ولا يعتبر رضا مشتر ولفظ الطلب أنا طالب أو مطالب أو آخذ بالشفعة أو قائم عليها ونحوه - مما يفيد محاولة الأخذ فإن أخر الطلب مع إمكانه ولو جهلا باستحقاقها أو جهلا بأن التأخير مسقط لها ومثله لا يجهله سقطت: إلا أن يعلم وهو غائب عن البلد فيشهد على الطلب بها فلا تسقط ولو أخر المبادرة إلى الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه وتسقط إذا سار هو أو وكيله إلى البلد الذي فيه المشتري في طلبها ولم يشهد ولو بمضي معتاد وإن أخر الطلب والإشهاد لعجزه عنهما أو عن السبر: كالمريض: لا من صداع وألم قليل وكالمحبوس ظلما أو بدين لا يمكنه أداؤه من لا يجد من يشهده لو وجد من لا تقبل شهادته كالمرأة والفاسق ونحوهما أو وجد مستوري الحال فلم يشهدهما قال في تصحيح الفروع: ينبغي أن يشهدهما ولو لم يقبلهما وهو على شفعته أو وجد من لا يقدم معه إلا موضع المطالبة أو لإظهارها زيادة في الثمن أو نقصا في المبيع أو أنه موهوب له أو أن المشتري غيره أو أخبره من لا يقبل خبره فلم يصدقه وأنهما تبايعا بدنانير فتبين أنه بدراهم أو بالعكس أو أظهر أنه اشتراه بنقد فبان أنه اشتراه بعرض أو بالعكس أو بنوع من العروض فبان أنه بغيره أو أظهر أنه اشتراه له فبان له أنه اشترى نصفه بنصفه أو أنه اشترى نصفه بثمن فبان أنه اشترى جميعه بضعفه أو أنه اشترى الشقص وحده فبان أنه اشتراه هو وغيره أو بالعكس - فهو على شفعته فإما أن أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أنه اشتراه بأكثر أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى به(2/367)
بعضه - سقطت شفعته وإن كان المحبوس حبس بحق يلزمه أداؤه وهو قادر عليه فهو كالمطلق إن لم يبادر إلى المطالبة ولم يؤكل بطلت شفعته وإن أخبره من يقبل خبره ولو عدلا واحدا: عبدا أو أنثى فلم يصدقه أو من لا يقبل خبره: كفاسق وصبي وصدقه ولم يطالب أو قال للمشتري: بعني ما اشتريت أو صالحني مع أنه لا يصح الصلح عنها أو هبه لي أو يتمنى عليه أو بعه ممن شئت أو وله إياه أو هبه له أو أكرني أو ساقني أو قاسمني أو اكتر مني أو ساقاه ونحوه أو قدر معذور على التوكيل فلم يفعله أو لقي المشتري في غير بلد فلم يطالبه سواء قال: إنما تركت المطالبة لأطالبه في البلد الذي فيه البيع أو المبيع أو لآخذ الشقص في موضع الشفعة أو لم يقل أو نسي المطالبة أو البيع أو قال: بكم اشتريت؟ أو اشتريت رخيصا أو قال له المشتري: بعتك أو وليتك فقبل - سقطت وإن دله - أي عمل دلالا وهو السفير - أو رضي به أو ضمن عنه أو سلم عليه أو دعا له بعده ونحوه كما تقدم ولم يشتغل بكلام آخر أو لم يسكت لغير حاجته أو توكل لأحد المتبايعين أو جعل له الخيار فاختار إمضاء البيع - فعلى شفعته وإن قال الشريك بع نصف نصيبي مع نصف نصيبك ففعل ثبتت الشفعة لكل واحد منهما في المبيع من نصيب صاحبه وإن أذن في البيع أو اسقط شفعته قبل البيع لم تسقط وإن ترك ولي ولو أبا شفعة موليه صغيرا كان أو مجنونا لم تسقط وله الأخذ بها إذا عقل ورشد سواء كان فيها حظ أو لا وقيل: لا يأخذ بها إلا إن كان فيها حظ له وعليه الأكثر وأما(2/368)
الولي فيجب عليه الأخذ بها له إن كان أحظ وإلا تعين الترك ولم يصح الأخذ ولو عفا الولي عن الشفعة التي فيها حظ لموليه ثم أراد الأخذ فله وإن أراد الأخذ في ثاني الحال وليس فيها مصلحة لم يملكه وإن تجدد الحظ أخذ له بها وحيث أخذها مع الحظ ثبت الملك للصبي ونحوه وليس له نقضه بعد البلوغ وحكم المغمي عليه والمجنون غير المطبق حكم المحبوس والغائب: تنتظر إفاقتهما وحكم ولي المجنون المطبق - وهو الذي لا ترجى إفاقته - والسفيه حكم ولي الصغير وإذا مات مورث الحمل بعد المطالبة بها لم يؤخذ له لأنه لا يتحقق وجوده - وفي المغني والشرح: إذا ولد وكبر فله الأخذ إذا لم يأخذ به الولي كالصبي - وللمفلس الأخذ بها والعفو وليس للغرماء إجباره على الأخذ بها ولو كان فيها حظ وللمكاتب الأخذ والترك وللمأذون له من العبيد الأخذ دون الترك ويأتي آخر الباب وإذا باع وصي الأيتام لأحدهم نصيبا في شركة الآخر فله الأخذ للآخر بالشفعة وإن كان الوصي شريكا لمن باع عليه فليس له الآخذ ولو باع الوصي نصيبه كان له الأخذ لليتيم مع الحظ له فإن كان مكان الوصي أب فباع شقص ولده فله الأخذ بالشفعة لنفسه لعدم التهمة وإن بيع شقص في شركة حمل لم يكن لوليه الأخذ فإذا ولد ثم كبر فله الأخذ كالصبي إذا كبر.(2/369)
الشرط الرابع
...
فصل:- الرابع: أن يأخذ جميع المبيع
فإن طلب أخذ البعض مع بقاء الكل - أي: لم يتلف من المبيع شيء سقطت شفعته وإن تعددت الشفعاء فبينهم على قدر ملكهم كمسائل الرد: فدار بين ثلاثة(2/369)
نصف وثلث وسدس باع الثلث فالمسألة من ستة: الثلث بينهما على أربعة لصاحب النصف ثلاثة ولرب السدس واحد ولا يرجح أقرب ولا قرابة وإن ترك أحدهم شفعته سقطت ولم يكن للباقين أن يأخذوا إلا الكل أو يتركوا كما لو كان بعضهم غائبا فإن وهب بعض الشفعاء نصيبه من الشفعة لبعض الشركاء أو غيره لم تصح وسقطت فإن كان الشفعاء غائبين فإذا قدم أحدهم فليس له أن يأخذ إلا الكل أو يترك فإن أمتنع حتى يحضر صاحباه أو قال: آخذ قدر حقي بطل حقه فإن أخذ الجميع ثم حضر آخر قاسمه إن شاء أو عفا فبقي للأول فإن قاسمه ثم حضر الثالث قاسمهما أن أحب وبطلت القسمة الأولى وإن عفا بقي للأولين فإن نما الشقص في يد الأول نماء منفصلا لم يشاركه فيه واحد منهما وكذلك إذا أخذ الثاني فما في يده نماء منفصلا لم يشاركه الثالث فيه وإن ترك الأول شفعته أو أخذ بها ثم رد ما أخذه بعيب توفرت الشفعة على صاحبيه فإن خرج الشقص مستحقا فالعهدة على المشتري: يرجع الثلاثة عليه ولا يرجع أحدهم على الآخر وإن أراد الثاني الاقتصار على قدر حقه فله ذلك فإذا قدم الثالث فله أن يأخذ ثلث ما في يد الثاني وهو التسع فيضعه إلى ما بيد الأول وهو الثلثان تصير سبعه اتساع يقتسمانها نصفين: لكل واحد منهما ثلث ونصف تسع وللثاني تسعان وتصح من ثمانية عشر وإن كان المشتري شريكا فالشفعة بينه وبين الآخر فإن ترك المشتري شفعته ليوجب الكل على شريكه لم يلزمه الأخذ ولم يصح إسقاطه لملكه له بالشراء فلا يسقط بإسقاطه(2/370)
وإذا كانت دار بين أثنين فباع أحدهما نصيبه لأجنبي صفقتين ثم علم شريكه فله الأخذ بهما وبأحدهما فإن أخذ بالثاني شاركه مشتر في شفعته وإن أخذ بالأول لم يشاركه في شفعته أحد وإن أخذ بهما لم يشاركه في شفعته الأول ولا الثاني وإن اشترى اثنان أو اشترى الواحد لنفسه ولغيره بالوكالة حق واحد فللشفيع أخذ حق أحدهما وإن اشترى واحد حق اثنين أو اشترى واحد شقصين من أرضين صفقة واحدة والشريك واحد فللشفيع أخذ أحدهما وإن شاء أخذهما وإن باع اثنان نصيبهما من أثنين صفقة واحدة فالتعدد واقع من الطرفين والعقد واحد وذلك بمثابة أربع صفقات فللشفيع أخذ الكل أو أخذ نصفه وربعه منهما أو أخذ نصفه منهما أو أخذ نصفه من أحدهما أو أخذ ربعه من أحدهما وإن باع شقصا وسيفا صفقة واحدة فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن فيقسم الثمن على قيمتيهما ولا يثبت للمشتري خيار التفريق وإن تلف بعض المبيع أو انهدم ولو بفعل الله فله أخذ الباقي بحصته من الثمن فإن كانت الأنقاض موجودة أخذها مع العرصة بالحصة وإن كانت معدومة أخذ العرصة وما بقي من البناء فلو اشترى دارا بألف تساوي ألفين فباع بابها أو هدمها فبقيت بألف أخذ بخمسمائة بالقيمة من الثمن: أي بالحصة من الثمن ويتصور أن تكون الشفعة في دار كاملة: بأن تكون دور جماعة مشتركة فيبيع أحدهم حصته من الجميع مشاعا ويظهرا في الثمن زيادة تترك الشفعة لأجلها ويقاسم بالمهايأة فيحصل للمشتري دار كاملة أو يظهر انتقال الشقص من جميع الأملاك بالهبة(2/371)
فيقاسم أو يؤكل الشريك وكيلا في استيفاء حقوقه ويسافر فيبيع شريكه حصته في الجميع فيرى الوكيل أن الحظ لموكله في ترك الشفعة فلا يطالب بها ويقاسم بالوكالة فيحصل للمشتري دارا كاملة فهدمها ثم علم الشفيع مقدار الثمن بالبينة أو بإقرار المشتري ذكره في المستوعب ولو تعيب المبيع بعيب ينقص الثمن مع بقاء عينه فليس له الأخذ إلا بكل الثمن أو الترك.(2/372)
الشرط الخامس
...
