ولا هما إلا فرجته ولا حاجة لك فيها رضى إلا قضيتها يا أرحم الراحمين" ومن دعائه "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يا محمد إني توجهت بك إلى ربك في حاجتي هذه لتقضى لك اللهم فشفعه في" وندب إحياء ليالي العشر الأخير من رمضان" لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر والقصد منه إحياء ليلة القدر فإن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها وروى أحمد "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
مغفرتك أي الأشياء التي تقتضي مغفرة الذنوب إقتضاء تاما كأنها تحتم ذلك قوله: "والغنيمة من كل بر" أي خير أي أسألك أن تجعل غنيمتي وعطيتي كل خير قوله: "يا أرحم الراحمين" ثم يسأل من أمر الدنيا والآخرة ما شاء فإنه يقدر له ذلك كذا في ابن أميرحاج قوله: "ومن دعائه" أي دعاء قضاء الحاجة بعد الصلاة أو من دعائه صلى الله عليه وسلم الذي علمه لرجل ضرير البصر أتى إليه فقال: يا رسول الله ادع الله لي أن يعافيني فقال: إن شئت أخرت ذلك فهو أعظم لأجرك وإن شئت دعوت الله فقال: ادع الله فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوأه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اهـ وله طرق كثيرة قال الطبراني بعد ذكر طرقه والحديث صحيح قوله: "إني توجهت بك الخ" يشكل هذا على ما قالوه إنه يكره للرجل أن يقول اللهم إني أسألك بأنبيائك وأجيب بأن السمع خص هذا والحق عدم الخصوصية لما ورد في إستسقاء عمر بالعباس وما قيل في وجه الكراهة أنه لا حق لأحد على الله تعالى فيه نظر لأن للعباد المخلصين عليه حقا فضلا منه وكرما جعله على نفسه وعليه استحقاقا ذاتيا لهم وتمامه في ابن أميرحاج قوله: "وشد المئزر" أي اجتهد في العبادة قوله: "فإن العمل فيها الخ" روي أنه صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله تعالى ألف شهر فعجب المسلمون فأنزل الله سورة القدر أي ليلة القدر خير من الألف شهر التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ويروى أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أربعة من بني إسرائيل فقال: عبدوا الله ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع بن نون عليهم السلام فعجبت الصحابة من ذلك فنزل جبريل وقال يا محمد عجبت أمتك من عبادة هؤلاء النفر ثمانين سنة لم يعصوا الله طرفة عين فقد أنزل الله عليك خيرا من ذلك وقرأ السورة فهذا أفضل مما عجبت أنت وأمتك فسر النبي صلى الله عليه وسلم والناس معه والألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر قال النووي وقد خص الله تعالى هذه الأمة بها فلم تكن لمن قبلهم على الصحيح المشهور وقد أجمع من يعتد به على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر للأحاديث المشهورة وأنها ترى حقيقة لمن شاء الله في كل رمضان كما تظاهرت عليه الأحاديث ويستحب كتمانها لمن رآها إتباعا له صلى الله عليه وسلم والحكمة في إخفائها أن يجتهد من يريدها في إحياء الليالي الكثيرة طلبا لموافقتها فتكثر عبادته له تعالى اهـ قوله: "واحتسابا" أي ادخارا لثوابها عند الله تعالى.(1/399)
ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وقال صلى الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه وقال ابن مسعود رضي الله عنه هي في كل السنة وبه قال الإمام الأعظم في المشهور عنه أنها تدور في السنة وقد تكون في رمضان وقد تكون في غيره قاله قاضيخان وفي المبسوط أن المذهب عند أبي حنيفة أنها تكون في رمضان لكن تتقدم وتتأخر وعندهما لا تتقدم ولا تتأخر "و" ندب " إحياء ليلة العيدين" الفطر والأضحى لحديث "من أحيا ليلة العيد أحيا قلبه يوم تموت القلوب" ويستحب الإكثار من الاستغفار بالأسحار وسيد الاستغفار "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" والدعاء فيها مستجاب "و" ندب إحياء "ليالي عشر ذي الحجة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أحب إلى الله تعالى أن يتعبد فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر". وقال صلى الله عليه وسلم: "صوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية" "و" يندب إحياء "ليلة النصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "في العشر الأواخر" قال معظم الأئمة أنها مختصة بها الوتر والشفع في ذلك للسواء وقال بعضهم ليالي الوتر آكد وذهب الأكثر إلى أنها ليلة سبع وعشرين وهو قول ابن عباس وجماعة من الصحابة ونسبه العيني في شرح البخاري إلى الصاحبين قوله: "لكن تتقدم وتتأخر" والثمرة تظهر فيمن قال لعبده أنت حر ليلة القدر وقد مضى بعض من رمضان فعندهما لا يعتق حتى يمضي ذلك البعض من رمضان العاجل وعنده حتى يمضي رمضان القابل كله وعليه الفتوى لإحتمال أنها تكون في آخره في العام القابل قوله: "ويستحب الإكثار من الاستغفار بالاسحار" فإن الله تعالى مدح المستغفرين فيها فقال: وبالأسحار هم يستغفرون قوله: "وسيد الإستغفار اللهم الخ" مبتدأ وخبر أي فهو أولى من غيره ويترتب على كونه سيده أنه يبر به لو حلف ليستغفرن الله بسيد الإستغفار قوله: "وأنا على عهدك" أي ما عاهدتني عليه من الطاعة قوله: "ووعدك" أي وعدي إياك بالإمثتال وفي شرح المصابيح أي أنا مقيم على الوفاء بما عاهدتني في الأزل بربوبيتك وأنا موقن بما وعدتني من البعث والنشور وأحوال القيامة والثواب والعقاب اهـ قوله: "أبوء" على وزن أقول مهموز الآخر بمعنى أقر وأعترف قوله: "والدعاء فيها مستجاب" الأولى فيهما ويحتمل رجوعه إلى ليلة العيد المذكورة في الحديث والمراد الجنس قوله: "يعدل" بالبناء للمجهول قوله: "صوم يوم عرفة الخ" فيندب صومه إلا للحاج لأنه ربما يضعف بصومه عن المطلوب منه يومه قالوا: والحكمة في زيادة صوم عرفة في التكفير عن صوم عاشوراء أنه من شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصوم عاشوراء من شريعة الكليم عليه السلام وشرع محمد أفضل قوله: "ولأنها يقدر فيها(1/400)
من شعبان" لأنها تكفر ذنوب السنة والليلة الجمعة تكفر ذنوب الأسبوع وليلة القدر تكفر ذنوب العمر ولأنها تقدر فيها الأرزاق والآجال والإغناء والإفقار والإعزاز والإذلال والإحياء والإماتة وعدد الحاج وفيها يسح الله تعالى الخير سحا وخمس ليالي لا يرد فيهن الدعاء ليلة الجمعة وأول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلتا العيدين. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء فيقول ألا مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه حتى يطلع الفجر" وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنة ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر وليلة النصف من شعبان" وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام ليلة النصف من شعبان وليلتي العيدين لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" ومعنى القيام أن يكون مشتغلا معظم الليل بطاعة وقيل بساعة منه يقرأ أو يسمع القرآن أو الحديث أو يسبح أو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس بصلاة العشاء جماعة والعزم على صلاة الصبح جماعة كما في إحياء ليلتي
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الأرزاق" قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان 4] قوله: "وفيها يسح الله تعالى الخير سحا" قال في القاموس السح الصب والسيلان من فوق كالسح بالضم اهـ فشبه الخير بماء يصب من محل عال والمراد كثرة الخير قوله: "ينزل فيها" أي ينزل أمره أو ملائكته أو النزول صفة له تعالى لا كصفة الحوادث على ما ذكروه من الطريقين قوله: "ألا مستغفر الخ" ألا أداة استفتاح وأغفر له بالرفع لا بالجزم1 لأنه في جواب العرض مثلا وألا هنا ليست له لأنها تدخل على الأفعال قوله: "ليلة التروية" هي ليلة الثامن من ذي الحجة قوله: "لم يمت قلبه يوم تموت القلوب" أي بمحبسة الدنيا حتى تصده عن الآخرة كما جاء لا تجالسوا الموتى يعني أهل الدنيا وقال بعضهم لم يمت قلبه أي لا يتحير قلبه عند النزع ولا في القبر ولا في القيامة كذا في الشرح قوله: "يقرأ أو يسمع" أو يدعو وأحسن ما يدعو به اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.
خاتمة من المندوب صلاة القتل فإذا ابتلي به مسلم يستحب أن يصلي ركعتين يستغفر بعدهما من ذنوبه لتكون الصلاة الإستغفار آخر أعماله ومنه الصلاة إذا نزل منزلا فيستحب أن لا يقعد حتى يصلي ركعتين كما في السير الكبير وكذا إذا أراد سفرا أو رجع ومنه صلاة الإستغفار لمعصية وقعت منه لما عن علي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يذنب ذنبا فيتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي ركعتين فيستغفر الله إلا غفر له" كذا في القهستاني
__________
1 قوله لا بالجزم لعل صوابه بالنصب بدلل وجود الفاء تأمل أهـ مصححه.(1/401)
العيدين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله" رواه مسلم "ويكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي" المتقدم ذكرها "في المساجد" وغيرها لأنه لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة فأنكره أكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة وفقهاء أهل المدينة وأصحاب مالك وغيرهم وقالوا: ذلك كله بدعة ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه إحياء ليلتي العيدين جماعة واختلف علماء الشم في صفة إحياء ليلة النصف من شعبان على قولين أحدهما أنه استحب إحياؤها بجماعة في المسجد طائفة من أعيان التابعين كخالد بن معدان ولقمان بن عامر ووافقهم اسحق بن راهويه والقول الثاني أنه يكره الاجتماع لها في المساجد للصلاة وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله" يحتمل أنه بصلاة الصبح يحصل له ثواب النصف الآخر فالليل كله حصل بمجموع الصلاتين وهو الذي يشير إليه كلام ابن عباس فإنه جعل صلاة العشاء بجماعة والعزم على صلاة الصبح بها يقوم مقام إحياء الليل ويحتمل أنه أشار به إلى أن صلاة الصبح أفضل من صلاة العشاء لأنه يكون بصلاتها كأنه قام نصف الليل وبصلاته كأنه قام الليل كله قوله: "ويكره الإجتماع الخ" ولا يخرج بنذر الجماعة في الصلوات التي في تلك الليالي أو غيرها من الرغائب عن الكراهة وإن كان لا يخرج عنها إلا بالجماعة بشرط أن يكون الإمام غير ناذر لها وإلا لا يصح لعدم صحة اقتداء الناذر بالناذر ويدخل في ذلك صلاة التسبيح فإن قيل يلزم على ما سبق من أن النذر وجد من المقتدي لا من الإمام بناء القوي على الضعيف قلت بناء القوي على الضعيف إنما يمنع حيث كانت القوة ذاتية أما إذا لم تكن كما هنا فلا لأنها عرضت بالنذر ومن هذا قال الحلبي النذر كالنفل واعلم أن الصلاة في نفسها مشروعة بصفة الإنفراد والإقتداء فيها صحيح مع الكراهة حيث كان على التداعي أفاده السيد والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/402)
فصل في صلاة النفل جالسا وفي الصلاة على الدابة وصلاة الماشي.
"يجوز النفل" إنما عبر به ليشمل السنن المؤكدة وغيرها فتصح إذا صلاها "قاعدا مع
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فصل في صلاة النفل جالسا
قوله: "يجوز النفل قاعدا" مطلقا من غير كراهة كما في مجمع الأنهر قوله: "لما قيل(1/402)
القدرة على القيام" وقد حكي فيه إجماع العلماء وعلى غير المعتمد يقال إلا سنة الفجر لما قيل بوجوبها وقوة تأكدها إلا التراويح على غير الصحيح لأن الأصح جوازه قاعدا من غير عذر فلا يستثنى من جواز النفل جالسا بلا عذر شيء على الصحيح لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر قاعدا وكان يجلس في عامة صلاته بالليل تخفيفا وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها فلما أراد أن يركع قام فقرأ آيات ثم ركع وسجد وعاد إلى القعود وقال في معراج الدراية وهو المستحب في كل تطوع يصليه قاعدا موافقة للسنة ولو لم يقرأ حين استوى قائما وركع وسجد أجزأه ولو لم يستو قائما وركع لا يجزئه لأنه لا يكون ركوعا قائما ولا ركوعا قاعدا كما في التجنيس و "لكن له" أي للمتنفل جالسا "نصف أجر القائم" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد" "إلا" أنهم قالوا: هذا في حق القادر أما العاجز "من عذر" فصلاته بالإيماء أفضل من صلاة القائم الراكع الساجد لأنه جهد المقل والإجماع منعقد على أن صلاة القاعد بعذر مساوية لصلاة القائم في الأجر كذا في الدراية. قلت بل هو
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
بوجوبها" قال في الخلاصة وأجمعوا على أن ركعتي الفجر من غير عذر قاعدا لا تجوز كذا روى الحسن عن الإمام اهـ ولا يخفي ما في حكاية الإجماع على ذلك وليس الإجماع إلا على تأكدها كذا في الشرح وما في قوله ما قيل مصدرية قوله: "على الصحيح" يفيد أن القول بتحتم القيام في سنة الفجر وفي التراويح غير مرجح وليس كذلك أفاده السيد قوله: "بعد الوتر" أي غير الوتر لأن المقصود الإستدلال على جواز كل النفل قاعدا ويحتمل أنه إشارة إلى ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم من صلاة ركعتين بعد الوتر لبيان الجواز إلا أنه لا ينتج المدعي قوله: "ولو لم يستو قائما" بأن قام قياما تنال يداه فيه ركبتيه وركع وأما إذا وضع ركبتيه على الأرض ونصب نصفه الأعلى فالظاهر أنه لا مانع من الجواز قوله: "ولكن له نصف أجر القائم" يستثنى منه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم فإن أجر صلاته قاعدا كأجر صلاته قائما فهو من خصوصياته قوله: "ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد" صرح في البحر عن المشارق بنفي جوازه نائما فقال: ورد في بعض رواياته ومن صلى نائما أي مضطجعا فله نصف أجر القاعد ولا يمكن حمله على النفل مع القدرة لا يصح مضطجعا اللهم إلا أن يحكم بشذوذ هذه الرواية انتهى وفهم المؤلف من كلام القوم أن في ذلك خلافا كما هو عند الشافعية ولكن قال الكمال ولا أعلمه في فقهنا اهـ قوله: "فصلاته بالإيماء أفضل" أي مضطجعا أو مستلقيا أو قاعدا قوله: "لأنه جهد المقل" أي اجتهاد المقل بمعنى أنه ليس في وسعه غيره والجهد بمعنى المجهود قوله: "على أن صلاة القاعد" أي الذي يركع ويسجد فإن المومي تقدم الكلام عليه قوله: "قلت بل هو أرقى الخ" هو ظاهر لأن الصلاة بالإيماء أقل رتبة من(1/403)
أرقى منه لأنه أيضا جهد المقل ونية المرء خير من عمله "ويقعد" المتنفل جالسا "كالتشهد" إذا لم يكن به عذر فيفترش رجله اليسرى ويجلس عليها وينصب يمناه "في المختار" وعليه الفتوى ولكن ذكر شيخ الإسلام الأفضل له أن يقعد في موضع القيام محتبيا لأن عامة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره كان محتبيا أي في النفل ولأن المحتبي أكثر توجها لأعضائه القبلة لتوجه الساقين كالقيام وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى يقعد كيف شاء لأنه لما جاز له ترك أصل القيام فترك صفة القعود أولى وأما المريض فلا يتقيد صفة جلوسه بشيء "وجاز إتمامه" أي إتمام القادر نفله "قاعدا" سواء كان في الأولى أو الثانية "بعد افتتاحه قائما" عند أبي حنيفة رحمه الله لأن القيام ليس ركنا في النفل فجاز تركه وعندهما لا يجوز لأن الشروع ملزم فأشبه النذر ولأبي حنيفة أن نذره ملزم صلاة مطلقة وهي الكاملة بالقيام مع جميع الأركان والشروع لا يلزمه إلا صيانة النفل وهي لا توجب القيام فيتمه جالسا "بلا كراهة على الأصح" لأن البقاء أسهل من الابتداء وابتداؤه جالسا لا يكره فالبقاء أولى وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح التطوع ثم ينتقل من القيام إلى القعود ومن القعود إلى القيام روته عائشة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
صلاة القاعد في العمل وإذا كانت مع قلة العمل فيها أفضل من صلاة القائم فصلاة القاعد بعذر وهي أكثر عملا أفضل منها بالأولى قوله: "ونية المرء خير من عمله" هذا إنما يظهر إذا خطر بباله أنه لو كان صحيحا لأداها قائما وإنما كانت خيرا لبعدها عن الرياء قوله: "ويقعد كالمتشهد" فيه إشارة إلى أنه لا يضع يمناه على يسراه تحت سرته لكن صرح في كتاب سياسة الدنيا والدين بأنه يضع وإليه يشير قولهم إن القعود كالقيام اهـ من السيد قوله: "في المختار" هو إحدى روايات ثلاث عن الإمام وبها أخذ زفر قال في النهر ولا شك في جواز القعود على أي حال وإنما الاختلاف في تعيين ما هو الأفضل اهـ قوله: "ولكن ذكر شيخ الإسلام" هذه رواية ثانية عن الإمام وبها أخذ أبو يوسف وعن الإمام أنه يتربع وبها أخذ محمد كما في مجمع الأنهر فإذا أراد أن يركع يعني على الروايتين الأخيرتين افترش رجله اليسرى وجلس عليها ليكون أيسر عليه كذا في ابن أميرحاج وهذا الخلاف في غير حال التشهد أما فيه فإنه يجلس كما يجلس المتشهد بالإجماع سواء سقط القيام لعذر أم لا اهـ نهر قوله: "لتوجه الساقين" أي وكل القدمين وهو لازم لما قبله قوله: "وعندهما لا يجوز" الخلاف في غير الشفع الثاني أما لو ابتدأ الشفع الأول قائما ثم قعد في الشفع الثاني فهو جائز اتفاقا لأن كل شفع صلاة على حدة قوله: "ولأبي حنيفة أن نذره ملزم الخ" لا فرق في لزوم القيام فيه بين أن يلتزمه نصا أو لا واختاره الكمال وفي المحيط أنه إن لم يلتزم القيام نصا لا يلزمه قال فخر الإسلام هو الصحيح أفاده السيد قوله: "بالقيام الخ" متعلق بالكاملة قوله: "بلا كراهة على الأصح" واختار صاحب الهداية الكراهة إذا كان من غير عذر كالإعياء والتعب قوله: "ثم يتنقل(1/404)
رضي الله عنها "وينتقل" أي جاز له التنفل بل ندب له "راكبا خارج المصر" يعني خارج العمران ليشمل خارج القرية والأخبية بمحل إذا دخله مسافر قصر الفرض وسواء كان مسافرا أو خرج لحاجة في بعض النواحي على الأصح وقيل إذا خرج قدر ميل وقيل إذا خرج قدر فرسخين جاز له وإلا فلا وعن أبي يوسف جوازها في المصر أيضا على الدابة "موميا إلى أي جهة" ويفتتح الصلاة حيث "توجهت" به "دابته" لمكان الحاجة ولا يشترط عجزه عن إيقافها للتحريمة في ظاهر الرواية لقول جابر "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي النوافل على راحلته في كل وجه يومئ إيماء ولكنه يخفض السجدتين من الركعتين" ورواه ابن حبان في صحيحه وإذا حرك رجله أو ضرب دابته فلا بأس به إذا لم يصنع شيئا كثيرا وبنى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
من القيام إلى القعود" أي في الركعة الواحدة فقد ذكر في مجمع الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح التطوع قائما ثم يقعد فإذا بقي من قراءته مقدار عشرين آية أو ثلاثين قام فقرأ ثم سجد كذا في الشرح قوله: "أي جاز له التنفل" لأن الصلاة خير موضوع فلو اشترط ما يشق من نحو النزول يلزم الإنقطاع عن الخير قال في المبسوط لو لم يكن في التنفل على الدابة من المنفعة إلا حفظ اللسان من فضول الكلام لكان كافيا في جوازه قوله: "بل ندب له" لفعله صلى الله عليه وسلم كثيرا قوله: "إذا دخله" أي وصل إليه قوله: "على الأصح" هو قول جمهور العلماء وعند مالك يشترط كونه مسافرا وذكره في الذخيرة عن محمد وليس مشهورا عنه ولكن عن أبي يوسف جوازها في المصر بلا كراهة وعن محمد كذلك وفي رواية أجازه مع الكراهة مخافة الغلط بكثرة اللغط واستدلا بما روى عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة وكان يصلي وهو راكب وأجيب عن الإمام بشذوذ الحديث وتمامه في الشرح قوله: "موميا إلى أي جهة الخ" فلو سجد على سرجه أو على شيء وضع عنده يكون عبثا لا فائدة فيه فيكره ولا تفسد لأنه إيماء وزيادة اللهم إلا أن يكون ذلك الشيء نجسا فتفسد لاتصال النجاسة به كما حققه البرهان الحلبي قوله: "ويفتتح الصلاة الخ" إنما زاده لوقوع الخلاف فيه فإن الإمام الشافعي رضي الله عنه يشترط الإستقبال عند الإفتتاح وفي شرح عمدة الأحكام وعند أبي حنيفة وأبي ثور يفتتح أولا إلى القبلة استحبابا ثم يصلي كيف شاء وبه قال أحمد وهو الأشبه كذا في ابن أميرحاج قوله: "حيث توجهت به دابته" أشار به إلى أنه إذا صلى إلى غير ما توجهت به دابته لا يجوز لعدم الضرورة إلى ذلك كما في السراج وفي توحيد الضمير في قوله موميا وقوله به إشارة إلى أن الصلاة على الدابة لا تصح بالجماعة فإن فعلوا فصلاة الإمام صحيحة وصلاة القوم فاسدة وقيل تجوز إذا كانا على دابة واحدة كما في البحر عن الظهيرية وبه جزم في الدرر قوله: "في ظاهر الرواية" وقال الكاكي يشترط ذلك وإن تعذر جاز قال في الشرنبلالية وينبغي حمله على صلاة الفرض لأن باب النفل أوسع اهـ قوله: "وإذا حرك الخ" أشار به إلى أن تسيره لا يضر إذا كان بعمل قليل وهو المعتمد خلافا(1/405)
بنزوله" على ما مضى إذا لم يحصل منه عمل كثير كما إذا ثنى رجله فانحدر لأن إحرامه انعقد مجوزا للركوع والسجود عزيمة بنزوله بعده فكان له الإيماء بهما راكبا رخصة وبهذا يفرق بين جواز بنائه وعدم بناء المريض بالركوع والسجود وكان موميا لأن إحرام المريض لم يتناولهما لعدم قدرته عليهما فلذا "لا" يجوز البناء بعد "ركوبه" على ما مضى من صلاته نازلا في ظاهر الرواية عنهم لأن افتتاحه على الأرض استلزم جميع الشروط وفي الركوب يفوت شرط الاستقبال واتحاد المكان وطهارته وحقيقة الركوع والسجود "و" جاز الإيماء على الدابة و "لو كان بالنوافل الراتبة" المؤكدة وغيرها حتى سنة الفجر "و" روي "عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
لما في القنية أنه إذا سيرها صاحبها لم يجز الفرض ولا التطوع قوله: "لأن إحرامه انعقد مجوزا للركوع والسجود" إيضاحه أن يقال أن بناء بعض الصلاة على بعض عند الاختلاف إنما يجوز إذا تناولتهما تحريمة واحدة وأما إذا لم يكونا كذلك فلا يجوز إذا ظهر هذا فتحريمة الراكب انعقدت مجوزة للإيماء راكبا وللركوع والسجود بتقدير النزول فكان ما صلى بالإيماء وهو راكب وما يصلي بعد النزول بركوع وسجود داخلين تحت تحريمة واحدة فجاز بناء أحدهما على الآخر وإحرام النازل انقعد موجبا للركوع والسجود فقط فلم يتناول الإيماء راكبا فلا يصح بناؤه عليه كذا في العناية فإن قيل ما ذكر فيه بناء القوي على الضعيف وذلك لا يجوز كما في المريض إذا صح أجيب بأن إحرام المريض لم يتناول الأركان أي الأصلية بدون إيماء لعدم قدرته عليها فلا يجوز بناء ما لم يتناوله إحرامه على ما تناوله وأجيب أيضا بأن إيماء الراكب كركوعه وسجوده في القوة وليس خلفا عنهما ولذا جاز ابتداؤه بالإيماء مع قدرته على النزول إذ الخلف ما لا يصار إليه إلا عند تعذر الأصل ولا يصبح الجمع بينهما بخلاف المريض فإن إيماء خلف لا يجوز له ابتداء مع القدرة أي فلا يصح الجمع بينه وبين الأصل فلا يصح له البناء قال في النهاية وعلى هذا الفرق يجب أن لا يبني في المكتوبة فيما إذا افتتحها راكبا لعذر ثم نزل لأنه ليس له أن يفتتحها على الدابة عند القدرة فكان الإيماء فيها خلفا فلا يصح البناء للزوم الجمع بين الأصل والخلف ولهذا قيد المسئلة في الهداية بالمتطوع اهـ قوله: "عزيمة" أي أمرا محتما عليه وهو مفعول مطلق لمحذوف أي عزم عليه عزيمة وقوله بنزوله متعلق به قوله: "فكان له الإيماء" الأولى أن يقول وللإيماء بهما عطف على قوله للركوع قوله: "رخصة" أي جاء على خلاف الحكم الأصلي تسهيلا قوله: "وبهذا" الإشارة ترجع إلى التعليل قوله: "فلذا" أي للتعليل بعدم التناول قال في الشرح وعدم بناء المريض إذا قدر على الركوع والسجود وكان موميا لأن إحرام المريض لم يتناولهما لعدم قدرته عليها فصار كإحرام النازل الذي افتتح الصلاة على الأرض فلا يجوز بناء ما لم يتناوله إحرامه على ما تناوله فلذا لا تجوز الخ قوله: "في ظاهر الرواية" وقال زفر يجوز له البناء كما أوضحه في الفتح قوله: "حتى سنة الفجر" بالجر عطفا على النوافل الراتبة قوله:(1/406)
أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه ينزل" الراكب "لسنة الفجر لأنها آكد من غيرها" قال ابن شجاع رحمه الله يجوز أن يكون هذا لبيان الأولى يعني أن الأولى أن ينزل لركعتي الفجر كذا في العناية وقدمنا أن هذا على رواية وجوبها "وجاز للمتطوع الاتكاء على شيء" كحصى وحائط وخادم "إن تعب" لأنه عذر كما جاز أن يقعد "بلا كراهة وإن كان" الاتكاء "بغير عذر كره في الأظهر لإساءة الأدب" بخلاف القعود بغير عذر بعد القيام كما قدمناه "ولا يمنع صحة الصلاة على الدابة نجاسة" كثيرة "عليها" أي الدابة "ولو كانت" التي تزيد على الدرهم "في السرج والركابين على الأصح" وهو قول أكثر مشايخنا للضرورة "ولا تصح صلاة الماشي بالإجماع" أي إجماع أئمتنا لاختلاف المكان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
"يعني أن الأولى الخ" أي فيجاب عنه بجوابين قوله: "كره في الأظهر" أي تنزيها بدليل التعليل قوله: "بخلاف القعود" فإنه لا كراهة فيه على الأصح قوله: "للضرورة" ولأنه لما سقط اعتبار الأركان الأصلية فلأن يسقط شرط طهارة المكان أولى قوله: "ولا تصح صلاة الماشي" ولا السابح وهو يسبح كما في المضمرات سواء كان بعذر أم لا فرضا كانت الصلاة أم لا قوله: "لاختلاف المكان" ولأن كلا من المشي والسباحة مناف للصلاة وأداء الأركان مع المنافي لا يصح والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/407)
فصل: في صلاة الفرض والواجب على الدابة
والمحمل "لا يصح على الدابة صلاة الفرائض ولا الواجبات كالوتر والمنذور" والعيدين "و" لا قضاء "ما شرع فيه نفلا فأفسده ولا صلاة الجنازة و" لا "سجدة" تلاوة قد "تليت آيتها على الأرض إلا لضرورة" نص عليها في الفرض بقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} والواجب ملحق به "كخوف لص على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل" ولم تقف له رفقته "وخوف سبع" على نفسه أو دابته "و" وجود مطر و "طين" في "المكان"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فصل في صلاة الفرض والواجب على الدابة.
قوله: "والمحمل" اسم مكان قياسه فتح الميم قوله: "ولا قضاء ما شرع فيه نفلا" ولو شرع فيه بقعود أفاده السيد قوله: "قد تليت آيتها على الأرض" أما إذا تليت آيتها عليها فتصح عليها قوله: "إلا لضرورة" قال في الخلاصة أما صلاة الفرض على الدابة بالعذر فجائزة فيقف عليها أي مستقبل القبلة ويصلي بالإيماء إن أمكنه إيقاف الدابة فإن لم يمكنه صلى أينما توجهت ولو مستدبر القبلة كذا في غاية البيان قوله: "كخوف لص" يعم قاطع الطريق قوله: "ولم تقف له رفقته" هذا على الغالب ومن غير الغالب أن وقوف الرفقة لا يفيد منع اللص(1/407)
يغيب فيه الوجه أو يلطخه أو يتلف ما يبسطه عليه أما مجرد نداوة فلا يبيح ذلك والذي لا دابة له يصلي قائما في الطين بالإيماء "وجموح الدابة وعدم وجدان من يركبه" دابته ولو كانت غير جموح "لعجزه" بالاتفاق ولا تلزمه الإعادة بزوال العذر والمريض الذي يحصل له بالنزول والركوب زيادة مرض أو بطؤ برء يجوز له الإيماء بالفرض على الدابة واقفة مستقبل القبلة إن أمكن وإلا فلا وكذا لطين المكان وإن وجد العاجز عن الركوب معينا فهي مسألة القادر بقدرة غيره خلافا لهما كالمرأة إذا لم تقدر على النزول إلا بمحرم أو زوج ومعادل زوجته أو محرمه إذا لم يقم ولده محله كالمرأة "والصلاة في المحمل" وهو "على الدابة كالصلاة عليها" في الحكم الذي علمته "سواء كانت سائرة أو واقفة ولو" أوقفها و "جعل تحت المحمل خشبة" أو نحوها "حتى بقي قراره" أي المحمل "إلى الأرض" بواسطة ما جعل تحته "كان" أي صار المحمل "بمنزلة الأرض فتصح الفريضة فيه قائما" لا قاعدا بالركوع والسجود.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فيجوز له حينئذ الصلاة عليها قوله: "واقفة مستقبل القبلة" لا يخص المريض بل هو حكم صلاة الفرض وما ألحق به على الدابة مطلقا قوله: "خلافا لهما" تقدم ترجيح قولهما قوله: "كالمرأة" أي فإنها قادرة بقدرة الغير قوله: "ومعادل زوجته" مبتدأ وخبره قوله كالمرأة والظاهر أن الزوجة والمحرم ليسا بقيد قوله: "إذا لم يقم ولده محله" أي لأجل تعادل الحمل قوله: "كالمرأة" أي المعادلة فيجوز له الصلاة على الدابة كذا بحثه صاحب البحر وأقره عليه من بعده قوله: "فتصح الفريضة فيه قائما" فإن لم يمكنه القيام ولا النزول صلى قاعدا كما هو مفاد كلامهم أفاده بعض الأفاضل بحثا وقال السيد بعد عبارة المصنف هذه وهذا وإن أطلقه المصنف يحمل على ما إذا أمكنه القيام والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/408)
فصل في الصلاة في السفينة صلاة الفرض
والواجب "فيها وهي جارية" حال كونه "قاعدا بلا عذر" به وهو يقدر على الخرج منها "صحيحة عند" الإمام الأعظم "أبي حنيفة" رحمه الله تعالى لكن "بالركوع والسجود" لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فصل في الصلاة في السفينة
مناسبة هذا الفصل لما قبله أن السفينة لها شبه بالدابة لأنها مركب البحر والدابة مركب البر ولذا سقط القيام كما هو في صلاة الدابة ولها شبه بالأرض من حيث الجلوس عليها بقرار ولذا لزم الركوع والسجود والإستقبال قوله: "صلاة الفرض والواجب" ويعلم منه حكم النفل بالأولى قوله: "وهو يقدر" نص على المتوهم قوله: "صحيحة عند الإمام(1/408)
بالإيماء لأن الغالب في القيام دوران الرأس والغالب كالمتحقق لكن القيام فيها والخروج أفضل إن أمكنه لأنه أبعد عن شبهة الخلاف وأسكن لقلبه "وقالا" أي أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى "لا تصح" جالسا "إلا من عذر وهو الأظهر" لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في السفينة فقال: "صل فيها قائما إلا أن تكون تخاف الغرق" وقال مثله لجعفر ولأن القيام ركن فلا يترك إلا بعذر محقق لا موهوم ودليل الإمام أقوى فيتبع لأن ابن سيرين قال صلينا مع أنس في السفينة قعودا ولو شئنا لخرجنا إلى الجد وقال مجاهد صلينا مع جنادة رضي الله عنه في السفينة قعودا ولو شئنا لقمنا وقال الزاهدي وحديث عمر وجعفر محمول على الندب فظهر قوة دليله لموافقة تابعيين ابن سيرين ومجاهد وصحابيين أنس وجنادة فيتبع قول الإمام رحمه الله تعالى "والعذر كدوران الرأس وعدم القدرة على الخروج ولا تجوز" أي لا تصح الصلاة "فيها بالإيماء" لمن يقدر على الركوع والسجود "اتفاقا" لفقد المبيح حقيقة وحكما "والمربوطة في لجة البحر" بالمراسي والجبال "و" مع ذلك "تحركها الريح" تحريكا "شديدا" هي "كالسائرة" في الحكم الذي قد علمته والخلاف فيه "وإلا" أي وإن لم تحركها شديدا "فكالواقفة" بالشط "على الأصح و" الواقفة ذكرها مع حكمها ب قوله "إن كانت مربوطة بالشط لا تجوز صلاته" فيها "قاعدا" مع قدرته على القيام لانتفاء المقتضي للصحة "بالإجماع" على الصحيح وهو احتراز عن قول بعضهم أنها أيضا على الخلاف "فإن صلى" في المربوطة بالشط "قائما وكان شيء من السفينة على قرار الأرض صحت الصلاة" بمنزلة الصلاة على السرير "وإلا" أي وإن لم يستقر منها شيء على الأرض "فلا تصح" الصلاة فيها "على المختار" كما في المحيط والبدائع لأنها حينئذ كالدابة. وظاهر الهداية والنهاية جواز الصلاة في المربوطة بالشط قائما مطلقا أي سواء استقرت بالأرض أو لا "إلا إذا لم يمكنه الخروج" بلا ضرر فيصلي فيها للخروج "و"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الأعظم" من غير كراهة عنده كما في حاشية الدرر للمؤلف وفي المضمرات والبحر عن البدائع أن فيه إساءة أدب وهو الذي يفيده كلامه بعده قوله: "والخروج أفضل" أي من الصلاة قائما فيها يعني إذا أمكنه من غير ضرر لنفسه أو ماله قوله: "لأنه أبعد الخ" هو على سبيل اللف والنشر المرتب قوله: "وقال مثله لجعفر" اي ابن أبي طالب لما بعثه إلى الحبشة قوله: "لخرجنا إلى الجد" بكسر الجيم وتشديد الدال الشاطيء وهذا دليل لجواز الصلاة فيها مع إمكان الخروج منها وما بعده دليل لجواز الصلاة قاعدا مع إمكان الصلاة من قيام قوله: "محمول على الندب" أي الأمر فيه وهو صل فيها قائما محمله الندب لتتوافق الأدلة قوله: "المبيح حقيقة" هو كالمريض وحكما هو كالدابة قوله: "كما في المحيط والبدائع الخ" اعلم أن ظاهر الهداية والنهاية والإختيار جواز الصلاة قائما في المربوطة بالشط(1/409)
إذا كانت سائرة "يتوجه المصلي فيها إلى القبلة" لقدرته على فرض الاستقبال "عند افتتاح الصلاة وكلما استدارت" السفينة "عنها" أي القبلة "يتوجه" المصلي باستدارتها "إليها" أي القبلة "في خلال الصلاة" وإن عجز يمسك عن الصلاة "حتى" يقدر إلى أن "يتمها مستقبلا" ولو ترك الاستقبال لا تجزئه في قولهم جميعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
مطلقا سواء استقرت على الأرض أم لا أمكنه الخروج أم لا وقيده في الإيضاح بأحد أمرين بالإستقرار وعدم إمكان الخروج عند عمد الإستقرار كما في الفتح والتبيين واختاره في المحيط والبدائع كما في البحر فما قاله الشيخ شاهين في رسالة له وما في الإيضاح لم أقف على تصحيحه لأحد بل هو ضعيف والمعتمد الإطلاق مردود قال الحلبي وعلى هذا أي ما ذكر في الإيضاح ينبغي أن لا تجوز الصلاة فيها إذا كانت سائرة مع إمكان الخروج إلى البر والإيضاح هو للتجريد في ثلاث مجلدات كلاهما لعبد الرحمن أبي الفضل الكرماني قوله: "وإن عجز يمسك عن الصلاة" نقله في الشرح عن مجمع الروايات قوله: "ولو ترك الاستقبال لا تجزيه في قولهم جميعا" هذا ما أورده الشيخ أكمل الدين بقوله وينبغي أن يتوجه إلى القبلة كيفما دارت السفينة سواء كان عند الإفتتاح أو في خلال الصلاة لأن التوجه فرض عند القدرة وهذا قادر اهـ كذا في الشرح قال بعض الحذاق المتبادر أن لزوم التوجه منوط بالقدرة عليه كما يشير إليه كلام المضمرات والاسبيجابي إذ الاستقبال قد يسقط للعذر ولو عند الإمكان كما في الخائف من عدوه عدم الإمكان أولى والعلامة الأكمل لم يطلق لزوم الإستقبال بل قيد بالقدرة وعند عدم القدرة على الشيء كيف يتحقق لزومه وإلى ما ذكرنا يشير كلام الدرر حيث قال لأنه يمكنه الإستقبال من غير مشقة إذ مفهومه أنه عند عدم الإمكان وعند المشقة لا يلزمه الاستقبال ومفاهيم الكتب حجة كما لا يخفى وما في مجمع الروايات أنه إن عجز يمسك عن الصلاة يمكن حمله على حالة الرجاء اهـ أي رجاء زوال العذر قبل الوقت فتأمل اهـ بتصرف وهو كلام حسن إذ على ما أفاده المصنف يلزمه تأخير الصلوات في أسفار البحر الملح عند إشتداد الأرياح وتقلبها وفي سفن مصر عند السفر إلى العارف بالله تعالى السيد أحمد البدوي بحرا في المراكب العامة وغير ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/410)
فصل: في صلاة التراويح
الترويحة الجلسة في الأصل ثم سميت بها الأربع ركعات التي آخرها الترويحة. روى
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فصل في صلاة التراويح
قوله: "الترويحة الجلسة" فهي المرة الواحدة من الراحة قوله: "ثم سميت بها الأربع(1/410)
الحسن عن أبي حنيفة صفتها بقوله "التراويح سنة" كما في الخلاصة وهي مؤكدة كما في الاختيار وروى أسد بن عمرو عن أبي يوسف قال سألت أبا حنيفة عن التراويح وما فعله عمر رضي الله عنه فقال: التراويح سنة مؤكدة ولم يتخرصه عمر من تلقاء نفسه ولم يكن فيه مبتدعا ولم يأمر به إلا عن أصل لديه وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي سنة عين
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ركعات الخ" مجازا للإستراحة بعدها غالبا فهو من إطلاق اسم المجاور على ما جاوره وقوله التي آخرها الأولى أن يقول التي بعدها ويمكن أن تكون نفسها راحة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم "أرحنا بالصلاة يا بلال" أي أقمها فيكون فعلها راحة لأن إنتظارها مشقة على النفس أو لأنها يتوصل بها إلى راحة الجنة وهذه العبارة التي للمصنف نقلها في الشرح عن المستصفي والذي فيه عن الفتح أن التراويح جمع ترويحة للنصف أي استراحة وهي في الأصل مصدر بمعنى الإستراحة سميت بها كل أربع لاستلزامها شرعا استراحة بعدها بقدرها اهـ فالعلاقة اللزوم قوله: "التراويح سنة" بإجماع الصحابة ومن بعدهم من الأمة منكرها مبتدع ضال مردود الشهادة كما في المضمرات وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة والرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة اهـ منها الوتر كما في صحيحي ابن خزيمة وابن حبان وأما ما رواه ابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين سوى الوتر فضعيف وإنما ثبت العشرون بمواظبة الخلفاء الراشدين ما عدا الصديق رضي الله تعالى عنهم ففي البخاري فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر حين جمعهم عمر على أبي بن كعب فقام بهم في رمضان فكان ذلك أول اجتماع الناس على قارىء واحد في رمضان كما في فتح الباري وبالجملة فهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنها لنا وندبنا إليها وكيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ" وروى أبو نعيم من حديث عروبة الكندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستحدث بعدي أشياء فأحبها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر" وفي البحر عن الخلاصة اختلف المشايخ في كونها سنة يعني أو مستحبة قال وانقطع الخلاف برواية الحسن عن الإمام أنها سنة اهـ وقد ذكر الأصوليون أن السنة ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم أو واحد من الصحابة قوله: "ولم يتخرصه عمر من تلقاء نفسه" 1 قال في القاموس تخرصه افترى عليه اهـ وقال
__________
1 قوله: قال في القاموس تخرصه إلخ في القاموس تخرص عليه افترى فلينظر أهـ مصححه.(1/411)
مؤكدة "على الرجال والنساء" ثبتت سنيتها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله قال: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" وقد واظب عليها عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث "افترض الله عليكم صيامه وسننت لكم قيامه" وفيه رد لقول بعض الروافض هي سنة للرجال دون النساء وقول بعضهم سنة عمر لأن الصحيح أنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم والجماعة سنة فيها أيضا لكن على الكفاية بينه بقوله "وصلاتها بالجماعة سنة كفاية" لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالجماعة إحدى عشر ركعة بالوتر على سبيل التداعي ولم يجرها مجرى سائر النوافل ثم بين العذر في الترك وهو خشيته صلى الله عليه وسلم افتراضها علينا وقال
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قبله الخرص القول بالظن وذكر له معاني كثيرة قوله: "في حديث" بالتنكير وقوله افترض الخ في محل نصب مقول القول قوله: "وفيه رد لقول بعض الروافض هي سنة الرجال دون النساء" أقول هكذا قاله حافظ الدين في الكافي لكن المشهور عنهم أنها ليست بسنة أصلا قال في البرهان قد اجتمعت الأمة على مشروعية التراويح وجوازها ولم ينكرها أحد من أهل القبلة إلا الروافض ذكره العلامة نوح قوله: "وقول بعضهم سنة عمر الخ" في الفتاوي الهندية عن الجواهر هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل هي سنة عمر رضي الله عنه والأول أصح وفي حاشية السيد على العلامة مسكين وما قيل يكفر من يقول إنها سنة عمر رضي الله عنه كما تقوله الروافض فممنوع فقد صرح في كثير من المتداولات بأنها سنة عمر يعني بالنظر لكونها عشرين ركعة وللمواظبة عليها وذلك لا يمنع كونها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا لما ذكرنا اهـ قوله: "وصلاتها بالجماعة سنة كفاية" فلا لو على من لم يحضر الجماعة إلا أن يتركوها جميعا أو يكون فقيها يقتدى به وقال المرغيناني إنها سنة عين وكره أن يؤم في التراويح مرتين في ليلة واحدة وعليه الفتوى لأن السنة لا تتكرر في الوقت الواحد فتقع الثانية نفلا مضمرات بخلاف ما لو صلاها مأموما مرتين حيث لا يكره كما لو أم فيها ثم اقتدى بآخر في تلك الصلاة وكما لو صلى العشاء إماما أو مقتديا ثم أقيمت ثانيا فإنه لا يكره له أن يدخل فيها ثانيا بل يستحل له ذلك كما حققه العمدة ابن أميرحاج ولينظر الجمع بين هذا وبين ما ورد من حديث لا يصلي بعد صلاة مثلها والظاهر أن الظهر مثل العشاء بخلاف بقية الفرائض فيكره إعادتها وهذا غير مشهور فإن المشهور كراهة الإعادة إلا لمن صلى منفردا ثم أقيمت صلاة العشاء أو الظهر ويستفاد من طلب الجماعة في التراويح أن فضيلتها بالجماعة أكثر من فضيلة الإنفراد وهل هي كالجماعة في الفرض فتضاعف على صلاة الفذ بسبع وعشرين أو خمس وعشرين أو المتحقق فيها زيادة ثواب من غير قيد بالعدد ومثل ذلك يقال في صلاة التطوع جماعة إذا كان على غير وجه التداعي يحرر قوله: "وهو خشيته صلى الله عليه وسلم افتراضها علينا" إن قيل كيف خشي النبي صلى الله عليه وسلم أن تفترض علينا مع علمه بأنه لا يزاد على الصلوات الخمس لقوله تعالى في حديث الإسراء لما فرض الصلاة لا يبدل القول لدي أجيب بأن الممنوع زيادة الأوقات(1/412)
الصدر الشهيد الجماعة سنة كفاية فيها حتى لو أقامها البعض في المسجد بجماعة وباقي أهل المحلة منفردا في بيته لا يكون تاركا للسنة لأنه يروي عن أفراد الصحابة للتخلف. وقال في المبسوط لو صلى إنسان في بيته لا يأثم فقد فعله ابن عمر وعروة وسالم والقاسم وإبراهيم ونافع فدل فعل هؤلاء أن الجماعة في المسجد سنة على سبيل الكفاية إذ لا يظن بابن عمر ومن تبعه ترك السنة اه. وإن صلاها بجماعة في بيته فالصحيح أنه نال إحدى الفضيلتين فإن الأداء في المسجد له فضيلة ليس للأداء في البيت ذلك وكذا الحكم في الفرائض "ووقتها" ما "بعد صلاة العشاء" على الصحيح إلى طلوع الفجر "و" لتبعيتها للعشاء "يصح تقديم الوتر على التراويح وتأخيره عنها" وهو أفضل حتى لو تبين فساد العشاء دون التراويح والوتر أعادوا العشاء ثم التراويح دون الوتر عند أبي حنيفة لوقوعها نافلة مطلقة بوقوعها في غير محلها وهو الصحيح وقال جماعة من أصحابنا منهم إسماعيل الزاهد أن الليل كله وقت لها قبل العشاء وبعده وقبل الوتر وبعده لأنها قيام الليل "ويستحب تأخير التروايح إلى" قبل "ثلث الليل أو" قبيل "نصفه" واختلفوا في أدائها بعد النصف فقال بعضهم: يكره لأنها تبع للعشاء فصارت كسنة العشاء "و" قال بعضهم "لا يكره تأخيرها
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ونقصانها لا زيادة عدد الركعات ونقصانها ألا ترى أن الصلاة فرضت ركعتين فأقرت في السفر وزيدت في الحضر كما في حاشية الشلبي على الزيلعي أو أن الفرضية قد تكون معلقة على المداومة أو خشيت بمداومة عليها أن تعتقد وفرضيتها اهـ قوله: "وباقي أهل المحلة أقامها منفردا" أفاد بهذا التعبير أنها سنة كفاية لكل محلة فيها مسجد فإقامتها بمسجد واحد في البلد لا تسقط الجماعة عن جميعهم حيث تعددت مساجد المحلة ويحرر ومقتضى إطلاقهم أنها سنة كفاية أن المراد أنها سنة كفاية البلد لا في المحلة قوله: "فالصحيح أنه نال إحدى الفضيلتين" هما صلاتها في البيت جماعة وصلاتها في المسجد جماعة قوله: "فإن الأداء الخ" علة لمحذوف كان الواجب ذكره وهو الأفضل فيها المسجد فإن الأداء الخ قال البرهان الحلبي كل ما شرع بجماعة فالمسجد فيه أفضل لزيادة فضيلة المسجد وتكثير الجماعة وإظهار شعار الإسلام اهـ وفي النهر أنها في المسجد أفضل على ما عليه الاعتماد قوله: "ووقتها ما بعد صلاة العشاء" أي الوقت الذي هو بعد صلاة العشاء قوله: "يصح تقديم الوتر على التراويح الخ" وقيل وقتها بعد العشاء قيل الوتر وبه قال عامة مشايخ بخارى وأثر الخلاف يظهر فيما لو فاتته ترويحة لو اشتغل بها يفوته الوتر بالجماعة يشتغل بالترويحة على قول مشايخ بخارى وبالوتر على قول غيرهم قوله: "وقال جماعة من أصحابنا الخ" قال في البحر ولم أر من صححه وإذا فاتت قيل تقضي ما لم يأت وقتها من الليلة المستقبلة وقيل ما لم يمض الشهر والصحيح أنها لا تقضى مطلقا فإن قضاها كانت نفلا لا تراويح كما في الدر والسراج قوله: "وقال بعضهم لا يكره الخ" أي تحريما وإلا فمخالفة الأولى ثابتة بدليل(1/413)
إلى ما بعده" أي ما بعد نصف الليل "على الصحيح" لأن أفضل صلاة الليل آخره في حد ذاتها لكن الأحب أن لا يؤخر التراويح إليه خشية الفوات "وهي عشرون ركعة" بإجماع الصحابة رضي الله عنهم "بعشر تسليمات" كما هو المتوارث يسلم على رأس كل ركعتين فإذا وصلها وجلس على كل شفع فالأصح أنه إن تعمد ذلك كره وصحت وأجزأته عن كلها وإذا لم يجلس إلا في آخر أربع نابت عن تسليمة فتكون بمنزلة ركعتين في الصحيح "ويستحب الجلوس بعد" صلاة "كل أربع" ركعات "بقدرها وكذا" يستحب الجلوس يقدرها "بين الترويحة الخامسة والوتر" لأن المتوارث عن السلف وهذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله ولأن اسم التراويح ينبئ عن ذلك وهم مخيرون في الجلوس بين التسبيح والقراءة والصلاة فرادى والسكوت "وسن ختم القرآن فيها" أي التراويح "مرة في الشهر على
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله ولكن الأحب أن لا يؤخر التراويح قوله: "آخره" يصح قراءته بالرفع ويكون على تقدير مضاف أي صلاة آخره ويصح قراءته بالنصب على الظرفية أي الكائن آخره قوله: "في حد ذاتها" أي لا بالنظر للتراويح قوله: "وهي عشرون ركعة" الحكمة في تقديرها بهذا العدد مساواة المكمل وهي السنن للمكمل وهي الفرائض الاعتقادية والعملية قوله: "فالأصح أنه إن تعمد ذلك كره" مقابله ما في منية المصلي من عدم الكراهة لأنه أكمل لزيادة المشقة ورد بأن الكمال لا يحصل بمجرد المشقة ما لم يكن فيه اتباع السنة اهـ قوله: "وإذا لم يجلس إلا في آخر أربع الخ" أي آخر كل أربع فإذا جلس على آخر كل ركعتين تنوب عن تسليمتين على ما عليه العامة ذكره السيد وإذا لم يقعد إلا في آخر العشرين فعلى الصحيح تجوز عن تسليمة أي ركعتين بخلاف ما إذا قعد على رأس ركعتين كما في الخلاصة.
قوله: "نابت عن تسليمة" فيه أنهم قالوا: إن القعود الأول في رباعية النفل واجب يجبر بالسجود ومقتضاه أن تنوب عن تسليمتين ويجب عليه السجود إن كان ساهيا وقد يجاب بأن المذكور هنا في خصوص التراويح لكونها شرعت على هيئة مخصوصة بالسلام على رأس الركعتين فلا ينافي أنها في غيرها تجعل أربعا وفيه أن هذا يرد على ما إذا جمع الكل بتسليمة واحدة مع أنها إنما تنوب عن تسليمة واحدة على المفتي به كما في الدر قوله: "والصلاة فرادى" أي بعد كل أربع أما بعد كل شفع فهي مكروهة قال البرهان الحلبي يكره صلاة ركعتين منفردا بعد كل ركعتين لأنها بدعة مع مخالفة الإمام اهـ وفي الكافي وتكره الإستراحة على خمس تسليمات عند الجمهور.
قوله: "مرة في الشهر" ومرتين فضيلة وثلاثا في كل عشر مرة أفضل كافي وإذا كان إمام مسجد حية لا يختم فله أن يتركه إلى غيره كما في الفتح وكذا لو كان الإمام لحانا وفي الفتح والتبيين ثم إذا ختم مرة قبل آخره قيل لا يكره وترك التراويح فيما بقي لأنها شرعت(1/414)
الصحيح" وهو قول الأكثر رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله يقرأ فيكل ركعة عشر آيات أو نحوها وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه كان يختم في رمضان إحدى وستين ختمة في كل يوم ختمة وفي كل ليلة ختمة وفي كل التروايح ختمة وصلى بالقرآن في ركعتين وصلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة "وإن مل به" أي بختم القرآن في الشهر "القوم قرأ بقدر ما لا يؤدي إلى تنفيرهم في المختار" لأن الأفضل في زماننا ما لا يؤدي إلى تنفير الجماعة كذا في الاختيار وفي المحيط الأفضل في زماننا أن يقرأ بما لا يؤدي إلى تنفير القوم عن الجماعة لأن تكثير القوم أفضل من تطويل القراءة وبه يفتى. وقال الزاهد يقرأ كما في المغرب أي بقصار المفصل بعد الفاتحة ويكره الاقتصار على دون ثلاث آيات أو آية طويلة بعد الفاتحة لترك الواجب "ولا يترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل تشهد منها" لأنها سنة مؤكدة عندنا وفرض على قول بعض المجتهدين فلا تصح بدونها
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
لأجل ختم القرآن وقد حصل مرة وقيل يصليها أو يقرأ فيها ما شاء اهـ وإذا قرأ بالختم فغلط فترك سورة أو آية وقرأ ما بعدها فالمستحب له أن يقرأ المتروك ثم المقروء ليكون على الترتيب قوله: "يقرأ في كل ركعة عشر آيات أو نحوها" لأن عدد ركعات التراويح ستمائة ركعة أو إلا عشرين إن كان الشهر ناقصا فينبغي الزيادة على العشرة ولو كان كاملا لأن الآيات تزيد على قدرها كاملة بستمائة وستين آية ليتأتى له الختم فيه وجميع آيات القرآن ستة آلاف وستمائة وستة وستون آية ألف وعد وألف وعيد وألف أمر وألف نهي وألف قصص وألف خبر وخمسمائة حلال وحرام ومائة دعاء وتسبيح وست وستون ناسخ ومنسوخ كذا في الشعبي عن الكشاف.
قوله: "ما لا يؤدي إلى تنفير الجماعة" من طول قراءة وتسبيح وأدعية تشهد وقوله في زماننا لا مفهوم له لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أبيا عن تطويل القراءة قوله: "لأن تكثير القوم أفضل من تطويل القراءة" أي أكثر ثوابا لأنه يزاد بكل فرد صلاة ويتعلم جاهلهم من عالمهم وتعود بركة الكامل منهم على التناقص قوله: "ويكره الإقتصار على ما دون ثلاث آيات وآية طويلة بعد الفاتحة" أوآيتان متوسطتان كما في الشرح قوله: "لترك الواجب" أفاد به أنه مكروه تحريما وما في فضائل رمضان للزاهدي من أن أبا الفضل الكرماني والوبري أفتيا أنه إذا قرأ في التراويح الفاتحة وآية أو آيتين لا يكره ومن لم يكن عالما بأهل زمانه فهو جاهل انتهى محمول على الآية الطويلة والآيتين المتوسطتين أو هو ضعيف لأن فيه إفراطا يؤدي إلى التفريط بترك الواجب قوله: "ولا بترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" ويكتفي باللهم صل على محمد لأنه الفرض عند الشافعي در قوله: "وفرض على قول بعض المجتهدين" منهم مولانا الإمام الشافعي رضي الله عنه.(1/415)
ويحذر من الهذرمة وترك الترتيل وترك تعديل الأركان وغيرها كما يفعله من لا خشية له "ولو مل القوم" بذلك "على المختار" لأنه عين الكسل منهم فلا يلتفت إليهم فيه "و" كذا "لا يترك الثناء" في افتتاح كل شفع "و" كذا "تسبيح الركوع والسجود" لا يترك لافتراضه عند البعض وتأكيد سنيته عندنا "ولا يأتي" الإمام "بالدعاء" عند السلام "إن مل القوم" به ولا يتركه بالمرة فيدعو بما قصر تحصيلا للسنة "ولا تقضى التراويح" أصلا "بفواتها" عن وقتها "منفردا ولا بجماعة" على الأصح لأن القضاء من خصائص الواجبات وإن قضاها كانت نفلا مستحبا لا تراويح وهي سنة الوقت لا سنة الصوم في الأصح فمن صار أهلا للصلاة في آخر اليوم يسن له التراويح كالحائض إذا طهرت والمسافر والمريض المفطر
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "ويحذر من الهدرمة" الموجود في النسخ التي بأيدينا بالدال المهملة والذي في الدر بالذال المعجمة وفسرها في القاموس بسرعة الكلام والقراءة قوله: "وترك الترتيل" في القاموس رتل الكلام ترتيلا أحسن تأليفه اهـ والمراد أن لا يعطي التلاوة وحقها قوله: "وغيرها" كترك التعوذ والتسمية وترك الإستراحة فيما بين كل ترويحتين والكراهة في الثلاثة المذكورة في كلامه تحريمية وفي غيرها تنزيهية لأنها في مقابلة ترك السنن قوله: "وكذا لا يترك الثناء" سواء كان إماما أو مقتديا أو منفردا وعلله في الفتح بأن السنن لا تترك للجماعات قوله: "لافتراضه عند البعض" هو أبو مطيع البلخي تلميذ الإمام الأعظم رضي الله عنه وقيل بوجوبه قوله: "ولا يأتي الإمام بالدعاء" أي الدعاء الطويل لقوله فيدعو بما قصر قوله: "ولا تقضي التراويح" لأنها ليست آكد من سنة المغرب والعشاء وهما لا يقضيان فهي أولى بعدم القضاء قوله: "على الأصح" فقد تقدم مقابله قوله: "والمسافر والمريض" لا يحسن عطفهما على الحائض لأنهما أهل لها قبل آخر اليوم وعبارته في الشرح أولى حيث قال والأصح أنها سنة الوقت لقوله صلى الله عليه وسلم: "وسننت لكم قيام ليله" حتى أن المريض المفطر والمسافر والحائض والنفساء إذا طهرتا والكافر إذا أسلم في آخر اليوم تسن لهم التراويح فكيف يعذر المقيم الصحيح الصائم في تركها اهـ وفي القنية لو تركوا الجماعة في الفرض ليس لهم أن يصلوا التراويح جماعة لأنها تبع له ولو لم يصلها بإمام له أن يصلي الوتر به كما أن له أن يصلي التراويح بإمام والوتر بآخر على الصحيح ويكره للمقتدي أن يقعد في التراويح فإذا أراد الإمام أن يركع يقوم وظاهر عبارة الشرح يفيد ثبوت الكراهة ولو كان داخلا في صلاة الإمام لأنه علله بقوله لما في هذا من مخالفة الإمام ولما فيه من القول بلزوم القيام في التراويح وتكره مع غلبة النوم فينصرف حتى يستيقظ لأن في الصلاة مع النوم تهاونا وغفلة وترك التدبر ولا خصوصية لها بهذا بل كل الصلوات كذلك اهـ والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/416)
باب الصلاة في الكعبة
قدمنا من شروط الصلاة استقبال القبلة وهي الكعبة والشرط استقبال جزء من بقعة الكعبة أو هوائها لأن القبلة اسم لبقعة الكعبة المحدودة وهو أنها إلى عنان السماء عندنا كما في العناية وليس بناؤها قبلة ولذا حين أزيل البناء صلى الصحابة رضي الله عنهم إلى البقعة ولم ينقل عنهم أنهم اتخذوا سترة فلذا "صح فرض ونفل فيها" أي في داخلها إلى أي جزء منها توجه لقوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ} الآية. لأن الأمر بالتطهير للصلاة فيه ظاهر في صحتها فيه "وكذا" صح فرض ونفل "فوقها وإن لم يتخذ" مصليهما "سترة" لما ذكرنا "لكنه مكروه" له الصلاة فوقها "لإساءة الأدب باستعلائه عليها" وترك تعظيمها "ومن جعل ظهره إلى غير وجه أمامه فيها أو فوقها" بأن كان وجهه إلى ظهر إمامه وإلى جنب إمامه أو ظهره إلى جنب إمامه أو ظهره إلى ظهر إمامه أو جنبيه إلى وجه إمامه أو جنبيه إلى جنب
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب الصلاة في الكعبة
وهي البيت الحرام سميت كعبة لتربعها أو لنتوئها ومنه الكاعب لمن ارتفع نهدها واختلف في المضاعفة الحاصلة في الصلاة فقيل خاصة بالعمل فيها أي في المسجد العتيق وهو ما حولها المحدد بوضع الرخام فيه وقيل تحصل بالعمل في كل بقاع المسجد وقيل بالعمل في كل الحرم قوله: "عندنا" وعند الشافعي اسم للبناء والبقعة حموي عن البرجندي قوله: "وليس بناؤها قبلة" لأنه لو صلى على جبل أبي قبيس لا يكون بين يديه شيء من بناء الكعبة وصحت صلاته كذا في الشرح قوله: "ولذا حين أزيل البناء" أي في زمن عبد الله بن الزبير قوله: "الآية" أي اقرأ الآية وتمامها للطائفين والعاكفين والركع السجود قوله: "ظاهر في صحتها فيه" إذ لا معنى لتطهير المكان لأجل الصلاة وهي لا تجوز في ذلك المكان كذا في الشرح والدليل على صحة الصلاة فيها مطلقا من السنة حديث بلال رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم دخل البيت وصلى فيه وصلاته صلى الله عليه وسلم وإن كانت نفلا فالفرض في معناه فيما هو من شرائط الجواز دون الأركان ولأنها صلاة استجمعت شرائطها بوجود استقبال القبلة أفاده في الشرح ومتى صارت قبلة فاستدبارها في الصلاة من غير ضرورة يكون مفسدا فلو صلى ركعة إلى جهته وركعة إلى جهة أخرى لا تصح صلاته لأنه صار مستدبرا للجهة التي صارت قبلة في حقه بيقين من غير ضرورة بخلاف المتحري إذا تبدل تحريه أفاده السيد والمراد بالاستدبار ترك الإستقبال وإلا فقد ينتقل من جهة إلى جهة من غير استدبار قوله: "لما ذكرنا" أي من أن القبلة اسم لبقعة الكعبة المحدودة وهوائها إلى عنان السماء قوله "لإساءة الأدب" يفيد أن الكراهة للتنزيه قوله: "وترك تعظيمها" أي ظاهرا وإلا فهو معظم لها باطنا وإلا كفر قوله:(1/417)
إمامه متوجها إلى غير جهته أو وجهه إلى وجه إمامه "صح" اقتداؤه في هذه الصور السبع إلا أنه يكره إذا قابل وجهه وجه إمامه وليس بينهما حائل لما تقدم من كراهته لشبهه عبادة الصور وكل جانب قبلة والتقدم والتأخر إنما يظهر عنه اتحاد الجهة وهي مختلفة في جوف الكعبة وقوله "وإن جعل ظهره إلى وجه إمامه لا يصح" اقتداؤه تصريح بما علم التزاما من السابق لإيضاح الحكم وذلك لتقدمه على إمامه "وصح" الاقتداء لمن كان "خارجها بإمام فيها" أي في جوفها سواء كان معه جماعة فيها أو لم يكن "والباب مفتوح" لأن كقيامه في المحراب في غيرها من المساجد والقيد بفتح الباب اتفاقا فإذا سمع التبليغ والباب مغلق لا مانع من صحة الاقتداء كما تقدم "وإن تحلقوا حولها والإمام" يصلي "خارجها صح" اقتداء جميعهم "إلا" أنه لا يصح "لمن كان أقرب إليها" من إمامه وهو "في جهة إمامه لتقدمه على إمامه وأما من كان أقرب إليها من إمامه وليس في جهته فاقتداؤه صحيح لأن التقدم والتأخر لا يظهر إلا عند اتحاد الجانب المتوجه إليه كل منهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
"متوجها إلى غير جهته" بأن يجتمعا في أحد الأركان الأربعة ويستقبل كل جهة وإنما قيد بغير الجهة لأنه لو كان في جهته يصح بالأولى قوله: "في هذه الصور السبع" وإذا اعتبر في الجنب فالصور التي ذكر هو فيها اليمين والشمال ويمين الإمام ويمين المأموم تزيد على هذا العدد قوله: "إلا أنه يكره إذا قابل الخ" ظاهره كراهة التحريم لما يأتي من التعليل قوله: "وليس بينهما حائل" أما إذا وجد فلا كراهة لعدم التشبه بعبادة الصور قوله: "وكل جانب قبلة الخ" اعلم أنه لا بد في صلاة الجماعة من استقبال الجميع القبلة وأن لا يتقدم المأموم على إمامه فأشار إلى الأول بقوله وكل جانب قبلة وأشار إلى الثاني بقوله والتقدم والتأخر الخ قوله: "وهي مختلفة في جوف الكعبة " يعم الصلاة فيها وفوقها فإن الجوف موجود فيهما قوله: "وذلك لتقدمه على إمامه" أي في جهته واسم الإشارة راجع إلى عدم الصحة قوله: "وصح الإقتداء الخ" أي إذا وجدت الشروط أما إذا فقد بعضها كما إذا خرج عن استقبال العين فإنه لا يصح الإقتداء كالمنفرد قوله: "أو لم يكن" وهل يكره ذلك لانفراد الإمام في محل عال عن كل المأمومين الظاهر نعم لوجود ما ذكر وللإنفراد من الإمام قوله: "في غيرها" صفة للمحراب قوله: "كما تقدم" من أن الأصح اعتبار الاشتباه وعدمه قوله: "صح اقتداء جميعهم إلا أنه لا يصح الخ" هذه هي الصورة السابقة بعينها صحة وفسادا إلا أنها ذكرت فيما تقدم إذا كان الصلاة فيها أو فوقها وهنا ذكرت فيما إذا تحلقوا حولها قوله: "لا يظهر" الأولى لا يظهر أن أو الواو بمعنى أو أن كلا منهما لازم للآخر لأنه يلزم من التقدم التأخر وعكسه فهما بمنزلة شيء واحد فلذا أفرد الضمير قوله: "المتوجه" بصيغة اسم الفاعل وكل فاعله والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/418)
"باب صلاة المسافر".
من باب إضافة الشرط إلى شرطه ويقال إلى محله أو الفعل إلى فاعله والسفر في اللغة قطع المسافة وفي الشرع مسافة مقدرة بسير مخصوص بينه بقوله "أقل" مدة "سفر تتغير به" أي السفر "الأحكام" وهي لزوم قصر الصلاة كرخصة الإسقاط. واعلم أن الرخصة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب صلاة المسافر
هو اسم فاعل من المسافرة بمعنى السفر كالكشف وزنا ومعنى لأنه يكشف عن أخلاق الرجال يقال سفر الرجل سفرا من باب ضرب فهو سافر بمعنى مسافر والجمع سفر مثل راكب وركب وصاحب وصحب فهو للمصدر والجمع لكن استعمال الفعل واسم الفاعل منه مهجور مصباح والسفر بفتحتين اسم منه وجمعه أسفار سمي به لأنه يسفر أي يكشف عن أخلاق الرجال فالمفاعلة ليست على بابها لأنها لا تكون إلا بين اثنين وهذا من واحد وقال الراغب هي على بابها باعتبار أنه أسفر أي انكشف عن المكان وهو عنه اهـ قوله: "إلى شرطه" فيه أن الشرط السفر لا المسافر سيد عن الحموي قوله: "ويقال إلى محله" كل فاعل محل قوله: "والسفر في اللغة قطع المسافة" التعبير بالمسافة يشعر بالامتداد فهو بمعنى قول السعد في التلويح هو في اللغة الخروج المديد وشرعا خروج من عمران الوطن مع قصد سير مسافة مخصوصة اهـ قوله: "أقل مدة سفر تتغير به الأحكام" السفر على ثلاثة أقسام سفر طاعة كالحج والجهاد وسفر مباح كالتجارة وسفر معصية كقطع الطريق والأولان سببان للرخصة إتفاقا وأما الأخير فكذلك عندنا وبه قال الأوزاعي والثوري وداود والمزني وبعض المالكية خلافا لمالك والشافعي وأحمد فإنهم قالوا: سفر المعصية لا يفيد الرخصة لأنها تثبت تخفيفا وما كان كذلك لا يتعلق بما يوجب التغليظ أعني المعصية ذكره العلامة نوح وفي الحلبي الكبير وللمسافر أحكام يخالف فيها المقيم كإباحة الفطر في رمضان وامتداد مدة المسح ثلاثة أيام وسقوط الجمعة والعيدين والأضحية ومن ذلك قصر ذوات الأربع من الصلاة اهـ قوله: "وهي لزوم قصر الصلاة" الضمير للأحكام ولا يحسن هذا التفسير والأولى ما في الشرح حيث قال وهي لزوم قصر الصلاة وإباحة الفطر وامتداد مدة المسح إلى ثلاثة أيام وسقوط وجوب الجمعة والعدين والأضحية وحرمة الخروج على الحرة بغير محرم وغير ذلك اهـ قوله: "كرخصة الاسقاط" الأولى أن يقول وهو رخصة إسقاط أي مسقطة للحكم أصلا لا إلى بدل فإن الشفع الثاني سقط عنه حتى لا يقضيه بعد الإقامة فالفرض في حقه ركعتان فلم يوجد التغير من العسر إلى اليسر في حقه فظهر بهذا أن رخصة الإسقاط والعزيمة شيء واحد في الما صدق وإن اختلفا في المفهوم ومن ثمة قال في الفتح ومن حكى خلافا بين المشايخ في أن القصر عزيمة عندنا أو رخصة فقد غلط لأن من قال رخصة(1/419)
على قسمين رخصة حقيقية ورخصة مجازية وتسمى رخصة ترفيه مثل الفطر وإجراء كلمة الكفر للإكراه والثانية مثل الإكراه على شرب الخمر وقصر الصلاة في السفر فالأولى العبد مخير بين ارتكاب الرخصة والعمل بالعزيمة فيثاب والثانية لا تخيير له لتعين الفعل فيها بالرخصة وسقوط العزيمة فلا يتضمن إكمال الصلاة ثوابا لأن الثواب في فعل العبد ما عليه ولو بالتخيير بينه وبين ما هو أيسر منه كلابس الخف فإنه مخير بين إبقائه والمسح وبين قلعه والغسل وأما الصلاة في السفر فليست إلا ركعتين من الرباعية فإذا صلاهما لم يبق عليه شيء فلا ثواب له في الإكمال أربعا لمخالفته المفروض عليه عينا وإساءته بتأخير السلام وظنه فرضية الزائدتين ولا ثواب له بالصبر على القتل وعدم شربه الخمر بالإكراه بل يأثم بصبره وتسمية هذه وتسمية القصر في السفر رخصة مجاز لأن الرخصة الحقيقية يثبت معها الخيار للعبد بين الإقدام على الرخصة وبين الإتيان بالعزيمة كالمسح على الخف كما ذكرناه والفطر في رمضان وسقوط وجوب الجمعة والعيدين
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
عني رخصة الاسقاط وهي العزيمة وتسميتها رخصة مجاز كما لا يخفى اهـ قوله: "واعلم أن الرخصة على قسمين الخ" الرخصة مقابل العزيمة والعزيمة ما شرع لغير عذر وهو معنى قولهم ما تقرر على الأمر الأول والرخصة ما تغير من عسر إلى يسر بواسطة عذر وهي الرخصة الحقيقية ويقال لها رخصة فيه أي تخفيف وتيسير مسقطة للوجوب في الحال مع وجوب القضاء فيما يتأتى فيه القضاء في المآل كإباحة الفطر في رمضان قوله: "ورخصة مجازية الخ" فإن قصر الصلاة مثلا بالنظر لصلاة المقيم فيه تخفيف النصف لكنه في الحقيقة عزيمة لأنها كل صلاته ولا يتضمن الإكمال فضل ثواب لأن تمام الثواب في فعل العبد جميع ما عليه إلا في أعداد الركعات والمسافر قد أتى بجميع ما عليه كالمقيم قوله: "وتسمى رخصة ترفيه" الضمير في تسمى للرخصة الحقيقية فالأولى تقديمه قوله: "مثل الفطر" أي فطر رمضان في السفر فإنه رخصة ويتضمن فعل العزيمة فضل ثواب لموافقة المسلمين فيها قوله: "وإجراء كلمة الكفر بالإكراه" أي إجراؤها باللسان والقلب مطمئن بالإيمان ويتضمن فعل العزيمة وهو الصبر على القتل ثواب الشهادة قوله: "والثانية مثل الكره على شرب الخمر" الأولى مثل شرب الخمر بالإكراه قوله: "ما عليه ولو بالتخيير" وهو الواجب المخير كأحد الأشياء الثلاثة في كفارة اليمين قوله: "بينه" الأولى بين ما هو أشق وبين ما هو أيسر الخ قوله: "كلابس الخف" مثال للواجب المخير قوله: "بين بقائه" أي الخف قوله: "من الرباعية" أي من الصلاة الرباعية في حق المقيم قوله: "عينا" أي وليس من المفروض المخير فيه ككفارة اليمين قوله: "واساءته بتأخير السلام" المراد بالإساءة كراهة التحريم قوله: "وظنه فرضية الزائدتين" هذا لا يطرد في كل مكمل فلو قال وخلط الفرض بالنفل لكان مطردا قوله: "وتسمية هذه" أي رخصة الشرب بالإكراه قوله: "وسقوط وجوب الجمعة والعيدين"(1/420)
والأضحية ولا تخيير له بين شرب الخمر مكرها وصبره على قتله ولا بين إكمال الصلاة الرباعية وقصره بالسفر "مسيرة ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة" وقدر بالأيام دون المراحل والفراسخ وهو الأصح "بسير وسط" نهارا لأن الليل ليس محلا للسير بل للاستراحة ولا بد أن يكون السير نهارا "مع الاستراحات" فينزل المسافر فيه للأكل والشرب وقضاء الضرورة والصلاة ولأكثر النهار حكم كله فإذا خرج قاصدا محلا وبكر في اليوم الأول وسار إلى وقت الزوال حتى بلغ المرحلة فنزل فيها للاستراحة وبات فيها ثم بكر في اليوم الثاني وسار إلى ما بعد الزوال ونزل ثم بكر في الثالث وسار إلى الزوال فبلغ المقصد قال شمس الأئمة السرخسي الصحيح أنه مسافر "و" اعتبر السير "الوسط" وهو "سير الإبل ومشي الأقدام في البر" يعتبر "في الجبل بما يناسبه" لأنه يكون صعودا أو هبوطا ومضيقا ووعرا فيكون مشي الإبل والأقدام فيه دون سيرهما في السهل فإذا قطع بذلك السير مسافة ليست ببعيدة من ابتداء اليوم ونزل بعد الزوال احتسبه على نحو ما قدمناه يوما فإذا بات ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
بالجر عطفا على المسح فإن المسافر إذا صلى الجمعة والعيدين وضحى صح ذلك منه وأثيب قوله: "ولا تخيير له الخ" بل يتعين عليه الشرب والقصر قوله: "مسيرة ثلاثة أيام" هذا التقدير للسفر الذي تقصر فيه الصلاة ويباح فيه الفطر ويمسح فيه أكثر من يوم وليلة وتسقط به الأضحية وأما المبيح لترك الجمعة والعيدين والجماعة والمبيح للتنفل على الدابة وللتيمم ولاستحباب القرعة بين نسائه فلا يقدر بهذه المدة قوله: "دون المراحل والفراسخ" روي عن الإمام أنها مقدرة بثلاثة مراحل قال في الهداية وهو قريب من الأول لأن المعتاد في السير كل يوم مرحلة قوله: "وهو الأصح" قال في البحر وأنا أتعجب من فتواهم في هذا وأمثاله بما يخالف مذهب الإمام خصوصا المخالف للنص الصريح عنه وعن بعض أصحابنا تقديرها بخمسة عشر فرسخا قوله: "بسير وسط" فلو أسرع بريدة فقطع ما يقطع بالسير الوسط في ثلاثة أيام في أقل منها قصر وكما إذا سار فيها سيرا خارقا للعادة وصرح في التبيين أنه يكتفي في تقدير المسافة بالمدة المذكورة بغلبة الظن ولا يشترط اليقين اهـ قوله: "لأن الليل ليس محلا للسير" قال القهستاني الأولى ترك ذكر الليالي لأنها للإستراحة قوله: "ولا بد الخ" محل الإشتراط قوله مع الاستراحات والسين والتاء فيها زائدتان قوله: "وسار إلى ما بعد الزوال" الذي في عبارة غيره التسوية بين الأيام الثلاثة في اعتبار الزوال واعلم أن الزوال أكثر النهار الشرعي الذي هو من الفجر إلى الغروب وهو نصف النهار الفلكي الذي هو من الطلوع إلى الغروب ثم إن من الفجر إلى الزوال في أقصر أيام السنة في مصر وما ساواها في العرض سبع ساعات إلا ربعا فمجموع الثلاثة أيام عشرون ساعة وربع اهـ ذكره صاحب تحفة الأخيار قوله: "وهو سير الأبل" أي ابل القافلة بدليل قوله ومشي الأقدام قوله: "في البر" متعلق بقوله اعتبر قوله: "وعرا" أي صعبا شاقا قوله: "من ابتداء اليوم"(1/421)
أصبح وفعل كذلك إلى ما بعد الزوال ثم نزل كان يوما ثانيا ولا يعتبر أعجل السير وهو سير البريد ولا أبطأ السير وهو مشي العجلة التي تجرها مع الدواب فإن خير الأمور أوساطها وهو هنا سير الإبل والأقدام كما ذكرناه "وفي البحر" يعتبر "اعتدال الريح" على المفتى به فإذا سار أكثر اليوم به كان ككله وإن كانت المسافة دون ما في السهل "فيقصر" المسافر "الفرض" العلمي "الرباعي" فلا قصر للثنائي والثلاثي ولا للوتر فإنه فرض عملي ولا في السنن فإن كان في حال نزول وقرار وأمن يأتي بالسنن وإن كان سائرا أو خائفا فلا يأتي بها وهو المختار - قالت عائشة رضي الله عنها: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر إلا المغرب فإنها وتر النهار والجمعة لمكانتها من الخطبة والصبح لطول قراءتها - وعندنا يقصر "من نوى السفر ولو كان عاصيا بسفره" كأبق من سيده
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
متعلق بقوله قطع قوله: "ونزل بعد الزوال" عبارة عند الزوال بدون بعد قوله: "يوما" مرتبط بقوله احتسب قوله: "وهو سير البريد" أي البغل قوله: "وفي البحر يعتبر اعتدال الريح" فينظر إلى السفينة كم تسير في ثلاثة أيام ولياليها عند استواء الريح بحيث لم تكن عاصفة ولا هادئة فيجعل ذلك أصلا قوله: "فيقصر المسافر الخ" لو قال فيصلي المسافر الفرض الرباعي ركعتين لكان أولى لأن الركعتين تمام فرضه قوله: "العلمي" أخرج الوتر ولو لم يذكره لخرج بالرباعي قوله: "أو خائفا" أي ولو كان قارا في المحطة قوله: "وهو المختار" وقيل الأفضل الفعل تقربا وقيل الترك ترخصا وقيل كذلك الإسنة الفجر والمغرب قوله: "فزيدت في الحضر" في الظهر يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول بعد مقدمه المدينة صلى الله عليه وسلم بشهر وأقرت صلاة السفر ركعتين كما في العيني على البخاري قوله: "فإنه وتر النهار" سميت بهذا الإسم مع أنها تصلى بعد ذهاب النهار باعتبار أنها تقع عقب النهار ويطلب فعلها سريعا فأطلق عليها وتر النهار لقربها منه والإضافة تأتي لأدنى ملابسة أو لتتميز عن وتر الليل الواقع بعد العشاء فلا مخالفة بين كونها صلاة ليلية وبين هذا الحديث قوله: "لمكانها من الخطبة" الأولى لمكان الخطبة أي لوجود الخطبة فيها فإنها نازلة منها منزلة ركعتين على ما قاله البعض قوله: "والصبح لطول قراءتها" فيه أن الظهر كذلك قوله: "من نوى السفر" أي قصده قصدا جازما كما في القهستاني ولا بد من كون القصد قبل الصلاة حتى لو افتتح الصلاة في السفينة حال الإقامة في طرف البحر فنقلها الريح فنوى السفر يتم صلاة المقيم عند أبي يوسف لأنه اجتمع الموجب للإتمام وما يمنعه فرجحنا الموجب احتياطا خلافا لمحمد والمراد القصد المعتبر حتى لو قصد صبي مسافة سفر فبلغ قبل بلوغ المقصد بيوم لا يقصر بخلاف الكافر إذا أسلم بناء على أن نية الكافر إنشاء السفر معتبرة بخلاف الصبي ولا يعتبر القصد ما لم يتصل به عمل السفر ولو لم يقصد لا يكون مسافرا ولو طاف الدنيا جميعا فلو قصد السياحة أو ذهب صاحب جيش لطلب عدو أو(1/422)
وقاطع طريق لإطلاق نص الرخصة "إذا جاوز بيوت مقامه" ولو بيوت الأخبية من الجانب الذي خرج منه ولو حاذاه في أحد جانبيه فقط لا يضره "و" يشترط أن يكون قد "جاوز" أيضا "ما اتصل به" أي بمقامه "من فنائه" كما يشترط مجاوزة ربضه وهو ما حول المدينة من بيوت ومساكن فإنه في حكم المصر وكذا القرى المتصلة بربض يشترط مجاوزتها في الصحيح "وإن انفصل البناء بمزرعة أو" فضاء "قدر غلوة" وتقدم أنها من ثلاثمائة خطوة إلى أربعمائة "لا يشترط مجاوزته" أي الفناء وكذا لو اتصلت القرية بالفناء لا بالربض لا يشترط مجاوزتها بل مجاوزة الفناء كذا في قاضيخان ويخالفه ما في النهاية والفتاوى الولوالجية والتجنيس والمزيد ونصها. يقصر بخروجه عن عمران المصر ولا يلحق فناء المصر بالمصر في حق السفر ويلحق الفناء بالمصر لصحة صلاة والفرق أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ذهب لطلب آبق أو غريم ولم يعلم أين يدركه أتم في الذهاب وفي موضع المكث وإن طالت المدة أما في الرجوع فإن كانت مدة سفر قصر وإلا لا قوله: "ولو كان عاصيا بسفره" بأن سافر لطلب الزنا أو قطع الطريق ولو طرأ عليه قصد المعصية بعد إنشاء السفر فإنه يترخص بالاتفاق واعلم أنه يكون عاصيا بقصد فعل المعصية سواء وجدت منه المعصية بالفعل أم لا أفاده السيد قوله: "لإطلاق نص الرخصة" قال تعالى: {مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة 184] الآية وقال صلى الله عليه وسلم يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها والقبح المجاور لا ينفي الأحكام كالبيع وقت النداء والصلاة في الأرض المغصوبة قوله: "إذا جاوز بيوت مقامه" عبر بالجمع ليفيد اشتراط مجاورة الكل فيدخل فيه محلة منفصلة وفي القديم كانت متصلة لأنها تعد من المصر كما في الخانية قوله: "ولو بيوت الأخبية" متصلة أو متفرقة فإن نزلوا على ماء أو محتطب يعتبر مفارقة الماء والمحتطب قال في الشرح ولعله ما لم يكن محتطبا واسعا جدا اهـ ولا يشترط غيبوبة البيوت عن بصره لما روي عن علي بن ربيعة الأسدي خرجنا مع علي ونحن ننظر إلى الكوفة فصلى ركعتين ثم رجعنا فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القرية فقلنا ألا نصلي أربعا فقال: حتى ندخلها قوله: "المتصلة بربض المصر" قيد بالربض احترازا عن القرية المتصلة بالفناء فلا يشترط مجاوزتها على هذا الصحيح الذي صححه الشرع تبعا للنهاية معزيا للمحيط وأفاد في النهر عن الولوالجية أن المختار عدم اشتراط مجاوزة القرية مطلقا قوله: "وتقدم أنها من ثلثمائة الخ" فإذا تحقق أقلها لا يشترط مجاوزته وفي البحر الغلوة أربعمائة ذراع في الأصح ولعله بيان لنهايتها قال التمرتاشي إن هذا التفصيل هو الأشبه قوله: "ويخالفه الخ" يؤيده ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قصر العصر بذي الحليفة وهو من فناء المدينة قوله: "ويلحق الفناء بالمصر لصحة صلاة الجمعة" ومن المشايخ من منع الجمعة فيه إذا كان منقطعا عن العمران وهو المعول عليه كما سيأتي في الجمعة إن شاء الله تعالى(1/423)
الجمعة من مصالح المصر وفناء المصر ملحق بالمصر فيما هو من حوائج المصر وأداء الجمعة منها وقصر الصلاة ليس من حوائج أهل المصر فلا يلحق فناء المصر بالمصر في حق هذا الحكم أي قصر الصلاة "والفناء المكان المعد لمصالح البلد كركضي الدواب ودفن الموتى" وإلقاء التراب ولا تعتبر البساتين من عمران المدينة وإن كانت متصلة ببنائها ولو سكنها أهل البلدة في جميع السنة أو بعضها ولا تعتبر سكنى الحفظة وإلا كرة اتفاقا "ويشترط لصحة نية السفر ثلاثة أشياء: الاستقلال بالحكم و" الثاني "البلوغ و" الثالث "عدم نقصان مدة السفر عن ثلاثة أيام فلا يقصر من لم يجاوز عمران مقامه أو جاوز" العمران ناويا "و" لكن "كان صبيا أو تابعا لم ينومتبوعه السفر" والتابع "كالمرأة مع زوجها" وقد أوفاها معجل مهرها وإن لم يوفها لم تكن تبعا له ولو دخل بها لأنها يجوز لها منعه من الوطء والإخراج للمهر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى "والعبد" غير المكاتب فيشمل أم الولد والمدبر مع مولاه والجندي مع أميره إذا كان يرتزق منه والأجير مع المستأجر والتلميذ مع أستاذه والأسير والمكره مع من أكرهه على السفر والأعمى مع المتبرع بقوده وإن كان أجيرا فالعبرة لنية الأعمى "أو" كان "ناويا دون الثلاثة" الأيام لأن ما دونها لا يصير به مسافرا شرعا "وتعتبر نية الإقامة والسفر من الأصل" كالزوج والمولى والأمير "دون التبع" كالمرأة والعبد والجندي "إن علم" التبع "نية المتبوع في الأصح" فلا يلزمه الإتمام بنية الأصل والإقامة حتى يعلم كما في توجه الخطاب الشرعي الوكيل حتى لو صلى مخالفا له قبل
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "وإلا كرة اتفاقا" أي الحراثين قوله: "الإستقلال بالحكم" أي الإنفراد بحكم نفسه بحيث لا يكون تابعا لغيره في حكمه قوله: "والثالث عدم نقصان مدة السفر" أي السفر الذي تقصر فيه الصلاة قوله: "فلا يقصر من لم يجاوز الخ" محترز قوله إذا جاوز قوله: "ولكن كان صبيا" محترز التقييد بالبلوغ قوله: "أو تابعا" محترز التقييد بالاستقلال ففيه لف ونشر مخلبط قوله: "عند أبي حنيفة رضي الله عنه" وعندهما لا يجوز لهما ما ذكر قوله: "والعبد غير المكاتب" أما هو فقال: في البحر ينبغي أن لا يكون تبعا لأن له السفر بغير إذن المولى قوله: "إذا كان يرتزق منه" كذا في الزيلعي أو من بيت المال كما في النهر والأوجه في الذي تزوج أن يكون مقيما كما إذا تزوجت إتفاقا قوله: "لا يصير به مسافرا شرعا" أي سفرا تقصر به الصلاة أما في ترك الجمعة والجماعة والتيمم والصلاة على الدابة فيصير مسافرا شرعا قوله: "حتى يعلم الخ" لم يبين أنه يجب عليه السؤال من المتبوع أولا والظاهر الأول ويؤيده ما في الدراية والخانية مسلم أسره العدو ان كانت مسيرة العدو مدة سفر يقصر وإلا لا وإن لم يعلم يسأله وإن سأله ولم يخبره ينظر إن كان العدو مسافرا يقصر وإلا فلا اهـ والظاهر كما قاله أبو السعود في حاشية الأشباه أن مسافرا في قوله إن كان العدو مسافرا معناه سائرا ووجه(1/424)
علمه صحت في الأصح "والقصر عزيمة عندنا" لما قدمناه "فإذا أتم الرباعية و" الحال أنه "قعد القعود الأول" قدر التشهد "صحت صلاته" لوجود الفرض في محله وهو الجلوس على الركعتين وتصير الأخريان نافلة له "مع الكراهة" لتأخير الواجب وهو السلام عن محله إن كان عامدا فإن كان ساهيا يسجد للسهو "وإلا" أي وإن لم يكن قد جلس قدر التشهد على رأس الركعتين الأوليين "فلا تصح" صلاته لتركه فرض الجلوس في محله واختلاط النفل بالفرض قبل كماله "إلا إذا نوى الإقامة لما قام للثالثة" في محل تصح الإقامة فيه لأنه صار مقيما بالنية فانقلب فرضه أربعا وترك واجب القعود الأول لا يفسد وكذا لو قرأ في ركعة لأنه أمكنه تدارك فرض القراءة في الأخريين بنية الإقامة "ولا يزال" المسافر الذي استحكم سفره بمضي ثلاثة أيام مسافرا "يقصر حتى يدخل مصره" يعني وطنه الأصلي "أو ينوي إقامته نصف شهر ببلد أو قرية" قدره ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم وإذا لم يستحكم سفره
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
التأييد أن التعبير بالفعل حيث قال يسأله يشعر بالوجوب وأيضا فإنه يتوصل به لإقامة الواجب على وجهه وما لا يقام الواجب إلا به فهو واجب قوله: "كما في توجه الخطاب الشرعي" وذلك كما إذا أسلم في دار الكفر ولم يعلم بالأحكام حتى انتقل إلى دار الإسلام فإنه لا يلزمه أن يقضي ما مضى والوكيل لا ينعزل عن وكالته بالعزل القصدي قبل علمه به بخلاف الحكمي كموت الموكل وفي التنوير ولا بد من علم التابع بنية المتبوع فلو نوى المتبوع الإقامة ولم يعلم التابع فهو مسافر حتى يعلم على الأصح قوله: "لتأخير الواجب" وترك واجب القصر وترك افتتاح النفل وخلطه بالفرد وكل ذلك لا يجوز أفاده السيد عن الدر قوله: "لما قام للثالثة" أي قبل أن يقيدها بسجدة وإلا صارت الثلاثة نفلا فيضم إليها أخرى تحرزا عن التنفل بالبتيراء ولو أفسده لا شيء عليه لأنه لم يشرع فيه ملتزما ولو نوى الإقامة بعد ركوع الثالثة قبل التقييد بسجدة أعاد القيام والركوع لوقوعهما نفلا فلا ينوبان عن الفرض أفاده السيد ولا بد أن ينوي الإقامة حقيقة حتى لو نواها لأجل الإتمام فقط لا يكون مقيما قوله: "في محل تصح إقامة فيه" شروط إتمام الصلاة ستة النية والمدة واستقلال الرأي واتحاد الموضع وصلاحيته وترك السير در قوله: "يقصر" جملة يقصر صفة مسافرا قوله: "يعني وطنه الأصلي" ومنتهى ذلك بالوصول إلى الربض فإن الانتهاء كالابتداء والإطلاق دال على أن الدخول أعم من أن يكون للإقامة أولا ولحاجة نسيها وأن يكون في الصلاة كما إذا سبقه الحدث فدخله للماء أولا فإنه يتم في هذه الصور إلا أن يكون لاحقا فإنه لا يتم لأنه خلف الإمام حكما قوله: "قدره ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم" فإنهما قالا إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة بها وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصرها والأثر في مثله كالخبر لأن المقدرات الشرعية لا مجال للرأي فيها كما في العناية والفتح وهو حجة على الشافعي في تقديره بأربعة أيام غير يومي الدخول(1/425)
بأن أراد الرجوع لوطنه قبل مضي ثلاثة أيام يتم بمجرد الركوع وإن لم يصل لوطنه لنقضه السفر لأنه ترك بخلاف السفر لا يوجد بمجرد النية حتى يسير لأنه فعل "وقصر إن نوى أقل منه" أي من نصف شهر "أو لم ينو" شيئا "وبقي" على ذلك "سنين" وهو ينوي الخروج في غذ أو بعد جمعة لأن علقمة بن قيس مكث كذلك بخوارزم سنتين يقصر الصلاة "ولا تصح نية الإقامة ببلدتين لم يعين المبيت بإحداهما" وكل واحدة أصل بنفسها وإذا كانت تابعة كقرية يجب على ساكنها الجمعة تصح الإقامة بدخول أيتهما وكذا تصح إذا عين المبيت بواحدة من البلدتين لأن الإقامة تضاف لمحل المبيت "ولا" تصح نية الإقامة "في مفازة لغير أهل الأخبية" لعدم صلاحية المكان في حقه والأخبية جمع خبا بغير همزة مثل كسا وأكسية: بيت من وبر أو صوف والمراد ما هو أعم من ذلك وأما أهل الأخبية فتصح نيتهم الإقامة في الأصح في المغارة "ولا" تصح نية الإقامة "لعسكرنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
والخروج كذا في التبيين اهـ قوله: "لنقضه السفر" أي بإرادة الرجوع قوله: "لأنه ترك" أي لأن نقض السفر ترك والتروك تحصل بمجرد النية قوله: "لأن علقمة الخ" وكذا روي عن ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وابن عباس رضي الله عنهم قوله: "لم يعين المبيت بإحداهما" أما إذا عينه بأن نوى أن يقيم الليل في إحداهما ويخرج بالنهار إلى الموضع الآخر فإذا دخل أولا الموضع الذي عزم على الإقامة فيه بالنهار لم يصر مقيما أي حتى يدخل الموضع الذي نوى المبيت فيه وإن دخل أولا الموضع الذي عزم على الإقامة فيه بالليل صار مقيما ثم بالخروج إلى الموضع الآخر لم يصر مسافرا لأن موضع إقامة المرء حيث يبيت فيه ألا ترى أنك إذا قلت لشخص أين تسكن يقول في محلة كذا وهو بالنهار يكون بالسوق نقله السيد عن العلامة مسكين قوله: "ولا تصح نية الإقامة في مفازة" مثلها الجزيرة والبحر والسفينة والملاح مسافر وسفينته ليست بوطن إلا عند الحسن نقله السيد عن البحر قوله: "وأما أهل الأخبية فتصح نيتهم الإقامة الخ" أي إذا كان عندهم من الماء والكلأ ما يكفيهم تلك المدة وأهل الأخبية هم الأعراب والترك والكرد الذين يسكنون المفازة نهر وقيد بهم لأن غيرهم لو نوى الإقامة معهم لا يصير مقيما عند الإمام وهو الصحيح وعن الثاني روايتان قوله: "لعسكرنا بدار الحرب" أما من دخلها بأمان ونوى الإقامة في موضعها صحت ويتم درر قوله: "لمخالفة حالهم" أي لعزيمتهم بسبب التردد لأن احتمال وصول مدد إلى العدو ووجود مكيدة من القليل يغلب بها الكثير قائم وذلك يمنع قطع القصد فلم تكن دار إقامة قوله: "في حال محاصرة أهل البغي" ولو في المصر كما أفاده أكمل الدين في العناية وصاحب البحر والتقييد بغير المصرفي عبارة البعض اتفاقي والبغاة قوم خرجوا عن طاعة الإمام الحق ظانين أنهم على الحق ولا يحكم بفسقهم لأنهم متمسكون بشبهة وإن كانت فاسدة فإن لم تكن لهم(1/426)
بدار الحرب" ولو حاصروا مصرا لمخالفة حالهم بالتردد بين القرار والفرار "ولا" تصح نية الإقامة لعسكرنا "بدارنا في" حال "محاصرة أهل البغي" للتردد كما ذكرنا ولو كانت الشوكة ظاهرة لنا عليهم "وإن اقتدى مسافر بمقيم" يصلي رباعية ولو في التشهد الأخير "في الوقت صح" اقتداؤه "وأتمها أربعا" تبعا لإمامه واتصال المغير بالسبب الذي هو الوقت ولو خرج الوقت قبل إتمامه أو ترك الإمام القعود الأول في الصحيح "وبعده" أي بعد خروج الوقت "لا يصح" اقتداء المسافر بالمقيم ولو كان إحرام المقيم قبل خروج الوقت لأن فرضه لا يتغير بعد خروجه "وبعكسه" بأن اقتدى مقيم بمسافر "صح" الاقتداء "فيهما" أي في الوقت وفيما بعد خروجه لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بأهل مكة وهو مسافر وقال: "أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر" وقعوده فرض أقوى من الأول في حق المقيم ويتم المقيمون منفردين بلا قراءة ولا سجود سهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
شبهة فهم لصوص أي قطاع طريق قهستاني من بحث البغاة قوله: "ولو كانت الشوكة ظاهرة لنا عليهم" للعلة السابقة وفصل زفر وتفصيله رواية عن الثاني قوله: "يصلي رباعية" الجملة صفة مقيم قال السيد ولا حاجة إليه لعلمه من قوله وأتمها أربعا قوله: "ولو في التشهد" متعلق بقوله اقتدى كقوله في الوقت قوله: "في الوقت" ولو قدر تحريمة في الأصح قهستاني قوله: "ولو خرج الوقت" مبالغة على قوله صح قوله: "أو ترك الإمام القعود الأول" لأن القعدة صارت واجبة في حقه أيضا فلا يبطل فرضه بتركها وعليه الفتوى نهر قوله: "لا يصح اقتداء المسافر بالمقيم" مقيد بكونها فائتة في حق الإمام والمأموم أما لو كانت فائتة في حق الإمام مؤداة في حق المأموم كما إذا كان المأموم يرى قول الإمام في الظهر والإمام يرى قولهما وقول الشافعي فإنه يجوز دخوله معه في الظهر بعد المثل قبل المثلين كما في السراج قوله: "لأن فرضه لا يتغير بعد خروجه" فكان اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة إن كان الإبتداء في الشفع الأول أو في حق القراءة إن كان الاقتداء في الشفع الثاني أو في حق التحريمة كما في السراج عن الحواشي لأن تحريمة الإمام اشتملت على فرض ونقل وتحريمة المقتدي اشتملت على الفرض فقط فكانت أقوى اهـ وفيه أن تحريمة المسافر مشتملة على نحو التسبيح والتكبير وإن أراد من جهة القراءة فيرجع إلى ما ذكره صاحب الهداية قوله: "لأنه صلى الله عليه وسلم الخ" ولأن صلاة المسافر في الحالين أقوى وبناء الضعيف على القوي جائز قوله: "أتموا صلاتكم" روي أن أبا يوسف لما حج مع هارون الرشيد وصلى بالناس ركعتين بمكة قال أتمو صلاتكم فإنا قوم سفر فقال له: واحد منهم نحن أعلم بهذا منك فقال له أبو يوسف: لو علمت ما تكلمت في الصلاة فقال هرون: ولو كان مثل هذا الجواب بدلا عن الملك الذي أعطانيه الله تعالى لكنت أسر بذلك كذا في الشرح قوله: "فإنا قوم سفر" يستعمل سفر مفردا وجمعا قال رجل سفر وقوم سفر والمراد هنا الجمع ذكره العلامة نوح قوله: "أقوى من الأول" أي من القعود الأول قوله: "بلا قراءة" في الأصح لأنهم لاحقون حيث أدركوا أول صلاتهم مع الإمام وفرض القراءة قد تأدى فيتركونها احتياطا كذا في الهداية(1/427)
ولا يصح الاقتداء بهم "وندب للإمام" بعد التسليمتين في الأصح وقيل بعد التسليمة الأولى "أن يقول أتموا صلاتكم فإني مسافر" كما روينا وإنما كان مندوبا لأنه لم يتعين مصرفا لحال الأمام لجواز السؤال قبل الصلاة أو بعد إتمامهم صلاتهم "وينبغي أن يقول" لهم الإمام "ذلك قبل شروعه في الصلاة" لدفع الاشتباه ابتداء "ولا يقرأ" المؤتم "المقيم فيما يتمه بعد فراغ إمامه المسافر في الأصح" لأنه أدرك مع الإمام أول صلاته وفرض القراءة قد تأدى بخلاف المسبوق "وفائتة السفر و" فائتة "الحضر تقضى ركعتين وأربعا" فيه لف ونشر مرتب لأن القضاء بحسب الأداء بخلاف فائتة المريض والقوي فإن المريض إذا برأ يقضي بالركوع والسجود وإذا مرض يقضي بالإيماء فائتة الصحة لسقوط الركوع والسجود بالعذر ولزومهما بالقدرة حال القضاء "والمعتبر فيه" أي لزوم الأربع بالحضر والركعتين بالسفر "آخر الوقت" فإن كان في آخره مسافرا صلى ركعتين وإن كان مقيما صلى أربعا لأنه المعتبر في السببية عند عدم الأداء فيما قبله من الوقت فتلزمه الصلاة لو صار أهلا لها في آخر الوقت ببلوغ وإسلام وإفاقة من جنون وإغماء وطهر من حيض ونفاس وتسقط بفقد الأهلية فيه بجنون وإغماء ممتد ونفاس وحيض "ويبطل الوطن الأصلي بمثله فقط" أي لا يبطل بوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
والكافي قوله: "ولا سجود سهو" لو سهوا فيما يتمون لأنهم كاللاحقين قوله: "ولا يصح الاقتداء بهم" لأنم بالاقتداء التزموا الموافقة في الركعتين فينفردون في الباقي إلا أنهم مقتدون تحريمة لا فعلا قوله: "وقيل بعد التسليمة الأولى" خوف إفسادهم صلاتهم بالتسليمة الثانية لأنهم لا ينتظرون شيئا بخلافه بعد التسليمة الأولى قوله: "في الأصح" وقال بعض المشايخ يقرأ كالمسبوق قوله: "لأنه أدرك الخ" بيانه أنه لما كان لاحقا كان خلف الإمام حكما فكان مقتديا به من هذا الوجه وهو منفرد حقيقة فبالنظر إلى أنه مقتد تكره له القراءة تحريما وبالنظر إلى أنه منفرد تستحب له القراءة إذ فرض القراءة قد تأدى في الشفع الأول وإذا دار الأمر بين الحرمة والندب فالاحتياط هو الترك فكان جعل مقتديا أولى من جعله منفردا بخلاف المسبوق فإنه أدرك قراءة نافله فلم يسقط فرض القراءة عنه فدارت قراءته بين أن تكون مكروهة تحريما أو ركنا تفسد الصلاة بتركه فكان الاحتياط في حقه القراءة فصار جعله منفردا أولى من جعله مقتديا فكانت قراءته فيما يقضى فرضا قوله: "يقضي بالركوع والسجود" لأن الرخصة للعجز لا تبقى بدونه قوله: "وإذا مرض" أي الصحيح والأولى ذكره قوله: "يقضي بالإيماء" لئلا يلزم تكليف ما ليس في الوسع قوله: "آخر الوقت" أي بقدر ما يسع ايقاع التحريمة فيه قوله: "لأنه المعتبر في السببية" أي آخر الوقت لأنه أوان تقرر دينا في ذمته وصفة الدين تعتبر حال تقرره وأما اعتبار كل وقت إذا خرج في حقه فيثبت الواجب عليه بصفة الكمال قوله: "وإغماء ممتد" أكثر من خمس صلوات قوله: "ويبطل الوطن الخ" الوطن محرك ويسكن(1/428)
الإقامة ولا بالسفر لأن الشيء لا يبطل بما دونه بل هو مثله أو فوقه ولا يشترط تقدم السفر لثبوت الوطن الأصلي إجماعا ولا لوطن الإقامة في ظاهر الرواية وإذا لم ينقل أهله بل استحدث أهلا في بلدة أخرى فلا يبطل وطنه الأول وكل منهما وطن أصلي له "ويبطل وطن الإقامة بمثله و" يبطل أيضا "ب" إنشاء "السفر" بعده "وب" العود للوطن "الأصلي" لما ذكرنا "والوطن الأصلي هو الذي ولد فيه" الإنسان "أو تزوج" فيه "أو لم يتزوج" ولم يولد فيه "و" لكن "قصد التعيش لا الارتحال عنه ووطن الإقامة موضع" صالح لها على ما قدمناه وقد "نوى الإقامة فيه نصف شهر فما فوقه" وفائدة هذا أن يتم الصلاة إذا دخله وهو مسافر قبل بطلانه "ولم يعتبر المحققون وطن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
منزل الإقامة قاموس قوله: "بمثله" أي وإن لم يكن بينهما مسافة سفر لقوله بعد ولا يشترط تقدم السفر لثبوت الوطن الأصلي إجماعا أي لأنه قد يتولد فيه مثلا ولا ينتقل عن غيره إليه قوله: "ولا لوطن الإقامة في ظاهر الرواية" فإذا خرج من مصر فأقام بقليوب مدتها يسمى وطن إقامة إلا أنه حينئذ لا يترتب له أحكام قوله: "بل استحدث أهلا الخ" وكذا لو استحدث أهلا في ثلاث مواضع فالحكم واحد فيما يظهر قوله: "بإنشاء السفر بعده" حتى لو عاد إلى حاجة فيه قصر وقوله بعده أي بعد الإقامة فيه سواء أنشأه منه أو بعده في موضع آخر بعده ولا يشترط كونه منه كما يفيده كلام صاحب النهر الآتي في رده على الزيلعي وبقي ما إذا خرج منه على نية السفر الأولى ثم جاوز بمدة سفر منه أو من الأصلي ولم يقم في غيره ثم مر به هل يتم وظاهر كلامهم نعم لأنه لم يدخل الأصلي ولم يقم في غيره ولم ينشيء سفرا بعده وحرره قوله: "لما ذكرنا" من أن الشيء لا يبطل إلا بمثله أو بما هو فوقه قوله: "أو تزوج فيه" ينظر حكم ما إذا تسرى فيه وعلى فرض اعتبار التسري فيه يتحقق كون الوطن الأصلي أكثر من أربعة قوله: "على ما قدمناه" من أنه لا بد أن يكون واحدا وأن لا يكون مفازة ولا دار حرب لعسكرنا ولا دار بغي قوله: "وفائدة هذا" الأولى ذكره بعد قوله لما ذكره فإنه فائدة ما قبله قوله: "وهو مسافر" احترز به عما إذا نقض السفر قبل استحكامه بعد إقامته بمحل خمسة عشر يوما فإنه يتم إذا دخله لصيرورته مقيما حينئذ بنقض السفر ومثل المؤلف في الشرح لوطن الإقامة والأصل موضحا فقال: مثاله مصري انتقل بأهله إلى الشأم فإذا عاد مسافرا ودخل مصره لم يتم بمجرد الدخول فلو أبقى أهله وتزوج بالشأم أيضا يتم بدخوله في كل من الوطنين وإذا خرج يريد الشأم فنوى الإقامة بالخانقاه السرياقوسية مثلا خمسة عشر يوما لم يبطل وطنه الأصلي فإذا رجع اليه لحاجة يتم الصلاة فيه فإذا خرج ودخل الخانقاه يقصر لبطلان وطن الإقامة بها بالأصلي وكذا لو خرج من الخانقاه بعد نية الإقامة فيها خمسة عشر يوما ولم يرجع إلى وطنه الأصلي ولم ينو السفر حتى وصل إلى بلبيس مثلا فنوى الإقامة فيها خمسة عشر يوما بطل وطن الإقامة بالخانقاه وكذا إذا خرج منها ونوى السفر(1/429)
السكنى وهو ما" أي موضع "ينوي الإقامة فيه دون نصف شهر" وكان مسافرا فلا يبطل به وطن الإقامة ولا يبطل السفر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
حتى لو عاد إلى حاجة فيها يقصر كما لو دخلها مسافرا بعد ذلك اهـ قوله: "وكان مسافرا" ليس بقيد وقال الزيلعي عامتهم على أن وطن السكني يفيد وتتصور تلك الفائدة فيمن خرج إلى قرية لحاجة ولم يقصد سفرا ونوى أن يقيم بها أقل من نصف شهر يتم فلو خرج منها لا للسفر ثم بدا له أن يسافر قبل أن يدخل مصره وقبل أن يقيم أقل من خمسة عشر يوما في موضع آخر قصر فلو مر بتلك القرية أتم لأنه لم يوجد منه ما يبطله مما هو فوقه أو مثله اهـ بتغيير ما وقوله فلو خرج منها لا للسفر قيد به لأنه لو خرج منها للسفر بطل اتفاقا وقوله ثم بدا له أن يسافر قبل أن يدخل مصره وقبل أن يقيم الخ قيد به لأنه لو دخل مصره لبطل بما فوقه وهو الوطن الأصلي ولو أقام بمحل أقل من مدة الإقامة لبطل بمثله قال في النهر وما في الزيلعي ممنوع بل قصر لأنه مسافر وقد مر أن وطن الإقامة يبطل بالسفر فوطن السكنى أولى قوله: "فلا يبطل به وطن الإقامة" والأصلي أولى قوله: "ولا يبطل السفر" أي حكم السفر من قصر الصلاة وغيره والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/430)
باب صلاة المريض
من إضافة الفعل إلى فاعله والمرض حالة للبدن خارجة عن المجرى الطبيعي إذا تعذر وهو الحقيقي ومثله الحكمي ذكره فقال: "أو تعسر" كل القيام "بوجود ألم شديد أو خاف" بأن غلب على ظنه بتجربة سابقة أو إخبار طبيب مسلم حاذق أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب صلاة المريض
مناسبة هذا لما قبله أن في كل إسقاطا وتخفيفا قوله: "من إضافة الفعل إلى فاعله" كقيام زيد وقد يضاف إلى محله كتحرك الغصن قوله: "عن المجرى الطبيعي" أي الجريان والاستمرار الطبيعي بأن يكون مخالفا لمقتضى الطبع المستمر ومرض الحيوان من باب تعب والمرض بالسكون لغة قليلة في المحرك قال في البحر وحد المرض المسقط للقيام والجمعة والمبيح للإفطار والتيمم زيادة العلة أو امتدادها قوله: "وهو الحقيقي" أي ما ذكره المصنف أولا هو التعذر الحقيقي وقوله ومثله الحكمي أي ومثل التعذر الحقيقي التعذر الحكمي وهو التعسر قوله: "بوجود ألم شديد" كدوران رأس وجع ضرس أو شقيقة أو رمد كما في القهستاني وسواء حدث ذلك في الصلاة أو قبلها كما في النقاية وقيده بالشديد(1/430)
ظهور الحال "زيادة المرض أو" خاف "بطأه" أي طول المرض "به" أي بالقيام "صلى قاعدا بركوع وسجود" لما روى عن عمران بن الحصين قال كان بي بواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال: "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب" زاد النسائي "فإن لم تستطع فمستلقيا لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" "2" "ويقعد كيف شاء" أي كيف يتيسر له بغير ضرر من تربع أو غيره "في الأصح" من غير كراهة كذا روي عن الإمام للعذر "وإلا" بأن قدر على بعض القيام "قام بقدر ما يمكنه" بلا زيادة مشقة ولو بالتحريمة وقراءة آية وإن حصل به ألم شديد يقعد ابتداء كما لو عجز وقعد ابتداء هو المذهب الصحيح لأن الطاعة بحسب الطاقة "وإن تعذر الركوع والسجود" وقدر على القعود ولو مستندا "صلى قاعدا بالإيماء" للركوع والسجود برأسه ولا يجزيه مضجعا "وجعل إيماءه" برأسه "للسجود
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
لأنه إن لحقه نوع من المشقة لم يجز ترك القيام كما في مسكين ومثل الألم خوف لحوق الضرر من عدو آدمي أو غيره على نفسه أو ماله لو صلى قائما وكذا لو كان في خباء لا يستطيع أن يقيم صلبه وان خرج لا يستطيع أن يصلي من الطين أو المطر فإنه يصلي قاعدا كما في البحر وكذا يصلي قاعدا لو أعجزه القيام عن الصوم أو عن فرض القراءة أو كان بحال لو قام سلس بوله أو سال جرحه قوله: "حاذق" غير ظاهر الفسق وقيل عدالته شرط كما في الشرنبلالية قوله: "أو ظهور الحال" عطف على قوله تجرية بأن كان يظهر له من حاله أنه لو قام زاد مرضه أو يبطىء برؤه ولو قدر على القيام متكئا أو معتمدا على صعا أو حائط لا يجزيه إلا كذلك خصوصا على قولهما فإنهما يجعلان قدرة الغير قدرة له قوله: "زاد النسائي فإن لم تستطع فمستلقيا" أهل المذهب على أنه عند العجز عن الصلاة قاعدا يخير بين صلاته على جنبه وصلاته مستلقيا والاستلقاء أفضل ولعله ثبت عندهم ما هو أقوى من هذا الحديث فتركوا ظاهره من الترتيب قوله: "أو غيره" كاحتباء أو جلوس على ركبتيه كالتشهد لأن عذر المرض أسقط عنه الأركان فلأن يسقط عنه الهيئات أولى كذا في الشرح قوله: "قام بقدر ما يمكنه" لأن البعض معتبر بالكل قوله: "وإن حصل به ألم شديد يقعد ابتداء" الأولى حذف قوله ابتداء والمعنى أنه يقوم إلى أن يتعسر عليه القيام فيقعد وهذه الحالة كحالة العجز ابتداء وإن لم تحمل على هذا اتحد المشبه والمشبه به قوله: "والسجود" أي بالجبهة والأنف ولو كان يقدر على سجوده بالأنف فقط تعين عليه لما في السراج لو كان بجبهته قروح لا يستطيع السجود عليها يلزمه السجود على الأنف ولا يجوز له الإيماء لأنه ترك السجود مع القدرة عليه وفي النهر ما يفيد أنه عند العجز عن السجود يفترض عليه أن يقوم للقراءة فإذا جاء أوان الركوع والسجود يقعد ويومىء بهما قوله: "صلى قاعدا بالإيماء" أو قائما به والأول أفضل لأنه أشبه بالسجود لكونه أقرب إلى الأرض وهو المقصود كذا في التبيين وفي البحر ظاهر المذهب جواز الإيماء قائما أو قاعدا كما لا يخفى اهـ قال الحلبي لو(1/431)
أخفض من إيمائه" برأسه "للركوع" وكذا لو عجز عن السجود وقدر على الركوع يومئ بهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها فأخذ عودا ليصلي عليه فرمى به وقال: "صل على الأرض إن استطعت وإلا فأوم إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك" "فإن لم يخفضه" أي الإيماء للسجود "عنه" أي عن الإيماء للركوع بأن جعلهما على حد سواء "لا تصح" صلاته لفقد السجود حقيقة وحكما مع القدرة "ولا يرفع" بالبناء للمجهول "لوجهه شيء" كحجر وخشبة "يسجد عليها" لما قدمناه ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم أن يسجد فليسجد ومن لم يستطع فلا يرفع إلى وجهه شيئا يسجد عليه وليكن في ركوعه وسجوده يومئ برأسه" ورواه الطبراني وقال في المجتبى كانت كيفية الإيماء بالركوع والسجود مشتبهة على أنه يكفي بعض الانحناء أم أقصى ما يمكن فظفرت على الرواية فإنه ذكر شيخ الإسلام المومئ إذا خفض رأسه للركوع شيئا جاز اهـ. وفي شرح المقدسي مريض عجز عن الإيماء فحرك رأسه عن أبي حنيفة يجوز وقال ابن الفضل لا يجوز لأنه لم يوجد منه الفعل. اهـ. فحقيقة الإيماء طأطأة الرأس انتهت عبارته وقال أبو بكر إذا كان بجبهته وأنفه عذر يصلي بالإيماء ولا يلزمه تقريب الجبهة إلى الأرض بأقصى ما يمكنه وهذا نص في الباب كما في معراج الدراية "فإن فعل" أي وضع شيئا فسجد عليه "وخفض رأسه" للسجود عن إيمائه للركوع "صح" أي صحت صلاته لوجود الإيماء لكن مع الإساءة لما روينا. وقيل هو سجود كذا في الغابة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قيل أن الإيماء قائما هو الأفضل خروجا من الخلاف يعني خلاف من يشترط القيام عند القدرة عليه لكان موجها اهـ قوله: "وجعل إيماءه للسجود أخفض" تمييزا بينهما ولا يلزمه أن يبالغ في الأنحناء أقصى ما يمكنه بل يكفيه أدنى الانحناء فيهما نهر عن المجتبى قوله: "وكذا لو عجز عن السجود الخ" قال في الفتح رجل بحلقه جراح لا يقدر على السجود ويقدر على غيره من الأفعال يصلي قاعدا بالإيماء ولو قام وقرأ وركع ثم قعد وأومأ للسجود جاز والأول أولى اهـ قوله: "ولا يرفع بالبناء للمجهول" هذا الضبط وأن تعين هنا لرفع شيء بعده لكنه ليس بلازم في الواقع فإن رفعه ورفع غيره على حد سواء في الحكم وهو كراهة التحريم ويدل عليه لفظ الحديث الآتي بعد والسابق قوله: "لما قدمناه" من حديث العبادة قوله: "فظفرت على الرواية" أي بأنه يكفي بعض الانحناء بدليل تنكير شيء قوله: "فحرك رأسه" أي من غير طأطأة قوله: "وقال ابن الفضل لا يجوز" هو المشهور في المذهب قوله: "انتهى" أي كلام ابن الفضل قوله: "فحقيقة" أي إذا علمت أنه لا يجوز لعدم وجود الفعل المخصوص منه فحقيقة الإيماء الخ قوله: "انتهت عبارته" أي عبارة المقدسي قوله: "وهذا نص في الباب" أي على أن لا يلزمه أقصى ما يمكن من الانحناء قوله: "لكن مع الإساءة" المراد بها(1/432)
ويفعل المريض في صلاته من القراءة والتسبيح والتشهد ما يفعله الصحيح وإن عجز عن ذلك تركه كما في التتارخانية عن التجريد "وإلا" أي وإن لم يخفض رأسه للسجود أنزل عن الركوع بأن جعلها سواء "لا" تصح صلاته لترك فرض الإيماء للسجود كما لو فعل ذلك من غير رفع شيء كما تقدم بيانه "وإن تعسر القعود" فلم يقدر عليه متكئا ولا مستندا إلى حائط أو غيره بلا ضرر "أومأ مستلقيا" على قفاه "أو على جنبه" والأيمن أفضل من الأيسر ورد به الأثر "والأول" وهو الاستلقاء على قفاه "أولى" من الجنب الأيمن إن تيسر بلا مشقة لحديث "فإن لم يستطع فعلى قفاه" ولأن التوجه للقبلة فيه أكثر ولو قدر على القعود مستندا فتركه لم تجز على المختار وقدمنا جواز التوجه لما قدر عليه بلا عسر وسقوط التوجه إلى القبلة بعذر المرض ونحوه "و" المستلقي "يجعل تحت رأسه وسادة" أو نحوها "ليصير وجهه إلى القبلة لا" إلى "السماء" وليتمكن من الإيماء إذ حقيقة الاستلقاء تمنع الأصحاء عن الإيماء بهما فكيف بالمرضى "وينبغي" للمريض "نصب ركبتيه إن حتى لا يمدهما" فيمتد برجليه "إلى القبلة" وهو مكروه للقادر على من الامتناع منه "وإن تعذر الإيماء" برأسه "أخرت عنه" الصلاة القليلة وهي صلاة يوم وليلة فما دونها اتفاقا وأما إن زادت على يوم وليلة "مادام يفهم" مضمون "الخطاب" فإنه يقضيها في رواية "قال في الهداية"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
كراهة التحريم فيما يظهر للنهي عنه في الحديثين السابقين قوله: "فلم يقدر الخ" هذا تعذر حقيقي ومثله الحكمي بأن كان بحال لو قعد بزغ الماء من عينيه فأمره الطبيب بالاستلقاء أياما ونهاه عن القعود والسجود فإنه يجزيه أن يستلقي ويصلي بالإيماء لأن حرمة الأعضاء كحرمة النفس كذا في البحر قوله: "بلا ضرر" متعلق بقوله فلم يقدر أما إذا قدر على الاتكاء بضرر فلا يلزمه قوله: "أومأ مستلقيا الخ" اعلم أن في المسألة ثلاثة أقوال أظهرها أنه بالخيار بين الاستلقاء والاضطجاع وهو جواب الكتب المشهورة كالهداية وشروحها ثانيها أن الاستلقاء إنما يجوز إذا عجز عن الاضطجاع كمذهب الشافعي ثالثها أن الاضطجاع إنما يجوز إذا عجز عن الاستلقاء وفي القنية أنه الأظهر ورده في البحر وقال في النهر أنه شاذ قوله: "وسقوط التوجه" عطف على جواز الخ وهو من عطف اللازم قوله: "فيمتد برجليه" الأولى حذفه قوله: "أخرت عنه الصلاة القليلة" اعلم أن المسألة على أربعة أوجه إن دام به العجز ست صلوات وهو لا يعقل سقط عنه القضاء إجماعا وإن كان أقل وهو يعقل قضى إجماعا وإن دام ست صلوات وهو يعقل أو أقل وهو لا يعقل ففيهما اختلاف المشايخ فمنهم من قال يلزمه القضاء وهو اختيار صاحب الهداية ومنهم من قال لا يلزمه وهو اختيار البزدوي الصغير وفي البحر عن القنية مريض لا يمكنه الصلاة إلا بأصوات مثل أوه ونحوه يجب عليه أن يصلي ولو اعتقل لسانه يوما وليلة فصلى صلاة الأخرس ثم انطلق لسان لا تلزمه الإعادة(1/433)
والمستصفى "هو الصحيح و" قد "جزم صاحب الهداية" مخالفة لها "في" كتابه "التجنيس والمزيد بسقوط القضاء إذا دام عجزه عن الإيماء" برأسه "أكثر من خمس صلوات وإن كان يفهم" مضمون "الخطاب" كالمغمى عليه اهـ وصححه قاضي غنى و "قاضيخان" قال هو الأصح لأن مجرد العقل لا يكفي لتوجه الخطاب. أهو قال الكمال "ومثله" أي مثل تصحيح قاضيخان "في المحيط واختاره شيخ الإسلام" خواهر؟؟ زاده "وفخر الإسلام" السرخي اهـ "وقال في الظهيرية هو ظاهر الراوية وعليه الفتوى" كذا في معراج الدراية "وفي الخلاصة هو المختار وصححه في الينابيع" قال هو الصحيح كما في التتارخانية "والبدائع وجزم به الولوالجي" والفتاوى الصغرى وفي شرح الطحاوي لو عجز عن الإيماء وتحريك الرأس سقطت عنه الصلاة والعبرة في اختلاف الترجيح بما عليه الأكثر وهم القائلون بالسقوط هنا "رحمهم الله" أجمعين وأعاد علينا من بركاتهم ومددهم "و" من عجز عن الإيماء برأسه "لم يوم" أي لم يصح إيماؤه "بعينه و" لا "بقلبه و" لا "حاجبه" لأن السجود لأن السجود تعلق بالرأس دون العين والحجب والقلب فلا ينتقل إليها خلفه كاليد لقوله صلى الله عليه وسلم: "يصلي المريض قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى قفاه يومئ إيماء فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه" وقد اختلفوا في معنى قوله عليه الصلاة فالله أحق بقبول العذر منه فمنهم من فسره بقبول عذر التأخير فقال بلزوم القضاء ومنهم من فسره بقبول عذر الإسقاط فقال بعدم القضاء وهم الأكثرون وقد علمتهم "وإن قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود صلى قاعدا بالإيماء" وهو أفضل من إيمائه قائما ويسقط الركوع عمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: لها أي للهداية أي للرواية المذكورة فيها قوله: "في كتابه التجنيس" المعتبر ما صححه فيه لأنه متأخر قوله: "وقال الكمال الخ" هو ممن مال إلى عدم وجوب القضاء كما في الشرح قوله: "خواهر زاده" بضم الخاء وفتح الخاء ومعناه ابن الأخت قوله: "أي لم يصح إيماؤه بعينه الخ" وإنما ذكر ذلك دفعا لتوهم عدم الحل وهو لا ينافي الصحة وقال زفر يومىء بعينه فإن عجز فبقلبه وما قاله زفر رواية عنأبي يوسف لأن العينين في الرأس فيأخذان حكمه أن قدر وإن عجز فبقلبه لأن النية التي لا تصح الصلاة بدونها إنما تقام به فتقام به الصلاة عند العجز ولنا أن نصب الأبدال بالرأي ممتنع والنص ورد بالأيماء بالرأس على خلاف القياس فلا يقاس عليه أفاد السيد قوله: "فلا ينتقل إليها" أي إلى هذه الأشياء الثلاثة خلفه أي خلف السجود وهو الايماء بها لأن الأبدال لا تنصب بالرأي قوله: "كليد" أي كما لا ينتقل خلف السجود إلى اليد قوله: "صلى قاعدا بالإيماء" لو قال أومأ قاعدا لكان أولى إذ يفترض عليه أن يقوم فإذا جاء أوان الركوع والسجود أومأ قاعدا وإنما لم يلزمه القيام عند الإيماء للركوع والسجود لا مطلقا على ما ذكره في النهر وإن كان ظاهر الزيلعي يقتضي سقوط(1/434)
عجز عن السجود وإن قدر على الركوع لأن القيام وسيلة إلى السجود فإذا فات المقصود بالذات لا يجب ما دونه وإذا استمسك عذره بالقعود ويسيل بالقيام أو يستمسك بالإماء ويسيل بالسجود ترك القيام والسجود وصلى قاعدا وموميا ولو عجز عن القيام بخروجه للجماعة وقدر عليه في بيته اختلف الترجيح "وإن" افتتح صلاته صحيحا و "عرض له مرض" فيها "يتمها بما قدر ولو" أتمها "بالإيماء في المشهور" وهو الصحيح لأن أداء بعضها بالركوع والسجود أولى من الإبطال وأدائها كلها بعده بالإيماء "ولو صلى" المريض "قاعدا يركع ويسجد فصح بنى" لأن البناء كالاقتداء فيصح عندهما خلافا لمحمد وفي قوله صلى إشارة إلى أنه لو قدر قبل الركوع والسجود بنى اتفاقا لعدم بناء قوي على ضعيف "ولو كان" قد أدى بعضها "موميا" فقدر على الركوع والسجود ولو قاعدا "لا" يبنى لما فيه من بناء القوي على الضعيف وكذا يستأنف من قدر على القعود للإيماء وكان يومئ مضطجعا على المختار "ومن جن" بعارض سماوي "أو أغمي عليه" ولو بفزع من سبع أو آدمي واستمر به "خمس صلوات قضى" تلك الصلوات "ولو" كانت "أكثر" بأن خرج وقت السادسة "لا" يقضي ما فاته كذا عن ابن عمر في الإغماء والجنون مثله هو الصحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ركنية القيام أصلا قوله: "وإذا استمسك عذره بالقعود" كجرحه وسلسه قوله: "اختلف الترجيح" والمفتى به أنه يصلي منفردا كما في البحر والخلاف محمول على ما إذا لم تتيسر له الجماعة في بيته وإلا لم يجز له الخروج وترك القيام بالاتفاق قاله السيد قوله: "في المشهور وهو الصحيح" وروى أبو يوسف عن الإمام أنه يستقبل لأن تحريمته انعقدت موجبته للركوع والسجود فلا تجوز بدونهما قوله: "وأدائها" بالجر عطفا على الإبطال وقوله بعده ضميره يعود للإبطال قوله: "ومن جن بآفة سماوية" احترز بالآفة السماوية عما لو زال عقله بالخمر فإنه يلزمه القضاء وإن طال لأنه حصل بما هو معصية فلا يوجب التخفيف ولهذا يقع طلاقه وكذا إذا ذهب عقله بالبنج أو الدواء عند الإمام لأن سقوط القضاء عرف بالأثر إذا حصل بآفة سماوية فلا يقاس عليه ما حصل بفعله ولا فرق بين الجنون العارض والأصلي بأن بلغ مجنونا وهو قولمحمد وقال أبو يوسف الأصلي كالصبا وفي رواية أن الجنون يسقط مطلقا متداولا كما في البرهان قوله: "واستمر به" قيد به لأنه إذا كان يفيق في وقت معلوم نحو أن يخف عند الصبح فيفيق قليلا ثم يعاوده الإغماء تعتبر الإفاقة فتبطل ما قبلها من حكم الإغماء إذا كان أقل من يوم وليلة وإن لم يكن لإفاقته وقت معلوم إلا أنه يتكلم بغتة بكلام الأصحاء ثم يغمى عليه فلا عبرة بهذه الإفاقة كذا في الشرح عن التتارخانية قوله: "بأن خرج وقت السادسة" هذا قولمحمد وهو المصحح في أكثر المعتبرات مجمع الأنهر وقالابن أمير حاج قول محمد أشبه لأن المسقط للقضاء وقوعه في الحرج وذلك بدخول الفوائت في حد التكرار وقال في الفتح وقول محمد أصح تخريجا على قضاء(1/435)
...............................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الفوائت وعند الإمام وأبي يوسف تعتبر بالزيادة على ساعات يوم وليلة ولو بلحظة لأنه المأثور عن علي وابن عمر فكان الأخذ به أولى إذ المقادير لا تعرف إلا سماعا وتظهر الثمرة فيما إذا أغمي عليه عند الضحوة ثم أفاق من الغد قبل الزوال بساعة فهذا أكثر من يوم وليلة من حيث الساعات فلا قضاء عليه عندهما وعند محمد يقضي لعدم مضي سنة أوقات قوله: "والجنون مثله" اعلم أن الأعذار ثلاثة ممتد جدا كالصبا يسقط به جميع العبادات وقاصر جدا كالنوم فلا يسقط به شيء ومتردد بينهما وهو الإغماء فإذا امتد ألحق بالممتد جدا وإلا ألحق بالقاصر جدا ذكر الحدادي ولا يعتبر الإغماء في الصوم والزكاة لأنه يندر وجوده سنة أو شهرا بخلاف الجنون فإنه يمتد فاعتبر في سقوط العبادات والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/436)
فصل في إسقاط الصلاة والصوم
وغيرهما "إذا مات المريض ولم يقدر على" أداء "الصلاة بالإيماء" برأسه "لا يلزمه الإيصاء بها وإن قلت" بنقصها عن صلاة يوم وليلة لما رويناه لعدم قدرته على القضاء بإدراك زمن له على قول من يفسر قبول العذر بجواز التأخير ومن فسره بالسقوط ظاهر وكذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في إسقاط الصلاة والصوم
لا يخفي حسن ذكر هذا الفصل بعد ذكر أحكام المريض اعلم أنه قد ورد النص في الصوم بإسقاطه بالفدية واتفقت كلمه المشايخ على أن الصلاة كالصوم استحسانا لكونها أهم منه وإنما الخلاف بينهم في أن صلاة يوم كصومه أو كل فريضة كصوم يوم وهو المعتمد إذا علمت ذلك تعلم جهل من يقول ان إسقاط الصلاة لا أصل له إذ هذا إبطال للمتفق عليه بين أهل المذهب وأراد المصنف بقوله والصوم صوم رمضان بدليل قوله بعد وغيرهما فإن المراد به صوم كفارة اليمين وقتل وظهار وجناية على إحرام وقتل محرم صيد أو صوم منذور أفاده في الشرح قوله: "بالإيماء برأسه" قيد به لأنه لا يعتبر الإيماء بنحو الحاجب فلا يعد به قادرا فلا تلزمه الوصية وقياس قول زفر أنه إذا تركها مع قدرته على الإيماء بنحو الحاجب أوصى قوله: "عن صلاة يوم وليلية" إنما ذكره لأنه إذا سقط في هذه الحالة القليل الذي لا حرج فيه فأولى الكثير الذي فيه الحرج قوله: "لما رويناه" من قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم يستطع فالله أحق بقبول العذر منه" قوله: "لعدم قدرته" الأولى الإتيان بالواو لتكون علة ثانية عقلية بعد النقل ويحتمل أنه علة للعلة قوله: "بإدراك زمن" متعلق بقوله قدرته والباء للسببية قوله: "على قول من يفسر الخ" فإن القائل به لا يقول بلزوم القضاء إلا بإدراك زمن يسعه ولم يوجد ولزوم الوصية فرع لزوم القضاء وبه يندفع ما أورد من أن الوجوب قد تعلق(1/436)
حكم "الصوم" في شهر رمضان "إن أفطر فيه المسافر والمريض وماتا قبل الإقامة" للمسافر "و" قبل "الصحة" للمريض لعدم إدراكهما عدة من أيام أخر فلا يلزمهما الإيصاء به "و" لزم "عليه" يعني على من أفطر في رمضان ولو بغير عذر "الوصية بما" أي بفدية ما "قدر عليه" من إدراك عدة من أيام أخر إن أفطر بعذر وإن لم يدرك عدة من أيام أخر إن أفطر بدون عذر لزمه بجميع ما أفطره لأن التقصير منه لكنه يرجى له العفو بفضل الله بفدية ما لزمه "وبقي بذمته" حتى أدركه الموت من صوم فرض وكفارة وظهار وجناية على إحرام ومنذور "فيخرج عنه وليه" أي من له التصرف في حاله لوراثة أو وصاية "من ثلث ما ترك" الموصي لأن حقه في ثلث ماله حال مرضه وتعلق حق الوارث بالثلثين فلا ينفذ قهرا على الوارث إلا في الثلث إن أوصى به وإن لم يوص لا يلزم الوارث الإخراج فإن تبرع جاز كما سنذكره وعلى هذا دين صدقة الفطر أو النفقة الواجبة والخراج والجزية
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
بذمته فلماذا لم تلزمه الوصية وإن لم يقدر تفريغا لذمته قوله: "ظاهر" الأولى فظاهر بالفاء قوله: "فلا يلزمهما الإيصاء به" لأنهما عذرا في الأداء فلأن يعذرا في القضاء أولى زيلعي وإذا لم يلزمهما القضاء لا يلزمهما الإيصاء به قوله: "ولزم عليه" ضمنه معنى فرض فعداه بعلى وإلا فلزم يتعدى بنفسه قوله: "ولو بغير عذر" الأولى حذفه لأنه بينه بعد ولأنه يفيد اشتراط القدرة فيه وليس كذلك قوله: "من إدراك الخ" من للتعليل قوله: "لزمه بجميع ما أفطره" الضمير في لزمه يرجع إلى الإيصاء قوله: "بفضل الله" الباء فيه للمصاحبة وفيما بعده للسببية أو الثاني تعلق بالعامل بعد تعلق الأول به قوله: "من صوم" لم يذكر قبله مبينه والأولى ما في الشرح حيث قال وكذا صوم كفارة يمين وقتل خطأ وظهار وجناية على إحرام وقتل محرم صيدا وصوم منذور اهـ وقال في الدر المختار من العوارض والحاصل أن ما كان عبادة بدنية فإن الوصي يطعم عنه بعد موته عن كل واجب كالفطرة والمالية كالزكاة يخرج عنه القدر الواجب والمركبة كالحج يحج عنه رجلا من مال الميت قوله: "وظهار" فيه أن الصوم في كفارة الظهار بدل عن الإعتاق وقد قال المصنف معترضا على صاحب الدرر في ذكره القتل بأن الواجب ابتداء عتق رقبة مؤمنة فلا يصح اعتاق الوارث كما ذكره والصوم فيها بدل عن الإعتاق فلا تصح فيه الفدية وفيه أن كفارة الإفطار كذلك وكذا اليمين لأن كفارته مرتبة اهـ وفي التنوير من عوارض الصوم ولو تبرع عنه وليه بكفارة يمين أو قتل جاز قوله: "وجناية على إحرام" كأن لبس عمامته بعذر فإنه مخير بين الذبح وإطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام قوله: "ومنذور" أي صوم منذور كذا في الشرح قوله: "أو النفقة الواجبة" كنفقة الزوجة إذا قضى بها أو تراضيا عليها قوله: "والجزية" أي بناء على أنها لا تسقط بالإسلام إذا أوصى بها وهو ذمي(1/437)
والكفارات المالية والوصية بالحج والصدقة المنذورة والاعتكاف المنذور عن صومه لا عن اللبث في المسجد وقد لزمه وهو صحيح ولم يعتكف حتى أشرف على الموت كان عليه أن يوصي لصوم اعتكاف كل يوم بنصف صاع من ثلث ماله وإن كان مريضا وقت الإيجاب ولم يبرأ حتى مات فلا شيء عليه فإذا لم يف به الثلث توقف الزائد على إجازة الوارث فيعطي "لصوم كل يوم" طعام مسكين لقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صوم شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين" "و" كذا يخرج "لصلاة كل وقت" من فروض اليوم والليلة "حتى الوتر" لأنه فرض عملي عند الإمام وقد ورد النص في الصوم والصلاة كالصيام باستحسان المشايخ لكونها أهم واعتبار كل صلاة بصوم يوم هو الصحيح وقيل فدية جميع صلوات اليوم الواحد كفدية صوم يوم والصحيح أن لكل صلاة فدية هي "نصف صاع من بر" أو دقيقه أو سويقه أو صاع تمر أو زبيب أو شعير "أو قيمته" وهي "أفضل لتنوع حاجات الفقير "وإن لم يوص وتبرع عنه وليه" أو أجنبي "جاز" إن شاء الله تعالى لأن محمدا قال في تبرع الوارث بالإطعام في الصوم يجزئه إن شاء الله تعالى من غير جزم وفي إيصائه به جزم بالأجزاء وإذا تبرع أحد بالإعتاق عنه لا يصح لما فيه من إلزام الولاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "والكفارات المالية" كالدماء التي تلزمه بجنايته على إحرامه مثل تطيبه ولبسه بغير عذر قوله: "والوصية بالحج" ويحج عنه من منزله إن كفى وإلا فمن حيث يكفى تنوير قوله: "والصدقة المنذورة" كأن نذر دراهم مثلا يخرجها الله تعالى قوله: "عن صومه" أي يفدي من الثلث عن صومه قوله: "فلا شيء عليه" لعدم قدرته على أدائه وإذا لم يقدر لا يجب عليه الإيصاء وهل يقال في نذر الصوم كذلك يحرر وأما كفارة الإفطار فأن أفطر عمدا في رمضان ووجبت عليه الكفارة ولم يتمكن من أدائها بأن وجب عليه الصوم فمات في شوال هل يجب الإيصاء بها لتحقق سببها في الصحة ويحرر قوله: "فليطعم" بالبناء للمجهول لرفع مسكين قوله: "والصحيح" مكرر مع قوله وهو الصحيح قوله: "هي نصف صاع" الأولى إبقاء المصنف من غير تقدير لأنه على ما قدره يضيع مفعول قوله سابقا فيخرج قوله: "أو زبيب" هو المعتمد وقيل الزبيب كالبر قوله: "لتنوع حاجات الفقير" فإنه قد يكون مستغينا عن هذه الأعيان ويحتاج إلى الدراهم ليصرفها في حاجاته قوله: "لأن محمد إلخ" علة لذكر المشيئة في التبرع لا في الوصية قوله: "في الصوم" أي والصلاة مثله قوله: "وفي إيصائه به" أي إيصاء الميت بالإطعام عن صومه قوله: "جزم بالأجزاء" لأنه بالإيصاء فرغ ذمته بخلاف ما إذا تبرع عنه مبرع وفي الحقيقة الكل معلق بمشيئة الله تعالى قوله: "من إلزام الولاء على الميت" أي وله أحكام قد يضربها السيد كالقتل خطأ فإنه على عاقلته وعاقلته مولاه فلا يثبت الولاء من غير رضاه.(1/438)
على الميت بغير رضاه بخلاف وصيته به وفي الوصية بالحج يحج من منزله من ثلث ماله والمتبرع من حيث شاء سواء الوارث وغيره "ولا يصح أن يصوم" الولي ولا غيره عن الميت "ولا" يصح "أن يصلي" أحد "عنه" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد ولكن يطعم عنه" وما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "فصومي عن أمك" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" فمنسوخ كذا في البرهان وغيره فما يفعله جهلة الناس الآن من إعطاء دراهم للفقير على أن يصوم أو يصلي عن الميت أو يعطيه شيئا من صلاته أو صومه ليس بشيء وإنما الله سبحانه وتعالى يتجاوز عن الميت بواسطة الصدقة التي قدرها الشارع كما بيناه وإن قلنا بأن للعبد أن يجعل ثواب طاعته لغيره فهو غير هذا الحكم فليتنبه له "وإن لم يف ما أوصى به" الميت "عما عليه" أولم يكف ثلث ماله أو لم يوص بشيء وأراد أحد التبرع بقليل لا يكفي فحيلته لإبراء ذمة الميت عن جميع ما عليه أن "يدفع ذلك المقدار" اليسير ليسير بعد تقديره لشيء من صيام أو صلاة أو نحوه ويعطيه "للفقير" بقصد إسقاط ما يريد عن الميت "فيسقط عن الميت بقدره ثم" بعد قبضه "يهبه الفقير للولي" أو للأجنبي "ويقبضه" لتتم الهبة وتملك "ثم يدفعه" الموهوب له "للفقير" بجهة الإسقاط متبرعا به عن الميت "فيسقط" عن الميت "بقدره" أيضا "ثم يهبه الفقير للولي" أو للأجنبي "ويقبضه ثم يدفعه الولي للفقير" متبرعا عن الميت "وهكذا" يفعل مرارا "حتى يسقط ما كان" يظنه "على الميت من الصلاة والصيام" ونحوهما مما ذكرناه من الواجبات وهذا هو المخلص في ذلك إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه "ويجوز إعطاء فدية صلوات" وصيام أيام ونحوها
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "يحج من منزله" إن كفى وإلا فمن حيث يكفي قوله: "والمتبرع به" أي ويحج المتبرع بالحج عن الميت قوله: "وإن قلنا الخ" هذا جواب عما ورد عليه في قوله أو يعطيه شيئا من صلاته أو صومه ليس بشيء من أنه يقتضي أنه ليس له أن يجعل ثواب طاعته لغيره قوله: "فهو غير هذا الحكم" لأنه لا يفيد بالدفع المذكور والكلام فيما إذا دفع ذلك على وجه المعارضة بعد تقديره بشيء من صيام أو صلاة بأن يكون المدفوع فدية صلاة يوم أو صوم يوم مثلا قوله: "فيسقط عن الميت بقدره" في الدر المنتقى أنهم إذا أرادوا الإخراج عنه يحسب عمره بغلبة الظن ويخرج منه مدة الصبا وهي اثنا عشر في الغلام وتسعة في الأنثى ويخرج عنه بقدرها إن كان عندهم ما يكفي وإلا تدفع مرارا اهـ وذلك لاحتمال نقصان صلاته بترك ركن أو شرط فإن الكثير من الناس لا يحسن أداءها قوله: "ويقضيه" لا بد من تكرر القبض والدفع لما ذكره المصنف ثم لو أخذها أحدهم عند قبضها ولم يدفعها واستقل بها يفوز بها على الظاهر قوله: "متبرعا به" وهو بعد الأولى متبرع مطلقا ولو كانت موصى بها قوله: "ونحوها" كالصدقة المنذورة.(1/439)
"لواحد" من الفقراء "جملة بخلاف كفارة اليمين" حيث لا يجوز أن يدفع للواحد أكثر من نصف صاع في يوم للنص على العدد فيها وكذا ما نص على عدده في كفارة "والله سبحانه وتعالى أعلم" وهو الموفق بمنه وكرمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "وكذا ما نص على عدده في كفارة" ككفارة الظهار على ما ذكره فإن الله تعالى قال: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} وهل تكفي الإباحة في الفدية قولان المشهور نعم واعتمده الكمال ولو فدى عن صلاته في مرضه لا يصح بخلاف الصوم والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/440)
باب قضاء الفوائت
القضاء لغة الأحكام وشريعة إسقاط الواجب بمثل ما عنده "والترتيب بين الفائتة" القليلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب قضاء الفوائت
لم يقل المتروكات ظنا بالمؤمنين خيرا لأن ظاهر حال المسلم أن لا يترك الصلاة وإنما تفوته من غير قصد لعذر واعلم أن المأمور به ثلاثة أقسام أداء وقضاء وإعادة والأداء أنواع كامل كالصلاة بجماعة وقاصر كالصلاة منفردا لفوات الوصف المرغوب فيه وأداء شبيه بالقضاء وهو فعل اللاحق بعد فراغ الإمام أما أنه أداء فلبقاء الوقت وأما أنه شبيه بالقضاء فلأنه قد التزمه مع الإمام وقد فاته ذلك الملتزم ولما فرغ المصنف من الأداء بأنواعه شرع في القضاء قوله: "القضاء لغة الأحكام" لقضا بالقصر والمد وقوله الأحكام الأولى أن يقول الحكم قوله: "إسقاط الواجب بمثل ما عنده" اعلم أن القضاء وجب بالسبب الذي وجب به الأداء فكل من الأداء والقضاء تسليم عين الواجب إلا أن الأداء تسليم عين الواجب في وقته والقضاء تسليم عين الواجب بعد خروج الوقت وهذا هو الراجح وقيل يجب القضاء بسبب جديد وإن المؤدى مثل الواجب وليس لهذا الخلاف ثمرة إذا علمت هذا تعلم أن قوله يمثل ما عنده جرى على غير الراجح والتأخير بلا عذر كبيرة لا تزول بالقضاء بل بالتوبة أو الحج فالقضاء مزيل لإثم الترك لا لإثم التأخير والإعادة فعل مثله في وقته لخلل غير الفساد لقولهم كل صلاة أديت مع كراهة التحريم تعاد أي وجوبا في الوقت وأما بعده فندبا وقوله إسقاط الواجب يفيد أن السنة لا توصف بالقضاء وإذا أريد ما هو أعم أبدلنا الواجب بالعبادة فيقال الأداء فعل العبادة في وقتها والإعادة فعل مثلها لخلل غير الفساد وغير عدم صحة الشروع والقضاء فعلها بعد وقتها فتكون السنة التي تفعل في وقتها إداء وما أذن الشارع في فعله منها في غير وقته قضاء كسنة الفجر وأما سنة الظهر القبلية إذا صليت بعد فإطلاق القضاء عليها مجاز(1/440)
وهي ما دون ست صلوات "و" بين "الوقتية" المتسع وقتها مع تذكر الفائتة لازم "و" كذا الترتيب "بين" نفس "الفوائت" القليلة "مستحق" أي لازم لأنه فرض عملي يفوت الجواز بفوته والأصل في لزوم الترتيب قوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو يصلي مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليقض التي تذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام" وهو خبر مشهور وتلقنه العلماء بالقبول فيثبت به الفرض العملي ورتب النبي صلى الله عليه وسلم قضاء الفوائت يوم الخندق "ويسقط" الترتيب "بأحد ثلاثة أشياء" الأول "ضيق الوقت" عن قضاء كل الفوائت وأداء الحاضرة للزوم العمل بالمتواتر حينئذ لأن العمل بالمشهور يستلزم إبطال.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
على كل حال لأنها مفعولة في وقتها وإن قيل ان وقتها مخصوص بما قبل الفرض فتكون قضاء بعده قوله: "المتسع وقتها" أما التي ضاق وقتها فتقدم على الفائتة ويسقط الترتيب قوله: "تذكر الفائتة" قيد به لأن الترتيب يسقط بالنسيان كما يأتي إن شاء الله تعالى وأفاد بذكره الترتيب في الفوائت والوقتية لزوم القضاء وهو ما عليه الجمهور وقال الإمام أحمد إذا تركها عمدا بغير عذر لا يلزمه قضاؤها لكونه صار مرتدا والمرتد لا يؤمر بقضاء ما تركه إذا تاب وجميع أوقات العمر وقت للقضاء ما عدا أوقات النهي الثلاثة وفي القهستاني قضاء الصلاة يجب على التراخي عندمحمد وعلى الفور عند أبي يوسف وعن الإمام روايتان وفي المجتبى يجوز تأخير الفوائت يعني قضاءها وإن وجب فور العذر السعي على العيال والحوائج على الأصح اهـ قوله: "الفوائت القليلة" وهي ما لم تدخل في حد التكرار قوله: "مستحق" لم يقل فرض لانصراف المطلق منه إلى القطعي ولا شرط كما في المحيط لأن الشرط حقيقة لا يسقط بالنسيان وهذا يسقط به ولا واجب كما في المعراج لأنه لا يفوت الجواز بفوته وهذا يفوت به ولما اختلفت عبارة المشايخ أتى المصنف بلفظ المستحق لأنه يمكن أن يتمشى على كل منها قوله: "قوله صلى الله عليه وسلم" رفعه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ورواه مالك عن نافع عن ابن عمر موقوفا والرفع من الثقة مقبول مطلقا سواء كان أرجح ممن وقف أم لا قوله: "فليصل التي هو فيها" وتكون له نافلة قوله: "وهو خبر مشهور" نازع الكمال في شهرته قوله: "ورتب النبي صلى الله عليه وسلم الخ" هذا دليل على الترتيب بين الفوائت والحاصل أنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم تقديم صلاة على ما قبلها أداء ولا قضاء ولو كان الترتيب مستحبا كما قال بعض الأئمة لتركه صلى الله عليه وسلم مرة أو أشار إلى تركه مرة بيانا للجواز ولم ينقل ولا نقل أيضا عن أحد من الصحابة قولا ولا فعلا وروى أنه صلى الله عليه وسلم شغله المشركون عن أربع صلوات يوم حفر الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله تعالى فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء قوله: "عن قضاء كل الفوائت" مفهومه يفيد أنه إذا لم يضق الوقت عن جميعها بل كان يسع الوقتية وبعض الفائقة أنه لا يسقط الترتيب فيما قدر عليه وهو أحد القولين الآتيين في كلامه قوله: "للزوم العمل بالمتواتر(1/441)
القطعي وهو لا يعمل به إلا مع إمكان الجمع بينهما بسعة الوقت وليس من الحكمة إضاعة الموجود في طلب المفقود بضيق الوقت "المستحب" لأنه لا يلزم من مراعاة الترتيب وقوع حاضرة ناقصة فيتغير به حكم الكتاب فيسقط بضيق الوقت المستحب الترتيب ولا يعود بعد خروجه "في الأصح" مثاله لو اشتغل بقضاء الظهر يقع العصر أو بعضه في وقت التغير فيسقط الترتيب في الأصح والعبرة لضيقه عند الشروع فلو شرع في الوقتية متذكر للفائتة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
حينئذ" لأن آخر الوقت للوقتية بالمتواتر من الأخبار والنصوص ووقت التذكر للفائتة ثبت بالخبر السابق فإن في بعض رواياته فإن ذلك وقتها وهو يفيد وجوب الترتيب ووصف بأنه خبر آحاد وإنما يجب العمل به إذا لم يتضمن ترك العمل بالنص أما إذا تضمن فلا لأنه يلزم نسخ الكتاب به وذا لا يجوز كذا في الشرح قوله: "حينئذ" أي حين إذ ضاق الوقت قوله: "وهو لا يعمل به" أي بالمشهور وهو الحديث السابق فإنه يفوت وجوب الترتيب قوله: "بسعة الوقت" الباء للسببية وفي نسخة باللام قوله: "بضيق الوقت" مرتبط بقوله إضاعة والباء للسببية ولو قدم الفائتة ولم يكن وقت كراهة صحت وأثم لتفويت الوقتية بغير موجب فصار كما لو اشتغل بالنافلة عند ضيق الوقت بخلاف ما إذا كان في الوقت سعة وقدم الوقتية حيث لا تصح لأنه إداها قبل وقتها الثابت بالخبر مع إمكان الجمع بينهما قوله: "المستحب" لم يذكر هذا في ظاهر الرواية فوقع الاختلاف بين المشايخ فنسب الطحاوي اعتبار أصل الوقت لهما واعتبار الوقت المستحب لمحمد ورجح في المحيط قول محمد ورجحه أيضا في الظهيرية بما في المنتقى من أنه إذا افتتح العصر في أول وقتها وهو ناس للظهر ثم احمرت الشمس ثم ذكر الظهر مضى في العصر قال فهذا نص على أن العبرة للوقت المستحب وحينئذ انقطع اختلاف المشايخ لأن المسألة حيث لم تذكر في ظاهر الرواية وثبتت في رواية أخرى تعين المصير إليها وثمرة الخلاف تظهر فيما لو شرع في العصر وهو ناس للظهر ثم تذكره في وقت لو اشتغل به تقع العصر في الوقت المكروه يقطع العصر عندهما ويصلي الظهر وعنده يمضي في العصر ثم يصلي الظهر بعد غروب الشمس ذكر هذه الثمرة السيد عن مسكين قوله: "فيتغير به حكم الكتاب" وهو قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء: 103] وتغيير حكم الكتاب بنقصان الوقتية بإيقاعها في الوقت المكروه كذا في الشرح فإن الآية المذكورة كقوله تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} تدل على الإتيان بالواجب على صفة الكمال لأنه المطلوب شرعا وتفسير ضيق الوقت أن يكون الباقي من الوقت ما لا يسع الوقتية والفائتة جميعا في نفس الأمر لا بحسب ظنه فلو ظن من عليه العشاء ضيق وقت الفجر فصلى الفجر ثم تبين أن في الوقت سعة بطل الفجر ثم ينظر فإن كان الوقت يسعهما جميعا بحيث يقعد في الفجر قدر التشهد قبل الطلوع بعد صلاة العشاء يصلي العشاء ثم يعيد الفجر وإن لم تكن فيه سعة كذلك يعيد الفجر فقط وهكذا يفعل مرة بعد(1/442)
وأطالها حتى ضاق الوقت لا تجوز إلا أن يقطعها ثم يشرع فيها ولو شرع ناسيا والمسألة بحالها فتذكر عند ضيق الوقت جازت الوقتية ولو تعددت الفائتة والوقت يسع بعضها مع الوقتية سقط الترتيب في الأصح كما أشرنا إليه لأنه ليس الصرف إلى هذا البعض من الفوائت أولى منه للآخر كما في الفتح "و" الثاني "النسيان" لأنه لا يقدر على الإتيان بالفائتة مع النسيان لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ولأنه لم يصر وقتها موجودا بعدم تذكرها فلم تجتمع مع الوقتية "و" الثالث "إذا صارت الفوائت" الحقيقية أو الحكمية "ستا" لأنه لو وجب الترتيب فيها لوقعوا في حرج عظيم وهو مدفوع بالنص والمعتبر خروج وقت السادسة في الصحيح لأن الكثرة بالدخول في حد التكرار وروى بدخول وقت السادسة لأن الزائدة على الخمس في حكم التكرار ومثال الكثرة الحكمية سنذكرها لصلاته خمسا متذكرا فائتة لم يقضها حتى خرج وقت السادسة من المؤديات متذكرا وكما سقط الترتيب فيما بين الكثيرة والحاضرة سقط فيما بين أنفسها على الأصح وقيدناها بكونها ستا "غير الوتر فإنه لا يعد
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
أخرى إلى أن تطلع الشمس وفرضه ما يلي الطلوع وما قبله تطوع وفي المجتبى وإن لم يمكنه أداء الوقتية إلا مع التخفيف من قصر القراءة والأفعال يرتب ويقتصر على أدنى ما تجوز به الصلاة قوله: "والمسألة بحالها" أي أطالها حتى ضاق الوقت قوله: "جازت الوقتية" ولا يلزمه القطع لأن شروعه فيها أولا جائز ولو قطعها كان له أن يشرع فيها ثانيا فلم يكن للقطع فائدة فكان البقاء أولى بالجواز لأنه أسهل من الابتداء قوله: "كما في الفتح" الذي في الفتح ترجيح عدم جواز الوقتية ما لم يقض ذلك البعض وقيل عند الإمام يجوز قال الزاهدي وهو الأصح وعلله بما قاله المصنف قوله: "والثاني النسيان" ولا يعتبر الجهل وعبارة النقاية فرض الترتيب ولو جاهلا به اهـ قال شارحها العلامة القهستاني عند أئمتنا الثلاثة وعن الحسن عنه أنه إذا لم يعلم به لم يجب عليه وبه أخذ الأكثرون كما في التمرتاشي وما في الزيلعي من أن الظن المعتبر يلحق بالنسياه كمن صلى الظهر ذاكرا لترك الفرض فسد ظهر فإذا قضي الفجر ثم صلى العصر ذاكرا للظهر جاز العصر إذ لا فائتة عليه في ظنه حال أداء العصر وهو ظن معتبر لأنه مجتهد فيه فالمراد به ظن المجتهد إذ لا يلزمه اجتهاد إمام أو جاهل ليس له مذهب معين صلى ثم ذكر ولم يقلد مجتهدا ولم يستفت فقيها فصلاته صحيحة لمصادفتها مجتهدا فيه وأما المقلد لأبي حنيفة فلا عبرة برأيه المخالف لمذهب إمامه وإن كان مقلدا للشافعي فلا فساد لصلاته ولا تتوقف على شيء أفاد المصنف في حاشيته عن البحر قوله: "لأنه لو وجب الخ" ولأن اشتراط الترتيب إذ ذاك ربما يفضي إلى تفويت الوقتية وهو حرام قوله: "وهو مدفوع بالنص" قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] قوله: "وروى" أي عن(1/443)
مسقطا" في كثرة الفوائت بالإجماع أما عندهما فظاهر لقولهما بأنه سنة ولأنه فرض عملي عنده وهو من تمام وظيفة اليوم والليلة والكثرة لا تحصل إلا بالزيادة عليها من حيث الأوقات أو من حيث الساعات ولا مدخل للوتر في ذلك بوجه "وإن لزم ترتيبه" مع العشاء والفجر وغيرهما كما بيناه "ولم يعد الترتيب" بين الفوائت التي كانت كثيرة "بعودها إلى القلة" بقضاء بعضها لأن الساقط لا يعود في أصح الروايتين وعليه الفتوى وترجيح عود الترتيب ترجيح بلا مرجح "ولا" يعود الترتيب أيضا "بفوت" صلاة "حديثة" أي جديدة تركها "بعد" نسيان "ست قديمة" ثم تذكرها "على الأصح فيهما" أي الصورتين لما ذكرنا وعليه الفتوى ثم فرع غلى لزوم الترتيب في أصل الباب بقوله "فلو صلى فرضا ذاكرا الفائتة ولو" كانت "وترا فسد فرضه فسادا موقوفا" يحتمل تقرر الفساد ويحتمل رفعه بينه بقوله "فإن" صلى خمس صلوات متذكرا في كلها تلك المتروكة وبقيت في ذمته حتى "خرج وقت الخامسة مما صلاه بعد المتروكة ذاكرا لها" أي للمتروكة "صحت جميعها" عند أبي حنيفة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
محمد قوله: "أو من حيث الساعات" على قول الشيخين وتقدم ترجيح اعتبار الأوقات قوله: "لا يعود في أصح الروايتين" وقال بعضهم يعود الترتيب وهو أحوط مجتبى وهو الصحيح ذكره الصدر الشهيد وكذا قال في التجنيس والمزيد وفي الهداية وهو الأظهر لأن علة السقوط الكثرة وقد زالت قوله: "ترجيح بلا مرجح" قد عرفت مرجحه وهو زوال الكثرة أفاده السيد قوله: "بعد نسيان ست" أراد به الترك ولو عبر به لكان أولى لأنها إذا بلغت ستاسقط الترتيب وإن لم يكن على وجه النسيان ولأن النسيان مسقط في الأقل من هذا العدد أفاده السيد قوله: "ثم تذكرها" أي الحديثة قاله السيد قوله: "على الأصح فيهما" وقيل لا يجوز عند البعض ويجعل الماضي كأن لم يكن زجرا له وصححه في معراج الدراية وفي المحيط وعليه الفتوى قوله: "وعليه الفتوى" وجهه أن الاشتغال بهذه الفائتة ليس بأولى من الإشتغال بتلك الفوائت وفي الاشتغال بالكل تفويت الفريضة عن وقتها وما قالوه يؤدي إلى التهاون لا إلى الزجر عنه فإن من اعتاد تفويت الصلاة وغلب على نفسه التكاسل لو أفتى بعدم الجواز يفوت أخرى وهلم جرا حتى يبلغ حد الكثرة أفاده السيد قوله: "ولو كانت وترا" أي لأنه فرض عملي عنده فالوتر يعتبر في الإفساد ولا وقت له يخصه بل وقته وقت العشاء فيعتبر عند فواته قضاؤه قبل خروج وقت العشاء الآتية أو بعده قوله: "يحتمل تقرر الفساد" أي يحتمل الفساد فالضمير له أو تقرر فاعل يحتمل بتنزيله منزلة اللازم قوله: "متذكرا في كلها تلك المتروكة" يغني عنه قول المصنف ذاكرا لها إنما قيد بالتذكر لأن النسيان يسقط الترتيب فلو نسي في البعض وتذكر في البعض فالظاهر اعتبار التي تذكر فيها حتى تبلغ العدد المسقط واعتبارخمس غير المتروكة هو الصواب خلافا لما يوهمه ظاهر عبارة بعض القوم من اعتبار ست سواها قوله: "صحت جميعها" برفع جميع تأكيد للضمير المستتر في صحت قوله:(1/444)
رحمه الله لأن الحكم وهو الصحة مع العلة وهي الكثرة يقترنان والكثرة صفة هذا المجموع لأن الفاسد في حكم المتروك فكانت المتروكات ستا حكما واستندت الصفة إلى أولها فجازت كلها كتعجيل الزكاة يتوقف كونها فرضا على تمام الحول وبقاء بعض النصاب فإذا تم على نمائه كان التعجيل فرضا وإلا كان نفلا "فلا تبطل" الخمس التي صلاها متذكرا للفائتة "بقضاء" الفائتة "المتروكة بعده" أي بعد خروج وقت الخامسة لسقوط الترتيب مستندا "وإن قضى" الفائتة "المتروكة قبل خروج وقت الخامسة" مما صلاه متذكرا لها "وبطل وصف" لا أصل له "ما صلاه متذكرا" للفائتة "قبلها" أي قبل قضائها "و" لا يبقى متصفا بأنه فرض بل "صار" الذي صلاه "نفلا" عند أبي حنيفة وأبي يوسف وهذه هي التي يقال فيها واحدة تفسد خمسا وواحدة تصحح خمسا فالمتروكة تفسد الخمس بقضائها في وقت الخامسة من المؤديات بتقرير الفساد والسادسة من المؤديات تصحح الخمس قبلها
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
"عند أبي حنيفة" وقالا تفسد تلك الصلوات فسادا باتا لا يحتمل الصحة بحال ويلزمه قضاء الست كلها المتروكة والخمس التي أداها بعدها قبل قضائها وهو ذاكر لها وما يصليه بعد ذلك صحيح وإن كان ذاكرا للفائتة لصيرورة الفوائت ستا قوله: "والكثرة" أي كثرة الفوائت ولما ورد عليه أن الفائت واحد فقط والخمس مؤداة أجاب عنه بقوله لأن الفاسد الخ قوله: "واستندت الصفة" وهي الكثرة قوله: "فجازت كلها" لأنه سقط الترتيب من أول صلاة تركها لوجوب ثبوت الحكم مستندا ليكون مضافا إلى الكثرة التي هي العلة دون الأخيرة التي ليست بعلة قوله: "كتعجيل الزكاة" أشار به إلى أن توقف حكم على أمر حتى يتبين حاله ليس ببدعي كتوقف الزكاة الخ وتوقف المغرب المؤداة في طريق المزدلفة فإن أعادها قبل الفجر بطلت فرضيتها وإلا فلا وصحة صلاة المعذور إذا انقطع العذر بعدها على معاودته في الوقت الثاني فإن عاد صحت وإلا فلا أفاده في الشرح قوله: "وبقاء بعض النصاب" أي أثناء الحول وأما آخره فلا بد من تمامه قوله: "كان التعجيل فرضا أي كان المعجل فرضا قوله: "عند أبي حنيفة وأبي يوسف" لأن التحريمة عقدت لأصل الصلاة بوصف الفرضية فلم يكن من ضرورة بطلان الوصف بطلان الأصل وعند محمد تبطل أصلا لأن التحريمة عقدت للفرض فإذا بطلت الفرضية بطلت التحريمة أيضا واعلم أن أبا يوسف قد وافق الإمام في عدم بطلان أصل الصلاة إذا قضى الفائتة قبل مضي الخمس وخالفه في توقف صحتها على تأخير قضاء المتروكة إلى مضي الخمس فقال: لا تصح فرضيتها ولو أخرها بعد مضيها قوله: "بتقرير بر الفساد" أي بتقريره الفساد الموقوف فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله والجار والمجرور متعلقان بقوله تفسد قوله: "والسادسة من المؤديات الخ" أتى بذلك جوابا عما وقع في عامة الكتب من أن انقلاب الكل إلى الجواز جائز موقوف على أداء ست صلوات بعد المتروكة فإنه ليس المراد منه إلا تأكيد خروج وقت الخامسة من المؤديات لا إشتراط(1/445)
وفي الحقيقة خروج وقت الخامسة هو المصحح لها ولكن لما كان من لازم الخروج دخول وقتية وتأديتها غالبا أقيم ذكر أدائها مقام ذلك "وإذا كثرت الفوائت يحتاج لتعيين كل صلاة" يقضيها لتزاحم الفروض والأوقات كقوله أصلي ظهر يوم الإثنين ثامن عشر جمادى الثانية سنة أربع وخمسين وألف وهذا فيه كلفة "فإن أراد تسهيل الأمر عليه نوى أول ظهر عليه" أدرك وقته ولم يصله فإذا نواه كذلك فيما يصليه يصير أولا فيصح بمثل ذلك وهكذا "أو" إن شاء نوى "آخره" فيقول أصلي آخر ظهر أدركته ولم أصله بعد فإذا فعل كذلك فيما يليه يصير آخرا بالنظر لما قبله فيحصل التعيين ويخالف هذا ما قاله في الكنز في مسائل شتى أنه لا يحتاج للتعيين وهو الأصح على ما قاله في القنية من يقضي ليس عليه أن ينوي أول صلاة كذا أو آخر فينوي ظهرا علي أو عصرا أو نحوهما على الأصح انتهى. وإن خالفه تصحيح الزيلعي فقد اتسع الأمر باختلاف التصحيح فليرجع للكنز فإنه واسع والله رؤوف رحيم واسع عليم "وكذا الصوم" الذي عليه "من رمضانين" إذا أراد قضاءه يفعل مثل هذا "على أحد تصحيحين مختلفين" صحح الزيلعي لزوم التعيين وصحح في الخلاصة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
السادسة بل ولا دخول وقتها لأنه لا يلزم من خروج الوقت دخول غيره كما لو كان الخامس من المؤديات وهو الصبح فطلعت الشمس قوله: "ولكن لما كان من لازم الخروج دخول وقتية" الملازمة ممنوعة لما علمته قريبا إلا أن يقال اللزوم موجود في غالب الأوقات فاعتبر الغالب قوله: "وتأديتها فيه غالبا" إن ارتبط قوله غالبا بالدخول والتأدية نتج الجواب السابق قوله: "مقام ذلك" أي خروج وقت الخامسة قوله: "وإذا كثرت الفوائت" المراد مطلق الكثرة وإن لم تسقط الترتيب أفاده في الشرح قوله: "لتزاحم الفروض والأوقات" التي هي أسباب فاختلفت الأسباب كما اختلفت المسببات قوله: "كقوله أصلي ظهر الاثنين الخ" فيه نكتة وهي التنبيه على تاريخ تأليف هذا المحل كذا نبه عليه المؤلف وقال في الشرح ظهر الخميس عاشر ذي الحجة سنة خمس وأربعين وألف فبين التاريخين ثمانية أعوام وأربعة أشهر وثمانية عشر يوما قوله: "وهو الأصح" رجحه في الخانية والخلاصة وجرى عليه صاحب الفتح قوله: "فليرجع للكنز" أي فليرجع المبتلى بالحادثة إلى الحكم المذكور في الكنز واللام في للكنز بمعنى إلى قال تعالى: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} أن لا يرجع إليهم وقوله فإنه واسع أي فإن الحكم الذي فيه متسع وفيه إشارة إلى اتساع الكنز عن هذا التأليف وفي نسخة فإنه وسع بصيغة الماضي قوله: "والله رؤوف رحيم" أي شديد الرحمة فلرحمته لم يكلف هذه الأمة الحرج من الأمور بل قال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] والأليق باليسر والرأفة ما في الكنز وهو عليم بما عليه فيسقطه عنه ولذا قال: {وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قوله: "من رمضانين" وأما إذا كان من رمضان واحد فلا يحتاج إلى التعيين إتفاقا حتى لو كان(1/446)
عدم لزوم التعيين وإن كان من رمضان واحد لا يحتاج لتعيين "ويعذر من أسلم بدار الحرب" فلم يصم ولم يصل ولم يزك وهكذا "بجهله الشرائع" أي الأحكام المشروعات مدة جهله لأن الخطاب إنما يلزم بالعلم به أو بدليله ولم يوجد بخلاف المسلم بدار الإسلام وألزمه زفر بها كما يلزمه الأيمان. قلنا دليل وجود الصانع ظاهر عقلا فلا يعذر بجهله ولا دليل عنده على وجود فرض الصلاة ونحوها فيعذر به.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
عليه قضاء يومين من رمضان واحد فقضى يوما ولم يعين جاز لأن السبب في الصوم واحد وهو الشهر فالواجب عليه إكمال العدد وفي الأشباه عن الفتح من الصوم ولو وجب عليه قضاء يومين من رمضان واحد الأولى أن ينوي أول يوم وجب عليه قضاؤه من هذا الرمضان وان لم يعين جاز وكذا لو كانا من رمضانين على المختار حتى لو نوى القضاء لا غير جاز اهـ قوله: "وهكذا " إشارة إلى جميع الأعمال الفرعية قوله: "مدة جهله" مرتبط بقوله يعذر قوله: "أو بدليله" وهو الكون في دار الإسلام قوله: "وألزمه زفر بها" وكذا الإمام الشافعي وأحمد رضي الله عنهم قوله: "دليل وجود الصانع الخ" اعتقاد الوجود لا يكفي في الإيمان إذ من يعتقد الشركة يعتقد الوجود وهو كافر فلا بد من اعتقاد الوحدة والقدرة والإرادة والعلم والحياة فليحرر.
