المساكين فصدقه وكذبه الآخر ولا أولاد لهما يكون نصفها وقفا على المصدق منهما والنصف الآخر للمساكين لو رجع المنكر إلى التصديق رجعت الغلة إليه، وهذا بخلاف ما لو أقر لرجل بأرض فكذبه المقر له فإنها تصير له ما لم يقر له ثانيا.
والفرق أن الارض المقر بوقفيتها لا تصير ملكا لاحد بتكذيب المقر له، فإذا رجع ترجع إليه والارض المقر بكونها ملكا ترجع إلى ملك المقر بالتكذيب.
ا ه.
وهذا غير ما نقله الشارح عنه كما علمت، وهو المناسب للمقام والملائم لان المقر له قد كذب المقر ثم صدقه يصح(2/325)
تصديقه، فتأمل.
قوله: (والرق) أي لو قال له أنا رفيقك فأنكر ثم ادعاه وصدقه العبد صح، ومنه ما
قدمه الشارح في كتاب العتق عن الخلاصة: قال لعبده أنت غير مملوك الخ.
قوله: (ويزاد الميراث) أي فلا يعمل رد الوارث إرثه من المورث.
قوله: (كما في متفرقات قضاء البحر) وعبارته: قيد بالاقرار بالمال احترازا عن الاقرار بالرق والطلاق والعتاق والنسب والولاء، فإنها لا ترتد بالرد.
أما الثلاثة الاولى، ففي البزازية قال لآخر أنا عبدك فرد المقر له ثم عاد إلى تصديقه فهو عبده، ولا يبطل الاقرار بالرق بالرد كما لا يبطل بجحود المولى، بخلاف الاقرار بالعين والدين حيث يبطل بالرد، والطلاق والعتاق لا يبطلان بالرد لانهما إسقاط يتم بالمسقط وحده، وأما الاقرار بالنسب وولاء العتاقة ففي شرح المجمع من الولاء، وأما الاقرار بالنكاح فلم أره الآن انتهى قوله: (واستثنى ثمة مسألتين من الابراء) أي من قولهم الابراء يرتد بالرد، ولا حاجة إلى ذكرهما هنا فإنهما ليسا مما نحن فيه ح: أي لان الكلام في الاقرار وما ذكره في الابراء.
وعبارته قال: ثم اعلم أن الابراء يرتد إلا فيما إذا قال المديون أبرئني فأبرأه فإنه لا يرتد كما في البزازية، وكذا إبراء الكفيل لا يرتد بالرد، فالمستثنى مسألتان، كما أن قولهم إن الابراء لا يتوقف على القبول ولا يخرج عنه الابراء عن بدل الصرف والسلم فإنه يتوقف على القبول ليبطلاه كما قدمنا في باب السلم.
والحاصل: أن الكلام في أن الاقرار يرتد بالرد إلا في مسائل، وهاتان المسألتان ليستا منها، وحينئذ فلا وجه لزيادة ذلك.
قال في كتاب المداينات: الاقرار يرتد بالرد إلا في مسائل: الاولى: إذا أبرأ المحتال عليه فرده لم يرتد.
الثانية: إذا قال المديون أبرئني فأبرأه فرده ولا يرتد.
الثالثة: إذا أبرأ الطالب الكفيل فرده لم يرتد، وقيل يرتد.
الرابعة: إذا قبله ثم رده لم يرتد ا ه.
إلا أن يراد بقوله واستثنى مسألتين من قولهم الابراء يرتد بالرد: أي كما أنه يستثنى من قولهم إن الابراء لا يتوقف على القبول، إلا الابراء عن بدل الصرف والسلم فإنه يتوقف على القبول ليبطلاه، فإذا كان الابراء في هاتين المسألتين لا يرتد بالرد وإن لم يقبله بعد فمن باب أولى إذا رده ثم قبله فإنه لا يبطل، وبهذا الاعتبار عدهما مسألتين مما نحن فيه، فتأمله.
قوله: (فالمستثنى عشرة) أي على هذا المقال.
قوله: (ومتى صدقه فيها) أي في الاقرار بعين أو دين والابراء والوكالة والوقف، هذا ما تفيده عبارة العلامة عبد البر ط.
أقول: ذكر في شرح الوهبانية خمس مسائل: مسألة الوكالة، فقال لو قال لآخر وكلتك ببيع هذا وسكت يصير وكيلا، ولو قال لا أقبل بطل، وسيأتي في المقولة الآتية إمكان تصويرها، وهذه المسألة الاولى من النظم.
وقال أيضا: الاقرار والابراء لا يحتاجان إلى القبول ويرتدان بالرد وهنا أن الثانية والثالثة من النظم.
وقال أيضا: إذا سكت الموقوف عليه في الوقف على فلان جاز، ولو قال لا أقبل بطل، وفي وقف الاصل لا تبطل.
وهذه المسألة الخامسة من النظم، ثم قال: ولو صدقه في هذا كله(2/326)
ثم رده لا يرتد انتهى، فغير هذا الشارح عبارته إلى ما ترى، فضمير فيها يرجع إلى أربع مسائل مذكورة في شرح الوهبانة، لا إلى الوكالة، والمسألة الرابعة من شرح الوهبانية هي هبة الدين ممن عليه الدين لا تصح من غير قبول، خلافا لزفر.
كذا اختار السرخسي: وقيل الخلاف على العكس، وفي قاضيخان مثله، وذكر أبو الليث أنها تصح من غير قبول إلا أنها تبطل بالرد، وفي الذخيرة والواقعات أن عامة المشايخ على أن هبة الدين وإبراءه يتم من غير قبول.
وفي العمادية: المذكور في أكثر الكتب والشروح: أن القبول ليس بشرط عندنا وهو الصحيح، ثم ذكر عن الصغرى أنه يرتد بالرد انتهى، فهذه خمس مسائل، لكن لم يذكر قوله ولو صدقه في هذا كله، إلا بعد الاربعة الاول، وهي الوكالة والاقرار والابراء والوقف، ولا شك أن هذا المقصود لا يفهم من هذا الشرح.
قوله: (لا يرتد بالرد) قد علمت أن من جملة مرجع الضمير الوكالة وهي عقد غير لازم، فكيف لا ترتد بالرد، ويمكن تصويرها فيما إذا وكله بشراء معين وقبل الوكالة فاشتراه بمثل ما عين له من قدر الثمن ثم ادعى أنه رد الوكالة فلا يقبل ط.
قوله: (وهل يشترط لصحة الرد مجلس الابراء) ذكره العلامة عبد البر في إبراء الدائن مديونه من الدين، وعبارته بعد ذكر هذه المسألة، وهل يشترط لصحة الرد مجلس الابراء؟ اختلف المشايخ.
ولو قال أبرئني مما لك علي فقال أبرأتك فقال لا أقبل فهو برئ.
وفي بعض النسخ.
هبة
الدين ممن عليه لا تتم إلا بالقبول، والابراء يتم لكن للمديون حق الرد قبل موته إن شاء انتهى.
قوله: (والضابط) قال العلامة عبد البر عن تقويم الدبوسي: الصدقة بالواجب: أي الثابت في الذمة إسقاط كصدقة الدين على الغريم، وهبة الدين له فتتم له بغير قبول، وكذا سائر الاسقاطات تتم من غير قبول، إلا أن ما فيه تمليك مال من وجه قبل الارتداء بالرد، وما ليس فيه تمليك مال لم يقبل كإبطال حق الشفعة والطلاق، وهذا ضابط جيد فتنبه له.
ا ه.
قال بعض الفضلاء: هذا الضابط ظاهر فيما يقبل الرد من الانشاءات، لكن هو خارج عما البحث فيه من كون الاقرار يرتد أو لا يرتد، إذ الاقرار لا تمليك فيه.
تأمل.
قوله: (صالح الخ) وليت هذا الفرع ما جعل متنا ولا شرحا، إذ أصل العبارة: قال تاج الاسلام: وبخط شيخ الاسلام وجدته: صالح أحد الورثة وأبرأ إبراء عاما ثم ظهر شئ في التركة لم يكن وقت الصلح لا رواية في جواز الدعوى، ولقائل أين يقول: يجوز دعوى حصته منه، وهو الاصح، ولقائل أن يقول: لا ا ه.
ثم اختصرها في الاشباه وتبعه هنا.
قال الشرنبلالي: نقلها في الاشباه بما فيه اشتباه لا يليق، لانه معزو إلى الخط، وفيه نظر، وبرهن عليه في رسالة ا ه.
ويؤيده ما سيأتي: لو صالح الورثة أحدهم ثم ظهر عين لم يعلموها هل تدخل في الصلح؟ قولان: أشهرهما: لا، فهذا بلا إبراء فيه رواية مشهورة بعدم السماع، فكيف مع الابراء الذي بمفرده يمنع السماع.(2/327)
قال في المحيط: لو أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكروا لا تسمع دعواه، وإن أقروا بالتركة أمروا بالرد عليه ا ه: أي لان الابراء عن العين إذا منع دعواها فمصادقتهم له يعمل بها، وأيضا فرع المتن يحتمل أن يكون ما ظهر تحت يد الورثة وأنهم أقروا بأنه من التركة بعد ذلك فيكون بسبب الصلح فيه روايتان: قيل لا تسمع دعواه لان المصالح خرج عن كل التركة، والاشهر تسمع لانه ما خرج إلا من قدر ما علم، فإذا انضم الابراء إليه ربما ازداد غير الاشهر قوة عليه وإذا كانت تحت يد أجنبي، فكذا يقال: إلا أن الابراء لا يقوي غير الاشهر، لعدم يد المبرأ، وخلط الشارح يد الوصي بهذا الفرع فيه نظر آخر، وإن ظهرت تحت يد الورثة وأنكروا أنه من التركة فالابراء بانفراده
مانع من الدعوى، فكيف مع الصلح؟ فكيف كان قوله لا رواية فيه، فيه ما فيه، بل قيل يعمل بالابراء الواقع في ضمن الصلح ظهر فساده بفتوى الائمة، فكيف به في الصحيح؟ فليت التاج أخذ تخريجه على هذا.
ويمكن توجيهه بأنه أراد أنه ظهر تحت يد أجنبي، وتقدم عن ابن الغرس أنه لو أبرأ مطلقا ثم ظهر أنه كان قبل الابراء مشغول الذمة بشئ من تركة أبي المبرئ ولم يعلم بذلك ولا بموت أبيه إلا بعد الابراء عمل الابراء عمله، ولا يعذر المبرئ.
وفي الخلاصة أبرأه عن الدعاوى ثم ادعى عليه مالا بالارث عن أبيه: إن مات أبوه قبل إبرائه صح الابراء ولا تسمع دعواه، وإن لم يعلم بموت الاب عند الابراء.
ا ه.
ويأتي تمام الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (أو قال) عطف على صالح لانها مسألة أخرى.
قوله: (أو قبضت الجميع) أي لو أقر الوارث أنه قبض ما على الناس من تركة والده ثم ادعى على رجل دينا تسمع دعواه.
منح عن الخانية.
وصي الميت إذا دفع ما كان في يده من تركة الميت إلى ولد الميت وأشهد الولد على نفسه أنه قبض التركة ولم يبق من تركة والده قليل ولا كثير إلا قد استوفاه ثم ادعى في يد الوصي شيئا وقال من تركة والدي وأقام على ذلك بينة قبلت بينته.
قلت: ووجه قبولها أن إقرار الولد لم يتضمن إبراء شخص معين، وكذا إقرار الوارث بقبضه جميع ما على الناس ليس فيه إبراء، ولو تنزلنا للبراءة فهي غير صحيحة في الاعيان.
شرح وهبانية للشرنبلالي.
وفيه نظر لان عدم صحتها معناه: أن لا تصير ملكا للمدعى عليه، وإلا فالدعوى لا تسمع كما يأتي في الصلح.
قوله: (ثم ظهر في يد وصيه) هذا إنما يظهر في مسألة الوصي لا في غيرها، فلو ساق المصنف بتمامه إلى.
قوله: (وقت الصلح) ثم يقول أو ا دعى في يد الوصي شيئا وقال هذا من تركة والدي أو ادعى على رجل دينا لوالده تسمع دعواه فيما ذكر لكان أنسب، فتأمل.
قوله: (لم يكن وقت الصلح) أي لم يذكر.
قوله: (وتحققه) المراد أنه أثبته، وإلا فتحققه من غير إثبات لا يعتبر.
قوله: (تسمع دعوى حصته منه على الاصح) قال في الدرر: وفي المنتفى إذا دفع الوصي إلى
اليتيم ماله بعد البلوغ فأشهد اليتيم على نفسه أنه قبض جميع تركة والده ولم يبق له من تركة والده قليل أو كثير إلا وقد استوفاه ثم ادعى شيئا في يد الوصي وقال هو من تركة أبي وأقام البينة قبلت بينته،(2/328)
وكذا لو أقر الوارث أنه قد استوفى جميع ما ترك والده من الدين على الناس ثم ادعى دينا على رجل تسمع دعواه انتهى.
قال الشرنبلالي: وصحة دعواه به لعدم ما يمنع منها، لانه إشهادة أنه قبض جميع تركة والده الخ ليس فيه إبراء المعلوم عن معلوم ولا عن مجهول، فهو إقرار مجرد لا يستلزم إبراء فليس مانعا من دعواه، ثم قال: وكذلك الحكم في إقرار الوارث أنه استوفى دين والده، فلا يمنع هذا الاقرار دعوى الوارث بدين لمورثه على خصم له، لانه إقرار غير صحيح لعدم إبرائه شخصا معينا أو قبيلة معينة، وهم يحصون، وهذا بخلاف الاباحة لكل من يأكل شيئا من ثمرة بستانه فإنه يجوز، وبه يفتى، وبخلاف الابراء عن مجهول لمعلوم فإنه صحيح كقول زيد لعمرو حاللني من كل حق لك علي ففعل برئ مما علم ومما لم يعلم، وبه يفتى.
ا ه.
قال في الخزانة: رجل قال لآخر حاللني من كل حق لك علي: إن كان صاحب الحق عالما بما عليه برئ المديون حكما وديانة، وإن لم يكن عالما بما عليه برئ حكما لا ديانة في قول محمد.
وقال أبو يوسف: يبرأ حكما وديانة، وعليه الفتوى ا ه.
قبل وإن لم تسمع الدعوى لا يحلف لان اليمين فرع الدعوى، إلا أن يدعي عدم صحة إقراره بأن قال كنت مكرها في إقراري أو كذبت فيه فإنه يحلف المقر له فقولهم لعدم صحة الدعوى وعدم التحليف بعد الابراء العام إنما هو فيما إذا لم يقع النزاع في نفس الاقرار الذي تبتني عليه الدعوى واليمين.
تأمل.
ولا تغفل عند الفتوى فإنه بحث بعضهم معي في ذلك انتهى.
حموي.
قوله: (صلح البزازية) عبارتها: قال تاج الاسلام وبخط شيخ الاسلام وجدته: صالح أحد الورثة وأبرأ إبراء عاما ثم ظهر في التركة شئ لم يكن وقت الصلح لا رواية في جواز الدعوى، ولقائل أن يقول: تجوز دعوى حصته منه، وهو الاصح، ولقائل أن يقول لا انتهت.
قوله: (ولا تناقض) هذا وارد على ما إذا قال الوارث للوصي قبضت تركة والدي ولم يبق لي
حق من تركة والدي لا قليل، ولا كثير، وحاصل الابراء كما في المنح وأصله لابن وهبان أن قولهم النكرة في سياق النفي تعم انتقض، لان قوله ولم يبق لي حق نكرة في سياق النفي، فعلى مقتضى القاعدة لا يصح دعواه بعد ذلك لتناقضه، والمتناقض لا تقبل دعواه ولا بينته، ثم أجاب بما ذكره المؤلف ط.
قوله: (على أن الابراء عن الاعيان باطل) أي الصادر من الوارث للوصي، والمعنى: لو أبقينا عموم النكرة لا يصح لما ذكره، وظاهر هذا، ولو ذكرت وقت الصلح حيث كان الصلح عنها نفسها لا عن بدلها مستهلكة، لان الابراء يشمل الدراهم والدنانير التي في يد الموصي أو باقي الورثة، إذ هي أعيان والدين ما يكون ثابتا في الذمة.
أقول: وكما أن الابراء عن الاعيان باطل، فكذا إجازة تلف المتلفات.
قال في الوجيز من الدعوى: أتلف مال إنسان ثم قال المالك رضيت بما صنعت وأجزت ما صنعت لا يبرأ ا ه.
وأما الابراء عن دعوى الاعيان فصحيح، ولوارثا كما في البزازية عن العدة.
وقول المصنف: في الصلح أو الابراء عن دعوى الباقي صريح في ذلك، وقول الشارح ثمة، وظاهر الرواية الصحة مطلقا يفيد صحة البراءة عن الاعيان، ثم حققه بحمل بطلان الابراء عن الاعيان على بطلانه في الديانة، وقيد في البحر بطلان الابراء عن الاعيان بالانشاء، أما لو على وجه الاخبار، كهو برئ مما لي قبله فهو صحيح(2/329)
متناول للدين والعين، وكذا لا ملك لي في هذا العين.
وفي المبسوط: ويدخل في لا حق لي قبل فلان كل عين أو دين، وكل كفالة أو إجارة أو جناية أو حد.
ثم قال شيخنا: وقوله لا حق لي ونحوه ليس من الابراء بل إقرار.
ثم نقل عن الفواكه البدرية ما نصه: أبرأ مطلقا أو أقر أنه لا يستحق عليه شيئا ثم ظهر أن المقر له كان مشغول الذمة بتركة أبي المقر ولم يعلم المقر بذلك ولا بموت أبيه إلا بعد الاقرار أو الابراء عمل الابراء والاقرار عمله ولا يعذر المقر كما قدمناه.
أقول إنما لم يفرق بين الانشاء والاخبار لانه الصحيح وظاهر الرواية وفيه قطع النزاع، وقد تعورف من القضاة العمل عليه، وقوله ليس من الابراء يرده قوله البزازية: اتفقت الروايات على أن المدعي لو قال لا دعوى لي أو لا خصومة لي قبل فلان يصح ولا تسمع دعواه إلا في حق حادث بعد
الابراء.
ا ه.
وسيأتي تمامه قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (كما أفاده ابن الشحنة) لعله في غير هذا المحل، فإنه لم يذكره هنا عند ذكر هذه المسألة ط.
قوله: (واعتمده الشرنبلالي) أي في حاشية الدرر وشرح الوهبانية: وعبارته في الشرح بعد نقل ما قدمنا عن المنتقى عازيا لقاضيخان.
فإن قلت: إن إقرار الولد لم يتضمن إبراء شخص معين، وكذا إقرار الوارث بقبضه جميع ما على الناس ليس فيه إبراء فتقبل دعواه، ولو تنزلنا للبراءة فهي غير صحيحة في الاعيان، فإن الابراء عن الاعيان لا يصح، بخلاف البراءة عن دعواه.
ويعلم بهذا أن لا نقض على قول أئمتنا النكرة في سياق النفي تعم.
وإيراد صاحب عقد الفرائض أن هذه المسألة انقضاء عليها لظنه أنه من قبيل الابراء وليس كذلك، فلا احتياج لما تكلفه الشارح أيضا من الجواب.
وقد قال: إنه ظهر له أن الوجه عدم صحة البراءة وهو كذلك، وهذا ملخصه.
ا ه.
وللشرنبلالي رسالة سماها (تنقيح الاحكام في الاقرار والابراء الخاص والعام) أجاب فيها بأن البراءة العامة بين الوارثين مانعة من دعوى شئ سابق عليها عينا كان أو دينا بميراث أو غيره، وحقق ذلك بأن البراءة إما عامة كلا حق أو لا دعوى أو لا خصومة لي قبل فلان أو هو برئ من حقي أو لا دعوى لي عليه أو لا تعلق لي عليه أو لا أستحق عليه شيئا أو أبرأته من حقي أو مما لي قبله، وإما خاصة بدين خاص كأبرأته من دين كذا أو عام كأبرأته مما لي عليه فيبرأ عن كل دين دون العين، وإما خاصة بعين فتصح لنفي الضمان لا الدعوى فيدعي بها على المخاطب وغيره، وإن كان عن دعواها فهو صحيح كما علمت.
ثم إن الابراء لشخض مجهول لا يصح، وإن لمعلوم صح ولو بمجهول، فقوله قبضت تركة مورثي كلها أو كل من لي عليه شئ أو دين فهو برئ ليس إبراء عاما ولا خاصا، بل هو إقرار مجرد لا يمنع من الدعوى، لما في المحيط قال: لا دين لي على أحد ثم ادعى على رجل دينا صح لاحتمال وجوبه بعد الاقرار ا ه.
أقول: لكن فيه أن هذا الاحتمال يصدق في الدعاوى كلها أو أكثرها بعد الابراء العام مع أنها لا تسمع.
والصواب التعليل بعدم صحة الابراء للمجهول.
تأمل.
وفيه أيضا: وقوله هو برئ مما لي عنده إخبار عن ثبوت البراءة لا إنشاء.
وفي الخلاصة: لا حق لي قبله، فيدخل فيه كل عين ودين وكفالة وإجارة وجناية وحد ا ه.
وفي الاصل: فلا يدعي إرثا ولا كفالة نفس أو مال ولا دينا أو مضاربة أو شركة أو وديعة أو ميراثا أو(2/330)
دارا أو عبدا أو شيئا من الاشياء حادثا بعد البراءة ا ه.
فما في شرح المنظومة عن المحيط: أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكر وإلا تسمع دعواه، وإن أقروا بالتركة أمروا بالرد عليه ا ه.
ظاهر فيما إذا لم تكن البراءة عامة لما علمته، ولما سنذكر أنه لو أبرأه عاما ثم أقر بعده بالمال المبرإ به لا يعود بعد سقوطه.
وفي العمادية، قال ذو اليد ليس هذا لي أو ليس ملكي أو لا حق لي فيه أو نحو ذلك ولا منازع له حينئذ ثم ادعاه أحد فقال ذو اليد هو لي فالقول له، لان الاقرار لمجهول باطل، والتناقض إنما يمنع إذا تضمن إبطال حق على أحد ا ه.
ومثله في الفيض وخزانة المفتين.
فبهذا علمت الفرق بين أبرأتك أو لا حق لي قبلك وبين قبضت تركة مورثي أو كل من عليه دين فهو برئ ولم يخاطب معينا، وعلمت بطلان فتوى بعض أهل زماننا بأن إبراء الوارث وارثا آخر إبراء عاما لا يمنع من دعوى شئ من التركة.
وأما عبارة البزازية أي التي قدمناها فأصلها معزو إلى المحيط، وفيه نظر ظاهر، ومع ذلك لم يقيد الابراء بكونه لمعين أو لا، وقد علمت اختلاف الحكم في ذلك.
ثم إن كان المراد به اجتماع الصلح المذكور في المتون والشروح في مسألة التخارج مع البراءة العامة لمعين فلا يصح أن يقال فيه لا رواية فيه.
كيف وقد قال قاضيخان: اتفقت الروايات على أنه لا تسمع الدعوى بعده إلا في حادث، وإن كان المراد به الصلح والابراء بنحو قوله قبضت تركة مورثي ولم يبق لي فيها حق إلا استوفيته فلا يصح قوله لا رواية فيه أيضا لما قدمنا من النصوص على صحة دعواه بعده.
واتفقت الروايات على صحة دعوى ذي اليد المقر بأن لا ملك له في هذا العين عند عدم المنازع.
والذي يتراءى أن المراد من تلك العبارة الابراء لغير معين مع ما فيه.
ولو سلمنا أن المراد به المعين وقطعنا النظر عن اتفاق الروايات على منعه من الدعوى بعده فهو
مباين لما في المحيط عن المبسوط والاصل والجامع الكبير ومشهور الفتاوى المعتمدة كالخانية والخلاصة فيقدم ما فيها ولا يعدل عنها إليه.
وأما في الاشباه والبحر عن القنية: افترق الزوجان وأبرأ كل صاحبه عن جميع الدعاوى وللزوج أعيان قائمة لا تبرأ المرأة منها، وله الدعوى لان الابراء إنما ينصرف إلى الديون لا الاعيان.
ا ه.
فمحمول على حصوله بصيغة خاصة كقوله أبرأتها عن جميع الدعاوى مما لي عليها، فيختص بالديون فقط لكونه مقيدا بمالي عليها، ويؤيده التعليل، ولو بقي على ظاهره فلا يعدل عن كلام المبسوط والمحيط وكافي الحاكم المصرح بعموم البراءة لكل من أبراء إبراء عاما إلى ما في القنية.
ا ه.
هذا حاصل ما ذكره الشرنبلالي في رسالته المذكورة، ومن رام الزيادة فليرجع إليها.
قال الشارح في شرحه على الملتقى: وأما لو قال أبرأت ك عنها أو عن خصومتي فيها فإنه باطل، وله أن يخاصم، كما لو قال لمن بيده عبد برئت منه فإنه يبرأ، ولو قال أبرأتك لا لانه أبرأه عن ضمانه كما في الاشباه من أحكام الدين.
قلت: ففرقوا بين أبرأتك وبرئت وأنا برئ لاضافة البراءة لنفسه فتعم، بخلاف أبرأتك لانه خطاب الواحد فله مخاصمة غيره كما في حاشيتها معزيا للولوالجية.(2/331)
ومن المهم ما في العمادية من الفصل السابع عن دعوى الخانية: اتفقت الروايات أن قوله لا دعوى لي قبل فلان أو لا خصومة لي قبله يمنع الدعوى، إلا في حق حادث بعد البراءة كقوله برئت من هذا العبد أو خرجت من أو لا ملك لي فيه فإنه يمنع دعواه ا ه.
قوله لا حق لي قبله فإنه يعم كل عين ودين وكفالة وغيرها مطلقا، لان لا حق نكرة في النفي والنكرة في النفي تعم.
كذا أطلقه محشي الاشباه وغيره.
قلت: وهذا قضاء إلا المهر على ما قدمناه قبيل الصلح، فتأمل.
وكما لو أبرأه عن الدعاوى فإنه يعم كلها، إلا إذا ادعى مالا إرثا عن أبيه ولم يعلم بموته وقت الابراء تسمع دعواه، لا إن علم كما في البزازية من الرابع عشر في دعوى الابراء، ووقع فيها بكراس وفي غيرها بترك جواب الشرط
فليتنبه لذلك.
كذا أفاده الحانوتي في فتاويه، وذكر أن معنى الابراء العام أن يكون للعموم مطلقا لا بقيد تركته أو تركتها فلا يحتاج لما استثناه في الاشباه لانه مخصص بتركة والده، وقد قدمنا عدم سماعها ولو بالارث حيث علم بموت مورثه، إلا أن تخص المسألة المستثناة مسألة الوصي دون الوارث.
فتأمل.
قال: وذلك كله حيث لم تكن البراءة والاقرار بعد دعوى بشئ خاص ولم يعمم بأن يقول أية دعوة كانت أو ما يفيد ذلك، لما في البزازية أيضا بعد قوله السابق.
قوله: وفي المنية: ادعى عليه دعاوى معينة ثم صالحه وأقر أنه لا دعوى له عليه ثم ادعى حقا تسمع، وحمل إقراره على الدعوى الاولى، إلا إذا عمم وقال أية دعوة كانت، ونحوه كلا خصومة بوجه من الوجوه كما ذكره في الصلح: أي ونحوه مما يفيد العموم زائدا على قوله لا دعوى له، وبهذا الحل اضمحل توهم تناقض كلامهم، لان من صرح بعدم سماعها بعد الابراء العام المطلق صرح بسماعها بعد إبراء الوارث وغيره، لكن في محال مختلفة، وبهذا صارت مؤتلفة وبالله التوفيق.
انتهى ما في شرح الملتقى.
وقدمنا قبيل الاقرار عند قوله والتناقض في موضع الخفاء عفو خلاصة ما حرره سيدي الوالد رحمه الله تعالى في رسالته (إعلام الاعلام بأحكام الابراء العام) التي وفق فيها بين عبارات متعارضة، ودفع ما فيها من المناقضة، فارجع إليها فإنها مفيدة في بابها، كافية لطلابها.
والذي تحرر فيها في خصوص مسألتنا: أن الابن إذا أشهد على نفسه أنه قبض من وصيه جميع تركة والده ولم يبق له منها قليل ولا كثير إلا استوفاه ثم ادعى دارا في يد الوصي وقال هذه من تركة والدي تركها ميراثا لي ولم أقبضها فهو على حجته، وتقبل بينته كما نص عليه في آخر أحكام الصغار للاستروشني معزيا للمنتقى، وكذا في الفصل الثامن والعشرين من جامع الفصولين، وكذا في أدب الاوصياء في كتاب الدعوى معزيا إلى المنتقى والخانية والعتابية مصرحين بإقرار الصبي بقبضه من الوصي فليس إلا إقرار المجهول كما ادعاه الشرنبلالي.
وممن نص على ذلك التصريح أيضا العلامة ابن الشحنة في شرح الوهبانية وذكر الجواب عن مخالفة هذا الفرع لما أطبقوا عليه من عدم سماع الدعوى بعد الابراء العام بأن الظاهر أنه استحسان.
ووجهه أن الابن لا يعرف ما تركه أبوه على وجه التفصيل غالبا، فاستحسنوا سماع دعواه ا ه.(2/332)
ولهذا جعل صاحب الاشباه المسألة مستثناة من ذلك العموم الذي أطبقوا عليه، وهذا بخلاف إقرار بعض الورثة بقبض ميراثه من بقية الورثة وإبرائه لهم فإنه لا تسمع دعواه، خلافا لما أفتى به الخير الرملي مستندا إلى ما لا يدل له كما أوضحه سيدي الوالد رحمة الله تعالى في رسالته المذكورة، فلا يعدل عما قالوه لعدم النص في ذلك.
فالحاصل: الفرق بين إقرار الابن للوصي وبين إقرار بعض الورثة للبعض، لما في البزازية عن المحيط: لو أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكروا لا تسمع دعواه، وإن أقروا بالتركة أمروا بالرد عليه ا ه.
ووجه الفرق بينهما أن الوصي هو الذي يتصرف في مال اليتيم بلا اطلاعه، فيعذر إذا بلغ وأقر بالاستيفاء منه لجهله، بخلاف بقية الورثة فإنهم لا تنصرف لهم في ماله ولا في شئ من التركة إلا باطلاع وصيه القائم مقامه فلم يعذر بالتناقض، ومن أراد زيادة بيان ورفع الجهالة فعليه بتلك الرسالة ففيها الكفاية لذوي الدراية، وبه علم أن ما كان ينبغي للمصنف أن يذكر ما في البزازية متنا، وأما ما سيجئ آخر الصلح فليس فيه إبراء عام، وأما الامر بالرد فقد بينا وجهه قريبا فلا تنسه، فتدبر.
قوله: (وسنحققه في الصلح) كان عليه أن يقول: وسنحقق خلافه، لان جعل الابراء عن الاعيان مبطلا لدعواها قضاء، وقد علمت أنه ليس فيه إبراء عام.
قوله: (ربا عليه) أي على القرض.
قوله: (شرح وهبانية) أي لابن الشحنة، ومثله في القنية معزيا لعبد القادر في الطبقات عن علاء الدين، وبه أفتى في الحامدية والخير الرملي في فتاويه الخيرية من الدعوى.
قوله: (قلت وحرر الخ) أقول: يتعين الافتاء بالمنقول، لانه مضطر، فلا يرد لا عذر لمن أقر لا سيما وقد علمت أنه أفتى بالمتن هؤلاء الاجلاء المتأخرون.
قوله: (لانه لا عذر لمن أقر) فيه أن اضطراره إلى هذا الاقرار عذر.
قوله: (غايته أن يقال الخ) ولانه لا يتأتى على قول الامام لانه يقول بلزوم المال ولا يقبل تفسيره وصل أو فصل.
وعندهما: إن وصل قبل وإلا فلا، ولفظة ثم تفيد الفصل فلا يقبل اتفاقا.
شرنبلالي.
وقد ضمن يقال معنى يفتى فعداه بالباء ط.
وحاصل ما يقال من تحرير الشرنبلالي: أنه لا فائدة لدعواه أن بعض المقر به ربا إلا تحليف المقر له بناء على قول الثاني إذا ادعى أنه أقر كاذبا يحلف المقر له، وهذه المسألة من أفرادها فلذا قال في هذه ونحوها: ولقد أبعد من حمل قول أبي يوسف على الضرورة فقط كما في هذه المسألة كما مر قبيل استثناء، ولا تنس ما قدمناه في شتى القضاء فتحصل أن المفتى به هو المقول الذي مشى عليه المصنف.
قوله: (بأنه يحلف المقر له) على أنه لم يكن بعضه ربا بل كله دين ثابت في ذمته شرعا.
قوله: (وبه) أي بقول أبي يوسف فيمن أقر: أي قبيل الاستثناء، وفي بعض النسخ فيما مر.(2/333)
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: ويمكن التوفيق بين الكلامين بأن يقال: إن قامت البينة على إقراره ينبغي أن لا تسمع دعواه أن بعضه ربا، وإن قامت على أن بعضه ربا تقبل، فتأمل.
قوله: (من نسخ الشرح) أي المنح.
قوله: (لزمه مهر بالدخول) فيه أن إقراره بعد الدخول أنه طلقها قبل الدخول إقرار بالزنا، وليس فيه شبهة دارئة للحد، لا شبهة فعل ولا شبهة محل ولا شبهة عقد، إذا لم تذكر الموطوءة بعد الطلاق قبل الدخول في واحدة منها ولا عدة عليها فكيف يلزمه المهر، وقد تتبعت المجمع وغيره فلم أر فيه سوى مسألة واحدة في فصل المهر وهي: ولو أزال عذرتها بدفع وطلقها قبل الدخول فعليه نصفه، وأفتى بكله.
وفي متن المواهب أخرى وتقدمت هنا في باب العدة وهي: لو أقر بطلاقها منذ سنين فكذبته أو قالت لا أدري تعتد من وقت الاقرار وتستحق النفقة والسكنى، وإن صدقته اعتدت من حين الطلاق.
وقيل الفتوى على وجوبها من وقت الاقرار بلا نفقة ا ه.
قال الشارح: غير أنه إن وطئها لزمها مهران، ولا نفقة ولا كسوة ولا سكنى لها لقبول قولها على نفسها.
خانية.
قال: ثم لو وطئها حد: أي بعد الثبوت والظهور.
وأفاد في البحر أنه بعد العدة لعدم الحد بوطئ المعتدة ا ه.
فتأمل وراجع.
وقد يقال: إنما سقط الحد هنا لعدم الاقرار بالزنا أربعا صريحا، فتأمل.
قوله: (وسقط حقه) قيل عليه الاقرار على الراجح إخبار، وبنوا عليه أنه إذا أقر بشئ ولم يكن مطابقا لنفس الامر لا يحل للمقر له أخذه، فغاية ما حصل بالاقرار المؤاخذة به ظاهرا، والسؤال إنما
هو عن سقوط الحق حقيقة فأين هذا من ذاك؟ لكن الاقرار باستحقاق فلان الريع لا يستلزم الاقرار بكونه هو الموقوف عليه كما قد يتوهم، كما يأتي تتمته قريبا مع بيان ما فيه عند قوله: ولو كتاب الوقف بخلافه.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قوله: وسقط حقه الظاهر أن المراد سقوطه ظاهرا، فإذا لم يكن مطابقا للواقع لا يحل للمقر له أخذه: ثم إن هذا السقوط ما دام حيا، فإذا مات عاد على ما شرط الواقف.
قال السائحاني في مجموعته: وفي الخصاف قال المقر له بالغلة عشر سنوات من اليوم لزيد، فإن مضت رجعت للمقر له، فإن مات المقر له أو المقر قبل مضيها ترجع الغلة على شرط الواقف، فكأنه صرح ببطلان المصادقة بمضي المدة أو موت المقر.
وفي الخصاف أيضا: رجل وقف على زيد وولده ثم للمساكين فأقر زيد به وبأنه على بكر ثم مات زيد بطل إقراره لبكر.
وفي الحامدية: إذا تصادق جماعة الوقف ثم مات أحدهم عن ولد فهل تبطل مصادقة الميت في حقه؟ الجواب: نعم.
ويظهر لي من هذا أن من منع عن استحقاقه بمضي المدة الطويلة إذا مات فولده(2/334)
يأخذ ما شرطه الواقف له، لان الترك لا يزيد على صريح المصادقة، ولان الولد لم يتملكه من أبيه وإنما تملكه من الواقف ا ه.
أقول: اغتر كثيرا بهذا الاطلاق وأفتوا بسقوط الحق بمجرد الاقرار.
والحق الصواب أن السقوط مقيد بقيود يعرفها الفقيه.
قال العلامة الكبير الخصاف: أقر فقال غلة هذه الصدقة لفلان دوني ودون الناس جميعا بأمر حق واجب ثابت لازم عرفته ولزمني الاقرار له بذلك، قال أصدقه على نفسه وألزم ما أقر به ما دام حيا، فإذا مات ردت الغلة إلى من جعلها الواقف له، لانه لما قال ذلك جعلته كأن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له.
وعلله أيضا بقوله لجواز أن الواقف قال إن له أن يزيد وينقص وأن يخرج وأن يدخل
مكانه من رأى فيصدق زيد على حقه.
ا ه.
أقول: يؤخذ من هذا أنه لو علم القاضي أن المقر إنما أقر بذلك لاخذ شئ من المال من المقر له عوضا عن ذلك لكي يستبد بالوقف أن ذلك الاقرار غير معمول به، لانه إقرار خال عما يوجب تصحيحه مما قاله الامام الخصاف وهو الاقرار في زماننا فتأمله، ولا حول ولا قوة إلا بالله بيري، أي لو علم أنه جعله لغيره ابتداء لا يصح كما تقدم في الوقف.
أقول: وإنما قال أصدقه على نفسه الخ لانه إذا كان الوقف على زيد وأولاده ونسله ثم على الفقراء فأقر زيد بأن الوقف عليهم وعلى هذا الرجل لا يصدق على ولده ونسله في إدخال النقص عليهم، بل تقسم الغلة على زيد وعلى من كان موجودا من ولده ونسله، فما أصاب زيدا منها كان بينه وبين المقر له ما دام زيد حيا، فإذا مات بطل إقراره ولم يكن للمقر له حق، وإن كان الوقف على زيد ثم من بعده على الفقراء فأقر زيد بهذا الاقرار لهذا الرجل شاركه الرجل في الغلة ما دام حيا، فإذا مات زيد كانت للفقراء ولم يصدق زيد عليهم، وإن مات الرجل المقر له وزيد حي فنصف الغلة للفقراء والنصف لزيد، فإذا مات زيد صارت الغلة كلها للفقراء.
ا ه.
خصاف ملخصا.
وتمام الكلام على ذلك في التنقيح لسيدي الوالد رحمه الله تعالى مع فوائد نفيسة، وقد مر في الوقف فراجعه.
قوله: ولو كتاب الوقف بخلافه حملا على أن الواقف رجع عما شرطه وشرط ما أقر به المقر ذكره الخصاف في باب مستقبل.
أشباه.
أقول: لم أر شيئا منه في ذلك الباب، وإنما الذي فيه ما نقله البيري آنفا، وليس فيه التعليل بأنه رجع عما شرطه، ولذا قال الحموي: إنه مشكل لان الوقف إذا لزم لزم ما في ضمنه من الشروط إلا أن يخرج على قول الامام بعدم لزومه قبل الحكم ويحمل كلامه على وقف لم يسجل ا ه ملخصا.
قلت: ويؤيده ما مر عن الدرر قبيل قول المصنف اتحد الواقف والجهة، وهذا التأويل يحتاج إليه بعد ثبوت النقل عن الخصاف والله تعالى أعلم.
والاقرار باستحقاق فلان الريع لا يستلزم الاقرار بكونه هو الموقوف عليه حقيقة كما قد يتوهم، ويصح الاقرار مع كون المقر هو الموقوف عليه، ألا ترى أن الوقف لو كان بستانا وقد أثمر فأقر
الموقوف عليه بأن زيدا هو المستحق لهذه الثمرة صح الاقرار بطريق أنه باعه تلك الثمرة، أما جعلها له بطريق التمليك فلا يملكه لكونه تمليك الثمر بدون الشجر، إذا الاتصال بملك الواهب مخل بالقبض الذي هو شرط تمام التمليك ا ه.(2/335)
قال الحموي: وفيه تأمل.
وجهه أن بين ثمرة البستاني وريع الوقف فرقا، وهو أن الثمرة عين موجودة يمكن قسمتها وتناولها، فالاقرار به للغير يحمل على التمليك بطريق البيع وهو صحيح مطلقا، وجعلها للغير تمليك لا بطريق البيع بل بطريق الهبة، وهبة المشاع قبل قسمته باطلة.
وأما ريع الوقف فهو ما يخرج منه من أجرة وغيرها، فالاقرار بها للغير لا يكون بطريق البيع.
قوله: (ولو جعله لغيره) بأن انشأ الجعل من غير إسقاط لتحسن المقابلة بينه وبين.
قوله أو أسقطه الخ لانه إسقاط لمجهول فلا يسقط حقه.
قوله: (لم يصح) أي لا يصح أن يصير لغيره، لان تصحيح الاقرار إنما هو معاملة له بإقراره على نفسه من حيث ظاهر الحال تصديقا له في إخباره مع إمكان تصحيحه حملا أن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له كما مر.
أما إذا قال المشروط له الغلة أو النظر جعلت ذلك لفلان لا يصح لانه ليس له ولاية إنشاء ذلك من تلقاء نفسه، وفرق بين الاخبار والانشاء.
نعم لو جعل النظر لغيره في مرض موته يصح إذا لم يخالف شرط الواقف لانه يصير وصيا عنه، وكذا لو فرغ عنه لغيره وقرر القاضي ذلك الغير يصح أيضا لانه يملك عزل نفسه، والفراغ عزل، ولا يصير المفروغ له ناظرا بمجرد الفراغ بل لا بد من تقرير القاضي كما تحرر سابقا، فإذا قرر القاضي المفروغ له صار ناظرا بالتقدير لا بمجرد الفراغ، وهذا غير الجعل المذكور هنا، فافهم.
وأما جعل الريع لغيره فقال ط: إن كان الجعل بمعنى التبرع لغيره بأن يوكله ليقبضه ثم يأخذه لنفسه فلا شبهة في صحة التبرع به، وإن كان بمعنى الاسقاط فقال في الخانية: إن الاستحقاق المشروط كإرث لا يسقط بالاسقاط ا ه.
قلت: ما عزاه للخانية الله أعلم بثبوته فراجعها.
نعم المنقول في الخانية ما سيأتي، وقد فرق في
الاشباه في بحث ما يقبل الاسقاط من الحقوق بين إسقاطه لمعين ولغير معين، وذكر ذلك في جملة مسائل كثر السؤال عنها ولم يجد فيها نقلا فقال: إذا أسقط المشروط له الريع حقه لا لاحد لا يسقط كما فهمه الطرسوسي، بخلاف ما إذا أسقط حقه لغيره انتهى: أي فإنه يسقط، لكنه ذكر أنه لا يسقط مطلقا في رسالته المؤلفة في بيان ما يسقط من الحقوق وما لا يسقط أخذا مما في شهادات الخانية: من كان فقيرا من أصحاب المدرسة يكون مستحقا للوقف استحقاقا لا يبطل بإبطاله، فلو قال أبطلت حقي كان له أن يأخذه انتهى.
قلت: لكن لا يخفى أن ما في الخانية إسقاط لا لاحد.
نعم ينبغي عدم الفرق إذ الموقوف عليه الريع إنما يستحقه بشرط الواقف، فإذا قال أسقطت حقي منه لفلان أو جعلته له يكون مخالفا لشرط الواقف حيث أدخل في وقفه ما لم يرضه الواقف لان هذا إنشاء استحقاق، بخلاف إقراره بأنه يستحقه فلان فإنه إخبار يمكن تصحيحه كما مر.
ثم رأيت الخير الرملي أفتى بذلك، وقال بعد نقل ما في شهادات الخانية: وهذا في وقف المدرسة فكيف في الوقف على الذرية المستحقين بشرط الواقف من غير توقف على تقرير الحاكم، وقد صرحوا بأن شرط الواقف كنص الشارع فأشبه الارث في عدم قبوله الاسقاط، وقد وقع لبعضهم في هذه المسألة كلام يجب أن يحذر انتهى.
فإن قلت: إذا أقر المشروط له الريع أو بعضه أنه لا حق له فيه وأنه يستحقه فلان هل يسقط(2/336)
حقه؟ قلت: نعم، ولو كان مكتوب الوقف بخلافه كما ذكره الخصاف في باب مستقل.
فرع: في إقرار الاسماعيلية فيمن أقرت بأن فلانا يستحق ريع ما يخصها من وقف كذا في مدة معلومة بمقتضى أنها قبضت منه مبلغا معلوما فالاقرار باطل، لانه بيع الاستحقاق المعدوم وقت الاقرار بالمبلغ المعين، وإطلاق قولهم لو أقر المشروط له الريع أنه يستحقه فلان دونه يصح ولو جعله لغيره لم يصح يقضي ببطلانه فإن الاقرار بعوض معاوضة.
قوله: (وكذا المشروط له النظر على هذا) يعني لو أقر أنه يستحقه فلان دونه صح، ولو جعله لغيره لم يصح.
كذا في شرح تنوير الاذهان.
فلو أقر الناظر أن فلانا يستحق معه نصف النظر مثلا يؤاخذ بإقراره ويشاركه فلان في وظيفته ما داما حيين.
بقي لو مات أحدهما، فإن كان هو المقر فالحكم ظاهر، وهو بطلان الاقرار وانتقال النظر لمن شرطه له الواقف بعده.
وأما لو مات المقر له فهي مسألة تقع كثيرا، وقد سئل عنها سيدي الوالد رحمه الله تعالى مرارا.
وأجاب عنها في تنقيح الحامدية بأن الذي يقتضيه النظر بطلان الاقرار أيضا، لكن لا تعود الحصة المقر بها إلى المقر لما مر، وإنما يوجهها القاضي للمقر أو لمن أراد من أهل الوقف، لانا صححنا إقراره حملا على أن الواقف هو الذي جعل ذلك للمقر له كما مر عن الخصاف، فيصير كأنه جعل النظر لاثنين ليس لاحدهما الانفراد.
وإذ مات أحدهما أقام القاضي غيره، وليس للحي الانفراد إلا إذا أقامه القاضي كما في الاسعاف انتهى.
ولا يمكن هنا القول بانتقال ما أقر به إلى المساكين كما في الاقرار بالغلة، إذا لا حق لهم في النظر وإنما حقهم في الغلة فقط، هذا ما حرره وقال ولم أر من نبه عليه، فاغتنمه.
قوله: (وذكره في الاشباه ثمة وهنا) أي عند قوله يملك الاقرار من لا يملك الانشاء حيث قال: وعلى هذا لو أقر المشروط له الريع أنه يستحقه فلان دونه صح، ولو جعله له لم يصح ا ه.
قوله: (وفي الساقط لا يعود فراجعه) عبارته هناك.
قال قاضيخان في فتاويه من الشهادات في الشهادة بوقف المدرسة: إن من كان فقيرا من أهل المدرسة إلى آخر ما قدمناه قريبا.
قوله: (القصص المرفوعة) في عرض حال ونحوه من المكتوب.
قوله: (لا يؤاخذ) أي القاضي صاحبها بما فيها من إقرار ونحوه، لانه لا عبرة بمجرد الخط فافهم.
قوله: (في الاول) هو قوله في علمي، وظاهره أنه لا خلاف في قوله فيما أعلم مع أنه بمعناه، إذ قوله في علمي: أي معلومي.
قوله: (لزمه اتفاقا) لان قد في مثله للتحقيق ط.
قال في الكافي: من قال فلان علي ألف درهم فيما أعلم أو قال في علمي لزمه المال، وقالا: لا يلزمه له أنه أثبت العلم بما أقر به فيوجب تأكيده كما لو قال قد علمت.
ولهما أن التشكيك، يبطل الاقرار، فقوله فيما أعلم يذكر للشك عرفا فصار كقوله فيما أحسب وأظن، بخلاف قوله قد علمت لانه للتحقيق.
ا ه.(2/337)
والحاصل: أن الشك عندنا هو التردد بين الطرفين مطلقا كان أحدهما راجحا أو مرجوحا فيكون
شاملا للظن، فالراجح هو الظن والمرجوح هو الوهم عند أهل المعقود، وغالب الظن هو الطرف الراجح الذي يكون قريبا من الجزم وفوق الظن، وهو عندهم ملحق باليقين، قال في الهندية في الباب الثاني من الاقرار: ولو قال لفلان علي ألف درهم فيما أعلم أو في علمي أو فيما علمت.
قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى: هذا باطل كله.
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: هو إقرار صحيح.
وأجمعوا على أنه لو قال علمت أن لفلان علي ألف درهم أو قال فلان علي ألف درهم وقد علمت ذلك أن ذلك إقرار صحيح، كذا في الذخيرة: ولو قال له علي ألف درهم فيما أظن أو فيما ظننت أو فيما أحسب أو فيما حسبت أو فيما أرى أو فيما رأيت فهو باطل.
كذا في المبسوط ا ه.
وفي البزاز ية وفيما علمت يلزم.
وفي الخانية قال: علمي أن لفلان علي ألف درهم كان إقرارا في قولهم، وله علي ألف في شهادة فلان أو في علمه لا يلزم شئ، وبشهادة فلان أو بعلمه كان إقرارا، لان حرف الباء للالصاق فيقتضي وجود الملصوق به.
وفي قضاء فلان القاضي أو المحكم برضانا يلزمه المال.
قوله: (مثلا) فالمراد أنه أشرك معه غيره ولو واحدا.
قوله: (كذا في نسخ المتن) أي بعضها وفي بعض نسخ المتن: المغصوب منه.
قوله: (وألزمه زفر بعشرها) لانه أضاف الاقرار إلى نفسه وإلى غيره فيلزمه بحصته.
قال في الكافي: وعلى هذا الخلاف لو قال أقرضنا أو أودعنا أو له علينا أو أعارنا.
وعلى هذا لو قال: كنا ثلاثة أو أربعة يلزمه الثالث أو الربع.
ا ه.
قوله: (يستعمل في الواحد) قال تعالى: * ((71) إنا أرسلنا) * (نوح: 1) وإنما قلنا بذلك وإن كان مجازا لما ذكره من قوله والظاهر.
قوله: (وقال زفر لكل ثلثه) لان إقراره للاول صحيح، ولم يصح رجوعه بقوله بل، وصح إقراره للثاني والثالث فاستحقا وقاسه على مسألة الدين إذا أقر به هكذا.
قوله: (لنفاذه من الكل) وقد تقدم قبيل إقراره المريض.
قوله: (أقر بشئ ثم ادعى الخطأ لم يقبل) عزاه في المنح إلى الخانية.
قال محشيه الخير الرملي أقول: وذكر في البزازية من كتاب القسمة في الثاني من دعوى الغلط فيها: وإن ادعى أنه أخذ من حصته شيئا بعد القسمة يبرهن عليه وإلا حلف عليه، وهذا إذا لم يقر(2/338)
بالاستيفاء، فإن أقر وبرهن على ذلك لا تصح الدعوى إلا على الرواية التي اختارها المتأخرون أن دعوى الهزل في الاقرار تصح ويحلف المقر له أنه ما كان كاذبا في إقراره ا ه.
وهذا يدل على أنه يقبل ويحلف، اللهم إلا أن يحمل كلام الخانية على أنه لا يقبل في حق البينة، أو أنه على قول أبي حنيفة ومحمد لا على قول أبي يوسف الذي اختاره المتأخرون للفتوى وهو الظاهر، فتأمله هذا.
وقد ذكر في الخانية في باب اليمين الخلاف المذكور.
ثم قال: يفوض ذلك إلى رأي القاضي والمفتي فراجعه إن شئت.
ثم إنا لم نر في إقرار الخانية هذه العبارة، والشارح هنا تبع في النقل ما في الاشباه والنظائر فإن هذه الفروع منقولة منه فكن على بصيرة.
وفي البحر عن خزانة المفتين: لو أقر بالدين ثم ادعى الايفاء لا تقبل إلا إذا تفرقا عن المجلس.
ا ه.
قوله: (لم يقع يعني ديانة) أما إذا كان ذلك بين يدي القاضي فلا يصدقه في البناء المذكور كما يؤخذ من مفهومه، وبه صرح في حواشي الاشباه، كما لو أقر أن هذه المرأة أمه مثلا ثم أراد أن يتزوجها وقال وهمت ونحوه وصدقته المرأة فله أن يتزوجها لان هذا مما يجري فيه الغلط، وكذا لو طلق امرأة ثلاثا ثم تزوجها وقال لم أكن تزوجتها حين الطلاق صدق وجاز النكاح.
بيري.
فإن قيل: كيف يتبين خلافه أجيب بأنه يحتمل أن يكون المفتي غير ماهر في المذهب فأفتى من أعلم منه بعدم الوقوع، ويحتمل أن المفتي أفتى أولا بالوقوع من غير تثبت ثم أفتى بعد التثبت بعدمه.
قال في البزازية: ظن وقوع الثلاث بإفتاء من ليس بأهل فأمر الكاتب بصك الطلاق فكتب ثم أفتاه عالم بعدم الوقوع له أن يعود إليها في الديانة لكن القاضي لا يصدقه لقيام الصك ا ه.
ومن فروع هذه المسألة ما في جامع الفصولين: تكلمت فقال هذا كفر وحرمت علي به فتبين أن ذلك اللفظ ليس بكفر، فعن النسفي أنها لا تحرم.
وفي مجمع الفتاوي: ادعى على إنسان مالا أو حقا في شئ فصالحه على مال ثم تبين أنه لم يكن ذلك المال عليه وذلك الحق لم يكن ثابتا كان للمدعى عليه حق استرداد ذلك المال.
كذا ذكره الحموي.
قوله: (فأفتى بعضهم بصحته) ولا يفتى بعقوبة السارق لانه جور.
تجنيس وقهستاني وقد سلف ط.
نقل في كتاب السرقة عن إكراه البزازية: من المشايخ من أفتى بصحة إقراره بها مكرها.
قال:
وهو الذي يسع الناس وعليه العمل، وإلا فالشهادة على السرقات من أندر الامور.
ونقل عن الزيلعي جواز ذلك سياسة، وينبغي التعويل عليه في زماننا لغلبة الفساد، وحكي عن عصام أنه سئل عن سارق ينكر فقال: عليه اليمين، فقال الامير سارق ويمين، هاتوا بالسوط فما ضربوه عشرة حتى أقر، فأتى بالسرقة فقال: سبحان الله ما رأيت جورا أشبه بالعدل من هذا.
قوله: (الاقرار بشئ محال) كقوله إن فلانا أقرضني كذا في شهر كذا وقد مات قبله أو أقر له بأرش يده التي قطعها خمسمائة دينار ويداه صحيحتان لم يلزمه شئ كما في حيل التاترخانية.
وعلى هذا أفتيت ببطلان إقرار إنسان بقدر من السهام لوارث وهو أزيد من الفريضة الشرعية لكونه محالا شرعا، مثلا لو مات عن ابن وبنت فأقر الابن أن التركة بينهما نصفان بالسوية فالاقرار(2/339)
باطل لما ذكرنا، ولكن لا بد من كونه محالا من كل وجه، وإلا فقد ذكر في التاترخانية من كتاب الحيل لو أقر أن لهذا الصغير علي ألف درهم قرضا أقرضنيه أو من ثمن مبيع باعينه صح الاقرار مع أن الصبي ليس من أهل البيع والقرض ولا يتصور أن يكون منه، لكن إنما يصح باعتبار أن هذا المقر محل لثبوت الدين للصغير عليه في الجملة.
ا ه.
أقول: قال المحشي الحموي: هل منه ما إذا أقرت عقب العقد أن مهرها لزيد مثلا.
قال في شرح المنظومة والقنية: إذا أقرت وقالت المهر الذي لي على زوجي لفلان أو لولدي فإنه لا يصح ا ه.
ويؤخذ من هذا واقعة الفتوى أن الرجل لو أقر لزوجته بنفقة مدة ماضية هي فيها ناشرة ومن غير سبق قضاء أو رضا وهي معترفة بذلك فإقراره باطل لكونه محالا شرعا.
قال بعض الفضلاء: وقد أفتيت أخذا من ذلك بأن إقرار أم الولد لمولاها بدين لزمها بطريق شرعي باطل شرعا، وإن كتب به وثيقة لعدم تصور دين للمولى على أم ولده إذ الملك له فيها كامل والمملوك لا يكون عليه دين لمالكه.
ا ه.
وفي الحموي أن عدم صحة إقرار المرأة بالمهر الذي لها على زوجها لوالدها لكونه هبة دين لغيره من عليه الدين، ومنه ما إذا أقر أنه باع عبده من فلان ولم يذكر الثمن ثم جحد صح جحوده لان
الاقرار بالبيع بغير ثمن باطل كما في قاضيخان، وهو إحدى روايتين كما في الولوالجية.
ومنه إذا زوج بنته ثم طلبوا منه أن يقر بقبض شئ من الصداق فالاقرار باطل لان أهل المجلس يعرفون أنه كذب.
الولوالجية.
قال في البيري: يؤخذ منه حكم كثير من مسائل الاقرار الواقعة في زماننا.
قوله: (وبالدين بعد الابراء منه الخ) قيد به لان إقراره بالعين بعد الابراء العام صحيح مع أنه أمن الاعيان في الابراء العام كما صرح به في الاشباه وتحقيق الفرق في رسالة الشرنبلالي أفي الابراء العام.
قال الطحطاوي: صورة المسألة: وهبت لزوجها مهرها ثم أقر به بعد الهبة لا يصح إقراره.
وهذا لا ينافي ما ذكره العلامة عبد البر نقلا عن الخلاصة والصغرى قال: رجل أقر لامرأته بمهر ألف درهم في مرض موته ومات ثم أقامت الورثة البينة أن المرأة وهبت مهرها من زوجها في حياة الزوج لا تقبل لاحتمال الابانة والاعادة على المهر المذكور، لكن في فصول العمادي ما يقتضي أن الاقرار إنما يصح بمقدار مهر المثل.
ا ه.
ملخصا.
ثم نقلا عن المصنف أن الهبة في المهر تخالف الابراء، فلو أبرأته منه ثم أقر به لا يصح إقراره.
انتهت عبارة الطحطاوي.
قال في جامع الفصولين: برهن أنه أبرأني عن هذه الدعوى ثم ادعى المدعي ثانيا أنه أقر لي بالمال بعد إبرائي، فلو قال المدعى عليه أبرأني وقبلت الابراء وقال صدقته فيه لا يصح الدفع: يعني دعوى الاقرار، ولو لم يقله يصح الدفع لاحتمال الرد، والابراء يرتد بالرد فيبقى المال عليه، بخلاف قبوله إذ لا يرتد بالرد بعده ا ه.
لكن كلامنا في الابراء عن الدين، وهذا في الابراء عن الدعوى.
وفي الرابع والعشرين من التاترخانية: ولو قال أبرأتك مما لي عليك فقال علي ألف قال صدقت فهو برئ استحسانا.
لا حق لي في هذه الدار فقال كان لك سدس فاشتريته منك فقال لم أبعه فله السدس، ولو قال خرجت من كل حق لي في هذه الدار أو برئت منه إليك أو أقررت لك فقال الآخر اشتريتها منك فقال لم أقبض الثمن فله الثمن.
ا ه.(2/340)
وفيها عن العتابية: ولو قال لا حق لي قبله برئ من كل عين ودين، وعلى هذا لو قال فلان
برئ مما لي قبله دخل المضمون والامانة، ولو قال هو برئ مما لي عليه دخل المضمون دون الامانة، ولو قال هو برئ مما لي عنده فهو برئ من كل شئ أصله أمانة، ولا يبرأ عن المضمون، ولو ادعى الطالب حقا بعد ذلك وأقام بينة: فإن كان أرخ بعد البراءة تسمع دعواه وتقبل بينته، وإن لم يؤرخ فالقياس أن تسمع ويحمل على حق وجب بعدها.
وفي الاستحسان: لا تقبل بينته انتهى.
قال بعض الفضلاء بعد أن ذكر عبارة جامع الفصولين المذكورة: فهذا أولى بالاستثناء مما ذكره وسيذكره المصنف في بيان الساقط لا يعود، وبحث فيه بعض الفضلاء بأنه لا أولوية ولا مساواة عند التأمل، لان هنا إنما صحت دعواه لاحتمال الرد كما اعترف به، وأما ما استثناه المصنف فالمقصود بالهبة الهبة المعتبرة شرعا المشتملة على الايجاب والقبول وشرط الصحة واللزوم لانها عند الاطلاق تنصرف إلى الكاملة.
هذا، وعندي في كون هذا الفرع داخلا تحت الاصل المذكور في التاترخانية نظر يعرف بالتأمل في كلامهم، لانه إنما جاز ذلك لانه يجعل زيادة في المهر، والزيادة في المهر جائزة عندنا.
وأما ما وقع الابراء منه وسقط فلا يعود لان الساقط لا يعود.
وعبارة البزازية تفيد ما قلته بعينه.
قال في المحيط: وهبت المهر منه ثم قال اشهدوا أن لها علي مهر كذا فالمختار عند الفقيه أن إقراره جائز، وعليه المهر المذكور إذا قبلت لان الزيادة لا تصح بلا قبولها.
والاشبه أن لا يصح ولا تجعل زيادة بغير قصد الزيادة، فاستثناؤه في غير محله كما لا يخفى.
كذا في الحواشي الحموية، ويأتي أواخر الباب إن شاء الله تعالى.
قوله: (ذكره المصنف في فتاوته) ونصه: سئل عن رجلين صدر بينهما إبراء عام ثم إن رجلا منهما بعد الابراء العام أقر أن في ذمته مبلغا معينا للآخر فهل يلزمه ذلك أم لا؟ أجاب: إذا أقر بالدين بعد الابراء منه لم يلزمه كما في الفوائد الزينية نقلا عن التاترخانية.
نعم إذا ادعى عليه دينا بسبب حادث بعد الابراء العام وأنه أقر به يلزمه انتهى.
وانظر ما في إقرار تعارض البينات لغانم البغدادي.
قوله: (قلت ومفاده) أي مفاد تقييد اللزوم بدعواه بسبب حادث.
قوله: (أنه) أي الغريم.
قوله: (ببقاء الدين) أي الذي أبرأه منه فليس دينا حادثا: أي بأن ما أبرأني منه باق في ذمتي، والفرق بين هذا وبين قوله السابق وبالدين بعد الابراء منه أنه قال هناك بعد الابراء لفلان علي كذا وفي الثانية قال دين فلان باق علي، والحكم فيهما واحد وهو البطلان.
تأمل.
قوله: (فحكمه
كالاول) أي الاقرار بالدين بعد الابراء منه: أي فإنه باطل.
قوله: (الفعل في المرض) كالاقرار فيه بدين وكالتزوج والعتق والهبة والمحاباة.
قوله: (أحط من فعل الصحة) فإن الاقرار فيه بدين مؤخر عن دين الصحة والتزوج ينفذ فيه بمهر المثل وتبطل الزيادة، بخلاف الصحة والعتق وما بعده في المرض تنفذ من الثلث، وفي الصحة من الكل.
قوله: (إلا في مسألة إسناد الناظر النظر لغيره) المراد بالاسناد التفويض، فإنه إذا فوضه في صحته لا يصح إلا إذا شرط له التفويض، وإذا فوضه في مرضه صح.
قوله: (بلا شرط) أي شرط الواقف التفويض له، أما إذا كان هناك شرط فيستويان.
قوله: (تتمة) أي انتهى من التتمة، وهي اسم كتاب.(2/341)
والحاصل: أن الناظر إذا فوض النظر لغيره فتارة يكون بالشرط وتارة لا، وعلى كل إما في الصحة أو في المرض، وقد تقدم في الوقف فارجع إليه.
قوله: (وتمامه في الاشباه) قال فيها بعد عبارة التتمة: وفي كافي الحاكم من باب الاقرار في المضاربة: لو أقر المضارب بربح ألف درهم في المال ثم قال غلطت أنها خمسمائة لم يصدق وهو ضامن لما أقر به انتهى.
اختلفا في كون الاقرار للوارث في الصحة أو في المرض فالقول لمن ادعى أنه في المرض، وفي كونه في الصغر أو البلوغ فالقول لمن ادعى الصغر.
كذا في إقرار البزازية: ولو طلق أو أعتق ثم قال كنت صغيرا فالقول له وإن أسند إلى حال الجنون، فإن كان معهودا قبل، وإلا فلا.
مات المقر فبرهن وارثه على الاقرار ولم يشهدوا له أن المقر له صدق المقر أو كذبه تقبل كما في القنية.
أقر في مرضه بشئ وقال كنت فعلته في الصحة كان بمنزلة الاقرار بالمرض من غير إسناد إلى زمن الصحة.
قال في الخلاصة: لو أقر في المرض الذي مات فيه أنه باع هذا العبد من فلان في صحته وقبض الثمن وادعى ذلك المشتري فإنه يصدق في البيع، ولا يصدق في قبض الثمن إلا بقدر الثلث.
وفي العمادية: لا يصدق على استيفاء الثمن إلا أن يكون العبد قد مات قبل مرضه انتهى.
وتمامه في شرح ابن وهبان انتهى.
قوله: (أقر بمهر المثل) هو إصلاح بيت الوهبانية لشارحها ابن الشحنة، وبيت الاصل: أقر بألف مهرها صح مشرفا ولو وهبت من قبل ليس يغير وصورتها: مريض مرض الموت أقر لزوجته بألف مهرها ثم مات فأقامت ورثته بينة أن المرأة وهبت مهرها لزوجها قبل مرضه لا تقبل والمهر لازم بإقراره.
وفي فصول العمادي ما يقتضي أن ذلك إذا كان بمقدار مهر المثل، وقد تقدم ذلك قريبا فلا تنسه، وسيأتي قريبا.
قال ابن الشحنة: ومسألة البيت من الخلاصة والصغرى.
أقول: وقيد بمهر المثل، إذ لو كان الاقرار بأزيد منه لم يصح، ولا ينافي هذا ما قدمه الشارح من بطلان الاقرار بعد الهبة لاحتمال أنه أبانها ثم تزوجها على المهر المذكور في هذه الصورة.
وفيه أن الاحتمال موجود ثمة.
تأمل.
قوله: (فبينة الايهاب) أي لو أقامت الورثة البينة ومثله الابراء كما حققه ابن الشحنة.
قوله: (من قبل تهدر) أي البينة في حال الصحة أن المرأة وهبت مهرها من زوجها في حياته لا تقبل، وهذا ظاهر على قول الفقيه الذي اختاره.
وأما على المذهب فيظهر لي أن الاقرار بعد الهبة هو المهدر، لانهم على ما يظهر فرضوا هذا الخلاف في الصحة فيكون في المرض بالاولى، قال في المنح: أقر بالدين بعد الابراء منه لم يلزمه إلا إذا أقر لزوجته بمهر بعد هبتها المهر منه على ما اختاره الفقيه ويجعل زيادة على المهر إن قبلت، والاشبه خلافه لعدم قصد الزيادة ا ه.
ومر نحوه قريبا فلا تنسه.
قوله: (وإسناد بيع) بالنصب مفعول لاقبلن أو مبتدأ خبره جملة اقبلن.
قوله: (فيه) أي في مرض موته.
قوله: (اقبلن) أي إذا صدقه المشتري.(2/342)
وصورة المسألة كما في المنتقى: لو أقر في المرض الذي مات فيه أنه باع هذا العبد من فلان في صحته وقبض الثمن وادعى ذلك المشتري فإنه يصدق في البيع، ولا يصدق في قبض الثمن إلا بقدر الثلث.
هذه مسألة النظم إلا أنه أغفل فيه تصديق المشتري ابن الشحنة.
وفي العمادية: لا يصدق على استيفاء الثمن إلا أن يكون العبد قد مات قبل موته ا ه.
أقول: عدم التصديق في القبض يفيد عدم نفاذ المحاباة في هذا البيع، ويشهد له ما في شرح تحفة الاقران: أقر في مرضه بشئ وقال كنت فعلته في الصحة كان بمنزلة الاقرار في المرض من غير إسناد إلى زمن الصحة.
ا ه.
وارجع إلى ما قدمناه أوائل إقرار المريض عند قوله وإبرائه مديونه ولا تغفل.
قوله: (التراث) أي الميراث.
قوله: (وليس بلا تشهد الخ) هذا تصويب العلامة عبد البر لا بيت الاصل وهو: وليس بإقرار مقالة لا تكن شهيدا ولا تخبر يقال فينظر ملخصه أنه لو قال لا تشهد أن لفلان علي كذا لا يكون إقرارا بالاتفاق، وإن قال لا تخبره أن له علي كذا من حقه أو لحقه اختلف فيه.
قال الكرخي وعامة مشايخ بلخ: أن الصحيح أنه ليس بإقرار وقال مشايخ بخارى: الصواب أنه إقرار.
قال في القنية والمنية هو الصحيح.
والفرق على كونه إقرارا أن النهي عن الشهادة نهي عن زور يشهد به، والنهي عن خبر استكتام علمه عليه، وقوله تشهد بسكون الدال المهملة.
قوله: (نعده) بالنون وتشديد الدال: أي لا نعد ذلك في حكم الاقرار.
قوله: (فخلف) قال المقدسي: ذكر محمد أن قوله لا تخبر فلانا أن له علي ألفا إقرار.
وزعم السرخسي أن فيه روايتين.
قال ط: ينظر فيما إذا قاله ابتداء، وذكر رواية الكرخي ومشايخ بلخ ورواية مشايخ بخارى المذكورتين.
ثم قال: وجه كونه إقرارا أن النهي عن الاخبار يصح مع وجود المخبر عنه لقوله تعالى: * ((4) وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به) * (النساء: 38) ذمهم على الاخبار مع وجود المخبر عنه، ومن شرط صحة الاخبار عنه في الاثبات فكذلك في النفي، فكأنه أثبت المخبر عنه، وكأنه قال لفلان علي ألف درهم فلا تخبره بأن له علي ذلك، ولو قال ذلك كان إقرارا ا ه.
ووجه كونه غير إقرار ما تقدم في لا تشهد، ومسألتا البيت المذكورتان من قاضيخان من المنتقى.
قوله: (ومن قال ملكي الخ) ملخصه: ولو أضاف الشئ إلى نفسه فقال ملكي هذا المعين لفلان كان هبة يقتضي التسليم فلا يتم إلا به، وإن لم يضفه إلى نفسه كان إظهارا وإقرارا لا يقتضي التسليم، وهبة الاب لصغيره تتم بالايجاب فلا يحتاج لقبض ابنه الصغير.
والحاصل: أنه إذا قال ملكي ذا لهذا الشخص كان منشئا لتمليكه فيعتبر فيه شرائط الهبة، ومن قال هذا ملك ذا فهو مظهر: أي مقر ومخبر فلا يشترط فيه شروط الهبة.
قوله: (لذا) أي لهذا الشخص.
قوله: (كان منشئا) أي لتمليكه هبته.
قوله: (فهو مظهر) أي مقر ومخبر ومسألة البيت من(2/343)
قاضيخان من الملتقى.
قوله: (ومن قال لا دعوى لي اليوم) صورتها: قال لآخر لا دعوى لي عليك اليوم فلا تسمع دعواه بعد ذلك اليوم بما تقدم لانه إبراء عام حتى يتجدد له غيره عليه بعده، وكذا لو قال تركته أصلا فهو إبراء وكذا لو قال تركت دعواي على فلان وفوضت أمري إلى الآخرة لا تسمع دعواه بما لم يتجدد بعد الابراء، والله تعالى أعلم كما في الشرنبلالية: أي ولو إرثا حيث علم بموت مورثه وقته.
بزازية.
وفي الخلاصة: أبرأه عن الدعاوى والخصومات ثم ادعى عليه مالا بالارث عن أبيه: إن مات أبوه قبل إبرائه صح الابراء ولا تسمع دعواه، وإن لم يعلم بموت الاب عند الابراء ا ه.
وتقدم ذلك.
قوله: (لي اليوم) بتحريك الياء من لي.
قوله: (منها) أي من دعاوى اليوم أو ما تقدمه، أما إذا كان بسبب حادث فتسمع كما سمعت.
قوله: (فمنكر) بتخفيف الكاف مع إشباع الراء: أي ينكره الشرع، ولا يقبله.
أقول: ومسألة البيت من القنية على ما نقله صاحب الفوائد عنها، والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.(2/344)
كتاب الصلح قوله: (مناسبته الخ) يعني أن الصلح يتسبب عن الخصومة المترتبة على إنكار المقر إقراره: أي فتناسب الصلح والاقرار بواسطتين ولكنها مناسبة خفية.
والاظهر أن يقال: إن الصلح يكون عن الاقرار في بعض وجوهه كما سيبينه، فلذا ذكره بعده ثم ذكر معه قسميه تتميما للفائدة.
قوله: (المقر) الصواب: المدعى عليه كما في الدرر قوله: (اسم من المصالحة) وهي المسألة، والاولى اسم للمصالحة والتصالح خلاف المخاصمة والتخاصم، وأصله من الصلاح وهو استقامة الحال على ما يدعو إليه
العقل، ومعناه دال على حسنه الذاتي، وكم من فساد انقلب به إلى الصلاح، ولهذا أمر الله تعالى به عند حصول الفساد والفتن بقوله: * ((49) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) * (الحجرات: 9)، * ((4) والصلح خير) * (النساء: 821) والصالح: المستقيم الحال في نفسه.
ذكره القهستاني.
وفي صلاة الجوهرة: الصالح القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد، وإنما ذكر الضمير بقوله هو لكونه مما يذكر ويؤنث كما في الصحاح.
قوله: (ويقطع الخصومة) عطف تفصير كما يفيده الحموي، فإنه فسر رفع النزاع بقطع الخصومة.
قوله: (مطلقا) أي فيما يتعين وفيما لا يتعين.
قوله: (فيما يتعين) إنما اشترط القبول لانه ليس من الاسقاط حتى يتم بالمسقط وحده لعدم جريانه في الاعيان ط.
قوله: (فيتم بلا قبول) أي من المطلوب إذا بدأ هو بطلبه، بأن ادعى شخص على شخص دراهم ونحوها فطلب المدعى عليه الصلح على نصفها فقال المدعي صالحتك على ذلك، فلا يشترط قبول المدعى عليه لان ذلك إسقاط من المدعي وهو يتم بالمسقط وحده، وهذا إنما يظهر في صورة الاقرار ط.
والحاصل: أن الموجب هو المدعي فيشترط قبول المدعى عليه فيما يتعين لا فيما لا يتعين.
وأما إذا كان الموجب هو المدعى عليه فلا بد من القبول من المدعي مطلقا سواء فيه ما يتعين وما لا يتعين.
قوله: (وسيجئ) أي قريبا.
قوله: (العقل) لا حاجة إليه لانه شرط في جميع العقود والتصرفات الشرعية، فلا يصح صلح مجنون وصبي لا يعقل.
درر.
وكذا لا يصح صلح المعتوه والنائم والمبرسم والمدهوش والمغمى عليه إذ ليس لهم قصد شرعي، وخص بذكرهما لكونهما منصوصا عليهما بعدم جريان الاحكام الفرعية عليهما فيدخل حكم هؤلاء في حكمهما بالدلالة أو بالقياس، لان حالهم كحالهما بل أشد تارة.
صرح به في الفصول.
وأما السكران فلا يدخل فيهم لانه مخاطب زجرا له وتشديدا عليه لزوال عقله بمحرم، ولذلك قال في منية المفتي: صلح السكران جائز.
أقول: قد سبق في كتاب الطلاق وفي شتى الاقرار إنما هو عند أكثر أئمتنا.
وأما الكرخي والطحاوي ومحمد بن سلام قالوا بعدم وقوعه فيجري على الخلاف المذكور، لكن علمت أن الاصح(2/345)
الوقوع، وعليه فينبغي صحة صلحه على الاصح.
قوله: (فصح من صبي مأذون) ويصح عنه بأن صالح أبوه عن داره وقد ادعاها مدع وأقام البرهان ط.
قوله: (إن عري) بكسر الراء: أي خلا، وأما بفتحها فمعناه حل ونزل.
قوله: (عن ضرر بين) بأن كان نفعا محضا أو لا نفع فيه ولا ضرر أو فيه ضرر غير بين، فإذا ادعى الصبي المأذون على إنسان دينا وصالحه على بعض حقه، فإن لم يكن له عليه بينة جاز الصلح إذ عند انعدامها لا حق له إلا الخصومة والحلف والمال أنفع منهما، وإن كانت البينة لم يجز لان الحط تبرع وهو لا يملكه، ومثال ما لا ضرر فيه ولا نفع: صلحه عن عين بقدر قيمتها، ومثال ما لا ضرر فيه بين: ما إذا أخر الدين فإنه يجوز لانه من أعمال التجارة ط.
أقول: وهذا ظاهر في الصبي والمكاتب والمأذون المديون.
وأما المأذون الغير المديون فينبغي صحة صلحه كيفما كان حيث كان بإذن سيده لانه وما في يده لمولاه فيكون صلحه كصلح مولاه، ولا حق في ماله لغريم كالمديون ولا تصرفه منوط بالمصلحة كالصبي والمكاتب، تأمل.
قوله: (وصح من عبد مأذون) لو لم يكن فيه ضرر بين، لكنه لا يملك الصلح على حط بعض الحق إذا كان له عليه بينة ويملك التأجيل مطلقا وحط بعض الثمن للعيب لما ذكر، ولو صالحه البائع على حط بعض الثمن جاز لما ذكر في الصبي المأذون كما في الدرر.
قوله: (ومكاتب) فإنه نظير العبد المأذون في جميع ما ذكر لانه عبد ما بقي عليه درهم، فإن عجز المكاتب فادعى عليه رجل دينا فاصطلحا أن يأخذ بعضه ويؤخر بعضه، فإن لم يكن له عليه بينة لم يجز لانه لما عجز صار محجورا فلا يصح صلحه.
درر.
أقول: قوله فادعى عليه رجل دينا: أي كان في زمن كتابته إلا أن الصلح واقع بعد العجز، هذا هو المراد، فحينئذ لا يكون الشرط الثاني مستغنى عنه، وقيد به لانه لو كان للمدعي بينة صلح المحجور لا من حيث إنه محجور بل من حيث أن دينه دين في زمن كتابته.
تدبر.
وأقول: ومثل المكاتب المعتوه المأذون فإنه نظير العبد المأذون على ما سبق.
قوله: (ولو فيه نفع) لو قال لو لم يكن فيه ضرر بين لكان أولى، ليشمل ما إذا لم يكن فيه نفع ولا ضرر أو كان فيه ضرر غير بين كما تقدم أمثلة ذلك قريبا.
قوله: (معلوما) سواء كان مالا أو منفعة، بأن صالح على خدمة عبد بعينه سنة أو ركوب دابة بعينها أو زراعة أرض أو سكنى دار وقتا معلوما فإنه يجوز ويكون في
معنى الاجارة، وخرج ما لم يكن كذلك، فلا يصح الصلح عن الخمر والميتة والدم وصيد الاحرام والحرم ونحو ذلك، لان في الصلح معنى المعاوضة، فما لا يصلح للعوض والبيع لا يصلح عوضا في الصلح ط.
قال في المنح: أن يكون معلوما بذكر المقدار في مثل الدراهم فيحمل على النقد الغالب في البلد، وبذكر المقدار والصفة في نحو بر، وبمكان التسليم أيضا عند أبي حنيفة، وبالاجل أيضا في نحو ثوب، وبإشارة وتعيين في نحو حيوان كما في العمادية، لان جهالة البدل تفضي إلى المنازعة فيفسد الصلح انتهى.
قال في جامع الفصولين عازيا للمبسوط: الصلح على خمسة أوجه: الاول: صلح على دارهم أو دنانير أو فلو س، فيحتاج إلى ذكر القدر.
الثاني: على تبر أو كيلي أو وزني مما لا حمل له، ولا مؤنة، فيحتاج إلى قدر وصفة، إذ يكون جيدا أو وسطا أو رديئا فلا بد من بيانه.(2/346)
الثالث: على كيلي أو وزني مما له حمل ومؤنة، فيحتاج إلى ذكر قدر وصفة ومكان تسليمه عند أبي حنيفة كما في السلم.
الرابع: صلح على ثوب، فيحتاج إلى ذكر ذرع وصفة وأجل إذ الثوب لا يكون دينا إلا في السلم وهو عرف مؤجلا.
الخامس: صلح على حيوان، ولا يجوز إلا بعينه، إذ الصلح من التجارة والحيوان لا يصلح دينا فيما انتهى؟ قوله: (إن كان يحتاج إلى قبضه) فإن كان لا يحتاج إلى قبضه لا يشترط معلوميته مثل أن يذعي حقا في دار رجل وادعى المدعى عليه حقا في أرض بيد المدعي فاصطلحا على ترك الدعوى جاز وإن لم يبين كل منهما مقدار حقه، لان جهالة الساقط لا تفضي إلى المنازعة كما في الدرر.
قال في العناية: ويفسده جهالة المصالح عليه لانها تفضي إلى المنازعة دون جهالة المصالح عنه لانه يسقط، وهذا ليس على إطلاقه بل فيه تفصيل، وهو أن الصلح باعتبار بدليه على أربعة أوجه: إما أن يكون عن معلوم على معلوم وهو جائز لا محالة، وإما أن يكون عن مجهول على مجهول، فإن لم يحتج
فيه إلى التسليم والتسلم، مثل أن يدعي حقا في دار رجل وادعى المدعى عليه حقا في أرض بيد المدعى فاصطلحا على ترك الدعوى جاز وإن احتيج إليه، وقد اصطلحا على أن يدفع أحدهما مالا ولم يبينه على أن يترك الآخر دعواه أو على أن يسلم إليه ما ادعاه لم يجز، وإما أن يكون عن مجهول على معلوم وقد احتيج إليه إلى التسليم، كما لو ادعى حقا في دار يد رجل ولم يسمه فاصطلحا على أن يعطيه المدعى مالا معلوما ليسلم المدعى عليه ما ادعاه وهو لا يجوز، وإن لم يحتج فيه إلى التسليم كما إذا اصطلحا في هذه الصورة على أن يترك المدعي دعواه جاز، وإما أن يكون عن معلوم على مجهول وقد احتيج فيه إلى التسليم لا يجوز، وإن لم يحتج إليه جاز.
والاصل في ذلك أن الجهالة المفضية للمنازعة المانعة عن التسليم والتسلم هي المفسدة، فما لا يجب التسلم والتسليم جاز، وما وجبا فيه لم يجز مع الجهالة، لان القدرة على تسليم البدل شرط لكونه في معنى البيع انتهى..قوله: (وكون المصالح عنه حقا) أي للمصالح ثابتا في المحل لا حقا لله تعالى فخرج بقولنا: أي للمصالح ما إذا ادعت مطلقة على زوجها أن صبيا في يد أحدهما ابنها منه فصالحها على شئ لتترك الدعوى فإنه يبطل، لان النسب حق الصبي لا حقهما فلا تملك الاعتياض عن حق غيرها.
وخرج بقولنا ثابتا في المحل مصالحة الكفيل بالنفس على مال على أن يبرئه من الكفالة، لان الثابت للطالب حق المطالبة بتسليم نفس الاصيل، وهو عبارة عن ولاية المطالبة وأنها صفة الوالي فلا يجوز الصلح عنه كما يأتي.
واختلفت الرواية في بطلان الكفالة كما في الكافي، والاصح بطلانها كما في منية المفتي، وبه يفتى كما في العناية والبيانية: وبقي من الشروط قبض بدله إن كان دينا بدين، وإلا لا كما سيأتي.
قوله: (كالقصاص) في النفس، إنما جاز الصلح عنه لان المحل فيه يصير مملوكا في حق الاستيفاء فكان الحق ثابتا في المحل فيملك الاعتياض عنه بالصلح ط.
قوله: (والتعزير) الذي هو حق العبد كأن صالحه عن سبه بما دون قذف، أما التعزير الذي هو حق الله تعالى كقبلة من أجنبية فالظاهر عدم صحة الصلح عنه، لان الصلح لا يكون إلا من صاحب الحق كما أفاده الرحمتي.
قوله: (أو مجهولا) كأن(2/347)
ادعى عليه قدرا من المال فصولح أو ادعى عليه القصاص ولم يبين أنه في نفس أو طرف أو شتمه ولم
يبين بماذا شتمه، وتقدم في باب الاستحقاق صحة الصلح عن مجهول عن معلوم، لان جهالة الساقط لا تفضي إلى المنازعة، ولان المصالح عنه ساقط فهو مثل الابراء عن المجهول فإنه جائز عندنا لما ذكر، بخلاف عوض الصلح، فإنه لما كان مطلوب التسليم اشترط كونه معلوما لئلا يفضي إلى المنازعة، وانظر ما تقدم عن الفتح أواخر العيب، وكونه مجهولا: أي بشرط أن يكوم مالا يحتاج إلى التسليم كترك الدعوى مثلا، بخلاف ما لو كان عن التسليم المدعى به.
قال في جامع الفصولين: ادعى عليه مالا معلوما فصالحه على ألف درهم وقبض بدل الصلح وذكر في آخر الصك وأبرأ المدعى عن جميع دعواه وخصوماته إبراء صحيحا عاما، فقيل لم يصح الصلح لانه لم يذكر قدر المال المدعى به، ولا بد من بيانه ليعلم أن هذا الصلح وقع معاوضة أو إسقاطا أو وقع صرفا شرط فيه التقابض في المجلس أو لا، وقد ذكر قبض بدل الصلح ولم يتعرض لمجلس الصلح، فمع هذا الاحتمال لا يمكن القول بصحة الصلح.
وأما الابراء فقد حصل على سبيل العموم فلا تسمع دعوى المدعي بعده للابراء العام لا للصلح.
قال في البحر: والجهالة فيه إن كانت تفضي إلى المنازعة كوقوعها فيما يحتاج إلى التسليم منعت صحته، وإلا لا، فبطل إن كان المصالح عليه، أو عنه مجهولا لا يحتاج إلى التسليم كصلحه بعد دعواه مجهولا على أن يدفع له مالا ولم يسمه ا ه.
أقول: لكن في قوله جامع الفصولين: ولا بد من بيانه نظر، لان المال بالصورة معلوم بدليل قوله أول عبارته: ادعى عليه مالا معلوما، والظاهر أن لفظ معلوما زائد حتى يتم المراد تأمل.
قوله: (كحق شفعة) يعني إذا صالح المشتري الشفيع عن الشفعة التي وجبت له على شئ على أن يسلم الدار للمشتري فالصلح باطل، إذ لا حق للشفيع في المحل سوى حق التمليك، وهو ليس بأمر ثابت في المحل، بل هو عبارة عن ولاية الطلب، وتسليم الشفعة لا قيمة له فلا يجوز أخذ المال في مقابلته كما في الدرر وأطلقه.
وهو على ثلاثة أوجه: أن يصالح على دراهم معلومة على أن يسلم الدار للمشتري، وأن يصالح على بيت معين منها بحصته من الثمن وأن يصالح على نصف الدار بنصف الثمن، ففي الاولين يبطل الصلح وكذا الشفعة في الاول، ويصح الصلح في الثالث والشفعة لا تبطل فيه وفي
الثاني كما في المبسوط وغيره فظهر أن المرد بقول الدرر على شئ: دراهم معلومة ونحوها.
قوله: (وحد قذف) بأن قذف رجلا فصالحه على مال على أن يعفو عنه، لانه وإن كان للعبد فيه حق فالغالب فيه حق الله تعالى والمغلوب ملحق بالمعدوم، وكذلك لا يجوز الصلح عن حق الله تعالى ولو ماليا كالزكاة، ولا حد الزنا والسرقة وشرب الخمر، بأن أخذ زاينا أو سارقا من غيره أو شارب خمر فصالحه على مال على أن لا يرفعه إلى ولي الامر لانه حق الله تعالى، ولا يجوز عنه الصلح لان المصالح بالصلح يتصرف إما باستيفاء كل حقه أو استيفاء بعضه وإسقاط الباقي أو بالمعاوضة، وكل ذلك لا يجوز في غير حقه كما في الدرر.
وإنما لا يجوز الصلح عن حقوقه تعالى لان الاصل فيه أن الاعتياض عن حق الغير لا يجوز، والحدود المشروعة لما كانت حقا لله تعالى خالصا أو غالبا، فلا يجوز لاحد أن يصالح على شئ في حق الله تعالى، والمراد من حق الله تعالى ما يتعلق به النفع العام لاهل العالم فلا يختص به أحد كحرمة الزنا، فإن نفعه عائد إلى جميع أهل العالم وهو سلامة أنسابهم وصيانة فرشهم وارتفاع(2/348)
السيف بين العشائر بسبب التنازع بين الزناة، ولذلك لا يباح الزنا بإباحة المرأة أو أهلها، وإنما نسب إلى الله تعالى مع أن النفع عائد إلى العباد تعظيما لانه متعال عن أن ينتفع بشئ، ولا يجوز أن يكون حقا له بجهة التخليق لان الكل سواء في ذلك، كذا في شرح المنار لجلال الدين.
قوله: (وكفالة بنفس) الوجه فيه كالوجه في سابقه، وقدمنا الكلام عليها قريبا، وقيد الكفالة بكفالة النفس، لانه لو صالحه عن كفالة المال يكون إسقاطا لبعض الدين عنه وهو صحيح.
قوله: (ويبطل به الاول) أي حق الشفعة لرضا الشفيع بسقوط حقه.
قوله: (وكذا الثاني) أي حد القذف.
قوله: (لو قبل الرفع للحاكم) ظاهره أنه يبطل الصلح أصلا وهو الذي في الشرنبلالية عن قاضيخان، فإنه قال: بطل الصلح وسقط الحد إن كان قبل أن يرفع إلى القاضي، وإن كان بعده لا يبطل وقال في الحد، وقد سبق أنه إنما سقط بالعفو لعدم الطلب، حتى لو عاد وطلب حد الاشباه: لا يصح الصلح عن الحد ولا يسقط به حد القذف إن كان قبل المرافعة كما في
الخانية.
قال البيري: أي فإن الحد يسقط وإن كان الصلح لم يجز.
أما إذا كان بعد المرافعة فلا يسقط.
أقول: هذا الذي في الخانية ينافي ما ذكره في الايضاح بأن له أن يطالب بعد العفو والصلح عن ذلك، فراجعه في الاقرار.
وعبارة الاشباه في الاقرار: ولا يملك المقذوف العفو عن القاذف، ولو قال المقذوف كنت مبطلا في دعواي سقط الحد.
كذا في حيل التاترخانية من حيل المداينات.
قال البيري: قال في الايضاح: وإذا ثبت الحد لم يجز الاسقاط ولا العفو، ولذا إذا عفا قبل المرافعة أو أبرأ أو صالح على مال فذلك باطل ويرد مال الصلح، وله أن يطالبه بالحد بعد ذلك ا ه.
وقدم الشارح في باب حد القذف: ولا رجوع بعد إقرار ولا اعتياض: أي أخذ عوض ولا صلح ولا عفو فيه وعنه.
نعم لو عفا المقذوف فلا حد لا لصحة الفعو بل لترك الطلب، حتى لو عاد وطلب حد.
شمني.
ولذا لا يتم إلا بحضرته، فأفاد أنه لا صلح فلا يسقط، وظاهره ولو قبل المرافعة، ولا يقام إلا بطلب المقذوف في الموضعين إلا أن يحمل ما في الخانية على البطلان لعدم الطلب، وكذا يقال في حد السرقة فإنه لا يصح عنه الصالح كما في مجمع الفتاوى، فكان على المصنف والشارح أن يستثنيه أيضا.
قوله: (لا حد زنا) أي لا يصح الصلح عنه.
صورته: زنى رجل بامرأة رجل فعلم الزوج وأراد أحدهما الصلح فتصالحا معا أو أحدهما على معلوم على أن يعفو كان باطلا وعفوه باطل، سواء كان قبل الرفع أو بعده.
والرجل إذا قذف امرأته المحصنة حتى وجب اللعان كان باطلا، وعفوها بعد الرفع باطل وقبل الرفع جائز.
خانية.
قوله: (وشرب مطلقا) أي إذا صالح شارب الخمر القاضي على أن يأخذ منه مالا ويعفو عنه لا يصح الصلح ويرد المال على شارب الخمر سواء كان ذلك قبل الرفع أو بعده كما في الخانية.
فليحفظ، والآن مبتلون بذلك، ولا حول ولا قولة إلا بالله العلي العظيم.
فرع: قال في البزازية: وفي نظم الفقه: أخذ سارقا في دار غيره فأراد رفعه إلى صاحب المال فدفع له السارق مالا على أن يكف عنه يبطل ويرد البدل إلى السارق، لان الحق ليس له، ولو كان(2/349)
الصلح مع صاحب السرقة برئ من الخصومة بأخذ المال، وحد السرقة لا يثبت من غير خصومة
ويصح الصلح ا ه.
وفيها أيضا: أتهم بسرقة وحبس فصالح ثم زعم أن الصلح كان خوفا على نفسه، إن حبس الوالي تصح الدعوى لان الغالب أنه حبس ظلما، وإن كان في حبس القاضي لا تصح لان الغالب أنه يحبس بحق ا ه.
أقول: وهذا على ما كان في زمنهم من تصرف الوالي برأيه وأما في زماننا فلا فرق يظهر بينهما فإنهما على السواء حتى صار حبسهما واحدا، إذ لا يحبس الواحد إلا بعد ثبوت حبسه بوجهه.
قوله: (من المدعى عليه) متعلق بالقبول وحذف نظيره من الاول، فإن المعنى: وطلب الصلح من المدعى عليه.
قوله: (كالدراهم والدنانير) الكاف للاستقصاء إذ ليس معناه مالا يتعين غيرهما.
قوله: (وطلب الصلح) لا حاجة إلى هذه الجملة بعد قول المتن وطلب الصلح كاف.
قوله: (على ذلك) كذا في بعض النسخ، وفي بعضها عن بدل على.
قوله: (لانه إسقاط) سيأتي في الصلح في الدين أنه أخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي، لكن ليس ذلك مخصوصا بما لا يتعين بالتعيين بل كل ما يثبت في الذمة.
قوله: (وهو يتم بالمسقط) هذا يفيد أنه لا يشترط الطلب كما لا يشترط القبول، وإن هذا في الاقرار كما صرح به الشارح نقلا عن العناية، فتأمل.
قوله: (لانه كالبيع) أي فتجرى فيه أحكام البيع فينظر، إن وقع على خلاف جنس المدعي فهو بيع قبض كما يذكره بعد، وإن وقع على جنسه، فإن وقع بأقل من المدعي فهو حط وإبراء، وإن كان مثله فهو قبض واستيفاء، وإن كان بأكثر منه فهو فضل وربا.
قوله: (وحكمه) أي أثره الثابت له.
منح.
قال في البحر: وحكمه في جانب المصالح عليه وقوع الملك فيه للمدعي سواء كان المدعى عليه مقرا أو منكرا، وفي المصالح عنه وقوع الملك فيه للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك كالمال وكان المدعى عليه مقرا به، وإن كان مما لا يحتمل التمليك كالقصاص ووقوع البراءة كما إذا كان منكرا مطلقا ا ه.
وظاهره أنه لا يملك المصالح عنه مع الانكار مع أنه معاوضة في حق المدعي، ولذا يؤخذ منه بالشفعة إن كان عقارا وهذا يقتضي أنه يملك.
قوله: (وقوع البراءة عن الدعوى) لما مر أنه عقد يرفع النزاع: أي ما لم يعرض مبطل كاستحقاق البدل، أطلقه فشمل أن حكمه ذلك في أنواعه الثلاثة، حتى
لو أنكر فصالح ثم أقر لا يلزمه ما أقر به، وكذا لو برهن بعد صلحه لا يقبل، ولو برهن على إقرار المدعي أنه لا حق له من قبل الصلح أو قبل قبض البدل لا يصح الصلح كصلح بعد الحلف فإنه لا يصح عند الشيخين، خلافا لمحمد، وصلح مودع يدعي الاستهلاك مع المودع يدعي الضياع فإنه لا يصح عند الطرفين، خلافا لابي يوسف كما في المقدسي.
قوله: (ووقوع الملك) أي للمدعي أو للمدعى عليه.
قوله: (في مصالح عليه) أي مطلقا ولو منكرا قوله: (وعنه لو مقرا) قال في المنح: وفي المصالح عنه وقوع الملك فيه للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التملك كالمال وكان المدعى عليه مقرا(2/350)
به إلى آخر ما تقدم عن البحر.
قوله لو مقرا قيد في قوله وعنه.
وأما إذا كان منكرا فالحكم البراءة عن الدعوى سواء كانت فيما يحتمل التماليك أو لا.
أفاده الحموي.
قوله: (وهو صحيح) لقوله تعالى: * ((4) والصلح خير) * (النساء: 821) وقوله عليه الصلاة والسلام: كل صلح جائز فيما بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ومعنى جواز الصلح اعتباره حق يملك المدعي بدل الصلح ولا يسترده المدعى عليه ويبطل حق المدعي في الدعوى، والمراد بقوله: صلحا أحل حراما أي لعينه كالخمر، وقوله أو حرم حلالا أي لعينه كالمصالحة على ترك وطئ الضرة.
وأما دفع الرشوة لدفع الظلم فجائز، وليس بصلح أحل حراما ولا بسحت إلا على من أكله.