فصل:- الخامس: أن يكون للشفيع ملك للرقبة سابق
ولو مكاتبا لا ملك منفعة كدار موصي بنفعها فباع الورثة نصفها فلا شفعة للموصي له ويعتبر ثبوت الملك لا تكفي اليد فإن لم يسبق أحدهما كشراء الاثنين دارا صفقه واحدة فلا شفعة لأحدهما على صاحبه وإن أدعى كل منهما السبق فتحالفا أو تعارضت بينتاهما فلا شفعة لهما ولا شفعة بشركة وقف لأن ملكه غير تام.(2/372)
فصل:- وإن تصرف المشتري في المبيع قبل الطلب
بوقف على معين أولا هبة أو صدقة سقطت الشفعة لا برهنه وإجارته ينفسخان بأخذه ويحرم ولا يصح تصرفه بعد الطلب ولو وصى المشتري بالشقص فإن أخذه الشفيع قبل القبول بطلت الوصية واستقر الأخذ وإن طلب ولم يأخذ بعد بطلت الوصية أيضا ويدفع الثمن إلى الورثة لأنه ملكهم وإن كان الموصي له قبل أخذ الشفيع أو طلبه سقطت الشفعة وإن باع فللشفيع الأخذ بثمن أي البيعين شاء ويرجع من أخذه منه على بائعه بما أعطاه فإن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول وإن كان ثم ثالث فأكثر رجع الثاني على الأول والثالث على الثاني وهلم جرا،(2/372)
وإن فسخ البيع بعيب في الشقص أو إقالة أو تحالف ثم علم الشفيع فله الأخذ بها فينقض فسخه ويأخذ بالإقالة والعيب بالثمن الذي وقع عليه العقد وفي التحالف بما حلف عليه البائع وإن فسخ البائع لعيب في ثمنه المعين فإن كان قبل الأخذ بالشفعة فلا شفعة وإلا استقرت وللبائع إلزام المشتري بقيمة شقصه ويتراجع المشتري والشفيع بما بين القيمة والثمن فيرجع دافع الأكثر منهما بالفضل ولا يرجع شفيع على مشتر بأرش عيب فيم ثمن عفا عنه بائع وإن أخذ الشفيع الشقص ثم ظهر على عيب لم يهلماه فله رده على المشتري أو أخذ أرشه والمشتري على البائع كذلك وأيهما علم به لم يرده ولكن إذا علم الشفيع وحده فلا رد للمشتري وله الأرش وإن ظهر الثمن المعين مستحقا فالبيع باطل ولا شفعة وإن ظهر بعضه مستحقا بطل البيع فيه وإن كال مكيلا أو موزونا فتلف قبل قبضه بطل البيع وانتفت الشفعة فإن كان الشفيع أخذ بالشفعة لم يكن لأحد استرداده ولو أرتد المشتري فقتل أو مات فللشفيع الأخذ من بيت المال لانتقال ماله إليه والمطالب بالشفعة وكيل بيت المال ولا تصح الإقالة بين البائع والشفيع لأنه ليس بينه وبينه بيع وإنما هو مشتر من المشتري وإن استغله: بأن أخذ ثمرته أو أجرته فهي له وليس للشفيع مطالبة المشتري بردها وإن أخذه شفيع وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة أو مؤبرة ونحوه فهي لمشتر مبقي إلى أو إن أخذه بحصاد أو جذاذ أو غيرهما بلا أجرة وإن نما عنده نماء متصلا كشجر كبر وطلع لم يؤبر تبعه في عقد وفسخ وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع(2/373)
أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو أن الشقص موهوب له ونحوه ثم غرس أو بنى لم تسقط الشفعة وللشفيع الأخذ بها إذا علم الحال ويدفع قيمة الغراس أو البناء حين تقويمه وصفة تقويمه: أن الأرض تقوم مغروسة أو مبنية ثم تقوم خالية فيكون ما بينهما قيمة الغراس أو البناء فيملكه أو يقلعه ويضمن نقصه من القيمة بالقلع فإن أختار الشفيع أخذه وأراد المشتري قلعه فله ذلك ولو مع ضرر ولا يضمن نقص الأرض ولا يلزمه تسوية حفرها ولا يلزم الشفيع إذا أخذ الغراس أو البناء دفع ما أنفقه: سواء كان أقل من قيمته أو أكثر وإن حفر فيها بئرا أخذها الشفيع ولزمه أجرة المثل لحفرها وإن باع شفيع ملكه أو بعضه قبل العلم لا بعده: لم تسقط شفعته وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع وإن مات الشفيع بطلت وإن طالب فلا وتكون لورثته كلهم على حسب ميراثهم ولا فرق في الوارث بين ذوي الرحم والزوج والمولي وبيت المال فيأخذ الإمام بها فإن ترك بعض الورثة حقه توفر الحق على باقي الورثة ولم يكن لهم أن يأخذوا إلا الكل أو يتركوا وإذا بيع شقص له شفيعان فعفا عنها أحدهما وطالب بها الآخر ثم مات الطالب فورثه العافي فله أخذ الشقص بها.(2/374)
فصل: ويأخذ الشفيع الشقص بلا حكم حاكم
بمثل الثمن الذي استقر عليه العقد قدرا وجنسا وصفة إن قدر عليه وإن طلب الإمهال أمهل يومين أو ثلاثة فإذا مضت لم يحضره فللمشتري الفسخ من غير حاكم فإن كان مثليا فبمثله وإلا فبقيمته وقت لزومه وإن دفع مكيلا(2/374)
بوزن أخذ مثل كيله كقرض وإن كان الثمن عرضا متقوما موجودا قوم وأعطى قيمته وإن كان معدوما وتعذرت معرفته كانت دعوى جهله كدعوى جهل الثمن على ما يأتي فإن اختلفا في قيمته والحالة هذه فقول مشتر وإن عجز عن الثمن أو عن بعضه سقطت شفعته: كما تقدم فلو أتى برهن أو ضمين أو بذل عوضا عن الثمن لم يلزم المشتري قبوله والأخذ بالشفعة نوع بيع لكن لا خيار فيه ولهذا اعتبر له العلم بالشقص وبالثمن فلا يصح مع جهالتهما وله المطالبة بها مع الجهالة ثم يتعرف ولا يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن وإن أفلس الشفيع والثمن في الذمة خير مشتر بين فسخ وضرب مع الغرماء بالثمن كبائع وما يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة الخيار يلحق به لا ما بعدها وإن كان الثمن مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن كان مليا وإلا أقام كفيلا مليا وأخذ به فلو لم يعلم حتى حل فكالحال وإن اختلفا في قدره فالقول قول المشتري إلا أن يكون للشفيع بينة وإن أقام كل واحد منهما بينة بقول مشتر بينة الشفيع ولا يقبل شهادة البائع لواحد منهما ويؤخذ بقول مشتر في جهله به: فيحلف أنه لا يعلم قدره ولا شفعة فإن اتهمه أنه فعله حيلة حلفه وإن وقع حيلة دفع إليه ما أعطاه أو قيمة الشقص فإن كان مجهولا كصبرة نقد ونحوه وجوهرة دفع مثله أو قيمته فإن تعذر فقيمة الشقص وتقدم بعضه وإن اختلفا في الغراس والبناء في الشقص فقال المشتري: أنا أحدثته فأنكر الشفيع فقول المشتري وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بألف فإن(2/375)
قال المشتري: غلطت أو نسيت أو كذبت لم يقبل قوله وإن ادعى أنك اشتريته بألف فقال: بل اتهبته أو ورثته فالقول مع يمينه فإن نكل أو قامت للشفيع بينة فله أخذه ويبقى الثمن في يده إلى أن يدعيه المشتري.(2/376)
فصل: ولا شفعة في بيع فيه خيار مجلس
أو شرط قبل انقضائه سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما وبيع المريض كبيع الصحيح في الصحة وتبوت الشفعة وغيرها ويأخذ الشفيع الشقص بما صح البيع فيه وإن أقر ببيع وأنكر مشتر وجبت الشفعة بما قال البائع: فيأخذ الشفيع الشقص منه ويدفع إليه الثمن وإن لم يكن مقرا بقبضه وإن كان مقرا بقبضه من المشتري بقي في ذمة الشفيع إلى أن يدعيه المشتري وليس للشفيع ولا للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع في حقه ومتى ادعى البائع أو المشتري الثمن دفع إليه لأنه لأحدهما وإن ادعياه جميعا فأقر المشتري بالبيع وأنكر البائع القبض فهو للمشتري وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع: إلا إذا أقر البائع وحده بالبيع فالعهدة عليه والمراد بالعهدة هنا رجوع من انتقل الملك إليه على من انتقل عنه بالثمن أو الأرش عند استحقاق الشقص أو عيبه فإن أبى المشتري قبض المبيع أجبره عليه وإن ورث اثنان شقصا عن أبيهما فباع أحدهما نصيبه فالشفعة بين أخيه وشريك أبيه ولا شفعة لكافر حين البيع: أسلم بعد أو لا على مسلم وتجب فيما أدعى شراء لموليه وللمسلم ولكافر على الكافر ولو كان البائع مسلما ولو تبايع كافران(2/376)
بخمر أو خنزير وتقابضا لم ينقض البيع ولا شفعة لأهل البدع الغلاة على مسلم: كالمعتقد أن جبريل غلط في الرسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أرسل إلى علي ونحوه - وكذا حكم من حكم بكفره من الدعاة إلى القول بخلق القرآن وثبتت لكل من حكمنا بإسلامه منهم كالفاسق بالأفعال ولكل من البدوي والقروي على الآخر ولم ير أحمد في أرض السواد أو شفعة وكذا الحكم في سائر الأرض التي وقفها عمر: كأرض الشام ومصر وغيرهما مما لم يقسم بين الغانمين إلا أن يحكم ببيعها حاكم أو يفعله الإمام أو نائبه فتثبت فيه ولا شفعة لمضارب على رب المال إن ظهر ربح وإلا وجبت وصورته: أن يكون للمضارب شقص في دار فيشتري من مال المضاربة بقيتها ولا لرب المال على مضارب: وصورته أن يكون لرب المال شقص في دار فيشتري المضارب فللعامل الأخذ بها إذا كان الحظ فيها فإن تركها فلرب المال الأخذ ولا ينفذ عفو العامل ولو باع المضارب من مال المضاربة شقصا في شركة نفسه لم يأخذ بالشفعة لأنه متهم.(2/377)
باب الوديعة
تعريفها
...
باب الوديعة
اسم للمال المودع والإيداع: توكيل في حفظه تبرعا والاستيداع توكل في حفظه كذلك بغير تصرف ويكفي القبض قبولا وقبولها مستحب لمن يعلم من نفسه الأمانة وهي عقد جائز من الطرفين فإن أذن(2/377)
المالك في التصرف فعل صارت عارية مضمونة ويشترط فيها أركان وكالة وتنفسخ بموت وجنون وعزل مع علمه وهي أمانة لا ضمان عليه فيها: إلا أن يتعدى أو يفرط فإن عزل نفسه فهي بعده أمانة حكمها في يده حكم الثوب الذي أطارته الريح إلى داره: يجب رده فإن تلف قبل التمكن من رده فهدر وإن تلفت ولو لم يذهب معها شيء من ماله لم يضمن إلا أن يتعدى أو يفرط في حفظها وإن اشترط عليه ضمانها أو قال: أنا ضامن لها لم يضمن وكذلك ما أصله الأمانة ويلزمه حفظها بنفسه أو وكيله أو من يحفظ ما له عادة: كزوجة وعبد كما يحفظ ماله في حرز مثلها عرفا: كحرز سرقة إن لم يعين بها حرزا فإن لم يحرزها في حرز مثلها أو سعى بها إلى ظالم أو دل عليها لصا فأخذها ضمنها وإن وضعها في حرز مثلها ثم نقلها عنه إلى حرز مثلها ولو كان دون الأول لم يضمن ولو كانت العين في بيت صاحبها فقال لرجل - بأجرة أو لا - أحفظها في موضعها فنقلها عنه من غير خوف ضمنها لأنه ليس بمودع إنما هو وكيل في حفظها في موضعها إلا أن يخاف عليها فعليه إخراجها وإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن: سواء ردها إليه أو لا وإن أحرزها بمثله أو فوقه لم يضمن ولو لغير حاجة وإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيان نار أو شيل أو شيء الغالب فيه التوى1 ويلزمه إذن لم يضمن إن وضعها في حرز مثلها أو فوقه فإن تعذر وأحرزها في دونه فلا ضمان وإن تركها فتلفت ضمن: سواء تلفت بالأمر المخوف أو غيره وإن أخرجها لغير خوف ويحرم إخراجها ضمن ولو إلى حرز مثلها أو فوقه وإن
__________
1 التوى بوزن الهوى: الهلاك.(2/378)
قال: لا تخرجها وإن خفت عليها فأخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن وإن أودعه بهيمة ولم يأمره بعلفها وسقيها أو أمره بذلك لزمه فإن لم يعلفها حتى ماتت ضمن إلا أن ينهاه المالك عن علفها فلا يضمن لكن يأثم وإن قدر المستودع على صاحبها أو وكيله طالبه بالأنفاق عليها أو بردها عليه أو يأذن له في الأنفاق عليها ليرجع به فإن عجز عن صاحبها ووكيله رفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد لصاحبها مالا أنفق عليها منه وإن لم يجد فعل ما يرى فيه الحظ لصاحبها من بيعها أو بيع بعضها وإنفاقه عليها أو إجارتها أو الاستدانة على صاحبها فيدفعه إلى المودع أو غيره فينفق عليها ويجوز أن يأذن للمودع أن ينفق عليها من ماله ويكون المودع قابضا من نفسه لنفسه ويكل ذلك إلى اجتهاده في قدر ما ينفق ويرجع به على صاحبها فإن اختلفا في قدر النفقة فقول المودع إذا ادعى النفقة بالمعروف وإن ادعى زيادة لم تقبل وإن اختلفا في قدر المدة فقول صاحبها وإذا أنفق عليها بأذن حاكم رجع به وإن كان بغير أذنه مع تعذره وأشهد على الأنفاق رجع وإن كان مع إمكان أذن الحاكم ولم يستأذنه بل نوى الرجوع لم يرجع وقيل: يرجع أختاره جمع وتقدم في الرهن ومتى أودعه وأطلق فتركها في جيبه أو يده أو شدها في كمه أو عضده أو ترك في كمه ثقيلا بلا شد أو تركها في وسطه وأحرز عليها سراويله لم يضمن وإن عين جيبه ضمن في يده أو كمه لا عكسه وإن قال: أتركها في كمك فتركها في يده أو عكسه ضمن كما لو جاءه بها في السوق وأمره بحفظها ببيته فتركها عنده إلى مضيه إلى منزله وإن أمره أن يجعلها في صندوق وقال: لا تغفل عليها ولا تنم فوقها فخالفه(2/379)
أو قال لا تقفل عليها إلا قفلا واحدا فجعل عليه قفلين فلا ضمان عليه وإن قال: اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فأدخله إليه قوما فسرقها أحدهم حال إدخالهم أو بعده ضمنها وإن أودعه خاتما وقال: أجعله في الخنصر فلبسه في البنصر لم يضمن لكن إن انكسر لغلظها أو جعله في أنملتها العليا ضمن وإن قال: اجعله في البنصر فجعله في الخنصر أو في الوسطى ولم يدخله في جميعها ضمن ولو أمره أن يجعلها في منزلة فتركها في ثيابه وخرج بها ضمنها.(2/380)
فصل: وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله
أو مال ربها عادة كزوجته وعبده وخادمه ونحوهم لم يضمن كوكيل ربها ولو دفعها إلى الشريك ضمن: كالأجنبي المحض وله الاستعانة بالأجانب في الحمل والنقل وسقي الدابة وعلفها وإن دفعها إلى أجنبي أو حاكم لعذر لم يضمن وإلا ضمن وللمالك مطالبته ومطالبة الثاني ولو كان جاهلا بالحال ويستقر عليه الضمان إن كان عالما وإلا فلا وإن أراد سفرا أو خاف عليها عنده فله ردها على مالكها الحاضر أو من يحفظ ماله عادة ووكيله في قبضها إن كان وله السفر بها والحالة هذه إن لم يخف عليها أو كان أحفظ لها ولم ينهه وإن لم يجد من يردها عليه منهم حملها معه في سفره إن كان أحفظ لها ولم ينهه ولا ضمان وإلا فلا وإن نهاه امتنع وضمن إلا أن يكون السفر به لعذر: كجلاء أهله البلد أو هجوم عدو أو حرق أو غرق فلا ضمان ولو أودع مسافرا فسافر بها وتلفت بالسفر فلا ضمان عليه فإن هجم قطاع الطريق عليه فألقى المتاع إخفاء له وضاع فلا(2/380)
ضمان عليه فإن خاف المقيم عليها إذا سافر به ولم يجد مالكها ولا وكيله دفعها إلى الحاكم فإن تعذر ذلك أودعها ثقة أو دفنها إن لم يضرها الدفن وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار فيكون كإيداعه فإن دفنها ولم يعلم بها أحدا أو أعلم بها غير ثقة أو من لا يسكن الدار ولو ثقة ضمنها وحكم من حضرته الوفاة حكم من أراد سفرا في دفعها إلى الحاكم أو ثقة والودائع التي جهل ملاكها يجوز أن يتصدق بها بدون حاكم وكذلك إن فقد مالكها ولم يطلع على خبره وليس له ورثه وتقدم نظير ذلك في الغصب وآخر الرهن وأنه يلزم الحاكم قبول ذلك إذا دفع إليه وإن تعدى فيها بانتفاعه فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب أو أخرجها لا لإصلاحها: كإنفاقها أو ليخون فيها أو شهوة إلى رؤيتها ثم ردها بنية الأمانة أو كسر ختم كيسها أو كانت مشدودة فحل الشد أو مصرورة في خرقة ففتح الصرة أو جحدها ثم أقر بها أو منعها بعد طلب طالبها شرعا والتمكن من دفعها أو خلطها بما لا تتميز منه ولو كان التعدي في إحدى عينين بغير أذنه بطلت وضمن ويأتي بعضه ولا تعود وديعة إلا بعقد جديد ووجب الرد فورا وإن خلطها غيره فالضمان عليه ومتى جدد استئمانا أو أبرأه من الضمان برئ ولا يضمن بمجرد نية التعدي إذا تلفت وإن خلطها بمتميز كدراهم بدنانير أو دراهم بيض بسود أو اختلط غير متميز بغير تفريط منه أو ركب الدابة لعلفها أو سقيها أو لبس الثوب خوفا عليه من عث ونحوه - لم يضمن وإن أخذ درهما ثم رده أو بدله متميزا أو أذن له في أخذه منها ورد بدله بلا أذن فضاع الكل ضمنه وحده إلا أن(2/381)
تكون مختومة أو مشدودة أو مصرورة أو رد بدله غير متميز فيضمن الجميع كما لو لم يدر أيهما ضاع أو خرق الكيس من فوق الشد لم يضمن إلا الخرق ومن تحته يضمن أرشه وما فيه وإن أودعه صغير مميز أولا وديعة فتلفت ضمنها ولا يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه: إلا أن يكون مميزا مأذونا أو يخاف هلاكها فيأخذها لحفظها حسبه فلا كالمال الضائع والموجود في مهلكة إذ أخذه لذلك وتلف وكذا لم أخذ المال من الغاصب تخليصا ليرده إلى مالكه وإن أودع الصغير ولو قنا أو المجنون أو المعتوه وهو لمخيل العقل أو السفيه وديعة أو أعارهم شيئا فأتلفوه أو تلف بتفريطهم لم يضمنوا ويضمن ذلك العبد المكلف في رقبته إذا أتلفه وإذا مات إنسان وثبت أن عنده وديعة ولم توجد بعينها فهي دين عليه تغرمها الورثة من تركته كبقية الديون.(2/382)
فصل: المودع أمين
والقول قوله مع يمينه فيما يدعيه من رد ولو على يد عبده أو زوجته أو خازنه أو بعد موت ربها إليه وكذا دعوى تلف ولو بسبب خفي من سرقة أو ضياع ونحوه فإن ادعاه بسبب ظاهر: كحريق وغرق وغارة ونحوها لم يقبل إلا ببينة بوجود ذلك السبب في تلك الناحية ويكفي في ثبوته الاستفاضة فإذا ثبت فالقول قوله في التلف مع يمينه وتقدم في الرهن والوكالة ويقبل قوله في الإذن في دفعها إلى إنسان وأنه دفع وما يدعيه من خيانة وتفريط ولا تقبل دعواه الرد إلى ورثة المالك والحاكم فإن منع ربها منها أو مطله بلا عذر ثم أدعى تلفا لم يقبل إلا ببينة ولو سلم وديعة إلى غير ربها كرها أو صادره(2/382)
سلطإن لم يضمن كما لو أخذها منه كرها وإن آل الأمر إلى الحلف ولا بد حلف متأولا فإن لم يحلف حتى أخذت منه وجب الضمان وإن حلف ولم يتأول إثم ووجبت الكفارة وإن أكره على اليمين بالطلاق فكما لو أكره على إيقاع الطلاق قال الحارثي: وحاصله إن كان الضرر الحاصل بالتغريم كثيرا يوازي الضرر في صور الإكراه فهو إكراه لا يقع وإلا وقع وإن نادى السلطان أن من لم يحمل وديعة فلان عمل به كذا وكذا فحملها من غير مطالبة إثم وضمن وإن سلم الوديعة إلى من يظنه صاحبها فتبين خطؤه ضمنها وإن قال: لم تودعني ثم أقر بها أو ثبت ببينة فأدعى ردا أو تلفا سابقين لجحوده لم يقبل وإن أقام به بينة وإن كان بعد جحوده قبلت بهما فإن شهدت بينة بالتلف أو الرد ولم يعين هل ذلك قبل جحوده أو بعده واحتمل الأمرين لم يسقط الضمان ويأتي وإن قال: ما لك عندي شيء أو لا حق لك على قبل قوله في الرد والتلف لكن إن وقع التلف بعد الجحود وجب الضمان ولو قال لك وديعة ثم أدعى ظن البقاء ثم علمت تلفها لم يقبل قوله وإن مات المودع وأدعى وارثه الرد أو أن مورثه ردها أو أدعاه الملتقط أو من أطارت الريح إلى داره ثوبا لم يقبل إلا ببينة ومن حصل في يده أمانة بغير رضا صاحبها كاللقطة ومن أطارت الريح إلى داره ثوبا وجبت المبادرة إلى الرد مع العلم بصاحبها والتمكن منه وكذا أعلامه ذكره جمع قال في الإنصاف: وهو مراد غيرهم وكذا الوديعة والمضاربة والرهن ونحوها إذا مات المؤتمن وانتقلت إلى وارثه لزوال الائتمان وكذا لو فسخ المالك(2/383)
عقد الائتمان في الأمانات كالوديعة والوكالة والشركة والمضاربة يجب الرد على الفور لزوال الائتمان وإن تلفت عند الوارث قبل إمكان ردها لم يضمنها وإلا ضمنها ويجب رد الوديعة إلى مالكها إذا طلبها فإن أخره بعد طلبها بلا عذر ضمن ويمهل لأكل وشرب ونوم وهضم طعام ومطر كثير ونحوه بقدره وكذا لو أمره بالرد إلى وكيله فتمكن وأبى ضمن طلبها الوكيل أم لا ومثله من أخر دفع مال أمر بدفعه بال عذر وليس على المستودع مؤنة الرد وحملها إلى ربها إذا كانت مما لحملها مؤنة قلت المؤنة أو كثرت فإن سافر بها بغير أذن ربها لزمه ردها إلى بلدها وتثبت الوديعة بإقرار الميت أو ورثته أو بينته وإن وجد عليها مكتوب وديعة لم يكن حجة وإن وجد خط مورثه لفلان عندي وديعة أو على كيس ونحوه هذا لفلان عمل به وجوبا وإن وجد خطه بدين له على فلان جاز للوارث الحلف ودفع إليه وإن وجد خطه بدين عليه عمل ودفع إلى من هو مكتوب باسمه وإن ادعى الوديعة اثنان فأقر بها لأحدهما فهي له مع يمينه ويحلف المودع أيضا لمدعي الآخر فإن نكل لزمه بدلها لأنه فوتها وإن أقر بها لهما فهي لهما ويحلف لكل واحد منهما فإن نكل لزمه بدل نصفها لكل واحد منهما ويلزم كل واحد منهما الخلف لصاحبه وإن قال: لأحدهما ولا أعرف عينه فإن صدقاه أو سكنا فلا يمين ويقرع بينهما وإن كذباه حلف يمينا واحدة أنه لا يعلم ويقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها فإن نكل حكم عليه وألزم التعيين فإن أبى أجبر على القيمة فتؤخذ القيمة والعين فيقترعان عليهما(2/384)
أو يتفقان ثم إن قامت بينة بالعين لآخذ القيمة سلمت إليه وردت القيمة إلى المودع ولا شيء للقارع وإن أودعه اثنان مكيلا أو موزونا ينقسم فطلب أحدهما حقه لغيبه شريكه أو امتناعه سلمه إليه وإن غصبت الوديعة فللمودع المطالبة بها وكذا مضارب ومرتهن ومستأجر وإن قال: كلما خنت ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين صح.(2/385)
باب إحياء الموات
تعريف الموات
...
باب إحياء الموات
وهي الأرض المنفكة عن الاختصاصات أو ملك معصوم فإن كان الموات لم يجز عليه ملك لأحد ولم يوجد فيه أثر عمارة ملك بالأحياء وإن ملكها من له حرمة أو شك فيه: فإن وجد أو أحد من وثته لم يملك بإحياء وإن علم ولم يعقب لم يملك وأقطعه الإمام من شاء وإن كان قد ملك بإحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا لم يملك بإحياء إن كان لمعصوم وإن علم ملكه لمعين غير معصوم: فإن كان بدار حرب وأندرس كان كموات أصلى يملكه مسلم بإحياء وإن كان فيه أثر الملك غير جاهلي كالخرب التي ذهبت أنهارها واندرست آثارها ملك بالأحياء وكذا إن كان جاهليا قديما: كديار عاد فأما مساكن ثمود فلا تملك فيها لعدم دوام البكاء مع السكنى والانتفاع قاله الحارثي ويكره تملك دخول ديارهم إلا لباك معتبر لا يصيبه ما أصابهم أو قريبا أو تردد في جريان الملك عليه1 ومتى أحيا أرضا ميتة فهي له مسلما كان أو ذميا بأذن الإمام أو بغير أذنه في دار الإسلام وغيرها إلا موات الحرم وعرفات وموات
__________
1 قوله: أو قريبا معطوف على قوله: جاهليا قديما.(2/385)
العنوة كغيره فيملك ولا خراج عليه إلا أن يكون ذميا ولا يملك مسلم ما أحياه من أرض كفار صولحوا على أنها لهم ولنا الخراج عليها ولا يملك بأحياء ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه: كطرقه وفنائه ومجتمع ناديه ومسيل ميائه ومطرح قمامته وملقي ترابه وآلاته ومرعاة ومحطبه وحريم البئر والنهر والعين ومرتكض الخيل ومدفن الأموات ومناخ الإبل والمنازل المعتادة للمسافرين حول المياه والبقاع المرصدة لصلاة العيدين والاستسقاء والجنائز ودفن الموتى ونحوه فكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه ملك بإحياء وللإمام إقطاعه ولو اختلفوا في الطريق وقت الأحياء جعلت سبعة أذرع ولا تغير بعد وضعها وإن زادت على سبعة أذرع لأنها للمسلمين ولا تملك معادن ظاهرة ولا تحجر وهي ما لا تفتقر إلى عمل: كملح وقار ونفط وكحل وجص وياقوت وماء وثلج ومومياء وبرام1 وكبريت ومقاطع طين ونحوها ولا باطنة ظهرت أولا: كحديد ونحوه - بإحياء2 ولا ما نضب عنه الماء مما كان مملوكا وغلب عليه ثم نصب عنه بل هو باق على ملك ملاكه: لهم أخذه أما ما نصب عنه الماء من الجزائر والرقاق3 مما لم يكن مملوكا فلكل أحد أحياؤه: كموات وليس للإمام إقطاع معادن ظاهرة أو باطنة فإن كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالأحياء وللإمام أقطاعه
__________
1 البرام كالجبال وزنا جمع برمة كبردة وهي الحجارة المجتمعة.
2 قوله: ولا باطنة صفة للمعادن، وهو معطوف على قوله سابقا: معادن ظاهرة.
3 الرقاف بفتح الراء: الأرض الرملية.(2/386)
وإذا ملك المحيا ملكه بما فيه من المعادن الجامدة كمعادن الذهب والفضة ونحوهما: باطنة كانت أو ظاهرة وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلأ أو شجرة فهو أحق به بغير عوض ولا يملكه وما فضل من مائه الذي في قرار العين أو البئر لزمه بذله لبهائم غيره إن لم يوجد ماء مباح ولم يتضرر به سواء اتصل بالمرعى أو بعد عنه ويلزم بذله لزرع غيره ما لم يؤذه بالدخول فإن آذاه أو كان له فيه ماء السماء فيخاف عطشا فلا بأس أن يمنعه وكذا لو حازه في إناء وعند الأذى بورود الماشية إليه فيجوز لرعايتها سوق فضل الماء إليها ولا يلزمه بذل آلة الاستسقاء كالحبل والدلو والبكرة وإذا حفر بئرا بموات للسابلة فالناس مشتركون في مائها والحافر لها كأحدهم في السقي والزرع والشرب وعند الضيق يقدم الآدمي ثم البهائم ثم الزرع وإن حفرها ليرتفق هو بمائها كحفر السفارة في بعض المنازل: كالأعراب والتركمان ينتجعون أرضا فيحفرون لشربهم وشرب دوابهم لم يملكوها وهو أحق بمائها ما أقاموا وعليهم بذلك الفاضل لشاربه وبعد رحيلهم تكون سابلة للمسلمين فإن عادوا إليها كانوا أحق بها قال في المغني: وعلى كل حال لكل أحد أن يستقي من الماء الجاري لشربه وطهارته وغسل ثيابه وانتفاعه به في أشباه ذلك مما لا يؤثر فيه من غير إذن إذا لم يدخل إليه في مكان محوط عليه ولا يحل لصاحبه المنع من ذلك وقال الحارثي: الفضل الواجب بذله ما فضل عن شفته وشفة عياله وعجينهم وطبيخهم وطهارتهم وغسل ثيابهم ونحو ذلك وعن مواشيه ومزارعه وبساتينه.(2/387)
فصل: وإحياء الأرض أن يحوز بحائط منيع يمنع ما وراءه
ويكون البناء مما حرت عادة البلد البناء به سواء أرادها لبناء أو زرع أو حظيرة غنم أو خشب ونحوهما ولا يعتبر في ذلك تسقيف أو يجري لها ماء إن كانت لا تزرع إلا به أو يحفر فيها بئرا يكون فيها ماء فإن لم يصل إلى الماء فهو كالمتحجر الشارع في الأحياء على ما يأتي1 أو يغرس فيها شجرا أو يمنع ما لا يمكن زرعها إلا بحبسه عنها: كأرض البطائح وإن كان المانع من زرعها كثرة الأحجار: كأرض اللجاة2 فأحياؤه بقلع أحجارها وتنقيتها وإن كانت غياضا وأشجارا: كأرض الشعراء فبأن يقلع أشجارها ويزيل عروقها المانعة من الزرع ولا يحصل الأحياء بمجرد الحرث والزرع ولا بخندق يجعله عليها أو شوك وشبهة يحوطها به ويكون تحجرا وإن حفر بئرا عادية وهي القديمة التي انطمت وذهب ماؤها فجدد حفرها وعمارتها أو أنقطع ماؤها فاستخرجه ملكها وملك حريمها خمسين ذراعا من كل جانب وغير العادية على النصف وحريم عين وقناة خمسمائة ذراع وحريم نهر من حافتيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته وطريق شاوية3 وما يستضر صاحبه بتملكه عليه وإن كثر وله عمل أحجار طحن على النهر ونحوه وموضع غرس وزرع ونحوهما وحريم شجرة قدر مد أغصانها وفي النخل مد جريدها وأرض لزرع ما يحتاجه لسقيها وربط دوابها وطرح سبخها ونحو ذلك وحريم دار من موات حولها مطرح تراب وكناسة وثلج وماء ميزاب وممر إلى بابها ولا حريم لدار محفوفة بملك الغير ويتصرف كل واحد في ملكه وينتفع به بحسب ما جرت به العادة فإن تعدى منع ومن
__________
1 يؤيد أنه أحق بها من غير تملك لها وسيأتي قريبا تفصيل ذلك.