خاتمة من لا يدري كمية الفوائت يعمل بأكبر رأيه فإن لم يكن له رأي يقض حتى يتيقن أنه لم يبق عليه شيء ومن قضى صلاة عمره مع أنه لم يفته شيء منها احتياطا قيل يكره وقيل لا لأن كثيرا من السلف قد فعل ذلك لكن لا يقضي في وقت تكره فيه النافلة والأفضل أن يقرأ في الأخيرتين السورة مع الفاتحة لأنها نوافل من وجه فلأن يقرأ الفاتحة والسورة في أربع الفرض على احتماله أولى من أن يدع الواجب في النفل ويقنت في الوتر ويقعد قدر التشهد في ثالثته ثم يصلي ركعة رابعة فإن كان وترا فقد أداه وإن لم يكن فقد صلى التطوع أربعا ولا يضره القعود وكذا يصلي المغرب أربعا بثلاث قعدات والاشتغال بقضاء الفوائت أولى وأهم من النوافل إلا السنة المعروفة وصلاة الضحى وصلاة التسبيح والصلاة التي وردت في الأخبار فتلك بنية النفل وغيرها بنية القضاء كذا في المضمرات عن الظهيرية وفتاوى الحجة ومراده بالسنة المعروفة المؤكدة وقوله وغيرها بنية القضاء مراده به أن ينوي القضاء إذا أراد فعل غير ما ذكر فإنه الأولى بل المتعين ولو شك أنه صلى أم لا والوقت باق أعاد لأن سبب الوجوب قائم والأداء فيه شك وإن خرج الوقت ثم شك فلا شيء عليه لأن سبب الوجوب قد فات وعدم الأداء فيه شك أي والظاهر من حال المسلم أداء الصلاة في وقتها وفيه تأمل وإن شك في نقصان الصلاة أنه ترك ركعة أم لا فإن لم يفرغ من الصلاة فعليه إتمامها ويقعد في كل ركعة وإن شك بعدما فرغ لا شيء عليه كذا في البحر والله سبحان وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/447)
"باب إدراك الفريضة".
مع الإمام وغيره "إذا شرع" المصلي "في" أداء "فرض" أو قضائه "منفردا" أو في نفل وحضرت جنازة يخشى فواتها أو منذور "فأقيمت الجماعة" في محل أدائه لا في غيره بأن أحرم الإمام لأن حقيقة إقامة الشيء فعله لا مجرد الشروع في الإقامة فإذا لم يقيد بسجدة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب إدراك الفريضة
أي إدراك الشخص الفريضة مع الإمام والأصل فيه أن نقص العبادة قصد العبادة قصدا بلا عذر حرام وان النقص للإكمال إكمال لأنه وإن كان نقصا صورة فهو إكمال معنى واعتبار المعاني أولى من اعتبار الصور كهدم المسجد لتجديده وكنقص سجود من رفع رأسه لشوك أصاب جبهته فلم يتمكن من السجود ثم وضعه حيث لم يعد ذلك سجدتين وأما إذا كان النقص لعارض شرعي فتارة يجوز وتارة يجب وقد تقدم مستوفى قوله: "وغيره" عطف على إدراك فحق هذا الباب أن يلقب بمسائل شتى كما في الفتح قوله: "في أداء فرض أو قضائه" أخرج به النفل فإنه لا يقطعه بالإقامة بل يتمه شفعا لأن القطع فيه إبطال لا إكمال قوله: "أو قضائه" أي قضاء الفرض الذي أقيم لأنه إكمال لها والتعليل بأن القضاء معصية فلا يظهرها لا يطرد وأما لو كان قضاء فرض غير المقام فلا يقطعه لأنه إبطال من كل وجه قوله: "أو في نفل وحضرت جنازة" فإنه يقطع النفل لأنه معقب للقضاء بخلاف الجنازة لو اختار تفويتها كان لا إلى خلف كذا في الفتح قوله: "أو منذور" هذا يخالف ما في البحر عن الخلاصة شرع في قضاءالفوائت ثم أقيمت لا يقطع كالنفل والمنذور كالفائتة اهـ إلا أن يحمل قوله فأقيمت الجماعة أي جماعة أداء الفرض وقضائه والمنذور كما إذا نذر صلاة ركعتين فنذر جماعة هذا النذر بعينه فصلى إحداهما منفردا فأقام الجماعة هذا النذر فله أن يقطع ويقتدي لأنه إكمال وإنما صورناه بما ذكر لأن النذر المختلف كالفرض المختلف لا يجوز فيه الإقتداء كما مر وقول السيد لا يصح التوزيع في كلام المصنف بالنظر إلى القضاء لأنه بالاقتداء أظهر معضية التأخير وينبغي سترها ولأنه يلزم استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد وهو لا يجوز منظور فيه لما قدمناه من أن العلة الأولى غير مطردة وليس هنا مشترك استعمل في معان بل قوله فأقيمت الجماعة تحته جزئيات ثلاثة لا معان ثلاثة وتلك الجزئيات جماعة الأداء وجماعة القضاء وجماعة النذر فليتأمل قوله: "في محل أدائه" فلو أقيمت في المسجد وهو في البيت أو كان في مسجده فأقيمت في آخر لا يقطع مطلقا كما في الشرح وغيره وفيه أنهم صرحوا بطلب الجماعة في مسجد إن فاتته فيما هو فيه وإن الجماعة واجبة ولم تقيد بمسجده وأن القطع للإكمال فلا يظهر فرق حينئذ قوله: "بأن أحرم الخ" تصوير(1/448)
"قطع" بتسليمة قائما "و" بعده "اقتدى" على الصحيح ولا يقطع حتى يتم ركعتين من رباعية كالمنتقل الذي لا يخشى فوت جنازة قلنا القطع للإكمال إكمال وهو بمحل الرفض ولأنه لو حلف لا يصلي لا يحنث بما دون الركعة والجنازة لا خلف لها وبالقضاء يجمع بين المصلحتين "إن لم يسجد لما شرع فيه" ولو غير رباعية "أو سجد" للركعة الأولى "في غير رباعية" بأن كان في الفجر أو المغرب فيقطع بعد السجود بتسليمة لأنه لو أضاف في الثنائية ركعة أخرى تم الفرض وتفوته الجماعة في الفجر ولا يتنفل بعدها مطلقا وفي المغرب للأكثر حكم الكل فتفوته الجماعة ولا يتنفل مع الإمام فيها لمنع التنفل بالبتيراء ومخالفة الإمام بإضافة رابعة "وإن سجد" وهو "في رباعية" كالظهر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لقوله فأقيمت قوله: "لا مجرد الشروع في الإقامة" فإنه لو أخذ المؤذن في الإقامة والرجل لم يقيد الركعة الأولى بالسجدة فإنه يتم ركعتين بلا خلاف منلا مسكين وفيه أن مدة الإقامة يسيرة جدا لا يتأتى فيها التقييد والإتمام إلا نادرا قوله: "قطع بتسليمه قائما" في القهستاني ومجمع الأنهر أطلق في القطع فشمل القطع بسلام أو غيره سواء كان قائما أو راكعا أو ساجدا هو الصحيح وقيل لو كان قائما يسلم تسليمه وقيل تسليمتين وقيل يقعد ويتشهد ويل لا يتشهد ثم يسلم في الصورتين اهـ والمراد بهما هذه وما ذكر في المصنف بعدها ولم يبين المصنف حكم هذا القطع والاقتداء وعبارة الدر تفيد الجواز لأنه شبهه بالجائز فقال: يقطعها العذر إحراز الجماعة كما لو ندت دابته أو فار قدرها الخ ثم قال ويجب القطع لنحو إنجاز غريق قوله: "من رباعية" أي فريضة رباعية لأنه يمكن الجمع بين الفضيلتين وقيد بها لأنها لو كانت ثنائية أو ثلاثية لا يتم الركعتين لما يأتي قوله: "الذي لا يخشى فوت جنازة" الظاهر أن المراد خشية فوت جميعها فلو كان يعلم إدارك البعض لا يقطع ويحرر قوله: "وهو بمحل الرفض" أي ما دون الركعة ولذا يتابع المسبوق الإمام في سجود السهو قبل التقييد بسجدة ولو قام المصلي للخامسة له رفض القيام ويعود إلى القعدة فعلم أن الشرع جعل له ولاية الرفض قبل التقييد بسجدة أفاد في الشرح قوله: "لا يحنث بما دون الركعة" لأنه لا يسمي صلاة قوله: "والجنازة الخ" هذا مرتبط بقوله أو في نفل وحضرت جنازة يخشى فواتها وإنما ذكره لأن الجواب السابق لا يظهر هنا قوله: "ولو غير رباعية" الأليق بالمبالغة ولو رباعية لأن الرباعية إذا أتم ركعتين منها لا تكون فرضا بخلاف غير الرباعية قوله: "مطلقا" سواء كان مع الإمام أو منفردا قوله: "للأكثر حكم الكل" ففيه شبهة الفراغ وحقيقته لا تحتمل النقض فكذا شبهته ذكره السيد عن الدرر قوله: "لمنع التنفل بالبتيراء" يحتمل أن المراد بالمنع عدم الصحة لا الكراهة فقط ويحتمل الكراهة قال صاحب البحر وتصريح المشايخ هنا بوجوب الإتمام أي إتمام الركعتين فيما إذا سجد في الرباعية صيانة للمؤدى عن البطلان صريح في أن الركعة الواحدة باطلة لا مكروهة فقط وتبعه أخوه في النهر(1/449)
"ضم ركعة ثانية" صيانة للمؤدي عن البطلان وتشهد "وسلم لتصير الركعتان له نافلة ثم اقتدى مفترض" لإحراز فضل الجماعة "وإن صلى ثلاثا" من رباعية فأقيمت "أتمها" أربعا منفردا حكما للأكثر وعن محمد يتمها جالسا لتنقلب نفلا فيجمع بين ثواب النفل والفرض بالجماعة "ثم" بعد الإتمام "اقتدى متنفلا" إن شاء وهو أفضل لعدم الكراهة "لا في العصر" والفجر للنهي عن التنفل بعدهما وفي المغرب للمخالفة لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة فصلها إلا الفجر والمغرب" وقوله فصلها يعني نفلا لأنه أمر به نصا لرجلين لم يصليا معه الظهر وأخبرا بصلاتهما في رحالهما فقال عليه السلام: "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما صلاة قوم فصليا معهم واجعلا صلاتكما معهم سبحة" أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
وقال بعض حنفية عصرهما لا تبطل لأن من اقتدى بالإمام في المغرب متنفلاوسلم مع الإمام لا تفسد ووجهه أن الركعة الواحدة موجودة في ضمن الثلاث فإذا صح التنفل بالثلاث فكذا بالواحدة وقد يقال هذا قياس مع الفارق لأن جواز التنفل بثلاث ركعات لشبهه بالوتر وهو نفل عندهما ولا كذلك الركعة الواحدة إذ لو كانت تصح بالقعدة لما قالوا: فيمن صلى ركعة من الرباعي أتم شفعا ولما عللوه بالبطلان بل كان يكفي أن يقال ومن سجد في رباعي قعد للركعة ثم قطع واقتدى ولأنه يغتفر ضمنا ما لا يغتفر قصدا أو يؤيد ما ذكرنا في البرهان عن ابن مسعود رضي الله عنه ما أجزأت ركعة قط وجعل السيد في شرحه كلام صاحب البحر مبنيا على القول بفساد الإقتداء في المغرب متنفلا إذا سلم معه وكلام معاصريه مبنيا على القول بعدم الفساد وهو مروي عن بشر المريسي والبتيراء تصغير البتراء سميت به لإنقطاعها عن الأخرى قوله: "بإضافة رابعة" متعلق بمخالفة وفي شرح السيد وان شرع في المغرب أتم أربعا لأن مخالفة الإمام أخف من مخالفة السنة اهـ قوله: "لتصير الركعتان له نافلة" بالإجماع وأما قول محمد بطلان الوصف يستلزم بطلان الأصل فهو فيما إذا لم يتمكن من إخراج نفسه من عهدة المضي كما إذا قيد خامسة الظهر بسجدة ولم يكن قعد للأخيرة أما إذا متمكنا من المضي لكن أذن له الشرع في عدمه فلا يبطل أصلها بل تبقى نفلا إذا ضم الثانية كذا في الفتح قوله: "لتنقلب نفلا" بترك قيام الرابعة قوله: "اقتدى متنفلا ان شاء" قال في البحر عن الحاوي القدسي أنه يدرك بهذه النافلة فضيلة الجماعة وكراهة التنفل بجماعة خارج رمضان إنما هو إذا كان الإمام والقوم متنفلين على سبيل التداعي اهـ ولم يبين ما المراد بالجماعة التي أدرك فضلها هل هي فضيلة الفرض أو النفل وهو الظاهر لأنه لم ينو الفرض قوله: "لأنه أمر به" أي بالنفل قوله: "نصا" أي نصا معينا أنه نفل بقوله واجعلا صلاتكما معهم سبحة روي أنه لما فرغ من الظهر رأى رجلين في أخريات الصفوف لم يصليا معه فقال علي بهما فأتيا وفرائصهما ترتعد فقال على: رسلكما فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد ثم قال ما لكما لم تصليا معنا فقالا كنا صلينا في رحالنا فقال: "إذا صليتما" الخ قوله:(1/450)
نافلة كما في العناية "وإن قام لثالثة" رباعية منفردا "فأقيمت" الجماعة "قبل سجوده" للثالثة "قطع قائما" لأن القعود للتحلل وهذا قطع "بتسليمة" واحدة أو عاد إلى القعود "في الأصح" وقال شمس الأئمة السرخسي إن لم يعد للقعود فسدت صلاته لأنه لا بد له من القعود ولأن المؤداة لم تقع فرضا وقال فخر الإسلام الأصح أنه يكبر قائما ينوي الشروع في صلاة الإمام فيحصل الختم في ضمن شروعه في صلاة الإمام وإن شاء رفع يديه "وإن كان" قد شرع "في سنة الجمعة فخرج الخطيب أو" شرع "في سنة الظهر فأقيمت" الجماعة "سلم" بعد الجلوس "على رأس ركعتين" كما روي عن أبي يوسف والإمام "وهو الأوجه" لجمعه بين المصلحتين "ثم قضى السنة" أربعا لتمكنه منه "بعد" أداء "الفرض" مع ما بعده فلا يفوت فرض الاستماع والأداء على وجه أكمل ولا إبطال وإليه مال شمس الأئمة السرخسي والبقالي وصحح جماعة من المشايخ أنه يتمها أربعا لأنها كصلاة واحدة قلت والإكمال حال اشتغال المرقي والمؤذنين بالتلحين أولى لأنه ليس حالة استماع خطبة وإليه يرشد تعليل شمس الأئمة "ومن حضر و" كان "الإمام في صلاة الفرض اقتدى به ولا يشتغل عنه بالسنة" في المسجد ولو لم يفته شيء وإن كان خارج المسجد وخاف فوت ركعة اقتدى وإلا صلى السنة ثم اقتدى لإمكان جمعه بين الفضيلتين "إلا في الفجر" فإنه يصلي سنته ولو في المسجد بعيدا عن الصف "إن أمكن فوته" ولو بإدراكه في التشهد وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"ولأن المؤداة لم تقع فرضا" أي القعدة المؤداة لم تقع فرضا وركعها لما انقلبتا نفلا لم يكن لهما بد من العقدة المفروضة ثم على هذا القول قيل يعيد التشهد ثانيا وقيل يكفيه التشهد الأول ويسلم تسليمتين وقيل واحدة قوله: "لجمعه بين المصلحتين" مصلحة الاستماع ومصلحة أداء السنة بعد أداء الفرض ومصلحة أداء الفرض على الوجه الأكمل والإتيان بالسنة بعده قوله: "قضى السنة" إطلاق القضاء عليها مجاز قوله: "مع ما بعده" أي من السنة جرى على أحد قولين في قضاء السنة القبلية هل هي قبل البعدية أو بعده وصحح كل قوله: "والأداء على وجه أكمل" فإن ادراكه من أوله مع الإمام أكمل من إداركه بعد قوله: "لأنها كصلاة واحدة" وليس القطع للإكمال بل للإبطال صورة ومعنى إذ فيه إبطال وصف السنة لا إكمالها قوله: "قلت وإلا كمال الخ" استفيد منه أن المراد من قوله فخرج الخطيب خطب الخطيب فأطلق السبب وأراد المسبب وهذا البحث لم أره لغيره قوله: "لأنه ليس حالة استماع خطبة" أي لأن حال اشتغال المرقى الخ قوله: "وإليه يرشد" أي إلى هذا البحث قوله: "تعليل شمس الأئمة" المشار إليه بقول المؤلف فلا يفوت فرض الاستماع إلخ قوله: "ولا يشتغل عنه بالسنة" أي عن الاقتداءقوله: "ولو في المسجد بعيدا عن الصف" أي يشترط في كونه يأتي بسنة الفجر إذا أخذ المؤذن في الإقامة أن يأتي بها عند باب المسجد فإن لم يجد(1/451)
أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" محمول على غير صلاة الفجر لما قدمناه في سنة الفجر والأفضل فعلهما في البيت. قال صلى الله عليه وسلم: "من صلى ركعتي الفجر" أي سنته "في بيته يوسع له في رزقه ويقل المنازع بينه وبين أهل بيته ويختم له بالإيمان" والأحب فعلهما أول طلوع الفجر وقيل بقرب الفريضة وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة" وقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام افضل من مائة صلاة في مسجدي هذا وفي بيت المقدس بخمسمائة صلاة" "وإن لم يأمن" فوت الإمام باشتغاله بسنة الفجر "تركها" واقتدى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مكانا تركها لأن في الإتيان بها في المسجد حينئذ مخالفة الجماعة فتكره وترك المكروه مقدم على فعل السنة غير أن الكراهة تتفاوت فإن كان الإمام في الصيفي فصلاته إياها في الشتوي أخف من صلاتها في الصيفي وأشدها كراهة أن يصليها مخالطا للصف كذا في الفتح ويليه في الكراهة أن يكون خلف الصف من غير حائل قوله: "لما قدمناه في سنة الفجر" من الأخبار الدالة على فضلها قوله: "والأفضل فعلهما في البيت" لأنه كان يصليهما في البيت وأنكر على من صلاهما في المسجد كذا في الشرح قوله: "أي سنته" بالنصب تفسير للركعتين قوله: "ويقل المنازع" كذا في النسخ التي رأيتها وكذا في الشرح ولعل المراد الأمر المنازع فيه فهو من الإسناد إلى السبب وفي القاموس التنازع التخاصم والتناول قوله: "فعلهما أول طلوع الفجر" لأن السبب قد وجد كذا في الشرح قوله: "وقيل بقرب الفريضة" لأنها تبع لها ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية الإخلاص روى ذلك أبو هريرة عنه وروي عن الغزالي قراءة ألم نشرح في الركعة الأولى وألم تر كيف في الثانية فإنه يكفي الألم فلو جمع بين ما ورد وبينه يكون حسنا ولا يكره هذا الجمع لاتساع أمر النفل قوله: "صلاة المرء الخ" من ثمه قال في الداية الأفضل في عامة السنن والنوافل المنزل اهـ إلا أن يخشى أن يشغل عنها إذا رجع وقال بعضهم إن الركعتين بعد الظهر والمغرب يؤديهما في المسجد لا ما سواهما وبه أفتى الفقيه أبو جعفر قوله: "وقال الخ" مثله قوله صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وصلاة في مسجدي بألف صلاة وفي بيت المقدس بخمسمائة صلاة أخرجه البيهقي قوله: "وإن لم يأمن فوت الإمام الخ" قال المؤلف في حاشية الدرر الذي تحرر عندي أنه يأتي بالسنة إذا كان يدركه ولو في التشهد بالاتفاق فيما بين محمد وشيخيه ولا يتقيد بإدراك ركعة وتفريع الخلاف هنا على خلافهم في مدرك تشهد الجمعة غير ظاهر لأن المدار هنا على إدراك فضل الجماعة وهو حاصل بإدراك التشهد بالاتفاق نص على الاتفاق الكمال لا كما ظنه بعضم من أنه لم يحرز فضلاه عند محمد لقوله في مدرك أقل الركعة الثانية من الجمعة لم يدرك الجمعة حتى يبني عليها الظهر بل قوله هنا كقولهما من أنه يحرز ثوابها وإن لم يقل في الجمعة كذلك احتياطا لأن الجماعة شرطها(1/452)
لأن ثواب الجماعة أعظم من فضيلة ركعتي الفجر لأنها تفضل الفرض منفردا بسبع وعشرين ضعفا لا تبلغ ركعة الفجر ضعفا واحدا منها "ولم تقض سنة الفجر إلا بفوتها مع الفرض" إلى الزوال وقال محمد رحمه الله تقضى منفردة بعد الشمس قبل الزوال فلا قضاء لها قبل الشمس ولا بعد الزوال اتفاقا وسواء صلى منفردا أو بجماعة "وقضى السنة التي قبل الظهر" في الصحيح "في وقته قبل" صلاة "شفعة" على المفتي به كذا في شرح الكنز للعلامة المقدسي وفي فتاوى العتابي المختار تقديم الاثنتين على الأربع وفي مبسوط شيخ الإسلام هو الأصح لحديث عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان إذا فاتته الأربع قبل الظهر يصليهن بعد الركعتين وحكم الأربع قبل الجمعة كالتي قبل الظهر ولا مانع عن التي قبل العشاء من قضائها بعده "ولم يصل الظهر جماعة بإدراك ركعة" أو ركعتين اتفاقا حتى لا يبر به في حلفه ليصلينه جماعة "بل أدرك فضلها" أي فضل الجماعة اتفاقا ولو في التشهد "واختلف في مدرك الثلاث" من رباعية أو الاثنتين من الثلاثية فإذا حلف لا يصلي
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ولهذا اتفقوا على أنه لو حلف لا يصلي الظهر جماعة فأدرك ركعة لا يحنث وإن أدرك فضلها نص عليه محمد كذا في الهداية ذكره السيد قوله: "تركها" أفاد به أنه لم يشرع فيها فلو شرع أتمها مطلقا لأن القطع حينئذ للإبطال قوله: "وقال محمد رحمه الله تقضى منفردة إلخ" قيل لا خلاف بينهم في الحقيقة لأنهما يقولان ليس عليه القضاء وإن فعل لا بأس به ومحمد يقول أحب إلي أن يقضي وإن لم يفعل لا شيء عليه قوله: "ولا بعد الزوال اتفاقا" أي على الصحيح وقيل يقضيها تبعا بعده ولا يقضيها مقصودا إجماعا كما في الكافي وغاية البيان قوله: "وقضى السنة الخ" إطلاق القضاء على ما ليس بواجب مجازا للمشاكلة ولهذا كان الأولى أن ينوي السنة لا القضاء قهستاني قوله: "في الصحيح" وقيل لا تقضي أصلا لأن المواظبة عليها إنما ثبتت قبل الفرض قوله: "في وقته" وقال بعض المشايخ انها تقضي بعد أي الوقت إذا فاتت معه لأنه كم من شيء ثبت تبعاوإن لم يثبت قصداكذا في الشرح قوله: "قبل صلاة شفعة" لأن الأربع متقدمة على الركعتين لتقدمها على الفرض المتقدم عليهما وقد تعذر التقديم على الفرض ولم يتعذر على السنة فتقدم الأربع كذا في شرح المجمع قوله: "لحديث عائشة الخ" ولئلا يفوتهما أيضا عن موضعهما قصدا بلا ضرورة قوله: "ولا مانع الخ" قال السيد في شرحه والتقييد بالتي قبل الظهر وكذا الجمعة كما في الدر للاحتراز عن التي قبل العشاء لأنها مندوبة فلا تقضى أصلا وكذا التي قبل العصر بل أولى لكراهة التنفل بعده اهـ ولو قال المصنف ولا مانع من قضاء التي قبل العشاء بعدها لكان أوضح وأخصر قوله: "بل أدرك فضلها" وهو المضاعفة وفي شرح المقدسي عن الاتقاني المسبوق يدرك ثواب الجماعة لكن لا كثواب مدرك أول الصلاة مع الإمام لفوات التكبيرة الأولى اهـ قوله: "فإذا حلف الخ" فرض المثال هنا نفيا وفيما قبله إثباتا إشارة إلى أنه لا فرق بين(1/453)
الظهر أو المغرب جماعة اختار شمس الأئمة أنه يحنث لأن للأكثر حكم الكل وعلى ظاهر الجواب لا يحنث لأنه لم يصلها بل بعضها بجماعة ويقضي الشيء ليس بالشيء وهو الظاهر ولو قال عبده حر إن أدرك الظهر فإنه يحنث بإدراك ركعة لأن إدراك الشيء بإدراك آخره يقال إدراك أيامه أي آخرها كذا في الكافي وفي الخلاصة يحنث بإدراكه في التشهد "ويتطوع قبل الفرض" بمؤكد وغيره مقيما أو مسافرا "إن أمن فوت الوقت" ولو منفردا فإنها شرعت قبلها لقطع طمع الشيطان فإنه يقول من لم يطعني في ترك ما لم يكتب عليه فكيف يطيعني في ترك ما كتب عليه والمنفرد في ذلك أحوج وهو أصح والأخذ به أحوط لتكميل نقصها في حقنا أما في حقه صلى الله عليه وسلم فزيادة الدرجات إذ لا خلل في صلاته ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الإثبات والنفي في الحكم قوله: "اختار شمس الأئمة الخ" يضعف قوله باتفاقهم في باب الأيمان أن لو حلف لا يأكل هذا الرغيف لا يحنث إلا بأكل كله وأن الأكثر لا يقوم مقام الكل قوله: "يحنث بإدراكه في التشهد" فذكر الركعة في الكافي وغيره ليس احترازيا واعلم أن ذكر هذه المسألة محله كتاب الأيمان وإنما ذكرت هنا لبيان أنه لا تلازم بين إدراك الفضل وإدراك الجماعة قوله: "ويتطوع قبل الفرض الخ" هذه العبارة تدل على التخيير في الفعل وهو إنما يظهر في غير المؤكد أما المأكد فيأتي به من غير تخيير ان أمن فوت الوقت أفاده السيد وفي البحر وإن لم تكن مؤكدة فإن كانت من المستحبات استحب الإتيان بها وإلا فهو مخير وقد يقال أن المراد في كلامه الجواز المطلق لا مستوى الطرفين فيلاقي المؤكدة والمستحبة قوله: "إن أمن فوت الوقت الخ" لو أبدله بقوله إن أمن فوت الجماعة لكان أولى لأنه إذا علم الترك عند خوف فوت الجماعة فلأن يعلم عند خوف فوت الوقت بالطريق الأولى أفاده السيد قوله: "ولو منفردا" وصل بقوله ويتطوع وقيل إنما يأتي بالمؤكدة ان صلى بجماعة وإن كان منفردا يخير فيها لعدم نقل المواظبة عنه في غير الأداء بجماعة والأول أصح قاله السيد قوله: "فإنها شرعت" أي فإن السنة كما صرح به في الشرح وهذا لا يظهر في غير المؤكد قوله: "والمنفرد في ذلك أحوج" لنقصان صلاته من وجه واسم الإشارة يرجع إلى قطع طمع الشيطان وفيه أن المنفرد وغيره في ذلك سواء ولا يظهر ذلك إلا في المكمل للنقص1 قوله: "وهو أحوط" أي إتيان المنفرد بالسنن فالضمير يرجع إلى معلوم من المقام قوله: "لتكميل نقصها في حقنا" قد يقال ان التكميل إنما يكون لشيء قد نقص وحينئذ فلا يكون إلا في البعدية فتكمل ما نقص من الفرض ويمكن أن يقال أنه بعد صلاة الفرض ناقصا يكمل ولو بما فعل قبله والأثر يدل عليه فإنه ورد أنه إذا وجد في صلاة
__________
1 قوله وهو أحوط لعل ذلك نسخته إلتي كتب عليها وإلا فنسخة الشرح هنا وهو أصح والأخذ به أحوط كما لا يخفى والخطب سهل أهـ مصححه.(1/454)
طمع للشيطان فيها "وإلا" أي وإن لم يأمن بأن يفوته الوقت أو الجماعة بالتنفل أو إزالة نجس قليل "فلا" يتطوع ولا يغسل لأن الاشتغال بما يفوت الأداء لا يجوز وإن كان يدرك جماعة أخرى فالأفضل غسل ثوبه واستقبال الصلاة لتكون صحيحة اتفاقا "ومن أدرك إمامه راكعا فكبر ووقف حتى رفع الإمام رأسه" من الركوع أو لم يقف بل انحط بمجرد إحرامه فرفع الإمام رأسه قبل ركوع المؤتم "لم يدرك الركعة" كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الشخص خلل يقوم الحق تعالى انظروا ما له من النوافل فإن وجد كمل به خللها وهذا يعم القبلية قوله: "فزيادة الدرجات الأولى زيادة لام التعليل يحتمل أنه خبر مبتدأ محذوف وتقدير الكلام فالعلة فيه زيادة الدرجات" قوله: "بفوت الوقت" الأولى حذف الباء لأن المنسبك مفعول يأمن وهو يتعدى بنفسه قوله: "أو الجماعة" بركعة في غير الفجر كذا في الشرح قوله: "لأن الإشتغال بما يفوت الأداء" أي أصل الأداء بالنسبة للوقت أو الأداء الكامل بالنظر لفوات الجماعة والمراد بما يفوت الجماعة ما يفوتها ولم يأذن الشرع بتفويتها له وإلا فيجوز كما إذا كانت النجاسة مانعة وكما فعله في حفر الخندق قوله: "اتفاقا" فإن الإمام الشافعي يحكم بفسادها بقليل النجاسة قوله: "فكبر" أي قائما فلو كبر منحنيا إن كان إلى الركوع أقرب لا يصح شروعه وظاهر ذلك ولو كان في النفل الذي لا يشترط له القيام كما تفيده عبارة الزاهدي لأنه ليس بافتتاح قائما ولا قاعدا وقوله راكعا احترز به عما لو أدركه في القيام ولم يركع معه فإنه يصير مدركا لها فيكون لاحقا فيأتي بها قبل الفراغ سيد عن الدر قوله: "أو لم يقف بل انحط بمجرد إحرامه فرفع الإمام رأسه" بحيث لم تتحقق مشاركته له فيه فإنه يصح اقتداؤه ولكنه لم يدرك الركعة حيث لم يدركه في جزء من الركوع قبل رفع رأسه منه وقيل إذا شرع في الانحطاط وشرع الإمام في الرفع فقد أدركه في الركوع أضا ويعتد بتلك الركعة وقيل إذا شاركه في الرفع قبل أن يستتم قائما يعتد بها وإن قل وقل لا يصير مدركا تلك الركعة ما لم يشارك الإمام في الركوع كله وقيل في مقدار تسبيحة قال ابن أمير حاج والأول أوجه وقال الحلبي هو الأصح لأن الشرط المشاركة في جزء من الركوع وإن قل والحاصل أنه إذا وصل إلى حد الركوع قبل أن يخرج الإمام من حد الركوع فقد أدرك معه الركعة وإلا فلا كما يفيده أثر ابن عمر كذا في الحلبي من صفة الصلاة وإنما ذكرنا هذه الأقاويل لأن الناس يقع منهم الاقتداء في الركوع كثيرا من غير إدراك جزء منه ويعتدون به فهم في ذلك موافقون لبعض أقوال العلماء قوله: "فرفع الإمام رأسه" مراده أنه رفع قبل أن يشاركه المؤتم في جزء من الركوع وإلا فظاهر التعبير بالفاء أن الرفع تحقق بعد الإنحطاط وحينئذ تحقق المشاركة فتكون الصلاة صحيحة قوله: "كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما" ولفظه إذا أدركت الإمام راكعا فركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة اهـ والكاف في كما ورد بمعنى لام التعليل قوله:(1/455)
فكان الشرط لإدراك الركعة إما مشاركة الإمام في جزء من القيام أو جزء مما له حكم القيام وهو الركوع ولا يشترط تكبيرتان للإحرام والركوع ولو كبر ينوي الركوع لا الافتتاح جازت ولغت نيته وإذا وجد الإمام ساجدا تجب مشاركته فيه فيخر ساجدا وإن لم يحسب له من صلاته فلو ركع وحده ثم شاركته في السجدتين لا تفسد صلاته ولا يحسب له ذلك وإن لم يشاركه إلا في الثانية بطلت صلاته والفرق أنه في الأولى لم يزد إلا ركوعا وزيادته لا تضر وفي الثانية زاد ركعة وهي مفسدة ولو أدركه جالسا للقعود الأخير واستمر قائما وقرأ فما وجد فراغ الإمام من التشهد لا يكون معتبرا "وإن ركع" المقتدي قبل إمامه وكان ركوعه "بعد قراءة الإمام ما تجوز به الصلاة" وهو آية "فأدركه إمامه فيه" أي في ركوعه "صح" ركوعه وكره لوجود المشاركة والمسابقة "وإلا" أي وإن لم يدركه الإمام أو أدركه لكن لم يكن قرأ المفروض قبل ركوع المقتدي "لا" يصح ركوعه لكونه قبل أوانه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"ولا يشترط تكبيرتان للإحرام والركوع" الذي في الفتح ومدرك الإمام في الركوع لا يحتاج إلى تكبيرتين خلافا لبعضهم اهـ وهي أولى من عبارة المصنف وفي ابن أمير حاج عن التتمة والخانية والمحيط هذا بخلاف مدركه في السجود والقعود فإنه يكبر للافتتاح وأخرى للإنحطاط اهـ ولعل وجهه قربه في الأول من الركوع فأغنت تكبيرة الإفتتاح التي في القيام عن تكبيرة ما قرب منه ولا كذلك التكبيرة للانحطاط المذكور قوله: "ولغت نيته" فتقع للافتتاح لأن الركن في محله لا يتغير بالقصد كذا في الفتح وفي البحر لو أدركه في الركوع تحرى إن كان أكبر رأيه أنه لو أتى بالثناء أدركه في شيء من الركوع أتى به وإلا لا والأصح أنه لا يأتي به بعد شروع الإمام في القراءة ولو سرية اهـ قوله: "وإذا وجد الإمام ساجدا تجب مشاركته فيه" ظاهر عبارته الوجوب وإن قصد الركوع ففاته ويؤيده حديث أبي داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوه شيئا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة" اهـ وعبارة الشرح يجب على المقتدي إذا فاته الركوع متابعة الإمام في السجود وإن لم يحسب له من الصلاة وإن لم يتابعه ووقف حتى قام ثم تابعه في بقية الصلاة وقضى ما فاته من الركعات بعد فراغ الإمام تجوز صلاته لأنه يصلي تلك الركعة الفائتة بسجدتيها اهـ قوله: "وإن لم يشاركه إلا في الثانية" أي السجدة الثانية دون الأولى قوله: "وزيادته لا تضر" أي ضرر الفساد وإن كان يكره لأنه انفراد عن الإمام بعد الإقتداء به قوله: "فما وجد" أي من القيام والقراءة من المؤتم قوله: "لا يكون معتبرا" لأنه في حال بقاء الإمام في صلاته مقتد به فلا يعتبر ما فعله حال الاقتداء في حال انفراده لقضاء ما سبق به قوله: "وهو آفة" أي عند الإمام الأعظم قوله: "وكره" أي تحريما للنهي عنه بقوله لا تبادروني بالركوع والسجود قوله: "لوجود المشاركة والمسابقة" تعليل للصحة والكراهة على سبيل النشر المرتب.(1/456)
فليزمه أن يركع بعده ثانيا وإن لم يفعل وانصرف من صلاته بطلت ولو سجد قبل إمامه إن كان بعد رفع الإمام من الركوع ثم شاركه الإمام في السجود صح وإن كان قبل رفع الإمام من الركوع روي عن أبي حنيفة رحمه الله لا يجزئه لأنه قبل أوانه في حق الإمام فكذا في حقه لأنه تبع له ولو أطال الإمام السجود فرفع المقتدي ثم سجد والإمام ساجد إن نوى الثانية والمتابعة تكون عن الأولى كما لو نواها أو لم تكن له نية ترجيحا للمتابعة وإن نوى الثانية لا غير كانت عن الثانية فإن أدرك الإمام فيها صحت وعلى قياس المروي عن الإمام في السجود قبل رفع الإمام يجب أن لا يجوز لكونه قبل أوانه كما تقدم "وكره خروجه من مسجد أذن فيه" أو في غيره "حتى يصلي" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق أو رجل يخرج لحاجة يريد الركوع" "إلا إذا كان مقيم جماعة أخرى" كإمام ومؤذن لمسجد آخر لأنه تكميل معنى "وإن خرج بعد صلاته منفردا لا يكره"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "فيلزمه أن يركع بعده ثانيا" أي قبل المتابعة له فيما هو فيه لأنه لاحق وان أخره إلى ما بعد فراغ الإمام صح وكره كما هو حكم اللاحق ومثله يقال في مسألة السجود المذكورة بعد قوله: "روي عن أبي حنيفة الخ" وقياس ما تقدم أي في مسألة المصنف أنه يجزيه لأن ركوع المقتدي اعتبروا لحال أن الإمام لم يفرغ من قراءته فلم يأت أوانه في حقه ولو اعتبرنا هذه الرواية هنا لحكمنا ببطلان صلاته ثم هذا لا يتأتى على المشهود من مذهب الإمام أن الرفع من الركوع سنة فإذا تركه الإمام لا تفسد صلاته وإن كان قبل أوانه المسنون فمقتضاه أن يقال في المأموم كذلك قوله: "تكون عن الأولى" ترجيحا لجانب المتابعة فقوله بعد ترجيحا للمتابعة تعليل لهذه أيضا قوله: "كما لو نواها" أي الأولى ومثله لو نوى السجدة التي فيها الإمام قوله: "فإن أدركه الإمام فيها صحت" وإلا أعادها بعد وإلا فسدت كما تقدم في الركوع قوله: "وعلى قياس المروي عن الإمام" أي الذي ذكره قريبا بقوله روي عن الإمام أبي حنيفة لا يجزيه قوله: "قبل رفع الإمام" أي من الركوع قوله: "يجب أن لا يجوز" أي السجود الثاني من المؤتم ولو أدرك فيه الإمام لكون المؤتم فعله قبل أوانه قوله: "وكره خروجه" أي تحريما للنهي بالحديث المذكور قوله: "أذن فيه" المراد به دخول الوقت أذن فيه أو لا لا فرق بين ما إذا أذن وهو فيه أو دخل بعد الأذان قاله السيد عن النهر لأنه لا يصدق على الأخير أنه خرج من المسجد بعد النداء من غير صلاة فيه أيضا قوله: "كإمام" قيده في الكبير وشرح السيد وغيرهما بإمام تتفرق الناس بغيبته فيفيد أنه لو لم يكن بهذه المثابة لا يخرج والظاهر أن المؤذن إذا كان من يقوم مقامه عند غيبته يكره له الخروج أيضا قوله: "لأنه تكميل معنى" أي كهذه الصلاة بسبب ما يضاف إليه من زيادة الثواب الذي خرج لتحصيله وإن كان تركا صورة والعبرة للمعاني قوله: "لا يكره" أي الخروج وإن كره ترك(1/457)
لأن قد أجاب داعي الله مرة فلا يجب عليه ثانيا "إلا" أنه يكره خروجه "إذا أقيمت الجماعة قبل خروجه في الظهر و" في "العشاء" لأنه يجوز النفل فيهما مع الإمام لئلا يتهم بمخالفة الجماعة كالخوارج والشيعة وقد قال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم" "فيقتدي فيهما" أي الظهر والعشاء "متنفلا" لدفع التهمة عنه ويكره جلوسه من غير اقتداء لمخالفة الجماعة بخلاف الصبح والعصر والمغرب لكراهة التنفل والمخالفة في المغرب لأنه لا ينتقل مع الإمام في ظاهر الرواية وإتمامها أربعا أولى من موافقته وروي فسادها بالسلام معه فيقضي أربعا كما لو نذر ثلاثا يلزمه أربع "ولا يصلي بعد صلاة مثلها" هذا لفظ الحديث قيل معناه لا يصلي ركعتان بقراءة وركعتان بغير قراءة وقيل نهوا عن الإعادة لطلب الأجر وقيل نهى عن الإعادة بمجرد توهم الفساد لدفع الوسوسة وقيل نهوا عن تكرار الجماعة في المسجد على الهيئة الأولى أو عن إعادة الفرائض مخافة لخلل في المؤدى
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الجماعة لأن من صلى وحده ارتكب الكراهة بحر قوله: "إذا أقيمت" فيكره لمن صلى وحده الخروج إلا لمقيم جماعة أخرى فلا يكره له الخروج عندهما كما في صدر الشريعة والحموي عن البرجندي قوله: "يتهم" الذي في الشرح لأنه وإن أجاب الداعي لكن يتهم بمخالفة الجماعة عيانا أو ربما يظن أنه لا يرى جواز الصلاة خلف أهل السنة كما يزعم الشيعة والخوارج وهو الأولى وفي نسخة لئلا يتهم والمعنى عليه وقوله كالخوارج مثال للمنفي قوله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر" أي إيمانا كاملا أي من كان يريد الإيمان الكامل قوله: "فلا يقفن الخ" لأنه أبرأ لدينه وعرضه وأمنع للناس من الوقوع في المحرمات قوله: "لكراهة النفل" أي بعد الصبح والعصر وفي النهر ينبغي أن يجب خروجه لأن كراهة مكثه بلا صلاة أشد قوله: "والمخالفة في المغرب" أي بإتمام الرابعة ولم يعرج على التنفل بها لأنه باطل على قول الجمهور والذي يظهر أن ما في الدر عن القهستاني من أن كراهة النفل بالثلاث تنزيهية وما في المضمرات لو اقتدى فيه لا مبنى على رواية بشر المريسي من صحة الإقتداء في الثلاث متنفلا قوله: "فيها" أي المغرب من غير إتمام وقوله في ظاهر الرواية مقابله ما روي عن بشر المريسي قوله: "وإتمامها أربعا أولى من موافقته" لأن مخالفته أهون من مخالفة السنة لأنها مخالفة بعد الفراغ ويصير كالمقيم إذا اقتدى بمسافر وكالمسبوق كذا في الشرح قوله: "فيقضي أربعا" لأنها لزمته باقتدائه في ثلاث ركعات قوله: "قيل معناه لا يصلي ركعتان بقراءة وركعتان بغير قراءة" فيكون بيانا لفرض القراءة في ركعات النفل كلها كذا في الشرح قوله: "وقيل نهوا عن الإعادة لطلب الأجر" قد تقدم ما يفيد الطلب في غير وقت مكروه وهو غير المشهور قوله: "بمجرد توهم الفساد" بذكر الفساد هنا والخلل أي النقص غير المفسد في الاحتمال الأخير يرتفع التكرار قوله: "على الهيئة الأولى" أي بأذان وإقامة أما(1/458)
.....................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مجرد تكرارهما بغير أذان أو بهما في المسجد الجامع أو مسجد الحي لأهله فلا كراهة وقد تقدم والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/459)
باب سجود السهو
من إضافة الحكم إلى السبب والسهو الغفلة "يجب" لأنه ضمان فائت وهو لا يكون إلا واجبا وهو الصحيح وقيل يسن وجه الصحيح أنه يرفع الواجب من قراءة التشهد والسلام ويرفع القعدة لأنها ركن حتى لو سلم من غير إعادتها أو لم يسلم صحت صلاته مع النقصان وأما السجدة الصلبية والتلاوية فكل يرفع القعود فيفترض إعادته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب سجود السهو
المراد جنس السجود فيعم السجدتين فالإضافة للجنس ويحتمل كونها للعهد والمعهود هو ما ورد من السجدتين والسهو والشك والنسيان واحد عند الفقهاء أي من حيث الحكم والظن الطرف الراجح والوهم الطرف المرجوح در وفي السراج النسيان عزوب الشيء عن النفس بعد حضوره والسهو قد يكون عما كان الإنسان عالما به وعما لا يكون عالما به كذا في البحر وذكر بعضهم أن النسيان يكون عما أزيل من الحافظة بحيث لا يتحصل إلا بكسب جديد والسهو ما يتحصل بالتذكر قوله: "من إضافة الحكم إلى السبب" الأصل أن الشيء إذا أضيف إلى شيء يكون المضاف إليه سببا للمضاف إلا إذا دل الدليل على خلافه كصدقة الفطر وحجة الإسلام فإنها فيهما من الإضافة إلى الشرط فالإضافة في الأول لشرط الوجوب وفي الثاني لشرط الصحة وشرطه صحة ووجوبا أن يكون المتروك واجبا وتأدية السجود بشرائط الصلاة وأن لا يسلم متذكرا ركنا وأن لا يطرأ عليه ما يمنع البناء ومنه طرو الوقت الناقص وليس من شرطه أن يسلم قاصدا له اهـ قوله: "وهو لا يكون إلا واجبا" لأن الفائت موصوف بالوجوب قوله: "أنه يرفع الواجب الخ" أي فيعادان بعد فعله أي ولولا أنه واجب لما رفعهما قوله: "لأنها ركن" أي فهي أقوى منه والشيء لا يرفع ما هو أقوى منه قوله: "صحت صلاته مع النقصان" لأن الواجب إعادة السلام والتشهد وقد تركهما قوله: "فكل يرفع القعود" أما السجدة الصلبية فهي أقوى من القعدة لكونها ركنا والقعدة لختم الأركان فلا تعتبر إلا بعد تمام الأركان وبدون السجدة الصلبية لا تتم وأما سجدة التلاوة فلأنها أثر القراءة فيعطي لها حكمها وقيل ان سجدة التلاوة لا ترفع القعدة لأنها واجبة فلا ترفع الفرض واختاره شمس الأئمة والأول أصح وهو المختار وهو أصح الروايتين واختلف الترجيح في ارتفاض القعدة بقراءة التشهد بعدما كان تركه ساهيا وقعد قدر التشهد(1/459)
ويجب "سجدتان" لأنه صلى الله عليه وسلم سجد سجدتين للسهو وهو جالس بعد التسليم وعمل به الأكابر من الصحابة والتابعين "بتشهد وتسليم" لما ذكرنا ويأتي فيه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء على المختار "لترك واجب" بتقديم أو تأخير أو زيادة أو نقص لا سنة لأن الصلاة لا توصف بالنقصان على الإطلاق بترك سنة وأما الفرض فيفوت بفوات الأصل لا الوصف
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فعلى القول بالرفض تكون القعدة التي قرأ فيها التشهد هي الفرض وعلى القول بعدمه تكون واجبة لأداء التشهد والصحيح أن الصلاة صحيحة ويجب سجود السهو قوله: "فيفترض إعادته" ويجب إعادة التشهد والسلام قوله: "ويجب" لا حاجة إليه للاستغناء عنه بكلام المصنف قوله: "سجدتان" كسجدتين الصلاة يجلس بينهما مفترشاويكبر في الوضع والرفع ويأتي فيهما بتسبيح السجود وكل ذلك مسنون وعن بعضهم يندب أن يقول سبحان من لا ينام ولا يسهو وهو لائق بالحال فيجمع بينه وبين التسبح فلو اقتصر على سجدة واحدة لا يكون آتيا بالواجب ولا شيء عليه إن كان ساهيا وإن تعمده يأثم وفي البحر لو سها في سجود السهو لا يسجد لهذا السهو وفي المضمرات لو سها في سجود السهو عمل بالتحري ولا يجب عليه سجود السهو لئلا يلزم التسلسل ولأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع وحكي أن محمد بن الحسن قال للكسائي ابن خالته لم لا تشتغل بالفقه فقال: من أحكم علما يهديه إلى سائر العلوم فقال محمد: أنا ألقي عليك شيئا من مسائل القفه فتخرج لي جوابه من النحو قال نعم فقال محمد: ما تقول فيمن سها في سجود السهو فتفكر ساعة ثم قال لا سهو عليه فقال: من أي باب من النحو أخرجت هذا الجواب فقال: من باب أن المصغر لا يصغر فتعجب من فطنته اهـ قوله: "وعمل به الأكابر" أي فلم يكن منسوخا والمقصود إقامة الدليل على من قال بغير ذلك قوله: "بتشهد وتسليم" هما واجبان بعد سجود السهود لأن الأولين ارتفعا بالسجود قوله: "بالصلاة على النبي" الباء للتعدية قال فخر الإسلام انه اختاره عامة أهل النظر من مشايخنا وهو المختار عندنا وذكر قاضيخان وظهير الدين أن الأحوط الإتيان بذلك في القعدتين واختاره الطحاوي وقيل عندهما يصلي في الأولى وعند محمد في الثانية وفي المفيد قولهما أصح قوله: "لترك واجب" أي من واجبات الصلاة الأصلية فخرج واجب ترتيب التلاوة واختلف في تأخير سجود التلاوة عن التلاوة وجزم في التجنيس بعدم وجوب السهو فيه لأنه ليس بواجب أصلي في الصلاة ولا يجب بترك التسمية على ظاهر المذهب وجزم الزيلعي بوجوب السهو لها ويجب بترك آية من الفاتحة عند الإمام وبترك أكثرالفاتحة عندهما وبه جزم في الفتح تبعا للمحيط ومن الواجب تقديم الفاتحة على السورة وأن لا يؤخر السورة عنها بمقدار أداء ركن فلو بدأ بآية من السورة ثم تذكر الفاتحة يقرؤها ويعيد السورة ويسجد للسهو لتأخير الواجب عن محله ولو كرر الفاتحة أو بعضها في إحدى الأوليين قبل السورة سجد للسهو ولو ترك السورة فتذكرها في(1/460)
فلا ينجبر بغيره "سهوا" بتقديم أو تأخير أو زيادة أو نقص لما روينا والمتعمد لا يستحق إلا التغليظ بإعادة صلاته لجبر خللها "وإن تكرر" بالإجماع كترك الفاتحة والاطمئنان
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الركوع أو بعد الرفع منه قبل السجود فإنه يعود ويقرأ السورة ويعيد الركوع وعليه السهو لأنه بقراءة السورة وقعت فرضا فيرتفض الركوع حتى لو لم يعده فسدت صلاته وكذا إذا قرأ السورة وسها عن الفاتحة ثم تذكر فإنه يعود ويقرأ الفاتحة ويعيد السورة ويعيد الركوع وعليه السهو لما قلنا بخلاف ما لو تذكر القنوت في الركوع فإنه لا يعود ولا يقنت فيه لفوات محله ولو عاد وقنت لم يرتفض ركوعه لأن القنوت لا يقع فرضا فلا يرتفض به الفرض ويسجد للسهو على كل حال ليترك الواجب أو تأخيره ولو قرأ آية في الركوع أو السجود أو القومة فعليه السهو ولو قرأ في القعود ان قرأ قبل التشهد في القعدتين فعليه السهو لترك واجب الابتداء بالتشهد أول الجلوس وإن قرأ بعد التشهد فإن كان في الأول فعليه السهو لتأخير الواجب وهو وصل القيام بالفراغ من التشهد وإن كان في الأخير فلا سهو عليه لعدم ترك واجب لأنه موسع له في الدعاء والثناء بعده فيه والقراءة تشتمل عليهما ولو قرأ التشهد مرتين في القعدة الأخيرة أو تشهد قائما أو راكعا أو ساجدا لا سهو عليه منية المصلي لكن إن قرأ في قيام الأولى قبل الفاتحة أو في الثانية بعد السورة أو في الأخيرتين مطلقالا سهو عليه وإن قرأ في الأوليين بعد الفاتحة والسورة أو في الثانية قبل الفاتحة وجب عليه السجود لأنه أخر واجبا وإيضاحه في ابن أمير حاج ولو ترك التشهد في القعدتين أو بعضه لزمه السجود في ظاهر الرواية لأنه ذكر واحد منظوم فترك بعضه كترك كله ومنها قنوت الوتر وتكبيرته فلو تركها وجب السهو على ما رجحه في البحر ومنها جهر الإمام فيما يجهر فيه والإسرار في محله مطلقا واختلف في القدر الموجب للسهو والأصح أنه قدر ما تجوز به الصلاة في الفصلين لأن اليسير من الجهر والإخفاء لا يمكن الاحتراز عنه وما روي من أنه كان يسمع الآية أحيانا في السرية فهو لبيان أن القراءة مشروعة فيما يسمع فيه ورده في الفتح بأن القراءة معلومة قبل ذلك لأنه كان يجهر بالقراءة في الصلوات كلها حتى نزل قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] فتعين أن ذلك لبيان الجواز أي بيان جواز الجهر بهذا القدر لأن الاحتراز عن الجهر بالكلية متعسر لا سيما عند مبادىء التنفسات فإنه غالبا يظهر الصوت اهـ قال شرف الأئمة لا خلاف أنه لو جهر بأكثر الفاتحة فيما يخافت ثم ذكر يتمها سرا ولو خافت بأكثرها فيما يجهر قال شمس الأئمة قياس مسائل الجامع أنه يؤمر بالإعادة وقد نصوا أن وجوب الإسرار مختص بالقراءة فلو جهر بالأذكار والأدعية ولو تشهدا لا سهو عليه وعلم بما ذكرناه صور التقديم والتأخير والزيادة والنقص قوله: "لما روينا" من أنه سجد سجدتين للسهو قوله: "وإن تكرر" سواء كان من جنس أو من جنسين فلا يجب عليه أكثر من سجدتين بالإجماع ولا يرد ما لو سجد للسهو ثم(1/461)
في الركوع والسجود والجلوس الأول وتأخير القيام للثالثة بزيادة قدر أداء ركن ولو ساكنا "وإن كان تركه" الواجب "عمدا أثم ووجب" عليه "إعادة الصلاة" تغليظا عليه "لجبر نقصها" فتكون مكملة وسقط الفرض بالأولى وقيل تكون الثانية فرضا فهي المسقطة "ولا يسجد في" الترك "العمد للسهو" لأنه أقوى "قيل إلا في ثلاث" مسائل "ترك القعود الأول" عمدا "أو تأخير سجدة من الركعة الأولى" عمدا "إلى آخر الصلاة و" الثالثة "تفكره عمدا حتى شغله عن" مقدار "ركن" سئل فخر الإسلام البديعي كيف يجب بالعمد؟ قال ذاك سجود العذر لا سجود السهو "ويسن الإتيان بسجود السهو بعد السلام" في ظاهر الرواية وقيل يجب فعله بعد السلام وجه الظاهر ما رويناه "ويكتفي بتسليمة واحدة" قاله شيخ الإسلام وعامة المشايخ وهو الأضمن للاحتياط والأحسن ويكون "عن يمينه" لأنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تذكر سجدة تلاوة أو صلبية فإنه يسجد للمتروكة ثم يعيد سجود السهو فقد تكرر سجود السهو في صلاة واحدة حقيقة وحكما لأنا نقول هذا ليس بتكرار وإنما أعيد لرفعه بالعود إلى التلاوية أو الصلبية لتبين أن سجوده الأول لم يكن في محله كذا في البحر قوله: "ووجب عليه إعادة الصلاة" فإن لم يعدها حتى خرج الوقت سقطت عنه مع كراهة التحريم هذا هو المعتمد قوله: "لأنه أقوى" أي لأن العمد أقوى من السهو ولا ينجبر الأقوى بجابر الأضعف قوله: "لا في ثلاث" يزاد ما لو صلى على النبي في القعود الأول عمدا ما إذا ترك الفاتحة عمدا قوله: "أو تأخيره سجدة من الركعة الأولى" الأولى تعبير بعضهم حيث قال أواخر إحدى سجدتي ركعة إلى ما بعدها عمدا قوله: "ذاك سجود العذر" أي السجود الذي يفعل للإعتذار عما وقع منه قوله: "وقيل يجب فعله بعد السلام" فعليه لا يجوز قبله لتأديته قبل وقته كذا في الشرح قوله: "ما رويناه" من أنه سجد بعد التسليم وهو لا يقتضي السنية بل يحتمل الوجوب وعبارة الشرح وجه الظاهر أن فعله حصل في محل مجتهد فيه فلم يحكم بفساده إذ المعنى المعقول من شرعيته وهو الجبر لا ينتفي بوقوعه قبل السلام ولكنه خلاف السنة عندنا لما رويناه قال في الهداية والخلاف في الأولوية ولا خلاف في الجواز قبل السلام وبعده لصحة الحديث فيهما وهو ظاهر الرواية والترجيح لما قلنا من جهة المعنى وهو أن السلام واجب فيقدم على سجود السهو قياسا على غيره من الواجبات ولأنه لو سها عن السلام يمكنه السجود فلو شك أنه صلى ثلاثا وأربعا فشغله ذلك حتى آخر السلام وجب عليه سجود السهو فلو قدم السهو لترك واجب آخر ثم سجد لما ذكر تكرر السجود وان لم يسجد بقي نقص لازم غير مجبور فاستحب أن يؤخر بعد السلام لهذا المجوز قوله: "وهو الأضمن للاحياط" يعني أن الاحتياط فيه أكثرقال في الشرح عن الخبازية والفقه فيه أن التسليمة الأولى تحليل وتحية والثانية تحية لأنه أي التحليل يقع بالأولى ولهذا لا يصح الإقتداء به بعد الأولى ولو قهقه بعد الأولى لا تنتقض طهارته فكان الأحوط السجود قبل(1/462)
المعهود وبه يحصل التحليل فلا حاجة إلى غيره خصوصا وقد قال شيخ الإسلام خواهوزاده؟؟ لا يأتي بسجود السهو بعد التسليمتين لأن ذلك بمنزلة الكلام "في الأصح" وقيل تلقاء وجهه فرقا بين سلام القطع وسلام السهو قاله فخر الإسلام في الهداية ويأتي بتسليمتين هو الصحيح ولكن علمت إن الأحوط بعد تسليمه والمنع من فعله بعد تسليمتين فكان الأعدل الأصح "فإن سجد قبل السلام كره تنزيها" ولا يعيده لأنه مجتهد فيه فكان جائزا ولم يقل أحد بتكراره وإن كان إمامه يراه قبل إسلام تابعه كما يتابعه في قنوت رمضان بعد الركوع "ويسقط سجود السهو بطلوع الشمس بعد السلام في" صلاة "الفجر" وبخروج وقت الجمعة والعيد لفوات شرط الصحة "و" كذا يسقط لو سلم قبيل "احمرارها" أي تضير الشمس "في العصر" تحوزا عن المكروه "و" يسقط "بوجود ما يمنع البناء بعد السلام" كحدث عمد وعمل مناف لفوات الشرط "ويلزم المأموم"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
السلام الثاني قوله: "والأحسن" معطوف على الأضمن ووجه الاحسنية أنه المعهود لا السلام تلقاء الوجه قوله: "لأن ذلك" أي التسليمة الثانية بمنزلة الكلام أي فلا يأتي بالسهو بعده لوجود المنافي قوله: "ويأتي بتسليمتين هو الصحيح" أيده العلامة خسرو بما لا مزيد عليه قوله: "والمنع" عطف على أن الأحوط أي منع شيخ الإسلام خواهر زاده قوله: "فكان الأعدل الأصح" أي فكان القول بأنه بعد تسليمة واحدة عن يمينه أعدل الأقوال وأصحها أما كونه أعدل فلأنه متوسط بين قولي من قال انه قبل التسلمي ومن قال انه بعد التسليمتين وأما كونه أصح فلقوله سابقا لأنه المعهود قوله: "كره تنزيها" إلا إذا كان تابعا لإمام يراه على المعتمد قوله: "لأنه مجتهد فيه" أي لأن بعض المجتهدين قال به وهو الإمام الشافعي والإمام مالك في النقصان والإمام أحمد في خصوص ما فعله النبي قوله: "فكان جائزا" والمكروه تنزيها من الجائز أي وحيث قال به بعض المجتهدين وكان جائزا فقد صادف محلا في الجملة قوله: "ولم يقل أحد بتكرار" مرتبط بقوله ولا يعيده أي لأنها تؤدي إلى تكرار سجود السهو ولم يقل أحد بتكراره قوله: "لفوات شرط الصحة" لأنه بالسجود يعود لحرمة الصلاة وقد فات شرط صحتها بخروج الوقت في الجمعة والعيدين وطلوع الشمس في الفجر كذا في الشرح وهذا يقتضي أنه يسجد للسهو في الجمعة والعيدين إذا بقي وقتهما وهو أحد قولين والمصنف فيما يأتي قال ولا يأتي الإمام بسجود السهو في الجمعة والعيدين أفاد السيد قوله: "تحرزا عن المكروه" علة لما قبله فقط قوله: "وعمل مناف" كقهقهة وأكل وكلام وفي القهستاني يشترط أن لا يوجد بعد السلام تطاول المدة وفي الدر ولو نسي السهو أو سجدة صلبية أو تلاوية يلزم ذلك ما دام في المسجد اهـ يعني ولم يأت بمناف فإن وجد منه مناف أو خروج من المسجد قبل قضاء ما نسيه فسدت صلاته إن كان ما عليه سجدة صلبية قوله: "لفوات الشرط" أي شرط صحة الصلاة وهو علة لقوله وبسقط الذي قدره قوله:(1/463)
السجود مع الإمام "بسهو إمامه" لأنه صلى الله عليه وسلم سجد وسجد القوم معه وإن اقتدى به بعد سهوه وإن لم يدرك إلا ثانيتهما لا يقضي الأولى كما لو تركهما الإمام أو اقتدى به بعدهما لا يقضيهما "لا بسهوه" لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه ولو تابعه الإمام ينقلب التبع أصلا فلا يسجد أصلا قال صلى الله عليه وسلم: "الإمام لكم ضامن يرفع عنكم سهوكم وقراءتكم" "ويسجد المسبوق مع إمامه" لالتزام متابعته "ثم يقوم لقضاء ما سبق به" واللاحق بعد إتمامه وينبغي أن يمكث المسبوق بقدر ما يعلم أنه لا سهو عليه وله أن يقوم قبل سلامه بعد قعوده قدر التشهد في مواضع خوف مضى مدة المسح وخروج الوقت لذي عذر وجمعة وعيد وفجر ومرور الناس بين يديه إلى قضاء ما سبق به ولا ينتظر سلامه "ولو سها المسبوق فيما يقضيه سجد له " أي سهوه "أيضا" ولا يجزيه عنه سجوده مع الإمام وتكراره وإن لم يشرع في صلاة واحدة باعتبار أن صلاته كصلاتين حكما لأنه منفردا فيما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"ويلزم المأموم السجود الخ" عم كلامه المدرك والمسبوق واللاحق فإنه يلزمهم لسهو إمامهم غير أن اللاحق إذا انتبه لا يتابعه فيه بل يبدأ بما فاته ثم يسجد للسهو ولو تابعه فيه لا يعتد به لأنه في غير محله بخلاف المسبوق والمقيم خلف المسافر حيث يتابعانه فيه ثم يشتغلان بالإتمام قوله: "أو اقتدى به بعدهما" بأن اقتدى به في تشهد السهو وهو عطف على تركهما قوله: "لا بسهوه" في الكلام إشارة إلى أن اللاحق إذا سها فيما يقضي لا يسجد أيضا لأنه مقتد حكما قوله: "كان مخالفا لإمامه" وهو منهي عنه لقوله لا تختلفوا على أئمتكم قوله: "يرفع عنكم سهوكم وقراءتكم" قرن رفع السهو برفع القراءة ليفيد أنه لا كما إثم على المؤتم بترك القراءة فكذا لا إثم عليه بترك السهو بل هو الواجب عليه وقال في النهر مقتضى كلامهم أنه يعيدها لثبوت الكراهة مع تعذر الجابر وقد علمت مفاد الحديث أفاده بعض الأفاضل قوله: "ثم يقوم لقضاء ما سبق به" أتى بثم ليفيد تراخي القيام عن سلام الإمام قوله: "واللاحق" عطف على المسبوق أي ويسجد اللاحق بعد إتمام صلاة نفسه ولو تابعه لا يعتد به لأنه في غير محله قوله: "بقدر ما يعلم أنه لا سهو عليه" وذلك بتسليم الإمام الثانية على الأصح أو بعدهما بشيء قليل بناء على ما صححه في الهداية فليتأمل قوله: "وله أن يقوم إلخ" قد يقال أنه إذا لم يقم تفسد الصلاة في كل الصور إلا في ضرورة مرور الناس ومقتضاه وجوب القيام لا جوازه فليحرر قوله: "بعد قعوده" أي قعود نفسه قدر التشهد أي قدر قراءة التشهد بأسرع لفظ وإن لم يتم الإمام التشهد بالفعل بأن ترسل فيه قوله: "خوف مضى الخ" بدل من مواضع والمراد به غلبة الظن قوله: "وجمعة وعيد وفجر" معطوفات على ذي قوله: "ومرور" عطف على قوله مضى مدة قوله: "إلى قضاء ما سبق به" مرتبط بقوله أن يقوم وذلك من ارتكاب أخف الضررين قوله: "وتكراره" مبتدأ وقوله باعتبار ان صلاته الخ خبره وقوله وإن لم يشرع اعتراض(1/464)
يقضيه ولو لم يكن تابع إمامه كفاه سجدتان وإن سلم مع الإمام مقرنا له أو قبله ساهيا فلا سهو عليه لأنه في حال اقتدائه وإن سلم بعده يلزمه السهو لأنه منفرد "لا" أي لا يسجد "اللاحق" وهو من أدرك أول صلاة الإمام وفاته باقيها بعذر كنوم وغفلة وسبق حدث وخوف وهو من الطائفة الأولى لأنه كالمدرك لا سجود عليه لسهوه ولو سجد مع الإمام للسهو لم يجزه لأنه في غير أوانه في حقه فعليه إعادته إذا فرغ من قضاء ما عليه ولا تفسد صلاته لأنه لم يزد إلا سجدتين حال اقتدائه. والمقيم إذا سها في باقي صلاته الأصح لزوم سجود السهو لأنه صار منفردا حكما ويتصور الجلوس عشر مرات في ثلاث ركعات بالسهو وسجود التلاوة وهو ظاهر وبسطه في الأصل "ولا يأتي الإمام بسجود. السهو في الجمعة والعيدين" دفعا للفتنة بكثرة الجماعة وبطلان صلاة من يرى لزوم المتابعة وفساد
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "لأنه مفرد فيما يقضيه" أي ومقتد بالإمام فيما أدركه فيه فكانت بهذين الاعتبارين كصلاتين قوله: "كفاه سجدتان" وينتظم ما كان مع الإمام قوله: "وإن سلم مع الأمام الخ" سواء في ذلك تسليمة التحليل الأولى وتسليم سجود السهو ولظهور العلة في ذلك وقوله وإن سلم بعده أي بعد سلام الإمام من سجود السهو فقط أما سلامه بعد سلام الإمام الأول من الصلاة فلا يلزم به سهو لأنه لما سجد للسهو معه عاد إلى الاقتداء ولا سهو على المقتدي فتأمل فيه كله قوله: "أي لا يسجد اللاحق" أي إذا سها فيما يفعله قوله: "وهو من الطائفة الأولى" مرتبط بقوله وخوف وإما إذا كان من الطائفة الثانية فإنه مسبوق يتابع الإمام في سهوه وإذا سها في القضاء سجد له.
فرع لو تابعه المسبوق ثم تبين أن لا سهو عليه إن علم أن لا سهو على إمامه فسدت وإن لم يعلم أنه لم يكن عليه فلا تفسد وهو المختار كذا في المحيط قوله: "الأصح لزوم سجود السهو" وهو أصح الروايتين وصححه في البدائع قوله: "لأنه صار منفردا" أي ولم يكن مقتديا لا يقدر صلاته معه قوله: "عشر مرات" بل أكثر بتعدد التلاوية على الإمام والمأموم قوله: "وبسط في الأصل" قال فيه بأن أدرك الإمام في تشهد المغرب الأول وتشهد معه في الثانية وكان عليه سهو فسجده وتشهد معه في الثالثة وتذكر الإمام سجدة تلاوة فسجد معه وتشهد الرابعة وسجد للسهو وتشهد معه الخامسة فإذا سلم قام إلى قضاء ما فاته فصلى ركعة وتشهد السادسة ويصلي ركعة أخرى ويتشهد السابعة وكان قد سها فيما يقضي فيسجد ويتشهد الثامنة ثم تذكر أنه قرأ آية سجدة في قضائه فيسجد لها ويتشهد التاسعة ثم يسجد للسهو ويتشهد العاشرة اهـ قوله: "ولا يأتي الإمام بسجود السهو في الجمعة والعيدين" أي والمأموم كذلك لأنه تابع له وظاهره كراهة الإتيان به فيها والظاهر أنها تنزيهية لا تحريمية وإن كانت العلة ربما تشعر با وذلك لأن البعض يقول بالإتيان به فتأمل(1/465)
الصلاة بتركه "ومن سها" وكان إماما أو منفردا" "عن القعود الأول من الفرض" ولو عمليا وهو الوتر "عاد إليه" وجوبا "ما لم يستو قائما في ظاهر الرواية وهو الأصح" كما في التبين والبرهان والفتح لصريح قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس وإن استوى قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو" رواه أبو داود في الهداية والكنز إن كان إلى القيام أقرب لا يعود وإلا عاد "و" إذا سها "المقتدي" فحكمه "كالمنتقل" إذا قام "يعود ولو استتم قائما" لحكم المتابعة وكل نفل صلاة على حده وقعودها فرض فيعود إليه وقيل لا يعود كالمفترض قال في التتارخانية هو الصحيح "فإن عاد" من سها عن القعود "وهو إلى القيام أقرب" بأن استوى النصف الأسفل مع انحناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "دفعا للفتنة" أي افتتان الناس وكثرة الهرج قوله: "بكثرة الجماعة" الباء للسببية وهي متعلقة بقوله للفتنة وأخذ العلامة الواني1 من هذه السببية أن عدم السجود مقيد بما إذا حضر جمع كثير أما إذا لم يحضروا فالظاهر السجود لعدم الداعي إلى الترك وهو التشويش اهـ قوله: "وبطلان صلاة من يرى لزوم المتابعة" عطف على قوله الفتنة والأوضح أن يقال وبطلان الصلاة على قول من يرى الخ قوله: "وفساد" عطف على قوله لزوم من عطف اللازم على ملزومه والضمير في تركه راجع إلى سجود السهود يعني والبعض قد يتركه فتفسد صلاته على هذا القول قوله: "ومن سها عن القعود الأول" لم يبين حكم ما إذا تركه عامدا هل يعود وقد بين حكم العمد في القعدة الأخيرة كما سيأتي قوله: "وكان إماما أو منفردا" سيأتي حكم المقتدي قوله: "من الفرض" سيأتي له حكم النقل قوله: "لصريح قوله الخ" وليؤديها على وجهها مطلقا سواء كان إلى القعود أقرب أو لم يكن مع كون ظهره منحنيا قوله: "لحكم المتابعة" هي واجبة في الواجب فريضة في الفرض كما استظهره صاحب النهر قوله: "وكل نفل صلاة" الأولى أن يقول وكل شفع الخ وأطلق في النفل فعم المؤكدة وغيرها قوله: "وقعودها فرض" أي قعود الصلاة التي على حدة فرض فيكون رفض الفرض لمكان فرض فيجوز ما لم يسجد للثالثة كذا في الشرح وفيه أنه إنما يكون فرضا إذا قعده أما إذا تركه وبنى عليه شفعا كان واجبا حتى لا تكون الصلاة فاسدة والحاصل أن القعود غير الأخير محتمل لكونه فرضا إن فعله وواجبا إن تركه فلكل من القولين وجه فتأمل قوله: "وهو إلى القيام أقرب الخ" ظاهره أنه إن لم يستو قائما يجب عليه العود ثم يفصل في سجود السهو فإن كان إلى القيام أقرب سجد له وإن كان إلى القعود أقرب لا فحكم السجود متعلق بالقرب وعدمه وحكم العود متعلق بالاستواء وعدمه والذي في كلام غيره انهما متعلقان بالاستواء وعدمه أو بالقرب من القيام وعدمه وعلى الأول إن عاد قبل أن يستوي قائما
__________
1 قوله: الواني في نسخة الداني.(1/466)
الظهر وهو الأصح في تفسيره "سجد للسهو" لترك الواجب "وإن كان إلى القعود أقرب" بانعدام استواء النصف الأسفل لا سجود "سهو عليه في الأصح" وعليه الأكثر "وإن عاد" الساهي عن القعود الأول إليه "بعد ما استتم قائما اختلف التصحيح في فساد صلاته" وأرجحهما عدم الفساد لأن غاية ما في الرجوع إلى القعدة زيادة قيام في الصلاة وإن كان لا يحل لكنه بالصحة لا يخل لأن زيادة ما دون ركعة لا يفسد وقد يقال إنه نقص للإكمال فإنه إكمال لأنه لم يفعله إلا لإحكام صلاته وقال صاحب البحر والحق عدم الفساد "وإن سها عن القعود الأخير عاد ما لم يسجد" لعدم استحكام خروجه من الفرض
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولو كان إلى القيام أقرب لا سهو عليه لقوله إذا استتم أحدكم قائما فليصل وليسجد سجدتي السهو وإن لم يستتم قائما فليجلس ولا سهو عليه رواه الطحاوي وعليه فيكون هذا التفصيل الذي ذكره بعد إنما هو على ما اختاره صاحب الهداية والكنز أنه كان إلى القيام أقرب لا يعود وإلا عاد قوله: "مع انحناء الظهر" قيد به لأنه لو اعتدل فيه كان قائما فيمتنع العود بالأولى قوله: "بانعدام استواء النصف الأسفل" إنما كان إلى القعود أقرب لأنه لا يعده قائما في هذه الحالة لا حقيقة ولا عرفانا ولا شرعا لأنه لو قرأ وركع وسجد في هذه الحالة من غير عذر لا يجوز لأنه ليس بقائم كما في الحلبي قوله: "في الأصح وعليه الأكثر" وفي الولواجية المختار وجوب السجود لأنه بقدر ما اشتغل بالقيام صار مؤخرا واجبا وجب وصله بما قبله من الركن فصار تاركا للواجب فيجب سجود السهو وفي قاضيخان في رواية إذا قام على ركبتيه لينهض يقعد وعليه السهو ويستوي فيه القعدة الأولى والثانية وعليه الاعتماد اهـ من الشرح والسيد قلت الأحوط وجوب السجود لاختلاف التصحيح قوله: "وأرجحهما عدم الفساد" قد بالغ في المنتقى في رد القول بالفساد وجعله غلطا لأنه تأخير لا رفض ثم لو عاد بعد القيام قيل يتشهد لأنه عاد إلى ما كان من حقه أن يفعله والصحيح أنه لا يتشهد بل يقوم في الحال ولا ينتقض قيامه بعود لم يؤمر به كما في القهستاني فصار كما لو قرأ الفاتحة وسورة ثم ركع ثم رفع رأسه وقرأ سورة أخرى حيث لا ينتقض ركوعه كما في ابن أمير حاج وفي القنية لو عاد الإمام لا يعود معه القوم تحقيقا للمخالفة في غير المأمور به وقيل يعودون كما في الحلبي ثم انه يجب عليه سجود السهو لترك القعود وتأخير القيام بقدر العود قوله: "لأن زيادة ما دون ركعة" علة لقوله لا يخل وأما كونه لا يحل لكونه زاد فيها ما ليس منها وقوله وقد يقال أراد به نفي عدم الحل كأنه يقول ان هذا النقص للقيام الذي منه زيادة ليس بحرام لأن هذا النقص للإكمال قوله: "وان سها عن القعود الأخير قوله: "أي كله أو بعضه والمراد ما كان آخر صلاته سبق بأول أو لا فدخل الثنائي قال في السراج لا يختص هذا الحكم بالسهو وبل كذلك لو قام إلى الخامسة مثلا عامدا إلا أنه في العمد يأثم أي وينبغي إعادتها جبرا وفي السهو يسجد وسواء في ذلك الفرض والنفل قوله: "ما لم يسجد"(1/467)
لإصلاح صلاته وبه وردت السنة عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قيامه إلى الخامسة وسجد للسهو ولو قعد يسيرا فقام ثم عاد كذلك فقام ثم عاد فتم به قدر التشهد صح حتى لو أتى بمناف صحت صلاته إذ لا يشترط القعود قدر بمرة واحدة "وسجد" للسهو "لتأخيره" فرض القعود "فإن" لم يعد حتى "سجد" للزائد على الفرض "صار فرضه نفلا" يرفع رأسه من السجود عند محمد وهو المختار للفتوى لاستحكام دخوله في النفل قبل إكمال الفرض وقال أبو يوسف يوضع
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
العبرة للإمام حتى لو عاد قبل أن يسجد ولم يعلم به القوم حتى سجدوا لم تفسد صلاتهم لأنه لما عاد الإمام ارتفض ركوعه فيرتفض ركوع القوم أيضا تبعا له فبقي لهم زيادة سجدة وهي غير مفسدة ما لم يتعمد والسجود وبها يلغز أي مصل ترك القعود الأخير وقيد الخامسة بسجدة ولم يبطل فرضه كذا في الدر وغيره وإن سجد الإمام بطلت صلاة المؤتم أيضا سواء قعد قبل تقييد إمامه بالسجود أو لم يقعد وسواء كان مدركا أو مسبوقا والمراد بقوله ما لم يسجد أي بعد الركوع وأما إذا سجد بدون ركوع فإنه يعود لعدم الاعتداد بهذا السجود لأن ما دون الركعة محل الرفض قوله: "لإصلاح صلاته" علة للمعلول وهو عاد مع علته وهي قوله للاستحكام الخ قوله: "وبه وردت السنة" أي بالعود قوله: "عاد إلخ" بدل من السنة قوله: "ثم عاد كذلك" أي فقد يسيرا وهو العود الثاني وما بعده العود الثالث قوله: "فتم به" أي بالعود الأخير قوله: "وسجد للسهو" سواء كان إلى القيام أقرب أو إلى القعود أقرب بخلاف السهو عن القعود الأول ففيه التفضيل على أحد قولين قوله: "لتأخيره فرض القعود" أي عن اتصاله بالرفع من السجود قوله: "للزائدة على الفرض" وهي الخامسة في الرباعي والرابعة في الثلاثي والثالثة في الثنائي قوله: "صار فرضه نفلا"1 عندهما ولم يبطل أصلا لأن عدم الوصف لا يستلزم عدم الموصوف وقال محمد تبطل أصلا ووصفا لأن التحريمة عقدت للفرض قصدا أو لأصل الصلاة ضمنا فإذا بطل الفرض بطل ما في ضمنه والحاصل أنه إذا رفع رأسه من السجود بطلت صلاته أصلا ووصفا عند محمد وهو غير المفتى به وإذا لم يرفع رأسه من السجدة وسبقه حدث فيها على قول أبي يوسف فسد وصف صلاته فيبنى على أنها نفل وعلى قولمحمد عليه أن يتدارك فرضه لرجوعه إلى القعدة ولا يبطل لعدم الإتيان بركعة عنده إذ لا تتم عنده إلا بالرفع من السجود ولم يحصل وهو المفتى به هنا فتأمل قوله: "وهو المختار للفتوى" أي يفتى به في عدم بطلان الفرض بمجرد الوضع لإمكان صحة صلاته بعوده إلى العقدة إذا سبقه الحدث في السجدة ولا يفي ببطلانه أصلا ووصفا بالرفع
__________
1 قوله الشارح صار فرضه إلى قول: عند محمد الذي يقتضيه كلام المحشي أن تكون العبارة هكذا صار فرضحه نفلا عندهما وبطلب برفع السجود عند محمد وليحرر أهـ مصححه.(1/468)
الجبهة لأنه سجود كامل ووجه المختار أن تمام الركن بالانتقال عنه وثمرة الخلاف تظهر بسبق الحدث حال الوضع يبنى عند محمد لا عند أبي يوسف "وضم سادسة إن شاء" لأنه لم يشرع في النفل قصدا ليلزمه إتمامه بل يندب "ولو في العصر" لأن التنفل قبله قصدا لا يكره فبالظن أولى "و" ضم "رابعة في الفجر" وسكت عن المغرب لأنها تصير أربعا فلا ضم فيها "ولا كراهة في الضم فيهما" أي صلاة الفجر والمغرب لأنه تعارض كراهة التنفل بالبتيراء وكراهة الضم للوقت فتقاوما وصار كالمباح "على الصحيح" لعدم القصد حال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لأنه سجود كامل" وذلك لأن السجود اسم لوضع الجبهة على الأرض وقد حصل فمن شرط الرفع فقد زاد على النص بالرأي أي نص يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا وحكي أن أبا يوسف لما أخبر بجواب محمد قال زه صلاة فسدت يصلحها الحدث وزه بكسر الزاي وسكون الهاء بوزن قف كلمة استعجاب إلا أنها هنا للانكار وإنما قال ذلك أبو يوسف لغيظ لحقه من محمد بسبب أن محمد أمر بمسجد قد خرب وراثت فيه الدواب وبالت فيه الكلاب فقال: هذا مسجد أبي يوسف لأن مثل هذا يبقى مسجدا عنده إلى يوم القيامة لكون الوقف تحريرا عنده فالمعنى هذا ما يقول أبو يوسف بأنه مسجد وعند محمد يعود إلى ملك الواقف إن كان حيا وإلا إلى ورثته كما في السراج قوله: "بالانتقال عنه" ولهذا لو سبقه الحدث ينتقض الركن الذي أحدث فيه ويلزمه إعادته إذا بنى ولو تم بالوضع لما انتقض بالحدث وكذا لو سجد المؤتم قبل إمامه فأدركه إمامه في السجود أجزأه ولو تم بنفس الوضع لما جازت صلاته لأن كل ركن سبق به المؤتم إمامه لا يعتد به قوله: "يبني" أي يعود إلى القعدة ويبني على الفريضة لا عند أبي يوسف أي لا يبني على أنها فرض فلا ينافي أنه يبني على أنها نافلة لأن أصل الصلاة باق عنده قوله: "إن شاء" وإن شاء سلم على الخامسة ولا شيء عليه فيصير متنفلا بخمس ركعات وترا وصلاته غير مضمونة عند علمائنا الثلاثة حتى لو أفسدها لا شيء عليها نص عليه غير واحد من أهل المذهب ثم الضم إنما يظهر على قولهما أما على قول محمد فلا يضم ولا يصح الاقتداء به لبطلان التحريمة مطلقا عنده قوله: "قبله" أي قبل أدائه وإذا كان يقضي عصرا أو ظهرا بعد العصر فلا يكره لأن المكروه بعده النفل القصدي لا الضمني قوله: "فبالظن أولى" الأولى أن يقول فغير القصدي أولى لأنه لم يشرع ظانا للنفل قوله: "ولا كراهة في الضم فيهما" بضمير التثنية كما يدل عليه تفسير المؤلف ولو أفرده لكان أولى لأن المغرب لا ضم فيها كما قال وسكت عن المغرب الخ أو أنه يعد ضاما باعتبار ما بعد السجدة الأولى فإنه في الثانية والتشهد قصد الضم وقال العلامة السيد تغمده الله برحمته لا محل لهذه الجملة هنا بل يتعين تأخيرها عن قوله وإن قعد الأخير أي لأنه قال أولا وضم سادسة فدل على أنه لا كرهة فيه وكلام المؤلف متنا وشرحا يفيد أن هذا متعلق بما قبل القعود ولا شك أن فيه ضما قوله: "كراهة التنفل(1/469)
الشروع كمن صلى ركعة تجهد فطلع الفجر يتم بلا كراهة "ولا يسجد للسهو" لتر ك القعود في هذا الضم "في الأصح" لأن النقصان بالفساد لا ينجبر بالسجود ولو اقتدى به أحد حال الضم ثم قطع لزمه ست ركعات في التي كانت رباعية لأنه المؤدي بهذه التحريمة وسقوطه عن الإمام للظن ولم يوجد في حقه بخلاف ما إذا عاد الإمام إلى القعود بعد اقتدائه حيث يلزمه أربع ركعات لأنه لما عاد جعل كأن لم يقم "وإن قعد" الجلوس "الأخير" قدر التشهد "ثم قام" ولو عمدا وقرأ وركع "عاد" للجلوس لأن ما دون الركعة بمحل الرفض "وسلم" فلو سلم قائما صح وترك السنة لأن السنة التسليم جالسا "من غير إعادة التشهد" لعدم بطلانه بالقيام وقال الناطفي يعيده وإذ مضى على نافلته الزائدة فالصحيح أن القوم لا يتبعونه لأن لا اتباع في البدعة وينتظرونه قعودا فإن عاد قبل تقييده الزائدة بسجدة اتبعوه في السلام "فإن سجد" سلموا للحال و "لم يبطل فرضه" لوجود الجلوس الأخير "وضم" استحبابا وقيل وجوبا "إليها" أي إلى الزائدة ركعة "أخرى" في المختار "لتصير الزائدتان" له؟؟ نافلة" ولا تنوب عن سنة الفرض في الصحيح لأن المواظبة عليها بتحريمه مبتدأة؟؟ ولو اقتدى به أحد يصلي ستا عند محمد لأنه المؤدي بهذه التحريمة وعندهما ركعتين لأنه استحكم خروجه عن الفرض ولا قضاء عليه لو أفسد عند محمد كإمامه وقضى ركعتين عندهما وعليه الفتوى لأن السقوط بعارض يخص الإمام "وسجد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
بالبتيراء" تقدم أنه أحد قولين قوله: "وكراهة الضم للوقت" هذا لأنه يكره التنفل بعد طلوع الفجر بغير سنته ويكره التنفل بعد غروب الشمس بل صلاة المغرب قوله: "فتقاوما" أي الكراهتان فتساقطا فصار كالمباح قوله: "في هذا الضم" في للسببية قوله: "لزمه ست ركعات في التي كانت رباعية" وسكت عن غير الرباعية وهي الفجر والمغرب وقياسه أن يلزمه أربع قوله: "بخلاف ما إذا عاد الإمام إلى القعود" أي قبل التقييد بسجدة قوله: "كأن لم يقم" أي إلى الخامسة قوله: "بمحل الرفض" إنما زاد الباء ليفيد أنه قد يرفض وقد لا يرفض بخلاف ما لو حذفها فانه يفيد أنها محل الرفض دائما قوله: "لأن السنة التسليم جالسا" أي في الصلاة المطلقة من غير عذر قوله: "وضم استحبابا الخ" سواء كان في وقت كراهة أو لا في الأصح وما قيل أنه لا يضم في وقت كراهة كوقت العصر والصبح ضعيف ذكره الحموي وفي السيد عن النهر ينبغي أن يكون محل الخلاف ما إذا لم يكن وقت كراهة فإن كان لم يندب ولم يجب وهل يكره الأصح لا وعليه الفتوى قوله: "وقيل وجوبا" الظاهر الاستحباب لأنه لو قطعه لم يلزمه القضاء لأنه مظنون كذا في الشرح قوله: "ولا تنوب عن سنة الفرض" أي البعدية قوله: "لأنه استحكم خروجه عن الفرض" فصار كتحريمة مبدأة ولو أفسدها على نفسه قضى ركعتين فقط قوله: "وعليه الفتوى" أي في لزوم الركعتين وأما في لزوم الست(1/470)
للسهو" لتأخير السلام "ولو سجد للسهو في شفع التطوع لم يبن شفعا آخر عليه استحبابا" لأن البناء يبطل سجوده للسهو بلا ضرورة لوقوعه في وسط الصلاة "فإن بنى" صح لبقاء التحريمة و "أعاد سجود السهو في المختار" وهو الأصح لبطلان الأول بما طرأ عليه من البناء وقيدنا بالتطوع لأن المسافر إذا نوى الإقامة بعد سجوده للسهو يبني تصحيحا لفرضه ويعيد سجود السهو لبطلان ذاك بالبناء "ولو سلم من عليه" سجود "سهو فاقتدى به غيره صح إذا سجد" الساهي "للسهو" لعوده لحرمة الصلاة لأن خروجه كان موقوفا ويتابعه المقتدي في السجود ولا يعيده في آخر صلاته وإن وقع في خلالها لأن آخر صلاته حكما وحقيقة لإمامه كما تقدم "وإلا" أي وإن لم يسجد الساهي "فلا يصح" الاقتداء به لتبين خروجه من
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فالمصحح قول محمد قوله: "وسجد للسهو" راجع للمسألتين جميعا أما الأولى وهي ما إذا عاد وسلم قبل أن يسجد فظاهر لما ذكره المؤلف وأما الثانية وهي ما إذا لم يعد حتى سجد فالقياس أن لا يسجد لأنه في صلاة غير التي سها فيها ومن سها في صلاة لا يسجد في الأخرى وفي الاستحسان يسجد وسببه نقصان تمكن في النفل بالدخول فيه على غير الوجه الواجب إذ الواجب فيه أن يكون بتحريمة مبتدأة وهذه للفرض وقد انقطعت بالانتقال إلى النفل ومراعاة حدود النفل على المباشر واجبة وإن لم يكن النفل واجبا وهذا عند أبي يوسف وعند محمد سببه نقصان تمكن في الفرض بترك واجب السلام ولا نقصان في النفل لأنه بنى على التحريمة الأولى وهي لم تنقطع لأنها اشتملت على الأصل والوصف وبالانتقال إلى النفل ينقطع الوصف للمنافاة بين وصفي الفرض والنفل دون الأصل فبقي الإحرام في حق الأصل على ما كان وذهب أبو بكر بن أبي سعيد إلى أن سبب هذا السجود نقصان تمكن في الإحرام فحينئذ يكون لكل من الفرض والنفل حظ من النقص والجبر ونص الشيخ أبو منصور الماتريدي على أنه الأصح قوله: "لم يبن شفعا آخر عليه استحبابا" استظهر صاحب البحر أن البناء مكروه تحريما لأنه لا يخلو إما أن يبطل سجود السهو لوقوعه في وسط الصلاة أو لا يبطل وكل ذلك غير مشروع أما الأول فلأنه إبطال عمل وهو حرام بالنص وأما الثاني فللزوم وقوع سجود السهو في خلال الصلاة وهو لم يشرع إلا في آخرها إذا علمت ما ذكر مع ظهوره يكون عدم البناء واجبا لا مستحبا قوله: "بلا ضرورة" أما إذا وجدت الضرورة كمسألة المسافر الآتية فيتعين البناء لصحة صلاته وقيد بالنقل لأنه في الفرض مكروه مطلقا بسهو وبدون سهو فيعلم حكمه بالطريق الأولى قوله: "في المختار" وهو الأصح وقيل لا يعيده لأنه حين وقع وقع جائزا فيعتد به عنه وبه أخذ الفقيه أبو جعفر قوله: "يبني" أي لزوما تصحيحا لفرضه لأنه لو لم يبن لبطلت صلاته كلها لتحول فرضه إلى الأربع بنية الإقامة فإبطال السجود أهون من إبطال الصلاة ومن ابتلي ببليتين وجب أن يختار أقلهما محظورا كما في غاية البيان قوله: "لأنه آخر صلاته" الأليق بآخر الكلام لأنه آخر(1/471)
الصلاة حين سلم عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأبي يوسف خلافا لمحمد وزفر وثمرته بصحة اقتدائه عندهما لا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وفي انتقاض الطهارة بقهقهته "ويسجد للسهو" وجوبا "وإن سلم عامدا" مريدا "للقطع" لأن مجرد نية تغيير المشروع لا تبطله ولا تعتبر مع سلام غير مستحق وهو ذكر فيسجد للسهو لبقاء حرمة الصلاة "ما لم يتحول عن القبلة أو يتكلم" لإبطالهما التحريمة وقيل التحول لا يضره ما لم يخرج من المسجد أو يتكلم وسلام من عليه سجدة صلبية أو فرض متذكرا مبطل لوجوده في حقيقة الصلاة وتفريعاته مبسوطة في الأصل "توهم" الوهم رجحان جهة الخطأ والظن رجحان جهة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الصلاة له1 قوله: "وثمرته بصحة" الأولى أن يقول وثمرة صحة الخ بحذف الواو من قوله وفي انتقاض الخ قوله: "عندهما" أي محمد وزفر فيصح الاقتداء مطلقا عندهما سجد أو لم يسجد قوله: "وفي انتفاض الطهارة بقهقهته" فتنتقض عند محمد وزفر لا عند الشيخين ويسقط سجود السهو عند الكل لفوات حرمة الصلاة قوله: "لا تبطله" أي لا تبطل المشروع قوله: "ولا تعتبر مع سلام الخ" جواب عما ورد على قول لأن مجرد نية تغيير المشروع الخ من أن النية هنا لم تكن مجردة وإنما قارنها عمل وهو السلام وحاصل الجواب أن النية إنما تعتبر مع عمل مستحق عليه وهذا غير مستحق عليه كذا يفاد من الشرح وما أجاب به ابن أمير حاج مباين له وهو أولى منه وحاصله أن النية المقرونة بالعمل إنما تعتبر إذا كان ذلك العمل غير واجب عليه وقت اقترانه بها والسلام ليس كذلك فإنه واجب عليه وقت اقتران النية به ليتمكن من سجود السهو فلا تعمل نيته لأنها مجردة عن العمل على هذا فكأنه لم يوجد عمل أصلا قوله: "وهو ذكر" دفع به ما عساه يتوهم من سقوط السجود بطرو مانع الكلام وحاصل جوابه أنه ذكر والذكر غير مانع قوله: "أو فرض" من عطف العام قوله: "متذكرا" حال من الضمير في عليه قوله: "لوجوده في حقيقة الصلاة" أي لوجود السلام العمد في حقيقة الصلاة لأنه تخلل فرائضها بخلاف المسألة السابقة فإن السلام وجد عند تمام حقيقتها وفي شرح السيد ولو نسي السهو أو سجدة صلبية أو تلاوية يلزمه ذلك ما دام في المسجد أي ولم يوجد منه مناف فإن وجد منه مناف أو خرج من المسجد قبل قضاء ما نسيه فسدت صلاته إن كان عليه سجدة صلبية اهـ قوله: "وتفريعاته مبسوطة في الأصل" منها لو سلم وعليه تلاوية وسهوية وهو غير ذاكر لهما أو ذاكرا للسهو فقط لا يعد سلامه قاطعا فيسجد للتلاوة ثم يتشهد لرفعها القعود ويسلم ثم يسجد للسهو ويتشهد لرفعه التشهدويسلم وإن سلم
__________
1 قوله لأنه آخر الصلاة له يوجد هنا في بعض النسخ زيادة ونصها قوله أي وأن لنه آخر الصلاة له يوجد هنا في بعض النسخ زيادة ونصها قوله أي وأن لم يسجد الساهي بأن أتى بما يمنع البناء قال في النهر: وبهذا أعلم أن عدم السجود لا يتبن به السجود يعني حتى يأتي بمناف اهـ.(1/472)
الصواب "مصل رباعية" فريضة "أو ثلاثية" ولو وترا "أنه أتمها فسلم ثم علم" قبل إتيانه بمناف "أنه صلى ركعتين" أو علم أنه ترك سجدة صلبية أو تلاوية "أتمها" بفعل ما تركه "وسجد للسهو" لبقاء حرمة الصلاة بخلاف السلام على ظن أن مسافر أو نحوه كما تقدم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
وكان ذاكرا لهما أو للتلاوية فقط كان قاطعا وسقطت عنه التلاوية والسهو لامتناع البناء بسبب القطع إلا إذا تذكر أنه لم يتشهد ويسجد للتلاوة وصلاته تامة اهـ قوله: "الوهم رجحان جهة الخطأ" الذي في القاموس أنه مرجوح طرفي المتردد فيه والظن التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد الغير الجازم اهـ والمصنف خالفه من جهة أنه جعل الوهم الرجحان وهو جعله المرجوح فعليه يكون رجحان جهة الخطأ ظنا لا وهما وأما قوله والظن رجحان جهة الصواب ففيه مخالفة أيضا لأن صاحب القاموس جعله التردد الراجح وأراد المتردد فيه بدليل قول الراجح والمصنف جعله نفس الرجحان وإذا تأملت تجد تفسير الظن بالطرف الراجح والوهم بالطرف المرجوح على ما هو مشهور تفسيرا في الحقيقة للمظنون والموهوم لا تفسيرا لهما بالمعنى الصدري ولعل المصنف عبر بالرجحان في جانب الوهم ليفيد أنه ليس المراد بالوهم الطرف المرجوح بل الطرف الراجح حتى لو لم يترجح عنده ما خطر بباله أنه أتمها وسلم كان بمنزلة السلام للقطع فيكون كالقسم الثاني قوله: "أو علم أنه ترك سجدة صلبية" أي وقد سلم ساهيا عنها وإلا فسلامه مفسدا وأما التلاوة إذا لم فيها عامدا سقطت ولا يعود إليها ولا فساد قوله: "أتمها بفعل ما تركه" حاصل المسألة أنه إذا سلم ساهيا على الركعتين مثلا وهو في مكانه ولم يصرف وجهه عن القبلة ولم يأت بمناف عاد إلى الصلاة من غير تحريمة وبنى على ما مضى وأتم ما عليه ولو اقتدى به إنسان في هذه الحالة صح وأما إذا انصرف وجهه عن القبلة فإن كان في المسجد ولم يأت بمناف فكذلك لأن المسجد كله في حكم مكان واحد لأنه مكان الصلاة وإن كان قد خرج من المسجد ثم تذكر لا يعود وفسدت صلاته وإن كان في الصحراء فإن تذكر قبل أن يجاوز الصفوف خلفه أو يمنة أو يسرة عاد إلى الإتمام أيضا وإلا فلا وإن مشى أمامه فالأصح أنه إن جاوز موضع سجوده لا يعود وهو الأصح لأن ذلك القدر في حكم خروجه من المسجد وهذا إذا لم يكن بين يديه سترة فإن كان يعود ما لم يجاوزها لأن داخل السترة في حكم المسجد وتمامه في شرح العيني على البخاري قوله: "وسجد للسهو" لما روي أنه فعل كذلك في حديث ذي اليدين المتفق عليه وسماه به النبي لما أنه كان في يديه طول واسمه الخرباق بن عمرو وكان سلامه على رأس الركعتين من صلاة الظهر أو العصر شك من الراوي وما قيل انها العشاء وهم وما حصل في ذلك من الكلام والتحول عن القبلة منسوخ لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمل في مثل هذ الحادثة بخلاف عمله فأعاد صلاته فلولا ثبت عنده انتساخ ذلك لما عمل بخلاف عمل النبي وكان ذلك بمحضر من الأصحاب الذين شهدوا(1/473)
"وإن طال تفكره" لتيقن المتروك "ولم يسلم حتى استيقن" المتروك "إن كان" زمن التفكر زائدا عن التشهد "قدر أداء ركن وجب عليه سجود السهو" لتأخيره واجب القيام للثالثة "وإلا" أي إن لم يكن تفكره قدر أداء ركن "لا" يسجد لكونه عفوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ذلك ولم ينكر عليه أحد فصار إجماعا منهم ومعنى قوله في الحديث لم أنس ولم تقصر أي لم يكن شيء من ذلك في ظني بل ظن أني أكملت الصلاة أربعا ومن قال ناسيا لم أفعل كذا وكان قد فعل فهو غير كاذب وفي السيد عن شرح المشارق في الحديث ما يدل على جواز السهو على الأنبياء وقالت طائفة لا يجوز لأنه غفلة وهم منزهون عنها والجواب أن السهو ممتنع عليهم في الإخبار عن الله تعالى بالأحكام وغيرها لأنه هو الذي قامت عليه المعجزة وفيما ليس سبيله البلاغ يجوز وسهو نبينا كان لمقام شغله عن الصلاة بالله وفي هذا المعنى قيل:
يا سائلي عن رسول الله كيف سها. ... والسهو من كل قلب غافل لاهي.
قد غاب عن كل شيء سره فسها. ... عما سوى الله فالتعظيم لله.
قوله: "أو نحوه" بالرفع عطفا على مسافر فإن من صلى الظهر وظن أنه جمعة نحو المسافر وكذا يقال في باقيها1 قوله: "كأن ظن أن الظهر جمعة" أو كان قريب عهد بالإسلام فظن أن الرباعي ثنائي أو كان في صلاة العشاء فظنها التراويح فإنها تبطل في هذه الصور لأنه سلم مع علمه بالقدر المؤدي والسلام العمد يقطع الصلاة بخلاف الأولى فإنه سلم على توهم الإتمام وقيل ان السلام العمد لا يفسد حتى يقصد خطاب آدمي به وعليه فلا تفسد في هذه المسائل وهو ضعيف قوله: "زائدا عن التشهد" أي الأول أو الثاني سواء كان بعد الفراغ من الصلاة والأدعية أو قبلهما قوله: "وجب عليه سجود السهو" إذا شغله التفكر عن أداء واجب بقدر ركن أو شغله عن الوضوء بعد سبق الحدث لشكه أنه صلى ثلاثا أو أربعا يجب السهو وإلا فلا كذا في الشرح ولم يبينوا قدر الركن وعلى قياس ما تقدم أن يعتبر الركن مع سنته وهو مقدر بثلاث تسبيحات ثم أن محل وجوب سجود السهو إذا لم يشتغل حالة الشك بقراءة ولا تسبيح أما إذا اشتغل بهما فلا سهو عليه وظاهر إطلاقهم عدم الوجوب عند الإشتغال بما ذكر ولو كان غير محل لهما ويحرر قوله: "لتأخيره واجب القيام" الأولى زيادة أو لتأخير واجب السلام قوله: "لكونه عفوا" لأن التحرز عن مثله فيه حرج والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
__________
1 قوله قوله كأن ظن أن الظهر جمعة هكذا في الأصل المطبوع ولا وجود لذلك في الشرح كما ترى فالأولى ما في نسخة أخرى ونصه قوله أو نحوه كأن ظن أن الظهر جمعة أو كان قريب عهد إلخ تأمل أهـ مصححه.(1/474)
"فصل في الشك" في الصلاة والطهارة "تبطل الصلاة بالشك" وهو تساوي الأمرين "في عدد ركعاتها" كتردده بين ثلاث واثنتين "إذا كان" ذلك الشك "قبل إكمالها و" كان أيضا "هو" أي الشك "أول ما عرض له من الشك" بعد بلوغه في صلاة ما وهذا قول أكثر المشايخ وقال فخر الإسلام أول ما عرض له في هذه الصلاة واختاره بن الفضل وذهب الإمام السرخسي إلى أن معناه أن السهو ليس عادة له وليس المراد أنه لم يسه قط فحكمه حكم من ابتدأ الشك فلذلك قال: "أو كان الشك غير عادة له" فتبطل به لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته إنه كم صلى فليستقل الصلاة" وقد حمل على ما إذا كان دون شك عرض له لما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الشك
ليس المراد به هنا ما هو العرفي من تساوي النقيضين بل اللغوي وهو عدم اليقين قهستاني لأن الفصل معقود لما هو أعم ولا ينافيه قوله بعد وهو تساوي الطرفين لأنه في صورة البطلان والمراد بالشك فيهما حقيقته قوله: "في عدد ركعاتها" احترز به عما لو شك في غيره كمن صلى ركعة من الظهر ثم شك في الثانية أنه في العصر ثم شك في الثالثة أنه في التطوع ثم شك في الرابعة أنه في الظهر قالوا: يكون في الظهر ولا عبرة بالشك وفي الفتاوى لو شك في تكبيرة الافتتاح فأعاد التكبير والثناء ثم تذكر كان عليه السهو ولا تكون الثانية استقبالا وقطعا للأولى اهـ وظاهر التقييد بقوله ثم تذكر أنه إذا لم يتذكر أنه كبر أولا لا سهو عليه قوله: "بعد بلوغه" لم يعين حكم شك غير البالغ هل تجري فيه الصور المذكورة والظاهر نعم ويحرر قوله: "في هذه الصلاة" أي بعينها فلو شك في الظهر مثلا استأنف ثم إذا شرع وشك فيها أيضا لا يعيد ويجري فيها الحكم الآتي قوله: "وذهب الإمام السرخسي الخ" تظهر الثمرة فيمن شك في صلاة أول مرة واستقبل ثم بعد سنين سها فعلى قول السرخسي يستأنف لأن الشك لم يكن عادته وإنما حصل له مرة واحدة قبل هذه وهي إنما ثبتت بالمعاودة مرتين فأكثر لأنها مشتقة منها وكذا على قول ابن الفضل لأنه أول سهو وقع له في تلك الصلاة وعلى قول أكثر المشايخ لا يستأنف بحر قوله: "فحكمه" أي حكم من لم يكن الشك عادة له قوله: "فلذا قال" أي لا تحاد الحكم فيما ذكر قوله: "أو كان الشك غير عادة له فيه أنه جمع بين قولين متباينين فلم يدر ما الذي اعتمده قوله فليستقبل الصلاة" الاستقبال لا يتصور إلا بالخروج عن الأولى وذلك بالسلام أو الكلام أو عمل آخر ينافي الصلاة والسلام قاعدا أولى لأنه عهد محللا شرعا ومجرد النية يلغو لأنه لم يخرج به من الصلاة سيد عن الزيلعي قوله: "وقد حمل" أي الاستقبال قوله: "لما سنذكره من الرواية(1/475)
سنذكره من الرواية الأخرى ولقدرته على إسقاط ما عليه بيقين كما لو شك أنه صلى أولم يصل والوقت باق يلزمه أن يصلي "فلو شك بعد سلامه" أو قعوده قدر التشهد قبل السلام في عدد الركعات "لا يعتبر" شكه فلا شيء عليه حملا لحاله على الصلاح "إلا إن" كان قد "تيقن بالترك" فيأتي بما تركه ولو أخبره عدل بعد السلام أنه نقص ركعة وعند المصلي أنه أتم لا يلتفت إلى إخباره ولو أخبره عدلان لا يعتبر شكه وعليه الأخذ بقولهما ولو اختلف الإمام والمؤتمون إن كان على يقين لا يأخذ بقولهم وإلا أخذ به وإن كان معهم بعضهم أخذ بقوله "وإن كثر الشك" تحرى و "عمل" أي أخذ "بغالب ظنه"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الأخرى" وهي إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه قوله: "ولقدرته" عطف على لقوله قوله: "كما لو شك الخ" وكما لو تيقن ترك الصلاة من يوم وليلة وشك في تعيينها قضى صلاة يوم وليلة ليخرج عن العهدة بيقين كذا في الفتح قوله: "فلو شك بعد سلامه الخ" محترز قوله إذا كان قبل إكمالها أي قبل إتمام أركانها كما يدل عليه ما هنا قوله: "على الصلاح" وهو إتمام الصلاة قوله: "لا يلتفت إلى إخباره" لأن يقينه لا يزول بيقين غيره خصوصا ولم يكن قول هذا الغير ملزما بخلاف ما إذا كان نصاب الشهادة فعليه أن يعمل بما أخبرا لأن قولهما ملزم في كثير من الإحكام.
قوله: "وإن كان معه بعضهم أخذ بقوله" هذا مفروض فيما لو اختلف القوم والإمام مع أحد الفريقين فإن يعتبر جانب الإمام ولو كان الذي معه واحدا وفي الشرح لو اختلف الإمام والمؤتمون فقالوا: ثلاثا وقال أربعا إن كان على يقين لا يأخذ بقولهم وإلا أخذ وإن اختلف القوم والإمام مع فريق أخذ بقوله ولو كان معه واحد ولو استيقن واحد بالتمام وآخر بالنقص وشك الإمام والقوم لا إعادة على أحد إلا على متيقن النقض لأن يقينه لا يبطل بيقين غيره ولو كان الإمام استيقن أنه صلى ثلاثا كان عليه أن يعيد بالقوم ولا إعادة على متيقن التمام لها قلنا أما لو استيقن واحد بالنقصان ولم يستيقن أحد بالتمام بل هم واقفون فإن كان ذلك في الوقت أعادوها احتياطا لعدم المعارضة بخلاف ما قبلها وإن لم يعيدوا لا شيء عليهم إلا إذا استيقن عدلان بالنقص وأخبرا بذلك اهـ من الفتح والزاد وقاضيخان قوله: "وإن كثر الشك تحرى" وذلك بأن وقع له مرتين قبل هذه عند السرخسي ومرة واحدة قبل هذا عند الأكثر أو في تلك الصلاة عند البزدوي والفضل قال في الشرح والتحري طلب الأحرى وهو ما يكون أكبر رأيه عليه وعبروا عنه تارة بالظن وتارة بغالب الظن اهـ قوله: "أي أخذ بغالب ظنه" أي الذي حصل له بعد وقوع الشك له فلا يرد أن الموضوع في الشك لا فيمن غلب ظنه وإنما أخذ بغالب الظن للزوم الحرج بالإعادة كل مرة لا سيما إن كان موسوسا فلا تجب عليه دفعا للحرج فتعين التحري عليه فلو لم يأخذ بأكبر رأيه بأن غلب على ظنه أنها الرابعة فأتمها وقعد وضم إليها أخرى وقعد احتياطا فو مسيء(1/476)
لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه" وحمل على ما إذا كثر الشك للرواية السابقة "فإن لم يغلب له ظن أخذ بالأقل" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة فإن لم يدر اثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على اثنتين فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين قبل أن يسلم" يعني للسهو فلما ثبت عندهم كل الروايات الثلاث التي رويناها في المسائل الثلاث سلكوا فيها طريق الجميع بحمل كل منها على محمل يتجه حمله عليه كما في فتح القدير "وقعد" وتشهد "بعد كل ركعة ظنها آخر صلاته" لئلا يصير تاركا فرض القعدة مع تيسر طريق يوصله إلى يقين عدم تركها وكذا كل قعود ظنه واجبا يقعده.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فليتحر الصواب" أي عنده وقوله فليتم عليه محمول على ما إذا وقع تحريه على الأقل ويحتمل أن المراد أنه يتمها ولو بما بقي منها كالتشهد والسلام قوله: "فإن لم يغلب له ظن" بأن لم يترجح عنده شيء بعدالطلب كما في الكافي أو لم يكن له رأي كما في الهداية قوله: "أخذ بالأقل" فلو شك في ذوات الأربع أنها الأولى أم الثانية وبنى على الأقل يجعلها أولى ثم يقعد لجواز أنها ثانية فتكون القعدة فيها واجبة ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى ويقعد لأنا جعلناها في الحكم ثانية ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى ويقعد لجواز أنها رابعة ثم يقوم فيصلي أخرى ويقعد لأنا جعلناها في الحكم رابعة والقعدة على الثالثة والرابعة فرض وكذلك لو شك أنها الثانية أو الثالثة ولم يغلب على رأيه شيء يقعد في الحال لجواز أنها ثانية ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى ويقعد لجواز أنها رابعة ثم يقوم فيصلي ركعة أخرى ويقعد لأنا جعلناها في الحكم رابعة وعلى هذا الثنائي والثلاثي كذا في الذخيرة وتمامه في المطولات قوله: "ويسجد سجدتين قبل أن يسلم" بحزم يسجد وقد تقدم أن السجود للسهو قبل السلام وبعده ثابت من قوله وفعله قوله: "فلما ثبت" علة مقدمة على معلولها وهو قوله سلكوا الخ أو شرط وجوابه وعليه فلما مشددة قوله: "سلكوا فيها طريق الجمع الخ" لأن التوفيق بين الأدلة مهما أمكن لا يعدل عنه فحملوا كلا منها على محمل غير محمل الآخر جمعا بينها بأعمال جميعها مع مراعاة مناسبة لكل منها في خصوص محمله دون الآخر فحملوا الأول على ما إذا كان الشك غير عادة له لعدم الحرج والثاني على ما إذا كثر الشك وله رأي وترجيح للزوم الحرج بالإعادة كل مرة وفيه الأمر بالتحري والثالث على ما إذا كان الشك من عادته ولم يقع تحريه على شيء ففيه الأمر بطرح الشك والبناء على الأقل قوله: "بحمل كل منها" تصوير لطريق الجمع قوله: "ظنها آخر صلاته" فيه أن الموضوع فيمن لا ظن له فلو قال كما قال صاحب التنوير وقعد في كل موضع توهمه موضع قعوده لكان أولى وأهم وفي السيد لو قال ظنها موضع قعود لئلا يصر تاركا فرض القعود أو واجبه لاستغنى عن قوله بعد وكذا كل قعود ظنه واجبا والمصنف كصاحب الكنز والهداية أغفل الكلام على سجود السهو وهو مما لا ينبغي(1/477)
"تتمة" شك في الحدث وتيقن الطهارة فهر متطهر وبالقلب محدث وشك في بعض وضوئه وهو أول ما عرض له غسل ذلك الموضع وإن كثر شكه لا يلتفت إليه وكذا لو شك أنه كبر للافتتاح وهو في الصلاة أو أصابته نجاسة أو حدث أو مسح رأسه أم لا فإن كان أول ما عرض استقبل وإن كثر يمضي وفي العتابية لو شك هل كبر قيل إن كان في الركعة الأولى يعيده وإن كان في الثانية لا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
وصرح في البحر عن الفتح بوجوبه في صور الشك سواء عمل بالتحري أو بنى على الأقل وفي السراج إن بنى على الأقل سجد مطلقا وإن تحرى أن شغله ذلك قدر أداء ركن سجد وإلا لا وكأنه لحصول النقص مطلقا باحتمال الزيادة في الأول ولم يحصل في الثاني إلا بطول التفكر قال في البحر وهذا القيد لا بد منه اهـ قوله: "مع تيسر طرق الخ" أي مع تيسير الشارع طريقا الخ والطريق هو الإتيان بالقعود قوله: "شك في الحدث الخ" حاصله أن العبرة بالمتيقن به ولو تيقنهما وشك في السابق فهو متطهر كذا في الدر ومن نواقض الوضوء قوله: "غسل ذلك الموضع" محله ما لو كان الشك في خلال الوضوء أما بعد تمامه فلا يعتبر أفاده صاحب الدر في المحل المذكور وهو قياس ما تقدم في الصلاة وفيه لو شك في نجاسة ما أو ثوب أو طلاق أو عتق لم يعتبر اهـ قوله: "وهو في الصلاة" التقييد به يفيد أنه إذا كان بعدها لا يعتبر قوله: "أو أنه أصابته نجاسة" هذا لا يقيد بحال الصلاة كما يتبادر من عبارة الشرح فإنه قال وإن كان يقع له كثيراجاز له ولا يلزمه الوضوءولا غسل الثوب وقوله أوأنه أصابته نجاسة يحمل على ما إذا لم يكثر فلا ينافي ما في الدر قوله: "أو أحدث" فيه أنه تقدم أن العبرة باليقين إلا أن يحمل ما تقدم على ما إذا كثر ويغني عنه قوله سابقا شك في بعض وضوئه وهو ظاهر في أنه شك في عضو أو شك في تعيينه غسل رجله اليسرى لأن آخر العمل وانظر ما لو شك في ترك غير معين وقياس ما تقدم فيمن شك أنه ترك صلاة من صلوات يوم وليلة أن يعيد كل ما شك في غسله كما يعيد صلاة اليوم والليلة أي إلا ما تيقن فعله منها قوله: "أو مسح رأسه" أي وكان في خلال الوضوء أما لو صدر بعد فلا يعتبر كما يؤخذ مما تقدم قريبا قوله: "قيل الخ" أفاد بذكر قيل ضعفه فالاعتماد على ما تقدم والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/478)
"باب سجود التلاوة
من إضافة الحكم إلى سببه وهو الأصل في الإضافة لأنها للاختصاص وأقوى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب سجود التلاوة
هي مصدر تلا بمعنى قرأ وأما تلا بمعنى تبع فمصدر التلو كالعلو وتلو أيضا بوزن حمل(1/478)
وجوهه اختصاص المسبب بالسبب لأنه حادث به وشرطها الطهارة عن الحدث والخبث ولا يجوز لها التيمم بلا عذر واستقبال القبلة وستر العورة وركنها وضع الجبهة على الأرض وصفتها الوجوب على الفور في الصلاة وعلى التراخي إن كانت غير صلاتية وحكمها سقوط الواجب في الدنيا ونيل الثواب في العقبى ثم شرع في بيان السبب فقال: "سببه التلاوة على التالي" اتفاقا "و" على "السامع في الصحيح" والسماع شرط عمل التلاوة في حقه فالأصم إذا تلاها ولم يسمع وجب عليه السجدة "وهو" أي سجود التلاوة "واجب" لأنه أمر صريح به أو تضمن استنكاف الكفار عنه أو امتثال الأنبياء وكل منها واجب "على التراخي" عند محمد ورواية عن الإمام وهو المختار وعند أبي يوسف وهو رواية عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
اهـ مصباح وإنما لم يذكر السماع لأن المختار أن السبب التلاوة فقط ولأن التلاوة سبب للسماع أضا فكان ذكرها مشتملا على السماع من وجه فاكتفى به كذا في العناية وفي ذكر التلاوة إما إلى أنه لو كتبها أو تهجاها لم يجب قاله السيد قوله: "وهو الأصل" ذكر الضمير نظرا للخبر قوله: "وأقوى وجوهه" أي وجوه الاختصاص ووجوهه الملك والاستحقاق مثلا قوله: "لأنه حادث" هذه العلة تظهر في العلة مع المعلول بل هي أقوى لتأثيرها بخلاف السبب فلو قال ومن أقوى وجوهه الخ لكان أولى قوله: "وشرطها الخ" لو قال كما قال السيد وشروطها شروط الصلاة إلا التحريمة والأنية التعيين لكان أخصر وأجمع قوله: "والخبث" أي المانع قوله: "واسقبال القبلة" أي حالة الاختيار وجهة القدرة عند العجز قوله: "وركنها وضع الجبهة على الأرض" لو قال كما قال السيد وغيره وركنها وضع الجبهة على الأرض أو الركوع أو ما يقوم مقامهما من الإيماء للمريض أو التالي على الدابة لكان أولى وظاهره أنه لو أخرها إلى ركعة ثانية أثم قال في الشرح وإذا أخرها حتى طالت التلاوة تصير قضاء ويأثم ثم قال وكذا كره تحريما تأخير الصلاتية عن وقت القراءة قوله: "وعلى التراخي ان كانت غير صلاتية" لكن يكره تأخيرها تنزيها كما يأتي قريبا قوله: "في الصحيح" وقيل أن السماع هو السبب في حق السامع قوله: "وجب عليه السجدة" المناسب زيادة ولا تجب عليه بتلاوة غيره ولو رأى من يسجد قوله: "لأن" أي سجود التلاوة وهو على حذف مضاف أي دليل سجود التلاوة قوله: "استنكاف الكفار عنه" أي عن السجود قوله: "أو امتثال" عطف على استنكاف قوله: "وكل منها" أي من الأمر أي من امتثاله ومن استنكاف الكفار أي مخالفته ومن امتثال الأنبياء أي من الإقتداء بهم واجب ولا يخفي ما في هذه العبارة من الحزارة وما في يالشرح أولى حيث قال لأن آيات السجود على ثلاثة أقسام قسم فيه الأمر الصريح وقسم تضمن استنكاف الكفرة حيث أمروا به وقسم فيه حكاية امتثال الأنبياء به وكل من الامتثال والاقتداء ومخالفة الكفرة واجب إلا أن يدل دليل على عدم لزومه لكن دلالتها فيه ظنية فكان الثابت الوجوب لا الفرض اهـ قوله: "على التراخي عند(1/479)
الإمام يجب على الفور "إن لم تكن" وجب بتلاوته "في الصلاة" لأنها صارت جزءا من الصلاة لا يقضي خارجها فتجب فورية فيها وغيرها تجب موسعا "و" لكن "كره تأخيره" السجود عن وقت التلاوة في الأصح إذا لم يكن مكروها لأنه بطول الزمان قد ينساها فيكره تأخيرها "تنزيها ويجب" السجود "على من تلا آية " مكلفا بالصلاة وليس مقتديا في غير ركوع وسجود وتشهد للحجر فيها عن القراءة "ولو" تلاها "بالفارسية" اتفاقا فهم أو لم يفهم لكونها قرآنا من وجه "وقراءة حرف السجدة مع كلمة قبلة أو بعده من آيتها" توجب
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
محمد الخ" الذي في النهر عكس ما هنا حيث جعل القول بالفورية قول محمد والقول بالتراخي قول أبي يوسف قال وينبغي أن تكون ثمرته في الإثم وعدمه حتى لو أداها بعد مدة كان مؤديا اتفاقا لا قاضيا أفاده السيد قوله: "ورواية عن الإمام" خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو قوله: "وهو المختار" لأن دليل الوجوب مطلق عن تعيين الوقت ومطلق الأمر لا يقتضي الفور فيجب في وقت غير معين ويتعين ذلك بتعيينه فعلا وإنما يتضيق الوجوب في آخر عمره كما في سائر الواجبات الموسعة ولا يجب نية تعيين السجدات ولا يجب على المحتضر الإيصاء بها وقيل يجب كذا في الشرح قوله: "في الصلاة" أي حالة القيام لأنه لو تلاها في ركوع أو سجود أو تشهد أو في القومة لا يلزمه سجود لأنه محجور عن القراءة في هذه الأماكن وتصرف المحجور لا حكم له قوله: "فتجب فورية فيها" حتى لو أطال التلاوة تصير قضاء ويأثم فيكره تحريما تأخير الصلاتية عن وقت القراءة أفاده في الشرح وهذا ينافي ما أبداه في حاشية الدرر من قوله ويجوز أن يقال تجب الصلاتية موسعا بالنسبة لمحلها كما لو تلاها في أول صلاته وسجدها في آخرها اهـ وينافي ما ذكره السيد عنه أن تأخير الصلاتية مكروه تنزيها وفي الدر ويقضيها ما دام في حرمة الصلاة ولو بعد السلام اهـ وما ذكره المصنف في حاشية الدرر بحيث لا يعارض النص قوله: "في الأصح" وقيل لا يكره أفاده في الشرح قوله: "إذا لم يكن مكروها" أي إذا لم يكن وقت التلاوة وقتا مكروها بأن كان أحد الأوقات الثلاثة فلا يكره تأخيرها عنه ليؤديها في كامل قوله: "وليس مقتديا" أي ولا نائما قوله: "ولو تلاها بالفارسية" المراد بها غير العربية فتجب على السامع إذا أخبر بها قوله: "فهم أو لم يفهم" قال في الجوهرة أما في حق السامع فإن كانت القراءة بالعربية وجب على السامع فهم أو لم يفهم إجماعا وإن كانت بالفارسية لزم السامع أيضا وإن لم يفهم عند الإمام وعندهما لا يلزم إلا إذا فهم وروي رجوعه إليهما وعليه الاعتماد اهـ قوله: "لكونها قرآنا من وجه" أي نظرا للمعنى دون وجه نظرا للنظم فباعتبار المعنى توجب السجدة وباعتبار النظم لا توجبها فتجب احتياطا أفاده السيد قوله: "وقراءة حرف السجدة" أي الكلية الدالة على السجدة قوله: "أو بعده" الذي في الجوهرة الصحيح أنه إذا قرأ حرف السجدة وقبله كلمة وبعده كلمة وجب السجود وإلا فلا اهـ وقيل يشترط قراءة الآية بتمامها وقيل نصفها مع كلمة السجدة وقيل(1/480)
السجود "كالآية" المقروءة بتمامها "في الصحيح" وقيل لا يجب إلا أن يقرأ أكثر آية السجدة وفي مختصر البحر لو قرأ وسجد وسكت ولم يقرأ واقترب يلزمه السجدة "وآياتها أربع عشر آية" فتجب السجدة "في الأعراف" عند قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [لأعراف: 206] "وفي الرعد " ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال" "والنحل" "ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون "والإسراء" إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا" "ومريم" "أولئك أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا" "والحج" "ألم أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء" "والفرقان" وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا: وما
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
كلمة السجدة فقط قهستاني قوله: "وقيل لا يجب إلا أن يقرأ أكثر آية السجدة" سواء كان الأكثر قبل كلمة السجود أو بعدها أو هي متوسطة وهو رواية عن محمد واختاره الزيلعي وتبعه في الدر قوله: "وفي مختصر البحر الخ" قد علمت أن هذا أحد أقوال ولا تجب بكتابة ولا نظر من غير تلفظ لأنه لم يقرأ ولم يسمع وكذا التهجي فلا تجب عليه ولا على من سمعه لأنه تعداد الحروف وليس بقراءة ولذا لا يجزى عن القراءة في الصلاة ولكن لا تفسد به الصلاة لأن تلك الحروف موجودة في القرآن كذا في البحر وفي الخانية رجل يسمع آية السجدة من قوم من كل واحد منهم حرفا ليس عليه أن يسجد لأنه لم يسمعها من تال قاله في الدر فأفاد أن اتحاد التالي شرط اهـ قال بعض الفضلاء ويحتمل أن يكون معناه أن ذلك ليس بتلاوة اهـ ويلزم من عدم التلاوة وعدم التالي ففيه اطلاق اللازم على الملزوم قوله: "أربع عشرة آية" بفتح الشين على الأصل وعن تميم كسرها مع المؤنث وتسكينها أفصح وهو لغة الحجاز قوله: "في الأعراف" علم للسورة حكاه سيبويه وحذف الجزء شائع بلا التباس ولا خلاف في أن العلم سورة الأعراف وعلى هذا القياس باقي السور قهستاني قوله: "عند قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ} الخ" الأولى أن يقول عقب آخرها إن الذين الخ لأن السجود بعد الفراغ منها وكذا يقال في باقيها قوله: "والحج" أي أولى الحج لا الثانية وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه فيها سجدتان ولنا ما عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا سجدة التلاوة في الحج هي الأولى والثانية سجدة الصلاة ويعضده قرنها بالركوع قوله:(1/481)
{الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} "والنمل" {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} وهذا على قراءة العامة بالتشديد وعند قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا} على قراءة الكسائي بالتخفيف وفي المجتبي قال الفراء إنما تجب السجدة في النمل على قراءة الكسائي أي بالتخفيف وينبغي أن لا تجب بالتشديد لأن معناها زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا والأصح هو الوجوب على القراءتين لأن كتب في مصحف عثمان رضي الله عنه كذا في الدراية "والسجدة" {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} "ص" {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} وهذا هو الأولى مما قال الزيلعي تجب عند قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} وعند بعضهم عند قوله تعالى: {وَحُسْنَ مَآبٍ} لما نذكره "وحم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
"وعند قوله تعالى "ألا يا اسجدوا" الخ" حكاه الزيلعي بقيل والمعتمد أن السجود عقب الآية بتمامها كما هو على الأول قوله: "قال الفراء الخ" لأنه أمر بالسجود فيجب امتثاله قوله: "لأن معناها زين لهم الشيطان" ولا يصح تعلقه بيهتدون لأن المعنى عليه فهم لا يهتدون لعدم السجود وهو لا يظهر لأنه إنما نفيت هدايتهم للسجود لا لعدمه قوله: "لأنه كتب" أي السجود من غير تفصيل فيقتضي الوجوب مطلقا ويكون على قراءة التشديد من القسم الذي تضمن استنكاف الكفار عن السجود فتجب مخالفتهم قوله: "وص" أخرج البخاري عن العوام بن حوشب قال سألت مجاهدا عن سجدة ص فقال: سألت ابن عباس من أين سجدت في ص فقال: أو ما تقرأ ومن ذريته داود وسليمان إلى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فكان داود ممن أمر نبيكم صلى الله عليه وسلم أن يقتدي به فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الإمام أحمد عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي سعيد الخدري قال رأيت رؤيا وأنا أكتب سورة ص فلما بلغت السجدة رأيت الدواة والقلم وكل شيء يحضرني انقلب ساجدا فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد بها كذا في البرهان وفي رواية فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق بها من الدواة والقلم" فأمر أن تكتب في مجلسه وسجدها مع أصحابه كذا في العناية وقالالشافعي رضي الله تعالى عنه سجدة ص ليست من العزائم أي المؤكدات وإنما هي سجدة شكر تستحب في غير الصلاة وتحرم فيها على الأصح عندهم قوله: "وظن داود" أي أيقن قوله: "إنما فتناه" أي أوقعناه في فتنة بلية بمحبة تلك المرأة قوله: "تجب عند قوله" الجملة بدل من ما ولعل هذا مبني على أحد الأقوال السابقة وهو القول بأن الوجوب متعلق بالآية بتمامها وإلا فقد قدم تصحيح أنه إذا قرأ كلمة السجدة مع حرف قبلها وبعدها يكون كقراءة الآية قوله: "وخر راكعا" أي ساجدا كذا في الجلالين قوله: "لما تذكره" أي في فصلت أي لنظيره وهو أن السجود لو وجب عند قوله وأناب(1/482)
السجدة" {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} من قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] "وهذا على مذهبنا وهو المروي عن ابن عباس ووائل بن حجر وعند الشافعي رحمه الله عند قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} وهو مذهب علي ومروي عن ابن مسعود وابن عمر ورجح أئمتنا الأول أخذا بالاحتياط عند اختلاف مذاهب الصحابة فإن السجدة لو وجبت عند قوله تعالى تعبدون فالتأخير إلى قوله تعالى لا يسأمون لا يضر ويخرج عن الواجب ولو وجبت عند قوله تعالى لا يسأمون لكانت السجدة المرادة قبله حاصلة قبل وجوبها ووجوب سبب وجوبها فيوجب نقصانا في الصلاة ولو كانت صلاتية ولا نقص فيما قلناه أصلا وهذا هو إمارة التبحر في الفقه كذا عن البدائع ففيما قلته قبله في "ص" كذلك وإلا يلزمنا التناقض وهذا هو الوجه الذي وعدنا به "و" في "النجم" عند قوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ، وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ، فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} "و" في إذا السماء " انشقت " عند قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} " و " في " اقرأ " باسم ربك عند قوله تعالى: {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} ونذكر فائدة هذا الجمع أيضا "ويجب السجود على من سمع"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فالتأخير عند قوله وحسن مآب لا يضر ويخرج عن الواجب ولو وجبت عند قوله وحسن مآب وقدمها عند قوله وأناب لكان السجود حاصلا قبل وجوبها ووجود سبب وجوبها فيوجب نقصانا في الصلاة لو كانت صلاتية ولا نقص في التأخير وقد علمت أن هذا مبني على أحد الأقوال السابقة قوله: "فالذين عند ربك" عندية تشريف وهذا مبني على أن الجملة مع ما قبلها آية واحدة قوله: "قبله" أي قبل قوله تعالى: {لا يَسْأَمُونَ} قوله: "قبل وجوبها" الأولى الاستغناء عنه بما بعده لأنه إذا لم يوجد سبب الوجوب لا تجب وقد علمت أن هذا على أحد الأقوال قوله: "فيما قلناه" أي من التأخير قوله: "وهذا" أي ترجيح الأول للأخذ بالاحتياط قوله: "أمارة التبحر في الفقه" أي علامة على اتساع علم قائله وكثرته قوله: "في ص" ظرف لغو متعلق بقوله قلته قوله: "كذلك" أي كسجدة فصلت قوله: "وإلا يلزمنا التناقض" أي ان لا نقل في ص كما قلنا في فصلت بأن قلنا انه يسجد عند قوله تعالى: {وَأَنَابَ} يلزمنا التناقض فإنه يلزم منه تقديمها على محلها فيوجب نقصا في الصلاة ولا احتياط فيه قوله: "وهذا هو الوجه" إشارة إلى قوله فإن السجدة لو وجبت الخ والمراد أنه نظيره قوله: "وعدنا به" بقوله لما نذكره قوله: "ونذكر فائدة ذا الجمع" في الفائدة التي ذكرت في آخر فصل سجدة الشكر وقوله أيضا أي كما ذكرنا فائدته هنا من الخلاف الواقع في محل(1/483)
التلاوة العربية "وإن لم يقصد السماع" فهم أو لم يفهم مروي عن أكابر الصحابة "إلا" أنه استثنى "الحائض والنفساء" فلا تجب عليهما بتلاوتهما وسماعهما شيئا وتجب بالسماع منهما كما تجب على الجنب وبسماعهما من كافر وصبي مميز "و" إلا "الإمام والمقتدي به" فلا تجب عليهما بالسماع من مقتد بالإمام السامع أو بإمام آخر وتجب على من ليس في الصلاة بسماعه من المقتدي على الأصح "ولو سمعوها" أي المقتدون والإمام "من غيره" أي غير المؤتم "سجدوا بعد الصلاة" لتحقق السبب وزوال المانع من فعلها في الصلاة "ولو سجدوا فيها لم تجزهم" لنقصانها "ولم تفسد صلاتهم" لأنها من جنسها "في ظاهر الرواية" وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
السجود في بعض الآيات قوله: "فهم أو لم يفهم" قال ابن أمير حاج ينبغي أن يستثنى منه مثل الأعجمي الخالص الحدث العهد بالإسلام فلا تجب عليه السجدة بتلاوة النظم القرآني ولا بسماعه إلا بعد العلم بكون المقروء سجدة تلاوة يعني وإن لم يفهم لأن التكليف بما لا علم له به محال حتى لو مات قبل الأداء والعلم بالوجوب لا إثم عليه ولا تجب عليه إلا وقت العلم اهـ وبه جزم في الفتح ولو سمعها من جني فالظاهر الوجوب أفاده السيد قال بعض ومثله الملك قوله: "فلا تجب عليهما بتلاتهما" لأن السجدة ركن الصلاة وليستا بأهل لها كذا في التبيين قوله: "وسماعهما" أي لأنها لا تجب إلا على من هو أهله للصلاة أداء وقضاؤهما ليستا أهلا لها مطلقا قوله: "وتجب بالسماع منهما" لصدور التلاوة الصحيحة منهما1 قوله: "كما تجب على الجنب" تلا أو سمع للأهلية وكافر لأنه مخاطب بالصلاة فهو أهل لها قوله: "وصبي مميز" في الفتح ذكر شيخ الإسلام أنها لا تجب بالسماع من مجنون أو نائم لأن السبب سماع تلاوة صحيحة وصحتها بالتمييز ولم يوجد اهـ قال وهذا التعليل يفيد التفصيل في الصبي إن كان له تمييز وجب بالسماع منه وإلا فلا فليكن هو المعتبر اهـ قوله: "أو بإمام آخر" هذا خلاف الأصح والأصح الوجوب على من ليس مشاركا له في تلك الصلاة مطلقا سواء كان السامع في جماعة أخرى أو منفردا أو خارجا بالكلية لأن الحجر ثبت في حق جماعة معينين فلا يعد وهم كذا في الهداية قوله: "لتحقق السبب" وهو التلاوة الصحيحة كذا في السراج قوله: "وزوال المانع" أي بفراغ الصلاة فتقضي خارجها إذ هي ليست صلاتية قوله: "من فعلها" بيان للمانع قوله: "لنقصانها" أي سجدة التلاوة بفعلها في الصلاة لمكان النهي فيعيدونها لتتأدى بالكامل كذا في الشرح وإنما نهي عنها لأنها أجنبية عن تلك الصلاة حيث لم تكن من قراءتها ولا يدخل في الصلاة ما هو أجنبي منها قال في البحر ويستثنى من هذا ما إذا قرأ المصلي غير المقتدي تلك السجدة التي سمعها ممن ليس مع في الصلاة وسجد لها فيها فإنه لا إعادة عليه ونابت تلك السجدة عنهما جميعا وتمامه
__________
1 قوله كما يجب على الجنب الذي في الشرح هنا ومن الجنب فليراجع اهـ.(1/484)
الصحيح "وتجب" السجدة "بسماع" القراءة باللغة "الفارسية إن فهمها على المعتمد" وهذا عندهما وتجب عليه عند أبي حنيفة وإن لم يفهم معناها إذا أخبر بأنها آية سجدة ومبنى الخلاف على أن الفارسية قرآن من كل وجه أو من وجه وإذا فهم تجب احتياطا "واختلف التصحيح في وجوبها" على السامع "بالسماع من نائم أو مجنون" ذكر شيخ الإسلام أنه لا يجب لعدم صحة التلاوة بفقد التمييز وفي التتارخانية سمعها من نائم قيل تجب والصحيح هو المختار ومن نائم الصحيح أنها تجب ومثله قاضيخان وإذا أخبر أنه قرأها في نومه تجب عليه وهو الأصح وفي الهداية لا يلزمه هو الصحيح وقراءة السكران موجبة عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فيه قوله: "ولم تفسد صلاتهم" قيده في التجنيس وغيره بما إذا لم يتابع المصلي التالي في سجوده فإن تابعه فسدت ولا تجزيه السجدة عما سمع كما في البحر والنهر قوله: "لأنها من جنسها" وزيادة سجدة واحدة لا تبطل التحريمة قوله: "وهو الصحيح" وقيل لا تفسد ونسب إلى محمد وفي غاية البيان الأصح عدم الفساد اتفاقا قوله: "وهذا عندهما" وروى رجوعه إليهما وعليه الاعتماد كذا في الجوهرة قوله: "وتجب عليه عند أبي حنيفة" أي على القول المرجوع عن من جواز الصلاة بها سواء كان يحسن العربية أو لا فتكون قرآنا من كل وجه فتجب وأما قوله المرجوع إليه فهو كقولهما فلا تجب السجدة إلا بالفهم لأنها قرآن من وجه وهو المعنى دون وجه وهو النظم فإذا فهم كان سامعا للقرآن من وجه دون وجه فتجب احتياطا قوله: "إذا أخبر بأنها آية سجدة" أما إذا لم يخبر فلا تجب لأنه لا تكليف بدون علم أو دليله ويفهم منه أنه على قولهما يشترط الفهم والإخبار معا قوله: "أو مجنون" في الذخيرة ذكر في نوادر الصلاة أن الجنون إذا قصر بأن كان يوما وليلة أو أقل تلزمه السجدة بالتلاوة والسماع حال الجنون فيؤديها بعد الإفاقة لأنه أهل للقضاء قال المحقق ابن أمير حاج وفيه نظر بل الوجه أنه لا يجب على المجنون شيء إذا سمع أو تلا في حالة الجنون مطلقا سواء كان قصيرا أو مطبقا لأنه ليس بأحسن حالا من النائم والمغمى عليه وهما لا تجب عليهما بالأمرين في الحالين فكذا هذا اهـ قوله: "سمعها من طير لا تجب" الأولى تأخير هذه الجملة عند قول المصنف الآتي ولا تجب من سماعها من الطير ويجعلها دليلا عليه قوله: "وإذا أخبر الخ" هذ مسألة زائدة عما في المصنف قصد بها التنبيه على الحكم في حق النائم إذا تلا قوله: "وقراءة السكران موجبة عليه" قال المحقق ابن أمير حاج وينبغي أن يقال على ما يظهر من هذا التعليل ان الوجوب يختص بسكران من محظور لا من مباح كما لو غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا الخمر وخاف هلاك نفسه إن لم يسغها فشرب منه ما أساغها فقط فسكر من ذلك أو أكره على الشرب الإكراه الشرعي وتلا في حالة السكر أو سمع وليس عنده مسكة يميز بها ما يقول وما يسمع حتى انه لا يتذكر ذلك بعد الصحو فلا تجب(1/485)
وعلى السامع والأبكم والأصم وكاتب السجدة لا تجب برؤية من سجد والكتابة لعدم التلاوة والسماع "ولا تجب" سجدة التلاوة "بسماعها من الطيور" على الصحيح وقيل تجب وفي الحجة هو الصحيح لأنه سمع كلام الله وكذا الخلاف بسماعها من القرد المعلم "و" لا تجب بسماعها من "الصدى" وهو ما يجيب مثل صوتك في الجبال والصحاري ونحوها "وتؤدي بركوع أو سجود" كاثنين "في الصلاة غير ركوع الصلاة و" غير "سجودها" والسجود أفضل لأنه تحصيل قربتين سورة الواجب ومعناه وبالركوع المعنى وهو الخضوع وإذا كانت آخر تلاوة ينبغي أن يقرأ ولو آيتين من سورة أخرى بعد قيامه منها حتى لا يصير بانيا الركوع على السجود ولو ركع بمجرد قيامه منها كره "ويجزئ عنها" أي عن سجدة التلاوة "ركوع الصلاة إن نواها" أي نوى أدائها فيه نص عليه محمد لأن معنى التعظيم فيها واحد وينبغي ذلك للإمام مع كثرة القوم أو حال المخافتة حتى لا يؤدي إلى التخليط "و" يجزئ
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
عليه السجدة والله تعالى أعلم قوله: "والأبكم" هو وما عطف عليه مبتدأ وقوله لا تجب خبر والأولى زيادة عليهم قوله: "برؤية من سجد" يرجع إلى الأبكم والأصم وقوله والكتابة بالجر عطف على قوله برؤية وهو يرجع إلى كاتب السجدة قوله: "لعدم التلاوة والسماع" علة لعدم الوجوب عليهم قوله: "على الصحيح" وهو المختار لأنها محاكاة وليست بقراءة لعدم التمييز وكذا يقال في القرد المعلم كما في الجوهرة والمضمرات قوله: "من الصدى" بوزن حصى قوله: "وهو ما يجيبك الخ" الأولى قول بعضهم الصوت الذي يسمعه المصوت عقب صياحه راجعا إليه من جبل أو بناء مرتفع اهـ فإنه لا إجابة في الصدى وإنما هو محاكاة قوله: "في الصلاة" هذا القيد بالنسبة إلى الركوع فقط فلا يجزى عنها ركوع في خارجها لأن الأثر إنما ورد فيما إذا ركع فيها فقط فيقتصر على مورد الأثر لكن في البحر واختار قاضيخان أن الركوع خارج الصلاة ينوب عنها وفي النهر عن البزازية وهو ظاهر المروي اهـ فيحمل على اختلاف الرواية قوله: "صورة الواجب" وهو السجود قوله: "ومعناه" هو الخضوع كما أفاده بعده قوله: "ينبغي أن يقرأ ولو آيتين الخ" قال في الفتح فينبغي أن يقرأ ما بقي من السورة ولو آيتين كسورة الإسراء أو ثلاث آيات كانشقت وإن كانت الآية آخر السورة يقرأ من سورة أخرى ثم يركع اهـ قوله "على السجود" أي أو على ركوع مثله قوله: "كره" أطلق في الكراهة وظاهره التحريم ويحرر قوله: "إن نواها" أي عند الركوع وإن نوى في الركوع ففيه قولان وإن نوى بعد الرفع منه لا يجوز بالإجماع كما في البحر عن الاسبيجابي وفي القهستاني عن الجلابي عن محمد أنه ينوب بدون نية قوله: "نص عليه محمد" أي على اشتراط النية كما يؤخذ من الشرح قوله: "فيهما واحد" أي في السجود والركوع فكما يحصل التعظيم بالسجود كذلك يحصل بالركوع قوله: "وينبغي ذلك للإمام" أن يجعلها في ركوع الصلاة إن كانت سرية أو في سجودها إن كانت جهرية أي ولا يجعل لها ركوعا أو سجودا(1/486)
عنها أيضا "سجودها" أي سجود الصلاة "وإن لم ينوها" أي التلاوة "إذا لم ينقطع فور التلاوة" وانقطاعه "ب" أن يقرأ "أكثر من آيتين" بعد آية سجدة التلاوة بالإجماع وقال شمس الأئمة الحلواني لا ينقطع الفور ما لم يقرأ أكثر من ثلاث آيات وقال الكمال أن قول شمس الأئمة هو الرواية.