قال محمد في السير الكبير: بلغنا عن الشعثاء جابر بن زيد أنه قال: ما وجدنا في زمن الحجاج أو زياد بن زياد شيئا خيرا لنا من الرشا اه.
قال أبو السعود: ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام أحل حراما الخ كما إذا صالح على أن لا يتصرف في بدل الصلح أو أن يجعل عوض الصلح خمرا أو خنزيرا، وقوله عليه الصلاة والسلام لعن الله الراشي والمرتشي والمراد به إذا كان هو الظالم فيدفعها لبعض الظلمة يستعين بها على الظلم.
وأما لدفع الضرر عن نفسه فلا شبهة فيها، حتى روي عن أبي يوسف أنه أجاز ذلك للوصي من مال اليتيم لدفع الضرر عن اليتيم الخ.
رملي.
قوله: (مع إقرار الخ) قال الاكمل: الحصر في هذه الانواع ضروري، لان الخصم وقت الدعوى إما أن يسكت أو يتكلم مجيبا وهو لا يخلو عن النفي والاثبات.
لا يقال: قد يتكلم بما لا يتصل بمحل النزاع لانه سقط بقولنا مجيببا ا ه منح.
وقوله مع إقرار أطلقه فشمل ما يكون حقيقة وصريحا وحكما كطلب الصلح والابراء عن المال أو الحق فيرجع إليه بالبيان كما في المحيط وفيه تفصيل لطيف فراجعه إن شئت.
قوله: (فالاول حكمه كبيع) أي فتجري فيه أحكام البيع فينظر، إو وقع على خلاف جنس المدعى فهو بيع وشراء كما ذكر هنا، وإن وقع على جنسه، فإن كان بأقل من المدعى فهو حط وإبراء، وإن كان بمثله فهو قبض واستيفاء، وإن كان بأكثر منه فهو فضل وربا، ذكره الزيلعي، وقدمناه قريبا.
قال في البحر: فإن وقع عن مال بمال بإقرار اعتبر بيعا إن كان على خلاف الجنس، إلا في مسألتين: الاولى: إذا صالح من الدين على عبد وصاحبه مقر بالدين وقبض العبد ليس له المرابحة من غير بيان.
الثانية: إذا تصادقا على أن لا دين بطل الصلح، كما لو استوفى عين حقه ثم تصادقا أن لا دين، فلو تصادقا على أن لا دين لا يبطل الشراء ا ه.
قوله: (وحينئذ) زيادة حينئذ اقتضت زيادة الفاء في فتجري أي التفريعية في المصنف، وقوله فيه أي في هذا الصلح.
منح.
فيشمل المصالح عنه والمصالح عليه وهو بدل الصلح، حتى لو صالح عن دار بدار وجب فيهما الشفعة.
قوله: (الشفعة) أي ويلزم الشفيع مثل بدل الآخر لو مثليا وقيمته لو قيميا غير عقار، حتى لو كان البدلان عقارا لا شفعة في واحد منهما.
قهستاني.
ثم قال في فصل السكوت والانكار: تجب الشفعة في(2/351)
الدار المصالح عليها عن دار أو غيرها فإنه معاوضة في زعم المدعي ا ه.
تأل.
هذا مع ما قبله ممعنا.
والذي يظهر لي أنه إذا كان الصلح عن إقرار على دار بدار تجب الشفعة فيهما لان كلا منهما عوض عن الثانية، وإن كان عن سكوت أو إنكار فتجب في الدار المصالح عليها دون الدار المصالح عنها، لان المعاوضة هنا في الدار المصالح عليها فقط.
أما عبارة القهستاني الاولى فلم أر ما يدل عليها بل صريح النقول يخالفها.
قال في المجلة من كتاب الصلح في المادة الخمسين وخمسمائة بعد الالف ما نصه: عن إنكار ياخود عن سكوت صلح أو لمق مدعي حقنده معاوضة ومدعى عليه حقنده يميندن خلاص إيله قطع منازعه در بناء على ذلك مصالح عليه، أو لان عقار ده شفعة جريان أيدر إما مصالح عنه، أو لان عقار ده شفعة جريان ايتمز.
قوله: (والرد بعيب) نحو إذا كان بدل الصلح عبدا مثلا فوجد المدعي فيه عيبا له أن يرده، وظاهر إطلاقه أنه يرده بيسير العيب وفاحشه، وقد ذكره الطحاوي.
أفاده الحموي وأطلق الرد بالعيب وهو المراد في الاقرار، قال الطحاوي بالاقرار يرد بيسير وفاحش، وفي الانكار بالفاحش كخلع ومهر وبدل صلح عن دم عمد.
قوله: (وخيار رؤية) فيرد العوض إذا رآه وكان لم يره وقت العقد، وكذلك يرد المصالح عنه إن كان لم يره.
قوله: (وشرط) بأن تصالحا على شئ فشرط أحدهما الخيار لنفسه مثلا.
قال في المنبع: ويبطل الصلح بالرد بأحد هذه الخيارات الثلاث.
قوله: (ويفسده جهالة البدل المصالح عليه) أي إن كان يحتاج إلى تسليمه وإلا فلا يفسد، كما إذا ادعى عليه ثلث داره فصالحه على أن يترك دعواه في حق مجهول في أرض المدعي كما في العناية لانه بيع فصار كجهالة الثمن.
عيني.
وكذا يفسد بجهالة الاجل إذا جعل البدل مؤجلا زيلعي.
قال الرملي: إن جهالة المصالح عليه تفسد الصلح، وكذا جهالة المصالح عنه إن كان يحتاج إلى التسليم.
وأقول: ليس جهالة المصالح عليه مفسدة للصلح مطلقا، بل محله إذا لم يكن مستغنيا عن القبض والتسليم فإن جهالته لا تفسد كما في السراج الوهاج.
وفي القهستاني: ويكفي أن يكون بيان قدر المصالح عليه فحسب إذا كان دراهم أو دنانير أو فلوسا لان معاملات الناس تغني عن بيان الصفة فيقع على الند الغالب ا ه.
قال السائحاني: ولطالما طلبت نفسي هذا النقل لان المشهور أنه لا بد في العقود من بيان الوصف على أن العرف بخلافه.
قوله: (لا جهالة المصالح عنه) أي إذا لم يحتج إلى تسليمه كما مر أيضا أشار إلى ذلك بقوله لانه يسقط فإنه تعليل لقوله: لا جهالة المصالح عنه أي والساقط لا تفضي جهالته إلى المنازعة، لكن قال بعض الافاضل: لا جهالة المصالح عنه إلا إذا احتيج إلى تسليمه كأن يصالحه على أن يدفع له الحق المجهول
الذي يدعيه أو يدفع المدعي البدل من عنده ا ه.
تأمل.
قوله: (وتشترط القدرة على تسليم البدل) استئناف واقع موقع التعليل لقوله ويفسده جهالة البدل ولا يصح عطفه على يسقط وحيث كان كلاما مستأنفا استفيد منه أنه لا يصح الصلح على عبده الآبق وطيره في الهواء وسمكه في الماء وجذعه في السقف وذراع من ثوب تضره القسمة وحمل الجارية والبهيمة لانه لا يقدر على تسليمه، ومنه جهالة(2/352)
البدل فإنه لا يقدر على تسليم المجهول، فبذلك يصير الكلام تعليلا.
لقوله ويفسده جهالة البدل فبين التعليل والمعلل لف ونشر مشوش، الاول للثاني والثاني للاول.
قوله: (وما استحق من المدعي الخ) هذا لو الصلح على ترك المدعي في يد المدعى عليه.
أما لو أخذه ويدفع لمن في يده شيئا صلحا فلا يرجع لو استحق لانه أخذه على أنه ملكه زعما فيؤاخذ به فلا يرجع بالشئ الذي دفعه لرفع النزاع كما في العمادي.
قوله: (إن كلا فكلا أو بعضا فبعضا) المصنف صريح في البعض.
لقوله: حصته فلو قال المؤلف بعد المتن وإن استحق الكل رد الكل لكان أوضح، وأشار بأن إلى أنها بيانية أو تبعيضية وكل مراد، فتأمل.
قوله: (بحصته من المدعي) أي المصالح عنه، هذا إذا كان البدل مما يتعين بالتعيين، فإن كان مما لا يتعين بالتعيين وهو من جنس المدعي به فحينئذ يرجع بمثل ما استحق، ولا يبطل الصلح كما إذا ادعى ألفا فصالحه على مائة وقبضها فإنه يرجع عليه بمائة عند استحقاقها سواء كان الصلح بعد الاقرار أو قبله، كما لو وجدها ستوقة أو نبهرجة، بخلاف ما إذا كان من غير الجنس كالدنانير هنا إذا استحقت بعد الافتراق فإن الصلح يبطل، وإن كان قبله رجع بمثلها، ولا يبطل الصلح كالفلوس.
كذا في حاشية الحموي نقلا عن البحر.
وفي المنح: هذا إذا كان البدل مما يتعين بالتعيين، وإن كان مما لا يتعين كالدراهم والدنانير لا يبطل بهلاكه لانهما لا يتعينان في العقود والفسوخ فلا يتعلق العقد بهما عند الاشارة إليهما، وإنما يتعلق بمثلهما في الذمة فلا يتصور فيه الهلاك ا ه.
فقول المتن وما استحق من البدل محمول على ما إذا أمكن استحقاقه وهو ما يتعين بالتعيين، وأما ما لا يتعين بالتعيين فلا يمكن استحقاقه لانه ينعقد الصلح على جنسه وقدره لا على عينه، فتأمل.
وفي القهستاني: وللمدعي أن يرد الباقي ويرجع بكل المدعي، كما لو استحق كل العوض، وهذا إذا كان المستحق لم يجز الصلح، فإن أجازه وسلم العوض للمدعي رجع المستحق على المدعى عليه بقيمته كما في شرح الطحاوي.
قول: (كما ذكرنا) أي إن كلا فكلا أو بعضا فبعضا ح.
وهذا إذا كان البدل يتعين بالتعيين إلى آخر ما قدمناه في المقولة السابقة.
قوله: (لانه معاوضة) مقتضى المعاوضة أنه إذا استحق الثمن فإن مثليا رجع بمثله أو قيميا فبقيمته ولا يفسد العقد فالصلح يجري على هذا.
سيدي الوالد.
أقول: لكن هذا فيما يتمحض للثمنية كالدراهم، وأما مثل المذكور فهي من المقايضة، وحكمها أن كلا من البدلين يكون ثمنا وبيعا باعتبارين فلذا فسد العقد: أي باعتبار أنه مبيع، وعليه فكان على الشارح أن يقول: لانه مقايضة.
تأمل.
قوله: (وحكمه كإجارة الخ) صورته: ادعى رجل على رجل شيئا فاعترف به ثم صالحه على سكنى داره سنة أو على ركوب دابة معلومة أو على لبس ثوبه أو على خدمة عبده أو على زراعة أرضه مدة معلومة فهذا الصلح جائز فيكون في معنى الاجارة، فيجري فيه أحكام الاجارة.
كذا صوره العيني.
قوله: (إن وقع الصلح عن مال بمنفعة الخ) قال في الحواشي(2/353)
الحموية: وكذا إذا وقع عن منفعة بمال اعتبر بالاجارة لان العبرة في العقود للمعاني، فيشترط فيه العلم بالمدة كخدمة العبد وسكنى الدار والمسافة كركوب الدابة، بخلاف صبغ الثوب وحمل الطعام فالشرط بيان تلك المنفعة، ويبطل الصلح بموت أحدهما في المدة إن عقده لنفسه، وكذا بفوات المحل قبل الاستيفاء، ولو كان بعد استيفاء البعض بطل فيما بقي ويرجع المدعي بقدر ما لم يستوف من المنفعة، ولو كان الصلح على خدمة عبد فقتل وإن كان القاتل المولى بطل، وإلا ضمن قيمته واشترى بها عبدا يخدمه إن شاء كالموصى بخدمته، بخلاف المرهون حيث يضمن المولى بالاتلاف والعتق، والاعتبار بالاجارة قول محمد.
قال في شرح المختلف: وهو الاظهر، واعتمده المحبوبي والنسفي، وكذا بطلان الصلح بموت أحدهما في المدة قول محمد.
وقال أبو يوسف: إن مات المدعى عليه لا يبطل الصلح، وللمدعي أن يستوفي جميع المنفعة من العين بعد موته كما لو كان حيا، وإن مات المدعي لا يبطل
الصلح أيضا في خدمة العبد وسكنى الدار وزراعة الارض، وتقوم ورثة المدعي مقامه في استيفاء المنفعة، ويبطل الصلح في ركوب الدابة ولبس الثوب لانه يتعين فيه العاقد، ثم إنما يعتبر إجارة عند محمد إذا وقع على خلاف جنس المدعى به، فإن ادعى دارا فصالحه على سكناها شهرا فهو استيفاء بعض حقه لا إجارة فتصح إجارته للمدعى عليه كما في البحر.
وصورة الصلح عن منفعة بمال: ادعى السكنى لدار سنة وصية من مالكها فأقر به وارثه فصالحه على مال.
ذكره الحموي.
قال بعض الفضلاء: إنما قيد بكون المصالح عنه مالا لانه لو صالح عن منفعة بمال كان الانكار كالاقرار، فلو ادعى ممرا في دار ومسيلا على سطح أو شربا في نهر فأقر أو أنكر ثم صالحه على شئ معلوم جاز.
والظاهر أن هذا حكمه غير حكم الاجارة لانها لا تجري في هذه الاشياء فكان حكم الصلح في هذه الصحة، ولعل كلام الشارح الآتي في منفعة غير هذه.
قوله: (فشرط التوقيت فيه) أي في الصلح الواقع عن مال بمنفعة.
قوله: (إن احتيج إليه) كسكنى دار: أي إن كانت المنفعة تعلم بالوقت كالذي مثل به.
قال العلامة مسكين: وإنما يشترط التوقيت في الاجير الخاص، حتى لو تصالحا على خدمة عبده أو سكنى داره يحتاج إلى التوقيت، وفي المشترك لا يحتاج إليه كما إذا صالحه على صبغ ثوب أو ركوب دابة إلى موضع كذا أو حمل طعام إليه ا ه.
قوله: (وإلا لا كصبغ ثوب) أي مما تعلم المنفعة فيه بالتسمية، وكذا ما تعلم المنفعة فيه بالاشارة كنقل هذا الطعام إلى كذا فالمدار على العلم بالمنفعة كما يأتي بيانه في كتاب الاجارة.
قوله: (ويبطل بموت أحدهما) أي إن عقده لنفسه.
بحر وهذا عند محمد أيضا.
وقال أبو يوسف: إن مات المدعى عليه لا يبطل الصلح، وللمدعي أن يستوفي جميع المنفعة من العين بعد موته كما قدمناه.
فرع: إذا أقر المدعي في ضمن الصلح أنه لا حق له في هذا الشئ ثم بطل الصلح يبطل إقراره الذي في ضمنه، وله أن يدعيه بعد ذلك، والمدعى عليه إذا أقر عند الصلح بأن هذا الشئ للمدعي ثم بطل الصلح فإنه يرد ذلك الشئ إلى المدعي انتهى.
وقد أوضحه الحموي في شرحه.
قوله: (وبهلاك المحل) أي قبل الاستيفاء، فلو قبض بعضه بطل فيما بقي فيرجع بقدره، وما ذكر من البطلان بالموت والهلاك قول محمد، وقال أبو يوسف: إن مات المطلوب لا يبطل الصلح والمدعي يستوفيه إلى
آخر ما قدمناه.
قوله: (في المدة) تنازع فيه موت وهلاك على أن يكون صفة لكل منهما: أي لو هلك(2/354)
أحد المتصالحين عن مال بمنفعة في المدة أو هلك المحل الذي قامت به تلك المنفعة فيها بطل الصلح لانه إجارة، وهي تبطل بذلك إن كانت في كل المدة، وإن كانت في بعضها فبقدره من حين الموت والهلاك.
قوله: (وكذا) يصح لو وقع: أي الصلح عن دعوى منفعة بمال وأقر بها.
وفيه أن المنفعة منفعة ملك المدعى عليه ولا يصح استئجار منفعة ملكه.
قوله: (أو بمنفعة عن جنس آخر) كخدمة عبد في سكنى دار، بخلاف ما إذا اتحد الجنس، كما إذا صالح عن سكنى دار على سكنى دار أو الخدمة بالخدمة والركوب بالركوب فإنه لا يجوز بيع المنفعة بالمنفعة مع اتحاد الجنس، كما لا يجوز استئجار المنفعة بجنسها من المنافع فكذا الصلح لكن صور المسألة القهستاني بما لو أوصى بسكنى داره لرجل ثم مات ثم ادعى الموصى له السكنى فصالحه عن هذه السكنى على سكنى دار أخرى أو دراهم مسماة، فتبين منه أن المراد من اختلاف جنس المنفعة اختلاف عينها.
تأمل وراجع.
وكان ينبغي أن يذكر هذه المسألة قبل.
قوله شرط التوقيت فيه.
قوله: (ابن كمال) قال في الايضاح: لكن إنما يجوز بمنفعة عن منفعة إذا كانتا مختلفتي الجنس انتهى، كذا إذا صالحه عن سكنى دار على خدمة عبد، بخلاف ما إذا اتحد الجنس، كما إذا صالح عن سكنى دار على سكنى دار فإنه لا يجوز كما قدمناه قريبا.
قوله: (لانه) أي انفساخ العقد بذلك هو حكم الاجارة: يعني إذا كان الصلح عن المال بالمنفعة.
قوله: (أي الصلح) يشير إلى تقدير مضاف في المصنف.
وقوله: (بسكوت وإنكار) الباء بمعنى في: أي الصلح الواقع في سكوت وإنكار، والظرفية مجازية، ولا يصلح جعلها سببية لان سبب الصلح الدعوى.
قوله: (وإنكار) الواو بمعنى أو.
قوله: (معاوضة في حق المدعي) لانه يأخذه عوضا عن حقه في زعمه.
درر فبطل الصلح على دراهم بعد دعوى دراهم إذا تفرقا قبل القبض.
بحر.
قوله: (وفداء يمين وقطع نزاع في حق الآخر) إذا لولاه لبقي النزاع ولزم اليمين.
قال الزيلعي: وهذا في الانكار ظاهر، لانه تبين بالانكار أن ما يعطيه لقطع الخصومة وفداء اليمين، وكذا في السكوت لانه يحتمل الاقرار والانكار، وجهة الانكار راجحة إذ الاصل فراغ الذمم فلا يجب بالشك، ولا يثبت به كون ما
في يده عوضا عما وقع بالشك: أي مع أن حمله على الانكار أولى، لان فيه دعوى تفريغ الذمة وهو الاصل كما علمت.
قوله: (فلا شفعة في صلح عن دار مع أحدهما) يعني إذا ادعى رجل على آخر داره فصالح عنها بدفع شئ لم تجب الشفعة لانه يزعم أنه يستبقي الدار المملوكة له على نفسه بهذا الصلح ويدفع خصومة المدعي عن نفسه، لا أنه يشتريها وزعم المدعي لا يلزمه.
منح قوله: (فيدلي بحجته) أي فيتوصل الشفيع بحجة المدعي إلى إثبات الدعوى عليه: أي على المدعي المنكر أو الساكت.
قوله: (لان بإقامة البينة) حذف اسم إن، قوله: (فخلف) بتشديد اللام: أي الشفيع المدعى عليه أن الدار لم تكن للمدعي.
قال في الخانية: ادعيا أرضا في يد رجل بالارث من أبيهما فجحد ذو اليد فصالحه أحدهما على مائة لم يشاركه الآخر، لان الصلح معاوضة في زعم المدعي فداء يمين في زعم المدعى عليه فلم يكن(2/355)
معاوضة من كل وجه، فلا يثبت للشريك حق الشركة بالشك.
وفي رواية عن أبي حنيفة يشاركه انتهى ملخصا.
أقول: لم لم يؤاخذ بزعم، كما يأتي نظيره؟ ولعل العلة في ذلك أنه باع نصيبه فقط ولا شركة لاخيه فيه، بخلاف ما لو صالح المديون على مقدار معلوم حيث يشاركه أخوه كما هو ظاهر، تأمل.
قوله: (وتجب) أي تجب الشفعة في دار وقع الصلح عليها بأن تكون بدلا.
قوله: (بأحدهما) أي الانكار أو السكوت.
قوله: (أو بإقرار) لا حاجة إليه للاستغناء عنه بقوله في الصلح عن إقرار فتجري فيه الشفعة.
قوله: (عن المال) أل عوض عن الضمير.
قوله: (فيؤاخذ بزعمه) حتى لو ادعى دارا فأنكر فصالحه عنها عن دار أخرى وجبت الشفعة في التي صالح عليها دون الاخرى لما ذكرنا.
عيني.
وإنكار الآخر المعاوضة لا تمنع وجوب الشفعة فيها، ألا ترى أن رجلا لو قال أنا اشتريت هذه الدار من فلان وفلان ينكر يأخذها الشفيع بالشفعة، وكذا لو ادعى أنه باع داره من فلان وهو ينكر يأخذها الشفيع منه بالشفعة لان زعمه حجة في نفسه.
زيلعي.
قوله: (وما استحق من المدعي) من فيه للتبعيض، فهو قاصر على ما إذا استحق بعضه.
قوله: (فيه) أي في البعض المستحق.
قوله: (لخلو
العوض عن الغرض) علة.
لقوله: (رد المدعي حصته) وذلك لان المدعى عليه لم يدفع العوض إلا ليدفع خصومته عن نفسه ويبقى المدعي في يده بلا خصومة أحد، فإذا استحق لم يحصل له مقصوده، وظهر أيضا أن المدعي لم يكن له خصومة فيرجع عليه انتهى.
منح.
قوله: (رجع) أي المدعي.
قوله: (في كله) إن استحق كل العوض.
قوله: (أو بعضه) إن استحق بعضه، لان المبدل في الصلح عن إنكار هو الدعوى، فإذا استحق لبدل وهو المصالح عليه رجع بالمبدل وهو الدعوى: أي إلا إذا كان مما لا يقبل النقض فإنه يرجع بقيمة المصالح عليه كالقصاص والعتق والنكاح والخلع كما في الاشباه عن الجامع الكبير.
قال الحموي: قوله كالقصاص فيه نظر، فإنه ذكر في الجامع الكبير أنها لو كانت الدعوى قصاصا فصالحه المدعى عليه من غير إقرار على جارية فاستولدها المدعي ثم استحقت فأخذها المستحق وضمنه العقر وقيمة الولد فإن المدعي يرجع إلى دعواه، فلو أقام البينة أو نكل المدعى عليه رجع بقيمة الولد وقيمة الجارية أيضا ولا يرجع بما ادعاه، بخلاف ما تقدم: يعني لو ادعى على رجل ألفا فجحدها أو سكت فصالحه على جارية فقبضها واستولدها ثم استحقها مستحق فأخذها فإنه لا يرجع بقيمة الجارية ويرجع بما ادعاه وهو الالف.
والفرق أن الصلح ثمة وقع عن دعوى المال وأنه يحتمل الفسخ بالاقالة والرد بالعيب والخيار، فكذا تنفسخ بالاستحقاق، وإذا انفسخ عادت الدعوى كما كانت فيرجع بما ادعاه وهو الالف.
أما الصلح عن القصاص فلا يحتمل الفسخ لانه بعد سقوطه لا يحتمل العود، لان الصلح عفو فلا يحتمل النقض كالعتق والنكاح والخلع، فإذا لم يفسخ باستحقاق الجارية بقي الصلح على حاله وهو السبب(2/356)
الموجب تسليم الجارية وقد عجز عن تسليمها فيجب قيمتها.
كذا في شرح تلخيص الجامع للفخر المارديني.
ثم قال: وفيه إشكال، وهو أن يقال: إذا أقررتم أن الصلح عن الدم لا ينتقض باستحقاق الجارية وجب أن لا يرجع إلى دعواه: يعني سواء كان الصلح عن إنكار أو بينة أو نكول لان الرجوع
إلى الدعوى نتيجة انتقاض الصلح كما تقدم آنفا ولم ينتقض انتهى.
قال في البحر: ولو استحق المصالح عليه أو بعضه رجع إلى الدعوى في كله أو بعضه، إلا إذا كان مما لا يتعين بالتعيين وهو من جنس المدعى به فيحنئذ يرجع بمثل ما استحق ولا يبطل الصلح، كما إذا ادعى ألفا فصالحه على مائة وقبضها فإنه يرجع عليه بمائة عند استحقاقها سواء كان الصلح بعد الاقرار أو قبله كما لو وجدها ستوقة أو نبهرجة، بخلاف ما إذا كان من غير الجنس كالدنانير، هذا إذا استحقت بعد الافتراق فإن الصلح يبطل، وإن كان قبله رجع بمثلها ولا يبطل الصلح كالفلوس ا ه.
قوله: (فإن وقع به) أي بلفظ البيع، بأن عبر بلفظ البيع عن الصلح في الانكار والسكوت بأن قال أحدهما بعتك هذا الشئ بهذا وقال الآخر اشتريته حيث يرجع المدعي عند الاستحقاق على المدعى عليه بالمدعي نفسه لا بالدعوى، لان إقدام المدعى عليه على المبايعة إقرار منه بأن المدعي ملك المدعى فلا يعتبر إنكاره، بخلاف الصلح لانه لم يوجد منه ما يدل على أنه أقر بالملك له، إذ الصلح قد يقع لدفع الخصومة كما يأتي قريبا قوله: (لان إقدامه) أي المدعى عليه قوله: (إقرار بالملكية) أي للمدعي، بخلاف الصلح لانه لم يوجد منه ما يدل على أنه أقر بالملك له، إذ الصلح قد يقع لدفع الخصومة قوله: (قبل التسليم له) وأما هلاكه بعد تسليمه له فيهلك على المدعي لدخوله في ضمانه.
قوله: (كاستحقاقه) أي كاستحقاق بدل الصلح كذلك: أي كلا أو بعضا.
قوله: (في الفصلين) أي مع إقرار أو مع سكوت وإنكار فيرجع بالمدعي أو بالدعوى، فإن كان عن إقرار رجع بعد الهلاك إلى المدعي، وإن كان عن إنكار رجع إلى الدعوى.
وإذا هلك بعضه يكون كاستحقاق بعضه حتى يبطل الصلح في قدره ويبقى في الباقي.
منح.
قوله: (وهذا) أي رجوعه إلى الدعوى عند استحقاق البدل أو هلاكه قبل التسليم.
قوله: (لو البدل) أي لو كان البدل مما يتعين.
قوله: (وإلا) بأن كان لا يتعين وهو من جنس المدعى به.
قوله (لم يبطل) أي الصلح.
قوله: (بل يرجع بمثله) كأن كان دراهم أو دنانير، فإن الصلح لا يبطل بهلاكه لانهما لا يتعينان في العقود والفسوخ فلا يتعلق بهما العقد عند الاشارة إليهما وإنما يتعلق بمثلهما في الذمة فلا يتصور فيه الهلاك.
والحاصل: أنه إذا ادعى عليه ألفا فصالحه على مائة وقبضها فإنه يرجع عليه بالمائة عند استحقاقها
سواء كان الصلح قبل الافتراق أو بعده، بخلاف ما إذا كان من غير الحنس كالدنانير هنا إذا استحقت بعد الافتراق فإن الصلح يبطل، وإن كان قبله فإنه يرجع لمثلها ولا يبطل الصلح كالفلوس كما قدمنا.(2/357)
قوله: (كذا في نسخ المتن والشرح) لعله هو الذي وقع له.
والذي في نسخة الشرح التي بيدي علي.
قوله: (أي عين يدعيها) تفسير لما وتخصيص لعمومها فإنها تشمل الدين حلبي.
وهذا لو قائما، ويأتي حكم ما إذا كان هالكا عند قول المتن والصلح عن المغصوب الهالك.
قوله: (لجوازه في الدين) لجواز إسقاطه، وهو علة للتخصيص المذكور: إنما كان هذا خاصا بالعين لجوازه في الدين، لان الصلح عن دين ببعضه أخذ البعض حقه وإسقاط للباقي كما يأتي وإسقاط الدين جائز، وإنما لم يجز في العين لان الابراء عن الاعيان لا يصح، ولذا لو زاد على البعض ثوبا أو درهما صح لانه يجعل الثوب أو الدرهم بدلا عن الباقي، وكذا لو أبرأه عن الدعوى في باقيها يصح، فلو صالحه على بيت منها على أن يترك الدعوى في باقيها كأن أخذ البعض حقه وإبراء عن الدعوى في الباقي والابراء عن الدعوى صحيح، فليس له أن يدعي بعد ذلك ولكن لا يملكها ديانة لعدم وجود التمليك لها لفقد سببه.
قوله: (فلو ادعى عليه دارا) تفريع على المتن وتمثيل له ح.
قوله: (على بيت معلوم منها) الظاهر أنه كان على بعض شائع منها كذلك للعلة المذكورة.
قوله: (فلو من غيرها صح) الاولى تأخيره عن قوله لم يصح وعلته ليكون مفهوما للتقييد بقوله منها وليسلم من الفصل بين لو وجوابها وهو قوله لم يصح بأجنبي وهو.
قوله: فلو من غيرها صح.
قوله: (لان ما قبضه من عين حقه) أي بعض عين حقه وهو على دعواه في الباقي، لان الصلح إذا كان على بعض عين المدعي كان استيفاء لبعض الحق وإسقاطا للبعض، والاسقاط لا يرد على العين بل هو مخصوص بالدين، حتى إذا مات واحد وترك ميراثا فأبرأ بعض الورثة عن نصيبه لم يجز لكون براءته عن الاعيان.
درر.
ويأتي قريبا بأوضح مما هنا.
قوله: (كثوب ودرهم) أشار بذلك إلى أنه لا فرق بين القيمي والمثلي.
قوله: (فيصير ذلك) أي المزيد من الثوب والدرهم.
قوله: (عوضا عن حقه فيما بقي) أي فيكون مستوفيا بعض حقه وآخذ العوض عن البعض.
قوله: (أو يلحق) منصوب بأن مضمرة مثل - أو يرسل - فيكون مؤولا بمصدر
مجرور معطوف على مجرور الباء وهو بضم الياء من الافعال.
قوله: (عن دعوى الباقي) لان الابراء عن عينه غير صحيح: أي في حق الدعوى وسقوط العين ديانة كما في المبسوط، ولذا قيد به.
وأما الابراء عن دعوى العين فجائز كما في الدرر، وهو أن يقول برئت عنها أو عن خصومتي فيها أو عن دعواي هذه الدار فلا تسمع دعواه ولا بينته.
وأما لو قال أبرأتك عنها أو عن خصومتي فيها فإنه باطل، وله أن يخاصم: أي غير المخاطب، كما لو قال لمن بيده عبد برئت منه فإنه يبرأ، ولو قال أبرأتك لا لانه إنما أبرأه عن ضمان كما في الاشباه من أحكام الدين.
قلت: ففرقوا بين أبرأتك وبرئت أو أنا برئ لاضافة البراءة لنفسه فتعم، بخلاف أبرأتك لانه خطاب الواحد فله مخاصمة غيره كما في حاشيتها معزيا للولوالجية شرح الملتقى.
وفي البحر: الابراء إن كان على وجه الانشاء كأبرأتك، فإن كان عن العين بطل من حيث(2/358)
الدعوى فله الدعوى بها على المخاطب وغيره ويصح من حيث نفي الضمان، وإن كان عن دعواها: فإن أضاف الابراء إلى المخاطب كأبرأتك عن هذه الدار ألا عن خصومتي فيها أو عن دعوى فيها لا تسمع دعواه على المخاطب فقط، وإن أضافة إلى نفسه كقوله برئت عنها أو أنا برئ فلا تسمع مطلقا، هذا لو على طريق الخصوص: أي عين مخصوصة، فلو على العموم فله الدعوى على المخاطب وغيره، كما لو تبارأ الزوجان عن جميع الدعاوى وله أعيان قائمة له الدعوى بها لانه ينصرف إلى الديون لا الاعيان.
وأما إذا كان على وجه الاخبار كقوله هي برئ مما لي قبله فهو صحيح متناول للدين والعين فلا تسمع الدعوى، وكذا لا ملك لي في هذا العين.
ذكره في المبسوط والمحيط.
فلعم أن قوله لا أستحق قبله حقا مطلقا ولا دعوى يمنع الدعوى بالعين والدين، لما في المبسوط: لا حق لي قبله يشمل كل عين ودين، فلو ادعى حقا لم يسمع ما لم يشهدوا أنه بعد البراءة ا هما في البحر ملخصا.
وقوله بعد البراءة يفيد أن قوله لا حق لي إبراء عام لا إقرار.
قوله: (الصحة مطلقا) ولو من غير هذه الحيلة فلا تصح الدعوى بعده وإن برهن.
أقول: الابراء عن الاعيان لا يصح اتفاقا، أما في خصوص المسألة، وهو ما إذا ادعى دارا
وصالحه على بيت منها يصح في ظاهر الرواية، ويجعل كأنه قبل منه بعض حقه وأبرأه عن الدعوى في باقيه كما قدمنا، لان الابراء عن العين إبراء عن الدعوى فيه، والابراء عن الدعوى في الاعيان صحيح.
وعلى ما في المتن وهو رواية ابن سماعة لم يجعله إبراء عن الدعوى وقال بعدم صحته.
قال في الاختيار: ولو ادعى دارا فصالحه على قدر معلوم منها جاز ويصير كأنه أخذ بعض حقه وأبرأه عن دعوى الباقي، والبراءة عن العين وإن لم تصح لكن البراءة عن الدعوى تصح، فصححناه على هذا الوجه قطعا للمنازعة ا ه.
وفي الذخيرة البرهانية: ادعى دارا في يد رجل واصطلحا على بيت معلوم من الدار فهو على وجهين: إن وقع الصلح على بيت معلوم من دار أخرى للمدعى عليه فهو جائز، وإن وقع الصلح على بيت معلوم من الدار التي وقع فيها الدعوى فذلك الصلح جائز لانه في زعم المدعي أنه أخذ بعض حقه وترك البعض، وفي زعم المدعى عليه أنه فداء عن يمينه.
وإذا جاز هذا الصلح هل يسمع دعوى المدعى بعد ذلك وهل تقبل إن كان البيت من دار أخرى؟ لا تسمع دعواه باتفقا الروايات، لان هذا معاوضة باعتبار جانب المدعي فكأنه باع ما ادعى بما أخذ.
وفيما إذا وقع الصلح على بيت من هذه الدار ذكر شيخ الاسلام نجم الدين النسفي في شرح الكافي أنه تسمع، وهكذا يفتي الشيخ الامام الاجل ظهير الدين المرغيناني، وذكر شيخ الاسلام في شرحه أنه لا تسمع دعواه.
وروى ابن سماعة عن محمد أنه تسمع.
قالوا: وهكذا ذكر في بعض روايات الصلح، واتفقت الروايات أن المدعى عليه لو أقر بالدار للمدعي أنه يؤمر بتسليم الدار إليه، وفي رواية ابن سماعة أن المدعي بهذا الصلح استوفى بعض حقه أو أبرأ عن الباقي، إلا أن الابراء لاقى عينا والابراء عن الاعيان باطل، فصار وجوده وعدمه بمنزلة شئ واحد.
وجه ظاهر الرواية أن الابراء لاقى عينا ودعوى فإن المدعي كان يدعي جميع الدار لنفسه والابراء عن الدار صحيح، وإن كان الابراء عن العين لا يصح، فإن من قال لغيره أبرأتك عن دعوى(2/359)
هذا العين صح الابراء حتى لو ادعى بعد ذلك فلا تسمع.
أو نقول: الابراء لاقى الدعوى، فإن قوله أبرأتك عن هذه العين معناه أبرأتك عن دعوى هذه العين، ألا ترى أن قول المغصوب منه للغاصب أبرأتك عن العبد المغصوب معناه أبرأتك عن ضمان العبد المغصوب، وبهذه المسألة تبين أن معنى قولنا البراءة عن الاعيان لا تصح أن العين لا تصير ملكا للمدعى عليه بالابراء لا أن يبقى المدعي على دعواه.
وفي آخر كتاب الدعوى في منتقى ابن سماعة عن محمد: في رجل خاصم رجلا في دار يدعيها ثم قال أبرأتك عن هذه الدار أو قال أبرأتك عن خصومتي هذا كله باطل وله أن يخاصم، ولو قال برئت من هذه الدار أو قال برئت من دعوى هذه الدار كان جائزا ولا حق فيها، ولو جاء ببينة لم أقبلها.
وفي منتقى إبراهيم بن رستم عن محمد: رجل ادعى دارا في يد رجل فصالحه المدعى عليه على نصفها وقال برئت من دعواي في النصف الباقي أو قال برئت من النصف الباقي أو قال لا حق لي في النصف الباقي ثم أقام البينة على جميع الدار لا تقبل بينته، ولو قال صالحتك على نصفها على أني أبرأتك من دعواي في النصف الآخر ثم أقام بينة كان له أن يأخذ الدار كلها، وفرق بين قوله برئت وبين قوله أبرأتك.
قال: ألا ترى أن عبدا في يد رجل لو قال لرجل برئت منه كان بريئا منه، ولو قال أبرأتك منه كان له أن يدعيه وربما أبرأه من ضمانه.
قال: وقال أصحابنا رحمهم الله تعالى أنت مني برئ وأنا منك برئ كان له أن يدعي في العبد ا ه.
قوله: (في العزمية) ووجهه كما في الحموي أن الابراء لاقى عينا ودعوى والابراء عن الدعوى صحيح، فإن من قال لغيره أبرأتك عن دعوى هذه العين صح، ولو ادعاه بعد لم تسمع.
قوله: (للبزازية) عبارتها: وهذا هو المذكور في أكثر الفتاوى على اختلاف ظاهر الرواية وفي ظاهر الرواية يصح، ولا تصح الدعوى وإن برهن.
قوله: (وقولهم) جواب سؤال وارد على ظاهر الرواية، تقديره: كيف صح الصلح على بعض العين المدعاة مطلقا مع أنه يلزم منه البراءة عن باقيها؟ وقد قالوا: الابراء عن الاعيان باطل، ومقتضاه أنه لا يصح.
أفاده الطحطاوي.
لكن ما ذكره وارد على كلام الماتن على ظاهر الرواية، إذ لا تعرض للابراء فيها، وما تضمنه الصلح إسقاط للباقي لا
إبراء، فافهم وتأمل.
قوله: (عن دعوى الاعيان) الانسب هنا حذف.
قوله: دعوى كما يظهر مما تقدم من عبارة الذخيرة، وهو المناسب لسياق كلامه ولما يأتي من الاستدراك الآتي في.
قوله: لكن تسمع دعواه في الحكم إذ لو بطل الابراء عن الدعوى لسمعت دعواه، ولان الفقه صحة البراءة عن دعوى الاعيان كما مر بلا خلاف فيها، ولو قال الابراء عن الاعيان باطل ديانة لا قضاء لكان أحكم، والله تعالى أعلم.
قوله: (ولم يصر ملكا للمدعى عليه) هو المقصود من المقام: أي أن معنى بطلان البراءة عن الاعيان أنها لا تصير ملكا للمبرئ منها فحل للمدعي أخذها إن وجدها، وليس معنى(2/360)
البطلان المذكور أنه يسوغ له الدعوى بها بعد الابراء منها.
أبو السعود قوله: (وأما الصلح على بعض الدين) مفهوم.
قوله: سابقا أي عين يدعيها.
قال المقدسي معزيا للمحيط: له ألف فأنكره المطلوب فصالحه على ثلاثمائة من الالف صح ويبرأ عن الباقي قضاء لا ديانة، ولو قضاه الالف فأنكر الطالب فصالحه بمائة صح ولا يحلى له أخذها ديانة، فيؤخذ من هنا ومن أن الربا لا يصح الابراء عنه ما بقيت عينه عدم صحة براءة قضاة زماننا مما يأخذونه ويطلبون الابراء فيبرئونهم، بل ما أخذه عن الربا أعرق بجامع عدم المحل في كل.
واعلم أن عدم براءته في الصلح استثنى منه في الخانية ما لو زاد أبرأتك عن البقية.
سائحاني: أي حيث يبرأ حينئذ قضاء وديانة.
قلت: ويظهر من هذا أن ما تضمنه الصلح من الاسقاط ليس إبراء من وجه، وإلا لم يحتج.
لقوله: وأبرأتك عن البقية.
قوله: (أي قضاء لا ديانة) هذا إذا لم يبرئ الغريم من الباقي وإلا برئ ديانة كما علمت.
أقول: تأمل فيه مع أنهم قالوا: إن الصلح عن الدين على بعضه أخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي وإسقاط الدين يصح.
فالذي يظهر أنه يسقط قضاء وديانة، ولو تم ما ذكره هنا لم يبق فرق بين الدين والعين على ظاهر الرواية.
تأمل.
قوله: (وتمامه في أحكام الدين من الاشباه) وعبارتها: ومنها صحة الابراء عن الدين، ولا يصح الابراء عن الاعيان والابراء عن دعواها صحيح، فلو قال أبرأتك عن
دعوى هذا العين صح الابراء فلا تسمع دعواه بها بعده، ولو قال برئت من هذه الدار ومن دعوى هذه لم تسمع دعواه وبينته، ولو قال أبرأتك عنها أو عن خصومتي فيها فهو باطل وله أن يخاصم، وإنما أبرأه عن ضمانه.
كذا في النهاية من الصلح.
وفي كافي الحاكم: لا حق لي قبله يبرأ من الدين والعين والكفالة والاجارة والحدود والقصاص ا ه.
وبه علم أنه يبرأ من الاعيان في الابراء العام، لكن في مداينات القنية: افترق الزوجان وأبرأ كل واحد منهما صاحبه عن جميع الدعاوى وكان للزوج بذر في أرضها وأعيان قائمة الحصاد والاعيان القائمة لا تدخل في الابراء عن جميع الدعاوى.
ا ه.
ويدخل في الابراء العام الشفعة فهو مسقط لها قضاء لا ديانة إن لم يقصدها.
كذا في الولوالجية.
وفي الخانية: الابراء عن العين المغصوبة إبراء عن ضمانها وتصير أمانة في يد الغاصب.
وقال زفر: لا يصح الابراء وتبقى مضمونة، ولو كانت العين مستهلكة صح الابراء وبرئ من قيمتها ا ه.
فقولهم حينئذ الابراء عن الاعيان باطل معناه: أنها لا تكون ملكا له بالابراء، وإلا فالابراء عنها لسقوط ضمانها صحيح أو يحمل على الامانة ا ه: أي إن البطلان عن الاعيان محله إذا كانت الاعيان أمانة، لانها إذا كانت أمانة لا تلحقه عهدتها فلا وجه للابراء عنها.
تأمل.(2/361)
وحاصله: أن الابراء المتعلق بالاعيان: إما أن يكون عن دعواها وهو صحيح مطلقا، وإن تعلق بنفسها: فإن كان مغصوبة هالكة صح أيضا كالدين، وإن كانت قائمة فهي بمعنى البراءة عنها عن ضمانها لو هلكت وتصير بعد البراءة من عينها كالامانة لا تضمن إلا بالتعدي عليها، وإن كانت العين أمانة فالبراءة لا تصح ديانة بمعنى أنه إذا ظفر بها مالكها أخذها وتصح قضاء فلا يسمع القاضي دعواه بعد البراءة.
هذا ملخص ما استفيد من هذا المقام ط، وقدمنا قريبا زبدته وزيادة وهو كلام حسن يرشدك إلى أن قول الشارح معناه الخ محمول على الامانة إلى أن قوله فتصح قضاء فيه أنه باطل والحالة هذه فلا تصح لا قضاء ولا ديانة، بل حملوا إطلاق قولهم البراءة عن الاعيان باطلة على هذه الصورة
تأمل.
بقي لو ادعى عينا عليه في يده فأنكره ثم أبرأه المدعي عنها فهو بمنزلة دعوى الغصب لانه بالانكار صار غاصبا، وهل تسمع الدعوى بعده لو قائمة؟ الظاهر نعم.
قوله: (وقد حققته في شرح الملتقى) نصه قلت: وقولهم عن الاعيان لا يصح معناه أن العين لا تصير ملكا للمدعى عليه لا أنه يبقى على دعواه بل تسقط في الحكم إذا كان الابراء مضافا للمتكلم كالصلح عن بعض الدين فإنه إنما يبرأ عن باقيه في الحكم لا في الديانة: أي عن غير ما في غير الذمة إذ لا يسقط بالاسقاط.
أما القائم بها فيسقط به، والصلح إما إسقاط للباقي أو إبراء عنه، وكلاهما صحيح في دين الذمة، ولذا لو ظفر به أخذه.
قهستاني وبرجندي وغيرهما.
وأما الابراء عن دعوى الاعيان فصحيح بلا خلاف ا ه ح.
لكن قوله لانه يبقى على دعواه الخ مخالف لما نقلناه عن شرح الملتقى آنفا عند قوله عن دعوى الباقي.
وفي الخلاصة: أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتي فيها أو عن دعواي فيها فهذا كله باطل، حتى لو ادعى بعده تسمع، ولو أقام بينة تقبل ا ه.
لكن في قوله لو ادعى بعده تسمع: أي على غير المخاطب كما مر عن البحر تأمل.
والحاصل: أن الذي تعطيه عبارة الكتب المشهورة إن كان الابراء عنها على وجه الانشاء، فإما أن يكون عن نفس العين أو عن الدعوى بها، فإن كان عن نفس العين فهو باطل من جهة أن له الدعوى بها على المخاطب وغيره صحيح من جهة الابراء عن وصف الضمان، فالابراء الصادر في المنقول والعقار إبراء عن الاعيان لا يمنع الدعوى بأدواتها على المخاطب ولا غيره، فافهم تغنم.
قوله: (وصح الصلح عن دعوى المال) لانه في معنى البيع، فما جاز بيعه جاز صلحه.
درر.
ولما كان جواز الصلح وعدم جوازه دائرا على أصل وهو وجوب حمل الصلح على أقرب عقد من العقود المعهودة وأشباهها مهما أمكن وصح هذا الصلح لانه محمول على عقد البيع لاشتراكهما في مبادلة المال بالمال وهي حقيقة البيع، وصح عن دعوى المنفعة حملا على الاجارة وعن دعوى الرق حملا على العتق بمال لاشتراكهما في تمليك المنفعة بعوض في الاول وفي أصل المعنى في الثاني، فيراعى في الملحق ما يراعى في الملحق به مهما أمكن.
وذكر فساد صلح الزوج عن دعوى المرأة النكاح وفساد
صلح عن دعوى حد الخ بناء على هذا الاصل أيضا، لانه لما لم يكن الحمل على واحد من العقود المعهودة ولم يكن مصحح آخر في كل منها حكم بفساده.
تدبر.
قوله: (ولو بإقرار) بيان لوجه الاطلاق: أي سواء كان بإقرار أو سكوت أو إنكار، وسواء كما بمال أو بمنفعة.
قوله: (وبمنفعة) أي(2/362)
ولو بمنفعة، ويكون بمعنى الاجارة إذا كان عن إقرار.
قوله: (وعن دعوى المنفعة) صورته: أن يدعي على الورثة أن الميت أوصى بخدمة هذا العبد وأنكر الورثة لان الرواية محفوظة.
على أنه لو ادعى استئجار عين والمالك ينكر ثم صالح لم يجز ا ه.
وفي الاشباه: الصلح جائز عن دعوى المنافع إلا دعوى إجارة كما في المستصفى ا ه.
رملي.
وهذا مخالف لما في البحر.
تأمل قوله: (ولو بمنفعة عن جنس آخر) الاولى التعبير بمن كالصلح عن السكنى على خدمة العبد، بخلاف الصلح عن السكنى على سكنى فلا يجوز كما في العيني والزيلعي.
قال السيد الحموي: لكن في الولوالجية ما يخالفه، حيث قال: وإذا ادعى سكنى دار فصالحه على سكنى دار أخرى مدة معلومة جاز، وإجارة السكنى بالسكن لا تجوز.
قال: وإنما كان كذلك لانهما ينعقدان تمليكا بتمليك ا ه.
أبو السعود.
وذكره ابن ملك في شرح الوقاية مخالفا لما ذكره في شرحه على المجمع.
قال في اليعقوبية: والموافق للكتب ما في شرح المجمع.
والحاصل: أن الجنس إحدى علتي الربا وبإحدى العلتين يحرم، فتمليك المنافع لا يكون إلا نسيئة لحدوثه آنا بعد آن، فيمتنع مع اتحاد الجنس لا مع اختلافه.
قوله: (وعن دعوى الرق وكان عتقا على مال) صورته: إذا ادعى على مجهول الحال أنه عبده فصالحه المدعى عليه على مال جاز وكان عتقا بمال مطلقا: أي في حق المدعي والمدعى عليه إن كان عن إقرار، وفي حق المدعي إن كان عن سكوت أو إنكار، ويكون حينئذ فداء يمين وقطعا للخصومة في حق المدعى عليه.
قوله: (ويثبت الولاء) لو وقع الصلح بإقرار: أي من المدعى عليه وهو العبد.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن بإقرار بأن كان الصلح عن إنكار أو سكوت.
قوله: (لا) أي لا يثبت الولاء لانه لم يصدقه على أنه معتقه بل ينكر العتق ويدعي أنه حر الاصل، ومن ادعى ولاء شخص لا يثبت له إلا بتصديق المدعى عليه كما تقدم في
الاقرار.
قوله: (إلا ببينة) أي إلا أن يقيم المدعي البينة بعد ذلك فتقبل بينته في حق ثبوت الولاء عليه لا غير حتى لا يكون رقيقا، لانه جعل معتقا بالصلح فلا يعود رقيقا.
منح قوله: (ولا يعود بالبينة الخ) يغني عنه قوله وكان عتقا على مال، لان بالبينة أثبت أنه كان رقيقا قبل الصلح وقد وقع الصلح عتقا على مال على ما قدمه فلا وجه لعوده رقيقا.
قوله: (المدعي) بالبناء للمجهول، وسيأتي آخر الباب استثناء مسألة، وهي قوله إلا في الوصي على مال الخ.
قوله: (بأخذ البدل) متعلق بنزل.
قال الحموي: ولو كان المدعي كاذبا لا يحل له البدل ديانة.
قوله: (نزل بائعا) أي بأخذ البدل: أي فيما يصلح أن يكون بائعا فيه أو مستأجرا أو مؤجرا أو معتقا على مال أو مختلفا فيما يصلح له.
قوله (عن دعوى الزوج) لو أسقط لفظ الزوج ما ضر.
قال في الشرنبلالية: لو أسقط لفظ الزوج لكان أولى.
ثم قال: وهذا إذا لم تكن ذات زوج، لانه لو كان لها زوج لم يثبت نكاح المدعي فلا يصح الخلع انتهى.
قوله: (على غير مزوجة) أما لو كان لها زوج: أي ثابت لم يثبت نكاح المدعي فلا يصح الخلع.
شرنبلالية.
قال القهستاني: لانه لو كانت ذات زوج لم يصح الصلح، وليس عليها العدة ولا تجديد النكاح من زوجها كما في العمادية، وشمل كلامه ما إذا ادعى أنها زوجته قبل أن يتزوجها هذا الزوج(2/363)
الموجود في حال الدعوى، لانه حين ادعى النكاح ادعاه على غير مزوجة.
أما لو ادعى أنه تزوجها في حال قيام الزوجية لم تصح دعواه فلا يصح صلحه لعدم تأتي كونه خلعا، وكذا لو لم يحل له نكاح المدعى عليه كتزوج أختها أو أربع سواها فدعواه لا تصح حينئذ، ولا وجه لصحة صلحه لعدم إمكان كونه خلعا، لان الخلع لا يكون إلا بعد النكاح الصحيح.
قوله: (وكان خلعا) ظاهر أنه ينقص عدد الصلاق فيملك عليها طلقتين لو تزوجها بعد، أما إذا كان عن إقرار فظاهر، وأما إذا كان عن إنكار أو سكوت فمعاملة له بزعمه، فتدبر ط.
قوله: (ولا يطيب لو مبطلا) هذا عام في جميع انواع الصلح.
كفاية.
والحاصل: أن ما يأخذه بدلا عن الصلح إن كان محقا في دعواه فإنه يطيب له، فإن كان في دعوى المال فإنه بدل ماله، وإن كان في دعوى المنفعة فإنه أجرة ماله، وإن كان في دعوى الرق فإنه
بدل العتق، وإن كان في دعوى النكاح فإنه بدل الخلع، ولو كان مبطلا في دعواه لا يطيب له ما يأخذه لانه أكل مال أخيه بالباطل، وهذا عام في كل مسائل الصلح.
قوله: (لعدم الدخول) أي إذا كان كذلك في نفس الامر.
أما لو علم صحة دعواه وأنه دخل بها أو اختلى لا يحل لها إلا بعد انقضاء العدة.
قوله: (لم يصح) لانه إن جعل ترك الدعوى منها فرقة فلا عوض على الزوج في الفرقة منها، كما إذا مكنت ابن زوجها، وإن لم تجعل فرقة فالحال على ما كان عليه قبل الدعوى، لان الفرقة لما لم توجد كانت الدعوى على حالها لبقاء النكاح في زعمها فلم يكن شئ ثمة يقابله العوض فكان رشوة ا ه.
درر والظاهر أنه لا يجوز لها التزوج بغيره معاملة لها بزعمها ط.
قال الزيلعي: وإن كانت هي المدعية والزوج ينكر ذكر في بعض نسخ المختصر أنه لا يجوز، لانه لو جعل ترك الدعوى منها طلاقا فالزوج لا يعطي العوض في الفرقة إذ لم يسلم له شئ في هذه الفرقة وهي يسلم لها المال والنفس، وإن لم يجعل فرقة فالحال بعد الصلح على ما كان عليه قبله فتكون على دعواها فلا يكون هذا الصلح مفيدا قطع الخصومة فلا يصار إليه.
وذكر في بعضها أنه يجوز لانه يجعل كأنه زادها على مهرها ثم خالعها على أصل المهر دون الزيادة فيسقط المهر غير الزيادة انتهى.
قال الحموي: وأطال صاحب غاية البيان في ترجيح عدم الجواز.
قوله: (وصحح الصحة في درر البحار) لانه يجعل كأنه زاد في مهرها إلى آخر ما قدمناه، وأقره في غرر الافكار، وعليه اقتصر في البحر فكان فيه اختلاف التصحيح.
وعبارة المجمع: وادعت هي نكاحه فصالحها جاز، وقيل لم يجز.
فائدة: في فروق المحبوبي: لو ادعت امرأة أن زوجها طلقها ثلاثا وأنكر الزوج فصالحها على مائة درهم على أن تبرئه من الدعوى لم يصح، ويرجع الزوج عليها والمرأة على دعواها.
ولو ادعى على امرأة نكاحها فجحدت فصالحها على مائة درهم لتقر فأقرت صح ويلزمه المال ويكون هذا ابتداء عقد، وبه يظهر الفرق بين الاولى والثانية، لان في الفصل الاول لا يمكن جعله ابتداء عقد، وفي الثانية ممكن.
قوله: (المأذون له) أي بالتجارة.
قوله: (عمدا) قيد به، لانه لو كان القتل خطأ فالظاهر الجواز لانه(2/364)
يسلك به مسالك الاموال ط.
قوله: (فلم يلزم المولى) لانه لم يأذن به وإنما أذن له فيما هو من أعمال
التجارة وليس هذا منها.
قال المقدسي: فإن أجازه صح عليه، وإلا لا.
قوله: (لكن يسقط به القود) لانه صحيح بينه وبين أولياء المقتول لانه مكلف فيصح تصرفه في حق نفسه لا في مال الغير وهو المولى بغير إذنه، لان الولي أسقطه بالبدل ولا مانع من جانبه.
وحاصله كما في العناية: أن نفس العبد ليست من كسبه فلا يجوز له التصرف فيها، ولم يجب البدل في حق المولى بل تأخر إلى ما بعد العتق لان صلحه عن نفسه صحيح لكونه مكلفا، ولم يصح في حق المولى فصار كأنه صالحه على بدل مؤجل يؤاخذ به بعد العتق.
قوله: (ويؤاخذ) أي المأذون المصالح، لانه قد التزم المال وهو معسر في حال رقه فينظر إلى الميسرة وهي تكون بعد عتقه.
قوله: (وإن قتل عبد له) عبد فاعل قتل.
قوله: (وصالحه المأذون) على تقدير مضاف: أي صالح أولياءه: يعني إذا كان لهذا المأذون عبد قتل رجلا عمدا فصالح عنه مولاه المأذون جاز، وهكذا التصوير في غاية البيان، فالمراد بالمولى العبد المأذون وهو مولى عبد قاتل عمدا، وأطلق صحة هذا الصلح فشمل أنه صحيح سواء كان على هذا المولى المأذون دين أو لم يكن، وسواء كان على عبده دين أو لم يكن كما في تكملة الديري.
وفي التعبير بالمولى عن المأذون تعسف، كما نبه عليه عزمي زاده.
ووجهه أن المولى إنما يطلق على الاسفل بعد عتقه ورق المأذون قائم فلا يصح إطلاق المولى عليه كما أفاد المولى أبو السعود.
قوله: (لانه من تجارته) لان استخلاصه كشرائه.
منح.
لانه باستحقاق القتل كالزائل عن ملكه وهو لو خرج عن ملكه كان له أن يشتريه فكذا له أن يستخلصه، بخلاف المكاتب حيث يجوز له أن يصالح عن نفسه كما سيأتي.
قوله: (والمكاتب كالحر) أي لخروجه عن يد المولى إذ هو حر يدا واكتسابه له ما لم يعجز، بخلاف المأذون فإنه عبد من كل وجه وكسبه لمولاه ولهذا نفذ تصرفه على نفسه حيث جاز صلحه عنها.
قال في الدرر: ولهذا إن ادعى أحد رقيته فإنه يكون خصما فيه، وإذا جنى عليه كان الارش له، وإذا قتل لا تكون قيمته للمولى، بل لورثته تؤدى منها كتابته، ويحكم بحريته في آخر حياته، ويكون الفضل لهم، فصار كالحر فيجوز صلحه عن نفسه ولا كذلك المأذون.
ذكره الزيلعي انتهى.
قوله: (والصلح عن المغصوب) أي القيمي، لانه لو كان مثليا فهلك فالمصالح إن كان من جنس المغصوب لا تجوز الزيادة اتفاقا، وإن كان من خلاف جنسه جاز اتفاقا.
ابن ملك: أي جاز مع
اختلاف الجنس.
قوله: (الهالك) قيد به لانه لا خلاف في الصلح بالاكثر عند قيامه، إذ لا نظر للقيمة حينئذ أصلا.
ابن ملك.
قوله: (على أكثر من قيمته) أي ولو بغبن فاحش.
قال في غاية البيان: بخلاف الغبن اليسير فإنه لما دخل تحت تقويم المقومين لم يعد ذلك فضلا فلم يكن ربا: أي عندهما، وقيد.
بقوله: على أكثر من قيمته لانه محل الخلاف.
قال في جامع الفصولين: غصب كر بر أو ألف درهم فصالح على نصفه، فلو كان المغصوب هالكا جاز الصلح، ولو قائما لكن عينه أو أخفاه وهو مقر أو منكر جاز قضاء لا ديانة، ولو حاضرا يراه لكن غاصبه منكر جاز كذلك، فلو وجد المالك بينة على بقية ماله قضى له به، والصلح على بعض حقه في كيلي أو وزني حال قيامه باطل، ولو أقر بغصبه وهو ظاهر في يده ويقدر مالكه على قبضه(2/365)
فصالحه على نصفه على أن يبرئه مما بقي جاز قياسا لا استحسانا، ولو صالحه في ذلك على ثوب ودفعه جاز في الوجوه كلها إذ يكون مشتريا للثوب بالمغصوب، ولو كان المغصوب قنا أو عرضا فصالح غاصبه مالكه على نصفه وهو مغيبه عن ملكه وغاصبه مقر أو منكر لم يجز، إذ صلحه على نصفه إقرار بقيامه، بخلاف كيلي أو وزني إذ يتصور هلاك بعضه دون بعضه عادة، بخلاف ثوب وقن اه.
قوله: (قبل القضاء بالقيمة) أما بعد القضاء لا يجوز، لان الحق انتقل بالقضاء إلى القيمة.
منح.
فيرد الزيادة على القيمة.
أبو السعود.
قوله: (جائز) عند الامام خلافا لهما لان حق المالك في الهالك لم ينقطع ولم يتحول إلى القيمة فكان صلحا عن المغصوب لا عن قيمته، فلا يكون اعتياضه بأكثر من قيمته ربا، والزائد على المالية يكون في مقابلة الصورة الباقية حكما لا القيمة.
وعندهما: لا يجوز إذا كان بغبن فاحش، لان حقه في القيمة فالزائد عليها ربا، ومحل ذلك إذا لم يكن مثليا صولح عنه على مثله فإنه لا تجوز الزيادة حينئذ، وإن كان من خلاف جنسه جاز اتفاقا.
والحاصل: أن الامام يقول: إن الضمان بدل عن العين المستهلكة فيجوز بالغا ما بلغ، كما إذا كانت قائمة حقيقة.
والصاحبان يقولان: إن القيمة هي الواجبة في ضمان العدوان لانها هي التي يمكن وجوبها في الذمة دون العين فيكون المأخوذ بدلا عن القيمة عند الصاحبين، فما زاد عن القيمة
يكون ربا.
أبو السعود.
قوله: (كصلحه بعرض) أي سواء كانت قيمته كقيمة الهالك أو أقل أو أكثر، وإنما ذكرها الشارح هنا مع أنها ستأتي متنا إشارة إلى أن محلها هنا، وظاهره أن الصلح عن قيمي بعرض، وإن كانت قيمته أكثر جاز على هذا الخلاف، وليس كذلك بل الصلح على عرض، وإن كانت قيمته أكثر من قيمة المغصوب جائز اتفاقا.
صرح به في الكافي وغيره.
غاية ما يقال: إن مقارنته بما قبله لمجرد تساويهما في الصحة عند زيادة البدل عن قيمة المبدل وإن كان أحدهما اختلافيا والآخر اتفاقيا.
نعم لو أفرده بالذكر كما في الهداية وكما فعل المصنف لكان أولى.
قوله: (فلا تقبل إلخ) لان بالصلح قد أخذ بعض حقه وأسقط باقيه، والساقط لا يعود.
قوله: (ولا رجوع للغاصب على المغصوب منه بشئ) أي سواء كان قبل القضاء بقيمة المغصوب أو بعده لعدم ظهور الربا بين العرض وقيمة المغصوب لفقد العلتين فيه، بخلاف ما لو دفعها من جنس القيمة بعد القضاء بها، لان تقدير القاضي كتقدير الشارع، فإذا دفع أزيد منه تحقق الربا إن كان من جنس ما قدره القاضي.
أما لو قضى بالدراهم فدفع الدنانير أو بالعكس فيجوز أيضا لفقد العلة وهو اتحاد الجنس، لكن يشترط القبض في مجلس الصلح لئلا يفترقا عن دين بدين.
أفاده الرحمتي.
تنبيهات: الصلح على أكثر من مهر المثل جائز، ولو طلقها بعد الدخول أو ماتت لا يجوز إلا على قدر مهر المثل، لانه يصير بمنزلة الدين ولم يبق له حكم المهر ولذا لا يجوز الزيادة فيه.
استهلك إناء فضة وقضى بالقيمة وافترقا قبل القبض لم يبطل، وكذا لو اصطلحا بلا قضاء غصب طوق ذهب مائتا مثقال فضاع فصالحه على مائة ثم أقر المدعي أن أحدهما كان ملك المدعى عليه فالصلح جائز عن الثاني ولا يرجع عليه، ولو أقام المدعي بينة على الالف والدار بعد الصلح كان على(2/366)
حقه الدار لان المائتين التي أخذهما إنما هما من الالف وقد حط عن الباقي منها، ولو ادعى دارا أو ألفا فصالحه على ألف ثم برهن على نصف الدار ونصف الالف لم يكن له من ذلك شئ، ولو أقام البينة على ألف درهم ونصف الدار كانت الالف قضاء بالالف وأخذ نصف الدار، ولو استحقت الدار من يد المدعى عليه لم يرجع من الالف بشئ لانه يقول الالف التي قبضت عن التي ادعيت، وقياس
الالف والدار الدرهم والدينار.
ووجه عدم كون البدل عن الجميع أو الشراء الواحد لا ينتظم الاسقاط والمعاوضة، ولو أعطاه ثوبا عن جميع حقه فهو صلح الجميع.
قوله: (ولو أعتق موسر عبدا إلخ) قيد بالموسر، لانه لو كان معسرا يسعى العبد في نصفه كما في مسكين.
قوله: (لا يجوز لانه مقدر شرعا) قال في الدرر: لان القيمة في العتق منصوص عليها، وتقدير الشارع ليس أدنى من تقدير القاضي فلا تجوز الزيادة عليه اه.
بخلاف ما تقدم لانها غير منصوص عليها، وإن صالحه على عرض جاز كيفما كان لانه لا يظهر الفضل عند اختلاف الجنس.
عيني.
قوله: (لعدم الربا) لانه قوبل صورة بصورة على قوله أو قيمة بصورة على قولهما، وعلى كل فلا ربا.
قوله: (وصح في الجناية العمد إلخ) شمل ما إذا تعدد القاتل أو انفرد حتى لو كانوا جماعة فصالح أحدهم على أكثر من قدر الدية جاز، وله قتل البقية والصلح معهم، لان حق القصاص ثابت على كل واحد منهم على سبيل الانفراد.
تأمل.
رملي.
قوله: (ولو في نفس مع أقرار) تفسير للاطلاق: أي سواء كان العمد في النفس أو ما دونها، وسواء كان الصلح عن إقرار أو إنكار أو سكوت.
قوله: (بأكثر من الدية) أي في النفس.
قوله: (والارش) أي في الاطراف.
قوله: (أو بأقل) أي على أقل وإن كان أقل من عشرة دراهم لانه لا موجب له، وإنما يجب بالعقد فيقدر بتقديرهما، بخلاف النكاح حيث لا يجوز تسمية ما دون العشرة فيه لانه مقدر شرعا.
قوله: (لعدم الربا) لان الواجب فيه القصاص وهو ليس بمال فلا يتحقق فيه الربا، فلا يبطل الفضل لعدم المجانسة بين موجب العمد وهو القصاص والمدفوع من المال.
قوله: (كذلك) أي بأكثر من الدية: أي مطلقا في النفس أو الاطراف مع الاقرار أو السكوت أو الانكار.
قوله: (لا تصح الزيادة) أفاد بالتقييد بالزيادة صحة النقص ويجعل إسقاط ط.
وإذا لم تصح الزيادة فالصلح صحيح والزيادة غير لازمة كما في الدرر والشرنبلالية.
قوله: (لان الدية في الخطأ مقدرة) أي شرعا والزيادة عليها تكون ربا فيبطل الفضل، ومقاديرها مائة بعير أو مائتا بقرة أو مائتا شاة أو مائتا حلة أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم.
عزمي عن الكافي.
فلا تجوز الزيادة عليه، كما لا يجوز الصلح في دعوى الدين على أكثر من جنسه ط.
قال الرحمتي: وهذا في الدراهم والدنانير ظاهر.
وأما في الابل فينبغي الجواز لفقد القدر.
ا ه.(2/367)
أقول: سيأتي قريبا ما يؤيده، فافهم.
قوله: (بغير مقاديرها) أي بغير الذهب والفضة والابل، كأن صالح بعروض أو حيوان غير ما ذكر صح سواء كانت قيمته قدر دية أو لا.
وأفاد أن الكلام فيما إذا صالح على أحد مقادير الدية المتقدمة.
قوله: (بشرط المجلس) أي بشرط القبض في المجلس إذا كان ما وقع عليه الصلح دينا في الذمة، وهذا مقيد بما إذا كان الصلح بمكيل أو موزون كما قيده في العناية.
ح بزيادة من ط.
قوله: (لئلا يكون دين بدين) أي افترقا عن دين وهو الدية بدين وهو ما وقع عليه الصلح.
قوله: (أحدهما) كالابل مثلا.
قوله: (يصير) بضم الياء وفتح الصاد وكسر الياء المشددة فعل مضارع.
قوله: (كجنس آخر) فلو قضى القاضي بمائة بعير فصالح القاتل عنها على أكثر من مائتي بقرة وهي عنده ودفعها جاز، لان الحق تعين فيه بالقضاء فكان غيره من المقادير كجنس آخر فأمكن الحمل على المعاوضة.
منح وفي الجوهرة: إنما جاز ذلك لان قضاء القاضي عين الوجوب في الابل، فإذا منح صالح على البقر فالبقر الآن ليست بمستحقة وبيع الابل له بالبقر جائز.
وإذا صالح عن الابل بشئ من المكيل والموزون مؤجل فقد عارض دينا بدين فلا يجوز، وإن صالح عن الابل على مثل قيمة الابل أو أكثر مما يتغابن فيه جاز لان الزيادة غير متعينة، وإن كان لا يتغابن فيها لا لانه صالح على أكثر من المستحق ا ه.
وقوله على أكثر الظاهر أنه بالاقل كذلك بالاولى.
قاله أبو الطيب.
قوله: (فسد) لان هذا صلح عن مال فيكون نظير الصلح عن سائر الديون.
قوله: (ويسقط القود) أي في العمد: أي مجانا: إن سمي نحو خمر: يعني يصير الصلح الفاسد فيما يوجب القود عفوا عنه، وكذا على خنزير أو حر كما في الهندية، وهذا بخلاف ما إذا فسد بالجهالة.
قال في المنح في الكلام على العمد: ثم إذا فسدت التسمية في الصلح كما إذا صالح على دابة أو ثوب غير معين تجب الدية، لان الولي لم يرض بسقوط حقه مجانا فيصار إلى موجبه الاصلي، بخلاف ما إذا لم يسم شيئا أو سمى الخمر ونحوه حيث لا يجب شئ لما ذكرنا: أي من أن القصاص إنما يتقوم
بالتقويم ولم يوجد وفي قوله فيصار إلى موجبه الاصلي نظر لانه القصاص لا الدية، وبعد خطور ذلك بالذهن رأيت سري الدين نبه عليه ط قوله: (بالصلح عن دم عمد) محله إذا صدر التوكيل من الجاني قوله: (أو على) نسخ المتن أو عن بدل على قوله: (يدعيه على آخر) تبع الشارح في هذا المصنف في شرحه، وفي العبارة قلب، والصواب: يدعيه عليه آخر، لما علمت أن التوكيل من طرف المدعى عليه، وإلا فإذا كان مدعيا على آخر دينا فوكل من يصالحه على بعضه كيف يقال البدل يلزم الموكل مع أنه هنا آخذ البدل لا دافعه، ويدل عليه قوله الآتي لزم بدله الموكل وعبارة الدرر هكذا وليس فيها كلمة على وعبارة الكنز: ومن كل رجلا بالصلح عنه فصالح الوكيل لم يلزم الوكيل ما صالح عليه وهي أحسن، ولو حذف كلمة على آخر كما صنع الدرر لسلم من هذا إلا أن تحمل عبارته هنا على ما ذكرنا.
بأن يقال: أو على بعض دين يدعيه آخر عليه، فتأمل.(2/368)
قال الشمني: لان هذا الصلح إسقاط محض، فكان الوكيل فيه سفيرا ومعبرا فلا يكون البدل عليه كالوكيل بالنكاح، إلا أن يضمنه فإنه حينئذ يؤاخذ به لضمانه لا لعقد الصلح.
ا ه.
قوله: (من مكيل وموزون) هكذا قيد بهذا القيد في الدرر وتبعه الشارح، إلا أن عبارة الدرر بلفظ أو والواو بمعنى أو: أي سواء كان دينا منها بحسب الاصل أو بحسب التقدير.
قال أبو الطيب: إن كان المراد من مكيل وموزون أن من بيانية للدين فلا حاجة إلى اشتراط أن يكون الدين بدل المكيل والموزون، لان الدين لا يكون إلا أحدهما، لان الاعيان لا تكون ديونا ا ه.
وبه ظهر قول بعض الافاضل: هل مثله المعدود المتقارب والمذروع إذا بين طوله وعرضه وصفته؟ فإنهم قالوا: يجوز فيه حينئذ السلم ويصح ثبوته في الذمة يراجع ا ه.
فتأمل.
قوله: (لزم بدله الموكل) هذا ظاهر فيما إذا كان الوكيل من طرف الجاني، ولا يظهر إذا كان من طرف الولي لانه آخذ فكيف يقال يلزمه، وكذا لا يظهر في جانب الدين إذا كان الموكل هو المدعي لان الموكل مدع فكيف يلزمه، وأطلق في لزومه الموكل فشمل الصلح بأقسامه الثلاثة، وبه صرح العيني.
قوله: (لانه إسقاط) أي للقود عن القائل وبعض الدين عن المدعى عليه.
قوله: (فيؤاخذ بضمانه) أي ويرجع على الموكل به، وكذا
الصلح في الخلع، وكذا يرجع في الصورة التالية لهذه كما في المقدسي: وفي النكاح لا يرجع لان الامر بالصلح عنه أمر بالاداء عنه ليفيد الامر فائدته، إذ الصلح عنه جائز بلا أمره، بخلاف النكاح لانه لا ينفذ عليه من الاجنبي، والامر بالخلع كالامر بالصلح حتى يرجع على الآمر إن ضمن وأدى عنه.
زيلعي.
قال عبد الحليم: قوله إلا أن يضمنه أي يكفل الوكيل البدل وأن يضيف العقد إلى نفسه وإلى مال نفسه ا ه.
وهذا كله فيما إذا كان الصلح عن دم العمد كما ذكره المصنف عن إقرار أو سكوت أو إنكار أو فيما لا يحمل على المعاوضة كالصلح على بعض الدين كما ذكره المصنف أيضا لانه إسقاط، فكان الوكيل سفيرا فلا يلزمه شئ إلا بالالتزام.
وأما فيما يحمل على المعاوضة فسيذكره بقوله الآتي هنا كما إذا وقع عن مال بمال الخ.
قوله: (فيلزم الوكيل) أي ثم يرجع به على الموكل كما مر قريبا لان الوكيل أصل في المعاوضات المالية فترجع الحقوق إليه دون الموكل فيطالب هو بالعوض دون الموكل.
عيني.
قوله: (لانه حينئذ كبيع) أي والحقوق في عقد البيع ترجع إلى المباشر فكذا فيما إذا كان بمنزلته فيلزم الوكيل ما صالح عليه ثم يرجع به على الموكل، ومقتضى الاطلاق أنه يرجع وإن لم تكن الكفالة بأمر الموكل كما صرحت به عند قوله الآتي بأمره قوله: (مطلقا) سواء كان عن مال بمال أو لا، وسواء كان في دم عمد ودين أو غيرهما، وهذا إنما يظهر في جانب المدعى عليه إذ هو في جانبه فداء يمين وقطع نزاع، وهذا إنما يعود إلى الموكل لا إلى الوكيل.
قوله: (صالح عنه) أي عن المدعى عليه فضولي الخ.
هذا فيما إذا أضاف العقد إلى المصالح عنه لما في آخر تصرفات الفضولي من جامع الفصولين.(2/369)
ف: الفضولي إذا أضاف العقد إلى نفسه يلزمه البدل وإن لم يضمنه ولم يضفه إلى مال نفس ولا إلى ذمة نفسه، وكذا الصلح عن الغير ا ه.
قال الزيلعي: وهذا مفروض فيما لم يحمل على المعاوضة كدعوى القصاص وأخواته، أما إذا كان عن معاوضة فيمضي على الفضولي إذا كان شراء عن إقرار.
قوله: (بلا أمر) قيد به لانه لو كان بأمر نفذ الصلح عن المدعى عليه وعليه البدل إلا في صورة
الضمان فالبدل على المصالح عند الامام الحلواني، وذكر شيخ الاسلام أنه عليه وعلى المدعى عليه أيضا فيطالب المدعى به أيهما شاء.
قهستاني عن المحيط.
قوله: (صح إن ضمن المال) لان الحاصل للمدعى عليه البراءة، وفي مثله يستوي المدعى عليه والاجنبي لانه لا يسلم للمدعى عليه شئ كما يسلم للاجنبي، والمقصود من هذا الصلح رضا صاحب الحق لا رضا المدعى عليه إذ لا حظ له فيه، والمدعي ينفرد بالصلح فيما لا معاوضة فيه غير أنه لم يرض بسقوط حقه مجانا، فإذا سلم له العوض من جهة المتبرع صح.
ا ه.
قوله: (أو أضاف الصلح) أي البدل الذي وقع عليه الصلح.
قوله: (إلى ماله) بأن يقول صالحتك على ألف من مالي أو على عبدي فلان، لان الاضافة إلى نسه التزام منه للتسليم إلى المدعي وهو قادر على ذلك فيلزمه تسليمه.
قوله: (أو قال على هذا) أي وأشار إلى نقد أو عين، وإنما صح فيه لان المعروف المشار إليه كالمضاف إلى نفسه، لانه تعين التسليم إليه بشرط أن يكون ملكه فيتم به الصلح.
قوله: (أو كذا) أشار به إلى الصورة الرابعة وهي صورة الاطلاق بأن قال علي ألف.
قوله: (وسلم المال) أي في الاخير وهي الصورة الرابعة.
قوله: (صح) مكرر بما في المتن، وإنما صح لانه بالتسليم حقيقة تم رضاه فوق الضمان والاضافة إلى نفسه.
قال في الدرر: أما الاول فلان الحاصل للمدعى عليه البراءة وفي حقها الاجنبي والمدعى عليه سواء، ويجوز أن يكون الفضولي أصيلا إذا ضمن كالفضولي للخلع إذا ضمن البدل.
وأما الثاني فلانه إذا أضافه إلى نفسه فقد التزم تسليمه فصح الصلح.
وأما الثالث فلانه إذا عينه للتسليم فقد اشترط له سلامة العوض فصار العقد تاما بقبوله.
وأما الرابع فلان دلالة التسليم على رضا المدعي فوق دلالة الضمان والاضافة إلى نفسه على رضاه ا ه باختصار.
قوله: (وصار متبرعا في الكل) أي في أربع صور الفضولي المارة آنفا: وهي ما إذا ضمن المال، وما إذا أضاف الصلح لما له، وما إذا قال صالحتك عنه بألف ولم يزد وسلمها، وما إذا قال على ألفي هذه أو عبدي هذا وسلم، فلو استحق العوض في الوجوه التي تقدمت أو وجده زيوفا أو ستوقا لم يرجع المصالح لانه متبرع التزم تسليم شئ معين ولم يلتزم الايفاء من غيره فلا يزمه شئ آخر، ولكن يرجع بالدعوى لانه لم يرض بترك حقه مجانا إلا في صورة الضمان فإنه يرجع على المصالح لانه صار قرينا في ذمته، ولهذا لو امتنع عن التسليم يجبر عليه.
زيلعي.
قوله: (إلا إذا ضمن بأمره) ثم يرجع على المصالح عنه إن كان الصلح بغير أمره.
بزازية فتقييد الضمان اتفاقي.
وفيها الامر بالصلح والخلع أمر بالضمان لعدم توقف صحتهما على الامر فيصرف الامر إلى إثبات حق الرجوع، بخلاف الامر بقضاء الدين.
ا ه.
أقول لم يظهر لي الفرق.
تأمل.
قوله: (عزمي زاده) لم أجد فيه، فليراجع.
قوله: (وإلا يسلم في الصورة الرابعة) الاولى ترك هذا القيد وإبقاء لا على العموم بأن يقول: وإلا يكن كذلك: أي إن لم يضمن ولم يضف ولم يشر ولم يسلم، أو يقول: وإلا يوجد شئ مما ذكر من الصور الاربعة، فهو موقوف لانه لم يسلم للمدعي عوض فلم(2/370)
يسقط حقه مجانا لعدم رضاه، فإن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه المشروط لالتزامه باختياره، وإن رده بطل لان المصالح لا ولاية له على المطلوب فلا ينفذ عليه تصرفه، ومن جعل الصور أربعا جعل الرابعة بشقيها وهي التسليم وعدمه صورة واحدة كالزيلعي، وبعضهم جعلها خمسة باعتبار التسليم صورة وعدمه أخرى، وهذه الصورة الخامسة مترددة بين الجواز والبطلان.
ووجه الحصر كما في الدرر أن الفصولي إما أن يضمن المال أو لا، فإن لم يضمن، فإما أن يضيف إلى ماله أو لا، فإن لم يضفه، فإما أن يشير إلى نقد أو عرض أو لا، فإن لم يشر، فإما أن يسلم العوض أو لا، فالصلح جائز في الوجوه كلها إلا الاخيرة، وهو ما إذا لم يضمن البدل ولم يضفه إلى ماله ولم يشر إليه ولم يسلم إلى المدعي حيث لا يحكم بجوازه، بل يكون موقوفا على الاجازة إذ لم يسلم للمدعي عوض انتهى.
وجعل الزيلعي الصور أربعا وألحق المشار بالمضاف.
أقول: لكن غير الصورة المذكورة لا يتوقف على الاجازة، وحينئذ فلا يتوجه على الشارح اعتراض تأمل.
قوله: (ولزمه البدل) المشروط لالتزامه باختياره.
قوله: (وإلا بطل) لان المصالح لا ولاية له على المطلوب فلا ينفذ عليه تصرفه.
قوله: (والخلع) أي إذا صدر من فضولي عن المرأة ببدل، فإن ضمنه أو أضافه إلى مال نفسه أو أشار صح ولزمه وكان متبرعا، وإن أطلق إن سلم صح وإلا توقف على إجازتها.
قال في التبيين: وجعل في بعض شروح الجامع في باب الخلع الالف المشار إليه أو العبد المشار إليه مثل الالف المنكر حتى جعل القول إلى المرأة انتهى.
قوله: (من الاحكام الخمسة) التي خامسها قوله وإلا بطل، أو التي خامسها قوله وإلا فهو موقوف بعد قوله أو على هذا، ويؤيده
قول الشارح سابقا في الصورة الرابعة.
والاولى في التعبير أن يقول: والخلع في جميع ما ذكرنا من الاحكام في الصور الخمسة كالصلح، لانه ليس لنا إلا حكمان، وهما الجواز في الصور الاربع، وعدمه في الخامسة، فتأمل.
قوله: (ادعى وقفيه أرض) أطلق فيه فعم الوقفية من نفسه وغيره.
قوله: (ولا بينة له) مفهومه أنه: إذا أوجد البينة لا يجوز الصلح لانه لا مصلحة فيه، ولا نظر لكون البينة قد ترد والقاضي قد لا يعدل.
قوله: (وطاب له) أي للمدعي ولم يذكر هل يطيب للمدعى عليه الارض إذا كان المدعي صادقا، والظاهر أنها لا تطيب.
قوله: (لو صادقا في دعواه) فيه أنه لو كان صادقا في دعواه كيف يطيب له؟ وفي زعمه أنها وقف وبدل الوقف حرام تملكه من غير مسوغ فأخذه مجرد رشوة ليكف دعواه فكان كما إذا لم يكن صادقا.
وقد يقال: إنه إنما أخذه ليكف دعواه لا ليبطل وقفيته، وعسى أن يوجد مدع آخر ط.
لكن أطلق في وقف الحامدية الجواب بأنه لا يصح، قال: لان المصالح يأخذ بدل الصلح عوضا عن حقه على زعمه فيصير كالمعاوضة، وهذا لا يكون في الوقف لان الموقوف عليه لا يملك الوقف فلا يجوز له بيعه، فها هنا إن كان الوقف ثابتا فالاستبدال به لا يجوز، وإلا فهذا يأخذ بدل الصلح لا عن حق ثابت فلا يصح ذلك على حال.
كذا في جواهر الفتاوى.
ا ه.
ثم نقد الحامدي ما هنا، ثم قال فتأمل.
أقول: تأملته فوجدت أن المعاوضة في الوقف والحالة هذه جائزة لما صرحوا به من جواز(2/371)
استبداله إذا وقع في يد غاصب.
نعم يلزم أن يجعله حينئذ بدل الموقوف، أما إذا كان من أهل الاستحقاق لغلة الوقف وأخذه ما أخذه بالمصالحة عوضا عن حقه في الغلة طاب له ذلك ما لم يتجاوز عن قدر استحقاقه منه.
تأمل.
وانظر ما تقدم في باب البيع الفاسد عن النهر عند قوله بخلاف بيع قن ضم إلى مدبر.
قوله: (وبيع الوقف لا يصح) الظاهر أنه من قال يطيب له: أي يطيب له الاخذ ويجعله مكانا موقوفا لعجزه عن تحصيل الوقف بفقد البينة، ومن قال لا يطيب له أراد لا يطيب له التصرف فيه لانه بدل الوقف في زعمه فيكون له حكم الوقف.
تأمل.
قوله: (فالثاني باطل) فلو ادعى دارا فأنكر ذو اليد فصالحه على ألف على أن يسلم الدار لذي اليد ثم برهن ذو اليد على صلح قبله
فالصلح الاول ماض والثاني باطل.
حموي.
وهذا إذا كان الصلح على سبيل الاسقاط، أما إذا كان الصلح على عوض ثم اصطلحا على عوض آخر فالثاني هو الجائز ويفسخ الاول كالبيع.
نور العين عن الخلاصة.
وكذا نقله البيري عن الخلاصة عن المنتقى.
قلت: لكن استظهر سيدي الوالد رحمه الله تعالى أن الصلح على سبيل الاسقاط بمعنى، الابراء، وبطلان الثاني ظاهر ولكنه بعيد الارادة هنا، فالمناسب حمل الصلح على المتبادر منه، ويكون المراد به ما إذا كان بمثل العوض الاول بقرينة قوله كالبيع، وعليه فالظاهر أن حكمه كالبيع في التفصيل المار فيه كما ذكره في أول الدعوى.
قوله: (وكذا النكاح بعد النكاح) فلا يلزمه إلا المهر الاول، ولا ينفسخ العقد الاول إذ النكاح لا يحتمل الفسخ، والمسألة ذات خلاف، فقيل تجب التسمية الثانية، وقيل كل منها.
قال في جامع الفتاوى: تزوج امرأة بألف ثم تزوجها بألفين فالمهر ألفان، وقيل ألف.
وفي المنية: تزوج على مهر معلوم ثم تزوج على آخر تثبت التسميتان في الاصح، حموي.
قوله: (والحوالة بعد الحوالة) أي إذا صدرت حوالة عن شخص فقبلها، ثم إذا صدرت على شخص آخر فالثانية باطلة، لان الدين ثبت في ذمة الاول بالحوالة عليه فلا ينتقل بالحوالة الثانية على غيره كما ذكره ط.
واستفيد منه أن المحال عليه في الثانية غيره في الاولى، وبه صرح في الاشباه بقوله: الكفالة بعد الكفالة صحيحة لزيادة التوثق، بخلاف الحوالة فإنها نقل فلا يجتمعان كما في التنقيح.
قال الحموي: وهذا يخرج المسألة عن كونها من جزئيات القاعدة، إذ المتبادر من تجديد عقد البيع تجديده بالنسبة إلى البيع الاول بعينه والمشتري الاول بعينه، وكذا الكلام في الصلح بعد الصلح والكفالة بعد الكفالة، ووزانه في الحوالة اتحاد المحال عليه والمحال به في الحوالتين معا، وحينئذ لا ينتهض قوله لانها نقل فلا يجتمعان، وينبغي أن تصح الحوالة الثانية وتكون تأكيدا للاولى على طبق الكفالة، فتدبر ذلك ا ه.
وعليه فالمناسب في تصوير المسألة بأن يقال: بأن كان له على آخر ألف فأحال عليه بها شخصا ثم
أحال عليه بها شخصا آخر، أو كما تقدم بأن أحال زيد عمرا بدينه على بكر حوالة صحيحة ثم أحاله بها على بشر لا تصلح الحوالة الثانية، لان الحوالة نقل الدين من ذمة إلى ذمة، وحيث فرغت ذمة(2/372)
المحيل فكيف يصح أن يحيل مرة ثانية؟ نعم لو تفاسخا الاحالة الاولى صحت الثانية.
قوله: (والصلح بعد الشراء) بعد ما اشترى المصالح عنه.
أقول: فيه أنه تكون الدعوى حينئذ فاسدة، والصلح بعد الدعوى الفاسدة صحيح.
تأمل.
وصورتها: إذا اشترى شخص دارا مثلا من آخر ثم ادعى المشتري على البائع أن الدار ملكه فصالحه البائع فهذا الصلح باطل لتناقضه، فإن إقدامه على الشراء منه دليل أنها ملك البائع ثم الدعوى والصلح بعدها يناقضه.
قال في جامع الفصولين: ولو كان الشراء بعد الصلح فالشراء صحيح والصلح باطل.
ا ه.
قوله: (إلا في ثلاث مذكورة في بيوعت الاشباه الكفالة) أي لزيادة التوثق، فلو أخذ منه كفيلا ثم أخذ منه كفيلا آخر صح ولا يبرأ الاول بكفالة الثاني كما في الخانية.
قوله: (والشراء) أي يصح بعد الشراء ويبطل الاول.
أطلقه في جامع الفصولين، وقيده في القنية بأن يكون الثاني أكثر ثمنا من الاول أو أقل أو بجنس آخر، وإلا فلا يصح أشباه.
وفي البحر: وإذا تعدد الايجاب والقبول انعقد الثاني وانفسخ الاول إن كان الثاني بأزيد من الاول أو أنقص، وإن كان مثله لم ينفسخ الاول انتهى.
قال في التاترخانية: قال بعتك عبدي هذا بألف درهم بعتكه بمائة دينار فقال المشتري قبلت ينصرف إلى الايجاب الثاني ويكون بيعا بمائة دينار، ولو قال بعتك هذا العبد بألف درهم وقبل المشتري ثم قال بعته منك بمائة دينار في المجلس أو في مجلس آخر وقال المشتري اشتريت ينعقد الثاني وينفسخ الاول، وكذا لو باعه بجنس الثمن الاول بأقل أو بأكثر نحو أن يبيعه منه بعشرة ثم باعه بتسعة أو بأحد عشر، فإن باع بعشرة ينعقد الثاني ويبقى الاول بحاله.
ا ه.
فهذا مثال لتكرار الايجاب فقط ومثال لتكرار العقد قوله: (والاجارة) أي بعد الاجارة من المستأجر الاول فالثانية فسخ للاولى كما في البزازية.
قال في البحر: وينبغي أن المدة إذا اتحدت فيهما واتحد الاجران لا تصح الثانية
كالبيع.
وزاد في الفصولين الشراء بعد الصلح فإنه يجوز ويبطل الصلح.
قوله: (عن إنكار) إنما خصه لان ما ذكره لا يتأتى عند الاقرار.
قال في جامع الفصولين: ادعى عليه ثوبا فأنكر ثم برهن أن المدعي أقر قبل الصلح أنه ليس لي لا يقبل ونفذ الصلح والقضاء لافتداء اليمين، ولو برهن أنه أقر بعد الصلح أن الثوب لم يكن له بطل الصلح لان المدعي بإقراره هذا زعم أنه أخذ بدل الصلح بغير حق، بخلاف إقراره قبل الصلح.
لجواز أن يملكه بعد إقراره قبل الصلح ذكره الحموي.
قوله: (فالصلح ماض على الصحة) ولا تقبل البينة لاحتمال أنه ثبت له حق بعد هذا الاقرار، بخلاف المسألة الثانية فإنه إقرار من المدعي أنه مبطل في دعواه.
وذكر الشرنبلالي في رسالة الابراء عن هاشم عن محمد في توجيه المسألة أنه إنما صالحه على اعتبار أنه فدى يمينه بالصلح وافتداء اليمين بالمال جائز، فكان إقدامه على الصلح اعترافا بصحة الصلح(2/373)
فبدعواه بعد ذلك أنه لم يصح الصلح صار متناقضا والمناقضة تمنع صحة الدعوى.
وأفاد تعليل الثانية بنحو ما ذكرناه.
صورة ذلك: ادعى ثوبا فأنكر فصالح على شئ ثم أقام البينة أن المدعي قال قبل الصلح إنه لا حق لي في هذا الثوب لا تقبل بينته ويكون الصلح والقضاء ماضيين لانه افتدى لليمين حيث وقع عن إنكار فلا ينقض.
أفاده بعض الفضلاء.
قوله: (بطل الصلح) لانه بإقراره هذا زعم أنه أخذه بعد الصلح بغير حق، بخلاف إقراره قبل الصلح لجواز أن يملكه بعد إقراره قبل الصلح.
والحاصل: أن عدم قبول بينته في الاولى لما فيه من التناقض، لان التناقض يمنع قبول البينة لاقراره، بخلاف الثانية لانه لم يظهر وجه التناقض لان الصلح ليس اعترافا بالملك كما صرحوا به فإنه يكون عن إقرار وسكوت وإنكار قوله: (قال المصنف وهو مقيد لاطلاق العمادية) نصه: وفي العمادية: ادعى فأنكر فصالحه ثم ظهر بعده أن لا شئ عليه بطل الصلح.
ا ه.
أقول: يجب أن يقيد قوله ثم ظهر بغير الاقرار قبل الصلح لما تقدم من مسألة المختصر، وبه
صرح مولانا في بحره ح.
ولا يخفى أن علة مضي الصلح على الصحة في مسألة المتن المتقدمة عدم قبول الشهارة لما فيه من التناقض، فلم يظهر حينئذ أن لا شئ عليه فلم تشملها عبارة العمادية فافهم.
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
أقول: لكن ليس هذا من التناقض المردود لانه يدعي أمرا كان خفيا عليه وهو إقرار المدعي بعدم حقه في المدعي قبل الصلح، ولو كانت العلة ما ذكره لما صحت في الثانية أيضا لانه متناقض فيهما بعد إقدامه على الصلح.
والعلة الصحيحة في ذلك أنه إن ثبت أنه قال ذلك قبل الصلح لا يكون مانعا من صحة الصلح لاحتمال حصول حق له بعد ذلك قبل الصلح، وفي الثانية لا يحتمل.
قال في الخلاصة من آخر الدعوى: لو استعار من آخر دابة فهلكت فأنكر رب الدابة الاعارة فصالحه المستعير على مال جاز، فلو أقام المستعير بينة بعد ذلك على العارية قبلت بينته وبطل الصلح ا ه: أي لظهور أن لا شئ، والله أعلم.
وفي البزازية أيضا ما يفيد أن المراد بالظهور لا من طريق إقامة المصالح البينة أنها لا تقبل لما فيه من التناقض.
ونص عبارته في كتاب الدعوى من نوع في الصلح.
وفي المنتقى: ادعى ثوبا أو صالح ثم برهن المدعى عليه على إقرار المدعي إنه لا حق له فيه إن على إقراره قبل الصلح فالصلح صحيح، وإن بعد الصلح يبطل الصلح، وإن علم الحاكم إقراره بعدم حقه ولو قبل الصلح يبطل الصلح، وعلمه بالاقرار السابق كإقراره بعد الصلح، هذا إذا اتحد الاقرار بالملك بأن قال لا حق لي بجهة الميراث ثم قال إنه ميراث لي عن أبي، فأما غيره إذا ادعى ملكا لا بجهة الارث بعد الاقرار بعدم الحق بطريق الارث بأن قال حقي بالشراء أو الهبة لا يبطل ا ه.
قوله: (ثم نقل) أي المصنف.
قوله: (عن دعوى البزازية) عبارتها عن المنتقى: ادعى ثوبا وصالح ثم برهن المدعى عليه على إقرار المدعي إنه لا حق له فيه: إن على إقراره قبل الصلح فالصلح صحيح، وإن بعد الصلح يبطل، وإن علم الحاكم إقراره بعدم حقه ولو قبل الصلح يبطل الصلح، وعلمه بالاقرار السابق(2/374)
كإقراره بعد الصلح.
هذا إذا اتحد الاقرار بالملك بأن قال إنه ميراث لي عن أبي ثم قال لا حق لي من
هذه الجهة، فأما إذا ادعى ملكا لا بجهة الارث بعد الاقرار بعدم الحق بطريق الارث بأن قال حقي بالشراء أو بالهبة لا يبطل ا ه.
فظهر أن مراده أنه لو قال بعد الصلح لا حق لي قبل المدعي إنما يبطل الصلح إذا أطلق.
أما إذا عين، بأن قال لا حق لي من جهة الارث مثلا فقيل له قد بطل الصلح فقال إنه حقي بجهة الشراء مثلا بقي الصلح صحيحا على حاله وإن علم الحاكم غير معتبر الآن على المفتى به.
قوله: (فيحرر) ما نقله عن البزازية.
أقول: لا يحتاج إلى تحرير، لان ما ذكره البزازي من قوله هذا إذا اتحد الاقرار تقييد لعدم صحة الصلح إذا أقر المدعي، ولا إشكال فيه، ولعله أراد تحرير ما قاله المصنف من تقييد ما في العمادية فإنه غير ظاهر كما علمت، والله تعالى أعلم.
فرع: ذكر المصنف عن آخر الدعوى من الخلاصة: لو ادعى أنه استعار دابة فلان وهلكت عنده فأنكر المالك الاعارة وأراد التضمين فصالحه مدعي العارية على مال ثم أقام بينة على العارية قبلت بينته وبطل الصلح.
قوله: (عن الدعوى الفاسدة) كدعوى وقع فيها تناقض.
قوله: (وعن الباطلة) كدعوى خمر وخنزير من مسلم.
قوله: (والفاسدة ما يمكن تصحيحها) بالتوفيق في التناقض مثلا: أي والباطلة ما لا يمكن تصحيحها، كما لو ادعى أنها أمته فقالت أنا حرة الاصل فصالحها عنه فهو جائز، وإن أقامت بينة على أنها حرة الاصل بطل الصلح إذ لا يمكن تصحيح هذه الدعوى بعد ظهور حرية الاصل.