2 اللجاة: إحدى جهات الشام.
3 الشاوية بتشديد الياء: اليابسة.(2/388)
تحجر مواتا: بأن حفر بئرا لم يصل إلى مائها أو أدار حول الأرض ترابا أو أحجارا أو جدارا صغيرا أو سبق إلى شجر مباح: كالزيتون والخرنوب ونحوهما فشفاه وأصلحه ولم يركبه ونحو ذلك أو اقطعه له إمام لم يملكه بذلك وهو أحق به ووارثه بعده وكذا من ينقله إليه بغير بيع وليس له بيعه فإن ركب أي أطعم الزيتون والخرنوب ملكه وحريمه فإن لم يتم أحياؤه وطالت المدة عرفا كنحو ثلاث سنين قيل له: إما أن تحييه أو تتركه إن حصل متشوف للأحياء فإن طلب المهلة لعذر أمهل شهرين أو ثلاثة أو أقل على ما يراه الحاكم وإن لم يكن له عذر فلا يمهل وإن أحياه غيره في مدة المهلة أو قبلها لم يملكه وبعدها ملكه ومن نزل وظيفة لزيد وهو لها أهل لم يتقرر غيره فيها فإن قرر هو وإلا فهي للنازل وقال الشيخ: لا يتعين المنزول له ويولى من له الولاية من يستحقها شرعا وقال ابن القيم: ومن بيده أرض خراجيه فهو أحق بها بالخراج كالمستأجر ويرثها ورثته كذلك وليس للإمام أخذها منه ودفعها إلى غيره وإن نزل عنها أو آثر بها فالمنزول له والمؤثر أحق بها وتقدم ومثله ما صححه صاحب الفروع وغيره لو آثر شخصا بمكانه في الجمعة لم يكن لغيره سبقه إليه لأنه أقامه مقامه أشبه من تحجر مواتا أو سبق إليه أو آثر به فمراد صاحب الفروع بالتشبيه المذكور أنه لم يتم النزول المذكور إما لكونه قبل القبول من المنزول له أو قبل الإمضاء إذا كان النزول معلقا بشرط الإمضاء ممن له ولاية ذلك فإنه حينئذ يشبه المتحجر فيجري فيه ما فيه من الخلاف أما إذا تم النزول(2/389)
إما بالقبول أو الإمضاء ووقع الموقع فليس لأحد التقرر ولا التقرير فيه وهو حينئذ يشبه بالمتجر إذا أحياه من تحجره وبالمؤثر بالمكان إذا صار فيه لأنه ترفع يد عما أحياه ولا المؤثر يزال من المكان الذي أثر به وصار فيه.(2/390)
فصل: وللإمام إقطاع موات لمن يحييه
ولا يملكه بالإقطاع بل يصير كالمتحجر الشارع في الأحياء ولا ينبغي للإمام أن يقطع إلا ما قدر على إحيائه فإن اقطع أكثر منه ثم تبين عجزه عن إحيائه استرجعه وله إقطاع غير موات تمليكا وانتفاعا للمصلحة ويجوز الإقطاع من مال الجزية كما في الإقطاع من مال الخراج والظاهر أن مرادهم بالمصلحة ابتداء ودواما فلو كان ابتداؤه لمصلحة ثم في أثناء الحال فقدت فللإمام استرجاعها وله إقطاع الجلوس في الطريق الواسعة ورحاب المساجد المتسعة غير المحوطة مالم يضيق على الناس فيحرم ولا يملك ذلك المقطع ويكون أحق بالجلوس فيها ما لم يعد الإمام فيه فإن لم يقطعها الإمام فلمن سبق إليها الجلوس فيها بغير أذنه ويكون أحق بها ولو ليلا ما لم ينقل متاعه عنها وإن أطال الجلوس فيها أزيل وإن أجلس غلامه أو أجنبيا ليحفظ له المكان حتى يعود فهو كما لوترك المتاع فيه وليس له الجلوس بحيث يمنع جاره رؤية المعاملين لمتاعه أو وصولهم إليه أو يضيق عليه في كيل أو وزن أو أخذ أو إعطاء وله أن يظلل على نفسه فيها بما لا ضرر فيه من بارية وكساء وليس له أن يبني دكة ولا غيرها فإن سبق اثنان فأكثر إليها أو إلى خان مسبل أو رباط أو مدرسة أو خانكاه(2/390)
ولم يتوقف فيها على تنزيل ناظر: أقرع ومن سبق إلى معدن مباح فهو أحق بما يناله منه ولا يمنع ما دام آخذا ولو طال وفي المغني والشرح فإن أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره منه منع من ذلك فإن سبق اثنان فأكثر إليه وضاق المكان عن أخذهم جملة: أقرع كطريق وإن حفره إنسان من جانب آخر فوصل إلى النيل لم يكن له منعه ومن سبق إلى مباح فأخذه مثل ما ينبت في الجزائر والرقاق وكل موات من الطرفاء والقصب والشعر أو ثمر الجبل وغير ذلك من النباتات أو إلى صيد ولو سمكا أو عنبر وحطب وثمر ولؤلؤ ومرجان ونحوه ومن ينبذه الناس رغبة عنه - ملكه والملك مقصور فيه على القدر المأخوذ وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما ولو كان الآخذ للتجارة أو الحاجة ولا يقترعان وكذا لو سبق إلى ما ضاع من الناس مما لا تتبعه الهمة وما يسقط من الثلج والمن وسائر المباحات وإن سبق إلى لقيط أو لقطة أو إلى طريق فهو أحق به فإن رأى اللقطة واحد وسبق آخر إلى أخذها فهي لمن سبق فإن أمر أحدهما صاحبه بأخذها فأخذها ونواه لنفسه فهي له وإلا لمن أمره في قول.(2/391)
فصل: وإذا كان الماء في نهر غير مملوك
كمياه الأمطار والأنهار الصغار وازدحم الناس فيه وتشاحوا فلمن في أعلاه أن يبدأ فيسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى كعبة ثم يرسله إلى من يليه كذلك إلى آخرهم فإن لم يفضل من الأول أو من يليه شيء فلا شيء للباقي وإن كان بعض أرض أحدهم مستفلا وبعضها مستغليا سقى كل واحدة على حدتها فإن(2/391)
استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما الماء بينهما إن أمكن وإلا أقرع فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى القارع بقدر حقه من الماء ثن يتركه للآخر وليس له أن يسقي بجميع الماء لمساواة الآخر له وإنما القرعة للتقدم بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا في الفاضل عن الأعلى وإن كانت أرض أحدهما أكثر من الآخر قسم الماء بينهما على قدر الأرض ولو أحتاج الأعلى إلى الشرب ثانيا قبل انتهاء سقي الأرض لم يكن له ذلك ومن سبق إلى قناة لا مالك لها وسبق آخر إلى بعض أفواهها من فوق أو من أسفل فلكل واحد منهما ما سبق إليه ولمالك أرض منعه من الدخول بها ولو كانت رسومها في أرضه وأنه لا يملك تضييق مجرى قناة في أرضه1 خوف لص لأنه لصاحبها وإن كان النهر كبير إلا يحصل فيه تزاحم: كالنيل والفرات ودجلة فلكل أحد أن يسقي منه ما شاء متى شاء كيف شاء فإن أراد إنسان إحياء أرض يسقيها منه أو من نهر غير مملوك تجري فيه مياه الأمطار ولو كان أقرب إلى أول النهر لم يمنع ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه ولا يسقي قبلهم ولو أحيا سابق في أسفل ثم آخر فوقه ثم ثالث فوق الثاني سقي المحي أولا ثم الثاني ثم الثالث ولو كان الماء بنهر مملوك كحفر نهر صغير سبق الماء إليه من نهر كبير فما حصل فيه من الماء ملك فلو كان لجماعة فبينهم على حسب العمل والنفقة فإن لم يكفهم وتراضوا على قسمته جاز وإلا قسمه الحاكم على قدر ملكهم فتؤخذ خشبة أو حجر مستوى الطرفين والوسط فتوضع على موضع مستو من الأرض
__________
1 الرسوم: هي الآثار، ومراده أن مالك القناة بالإحياء لا يملك دخول أرض وجد ربها رسوم القناة التي ملكها.(2/392)
في مصدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم من كل جزء أو ثقب إلى ساقيه لكل واحد منهم فإذا حصل الماء في ساقيته انفرد به فإن كانت أملاكهم مختلفة قسم على قدر ذلك فإذا كان لأحد نصفه وللثاني وللثالث سدسه جعل فيه ثقوب: لصاحب النصف ثلاثة تصب في ساقيته ولصاحب الثلث اثنان ولصاحب السدس واحد فإن أراد أحدهم أن يجري ماءه في ساقية غيره ليقاسمه في موضع آخر لم يجز بغير رضاه وما حصل لأحدهم في ساقيته تصرف فيه بما أحب: من عمل رحى عليها أو دولاب أو عبارة - وهي خشبة تمد على طرفي النهر - أو قنطرة يعبر الماء عليها أو غير ذلك من التصرفات وأما النهر المشترك فليس لأحدهم أن يتصرف فيه بذلك فليس له فتح ساقية إلى جانبه قبل المقسم يأخذ حقه منها ولا أن ينصب على حافتي النهر رحى تدور بالماء ولا غير ذلك لأن حريم النهر مشترك فلم يملك التصرف فيه بغير أذنهم وإذا اقتسموا ماء النهر المشترك بالمهايأة وكان حق كل واحد منهم معلوما مثل أن يجعلوا لكل حصة يوما وليلة أو لواحد من طلوع الشمس إلى الزوال وللآخر إلى الغروب ونحو ذلك أو اقتسموا ساعات وأمكن ضبط ذلك بشيء معلوم - جاز إذا تراضوا به وتقدم في الصلح لو أحتاج النهر ونحوه إلى عمارة أو كرى ومن ترك دابة بمهلكة أو فلاة: لعجزه عن علفها أو لانقطاعها ويأسه منها ملكها مستنقذها نصا لا عبدا أو متاعا تركه عجزا ولا ما ألقى في البحر خوفا من الغرق أو انكسرت السفينة وأخرجه قوم فيرجع آخذه بنفقة(2/393)
واجبة وأجرة حمل متاع وللإمام أن يحمي أرض موات لرعي دواب المسلمين التي يقوم بحفظها من الصدقة والجزية ودواب الغزاة وماشية الضعفاء عن البلد للرعي وغير ذلك ما لم يضيق على المسلمين وليس ذلك لغيره وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه ولا تغييره مع بقاء الحاجة إليه وعدمها ولا أحياؤه فإن أحياه لم يملكه وكان له صلى الله عليه وسلم فقط أن يحمي لنفسه ولم يفعل ما حماه غيره من الأئمة جاز له ولإمام غيره نقضه ويملكه محييه وليس للأئمة أن يحموا لأنفسهم شيئا ومن أخذ مما أحياه إمام عزر في ظاهر كلامهم وظاهره ولا ضمان.(2/394)
باب الجعالة
وهي جعل شيء معلوم: كأجرة لا من مال حربي فيصح مجهولا لمن يعمل له عملا مباحا ولا مجهولا وعلى مدة ولو مجهولة: سواء جعله لمعين بأن يقول من تصح إجارته إن رددت لقطتي فلك كذا فلا يستحق من ردها سواه أو غير معين بأن يقول ك من رد لقطتي أو وجدها أو بنى لي هذا الحائط أو رد عبدي فله كذا فيصح العقد ويستحق الجعل بالرد ولو كان أكثر من دينار أو اثني عشر درهما وإن لم يكن أكثر فله في العبد ما قدره الشارع فمن فعله بعد أن بلغه الجعل استحقه كدين وفي أثنائه يستحق حصة تمامه والجماعة تقتسمه وإذا رد لم يكن له الحبس على الجعل وإن تلف الجعل كان له مثله إن كان مثليا وإلا فقيمته،(2/394)
فإن فاوت بينهم فجعل لواحد دينارا ولآخر اثنين ولآخر ثلاثة جاز فإن رده الثلاثة فلكل واحد ثلث جعله وإن جعل لواحد معين شيئا في رده فرده هو وآخران معه وقالا: رددناه معاونة له استحق جميع الجعل ولا شيء لهما وإن قالا: رددناه لنأخذ العوض لأنفسنا فلا شيء لهما وله ثلث الجعل وإن نادى غير صاحب الضالة فقال: من ردها فله دينار فردها رجل فالدينار على المنادي لأنه ضمن العوض وإن قال في النداء قال فلان: من رد ضالتي فله دينار فردها رجل لم يضمن المنادي وإن رده من دون المسافة المعينة كأن قال: من رد عبدي من بلد كذا فرده من بعض طريقه فبالقسط ومن أبعد منها له المسمى فقط وإن رده من غير البلد المسمى فلا شيء له كما لو جعل له في رد أحد عبديه معينا فرد الآخر وإن قال: من رد عبدي فله كذا فرد أحدهما فله نصف الجعالة وقبل أن يبلغه الجعل لم يتسحقه وحرم أخذه ويصح الجمع بين تقدير المدة والعمل وكل ما جاز أن يكون عوضا في الإجازة جازان يكون عوضا في الجعالة وكل ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة جازان يكون عوضا في الجعالة وكل ما جاز أخذ العوض عليه في الإجارة من الأعمال جاز أخذه عليه في الجعالة وما لا يجوز أخذ العوض عليه في الإجارة كالغناء والزمر وسائر المحرمات لا يجوز أخذ الجعل عليه وما يختص أن يكون فاعله من أهل القربة مما لا يتعدى نفعه فاعله كالصلاة والصيام لا يجوز أخذ الجعل عليه فأما ما يتعدى نفعه كالآذان ونحوه فيجوز وتقدم في الإجارة وإن جعل عوضا مجهولا كقوله: من رد عبدي الآبق فله نصفه أو من رد ضالتي فله ثلثها أو فله ثوب ونحوه أو محرما كالخمر(2/395)
فله في ذلك أجرة المثل وإن قال: من داوي لي هذا حتى يبرأ من جرحه أو مرضه أو رمده فله كذا - لم يصح وهي عقد لكل منهما فسخها فإن فسخها العامل لم يستحق شيئا وإن فسخها الجاعل بعد الشروع فعليه للعامل أجرة عمله وإن اختلفا في أصل الجعل فقول من ينفيه وفي قدره أو المسافة فقول جاعل ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له إن لم يكن معدا لأخذ الأجر فإن كان كالملاح والمكاري والحجام والقصار والخياط والدلال ونحوهم يرصد نفسه للتكسب بالعمل وأذن له - فله المثل وتقدم معناه في الإجارة إلا في تخليص متاع غيره من بحر أو فم سبع أو فلاة ولو عبدا فله أجرة مثله وإلا في رد آبق من قن ومدبر وأم ولد إن كان غير الإمام فله ما قدر الشارع دينارا أو اثنا عشر درهما سواء رده من داخل المصر أو خارجه قربت المسافة أو بعدت وسواء كان يساوي المقدار أو لا وسواء كان زوجا للرقيق أو ذا رحم في عيال المالك أو لا وإن مات السيد قبل وصول المدبر وأم الولد عتقا ولا شيء له ويأخذ منه ما أنفق عليه وعلى دابة في قوت وعلف ولو لم يستأذن المالك مع القدرة عليه حتى ولو هرب منه في طريقه أو مات فله الرجوع عليه بما انفق عليه قبل هربه ما لم ينو التبرع لكن لا جعل له إذا هرب قيل تسليمه أو مات ولو أراد استخدامه بدل النفقة لم يجز كالعبد المرهون ومن أخذ الآبق أو غيره فهو أمانة في يده إن تلف من غير تفريط فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا اعترف العبد أنه سيده إن كان كبيرا أو أقام بينة فإن لم يجد(2/396)
سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو بيعه إن رأى المصلحة فيه فإن باعه الإمام أو نائبه لمصلحة رآها فجاء سيده فاعترف أنه كان اعتقه قبل قوله ويطل البيع وليس لواجده بيعه ولا تملكه بعد تعريفه فهو كضوال الإبل ومتى كان العمل في مال الغير إنقاذا له من التلف المشرف عليه كان جائزا: كذبح الحيوان المأكول إذا خيف موته ولا يضمن ما نقص بموته ولو وقع الحريق بدار ونحوها فهدمها غير صاحبها بغير أذنه على النار لئلا تسري أو هدم قريبا منها إذا لم يقدر على الوصول إليها وخيف تعديها وعتوها لم يضمن ذكره في الطرق الحكمية قال: ولو رأى السيل يقصد الدار المؤجرة فبادر وهدم الحائط ليخرج السيل ولا يهدم الدار كان محسنا ولا يضمن انتهى وإن وجد فرسا لرجل من المسلمين مع أناس من العرب - أي من البدو - وأخذ الفرس منهم ثم إن الفرس مرض بحيث لم يقدر على المشي جاز للآخذ بيعه بل يجب عليه في هذه الحالة أن يبيعه لصاحبه وإن لم يكن وكله في البيع وقد نص الأئمة على هذه المسألة ونظائرها ويحفظ الثمن قاله الشيخ وهي في الخامس من الفتاوى المصرية.(2/397)
باب اللقطة
تعريفها وأقسامها
...