تنبيه مهم إذا انقطع فور التلاوة صارت دينا فلا بد من فعلها بنية فيأتي لها بسجود أو ركوع خلص. قال المحقق الكمال بن الهمام رحمه الله تعالى فإن قلت قد قالوا: إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مستقلا خوف الفساد من غيره ولو أخر ذلك بعد قوله وسجودها وإن لم ينوه لكان أولى وفي الدر ولو نواها في ركوعه ولم ينوها المؤتم لم يجزه ويسجد إذا سلم مع الإمام ويعيد القعدة ولو تركها فسدت صلاته كذا في القنية وينبغي حمله على الجهرية اهـ انظر هل الانبغاء للوجوب قوله: "حتى لا يؤدي إلى التخليط" أي على القوم إذا سجد لها سجودا مستقلا قوله: "وإن لم ينوها" لا حراز نية الصلاة لها لأن من نوى الصلاة نوى قراءتها وهي من اتباع القراءة واعلم أن في اشتراط النية وعدمه في كل من الركوع والسجود اختلافا فمن لم يشترط قال ينوب كل من الركوع والسجود عن سجدة التلاوة مطلقا لأن الحاجة إلى تحصيل التعظيم في هذه الحالة وقد وجد نوى أو لم ينو كالفرض ينوب عن تحية المسجد وإن لم ينوي ومن اشترط قال لاختلاف سبب الوجوب فكان يعني سجدة التلاوة وكلا من ركوع الصلاة وسجودها جنسين مختلفين فلا بد في إقامة غير الجنس عن الجنس من النية ومن شرطها في الركوع دون السجود قال هو بالسجود مؤد للواجب بصورته ومعناه فلا يحتاج إلى النية وأما بالركوع فمؤد له بمعناه فقط فيحتاج إلى النية هذا ما يفيده كلام البدائع وغيرها وهناك أقوال أخرى حكاها العلامة الشمني وقد علمت الراجح وهو ما في المصنف قوله: "إذا لم ينقطع" مرتبط بالركوع والسجود جميعا قوله: "بأن يقرأ أكثر من آيتين" اعلم أن الفور لا ينقطع بآية بعد آيتها أو آيتين اتفاقا وينقطع بأربع اتفاقا واختلف في الثلاث فقيل ينقطع واختاره خواهر زاده وقيل لا واختاره الحلواني وهو أصح من جهة الرواية كما في الحلبي والأول أصح من جهة الدراية لأنه أحوط كما ذكره المؤلف وفي البدائع وأكثر مشايخنا لم يقدروا في ذلك تقديرا فكان الظاهر أنهم يفوضون ذلك إلى رأي المجتهد كما فعلوا ذلك في كثير من المواضع وهو الأوجه أو يعتبر ما يعد طويلا اهـ قوله: "تنبيه مهم الخ" الأولى ما فعله السيد من حذفه لأن المؤلف وضع للمبتدي وهذا لا يليق به بل محل إيضاحه باب القياس من كتب الأصول قوله: "إذا انقطع فور التلاوة" أي بتلاوة أربع آيات بعد آيتها اتفاقا وبالثلاث على الخلاف أو بما يعد طويلا قوله: "فيأتي لها بسجود أو ركوع خاص" لفوات المحل والدين يقضي بما له لا بما عليه والركوع والسجود عليه فلا يتأدى بهما الدين بخلاف ما لم تصر دينا كما لو ركع أو سجد فور التلاوة لأن الحاجة هو(1/487)
تأديتها في ضمن الركوع وهو القياس والاستحسان عدمه والقياس هنا مقدم على الاستحسان فاستغنى بكشف هذا المقام. فالجواب أن مرادهم من الاستحسان ما خفي من المعاني التي يناط بها الحكم ومن القياس ما كان ظاهرا متبادرا فظهر من هذا أن الاستحسان لا يقابل بالقياس المحدود في الأصول بل هو أعم منه فقد يكون الاستحسان بالنص وقد يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التعظيم عند تلك التلاوة وقد وجد في ضمنها فيكفي كداخل المسجد إذا صلى الفرض كفاه عن تحية المسجد لحصول تعظيم المسجد أفاده في الشرح قوله: "فإن قلت الخ" اختلف في محل القياس والاستحسان فذكر العامة أنه في إقامة الركوع مقام السجدة في الصلاة فقط وقال بعضهم في إقامته عنها مطلقا وقد علمت الخلاف في ذلك قوله "هو القياس" وجه القياس أن المقصود من السجود تعظيم الله تعالى أما اقتداء بمن عظمه وهم أولياؤه تعالى أو مخالفة لمن استكبر وهم أعداؤه تعالى وذلك يحصل بالركوع كما يحصل بالسجود فهما في التعظيم جنس واحد قوله: "والاستحسان عدمه" أي عدم تأديتها في ضمنه لأن الواجب هو التعظيم بصفة مخصوصة فلا يقوم غيره مقامه قوله: "والقياس هنا" أي في هذه المسئلة مقدم على الاستحسان قالمحمد وبالقياس نأخذ وإن كان الأصل هو العمل بالاستحسان لأن القياس ترجح بما روى عن ابن مسعود وابن عمر أنهما أجازا أن يركع عن السجود في الصلاة ولم يره عن غيرهما خلافه فكان كالإجماع فقدم على الاستحسان لوجود المرجح اهـ قوله: "فأسعفني" بعين مهملة ثم فاء ومعناه قضاء الحاجة أي اقض حاجتي كما أفاده في القاموس فقوله بكشف هذا المقام يحتمل أن الباء للتصوير برأي اقض الحاجة التي هي كشف هذا المقام ويحتمل أن الحاجة التفهيم فتكون الباء للسببية والمراد بيان أنه لأي شيء قدم القياس هنا على الاستحسان وسيأتي في الجواب أنه إنما قدم لقوة دليله وما وقع في النسخ من غير هذه المادة فهو تحريف قوله: "من المعاني" أي العلل قوله: "التي يناط" أي يعلق بها الأحكام سواء كان الاستحسان بالنص أو بالضرورة أو بالقياس قوله: "متبادرا" جليا يدرك بأدنى تأمل قوله: "من هذا" أي المراد قوله: "لا يقابل بالقياس المحدود في الأصول" اعلم أن القياس في اللغة التقدير يقال قست النعل بالنعل أي قدرتها بها وفي الشرع كما في المنار تقدير الفرع بالأصل في العلة والحكم واختار المحقق في التحرير أنه مساواة محل لآخر في علة حكم شرعي له لا تدرك من نصه بمجرد فهم اللغة فلا يقاس في اللغة وعرفه أبو منصور الماتريدي أنه إبانة مثل حكم أحد المذكورين بمثل علته في الآخر والإستحسان في اللغة عد الشيء حسنا وفي التلويح قد استقرت الآراء على أنه اسم لدليل متفق عليه نصا كان أو إجماعا أو قياسا خفيا إذا وقع في مقابلة قياس تسبق إليه الافهام حتى لا يطلق على نفس الدليل من غير مقابلة فهو حجة عند الجميع من غير تصور خلاف ثم إنه غلب في اصطلاح الأصول على القياس الخفي خاصة كما غلب اسم القياس على القياس الجلي تمييزا بين(1/488)
بالضرورة بالقياس إذا كان قياس آخر متبادرا وذلك خفي وهو القياس الصحيح فيسمى الخفي استحسانا بالنسبة إلى ذلك المتبادر فثبت به أن مسمى الاستحسان في بعض الصور هو القياس الصحيح ويسمى مقابله قياسا باعتبار الشبه وبسبب كون القياس المقابل ما ظهر بالنسبة إلى الاستحسان ظن محمد بن سلمة أن الصلبية هي التي تقوم مقام
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
القياسين وأما في الفروع فإطلاق الاستحسان على النص والإجماع عند وقوعهما في مقابلة القياس الجلي شائع اهـ من شرح الشيخ زين على المنار قوله: "بل هو" أي الاستحسان قوله: "فقد يكون" في مقام التعليل للأعمية قوله: "بالنص" كالسلم فإن القياس يأبى جوازه لعدم المعقود عليه عند العقد إلا أنا تركناه بالنص من أسلم فليسلم الخ وحديث نهى عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم اهـ من شرح المنار قوله: "وقد يكون بالضرورة" كتطهير الأواني والآبار والحياض فإن القياس يأبى تطهير هذه الأشياء بعد تنجسها لتعذر صب الماء على البئر للتطهير وكذا الماء الذي في الحوض والذي ينبع من البئر المتنجس بملاقاة النجس وتنجس الدلو بها أيضا فلا تزال تفور وهي نجسة وكذا الماء إذا لم يكن في أسفله ثقب لأن الماء النجس مجتمع في أصله فلا يحكم بطهارته اهـ من الشرح المذكور قوله: "وقد يكون بالقياس" كطهارة سؤر سباع الطير كالصقر والبازي فإن القياس الجلي أن سؤره نجس لما أنه من السباع وفي الاستحسان طاهر لأن السبع ليس بنجس العين بدليل جواز الانتفاع به شرعا وقد ثبتت نجاسته ضرورة تحريم لحمه فأثبتنا حكما بين حكمين وهو النجاسة المجاورة فثبتت صفة النجاسة في رطوبته ولعابه وسباع الطير تشرب بالمنقار على سبيل الأخذ ثم الابتلاع والعظم طاهر بذاته خال عن مجاورة النجس ألا ترى أن عظم الميتة طاهر فعظم الحي أولى فصار لهذا باطنا ينعدم ذلك الظاهر في مقابلته فسقط حكم الظاهر لعدمه لكنه مكروه لأنها لا تحترز عن الميتة فكانت كالدجاجة المخلاة اهـ من الشرح المذكور وسكت المؤلف عما استحسن بالإجماع وهو ما فيه تعامل الناس المسمى بالاستصناع كخرز الخف والقياس يأباه لأنه بيع معدوم قوله: "إذا كان قياس آخر متبادر" كسؤر سباع البهائم فإن القياس الجلي فيه النجاسة كما تقدم وكان هنا تامة قوله: "وذلك خفي" أي الاستحسان الذي بالقياس قوله: "وهو القياس الصحيح" أي القياس الخفي المعبر عنه بالاستحسان قوله: "فيسمى الخفي" أي القياس الخفي الصحيح قوله: "إلى ذلك المتبادر" أي القياس الجلي الظاهر كالنجاسة في سؤر سباع الطير مثلا قوله: "في بعض الصور" منها سؤر سباع الطير قوله: "وهو القياس الصحيح" وهو القياس الخفي وهو طهارة سؤرها قوله: "مقابلة" أي مقابل الصحيح وهو القياس الجلي قوله: "باعتبار الشبه" أي شبهه للقياس في الظهور وإلا فهو فاسد خارج عن الأقيسة الصحيحة قوله: "وبسبب كون القياس" متعلق بظن قوله: "المقابل" بالجر صفة القياس وقوله ما ظهر هو الخبر ولو قال(1/489)
سجدة التلاوة لا الركوع فكان القياس على قوله أن تقوم الصلبية وفي الاستحسان لا تقوم بل الركوع لأن سقوط السجدة بالسجدة أمر ظاهر فكان هو القياس وفي الاستحسان لا يجوز لأن السجدة قائمة مقام نفسها فلا تقوم مقام غيرها كصوم يوم من رمضان لا يقوم عن نفسه وعن قضاء يوم آخر فصح أن القياس وهو الآمر الظاهر هنا مقدم على الاستحسان بخلاف قيام الركوع مقامها فإن القياس يأبى الجواز لأن الظاهر وفي الاستحسان يجوز وهو الخفي فكان حينئذ من تقديم الاستحسان لا القياس لكن عامة المشايخ على الركوع هو القائم مقامها كذا ذكره محمد رحمه الله في الكتاب فإنه قال قلت فإن أراد أن يركع بالسجدة نفسها هل يجزئه ذلك قال أما في القياس فالركعة في ذلك والسجدة سواء لأن كل ذلك صلاة وأما في الاستحسان فينبغي له أن يسجد وبالقياس نأخذ هذا لفظ محمد وجه القياس ما ذكره محمد أن معنى التعظيم فيهما واحد فكانا في حصول التعظيم بهما جنسا واحدا والحاجة إلى تعظيم الله إما اقتداء بمن عظم وإما مخالفة لمن استكبر فكان الظاهر هو الجواز ووجه الاستحسان أن الواجب هو التعظيم مخصوصة وهو السجود بدليل أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
المصنف وبسبب كون القياس هو الظاهر والاستحسان ما قابله ظن الخ لكان أوضح قوله: "بالنسبة إلى الاستحسان" يعني أن الاستحسان هو القياس الخفي الذي يقابل الظاهر فلا يكون القياس مقابلا للظاهر إلا إذا أريد به الاستحسان وأما القياس بالنسبة إلى ما غلب عليه عند الأصوليين فهو الجلي قوله: "ظن محمد بن سلمة الخ" يعني أنه حكم بتقديم القياس على الاستحسان والقياس الظاهر هنا صحة إقامة السجدة الصلبية مقام التلاوية والاستحسان عدم الصحة لأن الصلبية قائمة مقام نفسها فلا تقوم مقام غيرها وجعل تأديتها بالركوع استحسانا والقياس يأباه لأنه جعل القياس هو الظاهر ومقابله هو الاستحسان ولو نظر لما قاله من قوله قلنا الخ لجعل تأديتها بالركوع قياسا لا استحسانا قوله: "فكان القياس" أي الظاهر وقوله أن تقوم خبر كان قوله: "وفي الاستحسان" الأولى حذف في قوله: "بل الركوع" أي والقياس هنا مقدم فلا يقوم عنده ويدل على ذلك قوله بعد لكن العامة الخ قوله: "لأن سقوط الخ" علة لقوله فكان القياس على قوله قوله: "وفي الاستحسان لا يجوز" أعاده ليعلل قوله: "هنا" أي في تأدية التلاوية بالصلبية قوله: "فإن القياس بأبي الجواز" لأنه تأدية الواجب بغير صورته قوله: "فكان" أي تأديتها بالركوع قوله: "حينئذ" أي حين إذ كان الإستحسان يجوزه والقياس يمنعه أي وقد ذكروا أن القياس هنا مقدم على الإستحسان وذلك يقتضي عدم صحة تأديتها بالركوع وذلك بسبب ظنه أن القياس هو الظاهر وأن الإستحسان ما قابله ولو نظر إلى ما سيأتي لجعله قياسا فيكون مقدما على الاستحسان قوله: "لأن كل ذلك صلاة" أي من أفعالها قوله: "فينبغي له أن يسجد" لأن فيه أداء الواجب بصورته ومعناه قوله: "أما اقتداء بمن عظم" وهم الأنبياء قوله: "وأما مخالفة لمن استكبر" وهم الكفار(1/490)
لو لم يركع على الفور حتى طالت القراءة ثم نوى بالركوع أن يقع عن السجدة لا يجوز ثم أخذوا بالقياس لقوة دليله وذلك لما روي عن ابن مسعود وابن عمر أنهما كانا أجازا أن يركع عن السجود في الصلاة ولم يرو عن غيرهما خلافه فلذا قدم القياس فإنه لا ترجيح للخفي لخفائه ولا للظاهر لظهوره بل يرجح في الترجيح إلى ما اقترن بهما من المعاني فمتى قوي الخفي أخذوا به والظاهر أخذوا به غير أن استقراءهم أوجب قله قوة الظاهر المتبادر بالنسبة إلى الخفي المعارض له فلذا حصروا مواضع تقديم القياس على الاستحسان في بضعة عشرة موضعا تعرف في الأصول هذا أحدها ولا حصر لمقابله اهـ "ولو سمع" آية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "حتى طالت القراءة" على ثلاث آيات وقد علمت الخلاف في الطول قوله: "وذلك" أي الدليل القوي قوله: "ولم ير وعن غيرهما خلافه" فكان إجماعا قوله: "فلذا قدم القياس" أي لقوة دليله وهذا هو روح الجواب فحاصله أنه إنما قدم لقوة دليله قوله: "للخفي" أي الذي هو الإستحسان قوله: "من المعاني" أي العلل قوله: "غير أن استقراءهم" أي تتبعهم الجزئيات التي اجتمع فيها الخفي والظاهر قوله: "فلذا" أي لا يجاب استقرائهم قلة قوة الظاهر قوله: "في بضعة عشر موضعا" تعرف في الأصول منها هذا وهو تأدية سجود التلاوة بالركوع إذا كانت صلاتية ومنها إذا قال إن ولدت ولدا فأنت طالق وقالت قد ولدت وكذبها الزوج في القياس أن لا تصدق ولا يقع عليه الطلاق وأخذوا فيها بالقياس ومنها رجلان في أيديهما دار أقام كل منهما بينة أن فلانا آخر رهنها عنده وأقبضها إياه لا تكون رهنا لواحد منهما في القياس وبه نأخذ والإستحسان يكون لكل منهما نصفها رهنا بنصف الدين ومنها لو قال الطالب أسلمت إليك في ثوب هروي طوله ستة أذرع في ثلاثة أدرع وقال المطلوب طوله خمسة أذرع في ثلاثة تحالفا قياسا وبه نأخذ وفي الإستحسان القول للمطلوب ومنها لو شهد أربعة على رجل بالزنا وشهد عليه رجلان بالاحصان وأمر القاضي برجمه ثم وجد الإمام شاهدي الأحصان عبدين أو رجعا عن الشهادة ولم يمت المرجوم بعد إلا أنه أصابه جرحات القياس في هذا أن يقام عليه حد الزنا مائة جلدة وهو قولهما لأن ما حصل من بعد الرجم لم يكن على وجه الحكم بسبب ظهورهم عبيدا فكان كالعدم وفي الاستحسان يدرأ عنه الحد ومنها لو شهدوا على رجل بالزنا فقضى القاضي بجلده مائة ثم شهد شاهدان أنه محصن ولم يكمل الجلد فالقياس في هذا الرجم وفي الإستحسان لا يرجم وبالقياس أخذ ومنها لو تزوج امرأة على غير مهر مسمى وأعطاها رهنا بمهرها ثم طلقها قبل الدخول لها المتعة ولو هلك الرهن عندها يذهب بالمتعة في قول محمد استحسانا والقياس أن لا يذهب بها وهو قول أبي يوسف وللمرأة مطالبة الزوج بالمتعة ومنها لو وكل الحربي المستأمن مثله بخصومة في دار الإسلام ثم الحق الموكل بدار الحرب وبقي الوكيل في دار الإسلام بطلت الوكالة في القياس وفي الإستحسان لا وبالقياس نأخذ(1/491)
السجدة "من إمام فلم يأتم به" أصلا "أو ائتم" به "في ركعة أخرى" غير التي تلا الآية فيها وسجد لها الإمام "سجد" السامع سجودا "خارج الصلاة" لتحقق السمع وهو التلاوة الملزمة أو السماع من تلاوة صحيحة على اختلاف المشايخ في السبب وقوله "في الأظهر" متعلق بالمسألة الأخيرة صونا لها عن الضياع وللصلاة عن الزائد وأشار في بعض النسخ إلى أنها تسقط عنه بالاقتداء في ركعتها بناء على أنها صلوية "وإن ائتم" السامع "قبل سجود إمامه لها سجد معه" لوجود السبب وعدم المانع "فإن اقتدى" السامع "به" أي بالإمام "بعد سجودها" وكان اقتداؤه "في ركعتها صار" السامع "مدركا لها" أي للسجدة "حكما" بإدراكه ركعتها فيصير مؤديا لها حكما "فلا يسجدها أصلا" باتفاق الروايات لأنه لا يمكنه أن يسجدها في الصلاة لما فيه من مخالفته الإمام ولا بعد فراغه منها لأنها صلوية "ولم تقض الصلاتية خارجها" لأن لها مزية فلا تتأدى بناقض وعليه التوبة لإثمه بتعمد تركها كالجمعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ومنها رجل له ابن من أمة غيره بالنكاح فاشترى الأب هذه الأمة لابنه المعتوه القياس أن يقع الشراء للأب ولا يقع للمعتوه وفي الاستحسان يقع وبالقياس أخذ ومنها لو وقع رجل في بئر حفرت في طريق فتعلق بآخر وتعلق الآخر بآخر فوقعوا جميعا فماتوا فوجدوا في البئر بعضهم على بعض فإن حافر البئر يضمن دية الأول ويضمن الأول دية الثاني ويضمن الثاني دية الثالث فيكون ذلك على عواقلهم فهذا هو القياس وبه نأخذ وفيها قول آخر هو الإستحسان وليس المقصود حصرها فيما ذكر قالفخر الإسلام هذا قسم عز وجوده اهـ وقد أنهيت إلى اثنين وعشرين مسئلة فأما القسم الذي يرجح فيه الإستحسان على القياس فأكثر من أن يحصى اهـ من شرح المنار للعلامة زين ملخصا قوله: "ولا حصر لمقابله" وهوتقديم الإستحسان على القياس والإستحسان من الأدلة عندنا ومن نفاه لم يدر ما هو كما في التحرير قوله: "وهو التلاوة الملزمة" خرج غير الملزمة كتلاوة النائم على أحد قولين صونا لها عن الضياع لو تركها قوله: "وللصلاة عن الزائد" لو سجدها فيها وهو راجع لقوله سجد خارج الصلاة على سبيل النشر المرتب قوله: "وأشار في بعض النسخ الخ" ظاهره أن الضمير للمصنف وفيه أن الإشارة تؤخذ من قوله في المتن في الأظهر والذي في كبيره وقال العتابي أشار في بعض النسخ إلى أنها تسقط عنه بالإقتداء في غير ركعتها لأن السماع بناء على التلاوة وقد وجدت في الصلاة فكانت السجدة صلوية فلم تؤد خارجها اهـ ولعل ضمير أشار في كلام العتابي إلى ما شرح عليه قوله: "فيصير مؤديا لها حكما" فمن أدرك الإمام في ركوع ثالثة الوتر فإنه يكون مدركا للقنوت قوله: "فلا يسجدها أصلا" أي مطلقا لا في الصلاة ولا خارجها وقد علل المؤلف للوجهين قوله: "لأن لها مزية" أي مزية الصلاة فلا تتأدى بالسجود خارجها لأنه أنقص من السجود فيها قوله: "لاثمه بتعمد تركها" لأنها واجبة والواجب يأثم المكلف بتركه قوله: "كالجمعة" أي كترك الجمعة فإنه يأثم به إن كان تركها(1/492)
لفوات الشرط إذا لم تفسد الصلاة بغير حيض ونفاس فإذا فسدت به فعليه السجدة لأن المفسد لا يبطل جميع أجزاء الصلاة وإنما يفسد الجزء المقارن فيمنع البناء عليه والحائض تسقط عنها السجدة بالحيض كالصلاة وفي حكمها النفساء من إضافة الحكم إلى سببه وهو الأصل في الإضافة لأنها للاختصاص وأقوى "ولو تلا" آية "خارج الصلاة فسجد" لها "ثم" دخل في الصلاة و "أعاد" تلاوتها "فيها" أي في الصلاة في مجلسه "سجد" سجدة "أخرى" لعدم تبعيتها للخارجية لقوة الصلاتية "وإن لم يسجد أولا" حين تلا أو سمع خارج الصلاة "كفته" سجدة "واحدة" وهي الصلاتية من التلاوتين لقوتها "في ظاهر الرواية" وإذا تبدل المجلس بنحو أكل لزم سجدتان
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
لأجل تفويته شرطا كأن أخرها حتى خرج وقتها أما إذا تركها متهاونا فإنه يكفر كما سيأتي قوله: "فإذا فسدت به" أي بغير الحيض والنفاس قوله: "والحائض" محترز قوله بغير الحيض والنفاس.
تنبيه إنما قال المصنف خارجها لأنها تقضي داخلها بأن أخرها حتى طالت القراءة فإنها تصير قضاء ولكنه يسجدها فيها أما إذا لم تطل القراءة فينوب عنها سجود الصلاة ولو من غير نية وقدمنا عن الدراية أنه يقضيها ما دام في حرمة الصلاة ولو بعد السلام ما لم يأت بمناف اهـ قال في الشرح وتعبيرنا بالصلاتية متنا تبع للهداية والكنز وهو مستعمل عند الفقهاء كثيرا فهو خير من صواب نادر قال الكمال وصواب النسبة صلوية برد ألفه واو أو حذف التاء وإذا كانوا حذفوها في نسبة المذكر إلى المؤنث كنسبة الرجل إلى بصرة مثلا فقالوا: بصرى لا بصرتي كي لا يجتمع تاآن في النسبة إلى المؤنث فيقولون بصرتية فكيف بنسبة المؤنث إلى المؤنث اهـ ق وله: "ولو تلا آية خارج الصلاة" ومثله ما لو سمع كما ذكره المصنف ولم يسجد أولا قوله: "في مجلسه" بأن شرع في الصلاة في مكانه قبل أن يشتغل بعمل آخر قوله: "لقوتها" فتجعل الخارجية تبعا لها حتى لو لم يسجد للصلاتية لم يأت بالخارجية أيضا لأنها أخذت حكم الصلوية فتسقط تبعا لها ولكنه يأثم كما في البحر والنهر وسبق الخارجية عن الصلوية غير مانع من جعلها تبعا لها لأن مبنى سجود التلاوة على التداخل قاله السيد قوله: "في ظاهر الرواية" وفي رواية النوادر يسجد للأول إذا فرغ من الصلاة لأن السابق لا يكون تبعا للاحق ولأن المكان قد تبدل بالاشتغال بالصلاة فصار كما لو تبدل بعمل آخر وجه الظاهر أن الدخول في الصلاة عمل قليل وبمثله لا يختلف المجلس كذا في الشرح قوله: "وإذا تبدل المجلس" محترز قوله في مجلس قوله: "بنحو أكل" كمشى أكثر من خطوتين والمراد أكل ما فوق لقمتين لأنه الذي يتبدل به المجلس لا بالأقل كما سيأتي قوله: "في ظاهر الرواية" وقيل لا تجب ووفق السرخسي بينهما بحمل الأول على ما إذا تكلم لأن الكلام يقطع حكم المجلس والثاني على ما إذا لم يتكلم وهو الصحيح أي في التوفيق لا في نفس الحكم لتقديم ظاهر الرواية كذا يفاد من الشرح(1/493)
وكذا إذا سجد في الصلاة ثم أعادها بعد سلامه يسجد أخرى في ظاهر الرواية لعدم بقاء الصلوية حكما "كمن كررها" أي الآية الواحدة "في مجلس واحد" حيث تكفيه سجدة واحدة سواء كانت في ابتداء التلاوة أو أثنائها أو بعدها للتداخل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها على أصحابه مرارا ويسجد مرة وهذا تداخل في السبب لا الحكم فتنوب عما قبلها وبعدها لأنه أليق بالعبادات والتداخل في الحكم لا ينوب إلا عن السابق لا اللاحق وهو أليق بالعقوبات فالحد بعد الشرب أو الزنا مرارا كاف لها وإذا عاد يعاد عليه لأنه للزجر ولم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "لعدم بقاء الصلوية حكما" قال في الشرح لأن المتلوة في الصلاة لا وجود لها لا حقيقة ولا حكما والموجود هو الذي يستتبع دون المعدوم اهـ أي فلا يقال إن المجلس واحد والمتلو متحد ومقتضاه إغناء سجدة واحدة للفرق في المكرر بين أن يكون واحدا ولو تقدمت عما تكرر منها قوله: "كمن كررها في مجلس واحد" لا فرق في المكرر بين أن يكون واحدا أو متعددا كأن سمع السجدة من رجل ثم سمعها في ذلك المجلس من آخر ثم قرأها فيه فإنه يكفيه سجدة واحدة قوله: "سواء كانت في ابتداء التلاوة الخ" الأولى أن يقول في ابتداء التكرار قال في القنية والأولى أن يبادر فيسجد ثم يكرر وتعقبه في البحر بأن الأولى تأخير السجود لما قيل أن التداخل فيها في الحكم لا في السبب فالاحتياط على هذا التأخير كما لا يخفي وفي الشرح يستحب تكرار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا سجود التلاوة قوله: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم الخ" ولأن تكرار القراءة محتاج إليه للحفظ والتعليم فلو تكرر الوجوب لزم الحرج وهو مرفوع بخلاف ما إذا تعدد المجلس أو المتلو حيث يتكرر الوجوب عملا بالقياس لعدم الحرج قوله: "وهذا تداخل في السبب" بأن تجعل التلاوات المتعددة حقيقة كتلاوة واحدة حكما فتكون الواحدة سببا والباقي تبعا لها لأنها جنس واحد فيجب حكم واحد ويلحق ما تأخر منها عن السجود بما تقدم عليه قوله: "لأنه أليق بالعبادات" بيان ذلك أن التداخل إذا كان في الحكم دون السبب كانت الأسباب باقية على تعددها فيلزم ترك العبادة مع وجود سببها الموجب لها وهو شنيع لأن فيه ترك الاحيتاط فيما يجب فيه الاحتياط فقلنا بتداخل الأسباب فيها ليكون جميعها بمنزلة سبب واحد ترتب عليه حكمه إذا وجد دليل الجمع وهو اتحاد المجلس فأما العقوبات فليست مما يحتاط فيها بل في درئها فيجعل التداخل في الحكم ليكون عدم الحكم مع وجود الموجب مضافا إلى عفو الله تعالى قوله: "والتداخل في الحكم الخ" هو جعل الأسباب المتعددة موجبة حكما واحدا مع بقاء تعددها فلا يلحق ما تأخر منها عن الحكم بما تقدم عليه وهو الأصل في التداخل لأن التداخل أمر حكمي يثبت بخلاف القياس إذ الأصل أن لكل سبب حكما فيليق بالأحكام لثبوت الأسباب حسا بخلاف الأحكام واعتبار الثابت حسا غير ثابت أبعد من اعتبار الثابت حكما غير ثابت قوله: "مرارا" عائد إلى الشرب وإلى الزنا أي لو شرب مرارا في مجلس بحيث تبقى رائحة الشرب(1/494)
ينزجر بالأول "لا" في "مجلسين" لعدم ما يقتضي التداخل "ويتبدل المجلس بالانتقال منه" بخطوات ثلاث في الصحراء والطريق "ولو كان مسديا" في الأصح بأن يذهب وبيده السدى ويلقيه على أعواد مضروبة في الحائط والأرض لا الذي يدير دولابا يسمى دوارة يلقي عليه السدى وهو جالس أو قائم بمحل "و" يتبدل المجلس "بالانتقال من غصن" شجرة "إلى غصن" منها في ظاهر الرواية وهو الصحيح "و" يتبدل المجلس في "عوم" أي سباحة "في نهر" "أو" سباحة في "حوض كبير" ودياسة ودور حول الرحى لاختلاف المجلس وقوله "في الأصح" رجع إلى المسائل كلها "ولا يتبدل" مجلس السماع والتلاوة "بزوايا البيت" الصغير "و" لا يتبدل مجلس التلاوة بزوايا "المسجد ولو" كان "كبيرا" لصحة الاقتداء مع اتساع
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
من الجميع وحد كفى عنها جميعها ولا يكفي حد واحد عن شرب وزنا لاختلاف الأسباب والمسببات قوله: "وإذا عاد يعاد" ولو في المجلس قوله: "لعدم ما يقتضي التداخل" لأنه إنما يصح عند جامع يجمع الأسباب ويجعلها كسبب واحد وهو المجلس إذ به يتصل الإيجاب مع القبول مع الفصل حقيقة وتتحد الأقارير المتعددة حقيقة كما لو أقر بالزنا أربع مرات في مجلس واحد يجعل مقرا مرة واحدة فإذا اختلف المجلس عاد الحكم إلى الأصل وهو تكرر الحكم بتكرر السبب اهـ تنبيه مما يناسب التداخل ما نقله المنلا علي في شرح موطأ الإمام محمد عنه أنه يجب تشميت العاطس مرة واحدة وما زاد فمندوب ولو لم يشمته أولا كفاء واحدة كسجدة التلاوة وفي الشرح وقيل يشمت إلى العشر والأصح أنه إذا زاد على الثلاث لا يشمت كذا في المبسوط وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال في تنوير الأذهان والضمائر شرح الأشباه والنظائر قال بعض العلماء تجب الصلاة عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لكل مرة وقال بعضهم تجب في العمر مرة واحدة وقال بعضهم تجب في كل مجلس مرة وهو أوسط الأقوال وخير الأمور أوسطها اهـ قوله: "في الصحراء والطريق" قيد به لما سيذكره بعد أن البيت الصغير لا يتبدل المجلس بالإنتقال فيه إلى زاوية أخرى منه بغير تسديه فمعها بالأولى خصوصا على القول بأنها تمنع اختلاف المكان كذا في الشرح قوله: "في الأصح" وقيل لا يختلف المكان بالتسدية قوله: "وبيده السدى" كالحصا من الثوب ما مد منه قاموس قوله: "في ظاهر الرواية وهو الصحيح" وقيل لا يتبدل لأن أصل الشجرة واحد وفي التتارخانية عن الحجة إن كان لا يمكنه التحول من غصن إلى غصن إلا بالنزول والصعود يسجد ثانية وإلا تكفيه واحدة للتلاوتين اهـ قوله: "أو في حوض كبير" أطلق فيه وذكروا في المياه أن الكبير ما كان عشرا في عشر والصغير ما دونه ويمكن جريان ما هنا عليه ويراجع وفي الشرح عن محمد إذا كان طول الحوض وعرضه مثل طول المسجد وعرضه تكفيه سجدة واحدة وفي الخانية الصحيح أنه يتكرر قوله: "بزوايا البيت الصغير" أما الكبير كدار السلطان إذا تلا في دار منه ثم تلا في دار أخرى تلزمه سجدة أخرى وجزم به قاضيخان قوله:(1/495)
الفضاء فيه "ولا" يتبدل مجلس التلاوة والسماع "بسير سفينة" كما لو كانت واقفة "ولا" يتبدل "بركعة" تكررت فيها التلاوة اتفاقا "و" لا يتبدل "بركعتين" عند أبي يوسف خلافا لمحمد وكذا الخلاف في الشفع الثاني من الفرض إذا كررها فيه وبتكرارها في الشفع الثاني من سنة الظهر يسجد ثانيا "و" لا يتبدل بشرب "شربة وأكل لقمتين ومشي خطوتين" في الصحراء بخلاف الأكثر منها "ولا باتكاء وقعود وقيام" بدون مشي في الصحراء "وركوب ونزول" كائن "في محل تلاوته" كما في الخانية "ولا" يتبدل المجلس "بسير دابته" إذا كررها "مصليا" لجعل المجلس متحدا ضرورة جواز الصلاة "ويتكرر الوجوب على السامع بتبديل مجلسه و" الحال أنه "قد اتحد مجلس التالي" كأن سمع تاليا بمكان فذهب السامع ثم عاد فسمعه يكررها تكرر على السامع السجود إجماعا و "لا" يتكرر الوجوب على السامع
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
"لصحة الإقتداء الخ" أشار به إلى ضابط ذكره ابن أميرحاج وحاصله أن كل موضع يصح الإقتداء فيه من يصلي في طرف منه يجعل كمكان واحد ولا يتكرر الوجوب بالانتقال منه في موضع إلى آخر إذا كررها فيه وما لا فلا اهـ قوله: "ولا بسير سفينة" لأن سير السفينة لا يضاف إليه قوله: "ولا يتبدل بركعتين عند أبي يوسف" هو الأصح لأن تحريمة الصلاة تجمع الأمكنة المتعددة فتجعلها كمكان واحد قوله: "وكذا الخلاف في الشفع الثاني من الفرض" وظاهر ما في النهر ترجيح قول الثاني قوله: "ولا يتبدل بشرب شربة الخ" أشار به إلى أن الاختلاف كما يكون حقيقيا يكون حكميا كأن يشرع في عمل آخر يعرف أنه قاطع للمجلس بأن باع أو اشترى أو نكح أو اضطجع أو أرضعت ولدها أو امتشطت أو تكلم بثلاث كلمات أو أكل ثلاث لقمات أو شرب ثلاث جرعات من غير أن يقوم من مكانه فإن ذلك يقطع حكم المجلس وكذا كل عمل كثير أما إذا كان العمل قليلا كأن أكل لقمة أو لقمتين أو شرب جرعة أو جرعتين أو تكلم كلمة أو كلمتين أو خطا خطوة أو خطوتين أو اشتغل بالتسبيح أو التهليل أو قراءة القرآن ولو كثيرا أو قرأها وهو قائم فقعد أو بالعكس ولو خطا خطوتين لأن المعلم ربما يحتاج إلى قليل مشى في حال تعليم الصبيان أو نام قاعدا أو اتكأ أو أطال الجلوس فإنه لا يقطع حكم المجلس شيء من ذلك كخيار المخيرة كذا في الجوهرة والنهر والشمنى وغيرها قوله: "بدون مشي" أو بمشي قليل قوله: "وركوب ونزول" سواء تقدم الركوب وأعقبه النزول أو بالعكس قوله: "إذا كررها مصليا" أما إذا كررها خارج الصلاة تكرر الوجوب لأن سير الدابة يضاف إلى راكبها وهذا إذا تلاها أما إذا كان يصلي على الدابة فسمعها من آخر ثم سمعها ثانيا تكرر الوجوب على الأصح ويسجد بعد الصلاة قوله: "تكرر على السامع السجود إجماعا" أما على قول البعض أن السبب هو السماع فمجلس السماع متعدد وأما على قول الجمهور أن السبب التلاوة فلأن اتحاد المجلس أبطل التعدد في حق التالي فلم يظهر ذلك في حق غيره كذا في الشرح قوله:(1/496)
"بعكسه" وهو اتحاد مجلس السامع واختلاف مجلس التالي بأن تلا فذهب ثم عاد مكررا فسمعه الجالس أيضا تكفيه سجدة "على الأصح" لأن السبب في حقه السماع ولم يتبدل مجلسه "وكره أن يقرأ سورة ويدع آية السجدة" منها لأنه يشبه "2" الاستنكاف عنها "لا" يكره "عكسه" وهو أن يفرد آية السجدة بالقراءة لأنه مبادرة إليها "و" لكن "ندب ضم آية أو" ضم "أكثر" من آية "إليها" أي إلى آية السجدة لدفع توهم التفضيل "وندب إخفاؤها" يعني استحب المشايخ إخفاؤها "من غير متأهب لها" شفقة على السامعين إن لم يتهيئوا لها "وندب القيام" لم تلا جالسا "ثم السجود لها" روي ذلك عن عائشة رضي الله عنها "و" ندب أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
"على الأصح" وعليه الفتوى نهر واختاره صاحب الهداية وقاضيخان قال الحلبي وبه نأخذ قال في المنح وهذا يفيد تصحيح القول بأن السبب في حق السامع هو السماع دون التلاوة ويؤيده ما مر من الأثر السجدة على من سمعها اهـ وقيل يتكرر على السامع أيضا وهو اختيار الأسبيجابي وعليه الفتوى ونقله الأكمل بقيل وعليه الفتوى وهو قول فخر الإسلام إذ مجلس التالي إذا تكرر دون السامع يتكرر الوجوب على السامع لأن الحكم يضاف إلى السبب وهو التلاوة لا إلى الشرط وهو السماع وهذا هو ما عليه الجمهور لأن الصحيح أن السبب في حق السامع هو التلاوة كالتالي والسماع بشرط عمل التلاوة في حق السامع اهـ وليس في الحديث بيان السبب بل بيان الوجوب على السامع اهـ كذا في الشرح قال السيد فقد اختلف الترجيح قوله: "وكره أن يقرأ الخ" أي تحريما كما في النهر قوله: "سورة" مثلها الآيات التي فيها آية السجدة إذا تركها قوله: "لأنه يشبه الاستنكاف عنها" وذلك ليس من أخلاق المؤمنين لأنه كفر فيكون ما يشبهه مكروها كما في البناية ولأنه يوهم الفرار من لزوم السجود وهجران بعض القرآن وكل ذلك مكروه زيلعي قوله: "ولكن ندب ضم آية الخ" لأنه أبلغ في إظهار الإعجاز وأدل على مراد الآية قوله: "إليها" سواء كان ذلك قبلها أو بعدها قوله: "لدفع توهم التفضيل" أي تفضيل آية السجدة على غيرها إذا الكل من حيث أنه كلام الله تعالى في رتبة واحدة وإن كان لبعض زيادة فضيلة لاشتماله على ذكر صفات الحق جل جلاله كذا في الفتح قوله: "وندب إخفاؤها الخ" قال في المحيط إن كان التالي وحده يقرأ كيف شاء من جهروا خفاء وإن كان معه جماعة قال مشايخنا إن كان القوم متهيئين للسجود ويقع في قلبه أنه لا يشق عليهم أداء السجود ينبغي أن يقرأها جهرا حتى يسجد القوم معه لأن في هذا حثالهم على الطاعة وإن كانوا محدثين أو وقع في قلبه أنه يشق عليهم ذلك ينبغي أن يقرأها في نفسه ولا يجهر محترزا عن تأثيم المسلم وذلك مندوب إليه كذا في العناية وإذا لم يعلم بحالهم ينبغي إخفاؤها حموي والراجح الوجوب على متشاغل بعمل ولم يسمعها زجرا له عن تشاغله عن كلام الله تعالى فنزل سامعا ذكره السيد عن الدر قوله: "وندب القيام" كما ندب النزول لمن تلاها راكبا ليسجدها على الأرض قوله: "روى ذلك عن عائشة"(1/497)
"لا يرفع السامع" عند تلاوتها "رأسه منها" أي السجدة "قبل" رفع رأس "تاليها" لأنه الأصل في إيجابها فيتبع في أدائها وليس هو حقيقة اقتداء "و" لذا "لا يؤمر التالي بالتقدم ولا" يؤمر "السامعون بالاصطفاف فيسجدون" معه حيث كانوا و "كيف كانوا" قال شيخ الإسلام "وشرط لصحتها" أن تكون "شرائط الصلاة" موجودة في الساجد الطهارة من الحدث والخبث وستر العورة واستقبال القبلة وتحريها عند الاشتباه والنية "إلا التحريمة" فلا تشترط لأن التكبير سنة فيها وفي التتارخانية عن الحجة ويستحب للتالي أو السامع إذا لم يمكنه السجود أن يقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير انتهى يعني ثم يقضيها "وكيفيتها أن يسجد سجدة واحدة" كائنة "بين تكبيرتين" تكبيرة للوضع وتكبيرة للرفع "هما سنتان" كذا قال في مبسوط فخر الإسلام التكبير ليس بواجب وصححه في البدائع "بلا رفع يد" إذ لا تحريم لها والتكبير للانحطاط "ولا تشهد" لعدم وروده "ولا تسليم" لأنه يستدعي سبق التحريمة وهي منعدمة وتسبيحها مثل الصلاتية سبحان ربي الأعلى ثلاثا وهو الأصح قال الكمال
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
لأن الخرور الذي مدح به أولئك فيه أكمل وفي السيد ويندب أن يقوم ويخرسا جدا ولو كان عليه سجدات كثيرة ويستحب إذا فرغ منها أن يقوم اهـ ملخصا قوله: "وندب أن لا يرفع السامع الخ" وكذا يستحب أن لا يسبقوه بالوضع كذا في الشرح قوله: "ولذا لا يؤمر التالي الخ" هذا يخالف ما في الشرح عن النوازل أنه يتقدم ويصطف الناس خلفه اهـ إلا أن يقال هذا على وجه الندب ونفي الأمر منصب على السنة المؤكدة وذكر في الدراية أن المرأة تصلح إماما للرجل فيها اهـ لأنها إمامة صورية لا حقيقة قوله: "حيث كانوا" ولو متقدمين عليه قوله: "وكيف كانوا" أي على أي صفة كانوا قوله: "والنية" أي نية أن هذا السجود للتلاوة وأما نية التعيين فلا تشترط وقالوا: إنها تفسد بمفسدات الصلاة من نحو حدث عمد وكلام وقهقهة فعليه إعادتها وفي سبق حدث يتوضأ ويبني كما لو وجدت هذه الأشياء في سجدة الصلاة ولا يخفي أن هذا كله على قول محمد لأن العبرة لتمام الركن وهو إنما يحصل عنده بالرفع ولم يوجد بعد وهو الأصح على ما مر ولا يتصور شيء من ذلك عند أبي يوسف لأن السجدة قد تمت عنده بمجرد الوضع فينبغي أن لا تفسد على قوله كذا في الحلبي وابن أميرحاج قال في الشرح وقد يقال الرفع وإن لم يكن من تمامها فما دام في الوضع فهو فيها كمن أطال القراءة والقيام وهو في الفرض فإذا قهقه أو عمل المنافي حصل في حقيقة السجود فبطل الجزء الملاقي له فيبطل الكل ببطلانه انتهى قوله: "ويستحب للتالي أو السامع الخ" تحصيلا للإمتثال بالقدر الممكن قوله: "وصححه في البدائع" مقابله رواية الحسن عن الإمام الركن في السجدة وضع الجبهة والتكبير عند الرفع حتى لو تركه يعيد قوله: "للإنحطاط" أي للسجود كسجدة الصلاة قوله: "لعدم وروده" لأنه لم يشرع إلا في صلاة ذات ركوع وسجود ولذا لم يشرع في صلاة الجنازة قوله: "أن يقال ذلك" أي التسبيح في غير النفل أي في(1/498)
ينبغي أن يقال في ذلك غير النفل وفيه يقول ما شاء مما ورد كسجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته اللهم اكتب لي عندك بها أجرا وضع عني بها وزرا واجعلها لي عندك فخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود وإن كان خارج الصلاة قال كل ما أثر من ذلك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
صلاة غير النفل وهي صلاة الفرض لأن سجدة الصلاة أفضل من سجدة التلاوة ويقال فيها ذلك قوله: "وفيه" أي في النفل وحكم خارج الصلاة كذلك قوله: "بحوله وقوته" زاد الحاكم فتبارك الله أحسن الخالقين وصحح هذه الزيادة قوله: "أو قوله اللهم اكتب" الذي رواه الترمذي من حديث ابن عباس اللهم اجعلها لي عندك ذخرا وأعظم لي بها أجرا وضع عني بها وزرا وتقبلها مني كما تقبلتها من داود اهـ وقوله هو بالنصف عطفا على ما شاء قوله: "وإن كان خارج الصلاة الخ" لو قال المؤلف وفيه وخارج الصلاة يقول ما شاء مما ورد لكان أخصر قوله: "من ذلك" المذكور من الدعاء أو غيره والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم(1/499)
فصل: سجدة الشكر مكروهة عند أبي حنيفة رحمه الله
قاله القدوري والكمال وعند أبي حنيفة وأبي يوسف ما دون الركعة ليس بقربة شرعا إلا في محل النص وهو سجود التلاوة فلا يكون للسجود في غير قربة انتهى وعن محمد عن أبي حنيفة أن كرهه وروي عن أبي حنيفة أنه قال لا أراه شيئا ثم قيل أنه لم يرد به نفي شرعيتها قربة بل أراد نفي وجوبها شكرا لعدم إحصاء نعم الله تعالى فتكون مباحة ولا يراها شكرا تاما وتمام الشكر في صلاة ركعتين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة كذا في السير الكبير وقال الأكثرون إنها ليست بقربة عنده بل هي مكروهة لا يثاب عليها وما روي أنه عليه السلام كان يسجد إذا رأى مبتلي فهو منسوخ "وقالا" أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فصل سجدة الشكر مكروهة
أي تنزيها قوله: "لعدم إحصاء نعم الله تعالى" فلو وجبت لوجبت في كل لحظة لأن نعم الله تعالى على عباده متواترة مترادفة وفيه تكليف ما لا يطاق قوله: "وقال الأكثرون" مقابل قوله ثم قيل إنه لم يرد قوله: "فهو منسوخ" مردود بفعل أكابر الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم كسجود أبي(1/499)
محمد وأبو يوسف في إحدى الروايتين عنه "هي" أي سجدة الشكر "قربة يثاب عليها" لما روي الستة إلا النسائي عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به خر ساجدا "وهيئتها" أن يكبر مستقبل القبلة ويسجد فيحمد الله ويشكر ويسبح ثم يرفع رأسه مكبرا "مثل سجدة التلاوة" بشرائطها. "فائدة مهمة لدفع كل" نازلة "مهمة" ينبغي الاهتمام بتعلمها وتعليمها "قال" الشيخ "الإمام" حافظ الحق والملة والدين عبد الله بن أحمد بن محمود "النسفي في" كتابه "الكافي" شرح الوافي "من قرأ آي السجدة كلها" وهي التي قصدت
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
بكر لفتح اليمامة وقتل مسيلمة وسجود عمر عند فتح اليرموك وهو واد بناحية الشأم وسجود على عند رؤية ذي العذبة قتيلا بالنهر وروى أنه صلى الله عليه وسلم دعا الله ساعة ثم خر ساجدا فعله ثلاث مرات وقال إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا شكرا لربي ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي فخررت ساجدا شكرا ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الأخير فخررت ساجدا لربي رواه أبو داود قوله: "قربة يثاب عليها" وعليه الفتوى وفي الدر وبه يفتي وفي ابن أميرحاج وهو الظاهر وكيف لا وقد جاء فيها غير ما حديث اهـ وفي الدر وسجدة الشكر مستحبة به يفتى لكنها تكره بعد الصلاة لأن الجهلة يعتقدون أنها سنة أو واجبة وكل مباح يؤدي إليه فهو مكروه اهـ قوله: "كان إذا أتاه أمر يسره" أي وشاهده كرأس أبي جهل لعنه الله لما أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وألقى بين يديه سجد لله تعالى خمس سجدات شكرا قوله: "أو بشربه" أي من غير رؤيته كسجوده حين بشره جبريل عليهما الصلاة والسلام أن الله تعالى يقول: لك من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه وفي التتارخانية قال صاحب الحجة عندي أن قول الإمام محمول على الإيجاب وقول محمد على الجواز والاستحباب فيعمل بهما لا يجب بكل نعمة سجدة شكرا كما قال أبو حنيفة ولكن يجوز أن يسجد سجدة الشكر في وقت سر بنعمة أو ذكر نعمة فشكرها بالسجدة وأنه غير خارج عن حد الاسحباب وفي فروق الأشباه قال سجدة الشكر جائزة عند الإمام لا واجبة وهو معنى ما روى أنها ليست مشروعة وفي القاعدة الأولى من الأشباه والمعتمد أن الخلاف في سنيتها لا في الجواز اهـ وفي الهندية وصورتها أن من تجددت عليه نعمة ظاهرة أو رزقه الله تعالى مالا أو ولدا أو وجد ضالة أو اندفعت عنه نقمة أو شفى له مريض أو قدم له غائب يستحب أن يفعلها كسجدة التلاوة وأما إذا سجد بغير سبب فليس بقربة ولا مكروه اهـ قوله: "فائدة مهمة" من الهم بمعنى ما يهتم به أي ينبغي الاهتمام أي الاعتناء بها قوله: "كل نازلة" أي حالة من النزول بمعنى الحلول والنزلة الزكام قاموس قوله: "مهمة" أي موقعة في الهم وهو الحزن قاموس قوله: "ينبغي الاهتمام" الأولى ذكره بعد قوله فائدة مهمة قوله: "وهي التي قصدت جمعها" فيما تقدم عند تعداد محلاتها(1/500)
جمعها لهذه الفائدة وتقريب الأمر مع حكم السجود رجاء فضل الله الكريم الودود "في مجلس واحد وسجد" بتلاوته "لكل" آية "منها" سجدة "كفاه الله" تعالى "ما أهمه" من دنياه وآخرته ونقله أيضا المحقق ابن الهمام وغيره من الشراح رحمهم الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "لهذه الفائدة" وهي دفع المهم قوله: "وتقريب الأمر" عطف على اسم الإشارة قوله: "مع حكم السجود" أي فيما تقدم والظرف متعلق بقوله جمعها قوله: "الودود" أي المحبوب أو المحب.
قوله: "وسجد بتلاوته لكل آية منها سجدة" قال في الدر وظاهره أنه يقرؤها أولا ثم يسجد ويحتمل أن يسجد لكل بعد قراءتها اهـ قلت والثاني أولى لما تقدم أن تأخيرها مكروه تنزيها ولدفع أشكال الكمال بأن فيه تغيير نظم القرآن لأن السجود يكون فاصلا فتأمل قوله: "ما أهمه" أي من الأمر الذي قصد السجود له ويحتمل التعميم والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/501)
باب الجمعة
هي من الاجتماع - بسكون الميم والقراء يضمونها وفي المصباح ضم الميم لغة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب الجمعة
سميت جمعة لاجتماع الناس فيها وقيل لأن كمال الخلائق جمع فيه وقيل لأن خلق آدم عليه السلام جمع فيه قال في فتح الباري وهذا أصح الأقوال وقيل لأن أول اجتماع آدم وحواء عليهما السلام بالأرض كان فيه وقيل لأن الله تعالى يجمع فيه بين العباد والرحمة ويقال له عيد المؤمنين ويوم المزيد لتزايد الخيرات فيه وفيه تجتمع الأرواح وتزار القبور ويأمن الميت من عذاب القبر ومن مات فيه أو في ليلته أمن منه ولا تسجر فيه جهنم وفيه يزور أهل الجنة ربهم عز وجل وخص يومها بقراءة سور الكهف وقال صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه" اهـ والمصيخة المنتظرة قال عبد الله بن سلام الساعة المعلومة هي آخر ساعة من يوم الجمعة قال أحمد أكثر الأحاديث على قول ابن سلام وقيل هي من وقت خروج الإمام إلى المنبر إلى فراغ الصلاة وهذان القولان أصح الأقاويل فيها وهي(1/501)
الحجاز وفتحها لغة تميم وإسكانها لغة عقيل - "صلاة الجمعة فرض عين" بالكتاب والسنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
تنوف1 على أربعين وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله من يوم الأضحى والفطر" وقال صلى الله عليه وسلم: "اليوم الموعود يوم القيامة والمشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة" وقال ابن المسيب الجمعة أحب إلى الله تعالى من حج التطوع وعن ابن عباس مرفوعا الجمعة حج المساكين وفي رواية حج الفقراء قوله: "هي من الاجتماع" وهي اسم مصدر لاجتمع قوله: "بسكون الميم" للمفعول لأن فعلة بالسكون للمفعول كهمزة أي اليوم المجموع فيه وبها قرأ الأعمش قوله: "والقراء يضمونها" أي يضمون الميم اتباعا لضمة الجيم قوله: "لغة الحجاز" وهي المشهورة الفصحى قوله: "وفتحها لغة تميم" بمعنى فاعل أي اليوم الجامع كضحكة وهمزة ولمزة للمكثر من ذلك وتاؤها للمبالغة كما في علامة لا للتأنيث وإلا لما وصف بها اليوم وبه قرىء كالسكون وهما قراءتان شاذتان وحكى الزجاج الكسر كما في شروح البخاري وشرح المشكاة والنهر وأنكر لأن فعلة بالكسر ليس من الأوزان العربية ومن قاله بالتسكين جمعه على جمع ومن قاله بالضم جمعه على جمعات وهي بغير السكون اسم لليوم وبالسكون اسم لأيام الأسبوع وأولها السبت وأول الأيام يوم الأحد واختلف في هذه التسمية مع الاتفاق أنه كان يدعي في الجاهلية عروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وبالموحدة فقال الزجاج والفراء وأبو عبيدة وأبو عمر وكانت العرب العاربة تقول ليوم السبت شيار وللأحد أول وللإثنين أهون وللثلاثاء جبار وللأربعاء دبار وللخميس مؤنس وللجمعة عروبة أي ثم نقلوها إلى تلك الأسماء المشهورة وجزم ابن حزم أنه اسم إسلامي ولم يكن في الجاهلية وورد أن أهل المدينة صلوها قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن الأنصار قالوا لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام وكذلك للنصارى فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه ونذكر الله تعالى ونصلي ونشكره فجعلوه يوم العروبة وهي أول جمعة في الإسلام وأما أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت في مسجد بني سالم بن عوف فخطب وصلى فيه قوله: "بالكتاب" هو قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] رتب الأمر بالسعي إلى ذكر الله على النداء للصلاة والظاهر أن المراد بالذكر الصلاة ويجوز أن يراد به الخطبة وعلى كل تقدير يفيد افتراض الجمعة فالأول ظاهر والثاني كذلك لأن افتراض السعي إلى الشرط فرع افتراض المشروط ألا ترى أن من لم تجب عليه الصلاة لم يجب عليه السعي إلى الخطبة بالإجماع والمذكور في التفسير أن المراد الخطبة والصلاة جميعا وهو الأحق لصدقه عليهما معا ثم إن
__________
1 قوله: وهي تنوف إلخ الذي يقتضيه صنع القاموس وغيره أن كان من هذه المادة بمعنى زاد كما هنا
2 يقال فيه أناف ينيف وينيف بالتضعيف لأناف ينوف فليراجع أهـ مصححه.(1/502)
والإجماع ونوع من المعنى يكفر جاحدها لذلك. وقال عليه السلام في حديث: "وأعلم أن الله تعالى فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في شهري هذا في مقامي هذا فمن تركها تهاونا بها واستخفافا وله إمام عادل أو جائر فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا فلا صلاة له ألا فلا زكاة له ألا فلا صوم له إلا أن يتوب فمن تاب تاب الله عليه" وقال صلى الله عليه وسلم: "من ترك ثلاث جمع متواليات من غير عذر طبع الله على قلبه ومن يطبع الله على قلبه يجعله في أسفل درك جهنم" والجمعة فرض آكد من الظهر "على" كل "من اجتمع فيه سبعة شرائط" وهي "الذكورة" خرج به النساء "والحرية" خرج به الأرقاء "والإقامة" خرج به
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الله تعالى أكد ذلك بتحريم مباح وهو البيع وهو لا يكون إلا لأمر واجب كما هو مقتضى الحكمة قوله: "والإجماع" قال في الشرح أجمع المسلمون من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على فرضيتها من غير إنكار أحد وهي فرض عين إلا عند ابن كج من أصحاب الشافعي فإنه يقول فرض كفاية وهو غلط ذكره في الحلبية قوله: "ونوع من المعنى" أي ودليل من المعنى المعقول قال في الشرح وأما المعنى فلانا أمرنا بترك الظهر لإقامة الجمعة والظهر فريضة ولا يجوز ترك فرض إلا لفرض هو آكد وأولى منه فدل على أن الجمعة آكد من الظهر في الفريضة قوله: "لذلك" أي لافتراضها بهذه الأدلة قوله: "وقال عليه السلام" بيان للسنة قوله: "في حديث" قاله في خطبة قوله: "في مقامي هذا" الذي في ابن ماجه وغيره تقديم هذا على قوله في شهري هذا وفيه بعد قوله في شهري هذا زيادة ولفظها فريضة واجبة إلى يوم القيامة فمن تركها جحودا واستخفافا بحقها في حياتي وبعد موتي وله إمام عادل الخ قوله: "تهاونا بها" أي كسلا فالتهاون غير الاستخفاف وعبارة القاموس تفيد الإتحاد قوله: "وله إمام عادل أو جائر" إنما ذكره ليفيد وجوب إقامتها مع الإمام الجائر وأن جوره ليس عذرا مسقطا لها وإلا فالاستخفاف مكفر وإن لم يكن إمام أصلا قوله: "فلا جمع الله شمله" الشمل بالكسر والفتح العذق أو القليل الحمل منه فشبه أمور الإنسان بالعذق بجامع صدورها عن أصل واحد وأطلق عليها الشمل وجمع الشمل كناية عن عدم تفرق أموره واختلافها وانعكاسها قوله: "ولا بارك له في أمره" الذي في ابن ماجه ولا أتم له أمره قوله: "ألا فلا صلاة له" أي كاملة ومثله يقال فيما بعد إن لم يجحده أو يستخفه وإلا فالكلام على حقيقته قوله: "طبع الله على قلبه" طبع عليه كمنع ختم قاموس أي لا يجعله قابلا للخير فهو كناية عن صرفه عن الخيرات قوله: "يجعله في أسفل درك جهنم" محمول على شدة العذاب وإنما ذكر ذلك لأنه فعل فعل المنافقين حيث أقر بالوحدانية وتوابعها وترك الجمعة والمنافقون في الدرك الأسفل من النار أو محمول على من تركها جحدا ومات على هذه العقيدة قوله: "آكد من الظهر" قد علمت وجهه قوله: "سبعة شرائط" اعلم أن لوجوبها شرائط زائدة على شرائط سائر الصلوات وهي في المصلي ولصحتها شروط(1/503)
المسافر وأن تكون الإقامة "بمصر" خرج به المقيم بقرية لقوله عليه السلام: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض" وفي البخاري "إلا على صبي أو مملوك أو مسافر" ولقوله عليه السلام: "لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة" ولم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم حين فتحوا البلاد اشتغلوا بنصب المنابر والجمع إلا في الأمصار دون القرى ولو كان لنقل ولو آحادا فلا بد من الإقامة "أو" الإقامة "فيما" أي في محل "هو داخل في حد الإقامة بها" أي بالنص وهو المكان الذي من فارقه بنية السفر يصير مسافرا ومن وصل إليه يصير مقيما "في الأصح" كربض المصر وفنائه الذي لم ينفصل عنه بغلوة كما تقدم ولا يجب على من كان خارجه ولو سمع النداء من المصر سواء كان سواده قريبا من المصر أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
كذلك وهي في غير المصلي والفرق بينهما أنه بانتفاء الأول يصح الأداء وبانتفاء الثاني لا يصح قوله: "وهي الذكورة" أي المحققة در فخرج الخنثى كما استظهره في النهر وفيه أنه يعامل بالأضر ومقتضاه الوجوب عليه قوله: "خرج به النساء" فلا تجب على امرأة وإن دخلت في عموم الخطاب بطريق التبعية لأنها خصت منه بعموم النهي عن الخروج بقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب 33] لا سيما في مجامع الرجال وللحديث الآتي قوله: "خرج به الأرقاء" فلا تجب عليهم إجماعا قال في الفتاوي وللمولى أن يمنع عبده عن الجمعة والجماعات والعيدين واختلف فيما لو أذن له المولى في الجمعة والأليق بالقواعد أنه يتخير ولا يتحتم عليه الأداء ويؤيده أنه لا يجب عليه الحج وإن أذن له المولى وإذا لم يأذن له فيها جاز له الخروج إليها إن كان يعلم أن مولاه يرضى وإلا لا والأصح أنه إن حضر مع مولاه لحفظ دابته له أن يصليها بغير إذن المولى إن كان لا يخل بالحفظ كما في البحر وغيره وأما الأجير فقالأبو علي الدقاق ليس للمستأجر منعه منها ولكن يسقط عنه من الأجرة بقدر اشتغاله بذلك إن كان بعيدا وإن كان قريبا لا يسقط عنه شيء قال في البحر وظاهر المتون تشهد للدقاق قوله: "والإقامة" ولو بنية المكث خمسة عشر يوما قوله: "إلا أربعة" إلا بمعنى غير وهذا الحديث يدل على اشتراط الذكورة والحرية قوله: "وفي البخاري" يدل على اشتراط الإقامة قوله: "ولا تشريق" أي لا تكبير تشريق وظاهر ما ذكره أن الحديث مرفوع وهو الذي ذكره أبو يوسف في الإملاء ومحمد في الأصل ورواه ابن أبي شيبة موقوفا عن علي والموقوف في مثله كالمرفوع قال الكمال وكفى بقول على قدوة قوله: "إلا في مصر جامع" هذا دليل اشتراط المصر والمصر بالكسر الحاجز بين الشيئين والحد بين الأرضين والوعاء والكورة والطين الأحمر ومصر للمدينة المعروفة سميت به لتمصرها أو لأنه بناها المصر بن نوح والمدينة من مدن أقام فعل ممات ومدن المدائن تمدينا مصرها اهـ قاموس ملخصا فظاهر قوله ومصر للمدينة وقوله ومدن المدائن تمدينا مصرها أنهما شيء(1/504)
بعيدا على الأصح فلا يعمل بما قيل بخلافه وإن صح "و" الرابع "الصحة" خرج به المريض لما روينا والشيخ الكبير الذي ملحق بالمريض "و" الخامس "الأمن من ظالم" فلا تجب على من اختفى من ظالم ويلحق به المفلس الخائف من الحبس كما جاز له التيمم "و" السادس "سلامة العينين" فلا تجب على أعمى عند أبي حنيفة خلافا لهما إذا وجد قائدا يوصله وهي مسألة القادر بقدرة الغير "و" السابع "سلامة الرجلين" فلا تجب على المقعد لعجزه عن السعي اتفاقا ومن العذر المطر العظيم وأما البلوغ والعقل فليسا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
واحد قوله: "ولم ينقل عن الصحابة الخ" وكذا لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإقامة الجمعة في قرى المدينة على كثرتها قوله: "ولو آحادا" خبر الآحاد هو الذي نقله واحد عن واحد قوله: "فلا بد من الإقامة بمصر" ذكره ليعطف عليه قوله أو الإقامة فيما هو داخل الخ قوله: "الذي لم ينفصل عنه بغلوة" في الفتح هنا وفي صلاة المسافر التقدير في الحد الفاصل بالغلوة مروي عن محمد وفي النوادر هو المختار وفي النهاية عن التمرتاشي أنه الأشبه وفي القهستاني وهو الأصح وهي أربعمائة ذراع في الأصح اهـ قوله: "فلا يعمل بما قيل الخ" قال في الشرح تنبيه قد علمت بنص الحديث والأثر والرواية عن أئمتنا أبي حنيفة وصاحبيه واختيار المحققين من أهل الترجيح أنه لا عبرة ببلوغ النداء ولا بالغلوة والأميال وإنه ليس بشيء فلا عليك من مخالفة غيره وإن ذكر تصحيحه فمنه ما في البدائغ أنه إن أمكن أن يحضر الجمعة وببيت بأهله من غير تكلف يجب عليه اهـ أي لأن من جاوز هذا الحد بنية السفر كان مسافرا فلو وجبت ثمة لوجبت على المسافر وهو خلاف النص قوله: "خرج به المريض" أي الذي لا يقدر على الذهاب إلى الجامع أو يقدر ولكن يخاف زيادة مرضه أو بطء برئه بسبب جلى وألحق بالمريض الممرض إن بقي المريض ضائعا بخروجه على الأصح جوهرة قوله: "لما روينا" أي من قوله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة" الخ وعد منهم المريض قوله: "فلا تجب على من اختفى من ظالم" أفاد التعبير بظالم لم أنه مظلوم فإن كان اختفاؤه لجناية منه توجب حدا مثلا لا يسقط عنه الوجوب قوله: "المفلس" بالتخفيف الذي لا دينار له ولا درهم والمراد به هنا من لا يقدر على وفاء دينه قوله: "كما جاز له التيمم" أي فيجوز له ترك الجمعة كما جاز له التيمم قوله: "فلا تجب على الأعمى عند أبي حنيفة" لا فرق بين أن يجد فائدا أو لا سواء كان القائد متبرعا أو بأجر وله ما يستأجر به أو كان مملوكا ذكره السيد قال في البحر ولم أر حكم الأعمى إذا كان مقيما بالجامع الذي يصلي فيه الجمعة هل تجب عليه لعدم الحرج اهـ وتجب على الأعور لعدم الحرج قوله: "وهي مسئلة القادر بقدرة الغير" قد تقدم أن المصحح فيها قولهما قوله: "فلا تجب على المقعد" ومثله مقطوع الرجلين وفي الكلام إشارة إلى أنها تجب على مفلوج إحدى الرجلين أو مقطوعها إذا كان يمكنه المشي بلا مشقة وإلا فلا أشار إليه القهستاني وبهذا يحصل(1/505)
خاصين فلذا لم يذكرهما "ويشترط لصحتها" أي صلاة الجمعة "ستة أشياء" الأول "المصر أو فناؤه" سواء مصلى العيد وغيره لأنه بمنزلة المصر في حق حوائج أهله وتصح إقامة الجمعة في مواضع كثيرة بالمصر وفنائه وهو قول أبي حنيفة ومحمد في الأصح ومن لازم جواز التعدد سقوط اعتبار السبق وعلى القول الضعيف المانع من جواز التعدد قيل بصلاة أربع بعدها بنية آخر ظهر عليه وليس الاحتياط في فعلها لأن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين وأقواهما إطلاق جواز تعدد الجمعة وبفعل الأربع مفسدة اعتقاد الجهلة عدم فرض الجمعة أو تعدد المفروض في وقتها ولا يفتى بالأربع إلا للخواص ويكون فعلهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الجمع بين ما في البحر من الوجوب وما في الشمنى من عمده أفاده بعض الأفاضل قوله: "ومن العذر المطر العظيم" وكذا الثلج والوحل قال في الشرح وقدمنا أنه يسقط به الحضور للجماعة اهـ قوله: "فليسا خاصين" أي بالجمعة قوله: "وغيره" أطلقه فعم ما فيه بناء وغيره وقد سبق قريبا بيان الفناء قوله: "في الأصح" قال السرخسي وبه نأخذ وعليه الفتوى كما في شرح المجمع للعيني وكما في الفتح ومقابل الأصح ما في البدائع أن ظاهر الرواية جوازها في موضعين فلا تجوز في أكثر من ذلك وعليه الإعتماد اهـ فإن المذهب الجواز مطلقا وما قاله الشيخ العلامة المقدسي في نور الشمعة عن الإمام لا تجوز إلا في موضع واحد في البلد الواحد وما قال الإمام الزاهد العتابي وإلا ظهر عنده أنها لا تجوز إلا في موضعين ولو فعلوا فالجمعة للأولى وإن صليا معا فصلاتهم جميعا فاسدة والأصح إطلاق الجواز في مواضع لا طلاق الدليل اهـ أفاده الشرح قوله: "وعلى القول الضعيف" هو قول أبي يوسف قوله: "المانع من جواز التعدد" فالجمعة عنده للسابق وتفسد بالمعية والاشتباه ثم يعتبر السبق بالشروع وقيل بالفراغ وقيل بهما قوله: "قيل بصلاة أربع" أي بوجوب ذلك قوله: "بنية آخر ظهر عليه" هو الأحسن لأنه إن لم تجز الجمعة فعليه الظهر وإن أجزأت كانت الأربع عن ظهر عليه فيسقط وإن لم يكن عليه ظهر فنف اهـ وقيل ينوي السنة وقيل ظهر يومه كما في القنية قوله: "وليس الاحتياط في فعلها الخ" قالالبرهان الحلبي الفعل هو الاحتياط لأن الخلاف فيه قوي لأنها لم تكن تصلي في زمن السلف إلا في موضع واحد من المصر وكون الصحيح جواز التعدد للضرورة لا يمنع شرعية الاحتياط اهـ قوله: "وأقواهما إطلاق جواز تعدد الجمعة" لا طلاق حديث لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع فالمصر شرط إقامتها وهو موجود في كل فريق اهـ قوله: "وبفعل الأربع" خبر مقدم لقوله مفسدة اعتقاد الخ قوله: "عدم فرض الجمعة" مفعول اعتقاد وقوله أو تعدد عطف عليه قال في الشرح وفي فعل الأربع مفسدة عظيمة وهي اعتقاد أن الجمعة ليست فرضا لما يشاهدون من صلاة الظهر فيتكاسلون عن أداء الجمعة أو اعتقادهم افتراض الجمعة والظهر بعدها اهـ قوله: "ولا يفتي بالأربع إلا للخواص" قال العلامة المقدسي بعد نقله ما يفيد النهي عنها نقول(1/506)
إياها في منازلهم "و" الثاني من شروط الصحة أن يصلي بهم "السلطان" إماما فيها "أو نائبه" يعني من أمره بإقامة الجمعة للتحرز عن تفويتها بقطع الأطماع في التقدم وله الاستنابة وإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
إنما نهى عنها إذا أديت بعد الجمعة بوصف الجماعة والاشتهار ونحن لا نقول به ولا نفتي بفعلها أصلا بل ندل عليه الخواص الذين يحتاطون لأمر دينهم ويتركون ما يريبهم إلى تحصيل يقينهم اهـ ثم قيل يقرأ الفاتحة والسورة في كل ركعة فإن وقعت فرضا فقراءة السورة لا تضره وإن وقعت نفلا فقراءتها واجبة وقيل في الأولين فقط قال الزاهدي وعلى هذا الخلاف فيمن يقضي الصلوات احتياطا والمختار عندي أن يحكم فيها رأيه كذا في الحلبي والشمتي ويقتصر في القعدة الأولى على التشهد ولا تفسد بتركها ولا يستفتح في الشفع الثاني والأحوط الترتيب بينها وبين العصر كذا قاله المقدسي ثم يصلي بعدها أربعا سنة الجمعة فإن صحت الجمعة فقد أدى سنتها على وجهها وإن لم تكن صحت فقد صلى الظهر مع سنته.
فائدة قال في عقد الفوائد قضاة زماننا يحكمون بصحة الجمعة عند تجديدها في موضع بأن يعلق الواقف عتق عبده على صحة الجمعة في هذا الموضع وبعد إقامتها فيه بالشروط يدعى عتقه عليه بأنه علقه بصحة الجمعة وقد صحت ووقع العتق فيحكم بعتقه فيتضمن الحكم بصحة الجمعة ويدخل ما لم يأت من الجمعات تبعا اهـ قوله: "أن يصلي بهم السلطان" هو من لا وإلى فوقه قال الحسن أربع إلى السلطان وذكر منها الجمعة والعيدين ومثله لا يعرف إلا سماعا فيحمل عليه وقال ابن المنذر مضت السنة أن الذي يقيم الجمعة السلطان أو من بها أمره فإن لم يكن كذلك صلوا الظهر كذا في الحلبي والمتغلب الذي لا عهد له أي لا منشور له إذا كانت سيرته بين الرعية سيرة الأمراء ويحكم بينهم بحكم الولاة تجوز إقامته الجمعة اهـ قوله: "يعني من أمره بإقامة الجمعة" وهو الأمير أو القاضي أو الخلفاء كما في العناية ولو عبدا ولي عمل ناحية وإن لم تجزأ قضيته وأنكحته وإذا لم يمكن استئذان السلطان لموته أو فتنة واجتمع الناس على رجل فصلى بهم جاز للضرورة كما فعل علي في محاصرة عثمان رضي الله عنهما وإن فعلوا ذلك لغير ما ذكر لا يجوز لعدم الضرورة وروي ذلك عن محمد في العيون وهو الصحيح وفي مفتاح السعادة عن مجمع الفتاوي غلب على المسلمين ولاة الكفار يجوز للمسلمين إقامة الجمع والأعياد ويصير القاضي قاضيا بتراضي المسلمين ويجب عليهم أن يلتمسوا واليا مسلما اهـ ولو مات الخليفة وله ولاة على أمور العامة كان لهم أن يقيموا الجمعة لأنهم أقيموا لأمور المسلمين فكانوا على حالهم ما لم يعزلوا حلبي وفي البحر والنهر يجوز لقاضي القضاة كقاضي العساكر بمصر إقامة الجمعة وتولية الخطباء ولا يتوقف ذلك على إذن كما أن له أن يستخلف للقضاء وإن لم يؤذن له مع أن القاضي ليس له الإستخلاف إلا بإذن السلطان لأن توليته قاضي(1/507)
لم يصرح له بها السلطان دلالة بعذر أو بغيره حضر أو غاب عنه وأما إذا سبقه حدث فإن كان بعد شروعه في الصلاة فكل من صلح إماما صح استخلافه وإذا كان قبل إحرامه للصلاة بعد الخطبة فيشترط أن يكون الخليفة قد شهد الخطبة أو بعضها أيضا "و" الثالث
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
القضاة إذن له بذلك دلالة كما صرح به الكمال في باب القضاء ولا يتوقف ذلك على تقرير الحاكم المسمى بالباشا اهـ وفي البحر أيضا وصرح العلامة ابن جرباش في التحفة في تعداد الجمعة بأن إذن السلطان أو نائبه إنما هو شرط عند بناء المسجد ثم بعد ذلك لا يشترط الإذن لكل خطيب فإذا قرر الناظر خطيبا في المسجد فله إقامته بنفسه وبنائبه وإن الإذن مستصحب لكل خطيب اهـ وفي مجمع الأنهر والاستخلاف في زماننا جائز مطلقا لأنه وقع في تاريخ خمس وأربعين وتسعمائة إذن الإمام وعليه الفتوى اهـ وفي القنية واتحاد الخطيب والإمام ليس بشرط على المختار نهر وفي الذخيرة لو خطب صبي عاقل وصلى بالغ جاز لكن الأولى الاتحاد كما في شرح الآثار وفي المجرد قالأبو حنيفة الأذن في الخطبة إذن في الجمعة والإذن في الجمعة إذن في الخطبة ولو قال اخطب لهم ولا تصل بهم أجزأه أن يصلي بهم قوله: "للتحرز عن تفويتها" علة لاشتراط السلطان أو نائبه فيها قوله: "بقطع الأطماع" متعلق بتحرز وإنما كانت الأطماع مفوتة لوجود التنازع بين الطامعين في التقدم فيمكن أن يفوت الوقت وهم في النزاع وهذا دليل معقول والمنقول ما قدمناه قوله: "وله الاستنابة الخ" قال في البدائع كل من ملك الجمعة ملك إقامة غير مقامة قال في البحر فهو صريح أو كالصريح في جواز الاستنابة مطلقا وتقييد الزيلعي الاستخلاف بسبق الحدث لا دليل عليه وما في الدرر من أن الخطيب ليس له الاستنابة إلا أن يفوض إليه ذلك رده ابن الكمال قوله: "دلالة" متعلق بعامل له المقدر على أنه تمييز أي تثبت له الاستنابة دلالة قال في الشرح وإذا أذن لأحد بإقامتها ملك الاستخلاف وإن لم يفوض إليه صريحا لأن الإمام الأعظم لما فوضها إليه مع علمه بأن العوارض المانعة من إقامتها كالمرض والحدث في الصلاة مع ضيق الوقت تعتريه ولا يمكن انتظار الإمام الأعظم لأنها لا تحتمل التأخير عن الوقت كان إذنا له بالاستخلاف دلالة ولسان الحال أنطق من لسان المقال كذا قاله الشراح قوله: "صح استخلافه" لأن الخليفة بأن لا مفتتح والخطبة شرط افتتاح وقد وجد في حق الأصل قوله: "قد شهد الخطبة أو بعضها" لأن الخطبة شرط انعقاد في حق من ينشىء تحريمة الجمعة وهو الإمام إلا في حق كل مصل فيكون كأن النائب خطب بنفسه وإلا فلا يصح شروع هذا النائب فيها أصلا إلا أن يستخلف هذا النائب من شهد الخطبة فإنه يصح قوله: "أيضا" أي كما يشترط صلاحيته للإمامة أو كما يشترط في الإمام ذلك إذا لم يكن خطيبا قال في الشرح واعلم أنه يجوز لصاحب الوظيفة في الخطبة أن يصلي خلف نائبه بغير عذر كما جاز للسلطان أن يصلي خلف مأموره بإقامة الجمعة مع قدرة السلطان على الخطبة بنفسه اهـ قوله: "والثالث(1/508)
"وقت الظهر" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مالت الشمس فصل بالناس الجمعة" "فلا تصح" الجمعة "قبله وتبطل بخروجه" لفوات الشرط "و" الرابع "الخطبة" ولو بالفارسية من قادر على العربية ويشترط لصحة الخطبة فعلها "قبلها" كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم "بقصدها" حتى لو عطس الخطيب فحمد لعطاسه لا ينوب عن الخطبة "في وقتها" للمأثور "وحضور أحد لسماعها" ولو كان أصم أو نائما أو بعيدا "ممن تنعقد بهم الجمعة" فيكفي حضور عبد أو مريض أو مسفر ولو كان جنبا فإذا حضر غيره أو تطهر بعد الخطبة تصح الجمعة به لا صبي أو امرأة فقط
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
وقت الظهر" وقال مالك يمتد وقتها إلى الغروب لأن وقت الظهر والعصر واحد عنده قوله: "لقوله صلى الله عليه وسلم الخ" ولأنها شرعت على خلاف القياس لسقوط الركعتين مع الإقامة فيراعي فيها جميع الخصوصيات التي ورد الشرع بها ولم يرد قط أنه صلى الله عليه وسلم صلاها قبل الوقت ولا بعده وكذا الخلفاء الراشدون ومن بعدهم إلى يومنا هذا ولو كان جائزا لفعله مرة تعليما للجواز كذا في الحلبي وغيره قوله: "فلا تصح الجمعة قبله" وقال الإمام أحمد تصح كما قال بصحة وقوف عرفة قبل الزوال قوله "وتبطل بخروجه" ولو بعد القعود قدر التشهد لفوات شرطها لأن الوقت شرط الأداء لا شرط الإفتتاح كصلاة الفجر وفي الإطلاق إشارة إلى عموم الحكم اللاحق بعذر كنوم وزحمة على المذهب كما في المنح والدر فإن قيل ما فائدة هذه المسئلة هنا وقد تقدمت في الإثني عشرية فالجواب أن فيه إفادة أنها لا تصح بعد الوقت فلا تكرار نهر وفيه إفادة أنه لا يتمها ظهرا وهل يتمها نفلا عندهما نعم لأنه إنما بطل الأصل دون الوصف وقال محمد لا لبطلان الأصل أيضا عنده قهستاني قوله: "والرابع الخطبة" فعلة بمعنى مفعولة فهي اسم لما يخطب به عناية من الخطب وهو في الأصل كلام بين اثنين قهستاني عن الأزاهر وهي بالضم في الموعظة والجمع خطب وبالكسر طلب التزوج والفعل فيهما كقتل وهي شرط بالإجماع خلافا للإمامية وقد شذوا قوله: "قبلها" أي قبل الصلاة لأنها شرطها وشرط الشيء سابق عليه وقد كانت الخطبة في صدر الإسلام بعد الصلاة كخطبة العيد ثم نسخ وجعلت قبلها ففي مراسيل أبي داود كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوم الجمعة قبل الخطبة حتى إذا كان ذات يوم وهو يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل فقال: إن دحية قد قدم وكان إذا قدم تلقوه بالدفاف فخرج الناس لم يظنوا إلا أنه لا شيء في ترك الخطبة فأنزل الله تعالى الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة 11] فقدم النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة كذا في الشرح قوله: "فحمد لعطاسه" وكذا إذا سبح تعجبا قوله: "لا ينوب عن الخطبة" هو أحد قولين والثاني أنه لا يشترط فيها القصد وتقدم ما يفيده وذكره صاحب صاحب التنوير في الذبائح قوله: "في وقتها" فلو خطب قبله وصلى فيه لا تصح لأنه من جملة الخصوصيات المقيدة بها حلبي قوله: "لا صبي" بالجر عطفا على قوله عبد الخ أي لا يكفي حضور صبي.(1/509)
ولا يشترط سماع جماعة فتصح الخطبة "ولو" كان الحاضر "واحد" وروي عن الإمام وصاحبيه صحتها وإن لم يحضره أحد و "في" الرواية الثانية عنهم يشتر حضور واحد في "الصحيح" ويشترط أن لا يفصل بين الخطبة والصلاة بأكل وعمل قاطع واختلف في صحتها لو ذهب لمنزلة لغسل أو وضوء فهذه خمس شروط أو ست لصحة الخطبة فلينتبه لها "و" الخامس من شروط صحة الجمعة "الإذن العام" كذا في الكنز لأنها من شعائر الإسلام وخصائص الدين فلزم إقامتها على سبيل الاشتهار والعموم حتى غلق الإمام باب قصره أو المحل الذي يصلي فيه بأصحابه لم يجز وإن أذن للناس بالدخول فيه صحت ولكن لم يقض حق المسجد الجامع فيكره ولم يذكر في الهداية هذا الشرط لأنه غير مذكور في ظاهر الرواية وإنما هو رواية النوادر. قلت اطلعت على رسالة العلامة بن الشحنة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولا يشترط سماع جماعة" وقيل تشترط الجماعة ونص في الدراية على أنه الصحيح وفي المنتقى على أنه الأصح ومشى عليه شارح الكنز قوله: "وروي عن الإمام وصاحبيه" قال ابن أميرحاج وأفاد شيخنا أن الاعتماد عليه قوله: "وفي الرواية الثانية الخ" مستغنى عنه بما تقدم قوله: "في الصحيح" متعلق بقوله يشترط حضور واحد قوله: "وعمل قاطع" كما إذا جامع ثم اغتسل وأما إذا لم يكن قاطعا كما إذا تذكر فائتة وهو في الجمعة فاشتغل بالقضاء أو أفسد الجمعة فاحتاج إلى إعادتها أو افتتح التطوع بعد الخطبة لا تبطل الخطبة بذلك لأنه ليس بعمل قاطع ولكن الأولى إعادتها كما في البحر عن الخلاصة والمحيط والسراج والفتح وإن تعمد ذلك يصير مسيئا قوله: "فهذه خمس شروط أو ست لصحة الخطبة" الأول أن تكون قبل الصلاة الثاني أن تكون بقصد الخطبة الثالث أن تكون في الوقت الرابع أن يحضرها واحد الخامس أن يكون ذلك الواحد ممن تنعقد بهم الجمعة السادس عدم الفصل بين الخطبة والصلاة بقاطع وذكر البدر العيني في شرح البخاري أن من السنة اتخاذ المنبر عن يمين المحراب فإن لم يكن منبر فموضع عال وإلا فإلى خشبة اتباعا لفعله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يخطب إلى جذع قبل اتخاذ المنبر ويكره المنبر الكبير جدا إذا لم يكن المسجد متسعا اهـ قوله: "لأنها من شعائر الإسلام وخصائص الدين" أي وقد شرعت بخصوصيات لا تجوز بدونها والإذن العام والأداء على سبيل الشهرة من تلك الخصوصيات ويكفي لذلك فتح أبواب الجامع للواردين كذا في الكافي قوله: "حتى لو غلق الإمام الخ" وكذا لو اجتمع الناس في الجامع وأغلقوا الأبواب وجمعوا لم يجز كافي وظاهر عبارته أن غلق يأتي ثلاثيا والواقع في عبارة غيره الرباعي وفي الآية وهو قوله تعالى: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} للتضعيف وهو يأتي بدل الهمزة وراجعه قوله: "وإن أذن للناس بالدخول فيه صحت" سواء دخلوا أم لا كذا في الكافي قوله: "ابن الشحنة" هو العلامة عبد البر والشحنة حافظ البلد.(1/510)
وقد قال فيها بعدم صحة الجمعة في قلعة القاهرة لأنها تقفل وقت صلاة الجمعة وليست مصرا على حدتها. وأقول في المنع نظر ظاهر لأن وجه القول بعدم صحة صلاة الإمام بقفله قصره اختصاصه بها دون العامة والعلة مفقودة في هذه القضية فإن القلعة وإن قفلت لم يختص الحاكم فيها بالجمعة لأن عند باب القلعة عدة جوامع في كل منها خطبة لا يفوت من منع من دخول القلعة الجمعة بل لو بقيت القلعة مفتوحة لا يرغب في طلوعها للجمعة لوجودها فيما هو أسهل من التكلف بالصعود لها وفي كل محلة من المصر عدة من الخطب فلا وجه لمنع صحة الجمعة بالقلعة عند قفلها "و" السادس "الجماعة" لأن الجمعة مشتقة منها ولأن العلماء أجمعوا على أنها لا تصح من المنفرد "و" واختلفوا في تقدير الجماعة فعندنا "هم ثلاثة رجال" وإن لم يحضروا الخطبة وقد جاءوا فإن صرف من شهدها وصلى بهم الإمام جاز من غير إعادة الخطبة في ظاهر الرواية وهم "غير الإمام" عند الإمام الأعظم ومحمد وقال أبو يوسف اثنان سوى الإمام لما في المثنى من معنى الاجتماع ولهما إن الجمع الصحيح إنما هو الثلاثة "وكانوا عبيدا أو مسافرين أو مرضى" أو مختلطين
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "في قلعة القاهرة" أي ونحوها قوله: "وليست مصرا على حدتها" فإنه وإن كان فيها الجوانيت والسكك وغير ذلك إلا أنها لم تستوف جميع ما ذكر في حد المصر من القاضي ونحوه قوله: "في المنع" أي منع صحة الجمعة قوله: "اختصاصه بها دون العامة" فيه نظر فإن الناس لو أغلقوا باب مسجد وصلوها لا تجوز لهم فالعلة عدم الأذن ولذا قال في مجمع الأنهر نافلا عن عيون المذاهب ولا يضر غلق باب القلعة لعدو أو عادة قديمة لأن الإذن العام حاصل لأهله وغلق الباب ليس لمنع المصلي ولكن عدم غلقه أحسن قوله: "لم يختص الحاكم الخ" هو يقول بعدم الصحة وإن كان الحاكم يجمع خارجها وما ذاك إلا لعدم الإذن العام لا للإختصاص فتدبر قوله: "لأن عند باب القلعة" أي خارجه قوله: "لا يفوت من منع الخ" هي لا منع فيها قبل غلقها وإنما تغلق للعادة قوله: "فيما هو أسهل من التكلف" الأوضح أن يقول فيما هو أسهل منها للتكلف بالصعود إليها قوله: "وفي كل محلة الخ" أي فلا اختصاص بها لمن بالقلعة قوله: "لأن الجمعة مشتقة منها" أي مأخوذة فإن الاشتقاق من المصادر أي والأصل مراعاة المعاني اللغوية إذا لم يتحقق نقل قوله: "فانصرف من شهدها" قد تقدم قول أنه لا يشترط حضور أحد لسماعها وصحح قوله: "ولهما أن الجمع الصحيح إنما هو الثلاثة" وأيضا طلب الحضور في قوله عز وجل: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة 9] متعلق بلفظ الجمع وهو الواو والذكر المسند إليه السعي يستلزم ذاكرا وهو غير الجمع المطلوب حضوره فلزم أن يكون مع الإمام جمع وما دون الثلاثة ليس جمعا متفقا عليه فليس بجمع مطلق والمشروط هنا ظنا جمع مطلق وبيان ما ذكره المصنف أن أقل الجمع ثلاثة حقيقة لمخالفة صيغته الدالة عليه صيغة التثنية والواحد والإثنان وإن كان جمعا(1/511)
لأنهم صلحوا للإمامة فيها فأولى أن يصلحوا للاقتداء "والشرط" عند الإمام لانعقاد أدائها بهم "بقاؤهم" محرمين "مع الإمام" ولو كان اقتداؤهم في حال ركوعه قبل رفع رأسه "حتى يسجد" السجدة الأولى "فإن نفروا" أي أفسدوا صلاتهم "بعد سجوده" أي الإمام "أتمها وحده جمعة" باتفاق أئمتنا الثلاثة وقال زفر يشترط دوامهم كالوقت إلى تمامها "وإن نفروا" أو بعضهم ولم يبق إلا اثنان من الرجال إذ لا عبرة بالنساء والصبيان الباقين "قبل سجوده" أي الإمام "بطلت" عند أبي حنيفة لأنه يقول الجماعة شرط انعقاد الأداء وعندهما يتمها وحده لأن الجماعة شرط انعقاد التحريمة "ولا تصح" أي لا تنعقد الجمعة "بامرأة أو صبي مع رجلين" لعدم صلاحية الصبي والمرأة للإمامة "وجاز للعبد والمريض" والمسافر "أن يؤم فيها" بالإذن أصالة أو نيابة صريحا أو دلالة كما تقدم لأهليتهم للإمامة وإنما سقط عنهم وجوبها تخفيفا. ولما كان حد المصر مختلفا فيه على أقوال كثيرة ذكر الأصح منها فقال: "والمصر" عند أبي حنيفة "كل موضع" أي بلد "له مفت" يرجع إليه في الحوادث "وأمير" ينصف المظلوم من الظالم "وقاض" مقيمون بها وإنما قال: "ينفذ الأحكام ويقيم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
من وجه نظرا إلى الاشتقاق فهو مجاز والعمل بالحقيقة هو الأصل وكون المثنى له حكم الجمع في الميراث ونحوه لقيام الدليل ثمة فأعلمناه فيه لا يلزم اطراده قوله: "ولو كانوا عبيد الخ" أو أميين أو خرسانا لأنهم يصلحون للإمامة فيها بمثلهم بعد الخطبة من غيرهم قوله: "سوى اثنان" الأولى اثنين أو هو على لغة من يلزم المثنى حالة واحدة قوله: "شرط انعقاد الأداء" وهو بتقييد الركعة بسجدة لأن الأداء فعل وفعل الصلاة هو القيام والقراءة والركوع والسجود ولذا لو حلف لا يصلي لا يحنث حتى يقيده بسجدة فإذا لم يقيد بها لم يوجد الأداء كذا في الشرح قوله: "شرط انقعاد الترحيمة" أي وقد وجد وإن لم يقيد بسجدة قوله: "مع رجلين" هذا على قولهما وأجاز ذلك أبو يوسف قوله: "صريحا أو دلالة" راجعان إلى قوله أو نيابة فالصريح أن يأذن له بالاستنابة والدلالة عند عدم الإذن قوله: "ولما كان حد المصر مختلفا فيه على أقوال كثيرة" الفصل في ذلك أن مكة والمدينة مصران تقام بهما الجمعة من زمنه صلى الله عليه وسلم إلى اليوم فكل موضع كان مثل أحدهما فهو مصر وكل تفسير لا يصدق على أحدهما فهو غير معتبر كقولهم هو ما لا يسع أهله أكبر مساجده أو ما يعيش فيه كل محترف بحرفته أو يوجد فيه كل محترف وغير ذلك قوله: "عند أبي حنيفة" صرح به في التحفة عنه ورواه الحسن عنه في كتاب الصلاة كذا في غاية البيان وبه أخذ أبو يوسف وهو ظاهر المذهب كما في الهداية واختاره الكرخي والقدوري وفي العناية هو ظاهر الرواية وعليه أكثر الفقهاء وبما ذكر تعلم سقوط ما في شرح السيد قوله: "مفتى" الذي رأيته في النسخ إثبات الياء فيه وفي قاضي والأولى حذفها فيهما لأنهما منقوصان قوله: "ينصف" بضم الياء من أنصف قوله: "مقيمون بها" قيد بها لأنه إذا لم تعتبر الإقامة لا توجد(1/512)
الحدود" احترازا عن المحكم والمرأة وذكر الحدود يغني عن القصاص "و" الحال أنه موضع "بلغت أبنيته" قدر "أبنية منى" وهذا "في ظاهر الرواية" قاله قاضيخان وعليه الاعتماد "وإذا كان القاضي أو الأمير مفتيا أغنى عن التعداد" لأن المدار على معرفة الأحكام لا على كثرة الأشخاص "وجازت الجمعة بمنى في الموسم "2" للخليفة وأمير الحجاز" لا أمير الموسم لأنه يلي أمر الحاج لا غير عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد لا تصح بها لأنها قربة وقالا تتمصر في الموسم "وصح الاقتصار في الخطبة على" ذكر خالص لله تعالى "نحو تسبيحة أو تحميدة" أو تهليلة أو تكبيرة لكن "مع الكراهة" لترك السنة عند الإمام وقالا لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة وأقله قدر التشهد إلى قوله عبده ورسوله حمد وصلاة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قرية أصلا إذ كل قرية متمولة بحكم كذا في الشرح قوله: "ينفذ الأحكام ويقيم الحدود" المراد به القدرة على ذلك كما صرح به في التحفة عن الإمام لتزييف صدر الشريعة له بظهور التواني في الأحكام لا سيما في إقامة الحدود في الأمصار مزيف كما في الحلبي فالمراد الشأن لا الحصول بالفعل قالالعلامة نوح دفع الظلم عن المظلومين ليس بشرط في تحقق المصرية بل الشرط في تحققها القدرة على الدفع ومما يدل على عدم اشتراط الدفع بالفعل أن جماعة من الصحابة صلوها خلف الحجاج وهو أظلم خلق الله تعالى اهـ وفي الحموي واعلم أن بعض الموالي زعم عدم صحة الجمعة الآن معللا بفقد بعض شرائط الأداء وهو المصر فإنها عبارة عن كل بلدة فيها وال وقاض ينفذان الأحكام ويقيمان الحدود وهما مفقودان فلا تصح الجمعة وتتعين صلاة الظهر وقد تبعه على ذلك كثير من الأروام وما قاله هذا البعض ضلال في الدين فإن تنفيذ الأحكام وإقامة الحدود موجودان في الجملة والأولى ما في العلامة نوح فتأمل قوله: "احتراز عن المحكم والمرأة" فإنهما ينفذان الأحكام ولا يقيمان الحدود والأولى النصب قوله: "يغني عن القصاص" لأن من ملك إقامتها ملكه كذا في الشرح قوله: "وإذا كان القاضي أو الأمير الخ" في شرح السيد وقدمنا عن الشيخ قاسم الاكتفاء بالقاضي عن الأمير وحينئذ وجود القاضي يغني عن المفتي والأمير حيث كان له معرفة بالأحكام وإلا فلا بد من المفتي اهـ وفي الشرح ولا يشترط الصلاة في البلد بالمسجد فتصح بفضاء فيها اهـ قوله: "بمنى" هي بالكسر والقصر موضع على فرسخين من مكة والغالب فيه التذكير فيصرف وإذا أنث منع للعلمية والتأنيث قوله: "في الموسم" فيه إيماء إلى أنها لا تقام فيها في غير أيامه لزوال تمصرها بزوال الموسم وقيل تجوز في جميع الأيام لأنها في فناء مكة ورد بأن بينهما فرسخين قوله: "أو أمير الحجاز" هو أمير مكة قوله: "لا أمير الموسم" أي إلا إذا أذن له بإقامة الجمعة قوله: "وقا لا تتمصر في الموسم" وعدم التعييد فيها للتخفيف على الحاج لأنهم مشغولون بالمناسك هداية قوله: "وصح الاقتصار في الخطبة الخ" بيان لركنها قوله: "لكن مع الكراهة" أي التنزيهية لقوله لترك السنة قوله:(1/513)
ودعاء للمسلمين والتسبيحة ونحوها لا تسمى خطبة وله قوله تعالى: {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} من غير فصل بين كونه ذكرا طويلا يسمى خطبة أو لا ولقضية عثمان رضي الله عنه لما قال الحمد لله فارتج عليه ثم نزل وصلى بهم ولم ينكر عليه أحد منهم فكان إجماعا منهم "وسنن الخطبة" التي في ذات الخطيب والتي في نفس الخطبة "ثمانية عشر شيئا" بل يزاد عليها فمن السنة أن يكون جلوس الخطيب في مخدعه عن يمين المنبر أو جهته لابسا السواد أو البياض ومنها "الطهارة" حال الخطبة لأنها ليست صلاة ولا كشطرها وتأويل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"حمد وصلاة ودعاء" بدل من قوله ذكر طويل في السفتاقي الخطبة الأولى فيها أربع فرائض التحميد والصلاة والوصية بتقوى الله وقراءة آية وكذا في الثانية إلا أن الدعاء في الثانية بدل قراءة الآية في الأولى كذا في شرح المقدسي وظاهر أن هذا لا يتمشى على قوله وهو ظاهر ولا على قولهما لأنهما لا يشترطان الثانية ولا الآية وما ذكره مذهب الشافعي رضي الله عنه قوله: "فاسعوا إلى ذكر الله" وهو مطلق فكان الشرط الذكر الأعم بالقاطع وكون المأثور الذكر المسمى خطبة إنما يفيد الوجوب أو السنية لا أنه هو شرط الذي لا يجزىء غيره قوله: "ولقضية عثمان الخ" ذكر في المحيط والمبسوط وملتقى البحار وشرح البخاري لابن بطال وشرح مسلم لصدر الدين الخلاطي والمؤرخون أن عثمان رضي الله عنه أول جمعة ولي الخلافة صعد المنبر فقال: الحمد لله فأرتج عليه فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وستأتيكم الخطب بعد وأستغفر الله العظيم لي ولكم اهـ قال في النهاية ولم يعن عثمان بقوله وإنكم الخ تفضيل نفسه على الشيخين بل على الخلفاء الذين يكونون بعد الراشدين فإنهم يكونون على كثرة في المقال مع قبح الفعال فكأنه يقول أنا وإن لم أكن قوالا مثلهم فأنا على الخير دون الشر اهـ قوله: "فأرتج" بضم الهمزة وسكون الراء المهملة وكسر المثناة من فوق وبالجيم كاغلق مبنيا للمفعول وزنا ومعنى أي استغلق عليه الكلام فلم يقدر على إتمامها قوله: "وسنن الخطبة الخ" منها أن تكون خطبتان تشتمل كل منهما على حمد وتشهد وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والأولى على تلاوة آية وعلى وعظ والثانية على دعاء للمؤمنين والمؤمنات عوض الوعظ كما ذكره قوله: "بل يزاد عليها الخ" زاد على ما ذكره نحو سنتين والعدد لا مفهوم له قوله: "أو جهته" أي المنبر أي إن لم يكن له مخدع كما في الشرح قوله: "أو البياض" فهو مخير ولا يلزمه اختصاص السواد كما في الشرح وتكره صلاته في المحراب قبل الخطبة قهستاني وغيره ويكره التفاته يمينا وشمالا وما يفعله المؤذنون حال الخطبة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والترضي عن الصحابة والدعاء للسلطان بالنصر ينبغي أن يكون مكروها اتفاقا قوله: "الطهارة" فلو خطب محدثا أو جنبا جاز ويكره ويستحب إعادتها إذا كان جنبا إلا أذانه زيلعي وإن لم يعد أجزأ إن لم يطل الفصل بأجنبي قوله: "لأنها ليست صلاة" بل ذكر(1/514)
الأثر أنها في حكم الثواب كشطر الصلاة هو الصحيح "وستر العورة" للتوارث "و" كذا "الجلوس على المنبر قبل الشروع في الخطبة والأذان بين يديه" جرى به التوارث "كالإقامة" بعد الخطبة "ثم قيامه" بعد الأذان في الخطبتين ولو قعد فيهما أو في إحداهما أجزأ وكره من غير عذر وإن خطب مضطجعا أجزأ "و" إذا قام يكون "السيف بيساره متكئا عليه في كل بلدة فتحت عنوة" ليريهم أنها فتحت بالسيف فإذا رجعتم عن الإسلام فذلك باق بأيدي المسلمين يقاتلونكم به حتى ترجعوا إلى الإسلام "و" يخطب "بدونه" أي السيف "في" كل "بلدة فتحت صلحا" ومدينة الرسول فتحت بالقرآن فيخطب فيها بلا سيف ومكة فتحت بالسيف "و" يسن "استقبال القوم بوجهه" كما استقبل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم "و" يسن "بداءته بحمد الله" بعد التعوذ في نفسه سرا "والثناء عليه بما هو أهله" سبحانه "والشهادتان والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والعظة" بالزجر عن المعاصي والتخويف والتحذير مما يوجب مقت الله تعالى وعقابه سبحانه "والتذكير" بما به النجاة "وقراءة آية من القرآن" لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
والجنب والمحدث لا يمنعان منه قوله: "ولا كشطرها" بدليل أنها تؤدى إلى غير جهة القبلة ولا يفسدها الكلام قوله: "وتأويل الأثر أنها الخ" أي بأنها الخ فهو على حذف الباء والأثر ظاهره يدل على أنها كشطر الصلاة قوله: "هو الصحيح" مقابله ما عن أبي يوسف أن الطهارة شرط قوله: "وستر العورة" هو من سنن الخطبة إجماعا وإن كان فرضا في حد ذاته حتى لو خطب بدونه أجزأ برهان قوله: "وكذا الجلوس الخ" اختلف فيه هل هو للأذان أو للإستراحة وعلى الأول لا يسن في العيد لأنه لا أذان له ذكره البدر العيني على البخاري قوله: "فتحت عنوة" أي قهرا أو غلبة قوله: "ليريهم" هذه العلة إنما تظهر فيمن كان حديث عهد بالإسلام من أهل تلك البلدة ولكن العلة تعتبر في الجنس وقيل الحكمة فيه الإشارة إلى أن هذا الدين قد قام بالسيف وفيه إشارة إلى أنه يكره الإتكاء على غيره كعصا وقوس خلاصة لأنه خلاف السنة محيط وناقش فيه ابن أميرحاج بأنه ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قام خطيبا بالمدينة متكئا على عصا أو قوس كما في أبي داود وكذا رواه البراء بن عازب عنه صلى الله عليه وسلم وصححه ابن السكن قوله: "فتحت بالقرآن" أي بذكره وتلاوته فيها فكان أهلها يتعلمون القرآن قبل قدومه إياها صلى الله عليه وسلم قوله: "بالسيف" هو أحد قولين قوله: "واستقبال القوم بوجهه" فإن ولاهم ظهره كره قال شمس الأئمة من كان أمام الإمام استقبل بوجهه ومن كان عن يمين الإمام أو يساره انحرف إلى الإمام وقال السرخسي الرسم في زماننا القوم القبلة وترك استقبالهم الخطيب لما يلحقهم من الحرج بتسوية الصفوف بعد فراغ الخطيب من خطبته لكثرة الزحام قال وهذا أحسن قوله: "كما استقبل الصحابة الخ" فيكون استقبالهم الإمام سنة أيضا فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب استقبل أصحابه ومن كان أمامه استقبله بوجهه ومن كان عن يمينه أو يساره انحرف إليه كذا في الشرح قوله: "مما يوجب مقت الله" أي من ارتكاب ذلك(1/515)
في خطبته": {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} والأكثر على أنه يتعوذ قبلها ولا يسمي إلا أن يقرأ سورة كاملة فيسمي أيضا "و" يسن "خطبتان" للتوارث إلى وقتنا "و" يسن "الجلوس بين الخطبتين" جلسة خفيفة وظاهر الرواية مقدار ثلاث آيات "و" يسن "إعادة الحمد و" إعادة "الثناء و" إعادة "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" كائنة تلك الإعادة "في ابتداء الخطبة الثانية" وذكر الخلفاء الراشدين والعمين مستحسن بذلك جرى التوارث "و" يسن "الدعاء فيها" أي الخطبة الثانية "للمؤمنين والمؤمنات" مكان الوعظ "بالاستغفار لهم" الباء بمعنى مع أي يدعو لهم بإجراء النعم ودفع النقم والنصر على الأعداء والمعافاة من الأمراض والأدواء مع الاستغفار "و" يسن "أن يسمع القوم الخطبة" ويجهر في الثانية دون الأولى وإن لم يسمع أجزأ كما في الدراية "و" يسن "تخفيف الخطبتين" قال ابن مسعود رضي الله عنه طول الصلاة وقصر الخطبة من فقه الرجل "بقدر سورة من طوال المفصل" كذا في الدراية ولكن يراعى الحال بما هو دون ذلك فإنه إذا جاء بذكر وإن قل يكون خطبة "ويكره التطويل" من غير قيد بزمن في الشتاء لقصر الزمان وفي الصيف للضرر بالزحام والحر "وترك شيء من السنن" التي بيناها "ويجب" يعني يفترض "السعي" أراد الذهاب ماشيا بالسكينة والوقار لا الهرولة لأنها تذهب بهاء المؤمن والمشي أفضل لمن يقدر عليه وفي العود منها وإنما ذكر بلفظ السعي لمطابقة الأمر به في الآية وإنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه بقوله
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "قبلها" أي الآية وهو غير التعوذ الذي قبل الخطبة قوله: "وظاهر الرواية مقدار ثلاث آيات" وهو المذهب در وتاركها مسيء في الأصح لأنها سنة قهستاني لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما خطبة واحدة فلما أسن جعلها خطبتين بينهما جلسة خفيفة وفيه دليل على أنها للإستراحة لا شرط قوله: "وسن إعادة الحمد الخ" الثلاثة سنة واحدة قوله: "وسن الدعاء فيها للمؤمنين" وجاز الدعاء للسلطان بالعدل والإحسان وكره تحريما وصفه بما ليس فيه وتكلمه بكلام الدنيا إلا أن يشبه أمرا بمعروف قوله: "والنصر على الأعداء" أي الكفار والبغاة قوله: "قال ابن مسعود الخ" وفي الفتح من الفقه والسنة تقصير الخطبة وتطويل الصلاة قوله: "بما هو دون ذلك" أي بذكر ما هو دون سورة من قصار المفصل قوله: "ويكره التطويل" أي بزيادة على قدر السورة من الطوال كما في الدر وغيره قوله: "في الشتاء" متعلق بالتطويل وقوله وفي الصيف عطف عليه وقوله بالزحام لا يخص الصيف قوله: "بهاء المؤمن" أي كماله قوله: "والمشي أفضل" لما كان يتوهم من قوله أراد الذهاب ماشيا ان المشي واجب دفعه بذلك قوله: "وفي العود منها" عطف على محذوف معلوم من المقام أي في الذهاب إليها وفي العود والحاصل أنهم اختلفوا في الرجوع فقيل هو كالذهاب إليها فالمشي أفضل وقيل هو كالخروج إلى سائر الحاجات وهو الأصح(1/516)
"إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وأخرجه أحمد وقال: "وما فاتكم فاقضوا" فيذهب في الساعة الأولى وهو الأفضل ثم ما يليها وهكذا "للجمعة و" يجب بمعنى يفترض "ترك البيع" وكذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "وأنتم تسعون" أي تسرعون قوله: "وقال" أي الإمام أحمد ومثله عند ابن حبان عن ابن عيينة قوله: "فيذهب في الساعة الأولى الخ" لحديث أوس الثقفي رضي الله عنه من غسل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها رواه أبو داود وغيره يقال غسل الرجل امرأته وغسلها مخففا ومشددا إذا جامعها لأنه أوجب عليها الغسل بجماعه وورد أن من فعله كان ممن يظل بظل العرش كذا ذكره الشبرخيتي في شرح الأربعين والتبكير سرعة الانتباه أول الوقت أو قبله لأداء العبادة بنشاط والابتكار هو المسارعة إلى المصلى لينال فضيلته والصف الأول وروى الإمام مالك في الموطأ قال من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة اهـ قال مالك وأكثر أصحابه وإمام الحرمين والقاضي حسين أنها لحظات لطيفة أولها زوال الشمس وآخرها قعود الإمام على المنبر وقال الجمهور والمراد ساعات اليوم والليلة المنقسمة إلى أربعة وعشرين جزءا فاستحبوا التبكير اليها واختلف في أول الوقت فقيل من طلوع الشمس ليكون ما قبله من طلوع الفجر زمان غسل وتأهب قال البرهان الحلبي وهو الأظهر وذكر الساعات للحث على التبكير إليها والترغيب في فضلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها والاشتغال بالنفل والذكر قبلها وفي الكشاف قيل أول بدعة حدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجمعة ومعنى راح في الحديث خف قال في القاموس راح للمعروف يراح راحة أخذته له خفة وراحت يده لكذا خفت واستحبوا ان يواقع زوجته ليكون أغض لبصره وأسكن لنفسه إذا راح للجمعة كما يشهد له حديث أوس السابق قوله: "ويجب ترك البيع" فيكره تحريما من الطرفين على المذهب وصح اطلاق الحرام عليه كما وقع في الهداية ويقع العقد صحيحا عندنا وهو قول الجمهور حتى يجب الثمن ويثبت الملك قبل القبض وفي الفتح المكروه دون الفاسد وليس المراد بكونه دونه في حكم المنع الشرعي بل في عدم فساد العقد وإلا فهذه المكروهات كلها تحريمية لا نعلم خلافا في الإثم بها اهـ وقال مالك وأحمد بالبطلان في غير نكاح وهبة وصدقة وفي الكلام إشعار بأن من لم تجب عليه الجمعة مستثنى من الحكم كما في القهستاني يعني من لم تجب عليهما معا أما إذا وجبت على أحدهما دون الآخر أثما جميعا لأن الأول ارتكب النهي والثاني أعانه عليه كذا في شرح البخاري للعيني قوله:(1/517)
ترك كل شيء يؤدي إلى الاشتغال عن السعي إليها أو يخل به كالبيع ماشيا إليها لإطلاق الأمر "بالأذان الأول" الواقع بعد الزوال "في الأصح" لحصول الإعلام به لأنه لو انتظر الأذان الثاني الذي عند المنبر تفوته السنة وربما لا يدرك الجمعة لبعد محله وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني "وإذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام" وهو قول الإمام لأنه نص النبي عليه الصلاة والسلام وقال أبو يوسف ومحمد ولا بأس بالكلام إذا خرج قبل أن يخطب وإذا نزل قبل أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وكذا ترك كل شيء الخ" منه إنشاء السفر عنده قوله: "كالبيع ماشيا" وما في النهاية عن أصول الفقه لأبي اليسر أنهما إذا تبايعا وهما يمشيان فلا بأس به مشكل لأنه تخصيص لإطلاق الكتاب وهو نسخ فلا يجوز بالرأي وفي المضمرات والبيع على باب المسجد أو فيه أعظم وزرا اهـ قوله: "في الأصح" وقال الطحاوي المعتبر هو الأذان الثاني عند المنبر لأنه الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم والشيخين بعده قال في البحر وهو ضعيف قوله: "وإذا خرج الإمام" أي من حجره إن كانت وإلا فقيامه للصعود قاطع كما في شرح المجمع فيثبت المنع بمجرد ظهوره ولو قبل صعوده المنبر وقيل إذا صعد وعليه جرى الكمال والزيلعي والعيني قوله: "فلا صلاة" سواء كانت قضاء فائتة أو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو منذورة أو نفلا إلا إذا تذكر فائتة ولو وترا وهو صاحب ترتيب فلا يكره الشروع فيها حينئذ بل يجب لضرورة صحة الجمعة وأفاد أنه لا يكره الشروع قبل الخروج فيتم ما شرع فيه ولو خطب الإمام من غير كراهة مطلقا إلا إذا كان في نفل فإنه يتم شفعا ثم يقطع ولو كان خروجه بعد القيام للثالثة أتم أيضا لأنه وجب عليه الشفع الثاني بالقيام إليه واختلف في سنة الجمعة فقيل يقطع على رأس الركعتين كالنفل المطلق والصحيح أنه يتمها لأنه كصلاة واحدة واجبة بحر ولكن يخفف القراءة در يعني بقدر الواجب لإدراك الواجب وهل يترك تسبيح الركوع والسجود والصلاة على البشير النذير في القعود الأخير لأنها سنة والإستماع فرض يحرر قوله: "ولا كلام" دنيوي اتفاقا كما في السراج وغيره كذا الأخروي عند الإمام وسيأتي تمامه قوله: "لأنه نص النبي صلى الله عليه وسلم" وهو كما في الهداية باللفظ المذكور وفي المصنف فاز في الفتح ورفعه غريب والمعروف كونه من كلام الزهري اهـ وفي البحر عن العناية والنهاية اختلف المشايخ على قول الإمام في الكلام قبل الخطبة فقيل إنما يكره ما كان من جنس كلام الناس أما التسبيح ونحوه فلا وقيل ذلك مكروه والأول أصح ومن ثمة قال في البرهان وخروجه قاطع للكلام أي كلام الناس عند الإمام اهـ فعلم بهذا انه لا خلاف بينهم في جواز غير الدنيوي على الأصح ويحمل الكلام الوارد في الأثر على الدنيوي ويشهد له ما أخرجه البخاري أن معاوية أجاب المؤذن بين يديه لما أن قضى التأذين قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المجلس حين أذن المؤذن يقول ما سمعتم من مقالتي اهـ وفي النهر عن البدائع يكره الكلام حال الخطبة وكذا كل عمل يشغله عن سماعها من قراءة(1/518)
يكبر واختلفا في جلوسه إذا سكت فعند أبي يوسف يباح وعند محمد لا يباح لأن الكراهة للإخلال بفرض الاستماع ولا استماع هنا وله إطلاق الأمر وإذا أمر الخطيب بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يصلي سرا إحرازا للفضيلتين ويحمد في نفسه إذا عطس على الصحيح وفي الينابيع يكره التسبيح وقراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والكتابة إذا كان يسمع الخطبة وروي عن نصير بن يحيى إن كان بعيدا من الإمام يقرأ القرآن وروي عنه أن كان يحرك شفتيه ويقرأ القرآن فمن فعل مثله ولا يشتغل غيره بسماع تلاوته لا بأس به كالنظر في الكتاب والكتابة وفيه خلاف وروي عن أبي يوسف أن لا بأس به وقال الحسن بن زياد ما دخل العراق أحد أفقه من الحكم بن زهير وأن الحكم كان يجلس مع أبي يوسف يوم الجمعة وينظر في كتابه ويصحح بالقلم وقت الخطبة "ولا يرد سلاما ولا يشمت عاطسا" لاشتغاله بسماع واجب قال في الحجة كان أبو حنيفة رحمه الله يكره تشميت العاطس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قرآن أو صلاة أو تسبيح أو كتابة ونحوها بل يجب عليه أن يستمع ويسكت في شرح الزاهدي يكره لمستمع الخطبة ما يكره في الصلاة من أكل وشرب وعبث والتفات ونحو ذلك اهـ وفي الخلاصة كل ما حرم في الصلاة حرم حال الخطبة ولو أمرا بمعروف وفي السيد استماع الخطبة من أولها إلى آخرها واجب وإن كان فيها ذكر الولاة وهو الأصح نهر وكذا استماع سائر الخطب كخطبة النكاح والختم اهـ واختلف في الدنو من الإمام والصحيح من الجواب أنه أفضل وقال كثير من العلماء التباعد أولى كي لا يسمع مدح الظلمة والدعاء لهم ويجلس في الصف الأول مما يلي الإمام من غير إيذاء قوله: "لأن الكراهة" علة لأصل الخلاف ولقول أبي يوسف بجوازه في الجلوس أيضا قوله: "يصلي سرا" بحيث يسمع نفسه كذا أفاده القهستاني وفي الشرح عن الحسامي يصلي في نفسه وفي الفتح عن أبي يوسف ينبغي في نفسه لأن ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة فكان إحرازا للفضيلتين وهو الصواب قوله: "ويحمد في نفسه" وإذا فرغ من الخطبة يحمد بلسانه كما لو سمع النداء في الخلاء يجيب بقلبه وإذا فرغ يجيب بلسانه كما في المحيط قوله: "وفيه خلاف" والمعتمد المنع وفي الولوالجية النسائي عن الخطيب إذا كان يجيب لا يسمع الخطبة لا يقرأ القرآن بل يسكت هو المختار قوله: "وقال الحسن الخ" معتمد المذهب المنع قال في الكنز بل يستمع وينصت والنسائي كالقريب قوله: "وإن الحكم" بكسر ان قوله: "ولا يرد سلاما" مطلقا لا بلسانه ولا بقلبه لا قبل الفراغ ولا بعده لأن هذا السلام غير مأذون فيه شرعا بل يرتكب بسلامه إثما لأنه يشغل به خاطر السامع عن الفرض قوله: "ولا يشمت عاطسا الخ" وهل يحمد إذا عطس الصحيح نعم في نفسه وإذا لم يتكلم بلسانه ولكنه أشار برأسه أو بيده أو بعينه لإزالة منكر أو جواب سائل لا يكره على الصحيح كما في المضمرات والفتح قوله: "لما(1/519)
ورد السلام إذا خرج الإمام "حتى يفرغ من صلاته" لما قدمناه وليس منه الإنذار والنداء لخوف على أعمى ونحوه التردي في بئر أو خوف حية أو عقرب لأن حق الآدمي مقدم على الإنصات وحق الله والدعاء المستجاب وقت الإقامة يحصل بالقلب لا باللسان "وكره لحاضر الخطبة الأكل والشرب" وقال الكمال يحرم وإن كان أمرا بمعروف أو تسبيحا والأكل والشرب والكتابة انتهى يعني إذا كان يسمع ما يجتنبه في الصلاة "ولا يسلم الخطيب على القوم إذا استوى على المنبر" لأنه يلجئهم إلى ما نهوا عنه والمروي من سلامه عندنا غير مقبول "وكره" لمن تجب عليه الجمعة "الخروج من المصر" يوم الجمعة "بعد النداء" أي الأذان الأول وقبل الثاني "ما لم يصل" الجمعة لأنه شمله الأمر بالسعي قبل تحققه بالسفر وإذا خرج قبل الزوال فلا بأس به بلا خلاف عندنا وكذا بعد الفراغ منها وإن لم يدركها "ومن لا جمعة عليه" كمريض ومسافر ورقيق وامرأة وأعمى ومقعد "إن أداها جاز عن فرض
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قدمناه" من قوله إذا خرج الإمام الخ قوله: "وليس منه" أي من الكلام المكروه قوله: "حق الله" بدل من الإنصات قوله: "والدعاء المستجاب وقت الإقامة" أي يوم الجمعة أو في ساعة الجمعة المفسرة على الصحيح بأنها من خروج الإمام إلى فراغه من الصلاة قوله: "إذا كان يسمع" بأن كان قريبا قوله: "إن كتابة من لا يسمع" أي البعيد قوله: غير ممتنعة المعتمد المنع قوله: "لأنه يلجئهم إلى ما نهوا عنه" وهو الكلام وهذا إنما يظهر أن لو أطلق في الكلام أما لو قيد بالدنيوي فلا يظهر لأن هذا أخروي وهو مما لا خلاف في إباحته كما مر عن العناية وغيرها وهذا البحث كثير الخلاف جدا قوله: "والمروي من سلامه" أي الإمام حين يستقر على أعلى المنبر كما فعله صلى الله عليه وسلم قوله: "غير مقبول" لما قال البيهقي أنه ليس بقوي وقال عبد الحق في الأحكام الكبرى هو مرسل وهو ليس بحجة عند الشافعي رضي الله عنه أي فكيف يستدل به عنده وقوله عندنا متعلق بمقبول أو متعلق بقوله والمروي فإن الحدادي وجماعة من مشايخنا قالوا: انه يسلم قوله: "وكره لمن تجب عليه الجمعة" أطلق الكراهة فتكون تحريمية وأخرج من لا تجب عليه فلا كراهة في خروج قوله: "وقيل الثاني" هذا الخلاف مبني على الخلاف في وجوب السعي بالأول أو بالثاني قوله: "ما لم يصل الجمعة" على الصحيح كما في شرح المنية والمسافر إذا دخل مصر أو لم ينو إقامة نصف شهر لا جمعة عليه وان عزم على أن يمكث فيه يومها بخلاف القروي العازم فإنه يلحق بأهل المصر وان نوى الخروج من يومه ولو بعد الزوال لا تلزمه الجمعة هكذا قال الفقيه وقيل إن دخل الوقت قبل خروجه من المصر لزمته الجمعة مطلقا كذا في الخلاصة قال البرهان الحلبي ولم يذكر قاضيخان إلا عدم لزومها إذا نوى الخروج من يومه قبل الوقت أو بعده كما اختار الفقيه أبو الليث فعلم أنه المختار عنده لأنه إذا نوى إقامة ذلك اليوم في(1/520)
الوقت" لأن سقوط الجمعة عنه للتخفيف عليه فإذا تحمل ما لم يكلف به وهو الجمعة جاز عن ظهره كالمسافر إذا صام وكلام الشراح يدل على أن الأفضل لهم الجمعة غير أنه يستثنى منه المرأة لمنعها عن الجماعة "ومن لا عذر له" يمنعه عن حضور الجمعة "لو صلى الظهر قبلها أي قبل صلاة الجمعة انعقد ظهره لوجود وقت الأصل في حق الكافة وهو الظهر لكنه لما أمر بالجمعة "حرم" عليه الظهر وكان انعقاده موقوفا "فإن سعى" أي مشى "إليها" أي إلى الجمعة "و" كان "الإمام فيها" وقت انفصاله عن داره لم يتمها أو أقيمت بعد ما سعى إليها "بطل ظهره" أي وصفه وصار نفلا وكذا المعذور "وإن لم يدركها" في الأصح وقيل إذا مشى خطوتين في البيت الواسع يبطل ولا يبطل إذا كان مقارنا للفراغ منها
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
المصر التحق بأهله بخلاف ما إذا لم ينو اهـ قوله: "إن أداها جاز عن فرض الوقت" قال القهستاني الكلام مشير إلى أن فرض الوقت هو الظهر في حق المعذور وغيره لكنه مأمور بإسقاطه بأداء الجمعة حتما والمعذور له رخصة فالجمعة ليست بدلا عن الظهر لأن حقيقة البدل هو ما يصار إليه عند تعذر الأصل وليس هذا كذلك وليس الظهر بدلا عنها لأنه هو فرض الوقت بل هي فرض مستقل في ذلك اليوم يسقط به الظهر قال في الفتح وهذا الوجه يستلزم وجوب الظهر أولا ثم إيجاب إسقاطه بالجمعة وفائدة هذا الوجوب جواز المصير إليه عند العجز عن الجمعة اهـ قوله: "وكلام الشراح يدل الخ" لقولهم إن الظهر لهم يوم الجمعة رخصة فدل على أن العزيمة صلاة الجمعة كذا في الشرح قوله: "غير أنه يستثنى منه المرأة" أي فصلاتها في بيتها أفضل وأصل هذا البحث للعلامة زين رحمه الله تعالى قوله: "في حق الكافة" متعلق بالأصل أي وأما الجمعة فليست على الكافة قوله: "حرم عليه الله الظهر" أي صلاة الظهر وهذا بالنسبة لغير المعذور كما هو الموضوع أما المعذور إذا صلى الظهر قبل الإمام لا يكره بالاتفاق بحر قوله: "فإن سعى إليها الخ" قيد بالسعي لأنه لو كان جالسا في المسجد بعدما صلى الظهر لا تبطل حتى يشرع مع الإمام بالاتفاق كما في البحر عن الحقائق لأنه إذا لم يشرع معه تبين أنه لم يرغب في الجمعة تبيين وقيد باليها لأنه لو سعى إلى غيرها لا يبطل ظهره بالاتفاق كما في غاية البيان قوله: "وكان الإمام فيها وقت انفصاله" أدركه فيها أو لم يدركه لبعد مسافة أن نحوه لأن الإدراك ممكن بتقدير الله تعالى عناية قال في الفتح وهذا تخريج أهل بلخ عن الإمام وهو الأصح وعلى تخريج أهل العراق عنه لا يبطل إلا إذا كان لا يرجو إدراكها اهـ قوله: "وكذا المعذور" فلا فرق بينه وبين غيره في أن السعي مبطل وإنما الفرق من جهة حرمة أداء الظهر قبلها أو عدمها وقالزفر والشافعي لا يبطل ظهر المعذور بأداء الجمعة بعده وتقع الجمعة نفلا قوله: "في الأصح" تعين أن المبطل السعي بقيد الانفصال عن الدار على المختار قوله: "وقيل إذا مشى خطوتين" وإن لم ينفصل عن الدار قوله: "كما بعده" أي كالسعي بعد الفراغ(1/521)
كما بعده أو لم تقم الجمعة أصلا وقال لا يبطل ظهره حتى يدخل مع القوم وفي رواية حتى يتمها حتى لو أفسد الجمعة قبل تمامها لا يبطل ظهره على هذه الرواية ويقتصر الفساد عليه لو كان إماما ولم يحضر الجمعة من اقتدى به في الظهر "وكره للمعذور" كمريض ورقيق ومسافر "والمسجون أداء الظهر بجماعة في المصر يومها" أي الجمعة يروى ذلك عن علي رضي الله عنه ويستحب له تأخير الظهر عن الجمعة فإنه يكره له صلاتها منفردا قبل الجمعة في الصحيح "ومن أدركها" أي الجمعة "في التشهد أو" في "سجود السهو" وتشهده "أتم جمعة" لما رويناه وما فاتكم فاقضوا وهذا عندهما وقال محمد إن أدركه قبل رفع رأسه من ركوع الثانية أتم جمعة وإلا أتم ظهرا وفي العيد يتمه اتفاقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وقالا لا يبطل ظهره الخ" لأن السعي إلى الجمعة دون الظهر فلا يبطل به الظهر والجمعة فوقه فيبطل بها وللإمام أن السعي إلى الجمعة من خصائصها فصار الاشتغال به كالاشتغال بركن من أركانها فيؤثر في ارتفاض الظهر احتياطا قوله: "ويقتصر الفاسد عليه الخ" مثلا لو صلى مسافر الظهر إماما ثم حضر الجمعة فصلاها فهي فرضه وجازت صلاة أولئك ولو قدمه الإمام لسبق حدث حازت صلاة القوم لأن ظهره ارتفض في حقه دون أولئك الذين صلى بهم قبل دخول المصر فصار في حق الفريق الثاني كأنه لم يصل الظهر كذا في الشرح وبها يلغز فيقال أي صلاة فسدت على الإمام ولم تفسد على المأموم قوله: "أداء الظهر بجماعة" سواء كان قبل الجمعة أو بعدها وإنما قيد بالمعذور ليعلم حكم غيره بالأولى ووجه الكراهة أنها تفضي إلى تقليل جماعة الجمعة لأنه ربما تطرق غير المعذور للاقتداء بالمعذور ولأن فيه صورة المعارضة بإقامة غيرها قوله: "في المصر" قيد به لإخراج أهل السواد فإنه لا يكره لهم الجماعة لعدم الجمعة على أهلها فلا يلزم ما ذكر قوله: "فإنه يكره له صلاتها الخ" كذا في البحر وهذا لا ينافي ما قدمناه عنه من أن ذلك لا يكره اتفاقا فالحمل الكراهة المنفية فيما سبق على التحريمية وما هنا على التنزيهية لأنها في مقابلة المستحب أفاده السيد قوله: "صلاتها" أي الظهر وأنث باعتبار أنها فريضة قوله: "أو في سجود السهو" إن قيل إن هذا يشعر بأنه يسجد للسهو في الجمعة والعيد وهو خلاف المختار أجيب بأن المختار عدم الوجوب فيهما وإن الأولى تركه لئلا يقع الناس في فتنة لا أن المختار عدم جوازه أفاده في الإيضاح قوله: "وما فاتكم فاقضوا " فإن معناه اقضوا ما فاتكم من صلاة الإمام والذي فات من صلاة الإمام هو الجمعة وهو يدل على ما في قوله لما روينا قوله: "وإلا أتم ظهرا" لأنه أدرك معه أقلها فلا يعتبر بالكل من وجه وحاصله أنه بإدراك الأقل تصير جمعة من وجه باعتبار ما وجد من الشرائط فيما أدرك كالتحريمة والجماعة والإمام وظهرا من وجه لفوات بعض الشروط فيما يقضي وهو الجماعة والإمام وهي مشروعة على خلاف القياس فيراعى فيه جميع الخصوصيات فبالنظر لكونها ظهرا يصلي أربعا وبالنظر لكونها جمعة يتحتم(1/522)
ويتخير في الجهر والإخفاء وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهره ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
أن يقعد على رأس الركعتين ويقرأ في جميع الركعات لاحتمال النفلية قوله: "ويتطهر" لعل الواو بمعنى أو ويكون المراد به الوضوء لما ورد ما معها من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أحب قوله: "ويدهن من دهنه" لعل المراد به نحو الزيت فانه مأمور به في البلاد الحارة كما يدل عليه حديث كلوا الزيت وادهنوا به قوله: "ويمس من طيب بيته" الموجود فيه أو المرد ان لم يجد طيب الرجال يمس من طيب أهله مما له رائحة لا لون كمسك وكافور قوله: "فلا يفرق بين اثنين" أفاد بهذا النهي عنه قال صلى الله عليه وسلم: "من تخطى رقاب الناس اتخذ جسرا إلى جهنم" وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر رجل حضرها يلغو فهو حظه منها ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز وجل ان شاء أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهو كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك بأن الله تعالى يقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" قال الحلبي وينبغي أن يقيد النهي عن التخطي بما إذا وجد بدا أما إذا لم يجد بدا بأن لم يكن في الوراء موضع وفي المقدم موضع فله أن يتخطى اليه للضرورة وفي الخلاصة إذا دخل الرجل الجامع وهو ملآن إن كان تخطيه يؤذي الناس لم يتخط وإن كان لا يؤذي أحدا بأن لا يطأ ثوبا ولا جسدا فلا بأس ان يتخطى ويدنو من الإمام وروى الفقيه أبو جعفر عن أصحابنا انه لا بأس بالتخطي ما لم يخرج الإمام أو يؤذي أحدا اهـ وحاصله أن التخطي جائز بشرطين عدم الإيذاء وعدم خروج الإمام لأن الإيذاء حرام والتخطية عمل وهو بعد خروج الإمام حرام فلا يرتكبه لفضيلة الدنو من الإمام بل يستقر في موضعه من المسجد وما ذكره في البحر وغيره من أن من وجد فرجة في المقدم له أن يخرق الثاني لأنه لا حرمة لهم لتقصيرهم يحمل على الضرورة أو على عدم الإيذاء أو على الاستئذان قبل خروج الإمام جمعا بين الروايات ومن زحزح رجلين وجلس بينهما مع ضيق الموضع دخل في النهي عن التفرقة بين اثنين وفي البحر وأما التخطي للسؤال فمكروه في جميع الأحوال بالإجماع ويكره أشد كراهة أن يقيم الرجل أخاه فيجلس في موضعه في الجمعة وغيرها قالالكرماني وظاهر النهي الوارد فيه التحريم لأن من سبق إلى مباح فهو أحق به بخلاف ما لو قام الجالس باختياره وأجلس غيره فلا كراهة في جلوس غيره لكن ان انتقل القائم إلى مكان أقرب لسماع الخطبة فلا بأس وإن انتقل إلى دونه كره ولو آثر شخصا بمكانه لم يجر لغيره ان يسبقه إليه لأن الحق للجالس آثر به غيره فقام مقامه في استحقاقه ولو بعث من يقعد له في مكانه عنه إذا جاء هو حاز أيضا من غير كراهة ولو فرش له نحو سجادة ففيه وجهان فقيل يجوز لغيره تنحيتها والجلوس في موضعها لأن السبق بالأجسام لا بما يفرش ولا يجوز الجلوس عليها(1/523)
له ثم يسكت إذا تكلم الخطيب إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يعصمهم الله من عذاب القبر المؤذن والشهيد والمتوفى ليلة الجمعة" لكن ذكر ابن وهبان أنه لا بأس به وأشار به وأشار إليه بقوله ومن شاء تنويرا فقالوا: ينور
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
بغير رضاه نعم لا يرفعها بيده أو غيرها لئلا تدخل في ضمانه وقيل لا يجوز تنحيتها لأنه ربما يفضي إلى الخصومة ولأنه سبق إليه بالحجر فصار كحجر الموات ويجوز إقامة الرجل من مكانه في ثلاث صور إذا قعد في موضع الإمام أو في طريق يمنع الناس من المرور أو بين يدي الصف كما في العيني على البخاري وغيره قوله: "إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" يعني الماضية أو المستقبلة والمغفرة تكون للمستقبل كما تكون للماضي وزاد ابن حبان من حديث أبي هريرة وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها قوله: "يعصمهم الله" أي يحفظهم الله تعالى قوله: "المؤذن" ظاهره ولو غير محتسب قوله: "والشهيد" ظاهره ولو شهيد آخرة فقط قوله: "والمتوفى ليلة الجمعة" قال أبو المعين في أصوله قال أهل السنة والجماعة عذاب القبر وسؤال منكر ونكير حق لكن إن كان كافرا فعذابه يدوم في القبر إلى يوم القيامة ويرفع عنهم العذاب يوم الجمعة وشهر رمضان لحرمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم المؤمن على ضر بين أن كان مطيعا لا يكون له عذاب القبر ويكون له ضغطة فيجد هول ذلك وخوفه لما أنه كان يتنعم بنعمة الله تعالى ولم يشكر النعمة وإن كان عاصيا يكون له عذاب وضغطة القبر لكن ينقطع عنه العذاب يوم الجمعة وليلة الجمعة ولا يعود العذاب إلى يوم القيامة وإن مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة يكون له العذاب ساعة واحدة وضغطة ثم ينقطع عنه العذاب ولا يعود إلى يوم القيامة من مجمع الروايات والتتارخانية كذا في الشرح وناقش فيه المنلا علي وقال إن ذلك غير ثابت في الأحاديث.
تكميل من كمال النظافة قص ظفر وحلق شعر قال في الخانية والخلاصة من كتاب الاستحسان رجل وقت لقلم أظفاره أو حلق رأسه يوم الجمعة قالوا: إن أخره إلى يوم الجمعة تأخيرا فاحشا يعني قد جاوز الحد كره لأن من كان ظفره طويلا يكون رزقه ضيقا فإن لم يجاوز الحد وأخره تبركا بالأخبار فهو مستحب لما روت عائشة رضي الله عنها مرفوعا من قلم أظافيره يوم الجمعة أعاذه الله من البلاء إلى الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام وفي استحسان القهستاني عن الزاهدي يستحب أن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته وينظف بدنه في كل أسبوع مرة ويوم الجمعة أفضل ثم في خمسة عشر يوما والزائد على الأربعين آثم اهـ وورد من قلم أظفاره1 يوم الجمعة أخرج الله تعالى منه الداء وأدخل عليه الدواء اهـ وورد أن من استاك يوم الجمعة وقص شاربه وقلم أظافره ونتف إبطه واغتسل فقد
__________
1 قوله أظافيره في نسخة أظفاره اهـ.(1/524)
...........................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
أوجب ونقل عن الثوري استحباب تقليم الأظفار يوم الخميس وجعله بعض العلماء سببا للغنى وأحاديث يوم الجمعة أكثر فلا يعارضه هذا وظاهر الأحاديث يدل على أن القلم قبل الصلاة فما في بعض الكتب انه بعدها ليشهد له بالصلاة لا يعول عليه لأنه تعليل في مقابلة النص وقول بعضهم لم يثبت في استحباب قص الأظفار يوم معين مراد لم يصح لا أنه لم يثبت أصلا قال بعضهم وتقص على ترتيب النظم المشهور:.
قلموا1 أظفاركم. ... بالسبة والأدب.
يمينها خوابس. ... يسارها أوخسب
كذا في شرح الشرعة وفي فتح الباري إن الإمام أحمد قد نص على هذه الكيفية ونقل الشرف الدمياطي عن بعض مشايخه أن من قص أظفاره مخالفا لا يرمد وانه جرب ذلك مدة طويلة اهـ لكن أنكر الهيئة المذكورة ابن دقيق العيد فقال كل ذلك لا أصل له وإحداث استحباب لا دليل عليه وهو قبيح عندي بالعالم نعم البداءة بيمنى اليدين ويمنى الرجلين لها أصل وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في طهوره وترجله وفي شأنه كله متفق عليه وكذا تقديم اليدين على الرجلين قياسا على الوضوء وما يعزى من النظم في قص الأظفار لعلي وغيره باطل كظهور الأكلة في قص يوم السبت وذهاب البركة في الأحد وحصول العز والجاه في الاثنين والهلكة في الثلاثاء وسوء الأخلاق في الأربعاء والغنى في الخميس والحلم والعلم في الجمعة ثم قص الأظفار هو إزالة ما يزيد على ما يلابس رأس الإصبع من الظفر بمقص أو سكين أو غيرهما ويكره بالأسنان لأنه يورث البرص والجنون وفي حالة الجناية وكذا إزالة الشعر لما روى خالد مرفوعا من تنور2 قبل أن يغتسل جاءته كل شعرة فتقول يا رب سله لم ضيعني ولم يغسلني كذا في شرح شرعة الإسلام عن مجمع الفتاوى وغيره والمعنى في قص الأظفار أن الوسخ يجتمع تحتها فيستقذر وقد ينتهي إلى حد يمنع وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة وتستحب المبالغة في إزالة الأظفار إلى حد لا يضر بالإصبع كذا في فتح الباري وأما حلق الرأس ففي التتارخانية عن الطحاوي أنه سن عند أئمتنا الثلاثة اهـ وفي روضة الزند ويستى السنة في شعر الرأس أما الفرق وأما الحلق اهـ يعني حلق الكل إن أراد التنظيف أو ترك الكل ليدهنه ويرجله ويفرقه لما في أبي داود والنسائي عن ابن عمران أن
__________
1 قوله قلموا إلخ لا يخفى ما في البيت الأول فعله هكذا
وقلموا أظفاركم ... ذا سنة وأدب
اهـ مصححه.