ومثال الدعوى التي يمكن تصحيحها: لو أقامت بينة أنها كانت أمة فلان أعتقها عام أول وهو يملكها بعد ما ادعى شخص أنها أمته: أي وصالحها لا يبطل الصلح، لانه يمكن تصحيح دعوى المدعي وقت الصلح بأن يقول إن فلانا الذي أعتقك كان غصبك مني، حتى لو أقام بينة على هذه الدعوى تسمع.
مدني.
وقوله هنا وهو يملكها جملة حالية ط.
أقول: وشهادة الشهود أنه أعتقها وهو يملكها لا تنافي ذلك، لان لهم أن يشهدوا بالملك له بظاهر اليد.
تأمل.
ومن الباطلة عن دعوى حد وعن دعوى أجرة نائحة أو مغنية أو تصوير محرم.
ا ه وعلم أن قوله قالت أنا حرة الاصل أي وبرهنت عليه بدليل ما قال بعد ظهور حرية الاصل، فإن
الظهور بالبينة وبدليل ما قال في مقابلتها لو أقامت بينة أنها كانت الخ، وقول صاحب الاشباه وهو توفيق واجب.
قال محشيه في شرح الوقاية لصدر الشريعة: ومن المسائل المهمة أنه هل يشترط لصحة الصلح صحة الدعوى أم لا؟ فبعض الناس يقولون: يشترط، ولكن هذا غير صحيح لانه إذا ادعى حقا مجهولا في دار فصولح على شئ يصح الصلح على ما مر في باب الحقوق والاستحقاق، ولا شك أن دعوى الحق المجهول دعوى غير صحيحة، وفي الذخيرة ألحق مسائل تؤيد ما قلناه.
قال الشيخ محمد في معين المفتي: إذا علمت هذا علمت أن الصحيح عدم اشتراط صحة الدعوى لصحة الصلح وعليه فلا يحتاج إلى التوفيق ا ه.(2/375)
أقول: إنما صح الصلح في المسألة التي استند إليها صدر الشريعة، لان الدعوى فيها يمكن تصحيحها بتعيين الحق المجهول وقت الصلح.
على أن دعوى أن الصحيح عدم اشتراط صحة الدعوى مطلقا سواء أمكن تصحيح الدعوى أم لا ممنوع لما في الفتاوى البزازية، والذي استقر عليه فتوى أئمة خوارزم أن الصلح عن دعوى فاسدة لا يمكن تصحيحها لا يصح.
والذي يمكن تصحيحها كما إذا ترك ذكر الحد أو غلط في أحد الحدود يصح.
وفي مجمع الفتاوى: سئل شيخ الاسلام أبو الحسن عن الصلح عن الانكار بعد دعوى فاسدة هل هو صحيح أم لا؟ قال لا، ولا بد أن تكون صحيحة ا ه.
وقد ذكر بما ذكرنا أن قوله فلا يحتاج إلى التوفيق من عدم التوفيق.
ذكره الحموي.
وحينئذ فلا بد من التوفيق، فليحرر.
قوله: (وحرر في الاشباه) هذا التحرير غير محرر.
ورده الرملي وغيره بما في البزازية.
والذي استقر عليه فتوى أئمة خوارزم أن الصلح عن دعوى الخ وهذا ما ذكره المصنف، وقد علمت أنه الذي اعتمده صدر الشريعة وغيره فكان عليه المعول.
قوله: (فليحفظ) أقول: عبارة الاشباه: الصلح عن إنكار بعد دعوى فاسدة فاسد كما في القنية، ولكن في الهداية في مسائل شتى من القضاء أن الصلح عن إنكار جائز بعد دعوى مجهول فليحفظ، ويحمل على فسادها بسبب مناقضة
المدعي لا لترك شرط المدعي كما ذكره وهو توفيق واجب فيقال إلا في كذا، والله تعالى أعلم.
ا ه.
قال الحموي: وعليه لا يظهر لهذا الحمل فائدة، لان صاحب الهداية صرح بجواز الصلح فيها سواء كان فسادها بسبب المناقضة أو لترك شرط الدعوى، فإذا صح الصلح مع فسادها بأي سبب كأن خالف ما في القنية، فتأمل.
قال الرملي وغيره: ما حرره في الاشباه غير محرر كما علمته آنفا قوله: (وقيل اشتراط صحة الدعوى) تطويل من غير فائدة، فلو قال وقيل يصح مطلقا لكان أوضح، وقد علمت المفتى.
قوله: (كما اعتمده صدر الشريعة آخر الباب) قد علمت ما فيه من النظر وقد علمت عبارته وأن المتبادر أنه أراد الفاسدة بدليل التمثيل، لانه يمكن تصحيحها بتعيين الحق المجهول الخ.
قال الرملي في حاشيته على المنح بعد نقل عبارته أقول: هذا لا يوجب كون الدعوى الباطلة كالفاسدة إذ لا وجه لصحة الصلح عنها، كالصلح عن دعوى حد أو ربا حلوان الكاهن وأجرة النائحة والمغنية، ودعوى الضمان على الراعي الخاص أو المشترك إذا قال أكلها السبع أو سرقت فصالحه رب الغنم على دراهم معلومة لا يجوز على قول أبي حنيفة كما في الخانية، فقول المصنف المتقدم في كتابه معين المفتي كما قدمناه قريبا: الصحيح عدم اشتراط صحة الدعوى لصحة الصلح فيه نظر، لانه إن أراد بعدم الصحة ما يشمل الباطل فهو باطل، وإن أراد به الفاسد فقد قدمه، فتأمل.
ا ه.
وكذا ذكره في حاشيته على الفصولين نقلا عن المصنف بعد ذكر عبارة صدر الشريعة.
قال ما نصه: فقد أفاد أن القول باشتراط صحة الدعوى لصحة الصلح ضعيف ا ه.
قوله: (كما مر فراجعه) أي في باب الاستحقاق عند قوله ولا رجوع في دعوى حق مجهول ممن دار صولح على شئ معين(2/376)
واستحق بعضها لجواز دعواه فيما بقي ولو استحق كلها رد كل العوض لدخول المدعي في المستحق.
واستفيد منه: أي من جواب المسألة أمران: أحدهما: صحة الصلح عن مجهول على معلوم، لان جهالة الساقط لا تفضي إلى المنازعة.
والثاني: عدم اشتراط صحة الدعوى لصحته لجهالة المدعى به، حتى لو برهن لم يقبل ما لم يدع إقراره به.
ا ه.
والحاصل: أن ما استدل به صدر الشريعة من أنه إذا ادعى حقا مجهولا في دار فصولح على شئ يصح الصلح لا يفيد الاطلاق، بل إنما صح الصلح فيه، لان الدعوى يمكن تصحيحها بتعيين الحق المجهول وقت الصلح، ومع هذا فقد علمت المفتى به مما استقر عليه فتوى أئمة خوارزم من أن الصلح إذا كان من دعوى فاسدة لا يمكن تصحيحها لا يصح، وإن أمكن تصحيحها يصح، هذا غاية ما حققه المحشون فاغتنمه.
قوله: (وصح الصلح عن دعوى حق الشرب) والشرب وهو نصيب الماء، وكذا مرور الماء في أرض على ما يظهر ط: أي فتسقط الدعوى، ولا يلزم من صحة الصلح لزوم البدل، لما تقدم من أن الصلح عن الشفعة يسقطها ولا يوجب البدل وكذلك عن دعوى حق الشرب ووضع جذوع فإنه دعوى حق لا يجوز الاعتياض عنه، إذ لا يجوز بيع الشرب ولا بيع حق وضع الجذوع.
قوله: (وحق الشفعة) معطوف على حق الشرب: أي يجوز الصلح عن دعوى حق الشفعة لدفع اليمين.
أما الصلح عن حق الشفعة الثابت فلا يجوز، لما مر أنه غير مال فلا يجوز الاعتياض عنه.
قوله: (وحق وضع الجذوع على الاصح) لما علمت من أنه يجوز الصلح عما ذكر في حق سقوط الدعوى، ولا يلزم من صحة الصلح لزوم البدل، لما مر أن الصلح عن الشفعة إلى آخر ما قدمناه قريبا.
قال الزيلعي: ولو كان لرجل ظلة أو كنيف على طريق العامة فخاصمه رجل على نقضه فصالحه على شئ كان الصلح باطلا، لان الحق في طريق النافذ لجماعة المسلمين فلا يجوز أن يصالح واحد على الانفراد، وبخلاف ما إذا صالح الامام عنه على مال حيث يجوز لان للامام ولاية عامة، وله أن يتصرف في مصالحهم، فإذا رأى في ذلك مصلحة ينفذ لان الاعتياض من المشترك العام جائز من الامام، ولهذا لو باع شيئا من بيت المال صح بيعه، وبخلاف ما إذا كان ذلك في طريق غير نافذ فصالحه رجل من أهل الطريق حيث يجوز في حقه، لان الطريق مملوكة لاهلها فيظهر في حق الافراد، والصلح معه مفيد لانه يسقط به حقه ثم يتوصل إلى تحصيل رضا الباقين فيجوز.
ا ه.
قوله: (في أي حق كان) ولو كان مما لا يقبل الاعتياض عنه.
قوله: (حتى في دعوى التعزير) بأن ادعى أنه كفره أو ضلله أو رماه بسوء ونحوه حتى توجهت عليه اليمين فافتداها بدراهم فإنه يجوز على الاصح.
منح.
وهذا يدل على أنه يستحلف في دعوى التعزير.
قوله: (مجتبى) قال في بعد أن رمز سنج صالح عن دعوى حق الشرب وحق الشفعة أو حق وضع الجذوع ونحوه، فقيل لا يجوز افتداء اليمين لانه لا يجوز شراؤه قصدا، والاصح أنه يجوز لان الاصل أنه متى توجهت اليمين نحو الشخص بأي حق كان فافتدى اليمين بدراهم يجوز على الاصح.(2/377)
قلت: وهذا يدل على أنه يستحلف في دعوى التعزير.
قال: وكذلك إن صالحه من يمينه على عشرة أو من دعواه فهو كله جائز ا ه.
وهذا مناف لما قدمه أو الباب من أن شرط صحة الصلح كون المصالح عليه حقا يجوز الاعتياض عنه، وما في المجتبى أعم منه كما ترى.
ولعل التوفيق أن يقال: إنه جائز في حق المدعى عليه لدفع الخصومة عنه لا في حق المدعي إذا كان حقا لا يجوز الاعتياض عنه، لان ما يأخذه عوض عن حقه في زعمه فلا بد من إمكان الاعتياض عن حقه، ولعله في المجتبى يفرق بين الصلح عن الشفعة وعن دعوى الشفعة فلا يصح في الاول كما أطبقوا عليه من عدم لزوم البدل ووجوب رده بعد أخذه، ويصح في الثاني، فليحرر.
قوله: (بخلاف دعوى حد) أي لا يصح الصلح عنها، لما عرفت أن الصلح لا يجوز في حق الله تعالى ولو حد قذف، ولا عن الابراء منه.
منح.
قال في الفوائد الزينية: لا يصح الصلح عن الحدود، ولا يسقط به إلا حد القذف إلا إذا كان قبل المرافعة كما في الخانية.
قوله: (ونسب) كما إذا ادعت أن هذا ولده منها فصالحها لترك دعواها فالصلح باطل، لان الصلح إما إسقاط أو معاوضة والنسب لا يحتملهما.
درر.
وأطلقه فشمل ما لو كانت الدعوى من المطلقة أنه ابن المطلق منها أو الدعوى من الابن أنه ابنه منها وجحد الرجل فصالح عن النسب على شئ فالصلح باطل في كلتا الصورتين، لما سبق أن النسب لا يقبل الاعتياض مطلقا، وعليه إطلاق المصنف في الدعوى وفي عدم احتمال النسب المعاوضة هذا، فظهر أن من أراد التخصيص بالصورة الاولى لم يصب كما لا يخفى.
قوله: (بأن كان دينا بعين) أي بدل الصلح دينا والمصالح عليه عينا أو عكسه فالباء للمقابلة والعوض، وكذا بدين من غير جنسه كالدراهم عن الدنانير وعكسه كان ذلك معاوضة إن كان بإقرار، وكذا بإنكار وسكوت في حق المدعي، والمعاوضة تصح
الاقالة فيها فلذا ينتقض بنقضهما: أي لو فسخ ذلك الصلح المتصالحان انفسخ لجواز الاقالة فيه كما تقدم أول الكتاب، وفي نسخة بدين عوضا عن قوله: بعين ومثله فيما يظهر العين بالعين.
قوله: (ينتقض بنقضهما) أي بفسخ المتصالحين: أي لو فسخ ذلك الصلح المتصالحان انفسخ لجواز الاقالة.
فيه قوله: (بل بمعنى الخ) وذلك الصلح عن الدين ببعضه فإنه أخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي فلا ينتقض بنقضهما لانه قد سقط والساقط لا يعود.
قوله: (قنية وصيرفية) الاولى الاختصار على العزو إلى القنية، لانه في الصيرفية نقل الخلاف في الصحة وعدمها مطلقا.
وأما في القنية فقد حكى القولين ثم وفق بينهما بما هنا بحثا منه، فقال: أن الصلح إن كان الخ.
وحاصله: أن الصلح إن كان بمعنى المعاوضة ينتقض بنقضهما، وإن كان بمعنى استيفاء البعض وإسقاط البعض لا ينتقض بنقضهما.
أقول: والذي يظهر لي أن الصلح: إن تحصيل من فسخه ثمرة وجدت البينة أو توسم الاقرار أو النكول يصح، وقوله الساقط لا يعود لا يرد علينا، لان الساقط في هذا الباب إنما هو قضاء لا ديانة، فهو في الحقيقة باق غير ساقط وإن لم تظهر ثمرة من الفسخ يفتى برواية عدم الصحة.
قوله: (ولو(2/378)
صالح) العلة فيه ما تقدم فيما لو صالحه على بيت منها، وقد تقدم أن فيها يصح الصلح ويجعل إبراء عن دعوى الباقي في ظاهر الرواية فينبغي أن يكون هنا كذلك.
قاله الرحمتي لكن قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: قيد بالسكنى لانه لو صالحه على بيت منها كأن وجد عدم الصحة كونه جزءا من المدعي بناء على خلاف ظاهر الرواية الذي مشى عليه في المتن سابقا، وقيد بقوله أبدا ومثله حتى يموت كما في الخانية لانه لو بين المدة يصح لانه صلح على منفعة فهو في حكم الاجارة فلا بد من التوقيت كما مر، وقد اشتبه الامر على بعض المحشين ا ه.
قوله: (إلى الحصاد) لانه أحل مجهول فيؤدي إلى المنازعة، ولانه بيع معنى فيفسده جهالة الاجل.
قوله: (أو صالح مع المودع بغير دعوى الهلاك) أي الدعوى من المودع لم يصح الصلح في الصور الثلاثة.
أما الاولى: فلانه صلح عن بعض ما يدعيه، وقد تقدم أنه باطل.
وأما الثانية: فلان الصلح بيع معنى كما ذكرنا.
وهاتان المسألتان من مسائل السراجية التي نقلها عنها صاحب المنية.
وأما الثالثة: فعلى أربعة أوجه.
الاولى: ادعى صاحب المال الايداع وجحد المودع ثم صالحه على شئ معلوم جاز الصلح في قولهم، لان الصلح يبنى جوازه على زعم المدعي، وفي زعمه أنه صار غاصبا بالجحود فيجوز الصلح معه.
الثاني: إذا ادعى صاحب المال الوديعة وطالبه بالرد فأقر المستودع بالوديعة وسكت ولم يقل شيئا وصاحب المال يدعي عليه الاستهلاك ثم صالحه على شئ معلوم جاز الصلح في قولهم أيضا.
الثالث: ادعى الاستهلاك والآخر الرد أو الهلاك ثم صالحه جاز في قول محمد وأبي يوسف الاول، وعليه الفتوى.
وأجمعوا على أنه لو صالح بعد حلف المستودع أنه رد أو هلك لا يجوز.
الرابع: إذا ادعى المودع الرد أو الهلاك وصاحب المال لا يصدقه في ذلك ولا يكذبه بل سكت ذكر الكرخي أنه لا يجوز هذا الصلح في قول أبي يوسف الاول، ويجوز في قول محمد.
ولو ادعى صاحب المال الاستهلاك والمودع لم يصدقه في ذلك ولم يكذبه فصالحه على شئ ذكرنا أنه يجوز هذا الصلح في قولهم ا ه.
كما في المنح.
فقد ظهر من هذا أن الصلح بغير دعوى الهلاك يصح كما سمعته ولم يذكر فيما إذا أقر بالوديعة وصالحه عليها، والذي يقتضيه الفقه جوازه لانه صلح عن مال بمال بإقرار.
تأمل.
قوله: (قيد بعدم دعوى الهلاك) صادق بسكوته وبدعواه الرد، وقد تقدم أنه يصح الصلح فيهما.
قوله: (لانه لو ادعاه) أي الهلاك والمالك يدعي أنه استهلكه.
قوله: (وصالحه قبل اليمين) أما لو صالحه بعد حلف المستودع أنه هلك أو رد لا يجوز الصلح إجماعا.
وفيه أن ذلك داخل في مسألة المصنف المذكورة بعد، وفيها خلاف كما ذكره المصنف.
قوله: (خانية) هذا ما نقله في المنح عنها لكن سقط من عبارته شئ اختل به المعنى، فإنه قال في الوجه الثالث: جاز الصلح في قول محمد وأبي يوسف الاول، وعليه الفتوى.(2/379)
والذي رأيته في الخانية أن الفتوى على عدم الجواز.
وبقي خامسة ذكرها المقدسي وهي: ادعى ربها الاستهلاك فسكت فصلحه جائز، لكن هذا هو الثاني في الخانية.
ثم اعلم أن كلام الماتن والشارح غير محرر لان قوله: (بغير دعوى الهلاك) شامل للجحود والسكوت، ودعوى الرد هو الوجه الاول والثاني وأحد شقي الثالث والرابع، وقد علمت أنه في الاول والثاني جائز اتفاقا، وكذا في أحد شقي الثالث والرابع على الراجح.
والصواب أن يقول بعد دعوى الرد أو الهلاك بإسقاط غير والتعبير ببعد وزيادة الرد، فيدخل فيه الوجه الثالث بناء على المفتى به.
الوجه الرابع بناء على قول أبي يوسف وهو المعتمد لتقديم صاحب الخانية إياه كما هو عادته.
وقوله: (لانه لو ادعاه) أي الهلاك شامل لما إذا ادعى المالك الاستهلاك وهو أحد شقي الوجه الثالث أو سكت وهو أحد شقي الرابع، وعلمت ترجيح الجواز فيهما، فقوله: (صح به يفتى) في غير محله، وقوله: (وصالحه قبل اليمين) هذا وارد على إطلاق المتن أيضا، ورأيت عبارة الاشباه نحو ما ذكرنا.
ونصها: الصلح عقد يرفع النزاع ولا يصح مع المودع بعد دعوى الهلاك إذ لا نزاع.
ثم رأيت عبارة متن المجمع مثل ما قلته، ونصها: وجاز صلح الاجير الخاص والمودع بعد دعوى الهلاك أو الرد، ولله الحمد.
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قوله: (ويصح الصلح الخ) أي لو ادعى مالا فأنكر وحلف ثم ادعاه عند قاض آخر فأنكر فصولح صح، ولا ارتباط لهذه بمسألة الوديعة.
قوله: (دفعا للنزاع) علة لقوله يصح وقوله بإقامة البينة متعلق بالنزاع: يعني أن الصلح عن الانكار يكون افتداء لليمين وقطعا للنزاع، وبعد الحلف يصح للاحتياج إلى قطع النزاع، فإن المدعي يمكنه بعد اليمين أن يأتي بالبينة فلم يكن اليمين قاطعا للنزاع بل القاطع له الصلح، ولذا قال: ولو برهن المدعي بعده على أصل الدعوى لم تقبل، لان بالصلح قد أبرأه عن الدعوى فسقط توجهها عليه والساقط لا يعود.
قوله: (بعده) أي بعد الصلح: أي وإن لم يكن هناك حلف.
قوله: (إلا في الوصي) ومثله الاب.
قوله: (عن مال اليتيم) أي إذا صالح عن مال اليتيم، وقوله إذا صالح على بعضه بدل من هذا المقدر ط.
ويمكن أن تكون عن بمعنى في أي في ماله إذا صالح عن إنكار على بعضه، فعن
بمعنى في، وقوله: (على إنكار) على بمعنى عن متعلق بصالح: أي ولم يكن هناك بينة.
أما إذا كان الخصم مقرا بدين اليتيم أو كان عليه بينة فالذي يؤخذ من المفهوم أنه لا يجوز الصلح على البعض لعدم المصلحة لليتيم، وصرح بذلك في أدب الاوصياء.
قوله: (فإنها تقبل) لانه إنما يتصرف له بحسب المصلحة فيجوز صلحه عند عدم البينة، فإذا وجدت البينة تبين أن لا مصلحة في هذا الصلح وأنه باطل فتقبل البينة.
وصرح في البزازية بأن البينة لو موجودة عند الصلح وفيه غبن لا يصح الصلح.
ا ه.
وهو مستفاد أيضا من كلام الشارح.
قوله: (ولو بلغ الصبي فأقامها تقبل) يعني إذا ادعى وصي أو أب على رجل ألفا لليتيم ولا بينة له وصالح بخمسمائة عن ألف عن إنكار ثم وجد بينة عادلة فله أن يقيمها على الالف، سواء في ذلك الاب أو الوصي أو اليتيم بعد بلوغه.
قال في القنية: وفائدة قوله في الكتاب: إذا لم يكن للاب أو الوصي بينة على ما يدعي الصبي(2/380)
فصالح بأقل منه يجوز أن تمتنع دعواهما في الحال، ودعوى الصبي بعد البلوغ في حق الاستحلاف فليس لهم أن يحلفوه وإنما لهم إقامة البينة كما في حاشية الاشباه.
قوله: (ولو طلب) بالبناء للمجهول: أي لو طلب الوصي بعد الصلح يمين المدعى عليه أو طلبه اليتيم بعد بلوغه كما في حواشي الاشباه.
قول: (وقيل لا) أي لا يصح الصلح بعد حلف المدعى عليه، لان اليمين بدل عن المدعي، فإذا حلف فقد استوفى البدل فلا يصح، وقدمناه عن القنية قريبا.
قوله: (جزم بالاول في الاشباه) هو رواية محمد عن الامام.
قوله: (وبالثاني في السراجية) وهو قولهما، وهو الصحيح كما في معين المفتي، وكذا جزم به في البحر.
قال الحموي: وما مشى عليه في الاشباه، رواية محمد عن أبي حنيفة، وما مشى عليه في البحر قولهما وهو الصحيح انتهى.
وجعله نظير الصلح مع المودع بعد دعوى الاستهلاك: أي فإنه لا يصح.
قال المصنف في منحه: وبالاول جزم ابن نجيم في الفوائد الزينية ولم يعزه إلى كتاب معروف.
وقيل لا يصح ذكره صاحب السراجية ولم يحك به خلافا انتهى.
إنما ذكر الخلاف في القنية كما يأتي بعده قريبا.
قوله: (وحكاهما في القنية) فقال: ادعى عليه مالا فأنكر وحلف ثم ادعاه عند آخر فأنكر فصولح لا يصح، وقيل يصح وروى عن الامام.
ووجه القول
بعدم الصحة أن اليمين بدل المدعي فإذا حلفه فقد استوفى البدل فلا يصح انتهى.
قوله: (مقدما للاول) صوابه للثاني على ما نقله الحموي وعلى ما سمعت من عبارته.
قوله: (طلب الصلح والابراء) الواو هنا وفيما يأتي بمعنى أو، ومثلهما طلب تأخير الدعوى كما في الخلاصة.
قوله: (لا يكون إقرارا بالدعوى) أي بالمدعى به.
كذا في البزازية في بحث الاستثناء من كتاب الاقرار.
وفي الخلاصة: لو قال أخرها عني أو صالحني فإقرار، ولو قال أبرئني عن هذه الدعوى أو صالحني عن هذه الدعوى لا يكون إقرارا، وكذا في دعوى الدار انتهى.
وفي البزازية: إذا صالحه من حقه فقد أقر بالحق، والقول في بيان الحق له لانه المجمل، وإن صالحه من دعوى الحق لم يكن إقرارا انتهى.
ووجهه أن الصلح عن الدعوى أو الابراء عنها المقصود منه قطع النزاع فلا يفيد ثبوت الحق، بخلاف طلب الصلح أو الابراء عن الحق فإنه يقتضي ثبوته، وحينئذ يلزمه المدعى به.
قوله: (والاول أصح بزازية) قال الشيخ أبو الطيب: عزو الشارح إلى البزازية فيه ما فيه، لان هذه المسألة بتمامها ليست فيها، وإنما فيها دعوى البراءة الخ.
وأما ما في الصيرفية فهو الموافق لما في المتن، وليس من عادة البزازية أن تنقل عن الصيرفية فليتأمل.
ا ه.
قوله: (عن عيب) أي عيب كان بياضا في العين أو حبلا أو تزوجا.
قوله: (وظهر عدمه) أي العيب أن الدين، بأن ظهر أن لا دين عليه أصلا، أو أنه على غيره.(2/381)
وعبارة الغرر كهذا المتن: صالح عن عيب فظهر عدمه أو زال بطل الصلح، فلو قال الشارح بعد قوله فظهر عدمه أو عن دين فظهر كذلك كان أوضح، لان عبارته هذه ظاهرة في أن ضمير عدمه للدين وضمير زال للعيب أنهما للعيب.
وصورة العيب على ما في الدرر عن العمادية: ادعى عيبا في جارية اشتراها فأنكر البائع فاصطلحا على مال على أن يبرئ المشتري البائع من ذلك العيب ثم ظهر أنه لم يكن بها عيب أو كان ولكنه قد زال فللبائع أن يسترد بدل الصلح.
ا ه.
وقال في المنح عن السراجية: اشترى حيوانا فوجد بعينه بياضا فصالحه منه على دراهم ثم ذهب البياض بطل الصلح.
ا ه.
وفي البدائع: ولو صالحه من العيب ثم زال العيب بأن كان بياضا في عين العبد فانجلى بطل الصلح.
ا ه.
قال أبو الطيب.
أقول: وفي المنح فروع نفيسة فراجعها إن شئت.
قوله: (أو زال العيب الخ) عزاه في الدرر إلى العمادية، لكن في منية المفتي ما يناقضه.
وعبارتها: اشترى حيوانا فوجد في عينه بياضا فصالحه على دراهم ثم ذهب البياض يصح الصلح ا ه.
لكن ما نقله الشارح ذكره من نقلنا عنهم كما سمعت.
وذكره مؤيد زاده عن الخزانة ونصها: ادعى المشتري العيب وأنكر البائع فاصطلحا على أن يرد البائع شيئا من الثمن ثم يبين أنه لم يكن بالمبيع عيب كان على البائع أن يسترد ما أدى، كما لو كان العيب متحققا ثم زال بعد الصلح.
وعلى هذا لو ادعى على إنسان حقا أو مالا ثم صالحه على مال فتبين أنه لم يكن عليه ذلك المال أو ذلك الحق: أي إن لم يكن ثابتا كان للمدعى عليه حق استرداد كل المال.
ا ه.
والله تعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
فصل في دعوى الدين وهو الذي يثبت في الذمة عيني.
والاول أن يقول: فصل في الصلح عن دعوى الدين، ويقال مثله في العبارة الآتية للمصنف.
قال الحموي: لما ذكر الصلح مطلقا في عموم الدعاوي ذكر الصلح في الدين لانه صلح مقيد والمقيد بعد المطلق.
ا ه.
لان ما ذكره في هذا الباب حكم الخاص وهو دعوى الدين، لان الخصوص أبدا يكون بعد العموم، والاصل أنه متى كان المصالح عليه أدون من حقه قدرا ووصفا أو في أحدهما فهو إسقاط للبعض وأخذ للباقي، وإن كان أزيد منه بأن دخل فيه ما لم يستحق من وصف أو ما هو في معناه كتعجيل مؤجل فمعاوضة.
قوله: (الصلح الواقع الخ) أطلق الصلح ولكن المراد كونه على أقل مما عليه من الدين كما هو ظاهر العادة، فتخرج منه صورة التساوي إذ هي استيفاء وقبض عين
حقه، وصورة كون المصالح عليه زيادة من الدين فيكون ربا وحراما ليسا بصلح، وأشار بالصلح إلى أنه(2/382)
لو باع ما في ذمته من الالف بخمسمائة مثلا لم يجز، صرح به في الظهيرية وسيأتي تمامه.
قوله: (من دين) يشمل بدل القرض وثمن المبيع وضمان المتلف وبدل المغصوب وكل ما لزم في الذمة، وقيد في البعض ليفيد أنه لا يجوز على الاكثر، وأنه يشترط معرفة قدره لكن قال في غاية البيان عن شرح الكافي: ولو كان لرجل على رجل دراهم لا يعرفان وزنها فصالحه منها على ثوب أو غيره فهو جائز، لان جهالة المصالح عنه لا تمنع مع صحة الصلح، وإن صالحه على دراهم فهو فاسد في القياس لانه يحتمل أن بدل الصلح أكثر منه، ولكني أستحسن أو أجيزه لان الظاهر أنه كان أقل مما عليه، وإن مبنى الصلح على الحط والاغماض فكان تقديرهما بدل الصلح شئ دلالة ظاهرة على أنهما عرفاه أقل مما عليه وإن كان لا يعرفان قدر ما عليه في نفسه.
ا ه.
أقول: لكن في قوله أستحسن أن أجيزه الخ شبهة الربا كما علمت وهي محرمة أيضا، فالظاهر اعتماد ما في الشرح.
تأمل.
قوله: (أو غصب) أي غصب قيمي أو مثلي أو غصب منه أحد النقدين وهو باق في يده معترفا ببقائه فصالحه على بعض مقدار من جنسه.
قوله: (أخذ) خبر مبتدأ.
قوله: (وحط لباقيه) لان تصرف العاقل البالغ يصح ما أمكن، ولا يمكن تصحيحه معاوضة لما فيه من الربا، وقد أمكن الاسقاط فيحمل عليه، فلو قال المدعي للمدعى عليه المنكر صالحتك على مائة من ألف عليك كان أخذا لمائة وإبراء عن تسعمائة وهذا قضاء لا ديانة إلا إذا زاد أبرأتك.
قهستاني.
وقدمنا مثله معزيا للخانية.
قوله: (للربا) أي لا يجعل معاوضة لما يلزم عليه من الربا ولا يصح، وتصرف العاقل يحمل على الصحة ما أمكن كما ذكرنا فيجعل حطا.
قوله: (وحينئد) أي حين إذا كان ما ذكر أخذ البعض الحق وإسقاطا لباقيه لا معاوضة.
قوله: (فصح الصلح) أي عن ألف على مائة، أطلق الصلح فشمل كون المدعى عليه مقرا أو منكرا أو ساكتا، والمراد بالالف ثمن مبيع كما هو مقتضى عقد المداينة، وقيد بالالف والمائة بكونهما حالتين احترازا عما إذا كانت الالف مؤجلة والمائة حالة كما سيذكره بعد، وسنذكر أن هذا فيما إذا شرط ذلك.
قوله: (بلا اشتراط قبض بدله) أي الصوري وهو
ما وقع عليه الصلح، وإلا فليس هناك بدل بل هو أخذ لبعض الحق، وهذا إنما يظهر في غير المغصوب، أما هو مع الاعتراف ببقائه فليس ما دفعه عين حقه إلا أن يجعل عينه حكما، وذلك إنما هو في العقود والفسوخ لا في الغصب فليحرر.
ولعله أراد بالغصب بدله بعد هلاكه.
قوله: (على مائة حالة) ويكون الصلح إسقاطا لبعض الحق فقط.
قوله: (أو على ألف مؤجل) ويحمل على إسقاط وصف الحلول.
قوله: (عن ألف جياد على مائة زيوف) هذا شامل لما إذا كان بدل الصلح مؤجلا أو حالا لانه يصح كما ذكره، بخلاف ما إذا كان له ألف زيوف وصالحه على خمسمائة جياد حيث لا يجوز لعدم استحقاق الجياد فيكون معاوضة ضرورة كما في التبيين، وحينئذ فيكون قد أسقط حقه في الكم والكيف فأسقط من الكم تسعمائة ومن الكيف صفة الجودة، وكذا لو كانت المائة مؤجلة يصح أيضا لانه قد أسقط فيها أيضا وصف الحلول، وإنما جاز هذا لان من استحق الجياد استحق الزيوف، وهذا لو تجوز به في الصرف والسلم جاز، ولو لم يستحقه بالعقد لما جاز لان المبادلة برأس مال السلم وبدل الصرف لا تجوز، بخلاف ما إذا كان له ألف زيوف وصالحه على خمسمائة جياد حيث لا يجوز لعدم(2/383)
استحقاق الجياد فيكون معاوضة ضرورة: أي لانه لا يمكن حمله على أنه استوفى بعض حقه وأسقط الباقي، لانه لا يستحق الجياد فلا يجوز التفاضل فيها لان جيدها ورديئها سواء كما في الشرنبلالية.
قوله: (لعدم الجنس) فكان معاوضة، ولو كان من الجنس لكان أخذ البعض الحق فيجوز مؤجلا.
قوله: (فكان صرفا) أي بدلا عنه، والاستبدال بالاثمان بعضها عن بعض صرف فيشترط فيه التقابض.
قوله: (فلم يجز نسيئة) أي ولا حالا بدون القبض لاشتراطه في الصرف كما علم في بابه.
قوله: (أو عن ألف مؤجل على نصفه حالا) لان المعجل غير مستحق بعقد المداينة، إذ المستحق به هو المؤجل والمعجل خير منه، فقد وقع الصلح على ما لم يكن مستحقا بعقد المداينة فصار معاوضة والاجل كان حق المديون وقد تركه بإزاء ما حطه عنه من الدين فكان اعتياضا عن الاجل وهو حرام، ألا يرى أن ربا النسيئة حرم لشبهة مبادلة المال بالاجل فلان يحرم حقيقة أولى.
ا ه.
درر.
قوله: (إلا في صلح المولى مكاتبه) يعني إذا صالح المولى مكاتبه على ألف مؤجلة على خمسمائة حالة فإنه يجوز، لان معنى
الارفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة فلا يكون هذا مقابلة الاجل ببعض المال ولكنه إرفاق من المولى بحط بعض البدل وهو مندوب إليه في الشرع، ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الاجل لتوصل به إلى شرف الحرية، وهو أيضا، مندوب إليه في الشرع.
ذكره الزيلعي.
وذكر في شرح الكافي للاسبيجابي جواز هذا الصلح مطلقا على قياس قول أبي يوسف لانه إحسان من المديون في القضاء بالتعجيل وإحسان من صاحب الدين في الاقتضاء بحط بعض حقه، وحسن هذا إذا لم يكن مشروطا في الآخر، وأما إذا شرط أحدهما في مقابلة الآخر فدخل في الصلح معاوضة فاسدة فيكون فاسدا، وهكذا في غاية البيان.
قوله: (أو عن ألف سود على نصفه بيضا) لان البيض غير مستحقة بعقد المداينة، لان من له السود لا يستحق البيض فقد صالح على ما لا يستحق بعقد المعاوضة فكان معاوضة الالف بخمسمائة وزيادة وصف الجودة فكان ربا.
منح.
بخلاف ما لو صالح على قدر الدين وهو أجود لانه معاوضة المثل بالمثل، ولا معتبر بالجودة لانها ساقطة الاعتبار في الاموال الربوية إلا أنه يشترط القبض في المجلس لانه صرف الاصل أنه متى كان الذي وقع عليه الصلح عليه دون الحق قدرا أو وصفا أو وقتا فهو إسقاط للبعض واستيفاء للباقي لانه استوفى دون حقه، وإن كان أزيد منه بأن دخل فيه ما لا يستحق من وصف أو تعجيل مؤجل أو كان خلاف جنسه فهو معاوضة لتعذر استيفاء في غير المستحق فيشترط فيه شروط المعاوضة كما في الشمني.
أقول: وشرطها عند اتحاد الجنس المساواة، فمن له دراهم سود لا يستحق البيض فيكون أخذها بطريق المعاوضة ولو توجد، حتى لو صالحه على ألف حالة عن الالف المؤجلة أو صالحه على ألف بيض عن الالف السود جاز بشرط قبضه في المجلس لوجود المساواة في القدر وهو المعتبر في الصرف دون المساواة في الصفة، ولو كان عليه ألف فصالحه على طعام موصوف في الذمة مؤجل لم يجز لانه يكون افتراقا عن دين بدين، ولو كان عليه ألف درهم ومائة دينار فصالحه على مائة درهم جاز، سواء كانت حالة أو مؤجلة لانه يجعل إسقاطا للدنانير كلها وللدراهم إلا مائة وتأجيلا للمائة التي بقيت، ولا يحمل على المعاوضة لان فيه فسادا كما في العيني.
أقول: ويظهر مما قدمناه قريبا عن شرح الاسبيجابي أن المديون لو أعطى الدائن خمسمائة بيضا(2/384)
فأسقط الدائن الالف السود من ذمته وأسقط هو البيض من ذمة الآخر لا بشرط المقابلة ينبغي أن يصح، ولكنه لا يسمى ذلك صلحا كما لا يخفى.
قوله: (أن الاحسان إن وجد من الدائن) بأن صالح على شئ هو أدون من حقه قدرا أو وصفا أو وقتا.
قوله: (وإن منهما) أي من الدائن والمدين، بأن دخل في الصلح ما لا يستحقه الدائن من وصف كالبيض بدل السود أو ما هو في معنى الوصف كتعجيل المؤجل أو عن جنس، بخلاف جنسه.
قوله: (فمعاوضة) أي ويجري فيه حكمها، فإن تحقق الربا أو شبهته فسدت وإلا صحت.
قوله: (عاد دينه) عندهما.
وعند أبي يوسف يبرأ.
قوله: (لفوات التقييد بالشرط) أي من حيث المعنى فكأنه قيد البراءة من النصف بأداء خمسمائة في الغد، فإذا لم يؤد لا يبرأ لعدم تحقق الشرط.
والحاصل: أن كلمة على وإن كانت للعوض لكنها قد تكون بمعنى الشرط، وقد تعذر العمل بمعنى المعاوضة فتحمل على الشرط تصحيحا لتصرفه كما في الدرر.
قوله: (والثاني إن لم يوقت بالغد) أي لم يذكر لفظ غد بل قال ادفع إلي خمسمائة على أنه برئ من الباقي لم يعد دينه لعدم الاداء، ويبرأ مطلقا أدى الخمسمائة في الغد أو لم يؤد، لان البراءة قد حصلت بالاطلاق وإلا فلا تتغير بما يوجب الشك في آخره.
منح.
قوله: (لم يعد) أي الدين مطلقا أدى أو لم يؤد.
قوله: (لانه إبراء مطلق) لانه لما لم يوقت للاداء وقتا لم يكن الاداء غرضا صحيحا لانه واجب على الغريم في كل زمان فلم يتقيد بما حمل على المعاوضة وهو لا يصلح عوضا، والظاهر أن الابراء مقيد بأدائه ولو في آخر جزء من أجزاء حياته، حتى إذا مات ولم يؤد يؤخذ كل الدين من تركته، لان التعليق بالاداء موجود معنى، بخلاف الوجه الرابع فإنه يبرأ مطلقا لبداءته بالابراء.
قوله: (كالوجه الاول) خبر أول.
وقوله: (كما قال) خبر ثان.
قوله: (لبداءته بالابراء لا بالاداء) قال في الدرر لانه أطلق الابراء وأداء خمسمائة لا يصلح عوضا ويصلح شرطا مع الشك في تقييده بالشرط فلا يتقيد بالشك، بخلاف ما إذا بدأ بأداء خمسمائة لان الابراء حصل مقرونا به، فمن حيث إنه لا يصلح عوضا يقع مطلقا، ومن حيث إنه يصلح شرطا لا يقع مطلقا فلا يثبت الاطلاق بالشك فافترقا.
ا ه.
قوله: (بصريح الشرط) قال القهستاني: وفيه
إشعار بأنه لو قدم الجزاء صح.
في الظهيرية: لو قال حططت عنك النصف إن نقدت إلي نصفا فإنه حط عندهم وإن لم ينقده.
قوله: (كإن أديت إلي كذا) الخطاب للغريم، ومثله الكفيل كما صرح به الاسبيجابي في شرح الكافي وقاضيخان في شرح الجامع.(2/385)
قال في غاية البيان: وفيه نوع إشكال، لان إبراء الكفيل إسقاط محض ولهذا لا يرتد برده فينبغي أن يصح تعليقه بالشرط.
إلا أنه كإبراء الاصيل من حيث إنه لا يحلف به كما يحلف بالطلاق فيصح تعليقه بشرط متعارف لا غير المتعارف، ولذا قلنا: إذا كفل بمال عن رجل وكفل بنفسه أيضا على أنه إن وافى بنفسه غدا فهو برئ عن الكفالة بالمال فوافى بنفسه برئ عن المال لانه تعليق بشرط متعارف فصح ا ه.
قوله: (لما تقرر الخ) قال في المنح: إنما لا يصح لان الابراء المعلق تعليقا صريحا لا يصح، لان الابراء فيه معنى التمليك ومعنى الاسقاط، فالاسقاط لا ينافي تعليقه بالشرط والتمليك ينافيه فراعينا المعنيين.
وقلنا: إن كان التعليق صريحا لا يصح وإن لم يكن صريحا يصح.
ا ه.
قوله: (لانه تمليك من وجه) بدليل أنه لا يرتد بالرد والتمليكات لا تحتمل التعليق بالشرط، وهو إسقاط أيضا بدليل أنه لا يتوقف على القبول والاسقاط يحتمل ذلك، فلمعنى التمليك فيها قلنا: إذا صرح بالتعليق بالشرط لم يصح، ولمعنى الاسقاط إذا لم يصرح بالتعليق بالشرط بتقييد.
كذا في الكافي.
قوله: (وإن قال المديون لآخر سرا الخ) هذا القيد أهمله في الكنز ولم ينبه عليه شارحه الزيلعي، ونبه عليه ملا مسكين وصاحب الدرر وملتقى الابحر والهداية وعبارته بعد ذكر المسألة مطلقة.
ومعنى المسألة.
إذا قال ذلك سرا، أما إذا قال علانية يؤخذ به، لان قوله لا أقر بمالك الخ يتضمن الاقرار به حيث أضافه إليه بقوله مالك، أو لانه تعليق الاقرار بالشرط فيلزم في الحال، ولذا قيد به ملا مسكين في عبارة الكنز حيث لم تتقيد بقوله، سرا كما علمت، وقد عزاه هنا وفي البحر إلى المجتبى، ولكن النظر إلى العلة التي ذكرها الزيلعي وغيره وهي كونه ليس بمكره لتمكنه من إقامة البينة أو التحليف فينكل، وهو نظير الصلح مع الانكار لان كل واحد منهما لا ينافي الطوع، والاختيار في تصرفه أقصى ما في الباب أنه
مضطر، لكن الاضطرار لا يمنع من نفوذ تصرفه كبيع ماله بالطعام عند المخمصة يوجب التسوية بين الحالتين فتأمل.
ذكره الرملي.
أقول: معنى الاخذ: أي بإقراره وهو.
قوله: (بمالك) والمال مجهول فيؤمر ببيانه ولا يلزمه ما ادعاه المدعي لعدم إقراره به.
تأمل.
قوله: (قوله بمالك) بفتح اللام وكسرها.
حموي.
قوله: (صح) أي فليس له المطالبة في الحال بعد التأخير ولا في المحطوط كما في المنح.
قوله: (لانه ليس بمكره) لانه لو شاء لم يفعل ذلك إلى أن يجد البينة، أو يحلف فينكل عن اليمين.
إتقاني.
وقوله: وليس بمكره على صيغة اسم المفعول، إذ يمكنه أن يبرهن أو يحلفه فينكل عن اليمين ففعله بلا شروع إلى أحدهما كان رضا بذلك فنفذ فيكون كصلح عن إنكار، ومن ذلك ذكرت هذه المسألة هنا، هذا هو الموافق لما في غاية البيان وشرح المقدسي، وما في الكفاية يقتضي كون الضمير المنصوب عائد إلى المديون، وأن يكون مكره على صيغة اسم الفاعل كما فسر به البعض هنا، والاول هو المتبادر كما لا يخفى.
قوله: (عليه) جعل لفظ عليه صلة لمكره وهو خلاف ما في العيني والدرر.
قال العيني عند قول الكنز صح: أي هذا الفعل(2/386)
عليه: أي على الدائن: يعني إن أخره يتأخر، وإن حط عنه بعضه ينحط لان المديون ليس بمكره ا ه.
ومثله في الدرر إلا أنه قال صح: أي التأخير والحط لانه ليس بمكره عليه: أي على الدائن فوصل عليه بمكره فتوهم الشارح أنه متعلق به، وليس الامر كذلك لان لفظ عليه من المتن في الكنز والدرر، ويحتمل أنها هنا كذلك إلا أن الناسخ سودها وحينئذ فالعبارة صح عليه: أي نفذ عليه التأخير أو الحط لانه ليس بمكره، وضمير عليه: أي على الدائن حتى أنه بعد التأخير لا يتمكن من مطالبته في الحال، وفي الحط لا يتمكن من مطالبته ما حطه أبدا.
قوله: (ولو أعلن ما قاله سرا) يعني أنه تكلم به أولا بين الناس، وليس المراد أنه بعد أن اتفقا على الحط أو التأخير أعلن فإنه لا ينقض الصلح، والمراد أن الدائن سكت: إذا لو حط في الاعلان أو أقر صح بل هو أولى من حالة السر.
ط.
أقول: وظاهر كلام المصنف يوهم أنه بعدما أخر أو حط عنه كما فهمته مما قدمناه مع أنه ليس كذلك، فلو قال ولو أعلن.
بقوله: لا أقر لك حتى تؤخره عني أو تحط يكون إقرارا فيؤخذ للحال
كله إن لم يؤخر أو يحط.
قال المولى عبد الحليم: وقوله: (ولو أعلن) أي المديون وقوله: (ما قاله سرا) أشار به إلى أن مفعوله محذوف وهو قوله لا أقر لك بمالك الخ.
قوله: (أخذ الكل منه للحال) أي تمكن من أخذ الكل بلا تأخير إن أخر ولا حط إن حط.
قال ط: لعل هذا إذا لم يؤخره الطالب ولم يحط، أما لو فعل ذلك صح لعدم إكراهه.
ا ه.
قوله: (فقال أقرر) بهمزة قطع مفتوحة من أقر.
قوله: (جاز) أي الحط لانه ليس من تعليق الابراء صريحا بل معنى، وقد سبق جوازه.
قوله (بخلاف على أن أعطيك مائة) فإذا أقر صح الاقرار، ولا يلزم الدائن شئ.
قوله: (لا الحط) لان الحط إبراء وهو معلق بصريح الشرط فلا يصح كما تقدم جلبي.
والاولى أن يقول: لانه وعد معلق بالشرط لا يجب الوفاء به شرعا.
قوله: (الدين المشترك بسبب متحد) شامل لما إذا اشتركا في المبيع بأن كان عينا واحدة أو لم يشتركا بأن كانا عينين لكل عين بيعتا صفقة واحدة بلا تفصيل ثمن ا ه.
شرنبلالية.
قوله: (كثمن مبيع بيع صفقة واحدة) بأن كان لكل واحد منهما عين على حدة أو كان لهما عين واحدة مشتركة بينهما وباعا الكل صفقة واحدة من غير تفصيل ثمن نصيب كل واحد منهما.
زيلعي.
واحترز بالصفقة الواحدة عن الصفقتين، حتى لو كان عبد بين رجلين باع أحدهما نصيبه من رجل بخمسمائة درهم وباع الآخر نصيبه من ذلك الرجل بخمسمائة درهم وكتبا عليه صكا واحدا بألف وقبض أحدهما منه شيئا لم يكن للآخر أن يشاركه لانه لا شركة لهما في الدين، لان كل دين وجب بسبب على حدة.
عزمية.
وإنما تتحد الصفقة إذا اتحد اللفظ وقدر الثمن ووصفه، كأن قالا بعناك هذا العبد بألف لكل خمسمائة فقبل كان صفقة واحدة، أما لو باع أحدهما بخمسمائة ثم الآخر بخمسمائة أو باعاه بألف على أن لاحدهما خمسمائة بيضا وللآخر سودا أو لاحدهما ستمائة وللآخر أربعمائة فذلك كله صفقتان، فلا يشارك أحدهما الآخر فيما قبض كما يفهم ذلك من المنح.
وقيد بالدين المشترك لانه لو كان الصلح عن عين مشتركة يختص المصالح، ببدل الصلح وليس لشريكه إن يشاركه فيه لكونه معاوضة من وجه لان المصالح عنه مال حقيقة، بخلاف الدين.
زيلعي.
فليحفظ فإنه كثير الوقوع.(2/387)
وفي الخانية: رجلان ادعيا أرضا أو دارا في يد رجل وقالا هي لنا ورثناها من أبينا فجحد
الذي هي في يده فصالحه أحدهما عن حصته على مائة درهم فأراد الابن الآخر أن يشاركه في المائة لم يكن له أن يشاركه، لان الصلح معاوضة في زعم المدعي فداء يمين في زعم المدعى عليه، فهو معاوضة من وجه استيفاء من وجه فلا يثبت للشريك حق الشركة بالشك.
وعن أبي يوسف في رواية لشريكه أن يشاركه في المائة.
ا ه.
سئل العلامة الشلبي عن دار مشتركة بين ثلاثة أوقاف كل وقف له حصة معلومة ومستحقون مختصون به فإذا قبض بعض النظار شيئا من الاجرة هل لباقي النظار أن يشاركه في المقبوض أم لا؟ فأجاب بأن لباقي النظار الشركة فيما قبضه أحدهم حيث صدرت الاجارة منهم صفقة واحدة قياسا على ثمن المبيع صفقة واحدة ا ه.
وتعقبه العلامة الحموي بأن جوابه إنما يصح إذا كان ما أجره كل من النظار معينا غير مشاع.
وأقول: هذا إنما يرد أن لو صدرت الاجارة في بعض الدار لما يلزم عليه حينئذ من إجارة المشاع لغير الشريك، ولا شيوع هنا لصدور الاجارة في كل الدار، فتنبه.
قوله: (أو دين موروث) أو كان موصى به لهما أو كان بدل قرضهما أبو السعود.
قوله: (إذا قبض) أطلقه فشمل قبضا على طريق الاقتضاء أو الصلح.
قوله: (شاركه الآخر فيه) هذا أصل كلي يتفرع عليه فروع: يعني إذا كان لرجلين دين على آخر فقبض أحدهما شيئا منه ملكه مشاعا كأصله فلصاحبه أن يشاركه في المقبوض، لانه وإن ازداد بالقبض إذ مالية الدين باعتبار عاقبة القبض، لكن هذه الزيادة راجعة إلى أصل الحق فيصير كزيادة الثمرة والولد فله حق المشاركة ولكنه قبل المشاركة باق على ملك القابض لان العين غير الدين حقيقة وقد قبضه بدلا عن حقه فيملكه حتى ينفذ تصرفه فيه فيضمن لشريكه حصته.
درر وليس بين قوله ملكه مشاعا كأصله.
وقوله: ولكنه قبل المشاركة باق على ملك القابض مخالفة، لان المقبوض عين الدين من وجه وغيره من وجه كما صرح به في عامة الكتب، والاعتبار الاول يقتضي كون المقبوض مشتركا والاعتبار الثاني يوجب الاختصاص بالقابض، فعملنا بالوجهين وقلنا على الوجه الاول: إنه يكون للآخر ولاية المشاركة، وعلى الوجه الثاني: إنه يدخل في ملك القابض وينفذ تصرفه، ومن هذا يظهر الحسن.
قوله: فله حق المشاركة: أي في المقبوض، أشار به إلى أنه ليس له حقيقة المشاركة وإلا
لما نفذ تصرف القابض فيه قبل المشاركة، والمشبه لا يلزم أن يكون في حكم المشبه به من كل وجه، فلا يلزم من تحقق حقيقة المشاركة في الثمرة والولد تحقق حقيقتها في المقبوض من الدين كما لا يخفى.
قوله: (أو اتبع الغريم) فلو اختار ثم توى نصيبه بأن مات الغريم مفلسا رجع على القابض بنصف ما قبض ولو من غيره.
بحر: أي من غير ما قبض أن حقه فيه سقط بالتسليم فيرجع بمثله ويكون ما قبضه أخيرا صرفا عما في الذمة.
وعبارة الزيلعي: رجع عليه كما في الحوالة، لكن ليس له أن يرجع في عين تلك الدراهم المقبوضة لان حقه فيها قد سقط بالتسليم فلا يعود حقه فيها بالتوي ويعود إلى ذمته في مثلها ا ه.
وعليه فكان ينبغي إسقاط لفظ ولو ويقول هكذا: ورجع على القابض بنصف ما قبض من غيره، وذلك لان حقه فيها قد سقط بالتسليم فلا يعود حقه فيها بالتوي ويعود إلى ذمته في مثلها.
تأمل.
قوله: (وحينئذ فلو صالح) في(2/388)
التفريع نظر، لان الاصل أن يقبض من الدين شيئا، وهذا صلح من نصيبه لا قبض.
تأمل.
قوله: (أي على خلاف جنس الدين) احتراز عما إذا كان على جنسه كما تقدم فإنه يشاركه فيه أو يرجع على المدين، وليس للقابض فيه خيار لانه بمنزلة قبض بعض الدين.
قوله: (أخذ الشريك الآخر نصفه) أي نصف الدين من غريمه أو أخذ نصف الثوب، لان الصلح وقع عن نصف الدين وهو مشاع، وقسمة الدين حال كونه في الذمة لا تصح، وحق الشريك متعلق بكل جزء من الدين فيتوقف على إجازته وأخذه النصف دال على إجازة العقد فيصح ذلك.
قوله: (إلا إن ضمن) أي الشريك المصالح.
قوله: (ربع الدين) يعني إلا أن يغرم له حصته من أصل الدين الواصل بواسطة الصلح.
وأفاد أن المصالح مخير إذا اختار شريكه اتباعه، فإن شاء دفع له حصته من المصالح عليه، وإن شاء ضمن له ربع الدين.
ولا فرق بين كون الصلح عن إقرار أو غيره وبعد ضمان المصالح الربع لا يكون للآخر سبيل على الثوب.
وحاصله: أن الشريك الآخر مخير بين الاتباع للمديون والشريك المصالح، وأن المصالح مخير في دفع نصف الثوب المقبوض وربع الدين، ولم يلزم عليه دفع الربع لاحتمال تضرر المصالح، لان الصلح
على الحط غالبا فيكون ما استوفاه أنقص، بل يحتمل أن لا يبقى له شئ من مقبوضه، وأشار بكون البدل ثوبا إلى أن هذا فيما كان بدل الصلح خلاف جنس الدين.
أما إذا وقع على جنسه ليس للمصالح خيار فيه بل لشريكه المشاركة في المقبوض أو يرجع على المديون لانه بمنزلة قبض بعض الدين كما في المبسوط.
وأطلق الصلح فشمل ما يكون عن إقرار أو سكوت أو إنكار.
ثم الحيلة في أن لا يرجع عليه شريكه أن يهب له الغريم مقدار حظه من الدين ويقبضه ثم يبرئه عن حظه أو يبيعه شيئا يسيرا ولو كفا من زبيب بقدر حصته من الدين ثم يبرئه عن الدين ويأخذ ثمن المبيع كما في الذخيرة والتتمة.
قوله: (فلا حق له في الثوب) لان حقه في الدين وقد ضمنه له، وقد علم أن الخيار للمصالح.
والحاصل: أن في تخيير الشريك قيدين: أن يكون المصالح عنه دينا والمصالح عليه ثوبا.
فإن كان المصالح عنه عينا مشتركة ليس لشريكه أن يشاركه فيه، ولو كان المصالح عليه من جنس الدين شاركه الشريك أو يرجع على المدين.
والفرق بين الصلح على الجنس وغيره أنه إذا صالحه على الجنس يشاركه الشريك فيه أو يرجع على الغريم، وفي الصلح على خلاف الجنس كذلك، إلا أن يضمن له ربع الدين لان حقه في الدين لا في الثوب.
قوله: (ضمنه شريكه الربع) يعني إن شاء لانه صار قابضا حقه بالمقاصة ولا ضرورة عليه، لان مبنى البيع على المماكسة، بخلاف الصلح لان مبناه على الاغماض والحطيطة، فلو ألزمناه دفع ربع الدين لتضرر.
لا يقال: قسمة الدين قبل القبض لا تتصور فكيف تتصور المقاصة فيه.
لانا نقول: قسمة الدين قبل القبض تجوز ضمنا، وإنما لا تجوز قصدا وهنا وقعت القسمة في ضمن صحة الشراء وصحة(2/389)
المصالحة وللشريك أن لا يتبع القابض في الجميع ويرجع على المدين، لان القابض قبض حقه إلا أن له حق المشاركة، ولو كان للمطلوب على أحدهما دين قبل وجوب دينهما عليه حتى صار دينه قصاصا به فلا ضمان عليه لانه أحد الدينين قضاء لاولهما لا اقتضاء، والضمان إنما يجب بالاقتضاء، وكذا
المشاركة لا تجب بالقضاء وإنما تجب بالاقتضاء، ولو أبرأه أحدهما عن نصيبه لا يضمن، ولو غصب أحدهما من المدين عينا أو اشترى منه شراء فاسدا فهلك عنده فهو قبض والاستئجار بنصيبه قبض لا التزوج به لعدم إمكان المشاركة فيه كالجناية على نفس المدين وكالابراء، بخلاف التزوج على دراهم مطلقة فإنه قبض بالاجماع لوقوع التقاص زيلعي.
قوله: (أو اتبع غريمه في جميع ما مر) أي في مسألة الصلح والبيع أو القبض.
قوله: (لبقاء حقه في ذمته) ولان القابض استوفى نصيبه حقيقة لكن له حق المشاركة فله أن يشارك.
قوله: (لا يرجع) أي الشريك بنصف المبرئ على الذي أبرأ.
قوله: (لانه إتلاف لا قبض) والرجوع يكون في المقبوض لا في المتلف ف، ولم يزدد نصيب المشتري بالبراءة فلم يرجع عليه.
قوله: (قبل وجوب دينهما عليه) أما لو كان حادثا حتى التقيا قصاصا فهو كالقبض ويشاركه فيه كما في البحر.
قوله: (عليه) أي المديون.
قوله: (لانه قاض لا قابض) أي والمشاركة إنما تثبت في المقبوض لا في القضاء.
قوله: (ولو أبرأ الشريك المديون) بالنصب مفعول أبرأ، والاولى أن يقول أحد الشريكين.
قوله: (قسم الباقي على سهامه) أي على سهام الباقي، لانه لعل المراد بالسهام السهام الباقية لا أصلها، يظهر ذلك فيما لو كان له الثلثان فأبرأه عن الثلث يقسم ما يؤخذ نصفين لان الحق عاد إلى هذا القدر، ولو اعتبرنا الاصل قسم أثلاثا، وقد صرح ابن الكمال بالاول.
قوله: (ومثله المقاصة) بأن كان للمديون على الشريك خمسة مثلا قبل هذا الدين فإن القسمة على ما بقي بعد المقاصصة.
قوله: (صح عند الثاني) اعتبارا بالابراء المطلق خلافا للطرفين لانه يؤدي إلى قسمة الدين قبل القبض كما في الهداية.
وفي النهاية: ما ذكره من صفة الاختلاف مخالف لما ذكر في عامة الكتب حيث ذكر قول محمد مع قول أبي يوسف، وذلك سهل لجواز أن يكون المصنف قد اطلع على رواية لمحمد مع الامام.
قال في البرهان: تأجيل نصيبه موقوف على رضا شريكه عند أبي حنيفة، وبه نأخذ، وعندهما لا، وفي عامة الكتب محمد مع أبي يوسف، وذكره في الهداية مع أبي حنيفة فكان عنه روايتان كما في الشرنبلالية.
وفي البحر: وإن أجله أحدهما فإن لم يكن واجبا بعقد كل منهما بأن ورثا دينا مؤجلا فالتأجيل
باطل، وإن كان واجبا بإدانة أحدهما: فإن كانا شريكين شركة عنان، فإن أخر الذي ولى الادانة صح تأجيله في جميع الدين، وإن أخر الذي لم يباشرها لم يصح في حصته أيضا، وإن كانا متفاوضين وأجل(2/390)
أحدهما أيهما أجل صح تأجيله ا ه.
ولم يظهر وجه لذكر قول الثاني، وترك قول الامام مع عدم تصحيحه.
قوله: (والغصب) أي إذا غصب أحدهما منه عينا وهلكت عنده فإنه ينزل قابضا نصيبه فيشاركه فيه الآخر سواء كان من جنس الدين أو من غير جنسه وهلك في يد الغاصب وقضى عليه بقيمته من جنس الدين، فلو كان من غير جنس الدين وكان حوجودا رد عينه كما في الرحمتي: أي لانه يملكه من وقت الغصب عند أداء الضمان.
قوله: (والاستئجار) أي بأجرة من جنس الدين لانها بيع المنافع، فصار بمنزلة ما إذا اشترى بنصيبه شيئا فإنه يرجع عليه بربع الدين فكذا هذا وكذا خدمة العبد وزراعة الارض.
وصورتها بأن استأجر أحدهما من المديون دارا بحصته سنة وسكنها، وكذا لو استأجره بأجر مطلق.
وروى ابن سماعة عن محمد: لو استأجر بحصته لم يشاركه الآخر وجعله كالنكاح، هذا إذا أضاف العقد إلى الدين لانه اتلاف كما في الزيلعي.
قوله: (لا التزوج) أي تزوج المديونة على نصيبه فإنه لا يكون قبضا، لانه ليس بدل مال فكان فيه معنى الاتلاف من وجه فأشبه الابراء، بخلاف ما إذا تزوجها على دراهم مطلقة أي حتى التقت قصاصا بنصيبه فإنه يكون كالقبض كما في الاتقاني.
وفي الشرنبلالية: والتزوج بنصيبه إتلاف في ظاهر الرواية حتى لا يرجع عليه صاحبه بشئ.
وعن أبي يوسف أنه يرجع بنصيبه منه لوقوع القبض بطريق المقاصة، والصحيح الاول انتهى.
قوله: (والصلح عن جناية عمد) أي لو جنى أحدهما عليه جناية عمد فيما دون النفس أرشها مثل دين الجاني فصالحه على نصيبه، وكذا لو كان فيها قصاص لانه لم يملك بمقابلته شيئا قابلا للشركة كما في البرهان وغيره، قيد بالعمد لان الخطأ يسلك فيه مسلك الاموال فكأنه قابض أفاده في النهاية وغيرها.
وفي الايضاح: لا يلزمه لشريكه شئ لانه كالنكاح.
وفي العناية بعد نقله ما تقدم: ورأى أنه قيد بذلك لان الارش قد يلزم العاقلة فلم يكن مقتضيا، وتمامه في تكملة قاضي زاده.
قال الزيلعي: وقوله لا التزوج والصلح عن جناية عمد: أي بأن كان لهما دين على امرأة فزوجته عليه نفسها أو على مولى الامة فزوجها المولى منه عليه أو على المكاتب أو على الامة المأذون لها فتزوجها عليه بإذن المولى ليس بقبض في ظاهر الرواية حتى لا يرجع عليه شريكه، لانه لم يسلم له شئ يمكنه المشاركة فيه فصار كالجناية على نفس المدين.
وعن أبي يوسف: أنه يرجع عليه لوجود القبض بطريق المقاصة على ما بينا.
والصحيح الاول لانه إتلاف، ولان النكاح يتعلق بعين الدين عند الاضافة إليه فيملكه بعينه ثم يسقط عن ذمتها كالهبة، بخلاف ما إذا لم يضف العقد إليه بأن سمى دراهم مطلقة فوقع التقابض بنصيبه حيث يرجع إليه شريكه بالاجماع لانها لم تملكه وإنما ملكت غيره فالتقيا قصاصا، والصلح عليه عن جناية العمد ليس بقبض لانه لم يملك شيئا قابلا للشركة بمقابلته ا ه.
قوله: (أن يهبه الغريم) أي المديون فيكون المقبوض هبة لا دينه.
قوله: (ثم يبرئه) الضمير في يبرئه لاحد الدائنين ففيه تشتيت: أي يبرئ الشريك الغريم، فإن بإبرائه المديون لا يرجع عليه بشئ كما مر.
قوله: (أو يبيعه) أي الطالب وهو معطوف على يهبه: أي يبيع الشريك للمديون كفا الخ بقدر دينه فلم يكن مقتضيا الدين بل آخذا ثمن البيع وقابضا للهبة في الصورة الاولى ثم يبرئه من دينه ولا(2/391)
رجوع للشريك عليه بالابراء.
قوله: (به) أي بقدر نصيبه من الدين بأن يجعل ثمن التمر بقدر نصيبه فيكون المقبوض ثمن المبيع لا نصيبه من الدين.
قوله: (ثم يبرئه) أي أحد الدائنين وهو من باع التمر.
قوله: (صالح أحد ربي السلم) إطلاق الصلح هنا مجاز عن الفسخ كما حرره صاحب غاية البيان، لانه فسخ في الحقيقة.
قالوا: أطلق عليه الصلح بما فيه من الحطيطة التي هي من خواص الصلح كما في تكملة المولى زكريا.
أقول: الحطيطة هي التي لزمت على المسلم إليه من المسلم فيه حيث سقطت بهذه المصالحة تدبر كما لا يخفى.
قوله: (عن نصيبه) أي من المسلم فيه.
قوله: (على ما دفع من رأس المال) على صحته منه، قيد به لانه لو كان على غيره لا يجوز بالاجماع لما فيه من الاستبدال بالمسلم فيه قبل قبضه.
زيلعي.
قوله: (نفذ عليهما) فيكون المقبوض بينهما، وكذا ما بقي من المسلم فيه درر البحار: أي
فيكون نصف رأس المال فيهما وباقي الطعام بينهما سواء كان رأس المال مخلوطا أو لا.
بحر قوله: (وإن رده رد) وبقي المسلم فيه على حاله.
بحر.
قوله: (لان فيه قسمة الدين) وهو المسلم فيه وهذا مذهبهما.
وقال أبو يوسف: يجوز اعتبارا بسائر الديون.
ولهما أنه لو جاز: فإما أن يجوز في نصيبه خاصة أو في النصف من النصيبين، فعلى الاول لزم قسمة الدين قبل القبض لان خصوصية نصيبه لا تظهر إلا بالتمييز ولا تمييز إلا بالقسمة وهي باطلة، وإن كان الثاني فلا بد من إجازة الآخر لانه فسخ على شريكه عقده فيفتقر إلى رضاه.
درر.
قوله: (مفاوضة) نصب على التمييز.
قوله: (جاز مطلقا) الذي في البحر جاز ولو في الجميع: أي جميع المسلم فيه: يعني أن الجواز لا يخص نصيبه بل إذا فسخ في الجميع جاز.
قال: وأما إذا كانت عندنا توقف أيضا إن لم يكن من تجارتهما.
في الكافي: لو أسلم في كر بر ثم اصطلحا على أن يزيد المسلم إليه نصف كر لم يصح إجماعا، لانها لو صحت لخرج بعض رأس المال من ذلك السلم فيجعل بإزاء الزيادة فيصير دينا على المسلم إليه فكأنه أسلم دينا، وإذا لم يجز فعليه يرد ثلث رأس المال إلى رب السلم وعليه كر تام عند الامام.
وقالا: لا يرد، لان الاخراج للزيادة وبطلت فيبطل، قلنا: قصدا شيئين الاخراج والادخال فصح الاول لا الثاني.
ا ه.
والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.
فصل في التخارج قال في المنح: هو من الخروج، وهو أي شرعا: أن يصطلح الورثة على إخراج بعضهم من الميراث بمال معلوم، ووجه تأخيره قلة وقوعه فإنه قلما يرضي أحد بأن يخرج من الورثة بغير استيفاء حقه.
وسببه طلب الخارج من الورثة ذلك عند رضا غيره به، وله شروط تذكر في أثناء كلام.
ا ه.
قوله: (أخرجت الورثة أحدهم) أي أو الموصى له بمبلغ من التركة.
سائحاني.
وفي آخر الاشباه عن الكتاب: لو صولح الموصى له بالثلث على السدس صح.
ا ه.(2/392)
أقول: لكنه مشكل، لانه من قبيل الاسقاط في الاعيان وهو لا يجوز، وقد صرحوا بأن الوارث لا يسقط حقه من التركة بالاسقاط وهذا مثله.
وأما المخارجة فبيع، ويأتي تمامه.
قوله: (صح
في الكل) أي ويقسم الباقي بينهم على سهامهم الخارجة قبل التخارج إلا أن يجعل هذا التخارج كأن لم يكن.
بيانه: امرأة وبنت وأخ شقيق أصلها ثمانية واحد للمرأة وأربعة للبنت والباقي للاخ، فإذا أخرجت المرأة قسم الباقي على سبعة، ولو جعلت كأن لم تكن قسم نصفين.
حموي عن الشيخ عماد الدين.
واعلم أنه إذا أخرجوا واحدا فحصته تقسم بين البقية على السواء إن كان ما أعطوه من مالهم غير الميراث، وإن كان مما ورثوه فعلى قدر ميراثهم.
وقيده الخصاف بأن يكون عن إنكار.
أما إذا كان عن إقرار فهو بينهم على السواء مطلقا.
أبو السعود.
ويأتي ذلك أواخر الفصل.
قوله: (صرفا للجنس بخلاف جنسه) علة.
لقوله: (أو نقدين بهما)، والاولى تأخيره عن قوله: (قل ما أعطوه أو كثر)، ويوجد في بعض النسخ التعبير باللام عوضا عن الباء في بخلاف الجنس، وهي أولى من الباء: أي لو صالح عن الذهب والفضة بذهب وفضة صح ويصرف الذهب للفضة وهي له، والمراد بالصرف في كلامه الصرف المصطلح عليه في الفقه وهو بيع الثمن بالثمن، والباء فيه للمقابلة، ولو كان المراد بالصرف اللغوي لاختص بمسألة واحدة، وهي ما إذا اشتملت التركة على ذهب وفضة ودفع البدل كذلك ولعداه بإلى أو اللام.
ولقوله: بعد ذلك (لكن بشرط التقابض فيما هو صرف) فإنه متعين للصرف الاصطلاحي.
قوله: (قل ما أعطوه أو كثر) لانه معاوضة لا إبراء إذ الابراء عن الاعيان باطل كذا قيل.
وأقول: ما قيل إن الابراء عن الاعيان باطل، قيده في البحر بما إذا كان على وجه الانشاء، فإن كان على وجه الاخبار.
كقوله: (هو برئ مما لي قبله فهو صحيح متناول للدين والعين فلا تسمع الدعوى)، وكذا إذا قال لا ملك لي في هذا العين.
ذكره في المبسوط والمحيط.
فعلم أن قوله لا أستحق قبله حقا مطلقا ولا استحقاقا ولا دعوى يمنع الدعوى بحق من الحقوق قبل الاقرار عينا كان أو دينا، وتقدم الكلام عليه أوائل الاقرار، وسيأتي آخر الفصل مستوفي إن شاء الله تعالى.
قوله: (لكن بشرط التقابض) قال في البحر: ولا يشترط في صلح أحد الورثة المتقدم أن تكون أعيان التركة
معلومة، لكن إن وقع الصلح عن أحد النقدين بالآخر يعتبر التقابض في المجلس غير أن الذي في يده بقية التركة إن كان جاحدا يكتفي بذلك القبض لانه قبض ضمان فينوب عن قبض الصلح، وإن كان مقرا غير مانع يشترط تجديد القبض.
ا ه.
أقول: بيانه أن التركة في يد أحد الورثة أمانة، فإذا أنكرها أو منع صار غاصبا والغاصب ضامن وقبض الامانة لا ينوب عن قبض الضمان فيلزم تجديد القبض فيما لو كان مقرا غير مانع، وإلا لا، وهذا في غير النقدين.
أما هما في صورة ما إذا صالحا على جنسهما فلا بد من حضور ذلك للمجلس(2/393)
وتجديد القبض فيه لانه صرف محض كما يأتي.
قوله: (وغيرهما) وكذا عن النقدين فقط.
قوله: (بأحد النقدين) قيد بأحد النقدين احترازا عما إذا كان بدل الصلح مجموع النقدين فإنه يصح كيف كان، لانا نصرف الجنس إلى خلاف الجنس تصحيحا للعقد كما في المبيع بل أولى، لان المقصود من الصلح قطع المنازعة، ولكن يشترط فيه التقابض قبل الافتراق لانه صرف ط.
قوله: (إلا أن يكون ما أعطى له أكثر من حصته من ذلك الجنس) فلو كان ما أعطوه أقل أو مساويا لنصيبه أو لا يعلم قدر نصيبه من الدراهم فسد الصلح ط.
قال في البحر: ولو صالحوه عن النقدين وغيرهما بأحد النقدين لا يصح الصلح ما لم يعلم أن ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس إن كانوا متصادقين، وإن أنكر وراثته جاز مطلقا بشرط التقابض فيما يقابل النقد منه، وإن لم يعلم قدر نصيبه من ذلك الجنس فالصحيح أن الشك إن كان في وجود ذلك في التركة جاز الصلح، وإن علم وجود ذلك في التركة لكن لا يدري أن بدل الصلح من حصتها أقل أو أكثر أو مثله فسد.
كذا في فتاوى قاضيخان.
ا ه.
وفي المقدسي قال الحاكم: إنما يبطل حال التصادق، وفي التناكر يجوز لا يكون حينئذ بدلا في حق الآخذ ولا حق الدافع.
في الغاية: قال شيخ الاسلام الصحيح أنه باطل في الوجهين، لانه يكون معاوضة في حق المدعي فيدخل فيه معنى الربا من الوجه الذي قلنا، وإن زاد صح فيكون قدر حظه به والباقي بحقه في
باقي التركة.
قوله: (تحرزا عن الربا) قال في الدرر ليكون حصته بمثله والزيادة بمقابلة حقه من بقية التركة صونا عن الربا، فلا بد من التقابض فيما يقابل حصته من الذهب أو الفضة لانه صرف في هذا القدر.
ا ه.
قوله: (ولا بد من حضور النقدين عند الصلح) لم يذكر هذا في الشرنبلالية، ولا وجه لاشتراطه، وإن أراد به حضور البدل إذا كان منهما فقد أفاده بقوله سابقا: لكن بشرط التقابض فيما هو صرف ط.
إلا أن يقال: أراد بالحضور الحكمي بأن يحضرهما قبل الافتراق لان الشرط التقابض في المجلس، أو يكون ما يراد أن يعطى للمدفوع له تحت يده لا بطريق الامانة.
قوله: (قوله وعلمه بقدر نصيبه) أي ليعلم أن ما أخذه أزيد من نصيبه من ذلك الجنس تحرزا عن الربا.
قال أبو السعود: وإنما اشترط العلم بقدر نصيبه لاحتمال الربا، لان الفساد على تقدير كونه مساويا له أو أقل فكان أرجح وأولى بالاعتبار، بخلاف الصحة فإنها من جانب واحد، وهو ما إذا كان المأخوذ أكثر من واعلم أن صحة الصلح نصيبه فكانت العبرة لجانب الفساد لكونه من وجهين انتهى على الوجه المذكور ثبتت بالاثر، وهو أن تماضر امرأة عبد الرحمن بن عوف صالحها ورثته عن ربع ثمنها على ثمانين ألف دينار، وقيل على ثلاثة وثمانين ألفا بمحضر من(2/394)
الصحابة.
وروى أن ذلك كان نصف حقها: زيلعي.
وتماضر بنت أصبغ بن عمرو الكلبي التي طلقها عبد الرحمن في مرض موته ثلاثا ثم مات وهي في العدة فورثها عثمان وكانت مع ثلاث نسوة أخر فصالحوها عن ربع ثمنها على ثلاثة وثمانين ألفا، في رواية هي دراهم، وفي رواية هي دنانير.
ابن كمال باشا.
وتماضر بضم المثناة الفوقية وكسر الضاد المعجمة، قدم بها المدينة فولدت أبا سلمة في سريته إلى دومة الجندل في شعبان سنة ست كما في الواهب - قال: والضمير في سريته لعبد الرحمن بن عوف.
ودومة بضم الدال وفتحها: مدينة بينها وبين دمشق نحو عشر مراحل، وبعدها من المدينة نحو ثلاث عشرة مرحلة، سميت بدوما بن إسماعيل، لانه كان نزلها عليه السلام.
أصبح هذا من المخضرمين وأدرك الجاهلية والاسلام ولم يجتمع به عليه السلام، أسلم على يد سيدنا عبد الرحمن بن عوف.
وقوله روى أن ذلك كان نصف حقها فعلى كون بدل الصلح كان ثمانين ألفا وأنها نصف حقها يكون جميع ماله المتروك رضي الله عنه خمسة الآلف ألف ألف ومائة وعشرين ألفا ويكون ثمنه ستمائة ألف وأربعين ألفا وربع الثمن مائة ألف وستون ألفا ونصف ربع الثمن ثمانون ألفا.
قوله: (ولو بعرض) يعني لو كان بدل الصلح عرضا في الصور كلما جاز مطلقا وإن قل ولم يقبض في المجلس، وظاهره يعم ما لو كان العرض من التركة إذ حقه ليس في جميعه فيكون مبادلا عن نصيبه في بقية التركة بما زاد عن حقه فيه.
قوله: (وكذا لو أنكروا إرثه) أي فإنه يجوز مطلقا.
قال في الشرنبلالية: وقال الحاكم الشهيد: إنما يبطل على أقل من نصيبه في مال الربا حالة التصادق، وأما في حالة التناكر بأن أنكروا وراثته فيجوز.
وجه ذلك إن في حال التكاذب ما يأخذه ليكون بدلا في حق الآخذ ولا في حق الدافع.
هكذا ذكره المرغيناني.
ولا بد من التقابض فيما يقابل الذهب والفضة منه لكونه صرفا، ولو كان بدل الصلح عرضا في الصور كلها جاز مطلقا وإن قل ولم يقبض في المجلس.
ا ه.
أقول: لكن في قوله لا يكون بدلا لا في حق الآخذ فيه أنه بدل في زعمه، وعليه فينبغي أن لا يحل له الاخذ ما لم يعلم مقدار حقه من ذلك الجنس، لانه إن لم يعلم قدر نصيبه من ذلك الجنس لا يصح، لان فيه شبهة الربا وهي محرمة، وإن شك في وجود ذلك الجنس في التركة صح، لانه حينئذ يكون شبهة الشبهة وهي لا تحرم.
قوله: (بل لقطع المنازعة) هذا في حق المدعى عليه، أما في حق المدعي فأخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي لانهم بجحودهم حقه صاروا غاصبين وصار المال مضمونا عليهم في ذمتهم من قبيل الدين، وقد علم حكم الصلح عن الدين بجنسه، بخلاف ما إذا أقروا بذلك فإن المال حينئذ عين وإن كان من النقدين، ولا يصح عن الاسقاط في الاعيان فلذلك تعين أن يكون صرفا، لكن قد يقال فيه: إن المال القائم إذا صار مضمونا لا ينتقل للذمة، وعليه فلا فرق بين الصورة المذكورة وما بعدها، في أن بكل منها إسقاط العين وهو لا يجوز، وإنما جوزوا الصورة الاولى باعتبار أن ما يأخذه بدلا لا في حق الآخذ ولا في حق الدافع.
تأمل.
قوله: (وبطل الصلح الخ) أي في الكل عند الكل على الاصح، وقيل عندهما يبقى العقد صحيحا فيما وراء الدين ط.
قال العلامة أبو السعود: هذا ليس على إطلاقه لما سبق عن الزيلعي من أنه ينبغي أن يجوز عندهما في غير الدين إذا
بينت حصته، وأنه يشكل إن كان هو قول الكل لا خلاف لهما، لان قياس مذهبهما في الجمع بين(2/395)
الحر والعبد والشاة الذكية والميتة حيث جوز العقد في العبد والذكية إذا بين ثمن كل منهما أن يجوز الصلح عندهما في غير الدين إذا بينت حصته اللهم إلا أن يحمل هذا على ما إذا لم يبين ما يقابل كل واحد منهما أو يفرق عندهما بين البيع والصلح، والظاهر أنه لم يرد نص في الصلح عنهما، ولهذا ذكره الزيلعي بلفظ ينبغي قياسا على البيع، وكذا قول الشارح.
قيل هذا قول أبي حنيفة، وقيل هو قول الكل ظاهر في عدم ورود نص عنهما، فلهذا اختلف المشايخ فيه انتهى.
قوله: (وفي التركة ديون) أي على الناس لقرينة ما يأتي، وكذا لو كان الدين على الميت.
قال في البزازية: وذكر شمس الاسلام أن التخارج لا يصح إن كان على الميت دين: أي يطلبه رب الدين، لان حكم الشرع أن يكون الدين على جميع الورثة ا ه.
قوله: (بشرط) متعلق بأخرج.
قوله: (لان تمليك الدين الخ) وهو هنا حصة المصالح.
قال في الدرر: لانه يصير مملكا حصته من الدين لسائر الورثة بما يأخذ منهم من العين وتمليك الدين من غير من عليه الدين باطل وإن كان بعوض، وإذا بطل في حصة الدين بطل في الكل.
ا ه.
فقول الدرر لانه أي المصالح عن الدين والعين يعم العرض والعقار والمكيل والموزون الحاضر وغير من عليه الدين هنا بقية الورثة، وقوله: بطل في الكل لان العقد الواحد إذا فسد في بعض المعقود عليه فسد في الكل وهو قول أبي حنيفة والدليل له في مسألة الدعوى، وعندهما: يبقى العقد صحيحا فيما وراء الدين، وقيل هو قول الكل كما في الكافي وغيره كما قدمناه عنه قريبا.
أقول: وينبغي أن ليس اختلاف القولين بين المشايخ على إطلاقه، بل اللائق كون البطلان قول الكل إذا لم يبين حصة الدين في البدل، وأما إذا بين فيصح الصلح عندهما فيما وراء الدين بحصته، إذ لا موجب للبطلان حينئذ فيه عندهما.
تدبر.
وأشار إلى ذلك ابن ملك.
قوله: (من غير من عليه الدين) وهو الورثة هنا.
قوله: (باطل) لما ذكر من أنه يصير مملكا حصته من الدين إلى آخر ما قدمناه عن الدرر: أي ثم يتعدى البطلان إلى الكل لان الصفقة واحدة سواء بين حصة الدين أو لم يبين.
وأقول: هذا إذا لم يسلطهم ولم يوكلهم في مقدار نصيبه من الدين، وأما إذا سلطهم فينبغي أن يصح الصلح كذا قيل.
قوله: (وصح لو شرطوا إبراء الغرماء) أي إبراء المصالح للغرماء، والظهر أن هذه الحيل لخروجه عن كل التركة، ولذا قال في السراج والمنح: وفي الوجهين ضرر بقية الورثة فلا يصح قول الشارح وأحالهم بحصته، لانها سقطت عن الغرماء كما صرح به البزازي أيضا، وسنبينه قريبا في المقولة الآتية إن شاء الله تعالى، ولم يذكر حيلة مع أنها أحسن مع أنها أحسن مما ذكر وكنت أقتصر عليها.
ورأيتها في المقدسي: وهي أن يأمرهم ليقبضوه له ثم لهم، لكن له أن يرجع، فالوجه الآتي أولى.
فرع: ادعت امرأة ميراثها فصولحت على أقل من حظها أو مهرها صح ولا يطيب لهم إن علموا،(2/396)
فإن برهنت بعد ذلك بطل الصلح ا ه.
وسيأتي في المتن أنه الاشهر أو أنه محمول على قول المتن السابق صولح على بعض ما يدعيه الخ، وإلا فهو بعيد عن القواعد إلا أن يحصل على الديانة، لكنه بعيد أيضا لا سيما وقد صولحت إحدى زوجات سيدنا عبد الرحمن بن عوف على أقل من حظها بكثير بحضور جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين كما قدمناه قريبا فلا تنسه.
قوله: (منه) أي من الدين ولا يرجع عليهم بنصيب المصالح فحينئذ يصح الصلح لانه حينئذ تمليك الدين الخ، أو لانه إسقاط.
قوله: (وأحالهم بحصته) لا محل لهذه الجملة هنا وهي موجودة في شرح الوقاية لابن ملك، وهي سبق قلم إذ لم يبق له حصة بعدما قضوه، ولذا قال في المنح: ولا يخفى ما فيه من ضرر بقية الورثة: أي لانه لم يستفيدوا من نصيبه في الدين شيئا ا ه.
وضاع عليهم ما قضوه من الدين عن الغرماء.
وفي بعض النسخ أو أحالهم.
قال ط: ذكره ردا على صاحب الدرر وتبعه المصنف حيث قالا: ولا يخفى ما فيه: أي هذا الوجه من الضرر ببقية الورثة، ولكنه لا يدفع لانه يرجع عليهم بما أحالهم به فيكون الضرر عليهم مرتين ا ه.
أقول: في قوله فيكون الضرر الخ يأتي بيانه قريبا عن الاتقاني.
قوله: (منه) أي من الدين.
قوله: (عن غيره) أي عما سوى الدين.
قوله: (بالقرض) أي ببدله الذي أخذه منهم.
قوله: (وقبلوا) أي الغرماء والمصالحون، لان الشرط قبول المحال عليه والمحتال.
قوله: (وهذه أحسن الحيل) لان في الاولى
ضررا للورثة حيث لا يمكنهم الرجوع إلى الغرماء بقدر نصيب المصالح، وكذا في الثانية لان النقد خير من النسيئة.
إتقاني.
قوله: (والاوجه الخ) لان في الاخيرة لا يخلو عن ضرر وهو تأخير وصولهم قدر حصته مع أنه ليس لهم نفع في هذا القدر وهو خلاف وضع الصلح غالبا.
قوله: (ثم يحيلهم على الغرماء) أو يحيلهم ابتداء من غير بيع ليقبضوه له ثم يأخذوه لانفسهم.
قوله: (ولا دين فيها) أما إذا كان فيها دين فلا يصح الصلح لما تقدم.
قوله: (اختلاف) فقال الفقيه أبو جعفر بالصحة وهو الصحيح.
وقال ظهير الدين المرغيناني: لا يصح.
قوله: (لعدم اعتبار شبهة الشبهة) لان عدم الصحة باحتمال أن يكون في التركة مكيل أو موزون ونصيبه من ذلك مثل بدل الصلح فيكون ربا، وقيل يصح لاحتمال أن لا يكون في التركة مكيل أو موزون، وإن كان فيحتمل أن يكون نصيبه أقل من بدل الصلح فكان القول بعدم الجواز مؤديا إلى اعتبار شبهة الشبهة ولا عبرة بها.
ا ه.
وإنما العبرة للشبهة.
وفي فتاوى قاضيخان: والصحيح ما قاله أبو جعفر من أنه يجوز هذا الصلح، لان الثابت هنا شبهة الشبهة وذلك لا يعتبر ا ه.
لانه يحتمل أن يكون في التركة من جنس بدل الصلح على تقدير أن يكون زائدا على بدل الصلح، فاحتمال الاحتمال يكون شبهة الشبهة.
قوله: (جنس بدل الصلح) تركيب إضافي بإضافة جنس إلى بدل الصلح.
قوله: (لم يجز) أي حتى يكون ما يأخذه أزيد من حصته(2/397)
من ذلك الجنس ليكون الزائد في مقابلة ما يخصه من غير الجنس، ويشترط القبض لانه بمنزلة البيع وبيع ما جمعهما قدر وجنس أو أحدهما لا يجوز نسيئة، كذا تقتضيه القواعد.
والمراد أنه لا يجوز اتفاقا كما أن الثاني يجوز اتفاقا.
قوله: (وإلا) أي إن لا يكن في التركة جنس بدل الصلح، وهذا التفصيل لغير ما نحو فيه.
قوله: (وإن لم يدر فعلى الخلاف) هي مسألة المتن ويدري بالبناء للمجهول.
قوله: (وهي غير مكيل أو موزون) كذا وقع في الغرر، ولا وجه للتقييد به إلا إذا كان المصالح عليه مكيلا أو موزونا.
أما إذ كان غيرهما فلا يظهر لهذا التقييد وجه، وقد نقل المصنف هذه المسألة عن الزيلعي، وعبارة الزيلعي خالية عن هذا التقييد، ونصها: وهذا يدل على أن الصلح مع جهالة التركة يجوز، وقيل لا يجوز لانه بيع وبيع المجهول لا يجوز، والاول أصح لان الجهالة هنا لا تفضي إلى المنازعة لانها
في يد بقية الورثة فلا يحتاج فيها إلى التسليم، حتى لو كانت في يد المصالح أو بعضها لا يجوز حتى يصير جميع ما في يده معلوما للحاجة إلى التسليم ط.
أقول: وكذا يشترط أن لا يكون فيها دين ووقع الصلح على مكيل وموزون كما في الاتقاني.
قوله: (صح في الاصح) وقيل لا يجوز لانه بيع المجهول، لان المصالح باع نصيبه من التركة وهو مجهول بما أخذ من المكيل والموزون.
إتقاني.
قوله: (لانها) أي جهالة التركة المصالح عنها.
قوله: (لا تفضي إلى المنازعة لقيامها في يدهم) يعني أن العلة في عدم جواز المبيع إذا كان المبيع مجهولا لافضائه إلى المنازعة، وهنا لا يفضي إليها لان المصالح عنه في يد بقية الورثة فلا يحتاج فيه إلى التسليم ولا يطلبون شيئا آخر من المصالح بمقابلة بدل الصلح.
كذا في العزمية.
كمن أقر بغصب شئ فباعه المقر له منه جاز وإن جهلا قدره، وقيل لا يصح لان المصالح باع نصيبه من التركة وهو مجهول بما أخذه من المكيل والموزون ومن جهالة المبيع لا يصح كما في شرح المجمع.
قلت: واستفيد منه أن ما يحتاج لتسليمه تلزم معرفته، وما لا فلا.
در منتقى.
أقول: واستفيد أن نفس الجهالة غير مانعة لجواز البيع، بل الجهالة المفضية إلى المنازعة مانعة، ألا ترى أنه لو باع قفيزا من صبره يجوز البيع مع الجهالة، وكذلك لو باع المغصوب كما ذكرنا.
قوله: (ما لم يعلم جميع ما في يده) أي لا يجوز حتى يصير جميع ما في يده معلوما للحاجة إلى التسليم كما ذكرنا عن الاتقاني، بخلاف ما إذا كانت في أيدي بقية الورثة فإنه يجوز مع الجهالة لانه يحتاج فيها إلى التسليم كما مر ويأتي.
قوله: (ابن ملك) لم يذكر هذا القيد أصلا.
خاتمة التهايؤ: أي تناوب الشريكين في دابتين غلة أو ركوبا يختص جوزاه بالصلح عند أبي حنيفة لا الجبر.
وجائز في دابة غلة أو ركوبا بالصلح فاسد في غلتي عبدين عنده ولو جبرا.
درر البحار.
وفي شرحه غرر الافكار: ثم اعلم أن التهايؤ جبرا في غلة عبد أو دابة لا يجوز اتفاقا للتفاوت، وفي خدمة عبد أو عبدين جاز اتفاقا لعدم التفاوت ظاهرا أو لقلته، وفي غلة دار أو دارين أو سكنى دار أو دارين اتفاقا لامكان المعادلة، لان التغيير لا يميل إلى العقار ظاهرا وأن التهايؤ صلحا جائز في(2/398)
جميع الصور كما جوز أبو حنيفة أيضا قسمة الرقيق صلحا ا ه.
قوله: (وبطل الصلح) أي مع أحد الورثة ليخرجوه عنها، فلو قسموا التركة بين الورثة ثم ظهر دين محيط قيل للورثة اقضوه، فإن قضوه صحت القسمة، وإلا فسخت لان الدين مقدم على الارث فيمنع وقوع الملك لهم، إلا إذا قضوا الدين أو أبرأ الغرماء ذممهم فحينئذ تصح القسمة لزوال المال، فكذا إذا لم يكن محيطا لتعلق حق الغرماء بها إلا إذا بقي في التركة ما يفي بالدين فحينئذ لا تفسخ لعدم الاحتياج.
كذا في قسمة الدرر.
قوله: (والقسمة) أي قسمة التركة بين الورثة لانهم لا يمكلون التركة حينئذ لتقدم حاجته فللغريم إبطالها، ولو أجاز قبل أن يصل إليه حقه.
وفي الظهيرية: ولو لم يضمن الوارث ولكن عزلوا عينا لدين الميت فيه وفاء بالدين ثم صالحوا في الباقي على نحو ما قلنا جاز ا ه.
قال العلامة المقدسي: فلو هلك المعزول لا بد من نقض القسمة.
قوله: (بلا رجوع) أما لو كان برجوع كانت التركة مشغولة.
قال في التبيين: ولو ضمن رجل بشرط أن لا يرجع في التركة جاز الصلح، لان هذا كفالة بشرط براءة الاصيل وهو الميت فتصير حوالة، فيخلو مال اليتيم عن الدين فيجوز تصرفهم فيه.
ا ه.
قوله: (بشرط براءة الميت) تبع فيه المصنف، وقد علم من عبارة الزيلعي أن المدار على اشتراط عدم الرجوع في التركة وقد بين وجهه ط.
قوله: (يوفى) بالبناء للمجهول بضم ففتح فتشديد.
قوله: (من مال آخر) الاولى تقديمه على أو يضمن أجنبي، فإن الضمير فيه يرجع إلى الوارث إذا لم يبن للمجهول لفظ يوفي، وسواء وفي الوارث من ماله الخاص به أو من عين أخرى ظهرت للميت.
قوله: (ولا ينبغي أن يصالح) أي بل يكره، وهل هي تنزيهية أو تحريمية حرره ط.
أقول: معنى لا ينبغي خلاف الاولى، وخلاف الاولى مكروه تنزيها.
قال في البحر: لا ينبغي الاولى أن لا يفعلوا ذلك حتى يقضوا الدين ا ه.
قوله: (استحسانا) والقياس أن لا يجوز، لان كل جزء من أجزاء التركة مشغول بالدين لدعم الاولوية بالصرف إلى جزء دون جزء فصار كالمستغرق فيمنع من دخوله في ملك الورثة.
ووجه الاستحسان ما ذكره من التعليل بقوله لان التركة لا تخلو عن قليل دين الخ.
والاولى
تقديم قوله استحسانا عند قوله صح لان التركة الخ لانه يوهم خلاف المراد، وما هنا موافق لما في الزيلعي مخالف لما في مسكين والعيني، فإن عبارة مسكين: ولو على الميت دين محيط: أي مستغرق جميع التركة بأن لا يبقى شئ بعد أدائه بطل الصلح والقسمة، وإن لم يكن مستغرقا لا ينبغي أن يصالحوا ما لم يعطوا دينه.
ولو فعلوا قالوا يجوز الصلح.
وذكر الكرخي رحمه الله تعالى في القسمة أنها لا تجوز استحسانا وتجوز قياسا.
ا ه.
وعبارة الزيلعي: وإن لم يكن مستغرقا جاز استحسانا، والقياس أن لا يجوز الخ.
قوله: (لئلا يحتاجوا) علة لقوله فيوقف قال صدر الشريعة: ولو صالح فالمشايخ قالوا(2/399)
صح، لان التركة لا تخلوا عن قليل دين والدائن قد يكون غالبا، فلو جعلت التركة موقوفة لتضرر الورثة والدائن لا يتضرر، لان على الورثة قضاء دينه ووقف قدر الدين وقسم الباقي استحسانا ووقف الكل قياس الخ.
قوله: (على السواء) أفاد أن أحد الورثة إذا صالح البعض دون الباقي يصح وتكون حصته له فقط.
وكذا لو صالح الموصى له كما في الانقروي.
مسألة في رجل مات عن زوجة وبنت وثلاثة أبناء عم عصبة وخلف تركة اقتسموها بينهم ثم ادعت الورثة على الزوجة بأن الدار التي في يدها ملك مورثهم المتوفي فأنكرت دعواهم فدفعت لهم قدرا من الدراهم صلحا عن إنكار، فهل يوزع بدل الصلح عليهم على قدر مواريثهم أو على قدر رؤوسهم؟ الجواب قال في البحر: وحكمه في جانب المصالح عليه وقوع الملك فيه للمدعي سواء كان المدعى عليه مقرا أو منكرا، وفي المصالح عنه وقوع الملك فيه للمدعى عليه ا ه.
ومثله في المنح.
وفي مجموع النوازل: سئل عن الصلح عن الانكار بعد دعوى فاسدة هل يصح؟ قال: لا لان تصحيح الصلح على الانكار من جانب المدعي أن يجعل ما أخذ عين حقه أو عوضا عنه لا بد أن يكون ثابتا في حقه ليمكن تصحيح الصلح من الذخيرة، فمقتضى قوله وقوع الملك فيه للمدعي وقوله أن يجعل عين حقه أو عوضا عنه أن يكون على قدر مواريثهم.
سيدي الوالد رحمه الله تعالى عن مجموعة منلا علي التركماني أمين الفتوى بدمشق الشام.