باب اللقطة
وهي اسم لما يلتقط: من مال أو مختص ضائع وما في معناه لغير حربي يلتقطه غير ربه وينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لا تتبعه همة أوساط الناس: كالسوط والشسع والرغيف(2/397)
والكسرة والثمرة والعصا ونحو ذلك وما قيمته كقيمة ذلك فيملك بأخذه وينتفع به آخذه بلا تعريف والأفضل أن يتصدق به ولا يلزمه دفع بدله إن وجد ربه ولعل المراد إذا تلف فأما إن كان موجودا ووجد ربه فيلزمه دفعه إليه وكذا لو لقي كناس ومن في معناه قطعا صغارا مفرقة ولو كثرت ومن ترك دابة بمهلكة أو فلاة ترك إياس لانقطاعها أو عجزه عن علفها ملكها آخذها وإلا أن يكون تركها ليرجع إليها أو ضلت منه وتقدم آخر أحياء الموات وكذا ما ألقى خوف الغرق.
الثاني: الضوال التي تمتنع من صغار السباع: مثل ثعلب وذئب وابن آوى وولد الأسد كإبل وخيل وبقر وبغال وطيور تمتنع بطيرانها وظباء وكفهود فعلمه وكحمر وخالف الموفق فيها فهذا القسم غير الآبق يحرم التقاطه ولا يملكه بتعريفه وإن أتفق عليه لم يرجع لتعديه فإن تبع شيء منها دوابه فطرده أو دخل فأخرجه فلا ضمان عليه حيث لم يأخذه ولم يثبت يده عليه لكن لإمام ونائبه فقط أخذ ذلك ليحفظه لربه لا على سبيل الالتقاط ولا يلزمهما تعريفه ولا تكفي فيه الصفة ومن أخذه ولم يكتمه ضمنه إن تلف أو نقص كغاصب وإن كتمه وتلف ضمنه بقيمته مرتين إما ما كان أو غيره وإن لم يتلف فإن دفعه إلى الإمام أو نائبه أو أمره برده إلى مكانه زال عنه الضمان وكذا من أخذ من نائم أو ساه شيئا لا يبرأ برده بل بتسليمه لربه بعد انتباهه أو الإمام أو نائبه ولا يحرم التقاط الكلب(2/398)
المعلم وينتفع به في الحال ويسم الإمام ما يحصل عنده من الضوال بأنها ضالة ويشهد عليها ثم إن كان له حمى يرعى فيه تركها فيه إن رأى ذلك وإن رأى بيعها أو لم يكن له باعها بعد أن يحليها ويحفظ صفاتها ويحفظ ثمنها لصاحبها ويجوز التقاط الصيود المتوحشة التي إذا تركت رجعت إلى الصحراء لشرط عجز ربها وأحجار الطواحين الكبيرة والقدور الضخمة والأخشاب الكبيرة ملحقة بإبل ويجوز التقاط قن الصغير ذكرا كان أو أنثى ولا يملك بالالتقاط قال الموفق لأنه محكوم بحريته.
الثالث: سائر الأموال: كالأثمان والمتاع ومالا يمتنع من صغار السباع: كالغنم والفصلان والعجاجيل وجحاش الحمير والأفلاء والإوز والدجاج ونحوها سواء وجد ذلك بمصر أو بمهلكة لم ينبذه ربه رغبة عنه فمن لا يأمن نفسه عليها لا يجوز له أخذها بهذه النية ضمنها ولو تلفت بغير تفريط ولم يملكها وإن عرفها ومن أخذها بنية الأمانة ثم طرأ قصد الخيانة لم يضمن ومن أمن نفسه عليها وقوى على تعريفها فله أخذها والأفضل تركها ولو وجدها بمضيعة وإن عجز عن تعريفها فليس له آخذها ومتى أخذها ثم ردها إلى موضعها أو فرط فيها ضمنها إلا أن يكون ردها بإذن الإمام أو نائبه ولو ممتنعا كما تقدم وإن ضاعت اللقطة من ملتقطها في حول التعريف بغير تفريط فلا ضمان عليه فإن التقطها آخر فعلم أنها ضاعت من الأول فعليه ردها إليه فإن لم يعلم الثاني بالحال حتى عرفها حولا ملكها ولا يملك الأول(2/399)
انتزاعها منه فإذا جاء صاحبها أخذها من الثاني وليس له مطالبة الأول وإن علم الثاني بالأول فردها إليه فأبى أخذها وقال: عرفها أنت فعرفها ملكها أيضا وإن قال: عرفها وتكون ملكا لي ففعل فهو نائبه في التعريف ويملكها الأول وإن قال: عرفها وتكون بيننا ففعل صح أيضا وكانت بينهما وإن غصبها غاصب من الملتقط وعرفها لم يملكها.
واللقطة على ثلاثة أضرب: أحدهما: حيوان فيلزمه فعل الأحظ من أكله وعليه قيمته أو بيعه وحفظ ثمنه لصاحبه وله أن يتولى ذلك بنفسه ولا يحتاج إلى إذن الإمام في الأكل والبيع ويلزمه حفظ صفتها فيهما أو حفظه والإنفاق عليه من ماله ولا يتملكه فإن تركه ولم ينفق عليه ضمنه ويرجع به ما لم يتعد: أن نوى الرجوع وإلا فلا فإن استوت الثلاثة خير بينها قال الحارثي: وأولي الأمور الحفظ مع الإنفاق ثم البيع وحفظ الثمن ثم الأكل وغرم القيمة.
والثاني: ما يخشى فساده: كطبيخ وبطيخ وفاكهة وخضروات ونحوها فيلزمه فعل الأحظ: من أكله وعليه قيمته وبيعه بلا حكم حاكم وحفظ ثمنه ولو تركه حتى تلف ضمنه فإن استويا خير بينهما وقيده جماعة بعد تعريفه بقدر ما يخاف معه فساده ثم هو بالخيار إلا إن يمكن تجفيفه كالعنب فيفعل ما يرى الحظ فيه لمالكه: من الأكل والبيع والتجفيف وغرامة التجفيف منه فيبيع بعضه في ذلك الثالث: سائر الأموال ويلزمه حفظ الجميع وتعريفه على الفور: حيوانا كان أو غيره بالنداء عليه بنفسه أو بنائبه في مجامع الناس كالأسواق والحمامات وأبواب(2/400)
المساجد أدبار الصلوات ويكره فيها ويكثر منه في موضع وجدانها وفي الوقت الذي يلي التقاطها حولا كاملا: نهارا كل يوم مرة أسبوعا ثم مرة من كل أسبوع من شهر ثم مرة في كل شهر ولا يصفه بل يقول: من ضاع منه شيء أو نفقة وإن سافر وكل من يعرفها فإن التقط في صحراء عرفها في أقرب البلاد من الصحراء وأجرة المنادي على الملتقط ولا يرجع بها ولا تعرف كلاب بل ينتفع بالمباح منها وإن كان لا يرجى وجود صاحب اللقطة لم يجب تعريفها في أحد القولين ولو أخر التعريف عن الحول الأول أو بعضه أثم وسقط كالتقاطه بنية تملكه أو لم يرد تعريفه ولا يملكها بالتعريف بعد الحول الأول وكذا لو تركه فيه عجزا: كمريض ومحبوس أو إنسانا أو تركه في بعض الحول أو وجدها صغيرا ونحوه فلم يعرفها وليه أو ضاعت فعرفها الثاني مع علمه بالأول ولم يعلمه أو أعلمه وقصد بتعريفها لنفسه لم يملكها وليس خوفه أن يأخذها سلطان جائر أو يطالبه بأكثر عذرا في ترك تعريفها فإن أخره لم يملكها إلا بعده وإذا عرفها فلم تعرف دخلت في ملكه بعد الحول حكما: كالميراث ولو عروضا: كأثمان ولقطة الحرم أو كان سقوطها من صاحبها بعد وإن غيره.(2/401)
فصل: ولا يجوز له التصرف فيها حتى يعرف وعاءها وهو ظرفها
كيسا كان أو غيره ووكاءها وهو الخيط الذي تشد به وعفاصها وهو الشد والعقدة: أي صفتها وقدرها وجنسها وصفتها1 أي تجب
__________
1 مراده بالصفة الأولى صفة العقدة وبالثانية صفة اللقطة التي تتميز بها.(2/401)
معرفة ذلك عند أراه التصرف فيها ويسن ذلك عند وجدانها وإشهاد عدلين عليها لا على صفتها فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها إليه إن كانت عنده ولو بلا بينة ولا يمين ظن صدقه أو لا فإن وجدها قد خرجت عن الملتقط ببيع أو غيره بعد ملكها فلا رجوع وله بدلها فإن أدركها مبيعة بيع الخيار للبائع أو لهما في زمنه وجب الفسخ أو مرهونة فله انتزاعها فإن صادفها ربها قد رجعت إليه بفسخ أو غيره أخذها بنمائها المتصل فأما المنفصل قبل مضي الحلول فلمالكها وبعده لواجدها ووارث ملتقط كهو في تعريف وغيره فإن مات الملتقط بعد تمام الحول ثم جاء صاحبها أخذها من الوارث وإن كانت معدومة فصاحبها غريم بها: إن كان تلفها بعد الحول بفعله أو بغير فعله وإن تلفت أو نقصت أو ضاعت قبل مضي الحول لم يضمنها إن لم يفرط لأنها في يده أمانة وبعد الحول يضمنها ولو لم يفرط: بمثلها إن كانت مثلية وإلا بقيمتها يوم عرف ربها سواء تلفت بفعله أو بغير فعله ولا يكفي تصديق عبد ملتقط لواصف بل لا بد من بينة لأن إقرار العبد لا يصح فيما يتعلق بنفسه فإن وصفها اثنان معا أو وصفها الثاني قبل دفعها إلى الأول أو أقام بينتين - أقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها وبعد دفعها لا شيء للواصف الثاني ولو ادعاها كل واحد منهما فوصفها أحدهما دون الآخر حلف وأخذها ومثله وصفه مغصوبا ومسروقا يستحقه بالوصف ذكره القاضي وأصحابه على قياس قوله: إذا(2/402)
اختلف المؤجر والمستأجر في دفن الدار من وصفه فهو له1 ولا يجوز دفعها بغير وصف ولا بينة ولو ظهر صدقه وإن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الوصف فإن تلفت عند الواصف ضمنها ولم يضمن الدافع وهو الملتقط إن كان الدفع بإذن حاكم ولا يرجع الواصف عليه وكذا لو كان الدفع بغير أذن حاكم لوجوبه عليه ومؤنة ردها على ربها ولو قال مالكها بعد تلفها: أخذتها لتذهب بها وقال الملتقط بل لأعرفها فقوله مع يمينه2 وإن وجد في حيوان اشتراه: كشاة ونحوها نقد فلقطة لواجده يعرفها ويبدأ بالبائع لأنه يحتمل أن تكون ابتلعتها في ملكه كما لو وجد صيدا مخضوبا أو في أذنه قرط أو في عنقه حرز وإن اصطاد سمكة من البحر فوجد في بطنها درة غير مثقوبة فهي له وإن باعها غير عالم بها لم يزل ملكه عنها فترد إليه كما لو باع دارا له فيها مال لم يعلم به وإن وجد في بطنها مالا يكون للآدمي: كدراهم أو دنانير أو درة أو غيرها مثقوبة أو متصلة بذهب أو فضة أو غيرهما أو في عين أو نهر ولو متصلا بالبحر فلقطة: على الصياد تعريفها وإن وجدها المشتري فالتعريف عليه وإن اصطادها من عين أو نهر غير متصل بالبحر فكالشاة في أن ما وجد في بطنها من درة مثقوبة أو غير مثقوبة لقطة وإن وجد عنبرة على الساحل فحازها فهي له ومن أخذ متاعه كثياب في حمام أو أخذ مداسه وترك بدله فلقطة ويأخذ حقه،
__________
1 الضمير في لفظ قياس قوله عائد على الإمام وقوله: في دفن بكسر الدال وهو الكنز المدفون.