2 لكن ذكر ابن وهبان أنه لا بأس به وأشار إليه بقوله ومن شاء تنويرا فقالوا: ينور.(1/525)
............................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى صبيا حلق بعض رأسه وترك بعضه فقال صلى الله عليه وسلم: "احلقوه كله أو اتركوه كله" وفي الغرائب يستحب حلق الشعر في كل جمعة وفي شرح النقاية عن الإمام يكره أن يحلق قفاه إلا عند الحجامة اهـ قال الطحاوي يستحب إحفاء الشوارب ونراه أفضل من قضاه وفي شرح شرعة الإسلام قال الإمام الإحفاء قريب من الحلق وأما الحلق فلم يرد بل كرهه بعض العلماء ورآه بدعة اهـ وفي الخانية وينبغي أن يأخذ من شاربه حتى يوازي الطرف الأعلى من الشفة العليا ويصير مثل الحاجب اهـ وعن الشعبي كان يقص شاربه حتى يظهر طرف الشفة العليا وما قاربه من أعلاه ويأخذ ما شذ مما فوق ذلك وينزع ما قارب الشفة من جانبي الفم ولا يزيد على ذلك اهـ قال في فتح الباري وهذا أعدل ما وقفت عليه من الآثار ويشرع قص السبالين مع الشارب لأنهما منه كما استظهره في فتح الباري واستثنى مشايخنا المجاهد فقالوا: نندب له توفير أظفاره لأنها سلاح وشاربه لأنه أهيب في عين العدو وأما اللحية فذكر محمد في الآثار عن الإمام أن السنة أن يقطع ما زاد على قبضة يده قال وبه نأخذ كذا في محيط السرخسي وكذا يأخذ من عرضها ماطال وخرج عن السمت التقرب من التدوير من جميع الجوانب لأن الإعدال محبوب والطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين وأخرج الطبراني عن عمر أنه أخذ من لحية رجل ما زاد على القبضة ثم قال له يترك أحدكم نفسه حتى يكون كأنه سبع من السباع وفي الفتاوى الهندية عن الغرائب نتف الفنيكين بدعة وهما جانبا العنفقة اهـ قال في الصحاح والقاموس الفنيك بالفاء والنون كامير والمثنى فنيكان وهما مجمع اللحيين أوطرفاهما عند العنفقة وفي الحديث إذا توضأت فلا تنس الفنيكين يعني جانبي العنفقة عن يمين وشمال قال بعض ويؤخذ مما تقدم مشروعية تنظيف داخل الأنف وأخذ شعره إذا طال لأن الأذى كالمخاط يعلق به اهـ وروى الشهاب القليوبي في كتاب البدور المنورة في معرفة رتبة الأحاديث المشتهرة لا تنتفوا شعر الأنف فأنه يورث الجذام ولكن قصوه قصا وقال ضعيف وقيل حسن وروي أنه يورث الأكلة وهي بتثليث1 الهمزة الحكة ونباته أمان من الجذام وفي الخلاصة عن المنتقى كان أبو حنيفة لا يكره نتف الشيب إلا على وجه التزين اهـ وينبغي حمله على القليل أما الكثير فيكره لخبر أبي داود لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم يوم القيامة وفي القنية حلق شعر الرأس والظهر خلاف الأدب وفي المحيط لا يحلق شعر حلقه ولا بأس بأن يأخذ شعر الحاجبين وشعر وجهه ما لم يتشبه بالمخنثين ومثله في الينابيع والمضمرات والمراد ما يكون مشوها لخبر لعن الله النامصة
__________
1قوله وهي بتثليث الهمزة انظر القاموس تجد التثلث في الأكلة بمعنى الغيبة وأما بمعنى الحكة فهي أكلة بكسر فسكون وكفرحة وأكال وكغارب اهـ مصححة.(1/526)
.................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمتنمصة والسنة في حلق العانة أن يكون بالموسى لأنه يقوي وأصل السنة يتأدى بكل مزيل لحصول المقصود وهو النظافة وإنما جاء الحديث بلفظ الحلق لأنه الأغلب وسواء في ذلك الرجل والمرأة وقالالنووي الأولى في حقه الحلق وفي حقها النتف والإبط أولى فيه النتف لورود الخبر ولأن الحلق يغلظ الشعر ويزيد الرائحة الكريهة بخلاف النتف ثم العانة هي الشعر الذي فوق الذكر وحواليه وحوالي فرجها ويستحب إزالة شعر الدبر خوفا من أن يعلق به شيء من النجاسة الخارجة فلا يتمكن من إزالته بالاستجمار وفي الخانية ينبغي أن يدفن قلامة ظفره ومحلوق شعره وإن رماه فلا بأس وكره إلقاؤه في كنيف أو مغتسل لأن ذلك يورث داء وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن الشعر والظفر وقال لا تتغلب به سحرة بني آدم اهـ ولأنهما من أجزاء الآدمي فتحترم وروى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم أمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان الشعر والظفر والحيضة والسن والقلفة والمسحة اهـ والحيضة بكسر الحاء المهملة خرقة الحيض والجمع محايض كذا في الصحاح ولعل المسحة الخرقة التي يمسح بها ما خرج من الإنسان من نحو دم وأستغفر الله العظيم والله سبحانه وتعالى أعلم.(1/527)
نص الوجوب عن الإمام في رواية وهي الأصح رواية ودراية وبه قال الأكثرون وتسميتها في الجامع الصغير سنة لأنه ثبت الوجوب بها لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة العيدين من غير ترك فتجب "على من تجب عليه الجمعة بشرائطها" وقد علمتها فلا بد من شرائط الوجوب جميعها وشرائط الصحة "سوى الخطبة" لأنها لما أخرت عن الصلاة لم تكن شرطا لها بل سنة "فتصح" صلاة العيدين "بدونها" أي الخطبة لكن "مع الإساءة" لترك السنة "كما" يكون مسيئا "لو قدمت الخطبة على الصلاة" لمخالفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم "وندب" أي استحب لمصلي العيد "في" يوم "الفطر ثلاثة عشر شيئا أن يأكل" بعد الفجر قبل ذهابه للمصلى شيئا حلوا كالسكر "و" ندب "أن يكون المأكول تمرا" إن وجد "و" أن يكون عدده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومذهب الإمام أحمد أن وقت الجمعة يدخل بدخول وقت صلاة العيد قال في متن المنتهي وشرحه للشيخ منصور الحنبلي وإذا وقع عيد في يوم الجمعة سقطت عمن حضر العيد ذلك اليوم سقوط حضور لا سقوط وجوب لأنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد وقال: "من شاء أن يجمع فليجمع" أفاده السيد قوله: "وهي الأصح رواية" عن الإمام وعليه الجمهور كافي وهو المختار خلاصه ونص عليه محمد في الأصل قوله: "ودراية" لأنه ثبت بالنقل المستفيض عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي صلاة العيدين من حين شرعيتها إلى أن توفاه الله تعالى من غير ترك وكذا الخلفاء الراشدون والأئمة المجتهدون وهذا دليل الوجوب وبإشارة الكتاب العزيز وهو قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} [الكوثر: 2] فان الأولى إشارة إلى صلاة عيد الفطر والثانية إلى صلاة الأضحى قوله: "وتسميتها في الجامع الصغير سنة الخ" عبارته عيدان اجتمعا في يوم واحد فالأول سنة والثاني فريضة ولا يترك واحد منهما اهـ قال في العناية هذا لا ينافي الوجوب ألا ترى إلى قوله ولا يترك واحد منهما فإنه ينفي الترك والإخبار في عبارة المشايخ والأئمة يفيد الوجوب كذا في الحلبي على أن الوجوب قريب من السنة لأن السنة المؤكدة في قوة الواجب ولهذا كان الأصح أنه يأثم بتركها كالواجب بحر وقال أبو موسى الضرير في مختصره إنها فرض كفاية كما في شرح الزاهدي ومسكين وهو رواية عن الإمام وبه قال أحمد كما في البرهان قوله: "وشرائط الصحة" ظاهره أنه لا بد من الجماعة المذكورة في الجمعة على خلاف فيها وليس كذلك فإن الواحد هنا مع الإمام جماعة فيكف يصح أن يقال بشرائطها قوله: "لم تكن شرطا لها" لأن شرط الشيء يسبقه أو يقارنه قوله: "لو قدمت الخطبة على الصلاة" اعلم ان الخطبة سنة وتأخيرها إلى ما بعد الصلاة سنة أيضا نهر عن الظهيرية وكونه مسيئا بالتقديم لا يدل على نفي سنية أصلها مطلقا لأن الإساءة لترك سنة التأخير وهي غير أصل السنة وفي الدرة المنيفة لو خطب قبل الصلاة جاز وترك الفضيلة ولا تعاد ومثله في مسكين اهـ قوله: "ثلاثة عشر شيئا" قد ذكر نحو الخمسة عشر قوله: "أن يأكل بعد الفجر" الحكمة فيه المبادرة إلى امتثال الأمر(1/528)
"وترا" لما روي عن البخاري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترا" ولو لم يأكل قبلها لا يأثم ولو لم يأكل في يومه ذلك ربما يعاقب كذا في الرواية "و" ندب أي سن أن "يغتسل" وتقدم أنه للصلاة لأنه صلى الله عليه وسلم: "كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة" وهذا نص على أنه يسن لغير الحاج يوم عرفة وفيه رد على ابن أمير حاج "ويستاك" لأنه مطلوب في سائر الصلوات وأعم الحالات "ويتطيب" لأنه عليه السلام كان يتطيب يوم العيد ولو من طيب أهله "ويلبس أحسن ثيابه" التي يباح لبسها
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
به وليعلم نسخ تحريم الفطر قبل صلاة العيد فإنه كان محرما قبلها في أول الإسلام والشرب كالأكل فإن لم يفعل ذلك قبل خروجه ينبغي أن يفعله في الطريق أو في المصلى إن تيسر كما في شروح الحديث فإن لم يفعل فلا كراهة في الأصح كذا في الحلبي قوله: "ويأكلهن وترا" زاد ابن حبان ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر بعد أن يكون وترا وقال شارحوه الحكمة في تخصيص التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي أضعف الصوم وترقيق القلب وهو أيسر من غيره ومن ثمة استحب بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقاكالعسل وقيل لأنه يحسن البول وقيل لأن النخلة مثل بها المسلم فثمرها أفضل المأكول وقيل لأنها الشجرة الطيبة والحكمة في جعلهن وترا أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الإيتار في جميع أموره استشعارا للوحدانية فإن لم يتسير التمر أكل حلوا غيره كما ذكرنا فإن لم يتيسر أيضا تناول ما تيسر اهـ قوله: "ربما يعاقب" قال القهستاني وبالترك في اليوم يعاقب اهـ قوله: "وتقدم أنه للصلاة" ذكر السرخسي عن الجواهر يغتسل بعد الفجر فإن فعل قبله أجزأه ويستوي في ذلك الذاهب إلى الصلاة والقاعد لأنه يوم زينة واجتماع بخلاف الجمعة قال السروجي وهذا صحيح وبه قالت المالكية والشافعية كما في الحلبي واختار في الدرر أيضا كون الغسل والنظافة فيه لليوم فقط وعلله في النهر بأن السرور فيه عام فيندب فيه التنظيف لكل قادر عليه صلى أم لا اهـ وفي السيد عن الأنهر الأصح أنه سنة وسماه مندوبا بالاشتمال السنة عليه قوله: "وهذا نص الخ" اسم الإشارة راجع إلى قوله في الحديث يوم عرفة وربما يقال إنما فعله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وكان لا تفيد الاستمرار كما نص عليه بعض الأصوليين وتقدم أنه لا يكون آتيا بالسنة إلا إذا اغتسل في عرفة وعبارته مع المنن في فصل الاغتسالات المسنونة ويسن الاغتسال للحاج لا لغيرهم ويفعله الحاج في عرفة لا خارجها ويكون فعله بعد الزوال لفضل زمان الوقوف قوله: "وأعم الحالات" أي جميع حالات الإمكان قوله: "ويلبس أحسن ثيابه" أي أجملها جديدا كان أو غسيلا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس بردة حمراء في كل عيد وهذا يقتضي عدم الاختصاص بالأبيض والحلة الحمراء ثوبان من اليمين فيهما خطوط حمر وخضرلا أنها حمراء بحت نهر والبحت الخالص لأن الأحمر القانىء أي شديد الحمرة مكروه كذا في شرح السيد بزيادة(1/529)
ويندب للرجال وكان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة فنك يلبسها في الجمع والأعياد "ويؤدي صدقة الفطر إن وجبت عليه" لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأدائها قبل خروج الناس إلى الصلاة "ويظهر الفرح" بطاعة الله وشكر نعمته ويتختم "و" يظهر "البشاشة" في وجه من يلقاه من المؤمنين "وكثرة الصدقة" النافلة "حسب طاقته" زيادة عن عادته "والتبكر وهو سرعة الانتباه" أول الوقت أو قبله لأداء العبادة بنشاط "والابتكار" وهو المسارعة إلى المصلى لينال فضيلة الصف الأول "وصلاة الصبح في مسجد حيه" لقضاء حقه ولتمحض ذهابه لعبادة مخصوصة وفي قوله "ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "وكان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة فنك" أخرج البيهقي في سننه من طريق الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد وأخرجه في المعرفة عن الحجاج بن أرطأة عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم برد أحمر يلبسه في العيدين والجمعة قال في القاموس البرد بالضم ثوب مخطط وفي المصباح البردة كساء صغير مربع اهـ وفي النهاية الحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة بوزن عنبة ما كان موشى مخططا وهو برد يماني يقال برد حبرة على الوصف والإضافة اهـ قال القرطبي سميت حبرة لأنها تحبر أي تزين والتحبير التحسين قيل ومنه قوله تعالى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} والوشي التخطيط اهـ وقولهم حبرة بفتح الحاء خطأ مشهور وفي الشرح الفنك حيوان يشبه الثعلب اهـ قوله: "ويؤدي صدقة الفطر" المقصود هنا بيان أفضل أوقات الدفع فلا ينافي أنها واجبة في ذاتها والحاصل أن لها أحوالا أربعة أحدها قبل يوم الفطر بشرط رمضان أو قبله على اختلاف في ذلك كما يأتي في محله إن شاء الله تعالى وهو جائز ثانيها يومه قبل الصلاة وهو مستحب ثالثها بعد الصلاة في ذلك اليوم وهو جائز أيضا رابعها بعد خروج يوم الفطر وفيه إثم لكن يرتفع الإثم بالأداء كمن أخر الحج بعد القدرة فإنه يأثم ثم يزول بالأداء كذا في البحر قوله: "وشكر نعمته" عطف على الفرح قوله: "ويتختم" لما روي أن من كان لا يتختم من الصحابة في سائر الأيام يتختم يوم العيد كذا في الشرح والتهنئة بقوله تقبل الله منا ومنكم لا تنكر بل مستحبة لورود الأثر بها كما رواه الحافظ ابن حجر عن تحفة عيدالأضحى لأبي القاسم المستملي بسند حسن وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض تقبل الله منا ومنكم قال وأخرجه الطبراني أيضا في الدعاء بسند قوي اهـ قال والمتعامل به في البلاد الشامية والمصرية قول الرجل لصاحبه عيد مبارك عليك ونحوه ويمكن أن يلحق هذا اللفظ بذلك في الجواز الحسن واستحبابه لما بينهما من التلازم اهـ وكذا تطلب المصافحة فهي سنة عقب الصلاة كلها وعند كل لقي قوله: "أول الوقت" هو بعد الصبح قهستاني قوله: "لينال فضيلته" أي فضيلة الابتكار قوله: "والصف" بالجر عطف على الضمير في فضيلته أي ولينال فضيلة الصف الأول قوله: "وصلاة الصبح" أي في جماعة قوله: "لقضاء حقه" أي حق مسجد الحمي فإن الصلاة فيه أفضل من الجامع على أحد قولين قوله: "ويتمحض"(1/530)
يتوجه إلى المصلى" إشارة لتقديم ما تقدم على الذهاب إلى المصلى "ماشيا" بسكون ووقار وغض بصر روي أنه عليه الصلاة والسلام خرج ماشيا وكان يقول عند خروجه "اللهم إني خرجت إليك مخرج العبد الذليل" "مكبرا سرا" قال عليه السلام: "خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي" "5" وعندهما جهرا وهو رواية عن الإمام وكان ابن عمر يرفع صوته بالتكبير "ويقطعه" أي التكبير "إذا انتهى إلى المصلى في رواية" جزم بها في الدراية "وفي رواية إذا افتتح الصلاة" كذا في الكافي وعليه عمل الناس قال أبو جعفر وبه نأخذ "ويرجع من طريق آخر" اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وتكثيرا للشهود "ويكره التنفل قبل صلاة العيد في المصلى"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
بالنصب عطف على قضاء واللام مسلطة عليه أي وليتخلص ذهابه وقوله لعبادة متعلق بيتمحض قوله: "ثم يتوجه إلى المصلى" بالنصب عطف على المندوبات فإن خصوص التوجه إلى المصلى مندوب وإن وسعهم المسجد عند عامة المشايخ وهو الصحيح وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في صلاة العيد إليه وهو موضع معروف بالمدينة بينه وبين باب المسجد ألف ذراع كما في العيني على البخاري وأما مطلق التوجه فواجب اهـ قوله: "وغض بصر" أي كفه عما لا ينبغي أن يبصر قوله: "روي أنه صلى الله عليه وسلم خرج ماشيا" وروي أنه ما ركب في عيد ولا جنازة ولا بأس بالركوب في الرجوع لأنه غير قاصد إلى قربة كما في السراج وهذا إن قدر وإلا فالركوب أولى قهستاني قوله: "مخرج العبد الذليل" مفعل بمعنى الحدث لا المكان ولا المكان قوله: "مكبرا سرا" قال الطحاوي ذكر ابن أبي عمران عن أصحابنا جميعا أن السنة عندهم يوم الفطر أن يكبر في طريق المصلى وهو الصحيح لقوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185] قوله: "وعندهما جهرا" قال الحلبي الذي ينبغي أن يكون الخلاف في استحباب الجهر وعدمه لا في كراهته وعدمها فعندهما يستحب وعنده الإخفاء أفضل وذلك لأن الجهر قد نقل عن كثير من السلف كابن عمر وعلي وأبي أمامة الباهلي والنخعي وابن جبير وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وأبان بن عثمان والحكم وحماد ومالك والشافعي وأحمد وأبي ثور كما ذكره ابن المنذر في الإشراق اهـ قوله: "وكان ابن عمر يرفع صوته بالتكبير" أجيب من طرف الإمام بأنه قول صحابي فلا يعارض به عموم الآية القطعية أعني قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ} إلى قوله: {وَدُونَ الْجَهْرِ} قوله: "وتكثيرا للشهود" لأن مكان القربة يشهد لصاحبه اهـ سراج ولا بأس ببناء منبر في المصلى ولم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم لها منبر وإنما كان يخطب وهو واقف وكذا الخلفاء الراشدون بعده وأول من أحدثه مروان بن الحكم في خلافة معاوية كذا يعلم من البخاري وشرحه قوله: "في المصلى اتفاقا" في القهستاني عن المضمرات أنها لا تكره في ناحية المسجد عند ابن مقاتل فكأنه لم يعتبر خلافه والكراهة تثبت مطلقا ولو في صلاة الضحى أو تحية المسجد وسواء من تجب عليه صلاة العيد وغيره حتى يكره للنساء أن يصلين الضحى يوم العيد قبل صلاة الإمام كما في(1/531)
اتفاقا "و" في "البيت" عند عامتهم وهو الأصح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خرج فصلى بهم العيد لم يصل قبلها ولا بعدها" متفق عليه "و" يكره التنفل "بعدها" أي بعد صلاة العيد "في المصلى فقط" فلا يكره في البيت "على اختيار الجمهور" لقول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين" "و" ابتداء "وقت" صحة "صلاة العيد من ارتفاع الشمس قدر رمح أو رمحين" حتى تبيض للنهي عن الصلاة وقت الطلوع إلى أن تبيض ولأنه صلى الله عليه وسلم: "كان يصلي العيد وهي حين ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين" فلو صلوا قبل ذلك لا تكون صلاة العيد بل نفلا محرما "إلى" قبيل "زوالها" أي الشمس كما ورد به الأثر "وكيفية صلاتهما" أي العيدين "أن ينوي" عند أداء كل منهما "صلاة العيد" بقلبه ويقول بلسانه أصلي صلاة العيد لله تعالى إماما والمقتدي ينوي المتابعة أيضا "ثم يكبر للتحريمة ثم يقرأ" الإمام والمؤتم "الثناء" سبحانك اللهم وبحمدك الخ لأنه شرع في أول الصلاة فيقدم على تكبيرات الزوائد في ظاهر الرواية "ثم يكبر" الإمام والقوم "تكبيرات الزوائد" سميت بها لزيادتها على تكبير الإحرام والركوع يكررها "ثلاثا" وهو مذهب ابن مسعود رضي الله عنه ويسكت بعد كل تكبيرة مقدار ثلاث تكبيرات في رواية عن أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
النهر وغيره عن الخانية قوله: "لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ" أي مع حرصه على النوافل فلولا الكراهة لفعل قوله: "على اختيار الجمهور" وأطلق قاضيخان وصاحب التحفة إباحة التطوع بعدها بأربع ركعات في الجباية وذكر في الزاد والخلاصة يستحب أن يصلي بعد صلاة العيد أربع ركعات لحديث علي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى بعد العيد أربع ركعات كتب الله بكل نبت نبت وبكل ورقة حسنة" كذا في الشرح ويحمل على الصلاة في البيت قوله: "قدر رمح" هو أثنا عشر شبرا والمراد به وقت حل النافلة اهـ قوله: "بل نفلا محرما" لوقوعه في وقت الطلوع وللجماعة في النفل ويستحب تعجيل الإمام الصلاة في أول وقتها في الأضحى وتأخيرها قليلا عن أول وقتها في الفطر بذلك كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم وهو بنجران عجل الأضحى وأخر الفطر قيل ليؤدي الفطر ويعجل إلى التضحية زاهدي وحلبي وابن أمير حاج قوله: "ويقول بلسانه أصلى صلاة العيد لله تعالى" ولا يشترط نية الواجب للاختلاف فيه قوله: "أيضا" أي كما ينوي صلاة العيد وتقدم أن نية الشروع مع الإمام في صلاته صحيحة قوله: "وهو مذهب ابن مسعود" وعمر وأبي موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان وعقبة بن عامر وعبدا لله بن الزبير وأبي هريرة وأبي مسعود الأنصاري وأبي سعيد الخدري والبراء بن عازب وابن عباس والحسن وابن سيرين والثوري قوله: "ويسكت بعد كل تكبيرة مقدار ثلاث تكبيرات في رواية" قال في المبسوط هذا التقدير ليس بلازم لأن المقصود منه إزالة الاشتباه عن القوم وهو يختلف بكثرة الزحام وقلته اهـ قوله:(1/532)
حنيفة لئلا يشتبه على البعيد عن الإمام ولا يسن ذكر ولا بأس بأن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر "يرفع يديه" الإمام والقوم "في كل منها" وتقدم أنه سنة "ثم يتعوذ" الإمام "ثم يسمي سرا ثم يقرأ" الإمام "الفاتحة ثم" يقرأ "سورة وندب أن تكون" سورة "سبح اسم ربك الأعلى" تماما "ثم يركع" الإمام ويتبعه القوم "فإذا قام للثانية ابتدأ بالبسملة ثم بالفاتحة ثم بالسورة" ليوالي بين القراءتين وهو الأفضل عندنا "وندب أن تكون" سورة هل أتاك حديث "الغاشية" رواه الإمام أبو حنيفة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية" ورواه مرة في العيدين فقط "ثم يكبر" الإمام والقوم "تكبيرات الزوائد ثلاثا ويرفع يديه" الإمام والقوم "فيها كما في" الركعة "الأولى وهذا" الفعل وهو الموالاة بين القراءتين والتكبير ثلاثا في كل ركعة "أولى" من زيادة التكبير على الثلاث في كل ركعة و "من تقديم تكبيرات الزوائد في الركعة الثانية على القراءة" لأثر ابن مسعود رضي الله عنه وموافقة جمع من الصحابة له قولا وفعلا وسلامته من الاضطراب وإنما اختير قوله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "رضيت لأمتي ما رضيه ابن أم عبد" "فإن قدم التكبيرات" في الركعة الثانية "على القراءة جاز" لأن الخلاف في الأولوية لا الجواز وعدمه وكذا لو كبر الإمام زائدا عما قلناه يتابعه المقتدي إلى ست عشر تكبيرة فإن زاد لا يلزمه متابعته لأنه بعدها محظور بيقين لمجاوزته ما ورد به الآثار وإذا كان مسبوقا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
"ولا بأس بأن يقول الخ" في القهستاني عن عين الأئمة أن التسبيح بينها أولى اهـ قوله: "يرفع يديه" إلا في تكبيرة الركوع ولو صلى خلف إمام لا يرى الرفع فيها يرفع ولا يوافق الإمام في الترك بحر عن الظهيرية قوله: "ثم يتعوذ" هو قول محمد وهو المختار كما في مجمع الأنهر وقال أبو يوسف يتعوذ قبل الزوائد لأنه تبع للثناء عنده قوله: "بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك" وروى ق واقتربت جوهرة قوله: "وموافقة جمع من الصحابة" قدمنا ذكرهم قوله: "وسلامته" أي أثر ابن مسعود من الاضطراب أي التردد في بعض الألفاظ قوله: "وإنما اختير قوله الخ" ولذلك كثرت موافقة الإمام له قوله: "لأن الخلاف في الأولوية" قال في البحر الخلاف في الأولوية ولا خلاف في الجواز لقول محمد في الموطأ بعد ذكر الروايات فما أخذت به فحسن ولو كان فيها ناسخ ومنسوخ لكان محمد أولى بمعرفته قوله: "ولذا لو كبر الإمام" أي لكون الخلاف في الأولوية قوله: "يتابعه المقتدي الخ" لأنه التزم صلاته فيلزمه العمل برأيه قوله: "لأنه بعدها الخ" أي فخرج عن عهدة الاجتهاد فصار كالعمل بالمنسوخ ثم قالوا: هذا إذا سمع من الإمام أما إذا سمع من المبلغ فقط فإنه يتابعه ولو زاد على هذا العدد لجواز الخطأ من المبلغ فيما سبق فلا يترك الواجب احتياطا ولذا قيل ينوي الافتتاح بكل تكبيرة لاحتمال التقدم على الإمام في كل تكبيرة(1/533)
يكبر فيما فاته بقول أبي حنيفة وإذا سبق بركعة يبتدئ في قضائها بالقراءة ثم يكبر لأنه لو بدأ بالتكبير والى بين التكبيرات ولم يقل به أحد من الصحابة فيوافق رأي الإمام علي بن أبي طالب فكان أولى وهو مخصص لقولهم المسبوق يقضي أول صلاته في حق الأذكار وإن أدرك الإمام راكعا أحرم قائما وكبر تكبيرات الزوائد قائما أيضا إن أمن فوت الركوع بمشاركته الإمام في الركوع وإلا يكبر للإحرام قائما ثم يركع مشاركا للإمام في الركوع ويكبر للزوائد منحنيا بلا رفع يد لأن الفائت من الذكر يقضي قبل فراغ الإمام بخلاف الفعل والرفع حينئذ سنة في غير محله ويفوت السنة التي في محلها وهي وضع اليدين على الركبتين وإن رفع الإمام رأسه سقط عن المقتدي ما بقي من التكبيرات لأنه إن أتى به في الركوع لزم ترك المتابعة المفروضة للواجب وإن أدركه بعد رفع رأسه قائما لا يأتي بالتكبير لأنه يقضي الركعة مع تكبيراتها كذا في فتح القدير "ثم يخطب الإمام بعد الصلاة خطبتين" اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم "يعلم فيهما أحكام صدقة الفطر" لأن الخطبة شرعت لأجله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وإذا كان مسبوقا الخ" قال في السراج المسبوق يكبر فيما يقضي برأي نفسه ويخالف رأي إمامه لأنه منفرد بخلاف اللاحق فإنه يكبر برأي إمامه ويخالف رأي نفسه لأنه خلف الإمام حكما قوله: "وإذا سبق بركعة" أي وكان ممن يرى قول أبي حنيفة قوله: "فيوافق رأي الإمام علي" أي بالبداءة في القضاء بالقراءة ثم يكبر قوله: "فكان أولى" من الخروج عن أقوالهم جميعا أي إذا ابدأ بالتكبير ثم قرأ قوله: "بمشاركته" متعلق بأمن قوله: "ويكبر للزوائد منحنيا" برأي نفسه لأنه مسبوق وقالأبو يوسف يشتغل بتسبيح الركوع لأنه محله حقيقة ويسقط عنه التكبير قوله: "لأن الفائت من الذكر الخ" كما إذا أدركه في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يبدأ بالتشهد الذي فاته وكما إذا أدركه في ثالثة الوتر راكعا فإنه يأتي بالقنوت إن أمن فوت الركوع وكذا يأتي بالثناء كذلك قوله: "ويفوت" من التفويت قوله: "سقط عن المقتدي ما بقي" أي أوكله إن لم يكبر شيئا ولا يأتي به في الثانية ولو أدرك الإمام وقد كبر بعض التكبيرات تابعه وقضى ما فاته في الحال ثم تابع إمامه وإن أدركه وقد شرع في القراءة كبر تكبيرة الافتتاح وأتى بالزوائد برأي نفسه لأنه مسبوق ولو أدركه قائما ولم يكبر حتى ركع لا يكبر على ما ارتضاه في المحيط وإن أدركه بعدما رفع رأسه من الركوع ولم يكبر اتفاقا ولو ركع الإمام قبل أن يكبر كبر راكعا ولا يعود إلى القيام ليكبر في ظاهر الرواية ولو عاد لا تفسد كما في شرح السيد قوله: "لزم ترك المتابعة المفروضة" فيه أن المتابعة هنا واجبة قوله: "بعد الصلاة" هذا بيان الأفضلية قوله: "يعلم فيهما أحكام صدقة الفطر" أي في إحداهما وهي الأولى وهذا في خطبة الفطر وسيأتي بيان الأضحية وكذا كل حكم احتيج إليه قوله: "لأن الخطبة شرعت لأجله" أي لأجل التعليم قال صاحب البحر بحثا وينبغي للخطيب أن يعلمهم الأحكام في جمعة قبل العيد لأن المندوب في صدقة الفطر(1/534)
فيذكر من تجب عليه ولمن تجب ومم تجب ومقدار الواجب ووقت الوجوب ويجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة ويكبر في خطبة العيدين وليس لذلك عدد في ظاهر الرواية لكن لا ينبغي أن يجعل أكثر الخطبة التكبير ويكبر في خطبة عيد الأضحى أكثر مما يكبر في خطبة الفطر كذا في قاضيخان ويبدأ الخطيب بالتحميد في الجمعة وغيرها ويبدأ بالتكبير في خطبة العيدين ويستحب أن يستفتح الأولى بتسع تترى والثانية بسبع قال عبد الله بن مسعود هو السنة ويكبر القوم معه ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم في أنفسهم امتثالا للأمر وسنة الإنصات "ومن فاتته الصلاة" فلم يدركها "مع الإمام لا يقضيها" لأنها لم تعرف قربة إلا بشرائط لا تتم بدون الإمام أي السلطان أو مأموره فإن شاء انصرف وإن شاء صلى نفلا والأفضل أربع فيكون له صلاة الضحى لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال من
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
أداؤها قبل الخروج إلى المصلى وابتداء تكبير التشريف من فجر يوم عرفة فلا يفيد هنا التعليم اهـ قال والعلم أمانة في عنق العلماء اهـ ويقوي هذا البحث ما يأتي في صدقة الفطر أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب قبل العيد بيومين خطبة يبين فيها أحكام صدقة الفطر اهـ قوله: "من تجب عليه" وهو الحر المسلم المالك للنصاب ولو غير تام قوله: "ولمن تجب" هو مصرف الزكاة قوله: "ومم تجب" من البر وسويقيه ودقيقه والشعير كذلك والتمر والزبيب وما سوها بالقيمة قوله: "ومقدار الواجب" هو نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب قوله: "ووقت الوجوب" هو طلوع الفجر من يوم الفطر قوله: "ويجلس بين الخطبتين" لا قبلهما عندنا كذا في الدر قوله: "وليس لذلك" أي للتكبير الواقع في أثناء الخطبة عدد فلا ينافي قوله بعد ويستحب أن يستفتح الخ قوله: "وغيرها" هذا يعم خطب الحج الثلاث مع أنه يبدؤها بالتكبير إلا أن التي بمكة وعرفة يبدؤ فيهما بالتكبير ثم بالتلبية ثم بالخطبة كما ذكره في الدر قوله: "تترى" أي متتابعات ويكبر قبل النزول أربعة عشر كذا في الشرح قوله: "في أنفسهم" المراد أنهم يسرون به كما تقدم والظاهر أنه متعلق بالتكبير والصلاة لأنه يجب الإنصات لجميعها وقوله سنة الإنصات الأولى أن يقول وواجب الإنصات قوله: "ومن فاتته الصلاة مع الإمام" أو بخروج وقتها سواء كان لعذر أم لا إلا أنه يأثم في الثاني دون الأول وكما إذا لم يشرع أصلا أو شرع ثم أفسده اتفاقا على الأصح وفيها يلغز أي رجل أفسد صلاة واجبة عليه ولا قضاء عليه در ولو قدر بعد الفوات مع الإمام على إدراكها مع غيره فعل للاتفاق على جواز تعددها قوله: "لا تتم بدون الإمام أي السلطان أو مأموره" أي وقد صلاها الإمام أو مأموره فإن كان مأمورا بإقامتها له أن يقيمها قوله: "وإن شاء صلى نفلا" لعله محمول على الصلاة في غير المصلى لما تقدم من كراهة الصلاة فيه بعدها قوله: "فيكون" أي ما صلاه له صلاة الضحى قال في العناية فإن قيل هي قائمة مقام صلاة الضحى ولهذا تكره صلاة الضحى قبل صلاة العيد فإذا عجز عنها يصير إلى الأصل كالجمعة إذا فاتت فانه يصير(1/535)
فاتته صلاة العيد صلى أربع ركعات يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية والشمس وضحاها وفي الثالثة والليل إذا يغشى وفي الرابعة والضحى وروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدا جميلا وثوابا جزيلا انتهى "وتؤخر" صلاة عيد الفطر "بعذر" كأن غم الهلال وشهدوا بعد الزوال أو صلوها في غيم فطهر أنها كانت بعد الزوال فتؤخر "إلى الغد فقط" لأن الأصل فيها أن لا تقضى كالجمعة إلا أنا تركناه بما روينا من أنه عليه السلام أخرها إلى الغد بعذر ولم يرو أنه أخرها إلى ما بعده فبقي على الأصل وقيد العذر للجواز لا لنفي الكراهة فإذا لم يكن عذر لا تصح في الغد "وأحكام" عيد "الأضحى كالفطر" وقد علمتها "لكنه في الأضحى يؤخر الأكل عن الصلاة" استحبابا فإن قدمه لا يكره في المختار لأنه عليه الصلاة والسلام كان لا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته فلذلك قيل لا يستحب
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
إلى الظهر أجيب بأنا إن سلمنا ذلك لا يضرنا لكن صلاة الضحى غير واجبة فيتخير بخلاف الظهر في الجمعة فإنه فرض فيلزم أداؤه اهـ ويلزم على ما ذكره أنه لا يأتي بالضحى إذا صلى العيد لعدم الجمع بين العوض والمعوض وليس كذلك قوله: "وروى في ذلك" بصيغة الفاعل وضميره لابن مسعود قوله: "وتوابا جزيلا" في القهستاني عن المسعودية يعطي ثوابا بعدد كل ما نبت في هذه السنة اهـ قوله: "كان غم الهلال الخ" وكالمطر ونحوه كما في السراج وكما لو صلى بالناس على غير طهارة ولم يعلم إلا بعد الزوال كما في الخانية قوله: "وشهدوا بعد الزوال" أو قبله بحيث لا يمكن إجتماع الناس برهان قال السيد وفي كونها قضاء أو أداء قولان حكاهما القهستاني ونصه أي يقضي صلاته كما أشار إليه الكرماني والجلابي والهداية وغيرها أو يؤدي كما في التحفة اهـ قوله: "إلى الغد" ووقتها من الثاني كالأول أفاده السيد قوله: "وأحكام الأضحى" أي من الشروط والمندوبات هي أحكام الفطر ولا حاجة إلى تعداد الموافق وإنما يحتاج إلى عد المخالف أفاده السد قوله: "يؤخر الأكل عن الصلاة" وكذا كل ما ينافي الصوم من صبحه إلى أن يصلي وقد تواردت الأخبار عن الصحابة رضي الله عنهم في منع الصبيان عن الأكل والأطفال عن الرضاع غداة الأضحى كما في الزاهدي وفيه رمز إلى أن هذا الإمساك ليس بصوم ولذا لم يشترط له النية وإلى أنه مندوب في حق المصريين فقط كما في تقسيم المأمور به من الكشف قهستاني قوله: "فإن قدمه لا يكره في المختار" قال الحموي المنفي كراهة التحريم إذ لا بد من الكراهة بترك السنة وأدنى مراتبها التنزيه اهـ قوله: "كان لا يطعم" بفتح الياء أي لا يأكل قوله: "فيأكل من أضحيته" وفي لفظ البيهقي فيأكل من كبد أضحيته قال في غاية البيان لأن الناس أضياف الله تعالى في هذا اليوم فيستحب أن يكون تناولهم من لحوم الأضاحي التي هي ضيافة الله تعالى قوله: "فلذا قبل الخ" أي لهذا الحديث قيل الخ قال السيد وهو ظاهر في ترجيح الإطلاق لحكايته التفصيل بقيل اهـ وقيده في غاية البيان بالمصري أما القروي فإنه يذوق من حين يصبح ولا يمسك كما في عيد الفطر لأن الأضاحي تذبح في القرى من الصباح بخلاف المصر حيث لا تذبح فيه قبل الصلاة اهـ وقوله فإنه يذوق من(1/536)
تأخير الأكل إلا لم يضحي ليأكل منها أولا "ويكبر في الطريق" ذاهبا إلى المصلى "جهرا" استحبابا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم "ويعلم الأضحية" فيبين من تجب عليه ومم تجب وسن الواجب ووقت ذبحه والذابح وحكم الأكل والتصدق والهدية والادخار "و" يعلم "تكبير التشريق"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حين يصبح أي من أضاحيهم بدليل التعليل بقوله لأن الأضاحي وإلا لعلل بعدم الصلاة عليهم قوله: "ويكبر في الطريق جهرا" أشار بذكر الطريق إلى ما في المبسوط وشرح الطحاوي أنه يقطعه إذا انتهى إلى الجبانة وفي رواية حتى يشرع الإمام فيها وعمل الناس على هذه الرواية ويكبر كلما لقي جمعا أو علا شرفا أو هبط واديا كالتلبية ولا يسن التكبير جهرا في غير هذه الأيام إلا بإزاء عدو أو لصوص قيل وكذا الحريق والمخاوف كلها كما في الزاهدي قوله: "من تجب عليه" هو المسلم العاقل الحر المالك للنصاب ولو غير تام قوله: "ومم تجب" فتجب من الأنواع الثلاثة الإبل والبقر والغنم قوله: "وسن الواجب" هو الثني من هذه الأنواع وهو ما تم له سنة من الغنم وطعن في الثانية ومن البقر ما تم له سنتان وطعن في الثالثة ومن الإبل ما تم له أربعة وطعن في الخامسة ويجزىء الجذع من الضأن وهو ما تم له نصف حول أو أكثر كما بين في محله قوله: "ووقت ذبحه" هو يوم العيد ويومان بعده قوله: "والذابح" هو صاحب الأضحية أن كان ييحسن الذبح وإلا فيأمر غيره ويشهد الذبح فإنه يغفر له بأول قطرة من دمها كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدة نساء العالمين بنته فاطمة رضي الله عنها قوله: "وحكم الأكل والتصدق" هما بالثلث ويهدي ثلثا ويدخر ثلثا إن لم يكن صاحب عيال وإلا فصرفه إلى عياله أولى من صرفه إلى الصدقة والهدية قوله: "ويعلم تكبير التشريق" هو في اللغة تقديم اللحم بإلقائه في المشرقة أي الشمس وقد جرت عادتهم بتشريق لحوم الأضاحي في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر فسميت هذه الثلاثة أيام التشريق وأيام النحر ثلاثة أيضا يوم النحر وهو العاشر من ذي الحجة ويومان بعده فالمجموع أربعة الأول منها نحر فقط والرابع تشريق فقط والمتوسطان نحر وتشريق وعلى هذا المعنى اعترضت الإضافة بأن المعنى حينئذ تكبير أيام التشريق ولا يصح لأنه يؤتى به في غيرها وأجيب بأنه لما كان أكثر أيامه أيام التشريق نزل الأكثر منزلة الكل وبأن لفظ التشريق كما يطلق على ما تقدم يطلق أيضا على رفع الصوت بالتكبير في هذه الأيام المخصوصة كما قاله أئمة اللغة وحيئنذ فالإضافة من قبيل إضافة البيان أي التكبير الذي هو التشريق وهذا الثاني هو الذي أشار إليه المؤلف بقوله من إضافة الخاص أي الذي هو التشريق بالمعنى الثاني إلى العام وهو مطلق تكبير وهذا إنما يتمشى على أن أول المتضايفين مضاف إليه وهو أحد أقوال ثلاثة وقيل بالعكس وهو المشهور وقيل كل يطلق على كل(1/537)
من إضافة الخاص إلى العام "في الخطبة" لأن الخطبة شرعت وينبغي للخطيب التنبيه عليها في خطبة الجمعة التي يليها العيد "وتؤخر" صلاة عيد الأضحى "بعذر" لنفي الكراهة وبلا عذر مع الكراهة لمخالفة المأثور "إلى ثلاثة أيام" لأنها مؤقتة بوقت الأضحية فيما بين الارتفاع إلى الزوال ولا تصح بعدها "والتعريف" "7" وهو التشبه بالوافقين بعرفات "ليس بشيء" معتبر فلا يستحب بل يكره في الصحيح لأنه اختراع في الدين ولا يخفى ما يحصل من رعاع العامة باجتماعهم واختلاطهم بالنساء والأحداث في هذا الزمان ودرء المفسدة مقدم "ويجب تكبير التشريق" في اختيار الأكثر لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "شرعت له" أي لأجل التعليم المأخوذ من يعلم قوله: "وينبغي" البحث لصاحب البحر قوله: "لأنها مؤقتة بوقت الأضحية" وذلك لأن التضحية قربة تتوقت بأيام النحر وهي ثلاثة فكذا الصلاة لأنها صلاة الأضحى ولو أخرت صلاة العيد في اليوم الأول أخر والتضحية إلى الزوال ولا تجزيهم إلا بعده وكذا في اليوم الثاني لا تجزيهم قبل الزوال إلا إذا كانوا لا يرجون أن يصلي الإمام فحينئذ تجزيهم قوله: "فيما بين الخ" كالاستدراك على ما قبله يعني الصلاة وان وقتت بوقت الأضحية نظرا إلى الأيام الثلاثة لكنها تتقيد بما بين الارتفاع إلى الزوال ولا تصح بعدها قوله: "وهو التشبه بالواقفين" هذا هو المراد هنا ويطلق على التطيب بذي عرف أي ريح طيبة وإنشاد الضالة والوقوف بعرفات أي تشبيه الناس أنفسهم بالواقفين بعرفات والأولى التشبيه قوله: "بل يكره في الصحيح" وظاهر كلامهم أنها تحريمية لأن الوقوف عهد قربة بمكان مخصوص فلم يجز فعله في غيره كالطواف ونحوه ألا ترى أنه لا يجوز الطواف حول مسجد أو بيت سوى الكعبة تشبها كما في غاية البيان وفي الكافي من طاف بمسجد سوى الكعبة يخشى عليه الكفر اهـ قوله: "لأنه اختراع في الدين" إذ لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم وما نقل عن ابن عباس أنه فعل ذلك بالبصرة يحمل على أنه خرج للاستسقاء ونحوه لا للتشبيه بأهل عرفات قال عطاء الخراساني إن استطعت أن تخلو بنفسك عشية عرفة فافعل اهـ قوله: "رعاع" قال في القاموس الرعاع كسحاب الأحداث والطغام وكسحابة النعامة ومن لا فؤاد له ولا عقل اهـ وقال في مادة حدث والأحداث أمطار أول السنة ورجل حدث السن وحديثها بين الحداثة والحدوثة فتى والحديث الجديد والخبر اهـ والمناسب هنا هو أرادة من لا فؤاد له ولا عقل وعليه فالمناسب أن يقول رعاعة العامة أي من لا عقل له منهم والمراد بالأحداث هنا الفتيان أي الشبان قوله: "ودرء المفسدة مقدم" أي دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة قال في الشرح بعد ذكر هذه العبارة وحسم ذلك الواجب اهـ قوله: "ويجب تكبير التشريق" وكذا يجب الجهر به وقيل يسن أفاده القهستاني قوله: "في اختيار الأكثر" وقيل يسن وبه عبر حافظ الدين في الكنز وأول بان السنة تطلق على الواجب نظرا إلى معناها اللغوي وهو(1/538)
[البقرة 203] "من بعد" صلاة "فجر عرفة إلى" عقب "عصر العيد" لانعقاد الإجماع على الأقل ويأتي به "مرة" بشرط أن يكون "فور كل" صلاة "فرض" شمل الجمعة وخرج النفل والوتر وصلاة الجنازة والعيد إذا كان الفرض "أدي" أي صلي ولو كان قضاء من فروض هذه المدة فيها وهي الثمانية "بجماعة" خرج به المنفرد لما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ليس التكبير أيام التشريق على الواحد والاثنين التكبير على من صلى بجماعة "مستحبة" خرج به جماعة النساء فتجب "على إمام مقيم بمصر" لا مسافر ومقيم بقرية "و" يجب التكبير على
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الطريقة قوله: "لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} إنما لم يكن فرضا بهذه الآية لما قيل أن المراد به ذكر الله تعالى عند وحي الجمار بدليل فمن تعجل في يومين الآية فلم يكن الكتاب قطعي الدلالة فيفيد الوجوب لا الافتراض وقد واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم من غير ترك وكذا الخلفاء الراشدون والصحابة أجمعون قوله: "من بعد صلاة فجر عرفة الخ" هو قول ابن مسعود ابتداء وانتهاء ولذا أخذ به الإمام رضي الله عنه لقوله عليه الصلاة والسلام: "أختار لأمتي ما اختاره ابن أم عبد" وقيل ابتداؤه من بعد صلاة الظهر من أول يوم النحر وبه أخذ مالك والشافعي وهو رواية عن أبي يوسف قوله: "إلى عقب" إنما زاد عقب للتنصيص على البعدية ولو حذف لتوهم أن الغاية غير داخلة قوله: "ويأتي به مرة" وما زاد فهو مستحب قال البدر العيني في شرح التحفة وأقره في الدر وفي الحموي عن القرا حصاري الإتيان به مرتين خلاف السنة وفي مجمع الأنهر أن زاد فقد خالف السنة اهـ ولعل محله ما إذا أتى به على أنه سنة وأما إذا أتى به على أنه ذكر مطلق فلا ويحرر قوله: "فور كل صلاة فرض" لأنه من خصائص الصلاة فيؤدي في حرمتها من غير فاصل يمنع البناء كقهقهة وحدث عمد وكلام مطلقا وخروج من المسجد ومجاوزة الصفوف في الصحراء وإن لم يخرج منه أو لم يجاوزها يكبر لأن حرمة الصلاة باقية كما في حاشية المؤلف فإن فصل بشيء من هذه الأشياء سقط عنه لأنها تقطع حرمة الصلاة لكنه إن فعل المنافي عمدا أثم ولو سبق حدث بعد السلام إن شار كبر في الحال لبقاء حرمة الصلاة ولا يشترط له الطهارة كما سيأتي لأنه لا يؤدي في تحريمة الصلاة واختاره السرخسي وان شاء توضأ وأتى به وصححه الزيلعي قوله: "ولو كان قضاء من فروض هذه المدة فيها الخ" خرج به ثلاث صور الأولى فائتة غيرها فيها الثانية فائتتها في غير هذه الأيام الثالثة فائتتها قضاها في أيامها من العام القابل وفي هذ الأخيرة خلاف أبي يوسف والصحيح أنه لا تكبير لها قوله: "وهي الثمانية" الضمير إلى الفرائض قوله: "والاثنين" لعله محمول على المنفردين وإلا فالجماعة تتحقق بهما في غير الجمعة إلا أنه على هذا المعنى يرجع إلى المنفرد لأن كلا منهما منفردا وإنه يعد الأثنين غير جماعة اعتبارا للمتبادر من لفظها قوله: "خرج به جماعة النساء" أي والعراة قوله: "على إمام مقيم" هو إمام توطن المصر أو نوى فيها أقامة خمسة عشر يوما أما من نوى أقامة ما دون ذلك لا يجب(1/539)
"من اقتدى به" أي بالإمام المقيم "ولو كان" المقتدي "مسافرا أو رقيقا أو أنثى" تبعا للإمام والمرأة تخفض صوتها دون الرجال لأنه عورة وعلى المسبوق التكبير لأنه مقتد بتحريمه فيكبر بعد فراغه ولو تابع الإمام ناسيا لم تفسد صلاته وفي التلبية تفسد ويبدأ المحرم بالتكبير ثم بالتلبية ولا يفتقر التكبير للطهارة وتكبير الإمام "عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى" لما رويناه "وقالا" أي أبي يوسف ومحمد رحمهما الله "يجب" التكبير "فور كل فرض على من صلاه ولو" كان "منفردا أو مسافرا أو قرويا" لأنه تبع للمكتوبة من فجر عرفة "إلى" عقب "عصر" اليوم "الخامس من يوم عرفة" فيكون إلى آخر أيام التشريق "وبه" أي بقولهما "يعمل وعليه الفتوى" إذ هو الاحتياط لأن الإتيان بما ليس عليه أولى من ترك ما قيل أنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
عليه على ما يفهم من كلامه قوله: "أي بالإمام المقيم" هو الأصح وقيل تجب على المقيم المقتدي بالمسافر وجرى عليه صاحب الدر أفاده السيد قوله: "أو رقيقا" الأولى حذفه كما فعل في التنوير لأنه يوهم الخلاف وليس فيه خلاف قوله: "والمرأة تخفض صوتها" بحيث تسمع نفسها والتعليل يفيد الوجوب قوله: "لأنه عورة" هذا غير معتمد والصحيح أنه يؤدي إلى الفتنة أفاده السيد وقد سبق والمراد بالعورة معناها اللغوى وهو العيب قوله: "وفي التلبية تفسد" لأنها كلام أجنبي وفي البحر والكافي يبدأ بسجود السهو لوجوبه في تحريمتها ثم بالتكبير لوجوبه في حرمتها ثم بالتلبية لو محرما لعدمهما ولو بدأ بها سقط السجود والتكبير لأنها كلام فيقطع الوصل ولو بدأ بالتكبير سجد لأنه لا ينافي الصلاة بخلاف التلبية قوله: "وتكبير الإمام" بالجر عطفا على طهارة قوله: "لما رويناه" أي من أثر ابن مسعود السابق وهو إنما يدل على اشتراط الجماعة فقط فهو أخص من المدعي وللإمام دلائل أخر على ما رآه قوله: "إلى آخر أيام التشريق" الأولى حذفه والاستغناء بما قبله لما فيه من إيهام أنه يكبر بعد المغرب لأنها آخر أيامه فتأمل قوله: "وبه يعمل وعليه الفتوى" هذا بناء على أنه إذا اختلف الإمام وصاحباه فالعبرة لقوة الدليل على ما في آخر الحاوي القدسي أو هو مبني على أن قولهما في كل مسألة مروي عنه كما ذكره في الحاوي أيضا وإلا فكيف يفتى بقول غير صاحب المذهب كذا في البحر قال وبهذا يندفع ما في الفتح من ترجيح قوله ورد فتوى المشايخ بقولهما ولو نسي الإمام التكبير أتى به المؤتم وجوبا كسامع السجدة مع تاليها قال محمد قال يعقوب صليت بهم المغرب يوم عرفة فسهوت أن أكبر فكبر أبو حنيفة ويعقوب هو اسم أبي يوسف القاضي صاحب الإمام الأعظم وهو يعقوب بن ابراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة البجلي استصغر سعد يوم أحد ونزل الكوفة ومات بها وصلى عليه زيد بن أرقم وكبر خمسا وتوفي أبو يوسف سنة اثنتين وثمانين ومائة في خلافة هرون الرشيد وقد تضمنت هذه الحكاية من الفوائد الحكمية هذه المسألة ومن العرفية جلالة قدر أبي يوسف عند الإمام حيث قدمه وعظم منزلة الإمام في قلبه حيث نسي ما لا ينسى عادة لعلمه بأنه(1/540)
عليه للأمر بذكر الله في الأيام المعلومات والمعدودات وعدم وجدان ذكر سوى التكبيرات في أيام التشريق والأوسطان منها من المعلومات والمعدودات لأن المعلومات عشر الحجة والمعدودات أيام التشريق وقيل المعلومات أيام النحر والمعدودات أيام التشريق سميت معدودات لقلتها وهكذا روي عن أبي يوسف أنه قال اليوم الأول من المعلومات واليومان الأوسطان من المعلومات والمعدودات "ولا بأس بالتكبير عقب صلاة العيدين" كذا في مبسوط أبي الليث
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
خلفه وذلك أن العادة إنما هو نسيان التكبير الأول وهو الكائن عقب فجر يوم عرفة فأما بعد توالي ثلاث أوقات يكبر فيها فلا ومنها أن تعظيم الأستاذ في طاعته لا فيما يظنه طاعة لأنه تقدم بأمر الإمام كما هو القاعدة المشهورة أن الامتثال خير من الأدب ومنها أنه ينبغي للاستاذ إذا تفرس في بعض أصحابه الخير أن يقدمه ويعظمه عند الناس حتى يعظموه ومنها أن التلميذ لا ينبغي له أن ينسى حرمة أستاذه وان قدمه وعظمه ألا ترى أن أبا يوسف شغله ذلك عن التكبير حتى سها كذا في البحر قوله: "لأن الإتيان بما ليس عليه الخ" ولأن فيه الأخذ بالأكثر في العبادات خصوصا في الذكر المأمور بإكثاره وهذا في مقابلة ما ذكر في دليل الإمام من أن الإجماع انعقد على الأقل قوله: "للأمر بذكر الله الخ" علة لقوله أنه عليه وفي الشرح وللأمر به فيكون عطفا على قوله لأن الإتيان الخ قوله: "في الأيام المعلومات" وهو قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [البقرة: 28] قوله: "والمعدودات" وهو قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} قوله: "وعدم" بالجر عطف على مدخول اللام وهو جواب عن سؤال كأنه قيل له لماذا لم تحملوه على غير هذا التكبير وحاصل الجواب أن المأمور به ذكر حادث في هذه الأيام وليس بحادث فيها إلا هو قوله: "والأوسطان الخ" كذا يوجد في بعض النسخ لكن التعليل بقوله لأن المعلومات الخ لا يناسبه لأن الأوسطين العاشر والحادي عشر وأما الثاني عشر فليس من المعلومات بل هو من المعدودات وأما الحادي عشر والثاني عشر فكلاهما ليس من المعلومات فالنسخ التي حذف منها هذه العبارة هي الصواب قوله: "أنه قال" بدل من ضمير روى لكن لا يلاقيه في المعنى والأولى أن يجعل تعليلا على حذف اللام قوله: "اليوم الأول من المعلومات" إن أراد به يوم عرفة فهو ليس من المعلومات ولا من المعدودات أما الأول فلأنه لا ينحر فيه وأما الثاني فلأنه ليس من أيام التشريق اللهم إلا إذا أريد بها ما يقع فيها تكبير التشريق فيكون من المعدودات قوله: "واليومان الأوسطان الخ" بل ثلاثة معلومة ومعدودة وهي أيام النحر أما الرابع فمعدود فقط وأما إذا أريد بأيام التشريق الأيام الثلاثة التي بعد أيام النحر فالمراد بالأول يوم النحر وهو معلوم والأوسطان الحادي عشر والثاني عشر معلومان ومعدودان والأخير معدود لا غير وهو المتبادر قوله: "ولا بأس بالتكبير عقب صلاة العيدين الخ" في الظهيرية عن الفقيه أبي جعفر قال سمعت أن مشايخنا كانوا يرون التكبير في الأسواق في أيام العشر كما في البحر(1/541)
لتوارث المسلمين ذلك وكذا في الأسواق وغيرها "والتكبير" هو "أن يقول الله أكبر الله أكبر" مرتان "لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد" لما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الغداة يوم عرفة ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال: "خير ما قلنا وقالت الأنبياء قبلنا في يومنا هذا الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد" ومن جعل التكبيرات ثلاثا في الأول لا تثبت له ويزيد على هذا إن شاء فيقول "الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
وفي الدراية عن جمع التفاريق قيل لأبي حنيفة ينبغي لأهل الكوفة وغيرها أن يكبروا أيام التشريق في المساجد والأسواق قال نعم وذكر أبو الليث كان إبراهيم بن يوسف يفتي بالتكبير في الأسواق أيام العشر اهـ قوله: "فهما مرتان" وكذا التكبير الآتي مثله فالجمل فيه ست قوله: "لما روى الخ" الدليل أخص من المدعي لتقييده بقوله في يومنا هذا والأولى الاستدلال بما رواه ابن أبي شيبة بسند جيد عن الأسود قال كان عبد الله يعني ابن مسعود يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر يقول الله أكبر الخ وكذا روى عن علي بل عن الصحابة كلهم لما رواه ابن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن ابراهيم قال كانوا يكبرون يوم عرفة وأحدهم مستقبل القبلة في دبر الصلاة الله أكبر الخ قوله: "ومن جعل التكبيرات ثلاثا الخ" أشار به إلى من قال بذلك كالشافعي رضي الله عنه قوله: "ويزيد على هذا الخ" ربما يفيد التعبير بعلى أنه لا يزيد في الصيغة المتقدمة كان يجعل التكبير ثلاثا وإنما يزيد عليها ويدل عليه قوله فيقول الخ.
قوله: "كبيرا" حال مؤكدة قوله: "كثيرا" صفة لمصدر محذوف أي حمدا كثيرا أي أثنى على الله تعالى وأذكره بخير ذكرا كثيرا قوله: "بكرة وأصيلا" البكرة أول النهار والأصيل آخره والمقصود الاعتراف بالتنزيه لله تعالى في جميع الأوقات وهما منصوبان على الظرفية قوله: "وحده" حال لازمة قوله: "ونصر عبده" محمدا صلى الله عليه وسلم عطف تفسير على قوله صدق وعده ويدل عليه ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر "اللهم انجز لي ما وعدتني" أو خاص أن أريد بالأول الاعتراف بأن كل ما وعد به الحق تعالى صدق قوله: "وأعز جنده" المسلمين إلا أن حزب الله هم الغالبون أو المراد الصحابة في مغازيهم.
قوله: "وهزم الأحزاب وحده" في وقعة الخندق فإنهم هزموا من غير محاربة فتمحض الهزم لله تعالى من غير مشاهدة سبب أو المراد الهزم مطلقا فإن الفعل لله وحده والمشاهد من الأسباب أمور عادية قوله: "مخلصين له الدين" أي الطاعة قوله: "ولو كره الكافرون" الواو للحال(1/542)
صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أصحاب محمد وعلى أزواج محمد وسلم تسليما كثيرا" كذا في مجمع الروايات شرح القدوري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "اللهم صل على محمد" المندوب السيادة كما قالوا: في الصلاة قوله: "وعلى آل محمد" المراد بهم مطلق الاتباع وعطف الأصحاب من عطف الخاص للاهتمام بسبب الشرف تتمة ذكر في الكشاف أن الخليل لما أراد الذبح ونزل جبريل بالفداء خاف عليه العجلة فنادى من الهواء الله أكبر الله أكبر الله أكبر فسمعه الذبيح فقال: لا إله إلا الله والله أكبر فقال: الخليل الله أكبر ولله الحمد اهـ لكن لم يثبت ذلك عند أهل الحديث والمختار أن الذبيح اسمعيل عليه السلام وفي القاموس انه الأصح قال ومعناه مطيع الله در والمسألة خلافية سلفا وخلفا فمنهم من قال به ومنهم قال بأنه اسحق عليه السلام قال في البحر والحنفية ماثلون إلى الأول والحاصل كما قال السيوطي أن الخلاف فيه مشهور بين الصحابة فمن بعدهم ورجح كل من القولين كما في الزرقاني على المواهب والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/543)
باب أحكام العيدين
من الصلاة وغيرها سمي عيدا لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان إلى عباده "صلاة العيدين واجبة" وليست فرضا ورد
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب أحكام العيدين
المناسبة بين البابين ظاهرة وهي اشتراكهما في الآداب والشرائط إلا الخطبة والجمعة تسمى عيدا أيضا قال صلى الله عليه وسلم: "لكل مؤمن في كل شهر أربعة أعياد أو خمسة أعياد" وقدمت الجمعة لفرضيتها وكثرة وجودها وأصل عيد عود لأنه من العود بمعنى الرجوع قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة كميزان وميقات وقيل من عيد بفتحتين إذا جمع ويجمع على أعياد والقياس على الأول أعواد لأنه من العود إلا أنه جمع بهذا اللفظ للزوم الياء في المفرد فلم ينظر إلى الأصل وقيل للفرق بينه وبين أعواد جمع عودا للهو وأما عود الخشب فجمعه عيدان قال في البحر وصلاة العيد شرعت في السنة الأولى من الهجرة كما رواه أبو داود عن أنس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: "ما هذان اليومان" قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أبدلكما بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر" اهـ قوله: "لأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان" دينية ودنيوية أو لأنه يعود ويتكرر بالفرح والسرور وتفاؤلا بالعود على من أدركه كما سميت القافلة تفاؤلا بقفولها أي رجوعها أو لاجتماع الناس فيه ويطلق على كل يوم مسرة ولذا قيل:
عيد وعيد وعيد صرن مجتمعه. ... وجه الحبيب ويوم العيد والجمعة.(1/527)
باب صلاة الكسوف والخسوف
والإفزاع "سن ركعتان كهيئة النفل للكسوف" من غير زيادة فلا يركع ركوعين في كل
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب صلاة الكسوف
ذكر هذا الباب بعد صلاة العيد وقبل الاستسقاء لأن كلا منهما صلاة نهارية بجماعة مخصوصة من غير أذان ولا إقامة إلا أن صلاة العيد واجبة وقيل فرض كفاية وصلاة الكسوف سنة عند الجمهور وقيل واجبة وصلاة الاستسقاء مختلف في سنيتها فناسب ترتيب الأبواب كذا في الفتح يقال كسف الله الشمس كسفا من باب ضرب فهو معتد وكسفت الشمس كسوفا من باب جلس فهو لازم وما قيل في الكسوف يقال في الخسوف وهما بمعنى واحد وهو ذهاب الضوء من كل منهما قاله ابن فارس والأزهري والجوهري وزاد في القاموس الخسوف ذهاب بعضهما والكسوف ذهاب كلهما والإضافة في صلاة الكسوف للتعريف وهي من إضافة الشيء إلى سببه لأن سببها الكسوف روى الكمال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أناسا يزعمون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم من العظماء وليس كذلك إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله إن الله إذا بدا لشيء من خلقه خشع له فإذا رأيتم ذلك فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة" اهـ والمراد بالأحدث الأقرب وكانت الصبح فإن الكسوف كان عند.(1/543)
ركعة بل ركوع واحد لما رواه أبو داود أنه عليه الصلاة والسلام: "صلى ركعتين فأطال فيهما القيام" ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ارتفاعها قدر رمحين والفقه في الحديث أن أهل الجاهلية كانوا يزعمون أن ذلك يوجب حدوث تغير في العالم كما يعتقده أهل النجوم من أن هذه الأجسام السفلية مرتبطة بالنجوم وأن لها تأثيرا في ذلك وأن العالم كرى الشكل والكسوف حيلولة الأرض بين الشمس وبين الأبصار فهو أمر عادي لا يتقدم ولا يتأخر فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن اعتقادهم هذا باطل وأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى يريهما عباده ليعلموا أنهما مسخران بأمره ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قوة الدفع عن أنفسهما فلا يستحقان أن يعبدا وأن هذا من أثر الإرادة القديمة وفعل الفاعل المختار فيخلق النور والظلمة في هذين الجرمين متى شاء بلا سبب وفي الفزع إلى الصلاة والسجود لله تعالى والتضرع إليه عند ذلك تحقيق إضافة الحوادث كلها إليه تعالى ونفي لها عما سواه وفي هذا دليل أيضا على أن الصلاة مستحبة عند حدوث كل آية من الآيات كالزلزلة والريح الشديدة والظلمة ونحوها كما في غاية البيان وقال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} [الأسراء 59] والتخويف بهما لما فيهما من تبديل نعمة النور بظلمة لا سيما الكسوف فتفزع القلوب لذلك طبعا فكانا من الآيات المخوفة والله تعالى يخوف عباده ليتركوا المعاصي ويرجعوا إليه بالطاعة والإستغفار قوله: "وإلا فزاع" كالزلزلة والريح الشديدة والظلمة قوله: "سن ركعتان الخ" بيان لأقل مقدارها وإن شاء صلى أربعا أو أكثر كل شفع بتسليمة أو كل شفعين كما في البحر عن المجتبي والأفضل أر بع كذا في الحموي عن النهاية قوله: "كهيئة النفل" في عدم الأذان والإقامة وعدم الجواز في الأوقات المكروهة وفي إطالة القيام بالقراءة والأدعية التي هي من خصائص النفل وقيل يخفف القراءة إن شاء لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء فإذا خفف أحدهما طول الآخر وقيل يقرأ فيهما ما أحب كالصلاة المكتوبة وأما الركوع والسجود فإن شاء قصرهما وإن شاء طولهما كما في شرح السيد قوله: "من غير زيادة" مرتبط بقوله كهيئة النفل أي من غير زيادة ركوع ثان قوله: "فلا يركع ركوعين في كل ركعة" وقال مالك والشافعي وأحمد في المختار عنده في كل ركعة ركوعان لخبر ابن عباس وعائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ركع ركوعين في كل ركعة متفق عليه ولنا أدلة كثيرة قال الكمال بعد ذكرها فهذه الأحاديث منها الصحيح ومنها الحسن قد دارت على ثلاثة أمور منها ما فيه أنه صلى ركعتين ومنها الأمر بأن يجعلوها كأحدث ما صلوا من المكتوبة وهي الصبح ومنها ما فصل فأفاد تفصيله أنها بركوع واحد وما ذهبنا إليه رواه كبار الصحابة فالأخذ به أولى لكثرة رواته وصحة أحاديثه وموافقته الأصول المعهودة لأنا لم نجد في شيء من الصلوات إلا ركوعا واحدا فيجب أن تكون صلاة الكسوف كذلك قال الإمام محمد وتأويل ما روى من الركوعين أنه صلى الله عليه وسلم لما أطال الركوع رفع بعض الصفوف رؤسهم ظنا منه أنه صلى الله عليه وسلم رفع رأسه من الركوع فرفع من خلفهم فلما رأوا رسول(1/544)
انصرف وانحلت الشمس فقال: "إنما هذه الآيات يخوف الله تعالى به عباده فإذا رأيتموها فصلوا كأحدى صلاة صليتموها من المكتوبة" قال الكمال وهي الصبح فان كسوف الشمس كان عند ارتفاعها قيد رمحين وفي السنة أنها بركوع واحد في كل ركعة للكسوف ولا جماعة فيها إلا "بإمام الجمعة أو مأمور السلطان" دفعا للفتنة فيصليهما "بلا أذان ولا إقامة ولا جهر" في القراءة فيهما عنده خلافا لهما ولا خطبة" بإجماع أصحابنا لعدم أمره صلى الله عليه وسلم بالخطبة "بل ينادى الصلاة جامعة" ليجتمعوا "وسن تطويلهما" بنحو سورة البقرة قال الكمال وهذا مستنثى من تطويل الصلاة ولو خففها جاز ولا يكون مخالفا للسنة لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الله صلى الله عليه وسلم راكعا ركعوا فركع من خلفهم فمن كان خلفا ظن أنه صلى الله عليه وسلم صلى بأكثر من ركوع فروى على حسب ما عنده من الاشتباه قوله: "بل ركوع واحد" الأولى ركوعا واحدا بالنصب قوله: "كأحدث صلاة" أي أقرب صلاة قوله: "وهي" أي أحدث صلاة قوله: "إلا بإمام الجمعة" أي إمام تصح به إقامة الجمعة وفيه إشارة إلى أنه لا بد لها من شرائط الجمعة وهو كذلك سوى الخطبة كما في السراج والمعنى في ذلك تحصيل كمال السنة على الظاهر كما في النهر وفي السيد عن البحر قال العلامة الاسبيجابي يتسحب في كسوف الشمس ثلاثة أشياء الإمام والوقت والموضع أما الإمام فالسلطان أو القاضي ومن له ولاية الجمعة والعيدين وأما الوقت فهو الذي يباح فيه التطوع وأما الموضع فهو الذي يصلي فيه صلاة العيد أو المسجد الجامع ولو صلوا في موضع آخر أجزأهم والأول أفضل ولو صلوا وحدانا في منازلهم جاز ويكره أن يجمع في كل ناحية اهـ يعني لكراهة النفل بجماعة على التداعي إلا ما خص بدليل إلا إذا أذن الإمام لإمام كل مسجد أن يقيمها كما في ابن أميرحاج وفي الظهيرية إذا أمر إمام الجمعة القوم بالصلاة جاز أن يصلوا بالجماعة في مساجدهم يؤمهم فيها إمام حيهم حموي عن البرجندي وفيه أيضا وكذا النساء يصلين صلاة الكسوف فرادى قوله: "عنده خلافا لهما الصحيح قول الإمام كما في المضمرات لما رواه أصحاب السنن وصحه الترمذي وابن حبان والحاكم عن سمرة صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس لا نسمع له صوتا وما رواه أحمد عن ابن عباس صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف فلم أسمع منه فيها حرفا وتأويل ما روياه من الجهر أنه جهر بالآية والآيتين قوله: "ولا خطبة" وخطبته صلى الله عليه وسلم يوم مات سيدنا إبراهيم ابنه ليست إلا للرد على من توهم أنها كسفت لموته لا أنها مشروعة له ولذا خطب بعد الانجلاء ولو كانت سنة له لخطب قبله كالصلاة والدعاء قوله: "بل ينادي" بالبناء للمفعول قوله: "الصلاة جامعة" بالنصب على الإغراء أي احضر والصلاة ويصح الرفع فيهما على الابتداء والخبر قوله: "بنحو سورة البقرة" المعنى أنه يقرأ في الأولى الفاتحة وسورة البقرة إن كان يحفظها أو ما يعدلها من غيرها إن لم يحفظها جوهرة قوله: "ولو خففها الخ" ليس من كلام الكمال بل ذكر في الفتح ما حاصله إن الحق أن السنة تطويل(1/545)
المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء فإذا خفف إحداهما طول الأخرى ليبقى على الخشوع والخوف إلى انجلاء الشمس "و" سن "تطويل ركوعهما وسجودهما" لما روي أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقام فلم يكد يركع ثم ركع فلم يكد يرفع ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فلم يكد يرفع" وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك أخرجه الحاكم وصححه "ثم يدعو الإمام" لأن السنة تأخيره عن الصلاة "جالسا مستقلا القبلة أن شاء أو يدعو" يدعو "قائما مستقبل الناس" قال شمس الأئمة الحلواني "وهو أحسن من استقبال القبلة ولو اعتمد قائما على عصا أو قوس كان أيضا حسنا ولا يصعد المنبر للدعاء ولا يخرج "و" إذا دعا "يؤمنون على دعائه" ويستمرون كذلك "حتى يكمل إجلاء الشمس" كما ورد "وإن لم يحضر الإمام صلوا" أي الناس "فرادى" ركعتين أو أربعا في منازلهم "ك" أداء صلاة "الخسوف" فرادى لأن القمر خسف مرارا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل إلينا أنه صلى الله عليه وسلم جمع الناس دفعا للفتنة وكسوف القمر ذهاب ضوئه والخسوف دائرته والحكم أعم "و" كالصلاة فرادى لحصول "الظلمة الهائلة نهارا والريح الشديدة" ليلا كان أو نهارا "والفزع" بالزلازل والصواعق وانتشار الكواكب والضوء الهائل ليلا والثلج والأمطار
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الصلاة والمندوب مجرد استيعاب الوقت بمجموع الأمرين مطلقا اهـ وأفاد شارح المشكاة أن محل هذا إذا كان في غير وقت كراهة وإلا اقتصر على الدعاء فقط اهـ قوله: "لأن السنة تأخيره" علة للإتيان بئم المفيدة للتراخي عن المتقدم قوله: "وهو أحسن من استقبال القبلة" لعله لأن السنة في الاجتماع هذا كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم عند الموعظة وذكر الأحكام أو لأن فيه مزيد الاستحضار والابتهال للقوم إذا رأوه داعيا رافعا كيفيه مبتهلا قوله: "كان أيضا حسنا" لأنه ربما يطول المجلس فيعيا فبذلك يحصل له ارتفاق قوله: "ولا يخرج" أي المنبر الأولى عدم ذكره للاستغناء عنه بما قبله لأنه إذا كان لا يصعد لا يخرج قوله: "حتى يكمل انجلاء الشمس" لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتموهما فادعوا وصلوا حتى ينكشف ما بكم" وفي السراج وإن لم يصل الكسوف حتى انجلت لم يصل وإن انجلى بعضها جاز أن يبتدىء الصلاة فإن سترها سحاب أو حائل وهي كاسفة صلى الكسوف لأن الأصل بقاؤه وإن غربت كاسفة أمسك عن الدعاء واشتغل بصلاة المغرب قوله: "في منازلهم" كذا في شرح الطحاوي ركعتين أو أربعا وهو الأفضل مبسوط وفي مساجدهم قهستاني وعن الإمام أن لكل إمام أن يصلي بجماعة فيه فلا يشترط المصر ولا السلطان مبسوط والصحيح الأول وهو ظاهر الرواية لأن هذه الصلاة بجماعة عرفت بإقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقيمها إلا من هو قائم مقامه ونص مشايخنا أنها متعلقة بالمصر قوله: "دفعا للفتنة" الحاصلة باجتماع الناس ليلا من السرقة والفسق قوله: "والحكم أعم" وهو استنان الصلاة فإنها تطلب لأيهما وقع قوله:(1/546)
الدائمة والأمراض والخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال لأنها آيات مخوفة للعباد ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعة الله تعالى التي بها فوزهم وصلاحهم وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه الصلاة نسأل الله من فضله العفو والعافية بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وعموم الأمراض" كلمتهم متفقة على أنهم يصلون فرادى ويدعون في عموم الوباء والأمراض قال في النهر وهو شامل للطاعون لأن الوباء اسم لكل مرض عام طاعونا كان أو غيره ولا ينعكس وإن الدعاء يفعله كما يرفعه الناس في الجبل مشروع وليس هذا دعاء برفع الشهادة لأنها أثره لا عينه يعني فصار كملاقاة العدو وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم سأل العافية منها اهـ قال وعلى هذا فما قاله ابن حجر من أن الإجتماع للدعاء برفعه بدعة أي حسنة فإذا اجتمعوا صلى كل واحد ركعتين ينوي بهما رفعه قال وهذه المسئلة من حوادث الفتوى اهـ وتمامه في الأشباه وذكر الطحاوي في مشكل الآثار في تأويل حديث الطاعون أرسل على طائفة من بني إسرائيل فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا عنه فقال: إن كان بحال لو دخل وابتلى به وقع عنده أنه ابتلى بدخوله ولو خرج فنجا وقع عنده أنه نجا بخروجه لا يدخل ولا يخرج صيانة لاعتقاده فأما إذا كان يعلم أن كل شيء بقدر الله تعالى وأنه لا يصيبه إلا ما كتب الله عليه فلا بأس بأن يدخل ويخرج اهـ وقيل المنع من الخروج خوفا من تعطل المرضى الذين في تلك الأرض لأن الناس إذا فروا عنهم تعطلت أحوالهم وأحوال من يموت منهم وقيل جبرا لخاطر الفقير الذي لا يجد ما يعنيه إلا على الخروج وقيل غير ذلك قوله: "التي بها فوزهم" أي نجاتهم من المهالك وظفرهم بالمقاصد قوله: "وقوله وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه الصلاة" لأنها صلة بينه وبين ربه ولأنها عماد الدين ولأنها أفضل أعمال العبد قوله: "العفو" عما وقع من الجناية قوله: "والعافية" اسم عام لدفع كل مكروه قوله: "بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم" ختم به لما ورد توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم وليكون مصليا عليه صلى الله عليه وسلم في الدعاء وهو من محققات الإجابة والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/547)
باب الاستسقاء
هو طلب السقا أي طلب العباد السقي من الله تعالى بالاستغفار والحمد والثناء وشرع
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب الاستسقاء
مناسبته للكسوف أنهما يؤديان حال الخوف جوهرة قوله: "هو طلب السقيا الخ" هذا(1/547)
بالكتاب والسنة والإجماع "له صلاة" جائزة بلا كراهة وليست سنة لعدم فعل عمر رضي الله تعالى عنه لها حين استسقى لأنه كان أشد الناس اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استسقى
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
التعريف لمعناه الشرعي فالسين والتاء للطلب والإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله والسقيا بالضم الماء وذكر بعضهم أنه في اللغة طلب الماء مطلقا وغلب في الشرع على طلب المطر من الله تعالى على وجه مخصوص وهو مسنون عند الحاجة إليه في موضع لا يكون لأهله أودية وأنهار وآبار يشربون منها ويسقون مواشيهم وزروعهم أو كان لهم ذلك لكن لا يكفيهم فإن كان كافيا لا يستسقون كذا في القهستاني وقوله على طلب المطر من الله تعالى الأولى أن يقال طلب الماء ليعم طلب زيادة الأنهار لمن له نهر لا يكفيه كالنيل إذا كان لا يكفي وفي المطالع سقاه وأسقاه بمعنى واحد وقيل سقاه ناوله وأسقاه جعل له سقيا وقيل سقاه لشفتيه وأسقاه لماشيته وأرضه أود له عليه قوله: "بالاستغفار" الباء بمعنى مع وليس صلة للطلب لأن الوارد الطلب بنحو اللهم اسقنا غيثا مغيثا إلى آخر ما يأتي ويحتمل أن الطلب يكون بالاستغفار لأن الله تعالى رتب إرسال السماء عليه فقال تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [هود: 3] الآية ولما روي أن عمر استسقى فلم يزد على الاستغفار قوله: "وشرع بالكتاب" وهو قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} الآية روي أن قوم نوح لما كذبوه بعد طول تكريره الدعوة حبس عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة وقيل سبعين سنة ووعدهم أنهم إن آمنوا رزقهم الله الخصب ورفع عنهم ما كانوا عليه وشرع من قبلنا شرع لنا إذا قصه الله ورسوله من غير إنكار وهذا كذلك كذا في الشرح قوله: "والسنة" صح في كثير الآثار أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وكذا الخلفاء بعده وقد استسقى به صلى الله عليه وسلم وهو صغير أخرج ابن عساكر عن عرفطة ابن الحباب الأزدي رضي الله عنه قاله قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحط الوادي وأجدب العيال فهلم فاستسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس تجلت عنها سحابة قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب وألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بأصبعه وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من ههنا وههنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي وفي ذلك يقول أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل
قوله: "والإجماع" أجمعت عليه الأمة سلفا وخلفا من غير نكير كذا في البحر قوله: "جائزة بلا كراهة وليست سنة" روي أنه صلى الله عليه وسلم لما شكى عليه القحط رفع يديه يستسقي ولم يذكر فيه صلاة ولا قلب رداء فلم يدل على السنية إذا لم توجد المواظبة في أغلب الأحوال فالإمام مخير إن شاء فعلها وإن شاء تركها كذا في غاية البيان عن شرح مختصر الطحاوي قوله: "حين استسقى" روي عنه رضي الله عنه أنه خرج يستسقي فما زاد على الاستغفار قوله: "لأنه كان أشد الناس اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم" علة للعلية والمعنى لأنه كان كذلك بعد الصديق(1/548)
رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع الصحابة ولو ثبت صلاته فيها لاشتهر نقله اشتهارا واسعا ولم يتركها عمر رضي الله عنه وبتركه لم ينكروا عليه وقد ورد شاذا صلاته صلى الله عليه وسلم للاستسقاء فقلنا بجوازها "من غير جماعة" عند الإمام كما قال إن صلوا وحدانا فلا بأس به وقال أبو يوسف ومحمد يصلي الأمام ركعتين يجهر فيهما بالقراءة كالعيد لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيهما ركعتين كصلاة العيد في الجهر بالقراءة والصلاة بلا أذان وإقامة قال شيخ الإسلام فيه دليل على الجواز وعندنا يجوز لو صلوا بجماعة لكن ليس بسنة "وله استغفار" لقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} "ويستحب الخروج" له أي للاستسقاء "ثلاثة أيام" متتابعات ولم ينقل أكثر منهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
رضي الله عنهم أجمعين قوله: "ولم يتركها عمر" المناسب زيادة ولا أنكروا عليه ليناسب قوله وبتركه لم ينكروا عليه وواوه للحال قوله: "وقد ورد شاذا صلاته صلى الله عليه وسلم للاستسقاء" ذكر الشهيد في الكافي الذي هو جمع كلام محمد قال لا صلاة في الاستسقاء إنما فيه الدعاء بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج ودعا وبلغنا عن عمر أنه صعد المنبر فدعا واستسقى ولم يبلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صلاة إلا حديث واحد شاذ لا يؤخذ به اهـ ولم تشتهر رواية الصلاة في الصدر الأول بل هو عن ابن عباس وعبد الله بن زيد على اضطراب في كيفيتها والحاصل لما اختلفت في الصلاة بالجماعة وعدمها على وجه لا يصلح به إثبات السنة لم يقل أبو حنيفة بسنيتها ولا يلزم من عدم قوله بسنيتها قوله بأنها بدعة كما نقله عنه بعض المشنعين بالتعصب بل هو قائل بالجواز كذا في الحلبي قوله: "كالعيد" إلا أنه ليس فيها تكبيرات منلا مسكين ثم يخطب بعد الصلاة لكن عند محمد خطبتين يجلس بينهما وقال أبو يوسف خطبة واحدة بغير جلسة ثم يستقبل القبلة ويقلب رداءه ويدعو بدعاء الاستسقاء قوله: "في الجهر الخ" أي لا في التكبيرات قوله: "قال شيخ الإسلام الخ" ذكر ابن أميرحاج لو صلوا بجماعة هل يكره عند الإمام فذكر الحاكم الشهيد في باب صلاة الكسوف من الكافي ما يفيد الكراهة حيث قال يكره التطوع بجماعة ما خلا قيام رمضان والكسوف لكن كلام شيخ الإسلام في هذا المقام يفيد الجواز بدونها وهو متجه نظرا للدليل فليكن عليه التعويل قوله: "يرسل السماء عليكم مدرارا" قال في المضمرات السماء المطر والمدرار كثير الدر اهـ قوله: "ويستحب الخروج له ثلاثة أيام" إلى الصحراء للاتباع ولأنه أقرب إلى التواضع وأوسع للجمع ولأنهم يسألون المطر فينبغي أن يكون حيث يصيبهم وفي المجتبى والأولى أن يخرج الإمام بالناس وإن لم يخرج بنفسه وأمرهم بالخروج جاز وإن خرجوا بغير إذنه جاز أيضا وفي الخلاصة إذا غارت الأنهار وانقطعت الأمطار يستحب للإمام أن يأمر الناس أولا بصيام ثلاثة أيام وما أطاقوا من الصلاة والخروج عن المظالم والتوبة من المعاصي ثم يخرج بهم في اليوم الرابع وفي الحموي عن النظم الهاملي إذا سقوا قبل الخروج وقد كانوا(1/549)
ويخرجون "مشاة في ثياب خلقة غسيلة" غير مرقعة "أو مرقعة" وهو أولى إظهارا صفة كونهم "متذللين متواضعين خاشعين لله تعالى ناكسين رؤوسهم مقدمين الصدقة كل يوم قبل خروجهم" ويجددون التوبة للمسلمين ويردون المظالم "ويستحب إخراج الدواب" بأولادها ويشتتون بينها ليحصل ظهور الضجيج بالحاجات "و" خروج "الشيوخ الكبار والأطفال" لأن نزول الرحمة بهم قال صلى الله عليه وسلم: "هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم" رواه البخاري وفي خبر "لولا شباب خشع وبهائم رتع وشيوخ ركع وأطفال رضع لصب عليكم العذاب صبا " ويخرجون للصحراء إلا "في مكة وبيت المقدس ف" إنهم "في المسجد الحرام والمسجد الأقصى يجتمعون" اقتداء بالسلف والخلف وشرف المحل وزيادة نزول الرحمة به ولا شك "وينبغي ذلك" أي الاجتماع للاستسقاء بالمسجد النبوي "أيضا لأهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم" وهذا أمر جلي إذ لا يستغاث وتستنزل الرحمة في مدينته بغير حضرته ومشاهدته في حادثة للمسلمين وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وهو المشفع في
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
تهيؤا له ندب أن يخرجوا شكرا لله تعالى ويستزيدون من فضله ورحمته اهـ قال ويعجبني ما قيل:
خرجوا ليستسقوا فقلت لهم قفوا. ... دمعي ينوب لكم عن الانواء.
قالوا: صدقت ففي دموعك مقنع. ... لكنها ممزوجة بدماء.
قوله: "وهو أولى" أي كونها مرقعة قوله: "متذللين الخ" ألفاظ قريبة المعنى قوله: "ويردون المظالم" هو من تتمة التوبة قوله: "ويستحب إخراج الدواب" في ابن ماجة عن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان ولولا البهائم لم يمطروا" قوله: "ليحصل ظهور الضجيج" أي من البهائم برفع أصوات الأمهات على أولا دها والأولاد على الأمهات كما ظهر الضجيج بدعاء بني آدم وقوله بالحاجات أي بسبب الحاجات قوله: "لأن نزول الزحمة بهم" أي بالشيوخ والأطفال لضعفهم فظهر الاستدلال بما بعده قوله: "لولا شباب خشع الخ" أي لولا وجود من ذكر الخ فإن وجود هؤلاء واحتياجهم سبب في نزول الرحمة قوله: "وبهائم رتع" قال الشارح فيما يأتي رتعت الماشية أكلت ما شاءت قوله: "ولا شك" أي في ذلك الشرف وزيادة نزول الرحمة وقول المصنف وينبغي ذلك أيضا لأهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى فيه كذا في ابن أميرحاج وما في البحر من أن عدم استثنائه فيما ذكر لضيقه غير ظاهر لأن من هو مقيم بالمدينة لا يبلغ قدر الحاجة وعند اجتماع جملتهم يشاهد اتساع المسجد الشريف في أطرافه وإنما شدة الزحام في الروضة الشريفة وما قاربها للرغبة في زيادة الفضل والقرب من المصطفى صلى الله عليه وسلم كذا في الشرح قوله: "وما أرسلناك إلا رحمة" أي راحما(1/550)
المذنبين فيتوسل إليه بصاحبيه ويتوسل بالجميع إلى الله تعالى فلا مانع من الاجتماع عند حضرته وإيقاف الدواب بباب المسجد لشفاعته "ويقوم الإمام مستقبل القبلة " حالة دعائه "رافعا يديه" لما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء قائما يدعو رافعا يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه اهـ ولم يزل يجافي في الرفع حتى بدى بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره "والناس قعود مستقبلين القبلة يؤمنون على دعائه" بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما نص عليه بأن "يقول اللهم اسقنا غيثا" أي مطرا "مغيثا" بضم أوله أي منقذا من الشدة "هنيئا" بالمد والهمز أي لا ينغصه شيء أو ينمي الحيوان من غير ضرر "مريئا" بفتح أوله وبالمد والهمز أي محمود العاقبة والهنيء النافع ظاهرا أو المريء
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
أو ذا رحمة وفي التعبير عنه بالرحمة ما لا يخفى من عظيم اتصافه صلى الله عليه وسلم بها وشمل العالمين الكفار في الدنيا فمنع عنهم الخسف والمسخ أو عن غالبهم وأصاب جبريل من هذه الرحمة شيء فقد أمن به من السلب وخص العالمين لشرفهم وإلا فرحمته عمت البهائم والأشجار والأحجار قوله: "فيتوسل إليه بصاحبيه" ذكر بعض العارفين أن الأدب في التوسل أن يتوسل بالصاحبين إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ثم به إلى حضرة الحق جل جلاله وتعاظمت أسماؤه فإن مراعاة لواسطة عليها مدار قضاء الحاجات قوله: "فلا مانع" تفريع على قوله إذ لا يستغاث الخ والأولى فينبغي كما ذكره في المتن قوله: "وإيقاف" عطف على الإجتماع قوله: "ويقوم الإمام" أي على الأرض ليراه القوم ويسمعوا كلامه ويجوز إخراج المنبر لها ثم إذا صلى فعند الإمام الدعاء بعد الصلاة وعندهما يصلي ثم يخطب فإذا مضى صدر من خطبته قلب رداءه ودعا قائما مستقبلا للقبلة جوهرة قوله: "مستقبل القبلة" لأنه أفضل وأقرب إلى الإجابة قال النووي ويلحق الدعاء جميع الأذكار وسائر الطاعات إلا ما خص بدليل كالخطبة قوله: "رافعا يديه" ولم يرفع صلى الله عليه وسلم يديه الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله حيي يستحي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفرا" يعني فارغتين خائبتين ثم السنة في كل دعاء لسؤال شيء وتحصيله أن يجعل بطون كفيه نحو السماء ولرفع بلاء كالقحط يجعل بطونهما إلى الأرض وذلك معنى قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} كذا في شرح البدر العيني على الصحيح وفي التحفة والمحيط الرضوي والتجريد إن رفع يديه نحو السماء فحسن وإن لم يفعل وأشار بأصبعه السبابة من يده اليمنى فحسن وذكره في المبسوط والبدائع وغيرهما عن أبي يوسف لكن من غير تقييد الأصبع بالسبابة قال ابن أميرحاج وقد ورد الكل في السنة اهـ قوله: "قريبا من الزوراء" هي دار عالية البناء كان يؤذن بلال قوله: "ولم يزل يجافي في الرفع" يشير به إلى أن ما ذكر في حديث عمر من قوله لا يجاوز بهما رأسه كان في ابتداء الرفع قوله: "بما ورد" متعلق بدعائه قوله: "أي منقذا من الشدة" فيغيثهم ويرويهم ويشبعهم قوله: "أي محمود العاقبة" أما بأن ينفع الاحشاء(1/551)
النافع باطنا "مريعا" بضم الميم وبالتحتية أي آتيا بالمريع وهو الزيادة من المرواعة وهو الخصب بكسر أوله ويجوز فتح الميم هنا أي ذا ريع أي نماء أو بالموحدة من أربع البعير أكل الربيع أو الفوقية من رتعت الماشية أكلت ما شاءت والمقصود واحد "غدقا" أي كثير الماء والخير أو قطره كبار "4" "مجللا" بكسر اللام أي ساترا للأفق لعمومه أو للأرض بالنبات كجل الفرس "سحا" بفتح السين المهملة وتشديد الحاء أي شديد الوقع بالأرض من سح جرى "طبقا" بفتح أوله أي يطبق الأرض حتى يعمها "دائما" إلى انتهاء الحاجة إليه "و" يدعو أيضا بكل "ما أشبهه" أي أشبه الذي ذكرناه مما يناسب المقام "سرا أو جهرا" وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل اللهم اسق عبادتك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
وأما بأن يكون قوة على الطاعة وإما بإخراج فضلاته سهلة غير ضارة وقولي بأن ينفع الأحشاء أي أحشاء كل من تناول وقولي بأن يكون قوة على الطاعة أي من المكلف وما تناوله غيره كالبهائم يرجع إليه وقولي وأما بإخراج الخ لا مانع من تعميمه للمكلف وغيره قوله: "أو بالموحدة" مع ضم الميم قوله: "أو الفوقية" أي مع ضم الميم من أرتع المطر إذا أنبت ما يرتع فيه قوله: "غدقا" ضده الطل قاله السيد قوله: "أي ساترا بالأفق" الأولى التعبير باللام كما في الشرح وهو كذلك في نسخ على أن ستر يتعدى بنفسه قوله: "أو للأرض بالنبات" أو هو الذي يجلل الأرض بالمطر أي يعمها أفاده السيد ونسبة التجليل بالنبات إليه من النسبة إلى السبب قوله: "أي شديد الوقع بالأرض" في شرح السيد أي سائلا من فوق اهـ وفي القاموس كلا المعنيين فإنه قال السح الصب والسيلان من فوق ثم قال والشديد من المطر اهـ ولا شك أن الشديد منه يرجع إلى قول المصنف أي شديد الوقع بالأرض قوله: "إلى انتهاء الحاجة" أشار به إلى أن الدوام في الحديث مقيد فإن المطلق مهلك قوله: "اللهم اسقنا غيثا مغيثا" زاد في حديث جابر مريئا مريعا قوله: "وانشر رحمتك" أي عمم انعامك قوله: "وأحي بلدك الميت" بعدم الإنبات بإمطارها قوله: "اللهم أنت الله الخ" روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه قالت عائشة فخرج صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال: "إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله سبحانه وتعالى أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ثم قال الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم1 أنت الله الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا بلاغا إلى خير"
__________
1 قوله أنت الله الغني وفي نسخة أنت الله لا إله إلا أنت الغني اهـ.(1/552)
علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين فإذا أمطروا قالوا: استحبابا: اللهم صيبا نافعا وإذا طلب رفعه عن الأماكن قالوا: اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام "5" والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر "وليس فيه" أي الاستسقاء "قلب رداء" عند أبي حنيفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله تعالى سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت صلى الله عليه وسلم مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه وقال أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبده ورسوله قوله: "إلى حين" الرواية بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحت والراء المهملة ضد الشر قوله: "اللهم صيبا" مصوب بفعل محذوف أي اجعله صيبا والصيب المطر وهو بتشديد الياء وفي رواية النسائي اللهم اجعله سيبا نافعا بفتح السين المهملة وسكون الياء قال الخطابي أي نافعا وفي رواية النسائي صيبا هينا فيجمع بين الروايات كلها ويقول مطرنا بفضل الله ورحمته لا بنوء كذا للنهي عنه ويستحب الدعاء عند نزول الغيث لما ورد من استجابة الدعاء عنده وأن يكشف عن غير عورته ليصيبه ويتطهر منه ويحمد الله تعالى لما عن أنس أصابنا مطر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثوبه حتى أصابه المطر فقلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم صنعت هذا قال لأنه حديث عهد بربه اهـ أي تكوينه وتنزيله وعن ابن عباس كان إذا جاء المطر يأمر عبدا له أن يخرج فراشه إلى المطر فقيل له في ذلك فقال: أما قرأت وأنزلنا من السماء ماء مباركا فأحب أن ينالني من بركته ويستحب لمن سمع الرعد أن يقول سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته فإن من قاله عوفي من الرعد كما ورد عن عمر وقال ابن عباس من سمع صوت الرعد فقال ذلك وزاد وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلى ديته قوله: "وإذا طلب" بالبناء للمجهول والأولى أن يقول طلبوا ليناسب قوله قالوا: قوله: "اللهم حوالينا" بفتح اللام أي اجعله حوالينا وفسره بقوله على الآكام أي اجعله على الأماكن التي لا يضرها المطر على على الأبنية والطرق قوله: "ولا علينا" أي ولا تجعله علينا قوله: "اللهم على الآكام" بكسر الهمزة كإم وبفتحها مع المد جمع أكمة بفتحات وهو التراب المجتمع والظراب بكسر الظاء المشالة آخره باء موحدة جمع ظرب بفتح فسكون وهو الجبل الصغير ووهم من قاله بالضاد قال في الشرح وفيه إرشاد لتعليمنا الأدب في هذا الدعاء حيث لم يدع برفعه مطلقا لأنه يحتاج إليه مستمرا بالنسبة لبعض الأودية والمزارع إلى حصول الكفاية التي يعلمها الله فطلب منع ضرره وبقاء نفعه وفيه إعلام بأنه إذا قارن النعمة عارض لا يتسخط منه فيسأل الله تعالى رفع العارض وبقاء النعمة والدعاء برفع الضار لا ينافي التوكل والتفويض قوله: "وبطون الأودية" لأنه باجتماع الماء فيها يحصل ارتفاق بالسقي منها وشرب البهائم والطيور قوله:(1/553)
وأبي يوسف وفي رواية عنه وما رواه محمد محمول على التفاؤل "6"ولا يخطب عند أبي حنيفة لأنها تبع للصلاة بالجماعة ولا جماعة عنده وعندهما يخطب لكن عند أبي يوسف خطبة واحدة وعند محمد خطبتين "ولا يحضره" أي الاستسقاء "ذمي" لنهي عمر رضي الله عنه ولا يمكنون من فعله وحدهم أيضا لاحتمال أن يسقوا فقد يفتن به ضعفاء العوام.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
"وليس فيه قلب رداء" لعدم فعل الصحابة له كعمر وغيره ولم ينكر الإمام التحويل الوارد في الأحاديث بل أنكر كونه من السنة قوله: "وأبي يوسف في رواية عنه" وفي رواية أخرى أنه مع محمد وهو الأصح كما في ابن أميرحاج عن البدائع والأحسن في صفة التحويل ما قاله في المحيط إن أمكنه أن يجعل أعلاه أسفله جعله وإلا جعل يمينه ليساره لكن قوله يجعل أعلاه أسفله صادق بأن يراد به جعل ما يلي البدن إلى السماء وجعل ما يلي الرجل إلى الرأس وكل منهما جائز كما في الحلبي وهذا في حق الإمام وأما القوم فلا يقلبون أرديتهم عند عامة العلماء قوله: "محمول على التفاؤل" أي بأن الحال يتغير أي وهذا لا يلزمه السنية قوله: "ولا جماعة عنده" أي مطلوبة قوله: "لنهي عمر" ولأن المقصود بالخروج استنزال الرحمة وإنما تنزل عليهم اللعنة وإن جاز أن يقال يستجاب دعاء الكافر كما في الخانية والحاصل أن علة منعهم من الحضور ليس عدم استجابة دعاء الكفار كما فهمه الحموي فجزم بأنهم لا يمنعون من الحضور حيث كانت الفتوى على جواز استجابة دعاء الكافر استدلالا بقوله تعالى حكاية عن إبليس: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف: 15] بل علة المنع إنما هي خوف أن يضل به ضعفاء العقول إذا سقوا بدعائهم فتحصل أنه لا ينبغي تمكينهم من الخروج للاستسقاء أصلا لا وحدهم لئلا يفتتن به ضعفاء العقول ولا مع المسلمين لأنه يكره أن يجتمع جمعهم إلى جمع المسلمين قوله: "فقد يفتن الخ" الفاء للتعليل والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/554)
باب صلاة الخوف
"هي" أي صلاته بالصفة الآتية "جائزة بحضور عدو" لوجود المبيح وإن لم يشتد الخوف
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب صلاة الخوف
من إضافة الشيء إلى شرطه باعتبار عدم جوازها بدونه أو إلى سببه باعتبار الترخيص وفي شرح السيد عن حاشية المؤلف أنها من إضافة الشيء إلى شرطه نظرا إلى الكيفية المخصوصة لأن هذه الصفة شرطها العدو ومن قال أن سببها الخوف نظر إلى أن سبب أصل(1/554)
"وبخوف غرق" من سيل "أو حرق" من نار "وإذا تنازع القوم في الصلاة خلف إمام واحد فيجعلهم طائفتين" ويقيم "واحدة بإزاء" أي مقابل "العدو" للحراسة "ويصلي" الإمام "ب" الطائفة "الأخرى ركعة من" الصلاة "الثنائية" الصبح والمقصورة بالسفر "و" يصلي بالأولى المذكورة "ركعتين من الرباعية أو المغرب" لأن الشفع شرط لشرطها فلو صلى بها
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الصلاة الخوف اهـ ثم إن الشرط حضور العدو ولو بدون خوف وهو قول العامة لأن المعتبر في تعلق الرخصة هو السبب الظاهر دون الحقيقة فنزلت حضرة العدو منزلة الخوف لأنها سببه كما نزل السفر منزلة المشقة في تغيير الأحكام قال في التحفة سبب جواز صلاة الخوف نفس قرب العدو من غير اشتراط الخوف والإشتداد كما في العناية وغيرها وما في الكنز كالهداية من اشتراط ذلك قول البعض اهـ والمناسبة بينه وبين الإستسقاء أن كلا منهما شرع لعارض وقدم الاستسقاء لأن العارض فيه سماوي وهو انقطاع المطر وهنا من قبل العباد ولأن أثر العارض ثمة في نفس الصلاة وهنا في وصفها فكان ذلك أقوى كما في الفتح قوله: "أي صلاته بالصفة الآتية" أفاد أنها من إضافة الشيء إلى شرطه حيث اعتبر الصفة وإن الجواز إنما هو بالنظر إلى الصفة وإلا فالأصل فرض وأفاد البدر العيني في شرح البخاري أن البعض اشترط أن يخشى خروج الوقت وفي الجوهرة الشرط أن يكون بحيث لو اشتغلوا بالصلاة جميعا يحمل عليهم العدو اهـ قوله: "جائزة" أي من حيث الكيفية سفرا وحضرا كما في العيني على البخاري وفيه أيضا لا فرق بين أن تكون إحدى الطائفتين أكثر عددا من الأخرى أو تساويا لأن الطائفة تطلق على الكثير والقليل حتى على الواحد فلو كانوا ثلاثة جاز لأحدهم أن يصلي بواحد ويحرس واحد ثم يصلي بالآخر وهو أقل ما يتصور في صلاة الخوف قوله: "بحضور عدو" العدو يطلق على الواحد المذكر والمؤنث والمجموع كما في المصباح وسواء في ذلك المسلم الباغي أو الكافر الطاغي كما في مجمع الأنهر وأفاد المصنف أنه إذا حصل الخوف قبل حضور العدو لا يجوز صلاته كما في البرجندي قوله: "وبخوف غرق" أشار به إلى أنه لا فرق بينه أي الآدمي وغيره كسبع وحية عظيمة ولا فرق بين ما إذا كان العدو بإزاء القبلة أولا قوله: "وإذا تنازع الخ" فإن لم يحصل تنازع فالأفضل أن يصلي بكل طائفة إمام على حدة ذكره في الفتح وسيأتي آخر الباب قوله "فيجعلهم طائفتين" عم كلامه المقيم خلف المسافر حتى يقضي ثلاثا بلا قراءة إن كان من الأولى وبقراءة إن كان من الثانية والمسبوق إن أدرك ركعة من الشفع فهو من أهل الأولى وإلا فمن الثانية نهر واعلم أن الطائفة التي صلت مع الإمام إنما تمضي للعدو في الثنائي بعدما رفع رأسه من السجدة الثانية وفي غير الثنائي إذا قام من التشهد الأول إلى الثانية ذكره السيد قوله: "من الصلاة الثنائية" منها الجمعة والعيد در قوله: "لأن الشفع شرط الخ" أي لأن صلاة الأولى الشفع من الثلاثي والرباعي شرط أي شرط صحة لشطرها أي لتجزئتها بين الطائفتين(1/555)
ركعة وبالثانية اثنتين بطلت صلاتهما لانصراف كل في غير أوانه "وتمضي هذه" الطائفة "إلى" جهة "العدو مشاة" فإن كبرا أو مشوا لغير جهة الاصطفاف بمقابلة العدو بطلت "وجاءت تلك" الطائفة التي كانت في الحراسة فأحرموا مع الإمام "فصلى بهم ما بقي" من الصلاة "وسلم" الإمام "وحده" لتمام صلاته " فذهبوا إلى" جهة "العدو" مشاة ثم "جاءت" الطائفة "الأولى" إن شاؤوا "و" إن أرادوا "أتموا" في مكانهم "بلا قراءة" لأنهم لاحقون فيهم خلف الإمام حكما لا يقرؤون "وسلموا ومضوا" إلى العدو "ثم جاءت" الطائفة الأخرى "إن شاؤوا صلوا ما بقي" في مكانهم لفراغ الإمام ويقضون "بقراءة" لأنهم مسبوقون لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف على هذه الصفة وقد ورد في صلاة الخسوف روايات كثيرة وأصحها ست عشر رواية مختلفة وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين مرة وكل ذلك جائز والأولى والأقرب من ظاهر القرآن هو الوجه الذي ذكرناه "وإن اشتد الخوف" فلم يتمكنوا بالهجوم "صلوا ركبانا" ولو مع السير مطلوبين لضرورة لا طالبين لعدمها في حقهم "فرادى" إذ لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن تنصيف الركعة الواحدة غير ممكن وكانت الطائفة الأولى أولى بها للسبق قوله: "لانصراف كل في غير أوانه" أما الأولى فظاهر وأما الثانية فلأنهم لما أدركوا الركعة الثانية صاروا من الطائفة الأولى لإدراكهم الشفع الأول وقد انصرفوا في أوان رجوعهم فتبطل كذا في الشرح قوله: "بمقابلة العدو" متعلق بالإصطفاف قوله: "ومضوا إلى العدو" وفيه أنهم في مكانهم لم يبرحوا عنه فالأولى أن يقول وتوجهوا إلى العدو وإذا كان في غير جهة القبلة ولعله متعلق بالمصنف في حد ذاته لا بقوله إن شاؤا قوله: "وقد ورد الخ" قال في زاد المعاد أصولها ست صفات وبلغها بعضهم أكثر وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة قال في فتح الباري وهذا هو المعتمد اهـ وفي الدر صح أنه صلى الله عليه وسلم صلاها في أربع ذات الرقاع وبطن نخل وعسفان وذي قرد قوله: "والأقرب من ظاهر القرآن" هو قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] ووجه الأقربية أن قوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} يفيد انصراف الأولى بعد السجود وإتيان الطائفة الثانية التي لم تصح وهي في الفعل كالأولى وهذا عين الصفة المذكورة تنبيه قال في المجتبي ويسجد للسهو في صلاة الخوف لعموم الحديث ويتابعه من خلفه ويسجد اللاحق في آخر صلاته وليست مشروعة للعاصي في السفر فلا تصح من البغاة لأن المعاصي في السفر عدو الله وهي مشروعة لغيره عند حضوره أفاده السيد قوله: "صلوا ركبانا" بالإيماء أو رجالا واقفين كذلك أي إلى أي جهة قدروا والأصل فيه قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} والصلاة ركبانا إنما تكون في غير المصر لأن التنفل في المصر راكبا لا يصح فالفرض أولى وإن كان لضرورة(1/556)
يصح الاقتداء لاختلاف المكان إلا أن يكون رديفا لإمامه "ولم تجز" صلاة الخوف "بلا حضور عدو" حتى لو ظنوا سوادا عدوا وتين بخلافه أعادوها دون الإمام "ويحتسب حمل السلاح في الصلاة عند الخوف" وقال الإمام مالك والشافعي رحمهما الله تعالى بوجوبه للأمر قلنا هو للندب لأنه ليس من أعمال الصلاة "وإن لم يتنازعوا" أي للقوم "في الصلاة خلف إمام واحد فالأفضل صلاة كل طائفة" مقتدين "بإمام" فتذهب الأولى بعد إتمامها ثم تجيء الأخرى فتصلى بإمام آخر "مثل حالة الأمن" للتوقي عن المشي ونحوه كذا في فتح للقدير وهو حسبي ونعم الوكيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
كما في التبيين ومجمع الأنهر وفي التنوير والسابح في البحر إن أمكنه أن يرسل أعضاءه ساعة صلى بالإيماء وإلا لا تصح قوله: "لضرورة" أي لضرورة الخوف والأولى أن يقول للضرورة بلامين قوله: "وفرادى" جمع فرد على غير قياس وهو حال كما أن ركبانا كذلك من الأحوال المتداخلة أو المترادفة أفاده السيد قوله: "إذ لا يصح الاقتداء" وقال محمد يجوز قال في الهداية وليس بصحيح لعدم اتحاد المكان اهـ وفيه أن الأكثر تصحيحا اعتبار الاشتباه وعدمه في حصة الاقتداء وعدمه الأولى غير ما ظنوه قبل أن تتجاوز الصفوف فإن لهم البناء استحسانا أما صلاة الإمام فصحيحة بكل حال لعدم المفسد في حقه كذا في الشرح قوله: "للأمر" وقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} قوله: "ولم تجز صلاة الخوف" أي صلاة القوم إلا إذا تبين للطائفة قوله: "لأنه ليس من أعمال الصلاة" أي فلا يجب فيها كما في البرهان وفيه أنه يرد هذا على القول بالندب وأن الوجوب لعارض وهو خوف هجوم العدو ولا يرد هذا إلا إذا جعلناه من واجبات الصلاة قوله: "للتوقي عن المشي" هذه العلة تشعر بالوجوب لا بالأفضلية ويمكن أن يقال إنما لم تجب صلاة كل خلف إمام مستقل لوجود أصل العذر قوله: "ونعم الوكيل" الذي في الشرح ونعم النصير وهو الأنسب بالسجع والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/557)
باب أحكام الجنائز
جمع جنازة بالفتح والكسر للميت والسرير وقال الأزهري ولا تسمى جنازة حتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
باب أحكام الجنائز
من إضافة الشيء إلى سببه فإن وجوب جميع ما يتعلق بالميت بسبب الميت ولا بد من حضوره ووجه المناسبة بينها وبين الخوف أن الخوف قد يفضي إلى الموت ومنه يفهم وجه تأخير الجنائز ووجهه أيضا بأن صلاة الخوف حق خالص لله تعالى وهذا فيه مدخل(1/557)
يشتد الميت عليه مكفنا "يسن توجيه المحتضر" أي من قرب من الموت "على يمينه" لأنه السنة "وجاز الاستلقاء" على ظهره لأنه أيسر لمعالجته "و" لكن "ترفع رأسه قليلا" ليصير وجهه إلى القبلة دون السماء "و" يسن أن "يلقن" وذلك "بذكر" كلمة "الشهادة عنده" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنه مسلم ليس يقولها عند الموت إلا أنجته من النار" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" أي مع الفائزين وإلا فكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
للعبد وحرمة الحق كحرمة صاحبه وأيضا أن صلاة الجنازة ليست صلاة من كل وجه وهي أيضا متعلقة بعارض هو آخر يعرض للحي في دار التكليف وكل منها يقتضي التأخير عن أنواع الصلاة فكيف وقد اجتمعت قوله: "للميت والسرير" أي هما لهما وقيل بالكسر الميت نفسه وبالفتح السرير وقيل بالعكس وقيل الكسر للسرير مع الميت وكل ما أثقل على قوم واغتموا به فهو جنازة من جنز الشيء بجنزه من باب ضرب إذا ستره وجمعه كما في القاموس والمصباح وغيرهما سميت بذلك لأنها مجموعة مهيأة كما في مسكين والموت صفة وجودية خلقت ضد الحياة وقيل عدم الحياة عمن شأنه الحياة كما في التلويح قوله: "يسن توجيه المحتضر" أي للقبلة والمحتضر اسم مفعول أي من حضرته ملائكة الموت على الحقيقة أو من حضره الموت وحل به وعلاماته استرخاء قدميه واعوجاج منخره وانخساف صدغيه وينبغي لكل مكلف الإكثار من ذكر الموت والإستعداد له بالتوبة ورد المظالم لا سيما المريض وطلب الدعاء منه محبوب ذكره ابن أميرحاج والمرجوم لا يوجه قوله: "على يمينه" وهو السنة في النوم واللحد وهو مقيد بما إذا لم يشق فإن شق عليه ترك على حاله نهر وينظر حكم من يقتل بالسيف قصاصا هل يوجه أم لا حموي والظاهر نعم لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة فالموت عليه أولى قوله: "وجاز الاستلقاء" ويوضع هكذا في الغسل والصلاة قال في شرح الطحاوي وهو العرف بين الناس قال في الزاد والأول أفضل لأنه السنة كذا في المضمرات قوله: "لأنه أيسر لمعالجته" من تغميضه وشد لحييه وأمتع من تقوس أعضائه فهو من إضافة المصدر إلى مفعوله أو لمعاجلة الميت طلوع الروح فهو من إضافته إلى فاعله وفي التنوير وقيل يوضع كما تيسر على الأصح قوله: "ويسن أن يلقن" قال في النهر وهذا التلقين مستحب بالإجماع ومحله عند النزع قبل الغرغرة وما في القنية الواجب على إخوانه وأصدقائه أن يلقنوه تجوز اهـ والتلقين التفهيم والتذكير أي بذكر وبندب أن يكون الملقن غير متهم بالمسرة بموته وأن يكون ممن يعتقد فيه الخير فيذكرها عنده جهرا عساه أن يأتي بها لتكون آخر كلامه قوله: "لقنوا موتاكم" الجمهور على أن المراد من هذا الحديث مجازه أي من قرب موته لا الميت حقيقة كقوله صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه" ويدل عليه قوله بعد فإنه ليس مسلم بقولها الخ قوله: "ألا أنجته من النار" أي فلا يدخلها أبدا وإلا فلكل مؤمن لا بد وأن ينجو منها ولو بعد دخولها قوله: "يدخل الجنة" وإن لم يقلها عند(1/558)
مسلم ولو فاسقا يموت على الإيمان يدخل الجنة ولو بعد طول العذاب وإنما اقتصرنا على ذكر الشهادة تبعا للحديث الصحيح ولذا قال في المستصفى وغيره: ويلقن الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله معللا بأن الأولى لا تقبل بدون الثانية ليس إلا في حق الكافر وكلامنا في تلقين المؤمن قال شيخ الإسلام ابن حجر: وقول جمع: "يلقن محمد رسول الله أيضا لأن القصد موته على الإسلام ولا يسمى مسلما إلا بهما: مردود بأنه مسلم وإنما المراد ختم كلامه بلا إله إلا الله ليحصل له ذلك الثواب وأما الكافر فيلقنهما قطعا مع أشهد لوجوبه إذ لا يصير مسلما إلا بهما انتهى. فتذكر الشهادة عند المسلم المتحضر "من غير إلحاح" لأن الحال صعب عليه فإذا قالها مرة ولم يتكلم بعدها حصل المراد "ولا يؤمر بها" فلا يقال له قل لأنه يكون في شدة فربما يقول لا جوابا لغير الأمر فيظن به خلاف الخير وقالوا: إنه إذا ظهر منه ما يوجب الكفر لا يحكم بكفره حملا على أنه زال عقله واختار بعضهم زوال عقله عند موته لهذا الخوف ومما ينبغي أن يقال له على جهة الاستتابة أستغفر
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الموت وحينئذ فلا تظهر للحديث ثمرة إلا بما قلنا قوله: "ولذا قال في المستصفى" الأولى ما في الشرح وإن قال في المستصفى الخ وهو كذلك في نسخ قوله: "لأنه ليس إلا في حق الكافر" علة لما استفيد من أولوية ما فعله المصنف المأخوذة من قوله تبعا للحديث الصحيح قوله: "فكلا منا" الأولى التعبير بالواو وهو في نسخ كذلك قوله: "ذلك الثواب" وهو دخول الجنة مع الفائزين قوله: "فيلقنهما قطعا مع أشهد" هذا على مقتضى مذهبه ولا يشترط ذلك عندنا قوله: "من غير الحاح" أي إكثار قوله: "لأن الحال صعب عليه" فيكره الالحاح خوف أن يتضجر قوله: "حصل المراد" وهو ختم كلامه بها قوله: "فلا يقال له قل" ذكر في جنائز المضمرات عن السراجية لو قال المسلم قل لا إله إلا الله فلم يقل كفر بالله تعالى وإن اعتقد الإيمان اهـ فينبغي التحرز عنه حتى للأحياء وإن كان هذا الكلام ليس على إطلاقه لما في اليتيمة ولو قيل لمسلم قل لا إله إلا الله فقال: لا أقول بلا نية حضرت أو على نية التأبيد كفر ولو نوى الآن لا يكفر فعلى هذا لو قال لا أقول بقولك أو لأني معلوم الإسلام لا يكفر كما أفاده المنلا علي في شرح البدر الرشيد وفي الفتاوي الهندية عن خزانة المفتين لو قيل له صل فقال: لا أصلي يحتمل أربعة أوجه أحدها لا أصلي لأني صليت والثاني لا أصلي بأمرك فقد أمرني من هو خير منك والثالث فسقا ومجانة فهذه الثلاثة ليست بكفر والرابع لا أصلي إذ ليس تجب علي الصلاة أو لم أو مر بها يكفر اهـ قوله: "جوابا لغير الآمر" بالمد وعدمه وذلك لأنه يرى ما لا يرى الحاضرون قوله: "خلاف الخير" وهو الكفر قوله: "لا يحكم بكفره" فيعامل معاملة موتى المسلمين قوله: "واختار بعضهم الخ" يتأمل في هذا الاختيار مع عدم الوقوف على حقيقة حال الميت وإن أريد به أنه يغتفر ما وقع منه ويعامل معاملة موتى المسلمين رجع إلى ما قبله قوله: "لهذا الخوف" أي المخوف وهو(1/559)
الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه سبحانه لا إله إلا هو الحي القيوم لأنه قد يستضر بذكر ما يشعر أنه محتضر وأما الكافر فيؤمر بهما لما روى البخاري عن أيس؟؟ رضي الله عنه قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال: "أسلم" فنظر إلى أبيه فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول "الحمد لله الذي أنقذه من النار" "وتلقينه" بعد ما وضع "في القبر مشروع" لحقيقة قوله صلى الله عليه وسلم: "لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله" أخرجه الجماعة إلا البخاري ونسب إلى أهل السنة والجماعة "وقيل لا يلقن" في القبر ونسب إلى المعتزلة "وقيل لا يؤمر به ولا ينهى عنه" وكيفيته أن يقال: يا فلان أين فلان أذكر دينك الذي كنت عليه في دار الدنيا بشهادة أن لا إله
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الحكم بالكفر المعلوم من المقام قوله: "ومما ينبغي أن يقال الخ" أي ويكفي عن التلقين لقوله في الشرح فيشمل التلقين بلطف قوله: "على وجه الاستتابة" بتاءين أي طلب التوبة وهي لا تشعر بالاحتضار لأنها واجبة فور كل ذنب ولو صغيرا والمختار قبول توبة اليائس دون إيمانه لا طلاق قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} بخلاف الكافر لعدم الإيمان بالغيب لأنه قد شاهد ملائكة العذاب فيكون الإيمان منه قهريا بسبب المعاينة والمطلوب الإيمان بالغيب ويكره تمني الموت فإن كان ولا بد فليقل أحيني ما دامت الحياة خير إلي وتوفني إذا كانت الوفاة خير إلي قوله: "قد يستضر" السين والتاء زائدتان أو للصيرورة قوله: "وأما الكافر" أي ولو محتضرا فيؤمر بهما أي بالشهادتين فهو مخالف للمحتضر المؤمن حيث لا يؤمر قوله: "فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده" أخذ منه جواز عيادة أهل الذمة لا سيما إذا كان يرجوا سلامه قوله: "الذي أنقذه من النار" أي فلا يدخلها أبدا لأن الإسلام يجب ما قبله هذا ما ظهر قوله: "وتلقينه بعدما وضع في القبر مشروع" قال في المفتاح التلقين على ثلاثة أوجه ففي المحتضر لا خلاف في حسنه وما بعد انقضاء الدفن لا خلاف في عدم حسنه والثالث اختلفوا فيه وهو ما إذا لم يتم دفنه اهـ حموي قوله: "لقنوا موتاكم الخ" فإن الميت حقيقة فيمن حل به الموت لا فيمن قرب منه قوله: "ونسب إلى المعتزلة" كذا في الفتح وفي شرح السيد وهو ظاهر الرواية نهر إذ المراد بموتاكم في الحديث من قرب من الموت زيلعي اهـ وهو في الجواهر سئل القاضي محمد الكرماني عنه فقال: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن كذا في القهستاني وكيف لا يفعل مع أنه لا ضرر فيه بل فيه نفع للميت لأنه يستأنس بالذكر على ما ورد في بعض الآثار ففي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: "إذا دفنتموني أقيموا عند قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع رسل ربي" وعن عثمان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا الله لأخيكم واسألوا الله له التثبيت فإنه الآن يسئل" رواه أبو داود والبيهقي بإسناد حسن ذكره الحلبي قوله: "يا فلان بن فلان" أو يا عبد الله بن عبد الله وفي النهر عن الحواشي قيل يا(1/560)
إلا الله وأن محمدا رسول الله" ولاشك أن اللفظ لا يجوز إخراجه عن حقيقته إلا بدليل تعيبنه يقول "موتاكم" حقيقة ونفى صاحب الكافي فائدته مطلقا ممنوع نعم الفائدة الأصلية منفية ويحتاج إليه لتثبيت الجنان للسؤال في القبر قال المحقق ابن الهمام: وحمل أكثر مشايخنا إياه على المجاز - أي من قرب من الموت - مبناه على أن الميت لا يسمع عندهم وأورد عليهم قوله صلى الله عليه وسلم في أهل القليب "ما أنتم بأسمع منهم" وأجابوا تارة بأنه مردود من عائشة رضي الله عنها وتارة بأنه خصوصية له وتارة بأنه من ضرب المثل ويشكل
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
رسول الله فإن لم يعرف اسمه قال ينسب إلى حواء ومن لا يسئل ينبغي أن لا يلقن والأصح أن الأنبياء عليهم السلام لا يسئلون وكذا أطفال المؤمنين واختلف في أطفال المشركين ودخولهم الجنة وفي الجوهرة والطفل يلقنه الملك فيقول من ربك ثم يقول للطفل قل الله ربي وقيل يلهمه الله تعالى كإلهام عيسى عليه السلام في المهد اهـ وفي شرح العلامة العيني على البخاري قالالنووي الصحيح المختار الذي ذهب إليه المحققون أن أطفال المشركين في الجنة لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فغير العاقل أولى اهـ والأشهر أن السؤال حين يدفن وقيل في بيته تنطبق عليه الأرض كالقبر وفي البزازية السؤال فيما يستقر فيه الميت حتى لو أكله سبع فالسؤال في بطنه فإن جعل في تابوت أياما لنقله إلى مكان آخر لا يسئل ما لم يدفن كذا في حاشية الدرر للمؤلف قوله: "بشهادة أن لا إله إلا الله" الباء للتصوير قوله: "ولا شك أن اللفظ" أي وهو موتاكم قال البرهان الحلبي ولا مانع من الجمع بين الحقيقة والمجاز في مثل هذا اهـ قوله: "فيجب تعيينه" أي تعيين اللفظ باعتبار المعنى أو تعيين هذا القيل وهو مشروعية التلقين في القبر وقوله حقيقة منصوب على التمييز قوله: "فائدته" بالنصب مفعول نفي وذلك لأن العبرة بحال النزع فإن كان مسلما فهو مثبت وإن كان كافرا لا ينفعه هذا التلقين وقوله مطلقا حال من فائدته يعني أنه لا فائدة فيه أصلا قوله: "ممنوع" بأن فيه فائدة التثبيت للجنان قوله: "نعم الفائدة الأصلية" وهي تحصيل الإيمان في هذا الوقت قوله: "وحمل أكثر مشايخنا" مقول القول وهو مبتدأ خبره قوله مبناه قوله: "مبناه على أن الميت لا يسمع عندهم" على ما صرحوا به في كتاب الإيمان لو حلف لا يكلمه فكلمه ميتا لا يحنث لأنها تنعقد على من يفهم والميت ليس كذلك لعدم السماع قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وهذا التشبيه لحال الكفار في عدم إذعانهم للحق بحال الموتى وهو يفيد تحقيق عدم سماع الموتى إذ هو فرعه قوله: "في أهل القليب" قليب بدر وهو حفرة رميت فيها جيف كفار قريش فخاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا" فقال عمر: ما معناه إنك تخاطب أجساما أجيفت فأجابه بما ذكر قوله: "بأنه مردود من عائشة" فإنها قالت كيف يقول صلى الله عليه وسلم ذلك ردا(1/561)
عليهم ما في مسلم أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا وتمامه بفتح القدير قلت يمكن الجمع فيلقن عند الاحتضار لصريح قوله فإنه ليس مسلم يقولها عند الموت إلا أنجته من النار وعملا بحقيقة موتاكم لتثبيته للسؤال في القبر لما روى سعيد بن منصور وسمرة ابن حبيب وحكيم بن عمير قالوا: إذا سوى على الميت قبره وانصرف الناس كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره يا فلان قل لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم اللهم أني أتوسل إليك بحبيبك المصطفى أن ترحم فاقتي بالموت على الإسلام والإيمان وآن تشفع فينا نبيك عليه أفضل الصلاة والسلام "ويستحب لأقرباء المحتضر" وأصدقائه "وجيرانه الدخول عليه" للقيام بحقه وتذكيره وتجريعه وسقيه الماء لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
على الراوي والله تعالى يقول: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أي فلم يقله قوله: "وتارة بأنه" أي إسماع الكفار خصوصية له صلى الله عليه وسلم معجزة وزيادة حسرة على الكفار أو أن ذلك كان وقت المسئلة فإنهم أحياء يسمعون وأمور الآخرة لا تدخل تحت حصر فقد ورد أن أرواح السعداء تطلع على قبورهم قالوا: وأكثر ما يكون منها ليلة الجمعة ويومها وليلة السبت إلى طلوع الشمس قيل وإذا كانوا على قبورهم يسمعون من يسلم عليهم ولو أذن لهم لردوا السلام قوله: "وتارة بأنه من ضرب المثل" يعني أنه مثل صلى الله عليه وسلم حاله وحال أهل القليب بحال أهل الجنة وقت استقرارهم فيها وأهل النار حيث ينادي أهل الجنة أهل النار فيقولون إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم الآية وفيه أنه لا يلائم آخر الحديث قوله: "ويشكل عليهم" أي على المجيبين بهذه الأجوبة قوله: "وتمامه بفتح القدير" حاصل ما فيه أنه مخصوص بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال جمعا بينه وبين الآيتين وأيضا فإن السماع يستلزم الحياة وهي مفقودة وإنما تجيء عند السؤال وتمامه في الشرح قوله: "يمكن الجمع" أي بين التلقين حال النزع والتلقين بعد الموت قوله: "وعملا بحقيقة موتاكم" المناسب زيادة ويلقن بعد الوضع في القبر الخ قوله: "اللهم إني أتوسل إليك الخ" قال الكمال والعبد الضعيف مؤلف الكلمات فوض أمره إلى الرب الغني الكريم متوكلا عليه طالبا منه جلت عظمته أن يرحم عظيم فاقتي بالموت على الإيمان والإيقان ومن يتوكل على الله فهو حسبه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اهـ لفظه وكذا أقول كما قال وعلى الله الكريم اعتمادي في كل حال كذا في الشرح وكذا أقول كما قال فإنه المرجو لكل عظيم ولا يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم قوله: "بالموت على الإسلام والإيمان" متعلق بترحم والموت على الإسلام بأن يحافظ على أعماله الظاهرة إلى قرب النزع والموت على الإيمان لجزم قلبه بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما علم مجيئه به حال خروج روحه قوله: "للقيام بحقه" ومن حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض وأن يوجهه إلى القبلة إن أمكن قوله: "وتذكيره" أي بتلقينه وبالوصية ونحو ذلك وعطفه على ماقبله من عطف الخاص على(1/562)
العطش يغلب لشدة النزع حينئذ ولذلك يأتي الشيطان كما ورد بماء زلال ويقول لا إله غيري حتى أسقيك نعوذ بالله منه ويذكرون فضل الله وسعة كرمه ويحسنون ظنه بالله تعالى لخبر مسلم: "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله أنه يرحمه ويعفو عنه" وخبر الصحيحين: "قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي" "ويتلون عنده سورة يس" للأمر به وفي خبر "ما من مريض يقرأ عنده سورة يس إلا مات ريانا وأدخل قبره ريانا" "واستحسن" بعض المتأخرين قراءة "سورة الرعد" لقول جابر رضي الله عنه فإنها تهون عليه خروج روحه "واختلفوا في إخراج الحائض والنفساء" والجنب "من عنده" وجه الإخراج امتناع حضور الملائكة محلا به حائض أو نفساء كما ورد ويحضر عنده طبيب "فإذا مات شد لحياه" بعصابة عريضة تعمهما وتربط فوق رأسه تحسينا وحفظا لفمه "وغمض عيناه" للأمر به في السنة "ويقول مغمضه: بسم الله وعلى ملة رسول الله" صلى الله عليه وسلم "اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده وأسعده بلقائك واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه" قاله الكمال ثم يسجى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العام قوله: "وسقيه الماء" عطف تفسير قوله: "حينئذ" أي حين النزع والأولى حذفه قوله: "ولذلك" أي لغلبة العطش في هذا الحال قوله: "بماء زلال" أي بارد قوله: "لا يموتن أحدكم الخ" أخذ منه أنه يقدم حالة الرجاء في المرض وأما في حالة الصحة فيقدم الخوف قوله: "أنا عند ظن عبدي بي" أي إن جزائي لعبدي يكون على حسب ظنه بي من خير وشر قوله: "للأمر به" وهو اقرؤوا على موتاكم يس والحكمة في قراءتها أن أحوال القيامة والبعث مذكورة فيها فتجدد له بذكرها والإيمان بها مزيدا اهـ من الشرح قوله: "فإنها تهون" بدل من قول جابر قوله: "وجه الإخراج إلخ" إخراجهم على سبيل الأولوية إذا كان عن حضورهم غنى فلا ينافي ما ذكره الكاكي من أنه لا يمتنع حضور الجنب والحائض وقت الاحتضار ووجه عدم الإخراج أنه قد لا يمكن الإخراج للشفقة أو للاحتياج إليهن ونص بعضهم على إخراج الكافر أيضا وهو حسن قوله: "فإذا مات الخ" ويقال عنده حينئذ سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين لمثل هذا فليعمل العاملون وعد غير مكذوب كما في ابن أميرحاج قوله: "شد لحياه" تثنية لحي بالفتح منبت اللحية بالكسر من الأسنان وغيره أو العظم الذي عليه الأسنان قوله: "وحفظا لقمه" من الهوام ومن دخول الماء عند غسله قوله: "وغمض" بالبناء للمجهول والتغميض والإغماض بمعنى كما في الصحاح وهو إطباق الجفن الأعلى على الأسفل قوله: "للأمر به في السنة" هو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا فإن الملائكة تؤمن على ما يقول أهل الميت" وروي أنه صلى الله عليه وسلم لما أغمض أبا سلمة قال: "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الفائزين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونور له فيه" قال في المجتبي ينبغي أن يحفظه كل مسلم فيدعو به عند الحاجة قوله: "ما خرج إليه" أي(1/563)
بثوب "ويوضع على بطنه حديدة لئلا ينتفخ" وهو مروي عن الشعبي والحديد يدفع النفخ لسر فيه وإن لم يوجد فيوضع على بطنه شيء ثقيل وروى البيهقي أن أنسا أمر بوضع حديد على بطن مولى له مات "وتوضع يداه بجنبيه" إشارة لتسليمه الأمر لربه "ولا يجوز وضعهما على صدره" لأنه صنيع أهل الكتاب وتلين مفاصله وأصابعه بأن يرد ساعده لعضده وساقه لفخذه وفخذه لبطنه ويردها مليئة ليسهل غسله وإدراجه في الكفن "وتكره قراءة القرآن عنده حتى يغسل" تنزيها للقراءة من نجاسة الحدث فإنه يزول عن المسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
من الدار الأخرى وقوله خيرا مما خرج عنه بأن يبدله دارا خيرا من داره وزوجا خيرا من زوجه قوله: "ثم يسجى بثوب" بالتشديد أي يغطى لما روي أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجي ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى وفي التمهيد لما توفي عثمان يعني ابن مظعون كشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه وبكى بكاء طويلا وقبل بين عينيه فلما رفع على السرير قال: "طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها" قوله: "ويوضع على بطنه حديدة" أو مرآة كما في الحموي وتنكير الحديدة يفيد أنه يكفي فيه القليل منه قوله: "لأنه صنيع أهل الكتاب" أي وقد أمرنا بمخالفتهم وتعبير المصنف بلا يجوز يفيد الحرمة قوله: "وتكره قراءة القرآن" ولو آية كما في شرح السيد وقوله عنده أي بقربه قوله: "عن نجاسة الحدث" هذا ينافي ما في الشرح من أنه على القول بأن نجاسة الميت نجاسة حدث ينبغي أن تجوز القراءة كما لو قرأها المحدث وفي السيد ما يفيد أن في الكراهة على هذا القول خلافا ورجح في النهاية الكراهة والحاصل أنهم اختلفوا في نجاسة الميت فقيل نجاسة خبث وقيل حدث ويشهد للثاني ما رويناه من تقبيله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون وهو ميت قبل الغسل إذ لو كان نجسا وضع فاه الشريف على جسده ولا ينافي ذلك ما ذكروه من أنه لو حمله إنسان قبل الغسل فصلى به لا تصح صلاته وكذا كراهة القراءة عنده قبل الغسل لجواز أن يكون ذلك لعدم خلوه عن نجاسة غالبا والغالب كالمحقق وروى البخاري تعليقا عن ابن عباس "المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا" ووصله الحاكم في المستدرك عن ابن عباس أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنجسوا موتاكم فإن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا" قال العيني في شرح البخاري والنووي في شرح مسلم هذا أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتا أما الحي فبالإجماع حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها فهو ظاهر بإجماع المسلمين وأما الميت ففيه خلاف العلماء قال البدر العيني فإن قلت على هذا ينبغي أن لا يغسل الميت لأنه طاهر قلنا الموجب اتباع الوارد واختلف أصحابنا في سبب غسله فقيل حدث يحل به لا لنجاسته لأن الآدمي لا ينجس بالموت كرامة له إذ لو تنجس لما طهر بالغسل كسائر الحيوانات وكان الواجب الاقتصار على أعضاء الوضوء كما في حال الحياة لكن ذلك إنما كان نفيا للحرج فيما يتكرر كل يوم والحدث بسبب الموت لا يتكرر فكان كالجنابة فبقي(1/564)
فالغسل تكريما له بخلاف الكافر "ولا بأس بإعلام الناس بموته" بل يستحب لتكثير المصلين عليه لما روى الشيخان أن صلى الله عليه وسلم نعى لأصحابه النجاشي في اليوم الذي مات فيه وأنه نعى جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة. وقال في النهاية إن كان عالما أو زاهدا أو ممن يتبرك به فقد استحسن بعض المتأخرين النداء في الأسواق لجنازته وهو الأصح اه. وكثير من المشايخ لم يرو بأسا بأن يؤذن بالجنازة ليؤدي أقاربه وأصدقاؤه حقه لكن لا على جهة التفخيم والإفراط في المدح "و" إذا تيقن موته "يعجل بتجهيزه"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
على الأصل وهو وجوب غسل البدن كله لعدم الحرج وقال العراقيون ينجس بالموت لانحباس الدم فيه كسائر الحيوانات والحجة عليهم ما روينا قال والكافر كالمسلم في هذه الأحكام كما هو مذهب الجماهير سلفا وخلفا وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] فالمراد به نجاسة الاعتقاد لا نجاسة الأبدان لأن الله تعالى أباح نكاح الكتابيات ومعلوم أن عرقهن يصيب ضجيعهن غالبا ولم يجب غسله إذ لا فرق بين النساء والرجال اهـ قوله: "فإنه يزول" الأولى ويزول وفي نسخة وإنه يزول بالواو وهي للحال قوله: "بخلاف الكافر" هذا من المؤلف كآخر كلام البدر العيني بناء على القول بنجاسة الخبث أما على القول بنجاسة الحدث فلا فرق بينهما قوله: "لتكثير المصلين عليه" والمستغفرين له وللأخذ في الاستعداد للصلاة عليه وتشييعه قوله: "نعي" أي أخبر بموته قوله: "بأن يؤذن" أي يعلم وقوله بالجنازة أي مطلقا قوله: "لكن لا على جهة التفخيم والإفراط في المدح" فينبغي أن يكون بنحو مات الفقير إلى الله تعالى فلان ابن فلان وقال في التجنيس والمزيد يكره الإفراط في مدح الميت لا سيما عند جنازته لأنه صنيع الجاهلية وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه على هن أبيه ولا تسكنوا" ولا بأس1 بإرثاء الميت بشعر أو غيره ما لم يفرط في مدحه ولا يكره البكاء عليه بإرسال الدموع بلا رفع صوت ولا نياحة ولا شق ثوب وضرب خد ونحو ذلك وسواء في ذلك قبل الموت وبعده على الصحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه ابراهيم فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله تبكي فقال: "يا ابن عوف إنها رحمة وقال إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" أخرجه الشيخان وفي حديث ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم رواه الشيخان أيضا وأما ما ورد أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فأجمعوا على أنه محمول على البكاء بصوت ونياحة ولا بمجرد الدمع وحمله عامة أهل العلم على ما إذا أوصى بذلك
__________
1 قوله بإرثاء هكذا في الأصل وصوابه برثاء لأن فعله ثلاثي كما يعلم بمراجعة المصباح وغيره أهـ مصححه.(1/565)
إكراما له لما في الحديث وعجلوا به فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله والصارف عن وجوب التعجيل الاحتياط قال بعض الأطباء إن كثيرين ممن يموت بالسكتة ظاهرا يدفنون أحياء لأنه يعسر إدراك الموت الحقيقي بها إلا على أفضل الأطباء فيتعين التأخير فيها إلى ظهور اليقين بنحو التغيير وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الإثنين ضحوة ودفن في جوف الليل من ليلة الأربعاء "فيوضع كما مات" الكاف للمفاجأة إذا تيقن في موته
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
وأما من بكوا عليه وناحوا من غير وصية فلا لقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] وهذا هو الصحيح من أوجه الحمل وأوجب داود ومن تبعه الوصية بترك البكاء والنوح عليه وقيل المراد بالعذاب أن يتأذى الميت بذلك إذ لا شك في تأذي الأرواح بما تتأذى به الأشباح قال في شرح المشكاة والحاصل أن الميت إذا كان له تسبب في هذه المعصية فالعذاب على حقيقته ويعذب بفعل نفسه حيث تسبب في ذلك لا بفعل غيره وإلا فمحمول على تألمه سواء عند نزعه أو موته ويستوي فيه الكافر والمؤمن وبهذا يحصل الجمع بين قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وبين الأحاديث المطلقة في هذه البلية الكبرى اهـ قوله: "بين ظهراني أهله" أي ظهر أهله قال في القاموس وهو بين ظهرهم وظهرانيهم ولا تكسر النون وبين أظهرهم أي وسطهم اهـ قوله: "الاحتياط" أي في أمر المريض فإنه يحتمل أن الذي به داء السكتة قوله: "قال بعض الأطباء" أتى به دليلا للاحتياط ولو جعل الدليل أولا تأخر دفن النبي صلى الله عليه وسلم لكان أنسب قوله: "ممن يموت بالسكتة" أي يظنون أنهم موتى وإليه أشار بقوله ظاهرا قوله: "بها" أي بسبب السكتة فالموت لا يشتبه إلا فيمن فيه هذا الداء قوله: "فيتعين التأخير الخ" ظاهر هذا وجوب التأخير وهو ينافي التعجيل المطلوب إلا أن يحمل ذلك الوجوب على من به داء السكتة وأصل هذا الداء يحدث من أكل الأوز الأبيض والملوخية وتقليتها بدهن ويمكث هذا الداء ثمان ساعات وظاهر كلامهم أن التأخير مطلوب مطلقا لما رواه من الحديث والمراد التأخير إلى تيقن الموت فإنه ربما عرض عليه هذا الداء وقد يقال كيف يتأتى مع وجود العلامات الدالة عليه ويستحب تعجيل خمسة أشياء جمعت في هذه الأبيات وهي:
وخمسة قد رأوا تعجيلها حسنا. ... وفي سواها تأتي واسع المهل.
تزويج كفء وميت هاك ثالثها. ... دفع الديون وتب لله من زلل.
والخامس الضيف إذ يأتيك في نزل. ... فقم له بحثيث الجد واحتفل.
قوله: "فيوضع كمامات" لئلا تغيره نداوة الأرض وقيده القدوري بما إذا أرادوا غسله وهو الذي عليه العمل اليوم اهـ ولا بأس بالتأخير لعارض كما في ابن أميرحاج قوله: "على سرير" هو التخت الذي يغسل عليه فإن لم يوجد فعلى لوح أو حجر مرتفع ليمكن غسله(1/566)
"على سرير مجمر" أي مبخر إخفاء لكريه الرائحة وتعظيما للميت ويكون "وترا" ثلاثا أو خمسا ولا يزاد عليه قاله الزيلعي وفي الكافي والنهاية أو سبعا ولا يزاد عليه وكيفيته أن يدار بالمجمرة حول السرير "ويوضع" الميت "كيف اتفق على الأصح" قاله شمس الأئمة السرخسي وقيل عرضا وقيل إلى القبلة "ويستر عورته" ما بين سرته إلى ركبته قاله الزيلعي والنهاية هو الصحيح وفي الهداية يكتفي بستر العورة الغليظة هو الصحيح تيسيرا وهو ظاهر الرواية ولبطلان الشهوة "ثم" بعد ستر العورة بإدخال الساتر من تحت الثياب "جرد من ثيابه" إن لم يكن خنثى وتغسل عورته بخرقة ملفوفة تحت الساتر أو من فوقه إن لم توجد خرقة "و" بعده "وضئ" يبدأ بوجهه ويمسح رأسه "في الصحيح" إلا أن يكون صغيرا لا يعقل الصلاة فلا يوضأ "بلا مضمضة واستنشاق" للتعسر ويمسح فمه وأنفه بخرقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وتقليبه كما في العيني قوله: "مجمر أي مبخر" بنحو عود ثم المتبادر أن فعل ذلك قبل وضعه عليه وقيل عند إرادة غسله إخفاء للرائحة الكريهة عيني وظاهر كلام المؤلف الثاني قوله: "وقيل عرضا" أي كما يوضع في القبر قوله: "وقيل إلى القبلة" فتكون رجلاه إليها كالمريض إذا أراد الصلاة بإيماء وفي القهستاني عن المحيط وغيره أنه السنة قوله: "ويستر عورته" وجوبا لحرمة النظر إليها كعورة الحي قوله: "والنهاية" الأولى وفي النهاية قوله: "هو الصحيح" صححه في التبيين وغاية البيان لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي: "لا تكشف فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت" أخرجه أبو داود قوله: "هو الصحيح" كذا صححه في المجتبى وجزم به مسكين والعيني صاحب التنوير قوله: "ولبطلان الشهوة" عطف على تيسرا وفيه نظر فإنه يقتضي عدم الستر أصلا قوله: "جرد عن ثيابه" ليمكنهم التنظيف وتغسيله صلى الله عليه وسلم في قميصه خصوصية له ويستحب أن يستر الموضع الذي يغسل فيه الميت فلا يراه إلا الغاسل ومن يعينه سراج وغسله فرض كفاية بالإجماع كالصلاة عليه وتجهيزه ودفنه حتى لو اجتمع أهل بلدة على ترك ذلك قوتلوا بحر ونهر قوله: "إن لم يكن خنثى" وإلا بأن كان خنثى يمم وقيل يغسل في ثيابه قوله: "وتغسل عورته بخرقة ملفوفة الخ" تحرزا عن مسها لأنه حرام كالنظر كذا في البحر قوله: "وبعده وضيء" لم يذكر الاستنجاء وذكره رضي الدين في المحيط فقال: أنه يستنجي عندهما لأن موضع الاستنجاء لا يخلو عن نجاسة فلا بد من إزالتها اعتبارا بحال الحياة وصورته أن يلف على يده خرقة فيغسل حتى يطهر الموضع لأن مس العورة حرام وعند أبي يوسف لا يستنجي ومشى عليه صاحب الخلاصة لأن المسكة قد زالت وبالاستنجاء ربما يزيد الاسترخاء فتخرج نجاسة أخرى فيكتفي بوصول الماء إليه اهـ من التبيين ملخصا قوله: "يبدأ بوجهه" لأنه لم يباشر ذلك بنفسه فلا يحتاج لغسل يديه أولا بخلاف الحي ولا يؤخر غسل رجليه لأنه ليس في مستنقع الماء قوله: "فلا يوضأ" لأنه لم يكن من أهل الصلاة قاله الحلواني وهذا يقتضي أن من بلغ مجنونا لا يوضأ أيضا ولم أره لهم وإنه لا(1/567)
عليه عمل الناس "إلا أن يكون جنبا" أو حائضا أو نفساء فيكلف غسل فمه وأنفه تتميما لطهارته "و" بعد الوضوء "صب عليه ماء مغلي" قد مزج "بسدر أو حرض" أشنان غير مطحون مبالغة في التنظيف وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تغسل بنته والمحرم الذي وقصته دابته بماء وسدر "وإلا" أي وإن لم يوجد "ف" الغسل ب "القراح: وهو الماء الخالص" كاف ويسخن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
يوضأ إلا من بلغ سبعا لأنه الذي يؤمر بالصلاة كذا في النهر لكن قال الحلبي وهذا التوجيه ليس بقوي إذا يقال هذا الوضوء سنة الغسل المفروض للميت لا يتعلق بكون الميت بحيث يصلي أولا كما في المجنون اهـ قوله: "ويمسح فمه وأنفه" قال في الفتح وغيره استحب بعض العلماء أن يلف الغاسل على إصبعه خرقة ويمسح بها أسنانه ولهاثه وشفتيه ومنخريه وسرته كما عليه عمل الناس اليوم قوله: "إلا أن يكون جنبا" هذا ما ذكره الخلخالي وهو غريب مخالف لعامة الكتب كما في الشلبي على الكنز والذي في التبيين أن الجنب كغيره وما في شرح السيد من أن ما ذكره الخلخالي مخالفا لغيره مخرج على خلاف آخر في الشهيد إذا كان جنبا فإنه يغسل عند الإمام وما ذكره غيره مخرج على قول الصاحبين وهو الذي في عامة الكتب فيه نظر لأن الكلام هنا في المضمضمة والاستنشاق لا في الغسل والفرق أنه لا حرج فيه بخلافهما وقد عرفنا غسل الشهيد الجنب بالنص وهو تغسيل الملائكة حنظلة بن الراهب حين استشهد وهو جنب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحائف الفضة" ولم يذكر فيه المضمضة والاستنشاق فانصرف إلى المعهود في غسل الميت وهو الغسل بدونهما فتأمل أفاده بعض الأفاضل قوله: "أو حائضا أو نفساء" هذا بحث للمصنف كما تفيده عبارته في الشرح قياسا لهما على الجنب للاشتراك في افتراض المضمضة والاستنشاق فيما بينهم وقد علمت رده في الجنب والكلام فيهما كالكلام فيه قوله: "صب عليه ماء" والأولى أن يكون حلوا لأنه أبلغ في أزالة الوسخ لا سيما إذا كان يغسل بالصابون أفاده بعضهم قوله: "مغلي" من أغليت الماء أغلاه لا من الغلي والغليان لأنهما مصدران للازم واللازم لا يبنى منه اسم المفعول على المشهور ودل كلامه على أن الحار أفضل مطلقا سواء كان عليه وسخ أم لا نهر وأصل مغلي مغلي تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين قوله: "بسدر" هو ورق النبق ويطلق على نفس الشجر وعلى الغسل كما في النهر قوله: "أو حرض" بضم الحاء المهملة ويجوز في الراء السكون والضم قوله: "أشنان غير مطحون" تبع فيه صاحب الجوهرة وكتب اللغة خالية عن هذا التقييد وأو هنا للتخيير فيكفي حصول أحدهما وفيه يقال إنما ذكره لكونه الأنسب للمقام لا أنه تفسير للمعنى اللغوي قوله: "الذي وقصته دابته" أي ألقته فدقت عنقه قوله: "وإن لم يوجدا" أي السدر أو الحرض والأولى إفراد الضمير لأن العطف بأو أو يكون الضمير للماء المغلي بأحد هذين الشيئين قوله: "فالغسل بالقراح" القراح(1/568)
إن تيسر لأنه أبلغ في التنظيف "ويغسل رأسه" أي شعر رأسه "و" شعر "لحيته بالخطمى" نبت بالعراق طيب الرائحة يعمل عمل الصابون في التنظيف وإن لم يكن فالصابون وإن لم يكن به شعر لا يتكلف لهذا "ثم" بعد تنظيف الشعر والبشرة "يضجع" الميت "على يساره فيغسل" شقه الأيمن ابتداء لأن البداءة بالميامن سنة "حتى يصل الماء إلى ما" أي الجنب الذي "يلي التخت" بالخاء المعجمة "منه" أي الميت "ثم" يضجع "على يمينه" فيغسل "كذلك" حتى يصل الماء إلى سائر جسده "ثم أجلس" الميت "مسندا إليه" لئلا يسقط "ومسح بطنه" مسحا رقيقا ليخرج فضلاته "وما خرج منه غسله" فقط تنظيفا "ولم يعد غسله" ولا وضوءه لأنه ليس بناقض في حقه "ثم ينشف بثوب" كيلا تبتل أكفانه والنية في تغسيله لإسقاط الفرض عنا حتى أنه إذا وجد غريقا يحرك في الماء بنية غسله لهذا لا لصحة الصلاة عليه وإذا يمم لفقد الماء ثم وجد بعد الصلاة عليه بالتيمم غسل وصلي عليه ثانيا والمنتفخ
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
كسحاب قوله: "وهو الماء الخالص" الذي لم يخالطه شيء كما في القاموس قوله: "كاف" خبر للمبتدأ المحذوف قوله: "بالخطمي" مشدد الياء وكسر الخاء أكثر من الفتح مصباح قوله: "وإن لم يكن به شعر" أي بالميت سواء انتفى من المحلين أو أحدهما فلا يتكلف للخطمي فيما لا شعر فيه قوله: "ثم بعد تنظيف الشعر والبشرة" أشار بثم إلى ان ما سبق من قوله وصب عليه ماء مغلي الخ وقوله وغسل رأسه يفعل قبل الترتيب الآتي ليبتل ما عليه من الدرن قوله: "مسندا" بصيغة اسم الفاعل والمفعول حال من الغاسل أو المغسول قوله: "رفيقا" بالفاء أي لطيفا والمصنف لم يذكر إلا غسلتين الأولى بقوله وأضجع على يساره والثانية بقوله ثم على يمينه كذلك وأما الثالثة فبعد اقعاده يضجعه على شقه الأيسر ويغسله لأن تثليث الغسلات مسنون ويسن أن يصب الماء عليه عند كل إقعاد ثلاثا والزيادة جائزة للحاجة وإلا ينبغي أن يكون إسرافا كحال الحياة أفاده السيد قوله: "ولم يعد غسله" بالبناء للمجهول والغسل بالضم لا غير قيل وبالفتح أيضا وقيل ان أضيف إلى المغسول كما هنا فتح وإلى غيره كغسل الجمعة ضم وفي المضمرات عن الخزانة إذا كفن في كفن نجس لا تجوز الصلاة عليه بخلاف ما لو نجس بنجاسة الميت لأن فيه ضرورة وبلوى ولا كذلك الكفن النجس ابتداء اه قوله: "ثم ينشف بثوب" أي يؤخذ ماؤه بثوب حتى يجف من نشف الماء أخذه بخرقة من باب ضرب ومنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها إذا توضأ وفي الصحاح نشف الثوب الرق بالكسر ونشف الحوض الماء ينشفه نشفا شربه اهـ ولا تخالف بينهما فإن كان بمعنى أخذ فبفتحها من حد ضرب وإن كان بمعنى شرب فبكسر الشين من حد علم كما في الصحاح قاله السيد قوله: "يحرك في الماء" ثلاثا في قول أبي يوسف كما في الفتح وعن محمد إن نوى الغسل عند الإخراج من الماء يغسل مرتين يعني على وجه السنة والفرض قد سقط بالنية عند الإخراج قوله: "ثم وجد" أي الماء قوله: "وصلى عليه ثانيا" في قول أبي(1/569)
الذي تعذر مسه يصب عليه الماء ويغسله أقرب الناس إليه وإلا فأهل الأمانة والورع ويستر ما لا ينبغي إظهاره ويكره أن يكون جنبا أو بها حيض ويندب الغسل من تغسيله وتقدم "و" بعد تنشيفه يلبس القميص ثم تبسط الأكفان و "يجعل الحنوط" هو عطر مركب من أشياء طيبة ولا بأس بسائر أنواعه غير الزعفران والورس" للرجال "على رأسه ولحيته"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
يوسف وعنه يغسل ولا تعاد الصلاة عليه كجنب تيمم وصلى ثم وجد الماء كما في البرهان قوله: "وإلا فأهل الأمانة والورع" والأفضل أن يغسله مجانا وإن ابتغى الغاسل أجرا جاز إن كان ثمة غيره وإلا لا لتعينه عليه واختلفوا في أجرة خياطة كفن وحمال وحفار وتكون من رأس المال كما في البحر والشرنبلالية وينبغي أن يكون مثل الأول لأن ذلك من فروض الكفاية كما في السراج والضياء.