قوله: (إن كان ما أعطوه من مالهم) أي وقد استووا فيه، ولا يظهر عند التفاوت ط.
قوله: (فعلى قدر ميراثهم) قال في السراجية وشرحها: من صالح عن
شئ من التركة فاطرح سهامه من التصحيح ثم أقسم باقي التركة على سهام الباقين كزوج وأم وعم فصالح الزوج عن نصيبه على ما في ذمته من المهر وخرج من البين فيقسم باقي التركة بين الام والعم أثلاثا بقدر سهامهما سهمان للام وسهم للعم.
فإن قلت: هلا جعلت الزوج بعد المصالحة وخروجه من البين بمنزلة المعدوم، وأي فائدة في جعله داخلا في تصحيح المسألة مع أنه لا يأخذ شيئا وراء ما أخذه.
قلت: فائدته أنا لو جعلناه كأن لم يكن وجعلنا التركة ما وراء المهر لانقلب فرض الام من ثلث أصل المال إلى ثلث الباقي، إذ حينئذ يقسم الباقي بينهما أثلاثا فيكون للام سهم وللعم سهمان وهو خلاف الاجماع، إذ حقها ثلث الاصل، وإذا أدخلنا الزوج في المسألة كان للام سهمان من الستة وللعم سهم واحد ويقسم الباقي بينهما على هذه الطريقة، فتكون مستوفية حقها من الميراث.
ا ه.
ملخصا ط.
وسيأتي آخر كتاب الفرائض بيان قسمة التركة مفصلا.
قوله: (وقيده الخصاف) أي قيد جريان هذا التفصيل بما إذا كان الورثة منكرين.
قوله: (فعلى السواء) أي مطلقا منح سواء كان الدفع من التركة أو من غيرها لانه بمنزلة البيع فكأنهم اشتروه جميعا، ولا يظهر التساوي إلا إذا كان المدفوع متساويا بينهم، وعليه فينبغي أن يرجع الاكثر حصة في التركة على الاقل حصة بقدر ما دفع من ماله عنه فليتأمل.
قال الشرنبلالي في شرح الوهبانية: والوجه أنهما في الاقرار يكونان مشتريين فيتنصف، وفي(2/400)
الانكار مدعيين العين للتركة فيكون على قدر الانصباء، واختاره البعض.
قوله: (عن بعض الاعيان) أشياء به إلى أنه كما يصح الصلح معه عن كل أعيانها يصح عن بعضها اعتبارا للجزء بالكل.
وفي المجتبى: ادعى مالا: أي معلوما أو غيره فجاء رجل واشترى ذلك من المدعي يجوز الشراء في حق المدعي ويقوم مقامه في الدعوى، فإن استحق شيئا كان له، وإلا فلا، فإن جحد المطلوب ولا بينة فله أن يرجع ا ه.
حموي.
ومثله في البحر.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
وتأمل في وجهه.
ففي البزازية من أول كتاب الهبة: وبيع الدين لا يجوز، ولو باع من المديون أو وهبه جاز ا ه.
أقول: لم يظهر لي وجهه مع تصريحهم بعدم صحة بيع الدين لغير من عليه الدين فهو غير صحيح فيما يظهر وفوق كل ذي علم عليم.
قوله: (أفي التركة دين) هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها أن بدل أفي وعليها فيلزم نصب دين وعليها كتب ط.
والمراد أن الصك صحيح: يعني إذا أقر بما فيه عمل به وليس له نقضه إلا بمسوغ.
قوله: (وكذا لو لم يذكره في الفتوى) أي في السؤال الذي رفع ليكتب عليه أو يجاب عنه: أي فلا يجب على المفتي البحث ط.
قوله: (والموصى له بمبلغ من التركة كوارث) صورتها: رجل أوصى لرجل بعبد أو دار فترك ابنا وابنة فصالح الابن والابنة الموصى له بالعبد على مائة درهم.
قال أبو يوسف: إن كانت المائة من مالهما غير الميراث كان العبد بينهما، نصفين، وإن صالحاه من المال الذي ورثاه عن أبيهما كان المال بينهما أثلاثا لان المائة كانت بينهما أثلاثا.
وذكر الخصاف في الحيل أن الصلح إن كان عن إقرار كان العبد الموصى به بينهما نصفين، وإن كان عن إنكار فعلي قدر الميراث، وعلى هذا بعض المشايخ، وكذلك في الصلح عن الميراث، كذا في قاضيخان.
قوله: (من مسألة التخارج) أي بتفاصيلها.
قوله: (صالحوا الخ) أقول: قال في البزازية في الفصل السادس من الصلح: ولو ظهر في التركة عين بعد التخارج لا رواية في أنه هل يدخل تحت الصلح أم لا، ولقائل أن يقول يدخل، ولقائل أن يقول لا ا ه.
ثم قال بعد نحو ورقتين: قال تاج الاسلام وبخط صدر الاسلام وجدته: صالح أحد الورثة وأبرأ إبراء عاما ثم ظهر في التركة شئ لم يكن وقت الصلح لا رواية في جواز الدعوى.
ولقائل أن يقول بجواز دعوى حصته منه وهو الاصح.
ولقائل أن يقول لا.
وفي المحيط: لو أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكروا لا تسمع دعواه، وإن أقروا بالتركة أمروا بالرد عليه.
ا ه.
كلام البزازية ثم قال بعد أسطر: صالحت: أي الزوجة عن الثمن ثم ظهر دين أو عين لم يكن معلوما للورثة، قيل لا يكون داخلا في الصلح ويقسم بين الورثة لانهم إذا لم يعلموا كان صلحهم عن المعلوم الظاهر عندهم لا عن المجهول فيكون كالمستثنى من الصلح فلا يبطل الصلح.
وقيل يكون داخلا في الصلح لانه وقع عن التركة والتركة اسم للكل، فإذا ظهر دين فسد
الصلح ويجعل كأنه كان ظاهرا عند الصلح.
ا ه.
والحاصل من مجموع كلام المذكور: أنه لو ظهر بعد الصلح في التركة عين هل تدخل في(2/401)
الصلح فلا تسمع الدعوى بها أم لا تدخل فتسمع الدعوى؟ قولان وكذا لو صدر بعد الصلح إبراء عام ثم ظهر للمصالح عين هل تسمع دعواه فيه قولان أيضا.
والاصح السماع بناء على القول بعدم دخولها تحت الصلح فيكون هذا تصحيحا للقول بعدم الدخول، وهذا إذا اعترف بقية الورثة بأن العين من التركة وإلا فلا تسمع دعواه بعد الابراء كما أفاده ما نقله عن المحيط، وإنما قيد بالعين لانه لو ظهر بعد الصلح في التركة دين فعلى القول بعدم دخوله في الصلح يصح الصلح ويقسم الدين بين الكل.
وأما على القول بالدخول فالصلح فاسد كما لو كان الدين ظاهرا وقت الصلح إلا أن يكون مخرجا من الصلح بأن وقع التصريح بالصلح عن غير الدين من أعيان التركة.
وهذا أيضا ذكره في البزازية حيث قال: ثم ما ظهر بعد التخارج على قول من قال من أنه لا يدخل تحت الصلح، لا خفاء، ومن قال يدخل تحته فكذلك، إن كان عينا لا يوجب فساده، وإن دينا إن مخرجا من الصلح لا يفسد وإلا يفسد ا ه.
قوله: (أشهرهما لا) وعلى مقابله: فإن كان الذي ظهر دينا فسد الصلح كأنه وجد في الابتداء فيكون هو وغيره بين الكل، وإن كان عينا لا.
ا ه.
منح.
قوله: (بل بين الكل) أي بل يكون الذي ظهر بين الكل.
قوله: (قلت وفي البزازية الخ) وفي الثامن والعشرين من جامع الفصولين أنه الاشبه.
قوله: (ولا يبطل الصلح) أي لو ظهر في التركة عين، أما لو ظهر فيها دين فقد قال في البزازية: إن كان مخرجا من الصلح لا يفسد، وإلا يفسد كما سمعته: أي إن كان الصلح وقع على غير الدين يفسد، وإن وقع على جميع التركة فسد كما لو كان الدين ظاهرا وقت الصلح.
قوله: (وفي مال طفل) أي والصلح في مال الطفل الثابت بالشهود لم يجز إذ لا مصلحة له، ومفهومه: أنه يجوز الصلح حيث لا بينة للطفل.
والضمير في لم يجز إلى الصلح.
قوله: (وما يدعي) عطف على مأخوذ من المقام: أي فلم يجز الصلح في مال الطفل الثابت بالشهود ولا فيما يدعي خصم ولا يتنور: أي لم ينور دعواه لبينة.
وحاصل المعنى: إذا كان لطفل مال بشهود لم يجز الصلح فيه، ولم يجز مصالحة من يدعي شيئا على الصغير بدون بينة بمال الصغير، لان المدعي لم يستحق سوى الاستحلاف، ولا يستحلف الاب ولا الوصي ولا الصبي حال صغره، والاب لا يصح أن يفدي اليمين بمال الصغير، وإن تبرع الاب بماله صح كالاجنبي.
وإذا كان للمدعي بينة يصح الصلح بمال الصغير بمثل القيمة وزيادة يتغابن فيها كالشراء، وهذه المسائل تجري في الاب والجد ووصيهما والقاضي ووصيه، وسواء كان الصلح في عقار أو عبد أو غيرهما في الكل أو البعض.
وعليه فالصورة أربع فيما إذا لم يكن للطفل بينة وحيث كان للخصم بينة، فهذه أربع صور.
وأشار المصنف إلى أن الاربعة تجري مع الاب والجد والوصي من جهة الاب أو الجد، ومن جهة الوصي أو من جهة أحدهما أو القاضي أو وصي القاضي فبلغ اثنتين وثلاثين مسألة، وسواء كان الصلح في عقار أو عبد أو غيرهما فيبلغ ستة وتسعين، وسواء كان في الجميع أو البعض فيبلغ مائة واثنين وتسعين حكما كل ذلك مما ذكره صاحب المبسوط.(2/402)
قلت: بقي عليه وصي الام في تركتها ووصيه والاخ.
قال في المبسوط: وصلح وصي الام والاخ مثل صلح وصي الاب في غير العقار، فيبلغ أضعاف ذلك كما في شرح الوهبانية لابن الشحنة، وتمامه فيه.
قوله: (وصح على الابراء عن كل عائب) الضمير في صح يعود إلى الصلح: يعني جاز الصلح عن البراءة من كل عيب، لان الابراء عن العيب بلا بدل صحيح فكذلك معه، كما لو سمي عيبا معلوما لانه إسقاط الحق.
ولو قال اشتريت منك العيوب بكذا لم يصح ط.
وهذا البيت للعلامة عبد البر ذكره بعد أبيات بعد البيت الاول.
قوله: (ولو زال عيب) أي لو صالحه على عيب في المبيع ودفع له بدلا عن الصلح ثم زال العيب بطل الصلح ويسترد البدل ويسقط عنه إن لم يكن دفعه لعود السلامة، وكذا كل عيب زال كطلاق المشتراة، أو لم يوجد يرد بدله كعدم الحبل، وكما لو ظهر الدين على غير المصالح يرد بدله كما في الشرنبلالية.
قوله: (ومن قال) أي لو ادعى عليه شيئا فأنكر فقال له إن تحلف على عدم ثبوت هذا الحق عليك فأنت برئ منه لم تجز هذه البراءة لعدم جواز تعليقها بالشرط، فإن كان حلف عند غير القاضي له أن يحلفه عند القاضي، ولو أقام بينة قبلت، وإن
عجز أعاد اليمين عليه.
قوله: (ولو مدع) لو للوصل: أي لو قال للمدعي إن حلفت على ما تدعيه فهو لك فحلف لا يستحق المدعي.
قوله: (كالاجنبي) خبر لمبتدأ محذوف: أي وما ذكر من المدعى عليه والمدعي كالاجنبي حال كونه يصور: أي لو قال له إن حلف فلان الاجنبي فلك ما تدعيه أو أنت برئ مما ادعى عليك فحلف الاجنبي لا يبرأ.
والحاصل: أنه اشتمل هذا البيت على ثلاث مسائل من قاضيخان.
الاولى: اصطلحا على أنه إن حلف المدعى عليه فهو برئ فحلف أن ماله قبله شئ فالصلح باطل.
الثانية: اصطلحا على أنه إن حلف المدعي على دعواه فالمدعى عليه يكون ضامنا لما يدعي فالصلح باطل، فلا يجب المال على المدعى عليه.
الثالثة: اصطلحا على أنه إن حلف فلان وهو غير الطالب فالمال على المدعى عليه كان باطلا فلا يلزمه المال، وهي المفادة بقوله كالاجنبي، وهذه المسائل تقدمت في كتاب الدعوى.
خاتمة: نسأل الله حسنها.
وفي البحر عن مجموع النوازل: وقع بين امرأة وزوجها مشاجرة فتوسط المتوسطون بينهما للصلح فقالت لا أصالحه حتى يعطيني خمسين درهما يحل لها ذلك، لان لها عليه حقا من المهر وغيره ا ه.
قال الحموي نقلا عن المقدسي: قلت: هذه دعوى لا دليل عليها فقد يكون لا شئ لها وتطلب ذلك ا ه.
وأقول: ما ذكره في مجموع النوازل من أنه يحل لها الاخذ مفروض فيما إذا وافقها الزوج بأن أعطاها ما طلبت بطريق الصلح، وحينئذ لا يتوقف الاخذ على أن يكون لها شئ عليه إذ ليس هو بأدنى مما سبق التصريح به من أن الصلح يجوز ولو عن إنكار، وقدمنا عن الزيلعي التصريح بأنه يحل للمدعي أخذه لانه في زعمه عين حقه أو بدله وإن كان المدعى عليه يزعم أنه لا شئ عليه، ومع هذا حل له الدفع أيضا للشر عن نفسه، وحينئذ فقوله لان لها عليه حقا من المهر إنما ذكره تحسينا للظن بها، لا لانه شرط لجواز الصلح.
أبو السعود.(2/403)
وفي البحر عن الخلاصة: ولو استقرض من رجل دراهم بخارية ببخارى أو اشترى سلعة بدراهم بخارية ببخارى فالتقيا ببلدة لا يوجد بها البخاري، قالوا: يؤجل قدر المسافة ذاهبا وجائيا ويستوثق منه بكفيل.
وفيه عنها: إذا أقر الوصي أن عنده ألف درهم للميت وللميت ابنان فصالح أحدهما من حقه على أربعمائة لم يجز، وإن كان استهلكها ثم صالحهما جاز ا ه.
ولو صالح امرأته من نفقتها سنة على حيوان أو ثوب سمي جنسه جاز مؤجلا وحالا، بخلاف ما لو صالحها بعد الفرض أو بعد تراضيهما عن النفقة لا يجوز.
كذا في محيط السرخسي.
ولو صالحته عن أجر رضاع الصبي بعد البينونة كان جائزا، ثم ليس لها أن تصالح بما ثبت لها من دراهم الاجر على طعام بغير عينه كذا في المبسوط.
رجل صالح امرأته المطلقة من نفقتها على دراهم معلومة على أن لا يزيدها عليها حتى تنقضي عدتها وعدتها بالاشهر جاز ذلك، وإن كان عدتها بالحيض لا يجوز لان الحيض غير معلوم، قد تحيض ثلاث حيض في شهرين وقد لا تحيض عشرة أشهر.
كذا في فتاوى قاضيخان.
لو صالحت مع زوجها من نفقتها ما دامت زوجة له على مال لا يجوز.
لو كانت امرأته مكاتبة أو أمة قد بوأها المولى بيتا فصالحها على دراهم مسماة من النفقة والكسوة لكل سنة جاز ذلك، وكذلك لو صالح مولى الامة، فلو لم يكن بوأها المولى بيتا لم يجز هذا الصلح، وكذلك إن كانت المرأة صغيرة لا يستطيع الزوج أن يقر بها فصالح أباها عن نفقتها لم يجز، وإن كانت كبيرة والزوج صغير فصالح أبوه عن النفقة وضمن جاز.
وإذا صالح الفقير امرأته على نفقة كثيرة في الشهر لم يلزمه إلا نفقة مثلها.
كذا في المبسوط.
لو صالح على نفقة المحارم ثم ادعى الاعسار صدق وبطل الصلح.
كذا في التاترخانية.
إذا صالح الرجل بعض محارمه عن النفقة وهو فقير لم يجبر على إعطائه إن أقروا أنه محتاج، فإن لم يعرف حاله وادعى أنه فقير فالقول قوله، ويبطل عنه ما صالح عليه، إلا أن تقوم بينة أنه موسر فيقضي بالصلح عليه، ونفقة الولد الصغير كنفقة الزوجة من حيث إن اليسار ليس بشرط لوجوبها،
فالصلح فيه يكون ماضيا، وإن كان الوالد محتاجا، فإن كان صالح على أكثر من نفقتهم بما يتغابن الناس فيه أبطلت الفضل عنه، وكذلك الصلح في الكسوة للحاجة، والمعتبر فيه الكفاية كالنفقة.
لو صالح امرأته من كسوتها على درع يهودي ولم يسم طوله وعرضه ورفعته جاز ذلك، وكذلك كسوة القرابة.
ولو صالح رجل أخاه وهو صحيح بالغ على دراهم مسماة لنفقته وكسوته كل شهر لم يجبر ذلك ولم يجبر عليه.
كذا في المبسوط.
إن صالحت المبانة زوجها عن سكناها على دراهم لا يجوز.
كذا في فتاوى قاضيخان.
إذا صالح امرأته من نفقتها وكسوتها لعشر سنين على وصيف وسط إلى شهر أو لم يجعل له أجلا فهو جائز.
كذا في المبسوط.(2/404)
سئل الحسن بن علي عمن ادعى على آخر فسادا في البيع بعد قبض المبيع ولم يتهيأ له إقامة البينة فصولح بينهما عن دعوى الفساد على دنانير هل يصح الصلح؟ فقال لا.
قيل: ولو وجد بينة بعد الصلح هل تسمع البينة؟ فقال نعم، كذا في التاترخانية ناقلا عن اليتيمة.
وفي حكم الرد بالعيب المصالح عليه كالبيع يرد بالعيب اليسير والفاحش ويرجع في الدعوى إن كان رده بحكم أو غير حكم.
كذا في المبسوط.
لو وجد بما وقع عليه الصلح عيبا فلم يقدر على رده لاجل الهلاك أو لاجل الزيادة أو لاجل النقصان في يد المدعي فإنه يرجع على المدعى عليه بحصة العيب، فإن كان الصلح عن إقرار رجع بحصة العيب على المدعى عليه في المدعي، وإن كان عن إنكار رجع بحصة العيب على المدعى عليه في دعواه، فإن أقام البينة أو حلفه فنكل استحق حصة العيب منه، فإن حلفه فحلف فلا شئ عليه.
كذا في السراج الوهاج.
لو اشترى جارية فولدت عند المشتري ثم وجدها عوراء وأقر البائع أنه دلسها له فصالحه على أن يردها وولدها وزيادة ثوب على أن يرد عليه الآخر الثمن فهو جائز، وكذلك هذا في نقض بناء الدار
وزيادة بنائها.
هكذا في المبسوط.
ادعى عيبا في جارية اشتراها وأنكر البائع فاصطلحا على مال على أن يبرئ المشتري البائع من ذلك العيب ثم ظهر أنه لم يكن بها عيب أو كان ولكنه قد زال فللبائع أن يسترد بدل الصلح.
كذا في الفصول العمادية.
اشترى رجلان شيئا فوجدا به عيبا فصالح أحدهما في حصته جاز، وليس للآخر أن يخاصم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وعندهما لآخر على خصومته، لان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لو أبرأ أحدهما عن حصته بطل حق الآخر خلافا لهما.
كذا في محيط السرخسي.
إذا اشترى ثوبين كل واحد بعشرة دراهم وقبضهما ثم وجد بأحدهما عيبا فصالح على أن يرده بالعيب على أن يزيد في ثمن الآخر درهما فالرد جائز، وزيادة الدراهم باطلة في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.
كذا في الحاوي.
لو قال لجارية أنت أمتي وقالت لا بل أنا حرة وصالحها من ذلك على مائة درهم فهو جائز، فإن أقامت البينة أنها كانت أمته أعتقها عام أول أو أنها حرة الاصل من الموالي أو من العرب حرة الابوين رجعت بالمائة عليه، ولو أقامت البينة أنها كانت أمة لفلان فأعتقها عام أول لم أقبل ذلك منها ولم ترجع بالمائة.
كذا في المبسوط.
إذا ادعى دارا في يد رجل وأنكر المدعى عليه فصالحه المدعي على دراهم ثم أقر المدعى عليه فأراد المدعي أن ينقض صلحه وقال إنما صالحتك لاجل إنكارك ليس له أن ينقض الصلح.
كذا في المحيط.
لو ادعى في بيت رجل حقا فصالحه المدعى عليه من ذلك على أن يبيت على سطحه سنة ذكر في الكتاب أنه يجوز.
وقال بعض المشايخ: هذا إذا كان السطح محجرا، فإن لم يكن محجرا لا يجوز الصلح، كما لا يجوز إجارة السطح.
وقال بعضهم: يجوز الصلح على كل حال.
كذا في الظهيرية.(2/405)
اختصم رجلان في حائط فاصطلحا على أن يكون أصله لاحدهما وللآخر موضع جذوعه وأن
يبني عليه حائطا معلوما ويحمل جذوعا معلومة لا يجوز.
كذا في محيط السرخسي.
إذا اختصم رجلان في حائط فاصطلحا على أن يهدماه وكان مخوفا وأن يبنياه على أن لاحدهما ثلثه وللآخر ثلثيه والنفقة عليهما على قدر ذلك، وعلى أن يحملا عليه من الجذوع بقدر ذلك فهو جائز.
كذا في الحاوي.
إذا وقع الصلح من دعوى الدار على دراهم وافترقا قبل قبض بدل الصلح لا ينتقض الصلح.
كذا في المحيط.
إذا كان لانسان نخلة في ملكه فخرج سعفها إلى دار جاره فأراد الجار قطع السعف فصالحه رب النخلة على دراهم مسماة على أن يترك النخلة فإن ذلك لا يجوز، وإن وقع الصلح على القطع، فإن أعطى صاحب النخلة جاره دراهم ليقطع كان جائزا وأنه أعطى الجار دراهم لصاحب النخلة ليقطع كان باطلا.
رجل اشترى دارا لها شفيع فصالح الشفيع على أن يعطي للشفيع دراهم مسماة ليسلم الشفيع الشفعة بطلت الشفعة ولا يجب المال، وإن كان أخذ المال رده على المشتري.
كذا في فتاوى قاضيخان.
ولو صالح المشتري مع الشفيع على أن أعطاه الدار وزاده الشفيع على الثمن شيئا معلوما فهو جائز كذا في المبسوط.
وإن صالح على أن يأخذ نصف المشتري أو ثلثه أو ربعه على أن يسلم الشفعة في الباقي كان جائزا فإن وجد هذا الاصطلاح منهما بعد تأكد حق الشفيع بطلب المواثبة وطلب الاشهاد فإنه يصير آخذا للنصف بالشفعة حتى لا يتجدد فيما أخذ بالشفعة مرة أخرى ويصير مسلم الشفعة في النصف، حتى لو كان هذا الشفيع شريكا في المبيع أو في الطريق كان للجار أن يأخذ النصف الذي لم يأخذه هذا الشفيع بالشفعة، وإن كان هذا الاصطلاح قبل وجود الطلب من الشفيع فإنه يصير آخذا للنصف بشراء مبتدأ ويتجدد فيما أخذ الشفعة.
هكذا في المحيط.
لو صالح المشتري الشفيع على أن يسلم الشفعة على بيت من الدار بحصته من الثمن فالصلح باطل وحق الشفعة باطل، وهذا إذا كان الصلح بعد تأكد حقه بالطلب، فأما قبل الطلب بطلت الشفعة.
كذا في محيط السرخسي.
إذا ادعى رجل شفعة في دار فصالحه المشتري على أن يسلم له دارا أخرى بدراهم مسماة على أن يسلم له الشفعة فهذا فاسد لا يجوز.
كذا في المبسوط.
رجل قتل رجلا عمدا وقتل آخر خطأ ثم صالح أولياءهما على أكثر من ديتين فالصلح جائز ولصاحب الخطأ الدية وما بقي فلصاحب العمد، ولو صالح أولياءهما على ديتين أو أقل منهما كان بينهما نصفين.
كذا في محيط السرخسي.
وبدل الصلح في دم العمد جار مجرى المهر، فكل جهالة تحملت في المهر تتحمل هنا، وما يمنع صحة التسمية يمنع وجوبه في الصلح، وعند فساد التسمية يسقط القود ويجب بدل النفس وهو الدية، نحو أن يصالح على ثوب كما يجب مهر المثل في النكاح إلا أنهما يفترقان من وجه، وهو أنه إذا تزوجها على خمر يجب مهر المثل.
ولو صالح عن دم العمد على خمر لا يجب شئ كذا في الكافي.
وفي الخطأ تجب الدية.
كذا في الاختيار شرح المختار.
ولو صالحه بعفو عن دم على عفو عن دم آخر جاز كالخلع.
كذا في الاختيار.(2/406)
جرح رجلا عمدا فصالحه لا يخلو: إما إن برئ أو مات منها، فإن صالحه من الجراحة أو من الضربة أو من الشجة أو من القطع أو من اليد أو من الجناية لا غير جاز الصلح إن برئ بحيث بقي له أثر وإن برئ بحيث لم يبق له أثر بطل الصلح، فأما إذا مات من ذلك بطل الصلح عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ووجبت الدية خلافا لهما، وإن صالحه عن الاشياء الخمسة ومات يحدث منها فالصلح جائز إن مات منها، وأما إذا برئ منها ذكر هاهنا أن الصلح جائز.
وذكر في الوكالة لو أن رجلا شج رجلا موضحة فوكل إنسانا ليصالح عن الشجة وما يحدث منها إلى النفس: فإن مات كان الصلح من النفس.
وإن برئ يجب تسعة أعشار المال ونصف عشره ويسلم للمشجوج نصف عشر المال.
وقال عامة مشايخنا اختلفا لاختلاف الوضع، فإن الوضع ثمة أنه صالح عن الجراحة وعما يحدث منها إلى النفس وهو معلوم فأمكن قسمة البدل على القائم والحادث جميعا، وها هنا صالحه عن الجراحة، وكل ما يحدث منها وهو مجهول قد يحدث وقد لا يحدث، وإذا حدث لا يدري أي قدر يحدث فتعذر قسمة البدل على القائم والحادث فصار البدل كله بإزاء القائم، وأما إذا صالحه عن الجناية يجوز الصلح في
الفصول كلها إلا إذا برئ بحيث لم يبق له أثر.
كذا في محيط السرخسي.
رجل قتل عمدا وله ابنان فصالح أحدهما عن حصته على مائة درهم فهو جائز ولا شركة لاخيه فيها، ولو كان القتل خطأ فصالحه أحدهما على مال كان لشريكه أن يشاركه في ذلك إلا أن يشاء المصالح أن يعطيه ربع الارش.
هكذا في المبسوط.
في المنتقى عن ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله قال في رجل قطع يمين رجل فصالحه المقطوع يده على أن يقطع يسار القاطع فقطعه فهذا عفو عن الاول، ولا شئ على قاطع اليسار ولا شئ له على قاطع اليمين، وإن اختصما قبل أن يقطع يساره وقد صالحه على ذلك فليس له أن يقطع يساره ولكن رجع بدية يمينه، وإن صالحه على أن يقطع يد القاطع ورجله أو على أن يقتل عبد القاتل، إن قطع يده ورجله رجع عليه بدية رجله، وإن قتل عبده فله عليه قيمة عبده مقاصة منها بدية يده ويترادان الفضل.
ولو صالح على أن يقطع يد هذا الحر أو على أن يقتل عبد فلان ففعل يغرم دية الحر الآخر وقيمة عبده ويرجع المقطوع يده على القاطع بدية يده.
كذا في محيط السرخسي.
إذا كان في الديوان عطاء مكتوب باسم رجل فنازعه فيه آخر وادعى أنه له فصالحه المدعى عليه على دراهم أو دنانير حالة أو إلى أجل فالصلح باطل، وكذلك لو صالحه على شئ بعينه فهو باطل، كذا في المبسوط.
له عطاء في الديوان مات عن ابنين فاصطلحا على أن يكتب في الديوان باسم أحدهما ويأخذ العطاء والآخر لا شئ له من العطاء ويبذله من كان له العطاء مالا معلوما فالصلح باطل، ويرد بدل الصلح والعطاء للذي جعل الامام العطاء له.
كذا في الوجيز للكردي.
مطلب: لا يصح صلح وكيل الخصومة الوكيل بالخصومة إذا صالح لا يصح، بخلاف ما إذا أمر.
كذا في متفرقات الذخيرة.
لا يجوز التصرف في بدل الصلح قبل الصلح إذا كان منقولا، فلا يجوز للمدعي بيعه وهبته ونحو ذلك، فإن كان عقارا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى.(2/407)
لا ينبغي للقاضي أن يباشر الصلح بنفسه، بل يفوض ذلك إلى غيره من المتوسطين، وسبيل القاضي أن لا يبادر في القضاء بل يرد الخصوم إلى الصلح مرتين أو ثلاثا إذا كان يرجو الاصلاح بينهم بأن كانوا يميلون إلى الصلح ولا يطلبون القضاء لا محالة، فأما إذا طلبوا القضاء لا محالة وأبوا الصلح: إن كان وجه القضاء ملتبسا غير مستبين للقاضي أن يردهم إلى الصلح، أما إذا كان وجه القضاء مستبينا: فإن وقعت الخصومة بين أجنبيين يقضى بينهم ولا يردهم إلى الصلح حين أبوا، وإن وقعت الخصومة بين أهل قبيلتين أو بين المحارم يردهم إلى الصلح مرتين أو ثلاثا وإن أبوا الصلح.
هكذا في الذخيرة.
الكفيل بالنفس إذا صالح على مال على أن يبرئه من الكفالة فالصلح باطل، وهل تبطل الكفالة؟ فيه روايتان.
في رواية تسقط.
هكذا في البدائع، وبه يفتى، كذا في الذخيرة ا ه.
والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.(2/408)
كتاب المضاربة قالا منلا مسكين: هي كالمصالحة من حيث إنها تقتضي وجود البدل من جانب واحد ا ه.
قال الحموي: وفيه تأمل، لان الصلح إذا كان عن مال بإقرار يكون بيعا والبيع يقتضي وجود المبادلة من الجانبين ا ه.
وأجاب عنه أبو السعود عن شيخه بأنه يكفي في بيان وجه المناسبة اشتراك المضاربة والصلح في الوجود الصوري، وباعتباره يكون قاصرا على المصالح عليه، ولا شك أن وجوده من جانب واحد كرأس مال المضاربة.
وأما اعتبار الصلح عن مال بإقرار بيعا فبالنظر إلى المعنى كما لا يخفى ا ه.
أي أنه لا يلزم في المناسبة أن تكون من كل الوجوه وقد اعتبرت هنا في قسمين من الصلح عن إنكار أو سكوت.
قوله: (هي مفاعلة) لكونها على غير بابها.
قوله: (وهو السير فيها) قال الله تعالى: * ((73) وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله) * (المزمل: 02) يعني يسافرون للتجارة، وسمي هذا العقد بها لان المضارب يسير في الارض غالبا لطلب الربح، ولهذا قال الله تعالى - يضربون في الارض يبتغون من فضل الله - وهو الربح وأهل الحجاز يسمون هذا العقد مقارضة، وهو مشتق من
القرض لان صاحب المال يقطع قدرا من ماله ويسلمه للعامل.
وأصحابنا اختاروا لفظة المضاربة لكونها موافقة لما تلونا من نظم الآية، وهي مشروعة لشدة الحاجة إليها من الجانبين، فإن من الناس من هو صاحب مال ولا يهتدي إلى التصرف، ومنهم من هو بالعكس فشرعت لتنتظم مصالحهم، فإنه عليه الصلاة والسلام بعث والناس يتعاملون بها فأقرهم عليها وتعاملتها الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ألا ترى إلى ما يروى أن عباس بن عبد المطلب كان إذا دفع مالا مضاربة شرط عليه أن لا يسلك به بحرا ولا ينزل واديا ولا يشتري ذات كبد رطب، فإن فعل ذلك ضمن، فبلغ ذلك رسول الله (ص) فاستحسنه فصارت مشروعة بالسنة والاجماع.
كذا ذكره الزيلعي.
ووجه المناسبة بين الكتابين من حيث أن كلا منهما مشتمل على الاسترباح.
أما المضاربة فإن مبناها على هذا.
وأما الصلح فإن المصالح من المدعى عليه مستربح سواء كان الصلح عن إقرار أو عن إنكار أو عن سكوت.
عيني.
قوله: (وشرعا عقد شركة) قال في النهاية: ومن يحذو حذوه أنها دفع المال إلى غيره ليتصرف فيه ويكون الربح بينهما على ما شرطا.
ورجح البرجندي هذا التعريف، وضعفه صاحب التكملة بأن المضاربة ليست الدفع المذكور، بل هي عقد يحصل قبل ذلك أو معه.
ثم عقد الشوكة في الربح لا يستلزم وجود الربح، فلا يرد عليه أنه قد لا يوجد الربح أصلا، وخروج الفاسدة عن التعريف لا يقدح فيه لانها تنقلب حينئذ إلى الاجارة كذا أفاده المنلا عبد الحليم.
قوله: (في الربح) وإن لم يشتركا في الربح خرج العقد إلى البضاعة أو القرض.
قال في البحر: فلو شرط الربح لاحدهما لا تكون مضاربة ا ه.
ويجوز التفاوت في الربح، وإذا كان المال من اثنين فلا بد من تساويهما فيما فضل من الربح، حتى لو شرط لاحدهما الثلثان وللآخر الثلث فيما فضل فهو بينهما نصفان لاستوائهما في رأس المال ا ه.
كما يأتي قوله: (بمال من جانب الخ) أي هذا مسمى المضاربة، وأما كونه إيداعا ابتداء فليس هو مفهوما لها بل هو حكمها كما ذكره، لانه ترك ماله في يد غيره لا على طريق الاستبدال ولا الوثيقة فيكون أمانة، فهو داخل في معنى(2/409)
الوديعة وليس هو مسمى عقد المضاربة، فإذا عمل فيه كان عاملا فيه بإذن مالكه، وهو معنى الوكيل له
فلذلك كان من حكمها أنها توكيل مع العمل، فإن ربح كان شريكا لانها قد عقدت بمال من جانب رب المال وعمل من جانب الآخر على أن يكون الربح بينهما، فلما حصل الربح كان له نصيب منه فكانت شركة حينئذ وغصب إن خالف، لانه تصرف في ماله بغير إذنه حيث خالف ما شرطه عليه وخرجت حينئذ عن كونها مضاربة، فلذا لا تعود وإن أجاز رب المال، لان عقد المضاربة قد انفسخ بالمخالفة والمفسوخ لا تلحقه الاجازة، وإجارة فاسدة إن فسدت لان الربح إنما يستحق بعقد المضاربة، فإذا فسدت لا يستحق شيثئا منه، ولذا قال: فلا ربح للمضارب، لكنه عمل في ماله بإذنه غير متبرع فيكون إجارة فلذا وجب أجر مثله ربح أو لا كما هو حكم الاجارة، وإنما كانت فاسدة لعدم وجود العقد الصحيح المفيد للاجارة، وبهذا التقرير اندفع ما أورده صدر الشريعة.
تأمل.
قوله: (وعمل من جانب المضارب) لان قبض المال بإذن مالكه لا على وجه المبادلة والوثيقة، بخلاف المقبوض على سوم الشراء لانه قبضه بدلا، وبخلاف الرهن لانه قبضه وثيقة.
درر وهو أي عمل بالرفع.
كذا ضبطه الشرح ا ه.
شلبي.
فيكون عطفا على قوله عقد فيقتضي أن حقيقتها العقد والعمل وهو ينافي ما بعد من قوله وركنها الخ فلو كان مجرورا عطفا على مال والجار والمجرور في قوله بمال متعلق بمحذوف تقديره وتكون لكان وجيها.
فالاولى أن يقول: وهي عبارة عن عقد على الشركة في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر كما فعل في الهندية، وهو مؤيد ما قلنا كما في ط.
وإنما قيد الشارح بالمضارب لانه لو اشترط رب المال أن يعمل مع المضارب فسدت، كما سيصرح به المصنف في باب المضارب يضارب، وكذا تفسد لو أخذ المال من المضارب بلا أمره وباع واشترى به، إلا إذا صار المال عروضا فلا تفسد لو أخذه من المضارب كما سيأتي في فصل المتفرقات.
قوله: (وركنها الايجاب والقبول) قال الحموي في شرحه: وركنها اللفظ الدال عليها كقوله دفعت إليك هذا المال مضاربة أو مقارضة أو معاملة أو خذ هذا المال واعمل به على أن لك من الربح نصفه أو ثلثه أو قال ابتع به متاعا فما كان من فضل فلك منه كذا أو خذ هذا بالنصف، بخلاف خذ هذا الالف واشتر هرويا بالنصف ولم يزد عليه فليس مضاربة بل إجارة فاسدة له أجر مثله إن اشترى وليس له
البيع إلا بأمر ا ه.
ويقول المضارب قبلت أو ما يؤدي هذا المعنى ا ه.
قاضي زاده.
قوله: (وحكمهما أنواع) لكنها بأنظار مختلفة.
قال المنلا عبد الحليم.
قوله: (وحكمها أنواع): الاول أقول: اللائق أن يدرج في غيره أيضا قولنا الثاني والثالث وغيرهما كما أدرج في قوله وشرطها وعد الانواع المذكورة أحكامها بناء على أن حكم الشئ ما يثبت به ويبتني عليه، ولا خفاء في أنه يراعي ذلك في كل حكم منها في وقته، فلا يرد عليه أن معنى الاجارة والغصب ناقض لعقد المضاربة مناف لصحتها فكيف يجعل حكما من أحكامها، ومن هذا يظهر حسن سبك المصنف في تحرير المتن حيث قال وأما دفع المال الخ لان الابضاع والاقراض لم يبتنيا على هذا العقد بل يفترقان عنه أول الامر كما لا يخفى ا ه.
قوله: (لانها إيداع ابتداء) لانه قبض المال بإذن مالكه لا على وجه المبادلة والوثيقة إلى آخر ما قدمناه قريبا، ولو حذف.
قوله: (لانها) ويكون.
قوله: (إيداع) بدلا مما(2/410)
قبله ما ضره، وقوله ابتداء ظاهره أنها لا تكون في البقاء كذلك مع أنها تكون أمانة فيه فحكم الابتداء والبقاء سواء.
فإن قيل: أراد الايداع حقيقة وهي في البقاء أمانة قلنا: هذا غير ظاهر، فتدبر ط.
قال الخير الرملي: سيأتي أن المضارب يملك الايداع في المطلقة مع ما تقرر أن المودع لا يودع، فالمراد في حكم عدم الضمان بالهلاك وفي أحكام مخصوصة لا في كل حكم فتأمل.
قوله: (ومن حيل الضمان الخ) ليست هذه حيلة في المضاربة بل قد خرج العقد إلى الشركة في رأس المال.
وذكر الزيلعي حيلة أخرى أيضا فقال: وإذا أراد رب المال أن يضمن المضارب بالهلاك يقرض المال منه ثم يأخذه منه مضاربة ثم يبضع المضارب كما في الواقعات.
وذكر هذه الحيلة القهستاني.
وفيه نظر لانها تكون شركة عنان شرط فيها العمل على الاكثر مالا وهو لا يجوز، بخلاف العكس فإنه يجوز كما ذكره في الظهيرية في كتاب الشركة عن الاصل للامام محمد.
تأمل.
وكذا في شركة البزازية حيث قال: وإن لاحدهما ألف ولآخر ألفان واشتركا واشترطا العمل على صاحب الالف والربح أنصافا جاز، وكذا لو شرطا الربح والوضيعة على قدر المال والعمل من أحدهما بعينه جاز، ولو شرطا العمل
على صاحب الالفين والربح نصفين لم يجز الشرط والربح بينهما أثلاثا، لان ذا الالف شرط لنفسه بعض ربح الآخر بغير عمل ولا مال، والربح إنما يستحق بالعمل أو المال أو بالضمان ا ه ملخصا.
لكن في مسألة الشارح شرط العمل على كل منهما لا على صاحب الاكثر فقط وهو صحيح سالم من الفساد كما سيصرح به.
والحاصل: أن المفهوم من كلامهم أن الاصل في الربح أن يكون على قدر المال كما قدمناه عن البحر، إلا إذا كان لاحدهما عمل فيصح أن يكون أكثر ربحا بمقابلة عمله، وكذا لو كان العمل منهما يصح التفاوت أيضا تأمل.
قوله: (ثم يعقد شركة عنان) وهي لا يلزمها أن يكون الربح فيها على قدر المال فلهما أن يتفقا على منصافة الربح.
ح قوله: (على أن يعملا) ذكره لانه لو شرط العمل على أحدهما فسدت كما مر فيها والمفسد اشتراط عمل أحدهما لا الاطلاق.
قوله: (ثم يعمل المستقرض فقط) أي بطيب نفس منه لا بشرط عليه، لان شرط الشركة أن يكون العمل عليهما كما قال على أن يعملا، لكن الشرط إنما هو اشتراط العمل عليهما لا وجوده منهما، فإن العمل لا يتأتى من اثنين عادة فيصح أن ينفرد أحدهما به بعد أن شرط عليهما كما هو مقتضى عقد الشركة ويكون الربح بينهما على حسب الشرط، لان كلا منهما وكيل بما يعمله عن صاحبه فيقع شراء كل لهما بالاصالة عن نفس المباشر، وبالوكالة عن شريكه لان الشركة تتضمنها ويكون الربح على حسب الشرط كما تقدم في بابها.
قوله: (وتوكيل مع العمل) حتى يرجع بما لحقه من العهدة عليه.
منح.
كما لو رد على المضارب بالعيب ولم يوجد ما يؤدي ثمنه من مال المضاربة أو استحق في يد المشتري ورجع على المضارب بثمنه ولم يوجد ما يؤديه فأدى من مال نفسه يرجع إلى رب المال.
هذا ما ظهر لي وكما سيجئ من قوله شرى عبدا بألفها وهلك الالف قبل نقده دفع المال ثمنه ثم وثم: يعني يرجع المضارب بالثمن على المالك.(2/411)
وأقول: هذه الوكالة ضمنية كما في وكالة الشركة كما ذكرنا، فشملت وكالة بمجهول الجنس وجازت، بخلاف الوكالة القصدية فإنها لم تجز وكالة بمجهول الجنس نحو التوكيل بشراء ثوب ونحوه
على ما مر.
قوله: (وشركة إن ربح) لان الربح حصل بالمال والعمل فيشتركان فيه.
منح.
أقول: بل تكون شركة بمجرد الشراء، ألا ترى ليس لرب المال فسخها بعده، ولو كانت وكالة لكان له فسخها حينئذ وأخذ البضاعة.
نعم استحقاقه لشئ من المال موقوف على ظهور الربح، ولذا لو عتق عبد المضاربة لا يعتق ما لم يتحقق الربح.
تأمل.
قوله: (وغصب إن خالف) لتعديه على مال غيره فيكون ضامنا، واستشكل قاضي زاده عد الغصب والاجارة من أحكامها، لان معنى الاجارة إنما يظهر إذا فسدت المضاربة، ومعنى الغصب إنما يتحقق إذا خالف المضارب، وكلا الامرين ناقض لعقد المضاربة مناف لصحتها فكيف يصح أن يجعلا من أحكامها وحكم الشئ ما يثبت به، والذي يثبت بمنافيه لا يثبت به قطعا.
فإن قلت: قد صلحا أن يكونا حكما للفاسدة.
قلنا: الاركان والشروط المذكورة هنا للصحيحة، فكذا الاحكام، على أن الغصب لا يصح حكما للفاسدة، لان حكمها أن يكون للعامل أجر عمله ولا أجر للغاصب ا ه.
مختصرا ط.
ولا تنس ما قدمناه عند قوله بمال من جانب الخ.
قوله: (وإن أجاز رب المال بعده) حتى لو اشترى المضارب ما نهى عنه ثم باعه وتصرف فيه ثم أجاز رب المال لم يجز.
منح.
فيضمن بالغصب ويكون الربح بعدما صار مضمونا عليه له ولكن لا يطيب له عندهما.
وعند الثاني يطيب له كالغاصب والمودع إذا تصرفا وربحا فإنهما على الخلاف المذكور.
ا ه.
شلبي عن الغاية.
وفي سري الدين عن الكافي أنه بعد الاجازة يكون كالمستبضع: يعني أن البضاعة وديعة في يده، وإذا خالف ينقلب إلى الغصب ولو أجاز بعده ا ه.
وفيه مخالفة لما هنا كل المخالفة، وينبغي اعتماد ما هنا ط بزيادة.
قوله: (لصيرورته غاصبا بالمخالفة) فيه تعليل الشئ بنفسه.
قوله: (بل له أجر مثل عمله مطلقا) وهو ظاهر الرواية.
قهستاني.
لانه لا يستحق المسمى لعدم الصحة ولم يرض بالعمل مجانا فيجب أجر المثل.
وعن أبي يوسف: إن لم يربح فلا أجر له، وهو الصحيح لئلا تربو الفاسدة على الصحيحة.
شيخنا عن ابن الغرس على الهداية.
ا ه.
أبو السعود.
وفي الهداية: وعن أبي يوسف إذا لم يربح لا يجب الآخر اعتبارا بالمضاربة الصحيحة ا ه.
اتفق الشراح على صحة هذا التعليل، لان الفاسد يؤخذ حكمه من الصحيح من جنسه أبدا كما في البيع
الفاسد، ولكن تصدوا في الجواب عنه بأنه نعم كذلك إذا كان انعقاد الفاسد كانعقاد الصحيح كما في المنبع، وهنا ليس كذلك لان المضاربة الصحيحة تنعقد شركة والفاسدة تنعقد إجارة فتعتبر بالاجارة الصحيحة عند إيفاء العمل.
ورده صاحب البيانة باعتبار فاسد المضاربة بصحيحها أولى من جعلها إجارة، لانهما رضيا أن يكون للعامل جزء من الربح لو حصل، وبالحرمان إن لم يحصل ولم يرض رب المال أن يكون في ذمته شئ في مقابلة عمله، فإيجابه يكون إيجابا بغير دليل، فهدم الاصل الضعيف أولى من إلغاء التعليل الصحيح هذا.
قوله: (بلا زيادة على المشروط أي المسمى كما هو حكم الاجارة الفاسدة وقد مر، وهذا فيما إذا ربح، وإلا فلا تتحقق الزيادة ولا يكون له أجر ما لم يربح أو يكن(2/412)
الفاسد بسبب تسمية دراهم معينة للعامل لانه لم يرض حينئذ بالحرمان عند عدم الربح.
تأمل.
قوله: (خلافا لمحمد) فيه إشعار بأن الخلاف فيما إذا ربح، وأما إذا لم يربح فأجر المثل بالغا ما بلغ، لانه لا يمكن تقدير بنصف الربح المعدوم كما في الفصولين، لكن في الواقعات ما قاله أبو يوسف مخصوص بما إذا ربح، وما قاله محمد بأن له أجر المثل بالغا ما بلغ فيما هو أعم.
ذكره الشمني.
وأفاد في الشرنبلالية نقلا عن التبيين وشرح المجمع والخلاصة أن وجوب أجر المثل مطلقا قول محمد، ومعنى الاطلاق ربح أو لم يربح زاد على المسمى أولا.
وعند أبي يوسف: يجب إن ربح، وإلا فلا، ولا يجاوز المشروط ا ه.
وحينئذ فيكون مشى في وجوب الاجر مطلقا على قول محمد، ومشى في عدم مجاوزة المشروط على قول أبي يوسف.
فحاصل ما قاله أبو يوسف مخصوص بما إذا ربح، وما قاله محمد بأن له أجر المثل بالغا ما بلغ فهو أعم كما ذكرنا.
قوله: (إلا في وصي أخذ مال يتيم مضاربة الخ) ظاهره أن للوصي أن يضارب في مال اليتيم بجزء من الربح، وسيأتي بيانه في الفروع، وكلام الزيلعي فيه أظهر، وأفاد الزيلعي أيضا أن للوصي دفع المال إلى من يعمل فيه مضاربة بطريق النيابة عن اليتيم كأبيه.
أبو السعود.
قال في أحكام الصغار: الوصي يملك أخذ مال اليتيم مضاربة، فإن أخذ على أن له عشرة دراهم من الربح فهذه مرابحة فاسدة ولا أجر له، وهذا مشكل لان المضاربة متى فسدت تنعقد إجارة
فاسدة ويجب أجر المثل، ومع هذا قال لا يجب، لان حاصل هذا راجع إلى أن الوصي يؤجر نفسه لليتيم وأنه لا يجوز.
ا ه.
ومنه يعلم أن الاستثناء الذي ذكره ليس في عبارة الكتاب المذكور وأنه أسقط من عبارته ما به يتضح الحكم المذكور.
وفي البزازية: بعد أن ذكر الاشكال الذي ذكره في جامع أحكام الصغار قال: والجواب أنه قد برهن على أن المنافع غير مقومة وأنه الاصل فيها، فلو لزم الاجر لزم التقوم في غير المتقوم نظرا إلى الاصل، وأنه لا يجوز في مال اليتيم والصغير والتقوم بالعقد الصحيح بالنصوص الدالة عليه والنص لم يرد في الفاسد، والوارد في الصحيح لا يكون واردا في الفاسد في حق الصغير ا ه.
ذكره الحموي.
قوله: (كشرطه لنفسه عشرة دراهم) الكاف لتمثيل المضاربة الفاسدة.
حلبي.
قوله: (فلا شئ له) لانه من باب إيجار الوصي لنفسه لليتيم وهو لا يجوز كما ذكرنا.
قوله: (فهو استثناء من أجر عمله) لا حاجة إليه لان المصنف دفع الايهام الذي وقع فيه بقوله فلا شئ له وذلك لانه يحتمل أن يكون استثناء من قوله بل له أجر مثله أو من قوله بلا زيادة والمؤلف قصد التوضيح.
قوله: (والفاسدة لا ضمان فيها) لان الفاسد من العقود يأخذ الحكم من الصحيح منها، ولانه عين في يد أجيره، ولو تلف بعد العمل فله أجر مثله، وقيل هذا عند أبي حنيفة، وعندهما: يضمن إذا تلف في يده بما يمكن التحرز عنه.
ا ه.
وفي النهاية: والمضاربة الفاسدة غير مضمونة بالهلاك، وذكر ابن سماعة عن محمد أنه ضامن للمال، فقيل المذكور في الكتاب قول أبي حنيفة وهو بناء على اختلافهم في الاجير المشترك إذا تلف(2/413)
المال في يده من غير صنعه، وعندهما: هو ضامن إذا هلك في يده بما يمكن التحرز عنه، وكذلك في كل مضاربة فاسدة.
كذا في المبسوط.
قوله: (كله للمالك بضاعة) هو أن يعمل له متبرعا.
قوله: (فيكون وكيلا متبرعا) أي بعمله حيث لم يشترط له جزءا من الربح.
قوله: (لقلة ضرره) أي القرض بالنسبة للهبة فجعل قرضا ولم يجعل هبة، لكن فيه اختصار مخل، وكان عليه أن يقول قرض لا هبة لقلة ضرره.
قال في التبيين: وإنما صار المضارب مستقرضا باشتراط كل الربح له، لانه لا يستحق
الربح كله إلا إذا صار رأس المال ملكا له لان الربح فرع المال كالثمر للشجر وكالولد للحيوان، فإذا شرط أن يكون جميع الربح له فقد ملكه جميع رأس المال مقتضى.
وقضيته أن لا يرد رأس المال، لان التمليك لا يقتضي الرد كالهبة، لكن لفظ المضاربة يقتضي رد رأس المال فجعلناه قرضا لاشتماله على المعنيين عملا بهما، ولان القرض أدنى التبرعين لانه يقطع الحق عن العين دون البدل والهبة تقطعه عنهما فكان أولى لكونه أقل ضررا.
ا ه.
قوله: (سبعة) بضم قوله ومن شروطها.
مطلب: لا تصح المضاربة بالفلوس الكاسدة ] قوله: (كون رأس المال من الاثمان) أي الدراهم والدنانير عندهما، وبالفلوس النافقة، ولو دفع له عرضا وقال له بعه واعمل مضاربة في ثمنه فباع بدراهم أو دنانير فتصرف صح.
ذكره مسكين.
لكن فيه مخالفة لما في القهستاني عن الكبرى ونصه: في المضاربة بالتبر روايتان.
وعن الشيخين أنها تصح بالفلوس، وعند محمد لا تصح، وعليه الفتوى ا ه.
وإنما جاز في مسألة ثمن الثوب لان المضاربة ليس فيها إلا توكيل وإجازة، وكل ذلك قابل للاضافة على الانفراد، فكذا عند الاجتماع كما في الزيلعي.
وإنما اشترط كون رأس المال من الاثمان لانها شركة عند حصول الربح فلا بد من مال تصح به الشركة وهو الدراهم والدنانير والتبر والفلوس النافقة ا ه.
منح وجوازها بالتبر إن كان رائجا، وإلا فهو كالعروض فلا تجوز المرابحة عليه إلا إذا بيعت العروض فصارت نقودا فإنها تنقلب مضاربة، وكذلك الكيلي والوزني لا يصلح أن يكون رأس المال عندنا، خلافا لابن أبي ليلى كما في النهاية.
وذكر في تكلمة الديري وما نقله البعض أنه عند مالك تصح بالعروض لا يكاد يصح، وإنما المنقول عن ابن أبي ليلى أنه يجوز بكل مال وعليه كلام الكاكي ا ه.
وقيد في الدرر بالفلوس النافقة أيضا.
قال في الهندية: والفتوى على أنه تجوز بالفلوس الرائجة.
كذا في التاترخانية ناقلا عن الكبرى.
ولا يجوز بالذهب والفضة إذا لم تكن مضروبة في رواية الاصل.
كذا في فتاوى قاضيخان.
وفي الكبرى: في المضاربة بالتبر روايتان، ففي كل موضع يروج التبر رواج الاثمان تجوز المضاربة، هكذا في التاترخانية والمبسوط والبدائع.
وتجوز بالدراهم النبهرجة والزيوف ولا يجوز بالستوقة، فإن كانت الستوقة، تروج فهي كالفلوس.
كذا في فتاوى قاضيخان.
وفي الحامدية: سئل فيما إذا دفع زيد لعمرو بضاعة على سبيل المضاربة وقال لعمرو بعها(2/414)
ومهما ربحت يكون بيننا مثالثة فباعها وخسر فيها فالمضاربة غير صحيحة ولعمرو أجر مثله بلا زيادة على المشروط.
ا ه.
رجل دفع لآخر أمتعة وقال بعها واشتر بها وما ربحت فبيننا نصفين فخسر فلا خسران على العامل، وإذا طلب صاحب الامتعة بذلك فتصالحا على أن يعطيه العامل إياه لا يلزمه، ولو كفل إنسان ببدل الصلح لا يصح ولو عمل هذا العامل في هذا المال فهو بينهما على الشرط، لان ابتداء هذا ليس بمضاربة بل هو توكيل ببيع الامتعة، ثم إذا صار الثمن من النقود فهو دفع مضاربة بعد ذلك فلم يضمن أولا لانه أمين بحق الوكالة ثم صار مضاربا فاستحق المشروط.
جواهر الفتاوى.
قوله: (كما مر في الشركة) من أنها لا تصح مفاوضة وعنانا بغير النقدين والفلوس النافقة والتبر والنقرة إن جرى التعامل بهما.
قوله: (وهو معلوم للعاقدين) لئلا يقعا في المنازعة ولو مشاعا لما في التاترخانية.
مطلب: قرض المشاع جائز وإذا دفع ألف درهم إلى رجل وقال نصفها عليك قرض ونصفها معك مضاربة بالنصف صح، وهذه المسألة نص على أن قرض المشاع جائز، ولا يوجد لهذا رواية إلا ها هنا.
وإذا جاز هذا العقد كان لكل نصف حكم نفسه، وإن قال على أن نصفها قرض وعلى أن تعمل بالنصف الآخر مضاربة على أن الربح كله لي جاز، ويكره لانه قرض جر منفعة، وإن قال على أن نصفها قرض عليك ونصفها مضاربة بالنصف فهو جائز، ولم يذكر الكراهية هنا، فمن المشايخ من قال: سكوت محمد عنها هنا دليل على أنها تنزيهية.
وفي الخانية: قال على أن تعمل بالنصف الآخر على أن الربح لي جاز ولا يكره، فإن ربح
كان بينهما على السواء، والوضيعة عليهما لان النصف ملكه بالقرض والآخر بضاعة في يده، وفي التجريد يكره ذلك.
وفي المحيط: ولو قال على أن نصفها مضاربة بالنصف ونصفها هبة لك وقبضها غير مقسومة فالهبة فاسدة والمضاربة جائزة، فإن هلك المال قبل العمل أو بعده ضمن النصف حصة الهبة فقط.
وهذه المسألة نص على أن المقبوض بحكم الهبة الفاسدة مضمون على الموهوب له.
ا ه.
ملخصا.
وتمامه فيه فليحفظ فإنه مهم.
وهذه الاخيرة ستأتي قبيل كتاب الايداع قريبا من أن الصحيح أنه لا ضمان في حصة الهبة أيضا، لان الصحيح أن الهبة الفاسدة تملك بالقبض ا ه.
لكن فيه أن الواهب سلط الموهوب له على قبض ماله في الهبة المذكورة فكيف يضمن، وقد أوضح الجواب عنه في (نور العين) بأن الهبة الفاسدة تنقلب عقد معاوضة فتكون كالمقبوض على حكم البيع الفاسد وهو مضمون.
ا ه.
وقوله: فإن ربح كان بينهما على السواء: أي ربح جميع الالف بدليل التعليل المذكور.
ولا يشكل هذا على قولهم: إن الشرط الموجب انقطاع الشركة يفسدها: أي المضاربة به.
لانا نقول: ما في الصورة المذكورة بحق نصف الالف هو بضاعة لا مضاربة تأمل.
قوله: (وكفت به) أي في الاعلام.
منح قوله: (الاشارة) كما إذا دفع لرجل دراهم مضاربة وهو لا يعرف قدرها فإنه يجوز، فيكون القول في قدرها وصفتها للمضارب مع يمينه والبينة للمالك: أي إذا إشار إليها لئلا يقعا في المنازعة له في الدرر.
قوله: (والبينة للمالك) أي لو ادعى رب المال أنه دفع إليه ألفين وقال(2/415)
المضارب ألفا فسقط أو ادعى رب المال أنها بيض وقال المضارب سود فالقول للمضارب بيمينه لانه منكر والبينة لرب المال لانه مدع.
قوله: (لم يجز) لان المضارب أمين ابتداء ولا يتصور كونه أمينا فيما عليه من الدين: أي لانه لا يبرأ إلا بتسليمه لربه ويكون الربح للمشتري في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد: الربح لرب الدين ويبرأ المضارب عن الدين.
كذا في الخانية عن العزمية.
قال في البحر، وأما المضاربة بدين: فإن كان على المضارب فلا يصح وما اشتراه له والدين في ذمته ا ه.
والاوجه تأخير هذا عند قوله وكون رأس المال عينا لا دينا بطريق التفريع عليه كما فعل
صاحب الدرر.
قوله: (وإن على ثالث) بأن قال اقبض مالي على فلان ثم اعمل به مضاربة، ولو عمل قبل أن يقبض الكل ضمن، ولو قال فاعمل به لا يضمن، وكذا بالواو، لان ثم للترتيب فلا يكون مأذونا بالعمل إلا بعد قبض الكل، بخلاف الفاء والواو، ولو قال اقبض ديني لتعمل به مضاربة لا يصير مأذونا ما لو يقبض الكل.
بحر: أي فلو عمل قبل أن يقبضه كله ضمن.
وبحث فيه بأن القول بأن الفاء كالواو في هذا الحكم نظر، لان ثم تفيد الترتيب والتراخي والفاء تفيد التعقيب والترتيب، فينبغي أن لا يثبت الاذن فيهما قبل القبض بل يثبت عقبه، بخلاف الواو فإنها لمطلق الجمع من غير تعرض لمقارنة ولا ترتيب، وعليه عامة أهل اللغة وأئمة الفتوى.
تأمل.
قوله: (جاز) لان هذا توكيل بالقبض وإضافة للمضاربة إلى ما بعد قبض الدين وذلك جائز، بخلاف ما إذا قال اعمل بالدين الذي لي عليك حيث لا يجوز للمضاربة، لان المضاربة توكيل بالشراء والتوكيل بالشراء بدين في ذمة الوكيل لا يصح حتى يعين البائع أو المبيع عند أبي حنيفة فبطل التوكيل بالكلية، حتى لو اشترى كان للمأمور، وكذا لا يصح التوكيل بقبض ما في ذمة نفسه فلا يتصور المضاربة فيه.
وعندهما: يصح التوكيل بالشراء بما في ذمة الوكيل من غير تعيين ما ذكرنا حتى يكون مشتريا للآمر، لكن المشتري عروض فلا تصح المضاربة بها على مابينا اه.
زيلعي.
مطلب: حيلة جواز المضاربة في العروض قوله: (وكره) لانه اشترط لنفسه منفعة قبل العقد.
منح.
ويظهر هذا في المسألة التي بعد.
قوله: ولو قال اشتر لي عبدا نسيئة الخ) هذا يفهم أنه لو دفع عرضا وقال له بعه واعمل بثمنه مضاربة أنه يجوز بالاولى كما ذكرنا، وقد أوضحه الشرح، وهذه حيلة لجواز المضاربة في العروض.
وحيلة أخرى ذكرها الخصاف أن يبيع المتاع من رجل يثق به ويقبض المال فيدفعه إلى المضارب مضاربة ثم يشتري هذا المضارب هذا المتاع من الرجل الذي ابتاعه من صاحبه ط.
قوله: (مجتبى) ومثله في البحر.
قوله: (وكون رأس المال عينا) أي معينا، وليس المراد بالعين العرض.
قوله: (كما بسط في الدرر) حيث قال فيه: لان المضارب أمين ابتداء، ولا يتصور كونه أمينا فيما عليه من الدين، فلو قال اعمل بالدين الذي بذمتك مضاربة بالنصف لم يجز، بخلاف ما لو كان له دين على الثالث فقال
اقبض مالي من فلان واعمل به مضاربة حيث يجوز، لانه أضاف المضاربة إلى زمان القبض والدين فيه يصير عينا وهو يصلح أن يكون رأس المال.
ا ه.
وهو كالذي قدمه في الدين قريبا، وذكر فيه تفصيل كما هنا بأن هذا إذا كان دينا على المضارب.
أما لو كان على غيره جاز وكره، لان ما كان على الغير(2/416)
بقبضه يصير عينا فتقع المضاربة عليه لا على الدين كما سمعت.
فمن قال إنه مكرر مع ما تقدم توهم أنه متقدم متنا، ومن قال إنه موهم للاطلاق: أي يوهم أنه لا فرق أن يكون الدين على المضارب أو على الاجنبي، وقد علمت الجواب أن ما على الاجنبي يصير عينا بقبضه فلم يقع العقد على الدين بل على العين المقبوضة.
قوله: (وكونه مسلما إلى المضارب) لان المال في المضاربة من أحدا لجانبين والعمل من جانب الآخر فلان يخلص المال للعامل ليتمكن في التصرف منه ولان المال يكون أمانة عنده فلا يتم إلا بالتسليم إليه كالوديعة، فلو شرط رب المال أن يعمل مع المضارب لا تجوز المضاربة، لانه شرط يمنع من التسليم، والتخلية بين المال والمضارب سواء كان المالك عاقلا أو لا كالاب والوصي إذا دفع مال الصغير مضاربة وشرط عمل شريكه: أي الصغير مع المضارب لا تصح المضاربة.
وفي السغناقي: وشرط عمل الصغير لا يجوز، وكذا أحد المتفاوضين أو شريكي العنان إذا دفع المال مضاربة وشرط عمل صاحبه فسد العقد.
تاترخانية.
ولو شرط أن يكون المال كل ليلة عند المالك فسدت المضاربة.
قهستاني.
قال الاسبيجابي: إذا رد المضارب رأس المال على المالك وأمره أن يبيع يشتري على المضاربة ففعل وربح فهو جائز على المضاربة والربح على ما شرطا لانه لم يوجد صريح النقد ولا دلالته لانه صار مستعينا به على العمل.
وإذا وقع العمل من رب المال إعانة لا يجعل استردادا، بخلاف ما إذا شرط عمل رب المال حال العقد أفسد.
وحكى الامام القاضي العامري عن محمد بن إبراهيم الضرير أن شرط عمل رب المال مع المضارب إنما يكون مفسدا إذا شرط العمل جملة، أما إذا شرط رب المال لنفسه أن يتصرف في المال بانفراده متى بدا له وأن يتصرف المضارب في جميع المال بانفراده متى بدا له جازت المضاربة كما في
الذخيرة، وقيد برب المال لان العاقد لو لم يكن رب المال: فإن كان أهلا لان يكون مضاربا في ذلك المال كالاب والوصي يجوز شرط العمل عليه، وإن لم يكن أهلا كالمأذون لا يجوز كما في الشروح ا ه.
وسيأتي في الباب الآتي متنا بعض هذا.
قوله: (ليمكنه التصرف) أي ولانها في معنى الاجارة والمال محل فيجب تسليمه.
قوله: (لان العمل فيها من الجانبين) فلو شرط خلوص اليد لاحدهما لم تنعقد الشركة لانتفاء شرطها وهو العمل منهما.
كذا في الدرر.
قوله: (شائعا) أنصافا أو أثلاثا مثلا لتحقق المشاركة بينهما في الربح قل أو كثر.
قاله في البرهان.
وفي البحر: الرابع أن يكون الربح بينهما شائعا كالنصف والثلث لا سهما معينا يقطع الشركة كمائة درهم أو مع النصف عشرة ا ه ط.
أي لاحتمال أن لا يحصل من الربح إلا مقدار ما شرط له.
وإذا انتفى الشركة في الربح لا تتحقق المضاربة لانها جوزت، بخلاف القياس بالنص بطريق الشركة في الربح فيقتصر على مورد النص.
وفي المتن إيماء إلى أن المشروط للمضارب إنما يكون من الربح، حتى لو شرط من رأس المال أو منه ومن الربح فسدت كما في الخزانة، وعليه تعريف المضاربة.
قوله: (فلو عين قدرا فسدت) لقطعه الشركة في الربح.
وإذا فسدت فله أجر مثله لا يجاوز ا لمشروط عند أبي يوسف لرضاه به إذا كان المسمى معلوما.
أما لو كان مجهولا كما هنا أو لم يوجد ربح لا يقال رضي بالقدر المشروط زيادة عن حصته من الربح لانه لم يرض بها إلا مع نصف الربح وهو معدوم، فالمسمى(2/417)
غير معلوم فيجب أجر المثل بالغا ما بلغ، وقد يجاب بأن هذا العقد لما كان فاسدا كان ما سمى فيه محظورا فقطع النظر عما هو موجب المضاربة وعول على ما عين معه على أنه أجر مثل في إجارة لا موجب مضاربة، ولهذا قالوا: هذه إجارة في صورة مضاربة.
حموي عن المقدسي.
قلت: ما بحثه المقدسي صرح به القهستاني معزيا للفصولين، ونصه بعد أن حكى الخلاف عن الصاحبين في أن أجر المثل هل يجب بالغا ما بلغ أو لا يجاوز به المشروط؟ قال: والخلاف فيما إذا ربح، وأما إذا لم يربح فأجر المثل بالغا ما بلغ لانه لا يمكن تقديره الخ، وحينئذ لا حاجة إلى تكلف الجواب، ولا ينافي كلام القهستاني ما سيأتي في الشارح من قوله: وعن أبي يوسف إن لم يربح فلا أجر
له، لانه ذكره بلفظ عن فلا ينافي كون المذهب عنده استحقاق الاجر له بالغا ما بلغ.
بقي أن يقال: ظاهر كلام المقدسي أن المسمى للمضارب من الربح إذا كان جزءا شائعا كالنصف يقال إنه معلوم، وهو مخالف لما في الشمني حيث قال: فإن كان المسمى معلوما لا يزاد عليه، وإن كان مجهولا كدابة أو ثوب يجب بالغا ما بلغ، وإن كان معلوما من وجه دون وجه كالجزء الشائع مثل النصف والربع: فعند محمد يجب بالغا ما بلغ لانه مجهول إذ يكثر بكثرة ما يحصل وينقص بقلته.
وعندهما: لا يزاد على المسمى لانه معلوم من جملة ما يحصل بعمله ا ه.
أبو السعود.
وإنما تكون إجارة فاسدة إذا فسدت إن لم يبين مدة معلومة.
أما لو بينها ينبغي أن يكون أجيرا خاصا فيستحق بتسليم نفسه في المدة كما هو حكم الاجير الخاص، وليراجع.
قوله: (وكون نصيب كل منهما معلوما عند العقد) لان الربح هو المعقود عليه وجهالته توجب فساد العقد ا ه.
درر.
قوله: (فسدت) لانهما شرطان لا يقتضيهما العقد.
قال في التاترخانية: وما لا يوجب شيئا من ذلك لا يوجب فساد المضاربة نحو أن يشترطا أن تكون الوضيعة عليهما.
وفي الفتاوى العتابية: ولو قال إن الربح والوضيعة بيننا لم يجز، وكذا لو شرطا الوضيعة أو بعضها على المضارب فسدت.
وذكر الكرخي: أن الشرط باطل، وتصح المضاربة إذا شرط فيه نصف الربح.
وفي الذخيرة: ذكر شيخ الاسلام في أول المضاربة أن المضاربة لا تفسد بالشروط الفاسدة.
وإذا شرط للمضارب ربح عشرة فسدت لانه شرط فاسد لانه شرط تنتفي به الشركة في الربح ا ه.
قوله: (يوجب جهالة في الربح) كما إذا شرط له نصف الربح أو ثلثه أو ربعه بأو الترديدية حلبي: يعني ذكر مجموع الثلاثة بطريق الترديد لاقتضاء الترديد جهالة الربح.
قوله: (أو يقطع الشركة) كما لو شرط لاحدهما دراهم مسماة.
حلبي.
وأورد الاكمل شرط العمل على رب المال فإنه يفسدها وليس بواحد منهما، وأجيب بأن المراد بالفساد ما بعد الوجود وهي عند اشتراط ذلك لو توجد المضاربة أصلا، إذ حقيقتها أن يكون العمل فيها من طرف المضارب.
وفي المقدسي: قال الزيلعي وغيرها: فالاصل أن كل شرط يوجب جهل
الربح أو قطع الشركة مفسد، وما لا فلا.(2/418)
قال الاكمل: شرط العمل على رب المال لا يفسدها وليس بواحد منهما فلم يطرد.
والجواب أنه قال: وغير ذلك من الشروط الفاسدة لا يفسدها.
وإذا شرط العمل عليه فليس ذلك مضاربة وسلب الشئ عن المعدوم صحيح يجوز أن تقول زيد المعدوم ليس ببصير، وقوله بعد: وشرط العمل على المالك مفسد معناه مانع عن تحققه.
قال بعض المحققين: مضمونه وإن لم يكن فاسدا في نفسه إلا أنه مفسد لمعنى المقام، لان معنى القسم الثاني من الاصل على ما صرحوا به هو أن غير ذلك من الشروط لا يفسد المضاربة بل تبقى صحيحة ويبطل الشرط، وقد أشار إليه المصنف بقوله كاشتراط الوضيعة على المضارب، وقد كان اعترف به أولا حيث قال: ولما كان من الشروط ما يفسد العقد ومنها ما يبطل في نفسه وتبقى المضاربة صحيحة أراد أن يشير إلى ذلك بأمر جلي فقال شرط الخ، ولا شك أن المضاربة لا تندرج في هذا المعنى.
ا ه.
ما في المقدسي.
وعبارة الدرر كذا: أن يفسد المضاربة كل شرط يوجب جهالة الربح، كما لو قال لك نصف الربح أو ثلثه أو ربعه، لما مر أن الربح هو المعقود عليه فجهالته تفسد العقد وغيره لا: أي غير ذلك من الشروط الفاسدة، بل يبطل الشرط كاشتراط الخسران على المضارب فإنه لا يقطعها وهو على رب المال.
قال المولى عبد الحليم: قوله كما لو قال لك نصف الربح أو ثلثه أو ربعه ولم يعين واحدا من هذه الكسور والاعداد.
وفي بعض النسخ: أو شرط أن يدفع المضارب داره إلى رب المال ليسكنها أو أرضه سنة ليزرعها.
وهو الموافق لما في شروح الهداية.
قوله: وغيره أي غير كل شرط يوجب جهالة الربح أو غير كل شرط يوجب قطع الشركة في الربح أو جهالة لا يفسد ذلك الغير من الشروط الفاسدة عقد المضاربة بل يبطل الشرط وتبقى المضاربة صحيحة، هذا هو المعنى من سوق الكلام ومقتضى الكلام.
ولكن اعترض عليه بأن شرط العمل على رب المال شرط ليس بواحد منهما فلم يطرد هذا الضابط الكلي.
أقول: دفعه على ما نسقه المصنف ظاهر، لانه ذكر هذا الشرط أولا وأتى بالضابط الكلي بعده فيحمل على غير هذا لشرط بقرينة المقابلة.
وأما على ما هو ترتيب صاحب الهداية حيث أخر ذكر هذا
الشرط عن ذلك فيكون مخصصا لعمومه، بل يكون بمنزلة الاستثناء به عنه، ونظائره أكثر من أن تحصى كما لا يخفى على من تدرب هذا، ولبعض الشراح هنا جواب عنه ولبعضهم اعتراض عليه ولذلك تركناه، وما ذكرناه أولى.
وما يقال في دفع الاعتراض من أن الشرط الذي يوجب جهالة الربح ليس فساد المضاربة به لمقارنة شرط فاسد بل لانعدام صحتها وهو معلومية الربح، وكذا فسادها بشرط العمل على رب المال ليس لكونه شرطا مفسدا بل لتضمنه انتفاء شرط صحة المضاربة وهو تسليم المال إلى المضارب.
أقول: كون كل من هذين الشرطين متفرعا على شرط من الشروط الستة لا يمنع ورود ذلك الشرط على هذا الضابط الكلي، لانه في بيان الشرط وغير المفسد والفرق بينهما.
وأقول: الامر أقرب من ذلك كله، فيقال: هذه الكلية غير صحيحة ويزاد فيما يفسد المضاربة اشتراط العمل الخ.
تأمل.
قوله: (يفسدها) فللعامل أجر مثل عمله لانه لم يرض بالعمل مجانا ولا سبيل إلى المسمى المشروط للفساد فيصار إلى أجر المثل ضرورة والربح لرب المال لانه نماء ملكه.
درر.
قوله: (وإلا) أي وإلا يكن واحد منهما: أي لم يوجب الشرط جهالة في الربح ولا قطعا في الشركة(2/419)
بطل الشرط كاشتراط الخسران على المضارب، وكذا على رب المال أو عليهما كما في التحفة.
قوله: (وصح العقد اعتبارا بالوكالة) لان الخسران جزء هالك من المال فلا يجوز أن يلزم غير رب المال، لكنه شرط زائد لا يوجب قطع الشركة في الربح، والجهالة فيه لا تفسد المضاربة بالشروط الفاسدة كالوكالة، ولان صحتها تتوقف على القبض فلا تبطل بالشرط كالهبة.
درر.
قوله: (ولو ادعى المضارب فسادها) الاخصر الاوضح أن يقول: والقول لمدعي الصحة منهما.
قوله: (الاصل أن القول لمدعي الصحة في العقود) قيده في الذخيرة بما إذا اتحد العقد.
أما لو اختلف العقد فالقول لرب المال، إلا إذا اتفقا على ما يكفي لصحة المضاربة وادعى رب المال شرط الزيادة ليوجب فساد العقد فلا يقبل.
وبيانه: أنه لو ادعى المضارب اشتراط ثلث الربح وادعى رب المال استثناء عشرة منه فالقول لرب المال، لان المضارب يدعي صحة المضاربة ورب المال يدعي الاجارة الفاسدة وهما مختلفان، فصار كما
لو أقر بالاجارة الفاسدة وادعى الآخر الشراء الصحيح منه كان القول لرب المال لاختلاف العقدين.
أما لو ادعى المضارب أن المشروط ثلث الربح وادعى رب المال الثلث وعشرة دراهم كان القول للمضارب لانه يدعي شرطا زائدا يوجب فساد العقد فلا يقبل قوله، كما في البيع إذا اتفقا عليه وادعى أحدهما أجلا مجهولا يوجب فساد العقد وأنكر الآخر، بخلاف.
قوله: (اشترطت لك ثلث الربح إلا عشرة) لان هناك اتفقا على ما يكفي لصحة العقد، لان الكلام المقرون بالاستثناء تكلم بما وراء المستثنى وذلك مجهول يمنع صحة العقد.
قوله: (ولو فيه فسادها) لانه يمكن أن لا يظهر ربح إلا العشرة فاستثناؤها مؤد إلى قطع الشركة في الربح.
قوله: (إلا إذا قال رب المال شرطت لك ثلث الربح) قيل عليه لا يظهر استثناء هذا الفرع من القاعدة لان رب المال يدعي الفساد والمضارب الصحة والقول لمدعيها، فهو داخل تحت القاعدة كما لا يخفى.
أقول: ليست القاعدة على إطلاقها، بل هي مقيدة بما إذا لم يدفع مدعي الفساد بدعوى الفساد استحقاق مال على نفسه كما هنا، فحينئذ يكون القول.
قوله: كما قدمناه عن الذخيرة، وحينئذ لا صحة لقول المصنف فالقول للمضارب، والصواب فالقول لرب المال، لانه المدعي للفساد ليدفع بدعواه الفساد استحقاق مال عن نفسه، وحينئذ يتم الاستثناء، ولا وجه لما قيل إن القول في هذه الصورة قول مدعي الصحة حيث كانت القاعدة مقيدة بما ذكرناه.
ا ه.
كلام الحموي، فلما كان في كلام الاشباه ما يقتضي عدم صحة الاستثناء على ما ذكره المصنف موافقا لما في الخانية والذخيرة البرهانية في الفصل الرابع عشر منها من المضاربة ومخالفا للصواب حيث قال: فالقول للمضارب، والصواب فالقول لرب المال على ما ذكره الحموي مستندا لعبارة الذخيرة التي نقله عنها.
قال الشارح: وما في الاشباه فيه اشتباه، فليحرر ما يكشف ذلك الاشتباه.
والذي نقله الحموي عن الذخيرة هو ما ذكره في البيوع في الفصل العاشر، وهو أن ما ذكر في عبارته كما نقله عنه ما إذا قال المضارب لرب المال شرطت لي نصف الربح إلا عشرة ورب المال يدعي جواز المضاربة بأن قال شرطت لك نصف الربح.(2/420)
وقد صرح صاحب الذخيرة في كتاب المضاربة بأنه لو قال المضارب شرطت لي نصف الربح وزيادة عشرة أن القول فيه للمضارب، وعلله بأن رب المال يدعي شرطا زائدا يوجب فساد العقد فلا يقبل كما تقدم في عبارته فلا يتم ما قاله المحشي الحموي لمجرد تعليل صاحب الذخيرة مع نصه أن الحكم خلاف ذلك ولا سيما أن ما ذكره الفقيه في غير بابه، فالحق ما جرى عليه في المنح.
تأمل.
قوله: (وما في الاشباه) من قوله القول قول مدعي الصحة إلا إذا قال رب المال شرطت لك الثلث وزيادة عشرة وقال المضارب الثلث فالقول للمضارب كما في الذخيرة ا ه.
قوله: (فيه اشتباه) فإنه ظن أن الفرع خارج عن القاعدة مع أنه داخل فيها لانا جعلنا القول فيه لمدعي الصحة وهو المضارب المدعي وقوعها بالثلث فلا يصح قوله إلا إذا قال رب المال الخ.
كذا في المنح.
وذكر نحوه أنه الشيخ صالح في حاشيته عليها، وحينئذ فلا وجه لما ذكره الحموي في حل هذه العبارة ونصه: قوله: أي صاحب الاشباه القول لمدعي الصحة ليس هذا على إطلاقه، بل هو مقيد بما إذا لم يدفع مدعي الفساد بدعوى الفساد استحقاق مال عن نفسه، كما إذا ادعى المضارب فساد العقد بأن قال رب المال شرطت في الربح إلا عشرة ورب المال بدعي جواز المضاربة بأن قال شرطت لك نصف الربح فالقول قول رب المال، لان المضارب بدعوى الفساد لا يدفع استحقاقا عن نفسه، لان المستحق على المضارب منافعه والمستحق له على رب المال جزء من الربح وإنه عين المال والمال خير من المنفعة والاستحقاق بعوض هو خير كالاستحقاق فلم يكن المضارب بدعوى الفساد دافعا عن نفسه استحقاقا فلا يقبل قوله.
ورب المال إذا ادعى فساد المضاربة بأن قال للمضارب شرطت نصف الربح إلا عشرة والمضارب ادعى جواز المضاربة بأن قال شرطت لي نصف الربح فالقول لرب المال، لانه بدعوى الفساد يدفع عن نفسه استحقاق مال، لان ما يستحق لرب المال منفعة المضارب، وما يستحق على رب المال عين مال وهو خير من الربح والعين خير من المنفعة، وإن كان كذلك كان رب المال بدعوى الفساد دافعا عن نفسه استحقاق زيادة المال فكان القول قوله.
كذا في الذخيرة.
قوله: (في المطلقة) بسكون الطاء المهملة كأن يقول دفعت إليك هذا المال مضاربة ولم يزد عليه.
قوله: (التي لم تقيد بمكان) أما لو قيده في البلد فليس له أن يسافر عنها، كما لو قيده ببلدة أخرى فيتعين السفر، ولا يبيع في بلده للزوم
القيد، وكلام المؤلف على حذف أي التفسيرية فهو بيان للمطلقة.
قوله: (أو زمان) فلو قيد بالشتاء فليس له أن يبيع بالصيف كعكسه.
قوله: (أو نوع) فلو قيد بالبر ليس له أن يتجر في الرقيق مثلا، وينبغي أن يزاد أو شخص من المعاملين بعينه كما سيذكره فإنها حينئذ من المقيدة كما حققه قاضي زاده، ثم لا يجوز للمضارب أن يعمل في غير ذلك المقيد.
شلبي.
قوله: (البيع) قال الشهاب الشلبي في شرحه: اشترى المضارب أو باع بما لا يتغابن الناس فيه يكون مخالفا قال له رب المال اعمل برأيك أو لا، لان الغبن الفاحش تبرع وهو مأمور بالتجارة لا بالترع.
ولو باع مال المضاربة بما لا يتغابن فيه أو بأجل غير متعارف جاز عند الامام خلافا لهما كالوكيل بالبيع اه.
وإنما يبيع ويشتري من غير أصوله وفروعه.
كذا في سري الدين عن الولوالجية ط.
قوله: (ولو فاسدا) لان المبيع فيه يملك بالقبض فيحصل الربح بعقد المعاوضة وهو صنيع التجار، بخلاف الباطل كما في الاشباه وليس(2/421)
المراد منه أنه يجوز له مباشرته لحرمته، بل المراد أنه لا يكون به مخالفا فلا يكون غاصبا فلا يخرج المال عن كونه في يده أمانة.
أبو السعود.
قوله: (ونسيئة) النسيئة بالهمز والنساء بالمد: التأخر، ولو اختلفا في النقد والنسيئة فالقول للمضارب في المضاربة وللموكل في الوكالة كما مر متنا في الوكالة.
قوله: (متعارفة) احترز به عما إذا باع إلى أجل طويل.
زيلعي: أي كسنتين في عرفنا أو أجل لم يعهد عند التجار كعشرين سنة كما مر في الدرر، وإنما جاز له النسيئة لانه عسى لا يحصل له الربح إلا بالنسيئة، حتى لو شرط عليه البيع بالنقد لا يجوز له أن يبيع بنسيئة.
وفي شرط النسيئة يجوز له أن يبيع بالنقد.
وفي الهندية عن المبسوط قالوا: وهذا إذا باعه بالنقد بمثل قيمته أو أكثر أو بمثل ما سمي له من الثمن، فإن كان بدون ذلك فهو مخالف، ولو قال لا تبعه بأكثر من ألف فباع بأكثر جاز لانه خير لصاحبه.
كذا في الحاوي.
لو كانت المضاربة مطلقة فخصها رب المال بعد عقد المضاربة نحو إن قال له لا تبع بالنسيئة أو لا تشتر دقيقا ولا طعاما أو لا تشتر من فلان أو لا تسافر: فإن كان التخصيص قبل أن يعمل المضارب أو بعدما عمل فاشترى وباع وقبض الثمن وصار المال ناضجا جاز تخصيصه، وإن كان
التخصيص بعد ما عمل وصار المال عرضا لا يصح.
وكذا لو نهاه عن السفر فعلى الرواية التي يملك السفر في المضاربة المطلقة إن كان المال عرضا لا يصح نهيه.
كذا في فتاوي قاضيخان.
فإذا اشترى ببعض المال شيئا ثم قال لا تعمل به إلا في الحنطة لم يكن له أن يشتري بالباقي إلا الحنطة، فإذا باع ذلك الشئ وصار نقدا لم يشتر به إلا الحنطة.
كذا في الحاوي انتهى.
قوله: (والشراء) أي نقدا أو نسيئة بغبن يسير، فلو اشترى بغبن فاحش فمخالف، وإن قال له اعمل برأيك كما في الذخيرة، والاطلاق مشعر بجواز تجارته مع كل أحد، لكن في النظم أنه لا يتجر مع امرأته وولده الكبير العاقل ووالديه عنده خلافا لهما، ولا يشتري من عبده المأذون، وقيل من مكاتبه بالاتفاق.
قهستاني.
قوله: (والتوكيل) لانه دون المضاربة وجزء منه المضاربة تتضمن الاذن به.
قوله: (بهما) أي بالبيع والشراء.
قوله: (والسفر برا وبحرا) إلا أن ينهاه عنه نصا مطلقا على الاصح كما في الظهيرية.
وفي الخانية: له أن يسافر برا وبحرا في ظاهر الرواية في قول أبي حنيفة، ومحمد هو الصحيح وعن أبي حنيفة أنه لا يسافر، وهو قول أبي يوسف كما في المقدسي.
وفي القهستاني: ولا يسافر سفرا مخوفا يتحابى عنه الناس في قوتهم.
قال الرحمتي: وله السفر برا وبحرا: أي في وقت لا يغلب فيه الهلاك وفي مكان كذلك.
قوله: (ولو دفع له المال في بلده على الظاهر) وعن أبي يوسف عن الامام أنه إن دفع إليه المال في بلده ليس له أن يسافر به، وإن دفع إليه في غربة كان له أن يسافر به إلى بلده، لان الظاهر أن صاحبه رضي به إذ الانسان لا يقيم في دار الغربة دائما فإعطاؤه المال في هذه الحالة ثم علمه بحاله يدل على رضاه به.
وجه الظاهر أن المضاربة مشتقة من الضرب في الارض فيملكه بمطلق العقد، إذ اللفظ دال عليه، ولا نسلم أنه تعريض على الهلاك لان الظاهر فيه السلامة ولا معتبر بالموهوم كما في الزيلعي.
قوله: (ولو لرب المال) أراد بالابضاع له استعانة فيكون ما اشتراه وما باعه على المضاربة لا ما هو(2/422)
المتعارف من أن يكون المال للمبضع والعمل من الآخر كما في البرجندي.
قوله: (ولا تفسد به المضاربة) لان حق التصرف للمضارب فيصلح أن يكون رب المال وكيلا عنه في التصرف خلافا لزفر،
لان رب المال عنده حينئذ متصرف لنفسه وهو لا يصلح أن يكون وكيلا فيه فيكون مستردا وقول العيني: ويكون الربح للعامل صوابه: ولا يكون أن يحمل العامل على المضارب الذي وجد منه الابضاع وإن لم يعمل بالفعل.
كذا ذكره الشيخ شاهين.
وليس المراد بالربح الذي يكون للمضارب في كلام الشيخ شاهين دون رب المال إذا دفع إليه المال بضاعة أصل الربح بل ما يخصه منه فتنبه.
أبو السعود قوله: (كما يجئ) أي في أول المتفرقات قوله: (والرهن والارتهان) قال في البحر: وله أن يرهن ويرتهن بها، ولو أخذ نخلا أو شجرا معاملة على أن ينفق في تلقيحها وتأبيرها من المال لم يجز عليها، وإن قال له اعمل برأيك، فإن رهن شيئا من المضاربة ضمنه، ولو أخر الثمن جاز على رب المال، ولا يضمن، بخلاف الوكيل الخاص لو حط بعض الثمن إن لعيب طعن المشتري فيه، وما حط حصته أو أكثر يسيرا جاز، وإن كان لا يتغابن الناس في الزيادة يصح ويضمن ذلك من ماله لرب المال وكان رأس المال ما بقي على المشتري، ويحرم عليه وطئ الجارية ولو بإذن رب المال، ولو تزوجها بتزويج رب المال جاز إن لم يكن في المال ربح وخرجت الجارية عن المضاربة، وإن كان فيه ربح لا يجوز، وليس له أن يعمل ما فيه ضرر ولا ما لا يعمله التجار، وليس لاحد المضاربين أن يبيع أو يشتري بغير إذن صاحبه، ولو اشترى بما لا يتغابن الناس في مثله يكون مخالفا وإن قيل له اعمل برأيك، ولو باع بهذه الصفة جاز خلافا لهما كالوكيل بالبيع المطلق.
وإذا اشترى بأكثر من المال كانت الزيادة له ولا يضمن بهذا الخلط الحكمي، ولو كان المال دراهم فاشترى بغير الاثمان كان لنفسه وبالدنانير للمضاربة لانهما جنس هنا انتهى.
قوله: (والاستئجار) أي استئجار العمال للاعمال والمنازع لحفظ الاموال والسفن والدواب كما في الخانية والايجار كذلك.
عبد الحليم.
قوله: (فلو استأجر الخ) كان هذا في عرفهم أنه من صنيع التجار، وفي عرفنا ليس هو من صنيعهم فينبغي أن لا يملكه، قوله: (أي قبول الحوالة) هذا ليس معنى الاحتيال، لان الاحتيال كونه محتالا وذلك برضا المحيل والمحال عليه والمحال وإنما اقتصر عليه لانه المقصود هنا ط.
قوله: (من صنيع التجار) أي عملهم، وفي بعض النسخ صناع جمع صنعة بمعنى مصنوعة.
قوله: (لا يملك المضاربة) هذا إذا كانت المضاربتان صحيحتين.
أما إذا كان إحداهما فاسدة أو كلتاهما فلا يمنع منه المضارب.
قاله سري
الدين.
وهذا أيضا إذا كانت مع غير رب المال.
أما إذا كانت معه فهي صحيحة كما تقدم عن الاسبيجابي.
قال الصدر الشهيد: التصرفات في المضاربة ثلاثة أقسام: قسم هو من باب المضاربة وتوابعها فيملكها بمطلق الايجاب، وهو الايداع والابضاع والاجارة والاستئجار والرهن والارتهان وما أشبه ذلك.
وقسم آخر ليس من المضاربة المطلقة لكنه يحتمل أن يلحق بها عند وجود الدلالة، وهو إثبات الشركة في المضاربة بأن يدفع إلى غيره مضاربة أو يخلط مال المضاربة بماله أو بمال غيره فإنه لا يملك(2/423)
هذا بمطلق المضاربة، لان رب المال لم يرض بشركة غيره، وهو أمر زائد على ما تقوم به التجارة فلا يتناوله مطلق عقد المضاربة، لكن يحتمل أن يلحقها بالتعميم.
وقسم لا يمكن أن يلحق بها، وهو الاقراض والاستدانة على المال لان الاقرار ليس بتجارة، وكذا الاستدانة على المال بل تصرف بغير رأس المال والتوكيل مقيد برأس المال انتهى.
قوله: (والشركة) لانها فوقها.
قوله: (والخلط بمال نفسه) وكذا بمال غيره كما في البحر: أي لانه شركة إلا أن تكون معاملة التجار في تلك البلد أن المضاربين يخلطون ولا ينهونهم، فإن غلب التعارف في مثله وجب أن لا يضمن كما في التاترخانية.
وفيها من الثاني عشر: دفع إلى رجل ألفا بالنصف ثم ألفا أخرى كذلك فخلط المضارب المالين فهو على ثلاثة أوجه، أما إن قال المضارب في كل من المضاربتين اعمل برأيك أو لم يقل فيهما أو قال في إحداهما فقط، وعلى كل فإما أن يكون قبل الربح في المالين أو بعده فيهما أو في أحدهما.
ففي الوجه الاول: لا يضمن مطلقا.
وفي الثاني: إن خلط قبل الربح فيهما فلا ضمان أيضا، وإن بعده فيهما ضمن المالين وحصة رب المال من الربح قبل الخلط، وإن بعد الربح في أحدهما فقط ضمن الذي لا ربح فيه.
وفي الثالث: إما أن يكون قوله اعمل برأيك في الاولى أو يكون في الثانية، وكل على أربعة
أوجه: إما أن يخلطهما قبل الربح فيهما، أو بعده في الاولى فقط، أو بعده في الثانية فقط، أو بعده فيهما قبل الربح فيهما، أو بعده في الثانية، فإن قال في الاولى لا يضمن الاول ولا الثاني فيما لو خلط قبل الربح فيهما ا ه.
قال في مشتمل الاحكام: وفي فتاوى أبي الليث إذا دفع إلى رجل دراهم مضاربة ولم يقل اعمل في ذلك برأيك والحال أن معاملة التجار في تلك البلدة يخلطون الاموال وأرباب الاموال لا ينهونهم عن ذلك وقد غلب التعارف في مثل هذا رجوت أن لا يضمن ويكون الامر محمولا على ما تعارفوا.
قوله: (إلا بإذن أو اعمل برأيك) وفي المقدسي: ومما تفارق المضاربة فيه الوكالة لو قال اعمل برأيك فللمضارب أن يضارب ويقول للثاني اعمل برأيك ويكون للثاني أن يضارب، بخلاف الوكيل الثاني.
ومنها لو رام رد عبد بعيب فنكل عن اليمين أنه ما رضي به بقي العبد على المضاربة، بخلاف الوكيل.
وفي الاشباه: إذا قال له اعمل برأيك ثم قال له لا تعمل برأيك صح نهيه إلا إذا كان بعد العمل.
ا ه.
قوله: (إذ الشئ لا يتضمن مثله) هذا إنما يظهر علة لنفي المضاربة لا لنفي الشركة منه والخلط، فالاولى أن يقول: ولا أعلى منه، لان الشركة والخلط أعلى من المضاربة لانها شركة في أصل المال.
وأورد على قولهم إذ الشئ لا يتضمن مثله المأذون فإنه يأذن لعبده والمكاتب له أن يكاتب والمستأجر له أن يؤجر والمستعير له أن يعير ما لم يختلف ف بالاستعمال.
وأجيب بأن هؤلاء يتصرفون بطريق الملكية لا النيابة، والكلام في الثاني.
أما المأذون فلان الاذن فك الحجر ثم بعد ذلك يتصرف العبد بحكم الملكية الاصلية والمكاتب صار حرا يدا والمستأجر والمستعير ملكا المنفعة والمضارب يعمل بطريق النيابة فلا بد من التنصيص عليه أو التفويض المطلق إليه ط.
بزيادة من الكفاية.
قوله: (ولا الاقراض والاستدانة) قال في شرح الاقطع: لا يجوز للمضارب أن يستدين على المضاربة وإن فعل ذلك(2/424)
لم يجز على رب المال، ألا ترى أنه إذا اشترى برأس المال فهلك قبل التسليم يرجع المضارب عليه بمثله، وإذا كان كذلك فرب المال لم يرض أن يضمن إلا مقدار رأس المال، فلو جوزنا الاستدانة لزمه ضمان ما لم يرض به وذلك لا يصح، وإذا لم يصح استدامته على رب المال لزمه العين خاصة، وقد قالوا:
ليس للمضارب أن يأخذ سفتجة لان ذلك استدانة وهو لا يملك الاستدانة، وكذا لا يعطى سفتجة لان ذلك قرض وهو لا يملك القرض، ولو قال له اعمل برأيك انتهى ط.
عن الشلبي مختصرا.
وإذا لم تصح الاستدانة لزم الدين خاصة وأطلق الاستدانة فشمل الاستدانة على مال المضاربة والاستدانة على إصلاح مال المضاربة كالاستئجار على حمله أو على قصارته وهو متطوع في ذلك.
وفي القهستاني عن شرح الطحاوي: صورتها كما إذا اشترى سلعة بثمن دين وليس عنده من مال المضاربة شئ من جنس ذلك الثمن، فلو كان عنده من جنسه كان شراء على المضاربة ولم يكن من الاستدانة في شئ، والظاهر أن ما عنده إذا لم يوف فما زاد عليه استدانة، وقدمنا عن البحر: إذا اشترى بأكثر من المال كانت الزيادة له ولا يضمن بهذا الخلط الحكمين.
وفي البدائع: كما لا تجوز الاستدانة على مال المضاربة لا تجوز على إصلاحه، فلو اشترى بجميع مالها ثيابا ثم استأجر على حملها أو قصرها أو قتلها كان متطوعا عاقدا لنفسه.