2 الضمير في لفظ قوله مع يمينه عائد على الملتقط.(2/403)
منه بعد تعريفه ومن وجد لقطة بدار حرب وهو في الجيش عرفها سنة ابتداؤها في الجيش وبقيتها في دار الإسلام ثم وضعها في المغنم وإن كان دخل بأمان عرفها في دراهم ثم هي له إلا أن يكون في جيش فكالتي قبلها وإن وجد لقطة في غير طريق مأتي فهي لقطة.(2/404)
فصل: ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا مسلما أو كافرا عدلا أو فاسقا
يأمن نفسه عليها ويضم إلى الكافر والفاسق أمين في تعريفها وحفظها وإن وجدها صغير أو سفيه أو مجنون قام وليه بتعريفها فإن عرفها لواجدها وإن تركها الولي بيده بعد علمه ضمنها الولي وإن تلفت بيد أحدهم بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن فرط ضمنها في ماله: كإتلافه وكعبد وللعبد التقاطها وتعريفها فلا إذن سيده: كاحتطابه واحتشاشه واصطياده وله إعلام سيده العدل بها أن أمنه وإلا لزم سترها عنه ولسيده العدل أخذها منه أو تركها معه ليعرفها إن كان عدلا فإن أتلفها العبد أو تلفت بتفريطه قبل الحول أو بعده ففي رقبته ومثله أم ولد ومدبر ومعلق عتقه بصفة لكن أن تلفت بتفريط أم الولد فداها سيدها بالأقل من قيمتها أو قيمة ما أتلفه والمكاتب كالحر ومن بعضه حر بينه وبين سيده ولو كان بينهما مهايأة وكذا حكم نادر من كسبه: كهبة وهدية ووصية وركاز ونحوه ولو استيقظ نائم فوجد في ثوبه مالا لا يدري من صره فهو له ولا تعريف.(2/404)
باب اللقيط
تعريف اللقيط
...
باب اللقيط
وهو طفل لا يعرف نسبه ولا رقه نبذ أو ضل إلى سن التمييز وقيل: والمميز إلى البلوغ وعليه الأكثر والتقاطه فرض كفاية ويستحب للملتقط الإشهاد عليه وعلى ما معه وهو حر في جميع أحكامه مسلم: إلا أن يوجد في بلد كفار حرب ولا مسلم فيه أو فيه مسلم: كتاجر وأسير فكافر رقيق فإن كثر المسلمون فمسلم وإن وجد في دار الإسلام في بلد كل أهلها ذمة فكافر1 وإن كان فيه مسلم فمسلم إن أمكن كونه منه ولا يجب نفقته على ملتقطه وينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه فإن تعذر اقترض حاكم على بيت المال فإن تعذر فعلى من علم حاله الإنفاق مجانا ولا يرجع لأنها فرض كفاية وإن أقترض الحاكم ما أنفق عليه ثم بان رقيقا أو له أب موسر رجع عليه فإن لم يظهر له أحد وفي بيت المال وما وجد معه من فرش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو مدفونا تحته طريا أو مطروحا قريبا منه: كثوب موضوع إلى جانبه أو حيوان مشدود بثيابه فهو له وإن كان في خيمة أو دار فهي له وأولى الناس بحضانته وحفظ ماله واجده إن كان أمينا مكلفا رشيدا حرا عدلا ولو ظاهرا وله الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم والمستحب
__________
1 لعدم وجود مسلم يحتمل أن يكون اللقيط منه، وقيل هو مسلم لاحتمال وجود مسلم يكتم إيمانه.(2/405)
بأذنه إن وجد وينبغي أن ينفق عليه بالمعروف كاليتيم فإن بلغ اللقيط واختلفا في قدر ما أنفق أو في التفريط في الإنفاق فقول المنفق وله قبول هدية له وصدقة ووصية ولا يقر بيد صبي ومجنون وسفيه وفاسق ولا كافر واللقيط مسلم ولا بيد رقيق بلا إذن سيده وليس له التقاطه بغير إذن سيده إلا أن يجد من يلتقطه لأنه تخليص له من الهلكة فإن إذن له سيده فهو نائبه والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه والمكاتب ومن بعضه حر كالقن ولا يقر بيد بدوي يتنقل في المواضع ولا من وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية فإن التقطه في البادية مقيم في حلة وأراد النقلة إلى الحضر أقر معه ويصح التقاط ذمي لذمي ويقر بيده ولو التقط الكافر مسلم وكافر فهما سواء وقيل: المسلم أحق اختاره جمع وإن التقطه في الحضر من يريد النقلة إلى بلد آخر أو من بلد إلى قرية أو من محلة يقر بيده ما لم يكن البلد الذي كان فيه وبيئا: كغور بيسان ونحوه وحيث يقال بانتزاعه من الملتقط فيما تقدم فإنما ذلك عند وجود الأولى به فأما إذا لم يوجد فإقراره في يده أولى كيف كان ويقدم موسر ومقيم من أهل الحضانة إذا التقاطه معا على ضدهما فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما والبلدي والكريم وظاهر العدالة وضدهم والرجل والمرأة - سواء والشركة في الالتقاط أن يأخذاه جميعا ووضع اليد عليه كالأخذ ولا اعتبار بالقيام المجرد عنده إلا أن يأخذه للغير بأمره: فالملتقط هو الآمر في قول والآخذ نائب عنه فإن نوى أخذه لنفسه فهو أحق به وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من(2/406)
له بينة: سواء كان في يد أم في يده غيره فإن كان لكل واحد منهما بينة قدم اسبقهما تاريخا أو أطلقتا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى تعارضتا وسقطتا وإن لم تكن لهما بينة قدم صاحب اليد مع يمينه فإن كان في أيديهما أقرع بينهما: فمن قرع سلم إليه مع يمينه وإن لم يكن لهما يد فوصفه أحدهما بعلامة مستورة في جسده قدم فإن وصفاه جميعا أقرع بينهما وإن لم يكن في أيديهما ولا في يد واحد منهما ولا بينة لهما ولا لأحدهما ولا وصفاه ولا أحدهما - سلمه القاضي إلى من يريد: منهما أو من غيرهما ولا تخيير للصبي ومن اسقط حقه منه سقط.(2/407)
فصل:- وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال
وإن لم يخلف وارثا ولا ولاء عليه وإن قتل عمدا فوليه الإمام: إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه مع رشده فيحبس الجاني إلى أو أن البلوغ والرشد إلا أن يكون فقيرا ولو عاقلا فيجب على الإمام العفو على مال ينفق عليه وإن أدعى الجاني عليه رقه أو قذفه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط وإن جنى اللقيط جناية تحملها العاقلة فعلى بيت المال وإن كانت لا تحملها العاقلة فحكمه فيها غير اللقيط إن كانت توجب القصاص وهو بالغ عاقل اقتص منه وإن كانت موجبة للمال وله مال استوفى منه وإلا كان في ذمته حتى يوسر وإن أدعى أجنبي أن اللقيط مملوكه أو مجهول النسب غيره مملوكه وهو في يده صدق مع يمينه وإلا فلا فلو شهدت له باليد بينة أو(2/407)
الملك أو أنه عبده أو مملوكه ولو لم تذكر البينة سبب الملك أو أن أمته ولدته في ملكه - حكم له به وإن لم تقل في ملكه لم يحكم له وإن ادعاه الملتقط لم يقبل إلا ببينة وإن كان المدعي بالغا عاقلا فأنكر فالقول قوله: أنا حر وإن كان للمدعي بينة حكم بها: فإن كان الملتقط تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل إقراره: سواء تقدم إقراره تصرف ببيع أو شراء أو تزويج أو صداق ونحوه أو لم يتقدمه بل أقر بالرق جوابا أو ابتداء ولو صدقه المقر له كما لو تقدمه إقرار بحريته وإن أقر اللقيط أنه كافر حكمنا بإسلامه من طريق الظاهر تبعا للدار لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد كما لو بلغ سنا إسلامه فيه ونطق بالإسلام ثم قال: إنه كافر.(2/408)
فصل:- وإن أقر إنسان أنه ولده:
مسلم أو ذمي يمكن كونه منه حرا كان أو رقيقا رجلا كان أو امرأة ولو أمة حيا كان اللقيط أو ميتا - ألحق به ولا تجب نفقته على العبد ولا حضانة له ولا على سيده لأنه محكوم بحريته وتكون في بيت المال ولا يلحق بزوج المرأة المقرة به بدون تصديقه ولا بالرقيق في رقه بدون بينة الفراش فيهما كما لو استلحق رقيقا ولا بزوجة المقر بدون تصديقها ويلحق الذمي نسبا لا دينا ولا حق له في حضانته ولا يسلم إليه إلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه: فيلحقه دينا بشرط استمرار أبويه على الحياة والكفر والمجنون كالطفل إذا أمكن أن يكون منه وكان مجهول النسب وكل من ثبت لحاقه بالاستلحاق: ولو بلغ وأنكر لم يلتفت إلى قوله: وإن(2/408)
ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهما بينة قدم بها وإن كان في يد أحدهما وأقاما بينة قدمت بينة خارج وإن كان في يد امرأة قدمت على امرأة ادعته بلا بينة وإن تساووا في البينة أو عدمها عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا: كالأخ والأخت والعمة والخالة فإن ألحقته بأحدهما لحق به وإن ألحقته بهما لحق بهما فيرث كل واحد منهما إرث ولد كامل ويرثانه إرث أب واحد وإن وصى له قبلا جميعا وإن خلف أحدهما فله إرث أب كامل ونسبه ثابت من الميت ولأمي أبويه مع أم نصف السدس ولها نصفه ولو توقفت القافة في إلحاقه بأحدهما أو نفقته عن الآخر لم يلحق بالذي توقفت فيه ولا يلحق أكثر من أم واحدة فإن ألحقته القافة بأكثر من أم سقط قولها وإن أدعى نسبه رجل وامرأة ألحق بهما فإن قال الرجل: هو ابني من زوجتي وادعت زوجته ذلك فهو ابنه ترجع زوجته على الأخرى والقافة قوم يعرفون الأنساب بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة بل من عرف منه المعرفة بذلك وتكررت منه الإصابة فهو قائف وإن أدعاه أكثر من اثنين فألحق بهم لحق بهم وإن كثروا والحكم كما تقدم ولا يرجح أحدهم بذكر علامة في جسده موات نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم توجد قافة ولو بعيدة فيذهبون إليها أو اختلف قائفان أو اثنان وثلاثة فأكثر ضاع نسبه وإن اتفق اثنان وخالفهما ثالث أخذ بهما ومثله طبيبان وبيطاران في عيب ولو رجعا ألحقته بواحد لانفراده بالدعوى ثم عادت فألحقته بغيره أو ألحقته قافة بواحد فجاءت قافة أخرى فألحقته(2/409)
بآخر - كان للأول وإن ولدت امرأة ذكرا وأخرى أنثى وادعت كل واحدة منهما أن الذكر ولدها دون الأنثى عرضتا مع الولدين على القافة فيلحق كل واحد منهما بمن ألحقته به فإن لم توجد قافة اعتبر باللبن خاصة فإن لبن الذكر يحالف لبن الأنثى في طبعه وزنته وقد قيل: إن لبن الابن أثقل من لبن الأنثى فمن كان لبنها لبن الابن فهو ولدها والبنت للأخرى وإن كان الولدان ذكرين أو أنثيين وادعتا أحدهما تعين عرضه على القافة وإن وطئ اثنان امرأة بشبهة أوجارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده وأتت بولد يمكن أن يكون منه فأدعى الزوج أنه من الواطئ أرى القافة معهما: سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما ونفقة المولود على الواطئين: فإذا ألحق بأحدهما رجع على الآخر بنفقته ويقبل قول القافة في غير بنوة: كأخوة وعمومة ولا يقبل قول القائف إلا أن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة ولا تشترط حريته ويكفي قائف واحد وهو كحاكم: فيكفي مجرد خبره والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
تم – بحمد الله – الجزء الثاني، من كتاب الإقناع
ويليه الجزء الثالث، وأوله كتاب الوقف(2/410)
المجلد الثالث
كتاب الوقف
مدخل
*
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الوقف
وهو تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقفة وغيره في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بر تقربا1 إلى الله تعالى وهو مسنون ويصح بقول وفعل دال عليه عرفا مثل أن يجعل أرضه مقبرة ويأذن في الدفن فيها أو يبني بنيانا على هيئة مسجد ويأذن للناس في الصلاة فيه إذنا عاما أو أذن أو أقام فيه أو يبني بيتا لقضاء حاجة الإنسان والتطهير ويشرعه لهم أو يملأ خابية ماء على الطريق ولو جعل سفل بيته مسجد أو انتفع بعلوه أو عكسه أو وسطه ولو لم يذكر استطراقا صح ويستطرق كما لو باع أو أجر بيتا من داره2 وصريحه وقفت وحبست وسبلت ويكفي أحدها وكنايته تصدقت وحرمت وأبدت ولا يصح بالكناية إلا أن ينويه أو يقرن به أحد الألفاظ الخمسة فيقول تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو مؤبدة أو محرمة أو يقول هذه محرمة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو مؤبدة أو يصفها بصفات الوقف فيقول لا تباع ولا توهب
__________
1 ذكر التقرب إلى الله تعالى لبيان الأصل في مشروعيته أو لبيان ما يحصل به الثواب للواقف وليس شرطا لصحة الوقف.
2 الاستطراق تعيين الطريق.(3/2)
ولا تورث أو يقول تصدقت بأرضي على فلان والنظر لي أيام حياتي أو لفلان ثم من بعده لفلان وكذا لو قال تصدقت به على فلان ثم من بعده على ولده أو على فلان أو تصدقت به على قبيلة كذا أو طائفة كذا ولو قال تصدقت بداري على فلان ثم قال بعد ذلك أردت الوقف ولم يصدقه فلان لم يقبل قول المتصدق في الحكم.(3/3)
شروطه
...