تنبيه: الأصل في مشروعية الغسل تغسيل الملائكة آدم عليه السلام أخرج الحاكم وصححه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كان آدم رجلا أشقر طوالا كأنه نخلة سحوق فلما حضره الموت نزلت الملائكة بحنوطه وكفنه من الجنة" فلما مات عليه الصلاة والسلام غسلوه بالماء والسدر ثلاثا وجعلوا في الثالثة كافورا وكفنوه في وتر من الثياب وحفروا له لحدا وصلوا عليه وقالوا: يا بني آدم هذه سنتكم من بعده فكذا كم فافعلوا قوله: "ويستر ما لا ينبغي إظهاره" في الأزهار قال العلماء فإذا رأى الغاسل من الميت ما يعجبه كاستنارة وجهه وطيب ريحه وسرعة انقلابه على المغتسل استحب أن يتحدث به وإن رأى ما يكره كنتنه وسواد وجهه وبدنه أو انقلاب صورته حرم أن يتحدث به كذا في شرح المشكاة قيل إلا أن يكون مبتدعا يظهر البدعة أو مجاهرا بالفسق والظلم فيذكر ذلك زجرا لأمثاله كذا في ابن أمير حاج وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم" أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن حبان قال حجة الإسلام غيبة الميت أشد من الحي لأن عفو الحي واستحلاله ممكن ومتوقع في الدنيا بخلاف الميت وروى البيهقي في المعرفة والحاكم في المستدرك وقال على شرط مسلم من غسل ميتا فكتم عليه غفر له أربعون كبيرة ومن كفنه كساه الله من السندس والإستبرق ومن حفر له قبرا حتى يجنه فكأنما أسكنه مسكنا حتى يبعث وفي الجنائز لابن شاهين يا علي غسل الموتى فإنه من غسل ميتا غفر له سبعون مغفرة لو قسمت مغفرة منها على جميع الخلائق لوسعتهم قلت ما يقول من يغسل قال يقول غفرانك يا رحمن حتى يفرغ من الغسل قوله: "ويكره أن يكون جنبا" وتغسيل الكافر أشد كراهة إلا إذا لم يوجد غيره ذاكرا في حق المسلم أو أنثى في حق المسلمة كما في ابن أمير حاج قوله: "ويجعل الحنوط" بفتح الحاء المهملة ويقال له الحناط بكسر الحاء قوله "مركب من أشياء طيبة" ويدخل فيه المسك في قول الأكثر خلافا لعطاء قوله: "للرجال" فيكرهان لهم دون النساء اعتبارا بحال الحياة فجعلهما في كفن الرجال جهل كما في(1/570)
روي ذلك عن علي وأنس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم "و" يجعل "الكافور على مساجده" سواء فيه المحرم وغيره فيطيب ويغطى رأسه ليطرد الدود عنها وهي الجبهة وأنفه ويداه وركبتاه وقدماه روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه فتخص بزيادة إكراه "وليس في الغسل استعمال القطن في الروايات الظاهرة" وقال الزيلعي: لا بأس بأن يجعل القطن على وجهه وأن يحشى به مخارقه كالدبر والقبل والأذنين والأنف والفم انتهى. وفي الظهيرية واستقبح عامة المشايخ جعله في دبره أو قبله "ولا يقص ظفره" أي الميت "و" لا "شعره ولا يسرح شعره" أي شعر رأسه "ولحيته" لأنه للزينة وقد استغنى عنها "والمرأة تغسل زوجها" ولو معتدة من رجعي أو إظهار منها في الأظهر أو إيلاء لحل مسه والنظر إليه ببقاء العدة فلو ولدت عقب موته أو انقضت عدتها من رجعي أو كانت مبانة أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الشمني والسراج وغيرهما والورس الكركم قوله: "على رأسه ولحيته" وسائر جسده كما في الجوهرة بعد أن يوضع على الإزار كما في القهستاني قوله: "ويجعل الكافور" هو شجر عظيم بالهند والصين قهستاني قوله: "سواءفيه المحرم وغيره" لأن الإحرام ينقطع بالموت عندنا خلافا للشافعي قوله: "ليطرد الدود عنها" هذ حكمة تخصيص الكافور وهو علة لقوله ويجعل الكافور على مساجده قوله: "فتخص بزيادة إكرام" أي لما كانت هذه الأعضاء يسجد بها خصت بزيادة إكرام صيانة لها عن سرعة الفساد قوله: "كالدبر الخ" الكاف للاستقصاء أو للتمثيل وتدخل حينئذ نحو الجراح المفتوحة قوله: "واستقبح عامة المشايخ جعله في دبره أو قبله" ظاهر تقييده بهما أنهم لم يستقبحوه في غيرهما فيكون لا بأس به في غيرهما قوله: "ولا يقص ظفره" إلا أن يكون مكسورا فلا بأس بأخذه ورميه روي ذلك عن الإمام والثاني كما في البحر وغيره وفي القهستاني عن العتابية فلو قطع شعره أو ظفره أدرج معه في الكفن وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه يقص شاربه وظفره ويزال من شعره ما حفه لإزالة كذا في مسكين قوله: "ولا يسرح شعره" ظاهر القنية أنها تحريمية حيث قال إما لتزيين بعد موتها والامتشاط وقطع الشعر فلا يجوز نهر قوله: "ولحيته" إنما ذكرها بعد الشعر لعدم تبادر الذهن عند إطلاق الشعر إليها لكونها مخصوصة باسم أو من عطف الخاص على العام قوله: "ولو معتمدة من رجعي" أي ولو كانت المرأة معتدة من رجعي فإن معتدته زوجة يحل قربانها ومحترزة صرح به الشرح بعد قوله: "أو ظهار منها في الأظهر" الأولى أن يقول ولو مظاهرا منها في الأظهر وهذا ينافي ما قاله في الشرح وفي المظاهر منها روايتان الأظهر أن لا يحل لها تغسيله فجعل الأظهر عدم الحل قوله: "أو إلى ما لا يحل مسه والنظر إليه ببقاء العدة" لعل في العبارة تحريفا من الناسخ وصوابها وإيلاء لحل مسه والنظر إليه ببقاء العدة قال في الشرح والإيلاء لا يحرم وطئها فتغسله اهـ فهذا يقتضي عطف الإيلاء على ما قبله لمشاركته له في الحكم وقال أيضا والمرأة تغسل زوجها لحل مسه والنظر إليه ببقاء العدة اهـ وهذا(1/571)
حرمت بردة أو رضاع أو صهرية لا تغسله "بخلافه" أي الرجل لا يغسل زوجته لانقطاع النكاح وإذا لم توجد امرأة لتغسيلها ييممها وليس عليه غض بصره عن ذراعيها بخلاف الأجنبي وهو "كأم الولد" والمدبرة والقنة "لا تغسل سيدها" وتيممه بخرقة جمع جنازة بالفتح والكسر للميت والسرير وقال الأزهري ولا تسمى جنازة "ولو ماتت امرأة مع الرجال" المحارم وغيرهم "يمموها كعكسه" وهو موت بين النساء وكن محارمه يممنه "بخرقة" تلف على يد الميمم الأجنبي حتى لا يمس الجسد ويغص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يقتضي التعليل لقوله تغسله فتأمل قوله: "فلو ولدت" أي امرأته التي توفي عنها هو محترز قوله معتدة قوله: "أو كانت مبانة" محترز قوله ولو معتدة من رجعي قوله: "أو رضاع" بأن أرضعت ضرتها الصغيرة قوله: "أو صهرية" كان مست ابنه أو أباه بشهوة والأصل في تغسيل الزوجة زوجها ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت واستقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه ومعنى ذلك أنها لم تكن عالمة وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإباحة غسل المرأة زوجها ثم عملت بعد ذلك وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أوصى إلى امرأته أسماء بنت عميس أنها تغسله بعد وفاته وهكذا فعل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ولأن إباحة الغسل مستفادة بالنكاح فتبقى ما بقي النكاح والنكاح باق بعد الموت إلى انقضاء العدة قوله: "فإنه لا يغسل زوجته" وكذا لا يمسها ولا يمنع من النظر إليها في الأصح تنوير قوله: "لانقطاع النكاح" بانعدام محله فصار الزوج أجنبيا واعتبر بملك اليمين حيث لا ينتفي عن المحل بموت المالك ويبطل بموت المحل فكذا هذا وقالت الأئمة الثلاثة يجوز لأن عليا غسل فاطمة رضي الله عنها قلنا وروى أنها غسلتها أم أيمن ولو ثبت أن عليا غسلها فهو محمول على بقاء الزوجية لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل سبب ونسب ينقطع بالموت إلا سببي ونسبي" مع أن ابن مسعود رضي الله عنه أنكر عليه فقال له: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن فاطمة زوجتك في الدنيا والآخرة" فدعواه الخصوصية دليل على أنه كان معروفا بينهم أن الرجل لا يغسل زوجته قوله: "ييممها" أي زوجها قوله: "بخلاف الأجنبي" أي فإنه يلف يده بخرقة وييممها مع كف بصره عن ذراعيها إلا أن تكون أمة فلا تحتاج إلى حائل قوله: "وهو كأم الولد" لا تغسله ولا يغسلها وكذا المكاتبة لزوال ملكه عن الأمة والمكاتبة إلى الورثة وبطلانه في أم الولد والمدبرة لعتقهما بالموت فإن قيل أم الولد تعتد منه فينبغي أن تلحق بالزوجة قلنا عدتها لم تجب قضاء لحقه بل للتعرف عن براءة الرحم فإن قيل هلا اكتفى بحيضة كما في استبراء الأمة قلنا عدة أم الولد وجبت بزوال الفراش فأشبهت عدة النكاح قوله: "المحارم" الأولى حذفه للتصريح به في قوله بعد وأن وجد ذو رحم محرم قوله: "يمموها" فعل ماض وفي نسخة بالمضارع والمناسب عليها إثبات النون قوله: "وكن محارمه" الأولى غير محارمه قوله: "بخرقة" راجع إلى الصورتين إلا أن تكون المرأة أمة فلا تحتاج إلى حائل(1/572)
بصره عن ذراعي المرأة ولو عجوزا وإن وجد ذو رحم محرم يمم" الميت ذكرا كان أو أنثى "بلا خرقة" لجواز مس أعضاء التيمم للمحرم بلا شهوة كالنظر إليها منها له "وكذا الخنثى المشكل ييمم في ظاهر الرواية" وقيل يجعل في قميص لا يمنع وصول الماء إليه "ويجوز للرجل والمرأة تغسيل صبي وصبية لم يشتهيا" لأنهما ليس لأعضائهما حكم العورة وعن أبي يوسف أنه قال أكره أن يغسلهما الأجنبي والمجبوب كالفحل "ولا بأس بتقبيل الميت" للمحبة والتبرك توديعا خالصة عن محظور "وعلى الرجل تجهيز امرأته" أي تكفينها ودفنها عند أبي يوسف لو كانت معسرة وهذا التخصيص مختار صاحب المغني والمحيط والظهيرية اه. ويلزمه أبي يوسف بالتجهيز مطلقا أي "ولو" كان الزوج "معسرا" وهي
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "كالنظر" أي كمجواز النظر إليها أي إلى أعضاء التيمم منها أي الكائنة منها وقوله له متعلق بالجواز المقدر قوله: "وكذا الخنثى المشكل" أي ولو مراهقا وإلا فهو كغيره فيغسله الرجال والنساء در قوله: "لم يشتهيا" قال في الدر من شروط الصلاة عن السراج لا عورة للصغير جدا ثم ما دام لم يشته فقبل ودبر ثم تغلظ إلى عشر سنين ثم كبالغ وفي الأشباه يدخل على النساء إلى خمس عشر سنة قوله: "والمجبوب كالفحل" فليس له تغسيل امرأة أجنبية إلا أن تكون من محارمه فييممها بخرقة قاله السيد أي ولا يعطي حكم النساء بسبب الجب وكذا إذا مات بين النساء يمم أما بخرقة أو دونها على التفصيل وكذا له أن يغسل الصبي والصبية اللذين لم يشتهيا فالحاصل أنه في حكم الرجال من كل وجه قوله: "ولا بأس بتقبيل الميت" لما روي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت أقبل أبو بكر على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى ولم يفعل ذلك إلا قدوة به صلى الله عليه وسلم لما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم مصححا عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت فأكب عليه وقبله ثم بكى حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه وفي التمهيد لما توفي عثمان كشف النبي صلى الله عليه وسلم الثوب عن وجهه وبكى بكاء طويلا وقبل بين عينيه فلما رفع على السرير قال طوبى لك يا عثمان لم تلبسك الدنيا ولم تلبسها اهـ قوله: "والتبرك" الواو بمعنى أو فإن تقبيله صلى الله عليه وسلم عثمان للمحبة وتقبيل أبي بكر الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم لهما معا قوله: "خالصة عن محظور" هذا قيد في الجواز أما إذا كانت لشهوة فحرام ولو زوجة فيما يظهر لقولهم أن النكاح انقطع بموتها لذهاب محله قوله: "ودفنها" أي مؤنته أن لم يتبرع به قوله: "لو كانت معسرة" هذا أحد وجهين لأبي يوسف والأولى تأخيره عن قوله ولو معسرا ويجعله مقابلا له قوله: "وهذا التخصيص" أي تخصيص وجوب التجهيز على الزوج بما إذا كانت معسرة قوله: "ويلزمه أبو يوسف" في نسخة بأو وهي لحكاية الخلاف عن أبي يوسف وهي الصواب قال(1/573)
موسرة "في الأصح" وعليه الفتوى وقال محمد ليس عليه تكفينها لانقطاع الزوجية من كل وجه "ومن" مات "ولا مال له فكفنه على من تلزمه نفقته" من أقاربه وإذا تعدد من وجبت عليه النفقة فالكفن على قدر ميراثهم كالنفقة ولو كان له مولى وخالة فعلى معتقه وقال محمد على خالته "وإن لم يوجد من تجب عليه نفقته ففي بيت المال" تكفينه وتجهيزه من أموال التركات التي لا وارث لأصحابها "فإن لم يعط" بيت المال "عجزا" لخلوه من الأموال "أو ظلما" بمنعه صرف الحق لمستحقه وجهته "فعلى الناس" القادرين "و" يجب أن "يسأل له" أي للميت "التجهيز من" علم به وهو "لا يقدر عليه" أي التجهيز "غيره" من القادرين بخلاف الحي إذا عري لا يجب السؤال له بل يسأل لنفسه ثوبا لقدرته عليه وإذا فضل عنه
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
في البحر فقد اختلف النقل عن أبي يوسف لكن الظاهر ترجيح ما في الخانية لأنه كالكسوة فيلزمه على كل حال اهـ فالقولان المذكوران عن أبي يوسف وليس للإمام في عبارة الشرح ذكر ووجه قوله أنه لو لم يجب عليه لوجب على الأجانب وهو قد كان أولى بإيجاب الكسوة عليه حال حياتها فرجح على سائر الأجانب ولأن العزم بالغنم اهـ قوله: "وقال محمد الخ" ينبغي أن يكون محل الخلاف ما إذا لم يقم بها مانع يمنع الوجوب حالة الموت من نشوز أو صغر مع كبره ونحو ذلك وأنها إذا ماتت في العدة منه وهي ممن تلزمه نفقتها وكسوتها أن يجب عليه تجهيزها كذا بحثه ابن أمير حاج قال ولم أره مصرحا به قوله: "لانقطاع الزوجية" فصار الزوج كالأجنبي قوله: "ولا مال له" قيد به لأنه لو كان له مال فإنه يجب فيه ويقدم على الدين والوصية والإرث إلى قدر السنة ما لم يتعلق بعين ماله حق الغير كالرهن والمبيع قبل القبض والعبد الجاني قاله السيد قوله: "على من تلزمه نفقته من أقاربه" أي الذين هم ذوو رحم محرم منه نسبا قوله: "وإذا تعدد من وجبت عليه النفقة" كأخ وأخت قوله: "فالكفن على قدر ميراثهم" فثلثاه على الأخ وثلثه على الأخت قوله: "فعلى معتقه" وجه هذا القول أنه وارثه قوله: "وقال محمد على خالته" لأنها رحم محرم منه قوله: "وإن لم يوجد من تجب عليه نفقته قوله: "أو وجد إلا أنه معسر قوله: "من أموال التركات" أي لا من غيرها كبيت الخراج والخمس والركاز ولأحدهما الاستقراض من الآخر كما وضح في محله قوله: "وجهله" من عطف السبب أو من عطف المغاير بأن كان يدفع إلى غير من يستحق جهلا وفي نسخة وجهته وهو من عطف المرادف قوله: "فعلى الناس القادرين" أي فيفترض على سائر الناس العالمين به أن يجهزوه ويكفنوه قوله: "غيره" بالنصب مفعول يسأل وظاهر ما في المجتبى حيث قال فإن عجزوا سألوا له ثوبا أنه لا يجب عليهم إلا سؤال كفن الضرورة لا الكفاية در فإن لم يوجد من يكفن غسل وجعل عليه الأذخر ودفن وصلى على قبره وسأل متعد إلى مفعولين هنا أو التجهيز مفعول له وفيه أنه لم يتحد فاعله مع فاعل الفعل قوله: "لا يجب السؤال" نفي الوجوب وأما الجواز فالظاهر جوازه لأنه من(1/574)
شيء صرف لمالكه وإن لم يعرف كفن به آخر وإلا تصدق به ولا يجب على من له ثوب فقط تكفين ميت ليس عنده غيره وإذا أكل الميت سبع فالكفن لمن تبرع به لا لوارث الميت وإذا وجد أكثر البدن أو نصفه مع الرأس غسل وصلي عليه وإلا لا. والتكفين فرض وأما عدد أثوابه فهي على ثلاثة أقسام سنة وكفاية وضرورة الأول "و" هو "كفن الرجل سنة" ثلاثة أثواب "قميص من أصل العنق إلى القدمين بلا دخريص وكمين "وإزار" من القرن إلى القدم "و" الثالث "لفافة" تزيد على ما فوق القرن والقدم ليلف بها الميت وتربط
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الإعانة على السبر قوله: "ولا يجب على من له ثوب فقط الخ" أي إذا لم يكن عند الميت إلا رجل واحد وليس له إلا ثوب واحد ولا شيء للميت فصاحبه أحق به ولا يكفن به الميت قلت الظاهر أنه إذا كان عند الميت رجال كثيرون وكل واحد له ثوب فقط فالحكم كذلك وأفاد أنه إذا كان له ثوبان يكفنه في أحدهما قوله: "أو نصفه مع الرأس" قيد به لأنه لو وجد النصف بدون رأس لا يغسل ولا يصلي عليه بل يدفن وهذا مستفاد من قوله وإلا لا والبدن اسم لما عدا الأطراف قوله: "والتكفين فرض" أي كفاية بالنظر لعامة المسلمين لا لمن خص بلزومه كما في حاشية المؤلف على الدرر قوله: "وأما عدد أثوابه" الأولى أنواعه قوله: "وهو كفن الرجل" أي البالغ ومثله المراهق ومن لم يراهق فالأحسن فيه كذلك وإن كفن في ثوب واحد جاز والسقط والمولود ميتا يلفان في خرقة من غير مراعاة وجه الكفن كالعضو من الميت لأنه ليس لهما حرمة كاملة لأن الشرع إنماورد بتكفين الميت واسم الميت لا ينطلق عليهما كما لا ينطلق على بعض الميت كذا في النحانية وغيرها قوله: "ثلاثة أثواب" لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب ولأنها غاية ما يتجمل به الرجل في حياته فكذا بعد موته برهان وتكره الزيادة كما في المجتبى إلا أن يوصى بالأكثر فلا يكره بخلاف ما إذا أوصى أن يكفن في ثوبين فإنه يكفن في ثلاثة أثواب ولا يراعى شرطه لأنه خلاف السنة وفي غاية البيان لا بأس بالزيادة على الثلاث في كفن الرجل وذكر ابن أمير حاج عن الذخيرة أن الزيادة في كفن الرجل إلى خمسة غير مكروهة ولا بأس بها وحينئذ فالاقتصار على الثلاث لنفي كون الأقل مسنونا كما في الحموي يعني لا لأن الزيادة عليها مكروهة قوله قميص "هو والدرع سواء كما في الحاوي لكن التعبير بالقميص أظهر لأن الدرع مشترك بينه وبين درع الحديد آلة الحرب قوله: "بلاد خريص وكمين" مكرر مع ما يأتي في المصنف قوله: "وإزار" هو والرداء واللفافة بمعنى واحد وهو ثوب طويل عريض يستر البدن من القرن إلى القدم كما في ابن أمير حاج عن الحاوي القدسي وفي هذا التفسير بحث لمولانا الكمال رحمه الله تعالى فراجعه إن شئت قوله: "من القرن إلى القدم" هذا هو المشهور كما في القهستاني وفي بعض نسخ المختار من المنكب إلى القدم قوله: "والثالث لفافة" بالكسر ما يلف به عيني وتسمى رداء قهستاني وهي ما تبسط على الأرض أو لا حموي ولا إشكال في(1/575)
من أعلاه وأسفله ويؤخذ الكفن "مما كان يلبسه" الرجل "في حياته" يوم الجمعة والعيدين ويحسن للحديث "حسنوا أكفان الموتى فإنهم يتزاورون فيما بينهم ويتفاخرون بحسن أكفانهم" ولا يغالى فيه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا" وكفن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية بفتح السين وبالضم قرية باليمن "و" الثاني كفن "كفاية"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
أنها من القرن إلى القدم فتح قوله: "تزيد الخ" ظاهره أن الزيادة إنما تكون في اللفافة فقط وهو غير ما يعطيه كلامه الآتي قوله: "وتربط" عطف على يلف فهو منصوب قوله: "مما كان يلبسه الرجل في حياته" أفاد بطريق المنطوق جواز تكفينه في كل ما جاز لبسه له وهو حي من كل جنس كما في البحر فيكفن بالبرد والقصب والكتان والقطن كما في الفتح والقهستاني والقصب بالتحريك ثياب ناعمة من كتان الواحد قصبي قاموس ومنع بالمفهوم ما لا يجوز لبسه في حال حياته كحرير ونحوه اعتبارا بحال الحياة إلا إذا لم يوجد غيره لكن لايزاد على ثوب واحد لأن الضرورة تندفع به ويجوز ذلك للنساء كمزعفر ومعصفر كما في مجمع الأنهر قوله: "يوم الجمعة والعيدين" ولها ما كانت تلبسه في زيارة الأبوين وقيل كفن المثل ما يلبس غالبا لهما قوله: "ويحسن" بالبناء للمجهول أي الكفن قوله: "للحديث حسنوا الخ" أخرج ابن عدي أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتزاورون في قبورهم وأخرج مسلم إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه يعني فليختر من الثياب أنظفها وأتمها وأبيضها على ما روته الستة ولم يرد به ما يفعله المبذرون إسرافا ورياء وسمعة من الثياب الرقيقة النفيسة فإنه منهي عنه بأصل الشرع لإضاعة المال كذا في شرح المشكاة وغيره وفي شرح الصدور بشرح حال الموتى في القبور للحافظ السيوطي أخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات لأحدكم الميت فأحسنوا كفنه وعجلوا إنجاز وصيته وأعمقوا له في قبره وجنبوه جار السوء" قيل يا رسول الله وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة قال: "هل ينفع في الدنيا" قالوا: نعم قال: "كذلك ينفع في الآخرة" والحاصل أن الحد الوسط في الكفن هو المستحب المستحسن قوله: "فأنهم يتزاورون فيما بينهم" أي تزور الأرواح بعضها بعضا فتطلع على كسوة الجسم قوله: "ويتفاخرون الخ" أي أنهم يسرون بذلك لا كتفاخر الدنيا قوله: "ولا يغالي فيه" حتى لو أوصى أن يكفن بألف درهم كفن كفنا وسطا كذا في البحر عن الروضة ويكون الباقي مما أوصى به ميراثا كما في الحموي عن الخصاف وفي شرعة الإسلام ومن السنة أن يحسن كفن الميت فيتخذه من أطيب الثياب وأشدها بياضا ولا يتخذه من الثياب الفاخرة فإنه سيسلب سلبا اهـ قوله: "لا تغالوا" بحذف إحدى التاءين قوله: "فإنه يسلب سريعا" قال الطيبي استعير السلب لبلى الثوب مبالغة في السرعة أي يبلي سريعا اهـ قوله: "في ثلاثة أثواب بيض" من كرسف كما رواه الجماعة عن عائشة والكرسف القطن قوله: "بفتح السين" هو المشهور قوله: "والثاني كفن كفاية" أي ما يكتفي به حال(1/576)
للرجل "إزار ولفافة" في الأصح مع قلة المال وكثرة الورثة هو أولى وعلى القلب كفن السنة أولى "وفضل البياض من القطن" لما روينا والخلق الغسيل والجديد فيه سواء "وكل من الإزار واللفافة" للميت يكون "من القرن" يعني شعر الرأس "إلى القدم" مع الزيادة للربط "ولا يجعل لقميصه كم" لأنه لحاجة الحي "ولا دخريص" لأنه لا يفعل إلا للحي ليتسع الأسفل للمشي فيه "ولا جيب" وهو الشق النازل عن الصدر لأنه لحاجة الحي ولو كفن في قميص حي قطع جيبه ولبنته وكميه "ولا تكف أطرافه" لعدم الحاجة إليه "وتكره العمامة في
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الاختيار بدون كراهة وهو القدر الواجب وفي الفتح ويكره الاقتصار على ثوب واحد حالة الاختيار كما تكره الصلاة فيه حال الاختيار اهـ قوله: "في الأصح" وقيل قميص ولفافة وفي جوامع الفقه ليس لصاحب الدين أن يمنع من كفن السنة اهـ قال الحلبي وهو يشمل السنة من حيث العدد ومن حيث القيمة اهـ قوله: "مع قلة المال" حال من قوله هو أولى أي كفن الكفاية أولى حال كون المال قليلا والورثة كثيرا وقد ذكر ذلك في الخانية والخلاصة ونقل مثله فخر الإسلام في شرح الجامع الصغير عن الجصاص قال وهذا أحسن عند مشايخنا وإن لم يرو ذلك عن السلف كما في الفتح والبحر والحلبي وابن أمير حاج وغيرها قوله: "من القطن" تخصيص القطن على وجه الأفضلية وإلا فالظاهر العموم لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ومن خير أكحالكم الإثمد فإنه ينبت الشعر ويجلوا البصر" رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح قوله: "لما روينا" من أنه صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض أي من القطن قوله: "والخلق الغسيل والجديد فيه سواء" لما عن عائشة رضي الله عنها قالت قال أبو بكر لثوبيه اللذين كان يمرض فيهما اغسلوهما وكفنوني فيهما فقالت عائشة ألا نشتري لك جديدا قال الحي أحوج إلى الجديد من الميت كذا في الشرح قوله: "من القرن" وفي نسخة من الفرق قوله: "لا يفعل" في مقام التعليل لما قبله قوله: "وهو الشق النازل على الصدر" فيكتفي بقدر ما يدخل منه الرأس وهو حسن لا سيما في حق المرأة لما فيه من زيادة الستر وبعضهم فسر الجيب بالخزانة التي تكون في الشق كفخر الإسلام في شرح الجامع الصغير ورضي الدين في محيطه وحافظ الدين في الكافي قوله: "قطع جيبه" هذا إنما يظهر على تفسير الجيب بما قاله فخر الإسلام ومن ذكر معه قوله: "ولبنته" بكسر اللام وسكون الموحدة وفتح النون ما يجعل في قبة الثوب من ديباج ونحوه وفي نسخة وكميه فقطع حينئذ بالبناء للفاعل قوله: "ولا تكف أطرافه" ولو كفت جاز بلا كراهة على الصحيح أفاده القهستاني قوله: "لعدم الحاجة إليه" لأن ذلك لصيانته ولا حاجة إليها قوله: "وتكره العمامة في الأصح" كذا في المجتبى لأنها لم تكن في كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعللها في البدائع لأنها لو فعلت لصار الكفن شفعا والسنة أن يكون وترا.(1/577)
الأصح" لأنها لم تكن في كفن النبي صلى الله عليه وسلم واستحسنها بعضهم لما روي أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعممه ويجعل العذبة على وجهه "و" تبسط اللفافة ثم الإزار فوقها ثم يوضع الميت مقمصا ثم يعطف عليه الإزار و "لف" الإزار "من" جهة "يساره ثم" من جهة "يمينه" ليكون اليمين أعلى ثم فعل باللفافة كذلك اعتبارا بحالة الحياة "وعقد" الكفن إن خيف انتشاره" صيانة للميت عن الكشف "وتزاد المرأة" على ما ذكرناه للرجل "في" كفنها على جهة "السنة خمارا لوجهها" ورأسها "وخرقة" عرضها ما بين الثدي إلى السرة وقيل إلى الركبة كيلا ينتشر الكفن بالفخذ وقت المشي بها "لربط ثدييها" فسنة كفنها درع وإزار وخمار وخرقة ولفافة "و" تزاد المرأة "في" كفن "الكفاية" على كفن الرجل "خمارا" فيكون ثلاثة خمار ولفافة وإزار "ويعل شعرها ضفيرتين" وتوضعان "على صدرها فوق القميص ثم" يوضع "الخمار" على رأسها ووجهها "فوقه" أي القميص فيكون "تحت اللفافة ثم" تربط "الخرقة فوقها" لئلا تنتشر الأكفان وتعطف من اليسار ثم من اليمين "وتجمر الأكفان" للرجل والمرأة جميعا تجميرا "وترا قبل أن يدرج" الميت "فيها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أجمرتم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "واستحسنها بعضهم" وهم المتأخرون وخصه في الظهيرية بالعلماء والإشراف دون الأوساط كما في النهر وغيره قوله: "ولف الخ" عطف تفسير على قوله ثم يعطف عليه الإزار قوله: "إن خيف انتشاره" والإبان كان المدفن قريبا لا يخشى انتشاره فلا يعقد قوله: "وتزاد المرأة" ولو أمة كما في الحلبي قوله: "وقيل إلى الركبة" وقيل إلى الفخذ وخير الأمور أوساطها نهر أي فأحسن الأقوال القول بالستر إلى الفخذ قوله: "كي لا ينتشر" علة للقول الثاني وقوله بالفخذ وقع في نسخة من الشرح في الفخذ والمعنى إنما أمر بكون الخرقة إلى الركبة خوف انتشار الكفن عن الفخذ وقت المشي بالجنازة قوله: "لتربط ثدييها" أي وبطنها كما في الجامع الصغير وتربط بالبناء للفاعل وضميره يرجع إلى الخرقة وفي نسخة لربط قوله: "فيكون ثلاثة وما دونها كفن ضرورة في حقها كما في التبيين قوله: "تحت اللفافة" هذا بيان الترتيب في كفن الكفاية أما في كفن السنة فيكون الخمار تحت الإزار ثم تربط الخرقة فوقه ثم تعطف اللفافة قوله: "ثم تربط الخرقة فوقها" أي فوق اللفافة والظاهر أن هذا الترتيب مسنون لا واجب قوله: "وتجمر الأكفان" جمع نظيرا إلى تعداد الأثواب أو تعداد الموتى يقال جمر ثوبه وأجمره تجميرا وإجمارا بخره والمراد أنها تطيب بالجمر وهو ما يبخر به الثوب من عود ونحوه ويقال للشيء الذي يوقد فيه ذلك مجمرة وما قيل أن المراد بالتجمير جمع الأكفان قبل الغسل لأنه يقال تجمر القوم إذا تجمعوا وجمر شعره جمعه لا يخفي بعده كما في النهر قوله: "تجميرا وترا" أشار بتقدير تجميرا إلى أن وترا صفة لمصدر محذوف(1/578)
الميت فأجمروا وترا" ولا يزاد على خمس ولا تتبع الجنازة بصوت ولا نار ويكره تجمير القبر "وكفن الضرورة" للمرأة والرجل ويكتفي فيه بكل "ما يوجد" روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من غسل ميتا فكتم عليه غفر الله له أربعين كبيرة ومن كفنه كساه الله من السندس والإستبرق ومن حفر له قبرا حتى يجنه فكأنما أسكنه مسكنا حتى يبعث" ورد يا علي غسل الموتى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فأجمرا وأوترا" وفي رواية للحاكم إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثا ولفظ البيهقي جمروا كفن الميت ثلاثا وجميع ما يجمر فيه الميت ثلاثة مواضع عند خروج روحه وعند غسله وعند تكفينه قوله: "ولا يزاد على خمس" ليس من الحديث وتبع فيه الزيلعي وزاد منلا مسكين قوله أو سبعا أفاده السيد قوله: "ولا تتبع الجنازة بصوت ولا نار" كذا في حديث أبي داود وزاد في رواية ولا يمشي بين يديها قال محمد وبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة قال في البدائع لأنه فعل أهل الكتاب فيكره التشبه بهم أي ولأن فيه تفاؤلا رديئا قالوا: والخنثى المشكل في التكفين كالمرأة إلا أنه يجنب الحرير والمعصفر والمزعفر احتياطا والأمة كالحرة والمراهق كالبالغ والمراهقة كالبالغة وكذا هو الأحسن لصغير وصغيرة وأدنى ما يكفي للصغير ثوب وللصغيرة ثوبان والسقط يلف ولا يكفن كالعضو من الميت والمحرم كالحلال وفي السيد عن البحر ولو كفنه الوارث ليرجع على الغائب ليس له رجوع إذا فعل بغير إذن القاضي كالعبد أو الزرع أو النخل بين شريكين أنفق أحدهما ليرجع على الغائب إذا فعل بغير إذن القاضي اهـ قوله: "يكتفي فيه بكل ما يوجد" لما روى أن حمزة رضي الله عنه كفن في ثوب واحد ومصعب بن عمير لم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة أي كساء فيه خطوط بيض وسود كما في المغرب فكانت إذا وضعت على رأسه بدت رجلاه وإذا وضعت على رجليه خرج رأسه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطي رأسه ويجعل على رجليه شيء من الأذخر وهذا دليل على أن ستر العورة وحدها لا يكفي خلافا للشافعي كذا في الشرح عن الزيلعي إلا زيادة تفسير النمرة فمن السيد قوله: "حتى يجنه" أي يستره من أجن بمعنى ستر وأفاد في القاموس أنه يأتي ثلاثيا ورباعيا والجنن محركة القبر وهذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك وقال أنه على شرط مسلم وفيه التصريح بأن هذا الفعل يكفر الكبائر والظاهر أن محله أن كان بغير أجر وقوله فكتم عليه أي ستر عليه في الإزهار قال العلماء إذا رأى الغاسل من الميت ما يعجبه كاستنارة وجهه وطيب ريحه وسرعة انقلابه على المغتسل استحب أن يتحدث به وإن رأى ما يكره كنتنه وسواد وجهه وبدنه أو انقلاب صورته حرم أن يتحدث به كذا في شرح المشكاة قيل إلا أن يكون مبتدعا يظهر البدعة أو مجاهر بالغسق والظلم فيذكر ذلك زجرا لأمثاله كما في ابن أمير حاج وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ" رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي والأمر فيه للندب وصرفه عن الوجوب حديث ابن عباس المصرح فيه بعدم الوجوب قال محمد ونأخذ بأنه(1/579)
فإنه من غسل ميتا غفر له سبعون مغفرة لو قسمت مغفرة منها على جميع الخلائق لوسعتهم" قلت "ما يقول من غسل ميتا". قال: "يقول: غفرانك يا رحمن حتى يفرغ من الغسل.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا وضوء على من حمل جنازة ولا على من حنط ميتا أو كفنه أو غسله وهو قول أبي حنيفة كذا في الآثار له قال شارحه المنلا على وما ورد من الأمر بذلك محمول على الاحتياط أو على من لا تكون له طهارة ليكون مستعدا للصلاة فلا يفوته شيء منها اهـ وقيل الحكمة في ذلك أن مباشر الميت يحصل له فتور والوضوء والغسل ينشطه قوله: "غفر له سبعون مغفرة" المراد التكثير كما قيل به في نظائره والمراد أن لا يبقى عليه من الذنوب شيء وذلك دليل رضا الله تعالى على فاعله قوله: "قال يقول الخ" فيه دليل على أن ذكر الله حال الغسل لا يكره والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/580)
فصل الصلاة عليه
ككفنه ودفنه وتجهيزه "فرض كفاية" مع عدم الانفراد بالخطاب بها ولو امرأة "وأركانها
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فصل.
هو بالتنوين لما فرغ من الغسل والكفن شرع في الصلاة عليه إذ الشرط يتقدم على المشروط قوله: "فرض كفاية" بالإجماع فيكفر منكرها لإنكاره الإجماع كذا في البدائع والقنية والأصل فيه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] وقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على كل بر وفاجر" وإنما كانت فرض كفاية لقوله صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم ولو كانت فرض عين ما تركها ولأن في الإيجاب أي العيني على الجميع استحالة وحرجا فاكتفى بالبعض حموي والجماعة فيها ليست بشرط والصلاة عى الكبير أفضل منها على الصغير قهستاني ويصح النذر بها لأنها قربة مقصودة بخلاف التكفين وتشييع الجنازة بحر قيل هي من خصائص هذه الأمة كالوصية بالثلث ورد بما أخرجه الحاكم وصححه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كان آدم رجلا أشقر طوالا كأنه نخلة سحوق فلما حضره الموت نزلت الملائكة بحنوطه وكفنه من الجنة فلما مات عليه الصلاة والسلام غسلوه بالماء والسدر ثلاثا وجعلوا في الثالثة كافورا وكفنوه في وتر من الثياب وحفروا له لحدا وصلوا عليه وقالوا لولده: هذه سنة لمن بعده" فإن صح ما يدل على الخصوصية تعين حمله على أنه بالنسبة لمجرد التكبير والكيفية قال الواقدي لم تكن شرعت يوم موت خديجة وموتها رضي الله عنها بعد النبوة بعشر سنين على الأصح وقوله وحفروا له لحدا أي بمكة عند حواء عليهما السلام كما ذكره ابن العماد وهو أحد أقوال وكان جبريل هو الإمام بالملائكة كذا في النهاية وجزم ابن العماد بأنه شيث ويمكن الجمع كما ذكره(1/580)
التكبيرات والقيام" لكن التكبيرة الأولى شرط باعتبار الشروع بها وركن باعتبار قيامها مقام ركعة كباقي التكبيرات كما في المحيط "وشرائطها" ستة أو لها "إسلام الميت" لأنها شفاعة وليست لكافر "و" الثاني "طهارته" وطهارة مكانه لأنه كالإمام "و" الثالث "تقدمه" أمام القوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض الأفاضل بأن شيئا كان إمام البشر جبريل إمام الملائكة أو أن جبريل كان مبلغا والملائكة مقتدون به وقد يؤيد كلام ابن العماد بأن شيئا كان لا يعلم الكيفية فالظاهر أن الإمام جبريل ليعلم الكيفية شيث منه كا وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في أول صلاة فرض بعد افتراض الخمس قوله: "مع عدم الانفراد بالخطاب" فلو انفرد واحد بأن لم يحضره إلا هو تعين عليه تكفينه ودفنه كما في الضياء والشمني والبرهان قوله: "والقيام" فلا تصح قاعدا أو راكبا من غير عذر كذا في الدر لأنها صلاة من وجه لوجود التحريمة وكذا يشترط للصلاة ولو تعذر النزول عن الدابة لطين ونحوه ماجاز أن يصلي عليها راكبا استحسانا قوله: "لكن التكبيرة الأولى الخ" اعلم أن الكمال قال إن التكبيرة الأولى شرط لأنها تكبيرة إحرام ولذا اختصت برفع اليدين وتعقبه في البحر والنهر بما في المحيط من أنه لا يجوز بناء صلاة جنازة على تحريمة أخرى ولو كانت شرطا لجاز وذكر في الغاية أن الأربع تكبيرات قائمة مقام الأربع ركعات وهذا يقتضي أنها ركن فجمع المصنف بينهما بهذا الجمع ويؤيد هذا الجمع ما في الكافي حيث قال إلا أن أبا يوسف يقول في التكبيرة الأولى معنيان معنى الافتتاح والقيام مقام ركعة ومعنى الافتتاح يترجح فيها ولهذا اختصت برفع اليدين اهـ ثم في تعقب الشيخين للكمال تأمل لأنه لا يجوز بناء الفرض على تحريمه النفل أو فرض آخر مع أنها شرط لا ركن وفي السيد نقلا عن حاشية المؤلف أفضل صفوفها آخرها وفي غيرها أولها إظهارا للتواضع لتكون شفاعته أدعى إلى القبول اهـ ومثله في القنية ونقله ابن ملك في شرح الوقاية عن الكرماني اهـ قلت وينظر فيه بإطلاق ما صح في مسلم وغيره عنه صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها" وإظهار التواضع لا يتوقف على التأخر لأن كونها أقرب إلى الإجابة إنما هو بالتحقق بالتواضع والخضوع وذلك بالمنحة الربانية لا بالتأخر قطعا فيعمل بالإطلاق ما لم يوجد له مخصص صحيح كذا بحثه بعض الأذكياء وقد علمت ما نصه أهل المذهب على أنه قد يقال إن الظاهر عنوان الباطن قوله: "أولها إسلام الميت" إما بنفسه أو بإسلام أحد أبويه أو بتبعية الدار وإذا استوصف البالغ الإسلام ولم يصفه ومات لا يصلى عليه حموي كذا في شرح السيد قوله: "لأنها شفاعة الخ" ولقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} [التوبة: 84] كذا في الشرح قوله: "والثاني طهارته" عن نجاسة حكمية وحقيقية في البدن فلا تصح على من لم يغسل ولا على من عليه نجاسة وهذا الشرط عند الإمكان فلو دفن بلا غسل ولم يمكن إخراجه إلا بالنبش سقط الغسل وصلي على قبره بلا غسل للضرورة بخلاف ما إذا لم يهل عليه التراب بعد فإنه يخرج ويغسل ولو صلي(1/581)
"و" الرابع " حضوره أو حضور أكثر بدنه أو نصفه مع رأسه" والصلاة على النجاشي كانت بمشهده كرامة له ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم "و" الخامس "كون المصلي عليها غير راكب" وغير قاعد "بلا عذر" لأن القيام فيها ركن فلا يترك بلا عذر "و" السادس "كون الميت" موضوعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
عليه بلا غسل جهلا أو نسيانا ثم دفن ولا يخرج إلا بالنبش أعيدت على قبره استحسانا لفساد الأولى ويشترط طهارة الكفن إلا إذا شق ذلك لما في الخزانة أنه أن تنجس الكفن بنجاسة الميت لا يضر دفعا للحرج بخلاف الكفن المتنجس ابتداء اهـ قوله: "وطهارة مكانه" قال في القنية الطهارة من النجاسة في الثوب والبدن والمكان وستر العورة شرط في حق الإمام يعني المصلي والميت جميعا اهـ وفي السيد وأما مكانه أي إذا كان نجسا فإن كان الميت على الجنازة تجوز الصلاة وإن كان على الأرض ففي الفوائد يجوزو جزم في القنية بعدمه اهـ نهر وجه الجواز أن الكفن حائل بين الميت والنجاسة ووجه عدمه أن الكفن تابع فلا يعد حائلا ثم المراد بالمكان الذي يشترط طهارته أما الجنازة أو الأرض إن لم يكن جنازة والحاصل أن طهارة الأرض إنما تشترط على ما في القنية إذا وضع الميت بدون جنازة أما بها فعدم اشتراط طهارة الأرض متفق عليه ولو صلى الإمام بلا طهارة والقوم بها أعيدت لعدم انعقاد صلاة الجميع وبعكسه لا لسقوط الفرض بصلاة الإمام ولو أم فيها صبي ينبغي أن لا يجوز كما في جامع أحكام الصغار بخلاف ما لو رد السلام فإنه يسقط عن الباقين عند البعض ولو أحدث الإمام فاستخلف غيره فيها جاز هو الصحيح ولو افترش نعليه وقام عليهما جاز فلا يضر نجاسة ما تحتهما لكن لا بد من طهارة نعليه مما يلي الرجل لا مما يلي الأرض ووقتها وقت حضورها ولذا قدمت على سنة المغرب ولو صلوا لغير قبله إن بتحر صحت ولو وضعوا الرأس موضع الرجلين صحت لاستجماع شرائط الجواز وأساؤا إن تعمدوا لتغيير هم السنة المتواترة كما في البدائع قوله: "والثالث تقدمه أمام القوم" الأولى تقديمه لأن المخاطب به الإحياء وهم فاعلوا لتقديم فلو خلفهم لا تصح لأنه كالإمام من وجه لا من كل وجه بدليل صحتها على الصبي اهـ من السيد موضحا قوله: "والصلاة على النجاشي" بفتح النون وكسرها واقتصر السيد في شرحه على الفتح لقب لملك الحبشة واسمه أصحمة ومعناه بالعربية عطية الله قوله: "كانت بمشهده" أي بمشهد النبي صلى الله عليه وسلم أي بمكان رآه وشاهده فيه صلى الله عليه وسلم فرفع له سريره حتى رآه بحضرته فتكون صلاة من خلفه على ميت يراه الإمام دون المأمومين وهذا غير مانع من الاقتداء أو أنها خصوصية للنجاشي أو أن المراد بالصلاة الدعاء لا الصلاة المخصوصة ومثل ما ذكر ويقال في صلاته صلى الله عليه وسلم على زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب حين استشهد بموتة قال في البحر وقد أثبت كلا من الأولين بالدليل الكمال في الفتح وأخرج الطبراني وابن سعد في الطبقات أن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فقال: يا رسول الله إن معاوية بن معاوية مات بالمدينة أتحب أن(1/582)
"على الأرض" لكونه كالإمام من وجه "فإن كان على دابة أو على أيدي الناس لم تجز الصلاة على المختار إلا" إن كان "من عذر" كما في التبيين "وسننها أربع" الأولى "قيام الإمام بحذاء" صدر "الميت ذكرا كان" الميت "أو أنثى" لأنه موضع القلب ونور الإيمان "و" الثانية "الثناء
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
أطوي لك الأرض فتصلي عليه قال نعم فضرب بجناحه على الأرض فرفع له سريره فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك ثم رجع فقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: "بم أدرك هذا" قال: بحبه سورة قل هو الله أحد وقراءته إياها جاثيا وذاهبا وقائما وقاعدا وعلى كل حال اهـ وفي القهستاني والبعد عن الإمام غير مفسد كالبعد بالنهر وفيه خلاف كما في المنية قوله: "بلا عذر" أما بالعذر فتصبح كما إذا كان مريضا ولو إماما فصلى قاعدا والناس خلفه قياما أجزأه عندهما لا عند محمد بناء على الخلاف في صحة اقتداء القائم بالقاعد وعدمها ولا فرق في المصلي قاعدا بعذر بين كونه وليا أو لا لأن كون الولي له حق التقدم لا يمنع سقوط الفرض بغيره ولو بدون إذنه وإنما الولي له حق الإعادة وحينئذ فلا فرق في سقوط الفرض بصلاة غير الولي بين أن يكون قائما أو قاعدا لعذر أفاده بعض الحذاق رادا على السيد فيما ذكره قوله: "والسادس كون الميت موضوعا على الأرض" الظاهر أن اشتراط وضعه بالنسبة للمدرك الذي لم يفته شيء من التكبير خلف الإمام أما المسبوق ففي كون الوضع شرطا له أيضا خلاف ولهذا قالوا: إذا رفعت قبل أن يقضي ما عليه من التكبير فإنه يأتي به ما لم يتباعد على قول ذكره السيد وعلى المشهور أنه يأتي به تترا بلا دعاء إن خشي رفع الميت على الأعناق كما يأتي للمصنف قوله: "إلا من عذر" كأن كان بالأرض وحل لا يتأتى وضع الميت عليها.
تنبيه: قال في الدوربقي من الشروط بلوغ الإمام اهـ وبقي منها أن يحاذي الإمام جزأ من الميت كما في القهستاني والسراج قلت الظاهر أن هذا فيما إذا لم تكثر الموتى إذ عند كثرتها يجوز أن يجعلها صفا واحدا ويقوم عند أفضلهم وبقي من الشروط ستر عورته فقط وإن كان الفرض في الكفن ستر جميع البدن لأن هذا من حيث الصلاة عليه وذاك من حيث تكريمه وأداء حقه كذا قاله بعض الأفاضل قوله: "وسننها أربع الخ" الأولى أن يذكر الواجب قبل السنن وهو التسليم مرتين بعد الرابعة كما ذكره بعد قوله: "بحذاء صدر الميت" هو المختار وقيل يقوم للرجل بحذاء رأسه لأنه معدن العقل وقيل يقوم بحذاء الوسط منهما قوله: "ذكرا كان الميت أو أنثى" فيه إشارة إلى أنه لا فرق فيما ذكر بين الصغير والكبير كما في السيد قوله: "ونور الأيمان" بالجر أي وموضع نور الإيمان وعبارة الشرح أولى حيث قال لأن الصدر موضع القلب وفيه نور الإيمان فيكون القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لإيمانه وهذا ظاهر الرواية وهو بيان الاستحباب كما سبق فلو وقف في غيره أجزأه كذا في البحر عن كافي الحاكم اهـ والأفضل أن تكون الصفوف ثلاثة حتى لو كانوا ستة اصطف ثلاثة ثم(1/583)
بعد التكبيرة الأولى" وهو سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره وجاز قراءة الفاتحة يقصد الثناء كذا نص عليه عندنا وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب وقال: "لتعلموا أنه من السنة" وصححه الترمذي وقد قال أئمتنا بأن مراعاة الخلاف مستحبة وهي فرض عند الشافعي رحمه الله تعالى فلا مانع من قصد القرآنية بها خروجا من الخلاف وحق الميت "و" الثالثة "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد" التكبيرة "الثانية"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
اثنان ثم واحد قال صلى الله عليه وسلم: "من اصطف عليه ثلاثة صفوف من المسلمين غفر له" اهـ من السيد فقد جعل الواحد صفا وهل الحكم كذلك فيما إذا كانوا ثلاثة فيجعل كل واحد صفا يحرر وسيأتي ما ذكره السيد للمؤلف قوله: "وهو سبحانك اللهم وبحمدك الخ" قال في سكب الأنهر والأولى ترك وجل ثناؤك إلا في صلاة الجنازة اهـ قوله: "وفي البخاري عن ابن عباس الخ" قال في شرح المشكاة ليس هذا من قبيل قول الصحابي من السنة كذا فيكون في حكم المرفوع كما توهمه ابن حجر اهـ وفي العيني على البخاري وأجاب عنه الطحاوي بأن قراءة الفاتحة من الصحابة لعلها كانت على وجه الدعاء لا على وجه التلاوة وقد قال مالك قراءة الفاتحة ليس معمولا بها في بلدنا في صلاة الجنازة اهـ قوله: "وقد قال أئمتنا بأن مراعاة الخلاف مستحبة الخ" فيه نظر إذ ما ذكره من استحباب مراعاة الخلاف ليس على إطلاقه بل مقيد بما إذ لم يلزم عليه ارتكاب مكروه مذهبه فكان الاعتماد على ما هو مصرح به في كتب المذهب كالمحيط والتجنيس والولوالجية وغيرها من أن قراءتها بنية القراءة لا تجوز معللا بإنها محل الدعاء دون القراءة كذا في السيد مختصرا قوله: "فلا مانع من قصد القرآنية الخ" فيه أنهم صرحوا بعدم الجواز فتكون مكروهة تحريما ولا تتأدى به السنة فكيف يطلب منه تلاوتها بقصد القرآنية.
فائدة: روي أنه صلى الله عليه وسلم لما غسل وكفن ووضع على السرير دخل أبو بكر وعمر وهما في الصف حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت فقالا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وسلم المهاجرون والأنصار كما سلم أبو بكر وعمر ثم قالا اللهم إنا نشهد أنه بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته وأومن به وحده لا شريك له فاجعلنا الهنا ممن يتبع القول الذي معه وأجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به فإنه كان بالمؤمنين رؤفا رحيما لا يبتغي بالإيمان بدلا ولا يشتري به ثمنا أبدا والناس يقولون آمين ويخرجون ويدخل آخرون حتى صلى الرجال والنساء ثم الصبيان وقد قيل إنهم صلوا من بعد الزوال يوم الأثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء وقيل إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه وهذا الصنيع وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد أمر مجمع عليه لا خلاف فيه اهـ من السيد عن الخصائص قوله: "وحق الميت" قديقال إن حق الميت في الدعاء لا في القراءة(1/584)
اللهم صل على محمد وآل محمد إلى آخره "و" الرابعة من السنن "الدعاء للميت" ولنفسه وجماعة المسلمين "بعد" التكبيرة "الثالثة ولا يتعين له" أي الدعاء "شيء" سوى كونه بأمور الآخرة "و" لكن "إن دعا بالمأثور" عن النبي صلى الله عليه وسلم "فهو أحسن وأبلغ" لرجاء قبوله "ومنه ما حفظ عوف" بن مالك "من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم" لما صلى معه على جنازة "اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينق الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "اللهم صل على محمد الخ" يعني صلاة التشهد وهو أولى مما في الجلابي أنه يصلى بما يحضره والأولى أنه يصلى بعد الدعاء أيضا فقد أخرج أحمد والبراز وأبو يعلى والبيهقي في الشعب عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوني كقدح الراكب فإن الراكب يملأ قدحه ثم يضعه ويرفع متاعه فإن احتاج إلى شرابه شربه أو الوضوء توضأ به إلا أهراقه ولكن اجعلوني في أول الدعاء وأوسطه وآخره" وما في السيد عن الجوهرة ومثله في السراج من حديث الأعمال موقوفة والدعوات محبوسة حتى يصلى علي أولا وآخرا اهـ قال بعض الفضلاء لم يوجد هذا اللفظ في المرفوع ومعناه صحيح لما ذكر من الحديث السابق قوله: "ولنفسه" ولوالديه المؤمنين كما في النهر ولكنه يقدم نفسه على الميت لأن من سنة الدعاء أن يبدأ فيه بنفسه كما نطق به القرآن في عدة مواضع كذا في السراج ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إبدأ بنفسك" الحديث وليس الدعاء من أركانها على التحقيق قوله: "ولا يتعين له شيء" لأن التعيين يذهب رقة القلب كذا في التبيين قوله: "سوى كونه بأمور الآخرة" فلو دعا بأمور الدنيا إن كان مما يستحيل طلبه لا تفسد إلا أنه لا يكون آتيا بالسنة وإن لم يستحل أفسدها كما تقتضيه القواعد قوله: "بالمأثور" أي المنقول قوله: "فهو أحسن" أي لما فيه من الاتباع قوله: "وعافه" أي من العذاب ونحوه قوله: "واعف عنه" أي ما ارتكبه من الذنوب قوله: "وأكرم نزوله" النزل ما يهيأ للضيف أي اجعل نزله كريما أي عظيما وهو يرجع إلى تكثير الثواب أو إلى نعيم القبر وفي نسخة منزله قوله: "مدخله" أي قبره قوله: "واغسله بالماء" هذا كناية عن تطهيره من الذنوب بالكلية والإحسان إليه بما يذهب عنه هم الدنيا وما اقترفه فيها وفي الكلام استعارة بالكناية حيث شبه الميت بثوب يغسل وطوى أركان التشبيه ما عدا المشبه وذكر الغسل تخييل والماء والبرد والثلج ترشيح ويحتمل أنه استعارة تمثيلية شبه فيها هيئة تطهير الميت من الذنوب تطهيرا بليغا بهيئة غسله من الأوساخ الحسية بمطهرات عديدة واستعمل التركيب الموضوع للمشبه به في المشبه قوله: "ونقه من الخطايا" يرجع إلى ما قبله والمقام للدعاء فيطلب فيه بسط القول قوله: "وأهلا خيرا من أهله" إن كان المراد بالأهل الزوج فالعطف للتفسير وإن كان المراد به ملائكة الرحمة أو المجاورين له من أموات المسلمين أو من سكان الجنة فالعطف للمغايرة(1/585)
وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار" قال عوف رضي الله عنه حتى تمنيت أن أكون ذلك الميت رواه مسلم والترمذي والنسائي وفي الأصل روايات أخرى "ويسلم" وجوبا "بعد" التكبيرة "الرابعة من غير دعاء" بعدها "في ظاهر الرواية" واستحسن بعض المشايخ أن يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة الخ أو ربنا لا تزغ قلوبنا الخ وينوي بالتسليمتين الميت مع القوم كما ينوي الإمام ولا ينبغي أن يرفع صوته بالتسليم فيها كما يرفع في سائر الصلوات ويخافت بالدعاء ويجهر بالتكبير "ولا يرفع يديه بغير التكبيرة الأولى" في ظاهر الرواية وكثير من مشايخ بلخ اختاروا الرفع بكل تكبيرة كما كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وفي الأصل روايات أخر" منها ما رواه أبو حنيفة في مسنده من حديث أبي هريرة اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وذكرنا وأنثانا وصغيرنا وكبيرنا وزاد أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان وفي رواية اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيآته اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده اهـ قلت وإن جمع بين ذلك كله فحسن وفي الشرح أدعية أخرى غير ما ذكر وخص الإيمان بالموت لأن الإسلام وهو الانقياد الظاهري غير موجود فيه قوله: "وصغيرنا" أي الصغير من الذنوب والكبير منها أو أن المغفرة لا تقتضي سبق ذنب وقال في السراج ومن لا يحسن الدعاء يقول اللهم اغفر لنا وله وللمؤمنين والمؤمنات أو يقول ما تيسر عليه وفي مجمع الأنهر وإن كان الميت مأنثا أنث الضمائر الراجعة إليه اهـ قوله: "وينوي بالتسليمتين الميت مع القوم" وجزم في الظهيرية بأنه لا ينوي الميت ومثله لقاضيخان وفي الجوهرة قال في البحر وهو الظاهر لأن الميت لا يخاطب بالسلام لأنه ليس أهلا للخطاب قال بعض الفضلاء وفيه نظر لأنه ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يسلم على أهل القبور اهـ على أن المقصود منه الدعاء لا الخطاب قوله: "ولا ينبغي أن يرفع صوته بالتسليم فيها" قال الزيلعي ويخافت في الكل إلا في التكبير ومشايخ بلخ قالوا: السنة أن يسمع كل صف الصف الذي بعده وعن أبي يوسف أنه لا يجهر كل الجهر ولا يسر كل الأسرا رحموي عن الظهيرية كذا في السيد وروى الإمام محمد في موطئه عن مالك حدثنا نافع أن ابن عمر كان إذا صلى على جنازة سلم حتى يسمع من يليه قال محمد وبهذا نأخذ فيسلم عن يمينه ويساره ويسمع من يليه وهو قول أبي حنيفة قال شارحه المنلا علي فقول الشمني غير رافع بهما صوته ليس في محله أو محمول على غير الإمام أو على المبالغة اهـ قوله: "في ظاهر الرواية" وهو الصحيح نهر عن المبسوط لما روى الدارقطني عن ابن عباس وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على جنازة رفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود ولأن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة وغير الركعة الأولى لا رفع فيها فكذا تكبيرات الجنازة وقالوا: يفسدها ما يفسد الصلاة وتكره في الأوقات المكروهة فلو صلوا فيها(1/586)
يفعله ابن عمر رضي الله عنهما "ولو كبر الإمام خمسا لم يتبع" لأنه منسوخ "ولكن ينتظر سلامه في المختار" ليسلم معه في الأصح وفي رواية يسلم المأموم كما كبر إمامه الزائدة ولو سلم الإمام يعد الثالثة ناسيا كبر الرابعة ويسلم "ولا يستغفر لمجنون أو صبي" إذ لا ذنب لهما "ويقول" في الدعاء "اللهم اجعله لنا فرطا" الفرط بفتحتين الذي يتقدم الإنسان من ولده أي أجرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ارتكبوا النهي ولا إعادة عليهم كما في الفتح والبحر وتكره وقت الخطبة كما في المضمرات ويكره تأخيرها إلى ذلك الوقت ليجتمع عليها الناس كذا في ابن أمير حاج قوله: "كما كان يفعله ابن عمر رضي الله عنهما" الرواية عنه مضطربة فإنه روي عنه وعن علي أنهما قالا لا يرفع إلا عند تكبيرة الافتتاح ولئن صحت فلا تعارض فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في الفتح والتبيين والحلبي والشمني.
قوله: "لأنه منسوخ" ولا متابعة في المنسوخ كقنوت الفجر لأن التكبير أربعا آخر فعله صلى الله عليه وسلم واستقر عليه إجماع الصحابة قوله: "ولكن ينتظر سلامه في المختار" لأن البقاء في حرمة الصلاة بعد الفراغ منها ليس بخطأ إنما الخطأ في المتابعة نهر بخلاف العيد إذا زاد على ثلاث تكبيرات فإنه يتبع لأنه مجتهد فيه ولو جاوز حد الاجتهاد لا يتابع والخلاف فيما إذا سمع التكبير من الإمام فلو من المبلغ تابعه إجماعا حموي وينوي الافتتاح بكل تكبيرة تزيد على الأربع كما في العيد نهر لاحتمال شروعه قبل الإمام اهـ من السيد ملخصا قوله: "كما كبر" استعمل الكاف في المفاجأة أي يكبر إذا انتقل إمامه إلى الزائدة وبالأول يفتى قوله: "كبر" أي الإمام الرابعة ويسلم ولم يبينوا هل يجب عليه سجود السهو ويحتمل أن الضمير راجع إلى المأموم وهو بعيد لأن الإمام إذا اقتصر على ثلاثة فسدت فيما يظهر وإذا فسدت على الإمام فسدت على المأموم لترك ركن من أركانها قوله: "ولا يستغفر لمجنون" قال البرهان الحلبي ينبغي أن يقيد بالأصلي لأنه لم يكلف بخلاف العارض فإنه قد كلف وعروض الجنون لا يمحو ما قبله بل هو كسائر الأمراض اهـ ويدل عليه تعليل الشرح بقوله إذ لا ذنب لهما قوله: "ويقول في الدعاء الخ" أي بعد تمام قوله ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان كما في الحلبي والتنوير وغيرهما قوله: "أي أجرا متقدما" تبع فيه مسكينا والعيني وغيرهما ورده في البحر بلزوم التكرار في قوله واجعله لنا أجرا فالأولى كما في السراج أن يقال سابقا مهيئا مصالحنا في الجنة وهو دعاء للصبي أيضا بتقدمه في الخير لا سيما وقد قالوا: حسنات الصبي له لا لأبويه بل لهما ثواب التعليم قلت تهيئة المصالح في الجنة من الأجر المتقدم والتكرار لا يضر لأن المقام يطلب فيه ذلك كما مر نظيره في دعاء عوف بن مالك ثم إن جعل الصبي فرطا لكل المصلين لا يظهر لأنه إنما هو فرط لوالديه ونحوهم فقط وكذلك يقال في جعله أجرا وأجيب بأن هذا مطلوب من الوالد لأن حق التقدم له ورد بأن هذا الدعاء مطلوب من كل مصل وقد يكون الوالد جاهلا لا يتقدم أو ميتا على أن رتبة الوالدين متأخرة(1/587)
متقدما "واجعله لنا أجرا" أي ثوابا "وذخرا" بضم الذال المعجمة وسكون الخاء المعجمة الذخيرة "واجعله لنا شافعا مشفعا" بفتح الفاء مقبول الشفاعة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عن غيرهما من الولاة وقد يقال أن المصلي بسعيه وصلاته وتعزيته يكتب له أجر فجعل الصبي أجرا أي سببا في الأجر ظاهر لكل مصل وإذا كان الفرط بمعنى الأجر فالأمر ظاهر إذ يقال في الفرط ما قيل في الأجر وإن كان الفرط هو المتقدم المهيىء للمصالح لا بقيد الوالدين يكون ظاهرا أيضا قوله: "أي ثوابا" أفاد أن الأجر والثواب مترادفان وقيل الثواب هو الحاصل بأصول الشرع والأجر هو الحاصل بالمكملات لأن الثواب لغة بدل العين والأجر بدل المنفعة وهي تابعة للعين ولا ينكر إطلاق أحدهما على الآخر قوله: "الذخيرة" هي ما أعد لوقت الحاجة وهو معنى قولهم في تفسيرها خيرا باقيا قوله: "واجعله لنا شافعا" اسم فاعل من شفع الثلاثي وهو الذي يشفع لغيره قوله: "مشفعا" بتشديد الفاء المفتوحة اسم مفعول من شفع المضعف العين قوله: "مقبول الشفاعة" وفي العيني هو الذي يجعل شفيعا ولا شك أن إذنه تعالى بالشفاعة يستلزم قبولها وفي المفيد يدعو لوالديه أي والدي الصغير وقيل يقول اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما اللهم اجعله في كفالة إبراهيم وألحقه بصالحي المؤمنين قال في البحر ولم أر من صرح بأنه يدعى لسيد العبد الميت وينبغي أن يدعي له فيها كما يدعي للميت وفي ابن أمير حاج عن المبتغى بالمعجمة ويستحب أن يرفع يديه عند الدعاء بحذاء صره ثم يكبر رابعة اهـ وفي تخريج الهداية روى أصحاب السنن عن المغيرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة وفي رواية بالعافية والرحمة الحديث وصححه الترمذي والحاكم وقالوا: أن الألم بالغم والهم والحسرة والوحشة والضغطة تعم الأطفال وغيرهم والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/588)
فصل السلطان أحق بصلاته
لواجب تعظيمه "ثم نائبه" لأنه السنة "ثم القاضي" لولايته ثم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فصل
بالتنوين قوله: "السلطان أحق بصلاته" المراد بالسلطان الخليفة قوله: "لواجب تعظيمه" أي لتعظيمه الواجب لأن في تقديم غيره عليه إهانته قوله: "ثم نائبه" أي نائب الخليفة في أحكام السياسة وهو أمير البلدة كما في الدرر ويجب تقديمه ولا ينافيه قوله لأنه السنة لأن المراد بها في كلامه الطريقة المعهودة في الدين قوله: "لأنه السنة" أي لأن تقديم النائب(1/588)
صاحب الشرط ثم خليفة الوالي ثم خليفة القاضي "ثم إمام الحي" لأنه رضيه في حياته فهو أولى من الولي في الصحيح "ثم الولي" الذكر المكلف فلا حق للمرأة والصغير والمعتوه وهو قليل العقل ويقدم الأقرب فالأقرب كترتيبهم في النكاح ولكن يقدم الأب على الابن في قول الكل على الصحيح لفضله وقال شيخ مشايخي العلامة نور الدين علي المقدسي رحمهم الله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هو السنة أي علم منها فقد قدم الحسين سعيد بن العاص ليصلي على جنازة أخيه الحسن وكان سعيد حينئذ واليا على المدينة فقال له الحسين: تقدم ولولا السنة ما قدمتك أفاده في الشرح قوله: "لولايته" لأنه نائب الخليفة أيضا في الأحكام الشرعية وولايته عامة كما في مجمع الأنهر قوله: "ثم صاحب الشرط" قال في الدرر من باب الجمعة الشرط بفتح الشين والراء بمعنى العلامة وهو معنى صاحب الشرط الذي يقال له الشحنة سمي بذلك لأن له علامة تميزه اهـ قوله: "ثم خليفة الوالي" قال في النهر وزاد الزيلعي عن نص الإمام كما هو رواية الحسن عنه بعد صاحب الشرط خليفة الوالي ثم خليفة القاضي وجزم به في الفتح والحاصل أن تقديم الولاة واجب وتقديم إمام الحي مندوب فقط اهـ وفي مجمع الأنهر عن الإصلاح تقديم السلطان واجب إذا حضر وتقديم الباقي بطريق الأفضلية اهـ وهذا يخالف ما تقدم إلا أن يحمل السلطان على من له سلطنة وولاية عامة كما ذكرنا ويراد بالباقي إمام المسجد الجامع وإمام الحي أفاده بعض الأذكياء قوله: "ثم خليفة القاضي" لأنه يقوم مقام القاضي كما أن خليفة الوالي وهو صاحب الشرط فيما يظهر قائم مقامه قوله: "ثم إمام الحي" المراد به إمام مسجد محلته لكن بشرط أن يكون أفضل من الولي وإلا فالولي أولى منه كما في النهر وفي الشرح والصلاة في الأصل حق الأولياء لقربهم إلا أن الإمام والسلطان يقدمان لعارض الإمامة العظمى والسلطنة فإن في التقدم عليهما ازدراء وفساد أمر المسلمين فيتحاشى عن ذلك الفساد فيجب تقديم من له حكم عام وأما إمام الحي فيستحب تقديمه على طريق الأفضلية وليس بواجب كما في المستصفى قوله: "لأنه رضيه الخ" قال البرهان الحلبي على هذا لو علم أنه كان غير راض به حال حياته ينبغي أن لا يستحب تقديمه اهـ قوله: "في الصحيح" وقال أبو يوسف ولي الميت أولى لأن هذا حكم يتعلق بالولاية كالإنكاح ذكره السيد قوله: "الولي" على من دونه لأن الولاية له في الحقيقة كغسله وتكفينه إذ هو أقرب الناس إليه والمعتبر في تقديم الأولياء ترتيب عصوبة الإنكاح فتقدم البنوة ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة برهان وتقدم بنو الأعيان على بني العلات كما في الشمني وإلى ذلك أشار المؤلف بقوله كترتيبهم في النكاح قوله: "ولكن يقدم الأب على الابن" أي وجوبا كما أخذه السيد من تعليل القدوري بأن في تقديم الابن استخفافا بالأب قوله: "على الصحيح" وقيل هو قول محمد وعندهما الابن أولى وعلى غير الصحيح جرى محمد على الأصل والفرق لهما بين الإنكاح وصلاة الجنازة أن للأب فضيلة على الابن والفضيلة تعتبر ترجيحا في(1/589)
تعالى: لتقديم الأب وجه حسن وهو أن المقصود الدعاء للميت ودعوته مستجابة روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد لولده" رواه الطيالسي والسيد أولى من قريب عبده على الصحيح والقريب مقدم على المعتق فإن لم يكن ولي فالزوج ثم الجيران "ولمن له حتى التقدم أن يأذن لغيره" لأن له إبطال حقه وإن تعدد فللثاني المنع والذي يقدمه الأكبر أولى من الذي يقدمه الأصغر "فإن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
استحقاق الإمامة كما في سائر الصلوات كذا في التبيين والبحر ولو كان لها زوج وابن بالغ منه فالولاية للابن إلا أنه ينبغي أن يقدم أباه تعظيما ويكره أن يتقدم عليه كما في الجوهرة قوله: "لفضله" فلو كان الأب جاهلا والابن عالما ينبغي تقديم الابن كما في النهر وجزم به في الدرولو مات ابن وله أب وجد فالولاية لأبيه ولكنه يقدم أباه جد الميت تعظيما له اهـ قوله: "رحمهم الله تعالى" أي رحم مشايخه والمراد شيخه وهو المقدسي وفي نسخة رحمه الله تعالى بالأفراد قوله: "هو أن المقصود" أي من الصلاة على الميت قوله: "روى" أتى به دليلا على قوله ودعوته مستجابة قوله: "دعوة المظلوم" ولو كان كافرا فإنها مستجابة ولو بعد حين قوله: "ودعوة المسافر" أي سفر طاعة قوله: "والسيد أولى من قريب عبده" لأنه مالك له قوله: "والغريب مقدم على المعتق" لأنه قد خرج عن ملكه فتعتبر القرابة وهي مقدمة هنا على عصوبة النسب قوله: "فالزوج" لما بينهما من المودة والرحمة قوله: "ثم الجيران" أي من يعد في العرف جارا وفي الحديث الجار إلى أربعين دارا وذلك لما بينهم من مزيد الحقوق المأمور بها شرعا دون غيرهم من الأجانب قوله: "ولمن له حق التقدم" واليا كان أو غيره قوله: "أن يأذن لغيره" وكذا له أن يأذن في الانصراف بعدها قبل الدفن إذ هو بدون الأذن مكروه أفاده السيد أخرج المحاملي في أماليه والبزار وأبو نعيم والديلمي كلهم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه رفعه أميران وليسا بأميرين المرأة تحج مع القوم فتحيض قبل أن تطوف طواف الزيارة فليس لأصحابها أن ينفروا حتى يستأمروها والرجل يتبع الجنازة فيصلي عليها فليس له أن يرجع حتى يستأمر أهلها وفي سكب الأنهر لو انصرف بدون إذن الولي قيل يكره وقيل لا وهو الأوجه وفي الصحيحين من اتبع جنازة مسلم حتى يصلي عليها فله قيراط من الأجر ومن اتبعها حتى تدفن فله قيراطان والقيراط مثل أحد قوله: "وأن تعد فللثاني المنع" أي واتحدت رتبتهما قال في التنوير وشرحه وله الأذن لغيره لأنه حقه فيملك إبطاله إلا أنه إن كان هناك من يساويه فله أي ذلك المساوي ولو أصغر سنا المنع لمشاركته في الحق أما البعيد فليس له المنع قال في الشرح وإذا كان له وليان فأذن أحدهما أجنبيا فللآخر منعه وإن قدم كل منهما رجلا فالذي قدمه الأكبر أولى لأنهما رضيا بسقوط حقهما وأكبرهما سنا أولى بالصلاة عليه فيكون أولى بالتقديم كذا في التتارخانية اهـ والمراد بالأصغر الأصغر سنا وإن كان بالغا لأنه لا ولاية للصبي.(1/590)
صلى غيره" أي غير من له حق التقدم بلا إذن ولم يقتد به "أعادها" هو "إن شاء" لعدم سقوط حقه وإن تأدى الفرض بها "ولا" يعيد "معه" أي مع من له حق التقدم "من صلى مع غيره" لأن التنفل بها غير مشروع كما لا يصلي أحد عليها بعده وإن صلى وحده "ومن له ولاية التقدم فيها أحق" بالصلاة عليها "ممن أوصى له الميت بالصلاة عليه" لأن الوصية باطلة "على المفتى به" قاله الصدر الشهيد وفي نوادر ابن رستم الوصية جائزة "وإن دفن" وأهيل عليه التراب "بلا صلاة" لأمر اقتضى ذلك "صلى على قبره وإن لم يغسل" لسقوط
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فإن صلى غيره الخ" شمل ما إذا صلى عليه ولى القرابة وأراد السلطان أن يصلي عليه فله ذلك لأنه مقدم عليه كما في الجوهرة يعني إذا كان حاضرا وقت الصلاة ولم يصل مع الولي ولم يأذن لاتفاق كلمتهم على أنه لا حق للسلطان عند عدم حضوره نهر قوله: "بلا إذن ولم يقتد به" أما إذا أذن له أو لم يأذن ولكن صلى خلفه فليس له أن يعيد لأنه سقط حقه بالأذن أو بالصلاة مرة وهي لا تتكرر ولو صلى عليه الولي وللميت أولياء آخرون بمنزلته ليس لهم أن يعيدوا لأن ولاية الذي صلى متكاملة قوله: "أعادها" ولو على قبره كذا في الدر قوله: "هو" إنما ذكر الضمير لأنه لو حذفه لتوهم عود الضمير في أعادها على الغير قوله: "إن شاء" أي فالإعادة ليست بواجبة قوله: "وإن تأدى الفرض بها" أي بصلاة غيره أشار به وبالتخيير إلى ضعف ما في التقويم من أنه لو صلى غير ذي الحق كانت الصلاة باقية على ذي الحق والي ردما في الإتقان من أن الأمر موقوف إن أعاد ذو الحق تبين أن الفرض ما صلى وإلا سقط بالأولى قوله: "لأن التنقل بها غير مشروع" ولعدم حقه قوله: "كما لا يصلي أحد عليها بعده وإن صلى وحده" وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على من دفن بعد صلاة وليه عليه لحق تقدمه مطلقا وصلاة الصحابة عليه صلى الله عليه وسلم أفواجا خصوصية كما أن تأخير دفنه من يوم الأثنين إلى ليلة الأربعاء كان كذلك لأنه مكروه في حق غيره بالإجماع أو لأنها كانت فرض عين على الصحابة لعظيم حقه صلى الله عليه وسلم عليهم لا تنفلا بها وألا يصلى على قبره الشريف إلى يوم القيامة لبقائه صلى الله عليه وسلم كما دفن طريا بل هو حي يرزق ويتنعم بسائر الملاذ والعبادات وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد أجمعت الأمة على تركها كما في السراج والحلبي والشرح قوله: "وفي نوادر ابن رستم" قال في القاموس رستم بضم الراء وفتح المثناة فوق وقد تضم اسم جماعة محدثين والرستميون جماعة اهـ قوله: "الوصية جائزة" أي ومع ذلك يقدم من له حق التقدم قوله: "وأهيل عليه التراب" قال في الفتح هذا إذا أهيل عليه التراب لأنه صار مسلما لمالكه تعالى وخرج عن أيدينا فلا يتعرض له بخلاف ما إذا لم يهل عليه فإنه يخرج ويصلي عليه اهـ لكن في الخلاصة عن الجامع الصغير للحاكم عبد الرحمن ولو دفن قبل الغسل أو قبل الصلاة لا ينبش فإن دفنوه ولم يهيلوا عليه حتى علموا أنه لم يغسل لكنهم سووا اللبن لا ينبش أيضا اهـ أي ويصلى على قبره ثانيا إذا صلى(1/591)
شرط طهارته لحرمة نبشه وتعاد لو صلي عليه قبل الدفن بلا غسل لفساد الأولى بالقدرة على تغسيله قبل الدفن وقي تنقلب صحيحة لتحقق العجز ولو لم يهل التراب يخرج فيغسل ويصلى عليه "ما لم يتفسخ" والمعتبر فيه أكبر الرأي على الصحيح لاختلافه باختلاف الزمان والمكان والإنسان وإذا كان القوم سبعة يقدم واحد إماما وثلاثة بعده واثنان بعدهم وواحد بعدهما لأن في الحديث "من صلى عليه ثلاث صفوف غفر له وخيرها آخرها" لأنه أدعى للإجابة بالتواضع "وإذا اجتمعت الجنائز فالإفراد بالصلاة لكل منها أولى" وهو ظاهر "ويقدم الأفضل فالأفضل" إن لم يكن سبق "وإن اجتمعن" ولو مع السبق "وصلى عليها مرة" واحدة صح وإن شاء جعلهم صفا عريضا ويقوم عند أفضلهم وإن شاء "جعلها" أي الجنائز
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
عليه أو لا كما أفاده السيد في حاشية مسكين قوله: "لأمر اقتضى ذلك" من نسيان وغيره والأولى حذفه لإيهامه أنه إذا كان لجهل يخرج ويصلى عليه وليس كذلك لأن العلة عامة قوله: "صلى على قبره" إقامة للواجب بقدر الإمكان كذا في التبيين قوله: "وإن لم يغسل" على المعتمد وهو الاستحسان وصحح في غاية البيان منع الصلاة في هذه الحالة لأنها لم تشرع بدون غسل ولو وضع الميت لغير القبلة أو على شقه الأيسر أو جعل رأسه في موضع رجليه وأهيل عليه التراب لم ينبش ولو سوى عليه اللبن ولم يهيلوا عليه التراب ينزع اللبن وتراعى السنة كذا في التبيين وهذا يؤيد تقييد الكمال بإهالة التراب ويرد ما في الخلاصة قوله: "لتحقق العجز" أي الشرعي لا العقلي قوله: "ما لم يتفسخ" أي تفرق أعضاؤه فإن تفسخ لا يصلى عليه مطلقا لأنها شرعت على البدن ولا وجود له مع التفسخ وأما صلاته صلى الله عليه وسلم على شهداء أحد بعد ثمان سنين على ما رواه البخاري عن عقبة بن عامر فمحمول على الدعاء أو لأنهم لم يتفسخوا فإن معاوية لما أراد تحويلهم ليجري العين التي بأحد عند قبور الشهداء وجدهم كما دفنوا حتى أن المسحاة أصابت إصبع حمزة رضي الله عنه فانفطرت دما فتركهم أو هو خصوصية له صلى الله عليه وسلم وتمامه في شرح المشكاة قوله: "والمعتبر فيه" أي في التفسخ قوله: "أكبر الرأي" فلو شك في تفسخه لا يصلى عليه كما في النهر عن محمد وكأنه تقديم للمانع سيد عن الدر قوله: "باختلاف الزمان" بردا وحرا والمكان رخاوة وصلابة قوله: "والإنسان" أي الميت سمنا وهزالا اهـ سيد عن مسكين قوله: "وثلاثة بعده" لعله ليكون على المقدم أكثر ليكون المعهود في الصلاة غيرها ومقتضى كون الأخير أفضل أن تكون الثلاثة آخرا لا سيما ودعاؤهم أدعى للإجابة قوله: "غفر له" أي صغائر ذنوبه وهذا لا يظهر إلا إذا كان الميت مكلفا مع أن غير المكلف مثله قوله: "لأنه أدعى للإجابة" أي أقرب للإجابة وقوله بالتواضع أي بسببه وقد مر ما فيه قوله: "إن لم يكن سبق" يفيد أنه إن وجد سبق يعتبر الأسبق قوله: "وصلى مرة واحدة صح" ويكتفي لهم بدعاء واحد كما بحثه بعضهم ويؤيده أن الضمائر ضمائر جمع في قوله اللهم اغفر لحينا الخ(1/592)
"صفا طويلا مما يلي القبلة بحيث يكون صدر كل" واحد منهم "قدام الإمام" محاذيا له وقال ابن أبي ليلى يجعل رأس كل واحد أسفل من رأسه صاحبه هكذا درجات وقال أبو حنيفة وهو حسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه دفنوا هكذا والوضع للصلاة كذلك قال وإن وضعوا رأس كل واحد بحذاء رأس الآخر فحسن وهذا كل عند التفاوت في الفضل فإن لم يكن ينبغي أن لا يعدل عن المحاذاة فلذا قال: "وراعي الترتيب" في وضعهم "فيجعل الرجال مما يلي الإمام ثم الصبيان بعدهم" أي بعد الرجال "ثم الخناثى ثم النساء" ثم المراهقات ولو كان الكل رجالا روى الحسن عن أبي حنيفة يوضع أفضلهم وأسنهم مما يلي الإمام وهو قول أبي يوسف والحر مقدم على العبد وفي رواية الحسن إذا كان العبد أصلح قدم "ولو دفنوا بقبر واحد" لضرورة "وضعوا" فيه "على عكس هذا" الترتيب ويقدم الأفضل فالأفضل إلى القبلة والأكثر قرآنا وعلما كما فعل في شهداء أحد "ولا يقتدي بالإمام من" سبق ببعض التكبيرات و "وجده بين تكبيرتين" حين حضر "بل ينتظر تكبير الإمام" ويدخل معه إذا كبر عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف يكبر حين يحضر
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
بقي ما إذا كان فيهم مكلفون وصغار والظاهر أنه يأتي بدعاء الصغار بعد دعاء المكلفين كما مر قوله: "وإن شاء جعلهم صفا عريضا" عن يمين القبل ويسارها قوله: "بحيث يكون صدر كل واحد منهم قدام الإمام" هذا جواب ظاهر الرواية عن الإمام لأن السنة أن يقوم بحذاء الميت وهو يحصل على الثاني دون الأول قوله: "والوضع للصلاة كذلك" أي يحسن على هذه الكيفية قوله: "فحسن الخ" فالإمام استحسن الصفتين قوله: "وهذا" أي التخيير ين الكيفيات قوله: "فلذا" أي لكون الكلام موضوعا في تفاوت المراتب وفيه أن هذا ترتيب غير ترتيب الفضل لأن ترتيب الفضل يجري في الذكور الخالصين والإناث الخالصات وفي حال الاختلاط قوله: "وراعى الترتيب" انظر ما حكم هذا الترتيب وما حكم الصلاة إذا خولف قوله: "وهو قول أبي يوسف" فإنه قال أحسن ذلك عندي أن يكون أهل الفضل مما يلي الإمام قوله: "والأكثر قرآنا وعلما" عطفه على ما قبله عطف مرادف أي يعتبر في الرجال تقديما إلى القبلة أكثرهم قرآنا وعلما وظاهره أنه لا يجري هنا ما ذكر من المراتب في الإمامة وحرره نقلا قوله: "من سبق ببعض التكبيرات" إنما ذكره لدفع إيهام قوله الآتي بين تكبيرتين لأن ظاهره يفيد أنه سبق بتكبيرة واحدة ولذا قال السيد في شرحه الأولى أن يقول مما سبق ببعض التكبيرات اهـ وفيه أنه لو اقتصر على قوله بعض التكبيرات إن لم يفد أنه وجده بين تكبيرتين وقد سبق بأكثر من تكبيرة يصدق عليه أنه وجده بين تكبيرتين قوله: "عند أبي حنيفة ومحمد" لهما أن كل تكبيرة قائمة مقام ركعة والمسبوق لا يبتدىء بما فاته قبل تسليم الإمام فلو لم ينتظر تكبيرة الإمام يصير قاضيا ما فاته قبل أداء ما أدرك مع الإمام وهو منسوخ وتمامه في الشرح وما ذكر هنا عنهما هو ظاهر الرواية كما في النهر وهو الصحيح قال(1/593)
ويحسب له وعندهما يقضي الجميع ولا يحسب له تكبير إحرامه كالمسبوق بركعات "ويوافقه" أي المسبوق إمامه "في دعائه" لو علمه بسماعه على ما قاله مشايخ بلخ أن السنة أن يسمع كل صف ما يليه "ثم يقضي" المسبوق "ما فاته" من التكبيرات "قبل رفع الجنازة" مع الدعاء إن أمن رفع الجنازة وإلا كبر قبل وضعها على الأكتاف متتابعا اتقاءا عن بطلانها بذهابها "ولا ينتظر تكبير الإمام من حضر تحريمته" فيكبر ويكون مدركا ويسلم مع الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الحلبي وظاهر الكافي ترجيح قول أبي يوسف قال في الدر وعليه الفتوى قوله: "وقال أبو يوسف يكبر حين يحضر" لأن الأولى للإفتتاح والمسبوق يأتي به فصار كمن كان حاضرا وقت تحريمة الإمام كذا في الشرح قوله: "ويحسب له" فإذا لم يفته غير تكبيرة يسلم مع الإمام وهكذا لو سبق بتكبيرتين أو ثلاث يحسب له التي أحرم بها عنده ويقضي ما عداها كذا في الشرح قوله: "ولا يحسب له الخ" ولو كبر المسبوق كما حضر ولم ينتظر لا تفسد عندهما لكن ما أداه غير معتبر فإذا سلم إمامه قضى ما فاته مع التكبيرة التي فعلها حال شروعه فتلك التكبيرة معتبرة من حيث صحة الشروع بها لا من حيث الاكتفاء حتى لو اعتد بها ولم يعدها بعد فراغ الإمام فسدت صلاته عندهما لا عنده ونظيره من أدرك الإمام في السجود صح شروعه مع أنه لا يعتبر ما أده من السجود مع الإمام كما ذكره الحموي قوله: "كالمسبوق بركعات" أي فإنه يقضي الجميع بعد فراغ الإمام قوله: "أي المسبوق إمامه" الأول تفسير لضمير الفاعل والثاني لضمير المفعول قوله: "لو علمه بسماعه" هذا بالنسبة لمن لم يكن حاضرا وقت شروع الإمام لأن من كان حاضرا يحصل له العلم بدونه أفاده بعض الأفاضل رحمه الله تعالى ونبه عليه السيد ولم أر حكم ما إذا لم يعلم هل يبني على غلبة الظن أو يسكت ويحرر قوله: "على ما قاله مشايخ بلخ" أي حال كون العلم آتيا على ما قاله مشايخ بلخ قوله: "مع الدعاء" المراد به ما يعم الثناء والصلاة وقال غيرهم الجهر مكروه وروي عن أبي يوسف أنه قال لا يجهر كل الجهر ولا يسر كل السر وينبغي أن يكون بين ذلك أفاده الشرح قلت وهو قريب من الأول قوله: "والأكبر قبل وضعها على الأكتاف" قال في الشرح والحاصل أنه ما دامت الجنازة على الأرض فالمسبوق يأتي بالتكبيرات فإذا رفعت الجنازة على الأكتاف لا يأتي بالتكبيرات وإذا رفعت بالأيدي ولم توضع على الأكتاف ذكر في ظاهر الرواية أنه يأتي بالتكبيرات وعن محمد إذا كانت الأيدي إلى الأرض أقرب فكأنها على الأرض وإن كانت إلى الأكتاف أقرب فكأنها على الأكتاف فلا يكبر كذا في التتارخانية وقيل لا يقطعه حتى تبعد كذا في الفتح والبرهان اهـ قوله: "من حضر تحريمته" ولم يحرم معه لغفله أو تردد في النية أطلقه فشمل ما إذا كبر الإمام الثانية أو لم يكبر كما في البحر على ما يفيده ظاهر الخانية حيث قال وإن لم يكبر مع الإمام حتى كبر الإمام أربعا كبر هو للافتتاح قبل أن يسلم الإمام ثم كبر ثلاثا بعد فراغه وأما اللاحق فيها فكاللاحق في سائر(1/594)
"ومن حضر بعد التكبيرة الرابعة قبل السلام فاتته الصلاة" عندهما "في الصحيح" لأنه لا وجه إلى أن يكبر وحده كما في البزازية وغيرها وعن محمد أن يكبر كما قال أبو يوسف ثم يكبر ثلاثا بعد سلام الإمام قبل رفع الجنازة وعليه الفتوى كذا في الخلاصة وغيرها فقد اختلف التصحيح كما ترى "وتكره الصلاة عليه في مسجد الجماعة وهو" أي الميت
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الصلوات قال في الواقعات لو كبر مع الإمام الأولى ولم يكبر الثانية والثالثة كبرهما أولا ثم يكبر مع الإمام ما بقي كذا في البحر قوله: "ومن حضر بعد التكبيرة الرابعة" إنما قيد بحضوره بعد الرابعة لأنه لو كان حاضرا أولها كبر وقضى ثلاثا بعد فراغ الإمام وهو ظاهر كلام الخانية وغاية البيان ونص الذخيرة فإن كبر الإمام أربعا والرجل حاضر يكبر الرابعة ما لم يسلم الإمام ويقضي الثلاث بعد سلام الإمام لأنه كالمدرك للتكبير حكما وعن الحسن عن الإمام أنه لا يدخل معه قوله: "عندهما" أي عند الإمام ومحمد في إحدى الروايتين عنه ومقابل قولهما قول أبي يوسف قوله: "لأنه لا وجه إلى أن يكبر وحده" الأولى الإتيان باللام بدل إلى أي لأنه لو كبر لكان آتيا بما هو بمنزلة ركعة وحده ولا يجوز ذلك قوله: "فقد اختلف التصحيح كما ترى" إلا أن ما عليه الفتوى مقدم على غيره كما ذكروه لما فيه من التسهيل في تحصيل العبادة قوله: "وتكره الصلاة عليه في مسجد الجماعة" قيده الواني بما إذا لم يكن معتادا فإن اعتاد أهل بلدة الصلاة عليه في المسجد لم يكره لأن لباني المسجد علما بذلك وهذا على أن العلة أن المسجد لم يبن له أما على أن العلة خوف التلويث فلا وقيد بمسجد الجماعة لأنها لا تكره في مسجد أعد لها وكذا في مدرسة ومصلى عيد لأنه ليس لها حكم المسجد في الأصح إلا في جواز الاقتداء وإن لم تتصل الصفوف كذا في ابن أمير حاج والحلبي وفي شرح موطأ الإمام محمد للمنلا علي وينبغي أن لا يكون خلاف في المسجد الحرام فإنه موضع للجماعات والجمعة والعيدين والكسوفين والاستسقاء وصلاة الجنازة قال وهذا أحد وجوه إطلاق المساجد عليه بصيغة الجمع في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهَ} [التوبة: 18] وقيل لعظمته ظاهرا وباطنا أو لأنه قبلة المساجد أو لأن جهاته كلها مساجد اهـ وفي البدائع وغيرها قال أبو حنيفة لا ينبغي أن يصلي على ميت بين القبور وكان علي وابن عباس يكرهان ذلك وإن صلوا أجزأهم لما روي أنهم صلوا على عائشة وأم سلمة بين مقابر البقيع والإمام أبو هريرة وفيهم ابن عمر رضي الله عنهم ثم محل الكراهة إذا لم يكن عذر فإن كان فلا كراهة اتفاقا فمنه اعتكاف المصلي كما في المبسوط ومنه المطر كما في الخانية وأما ما رواه مسلم وأبو داود أن عائشة لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت ادخلوا به له المسجد حتى أصلي عليه وأنهما لم أنكروا ذلك عليها قالت والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد سهيل وأخيه فيجاب عنه بأنه منسوخ وإلا لما أنكرت عليها الصحابة أو محمول على عذر كمطر أو على الخصوصية أو على بيان(1/595)
"فيه" كراهة تنزيه في رواية ورجحها المحقق ابن الهمام وتحريمية في أخرى والعلة فيه إن كان خشية التلويث فهي تحريمية وإن كان شغل المسجد بما لم يبن له فتنزيهية والمروي قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له" وفي رواية "فلا أجر له "أو" كان الميت خارجه أي المسجد مع بعض القوم "و" كان "بعض الناس في المسجد" أو عكسه ولو مع الإمام "على المختار" كما في الفتاوى الصغرى خلافا لما أورده النسفي من أن الإمام إذا كان خارج المسجد مع بعض القوم لا يكره بالاتفاق لما علمت من الكراهة على المختار.
"تنبيه" تكره صلاة الجنائز في الشارع وأراضي الناس "ومن استهل" أي وجد منه حال
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الجواز وعملوا بالأفضل في حق سعد وإلا لو كان هو الأفضل كما قال بعض الشافعية لكان أكثر صلاته صلى الله عليه وسلم في المسجد ولما امتنع جل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم عنه والواقع خلافه قوله: "ورجحها المحقق ابن الهمام" لظاهر إطلاق المروي والأولى ذكره ليحسن قوله بعد والمروي قوله الخ قوله: "والعلة فيه إن كان خشية التلويث فهي تحريمية" الأولى تأنيث الضمير في كان الأولى والثانية فلو كان الميت في غيره والجماعة فيه لم يكره وكلام شمس الأئمة السرخسي يفيد أن هذا هو المذهب حيث قال وعندنا إن كانت الجنازة خارج المسجد لم يكره أن يصلى عليها في المسجد إنما الكراهة في إدخال الجنازة في المسجد اهـ فلو أمن التلويث لم تكره على سائر الوجوه وإلى ذلك مال في المبسوط وفي المحيط وعليه العمل وهو المختار اهـ ونقل في الدراية عن أبي يوسف أنه لا تكره صلاة الجنازة في المسجد إذا لم يخف خروج شيء يلوث المسجد وهو يؤيد ما قبله وينبغي تقييد الكراهة بظن التلويث فأما توهمه أو شكه فلا تثبت به الكراهة قوله: "وإن كان شغل المسجد بما لم يبن له فتنزيهية" فلو كان الميت موضوعا في المسجد والناس خارجه لا تكره وبالعكس تكره كما في الجوهرة لأن المسجد إنما بني للمكتوبة وتوابعها كالنوافل والذكر والتدريس وفيه أن الميت يشغل المسجد بقدر جنازته قوله: "والمروي" أي الدال على كراهة الصلاة في المسجد تنزيها قوله: "وفي رواية فلا أجر له" ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ فلا صلاة له قالابن عبد البر رواية فلا أجر له خطأ فاحش والصحيح فلا شيء له كما في البرهان قوله: "أو كان الميت خارجه" هذا الإطلاق الذي في كلامه إنما يأتي على أن الكراهة فيه لكون المسجد لم يبن له قوله: "أو عكسه" يغني عنه صدر كلام المصنف قوله: "ولو مع الإمام" مرتبط بقوله أو كان الميت خارجه ومقابله ما أورده النسفي قوله: "على المختار" قد علمت ما ذكره شمس الأئمة وهو أن الكراهة إنما هي في إدخال الجنازة المسجد فهما قولان مصححان قوله: "تكره الجنائز الخ" لشغل حق العامة في الأول وحق المالك في الثاني(1/596)
ولادته حياة بحركة أو صوت وقد خرج أكثره وصدره ونزل برأسه مستقيما وسرته إن خرج برجليه منكوسا "سمي وغسل" وكفن كما علمته "وصلي عليه" وورث ويورث لما روي عن جابر يرفعه: الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين عند الإمام وقالا يقبل قول النساء فيه إلا الأم في الميراث إجماعا لأنه لا يشهده الرجال وقول القابلة مقبول في حق الصلاة عليه وأمه كالقابلة إذا اتصفت بالعدالة وفي الظهيرية ماتت واضطرب الولد في بطنها يشق ويخرج ولا يسع إلا ذلك كذا في شرح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ومن استهل" من واقعة على جنين في الشرح والأولى أن تفسر بمولود واستهل بالبناء للفاعل وأصل الاستهلال في اللغة رفع الصوت قال في المغرب يقال استهلوا الهلال إذا رفعوا أصواتهم عند رؤيته واستهل أي الهلال بالبناء للمفعول إذا أبصر اهـ ولا يخفي أن المناسب هذا المعنى الأول إلا أن خصوص رفع الصوت ليس بشرط بل المراد معناه الشرعي وهو ما ذكره بقوله إن وجد الخ والأولى أن يقول أي بدل أن تفسيرا للاستهلال قوله: "بحركة أو صوت" كعطاس وتثاؤب مما يدل على حياة مستقرة فلا عبرة لمجرد قبض يد وبسطها لأن هذه كحركة مذبوح ولا عبرة بها حتى لو ذبح رجل فمات أبوه وهو يتحرك لم يرثه المذبوح ولا عبرة بالحركة لأنه في هذه الحالة في حكم الميت جوهرة قوله: "وقد خرج أكثره" الواو للحال وقيد به لأنه لو خرج رأسه وهو يصيح فمات لم يرث ولم يصل عليه كذا في الشرح وهو مقيد بما إذا انفصل بنفسه أما إذا انفصل بفعل بأن ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا فإنه يرث ويورث لأن الشارع لما أوجب الغرة على الضارب فقد حكم بحياته نهر قوله: "وصدره الخ" عطف تفسير على قوله أكثره كما يفيده الشرح والأولى وهو صدره قوله: "مستقيما" جعله في هذه الحالة مستقيما كما جعله في مقابله منكوسا تبعا للعادة الغالبة قوله: "كما علمته" راجع إلى الغسل والكفن يعني أنهما يجري فيهما على السنة السابقة قوله: "حتى يستهل" بالبناء للفاعل وهو آخر الحديث والضمير في يرفعه يرجع إلى ما أي يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أخرجه الترمذي وروي عن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في السقط: "لا يصلى عليه حتى يستهل فإذا استهل صلى عليه وعقل وورث وإن لم يستهل لم يصل عليه ولم يرث ولم يعقل" رواه ابن عدي في الكامل قوله: "يقبل قول النساء" أي جنس النساء الصادق بالواحدة العدل والأم في كل حال كغيرها إلا في الميراث فلا يقبل قولها للتهمة ويقبل قول غيرها فيه قوله: "لأنه لا يشهده الرجال" يوضحه قول غيره لهما أن صوته يقع عند الولادة وعندها لا يحضر الرجال فصار كنفس الولادة وبه قالت الثلاثة وهو أرجح فالحاصل أنهما يقولان إن شهادة النساء حتى في الميراث مقبولة إلا الأم للتهمة وقولهما الراجح قوله: "وأمه كالقابلة" أي في حق الصلاة عليه ونحوها قوله: "يشق" قيده في الدرر بالجانب الأيسر ولو بالعكس وخيف على الأم قطع وأخرج ولو ابتلع مال غيره ومات لا يشق بطنه على قول(1/597)
المقدسي "وإن لم يستهل غسل" وإن لم يتم خلقه "في المختار" لأنه نفس من وجه "وأدرج في خرقة" وسمي "ودفن ولم يصل عليه" ويحشر إن بان بعض خلقه وذكر في المبسوط قولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
محمد وروى الجرجاني عن أصحابنا أنه يشق قال الكمال وهو أولى معللا بأن احترامه سقط بتعديه والاختلاف في شقه مقيد بما إذا لم يترك مالا وإلا لا يشق اتفاقا قاله السيد قوله: "لا يسع إلا ذلك" إلا اسم بمعنى غير أي لا يسع غير ذلك أحد ويحتمل أن فاعل يسع ضمير يرجع إلى معلوم من المقام أي لا يسع الحال غير ذلك قوله: "وإن لم يستهل" مثله ما إذا استهل فمات قبل خروج أكثره وأما الاستهلال في البطن فغير معتبر بالأولى قوله: "وإن لم يتم خلقه" فيغسل وإن لم يراع فيه السنة وبهذا يجمع بين من أثبت غسله وبين من نفاه فمن أثبته أراد الغسل في الجملة ومن نفاه أراد الغسل المراعي فيه وجه السنة والمتبادر منه أنه ظهر فيه بعض خلق وأما إذا لم يظهر فيه خلق أصلا فالظاهر أنه لا يغسل ولا يسمى لعدم حشره وحرره قوله: "في المختار" وظاهر الرواية منع الكل وكذا لا يرث ولا يورث اتفاقا لأنه كجزء الحي كما في الزيلعي والحموي وحاصل ما في المصنف أنه بالنظر لكونه نفسا من وجه يغسل ويصلى عليه وبالنظر لكونه جزء آدمي لا ولا فاعملنا الشبهين فقلنا يغسل عملا بالأول ولا يصلى عليه عملا بالثاني ورجحنا خلاف ظاهر لرواية قوله: "لأنه نفس من وجه" الأولى ما في ملتقى البحار حيث قال إكراما لبني آدم وإنما كان نفسا لأنه يبعث وإن لم ينفخ فيه الروح على أحد القولين قوله: "وسمى" أي وإن لم يتم خلقه كما في الشرح عن الطحاوي قوله: "ويحشران بان بعض خلقه" هو الذي يقتضيه مذهب أصحابنا لأنه يثبت له حرمة بني آدم بدليل ثبوت الأحكام الشرعية له كاستيلاد وانقضاء عدة نهر وقد قالوا: إن السقط يحيا في الآخرة وترجى شفاعته واستدلوا بما روى أبو عبيدة مرفوعا أن السقط ليقف محبنطئا على باب الجنة فيقول لا أدخل حتى يدخل أبواي وقوله محبنطئا يروى بغير همز وبهمز فعلى الأول معناه المتغضب المستبطىء للشيء وعلى الثاني معناه العظيم البطن المنتفخ يعني يغضب وينتفخ بطنه من الغضب حتى يدخل أبواه الجنة وروى ابن ماجه من حديث علي رضي الله عنه أن السقط ليراغم ربه إذ دخل أبواه النار فيقال أيها السقط المراغم ربه أدخل أبويك الجنة فيجرهما بسرره حتى يدخلهما الجنة اهـ والسرر بفتحتين ويكسر لغة في السر بالضم وهو ما تقطعه القابلة من سرة الصبي ويحشر على ما مات عليه كغيره من أهل الموقف ثم عند دخول الجنة يصيرون طولا واحدا ففي الحديث الصحيح يبعث كل عبد على ما مات عليه وفيه صفة أهل الجنة أنهم على صورة آدم طول كل واحد منهم ستون ذراعا زاد أحمد وغيره في عرض سبعة أذرع وهم أبناء ثلاث وثلاثين.
فائدة روى الإمام أحمد من حديث معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمين يتوفى لهما ثلاثة أي من الولد إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهما" فقالوا: يا(1/598)
آخر إن نفخ فيه الروح حشر وإلا فلا كذا في شرح المقدسي "كصبي" أو مجنون بالغ "سبي" أي أسر "مع أحد أبويه" من دار الحرب ثم مات لتبعيته له في أحكام الدنيا وتوقف الإمام في أولاد أهل الشرك وعن محمد أنه قال فيهم إني أعلم أن الله لا يعذب أحدا بغير ذنب "إلا أن يسلم أحدهما" للحكم بإسلامه بالتبعية له "أو" يسلم "هو" أي الصبي إذا كان يعقله
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
رسول الله أو اثنان قال: "أو اثنان" قالوا: أو واحد قال: "أو واحد" ثم قال: "والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا احتسبته" قوله: "وذكر في المبسوط قولا آخر الخ" بحث بعض الفضلاء أنه المتبادر ولا يلزم من ثبوت بعض الأحكام له في الدنيا ثبوت أحكام الآخرة وروي هذا القول عن الحليمي والقرطبي قوله: "مع أحد أبويه" أي الكافرين تركه استغناء بلفظ السبي كما في النهر أي لا يصلى عليه لأنه تبع لهما تبعية ولادة وهي أقوى التبعيات لأنها سبب لوجوده إلا إذا عقل واعتقد دينا غير دين أبويه فلا يصير تبعا لهما وتمامه في البحر قوله: "لتبعيته له في أحكام الدنيا" فلا يصلى عليه كما لا يصلى عليه وليس تابعا لهما في العقبى فلا يحكم بأن أطفالهم في النار البتة بل فيه خلاف قيل هم خدم أهل الجنة وقيل إن كانوا قالوا: بلى في عالم الذر عن اعتقاد ففي الجنة وإلا ففي النار قوله: "وتوقف الإمام في أولاد أهل الشرك" في المسايرة تردد فيهم أبو حنيفة وغيره ووردت فيهم أخبار متعارضة فالسبيل تفويض أمرهم إلى الله تعالى وإنما قيد بأولاد أهل الشرك لما في الكافي أولاد المسلمين إذا ماتوا في صغرهم كانوا في الجنة والتوقف فيهم المروي عن الإمام مردود على الراوي قال الحموي لأن محمدا روى في آثار الإمام أنه يقال في الصلاة على أطفال المسلمين اللهم اجعله لنا فرطا وهذا قضاء منه بإسلامهم فأين ينسب إليه خلافه قوله: "لا يعذب أحدا بغير ذنب" أي ولا ذنب على هؤلاء فلا يعذبون قوله: "لا أن يسلم أحدهما" أي أحد أبويه أيهما كان ولو كان غير المسبي كما هو مقتضى الإطلاق قوله: "إذا كان يعقله" أي الإسلام وذلك بأن يعقل الصفة المذكورة في حديث جبريل وهي أن يؤمن بالله أي بوجود وربوبيته لكل شيء وملائكته أي بوجود ملائكته وكتبه أي إنزالها ورسله عليهم الصلاة السلام أي إرسالهم واليوم الآخر أي البعث بعد الموت والقدر خيره وشره من الله تعالى بحر ويكفي عنه الإتيان بالشهادتين لانطواء ما ذكر تحته ويدل عليه ما في أنفع الوسائل حيث قال فإن قلت يجب أن لا يحكم بإسلام اليهودي والنصراني وإن أقر برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتبرأ عن دينه ودخل في دين الإسلام ما لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ويقر بالبعث وبالقدر خيره وشره من الله تعالى قلنا الإقرار بهذه الأشياء إن لم يوجد نصا فقد وجد دلالة لأنه لما أقر بدخوله في دين الإسلام فقد التزم جميع ما كان شرطا لصحة الإسلام وكما يثبت ذلك با لصريح يثبت بالدلالة اهـ فحديث جبريل مصرح بها وحديث أمرت أن أقاتل الناس الخ أفاد أن قول لا إله إلا الله إقرار بها دلالة فيستفاد من مجموع(1/599)
لأن إقراره صحيح بإقراره بالوحدانية والرسالة أو صدق وصف الإيمان له ولا يشترط ابتداؤه الوصف من نفسه أو لا يعرفه إلا الخواص "أو لم يسب أحدهما" أي أحد أبويه "معه" للحكم بإسلامه لتبعية السابي أو دار الإسلام حتى لو سرق ذمي صغيرا فأخرجه لدار الإسلام ثم مات يصلى عليه وإن بقي حيا يجب تخليصه من يده أي بالقيمة "وإن كان لكافر قريب مسلم" حاضر ولا ولي له كافر "غسله" المسلم "كغسل خرقة نجسة" لا يراعي فيه سنة عامة في بني آدم ليكون حجة عليه لا تطهيرا له حتى لو وقع في ماء نجسة "وكفنه في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحديثين أن الشرط الإقرار بها إما نصا وإما دلالة أفاده السيد وقيل المراد بقوله إن كان يعقله أي يعقل المنافع والمضار وإن الإسلام هدى واتباعه خير له وأقل سن يعتبر فيه التمييز سبع سنين قوله: "أو صدق بوصف الإيمان له" الأولى أو تصديقه أو هوعطف على إقراره بتأويله بإذا أقر قالوا: لو تزوج امرأة أو اشترى جارية فاستوصفها الإسلام فلم تعرفه لا تكون مسلمة والمراد من عدم المعرفة قيام الجهل بالباطن لا ما يظهر من التوقف في جواب ما الإسلام كما يكون من بعض العوام فإنا نسمع من يقول لا أعرف وهو من التوحيد والخوف بمكان كما في الفتح قال في النهر وعلى هذا فلا ينبغي أن يسئل العامي عن الإسلام لم يذكر عنده حقيقته وما يجب الإيمان به ثم يقال له أنت مصدق بهذا فإن قال نعم اكتفى به اهـ قوله: "لتبعية السابي أو دار الإسلام" اختلف في أقوى التبعيات بعد تبعية الأبوين ففي الهداية وغيرها تبعية الدار وفي المحيط تبعية اليد قال في الفتح ولعله أولى فإن من وقع في مهمة صبي من الغنيمة في دار الحرب فمات يصلى عليه ويجعل مسلما تبعا لصاحب اليد فلو كانت تبعية الدار أقوى تمنع ذلك اهـ وتعقبه في البحر بأن تبعية اليد في هذه الحالة متفق عليها لعدم صلاحية الدار لها على أنه يرد عليه ما في كشف الأسرار ولو سرق ذمي صبيا وأخرجه إلى دار الإسلام فمات صلى عليه ولا اعتبار بالأخذ حتى وجب تخليصه من يده ولم يحك فيه خلافا اهـ وذكر الحلبي ما يصلح جمعا بين القولين بأنه تبع للسابي إن كان مسلما وللداران كان ذميا اهـ أي فيدور مع الإسلام أينما دار ويتمشى كلامه على هذا فقوله لتبعية السابي أي إن كان مسلما أو دار الإسلام إن لم يكن السابي مسلما قوله: "يجب تخليصه من يده أي بالقيمة" تخليصا للمسلم من ولاية الكفر قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} كما لو أسلم أو اشتراه مسلما يجبر على إخراجه من ملكه ببدله كذا في الشرح مزيدا قوله: "وإن كان لكافر" أي لميت كافر قوله: "قريب مسلم" أطلقه فشمل ما إذا كان له قريب غيره كافرا أو لا غير أنه إن كان فالأولى للمسلم تجنبه كما في السراج وشمل القريب ذوي الأرحام كذا في البحر فقوله ولأولى له كافر إنما هو شرط للأولوية قوله: "غسله المسلم" وليس ذلك واجبا عليه لأن من شرط الوجوب إسلام الميت حموي عن البدائع قوله: "لا يراعى فيه سنة" أي التغسيل من وضوء وبداءة بالميامن والأصل(1/600)
خرقة" من غير مراعاة كفن السنة "وألقاه في حفرة" من غير وضع كالجيفة مراعاة لحق القرابة "أو دفعه" القريب "إلى أهل ملته" ويتبع جنازته من بعيد وفيه إشارة إلى أن المرتد لا يمكن منه أحد لغسله لأنه لا ملة له فيلقى كجيفة كلب في حفرة وإلى أن الكافر لا يمكن من قريبه المسلم لأنه فرض على المسلمين كفاية ولا يدخل قبره لأن الكافر تنزل عليه اللعنة والمسلم محتاج إلى الرحمة خصوصا في هذه الساعة "ولا يصلى على باغ" اتفاقا وإن كان مسلما "و" لا على "قاطع طريق" إذا "قتل" كل منهم "حالة المحاربة" ولا يغسل لأن عليا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فيه ما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه قال لما مات أبو طالب انطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له إن عمك الشيخ الضال قد مات قال اذهب فوار أباك ثم لا تحدث شيئا حتى تأتيني فذهبت فواريته فجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي وفي حديث الواقدي عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يستغفر له أياما ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل بهذه الآيات ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية كذا في البرهان قوله: "ليكون حجة عليه" لعل وجهه أن يقال أمر غيرك بتطهيرك ففعل وأمرت بتطهير نفسك فلم تفعل قوله: "حتى لو وقع في ماء نجسه" هذا مبني على القول بأن نجاسة الميت نجاسة خبث والمسلم يطهر بالغسل تكريما وأما على القول بأن نجاسته نجاسة حدث فلا ينجسه حيث كان بدنه نظيفا قوله: "من غير مراعاة كفن السنة" أي فلا يعتبر فيه عدد ولا يجعل فيه حنوط ولا يبخر قوله: "وألقاه في حفرة" أي بدون لحد ولا توسعة ويلقيه طرحا كالجيفة لا وضعا قوله: "وفيه إشارة" أي في قوله أهل ملته أي فإنه يفيد أنه كافر أصلي قوله: "لا يمكن منه أحد" فلا يدفع إلى من ارتد إلى ملتهم كذا في الشرح قوله: "وإلى أن الكافر الخ" هذا يستفاد من قوله وإن كان لكافر الخ فإن هذه عكسها قوله: "لا يمكن من قريبه المسلم" لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أبي بكر وعمر فأتوا على يهودي وقد نشر التوراة يقرأ ليعزي نفسه عن ابن له محتضر من أحسن الفتيان وأجملهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي" فأشار برأسه لا فقال: ابنه المحتضر أي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال: "أقيموا اليهودي عن أخيكم" ثم ولي الصلاة عليه فلم يمكن اليهودي منه وتولى أمره المسلمون أفاده في الشرح قوله: "لأنه فرض على المسلمين كفاية" فلو تركوه للكافر أثموا لعدم قيام أحد من المسلمين بفرض الكفاية.
قوله: "ولا يصلى على باغ" البغاة المسلمون الخارجون عن طاعة الإمام كذا في الشرح قوله: "كل منهم" أي الباغي وقاطع الطريق وجمع باعتبار تعدد أفراد كل قوله: "ولا يغسل" وقيل يغسل الباغي وقاطع الطريق ولا يصلى عليهما للفرق بينهما وبين الشهداء كذا في الشرح وسيشير إليه بعد في قوله وإن غسلوا كالبغاة على إحدى الروايتين اهـ وفيه أن الفرق(1/601)
رضي الله عنه لم يغسل البغاة. وأما إذا قتلوا بعد ثبوت يد الإمام فإنهم يغسلون ويصلى عليهم "و" لا يصلى على "قاتل بالخنق غيلة" بالكسر الاغتيال يقال قتله غيلة وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فيقتله والمراد أعم كما لو خنقه في منزل لسعيه في الأرض بالفساد "و" لا على "مكابر في المصر ليلا بالسلاح" إذا قتل في تلك الحالة "و" لا يصلى على "مقتول عصبية" إهانة لهم وزجرا لغيرهم "وإن غسلوا" كالبغاة على إحدى الروايتين لا يصلى عليهم وإن غسلوا "وقاتل نفسه" عمدا لا لشدة وجع "يغسل ويصلى عليه" عند أبي حنيفة ومحمد وهو الأصح عندي لأنه مؤمن مذنب وقال أبو يوسف لا يصلى عليه وكان القاضي الإمام علي السعدي يقول الأصح عندي أنه لا يصلى عليه وإن كان خطأ أو لوجع يصلى عليه اتفاقا وقاتل نفسه أعظم وزرا وإثما من قاتل غيره "ولا" يصلى "على قاتل أحد أبويه عمدا" ظلما إهانة له
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
حاصل بعدم الصلاة عليه قوله: "لم يغسل البغاة" ولم ينكر عليه فكان إجماعا وقطاع الطريق بمنزلتهم كما في البحر أفاده في الشرح قوله: "وأما إذا قتلوا" مفهوم قوله في المتن حالة المحاربة قوله: "بعد ثبوت الإمام" أي يد الإمام وبها صرح في الشرح قال في الشرح وهذا تفصيل حسن أخذ به الكبار من المشايخ كذا قال الزيلعي قوله: "فإنهم يغسلون" لأن القتل حينئذ حد أو قصاص در قوله: "بالخنق" بالنون قوله: "بالكسر" أي في الغين قوله: "الاغتيال" في القاموس الغيلة المرأة السمينة وبالكسر موضع والشقشقة والخديعة والاغتيال وقتله غيلة خدعة فذهب به إلى موضع فقتله وغاله أهلكه كاغتاله وأخذه من حيث لا يدري والغول أي بالفتح الصداع والسكر وبعد المسافة اهـ فلا وجه لقوله يقال والأولى حدفها كما فعله السيد في الشرح وقد حذفها في الشرح أيضا قوله: "في منزل" أي منزل الخانق أوالمخنوق أو غيرهما وقيده بأن يكون خنق غير مرة ق وله: "لسعيه في الأرض بالفساد" علة لقوله ولا يصلى قوله: "في المصر ليلا بالسلاح" لم يأت بالمحترزات وحرره قوله: "ولا يصلى على مقتول عصبية" أي للتعصب والحمية كسعد وحرام بإقليم مصر وقيس ويمن في غيره قال أبو يوسف لا يصلى على كل من قتل على متاع يأخذه وهذا صريح في أن الشخص إذا قتل بسبب أخذه النهب لا يصلى عليه قوله: "وإن غسلوا" عبارة مسكين تفيد أن أهل العصيبة لا يغسلون وكذا عبارة التنوير مع شرحه تفيد عدم غسله كالمكاس قوله: "لا يصلى عليهم" الأولى زيادة أي قوله: "لأنه مؤمن مذنب" فصار كغيره من أصحاب الكبائر كذا في الشرح وفيه أن هذه العلة تظهر فيما سبق قوله: "وقال أبو يوسف لا يصلى عليه" قال في الغاية وهو الأصح ويؤيد بما ورد أنه صلى الله عليه وسلم أتى له برجل قتل نفسه بمشقص فلم يصل عليه قوله: "أو لوجع" ذكره في الغاية من غير ذكر خلاف ولعله لأنه في الظاهر ربما يعد معذورا قوله: "أعظم وزرا وإثما من قاتل غيره" لأنه أساء إلى أقرب الأشياء إليه ولأنه لم يرض بقضاء(1/602)
...................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الله له ظاهرا حيث استعجل الموت وعطف الإثم على الوزر من عطف المرادف قوله: "عمدا" أخرج بمفهومه الخطأ فإنه يغسل ويصلى عليه وقوله ظلما أخرج به من قتل أباه الحربي أو الباغي والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/603)
فصل في حملها ودفنها
"يسن لحملها" حمل "أربعة رجال" تكريما له وتخفيفا وتحاشيا عن تشبيهه بحمل الأمتعة ويكره حمله على ظهر دابة بلا عذر والصغير يحمله واحد على يديه ويتداوله الناس كذلك بأيديهم "وينبغي" لكل واحد "حملها أربعين خطوة يبدأ" الحامل "بمقدمها الأيمن" فيضعه "على يمينه" أي على عاتقه الأيمن ويمينها أي الجنازة ما كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في حملها ودفنها
لا يخفى حسن مناسبة تأخير هذا عما قبله واعلم أن أصل الحمل والدفن فرض كفاية ولذا لا يجوز أخذ الأجرة على ذلك إذا تعينوا قهستاني وحمل الجنازة عبادة فينبغي لكل أحد أن يبادر إليها فقد حمل الجنازة سيد المرسلين فإنه حمل جنازة سعد بن عبادة نقله السيد عن الجوهرة قوله: "لحملها" اللام بمعنى في وحمل نائب فاعل يسن والمعنى أن السنة في حملها أن يحملها رجال أربعة قوله: "أربعة رجال" أخرج به النساء وذلك لما أخرجه أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى نسوة فقال: أتحملنه قلن لا قال أتدفنه قلن لا قال فارجعن مأزورات غير مأجورات ولأن الرجال أقوى على ذلك والنساء ضعيفات ومظنه الفتنة والانكشاف إلا إذا لم يوجد رجال كذا في شرح البدر العيني على البخاري قوله: "تكريما له" لأن فيه اعتناء به قوله: "وتخفيفا" أي على الحاملين قوله: "وتحاشيا" أي تباعدا عن تشبيهه بحمل الأمتعة هذا إنما يثبت كرهة حمل الواحد له لا ما فوقه مما عدا الأربعة قوله: "ويكره الخ" الأولى عبارة الشرح حيث قال ولذا يكره على الظهر والدابة أي للتشبيه بحمل الأمتعة يكره الخ وعبارة بعض الأفاضل بعد ذكر حمل الأربعة فيكره أن يكون الحامل أقل من ذلك أو أن يحمل على الدابة أو الظهر لعدم الإكرام إلا إذا كان رضيعا أو فطيما أو فوق ذلك قليلا فلا بأس أن يحمله واحد على يديه أو في طبق راكبا وإلا فهو كالبالغ اهـ قوله: "بلا عذر" أما إذا كان عذر بأن كان المحل بعيدا يشق حمل الرجال له أو لم يكن الحامل إلا واحدا فحمله على ظهره فلا كراهة إذن قوله: "كذلك" الأولى حذفه أو حذف قوله بأيديهم فإن مؤداهما واحد قوله: "بمقدمها" أي مقدم الجنازة أي الميت الأيمن وهو يسار السرير كذا في القهستاني فيجعل عنقه وكتفه الأيسر خارج مقدم الجنازة قوله: "فيضعه على يمينه" إيثارا للتيامن(1/603)
جهة يسار الحامل لأن الميت يلقى على ظهره ثم يوضع مؤخرها الأيمن عليه أي على عاتقه الأيمن "ثم" يضع "مقدمها الأيسر على يساره" أي على عاتقه الأيسر "ثم يختم ب" الجانب "الأيسر" بحملها "عليه" أي على عاتقه الأيسر فيكون من كل جانب عشر خطوات لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حمل الجنازة أربعين خطوة كفرت عنه أربعين كبيرة" ولقول أبي هريرة رضي الله عنه "من حمل الجنازة بجوانبها الأربع فقد قضى الذي عليه "ويستحب الإسراع بها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "أسرعوا بالجنازة" أي ما دون الخبب كما في رواية ابن مسعود رضي الله عنه "فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تك غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" وكذا يستحب الإسراع بتجهيزه كله "بلا خبب" بخاء معجمة وموحدتين مفتوحتين ضرب من العدو دون العنق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ما كان جهة يسار الحامل" إذا وقف مستدبرا لها أي فيجعل يساره خارج عود الجنازة ويجعله على عاتقه الأيمن قوله: "أي على عاتقه الأيسر" وعنقه وكتفه الأيمن خارج الجنازة والمقدم والمؤخر بالفتح والكسر فيهما والكسر أفصح قوله: "ثم يختم بالجانب الأيسر" الأولى زيادة المؤخر وبالختم بالمؤخر يقع الفراغ خلف الجنازة فيمشي خلفها كما في البحر والنهر والدر قوله: "فيكون الخ" تفريع على قول المصنف يبدأ الخ قوله: "كفرت عنه أربعين كبيرة" كفرت بالبناء للمعلوم لنصب أربعين أي كفرت الجنازة أي حملها قاله السيد والذي نقله بعض الأفاضل عن عبارة الحلبي أربعون بالواو فيكون بالبناء للمجهول وأربعون نائب فاعل وهو كذلك في الشرح وفي الحديث التصريح بأن الكبائر تكفر بهذا الفعل ولا ينبئك مثل خبير قوله: "فقد قضى الذي عليه" أي فقد أدى الذي عليه من حق أخيه المسلم ولعل المراد أنه أدى معظمه فإن المطلوب منه أن يذهب معه إلى القبر ولا ينصرف حتى يقبر إلا أن يأذن له الولي "فخير تقدمونها إليه" ولا يقدم على خير إلا من كان من الأخيار وقوله فخير أي ثواب تقدمون الجنازة إليه أي الخير الذي أسلفه أي فيناسب الأسراع به ليناله ويستبشر به ولم يقل في الثاني فثر تقدمونها إليه لأنه لا ينبغي لأحد أن يذهب بشخص إلى الشر فضلا عن أن يسرع به وإنما المقصود مفارقته وهذا لا ينافي حصول الثواب في حمله وأيضا فإن الفضل عميم فيمكن أن يقابل وإن كان من أهل العصيان بالعفو قوله: "وإن تك غير ذلك" أي عاصية وإن لم يذكره استهجانا لذكره وتك مجزوم بسكون النون المحذوفة تخفيفا قوله: "عن رقابكم" أي عنكم فأراد بالرقاب الذوات لأن الحمل ليس على الرقاب قوله: "وكذا يستحب الإسراع بتجهيزه كله" أي من حين موته فلو جهز الميت صبيحة يوم الجمعة يكره تأخير الصلاة عليه ليصلي عليه الجمع العظيم بعد صلاة الجمعة ولو خافوا فوت الجمعة بسبب دفنه يؤخر الدفن اهـ من السيد قوله: "مفتوحات" الأولى أن يقول مفتوحتين أي الخاء والباء الأولى وقد يجاب بأنه أراد بالجمع ما فوق الواحد وفي نسخة مفتوحتان والأولى مفتوحتين قوله: "من العدو" بسكون الدال وتخفيف(1/604)
والعنق خطو فسيح فيمشون به دون ما دون العنق "وهو ما يؤدي إلى اضطراب الميت" فيكره للازدراء به وإتعاب المتبعين "والمشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الفرض على النفل" لقول علي: "والذي بعث محمدا بالحق إن فضل المشي خلفها على الماشي أمامها كفضل المكتوبة على التطوع". فقال أبو سعيد الخدري: "أبرأيك تقول أم بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " فغضب وقال: " لا والله بل سمعته غير مرة لا اثنتين ولا ثلاث حتى عد سبعا" فقال أبو سعيد: "إني رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمامها" فقال علي رضي الله عنه" يغفر الله لهما لقد سمعا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سمعته وإنهما والله لخير هذه الأمة ولكنهما كرها أن يجتمع الناس ويتضايقوا فأحبا أن يسهلا على الناس" ولقول أبي أسامة "إن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
الواو المشي قوله: "والعنق خطو فسيح" العنق بفتحتين قوله: "فيمشون به دون ما دون العنق" وما دون العنق هو الخبب فيمشون دون الخبب قوله: "وهو ما يؤدي إلى اضطراب الميت" والأولى ما في البحر حيث قال وحد الإسراع المسنون بحيث لا يضطرب الميت على الجنازة ويحتمل أنه راجع إلى الخيب المتقدم في كلامه قوله: "للازدراء به" أي للاحتقار بالميت قوله: "وأتعاب المتبعين" جمع متبع قوله: "أم شيء سمعته" عبارة البرهان أم بشيء بالباء وعلى حذفها فهو خبر محذوف يعني أم هذا شيء سمعته ويحتمل جره عطفا على برأيك قوله: "حتى عد سبعا" يعني سمعه أكثر من سبع قوله: "وأنهما والله لخير هذه الأمة" هذا من قبيل الاحتراس عن توهم المخالفة للحديث قوله: "لخير هذه الأمة" الخير بمعنى الأخير وإنما لم يثن لأنه أفعل تفضيل أضيف إلى معرفة ويجوز فيه المطابقة وعدمها قوله: "ولكنهما كرها أن يجتمع الناس ويتضايقوا فأحبا أن يفسحا للناس" 1 الذين خلفه وقال الزيلعي وفي المشي أمامها فضيلة أيضا وقال محمد بن الحسن في موطئه المشي أمامها حسن وقيده في الفتح بما إذا لم يتباعد عنها أو يتقدم الكل فيكره لأنه ربما يحتاج للمعاونة اهـ قال في الاختيار وهذا كله إذا لم يكن خلفها نساء فإن كان كما في زماننا كان المشي أمامها أحسن كذا في النهر وهذا أولى مما في السيد عن المؤلف من قوله وإن كان معها نائحة جرت فإن لم تنزجر فلا بأس بالمشي معها ولا تترك السنة بما اقترن بها من البدعة انتهى وسيذكره المؤلف قريبا فإنه يقتضي أن الأحسن المشيء خلفها إقامة للسنة وفي الشرح قال الحاكم في المنتقى وجدت في بعض الروايات أن أبا حنيفة قال لا بأس بالمشي أمام الجنازة وخلفها ويمنة ويسرة اهـ قوله: "حافيا" تواضعا والسنة المشي حافيا في بعض الأحيان قوله: "أو ينفرد متقدما" أي منقطعا عن القوم وهو مروي عن أبي يوسف قوله: "ولا بأس بالركوب خلفها" ويكره أن يتقدمها الراكب قال الحلبي لأنه بسير الراكب أمامها
__________
1 قوله المحشي أن يفحسا للناس الذي في الشرح أن يسهلا على الناس اهـ.(1/605)
رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى خلف جنازة ابنه إبراهيم حافيا. ويكره أن يتقدم الكل عليها أو ينفرد واحد متقدما ولا بأس بالركوب خلفها من غير إضرار لغيره في السنن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الراكب يسير خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها" "ويكره رفع الصوت بالذكر" والقرآن وعليهم الصمت وقولهم كل حي سيموت ونحو ذلك خلف الجنازة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يتضرر الناس بإثارة الغبار اهـ وأشار بلا بأس إلى أن المشي أفضل لأنه أقرب إلى التواضع وأليق بحال الشفيع وعن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع راكبا على فرسه رواه الترمذي وقال حديث حسن قوله: "وفي السنن" أي الأربعة لأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه قوله: "ويكره رفع الصوت" قيل يكره تحريما كما في القهستاني عن القنية وفي الشرح عن الظهيرية فإن أراد أن يذكر الله تعالى ففي نفسه أي سرا بحيث يسمع نفسه وفي السراج ويستحب لمن تبع الجنازة أن يكون مشغولا بذكر الله تعالى والتفكر فيما يلقاه الميت وأن هذا عاقبة أهل الدنيا وليحذر عما لا فائدة فيه من الكلام فإن هذا وقت ذكر وموعظة فتقبح فيه الغفلة فإن لم يذكر الله تعالى فليلزم الصمت ولا يرفع صوته بالقراءة ولا بالذكر ولا يغتر بكثرة من يفعل ذلك وأما ما يفعله الجهال في القراءة على الجنازة من رفع الصوت والتمطيط فيه فلا يجوز بالإجماع ولا يسع أحدا يقدر على إنكاره أن يسكت عنه ولا ينكر عليه اهـ.
قوله: "عليهم الصمت" مبتدأ وخبر1 قوله: "ونحو ذلك" كالأذكار المتعارفة قوله: "بدعة" أي قبيحة كالمسمى بالكفارة ذكر ابن الحاج في المدخل في الجزء الثاني إن من البدع القبيحة ما يحمل أمام الجنازة من الخبز والخرفان ويسمون ذلك عشاء القبر فإذا وصلوا إليه ذبحوا ذلك بعد الدفن وفرقوه مع الخبز وذكر مثله المناوي في شرح الأربعين في حديث من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد قال ويسمون ذلك بالكفارة فإنه بدعة مذمومة اهـ قال ابن أمير حاج ولو تصدق بذلك في البيت سرا لكان عملا صالحا لو سلم من البدعة أعني أن يتخذ ذلك سنة أو عادة لأنه لم يكن من فعل من مضى يعني السلف والخير كله في اتباعهم وفي السراج ويستحب لمن مرت عليه جنازة أو رآها أن يقول سبحان الذي لا يموت لا إله إلا هو الحي القيوم ويدعو للميت بالخير والتثبيت اهـ وفي شرعة الإسلام إذا رآها يقول هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا وتسليما ويكثر من التسبيح والتهليل خلف الجنازة ولا يتكلم بشيء من كلام الدنيا ولا ينظر يمينا ولا شمالا فإن ذلك يقسي القلب اهـ ولا ينبغي أن يرجع من يتبع الجنازة حتى يصلى بحر.
__________
1 قوله مبتدأ أو خبر في بعض النسخ ما نصه قوله وعليهم الصمت عليهم اسم فعل بمعنى ليلزموا والصمت منصوب على الإغراء والمراد أنهم يصمتون عم كان من الدنيا اهـ.(1/606)
بدعة ويكره اتباع النساء الجنائز وإن لم تنزجر نائحة فلا بأس بالمشي معها وينكره بقلبه ولا بأس بالبكاء بدمع في منزل الميت ويكره النوح والصياح وشق الجيوب ولا يقوم من مرت به جنازة ولم يرد المشي معها والأمر به منسوخ "و" يكره "الجلوس قبل وضعها" لقوله عليه السلام "من تبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع" "ويحفر القبر نصف قامة أو إلى الصدر وإن زيد كان حسنا" لأنه أبلغ في الحفظ "ويلحد" في الأرض صلبة من جانب القبلة "ولا يشق" بحفيرة في وسط القبر يوضع فيها الميت "إلا في أرض رخوة" فلا بأس به فيها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ويكره اتباع النساء الجنائز" أي تحريما كما في الدر قوله: "وإن لم تنزجر نائحة الخ" قال في السراج وقد أجمعت الأمة على تحريم النوح والدعوى بدعوى الجاهلية وفي البحر عن المجتبى إذا استمع باكية ليرق قلبه ويبكي فلا بأس به إذا أمن الوقوع في الفتنة لاستماعه صلى الله عليه وسلم لبواكي حمزة اهـ قوله: "فلا بأس بالمشي معها" أفاد أنه خلاف الأولى قوله: "ولا بأس بالبكا" بالقصر لأن المراد خروج الدمع قوله: "بدمع" أي لا بصوت فإنه مكروه قوله: "في منزل الميت" ليس بقيد فيما يظهر قوله: "ويكره النوح" أي يحرم لما تقدم عن السراج قوله: "ولا يقوم الخ" فهو مكروه كما في القهستاني قوله: "ولم يرد" بضم الياء وكسر الراء والواو للحال قوله: "قبل وضعها" أي عن أعناق الرجال لقوله صلى الله عليه وسلم: "من تبع الجنازة فلا يجلس حتى توضع" وفي الجلوس قبل وضعها ازدراء بها اهـ من الشرح ويكره القيام بعده كما في الدر لما روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد فكان قائما مع أصحابه على رأس قبر فقال يهودي هكذا نصنع في موتانا فجلس صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: "خالفوهم" يعني في القيام بعد وضعه عن الأعناق فلذاكره كذا في البحر قوله: "ويحفر القبر نصف قامة" في الحجة روى الحسن بن زياد عن الإمام رحمه الله تعالى قال طول القبر على قدر طول الإنسان وعرضه قدر نصف قامة كذا في الشرح عن التتارخانية قوله: "لأنه أبلغ في الحفظ" أي حفظ الميت من السباع وحفظ الرائحة من الظهور قوله: "ويلحد" يقال لحد القبر أي جعل فيه لحد أو ألحد الميت وضعه في اللحد بفتح اللام كفلس وبضمها كقفل وجمع الأول الحود والثاني ألحاد وهو حفيرة تجعل في جانب القبلة من القبر يوضع فيها الميت وينصب عليها اللبن قهستاني والسنة أن يدخل الميت فيه بالسواء ولا يدخل فيه منكوسا على رأسه لمخالفة السنة ولأنه قد تنزل المواد إلى فمه وأنفه ولأن فيه تشاؤما بإنزاله أول منزل من منازل الآخرة منكوسا على رأسه ذكره ابن الحاج في المدخل قوله: "يوضع فيها الميت" بعد أن يبنى حافتاه باللبن أو غيره ثم يوضع الميت بينهما ويسقف عليه باللبن أو الخشب ولا يمس السقف الميت وأوصى كثير من الصحابة أن يرموا في التراب من غير لحد ولا شق وقال ليس أحد جنبي أولى بالتراب من الآخر ويوقي وجهه التراب بلبنتين أو ثلاث(1/607)
ولا باتخاذ التابوت ولو من حديد ويفرش فيه التراب لقوله صلى الله عليه وسلم: "اللحد لنا والشق لغيرنا" ويدخل الميت في القبر "من قبل القبلة" كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم إن أمكن فتوضع الجنازة على القبر من جهة القبلة ويحمله الآخذ مستقبلا حال الأخذ ويضعه في اللحد لشرف القبلة وهو أول من السل لأنه يكون ابتداء بالرأس أو يكون بالرجلين "ويقول واضعه" في قبره كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقوله إذا أدخل الميت القبر "بسم الله وعلى ملة رسول الله" قال شمس الأئمة السرخسي: أي بسم الله وضعناك وعلى ملة رسول الله سلمناك وفي الظهيرية: إذا وضعوه قالوا: بسم الله وبالله وفي الله وعلى ملة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ولا يضر دخول وتر أو شفع في القبر بقدر الكفاية والسنة الوتر وأن يكونوا أقرباء أمناء صلحاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولا باتخاذ التابوت ولو من حديد" ويكون من رأس المال إذا كانت الأرض رخوة أو ندية ويكره التابوت في غيرها بإجماع العلماء قوله "ويفرش فيه التراب" ويكره أن يوضع تحت الميت في القبر مضربة أو مخدة أو حصيرة أو نحو ذلك وفي كتب الشافعية والحنابلة ويجعل تحت رأس الميت لبنة أو حجر قال السروجي ولم أقف عليه لأصحابنا وذكر ابن الحاج في المدخل أنه ينبغي أن يجتنب ما أحدثه بعضهم من أنهم يأتون بماء الورد فيجعلونه على الميت في قبره فإن ذلك لم يرو عن السلف رضي الله عنهم فهو بدعة قال ويكفيه من الطيب ما عمل له وهو في البيت فنحن متبعون لا مبتدعون فحيث وقف سلفنا وقفنا اهـ قوله: "والشق لغيرنا" أي لغير المسلمين قوله: "ويدخل الميت في القبر من قبل القبلة" أي ندبا قوله: "إن أمكن" وإلا فبحسب الإمكان قوله: "لشرف القبلة" علة لقوله ويدخل وقوله مستقبلا قوله: "وهو أولى من السل" ورد أنه صلى الله عليه وسلم سل سلا وحمل على حالة الضرورة لضيق المكان أو لخوف أن ينهار اللحد لرخاوة الأرض على أنه لا تعارض لأنه فعل بعض الصحابة وما تقدم فعل النبي صلى الله عليه وسلم والسل أن توضع الجنازة على يمين القبلة من مؤخر القبر بحيث يكون رأس الميت بإزاء موضع قدميه من القبر فيسله الواقف إلى القبر من جهة رأسه قوله: "ويقول واضعه الخ" أي ندبا كما في الدر قوله: "وكان يقوله" أي النبي صلى الله عليه وسلم كذا في التبيين قوله: "وعلى ملة رسول الله الخ" قال الإمام الماتريدي هذا ليس بدعاء لأنه لا تبديل عن الذي مات عليه غير أن المؤمنين شهداء الله في الأرض يشهدون بوفاته على الإيمان وبه جرت السنة كذا في البحر قوله: "قالوا باسم الله وبالله الخ" أي وضعناك متبركين باسم الله وبه آمنا وفي رضاه رغبنا ونحن في ذلك كله على ملته ودينه قهستاني قوله: "ولا يضر دخول وتر" في الحلبي عن الذخيرة ولا يتعين عدد الواضعين لأن المعتبر حصول الكفاية ودخل قبره صلى الله عليه وسلم أربعة علي والعباس وابنه الفضل واختلف في الرابع هل هو صهيب أو المغيرة أو أبو رافع أو صالح قوله: "وأن يكونوا أقوياء" أي على الحمل قوله: "أمناء" أي بحيث لو اطلعوا على شيء أخفوه وقوله صلحاء أي فلا تخالطهم شهوة(1/608)
وذو الرحم المحرم أولى بإدخال المرأة ثم ذو الرحم غير المحرم ثم الصالح من مشايخ جيرانها ثم الشبان الصلحاء ولا يدخل أحد من النساء القبر ولا يخرجهن إلا الرجال ولو كانوا أجانب لأن مس الأجنبي لها بحائل عند الضرورة جائز في حياتها فكذا بعد موتها "ويوجه إلى القبلة على جنبه الأيمن" بذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي داود "البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا " "وتحل العقدة" لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لسمرة وقد مات له ابن "أطلق عقد رأسه وعقد رجليه" لأنه أمن من الانتشار "ويسوى اللبن" بكسر الباء الموحدة واحدة لبنة بوزن كلمة الطوب النيء "عليه" أي على اللحد اتقاء لوجهه عن التراب لما روي أنه عليه الصلاة والسلام جعل على قبره اللبن وروي طن من قصب بضم الطاء المهملة الحزمة ولا منافاة لإمكان الجمع بوضع اللبن منصوبا ثم أكمل بالقصب وقال محمد في الجامع الصغير "و" يستحب "القصب" واللبن وقال في الأصل اللبن والقصب فدل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ثم ذو الرحم غير المحرم" المحرم غير ذي الرحم بمصاهرة أو رضاع مقدم عليه قوله: "من مشايخ جيرانها" قيل الشيخ من بلغ الثلاثين إلى الخمسين قوله: "ثم الشبان" هم من لم يبلغ السن المذكور قوله: "ولا يدخل أحد من النساء القبر" ولاكافر ولو كانا قريبين للميت ذكره ابن أمير حاج وفي نسخة بنصب أحد ولا وجه له إلا أن يجعل الفاعل ضميرا يعود على الولي مثلا قوله: "ولا يخرجهن إلا الرجال" كذا في نسخة أي لا يخرجهن من الجنازة إلى القبر وكذا من المغتسل إلى السرير وفي نسخة ولا يخرجن والمعنى لا يخرجن إلى التشييع وتقدم ما فيه قوله: "عند الضرورة" كالمداواة قوله: "ويوجه إلى القبلة" وجوبا كما في الدر أوا ستنانا كما في ابن أمير حاج عن الإمام فلو وضع لغير القبلة أو على يساره ثم تذكروا قال الإمام إن كان بعد تسريج اللبن قبل أن ينهال التراب عليه أزالوا ذلك ووجه إليها على يمينه وإن أهالوا التراب لا ينبش القبر لأن ذلك سنة والنبش حرام اهـ قوله: "بذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم" عليا لما مات رجل من بني عبد المطلب فقال يا علي استقبل به القبلة استقبالا وقولوا جميعا باسم الله وعلى ملة رسول الله وضعوه لجنبه ولا تكبوه على وجهه ولا تلقوه على ظهره كذا في الجوهرة وفي الحلبي ويسند الميت من ورائه بنحو تراب لئلا ينقلب اهـ قوله: "وتحل العقدة" ويقول الحال اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده قوله: "أطلق عقد رأسه" بهمزة قطع مفتوحة وعقد الظاهر أنه بفتح العين وسكون القاف على صيغة المصدر لا صيغة الجمع قوله: "ويسوى اللبن" بفتح اللام فيه وفي مفرده وبكسر الباء فيهما ومن العرب من يكسر اللام فيهما مع سكون الباء مثل لبدة ولبد وهو كما في الصحاح ما يعمل من الطين مربعا ويبنى به قوله: "جعل على قبره اللبن" وكان عدد لبنات لحده صلى الله عليه وسلم تسعا قوله: "ثم أكمل بالقصب" خوف نزول التراب من الشقوق قال الوبري يستحب اللبن والقصب والحشيش في اللحد فيقيم اللبن عليه من جهة القبر ويسد شقوقه لئلا ينزل التراب منها على الميت اهـ قوله: "وقال في(1/609)
المذكور في الجامع على أنه لا بأس بالجمع بينهما واختلف في القصب المنسوج ويكره إلقاء الحصير في القبر وهذا عند الوجدان وفي محل لا يوجد إلا الصخر فلا كراهة فيه فقولهم "وكره" وضع "الآجر" بالمد المحرق من اللبن "والخشب" محمول على وجود اللبن بلا كلفة وإلا فقد يكون الخشب والآجر موجودين ويقدم اللبن لأن الكراهة لكونهما للإحكام والزينة ولذا قال بعض مشايخنا إنما يكره الآجر إذا أريد به الزينة أما إذا أريد به دفع أذى السباع أو شيء آخر لا يكره وما قيل إنه لمس النار فليس بصحيح "و" يستحب "أن يسجى" أي يستر "قبرها" أي المرأة سترا لها إلى أن يسوى عليها اللحد "لا" يسجى قبره لأن عليا رضي الله عنه مر بقوم قد دفنوا ميتا وبسطوا على قبره ثوبا فجذبه وقال إنما يصنع هذا بالنساء إلا إذا كان لضرورة دفع حر أو مطر أو ثلج عن الداخلين في القبر فلا بأس به "ويهال التراب" سترا له ويستحب أن يحثى ثلاثا لما روي أنه صلى الله عليه وسلم: صلى على جنازة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأصل" أي المبسوط وتأليفه قبل تأليف الجامع الصغير وكلاهما للإمام محمد رضي الله عنه قوله: "على أنه لا بأس بالجمع" الأولى أن يقول على إباحة الجمع قوله: "في القصب المنسوج" أي المجموع بعضه إلى بعض بنحو حبل كالذي يفعله الخصاصون في بولاق وكالحصر قوله: "وهذا" أي استحباب اللبن والقصب قوله: "لا الصخر" أي أو الآجر قوله: "وإلا فقد يكون الخ" أي وإن لم تحمل كراهة الآجر والخشب على حال وجود اللبن بل قلنا بالكراهة مطلقا يكون حرجا لأنه قد يكون اللبن معدوما ويوجدان والتكليف به حينئذ فيه حرج عظيم قوله: "لأن الكراهة الخ" علة لمحذوف أي فلا يكرهان حينئذ لأن الكراهة لكونهما للأحكام والزينة وهذا إنما يكون غالبا عند وجود غيرهما أما عند العدم فاستعمالهما للضرورة قوله: "ولذا قال بعض مشايخنا" قال في الخانية يكره الآجر إذا كان مما يلي الميت أما فيما وراء ذلك فلا بأس وفي الحسامي وقد نص إسمعيل الزاهد بالآجر خلف اللبن على اللحد وأوصى به كذا في الشرح قوله: "أو شيء آخر" كقطع الرائحة أو كانت البلاد كثيرة المطر فيذهب اللبن وهو مرفوع عطف على دفع قوله: "فليس بصحيح" لأن الكفن مسته النار ويغسل الميت بالماء الحار وأجيب بأن النار لم تمس الماء بخلاف الآجر كما هو ظاهر حموي وبأن الآجر به أثر النار فيكره في القبر للتشاؤم بخلاف الغسل بالماء الحار فإنه يقع في البيت فلا يكره كما لا يكره الإجمار فيه بخلاف القبر وبمثل ما ذكر يجاب عن الكفن قوله: "أن يسجى" بتشديد الجيم مصباح قوله: "إلى أن يستوى عليها اللحد" وفي المحيط إذا وضعت في اللحد استغنى عن التسجية قهستاني قوله: "لا يسجى قبره" في الجلابي عبارة أصحابنا في تسجية قبره مختلفة منها ما يدل على الجواز ومنها ما يدل على الكراهة قهستاني قوله: "إنما يصنع هذا بالنساء" هو آخر الأثر قوله: "ويهال التراب" في القبر بالأيدي وبالمساحي وبكل ما أمكن قوله: "ويستحب" أي لمن شهد دفن الميت أن يحثى في قبره(1/610)
ثم أتى القبر فحثا عليه التراب من قبل رأسه ثلاثا "ويسنم القبر" ويكره أن يزيد فيه على التراب الذي خرج منه ويجعله مرتفعا عن الأرض قدر شبر أو أكثر بقليل ولا بأس برش الماء حفظا له "ولا يربع" ولا يجصص لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تربيع القبور وترصيصها "ويحرم البناء عليه للزينة" لما رويناه "ويكره" البناء عليه "للإحكام بعد الدفن" لأنه للبقاء والقبر للفناء وأما قبل الدفن فليس بقبر وفي النوازل لا بأس بتطيينه وفي الغياثية: وعليه الفتوى. "ولا بأس" أيضا "بالكتابة" في حجر صين به القبر ووضع "عليه لئلا يذهب الأثر"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
ثلاث حثيات بيديه جميعا من قبل رأسه ويقول في الأولى منها خلقنا كم وفي الثانية وفيها نعيدكم وفي الثالثة ومنها نخرجكم تارة أخرى قوله: "ويسنم القبر" ندبا وقيل وجوبا والأول أولى وهو أن يرفع غير مسطح كذا في المغرب وقوله بعد ويجعله مرتفعا الأولى تقديمه على قوله ويكره أن يزيد الخ وقوله قدر شبر هو ظاهر الرواية وقيل قدر أربع أصابع وتباح الزيادة على قدر شبر في رواية كما في القهستاني قوله: "ويكره أن يزيد فيه على التراب الذي خرج منه" لأنها بمنزلة البناء بحر وهو رواية الحسن عن الإمام وعن محمد لا بأس بها قوله: "ولا بأس برش الماء" بل ينبغي أن يكون مندوبا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله بقبر عيد وقبر ولده إبراهيم وأمر به في قبر عثمان بن مظعون وفي كتاب النورين من أخذ من تراب القبر بيده وقرأ عليه سورة القدر سبعا وتركه في القبر لم يعذب صاحب القبر ذكره السيد قوله: "ولا يربع" به قال الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور وقال الشافعي والتربيع أفضل روى أن من شاهد قبره الشريف قال إنه مسلم قوله: "ولا يجصص" به قالت الثلاثة لقول جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور وإن يكتب عليها وأن يبنى عليهارواه مسلم وأبو د اود والترمذي وصححه وزاد وأن توطأ قوله: "لنهي النبي صلى الله عليه وسلم" يفيد أن ما ذكره مكروه تحريما قوله: "لما روينا" من النهي عن التجصيص والتربيع فإنه من البناء قوله: "ويكره البناء عليه" ظاهر إطلاقه الكراهة أنها تحريمية قال في غريب الخطابي نهى عن تقصيص القبور وتكليلها انتهى التقصيص التجصيص والتكليل بناء الكاسل وهي القباب والصوامع التي تبنى على القبر قوله: "وأما قبل الدفن الخ" أي فلا يكره الدفن في مكان بنى فيه كذا في البرهان قال في الشرح وقد اعتاد أهل مصر وضع الأحجار حفظا للقبور عن الإندارس والنبش ولا بأس به وفي الدر ولا يجصص ولا يطين ولا يرفع عليه بناء وقيل لا بأس به هو المختار اهـ قوله: "وفي النوازل لا بأس بتطيينه" وفي التجنيس والمزيد لا بأس بتطيين القبور خلافا لما في مختصر الكرخي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر ابنه إبراهيم فرأى فيه حجر أسقط فيه فسده وقال: "من عمل عملا فليتقنه" وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم رفع قبر ابنه إبراهيم شبرا وطينه بطين أحمر اهـ قوله: "ولا بأس أيضا بالكتابة" قال في البحر الحديث المتقدم يمنع الكتابة فليكن هو المعول عليه لكن فصل في المحيط فقال إن احتيج(1/611)
فيحترم للعلم بصاحبه "ولا يمتهن" وعن أبي يوسف أنه كره أن يكتب عليه. وإذا خربت القبور فلا بأس بتطيينها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بقبر ابنه إبراهيم فرأى فيه جحرا فسده وقال: "من عمل عملا فليتقنه" وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خفق الرياح وقطر الأمطار على قبر المؤمن كفارة لذنوبه" "ويكره الدفن في البيوت لاختصاصه بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام" قال الكمال لا يدفن صغير ولا كبير في البيت الذي مات فيه فإن ذلك خاص بالأنبياء عليهم السلام بل يدفن في مقابر المسلمين "ويكره الدفن في" الأماكن التي تسمى "الفساقي" وهي كبيت معقود في البناء يسع جماعة قياما ونحوه لمخالفتها السنة "ولا بأس بدفن أكثر من واحد" في قبر واحد "للضرورة" قال قاضيخان "ويحجز بين كل اثنين بالتراب" هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات ولو بلي الميت وصار ترابا جاز دفن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى الكتابة حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن به جازت فأما الكتابة من غير عذر فلا اهـ قوله: "رأى حجرا" أي سقط قوله: "أنه قال خفق الرياح" كذا فيما رأيته من نسخ الصغير بالخاء وفي الكبير صفق بالصاد وهو الذي رأيته في تحرير بعض الأفاضل عازيا إلى كفاية الشعبي قال في القاموس إصفقت الريح الأشجار حركتها وفيه خفقت الراية تخفق وتخفق خفقا خفقانا محركة اضطربت وتحركت وخوافق السماء التي تخرج منها الرياح الأربع اهـ فكل يأتي بمعنى التحريك والمعنى أن تحريك الرياح على قبره كغارة لذنوبه قوله: "ويكره الدفن في البيوت" إلا لضرورة مضمرات قوله: "ويكره الدفن في الفساقي" من وجوه الأول عدم اللحد الثاني دفن الجماعة لغير ضرورة الثالث اختلاط الرجال بالنساء من غير حاجز كما هو الواقع في كثير منها الرابع تجصيصها والبناء عليها قاله السيد إلا أن في نحو قرافة مصر لا يتأتى اللحد ودفن الجماعة لتحقق الضرورة وأما البناء فقد تقدم الاختلاف فيه وأما الاختلاط فللضرورة فإذا فعل الحاجز بين الأموات فلا كراهة وصرح المصنف بعد بجواز دفن المتعددين في قبر واحد للضرورة قوله: "للضرورة" فإن وجدت جازت الزيادة عليه فيقدم الأفضل فالأفضل إلى جهة القبلة فيما إذا اتحد الجنس وإلا فالرجل ثم الغلام ثم الخنثى ثم الأنثى كما في البدائع ومن الضرورة المبيحة لجمع ميتين فصاعدا في قبر واحد ابتداء على ما ذكره ابن أمير حاج قلة الدافنين أو ضعفهم أو اشتغالهم بما هو أهم وليس منها دفن الرجل مع الرجل قريبه ولا ضيق محل الدفن في تلك المقبرة مع وجود غيرها وإن كانت تلك المقبرة مما يتبرك بالدفن فيها لمجاورة الصالحين فضلا عن هذه الأمور لما فيه من هتك حرمة الميت الأول وتفريق أجزائه فيمنع من ذلك اهـ قوله: "ويحجز بين كل اثنين بالتراب" ندبا إن أمكن كما في ابن أمير حاج ليكون في حكم قبرين كما في العيني على البخاري قوله: "هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات" قال بعض الأفاضل لم أجده فيما علمت وإنما هو قول العلماء حتى إن أشهب صاحب مالك أنكره وقال لا معنى له إلا التضييق على ما نقله عنه(1/612)
غيره في قبره ولا يجوز كسر عظامه ولا تحويلها ولو كان ذميا ولا ينبش وإن طال الزمان وأما أهل الحرب فلا بأس بنبشهم إن احتيج إليه "ومن مات في سفينة وكان البر بعيدا وخيف الضرر" به "غسل وكفن" وصلى عليه "وألقي في البحر" وعن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يثقل ليرسب وعن الشافعية كذلك إن كان قريبا من دار الحرب والأشد بين لوحين ليقذفه البحر فيدفن "ويستحب الدفن في" المقبرة "محل مات به أو قتل" لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت حين زارت قبر أخيها عبد الرحمن وكان مات بالشام وحمل منها: لو كان الأمر فيك إلي ما نقلتك ولدفنتك حيث مت "فإن نقل قبل الدفن قدر ميل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البدر العيني في شرح البخاري قوله: "جاز دفن غيره في قبره" وزرعه والبناء عليه كذا في التبيين قوله: "ولو كان ذميا" في التتارخانية مقابر أهل الذمة لا تنبش وإن طال الزمن لأنهم أتباع المسلمين أحياء وأمواتا بخلاف أهل الحرب إذا احتيج إلى نبشهم فلا بأس به اهـ وسئل أبو بكر الأسكافي عن المرأة تقبر في قبر الرجل فقال إن كان الرجل قد بلى ولم يبق له لحم ولا عظم جاز وكذا العكس وإلا فإن كانوا لا يجدون يدا يجعلون عظام الأول في موضع وليجعلوا بينهما حاجزا بالصعيد اهـ قال في الشرح ولا يخفى أن ضم عظام المسلم يحصل به خلال ولا تخلو به عن كسر بسبب التحويل خصوصا الآن كما اعتاده الحفارون من إتلاف القبور التي لا تزار إلا قليلا ولا يتعاهدها أهلها ونقل عظام الموتى أو طمسها أو جمعها في حفرة وإيهام أن المحل لم يكن به ميت فلا يقال تضم أو تجعل عظام الأول في موضع دفعا للضرر عن موتى المسلمين اهـ وفي البرهان ويكره الدفن ليلا بلا عذر لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا" رواه ابن ماجه وفي الجوهرة لا بأس بذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ليلة أربعاء وعثمان وفاطمة وعائشة رضي الله تعالى عنهم دفنوا ليلا ولكنه بالنهار أفضل لأنه أمكن اهـ قوله: "وخيف الضرر به" أي التغير أما إذا لم يخف عليه التغير ولو بعد البر أو كان البر قريبا وأمكن خروجه فلا يرمي كما يفيده مفهومه والظاهر عليه حرمة رميه وحرره نقلا قوله: "وألقى في البحر" مستقبل القبلة على شقه الأيمن ويشد عليه كفنه وقوله ليرسب أي ليثبت في قعر البحر وفي القاموس رسب في الماء كنصر وكرم رسوبا ذهب سفلا قوله: "وعن الشافعية الخ" نقله بعض الأفاضل عن أهل مذهبنا أيضا قوله: "فيدفن" أي يدفنه المسلمون الذين يجدونه بساحل البحر قوله: "في مقبرة محل مات به" انظر حكم ما إذا تعددت المقابر في محل وأبيح الدفن في كلها أوله في كل قبر هل يكون الدفن في القربى أولى أو يعتبر الجيران الصالحون يحرر قوله: "لما روي عن عائشة الخ" ولأنه اشتغال بما لا يفيد إذ الأرض كلها كفات مع ما فيه من تأخير دفنه وكفي بذلك كراهة قوله: "حين زارت قبر أخيها عبد الرحمن" أي بمكة قوله: "فإن نقل قبل الدفن الخ" في البرهان لا بأس بنقله قبل تسوية اللبن نحو ميل أو ميلين اهـ أي وأما بعد التسوية قبل إهالة(1/613)
أو ميلين" ونحو ذلك "لا بأس به" لأن المسافة إلى المقابر قد تبلغ هذا المقدار "وكره نقله لأكثر منه" أي أكثر من الميلين كذا في الظهيرية وقال شمس الأئمة السرخسي وقول محمد في الكتاب لا بأس أن ينقل الميت قدر ميل أو ميلين بيان أن النقل من بلد إلى بلد مكروه وقال قاضيخان وقد قال قبله لو مات في غير بلده يستحب تركه فإن نقل إلى مصر آخر لا بأس به لما روي أن يعقوب صلوات الله عليه مات بمصر ونقل إلى الشام وسعد ابن أبي وقاص مات في ضيعة على أربعة فراسخ من المدينة ونقل على أعناق الرجال إلى المدينة. قلت يمكن الجمع بأن الزيادة مكروهة في تغيير الرائحة أو خشيتها وتنتفي بانتفائها لمن هو مثل يعقوب عليه السلام وسعد رضي الله عنه لأنهما من أحياء الدارين "ولا يجوز نقله" أي الميت "بعد دفنه" بأن أهيل عليه التراب وأما قبله فيخرج "بالإجماع" بين أئمتنا طالت مدة دفنه أو قصرت للنهي عن نبشه والنبش حرام حقا لله تعالى "إلا أن تكون لأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
التراب فلا كما في البرازية والخلاصة عن الجامع الصغير للحاكم عبد الرحمن وظاهر ذلك ولو لغير ضرورة وسيأتي عن الزيلعي والمنبع جواز نقله قبل الإهالة ولو بعد التسوية وعليه مشى الشرح فيما يأتي والظاهر اعتماده إذ ما في الشرح مقدم على ما في الفتاوى قوله: "ونحو ذلك" أي قريبا من الميلين قوله: "لأن المسافة الخ" أي وإذا جاز النقل في هذه الصورة مع إمكان دفنه في أولها مثلا جاز نقله وهذا التعليل لا يظهر إلا فيما قبل الدفن لا فيما بعد التسوية قبل الإهالة قوله: "أي أكثر من الميلين" كثرة فاحشة أما الزيادة عليهما بقدر يسير فلا تضر فلا ينافي قوله قبل ونحو ذلك قوله: "بيان أن النقل من بلد إلى بلد مكروه" أي تحريما لأن قدر الميلين فيه ضرورة ولا ضرورة في النقل إلى بلد آخر وقيل أيجوز ذلك إلى ما دون مدة السفر وقيل في مدة السفر أيضا كذا في الحلبي وفيه أن كلام محمد مطلق عن قيد لضرورة وأيضا لا تظهر الكراهة في نقله من بلد إلى بلد إلا إذا كانت المسافة أكثر من ميلين قوله: "وقد قال قبله" أي قاضيخان قبل نقله عبارة شمس الأئمة السرخسي قوله: "فإن نقل إلى مصر آخر لا بأس به" وظاهره عدم كراهة النقل من بلد إلى بلد مطلقا قوله: "لما روي أن يعقوب الخ" وموسى عليه السلام نقل تابوت يوسف عليه السلام من مصر إلى الشام بعد زمان قوله: "قلت الخ" أضله للكمال فإنه قال في رده كلام صاحب الهداية في التجنيس أنه لا إثم في النقل من بلد إلى بلد لما نقل أن يعقوب الخ ما نصه أن ذلك شرع من قبلنا ولم تتوفر فيه شروط كونه من شرعنا ولأن أجساد الأنبياء عليهم السلام أطيب ما يكون حال الموت كالحياة والشهداء كسعد رضي الله عنه ليسوا كغيرهم ممن جيفتهم أشد نتنا من جيفة البهائم فلا يلحق بهم اهـ قوله: "وأما قبله" أي قبل ما ذكر من إهالة التراب عليه وظاهره أنه يخرج ولو بعد تسوية اللبن قبل الإهالة وهو الذي في الزيلعي والمنح وقد تقدم عن البزازية والخلاصة ما يخالفه قوله: "للنهي عن نبشه" فلو دفن ولدها بغير بلدها وهي(1/614)
مغصوبة" فيخرج لحق صاحبها إن طلبه وإن شاء سواه بالأرض وانتفع بها زراعة أو غيرها "أو أخذت" الأرض "بالشفعة" بأن دفن بها بعد الشراء ثم أخذت بالشفعة لحق الشفيع فيتخير كما قلنا "وإن دفن في قبر حفر لغيره" من الأحياء بأرض ليست مملوكة لأحد "ضمن قيمة الحفر" وأخذ من تركته وإلا فمن بيت المال أو المسلمين كما قدمناه فإن كانت المقبرة واسعة يكره لأن صاحب القبر يستوحش بذلك وإن كانت الأرض ضيقة جاز أي بلا كراهة قال الفقيه أبو الليث رحمه الله لأن أحدا من الناس لا يدري بأي أرض يموت وهذا كمن بسط بساطا أو مصلى أي سجادة في المسجد أو المجلس فإن كان واسعا لا يصلي ولا يجلس عليه غيره وإن كان المكان ضيقا جاز لغيره أن يرفع البساط ويصلي في ذلك المكان أو يجلس ومن حفر قبرا قبل موته فلا بأس به ويؤجر عليه هكذا عمل عمر بن عبد العزيز والربيع بن خثعم وغيرهم "ولا يخرج منه"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لا تصبر وأرادت نبشه ونقله إلى بلدها لا يباح لها ذلك فتجويز بعض المتأخرين لا يلتفت إليه ولا يباح نبشه بعد الدفن أصلا كذا في الفتح وغيره قوله: "إلا أن تكون الأرض مغصوبة" في المضمرات النقل بعد الدفن على ثلاثة أوجه في وجه يجوز باتفاق وفي وجه لا يجوز باتفاق وفي وجه اختلاف أما الأول فهو إذا دفن في أرض مغصوبة أو كفن في ثوب مغصوب ولم يرض صاحبه إلا بنقله عن ملكه أو نزع ثوبه جاز أن يخرج منه باتفاق وأما الثاني فكالأم إذا أرادت أن تنظر إلى وجه ولدها أو نقله إلى مقبرة أخرى لا يجوز باتفاق وأما الثالث إذا غلب الماء على القبر فقيل يجوز تحويله لما روي أن صالح بن عبيد الله رؤي في المنام وهو يقول حولوني عن قبري فقد آذاني الماء ثلاثا فنظروا فإذا شقه الذي يلي الماء قد أصابه الماء فأفتى ابن عباس رضي الله عنهما بتحويله وقال الفقيه أبو جعفر يجوز ذلك أيضا ثم رجع ومنع قوله: "فيخرج لحق صاحبها" لأنه يملك ظاهرها وباطنها قوله: "كما قلنا" في الأرض المغصوبة من إخراجه أو انتفاع المالك بها زراعة وغيرها وصورة الشفعة أن يشتري المتوفى قبل موته أرضا من بائع له شريك فيها أو جار ثم دفن فيها بعد موته فعلم من له الشفعة فطلبها فأخذها بالشفعة وكذا لو اشتراها الوارث أو نحوه قوله: "ليست مملوكة لأحد" أما إذا كانت مملوكة لأحد فهي مغصوبة وحكمها سبق قوله: "ضمن قيمة الحفر" بالبناء للمجهول والضامن أما الوارث أو بيت المال أو أغنياء المسلمين قوله: "أو المسلمين" أي إن لم يكن في بيت المال شيء أو كان وظلم قوله: "يستوحش" أي يغتم ويحزن قوله: "لأن أحدا من الناس الخ" أي فيمكن أنه لا يدفن حافره فيه فلم يتحتم له حق فيه قوله: "أو المجلس" أي كمجلس أهل العلم قوله: "أن يرفع البساط" أي ينحيه ولا يرفعه بيده لئلا يدخل في ضمانه إذا ضاع كما تقدم في السترة قوله: "هكذا عمل عمر بن عبد العزيز" وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه رأى رجلا عنده مسحاة يريد(1/615)
لأن الحق صار له وحرمته مقدمة "وينبش" القبر "لمتاع" كثوب ودرهم "سقط فيه" وقيل لا ينبش بل يحفر من جهة المتاع ويخرج "و" ينبش "لكفن مغصوب" لم يرض صاحبه إلا بأخذه "ومال مع الميت" لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح نبش قبر أبي رغال لذلك "ولا ينبش" الميت "بوضعه لغير القبلة أو" وضعه "على يساره" أو جعل رأسه موضع رجليه ولو سوي اللبن عليه ولم يهل التراب نزع اللبن وراعى السنة.