ط عن الشلبي، وهذا ما ذكره المصنف بقوله فلو شرى بمال المضاربة ثوبا الخ فأشار بالتفريع إلى الحكمين.
قوله: (أي اعمل برأيك) أشار إلى أن اسم الاشارة راجع له خاصة لا له وللاذن، فإن بالاذن الصريح يملك ذلك كما سيقول ما لم ينص عليهما.
قوله: (ما لم ينص المالك عليهما) قال في البزازية: وكذا الاخذ بالشفعة لا يملكه إلا بالنص ويملك البيع الفاسد لا الباطل.
نقله في الاشباه.
قوله: (وإذا استدان كانت شركة الخ) أي استدان بالاذن، وما اشترى بينهما نصفان وكذا الدين عليهما، ولا يتغير موجب المضاربة فربح مالهما على ما شرط قهستاني.
أقول: وشركة الوجوه هي أن يتفقا على الشراء نسيئة وبكون المشتري عليهما أثلاثا أو أنصافا والربح يتبع هذا الشرط، ولو جعلاه مخالفا ولم يوجد ما ذكر فيظهر لي أن يكون المشتري بالدين للآمر لو المشتري معينا أو مجهولا جهالة نوع وسمي ثمنه أو جهالة جنس وقد قيل له اشتر ما تختاره وإلا فللمشتري كما تقدم في الوكالة، لكن ظاهر المتون أنه لرب المال وربحه على حسب الشرط، ويغتفر في الضمني ما لا يغتفر في الصريح، وقوله كانت شركة أي بمنزلة شركة الوجوه كما في الهداية.
وصورة الاستدانة أن يشتري بالدراهم شيئا أو الدنانير بعدما اشترى برأس المال سلعة أو يشتري
بمكيل أو موزون ورأس المال في يده دراهم أو دنانير، لانه اشترى بغير رأ س المال فكان استدانة، بخلاف ما لو اشترى بدنانير ورأس المال في يده دراهم أو بدراهم ورأس المال في يده دنانير، لان الدراهم والدنانير جنس في الثمنية فلا يكون هذا اشتراء بدين.
كذا في شرح الوافي.
واستفيد مما ذكره الشارح أن شركة الوجوه لا يلزم فيها الخلو عن المال أصلا بل أن يشتريا بالنسيئة سواء كان مع ذلك شراء بمال كما هنا أو بالنسيئة فقط.
قوله: (وحينئذ) أي حين لا يملك القرض والاستدانة، وكان الاولى تقديمه.
على.
قوله: (ما لم ينص عليهما).
قوله: (فلو اشترى) تفريع على عدم جواز(2/425)
الاستدانة كما ذكرنا.
قوله: (أو حمل متاع المضاربة) أي أعطى أجرة الحمال من عند نفسه لا بمالها.
كذا في أخي جلبي.
قوله: (بماله) متعلق بكل من قصر وحمل.
قوله: (وقد قيل له ذلك) أي اعمل برأيك.
منح.
قوله: (فهو متطوع) أي بما زاد فليس له حصته من الثمن.
قوله: (لانه لا يملك الاستدانة بهذه المقالة) وهي اعمل برأيك.
قلت: والمراد بالاستدانة نحو ما قدمناه عن القهستاني: فهذا يملكه إذا نص، أما لو استدان نقودا فالظاهر أنه لا يصح لانه توكيل بالاستقراض وهو باطل كما مر في الوكالة.
وفي الخانية من فصل شركة العنان: ولا يملك الاستدانة على صاحبه ويرجع المقرض عليه لا على صاحبه، لان التوكيل بالاستدانة توكيل بالاستقراض وهو باطل لانه توكيل بالتكدي، إلا أن يقول الوكيل للمقرض إن فلانا يستقرض منك كذا فحينئذ يكون على الموكل لا الوكيل انتهى أي لانه رسالة لا وكالة كما قدمناه في با ب الوكالة، والظاهر أن المضاربة كذلك كما قلنا فليراجع.
قوله: (فشريك بما زاد الصبغ) أي والنشاء.
والاولى أن يقول فشريك بقدر قيمة الصبغ، حتى لو بيع ينقسم الثمن على قيمة الصبغ والثوب الابيض كما يأتي قريبا.
قوله: (كالخلط) أي يصير شريكا به أيضا، فلا يضمن به لما سلف أنه يملك الخلط بالتعميم، وفي بعض النسخ.
قوله: (بالخلط) أي بسبب خلط ماله وهو الصبغ أو النشاء بمال المضاربة وكلاهما صحيح.
قوله: (وكان له حصة قيمة صبغه الخ) أي إذا بيع الثياب كان حصة قيمة الصبغ في الثوب للمضارب وحصة الثوب الابيض في مال المضارب، قاله
أبو الطيب: أي فلو كان الثوب على تقدير أنه أبيض يساوي خمسة، وعلى تقدير كونه أحمر يساوي ستة كان له سدس الثمن وخمسة الاسداس للمضاربة رأس المال لصاحبه والربح بينهما على ما شرطا.
قوله: (في مالها) أي مال المضاربة فيجريان فيه على ما اشترطا في الربح.
قوله: (بل غاصبا) فيخرج مال المضاربة عن أن يكون أمانة فيضمن ويكون الربح له على ما مر، وسيأتي في كتاب الغصب أنه إذا غصب ثوبا فصبغه فالمالك بالخيار، إن شاء ضمنه الثوب أبيض أو أخذ الثوب وأعطاه قيمة الصبغ.
قوله: (نقص عند الامام) وعندهما كالاحمر وهو المفتى به، وقد مر أنه اختلاف زمان لا برهان، وفي زماننا لا يعد نقصا بل هو من أحسن الالوان فيدخل في اعمل برأيك سائر الالوان كالحمرة.
قوله: (ولا يملك أيضا تجاوز بلد) أشار به إلى أنه لو عين سوقا من بلد لم يصح التعيين، لان البلد مع تباين أطرافه كبقعة واحدة، إلا إذا صرح بنهي سوق منه أو قال لا تعمل بغير هذا السوق منه فحينئذ يصح كما في الهداية ويأتي قريبا.
ثم مجموع صور قيدت المضاربة فيها بالمكان ثمانية: ستة منها يفيد التقييد فيها، واثنتان لا، فالذي يفيد ستة وهي دفعت المال إليك مضاربة بكذا في الكوفة أو على أن تعمل به فيها أو لتعمل به فيها أو تعمل به رفعا أو خذه تعمل به فيها جزما أو فاعمل به فيها، واللذان لا يفيدان وهما دفعت إليك مضاربة اعمل به فيها أو واعمل به.
والاصل أنه متى عقب بما لا يبتدأ به ويمكن بناؤه على ما قبله يجعل مبنيا عليه كما في الالفاظ الستة، وإن صح الابتداء به لا يبنى على ما(2/426)
قبله ويجعل مبتدأ ومستقلا كما في اللفظين الاخيرين، وحينئذ تكون الزيادة شورى وكان له أن يعمل بالكوفة وغيرها كما في الهندية عن الكافي.
واعترض عليه أن صورة تعمل به الرفع بالرفع ينبغي أن تكون مما لا يفيد التخصيص.
لان تعمل كما يحتمل أن يكون حالا يحتمل أن يكون استئنافا.
وأجيب عنه في الشروح بأجوبة أحسنها أن قوله اعمل بدون الواو استئناف قطعا، وبالواو استئناف أو عطف لا يحتمل الحال، لان الانشاء لا يقع حالا صرح به في محله والسوق يقتضي كون تعمل به حالا وهو المتبادر فيحمل عليه.
قوله: (أو سلعة) بأن قال له خذ هذا المال مضاربة على أن تشتري به الطعام مثلا أو الرقيق كما في المحيط.
قوله: (أو وقت) بأن وقت للمضاربة وقتا بعينه بأن قال له اعمل بالصيف أو الخريف أو الليل كما في القهستاني.
ويمكن أن المراد بالوقت أيضا توقيتها بمدة سنة مثلا حتى يبطل العقد بمضيه كما في الهندية عن الكافي.
قوله: (أو شخص عينه المالك) بأن قال على أن يشتري به من فلان ويبيع منه صح التقييد، وليس أن يشتري ويبيع من غيره كما في الهندية عن الكافي، لانه لم يملك التصرف إلا بتفويضه فيتقيد بما فوض إليه، وهذا التقييد مفيد لان التجارات تختلف باختلاف الامكنة والامتعة والاوقات والاشخاص، وكذا ليس له أن يدفعه مضاربة إلى من يخرجه من تلك البلدة لانه لا يمكن أن يتصرف بنفسه في غير هذا البلد فلا يمكن أن يستعين بغير أيضا.
درر.
قال مسكين: لا يتجاوز عما عينه من هذه الاشياء كما لا يتعدى أحد الشريكين في الشركة المقيدة مع شئ فيها، والمراد بالشخص شخص معين، لانه لو قال على أن تشتري من أهل الكوفة أو قال على أن تعمل في الصرف وتشتري في الصيارفة وتبيع منهم فباع في الكوفة من رجل ليس من أهل الكوفة أو من غير الصيارفة جاز.
ا ه.
فقول على أن تشتري من أهل الكوفة الخ كذا لو قال خذ هذا المال تعمل به في الكوفة لانه تفسير له أو قال فاعمل به في الكوفة لان الفاء للوصل، أو قال خذه بالنصف بالكوفة لان الباء للالصاق، أو قال خذه مضاربة بالنصف في الكوفة لان في للظرف وإنما يكون ظرفا فإذا حصل الفعل فيه أو قال على أن تعمل بالكوفة لان على للشرط فيتقيد به، بخلاف ما لو قال خذ هذا المال واعمل به في الكوفة حيث كان له أن يعمل فيها وفي غيرها لان الواو للعطف فيصير بمنزلة المشورة.
زيلعي.
أقول: وهذا معنى التخصص، وقوله جاز لان المقصود من هذا الكلام التقييد بالمكان أو بالنوع، حتى لا يجوز له أن يخرج من الكوفة في الاول ويبيع فيها من أهلها أو من غير أهلها، ولا يجوز له أن يعمل في غير الصرف في الثاني ويشتري ويبيع من الصيارفة وغيرهم، لان التقييد بالمكان والنوع مفيد، ولا يفيد التقييد بأهل الكوفة والصيارفة، لان كل واحد منهما جمع كثير لا يمكن إحصاؤه.
زيلعي قوله: (لان المضاربة تقبل التقييد المفيد) أي كما في الشركة.
بحر.
فأفاد أن الشركة تكون
بالاولى في قبول التقييد المفيد.
وفي الذخيرة: لو نهاه عن التصرف والمال عرض فباعه بعرض آخر لا يعمل نهيه، فلو باع بالدراهم يعمل النهي.
ا ه.(2/427)
قال وفي الهندية: الاصل أن رب المال متى شرط على المضارب شرطا في المضاربة، إن كان شرطا لرب المال فيه فائدة فإنه يصح ويجب على المضارب مراعاته والوفاء به، وإذا لم يف به صار مخالفا وعاملا بغير أمره، وإن كان شرطا لا فائدة فيه لرب المال فإنه لا يصح ويجعل كالمسكوت عنه، كذا في المحيط.
قوله: (ولو بعد العقد) قبل التصرف في رأس المال أو بعد التصرف ثم صار المال ناضا فإنه يصح تخصيصه لانه يملك عزله فيملك تخصيصه والنهي عن السفر يجري على هذا كما في المنح.
قوله: (ما لم يضر المال عرضا الخ) قيل لعل العلة في ذلك ظهور كون ما اشترى من البضاعة يروج كمال الرواج في بلدة كذا، فإذا ظهر له ذلك فالمصلحة حينئذ في السفر إلى تلك البلدة ليكون الربح أوفر ا ه.
قال في الفتاوى الظهيرية: والاصح أن نهيه عن السفر عامل على الاطلاق ا ه.
قوله: (لا يملك عزله) ولا نهيه منح.
قوله: (فلا يملك تخصيصه) قدمنا قريبا عن الزيلعي معنى التخصيص.
قوله: (كنهيه عن بيع الحال) يعني ثم باعه بالحال بسعر ما يباع بالمؤجل كما في العيني.
وقد يكون في بيع المؤجل ربح وفائدة.
منها: أنه يباع بربح أكثر من الحال عادة ولذا قدم في الوكالة أنه لو أمره بالنسيئة فباع بالنقد جاز إن عين له الثمن، أفاد أنه عند عدم تعيين الثمن لا يجوز لان النسيئة يكون الثمن أزيد.
قال في الهندية: ولو أمره أن يبيع بالنسيئة ولا يبيع بالنقد فباع بالنقد فهو جائز.
قالوا: وهذا إذا باعه بالنقد بمثل قيمته أو أكثر أو بمثل ما سمي له من الثمن، فإن كان بدون ذلك فهو مخالف.
كذا في المبسوط.
لو قال لا تبعه بأكثر من ألف فباع بأكثر جاز لانه خير لصاحبه كذا في الحاوي ا ه.
وقدمناه قريبا.
أقول: لكن هذا القيد لا يظهر على ما في الشرح من عدم اعتباره أصلا، ومقتضاه الاطلاق، نعم ذكروا ذلك في تقييد الوكيل كما سمعت وهو مفيد هناك، فيلزم أن لا يبيع بدون الثمن الذي عينه له وهو ثمن النسيئة، فإن باع نقدا بثمنها صح إذ لا يبقى بعده إلا التقييد بالنسيئة وهو غير مفيد بانفراده قطعا.
تأمل.
قوله: (فإن صرح بالنهي) مثل لا تبع في سوق كذا.
قوله: (صح وإلا لا) وهذا بخلاف ما إذا قال على أن تشتري في سوق الكوفة حيث لا يصح التقييد إلى آخر ما قدمناه.
قوله: (فإن فعل) أي تجاوز، بأن خرج إلى غير ذلك البلد فاشترى سلعة غير ما عينه أو في وقت غير ما عينه أو بايع أو اشترى مع غير من عينه.
قوله: (ضمن بالمخالفة) وهل يضمن بنفس الاخراج؟ الصحيح نعم، لكن بالشراء يتقرر الضمان لزوال احتمال الرد إلى البلد الذي عينه كما في الهداية.
قوله: وكان ذلك الشراء له وله ربحه وعليه خسرانه لانه تصرف في مال غيره بغير أمره درر: أي لانه فضولي فيه فينفذ عليه حيث أمكن تنفيذه، أما لو باع مال المضاربة مخالفا لرب المال كان بيعه موقوفا على إجارته كما هو عقد الفضولي.
قال الاتقاني.
ولكن يتصدق بالربح عندهما.
وعند أبي يوسف: يطيب(2/428)
له أصله المودع إذا تصرف فيها وربح.
قوله: (ولو لم ينصرف فيه) أشار إلى أن أصل الضمان واجب بنفس المخالفة لكنه غير قادر إلا بالشراء فإنه على عرضية الزوال بالوفاق.
وفي رواية الجامع أنه لا يضمن إلا إذا اشترى، والاول هو الصحيح كما في الهداية قهستاني قلت: والظاهر أن ثمرته فيما لو هلك بعد الاخراج قبل الشراء يضمن على الاول لا على الثاني.
قوله: (عادت المضاربة) أي لو تجاوز بلدا عينها رب المال أو هم بشراء سلعة غير التي عينها أو في وقت أو مع شخص كذلك ثم عاد للوفاق، بأن رجع للبلد واشترى السلعة التي عينها وانتظر الوقت وعامل مع ذلك الشخص صح تصرفه لعدم المخالفة، ففي قوله (عادت المضاربة) تسامح، لان العود لا يكون بعد الانصراف والانصراف عن المضاربة يفسخها ولم يوجد ما يقتضيه، ولم فسخت لم تعد لان المفسوخ لا يعود جائزا بدون عقد جديد.
كذا أفاده الرحمتي.
وقد يقال: المراد بالعود الابراء عن الضمان لانه أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق ورجع مع مال
المضاربة على حاله، لان المال باقي في يده بالعقد السابق كما في المنح، وهو يفيد أنه لا يتصور العود إذا خالف في سلعة عينها أو في شخص عينه.
نعم يظهر في مخالفته في المكان.
تأمل.
وحاصل المعنى: أنه إذا عين له بلدا فتجاوز إلى أخرى خرج المال عن المضاربة خروجا موقوفا على شرف الزوال، فإن رجع إلى ما عينه رب المال زال الضمان ورجع إلى الوفاق وبقيت المضاربة على حالها كالمودع إذا خالف في الوديعة ثم ترك فإذا حمل على هذا فلا إشكال.
تأمل.
قوله: (وكذا لو عاد) أي إلى الوفاق في البعض: أي بعض المال بعد المخالفة في البعض الآخر، فإن ما اشتراه مع المخالفة وقع لنفسه، وما بقي لم تحصل به المخالفة، فإذا عاد إلى الوفاق صح تصرفه فيه، لان ذلك إذا كان حكم كل المال كان حكم جزئه اعتبارا للجزء بالكل، وحكم ما باعه مع المخالفة حيث إنه عقد فضولي والفضولي يملك الفسخ قبل إجازة المالك كما تقدم، فلو عاد فيه إلى الوفاق صح تصرفه فيه لان الفسخ بعدم البيع.
قال الاتقاني: فإن اشترى ببعضه في غير الكوفة ثم بما بقي في الكوفة فهو مخالف في الاول، وما اشتراه بالكوفة فهو على المضاربة، لان دليل الخلاف وجد في بعضه دون بعضه انتهى.
قوله: (ولا يملك تزويج قن من مالها) أي لا يملك المضارب تزويج عبد أو أمة من مال المضاربة كالشريك عنانا أو مفاوضة كما في البحر.
وعن أبي يوسف أن للمضارب تزويج الامة لانه من الاكتساب لانه يصل إلى المهر وإلى سقوط نفقتها، بخلاف تزويج العبد فإن فيه إشغال رقبته في الدين واستحقاق بيعه به.
ولهما: أنه ليس من باب التجارة فلا يدخل تحت الاطلاق، لان لفظ المضاربة يدل على تحصيل المال بطريق التجارة لا بأي طريق كان، ألا ترى أنه ليس له أن يكاتب ولا يعتق على مال وإن كان بأضعاف قيمته، على أن في تزويج الامة خطرا وهو الحمل وعدم الخلاص منه كما في المنبع، بخلاف المكاتب حيث يجوز له أن يزوج الامة دون العبد لان الكتابة تقتضي الاكتساب دون التجارة، ولهذا كان له أن يكاتب فيملك تزويج الامة أيضا، ونظيرها الاب والوصي حيث يملكان تزويج الامة والمكاتبة دون تزويج العبد، لان تصرفهما مقيد بالنظر للصغير، فمهما كان فيه نظر للصغير فعلاه وما لا فلا.
ذكره(2/429)
الزيلعي.
قال القهستاني: وفيه إشارة إلى أنه لا يحل للمضارب وطئ جارية المضاربة ربح أو لا وأذن به أو لا كما في المضمرات انتهى.
قوله: (بقرابة) كابنه وأبيه لكونه مخالفا للمقصود.
قوله: (أو يمين) بأن قال إن ملكته فهو حر، لان المضاربة إذن بتصرف يحصل به الربح، وهذا إنما يكون بشراء ما يمكن بيعه وهذا ليس كذلك.
درر ونظير المضاربة الشريك شركة عنان أو مفاوضة حتى كان تزويجه الامة على الخلاف.
زيلعي.
قوله: (فإنه يملك ذلك) لان التوكيل مطلق فيجري على إطلاقه.
قال الشمني: والفرق بينه وبين المضارب حيث يصح شراء الوكيل لمن يعتق على الموكل ولا يصير به مخالفا، إذ الوكالة في الوكيل بالشراء مطلقة فتجري على إطلاقها، وفي المضاربة مقيدة بما يظهر فيه الربح بالبيع، فإذا اشترى ما لا يقدر على بيعه خالف انتهى.
وكذا لو وجد في الوكالة أيضا ما يدل على التقييد بأن قال اشتر لي عبدا أبيعه أو جارية أطؤها كان الحكم كذلك كما ذكره المصنف بقوله: (عند عدم القرينة) فلو اشترى من يعتق على رب المال صار مشتريا لنفسه ويضمن لانه نقد الثمن من مال المضاربة.
وعند مالك لو كان عالما موسرا ضمن، وإلا فلا.
كذا ذكره العيني، ومقتضاه الضمان عندنا مطلقا موسرا أو لا.
قوله: (ولا من يعتق عليه) لانه يعتق نصيبه ويفسد بسببه نصيب رب المال أو يعتق على الخلاف بين الامام وصاحبيه.
قوله: (إذا كان في المال ربح هو هنا الخ) قال الزيلعي: والمراد من ظهور الربح المذكور أن تكون قيمة العبد المشتري أكثر من رأس المال، سواء كان في جملة مال المضاربة ربح أو لم يكن، لانه إذا كان قيمة العبد مثل رأس المال أو أقل لا يظهر ملك المضارب فيه بل يجعل مشغولا برأس المال، حتى إذا كان رأس المال ألفا وصار عشرة آلاف ثم اشترى المضارب من يعتق عليه وقيمته ألف أو أقل لا يعتق عليه، وكذا كان له ثلاثة أولاد أو أكثر وقيمة كل واحد ألف أو أقل فاشتراهم لا يعتق شئ منهم، لان كل واحد مشغول برأس المال ولا يملك المضارب منهم شيئا حتى يزيد قيمة كل عين على رأس المال على حدة من غير ضمنه إلى آخر.
ا ه.
لانه يحتمل أن يهلك منهم اثنان فيتعين الباقي لرأس المال ولعدم الاولوية.
وقال في المنح: والمراد من الربح هنا أن تكون قيمة العبد المشتري أكثر من رأس المال، سواء كان في جملة مال المضاربة ربح أو لم يكن، حتى لو كان المال ألفا فاشترى بها المضارب عبدين قيمة كل
واحد منهما ألف فأعتقهما المضارب لا يصح عتقه، وأما بالنسبة إلى استحقاق المضارب فإنه يظهر في الجملة ربح، حتى لو أعتقهما رب المال في هذه الصورة صح وضمن نصيب المضارب منهما وهو خمسمائة موسرا كان أو معسرا.
كذا في الفتاوى الظهيرية.
ا ه.
وإن لم يظهر ربح بالمعنى المذكور جاز شراؤه لعدم ملكه.
بحر.
قوله: (كما بسطه العيني) عبارته هي عين التي نقلناها عن الزيلعي في المقولة السابقة.
قوله: (وقع الشراء لنفسه) لان الشراء متى وجد نفاذا على المشتري ينفذ عليه.
ا ه.
منح وضمن في الصورتين.
ففي الوجه الاول: يضمن جميع الثمن إذا دفع من مال المضاربة إذ ليس له فيه من نصيب لعدم(2/430)
ظهور الربح فيه، بخلاف الوجه الثاني حيث يسقط عنه من ثمنه بحسب ما يخصه فيما يظهر فيه من الربح، هذا ما ظهر لي وكأنهم تركوا التنبيه عليه لظهوره ا ه.
أبو السعود.
قوله: (وإن لم يكن ربح) أي في الصورة الثانية وهي ما إذا اشترى المضارب من يعتق عليه.
قوله: (كما ذكرنا) أي من كون قيمته أكثر من رأس المال.
قوله: (صح للمضاربة) لعدم المفسد لانه لا يعتق عليه شئ، إذ لا ملك له فيه لكونه مشغولا برأس المال فيمكنه أن يبيعه للمضاربة فيجوز.
قوله: (فإن ظهر الربح) أي في صورة ما إذا اشترى المضارب من يعتق عليه ولم يكن فيه ربح ظاهر، لان قيمته لا تزيد على رأس المال ثم غلا سعره أو زادت أوصافه حتى غلت قيمته.
قوله: (لعتقه لا بصنعه) لانه إنما أعتق عند الملك لا بصنع منه بل بسبب زيادة قيمته بلا اختيار فصار كما لو ورثه مع غيره بأن اشترت امرأة ابن زوجها ثم ماتت وتركت هذا الزوج وأخا عتق نصيب الزوج، ولا يضمن شيئا لاخيها لعدم الصنع منه: درر.
تتمة: شرى نصفه بمال المضاربة ولا فضل فيه ونصفه بماله صح، لان هذا النصف لا ربح فيه فلم يثبت العتق فيه، وإنما دخل العتق فيه حكما لما اشتراه لنفسه فلم يصر مخالفا.
زيلعي عن الكافي.
قوله: (وسعى العبد المعتق الخ) قال في الجوهرة: وولاؤه بينهما على قدر الملك عند أبي حنيفة، وعندهما عتق كله وسعى في رأس المال وحصة رب المال من الربح.
ا ه.
وإنما سعى العبد لانه احتسبت مالية العبد عند العبد فيسعى فيه.
عناية.
قوله: (من يعتق على الصغير) ومثله المعتوه.
حموي.
قوله: (إذ لا نظر فيه للصغير) أي في شراء الاب والوصي وهي علة قاصرة، والعلة في الشريك هي المذكورة في المضارب من قصد الاسترباح ط.
وأما الشريك فلان الشركة تتضمن الوكالة والوكيل لا يشتري من يعتق على الموكل عند القرينة كما مر آنفا والشركة قرينة قصد الربح كالمضاربة.
قوله: (وإلا) بأن كان مستغرقا.
قوله: (لا) أي لا يعتق ما اشتراه من قريب المولى عند الامام.
قوله: (خلافا لهما) وهذا الخلاف مبني على أن المولى هل يملك أكساب عبده المأذون المستغرق بالدين أو لا؟ فعنده لا يملك، وعندهما يملك: أي فيعتق وإن كان المديون مستغرقا بالدين لماله ورقبته، لان السيد يملك ما في يده وإن أحاط الدين بذلك، وحينئذ يملك السيد قيمة العبد المعتق لغرماء المديون عندهما، وعند الكل إذا لم يكن مستغرقا.
قوله: (زيلعي) قال: وإن كان فيه دين محيط برقبته وكسبه لا يعتق عنده، وعندهما يعتق بناء على أنه هل يدخل في ملك الولي أم لا ا ه.
قوله: (بالنصف) متعلق بمضارب.
قوله: (اشترى أمة) أي قيمتها ألف.
قوله: (فولدت) أي ووطئها المضارب فولدت.
قوله: (ولدا مساويا له) أي الولد وحده مساويا للالف، فلو كانت قيمة الولد أكثر من الالف نفذت دعوته في الحال لظهور الربح فيه.
قوله: (فادعاه موسرا) لانه ضمان عتق.
قال منلا مسكين: واعلم أنه قوله موسرا ليس بقيد لازم، بل ذكره لانه لما لم يضمن في(2/431)
الولد مع أنه موسر فلان لا يضمن إذا كان معسرا أولى ا ه.
أي إنما قيد به لنفي الشبهة، وهي أن الضمان بسبب دعوة المضارب وهو الاعتاق فيختلف باليسار والاعسار، فكان الواجب أن يضمن المضارب إذا كان موسرا ومع ذلك لا يضمن، لان نفوذ العتق معنى حكمي لا صنع للمضارب فيه فلا يجب عليه الضمان لعدم التعدي، إذ لا يجب ضمان العتق إلا بالتعدي.
كما في أخي جلبي.
والحاصل: أنه لا يضمن لا موسرا ولا معسرا، وإنما قيد به ليعلم أن الموسر لا يضمن بالطريق الاولى.
قوله: (كما ذكرنا) أي في قوله (مساويا له) فالكاف بمعنى مثل خبر صار وألفا بدل منه أو ألفا هو الخبر والجار والمجرور قبله حال منه.
قوله: (نفذت دعوته) بخلاف ما لو أعتقه فزادت قيمته لانه إنشاء والدعوة إخبار فتتوقف على ظهور الربح.
فإن قلت: قد ظهر الربح بظهور الولد.
قلنا: هذا قول زفر.
وأما المذهب فلا يظهر الربح إذا كان رأس المال أجناسا مختلفة كلها منها قدر رأس المال.
قال الشيخ أبو الطيب: وإنما لم تنفذ دعوته إلا بعد صيرورة قيمته ألفا ونصفه، إذ كل واحد منهما رأس المال فلا يظهر الربح، لما عرف أن مال المضاربة إذا صار أجناسا مختلفة كل واحد منها لا يزيد على رأس المال لا يظهر الربح عندنا، خلافا لزفر، لان بعضها ليس بأولى من البعض، فإذا كان كذلك لم يكن للمضارب نصيب في الامة ولا في الولد، وإنما الثابت له مجرد حق التصرف فلا تنفذ دعوته، فإذا زادت قيمة الغلام وصارت ألفا وخمسمائة ظهر فيه في ذلك الوقت فملك المضارب منه نصف الزيادة فنفذت دعوته السابقة فيه لوجود شرطها وهو الملك.
ا ه.
قوله: (فعتق) قال في التبيين: فإذا نفذت دعوته صار الغلام ابنا له وعتق بقدر نصيبه منه وهو ربعه ومن يضمن المضارب حصة رب المال من الولد لان العتق ثبت بالملك والنسب، فصارت العلة ذات وجهين والملك آخرهما وجودا فيضاف الحكم وهو العتق إليه، لان الحكم يضاف إلى الوصف الاخير، أصله وضع القفة على السفينة والقدح الاخير ولا صنع للمضارب في الملك فلا يجب عليه الضمان لدعم التعدي إذ لا يجب ضمان العتق إلا بالتعدي.
ا ه.
مختصرا.
قال صاحب الكافي: سفينة لا تحمل إلا مائة من فأوقع فيها رجل منا زائدا على المائة فغرقت كان الضمان كله عليه ا ه.
والقدح الاخير المسكر هو المحرم: أي على قول الامام دون ما قبله، وإن كان المفتى به قول محمد أن ما أسكر كثيره فقليله حرام ط.
قوله: (سعى) حيث زاد الشارح نفذت يحتاج إلى واو العطف هنا بأن يقول وسعى عطفا على جواب المسألة التي زادها الشارح.
قوله: (في الالف وربعه) أي سعى الولد لرب المال في الالف وربعه وهو مائتان وخمسون لان الالف مستحق له برأس المال ومائتان وخمسون نصيبه من الربح، فإذا قبض منه أل ف درهم صار مستوفيا لرأس ماله وظهر أن الام كلها ربح لفراغها عن رأس المال فكانت بينهما نصفين ونفذ فيها دعوة المضاربة وصارت كلها أم ولد له، ويجب نصف قيمتها لرب المال موسرا كان أو معسرا لانه ضمان التملك، وهو لا يختلف باليسار والاعسار ولا يتوقف على التعدي، بخلاف ضمان الاعتاق فإنه ضمان الافساد فلا يجب عليه بغير تعد ولا على معسر.
عيني.
فإن قيل: لم لم يجعل المقبوض من الولد من الربح وهو ممكن بأن يجعل الولد كله ربحا والجارية(2/432)
مشغولة برأس المال على حالها؟ قلنا: المقبوض من جنس رأس المال فكان أولى بجعله رأس المال ولان رأس المال مقدم على الربح، إذ لا يسلم له شئ من الربح إلا بعد سلامة رأس المال لرب المال، فكان جعله به أولى بعد وصوله إلى يده.
ا ه.
تبيين.
قوله: (أو أعتقه إن شاء) أي رب المال لكونه قابلا للعتق، فإن المستسعى كالمكاتب، عناية.
فيكون لرب المال الخيار إن شاء استسعى الغلام في ألف ومائتين وخمسين وإن شاء أعتقه.
قوله: (بعد قبضه ألفه من الولد) أي ولو حكما كما لو أعتقه، فإن بإعتاقه يصير قابضا حكما، إنما شرط قبض رب المال الالف من الغلام حتى تصير الجارية أم ولد للمضارب لانها مشغولة برأس المال، فإذا قبضه من الغلام فرغت عن رأس المال وصارت كلها ربحا فظهر فيها ملك المضارب فصارت أم ولد له.
زيلعي.
قوله: (تضمين المدعي) وهو المضارب.
قوله: (لانه ضمان تملك) وهو لا يختلف باليسار والاعسار ولا يتوقف على التعدي زيلعي، بخلاف ضمان الولد لانه ضمان عتق وهو يعتمد التعدي ولم يوجد.
قوله: (لظهور) أي وقوع نفوذ دعوته صحيحة ظاهرا فيها بظهور ملكه فيها.
قوله: (ويحمل على أنه تزوجها الخ) بأن يحمل أن البائع زوجها منه ثم باعها منه وهي حبلى حملا لامره على الصلاح، لكن لا تنفذ هذه الدعوى لعدم الملك وهو شرط فيها، إذ كل واحد من الجارية وولدها مشغول برأس المال فلا يظهر الربح فيه، لما عرف أن مال المضاربة إذا صار أجناسا مختلفة كل واحد منها لا يزيد على رأس المال لا يظهر الربح عندنا، لان بعضها ليس بأولى به من البعض، فحينئذ لم يكن للمضارب نصيب في الامة ولا في الولد، وإنما الثابت له مجرد حق التصرف فلا تنفذ دعوته، فإذا زادت قيمته وصارت ألفا وخمسمائة ظهر الربح وملك المضارب منه نصف الزيادة فنفذت دعوته السابقة لوجود شرطها وهو الملك فسار ابنه وعتق بقدر نصيبه منه وهو سدسه، ولم يضمن حصة رب المال من الولد، لان العتق ثبت بالملك والنسب فصارت العلة ذات وجهين والملك آخرهما وجودا فيضاف العتق إليه ولا صنع له في الملك فلا ضمان لعدم التعدي، فإذا اختار الاستسعار استسعاه في ألف رأس ماله وفي سدسه نصيبه من الربح، فإذا قبض الالف صار
مستوفيا لرأس ماله وظهر أن الام كلها ربح بينهما نصفين ونفذ فيها دعوة المضارب وصارت كلها أم ولد له، لان الاستيلاد إذا صادف محلا يحتمل النقل لا يتجزأ إجماعا ويجب نصف قيمتها لرب المال.
هذا حاصل ما تقدم في هذه المسألة.
قوله: (منه) تنازع فيه كل من تزوجها واشتراها.
قوله: (وضمن للمالك ألفا الخ) لانها لما زادت قيمتها ظهر فيها الربح وملك المضارب بعد الربح فنفذت دعوته فيها، ويجب عليه لرب المال رأس ماله وهو ألف، ويجب عليه أيضا نصيبه من الربح وهو مائتان وخمسون، فإذا وصل إليه ألف درهم استوفى رأس المال وصار الولد كله ربحا فيملك المضارب منه نصفه فيعتق عليه، وما لم يصل الالف إليه فالولد رقيق على حاله على نحو ما ذكرنا في الام، وبهذا علم أنها مسألة مستقلة موضوعها أنه لم يقبض الالف من الغلام، فتدبر.
وقوله: (ولو موسرا) كذا وقع في البحر.
والذي يستفاد من كلامهم أن الضمان عليه مطلقا، لانه ضمان تملك فصار ذلك الضمان ببدل، والضمان إذا كان ببدل يستوي فيه اليسار والاعسار، ويدل عليه قول المؤلف فلا سعاية عليها لانه لا يضيع على المالك حقه، وما لم يصل إلى رب المال رأس ماله فالولد رقيق، ولذلك أطلقه العيني،(2/433)
وحينئذ.
فقوله: (لو موسرا) لا مفهوم له، لانه لو كان معسرا فكذلك وتقدم أيضا ما يفيده.
قوله: (وتمامه في البحر) قال فيه: ولو لم تزد قيمة الولد على ألف وزادت قيمة الام حتى صارت ألفا وخمسمائة صارت الجارية أم ولد للمضارب ويضمن لرب المال ألفا ومائتين وخمسين إن كان موسرا، وإن كان معسرا فلا سعاية عليها لان أم الولد لا تسعى، وما لم يصل إلى رب المال رأس ماله فالولد رقيق ثم يأخذ منه مائتين وخمسين على أنه نصيبه من الربح، ولو زادت قيمتها عتق الولد وصارت الجارية أم ولد له لان الربح ظهر في كل واحد منهما ويأخذ رأس المال من المضارب لا ما وجب عليه أيسر المالين لانه معجل وهو موسر والسعاية مؤجلة والعبد معسر، ويأخذ منه أيضا ما بقي من نصيبه من الربح ويضمن أيضا نصف عقرها، لانه لما استوفى رأ س المال ظهر أنه ربح لان عقر مال المضاربة يكون للمضاربة، ويسعى الغلام في نصيب ب رب المال ويسقط عنه نصيب المضارب ا ه.
مع إصلاح من عبارة الزيلعي.
أما قوله ويضمن الخ تقدم أنه يحمل على الاستيلاد بالنكاح فكيف يجب
العقر.
كذا بحظ الحلبي نقلا عن قارئ الهداية.
والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.
باب المضارب يضارب يصح في باب التنوين وعدمه على أنه مضاف للمضارب، وجملة يضارب حال من المضارب أو صفة، لان المضارب بمنزلة النكرة إذ الالف واللام فيه للجنس، وهذا على جعلهما متضايفين، أما على التنوين فالظاهر أن جملة يضارب خبر المضارب.
والمعنى أن المضارب تقع منه المضاربة.
ويرد على الحالية أن الحال لا يجئ من المضاف إلا في صور ثلاث وليس هذا منها.
ويرد على القطع أن المضارب ممنوع منها إلا بإذن والباب معقود للمضاب خاصة.
فتأمل ط.
بزازية.
قوله: (لما قدم المفردة شرع في المركبة) لان المركب يتلو المفرد طبعا فكذا وضعا حموي.
ورده قاضي زاده بأنه مضاربة المضارب وإن كانت بعد مضاربة رب المال إلا أنها مفردة أيضا غير مركبة من المضاربتين، ألا يرى أن الثاني يتلو الاول ولكنه ليس بمركب من الاول ومن نفسه قطعا، وإنما المركب منهما الاثنان.
واستوجه في المناسبة ما في النهاية ومعراج الدراية حيق قالا: لما ذكر حكم المضاربة الاولى ذكر في هذا الباب حكم المضاربة الثانية، إذ الثانية تلو الاولى أبدا فكذا بيان حكمها.
ا ه ط.
قوله: (بلا إذن) أي أو تفويض بأن لم يقل له رب المال اعمل برأيك، لانه إذا قال له ذلك يملك أن يضارب حينئذ ا ه.
شلبي: أي لان المضارب لا يملك أن يضارب إلا بإذن رب المال.
قوله: (على الظاهر) أي ظاهر الرواية عن الامام وهو قولهما.
وفي رواية الحسن عنه: لم يضمن ما لم يربح لانه يملك الابضاع فلا يضمن بالعمل ما لم يربح، فإذا ربح فقد ثبت له شركة في المال فيصير كخلط مالها بغيره فيجب الضمان.(2/434)
وجه ظاهر الرواية: أن الربح إنما يحصل بالعمل فيقام سبب حصول الربح مقام حقيقة حصوله في صيرورة المال مضمونا به، وهذا إذا كانت المضاربة الثانية صحيحة، فإذا كانت فاسدة لا يضمن الاول وإن عمل الثاني لانه أجير فيه والاجير لا يستحق شيئا من الربح فلا تثبت الشركة له، بل له أجر مثله على المضارب الاول وللاول ما شرط له من الربح ا ه.
منح.
قوله: (فإذا عمل تبين أنه
مضاربة فيضمن) لانه حصل العمل في المال على وجه لم يرض به المالك فتحقق الخلاف فوجب الضمان، فجعل الامر مراعي: أي موقوفا قبل العمل حتى إذا عمل الثاني وجب الضمان، وإلا فلا ط.
فإن قلت: إنه بالعمل مستبضع ولا تظهر المخالفة إلا بظهور الربح، يجاب بأنه لم يعمل مجانا حتى يكون مستبضعا بل عمل على طمع الاجر وهو ما شرط له من الربح فتحصل المخالفة بمجرد العمل فيوجد سبب الضمان.
قوله: (إلا إذا كانت الثانية فاسدة) قال في البحر: وإن كانت إحداهما فاسدة أو كلاهما فلا ضمان على واحد منهما، وللعامل أجر المثل على المضارب الاول ويرجع به الاول على رب المال، والوضيعة على رب المال والربح بين الاول ورب المال على الشرط بعد أخذ الثاني أجرته إذا كانت المضاربة الاولى صحيحة فللاول أجر مثله ا ه: أي لانه حينئذ يكون الثاني أجيرا والمضارب له أن يستأجر.
قال في التبيين: هذا إذا كانت المضاربتان صحيحتين.
وأما إذا كانت إحداهما فاسدة أو كلتاهما فلا ضمان على واحد منهما، لانه إن كان الثانية هي الفاسدة صار الثاني أجيرا، وللاول أن يستأجر من يعمل في المال، وإن كانت هي الاولى فكذلك، لان فسادها يوجب فساد الثانية، لان الاولى لما فسدت صارت إجارة وصار الربح كله لرب المال، ولو صحت الثانية في هذه الحالة لصار الثاني شريكا، وليس للاجير أن يشارك غيره فكانت فاسدة بالضرورة وكانا أجيرين، وكذا إذا كانتا فاسدتين، وإذا كانا أجيرين لا يضمن واحد منهما.
ا ه.
بتصرف ما.
والحاصل: أن صحة الثانية فرع عن صحة الاولى، فلا تصح الثانية إلا إذا كانت الاولى صحيحة، فاشتراط صحة الثانية اشتراط لصحة الاولى.
قوله: (على المضارب الاول) ويرجع به الاولى على رب المال.
قوله: (وللاول الربح المشروط) يعني والربح بين الاول ورب المال على الشرط بعد أخذ الثاني أجرته إذا كانت المضاربة الاولى صحيحة، وإلا فللاول أجر مثله أيضا وربح كله لرب المال كما ذكرنا.
قوله: (ولو استهلكه الثاني) قال الاتقاني: والحاصل أنه لا ضمان على واحد منهما قبل عمل الثاني في ظاهر الرواية عند علمائنا الثلاثة، وإذا عمل الثاني في المال إن عمل عملا لم يدخل تحت
المضاربة بأن وهب المضارب الثاني المال من رجل أو استهلكه فالضمان على الثاني دون الاول، وإن عمل عملا دخل تحت المضاربة بأن اشترى بالمال شيئا: فإن ربح فعليهما الضمان، وإن لم يربح فلا ضمان على واحد منهما في ظاهر الرواية ا ه.
وفيه تأمل ط.
قوله: (فالضمان عليه خاصة) والاشهر(2/435)
الخيار فيضمن أيهما شاء كما في الاختيار.
قوله: (فإن عمل حتى ضمنه) حتى للتفريع، فإن الضمان مرتب بالعمل فقط وضمن بالبناء للمجهول فإن الضمان مرتبط بالعمل فقط.
قوله: (خير رب المال) قال في التبيين: ثم رب المال بالخيار، إن شاء ضمن الاول رأس ماله لانه صار غاصبا بالدفع إلى غيره بغير إذنه، وإن شاء ضمن الثاني لانه قبض مال الغير بغير إذن صاحبه، فإن ضمن الاول صحت المضاربة بين الاول والثاني والربح بينهما على ما شرطا لانه بأداء الضمان ملكه من وقت خالف، فصار كما لو دفع مال نفسه مضاربة إلى الثاني، وإن ضمن الثاني يرجع بما ضمن على الاول لانه التزم له سلامة المقبوض له عن الضمان، فإذا لم يسلم رجع عليه بالمخالفة إذ هو مغرور من جهته كمودع الغاصب وصحت المضاربة بينهما، لانه لما كان قرار الضمان عليه ملك المدفوع مستندا إلى وقت التعدي، فتبين أنه دفع مضاربة ملك نفسه ويكون الربح بينهما على ما شرطا لصحة المضاربة ويطيب للثاني ما ربح لانه يستحقه بالعمل ولا خبث في عمله، ولا يطيب للاول لانه يستحقه برأس المال وملكه فيه ثبت مستندا فلا يخلو عن شبهة فيكون سبيله التصدق ا ه.
لان الثابت بالاستناد ثابت من وجه دون وجه فلا يثبت الملك من كل وجه فيتمكن الخبث في الربح فلا يطيب ا ه.
إتقاني.
وفي البحر: ولو دفع الثاني مضاربة إلى ثالث وربح الثالث أو وضع فإن قال الاول للثاني اعمل فيه برأيك فلرب المال أن يضمن: أي الثلاثة شاء، ويرجع الثالث على الثاني والثاني على الاول، والاول لا يرجع على أحد إذا ضمنه رب المال، وإلا لا ضمان على الاول وضمن الثاني والثالث.
كذا في المحيط، قوله وإلا لا ضمان على الاول: أي إن لم يقل الاول للثاني اعمل فيه برأيك.
قوله: (وإن شاء ضمن الثاني) فيه إشعار بأنه إذا ضمن يرجع على الاول ويطيب الربح له دون الاول لانه ملكه مستندا.
قهستاني.
قوله: (ليس له ذلك) لان المال بالعمل صار غصبا وليس للمالك إلا تضمين
البدل عند ذهاب العين المغصوبة، وليس له أن يأخذ الربح من الغاصب.
كذا ظهر لي ط.
قوله: (فإن أذن) مفهوم قوله بلا إذن.
قوله: (عملا بشرطه) لانه شرط نصف جميع الربح له.
قوله: (الباقي) أي الفاصل عما اشترطه للثاني، لان ما أوجبه الاول له ينصرف إلى نصيبه خاصة، إذ ليس له أن يوجب شيئا لغيره من نصيب المالك، وحيث أوجب للثاني الثلث من نصيبه وهو النصف يبقى له السدس.
قال في البحر: وطلب الربح للجميع لان عمل الثاني عمل عن المضارب كالاجير المشترك إذا استأجر آخر بأقل مما استؤجر.
قوله: (وللثاني الثلث المشروط) لان الدفع الثاني صحيح لانه بأمر المالك وقد شرط لنفسه نصف جميع ما رزق الله وجعل الاول للثاني ثلثه فينصرف ذلك إلى نصيبه إلى آخر ما تقدم، وكان المناسب أن يقول من كل المال عوضا عن قوله الباقي.
قوله: (والباقي بين الاول والمالك نصفان) لان رب المال هنا شرط أن يكون ما رزق الله المضارب الاول بينهما نصفين والمرزوق للاول(2/436)
هو الثلثان، لان الثلث استحقه الثاني بشرط الاول وهو مأذون له، فلم يكن من رزق الاول إلا الثلثان فيكون ذلك بينهما نصفين ويطيب لهم بلا شبهة أيضا.
عيني.
قوله: (باعتبار الكاف) أي في قوله ما رزقك فقد جعل المناصفة فيما رزق المضارب الاول وهو لم يرزق إلا الثلثين فينصفان.
قوله: (ونحو ذلك) كما كان لك من فضل الله أو النماء أو الزيادة.
قوله: (ولو قال له) أي رب المال للمضارب.
قوله: (واستويا فيما بقي) لان الاول شرط للثاني النصف وشرطه صحيح لانه بإذن المالك واستويا فيما بقي وهو النصف، لان رب المال لم يشترط لنفسه هنا إلا نصف ما ربحه الاول ولم يربح الثاني الاول إلا النصف والنصف الآخر صار للثاني بشرطه فلم يكن من ربح الاول.
عيني.
أقول: لا فرق بين هذه والتي تقدمت إلا من حيث اشتراط المضارب الثاني، فإن في الاول شرط له الثلث فكان ما بقي بينهما، وفي الثاني شرط له النصف فكان النصف الباقي بينهما.
كذا في بعض الحواشي.
قوله: (ولا شئ للاول) لان قول رب المال ما رزق الله أو ما كان من فضل ينصرف إلى جميع الربح فيكون له النصف من الجميع وقد شرط المضارب الاول للثاني جميع الربح فلم يبق للاول شئ.
عيني.
قوله: (ضمن الاول للثاني سدسا) لان رب المال شرط لنفسه النصف من مطلق
الربح فله ذلك واستحق المضارب الثاني ثلثي الربح بشرط الاول، لان شرطه صحيح لكونه معلوما، لكن لا ينفذ في حق رب المال، إذ لا يقدر أن يغير شرطه فيغرم له قدر السدس لانه ضمن له سلامة الثلثين بالعقد لانه غره في ضمن عقد المضاربة.
عيني.
قوله: (لانه التزم سلامة الثلثين) قال في الدرر لانه شرط للثاني شيئا هو مستحق للمالك وهو السدس فلم ينفذ في حق المالك ووجب عليه الضمان بالتسمية لانه التزم السلام، فإذا لم يسلم رجع عليه كمن استأجر رجلا ليخيط له ثوبا بدرهم فاستأجر الاجير رجلا آخل ليخيط بدرهم ونصف فإنه يضمن له زيادة الاجر ا ه.
قوله: (وشرط لعبد المالك) التقييد بعبد المالك ليس للاحتراز لان عبد المضارب كذلك.
وقيل التقييد به لدفع توهم أن يده للمولى فلم يحصل التخلية وعليه كلام الدرر.
وقيل لما فيه خلاف بين أصحاب الشافعي والحنبلي وغيرهما لا لاحد، وعبد المالك وعبد المضارب سواء في جواز الشرط والمضاربة لو شرط العمل، وإن لم يشترط ففي عبد المالك كذلك، وفي عبد المضارب كذلك عندهما، وعلى قول أبي حنيفة لم يصح الشرط ويكون المشروط لرب المال كما لم يصح الشرط لاجنبي أو لمن لا يقبل شهادة المضارب أو شهادة رب المال له فيكون المشروط لرب المال.
هذه زبدة ما في الذخيرة والبيانية.
قال في البحر: قيد بعبد رب المال لان عبد المضارب لو شرط له شئ من الربح ولم يشترط(2/437)
عمله لا يجوز ويكون ما شرط له لرب المال إذا كان على العبد دين، وإلا لا يصح سواء شرط عمله أو لا ويكون للمضارب.
وقيد بكون العاقد المولى، لانه لو عقد المأذون له عقدها مع أجنبي وشرط عمل مولاه لا يصح إن لم يكن عليه دين، وإلا صح كما يأتي، وشمل قوله العبد ما لو شرط للمكاتب بعض الربح فإنه يصح، وكذا لو كان مكاتب المضارب لكن بشرط أن يشترط عمله فيهما وكان المشروط للمكاتب له لا لمولاه، وإن لم يشترط عمله لا يجوز، وعلى هذا غيره من الاجانب فتصح المضاربة وتكون لرب المال ويبطل الشرط ا ه.
وسيأتي الكلام فيه.
والمرأة والولد كالاجانب هنا.
كذا في النهاية.
وقيد باشتراط عمل العبد لان اشتراط عمل رب المال مع المضارب مفسد لها كما سيأتي.
قوله: (عادي) أي اشتراط عمل العبد عادي، فإن العادة في نحو ذلك أن يكون العبد معينا في العمل
فهو اتفاقي لا احترازي.
قوله: (وليس بقيد) أي للصحة، إذ لو اشترط له الثلث ولم يشترط عمله صح ويكون لمولاه، لكن فائدة اشتراط عمله تظهر في أخذ غرمائه ما شرط له حينئذ، وإلا فليس لهم بل للمولى.
قال الزيلعي: وهذا ظاهر لانه باشتراط عمله صار مضاربا في مال مولاه فيكون كسبه له فيأخذه غرماؤه، وإلا فهو للمولى الخ.
واستفيد منه أنه إذا اشترط عمله فلم يعمل لم يكن للغرماء بل للمولى لانه حيث لم يعمل لم يكن من كسبه.
أبو السعود.
قوله: (صح) أي تقسيم الربح وشرط عمل العبد، وعلة الاول ما ذكره المؤلف، وعلة الثاني أن العبد أهل أن يضارب في مال مولاه، وللعبد يد حقيقة ولو كان محجورا حتى يمنع السيد عن أخذ ما أودعه عبده المحجور، والعبد هنا صار مأذونا باشتراط العمل عليه فلا يد لمولاه بعد تسليم المال إليه فصحت المضاربة.
زيلعي.
قوله: (وفي نسخ المتن والشرح هنا خلط) أي في تعبيره للمالك بثلثين أو في تعبيره في بعض النسخ بالثاني، أما نسخ المتن فقد رأيت في نسخة منه: ولو شرط للثاني ثلثيه ولعبد المالك ثلثه على أن يعمل معه ولنفسه ثلثه صح ا ه.
وهو فاسد كما ترى لعدم اجتماع أثلاث أربعة ولعدم وجود مضارب ثان في المسألة.
وأما الشرح فنصه: وقوله على أن يعمل معه عادي وليس بقيد بل يصح الشرط ويكون لسيده، وإن لم يشرط عمله لا يجوز ا ه.
فإن الصواب حذف قوله لا يجوز لما علمت من العبارة السابقة.
ا ه.
حلبي بإيضاح ط.
أقول: وسبق الشارح إلى التنبيه على ذلك محشي المنح العلامة الخير الرملي.
قوله: (إن لم يكن عليه دين) أي مستغرق لماله ورقبته لانه به يخرج المال عن ملك سيده، وهذا عند الامام كما تقدم ويأتي، لان المولى لا يملك كسب عبده المديون فصار من أهل أن يعمل في مال المضاربة.
وعندهما: يملك سيده ما في يده، وإن أحاط دينه بماله ورقبته فينبغي أن لا يصح اشتراط العمل على المولى عندهما مطلقا، فليراجع.
قوله: (لا يملك كسبه) فصار السيد من أهل أن يعمل في مال المضاربة وهذا على الخلاف كما سمعت.
قوله: (واشتراط عمل رب المال مع المضارب مفسد الخ) لان المضاربة لا بد(2/438)
فيها من عمل المضارب، ولا يمكنه العمل مع عدم التخلية وهي العلة في المسألة الثانية والثالثة، وهذه المسألة كالتعليل لما قبلها فكان الاولى تقديمها وتفريع الاولى عليها.
قوله: (بخلاف مكاتب شرط عمل مولاه) أي إذا دفع المكاتب مال مضاربة لآخر وشرط عمل مولاه فيها فإنه لا يفسد مطلقا، سواء كان عليه دين أو لا، لانه لا يملك إكتابه لانه يعامل معاملة الاحرار فيما في يده، فإن عجز قبل العمل ولا دين عليه فسدت كما في البحر وكان الانسب ذكره بعد مسألة المأذون.
قوله: (كما لو ضارب مولاه) فإنه يصح لما قلنا.
قوله: (أو في الرقاب) أي فكها من أسر الرق وفساد الشرط في الثلاثة لعدم اشتراط العمل كما سيظهر.
قوله: (أو لامرأة المضارب أو مكاتبه الخ) لكن عدم صحة الشرط في هذين إذا لم يشترط عملهما كما سيشير إليه بقوله ومتى شرط لاجنبي الخ، ومر عن النهاية أن المرأة والولد كالاجنبي هنا.
وفي التبيين: ولو شرط بعض الربح لمكاتب رب المال أو المضارب إن شرط عمله جاز وكان المشروط لانه صار مضاربا، وإلا فلا، لان هذا ليس بمضاربة، وإنما المشروط هبة موعودة فلا يلزم، وعلى هذا غيره من الاجانب إن شرط له بعض الربح وشرط عمله عليه صح، وإلا فلا.
قوله: (ولم يصح الشرط) وما في السراجية من الجواز فيما إذا شرط ثلث الربح لامرأة المضارب أو مكاتبه أو للمساكين أو في الرقاب أو الحج محمول على جواز عقد لا الشرط، ويكون ذلك لرب المال، فلا يخالف ما هنا ولا يحتاج إلى ما وجهه العلامة أبو السعود من أن المسألة خلافية، لانه لم يقف على هذا التوفيق هو ولا شيخه فجعل المسألة ذات خلاف، ومحل عدم الشرط في امرأة المضارب ومكاتبه إذا لم يشترط عملهما.
قوله: (ويكون المشروط لرب المال) لانه لما بطل الشرط كان الربح تبعا لاصله وهو رأس المال وهو لرب المال، فكذا ربحه.
قوله: (لا يصح) حيث لم يشرط عمله فوافق ما بعده.
قوله: (إن شرط عليه عمله صح) أي الاشتراط كالعقد.
قوله: (وإلا لا) أي إن شرط البعض للاجنبي ولم يشترط عمله لا يصح الاشتراط ويكون لرب المال، أما العقد فصحيح.
واستفيد من هذا الشرط أنه لا يشترط المساواة بين المضاربين في المال الواحد، لانه أطلق البعض فشمل ما إذا كان مثل ما شرط للمضارب أو أقل أو أكثر، لان أحدهما قد يكون أهدى للعمل أو فيه
مرجح آخر كما في الشركة.
والحاصل: أن ما شرط لثالث إن كان يرجع إلى المضارب جاز ويكون للمضارب كاشتراطه لعبده غير المديون وإلا فهو لرب المال.
والفرق أن شرط الربح لعبده كالشرط له فيصح له.
بخلاف الشرط لزوجته ونحوها لانه لا يثبت الملك له لان الزوجة والولد كالاجنبي هنا كما قدمناه، وفهم هذا من قول القهستاني، وفيه إشارة إلى أنه إن شرط شئ لعبد المضارب أو لاجنبي ليعمل مع المضارب(2/439)
صح والمشروط للمضارب: يعني في الاولى وللاجنبي: يعني في الثانية، وإلى أنه لو لم يشترط عمل أحد منهم صح العقد والمشروط للمالك سواء كان على العبد دين أو لا.
وتمامه في الذخيرة.
فليت الشارح سلك هذا النظام ولم يغير التحرير والبيان.
قوله: (لكن في القهستاني) لا محل للاستدراك مع هذا التقرير، لان قوله: (يصح مطلقا) أي عقد المضاربة صحيح سواء شرط عمل الاجنبي أو لا، غير أنه إن شرط عمله فالمشروط له، وإلا فلرب المال لانه بمنزلة المسكوت عنه، ولو كان المراد أن المشروط صحيح مطلقا نافي قوله: (وإلا) أي وإن لم يشترط عمله فللمالك.
قوله: (وإلا فللمالك) أي وإن لم يشترط عمله فللمالك.
قال في النهاية معزيا للذخيرة: إذا شرط في المضاربة بعض الربح لغير المضارب فإن كان لاجنبي وشرط عمله فالمضاربة جائزة والشرط جائز ويصير رب المال دافعا المال مضاربة لرجلين، وإن لم يشترط عمل الاجنبي فالمضاربة جائزة والشرط باطل، ويجعل المشروط للاجنبي كالمسكوت عنه فيكون لرب المال.
ا ه.
قوله: (خلافا للبرجندي) كلامه في العبد لا في الاجنبي كما يعلم بمراجعة شرح الملتقى.
قوله: (جاز) قال في البحر: وإذا كان الاشتراط للعبد اشتراطا لمولاه فاشتراط بعض الربح لقضاء دين المضارب أو لقضاء دين رب المال جائز بالاولى إلى آخر ما هنا.
قوله: (ويكون) أي البعض.
قوله: (قضاء دينه) اسم يكون ضمير يعود على البعض والجار والمجرور هو الخبر وقضاء دينه نائب فاعل المشروط.
والمعنى: ويكون ذلك البعض ض للذي شرط له قضاء دينه من المضارب أو المالك.
واستفيد مما مر أنه لا بد أن يكون البعض شائعا في جميع المال كالثلث والربع والسدس، أما لو
كانت دراهم معينة فإنه تفسد به المضاربة لانه يؤدي لقطع الشركة في الربح، وإنما أطلقه هنا اعتمادا على ما قدمه بأن لا يشترط لاحدهما دراهم مسماة من الربح.
قوله: (ولا يلزم) أي كل من المالك والمضارب.
وعبارة البحر: ولا يجبر على دفعه لغرمائه.
قوله: (بموت أحدهما) سواء علم المضارب بموت رب المال أم لم يعلم، حتى لا يملك الشراء بعد ذلك بمال المضاربة ولا يملك السفر ويملك بيع ما كان عرضا لنض المال لانه عزل حكمي.
قاضيخان.
قوله: وحجر يطرأ على أحدهما بجنون أو سفه أو حجر مأذون.
قوله: (وبجنون أحدهما مطبقا) هو داخل تحت قوله وحجر إلا أنه ذكره لتقييده بالاطباق.
قوله: (باعها وصيه) أي وصي المضارب، لان العزل لا يمكن حينئذ في المضارب فلا يجري على وصيه.
وقيل إن ولاية البيع تكون لرب المال ووصي المضارب كليهما، وهو الاصح لان الحق كان للمضارب ولكن الملك لرب المال، فصار بمنزلة مال مشترك بين اثنين فيكون الامر إليهما.
اه.(2/440)
قلت: فلو لم يكن له وصي هل يستبدل المالك بالبيع أو ينصب القاضي وصيا يبيع معه؟ الظاهر نعم.
حموي.
والذي في الهندية: فإن لم يكن له وصي جعل القاضي له وصيا يبيعها فيوفى رب المال رأس ماله وحصته من الربح ويعطى حصة المضارب من الربح غرماءه: أي إن كان له غرماء فغرماء المضارب لا يأخذون عروضها لانها مال الغير ط.
قوله: (تبطل في حق التصرف) أي ولا تبطل في حق كونه وديعة.
قوله: (تبطل في حق المسافرة) أي إلى غير بلد رب المال، فلو أتى مصرا واشترى شيئا فمات رب المال وهو لا يعلم فأتى بالمتاع مصرا آخر فنفقة المضارب في مال نفسه وهو ضامن لما هلك في الطريق، فإن سلم المتاع جاز بيعه لبقائها في حق البيع ولو خرج من ذلك المصر قبل موت رب المال ثم مات لم يضمن نفقته في سفره.
ا ه.
بزازية.
وقوله: فأتى بالمتاع مصرا: يعني غير مصر رب المال، فإنه لو أخرجه يعني بعد موت رب المال إلى مصر رب المال لا يضمن لانه يجب عليه تسليمه فيه.
ذكره فيها أيضا وذكره قاضيخان، لكن تقدم أن التخصيص يصح قبل صيرورتها عروضا لا بعده،
وكل موضع صح العزل فيه صح التخصيص فيه، وما لا فلا.
ونقل في النهاية: أنه لا يصح نهيه عن المسافرة في الرواية المشهورة، وإن نهاه لم يتعلق بنهيه حكم حتى ينض ثمنه نحو أن يقول لا تبع نسيئة لان حق التصرف ثابت له لانه يحتاج إلى أن يبيعه ليظهر الربح، فإذا نهاه عن ذلك فقد أبطل حقه في التصرف فلم يصح.
وإذا لم يملك عزله حتى ينض لم يملك تخصيص الاذن أيضا عزل من وجه.
وأما إذا نهاه عن المسافرة لم يصح على الروايات المشهورة لانه يملك المسافرة بإطلاق العقد.
ثم قال وفي الذخيرة: وكل جواب عرفته في الفصول كلها إذا منع رب المضارب عن التصرف فهو الجواب فيما إذا مات رب المال ا ه.
فعلم منه أن ما نقله الشارح هنا من بطلانها في حق المسافرة على غير الروايات المشهورة، فتدبر.
قوله: (فله بيعه) أي مال المضاربة بعرض وتقدم ثم يكون العرض الثاني كالاول فله بيعه بعرض أيضا إلى أن يصير مال المضاربة مثل رأس المال وإن كان مال المضاربة من جنس رأس المال من حيث الثمنية إلا أنه من خلاف جنسه من حيث الحقيقة بأن كان رأس المال دراهم ومال المضاربة دنانير أو على العكس بعمل نهى رب المال إياه عما هو شر من كل وجه، حتى لا يملك شراء العروض به ويملك صرفه بما هو من جنس رأس المال: أي مال المضاربة، وعلى هذا موت رب المال في بيع العروض: يعني إذا مات رب المال والمال عروض فللمضارب أن يبيع العروض حتى ينض رأس المال ونحوها بأن كان رأس المال دراهم والمال دنانير كان له أن يبيع الدنانير كما في العزل.
نهاية.
قوله: (وبالحكم بلحوق المالك مرتدا) أي إذا حكم بلحوقه من يوم ارتد وانتقل ملكه إلى ورثته: فإن كان المال يومئذ قائما في يده لم يتصرف فيه ثم اشترى بعد ذلك فما اشتراه له ربحه وعليه وضيعته لانه قد انعزل عن المضاربة وزال ملك الامر عن المال فصار متصرفا في ملك الورثة بغير أمره، وإن كان المال مشاعا أو عروضا أو غير الدراهم والدنانير من سائر الاموال فبيع المضارب وشراؤه فيه جائز حتى يحصل رأس المال كما في السراج الوهاج، وإنما بطلت لان اللحوق بمنزلة الموت ولهذا يورث ماله ويعتق أولاده ومدبروه زيلعي والمراد بالمالك خصوص الرجل.(2/441)
ولهذا قال في غاية البيان: ولو كان رب المال امرأة فارتدت فهي بمنزلة المسلمة لانها لا تقتل فلم تنعقد الردة سبب التلف في حقها ا ه.
وسيشير الشارح إليه قريبا.
قوله: (فإن عاد الخ) ينبغي أن يكون هذا إذا لم يحكم بلحوقه، أما إذا حكم بلحوقه فلا تعود المضاربة لانها بطلت كما هو ظاهر عبارة الاتقاني في غاية البيان، لكن في العناية أن المضاربة تعود سواء حكم بلحاقه أم لا، فتأمل.
ونص عبارته: وإذا ارتد رب المال عن الاسلام ولحق بدار الحرب بطلت المضاربة: يعني إذا لم يعد مسلما.
أما إذا عاد مسلما قبل القضاء أو بعده كانت المضاربة كما كانت ا ه.
أقول: لكن يشكل على ما ذكر بأن الباطل لا يعود صحيحا فكيف تصح المضاربة بعد الحكم بلحوقه بعوده؟ والحال أنها بطلت بالحكم بلحوقه، إلا أن يجاب بأن البطلان موقوف إلى حال التبيين، فإذا تبين رجوعه بقيت على أصلها ويدل لذلك عبارة غاية البيان: كانت المضاربة كما كانت فيكون.
قوله: بطلت أي بطلانا موقوفا إن تبين وإلا فباتا.
تأمل.
قوله: (حكم بلحاقه أم لا) أما قبل الحكم فلانه بمنزلة الغيبة وهي لا توجب بطلان المضاربة، وأما بعده فلحق المضارب كما لو مات حقيقة.
ط عن الشرنبلالية.
قوله: (بخلاف الوكيل) أي إذا ارتد الموكل وحكم بلحاقه فإن الوكالة تبطل ولا تعود بعوده إلى الاسلام، لان محل التصرف خرج عن ملك الموكل ولم يتعلق به حق الوكيل.
قوله: (بخلاف المضارب) فإن له حقا فإذا عاد المالك فهي على حالها، والاولى حذفه لانه مستفاد مما تقدم فلا حاجة إليه.
قوله: (ولو ارتد المضارب فهي على حالها) عندهما، حتى لو تصرف وربح ثم قتل كان ربحه بينهما على ما شرطا ا ه.
برهان.
فإن لحق وباع واشترى هناك ثم رجع مسلما فله جميع ما اشترى وباع في دار الحرب ولا ضمان عليه في شئ من ذلك.
هندية.
وذلك لان تصرفات المرتد إنما توقفت بالنظر إلى ملكه ولا ملك للمضارب في مال المضاربة وله عبارة صحيحة، فلا توقف في ملك المالك فبقيت المضاربة على حالها.
قال في العناية: وتوقف تصرف المرتد لتعلق حق الورثة، ولا توقف في ملك رب المال لعدم تعلقه به، أي فلا يعطى له حكم الموت بالنسبة إليه وظاهره سواء لحق ولم يحكم به أولا كما في الدرر وصدر الشريعة.
قوله: (وما تصرف نافذ الخ) أي حيث كانت المضاربة باقية على حالها في قولهم
جميعا، فجميع ما فعل ذلك جائز والربح بينهما على ما شرطا، خلا أن ما يلحقه من العهدة فيما باع واشترى حيث يكون على رب المال في قول أبي حنيفة، لان حكم العهدة يتوقف بردته، لانه لو لزمته لقضى من ماله ولا تصرف له فيه فكان كالصبي المحجور إذا توكل عن غيره بالبيع والشراء وفي قولهما حاله في التصرف بعد الردة كهي فيه قبلها فالعهدة عليه ويرجع على رب المال كما في العناية، وكان الاولى تقديم هذه العبارة على.
قوله: (فإن مات).
والحاصل: فرق بين الارتدادين قبل اللحوق وبعده لا فرق بينهما.
قوله: (ولو ارتد المالك فقط) محترز قوله: وبلحوق المالك وعلى هذا لا فرق بين المالك والمضارب، فلو قال وبلحوق أحدهما ثم(2/442)
قال ولو ارتد أحدهما فقط الخ لكان أخصر وأظهر، تأمل.
لكن الفرق أنه إذا ارتد المضارب فتصرفه نافذ.
قوله: (أي ولم يلحق) ومثله إذا لحق ولم يحكم بلحاقه.
قوله: (فتصرفه) أي المضارب موقوف عند الامام: أي لتعلق حق ورثة المالك بالمال لزوال ملكه بالردة، فإن عاد إلى الاسلام عاد ملكه ونفذ تصرف المضارب، وإن مات أن قتل أو حكم بلحاقه عاد المال إلى الورثة ويبطل تصرف المضارب، وعليه لا فرق بين المالك والمضارب لا بالتصرف فإن تصرف المضارب نافذ دون المالك، وعليه فالاخضر أن يقول: وبلحوق أحدهما، ثم يقول ولو ارتد أحدهما فقط الخ.
قوله: (وردة المرأة غير مؤثرة) سواء كانت هي صاحبة المال أو المضاربة، إلا أن تموت أو تلحق بدار الحرب فيحكم بلحاقها، لان ردتها لا تؤثر في أملاكها فكذا لا تؤثر في تصرفاتها.
منح.
قوله: (إن علم به) أي ولو العزل حكما فلا ينعزل في الحكمي إلا بالعلم، بخلاف الوكيل حيث ينعزل في الحكمي وإن لم يعلم، كذا قالوا.
فإن قلت: ما الفرق بينهما، قلت: قد ذكروا أن الفرق بينهما أنه لا حق له، بخلاف المضارب.
منح.
والذي في الهندية عن الخانية: تبطل المضاربة بموت رب المال علم بذلك أو لم يعلم، حتى لا يملك الشراء بعد ذلك بمال المضاربة ولا يملك السفر.
ا ه.
وتقدم ذكره قوله: (مطلقا) أي وإن لم
يكونا عدلين، بأن كانا فاسقين أو مستورين قوله: (أو فضولي عدل) كان الانسب أن يقول: أو واحد عدل، بقرينة السياق، وكأنه راعي ما تقدم في باب عزل الوكيل من أن العزل يثبت بمشافهة وكتابة ورسالة وإخبار فضولي، ويعتبر فيه أحد شطري الشهادة من العدد أو العدالة.
قوله: (مميز) أي ولو رقيقا أنثى غير بالغ ولا عدل، لان الرسول والوكيل كالاصيل، وهذا عند الامام.
وعندهما: لا فرق بين الرسول وغيره كما في أخواتها.
قوله: (ولو حكما) كموت المالك: أي ولو كان العزل حكما فإنه يشترط فيه العلم على ما سلف لانه عزل حكمي.
قوله: (ولو حكما) كارتداده مع الحكم باللحوق وجنونه مطبقا.
قوله: (فالدراهم والدنانير هنا جنسان) التفريع غير ظاهر، لانهما قد يكونان جنسا واحدا في كثير من المسائل، وحينئذ فالاولى الواو كما في البحر والمنح، فإن كان رأس المال دراهم وعزله معه دنانير فله بيعها بالدراهم استحسانا، وبالعكس بعد العلم بالعزل حتى يكون من جنس رأس المال ليتميز الربح فيتبين حظه منه، لكن تقدم في البيع الفاسد أن الدراهم والدنانير جنس واحد في ثمان مسائل منها في المضاربة ابتداء وانتهاء وبقاء ا ه.
وكتب سيدي الوالد رحمه الله تعالى ثمة قوله ومضاربة ابتداء وانتهاء وبقاء لم يذكر ذلك التقسيم في العمادية وإنما ذكر صورتين في المضاربة.
إحداهما: ما إذا كانت المضاربة دراهم فمات رب المال أو عزل المضارب عن المضاربة وفي يده دنانير لم يكن للمضارب أن يشتري بها شيئا ولكن يصرف الدنانير بالدراهم، ولو كان ما في يده(2/443)
عروضا أو مكيلا أو موزونا له أن يحوله إلى رأس المال، ولو باع المتاع بالدنانير لم يكن له أن يشتري بها إلا الدراهم.
ثانيتهما: لو كانت المضاربة دراهم في يد المضارب فاشترى متاعا بكيلي أو وزني لزمه، ولو اشترى بالدنانير فهو على المضاربة استحسانا عندهما ا ه.
ملخصا فالصورة الاولى تصلح مثالا للانتهاء، والثانية للبقاء، لكن لم يظهر لي كون الاولى مما نحن فيه، إذ لو كانت الدراهم والدنانير فيها جنسا واحدا ما كان يلزمه أن يصرف الدنانير بالدراهم.
تأمل.
ثم رأيت الشارح في باب المضاربة جعلها
جنسين في هذه المسألة، وهذا عين ما فهمته، ولله تعالى الحمد.
وأما مسألة المضاربة ابتداء فقد زادها الشارح وقال ط: صورته عقد معه المضاربة على ألف دينار وبين الربح فدفع له دراهم قيمتها من الذهب تلك الدنانير صحت المضاربة والربح على ما شرطا أولا.
كذا ظهر لي.
ا ه.
كلام سيدي الوالد رحمه الله تعالى.
قوله: (باعها) أي له بيعها ولا يمنعه العزل من ذلك.
إتقاني.
قوله: (وإن نهاه عنها) أي عن النسيئة ولا يملك المالك فسخها في هذه الحالة كما لا يصح نهيه عن المسافرة في الروايات المشهورة، وكما لا يملك عزله لا يملك تخصيص الاذن لانه عزل من وجه.
بحر عن النهاية وسيأتي.
وإنما لا يملك ذلك لان له حقا في الربح.
قوله: (ثم لا يتصرف في ثمنها) أي إذا كان من جنس رأس مالها، لان البيع بعد العزل كان للضرورة حتى يظهر الربح إن كان فيه ولا حاجة إليه بعد النص، فصار كما إذا عزله بعد ما نص وصار من جنس رأس المال: زيلعي.
قوله: (ولا في نقد) أي لا يتصرف إذا كان رأس المال فضة بفضة ولو أجود كما يفيده عمومه ط.
قوله: (ويبدل خلافه به) أي له أن يبدل خلاف رأس المال من النقد برأس المال.
قوله: (استحسانا) والقياس لا يبدل لان النقدين من جنس واحد من حيث الثمنية.
قوله: (لوجوب رد جنسه) أي إلى رب المال إن امتنع المالك من أخذ خلاف الجنس كما يفيده ما قدمناه عن الاتقاني.
وفي الهندية عن الكافي: له أن يبيعها بجنس المال استحسانا وهو يفيد الجواز، فإن حمل على عدم التنازع زال الاشكال.
ط بزيادة.
قوله: (وليظهر الربح) جعله في العيني والدرر علة لبيع الضرورة حيث قال لان له حقا في الربح، ولا يظهر ذلك إلا بالنص فيثبت له حق البيع ليظهر ذلك، وموته وارتداده مع اللحوق وجنونه مطبقا والمال عروض كعزله والمال عروض.
زيلعي.
قوله: (ولا يملك الخ) هذا معطوف على باعها عطف علة على معلول، وليته قدمه على ثم لا يتصرف، ولا تنسى ما مر في موت المضارب والمال عروض.
ويفهم منه أنه فسخها والمال عروض يبيعها بالنقد.
فرع: قال في القنية من باب المضاربة: أعطاه دنانير مضاربة ثم أراد القسمة له أن يستوفي دنانير، وله أن يأخذ من المال بقيمتها، وتعتبر قيمتها يوم القسمة لا يوم الدفع ا ه.
وفي شرح الطحاوي من المضاربة: ويضمن لرب المال مثل ماله وقت الخلاف بيري في بحث
القول بثمن المثل.
وهذه فائدة طالما توقفت فيها، فإن رب المال يدفع دنانير مثلا بعدد مخصوص ثم تغلو قيمتها ويريد أخذها لا بمثل القيمة تأمل.
والذي يظهر من هذا أنه لو علم عدد المدفوع ونوعه فله أخذه، ولو أراد أن يأخذ القيمة من نوع آخر يأخذه بالقيمة الواقعة يوم الخلاف: أي يوم النزاع والخصام، وكذا إذا لم يعلم نوع المدفوع كما يقع(2/444)
كثيرا في زماننا حيث يدفع أنواعا ثم يجهل فيضطر إلى أخذ قيمتها لجهالتها فيأخذ بالقيمة يوم الخصام تأمل.
والله تعالى أعلم.
قوله: (ولا تخصيص الاذن) أفاده بقوله آنفا وإن نهاه عنها.
قوله: (صح) أي الفسخ والربح بعد ذلك للعامل كما سلف في الشركة.
قوله: (افترقا) أي فسخا المضاربة أو انتهت.
قوله: (وفي المال ديون) أي وقد باع المضارب عروضا بثمن لم يقبضه من المشترين.
قوله: (على اقتضاء الديون) أي أخذها واستخلاصها.
قوله: (إذ حينئذ يعمل بالاجرة) عبارة البحر: لانه كالاجير والربح كالاجرة وطلب الدين من تمام تكملة العمل فيجبر عليه.
وظاهره ولو كان الربح قليلا.
قال في شرح الملتقى: ومفاده أن نفقة الطلب على المضارب، وهذا لو الدين في المصر وإلا ففي مال المضاربة.
قال في الهندية: وإن طال سفر المضارب ومقامه حتى أتت النفقة في جميع الدين، فإن فضل على الدين حسب له النفقة مقدار الدين وما زاد على ذلك يكون على المضارب.
كذا في المحيط.
قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن في المال ربح.
قوله: (لا جبر لانه حينئذ متبرع) أي لانه وكيل محض ولا جبر على المتبرع على إنهاء ما تبرع به، ولهذا لا يجبر الواهب على التسليم.
زيلعي.
ولا يقال: الرد واجب عليه وذلك إنما يكون بالتسليم كما أخذه.
لانا نقول: الواجب عليه رفع الموانع وذلك بالتخلية لا بالتسليم حقيقة.
ط عن أبي السعود.
قوله: (لانه) أي المالك غير العاقد فالحقوق لا ترجع إليه بل إلى العاقد الذي هو المضارب فقبض الثمن له لا للمالك، ولا يلزم التقاضي لانه متبرع فيؤمر بتوكيل المالك ليقدر على تحصيل الديون كما في العيني.
قوله: (وحينئذ) أي حين إذ
كان المتبرع لا يجبر على الاقتضاء، والاولى أن يقول: ولهذا كان الوكيل الخ.
قوله: (والسمسار) بكسر السين الاولى المهملة وهو المتوسط بين البائع والمشتري ليبيع بأجر من غير أن يستأجر، والدلال الواسطة بين المتبايعين ا ه.
وفي منلا مسكين: السمسار الدلال قوله: (يجبر على التقاضي) أي طلب الثمن إن عقد البيع لانه يبيع ويشتري للناس عادة بأجرة فجعل ذلك بمنزلة الاجارة الصحيحة بحكم العادة فيجب التقاضي والاستيفاء لانه وصل إليه بدل عمله فصار كالمضارب إذا كان في المال ربح.
زيلعي.
قوله: (وكذا الدلال) مقتضى كلام الشارح أن الدلال غير السمسار كما في القهستاني بأن الدلال يحمل السلعة إلى المشتري ويخبر بالثمن ويبيع، بخلاف السمسار فإنه لم يكن في يده شئ، ومقتضى ما مر عن مسكين عدم الفرق بينهما.
وفي الدرر كالدلال فإنه يعمل بالاجرة.
والسمسار: هو الذي يجلب إليه العروض والحيوانات لبيعها بأجر من غير أن يستأجر إلى آخر ما فيه.
قوله: (لعدم قدرته عليه) لان الشراء أو البيع لا يتم إلا بمساعدة غيره وهو البائع أو المشتري فلا يقدر على تسليمه.(2/445)
زيلعي.
قوله: زيلعي وتمام كلامه: وإنما جازت هذه الحيلة لان العقد يتناول المنفعة وهي معلومة ببيان قدر المدة وهو قادر على تسليم نفسه في المدة، ولو عمل من غير شرط وأعطاه شيئا لا بأس به لانه عمل معه حسنة فجازاه خيرا وبذلك جرت العادة، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ا ه.
قوله: (وما هلك من مال المضاربة يصرف إلى الربح).
أقول: وكذلك ما هلك من مال الشركة فيصرف إلى الربح، والباقي من الربح يصرف على ما شرطا ورأس المال على حكمه، فإذا زاد الهالك على الربح فهو عليهما بقدر ماليهما، وبه علم حكم حادثة الفتوى.
مطلب: في حكم حادية الفتوى شريكان مالهما متفاوت والعمل مشروط عليهما والربح سوية بينهما هلك بعد الربح شئ من المال وبقي شئ من الربح فما الحكم؟ الجواب: ما فضل من الربح على ما شرطا ورأس المال على حكمه والهالك عليهما وهو ظاهره.
ذكره الخير الرملي.
قوله: (لانه تبع) أي ورأس المال أصل
وصرف الهالك إلى ما هو تابع أولى كما يصرف إلى العفو في الزكاة ولان الربح فرع عن رأس المال فلا يثبت له حكم قبل ثبوت أصله كما في العيني.
مطلب: القول للشريك والمضارب في مقدار الربح والخسران وفي الضياع والرد للشريك والقول للشريك والمضارب في مقدار الربح والخسران مع يمينه، ولا يلزمه أن يذكر الامر مفصلا، والقول قوله في الضياع والرد للشريك نهر في الشركة.
تتمة: هلك مال المضاربة قبل أن يشتري به شيئا بطلت، وإن استهلكه المضارب ضمنه ولم يكن له الشراء بعد ذلك لصيرورته ضمينا، وإن استهلكه غيره فأخذه منه كان له الشراء على المضاربة.
حموي عن الاقطع.
قوله: (لم يضمن) لكونه أمينا سواء كان من عمله أو لا.
بحر.
قوله: (ولو فاسدة) لانها أمانة عند الامام.
وعندهما: إن كانت فاسدة فالمال مضمون.
قوله: (من عمله) ولو الهلاك من عمله المسلط عليه عند التجار.
وأما التعدي فيظهر أنه ضمن به.
سائحاني: أي سواء كانت المضاربة صحيحة أو فاسدة.
وسواء كان الهلاك من عمله أو لا، ويقبل.
قوله: في هلاكه وإن لم يعلم ذلك كما يقبل في الوديعة.
منح بزيادة: ولم أر زيادة من علمه في العيني ولا في الدرر وحواشيه.
فليتأمل معنى قوله: (من عمله) ولو اقتصر على قوله: (ولو فاسدة) لكان المعنى أظهر.
ثم رأيت في فروق المحبوبي ما نصه: وإذا عمل في المضاربة الفاسدة وربح كان كل الربح لرب المال وللمضارب أجر مثل عمله، ولا ضمان إذا هلك المال في يده ا ه.
قوله: (لانه أمين) علة لعدم الضمان ويقبل.
قوله: في الهلاك وإن لم يعلم ذلك كما يقبل في الوديعة.
منح.
أقول: وينبغي أن يضمن ما تلف بعمله لانه أجير مشترك.
وعلى قولهما يضمن ما تلف في يده وإن لم يكن من عمله كما علم في باب ضمان الاجير، ولعله محمول على ما إذا سافر بمال المضاربة فإنه يكون بمنزلة الاجير الخاص، وليحرر.
قوله: (ترادا الربح) فيضمن المضارب ما أخذه على أنه ربح(2/446)
لانه أخذه لنفسه، بخلاف ما بقي في يده لا يضمنه إذا لم يأخذه لنفسه.
حموي.
قوله: (ليأخذ المالك
رأس ماله) فيبدأ برأس المال ثم بالمنفعة ثم بالربح الاهم فالاهم اختيار، فإن فضل شئ اقتسماه.
ا ه.
در منتقى: أي لان الربح تابع كما ذكرنا فلا يسلم بدون سلامة الاصل.
عيني.
قوله: (وما فضل فهو بينهما) لان رب المال لم يبق له حق بعد استيفاء ماله إلا في الربح.
عيني.
قوله: (لم يضمن) أي إن نقص الربح عن الهالك لم يضمن المضارب.
قوله: (لما مر) من أنه أمين فلا يكون ضمينا.
قوله: (والمال في يد المضارب) مثله في العزمية عن صدر الشريعة وهو نص على المتوهم، وإلا فبالاولى إذا دفعه لرب المال بعد الفسخ ثم استرده وعقدا أخرى.
قوله: (لانه عقد جديد) أي لان المضاربة الاولى قد انتهت بالفسخ وثبوت الثانية بعقد جديد فهلاك المال في الثانية لا يوجب انتقاض الاولى فصار كما إذا دفع إليه مالا آخر.
قوله: (وهذه هي الحيلة النافعة للمضارب) أي لو خاف أن يسترد منه رب المال الربح بعد القسمة بسبب هلاك ما بقي من رأس المال، وعلم مما مر آنفا أنه لا يتوقف صحة الحيلة على أن يسلم المضارب رأس المال إلى رب المال، وتقييد الزيلعي به اتفاقي كما نبه عليه أبو السعود.
والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.
فصل في المتفرقات قوله: (لا تفسد الخ) حتى لو اشترى رب المال به شيئا وباع فهو على المضاربة، لان الشرط هو التخلية وقد تحققت، والابضاع توكيل بالتصرف والتصرف حق المضارب فيصح التوكيل به.
وقال زفر: لا تفسد ولا يستحق المضارب من ربحه شيئا لان رب المال تصرف في مال نفسه بغير توكيل ولم يصرح به فيكون مستردا للمال، ولهذا لا يصح اشتراط العمل عليه ابتداء.
ولنا أن الواجب له التخلية وقد تمت وصار التصرف حقا للمضارب، وله أن يوكل رب المال صالحا لذلك والابضاع توكيل لانه استعانة، ولما صح استعان المضارب بالاجنبي فرب المال أولى لكونه أشفق على المال فلا يكون استردادا، بخلاف شرط العمل عليه ابتداء لانه يمنع التخلية.
فإن قلت: رب المال لا يصح وكيلا لان الوكيل من يعمل في مال غيره ورب المال لا يعمل في مال غيره بل في مال نفسه.
قلت: أجيب بأن المالك بعد التخلية صار كالاجنبي فجاز توكيله.
فإن قلت: الامر كذلك لصحة المضاربة مع رب المال.
قلت: أجيب بأن المضاربة تنعقد شركة
على مال رب المال وعمل المضارب ولا مال هنا، فلو جوزناه أدى إلى قلب الموضوع ا ه.
قوله: (بدفع كل المال) أفاد بالدفع أن المضارب لا بد أن يتسلم المال أولا، حتى لو جعل المال بضاعة قبل أن يتسلمه لا يصح، لان التسليم شرط فيها ا ه.
مكي.
قوله: (تقييد الهداية) الاولى الاتيان بالفاء.
قوله: (بضاعة) المراد بالبضاعة هنا الاستعانة لان الابضاع الحقيقي هنا لا يتأتى لان الربح جميعه فيه(2/447)
لرب المال وليس الامر هنا كذلك.
قوله: (لا مضاربة) عطف على بضاعة المسلط عليه المنفي من عامله، فالمعنى لا ينتفي الفساد بدفعها مضاربة بل تفسد، لان نفي النفي إثبات وقد تبع المؤلف، ومفهومه: أنه لو دفعه مضاربة تفسد الاولى مع أن الذي يفسد هو الثانية لا الاولى كما في الهداية، قال في البحر: وتقييده بالبضاعة اتفاقي، لانه لو دفع المال إلى رب المال مضاربة لا تبطل الاولى بل الثانية، لان المضاربة به تنعقد شركة على مال رب المال وعمل المضارب ولا مال هنا، فلو حوزناه يؤدي إلى قلب الموضوع، وإذا لم يصح بقي عمل رب المال بأمر المضارب فلا تبطل الاولى كما تقدم عن الهداية، وبه علم أنها بضاعة وإن سميت مضاربة لان المراد بالبضاعة هنا الاستعانة، لان الابضاع الحقيقي لا يتأتى هنا، وهو أن يكون المال للمبضع والعمل من الآخر ولا ربح للعامل، وفهم من مسألة الكتاب جواز الابضاع كالاجنبي بالاولى، وما وقع في الدرر من أنه لا تبطل بالدفع إلى المالك بضاعة أو مضاربة فإنه محمول على ما ذكرنا من عدم صحة المضاربة الثانية وإبقاء الاولى.
قوله: (لما مر) أي من أن الشئ لا يتضمن مثله.
قوله: (وإن أخذه) محترز قوله يدفع.
قوله: (أي المالك الخ) قال في المبسوط: والحاصل أن كل تصرف صار مستحقا للمضارب على وجه لا يملك رب المال منعه فرب المال في ذلك يكون معينا له سواء باشره بأمره أو بغير أمره وكل تصرف يتمكن رب المال أن يمنع المضارب منه فرب المال في ذلك التصرف عامل لنفسه إلا أن يكون بأمر المضارب فحينئذ يكون معينا له.
ا ه.
منح.
قال الرملي في حاشيته عليها: قوله وإن صار عرضا الخ، أقول: استفيد من ذلك جواز بيع المال عروض المضاربة وهي واقعة الفتوى.
ا ه.
قلت: وينطق به الحاصل الذي ذكره صاحب المنح لان هذا التصرف صار مستحقا للمضارب على وجه لا يملك رب المال منعه، فرب المال معينا له باشره بأمره أو بغير أمره، فإن باشره حتى صار نقدا كان تصرفه بعد ذلك لنفسه، ولتكن على ذكر مما تقدم أن النقد إذا لم يكن من جنس رأس مال المضاربة يملك المضارب تبديله من جنس رأ س مال المضاربة، فلو بدله المالك كان معينا للمضارب ولو بغير أمره.
أما لو اشترى المالك بنقد ليس من جنس رأس مال المضاربة هل يكون ذلك للمضاربة أم لنفسه.
يحرر.
قوله: (ثم إن باع بعرض) أي ما صار عرضا.
قوله: (وإن بنقد بطلت) قال في المنح: فلو باع العروض بنقد ثم اشترى عروضا كان للمضارب حصته من ربح العروض الاولى لا الثانية، لانه لما باع العروض وصار المال نقدا في يده كان ذلك نقضا للمضاربة فشراؤه به بعد ذلك يكون لنفسه، فلو باع العروض بعروض مثلها أو بمكيل أو موزون وربح كان بينهما على ما شرطا، لان رب المال لا يتمكن من نقض المضاربة ما دام المال عروضا ا ه.
ونقله ط عن حاشية المكي.
قوله: (لما مر) من أنه عامل لنفسه.
قوله: (وإذا سافر) أطلق السفر، فشمل السفر للتجارة ولطلب الديون فيرجع بما أنفق بطلبه، إلا إذا زاد على الدين فلا يرجع بالزيادة، كما صرح به في المحيط، وأطلق عمله في المصر فشمل عمله للتجارة ولاقتضاء الديون، ولا رجوع له في ماله فيما أنفقه في الخصومة كما في المحيط.(2/448)
كذا في البحر.
قوله: ولو يوما لان العلة في وجوب النفقة حبس نفسه لاجلها، فعلم أن المراد من السفر هنا أن لا يمكنه أن يبيت في منزله، وإن خرج من المصر وأمكنه أن يعود إليه في ليلة فهو في المصر لا نفقة له.
منح.
ثم نقل عن السراجية: وإذا خرج بنية السفر قل أو كثر فنفقته في مال المضاربة، إلا إذا كان يغدو إلى بعض نواحي المصر ا ه.
قوله: (فطعامه) ولو فاكهة.
حموي.
أي معتادة واللحم كما كان يأكل، كذا وروي عن أبي يوسف: وإنما لا تلزم نفقة غلمان المالك لان نفقتهم كنفقة نفسه، وهو لو سافر معه ليعينه على العمل في مال المضاربة لم يستوجب نفقة في مال المضاربة بهذا السبب، فكذا نفقة غلمانه ودوابه، بخلاف غلمان المضارب ودوابه ا ه.
مبسوط ط.
قوله: (وركوبه) أي في الطريق.
شمني.
وكذا فرش نومه.
ملتقى وبحر عن المحيط.
قوله: (بفتح الراء) ويجوز أن يكون بالضم على أنه مصدر أريد به اسم المفعول وهو الجاري على الالسنة مكي عن الشلبي، وكذا أجرة خادمه وعلف دابته.
وأما نفقة عبيد المالك ودوابه لو سافر بهم المضارب فعلى المالك لا في مال المضاربة، ولو أنفق عليهم المالك نفسه من المضاربة كان استردادا لرأس المال لا من الربح ا ه.
ط عن الحموي.
قوله: (ولو بكراء) هذا يفيد أن له أن يشتري دابة للركوب، فإن لم يشتر واكترى لزمه الكراء فلو قال أو كراؤه كان أوضح ط.
قوله: (وكان ما يحتاجه عادة) قال الزيلعي: ومن مؤنته الواجبة فيه غسل ثيابه وأجرة من يخدمه والدهن في موضع يحتاج إليه كالحجاز وأجرة الحمام والحلاق وقص الشارب كل ذلك من مال المضاربة، لان العادة جرت بها، ولان نظافة البدن والثياب يوجب كثرة من يعامله، لان صاحب الوسخ يعدونه الناس من المفاليس فيجتنبون معاملته فيطلق له كل ذلك بالمعروف، حتى إذا زاد يضمن، ولو رجع إلى بلده وفي يده شئ من النفقة رده إلى مال المضاربة كالحاج عن الغير إذا بقي شئ في يده رده على المحجوج عنه أو على الورثة وكالغازي إذا خرج من دار الحرب يرد إلى الغنيمة ما معه من النفقة، وكالامة إذا بوأها المولى منزلا مع الزوج ثم أخرجها إلى الخدمة وقد بقي شئ من النفقة في يدها استردها المولى.
وعن الحسن عن أبي حنيفة أن الدواء أيضا يكون في مال المضاربة لانه لا إصلاح دونه وتمكنه من العمل وصار كالنفقة.
وجه الظاهر أن النفقة معلوم وقوعها والحاجة إلى الدواء من العوارض فكان موهوما فلا يجب كما في حق المرأة.
وفي النهاية: الشريك إذا سافر بمال الشركة فنفقته في ذلك المال، روي ذلك عن محمد.
قال في التاترخانية نقلا عن الخانية: قال محمد: هذا استحسان ا ه: أي وجوب نفقته في مال الشركة، وحيث علمت أنه استحسان فالعمل عليه لما علمت أن العمل على الاستحسان إلا في مسائل ليست هذه منها.
ذكره الخير الرملي.
وذكر في الكافي بعدما ذكر وجوب النفقة للمضارب فقال: بخلاف الشريك لانه لم يجر التعارف أن الشريك العالم ينفق عن نفسه من مال الشريك الآخر ا ه.
قال في الشرنبلالية نقلا عن البزازية: وكذا له الخضاب وأكل الفاكهة كعادة التجار ا ه.
قوله: (بالمعروف) فإن جاوز المعروف ضمن الفضل كما سيأتي.
قوله: (في مالها) سواء كان المال قليلا أو كثيرا.
حموي.
لان
النفقة تجب جزاء الاحتباس كنفقة القاضي والمرأة والمضارب في المصر ساكن بالسكن الاصلي، وإذا سافر صار محبوسا بالمضاربة فيستحق النفقة قيد بالمضارب لان الاجير والوكيل والمستبضع لا نفقة لهم(2/449)
مطلقا، لان الاجير يستحق البدل لا محالة والوكيل والمستبضع متبرعان، وكذا الشريك إذا سافر بمال الشركة لا نفقة له ظاهر الرواية، وفي الاستحسان: له النفقة كما علمت، وسيأتي.
قوله: (لا فاسدة) كنفقة المضارب فيها من مال نفسه.
منح.
قوله: (لانه أجير) أي في الفاسدة.
قوله: (كمستبضع ووكيل) فهما متبرعان.
وفي الاتقاني: لا نفقة للمستبضع في مال البضاعة لانه متطوع فيها إلا أن يكون أذن له فيها ا ه.
قوله: (وفي الاخير خلاف) قال في المنح: وكذا الشريك إذا سافر بمال الشركة لا نفقة له لانه لم يجز التعارف به.
ذكره النسفي في كافيه.
وصرح في النهاية بوجوبها في مال الشركة ا ه.
وكأنه حبس نفسه للمالين فتكون النفقة على قدرهما، وقدمنا قريبا أن الوجوب استحسان وأن العمل عليه هنا.
لكن في ابن ملك ما يفيد أن المعتمد عدم الوجوب فإنه نقل الوجوب رواية عن محمد فقط.
فالحاصل: أن الذي عليه الفتوى الوجوب لا سيما وقد أفتى به في الحامدية وأقره سيدي المرحوم الوالد في تنقيحه على أن العرف الآن عليه فاغتنمه.
قوله: (وإن عمل في المصر الخ) لانه لم يحبس نفسه لاجل المضاربة بل هو ساكن بالسكن الاصلي كما قدمناه قريبا.
قوله: (كدوائه على الظاهر) أي ظاهر الرواية: يعني إذا مرض كان دواؤه من ماله مطلقا: أي في السفر والحضر، لانه قد يمرض وقد لا يمرض فلا يكون من جملة النفقة برهان وغيره.