ولا يصح إلا بشروط - أحدها: أن يكون في عين معلومة يصح بيعها: غير مصحف ويمكن الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها عرفا كإجارة واستغلال ثمرة ونحوه عقارا كان أو شجرا أو منقولا كالحيوان والأثاث والسلاح والمصحف وكتب العلم ونحوه ويصح وقف المشاع1 فلو وقفه مسجدا ثبت فيه حكم المسجد في الحال فيمنع منه الجنب ثم القسمة متعينة هنا لتعينها طريقا للانتفاع بالموقوف ويصح وقف الحلي للبس والعارية ولو أطلق وقفه لم يصح ولا يصح الوقف في الذمة كقوله وقفت عبدا أو دارا ولا مبهم غير معين كأحد هذين ولا وقف أم ولد فأن وقف على غيرها على أن ينفق عليها منه مدة حياته أو الرابع لها مدة حياته صح ولا وقف كلب وحمل منفرد ومرهون وخنزير وسباع البهائم التي لا تصلح للصيد وكذا جوارح الطير ويصح وقف المكاتب فإذا أدى بطل الوقف ووقف الدار ونحوها وأن لم يذكر حدودها إذا كانت معروفة لا وقف مالا
__________
1 ويعتبر في وقف المشاع ذكر مقداره ليكون معلوما ليكون معلوما ولو اجمالا.(3/3)
ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان1 إلا تبعا كفرس بسرج ولجام مفضضين فيباع ذلك وينفق عليه ونص عليه في الفرس الحبيس ولا مطعوم ومشروب غير ماء ولا شمع ورياحين ولو وقف قنديل نقد على مسجد لم يصح وهو باق على ملك صاحبه فيزكيه ولو تصدق بدهن على مسجد ليوقد فيه جاز وهو من باب الوقف - قاله الشيخ.
الثاني: - أن يكون على بر من مسلم أو ذمي كالفقراء والمساكين والحج والغزو وكتابة الفقه والعلم والقرآن والسقايات والقناطر وإصلاح الطرق والمساجد والمدارس والبيمار شتانات والأقارب من مسلم وذمي ونحو ذلك من القرب2 ولا يصح على مباح ومكروه ومعصية ويصح على ذمي غير قريبه وشرط استحقاقه ما دام ذميا لاغ ويستمر له إذا أسلم كمع عدم هذا الشرط ولا يصح وقف الستور لغير الكعبة ويصح وقف عبده على حجرة النبي صلى الله عليه وسلم لإخراج ترابها وإشعال قناديلها وإصلاحها لا لإشعالها وحده وتعليق ستورها الحرير والتعليق وكنس الحائط ونحو ذلك - ذكره في الرعاية3 ولا يصح على كنائس وبيوت نار وبيع وصوامع وديورة ومصالحها ولو من ذمي بل على من ينزلها من
__________
1 وذلك يفيد اشتراط بقاء العين.
2 ذكرنا أول الباب أن الوقف صحيح ولو لم يعينه قربة وهنا يشترطون كونه على بر: ولا منافاة بين الكلامين فإن الاشتراط لحصول الثواب لا للصحة على أن الوقف المطلق لا يخلو من بر كالوقف على الأولاد والأقارب.
3 وقف العبد على الحجرة صحيح لإخراج التراب وإصلاحها وأما الاشعال وحده أو تعليق الستور فلا لعدم اعتبار ذلك من القرب عندنا.(3/4)
مار ومجتاز بها فقط ولو كان من أهل الذمة1 ولا على كتابة التوراة والإنجيل ولو من ذمي ووصية كوقف في ذلك ولا على الأغنياء وقطاع الطريق وجنس الفسقة والمغاني ولا على التنوير على قبر وتبخيره ولا من يقيم عنده أو يخدمه أو يزوره - قاله في الرعاية - ولا على بناء مسجد عليه ولا وقف البيت الذي فيه القبر مسجدا ولا على حربي ومرتد ولا على نفسه كل الغلة له أو لولده أو غيره مدة حياته أو مدة معينة أو استثنى الأكل أو النفقة عليه وعلى عياله أو الانتفاع لنفسه وعياله ونحوهم ولو بسكنى مدة حياتهم أو أن يطعم صديقه صح سواء قدر ذلك أو أطلقه فلو مات المشروط في أثناء المدة المعينة فلو رثته باقي المدة ولهم إجارتها للموقوف عليه ولغيره ولو وقف على الفقراء فافتقر شمله وتناول منه ولو وقف مسجدا أو مقبرة أو بئرا أو مدرسة لعموم الفقهاء أو لطائفة منهم أو رباطا أو غيره للصوفية مما يعم فهو كغيره في الاستحقاق والانتفاع لكن من كان من الصوفية جماعا للمال ولم يتخلق بالأخلاق المحمودة ولا تأدب بالآداب الشرعية غالبا لا آداب وضعية أو فاسقا لم يستحق شيئا - قاله الشيخ وقال: الصوفي الذي يدخل في الوقف على الصوفية يعتبر له ثلاثة شروط: الأول أن يكون عدلا في دينه: الثاني أن يكون ملازما لغالب الآداب الشرعية
__________
1 عللوا ذلك بجواز التصدق على الذمي ولكن لوخصهم بالوقت فارجح القولين عدم الصحة لبطلان الوقف على اليهود والنصارى.(3/5)
في غالب الأوقات وأن لم تكن واجبة كآداب الأكل والشرب واللباس والنوم والسفر والصحبة والمعاملة مع الخلق إلى غير ذلك من آداب الشريعة قولا وفعلا ولا يلتفت إلى ما أحدثه بعض المتصوفة من الآداب التي لا أصل لها في الدين من التزام شكل مخصوص في اللبسة ونحوها مما لا يستحب في الشريعة: الثالث أن يكون قانعا بالكفاية من الرزق بحيث لا يمسك ما يفضل عن حاجته في كلام طويل في كتاب الوقف من الفتاوى المصرية ولا يشترط في الصوفي لباس الخرقة المتعارفة عندهم من يد شيخ ولا رسوم اشتهر تعارفها بينهم فما وافق منها الكتاب والسنة فهو حق وما لا فهو باطل ولا يلتفت إلى اشتراطه: قاله الحارثي
الثالث: - أن يقف على معين يملك ملكا مستقرا فلا يصح على مجهول كرجل ومسجد ونحوهما ولا على ميت وجن ورقيق كقن ومدبر وأم ولد ومكاتب ولا على حمل أصالة لا تبعا كعلى أولادي أو أولاد فلان أو انتقل الوقف إلى بطن من أهل الوقف وفيهم حمل فيستحق بوضعه من ثمر وزرع ما يستحق مشتر ولا يصح على معدوم أصلا كمن سيولد أو يحدث لي أو لفلان ويصح تبعا ولا على ملك كجبريل ونحوه ولا على بهيمة وأن قال وقفت كذا أو سكت ولم يذكر مصرفه فالأظهر بطلانه لأن الوقف يقتضي التمليك ولأن جهالة المصرف مبطلة فعدم ذكره أولى
الرابع: - أن يقف ناجزا فأن علقه بشرط غير موته لم يصح وأن قال هو بعد موتي صح ويكون لازما ويعتبر من ثلثه وأن شرط شرطا فاسدا كخيار فيه وتحويله وتغيير شرطه وبيعه وهبته ومتى شاء أبطله(3/6)
ونحوه لم يصح الوقف ولو شرط البيع عند خرابه وصرف الثمن في مثله أو شرطه للمتولي بعده فسد الشرط فقط.
الخامس: - أن يكون الواقف ممن يصح تصرفه في ماله وهو المكلف الرشيد(3/7)
فصل: وإذا كان الوقف على غير معين
فصل: - وإذا كان الوقف على غير معين كالمساكين أو من لا يتصور منه القبول كالمساجد والقناطر لم يفتقر إلى القبول من ناظرها ولا غيره وكذا أن كان على آدمي معين1 ولا يبطل بره كسكوته ومن وقف شيئا فالأولى أن يذكر في مصرفه جهة تدوم كالفقراء ونحوهم فأن اقتصر على ذكر جهة تنقطع كأولاده صح ويصرف منقطع الابتداء كوقفه على من لا يجوز ثم على من يجوز أو الوسط في الحال إلى من بعده وإن وقف على من لا يصح الوقف عليه ولم يذكر له مالا صحيحا بطل الوقف ويصرف منقطع الآخر كما لو وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مالا أو على من يجوز ثم على من لا يجوز ثم على من لا يجوز وكذا ما وقفه وسكت أن قلنا يصح - إلى ورثة الواقف نسبا غنيهم وفقيرهم بعد انقراض من يجوز الوقف عليه وقفا عليهم على قدر إرثهم فيستحقونه كالميراث ويقع الحجب بينهم فلبنت مع ابن الثلث ولأخ من أم مع أخ لأب السدس وجد وأخ لأبوين أو لأب يقتسمان نصفين وأخ وعم ينفرد به الأخ وعم وابن عمر ينفرد به العم فأن لم
__________
1 لعدم اشتراط القبول ممن وقف عليه بدليل الوقف على الأجيال المستقبلة.(3/7)
يكن له أقارب أو كان له فانقرضوا فللفقراء والمساكين موقوفا عليهم وأن انقطعت الجهة الموقوف عليها في حياة الواقف رجع إليه وقفا عليه ويعمل في صحيح الوسط فقط بالاعتبارين وأن قال وقفته سنة أو إلى سنة أو إلى يوم يقدم الحاج ونحوه لم يصح وهو الوقف المؤقت وأن قال على أولادي سنة أو مدة حياتي ثم على الفقراء صح وأن قال على الفقراء ثم على أولادي صح للفقراء فقط ولا يشترط للزومه إخراجه عن يده بل يلزم بمجرد اللفظ ويزول ملكه عنه.(3/8)
فصل: يزول ملك الواقف عن العين الموقوفة
فصل: يزول ملك الواقف عن العين الموقوفة وينتقل الملك فيها إلى الله تعالى إن كان الوقف على مسجد ونحوه وإلى الموقوف عليه أن كان آدميا معينا أو جمعا محصورا فينظر فيه هو أو وليه بشرطه وله تزويج الأمة أن لم يشترطه لغيره ويلزمه بطلبها يأخذ المهر ولا يتزوجها ولا يعتقه فان اعتقه لم ينفذ فأن كان نصفه وقفا ونصفه طلقا فاعتق صاحب الطلق لم يسر عتقه إلى الوقف وعليه فطرته وزكاته كالماشية ونفقته أن لم يكن له كسب ويقطع سارق الوقف وسارق نمائه إذا كان الوقف على معين ويملك الموقوف عليه نفعه وصوفه ونحوه وغلته وكسبه ولبنه وثمرته وليس له وطء الأمة ولو أذن فيه الواقف فأن وطئها فلا حد ولا مهر وولده حر وعليه قيمته يوم الوضع يشتري بها قن يقوم مقامه وتصير أم ولد وتعتق بموته وتجب قيمتها في تركته يشتري بها مثلها فتكون وقفا بمجرد الشراء وله تملك(3/8)
زرع غاصب بالنفقة حيث يتملك رب الأرض ويتلقاه البطن الثاني ومن بعده من أهل الوقف من الواقف من البطن الذي قبله فإذا امتنع البطن الأول من اليمين مع شاهده لإثبات الوقف فلمن بعدهم الحلف وإذا وطئ الموقوفة أجنبي ولو عبدا بشبهة يظنها حرة فأولدها فهو حر وعليه المهر لأهل الوقف وقيمة الولد تصرف في مثله وأن كان من زوج أو زنا فهو وقف معها وأن تلفت به أو أتلفها متلف ولو من أهل الوقف أو بعضها كقطع فعليه القيمة يشتري بها مثلها أو شقص يكون وقفا بمجرد الشراء - ويأتي - وأن قتل ولو عمدا فليس له عفو ولا قود بل يشتري بقيمته بدله فأن قطعت يده أو بعض أطرافه عمدا فللقن استيفاء القصاص لأنه حقه وأن عفا أو كان القطع لا يوجب القصاص وجب نصف قيمته وأن جنى الوقف خطأ فالأرش على موقوف عليه أن كان معينا ولم يتعلق برقبته كأم الولد ولم يلزم الموقوف عليه أكثر من قيمته كأم الولد وأن كان غير معين كالمساكين إذا جنى ففي كسبه وأن جنى على ثلاثة ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه إلى من بقي فإذا ماتوا فللمساكين وأن وقف على ثلاثة ولم يذكر له مالا فمن مات منهم فحكم نصيبه حكم المنقطع كما لو ماتوا جميعا1 وأن قال وقفته على أولادي وعلى المساكين فهو بين الجهتين نصفين لاقتضاء الإضافة التسوية.