"تتمة" قال كثير من متأخرة أئمتنا رحمهم الله يكره الاجتماع عند صاحب حتى يأتي إليه من يعزي بل إذا رجع الناس من الدفن فليفرقوا ويشتغلوا بأمورهم وصاحب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أن يحفر لنفسه قبرا فقال لا تعدد لنفسك قبرا وأعدد نفسك للقبر قال البرهان الحلبي والذي ينبغي أنه لا يكره تهيئة نحو الكفن لأن الحاجة إليه تتحقق غالبا بخلاف القبر لقوله تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] الظاهر أن الإنبغاء وعدمه هنا بمعنى الأولى وعدمه لا الوجوب وعدمه قوله: "لذلك" أي لمال وهو قضيب ذهب وضع معه قوله: "تتمة الخ" مما يلحق بذلك أنهم إذا فرغوا من دفنه يستحب الجلوس عند قبره بقدر ما ينحر جزور ويقسم لحمه يتلون القرآن ويدعون للميت فقد ورد أنه يستأنس بهم وينتفع به وعن عثمان رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: "استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" رواه أبو داود وتلقينه بعد الدفن حسن واستحبه الشافعية لما عن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس القبر ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ثم ليقل يا فلان يا ابن فلانة فإنه يستوي قاعدا ثم ليقل يا فلان يا ابن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله تعالى ولكنكم لا تسمعون فيقول اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرآن إماما فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما ويقول انطلق بنا ما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون الله حجيجهما عنه" فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه قال: "ينسبه إلى أمه حواء" رواه الطبراني في الكبير وهو وإن كان ضعيف الإسناد كما ذكره الحافظ لكن قال ابن الصلاح وغيره اعتضد بعمل أهل الشام قديما كما في السراج وابن أمير حاج وقد تقدم ما فيه والسؤال بعد الدفن في محل لا يخرج منه أبدا إلا لضرورة وعليه فلو وضع في قبر للدوام ثم تحول إليه الماء فنقل للضرورة يكون السؤال في الأول فلو جعل في تابوت أو موضع آخر لينقل لم يسأل فيه كذا في الخلاصة والبزازية والأشهر أنه حين يدفن وقيل في بيته تنطبق عليه الأرض كالقبر ولا بد منه ولو في بطن سبع أو قعر بحر والحق أنه يسأل كل أحد بلسانه كما قاله اللقاني واختلف في سؤال الأنبياء عليهم السلام والأطفال ورجح عدمه في الأول دون الثاني لكن يلقنه الملك فيقول له من ربك ثم يقول له قل الله ربي(1/616)
الميت بأمره ويكره الجلوس على باب الدار للمصيبة فإن ذلك عمل أهل الجاهلية ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ويكره في المسجد ويكره الضيافة من أهل الميت لأنها شرعت في.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
وهكذا الخ وقيل يلهمه الله تعالى فيجيب كما ألهم عيسى عليه السلام في المهد وحكمة السؤال إظهار شرف المؤمن وخذلان الكافر واستثنى بعض أكابر أهل السنة جماعة فلا يسألون منهم المقتول في معركة الكفار والمرابط والمطعون ومن مات في زمن الطاعون والمبطون والمجنون وأهل الفترة والميت ليلة الجمعة ويومها والقارىء كل ليلة سورة الملك وطالب العلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "من جاء أجله وهو يطلب العلم لقي الله ولم يكن بينه وبين النبيين إلا درجة النبوة" كذا في جواهر الكلام والحديث رواه الطبراني والدارمي وابن السني بلفظ من جاءه ملك الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام فبينه وبين النبوة درجة واحدة في الجنة كما في تخريج الأحياء والمقاصد الحسنة وفي المبتغى بالغين اتباع جنازة الغريب أو الجار الصالح أفضل من النوافل وإلا فهي أفضل اهـ وفي شرعة الإسلام والسنة أن يتصدق ولي الميت له قبل مضي الليلة الأولى بشيء مما تيسر له فإن لم يجد شيئا فليصل ركعتين ثم يهد ثوابهما له قال ويستحب أن يتصدق على الميت بعد الدفن إلى سبعة أيام كل يوم بشيء مما تيسر اهـ قوله: "ويكره الجلوس على باب الدار" قال في شرح السيد ولا بأس بالجلوس لها إلى ثلاثة أيام من غير ارتكاب محظور من فرش البسط والأطعمة من أهل الميت اهـ فإن حمل قول المصنف ويكره الجلوس الخ على ما إذا كان بمحظور ارتفعت المخالفة ويدل عليه ما في النهر عن التجنيس لا بأس بالجلوس لها ثلاثة أيام وكونه على باب الدار مع فرش بسط على قوارع الطريق من أقبح القبائح قوله: "وتكره في المسجد" قال في الدرر لا بأس بالجلوس لها في غير مسجد ثلاثة أيام قوله: "وتكره الضيافة من أهل الميت" قال في البزازية يكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثالث وبعد الأسبوع ونقل الطعام إلى المقبرة في المواسم واتخاذ الدعوة بقراءة القرآن وجمع الصلحاء والقراء للختم أو لقراءة سورة الأنعام أو الإخلاص اهـ قال البرهان الحلبي ولا يخلو عن نظر لأنه لا دليل على الكراهة إلا حديث جرير المتقدم وهو ما رواه الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح عن جرير بن عبد الله كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة اهـ يعني وهو فعل الجاهلية إنما يدل على كراهة ذلك عند الموت فقط على أنه قد عارضه ما رواه الإمام أحمد أيضا بسند صحيح وأبو داود عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما رجع استقبله داعي امرأته فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ووضع القوم فأكلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك اللقمة في فيه الحديث فهذا يدل على إباحة صنع أهل الميت الطعام والدعوة إليه بل ذكر في البزازية أيضا من كتاب الاستحسان وإن اتخذ طعاما للفقراء كان حسنا اهـ وفي استحسان الخانية وإن اتخذو لي الميت طعاما للفقراء كان(1/617)
السرور لا في الشرور وهي بدعة مستقبحة وقال عليه السلام: "لا عقر في الإسلام" وهو الذي كان يعقر عند القبر بقرة أو شاة ويستحب لجيران الميت والأباعد من أقاربه تهيئة طعام لأهل الميت يشبعهم يومهم وليلتهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم" ويلح عليهم في الأكل لأن الحزن يمنعهم فيضعفهم والله ملهم الصبر ومعوض الأجر وتستحب التعزية للرجال والنساء اللاتي لا يفتن لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عزى أخاه بمصيبة كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة" وقوله صلى الله عليه وسلم: "من عزى مصابا فله مثل أجره"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
حسنا إلا أن يكون في الورثة صغير فلا يتخذ ذلك من التركة اهـ وقد علمت ما ذكره صاحب الشرعة قوله: "لا عقر في الإسلام" بفتح العين قال ابن الأثير هذا نفي لعادة الجاهلية وتحذير منها فإنهم كانوا ينحرون الإبل على قبور الموتى ويقولون إنه كان يعقرها للأضياف في حياته فيكافأ بذلك بعد موته قوله: "بقرة" بالرفع بدل من الذي قوله: "يشبعهم يومهم وليلتهم" أي لاشتغالهم بالحزن هذه المدة قوله: "لأن الحزن" بضم الحاء وسكون الزاي وبفتحهما قوله: "والله ملهم الصبر الخ" هذا تعليم من المؤلف لمن هيأ الطعام أن يقول ألفاظا لأهل الميت تسلية لهم قوله: "تستحب التعزية الخ" ويستحب أن يعم بها جميع أقارب الميت إلا أن تكون امرأة شابة وهو المشار إليه بقوله اللاتي لا يفتن وهو بالبناء للفاعل ولا حجر في لفظ التعزية ومن أحسن ما ورد في ذلك ما روي من تعزيته صلى الله عليه وسلم لإحدى بناته وقد مات لها ولد فقال: "إن لله ما أخذو له ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى أو يقول عظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك أو نحو ذلك" وقد سمع من قائل يوم موته صلى الله عليه وسلم ولم ير شخصه قيل إنه الخضر عليه السلام يقول معزيا لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الله سبحانه عزاء من كل مصيبه وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله تعالى فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب" رواه الشافعي في الأم وذكره غيره أيضا وفيه دليل على أن الخضر حي وهو قول الأكثر ذكره الكمال عن السروجي والعزاء بالمد الصبر أو حسنه وعزى يعزي من باب تعب صبر على ما نابه وعزيته تعزية قلت له أحسن الله تعالى عزاءك أي رزقك الصبر الحسن كما في القاموس والمصباح ووقتها من حين يموت إلى ثلاثة أيام وأولها أفضل وتكره بعدها لأنها تجدد الحزن وهو خلاف المقصود منها لأن المقصود منها ذكر ما يسلي صاحب الميت ويخفف حزنه ويحضه على الصبر كما نبهنا الشارع على هذا المقصود في غير ما حديث قوله: "من حلل الكرامة" أي الدالة على تكريم الله تعالى إياه وقد حث الشارع المصاب على الصبر والاحتساب وطلب الخلف عما تلف فروى مالك في الموطأ عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أصابته مصيبة فقال كما أمره الله تعالى إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأعقبني خيرا منها إلا فعل الله تعالى ذلك به" وأجرني بسكون الهمزة والجيم فيها الضم والكسر وقد تمد الهمزة مع كسر الجيم ولمسلم "إلا أخلفه الله(1/618)
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من عزى ثكلى كسي بردين في الجنة" ولا ينبغي لمن عزى مرة أن يعزي أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تعالى خيرا منها" فينبغي لكل مصاب أن يفزع إلى ذلك وظاهر الأحاديث أن المأمور به قول ذلك مرة واحدة فورا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" رواه البخاري وخبر ولو ذكرها ولو بعد أربعين عاما فاسترجع كان له أجرها يوم وقوعها زيادة فضل لا تنافي استحباب فور وقوع المصيبة كما ذكره الزرقاني في شرح الموطأ وروى الطبراني وغيره إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته في فإنها من أعظم المصائب وفي لفظ ابن ماجه فليتعز بمصيبته بي فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعد أشد عليه من مصيبتي ولله در القائل:
اصبر لكل مصيبة وتجلد. ... واعلم بأن المرء غير مخلد.
وإذا ذكرت مصيبة تسلو بها. ... فاذكر مصابك بالنبي محمد.
وأنشدت فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها بعد موت أبيها صلى الله عليه وسلم:
ماذا على من شم تربة أحمد. ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا.
صبت علي مصائب لو أنها. ... صبت على الأيام عدن لياليا.
قوله: "من عزى ثكلى" في القاموس الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الحبيب أو الولد ويقال ثاكل وثكول وثكلانة قليل اهـ المراد منه فالثكلى فاقدة الولد أو الحبيب والبرد بالضم ثوب مخطط والجمع أبراد وأبرد وبرود وأكسية يلتحف بها والمراد يكسى من ثياب الجنة الفاضلة قوله: "ولا ينبغي لمن عزى مرة أن يعزي أخرى" وتكره عند القبر وهي بعد الدفن أفضل لأنهم قبله مشغولون بالتجهيز ووحشتهم بعد الدفن أكثر إلا إذا رأى منهم جزعا شديدا فيقدمها لتسكينهم والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/619)
فصل في زيارة القبور
ندب زيارتها" من غير أن يطأ القبور "للرجال والنساء" وقيل تحرم على النساء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في زيارة القبور
قوله: "ندب زيارتها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "زوروا القبور تذكركم الموت" وروي "تذكر الآخرة" وروي "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها واجعلوا زيارتكم لها صلاة عليهم واستغفارا لهم" وعن محمد بن النعمان يرفعه من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برا رواه البيهقي وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب عن محمد بن واسع قال:(1/619)
الأصح أن الرخصة ثابتة للرجال والنساء فتندب لهن أيضا "على الأصح" والسنة زيارتها قائما كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع ويقول:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده وقالابن القيم الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور وسمع سلامه وأنس به ورد عليه وهذ عام في حق الشهداء وغيرهم وأنه لا توقيت في ذلك قال وهو أصح من أثر الضحاك الدال على التوقيت قوله: "من غير أن يطأ القبور" في شرعة الإسلام ومن السنة أن لا يطأ القبور في نعليه ويستحب أن يمشي على القبور حافيا ويدعو الله تعالى لهم قال شارحها الظاهر من هذا أنه يجوز الوطء على المقابر إذا كان حافيا غير منتعل وهو يدعو لأهلها ويوافقه ما في الخزانة حيث نقل عن بعضهم أنه لا بأس أن يمر على المقبرة أو يطأها وهو قارىء القرآن أو مسبح أو داع لهم اهـ وفي شرح المشكاة والوطء لحاجة كدفن الميت لا يكره وفي السراج فإن لم يكن له طريق إلا على القبر جاز له المشي عليه للضرورة ولا يكره المشيء في المقابر بالنعلين عندنا وكرهه أحمد ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: "وإنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا ويكره المبيت في المقابر لما فيه من الوحشة والأهوال" وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى قوله: "للرجال" ويقصدون بزيارتها وجه الله تعالى وإصلاح القلب ونفع الميت بما يتلى عنده من القرآن ولا يمس القبر ولا يقبله فإنه من عادة أهل الكتاب ولم يعهد الاستلام إلا للحجر الأسود والركن اليماني خاصة وتمامه في الحلبي قوله: "وقيل تحرم على النساء" وسئل القاضي عن جواز خروج النساء إلى المقابر فقال لا تسأل عن الجواز والفساد في مثل هذا وإنما تسأل عن مقدار ما يلحقها من اللعن فيه واعلم بأنها كلما قصدت الخروج كانت في لعنة الله وملائكته وإذا خرجت تحفها الشياطين من كل جانب وإذا أتت القبور تلعنها روح الميت وإذا رجعت كانت في لعنة الله كذا في الشرح عن التتارخانية قال البدر العيني في شرح البخاري وحاصل الكلام أنها تكره للنساء بل تحرم في هذا الزمان لا سيما نساء مصر لأن خروجهن على وجه فيه فساد وفتنة اهـ وفي السراج وأما النساء إذا أردن زيارة القبور إن كان ذلك لتجديد الحزن والبكاء والندب كما جرت به عادتهن فلا تجوز لهن الزيارة وعليه يحمل الحديث الصحيح لعن الله زائرات القبور وإن كان للاعتبار والترحم والتبرك بزيارة قبور الصالحين من غير ما يخالف الشرع فلا بأس به إذا كن عجائز وكره ذلك للشابات كحضورهن في المساجد للجماعات اهـ وحاصله أن محل الرخص لهن إذا كانت الزيارة على وجه ليس فيه فتنة والأصح أن الرخصة ثابتة للرجال والنساء لأن السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها كانت تزور قبر حمزة كل جمعة وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها تزور قبر أخيها عبد الرحمن بمكة كذا ذكره البدر العيني في شرح البخاري قوله: "والسنة زيارتها قائما" قال في شرح المشكاة ينبغي أن يدنو من القبر قائما(1/620)
"السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لي ولكم العافية" "ويستحب" للزائر "قراءة" سورة "يس لما ورد" عن أنس رضي الله عنه "أنه" قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل المقابر فقرأ" سورة "يس" يعني وأهدى ثوابها للأموات "خفف الله عنه يومئذ" العذاب ورفعه" وكذا يوم الجمعة يرفع فيه العذاب عن أهل البرزخ ثم لا يعود على المسلمين "وكان له" أي للقارئ "بعدد ما فيها" رواية الزيلعي من فيها من الأموات "حسنات" وعن أنس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم فهل يصل ذلك إليهم فقال: "نعم إنه ليصل ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه" رواه أبو جعفر العكبري فلإنسان أن يجعل ثواب عمله
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أو قاعدا بحسب ما كان يصنع لزواره في حياته اهـ وكذا ذكره غيره وفي القهستاني ويقوم بحذاءه وجهه قربا وبعد أمثل ما في الحياة قال في الأحياء والمستحب في زيارة القبور إن يقف مستدبر القبلة مستقبلا وجه الميت وأن يسلم ولا يمسح القبر ولا يقبله ولا يمسه فإن ذلك من عادة النصارى كذا في شرح الشرعة قال في شرح المشكاة بعد كلام وحديث ما نصه فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن يكون لوجهه وأن يستمر كذلك في الدعاء أيضا وعليه عمل عامة المسلمين خلافا لما قالهابن حجر قوله: "السلام عليكم دار قوم الخ" ورد سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وهذا يدل على أن في الكلام مضافا محذوفا تقديره أهل دار وروي الحديث بألفاظ مختلفة وأخرج ابن عبد البر في الاستذكار والتمهيد بسند صحيح عن ابن عباس قوله: "قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام" قوله: "لاحقون" أي على أتم الحالات فصح ذكر المشيئة وإلا فاللحاق بهم لا محيص عنه قوله: "أسأل الله لي ولكم العافية" أي من سخط الله ومكروهات الآخرة قوله: "ويستحب للزائر قراءة سورة يس" بعد أن يقعد لتأدية القرآن على الوجه المطلوب بالسكينة والتدبر والاتعاظ وفي السراج ويستحب أن يقرأ على القبر بعد الدفن أول سورة البقرة وخاتمتها اهـ قوله: "من دخل" ظاهره أن الثواب المذكور لا يحصل إلا لمن دخل المقبرة وقرأ السورة فيها قوله: "ورفعه" أي العذاب لعل الواو بمعنى أو قوله: "ثم لا يعود على المسلمين" لم يصح فيه حديث كما ذكره منلا علي في بعض كتبه وأخذ من ذلك جواز القراءة على القبر والمسئلة ذات خلاف قال الإمام تكره لأن أهلها جيفة ولم يصح فيها شيء عنده عنه صلى الله عليه وسلم وقالمحمد تستحب لورود الآثار وهو المذهب المختار كما صرحوا به في كتاب الاستحسان قوله: "بعدد ما فيها" ما بمعنى من أو هو على حد قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3] فلوحظ فيها الصفة وهو الموت قوله: "كما يفرح أحدكم بالطبق" هو الذي يؤكل عليه كما في القاموس فهو من إطلاق المحل وإرادة الحال فيه قوله: "فللإنسان أن(1/621)
لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة أو صوما أو حجا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار أو غير ذلك من أنواع البر ويصل ذلك إلى الميت وينفعه قال الزيلعي في باب الحج عن الغير وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مر على المقابر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرا مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات" رواه الدارقطني وأخرج ابن أي شيبة عن الحسن أنه قال: "من دخل المقابر فقال: اللهم رب الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا وسلاما مني أستغفر له كل مؤمن مات منذ خلق الله آدم". وأخرج ابن أبي الدنيا بلفظ كتب له بعدد من مات من ولد آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات. "ولا يكره الجلوس للقراءة على القبر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة" سواء كان المجعول له حيا أو ميتا من غير أن ينقص من أجره شيء وأخرج الطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تصدق أحدكم بصدقة تطوعا فليجعلها عن أبويه فيكون لهما أجرها ولا ينقص من أجره شيء" وقالت المعتزلة ليس للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره لقوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] الجواب عنه من ثمانية أوجه الأول أنها منسوخة الحكم بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21] الآية فإنها تثبت دخول الأبناء الجنة بصلاح الآباء قاله ابن عباس الثاني أنها خاصة بقوم إبراهيم وموسى وأما هذه الأمة فلهم سعيهم وما سعى لهم قاله عكرمة الثالث المراد بالإنسان الكافر فله ما سعى فقط ويخفف عنه بسببه عذاب غير الكفر أو يثاب عليه في الدنيا فلا يبقى له في الآخرة شيء قاله الربيع بن أنس والثعلبي الرابع ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل فأما من طريق الفضل فجائز أن يزيده الله تعالى ما شاء قاله الحسين بن الفضل الخامس أن معنى ما سعى نوى قاله أبو بكر الوراق السادس أن اللام بمعنى على كما في قوله تعالى: {وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ} السابع أنه ليس له إلا سعيه غير أن الأسباب مختلفة فتارة يكون سعيه في تحصيل الخير بنفسه وتارة يكون في تحصيل سببه مثل سعيه في تحصيل قرابة وولد يترحم عليه وصديق يستغفر له وقد يسعى في خدمة الدين فيكتسب محبة أهله فيكون ذلك سببا حصل بسعيه حكاه أبو الفرج عن شيخه الزعفراني الثامن أن الحصر قد يكون في معظم المقصود بالحصر لا في كله كما في العيني على البخاري قوله: "أو غير ذلك" كالاعتكاف قوله: "بعدد الأموات" أي الأموات الموهوب لهم وهو المتبادر قوله: "والعظام النخرة" الناخر البالي المتفتت والنخرة من العظام البالية قاموس قوله: "وهي بك مؤمنة" واوه للحال قوله: "روحا منك" بفتح الراء هو الراحة والرحمة ونسيم الريح قاموس قوله: "استغفر له كل مؤمن" أي ومؤمنة والمراد أرواحهما قوله: "بعدد من مات" ولو كافرا قوله: "حسنات" نائب(1/622)
في المختار" لتأدية القراءة بالسكينة والتدبر والاتعاظ "وكره القعود على القبور بغير قراءة" لقوله عليه السلام: "لئن يجلس أحدكم على جمر فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلدته خير له من أن يجلس على قبر" "و" كره "وطئها" بالأقدام لما فيه من عدم الاحترام وأخبرني شيخي العلامة محمد بن أحمد الحموي الحنفي رحمه الله بأنهم يتأذون بخفق النعال اه. وقال الكمال وحينئذ فما يصنعه الناس ممن دفنت أقاربه ثم دفنت حواليهم خلق من وطء تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه اه. وقال قاضيخان: ولو وجد طريقا في المقبرة وهو يظن أنه طريق أحدثوه لا يمشي في ذلك وإن لم يقع في ضميره بأن يمشي فيه "و" كره "النوم" على القبور "و" كره تحريما "قضاء الحاجة" أي البول والتغوط "عليها" بل وقريبا منها وكذا كل ما لم يعهد من غير فعل السنة "و" كره "قلع الحشيش" الرطب "و" كذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فاعل كتب قوله: "لتأدية" علة لنفي الكراهة وهذا بيان للأكمل قوله: "وكره القعود على القبور لغير قراءة" وروى الإمام مالك في الموطأ أن عليا رضي الله عنه كان يتوسد القبور ويضطجع عليها وفي البخاري تعليقا قالنافع كان ابن عمر يجلس على القبور ووصله الطحاوي قالمالك وما ورد من النهي عن القعود على القبور أي من نحو ما ذكره المؤلف المراد به الجلوس لقضاء الحاجة أي بدليل فعل علي وابن عمر وثبت مرفوعا عن زيد بن ثابت قال إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور ولحدث أو بول أو غائط أخرجه الطحاوي برجال ثقات قال الطحاوي بعد كلام وقد ثبت بذلك أن الجلوس المنهي عنه في الآثار هو الجلوس للغائط أو البول وأما الجلوس لغير ذلك فلم يدخل في ذلك النهي وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد قال العيني في شرح البخاري فعلى هذا ما ذكره أصحابنا في كتبهم من أن وطء القبور حرام وكذا النوم عليها أليس كما ينبغي فإن الطحاوي هو أعلم الناس بمذاهب العلماء لا سيما مذهب أبي حنيفة اهـ بل مذهب أبي حنيفة وأصحابه كقول مالك كما نقله عنهم الطحاوي وقال منلا علي القارىء في شرح موطأ الإمام محمد حاصله أن النهي للتنزيه وعمل علي وابن عمر محمول على الرخصة إذا لم يكن على وجه المهانة اهـ.
قوله: "فتحرق" بالنصب عطفا على يجلس وهو بالبناء للمجهول وثيابه نائب الفاعل قوله: "تخلص" بضم اللام قال في القاموس خلص خلوصا وخالصة صار خالصا إليه خلوصا وصل اهـ والمضارع كيكتب فإن قاعدته أنه إذا ذكر الماضي ولم يذكر الآتي منه فإنه يكون من باب كتب إلا لمانع قوله: "وكره وطؤها بالأقدام" قد علمت ما فيه قوله: "مكروه" أي تنزيها كما قاله المنلا علي.
قوله: "أنه طريق أحدثوه" أي وتحته الأموات كما قيد به بعضهم قوله: "وكره تحريما قضاءا لحاجة" تقييده بالتحريم هنا يفيد أن المكروه غير تنزيهي قوله: "وكذا كل ما لم يعهد(1/623)
"الشجر من المقبرة" لأنه ما دام رطبا يسبح الله تعالى فيؤنس الميت وتنزل بذكر الله تعالى الرحمة "ولا بأس بقلع اليابس منهما" أي الحشيش والشجر لزوال المقصود.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من غير فعل السنة" كالمس والتقبيل وقوله من غير بيان لما قوله: "لأنه ما دام رطبا يسبح الله تعالى" ومن هذا قالوا لا يستحب قطع الحشيش الرطب مطلقا أي ولو من غير جبانة من غير حاجة أفاده في الشرح عن قاضيخان وورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم شق جريدة نصفين ووضع على كل قبر نصفا وكانا قبرين يعذب صاحباهما وقال إني لأرجو أن يخفف عنهما ما لم ييبسا أي لأنهما يسبحان ما داما رطبين وبه تنزل الرحمة وفي معنى الجريد ما فيه رطوبة من أي شجر كان واستفيد منه أنه ليس لليابس تسبيح وقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] أي شيء حي وحياة كل شيء بحسبه فالخشب ونحوه حي ما لم ييبس والحجر حي ما لم يقطع من معدنه وهو قول ابن عباس وكثير من المفسرين والمحققون على العموم إذا العقل لا يحيله ويمكن أن يقال تسبيح الأول بلسان المقال والثاني بلسان الحال أي باعتبار دلالته على وجود الصانع جل شأنه وأنه منزه كما في شروح البخاري وغيرها وفي شرح المشكاة وقد أفتى بعض الأئمة من متأخري أصحابنا بأن ما اعتيد من وضع الريحان والجريد سنة لهذا الحديث وإذا كان يرجى التخفيف عن الميت بتسبيح الجريدة فتلاوة القرآن أعظم بركة اهـ.
فرع يكره تمني الموت لغضب أو ضيق عيش أو ضر نزل به لأن فيه نوع اعتراض على القدر المحتوم وقد روى البخاري في كتاب المرضى عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خير إلي وتوفني ما كانت الوفاة خير إلي".
قوله: "لزوال المقصود" أي وهو التسبيح وقد علمت ما فيه وقد انتهى ما رأيته من كتابة العلامة المرحوم عبد الرحمن أفندي خلوات فإنه كتب متنا لنفسه وشرحه شرحا واسعا احتوى على فوائد وفرائد ونقول غريبة وقد رأيته مدشوتا وخفت على ما فيه من الضياع لعدم إقبال الناس عليه مع شدة الاحتياج إلى ما فيه فأحببت أن اقتطف بعضا من أزهاره على هذا الشرح المتداول بين الناس لأجل أن ينتفع به المسلمون ولا يضيع سعيه فإنه مكث المدة المديدة في تحريره وتنقيحه فجزاه الله أحسن الجزاء ووالى عليه جزيل الرحمات فمن كان داعيا لي ومترحما علي فليدع له ويترحم عليه وعلى المؤلف والسيد أولا وبالأصالة ثم يذكرني بعدهم بالتبع والطفالة فإنه ليس لي في هذه التقييدات إلا ما كان خطأ وأما ما كان من صواب فمن المنقولات وأسأل الله تعالى أن يغفر لنا العثرات إنه بيده الخير وهو على كل شيء قدير والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/624)
باب أحكام الشهيد
سمي به لأنه مشهود له بالجنة "المقتول" بأي سبب كان "ميت ب" انقضاء أجله لم يبق من "أجله" ولا رزقه شيء "عندنا" معاشر أهل السنة والجماعة قاله في العناية "والشهيد" شرعا هو "من قتله أهل الحرب" مباشرة أو تسببا بأي آلة كانت ولو بماء أو نار رموها بين المسلمين "أو" قتله "أهل البغي أو" قتله "قطاع الطريق" بأي آلة كانت "أو" قتله "اللصوص في منزله ليلا ولو بمثقل" أو نهارا "أو وجد في المعركة" سواء كانت معركة أهل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب أحكام الشهيد
قوله: "لأنه مشهود له بالجنة" حاصل ما قيل فيه أنه بمعنى فاعل لشهوده أي حضوره يرزق عند ربه على المعنى الذي يصح أو لأن عليه شاهدا يشهد له وهو دمه وجرحه وشجه أو لأن روحه شهدت دار السلام وروح غيره لا تشهدها إلا يوم القيامة أو لقيامه بشهادة الحق حين قتل أو لأنه يشهد عند خروج روحه ماله من الثواب أو بمعنى مفعول لما أنه مشهود له بالجنة أو لأن الملائكة تشهده إكراما له كذا في حاشية الدر عن النهر قوله: "لم يبق من أجله" بفتح الياء وهو تفسير لما قبله ولو لم يقتل لاحتمل أن يموت وأن يبقى وقالت المعتزلة إن القاتل قطع على المقتول أجله وإنه لو لم يقتل لبقي حيا قوله: "والشهيد شرعا الخ" أما لغة فقال في القاموس الشهيد وتكسر شينه الشاهد والأمين في شهادته والذي لا يغيب عن علمه شيء والقتيل في سبيل الله لأن ملائكة الرحمة تشهده أو لأن الله تعالى وملائكته شهود له بالجنة أو لأنه ممن يستشهد يوم القيامة على الأمم الخالية أو لسقوطه على الشاهد أي الأرض أو لأنه حي عند ربه حاضر أو لأنه يشهد ملكوت الله وملكه اهـ وقد ذكر بعض المعاني الشرعية مع اللغوية قوله: "هو من قتله أهل الحرب" هو حقيقة عرفية في كافر لم يدخل تحت أماننا وأما بالنظر للمعنى اللغوي فكل من حارب أهل حرب قوله: "أو تسبيبا" بأن ألقوا أحجار في طريق المسلمين فهلكوا بها أو أرسلوا ماء فأغرقوهم به قوله: "ولو بماء الخ" مثله ما لو وطئت دابتهم مسلما أو نفروا دابة مسلم فرمته أو رموه من السور أو ألقوا عليه حائطا قوله: "أو أهل البغي" مباشرة أو تسبيبا أيضا كقتل أهل الحرب لأنه لما كان القتال مع البغاة وقطاع الطريق مأمورا به ألحق بقتال أهل الحرب فعمت الآلة كما عمت هناك معراج وأما قتل أهل البغي بعضهم بعضا وكذا قطاع الطريق فقال يعقوب باشا لا يبعد أن يعد المقتول منهم شهيدا كذا في الحاشية قوله: "بأي آلة كانت" راجع إلى أهل البغي وقطاع الطريق قوله: "ليلا ولو بمثقل" قال في البحر ولو نزل عليه اللصوص ليلا في المصر فقتل بسلاح أو غيره أو قتله قطاع الطريق خارج المصر بسلاح أو غيره فهو شهيد لأن القتل لم يخلف في هذه المواضع بدلا هو مال اهـ قوله: "أو(1/625)
الحرب أو البغي أو قطاع الطريق "وبه أثر" كجرح وكسر وحرق وخروج دم من أذن أو عين لا من فم وأنف ومخرج "أو قتله مسلم ظلما" لا بحد وقود "عمدا" لا خطأ "بمحدد" خرج به المقتول شبه عمد بمثقل وشمل من قتله أبوه أو سيده "وكان" المقتول "مسلما بالغا خاليا من حيض ونفاس وجنابة ولم يرتث" أي ما صار خلقا في الشهادة كالثوب بوجود رفق من مرافق الحياة "بعد انقضاء الحرب" فيلحق بشهداء أحد "فيكفن بدمه" أي مع دمه من غير تغسيل لقوله صلى الله عليه وسلم: "زملوهم بدمائهم فإنه ليس كلمة تكلم قي سبيل الله إلا تأتي يوم القيامة تدمي لونه لون دم والريح ريح المسك" "و" بكفن مع "ثيابه"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
نهارا" أي بسلاح كما أفاده في الشرح قوله: "كجرح الخ" وكذا لو كان به أثر كدم أو صدم حموي أو أثر ضرب أو خنق كذا في حاشية السيد علي مسكين قوله: "لا من وأنف ومخرج" لأن الدم يخرج من هذه المخارج من غير ضرب عادة فإن الإنسان يبتلى بالرعاف والجبان يبول دما أحيانا وصاحب الباسور يخرج الدم من دبره قوله: "أو قتله مسلم" قيد بالقتل لأنه لو تردى من موضع أو احترق بالنار أو مات بهدم أو غرق فإنه لا يكون شهيدا في حكم الدنيا وهو شهيد الآخرة بحر وقوله ظلما دخل فيه المقتول مدافعا عن نفسه أو ماله أو المسلمين أو أهل الذمة اهـ در منتقى قوله: "لا بحد وقود" محترز التقييد بالظلم والضابط في قتل من يكون شهيدا أن لا يجب بنفس القتل مال أما لو قتله مسلم خطأ أو عمدا بالمثقل فليس بشهيد لوجوب الدية بقتله وكذا لو وجد مذبوحا ولم يعلم قاتله أو وجد في محله مقتولا ولم يعلم قاتله لأنه لا يدري أقتل ظالما أو مظلوما عمدا أو خطأ بحر قوله: "وشمل من قتله أبوه أو سيده" لأن نفس القتل موجب للقصاص وإنما سقط لعارض قوله: "وكان المقتول مسلما الخ" أي مقتول من ذكر من أهل الحرب وغيرهم قوله: "كالثوب الخلق" قال في البحر هو في اللغة من الرث وهو الشيء البالي وسمي مرتثا لأنه صار خلقا في حكم الشهادة والمرتث شرعا من خرج عن صفة القتلى وصار إلى حال الدنيا بأن جرى عليه شيء من أحكامها أو وصل إليه شيء من منافعها وهو شهيد في حكم الآخرة فينال الثواب الموعود للشهداء قوله: "بوجود رفق" متعلق بيرتث والرفق الانتفاع قوله: "بعد انقضاء الحرب" ولو فيها لا يصير مرتثا بشيء مما ذكر اهـ در قوله: "فيلحق بشهداء أحد في الحكم" أي فيلحق من ذكر من مقتول أهل الحرب والبغي وقطاع الطريق والمقتول ظلما وبين حكم شهداء أحد بقوله فيدفن بدمه الخ قوله: "أي مع دمه" فالباء للمصاحبة قوله: "زملوهم بدمائهم" التزميل اللف بالثوب قوله: "فإنه ليس كلمة" أي جرحة وهي بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الميم قوله: "تكلم" تجرح أي بجرح صاحبها قوله: "تدمى" أي يخرج منها الدم بفتح الميم من دمي اللازم ومنه الحديث إن أنت إلا إصبع دميت قوله: "لونه" أي لون الخارج المفهوم قوله تدمى قوله: "ويكفن مع ثيابه"(1/626)
للأمر به في شهداء أحد "ويصلي عليه" أي الشهيد "بلا غسل" نص عليه تأكيدا وإن علم مما سبق لأن النبي صلى الله عليه وسلم وضع حمزة رضي الله عنه وجئ برجل من الأنصار فوضع إلى جنبه فصلى عليه ثم رفع وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة كما في مسند أحمد وصلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى بدر والصلاة على الميت لإظهار كرامته حتى اختص به المسلم وحرم المنافق والشهيد أولى بهذه الكرامة "فينزع عنه" أي عن الشهيد "ما ليس صالحا للكفن كالفرو والحشو" إن وجد غيره صالحا للكفن "و" ينزع عنه "السلاح والدرع" لما في أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهما الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم "ويزاد" إن نقص ما عليه عن كفن السنة ليتم "وينقص" إن زاد العدد "في ثيابه" على كفن السنة توفرة على الورثة أو المسلمين "وكره نزع جميعها" أي ثيابه التي قتل فيها ليبقى عليها أثره "ويغسل" الشهيد عند الإمام "إن قتل جنبا" لأن حنظلة بن الراهب استشهد يوم أحد وقال عليه السلام: "إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحائف الفضة" قال أبو أسيد فذهبنا ونظرنا فإذا برأسه يقطر ماء فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى امرأته فأخبرته أنه خرج وهو جنب "أو صبيا أو مجنونا" لأن السيف كفى عن التغسيل فيمن يوصف بذنب ولا ذنب لهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ويكره نزع ثيابه وتجديد الكفن نهر قوله: "وإن علم مما سبق" أي من قوله بدمه وثيابه قوله: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم الخ" دليل لقوله ويصلى عليه وما قيل من أنهم أحياء والحي لا يصلى عليه فمدفوع بأنه حكم أخروي لا دنيوي بدليل ثبوت أحكام الموتى لهم من قسمة تركاتهم وبينونة نسائهم إلى غير ذلك وما قيل إنها للاستغفار وهم مغفور لهم فمتنقض بالنبي صلى الله عليه وسلم والصبي بحر عن الهداية قوله: "فصلى عليه" أي مع حمزة كما هو المتبادر قوله: "والصلاة على الميت لإظهار كرامته" أي لا لتحصيل المغفرة "وحرم المنافق" الضمير محذوف أي وحرمها المنافق قوله: "كالفرو" أدخلت الكاف الخف والقلنسوة بحر والأشبه أن لا تنزع عنه السراويل قهستاني.
قوله: "إن وجد غيره" وإلا كفن به للضرورة هذا ما يعطيه مفهومه قوله: "توفرة على الورثة" علة لقوله وينقص قوله: "أو المسلمين" أي فيرد لبيت مالهم إن لم يكن له ورثة قوله: "أثره" أي أثر الشهيد وهو الدم قوله: "عند الإمام" أي خلافا لهما قوله: "بماء المزان" أي السحاب جمع مزنة كما في الجلالين وفي الصحاح المزنة السحابة البيضاء ولم يعد صلى الله عليه وسلم غسله لحصوله بغسل الملائكة بدليل قصة آدم در قوله: "أو صبيا" هذا عند الإمام وعندهما لا يغسل ومثله المجنون والجنب لأن ما وجب بالجنابة سقط بالموت والصبي أحق بهذه الكرامة وهي سقوط الغسل فإن سقوطه لإبقاء أثر كونه مظلوما وغير المكلف(1/627)
فلم يكونا في معنى شهداء أحد "أو" قتل "حائضا أو نفساء" سواء كان بعد انقطاع الدم أو قبل استمراره في الحيض ثلاثة أيام في الصحيح والمعنى فيها كالجنب "أو ارتث" بالبناء للمجهول أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وبه رمق كذا في الصحاح وسمي مرتثا لأنه صار خلقا في حكم الشهادة بما كلف به من أحكام الدنيا أو وصل إليه من منافعها "بعد انقضاء الحرب" فسقط حكم الدنيا وترك الغسل فيغسل وهو شهيد في حكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
أولى بهذه الكرامة لأن مظلوميته أشد حتى قال أصحابنا خصومة البهيمة يوم القيامة أشد من خصومة المسلم كذا في الشرح وقد ذكر المصنف دليل الإمام قوله: "أو قبل استمراره في الحيض ثلاثة أيام" فيه أنه إذا لم يستمر ثلاثا لا يكون حيضا إلا أن الغالب فيه ذلك فبنوا الحكم عليه وقيد بقوله في الحيض لأن النفاس لأحد لأقله قوله: "والمعنى فيهما كالجنب" أي فالنص الوارد في الجنب يشملهما لأن كلامنهما حدث أكبر بل هما أغلظ من الجنابة إذ لا يرتفعان بالغسل.
قوله: "وبه رمق" أي بقية الحياة قاموس قوله: "بما كلف به من أحكام الدنيا" كوجوب الصلاة فيما إذا مضى عليه وقت صلاة وهو يعقل وهو متعلق بقوله صار خلقا قوله: "أو وصل إليه من منافعها" كأكل وشرب.
قوله: "وهو شهيد في حكم الآخرة" عد السيوطي في التثبيت شهداء الآخرة فقال من مات بالبطن واختلف فيه هل المراد الاستسقاء أو الإسهال قولان ولا مانع من الشمول أو الغرق أو الهدم أو بالجنب وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد لم تنفتح في الجنب أو بالجمع قال صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة ماتت بجمع فهي شهيدة" والجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور والمعنى أنها ماتت من شيء مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة أو بالسل وهو داء يصيب الرئة ويأخذ البدن منه في النقصان والاصفرار أو في الغربة أو بالصرع أو بالحمى أو دون أهله أو ماله أو دمه أو مظلمة أو بالعشق مع العفاف والكتم وإن كان سببه حراما أو بالشرق أو بافتراس السبع أو بحبس سلطان ظلما أو بالضرب أو متواريا أو لدغته هامة أو مات على طلب العلم الشرعي أو مؤذنا محتسبا أو تاجرا صدوقا ومن سعى على امرأته وولده وما ملكته يمينه يقيم فيهم أمر الله تعالى ويطعمهم من حلال كان حقا على الله تعالى أن يجعله مع الشهداء في درجاتهم يوم القيامة والمائد في البحر أي الذي حصل له غثيان والذي يصيبه القيء له أجر شهيد أي ومات من ذلك ومن ماتت صابرة على الغيرة لها أجر شهيد ومن قال كل يوم خمسا وعشرين مرة اللهم بارك لي في الموت وفيما بعد الموت ثم مات على فراشه أعطاه الله أجر شهيد ومن صلى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يترك الوتر سفرا ولا حضرا(1/628)
الآخرة له ثواب الموعود للشهداء ولو ارتث "بأن أكل أو شرب أو نام" ولو قليلا "أو تداوى" لرفق الحياة "أو مضى عليه وقت الصلاة وهو يعقل" ويقدر على أدائها إذ لا يلزمه بدون قدرة فمع العجز لا يغسل "أو نقل من المعركة" حيا ليمرض "لخوف وطء الخيل" أو الدواب فإنه بهذا لا يكون مرتثا "أو أوصى" عطف على قوله أكل سواء أوصى بأمر الدنيا أو الآخرة عند أبي يوسف وقال محمد لا يكون مرتثا إذا زادت الوصية على كلمتين إما بالكلمة والكلمتين فلا تبطل الشهادة "أو باع أو اشترى أو تكلم بكلام
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
كتب له أجر شهيد والمتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد ومن قال في مرضه أربعين مرة لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أعطي أجر شهيد وإن بريء بريء مغفورا له قال وحذفت أدلة ذلك طلبا للاختصار اهـ ملخصا قوله: "له الثواب الموعود" بيان الحكم الآخرة قوله: "أو تداوى لرفق الحياة" الأولى بنيله شيئا من مرافق الحياة كما في الشرح ففي الكلام حذف مضاف قوله: "ويقدر على أدائها" أما إذا لم يقدر على أداء الصلاة مع العقل فلا يصير مرتثا إذ لا يلزمه الصلاة بموته حينئذ لأنه لا تكليف بالأداء إلا مع القدرة على الفعل ولو بالإيماء وهو منعدم ولم تحصل له حياة ليقضي ما مضى مع العقل والعجز على طريق من ألزمه القضاء بمجرد العقل وأما على طريق من شرط القدرة مع العقل فذاك ظاهر في عدم كونه مرتثا.
قوله: "أو نقل من المعركة" سواء وصل إلى بيته حيا أو مات قبله ولو انتقل بنفسه يكون مرتثا بالأولى قاله السيد قوله: "ليمرض" اعلم أن بعضهم كصاحب البدائع جعل العلة في ارتثائه أن نقله من المعركة يزيده ضعفا ويوجب حدوث ألم فيكون النقل مشاركا للجراحة في إثارة الموت فلم يمت بسبب الجراحة يقينا فلا يسقط الغسل بالشك وحينئذ فلا فرق بين أن ينقل ليمرض أو لخوف وطء الحيوان وبعضهم جعل العلة في الارتثاث نيل شيء من مرافق الدنيا فعلى هذا يظهر وجه الفرق بين ما لو حمل للتداوي أو للخوف من وطء الحيوان أفاده السيد1 قوله: "وقيل لا خلاف" قال في البحر والأظهر أنه لا خلاف فجواب أبي يوسف بأن يكون مرتثا فيما إذا كان بأمور الدنيا وجواب محمد بعدمه فيما إذا كان بأمور الآخرة فيوصي بما يكفن به ويخلص رقبته ويبرد جلده من النار ويدخر لنفسه ذخيرة الآخرة.
__________
1 "قوله قوله وقيل لا خلاف" لا وجود لذلك في الشرح الذي بالهامش كما ترى وإنما الموجود فيه وقيل الخلاف في أمور الدنيا فلعله محف عما أثبته المحشي أو محذوف في نسخة الشرح التي طبع منها وليحررها أهـ مصحه.(1/629)
كثير" بخلاف القليل من شهداء أحد من تكلم كسعد بن الربيع وهذا كله إذا كان بعد انقضاء الحرب "وإن وجد ما ذكر" من الأكل ونحوه مع الجراحة وكان "قبل انقضاء الحرب لا يكون" الشهيد "مرتثا" بذلك كذا قاله الكمال وإذا اختلط قتلى المسلمين بقتلى الكفار أو موتاهم بموتاهم فإن كان المسلمون أكثر يصلي عليهم وينوي المسلمين وإلا فلا إلا من عرف أنه من المسلمين ويتخذ لهم مقبرة على حدة كذمية ماتت حبلى بمسلم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "كسعد بن الربيع" هو كما في رواية زيد بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع وقال إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له كيف تجدك قال فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم فقلت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات فقال إني في الأموات فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل أن سعد بن الربيع يقول جزاك الله عنا خير ما جزى نبيا عن أمته وقل إني أجد ريح الجنة وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم أن سعد بن الربيع يقول لكم لا عذر لكم عند الله تعالى أن خلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكروه ومنكم عين تطرف ثم لم يبرح أن مات فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر خبره قال في القاموس وقرأ عليه السلام أبلغه كإقرأ أو لا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبا.
قوله: "مع الجراحة" أي مثلا وإلا فالشهادة لا تخصها قوله: "لا يكون الشهيد مرتثا بذلك" في أول الكلام غنى عنه قوله: "يصلي عليهم" أي بغير تغسيل في القتلى وبعد التغسيل في الموتى وذلك لأن الحكم للغالب إلا من عرف أنه كافر قوله: "إلا من عرف أنه من المسلمين" أي بالسيما وهي الختان والخضاب ولبس السواد وإن استويا لم يصل عليهم لأن الصلاة على الكفار منهي عنها ويجوز ترك الصلاة على بعض المسلمين وقال صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمع الحرام والحلال في شيء إلا غلب الحرام الحلال" كذا في الشرح.
قوله: "ويتخذ لهم مقبرة على حدة" نقله في الشرح عن بعض المشايخ وجعل محله فيما إذا لم يصل عليهم اهـ وهو فيما إذا غلب الكفار أو تساويا وظاهر هذا التقييد أنهم إذا صلي عليهم يدفنون في مقابر المسلمين.
قوله: "كذمية الخ" هذه المسئلة اختلف فيها الصحابة رجح بعضهم جانب الولد فقال تدفن في مقابر المسلمين وبعضهم جانبها فإن الولد في حكم جزئها ما دام في بطنها فتدفن في مقابر المشركين وقال عقبة بن عامر يتخذ لها مقبرة على حدة أفاده في الشرح أي ويجعل ظهرها إلى القبلة لأن وجه الولد إليه والخلاف في الموتى المختلطين أصله الخلاف في هذه المسئلة والله سبحانه وتعالى أعلم واستغفر الله العظيم(1/630)
كتاب الصوم
مدخل
...
كتاب الصوم
لما كان عبادة بدنية كالصلاة ذكره عقبها ويحتاج لمعرفته لغة وشريعة وسببه وشرطه وحكمه وركنه وحكمة مشروعيته وصفته فمعناه لغة الإمساك عن الفعل والقول وشرعا "هو الإمساك نهارا" النهار ضد الليل من الفجر الصادق إلى الغروب "عن إدخال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الصوم
قوله: "ذكره" أي الصوم عقبها وكثير من المؤلفين ذكر الزكاة بعد الصلاة وأخر الصوم ووجهه اقتران الزكاة مع الصلاة في آيات كثيرة من الكتاب العزيز ولما في القهستاني أفضل الأعمال بعد الزكاة الصوم وفرض بعد صرف القبلة إلى الكعبة لعشر في شعبان بعد الهجرة بسنة ونصف وفي الأجهوري بعد مضي ليلتين من شعبان المذكور قوله: "ويحتاج لمعرفته الخ" قد ذكر ذلك من هنا إلى آخر الفصل فلا يحتاج إلى التنبيه عليه ويحتاج بالبناء للمجهول أي يحتاج المكلف قوله: "فمعناه لغة الإمساك الخ" ظاهره أنه حقيقة لغوية في ذلك وهي ما تفيده عبارة الصحاح وفي المغرب هو إمساك الإنسان عن الأكل والشرب ومن مجازه صام الفرس إذا لم يعتلف وقول النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة
نهر قوله: "هو الإمساك نهارا" إنما عبر به دون ترك لأن المأمور به فعل المكلف وهو الإمساك بحر قوله: "النهار ضد الليل" قال في الشرح النهار عبارة عن زمان ممتد من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس وهو قول أصحاب الفقه واللغة قوله: "إلى الغروب" هو أول زمان بعد غيبوبة تمام جرم الشمس بحيث تظهر الظلمة في جهة المشرق وفي البخاري عنه صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من ههنا فقد أفطر الصائم" أي إذا وجدت الظلمة حسا في جهة المشرق فقد دخل وقت الفطر أو صار مفطرا في الحكم لأن الليل ليس ظرفا للصوم(1/631)
شيء" سواء كان يؤكل عادة أو غيره وقيد الإدخال يخرج الدخول كالغبار وكونه "عمدا أو خطأ" يخرج النسيان والمخطئ من سبقه ماء المضمضة إلى حلقه فهو كالعمد سواء أدخله "بطنا" من الفم أو الأنف أو من جراحة في البطن تسمى الجائفة "أو" أدخله في "ما له حكم الباطن" وهو الدماغ كدواء الأمة "و" الإمساك نهارا "عن شهوة الفرج" شمل الجماع والإنزال بعبث "بنية" لتمتاز العبادة عن المادة "من أهله" احترازا عن الحائض والنفساء والكافر والمجنون واختصار هذا الحد الصحيح: إمساك عن المفطرات منوي لله تعالى بإذنه في وقته "وسبب وجوب رمضان" يعني افترض صومه "شهود جزء" صالح للصوم "منه" أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قهستاني ولذاكره الوصال منح قوله: "سواء كان يؤكل عادة أو غيره" أي في حكم الإفطار وإن اختلف الحكم من جهة وجوب الكفارة وعدمه وقوله أو غيره بالنصب عطفا على جملة يؤكل وقوله وكونه بالجر عطفا على الإدخال قوله: "يخرج النسيان" أي يخرج الإدخال ناسيا كمن أكل أو شرب ناسيا فإنه لا يفسد صومه ومثل ذلك من جامع ناسيا قوله: "فهو كالعمد" أي في الإفساد لا في وجوب الكفارة قوله: "سواء أدخله الخ" الأولى حذفه ويجعل قوله بطنا مفعولا لقوله إدخال شيء قوله: "من الفم" متعلق بأدخله ومثل ما ذكر ما إذا أدخله في دبره أو أقطره في إحليله أو أذنه قوله: "تسمى الجائفة" فهي جراحة وصلت إلى الجوف قوله: "الآمة" بالمد وتشديد الميم جراحة وصلت إلى أم الدماغ قوله: "والإنزال بعبث" فإنه يفسد وإن لم تجب به كفارة والمراد بالجماع الجماع المعهود قوله: "لتمتاز العبادة" وهي الإمساك عن المفطرات بنية العبادة وقوله عن العادة وهي الإمساك عن الأكل على جرى عادته ومثلها الإمساك حمية قوله: "من أهله" هو الشخص المخصوص المجتمع فيه شروط الصحة الثلاث وهي الإسلام والطهارة من الحيض والنفاس والنية والعلم بالوجوب إن كان بدار الحرب أو الكون بدارنا وإن لم يعلم بالوجوب فالإسلام والطهارة شرطا وجوب وصحة والعلم بالوجوب أو السكون في دارنا شرط الوجوب فقط وأما البلوغ والإطاقة فليسا من شروط الصحة لصحة صوم الصبي ويثاب عليه ولصحة صوم من جن أو أغمي عليه بعد النية وإنما لم يصح صومهما في الغد لعدم النية قوله: "احترازا عن الحائض والنفساء" أي ما دام عليهماالحيض والنفاس أما إذا طهرتا منهما صح صومهما وإن لم تغتسلا منهما بحر قوله: "إمساك عن المفطرات" اعترض بلزوم الدور في هذا التعريف إذا المفطرات مفسدات للصوم فتوقف معرفتها على معرفة الصوم لتوقف معرفته عليها قهستاني وأجيب بأن المراد بالمفطرات المأكولات ونحوها قوله: "بإذنه" يخرج به ما أخرجه قوله من أهله وقوله في وقته هو النهار المذكور في التعريف المطول قوله: "وسبب وجوب رمضان" هو في الأصل من رمض إذا احترق سمي به لأن الذنوب تحترق فيه وهو غير منصرف للعلمية وزيادة الألف والنون وجمادى غير منصرف لألف التأنيث المقصورة ويصرف(1/632)
من رمضان خرج الليل وما بعد الزوال على ما قاله فخر الإسلام ومن وافقه خلافا لشمس الأئمة أن السبب مطلق الوقت في الشهر "وكل يوم منه" أي من رمضان "سبب لأدائه" أي لوجوب أداء ذلك اليوم لتفرق الأيام فمن بلغ أو أسلم يلزمه ما بقي منه لا ما مضى ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
غيرهما وفيه أن شعبان كرمضان قال الجوهري يجمع على أرمضاء ورمضانات ورماضين كسلاطين منح بزيادة وأطبقوا على أن العلم في ثلاثة أشهر مجموع المضاف والمضاف إليه شهر رمضان وربيع الأول والآخر فحذف شهر هنا من قبيل حذف بعض الكلمة إلا أنهم جوزوه لأنهم أجروا مثل هذا العلم مجرى المضاف والمضاف إليه حيث أعربوا الجزأين نهر عن الكشاف والسعد وفي شرح المشارق لابن ملك ربيع بالتنوين والأول صفة وإضافته إلى الأول غلط اهـ سيد قوله: "يعني افتراض صومه" أشاربه إلى أن الوجوب بمعنى الإفتراض وإلى أن في العبارة مضافا محذوفا قوله: "شهود جزء صالح" اعترض بأن الصبي الذي بلغ أثناء الشهر شهد جزأ منه فمقتضاه وجوب قضاء ما مضى منه قبل البلوغ وأجيب أنه لم يوجد شرط الوجوب فيما مضى وهو البلوغ بحر وحاصل ما ذكره المصنف أنهم اتفقوا على أن رمضان إنما يجب بشهود جزء منه واختلفوا بعد فذهب السرخسي إلى أن السبب مطلق شهود جزء من الشهر حتى استوى فيه الأيام والليالي وذهب فخر الإسلام ومن وافقه إلى أنه الجزء الذي يمكن إنشاء الصوم فيه من كل يوم كما في الدر وهو ما كان من طلوع الفجر الصادق إلى قبيل الضحوة الكبرى فما بعدها إلى الفجر لا يلزم بشهوده شيء وثمرة الخلاف تظهر فيمن أفاق أول ليلة من الشهر ثم جن قبل الفجر جميع الشهر ثم أفاق بعده أو أفاق في ليلة منه أو فيما بعد الزوال من يوم منه ثم عاوده الجنون قبل الفجر يلزمه القضاء على قول شمس الأئمة لا على قول غيره وصحح في المغنى قول فخر الإسلام وموافقيه وعليه الفتوى كما في المجتبي والنهر عن الدراية وصححه غير واحد وهو الحق كما في الغاية واختار في الخبازية الأول فهما قولان مصححان إلا أن الفتوى وأكثر التصحيح على قول فخر الإسلام وقوله صالح منه أي صالح لإنشاء الصوم فيه وهو من طلوع الفجر إلى قبيل الضحوة الكبرى قوله: "مطلق الوقت في الشهر" الأولى فإنه قال السبب مطلق الوقت في الشهر قوله: "وكل يوم منه" أي الجزء الأول الذي يمكن فيه إنشاء الصوم من كل يوم لا كله وإلا يلزم أن يجب كل يوم بعد تمام ذلك اليوم ولا الجزء المطلق وإلا لوجب صوم يوم بلغ فيه الصبي بعد الزوال كذا في تحفة الأخيار وهو عطف تفسير على قوله شهود جزء صالح فالمصنف اعتمد كلام فخر الإسلام ولم يذكر كلام شمس الأئمة ذكره الشرح بقوله خلافا لشمس الأئمة قوله: "لتفرق الأيام" قال في الشرح لأن صيام الأيام عبادة متفرقة كتفرق الصلاة في الأوقات بل أشد لتخلل زمان لا يصلح للصوم أصلا وهو الليل اهـ أي فيكون ذلك التخلل مانعا من انسحاب جزء اليوم على ما بعده قوله: "لا ما مضى" أي اتفاقا(1/633)
منافاة بالجمع بين السببين ونقلت السببية من المجموع للجزء الأول رعاية للمعيارية "وهو" أي صوم رمضان "فرض" عين " أداء وقضاء على من اجتمع فيه أربعة أشياء" هي شروط لافتراضته والخطاب به وتسمى شروط وجوب أحدها "الإسلام" لأنه شرط للخطاب بفروع الشريعة "و" ثانيها "العقل" إذ لا خطاب بدونه "و" ثالثها "البلوغ" إذ لا تكليف إلا به "و"
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
لعدم شرط الوجوب فيما مضى وهو الإسلام والبلوغ قوله: "ولا منافاة بالجمع بين السببين" قال في الشرح وتبعنا الهداية في الجمع بين السببين لأنه لا منافاة فشهود جزء مخصوص من الشهر سبب لكله ثم كل يوم سبب لصومه غاية الأمر أنه تكرر سبب وجوب صوم اليوم باعتبار خصوصه ودخوله في ضمن غيره قاله الكمال وفيه أنه كيف يتأتى هذا الجمع وهما قولان متباينان والمفرع على أحدهما لا يتأتى تفريعه على الآخر وأيضا إذا كان السبب المجموع فكل منهما جزء سبب لا سبب مستقل وإلا لترتب المسبب على كل بانفراده وأيضا أي حاجة للسبب العام مع الاستغناء عنه بالخاص فإن شهود جزء من اليوم فيه جزء من الشهر على أن المصنف لم يجمع كما نبهنا عليه وإنما اعتمد قولفخر الإسلام فليتأمل قوله: "من المجموع" أي مجموع الشهر.
قوله: "للجزء الأول" حيث قلنا أنه يجوز نية أداء الفرض من الليلة الأولى مع عدم جواز النية قبل سبب الوجوب كما إذا نوى صوم الغد قبل غروب الشمس كذا في الشرح والأولى التعبير بإلى بدل اللام قوله: "رعاية للمعيارية" أي نظرا إلى كونه معيارا لا يحتمل غيره فزمانه كالشيء الواحد فمشاهد أوله كمشاهد تمامه وكأن الفعل شاغل له من أوله إلى آخره قال في الشرح ولئلا يلزم تقديم الشيء على سببه أي لو جعلنا السبب المجموع والواجب الصوم قبل تحقق المجموع للزم تقديم الصوم على سببه.
تنبيه: لم يستوف المصنف بقية أسباب الصوم وقد ذكرها في الشرح فقال وفي المنذور النذر وفي صوم الكفارات الحنث في اليمين والجناية في القتل والإحرام والإفطار والعزم على الوطء في الظهار والشروع في النفل وسبب القضاء سبب وجوب الأداء وإذا نذر صوم يوم الخميس أو رجب فصام الاثنين أو ربيعا الأول صح عن نذره لوجود سببه ولغا تعيين اليوم والشهر لأن صحة النذر ولزومه بما به يكون المنذور عبادة والمحقق لذلك الصوم لا خصوص الزمن ولا باعتباره كذا في الفتح ولعل هذا فيما إذا لم يكن النذر معلقا على شرط يراد كونه كان شفى الله مريضي لاصوم من شهر كذا فإنهم نصوا على تعيين الزمن في مثله قوله: "لأنه شرط للخطاب بفروع الشريعة" هذا أحد أقوال ثلاثة والأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لقوله تعالى: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} الآية فيعذبون على تركها عذابا زائدا على عذاب الكفر(1/634)
رابعها "العلم بالوجوب" وهو شرط "لمن أسلم بدار الحرب" وإنما يحصل له العلم الموجب بإخبار رجلين عدلين أو رجل وامرأتين مستورين أو واحد عدل وعندهما لا تشترط العدالة والبلوغ والحرية وقوله "أو الكون" شرط لمن نشأ "بدار الإسلام" فإنه لا عذر له بالجهل "ويشترط لوجوب أدائه" الذي هو عبارة عن تفريغ الذمة في وقته "الصحة من مرض" لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً} الآية "و" الصحة أي الخلو عن "حيض ونفاس" لما قدمناه "ولإقامة" لما تلوناه "ويشترط لصحة أدائه" أي فعله ليكون أعم من الأداء والقضاء "ثلاثة" شرائط "النية" في وقتها في كل يوم "والخلو عما ينافيه" أي ينافي صحة فعله "من حيض ونفاس" لما فاتهما "و" الخلو "عما يفسده" بطروئه عليه "ولا يشترط" لصحته "الخلو عن الجنابة" لقدرته على الإزالة وضرورة حصولها ليلا وطروء النهار وليس العقل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وإنما يحصل له العلم الموجب" أي للخطاب قوله: "مستورين" الظاهر أنه بصيغة الجمع وغلب جانب الرجل فذكر قوله: "أو واحد عدل" قال في الينابيع العدل من لم يطعن عليه في بطن ولا فرج ومنه الكذب لخروجه من البطن اهـ در من الشهادة وذكر في مسائل شتى من القضاء أنه يشترط في أخبار المسلم الذي لم يهاجر بالشرائع أحد شطري الشهادة أي أما العدد وأما العدالة من غير ذكر خلاف وظاهر كلام المؤلف أن الإمام يشترط البلوغ والحرية في المخبر ويحرر قوله: "وعندهما لا تشترط العدالة" أي في المخبر أي ولو واحدا وأفاد أنه لا بد من العلم اتفاقا فإذا لم يعلم على اختلاف القولين ثم علم بافتراض الصوم ليس عليه قضاء ما مضى إذ لا تكليف بدون العلم ثمة للعذر كذا في الشرح قوله: "أو الكون" أي الحلول وهو عطف على العلم أفاده في الشرح قوله: "شرط لمن نشأ" الأولى أن يؤخره عن قوله بدار الإسلام ويقول وهو شرط لمن نشأ بها قوله: "عن تفزيغ الذمة" أي ذمة المكلف عن الواجب في وقته المعين له قوله: "الآية" تمامها أو على سفر فعدة من أيام أخر قوله: "أي الخلو" إنما أوله بذلك لأن دم الحيض والنفاس دم صحة لا مرض قوله: "لما قدمناه" أي من أنهما ليسا أهلا للصوم قوله: "لما تلوناه" أي بقوله الآية وقد ذكرنا تمامها والأولى للشرح ذكرها ليتم له المرام قوله: "في وقتها" الوقت بالنسبة لأداء رمضان بعد الغروب إلى قبيل الضحوة فسقي أي جزء منه وجدت صح وبالنسبة لقضائه الليل كله ولا تجزىء النية بعد طلوع الفجر قوله: "أي ينافي صحة فعله" الأظهر حذف صحة قوله: "من حيض ونفاس" فالخلو عنهما من شروط الوجوب أي وجوب الأداء وشروط الصحة قوله: "لمنافاتهما" الأولى زيادة إياه قوله: "بطروه عليه" متعلق بيفسده قوله: "لقدرته على الإزالة" أي بخلاف الحيض والنفاس قوله: "وضرورة حصولها" أي ولضرورة حصولها يعني أن الإنسان قد يضطر إليها ليلا ويطرأ عليه النهار أي يطلع عليه الفجر أي من غير تمكن من الغسل وليس القصد التقييد بالضرورة أي بل المراد أن ذلك قد يحصل فلم يعتبر الشارع ذلك(1/635)
والإقامة من شروط الصحة فإن الجنون إذا طرأ وبقي إلى الغروب صح صومه وركنه" أي الصوم "الكف" أي الإمساك "عن قضاء شهوتي البطن والفرج و" عن "ما ألحق بهما" مما سنذكره وحكمه سقوط الواجب " أي اللازم فرضا كان أو غيره" عن الذمة بإيجاب الله أو العبد "والثواب" تكرما من الله "في الآخرة" إن لم يكن منهيا عنه فإن كان منهيا عنه كصوم النحر فحكمه الصحة والخروج عن العهدة والإثم بالإعراض عن ضيافة الله تعالى وحكمة مشروعية الصوم منها أن به سكون النفس الأمارة بإعراضها عن الفضول لأنها إذا جاعت شبعت جميع الأعضاء فتنقبض اليد والرجل والعين وباقي الجوارح عن حركتها وإذا شبعت النفس جاعت الجوارح بمعنى قويت على البطش والنظر وفعل ما لا ينبغي فبانقباضها يصفو القلب وتحصل المراقبة ومنها العطف على المساكين بالإحساس وألم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مفسدا وإن حصل بغير ضرورة كما اعتبر السفر مرخصا وإن لم يكن فيه مشقة نظرا للشأن والأولى الاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم فإنه قد كان يصبح صائما وهو جنب قوله: "حصولها" أي الجنابة قوله: "وطرو النهار" أي مع طرو النهار فإن الإنسان قد لا يتمكن من الغسل ليلا فيظهر النهار أي اليوم وهو1 متلبس بها قوله: "إذا طرأ" أي بعد النية والأولى ذكر السفر مع الجنون قوله: "وعما ألحق بهما" من نحو الدواء قوله: "وحكمه" أي الصوم من حيث هو قوله: "أو العبد" وإيجابه بنذره أو الشروع فيه وهذا في حق صوم واجب أو نفل قوله: "تكرما من الله" أي حال كون الثواب تكرما من الله لا بطريق الإيجاب ولا بطريق الوجوب قوله: "والإثم بالأعراض عن ضيافة الله تعالى" فيه أن الإثم من جهة لا ينافي حصول الثواب من جهة أخرى وهو معنى ما قاله صاحب النهر من أن النهي لمعنى مجاور لا ينافي حصول الثواب كالصلاة في الأرض المغصوبة اهـ قوله: "وحكمة مشروعية الصوم" الأولى زيادة قوله كثيرة قوله: "سكون النفس" أي عن التحرك فيما لا يرضى قوله: "الإمارة" أي بالسوء وقوله بإعراضها متعلق بسكون والباء للسببية قوله: "عن الفضول" أي عن الأمور الزائدة التي لا تعني المكلف الحاصلة من الجوارح قوله: "شبعت جميع الأعضاء" أي انكفت عن التحرك فيما لا يرضى فإن قلت أن الجوع يكفها عن التحرك في الطاعات أيضا أجيب بأنه ليس المراد بالجوع الجوع المفرط المؤدي إلى ذلك قوله: "عن حركاتها" أي السيئة قوله: "بمعنى قويت" فالمراد بالجوع هنا الطلب فدفع بهذا التفسير ما يتوهم من أن الجوع يقتضي الانكفاف قوله: "وفعل ما لا ينبغي" من عطف العام قوله: "فبانقباضها يصفو القلب" فإن الموجب لكدوراته فضول الجوارح فإذا حبست عنها صفا وبه تبلغ الدرجات العلى كذا في
__________
1 قوله وهو متلبس بها يوجد هنا في بعض النسخ زيادة نصها وفرق بين الحصول والتحصيل فإن تحصيلها مع طرو النهار مفسد فتأمل أهـ.(1/636)
الجوع لمن هو وصفه أبدا فيحسن إليه ولذا لا ينبغي الإفراط في السحور لمنعه الحكمة المقصودة والاتصاف بصفة الملائكة ولا يدخل الياء في صوم الفرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشرح قوله: "وتحصل المراقبة" أي المحافظة على أوامر الله تعالى ونواهيه قوله: "ومنها العطف على المساكين" قال في الشرح فإن الصائم لما ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات تذكر من هذا حاله في عموم الأوقات فيسارع إليه بالرقة والرحمة وحقيقتها في حق الإنسان نوع ألم باطني فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء ومنها موافقته الفقراء بتحمل ما يتحملون أحيانا وفي ذلك رفع حاله عند الله قوله: "لمن هو وصفه أبدا" اللام بمعنى على ومصدوق من المساكين والأولى حذفه للإستغناء عنه بقوله على المساكين قوله: "ولذا" أي لما ذكر من الحكم قوله: "في السحور" بالضم الفعل أي الأكل قوله "والاتصاف" بالرفع عطف على قوله العطف وهو صريح1 ما في الشرح قوله: "بصفة الملائكة" فإنهم لا يأكلون ولا يشربون وهم متلبسون بالعبادة قوله: "ولا يدخل الرياء في صوم الفرض" وفي سائر الطاعات يدخل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ويقول الله تعالى الصوم لي وأنا أجزي به" نفى شركة الغير وهذا لم يذكر في سائر الطاعات كذا في الشرح وفيه أن الفرائض كلها لا رياء فيها قال في الدر قبيل باب صفة الصلاة ولا رياء في الفرائض في حق إسقاط الواجب وكذا ذكره آخر الحظر فلا خصوصية للصوم أما إذا كان أحسنها بين الناس وكان بحيث لو كان في الخلوة لا يحسن فليس له ثواب الإحسان ثم الحديث عام للصوم الفرض والنفل لأن إمساكه في خلوته إنما هو الله تعالى وقيل في معنى الحديث إن الحسنات تؤخذ في المظالم إلا الصوم وقيل أنه لم يعبد به غيره وقيل غير ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.
__________
1 قوله ما في الشرح يوجد هنا في بعض النسخ زيادة نصها ويحتمل أنه منصوب على الحكمة أهـ.(1/637)
فصل في صفة الصوم وتقسيمه
"ينقسم الصوم إلى ستة أقسام" ذكرت مجملة ثم مفصلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في صفة الصوم وتقسيمه
الصفة هو كونه فرضا أو واجبا الخ والتقسيم باعتبارها قوله: "ينقسم الصوم إلى ستة أقسام" أي إجمالا وبالتفصيل هي ثمانية لأن الفرض أما معين وهو صوم رمضان أداء أو غير(1/637)
لكونه أوقع في النفس "فرض" عين "وواجب ومسنون ومندوب ونفل ومكروه. أما" القسم الأول وهو "الفرض فهو صوم" شهر "رمضان أداء وقضاء وصوم الكفارات" الظهار والقتل واليمين وجزاء الصيد وفدية الأذى في الإحرام لثبوت بالقاطع من الأدلة سندا ومتنا والإجماع "و" من هذا القسم الصوم "المنذور" فهو فرض "في الأظهر" لقوله تعالى:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معين وهو صومه قضاء والواجب كذلك فالمعين كالنذر المعين وغير المعين كالنذر المطلق أفاده في الدر قوله: "ذكرت" أي الأقسام مجملة أي لم يبين فيها الأفراد ثم مفصلة ببيان أفرادها قوله: "لكونه أوقع في النفس" أي لكون التفصيل المفهوم من قوله مفصلة وذلك لذكره بعد الاشتياق إلى البيان قوله: "وصوم الكفارات" لكنه فرض عملا لا اعتقادا ولذا لا يكفر جاحده در قوله: "الظهار" أي كفارة الظهار الخ وقوله والقتل أي الخطأ ومثله كفارة الإفطار وإنما لم يذكرها لأنها مثلها وأما صوم المتعة والقران فليس من صوم الكفارات وإن كان فرضا فسقط ما في السيد قوله: "وفدية الأذى" كما إذا حلق أو لبس بعذر فإنه يخير بين الذبح والإطعام والصيام فإذا اختار الصوم كان فرضا قوله: "لثبوت هذه بالقاطع" عله لكونها فرضا إلا أن الإجماع لم ينعقد على فرضية الكفارات فلذا كان عمليا فيها كما في سكب الأنهر والقاطع هو القرآن فالظهار في المجادلة والقتل في النساء واليمين في المائدة وكذا جزاء الصيد وفدية الأذى في البقرة في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] الآية قوله: "سندا" أي رجالا والمراد بقطعية السند أن رجاله ثقات وبقطعية المتن أي اللفظ أنه لم ينسخ بغيره ولم يعارضه ما هو أقوى منه مما يدل عليه قوله: "والإجماع عليها" قد علمت ما ذكره في سكب الأنهر من أن الإجماع لم ينعقد على فرضية الكفارات حتى عد صاحب الملتقى صوم الكفارات من الواجب قوله: "فهو فرض في الأظهر" أي فرض عملي لأن مطلق الإجماع لا يفيد الفرض القطعي در وقيل أنه واجب لأنه خص من آية وليوفوا نذورهم النذر بما ليس من جنسه واجب كعيادة المريض فلم يبق قطعيا وصار كخبر الواحد وبمثله يثبت الوجوب لا الفرض كذا في الشرح والحاصل أن القولين مرجحان.
تنبيه الصوم اللازم ثلاثة عشر قسما سبعة منها يجب فيها التتابع وهي رمضان وكفارة القتل وكفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الإفطار في رمضان والنذر المعين وغير المعين إذا التزم فيه التتابع أو نواه إلا أن صوم كفارة القتل والظهار والإفطار واليمين والنذر المطلق إذا ذكر فيه التتابع أو نواه إذا أفطر في خلاله استقبله واستأنفه وصوم رمضان والنذر المعين لا يلزم فيهما الاستئناف بقطع التتابع وستة لا يجب فيها التتابع وهي قضاء رمضان وصوم المتعة وصوم كفارة الحلق وصوم جزاء الصيد وصوم النذر المطلق عن ذكر التتابع أو نيته وصوم اليمين بأن قال والله لأصومن شهرا هذا محصل ما في شرح السيد قوله: "فهو قضاء(1/638)
{وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} "وأما" القسم الثاني وهو "الواجب فهو قضاء ما أفسده من" صوم "نفل" لوجوبه بالشروع وصوم الاعتكاف المنذور "وأما" القسم الثالث وهو "المسنون فهو صوم عاشوراء" فإنه يكفر السنة الماضية "مع" صوم "التاسع" لصومه صلى الله عليه وسلم العاشر وقال: " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" "وأما" القسم الرابع وهو "المندوب فهو صوم ثلاثة" أيام "من كل شهر" ليكون كصيام جميعه من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها "ويندب كونها" أي الثلاثة "الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر" سميت بذلك لتكامل ضوء الهلال وشدة البياض فيها لما في أبي داود "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاثة عشرة وأربعة عشرة وخمسة عشرة" قال وقال هو كهيئة الدهر أي: كصيام الدهر "و" من هذا القسم "صوم" يوم "الإثنين و" يوم "الخميس" لقوله صلى الله عليه وسلم: " تعرض الأعمال يومي الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" "و" منه "صوم ست من" شهر "شوال" لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان فأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" "ثم قيل الأفضل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما أفسده" وكذا إتمامه بعد الشروع فيه أفاده السيد قوله: "فإنه يكفر السنة الماضية" والمراد الصغائر وأما صوم يوم عرفة فيكفر ذنوب سنتين الماضية والآتية لأنه شرع محمدي بخلاف الأول فإنه شرع موسوي وعد صاحب الدر صوم عرفة من المندوب قوله: "مع صوم التاسع" أي أو الحادي عشر لما يأتي للمصنف فتنتفي الكراهة بضم يوم قبله أو بعده قوله: "لئن بقيت إلى قابل" أي إلى عام قابل ولم يبق صلى الله عليه وسلم إليه قوله: "من جاء" أتى به دليلا على قوله كصيام جميعه كأنه قال لقوله تعالى من جاء قوله: "ويندب كونها الأيام البيض" أفاد أن صوم ثلاثة أيام من الشهر أيا كانت مندوب وكونها خصوص هذه الأيام مندوب آخر فمن صام غيرها منه أتى بأحد المندوبين قوله: "بذلك" أي بالبيض قوله: "لتكامل ضوء الهلال" فالمراد بياض ليلها فالأولى أن يقول أيام البيض أي أيام الليالي البيض قوله: "أن نصوم البيض" أي أيام البيض وقوله ثلاث بالتذكير في المفردات وتأنيث عشرة في الكل بدل من البيض ومصدوقه الليالي قوله: "قال" أي الراوي قوله: "وقال" أي النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "أي كصيام الدهر" لأن كل يوم بعشرة فكأنه صام الشهر كله ومن اعتادها فكأنما صام الدهر كله قوله: "صوم يوم الاثنين ويوم الخميس" ولو لحاج لا يضعفه الصوم قالهالسيد قوله: "تعرض الأعمال" أي يعرضها الحفظة على بعضهم فما كان من خير أو شر أثبتوه وما كان من مباح أزالوه قوله: "ومنه صوم ست من شهر شوال" قال في البحر لست من شوال صومها مكروه عند الإمام متفرقة أو متتابعة لكن عامة المتأخرين لم يروا به بأسا اهـ قوله: "كان كصيام الدهر" لأن جملة ما صامه برمضان ستة وثلاثون يوما كل يوم بعشر فهي ثلثمائة وستون يوما وهي عدد أيام السنة والمراد أنه يحصل له ثواب عظيم وإن اختلفت الكيفية فإنه لا شك أن(1/639)
وصلها" لظاهر قوله فأتبعه "وقيل تفريقها" إظهارا لمخالفة أهل الكتاب في التشبيه بالزيادة على المفروض "و" منه "كل صوم ثبت طلبه والوعد عليه بالسنة" الشريفة "كصوم داود عليه" الصلاة و "السلام: كان يصوم يوما ويفطر يوما وهو أفضل الصيام وأحبه إلى الله تعالى" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الصيام إلى الله صيام داود وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصفه ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يفطر يوما ويصوم يوما" رواه أبو داود وغيره "وأما" القسم الخامس وهو "النفل فهو ما سوى ذلك" الذي بيناه "مما" أي صوم "لم يثبت" عن الشارع "كراهته" ولا تخصيصه بوقت "وأما" القسم السادس وهو "المكروه فهو قسمان: مكروه تنزيها ومكروه تحريما الأول" الذي كره تنزيها "كصوم" يوم "عاشوراء منفردا عن التاسع" أو الحادي عشر "والثاني" الذي كره تحريما "صوم العيدين" الفطر والنحر للإعراض عن ضيافة الله ومخالفة الأمر "و" منه صوم "أيام التشريق" لورود النهي عن صيامها وهذا التقسيم ذكره المحقق الكمال بن الهمام رحمه الله وقد صرح بحرمة صوم العيدين وأيام التشريق في البرهان "وكره إفراد يوم الجمعة" بالصوم لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" رواه مسلم "و" كره "إفراد يوم السبت" به لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ثواب الصائم بالفعل أكثر لأن صوم كل يوم بعشرة فهي تزيد على ما ذكر بأضعاف كثيرة قوله: "لظاهر قوله فاتبع" أي والوصل فيه تحقيق تمام المتابعة قوله: "وقيل تفريقها" قال في التنوير وشرحه وندب تفريق صوم الست من شوال ولا يكره التتابع على المختار خلافا للثاني حاوي قوله: "في التشبيه" الأولى حذفه ويقول في الزيادة ويكون متعلقا بالمخالفة قوله: "وأحبه" أي أكثره ثوابا قوله: "كان ينام الخ" في نسخة بواو وفي نسخ بحذفها أو هو الذي في السيد والشرح قوله: "وينام سدسه" ليقوم لصلاة الفجر بنشاط ويقوم بوظائف الأذكار بعده قوله: "وكان يفطر يوما ويصوم يوما" لئلا تعتاد النفس على الصيام فيصير طبعا قوله: "ولا تخصيصه" أي ولا طلب صومه مخصصا بوقت قوله: "ومنه صوم أيام التشريق" هي ثلاثة بعد يوم النحر قوله: "وكره إفراد يوم الجمعة" إلا أن يضم إليه يوما قبله أو بعده كما في الحديث واعلم أنه ثبت بالسنة طلب صومه والنهي عنه والأخير منهما النهي كما وضحه شرح الجامع الصغير للسيوطي وذلك لأن فيه وظائف فلعله إذا صامه ضعف عن فعلها وعد في الدر صومه من المندوب والمعتمد ما هنا قوله: "لا تخصوا ليلة الجمعة" النهي للتنزيه والمعنى النهي عن الاستعداد لها بخصوصها أما إذا كان اتفاقيا فلا ومع التعمد لا ينتفي الثواب قوله: "إلا أن يكون في صوم أي مع صوم قبله أو بعده قوله: "وكره إفراد يوم السبت" للتشبه باليهود بحر قوله: "إلا فيما افترض عليكم" مثله ما إذا ضم إليه غيره قوله:(1/640)
إلا لحاء عنب أو عود شجرة فيمضغه" رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي "و" كره إفراد "يوم النيروز" أصله نوروز لكن لما لم يكن في أوزان العرب فوعول أبدلوا الواو ياء وهو يوم في طرف الربيع "أو" إفراد يوم "المهرجان" معرب مهركان وهو يوم في طرف الخريف لأن فيه تعظيم أيام نهينا عن تعظيمها "إلا أن يوافق" ذلك اليوم "عادته" لفوات علة الكراهة بصوم معتاده "وكره صوم الوصال ولو" واصل بين "يومين" فقط للنهي عنه "وهو" أي الوصال "أن لا يفطر بعد الغروب أصلا حتى يتصل صوم الغد بالأمس" وكره صوم الصمت وهو أن يصوم ولا يتكلم بشيء فعليه أن يتكلم بخير وبحاجة دعت إليه "وكره صوم الدهر" لأنه يضعفه أو يصير طبعا له ومبنى العبادة على مخالفة العادة ولا تصوم المرأة نفلا بغير رضا زوجها وله أن يفطرها لقيام حقه واحتياجه والله الموفق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"الإلحاء عنبة" أي قشر عنبة قوله: "فليمضغه" بفتح الياء والضاد المعجمة قوله: "أصله نوروز" ومعناه اليوم الجديد فنو بمعنى الجديد وروز بمعنى اليوم قوله: "وهو يوم في طرف الربيع" هو اليوم الذي تحل فيه الشمس برج الحمل قوله: "وهو يوم في طرف الخريف" المراد منه أول حلول الشمس في الميزان وهذا اليوم والذي قبله عيدان للفرس قوله: "إلا أن يوافق ذلك اليوم" أي الصادق باليومين قبله واستثنى في عدمة الفتاوى من كراهة صوم النيروز والمهرجان ما إذا صام يوما قبلهما فلا يكره كما في يوم الشك اهـ وقيد كراهة صومهما في الدر بما إذا تعمده قوله: "وكره صوم الوصال" أي لغيره صلى الله عليه وسلم أما هو فلا يكره له قوله: "ولا يتكلم بشيء" أي معتقدا أن ذلك قرية أما إذا سكت بالعادة فلا كراهة قوله: "ولا تصوم المرأة نفلا" أما الفرض ولو عملا فلا يتوقف على رضاه لأن تركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وفي الدر ولا تصوم المرأة نفلا إلا بإذن الزوج إلا عند عدم الضرر به ولو فطرها وجب القضاء بإذنه أو بعد البينونة والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/641)
فصل فيما لا يشترط تبييت النية وتعيينها فيه وما يشترط
فيه ذلك "أما القسم الذي لا يشترط فيه تعيين النية" لما يصومه "ولا تبييتها" أي النية
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل فيما لا يشترط تبييت النية وتعيينها فيه وما يشترط فيه ذلك
إنما قدم ذكر ما لا يشترط فيه على ما يشترط وإن كانت الواو لا تفيد ترتيبا لقلة أقسامه لأفضليته لأن فيها ذكر رمضان أداء وأفرد اسم الإشارة باعتبار المذكور قوله: "تعيين النية" من إضافة المصدر إلى مفعوله كقوله ولا تبييتها(1/641)
فيه "فهو أداء رمضان و" أداء "النذر المعين زمانه" كقوله لله علي صوم يوم الخميس من هذه الجمعة فإذا أطلق النية ليلته أو نهاره إلى ما قبل نصف النهار صح وخرج به من عهدة المنذور "و" أداء "النفل فيصح" كل من هذه الثلاثة "بنية" معينة مبيتة "من الليل" وهو الأفضل وحقيقة النية قصده عازما بقلبه صوم غد ولا يخلو مسلم عن هذا في ليالي شهر رمضان إلا ما ندر وليس النطق باللسان شرطا ونفي صيام من لم يبيت النية نفي كمال فتصح النية ولو نهارا "إلى ما قبل نصف النهار" لأن الشرط وجود النية في أكثر النهار احتياطا وبه توجد في كله حكما للأكثر وخص هذا بالصوم فخرج الحج والصلاة لأنهما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وأداء النذر المعين زمانه" أما قضاء النذر المعين ولا يكون إلا في نذر معلق على شرط يراد كونه فلا بد فيه من التعيين والتبييت قوله: "إلى ما قبل نصف النهار" أي ولو بشيء يسير لأن الأكثر وجد مصاحبا لها قوله: "وخرج به" أي بصومه قوله: "وأداء النفل" المراد بالنفل ما عدا الفرض والواجب أعم من أن يكون سنة أو مندوبا أو مكروها كما في البحر قوله: "من الليل" فلا تصح قبل الغروب ولا عنده در قوله: "قصده عازما بقلبه" أي قصد المكلف جازما بقلبه فإن فنوى أن يفطر غدا إن دعى إلى دعوة وإن لم يدع يصم لا يصير صائما بهذه النية فإن أصبح في رمضان لا ينوي صوما ولا فطرا وهو يعلم أنه رمضان لأظهر أنه لا يصير صائما ومن تسحر بأكبر الرأي أن الفجر لم يطلع لا بأس به إذا كان الرجل لا يخفى عليه مثل ذلك وإن كان ممن يخفى عليه فسبيله أن يدع الأكل ولا يجوز الإفطار بالتحري في ظاهر الرواية وإن أراد أن يعتمد في التسحر على صياح الديك أنكر ذلك بعض مشايخنا وقال بعضهم لا بأس به إذا كان قد جربه مرارا وظهر أنه يصيب الوقت هندية قوله: "ولا يخلو مسلم عن هذا" أي عن قصد الصوم عازما بالقلب وقالوا: التسحر في رمضان نية قوله: "إلا ما ندر" كأن كان فاسقا ماجنا أو نائما من وقت الغروب أو قبله إلى طلوع الفجر أو مغمى عليه كذلك قوله: "وليس النطق باللسان شرطا" إلا أن التلفظ بها سنة كما في الحدادي أي سنة المشايخ كما في تحفة الأخيار قوله: "ونفي صيام من لم يبيت النية" أي في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ويعزم" قوله: "نفي كمال" يدل له ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما شهد عنده أعرابي برؤية الهلال قال لرجل أذن في الناس من أكل فليمسك بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم قوله: "ولو نهارا إلى ما قبل نصف النهار" المراد أنه من الليل إلى هذا الوقت ظرف النية فمتى حصلت في جزء من هذا الزمان صح الصوم لما ذكره المصنف وإن نوى الصوم من النهار ينوي أنه صائم من أوله حتى لو نوى قبل الزوال أنه صائم من حين نوى لا من أول النهار لا يصير صائما حموي وإنما تجوز قبل الضحوة إذا لم يوجد قبلها ما ينافي الصوم كأكل وشرب وجماع ولو ناسيا فإن وجد ذلك بعد طلوع الفجر لا تجوز هندية عن شرح الطحاوي قوله: "احتياطا" أي إنما اشترط وجود النية في أكثر(1/642)
أركان فيشترط قرانها بالعقد على أدائها ابتداء وإلا خلا بعض الأركان عنها فلم يقع عبادة والصوم ركن واحد وقد وجدت فيه وإنما قلنا إلى ما قبل نصف النهار تبعا للجامع الصغير "على الأصح" احترازا عن ظاهر عبارة القدوري وإنما قال: "ونصف النهار من" ابتداء "طلوع الفجر إلى" قبيل "وقت الضحوة الكبرى" لا عندها لأن النهار قد يطلق على ما عند طلوع الشمس إلى غروبها لغة وعند الزوال نصفه فيفوت شرط صحة النية بوجودها قبيل الزوال "ويصح أيضا" كل من أداء رمضان والنذر المعين والنفل "بمطلق النية" من غير تقييد بوصف للمعيارية والنذر معتبر بإيجاب الله تعالى "وبنية النفل" أيضا "ولو كان" الذي نواه "مسافرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
النهار ولم تكف إذا وجدت في نصفه للاحتياط في أمر العبادة قوله: "وبه" أي بوجود النية في أكثر النهار قوله: "للأكثر" الأولى حذفه قوله: "وخص هذا بالصوم" أي خص أجزاء النية إذا وجدت في الأكثر قوله: "لأنهما أركان" أي متعددة قوله: "بالعقد على أدائها" فيه أن العقد هو النية فالأولى أن يقول فيشترط قرانها بالابتداء والضمير في قرانها يرجع إلى النية ويحتمل أن الباء لتصوير قران النية لابتداء الصلاة والحج قوله: "فلم يقع عبادة" الضمير يرجع إلى الخالي عن النية المفهوم من قوله والإخلا أي العبادة ذات الأركان وهي لا تتجزأ حتى يكون البعض عبادة والبعض غير عبادة قوله: "احتراز عن ظاهر عبارة القدوري" وهي قوله ما بينه أي طلوع الفجر وبين الزوال اهـ فإن ظاهرها يفيد أنها إذا وجدت قبل الزوال وبعد الضحوة الكبرى أن تصح وليس كذلك وإنما زاد قوله ظاهر عبارة الخ لأن المراد منها من الزوال إلى الضحوة الكبرى فتصح النية قبلها فإذن لا خلاف والأولى نصب احتراز ليكون علة لقوله قلنا قوله: "من ابتداء طلوع الفجر" ويكون من أول استطارة الضوء في أفق المشرق إلى غروب الشمس ومثله اليوم أي أن النصف يعتبر من طلوع الفجر لا من طلوع الشمس قوله: "لا عندها" لأن النية حينئذ لم توجد في الأكثر قوله: "لأن النهار الخ" جعل في غاية البيان أول النهار من طلوع الفجر لغة وفقها قوله: "على ما عند" أي على زمن كائن عند طلوع الشمس الخ قوله: "فيفوت الخ" أي لو اعتبرنا بالنهار لغة على ما قال وقلنا إن النية تصح قبل نصفه لفات شرط الصحة وهو وجود النية في أكثر اليوم قوله: "بوجودها قبيل الزوال" لأنه يصدق بوجود النية قبيل الزوال بعد الضحوة الكبرى وإلى ذلك أشار بقوله قبيل بالتصغير والحاصل أنا نقسم الزمان من ابتداء طلوع الفجر إلى الغروب بالساعات فإذا وجدت النية في أكثره صحت في هذه الثلاثة وإلا فلا قوله: "بمطلق النية" أي بالنية المطلقة عن تقييد بوصف مخصوص فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف قوله: "للمعيارية" أي لأن رمضان معيار لم يشرع فيه صوم آخر فكان متعينا للفرض والمتعين لا يحتاج إلى التعيين قوله: "والنذر معتبر بإيجاب الله تعالى" أي فيجري حكمه فيه أي والنفل يحصل بالنية المطلقة لعدم احتياج فيه إلى تخصيص قوله: "وبنية النفل" أي في رمضان والنذر المعين ولا يلزم(1/643)
أو" كان "مريضا في الأصح" من الروايتين وهو اختيار فخر الإسلام وشمس الأئمة وجمع وتلغى زيادة النفلية لأنهما لما تحملا المشقة التحقا بمن لا عذر له نظرا لهما "ويصح أداء رمضان بنية واجب آخر" هذا "لمن كان صحيحا مقيما" لما أنه معيار فيصاب بالخطأ في الوصف كمطلق النية "بخلاف المسافر فإنه" إذا نوى واجبا آخر "يقع عما نواه من" ذلك "الواجب" رواية واحدة عن أبي حنيفة لأنه صرفه إلى ما عليه وقالا يقع عن رمضان "واختلف الترجيح في" صوم "المريض إذا نوى واجبا آخر" بصومه "في" شهر رمضان" روى الحسن أنه عما نوى واختاره صاحب الهداية أكثر مشايخ بخارى لعجزه المقدر وقال فخر الإسلام وشمس الأئمة الصحيح أنه يقع صومه عن رمضان وفي البرهان وهو الأصح "ولا يصح" أي لا يسقط "المنذور المعين زمانه" بصومه "بنية واجب غيره بل يقع عما نواه" الناذر "من الواجب" المغاير للمنذور في الروايات كلها ويبقى المنذور بذمته فيقضيه وقيدنا بواجب آخر لأنه لو نوى نفلا وقع عن المنذور المعين كإطلاق النية وروي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من نية النفل في رمضان الكفر كما قاله الأكمل في تقريره لأنه لا ملازمة بين نية النفل واعتقاد عدم الفرضية أو ظنه فقد يكون معتقدا للفرضية ومع ذلك ينوي النفل أما إذا انضم إلى نية النفل اعتقاد أن رمضان نفل أو ظنه فيكفر أفاده صاحب البحر قوله: "أو مريضا في الأصح" اعترضه الأكمل في التقرير بأن المريض الذي لا يضره الصوم غير مرخص له الفطر عند أئمة الفقه كما شهدت به كتبهم فمن لا يضره الصوم صحيح أي فيتعين عليه صوم رمضان وليس الكلام فيه وفيه أنه قد يحصل بالصوم ازديادا المرض أو بطء البرء فيباح له حينئذ الفطر فلو صامه ولم يبال بذلك يقال إنه صام من غير تعين عليه ومقابل الأصح أنه يقع نفلا لأنه لما جاز إخلاؤه عن الصوم جاز له شغله بالراجح في فطره كاليوم الخارج عن رمضان واختاره جمع كذا في الشرح فالروايتان مصححتان قوله: "نظرا لهما" أي لأنالو أوقعناه نفلا لزم عليهما قضاء ما أفطراه وربما تركاه فيعاقبان عليه إذا أدركا عدة من أيام أخر فكان النظر والمصلحة في إيقاعه عن الفرض قوله: "لما أنه معيار" لتعينه بتعيين الشارع قال صلى الله عليه وسلم: "إذا انسلخ شعبان فلا صوم إلا رمضان" بخلاف النذر فإنما جعل بولاية الناذر وله إبطال صلاحية ما له منح قوله: "فيصاب بالخطأ" المراد أنه يصاب ولو قصد غيره وليس المراد بالخطأ ما قابل العمد قوله: "كمطلق النية" أي كما يصاب بمطلق النية قوله: "لأنه صرفه إلى ما عليه" فقد شغل الوقت بالأهم ورمضان في حقه كشعبان في حق المقيم قوله: "لعجزه المقدر" قال في الشرح لأن رخصته متعلقة بخوف ازدياد المرض لا بحقيقة العجز فكان كالمسافر في تعلق الرخصة في حقه بعجز مقدر اهـ وقد علمت ما قاله الأكمل وفي الدر عن الأشباه الصحيح وقوع الكل عن رمضان سوى مسافر نوى واجبا آخر واختاره ابن الكمال قوله: "ولا يصح المنذور الخ" قد تقدم عن المنح ما يفيد الفرق بين رمضان والنذر المعين(1/644)
عن أبي حنيفة أن يكون عما نواه "فيه" أي الزمن المعين "وأما القسم الثاني وهو ما يشترط له تعيين النية وتبييتها" ليتأدى به ويسقط عن المكلف "فهو قضاء رمضان وقضاء ما أفسده من نفل وصوم الكفارات بأنواعها" ككفارة اليمين وصوم التمتع والقران "والنذر المطلق" عن تقييده بزمان وهو إما معلق بشرط ووجد "كقوله إن شفى الله مريضي فعلي صوم يوم فحصل الشفاء" أو مطلق كقوله لله علي صوم يوم لأنها ليس لها وقت معين فلم تتأدى إلا بنية مخصوصة مبيتة أو مقارنة لطلوع الفجر وهو الأصل وقدمت عنه للضرورة ويشترط الدوام عليها فلو رجع عما نوى ليلا لم يصر صائما ولو أفطر لا شيء عليه إلا القضاء لانقطاع النية بالرجوع فلا كفارة عليه في رمضان إلا أن يعود إلى تجديد النية ويحصل مضيه فيه في وقتها تجديد لها ولا تبطل النية بقوله أصوم غدا إن شاء الله لأنه بمعنى الاستعانة وطلب التوفيق إلا أن يريد حقيقة الاستثناء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وروى عن أبي حنيفة أنه يكون عما نواه" أي من النفل قوله: "وهو ما يشترط له تعيين النية" مما يبتنى على اشتراط التعيين أنه لو نوى الكفارة والقضاء جميعا لم يكن شارعا في واحد منهما ويكون متنفلا وقال أبو يوسف أنه يكون قاضيا كذا في سكب الأنهر قوله: "وتبييتها" فلو نوى تلك الصيامات نهارا كان تطوعا وإتمامه مستحب ولا قضاء بإفطاره والتبييت في الأصل كل فعل دبر ليلا قهستاني قوله: "وصوم التمتع والقران" بالرفع عطفا على قوله قضاء رمضان وذلك لأن الصوم بدل عن الدم الواجب فيهما وهو دم شكر للتوفيق لإداء النسكين قوله: "ووجد" أي الشرط قوله: "أو مطلق" أي عن التعليق قوله: "لأنها ليس لها وقت معين" أي وإنما اشترط التعيين والتبييت فيها لأن تلك الصيامات ليس لها وقت معين لأن الواجب ثابت في الذمة وكل زمان صالح لإدائه وللنفل فلم يقع عما في ذمته إلا بالتعيين وليس وقتها معيارا لها فاشترط فيه التبييت قوله: "فلم تتأدى" المناسب حذف الألف للجازم قوله: "وهو الأصل" أي المقارنة هي الأصل في النية وإنما ذكر باعتبار الخبر قوله: "للضرورة" لأن تحري وقت الفجر مما يشق والحرج مدفوع قوله: "فلو رجع عما نوى ليلا لم يصر صائما" قال في الهندية ولو نوى من الليل ثم رجع عن نيته قبل طلوع الفجر صح رجوعه في الصيامات كلها قوله: "ولو أفطر" أي في أداء رمضان بعد رجوعه عن نية الصوم ليلا ق وله: "فلا كفارة عليه في رمضان" لشبهة خلاف من اشترط التبييت قوله: "إلا أن يعود إلى تجديد النية" استثناء من قوله لانقطاع النية بالرجوع أي فإذا جددها صح صومه قوله: "ويحصل مضيه فيه" أي في الصوم بنيته في وقتها أي النية بعد الفجر إلى قبيل الضحوة الكبرى وقوله تجديدا لها أي للنية أي تحصيلا لها لأن الأولى غير معتبرة بسبب الرجوع عنها قوله: "ولا تبطل النية بقوله أصوم غدا إن شاء الله" لأن المشيئة إنما تبطل اللفظ والنية فعل القلب بحر ولا يبطل النية ليلا أكله أو شربه أو جماعة بعدها كذا في حاشية السيد عن(1/645)
..................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
العلامة مسكين والتعليل يفيد أن المشيئة لا تبطل مطلقا ولو قصد حقيقته لكن لكلام المؤلف وجه وهو أنه إذا قصد التعليق كان غير جازم بالنية وهو ظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/646)
فصل فيما يثبت به الهلال وفي صوم
يوم الشك وغيره" يجب كفاية التماس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان لأنه قد يكون ناقصا و "يثبت رمضان برؤية هلاله" لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" فلذا قال: "أو بعد شعبان ثلاثين" يوما "إن غم الهلال" بغيم أو غبار وغيره بالإجماع "ويوم الشك هو ما يلي التاسع والعشرين من شعبان وقد استوى فيه طرف العلم والجهل" بحقيقة الحال "بأن غم الهلال" أي هلال رمضان فاحتمل كمال شعبان ونقصانه نظرا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا" وخنث إبهامه في المرة الثالثة يعني تسعة وعشرين وقوله وهكذا وهكذا وهكذا أي من غير خنس يعني ثلاثين فالشك بوجود علة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل فيما يثبت به الهلال أي هلال رمضان وغيره.
قوله: "وغيره" كصوم يومين من آخر الشهر قوله: "يجب" الظاهر منه الافتراض لأنه يتوصل به إلى الفرض وكذا يجب التماس هلال شوال في غروب التاسع والعشرين من رمضان قوله: "التماس الهلال" أي طلب رؤيته قال في الشرح وتكره الإشارة إلى الهلال عند رؤيته لأنه فعل الجاهلية وفي هذا إشارة إلى أنه لا عبرة بقول المنجمين فلا يثبت به الهلال قوله: "فإن غم عليكم" أي أخفي عليكم قوله: "فلذا" أي لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "فإن غم عليكم" الخ قوله: "وغيره" كظلمة مانعة أو ضوء كذلك أو دخان قوله: "هو ما يلي التاسع والعشرين" قال في الهندية هو إذا لم ير علامة ليلة الثلاثين والسماء متغيمة أو شهد واحد فردت شهادته أو شاهدان فاسقان فردت شهادتهما اهـ وفي شرح المختار أن يتحدث الناس بالرؤية ولا تثبت وظاهر التقييد بأنه ما يلي التاسع والعشرين أنه لا يكره صوم التاسع من ذي الحجة عند الشك في أنه يوم نحر والظاهر الكراهة ويحرر قوله: "وقد استوى فيه الخ" بيان لوجه إضافة اليوم إلى الشك قوله: "بحقيقة الحال" متعلق بالجهل وحذف من العلم نظيره أو متعلق بالعلم وحذف من الجهل نظيره قوله: "بأن غم الهلال" الباء للسببية قوله: "فاحتمل" بالبناء للمجهول أي احتمل الحال قوله: "وخنس إبهامه" لم يبين أنه إبهام اليمنى أو اليسرى قوله: "وقوله" بالجر عطفا على قوله الأول قال ابن حجر وثواب الناقص كالكامل في الفضل المترتب على رمضان أما ما يترتب على صوم يوم الثلاثين من ثواب واجبه أي فرضه ومندوبه عند سحوره وفطوره فهو زيادة يفوق بها الناقص(1/646)
كغيم في الثلاثين أمن رمضان هو أو من شعبان أو بغم من رجب "وكره فيه" أي يوم الشك "كل صوم" من فرض وواجب وصوم ردد فيه بين نفل وواجب "إلا صوم نفل جزم به بلا ترديد بينه وبين صوم آخر" فإنه لا يكره لحديث السرار إذا كان على وجه لا يعلم العوام ذلك ليعتادوا صومه ظنا منهم زيادته على الفرض وإذا وافق معتاده فصومه أفضل اتفاقا واختلفوا في الأفضل إذا لم يوافق معتاده قيل الأفضل النظر احترازا لظاهر النهي وقيل الصوم اقتداء بعلي وعائشة رضي الله عنهما فإنهما كانا يصومانه "وإن ظهر أنه" من "رمضان
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فلرمضان فضل من حيث هو بقطع النظر عن مجموع أيامه كمغفرة الذنوب لمن صامه إيمانا واحتسابا والدخول من باب الجنة المعد لصائمه وغير ذلك من التكريم وهذا لا فرق فيه بين كونه ناقصا أو تاما وأما الثوبا المترتب على كل يوم بخصوصه فأمر آخر قد يثبت للكامل بسببه ما لا يثبت للناقص ونظم العارف بالله تعالى الأجهوري أشهر الصوم التامة والناقصة في حياته صلى الله تعالى عليه وسلم فقال:
وفرض الصيام ثاني الهجرة. ... فصام تسعة نبي الرحمة.
فأربعا تسعا وعشرين يوما. ... زاد على ذا بالكمال اتسما.
كذا لبعضهم وقال الهيتمي. ... ما صام كاملا سوى شهرا علم.
وللدميري أنه شهران. ... وناقص سواه خذ بياني.
اهـ من شرح السيد ملخصا قوله: "أو يغم من رجب" الضمير في يغم يعود إلى شعبان أي أو يغم هلال شعبان من رجب فأكملت عدته فإذا لم ير هلال رمضان يقع الشك في الثلاثين من شعبان أهو الثلاثون فيكون رجب كاملا أو الحادي والثلاثون فيكون رجب ناقصا واليوم الآتي أول رمضان قوله: "لحديث السرار" فإنه يدل على استحباب صوم آخر شعبان وهو قوله صلى الله عليه وسلم لرجل: "هل صمت من سرار شعبان" قال لا قال: "فإذا أفطرت فصم يوما مكانه" وفيه أن محله في آخر شعبان المحقق ويوم الشك يحتمل أنه من رمضان قوله: "إذا كان على وجه الخ" شرط في قوله لا يكره قوله: "ذلك" أي الصوم قوله: "ليعتادوا" علة للمنفي وهو قوله يعلم أي فإنهم إذا عملوا اعتادوا ولو قال لئلا يعتادوا الخ أي إنما شرطنا ذلك لئلا يعتاد والكان أوضح قوله: "ظنا منهم" علة لقوله ليعتادوا قوله: "زيادته" أي صوم يوم الشك قوله: "لظاهر النهي" هو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تتقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يوافق صوما كان يصومه أحدكم" وفي الشرح الكبير عن ظاهر النهي وهو الأولى قوله: "وقيل الصوم الخ" هو الذي جزم به المصنف فيدل على أنه صحيح والكلام الآتي يدل على أنه أفضل في حق الخواص فقط وفي عبارة التنوير وشرحه وإلا يصومه الخواص ويفطر غيرهم بعد الزوال به يفتى نفيا لتهمة النهي اهـ فأفاد الخلاف في أفضلية صومه للخواص قال.(1/647)
أجزأ عنه" أي عن رمضان "ما صامه" بأي نية كانت إلا أن يكون مسافرا ونواه عن واجب آخر كما تقدم وإن ظهر من شعبان ونواه نفلا كان غير مضمون لدخول الإسقاط في عزيمته من وجه وكراهة الواجب لصورة النهي كصلاته في أرض الغير وهو دون كراهته على أنه من رمضان لعدم التشبه وأما كراهة النفل ع الترديد فلأنه ناو للفرض من وجه وهو أن يقول إن كان غدا من رمضان فمنه وإلا فتطوع "وإن ردد" الشخص "فيه" أي في يوم الشك "بين
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في شرح السيد ومنه أي من قوله إلا صوم نفل المقتضى عدم الكراهة يعلم أن ما استفيد من كلام المصنف من أن صوم يوم الشك نفلا لا يكره مطلقا سواء وافق صوما يعتاده أم لاوسواء صامه بانفراده أم لا بأن ضم إليه غيره وسواء كان ما ضمه إليه يوما واحدا أم لا بأن كان يومين فأكثر مسلم لا غبار عليه ولا ينافيه ما يأتي من قوله وكره صوم يوم أو يومين من آخر شعبان لأنه مقيد بما إذا كان التقدم على قصد أن يكون من رمضان اهـ قوله: "إلا أن يكون مسافرا" هو مذهب الإمام كما سبق قوله: "لدخول الإسقاط في عزيمته" أي في نية صومه من وجه وهو ما إذا ظهر أنه من رمضان فإنه يجزى عنه فكأنه لم يشرع ملتزما بل مسقطا من هذا الوجه فلا قضاء عليه لو أفسده قوله: "وكراهة الواجب الخ" الأولى ما فعله في الشرح حيث قال أما كراهة صومه على أنه من رمضان فلقوله صلى الله عليه وسلم: "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم" وفيه تشبه بأهل الكتاب في زيادة مدة الصوم فإن ظهرت رمضانيته أجزأه وإن أفطره فظهر أنه من شعبان لم يقضه كالمظنون لشروعه مسقطا وأما كراهة الواجب الخ والفرق بين ظهر الجمعة الذي يصلى بنية الشك في صحة الجمعة حيث ينوي فيه الفرض وبين صوم الشك حيث لا ينوي فيه الفرض أن نية التعيين في الصلاة لازمة لكون وقتها ظرفا يسعها وغيرها بخلاف الصوم فظهر الجمعة لا يصح ولو في وقتها إلا أن نواه على التعيين بخلاف وقت الصوم فإنه معيار لا يسع غيره سيد عن الحموي وهذا إنما يرد على مذهب أبي يوسف لا على المعتمد بقي أن ما ذكره المصنف من حديث من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم لا أصل له كما قاله الزيلعي قوله: "لصورة النهي" أي المنهي عنه يعني أن صورة الواجب كصورة الفرض للقرب بينهما فلذاكره ولو ظهرت رمضانيته في هذه الصورة أجزأه لو مقيما ولو مسافرا فعن الواجب عند الإمام ولو ظهر من شعبان فعما نوى في الصحيح كذا في الشرح قوله: "كصلاته في أرض الغير" فإن الكراهة هنا للعارض المجاور وهو الأداء في ملك الغير بلا رضاه كما كره الواجب للعارض وهو تصوره بصورة المنهي عنه قوله: "لعدم التشبه" أي بأهل الكتاب في الزيادة على مقدار الصوم بقي ما لو ردد بين واجب ونفل ومكروه تنزيها ولو تردد بين فرض وواجب كره فإن ظهر أنه من شعبان لم يجز عن الواجب لأن الجهة لم تثبت للتردد فيها وأصل النية لا يكفيه ويكون فرضا غير مضمون بالقضاء إذا كان غير رمضان لشروعه فيه مسقطا.(1/648)
صوم وفطر" كقوله إن كان من رمضان فصائم وإلا فمفطر "لا يكون صائما" لأنه لم يجزم بعزيمته فإن ظهرت رمضانيته قضاه. ثم شرع في بيان تقديم الصوم من غير شك على جهة الاحتياط فقال: "وكره صوم يوم أو يومين من آخر شعبان" لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا الشهر بيوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فيصومه" متفق عليه والمراد به التقديم على قصد أن يكون من رمضان لأن التقديم بالشيء على الشيء أن ينوي به قبل حينه وأوانه ووقته وزمانه وشعبان وقت التطوع فإذا صام عن شعبان لم يأت بصوم رمضان قبل زمانه وأوانه فلا يكون هذا تقدما عليه من فوائد شيخي العلامة شمس الدين محمد المحبي رحمه الله "لا يكره" صوم "ما فوقهما" أي اليومين كالثلاثة فما فوقها من آخر شعبان كما في الهداية "و" المختار أن "يأمر المفتي العامة" بإظهار النداء "بالتلوم" أي بالانتظار بلا نية صوم في
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
قوله: "لا يكون صائما" كما أنه ليس بصائم لو نوى إنه إن لم يجد غداء فصائم وإلا فمفطر تنوير قوله: "والمراد به التقديم الخ" فيه تأمل إذ ليس ذلك بلازم لأن العلة المعقولة توهم الزيادة ولو من بعض الناس وهذه تتحقق بتقديم الصوم ولو على أنه من شعبان ومعنى الحديث لا تصوموا قبل رمضان الخ ومما يدل على ما ذكرنا قوله لا تقدموا الشهر أي شهر الصيام المفروض بغيره وكذا ذكر في التحفة ونصها الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين مكروه أي صوم كان وما ذكره المحبي أخذه في الفوائد وأفاده في العناية ومثله في الإيضاح ونصه لا بأس بصوم يوم أو يومين أو ثلاثة قبل رمضان لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا" الحديث استقبال الشهر بصوم منه ومثله في الدراية قال الكمال وما في التحفة أوجه فالحاصل أنه إذا صام يومين أو يوما هل يكره بعضهم كصاحب التحفة قال بالكراهة مطلقا وبعضهم وهو الأكثر قيد بما إذا نوى أن ذلك من رمضان وما عليه الأكثر هو الذي ذكره في الهداية قوله: "لأن التقديم بالشيء على الشيء أن ينوي الخ" فيه نظر ظاهر فإن تقدم الشيء على الشيء لا يلزم فيه ما ذكره وأجيب بأن الشيء أعيد معرفة فيكون عينا والتقديم هنا إنما هو لوصف الفرض قوله: "لا يكره صوم ما فوقهما" وقال الإمام الشافعي إذا انتصف شعبان فلا صيام إلا رمضان لحديث ورد فيه وأوردن التقديم بنية صوم الفرض لا يخص اليومين بل الحكم الكراهة فيما زاد حيث نوى الفرض وأجيب بأنهم خصوا الكراهة باليوم واليومين لدفع توهم أن القليل عفو كما عفي في كثير من الأحكام أي فيفهم حكم الكثير بالأولى وبأنه لما كان يقع النقص في الشهور فيتوهم متوهم وقوع النقص في رجب وفي شعبان معا فيصوم يومين قبل الرؤية بناء منه على هذا التوهم من غير تحقيق تأمل وراجع الشرح قوله: "أن يأمر المفتي" إنما كان الآمر المفتي لا القاضي لأن الصوم لا يدخل تحت القضاء إلا تبعا أي يأمر القاضي على أنه إفتاء لا حكم قوله: "بإظهار النداء" الباء فيه كالباء في كتبت بالقلم ويظهر النداء في الأسواق والمنارات كما في الشرح(1/649)
ابتداء "يوم الشك" محافظة على إمكان أداء الغرض بإنشاء النية لظهر الحال في وقتها "ثم" يأمر العامة "بالإفطار إذا ذهب وقت" إنشاء "النية" وهو عند مجيء الضحوة الكبرى "ولم يتبين الحال" حسما لمادة اعتقاد الزيادة "ويصوم فيه" أي يصومه نفلا "المفتي والقاضي" سرا لحديث السرار لئلا يتهم بالعصيان بارتكاب الصوم بما يروى "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم" مخالفا لما أمر به من الفطر "و" يصومه أيضا سرا "من كان من الخواص وهو من يتمكن من ضبط نفسه عن" الإضجاع وهو "الترديد في النية و" عن "ملاحظة كونه" صائما "عن الفرض" إن كان من رمضان لحديث السرار وهو قوله صلى الله عليه وسلم لرجل "هل صمت من سرار شعبان" قال لا قال: "فإذا أفطرت فصم يوما مكانه" وسرار الشهر بالفتح والكسر آخره سمي به لاستتار القمر فيه لأنه لما كان معارضا ينهى التقدم بصيام يوم أو يومين حمل التقدم على نية الفرض وحديث السرار على استحبابه نفلا لأن المعنى الذي يعقل فيه ختم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "بالتلوم" الباء للتعدية قوله: "بإنشاء النية" متعلق بإداء قوله: "بظهور الحال" الباء بمعنى مع أي مع ظهور الحال أنه من رمضان قوله: "في وقتها" أي النية متعلق بظهور قوله: "ثم يأمر العامة" بالنصب عطفا على يأمر الأول قوله: "لحديث السرر" يأتي ذكره قريبا قوله: "يتهم بالعصيان" علة لقوله سرا قال في الشرح فإن أفتاهم بالإفطار بعد التلوم فإذا خالف إلى الصوم اتهموه بالمعصية تمسكا منهم بما يروى من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم وهو مشهور بين العوام اهـ قوله: "بارتكاب" الباء للسببية متعلق بالعصيان وقوله بما يروى الباء بمعنى اللام وتعبيره في الصغير والكبير بيروى وبقوله في الكبير وهو مشهور بين العوام يشير إلى أنه لا أصل له وهو كذلك كما مر عن الزيلعي والدليل على أن القاضي يصومه ما حكاه أسد بن عمر وقال أتيت باب الرشيد فأقبل أبو يوسف القاضي وعليه عمامة سوداء ومدرعة سوداء وخف أسود وراكب على فرس أسود وما عليه شيء من البياض إلا لحيته البيضاء وهو يوم الشك فأفتى الناس بالفطر فقلت له أمفطر أنت فقال إدن إلي فدنوت منه فقال في أذني: إني صائم أهو السواد شعار العباسية قوله: "مخالفا" حال من فاعل المصدر المحذوف الذي هو ارتكاب إذ تقديره بارتكابه الصوم مخالفا لما أمر به من الفطر وأمر بالبناء للمعلوم والمفعول محذوف وهو العامة قوله: "من كان الخ" أي من كان من الخواص في هذا المقام قوله: "وعن ملاحظة" من عطف الخاص قوله: "فصم يوما مكانه" الأمر يحمل على الندب قوله: "وسرار الشهر بالفتح والكسر" قال في القاموس: السرار كسحاب السباب ومن الشهر آخر ليلة منه كسراره وسرره وقال قبله السر مستهل الشهر أو آخره واستدل الإمام أحمد على وجوب صوم يوم الشك بهذا الحديث كما في الشرح قوله: "سمي به" أي بالسرار الذي يدل على الخفاء قوله: "لأنه لما كان الخ" علة لندب صومه للمفتي والقاضي ومن كان من الخواص قوله: "حمل التقدم" أي المنهي عنه قوله: "على(1/650)
شعبان بالعبادة كما يستحب ذلك في كل شهر "ومن رأى هلال رمضان" وحده "أو" هلال "الفطر وحده ورد قوله" أي رده القاضي "لزمه الصيام" لقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وقد رآه ظاهر ولقوله صلى الله عليه وسلم: "صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون" والناس لم يفطروا فوجب أن لا يفطر لا فرق بين كون السماء بعلة فلم يقبل لنفسه أو ردت بصحوها لانفراده وفيه إشارة إلى لزوم صيامه وإن لم يشهد عند القاضي ولا فرق بين كونه من عرض الناس أو الإمام فلا يأمر الناس بالصوم ولا بالفطر إذا رآه وحده ويصوم هو "ولا يجوز له الفطر بتيقنه هلال شوال" برؤيته منفردا لما روينا كذا في فتح القدير والتتارخانية عن المحيط والخلاصة وفي الجوهرة خلافه قال الإمام يأمرهم بالصوم برؤيته وحده ولا يصلي بهم العيد ولا يفطر لا سرا ولا جهرا اه. فأخذ بالاحتياط في المحني وفي الحجة قال صاحب الكتاب إذا استيقن بالهلال يخرج ويصلي العيد ويفطر لأنه ثابت بالشرع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نية الفرض" أي على ما إذا قدم الصوم على رمضان ناويا أنه منه قوله: "وحديث السرر" أي الحديث الدال على طلب صوم السرر قوله: "ختم شعبان" خبر أن قوله: "ذلك" أي الختم بعبادة الصوم قوله: "ورد قوله" فإذا لم يرد صامه بالأولى قوله: "لزمه الصيام" وكذا يلزم صديقه إذا أخبره برؤيته أن صدقه ولا يفطر وإن أفطر لا كفارة عليه بحر قوله: "ولقوله لله صومكم الخ" دليل المسئلة الثانية قوله: "يوم تفطرون" بفتح التاء بدليل الفطر ولو كان بضمها لقال وإفطاركم وفي القاموس فطر الصائم أكل وشرب كأفطر وفطرته مخففا ومشددا وأفطرته اهـ وأورد أن الحديث يفيد أن الصوم يوم صوم الناس ومن رأى هلال رمضان وحده ورد قوله وجب عليه صومه مع أن الناس لم يصوموا وأجيب بأن الصوم ثبت بدليل خاص وهو الآية المتقدمة قوله: "وفيه إشارة الخ" وجهها أنه إذا لزمه الصيام بعد رد قوله يلزمه إذا لم يشهد ولم يرد بالأولى والصوم المراد منه حقيقته لا الإمساك على المعتمد في صورة رؤية هلال الفطر وهل يجب أو يندب قولان والمعتمد الأول والمراد بالوجوب الإفتراض كما قاله صاحب تحفة الأخيار قوله: "من عرض الناس" بالضم أي عامتهم كما في القاموس قوله: "إذا رآه" أي هلال الصوم أو هلال الفطر على التوزيع قوله: "ولا يجوز له الفطر" جعل كلام المصنف مرتبطا بما قبله من مسئلة الإمام فأخرج المتن عن العموم قوله: "وفي الجوهرة" ومثله في الهداية عن السراج قوله: "قال" أي صاحب الجوهرة قوله: "برؤيته" أي برؤية هلال رمضان قوله: "ولا يصلي بهم العيد" أي إذا رأى هلال شوال كما أفصح عنه في السراج وكذا يقال فيما بعد قوله: "فأخذ" أي أخذ من قال بهذا التفصيل قوله: "في المحلين" هما رؤية هلال رمضان بالصوم ورؤية الفطر بالصوم أيضا لاحتمال الغلط في الرؤية قوله: "قال صاحب الكتاب" يحتمل أنه القدوري قوله: "إذا استيقن" أي الإمام قوله: "لأنه ثابت بالشرع" أي برؤية الإمام.(1/651)
وقد تيقن كذا في التتارخانية "وإن أفطر" من رأى الهلال وحده "في الوقتين" رمضان وشوال "قضى" لما تلونا وروينا "ولا كفارة عليه" ولا على صديق للرائي إن شهد عنده بهلال الفطر وصدقه فأفطر لأنه يوم عيد عنده فيكون شبهة وبرد شهادته في رمضان صار مكذبا شرعا "و" بذلك لا كفارة عليه "ولو كان فطره قبل ما رده القاضي في الصحيح" لقيام الشبهة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "الصوم يوم تصومون" وقيل تجب الكفارة فيهما للظاهر بين الناس في الفطر وللحقيقة التي عنده في رمضان "وإذا كان بالسماء علة من غيم أو غبار ونحوه" كضباب وندى "قبل" أي القاضي بمجلسه "خبر واحد عدل" هو الذي حسناته أكثر من سيئاته والعدالة مكملة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة "أو" خبر "مستور" هو مجهول الحال لم يظهر له فسق ولا عدالة يقبل قوله "في الصحيح" ويلزم العدل أن يشهد عند الحاكم في ليلة رؤيته كي لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لما تلونا" أي من قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وقال في الشرح ولما روينا أي من قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا" الخ وفي نسخ من الصغير وروينا قوله: "لأنه يوم عيد عنده" هذا تعليل لعدم الكفارة في الإفطار برؤية هلال الفطر قوله: "ويرد شهادته" متعلق بقوله صار مكذبا وهو تعليل للفطر في رؤية هلال رمضان قوله: "وبذلك" أي بما ذكر من التعليلين قوله: "يوم تصومون" أي والناس لم يصوموا عند رؤية هلال رمضان وهذا مع الاستغناء عنه بقوله وبذلك لا كفارة عليه إنما يظهر في هلال رمضان وأما العلة في الفطر فلأنه يوم عيد عنده أي للرؤية المتحققة عنده قوله: "في الفطر" أي في رؤية هلال الفطر أي فإنه أفطر والناس صائمون فتجب الكفارة قوله: "وللحقيقة التي عنده" أي للرؤية المحققة عنده في رمضان فإذا أفطر وجبت عليه الكفارة قوله: "كضباب" قال في القاموس واليوم صار ذا ضباب بالفتح أي ندى كالغيم أو سحاب رقيق كالدخان اهـ فذكره حينئذ لا فائدة فيه لأن كلا من الغيم والندى مذكور قوله: "وندى" بالقصر هو كما في القاموس الثري والشحم والمطر والبلل والطلا وشيء يتطيب به كالبخور اهـ والمناسب هنا المطر أو البلل ولكنهما لا يعلان السماء قوله: "بمجلسه" قال في التنوير وشرحه وقيل بلا دعوى وبلا لفظ أشهد وبلا حكم ومجلس قضاء الخ فذكر المجلس إتفاقي قوله: "خبر واحد عدل" يلزم أن يكون مسلما عاقلا بالغا بحر وفي الهندية لا تقبل شهادة المراهق قوله: "هو الذي الخ" هو أدنى وصف العدالة وهو الشرط قوله: "والمروءة" قال في القاموس مرؤ ككرم مروءة فهو مريء أي ذو مروءة وإنسانية اهـ قوله: "في الصحيح" مقابله ظاهر الرواية أنه لا يقبل خبر المستور قوله: "ويلزم العدل" أما الفاسق إن علم أن الحاكم يعمل بقول الطحاوي وهو قبول شهادة الفاسق في رؤية الهلال وإن كان مؤولا بالمستور ينبغي له أن يشهد كذا في الشرح عن التتارخانية وشرح الديري وفي الدراية لا يقبل خبر الفاسق اتفاقا وفي البحر قول الفاسق في الديانات التي يمكن تلقيها من العدول غير(1/652)
يصبحوا مفطرين وللمخدرة أن تشهد بغير إذن وليها لأنه من فروض العين "و" يقبل خبره لو "شهد على شهادة واحد مثله" لأن العدد في الأصول ليس شرطا فكذا في الفروع "و" يقبل خبره و "لو كان أنثى أو رقيقا أو محدودا في قذف" وقد "تاب" في ظاهر الرواية إثباتا "لرمضان" لأنه أمر ديني وخبر العدل فيه مقبول فأشبه رواية الأخبار "و" لهذا "لا يشترط لفظ الشهادة ولا" تقدم "الدعوى" كما لا يشترطان في سائر الأخبار وأطلق القبول كما في الهداية وقال كان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل إنما يقبل شهادة الواحد إذا فسر فقال: رأيته في وقت يدخل في السحاب ثم ينجلي لأن الرؤية في مثل هذا تتفق في زمان قليل فجاز أن ينفرد هو به أما بدون هذا التفسير لا تقبل لمكان التهمة اه. كذا في التجنيس.
"تنبيه" لما كان قول الحساب مختلفا فيه نظمه ابن وهبان فقال:
وقول أولى التوقيت ليس بموجب ... وقيل نعم والبعض إن كان يكثر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مقبول كالهلال رواية الأخبار ولو تعدد كفاسقين فأكثر اهـ قوله: "وللمخدرة" ولو رقيقة كما أفاده في الدر قوله: "لأنه من فروض العين" يؤخذ منه أن محله إذا تعينت للشهادة وإلا حرم عليها قوله: "لو شهد على شهادة واحد مثله" بخلاف الشهادة على الشهادة في سائر الأحكام حيث لا تقبل ما لم يشهد على شهادة كل شاهد رجلان أو رجل وامرأتان وقوله على مثله بل ولو على غير مماثله كحر وعبد وذكر وأنثى قوله: "في ظاهر الرواية" لقبول رواية أبي بكرة بعدما تاب وكان قد حد في قذف بحر ومقابل ظاهر الرواية ما عن الإمام لا تقبل شهادة المحدود بحد القذف قوله: "ولهذا الخ" أي لكونه أمرا دينيا قوله: "لا يشترط لفظ الشهادة" على الصحيح خلافا لشيخ الإسلام فلا يشترط الحكم حتى لو شهد عند الحاكم وسمع رجل شهادته عنده وهو ظاهر العدالة وجب على السامع أن يصوم ولا يحتاج إلى حكم الحاكم هندية وإذا ثبت رمضان بقول الواحد يتبعه في الثبوت ما يتعلق به كالطلاق المعلق والعتق والإيمان وحلول الآجال وغيرها ضمنا وإن كان شيء من ذلك لا يثبت بخبر الواحد قصدا كذا في شرح السيد قوله: "ولا تقدم الدعوى" قال في الظهيرية هذا على قولهما أما على قول الإمام رضي الله عنه فينبغي أن يشترط الدعوى اهـ قوله: "في سائر الأخبار" كرواية الأخبار والأخبار عن طهارة الماء ونجاسته قوله: "أطلق القبول" أي ولم يقيده بالتفسير قوله: "فقال" عطف تفسير ومثله إذا قال رأيته خارج البلد في الصحراء" قوله: "لأن الرؤية" علة لقبول خبر الواحد إذا بين قوله: "لمكان التهمة" أي لوجود التهمة بالخطأ في الرؤية قوله: "قول الحساب" أي المؤقتين قوله: "ليس بموجب" شرعا فطرا ولا صوما ولو لأنفسهم قال في الهندية ولا يجوز للمنجم أن يعمل بحساب نفسه كما في معراج الدرية قوله: "وقيل نعم" يعمل به مطلقا قلوا أو كثروا قوله: "والبعض إن كان يكثر" أي قال(1/653)
وقال ابن الشحنة بعد نقل الخلاف فإذن اتفق أصحاب أبي حنيفة إلا النادر والشافعي أنه لا اعتماد على قول المنجمين في هذا "وشرط لهلال الفطر" أي لثبوته وثبوت غيره من الأهلة "إذا كان بالسماء علة" لفظ "الشهادة" الحاصلة "من حرين" مسلمين مكلفين غير محدودين في قذف "أو حر وحرتين" لكن "بلا" اشتراط تقدم "دعوى" على الشهادة كعتق الأمة وطلاق الزوجة وإذا رأى الهلال في الرستاق وليس هناك وال ولا قاض فإن كان ثقة يصوم الناس بقوله والفطر إن أخبر عدلان برؤية الهلال وبالسماء علة لا بأس بأن يفطروا بلا دعوى ولا حكم للضرورة "وإن لم يكن بالسماء علة فلا بد" للثبوت "من" شهادة "جمع عظيم لرمضان والفطر" وغيرهما لأن المطلع متحد في ذلك المحل والموانع منتفية والأبصار سليمة والهمم في طلب رؤية الهلال مستقيمة فالتفرد في مثل هذه الحالة يوهم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض المشايخ وهو محمد بن سلمة باعتباره إن كان يسألهم ويعتمد على قولهم بعد أن يتفق على ذلك جماعة منهم قوله: "والشافعي" عطف على أصحاب ولبعض متأخري الشافعية وهو الإمام تقي الدين السبكي تصنيف في هذه المسئلة مال فيه إلى اعتماد قول المنجمين لأن الحساب قطعي وتصديق المؤقت في هذا ليس مكفر الآن المراد بالكاهن والعراف في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه فيما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" من يخبر بالغيب أو من يدعي معرفته فما كان هذا سبيله لا يجوز ويكون تصديقه كفرا أما أمر الأهلة فليس من هذا القبيل إذ معتمدهم فيه الحساب القطعي فليس من الأخبار عن الغيب أو دعوى معرفته في شيء ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] أفاده في تحفة الأخيار قوله: "وثبوت غيره من الأهلة" مكرر مع ما يأتي متنا قوله: "لفظ الشهادة الخ" قال في البحر لأنه تعلق به نفع العباد وهو الفطر فأشبه سائر حقوقهم فيشترط فيه ما يشترط فيها من العدالة والحرية والعدد وعدم الحد في قذف ولفظ الشهادة والدعوى على خلاف فيه اهـ قوله: "لكن بلا اشتراط تقدم دعوى" أي على قولهما فما ذكروه من الدعوى لإثبات رمضان إنما يحتاج إليه على مذهب الإمام أفاده السيد قوله: "كعتق الأمة وطلاق الزوجة" أي فعلى الشاهد أن يشهد بهما عند القاضي وإن لم تدع الأمة والزوجة أما عتق العبد الذكر فيشترط فيه الدعوى قوله: "في الرستاق" أي القرى قوله: "يصوم الناس بقوله" قوله: "أي افتراضا" قال في المنح وعليهم أن يصوموا بقوله إذا كان عدلا اهـ ومحله ما إذا كان بالسماء علة قوله: "لا بأس الخ" كذا عبر في المنح والهندية وظاهر التعبير به عدم وجوب الفطر قوله: "للضرورة" أي إنما فعلوا ذلك استقلالا للضرورة وهي عدم الحاكم والظاهر أن ذلك يجري فيما إذا كان الحكم بعيدا عنها قوله: "وغيرهما" أي من بقية الأهلة قوله: "والأبصار سليمة" أي غالبها قوله: "مستقيمة" أي متوفرة متهيئة قوله: "يوهم الغلط" كذا في الشرح وفي نسخ لتوهم الغلط ولا وجه له(1/654)
الغلط فوجب التوقف في رؤية القليل حتى يراه الجمع الكثير لا فرق في ظاهر الرواية بين أهل المصر ومن ورد من خارج المصر "ومقدار" عدد "الجمع" العظيم قيل أهل الحلة وعن أبي يوسف خمسون كالقسامة وعن خلف خمسمائة ببلخ قيل وقال البقالي الألف ببخاري قيل وقال الكمال الحق ما روي عن محمد وأبي يوسف أن العبرة لتواتر الخبر ومجيئه من كل جانب اهـ وفي التجنيس عن محمد أن أمر العقلة والكثرة "مفوض إلى رأي الإمام" وهو الصحيح وفي البرهان "في الأصح" لأن ذلك يختلف باختلاف الأوقات والأماكن وتتفاوت الناس صدقا "وإذا تم العدد" أي عدد رمضان ثلاثين "بشهادة فرد" برؤيته "ولم ير هلال الفطر و" ذلك و "السماء مصحية لا يحل الفطر" اتفاقا على ما ذكره شمس الأئمة ويعزر ذلك الشاهد كذا في الدرر وفي التجنيس إذا لم ير هلال شوال لا يفطرون حتى يصومون يوما آخر وقال الزيلعي والأشبه أن يقال إن كانت السماء مصحية لا يفطرون لظهور غلطه وإن كانت متغيمة يفطرون لعدم ظهور الغلط "واختلف الترجيح" في حل الفطر "فيما إذا كان" ثبوت رمضان "بشهادة عدلين" وتم العدد ولم ير هلال شوال مع الصحو صحح في الدراية والخلاصة والبزازية حل الفطر لأن شهادة الشاهدين إذا قبلت كانت بمنزلة العيان وفي مجموع النوازل لا يفطرون وصححه كذلك السيد الإمام الأجل ناصر الدين لأن عدم الرؤية مع الصحو دليل الغلط فتبطل شهادتهما "ولا خلاف في حل الفطر إذا" تم العدد لو "كان في السماء علة ولو" وصلية "ثبت رمضان بشهادة الفرد" العدل كالعدلين اتفاقا على التحقيق "وهلال الأضحى" في الحكم "كالفطر" فلا بد من نصاب الشهادة مع العلة والجمع العظيم مع الصحو على ظاهر الرواية وهو الأصح لما تعلق به من نفع العباد خلافا لما يروى عن أبي حنيفة أنه كهلال رمضان وهي رواية النوادر وصححها في التحفة والمذهب ظاهر الرواية "ويشترط" في الثبوت "لبقية الأهلة" إذا كان بالسماء علة "شهادة رجلين عدلين أو" شهادة "حر وحرتين غير محدودين في قذف" وإلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "مفوض إلى رأي الإمام" من غير تقدير بعدد كما في التنوير قوله: "وتتفاوت الناس صدقا" أي من جهة الصدق أي فيمكن أن يغلب صدق بعض الناس عنده فيقبله قوله: "وذلك والسماء" خبر اسم الإشارة محذوف أي وذلك كائن قوله: "بمنزلة العيان" بكسر العين المشاهدة قوله: "اتفاقا على التحقيق" يرجع إلى شهادة الفرد العدل ومقابل التحقيق أن حل الفطر بشهادة الفرد قول محمد.
قوله: "لما تعلق به من نفع العباد" علة لقوله فلا بد من نصاب الشهادة فكان كحقوقهم قوله: "ويشترط في الثبوت الخ" لو قال المصنف بدل قوله وهلال الأضحى كالفطر وجميع الأهل كالفطر لاستغنى عن هذه الجملة(1/655)
فجمع عظيم "وإذا ثبت" الهلال "في" بلدة و "مطلع قطر" ها "لزم سائر الناس في ظاهر المذهب وعليه الفتوى" وهو قول أكثر المشايخ فيلزم قضاء يوم على أهل بلدة صاموا تسعة وعشرين يوما لعموم الخطاب "صوموا لرؤيته" وقيل يختلف ثبوته باختلاف المطالع واختاره صاحب التجريد وغيره كما إذا زالت الشمس عند قوم وغربت عند غيرهم فالظهر على الأولين لا المغرب لعدم انعقاد السبب في حقهم.
"تنبيه" ثبوت رمضان وشوال بالدعوى بنحو وكالة معلقة به فينكر المدعى عليه فيشهد الشهود بالرؤية فيقضي عليه ويثبت مجيء رمضان ضمنا لأن إثبات مجيء الشهر مجردا لا يدخل تحت الحكم وإن لزم الصوم بمجرد الإخبار لا يشترط الإسلام في إخبار الجمع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ومطلع قطرها" الأولى أن يقول وإذا ثبت الهلال في مطلع قطر الخ قوله: "لزم سائر الناس" في سائر أقطار الدنيا إذا ثبتت عندهم الرؤية بطريق موجب كان يتحمل اثنان الشهادة أو يشهدا على حكم القاضي أو يستفيض الخبر بخلاف ما إذا أخبر أن أهل بلدة كذا رواه لأنه حكاية اهـ قوله: "صوموا لرؤيته" بدل من الخطاب فإنه علق الصوم بمطلق الرؤية وهي حاصلة برؤية قوم فيثبت عموم الحكم احتياطا قوله: "واختاره صاحب التجريد" وهو الأشبه وإن كان الأول أصح كذا في السيد قوله: "كما إذا زالت الخ" قال في شرح السيد لأن انفصال الهلال من شعاع الشمس يختلف باختلاف الأقطار كما في دخول الوقت وخروجه حتى إذا زالت الشمس في المشرق لا يلزم منه أن تزول في المغرب وكذا طلوع الفجر وغروب الشمس بل كلما تحركت درجة فتلك طلوع الفجر لقوم وطلوع الشمس لآخرين وغروب لبعض ونصف ليل الآخرين وهذا مثبت في علم الأفلاك والهيئة عيني وأقل ما تختلف فيه المطالع مسيرة شهر كما في الجواهر اعتبارا بقصة سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام فإنه قد انتقل كل غدو ورواح من إقليم إلى إقليم وبين كل منهما مسيرة شهر قهستاني ونقلة الغد وهي السير من أول النهار إلى الزوال والرواح السير من الزوال إلى الغروب اهـ قوله: "ثبوت رمضان وشوال بالدعوى" إنما يحتاج لهذا على مذهب الإمام وفيه خلاف عنه وأما على مذهبهما فلا حاجة إلى هذا التكلف لقبول الشهادة عندهما وإن لم تتقدم الدعوى وقوله ثبوت الخ مبتدأ وقوله بنحو وكالة معلقة خبر أي ثبوت رمضان المقيد بالدعوى يكون بنحو وكالة قوله: "بنحو وكالة معلقة" بأن يدعي شخص على مديون شخص آخر أن الدائن قال لي إذا جاء رمضان أو شوال فقد وكلتك بقبض الدين الذي لي على فلان فيقر المديون بثبوت الدين بذمته وبالوكالة وينكر دخول رمضان أو شوال ثم إن كانت هذه حقا فالأمر ظاهر وإن كانت كذبا فيكون المسوغ لها إثبات حق الشارع في رمضان أو الخلق في الفطر قوله: "لا يدخل تحت الحكم" لأنه من الديانات قوله: "وإن(1/656)
العظيم لأن التواتر لا يبالى فيه بكفر الناقلين فضلا عن فسقهم أو ضعفهم ذكره الكمال "ولا عبرة برؤية الهلال نهارا سواء كان" قد رؤي "قبل الزوال أو" رؤي "بعده وهو الليلة المستقبلة" لقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته" الخ فوجب سيق الرؤية على الصوم والفطر والمفهوم المتبادر منه الرؤية عند عشية كل شهر عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم "في المختار" من المذهب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لزم الصوم بمجرد الأخبار" حتى لو أخبر رجل عدل القاضي بمجيء رمضان يقبل لغيم ونحوه ويأمر الناس بالصوم كذا في الشرح والظاهر أن فيه التفاتا إلى مذهب الصاحبين القائلين بعدم اشتراط تقدم الدعوى قوله: "في أخبار الجمع العظيم" المراد به ناس كثيرون أخبروا بنحو رؤية الهلال مثلا وليس المراد الاثنين إذا رأى القاضي ذلك قوله: "ولا عبرة برؤية الهلال نهارا" أي لا عبرة به من الليلة الماضية بل لليلة المستقبلة قوله: "منه" أي منا لحديث قوله: "عند عشية كل شهر" يعني إذا رأى عند عشية الليل فالليلة الآتية منه وهذا لا ينتج أنه لها إذا رأى قبل الزوال وقد ذكره في الدعوى قوله في المختار من المذهب" ويجعل أبو يوسف الهلال المرئي قبل الزوال للماضية في الصوم والفطر وهناك أقوال أخر مذكورة في الشرح والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/657)
باب في بيان ما لا يفسد الصوم
"وهو أربعة وعشرون شيئا" تقريبا لا تحديدا بالمرة: منها "ما لو أكل" الصائم "أو شرب أو جامع" أو جمع بينها "ناسيا" لعمومه لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل الصائم ناسيا فإنما هو رزق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب في بيان ما لا يفسد الصوم
الفساد والبطلان في العبادة سيان قوله "بالمرة" يحتمل تعلقه بقوله لا يفسد أي لا يفسد بفعل شيء منها ومفهومه أنه يفسد إذا اجتمعت أو بعضها وليس كذلك ويحتمل تعلقه بقوله لا تحديدا أي ليس هذا العدد مقطوعا به بحيث لا يزيد والأولى حذف هذه العبارة إذ لا كبير فائدة لها على أن إدخال أل على مرة مولد قوله: "ناسيا" النسيان عدم استحضار الشيء عند الحاجة كذا في الشرح وقيد بالناسي للاحتراز عن المخطىء وهو الذاكر للصوم غير القاصد للفطر بأن لم يقصد الأكل ولا الشرب بل قصد المضمضة أو اختبار طعم المأكول فسبق شيء منه إلى جوفه أو باشر مباشرة فاحشة فتورات حشفته فإنه يفسد والمكروه والنائم كالمخطىء كذا في شرح السيد قوله: "لصومه" لا ناسيا فعله لأنه(1/657)
ساقه الله إليه" فلا قضاء عليه والجماع في معناهما فإن تذكر نزع من فوره فإن مكث بعده فسد صومه فإن حرك نفسه ولم ينزع أو نزع ثم أولج لزمته الكفارة ولو نزع خشية طلوع الفجر فأمنى بعد الفجر والنزع ليس عليه شيء لعدم الجماع صورة ومعنى "وإن كان للناسي قدرة على" إتمام "الصوم" إلى الليل بلا مشقة ظاهرة: كشاب قوي "يذكر به من رآه يأكل و" إن تركه "كره عدم تذكيره" في المختار كذا في الفتح وقيل من رأى غيره في رمضان يأكل ناسيا لا يخبره لأن بأكله هذا لا يفسد صومه وإذا ذكر الناسي وهو يأكل فقيل له إنك صائم فلم يتذكر يلزمه القضاء في المختار "وإن لم يكن له قوة فالأولى عدم تذكيره" لما فيه من قطع الرزق واللطف به سواء كان شيخا أو شابا "أو أنزل بنظر" إلى فرج امرأة لم يفسد "أو فكر وإن أدام النظر والفكر" حتى أنزل لأنه لم يوجد منه صورة الجماع ولا معناه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
متذكر لأكله وشربه وجماعة كذا في الشرح وليس النسيان عذرا في حقوق العباد حتى لو أودع وديعة أو استعار شيئا فوضعه في محل ونسيه لزمه ضمانه قوله: "والجماع في معناهما" لأنه من شهوة البطن كالأكل والشرب وأخرج الحاكم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة" اهـ وهو عام في الأكل والشرب والجماع نهر قوله: "نزع من فوره" أي افتراضا قوله: "فسد صومه" أي من غير كفارة قوله: "فإن حرك نفسه الخ" جزم فيه بوجوب الكفارة وهو الذي في الدر والذي في النهر عن الخلاصة حكايته بقيل وهو الذي في الفتح أيضا قوله: "لزمته الكفارة" أنزل أم لا قوله: "والنزع" لا حاجة إلى ذكره قوله: "لعدم الجماع صورة ومعنى" لأن الموجود حال الصوم الإنزال خارج المحل قوله: "يذكره" أي لزوما كما قال الولوالجي قال في تحفة الأخيار ومثله النائم عن الوقت لكن الناسي أو النائم غير قادر فسقط الإثم عنهما ووجب على من لم يعلم حالهما تذكير الناسي وإيقاظ النائم إلا في حق الضعيف مرحمة له اهـ أما إذا علم حاله ففيه التفصيل قوله: "كره" أي تحريما.
قوله: "لا يخبره" أي مطلقا قوله: "لأن بأكله" فيه حذف اسم أن قوله: "فلم يتذكر" أي بل استمر ثم تذكر يلزمه القضاء عند الشيخين وهو الصحيح لما أنه أخبر بأن الأكل حرام وخبر الواحد حجة في الديانات نهر ومحله إذا سمع ولم يقع في قلبه صدق أخباره أما إذا لم يسمع فهو في حكم الناسي فيما يظهر ولم يتكلموا على حكم الكفارة والظاهرة عدم وجوبها لعدم تفاحش الجناية بعدم التذكر ولأن ابتداء الأكل كان ناسيا وحرره نقلا قوله: "فالأولى عدم تذكيره" عبارة الفتح وسعه أن لا يخبره قوله: "لما فيه" أي في التذكير قوله: "واللطف" عطف على الرزق قوله: "أو أنزل بنظر" قيد بالنظر لأن الإنزال بالمس ولو بحائل توجد معه الحرارة مفسد ولو استمنى بكفه فعامة المشايخ أفتوا بفساد الصوم وهو المختار(1/658)
وهو الإنزال عن مباشرة ولا يلزم من الحرمة الإفطار وفعل المرأتين بلا إنزال منهما لا يفسد "أو ادهن" لم يفسد صومه كما لو اغتسل ووجد برد الماء في كبده "أو اكتحل ولو وجد طعمه" أي طعم الكحل "في حلقه" أو لونه في بزاقه أو نخامته في الأصح وهو قول الأكثر وسواء كان مطيبا أو غيره وتفيد مسألة الاكتحال ودهن الشارب الآتية أن لا يكره للصائم شم رائحة المسك والورد ونحوه مما لا يكون جوهرا متصلا كالدخان فإنهم قالوا: لا يكره الاكتحال بحال وهو شامل للمطيب وغيره ولم يخصوه بنوع منه وكذا دهن الشارب ولو وضع في عينيه لبنا أو دواء مع الدهن فوجد طعمه في حلقه لا يفسد صومه إذ لا عبرة مما يكون من المسام ولو ابتلع نحو عنبة مربوطة بخيط ثم أخرجه لم يفطر أو أدخل أصبعه في فرجه ولم يكن مبلولا بماء أو دهن لم يفسد على المختار "أو احتجم" لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
كما في القهستاني وفي الخلاصة لا كفارة عليه ولا يحل هذا الفعل خارج رمضان أيضا1 إن قصد قضاء الشهوة كذا في الكفاية عن الواقعات اهـ من الشرح قوله: "وهو الإنزال" الضمير إلى المعنى قوله: "ولا يلزم من الحرمة" أي حرمة استدامة النظر والفكر قوله: "وفعل المرأتين" أي سحاقهما بلا إنزال أما بالإنزال ففسدو عليهما القضاء قوله: "لم يفسد صومه" لعدم المنافي له والداخل من المسام لا ينافيه كذا في الشرح قوله: "كما لو اغتسل الخ" وإنما كره الإمام رضي الله عنه الدخول في الماء والتلفف بالثوب المبلول لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة لا لأنه قريب من الإفطار منح قوله: "أو اكتحل الخ" لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم اكتحل وهو صائم وليس بين العين والدماغ مسلك والدمع يخرج بالرشح كالعرق والداخل من المسام لا ينافيه اهـ من الشرح قوله: "أو نخامته" مثلث النون قوله: "وتفيد الخ" ما ذكره لا يفيد ذلك لأنه إنما نفي فيها الفساد وهو لا ينافي الكراهة نعم قوله فإنهم قالوا الخ يفيد عدم الكراهة قوله: "ودهن الشارب الآتية" أي في باب ما تجب به الكفارة قوله: "كالدخان" تمثيل للمنفي وهو ما يكون جوهرا قوله: "فأنهم قالوا" علة لقوله وتفيد الخ وحاصله أنه تمسك بإطلاقهم الاكتحال والإدهان قوله: "وكذا دهن الشارب" أي لم يخصوه بنوع من الدهن قوله: "مع الدهن" الأولى مع الكحل قوله: "ولو ابتلع نحو عنبة" من كل مأكول لم يتفتت منه شيء قوله: "أو أدخل إصبعه في فرجه" عبارة الشرح وكذا إذا أدخل إصبعه في إسته أو المرأة في فرجها على المختار إلا أن تكون مبتلة بالماء أو الدهن اهـ وهي أولى وأراد بالفرج في كلامه كل منفرج قوله:
__________
1 قوله إن قصد قضاء الشهوة يوجد في بعض النسخ زيادة نصها وإن قصد تسكينها أرجو أن لا يكون عليه وباء. أهـ ويأثم إذا داوم عليه وسئل الإمام عن ذلك الفعل فقال: رأسا برأس وقيل: يؤجر إذا خاف الشهوة كذا في الكفاية إلخ أهـ.(1/659)
يفسد لأنه صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم "أو اغتاب" وحديث "أفطر الحاجم والمحجوم" مؤول بذهاب الأجر "أو نوى الفطر ولم يفطر" لعدم الفعل "أو دخل حلقه دخان بلا صنعه" لعدم قدرته على الامتناع عنه فصار كبلل بقي في فمه بعد المضمضة لدخوله من الأنف إذا أطبق الفم وفيما ذكرنا إشارة إلى أنه من أدخل بصنعه دخانا حلقه بأي صورة كان الإدخال فسد صومه سواء كان دخان عنبرا أو عودا أو غيرهما حتى من تبخر ببخور فآواه إلى نفسه واشتم دخانه ذاكرا لصومه أفطر لإمكان التحرز عن إدخال المفطر جوفه ودماغه وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس فلينبه له ولا يتوهم أنه كشم الورود ومائه والمسك لوضوح الفرق بين هواء تطيب بريح المسك وشبهه وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله وسنذكر حكم الكفارة بشربه "أو" دخل حلقه "غبار ولو" كان "غبار" دقيق من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"واحتجم وهو صائم" رواه البخاري وقال الإمام أحمد بإفطاره وتكره الحجامة للصائم إذا كانت تضعفه عن الصوم أما إذا كان لا يخافه فلا بأس به بحر قوله: "أو اغتاب" قال السيد في شرحه الغيبة أن تذكر أخاك بما يكره قيل أرأيت أن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما نقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته والحاصل أن من تكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه إن كان صدقا يسمى غيبة وإن كان كذبا يسمى بهتانا وأما المتجاهر فلا غيبة له نوح أفندي قوله: "وحديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" الأولى تقديمه قوله: "أو نوى الفطر ولم يفطر" ولا إثم عليه أيضا إلا إذا عزم ونظم بعض مراتب القصد فقال:
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا. ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا.
يليه هم فعزم كلها رفعت. ... سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا.