وعن أبي حنيفة أن الدواء في مال المضاربة لانه لاصلاح بدن، وكذلك النورة والدهن في قولهما خلافا لمحمد في الدهن.
وفي سري الدين عن المبسوط: الحجامة والكحل كالدواء ا ه.
قوله: (فله النفقة) فلو أخذ مالا بالكوفة وهو من أهل البصرة وكان قدم الكوفة مسافرا فلا نفقة في المال ما دام في الكوفة، فإذا خرج منها مسافرا فله النفقة حتى يأتي البصرة لانه خروج لاجل المال، ولا ينفق من المال ما دام بالبصرة، لان البصرة وطن أصلي له فكانت إقامته فيه لاجل الوطن لا لاجل المال، فإذا خرج من البصرة له أن ينفق من المال إلى أن يأتي
الكوفة، لان خروجه من البصرة لاجل المال، وله أن ينفق أيضا ما أقام بالكوفة حتى يعود إلى البصرة لان وطنه بالكوفة كان وطن إقامة وأنه يبطله بالسفر الخ.
قوله: (ما لم يأخذ مالا) هذه العبارة تفيد أنه إذا أخذ مالا غير مال المضاربة بأن تركه في بلده وسافر بمال آخر وأقام بالكوفة فإنه لا نفقة له بدليل المقابلة والتعليل، وليس الامر كذلك، وكأنه فهم ذلك من قوله المنح: فلو أخذ مالا بالكوفة وهو من أهل البصرة وكان قدم الكوفة مسافرا فلا نفقة له.
ا ه.
والمقصود من هذه العبارة هو ما لو نوى الاقامة بمصر ولم يتخذه دارا فله النفقة، إلا إذا كان قد أخذ مال المضاربة في ذلك المصر فلا نفقة له ما دام فيه، ويدل له ما في المبسوط: ولو دفع المال إليه مضاربة وهما بالكوفة وليست الكوفة بوطن للمضارب لم ينفق على نفسه من المال ما دام بالكوفة، لان إقامته فيها ليست للمضاربة فلا يستوجب النفقة ما لم يخرج منها، فإن خرج منها إلى وطنه ثم عاد إليها في تجارة أنفق في الكوفة من مال المضاربة، لان وطنه بها كان مستعارا وقد انتقض بالسفر فرجوعه بعد ذلك إلى الكوفة وذهابه إلى مصر آخر سواء.
مكي.
قال في البحر: فلو أخذ مالا بالكوفة وهو من أهل البصرة وكان قدم الكوفة مسافرا فلا نفقة له(2/450)
في المال ما دام بالكوفة، فإذا خرج منها مسافرا فله النفقة حتى يأتي البصرة لان خروجه لاجل المال ولا ينفق من المال ما دام بالبصرة، لان البصرة وطن أصلي له فكان إقامته فيه لاجل الوطن لا لاجل المال، فإذا خرج من البصرة له أن ينفق من المال إلى أن يأتي الكوفة لان خروجه من البصرة لاجل المال وله أن ينفق أيضا ما أقام بالكوفة حتى يعود إلى البصرة، لان وطنه بالكوفة كان وطن إقامة وأنه يبطل بالسفر، فإذا عاد إليها وليس له بها وطن فكأن إقامته فيها لاجل المال.
كذا في البدائع والمحيط والفتاوى الظهيرية ا ه ويظهر منه أنه لو كان له وطن في الكوفة أيضا ليس له الانفاق إلا في الطريق، ورأيت التصريح به في التاترخانية من الخامس.
والحاصل: أنه إذا أخذ مالا بالكوفة وهو من أهل البصرة وكان قدم الكوفة مسافرا قبل ذلك فلا نفقة له ما دام بها حتى يرتحل عنها، وعليه فلا يخفى مما في كلام الشارح من الايجاز الملحق بالالغاز.
أقول: وحق العبارة هكذا: ما لم يأخذ مالها فيه لانه لم يحبس به، ويفيد بمفهومه أنه إذا احتبس بأن سافر من البلدة التي أخذ المال فيها ثم عاد بالمال إليها كان له النفقة لانه احتبس به حينئذ.
قوله: (أو خلط الخ) أو بعرف شائع كما قدمنا أنه لا يضمن به.
قوله: (بإذن) أي تصير شركة ملك فلا تنافي المضاربة ونظيره ما قدمناه لو دفع إليه ألفا نصفها قرض ونصفها مضاربة صح ولكل نصف حكم نفسه ا ه.
مع أن المال مشترط شركة ملك فلم يضمن المضاربة، وبه ظهر أنه لا ينافي ما قدمه الشارح عن الكافي من أنه ليس للشريك نفقة، فافهم.
قوله: (أو بمالين لرجلين) هذا مخصوص بأن لا يكون المال الآخر بضاعة.
قال في المحيط البرهاني: ولو كان أحدهما بضاعة فنفقته في المضاربة، إلا أن يتفرغ للعمل في البضاعة ففي ماله إلا أن يأذن له المستبضع بالنفقة منها لانه متبرع.
تاترخانية في الخامس عشر فيها من العتابية: ولو رجع المضارب من سفره بعد موت رب المال فله أن ينفق من المال على نفسه وعلى الرقيق، وكذا بعد النهي، ولو كتب إليه ينهاه وقد صار المال نقدا لم ينفق في رجوعه ا ه.
قوله: (رد ما بقي) أي لو ميز مالا للنفقة فأنفق بعضه وبقي منه شئ حين قدم مصره رد ما بقي إلى المضاربة لان الاستحقاق أمر ينتهي بانتهاء السفر.
رحمتي عن ابن ملك.
والظاهر أنه يرد ما زاد عنه مما اشتراه للنفقة من كسوة وطعام عند انتهاء السفر.
قوله: (ولو أنفق من ماله) أو استدان على المضاربة للنفقة.
بحر.
وهذا يفيد أن قولهم لا يملك الاستدانة مقيد بغير النفقة.
قوله: (له ذلك) وكذا لو استدان على المضاربة للنفقة، لان التدبير في الانفاق إليه كالوصي إذا أنفق من مال نفسه على الصغير ا ه.
قوله: (ولو هلك) أي مال المضاربة قبل أن يرجع.
قوله: (لم يرجع على المالك) لفوات محل النفقة.
بحر.
قوله: (ويأخذ الخ) أي أن المالك يأخذ المال الذي أنفقه المضارب من رأس المال من المال الذي جاء به المضارب، فإذا استوفى رب المال رأس ماله الذي دفعه إلى المضارب بما اشترى به البضاعة وما أنفقه وفضل شئ اقتسماه، وإن لم يظهر ربح فلا شئ على المضارب عوضا عما أنفقه على نفسه.
قوله: (من رأس المال) متعلق بأنفق.(2/451)
قال في البحر: وفيه إشارة إلى أن المضارب له أن ينفق على نفسه من مال المضاربة قبل الربح ا ه.
قيد بالنفقة لانه لو كان في المال دين غيرها قدم إيفاؤه على رأس المال كما في المنح.
وفي البحر أيضا: وأطلق المضارب ليفيد أنه لا فرق بين المضارب ومضاربه إذا كان أذن له في المضاربة وإلا فلا نفقة للثاني.
قوله: (إن كان ثمة ربح) الاوضح أن يقول: من الربح إن كان ثمة ربح.
قوله: (وإن لم يظهر ربح فلا شئ عليه) أي على المضارب عوضا عما أنفقه على نفسه.
وحاصل المسألة: أنه لو دفع له ألفا مثلا فأنفق المضارب من رأس المال مائة وربح مائة يأخذ المالك المائة الربح بدل المائة التي أنفقها المضارب ليستوفي المالك جميع رأس ماله، فلو كان الربح في هذه الصورة مائتين يأخذ مائة بدل النفقة ويقتسمان المائة الثانية بينهما على ما شرطاه فتكون النفقة مصروفة إلى الربح ولا تكون مصروفة رأس المال، لان رأس المال أصل والربح تبع فلا يسلم لهما التبع حتى يسلم لرب المال الاصل.
عيني.
قوله: (حسب ما أنفق الخ) وفي الكافي: شرى بالمال ثيابا وهو ألف واستقرض مائة للحمل رابح بألف ومائة عند الامام وعندهما على مائة فقط، ولو باعها بألفين قسم على أحد عشر جزءا سهم له والعشرة للمضاربة.
قوله: (من الحملان) قال في مجمع البحرين: والحملان بالضم الحمل مصدر حمله، والحملان أيضا أجر ما يحمل ا ه.
وهو المراد ط.
قوله: (وأجرة السمسار) هو تكرار مع ما تقدم في المتن.
قوله: (وكذا يضم إلى رأس المال ما يوجب زيادة) لانها بالزيادة عن الثمن صارت كالثمن.
زيلعي وهو مستغني عنه بما قبله ط.
قوله: (حقيقة) كالصبغ والخياطة وكسوة المبيع وغيره.
قوله: (أو حكما) كالقصارة وحمل الطعام وسوق الغنم وسقي الزرع وغيره.
قوله: (وهذا هو الاصل نهاية) أشار بهذا إلى ما مر في باب المرابحة بقوله: وضابطه كل ما يزيد في المبيع أو في قيمته يضم، واعتمد العيني عادة التجار بالضم، فإذا جرت العادة بضم ذلك يضم.
قوله: (على نفسه) أي في السفر في الاقامة أولى.
قوله: (لعدم الزيادة والعادة) لما كان في عبارة المنح ما يشعر بأن بعض النفقة تكون سبا لزيادة الثمن لكن لم تجر العادة بضمها، وهذا البحث يتعلق بباب المرابحة وقد تقدم تحقيقه، وعلى كل فهو تكرار مع ما في المتن، والاولى التمثيل بما يأخذه العشار.
قوله: (بزا) قال محمد في السير: البز عند أهل الكوفة: ثياب الكتان أو القطن لا ثياب
الصوف أو الخز.
منح عن المغرب.
وقيل هو متاع البيت.
ذكره مسكين.
قوله: (أي ثيابا) أطلقه إشارة إلى أن الحكم غير مقيد بحقيقة البز التي هي الكتان أو القطن أو متاع البيت.
قوله: (فضاعا) أي(2/452)
الالفان هلكا في يده من غير تقصير منه برهان.
قوله: (غرم المضارب ربعهما) لان المال لما صار ألفين ظهر الربح في المال وهو ألف وكان بينهما نصفين فيصيب المضارب منه خمسمائة، فإذا اشترى بالالفين عبدا صار مشتركا بينهما فربعه للمضارب وثلاثة أرباعه لرب المال، ثم إذا ضاع الالفان قبل النقد كان عليهما ضمان العبد على قدر ملكهما في العبد، فربعه على المضارب وهو خمسمائة وثلاثة أرباعه على رب المال وهو ألف وخمسمائة.
منح.
وهو مشكل لان مال المضاربة في يده أمانة وما شراه إنما شراه للمضاربة ألا يرى أنه بعد اقتسام الربح قبل فسخ المضاربة لو وقع خسران يسترد منه الربح، فعلمنا أن الربح لم يملكه بمجرد حصوله ولم يقع الشراء له، فليتأمل وجهه.
قوله: (وغرم المالك الباقي) ولكن الالفان يجبان جميعا للبائع على المضارب ثم يرجع المضارب على رب المال بألف وخمسمائة، لان المضارب هو المباشر للعقد وأحكام العقد ترجع إليه.
إتقاني.
قوله: (لكونه مضمونا) علة.
لقوله: خارجا عن المضاربة أي بين الضمان المفهوم من مضمون وبين الامانة.
قوله: (وباقيه لها) لان ضمان رب المال لا ينافي المضاربة.
قوله: (ولو بيع العبد) أي والمسألة بحالها.
قوله: (فحصتها ثلاثة آلاف) ثمن ثلاثة أرباع العبد.
قوبه: (لان ربعه) أي ربع العبد ملك للمضارب كما تقدم قوله: (بينهما) أي والالف يختص بها المضارب كما مر.
قوله: (ولو شرى من رب المال بألف عبدا) أي قيمته ألف فالثمن والقيمة سواء، وإنما قلنا ذلك لانه لو كان فيهما فضل بأن اشترى رب المال عبدا بألف قيمته ألفان ثم باعه من المضارب بألفين بعد ما عمل المضارب في ألف المضاربة وربح فيها ألفا فإنه يبيعه مرابحة على ألف وخمسمائة حصة المضارب: أما لو كان مال المضاربة ألفين فهي كالمسألة الاولى وكذا إذا كان في قيمة المبيع فضل دون الثمن بأن كان العبد يساوي ألفا وخمسمائة فاشتراه رب المال بألف وباعه من المضارب بألف يبيعه المضارب مرابحة على ألف ومائتين وخمسين، وكذا عكسه بأن شرى عبدا قيمته ألف بألف فباعه منه بألف.
فالمسألة رباعية: قسمان لا يرابح فيهما إلا على ما اشترى
رب المال، وهما إذا كان لا فضل فيهما أو لا فضل في قيمة المبيع فقط.
وقسمان يرابح عليه وعلى حصة المضارب، وهما إذا كان فيهما فضل أو في قيمة المبيع فقط، وهذا إذا كان البائع رب المال، فلو كان المضارب فهو على أربعة أقسام أيضا كما يأتي.
وتمامه في البحر عن المحيط.
قوله: (شراه رب المال بنصفه) صفة عبد.
قوله: (رابح بنصفه) جواب شراه، أي فلا يجوز أن يبيعه مرابحة على ألف لان بيعه من المضارب كبيعه من نفسه لانه وكيله فيكون بيع ماله بماله فيكون كالمعدوم وهو لا يجوز.
وفي حاشية الشلبي: لان عقد المرابحة عقد أمانة فيجب تنزيهه عن الخيانة وعن شبهة الخيانة، والعقد الاول وقع لرب المال والثاني كذلك، لان شراء المضارب لا يخرج عن ملك رب المال إلا أنه صح العقد لزيادة فائدة وهي ثبوت اليد والتصرف للمضارب فبقي شبهة عدم وقوع العقد الثاني فبيعه(2/453)
مرابحة على الثمن الاول وذلك خمسمائة.
قوله: (وكذا عكسه) وهو ما لو كان البائع المضارب والمسألة بحالها بأن شرى رب المال بألف عبدا شراه المضارب بنصفه ورأس المال ألف فإنه يرابح بنصفه: أي يبيعه مرابحة على خمسمائة، لان البيع الجاري بينهما كالمعدوم، وهذا إذا كانت قيمته كالثمن لا فضل فيهما، ومثله لو الفضل في القيمة فقط.
أما لو كان فيهما فضل أو في الثمن فقط فإنه يرابح على ما اشترى به المضارب وحصة المضارب، وبه علم أنه المسألة رباعية أيضا.
وتمامه في البحر.
قوله: (ومنه علم جواز شراء المالك من المضارب وعكسه) أما شراء المالك من المضارب مال المضاربة فإنه وإن كان مال المالك لكنه لا يملك التصرف فيه بعد صيرورته عرضا، وصحة العقد تحتمل حصول الثمرة وقد حصلت بملكه التصرف.
وأما شراء المضارب من رب المال فهو صحيح، لان ما شراه لا يملك فيه العين ولا التصرف، وهو وإن شراه للمالك لانه وكيل عنه، لكن في شرائه فائدة وهو حصول الربح له.
وفيه فائدة للمالك أيضا لانه ربما يعجز عن بيعه بنفسه.
قوله: (ولو شرى) أي من معه ألف بالنصف كما قيد به في الكنز.
قوله: (لخروجه عن المضاربة بالفداء) لان الفداء مؤنة الملك فيتقدر بقدره، فإذا فدياه خرج العبد كله عن المضاربة.
أما نصيب المضارب فإنه صار مضمونا عليه.
وأما نصيب رب المال فبقضاء القاضي بانقسام الفداء عليهما، لان قضاءه بالفداء يتضمن قسمة العبد بينهما
لان الخطاب بالفداء يوجب سلامة المفدي ولا سلامة إلا بالقسمة.
زيلعي.
قال في البحر: لان الفداء مؤنة الملك وقد كان الملك بينهما أرباعا لانه لما صار المال عينا واحدا ظهر الربح وهو ألف بينهما وألف لرب المال، فإذا فدياه خرج عن المضاربة لان نصيب المضارب صار مضمونا عليه ونصيب رب المال صار له بقضاء القاضي بالفداء عليهما، وإذا خرج عنها بالدفع أو بالفداء غرما على قدر ملكهما.
ا ه.
والفرق بين هذا وبين ما مر حيث لا يخرج هناك ما خص رب المال عن المضاربة، وهنا يخرج لان الواجب هنا ضمان التجارة وهو لا ينافي المضاربة، وهنا ضمان الجناية وهو ليس من التجارة في شئ فلا يبقى على المضاربة.
كفاية.
قوله: (كما مر) أي قريبا من أن ضمان المضارب ينافي المضاربة.
قوله: (ولو اختار المالك الدفع الخ) قال في البحر: قيد بقوله قيمته ألفان، لانه لو كانت قيمته ألفا فتدبير الجناية إلى رب المال، لان الرقبة على ملكه لا ملك للمضارب فيها، فإن اختار رب المال الدفع والمضارب الفداء مع ذلك فله ذلك، لانه يستبقي بالفداء مال المضاربة وله ذلك، لان الربح يتوهم.
كذا في الايضاح ا ه.
ونحوه في غاية البيان.
ولا يخفى أن الربح في مسألة المصنف محقق، بخلاف هذه فقد علل لغير مذكور، على أن الظاهر أنه في مسألة المتن لا ينفرد أحدهما بالخيار لكون العبد مشتركا، يدل عليه ما في غاية البيان ويكون الخيار لهما جميعا إن شاء فديا وإن شاء دفعا، فتأمل.
ا ه.(2/454)
أقول: لكن صدر عبارة البحر ينافي آخرها، ولعلهما قولان: الاول: أن الخيار لرب المال لان العبد ملكه وحده.
والثاني: أن الخيار للمضاربة لتوهم الربح ولاستبقاء المضاربة.
ثم لا تنافي بين قوله هنا لاستبقاء المضاربة وقول الشارح فيما مر أنه يخرج عن المضاربة بالفداء لان ما مر فيه للمضارب ربح فضمن قدر ربحه من الفداء والضمان ينافي المضاربة، بخلاف ما هنا.
تأمل.
وفي البحر قال: ثم اعلم أن العبد مشترك في المضاربة إذ جنى خطأ لا يدفع بها حتى يحضر
المضارب ورب المال، سواء كان الارش مثل قيمة العبد أو أقل أو أكثر، وكذا لو كانت قيمته ألفا لا غير لا يدفع إلا بحضرتهما، لان المضارب له فيه حق ملك حتى ليس لرب المال أن يأخذه ويمنعه من بيعه كالمرهون إذا جنى خطأ لا يدفع إلا بحضرة الراهن والمرتهن.
والحاصل: أنه يشترط حضرة رب المال والمضارب للدفع دون الفداء، إلا إذا أبى المضارب الدفع والفداء وقيمته مثل رأس المال فلرب المال دفعه لتعنته، فإن كان أحدهما غائبا وقيمة العبد ألف درهم ففداه الحاضر كان متطوعا لانه أدى دين غيره بغير أمره وهو غير مضطر فيه، فإنه لو أقام بينة على الشركة لا يطالب بحصة صاحبه لا بالدفع ولا بالفداء.
كذا في النهاية.
وذكر قاضيخان أن المضارب ليس له الدفع والفداء وحده لانه ليس من أحكام المضاربة، فلذا كان إليهما.
ا ه.
قال المقدسي: ولو اختار المضارب وحده الدفاع دفع حصته والمالك مخير في الباقي بين الدفع والفداء ا ه.
قوله: (اشترى) أي المضارب.
قوله: (ثم وثم) فيه حذف المعطوف ودخول العاطف على مثله.
حموي.
قوله: (ورأس المال جميع ما دفع) يعني لا يكون للمضارب شئ من الربح حتى يصل رب المال إلى جميع ما أوصله المضارب على أنه ثمن.
أما إذا أراد المضارب أن يبيعه مرابحة لا يرابح إلا على ألف كما تقدم ا ه شلبي.
قوله: (بخلاف الوكيل) إذا كان الثمن مدفوعا إليه قبل الشراء، ثم هلك بعد الشراء فإنه لا يرجع إلا مرة لانه أمكن جعله مستوفيا لان الوكالة تجامع الضمان كالغاصب إذا وكل ببيع المغصوب ثم في الوكالة في هذه الصورة يرجع مرة.
وفيما إذا اشترى ثم دفع الموكل إليه المال فهلك بعده لا يرجع لانه ثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيا بالقبض بعده.
أما المدفوع إليه قبل الشراء أمانة في يده وهو قائم على الامانة بعده فلم يصر مستوفيا فإذا هلك يرجع عليه مرة ثم لا يرجع لوقوع الاستيفاء.
بحر.
والحاصل: أن الوكيل إذا قبض الثمن بعد الشراء ثم هلك فإنه لا يرجع لانه ثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيا بالقبض بعده.
وأما لو دفع إليه قبل الشراء فهلك بعد الشراء يرجع مرة، لان المدفوع إليه قبل أمانة في يده وهو قائم على الامانة بعده، فإذا هلك يرجع عليه مرة ثم لا يرجع لوقوع الاستيفاء.
أفاده المصنف.
قوله: (لان يده ثانيا يد استيفاء لا أمانة) بيانه أن المال
في يد المضارب أمانة ولا يمكن حمله على الاستيفاء لانه لا يكون إلا بقبض مضمون، فكل ما قبض يكون أمانة وقبض الوكيل ثانيا استيفاء لان وجب له على الموكل مثل ما وجب عليه للبائع، فإذا قبضه(2/455)
صار مستوفيا له فصار مضمونا عليه فيهلك عليه، بخلاف ما إذا لم يكن مدفوعا إليه إلا بعد الشراء حيث لا يرجع أصلا، لانه ثبت له حق الرجوع بنفس الشراء فجعل مستوفيا بالقبض بعده، إذ المدفوع إليه قبله أمانة وهو قائم على الامانة بعده فلم يصر مستوفيا، فإذا هلك يرجع مرة فقط لما قلنا.
قوله: (معه) أي المضارب.
قوله: (فالقول للمضارب) وقال زفر: القول لرب المال، وهو قول أبي حنيفة أولا، لان المضارب يدعي الربح والشركة فيه ورب المال ينكره.
فالقول قول المنكر.
ثم رجع وقال: القول قول المضارب، وهو قولهما بأن حاصل اختلافهما في المقبوض فالقول قول القابض في مقدار المقبوض ولو ضمنيا اعتبارا بما لو أنكره أصلا فإن القول له.
قوله: (لان القول في مقدار المقبوض للقابض) لانه أحق بمعرفة مقدار المقبوض.
قوله: (أمينا) أي كالمودع.
قوله: (أو ضمنيا) كالغاصب.
قوله: (كما لو أنكره) أي القبض أصلا فالقول قوله.
قوله: (ولو كان الاختلاف مع ذلك) أي مع الاختلاف في المقبوض الاختلاف في مقدار الربح، بأن قال المال رب رأس المال ألفان وشرطت لك ثلث الربح وقال المضارب رأس المال ألف وشرطت لي نصف الربح كان القول للمضارب في قدر رأس المال لانه القابض، والقول لرب المال في مقدار الربح لانه المنكر للزيادة، وهو لو أنكر استحقاق الربح عليه بالكلية بأن ادعى البضاعة قبل منه، فكذا في إنكاره الزيادة.
ذكره الزيلعي.
قوله: (فقط) لا في رأس المال، بل القول فيه للمضارب لانه القابض كما علمت.
قوله: (لانه يستفاد من جهته) أي من جهة رب المال من حيث إن الربح نماء ملكه.
قوله: (وإن أقاماها الخ) أي لان بينة رب المال في زيادة رأس المال أكثر إثباتا، ولان بينة المضارب في زيادة الربح أكثر إثباتا كما في الزيلعي.
ويؤخذ من هذا ومن الاختلاف في الصفة أن رب المال لو ادعى المضاربة وادعى من في يده المال أنها عنان وله في المال كذا وأقاما البينة فبينة ذي اليد أولى، لانها أثبتت حصة من المال وأثبتت الصفة.
أقول: لكن قد يقال: إن كلتا البينتين أثبتت حصة وصفة وتزيد بينة رب المال بأنه خارج إلا أن يقال: إن الصفة التي أثبتتها بينة القابض أقوى، لان شركة العنان أقوى من المضاربة، فليتأمل.
قوله: (في المقدار) أي مقدار المقبوض.
قوله: (لانه لو كان في الصفة) أي صفة الدفع هل هو مضاربة أو بضاعة؟ وقال المالك بضاعة ولم أجعل لك من الربح شيئا، وقال من في يده المال مضاربة وجعلت لي نصف الربح فالقول لرب المال، لان العامل يدعي عليه استحقاق أجر على عمله وهو ينكر والقول للمنكر، وكان الاولى تقديم هذه المسألة على المسألة السابقة فيقول: قيد بكونه في مقدار المقبوض، لانه لو كان في مقدار الربح أيضا أو في الصفة فالقول لرب المال.
قال العلامة الرحمتي: وقوله لانه لو كان في الصفة ليس على إطلاقه، لانه لو ادعى المالك(2/456)
القرض والقابض المضاربة أو البضاعة أو الوديعة كان القول للقابض كما سيأتي متنا.
قوله: (فقال) أي المضارب.
قوله: (وقال المالك) الاولى ذو اليد.
قوله: (فالقول للمالك) لانه منكر، ولان المضارب يدعي عليه تقويم عمله أو شرطا من جهته أو يدعي الشركة في الربح وهو ينكر.
ذكره ابن الكمال.
قوله: (ولو قال المضارب) الاولى واضع اليد لان المسألتين الاوليين اتفقا فيهما على عدم المضاربة.
قوله: (هي قرض) أي وجميع الربح لي.
قوله: (أو وديعة) إنما كان القول له وإن كان ا لربح ليس له منه شئ لما ذكره المؤلف من أنه يدعي عليه التمليك وهو ينكر.
قوله: (والبينة بينة المضارب) سواء أقامها وحده أو مع رب المال، لانها تثبت أمرا زائدا وهو التمليك بالقرض.
قوله: (لانه يدعي عليه التمليك) أي تمليك بعض الربح فيما إذا ادعى المضاربة وتمليك عين المال فيما إذا ادعى القرض، لان المستقرض يملكه ولذا كان ربحه له.
قوله: (لانه ينكر الضمان) أي ورب المال يدعيه والقول للمنكر، فقد خرجت هذه عن قاعدة الاختلاف في الوصف لهذه العلة لانها أكثر إثباتا لانها تثبت عليه ضمان البدل ط.
قوله: (فبينة رب المال أولى لانها أكثر إثباتا) لانه يدعي عليه الضمان بالقرض، وهذا معنى قوله لانها أكثر إثباتا وهذا ظاهر فيما إذا ادعى المالك القرض لانها تثبت الضمان على المستقرض.
أما لو ادعى القابض القرض فينبغي أن تكون البينة له، لان بينته أكثر إثباتا وهو تملك المال المقبوض،
وكذا لو ادعى المضاربة لانها تثبت استحقاقا في الربح.
تأمل.
والحاصل: أن القول لمدعي المضاربة في الوجهين والبينة بينة مدعي القرض فيهما على ما ذكر.
وفي البدائع قال: دفعت لي ألفا مضاربة فهلكت فقال المقر له لا بل غصبتها مني: فإن الهلاك قبل التصرف فلا ضمان، وإن بعده يضمن: يعني لان التصرف في مال الغير سبب لوجوب الضمان في الاصل فكان دعوى الاذن دعوى البراءة عن الضمان فلا يثبت إلا بحجة.
والظاهر أن هذا لا يجري فيما نحن فيه لانه أقر بالقبض المبيح للتصرف.
قوله: (وأما الاختلاف في النوع) هذا مقابل قوله المار: (لانه لو كان في الصفة) وكان عليه أن يؤخر هذا إلى قوله: (ولو ادعى كل نوعا) لان الاختلاف في العموم والخصوص ليس من الاختلاف في النوع بل من الصفة فلا يتم التفريع الآتي عليه وهو قوله: (فإن ادعى المضارب الخ).
قال في البدائع: فإن اختلفا في العموم والخصوص فالقول قول من يدعي العموم بأن ادعى أحدهما المضاربة في جميع التجارات أو في عموم الامكنة أو مع عموم الاشخاص، لان قول من يدعي العموم يوافق المقصود بالعقد، إذ المقصود هو الربح وهنا المقصود بالعموم أوفر، وكذا لو اختلفا في الاطلاق والتقييد فالقول قول من يدعي الاطلاق، حتى لو قال رب المال أذنت لك أن تتجر في الحنطة دون ما سواها، وقال المضارب ما سميت لي تجارة بعينها فالقول قول المضارب مع يمينه، لان الاطلاق أقرب إلى المقصود بالعقد على ما بينا.(2/457)
وقال الحسن بن زياد: القول قول رب المال في الفصلين: فإن قامت لهما بينة فالبينة بينة من يدعي الخصوص في دعوى العموم والخصوص وفي دعوى الاطلاق والتقييد بينة من يدعي التقييد لانها تثبت زيادة قيد وبينة الاطلاق ساكتة.
ولو اتفقا على الخصوص لكنهما اختلفا في ذلك الخاص بأن قال رب المال دفعت المال إليك مضاربة في البر وقال المضارب في الطعام فالقول قول رب المال اتفاقا، لانه لا يمكن الترجيح هنا بالمقصود من العقد لاستوائهما في ذلك فترجع بالاذن، وأنه يستفاد من رب المال، فإن أقاما البينة فالبينة بينة المضارب، لان بينته مثبتة وبينة رب المال نافية، لانه لا يحتاج
إلى الاثبات والمضارب يحتاج له لدفع الضمان عن نفسه، فالبينة المثبتة للزيادة أولى.
كذا في الحواشي الحموية.
قوله: فإن ادعى المضارب العموم أي في أنواع التجارات.
قوله: (أو الاطلاق) بأن قال أطلقت لي في السفر برا وبحرا.
قوله: (وادعى المالك الخصوص) أي بنوع من التجارة.
والمناسب أو التقييد لتحسن المقابلة بأن قال قيدت لك السفر بالبر.
قوله: (فالقول للمضارب) لان الاصل في المضاربة العموم، إذ المقصود منها الاسترباح والعموم والاطلاق يناسبانه.
وهذا إذا تنازعا بعد تصرف المضارب، فلو قبله فالقول للمالك، كما إذا ادعى المالك بعد التصرف العموم والمضارب الخصوص فالقول للمالك.
در منتقى.
ومثله في الخانية وغاية البيان والزيلعي والبحر وغيرهما، وحكى ابن وهبان في نظمه قولين.
وفي مجموعة الانقروي عن محيط السرخسي: لو قال رب المال هو قرض والقابض مضاربة، فإن بعدما تصرف فالقول لرب المال والبينة بينته أيضا والمضارب ضامن، وإن قبله فالقول قوله ولا ضمان عليه: أي القابض لانهما تصادقا على أن القبض كان بإذن رب المال ولم يثبت القرض لانكار القابض ا ه.
ونقل فيها عن الذخيرة من الرابع مثله، ومثله في كتاب القول لمن عن غانم البغدادي عن الوجيز، وبمثله أفتى علي أفندي مفتي الممالك العثمانية، وكذا قال في فتاوى ابن نجيم: القول لرب المال.
ويمكن أن يقال: إن ما في الخانية والمصنف وما قدمناه عن الدار المنتقى فيما إذا كان قبل التصرف حملا للمطلق على المقيد لاتحاد الحادثة والحكم، وبالله التوفيق، كذا في مجموعة منلا علي ملخصا.
قوله: (ولو ادعى كل نوعا) بأن قال أحدهما في بز وقال الآخر في بر.
قوله: (فالقول للمالك) لانهما اتفقا على الخصوص فكان القول قول من يستفاد من جهته الاذن والبينة بينة المضارب لحاجته إلى نفي الضمان وعدم حاجته إلى البينة.
ذكره الزيلعي.
قوله: (والبينة للمضارب فيقيمها على صحة تصرفه) يعني أن البينة تكون حينئذ على صحة تصرفه لا على نفي الضمان حتى تكون على النفي فلا تقبل.
قوله: (ولو وقتت البينتان) بأن قال ر ب المال أديت إليك مضاربة أن تعمل في بز في رمضان وقال المضارب دفعت إلي لاعمل في طعام في شوال وأقاما البينة.
قوله: (قضى بالمتأخرة) لان آخر الشرطين ينقض الاول.
عناية.
قوله: (وإلا) أي إن لم يوقتا أو وقتت إحداهما دون الاخرى.
قوله: (فبينة المالك) لانه يتعذر القضاء بهما معا للاستحالة، وعلى التعاقب لعدم الشهادة على ذلك،(2/458)
وإذا تعذر بهما القضاء فبينة رب المال أولى لانها تثبت ما ليس بثابت.
أفاده الاكمل.
وهذا ينافي ما قدمه من أن البينة للمضارب إذ هو عند تعارض البينتين وإلا فهي لمن أقامها، إلا أن يحمل على أن البينة أقامها المضارب فقط وهو بعيد، لانه إذا انفرد كل بإقامة البينة قبلت منه فلا وجه للتخصيص.
وحاصله: أنه لم يظهر وجه ما ذكره لان المفهوم من تصوير صاحب الدرر والعزمية أنهما اتفقا على المضاربة واختلفا في الوقت وأقاما بينة وأرخت البينتان يقضي بالمتأخرة فلا يقال: وإلا لانهما إذا لم يوقتا لا حاجة إليهما بعد الاتفاق على المضاربة، إلا أن يقال: إلا أن الاختلاف في التوقيت مبني على الاختلاف في النوع، لكن المفهوم خلافه.
قال خير الدين الرملي: وجهه أن المضارب بقوله ما سميت لي تجارة بعينها يدعي التعميم وهو أصل في المضاربة فالقول قول من يدعيه ورب المال بدعواه النوع ادعى التخصيص وهو خلاف الاصل فيها، والبينة للاثبات والاثبات على من خالف الاصل.
وأقول: على هذا الاختلاف بين الوكيل والموكل في ذلك على العكس.
تأمل.
قال في البحر في الوكالة: أمرتك بالاتجار في البر وادعى الاطلاق فالقول للمضارب لادعائه عمومه.
وعن الحسن عن الامام أنه لرب المال، لان الاذن يستفاد منه، وإن برهنا فإن نص شهود العامل أنه أعطاه مضاربة في كل تجارة فهو أولى لاثباته الزيادة لفظا ومعنى، وإن لم ينصوا على هذا الحرف فلرب المال.
ا ه.
قوله: (جاز) فيكون عاقدا من الجانبين كما في النكاح وهبة الاب من طفله.
قوله: (وقيده الطرسوسي) أي بحثا منه.
ورده ابن وهبان بأنه تقييد لاطلاقهم برأيه مع قيام الدليل على الاطلاق.
واستطهر ابن الشحنة ما قاله الطرسوسي نظرا للصغير: أي ويكون هذا التقييد مراد من أطلق ليحصل به نفي التهمة، لكن في جامع الفصولين عن الملتقط: ليس للوصي في هذا الزمان أخذ مال اليتيم مضاربة فهذا يفيد المنع مطلقا.
قوله: (بأن لا يجعل الوصي لنفسه من الربح أكثر مما يجعل لامثاله) بأن كان الغير يجعل لليتيم النصف منه فجعل الوصي الثلث له.
قوله: (وتمامه في شرح
الوهبانية) أي لابن الشحنة، لانه إذا أطلق شرح الوهبانية ينصرف إليه، كما إذا أطلق شرح الكنز ينصرف للشارح الزيلعي، وكذا شرح الوقاية للشارح الشمني، وشرح الهداية لصاحب فتح القدير، وشرح القدوري للجوهرة كما هو مقتضى كلامهم.
وعبارة ابن الشحنة: حيث قال بعد الذي ذكره الشارح: حتى لو كان الناس يعتقدون المضاربة بالنصف حتى عقدها هو لنفسه في مال الصغير بالثلث لا يجوز له ذلك، وقال: إنه ما زاد ذلك إلا دفعا لما توهمه عبارة الذخيرة من الجواز للتعليل بالاستنماء وعدم الاستحقاق في مال الصغير، وإنما هو من الربح الحاصل بعمل المضارب، وقال إنه لم يقف على هذا التقييد في كلام الاصحاب، ولكنه ينبغي أن يكون كذلك نظرا للصبي.
وتعجب المصنف من تقييده بما أطلقه المشايخ برأيه مع قيام الدليل على الاطلاق لانه نفع صرف، ووثوق الوصي بنفسه ليس كوثوقه بغيره، نعم لو جعله من باب الديانة والمروءة لكان حسنا، لكن لو عقد بأقل صح ا ه.(2/459)
قلت: الاظهر عندي ما قاله الطرسوسي، لان تصرف الوصي إنما هو بالولاية النظرية ولا نظر للصبي في المضاربة في مال بأقل مما يفعله أمثال الوصي من الثقات، بل النظر فيه لجانب الوصي فإنه يحصل لنفسه ربحا به يتعذر حصوله بدون مال اليتيم مع الحيف على اليتيم وإن كان مصلحة من حيث إنه يحصل الربح في الجملة، اللهم إلا أن يقال: يكفي حصول المصلحة في الجملة وإن أمكن ما هو أولى منها ا ه.
قال الشرنبلالي بعد نقل ما عن الطرسوسي: ونازعه المصنف وارتضى الشارح ذلك القيد نظرا للصغير بحثا منه انتهى.
أقول: ولا تنس ما قدمناه عن جامع الفصولين عن الملتقط.
قوله: (وفيها) أي الوهبانية.
قوله: (مات المضارب الخ) وكذا المودع والمستعير وكل من كان المال في يده أمانة إذا مات قبل البيان ولا تعرف الامانة بعينها فإنه يكون عليه دينا في تركته، لانه صار بالتجهيل مستهلكا للوديعة: أي مثلا ولا يصدق ورثته على الهلاك والتسليم إلى رب المال، ولو عين الميت في حال الحياة أو علم ذلك يكون
ذلك أمانة في يد وصيه أو وارثه كما كان في يده، ويصدقون على الهلاك والدفع إلى صاحبه كما يصدق الميت حال حياته انتهى.
وسيأتي تمامه في الوديعة.
قوله: (عاد دينا في تركته) أي لانه صار بالتجهيل مستهلكا كما علمت، وأفتى به في الحامدية قائلا: وبه أفتى قارئ الهداية.
قوله: (لكن صرح في مجمع الفتاوى) نقل في المنح عنه ما نصه: قال الشيخ الامام الاجل: وكان شيخنا يقول: الجواب في زماننا بخلاف هذا، ولا ضمان على المضارب فيما يعطى من مال المضاربة لسلطان طمع فيه وقصد أخذه بطريق الغصب، وكذا الوصي إذا صانع في مال اليتيم لانهما يقصدان الاصلاح بهذه المصانعة، فلو لم يفعل أخذ المصانع جميع المال فدفع البعض لاحراز ما بقي من جملة الحفظ في زماننا، والامين فيما يرجع إلى الحفظ لا يكون ضامنا، أما في زمانهم فكانت القوة لسلاطين العدل.
انتهى مختصرا.
ويؤخذ من هذا أنه إذا دفع من مال نفسه يكون متبرعا فيضيع عليه ما دفع إلا إذا أشهد عند الدفع أنه يرجع ويحرر.
قال الرحمتي: لا يضمن في زماننا لغلبة أهل الظلم والرشوة إذا كانت لدفع الضرر عن نفسه وعن رب المال كانت جائزة للدافع مأذونا فيها عادة من المالك وإن حرمت على الآخذ انتهى.
قوله: (لانهما يقصدان الاصلاح) أي في هذه الرشوة فدفع البعض لاحراز ما بقي من جملة الحفظ والامين فيما يرجع للحفظ لا يكون ضامنا، منح.
قوله: (وسيجئ آخر الوديعة) ونصه: إذا هدد وخاف تلف نفسه أو عضوه أو خشي أخذ ماله كله فلا ضمان، وفيما سوى ذلك يضمن، فتأمل.
وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى.
قوله: (وفيه لو شرى الخ) نقله في المنح بأبسط من هذا حيث قال: وفيه أيضا: إذا اشترى المضارب بالمال متاعا فقال المضارب أنا أمسكه حتى أجد ربحا كثيرا وأراد رب المال بيعه فهذا على وجهين: إما أن يكون في مال المضاربة فضل بأن كان رأس المال(2/460)
ألفا فاشترى به متاعا يساوي ألفين، أو لم يكن في المال فضل بأن كان رأس المال ألفا واشترى به متاعا يساوي ألفا، ففي الوجهين جميعا لا يكون للمضارب حق إمساك المتاع من غير رضا رب المال إلا أن يعطي رب المال رأس المال، إن لم يكن فيه فضل ورأس المال وحصته من الربح إن كان فيه فضل
فحينئذ له حق إمساكه، وإن لم يعط ذلك ولم يكن له حق إمساكه هل يجبر على البيع، إن كان في المال فضل يجبر المضارب على بيعه لانه سلم له بدل عمله فيجبر على العمل، إلا أن يقول لرب المال أعطيك رأس المال وحصتك من الربح إن كان في المتاع فضل أو يقول أعطيك رأس المال إن لم يكن فضل فإن اختار ذلك فحينئذ لا يجبر على البيع ويجبر رب المال على قبول ذلك نظرا من الجانبين، وإن لم يكن في المال فضل لا يجبر على البيع ويقال لرب المال المتاع كله خالص ملكك، فإما أن تأخذه برأس مالك أو تبيعه حتى تصل إلى رأس مالك.
انتهى من مضاربة الذخيرة والمحيط.
والحاصل: أن الكلام هنا في موضعين: الاول حق إمساك المضارب المتاع من غير رضا رب المال.
والثاني إجبار المضارب على البيع حيث لا حق له في الامساك.
أما الاول: فلا حق له فيه سواء كان في المال ربح أو لا إلا أن يعطى لرب المال رأس المال فقط إن لم يربح أو مع حصته من الربح فحينئذ له حق الامساك.
وأما الثاني: وهو إجباره على البيع فهو أنه إن كان في المال ربح أجبر على البيع إلا أن يدفع للمالك رأس ماله مع حصته من الربح وإن لم يكن في المال ربح لا يجبر، ولكن له أن يدفع للمالك رأس ماله أو يدفع له المتاع برأس ماله.
هذا حاصل ما فهمته من عبارة المنح عن الذخيرة، وهي عبارة معقدة كما سمعت، وقد راجعت عبارة الذخيرة فوجدتها كما في المنح ونقلها في الهندية عن المحيط، ومثله في الفتاوى العطائية.
وبقي ما إذا أراد المالك أن يمسك المتاع والضارب يريد بيعه وهو حادثة الفتوى ويعلم جوابها مما مر قبيل الفصل من أنه لو عزله وعلم به والمال عروض باعها وإن نهاه المالك ولا يملك المالك فسخها ولا تخصيص الاذن لانه عزل من وجه.
قوله: (كما مر) الذي مر تعليل لغير هذا، وهو أنه يجبر على قضاء الدين إن كان في المال ربح.
قوله: يضمن حصة الهبة لان هبة المشاع الذي يقبل القسمة غير صحيحة فتكون في ضمانه.
قوله: (وهي تملك بالقبض على المفتى به) قال السائحاني أقول: لا تنافي بين الملك بالقبض والضمان ا ه.
ونص عليه في جامع الفصولين حيث قال رامز الفتاوى الفضلي: الهبة الفاسدة تفيد الملك بالقبض وبه يفتى، ثم إذا هلكت أفتيت بالرجوع للواهب هبة فاسدة لذي رحم محرم منه إذ الفاسدة مضمونة، فإذا كانت مضمونة بالقيمة بعد الهلاك
كانت مستحقة الرد قبل الهلاك.
ا ه.
فتنبه.
قوله: (وأودعه عشرا) بعده بيت متوقف عليه وهو:(2/461)
له سبعة قالوا ونصفا إذا نوت له الخمسة الاخرى وفي الشرع ينشر قال الشرنبلالي: صورتها رجل دفع لغيره عشرة دراهم وقال خمسة منها هبة لك وخمسة وديعة عندك فاستهلك القابض منها خمسة وهلكت الخمسة الباقية ضمن سبعة ونصفا، لان الخمسة الموهوبة مضمونة على القابض لانها هبة مشاع يحتمل القسمة وهي فاسدة، والخمسة التي استهلكها نصفها من الهبة ونصفها من الامانة فيضمن هذه الخمسة والخمسة التي ضاعت نصفها من الهبة فيضمن نصفها فصار المضمون سبعة ونصفا.
قلت: وهذا على غير الصحيح، لان الهبة الفاسدة تملك بالقبض وقد سلطه المالك عليها فلا ضمان فيها، وكذلك لا ضمان في الوديعة، لما في البزازية: دفع إليه ألفا نصفها هبة ونصفها مضاربة فهلكت يضمن حصة الهبة لا حصة المضاربة لانها أمانة.
وقوله يضمن حصة الهبة لا حصة المضاربة إنما هو على رواية عدم الملك وهو خلاف المفتى به، أما على المفتى به، فلا ضمان مطلقا لا في الوديعة ولا في الهبة الفاسدة لانه ملكها بالقبض فلذا قال الشارح وبه يضعف قول الوهبانية ا ه ح بتصرف وإصلاح من شرح العلامة عبد البر.
ويضمن درهمين ونصفا من الامانة التي استهلكها ط.
أقول: قوله وكذلك لا ضمان في الوديعة الخ فيه أن فرض مسألة الوهبانية في الاستهلاك وما استشهد به في الهلاك فينبغي أن يضمن درهمين ونصفا بناء على المفتى به، لان الخمسة التي استهلكها نصفها من الهبة فلا يضمن ونصفها من الامانة فيضمن، وأما الخمسة التي ضاعت فلا يضمن شيئا منها.
تأمل.
فروع: سئل فيما إذا مات المضارب وعليه دين وكان مال المضاربة معروفا فهل يكون رب المال أحق برأس ماله وحصته من الربح؟ الجواب نعم كما صرح به في الخانية والذخيرة البرهانية حامدية.
وفيها عن قارئ الهداية من باب القضاء في فتاويه: إذا ادعى أحد الشريكين خيانة في قدر معلوم وأنكر حلف عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل ثبت ما ادعاه، وإن لم يعين مقدارا فكذا الحكم،
لكن إذا نكل عن اليمين لزمه أن يعين مقدار ما خان فيه، والقول قوله في مقداره مع يمينه لان نكوله كالاقرار بشئ مجهول، والبيان في مقداره إلى المقر مع يمينه إلا أن يقيم خصمه بينة على أكثر ا ه.
كل ما جاز للمضارب في المضاربة الصحيحة من شراء أو بيع أو إجارة أو بضاعة أو غير ذلك فهو جائز له في المضاربة الفاسدة، ولا ضمان على المضارب، وكذلك لو قال اعمل برأيك جاز له ما يجوز له في المضاربة الصحيحة كذا في الفصول العمادية.
رجلان دفعا إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ونهياه عن الشركة فانشق الكيس الذي فيه الدراهم واختلط بدراهم المضارب من غير فعله فله أن يشتري بذلك ولا ضمان عليه والشركة بينهما ثابتة، وليس له أن يخص نفسه ببيع شئ من ذلك المتاع ولا يشتري بثمنه شيئا لنفسه دون صاحبه، ولكن لو كان قبل أن يشتري بالمال شيئا اشترى للمضاربة متاعا بألف درهم وأشهد ثم نقدها من المال ثم اشترى لنفسه متاعا بألف درهم ونقدها من المال فهذا جائز.
كذا في المحيط.
هندية.
لو كان رب المال ملك العبد بغير شئ فباعه من المضارب بألف المضاربة لم يبعه مرابحة حتى يبين أنه اشتراه من رب المال.
هندية عن المبسوط.(2/462)
إذا دفع رجل إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف ثم دفع إلى آخر ألف درهم بالنصف فاشترى أجد المضاربين عبدا بخمسمائة من المضاربة فباعه من المضارب الآخر بألف فأراد الثاني أن يبيعه مرابحة يبيعه على أقل الثمنين، ولو باعه الاول من الثاني بألفين ألف من المضاربة وألف من مال نفسه فإن الثاني يبيعه مرابحة على ألف ومائتين وخمسين، لان الثاني اشترى نصفه لنفسه وقد كان الاول اشترى ذلك النصف الثاني بمائتين وخمسين.
كذا في البدائع، ولو قال رب المال استقرض علي ألفا واتبع بها على المضاربة ففعل كان ذلك على نفسه، حتى لو هلك في يده قبل أن يدفعه لرب المال لزمه ضمانه لان الامر بالاستقراض باطل.
هندية عن الحاوي.
وفيها: كل مضاربة فاسدة لا نفقة للمضارب فيها على مال المضاربة، فإن أنفق على نفسه من المال حسب من أجر مثل عمله وأخذ بما زاد إن كان ما أنفق منه أكثر من أجر المثل.
كذا في المبسوط.
لو قال المضارب لرب المال دفعت إليك رأس المال والذي في يدي ربح ثم قال لم أدفع ولكنه هلك فهو ضامن كذا في الحاوي.
الاصل أن قسمة الربح قبل قبض رب المال رأس ماله موقوفة، إن قبض رأس المال صحت القسمة، وإن لم يقبض بطلت.
كذا في محيط السرخسي.
ولو دفع حربي إلى مسلم مال المضاربة ثم دخل المسلم دار الحرب بإذن رب المال فهو على المضاربة.
كذا في خزانة المفتين.
إذا دفع المسلم إلى النصراني مالا مضاربة بالنصف فهو جائز إلا أنه مكروه، فإن اتجر في الخمر والخنزير، فربح جاز على المضاربة في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وينبغي للمسلم أن يتصدق بحصته من الربح.
وعندهما: تصرفه في الخمر والخنزير لا يجوز على المضاربة، فإن اشترى ميتة فنقد فيه مال المضاربة فهو مخالف ضامن عندهم جميعا، وإن أربى فاشترى درهمين بدرهم كان البيع فاسدا ولكن لا يصير ضامنا لمال المضاربة والربح بينهما على الشرط.
ولا بأس بأن يأخذ المسلم مال النصراني مضاربة ولا يكره له ذلك، فإن اشترى به خمرا أو خنزيرا أو ميتة ونقد مال المضاربة فهو مخالف ضامن، فإن ربح في ذلك رد الربح على من أخذ منه إن كان يعرفه، وإن كان لا يعرفه تصدق به، ولا يعطي رب المال النصراني منه شيئا.
ولو دفع المسلم ماله مضاربة إلى مسلم ونصراني جاز من غير كراهة، كذا في المبسوط من باب شراء المضارب وهبته.
والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.(2/463)
كتاب الايداع كان القياس أن يقول كتاب الوديع بدون التاء، لانه فعيل بمعنى مفعول وفيه يستوي المذكر والمؤنث، تقول رجل جريح وامرأة جريح، وإنما عدل عن القياس لانه جعل من عدد الاسماء تدخل عليه التاء كالذبيحة والنطيحة فتكون للنقل لا للتأنيث.
نوح أفندي.
وأصله أوداع وقعت الواو إثر كسرة قلبت ياء فصار إيداع ا ه.
سري الدين.
واعلم أن الفقهاء يبحثون عن أفعال المكلف، لكن الفقهاء يعنون بعض الكتب بها كقولهم كتاب النكاح كتاب البيع والهبة، وفي بعضها بما يتعلق بتلك الافعال ككتاب العارية والمأذون والوجه فيه غير ظاهر در.
منتقى وحفظ الامانة يوجب سعادة الدارين والخيانة توجب الشقاء فيهما، قال عليه الصلاة والسلام الامانة تجر الغنى، والخيانة تجر الفقر.
وروي أن زليخا لما ابتليت بالفقر وابيضت عيناها من الحزن على يوسف عليه السلام قامت له تنادي: أيها الملك اسمع كلامي، فوقف يوسف عليه السلام، فقالت: الامانة أقامت المملوك مقام الملوك، والخيانة أقامت الملوك مقام الملوك، فسأل عنها فقيل إنها زليخا، فتزوجها مرحمة عليها انتهى.
زيلعي والايداع والاستيداع بمعنى.
وفي المغرب يقال: أودعت زيدا مالا واستودعته إياه: إذا دفعته إليه ليكون عنده فأنا مودع ومستودع بالكسر وزيد مودع ومستودع بالفتح والمال مودع ومستودع: أي وديعة ا ه.
ط بزيادة.
قوله: (وهو الامانة) قال الزيلعي: وحكم الوديعة الحفظ على المستودع ووجوب الاداء عند الطلب وصيرورة المال أمانة في يده.
وفي العناية: وجه مناسبة هذا الكتاب لما تقدم قد مر في أول الاقرار، وهو أن المال الثابت له إن حفظه بنفسه فظاهر، وإن بغيره فوديعة ثم ذكر بعده العارية والهبة والاجارة للتناسب بالترقي من الادنى إلى الاعلى، لان الوديعة أمانة بلا تمليك شئ، والعارية أمانة مع تمليك المنفعة بلا عوض، والهبة تمليك عين بلا عوض والاجارة تمليك المنفعة بعوض، وهي أعلى من الهبة لانه عقد لازم واللازم أقوى وأعلى مما ليس بلازم ا ه.
أي فكان في الكل الترقي من الادنى إلى الاعلى: فأول الغيث قطر ثم ينسكب قوله: (من الودع) فالمزيد مشتق من المجرد.
قال في الدر المنتقى.
من ودع ودعا: أي ترك وكلاهما مستعمل في القرآن والحديث.
ذكره ابن الاثير.
فلا ينبغي أن يحكم بشذوذهما انتهى.
وفي الزيلعي: من الودع، وهو مطلق الترك، وما ذكره النحاة من أن العرب أماتوا مصدر يدع رده قاضي زاده بأنه عليه الصلاة والسلام أفصح العرب وقد قال لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات أو ليختمن على قلوبهم أو ليكتبن من الغافلين أي عن تركهم إياها، والمراد من الختم في الحديث أن يحدث في
نفوسهم هيئة تمرنهم على عدم نفوذ الحق فيها، كذا بخط شيخنا.
وقوله: ليختمن بضم الياء التحتية وفتح التاء المثناة من فوق وبفتح الميم أيضا.
وقوله: ليكتبن بضم الياء التحتية وفتح التاء المثناة من فوق.
وبضم الباء الموحدة من تحت.
كذا السماع من شيخنا أبي السعود.
وقال تعالى: * ((93) ما ودعك ربك وما قلى) * (الضحى: 3) قرئ بالتخفيف والتشديد.
قوله: (وشرعا الخ) الانسب بالمعنى اللغوي أن(2/464)
يقول: هو ترك ماله عند غيره لحفظه.
قوله: (كأن انفتق) عبر به لانه لو فتقه مالكه وتركه فلا ضمان على أحد، ولو فتقه غيره فالضمان على الفاتق.
كذا ظهر لي ويحرر ط.
قوله: (فأخذه رجل) أما إذا لم يأخذه ولم يدن منه لا يضمن، منح عن المحيط.
وهذا يفيد أنه إذا دنا منه لزمه وإن لم يأخذه والعلة تنافيه.
قوله: (بغيبة مالكه) أما إذا كان المالك حاضرا لم يضمن في الوجهين.
منح أي في الاخذ وعدمه.
قوله: (ثم تركه ضمن) ما ذكره من التعريف ليس خاصا بالوديعة بل بشمل اللقطة، لانه إذا رفعها لزمه حفظها، ومع هذا لا تسمى وديعة، ثم في تعريفه على ما ذكره المصنف نظر، لان المذكور في المصنف التسليط وهو فعل المالك وهذا التزام وهو فعل الامين، ولم يكن بتسليط من المالك لا صريحا ولا دلالة، وإنما التسليط دلالة فيما سيأتي، وهو ما لو وضع ثوبا بين يدي رجل ولم يقل شيئا، فتأمل.
ويقرب من هذا ما ذكره في الاشباه في فن الحكايات عن أبي حنيفة قال: كنت مجتازا فأشارت إلي امرأة إلى شئ مطروح في الطريق فتوهمت أنها خرساء وأن الشئ لها فلما رفعته إليها قالت احفظه حتى تسلمه لصاحبه فإنه لقطة انتهى.
إلا أن يقال: المراد تسليط الشرع فإنه بالاخذ التزم حفظه شرعا.
تأمل.
قوله: (لانه بهذا الاخذ التزم حفظه دلالة) علة.
لقوله: (ضمن) ووجه كونه من التسليط على الحفظ دلالة أن المالك يجب حفظ ماله ويجب المعاونة على حفظه فكأنه أمره بالحفظ، والمؤلف جعل الدلالة من قبل المودع بالفتح وهو خلاف الموضوع، فلو قال لانه بهذا سلطه على حفظه دلالة لكان أليق ط.
قوله: (والوديعة ما تترك عن الامين) أي للحفظ، زاد البرجندي فقط.
ليخرج العارية لانها تترك للحفظ والانتفاع، وإنما لم يقيد به تبعا لصاحب الكنز لاعتباره في تعريف الايداع السابق.
قوله:
(وهي أخص من الامانة) لان الامانة اسم لما هو غير مضمون فيشمل جميع الصور التي لا ضمان فيها كالعارية والمستأجر والموصي بخدمته في يد الموصى له بها.
والوديعة ما ودع للحفظ بالايجاب والقبول فكانا متغايرين: أي بالعموم والخصوص.
والحكم في الوديعة أنه يبرأ عن الضمان إذا عاد إلى الوفاق ولا يبرأ عن الضمان إذا عاد الوفاق في الامانة، والفرق بين الوديعة والامانة العموم والخصوص، فإن كل وديعة أمانة، والعكس ليس كذلك، وحمل الاعم على الاخص يجوز كما فعله صاحب الدرر دون عكسه كما فعله القدوري، لان الامانة تشمل ما إذا كان من غير قصد، كما إذا هبت الريح في ثوب إنسان فألقته في حجر غيره.
وما يقال من أن الوديعة قد تكون من غير صنع المودع على ما صرح به صاحب الهداية في آخر باب الاستثناء من كتاب الاقرار فدفعه بحمل الوديعة ثمة على معناها اللغوي لا الاصطلاحي، ومثل هذا كثير لا يخفى على من تدرب.
قوله: (كما حققه المصنف وغيره) قال المصنف في منحه: والفرق بينهما من وجهين.
أحدهما: أن الوديعة خاصة بما ذكرنا والامانة عامة تشمل ما لو وقع في يده شئ من غير قصد، بأن هبت الريح بثوب إنسان وألقته في حجر غيره وحكمها مختلف في بعض الصور، لان في الوديعة يبرأ من الضمان بعد الخلاف إذا عاد إلى الوفاق، وفي الامانة لا يبرأ عن الضمان بعد الخلاف.(2/465)
الثاني: أن الامانة علم لما هو غير مضمون فتشمل جميع الصور التي لا ضمان فيها كالعارية والمستأجر والموصي بخدمته في يد الموصى له بها، والوديعة مما وضع للامانة بالايجاب والقبول فكانا متغايرين، واختاره صاحب الهداية والنهاية، ونقل الاول عن الامام بدر الدين الكردي ا ه.
وقد أوسع الكلام في هذا المقام العلامتان صدر الشريعة وقاضي زاده.
قوله: (وركنها الايجاب صريحا) أي قولا أو فعلا.
قوله: (أو كناية) المراد بها ما قابل الصريح مثل كنايات الطلاق لا البيانية كما نذكره قريبا قوله: (كقوله لرجل أعطني الخ) لو قال كقوله لرجل أعطيتك بعد قوله أعطني كان أوضح، لان الايجاب هو قوله أعطيتك على أن قوله أعطني ليس بلازم في التصوير ط.
قوله: (لان الاعطاء
يحتمل الهبة) أي ويحتمل الوديعة.
وفيه أن احتمال الوديعة في مثل هذه العبارة بعيد جدا لغة وعرفا فلماذا عدلوا عن المتبادر إلى غيره.
قوله: (لكن الوديعة أدنى) هذا التعليل ذكره في البحر أيضا، ويشير إلى أن المراد بالكناية الكناية البيانية، وهي إطلاق الملزوم وإرادة اللازم كقوله: فلان طويل النجاد كثير الرماد على ما عرف في فن البيان، وليس كذلك لعدم انتقاله من اللازم إلى الملزوم ولا عكسه، فعلمنا أن المراد بالكناية ما احتملها وغيرها كما ذكرنا، فلو قال صريحا أو احتمالا لكان أظهر.
تأمل.
قوله: (ولم يقل شيئا) فلو ذهب وتركه ضمن إذا ضاع فهذا من الايجاب دلالة كما أنه من القبول كذلك، أما لو قال لا أقبل الوديعة لا يضمن إذ القبول عرفا لا يثبت عند الرد صريحا.
قال صاحب جامع الفصولين: أقول دل هذا أن البقار لا يصير مودعا في بقرة من بعثها إليه فقال البقار للرسول اذهب بها إلى ربها فإني لا أقبلها فذهب بها فينبغي أن لا يضمن البقار، وقد مر خلافه.
يقول الحقير: قوله ينبغي لا ينبغي، إذ الرسول لما أتى بها إليه خرج عن حكم الرسالة وصار أجنبيا، فلما قال البقار ردها على مالكها صار كأنه ردها إلى أجنبي أو ردها مع أجنبي فلذا يضمن، بخلاف مسألة الثوب.
نور العين، وتمامه فيه.
وفيه أيضا عن الذخيرة: ولو قال لم أقبل حتى لم يصر مودعا وترك الثوب ربه فذهب فرفعه من لم يقبل وأدخله بيته ينبغي أن يضمن لانه لما ثبت الايداع صار غاصبا برفعه.
يقول الحقير: فيه إشكال، وهو أن الغصب إزالة يد المالك ولم توجد ورفعه الثوب لقصد النفع لا للضرر بل ترك المالك ثوبه إيداع ثان ورفع من لم يقبل قبول ضمنا، فالظاهر أنه لا يضمن، والله تعالى أعلم ا ه.
وفي البحر عن الخلاصة: لو وضع عند قوم فذهبوا وتركوه ضمنوا إذا ضاع، وإن قاموا واحدا بعد واحد ضمن الاخير لانه تعين للحفظ فتعين للضمان ا ه.
فكل من الايجاب والقبول فيه غير صريح كمسألة الخاني الآتية قريبا بل بطريق الدلالة.
أقول: لكن في النفس شئ من بحث نور العين في مسألة البقار، وهو أن البقار لما لم يقبل
البقرة لم يصر مودعا قطعا والرسول لما أدى الرسالة انتهت يده المأذون بها من المالك وصار كل منهما أجنبيا في حق حفظ البقرة والبقرة في حكم اللقطة حينئذ، فإذا أمر أجنبيا برفع اللقطة وحفظها لربها(2/466)
لا يضمن.
الآمر قطعا، فكذا لا يضمن هنا.
وأما تضمين الرسول فلا وجه له أيضا لانه من قبيل من رد الضالة لربها وهو مأذون به عادة، هذا ما ظهر لي فليراجع.
فرع في جامع الفصولين: لو أدخل دابته دار غيره وأخرجها رب الدال لم يضمن لانها تضر بالدار، ولو وجد دابة في مربطه فأخرجها ضمن.
قوله: (فهو إيداع) أي الوضع المرقوم إيداع.
وفي الفصولين في الغصب: والوديعة إذا وضع بين يدي المالك بارئ لا في الدين حتى يضعه في يده أو حجره ا ه.
فصار ابتداء الايداع وانتهاؤه سواء.
قوله: (أو دلالة كما لو سكت) أي فإنه قبول.
وبعد أن ذكر هذا في الهندية قال: وضع شيئا في بيته بغير أمره فلم يعلم حتى ضاع لا يضمن لعدم التزام الحفظ.
وضع عند آخر شيئا وقال احفظه فضاع لا يضمن لعدم التزام الحفظ ا ه.
ويمكن التوفيق بالقرينة الدالة على الرضا وعدمه.
سائحاني.
قوله: (دلالة) أي حالية، ولو قال لا أقبل لا يكون مودعا لان الدلالة لم توجد ذكره المصنف، والاولى ما في شرح المنتقى حيث قال: لان الدلالة لا تعارض الصريح ا ه.
ومثله في كثير من الكتب.
فظهر من هذا سقوط ما في القنية من أول كتاب الوديعة: وضع عنده شيئا وقال له احفظه حتى أرجع فصاح لا أحفظه وتركه صاحبه صار مودعا، ويضمن إن ترك حفظه فهو مشكل لان فيه تقديم الدلالة على الصريح، بخلاف ما إذا قال ضعه في الجانب من بيتي إلا أني لا ألتزم حفظه حتى يصير مودعا لتعارض الصريحين فتساقط فبقي وديعة عنده.
قوله: (بمرأى من الثيابي) ولا يكون الحمامي مودعا ما دام الثيابي حاضرا، فإذا كان غائبا فالحمامي مودع ا ه.
بحر.
وفيه عن الخلاصة: لبس ثوبا فظن الثيابي أنه ثوبه فإذا هو ثوب الغير ضمن وهو الاصح ا ه.
أي لانه بترك السؤال والتفحص يكون مفرطا فلا ينافي ما يأتي من أن اشتراط الضمان على الامين باطل.
أفاده أبو السعود.
والثيابي: بكسر الثاء المثلثة هو حافظ الثياب في الحمام، وهو المعروف في
بلادنا بالناطور.
قال في القاموس: محمود بن عمر المحدث: الثيابي كان يحفظ الثياب في الحمام ا ه.
وفي الذخيرة: رجل دخل الحمام وقال لصاحب الحمام احفظ الثياب فلما خرج لم يجد ثيابه، فإن أقر صاحب الحمام أن غيره رفعها وهو يراه ويظن أنه رفع ثياب نفسه فهو ضامن، لانه ترك الحفظ حيث لم يمنع القاصد وهو يراه، وإن أقر إني رأيت واحدا قد رفع ثيابك إلا أني ظننت أن الرافع أنت فلا ضمان عليه، لانه لم يصر تاركا للحفظ لما ظن أن الرافع هو، وإن سرق وهو لا يعلم به فلا ضمان عليه إن لم يذهب عن ذلك الموضع ولم يضيع وهو قول الكل، لان صاحب الحمام مودع في حق الثياب إذا لم يشترط له بإزاء حفظه الثياب أجرا، أما إذا شرط له بإزاء حفظ الثياب أجرا وقال الاجرة بإزاء الانتفاع بالحمام والحفظ فحينئذ يكون على الاختلاف، وإن دفع الثياب إلى الثيابي وهو الذي يقال بالفارسية جامه دار فعلى الاختلاف لا ضمان عليه فيما سرق عند أبي حنيفة خلافا لهما لانه أجير مشترك.
رجل دخل الحمام ونزع الثياب بين يدي صاحب الحمام ولم يقل بلسانه شيئا فدخل الحمام ثم خرج ولم يجد ثيابه: إن لم يكن للحمام ثيابي يضمن صاحب الحمام ما يضمن المودع، وإن كان للحمام(2/467)
ثيابي إلا أنه لم يكن حاضرا فكذلك، وإن كان حاضرا لا يضمن صاحب الحمام، لان هذا استحفاظ إلا إذا نص على استحفاظ صاحب الحمام، بأن قال له أين أضع الثياب فيصير صاحب الحمام مودعا فيضمن ما يضمن المودع.
وفي التجنيس: رجل دخل الحمام ونزع الثياب بمحضر من صاحب الحمام ثم خرج فوجد صاحب الحمام نائما وسرقت ثيابه، إن نام قاعدا أو مضطجعا بأن وضع جنبه على الارض، ففي الوجه الاول لا يضمن، وفي الوجه الثاني قال بعضهم: يضمن.
ا ه.
وفي الفصول العمادية: رجل دخل حماما وقال للحمامي أين أضع ثيابي فأشار الحمامي إلى موضع فوضعه ثمة ودخل الحمام ثم خرج رجل ورفع الثياب فلم يمنعه الحمامي لما أنه ظنه صاحب الثوب ضمن الحمامي لانه استحفظه وقد قصر في الحفظ، وهذا قول ابن سلمة وأبي نصير الدبوسي.
وكان أبو القاسم يقول: لا ضمان على الحمامي، والاول أصح ا ه.
أقول: وهو الموافق لما مر قريبا عن الذخيرة.
وفي فتاوى الفضلي: امرأة دخلت الحمام ودفعت ثيابها إلى المرأة التي تمسك الثياب فلما خرجت لم تجد عندها ثوبا من ثيابها: قال محمد بن الفضل: إن كانت المرأة دخلت أولا في هذا الحمام ودفعت ثيابها إلى التي تمسك الثياب فلا ضمان على الثيابية في قولهم إذا لم تعلم أنها تحفظ الثياب بأجر، لانها إذا دخلت أول مرة ولم تعلم بذلك ولم تشترط لها الاجر على الحفظ كان ذلك إيداعا، والمودع لا يضمن عند الكل إلا بالتضييع وإن كانت هذه المرأة قبل هذه المرأة قد دخلت الحمام وكانت تدفع ثيابها إلى هذه الممسكة وتعطيها الاجر على حفظ الثياب فلا ضمان عليها عند أبي حنيفة، خلافا لهما لانها أجيرة مشتركة.
والمختار في الاجير المشترك قول أبي حنيفة، وقيل هو قول محمد، والفتوى على قول أبي حنيفة أن الثيابي لا يضمن إلا بما ضمن المودع.
وذكر قاضيخان أنه ينبغي أن يكون الجواب في هذه المسألة عندهما على التفصيل إن كان الثيابي أجير الحمامي يأخذ منه كل يوم أجرا معلوما بهذا العمل لا يكون ضامنا عند الكل بمنزلة تلميذ القصار والمودع.
ا ه.
وفي منهوات الانقروي: دخل الحمام فوضع الحارس له الفوطة ليضع ثيابه عليها فنزع أثوابه ووضعها على الفوطة ودخل واغتسل وخرج ولم يجد عمامته هل يضمنها الحارس؟ أجاب: نعم يضمنها لانه استحفظ وقد قصر في الحفظ.
كذا في فتاوى ابن نجيم.
وفي زماننا الثيابي أجير مشترك بلا شبهة، والمختار في الاجير المشترك الضمان بالنصف، فعلى هذا ينبغي أن يفتى في الثيابي بضمان النصف.
تأمل.
ا ه.
قوله: (كان إيداعا) هذا من الايجاب والقبول دلالة.
قوله: (وهذا) أي اشتراط القبول أيضا.
قال في المنح: وما ذكرنا من الايجاب والقبول شرط في حق وجوب الحفظ، وأما في حق الامانة فتتم بالايجاب ا ه.
والمراد بحق الامانة أنه لا يكون مضمونا.
قوله: (وإن لم يقبل) قد مر أن القبول صريح ودلالة فنفيه هنا بمعنى الرد، أما لو سكت فهو قبول دلالة.
والحاصل: أن المراد نفي القبول بقسميه فتأمل.
قوله: (وشرطها كون المال قابلا الخ) فيه(2/468)
تسامح إذ المراد إثبات اليد بالفعل وبه عبر الزيلعي، ولا يكفي قبول الاثبات كما أشار إليه في الدرر.
بقوله: وحفظ شئ بدون إثبات اليد عليه محال ا ه.
وجرى عليه بعضهم كالحموي والشرنبلالي.
وأجاب عنه العلامة أبو السعود بأنه ليس المراد من جعل القابلية شرطا عدم اشتراط إثبات اليد بالفعل، بل المراد الاحتراز عما لا يقبل ذلك بدليل التعليل والتفريع اللذين ذكرهما الشارح، فتدبر اه.
أقول: لكن الذي قدمه في الدرر يفيد كفاية قبول وضع اليد، فإن من وضع ثيابه بين يدي رجل ساكت كان إيداعا، وكذلك وضع الثياب في الحمام وربط الدابة في الخان من أنه ليس فيه إثبات اليد بالفعل.
وقوله: وحفظ الشئ بدون إثبات اليد عليه معناه بدون إمكان إثباتها، فتأمل.
وعليه فيكون المراد بقبولها إثبات اليد وقت الايداع والطائر ونحوه ساعة الايداع غير قابل لذلك.
قوله: (لم يضمن) الاولى أن يقول: لا يصح لانه إذا وجده بعد ووضع يده عليه وهلك من غير تعد لم يضمن فتدبر ط.
قال في الجوهرة: أودع صبيا وديعة فهلكت منه لا ضمان عليه بالاجماع، فإن استهلكها: إن كان مأذونا في التجارة ضمنها إجماعا، وإن كان محجورا عليه، إن قبضها بإذن وليه ضمن أيضا إجماعا، وإن قبضها بغير إذن وليه لا ضمان عليه عندهما لا في الحال ولا بعد الادراك.
وقال أبو يوسف: يضمن في الحال، وإن أودعه عبدا فقتله ضمن إجماعا.
والفرق أن الصبي من عادته تضييع الاموال فإذا سلمه مع علمه بهذه العادة فكأنه رضي بالاتلاف فلم يكن له تضمينه، وليس كذلك القتل لانه ليس من عادة الصبيان فيضمنه ويكون قيمته على عاقلته، وإن جنى عليه فيما دون النفس كان أرشه في مال الصبي ا ه.
قال العلامة الخير الرملي: أقول: يستثنى من إيداع الصبي ما إذا أودع صبي محجور مثله وهي ملك غيرهما فللمالك تضمين الدافع والاخذ.
كذا في الفوائد الزينية.
وأجمعوا على أنه لو استهلك مال الغير من غير أن يكون عنده وديعة ضمن في الحال.
كذا في العناية لانه محجور عليه في الاقوال دون الافعال كما ذكر في الحجر، وسيأتي مزيد تفصيل في المسألة في كتاب الجنايات قبل القسامة فأسطر فراجعه إن شئت ا ه.
قوله: (ولو عبدا محجورا ضمن بعد عتقه) أي لو بالغا، فلو قاصرا لا ضمان عليه أصلا.
أبو السعود.
وإنما لم يضمن في الحال لحق مالكه فإن
المودع لما سلطه على الحفظ وقبله العبد حقيقة أو حكما كما لو كان ذلك بالتعاطي فكان من قبيل الاقوال، والعبد محجور عنها في حق سيده، فإذا عتق ظهر الضمان في حقه لتمام رأيه، وهذا إذا لم تكن الوديعة عبدا، فلو أودع صبيا عبدا فقتله الصبي ضمن عاقلته سواء قتله عمدا أو خطأ، لان عمده خطأ، وليس مسلطا على القتل من جانب المولى لان المولى لا يملك القتل فلا يملك التسليط عليه، فإن أودع العبد عند عبد محجور فقتله خطأ كان من قبيل الافعال وهو غير محجور عنها، ولم تكن من الاقوال لان مولى العبد لا يملك تفويض قتله للمودع، فكان على مولى العبد المودع القاتل أن يدفعه أو يفديه كما هو حكم الخطأ، وإن قتله عمدا قتل به إلا أن يعفو وليه.
رحمتي.
قوله: (وهي أمانة) هذا من قبيل حمل العام على الخاص وهو جائز كالانسان حيوان، ولا يجوز عكسه لان الوديعة عبارة عن كون الشئ أمانة باستحفاظ صاحبه عند غيره قصدا، والامانة قد تكون من غير قصد، والوديعة(2/469)
خاصة والامانة عامة، والوديعة بالعقد والامانة أعم، فتنفرد فيما إذا هبت الريح بثوب إنسان وألقته في حجر غيره، وتقدم أنه يبرأ عن الضمان في الوديعة إذا عاد إلى الوفاق، والامانة غيرها لا يبرأ عن الضمان بالوفاق ط.
ومثله في النهاية والكفاية.
قال يعقوب باشا: وفيه كلام، وهو أنه إذا اعتبر في إحداهما القصد وفي الاخرى عدمه كان بينهما تباين لا عموم وخصوص.
والاولى أن يقال: والامانة قد تكون بغير قصد كما لا يخفى انتهى.
لكن يمكن الجواب بأن المراد.
بقوله: (والامانة ما يقع في يده من غير قصد كونها بلا اعتبار قصد)، لان عدم القصد معتبر فيها حتى يلزم التباين، بل هي أعم من الوديعة لانها تكون بالقصد فقط والامانة قد تكون بالقصد بغير تدبر.
وما في العناية من أنه قد ذكرنا أن الوديعة في الاصطلاح هي التسليط على الحفظ وذلك يكون بالعقد والامانة أعم من ذلك فإنها قد تكون بغير عقد فيه كلام، وهو أن الامانة مباينة للوديعة بهذا المعنى لا أنها أعم منها، لان التسليط على الحفظ فعل المودع وهو المعنى والامانة عين من الاعيان فيكونان متباينين.
والاول أن يقول: والوديعة ما تترك عند الامين كما في هذا المختصر.
داماد.
قوله: (والاداء عند الطلب) أي إلا في مسائل ستأتي: منها ما إذا كانت سيفا وأراد قتل آخر ظلما كما في
الدر المنتقى.
قوله: (واستحباب قبولها) قال الشمني: وشرعية الايداع.
بقوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) * (النساء: 85) وأداء الامانة لا يكون إلا بعدها، ولان قبول الوديعة من باب الاعانة لان يحفظها لصاحبها، وهي مندوبة لقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (المائدة: 2) وقوله صلى الله تعالى عنه وسلم: والله تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ا ه.
قال الزيلعي: وقال عليه الصلاة والسلام على اليد ما أخذت حتى تؤديه رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، وحفظها يوجب سعادة الدارين، والخيانة توجب الشقاء فيهما الخ.
ومن محاسنها اشتمالها على بذل منافع بدنه وماله في إعانة عباد الله واستيجابه الاجر والثناء.
حموي.
والحاصل: أنه يبتنى على الايداع أربعة أشياء: كون الوديعة أمانة، ووجوب الحفظ على المودع، ووجوب الاداء عند الطلب، واستحباب قبولها.
قوله: (فلا تضمن بالهلاك) تفريع على كونها أمانة.
قوله: (إلا إذا كانت الوديعة بأجر) سيأتي أن الاجير المشترك لا يضمن وإن شرط عليه الضمان، وبه يفتى.
وأيضا قول المصنف قريبا واشتراط الضمان على الامين باطل به يفتى، فكيف يقال مع عدم الشرط أنه يضمن.
وفي البزازية: دفع إلى صاحب الحمام واستأجره وشرط عليه الضمان إذا تلف فذكر أنه لا أثر له فيما عليه الفتوى، لكن قال الخير الرملي: صرح الزيلعي في كتاب الاجارة في باب ضمان الاجير الوديعة إذا كانت بأجر تكون مضمونة، وسيأتي مثله في الشرح، ومثله في النهاية والكفاية شرح الهداية وكثير من الكتب ا ه.
وعللوه بأن الحفظ حينئذ مستحق عليه كما قدمنا.
فأفاد أن الاجرة تخرج الوديعة عن كونها أمانة إلى الضمان.
وفي صدر الشريعة: إذا سرق من الاجير المشترك والحال أنه لم يقصر في المحافظة يضمن عندهما، كما في الوديعة التي تكون بأجر فإن الحفظ مستحق عليه.
وأبو حنيفة يقول: الاجرة في مقابلة العمل دون الحفظ فصار كالوديعة بلا أجر ا ه.
فأفاد أن الوديعة بأجر مضمونة اتفاقا وبلا أجر غير مضمونة اتفاقا، وأما الاجير المشترك فيضمن عندهما، لان الاجرة في مقابلة العمل والحفظ، ولا(2/470)
يضمن عنده لانها في مقابلة العمل فقط، فحصل الفرق بين المودع بأجر والاجير المشترك.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: وقد يفرق بأنه هنا متسأجر على الحفظ قصدا، بخلاف الاجير المشترك فإنه مستأجر على العمل ا ه.
يؤيده ما سمعت وما قدمنا.
والحاصل: أن الاجير المشترك من يعمل لغيره عملا غير مؤقت ولا مخصوص كالحمامي والحارس فهو مستأجر لحفظ المكان الذي فيه المتاع فلم يكن مودعا، بخلاف المودع بأجر فإنه يقال له احفظ هذه الوديعة ولك من الاجر كذا، فينطبق عليه اسم المودع وهو تسليط الغير على حفظ ماله، فتأمل.
قوله: (معزيا للزيلعي) ذكره في ضمان الاجير، وعلل الضمان بأن الحفظ واجب عليه مقصودا ببدل ا ه.
قوله: (سواء أمكن التحرز عنه أم لا) وليس منه النسيان، كما لو قال وضعت عندي فنسيت وقمت بل يكون مفرطا، بخلاف ما إذا قال ضاعت ولا أدري كيف ذهبت الوديعة من منزلي ولم يذهب من منزلي شئ فإن القول قوله مع يمينه، ولا يضمن لانه أمين ا ه.
حموي بتصرف ط.
قال مؤيد زاده: إذا قال ذهبت يقبل قوله مع يمينه واقعات.
قوله: (لحديث الدارقطني) قال في المنح: وإنما كانت الوديعة أمانة لقوله (ص): ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان والغلول والاغلال: الخيانة، إلا أن الغلول في المغنم خاصة والاغلال عام، وهذا الحديث مسند عن عبد الله بن عمر عن النبي (ص) ا ه ملخصا.
ولان شرعيتها لحاجة الناس إليها، ولو ضمنا المودع امتنع الناس عن قبولها وفي ذلك تعطيل المصالح.
قوله: (واشتراط الضمان إلخ) ولو ضمن تسليمها صح أبو السعود.
قوله: (كالحمامي) أي معلم الحمام الذي يأخذ الاجرة في مقابلة انتفاع الداخل بالحمام، أما من جرى العرف بأنه يأخذ في مقابلة حفظه شيئا وهو المسمى بالناطور في زماننا وهو الذي سماه الشارح الثيابي فإنه يضمن لانه وديعة بأجرة كما تقدم، لكن الفتوى على عدمه ويأتي تمامه.
قوله: (والخاني) أي فإنه لا نفع له غير الحفظ فينبغي أن يكون من قبيل الحافظ بالاجر، إلا أن يقال: قد يقصد الخان لدفع الحر والبرد ومنع الدابة عن الهروب فلم يكن مستأجر للحفظ.
تأمل.
قوله: (باطل به يفتى) قال مؤيد زاده في أنواع
الضمانات: استأجر رجلا لحفظ خان أو حوانيت فضاع منها شئ قيل يضمن عندهما لو ضاع من خارج الحجرة لانه أجير مشترك، وقيل لا في الصحيح، وبه يفتى.
ولو ضاع من داخلها بأن نقب اللص فلا يضمن الحارس في الاصح وحارس السوق على هذا الخلاف، واختار أبو جعفر أنه يضمن ما كان خارج السوق لا داخله.
جامع الفصولين.
وفي البزازية: نقب حانوت رجل وأخذ متاعه لا يضمن حارس الحوانيت على ما عليه الفتوى، لان الامتعة محروسة بأبوابها وحيطانها والحارس يحرس الابواب.
وعلى قول أبي حنيفة: لا يضمن مطلقا وإن كان المال في يده لانه أجير ا ه.
وفي المنية: دفع الثوب إلى الحمامي ليحفظه فضاع لا يضمن إجماعا لانه مودع لان محل الاجر(2/471)
بإزاء الانتفاع بالحمام، إلا أن يشترط بإزاء الانتفاع به الحفظ فحينئذ على الخلاف.
وإذا دفع إلى من يحفظ بأجر كالثيابي فعلى الاختلاف.
خلاصة وصدر الشريعة.
قوله: (حفظها بنفسه) قال في المنح: وذلك بالحرز وباليد.
أما الحرز فداره ومنزله وحانوته سواء كان ملكا أو إجارة أو عارية.
قال الرملي: أقول: لا يخفى أن لفظ الحرز مشعر باشتراط كونه حصينا، حتى لو لم يكن كذلك بحيث يعد الوضع فيه تضييعا يضمن ذلك كالدار التي ليس لها حيطان ولا لبيوتها أبواب.
وقد سئلت عن خياطة في دار بهذه الصفة خرجت منها هي وزوجها ليلا لعرس جارتها فسرقت أثواب الناس منها فأفتيت بالضمان والحالة هذه، لان مثل ذلك يعد تضييعا.
تأمل ا ه.
وفي الانقروي من الوديعة: سوقي قام من حانوته إلى الصلاة وفي حانوته ودائع فضاع شئ منها لا ضمان عليه، لانه غير مضيع لما في حانوته لان جيرانه يحفظونه، إلا أن يكون هذا إيداعا من الجيران فيقال ليس للمودع أن يودع، لكن هذا مودع لم يضيع.
واقعات: في الوديعة: قوله ليس للمودع أن يودع إلخ ذكر الصدر الشهيد ما يدل على الضمان، فتأمل عند الفتوى.
فصولين من الثالث والثلاثين.
وفي البزازية: قام من حانوته إلى الصلاة وفيه ودائع الناس وضاعت لا ضمان، وإن أجلس على
بابه ابنا له صغيرا فضاع: إن كان الصبي يعقل الحفظ لا يضمن، وإلا يضمن ا ه.
وقال قبيله: والحاصل أن العبرة للعرف، حتى لو ترك الحانوت مفتوحا أو علق الشبكة على بابه ونام ففي النهار ليس بتضييع، وفي الليل إضاعة.
وفي خوارزم: لا يعد إضاعة في اليوم والليلة.
أقول: الذي يظهر في مسألة الحانوتي عدم الضمان سواء أجلس صبيا أو لا حيث جرى عرف أهل السوق لانه غير مودع قصدا بل تركها في حرزها مع ماله فقد حفظها بما يحفظ به ماله.
ولهذا نقل في جامع الفصولين بعد ما تقدم رامزا إلى فتاوى القاضي ظهير الدين أنه يبرأ على كل حال لانه تركها في الحرز فلم يضيع ا ه.
والحاصل: أنه يجب حرز كل شئ في حرز مثله، بخلاف الحرز في السرقة فإن كل ما كان حرز النوع فهو حرز لسائر الانواع فيقطع بسرقة لؤلؤة من اصطبل، أما هنا فإن حرز كل شئ بحسبه.
ففي البزازية: لو قال وضعتها بين يدي وقمت ونسيتها فضاعت يضمن، ولو قال وضعتها بين يدي في دار والمسألة بحالها إن مما لا يحفظ في عرصة الدار كصرة النقدين ضمن، ولو كانت مما يعد عرصتها حصنا له لا يضمن ا ه.
وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
قوله: (وعياله) بالكسر جمع عيل بفتح فتشديد وهو من يقوته، لكن المراد هنا في تفسير من في عياله أن يسكن معه سواء كان في نفقته أو لم يكن، والعبرة في هذا للمساكنة إلا في حق الزوجة والولد الصغير والعبد، لكن يشترط في الولد الصغير أن يقدر على الحفظ، فعلى هذا التفسير ينبغي أن لا يضمن بالدفع إلى أجنبي يسكن معه.
ذكره حفيد السعد في حواشي صدر الشريعة.
ويؤيده ما في الولوالجية: رجل أجر بيتا من داره إنسانا ودفع الوديعة إلى هذا المستأجر: إن كان لكل واحد منهما غلق على حدة يضمن لانه ليس في عياله ولا بمنزلة من في عياله، وإن لم يكن لكل(2/472)
منهما غلق على حدة وكل واحد منهما يدخل على صاحبه بغير حشمة لا يضمن لانه بمنزلة من في عياله.
ا ه.
وفي الخلاصة: مودع غاب عن بيته ودفع مفتاحه إلى غيره فلما رجع إلى بيته لم يجد الوديعة لا يضمن ويدفع المفتاح إلى غيره، وبدفع المفتاح إلى غيره لم يجعل البيت في يد غيره ا ه.
ط قوله: (أو حكما) تفسير لمن يسكن معه في عياله.
قوله: (فلو دفعها) تفريع على.
قوله: (أو حكما) وتفسير له كما تشعر به عبارة المنح.
قوله: (المميز) بشرط أن يكون قادرا على الحفظ.
بحر قوله: (ولا يسكن معها) لانها في الحكم كأنها في مسكن زوجها.
قوله: (خلاصة) قال فيها: وفي النهاية: لو دفعها إلى ولده الصغير أو زوجته وهما في محلة والزوج يسكن في محلة أخرى لا يضمن، ولو كان لا يجئ إليهما ولا ينفق عليهما، لكن يشترط في الصغير أن يكون قادرا على الحفظ، فإن الزوجة: أي والولد الصغير وإن كانا في مسكن آخر إلا أنهما في الحكم كأنهما في مسكن الزوج والاب ا ه.
قال الرملي: وقد زاد صاحب المجتبى العبد الذي لم يكن في منزله، وكل ذلك يرجع إلى قولهم يحفظها بما يحفظ به ماله، فتنبه لذلك ا ه.
قوله: (وقيل يعتبران معا) أقول: وعليه فيدخل عبده وأمته وأجيره الخاص كالمشاهرة، بشرط أن يكون طعامه وكسوته عليه دون الاجير بالمياومة وولده الكبير إن كان في عياله كما ذكره بعضهم، فتأمل.
قوله: (عيني) نصه: وتعتبر المساكنة وحدها دون النفقة، حتى أن المرأة لو دفعتها إلى زوجها لا تضمن وإن لم يكن الزوج في عيالها، لان العبرة في هذا الباب للمساكنة دون النفقة.
وقيل تعتبر المساكنة مع النفقة ا ه.
قوله: (ضمن) أي بدفعها له، وكذا لو تركه في بيته الذي فيه ودائع الناس وذهب فضاعت ضمن.
بحر عن الخلاصة.
قال ط: فلا يضمن في صورتين: أما إذا علم أمانته وما إذا لم يعلم حاله أصلا.
قوله: (الدفع لمن في عياله) الضمير في عياله الاخير يصح أن يرجع للعيال الاول، وبه صرح الشرنبلالي، ويصح أن يرجع للمودع وبه صرح المقدسي.
وفيه لا يشترط في الابوين كونهما في عياله، وبه يفتى.
ولو أودع غير عياله وأجاز المالك خرج من البين، ولو وضع في حرز غيره بلا استئجار يضمن لان الوضع في الحرز وضع في يد من في يده الحرز فيكون كالتسليم إليه.
زيلعي: أي فيكون وديعة وليس للمودع أن يودع.
رملي.
وفي سكوتهم عن الدفع لعيال المودع بكسر الدال إشارة إلى أنه لا يملكه.
ونقل العلامة أبو السعود اختلافا فقال: والرد إلى عيال المالك كالرد إلى المالك فلا يكون إيداعا، بخلاف الغاصب إذا رد
إلى من في عيال المالك فإنه لا يبرأ.
وفي الخلاصة: إذا رد الوديعة إلى منزل المودع أو إلى من في عياله فضاعت لا يضمن.
وفي رواية القدوري يضمن، بخلاف العارية.
قال في البحر: والفتوى على الاول، وهذا إذا دفع إلى المرأة للحفظ.
أما إذا أخذت لتنفق على نفسها وهو دفع يضمن ا ه.
فعلى ما ذكر إذا كان ابنها في عيالها ولم يكن متهما يلزمها اليمين أنها(2/473)
دفعتها لابنها المذكور ويسأل المدفوع إليه ماذا صنع ويجعل كأنه نفس المودع، ويجري الحكم الشرعي فيه.
لما في فتاوى مؤيد زاده وصور المسائل عن الفصولين: أتلفها من في عيال المودع ضمن المتلف صغيرا أو كبيرا لا المودع ا ه.
المودع إذا قال دفعت الوديعة إلى ابني وأنكر الابن ثم ما ت الابن فورث الاب مال ابنه كان ضمان الوديعة في تركة الابن خاينة.
وفي فتاوى قاضيخان: عشرة أشياء إذا ملكها إنسان ليس له أن يملك غيره لا قبل القبض ولا بعده: المرتهن لا يملك أن يرهن، والمودع لا يملك الايداع، والوكيل بالبيع لا يملك أن يوكل غيره، ومستأجر الدابة أو الثوب لا يؤجر غيره، والمستعير لا يعير ما يختلف بالمستعمل، والمزارع لا يدفع الارض مزارعة إلى غيره والمضارب لا يضارب، والمستبضع لا يملك الابضاع، والمودع لا يملك الايداع ا ه.
ولم يذكر العاشر في البحر.
وذكره الخير الرملي فقال: العاشر المساقي لا يساقي غيره بغير إذن كما في السراجية وشرح الوهبانية ا ه.
وفي الخلاصة: والوديعة لا تودع ولا تعار ولا تؤجر ولا ترهن، وإن فعل شيئا منها ضمن، والمستأجر يؤجر ويعار ولم يذكر حكم الرهن، وينبغي أن لا يرهن كما هو الصحيح من عبارة الخلاصة، ويأتي بيانها في العارية موضحا.
وفي التجريد: وليس للمرتهن أن يتصرف بشئ في الرهن غير الامساك، لا يبيع ولا يؤجر ولا يعير ولا يلبس ولا يستخدم، فإن فعل كان متعديا ولا يبطل الرهن انتهى.
قوله: (بأن كان له عيال
غيره) أي غير البعض الذي نهاه عنه ضمن بدفعه إلى المنهي عنه، وإن لم يكن له إلا ذلك البعض لا يضمن بدفعه إليه.
قوله: (وإلا لا) يعني مع كون المدفوع إليه أمينا لانه شرط جواز الدفع كما مر.
قوله: (وإن حفظها بغيرهم ضمن) أي لان صاحبها لم يرض بيد غيره والايدي تختلف بالامانة، ولان الشئ لا يتضمن مثله كالمضارب لا يضارب.
أبو السعود.
قال الرملي: إنما يضمن إذا كان بغير إذن صاحبها.
ا ه.
فرع: لو قال ادفعها لمن شئت يوصلها إلي فدفعها إلى أمين فضاعت: قيل يضمن، وقيل لا يضمن: تاترخانية.
فرع: آخر حضرتها الوفاة فدفعت الوديعة إلى جارتها فهلكت عند الجارة.
قال البلخي: إن لم يكن بحضرتها عند الوفاة أحد ممن يكون في عيالها لا تضمن، كما لو وقع الحريق في مال المودع له دفعها لاجنبي خانية.
قوله (وعن محمد) رحمه الله تعالى أن المودع إذا دفع الوديعة إلى وكيله وليس في عياله أو دفع إلى أمين من أمنائه من يثق في ماله وليس في عياله لا يضمن، لانه حفظه مثل ما يحفظ ماله وجعله مثله فلا يجب عليه أكثر من ذلك.
ذكره في النهاية.
ثم قال: وعليه الفتوى، وعزاه إلى التمرتاشي، وهو إلى الحلواني.
ثم قال: وعلى هذا لم يشترط في التحفة في حفظ الوديعة العيال، فقال: ويلزم المودع حفظه إذا قبل الوديعة على الوجه الذي يحفظ ماله، وذكر فيه أشياء، حتى ذكر أن له أن يحفظ بشريك العنان والمفاوضة وعبده المأذون له الذي في يده ماله، وبهذا يعلم أن العيال ليس(2/474)
بشرط في حفظ الوديعة ا ه.
وسيأتي ذكره ط.
قوله: (كوكيله) أتى بالكاف لان أمينه كذلك وإن لم يكن في عياله، وعليه الفتوى كما علمت، وبه صرح في الذخيرة.
وفي التاترخانية: ولو قال ادفعها لمن شئت يوصلها إلي فدفعها إلى أمين فضاعت، قيل يضمن، وقيل لا يضمن.
قوله: (واعتمده ابن الكمال) حيث قال: وله حفظها بنفسه وأمينه، لم يقل وعياله لان الدفع إلى العيال إنما يجوز بشرط الامانة، وعند تحققه لا حاجة إلى كونه عيالا.
قال في الذخيرة: لو دفعها إلى أمين من أمنائه ليس في عياله يجوز، وعليه الفتوى ا ه.
قوله:
(وأقره المصنف) ونقله في البحر وقال قبله: وظاهر المتون أن كون الغير في عياله شرط، واختاره في الخلاصة وقال: والابوان كالاجنبي حتى يشترط كونهما في عياله، لكن قد علمت ما قدمناه قريبا عن المقدسي من أن المفتى به عدم اشتراط كونهما في عياله فلا تنسه.
قوله: (إلا إذا خاف الحرق أو الغرق) الحرق بالسكون من النار، وبالتحريك من دق القصار، وقد روى فيه السكون.
مغرب.
وفي المصباح: الحرق بفتحتين اسم من إحراق النار.
ا ه وللغرق: بفتحتين مصدر غرق في الماء فهو غريق.
مكي ومثل خوف الغرق والحرق خوف اللصوص.
وفي الخلاصة: فإن دفع لضرورة بأن احترق بيت المودع فدفعها إلى جاره، وكذا فيما يشبه هذا ا ه.
إتقاني: أي فإنه لا يضمن ط.
قوله: (وكان غالبا محيطا) لا حاجة إليه لان فرض المسألة أنه خاف الحرق أو الغرق وهو إنما يكون عند كونه غالبا.
محيط.
إلا أن يراد الغالب الكثير، وحينئذ فلا منافاة، والمراد أن ذلك في بيت المودع.
قال الحموي: لا بد أن يكون غالبا محيط بمنزلة المودع.
وفي القهستاني: إلا إذا خاف الحرق: أي حرقا يحيط بجميع محلها انتهى.
قوله: (فلو غير محيط ضمن) إذ الخوف منتف عند عدم الغلبة والاحاطة فتأمل.
قاله الرملي.
قال في الخلاصة أما إذا لم يكن محيطا يضمن بالدفع إلى الاجنبي ا ه.