فالهاجس هو الذي يمر على القلب ولا يمكث والخاطر الذي يتردد ترددا ما وحديث النفس ما تتكلم به والهم الإرادة والعزم التصميم والذي يكتب في العزم على السيئة إثم العزم لا فعل المعصية والعلامة للملائكة على العزم على الحسنة رائحة طيبة وعلى السيئة رائحة خبيثة أفاده بعض المشايخ قوله: "لدخوله من الأنف الخ" عله لقوله لعدم قدرته قوله: "مما يغفل" بضم الفاء قوله: "وسنذكر الكفارة بشربه" أي في الباب الذي بعد هذا قوله: "أو دخل حلقه غبار الخ" به عرف حكم من صناعته الغربلة أو الأشياء التي يلزمها الغبار وهو عدم فساد الصوم وفي سكب الأنهر عن المؤلف لو وجد بدا من تعاطى ما يدخل غباره في حلقه أفسد لو فعل اهـ ويدل عليه التعليل بعدم إمكان الاحتراز قوله: "وهو ذاكر لصومه" يشير إلى أنه لو كان ناسيا لصومه لا يفسد بالطريق الأولى منلا مسكين أما لو دخل حلقه دموعه أو عرقه أو دم رعافه أو مطر أو ثلج فسد صومه لتيسر طبق فمه وفتحه أحيانا مع الاحتراز عن الدخول وإذا ابتلعه عمدا لزمته الكفارة بحر وهذا الإطلاق في الدمع(1/660)
"الطاحون أو" دخل حلقه "ذباب أو" دخل "أثر الطعم الأدوية فيه" أي في حلقه لأنه لا يمكن الاحتراز عنها فلا يفسد الصوم بدخولها "وهو ذاكر لصومه" لما ذكرنا "أو أصبح جنبا ولو استمر" على حالته "يوما" أو أياما "بالجنابة" لقوله تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} لاستلزام جواز المباشرة إلى قبيل الفجر وقوع الغسل بعده ضرورة وقوله صلى الله عليه وسلم وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصيام وأغتسل أو أصوم "أو صب في إحليله ماء أو دهنا" لا يفطر عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف فيما إذا وصل إلى المثانة أما مادام في قصبة الذكر لا يفسد باتفاق ومبنى الخلاف على منفذ للجوف من المثانة وعدمه والأظهر أنه لا منفذ له وإنما يجتمع البول في المثانة بالترشيح كذا تقوله الأطباء قاله الزيلعي "أو خاض نهرا فدخل الماء أذنه" لا يفسد للضرورة "أو حك أذنه بعود فخرج عليه درن" مما في الصماخ "ثم أدخله" أي العود "مرارا إلى أذنه" لا يفسد صومه بالإجماع كما في البزازية لعدم وصول المفطر إلى الدماغ "أو دخل" يعني نزل من رأسه ووصل "أنفه مخاط فاستنشقه عمدا وابتلعه" لا يفسد صومه ولو خرج ريقه من فمه فأدخله وابتلعه إن كان لم ينقطع من فمه بل متصل كالخيط فتدلى إلى الذقن فاستشربه لم يفطر وإن انقطع فأخذه وأعاده أفطر كذا في الفتح وقال أبو جعفر إذا خرج البزاق على شفتيه ثم ابتلعه فسد صومه وفي الخانية ترطب شفتاه ببزاقه عند الكلام ونحوه فابتلعه لا يفسد صومه وفي الحجة سئل إبراهيم عمن ابتلع بلغما قال
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والعرق محمول على ما إذا كان يجد ملوحته في حلقه زيلعي والتقييد بالدخول للاحتراز عن الإدخال ولهذا صرحوا بأن الاحتواء على المبخرة مفسد ذكره السيد قوله: "لما ذكرنا" من قوله لأنه لا يمكن الاحتراز عنها قوله: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} إلا وضح أن يقول بدله أحل لكم ليلة الصيام الرفث الآية قوله: "إلى قبيل الفجر" لأنه من الليلة قوله: "وقوع" بالنصب مفعول استلزام وقوله وقوله بالجر عطف على قوله لقوله تعالى قوله: "وأصوم" أي أدوم على صومي قوله: "أو صب في إحليله ماء أو دهنا" قيد بالأحليل لأنها لو صبت في قبلها ذلك أفسد بلا خلاف في الأصح قالهالسيد قوله: "والأظهر أنه لا منفذ له" أي كما هو قولهما قوله: "كذا تقوله الأطباء" إنما أسنده إليهم لأن هذا المقام يرجع إليهم فيه لكونه من علم التشريح قوله: "فدخل الماء أذنه" وإن كان يفعله على المختار كما في الهداية وصرح به الولوالجي وفي الخانية التفصيل بين الدخول والإدخال فصحح الفساد في الثاني ورجحه الكمال فتحصل أن في الفساد بإدخال الماء قولين مصححين فالأحوط تجنبه نهارا وإذا وقع يميل أذنه إلى الماء قوله: "أفطر" وعليه القضاء فقط قوله: "ترطب شفتاه" يجوز تذكير الفعل وتأنيثه في المؤنث المجازي إذا أسند إلى ظاهر اهـ قوله: "ونحوه" كذكره قوله: "لا يفسد صومه" اقتصر عليه صاحب الدر فيدل على اعتماده دون ما ذهب إليه أبو جعفر ونظيره(1/661)
إن كان أقل من ملء فيه لا ينقض إجماعا وإن كان ملء فيه ينقض صومه عند أبي يوسف وعند أبي حنيفة لا ينقض "وينبغي إلقاء النخامة حتى لا يفسد صومه على قول الإمام الشافعي" كما نبه عليه العلامة ابن الشحنة ليكون صومه صحيحا بالاتفاق لقدرته على مجها "أو ذرعه" أي سبقه وغلبه "القيء" ولو ملأ فاه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه القضاء وإن استقاء عمدا فليقض" "و" كذا لا يفطر لو "عاد" ما ذرعه "بغير صنعه ولو ملأ" القيء "فمه في الصحيح" وهذا عند محمد لأنه لم يوجد صورة الفطر وهو الابتلاع ولا معناه لأنه لا يتغذى به عادة "أو استقاء" أي تعتمد إخراجه وكان "أقل من ملء فمه على الصحيح" وهذا عند أبي يوسف وقال محمد يفسد وهو ظاهر الراوية "ولو أعاده في الصحيح" لا يفسد عند أبي يوسف كما في المحيط لعدم الخروج حكما حتى لا ينقص الطهارة وقال الكمال وهو المختار عند بعضهم لعدم الخروج شرعا وقال محمد يفسد وهو ظاهر الراوية وراوية عن أبي يوسف لإطلاق ما رويناه "أو أكل ما بين أسنانه" مما بقي من السحور "لأنه دون الحمصة" لأنه تبع لريقه وهذا القدر لا يمكن الاحتراز عنه أو قال الكمال من المشايخ من جعل الفاصلة بين القليل والكثير ما يحتاج في ابتلاعه إلى الاستعانة بالريق أو لا يحتاج الأول قليل والثاني كثير وهو حسن لأن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما لو جمع الريق قصدا ثم ابتلعه فإنه لا يفسد صومه في أصح الوجهين كما في المنح قوله: "وعند أبي حنيفة لا ينقض" هو المعتمد قوله: "حتى لا يفسد صومه" حتى تفريعية والفعل بعدها مرفوع قوله: "لقدرته على مجها" علة لقوله وينبغي الخ قوله: "ولا معناه" أي المقصود منه وهو التغذي قوله: "أو استقاء" الحاصل كما في شرح السيد أن جملة المسائل اثنتا عشرة لأنه أما أن يكون قاء أوا ستقاء وكل أما أن يكون ملء الفم أو دونه وكل من الأربعة أما أن يكون عاد بنفسه أو أعاده أو خرج ولا يفطر في الكل على الأصح إلا في الإعادة والاستقاء بشرط ملء الفم ولو استقاء مرارا في مجلس ملء الفم أفطر لا إن كان في مجالس أو غدوة ثم نصف النهار ثم عشية وهذا على قول الثاني قوله: "لإطلاق ما روينا" من قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن استقاء عمدا فليقض" قوله: "من سحوره" بفتح السين قوله: "وكان دون الحمصة" سواء ابتلعه أو مضغه وسواء قصد ابتلاعه أم لا كما في النهر وهذا هو المشهور وفي خزانة الأكمل المفسد ما يزيد على قدر الحمصة نقله السيد والحمصة بكسر الحاء وتشديد الميم مفتوحة ومكسورة قوله: "الأول قليل" كذا في الشرح والصواب عكس العبارة ويدل عليه ما في شرح السيد حيث قال وقال الدبوسي هذا للتقريب والتحقيق أن الكثير ما يحتاج في ابتلاعه إلى الاستعانة بالريق واستحسنه في الفتح اهـ ونحوه في النهر قوله: "وذلك" أي عدم سهولة الاحتراز(1/662)
المانع بالإفطار بعد تحقق الوصول كونه لا يسهل الاحتراز عنه وذلك مما يجري بنفسه مع الريق لا فيما يعتمد في إدخاله لأنه غير مضطر فيه انتهى. "أو مضغ مثل سمسمة" أي قدرها وقد تناولها "من خارج فمه حتى تلاشت ولم يجد لها طعما في حلقه" كذا في الكافي وقال الكمال وهذا حسن جدا فليكن الأصل في كل قليل مضغه انتهى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "مما يجري بنفسه" كذا في الشرح وعبارة صاحب النهر والسيد في شرحه فيما يجري وهوالأولى يناسب قوله لا فيما يتعمد أي الصائم في إدخاله بحيث يحتاج إلى معين فيه قوله: "أو مضغ مثل سمسمة" قيد بالمضغ لأنه لو ابتلعها يفسد صومه وفي وجوب الكفارة قولان مصححان ذكره السيد قوله: "وهذا" أي اعتبار وجود الطعم في الحلق وعدمه قوله: "فليكن" أي وجود الطعم في الحلق وعدمه الأصل أي الضابط في كل قليل مضغه والله سبحانه وتعالى أعلم واستغفر الله العظيم.(1/663)
باب ما يفسد به الصوم وتجب به الكفارة مع القضاء
"وهو اثنتان وعشرون شيئا" تقريبا "إذا فعل" المكلف "الصائم" مبيتا النية في أداء رمضان ولم يطرأ ما يبيح الفطر بعده كمرض أو قبله كسفر وكان فعله "شيئا منها" أي المفسدات "طائعا" احترازا عن المكره ولو أكرهته زوجته في الأصح كما في الجوهرة وبه يفتى فلا كفارة ولو حصلت الطواعية في أثناء الجماع لأنها بعد الإفطار مكرها في الابتداء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب ما يفسد به الصوم وتجب به الكفارة
الأولى أن يذكر هنا ما يفطر ولا تجب به الكفارة فيكون صنيعه على سبيل الترقي كما فعله في التنوير قوله: "مبيتا النية" فإن نوى نهارا ثم أفطر فلا كفارة لشبهة خلاف الشافعي رضي الله عنه فإنه لا يجوز الصوم بنية من النهار ويشترط أيضا التعيين فإن الإمام الشافعي شرطه كذا في تحفة الأخيار وقالا إن نوى نهارا وأفطر فعليه الكفارة أفاده السيد قوله: "كمرض" أي بغير فعله واختلف فيما لو مرض بجرح نفسه أو سوفر به مكرها والمعتمد لزومها واختلف في المعتاد حمى وحيضا والمتيقن قتال عدو ولو أفطر ولم يحصل العذر والمعتمد سقوطها ولو تكرر فطره ولم يكفر للأول تكفيه واحدة ولو في رمضانين عند محمد وعليه الاعتماد بزازية ومجتبى وغيرهما واختار بعضهم للفتوى أن الفطر إن كان بغير الجماع تداخلت وإلا لا ولو أكل عمدا شهرة بلا عذر يفتل وتمامه في شرح لوهبانية كذا في الدر قوله: "أو قبله كسفر" بأن سافر فأفطر أما لو أفطر ثم سافر طائعا فاتفقت الروايات على عدم سقوطها قوله: "لأنها" أي الطواعية والمرأة كالرجل في وجوب الكفارة(1/663)
"متعمدا" احترز به عن الناسي والمخطئ "وغير مضطر" إذا المضطر لا كفارة عليه "لزمه القضاء" استدراكا للمصلحة الفائتة "و" لزمه "الكفارة" لكمال الجنابة "وهي" "الجماع في أحد السبيلين" أي سبيل آدمي حي "على الفاعل" وإن لم ينزل "و" على "المفعول به" والدبر كالقبل في الأصح لكمال الجنابة بخلاف الحد لأنه ليس زنا حقيقة "و" كذا "الأكل والشرب" وإن قل "سواء فيه" أي المفطر "ما يتغذى" أي يربي ويقام البدن "به" أي الغذاء وهو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فإذا وطئها مطاوعة عمدا وجب على كل منهما القضاء والكفارة مطلقا ولا يتحملها الزوج أفاده السيد قوله: "احترز به عن الناسي" أي فإنه لا يفطر أصلا وقوله والمخطىء أي فإنه يقضي ولا كفارة عليه قوله: "استدراكا" السين والتاء زائدتان وقوله للمصلحة الفائتة هي الصوم قوله: "لكمال الجناية" أي في فطره عمدا من غير عذر في الصوم الذي عين الله تعالى له زمنا وأطلق المصنف في الكفارة فعم السلطان وغيره قال في البزازية إذا لزمت الكفارة السلطان وهو موسر بما له الحلال وليس عليه تبعة لأحد يفتي بإعتاق الرقبة وقال أبو نصر محمد بن سلام يفتي بصيام شهرين لأن المقصود من الكفارة الانزجار ويسهل عليه أقطار شهر وإعتاق رقبة ولا يحصل الزجر بحر والكفارة عند إبراهيم النخعي صوم ثلاثة آلاف يوم وعند بعضهم لا يخرج عن العهدة ولو صام الدهر كله أفاده القهستاني وذنب الإفطار عمدا لا يرتفع بالتوبة بل لا بد من التكفير هداية فهو كجناية السرقة والزنا حيث لا يرتفعان بمجرد التوبة بل بالحد وهذا يقتضي عدم الارتفاع ظاهرا وفيما بينه وبين الله تعالى يرتفع بمجرد التوبة أما القاضي بعدما رفع إليه الزاني لا يقبل منه التوبة ويقيم عليه الحد بحر وقيد قبول التوبة عن الزنا في بحر الكلام بما إذا لم يكن للمزني بها زوج فإن كان فلا بد من إعلامه لكونه حق عبد ولا بد من إبرائه عنه قال السيد في شرحه وليس المراد إعلامه بخصوص قوله إني فعلت بزوجتك كذا بل أن يذكر له كلاما آخر توطئة لأن يجعله في حل قال ويشهد لصحة الاكتفاء بذلك تصريحهم بأن الإبراء عن المجهول صحيح قوله: "آدمي" أي غير نفسه أما إذا كان جنيا أو جامع نفسه فلا كفارة وكذا لو كان المجامع بهيمة ولا بد أن يكون مشتهي فلا تجب الكفارة بجماع صغيرة وفاقا على الأوجه نهر قوله: "وإن لم ينزل" لأن أحكام الجماع كالحد والاغتسال وغيرهما تتعلق بالتقاء الختانين وفساد الصوم ووجوب الكفارة منها زيلعي قوله: "لكمال الجناية" أي بفطره عمدا من غير عذر إلى آخر ما قدمنا ولا يعلل وجوب الكفارة بوجود الشهوة لأنه لا شهوة في المفعول فيه بدبره قوله: "بخلاف الحد" هذا مرتبط بمحذوف علم من المقام تقديره والدبر كالقبل في وجوب الكفارة بخلاف الحد قوله: "لأنه ليس زنا" لأن الزنا عبارة عن الجماع في الفرج المخصوص كذا في الشرح قوله: "وهو بالغين" أي المكسورة وأما الغداء بفتحها وبالدال المهملة ما يؤكل بكرة النهار قوله: "واختلفوا في معنى التغذى الخ" جعل صاحب النهر الاختلاف في المفطر لا في التغدي(1/664)
بالغين والذال المعجمتين اسم للذات المأكولة غذاء قال في الجوهرة واختلفوا في معنى التغذي قال بعضهم أن يميل الطبع إلى أكله وتنقضي شهوة البطن به وقال بعضهم هو ما يعود نفعه إلى إصلاح البدن وفائدته فيما إذا مضغ لقمة ثم أخرجها ثم ابتلعها فعلى القول الثاني تجب الكفارة وعلى الأول لا تجب وهذا هو الأصح لأنه بإخراجها تعافها النفس كما في المحيط وعلى هذا الورق الحبشي والحشيشة والفطاط إذا أكله فعلى القول الثاني لا تجب الكفارة لأنه لا نفع فيه للبدن وربما يضره وينقص عقله وعلى القول الأول يجب لأن الطبع يميل إليه وتنقضي به شهوة البطن اه. قلت وعلى هذا البدعة التي ظهرت الآن إذا شربه فيه لزوم الكفارة نسأل الله العفو والعافية اهـ وبأكل ورق كرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن التفسير الثاني وهو قوله ما يعود نفعه إلى صلاح البدن إذا جعلناه تفسيرا للتغذى يغني عن قوله أو يتداوى به فإن الدواء يعود نفعه إلى البدن فيلزم في كلامهم التكرار قوله: "أن يميل الخ" فمعنى التغذي على هذا انقضاء شهوة البطن بالشيء مع الميل إليه قوله: "هو ما يعود نفعه الخ" هذا تفسير للغداء لا للتغذي فيحتاج إلى تقدير مضاف أي تناول ما يعود نفعه قوله: "إلى إصلاح البدن" أي وإن لم يمل إليه الطبع قوله: "وفائدته" أي هذا الاختلاف قوله: "فعلى القول الثاني تجب الكفارة" أي لأن فيه صلاح البدن وفيه أنه إذا كانت النفس تعاف ذلك ربما يكون سببا في مرضها فلا صلاح فيه والظاهر أن هذا يختلف باختلاف الأشخاص فالبعض يعافه فيكون لإصلاح فيه والبعض لا ففيه صلاح بدنه قوله: "وهذا هو الأصح" أي القول الأول قوله: "وعلى هذا" أي الخلاف قوله: "الورق الحبشي" لعله هو والقطاط وفي نسخة القرطاط من النبت المسكر قوله: "وعلى هذا البدعة" مبتدأ وخبر والإشارة إلى الخلاف قوله: "وهو الدخان" في الأشباه في قاعدة الأصل الإباحة أو التوقف ويظهر أثره فيما أشكل حاله كالحيوان المشكل أمره والنبات المجهول بسيمته اهـ قلت فيفهم منه حكم النبات الذي شاع في زماننا المسمى بالتتن فتنبه وقد كرهه الشيخ العمادي الحا قاله بالثوم والبصل بالأولى فتدبر اهـ من الدر من كتاب الأشربة ونقل قبله عن النجم الغزى الشافعي أن حدوثه بدمشق سنة خمس عشرة بعد الألف يدعى شاربه أنه لا يسكر وإن سلم له فإنه مفتر وحرام لحديث أحمد عن أم سلمة قالت نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر قال وليس من الكبائر تناول المرة والمرتينومع نهي ولي الأمر عنه يحرم قطعا على أن استعمال مثله ربما أضر بالبدن نعم الإضرار عليه كبيرة كسائر الصغائر اهـ ونقل أن جوزة الطيب تحرم لكن دون حرمة الحشيشة وصرح ابن حجر المكي بتحريم جوزة الطيب بإجماع الأئمة الأربعة اهـ ولعل حكاية الإجماع محمولة على حالة السكر أما القليل منها ومن كل مسكر ما عدا الخمر ونحوه فتعاطيه لا يحرم عند الإمام والثاني إذا لم يسكر قوله: "في لزوم الكفارة" حال من البدعة أي البدعة التي حدثت في لزوم الكفارة على(1/665)
وقشر بطيخ طري وكافور ومسك تجب الكفارة وإذا صار ورق الكرم غليظا لا تجب "أو يتداوى به" كالأشربة والطباع السليمة تدعو لتناول الدواء لإصلاح البدن فشرع الزجر عنه "و" منه "ابتلاع مطر" وثلج وبرد "دخل إلى فمه" لإمكان التحرز عنه بيسير طبق الفم "و" منه "تأكل اللحم النيء" ولو من ميتة "إلا إذا دود" لخروجه عن الغذائية "و" منه "أكل الشحم في" المختار كذا في التجنيس وهو "اختيار الفقيه الليث" رحمه الله ولا خلاف في قديده كذا في الفتح "و" كذا "قديد اللحم بالاتفاق" للعادة بأكله "و" منه "أكل" حب "الحنطة وقضمها" لما ذكرنا "إلا أن يمضغ قمحة" أو قدرها من جنس ما يوجب الكفارة "فتلاشت" واستهلكت بالمضغ فلم يجد لها طعما فلا كفارة ولا فساد لصومه كما قدمناه "و" من موجب الكفارة "ابتلاع" حبة حنطة أو ابتلاع "سمسمة أو" ابتلاع "نحوها" وقد تناولها "من خارج فمه" ولزوم الكفارة بهذا "في المختار" لأنه مما يتغذى به والشعير المقلي أو الأخضر المتخرج من سنبله إذا ابتلعه عليه الكفارة لا الجاف "و" ومنه "أكل الطين الأرمني مطلقا" أي سواء اعتاد أكله أو لم يعتده لأنه يؤكل للدواء فكان إفطارا كاملا "و" منه أكل "الطين الأرمني ك" الطين المسمى ب "الطفل إن اعتاد أكله" لا على من لم يعتده "و" منه أكل "قليل الملح" لا الكثير "في المختار" وإنه من الامتحانيات بالجواب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الاختلاف فمن قال إن التغذي ما يميل الطبع إليه وتنقضي به شهوة البطن ألزم به الكفارة وعلى التفسير الثاني لا قوله: "والعافية" أي من شربه وغيره لأن العافية تعم العافية من الأمراض والمعاصي والفقر والعذاب الدنيوي والأخروي قوله: "طبري" يرجع إلى ورق الكرم أيضا كذا في الشرح قوله: "لا تجب" أي الكفارة لأنه لا يؤكل عادة وعليه القضاء قوله: "بيسير طبق الفم" أي بطبق الفم اليسير أي فلا حرج في الأمر به قوله: "ومنه أكل اللحم النيء" فيه أنهم اعتبروا في وجوب الكفارة بأكل ورق الأشجر الاعتياد وعدمه بعدمه فمقتضاه أن يعتبر الاعتياد في هذه الأشياء أيضا لوجوب الكفارة وإلا فما الفرق أفاده السيد قوله: "ولو من ميتة" فيه أن تعاطي لحمها لا يميل إليه الطبع ولا تنقضي شهوة البطن به وليس فيه صلاح البدن فكيف يوجب الكفارة ولم يوجد فيه الضابط على كلا القولين كما قدمناه قريبا قبيل الباب قوله: "ولا خلاف في قديده" أي الشحم في وجوب الكفارة قوله: "وقضمها" في القاموس قضم كسمع أكل بأطراف أسنانه أو أكل يابسا اهـ قوله: "لما ذكرنا" من جرى العادة به قوله: "ولزوم الكفارة بهذا" أي الابتلاع في المختار أشار به إلى أن الخلاف في وجوب الكفارة فلا خلاف في إفساد الصوم قوله: "لا الجاف" لعدم اعتياد أكله قوله: "وأكل الطين الأرمني" هو معلوم عند العطارين قوله: "وأنه من الامتحانيات" أي ذكرت ذلك والحال الخ فالأولى وهو أي هو من المسائل التي يمتحن بها(1/666)
وإذا أكل كعوب قوائم الذرة لا رواية لهذه المسألة قال الزندويستي: عليه القضاء مع الكفارة "و" منه "ابتلاع بزاق زوجته أو" بزاق "صديقه" لأنه يتلذذ به "لا" تلزمه الكفارة ببزاق "غيرهما" لأنه يعافه "و" ويوجب الكفارة "أكله عمدا بعد غيبة" وهي ذكره أخاه بما يكرهه في غيبته سواء بلغه الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "الغيبة تفطر الصائم" أو لم يبلغه عرف تأويله أو لم يعرفه أفتاه مفت أو لم يفته لأن الفطر بالغيبة يخالف القياس لأن الحديث مؤول بالجماع بذهاب الثواب يخالف حديث الحجامة فإن بعض العلماء أخذ بظاهره مثل الأوزاعي وأحمد "أو" بعد "حجامة أو" أكله بعد "مس أو" أكله بعد "قبلة بشهوة" أو أكله "بعد مضاجعة" أو مباشرة فاحشة "من غير إنزال" ظانا أمه أفطر بالمس والقبلة لزمته إلا إذا تأول حديثا أو استفتى فقيها فأفطر فلا كفارة عليه وإن أخطأ الفقيه ولم يثبت الحديث لأن ظاهر الفتوى والحديث يصير شبهة قاله الكمال عن البدائع "أو" أكله بعد "دهن شاربه ظانا أنه أفطر بذلك" لأنه معتمد ولم يستند ظنه إلى دليل شرعي فلزمته الكفارة وإن استفتى فقيها فأفتاه بالفطر يدهن الشارب أو تأول حديثا لأنه لا يعتمد بفتوى الفقيه ولا بتأويله الحديث هنا لأن هذا مما لا يشتبه على من له سيمة من الفقه نقله الكمال عن البدائع. قلت لكن يخالفه ما في قاضيخان وكذا الذي اكتحل أودهن نفسه أو شاربه ثم أكل معتمدا عليه الكفارة إلا إذا كان جاهلا فاستفتى فأفتى له بالفطر فحينئذ لا تلزمه الكفارة اهـ فعلى هذا يقول قولنا "إلا إذا أفتاه فقيه" شاملا لمسألة دهن الشارب والمراد بالفقيه متبع لمجتهد كالحنابلة
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
السائل المجيب ليقف على ما عنده من علمها أو جهلها وقوله بالجواب الباء للتعدية أي يمتحن ويختبر جوابه هل يصيب أو يخطىء قوله: "لأنه يتلذذ به" أي وتنقضي به الشهوة قوله: "لأنه يعافه أي ولا صلاح للبدن فيه قوله: "في غيبته" وكذا في حضرته قوله: "لأن الحديث" الذي في كبيره والحديث من غير تعليل وهو أولى قوله: "بخلاف حديث الحجامة" قال بعضهم إن فعل الغيبة والحجامة سواء في الوجوه كلها وعامة العلماء قالوا: عليه الكفارة على كل حال اهـ قوله: "قبلة بشهوة فاحشة" هي ما تقدم في نواقض الوضوء قوله: "من غير إنزال" تقييده يفيد أنه أن أفطر بعد الإنزال بما ذكر لا كفارة عليه قوله: "إلا إذا تأول حديثا" أي سمع حديثا دالا على فطر من فعل ذلك فأفطر معتمدا عليه وإن لم يكن الحديث ثابتا قوله: "لأن ظاهر الفتوى والحديث الخ" فيه أنهم اعتبروا هنا ظاهر الحديث وإن لم يثبت ولم يعتبروا ظاهر الحديث في الغيبة مع وروده قطعا وعلى القول بالتسوية بين الحجامة والغيبة فالأمر ظاهر قوله: "يصير شبهة" أي في إسقاط الكفارة قوله: "وإن استفتى ففيها" وصلية قوله: "على من له سيمة" أي صفة ولو قليلة قوله: "إلا إذا أفتاه فقيه" قال في البحر ويشترط في المفتي أن يكون ممن يؤخذ عنه الفقه ويعتمد على فتواه في البلدة وحينئذ تصير فتواه شبهة ولا معتبر بغيره(1/667)
وبعض أهل الحديث ممن يرى الحجامة مفطرة فلا كفارة عليه لأن الواجب على العامي الأخذ بفول المفتي فتصير الفتوى شبهة في حقه وإن كانت خطأ في حقها كذا في البرهان "أو" إلا إذا "سمع" المحتجم أو الحاجم "الحديث" وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم" "ولم يعرف تأويله على المذهب" لأن قول الرسول لا يكون أدنى درجة من قول المفتي فهو أولى بإثبات العذر لمن لم يعرف التأويل "و" لذا "إن عرف تأويله وجبت عليه الكفارة" لانتقاء الشبهة "فتجب الكفارة على من طاوعت" رجلا "مكرها" على وطئها لأن سبب الكفارة جناية إفساد الصوم ل نفس الوقاع وقد تحققت من جانبها بالتمكين من الفعل كما لو علمت بطلوع الفجر فمكنت زوجها وهو غير عالم بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
اهـ وفيه أننا لم نلتزم صحة فتواه وإنما اعتبرت شبهة مسقطة للكفارة وهذا يقضي بعدم التقييد بما ذكره قوله: "ممن يرى الحجامة مفطرة" الأولى عدم التخصيص بالحجامة لأنه شامل لمسئلة الحجامة وما بعدها ثم أن قوله ممن يرى الخ أيضا ليس بلازم بل ولو كان الفقيه مخطئا كما تقدم وصرح به بعد قوله: "أو إلا إذا سمع المحتجم أو الحاجم الحديث" الأولى عدم تقييده بهما لعموم الاستثناء قوله: "ولم يعرف تأويله" أي من أن المراد به نقص الثواب قوله: "لا يكون أدنى درجة من قول المفتي" أي وقول المفتي صلح عذرا فقول الرسول أولى قوله: "ولذا" أي لتقييد عدم وجوب الكفارة بما إذا لم يعرف التأويل قلنا إنه إن عرف الخ قوله: "لأنفس الوقاع" فلا يقال أنه لا وقاع منها بل منه فلا كفارة عليها وأيضا لو اعتبر الوقاع لوجبت عليه إذ هو موجود منه قوله: "كما لو علمت" التنظير في وجوب الكفارة عليها لا عليه والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/668)
فصل في الكفارة وما يسقطها عن الذمة
بعد الوجوب "تسقط الكفارة" التي وجبت بارتكاب مقتضيها "بطروء حيض أو نفاس أو" طروء "مرض مبيح للفطر" بأن يكون بغير صنع من وجبت عليه قبل وجود العذر "في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الكفارة وما يسقطها
كفارة الإفطار ثبتت بالحديث روى أبو هريرة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو سلمة بن صخر البياضي الأنصاري فقال هلكت يا رسول الله قال: "وما أهلكك" قال وقعت على امرأتي في رمضان قال: "هل تجد ما تعتق" قال لا قال: "هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" قال لا قال: "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا" قال: لا ثم جلس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق وهو بالعين المهملة مكتل يسع خمسة عشر صاعا فيه تمر فقال: "تصدق بهذا" فقال:(1/668)
يومه" أي يوم الإفساد الموجب للكفارة لأنها إنما تجب في صوم مستحق وهو لا يتجزأ ثبوتا وسقوطا فتمكنت الشبهة في عدم استحقاقه من أوله بعروض العذر في آخره وأما إذا كان المرضى بصنعه كأن جرح نفسه أو ألقاها من جبل أو سطح فالمختار أنها لا تسقط الكفارة عنه قاله الكمال وفي جمع العلوم: أتعب نفسه في شيء أو عمل حتى أجهده العطش فأفطر كفر لأنه ليس بمسافر ولا مريض وقيل بخلافه وبه أخذ البقالي "ولا تسقط" الكفارة "عمن سوفر به كرها" كما لو سافر باختياره "بعد لزومها عليه في ظاهر الراوية" لأن العذر لم يجيء من قبل صاحب الحق "والكفارة تحرير رقبة" ليس بها عيب فوات منفعة البطش والمشي والكلام والنظر والعقل "ولو كانت غير مؤمنة" لإطلاق النص "فإن عجز عنه" أي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أعلى أفقر منا فما بين لابتيها أهل بيت أحوج من أهل بيتي فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه فقال: "أذهب فأطعمه أهلك" فخص الأعرابي بجواز الإطعام مع القدرة على الصيام وصرفه إلى نفسه والاكتفاء بخمسة عشر صاعا عيني وقوله لا أستطيع صوم شهرين متتابعين أي بغير وقاع فيها نهارا أفاده السيد في الحاشية قوله: "وهو لا يتجزأ" أي استحقاق الصوم في يوم واحد لا يتجزأ ثبوتا وسقوطا فلا يكون بعضه ثابتا وبعضه ساقطا قوله: "في عدم استحقاقه" أي صوم اليوم الذي أفطر فيه وقوله بعروض متعلق بتمكنت وفي نسخة فتمكن ويجوز التذكير والتأنيث في مثل هذا قوله: "فالمختار أنها لا تسقط الكفارة" لأنها بفعل العباد فلا يؤثر في إسقاط حق الشرع ولأن الرض من الجرح أن وجد يكون مقصورا على الحال فلا يؤثر في الماضي قوله: "أتعب نفسه في شيء" أي أتعب الحر الخ قال في الوهبانية:
وإن أجهد الإنسان بالشغل نفسه. ... فأفطر في التكفير قولين سطروا.
قال المؤلف في شرحها صورتها صائم أتعب نفسه في عمل حتى أجهده العطش فأفطر لزمته الكفارة وقيل لا تلزمه وبه أفتى البقالي وهذا بخلاف الأمة إذا أجهدت نفسها لأنها معذورة تحت قهر المولى ولها أن تمتنع من ذلك وكذا العبد كذا في تحفة الأخيار قوله: "عمن سوفر به كرها" أي وقد أفطر قبل سفره أما إذا أفطر بعد سفره مطلقا فلا خلاف في سقوط الكفارة قوله: "صاحب الحق" هو الله تعالى قوله: "تحرير رقبة" بنية الكفارة ولو صغيرا رضيعا أو مرهونا وآبقا علمت حياته أو مجنونا أو خصيا أو أعور أو مقطوعا إحدى يديه أو إحدى رجليه أو قريبه وقد اشتراه بنية الكفارة وتمامه مبين في كفارة الظهار من الدر قوله: "ليس بها عيب فوات الخ" الإضافة للبيان وإنما تفوت منفعة البطش بقطع اليدين معا ومنفعة المشي بقطع الرجلين معا.
قوله: "والكلام" كالأخرس قوله: "والنظر" كفاقد عينيه معا قوله: "والعقل" كالمجنون الذي لا يفيق فمن يفيق يجوز في حال إفاقته قوله: "لإطلاق النص" أي الحديث قوله:(1/669)
التحرير بعدم ملكها وملك ثمنها "صام شهرين متتابعين فيهما يوم عيد ولا" بعض "أيام التشريق" للنهي عن صيامها "فإن لم يستطع الصوم" لمرض أو كبر "أطعم ستين مسكينا" أو فقيرا ولا يشترط اجتماعهم والشرط أن "يغديهم ويعشيهم غداء وعشاء مشبعين" وهذا هو الأعدل لدفع حاجة اليوم بجملته" "أو" يغديهم "غداءين" من يومين "أو" يعشيهم "عشاءين" من ليلتين "أو عشاء وسحورا" بشرط أن يكون الذين أطعمهم ثانيا هم الذين أطعمهم أولا حتى لو غدى ستين ثم أطعم ستين غيرهم لم يجز حتى يعيد الإطعام لأحد الفريقين ولو أطعم فقيرا ستين يوما أجزأه لأنه بتجدد الحاجة بكل يوم يصير بمنزلة فقيرا آخر والشرط إذا أباح الطعام أن يشبعهم ولو بخبز البر من غير أدم والشعير لا بد من أدم معه لخشونته وأكل الشبعان لا يكفي ولو استوعب مثل الجائع "أو يعطي كل فقير نصف صاع من بر أو" من "دقيقه أو" من "سويقه" أي البر "يعطى كل فقير "صاع تمر أو" صاع "شعير" أو زبيب "أو" يعطي "قيمته" النصف من البر أو الصاع من غيره من غير المنصوص عليه ولو في أوقات متفرقة لحصول الواجب "وكفت كفارة واحدة عن جماع وأكل" عمدا "متعددة في أيام" كثيرة و "لم يتخلله" أي الجماع أو لأطل عمدا "تكفير" لأن الكفارة للزجر وبواحدة يحصل "ولو" كانت الأيام "من رمضانين على الصحيح" للتداخل قدر الإمكان "فإن تخلل" التكفير بين الوطأين أو الأكلتين "لا تكفي كفارة واحدة في ظاهر الراوية" لعدم حصول الزجر بعوده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وملك ثمنها" أتى بالواو ليفيد أنه لا يكون عاجزا إلا إذا عجز عنهما وبالقدرة على أحدهما يعد قادرا قوله: "صام شهرين متتابعين" ولو ثمانية وخمسين يوما بالهلال وإلا فستين يوما ولو قدر على التحرير آخر الأخير لزمه العتق وأتم يومه ندبا ولا قضاء لو أفطر فإن أفطر ولو بعذر غير الحيض استأنف ويلزمها الوصل بعد طهرها من الحيض حتى لو لم تصل تستأنف ذكره السيد قوله: "أو فقيرا" ولا يجزىء إطعام غير المراهق در عن البدائع قوله: "أن يغذيهم ويعشيهم الخ أو يغديهم ويعطيهم قيمة العشاء أوعكسه در قوله: "أو يعطى كل فقير نصف صاع" وقدر نصف الصاع بقدح وسدس بالمصري فالربع المصري يكفي عن ثلاثة مع زيادة فيه قوله: "من غيره" أي غير البر" قوله: "من غير المنصوص عليه" متعلق بيعطي قوله: "ولو في أوقات متفرقة" فلا يشترط اتحاد الوقت ولو أباح واحدا كل الطعام في يوم واحد دفعة أجزأ عن يومه ذلك فقط اتفاقا وكذا إذا ملكه الطعام بدفعات في يوم واحد على الأصح ذكره الزيلعي لفقد التعدد حقيقة وحكما اهـ من الدر قوله: "على الصحيح" وعليه الاعتماد بزازية وفي ظاهر الرواية تتعدد واختار بعضهم للفتوى إن كان الفطر بغير الجماع تداخلت وإلا لا وقد تقدم قوله: "بعوده" باؤه للسببية أي أن لزجر لم يحصل بسبب أنه(1/670)
...................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عاد بعد التكفير وعلله في البرهان بأن التداخل إنما يتحقق قبل الأداء لا بعده والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/671)
باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء.
"من غير كفارة" لقصور معناه العذر وهو سبعة وخمسون شيئا تقريبا وهي "إذا أكل الصائم" في أداء رمضان "أرزا" نيئا "أو عجينا أو دقيقا" على الصحيح إذا لم يخلط بسمن أو دبس أو لم يبل بسكر دقيق حنطة وشعير فإن كان به لزمته الكفارة "أو" أكل "ملحا كثيرا دفعة أو" أكل "طينا غير أرمني" و "لم يعتد أكله" لأنه ليس دواء" "أو" أكل "نواة أو قطنا" أو ابتلع ريقه متغير بخضرة أو صفرة من عمل الإبريسم ونحوه وهو ذاكر لصومه "أو" أكل "كاغدا" ونحوه مما لا يؤكل عادة "أو سفرجلا" أو نحوه من الثمار التي لا تؤكل قبل النضج "ولم يطبخ" ولم يملح "أو جوزة رطبة" ليس لها لب أو ابتلع اليابسة بلبها لا كفارة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء
عطف لازم قوله: "من غير كفارة" ضابط ما يفطر ولا كفارة فيه أن ما ليس فيه غذائية ولا معناها أو فيه ولكن صحبه عذر شرعي أو قصور وأوصله إلى جوفه أو دماغه وما ليس به كمال شهوة الفرج لا كفارة به وعليه القضاء قوله: "لقصور معناه" كما إذا أعاد اللقمة الممضوغة المستخرجة وابتلعها فإنه إفطار قاصر في الغذائية لأن النفوس تعافه قوله: "أو لعذر" كطرو نحو حيض قوله: "أو عجينا" عند أبي يوسف وبه أخذ الفقيه أبو الليث خلافا لمحمد فإنه يلزمه الكفارة وإذا كان أكل هذه المذكورات إنما يوجب القضاء فكيف يوجب الكفارة أكل لحم الميتة قوله: "أو دبس" بالكسر وبكسرتين عسل التمر وعسل النحل قاموس قوله: "دقيق حنطة وشعير" قال في الشرح دقيق الذرة إذالته بالسمن والدبس تجب به الكفارة وأفاد أن دقيق الجاورس والأرز تلزم به الكفارة اهـ فتقييده هنا بدقيق الحنطة والشعير اتفاقي قوله: "فإن كان به" أي فإن وجد الدقيق ملتبسا بما تقدم من خلط السمن أو الدبس أو بله بسكر قوله: "دفعة" أما إذا أكله بدفعات فبأول دفعة قليلة يجب القضاء والكفارة قوله: "ولم يعتد أكله" أما إذا اعتاده أو كان الطين أرمنيا لزمت الكفارة مطلقا قوله: "أو ابتلع ريقه متغيرا بخضرة أو صفرة" أي لأنه ابتلع الصبغ قوله: "الإبريسم" بفتح السين وضمها الحرير قاموس قوله: "وهو ذاكر لصومه" الأولى حذفه لأنه الموضوع في كل مسائل الباب قوله: "ولم يطبخ ولم يملح" أما إذا وجد أحدهما تلزم الكفارة كما يؤخذ من مفهومه لأنه مما يؤكل عادة قوله: "أو جوزة رطبة ليس لها لب" أما إذا كان لها لب ومضغها فقط نقل المصنف في الشرح آنفا عن صاحب التجنيس ما نصه قال مشايخنا إن وصل(1/671)
عليه ولو ابتلع لوزة رطبة تلزمه الكفارة لأنها تؤكل عادة مع القشر وبمضغ اليابسة مع قشرها ووصل الممضوغ إلى جوفه اختلف في لزوم الكفارة "أو ابتلع حصاة أو حديدا" أو نحاسا أو ذهبا أو فضة "أو ترابا أو حجرا" ولو زمردا لم تلزمه الكفارة لقصور الجناية وعليه القضاء لصورة الفطر "أو احتقن أو استعط" الرواية بالفتح فيهما الحقنة صب الدواء في الدبر والسعود صبه في الأنف "أو أوجر" وفسره بقوله "بصب شيء في حلقه" وقوله "على الصحيح" متعلق بالاحتقان وما بعده وهو احتراز عن قول أبي يوسف بوجوب الكفارة وجه الصحيح أن الكفارة موجب الإفطار صورة ومعنى والصورة الابتلاع كما في الكافي وهي منعدمة والنفع المجرد عنها يوجب القضاء فقط "أو أقطر في أذنه دهنا" اتفاقا "أو" أقطر في أذنه "ماء في الأصح" لوصول المفطر دماغه بفعله فلا عبرة بصلاح البدن وعدمه قاله قاضيخان وحققه الكمال وفي المحيط الصحيح أنه لا يفطر لأن الماء يضر الدماغ فانعدم المفطر صورة ومعنى "أو داوى جائفة" هي جراحة في البطن "أو آمة" جراحة في الرأس "بدواء" سواء كان رطبا أو يابسا "ووصل إلى جوفه" في الجائفة "أو دماغه" في الأمة على
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القشر أولا إلى حلقه لا كفارة عليه وإن وصل اللب أولا فعليه الكفارة لأن في الوجه الأول الفطر حصل بالقشر وفي الفصل الثاني حصل باللب قوله: "ولو ابتلع لوزة رطبة تلزمه الكفارة" هذا إذا كان لها لب فإن لم يكن لها لب عليه القضاء دون الكفارة الرطب واليابس فيه سواء ذكره في الشرج آنفا قوله: "اختلف في لزوم الكفارة" فعن محمد وأبي يوسف تجب مطلقا من غير تفصيل ومقابل الإطلاق تفصيل المشايخ المتقدم قريبا قوله: "ولو زمردا" بإهمال الدال وإعجامها كما في القاموس وإنما خصه لأنه يتداوى ببرادته قوله: "الرواية بالفتح فيهما" فهما بالبناء للفاعل ولا يصح بناؤهما للمفعول نهر قوله: "والسعوط" بضم السين الفعل وبفتحها ما يتسعط به قوله: "صبه" أي الدواء في الأنف هذا معناه لغة والحكم لا يخص صب الدواء بل لو استنشق الماء فوصل إلى دماغه أفطر أفاده السيد قوله: "وفسره الخ" أي فسر الإيجار الذي هو المصدر وأفاد أن الباء في قوله بصب شيء للتصوير قوله: "موجب" بفتح الجيم قوله: "المجرد عنها" أي عن الصورة التي هي الابتلاع قوله: "أو أقطر في أذنه ماء في الأصح" الحاصل أنه لا خلاف في إفطاره بإقطار الدهن وأما الماء فاختار في الهداية وشروحها والولوالجي عدم الإفطار مطلقا دخل بنفسه أو أدخله وفصل قاضيخان بين الإدخال قصدا فأفسد به الصوم والدخول فلم يفسد قال في البحر وبهذا يعلم حكم الغسل وهو صائم إذا أدخل الماء في أذنه وقد مر قوله: "فانعدم المفطر صورة" وهو الابتلاع ومعنى بالانتفاع قوله: "أو آمة" بالمد يقال ضربت بالعصا أم رأسه وهي الجلدة التي هي مجمع الرأس وقيل للشجة آمة على معنى ذات أم كعيشة راضية نهر قوله: "ووصل" أي حقيقة أما إذا شك في الوصول وعدمه فإن كان الدواء رطبا فعند(1/672)
الصحيح "أو دخل حلقه مطر أو ثلج في الأصح ولم يبتلعه بصنعه" وإنما سبق إلى حلقه بذاته "أو أفطر خطأ بسبق ماء المضمضة" أو الاستنشاق "إلى جوفه" أو دماغه لوصول المفطر محله والمرفوع في الخطأ الإثم "أو أفطر مكرها ولو بالجماع" من زوجته على الصحيح وبه يفتى وانتشار الآلة لا يدل على الطواعية "أو أكرهت على" تمكينها من "الجماع" لا كفارة عليها وعليه الفتوة ولو طاوعته بعد الإيلاج لأنه بعد الفساد "أو أفطرت" المرأة "خوفا على نفسها من أن تمرض الخدمة أمة كانت أو منكوحة" كم في التتارخانية لأنها أفطرت بعذر "أو صب أحد في جوفه ماء وهو" أي صائم "نائم" لوصول المفطر إلى جوفه كما لو شرب وهو نائم وليس كالنامي لأنه تؤكل ذبيحته وذاهب العقل والنائم لا تؤكل ذبيحتهما "أو أكل عمدا بعد أكله ناسيا" لقيام الشبهة الشرعية نظرا إلى فطره
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإمام يفطر للوصول عادة وقالا لا لعدم العلم به فلا يفطر بالشك بخلاف ما إذا كان الدواء يابسا فلا فطر اتفاقا فتح قوله: "أو دماغه" أي وإذا وصل دماغه وصل جوفه لأن التحقيق أن بين جوف الرأس وجوف المعدة منفدا أصليا فمتى وصل إلى جوف الرأس يصل إلى جوف البطن قوله: "أو دخل حلقه مطر الخ" أما نحو الغبار فقال في الهندية لو دخل حلقه غبار الطاحونة أو طعم الأدوية أو غبار العدس وأشباهه أو الدخان أو ما سطع من غبار التراب بالريح أو بحوافر الدواب وأشباه ذلك لم يفطر اهـ قوله: "ولم يبتلعه بصنعه" أما إذا ابتلعه بصنعه وجبت الكفارة وقد مر قوله: "والمرفوع في الخطا الإثم" أشار به إلى الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ أو النسيان وما استكرهوا عليه" فإن ظاهره يقتضي عدم الإفطار بالخطأ وأجيب بأن الرفع في الحديث متوجه على الإثم لا على رفع الصورة المتحققة حسا ولا على رفع الحكم بالإفطار قوله: "من زوجته" من مدخول المبالغة أي ولو كان الإكراه من زوجته كذا تعطيه عبارة الشرح وقد مر قوله: "لا يدل على الطواعية" لوجوده حالة النوم ومن الرضيع كذا في الشرح قوله: "لأنه بعد الفساد" أي لأن الطوع الواقع منها إنما صدر بعد أفساد صومها مكرهة قوله: "خوفا على نفسها" أي خوفا ارتقى إلى غلبة الظن وليس المراد مجرد التوهم قوله: "أمة كانت أو منكوحة" وللأمة أن تمتنع من الائتمار بأمر المولى إذا كان يعجزها عن أداء الفرائض لأنها مبقاة على أصل الحرية في حق الفرائض اهـ من الشرح وإذا علم الحكم في الأمة يعلم الحكم في الحرة بالأولى قوله: "أو صب أحد في جوفه ماء وهو نائم" إنما ذكرت لدفع توهم أن النائم كالناسي ولا إفطار فيه قوله: "وليس كالناسي" أي وليس النائم كالناسي في الحكم حتى لا يفطر لأن الناسي للتسمية تحل ذبيحته لأن الشارع نزله منزلة الذاكر بخلاف المجنون والنائم أي وحيث ثبت فرق بينهما في بعض الأحكام فلا يجري حكم أحدهما على الآخر إلا بدليل ولم يوجد قوله: "أو أكل" أي أو شرب منح قوله: "لقيام الشبهة" تعليل لسقوط الكفارة المعلوم من المقام قوله: "نظرا" أي(1/673)
قياسا بأكله ناسيا ولم تنتف الشبهة "ولو علم الخبر" وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فيتم صومه" "على الأصح" لأنه خبر واحد لا يوجب العلم فوجب العمل به وهو القضاء دون الكفارة في الظاهر الراوية وصححه قاضيخان "أو جامع ناسيا ثم جامع عامدا" أو أكل عمدا بعد الجماع ناسيا لما ذكرناه "أو أكل" وشرب عمدا "بعد ما نوى" منشئا نيته "نهارا" أكده بقوله "ولم يبيت نيته" عند الإمام قال النسفي لا يجب التفكير بالإفطار إذا نوى الصوم من النهار لشبهة عدم صيامه عند الشافعي رحمه الله وينبغي على إذا هذا لم يعين الفرض فيها ليلا "أو أصح مسافرا" وكان قد نوى الصوم ليلا ولم ينقض عزيمته "فنوى الإقامة ثم أكل" لا تلزمه الكفارة وإن حرم أكله "أو سافر" أي أنشأ السفر "بعد ما أصبح مقيما" ناويا من الليل "فأكل" في حالة السفر وجامع عمدا لشبهة السفر وإن لم يحل له الفطر فإن رجع إلى وطنه لحاجة نسيها فأكل في منزله عمدا أو قبل انفصاله عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
بالنظر وهو تعليل لقوله قيام قوله: "بأكله ناسيا" متعلق بقوله فطره أي أن الاشتباه استند إلى القياس أي دليل القياس لأن القياس فطره بأكله ناسيا والنص وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "فليتم صومه" مخالف للقياس فوجدت الشبهة الشرعية بالنظر للقياس فالقياس نفي صفة الصوم فلم يبق الصوم حتى يفسد بالإفطار قوله: "ولم تنتف الشبهة" دخول على قوله ولو علم الخبر أي لا تلزمه الكفارة ولا تكون الشبهة زائلة بعلمه الخبر قوله: "وهو القضاء" أي العمل الذي وجب بالخبر القضاء لأنه أمر بالإتمام فإذا لم يتم وجب القضاء أي ولو كان متواترا أو مشهورا لأوجب العلم والعمل فكان يفترض على المكلف اعتقاد عدم فطره ويجب إتمام الصوم ولو أوجب العلم لانتفت الشبهة ولزمت الكفارة قوله: "في ظاهر الرواية" وفي رواية تجب الكفارة كما في الفتح اهـ من الشرح1 قوله: "ثم جامع عامدا" سواء ظن أن جماعه الأول يفطره أم لا على المعتمد قوله: "لما ذكرناه" أي من قيام الشبهة نظرا إلى فطره قياسا الخ والعلة لإسقاط الكفارة قوله: "وشرب وجامع" الواو فيهما بمعنى أو قوله: "لشبهة عدم صيامه" فكأنه أفطر وهو غير صائم أي لرمضان أما النفل فيصح بنية من النهار عنده قوله: "وكان قد نوى الصوم ليلا" فإذا لم ينو فعدم الكفارة حينئذ أولى وكذا يقال في قوله ولم ينقض عزيمته قوله: "فنوى الإقامة ثم أكل" وبالأولى إذ أكل ثم نوى الإقامة قوله: "ناويا من الليل" يقال فيه ما تقدم قوله: "وجامع" الواو بمعنى أو قوله: "لشبهة السفر" علة لسقوط الكفارة في الصورتين
__________
1 قوله كما في الفته أهـ. في الشرح يوجد في بعض النسخ هنا زيادة نصها ولا فرق في عدم وجوب الكفارة بين ما إذا ظن أن الكل ناسيا يقطر أو لم يظن خلافا لما ذكره منلا مسكين حيث اشترط ذلك السيد ومنلا مسكين تبع في ذلك صاحب الهداية أهـ.(1/674)
العمران لزمته الكفارة لان نتقاض السفر بالرجوع "أو أمسك" يوما كاملا "بلا نية صوم ولا بنية فطر" لفقد شرط الصحة "أو تسحر" أي أكل السحور بفتح السين اسم للمأكول في السحر وهو السدس الأخير من الليل "أو جامع شاكا في طلوع الفجر" قيد في الصورتين "وهو" أي والحال أن الفجر "طالع" لا كفارة عليه للشبهة لأن الأصل بقاء الليل ويأثم إثم ترك التثبت مع الشك لا إثم جناية الإفطار إذا لم يتبين له شيء لا يجب عليه القضاء أيضا بالشك لأن الأصل بقاء الليل فلا يخرج بالشك وروي عن أبي حنيفة أنه قال أساء بالأكل مع الشك إذا كان ببصره علة أو كانت الليلة مقمرة أو متغيبة أو كان في مكان لا يتبين فيه الفجر لقوله عليه السلام: "دع ما يربيك إلى ما لا يربيك" "أو أفطر يظن الغروب" أي غلبة الظن لا مجرد الشك لأن الأصل بقاء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لانتقاض السفر بالرجوع" هذا تعليل للأولى وينبغي أن يزاد ولعدم تحقق السفر ليكون تعليلا للثانية قوله: "يوما كاملا" نص على المتوهم وأما إذا لم يمسك بقية يومه فوجوب القضاء ظاهر قوله: "لفقد شريط الصحة" أي وهو النية وبفقد الشرط يفقد المشروط والكفارة إنما تجب على شخص أفطر بعد أن كان صائما ولم يوجد الصيام هنا أصلا قوله: "بفتح السين اسم للمأكول" وبضمها اسم للفعل أي الأكل قوله: "للشبهة" أي الدارئة للكفارة لأنه بنى الأمر على الأصل فلم تكمل الجناية وذكر القهستاني أنه يتسحر بقول عدل وكذا بضرب الطبول واختلف في الديك وأما الإفطار فلا يجوز بقول واحد بل المثنى وظاهر الجواب أنه لا بأس به إذا كان عدلا كما في الزاهدي ولو أفطر أهل الرستاق بصوت الطبل يوم الثلاثين ظانين أنه يوم العيد وهو لغيره لم يكفروا كما في المنية اهـ قوله: "مع الشك" أي عند الشك قوله: "جناية الإفطار" الإضافة للبيان قوله: "وإذا لم يتبين له شيء" مقابل قول المصنف وهو طالع قوله: "أساء بالأكل مع الشك إذا كان الخ" هذا لا ينافي ما قبله لاحتمال جعل الإثم فيما تقدم إذا فقدت هذه الأشياء لأن الشك لا موجب له وإنما قيد بذلك لأن الفجر لا يتبين فيها قوله: "دع ما يريبك" بفتح الياء وظاهر استدلال الإمام أن الأمر للندب قوله: "أي غلبة الظن" ذكر السيد أنه لا يشترط في سقوط الكفارة غلبة الظن أي بل الظن فقد نعم حل الفطر مقيد بما إذا غلب على ظنه الغروب أما إذا لم يغلب لا يفطر وإن أذن المؤذن اهـ بزيادة قولي أي بل الظن فقط وفي الأشياء آخر قاعدة اليقين لا يزول بالشك ما نصه إن الظن عند الفقهاء من قبيل الشك لأنهم يريدون به التردد بين وجود الشيء وعدمه سواء استويا أو ترجح أحدهما ولذا قالوا: في كتاب الأقرار لو قال له على ألف في ظني لا يلزمه شيء لأنه للشك وغالب الظن عندهم ملحق باليقين وهو الذي يبتنى عليه الأحكام يعرف ذلك من تصفح كلامهم وفي الأبواب صرحوا في نواقض الوضوء بأن الغالب كالمتحقق وصرحوا في الطلاق بأنه إذا ظن الوقوع لم يقع وإذا غلب على ظنه وقع اهـ(1/675)
النهار فلا يكفي الشك لإسقاط الكفارة على إحدى الروايتين بخلاف الشك في طلوع الفجر عملا بالأصل في كل محل "و" كانت "الشمس" حال فطره "باقية" لا كفارة عليه لما ذكرنا وأما لو شك في الغروب ولم يتبين له شيء ففي لزوم الكفارة روايتان وما اختار الفقيه أبي جعفر لزومها وإذا غلب على ظنه أنها لم تغرب فأفطر عليه الكفارة سواء تبين أنه أكل قبل الغروب أو لم يتبين له شيء لأن الأصل بقاء النهار غلبة الظن كاليقين "أو أنزل بوطء ميتة" أو بهيمة لقصور الجناية "أو" أنزل "بتفخيذ أو بتبطين" أو عبث بالكف "أو" أنزل من "قبلة أو لمس" لا كفارة عليه لم ذكرنا "أو أفسد صوم غير أداء رمضان" بجماع أو غيره لعدم هتك حرمة الشهر "أو وطئت وهي نائمة" أو بعد طروء الجنون عليها وقد نوت ليلا فسد بالوطء ولا كفارة عليها لعدم جنايتها حتى لو لم يوجد مفسد صح صومها ذلك اليوم لأن الجنون الطارئ ليس مفسدا للصوم "أو أفطرت في فرجها على الأصح" لشبهه بالحقنة "أو أدخل أصبعه مبلولة بماء أودهن في دبره" أو استنجى فوصل الماء إلى داخل دبره أو فرجها الداخل بالمبالغة فيه والحد الفاصل الذي يتعلق بالوصول إليه الفساد قدر الحقنة وقلما يكون ذلك ولو خرج سرمه؟؟ فغسله إن نشفه قبل أن يقوم ويرجع لمحله لا يفسد صومه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "بخلاف الشك في طلوع الفجر" أي فإنه يسقط الكفارة لأن الأصل بقاء الليل قوله: "لما ذكرنا" أي من الشبهة وهو أنه بنى الأمر على دخول الليل فلم تكمل الجناية قوله: "ولم يتبين الخ" ولزوم الكفارة عند التبين بالأولى وأفاد الشرح في قوله فلا يكفي الشك لإسقاط الكفارة على إحدى الروايتين أن فيه روايتين أيضا قوله: "سواء تبين الخ" مفهومه إنه إذا تبين وجود الليل لا شيء عليه من قضاء وكفارة لأنه لا عبرة بالظن البين خطؤه وإثم تركه التثبت ثابت في الجميع قوله: "لقصور الجناية" أي لأنه جماع قاصر فلا يوجب الكفارة يوجب القضاء كذا في الشرح قوله: "لما ذكرنا" أي من قصور الجناية وعليه القضاء بوجود معنى الجماع ولو قبلت زوجها فأمنت فسد الصوم وإن أمذى أو أمذت لا يفسد كما في الظهيرية والتجنيس كذا في الشرح قوله: "لعدم هتك حرمة الشهر" أي وهي إنما وجبت لهتك حرمته قوله: "وقد نوت ليلا" قيد به لأنها إذا لم تنو ليلا وجنت نهارا لا كفارة بالأولى قوله: "على الأصح" أفاد السيد أنه لا خلاف في ذلك على الأصح قوله: "أو أدخل إصبعه مبلولة الخ" فلو لم تكن مبلولة لا يجب القضاء أفاده السيد والظاهر أن الإدخال لا يفسد إلا إذا وصل إلى محل الحقنة قوله: "والحد الفاصل" أي في الإفطار بالواصل إلى الدبر قوله: "قدر المحقنة" أي قدر ما تأخذ من المحل الذي تصل إليه قوله: "وقلما يكون ذلك" ويورث داء عظيما قوله: "ولو خرج سرمه" في القاموس السرم بالضم مخرج الثفل وهو طرف المعا المستقيم قوله: "لزوال الماء الذي اتصل به" لأن الماء اتصل بظاهره ثم زال قبل أن يصل إلى الباطن كذا في الشرح قوله: "مبلولة بماء أو دهن" وإن لم تكن مبتلة لا(1/676)
لزوال الماء الذي اتصل به "أو أدخلته" أي أصبعها مبلولة بماء أو دهن "في فرجها الداخل في المختار" لما ذكرنا "أو أدخل قطنة" أو خرقة أو خشبة أو حجرا "في دبره أو" أدخلته "في فرجها الداخل وغيبها" لأنه تم الدخول بخلاف ما لو بقي طرفها خارجا لأن عدم تمام الدخول كعدم دخول شيء بالمرة "أو أدخل دخانا بصنعه" متعمدا إلى جوفه أو دماغه لوجود الفطر هذا في دخان غير العنبر والعود وفيهما لا يبعد لزوم الكفارة أيضا للنفع والتداوي وكذا الدخان الحادث شربه وابتدع بهذا الزمان كما قدمناه "أو استقاء" أي تعمد إخراجه "ولو دون ملء الفم في ظاهر الرواية" لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: "من استقاء عمدا فليقض" "وشرط أبو يوسف رحمه الله" أن يكون "ملء الفم وهو الصحيح" لأن ما دونه كالعدم حكما حتى لا ينقض الوضوء "أو أعاد" بصنعه "ما ذرعه" أي غلبه "من القيء وكان ملء الفم" وفي الأقل منه روايتان في الفطر وعدمه بإعادته "وهو ذاكر" لصومه إذ لو كان ناسيا لم يفطر لما نقدم "أو أكل ما" بقي من سحوره "بين أسنانه وكان قدر الحمصة" لإمكانه الاحتراز عنه بلا كلفة "أو نوى الصوم نهارا بعد ما أكل ناسيا قبل أيجاد نيته" الصوم "من النهار" كما ذكرته في حاشيتي على الدرر والغرر "أو أغمي عليه" لأنه نوع مرض "ولو" استوعب "جميع الشهر" بمنزلة النوم بخلاف المجنون "إلا أنه لا يقضي اليوم الذي حدث فيه الإغماء أو حدث في ليلته" لوجود شرط الصوم وهو النية حتى لو تيقن عدمها لزمه الأول أيضا "أو جن" جنونا "غير ممتد جميع الشهر" بأن أفاق في وقت النية نهارا لأنه لا حرج في قضاء ما دون شهر "و" استوعبه شهرا "لا يلزمه قضاؤه" ولو حكما "بإفاقته ليلا" فقط "أو نهارا بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يفسد صومها قوله: "لماذ كرنا" أي من شبهه بالحقنة حكما" قوله: "بخلاف ما لو بقي طرفه خارجا" ولو في الفرج الخارج قوله: "بصنعه" بخلاف ما لو كان بغير صنعه قوله: "وهذا في دخان غير العنبر والعود" أي ونحوهما كالجاوي والمصطكي قوله: "ولو دون ملء الفم" مبالغة في لزوم القضاء قوله: "ومن استقاء عمدا فليقض" لفظ الحديث كما قدمه من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه القضاء وإن استقاء عمدا فليقض قوله: "وفي الأقل منه روايتان" أصحهما عدم الفساد در عن المحيط قوله: "بإعادته" لا حاجة إليه لأن الموضوع قوله: "قبل إيجاد نيته" أما الأكل ناسيا بعدها فلا شيء عليه به للحديث قوله: "بمنزلة النوم" أي وامتداده نادر والأحكام إنما تبنى على الغالب قوله: "حتى لو تيقن عدمها" كما لو كان مسافرا أو مريضا أو متهتكا يعتاد الأكل في رمضان كذا في الشرح قوله: "بأن أفاق في وقت النية" أي ولم ينو قوله: "لأنه لا حرج الخ" لا يظهر لأنه إذا كان يفيق كل يوم في الوقت الصالح يلزمه قضاؤه قوله: "ولو حكما" أي ولو كان الاستيعاب حكما والباء في قوله بإفاقته للسببية أو تصوير للإفاقة(1/677)
فوات وقت النية في الصحيح" وعليه الفتوى لأن الليل لا يصام فيه ولا فيما بعد الزوال كما في مجموع النوازل والمجتبى والنهاية وغيرها وهو مختار شمس الأئمة وفي الفتح يلزمه قضاؤه بإقامته فيه مطلقا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تتمة كل ما انتفى فيه وجوب الكفارة محله ما إذا لم يقع منه مرة بعد أخرى لأجل قصد معصية إفساد الصوم فإن فعل وجبت على ما عليه الفتوى نهر والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/678)
فصل: يجب على الصحيح
وقيل يستحب "الإمساك بقية اليوم على من فسد صومه" ولو بعذر ثم زال "وعلى حائض ونفساء طهرنا بعد طلوع الفجر" ومسافر أقام ومريض برأ ومجنون أفاق "وعلى صبي بلغ وكافر أسلم" لحرمة الوقت بالقدر الممكن "وعليهم القضاء إلا الأخيرين" الصبي إذا بلغ والكاف أسلم لعدم الخطاب عند طلوع الفجر عليهما وعلمت الخلاف في إقامة المجنون
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل يجب الإمساك
أي تشبها لقضاء حق الوقت قوله: "ولو بعذر ثم زال" كقتال عدو وحمى زالا قوله: "وعلى حائض ونفساء طهرتا" وأما في حالة تحقق الحيض والنفاس فيحرم الإمساك لأن الصوم منهما حرام والتشبه بالحرام حرام وكذلك لا يجب الإمساك على المريض والمسافر لأن رخصة الإفطار في حقهما باعتبار الحرج ولو ألزمناهما لتشبه لعاد الشيء على موضوعه بالنقض ولكن لا يأكلون جهرا بل سرا كذا في الشرح قوله: "لحرمة الوقت" علة لوجوب الإمساك في الجميع قوله: "لعدم الخطاب عند طلوع الفجر" أي الذي هو أول وقت الإمساك فانعدمت الأهلية فيه فلم يجب عليهما وهذا بخلاف الصلاة حيث يجب قضاؤها إذا بلغ أو أسلم في بعض الوقت لأن سبب وجوب الصلاة الجزء الذي يتصل به الأداء وقد وجدت الأهلية عند ذلك الجزء أفاده السيد وفيه أن المجنون إذا أفاق بعد طلوع الفجر في الوقت الصالح يلزمه قضاؤه مع عدم الخطاب عليه أولا فإن أجيب عنه بأن السبب شهود الجزء الصالح ينقض بأنه موجود فيهما قوله: "وعلمت الخلاف في إفاقة المجنون" أي إنه هل يشترط في لزوم القضاء إفاقته في وقت يصلح لإنشائية الصوم وهو من طلوع الفجر إلى قبيل الضحوة أو المعتبر إفاقته في أي وقت منه والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/678)
فيما يكره للصائم وما لا يكره وما يستحب
له "كره للصائم سبعة أشياء ذوق شيء" لما فيه من تعريض الصوم للفساد ولو نفلا على الذهب "و" كره "مضغة بلا عذر" كالمرأة إذا وجدت من يمضغ الطعام لصبيها أو كمفطرة لحيض أما إذ لم تجد بدا منه فلا بأس بمضغها لصيانة الولد واختلف فيما إذا خشي الغين لشراء مأكول يذاق. وللمرأة ذوق الطعام إذا كان زوجها سيئ الخلق لتعلم ملوحته وإن كان حسن الخلق فلا يحل لها وكذا الأمة قلت وكذا الأجير "و" كره "مضغ العلك" الذي لا يصل منه شيء إلى الجوف مع الريق. العلك هو المصطكي وقيل اللبان الذي هو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل فيما يكره للصائم.
ظاهر إطلاقه الكراهة يفيد أن المراد بها التحريمية قوله: "ذوق شيء" مثله فساؤه أو ضراطه في الماء وصوم المرأة تطوعا بغير إذن زوجها إلا أن يكون مريضا أن صائما أو محرما بحج أو عمرة وليس له منع الزوجة في هذه المحال وليس للعبد والأمة أم يصوما تطوعا إلا بإذن المولى وله منعهما ولو مريضا أو صائما أو محرما وللزوج أن يفطر المرأة وللمولى أن يفطر العبد والأمة وتقضي المرأة إذا أذن لها زوجها أو بانت ويقضي العبد إذا أذن له المولى أو أعتق ولا يصوم الأجير تطوعا إلا بإذن المستأجر إن كان صومه يضر به في الخدمة وإن كان لا يضره فله أن يصوم بغير إذنه وأما بنت الرجل وأمه وأخته فيتطوعن بغير إذنه وظاهر إطلاق الكراهة التحريم قوله: "لما فيه من تعريض الصوم للفساد" لأن الجاذبة قوية فلا يؤمن أن تجذب منه شيئا إلى الباطن عناية قوله: "ولو نفلا على المذهب" ومن قيده بالفرض كشمس الأئمة الحلواني ونفي كراهة الذوق في النفل إنما هو على رواية جواز الإفطار في النفل بلا عذر كذا في الشرح قوله: "من يمضغ" بفتح الضاد المعجمة قوله: "واختلف فيما إذا خشي الغبن" منهم من كرهه ومن المشايخ من قال في صوم الفرض إنما يكره له ذوق شيء إذا كان له منه بدأ ما إذا لم يكن له بأن احتاج إلى شراء مأكول وخاف أنه إن لم يذقه بيبن فيه أو لا يوافقه لا يكره أي فالنفل كذلك بالأولى قوله: "سيء الخلق" أي فيما يتعلق بذلك ولذا قال في الشرح سيء الخلق يضايقها في ملوحة الطعام وقلة ملحه أما لو كان سيء الخلق في غير ذلك لا يباح لها قوله: "فلا يحل لها" يفيد أن الكراهة تحريمية وقد مر قوله: "كذا الأجير" أي للطبخ قوله: "الذي لا يصل منه شيء" أما إذا كان يصل منه شيء بأن كان أسود مطلقا مضغ أو لا لأن الأسود يذوب بالمضغ أو كان أبيض غير ممضوغ أو كان ممضوغا وهو غير ملتئم فإنه يفسد وما يشم منه رائحة البول بسبب مضغ اللبان فهو من الرائحة لا من الجسم فإن الرائحة الكريهة تغير لون الفضة والورد إذا وضع في ماء غير ريحه ولم ينفصل من جوهره شيء.(1/679)
الكندر لأنه يتهم بالإفطار بمضغه سواء المرأة والرجل قال الإمام علي رضي الله عنه: إياك وما يسبق إلى العقول إنكاره وإن كان عندك اعتذاره. وفي غير الصوم يستحب للنساء وكره للرجال إلا في خلوة وقيل يباح لهم "و" كره له "القبلة والمباشرة" الفاحشة وغيرها "إن لم يأمن فيهما على الإنزال أو الجماع في ظاهر الرواية" لما فيه من تعريض الصوم للفساد بعاقبة الفعل ويكره التقبيل الفاحش بمضغ شفتها كما في الظهيرية "و" كره له "جمع الريق في الفم" قصدا "ثم ابتلاعه" تحاشيا عن الشبهة "و" كره له فعل "ما ظن أنه يضعفه" عن الصوم "كالفصد والحجامة" والعمل الشاق لما فيه من تعريض الإفساد "وتسعة أشياء لا تكره للصائم" وهي وإن علمت بالمفهوم ساغ ذكرها للدليل "القبلة والمباشرة مع الأمن" من الإنزال والوقاع لما روي عن عائشة رضي الله عنها "أنه علية الصلاة والسلام كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "لأنه يتهم بالإفطار" علة الكراهة أي ولا يجوز الوقوف مواقف التهمة قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهمة" قوله: "إياك الخ" أي أحذرك فعله قوله: "وإن كان عندك اعتذاره" أي الاعتذار عنه قوله: "يستحب للنساء" لقيامه مقام السواك في حقهن لضعف بنيتهن فقد لا تحتمل السواك فيخشى على اللثة والسن منه كما في الفتح وظاهره أنه يقوم مقام السواك ولو استعمل في غير حالة الوضوء والظاهر أنه لا يحصل لهن الثواب الموعود على السواك إلا بالنية كما أنه في السواك كذلك قوله: "وكره للرجال" وظاهر ما في الفتح أنها كراهة تحريم وعبارته والأولى الكراهة للرجال إلا لحاجة لأن الدليل أعني التشبه بالنساء يقتضيها في حقهم خاليا عن المعارضة قوله: "إلا في خلوة" زاد في الدر بعذر فالكراهة لا تنتفي إلا بقيدين الخلوة والعذر وهو كتسهيل ريح وتقليل بخر بفمه قوله: "وقيل يباح لهم" قال فخر الإسلام قال ولكن يستحب للرجال تركه قوله: "وكره له القبلة الخ" التفصيل في غير القبلة الفاحشة أما هي وهي أن يمص شفتها فيكره على الإطلاق والجماع فيما دون الفرج كالقبلة في ظاهر الرواية هندية والمراد بالجماع المباشرة والمعانقة يجري فيها التفصيل على المشهور نهر قوله: "والمباشرة الفاحشة" هي أن يتعانقا وهما متجردان ويمس فرجه فرجها وظاهره أنها على هذا التفصيل وفي الهندية الصحيح أن المباشرة الفاحشة تكره وإن أمن بل نقل عن المحيط عدم الخلاف في كراهتها قوله: "الإنزال أو الجماع" فلا بد من الأمن منهما حتى تنتفي الكراهة فإن خشي أحدهما ثبتت الكراهة قالهالسيد في الحاشية قوله: "لما فيه" أي فيما ذكر من القبلة والمباشرة قوله: "بعاقبة الفعل" متعلق بالفساد قوله: "بمضغ شفتها" متعلق بالفاحش والباء للسببية والأولى بمص والمراد به الأخذ بأطراف الأسنان تحاشيا عن الشبهة أي شبهة المفطر كالماء قوله: "لما فيه من تعريض الإفساد" عبارة الشرح لما فيه من تعريضه للإفساد والضمير للصوم وهو من إضافة المصدر إلى مفعوله قوله: "للدليل" أي لأجل ذكر الدليل عليها.(1/680)
يقبل ويباشر وهو صائم" رواه الشيخان وهذا ظاهر الرواية وعن محمد أنه كره الفاحشة وهي رواية الحسن عن الإمام لأنها لا تخلو عن فتنة وفي الجوهرة وقيل إن المباشرة تكره وإن أمن على الصحيح وهي أن يمس فرجه فرجها "ودهن الشارب" بفتح الدال على أنه مصدر وبضمها على إقامة اسم العين مقام المصدر لأنه ليس فيه شيء ينافي الصوم "والكحل" لأنه عليه الصلاة والسلام اكتحل وهو صائم "والحجامة" التي لا تضعفه عن الصوم "والفصد" كالحجامة وذكر شيخ الإسلام أن شرط الكراهة ضعف يحتاج فيه إلى الفطر "و" لا يكره له "السواك آخر النهار بل هو سنة كأوله" لقوله عليه الصلاة والسلام: "من
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "على الصحيح" وتقدم عدم الخلاف في كراهتها قوله: "وبضمها على إقامة اسم العين مقام المصدر" لا وجه يظهر لهذه الإقامة وإنما يكون الكلام حينئذ على حذف المضاف أي استعمال مثلا إنما يباح إذا لم يقصد به الزينة أو تطويل اللحية إذا كانت بقدر المسنون وهو القبضة والأخذ من اللحية وهو دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال لم يبحه أحد وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الإعاجم فتح وحديث الاكتحال يوم عاشوراء ضعيف لا موضوع كما زعم ابن عبد العزيز وحديث التوسعة فيه على العيال صحيح اهـ در أي فإنه ورد أنه من وسع على عياله فيه وسع الله تعالى عليه سائر عامه قوله: "لأنه الخ" علة لعدم الكراهة قوله: "والكحل" أي إذا لم يقصد به الزينة فإن قصدها كره نهر واعلم أنه لا تلازم بين قصد الجمال وقصد الزينة فالقصد الأول لدفع الشين وإقامة ما به الوقار وإظهار النعمة شكرا لا فخرا وهو أثر أدب النفس وشهادتها والثاني أثر ضعفها وقالوا: بالخضاب أوردت السنة ولم يكن بقصد الزينة ثم بعد ذلك إن حصلت زينة فقد حصلت في ضمن قصد مطلوب فلا يضره إذا لم يكن ملتفتا إليه بحر عن الكمال.
فرع لبس الثياب الجميلة يباح إذا لم يتكبر به وإلا حرم وعدم الكبر أن يكون بها كما كان قبلها وفي الكحل الضبطان السابقان في دهن قوله: "والحجامة التي لا تضعفه عن الصوم" وينبغي له أن يؤخرها إلى وقت الغروب كذا في الشرح قوله: "ولا يكره له السواك آخر النهار" وكرهه الشافعي بعد الزوال لقوله صلى الله عليه وسلم: "لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك إلا ذفر" ولنا ما ذكره المصنف وليس فيما روي دلالة على أنه لا يستاك ومدحه صلى الله عليه وسلم للخلوف لأنهم كانوا يتحرجون عن الكلام معه لتغير فمهم فمنعهم عن ذلك بذكر شأنه زيلعي وهذا لا يقتضي أفضليته على السواك والخلوف بضم الخاء المعجمة وهو الصواب وقيل المشهور وغير المشهور الفتح وهو ما تخلف بعد الطعام من رائحة كريهة بخلاء المعدة من الطعام ذكره السيد في الحاشية عن العلامة نوح ومعنى كون الخلوف عند الله أطيب إنه يثاب الصائم عليه أكثر مما يثاب على التطيب بالمسك في المواضع التي يطلب فيها التطيب بالروائح الطيبة كيوم الجمعة والعيدين وقيل معناه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم والمراد(1/681)
خير خلال الصائم السواك وفي الكفاية كان النبي صلى الله عليه وسلم: "يستاك أول النهار وآخره وهو صائم" وفي الجامع الصغير للسيوطي "السواك سنة فاستاكوا أي وقت شئتم" ولقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك" وهي عامة لوصفها بصفة عامة تصدق بعصر الصائم كما في الفتح "و" لا يكره و "لو كان رطبا" أخضر "أو مبلولا بالماء" لإطلاق ما روينا "و" لا يكره له "المضمضة و" لا "الاستنشاق" وقد فعلهما "لغير وضوء و" لا "الاغتسال و" لا "التلفف بثوب مبتل" قصد ذلك "للتبرد" ودفع الحر "على المفتى به" وهو قول أبي يوسف لأن النبي صلى الله عليه وسلم: "صب على رأسه الماء وهو صائم" من العطش أو من الحر رواه أبو داود وكان ابن عمر رضي الله عنهما يبل الثوب ويلقه عليه وهو صائم ولأن بهذه عونا على العبادة ودفعا للضجر الطبيعي وكرهها أبو حنيفة لما فيه من إظهار الضجر في إقامة العبادة "ويستحب له ثلاثة أشياء السحور" لقوله صلى الله عليه وسلم: "تسحروا فإن في السحور بركة" حصول التقوى به وزيادة الثواب ولا يكثر منه لإخلاله عن المراد كما يفعله المترفهون "و"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
القرب منه أي أنه يقرب من الله تعالى أي من رحمته وثوابه كما أن المتطيب مقرب عندكم أو على تقدير مضاف أي عند ملائكة الله فإنهم يدركونه شما أطيب من ريح المسك قوله: "صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بلا سواك" وتحصل الفضيلة هذه بالسواك عند الوضوء ولو تكررت صلوات بدونه قوله: "وهي عامة الخ" قال في الشرح فهذه النكرة وإن كانت في الإثبات تعم لوصفها بصفة عامة فيصدق على عصر الصائم إذا استاك فيه أنها صلاة أفضل من سبعين كما يصدق على عصر المفطر كما في الفتح اهـ قوله: "ومبلولا بالماء" وقيل يكره بله بالماء ولا وجه له لأنه يتمضمض بالماء فكيف يكره له استعمال العود الرطب وليس فيه من الماء قدر ما بقي في فمه من البلل من أثر المضمضمة وفي الهندية عن الخانية أن السواك بالرطب الأخضر لا بأس به عند الكل اهـ قوله: "لإطلاق ما روينا" أي من الأحاديث السابقة قوله: "لما فيه من إظهار الضجر الخ" وأجيب بأن فيه إظهار ضعف بنيته وعجز بشريته فإن الإنسان خلق ضعيفا وليس المقصد إظهار التضجر في أمر العبادة قوله: "حصول التقوى به" خبر لمبتدأ محذوف أي والبركة حصول التقوى بالسحور والتقوى بفتح التاء المشددة وفتح القاف وتشديد الواو المكسورة ولأنه إباحة في الأكل والشرب اللذين حرما صدر الإسلام بعد النوم فشرعه يعد ناسخا لذلك فيدل فعله على البركة والإنتفاع للصائم ولوقوعه في الوقت الذي يستجاب فيه الدعاء أي فإذا قام وتسحر ربما يدعو بدعوات فيستجاب له ولما يقع من المتسحرين من الذكر والاستغفار والسحور بضم السين هو الأكل سحرا والمأكول يسمى سحورا بفتح السين وفي شرح الملتقى السحور بالفتح ما يؤكل في السدس الأخير من الليل وبالضم جمع سحر قوله: "لإخلائه عن المراد" وهو ذوق مرارة(1/682)
يستحب "تأخيره" لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من أخلاق المرسلين تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليمين على الشمال في الصلاة" "وتعجيل الفطر في غير يوم غيم" وفي الغيم يحتاط حفظا للصوم عن الإفساد والتعجيل المستحب قبل استفحال النجوم ذكره قاضيخان والبركة ولو بالماء قال صلى الله عليه وسلم: "السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" رواه أحمد رحمه الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعض الجوع ليرحم المساكين وليكون أجره على قدر مشقته قوله: "كما يفعله المترفهون" أي المتنعمون قوله: "تأخير السحور" ويكره تأخيره إلى وقت يقع فيه الشك هندية قوله: "وتعجيل الفطر" ويستحب الإفطار قبل الصلاة وفي البحر التعجيل المستحب التعجيل قبل اشتباك النجوم ومن السنة عند الإفطار أن يقول اللهم لك صمت وبك آمنت وعليك توكلت وعلى رزقك أفطرت وصوم الغد من شهر رمضان نويت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت قوله: "قبل استفحال النجوم" أي ظهورها وتبين كل نجم بانفراده وهو بالفاء والحاء المهملة ويقال لسهيل فحل لاعتزاله النجوم كالفحل فإنه إذا قرع الإبل اعتزالها أفاده في القاموس قوله: "ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء" قال في القاموس الجرعة مثلثة من الماء حسوة منه أو بالفتح وبالضم الإسم من جرع الماء كسمع ومنع بلعه وبالضم ما اجترعت اهـ قوله: "يصلون على المتسحرين" أي الله يرحم والملائكة تستغفر لهم أو يراد بها العطف وهو في كل بما يناسبه والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/683)
فصل في العوارض
جمع عارض بالمرض والسفر والإكراه والحبل والرضاع والجوع والعطش والهرم
ـــــــــــــــــــــــــــــ.
فصل في العوارض
هي جديرة بالتأخير جمع عارض وهو كل ما استقبلك ومنه عارض ممطرنا وهو السحاب والعارض الباب والخد وعرض له عارض أي آفة من كبر أو مرض كذا في ضياء الحلوم ولما كان إفساد الصوم بغير عذر يوجب إثما وبعذر لا يوجبه احتيج إلى بيان الأعذار المسقطة له نهر قوله: "والسفر" فيه أنه لا يبيح الفطر وإنما يبيح عدم الشروع في الصوم إذ لو كان السفر يبيح الفطر لجاز لمن أصبح مقيما ثم سافر الفطر مع أنه لا يجوز وحينئذ فالمراد بالعوارض هنا ما يبيح عدم الصوم ليطرد في الكل أفاده السيد وكذا يراد بالفطر في قوله بها يباح الفطر ما أباح عدم الصوم سواء أباحه من أوله أو بعد الشروع فيه.(1/683)
بها يباح الفطر فيجوز "لمن خاف" وهو مريض "زيادة المرض" بكم أو كيف لو صام والمرض معنى يوجب تغير الطبيعة إلى الفساد ويحدث أولا في الباطن ثم يظهر أثره وسواء كان لوجع عين أو جراحة أو صداع أو غيره "أو" خاف "بطء البرء" بالصوم جاز له الفطر لأنه قد يفضي إلى الهلاك فيجب الاحتراز عنه والغازي إذا كان يعلم يقينا أو بغلبة الظن القتال بكونه بإزاء العدو ويخاف الضعف عن القتال وليس مسافرا له الفطر قبل الحرب ومن له نوبة حمى أو عادة حيض لا بأس بفطره على ظن وجوده فإن لم يوجد اختلف في لزوم الكفارة والأصح عدم لزومها عليهما وكذا أهل الرستاق ولو سمعوا الطبل يوم الثلاثين فظنوا عيدا فأفطروا ثم تبين أنه لغيره لا كفارة عليهم "و" يجوز الفطر "لحامل ومرضع خافت" على نفسها "نقصان العقل أو الهلاك أو المرض" سواء كان "على نفسها أو
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وهو مريض" أفاد أن الصحيح الذي غلب على ظنه المرض بصومه ليس له أن يفطر وأفاد السيد أن في ذلك خلافا فالزيلعي على إباحة الفطر له ولعلامة مسكين على عدمه وقد تبع فيه صاحب الذخيرة وجرى على إباحة الفطر في الدر وذكر في القهستاني أن الممرض ملحق بالمريض قوله: "بكم" المراد بالكم أن ينشأ بالصوم مرض آخر وليس المراد به زيادة الأيام وإلا تكرر مع قوله أو خاف بطء البرء قوله: "أو كيف" بأن يحدث بالصوم اشتداد في المرض القائم قوله: "والمرض معنى الخ" قال في القاموس المرض ظلام الطبيعة واضطرابها بعد صفائها واعتدالها اهـ ويقال في اسم الفاعل مارض ومرض ومريض اهـ قوله: "ويحدث أولا في الباطن الخ" قال في القاموس المرض بالفتح للقلب خاصة وبالتحريك أو كلاهما الشك والنفاق والفتور والظلمة والنقصان قوله: "أو غيره" كفساد العضو قوله: "فيجب الاحتراز عنه" هذا يقتضي وجوب الإفطار وهو ينافي التعبير باللام في قوله لمن خاف ويمكن الجمع بأن الجواز عند عدم تحقق الهلاك والوجوب عند تحققه وسيأتي في المسافر نظيره قوله: "بكونه" أي بسبب وجوده بمقابلة العدو قوله: "ويخاف الضعف عن القتال" أي بالصوم قوله: "وليس مسافرا" أما المسافر فيجوز له الفطر بغير عذر قوله: "ومن له الخ" يعم الذكر والأنثى والتذكير في له نظرا للفظ من قوله: "لا بأس بفطره" أفاد أن الأولى أن لا يفطرا حتى يتحققا وعلل في الشرح جواز الفطر بأن ما ذكر بحكم الغلبة كالكائن قوله: "والأصح عدم لزومها عليهما" وكذا هو المعتمد في الغازي كما في الدر قوله: "وكذا أهل الرستاق" أي القرى إذا سمعوا صوت طبل أمير مدينة ذلك الرستاق على ما جرت به عادتهم أنهم يضربونه يوم العيد قوله: "أنه لغيره" أي أن ضرب الطبل لغير العيد كأن كان لفرح قوله: "لا كفارة عليهم" لأنهم لم يقصدوا الجناية قوله: "ويجوز الفطر لحامل" هي التي في بطنها حمل بفتح الحاء أي ولد والحاملة التي على رأسها أو ظهرها حمل بكسر الحاء نهر قوله: "ومرضع" هي التي شأنها الإرضاع فتسمى به ولو في غير حال المباشرة(1/684)
ولدها نسبا أو رضاعا" ولها شرب الدواء إذا أخبر الطبيب أن يمنع استطلاق بطن الرضيع وتفطر لهذا العذر لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع الصوم" ومن قيد بالمستأجرة للإرضاع فهو مردود "والخرف المعتبر" لإباحة الفطر طريق معرفته أمران أحدهما "ما كان مستندا" فيه "لغلبة الظن" فإنها بمنزلة اليقين "بتجربة" سابقة والثاني قوله "أو إخبار طبيب" مسلم حاذق عدل عالم بداء كذا في البرهان وقال الكمال مسلم حاذق غير ظاهر الفسق وقيل عدالته شرط "و" جاز الفطر "لمن حصل له عطش شديد وجوع" الفرط "يخاف منه الهلاك" أو نقصان العقل أو ذهاب بعض الحواس وكان ذلك لا بإتعاب نفسه إذ لو كان به تلزمه الكفارة وقيل لا "وللمسافر"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
والمرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي ذكره صاحب الكشاف قوله: "خافت نقصان العقل" خاص بها وأما خوف الهلاك والمرض فيتحقق فيها وفي الولد قوله: "نسبا كان أو رضاعا" أما الظئر فلأنه واجب عليها بالعقد ولو كان العقد في رمضان كما في البرجندي خلافا لما في صدر الشريعة من تقييد حل الإفطار بما إذا صدرت الإجارة قبل رمضان وأما الأم فلو جوبه عليها ديانة مطلقا وقضاء إذا كان الأب معسرا أو كان الولد لا يرضع من غيرها وأما إذا أكره على الإفطار بهلاك ابنه فلا يجوز له لأن العذر في الإكراه جاء من فعل من ليس له الحق فلا يعذر لصيانة نفس غيره بخلاف الحامل والمرضع كذا في البحر قوله: "وتفطر لهذا العذر" أعاده وإن فهم مما تقدم ليستدل عليه ويحتمل أنه راجع إلى ما قبله فقط وقوله لقوله الخ علة للمصنف قوله: "فهو مردود" بالحديث السابق وبأن الإرضاع واجب على الأم ديانة لا سيما إذا كان الأب معسرا كذا في الشرح قوله: "بتجربة" ولو كانت من غير المريض عند اتحاد المرض ذكره السيد في الحاشية وزاد في البحر غلبة الظن الصادرة بأمارة ظهرت له باجتهاد والاجتهاد غير مجرد الوهم اهـ قوله: "مسلم" جرى على التقييد بالإسلام في الظهيرية حيث قال وهو عندي محمول على المسلم دون الكافر كمسلم شرع في الصلاة بالتيمم فوعده كافر بالماء لا يقطع فلعل غرضه إفساد الصلاة عليه فكذا في الصوم وفيه إيماء إلى أنه يجوز أن يستطب بالكافر فيما ليس فيه إبطال عبادة بحر ونهر قوله: "حادق" أي له معرفة تامة في الطب فلا يجوز تقليد من له أدنى معرفة فيه قوله: "عدل" جزم باشتراط العدالة الزيلعي وظاهر ما في البحر والنهر كالفتح ضعفه قوله: "يخاف منه الهلاك" ذكر القهستاني عن الخزانة ما نصه أن الحر الخادم أو العبد أو الذاهب لسد النهر أو كريه إذا اشتد الحر وخاف الهلاك فله الإفطار كحرة أو أمة ضعفت للطبخ أو غسل الثوب اهـ قوله: "وكان ذلك الخ" الظاهر أن القيد لإسقاط الكفارة أما حل الفطر للأعذار المذكورة فالظاهر الجواز مطلقا كما تدل عليه عبارة القهستاني قوله: "وللمسافر" أي سفرا شرعيا وهو الذي تقصر فيه الصلاة ولو لمعصية لأن القبح المجاور لا يعدم المشروعية(1/685)
الذي أنشأ السفر قبل طلوع الفجر إذ لا يباح له الفطر بإنشائه بعد ما أصبح صائما بخلاف ما لو حل به مرض بعده فله "الفطر" لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولما رويناه "وصومه" أي المسافر "أحب أن لم يضره" لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} "و" هذا إذا "لم تكن عامة رفقته مفطرين ولا مشتركين في النفقة فإن كانوا مشتركين أو مفطرين فالأفضل فطره" أي المسافر "موافقه للجماعة" كما فبي الجوهرة "ولا يجب الإيصاء" بكفارة ما أفطره "على من مات قبل زوال عذره" بمرض وسفر ونحوه كما تقدم من الأعذار المبيحة للفطر لفوات إدراك عدة من أيام أخر "و" إن أدركوا العدة "قضوا ما قدروا على قضائه" وإن لم يقضوا لزمهم الإيصاء "بقدر الإقامة" من السفر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وأشار باللام إلى أنه مخير بين الصوم والفطر لكن الفطر رخصة والصوم عزيمة فكان أفضل إلا إذا خاف الهلاك فالإفطار واجب كما في البحر قوله: "إذ لا يباح له الفطر بإنشائه الخ" لكن إذا أفطر لا كفارة عليه قاله السيد وقد تقدم قوله: "فعدة من أيام أخر" أي فأفطر فعليه عدة الأيام التي أفطرها من أيام أخر قوله: "ولما رويناه" أي من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن المسافر الصوم" قوله: "إن لم يضره" أراد بالضرر الضرر الذي ليس فيه خوف الهلاك لأن ما فيه خوف الهلاك بسبب الصوم فالإفطار في مثله واجب لا أنه أفضل بحر قوله: "لقوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ولأن رمضان أفضل أفضل فكان الأداء أفضل وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصيام في السفر" فمحمول على مسافر ضره الصوم زيلعي قال في الدرر والخير بمعنى البر لا أفعل تفضيل أي لاقتضائه أن الإفطار فيه خير مع أنه مباح وفيه نظر ذكرته في حاشية الدر قوله: "وهذا إذا لم تكن عامة رفقته مفطرين" قيد بالعامة فأفاد أن القليل لو أفطر لا يكون الفطر أفضل قوله: "فإن كانوا مشتركين" أي وأفطروا أي وإن لم يكونوا عامتهم وقيد المسئلة في الدر بمشقة إفطاره على رفقته قوله: "أو مفطرين" أي وإن لم يكونوا مشتركين في النفقة قوله: "موافقة للجماعة" عدل إليه عن قول صاحب البحر إذا كانت النفقة مشتركة فالفطر أفضل لما أن ضرر المال كضرر النفس لما قاله في النهر إن التعليل بموافقة الجماعة أولى وأما لزوم ضرر المال بضياعه بصومه فممنوع أفاده في تحفة الأخيار أي لجواز أن يأخذ نصيبه ويبقيه أو يكون سمحا يتجاوز عن نصيبه قوله: "لفوات" علة لقول المصنف لا يجب قوله: "قضوا ما قدروا" ينبغي أن يستثني الأيام المنهية لأنه عاجز عن القضاء فيها شرعا برجندي فلو فاته عشرة أيام فقدر على خمسة أدى فديتها فقط وفائدة لزوم القضاء وجوب الوصية بالإطعام وينفذ ذلك من الثلث بشرط أن لا يكون في التركة دين من ديون العباد حتى لو كان ينفذ ذلك من ثلث الباقي إلا إذا لم يكن له وارث فحينئذ ينفذ من جميع ما بقي ولو أوصى ولم يترك ما لا يستقرض نصف صاع ويعطيه لمسكين ثم يتصدق المسكين عليه أو يهبه له ثم وثم إلى أن يتم لكل صوم نصف صاع وبدون الوصية لا يلزم الوارث(1/686)
"والصحة" من المرض وزوال العذر اتفاقا على الصحيح والخلاف فيمن نذر أن يصوم شهرا إذا برأ ثم برأ يوما يلزمه الإيصاء بالإطعام لجميع الشهر عندهما وعند محمد قضى ما صح فيه "ولا يشترط التتابع في القضاء" لإطلاق النص لكن المستحب التتابع وعدم التأخير عن زمان القدرة مسارعة إلى الخير وبراءة الذمة.
"تنبيه" أربعة متتابعة بالنص أداء رمضان وكفارة الظهار والقتل واليمين والمخير فيه قضاء رمضان وفدية الحلق لأذى برأس المحرم والمتعة وجزاء الصيد وثلاثة لم تذكر في القرآن وثبتت بالإخبار صوم كفارة الإفطار عمدا في رمضان وهو متتابع والتطوع متخير فيه والنذر وهو على أقسام إما أن بنذر أياما متتابعة معينة أو غير معينة بخصوصها أو منه ما لزم بنذر الاعتكاف وهو متتابع وإن لم ينص عليه إلا أن يصرح بعدم التتابع في النذر "فإن جاء رمضان آخر" ولم يقض الفائت "قدم" الأداء "على القضاء" شرعا حتى لو نواه عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الإطعام غير أنه لو تبرع به ولو في كفارة قتل الصيد أو يمين أجزأه إلا العتق لما فيه من إلزام الولاء على الميت والصلاة كالصوم استحسانا وتعتبر كل صلاة ولو وترا بصوم يوم والوارث والأجنبي في جواز التبرع سواء ولو صام وليه عنه أو صلى لا يصح لحديث لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد أفاده السيد قوله: "وزوال العذر" عطف على الإقامة قوله: "اتفاقا" أي بين الشيخين ومحمد قوله: "والخلاف فيمن الخ" مبتدأ وخبر أي لا خلاف في المسئلة السابقة وإنما الخلاف في صورة النذر قوله: "ثم برىء يوما" حكم ما زاد على اليوم كاليوم قوله: "وعدم التأخير" أي بعد زوال العذر قوله: "وبراءة الذمة" عطف على الخير قوله: "والفتل" أي الخطأ قوله: "واليمين" إنما اشترط فيها التتابع لأن ابن مسعود قرأ فصيام ثلاثة أيام متتابعة وهي قراءة مشهورة يجوز بها الزيادة على الكتاب قوله: "وفدية الحلق لأذى برأس المحرم" أي حال كونه لأذى حصل برأس المحرم قال تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] قوله: "والمتعة والقران" بالرفع عطفا على قضاء أي وصوم التمتع والقران لمن لم يجد دم الشكر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه قوله: "وجزاء الصيد" المقتول حال الإحرام أو في الحرم قوله: "أما أن ينذر أياما متتابعة" هو بكسر الذال وضمها كما في القاموس وسيأتي للشرح وأما أنذر الرباعي فهو بمعنى أعلم وحذر وخوف قوله: "أو غير معينة بخصوصها" يعني أن المدار على ذكر التتابع سواء عين كشهر رجب متتابعا مثلا أو لم يعين كشهر متتابع مثلا لكن أن أفطر يوما في الأول قضاه بلا استقبال لئلا يقع كله في غير الوقت وفي الثاني يستقبل لأنه أخل بالوصف كما في التنوير وشرحه من عوارض الصوم وفي شرح السيد وقدمنا أن كل كفارة شرع فيها العتق(1/687)
القضاء لا يقع إلا عن الأداء كما تقدم "ولو فدية بالتأخير إليه" لإطلاق النص "ويجوز الفطر لشيخ فان وعجوز فانية" سمي فانيا لأنه قرب إلى الفناء أو فنية قوته وعجز عن الأداء "وتلزمهما الفدية" وكذا من عجز عن نذر الأبد لا لغيرهم من ذوي الأعذار "لكل يوم نصف صاع من بر" أو قيمته بشرط دوام عجز الفاني والفانية إلى الموت ولو كان مسافرا أو مات قبل الإقامة لا تجب عليه الفدية بفطره في السفر "كما نذر صوم الأبد فضعف عنه" لاشتغاله بالمعيشة يفطر ويفدي للتيقن لعدم قدرته على القضاء "فإن لم يقدر" من تجوز له الفدية "على الفدية لعسرته يستغفر الله سبحانه ويستقبله" أي يطلب منه العفو عن تقصيره في حقه "و" لا تجوز الفدية إلا عن صوم هو أصل بنفسه لا بدل عن غيره حتى "ولو وجبت عليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كان التتابع شرطا في صومها وما لا فلا ولا خلاف في وجوب التتابع في كفارة رمضان كما لا خلاف في ندب التتابع فيما لم يشترط فيه وهو صوم المتعة وكفارة الحلق وجزاء الصيد وقضاء رمضان قوله: "كما تقدم" من أنه معيار لا يسع غيره قوله: "لا طلاق النص" وهو قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} قوله: "لشيخ فان" هو الذي كل يوم في نقص إلى أن يموت وإنما لزمته باعتبار شهوده الشهر وأبيح له للحرج وأفاد القهستاني عن الكرماني أن المريض إذا تحقق اليأس من الصحة أي صحة يقدر معها على الصوم فعليه الفدية لكل يوم وإن لم يقدر على الصوم لشدة الحر أفطر ويقضيه في الشتاء كما في البحر قوله: "لأنه قرب إلى الفناء" ففيه مجاز الأول قوله: "أو فنيت قوته" أي التي يتمكن بها من الصيام وعليه فهو حقيقة قوله: "وتلزمهما الفدية" ثم إن شاء أعطى في أول رمضان وإن شاء أعطى في آخره ولا يشترط في المدفوع إليه العدد قوله: "وكذا من عجز الخ" الأولى حذفه لأن المصنف ذكره صريحا بعد ومعناه أنه عجز عن إنهاء الصوم الذي لزمه بنذر الأبد قوله: "لا لغيرهم من ذوي الأعذار" كالحامل والمرضع والمريض والمسافر فإنهم لا يقدرون لعدم ورود نص فيهم والأولى حذف اللام لأن المعنى لا تلزم غيرهم قوله: "لكل يوم نصف صاع" لو قال وتلزمها الفدية كالفطرة لكان أخصر وأشمل قوله: "بشرط دوام عجز الفاني والفانية" فمن قدرا قضيا قوله: "ومات قبل الإقامة" أما إذا أقام فمقتضى ما سبق التفصيل إن أقام شهرا وجبت عليه الفدية بقدره وإن أقام أقل منه وجبت بقدره قوله: "لا تجب عليه الفدية" لأنه يخالف غيره في التخفيف لا في التغليظ كذا في الشرح وقال في الدر في وجوب الفدية على الفاني إذ الصوم أصل بنفسه وخوطب بأدائه حتى لو لزمه الصوم لكفارة يمين أو قتل ثم عجز لم تجز الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غيره ولو كان مسافرا فمات قبل الإقامة لم يجب الإيصاء قوله: "فضعف" وكذا لو أفطر أياما مع القدرة فإن القضاء غير متأت له فالتقييد بالضعف اتفاقي فيما يظهر قوله: "أي يطلب منه العفو" أي يطلب منه الإقالة وهي ترك المؤاخذ وهو العفو قوله: "هو أصل بنفسه" أي كالصورتين السابقتين قوله: "لا بدل عن(1/688)
كفارة يمين أو قتل" أو إظهار أو إفطار "فلم يجد ما يكفر به من عتق" وإطعام وكسوة "وهو شيخ فان أو لم يصم" حال قدرته على الصوم حتى صار فانيا "لا تجوز له الفدية" لأن الصوم بدل عن غيره وهو التكفير بالمال ولذا لا يجوز المصير إلى الصوم إلا عند العجز عما يكفر به من المال فإن أوصى بالتكفير نفذ من الثلث ويجوز في الفدية الإباحة في الطعام أكلتان مشبعتان في اليوم كما يجوز التمليك بخلاف صدقة الفطر فإنه لا بد فيها من التمليك كالزكاة. اعلم أن ما شرع بلفظ الإطعام أو الطعام يجوز فيه التمليك والإباحة وما شرع بلفظ الإيتاء أو الأداء يشترط فيه التمليك "ويجوز للمتطوع" بالصوم "الفطر بلا عذر في رواية" عن أبي يوسف قال الكمال واعتقادي أنها أوجه لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء" فقلنا "لا" فقال: "إني إذا صائم" ثم أتى في يوم آخر فقلنا "يا رسول الله أهدي إلينا حيس" فقال: "أرينه" فقلت "أصبحت صائما فأكل" وزاد النسائي "ولكن أصوم يوما مكانه" وصحح هذه الزيادة أبو محمد عبد الحق وذكر الكرخي وأبو بكر أنه ليس له أن يفطر إلا من عذر وهو ظاهر الرواية لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل وإن كان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
غيره" لأن البدل لا بدل له قوله: "أو قتل" أي قتل نفس خطأ قوله: "من عتق" عام للكفارات الأربع وقوله وإطعام وكسوة خاص بكفارة اليمين أما القتل فلا إطعام فيه كما لا كسوة وأما الظهار ففيه الإطعام لكنه بعد الصيام وكذا الإفطار قوله: "أو لم يصم" مقابل قوله وهو شيخ فان أي أنه لا فرق في عدم الفدية في الصوم الذي ليس أصلا بين أن يجب عليه وهو قادر عليه ثم تراخى فيه حتى فني وبين أن يصدر موجبه من ظهار أو يمين مثلا في حالة فنائه قوله: "ولذا لا يجوز" أي لكون الصوم هنا بدلا قوله: "أكلتان مشبعتان" بفتح الهمزة تثنية أكلة المرة الواحدة من الأكل لا بالضم لأنها اللقمة قوله: "لليوم" أي لفدية كل يوم قوله: "بلفظ الإطعام" ككفارة المظاهر والمفطر في رمضان قوله: "أو الطعام" وهو جزاء الصيد المقتول في الحرم أو الإحرام فإن الله تعالى قال: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} قوله: "بلفظ الإيتاء" كالزكاة فإن الله تعالى قال: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} قوله: "أو الإداء" كما في زكاة الفطرة فقد ورد أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من شعير قوله: "فقال إني إذن صائم" صريح في صح النية نهارا في النفل كما هو المذهب قوله: "أهدى إلينا حيس" هو تمر ينزع نواه ويدق مع الإقط ويعجنان بالسمن ثم يدلك باليد حتى يبقى كالثريد وهو في الأصل مصدر يقال حاس الرجل حيسا إذا اتخذ ذلك قاله السيد في الحاشية عن المصباح والإقط مثلثة وتحرك وككتف ورجل وابل شيء يتخذ من المخيض الغنمي والمخيض هو اللبن الذي أخذ زبده والمضارع مثلث الخاء قاموس.(1/689)
صائما فليصل" أي فليدع قال القرطبي: ثبت هذا الحديث عنه عليه الصلاة والسلام ولو كان الفطر جائزا كان الأفضل الفطر لإجابة الدعوة التي هي السنة وصححه في المحيط. اعلم أن فساد الصوم والصلاة بلا عذر بعد الشروع فيهما نفلا مكروه وليس بحرام لأن الدليل ليس قطعي الدلالة وإن لزم القضاء وإذا عرض عذر أبيح للمتطوع الفطر اتفاقا "والضيافة عذر على الأظهر للضيف والمضيف" فيما قبل الزوال لا بعده إلا أن يكون في عدم فطره بعده عقوق لأحد الأبوين لا غيرهما للتأكد ولو حلف شخص بالطلاق ليفطرن فالاعتماد على أنه يفطر ولو بعد الزوال ولا يخشاه لرعاية حق أخيه "ولو البشارة بهذه الفائدة الجليلة" قال في
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فليدع" حمله بعضهم على الصلاة الحقيقية لأنها المرادة شرعا ولتحصل بركة الصلاة للمحل والحاضرين قوله: "مكروه" الظاهر من إطلاقهم أنها كراهة تحريم قوله: "لأن الدليل" وهو قوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} قوله: "ليس قطعي الدلالة" لاحتمال أن يكون المعنى والله تعالى أعلم ولا تبطلوا ثواب أعمالكم بنحو رياء وسمعة قوله: "والضيافة عذر على الأظهر" لما رواه الطبراني في كبيره عن ابن عمر قال صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فإن أراد أن يفطر فليفطر إلا أن يكون صومه ذلك رمضان أو قضاء رمضان أو نذرا" اهـ كذا في الجامع الصغير للسيوطي قوله: "على الأظهر" وقيل عذر مطلقا وقيل ليست بعذر مطلقا وقيل عذران وثق من نفسه بالقضاء وإن كان لا يثق لا يفطر وإن كان في ترك الإفطار أذى أخيه المسلم قال شمس الأئمة الحلواني وهو أحسن ما قيل في هذا الباب بحر وقيد صاحب التنوير العذر بها بما إذا كان صاحبها ممن لا يرضى بمجرد حضوره ويتأذى بترك الإفطار وإلا فلا قال في الدر عن الظهيرية وهو الصحيح من المذهب قوله: "للضيف" يقال للواحد والجمع ويجمع على أضياف وضيوف وضيفان قوله: "والمضيف" بفتح الميم أصله مضيوف وفي عبارة القاموس ما يفيد أنه يقال مضاف قوله: "إلا أن يكون في عدم فطره بعده عقوق لأحد الأبوين" فيفطر بعده إلى العصر لا بعده كذا في الدر قوله: "للتأكد" أي تأكد حق الوالدين وفي الشرح ما يفيد أنه علة لقوله لا بعده وعبارته ووجه الفرق أن الصوم في أول اليوم لا يتأكد عادة لما عرف أنه لا يشتد على البدن ولا كذلك بعد الزوال اهـ بتصرف فإن قوله ولا كذلك بعد الزوال أي فإنه يتأكد اهـ قوله: "بالطلاق" أطلقه فعم الرجعي وهل العتق مثله يحرر قوله: "فالاعتماد على أنه يفطر" ولو كان صائما قضاء تنوير وشرحه قوله: "ولو بعد الزوال" الذي يلوح من عبارة صاحب النهر أن ذلك فيما إذا كان قبل الزوال لا بعده قوله: "ولا يحنثه" استشكل بما هو مصرح به من أنه في الحلف على ما لا يملك يبر بمجرد القول فيبر بقوله أفطر ويمكن التوفيق بحمل ما هنا مما يقتضي أنه إن لم يفطر يحنث على ما إذا كان الحلف بطريق التعليق أو يحمل على ما إذا لم يأمره بالفعل قاله السيد في حاشية الأشباه قوله: "لرعاية حق أخيه" علة لقوله يفطر قوله:(1/690)
التجنيس والمزيد: رجل أصبح صائما متطوعا فدخل على أخ من إخوانه فسأله أن يفطر لا بأس بأن يفطر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أفطر لحق أخيه يكتب له ثواب الصوم ألف يوم ومتى قضى يوما يكتب له ثواب صوم ألفي يوم" ونقله أيضا في التتارخانية والمحيط والمبسوط "وإذا أفطر" المتطوع "على أي حال" كان "عليه القضاء" لا خلاف بين أصحابنا في وجوب صيانة لما مضى عن البطلان "إلا إذا شرع متطوعا" بالصوم "في خمسة أيام يومي العيدين وأيام التشريق فلا يلزمه قضاؤه بإفسادها في ظاهر الرواية" عن أبي حنيفة رحمه الله لأن صومها مأمور بنقضه ولم يجز لأن بنفس الشروع ارتكب المنهي عنه للإعراض عن ضيافة الله تعالى فأمر بقطعه وعن أبي يوسف ومحمد عليه القضاء يعني وإن وجب الفطر وفيما ذكرنا إشارة إلى قضاء نفل الصلاة التي قطعه عند نحو الطلوع كما تقدم والله الموفق بمنه الأعظم للدين الأقوم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"قال في التجنيس" بيان للفائدة قوله: "فسأله" ظاهره ولو كان السؤال بغير يمين وكذلك قوله في الحديث لحق أخيه عام قوله: "ثواب صوم ألفي يوم" أي غير الألف السابقة قوله: "وإذا أفطر على أي حال كان" سواء كان الفطر لعذر أم لا وسواء أفسده قصدا أم لا وهذا إذا شرع قصدا فلو شرع فيه ظنا أنه عليه تذكر أنه ليس عليه شيء فأفطر فورا فلا قضاء عليه أما لو مضى ساعة لزمه القضاء لأنه يمضيها صار كأنه نوى في هذه الساعة أفاده في البحر والمراد بالساعة القطعة من الزمن وانظر ما لو تذكر أنه ليس عليه ونوى قطعه إلا أنه لم يتعاط مفطرا هل يكون شارعا ومقتضى قولهم أنه بنية الفطر لا يكون مفطرا أنه لا يعد إفطارا أو يكون مشروعا وحرره قوله: "لا خلاف بين أصحابنا" إلا في صائمة تطوعا عرض عليها الحيض ففي القضاء خلاف والأصح الوجوب قوله: "صيانة لما مضى" أي من الشروع عن البطلان فإنه لما أعقب القضاء كان غير باطل بخلاف ما إذا لم يعقبه قوله: "وعن أبي يوسف ومحمد عليه لقضاء" لأن الشروع ملزم كالنذر كالشروع في الصلاة في الأوقات المكروهة ووجه الفرق للإمام أن القضاء بالشروع يبتني على وجوب الإتمام وهو منتف لأنه بنفس الشروع يكون مرتكبا للنهي فأمر بقطعه بخلاف النذر حيث لم يصر مرتكبا للنهي بمجرد النذر لأنه التزم طاعة الله تعالى وإنما المعصية بالفعل وبخلاف الشروع في الصلاة في الأوقات المكروهة حيث لم يصر مرتكبا للنهي بمجرد الشروع ولهذا لا يحنث به إن حلف لا يصلي ما لم يسجد والشروع هو الموجب للقضاء دون الصلاة فصار كالنذر ولأنه يمكنه الأداء بذلك الشروع في الصلاة لا على وجه الكراهة بأن يمسك حتى تبيض الشمس زيلعي قوله: "وفيما ذكرنا" أي من قوله لأنه بنفس الشروع ارتكب المنهي عنه الخ فإنه لا يقال في الصلاة أنه بنفس الشروع فيها ارتكب المنهى عنه بل إنما يكون ذلك بالسجود بدليل مسئلة اليمين قوله: "عند نحو الطلوع" هو الاستواء والغروب والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/691)
باب ما يلزم الوفاء به
من منذور الصوم والصلاة وغيرهما: "إذا نذر شيئا" من القربات "لزمه الوفاء به" لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري والإجماع على وجوب الإيفاء به وبه استدل القائلون بافتراضه ونذر من باب ضرب وفي لغة قتل والمنذور يلزمه "إذا اجتمع فيه" أي المنذور "ثلاثة شروط" أحدها "أن من جنس واجب" بأصله وإن حرم ارتكابه لوصفه كصوم يوم النحر "و" الثاني "أن يكون مقصودا" لذاته لا لغيره كالوضوء "و" الثالث أن يكون "ليس واجبا" قبل نذره بإيجاب الله تعالى كالصلوات الخمس والوتر وقد زيد شرط رابع أن لا يكون المنذور محالا كقوله لله علي صوم أمس اليوم إذ لا يلزمه وكذا لو قال تلزمني اليوم أمس وكان قوله بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب ما يلزم الوفاء به الخ
إنما أخر الكلام على النذر تأخيرا لما أوجبه العبد على نفسه عما أوجبه الحق جل وعلا عليه قوله: "وغيرهما" كالعتق والإعتكاف قوله: "من القربات" خرج النذر بمعصية فلا وفاء به بل يحرم فعلها قوله: "لزمه الوفاء به" أي على طريق الوجوب على قول وقدمه صاحب التنوير في الصوم وقال الأكمل وغيره هو فرض على الأظهر وأجاب الأول عن آية وليوفوا نذورهم بأنه دخلها التخصيص كالنذر بعيادة المريض وتجديد الوضوء لكل صلاة قال الزيلعي وبمثله يثبت الوجوب لا الفرضة قوله: "والإجماع على وجوب الإيفاء به" أي في غير نذر اللجاج فإن بعض الأئمة لا يوجب الإيفاء به واللجاج واللجاجة الخصومة فمن نسب إلى الإمام أحمد رضي الله عنه القول بعدم الوجوب مطلقا فليس بمصيب وهو يحتمل أن يكون مبتدأ وما بعده خبرا أو مجرورا عطفا على لقوله قوله: "وبه" أي بالإجماع قوله: "بافتراضه" أعلم أن في وجوب الإيفاء وافتراضه عملا قولين مرجحين ومرا قوله: "وفي لغة قتل" الثمرة تظهر في المضارع قوله: "أن يكون من جنسه واجب" أي فرض كما صرح به صاحب التنوير تبعا للبحر والدرر قاله صاحب الدرقي الأيمان قوله: "لوصفه" أي العارض له وهو الأعراض عن ضيافة الله تعالى قوله: "لا لغيره" يأتي محترز ذلك قريبا قوله: "كالصلوات الخمس" انظر ما لو نذر أن يؤديها أول أوقاتها والظاهر عدم وجوب الإيفاء لأن الوجوب متحقق قبله وإن كان موسعا قوله: "وقد زيد شرط رابع" وزيد أيضا أن لا يكون ما التزمه أكثر مما يملكه أو ملكا لغيره وفي القنية نذر التصدق على الأغنياء لم يصح ما لم ينو أبناء السبيل ولو نذر التسبيحات دبر الصلوات لم تلزمه ولو نذر أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم كذا لزمه وقيل لا اهـ در قوله: "أمس اليوم" الأولى حذف اليوم قوله: "وكذا لو(1/692)
الزوال ثم فرع على ذلك بقوله "فلا يلزمه الوضوء بنذره" ولا قراءة القرآن لكن الوضوء ليس مقصودا لأنه شرع شرطا لغيره كحل الصلاة "ولا سجدة التلاوة" لأنها واجبة بإيجاب الشارع "ولا عيادة المريض" إذ ليس من جنسها واجب وإيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى إذ له الاتباع لا الابتداع وهذا في ظاهر الرواية وفي رواية عن أبي حنيفة قال إن نذر أن يعود مريضا اليوم صح نذره وإن نذر أن يعود فلانا لا يلزمه شيء لأن عيادة المريض قربة قال عليه الصلاة والسلام: "عائد المريض على مخارف الجنة حتى يرجع" وعيادة فلان بعينه لا يكون معنى القربة فيها مقصودا للناذر بل مراعاة حق فلان فلا يصح التزامه بالنذر وفي الظاهر الراوية عيادة المريض وتشييع الجنازة وإن كان فيها معنى حق الله تعالى فالمقصود حق
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال اليوم أمس" الأولى حذف أمس قوله: "فلا يلزم الخ" لم يرتب في أخذ المحترزات قوله: "ولا قراءة القرآن" كذا في كبيره وفيه أن القراءة من جنسها فرض وواجب وتقصد لذاتها وليست واجبة قبل وعلل عدم الوجوب في القهستاني بأن لزومها للصلاة لا لعينها قوله: "كحل الصلاة" أدخلت الكاف مس المصحف قوله: "ولا عيادة المريض" وكذا لا يصح بتكفين الميت والصلاة عليه لأنها من فروض الكفاية وهو فوق الواجب كذا في السيد وهو بناء منه على أن النذر واجب بالوجوب المصطلح عليه وإنما لم يصح النذر بهما لأن الناذر ممن خوطب بهما قوله: "معتبر بإيجاب الله تعالى" فما كان من جنسه عبادة أوجبها الله تعالى صح نذره وإلا لا قوله: "المريض" أي من حيث هو قوله: "على مخارف" بالفاء جمع مخرفة بوزن مرحلة البستان أفاده في القاموس أي أنه فعل ما يوصله إلى بساتين الجنة قوله: "بل مراعاة حق فلان" هو المقصود له قوله: "فلا يصح التزامه" منه يؤخذ عدم صحة النذر للأموات قال في الدر واعلم أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقربا إليهم فهو باطل وحرام اهـ قال في البحر لوجوه منها أنه نذر لمخلوق ولا يجوز لأنه عبادة والعبادة لا تكون لمخلوق ومنها أن المنذور له ميت والميت لا يملك ومنها أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى كفر اللهم إلا أن يقول يا لله إني نذرت لك أن شفيت مريضي أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة أو الفقراء الذين بباب الإمام الشافعي رضي الله عنه أو الإمام الليث أو اشترى حصرا لمساجد هم أو زيتا لوقودها أو دراهم لمن يقوم بشعائرها إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء والنذر لله عز وجل وذكر الشيخ إنما هو بيان لمحل صرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجده فيجوز بهذا الاعتبار إذ مصرف النذر الفقراء وقد وجد ولا يجوز أن يصرف ذلك إلى غنى غير محتاج إليه ولا لشريف منصب لأنه لا يحل له الأخذ ما لم يكن محتاجا فقيرا ولا لذي نسب لأجل نسبه ما لم يكن فقيرا ولا لذي علم لأجل علمه ما لم يكن فقيرا ولم يثبت في(1/693)
المريض والميت والناذر إنما يلتزم بنذره ما يكون مشروعا حقا لله تعالى مقصودا "ولا" يصح نذر "الواجبات" لأن إيجاب الواجب محال "بنذرها" لما بينا "ويصح" النذر "بالعتق" يعني الإعتاق لافتراض التحرير في الكفارات نصا "والاعتكاف" لأن من جنسه واجبا وهو القعدة الأخيرة في الصلاة فأصل المكث بهذه الصفة له نظير في الشرع والاعتكاف انتظار الصلاة فهو كالجالس في الصلاة فلذا صح نذره والحج ماشيا من قرب من مكة يلزمه ماشيا فالمشي بصفة مخصوصة له نظير في الشرع ويصح نذر العبد والمرأة الاعتكاف وللسيد والزوج المنع فيقضيانه بعد العتق والإبانة وليس للمولى منع المكاتب "و" وكذا يصح نذر "الصلاة غير المفروضة والصوم" والتصدق بالمال والذبح لظهور جنسها شرعا مثل الأضحية "فإن نذر" مكلف "نذرا" بشيء مما يصح نذره وكان "مطلقا" غير مقيد بوجود شيء كقوله لله علي أو أنذر لله علي صلاة ركعتين "أو معلقا بشرط" يريد كونه كقوله له إن رزقني
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الشرع جواز الصرف للأغنياء للإجماع على حرمة النذر للمخلوق ولا ينعقد ولا تشتغل به الذمة وأنه حرام بل سحت اهـ قوله: "ولا يصح نذر الواجبات" الأولى أن يقول ولا تلزم الواجبات وقول المصنف بعد بنذرها راجع إلى ما قبله أيضا لأنه بصدد تعداد ما لا يلزم بالنذر وإن كان عدم الصحة يفيده قوله: "لأن إيجاب الواجب محال" ولأن إيجاب العبد دون إيجاب الله تعالى فلا يظهر أثره معه كذا في الشرح قوله: "لما بينا" أي من الشروط والعلل المذكورة في كل قوله: "وهو القعدة الأخيرة في الصلاة" لأنها لبث ومنهم من جعل جنس الواجب في الاعتكاف الوقوف بعرفة أفاده السيد ومنه يعلم أن المراد من قوله أن يكون من جنسه واجب الجنسية بحسب الإطلاق أي وإن لم يتحدا صورة فإن الاعتكاف لا يلزمه الجلوس بخلاف القعدة الأخيرة قوله: "فأصل المكث" قد علمت أن الاعتكاف لا يلزمه المكث لكنه الغالب فيه اللهم إلا أن يراد به الإقامة قوله: "بهذه الصفة" أي بصفة الوجوب قوله: "والاعتكاف انتظار للصلاة" أي أن ذلك من جملة ما يقصد به كما سيأتي إن شاء الله تعالى قوله: "والحج ماشيا" بالجر عطفا على قوله بالعتق قوله: "فالمشي بصفة مخصوصة" وهو المنذور في الحج قوله: "فيقضيانه الخ" أي أو بعد الرضا منهما قوله: "وليس للمولى منع المكاتب" أي من الاعتكاف لأنه في تصرفاته كالحر قوله: "والتصدق بالمال" أي بقدر ما في يده وهو ماله كما مر قوله: "والذبح" قال في التنوير وشرحه ولو قال إن برئت من مرضي هذا ذبحت شاة أو على شاة أذبحها فبرىء لا يلزمه شيء لأن الذبح ليس من جنسه فرض بل واجب كالأضحية فلا يصح إلا ذا زاد وأتصدق بلحمها فيلزمه لأن الصدقة من جنسها فرض وهي الزكاة فتح وبحر اهـ فكلام المصنف على إطلاقه ليس مما ينبغي قوله: "لظهور جنسها" الأولى للزوم جنسها قوله: "يريد كونه" أي حصوله ووجوده قوله: "لما(1/694)
الله غلاما فعلي إطعام عشرة مساكين "ووجد" الشرط "لزمه الوفاء به" لما تلونا وروينا وأما إذا علق النذر مما لا يريد كونه كقوله إن كلمت زيدا فلله علي عتق رقبة ثم كلمه فإنه يتخير بين الوفاء بما نذره من العتق وبين كفارة يمين على الصحيح وهو المفتى به لقوله صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر كفارة اليمين" وحمل على ما ذكرناه "وصح نذر صوم" يومي "العيدين وأيام التشريق" لأن النهي عن صومها يحقق تصور الصوم منهيا ضرورة والنهي لغيره لا ينافي المشروعية فصح نذره "في المختار" وفي رواية لا يصح لأنه نذر بمعصية قلنا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تلونا" أي من الآية قوله: "وروينا" أي من الحديث وقد ذكرهما أول الباب قوله: "لقوله صلى الله عليه وسلم الخ" ولأنه نذر بظاهره يمين بمعناه لأن مراده المنع فيخير ضرورة قال في البحر بعد نقله اعلم أن هذا التفصيل وإن كان قول المحققين ليس له أصل في الرواية لأن المذكور في ظاهر الرواية لزوم الوفاء بالمنذور منجزا أو معلقا في رواية النوادر يتخير فيهما بين كفارة اليمين وبين الوفاء قال في الخلاصة وبه يفتي فتحصل أن الفتوى على التخيير مطلقا كذا بخط بعض الفضلاء نقله أبو السعود في حاشية الأشباه وأفاد قبله أن التخيير بالنسبة لما لو كان يحج أو صوم أو صدقة يعني أما إذا كان بنحو تعليق طلاق وعتق وإيلاء فيقع المعلق فقط ولا تخيير قوله: "وحمل على ما ذكرناه" أي من النذر المعلق على شرط لا يريد كونه قوله: "يحقق تصور الصوم منهيا ضرورة" وذلك لأنه إذا كان المنهي عنه لا يتصور من الشخص لا يكون للنهي عنه وجه لأنه ليس في مقدوره فلا يقال للمجبوب لا تزن ولا للأعمى لا تبصر لعدم تأتي الفعل المنهي عنه منهما قوله: "والنهي لغيره" النهي مصدر بمعنى اسم المفعول ومصدوقه هنا الصوم في هذه الأيام ومصدوق الغير الأعراض عن الضيافة والمعنى والمنهي عنه لغيره أي لا لذاته لا ينافي مشروعية ذلك المنهي قوله: "لا ينافي المشروعية" أي لا يمنع الصحة كالبيع عند الأذان الأول يوم الجمعة فإنه منهي عنه للإخلال بالسعي ومع ذلك إذا عقده يكون صحيحا وليس المراد بالمشروعية أنه مطلوب شرعا فإن الصوم هنا منهي عنه ولا يلزم من صحة النذر كونه عبادة يثاب عليها فإنه يصح بالعتق وهو ليس بعبادة وضعا بدليل صحته من الكافر والمشترط في صحة النذر كونه بغير معصية ولا يلزمه الثواب ويحتمل أن المراد بالمشروعية كونه مطلوبا شرعا فيثاب عليه ويكون صوم هذه الأيام له جهتان جهة امتثال الأمر في قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وهو من هذه الحيثية عبادة يثاب عليها وجهة إيقاعه في هذه الأيام اللازم منه الأعراض وهو من هذه الحيثية يكون حراما ونظيره الصلاة في الأرض المغصوبة وقد تقدم لصاحب النهر ما يفيد ذلك وقول الشرح بعد قلنا المعصية لمعنى الأعراض عن ضيافة الله تعالى فلا يمنع الصحة يرشد إلى المعنى الأول قوله: "فصح نذره" أي نذر الصوم في هذه الأيام وهو مصدر مضاف إلى مفعوله قوله: "وفي رواية" هي رواية ابن المبارك عن الإمام وبها قال زفر قوله:(1/695)
المعصية لمعنى الإعراض عن ضيافة الله تعالى فلا يمنع الصحة من حيث ذاته "و" لذلك "يجب فطرها" امتثالا للأمر لئلا يصير بصومها معرضا عن ضيافة الكريم "و" يجب "قضاؤها" لصحة النذر باعتبار الأصل "وإن صامها أجزأه" الصيام عن النذر "مع الحرمة" الحاصلة بالإعراض عن ضيافة الله تعالى "وألغينا تعيين الزمان و" تعيين "المكان و" تعيين "الدرهم و" تعيين "الفقير" لأن النذر إيجاب الفعل في الذمة من حيث هو قربة لا باعتبار وقوعه في زمان ومكان وفقير وتعيينه للتقدير به أو التأجيل إليه "فيجزئه صوم" شهر "رجب عن نذره صوم شعبان" لوجود السبب وهو النذر والقربة لقهر النفس لا بوقوعه في شهر بعينه وفي تعجيله نفع له بتحصيل ثواب قد يفوت بموته أو طروء مانع قبل مجيء الوقت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"لا يصح لأنه نذر بمعصية" التفت في هذه الرواية إلى العارض الذي أوجب النهي والتفت في ظاهر الرواية إلى أصله فحكم بالصحة قوله: "لمعنى الأعراض" الإضافة للبيان قوله: "ولذلك" أي لكون صومها معصية لمعنى الأعراض الخ قوله: "امتثالا للأمر" أي المأخوذ من النهي فإن النهي عن الشيء أمر بضده على ما فيه من الخلاف وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامين صوم يوم الأضحى وصوم يوم الفطر كما في الصحيح وفي معجم الطبراني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل أيام منى صائحا يصيح أن لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال أي وقاع للنساء قوله: "لئلا يصير بصومها الخ" علة لوجوب الإفطار ويستغنى عنه بقوله ولذلك قوله: "عن ضيافة الكريم" أي ولا عذر لمن تأخر عنها بخلاف ضيافة البخيل فإنه قد يتأبى عنها لأن طعام البخيل داء قوله: "أجزأه مع الحرمة" انظر هل يثاب على صومها فيكون للفعل جهتان أو لا يثاب أصلا نظرا للعارض وقد تقدم ما فيه ولا فرق في الحكم المذكور بين أن يصرح بذكر المنهي بأن قال نذرت صوم النحر أولا كأنه قال على صوم غد فوافق يوم النحر ولو نذر صوم الأضحى وأفطر وقضى صح زاهدي ولو صام فيها عن واجب آخر كالقضاء والكفارة لم يصح لأن ما في الذمة كامل أداه ناقصا نقله السيد قوله: "وألغينا تعيين الزمان الخ" قال في التنوير وشرحه والنذر من اعتكاف أو حج أو صلاة أو صيام أو غيرهما غير المعلق ولو معينا لا يختص بزمان ومكان ودرهم وفقير فلو نذر التصدق يوم الجمعة بمكة بهذا الدرهم على فلان فخالف جاز وكذا لو عجل قبله فلو عين شهرا للإعتكاف أو للصوم فعجل قبله عنه صح وكذا لو نذر أن يحج سنة كذا فحج سنة قبلها صح أو صلاة يوم كذا فصلاها قبله لأنه تعجيل وجود السبب وهو النذر فيلغو التعيين شرنبلالية فليحفظ بخلاف النذر المعلق فإنه لا يجوز تعجيله قبل وجود الشرط قوله: "في الذمة" متعلق بإيجاب قوله: "وتعيينه" أي الزمان ويقاس عليه باقيها قوله: "فيجيزيه صوم شهر رجب الخ" ذكر صورة التقديم ولم يذكر صورة التأخير والظاهر أنه كذلك لعدم التعيين أو لا إثم قوله: "أو طرو مانع" كمرض وكبر سن قوله: "وإن كان(1/696)
وإن كان بإضافته قصد التخفيف حتى لو مات قبل مجيء ذلك الوقت لا يلزمه شيء فأعطيناه مقصوده "وتجزئ صلاة ركعتين" فأكثر إذا صلى المنذور "بمصر" مثلا وقد كان "نذر أدائهما" أي صلاتهما "بمكة" أو المسجد النبوي أو الأقصى لأن الصحة باعتبار القربة لا المكان لأن الصلاة تعظيم الله تعالى بجميع البدن وفي هذا المعنى الأمكنة كلها سواء وإن تفاوت الفضل "و" يجزئه "التصدق بدرهم" لم يعينه له "عن درهم عينه له" أي للتصدق المنذر "و" يجزئه "الصرف لزيد الفقير بنذره" أي مع نذره الصرف "لعمرو" لأن معنى عبادة الصدقة صلى خلة المحتاج أو إخراج ما يجري به الشح عن ملكه ابتغاء وجه الله وهذا المعنى حاصل بدون مراعاة زمان ومكان وشخص خلافا لزفر فاته يقول بالتعيين.
"تنبيه" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجدي هذا وصلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في بيت المقدس وصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي هذا" قلت ولا يختص الفضل بالبقعة التي كانت في زمنه صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا ولو مد إلى صنعاء بألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام" قاله النسائي في أخبار المدينة كذا في ترتيب المقاصد الحسنة للسخاوي رحمه الله وروى البزار بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإنه يزيد مائة ألف صلاة" وفي حديث "وشهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام" رواه البيهقي وهذا دليل لأهل السنة والجماعة أن لبعض الأمكنة فضيلة على بعض وكذا الأزمنة ولما
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بإضافته قصد التخفيف" أي فيعتبر قصده من حيث التخفيف وإن كان لو قدم صح قوله: "أو إخراج ما يجري به الشح" وهو الأموال قوله: "تعدل ألف صلاة في بيت المقدس" فهي بألف ألف صلاة في بقية المساجد قوله: "بألف صلاة فيما سواه" يعم بيت المقدس قوله: "كذا في ترتيب المقاصد الحسنة" قال فيه بعد أن ذكر هذا الحديث وأحاديث أخر دالة على أن الفضيلة تحصل في الزائد ما نصه وبالجملة ليس فيها ما تقوم به الحجة بل ولا تقوم بمجموعها ولذا صحح النووي اختصاص التضعيف بمسجده الشريف عملا بالإشارة في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام قوله: "صلاة في مسجدي هذا" ظاهره يعم النفل والمسئلة خلافية قوله: "فإنه يزيد عليه" أي فإن الصلاة في المسجد الحرام تزيد على الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بمائة ألف صلاة منضمة إلى الألف التي بسبب الصلاة فيه قوله: "أن لبعض الأمكنة فضيلة" أي من حيث ترتب كثرة الثواب على العمل فيها(1/697)
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل صلاة المرأة فقال: "في أشد مكان من بيتها ظلمة" فعلى هذا ينبغي أنها إذا التزمت الصلاة في المسجد الحرام بالنذر فصلت في أشد مكان من بيتها ظلمة تخرج عن موجب نذرها على ما يقول زفر رحمه الله "وإن علق" الناذر "النذر بشرط" كقوله إن قدم زيد فلله علي أن أتصدق بكذا "لا يجزئه عنه ما فعله قبل وجود شرطه" لأن المعلق بالشرط عدم قبول وجوده وإنما يجوز الأداء بعد وجود السبب الذي علق النذر به والله المنان بفضله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "فعلى هذا الخ" لا يظهر إلا في النذر المعلق أما غير المعلق لا يختص بمكان كما قدمه قريبا قوله: "عن موجب" بفتح الجيم قوله: "على ما يقوله زفر" أما على قول غيره فتخرج عنه بصلاتها في أي مكان كان وفيه أن زفر يقول بالتعيين من غير نظر لكثرة الثواب كما هو المتبادر عنه قوله: "لا يجزيه عنه ما فعله قبل وجود شرطه" بقي ما لو وجد الشرط هل يتعين الزمان والمكان والفقير والدرهم والظاهر نعملها في التنوير ثم إن علقه بشرط يريده كان قدم غاثبي يوفي إن وجد اهـ فإنه لا يكون موفيا إلا إذا كان على الوجه المذكور في نذره.