قوله: (فسلمها إلى جاره) الظاهر أن أساليب الكلام أنه لا يجب أن يسلمها إلى جاره، حتى لو تركها في داره فحرقت لا يضمن، وليحرر.
أفاده سري الدين عن المجتبى، لكن في الهندية عن التمرتاشي أنه يضمن ط.
وفي التاترخانية عن التتمة: وسئل حميد الوبري عن مودع احترق بيته ولم ينقل الوديعة إلى مكان آخر إن مع تمكنه منه فتركها حتى احترقت ضمن ا ه.
ومثله في الحاوي وجامع الفتاوى.
ومثله ما لو تركها حتى أكلها العث خلافا لما يأتي في النظم.
قال في الحاوي: ويعرف من هذا كثير من الواقعات.
وفي نور العين: ذكر محمد في حريق وقع في دار المودع فدفعها إلى أجنبي لم يضمن، فلو خرج من ذلك ولم يستردها ضمن، كما لو دفعها إلى امرأته ثم طلقها ومضت عدتها، فلو لم يستردها ضمن إذ يجب عليه الاسترداد، ولان الايداع عقد غير لازم فكان لبقائه حكم الابتداء.
وقال قاضيخان: لا
يضمن، إذ المودع إنما ضمن بالدفع وحين دفع كان غير مضمون عليه فلا يضمن عليه.
يقول الحقير: هذا الدليل عليل، إذ للبقاء حكم الابتداء، فلو دفع الوديعة إلى أجنبي ابتداء(2/475)
ضمن، فكذا إذا لم يستردها في كلتا المسألتين خصوصا في مسألة الحريق، فإن الثابت بالضرورة يتقدر بقدرها، فبعد زوال الحريق ارتفعت الضرورة فلم يستردها من الاجنبي فكأنه أودعها إياه ابتداء، فالصواب أن يضمن في كلتا المسألتين كما ذكره صاحب المحيط.
والله تعالى أعلم.
وفي عدة الفتاوى: لا يضمن بدفعها إلى جاره لضرورة كحريق.
قال أبو جعفر في فتاويه: هذا لو لم يجد بدا من الدفع إلى أجنبي، أما لو أمكنه الدفع إلى من في عياله ضمن بدفعها إلى أجنبي.
قال الامام خواهر زاده: هذا لو أحاط الحريق بالمنزل وإلا ضمن بدفعها إلى أجنبي ا ه.
وفي العتابية: لا يشترط هذا الشرط في الفتوى.
تاترخانية في الفصل الثاني من الوديعة.
قوله: (إلا إذا أمكنه الخ) أي وقت الحرق والغرق.
قوله: (أو ألقاها) أي أو ألقى الوديعة في السفينة فوقعت في البحر يضمن، لانها قد تلفت بفعله، وإن كان ذلك بالتدحرج لانه منسوب إليه فهو كفعله.
والظاهر أن قيد في السفينة ساقط من النساخ لوجوده في الاصل.
قال الزيلعي: هذا إذا لم يمكنه أن يدفعها إلى من هو في عياله، وإن أمكنه أن يحفظها في ذلك الوقت بعياله فدفعها إلى الاجنبي يضمن لانه لا ضرورة فيه، وكذا لو ألقاها في سفينة أخرى وهلكت قبل أن تستقر فيها بأن وقعت في البحر ابتداء بالتدحرج يضمن لان الاتلاف حصل بفعله ا ه.
قوله: (صدق) أي بيمينه كما هو الظاهر.
أبو السعود.
قوله: (أي بدار المودع) كأن هذا من قبيل الاحتباك وأصلها: أي الحرق أو الغرق.
وقوله: (بدار المودع) راجع إلى الحرق وحذف من الثاني، أو سفينته الراجع إلى الغرق لدلالة كل مذكور على ما حذف بإزائه، وهذا على ما نحاه الشارح في شرحه، وأما على ما بينا من أصل عبارة الزيلعي فالامر ظاهر، وأما جوهر المتن على أنه يصدق إن علم دفعه لها عند خوف الحرق أو الغرق بالبينة وهو الذي ذكره الشارح بعد.
قوله: (وإلا يعلم الخ).
وحاصله: أن صاحب المتن ذكر أنه لا يصدق مدعي الدفع للحرق أو الغرق إلا ببينة، والشارح
صرف كلامه وقال: إن علم ذلك بالبينة على وقوعه في داره وفلكه أغنى عن البينة عن الدفع للخوف على نفس الوديعة، وإن لم تقم البينة على وقوع الحرق والغرق في داره وفلكه فلا بد من البينة على الدفع لخوف ذلك على نفس الوديعة، ثم إن الغرق كما يخشى منه على نفس السفينة قد يخشى منه على نفس الدار إذا كانت البيوت متصلة بطرف البحر أو النهر أو مجرى السيل، ومثل خوف الحرق والغرق لو خاف فسادها بخرير أسقفه من كثرة الامطار وعند وقوع النهب في داره ودفعها إلى جاره عند توهم سلامتها عنده.
قوله: (فحصل بين كلامي الخلاصة والهداية التوفيق وبالله التوفيق) وقد ذكر أيضا صاحب الذخيرة عن المنتقى.
قال المصنف: فإن ادعاه: أي ادعى المودع التسليم إلى جاره أو إلى فلك آخر صدق إن علم وقوعه ببينة: أي بينة المودع وإلا لا: أي وإن لم يعلم لا يصدق.
وفي الهداية وشرح الكنز للزيلعي أنه لا يصدق على ذلك إلا ببينة، لان تسليم الوديعة إلى غيره يوجب الضمان، ودعوى الضرورة دعوى مسقط فلا تقبل إلا ببينة، كما إذا أتلفها في الصرف في حاجته بإذن صاحبها.(2/476)
وفي الخلاصة: أنه إذا علم أن وقع الحريق في بيته قبل قوله، وإلا فلا.
ويمكن حمل كلام الهداية على ما إذا لم يعلم وقوع الحريق في بيته وبه يحصل التوفيق، والذي أحوجه إلى ذلك حمل كلام صاحب الهداية والزيلعي قولهما لا يصدق على ذلك: أي على تسليم الوديعة، ولو حمل لا يصدق على ذلك: أي على وقوع الحرق أو الغرق بدليل قولهما ودعوى الضرورة الخ فإن الضرورة إنما هي في الحرق والغرق لا في التسليم لا تحدث مع عبارة الخلاصة.
تأمل.
قوله: (فلو لحملها إليه لم يضمن) لان مؤنة الرد على المالك.
حموي.
وإنما الضمان بمنع التخلية بينه وبين الوديعة بعد الطلب، أما لو كلفه حملها وردها إليه فامتنع عن ذلك لم يضمن لانه لا يلزمه سوى التخلية، فلو كان طلب المودع بكسر الدال بحملها إليه فامتنع المودع من ذلك لم يضمن، هكذا صريح عبارة ابن ملك المنقول عنه.
وأما ما وقع في نسخة الشيخ أبي الطيب فإنه تحريف.
والنسخة التي كتب عليها فلو حملها إليه: أي لو حمل المودع الوديعة إلى ربها: يعني لو طلب استردادها من المودع فحملها إليه لم يضمن لان حملها إليه
يخرجه عن المنع.
وفي القهستاني: لو استردها فقال لم أقدر أحضر هذه الساعة فتركها فهلكت لم يضمن لانه بالترك صار مودعا ابتداء ا ه.
وعزاه إلى المحيط.
وفي البحر: إن تركها عن رضا وذهب لا يضمن، وإن كان من غير رضا يضمن.
كذا في الخلاصة: ولو قال له بعد طلبه اطلبها ثم ادعى ضياعها: فإن قال ضاعت بعد الاقرار فلا ضمان، وإلا ضمن.
قوله: (ولو حكما كوكيله بخلاف رسوله) سوى في التجنيس بين الوكيل والرسول وقال: إذا منعها عنها لا يضمن.
وفي العمادية ذكر الضمان في المنع من الرسول فالمسألة ذات خلاف فيهما، واقتصار المصنف على ما ذكره يدل على اعتماده، وقد نقله القهستاني عن المضمرات.
وفي الخلاصة: المالك إذا طلب الوديعة فقال المودع لا يمكنني أن أحضر الساعة فتركها وذهب: إن تركها عن رضا فهلكت لا يضمن، لانه لما ذهب فقد أنشأ الوديعة، وإن كان عن غير رضا يضمن، ولو كان الذي يطلب الوديعة وكيل المالك يضمن لانه ليس إنشاء للوديعة، بخلاف المالك انتهى.
وهذا صريح في أنه يضمن بعدم الدفع إلى وكيل المالك كما لا يخفى، وهو خلاف ما تقدم في كتاب الوكالة في باب الوكالة بالخصومة.
ونصه: قال إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بالدفع إليه على المشهور الخ.
وكتب سيدي الوالد رحمه الله تعالى أن مقابل المشهور ما عن أبي يوسف ومحمد أنه يؤمر بالدفع، فلعل ما هنا على هذه الرواية.
وفي مجموعة مؤيد زاده: ولو قال إني وكيل بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بتسليم الوديعة إليه لانه مأمور بالحفظ فقط، ثم قال قد جاء رسولك فدفعتها إليه وكذبه المالك ضمنها، ولا يرجع بما ضمن على الرسول إن صدقه في كونه رسوله ولم يشترط عليه الرجوع، وإن كذبه ودفع إليه أو لم يصدقه ولم يكذبه يرجع على الرسول، وكذلك إن صدقه وشرط عليه الرجوع كما في الوجيز.
ثم قال: ولو دفعها إلى رسول المودع فأنكر المودع الرسالة ضمن ا ه.(2/477)
وفي فصول العمادي معزيا إلى الظهيرية: ورسول المودع إذا طلب الوديعة فقال لا أدفع إلا للذي جاء بها ولم يدفع إلى الرسول حتى هلك ضمن.
وذكر في فتاوى القاضي ظهير الدين هذه المسألة وأجاب عنها نجم الدين أنه يضمن.
وفيه نظر بدليل أن المودع إذا صدق من ادعى أنه وكيل بقبض الوديعة فإنه قال في الوكالة لا يؤمر بدفع الوديعة إليه، ولكن لقائل أن يفرق بين الوكيل والرسول لان الرسول ينطق على لسان المرسل ولا كذلك الوكيل، ألا ترى أنه لو عزل الوكيل قبل علم الوكيل بالعزل لا يصح، ولو رجع عن الرسالة قبل علم الرسول صح كذا في فتاواه اه.
منح.
قال محشيها الرملي في حاشية البحر: ظاهر ما في الفصول أنه لا يضمن في مسألة الوكيل كما هو منقول عن التجنيس، فهو مخالف للخلاصة كما هو ظاهر، ويتراءى لي التوفيق بين القولين بأن يحمل ما في الخلاصة على ما إذا قصد الوكيل إنشاء الوديعة عند المودع بعد منعه ليدفع له وقت آخر.
وما في فتاوى القاضي ظهير الدين والتجنيس على ما إذا منع ليؤدي إلى المودع بنفسه، ولذلك قال في جوابه: لا أدفع إلا للذي جاء بها.
وفي الخلاصة: ما هو صريح في أن الوكيل لو تركها وذهب عن رضا بعد قول المودع لا يمكنني أن أحضرها الساعة: أي وأدفعها لك في غير هذه الساعة، فإذا فارقه فقد أنشأ الايداع ليس له ذلك، بخلاف قوله لا أدفعها إلا للذي جاء بها فإنه استبقاء للايداع الاول لا إنشاء إيداع.
فتأمل.
ولم أر من تعرض لهذا التوفيق، والله تعالى هو الموفق انتهى.
فالحاصل: أنه إذا منعها عن الرسول لا يضمن على ظاهر الرواية كما نقله عن البحر عن الخلاصة.
وأما إذا منعها عن الوكيل ففيه اختلاف.
ففي الخلاصة والقاعدية والوجيز والتاترخانية والحاوي الزاهدي والمضمرات أنه يضمن، واختاره المصنف في منحه، وتبعه الشارح هنا.
وفي شرحه على الملتقى: فتعين المصير إلى ما عليه الاكثر خصوصا والمضمرات شرح القدوري والشروح مقدمة.
ففي مسألتنا منع المودع الوديعة من الوكيل ظلما ولم يقل له لم أدفعها إلا إلى الذي جاء بها حتى يكون استبقاء للايداع الاول، لان قول الشارح كوكيله يقتضي المنع ظلما، وبه يظهر أن ما ذكره في الفصول العمادية من الفرق المتقدم بين الوكيل والرسول مبني على خلاف ظاهر الرواية كما نبه عليه في نور العين.
ثم اعلم أن كلام التاترخانية يفيد تفصيلا في مسألة الوكيل، وذلك أن المودع إنما يضمن بالمنع عن الوكيل إذا كان توكيله ثابتا بالمعاينة أو بالبينة، أما إذا كان بتصديق المودع فإنه لا يضمن، وكذا لو كذبه بالاولى.
وانظر هل يجري على هذا التفصيل في مسألة الرسول أيضا، ومقتضى ما نذكره في المقولة الآتية عن الخانية من قوله فجاء رجل وبين تلك العلامة فلم يصدقه المودع حتى هلكت الوديعة لا ضمان أنه لو صدقه يضمن فيخالف مسألة الوكيل.
إلا أن يقال: إن قوله فلم يصدقه ليس قيدا احترازيا فلا مفهوم له، وهذا إن حمل على أنه رسول، وكذا إن حمل على أنه وكيل يخالف ما ذكرنا من التفصيل.
ثم قال في البحر: وينبغي أن يكون محل هذا التفصيل: أي في أصل المسألة فيما إذا ترك عن رضا وذهب لا يضمن، وفيما إذا كان عن غير رضا يضمن ما إذا كان المودع يمكنه وكان كاذبا في قوله، أما إذا كان صادقا فلا يضمن مطلقا لما قلنا انتهى.(2/478)
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: فيه نظر، لما في التجنيس أنه لو طلبها بوكيله أو رسوله فحبسها لا يضمن فتأمل.
وانظر إلى ما ذكره بعيده من قوله: ولو بعلامة منه يحتج بأنه إنما منعه ليوصلها إلى الاصيل بنفسه لتكذيبه إياه، وفرع الخلاصة فيه المنع للعجز عن التسليم والترك والذهاب عن رضا إلى وقت آخر، وفيه إنشاء إيداع بخلاف الاول، حتى لو كذبه في الفرع الذي تفقه فيه مع ذلك، والمسألة بحالها لا يضمن، فتأمل.
قوله: (ولو بعلامة منه) لامكان إتيان غير الرسول بهذه العلامة إلا أن يبرهن أنها له كما في الخلاصة وغيرها.
قال في الخانية: رجل أودع عند إنسان وديعة وقال في السر من أخبرك بعلامة كذا وكذا فادفع إليه الوديعة، فجاء رجل وبين تلك العلامة فلم يصدقه المودع حتى هلكت الوديعة، قال أبو القاسم: لا ضمان على المودع.
ا ه.
وفي حاشية جامع الفصولين للخير الرملي: وهل يصح هذا التوكيل ولا يضمن المودع بالدفع أم لا يصح لكون الوكيل مجهولا ويضمن بالدفع؟ قال الزاهدي في حاويه رامزا: فيه تفصيل، لو كانا عند ذلك الاتفاق بمكان لا يمكن لاحد من الناس استماع كلامهما فالدفع لمن جاء إليه بتلك العلامة، وأما
استماعه ذلك من أجنبي فنادر، وإن كان عند ذلك بمكان فيه أحد من الناس ممن يفهم اتفاقهما على ذلك أو بمكان يمكن فيه لاحد استماع اتفاقهما إلى ذلك خفية وهما لا يريانه فالوكالة باطلة والدفع مضمن.
ا ه.
هذا ما نقله الرملي.
قلت: كثيرا ما يقع أن المالك بعد اتفاقه مع المودع على ذلك يبعث رجلا بتلك العلامة فيسمعه آخر فيسبق الاول ويخبر المودع بتلك العلامة.
وقد يقال: إن هذا لا ينافي صحة التوكيل بعد وجود شرطه المتقدم عند اتفاق المالك مع المودع: والظاهر أن المالك إذا قال لم أذكر العلامة لهذا الرجل الذي جاء وإنما ذكرتها لغيره أن يكون القول له لانه منكر فيضمن المودع، فتأمل والله تعالى أعلم.
أفاده سيدي الوالد رحمه الله تعالى قوله: (على الظاهر) أي ظاهر المذهب، وهو راجع إلى الوكيل والرسول، وقال الثاني يضمن كما في الهندية، وقد اختلفت الفتاوى في هذا، وقد علمت المعتمد.
قوله: (ضمن) إن ضاعت لوجود التعدي بمنعه لانه صار غاصبا، وهذا لانه لما طالبه لم يكن راضيا بإمساكه بعده فيضمنهما بحبسه عنه.
داماد.
قال في البحر: ولو قال له بعد طلبه اطلبها غدا ثم ادعى ضياعها، فإن قال ضاعت بعد الاقرار لا ضمان، وإلا ضمن انتهى.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: قوله بعد الاقرار: أي الاقرار ضمنا في قوله اطلبها غدا، وقوله بعد الاقرار ظرف لضاعت لا لقال.
وفي جامع الفصولين: طلبها ربها فقال اطلبها غدا فقال في الغد تلفت، فلو قال تلفت قبل قولي اطلبها غدا ضمن، لا لو قال بعده للتناقض في الاول لا الثاني.
قال ربها: ادفعها إلى قني هذا فطلبها فأبى أو قال غدا يضمن ا ه.
أي لانه كأنه وكل قنه بحضرة المودع والوكيل لا يملك ابتداء الايداع في قوله غدا انتهى.
والمسألة في الخانية أيضا.
قوله: (بأن كان عاجزا) أي عجزا حسيا كأن لا يستطيع الوصول إلى محل الوديعة أو معنويا، وهو ما أشار إليه بقوله أو خاف على نفسه: أي من ظالم أن يقتله أو دائن أن يحبسه وهو غير قادر على الوفاء أو كانت(2/479)
امرأة وخافت من فاسق أو خاف على ماله بأن كان مدفونا معهما، فإذا ظهر اغتصبه منه غاصب فامتنع
عن التسليم لذلك لا يضمن، لانه لم يكن ظالما.
قوله: (أو خاف على نفسه أو ماله) في المحيط: لو طلبها أيام الفتنة فقال لم أقدر عليها هذه الساعة لبعدها أو لضيق الوقت فأغاروا على تلك الناحية فقال أغير عليها لم يضمن، والقول له: ا ه.
قوله: (كطلب الظالم) أي وديعته ليظلم بها فإنه بمنعها لا يكون ظالما، حتى لو ضاعت لا يكون ضامنا كمنعه منه وديعة عبده فإنه به لا يكون ظالما، لان المولى ليس له قبض وديعة عبده مأذونا كان أو محجورا ما لم يحضر ويظهر أنه من كسبه لاحتمال أنه مال الغير، فإذا ظهر أنه للعبد بالبينة فحينئذ يأخذه.
خلاصة ط.
وإنما كان المراد بالظالم هنا المالك لان الكلام في طلبه هو فما بعده مفرع عليه: أعني قوله فلو كانت الوديعة سيفا الخ، يدل عليه قول المصنف في المنح لما فيه من الاعانة على الظلم.
قوله: (فلو كانت) تفريع على عدم الضمان بالمنع عند طلب الظالم.
وحاصله: أنه لا يضمن بطلب صاحب الوديعة حيث كان ظالما بأن كانت الوديعة سيفا فطلبه ليقتل به رجلا مظلوما بغير حق ولو معاهدا أو امرأة أو صبيا، فلو منعه لا يضمن لكون الطالب ظالما ومثل السيف كل مؤذ فيما يظهر.
قوله: (ليضرب به رجلا) أي مظلوما ولو معاهدا أو امرأة أو صبيا ط.
قوله: (إلى أن يعلم الخ) فلو شك فيما ذكر لا يعد بمنعه ظالما فلا يضمن بهلاكه.
كذا يفاد من مفهومه ط.
قوله: (كما لو أودعت) أتى بالكاف ليفيد أنه مثال غير مخصص، فمثله كل ما كان في معناه فيما يظهر.
قال في الاشباه: لا يجوز للمودع المنع بعد الطلب إلا في مسائل: لو كان سيفا ليضرب به ظلما، ولو كان كتابا فيه إقرار بمال الغير أو قبض ا ه.
قوله: (أي موت المودع) بفتح الدال مجهلا، أما بتجهيل المالك فلا ضمان، والقول للمودع بيمينه بلا شبهة قال الحانوتي: وهل من ذلك الزائد في الرهن على قدر الدين ا ه.
أقول: الظاهر أنه منه لقولهم: ما تضمن به الوديعة يضمن به الرهن، فإذا مات مجهلا يضمن ما زاد، وقد أفتيت به.
رملي ملخصا.
قال ط: من الوديعة الزائد من الرهن على مقدار الدين فيضمن بالموت عن تجهيل وتكون الوديعة ونحوها كدين الصحة فيحاصص ربها الغرماء، لان اليد المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك، ولانه لما مات ولم يبين صار بالتجهيل مستهلكا لها.
ا ه.
قال في مجمع الفتاوى المودع أو المضارب أو المستعير أو المستبضع وكل من كان المال بيده أمانة إذا مات قبل البيان ولا تعرف الامانة بعينها فإنه يكون دين عليه في تركته، لانه صار مستهلكا الوديعة بالتجهيل، ومعنى موته مجهلا أن لا يبين حال الامانة كما في الاشباه.
وقد سئل عمر بن نجيم عما لو قال المريض عندي ورقة في الحانوت لفلان ضمنها دراهم لا أعرف قدرها فمات ولم توجد فأجاب بأنه من التجهيل.
لقوله: في البدائع: هو أن يموت(2/480)
قبل البيان ولم يعرف الامانة بعينها ا ه.
قال الحموي: وفيه تأمل.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى: ولينظر ما وجه التأمل.
وفي نور العين: لو مات المودع مجهلا ضمن: يعني لو مات ولم يبين حال الوديعة، أما إذا عرفها الوارث والمودع يعلم أنه يعرف المودع فمات لم يضمن، فلو قال الوارث أنا علمتها وأنكر الطالب، لو فسرها بأن كانت كذا وكذا وقد هلكت صدق لكونها عنده.
وفي الذخيرة: قال ربها مات المودع مجهلا وقالت ورثته كانت قائمة يوم موت المودع ومعروفة ثم هلكت بعد موته صدق ربها هو الصحيح، إذ الوديعة صارت دينا في التركة في الظاهر فلا يصدق الورثة.
ولو قال ورثته ردها في حياته أو تلفت في حياته لا يصدقون بلا بينة لموته مجهلا فيقر الضمان في التركة، ولو برهنوا أن المودع قال في حياته رددتها يقبل إذ الثابت ببينة كالثابت بعيان.
ا ه.
قوله: (إلا إذا علم) بالبناء للفاعل وضميره للمودع بالفتح الذي مات مجهلا، وإذا قال الوارث ردها في حياته أو تلفت في حياته لم يصدق بلا بينة، ولو برهن أن المودع قال في حياته رددتها يقبل.
قال الحموي في شرحه: وقيد في الخلاصة ضمان المودع بموته مجهلا بأن لا يعرفها الوارث، أما إذا عرفها والمودع يعلم أنه يعرف فمات ولم يبين لا يضمن ا ه.
وذلك بأن سئل عنها فقال عند فلان علمها.
قال سيدي الوالد رحمه الله تعالى في تنقيحه في جواب سؤال: والذي تحرر من كلامهم أن المودع إن أوصى بالوديعة في مرض موته ثم مات ولم توجد فلا ضمان في تركته، وإن لم يوص فلا يخلو إما
أن يعرفها الورثة أو لا: فإن عرفوها وصدقهم صاحبها على المعرفة ولم توجد لا ضمان في التركة، وإن لم يعرفوها وقت موته فلا يخلو، إما أن تكون موجودة أو لا، فإن كانت موجودة وثبت أنها وديعة إما ببينة أو إقرار الورثة أخذها صاحبها ولا يتوهم أنه في هذه الحالة مات مجهلا فصارت دينا فيشارك أصحاب الديون صاحبها، لان هذا عند عدم وجودها، أما عند قيامها فلا شك أن صاحبها أحق بها، فإن لم توجد فحينئذ هي دين في التركة وصاحبها كسائر غرماء الصحة، وإن وجد بعضها وفقد بعضها، فإن كان مات مجهلا أخذ صاحبها الموجود ورجع بالمفقود في التركة وإلا أخذ الموجود فقط، وإن مات وصارت دينا، فإن كانت من ذوات الامثال وجب مثلها وإلا فقيمتها، فعليك بحفظ هذا التحرير.
والله سبحانه وتعالى أعلم نقل من فتاوى التمرتاشي.
وأجاب قارئ الهداية عن سؤال بقوله: إذا أقام المودع بينة على الايداع وقد مات المودع مجهلا للوديعة ولم يذكرها في وصيته ولا ذكر حالها لورثته فضمانها في تركته، فإن أقام بينة على قيمتها أخذت من تركته، وإن لم تكن له بينة على قيمتها فالقول فيها قول الورثة مع يمينهم، ولا يقبل قول الورثة إن مورثهم ردها لانه لزمهم ضمانها فلا يبرؤن بمجرد قولهم من غير بينة شرعية على أن مورثهم ردها.
ا ه.
وقال في جواب آخر: ادعوا أن مورثهم ادعى قبل موته أنه رده إلى مالكه أو أنه تلف منه وأقاموا بينة على أنه قال ذلك في حياته تقبل بينتهم، وكذلك إذا أقاموا بينة أنه حين موته كان المال المذكور قائما وأن مورثهم قال هذا المال لفلان عندي وديعة أو قرض أو قبضته لفلان بطريق الوكالة أو(2/481)
الرسالة لادفعه إليه فادفعوه إليه ولكنه ضاع بعد ذلك من عندنا لا ضمان عليهم ولا في تركته ا ه.
أقول: وفي قوله أو قرض نظر، إن حمل على أن الميت استقرضه منه لانه دخل في ملكه وصار مطالبا ببدله، وإذا هلك يهلك عليه بعد قبضه، إلا أن يحمل على أن المالك كان استقرضه ووضعه عند الميت أمانة فليتأمل هذا.
وفي حاشية الاشباه للبيري عن منية المفتي ما نصه: وارث المودع بعد موته إذا قال ضاعت في
يد مورثي: فإن كان هذا في عياله حين كان مودعا يصدق، وإن لم يكن في عياله لا.
ا ه.
قوله: (صدق) يعني لو ادعى الطالب التجهيل بأن قال مات المودع مجهلا وادعى الوارث أنها كانت قائمة يوم مات وكانت معروفة ثم هلكت بعد موته فالقول للطالب في الصحيح، إذ الوديعة صارت دينا في التركة في الظاهر فلا يصدق الوارث كما في جامع الفصولين والبزازية كما علمت.
قوله: (وما لو كانت عنده) أي عند المورث: يعني أن الوارث كالمودع فيقبل.
قوله: (في الهلاك إذا فسرها فهو مثله)، إلا أنه خالفه في مسألة وهي قوله الآتي إلا في مسألة وهي الخ.
قوله: (إلا أنه إذا منعه) أي المودع السارق: يعني أن المودع بعد ما دل السارق على الوديعة فجاء السارق ليأخذها فمنعه فأخذها السارق قهرا لا يضمن.
قال في الخلاصة: المودع إنما يضمن إذا دل السارق على الوديعة إذا لم يمنعه من الاخذ حال الاخذ، فإن منعه لم يضمن ا ه.
إلا إذا منعه أي المودع السارق فأخذ كرها.
فصولين.
وهو استثناء من قوله: (والمودع إذا دل ضمن).
قوله: (كما في سائر الامانات) ومنها: الرهن إذا مات المرتهن مجهلا يضمن قيمة الرهن في تركته كما في الانقروي، والمراد بالضمان: أي الزائد كما قدمناه عن الرملي، وكذا الوكيل إذا مات مجهلا كما يؤخذ مما هنا، وبه أفتى الحامدي بعد الخيري.
وفي إجارة البزازية: المستأجر يضمن إذا مات مجهلا ما قبضه ا ه.
سائحاني ومنها: المأمور بالدفع إذا مات مجهلا كما في التنقيح لسيدي الوالد رحمه الله تعالى.
وفيه الاب إذا مات مجهلا يضمن، لكن صحح عدم ضمانه إذ الاب ليس أدنى حالا من الوصي بل هو أوفى حالا من الوصي حيث لا يضمن إلا إذا كان الاب ممن يأكل مهور البنات كالفلاحين والاعراب، فالقول بتضمينه إذا مات مجهلا ظاهر لانه غاصب من أول الامر، لانه إنما قبض المهر لنفسه لا لبنته، فليكن التعويل على هذا التفصيل ومثله الجد كما مر ا ه.
ملخصا.
قوله: (فإنها تنقلب مضمونة بالموت عن تجهيل) ويكون أسوة الغرماء.
بيري على الاشباه.
قوله: (ومفاوض) عطف خاص وكمرتهن.
أنقروي وتقدم عنه.
قوله: (إلا في عشر على ما في الاشباه) وعلى ما في الشرنبلالي على الوهبانية تسعة عشر كما تقف عليه.
وفيه شبه اعتراض على المصنف حيث اقتصر في الاستثناء على ثلاثة والسبعة الباقية ذكرها في الاشباه صارت
عشرة.(2/482)
وعبارة الاشباه: الوصي إذا مات مجهلا فلا ضمان عليه كما في جامع الفصولين.
والاب إذا مات مجهلا مال ابنه، والوارث إذا مات مجهلا ما أودع عند مورثه، وإذا مات مجهلا لما ألقته الريح في بيته أو لما وضعه مالكه في بيته بغير علمه، وإذا مات الصبي مجهلا لما أودع عنده محجورا.
ا ه ملخصا.
وقدمنا قريبا ذكر الاب والجد فلا تنسه، ومن السبعة الباقية أحد المتفاوضين، ويأتي للشارح اعتماد الضمان.
ونذكر تمامه إن شاء الله تعالى.
قوله: (ناظر أودع غلات الوقف) عبارة الدرر قبض وهي أولى.
تأمل.
والذي في الاشباه: الناظر إذا مات مجهلا غلات الوقف، ثم كلام المصنف عام في غلات المسجد وغلات المستحقين.
أقول: هكذا أطلقت المسألة في كثير من الكتب، ووقع فيها كلام وجهين: الاول: أن قاضيخان قيد ذلك بمتولي المسجد إذا أخذ غلات المسجد ومات من غير بيان، أما إن كانت الغلة مستحقة لقوم بالشرط فيضمن مطلقا بدليل اتفاق كلمتهم فيما إذا كانت الدار وقفا على أخوين غاب أحدهما وقبض الحاضر غلتها تسع سنين ثم مات الحاضر وترك وصيا ثم حضر الغائب وطالب الوصي بنصيبه من الغلة.
قال الفقيه أبو جعفر: إذا كان الحاضر الذي قبض الغلة هو القيم على هذا الوقف كان للغائب أن يرجع في تركة الميت بحصته من الغلة، وإن لم يكن هو القيم إلا أن الاخوين أجرا جميعا فكذلك، وإن أجرا لحاضر كانت الغلة كلها له في الحكم ولا يطيب له انتهى كلامه.
وهذا مستفاد من قولهم غلة الوقف وما قبض في يد الناظر ليس غلة الناظر بل هو مال المستحقين بالشرط: قال في الاشباه من القول في الملك: وغلة الوقف يملكها الموقوف عليه وإن لم يقبل انتهى.
وينبغي أن يلحقه بغلة المسجد ما إذا شرط ترك شئ في يد الناظر للعمارة، والله أعلم.
كذا حرره شيخ مشايخنا منلا علي رحمه الله تعالى.
الثاني: أن الامام الطرسوسي في أنفع الوسائل ذكر بحثا أنه يضمن إذا طالبه المستحق ولم يدفع
له ثم مات بلا بيان، أما إذا لم يطالب: فإن محمودا معروفا بالامانة لا يضمن وإلا ضمن، وأقره في البحر على تقييد ضمانه بالطلب: أي فلا يضمن بدونه.
أما به فيضمن وهو ظاهر.
وبه أفتى الشيخ إسماعيل الحائك، لكن ذكر الشيخ صالح في زواهر الجواهر أنه يضمن وإن لم يطالبه المستحق، لان لما مات مجهلا فقد ظلم، وقيده بحثا بما إذا لم يمت فجأة، أما إذا مات على غفلة لا يضمن لعدم تمكنه من البيان، بخلاف ما إذا مات بمرض ونحوه وأقره الشارح، وعدم تمكنه من البيان لو مات فجأة إنما يظهر لو مات عقب قبضه الغلة كما يأتي.
والحاصل: أن المتولي إذا قبض غلة الوقف ثم مات مجهلا بأن لم توجد في تركته ولم يعلم ما صنع بها لا يضمنها في تركته مطلقا كما هو المستفاد من أغلب عباراتهم، ولا كلام في ضمانه بعد طلب المستحق ولا في عدم ضمانه لو كانت الغلة لمسجد، وإنما الكلام فيما لو كانت غلة وقف لها مستحقون مالكون لها هل يضمنها مطلقا على ما يفهم من تقييد قاضيخان، أو إذا كان غير محمود ولا معروف بالامانة كما بحثه الطرسوسي، أو إذا كان موته بعد مرض لا فجأة كما بحثه في الزواهر؟ فليتأمل، وهذا كله في غلة الوقف.
أما لو مات مجهلا لمال البدل: أي لثمن الارض المستبدلة أو لعين(2/483)
الوقف فإن يضمن بموته مجهلا بالاولى كما قال الشارح عن المصنف، وبه يعلم أن إطلاق المصنف والشارح في محل التقييد، فتنبه.
قوله: (لان الناظر لو مات مجهلا لمال البدل ضمنه) أما لو علم ضياعه لا يضمن.
قال في البحر عن المحيط: لو ضاع الثمن من المستبدل لا ضمان عليه.
ا ه.
وهذا صريح في جواز الاستبدال بالدراهم والدنانير، فلا يشترط كون البدل عقارا، وهو ينافي ما قدمه في الوقف من اشتراط كون البدل عقارا، أفاده أبو السعود في حاشية الاشباه ط.
أقول: لكن قدم الشارح في الوقف عن الاشباه أنه لا يجوز استبدال العامر إلا في أربع.
قلت: لكن في معروضات المفتي أبو السعود أنه في سنة 159 ورد الامر الشريف بمنع استبداله وأمر بأن يصير بأمر السلطان تبعا لترجيح صدر الشريعة ا ه فليحفظ ا ه.
ونقله سيدي الوالد رحمه الله
تعالى في تنقيحه.
أقول: وعليه المعول.
قوله: (أشباه) قال محشيه الحموي: البدل بالدال المهملة ثمن أرض الوقف إذا باعها بمسوغ الاستبدال كما صرح به في الخانية، قيد بالتجهيل إذ لو علم ضياعه لا يضمن.
قال في الذخيرة: إن المال في يد المستبدل أمانة لا يضمن بضياعه ا ه.
وإنما ضمن بالموت عن تجهيل لانه الاصل في الامانات إذا حصل الموت فيها عن تجهيل، فافهم.
ويستفاد من قولهم إذا مات مجهلا لمال البدل يضمن جواب واقعة الفتوى، وهي أن المولى إذا مات مجهلا لعين الوقف كما إذا كان الوقف دراهم أو دنانير على القول بجوازه وعليه عمل الروم أن يكون ضامنا، لانه إذا كان يضمن بتجهيل مال البدل فبتجهيل عين الوقف أولى.
ذكره المصنف في منحه مع زيادة إيضاح.
قوله: (على القول بجوازه) حيث جرت به العادة وعليه عمل أهل الروم كما علمت.
قوله: (قاله المصنف) أي في منحه.
قوله: (وأقره ابنه) الشيخ صالح.
قوله: (وقيد) أي صاحب الزواهر.
قوله: (موته بحثا بالفجأة) لعدم تمكنه من البيان فلم يكن حابسا ظلما.
قلت: هذا مسلم لو مات فجأة عقب القبض.
تأمل.
وهذا راجع إلى المتن في البحث في غلة المستحقين كما يفيده كلامه الذي رد به على الطرسوسي لا إلى مال البدل وعين الوقف، حيث قال: لكن يقول العبد الضعيف: ينبغي أن يقال: إذا مات فجأة على غفلة لا يضمن لعدم تمكنه من بيانها فلم يكن حابسا ظلما، وإن مات بمرض ونحوه فإنه يضمن لانه تمكن من بيانها ولم يبين وكان مانعا لها ظلما فيضمن ا ه.
وكان الاولى تقديم هذه المسألة هناك.
قوله: (ورد ما بحثه في أنفع الوسائل) كما سمعته قريبا وما ذكره ابن المصنف من الرد.
وحاصل ما ذكره بحثا تفصيلا: إن حصل طلب المستحقين منه المال وأخر حتى مات مجهلا يضمن، وإن لم يحصل طلب منه ومات مجهلا ينبغي أن يقال أيضا: إن كان محمودا بين الناس معروفا بالديانة والامانة لا ضمان عليه، وإن لم يكن كذلك ومضى زمان والمال في يده ولم يفرقه ولم يمنعه من(2/484)
ذلك مانع شرعي يضمن، وما ذكره الشيخ صالح ابن المصنف هو قوله.
أقول: هو لما مات مجهلا فقد ظلم وقصر حيث لم يبين قبل موته فكان حابسا لها ظلما فيضمن سواء طلب منه أو لا، ولا دخل لكونه محمودا أو غير محمود، ولو كان محمودا لبينها قبل موته في مرضه وخلص نفسه، فالحسن ما عليه المشايخ الاعلام، ثم ذكر بحثه السابق.
قال العلامة الرملي: العمل بإطلاقهم متعين، ولا نظر لما قاله الطرسوسي، وينبغي أن يقال ذلك فيما قال ابن المصنف في زواهر.
ا ه.
ثم إن هذا من المؤلف خلط مقام بمقام فإنه لا خلاف في عدم ضمانه بموته مجهلا غلات المسجد، وأما إذا مات مجهلا استحقاق المستحقين ففيه اختلاف المشايخ، وما عليه مشايخ المذهب أنه يضمن مطلقا خلافا لتفصيل الطرسوسي.
والحاصل: أن بحث الطرسوي وصاحب الزواهر في غلة المستحقين، ولا تنس ما قدمناه قريبا من حاصل الكلام في هذه المسألة والسلام.
قوله: (ومنها قاض مات مجهلا لاموال اليتامى) قال المصنف في شرح تحفة الاقران إذا خلط الامين بعض أموال الناس ببعض أو الامانة بماله فإنه ضامن، إلا في مسائل: لا يضمن الامين بالخلط القاضي إذا خلط ماله بمال غيره أو مال رجل آخر، والمتولي إذا خلط مال الوقف بمال نفسه وقيل يضمن.
ا ه.
واعلم ما ذكره المصنف تبع فيه الاشباه من أن القاضي إذا مات مجهلا أموال اليتامى لا يضمن، لكنه مخالف لما في جامع الفصولين من السابع والعشرين: لو وضع قاض مال اليتيم في بيته ومات مجهلا ضمن لانه مودع، ولو دفعه القاضي إلى قوم ثقة ولا يدري إلى من دفع لم يضمن إذ المودع غيره.
ا ه.
تأمل.
وفيه أيضا: ولا يضمن الوصي بموته مجهلا، ولو خلطاه بماله ضمن وضمن الاب بموته مجهلا، ولو وضع القاضي مال اليتيم في بيته ومات مجهلا ضمن لانه مودع الخ.
أقول: لعل وجه الضمان كونها لا تتخطى الورثة فالغرم بالغنم، ويظهر من هذا الوصي إذا وضع مال اليتيم في بيته ومات مجهلا يضمن، لان ولايته قد تكون مستمدة من القاضي أو الاب فضمانه بالاولى.
وفي الخيرية: وفي الوصي قول بالضمان.
ويأتي تمام الكلام على ذلك قريبا إن شاء الله تعالى.
وأقول: وكذا الغاصب كما ذكره الكمال في فصل الشهادة على الارث، وكذا المستأجر كما في البزازية في مسائل موت أحد المتعاقدين أيضا.
قوله: (ولابد منه) ويؤيده قول جامع الفصولين: مات المودع ولا تدري الوديعة بعينها صارت دينا في ماله، وكذا كل شئ أصله أمانه وتفصيل الاشباه وعبارة الظهيرية والفصولين.
قوله: (لانه وضعها في بيته ومات مجهلا ضمن) وقدمنا وجهه، وكذا إذا جن جنونا لا يرجى برؤه، كذا في شرح البيري معزيا لخزانة الاكمل.
أبو السعود.
لكن ذكر قاضيخان عن إبراهيم بن رستم: لو مات القاضي ولم يبين ما عنده من مال اليتيم لا يضمن.
شرنبلالية وفي البزازية: إذا قبض ماله ووضعه في منزله ولا يدري أين وضعه ومات يضمن إلا إذا(2/485)
قال للقاضي حال حياته ضاع أو أنفقته عليه لا يضمن.
ا ه.
فتأمل.
قوله: (ومنها سلطان أودع الخ) وذلك إنما يكون قبل القسمة.
أقول: وكذا إذا مات مجهلا أموال اليتيم عنده كما في العمادية.
قال ط ومنها: الوصي إذا مات مجهلا فلا ضمان عليه كما في جامع الفصولين ومنها: الاب إذا مات مجهلا مال ابنه.
ومنها: إذا مات الوارث مجهلا ما أودع عند مورثه، وهذه لم يعزها صاحب الاشباه لاحد.
ومنها: إذا مات مجهلا ما ألقته الريح في بيته.
ومنها: إذا مات مجهلا لما وضعه مالكه في بيته بغير علمه كذا في الاشباه.
قال السيد الحموي: والصواب بغير أمره كما في شرح الجامع، إذ يستحيل تجهيل ما لا يعلمه.
ومنها: إذا مات الصبي مجهلا لما أودع عنده محجورا لانه لم يلتزم الحفظ وهي الستة تمام العشرة، وكذلك إذا بلغ ثم مات إلا أن يشهدوا أنها في يده بعد البلوغ لزوال المانع وهو الصبا، والمعتوه كالصبي في ذلك.
وذكر البيري أنه إذا مات الصبي بعد البلوغ ولم يدر متى هلكت الوديعة ولم يعلم كيف حالها لم يوجب القاضي ضمانا في ماله بالعقد الموقوف حتى يقيم المدعى بينة يشهدون أنهم رأوها في يده بعد البلوغ ا ه.
قوله: (وليس منها مسألة أحد المتفاوضين) ذكر محمد في كتاب شركة الاصل مسألة رابعة،
وهي أن أحد المتفاوضين إذا مات ولم يبين المال الذي كان في يده لم يضمن نصيب شريكه كما في المنبع نقلا عن تهذيب الواقعات للحسام الشهيد.
وهكذا في الولوالجية.
ولكن في فتاوى قاضيخان: وأما أحد المتفاوضين إذا كان المال عنده ولم يبين حال المال الذي كان عنده فمات، ذكر بعض الفقهاء أنه لا يضمن وأحاله إلى شركة الاصل وذلك غلط، بل الصحيح أنه يضمن نصيب صاحبه انتهى.
والعلامة الكمال بن الهمام قال في كتاب الشركة: الامين إذا مات مجهلا يضمن إلا في ثلاث، وجعل عدم ضمان المفاوض منها، ثم صرح في كتاب الوقف بأن المستثنى ثلاث وسكت عن ضمان المفاوض وأورد بدله غيره فليوفق.
أقول: من الله التوفيق، وغايته الحمل على اختلاف الروايتين.
ولكن بدفعه تغليط قاضيخان عدم الضمان ويصحح ضمان نصيب صاحبه، ويدل عليه ما نصه في القنية: مات أحد المتفاوضين ومال الشركة ديون على الناس ولم يبين ذلك بل مات مجهلا يضمن، كما لو مات مجهلا للعين انتهى.
فظهر أن هذا هو المذهب وأن ما ذكره المحقق الكمال ضعيف.
قال المصنف تبعا للبحر: وأما أحد المتفاوضين إذا كان المال عنده ولم يبين حال المال الذي كان عنده فمات ذكر بعض الفقهاء أنه لا يضمن وأحاله إلى شركة الاصل وذلك غلط، بل الصحيح أنه يضمن نصيب صاحبه، كذا في الخانية من الوقف.
وبه يتضح أن ما في الفتح وبعض الفتاوى ضعيف وأن الشريك يكون ضامنا بالموت عن تجهيل عنانا أو مفاوضة ومال المضاربة مثل الشركة إذا مات المضارب مجهلا لمال المضاربة أو للمشتري بمالها.
قال في البزازية من النوع الخامس عشر في أنواع الدعاوى ما نصه: وفي دعوى مال الشركة(2/486)
بسبب الموت مجهلا لا بد أن يبين أنه مات مجهلا لمال الشركة، وأما المشتري بمالها ومال الشركة مضمون بالمثل والمشتري بمالها مضمون بالقيمة ومثله مال المضاربة إذا مات المضارب مجهلا بمال المضاربة أو للمشتري بمالها وهذا صريح في الضمان فإذا أقر في مرضه أنه ربح ألفا ثم مات من غير بيان لا ضمان، إلا إذا أقر بوصولها إليه كما في قاضيخان من كتاب المضاربة.
قوله: (لما نقله المصنف
هنا وفي الشركة) ونقله صاحب البحر في الشركة قوله: (أنه يضمن نصيب شريكه) عنانا أو مفاوضة، ومال المضاربة مثل مال الشركة إذا مات المضارب مجهلا كما علمت.
قوله: (وأقره محشوها) أي أقر الصواب.
محشو الاشباه.
قوله: (فبقي المستثنى تسعة) أي بخروج الشريك من العشرة وهي الثلاثة المذكورة في المصنف والستة المذكورة في الاشباه.
قوله: (وزاد الشرنبلالي في شرحه للوهبانية على العشرة) أي بزيادة مسألة أحد المتفاوضين على ما تقدم.
قوله: (الجد) قلت: يفهم من ذكر الاب، فإن أحكامه أحكامه إلا فيما استثنى وهذه ليست منها، وقدمنا ذكرهما.
قوله: (ووصيه ووصي القاضي) هما داخلان في الوصي في كلام الاشباه فلا وجه لزيادة ما ذكر، إلا أن يقال: حمله على وصي الاب لبيان التفصيل للايضاح، فتأمل.
قوله: (وستة من المحجورين) أي والسابع وهو الصبي المحجور عليه مذكور هنا.
قلت: هي تعلم من ذكر الصبي ط: أي لو أودع عندهم وماتوا مجهلين فلا ضمان عليهم والستة من المحجورين وهم ما عدا الصغرى، وإنما أسقطه لانه مذكور في الاشباه، ومراده الزيادة على ما في الاشباه، فافهم.
قوله: (لان الحجر يشمل سبعة) أي وقد قدمنا ما لو كان المودع صبيا وهي من الصور التي ذكرها في الاشباه ولم يذكرها شارحنا هنا.
قوله: (فإنه) أي الحجر لصغر مسألة الصغر من العشرة التي في الاشباه إلا أن يقول: عدها هنا باعتبار قوله: (وإن بلغ ثم مات لا يضمن).
تأمل.
أو يقال: إن مراده مجرد المحجورين سبعة وأن مراده ستة منهم ما عدا الصغر لانه مذكور في الاشباه، ولذلك قال: وستة من المحجورين.
قوله: (ورق) قال في الظهيرية لو أن عبدا محجورا عليه أودعه رجل مالا ثم أعتقه الولي ثم مات ولم يبين الوديعة فالوديعة دين في ماله سواء شهد الشهود بقيام الوديعة بعد العتق أم لا، وإن مات وهو عبد فلا شئ على مولاه، إلا أن تعرف الوديعة فترد على صاحبها.
ا ه.
قوله: (ودين) بفتح الدال وسكون الياء.
قوله: (والمعتوه كصبي) قال في تلخيص الجامع: أودع صبيا محجورا يعقل ابن اثنتي عشرة سنة ومات قبل بلوغه مجهلا لا يجب الضمان انتهى.
ولعله قصد بكاف التشبيه الاشارة إلى ما يأتي عن الوجيز تأمل.
وعلل في الوجيز شرح الجامع الكبير عدم ضمانه بأنه لم يلتزم الحفظ، ثم قال: وإن بلغ ثم مات فكذلك إلا أن يشهدوا أنها في يده بعد البلوغ لزوال المانع
وهو الصبا.
والمعتوه كالصبي في ذلك، فإن كان مأذونا لهما في ذلك ثم ماتا قبل البلوغ والافاقة ضمنا ا ه.
وبه تتضح عبارة الشارح.
قوله: (وإن بلغ) أي الصبي ومثله إذا أفاق المعتوه كما يؤخذ مما(2/487)
سلف.
قوله: (مأذونا لهما) أي في التجارة كما في البيري عن خزانة الاكمل، أو في قبول الوديعة كما في الوجيز، فإن عبارته كما في الحموي: فإن كانا مأذونا لهما في ذلك ثم ماتا قبل البلوغ والافاقة ضمنا ا ه.
ونص في الهندية على ضمانه في الصورتين إجماعا ط.
قوله: (ثم ماتا قبل البلوغ والافاقة ضمنا) هذا نشر على سبيل اللف، وهذه ثمرة تشبيه الشارح المعتوه بالصبي دون غيره، لا أن ثمرته جعل السبعة ستة بتداخل العته في الصغر لان الصبي المحجور عليه من عشرة.
الاشباه قوله: (شرح الجامع) أي الكبير، وقوله: (الوجيز) بدل من شرح فإن اسمه الوجيز.
قوله: (قال) أي الشرنبلالي فبلغ: أي المستثنى.
قوله: (تسعة عشر) أي بناء على عد المفاوض منها وهو غلط كما تقدم نقله عن قاضيخان.
قوله: (ونظم الخ) أي نظم التسعة وبقية عشرة.
الاشباه.
قوله: (وهي) أي الابيات الاربعة الاولان لابن وهبان.
قوله: (والعين) مفعول مقدم ليحصر والجملة حال: أي كل أمين مات والحال أنه يحوز العين، وما وجدت تلك العين بعينها فتصير دينا فضمير وجدت وتصير راجعان إلى العين، وكلمة ما نافية وضمير يحصر للامين، ومعناه يحفظ.
قوله: (وما وجدت) أي العين الامانة عينا: أي معينة مشخصة.
قوله: (تصير) بالبناء للمجهول.
قوله: (ثم مفاوض) هذا على خلاف المعتمد كما قدمناه.
قوله: (ومودع) بكسر الدال اسم فاعل، من أودع: أي سوى مودع مال اليتيم: يعني إذا خرج السلطان إلى الغزو وغنموا فأودع بعض الغنيمة عند الغانمين ومات ولم يبين عند من أودع لا ضمان عليه.
قاله أبو الطيب.
قوله: (وهو المؤمر) أي الذي جعل أميرا على الجيش فإن ذلك له قبل القسمة، فالمؤمر بصيغة اسم المفعول.
قوله: (ألقت الريح) أي في تلك الدار شيئا.
قوله: (لو القاه) بدرج الهمزة.
قوله: (ملاك) جمع مالك.
قوله: (بها) أي بالدار.
قوله: (ليس يشعر) تبع فيه صاحب الاشباه حيث قال لغير علمه، واعترضه الحموي بأن الصواب بغير أمره كما في شرح الجامع إذ يستحيل تجهيل ما لا يعلمه ا ه.
وقدمناه قريبا فكان عليه أن يقول في النظم ليس يأمر.
قوله:
(جميعا) يعني أن وصي الاب والجد والقاضي لا يضمن، وليس المراد أن الجميع أوصوا إليه، وقد مر الكلام على ذلك، ويأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: (ومحجور) بأنواعه السبعة، فإن كان المراد من المحجور ستة كما قدمه يكون الموجود في النظم سبعة عشر.
تأمل.
قوله: (فوارث) بغير تنوين: أي إذا مات مجهلا لما أخبره المورث به من الوديعة.
قوله: (يسطر) خبر لمبتدأ محذوف: أي وهذا يسطر لحفظه ويسطر مخفف.
قال ابن الشحنة: وفي التبيين قاعدة استثنى منها مسائل، فالقاعدة قال في البدائع: لو مات المضارب ولم يوجد مال المضاربة فإنه يعود دينا فيما خلف المضارب، وكذا المودع والمستعير وكل من كان المال في يده أمانة إذا مات قبل البيان، ولا تعرف الامانة بعينها فإنه يكون عليه دينا في تركته لانه صار بالتجهيل مستهلكا للوديعة ولا تصدق ورثته على الهلاك والتسليم إلى رب المال، ولو عين الميت(2/488)
المال في حال الحياة أو علم ذلك تكون تلك الامانة في يد وصيه أو يد وارثه كما كانت في يده، ويصدقون على الهلاك والدفع إلى صاحبه كما يصدق الميت في حال حياته.
والمسائل الثلاثة المستثناة ذكرها بعد القاعدة في التتمة ناقلا عن واقعات الناطفي، الامانات تنقلب مضمونة بالموت إذا لم يبين إلا في ثلاث مسائل: إحداها: متولي الاوقاف إذا مات ولم يعرف حال غلتها الذي أخذ ولم يبين لا ضمان عليه.
الثانية: إذا خرج السلطان إلى الغزو وغنموا فأودع بعض الغنيمة عند بعض الغانمين ومات ولم يبين عند من أودع لا ضمان عليه.
الثالثة: أن أحد المتفاوضين إذا مات وفي يده مال الشركة ا ه.
وقد علم ذلك مما قدمناه قريبا.
قوله: (وكذا لو خلطها المودع) خلط مجاورة كقمح بقمح أو ممازجة كمائع بمائع.
اعلم أن الخلط على أربعة أوجه: خلط بطريق المجاورة مع تيسر التمييز كخلط الدراهم البيض بالسود والدراهم بالدنانير والجوز باللوز وأنه لا يقطع حق المالك بالاجماع، ولو هلك قبل التمييز هلك أمانة كما لو هلك قبل الخلط.
وخلط بطريق المجاورة مع تعسر التمييز كخلط الحنطة بالشعير، وذلك يقطع حق المالك ويوجب الضمان في الصحيح، وقيل لا ينقطع حق المالك عن المخلوط بالاجماع هنا ويكون له الخيار.
وقيل القياس أن يكون المخلوط ملكا للخالط عند أبي حنيفة، وفي الاستحسان لا يصير.
وخلط الجنس بخلافه ممازجة كخلط الخل بالشيرج وهو دهن السمسم والخل بالزيت وكل مائع بغير جنسه وإنه يوجب انقطاع حق المالك إلى الضمان بالاجماع.
وخلط الجنس بالجنس ممازجة كخلط دهن اللوز بدهن اللوز أو دهن الجوز بدهن الجوز أو اللبن باللبن أو خلط الجنس بالجنس مجاورة كخلط الحنطة بالحنطة أو الشعير بالشعير أو الدراهم البيض بالدراهم البيض أو السود بالسود، فعند أبي حنيفة هو استهلاك مطلقا لا سبيل لصاحبه، إلا تضمين المودع مثله أو قيمته وصار المخلوط ملكا للخالط، ولا يباح له قبل أداء الضمان، ولا سبيل للمالك عليها عند أبي حنيفة، ولو أبرأه سقط حقه من العين والدين وعندهما لا ينقطع ملك المالك عن المخلوط بل له الخيار، إن شاء ضمن الخالط مثله، وإن شاء شاركه في المخلوط بقدر دراهمه، لانه يمكنه الوصول إلى عين حقه صورة وأمكنه معنى بالقسمة فكان استهلاكا من وجه فيميل إلى أيهما شاء لان القسمة فيما لا تتفاوت آحاده إفراز وتعيين حتى ملك كل واحد من الشريكين أن يأخذ حصته عينا من غير قضاء ولا رضا، فكان إمكان الوصول إلى عين حقه قائما معنى فيخير.
وله أنه استهلاك من كل وجه لانه فعل يتعذر معه الوصول إلى عين حقه ولا يكون الاستهلاك من العباد أكثر من ذلك، لان إعدام المحل لا يدخل تحت قدرتهم فيصير ضامنا زيلعي ومسكين.
وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه جعل الاقل تابعا للاكثر.
وقال محمد رحمه الله تعالى: يشاركه بكل حال، وكذلك أبو يوسف رحمه الله تعالى في كل مائع خلطه بجنسه يعتبر الاكثر وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول بانقطاع حق(2/489)
المالك في الكل، ومحمد رحمه الله تعالى بالتشريك في الكل.
هندية.
ولو خلط المتولي ماله بمال الوقف لم يضمن.
وفي الخلاصة ضمن.
وطريق خروجه من الضمان الصرف في حاجة المسجد أو الرفع إلى الحاكم.
منتقى.
القاضي لو خلط مال صبي بماله لم يضمن، وكذا سمسار خلط مال رجل بمال آخر، ولو بماله ضمن، وينبغي أن يكون المتولي كذلك، ولا يضمن الوصي بموته مجهلا، ولو خلط بماله ضمن.
يقول الحقير: وقد مر نقلا عن المنتقى أيضا أن الوصي لو خلط ماله بمال اليتيم لم يضمن.
وفي الوجيز أيضا قال أبو يوسف: إذا خلط الوصي مال اليتيم بماله فضاع لا يضمن نور العين من أواخر السادس والعشرين.
وبخط السائحاني عن الخيرية: وفي الوصي قول بالضمان ا ه.
قلت: فأفاد أن المرجح عدمه.
والحاصل: أن من لا يضمن بالخلط بماله المتولي والقاضي والسمسار بمال رجل آخر والوصي، وينبغي أن الاب كذلك، يؤيده ما في جامع الفصولين: لا يصير الاب غاصبا بأخذ مال ولده، وله أخذه بلا شئ لو محتاجا وإلا فلو أخذه لحفظه فلا يضمن إلا إذا أتلفه بلا حاجة ا ه بل هو أولى من الوصي تأمل، والمراد بقوله ولده الولد الصغير كما قيده في الفصول العمادية.
وفي الهندية: ولو خلطت الفضة بعد الاذابة صار من المائعات لانه مائع حقيقة عند الخلط فيكون على الخلاف المذكور كذا في التبيين.
وفي الفتاوى العتابية: ولو كان عنده حنطة وشعير لواحد فخلطهما ضمنهما كذا في التاترخانية، وإن كان الذي خلط الوديعة أحدا من هو في عياله كزوجته وابنه فلا ضمان عليه والضمان على الخالط.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا سبيل للمودع والمودع على العين إذا خلطها الغير ويضمنان الخالط.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: إن شاءا ضمنا الخالط وإن شاءا أخذا العين وكانا شريكين سواء كان الخالط كبيرا أو صغيرا.
كذا في السراج الوهاج، حرا كان أو عبدا.
كذا في الذخيرة.
وقد قالوا: إنه لا يسع الخالط أكل هذه الدنانير حتى يؤدي مثلها إلى أربابها، وإن غاب الذي خلطها بحيث لا يقدر عليه، فإن تراضيا على أن يأخذها أحدهما وقد دفع قيمة مالا الآخر جاز، وإن أبيا ذلك أو أبى أحدهما وقالا نبيع ذلك فباعاها ضرب كل واحد منهما في الثمن بحصته، فإن كان المخلوط حنطة وشعيرا ضرب صاحب الحنطة بقيمتها حنطة مخلوطة وضرب صاحب الشعير بقيمة
شعيره غير مخلوط.
كذا في السراج الوهاج ا ه.
قوله: (بحيث لا تتميز) أي أصلا كخلط الشيرج مع الزيت أو مع التعسر كما مثل به الشارح.
بقوله: (بكلفة كحنطة) واستفيد منه أن المراد بعدم التمييز عدمه على وجه التيسير لا عدم إمكانه مطلقا كما في البحر.
قوله: (ضمنها لاستهلاكه بالخلط) وإذا ضمنها ملكها، ولا تباح له قبل أداء الضمان، ولا سبيل للمالك عليها عند أبي حنيفة كما قدمناه.
قوله: (وصح الابراء) فلو أبرأه سقط حقه من العين والدين كما قدمنا.
قوله: (ولو خلطه) أي الجيد(2/490)
قوله: (ضمنه) أي الجيد: أي ضمن مثل الجيد قوله: (وبعكسه) أي لو خلط ردئ الوديعة بجيدها.
قوله: (شريك) نقل نحوه المصنف عن المجتبى، ونص عبارته: لو خلط الوديعة بماله حتى لا تتميز يضمنها به ولا سبيل للمودع عليها.
عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
وعندهما يشركه إلى أن ذكر، ولو صب الردئ على الجيد يضمن مثل الجيد لانه تعيب، وفي عكسه كان شريكا لان الردئ لا يتعيب بالجيد ا ه.
فقد عرفه على قولهما القائلين بأن الخلط سبب الشركة ثم استثنى منها ما إذا خلط الردئ بالجيد وهو صحيح كما علمت مما قدمناه.
وأما ما ذكره هنا مع اقتصاره على قول الامام فإنه لا معنى له، لانه إذا خلطه ملكه ووجب ضمانه ولو أبرأه عنه طاب سواء خلطه بالجيد أو بالردئ أو بالمماثل، إلا أن هذا في غير الوديعة أو قول مقابل لما سبق من أن الخلط في الوديعة يوجب الضمان مطلقا إذا كان لا يتميز.
تأمل وتدبر.
قوله: (لعدمه) أي عدم التعدي وهو علة المحذوف: أي ولا يضمن.
قال في المنح: فإن هلك بعضها هلك من مالهما جميعا ويقسم الباقي بينهما على قدر ما كان لكل واحد منهما كالمال المشترك ا ه.
قوله: (كأن انشق الكيس) في صندوقه فاختلط بدراهمه اشتركا: أي المودع والمودع في المخلوط، حتى لو هلك بعضها هلك من ماليهما دراهم، ويقسم الباقي بينهما على قدر ما كان لكل منهما.
أبو السعود.
قوله: (ولو خلطها غير المودع) أي سواء كان أجنبيا أو من في عياله كما علمت.
قوله: (ضمن الخالط) عند الامام.
وقالا: إن شاء ضمنها الخالط وإن شاء أخذ العين وكانا شريكين كما قدمناه عن الهندية.
قوله: (ولو صغيرا) لانه من التعدي على أموال الناس، كما لو كسر زجاجات الغير فإن الضمان عليه.
قوله: (فرد مثله) قال ابن سماعة عن محمد: في رجل أودع
رجلا ألف درهم فاشترى بها ودفعها ثم استردها بهبة أو شراء وردها إلى موضعها فضاعت لم يضمن.
وروي عن محمد: أو قضاها غريمه بأمر صاحب الوديعة فوجدها زيوفا فردها على المودع فهلكت ضمن.
تاترخانية قوله: (خلطا لا يتميز) أي الباقي مع الخلط.
قوله: (لخلط ماله بها) قال في البحر: ضمن الكل البعض بالانفاق والبعض بالخلط لانه متعد بالانفاق منها، وما رده باق على ملكه.
ا ه.
قوله: (فلو تأتي التمييز) كخلط الدراهم السود بالبيض أو الدراهم بالدنانير فإنه لا يقطع حق المالك بإجماع كما قدمناه.
قوله: (أو أنفق ولم يرد) فهلك الباقي لا يضمن لانه حافظ للباقي.
قوله: (وهذا إذا لم يضره التبعيض) مرتبط.
بقوله: أو أنفق ولم يرد كما في البحر.
وفيه وقيد بقوله: فرد مثلها لانه لو لم يرد كان ضامنا لما أنفق خاصة لانه حافظ للباقي، ولم يتعيب لانه مما لا يضره التبعيض، لان الكلام فيما إذا كانت الوديعة دراهم أو دنانير، أو أشياء من المكيل والموزون ا ه.
قال الطحاوي: ولم أر فيما إذا فعل ذلك فيما يضربه التبعيض هل يضمن الجميع أو ما أخذ ونقصان ما بقي فيحرر ا ه.(2/491)
أقول: وتحريره ما قاله العلامة أبو الطيب: فردتا ظفار إذا باع أحدهما فعيب تعيب الثاني أو باع بعض الفردة فيضمن الكل ا ه.
قوله: (وإذا تعدى) أي المودع عليها، أما إذا هلكت من غير تعد فلا ضمان وشرط الضمان باطل كشرط عدمه في الرهن.
أبو السعود في حاشية الاشباه.
قوله: (أو ركب دابتها) أو استخدم عبدها أو أودعها غيره.
قوله: (حتى زال التعدي) بأن رد الثوب إلى مكانه والدابة مربطها وأخذ البعض برده إلى يده وترك استخدام العبد واسترد الوديعة من الغير.
قوله: (زال ما يؤدي إلى الضمان) وهو التعدي، ولا حاجة إلى هذه الزيادة لانها أدت إلى ركاكة عبارة المصنف، لانه يصير المعنى: ثم زال التعدي زال التعدي، لان ما يؤدي إلى الضمان هو التعدي، فلو أسقطه لكان أحسن كما وقع في العيني والدرر حيث قالا: وإن زال التعدي زال الضمان، بمعنى أن الوديعة إذا ضاعت بعد العود إلى يده لم يضمن خلافا للشافعي.
قال العيني: لان الضمان وجب دفعا للضرر
الواقع وقد ارتفع بالعود إلى الوفاق فلا يضمن، وهذا مقيد بما لم ينقصها الاستعمال فإن نقصها ضمن أي النقصان لصيرورته حابسا لجزء منها على وجه التعدي.
وكذا في شرح تنوير الاذهان، وإنما زال الضمان لانه مأمور بالحفظ في كل الاوقات، فإذا خالف في البعض ثم رجع أتى بالمأمور به، كما إذا استأجره للحفظ شهرا فترك الحفظ في بعضه ثم حفظ في الباقي استحق الاجرة بقدره ا ه.
منح.
قوله: (إذا لم يكن من نيته العود إليه) فلو لبس ثوب الوديعة ونزعه ليلا ومن عزمه أن يلبسه نهارا ثم سرق ليلا لا يبرأ عن الضمان.
بحر من الجنايات معزيا للظهيرية.
ولم يذكر المصنف حكم دعواه العود هل يكتفي بمجرد دعواه العود وإن لم يصدقه صاحب الوديعة، وهو مذكور في العمادية، وعبارتها: ولو أقر المودع أنه استعملها ثم ردها إلى مكانها فهلكت لا يصدق إلا ببينة.
فالحاصل: أن المودع إذا خالف في الوديعة ثم عاد إلى الوفاق إنما يبرأ عن الضمان إذا صدقه المالك في العود فإن كذبه لا يبرأ إلا أن يقيم البينة على العود إلى الوفاق.
ورأيت في موضع آخر: المودع إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق فكذبه المودع فالقول قول المودع كما في الرهن، بخلاف ما إذا جحد الوديعة أو منعها ثم اعترف فإنه لا يبرأ إلا بالرد على المالك كما في الحواشي الحموية.
قوله: (أشباه) عبارتها: قالوا في المودع إذا لبس ثوب الوديعة ثم نزعه ومن نيته أن يعود إلى لبسه لم يبرأ من الضمان.
اه.
قال البيري: هذا عجيب من المؤلف حيث قال: قالوا المشعر بأن ذلك قول علمائنا كافة مع علمه بأن ذلك قول لصاحب الظهيرية وتخريجه، وقد نقله عنه فيما يأتي، ونصه: عندي المودع إذا لبس قميص الوديعة بغير إذن المودع فنزعه بالليل للنوم فسرق القميص في الليل، فإن كان من قصده أن يلبس القميص من الغد لا يعد هذا ترك الخلاف حتى لا يضمن ا ه.
وبه انتهى كلام البيري.
أقول: ويمكن أنه أتى بلفظ قالوا للتبري، ويؤيد ذلك قول صاحب البحر عقب ذكره عبارة الخلاصة قوله فراجعه.
لكن قال في الذخيرة: لو وضع طبق وديعة على رأس الجب فوقع فيه، إن وضع على وجه الاستعمال ضمن وإلا فلا.
ا ه.
وفي جامع الفصولين: وضع طبق الوديعة على رأس الخابية ضمن لو فيها شئ يحتاج إلى التغطية(2/492)
كماء ودقيق ونحوه لانه استعمال صيانة لما فيها لا لو لم يكن فيها شئ، ولو وضع ثوبا على عجين ضمن للاستعمال.
وضع الطشت على رأس التنور ضمن لو قصد التغطية، وإلا لا، لانه مستعمل في الاول لا في الثاني.
ا ه.
وأنت خبير بأن ما في الذخيرة أعم، فتأمل.
مطلب: رجل تناول مال إنسان بلا أمره في حياته ثم رده لورثته بعد موته فرع: رجل تناول مال إنسان في حال حياته ثم رده إلى ورثته بعد موته يبرأ عن الدين ويبقى حق الميت في مظلمته إياه ولا يرجى له الخروج عنها إلا بالتوبة والاستغفار للميت والدعاء له.
ا ه.
نور العين عن الخانية.
قوله: (بخلاف المستعير والمستأجر) يعني إذا تعدى في المستعار والمستأجر بأن استعار ثوبا ليلبسه فلبسه يومين ونزعه للتسليم أو استأجر الدابة ليركبها أياما معدودة أو ليحمل عليها أمنانا معلومة فركبها أو حملها أكثر منها ثم ردها كما كانت لم يبرأ خلافا لزفر رحمه الله تعالى فيهما، لان البراءة منه إنما تكون بإعادة يد المالك حقيقة أو حكما ولم يوجد ذلك لان قبضهما لانفسهما، بخلاف المودع فإن يده يد المالك حكما لانه عامل له في الحفظ: زيلعي.
وقيل إذا استأجر الدابة ذاهبا وجائيا يبرأ، وإن ذاهبا فقط لا يبرأ لان العقد انتهى بالوصول إلى ذلك المكان وبالعود إليه لا يعود العقد بينهما.
شلبي.
قال في جامع الفصولين: مستأجر الدابة والمستعير لو نوى أن لا يردها ثم ندم لو كان سائرا عند النية ضمن لو هلكت بعد النية، أما لو كان واقفا إذا ترك نية الخلاف عاد أمينا ا ه.
واعلم أن ما مشى عليه المصنف تبعا للكنز هو المفتي به كما في الشرنبلالية احترازا عما ذكره في الدرر من أن منهم من قال المستعير والمستأجر إذا خالفوا ثم عادوا إلى الوفاق برؤوا عن الضمان إذا كانت مدة الايداع والاعارة باقية الخ.
قوله: (فلو أزالاه) أي التعدي.
قوله: (لعملهما لانفسهما) وعلله البيري بأنهما مأموران بالحفظ تبعا للاستعمال: أي المأذون فيه مقصودا، فإذا انقطع الاستعمال المذكور لم يبق الحفظ ثابتا فلا يبرآن بالعود.
ا ه.
ط.
وفي جامع الفصولين: ولو مأمورا بحفظ شهر فمضى شهر ثم استعملها ثم ترك الاستعمال وعاد إلى الحفظ ضمن إذا عاد والامر بالحفظ قد زال.
ا ه.
قوله: (بخلاف مودع) لا حاجة إليه لانه أصل المسألة المقصودة بالذكر، ولكن إنما ذكره ليظهر عدها، ويتضح الاستثناء في قوله إلا في هذه العشرة ط.
قوله: (ووكيل بيع) بأن استعمل ما وكل ببيعه ثم ترك وضاع لا يضمن.
قوله: (أو حفظ) تقدم صورته قريبا.
قوله: (أو إجارة) بأن وكله ليؤجر له دابته فركبها ثم ترك.
قوله: (أو استئجار) بأن دفع له دراهم ليستأجر له بيتا فدفعها في استئجار دكان ثم استردها بعينها فهلكت فإنه لا يضمن.
قوله: (ومضارب ومستبضع) إذا خالف ودفع المال لنفقته ثم عاد إلى الوفاق صار مضاربا ومستبضعا.
أبو السعود عن الشيخ صالح.
قوله: (وشريك عنانا أو مفاوضة) فإنهما يعودان أمينين بالعود إلى الوفاق.
أبو السعود.
أما شريك الملك فإنه إذا تعدى ثم أزال التعدي لا يزول الضمان كما هو ظاهر، لما تقرر أنه أجنبي في حصة شريكه، فلو أعار دابة الشركة فتعدى ثم أزال التعدي لا يزول الضمان،(2/493)
ولو كانت في نوبته على وجه الحفظ فتعدى ثم أزاله يزول الضمان، وهي واقعة الفتوى سئلت عنها فأجبت بما ذكرت، وإن لم أرها في كلامهم للعلم بها مما ذكر إذ هو مودع في هذه الحالة.
وأما استعمالها بلا إذن الشريك فهي مسألة مقررة مشهورة عندهم بالضمان ويصير غاصبا.
رملي على المنح.
قوله: (ومستعير رهن) أي إذا استعار عبدا ليرهنه أو دابة فاستخدم العبد وركب الدابة قبل أن يرهنها ثم رهنها بمال بمثل القيمة ثم قضى بالمال ولم يقبضها حتى هلكت عند المرتهن لا ضمان على الراهن لانه قد برئ عن الضمان حين رهنها، فإذا كان أمينا خالف فقد عاد إلى الوفاق، وإنما كان مستعير الرهن كالمودع لان تسليمها إلى المرتهن يرجع إلى تحقيق مقصود المعير، حتى لو هلك بعد ذلك يصير دينه مقضيا فيستوجب المعير الرجوع على الراهن بمثله فكان ذلك بمنزلة الرد عليه حكما فلهذا برئ عن الضمان، كذا في البحر معزيا إلى المبسوط ا ه.
نقله في المنح وإنما قال ثم قضى المال ولم يقبضها لما ذكره أنه لو هلكت قبل أن يقضي المال كان قاضيا بها دينه فيضمن قيمتها لمالكها، وقوله ثم رهنها بمال بمثل قيمتها، الاولى أن يقول بما شرطه المرتهن لانه لا يتجاوزه كما يأتي في بابه.
تأمل.
وقد
علمت أن هذه المسألة مقيدة بما إذا تعدى ثم رهن، فلو استعار ليرهن فتعدى ولم يرهن وضاعت فالضمان عليه ويكون داخلا في حكم المستعير المذكور في المصنف، وأن هذه المسألة مستثناة من قول المصنف، بخلاف المستعير كما أفاده في شرح ط.
وقد سئل الخير الرملي عن المرتهن إذا مات مجهلا للرهن هل يضمنه كملا أم لا؟ فأجاب نعم، لان الزائد عن الدين أمانة فتضمن كما هو ظاهر.
ا ه.
قوله: (ثم أزاله) أي التعدي.
قوله: (إلا في هذه العشرة) بعد الشريك صورتين.
قوله: (لان يده كيد المالك) أي حكما لانه عامل في الحفظ، وهذه علة لمسألة الوديعة المذكورة في المصنف.
والحاصل: أن كل أمين خالف ثم عاد إلى الوفاق عاد أمينا لان يده يد المالك حكما لانه عامل في الحفظ، إلا المستعير والمستأجر فإنهما ضامنان مطلقا لان قبضهما العين كان لانفسهما لاستيفاء المنافع، فإذا ترك الخلاف لم يوجد الرد إلى صاحبها لا حقيقة ولا حكما، بخلاف المودع وما عطف عليه فإن يده يد المالك حكما لانه عامل في الحفظ كما ذكرنا.
قوله: (فالقول له) أي للمالك إلا أن يقيم المودع البينة على العود إلى الوفاق، والاولى التصريح بذلك لدفع اللبس الواقع في العبارة، فتأمل ط.
قوله: (وقيل للمودع) بفتح الدال لانه ينفي الضمان عنه أي لا يشترط إقامة البينة على العود إلى الوفاق، وظاهر كلامهم اعتماد الاول.
قوله: (وبخلاف إقراره بعد جحوده) بأن قال لم تودعني، أما لو قال: ليس له علي شئ ثم ادعى ردا أو تلفا صدق.
أبو السعود عن الشرنبلالية.
ومثله جحوده بلا إقرار بأن أقام بينة بعد الجحود كما في الدرر.
وقوله: (وبخلاف إقراره) معطوف على قوله بخلاف المستعير والمستأجر.
قوله: (حتى لو ادعى هبة أو بيعا) يعني قيد.
بقوله: (بعد جحوده)، لانه لو ادعى أن المالك وهبها لو أو باعها منه وأنكر صاحبها ثم هلكت لا ضمان على المودع لانهما اتفقا على اليد واختلفا في الجهة فيحمل على المحقق وهو يد الامانة والملك للمالك.
قوله: (وقيد بقوله(2/494)
بعد طلب ربها) ومثله طلب امرأة الغائب وجيران اليتيم من الوصي لينفق عليه من ماله كما في الخانية، ومثله في التاترخانية.
وقوله بعد متعلق.
بقوله: (بجحوده).
قوله: (فلو سأله عن حالها)
بأن قال ما حال وديعتي عندك ليشكره على حفظها.
بحر.
والاولى أن يقول لانه الخ بدل الفاء، وكذا يقال فيما يأتي.
قوله: (فجحدها) قال الرملي: هذا ليس بجحود حقيقة، وإنما هو حفظ فاستغنى في الكنز عن ذكره، قوله: (لم يضمن) لان كتمان الوديعة أمكن في حفظها لان بذكرها قد يتنبه لها الظالم والسارق فكان جحوده من باب الحفظ، بخلاف ما إذا كان جحوده عند طلب المالك لها فإن بالطلب ينتهي الايداع فإنه ما أودعها إلا ليسلمها له عند حاجته إليها فبالمنع يكون غاصبا فيضمن ولم تبق يده يد المالك، فبإقراره بعد ذلك لم يحصل الرد إلى مالكها لا حقيقة ولا حكما، فلذا لا يبرأ عن الضمان إلا بتسليمها إلى المالك حقيقة.
قوله: (ونقلها من مكانها وقف الانكار) المراد به زمن الانكار، وليس المراد نقلها وقته حقيقة لانه لا يتأتى في نادر من الصور.
وعبارة الخلاصة: وفي غصب الاجناس إنما يضمن إذا نقلها عن موضعها الذي كانت فيه حال الجحود وإن لم ينقلها وهلكت لا يضمن.
ا ه.
وهو ظاهر، وعليه فهو متعلق.
بقوله: (مكانها)، وانظر ما لو كان نقلها قبله وفي نيته الجحود، وقد نقل هذا التقييد الشرنبلالي عن الناطفي، ونقل عن جامع الفصولين أنه يضمن بجحوده الوديعة كالعارية ولو لم يحولها.
وقوله: (وكانت منقولا) لا حاجة إليه بعد.
قوله: (ونقلها من مكانها) ولو قدمه عليه لكان أولى.
قوله: (لانه لو لم ينقلها وقته) صادق بعدم النقل أصلا وبنقلها بعده وقبله، وإنما اعتبر النقل ليتحقق الغصب في المنقول، إذا الغصب إزالة اليد المحققة وإثبات اليد المبطلة، وهو إنما يتحقق بنقلها من مكانها وقت الجحود لان يده عليها يد أمانة لا ضمان، فإذا جحدها فنقلها فقد أزال يد الامانة وأثبت يد الغصب، بخلاف ما إذا لم ينقلها فإن يد الامانة باقية، وقد نقل هذا القيد الشرنبلالي كما قدمناه.
ونصه: إذا جحد المودع الوديعة بحضرة صاحبها يكون ذلك فسخا للوديعة، حتى لو نقلها المودع من المكان الذي كان فيه حالة الجحود يضمن، وإن لم ينقلها عن ذلك المكان بعد الجحود فهلكت لا يضمن.
ا ه.
ونقله في التاترخانية عن الخانية معزيا للناطفي، لكن ذكر في جامع الفصولين أنه يضمن بجحود الوديعة كالعارية ولو لم يحولها.
وفي المنتقى: لو كانت العارية مما يحول يضمن بالانكار وإن لم يحولها.
وفي البدائع أن العقد
ينفسخ بطلب المالك لانه لما طلبها فقد عزله عن الحفظ أو لما جحده المودع بحضرة المالك فقد عزل نفسه عن الحفظ فبقي مال الغير في يده بغير إذنه فيكون مضمونا، فإذا هلك تقرر الضمان.
ا ه.
قال الخير الرملي: لم يظهر لاصحاب المتون صحة هذا القول فلم ينظروا إليه، فراجع المطولات يظهر لك ذلك ا ه.
فتأمل.
قوله: (وكانت الوديعة منقولا) أقول: العقار مقرر عدم الضمان فيه لعدم تصور غصبه فلم يصرح في الكنز بنفيه اكتفاء بذلك كما سيذكره في بابه، أو لان الاصح مذهب محمد فيه فأراد دخوله.
تأمل.
ذكره الخير الرملي.
قوله: (لا يضمن بالجحود عندهما) لعدم تصور غصبه.(2/495)
قوله: (خلافا لمحمد) فإن الغصب يجري فيه عنده، فلو جحده يكون ضامنا.
قوله: (في الاصح) أي قوله هو الاصح.
قوله: (غصب الزيلعي) أي ذكره الزيلعي في كتاب الغصب.
قوله: (ولم يكن هناك من يخاف منه عليها) أي لانه لو جحدها في وجه عدو يخاف عليها التلف، إن أقر ثم هلكت لا يضمنها لانه إنما أراد حفظها.
كذا في المنح.
قوله: (فلو كان لم يضمن) أي أقر ثم هلكت.
قوله: (وقيد بقوله ولم يحضرها الخ) أقول: لم يصرح به في الكنز.
والجواب عنه أنه حيث قلتم إنه إيداع جديد فما مدخله في مسألتنا فتأمله.
ذكره الخير الرملي.
قوله: (فإن أمكنه) أي ربها أخذها عند إحضارها ليجعل قابضا لها.
قوله: (لم يضمن لانه إيداع جديد) أي بقوله: دعها فيكون إبقاؤها إيداعا جديدا قوله: (وإلا) أي وإن لم يكن المالك أخذها عند إحضارها.
قوله: (ضمنها) لانه لم يجعل قابضا لها فبقيت مضمونة على جاحدها.
قوله: (لانه لم يتم الرد) أي ردها إلى المالك بإحضارها عند عدم تمكنه من أخذها فلا يصح الايداع الجديد، لان الايداع إنما يكون لعين ماله، وهو إنما يستحق على المودع ضمانها فهو كالدين في ذمته والمضمون لا يصير أمانة إلا بعد الخروج عن عهدة ضمانه وذلك بالتسليم التام الذي يمكن المالك معه القبض والتسليم.
قوله: (وقيد بقوله لمالكها) أو وكيله كما في التاترخانية فاللام بمعنى عند، ويؤيده قول الدرر: أو جحودها عند مالكها.
قال الخير الرملي: لا حاجة إليه أي مالكها لانه هو المراد لا غيره إذ الكلام فيه فلذا لم يذكره في الكنز.
قوله: (فإذا تمت الشروط) وهي طلب ردها ونقلها وكونه منقولا وعدم الخوف عليها وعدم
إحضارها بعده جحودها وكون الجحود لمالكها لم يبرأ الخ.
قوله: (إلا بعد جديد ولم يوجد) والحاصل على ما ذكره المصنف أنه لا يضمن إلا بشروط: أن يجحد عند سؤال ردها، وأن ينقلها، وأن يكون نقلها زمن إنكاره، وأن تكون مما ينقل، وأن لا يكون عند الانكار من يخاف عليها منه، وأن لا يحضرها بعد الجحود، وأن يكون الجحود لمالكها.
فإن وجدت هذه الشروط ضمن.
وإلا بأن جحد عند غير صاحبها أو عنده حين يسأله عن حالها من غير أن يطلب منه الرد أو طلب منه الرد عند من يخاف منه فجحدها لا يضمن.
قوله: (قبل) لعدم تناقضه فإنه يقول إني بعد أن جحدتك الوديعة نسيانا أو ظلما ثم تذكرت أو رجعت عن الظلم كان مدعيا فإذا نور دعواه بالبينة قبلت فيبرأ عن الضمان.
قوله: (كما لو برهن الخ) هكذا نقله في الخانية والخلاصة.
ونقل في البحر عن الخلاصة أنه لا يصدق، لكن في عبارته سقط، ويدل عليه أن الكلام في البينة لا في مجرد الدعوى، حتى يقال لا يصدق.(2/496)
وعبارة الخلاصة بعد قوله لم يستودعني هكذا: وفي الاقضية لو قال لم يستودعني ثم ادعى الرد أو الهلاك لا يصدق، ففي عبارته سقط.
قال في الخانية: وذكر في المنتقى إذا جحد المودع الوديعة ثم ادعى أنه ردها بعد ذلك وأقام البينة قبلت بينته، وكذا لو أقام البينة أنه ردها قبل الجحود وقال إنما غلطت الخ، فظهر أن فيما نقله صاحب البحر عن الخلاصة سقط.
وفي الخانية أيضا: ولو جحد المودع الوديعة ثم أقام البينة على هلاكها قبل الجحود، إن قال ليس لك عندي وديعة قبلت بينته ويبرأ عن الضمان.
ولو قال نسيت في الجحود أو قال غلطت ثم أقام البينة أنه دفعها إلى صاحبها قبل الجحود برئ ا ه.
قوله: (وقال غلطت) حال من الضمير في برهن الثانية التي هي على الرد قبل الجحود لانه متناقض في دعواه ذلك لانه حيث جحدها زعم أنه لا وديعة عنده فلا يتأتى الرد لنفي أصل الوديعة فيحتاج إلى التوفيق، فإذا قال غلطت: أي أردت أن أقول رددتها فقلت لا وديعة عندي أو لم تودعني شيئا لان الوديعة التي قد أودعتها عندي قد انتهت بالتسليم
إليك فصرت كأن لم تودع شيئا فيقبل حينئذ برهانه لارتفاع التناقض، وكذا لو قال نسيت: أي حين سألتني عن الوديعة بعد ردها إليك نسيت الايداع والرد فلذلك قلت لك لم تودعني شيئا ثم تذكرت وهذه بينتي على الرد تقبل.
قوله: (أو ظننت أني دفعتها) أي وبعد الدفع لم أكن مودعا فأنا صادق في قولي لك لم تودعني لاني قد برئت من وديعتك بتسليمها إليك.
قوله: (ولو ادعى هلاكها قبل جحودها حلف المالك الخ) أي عند القاضي بطلب المودع عند عدم إقامة البينة على الضياع من المودع، لان كل من إذا أقر بشئ لزمه يحلف عند إنكاره، والمالك لو أقر بهلاكها قبل جحود المودع انتفى الضمان، فإذا أنكره يحلف، فإذا حلف ضمنها المودع لعدم ثبوت مدعاه فيضمن بجحوده، وإن نكل برئ المودع لان النكول إقرار أو بذل على ما عرف.
قوله: (ما يعلم ذلك) لانه تحليف على غير فعله فيكون على العلم وذلك عند عدم إقامة البينة على الضياع من المودع.
أما إذا أقام بينة، فإن كان قبل الجحود تقبل لعدم التعدي والتناقض، وإن بعده لا تقبل لانه بالجحود غاصب ولم يرد إلى المالك كما تقدم.
قال في الهندية: إذا أقام رب الوديعة البينة على الايداع بعد ما جحد المودع وأقام المودع البينة على الضياع: فإن جحد المودع الايداع بأن يقول للمودع لم تودعني، ففي هذا الوجه المودع ضامن وبينته على الضياع مردودة سواء شهد الشهود على الضياع قبل الجحود أو بعد الجحود.
وإن جحد الوديعة بأن قال ليس لك عندي وديعة ثم أقام البينة على الضياع: إن أقام البينة على الضياع بعد الجحود فهو ضامن، وإن أقام بينته على الضياع قبل الجحود فلا ضمان، وإن أقام بينته على الضياع مطلقا ولم يتعرضوا لكونه قبل الجحود أو بعده فهو ضامن.
ا ه.
قوله: (فإن حلف ضمنه) أي ضمن المالك المودع لعدم ثبوت مدعاه فيضمن بجحوده، وإن نكل برئ: أي المودع لان النكول إقرار أو بذل كما سمعت.
قوله: (وكذا العارية) أي إذا ادعى المستعير هلاكها قبل جحوده فإن القاضي يحلفه على العلم.
قوله: (ويضمن قيمتها يوم الجحود إن علم) الاصوب علمت: أي القيمة لان الفاعل ضمير مؤنث متصل فتلزم التاء.(2/497)
ونقل في المنح قبله عن الخلاصة ضمان القيمة يوم الايداع بدون تفصيل، لكنه متابع في النقل
عن الخلاصة لصاحب البحر وفيما نقله سقط كما قدمناه قريبا، فإن ما رأيته في الخلاصة موافق لما في العمادية فتنبه.
وأصل العبارة: قضى عليه بقيمته يوم الجحود، فإن قال الشهود لا نعلم قيمته يوم الجحود لكن قيمته يوم الايداع كذا قضى عليه بقيمته يوم الايداع.
وعبارة العمادية: أنه لو جحد الوديعة وهلكت ثم أقام المودع بينة على قيمتها يوم الجحود يقضي بقيمتها يوم الجحود، وإن لم يعلم قيمتها يوم الجحود يقضي بقيمتها يوم الايداع، يعني إذا أثبت الوديعة.
كذا ذكره في العدة ا ه.
ولذلك تعقب العلامة المقدسي صاحب البحر بأن الذي في الخلاصة يقضي عليه بقيمته الخ.
قوله: (وإلا فيوم الايداع) قال مؤيد زاده: إن لم تعلم قيمة الوديعة يوم الجحود يقضي بقيمتها يوم الايداع.
قوله: (بخلاف مضارب جحد) أي قال لرب المال لم تدفع لي شيئا.
قوله: (ثم اشترى) أي بعد ما أقر ورجع عن الجحود، بأن قال بلى قد دفعت إلي، بخلاف ما لو أقر بعد الشراء فيضمن المتاع له.
منح عن الخانية.
قوله: (لم يضمن خانية) عبارتها كما في المنح: المضارب إذا قال لرب المال لم تدفع إلي شيئا ثم قال بلى قد دفعت إلي ثم اشترى بالمال ذكر الناطفي أن المشتري يكون على المضاربة، وإن ضاع المال في يده بعدا لجحود وقبل الشراء فهو ضامن والقياس أن يضمن على كل حال.
وفي الاستحسان: إن جحد ثم أقر ثم اشترى برئ عن الضمان، وإن جحدها ثم اشترى ثم أقر فهو ضامن والمتاع له، وكذا الوكيل بشراء شئ بغير عينه بألف ودفع الموكل المال إلى الوكيل، فإن كان العبد معينا فاشتراه في حالة الجحود أو بعدما أقر فهو للآمر.
ولو دفع رجل عبدا إلى رجل ليبيعه فجحد المأمور ثم أقر به فباعه قال محمد بن سلمة جاز ويبرأ عن الضمان، وقال غيره من المشايخ في قياس قوله ولو باعه بعد الجحود ثم أقر جاز أيضا.
ا ه.
وبهذا يعلم ما في عبارته من حذف ما لا بد منه وهو قوله ثم أقر ثم اشترى الخ.
فتأمل.
وعليه فلو قال بخلاف مضارب جحد ثم أقر ثم اشترى لم يضمن لاصاب.
قوله: (والمودع له السفر بها) أي برا، وأجمعوا أنه لو سافر بها بحرا يضمن هندية عن غاية البيان.
قال في البحر: ومن المخوف السفر بها في البحر لان الغالب فيه العطب.
ا ه.
وعزاه للاختيار.
وتعقبه المقدسي بحثا منه رحمه الله تعالى بأن من المقرر أن النادر لا حكم له، فلو العطب قليلا والسلامة أغلب فلا ضمان سواء سافر برا أو بحرا، وبالعكس يضمن، يعمل ذلك من هنا ومن قولهم للمضارب السفر برا أو بحرا، ومن قولهم يجب الحج إذا كان الاغلب السلامة ولو بحرا، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان كما هو مشاهد فتدبر انتهى.
وأجيب أيضا بأن التقييد مستفاد من تعليله.
ا ه.
أقول: وحيث كانت العلة الخوف وهو أيضا منتف بسفينة التجار في زماننا المعروفة بالبابور فإن الغالب فيها السلامة، لان التجار الآن لا تطمئن قلوبهم في إرسال أموالهم إلا بها بحرا، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول.
على أنا قدمنا ويأتي أن العبرة في حفظ الوديعة العرف، وحيث كان العرف كذلك(2/498)
فينبغي أن يقال لا فرق بين السفر بها برا أو بحرا في البابور، فتأمل وراجع.
وقيد بالمودع لان الاب أو الوصي إذا سافر بمال اليتيم لا يضمن إجماعا.
والوكيل بالبيع إذا سافر بما وكل ببيعه إن قيد الوكالة بمكان بأن قال له بعه بالكوفة فأخرجها من الكوفة يصير ضامنا عندنا، وإن أطلق للوكالة فسافر به، إن كان شئ له حمل ومؤنة يكون ضامنا وإن لم يكن له حمل ومؤنة لا يصير ضامنا عندنا إذا لم يكن له بد من السفر، وإن كان له بد من السفر لا يكون ضامنا عند أبي حنيفة طال الخروج أم قصر.
وقال أبو يوسف: إن طال الخروج يكون ضامنا، وإن قصر لا يكون ضامنا.
كذا في فتاوى قاضيخان، ويأتي تمامه قريبا.
قوله: (ولو لها حمل) فسره في الجوهرة بما يحتاج في حمله إلى ظهر أو أجرة حمال ا ه مكي.
وفي الهندية عن المضمرات: لو كانت طعاما كثيرا فسافر بها فهلك الطعام فإنه يضمن استحسانا ا ه.
وذكر في المنح: ولا يضمن ولو كان الخروج طويلا، ومؤنة الرد على المالك.
قال في التبيين: وما يلزم الآمر من مؤنة الرد ضرورة صحة أمره فلا يعد ذلك إضرارا به.
ا ه.
قال الزيلعي: وقال محمد لا يخرج بما له حمل ومؤنة ا ه.
وجعله في العناية قول الثاني أيضا.
ثم قال: لكن قيل عند الثاني إذا كان بعيدا وعند محمد: مطلقا قريبا كان أو بعيدا ا ه.
واستثنى في شرح القدوري الطعام الكثير فإنه يضمن إذا سافر به استحسانا، ونقله في البحر.
وفيه عن قاضيخان: للمودع أن يسافر بمال الوديعة إذا لم يكن له حمل ومؤنة.
وتعقبه الحموي بأن ما في الخانية من اشتراط عدم الحمل والمؤنة مبني على قولهما، أما على قول أبي حنيفة فيسافر بها مطلقا عند عدم النهي.
قوله: (عند عدم نهي المالك وعدم الخوف عليها) قال: إذا لم يعين مكان الحفظ أو لم ينه عن الاخراج نصا بل أمره بالحفظ مطلقا فسافر بها: فإن كان الطريق مخوفا فهلكت ضمن بالاجماع، وإن كان آمنا ولا حمل لها ولا مؤنة لا يضمن بالاجماع وإن كان لها حمل ومؤنة: فإن كان المودع مضطرا في المسافرة بها لا يضمن بالاجماع، وإن كان له بد من المسافرة بها فلا ضمان عليه قربت المسافة أو بعدت.
وعلى قول أبي يوسف: إن بعدت يضمن وإن قربت لا.
هذا هو الملخص والمختار.
وهذا كله إذا لم ينه عنها ولم يعين مكان الحفظ نصا، وإن نهاه نصا وعين مكانه فسافر بها وله منه بد ضمن.
كذا في الفتاوى العتابية.
إن أمكنه حفظ الوديعة في المصر الذي أمره بالحفظ فيها مع السفر بأن يترك عبدا له في المصر المأمور به أو بعض من في عياله، فإذا سافر بها والحالة هذه ضمن، وإن لم يمكنه ذلك بأن لم يكن له عيال أو كان إلا أنه احتاج إلى نقل العيال فسافر فلا ضمان.
كذا في التاترخانية.
هندية من الباب الثالث من كتاب الوديعة.
قوله: (فإن له بد من السفر) هذا التفصيل في الصورتين كما أفاده الزيلعي وقد علمته من عبارة الهندية.
قوله: (فإن سافر بنفسه ضمن) أي لو كان له أهل لم يسافروا معه لان له بدا من السفر بها.
فرع: من استؤجر لحفظ عين أو وكل ببيعها ليس له أن يسافر بها، وكذا إذا قيد الايداع بمكان.(2/499)
وفي المقدسي عن النسفي: للوكيل بالبيع أن يدفع العين إلى السمسار.
قوله: (فإن سافر بنفسه ضمن وبأهله لا) لانه يمكنه أن يحفظها بعياله، وقدمناه عن الهندية معزيا للتاترخانية.
والحاصل: أن عند أبي حنيفة له أن يسافر بها مطلقا: أي سواء كان لها حمل ومؤنة أو لا،
وسواء له بد من السفر أو لا، ولا فرق بين الطويل والقصير.
وعندهما: ليس له السفر بها إذا كان لها حمل ومؤنة وطالت مدة السفر، وهذا الخلاف في خصوص ماله حمل ومؤنة مع طول مدة السفر، أما ما ليس له حمل ولا مؤنة ولم تطل مدة سفره فله السفر بها اتفاقا عند عدم النهي والخوف، وكذا مع النهي والخوف أيضا إن لم يكن له من السفر بد كما سبق.
وفي خصوص ما إذا أمكنه الحفظ في المصر بأن كان بعض عياله ثمة ولم يحتج إلى نقلهم.
أما لو لم يمكنه بأن لم يكن أو كان ولكن احتاج إلى نقلهم لا يضمن بالاجماع، وإن سافر بنفسه من غير عياله يضمن، وبه صرح في البحر عن الخانية كما يستفاد ذلك من أبي السعود، وهذا كله في سفر البر كما علمت.
أما في البحر فليس له أن يسافر في قولهم جميعا إلا على ما بحثه أبو السعود وأيدناه بما تقدم قريبا فلا تنسه.
قوله: (ولو أودعا شيئا مثليا أو قيميا) لكن عدم جواز الدفع في القيمي بإجماع، وفي المثلي خلاف الصاحبين فإنهما قالا بجواز دفع حظه له قياسا على الدين المشترك.
وفرق أبو حنيفة بينهما بأن المودع لا يملك القسمة بينهما فكان تعديا على ملك الغير، وفي الدين يطالبه بتسليم حقه إذ الديون تقضي بأمثالها فكان تصرفا في مال نفسه كما في البحر.
قوله: (لم يجز) قدره بناء على ما سيأتي من أنه لو دفع لم يضمن فلم يبق المراد بنفي الدفع إلا عدم الجواز، وسيأتي ما فيه.
وفي البحر: وأشار بقوله: (لم يدفع) إلى أنه لا يجوز له ذلك حتى لا يأمره القاضي بدفع نصيبه إليه في قول أبي حنيفة، وإلى أنه لو دفع إليه لا يكون قسمة اتفاقا، حتى إذا هلك الباقي رجع صاحبه على الآخذ بحصته وإلى أن لاحدهما أن يأخذ حصته منها إذا ظفر بها.
ا ه.
قال المقدسي: قلنا بل يطالبه بدفع حظ الغائب لانه طلب المقرر وحقه مشاع، ولا يتميز إلا بالقسمة ولا يملكها، ولذا لا يقع دفعه قسمة، فلو هلك الباقي رجع صاحبه، وإذا لم يقع قسمة كان متعديا في النصف فيضمن، وفي الدين يطالبه بتسليم حقه لان الدين يقضي بمثله فتصرف في ملكه ولا قسمة.
تتمة: في أبي السعود: الغريم المديون أن يأخذ وديعته إن ظفر بها، وليس للمودع الدفع إليها شيخنا، وإذا مات المودع بلا وارث كان للمودع صرفها إلى نفسه إن كان من المصارف وإلا صرفها إلى
المصرف.
ا ه.
وعزاه إلى الحموي عن البزازية.
قوله: (ولو دفع هل يضمن) أي نصيب الغائب وهو نصف المدفوع إن هلك الباقي في القسمة أو لا يضمن لان لاحد الشريكين أن ينتفع بحصته في المثلى.
قال بالاول الامام، وبالثاني الصاحبان.
واعلم أنهم قالوا: إذا دفع لا يكون قسمة اتفاقا، حتى إذا هلك الباقي رجع الغائب على الآخذ بحصته.(2/500)
وفي الهندية: إذا دفع المودع إلى الحاضر نصفها ثم هلك ما بقي وحصر الغائب.
قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: إن كان الدفع بقضاء فلا ضمان على أحد، وإن كان بغير قضاء فإن الذي حضر اتبع الدافع بنصف ما دفع ويرجع به الدافع على القابض، وإن شاء أخذ من القابض نصف ما قبض: كذا في الذخيرة.
فإن هلك ما في يد المودع هلك أمانة بالاجماع ينابيع.
ولو هلك المقبوض في يد القابض فليس له أن يشارك فيما بقي غاية البيان، فأفاد أن المودع لو دفع الكل لاحدهما بلا قضاء وضمنه الآخر حصته من ذلك فله الرجوع بما ضمنه على القابض، وهذا على قول أبي يوسف.
قوله: (في الدرر نعم) أي يضمن، في فتاوى قاضيخان ما يفيده، ولفظه: ثلاثة أودعوا رجلا مالا وقالوا لا تدفع المال إلى أحد منا حتى نجتمع فدفع نصيب أحدهم.
قال محمد: في القياس يكون ضامنا، وبه قال أبو حنيفة، وفي الاستحسان: لا يضمن، وهو قول أبي يوسف ا ه.
فلو لم يقل لا تدفع حتى نجتمع هل يضمن بالدفع: أي بناء على الاستحسان الذي يأتي ذكره قريبا؟ ظاهر تقييدهم أنه لا يضمن إلا أن يأتيا بالوديعة حاملين لها وسلماها كذلك، أما إذا سلمها أحدهما بحضرة الآخر فظاهر أنه يدفع لمن سلمه وحضور الآخر لا يقتضي كونه مودعا لجواز أن يكون شاهدا له ونحوه.
كذا أفاده الحموي.
من مناقب الامام، أن اثنين أودعا الحمامي شيئا فخرج أحدهما وأخذ الوديعة وانصرف فخرج الآخر وطلبها منه فلم يخبره الحمامي واستمهله وانطلق إلى الامام رحمه الله تعالى فأخبره فقال له قل له أنا لا أعطي الوديعة إلا لكما معا فانصرف ولم يعد.
زيلعي.
قوله: (وفي البحر الخ) أي في المثلي
كالمثال الذي ذكره في البحر عن الخانية، أما في القيمي فيضمن اتفاقا لانه لا يقسم بدون حضور الشريك أو نائبه.
قوله: (فكان هو المختار) تعقبه المقدسي فقال: كيف يكون هو المختار مع أن سائر المتون على قول الامام.
وقال الشيخ قاسم: أختار قول الامام النسفي والمحبوبي والموصلي وصدر الشريعة.
وقال المقدسي: وقول بعضهم عدم الضمان هو المختار مستدلا بكونه الاستحسان مخالف لما عليه الائمة الاعيان بل غالب المتون عليه متفقون.
كذا في حاشية أبي السعود عن الحموي.
قوله: (اقتسماه) أي الرجلان المودعان بفتح الدال وذكر الرجل استطرادي.
قوله: (وحفظ كل) أي كل واحد منهما نصفه، لانه لا يمكن الاجتماع على حفظها وحفظ كل واحد منهما للنصف دلالة، والثابت بالدلالة كالثابت بالنص.
قوله: (وعدلي رهن) أي العدلين اللذين وضع عندهما الرهن فهو بفتح العين تثنية عدل كذلك، فإنهما يقتسمان المثلي ويحفظ كل نصيبه، فإن دفع أحدهما نصيبه إلى الآخر ضمن ما دفع.
قوله: (ووكيلي شراء) بأن دفع لهما ألفا يشتريان به عبدا اقتسما الالف، فإن دفع أحدهما نصفه ضمن الدافع، وأجمعوا أن المدفوع إليه لا يضمن لانه مودع المودع.
هندية قوله: (ضمن) أي النصف فقط.
قوله: (الدافع) أي لا القابض لانه مودع المودع.
بحر.
وهذا عند أبي حنيفة.
وقالا: لا يضمنان به.
كذا أفاده مسكين، ومثله في الهداية، وقول أبي حنيفة أقيس، لان رضاه بأمانة اثنين لا يكون رضا بأمانة واحد، فإذا كان الحفظ مما يتأتى منهما عادة لا يصير راضيا بحفظ أحدهما للكل كما في البيانية.
قوله: (بخلاف ما لا يقسم) فسر ما لا يقسم بالمكيلات والموزونات، ومثلهما كل ما لا يتعيب(2/501)
بالتقسيم، وما لا يقسم هو ما يتعيب بالتقسيم الحسي ا ه مكي.
قال السيد الحموي: وإذا لم تمكن القسمة فيما لا يقسم كان لهما التهايؤ في الحفظ.
كذا في الخلاصة.
فلو دفعه زائدا على زمن التهايؤ ينظر ا ه.
قوله: (لجواز حفظ أحدهما بإذن الآخر) أقول: الصواب في التعليل أن يقول: لانه لما أودعهما مع علمه بأنهما لا يجتمعان على حفظها دائما كان راضيا بحفظ أحدهما.
قوله: (فدفعها إلى ما لا بد منه) من عياله وغيرهم كدفع الدابة إلى عبده وما يحفظه النساء إلى عرسه.
درر.
وهذا إنما يظهر في صورة ما إذا منعه عن الدفع إلى بعض معين من
عياله لا في النهي عن الدفع إلى العيال مطلقا، ثم عدم الضمان فيما إذا دفع إلى بعض عياله وقد نهى عن الدفع إليه، محله إذا كانت الوديعة مما يحفظ في يد من منعه.
أما لو كانت لا تحفظ عنده عادة فنهاه عن الدفع إليه فدفع ضمن، كما لو كانت الوديعة فرسا فمنعه من دفعها إلى امرأته أو عقد جوهر فمنعه من دفعه إلى غلامه ودفع ضمن.
أفاده الزيلعي.
ومن حوادث الفتوى: شرط على المودع الحفظ بنفسه فحفظ بزوجته هل يضمن للمخالفة أو لا؟ والذي يظهر من كلامهم عدم الضمان.
حموي.
وأقول: ينبغي أن يقيد عدم الضمان بالدفع إلى الزوجة بما إذا كانت الوديعة نحو عقد، فلو كانت نحو فرس ضمن.
أبو السعود.
وفيه: قوله وإن كان له منه بد هذه المسألة صادقة بصورتين.
الاولى أن تكون الوديعة شيئا خفيفا يمكن المودع الحفظ بنفسه كالخاتم فإنه يضمن بدفعه إلى عياله.
الثانية: أن يكون له عيال سوى من منعه من الدفع إليه.
بحر.
فإن قلت: هذا إنما يتجه أن لو منعه من الدفع إلى بعض معين من عياله وهو خلاف ما يستفاد من قول المصنف: ولو قال لا تدفع إلى عيالك.
قلت: مبنى هذا الاشكال ما هو المتبادر من أن قوله: وإن كان له منه بد مرتبط بقوله: ولو قال لا تدفع إلى عيالك وليس كذلك، ولهذا شرح العيني قول المصنف: أي الكنز وإن كان له منه بد بقوله بأن نهاه أن يدفعها إلى امرأته فلانة وله امرأة أخرى أو نهاه أن يسلمها إلى غلامه فلان وله غلام آخر فخالفه ا ه.
قوله: (لم يضمن) لانه لا يمكنه الحفظ مع مراعاة شرطه لان التقييد غير مفيد، لان الدار حرز واحد بدليل أن السارق إذا أخذ من بيت من الدار فنقل إلى بيت آخر لم يقطع لعدم هتك الحرز، والحرز الواحد لا فائدة في تخصيص بعضه دون بعض، وما لا فائدة في تخصيصه في الامر يسقط في الايداع، كما لو قال احفظها بيمينك دون شمالك أو ضعها في يمين البيت دون يساره، وكما لو قال في كيسك هذا فوضعها في غيره أو في الصندوق، أو احفظ في الصندوق ولا تحفظ في
البيت فحفظ بالبيت فإنه لا يضمن.
لكن قد يفرق بين الحرز في السرقة والحرز في الوديعة، وذلك أن المعتبر في قطع السارق هتك الحرز وذلك لا يتفاوت باعتبار المحروزات، والمعتبر في ضمان المودع(2/502)
التقصير في الحفظ، ألا ترى أنه لو وضعها في داره الحصينة فخرج وكانت زوجته غير أمينة يضمن، ولو أحد سرقها يقطع لان الدار حرز وإنما ضمن للتقصير في الحفظ، ولو وضعها في الدار وخرج والباب مفتوح ولم يكن في الدار أحد أو في الحمام أو المسجد أو الطريق أو نحو ذلك وغاب يضمن مع أنه لا يقطع سارقها، ونظائر هذا كثيرة، فإذا اعتبرنا هنا الحرز المعتبر في السرقة لزم أن لا يضمن في هذه المسائل ونحوها، فيلزم مخالفة ما أطبقوا عليه في هذا الباب، فظهر يقينا صحة ما قلنا من الفرق، والله تعالى أعلم.
قال في البزازية: ولو قال وضعتها بين يدي وقمت ونسيتها فضاعت يضمن.
ولو قال وضعتها بين يدي في داري والمسألة بحالها إن مما لا يحفظ في عرصة الدار كصرة النقدين يضمن، ولو كان مما بعد عرصتها حصنا له لا يضمن ا ه.
ومثله في الخلاصة والفصولين والذخيرة والخانية وغيرها.
وظاهره أنه يجب كل شئ في حرز مثله، وفي السرقة يعتبر في ظاهر المذهب كل ما كان حرزا لنوع فهو حرز لكل الانواع.
وعليه فقد ظهر الفرق بين الحرزين.
ففي السرقة يقطع بسرقة لؤلؤة من إصطبل، ولو كانت وديعة وضعها في الاصطبل وهلكت يضمن المودع، لان الاصطبل ليس حرز مثلها، وبه ظهر جواب حادثة، وهي أن مودعا وضع بقجة شال غالية الثمن في إصطبل فسرقت.
والجواب أنه يضمن وإن قطع سارقها، والله تعالى أعلم.
قوله: (وإلا ضمن) أي في المسألتين وهي: دفعها إلى من لا بد منه، بأن دفعها إلى من له منه بد: أي انفكاك وفرقة.
والثانية حفظها في بيت آخر والبيوت مستوية بأن حفظها في بيت والبيوت مختلفة.
قال في البدائع: والاصل المحفوظ في هذا الباب ما ذكرنا أن كل شرط يمكن مراعاته ويفيد والعمل به ممكن فهو معتبر، وكل شرط لا يمكن مراعاته ولا يفيد فهو هدر، وهنا إنما ضمن لان التقييد مفيد كما قال الشارح، كما إذا ظهر البيت المنهي عنه إلى السكة كما في البحر: أي فإنه يضمن لانه متعد، لان من
العيال من لا يؤتمن على المال: أي فيما إذا نهاه عن الدفع إلى زوجته أو غلامه وللمودع زوجته أو غلام آخر ولتفاوت البيوت في الحفظ.
بقي لو أمره بالحفظ في دار فحفظ في دار أخرى، فالذي ذكره شيخ الاسلام الضمان وإن كانت الثانية أحرز.
والذي في شرح الطحاوي: إذا كانت الدار التي خبأها فيها والدار الاخرى في الحرز على السواء، أو كانت التي خبأها فيها أحرز فلا ضمان عليه سواء نهاه عن الخب ء فيها أو لم ينهه.
كذا في المحيط.
ولو قال: احفظها في هذه البلدة ولا تحفظها في بلدة أخرى فحفظها في البلدة المنهية ضمن بالاتفاق ا ه.
هندية.
قوله: (لان التقييد مفيد) أي والنهي عن الوضع في الدار الاخرى مفيد، لان الدارين يختلفان في الامن والحفظ فصح الشرط وأمكن العمل به.
وأما البيتان في دار واحدة فقلما يختلفان في الحرز، فالمتمكن من الاخذ من أحدهما يتمكن من الاخذ من الآخر فصار الشرط غير مفيد وتعذر العمل به أيضا فلا يعتبر وكذا الصندوقان، فإن تعيين الصندوق في هذه الصورة لا يفيد، فإن الصندوقين في بيت واحد لا يتفاوتان ظاهر إلا أن يكون لهما: أي للبيت والصندوق خلل ظاهر فحينئذ يفيد الشرط ويضمن بالخلاف، وكذا لو كانت البيت أو الصندوق المأمور بالحفظ فيه أحرز من(2/503)
المنهي عن الوضع فيه فحينئذ يضمن أيضا كما بينا.
وذكر شيخ الاسلام خواهر زاده أنه يضمن بالحفظ المنهي عنه مطلقا كما في الظهيرية، وعليه كلام الذخيرة كما علمته من كلام الهداية المار قريبا.
قوله: (ولا يضمن مودع المودع) أي بالهلاك عنده، أما لو استهلكه ضمن، ومودع الغاصب لو رده على الغاصب برئ، كما أن غاصب الغاصب لو رد على الغاصب برئ كما سيذكره في الغصب ذكره الخير الرملي.
قوله: (فيضمن الاول) إذا دفع إلى غير من في عياله بغير إذن ولا ضرورة كحرق.
در منتقى.
وإنما ضمن الاول لانه ترك الحفظ دون الثاني لانه أخذ المال من أمين ولم يترك الحفظ وهذا قول الامام.
وعندهما يضمن المالك أيهما شاء، فإن ضمن الاول لم يرجع على الثاني لانه ملكه بالضمان فظهر أنه أودع ملك نفسه، وإن ضمن الثاني رجع على الاول لانه عامل له فيرجع عليه بما لحقه من
العهد.
لهما أن الاول جنى بالتسليم إلى الثاني بغير إذن المالك، والثاني تعدى بالقبض بلا إذنه فيميل المالك إلى أيهما شاء.
وللامام أن الاول لا يضمن بالدفع إلى الثاني ما لم يفارقه لان حفظه لا يفوت ما دام في مجلسه، والمالك إنما رضي بحفظه ورأيه لا بصورة يده بدليل أنها لو هلكت قبل أن يفارقه لا يضمن واحد منهما بالاجماع، فإذا فارق الاول الثاني ضمن لانه صار مضيعا والثاني أمين استمر على الحالة الاولى ولم يوجد منه تعد ولم يكن متعديا من الابتداء بالقبض فلا ينقلب متعديا من غير إحداث فعل زيلعي.
وهنا ضمن في إيداع قصدي، لانه لو كان ضمنيا قيل لا يضمن، كما لو دخل الحمام ووضع دراهم الوديعة مع ثيابه بين يدي الثيابي قيل يضمن، لانه إيداع المودع كما قدمناه عن جامع الفصولين معزيا للذخيرة.
وفيه معزيا للمحيط: لا يضمن لانه إيداع ضمني وإنما يضمن بإيداع قصدي.
ا ه.
ومن هذا القبيل ما في الدرر: أودع حر عبدا محجورا فأودع المحجور محجورا مثله وضاع المودع ضمن الاول فقط بعد العتق لانه سلطه على إتلافه وشرط عليه الضمان فصح التسليط وبطل الشرط في حق المولى، ولا يضمن الثاني لانه مودع المودع.
وصورة المسألة: أودع عند رجل وديعة فأودعها المودع عند شخص آخر من غير عياله فهلكت: مسكين.
قوله: (لا ضمان) لان حفظه لا يفوت ما دام في مجلسه الخ ولو استهلك الثاني الوديعة ضمن بالاتفاق ولصاحب الوديعة أن يضمن الاول ويرجع على الثاني وأن يضمن الثاني ولا يرجع ط.
قوله: (لم يصدق) لانه يدعي زوال سبب الضمان بعد ثبوته والمالك ينكره فالقول للمالك بيمينه والبينة للمودع.
قال في جامع الفصولين: لم يصدق لانه أقر بوجوب الضمان عليه ثم ادعى البراءة فلا يصدق إلا ببينة ا ه.
ووجوب الضمان عليه هنا كونه أودع عند الغير والايداع إلى الغير موجب للضمان فلا يصدق في رفع الموجب.
قوله: (وفي الغصب منه يصدق) يعني لو غصب الوديعة من المودع غاصب وهلكت فأراد المالك أن يضمن الغاصب فقال المودع رده علي وهلك عندي وقال لا بل هلك(2/504)
عنده فالقول قول المودع إذا لم يفعل المودع ما يوجب الضمان، فهو على ما كان أمين عنه الرد وقبله وبعده، بخلاف دفعه للاجنبي لانه موجب للضمان، شائحاني.
قوله: (لانه أمين) ولم يوجد منه تعد يوجب الضمان.
قوله: (فكلاهما ضامن) أي كل من القصار وقاطع الثوب، وللمالك الخيار في تضمين أيهما شاء، فإن ضمن القصار رجع بما ضمنه على قاطع الثوب، وإن ضمن القاطع لا رجوع له على القصار.
ونظير هذه المسألة ذكره مؤيد زاده عن جامع الفصولين: لو دفع القصار إلى المالك ثوب غيره فأخذه على ظن أنه له ضمن والجهل فيه ليس بعذر.
طلب ثوبه من قصار فقال دفعت ثوبك إلى رجل ظننت أنه ثوبه ضمن القصار كثيابي حمام سلم إليه رجل ثيابه ليحفظها فقال الثيابي خرج رجل ولبس ثيابك فظننت أنها له ا ه.
قوله: (فلربها تضمين من شاء) المودع لتعديه لما لم يؤمر به والمعالج لمباشرته سبب الهلاك ط.
قوله: (رجع على الاول) في جامع الفصولين رامزا للذخيرة: مرضت دابة الوديعة فأمر المودع إنسانا فعالجها ضمن المالك أيهما شاء، فلو ضمن المودع لا يرجع على المعالج ولو ضمن المعالج رجع على المودع علم أنها للغير أو لا، إلا إن قال المودع ليست لي ولم أومر بذلك فحينئذ لا يرجع ا ه.
تأمل.
ومثله في نور العين رامزا للاستروشنية ومجموع النوازل.
لكن قال في الهندية: فإن ضمن المودع لا يرجع على أحد، وإن ضمن المعالج: إن علم أنها ليست له لا يرجع عليه، وإن لم يعلم أنها لغيره أو ظنها رجع عليه، ومثله في القهستاني وهذا هو المناسب لما هنا.
وأما ما ذكره في الفصولين واستظهره صاحب الدرر من أنه يرجع وإن علم أن المودع غاصب في معالجة الوديعة بلا إذن صاحبها، وما ذكره من قوله خلافا لما نقله القهستاني الخ يوافق ما ذكره الشارح فيما لو عالج الوديعة بإذن المودع كما نبه عليه، فليتأمل.
اللهم إلا أن يحمل قوله إلا إن علم: أي بإخبار المودع صراحة، بأن قال للمعالج ليست لي ولم أومر بذلك.
وأما إذا لم يقل ذلك فلا يعد عالما، وبه يحصل التوفيق بين كلام الشارح والهندية وبين الجامع ونور العين وإن لم أره مسطورا في كلامهم، والله تعالى أعلم.
وأقول: خلاصة ما ذكرناه أن صاب الدابة إذا ضمن من عالجها بأمر المودع فعطبت يرجع على
المودع، إلا إذا قال المودع حين دفعها للمعالج ليست لي ولم أومر بذلك على ما في الفصولين.
ومثله في نور العين عن الاستروشنية.
وفي الهندية عن الجوهرة والشارح عن المجتبى أن صاحب الدابة إذا ضمن من عالجها فعطبت يرجع على المودع إن لم يعلم: أي المعالج أنها لغير المودع وإلا لم يرجع، وهذا الذي يعول عليه حيث صرح في صدر عبارته بالرواية عن الامام عن محمد رحمه الله تعالى فلا يعدل عنه، والله تعالى أعلم.
قوله: (بخلاف مودع الغاصب) قال في البحر: والفرق بينهما على قول أبي حنيفة أن مودع الغاصب غاصب لعدم إذن المالك ابتداء وبقاء، وفي الاول ليس بغاصب لانه لا(2/505)
يضمن المودع بمجرد الدفع ما لم يفارقه، فإن فارقه صار مضيعا لها وقت التفريق لترك الحفظ الملتزم بالعقد والقابض منه لم يكن متعديا بالقبض بدليل عدم وجوب الضمان بالهلاك قبل أن يفارقه الاول، وبعد الافتراق لم يحدث فعلا آخر بل هو مستمر على ذلك الفعل بل هو أمين فيه فلا يضمن ما لم يوجد منه تعد.
ا ه.
قوله: (فيضمن أيا شاء) قال في شرح الزيادات: رجل غصب جارية فأودعها رجلا فأبقت منه ثم استحقت كان له الخيار يضمن أيهما شاء، فإن ضمن الغاصب برئ المودع وكانت الجارية ملكا للغاصب، وإن ضمن المودع كان للمودع أن يرجع على الغاصب بما ضمن لانه عامل له وتصير الجارية بنفس تضمينه ملكا للغاصب، حتى لو أعتقها الغاصب جاز ولو أعتقها المودع لا يجوز، ولو كانت محرما من الغاصب عتقت عليه لا على المودع إذا ضمنها، لان قرار الضمان على الغاصب لان المودع وإن جاز تضمينه فله الرجوع بما ضمن على الغاصب والمودع لكونه عاملا له فهو كوكيل الشراء.
ولو اختار المودع بعد تضمينه أخذها بعد عودها ولا يرجع على الغاصب لم يكن له ذلك، وإن هلكت في يده بعد العود من الاباق كانت أمانة وله الرجوع على الغاصب بما ضمن، وكذا إذا ذهبت عينها، وللمودع حبسها عن الغاصب حتى يعطيه ما ضمنه للمالك، فإذا هلكت بعد الحبس هلكت بالقيمة، وإن ذهبت عينها بعد الحبس لم يضمنها كالوكيل بالشراء لان الغاية وصف وهو لا يقابله شئ، ولكن يتخير الغاصب إن شاء أخذها وأدى جميع القيمة، وإن شاء ترك كما في الوكيل بالشراء،
ولو كان الغاصب أجرها أو رهنها فهو والوديعة سواء، وإن أعارها أو وهبها: فإن ضمن الغاصب كان الملك له، وإن ضمن المستعير أو الموهوب له كان الملك لهما، لانهما لا يستوجبان الرجوع على الغاصب فكان قرار الضمان عليهما فكان الملك لهما، ولو كان مكانهما مشتر فضمن سلمت الجارية له، وكذا غاصب الغاصب إذا ضمن ملكها لانه لا يرجع على الاول فتعتق عليه لو كانت محرما منه، وإن ضمن الاول ملكها فتعتق عليه لو كانت محرمه، ولو كانت أجنبية فللاول الرجوع بما ضمن على الثاني لانه ملكها فيصير الثاني غاصبا ملك الاول، وكذا لو أبرأه المالك بعد التضمين أو وهبها له كان له الرجوع على الثاني، وإذا ضمن المالك الاول ولم يضمن الاول الثاني حتى ظهر الجارية كانت ملكا للاول، فإن قال أنا أسلمها للثاني وأرجع عليه لم يكن له ذلك لان الثاني قدر على رد العين فلا يجوز تضمينه، وإن رجع الاول على الثاني ثم ظهرت كانت للثاني ا ه.
وتمام التفريعات فيه فليراجعه من رامه.
مطلب: مودع الغاصب لو استهلكها لا يرجع على الغاصب إذا ضمنها وإذا ضمنها الغاصب يرجع على المودع قال المقدسي: قلت فلو استهلكها مودع الغاصب فغرم الغاصب ينبغي أن يرجع، ولو غرم هو لا يرجع.
قوله: (درر) وجزم به في البحر وأصله في التبيين.
وعبارته: ثم مودع الغاصب إن لم يعلم أنه غاصب رجع على الغاصب قولا واحدا، وإن علم فكذلك في الظاهر.
وحكى أبو اليسر لا يرجع، وإليه أشار شمس الائمة.
ذكره في النهاية.
قوله: (خلافا لما نقله القهستاني الخ) أي من أنه لا يرجع، وهو الموافق لما جزم به الشارح فيما لو عالج الوديعة بإذن(2/506)
المودع كما مر التنبيه عليه.
وعبارة القهستاني: وإنما يرجع على الغاصب إذا لم يعلم أنه غصب كما في العمادية ا ه قوله: (فتنبه) أشار بالتنبيه إلى ما حررناه قريبا.
أقول: والحاصل أن المودع لو دفع الوديعة إلى أجنبي بلا عذر فللمالك أن يضمنه فقط لا رجوع على الثاني إلا إذا استهلكها.
وعندهما: له أن يضمن أيا شاء، فإن ضمن الثاني رجع على الاول.
وأجمعوا على ذلك في الغاصب مع مودعه فللمالك تضمين أي شاء، لكن إن ضمن الثاني رجع على الاول بما ضمن إن لم يعلم أنها غصب كما في القهستاني عن العمادية.
قوله: (فنكل لهما) أي أنكر، وليس له عليهما بينة.
وصور هذه المسألة ستة: أقر لهما نكل لهما حلف لهما أقر لاحدهما ونكل للآخر أو حلف نكل لاحدهما وحلف للآخر.
واعلم أنه إذا حلف لاحدهما لم يقض له حتى يحلفه الثاني لينكشف وجه القضاء، بخلاف ما لو أقر لاحدهما ليحكم له إذا الاقرار حجة بنفسه والنكول حجة بالقضاء، ولذا لو نكل فحلف برئ.
مقدسي.
وفيه: ولو قال أودعنيها أحدكما فليس له الامتناع إن اصطلحا وليس عليه ضمان ولا استحلاف، فإن لم يصطلحا فلكل أن يستحلف كما تقدم، وتمام تفصيلها في الزيلعي.
قوله: (فهو لهما) لعدم الاولوية وعليه ألف آخر لاقراره به أو لبذله إياه على اختلاف الاصلين ولايهما بدأ القاضي بالتحليف جاز لتعذر الجمع بينهما أو عدم الاولوية.
والاولى عند التشاحن أن يقرع بينهما تطييبا لقلوبهما ونفيا لتهمة الميل، فإن نكل للاول لا يقضى به لينكشف وجه القضاء هل هو لهما أو لاحدهما، ولا ضرر عليه في التأخير لانه لا يقضي للمتقدم حتى يحلف للمتأخر.
قوله: (ولو حلف لاحدهما) في التحليف للثاني يقول بالله ما هذه العين له ولا قيمتها لانه لو أقر بها للاول ثبت الحق فيها فلا يفيد إقراره بها للثاني، فلو اقتصر على الاول لكان صادقا.
بحر.
قوله: (فالالف لمن نكل له) دون الآخر لوجود الحجة في حقه دونه، ولو حلف لهما فلا شئ لهما لعدم الحجة.
زيلعي.
قوله: (دفع إلى رجل ألفا وقال ادفعها اليوم الخ) أقول: ذكر في الخانية قولين في المسألة: إذا كان بعد الطلب قال مودع قال له رب الوديعة إذا جاء أخي فرد عليه الوديعة فلما طلب أخوه منه قال له المودع بعد ساعة أدفعها إليك فلما عاد إليه قال له هلكت لا يصدق لانه متناقض ويكون ضامنا.
وقال الشيخ الامام أبو بكر محمد بن الفضل: إذا طلب المودع وقال اطلبها غدا فأعيد الطلب في
الغد فقال قد ضاعت، روي عن أصحابنا أنه يسأل المودع متى ضاعت، إن قال ضاعت بعد إقراري لا يضمن، وإن قال كانت ضائعة وقت إقراري لا يقبل قوله لانه متناقض ويكون ضامنا، لان قوله اطلبها غدا إنما يكون للشئ القابل ا ه.
وقدمنا الكلام عليه بأوضح من ذلك.
قوله: (فلم يدفعها(2/507)
الخ) أي إذا لم يطلبها المأمور بدفعها إليه، أما لو طلبها فمنعها منه فهو كما لو منعها من مالكها، وقد تقدم الكلام فيه.
فرع: في البزازية: له على رجل دين فأرسل الدائن إلى مديونه رجلا ليقبضه فقال المديون دفعته إلى الرسول وقال: أي الرسول دفعته إلى الدائن وأنكره الدائن فالقول قول الرسول مع يمينه ا ه.
لكن الذي في نور العين: القول للمرسل بيمينه، فتأمل.
وفي البزازية أيضا قال الدائن ابعث الدين مع فلان فضاع من يد الرسول ضاع من المديون.
قوله: (احمل إلى) أي اليوم كما في الهندية.
ويؤخذ من السياق واللحاق.
قوله: (وضاعت) يعني غابت ولم تظهر ولا حاجة إليه.
قوله: (صدق المودع مع يمينه) أي في براءة ذمته من الوديعة لا في إلزام المدفوع إليه.
قوله: (لا يضمن على الاصح) مقتضاه أن الاجير المشترك لا يضمن، لكن أفتى الخير الرملي بالضمان في حاشية الفصولين حيث قال: وفي البزازية في متفرقات الاجارة من نوع في المتفرقات: دفع إلى المشترك ثورا للرعي فقال لا أدري أين ذهب الثور فهو إقرار بالتضييع في زماننا.
ا ه.
ولا يخفى أنه ليس مذهب أبي حنيفة، وانظر إلى قوله في زماننا ا ه.
قوله: (بخلاف قوله لا أدري أضاعت أم لم تضع) هذا مخالف لما في جامع الفصولين ونور العين وغيرهما، من أنه لا يضمن على الاصح، وهكذا رأيته في نسخة المنح، لكن لفظة لا ملحقة بين الاسطر وكأنها ساقطة من النسخ فنقلها الشارح هكذا، فتنبه.
ثم نقل في العمادية بعدها: ولو قال لا أدري أضيعتها أم لم أضيع يضمن لانه نسب الاضاعة إلى نفسه فكان ذلك تعديا منه كما يأتي قريبا.
قوله: (لا يضمن) أي إن كان للكرم أو للدار باب، وإن لم يكن لهما باب يضمن.
هندية عن المحيط.
وفي نور العين عن قاضيخان قال: وضعتها في داري فنسيت المكان لا يضمنه.
ولو قال
وضعتها في مكان حصين فنسيت الموضع ضمن لانه جهل الامانة كما لو مات مجهلا.
صع: وقيل لا يضمن كقوله ذهبت ولا أدري كيف ذهبت، ولو قال دفنت في داري أو في موضع آخر ضمن، ولو لم يبين مكان الدفن ولكن قال سرقت من مكان دفنت فيه لم يضمن.
عدة: لو دفنها في الارض يبرأ لو جعل هنالك علامة، وإلا فلا.
وفي المفازة ضمن مطلقا.
ولو دفنها في الكرم يبرأ لو حصينا.
بأن كان له باب مغلق.
ولو وضعها بلا دفن برئ لو موضعا لا يدخل فيه أحد بلا إذن.
ا ه.
أقول: ولا تنس ما قدمناه من أنه إذا كان الموضع حرزا لتلك الوديعة وإلا يضمن مطلقا ومن أن(2/508)
العبرة للعرف كما نقلناه عن البزازية، فتأمل.
وفيه: توجهت اللصوص نحوه في مفازة فدفنها حذرا فلما رجع لم يظفر بمحل دفنه، لو أمكنه أن يجعل فيه علامة ولم يفعل ضمن، وكذلك لو أمكنه العود قريبا بعد زوال الخوف فلم يعد ثم جاء ولم يجدها لا لو دفنها بإذن ربها.
فظ: وضعها في زمان الفتنة في بيت خراب يضمن لو وضعها على الارض لا لو دفنها ا ه.
وفي الهندية عن النوازل: إذا قال المودع سقطت الوديعة أو وقعت مني لا يضمن.
ولو قال أسقطت أو تركتها يضمن.
قال الشيخ الامام ظهير الدين المرغيناني رحمه الله تعالى: لا يضمن في الوجهين، لان المودع لا يضمن بالاسقاط إذا لم يترك الوديعة ولم يذهب، والفتوى عليه: كذا في الخلاصة: ولو قال: لا أدري أضاعت أو لم تضع لا يضمن.
ولو قال لا أدري أضيعتها أم لم أضيغ يضمن.
كذا في الفصول العمادية ا ه.
وقدمنا وجهه لانه نسب الاضاعة إلى نفسه، فهذا وجه ما نقلناه، وهي مسألة أخرى، بخلاف قوله ذهبت ولا أدري كيف ذهبت وقوله أضاعت أم لم تضع الخ، فلا فرق بينهما لان مؤدى العبارتين واحد كما لا يخفى على من تأمل، فتدبر.
قال في نور العين: ولو قال أسقطت أو تركتها ضمن كذا في ث.
وطعنوا أن مجرد الاسقاط
ليس بسبب ضمان، إذ لو أسقطها فرفعها ولم يبرح حتى هلكت يبرأ، فهنا لا يضمن بمجرد قوله أسقطت، بل بشرط أن يقول أسقطت وتركت أو أسقطت وذهبت أو أسقطت في الماء ونحوه، وقالوا في قوله سقطت أو وقعت ينبغي الضمان للسقوط بتقصير في الشد أو في جعلها في محل لا يحتملها فيكون كحمال.
وذكر أنه ينبغي أن لا يضمن بمجرد قوله أسقطت أو تركت، إذ لا يفرق العامة بين سقطت وأسقطت.
ولو قال ضاعت فالقول له.
ولو قال لم يذهب من مالي شئ لا يضمن.
ولو قال ذهبت ولا أدري كيف ذهبت فالقول له بيمينه.
ولو قال ابتداء لا أدري كيف ذهبت اختلف فيه المتأخرون، والاصح أنه لا يضمن.
ا ه.
أقول: لكن قدمنا عن العلامة الخير الرملي أنه أفتى بالضمان معللا بأنه تضييع في زماننا فلا تنسه.
وفيه: المودع لو سقط شئ من يده على الوديعة يضمن ا ه.
وفيه: نام ووضعها تحت رأسه أو بجنبه يبرأ وكذا بوضعه بين يديه في الصحيح قالوا يبرأ في الفصل الثاني لو نام قاعدا، ولو مضطجعا ضمن في الحضر لا في السفر.
عدة: يبرأ لو قاعدا لا لو واضعا جنبه على الارض، وفي السفر لا يضمن، ولو مضطجعا جعل ثياب الوديعة تحت جنبه، لو قصد به السرقة ضمن لا لو للحفظ.
ولو جعل الكيس تحت جنبه يبرأ مطلقا.
جعل دراهم الوديعة في خفه ضمن في الايمن لا في الايسر لانها في اليمين على شرف سقوط عند ركوبه، وقيل يبرأ مطلقا، وكذا لو ربطها في طرف كمه أو عمامته، وكذا لو شدها في منديل ووضعه في كمه يبرأ، ولو ألقاها في جيبه ولم تقع فيه وهو يظن أنها وقعت فيه لا يضمن خلاصة: ضمن.(2/509)
ولو دخل الحمام وهي في جيبه وتركه في الساكودة فسرق قيل يضمن.
قاضيخان.
جعلها في جيبه وحضر مجلس فسق فضاعت بعد ما سكر بسرقة أو سقوط أو نحوهما قيل لا يضمن لانه حفظها في محل يحفظ مال نفسه، وقيل هذا إذا لم يزل عقله.
أما إذا زال فلو بحيث لا يمكنه حفظ ماله يضمن
لانه عجز عن الحفظ بنفسه فيصير مضيعا أو مودعا غيره ا ه.
قوله: (إن خاف الخ) ظاهر صنيعه أن المنظور إليه ما وقع عند المودع من خوف تلف نفسه أو عضوه أو حبسه أو أخذ ماله وإن كان التهديد مطلقا أما إذا كان صريحا بأحدها فالحكم ظاهر ط.
قوله: (وإن خاف الحبس أو القيد) أو التجريس كما في الهندية.
قوله: (وإن خشي أخذ ماله كله فهو عذر) لانه يؤدي إلى تلف نفسه، بخلاف ما لو أبقى له قوت الكفاية.
وفي الهندية: سلطان هدد المودع بإتلاف ماله إن لم يدفع إليه الوديعة ضمن إن بقي له قدر الكفاية، وإن أخذ كل ماله فهو معذور ولا ضمان عليه.
كذا في خزانة المفتين.
قال ط: ولم يبين ما المراد بقدر الكفاية هل كفاية يوم أو شهر أو العمر الغالب؟ فيحرر.
ا ه.
والظاهر أن المراد بها هنا كفاية شهر أو يوم.
قوله: (كما لو كان الجائر هو الآخذ بنفسه فلا ضمان) أي من غير تفصيل كما يؤخذ من المنح.
قوله: (رفع الامر للحاكم) أي على سبيل الاولولة.
قوله: (ليبيعه) وإن لم يكن في البلد قاض باعها وحفظ ثمنها هندية، ولو أنفق عليها بلا أمر قاض فهو متبرع، ولو لم ينفق عليها المودع حتى هلكت يضمن لكن نفقتها على المودع.
منلا علي عن حاوي الزاهدي.
وفي التاترخانية: غاب رب الوديعة ولا يدري أحي هو أو ميت يمسكها حتى يعلم موته ولا يتصدق بها، بخلاف اللقطة، وإن أنفق عليها بلا أمر القاضي فهو متطوع ويسأله القاضي البينة على كونها وديعة عنده وعلى كون المالك غائبا، فإن برهن، فلو مما يؤجر وينفق عليها من غلتها أمره به وإلا يأمره بالانفاق يوما أو يومين أو ثلاثة رجاء أن يحضر المالك لا أكثر بل يأمره بالبيع وإمساك الثمن، وإن أمره بالبيع ابتداء فلصاحبها الرجوع عليه به إذا حضر، لكن في الدابة يرجع بقدر القيمة لا بالزيادة، وفي العبد بالزيادة على القيمة بالغة ما بلغت، ولو اجتمع من ألبانها شئ كثير أو كانت أرضا فأثمرت وخاف فساده فباعه بلا أمر القاضي، فلو في المصر أو في موضع يتوصل إلى القاضي قبل أن يفسد ذلك ضمن.
قوله: (فهلك حال القراءة) نص على المتوهم فلا ضمان بعدها بالاولى.
قوله: (لان له ولاية هذا التصرف) أي وهو القراءة، وسيأتي آخر العارية ما نصه: أما كتب العلم فينبغي أن يجوز النظر فيها إذا كانت لا تتضرر بالنظر والتقليب، ويكون كالاستظلال بالحائط والاستضاءة بالنار لا سيما
إذا كان مودعا وعادة الناس في ذلك المساهلة والمسامحة، والاحتياط عدم النظر إلا بأمر.
قوله: (وكذا لو وضع السراج) أي سراج الوديعة على المنارة: أي على محل النور فإنه لا يضمن إذا تلف.
قوله:(2/510)
(أودع صكا) أي له، أما إذا كان لغيره وقد أودعه هو وجاء الذي له الصك يطلبه فلا يدفعه إليه وعليه الفتوى.
هندية.
قوله: (وأنكر الوارث) أي وارث الطالب.
قوله: (حبس المودع الصك) لما فيه من الاضرار، وقد تقدم نحو هذا في المصنف، ولعله محمول على ما إذا كان المكتوب عليه يقر به إذا عرض عليه، وإلا فمجرد الخط لا يثبت الحق، ثم ظاهر كلامه يعم ما لو أنكر الوارث لكونه لا يعلم الدفع.
قوله: (أبدا) أن ما لم يقر الوارث بالاداء أي بما قبض مورثهم.
قوله: (لا يبرأ مديون الميت بدفع الدين إلى الوارث) الظاهر أن يقيد عدم البراءة بما إذا كان الدين مستغرقا لما دفعه أو لا، وسواء كان الوارث مؤتمنا أو لا، والظاهر أن يقيد عدم البراءة بما إذا كان الدين مستغرقا لما دفعه والوارث غير مؤتمن، كما قيد بهما في المودع إذا دفع الوديعة للوارث.
حموي.
لكن قال في منية المفتي: إذا كان للميت وديعة عند إنسان وفي التركة دين فدفع المودع الوديعة إلى الوارث بغير أمر القاضي يضمن.
في يده ألف وديعة لرجل مات وعليه ألف درهم دين معروف أنه عليه وترك ابنا معروفا فقضى المستودع الالف للغريم لم يضمن، لانه قضى إلى من له الحق وهو غريم الميت، وليس للابن ميراث حتى يقضي الدين.
ا ه.
أقول: ولعل عدم البراءة بدفع الدين إلى الوارث ديانة.
قال في الفوائد الزينية: ولو قضى المودع بها دين المودع ضمن على الصحيح، فتأمل وراجع.
فرع: قال بعت الوديعة وقبضت ثمنها لا يضمن ما لم يقل دفعتها للمشتري.
شرح تحفة الاقران.
وفي منية المفتي: لرجل على آخر دين فقضاه فمنعه ظلما فمات صاحب الدين فالخصوصة في الظلم بالمنع للميت وفي الدين للوارث هو المختار.
وفيها: ومن أخذ من السلطان مالا حراما فحق الخصومة في الآخرة لغاصب الحق مع السلطان
ومع القابض إن لم يخلطه السلطان وبعد الخلط يكون مع السلطان عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
قوله: (ليس للسيد أخذ وديعة العبد) أي ولو غير مأذون لاحتمال أنه مال الغير إلا إذا أقام السيد بينة على أنه ماله وقد سلف.
وفي البزازية: الرقيق إذا اكتسب واشترى شيئا من كسبه وأودعه وهلك عند المودع فإنه يضمنه لكونه مال المولى مع أن للعبد يدا معتبرة، حتى لو أودع شيئا وغاب فليس للمولى أخذه انتهى.
هذا إذا لم يعلم أن الوديعة كسب العبد أو ماله، أما إذا علم ذلك فله حق الاخذ بلا حضور العبد كما نقله في البزازية عن الذخيرة، وقد تقدم ذلك.
قوله: (العامل لغيره أمانة لا أجر له إلا الوصي) أي وصي القاضي وقد نصبه بأجر، وأما وصي الميت فلا يستحق الاجر كما في الاشباه من فن الجمع، والفرق في الكلام على أجر المثل نقلا عن القنية.
وقد علل الولوالجي عدم صحة الاجر له، ولو جعله المتوفى له لينفذ له وصاياه بأنه بقبول الوصية صار العمل واجبا عليه والاستئجار على هذا لا يجوز انتهى.(2/511)
قال العلامة الخير الرملي: ولا يخفى أن وصي الميت إذا امتنع عن القيام بالوصية إلا بأجر في مقابلة عمله لا يجبر على العمل لانه متبرع، ولا جبر على المتبرع.
وإذا رأى القاضي أن يعمل له أجرة على عمله وكانت أجرة المثل فما المانع قياسا واستحسانا، وهي واقعة الفتوى، وقد أفتيت به مرارا، ولا ينافيه ما في الولوالجية كما هو ظاهر لان الموضوع مختلف كما يظهر بأدنى تأمل.
ا ه.
أقول: إنما كان الموضوع مختلفا لان موضوع مسألة الولوالجي في وجوب العمل بقبول الوصية وموضوع ما ذكره في عدم الجبر على العمل وهو لا ينافي الوجوب، لكن قال الطحطاوي: وفيه تأمل، إذ بعد القبول لا يقال إنه متبرع.
والحاصل: أن وصي الميت لا أجر له إلا إذا كان محتاجا فله الاكل من مال اليتيم بقدر عمله، وللقاضي أن يفرض له ذلك، لكن للمستقبل لا لما مضى لشروعه فيه متبرعا.
وأما وصي القاضي، فإن كان محتاجا فكذلك، وإلا فإن نصبه القاضي وجعل له أجرة المثل جاز، وكذا إذا امتنع بعد النصب عن العمل حتى يجعل له أجرة لان وصايته غير لازمة، لان له أن يعزل نفسه فله أن يمتنع عن المضي
في العمل إلا بأجر، وتمام الكلام على ذلك في باب الوصي آخر الكتاب فراجعه إن شئت.
قوله: (إذا عملا) فيستحقان أجرة المثل.
أشباه.
قال في القنية: إذا عين القاضي له أجرا فهو له، وإلا فلا، وذكر أن له أجرة مثله ولو لم يعينه القاضي، وتقدم ذلك في كتاب الوقف، وذكره في الوصايا.
قوله: (قلت) القول لصاحب الاشباه.
قوله: (فعلم منه أن لا أجر للناظر الخ) أي من قوله: (إذا عملا) أي إلا إذا كان مشروطا من جهة الواقف.
أفاده أبو السعود.
ووجه العمل أنه لا عمل حينئذ ط.
والحاصل: أن الواقف إن عين للناظر شيئا فهو له كثيرا كان أو قليلا على حسب ما شرطه عمل أو لم يعمل حيث لم يشترطه في مقابلة العمل، وإن لم يعين له الواقف وعين له القاضي أجرة مثله جاز، وإن عين أكثر يمنع عند الزائد عن أجرة المثل، هذا إن عمل، وإن لم يعمل لا يستحق أجرة، وبمثله صرح في الاشباه في كتاب الدعوى.
وإن نصبه القاضي ولم يعين له شيئا ينظر، إن كان المعهود أن لا يعمل إلا بأجرة المثل فله أجرة المثل، لان المعهود كالمشروط وإلا فلا شئ له، وبيان تفصيل ذلك مع أدلته في كتاب الوقف فارجع إليه.
قوله: (ودافع ألف مقرضا ومقارضا) قال ابن الشحنة: مسألة البيت من البدائع.
قال: ولو قال خذ هذه الالف على أن نصفها عليك قرض على أن تعمل بالنصف الآخر مضاربة على أن ربح لي فهذا مكروه لانه شرط لنفسه منفعة في مقابلة القرض، وقد نهى رسول الله (ص) عن قرض جر نفعا فإن عمل هذا وربح فالربح بينهما نصفان، لان المضارب ملك نصف المال بالقرض فكان نصف الربح له والنصف الآخر بضاعة في يده فربحه لرب المال.
قوله: (وربح القراض) أي لرب المال خاصة.
قوله: (الشرط جاز) ويجعل النصف بضاعة ونماء النصف القرض للمستقرض، لان المضاربة لما فسدت باشتراط كل الربح لرب المال صارت بضاعة.(2/512)
قوله: (ويحذر) للنهي عن قرض جر نفعا.
وإذا علم صحة الشرط فالربح الحاصل من الالف لهما والخسران عليهما لانهما شريكان في الالف.
قوله: (وإن يدعي ذو المال قرضا وخصمه إلى آخر البيتين) قال الشارح: قد اشتمل البيتان على ثلاث مسائل: الاولى من الظهيرية: لو قال المضارب دفعته إلى
مضاربة وقال رب المال دفعته إليك قرضا فالقول قول رب المال، ومع ذلك لو هلك المال قبل التصرف لا ضمان على ذي اليد لاتفاقهما على قول المالك دفعت فإنها لا تفيد ضمانا قبل التصرف وضمن بعده: وإن أقاما بينة لرب المال فيكون كل من القول والبينة لرب المال.
وفي النهاية وشرح التحرير أن القول قول المضارب والبينة على رب المال.
قوله: (فرب المال قد قيل أجدر) أي بقبول قوله وإن هلك المال، فإن كان قبل العمل فلا ضمان عليه لاتفاقهما على لفظ الدفع كما تقدم.
قوله: (وفي العكس) وهذه المسألة الثانية من الظهيرية أيضا، وهي عكس الاولى.
إذا قال المضارب بعدما تصرف وربح أقرضتني هذا المال والربح كله لي وقال رب المال دفعته إليك مضاربة بالثلث أو قال دفعته إليك بضاعة أو قال مضاربة ولم أسم ربحا أو بربح مائة درهم فالقول في ذلك قول رب المال وعلى المضارب البينة.
وفي دعوى البضاعة الربح لرب المال، وفيما إذا لم يسم فالربح لرب المال وللمضارب أجر المثل، وإن أقام البينة فالبينة للعامل، وإن اختلفا قبل الربح يرد المال إلى مالكه لعدم لزوم العقد.
قوله: (كذلك في الابضاع) بأن قال رب المال دفعته بضاعة والمضارب يدعي القرض فالقول لرب المال.
ولو ادعى المضاربة ورب المال الغصب وضاع المال قبل العمل فلا ضمان، وإن بعد العمل فهو ضامن، وإن أقاما بينة فالبينة للمضارب في الوجهين، وهذه هي المسألة الثالثة.
قوله: (ما يتغير) أي الحكم في هذه الصورة، وقد قدمنا الكلام على هذين البيتين آخر كتاب المضاربة.
قوله: (وإن قال قد ضاعت من البيت وحدها) مسألة البيت من الواقعات، وقد ذكرناها في هذا الباب، وهي المودع إذا قال ذهبت الوديعة من منزلي ولم يذهب من مالي شئ قبل قوله مع يمينه كما في الهندية والكافي وجامع الفصولين ونور العين وغيرها.
قوله: (فقد يتصور) بأن يعجل السارق أن تكون هي المقصودة، ومعنى يصح يصدق.
قوله: (وتارك) بغير تنوين.
قوله: (لامر) متعلق بتارك أو بصحيفة والصحيفة مثال، وهي قطعة من جلد أو قرطاس كتب فيه، وقدمنا ذكر هذه المسألة.
وذكر شارحها العلامة ابن الشحنة أن مسألة البيت من قاضيخان قال: قوم جلوس في مكان فقام واحد منهم وترك كتابه ثم قام الباقون معا فهلك الكتاب ضمنوا جميعا، لان الاول لما ترك الكتاب عندهم فقد استحفظهم، فإذا قاموا وتركوا الكتاب فقد تركوا الحفظ الملتزم فضمنوا جميعا، وإن قام القوم واحدا بعد واحد كان الضمان على
آخرهم لان الآخر تعين للحفظ فتعين للضمان.
قال المصنف: وهذا ليس خاصا بالصحيفة بل يطرد في غيرها أيضا.
قال ط: وينبغي تقييد هذا الفرع بما لا يقسم فإنه إذا كان مما يقسم يكون القائم أولا مفرطا بعدم قسمة المودع للحفظ.
ا ه.
قوله: (يضمن المتأخر) لتعينه للحفظ فتعين للضمان ا ه.
عبد البر.
ومفهومه أنهم إذا قاموا جملة ضمنوا جميعا وبه صرح قاضيخان.
ويظهر لي أن كل ما لا يقسم(2/513)
كذلك.
سائحاني قوله: (وتارك نشر الصوف صيفا الخ) قد اشتمل البيتان على مسألتين من الظهيرية.
قال في كتاب الوديعة: إذا أفسدها الفأر وقد اطلع المودع على ثقب معروف، إن كان أخبر صاحب الوديعة أن هاهنا ثقب الفأر فلا ضمان، وإن لم يخبره بعدما اطلع عليه ولم يسده ضمن، وهي المسألة الثانية.
والاولى ما قال في الظهيرية عن السيد الامام أبي القاسم أن الانسان إذا استودع عنده ما يقع فيه السوس في زمان الصيف فلم يبردها في الهواء حتى وقع السوس وفسد لا يضمن، وهذا علم من صورة النظم إلا أنه يعلم من ذلك الحكم في نظيره.
انتهى ما ذكره ابن الشحنة.
قال في الهندية: الوديعة إذا أفسدتها الفأرة وقد اطلع المودع على ثقب ب الفأرة، إن أخبر صاحبها أن هاهنا ثقب الفأرة لا ضمان عليه، وإن لم يخبر بعدما اطلع عليه ولم يسده يضمن.
كذا في الفصول العمادية.
وذكر بعدها عبارة الظهيرية.
ثم قال: وفي فتاوى أبي الليث: إذا كانت الوديعة شيئا يخاف عليه الفساد وصاحب الوديعة غائب: فإن رفع الامر إلى القاضي حتى يبيعه جاز وهو الاولى، وإن لم يرفع حتى فسدت لا ضمان عليه لانه حفظ الوديعة على ما أمر به.
كذا في المحيط.
وإن لم يكن في البلد قاض باعها وحفظ ثمنها لصاحبها.
كذا في السراج الوهاج انتهى.
قوله: (فعث) العث بالمثلثة: السوس أو الارضة وهي دويبة تأكل الصوف.
قوله: (لم يضمن) لانه حفظ الوديعة كما أمر به.
محيط.
ويضمن بتشديد الميم.
قوله: (وقرض الفأر) الحاصل أنه إذا أودعه الوديعة فوضعها في محل لا ثقب فيه فقرضها الفأر أو أحرقتها النار أو أصابها بخس بالباء الموحدة بالتحتية ثم الخاء المعجمة أي نقص، أو أصابها نخس بالنون ثم الخاء: أي ثقب متسع فلا ضمان عليه.
وأما إذا كان في المكان الموضوع فيه
الوديعة ثقب قد اطلع عليه المودع: إن أخبر صاحبها به فلا ضمان عليه، وإن لم يخبره ولم يسده يضمن.
أفاده صاحب الهندية قوله: (بالعكس يؤثر) أي بالخلاف.
قوله: (ولم يعلم) الواو بمعنى أو، فينتفي عنه الضمان بسده أو بإعلام المالك به وإن لم يسده، لان المالك حينئذ رضي بوضعه فيه على هذا الحال ويعلم بضم الياء.
قوله: (وينبغي تفصيله) البحث للطرسوسي حيث قال: وينبغي أن يكون فيها التفصيل لان الامر دائر بين الاعلام للمودع أو السد بدونه وهو موجود أو ارتضاه.
عبد البر وأقره الشرنبلالي.
تتمة في ضمان المودع بالكسر في قاضيخان: مودع جعل في ثياب الوديعة ثوبا لنفسه فدفعها إلى ربها ونسي ثوبه فيها فضاع عنده ضمن لانه أخذ ثوب الغير بلا إذنه والجهل فيه لا يكون عذرا: قال في نور العين: ينبغي أن تقيد المسألة بما لو كان غير عالم ثم علم بذلك وضاع عنده وإلا فلا سبب للضمان أصلا، فالظاهر أن قوله والجهل فيه لا يكون عذرا ليس على إطلاقه، والله تعالى أعلم.
ا ه.
ملخصا.
قال في السراجية: مؤنة الرد على المالك لا على المودع، وإن نقلها في بلده من محلة فمؤنة الرد على صاحبها بالاتفاق، وكذا إذا سافر فيما يجوز له السفر بها تكون الاجرة على المالك سراج: أي أجرة الرد كما يؤخذ من سابقه.(2/514)
قال ط: وانظر مؤنة حمله للاخراج هل هي على المودع أو المالك؟ فروع: ندت بقرة من الباقورة وترك الراعي اتباعا فهو في سعة من ذلك ولا ضمان عليه فيما ندت بالاجماع إن كان الراعي خاصا، وإن كان مشتركا فكذلك عند أبي حنيفة.
وعندهما يضمن.
وإنما لا يضمن عنده وإن ترك الحفظ فيما ندت لان الامين إنما يضمن بترك الحفظ إذا ترك بغير عذر، أما إذا ترك بعذر فإنه لا يضمن، كما لو دفع الوديعة لاجنبي حالة الحريق فإنه لا يضمن وإن ترك الحفظ لانه ترك بعذر، كذا هنا، وإنما ترك الحفظ بعذر كي لا يضيع الباقي.
وعندهما يضمن لانه ترك بعذر يمكن الاحتراز عنه.
قال صاحب الذخيرة: ورأيت في بعض النسخ: لا ضمان عليه فيما ندت إذا لم يجد من يبعثه ليردها أو يبعثه ليخبر صاحبها بذلك، وكذلك لو تفرقت فرقا ولم يقدر على اتباع الكل فاتبع البعض وترك البعض لا يضمن.
لانه ترك حفظ البعض بعذر.
وعندهما: يضمن لانه يمكن الاحتزاز عنه عمادية من ضمان الراعي.
وفي فتاوى أبي الليث: مكار حمل كرابيس إنسان فاستقبله اللصوص فطرح الكرابيس وذهب بالحمار قال: إن كان لا يمكنه التخلص منهم بالحمار والكرابيس وكان يعلم أنه لو حمله أخذ اللصوص الحمار والكرابيس فلا ضمان عليه لانه الم يترك الحفظ مع القدرة عليه.
طرح الامانة في السفينة وسبح في البحر خوفا من الاسر والقتل لا يضمن.
في جامع الفصولين في ضمان الاجير المشترك رامزا للذخيرة: قرية عادتهم أن البقار إذا أدخل السرح في السكك يرسل كل بقرة في سكة ربها ولا يسلمها إليه ففعل الراعي كذلك فضاعت بقرة، قيل يبرأ إذ المعروف كالمشروط، وقيل لو لم يعد ذلك خلافا يبرأ ا ه.
والظاهر أن القولين متقاربان إن لم يكونا بمعنى واحد، لان ذلك إذا كان معروفا لا يعد خلافا لانه يكون مأذونا به عادة، وقدمنا نحو هذه المسألة، وهو ما لو أرسل الوكيل بالبيع الثمن إلى الموكل مع المكاري ونحوه مما جرت به العادة فإنه لا يضمن، وبه أفتى الخير الرملي لان المعروف عرفا كالمشروط شرطا، ولا فرق بين أن تتلف أو تضيع أو يأكلها الذئب إلا إذا نهاه ربها عنه.
قال الرملي: ومثله الشريك والمزارع أيضا مثله وهو كالمودع وهذا إذا كانت العادة مطردة، أما إذا لم تكن كذلك فلا شبهة في الضمان في صورة الضياع أو أكل الذئب تنبه، وهذا أيضا إذا لم يخش عليها، أما إذا خشي بأن كان على أهل القرية أعداء يقصدون نهب أموالهم أو إتلافها أو كانت كثيرة اللصوص فلا شبهة في الضمان فاعلم ذلك، والله تعالى أعلم.
ا ه.
رجل استعار دابة فنام في المفازة ومقودها في يده فجاء السارق وقطع المقود بالدابة لا يضمن المستعير لانه لم يترك الحفظ، ولو أن السارق مد المقود من يده وذهب بالدابة ولم يعلم به المستعير كان ضامنا، لانه إذا نام على وجه يمكن مد المقود من يده وهو لا يعلم به يكون مضيعا، فإذا نام جالسا لا
يضمن على كل لانه لو نام جالسا ولم يكن المقود في يده ولكن الدابة تكون بين يديه لا يضمن فها هنا لا يضمن أولى ا ه.
وفي البزازية من الوديعة: جعل الدابة الوديعة في كرم غير رفيع الحائط أو لم يكن له حائط(2/515)
ينظر، إن نام المودع ووضع جنبه على الارض ضمن إن ضاعت الوديعة، وإن قاعدا لا يضمن، وإن في السفر لا يضمن وإن نام مضطجعا ا ه.
ومثله في الذخيرة وعدة الفتاوى والعمادية.
وفي البزازية أيضا في العارية ذكر ما ذكر في الخانية قائلا: وهذا لا يناقض ما مر، إذ نوم المضطجع في السفر ليس بترك للحفظ لان ذا في نفس النوم وهذا في أمر زاد على النوم.
ا ه.
كل أمين ادعى إيصال الامانة إلى مستحقها قبل قوله كالمودع إذا ادعى الرد.
أشباه.
ومثله ما تقدم متنا.
المودع أو المستعير أو المضارب أو المستبضع أو المساوم أو المستأجر أو الاب في مال ابنه الصغير أو الوكيل أو الرسول أو القاضي أو أمين القاضي أو المحضر أو أمير العسكر أو المتولي أو القيم أو الدلال أو السمسار أو البياع أو المرتهن أو العدل أو الملتقط أو آخذ الآبق أو الشريك أو الحاج عن الغير أو الاجير الخاص أو المشترك أو المرتهن أو نحوها إذا ادعى الهلاك بغير تعد أو ادعى الرد إلى صاحبها يصدق مع يمينه لان كل واحد منهم أمين والقول قول الامين مع اليمين، إن لم يكن له بينة على الرد أو الهلاك، وإن كان له بينة فلا يمين عليه وإنما طلبت البينة لدفع اليمين عنه.
فالحاصل: أن من تكون العين في يده أمانة إذا ادعى ردها إلى صاحبها أو ادعى الموت أو الهلاك يصدق مع يمينه بالاتفاق وهذا في الرهن قبل قبضه، وما بعد قبضه فالقول للراهن كما سيأتي.
(سائحاني).
حول الاجنبي الوديعة عن محلها ثم ردها ثم هلكت ضمن.
قاضيخان.
دفع إلى آخر قنا مقيدا بسلسلة وقال اذهب به إلى بيتك مع هذه السلسلة فذهب به بلا سلسلة فأبق القن لم يضمن إذا أمر بشيئين وقد أتى بأحدهما.
فصولين.
أقول: أي أمر بالذهاب بالقن وأمر بالذهاب بالسلسلة فلا يضمن القن.
وأقول: المتبادر من كلامه أن يكون القن مصحوبا بها أي مسلسلا فكأنه قال اذهب به مسلسلا فهو مأمور بالذهاب به مسلسلا فالمأمور به واحد موصوف فينبغي الضمان.
تأمل رملي.
بعثه إلى ماشية فركب المبعوث دابة الباعث برئ لو بينهما انبساط في مثل ذلك وإلا ضمن.
فصولين.
وفيه دفع بعيره إلى رجل ليكريه ويشتري له شيئا بكرائه فعمي البعير فباعه وأخذ ثمنه فهلك، ولو كان في موضع يقدر على الرفع للقاضي أو يستطيع إمساكه أو رده مع العمى ضمن قيمته، وإلا برئ.
أعاره حماره وقال خذ عذاره وسقه كذلك ولا تخل عنه فإنه لا يستمسك إلا هكذا فقال نعم فلما مضت ساعة خلى عذاره فأسرع في المشي فسقط ضمن إذ خالف شرطا مفيدا فغصبه.
أعطاه درهما لينقده فغمزه فانكسر برئ لو أمره بغمزه وإلا ضمن، وكذا لو أراه قوسا فمده فانكسر فهو على هذا ا ه.
وفيه معزيا إلى فوائد صاحب المحيط.
قال له بعت دمي منك بفلس أو بألف فقتله الآخر يقاد، لا لو قال اقتلني فقتله لانه إطلاق فأورث شبهة، وهو هدر في أصح الروايتين عند أبي حنيفة، وتجب(2/516)
الدية في ماله في رواية.
ولو قال اقطع يدي أو رجلي أو اقتل قني ففعل لم يجب شئ بالاجماع إذ الاطراف كأموال فيصح الامر.
وقعت ببخارى واقعة وهي: رجل قال لآخر ارم السهم إلي حتى آخذه فرمى السهم إليه بأمره فأصاب عينه فذهبت، قال قاضيخان: لم يضمن، كما لو قال له أجن علي فجنى عليه لم يضمن.
وهكذا أفتى بعض المشايخ به، وقاسوا على ما لو قال اقطع يدي الخ.
وقال صاحب المحيط: الكلام في وجوب القود، أما لا شك أنه تجب الدية في ماله إذ ذكر في الكتاب: لو تضاربا بالوكز: أي النخس، يقال له بالفارسية شت زون فذهبت عين أحدهما يجب القصاص إذا أمكن لانه عمد.
ص: وإن قال كل واحد منهما للآخر ده ده، وكذا لو بارزا في خانقاه على وجه التعليم أو الملاعبة فأصابت الخشبة عينه فذهبت يقاد لو أمكن.
ا ه.
قال في مجمع الفتاوى: ولو قال كل واحد منهما لصاحبه ده ده ووكز كل منهما صاحبه وكسر سنه فلا شئ عليه، بمنزلة ما لو قال اقطع يدي فقطعها قاضيخان.
ا ه.
والذي ظهر لي في وجه ما ذكر في الكتاب أنه ليس من لازم قوله ده ده إباحة عينه لاحتمال السلامة مع المضاربة بالوكزة كاحتماله مع رمي السهم، فلم يكن قوله ارم السهم إلي وقوله ده ده صريحا في إتلاف عضوه، بخلاف قوله اقطع يدي أو اجن علي فلم يصح قياس الواقعة عليه.
والمصرح به أن الاطراف كالاموال يصح الامر فيها، وكأن في المسألة قولين.
تأمل.
في جامع الفصولين رامزا إلى كتاب الدعاوى والبينات لصاحب المحيط: دفع ثوبه إلى دلال ليبيعه فساومه رب حانوت بثمن معلوم وقال أحضر رب الثوب لاعطيه الثمن فذهب وعاد فلم يوجد الثوب في الحانوت ورب الحانوت يقول أنت أخذته وهو يقول ما أخذته بل تركته عندك صدق الدلال مع يمينه لانه أمين.
وأما رب الحانوت فلو اتفقا على أنه أخذه رب الحانوت ليشتريه بما سمى من الثمن فقد دخل في ضمانه فلا يبرأ بمجرد دعواه فيضمن قيمته، ولو لم يتفقا على ثمن لم يضمن إذ المقبوض على سوم الشراء إنما يضمن لو اتفقا على ثمنه قنية.
لا يجب ضمان السوم إلا بذكر الثمن، قيل هو قول أبي يوسف.
ويكفي عند محمد أن يميل قلبهما.
تجنيس.
دفعه إلى دلال ليبيعه فدفعه الدلال إلى رجل على سوم الشراء ثم نسيه لم يضمن، وهذا إذا أذن له المالك بالدفع للسوم إذ لا تعدى في الدفع حينئذ إيضاح، أما إذا لم يأذن له فيه ضمن.
ذكر في بعض الفتاوى عن فتاوى النسفي: لو عرضه الدلال على رب دكان وتركه عنده فهرب رب الدكان وذهب به لم يضمن الدلال في الصحيح لانه أمر لا بد منه في البيع.
وذكر بعض المشايخ يضمن لانه مودع، وليس للمودع أن يودع قاضيخان.
دفعه الدلال إلى من استام لينظر إليه ويشتري فذهب به ولم يظفر به الدلال قالوا لم يضمن لاذنه
في هذا الدفع.(2/517)
قال: وعندي أنه إنما لا يضمن لو لم يفارقه، وأما لو فارقه ضمن كما لو أودعه أجنبي أو ترك عند من لا يريد الشراء.
طلب المبيع رجل من الدلال بدراهم معلومة فوضعه عند طالبه ضمن قيمته لاخذه على سوم الشراء بعد بيان الثمن.
قالوا: ولا شئ على الدلال، وهذا لو مأذونا بالدفع إلى من يريد الشراء قبل البيع، فلو لم يكن مأذونا ضمن فروق الجامع.
دلال معروف بيده ثوب تبين أنه مسروق فقال رددته على من أخذته منه يبرأ كغاصب الغاصب إذا رد على الغاصب يبرأ في الذخيرة، إنما يبرأ لو أثبت رده بحجة في عدة الفتاوى، هذا كغاصب الغاصب إذا قال رددت على الغاصب صدق بيمينه لا بدونها.
منتقى.
قال تلفت منذ عشرة أيام وبرهن ربها أنها كانت عنده منذ يومين فقال المودع وجدتها فتلفت تقبل ولم يضمن.
ولو قال أولا ليست عندي وديعة ثم قال وجدتها فتلفت ضمن ا ه.
قنية.
دلال دفع ثوبا إلى ظالم لا يمكن استرداده منه ولا أخذ الثمن يضمن إذا كان الظالم معروفا بذلك.
ن: خرج المودع وترك الباب مفتوحا ضمن لو لم يكن في الدار أحد ولم يكن المودع في مكان يسمع حس الداخل عدة.
المودع: لو حفظها ليس فيه مال ضمن والمراد حرز غيره، أما لو استأجر بيتا لنفسه وحفظها فيه لم يضمن ولم يكن فيه ماله.
مي: مودع استأجر بيتا في مصر أودع فيه وأحرزها فيه وسافر وتركها فيه لم يضمن.
صع: تختم بخاتم الوديعة قيل ضمن في الخنصر والبنصر لا في غيرهما، وبه يفتى.
وقيل ضمن في الخنصر لا في غيره يماثله المرتهن.
وتضمن المرأة مطلقا لانه استعمال منها.
خلاصة في الاقضية.
ادعى وكالة بقبض دين أو وديعة فأقر المطلوب ففي الدين يؤمر بدفعه إليه، وفي العين لا يؤمر
في ظاهر الرواية.
وذكر في محل آخر من الخلاصة في الفرق بينهما أن إقراره في الدين لا في ملك نفسه.
وفي الوديعة لا في ملك غيره ا ه.
فلو أقر بالوكالة وأنكر المال لا يصير خصما، ولا تقبل البينة على المال إلا أن تقع البينة على الوكالة أو لم يثبت كونه خصما بإقرار المطلوب لانه ليس بحجة في حق الطالب، وإن أقر بالمال وأنكر الوكالة لا يحلف الوكيل المطلوب على العلم بوكالته، إذا الحلف يترتب على دعوى صحيحه ولم تصح، إذ لم تثبت وكالته فلم يصر خصما إلا إذا قامت البينة على الوكالة، والمال يقبل عند أبي حنيفة بناء على أن وكيل قبض الدين يملك الخصومة عنده.
هد: لا يؤمر بدفع الوديعة إلى الوكيل بقبضها لو صدقه إذا أقر بمال الغير، بخلاف الدين.
قن: عن محمد لو صدقه يجبر بدفع عين كدين غر: وكذا عند أبي يوسف.
حشجي: لو صدقه أو كذبه أو سكت لا يجبر بدفع الوديعة، ولو دفعها لا يسترد، فلو حضر ربها وكذبه في الوكالة لا يرجع المودع على الوكيل لو صدقه ولم يشترط عليه الضمان، وإلا رجع بعينه لو قائما وبقيمته لو هالكا.(2/518)
قال صاحب جامع الفصولين: أقول لو صدقه ودفعه بلا شرط ينبغي أن يرجع على الوكيل لو قائما إذ غرضه لم يحصل فله نقض قبضه على قياس ما مر عن الهداية من أن المديون يرجع بما دفعه إلى وكيل صدقه لو باقيا، كذا هذا.
شجع: لو لم يؤمر بدفع الوديعة ولم يسلمها فتلفت، قيل لا يضمن وكان ينبغي أن يضمن، إذ المنع من الوكيل بزعمه كمنعه من المودع، ولو سلمه إلى الوكيل لا يسترد لانه سعى في نقض ما فعله ذخيرة.
وكل زيدا الغائب بقبض وديعة فقبضها زيد قبل أن يبلغه ذلك فتلف يخير المالك ضمن زيدا أو الدافع، ولو علم الدافع بالتوكيل لا زيد برئا إذ للمودع أن يدفعه.
يقول الحقير: الظاهر أنه يبرأ الدافع لا زيد لكونه قبضه حين قبض فضولا، والله تعالى أعلم.
عن: وكله بقبض الوديعة في اليوم فله قبضه غدا، ولو وكله بقبضه غدا لا يملك قبضه اليوم إذ
ذكر اليوم للتعجيل فكأنه قال أنت وكيلي به الساعة فإذا ثبت وكالته الساعة دامت ضرورة، ولا يلزم من وكالة الغد وكالة اليوم لا صريحا ولا دلالة، وكذا لو قال اقبضه الساعة بدونهم فله قبضه بعدها، ولو قال اقبضه بمحضر من فلان فقبضه بغيبته جاز.
قال اقبضه بشهود فله قبضه، بخلاف قوله لا تقبضه إلا بمحضر منه حيث لا يملك قبضه إذ نهى عن القبض واستثنى قبضا بمحضر منه ا ه.
ما في نور العين.
وفي الهندية: من ترك باب حانوته مفتوحا فقام واحد ثم واحد فضمان ما ضاع على آخرهم.
كذا في الملتقط.
رجل في يده ثوب قال له رجل أعطني هذا الثوب فأعطاه إياه كان هذا على الوديعة.
كذا في الظهيرية.
سئل ابن الفضل عمن دفع جواهر إلى رجل ليبيعها فقال القابض أنا أريها تاجرا لاعرف قيمتها فضاعت الجواهر قبل أن يريها، قال: إن ضاعت أو سقطت بحركته ضمن، وإن سرقت منه أو سقطت لمزاحمة أصابته من غيره لم يضمن.
كذا في الحاوي للفتاوى.
دفع إلى مراهق قمقمة ليسقي الماء فتغافل عنها فضاعت لا يضمن.
كذا في القنية.
قال خلف: سألت أسدا عمن له على آخر درهم فدفع المطلوب إلى الطالب درهمين أو درهما ثم درهما وقال خذ درهمك فضاع الدرهمان قبل أن يعين درهما قال: هلك على المطلوب وللطالب درهمه.
ولو قال له حين دفع إليه الدرهم الاول: هذا حقك فهو مستوف ولا ضمان عليه للدرهم الآخر، كذا في التاترخانية.
صبي يعقل البيع والشراء محجور عليه أودعه رجل ألف درهم فأدرك ومات ولم يدر ما حال الوديعة فلا ضمان في ماله إلا أن يشهد الشهود أنه أدرك وهي في يده فحينئذ يضمن بالموت عن تجهيل.
كذا في الظهيرية.
والحكم في المعتوه نظير الحكم في الصبي إذا أفاق ثم مات ولم يدر ما حال الوديعة لا ضمان في ماله إلا أن يشهد الشهود أنه أفاق وهي في يده وإن كان الصبي مأذونا له في(2/519)
التجارة والمسألة بحالها، فهو ضامن للوديعة وإن لم تشهد الشهود أنه أدرك وهي في يده، وكذا الحكم في المعتوه إذا كان مأذونا له في التجارة كذا في الذخيرة.
إذا قال المستودع للمودع وهبت لي الوديعة أو بعتها مني وأنكر رب الوديعة ثم هلكت لا يضمن المودع.
كذا في الخلاصة.
سئل عمن أودع عند آخر أواني صفر ثم استردها بعد زمان فرد عليه ستة فقال المالك كانت سبعة فأين السابع فقال لا أدري أودعتني ستة أو سبعة ولا أدري ضاعت أو لم تكن عندي، وتارة يقول لا أدري هل جاءني من عندك رسول فاستردها وحملها إليك أم لا هل يضمن؟ قال لا، لانه لم يقر بإضاعته فلا يتناقض كذا في فتاوى النسفي.
رجل استقرض من رجل خمسين درهما فأعطاه غلطا ستين فأخذ العشرة ليردها فهلكت في الطريق يضمن خمسة أسداس العشرة لان ذلك القدر قرض والباقي وديعة.
وكذا في السراج الوهاج وهو الاصح.
هكذا في التاترخانية.
وكذا لو هلك الباقي يضمن خمسة أسداسه.
كذا في فتاوى قاضيخان.
له على آخر خمسون فاستوفى غلطا ستين فلما علم أخذ عشرة للرد فهلكت يضمن خمسة أسداس العشرة لان ذلك قبض والباقي أمانة.
كذا في الوجيز للكردري.
رجل له على رجل ألف درهم دين فأعطاه ألفين وقال ألف منهما قضاء من حقك وألف يكون وديعة فقبضها وضاعت قال هو قابض حقه ولا يضمن شيئا كذا في المحيط.
أودعه بقرة وقال إن أرسلت ثيرانك إلى المرعى للعلف فاذهب ببقرتي أيضا فذهب بها دون ثيرانه فضاعت لا يضمن.
كذا في القنية.
أودع شاة فدفعها مع غنمه إلى الراعي للحفظ فسرقت الغنم يضمن إذا لم يكن الراعي خاصا للمودع.
كذا في القنية.
الوديعة إذا كانت قراما فأخذها المودع وصعد بها السطح وتستر بها فهبت بها الريح وأعادتها إلى المكان الذي كانت فيه من البيت لا يبرأ عن الضمان لانه لم يوجد منه القصد إلى ترك التعدي.
كذا في
خزانة المفتين.
في فتاوى النسفي: طحان خرج من الطاحونة لينظر الماء فسرقت الحنطة ضمن إن ترك الباب مفتوحا وبعد من الطاحونة.
كذا في الخلاصة، بخلاف مسألة الخان، وهي: خان فيها منازل ولكل منزل مقفل فخرج وترك الباب مفتوحا فجاء سارق وأخذ شيئا لا يضمن، كذا في الوجيز للكردري.
قال المودع للمالك أنا ذاهب إلى المزرعة وأريد أن أضع وديعتك في بيت جاري فقال له المالك ضعها فوضعها وذهب إلى المزرعة ورجع فأخذها من الجار وجاء إلى بيته ووضعها ثمة فضاعت من داره هل يضمن المودع الاول أم لا؟ ينبغي الضمان.
كذا في الذخيرة معربا عن عبارة فارسية.
ولو كان عنده كتاب وديعة فوجد فيه خطأ يكره أن يصلحه إذا كره ذلك صاحبه في الملتقط انتهى.(2/520)
أقول: وهذا بخلاف إصلاح غلط المصحف إذا كان بخط يناسب فإنه يجب حينئذ كما يأتي في آخر العارية.
وفي الهندية: أودع عند رجل صك ضيعة والصك ليس باسمه ثم جاء الذي الصك باسمه وادعى تلك الضيعة والشهود الذين بذلوا خطوطهم أبوا أن يشهدوا حتى يروا خطوطهم فالقاضي يأمر المودع حتى يريهم الصك ليروا خطوطهم ولا يدفع الصك إلى المدعي، وعليه الفتوى.
كذا في الفتاوى العتابية.
دفع إلى رجل مالا لينثره على العرس، فإن كان المدفوع دراهم ليس له أن يحبس لنفسه شيئا ولو نثره بنفسه ليس له أن يلتقط منه كذا في محيط السرخسي، وكذا ليس له أن يدفع إلى غيره لينثره.
كذا في السراج الوهاج.
ومثل المال السكر.
كذا في الغياثية.
وسئل عن أمة اشترت سوارين بمال اكتسبته في بيت مولاها فأودعتهما امرأة فقبضت تلك المرأة ولم يكن ذلك بإذن مولى الجارية فهكلت الوديعة هل تضمن فقال نعم، لان ذلك ملك المولى ولا إيداع بغير إذن فصارت غاصبة كذا في الفتاوى النسفية، انتهى ما في الهندية، والله تعالى أعلم،
وأستغفر الله العظيم.(2/521)
كتاب العارية مشروعيتها بالكتاب، وهو قوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) * (الماعون: 7) والماعون: ما يتعاورونه في العادة، وقيل الزكاة، فقد ذم الله تعالى على منع الماعون وهو عدم إعارته فتكون إعارته محمودة.
وبالسنة: وهي ما روى البخاري أنه عليه الصلاة والسلام استعار من أبي طلحة فرسا يسمى المندوب فركبه حين كان فزع في المدينة، فلما رجع قال: ما رأينا من شئ وإن وجدناه لبحرا وبالاجماع فإن الامة أجمعت على جوازها، وإنما اختلفوا في كونها مستحبة، وهو قول الاكثرين أو واجبة وهو قول البعض انتهى شمني.
قوله: (لان فيها تمليكا) أي وإيداعا فتكون من الوديعة بمنزلة المفرد من المركب والمركب مؤخر عن المفرد، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما قدمنا في الوديعة من أنه من باب الترقي، والانسب في التركيب أن يقول ذكرها بعد الوديعة لاشتراكهما في الامانة وأخرها لان فيها تمليكا.
قوله: (النيابة عن الله تعالى في إجابة المضطر) أي إن المستعير مضطر وقال تعالى: * () * (النمل: 26) وقد أغاثه المعير فكأنه نائب عن الله تعالى في إغاثته، وإن كان فعل المعير من الله تعالى فلا نيابة في الحقيقة ففاعلها قد تخلق بهذا الخلق، وورد تخلفوا بأخلاق الله.
قوله: (لانها لا تكون إلا لمحتاج) أي غالبا.
قوله: (والقرض بثمانية عشر) حقق بعضهم أن ثواب الصدقة أكثر، وأن إفرادها أكثر كيفا وإن كانت في القرض أكثر كما قال المناوي نقلا عن الطيبي: القرض اسم مصدر والمصدر بالحقيقة الاقراض، ويجوز كونه بمعنى المقروض.
قال البلقيني: فيه أي في الحديث أن درهم القرض بدرهمي صدقة، لكن الصدقة لم يعد منها شئ والقرض عاد منه درهم فسقط مقابله وبقي ثمانية عشر، ومن ثم لو أبرأ منه كان عشرون ثوابا بالاصل، وهذا الحديث يعارضه حديث ابن حبان من أقرض درهما مرتين كان له كأجر صدقة مرة وجمع بعضهم بأن القرض أفضل من الصدقة ابتداء، فامتيازه عنها يصون وجه من لم يعتد السؤال، وهي أفضل انتهاء لما فيها من عدم رد المقابل.
وعند تقابل الخصوصيتين ترجح الثانية باعتبار الاثر المترتب.
والحق أن ذلك يختلف باختلاف الاشخاص والاحوال والازمان، وعليه ينزل الاحاديث
المتعارضة ا ه ط.
قوله: (مشددة) كأنها منسوبة إلى العار، لان طلبها عار وعيب صحاح.
ورده في النهاية بأنه (ص) باشر الاستعارة، فلو كان العار في طلبها لما باشرها، وعول على ما في المغرب من أنها اسم من الاعارة وأخذها من العار العيب خطأ ا ه.
ومثله في معراج الدراية.
وذكر في البدرية أنه يحتمل أن تكون العارية اسما موضوعا لا نسبيا كالكرسي والدردي نظيره كعيت وكميت صيغة تصغير وليس بتصغير.
وفي المبسوط: قيل العارية مشتقة من التعاور وهو التناوب كأنه يجعل للغير نوبة في الانتفاع بملكه على أن تعود النوبة إليه بالاسترداد متى شاء، ولهذا كانت الاعارة في المكيل والموزون قرضا لانه لا ينتفع به إلا بالاستهلاك فلا تعود النوبة إليه في عنيه ليكون إعارة حقيقة وإنما تعود النوبة إليه في(2/522)
مثله، وما يملك الانسان الانتفاع به على أن يكون مثله مضمونا عليه يكون قرضا انتهى.
ومثله في الكافي.
قوله: (وتخفف) قال الجوهري وقد تخفف منسوبة إلى العار.
ورده الراغب بأن العار يائي والعارية واوي وبالمشتقات يقال استعاره منه واستعار الشئ على حذف من قوله: (إعارة الشئ قاموس) قال في المنح عنه: أعارة الشئ وأعاره منه وعاوره إياه وتعور واستعار: طلبها، واعتوروا الشئ وتعوروه: تداولوه ا ه.
وفي المبسوط أنها من العرية تمليك الثمار بلا عوض، ورده المطرذي لانه يقال استعاره منه فأعاره واستعاره الشئ على حذف من، والصواب أن المنسوب إليه العارة اسم من الاعارة، ويجوز أن يكون من التعاور التناوب.
قهستاني.
قوله: (تمليك المنافع) أشار به إلى رد ما قاله الكرخي من أنها إباحة نفع، وما في المتن مختار أبي بكر الرازي وهو الصحيح، وهو قول عامة أصحابنا كما في الهندية عن السراج وعليه المتون وأكثر الشروح، ويشهد لما في المتن كثير من الاحكام من انعقادها بلفظ التمليك وجواز أن يعير مالا يختلف بالمستعمل، ولو كان إباحة لما جاز لان المباح له ليس له أن يبيح لغيره كالمباح له الطعام ليس له أن يبيح لغيره، وانعقادها بلفظ الاباحة لانه استعير للتمليك كما في البحر وإنما لا يفسد هذا التمليك الجهالة لكونها لا تفضي إلى المنازعة لعدم لزومها.
كذا قال الشارحون، والمراد بالجهالة جهالة المنافع المملكة لا جهالة العين المستعارة بدليل ما في الخلاصة: لو
استعار من آخر حمارا فقال ذلك الرجل لي حماران في الاصطبل فخذ أحدهما واذهب به يضمن إذا هلك، ولو قال له خذ أحدهما أيهما شئت لا يضمن كما في المنح.
قوله: (مجانا) أي بلا عوض.
قال في القاموس: المجان ما كان بلا بدل.
قوله: (لزوم الايجاب والقبول ولو فعلا) أي كالتعاطي كما في القهستاني وهذا مبالغة على القبول.
وأما الايجاب فلا يصح به، وعليه يتفرع ما سيأتي قريبا من قول المولى خذه واستخدمه، والظاهر أن هذا هو المراد بما نقل عن الهندية ركنها الايجاب من المعير.
وأما القبول من المستعير فليس بشرط عند أصحابنا الثلاثة ا ه.
أي القبول صريحا غير شرط، بخلاف الايجاب، ولهذا قال في التاترخانية: إن الاعارة لا تثبت بالسكوت ا ه.
وإلا لزم أن لا يكون أخذها قبولا.
قوله: (وحكمها كونه أمانة) فإن هلكت من غير تعد لم يضمن، وإن تعدى ضمن بالاجماع ولو شرط الضمان في العارية هل يصح.
فالمشايخ مختلفون فيه.
وفي خلاصة الفتاوى: رجل قال لآخر أعرني فإن ضاع فأنا له ضامن قال لا يضمن.
هندية عن غاية البيان، ومثله في الانقروي عن المضمرات، قوله: (قابلية المستعار) أي يمكن الانتفاع بالمعار مع بقاء عينه، فلو أعاره مكيلا أو موزونا لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه كان كناية عن القرض.
ولا يصح إعارة الامة للوطئ ولا من تحت وصايته للخدمة لعدم قابلية المعار لذلك الانتفاع، لان الاباحة لا تجري في الفروج، ولا يجوز التبرع بمنافع الصغير، ولم تجعل عارية الامة نكاحا كما جعل في عارية المكيل والموزون قرضا للمشاكلة بين القرض والعارية، لان كلا منهما تبرع غير لازم لصاحبه أن يرجع به متى شاء والنكاح لازم فلا ينعقد بلفظ ما يدل على اللزوم، ومن لازم النكاح البدل وهو المهر.
وشرط العارية عدم ذكر البدل.
قال في الهندية: ومن شرائطها العقل، فلا تصح الاعارة من المجنون والصبي الذي لا يعقل.
وأما البلوغ فليس بشرط حتى تصح الاعارة من الصبي المأذون.
ومنها القبض من المستعير، ومنها أن(2/523)
يكون المستعار مما يمكن الانتفاع به بدون استهلاكه، فإن لم يكن فلا تصح إعارة.
كذا في البدائع.
قال الحاكم الشهيد في الكافي: وعارية الدراهم والدنانير والفلوس قرض، وكذلك كل ما يكال
أو يوزن أو يعد عدا مثل الجوز والبيض وكذلك الاقطان والصوف والابريسم والكافور وسائر متاع العطر، والصنادلة التي لا تقع الاجارة على منافعها قرض وهذا إذا أطلق العارية، أما إذا بين الجهة كما إذا استعار الدراهم أو الدنانير ليعاير بها ميزانا أو يزين بها دكانا أو يتجمل بها أو غير ذلك مما لا ينقلب به عينه لا يكون قرضا بل يكون عارية تملك بها المنفعة المسماة دون غيرها، ولا يجوز له الانتفاع بها على وجه آخر غير ما سماه.
كذا في غاية البيان.
إذا استعار آنية يتجمل بها أو سيفا محلى أو سكينا محلى أو منطقة مفضضة، أو خاتما لم يكن شئ من هذا قرضا هكذا في الكافي.
ولو قال لآخر أعرتك هذه القصعة من الثريد فأخذها وأكلها عليه مثلها أو قيمتها وهو قرض، إلا إذا كان بينهما مباسطة حتى يكون ذلك دلالة الاباحة.
كذا في الخلاصة.
ويأتي في كلام الشارح في أثناء الكتاب عن الصيرفية في العيون: استعار من آخر رقعة يرقع بها قميصه أو خشبة يدخلها في بنائه أو آجرة فهو ضامن لان هذا ليس بعارية بل هو قرض، وهذا إذا لم يقل لاردها عليك، أما إذا قال لاردها عليك فهو عارية.
كذا في المحيط انتهى.
قوله: (لانها تصير إجارة) الاولى لانها تصير به إجارة، وقد نصوا أن الاجارة تنعقد بلفظ الاعارة.
قوله: (وصرح في العمادية الخ) أشار إلى إيراد وجواب، وهو أن العارية إذا كانت تمليك المنفعة فكيف يصح إعارة المشاع فإنه مجهول العين، فأشار إلى الجواب بأن الجهالة المانعة من التمليك الجهالة المفضية إلى المنازعة وجهالة العين لا تفضي إليه، ولذا جاز بيع المشاع وإيداعه.
وقد نقل في البحر أن الذي لا يضر في العارية جهالة المنافع.
أما جهالة العين فمضرة إذا كانت تفضي إلى المنازعة، لما في الخلاصة: لو استعار من آخر حمارا فقال ذلك الرجل لي حماران في الاصطبل فخذ أحدهما واذهب فأخذ أحدهما وذهب به يضمن إذا هلك ا ه.
وقدمنا تمامه قريبا.
وفي العناية من الهبة: وعقد التمليك يصح في المشاع وغيره كالبيع بأنواعه: يعني الصحيح والفاسد والصرف والسلم، فإن الشيوع لا يمنع تمام القبض في هذه العقود بالاجماع.
قوله: (وبيعه) وكذا إقراضه كما مر، وكذا إيجاره من الشريك لا الاجنبي، وكذا وقفه عند أبي يوسف خلافا لمحمد
فيما يحتمل القسمة، وإلا فجائز اتفاقا وأفتى الكثير بقول محمد، واختار مشايخ بلخ قول أبي يوسف.
وأما وديعته فجائزة وتكون مع الشريك.
وأما قرضه فجائز كما إذا دفع إليه ألفا وقال خمسمائة قرض وخمسمائة شركة.
كذا في النهاية هنا.
وأما غصبه فمتصور.
قال البزازي: وعليه الفتوى، وذكر له في الفصول صورا: وأما صدقته فكهبته فإنها لا تجوز في مشاع يقسم إلا إذا تصدق بالكل على اثنين فإنه يجوز على الاصح.
وتمامه في أوائل هبة البحر، ويأتي إن شاء الله تعالى.
قوله: (لا تفضي للجهالة) كذا في بعض النسخ وفي بعضها للمنازعة وهي أولى.
وفي المقدسي ما يفيد رد هذا التعليل حيث قال: وشرطها تعيين المستعار، حتى لو قال لي حماران في الاصطبل إلى آخر ما قدمناه عن الخلاصة قوله:(2/524)
(لعدم لزومها) لا حاجة إليه إذ جهالة عين المشاع لا تمنع في اللزوم أيضا ولذا جاز بيعه مع أن البيع لازم.
والحاصل: أن إعارة المشاع تصح كيفما كان أي في الذي يحتمل القسمة أو لا يحتملها من شريك أو أجنبي، وكذا إعارة الشئ من اثنين أجمل أو فصل بالتنصيف أو بالاثلاث كما في القنية.
قوله: (وقالوا علف الدابة على المستعير) لان نفعه له فنفقته عليه.
قوله: (وكذا نفقة العبد) أي مطلقة كانت أو مؤقتة كما في المنح.
قوله: أما كسوته فعلى المعير لان العارية غير لازمة، وللمعير الرجوع عنها في كل حين فكان زمنها غير مستطيل عادة، والكسوة تكون في الزمان المستطيل، ألا يرى أنه شرط في ثوب الكسوة في كفارة اليمين أن يمكن بقاؤه ثلاثة أشهر فصاعدا، والمنافع تحدث في كل آن وتتجدد في آن غير آن، وبقاؤه غير لازم وإن ذكر لها مدة، فلو لزمت العارية بقدرها لخرجت عن موضوعها، ولو صح رجوعه لتضرر المستعير بذهاب كسوته من غير حصول انتفاعه.
قوله: (وهذا) يعني إنما يكون تمليك منافع العبد عارية، ونفقته على المستعير لو قال له أعطني عبدك ليخدمني أو أعرني عبدك، أما لو قال المالك خذه واستخدمه كان إيداعا مأذونا بالانتفاع به، والعبد وديعة فنفقته على المودع كما في الهندية والبزازية وغيرهما.
قوله: (لانه وديعة) الاقرب أنه إباحة للانتفاع، إذ لو كان وديعة لما جاز له الانتفاع بها.
أو يقال إنها وديعة أباح له المالك الانتفاع بها.
وفي الهندية عن القنية: دفعت لك هذا الحمار لتستعمله وتعلفه من عندك عارية ا ه.
قوله (لانه صريح) أي حقيقة.
قال قاضي زاده: الصريح عند علماء الاصول ما انكشف المراد منه في نفسه فيتناول الحقيقة الغير المهجورة والمجاز المتعارف ا ه.
فالاول أعرتك والثاني أطعمتك أرضي.
قوله: (أي غلتها) قال في البحر: لان الاطعام إذا أضيف إلى ما لا يؤكل عينه يراد به ما يستغل منه مجازا لانه محله ا ه.
ولو قال أطعمتك هذا الجزور فهو عارية إلا أن يريد الهبة.
هندية.
وهذا يفيد تقييد الارض بما إذا كان فيها غلة وإلا فلا صحة لهذا التركيب.
وفيه أن المراد أنه أعارها له ليزرعها، فإنه إذا عبر بالاطعام اختصت عاريتها بالانتفاع بزراعتها فلا يبني ولا يغرس كما سيأتي آخر الكتاب، فقوله أي غلتها أي إنك تزرعها وتستغلها.
قوله: (لانه صريح مجازا الخ) عبارة العيني والدرر: لان الاطعام إذا أضيف إلى ما لا يطعم كالارض يراد به غلتها إطلاقا لاسم المحل على الحال.
وحاصله: أن الصريح ما لا يحتمل غيره، وهو يكون حقيقة ومجازا لان المعتبر فيه قرينة مانعة من المعنى الحقيقي فلذلك كان صريحا لا يحتمل غيره، بخلاف الكناية فإنها لا يعتبر معها قرينة قوله: (ومنحتك) أصله أن يعطي الرجل ناقة أو شاة ليشرب لبنها ثم يردها إذا ذهب درها ثم كثر ذلك، حتى قيل في كل من أعطى شيئا منحتك، وإذا أراد به الهبة أفاد ملك العين وإلا بقي على أصل وضعه(2/525)
ا ه.
زيلعي قوله: (ثوبي أو جاريتي هذه) أتى باسم الاشارة ولم يكتف بإضافة الثوب والجارية إلى نفسه، لانه لا يلزم من الاضافة إليه أن يكون الثوب أو الجارية معينا لاحتمال أن يكون له أكثر من ثوب وجارية لانه يشترط عدم جهالة العين المستعارة كما سبق، وحينئذ سقط قول السيد الحموي: ينظر ما الداعي إلى إقحام اسم الاشارة في هذا وما بعده، وهلا أغنت الاضافة إلى نفسه عن ذلك قوله: (لانه صريح) هذا ظاهر في منحتك، أما حملتك فقال الزيلعي: إنه مستعمل فيهما.
يقال حمل فلان فلانا على دابته يراد به الهبة تارة والعارية أخرى، فإذا نوى إحداهما صحت نيته، وإن لم تكن له نية حمل على الادنى كي لا يلزمه الاعلى بالشك.
ا ه.
وهذا يدل على أنه مشترك بينهما، لكن إنما أريد(2/526)