تتمة: النذر لا يدخل تحت الحكم ولو بعتق رقبة في ملكة نذر أن يذبح ولده فعليه شاة لقصة الخليل عليه السلام نذر أن يتصدق بعشرة دراهم من الخبز فتصدق بغيره جاز إن ساوى العشرة كتصدقه بثمنه قال على نذر ولم يزد عليه ولا نية له فعليه كفارة يمين فإن وصل به المشيئة بطل لأنها تبطل كل ما تعلق بالقول عبادة أو معاملة قال إن ذهبت هذه العلة فعلى كذا فذهبت ثم عادت لا يلزمه شيء اهـ من التنوير وشرحه من الإيمان وفيهما من عوارض الصوم واعلم أن صيغة النذر تحتمل اليمين فلذا كانت ست صور ذكرها بقوله فإن لم ينو بنذره الصوم شيئا أو نوى النذر فقط أي من غير تعرض لليمين أو نوى النذر ونوى أن لا يكون يمينا كان في هذه الصور نذرا فقط إجماعا عملا بالصيغة وإن نوى اليمين وأن لا يكون نذرا كان يمينا إجماعا وعليه كفارة يمين أن أفطر وإن نواهما أو نوى اليمين من غير تعرض للنذر كان نذرا ويمينا حتى لو أفطر يجب القضاء للنذر والكفارة لليمين عملا بعموم المجاز خلافا للثاني والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/698)
باب الاعتكاف
هو لغة اللبث والدوام على شيء وهو متعد فمصدره العكف ولازم فمصدره.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب الاعتكاف
وجه المناسبة للصوم والتأخير عنه اشتراط الصوم في بعضه والطلب الأكيد في العشر الأخير من رمضان وهو من الشرائع القديمة لقوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ}(1/698)
العكوف فالمتعدي بمعنى الحبس والمنع ومنه قوله تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً} ومنه الاعتكاف في المسجد لأنه حبس النقص ومنعها واللازم الإقبال على شيء بطريق المواظبة ومنه قوله تعالى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} وشرعا "هو الإقامة بنيته" أي بنية الاعتكاف "في مسجد تقام فيه الجماعة بالفعل للصلوات الخمس" لقول علي وحذيفة رضي الله عنهما لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ولأنه انتظار الصلاة على أكمل الوجوه بالجماعة "فلا يصح في مسجد لا تقام فيه الجماعة لصلاة" في الأوقات الخمس "على المختار" عن أبي يوسف الاعتكاف الواجب لا يجوز في غير مسجد الجماعة والنقل يجوز وهذا في حق الرجال "وللمرأة الاعتكاف في مسجد بيتها وهو محل عينته" المرأة "للصلاة فيه" فإن لم تعين لها
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الحج: 125] قاله السيد قوله: "هو لغة اللبث" بفتح اللام وتضم المكث اهـ در قوله: "وهو" أي الاعتكاف في حد ذاته لا بالمعنى المتقدم لأنه به يناسب اللازم والمعنى أن فعله يأتي لازما ومتعديا قوله: "متعد" فيكون من باب ضرب ولازم فيكون من باب طلب ذكره السيد قوله: "والهدى معكوفا" أي محبوسا أي حبسه ومنعه الكفار سنة ست في الحديبية عن أن يبلغ محله وهو الحرم قوله: "لأنه حبس النفس" أي على طاعة الله تعالى وملازمة بيته وقوله ومنعها أي عن الخروج عن المسجد وعن المعاصي قوله: "وشرعا هو الإقامة" هذا معنى اللازم وقد جعل الاعتكاف في المسجد من المتعدى والظاهر أنه إن اعتبر فيه حبس النفس يأتي من المتعدى وإن اعتبر فيه اللبث والإقامة يكون من اللازم قوله: "بنية" سيأتي أن النية شرطه فلا يحصل له ثوابه ولا يخرج عن واجبه بدونها قوله: "بالفعل" ظاهره ولو بكون المقيم لها المعتكف وعبارة التنوير مع شرحه هو لبث ذكر في مسجد هو ماله إمام ومؤذن أديت الخمس فيه أولا وعن الإمام اشتراط أداء الخمس فيه وصححه بعضهم وقال لا يصح في كل مسجد وصححه السروجي وأما الجامع فيصح فيه مطلقا اتفاقا اهـ فما ذكره المؤلف أحد قولين عن الإمام قوله: "ولأنه انتظار الصلاة الخ" أي فيختص بمكان يصلي فيه بالجماعة كذا في الشرح قوله: "على أكمل الوجوه" متعلق بمحذوف صفة الصلاة وقوله بالجماعة تصوير لأكمل الوجوه قوله: "على المختار" هذا مذهب الإمام وقالا يصح في كل مسجد وصححه السروجي قوله: "وعن أبي يوسف الخ" وجهه ظاهر فإن الواجب لا بد فيه من إقامة الصلاة في المسجد فاشتراط الجماعة له وجه وأما النفل فينتهي بالخروج ولا يلزمه صلاة في المسجد فلا وجه لاشتراط الجماعة فيه قوله: "وللمرأة الأعتكاف في مسجد بيتها" ولا تخرج منه إذا اعتكفت فلو خرجت لغير عذر يفسد واجبه وينتهي نفله ولو اعتكفت في المسجد فظاهر ما في النهاية أنه يكره تنزيها وينبغي على قياس ما صرحوا به من أن المختار منعهن من الخروج في الصلوات كلها أن لا يتردد في منعهن من الاعتكاف في المسجد قاله السيد(1/699)
محلا لا يصح لها الاعتكاف فيها وهي ممنوعة من حضور المساجد والركن اللبث وشرط المسجد المخصوص والنية والصوم في المنذور والإسلام والعقل لا البلوغ والطهارة من حيض ونفاس في المنذور لا اشتراط الصوم لها ولا تشترط الطهارة من الجنابة لصحة الصوم معها ولو في المنذور وسببه النذر في المنذور والنشاط الداعي إلى طلب الثواب في النفل وحكمه سقوط الواجب ونيل الثواب إن كان واجبا وإلا فالثاني سنذكر محاسنه. وأما صفته فقد بينها بقوله "والاعتكاف" المطلوب شرعا "على ثلاثة أقسام واجب في المنذور" تنجيزا أو تعليقا "وسنة" كفاية "مؤكدة في العشر الأخير من رمضان" لا اعتكافه صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه بعده لأنه صلى الله عليه وسلم لما اعتكف العشر الأوسط أتاه جبريل عليه السلام فقال: "إن الذي تطلب أمامك" يعني ليلة القدر فاعتكف العشر الأخير وعلى هذا ذهب الأكثر إلى أن ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان فمنهم من قال في ليلة إحدى وعشرين ومنهم في سبع وعشرين وفي الصحيح "التمسوها في العشر الأواخر" والتمسوها في كل وتر وعن أبي حنيفة أنها في رمضان ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: أفضل الاعتكاف ما كان في المسجد الحرام ثم في مسجده صلى الله عليه وسلم ثم في المسجد الأقصى ثم في الجامع نهر واعلم أن المسجد يتعين بالشروع فيه فليس له أن ينتقل إلى مسجد آخر من غير عذر سيد عن الحموي قوله: "وهي ممنوعة عن حضور المساجد" يؤيد ما ذكره السيد سابقا قوله: "المسجد المخصوص" وهو ما تقام فيه الجماعات عند الإمام قوله: "لا البلوغ فيصح اعتكاف الصبي العاقل ولا تشترط الحرية فيصح من العبد وكذا المرأة بإذن الزوج والمولى منح ولو أذن لها لم يكن له الرجوع لكونه ملكها منافع الاستمتاع بنفسها وهي من أهل الملك بخلاف المملوك لأنه ليس من أهله وقد أعاره منافعه وللمعير الرجوع لكنه يكره لخلف الوعد بحر وكذا لو أذن لها في صوم شهر بعينه وصامت فيه متتابعا ليس له منعها لأنه أذن لها في التتابع كذا في كتابة الدر قوله: "والطهارة الخ" عطف على قوله المسجد المخصوص فهي شرط صحة وأما النفل بناء على أنه لا يشترط له الصوم وهو المعتمد فهي شرط الحل كما نبه عليه صاحب النهر قوله: "ولا تشترط الطهارة من الجنابة" أي لصحته بل لحله قوله: "تنجيزا" كقوله لله على أن اعتكف كذا قوله: "أو تعليقا" كقوله إن شفي الله مريضي فلانا لاعتكفن كذا قوله: "وسنة كفاية" قال الزاهدي عجبا للناس كيف تركوا الإعتكاف وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشيء ويتركه ولم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن مات فهذه المواظبة المقرونة بعدم الترك مرة لما اقترنت بعدم الإنكار على من لم يفعله من الصحابة كانت دليل السنية أي على الكفاية وإلا كانت دليل الوجوب على الأعيان قوله: "لأنه صلى الله عليه وسلم" علة للعلة قوله: "وعن هذا" أي عن قول جبريل أي لأجله قوله: "وعن أبي حنيفة" رضي الله عنه أي في غير المشهور عنه.(1/700)
يدري أي ليلة هي وقد تتقدم وقد تتأخر وعندهما كذلك إلا أنه معينة لا تتقدم ولا تتأخر والمشهور عن الإمام أنها تدور في السنة كما قدمناه في إحياء الليالي وذكرت هنا طلبا لزيادة الثواب وقيل في أول ليلة من رمضان وقيل ليلة تسع وعشرين وقال زيد بن ثابت ليلة أربع وعشرين وقال عكرمة ليلة خمس وعشرين. وأجاب أبو حنيفة عن الأدلة المفيدة لكونها في العشر الأواخر بأن المراد في ذلك لرمضان الذي التمسها عليه السلام فيه ومن علامتها أنها بلجة ساكنة لا حارة ولا قارة تطلع الشمس صبيحتها بلا شعاع كأنها طشت وإنما أخفيت ليجتهد في طلبها فينال بذلك أجر المجتهد في العبادة كما أخفى الله سبحانه وتعالى الساعة ليكونوا على وجل من قيامها بغتة والله سبحانه وتعالى أعلم "و" القسم الثالث "مستحب فيما سواه" أي في أي وقت شاء سوى العشر الأخير ولم يكن منذورا "والصوم شرط لصحة" الاعتكاف "المنذور" ولا نذر لأنه من متعلقات اللسان
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وعندهما كذلك" أي في رمضان وفائدة الخلاف لو قال لعبده أنت حر ليلة القدر وكان أول ليلة من رمضان فلا يعتق عنده حتى يمضي رمضان الآتي كله لاحتمال أنها في رمضان السابق كانت أول ليلة منه وفي الثاني في آخره وعندهما يعتق بمضي ليلة من رمضان الآتي لأنها إن كانت في الأولى دائما فقد جاءت وإن كانت في غيرها من الليالي بعدها فقد حصلها برمضان السابق قوله: "والمشهور عن الإمام" وقد روى عن غيره أيضا قال في المحيط والفتوى على قول الإمام لكن قيده بكون الحالف فقيها يعرف الاختلاف وإلا فهي ليلة السابع والعشرين اهـ در قوله: "وذكرت هنا" أي وإنما ذكرتها هنا مع تقدم الكلام عليها في إحياء الليالي طلبا للثواب أي لأجل طلبي الثواب بسبب التنبيه عليها بالإعادة قوله: "في ذلك الرمضان" أل للحضور أي رمضان الحاضر الذي أمر جبريل فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يلتمسها في عشرة الأخير قوله: "أنها بلجة" أي مشرقة منيرة وفي القاموس رجل بلج طلق الوجه بسكون اللام والظاهر أن بلجة هنا بالسكون لا بالكسر قوله: "ولا قارة أي باردة بل متوسطة قوله: "تطلع الشمس الخ" ذكروا أن الدعاء ليلتها ويومها مستجاب فإن فاته ليلتها أدركه يومها قوله: "كأنها طشت" بالشين المعجمة والسين بفتح الطاء وكسرها فيهما وقد تبدل التاء سينا وتدغم في السين المهملة مع فتح الطاء وكسرها فهي ست لغات قوله: "وإنما أخفيت الخ" كما أخفيت ساعة الإجابة يوم الجمعة ليجتهد في جميعه بالعبادة وكما أخفي الولي في الخلق ليحسن الظن بكل مسلم ويتبرك به قوله: "ليجتهد" بالبناء للفاعل أي المكلف مثلا لقوله بعد فينال قوله: "سوى العشر الأخير" أي من رمضان فإنه فيه سنة وهو على حذف أي تفسير للضمير في سواه قوله: "والصوم شرط لصحة الاعتكاف المنذور" فلو قال لله علي أن اعتكف شهرا بغير صوم عليه أن يعتكف ويصوم بحر قوله: "لأنه من متعلقات(1/701)
بخلاف النية فإن محلها القلب "فقط" وليس شرطا في النفل لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" ومبنى النفل على المساهلة وروى الحسن أنه يلزمه الصوم بتقديره عليها باليوم كالمنذور أقله يوما للصوم "و" لكن المعتمد أن "أقله نفلا مدة يسيرة" غير محدودة فيحصل بمجرد المكث مع النية "ولو كان" الذي نواه "ماشيا" أي مارا غير جالس في المسجد ولو ليلا وهو حيلة من أراد الدخول والخروج من باب آخر في المسجد حتى لا يجعله طريقا فإنه لا يجوز "على المفتى به" لأنه متبرع وليس الصوم من شرطه وكل جزء من اللبث عبادة مع النية بلا انضمام إلى آخر ولذا لم يلزم النفل فيه بالشروع لانتهائه بالخروج "ولا يخرج منه" أي من معتكفه فيشمل المرأة المعتكفة بمسجد بيتها "إلا لحاجة شرعية" كالجمعة والعيدين فيخرج في وقت يمكنه إدراكها مع صلاة سنتها قبلها ثم يعود وإن أتم اعتكافه في الجامع صح وكره "أو" حاجة "طبيعية" كالبول والغائط وإزالة نجاسة واغتسال من جنابة باحتلام لأنه عليه السلام كان لا يخرج من معتكفه إلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللسان" بكسر اللام أي لأن النظر مما يتعلق باللسان أي بنطقه فلا يتحقق إلا به قوله: "إلا أن يجعله الخ" أي يوجبه بالنذر قوله: "لتقديره" أي النفل قوله: "عليها" أي على رواية الحسن المأخوذة من روى قوله: "غير محدودة" دفع بذلك توهم الساعة الفلكية قوله: "أي مارا غير جالس الخ" لأنه لا بد فيه من لبث ولو قليلا بين الخطوات قوله: "وهو" أي الاعتكاف بنيته حيلة الخ قوله: "فإنه لا يجوز" أي جعله طريقا قوله: "لأنه متبرع" علة لقول المصنف أقله نفلا مدة يسيرة قوله: "والعيدين" فيه أن العيدين يكره صومهما تحريما وأجيب بأن الواجب عليه عدم الصوم فيقضيه في غيرهما ولكنه لو صام خرج عن العهدة فإذا خرج حينئذ لعذر لا يفسد قوله: "فيخرج في وقت يمكنه إدراكها مع صلاة سنتها قبلها" يحكم في ذلك رأيه ويسنن بعدها أربعا أو ستا على الخلاف در قوله: "وكره" فالرجوع إلى الأول أفضل لأن الإتمام في محل واحد أشق على النفس نهر أي فالثواب فيه أكثر وتبعه الحموي وفيه مخالفة لما قدمه عن البرجندي من أن المسجد يتعين بالشروع فيه فليس له أن ينتقل إلى مسجد آخر من غير عذر اهـ إلا أن يقال خروجه لصلاة الجمعة هو العذر المبيح للإنتقال إلى غيره كذا في حاشية السيد قوله: "أو حاجة طبيعية" أي يدعو إليها طبع الإنسان ولو ذهب بعد أن خرج إليها لعيادة مريض أو صلاة جنازة من غير أن يكون لذلك قصدا جاز بخلاف ما إذا خرج لحاجة الإنسان ومكث بعد فراغه فإنه ينتقض اعتكافه عند الإمام بحر "واغتسال من جنابة باحتلام" أما جناية الوطء فمفسدة وفيه أن الغسل من الحوائج الشرعية ولعل عدم إياه من الطبيعية باعتبار سببه كذا في كتابة الدرر وفي التتارخانية عن الحجة لو شرط وقت النذر أن يخرج لعيادة المريض وصلاة الجنازة وحضور مجلس علم جاز ذلك فليحفظ اهـ در.(1/702)
لحاجة الإنسان "أو" حاجة "ضرورية كانهدام المسجد" وأداء شهادة تعينت عليه "وإخراج ظالم كرها وتفرق أهله" لفوات ما هو المقصود منه "وخوف على نفسه أو متاعه من المكابرين فيدخل مسجدا من ساعته" يريد أن لا يكون خروجه إلا ليعتكف في غيره ولا يشتغل إلا بالذهاب إلى المسجد الآخر "فإن خرج ساعة بلا عذر" معتبر "فسد الواجب" ولا إثم به ويبطل بالإغماء والجنون إذا دام أياما إلا اليوم الأول إذا بقي وأتمه في المسجد ويقضي ما عداه بعد زوال الجنون وإن طال الجنون استحسانا وقالا إن خرج أكثر اليوم فسد وإلا فلا "وانتهى به" أي بالخروج "غيره" أي غير الواجب وهو النفل إذ ليس له حد "وأكل المعتكف وشربه ونومه وعقده البيع لما يحتاجه لنفسه أو عياله"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "أو حاجة ضرورية الخ" قال السيد في شرحه اعلم أن ما ذكره المصنف من عدم فساد الاعتكاف بالخروج لأجل انهدام المسجد وما بعده من الأعذار التي ذكرها هو مذهب الصاحبين وأما عند الإمام فيفسد لأن العذر في هذه المسائل مما لا يغلب وقوعه اهـ وفي الدر المختار وأما ما لا يغلب كإنجاء غريق وانهدام مسجد فمسقط للإثم لا للبطلان وإلا لكان النسيان أولى بعدم الفساد كما حققه الكمال خلافا لما فصله الزيلعي وغيره لكن في النهر وغيره جعل عدم الفساد لانهدامه وبطلان جماعته وإخراجه كرها استحسانا اهـ قوله: "وأداء شهادة تعينت عليه" فيه أن هذا من الحوائج الشرعية قوله: "لفوات ما هو المقصود منه" علة لعدم الفساد في هذه المسائل يعني إنما لم يفسد اعتكافه بل يخرج إلى غيره لأن المقصود للمعتكف وهو أداء الصلاة في ذلك المسجد على أكمل الوجوه قد فات قوله: "من المكابرين" أي المتجبرين من الكبر بمعنى التجبر قوله: "يريد أن لا يكون الخ" أي وليس المراد إرادة الساعة حقيقة لاحتمال بعد المسافة بين المسجدين قوله: "بلا عذر معتبر" أي في عدم الفساد فلو خرج لجنازة محرمة أو زوجته فسد لأنه وإن كان عذرا إلا أنه لم يعتبر في عدم الفساد قوله: "ولا إثم عليه به" أي بالعذر أي وأما بغير العذر فيأثم لقوله تعالى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] قوله: "إذا دام" أي كل منهما قوله: "وأتمه في المسجد" أما إذا خرج منه فعليه قضاؤه أيضا لعدم وجود الركن قوله: "ويقضي ما عداه بعد زوال الخ" أي بالصوم عند القدرة جبرا لما فاته غير أن المنذور إن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال كما في صوم رمضان وإن كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال لأنه لزمه متتابعا فيراعي فيه صفة التتابع وتمامه في البحر قوله: "وقالا أن خرج أكثر اليوم الخ" قالوا: وهو الاستحسان فيقتضي ترجيح قولهما بحر وبحث فيه الكمال ورجح قوله لأن الضرورة التي يناط بها التخفيف اللازمة والغالبة وليس هنا كذلك اهـ أي فيكون من المواضع التي يعمل فيها بالقياس كذا في تحفة الأخيار قوله: "وأكل المعتكف الخ" وله غسل رأسه في المسجد إذا لم يلوثه بالماء المستعمل فإن كان بحيث يتلوث يمنع منه لأن(1/703)
لا يكون إلا "في المسجد" لضرورة الاعتكاف حتى لو خرج لهذه الأشياء يفسد اعتكافه وفي الظهيرية وقيل يخرج بعد الغروب للأكل والشرب "وكره إحضار المبيع فيه" لأن المسجد محرر عن حقوق العباد فلا يجعله كالدكان "وكره عقد ما كان للتجارة" لأنه منقطعا إلى الله تعالى فلا يشتغل بأمور الدنيا ولهذا كره الخياطة ونحوها فيه وكره لغير المعتكف البيع مطلقا "وكره الصمت إن اعتقده قربة والتكلم إلا بخير" لأنه منهي عنه لأنه صوم أهل الكتاب وقد نسخ وأما إذا لم يعتقده قربة فيه ولكنه حفظ لسانه عن النطق بما لا يفيد فلا بأس به ولكنه يلازم قراءة القرآن والذكر والحديث والعلم ودراسته وسير النبي صلى الله عليه وسلم وقصص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنظيف المسجد واجب ولو توضأ في المسجد في إناء فهو على هذا التفصيل اهـ بخلاف غير المعتكف فإنه يكره له التوضؤ في المسجد ولو في إناء إلا أن يكون في موضع أعد لذلك لا يصلي فيه وفي الفتح خصال لا تنبغي في المسجد لا يتخذ طريقا ولا يشهر فيه سلاح ولا يقبض فيه بقوس ولا ينثر فيه نبل ولا يمر فيه بلحم نيء ولا يضرب فيه حد ولا يتخذ سوقا رواه ابن ماجه في السنن عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "يفسد اعتكافه" لعدم الضرورة در وقيدت هذه الأشياء بالمعتكف لأن غيره يكره له المبايعة فيه مطلقا والأكل والنوم قيل إلا لغريب كما في الأشباه وفي المجتبى ولغير المعتكف أن ينام في المسجد مقيما كان أو غريبا مضطجعا أو متكئا رجلاه إلى القبلة أو إلى غيرها فالمعتكف أولى اهـ لكن قوله رجلاه إلى القبلة محل نظر لما نصوا عليه من كراهة مد الرجل إليها فالحاصل أن في تعاطي هذه الأشياء في المسجد لغير المعتكف قولين والحمد لله الذي جعل دين الإسلام سهلا لا حرج فيه قوله: "وقيل يخرج بعد الغروب للأكل والشرب" قال في البحر ينبغي حمله على ما إذا لم يجد من يأتي له به فحينئذ يكون من الحوائج الضرورية اهـ قوله: "وكره إحضار المبيع فيه" أي تحريما لأنها محل إطلاقهم بحر قوله: "لأن المسجد محرر" أي مخلص وفي نسخة بالزاي آخره أي محفوظ لأن فيه شغله ولهذا قالوا: لا يجوز غرس الأشجار فيه قلت والظاهر أنه لا يكره إحضار المأكول لأنه يتناوله فيه ومثله المشروب فتحمل الكراهة على ما لا يحتاجه لنفسه فيه وفي الحموي عن البرجندي إحضار الثمن أو المبيع الذي لا يشغل في المسجد جائز قوله: "وكره عقد ما كان للتجارة" وإن لم يحضر المبيع فيه قوله: "ولهذا كره الخياطة ونحوها" كبيع وشراء وتعليم كتابة بأجر وكل شيء يكره فيه يكره في سطحه كذا في البحر قوله: "مطلقا" أي سواء حضر المبيع أم لا احتاج إليه أم لا كان للتجارة أم لا كما يفاد من البحر قوله: "وكره الصمت الخ" سئل الإمام عن بيانه فقال أن يصوم ولا يكلم أحدا ولم يبق صوم الصمت قربة في شريعتنا فإنه منهى عنه قوله: "فلا بأس به" المراد به أنه مطلوب شرعا ولما كان يتوهم منه أنه مساو لغيره من القراءة ونحوها قال ولكنه يلازم والمراد أن يكون يلازم ذلك غالب أوقاته قوله: "والذكر" هو وما(1/704)
الأنبياء عليهم السلام وحكايات الصالحين وكتابه أمور الدين. وأما التكلم بغير خير فلا يجوز لغير المعتكف والكلام المباح مكروه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب إذا جلس في المسجد لذلك ابتداء "وحرم الوطء ودواعيه" لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فالتحق به اللمس والقبلة لأن الجماع محظور فيه فيتعدى إلى دواعيه كما في الإحرام والظهار والاستبراء بخلاف الصوم لأن الكف عن الجماع هو الركن فيه والحظر يثبت ضمنا كيلا يفوت الركن فلم يتعد إلى دواعيه لأن ما ثبت بالضرورة يقدر بقدرها "وبطل" الاعتكاف "بوطئه وبالإنزال بدواعيه" سواء كان عامدا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بعده بالنصب قوله: "وسير النبي صلى الله عليه وسلم" أي ذكر مغازيه وأحواله صلى الله عليه وسلم قوله: "وأما التكلم بغير خير فلا يجوز لغير المعتكف" أي فالمعتكف أولى ورد في الحديث رحم الله أمر أتكلم فغنم أو سكت فسلم فيكره التكلم إلا بخير قال في النهر والظاهر أن المباح عند الحاجة إليه خير لا عند عدمها اهـ قوله: "إذا جلس في المسجد لذلك" أي للكلام المباح ابتداء أي قصدا فأما إذا دخل للصلاة ثم تكلم فلا وبعضهم أطلق قوله: "وحرم الوطء" ورد أنهم كانوا يخرجون ويقضون حاجتهم في الجماع ثم يغتسلون ويرجعون إلى معتكفهم فنزل قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] الآية ويتصور الوطء من المعتكف بأن يخرج لنحو حاجة ضرورية فيجامع فيحرم عليه لأن اسم المعتكف لا يزول عنه بذلك الخروج وليس المراد حرمة الوطء لكونها في المسجد فإنها لا تخص المعتكف ويحتمل أن تكون الزوجة معتكفة في بيتها لا الزوج فيمكن الوطء في غير المسجد وحينئذ يبطل اعتكاف الزوجة حموي عن البرجندي قوله: "فالتحق به اللمس والقبلة" وجه ذلك أن حرمة الوطء لما ثبتت بصريح النص قويت فتعدت إلى الدواعي بخلاف الحيض والصوم حيث لا تحرم الدواعي فيهما لأن حرمة الوطء لم تثبت بصريح النهي ولكثرة الوقوع فلو حرمت الدواعي لزم الحرج وهو مدفوع قوله: "لأن الجماع محظور فيه" أي نصا والأولى زيادته والضمير في فيه إلى الاعتكاف وقوله فيتعدى إلى دواعيه لأنها سببه وسبب المحرم محرم قوله: "والحظر" أي المنع عن الجماع يثبت ضمنا أي لزوما واندراجا لتحقق الركن قوله: "لأن ما ثبت بالضرورة" وهو الجماع الثابت لأجل تحقق الركن وقوله يقدر بقدرها فلا يتعدى إلى الدواعي لأنه يكفي في تحقق الركن الكف عن الجماع فقط قوله: "وبطل بوطئه" مطلقا في قبل ودبر قوله: "أو ناسيا" بخلاف ما لو أكل ناسيا حيث لا يفسد اعتكافه لبقاء الصوم والأصل أن ما كان من محظورات الاعتكاف وهو ما منع منه لأجل الاعتكاف لا لأجل الصوم لا يختلف فيه السهو والعمد والليل والنهار كالجماع وكذا الخروج وما كان من محظورات الصوم وهو ما منع منه لأجل الصوم يختلف فيه العمد والسهو والليل والنهار كالأكل أو الشرب نقله السيد عن حاشية المؤلف والجماع وإن منع منه لأجل الصوم لكن لا كالمنع للاعتكاف فإنه(1/705)
أو ناسيا أو مكرها ليلا أو نهارا لأن له حالة مذكرة كالصلاة والحج بخلاف الصوم ولو أمنى بالتفكر أو بالنظر لا يفسد اعتكافه "ولزمته الليالي أيضا" أي كما لزمته الأيام "بنذر اعتكاف أيام" لأن ذكر الأيام بلفظ الجمع يدخل فيها ما بإزائها من الليالي وتدخل الليلة الأولى فيدخل المسجد قبل الغروب من أول ليلة ويخرج منه بعد الغروب من آخر أيامه "ولزمته الأيام بنذر الليالي متتابعة وإن لم يشرط التتابع في ظاهر الرواية" لأن مبنى الاعتكاف على التتابع وتأثيره إن ما كان متفرقا في نفسه لا يجب الوصل فيه بالتنصيص وما كان متصل الأجزاء لا يجوز تفريقه إلا بالتنصيص "ولزمته ليلتان بنذر يومين" فيدخل عند الغروب كما ذكرنا لأن المثنى في معنى الجمع فيلحق به هنا احتياطا "وصح نية النهر" جمع نهار "خاصة" بالاعتكاف إذا نوى تخصيصه بالأيام "دون الليالي" إذا نذر اعتكاف دون شهر لأنه نوى حقيقة كلامه فتعمل نيته كقوله نذرت اعتكاف عشرين يوما ونوى بياض النهار
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يخص النهار قوله: "أو مكروها الخ" الأولى أو مكرها قوله: "لأن له حالة مذكرة" وهي كونه في المسجد وقوله كالصلاة المذكر فيها كونه محرما قارئا مستقبلا والمذكر في الحج التجرد عن اللباس وتجنب الطيب قوله: "والحج" فإنه يبطل إحرامه بالوطء وبالإنزال بدواعيه ولو كان ناسيا بخلاف الصوم فإنه لا يبطل بفعل ذلك ناسيا لعدم المذكر قوله: "ولزمته الليالي الخ" وذلك لأن ذكر أحد اللفظين بلفظ الجمع يدخل ما بإزائها من الآخر قال تعالى: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً} وقال تعالى: {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} القصة واحدة فعبر عنها تارة بالأيام وتارة بالليالي فعلم أن ذكر أحدهما بلفظ الجمع يتناول الآخر وحاصله أنه إما أن يأتي بلفظ المفرد أوالمثنى أو المجموع وكل منها ما أن يكون في الأيام أو الليالي فهي ستة وفي كل منها أما أن ينوي الحقيقة أو المجاز أو ينويهما أو لم تكن له نية فهي أربعة وعشرون وحكم الجميع مذكور في البحر قوله: "متتابعة" حال من الأيام وحذف نظيره من الجملة السابقة قوله: "وتأثيره" لو قال وضابطه لكان أوضح وتوضيحه ما في السيد عن البحر حيث قال لأن الإطلاق في الاعتكاف كالتصريح بالتتابع بخلاف الإطلاق في نذر الصوم والفرق أن الاعتكاف يدوم بالليل والنهار بخلاف الصوم فإنه لا يوجد ليلا اهـ فالمتفرق في نفسه الصوم لأنه يتخلل فيه زمن ليس محللا له وهو الليل والمتصل الأجزاء هو الاعتكاف لأنه يعم الليل والنهار قوله: "كما ذكرنا" أي في الجمع قوله: "لأن المثني في معنى الجمع" وعن أبي يوسف في التثنية والجمع لا تلزمه الليلة الأولى لأن الاعتكاف بالليل لا يكون إلا تبعا لضرورة الوصل بين الأيام ولا حاجة لإدخال الليلة الأولى لتحقق الوصل بدونها ومنهم من جعل خلاف أبي يوسف في التثنية فقط زيلعي قوله: "وصح نية النهر" أي فيما إذا ذكر الأيام فقط وهو جواب قوله إذا نوى تخصيصه بالأيام قوله: "إذا نذر اعتكاف دون شهر" مفهومه صرح به المصنف بعد قوله: "لأنه نوى حقيقة كلامه" اعترض بأن اللفظ كالأيام مثلا ينصرف(1/706)
خاصة منها صحت نيته "وإن نذر اعتكاف شهر" معين أو غير معين "ونوى الشهر خاصة أو الليالي خاصة لا تعمل نيته إلا أن يصرح بالاستثناء" اتفاقا لأن الشهر اسم لمقدر يشتمل على الأيام والليالي وليس باسم عام كالعشرة على مجموع الآحاد فلا ينطلق على ما دون ذلك العدد أصلا كما لا تنطلق العشرة على الخمسة مثلا حقيقة ولا مجاز أما لو قال شهرا بالنهر دون الليالي لزمه كما قال وهو ظاهر أو استفتى فقال: إلا الليالي لأن الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا فكأنه قال ثلاثين نهارا ولو استثنى الأيام لا يجب عليها شيء لأن باقي الليالي المجردة ولا يصح فيها لمنافاتها شرطه وهو الصوم هذا من فتح القدير بعناية المولى النصير "والاعتكاف مشروع بالكتاب" لما تلونا من قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فالإضافة إلى المساجد المختصة بالقرب وترك الوطء المباح
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إلى الحقيقة بدون قرينة أو نية فما وجه هذا التعليل قلت كأنه اختار ما ذكره البعض من أن اليوم مشترك بين بياض النهار ومطلق الوقت وأحد معني المشترك يحتاج إلى ذلك التعيين الدلالة لا لنفس الدلالة وتمامه في العناية بقي لو ذكر الأيام ونوى الليالي لا تصح النية ويلزمه كلاهما كما في التنوير وشرحه قوله: "إلا أن يصرح بالاستثناء" مراده به ما يعم التقييد ليعم ما لو قال شهر بالنهار دون الليالي قوله: "لأن الشهر اسم لمقدر الخ" أي فهو خاص وهو كل لفظ وضع لمعنى على الانفراد قوله: "وليس باسم عام كالعشرة" فيه أن العشرة من أسماء العدد وهي من الخاص قال في شرح المنار كصاحب البحر والمراد بقوله أي في تعريف الخاص على الانفراد أن لا يكون لذلك المعنى الواحد أفراد سواء كان له أجزاء أو لم يكن فتدخل التثنية كما في التلويح واسم العدد تحت الخاص كالمائة فإن الواضع وضعه لمجموع وحدان الكثير من حيث هو مجموع فيكون كل من الوحد أن جزأ من أجزائه فيكون موضوعا لواحد بالنوع كالرجل والفرس بخلاف العام فإنه موضوع لأمر يشترك فيه وحد أن الكثير فيكون كل من الواحد أن جزئيا من جزئياته وبخلاف المشترك فإن كلا من الوحدان نفس الموضوع له كما في التلويح لكن ظاهر ما في التوضيح والتلويح والتحرير أن العدد موضوع لكثير كالعام فالمسمى متعدد فيهما لكن الأول محصور والثاني لا اهـ قلت ويمكن الجمع بأن اسم العدد كالعشرة بالنظر إلى كونه لا يشمل الزائد عنها أو الناقص خاص وبالنظر إلى كونه يصدق على كل عشرة عام فتأمل قوله: "على مجموع الآحاد" فيه أن شهر السم لمجموع الليل والنهار في المدة المعينة فهما سواء ويدل له قوله كما لا تنطلق العشرة الخ قوله: "ولا مجازا" فيه أن يقال ما المانع من إطلاق الشهر مثلا على النهار مجازا من إطلاق اسم الكل على جزئه قوله: "بعد الثنيا" أي الاستثناء والمراد بعد المستثنى قوله: "الليالي المجردة" خبر أن قوله: "هذا من فتح القدير" أراد أن هذا الكلام منقول من الفتح والعناية وأراد المعنى اللغوي أيضا قوله: "فالإضافة إلى المساجد" مراده(1/707)
لأجله دليل على أنه قربة "والسنة لما روى أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان منذ قدم المدينة إلى أن توفاه الله تعالى وقال الزهري رضي الله عنه: عجبا من الناس كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه وما ترك الاعتكاف حتى قبض وأشار إلى ثبوته بضرب من المعقول فقال: "وهو من أشرف الأعمال إذ كان عن إخلاص" لله تعالى لأن منتظر للصلاة كالمصلي وهي حالة قرب وانقطاع محاسنها لا تحصل "ومن محاسنه أن فيها تفريغ القلب من أمور الدنيا" بشغله بالإقبال على العبادة متجردا لها "وتسليم النفس إلى المولى" بتفويض أمرها إلى عزيز جنابه والاعتماد كرمه والوقوف ببابه "وملازمة عباده" والتقرب إليه ليقرب من رحمته كما أشار إليه في حديث "من تقرب إلي" وملازمة القرار "في بيته" سبحانه وتعالى واللائق بمالك المنزل إكرام نزيله تفضلا ورحمة وإحسانا منه ومنة للالتجاء إليه "والتحصن بحصنه" فلا يصل إليه عدوه بكيده وقهره وعزيز تأييده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالإضافة إيقاعها فيها قوله: "المختصة" صفة المساجد قوله: "وترك" بالرفع عطف على الإضافة قوله: "لأجله" أي الاعتكاف فإن حرمة المباشرة مقيدة به في الآية قوله: "والسنة" تقدم أنه سنة كفاية وهي مؤكدة على المعتمد ولا تنافي بين تأكدها وكونها على الكفاية وقيل أنه مستحب في العشر الأخير قوله: "عجبا" مفعول مطلق لمحذوف أي عجبت عجبا قوله: "وما ترك الاعتكاف" أي في العشر الأواخر حتى قبض أي إلا لعذر لما روى أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأخير من رمضان فرأى خياما وقبابا في المسجد مضروبة فقال لمن هذا قالوا: هذا لعائشة وهذا لحفصة وهذا لسودة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أترون البر بهذا فأمر بأن تنزع قبته فنزعت ولم يعتكف فيه ثم قضى في شوال قوله: "بضرب" أي بنوع وقوله من المعقول أي من الدليل المعقول قوله: "وهو كالمصلى" أي يعطي المنتظر ثواب المصلى كما ورد به الخبر1 قوله: "وهي" أي الصلاة قوله: "وانقطاع" أي عن ملاهي الدنيا قوله: "ومحاسنها لا تحصى" أي الصلاة أو الحالة قوله: "بشغله" متعلق بتفريغ والباء للسببية قوله: "متجردا لها" حال مؤسسة فإذا لم يتجرد لها لا يتفرغ قلبه قوله: "بتفويض أمرها" الباء للتصوير قوله: "إلى عزيز جنابه" الجناب الفناء والرحل والناحية وجبل وعلم المحدث أفاده في القاموس قوله: "والوقوف ببابه" فيه استعارة تمثيلية قوله: "وملازمة عبادته" يغنى عنه قوله بشغله بالإقبال الخ قوله: "والتقرب إليه" بالجر عطفا على عبادته وبالنصب عطفا على تفريغ والمراد التقرب إليه بالعبادة قوله: "في حديث من تقرب" تمامه إلى ذراعا تقربت
__________
1قوله وهي أي الصلة في نسخة وهي أي الاعتكاف وأنت نظرا للخبر اهـ.(1/708)
ونصره ترى الرعايا يحبسون أنفسهم على باب سلطانهم وهو فرد منهم ويجهدون في خدمته والقيام أذلة بين يديه لقضاء مآربهم فيعطف عليهم بإحسانه ويحميهم من عدوهم بعزة قدرته وقوة سلطانه وقد نبهه على حصول المراد وأزال حجاب الوهم وأماط الغطاء وأظهر الحق لما أشار إليه بقوله "وقال" الأستاذ العارف بالله تعالى الإمام المجتهد "عطاء" بن أبي رباح التابعي تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما أحد مشايخ الإمام الأعظم رحمه الله تعالى قال أبو حنيفة ما رأيت أفقه من حماد ولا أجمع للعلم من عطاء ابن أبي رباح أكثر رواية الإمام الأعظم أبي حنيفة عن عطاء سمع ابن عباس وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد وجابرا وعائشة رضي الله عنهم توفي سنة خمس عشرة ومائة وهو ابن ثمانين سنة كذا في أعلام الأخبار قال رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته ومدده "مثل المعتكف مثل رجل يختلف" أي يتردد ويقف "على باب" ملك أو وزير عظيم أو "إمام لحاجة" يقدر على قضائها عادة "فالمعتكف يقول" لسان حاله إن لم ينطق بذلك لسان قاله "لا أبرح" قائما بباب مولاي سائلا منه جميع مآربي وكشف ما نزل بي من الكرب وصار مصاحبي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة قوله: "للالتجاء" علة لقوله إكرام نزيله وتفضلا وما بعده أحوال قوله: "والتحصن" بالجر عطفا على الالتجاء وبالنصب عطفا على تفريغ قوله: "فلا يصل إليه عدوه" وهو الشيطان والدنيا قوله: "وعزيز تأييده" أي قوته قال في القاموس أيدته تأييدا فهو مؤيد قويته قوله: "ترى الرعايا الخ" أي فالحق أحق بهذا المنصب قوله: "وهو فرد منهم" أي لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا وهو جملة حالية قوله: "لقضاء مآربهم" يحتمل الجمع والأفراد والأول أنسب للفظ الرعايا قوله: "بعزة قدرته" أي السلطان والأولى حذف ذلك لأن مثل هذا التعبير إنما يليق بالله تعالى قوله: "وقد نبه" أي المصنف قوله: "على حصول المراد" الأولى حذف حصول أي على المراد من الاعتكاف قوله: "وأزال حجاب الوهم" أي الوهم الذي كالحجاب أي الوهم الناشىء من بعض الناس في ثمرة الاعتكاف قوله: "وأماط الغطاء" عطف على نبه والمراد بالغطاء الحجاب والناشىء من الوهم قوله: "وأظهر الحق" عطف لازم قوله: "بفيض العطاء" أي بفيض ذي العطاء أو بالعطاء الذي هو كالفيض قوله: "المجتهد" أفاد أنه لم يقلد إماما معينا من الأربعة لظهورهم بعده قوله: "أكثر رواية الإمام" أي مروياته قوله: "كذا في أعلام الأخيار" بكسر همزة أعلام فيما يظهر قوله: "قال" أعاده لبعد الفعل الأول قوله: "ببركته" أي بكثرة خيره قوله: "ومدده" أي المدد المعطي له من الخيرات قوله: "مثل" بالتحريك أي صفة قوله: "أو إمام" يشمل العالم بخلاف ما قبله قوله: "لسان قاله" أي قوله وهو من قبيل إضافة المحل إلى الحال قوله: "من الكرب" هو ما يأخذ النفس من الغم والحزن قوله: "وصار" أي الكرب(1/709)
وتجنبي لذلك أعز إخواني بل عين قرابتي "حتى يغفر لي" ذنوبي التي هي سبب بعدي ونزول مصائبي ثم يفيض بمنته علي بما يليق بأهليته وكرمه إكرام من التجاء إلى منيع حرزه وحماية حرمه وهذه إشارة إلى أن العبد الجامع لهذه المسائل واقف موقف العبد الذليل بباب مولاه عاريا من الأعمال ونسبة الفضائل متوجها إليه سبحانه بأعظم الوسائل مادا أكف الافتقار ملحا بالدعاء والمسائل مطروحا على أعتاب باب الله تعالى مرتجيا شفاعته غدا عنده بما وعد به وهو لكل خير كافل "وهذا ما تيسر" من انتخاب الشرح واختصاره اليسير كتيسير المتن وشرحه "للعاجز الحقير" ولم يكن إلا "بعناية مولاه القوي القدير" الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الذي نزل به وهو المقصود باسم الإشارة بعد قوله: "بل عين قرائبي" أي أقر بهم قوله: "ونزول مصائبي" قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] قوله: "بما يليق بأهليته" فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة قوله: "إكرام من التجأ" أي يكرمني إكراما كإكرام من التجأ وهذا من الشارح يعني به نفسه وإلا فالمعتكف في منيع الحرر قوله: "وحماية حرمه" أي التجأ إلى الحماية الحاصلة بسبب الحرم أو إلى حرمة ذي الحماية والمراد بالحرم ما يحترم لا خصوص أحد الحرمين قوله: "وهذه الخ" إشارة إلى ما أدخله في خلال كلام عطاء قوله: "إلى أن العبد" أي المؤلف قوله: "الجامع لهذه المسائل" متنار شرحا قوله: "موقف" أي وقوف العبد قوله: "عاريا عن الأعمال الخ" أي متجردا عن وقوع الأعمال الصالحة منه وعاريا عن نسبة الفضائل إليه قوله: "بأعظم الوسائل" هو سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم قوله: "أكف الافتقار الخ" الإضافة لأدنى ملابسة أو أكف ذي الافتقار والافتقار أبلغ من الفقر قوله: "ملحا بالدعاء" الإلحاح بالدعاء مأمور به غير أنه لا يعتدي فيه ولا يستبطىء الإجابة قوله: "مطرحا" بطاء مشددة قوله: "على أعتاب باب الله تعالى" فيه استعارة تمثيلية قوله: "مرتجيا شفاعته" أي شفاعة الله تعالى فإنه ورد أنه يشفع بعد انتهاء شفاعة الشافعين أو الضمير يرجع إلى أعظم الوسائل قوله: "غدا" هو يوم القيامة وإنما عبر به لقربه قوله: "بما وعد به" بقوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً} [الأحزاب: 47] أر بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [الكهف: 30] قوله: "وهو كل خير كافل" أي ضامن قوله: "وهذا ما تيسر" الإشارة إلى ما نقشه من الشرح أو إلى ما في الذهن ونزله منزلة المحسوس فأشار إليه قوله: "من انتخاب" أي اختيار الشرح أي من المختار من الشرح الكبير قوله: "اليسير" أي أنه لم يحذف كثيرا من الشرح الكبير وفيه أن عدد الأوراق فيهما يقضي بأنه اختصار كثير قوله: "كتيسير" أي تيسيرا كتيسير المتن والشرح الكبير قوله: "الحقير" الحقر الذلة كالحقرية بالضم والحقارة مثلثة قاموس قوله: "الذي هدانا" أي أوصلنا قوله: "لهذا" أي للتأليف قوله:(1/710)
الأنبياء وعلى آله وصحبه وذريته ومن والاه "ونسأل الله سبحانه متوسلين" إليه بالنبي المصطفى الرحيم "أن يجعله" وشرحه ومختصره هذا عملا " خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به" وبالشرح وبهذا المنتخب منه لتيسير "النفع العظيم ويجزل به" وبهما "الثواب الجزيل" وأن يمتعنا ببصرنا وسمعنا وقوتنا وجميع حواسنا وأن يختم أعمالنا وأن يغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وأصحابنا وإخواننا وذرياتنا وأن يستر عيوبنا ويرزقنا ما تقر به عيوننا حالا ومآلا آمين اهـ وكان ابتداء هذا المختصر من الشرح في أواخر جمادى الآخر واختتامه بأوائل رجب الحرام سنة أربع وخمسين بعد الألف وكان ابتداء جمع الشرح الأصلي في منتصف ربيع الأول سنة خمس وأربعين وختم جمعه في المسودة بختام شهر رجب الحرام بذلك العام. وكان انتهاء تأليف متنه في يوم الجمعة المبارك رابع عشر جمادى الأولى اثنتين وثلاثين وألف وكان الفراغ من تبيض الشرح المسمى ب "إمداد الفتاح شرح نور الإيضاح ونجاة الأرواح" في منتصف شهر ربيع الأول سنة ست وأربعون وألف وعدد أوراقه ثلاثمائة وستون ورقة ومبلغ عدد مختصره هذا مائة وخمس وأربعون ورقة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"لولا أن هدانا الله" أي لولا هداية الله موجودة لنا ما كنا لنهتدي قوله: "وذريته" ورد أن الله تعالى جعل ذريته في صلب علي وبطن فاطمة فنسب كل ابن أنثى لأبيه إلا ما كان من فاطمة فله صلى الله عليه وسلم قوله: "ومن والاه" أي نصره وتبعه في الخير قوله: "الرحيم" قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] قوله: "عملا" قدره ليفيد أن خالصا صفة للمصدر المحذوف قوله: "لوجهه" أي لذاته هذا هو المناسب هنا قوله: "للتيسير" علة لقوله المنتخب قوله: "لنفع العميم" قد ظهرت أمارة الإجابة وانتفع به الخاص والعام قوله: "ويجزل" أي يكثر قوله: "الجسيم" أي العظيم قوله: "وأن يمنعنا" أي ينفعنا بذلك ويلزم من ذلك بقاؤها قوله: "وجميع حواسنا" أي الظاهرة والباطنية قوله: "ومشايخنا" بالياء لا بالهمزة قوله: "وإخواننا" نسبا ودينا قوله: "ما تقر به عيوننا" أي ما تسر به عيوننا قوله: "حالا ومآلا" أي دنيا وأخرى قوله: "آمين" اسم فعل مبنى على الفتح بمعنى استجب ويطلب ختم الدعاء بها كما في الحديث وهي من خصوصيات هذه الأمة قوله: "وكان ابتداء الخ" أفاد أنه لم يمكث فيه إلا أياما قليلة لم يستوف فيها شهرا قوله: "سنة أربع" راجع إلى جمادي ورجب قوله: "وختم جمعه الخ" فمكث في تسويده أربعة أشهر ونصفا قوله: "وكان انتهاء تأليف متنه الخ" لم يبين ابتداءه قوله: "من تبيض الشرح" أي من المسودة قوله: "في منتصف شهر ربيع الأول" أي في مثل أيام بداءته كما ذكره في الشرح فمدة التبييض ستة أشهر ونصف ابتداؤها شعبان وآخرها نصف ربيع الأول وعلم أن بين انتهاء المتن والشرح الكبير أربعة عشر عاما وبين الكبير والصغير نحو من سبع سنوات ونصف قوله: "وعدد أوراقه" أي بحسب نسخته وكذا يقال في عدد المختصر قوله: "هي هذه المسودة المبيضة" أفاد بذلك أنه لم(1/711)
هي هذه المسودة المبيضة بتوفيق الله عبده الذليل الراجي فيضه الجزيل إذ حشره وعليه عرضه وأسأله قبوله خدمة لجناب حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا لديه. قال كاتبه ومؤلفه حسن الشرنبلالي عفا الله عنه ثم إني أرت إتمام العبادات الخمس بإلحاق الزكاة والحج بما جمعته مختصرا فقلت:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يجعل مسودة للشرح الصغير بل مسودته الكبير قوله: "إذا حشره" ظرف للراجي قوله: "قبوله" أي الرضا به وترك الاعتراض عليه قوله: "خدمة" أي حال كونه خدمة أي ذا خدمة أو هو الخدمة مبالغة أو هو مفعول لأجله والمعنى أن القبول من جهة كونه خدمة لا من جهة كونه تأليفا مطلقا قوله: "بما جمعته" بدل من قوله بإلحاق بدل اشتمال والله سبحانه وتعالى أعلم واستغفر الله العظيم.(1/712)
كتاب الزكاة
مدخل
...
كتاب الزكاة
هي تمليك مال مخصوص لشخص مخصوص فرضت على حر مسلم مكلف مالك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الزكاة
فرضت في السنة الثانية من الهجرة كالصوم قبل فرضه وهي واجبة على الفور وعليه الفتوى فيأثم بتأخيرها بلا عذر وترد شهادته والأنبياء لا تجب عليهم الزكاة لأنهم لا ملك لهم مع الله إنما كانوا يشهدون أن ما في أيديهم ودائع يبذلونه في أوان بذله ويمنعونه عن غير محله ولأن الزكاة إنما هي طهرة لمن عساه أن يتدنس والأنبياء مبرؤن من الدنس لعصمتهم ذكره السيد وهي طهرة لصاحبها من الذنوب قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ولها معان أخر وهي البركة يقال زكت النفقة إذا بورك فيها والمدح يقال زكى نفسه إذا مدحها والثناء الجميل يقال زكي الشاهد إذا أثنى عليه وتسمى صدقة لدلالتها على صدق العبد في العبودية منح ورأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به قوما يسرحون كالإبل على أقبالهم رقاع وعلى أدبارهم رقاع يسرحون كما تسرح الإبل يأكون الضريع وهو الشجر ذو الشوك والزقوم قيل إنه لا يوجد في الدنيا وقيل شجر يوجد بتهامة نتن الريح ورضف جهنم أي حجارتها المحماة والحجارة فسأل جبريل عنهم فقال هؤلاء الذين لا يؤدون زكاة أموالهم وقال الأجهوري قيل ورد أن على مانع الزكاة سبعين لعنة وعلى اليهود واحدة وعلى النصارى واحدة وفي معراج القليوبي ورد في الحديث الحسن أنه ينزل من السماء كل يوم وليلة اثنتان وسبعون لعنة منها إحدى وسبعون على مانع الزكاة وواحدة على اليهود ورواية عكس هذا خطأ وإذا مات صاحب المال الذي لا يؤدي زكاته استمرت الملائكة تكتب عليه هذه اللعنات إلى يوم القيامة وإن وقع في يد من يزكيه وإنما جوزوا بهذا الطعام وهذا الملبس لأنهم منعوا المال وصرفوه في المطاعم الطيبة لتحسين بواطنهم والملابس الطيبة لتحسين ظواهرهم فجوزوا بضد ما فعلوا نقله بعض المشايخ قوله: "هي(1/713)
لنصاب من نقد ولو تبرا أو حلييا أو آنية أو ما يساوي قيمته من عروض تجارة فارغ عن الدين وعن حاجته الأصلية ولو تقديرا. وشرط وجوب أدائها حولان الحول على النصاب
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تمليك مال" هو ما عليه المحققون من أهل الأصول لأنها وصفت بالوجوب الذي هو من صفات الأفعال وموضوع علم الفقه فعل المكلف حموي وإطلاقه على القدر المخرج مجاز شرعي وقوله تعالى: {وَآتَوُا الزَّكَاةَ} [الحج: 41] أو المراد إخراجها من العدم إلى الوجود كما في أقيموا الصلاة وفي حاشية السيد الإيتاء أي الذي هو التمليك معنى مصدري والفرق بينه وبين الحاصل بالمصدر أن المعنى المصدري هو الإيقاع والمعنى الحاصل بالمصدر هو الهيئة الموقعة اهـ وأخرج بالتمليك الإباحة فلا تكفي فيها فلو أطعم يتيما ناويا به الزكاة لا تجزيه إلا إذا دفع إليه المطعوم كما لو كساه بشرط أن يعقل القبض در والمال ما يتمول أو يدخر للحاجة وهو خاص بالأعيان وخرج بالمال المنفعة فلو أسكن فقيرا داره سنة ناويا للزكاة لا يجزيه در قوله: "مخصوص" وهو ربع عشر النصاب أو ما يقوم مقامه من صدقات السوائم قوله: "لشخص مخصوص" هو أن يكون فقيرا ونحوه من بقية المصارف غيرها شمي ولا مولاه بشرط قطع المنفعة عن المملك من كل وجه لله تعالى قوله: "على حر" خرج العبد ونحوه قوله: "مسلم" خرج الكافر ولو مرتدا بناء على أنه غير مخاطب بفروع الشريعة فلو أسلم المرتد لا يخاطب بشيء من العبادات أيام ردته ولو ارتد بعد وجوبها سقطت بحر قوله: "مكلف" أي بالغ عاقل فلا زكاة على صبي وقال المؤلف في الحاشية لا زكاة على المجنون إذا جن السنة كلها فإذا أفاق بعض الحول اختلفوا فيه والصحيح عند الإمام اشتراط الإفاقة أول السنة لإنعقاد الحول وآخرها ليخاطب بالأداء وتمامه فيها قوله: "مالك لنصاب" دخل فيه ما ملكه بسبب خبيث كمغصوب خلطه إلا إذا كان له غيره منفصل عنه يوفي دينه در ولا بد أن يكون الملك تاما فخرج ما ملكه المكاتب قوله: "أو حليا" وهو ما يتحلى به من الذهب والفضة سواء كان مباح الاستعمال أولا ولو خاتم الفضة للرجل وسوار اليد للمرأة أفاده صاحب الدرر وفي الدر أفاد وجوب الزكاة في النقدين ولو كانا للتجمل أو للنفقة قال لأنهما خلقا أثمانا فيزكيهما كيف كانا قوله: "أو ما يساوي قيمته" الأولى أو ما يساويه قيمة والضمير يرجع إلى النصاب لأن النصاب يقوم به ولا يتقوم قوله: "فارغ عن الذين" أي الذي له مطالب من جهة العباد سواء كان لله كزكاة وخراج أو للعبد ولو كفالة أو مؤجلا ولو صداق زوجته المؤجل بخلاف دين نذر وكفالة لعدم المطالب وعروض الدين كالهلاك عند محمد ورجحه في البحر قوله: "وعن حاجته الأصلية" كثيابه المحتاج إليها لدفع الحر والبرد وكالنفقة ودور السكنى وآلات الحرب والحرفة وأساس المنزل ودواب الركوب وكتب العلم لأهلها فإذا كان عنده دراهم أعدها لهذه الأشياء وحال عليها الحول لا تجب فيها الزكاة وكتب العلم لغير أهلها ليست(1/714)
الأصلي وأما المستفاد في أثناء الحول فيضم إلى مجانسه ويزكي بتمام الحول الأصلي سواء استفيد بتجارة أو ميراث أو غيره ولو جعل ذو نصاب لسنين صح وشرط صحة أدائها نية مقارنة لأدائها للفقير أو وكيله أو لعزل ما وجب ولو مقارنة حكمية كما لو دفع بلا نية ثم نوى والمال قائم بيد الفقير ولا يشترط علم الفقير أنها زكاة على الأصح حتى لو أعطاه شيئا وسماه هبة أو قرضا ونوى به الزكاة صحت ولو تصدق بجميع ماله ولم ينو الزكاة سقط عنه فرضها. وزكاة الدين على أقسام فإنه قوي ووسط وضعيف فالقوي وهو بدل القرض ومال التجارة إذا قبضه وكان على مقر ولو مفلسا أو على جاحد عليه بينة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من الحوائج الأصلية وإن كانت الزكاة لا تجب على صاحبها بدون نية التجارة بحر بتصرف وقوله وكالنفقة لا زكاة فيها ولو حال عليها الحول قال فيه وهو مخالف لما في المعراج والبدائع أن الزكاة تجب في النقد كيف أمسكه للنفقة أو للنماء اهـ قوله: "نام ولو تقديرا" والنماء الحقيقي يكون بالتوالد والتناسل والتجارات والتقديري يكون بالتمكن من الاستنماء بأن يكون في يده أو يد نائبه در قوله: "وشرط وجوب أدائها" أي افتراضها قوله: "حولان الحول" وهو في ملكه أي وثمنية المال كالدراهم والدنانير أو السوم أو نية التجارة في العروض قوله: "إلى مجانسه" النقدان في الزكاة جنس واحد فما استفاده من أحدهما يضم إلى ما عنده منهما وما استفاده من السائمة يضم إليها لا إليهما قوله: "أو غيره" كهبة ووصية قوله: "ولو عجل ذو نصاب لسنين صح" صورته له ثلثمائة درهم دفع منها مائة عن المائتين لعشرين سنة جاز بشرط أن يكون عنده النصاب الذي عجل عنه كما في الصورة فلو كان في ملكه أقل منه فعجل خمسة عن مائتين وتم الحول والنصاب تام لا يجوز وأن لا ينقطع جميع النصاب أثناء الحول وأن يكون النصاب كاملا في آخر الحول وتمامه في كتابة الدر فلو عجل الفقير فأيسر قبل تمام الحول أو مات أو ارتد أجزأه لأن المعتبر كونه مصرفا وقت الصرف إليه لا بعده در قوله: "أو وكيله" أي وكيل المزكي فيصح ولو دفع الوكيل بلا نية أو دفعها الذمي ليدفعها للفقراء جاز لأن المعتبر نية الأمر در قوله: "أو لعزل ما وجب" كله أو بعضه ولا يخرج عن العهدة بالعزل بل بالأداء للفقراء در إلا أنه لا تشترط النية عند الدفع شرح قوله: "كما لو دفع بلا نية" ولو وضعها على كفه فانتهبها الفقراء جاز قوله: "والمال قائم" أي غير مستهلك وظاهره وإن لم يكن الفقير حاضرا بالمجلس قوله: "ولا يشترط علم الفقير أنها زكاة" ولو دفعها إلى صبيان أقربائه برسم عيد أو إلى مبشر أو مهدي الباكورة جاز إلا إذا نص على التفويض ولو دفعها المعلم إلى خليفته إن كان بحيث يعمل له لو لم يعطه صح وإلا لا در قوله: "ولم ينو الزكاة" ولا نذرا ولا واجبا آخر فإذا نواهما يضمن الزكاة ولو تصدق ببعضه لم تسقط حصته عند الثاني خلافا للثالث واعلم أن أداء الدين عن المال الذي عنده لا يصح والحيلة أن يعطي المديون زكاته ثم يأخذها عن دينه ولو امتنع المديون مد(1/715)
زكاة لما مضى ويتراخى وجوب الأداء إلى أن يقبض أربعين درهما ففيها درهم لأن ما دون الخمس من النصاب عفو لا زكاة فيه وكذا فيما زاد بحسابه والوسط وهو بدل ما ليس للتجارة كثمن ثياب البذلة وعبد الخدمة ودار السكنى لا تجب فيه الزكاة فيه ما لم يقبض نصابا ويعتبر لما مضى من الحول من وقت لزومه لذمة المشتري في صحيح الرواية. والضعيف وهو بدل ما ليس بمال كالمهر والوصية وبدل الخلع والصلح عن دم العمد والدية وبدل الكتابة والسعاية لا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض نصابا ويحول عليه الحول بعد القبض وهذا عند الإمام وأوجبا عن المقبوض من الديون الثلاثة بحسابه مطلقا. وإذا قبض مال الضمان لا تجب زكاة السنين الماضية وهو كآبق ومفقود ومغصوب ليس عليه بينة ومال ساقط في البحر ومدفون في مفازة أو دار عظيمة وقد نسي مكانه ومأخوذ مصادرة ومودع عند من لا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يده وأخذها لكونه لا ظفر بجنس حقه فإن مانعه رفعه للقاضي قوله: "أو على جاحد عليه بينة" تبع فيه العيني وفي النهر عن الخانية والتحفة صحح قول محمد بعدم الوجوب فيه لأن كل بينة لا تقبل ولا كل قاض يعدل قوله: "ففيها درهم" هذا إنما يظهر إذا كان الماضي عاما واحدا قوله: "لأن ما دون الخ" علة لقوله ويتراخى وجوب الأداء إلى أن يقبض أربعين درهما قوله: "وكذا فيما زاد بحسابه" ظاهره ولو دون أربعين والمذكور في زكاة المال أنه في كل خمس بحسابه وما بين الخمس إلى الخمس عفو وقالا ما زاد بحسابه فيحمل كلامه على الخمس قوله: "كثمن ثياب البذلة" أي إذا باع ثياب بذلته وصار ثمنها دينا في ذمة المشتري حتى حال عليه الحول فالحكم ما ذكره ومثله يقال فيما بعده قوله: "والوصية" إذا تأخرت عند الوارث مثلا عاما قوله: "وبدل الخلع" إذا تأخر عند الزوجة عاما قوله: "والصلح عن دم العمد" إذا تأخر بدله عند القاتل عاما مثلا قوله: "والدية" إذا تأخرت عند العاقلة أو القاتل عاما مثلا ثم قبضها ولي الدم قوله: "والسعاية" كما إذا أعتق بعضه واستسعاه في البعض الآخر وتأخر بدل السعاية عند العبد عاما مثلا ثم قبضه قوله: "لا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض نصابا ويحول عليه الحول بعد القبض" أي إلا إذا كان عنده ما يضم إلى الضعيف در قوله: "مطلقا" قليلا أو كثيرا إلا دين الكتابة والسعاية والدية في رواية بحر قوله: "وإذا قبض مال الضمار" هو مال تعذر الوصول إليه مع قيام الملك درر قوله: "كا ومفقود" أي وهما من عبيد التجارة قوله: "ومغصوب ليس عليه بينة" فلو له بينة تجب لما مضى در قال في تحفة الأخيار وينبغي أن يجري هنا ما يأتي مصححا عن محمد من أنه لا زكاة فيه لأن البينة قد لا تقبل فيه اهـ قوله: "ومدفون في مفازة" أما المدفون في حرز سواء كان داره أم دار غيره فتجب لإمكان التوصل إليه بالحفر كذا في سكب الأنره قوله: "وقد نسي مكانه" أي ثم تذكره ويقال نظير ذلك في كل مقام بما يناسبه قوله: "مأخوذ مصادرة" أي ظلما بأن يأمره الظالم بإتيان ماله أي ثم يدفعه إليه قوله: "عند من لا يعرفه" أما(1/716)
يعرفه ودين لا بينة عليه ولا يجزئ عن الزكاة دين أبرئ عنه فقير بنيتها وصح دفع عرض ومكيل وموزون عن زكاة النقدين بالقيمة وإن أدى من عين النقدين فالمعتبر وزنهما أداء كما اعتبر وجوبا وتضم قيمة العروض إلى الثمنين والذهب إلى الفضة قيمة ونقصان النصاب في الحول لا يضر إن كمل في طرفيه فإن تملك عرضا بنية التجارة وهو لا يساوي نصابا وليس له غيره ثم بلغت قيمته نصابا في آخر الحول لا تجب زكاته لذلك الحول. ونصاب الذهب عشرون مثقالا ونصاب الفضة مائتا درهم من الدراهم التي كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل وما زاد على نصاب وبلغ خمسا زكاة بحسابه وما غلب على الغش فكالخالص
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إن كانت عند معارفه وجبت الزكاة لتفريطه بالنسيان في غير محله بحر قوله: "لا بينة عليه" بل ولو كان عليه بينة لأنها قد لا تقبل قوله: "ولا يجزي عن الزكاة دين" تقدم ذكر الحيلة في ذلك قوله: "وموزون" أي غير النقدين قوله: "فالمعتبر وزنهما أداء" أي وقت الأداء أي يعتبر الوزن في الواجب المؤدي عندهما وقال زفر تعتبر القيمة وقال محمد يعتبر الأنفع للفقراء حتى لو أدى خمسة زيوفا عن خمسة جياد قيمتها أربعة جياد جاز عندهما خلافا لمحمد وزفر ولو أدى أربعة جيادا قيمتها خمسة رديئة عن خمسة رديئة لا يجوز إلا عند زفر وتمامه في كتابة الدر قوله: "وتضم قيمة العروض إلى الثمنين" لأن الكل للتجارة وضعا وجعلا در قوله: "قيمة" عند الإمام عندهما بالأجزاء فلو له مائة درهم وعشرة دنانير قيمتها مائة وأربعون تجب ستة عنده وخمسة عندهما در قوله: "إن كمل في طرفيه" يشترط كماله في الابتداء للانعقاد وفي الانتهاء للوجوب ولو هلك كله بطل الحول وأما الدين فلا يقطع ولو مستغرقا در قوله: "لا تجب زكاته" لعدم كماله أول الحول قوله: "ونصاب الذهب الخ" الذهب هو الحجر الأصفر الرزين مضروبا كان أو غيره وإنما سمي به لكونه ذاهبا بلا بقاء قهستاني والمناسب تقديم الكلام على الفضة اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنها أكثر تداولا ورواجا ألا ترى أن المهر ونصاب السرقة وقيم المستهلكات تقدر بها واعلم أن الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطا والدرهم المتعارف ستة عشر قيراطا وأن زنة الريال بالدراهم المتعارفة تسعة دراهم وقيراط واحد فتكون زنة الريال بالدراهم المتعارفة مائة وخمسة وأربعين قيراطا ويكون مقدار النصاب من الريال تسعة عشر ريالا وثلاثة دراهم متعارفة إلا ثلاثة قراريط وزنة كل واحد من البندقي والفندقلي والزنجرلي ثمانية عشر قيراطا فمقدار النصاب منها اثنان وعشرون دينارا وتسعا دينار وزنة المحبوب أربعة عشر قيراطا فيكون النصاب منها ثمانية وعشرين دينارا ونصف دينار ونصف سبع دينار هذا هو المشهور وقيل تعتبر في كل بلدة دراهمهم وأفتى بذلك جماعة من المتأخرين قال في الفتح وهو الحق فعلى هذا يكون النصاب من الدراهم المتعارفة مائتي درهم وعلى الأول مائة وخمسة وسبعين منها كذا حرره بعض المشايخ قوله: "التي كل عشرة منها وزن سبعة مثاقيل" اعلم أن الدراهم كانت في عهد(1/717)
من النقدين ولا زكاة في الجواهر واللآلئ إلا أن يتملكها بنية التجارة كسائر العروض ولو تم الحول على مكيل أو موزون فغلا سعره أو رخص فأدى من عينه ربع عشره أجزأه وإن أدى من قيمته تعتبر قيمته يوم الوجوب وهو تمام الحول عند الإمام وقالا يوم الأداء لمصرفها ولا يضمن الزكاة مفرط غير متلف فهلاك المال بعد الحول يسقط الواجب وهلاك البعض حصته ويصرف الهالك إلى العفو فإن لم يجاوزه فالواجب على حاله ولا تؤخذ الزكاة جبرا ولا من تركته إلا أن يوصي بها فتكون من ثلثه ويجيز أبو يوسف الحيلة لدفع وجوب الزكاة وكرهها محمد رحمهما الله تعالى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عمر رضي الله عنه مختلفة فمنها عشرة دراهم على وزن عشرة مثاقيل وعشرة على ستة مثاقيل وعشرة على خمسة مثاقيل فأخذ عمر رضي الله عنه من كل نوع ثلثا كي لا تظهر الخصومة في الأخذ والعطاء فثلث عشرة ثلاثة وثلث وثلث ستة اثنان وثلث الخمسة درهم وثلثان فالمجموع سبعة وإن شئت فاجمع المجموع فيكون إحدى وعشرين فثلث المجموع سبعة ولذا كانت الدراهم العشرة وزن سبعة وهذا يجري في الزكاة ونصاب السرقة والمهر وتقدير الديات اهـ منح قوله: "وما غلب على الغش فكالخالص" لأن الدراهم لا تخلو عن قليل غش لأنها لا تطبع إلا به فجعلنا الغلبة فاصلة نهر ومثلها الذهب وأما ما غلب غشه إن كان ثمنا رائجا اعتبرت قيمته فإن بلغت نصابا وجبت زكاته وإلا لا وإن لم يكن ثمنا رائجا كان في حكم العروض وإن نوى التجارة فيه وإن لم ينوها اعتبر ما يخلص منه فإن بلغ ما يخلص نصابا وجبت وإلا لا هكذا يستفاد من الزيلعي والعيني والنهر وتمام بيانه في كتابة الدر واختلف في الغش المساوي والمختار لزومها احتياطا در قوله: "ولا زكاة في الجواهر واللآلىء" قال في الدر الأصل أن ما عدا الحجرين والسوائم إنما يزكي بنية التجارة عند العقد فلو نوى التجارة بعد العقد أوا شترى شيئا للقنية ناويا أنه إن وجد ربحا باعه لا زكاة عليه اهـ ملخصا قوله: "على مكيل أو موزون" أي للتجارة قوله: "ورخص" هو ككرم والرخص بالضم ضد الغلاء وبالفتح الشيء الناعم قوله: "غير متلف" لو أتلفه فإنه يضمن لوجود التعدي واستبدال مال التجارة بمال التجارة يعد هلا كلو بغير مال التجارة استهلاكا أفاده في الدر من باب زكاة الغنم قوله: "يسقط الواجب" لتعلقه بالعين لا بالذمة قوله: "وهلاك البعض حصته" أي ويسقط هلاك البعض حصة المالك قوله: "ولا من تركته" أي لعدم النية قوله: "فتكون من ثلثه" إلا أن تجيز الورثة فمن الكل ويعتبر حولها بالأهلة فهو قمري لا شمسي قوله: "ويجيز أبو يوسف الحيلة الخ" قال في البحر إعلم أنه لو وهب النصاب في خلال الحول ثم تم الحول وهو عند الموهوب له ثم رجع للواهب بعد الحول بقضاء أو بغيره فلا زكاة على واحد منهما كما في الخانية وهي من حيل إسقاط الزكاة قبل الوجوب وفي المعراج ولو باع السوائم قبل تمام الحول بيوم فرارا عن الوجوب قال محمد يكره وقال(1/718)
.....................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أبو يوسف لا يكره وهو الأصح ولو باعها للنفقة لا يكره بالإجماع ولو احتال لإسقاط الواجب يكره بالإجماع ولو فر من الوجوب بخلا لا تأثما يكره بالإجماع والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/719)
"باب المصرف
هو الفقير وهو: من يملك مالا يبلغ نصابا ولا قيمته من أي مال كان ولو صحيحا مكتسبا والمسكين وهو: من لا شيء له والمكاتب والمديون الذي لا يملك نصابا ولا قيمته فاضلا عن دينه وفي سبيل الله وهو منقطع الغزاة أو الحاج وابن السبيل وهو: من له
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب المصرف
هو في اللغة المعدل قال الله تعالى: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً} أي معدلا بحر عن ضياء الحلوم وعرفه القهستاني اصطلاحا بقوله هو مسلم يصح في الشريعة صرف الصدقة إليه فالمصرف اسم مكان اهـ قوله: "وهو من يملك ما لا يبلغ نصابا" أو يملكه وهو مستغرق في حاجته فمن تحقق فيه هذا أو هذا فهو فقير ومن له دين مؤجل على إنسان إذا احتاج إلى النفقة يجوز له أن يأخذ من الزكاة قدر كفايته إلى حلول الأجل وإن كان الدين غير مؤجل فإن كان من عليه الدين معسرا يجوز له أخذ الزكاة في أصح الأقاويل لأنه بمنزلة ابن السبيل وإن كان المديون موسرا معترفا لا يحل له أخذ الزكاة قوله: "ولو صحيحا مكتسبا" الأولى عدم أخذ لمن له سداد من عسر كذا في البدائع قوله: "والمسكين" من الكون فكأنه ساكن من الجهد غير متحرك وهو مفعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث وقد يقال مسكينه اهـ فهستاني قوله: "وهو من لا شيء له" أي على المذهب لقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} وآية السفينة للترحم در وقيل تعريفهما على عكس ما ذكر هنا قوله: "والمكاتب" هو معنى قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} عند أكثر أهل العلم ولا فرق بين الصغير والكبير خلافا لتقييد الحدادي بالكبير كذا في حاشية السيد وكذا لا فرق بين مكاتب الغني والفقير على الصحيح ولا تدفع إلى مكاتب الهاشمي وليس للمكاتب صرف ما دفع إليه في غير فكاك رقبته على ما يفهم من كلام صاحب البحر قوله: "والمديون" هو المراد بالغارم وفي الظهيرية الدفع للمديون أولى منه للفقير والمراد المديون غير الهاشمي قوله: "وفي سبيل الله" أي ولمن في سبيل الله فإن المصرف الشخص قوله: "وهو منقطع الغزاة" بفتح الطاء والغزاة جمع الغازي أي الذين عجزوا عن اللحوق يجيش الإسلام لفقرهم بهلاك النفقة أو الدابة أو غيرهما فتحل لهم الصدقة وإن كانوا كاسبين إذا لكسب يقعدهم عن الجهاد قهستاني وهم بالاستحقاق أرسخ وأولى لزيادة الحاجة بالفقر والانقطاع زيلعي وهذا التفسير اختيار أبي يوسف قال في غاية(1/719)
مال في وطنه وليس معه مال والعامل عليها يعطى قدر ما يسعه وأعوانه وللمزكي الدفع إلى كل الأصناف وله الاقتصار على واحد مع وجود باقي الأصناف ولا يصح دفعها لكافر وغني يملك نصابا أو ما يساوي قيمته من أي مال كان فاضل عن حوائجه الأصلية وطفل غني وبني هاشم ومواليهم. واختار الطحاوي جواز دفعها لبني هاشم وأصل المزكي وفرعه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
البيان وهو الأظهر قوله: "أو الحاج" أي منقطع الحاج وهو قول محمد وقيل طلبة العلم وعليه اقتصر في الظهيرية وقيل حملة القرآن الفقراء مضمرات والخلاف في التفسير لا في جواز الدفع إلى الجميع بشرطه قوله: "وابن السبيل" هو المسافر وإضافته لأدنى ملابسة وكل من كان مسافرا يسمى ابن السبيل كافي قوله: "وهو من له مال في وطنه" ولو له ما يكفيه لوطنه لا يجزىء الدفع إليه وكذا لو كان كسوبا على ما روي عن أصحابنا كما نقله القهستاني عن الكرماني والأولى أن يستقرض إذا قدر وإذا قدر على ما لا يلزمه التصدق بما فضل كالفقير إذا استغنى والمكاتب إذا عجز أي فإن السيد يجوز له أخذ ما بيده من الصدقة كذا في سكب الأنهر قوله: "والعامل" أي إذا كان غير هاشمي مشتق من العمل وهو فعل الإنسان بقصد فهو أخص من الفعل ولذا لم يستعمل في الحيوان قهستاني.
قوله: "يعطي قدر ما يسعه وأعوانه" بالوسط مد ذهابهم وإيابهم ما دام المال باقيا ولا يجوز له أن يتبع شهوته في المآكل والمشارب والملابس فهو حرام لكونه إسرافا محضا وعلى الإمام أن يبعث من يرضى بالوسط وإذا استغرقت كفايته الزكاة فلا يزاد على النصف لأن التنصيف عين الإنصاف بحر ويجوز للعامل الأخذ وإن كان غنيا لأنه فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية قال في المنح وبهذا التعليل يقوى ما نسب للواقعات من أن طالب العلم يجوز له أخذ الزكاة ولو غنيا إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته لعجزه عن الكسب والحاجة داعية إلى ما لا بد منه اهـ وسكت المؤلف عن المؤلفة قلوبهم لأن الإعطاء لهم نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ في آخر الأمر: "خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم" قوله: "وله الاقتصار على واحد" لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه مال من الصدقة فأعطاه للمؤلفة قلوبهم فأتاه مال آخر فأعطاه للغارمين بحر وروي عن كثير من الصحابة عدم التعيين نهر قوله: "ولا يصح دفعها لكافر" قال في التنوير وشرحه ولا تدفع لذمي وجاز دفع غيرها وغير العشر والخراج إليه ولو واجبا كنذر وكفارة وفطرة خلافا للثاني وبه يفتى ولا تجوز الصدقات بأسرها لحربي ولو مستأمنا وجزم الزيلعي بجواز التطوع إليه قوله: "وطفل غني" ذكرا كان أو أنثى في عياله أو لا على الأصح لأنه يعد غنيا بغنى أبيه والمراد بالطفل الذي لم يبلغ بخلاف ولده الكبير ولو زمنا وفي بنت الغني ذات الزوج خلاف والأصح الجواز وخرج طفل الغنية ولو أبوه ميتا فتجوز إليه لأنه لا يعد غنيا يغناها ولو انحاز إليها ويجوز الدفع لزوجة الغني الفقيرة قوله: "وبني هاشم" أطلق المنع فعم كل الأزمان وسواء في ذلك دفع بعضهم(1/720)
وزوجته ومملوكه ومكاتبه ومعتق بعضه وكفن ميت وقضاء دينه وثمن قن يعتق ولو دفع بتجر لمن ظنه مصرفا فظهر بخلافه أجزأه إلا أن يكون عبده أو مكاتبه وكره الإغناء وهو أن يفضل للفقير نصاب بعد قضاء دينه وبعد إعطاء كل فرد من عياله دون نصاب من.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لبعض ودفع غيرهم لهم وجوز أبو يوسف دفع بعضهم لبعض وهو رواية عن الإمام نهر قوله: "واختار الطحاوي دفعها لبني هاشم" وكذا روى أبو عصمة عن الإمام أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه لأن عوضها وهو خمس الخمس لم يصل إليهم لإهمال الناس أمر الغنائم وإيصالها إلى غير مستحقيها فإذا لم يصل إليهم العوض عادوا إلى المعوض وأقره القهستاني كذا في شرح الملتقى وإنما حرمت على مواليهم لقوله صلى الله عليه وسلم: "مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة" وجاز التطوعات من الصدقات وغلة الأوقاف لهم سواء سماهم الواقف أم لا على ما هو الحق كما حققه في الفتح وتقييده بما ذكر يفيد أنه لا يجوز لهم دفع الصدقة الواجبة ولو غير زكاة وفي السيد ولا فرق في المنع بين الزكاة وغيرها كالنذور والكفارات وجزاء الصيد إلا خمس الزكاة فيجوز صرفه إليهم وسوى الزيلعي في المنع بين الواجبة والتطوع وأزوجه صلى الله عليه وسلم: لا يدخلن في الذين حرمت عليهم الصدقة.
قوله: "وأصل المزكي وفرعه" لأن الواجب عليه الإخراج عن ملكه رقبة ومنفعة ولم يوجد في الأصول والفروع والإخراج عن ملكه منفعة وإن وجد رقبة وهذا الحكم لا يخص الزكاة بل كل صدقة واجبة كالكفارات وصدقة الفطر والنذور لا يجوز دفعها إليهم ومن سوى ما ذكر يجوز الدفع إليهم كالأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات الفقراء بل هم أولى لما فيه من الصلة مع الصدقة ثم بعدهم الأقارب ثم الجيران بحر قوله: "وزوجته" اتفاقا ولا تدفع هي لزوجها عند الإمام وقالا تدفع إليه قوله: "ومملوكه ومكاتبه ومعتق بعضه" أما في العبد ومثله المدبر فلعدم التمليك وأما في المكاتب ومثله معتق البعض فلأن للسيد في كسبه حقا فلم يتم التمليك قوله: "وكفن ميت وقضاء دينه وثمن قن يعتق" قال في الدر نقلا عن حيل الأشباه وحيلة التكفين بها التصدق على فقير ثم هو يكفن فيكون الثواب لهما وكذا في تعمير المساجد وقال في باب المصرف وهل للفقير أن يخالف أمره لم أره والظاهر نعم قوله: "أجزأه" لأنه إنما أتى بما في وسعه والزكاة حق الله تعالى والمعتبر فيها الوسع قوله: "إلا أن يكون عبده أو مكاتبه" لأنه بالدفع إليهما لم يخرجه عن ملكه والتمليك ركن أفاده صاحب التنوير وقيد بما ذكره لأنه لو ظهر غناه أو كونه ذميا أو أنه أبوه أو ابنه أو امرأته أو هاشمي أجزأه قوله: "وهو أن يفضل للفقير نصاب" وكما يكره ذلك يكره إعطاء ما به يكمل النصاب حتى لو كان له مائة وتسعة وتسعون درهما فأعطاه درهما يكره أيضا.(1/721)
المدفوع إليه فلا يكره. وندب إغناؤه عن السؤال وكره نقلها بعد تمام الحول لبلد آخر لغير قريب وأحوج وأروع وأنفع للمسلمين بتعليم. والأفضل صرفها للأقرب فالأقرب من كل ذي رحم محرم منه ثم لجيرانه ثم لأهل محلته ثم لأهل حرفته ثم لأهل بلدته وقال الشيخ أبو حفص الكبير رحمه الله لا تقبل صدقة الرجل وقرابته محاويج حتى يبدأ بهم فيسد حاجتهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: نقل في البحر عن فخر الإسلام من أراد أن يتصدق بدرهم فاشترى به فلوسا ففرقها فقد قصر في أمر الصدقة لأن الجمع أولى من التفريق ولأن دفع الكثير أشبه بعمل الكرام فكان أولى قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور ويبغض سفسافها" وقد ذم الله تعالى على إعطاء القليل فقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى، وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى} اهـ قوله: "وندب إغناؤه عن السؤال" وينبغي أن ينظر إلى ما يقتضيه الحال في كل فقير من عيال أو حاجة كدين وثوب قال في النهر واقتضى كلامه أن الكثير لواحد أولى من توزيعه على جماعة اهـ وفي التنوير وشرحه ولا يحل أن يسأل شيئا من القوت من له قوت يومه بالفعل أو بالقوة كالصحيح المكتسب ويأثم معطيه إن علم بحاله لإعانته على المحرم ولو سأل للكسوة أو لاشتغاله عن الكسب بالجهاد أو طلب العلم جاز لو محتاجا اهـ.
قوله: "وكره نقلها" أي تحريما ولو إلى ما دون مسافة القصر قوله: "بعد تمام الحول" أما المعجلة ولو لفقير غير أحوج ومديون فتنتفي الكراهة فيها بحر ولا ينبغي دفعها لمن علم أنه ينفقها في سرف أو معصية وقال أبو حفص الكبير أنه لا يصرفها لمن لا يصلي إلا أحيانا وإن أجزاه كذا في سكب الأنهر قوله: "لغير قريب" أما نقلها للقريب فلا كراهة فيه لأن الدفع إلى الفقير منهم فيه صلة وصدقة قوله: "وأحوج" لأن المقصود منها سد خلة المحتاج فمن كان أحوج كان أولى بحر قوله: "وأنفع للمسلمين بتعليم" قال في المعراج التصدق على العالم الفقير أفضل اهـ أي من الجاهل الفقير قهستاني ولا يكره نقلها من دار الحرب إلى دار الإسلام أي ولو مع وجود المصرف هناك قوله: "والأفضل صرفها للأقرب فالأقرب الخ" قال في النهر والأولى صرفها إلى أخوته الفقراء ثم أولادهم ثم أعمامه الفقراء ثم أخواله ثم ذوي الأرحام ثم جيرانه ثم أهل سكنه ثم أهل ربضه اهـ قوله: "لا تقبل صدقة الرجل" أي لا يثاب عليها وإن سقط الفرض ومثل الرجل المرأة كذا في كتابة الدر.
تنبيه المعتبر في الزكاة فقراء مكان المال وفي الوصية مكان الموصي وفي الفطرة مكان المؤدي عند محمد وهو الأصح لأن رؤسهم تبع لرأسه در والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/722)
باب صدقة الفطر
تجب على حر مسلم مكلف مالك لنصاب أو قيمته وإن لم يحل عليه الحول عند طلوع فجر يوم الفطر ولم يكن للتجارة فارغ عن الدين وحاجته الأصلية وحوائج عياله والمعتبر فيها الكفاية لا التقدير وهي مسكنه وأثاثه وثيابه وفرسه وسلاحه وعبيده للخدمة فيخرجها عن نفسه وأولاده الصغار الفقراء وإن كانوا أغنياء يخرجها من مالهم ولا تجب على الجد في ظاهر الرواية واختير أن الجد كالأب عند فقده أو فقره وعن مماليكه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب صدقة الفطر.
الفطر لفظ إسلامي والفطرة مولد وأمر بها في السنة التي فرض فيها رمضان قبل الزكاة وكان صلى الله عليه وسلم يخطب قبل الفطر بيومين يأمر بإخراجها ولا تسقط بهلاك المال بعد الوجوب بخلاف الزكاة قوله: "تجب على حر مسلم" إنما وجبت لقوله صلى الله عليه وسلم في خطبته أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أخرجه أبو داود وتجب موسعا في العمر عند أصحابنا وهو الصحيح بحر كالزكاة وقيل مضيقا في يوم الفطر عينا فبعده تكون قضاه واختاره الكمال في تحرير ورجحه في تنوير البصائر قوله: "مالك النصاب" اعلم أن النصب ثلاثة نصاب يشترط فيه النماء وتتعلق به الزكاة وسائر الأحكام المتعلقة بالمال النامي ونصاب تجب به أحكام أربعة حرمة الصدقة ووجوب الأضحية وصدقة الفطر ونفقة الأقارب ولا يشترط فيه النمو بالتجارة ولا حولان الحول ونصاب تثبت به حرمة السؤال وهو ما إذا كان عنده قوت يومه عند بعض وقال بعضهم هو أن يملك خمسين درهما ذكره العلامة نوح قوله: "عند طلوع فجر يوم الفطر" فمن مات قبله أو ولد بعده أو أسلم لا تجب عليه كما سيأتي قوله: "ولم يكن للتجارة" أي وإن لم يكن للتجارة قوله: "والمعتبر فيها" أي في حوائجه وحوائج عياله قوله: "وأثاثه" الأثاث متاع البيت قاموس قوله: "وإن كانوا أغنياء يخرجها من مالهم" عندهما وقال محمد لا تجب على الصغير الغني ومثل ما قيل في الصغير الغني يقال في المجنون الكبير الغني والمعتوه كما في الهندية وفطرة رقيق الصغير كالصغير وفي البحر ونفقة الطفل الغني في ماله اهـ ولو لم يخرج ولي الصغير والمجنون الغنيين عنهما وجب الأداء عليهما بعد البلوغ والإفافة قوله: "واختير أن الجد كالأب" اعلم أنهم جعلوا السبب في وجوب صدقة الفطر رأسا يموله ويلي عليه ولاية مطلقة كما يأتي التنبيه عليه فأورد عليه الجد إذا كانت نوافله صغارا في عياله لموت الأب أو فقره حيث لا يجب عليه الإخراج في ظاهر الرواية فقد تحقق السبب ولم تجب وما قيل في دفع الإيراد من انتفاء السبب لأن الولاية غير تامة لانتقالها له من الأب(1/723)
للخدمة ومدبره وأم ولده ولو كفارا لا عن مكاتبه ولا عن ولده الكبير وزوجته وقن مشترك وآبق الأبعد عوده وكذا المغصوب والمأسور وهي نصف صاع من بر أو دقيقه أو صاع تمر أو زبيب أو شعير وهو ثمانية أرطال بالعراقي ويجوز دفع القيمة وهي أفضل عند وجدان ما يحتاجه لأنها أسرع لقضاء حاجة الفقير وإن كان زمن شدة فالحنطة والشعير وما يؤكل أفضل من الدراهم ووقت الوجوب عند طلوع فجر يوم الفطر فمن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فكانت كولاية الوصي غير سديد إذا الوصي لا يموله من ماله بخلاف الجد إذا لم يكن له مال فكالأب قالالكمال ولا مخلص عن الإيراد إلا بترجيح رواية الحسن من أنها على الجد فصحت السببية كما ذكروه واختارها في الاختيار وجرى عليها في الدر قوله: "لا عن مكاتبه" لعدم الولاية ولا تجب على المكاتب لأن لأن ما في يده لمولاه در قوله: "ولا ولده الكبير" أي الفقير وإن كان في عياله لانعدام الولاية ولو أدى عنه بغير إذنه فالقياس عدم الإجزاء كالزكاة وفي الاستحسان الإجزاء لثبوت الأذن عادة ذكره العلامة نوح قوله: "وزوجته" لعدم الولاية الكاملة عليها ولو أدى عنها بلا إذن جاز استحسانا للأذن عادة كالولد الكبير وإن كان في عياله وقيد به إشارة إلى أنه لو دفع عن الزوجة الناشزة والصغيرة التي لم تزف وعن الابن الكبير الذي لم يكن في عياله لا يجوز عنهم إلا بالأمر كما يفيده القهستاني وهل حكم الأجنبي إذا كان في عياله حكم الولد الكبير ومقتضى ما في البحر عن الظهيرية الجواز كذا في كتابة الدر قوله: "وقن مشترك الخ" لقصور الولاية والمؤنة في حق كل واحد منهما وهذا عند الإمام وقالا تجب في العبيد المشتركة على كل من الشريكين فطرة ما يخصه من الرؤس دون الأشقاص نهر فلو كانت العبيد تسعة تجب عندهما في ثمانية فقط كذا في سكب الأنهر قوله: "وكذا المغصوب المأسور" فلا تجب على سيدهما إلا بعد عودهما فتجب لما مضى كما في التنوير قوله: "أو زبيب" جعل الزبيب كالتمر قولما وهو رواية عن الإمام وبها يفتي كما في البرهان والرواية الأخرى عن الإمام أنه كالبر قوله: "وهو ثمانية أرطال بالعراقي" والرطل العراقي مائة وثلاثون درهما فالصاع ما يسع ألفا وأربعين درهما وقول أبي يوسف الصاع ما يسع خمسة أرطال وثلثا مراده بالرطل رطل المدينة وهو ثلاثون أستار أو رطل العراق عشرون أستارا فيكون المجموع على القولين مائة وستين أستارا والأستار ستة دراهم ونصف وبعضهم جعل الخلاف حقيقيا وما لم ينص عليه كذرة وخبز تعتبر فيه القيمة وصدقة الفطر كالزكاة في المصارف ولا تجوز للذمي على المفتي به وهل يعتبر الصاع أو نصفه بالوزن أو الكيل طريقتان ذكرهما الزيلعي قوله: "ويجوز دفع القيمة" قال في التنوير وجاز دفع القيمة في زكاة وعشر وخراج وفطرة ونذر وكفارة غير الاعتكاف اهـ قوله: "عند وجدان ما يحتاجه" أي الفقير أي من هذه الأصناف التي تخرج منها الفطرة بأن كان الزمن زمن خصب قوله: "لقضاء حاجة الفقير" أي وحاجة الفقير متنوعة قوله: "وما يؤكل" أي ولو من غير هذه(1/724)
مات أو افتقر قبله أو أسلم أو اغتنى أو ولد بعده لا تلزمه. ويستحب إخراجها قبل الخروج إلى المصلى وصح لو قدم أو أخر والتأخير مكروه ويدفع كل شخص فطرته لفقير واحد. واختلف في جواز تفريق فطرة واحدة على أكثر من فقير ويجوز دفع ما على جماعة لواحد على الصحيح والله الموفق للصواب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأعيان بأن يدفع عنها بالقيمة قوله: "قبل الخروج إلى المصلى" بعد طلوع فجر الفطر عملا بأمره وفعله صلى الله عليه وسلم در قوله: "وصح لو قدم" أي ولو قبل رمضان على ما عليه عامة المتون والشروح وصححه غير واحد ورجحه في النهر ونقل عن الولوالجية أنه ظاهر الرواية فكان هو المذهب در قوله: "أو أخر" فوقتها موسع لا يضيق إلا في آخر العمر وهو قول أصحابنا وبه قالت العامة بدائع قوله: "واختلف في جواز تفريق فطرة واحدة على أكثر من فقير" وعلى الجواز الأكثر وبه جزم في الولوالجية والخانية والبدائع والمحيط وتبعهم الزيلعي في الظهار من غير ذكر خلاف وصححه في البرهان فكان هو المذهب والأمر في حيث أغنوهم للندب فيفيد الأولوية در.
فرع من سقط عنه الصوم بعذر لم تسقط فطرته وقالوا: في إخراجها قبول الصوم والنجاح والفلاح والنجاة من سكرات الموت وعذاب القبر والنية فيها عند الدفع ويكفي وجودها عند العزل على الظاهر كما في الزكاة والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/725)
كتاب الحج
مدخل
...
كتاب الحج
هو زيارة بقاع مخصوصة بفعل مخصوص في أشهره وهي شوال وذو القعدة وعشر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الحج
بفتح الحاء وكسرها لغة القصد إلى معظم لا مطلق القصد كما ظنه بعضهم در واختلف هل كان في شريعة من قبلنا واجبا أم لا والصحيح أنه لم يجب إلا على هذه الأمة وفي حاشية العلامة نوح اختلف العلماء في السنة التي فرض فيها الحج والمشهور أنها سنة ست وهو الصحيح وقيل سنة خمس وقيل سنة تسع وصححه القاضي عياض وقيل فرض قبل الهجرة وهو بعيد وأبعد منه قول بعضهم أنه فرض سنة عشر أخرج البخاري عن زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بعدما هاجر حجة واحدة وأخرج الدارقطني عن جابر بن عبد الله قال حج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة قرن بها عمرة وكانت حجته بعدما هاجر سنة عشر وحج أبو بكر الصديق في السنة التي قبلها سنة تسع وأما سنة ثمان وهي عام الفتح فحج بالناس قبلها عتاب بن أسيد اهـ وهو الذي ولاه النبي صلى الله عليه وسلم أميرا بمكة بعد الفتح وذكر منلا علي أنه صلى الله عليه وسلم حج قبل أن يهاجر حججا لا يعلم عددها وقال ابن الأثير كان يحج كل سنة قبل أن يهاجر يعني إلا أن يمنع منه مانع وينبغي لمريد الحج أو الغزو أن يستأذن أبويه فإن خرج بدون أذن مع الاحتياج إليه للخدمة أثم وقيل يكره والأجداد والجدات كالأبوين عند فقدهما وللأب منعه إذا كان صبيح الوجه حتى يلتحي وإن استغنى عن خدمته كذا يستفاد من النوازل وفي الفتاوى الغلام إذا كان صبيح الوجه لا يخرجه الأب من بيته وإن كان بالغا كما لا يخرج بنته لأن البنت يشتهيها الرجال فقط والأمرد إن كان صبيح الوجه يشتهيه الرجال والنساء معا فالفتنة فيه من الجانبين وينبغي أن يستأذن رب الدين والكفيل ويستخير في هل يشتري أو يكتري وهل يسافر برا أو بحرا وهل يرافق فلانا أو فلانا لأن الاستخارة في الواجب والمكروه والحرام لا محل لها نهر ويبدأ بالتوبة مراعيا(1/726)
ذي الحجة فرض مرة على الفور في الأصح وشروط فرضيته ثمانية على الأصح الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والوقت والقدرة على الزاد ولو بمكة بنفقة وسط والقدرة على راحلة مختصة به أو على شق محمل بالملك أو الإجارة لا الإباحة والإعارة لغير أهل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شروطها من رد المظالم إلى أهلها عند الإمكان وقضاهما قصر فيه من العبادات والندم على تفريطه والعزم على أن لا يعود والاستحلال من ذوي الخصومات والمعاملات اهـ من السيد ملخصا قوله: "بقاع مخصوصة" هي الكعبة وعرفات قوله: "بفعل مخصوص" بأن يكون محرما بنية الحج سابقا وطائفا في زمن من ابتداء طلوع فجر النحر ويمتد إلى آخر العمر واقفا في زمن من زوال يوم عرفة إلى طلوع فجر النحر قوله: "وهي شوال الخ" فائدة التوقيت بها أنه لو فعل شيئا من أفعال الحج خارجها لا يجزيه وأنه يكره الإحرام قبلها وإن أمن على نفسه من المحظور لشبهه بالركن وإطلاقها يفيد التحريم در قوله: "وذو القعدة" بفتح القاف وكسرها درر قوله: "فرض مرة على الفور" عند أبي يوسف وفي العمر عند محمد اعلم أن وقت الحج في اصطلاح الأصوليين يسمى مشكلا لأن فيه جهة المعيارية والظرفية فمن قال بالفور لا يقول بأن من أخره عن العام الأول يكون فعله قضاء ومن قال بالتراخي لا يقول بأن من أخره لا يأثم أصلا كما إذا أخر الصلاة عن الوقت الأول بل جهة المعيارية راجحة عند القائل بالفور حتى أن من أخر يفسق وترد شهادته لكن إذا حج بالأخرة كان أداء لا قضاء وجهة الظرفية راجحة عند القائل بخلافه حتى إذا أداه بعد العام الأول لا يأثم بالتأخير لكن لو مات ولم يحج أثم أيضا عنده در قوله: "الإسلام" فلا يجب على الكافر حتى لو ملك ما به الاستطاعة ثم أسلم بعد ما افتقر لا يجب عليه شيء بتلك الاستطاعة بخلاف ما لو ملكه مسلما فلم يحج حتى افتقر حيث يتقرر وجوبه دينا في ذمته ذكره العلامة نوح عن الفتح وهذا على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة وقال العراقيون بخاطبهم فيكون على قولهم من شرائط الصحة قوله: "والعقل والبلوغ والحرية" إنما اشترطت هذه لما روي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه أن يحج حجة أخرى" واعلم أنه لا يجب عليه وأن أذن له مولاه فلو حج بإذن مولاه أو بغيره لا يقع عن حجة الإسلام أفاده العلامة نوح قوله: "والوقت" أي وقت الطواف والوقوف ويحتمل أن المراد الوقت الذي يحصل فيه الحج وهو يختلف باختلاف البلدان قوله: "والقدرة على الزاد" الذي يصح به بدنه فالمعتاد للحل ونحوه إذا قدر على خبز وجبن لا يعد قادرا در قوله: "بنفقة وسط" أي من غير إسراف ولا تقتير قوله: "على راحلة مخصة به" فإن لم يقدر على ركوب المقتب اشترط القدرة على المحارة قال صاحب البحر عند ذكر الراحلة أنه لو قدر على غير الراحلة من بغل أوحمار لم يجب ولم أره وإنما صرحوا بالكراهة قال أبو السعود(1/727)
مكة ومن حولهم إذا أمكنهم المشي بالقدم والقوة بلا مشقة وإلا فلا بد من الراحلة مطلقا. وتلك القدرة فاضلة عن نفقته ونفقته عياله إلى حين عوده وعما لا بد منه - كالمنزل وأثاثه وآلات المحترفين - وقضاء الدين ويشترط العلم بفرضية الحج لمن أسلم بدار الحرب والكون بدار الإسلام وشروط وجوب الأداء خمسة على الأصح: صحة البدن وزوال المانع الحسي عن الذهاب للحج وأمن الطريق وعدم قيام العدة وخروج محرم ولو من رضاع أو مصاهرة مسلم مأمون عاقل بالغ أو زوج لا امرأة في سفر والعبرة بغلبة السلامة برا وبحرا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في حاشية الأشباه تصريحهم بالكراهة يدل على عدم الوجوب إذ لو كان واجبا لما كره لأن الواجب لا يتصف بالكراهة وتمامه فيه قوله: "لا الإباحة" فلو وهب له ابنه ما لا يحج به لم يجب قبوله لأن شرائط الوجوب لا يجب تحصيلها قوله: "لغير أهل مكة" مرتبط بقوله والقدرة على راحلة قوله: "إذا أمكنهم المشي" فيجب عليهم لشبهه بالسعي إلى الجمعة قوله: "إلى حين عوده" وقيل بعده بيوم وقيل بشهر در قوله: "كالمنزل" أي ومرمته ولا يلزم بيع ما استغنى عنه من بعض منزله ليحج به نعم هو الأفضل وكذا لا يلزمه لوكان عنده ما لو اشترى به مسكنا وخادما لا يبقى بعده ما يكفي للحج كما في الخلاصة وقالوا: لو لم يحج حتى أتلف ماله وسعه أن يستقرض ويحج ولو غير قادر على وفائه ويرجى أن لا يؤاخذه الله بذلك أي لو ناويا وفاءه إذا قدر كما قيده به في الظهيرية قوله: "أو الكون بدار الإسلام" وإن لم يعلم فيكون وجوده في دار الإسلام علما وحكما سواء نشأ على الإسلام أو لا ذكره السيد قوله: "صحة البدن" أي مع البصر قوله: "وزوال المانع الحسي عن الذهاب" كالحبس وكذا يشترط أن لا يكون خائفا من سلطان يمنع منه قوله: "وأمن الطريق" بأن يكون الغالب السلامة ولو بالرشوة وقتل بعض الحجاج عذر قوله: "وعدم قيام العدة" من طلاق بائن أو رجعي أو وفاة لقوله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] والحج يمكن أداؤه في وقت آخر غاية البيان قوله: "وخروج محرم" ولو عبدا أو ذميا لا امرأة ولو عجوزا وتجب نفقة المحرم عليها لأنه محبوس عليها وليس لزوجها منعها عن حجة الإسلام ولو حجت بلا محرم جاز مع الكراهة در قوله: "مسلم" الأولى أن يقول غير مجوسي كما في التنوير لما مر أنه يكفي الذمي قوله: "مأمون" خرج الفاسق فإنه لا يحفظ كالمجوسي قوله: "بالغ" المراهق كالبالغ جوهرة قوله: "أو زوج لامرأة في سفر" اختلف في أن الزوج أو المحرم شرط الوجوب أو شرط الأداء على حسب اختلافهم في أمن الطريق وتظهر ثمرة الخلاف في وجوب الوصية وفي وجوب نفقة المحرم وراحلته إذا أبى أن يحج معها لا بالزاد منها والراحلة وفي وجوب التزوج عليها ليحج بها إن لم تجد محرما فمن قال هو شرط الوجوب وصححه في البدائع قال لا يجب عليها شيء لأن شروط الوجوب لا يجب تحصيلها ولذا لو أبيح له المال كان له الامتناع من القبول حتى لا يجب الحج عليه(1/728)
على المفتى به ويصح أداء فرض الحج بأربعة أشياء للحر الإحرام والإسلام وهما شرطان ثم الإتيان بركنيه وهما الوقوف محرما بعرفات لحظة من زوال يوم التاسع إلى فجر يوم النحر يشرط عدم الجماع قبله محرما والركن الثاني هو أكثر طواف الإفاضة في وقته وهو ما بعد طلوع فجر النحر وواجبات الحج إنشاء الإحرام من الميقات ومد الوقوف بعرفات إلى الغروب والوقوف بالمزدلفة فيما بعد فجر يوم النحر وقبل طلوع الشمس ورمي الجمار وذبح القارن والمتمنع والحلق وتخصيصه بالحرم وأيام النحر وتقديم الرمي على الحلق ونحر القارن والمتمتع بينهما وإيقاع طواف الزيادة في أيام النحر والسعي بين الصفا والمروة في أشهر الحج وحصوله بعد طواف معتد به والمشي فيه لمن لا عذر له وبداءة السعي بين الصفا والمروة في أشهر الحج وحصوله بعد طواف معتد به والمشي فيه لمن لا عذر له وبداءة السعي من الصفا وطواف الوداع وبداءة كل طواف بالبيت من الحجر الأسود والتيامن فيه والمشي فيه لمن لا عذر له والطهارة من الحدثين وستر العورة وأقل الأشواط بعد فعل الأكثر من طواف الزيارة وترك المحظورات كلبس الرجل المخيط وستر رأسه ووجهه وستر المرأة وجهها والرفث والفسوق والجدال وقتل الصيد والإشارة إليه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ومن قال أنه شرط الأداء أوجب عليها جميع ذلك قوله: "وهما شرطان" أي للصحة قوله: "بشرط عدم الجماع قبله محرما" فإن فعل ذلك فسد حجه وعليه أن يمضي فيه كالصحيح وأن يقضي من قابل قوله: "هو أكثر طواف الإفاضة" وهو أربعة أشواط والثلاثة الباقية واجبة يجبر تركها بالدم قوله: "وهو ما بعد طلوع فجر النحر" إلى آخر العمر والواجب فعله أيام النحر قوله: "إلى الغروب" الغاية داخلة في المغيالان الواجب إدراك لحظة من الليل إن وقف نهارا قوله: "والحلق" أي أو التقصير قوله: "وتخصيصه" أي الحلق قوله: "وتقديم الرمي" أي عند الإمام قوله: "بينهما" أي بين الرمي والحلق فهو على ترتيب حروف رذح قوله: "وحصوله" أي السعي قوله: "وبداءة السعي من الصفا فلو بدأ بالمروة لا يعتد بالشوط الأول في الأصح" قوله: "وطواف الوداع" أي للآفاقي قوله: "وبداءة كل طواف بالبيت من الحجر الأسود" قيل فرض للمواظبة وقيل سنة قوله: "والطهارة من الحدثين" على المذهب قيل والخبثية من ثوب وبدن ومكان طواف والأكثر على إنها سنة مؤكد قوله: "وستر العورة" وبكشف ربع العضو فأكثر يجب الدم ومن الواجب صلاة ركعتين لكل أسبوع من أي طواف كان فلو تركها هل عليه دم قيل نعم فيوصي به ومنه كون الطواف وراء الحطيم قوله: "وترك المحظورات الخ" الضابط أن كل ما يجب بتركه دم فهو واجب قوله: "كلبس الرجل المخيط" وجاز للمرأة قوله: "وستر رأسه" هو وما بعده بالجر بالعطف على لبس قوله: "والرفث" ذكر الجماع بحضرة النساء قوله: "والفسوق" أي الخروج عن طاعة الله فإنه من المحرم أشنع قوله: "والجدال" أي المخاصمة مع المكارين والرفقة قوله: "والإشارة" أي في الحاضر.(1/729)
والدلالة عليه وسنن الحج منها الاغتسال ولو لحائض ونفساء أو الوضوء إذا أراد الإحرام ولبس أزار ورداء جديدين أبيضين والتطيب وصلاة ركعتين والإكثار من التلبية بعد الإحرام رافعا بها صوته متى صلى أو علا شرفا أو هبط واديا أو لقي ركبا وبالأسحار وتكريرها كلما أخذ فيها والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الجنة وصحبة الأبرار والاستعاذة من النار واغسل لدخول مكة ودخولها من باب المعلاة نهارا والتكبير والتهليل تلقاء البيت الشريف والدعاء بما أحب عند رؤيته وهو مستجاب وطواف القدوم ولو في غير أشهر الحج والاضطباع فيه والرمل إن سعى بعده في أشهر الحج والهرولة فيما بين الميلين الأخضرين للرجال والمشي على هينة في باقي السعي والإكثار من الطواف
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "والدلالة عليه" أي في الغائب قوله: "والحائض ونفساء" فهو للنظافة والتيمم له عند العجز ليس بمشروع وينوي به الإحرام ليحصل الأجر التام وشرط لنيل السنة أن يحرم وهو على طهارة وهو أفضل من الوضوء قوله: "ولبس إزار ورداء" أولهما الستر العور وثانيهما الستر الكتفين فإن الصلاة مع كشفهما أو كشف أحدهما مكروهة منلا علي قوله: "جديدين" تشبيها بكفن الميت وهما أفضل من الغسيلين وقوله أبيضين هو أفضل من لون آخر وهذا بيان للسنة وإلا فستر العورة كاف قوله: "والتطيب" أي لبدنه لا ثوبه وله أن يتطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام خلافا لمحمد قوله: "وصلاة ركعتين" ينوي فيهما سنة الأحرام ليحرز فضيلة السنة يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص لحديث ورد بذلك ولما فيهما من البراءة عن الشرك وتحقيق التوحيد ويقول بعد الصلاة اللهم إني أريد الحج أو العمرة أو الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني وفي الأفراد يفرد قوله: "رافعا بها صوته" أي رفعا وسطا قوله: "وتكريرها" أي ثلاثا وقوله كلما أخذ فيها أي شرع فيها قوله: "والصلاة" عطف على التلبية قوله: "وصحبة الأبرار" أي في جنة النعيم قوله: "ودخولها من باب المعلاة" أي من ثنية كداء بالفتح والمد الثنية العليا بأعلى مكة عند المقبرة ولا ينصرف للعلمية والتأنيث وتسمى تلك الجهة المعلى اهـ مصباح ذكره السيد وفي نسخ المعلى وهو الأولى وترك الحاج ذلك في هذه الأيام قوله: "والتكبير والتهليل" أي حين مشاهدة البيت المكرم ومعناه الله أكبر من الكعبة والتوحيد لئلا يقع نوع شرك در قوله: "وطواف القدوم" أي للآفاقي قوله: "والاضطباع" هو أن يجعل قبل شروعه فيه رداءه تحت إبطه الأيمن ملقيا طرفه على كتفه الأيسر وهو سنة قوله: "والرمل" هو المشي بسرعة مع تقارب الخطأ وهز الكتفين في الثلاثة الأول استنانا فلو تركه أو نسيه في الثلاثة الأول لم يرمل في الباقي ولو زحمه الناس وقف حتى يجد فرجة قوله: "إن سعى بعده" فظاهره أنه لا يطلب الرمل في طواف القدوم إلا لمن أراد السعي بعده وسيأتي له ذلك في الفصل الآتي قوله: "الميلين الأخضرين" المتخذين في جدار البيت قوله: "للرجال" راجع إلى الرمل والهر وله قوله:(1/730)
وهو أفضل من صلاة النفل للآفاقي والخطبة بعد صلاة الظهر يوم سابع الحجة بمكة وهي خطبة واحدة بلا جلوس يعلم المناسك فيها والخروج بعد طلوع الشمس يوم التروية من مكة لمنى والمبيت بها ثم الخروج منها بعد طلوع الشمس يوم عرفة إلى عرفات فيخطب الإمام بعد الزوال قبل صلاة الظهر والعصر مجموعة جمع تقديم مع الظهر خطبتين يجلس بينهما والاجتهاد في التضرع والخشوع والبكاء بالدموع والدعاء للنفس والوالدين والإخوان بما شاء من أمر الدارين في الجمعين والدفع بالسكينة والوقار بعد الغروب من عرفات والنزول من مزدلفة مرتفعا عن بطن الوادي بقرب جبل قزح والمبيت بها ليلة النحر والمبيت بمنى أيام منى بجميع أمتعته وكره تقديم ثقله إلى مكة إذ ذاك ويجعل منى عن يمينه ومكة عن يساره حال الوقوف لرمي الجمار وكونه راكبا حالة رمي جمرة العقبة في كل الأيام وماشيا في الجمرة الأولى التي تلي المسجد والوسطى والقيام في بطن الوادي حالة الرمي وكون الرمي في اليوم الأول فيما بين طلوع الشمس وزوالها وفيما بين الزوال وغروب الشمس في باقي الأيام وكره الرمي في اليوم الأول والرابع فيما بين طلوع الفجر والشمس وكره في الليالي الثلاث وصح لأن الليالي كلها تابعة لما بعدها من الأيام إلى الليلة التي تلي عرفة حتى صح فيها الوقوف بعرفات وهي ليلة العيد وهي ثلاث فإنها تابعة لما قبلها أو المباح من أوقات الرمي ما بعد الزوال إلى غروب الشمس من اليوم الأول وبهذا علمت أوقات الرمي كلها جوازا أو كراهة واستحبابا ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"وهو أفضل الخ" وعكسه للمقيم بالحرم زمن الموسم وفي غيره الأفضل له الطواف أيضا ذكره صاحب البحر قوله: "والخطبة" الخطب تخص الإمام أو نائبه قوله: "بعد صلاة الظهر" وكره قبله در قوله "والخروج" عطف على السنن قوله: "يوم التروية" هو ثامن ذي الحجة قوله: "إلى عرفات" من طريق ضب قوله: "مجموعة" حال من العصر قوله: "خطبتين " يعلم فيهما المناسك التي هي إلى الخطبة الثالثة وهي الوقوف بعرفة والمزدلفة والإفاضة منهما ورمي جمرة العقبة يوم النحر والذبح وطواف الزيارة والحلق قوله: "في الجمعين" متعلق بقوله والاجتهاد الخ قوله: "والنزول بمزدلفة" وكلها موقف الإبطن محسر وهو معلوم قوله: "بقرب جبل" بضم ففتح لا ينصرف للعلمية والعدل عن قازح بمعنى مرتفع والأصح أنه المشعر الحرام قوله: "وكره تقديم ثقله" بفتحتين متاعه وخدمه وكذا يكره للمصلي جعل نحو ثقله خلفه لشغل قلبه وهذا إذا أمن في إبقائه في منى وإلا فلا كراهة أي في تقديمه قوله: "إذ ذاك" أي أيام الرمي والمبيت بها وظاهر كلامهم أن كراهة التقديم تحريمية لأن عمر أدب عليه ولا يؤدب على المكروه تنزيها اهـ ذكره السيد قوله: "التي تلي المسجد" أي مسجد الخيف قوله: "التي تلي عرفة" أي تأتي بعد يوم عرفة.(1/731)
السنة هدي المفرد بالحج والأكل منه ومن هدي المتطوع والمتعة والقران فقط ومن السنة لخطبة يوم النحر مثل الأولى يعلم فيها بقية المناسك وهي ثالثة خطب الحج وتعجيل النفر إذا أراده من منى قبل غروب الشمس من اليوم الثاني عشر وإن أقام بها حتى غربت الشمس من اليوم الثاني عشر فلا شيء عليه وقد أساء وإن أقام بمنى إلى طلوع فجر اليوم الرابع لزمه رميه ومن السنة النزول بالمحصب ساعة بعد ارتحاله من منى وشرب ماء زمزم والتضلع منه واستقبال البيت والنظر إليه قائما والصب منه على رأسه وسائر جسده وهو لما شرب له من أمور الدنيا والآخرة ومن السنة التزام الملتزم وهو أن يضع صدره ووجهه عليهم والتشبث بالأستار ساعة داعيا بما أحب وتقبيل عتبة البيت ودخوله بالأدب والتعظيم ثم لم يبق عليه أعظم القربات وهي زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فينويها عند خروجه من مكة من باب شبيكة من الثنية السفلى وسنذكر للزيارة فصلا على حدته إن شاء الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "والمتعة والقران" أي إلا كل منهما قوله: "فقط" أما هدي الجنايات فلا يأكل منه قوله: "لزمه رميه" وإن قدم الرمي فيه على الزوال جاز فإن وقت الرمي فيه من الفجر إلى الغروب وأما في الثاني والثالث فمن الزوال إلى طلوع الشمس در قوله: "بالمحصب" بضم ففتحتين الأبطح وليست المقبرة منه وهو موضع بقرب مكة يقال له الأبطح ذو حصى والتحصب النزول فيه وذكر في المبسوط أنه سنة عندنا حتى لو تركه يصير مسيئا منلا مسكين قوله: "والتضلع" أي الامتلاء منه فإنه علامة الإيمان قوله: "واستقبال البيت والنظر إليه" أي حال الشرب قوله: "التزام الملتزم" وهو ما بين الحجر وباب البيت قوله: "والتشبث" أي التعلق بالأستار كالمستجير المتشفع بها والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/732)
فصل في كيفية ترتيب أفعال الحج
...
فصل: في كيفية تركيب أفعال الحج
إذا أراد الدخول في الحج أحرم من الميقات كرابغ فيغتسل أو يتوضأ والغسل أحب وهو التنظيف فتغتسل المرأة الحائض والنفساء إذا لم يضرهم ويستحب كمال النظافة كقص الظفر والشارب ونتف الإبط وحلق العانة وجماع الأهل والدهن ولو مطيبا ويلبس
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في كيفية تركيب أفعال الحج
قوله: "كرابغ" هو بكسر الموحدة واد بين الحرتين قريب من البحر وهو قبل الجحفة بشيء قليل على يسار الذاهب إلى مكة قوله: "ولو مطيبا" ولا يضر بقاء أثر الطيب بعد.(1/732)
الرجل إزار أو رداء جديدين أو غسيلين والجديد الأبيض أفضل ولا يزره ولا يعقده ولا يخلله فإن فعل كره ولا شيء عليه وتطيب وصل ركعتين وقل اللهم إني أريد الحج فيسره لي وتقبل مني ولب دبر صلاتك تنوي بها الحج وهي لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك ولا تنقص من هذه الألفاظ شيئا وزد فيها لبيك وسعديك الخير كله بيدك لبيك والرغبة إليك والزيادة سنة فإذا لبيك ناويا فقد أحرمت فألق الرفث وهو الجماع وقيل ذكره بحضرة النساء والكلام الفاحش والفسوق والمعاصي والجدال مع الرفقاء والخدم وقتل صيد البر والإشارة إليه والدلالة عليه ولبس المخيط والعمامة والخفين وتغطية الرأس والوجه ومس الطيب وحلق الرأس والشعر ويجوز الاغتسال والاستظلال بالخيمة والمحمل وغيرهما وشد الهميان في الوسط وأكثر التلبية متى صليت أو علوت شرفا أو هبطت واديا أو لقيت ركبا بالأسحار رافعا صوتك بلا جهد مضر وإذا وصلت مكة يستحب أن تغتسل وتدخلها نهارا من باب المعلى لتكون مستقبلا في دخولك باب البيت الشريف تعظيما. ويستحب أن تكون ملبيا في دخولك حتى تأتي باب السلام فتدخل المسجد الحرام منه متواضعا خاشعا ملبيا ملاحظا جلالة المكان مكبرا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم متلطفا بالمزاحم داعيا بما أحببت فإنه يستجاب عند رؤية البيت المكرم ثم استقبل الحجر الأسود مكبرا مهللا رافعا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ولا يزره" أي بأزراره وقوله ويعقده بأن يعقد طرفيه ببعضهما وقوله ولا يخلله بنحو مخيط يدخله خلاله قوله: "تنوي بها الخ" بيان للأكمل وإلا فيصح الحج بمطلق النية ولو بقلبه بشرط مقارنتها لذكر يقصد به التعظيم كتسبيح وتهليل ولو بالفارسية وإن أحسن العربية والتلبية على المذهب در قوله: "وهي لبيك" أي أقمت ببابك إقامة بعد أخرى وأجبت نداءك مرة بعد أخرى منلا علي والتثنية للتكرير وانتصابه بفعل مضمر مأخوذ من ألب بالمكان ولب إذا أقام به قوله: "إن الحمد" بكسر الهمزة وتفتح در قوله: "ولا تنقص من هذه الألفاظ شيئا" فإنه مكروه ويكون مسيأ بتركها وبترك رفع الصوت بها قوله: "وسعديك" أي أطيعك إطاعة بعد إطاعة قوله: "والرغبى إليك" أي الضراعة والمسئلة قاموس قوله: "والزيادة سنة" في النهر أنها مندوبة فإن أريد بالسنة مطلقها فلا تنافي أفاده السيد قوله: "والمعاصي" عطف تفسير قوله: "والخفين" إلا أن لا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين عند معقد الشراك قوله: "بالخيمنة والمحمل" من غير إصابة لوجهه ورأسه فلو أصاب أحدهما كره قوله: "وشد الهميان" بكسر الهاء ما توضع فيه الدراهم ومثله المنطقة والسيف والسلاح والتختم والاكتحال بغير مطيب والختان والفصد والحجامة قوله: "متى صليت" ولو نفلا قوله: "أو لقيت ركبا" أو مشاة قوله: "فإنه مستجاب عند رؤبة" عن عطاء إنه صلى الله عليه وسلم كان إذ(1/733)
يديك كما في الصلاة وضعهما على الحجر وقبله بلا صوت فمن عجز عن ذلك إلا بإيذاء تركه ومس الحجر بشيء وقبله أو أشار إليه من بعيد مكبرا مهللا حامدا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم طف آخذا عن يمينك مما يلي الباب مضطبعا وهو أن تجعل الرداء تحت الإبط الأيمن وتلقي طرفيه على الأيسر سبعة أشواط داعيا فيها بما شئت وطف وراء الحطيم وإن أردت أن تسعى بين الصفا والمروة عقب الطواف فارمل في الثلاثة الأشواط الأول وهو المشي بسرعة مع هز الكتفين كالمبارز يتبختر بين الصفين فإن زحمه الناس وقف فإذا وجد فرجة رمل لأنه لا بد له منه فيقف حتى يقيمه على الوجه المسنون بخلاف استلام الحجر الأسود لأن له بدلا وهو استقباله ويستلم الحجر كلما مر به ويختم الطواف به وبركعتين في مقام إبراهيم عليه السلام أو حيث تيسر من المسجد ثم عاد فاستلم الحجر وهذا طواف القدوم وهو سنة للآفاقي ثم تخرج إلى الصفا فتصعد وتقوم عليها حتى ترى البيت فتستقبله مكبرا مهللا ملبيا مصليا داعيا وترفع يديك مبسوطتين ثم تهبط نحو المروة على هينة فإذا وصل بطن الوادي سعى بين الميلين الأخضرين سعيا حثيثا فإذا تجاوز بطن الوادي مشى على هينة حتى يأتي المروة فيصعد عليها ويفعل كما فعل على الصفا يستقبل البيت مكبرا مهللا ملبيا مصليا داعيا باسطا يديه نحو السماء وهذا شوط ثم يعود قاصدا الصفا فإذا وصل إلى الميلين الأخضرين سعى ثم مشى على هينة حتى يأتي الصفا فيصعد عليها ويفعل كما فعل أولا وهذا شوط ثان فيطوف سبعة أشواط يبتدأ بالصفا ويختم المروة فيصعد عليها ويفعل كما فعل أولا وهذا شوط ثان فيطوف سبعة أشواط يبتدئ بالصفا ويختم بالمروة ويسعى في بطن الوادي في كل شوط منها ثم يقيم بمكة
ـــــــــــــــــــــــــــــ
رأى البيت يقول أعوذ برب البيت من الدين والفقر ومن ضيق الصدر وعذاب القبر زيلعي وفي الفتح من أهم الأدعية طلب دخول الجنة بلا حساب أوصى الإمام رجلا أن يدعو عند مشاهدة البيت باستجابة دعائه ليصير مستجاب الدعوة قوله: "ثم طف الخ" لأنه تحية المسجد الحرام قوله: "آخذا عن يمينك" فتكون الكعبة عن يسارك وجوبا قوله: "في مقام إبراهيم" هو حجر كان يقوم عليه عند نزوله عن الإبل وركوبه عند إتيانه هاجر وولده ظهر فيه أثر قدميه قوله: "فاستلم الحجر" واستلام الركن اليماني حسن ولا يسن في ظاهر الرواية ولا يستلم غيرهما من العراقي والشامي قوله: "ثم تخرج إلى الصفا" من أي باب شئت وإنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني مخزوم وهو الذي يسمى باب الصفا لا لأنه أقرب الأبواب إلى الصفا أنه سنة قوله: "على هينة" الهينة بكسر الهاء من الهون بفتح الهاء وهو السكينة فأصلها هونة فلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ذكره العلامة نوح قوله: "يستقبل البيت" هذا باعتبار ما كان وإلا فقد حال البناء بين المروة والبيت الآن ولكنه يقف مستقبلا.(1/734)
محرما ويطوف بالبيت كلما بدا له وهو أفضل من الصلاة نفلا للآفاقي فإذا صلى الفجر بمكة ثامن ذي الحجة تأهب للخروج إلى منى فيخرج منها بعد طلوع الشمس ويستحب أن يصلي الظهر بمنى ولا يترك التلبية في أحواله كلها في الطواف ويمكث بمنى إلى أن يصلي الفجر بها بغلس وينزل بقرب مسجد الخيف ثم بعد طلوع الشمس يذهب إلى عرفات فيقيم بها فإذا زالت الشمس يأتي مسجد نمرة فيصلي مع الإمام الأعظم أو نائبه الظهر والعصر بعد ما يخطب خطبتين يجلس بينهما ويصلي الفرضين بأذان وإقامتين ولا يجمع بينهما إلا بشرطين الإحرام والإمام الأعظم ولا يفصل بين الصلاتين بنافلة وإن لم يدرك الإمام صلى كل واحدة في وقتها المعتاد فإذا صلى مع الإمام يتوجه إلى الموقف وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة ويغتسل بعد الزوال في عرفات للوقوف ويقف بقرب جبل الرحمة مستقبلا مكبرا مهللا ملبيا داعيا مادا يديه كالمستطعم ويجتهد في الدعاء لنفسه ووالديه وإخوانه ويجتهد على أن يخرج من عينيه قطرات من الدمع فإنه دليل القبول ويلح في الدعاء مع قوة رجاء الإجابة ولا يقصر في هذا اليوم إذ لا يمكنه تداركه سيما إذا كان من الآفاق والوقوف على الراحلة أفضل والقائم على الأرض أفضل من القاعد فإذا غربت الشمس أفاض الإمام والناس معه على هينتهم وإذا وجد فرجة يسرع من غير أن يؤذي أحدا ويتحرز عما يفعله الجهلة من الاشتداد في السير والازدحام والإيذاء فإنه حرام حتى يأتي مزدلفة فينزل بقرب جبل قزح ويرتفع عن بطن الوادي توسعة للمارين ويصلي بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامة واحدة ولو تطوع بينهما أو تشاغل أعاد الإقامة ولم تجز المغرب في طريق المزدلفة وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر ويسن المبيت بالمزدلفة فإذا طلع الفجر صلى الإمام بالناس الفجر بغلس ثم يقف الناس معه والمزدلفة كلها موقف إلا بطن محسر ويقف مجتهدا في دعائه ويدعو الله أن يتم مراده
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ويطوف بالبيت كلما بدا له" من غير رمل وسعي قوله: "فيصلي مع الإمام الأعظم أو نائبه الخ" هو شرط عند الإمام لا عندهما فقالا لا يشترط الصحة جمع الظهر والعصر إلا الإحرام وبه قالت الثلاثة وهو الأظهر برهان قوله: "ولا يفصل بين الصلاتين بنافلة" أي غير سنة الظهر كما في منلا مسكين تبعا للذخيرة والمحيط والكافي وهو ينافي إطلاقهم التطوع والإطلاق ظهار الرواية أفاده في النهر وكذا لا يتنفل بعد صلاة العصر قوله: "وإن لم يدرك الإمام" هذا عند الإمام قوله "إلا بطن عرنة" فلا يجزىء الوقوف فيه وهو واد بحذاء عرفات عن يسار الموقف وقد رأى صلى الله عليه وسلم الشيطان فيه وأمر أن لا يقف فيه أحد قوله: "كالمستطعم" أي كالذي يطلب الطعام وهيئته كالدعى قوله: "ما لم يطلع الفجر" فإن طلع عادت إلى الجوار قوله: "محسر" بضم الميم وفتح الحاء وتشديد السين المكسورة سمي به(1/735)
وسؤاله في هذا الموقف كما أتمه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فإذا أسفر جدا أفاض الإمام والناس قبل طلوع الشمس فيأتي إلى منى وينزل بها ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها من بطن الوادي بسبع حصيات مثل حصى الخزف ويستحب أخذ الجمار من المزدلفة أو من الطريق ويكره من الذي عند الجمرة ويكره الرمي من أعلى العقبة لإيذائه الناس ويلتقطها التقاطا ولا يكسر حجرا جمارا ويغسلها ليتيقن طهارتها فإنها يقام بها قربة ولو رمى بنجسة أجزأه وكره ويقطع التلبية مع أول حصاة يرميها. وكيفية الرمي أن يأخذ الحصاة بطرف إبهامه وسبابته في الأصح لأنه أيسر وأكثر إهانة للشيطان والمسنون الرمي باليد اليمنى ويضع الحصاة على ظهر إبهامه ويستعين بالمسبحة ويكون بين الرامي وموضع السقوط خمسة أذرع ولو وقعت على ظهر رجل أو محل وثبتت أعادها وإن سقطت على سننها ذلك أجزأه وكبر بكل حصاة ثم يذبح المفرد بالحج إن أحبه ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل ويكفي فيه ربع الرأس والتقصير أن يأخذ من رؤوس شعره مقدار الأنملة وقد حل له كل شيء إلا النساء ثم يأتي مكة من يومه ذلك أو من الغد أو بعده فيطوف بالبيت طواف الزيارة سبعة أشواط وحلت له النساء وأفضل هذه الأيام أولها وإن أخره عنها لزمه شاة لتأخير الواجب ثم يعود إلى منى فيقيم بها فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من أيام النحر ومن الجمار الثلاث يبدأ بالجمرة التي تلي مسجد الخيف فيرميها سبع حصيات ماشيا يكبر بكل حصاة ثم يقف عندها داعيا بما أحب حامدا الله تعالى مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه في الدعاء ويستغفر لوالديه وإخوانه المؤمنين ثم يرمي الثانية التي تليها مثل ذلك ويقف عندها داعيا ثم يرمي جمرة العقبة راكبا ولا يقف عندها إذا كان اليوم الثالث من أيام النحر رمى الجمار الثلاث بعد الزوال كذلك وإذا أراد أن يتعجل نفر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لأن الفيل حسر وأعيا فيه فلا يجوز الوقوف فيه قوله: "كما أتمه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أي دعاءه بغفران الدماء والمظالم لأمته قوله: "مثل حصا الخزف بالزاي المعجمة كل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى يكون فخارا قاموس والذي في التنوير ورمي جمرة العقبة من بطن الوادي سبعا خذفا اهـ قال في القاموس الخذف بالذال المعجمة كالضرب رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما تأخذ بين سبابتيك تخذف به والمراد الرمي برؤس الأصابع كما في الدر وسيذكره المصنف قوله: "ويكره من الذي عند الجمرة" لأنها مردودة لحديث من قبلت حجته رفعت جمرته در قوله: "وأكثر إهانة للشيطان" لأنه لم يلتفت إليه حيث لم يرمه بكل يده بل حقره ولم يعتن به حتى رماه بأطراف أصابعه قوله: "ويضع الحصاة الخ" هذه كيفية أخرى في الرمي قوله: "وإن سقطت على سننها ذلك أجأزه" إن وقعت بقرب الجمرة وإلا لا وثلاثة أذرع بعيد وما دونها قريب جوهرة قوله: "ثم يأتي من يومه ذلك الخ" أي وجوبا موسعا.(1/736)
إلى مكة قبل غروب الشمس وإن أقام إلى الغروب كره وليس عليه شيء وإن طلع الفجر وهو بمنى في الرابع لزمه الرمي وجاز قبل الزوال والأفضل بعده وكره قبل طلوع الشمس وكل رمي بعده رميا ترميه ماشيا لتدعو بعده وإلا راكبا لتذهب عقبه بلا دعاء وكره المبيت بغير منى ليالي الرمي ثم إذا رحل إلى مكة نزل بالمحصب ساعة ثم يدخل مكة ويطوف بالبيت سبعة أشواط بلا رمل وسعي إن قدمهما وهذا طواف الوداع ويسمى أيضا طواف الصدر وهذا واجب إلا على أهل مكة ومن أقام بها ويصلي بعده ركعتين ثم يأتي زمزما فيشرب من مائها ويستخرج الماء منها بنفسه إن قدر ويستقبل البيت ويتضلع منه ويتنفس فيه مرارا ويرفع بصره كل مرة ينظر إلى البيت ويصب على جسده إن تيسر وإلا يمسح به وجهه ورأسه وينوي بشربه ما شاء. وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شربه قال: "اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء" وقال صلى الله عليه وسلم: "ماء زمزم لما شرب له" ويستحب بعد شربه أن يأتي باب الكعبة ويقبل العتبة ثم يأتي إلى الملتزم وهو "ما بين الحجر الأسود والباب" فيضع صدره ووجهه عليه ويتشبث بأستار الكعبة ساعة يتضرع إلى الله تعالى بالدعاء بما أحب من أمور الدارين ويقول "اللهم إن هذا بيتك الذي جعلته مباركا وهدى للعالمين اللهم كما هديتني له فتقبل مني ولا تجعل هذا آخر العهد من بيتك وارزقني العودة إليه حتى ترضى عني برحمتك يا أرحم الراحمين" والملتزم من الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء بمكة المشرفة. وهي خمسة عشر موضعا نقلها الكمال بن الهمام عن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "ويسمى أيضا طواف الصدر" بفتح الدال الرجوع ومثله الصدر بسكون الدال قوله: "ويتنفس فيه" أي حال الشرب قوله: "ماء زمزم لما شرب له" فينبغي أن يشربه بنية قطع ظمأ يوم العطش الأكبر كما نقله بعضهم قوله: "وهي خمسة عشر موضعا نقلها الكمال بن الهمام الخ" وقد ذكرها نظما العلامة العصامي مقيدا لها بساعات مخصوصة وزاد فيها بعض مواطن لم تذكر في تلك الرسالة فقال موافقا لما ذكره النقاش في مناسكه:
قد صرح النقاش في المناسك. ... وهي لعمري عدة للناسك.
أن الدعا في خمسة عشرة. ... يقبل حقا صاح ممن ذكره.
وهي المطاف مطلقا والملتزم. ... بنصف ليل فهو شرط ملتزم.
وداخل البيت بوقت العصر. ... بين يدي خدعيه فلتستقر.
وتحت ميزاب له وقت السحر. ... وهكذا خلف المقام المفتخر.
ثم لدى الجمار والمزدلفة. ... عند طلوع الشمس ثم عرفه.
ثم الصفا ومروة والمسعى. ... بوقت عصر فهو قيد يرعى.(1/737)
رسالة الحسن البصري رحمه الله بقوله: "في الطواف وعند الملتزم وتحت الميزاب وفي البيت وعند زمزم وخلف المقام وعلى الصفا وعلى المروة وفي السعي وفي عرفات وفي منى وعند الجمرات انتهى. والجمرات ترمى في أربعة أيام يوم النحر وثلاثة بعده كما تقدم وذكرنا استجابته أيضا عند رؤية البيت المكرم ويستحب دخول البيت الشريف المبارك إن لم يؤذ أحدا وينبغي أن يقصد مصلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه وهو قبل وجهه وقد جعل الباب قبل ظهره حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قرب ثلاثة أذرع ثم يصلي فإذا صلى إلى الجدار يضع خده عليه ويستغفر الله ويحمده ثم يأتي الأركان فيحمده ويهلل ويسبح ويكبر ويسأل الله تعالى ما شاء ويلزم الأدب ما استطاع بظاهره وباطنه وليست البلاطة الخضراء التي بين العمودين مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وما تقوله العامة من أن العروة الوثقى وهو موضع عال في جدار البيت بدعة باطلة لا أصل لها والمسمار الذي في وسط البيت يسمونه" سرة الدنيا "يكشف أحدهم عورته وسرته ويضمها عليها فعل من لا عقل له فضلا عن علم كما قاله الكمال وإذا أراد العود إلى أهله ينبغي أن ينصرف بعد طوافه للوداع وهو أن يمشي إلى ورائه ووجهه إلى البيت باكيا أو متباكيا متحسرا على فراق البيت حتى يخرج من المسجد ويخرج من مكة من باب بني شيبة من الثنية السفلى والمرأة في جميع أفعال الحج كالرجل غير أنها لا تكشف رأسها وتسدل على وجهها شيئا تحته عيدان كالقبة تمنع مسه بالغطاء ولا ترفع صوتها بالتلبية ولا ترمل ولا تهرول في السعي بين الميلين الأخضرين بل تمشي على هينتها في جميع السعي بين الصفا والمروة ولا تحلق وتقصر وتلبس المخيط ولا تزاحم الرجال في استلام الحجر وهذا تمام حج المفرد وهو دون التمتع في الفضل والقران أفضل من التمتع.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كذا منى في ليلة البدر إذا. ... يستنصف الليل فخذ ما يحتذى.
وعند بئر زمزم شرب الفحول. ... إذا دنت شمس النهار للأفول.
بموقف عند مغيب الشمس قل. ... ثم لدى الدرة ظهرا وكمل.
وقد روى هذا الوقوف طرا. ... من غير تقييد بما قد مرا.
بحر العلوم الحسن البصري عن. ... خير الورى ذاتا ووصفا وسنن.
صلى عليه الله ثم سلما. ... وآله والصحب ما غيث همى.
قوله: "من أن العروة الوثقى الخ" الأولى حذف أن أو حذف الواو من قوله وهو موضع قوله: "أو متباكيا" أي متشبها بالباكي قوله: "ولا ترفع صوتها" بل تسمع نفسها للفتنة قوله: "وتلبس المخيط" والخفين والحلي وحيضها لا يمنع نسكا إلا الطواف والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/738)
فصل القران
هو أن يجمع بين إحرام الحج والعمرة فيقول بعد صلاة ركعتي الإحرام: اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني ثم يلبي فإذا دخل مكة بدأ بطواف العمرة سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأولى فقط ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يخرج إلى الصفا ويقوم عليه داعيا مكبرا مهللا ملبيا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يطوف طواف القدوم للحج ثم يتم أفعال الحج كما تقدم فإذا رمى النحر جمرة العقبة وجب عليه ذبح شاة أو سبع بدنة فإذا لم يجد فصيام ثلاثة أيام قبل مجيء يوم النحر من أشهر الحج وسبعة أيام بعد الفراغ من الحج ولو بمكة بعد مضي أيام التشريق ولو فرقها جاز
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل القران.
هو مصدر قرن بين الحج والعمرة إذا جمع بينهما قوله: "ثم يطوف الخ" فإن أتى بطوافين متواليين ثم سعى سعيين لهما جاز وأساء ولا دم عليه فإن وقف القارن بعرفة قبل أكثر الطواف لها بطلت عمرته وقضيت ووجب دم الرفض وسقط دم القران قوله: "فصيام ثلاثة أيام" آخرها يوم عرفة فإن فاتت الثلاثة تعين الدم والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/739)
فصل التمتع
هو أن يحرم بالعمرة فقط من الميقات فيقول بعد صلاة ركعتي الإحرام: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني ثم يلبي حتى يدخل مكة فيطوف لها ويقطع التلبية بأول طوافة ويرمل فيه ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يسعى بين الصفا والمروة بعد الوقوف على الصفا كما تقدم سبعة أشواط ثم يحلق رأسه أو يقصر إذا لم يسبق الهدى وحل له كل شيء من الجماع وغيره وإن ساق الهدى لا يتحلل من عمرته
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل التمتع
هو من المتاع أو المتعة لأنه يتمتع أي يرتفق بارتفاقات الحلال بين العمرة والحج قوله: "هو أن يحرم بالعمرة" ويطوف ولو أكثر أشواطها في أشهر الحج قوله: "وإن ساق الهدي" أي هدي المتعة معه وقوله لا يتحلل من عمرته أي إلا بعد الفراغ من الحج قوله:(1/739)
فإذا جاء يوم التروية يحرم بالحج من الحرام ويخرج إلى منى فإذا رمى جمرة العقبة يوم النحر لزمه ذبح شاة أو سبع بدنه فإن لم يجد صام ثلاثة أيام قبل مجيء يوم النحر وسبعة إذا رجع كالقارن فإن لم يصيم؟؟ الثلاثة حتى جاء يوم النحر تعين عليه ذبح شاة ولا يجزئه صوم ولا صدقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
"يحرم بالحج" أي في سفر واحد حقيقة أو حكما بأن يلم بأهله إلماما غير صحيح وإحرامه يكون يوم التروية وقبله أفضل قوله: "لزمه ذبح شاة" شكرا لما أنعم الله تعالى عليه حيث وفق لأداء النسكين قوله: "صام ثلاثة أيام" بعد إحرامها في أشهر الحج وتأخيره بحيث يكون آخرها يوم عرفة أفضل رجاء وجود الهدى والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/740)
فصل العمرة
سنة وتصح في جميع السنة وتكره يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق وكيفيتها أن يحرم لها من مكة من الحل بخلاف إحرامه للحج فإنه من الحرم. وأما الآفاقي الذي لم يدخل مكة فيحرم إذا قصدها من الميقات ثم يطوف ويسعى لها ثم يحلق وقد حل منها كما بيناه بحمد الله.
"تنبيه" وأفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم الجمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة رواه صاحب معراج الدراية بقوله وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الأيام يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة" ذكره في تجريد الصحاح بعلامة الموطأ وكذا قال الزيلعي شارح الكنز. والمجاورة بمكة مكروهة عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى لعدم القيام بحقوق البيت الحرام ونفى الكراهة صاحباه رحمهما الله تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل العمرة سنة
أي مؤكدة على المذهب وصحح في الجوهرة وجوبها وهي إحرام وطواف وسعي وحلق أو تقصير فالإحرام شرط ومعظم الطواف ركن وغيرهما واجب هو المختار ويفعل فيها كفعل الحاج قوله: "وتكره يوم عرفة" وجازت في غير ما ذكر وندبت في رمضان قوله: "وهو أفضل من سبعين حجة في غير جمعة" ويغفر لكل من الواقفين بغير واسطة قوله: "لعدم القيام بحقوق البيت والحرم" فمن يثق من نفسه بالقيام بالحقوق فلا كراهة عليه والمجاورة بالمدينة كالمجاورة بمكة قوله: "ونفى الكراهة صاحباه" في شرح السيد عن العلامة نوح وقالا المجاورة بها مستحبة وعليه الفتوى وحج الغني أفضل من حج الفقير وحج الفرض.(1/740)
.....................................................................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أولى من طاعة الوالدين بخلاف النفل وبناء الرباط أفضل من حج النفل واختلف في الصدقة ورجح في البزازية أفضلية الحج لمشقته في المال والبدن جميعا قال وبه أفتى أبو حنيفة حين حج وعرف المشقة ولا يجوز شراء الكسوة من بني شيبة بل من الإمام أو نائبه وله لبسها ولو جنبا أو حائضا ولا يقتل في الحرم إلا إذا قتل فيه ولو قتل في البيت لا يقتل فيه ويكره الاستنجاء بماء زمزم لا الاغتسال ولا حرم للمدينة عندنا ومكة أفضل منها على الراجح إلا ما ضم أعضاءه صلى الله عليه وسلم فإنه أفضل حتى من الكعبة والعرش والكرسي اهـ من الدر المختار آخر الكتاب.(1/741)
باب الجنايات
هي على قسمين: جناية على الإحرام وجناية على الحرم والثانية لا تخص المحرم وجناية المحرم على أقسام: منها ما يوجب دما ومنها ما يوجب صدقة وهي نصف صاع من بر ومنها ما يوجب دون ذلك ومنها ما يوجب القيمة وهي جزاء الصيد ويتعدد الجزاء بتعدد القاتلين المحرمين فالتي توجب دما هي ما لو طيب محرم بالغ عضوا أو خضب رأسه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
باب الجنايات
جمع جناية وهي ما يجنيه من شيء أي يحدثه إلا أنه خص بما يحرم من الفعل وأصله من جني الثمر وهو أخذه من الشجر وهو مصدر وأريد به الحاصل بالمصدر بدليل جمعها والمصدر لا يجمع منلا مسكين والمراد هنا خاص منه وهي ما تكون حرمته بسبب الإحرام أو الحرم نهر قاله السيد قوله: "منها ما يوجب دما" وقد يجب بها دمان كجناية القارن والدم حيث أطلق يراد به الشاة وهي تجزىء في كل شيء إلا في موضعين الأول إذا جامع بعد الوقوف بعرفة قبل الحلق والثاني إذا طاف للزيارة جنبا أو حائضا أو نفساء فإن الواجب في هذين الموضعين البدنة قوله: "هي نصف صاع من بر" كل صدقة في الإحرام غير مقدرة فهي نصف صاع إلا ما يجب بقتل القمل والجراد فإنه يطعم ما شاء ذكره السيد وأشار إلى ذلك بقوله ومنها ما يوجب دون ذلك.
قوله: "ويتعدد الجزاء بتعدد القاتلين المحرمين" قال في التنوير وشرحه ولو قتل محرمان صيدا تعدد الجزاء لتعدد الفعل ولو حلالان صيد الحرم لا لاتحاد المحل قوله: "هي ما لو طيب محرم بالغ عضوا" ولو ناسيا أو جاهلا أو مكرها وشمل العضو الفم ولو بأكل طيب كثير وما يبلغ عضوا لو جمع والبدن كله كعضو واحدان اتحد المجلس وإلا فلكل طيب كفارة ولو ذبح ولم يزله لزمه دم آخر لتركه وأما الثوب المطيب أكثره فيشترط(1/741)
بحناء أو ادهن بزيت ونحوه أو لبس مخيطا أو ستر رأسه يوما كاملا أو حلق ربع رأسه أو محجمه أو أبعد إبطيه أو عانته أو رقبته أو قص أظافر يديه ورجليه بمجلس أو يدا أو رجلا أو ترك واجبا مما تقدم بيانه وفي أخذ شاربه حكومة والتي توجب الصدقة بنصف صاع من بر أو قيمته هي ما لو طيب أقل من عضو أو لبس مخيطا أو غطى رأسه أقل من يوم أو حلق أقل من ربع رأسه أو قص ظفرا وكذا لكل ظفر نصف صاع إلا أن يبلغ المجموع دما فينقص ما شاء منه كخمسة متفرقة وطاف للقدوم أو الصدر محدثا وتجب شاة ولو طاف جنبا أو ترك شرطا من طواف الصدر وكذا لكل شوط من أقله حصاة من إحدى الجمار وكذا لكل حصاة فيما لم يبلغ رمي يوم وإلا إن لم يبلغ دما فينقص ما شاء أو حلق رأس غيره أو قص أظافره وإن تطيب أو لبس أو حلق بعذر تخير بين الذبح أو التصدق بثلاثة أصوع على ثلاثة مساكين أو صيام ثلاثة أيام. والتي توجب أقل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
للزوم الدم دوام لبسه يوما وأخرج بالبالغ الصبي فلا شيء عليه والطيب كل جسم له رائحة طيبة مستلذة ويتخذ منه الطيب كالمسك والكافور والعنبر والعود والغالية وهي المجموع من هذه الأربعة وأخرج بالمحرم الحلال لأن الحلال لو طيب عضوا ثم أحرم فانتقل منه إلى مكان آخر من بدنه فلا شيء عليه اتفاقا وقيد بالعضو لأن تطييب ما دونه فيه صدقة قوله: "أو خضب رأسه بحناء" رقيق أما المتلبد ففيه دمان در قوله: "ونحوه" كشيرج وإن كان خالصا قوله: "أو لبس مخيطا" أي لبسا معتادا فلو اتزر به أو وضعه على كتفيه فلا شيء عليه قوله: "أو ستر رأسه" أي بمعتاد فلو ستره بحمل إجانة أو عدل فلا شيء عليه قوله: "يوما كاملا" أي أو ليلة كاملة والزائد على اليوم كاليوم وإن نزعه ليلا وأعاده نهارا ما لم يعزم على ترك لبسه عند النزع فإن عزم عليه ثم لبس تعدد الجزاء كفر للأول أو لا قوله: "أو حلق ربع رأسه الخ" أي أزال ربع رأسه أو ربع لحيته قوله: "أو محجمه" عطف على ربع أي واحتجم وإلا فصدقة در.
قوله: "وفي أخذ شاربه حكومة" أي حكومة عدل كذا في السيد والذي في التنوير أن فيه صدقة ولعل مراده بالحكومة أن ينظر العدل ما مقداره من ربع اللحية فيؤخذ من الدم بحسابه قوله: "بنصف صاع" الباء للتصوير أو الصدقة بمعنى التصدق والباء للتعدية قوله: "أو طاف للقدوم أو للصدر محدثا" وفي الفتح ولو طاف للعمرة جنبا أو محدثا فعليه دم وكذا لو ترك من طوافها شوطا لأنه لا مدخل للصدقة في العمرة.
قوله: "أو ترك شوطا من طواف الصدر" عطف على ما تجب فيه صدقة قوله: "وكذا لكل شوط من أقله" أي الصدر وكذا لكل شوط من السعي قوله: "فيما لم يبلغ رمى يوم" أما إذا بلغه أو أكثره ففيه دم قوله: "أو حلق رأس غيره" محرما كان ذلك الغير أو حلالا(1/742)
من نصف صاع فهي ما لو قتل قملة أو جرادة فيتصدق بما شاء. والتي توجب القيمة فهي ما لو قتل صيدا فيقومه عدلان في مقتله أو قريب منه فإن بلغت هديا فله الخيار إن شاء اشتراه وذبحه أو اشترى طعاما وتصدق به لكل فقير نصف صاع أو صاع عن طعام كل مسكين يوما وإن فضل أقل من نصف صاع تصدق به أو صام يوما وتجب قيمة ما نقص بنتف ريشه الذي لا يطير به وشعره وقطع عضو لا يمنعه الامتناع به وتجب القيمة بقطع بعض قوائمه ونتف ريشه وكسر بيضه ولا يجاوز عن شاة بقتل السبع وإن صال لا شيء بقتله ولا يجزئ الصوم بقتل الحلال صيد الحرم ولا بقطع حشيش الحرم وشجره النابت بنفسه وليس مما ينبته الناس بالقيمة وحرم رعي حشيش الحرم وقطعه إلا الإذخر والكمأة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا بخلاف ما لو طيب عضو غيره أو ألبسه مخيطا فإنه لا شيء عليه إجماعا قوله: "فهي ما لو قتل قملة" من بدنه أو ألقاها أو ألقى ثوبه في الشمس لتموت ويجب في الكثير منه وهو ما زاد على ثلاثة نصف صاع ويجب الجزاء في القمل بالدلالة عليه كالصيد قوله: "وذبحه" أي في الحرم قوله: "وتصدق به" أي أين شاء قوله: "لكل فقير نصف صاع" حكمه كالفطرة.
قوله: "أو صام عن طعام كل مسكين يوما" ولو متفرقا قوله: "أو صام يوما" وكذا لو كان الواجب أقل من الصدقة ابتداء قوله: "وتجب قيمة ما نقص بنتف ريشه" فيقوم الصيد سليما وجريحا فيغرم ما بين القيمتين وهذا إذا برىء وبقي أثره وإلا فلا يضمن لزوال الموجب قوله: "ونتف ريشه" أي الذي يخرج به من حيز الامتناع قوله: "وكسر بيضة" أي غير المذر قوله: "بقتل السبع" المراد به حيوان لا يؤكل ولو خنزيرا أو فيلا.
قوله: "النابت بنفسه" لكن إن كان ذلك في غير ملك وجبت قيمة واحدة وإلا فقيمتان قيمة لمالكه وأخرى لحق الشرع وتجب القيمة إلا فيما جف أو انكسر أو ذهب بحفر كانون أو ضرب فسطاط در واعلم أن شجر الحرم أربعة أنواع ثلاثة منها يحل قطعها والانتفاع بها بلا جزاء وواحدة منها لا يحل قطعها ولا الانتفاع بها بدون الجزاء أما الثلاثة الأول فكل شجر أنبته الناس وهو من جنس ما ينبته الناس وكل شجر أنبته الناس وهو ليس من جنس ما ينبته الناس وكل شجر نبت بنفسه وهو من جنس ما ينبته الناس وأما الواحدة فهي كل شجر نبت بنفسه وهو ليس من جنس ما ينبته الناس ذكره السيد.
قوله: "وليس مما ينبته الناس" فلو كان من جنسه فلا شيء عليه در قوله: "وحرم رعى حشيش الحرم" أي بدابة قوله: "وقطعه" أي بنحو منجل قوله: "والكمأة" لأنها كالشجر الجاف والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/743)
فصل ولا شيء بقتل غراب
واحد وعقرب وفأرة وحية وكلب عقور وبعوض ونمل وبرغوث وقرد وسلحفاة وما ليس بصيد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل قوله: "ولا شيء بقتل غراب"
إلا العقعق در قوله: "وحدأة" بكسر ففتحتين قوله: "ونمل" لكن لا يحل قتل ما لا يؤذى وقالوا: لا يحل قتل الكلب الأهلي إذا لم يؤذ والأمر بقتل الكلاب منسوخ قوله: "وسلحفاة" بضم ففتح فسكون قوله: "وما ليس بصيد" فليس بقتل جميع هوام الأرض شيء لأنها ليست بصيود ولا متولدة من البدن ومثله الفراش والذباب والوزغ والزنبور والقنفذ والصرصر والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/744)
فصل الهدي
أدناه شاة وهو من الإبل والبقر والغنم وما جاز في الضحايا جاز في الهدايا والشاة تجوز في كل شيء إلا في طواف الركن جنبا ووطء بعد الوقوف قبل الحلق ففي كل منها بدنة وخص هدي المتعة والقران بيوم النحر فقط وخص ذبح كل هدي بالحرم إلا أن يكون تطوعا وتعيب في الطريق فينحر في محله ولا يأكله بمنى وفقير الحرم وغيره سواء وتقلد بدنة التطوع والمتعة والقران فقط ويتصدق بجلاله وخطامه ولا يعطي أجر الجزار منه ولا يركبه بلا ضرورة ولا يحلب لبنه إلا إن بعد المحل
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل الهدى
هو في اللغة والشرع ما يهدى إلى الحرم قوله: "أدناه شاة" بنت سنة قوله: "وهو من الإبل" ويكون مما مضى عليه خمس سنين ومن البقر ما مضى عليه سنتان ولو قال وأعلاه إبل وبقر لكان أولى قوله: "وما جاز في الضحايا جاز في الهدايا" فكل ما يشترط في الضحايا من السلامة عن العيوب التي تمنع الجواز كالعور والعرج يشترط هنا ذكره السيد قوله: "بيوم النحر فقط" أي وقت النحر وهو الأيام الثلاثة در قوله: "بالحرم" ولا يشترط له متى قوله: "ولا يأكله بمنى" لأن حل الأكل من هدى التطوع مشروط ببلوغه محله قوله: "وفقير الحرم وغيره سواء" لكن فقيره أفضل وغيره بالجر قوله: "وتقلد بدنة التطوع" ندبا ومثله بدنة النذر وقيدنا بالبدنة لأن الشاة لا تقلد قوله: "والمتعة والقران فقط" لأن الإشهار بالعبادة أليق والستر بغيرها أحق قوله: "وخطامه" أي زمامه قوله: "ولا يعطى أجر الجزار منه" فلو أعطاه ضمنه(1/744)
فيتصدق به وينضح ضرعه إن قرب المحل بالنقاح. ولو نذر حجا ماشيا لزمه ولا يركب حتى يطوف للركن فإن ركب أراق دما وفضل المشي على الركوب للقادر عليه وفقنا الله تعالى بفضله ومن علينا بالعود على أحسن حال إليه بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أما لو تصدق عليه جاز قوله: "ولا يركبه بلا ضرورة" فإن دعت الضرورة إليه ونقص ضمن ما نقص بركوبه وحمل متاعه وتصدق به على الفقراء در قوله: "فيتصدق به" عطف على محذوف أي فيحلبه ويتصدق به قوله: "وينضح ضرعه" في القاموس نضح البيت ينضحه رشه وقاعدته إنه إذا ذكر الآتي بلا تقييد فهو على مثال ضرب قوله: "بالنقاخ" بالخاء المعجمة بوزن غراب الماء البارد والعذب الصافي قاموس والمراد الأول قوله: "لزمه" لأن من جنسه واجبا وهو مشى المكي الفقير القادر على المشيء والمشي في الطواف والسعي إلى الجمعة نهر ثم قيل يمشي من حين يحرم وقيل من بيته وهو الأصح زيلعي قوله: "فإن ركب" أي في كل الطريق أو أكثره أراق دما ولو ركب في نصفه أو أقله فبحسابه من الدم قوله: "للقادر عليه" أي على المشي وقيل الأفضل الركوب لأنه أحفظ لنفسه وأبعد عن السآمة قوله: "إليه" أي إلى الحج والله سبحانه وتعالى أعلم وأستغفر الله العظيم.(1/745)
فصل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
...
فصل: في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
على سبيل الاختصار تبعا لما قال في الاختيار لما كانت زيارة النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل القرب وأحسن المستحبات بل تقرب من درجة ما لزم من الواجبات فإنه صلى الله عليه وسلم حرض عليها وبالغ في الندب إليها فقال: "من وجد سعة ولم يزرني فقد جفاني" وقال صلى الله عليه وسلم: "من زار قبري وجبت له شفاعتي" وقال صلى الله عليه وسلم: "من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي" إلى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
قالوا: إن كان الحج فرضا قدمه عليها وإلا تخيرو الأولى في الزيارة تجريد النية لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقيل ينوي زيارة المسجد أيضا نهر لأنه من المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال قوله: "حرض" أي حث عليها قال في القاموس حرضه تحريضا حثه فعطف قوله وبالغ عطف مغاير قوله: "وبالغ في الندب إليها" أي في طلبها والمبالغة بذكر الوعيد على الترك والوعد على الفعل قوله: "من وجد سعة" بفتح السين وربما كسرت وفي حديث ذكره القاري من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني رواه ابن عدي بسند حسن قوله: "وجبت له شفاعتي" أي ثبتت له شفاعتي والمراد شفاعة غير شفاعة المقام المحمود فإنها عامة قوله: "فكأنما زارني في حياتي" المراد أن له أجرا كأجر من زارني حيا والمشبه لا يعطي حكم(1/745)
غير ذلك من الأحاديث ومما هو مقرر عند المحققين أنه صلى الله عليه وسلم حي يرزق ممتع بجميع الأعمال والعبادات غير أنه حجب عن أبصار القاصرين عن شريف المقامات ولما رأينا أكثر الناس غافلين عن أداء حق زيارته وما يسن للزائرين من الكليات والجزئيات أحببنا أن نذكر بعد المناسك وأدائها ما فيه نبذة من آداب تتميما لفائدة الكتاب فنقول ينبغي لمن قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة عليه فإنه يسمعها أو تبلغ إليه وفضلها أشهر من أن نذكره فإذا عاين حيطان المدينة المنورة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول اللهم هذا حرم نبيك ومهبط وحيك فامنن علي بالدخول فيه واجعله وقاية لي من النار وأمانا من العذاب واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجه للزيارة إن أمكنه ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه تعظيما للقدوم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدخل المدينة المنورة ماشيا إن أمكنه بلا ضرورة بعد وضع ركبه واطمئنانه على حشمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المشبه به من كل وجه قوله: "إلى غير ذلك" أي واعمد أو انته إلى غير ذلك قوله: "ممتع" أي منتفع قوله: "عن شريف المقامات" متعلق بالقاصرين قوله: "من الكليات" أي الأمور المشتركة بينها وبين غيرها كتحية المسجد قوله: "والجزئيات" أي الخاصة بالزيارة كهيئة الوقوف المذكورة فيما يأتي قوله: "بعد المناسك" أي بعد ذكر المناسك وقوله وأدائها الأولى حذفة إذ قد تكون الزيارة قبل الأداء قوله: "نبذة" أي شيء يسير قليل قاموس قوله: "فإنه يسمعها" أي إذا كانت بالقرب منه صلى الله عليه وسلم قوله: "وتبلغ إليه" أي يبلغها الملك إليه إذا كان المصلى بعيدا قوله: "وفضلها أشهر من أن يذكر" فمنها ما ذكره العارف بالله سنان أفندي رحمه الله تعالى في تبيين المحارم قال صلى الله عليه وسلم: "من قال جزى الله عنا محمدا ما هو أهله أتعب سبعين كاتبا ألف صباح" رواه الطبراني وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي عشر مرات صلى الله عليه مائة مرة ومن صلى علي مائة مرة كتب بين عينيه براءة من النفاق وبراءة من النار وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء" رواه الطبراني أيضا وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة" رواه ابن شاهين وفي رواية "من صلى علي كل يوم ثلاث مرات وكل ليلة ثلاث مرات حبا وشوقا إلي كان حقا على الله أن يغفر له ذنوب تلك الليلة وذلك اليوم" رواه الطبراني اهـ قوله: "المنورة" أي بساكنها صلى الله عليه وسلم ولها أسماء كثيرة تدل على شرفها قوله: "هذا حرم نبيك" أي مسجده أو ما يحترم لأجله قالوا: المدينة لا حرم لها قوله: "واجعله وقاية" أي حفظا أي سببا لذلك قوله: "يوم المآب" أي المرجع إليه تعالى قوله: "بعد وضع ركبه" أي بعد استقرار من معه من الركاب ليعرف محلهم في العود قوله: "واطمئنانه على حشمه" الحشم محركة للواحد والجمع وهو العيال والقرابة وخاصته الذين يغضبون له من أهل أو عبيد أو جيرة أفاده في القاموس والمراد الأول.(1/746)
وأمتعته متواضعا بالسكينة والوقار ملاحظا جلالة المكان قائلا بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل محمد إلى آخره واغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك ثم يدخل المسجد الشريف فيصلي تحيته عند منبره ركعتين ويقف بحيث يكون عمود المنبر الشريف بحذاء منكبه الأيمن فهو موقف النبي صلى الله عليه وسلم وما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة كما أخبر به صلى الله عليه وسلم وقال: "منبري على حوضي" فيسجد شكرا لله تعالى بأداء ركعتين غير تحية المسجد شكرا لما وفقك الله تعالى ومن عليك بالوصول إليه ثم تدعو بما شئت ثم انهض متوجها إلى القبر الشريف فتقف بمقدار أربعة أذرع بعيدا عن المقصورة الشريفة بغاية الأدب مستدبرا القبلة محاذيا لرأس النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه الأكرم ملاحظا نظره السعيد إليك وسماعه كلامك ورده عليك سلامك وتأمينه على دعائك وتقول: السلام عليك يا سيدي يا رسول الله السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا نبي الرحمة السلام عليك يا شفيع الأمة السلام عليك يا سيد المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين السلام عليك يا مزمل السلام عليك يا مدثر السلام عليك وعلى أصولك الطيبين وأهل بيتك الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا جزاك الله عنا أفضل ما جزى نبيا عن قومه ورسولا عن أمته أشهد أنك رسول الله قد
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "جلالة المكان" هي بمن حله من النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه قوله: "قائلا" أي حال الدخول قوله: "باسم الله" أي دخلت قوله: "وعلى ملة رسول الله" أي عقدت نيتي على اتباعها قوله: "رب أدخلني" أي المدينة قوله: "مدخل صدق" أي إدخالا مرضيا لا أرى فيه ما أكره قوله: "وأخرجني مخرج صدق" أي إخراجا مرضيا لك بحيث لا يكون علي فيه مؤاخذة قوله: "من لدنك" أي من عندك قوله: "سلطانا نصيرا" أي قوة تنصرني بها على أعدائك قوله: "الخ" أي إلى آخر صلاة التشهد قوله: "وافتح لي أبواب رحمتك" أي هيىء لي الأسباب المقتضية للرحمة والإحسان قوله: "روضة من رياض الجنة" أي أنه يصير كذلك يوم القيامة أو أنه لما يحصل فيه من الثواب والأجر كله كذلك أو لأنه يوصل إليها قوله: "وقال منبري على حوضي" لا مانع من حمله على الحقيقة قوله: "شكرا لما وفقك" بدل من شكر الأول قوله: "ثم تنهض" أي تقوم بالأدب والمراد أنه لا يتراخى وإن كان بالتأني والتمهل قوله: "مستدبر القبلة" أي كما هو السنة في زيارة الأموات قوله: "ملاحظا نظره السعيد إليك" أي تلاحظ أنه ناظر إليك قوله: "يا مزمل" أصله المتزمل أدغمت التاء في الزاي أي المتلفف بثيابه حين مجيء الوحي له خوفا منه لهيبته جلالين ومثله المدثر أصلا ومعنى قوله: "وعلى أصولك" يعم الذكور والإناث قوله: "الرجس" أي الإثم.(1/747)
بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وأوضحت الحجة وجاهدت في سبيل الله حق جهاده وأقمت الدين حتى أتاك اليقين صلى الله عليك وسلم وعلى أشرف مكان تشرف بحلول جسمك الكريم فيه صلاة وسلاما دائمين من رب العالمين عدد ما كان وعدد ما يكون بعلم الله صلاة لا انقضاء لأمدها يا رسول الله نحن وفدك وزوار حرمك تشرفنا بالحلول بين يديك وقد جئناك من بلاد شاسعة وأمكنة بعيدة نقطع السهل والوعر بقصد زيارتك لنفوز بشفاعتك والنظر إلى مآثرك ومعاهدك والقيام بقضاء بعض حقك والاستشفاع بك إلى ربنا فإن الخطايا قد قصمت ظهورنا والأوزار قد أثقلت كواهلنا وأنت الشافع المشفع الموعود بالشفاعة العظمى والمقام المحمود والوسيلة وقد قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} وقد جئناك ظالمين لأنفسنا مستغفرين لذنوبنا فاشفع لنا إلى ربك واسأله أن يميتنا على سننك وأن يحشرنا في زمرتك وأن يوردنا حوضك وأن يسقينا بكأسك غير خزايا ولا ندامى الشفاعة الشفاعة الشفاعة يا رسول الله - يقولها ثلاثا - ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم وتبلغه
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وأديت الأمانة" أي الصلاة وغيرها مما في فعله ثواب وتركه عقاب أي بلغت ذلك قوله: "وأوضحت الحجة" هي بالضم البرهان قاموس قوله: "حق جهاده" أي جهاده الحق أو أعظم جهاده قوله: "حتى أتاك اليقين" أي الموت قوله: "بعلم الله" متعلق بيكون وحذف من كان نظيره قوله: "لا مدها" بفتح الميم الغاية والمنتهى قاموس قوله: "نحن وفدك" أي الوافدون والواردون عليك قوله: "شاسعة" أي بعيدة يقال شسع المنزل كمنع شسعا وشسوعا بعد فهو شاسع قاموس قوله: "السهل" هو من الأرض ضد الحزن قوله: "والوعر" ضد السهل كالوعر والواعر والوعير قوله: "إلى مآثرك" جميع مأثرة وهي المكرمة المتواترة قوله: "ومعاهدك" جمع معهد المنزل المعهود به الشيء قوله: "قصمت" القصم الكسر مع الإبانة أو عدمها قوله: "وكاهلنا" جمع كاهل الحارك أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى وفيه ست فقرأ وما بين الكتفين أو موصل العنق في الصلب قاموس قوله: "المشفع" أي مقبول الشفاعة قوله: "والمقام المحمود" عطف مرادف قوله: "والوسيلة" هي منزلة في الجنة لا تكون إلا له صلى الله عليه وسلم قوله: "واستغفر لهم الرسول" فيه التفات عن الخطاب تفخيما لشأنه صلى الله عليه وسلم قوله: "على سنتك" أي على موافقة طريقتك قوله: "في زمرتك" أي فوجك وجماعتك قوله: "بكأسك" الكأس الإناء الذي يشرب فيه أو ما دام الشراب فيه والمراد كؤس حوضك قوله: "الشفاعة" أي نطلب منك الشفاعة قوله: "غلا" أي حقدا.(1/748)
سلام من أوصاك به فتقول: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يتشفع بك إلى ربك فاشفع له وللمسلمين ثم تصلي عليه وتدعو بما شئت عند وجهه الكريم مستدبرا القبلة ثم تتحول قدر ذراع حتى تحاذي رأس الصديق أبي بكر رضي الله عنه وتقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله وأنيسه في الغار ورفيقه في الأسفار وأمينه على الأسرار جزاك الله عنا أفضل ما جزى إماما عن أمة نبيه فلقد خلفته بأحسن خلف وسلكت طريقه ومنهاجه خير مسلك وقاتلت أهل الردة والبدع ومهدت الإسلام وشيدت أركانه فكنت خير إمام ووصلت الأرحام ولم تزل قائما بالحق ناصرا للدين ولأهله حتى أتاك اليقين سل الله سبحانه لنا دوام حبك والحشر مع حزبك وقبول زيارتنا السلام عليك ورحمة الله وبركاته ثم تتحول مثل ذلك حتى تحاذي رأس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا مظهر الإسلام السلام عليك يا مكسر الأصنام جزاك الله عنا أفضل الجزاء نصرت الإسلام والمسلمين وفتحت معظم البلاد بعد سيد المرسلين وكفلت الأيتام ووصلت الأرحام وقوي بك الإسلام وكنت للمسلمين إماما مرضيا وهديا مهديا جمعت شملهم وأعنت فقيرهم وجبرت كسيرهم السلام عليك ورحمة الله وبركاته ثم ترجع قدر نصف ذراع فتقول: السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيقيه ووزيريه ومشيريه والمعاونين له على القيام بالدين والقائمين بعده بمصالح المسلمين جزاكما الله أحسن الجزاء جئناكما نتوسل بكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع لنا ويسأل الله ربنا أن
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "وتبلغه سلام من أوصاك" ذكروا أن تبليغ السلام واجب لأنه من أداء الأمانة قوله: "مستدبر القبلة" قدمه وإنما ذكره هنا إشارة إلى أنه يستمر على الحال الأول من الاستدبار قوله: "أبي بكر" هو عبد الله بن عثمان أسلم أبوه وصارت له صحبة وتأخر بعد موت الصديق ولم يسجد الصديق لصنم أصلا قوله: "فلقد خلفته" أي كنت خليفته وبقيت بعده قوله: "بأحسن خلف" يقال هو خلف صدق من أبيه إذا قام مقامه أي فقمت بعده بأحسن قيام قوله: "مسلك" أي سلوك قوله: "وشيدت أركانه" أي رفعتها شبه الإسلام ببيت له أركان قوله: "ووصلت الأرحام" أي أرحامه صلى الله عليه وسلم وهذا رد على من أثبت عداوة بين فاطمة والصديق فحاشاهما الله من ذلك قوله: "مثل ذلك" أي قدر ذراع قوله: "وكفلت الأيتام" أي علتهم وواليتهم قوله: "وقوي بك الإسلام" فقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي مختفيا هو ومن أسلم معه في دار الأرقم حتى أسلم عمر فصلى في الحرم قوله: "وهاديا" في ذاتك مهديا لغيرك أي هداك الله لهم ثم يرجع قدر نصف ذراع فيكون متوسطا بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة قوله: "يا ضيجعي رسول الله" أي رفيقيه في مدفنه قوله: "ووزيريه" الوزير المعين فعطف ما بعده عليه عطف تفسير.(1/749)
يتقبل سعينا ويحيينا على ملته ويميتنا عليها ويحشرنا في زمرته ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولمن أوصاه بالدعاء ولجميع المسلمين ثم يقف عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم كالأول ويقول: اللهم إنك قلت وقولك الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيك إليك اللهم ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ويزيد ما شاء ويدعو بما حضرته ويوفق له بفضل الله ثم يأتي أسطوانة أبي لبابة التي ربط بها نفسه حتى تاب الله عليه وهي بين قبره والمنبر ويصلي ما شاء نفلا ويتوب إلى الله ويدعو بما شاء ويأتي الروضة ويصلي ما شاء ويدعو بما أحب ويكثر من التسبيح والتهليل والثناء والاستغفار ثم يأتي المنبر فيضع يده على الرمانة التي كانت به تبركا بأثر الرسول صلى الله عليه وسلم ومكان يده الشريفة إذا خطب لينال بركته صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه ويسأل الله ما شاء ثم يأتي الأسطوانة الحنانة وهي التي فيها بقية الجذع الذي حن إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين تركه وخطب على المنبر حتى نزل فاحتضنه فسكن ويتبرك بما بقي من الآثار النبوية والأماكن الشريفة ويجتهد في إحياء الليالي مدة إقامته واغتنام مشاهدة الحضرة النبوية وزيارته في عموم الأوقات ويستحب أن يخرج إلى البقيع فيأتي المشاهد والمزارات خصوصا قبر سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه ثم إلى البقيع الآخر فيزور العباس والحسن بن علي وبقية آل الرسول رضي الله عنهم ويزور شهداء أحد وإن تيسر يوم الخميس فهو أحسن ويقول: سلام عليكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: "سعينا" أي عملنا قوله: "على ملته" أي على اتباعها قوله: "وقد جئناك" أي يا ألله أي فالخطاب بها أولا أي فيما تقدم لحضرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وثانيا لحضرة الحق سبحانه وتعالى قوله: "ولآبائنا وأمهاتنا" أي جميع أصولنا ذكورا وإناثا قوله: "ويتوب إلى الله" أي فعسى الله أن يقبل توبته كما قبل توبة أبي لبابة قوله: "ويأتي الروضة" أي ثانيا قوله: "على الرمانة" لا أثر لها اليوم قوله: "حتى نزل" أي النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "فسكن" أي لما ضمن له أن يغرس في الجنة تأكل منه أولياؤه تعالى فيها قوله: "في عموم الأوقات" المراد به في غالب الأوقات قوله: "فيأتي المشاهد والمزارات" قيل إنه مات بالمدينة المنورة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم عشرة آلاف غير أن غالبهم لا يعرف مكانه بالخصوص قوله: "وإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم" وفي مشهده رقية بنته صلى الله عليه وسلم وعثمان بن مظعون وهو الأخ الرضاعي للنبي صلى الله عليه وسلم(1/750)
بما صبرتم فنعم عقبى الدار ويقرأ آية الكرسي والإخلاص إحدى عشر مرة وسورة يس إن تيسر ويهدي ثواب ذلك لجميع الشهداء ومن بجوارهم من المؤمنين ويستحب أن يأتي مسجد قباء يوم السبت أو غيره ويصلي فيه ويقول بعد دعائه بما أحب: يا صريخ المستصرخين يا غياث المستغيثين يا مفرج كرب المكروبين يا مجيب دعوة المضطرين صل على سيدنا محمد وآله واكشف كربي وحزني كما كشفت عن رسولك حزنه وكربه في هذا المقام يا حنان يا منان يا كثير المعروف والإحسان يا دائم النعم يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما دائما أبدا يا رب العالمين آمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص كلاهما من العشرة المبشرين بالجنة وعبد الله بن مسعود وهو من أجل الصحابة وأفقههم بعد الأربعة قوله: "والإخلاص إحدى عشرة مرة" قد تقدم بيان فضيلة ذلك في الجنائز كسورة يس قوله: "مسجد قباء" بضم القاف ممدودا هو أفضل المساجد أي بعد المساجد الثلاثة أي المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى قوله: "يا صريخ الخ" الصريخ والصارخ المغيث والمستغيث ضد قاموس والمراد الأول والمستصرخين جمع مستصرخ طالب الإغاثة قوله: "يا غياث" هو اسم على تأويل مغيث أو ذي غوث قوله: "في هذا المقام" أي المحل فإن أول قدومه من الهجرة نزل هناك قوله: "يا حنان" هو الرحيم أو الذي يقبل على من أعرض عنه قاموس قوله: "يا منان" هو المعطى ابتداء قال تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي غير محسوب ولا مقطوع قوله: "يا أرحم الراحمين" روى الحاكم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن لله ملكا موكلا بمن يقول يا أرحم الراحمين فمن قالها ثلاثا قال له الملك إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل" وروى الحاكم عن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل العبادة الدعاء فأبسطوا أكف الذل راغبين وفيما عند ربكم طامعين" وقد ختم المصنف دعاءه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما ابتدأه بها لما قال بعض الأكابر إن الله تعالى يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يرد ما بينهما والله سبحانه وتعالى أعلم وأسأل الله تعالى أن يصلي على نبيه محمد وآله وأن يميتنا على الإيمان ويرحم فاقتي بذلك وأن يسعدني بلقائه وأن يتقبل هذه الحاشية وينفع بها عباده المؤمنين ويغفر لي ما فرط مني فيها وفي غيرها أنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم آمين.(1/751)