__________
1 وقيل يصرف نصيب من مات للباقين ولكل من القولين وجه يطول ايضاحه.(3/9)
فصل: ويرجع إلى شرط واقف
فصل: ويرجع إلى شرط واقف فلو تعقب جملا عاد إلى الكل واستثناء كشرط وكذا مخصص من صفة وعطف بيان وتوكيد وبدل ونحوه وجار ومجرور نحو على أنه: وبشرط أنه ونحوه ويجب العمل به في عدم إيجاره وقدر المدة وقسمة على الموقوف عليه في تقدير الاستحقاق وتقديم كالبداءة ببعض أهل الوقف دون بعض نحو وقفت على زيد وعمرو وبكر ويبدأ بالدفع إلى زيد أو وقفت على طائفة كذا ويبدأ بالأصلح أو الأفقة أو نحوه وتأخير وهو عكس التقديم وجمع كجعل الاستحقاق مشتركا في حالة واحدة وترتيب كجعل استحقاق بطن مرتبا على آخر فالتقديم بقاء أصل الاستحقاق للمؤخر على صفة أن له ما فضل وإلا سقط والمراد إذا كان للمقدم شيء مقدر فحينئذ أن كانت الغلة وافرة حصل بعده فضل وإلا فلا والترتيب عدم استحقاق المؤخر مع وجود المقدم وتسوية كقوله الذكر والأنثى سواه ونحوه وتفضيل كقوله للذكر مثل حظ الأنثيين ونحوه ولو جعل شرط الواقف عمل بعادة جارية ثم عرف في مقادير الصرف كفقهاء المدارس ثم التساوي وأن شرط إخراج من شاء بصفة وإدخال بصفة ومعناه جعل الاستحقاق والحرمان مرتبا على وصف مشترط فترتب الاستحقاق كالوقف بشرط كونهم فقراء أو صلحاء وترتب الحرمان أن يقول ومن فسق منهم أو استغنى ونحوه فلا شيء له أو إخراج من شاء من أهل الوقف وإدخال من شاء منهم صح: لا إدخال من شاء من غيرهم كشرطه تغيير شرط وكما لو شرط(3/10)
ألا ينتفع به ولو وقف على أولاده وشرط أن من تزوج من البنات فلا حق لها أو على زوجته ما دامت عازبة صح ويأتي في الحضانة باتم من هذا قال الشيخ: كل متصرف بولاية إذا قيل يفعل ما يشاء فإنما هو إذا كان فعله لمصلحة شرعية حتى لو صرح الواقف بفعل ما يهواه أو ما يراه مطلقا فشرط باطل على الصحيح المشهور قال: على الناظر بيان المصلحة فيعمل بما ظهر ومع الاشتباه أن كان عالما عادلا ساغ له اجتهاده: وقال لو شرط الصلوات الخمس على أهل مدرسة في القدس كان الأفضل لأهلها أن يصلوا في الأقصى الصلوات الخمس ولا يقف استحقاقهم على الصلاة في المدرسة وكان يفتى به ابن عبد السلام وغيره انتهى - وأن خصص المدرسة بأهل مذهب أو بلد أو قبيلة تخصصت وكذلك الرباط والخانقاه كالمقبرة وأما المسجد فأن عين لأمامته أو نظره أو الخطابة شخصا تعين وأن خصص الإمامة بمذهب تخصصت به ما لم يكن في شيء من أحكام الصلاة مخالفا لصريح السنة أو ظاهرها سواء كان لعدم الإطلاع أو تأويل وأن خصص المصلين فيه بمذهب لم يختص - خلافا لصاحب التلخيص - قال الشيخ قول الفقهاء: نصوص الواقف كنصوص الشارع: يعني في الفهم والدلالة لا في وجوب العمل مع أن التحقيق أن لفظه ولفظ الموصي والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها وافقت لغة العرب أو لغة الشارع أولا: وقال والشروط إنما يلزم الوفاء بها إذا لم تفض إلى الإخلال بالمقصود الشرعي ولا تجوز المحافظة على(3/11)
بعضها مع فوات المقصود بها وقال: ومن شرط في القربات أن يقدم فيها الصنف المفضول فقد شرط خلاف شرط الله كشرطه في الإمامة غير إلا علم وقال لا يجوز أن ينزل فاسق في جهة دينية كمدرسة وغيرها مطلقا لأنه يجب الإنكار وعقوبته فكيف ينزل وقال أيضا أن نزل مستحق تنزيلا شرعيا لم يجر صرفه بلا موجب صرعى وقال: في واقف وقف مدرسة وشرط ألا يصرف ريعها لمن له وظيفة بجامكية ولا مرتب في جهة أخرى أي جامكية في مكان آخر أن لم يكن في الشرط مقصود شرعي خالص أو راجح كان باطلا كما لو شرط عليهم نوعا من المطعم والملبس والمسكن الذي لم تستحبه الشريعة ولا يمنعهم الناظر من تناول كفايتهم من جهة أخرى مرتبون فيها وليس هذا إبطالا للشرط لكنه ترك للعمل به انتهى - وأن شرط ألا ينزل فاسق ولا شرير ولا متجوه ونحوه عمل به - قال الشيخ الجهات الدينية مثل الخوانق والمدارس وغيرها لا يجوز أن ينزل فيها فاسق سواء كان فسقه بظلمه الخلق وتعديه عليهم بقوله وفعله أو فسقه بتعديه حدود الله يعني ولو لم يشرطه الواقف وهو صحيح وقال: لو حكم حاكم بمحضر لوقف فيه شروط ثم ظهر كتاب الوقف غير ثابت وجب ثبوته والعمل به أن أمكن وقال: أيضا لو أقر الموقوف عليه أنه لا يستحق في هذا الوقف إلا مقدارا معلوما ثم ظهر شرط الواقف بأنه يستحق أكثر حكم له بمقتضى شرط الواقف ولا يمنع من ذلك الإقرار المتقدم انتهى - ولو سبل ماء للشرب لم يجز الوضوء منه ولا الغسل قال في الفروع(3/12)
فشرب ماء موقوف للوضوء يتوجه عليه وأولى ويجوز للأغنياء الشرب من الماء الذي يسقي في السبيل ويجوز ركوب الدابة لسقيها وعلفها.(3/13)
فصل: ويرجع إلى شرطه أيضا في الناظر فيه
فصل: ويرجع إلى شرطه أيضا في الناظر فيه والإنفاق عليه وسائر أحواله فأن عين الإنفاق عليه من غلته أو غيرها عمل به وأن لم يعينه وكان ذا روح فمن غلته فأن لم يكن له غله فعلى الموقوف عليه المعين فأن تعذر بيع وصرف في عين أخرى تكون وقفا لمحل الضرورة فأن عدم الغلة لكونه ليس من شأنه أن يؤجر كالعبد يخدمه والفرس يغزو عليه أو يركبه أو جر بقدر نفقته وكذا لو احتاج خان مسبل أو دار موقوفة لسكنى الحاج أو الغزاة إلى مرمة أو جر منه بقدر ذلك وأن كان الوقف على غير معين كالمساكين ونحوهم فنفقته في بيت المال فأن تعذر بيع كما تقدم وأن مات العبد فمؤنة تجهيزه على ما قلنا في نفقته على ما تقدم وأن كان ما لا روح فيه كالعقار ونحوه لم تجب عمارته على أحد إلا بشرط كالطلق فأن شرط الواقف عمارته عمل به مطلقا ومع الإطلاق تقدم على أرباب الوظائف - وقال الشيخ الجمع بينهما حسب الإمكان أولى وللناظر الأستدانة على الوقف بلا إذن حاكم لمصلحة كشرائه للوقف نسيئة أو بنقد لم يعينه ويتعين صرف الوقف إلى الجهة التي عينها الواقف ويجوز صرف الموقوف على بناء المسجد لبناء منارته وإصلاحها وبناء منبره وأن يشتري منه سلم للسطح وأن يبني منه ظلة ولا يجوز في بناء مرحاض وزخرفة مسجد ولا في شراء مكانس1
__________
1 لأن المرحاض والمكانس لا تدخل في بناء المسجد.(3/13)
ومجارف - قال الحارثي: وأن وقف على مسجد أو مصالحه جاز صرفه في نوع العمارة وفي مكانس ومجارف ومساحي وقناديل ووقود ورزق إمام ومؤذن وقيم: وفي فتاوى الشيخ إذا وقف على مصالح الحرم وعمارته فالقائمون بالوظائف التي يحتاج إليها المسجد من التنظيف والحفظ والفرش وفتح الأبواب وإغلاقها ونحو ذلك يجوز الصرف إليهم وما يأخذه الفقهاء من الوقف كرزق من بيت المال لا كجعل ولا كأجرة في أصحها: قال وكذلك المال الموقوف على أعمال البر والموصى به أو المنذور وقال أيضا من أكل المال بالباطل قوم لهم رواتب أضعاف حاجاتهم: وقوم لهم جهات معلومها كثير يأخذونه ويستنيبون بيسير قال: والنيابة في مثل هذه الأعمال المشروطة جائزة ولو عينه الواقف إذا كان النائب مثل مستنيبه وقد يكون في ذلك مفسدة راجحة - كالأعمال المشروطة في الإجارة على عمل في الذمة.(3/14)
فصل: فأن لم يشترط ناظرا أو شرطه لإنسان
فصل: فأن لم يشترط ناظرا أو شرطه لإنسان فمات فليس للواقف ولاية النصب ويكون النظر للموقوف عليه أن كان آدميا معينا وجمعا محصورا: كل واحد على حصته وغير المحصور كالوقف على جهة لا تنحصر كالفقراء والمساكين أو على مسجد أو مدرسة أو رباط أو قنطرة ونحو ذلك فللحاكم أو من يستنيبه ووظيفة الناظر حفظ الوقف وعمارته وإيجاره وزرعه ومخاصمة فيه وتحصيل ريعه من أجرة أو زرع أو ثمر والاجتهاد في تنميته وصرفه في جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء مستحق ونحوه وله وضع يده عليه والتقرير في وظائفه ذكروه في(3/14)
ناظر المسجد فينصب من يقوم بوظائفه من إمام ومؤذن وقيم وغيرهم كما أن للناظر الموقوف عليه نصب من يقوم بمصلحته من جاب ونحوه وأن أجر الناظر بأنقص من أجرة المثل صح وضمن النقص ولا تنفسخ الإجارة لو طلب بزيادة - قال المنقح لو غرس أو بنى فيما هو وقف عليه وحده فهو له محترم وأن كان شريكا أو له النظر فقط فغير محترم ويتوجه أن أشهد وإلا فللوقف ولو غرسه للوقف أو من الوقف فوقف ويتوجه في غرس أجنبي أنه للوقف بنيته انتهى - ويأكل ناظر الوقف بمعروف نصا وظاهره ولو لم يكن محتاجا قاله في القواعد - وقال الشيخ له أخذ أجرة عمله مع فقره - وتقدم في الحجر - ويشترط في الناظر المشروط إسلام وتكليف وكفاية في التصرف وخبرة فيه وقوة عليه لا الذكورية ولا العدالة ويضم إلى ضعيف قوي أمين فأن كان التنظر لغير الموقوف عليه أو لبعضهم وكانت ولايته من حاكم أو ناظر فلا بد من شرط العدالة فيه فأن لم يكن عدلا لم تصح ولايته وأزيلت يده فأن فسق أو أصر متصرفا بخلاف الشرط الصحيح عالما بتحريمه فسق وأزيلت يده فأن عاد إلى أهليته عاد حقه كما لو صرح به وكالموصوف قاله الشيخ - وقال: متى فرط سقط مما له بقدر ما فوته من الواجب - وفي الأحكام السلطانية في العامل يستحق ما له أن كان معلوما فأن قصر فترك بعض العمل لم يستحق ما قابله وأن كان بجناية منه استحقه ولا يستحق الزيادة وأن كان مجهولا أجرة مثله فأن كان مقدرا في الديوان وعمل به جماعة فهو أجرة المثل وأن شرط لناظر أجرة فكلفته عليه(3/15)
حتى يبقى أجرة مثله وأن لم يسم له شيئا فقياس المذهب أن كان مشهورا بأخذ الجاري على عمله فله جاري عمله وإلا فلا شيء له وله الأجرة من وقت نظر فيه وأن كانت ولايته من واقف وهو فاسق أو عدل ففسق صح وضم إليه أمين وأن كان النظر للموقوف عليه إما بجعل الواقف النظر له أو لكونه أحق به لعدم ناظر فهو أحق بذلك إذا كان مكلفا رشيدا رجلا كان أو امرأة عدلا أو فاسقا لأنه ينظر لنفسه وأن كان الوقف لجماعة رشيدين فالنظر للجميع: لكل إنسان في حصته فأن كان الموقوف عليه صغيرا أو سفيها أو مجنونا قام وليه في النظر مقامه كملكه الطلق ولو شرط الواقف النظر لغيره ثم عزله لم يصح عزله إلا أن يشترطه لنفسه فأن شرط النظر لنفسه ثم جعله لغيره أو أسنده أو فوضه إليه فله عزله ولناظر بالأصالة وهو الموقوف عليه والحاكم نصب ناظر وعزله وأما الناظر المشروط فليس له نصب ناظر ولا الوصية بالنظر ما لم يكن مشروطا له ولو أسند النظر إلى اثنين فأكثر أو جعله الحاكم أو الناظر إليهما لم يصح تصرف أحدهما مستقلا بلا شرط وأن شرطه لكل منهما صح واستقل به ولو تنازع ناظران في نصب إمام نصب أحدهما زيدا والآخر عمرا أن لم يستقلا لم تنعقد الإمامة وأن استقلا وتعاقبا انعقدت للأسبق وأن اتحدا أو استوى المنصوبان قدم أحدهما بقرعة ولا نظر لحاكم مع ناظر خاص لكن للحاكم النظر العام فيعترض عليه أن فعل ما لا يسوغ وله ضم أمين إليه مع تفريطه أو تهمته ليحصل المقصود وأن شرط الواقف ناظرا أو مدرسا ومعيدا وإماما لم يجز أن يقوم شخص(3/16)
بالوظائف كلها وتنحصر فيه - وقال الشيخ أن أمكن أن يجمع بين الوظائف لواحد فعل - وما بناه أهل الشوارع والقبائل من المساجد فالإمامة لمن رضوا به لا اعتراض للسلطان عليهم وليس لهم بعض الرضا به عزله ما لم يتغير حاله وليس له أن يستنيب أن غاب - قال الحارثي وإلا صح أن للإمام النصب أيضا لكن لا ينصب إلا برضا الجيران وكذلك الناظر الخاص لا ينصب من لا يرضاه الجيران وقال أيضا ليس لأهل المسجد مع وجود إمام أو نائبه نصب ناظر في مصالحه ووقفه فأن لم يوجد كالقرى الصغار والأماكن النائية أو وجد وكان غير مأمون أو ينصب غير مأمون فلهم النصب تحصيلا للغرض ودفعا للمفسدة وكذا ما عداه من الأوقاف لأهله نصب ناظر فيه لذلك وأن تعذر النصب من جهة هؤلاء فلرئيس القرية أو المكان النظر والتصرف - وأن نزل مستحق تنزيلا شرعيا لم يجز صرفه منه بلا موجب شرعي وتقدم قريبا ومن لم يقم بوظيفته غيره من له الولاية لمن يقوم بها إذا لم يتب الأول ويلتزم الواجب ولا يجوز أن يؤم في المساجد السلطانية وهي الكبار الأمن ولاه السلطان أو نائبه لئلا يفتات عليه فيما وكل إليه - قال القاضي وأن غاب من ولاه فنائبه أحق ثم من رضيه أهل المسجد لتعذر إذنه - وأن علق الواقف الاستحقاق بصفة استحق من اتصف بها فأن زالت منه زال استحقاقه فلو وقف على المشتغلين بالعلم استحق من اشتغل به فأن ترك الاشتغال زال استحقاقه فأن عاد استحقاقه وأن شرط الواقف في الصرف الناظر للمستحق كالمدرس والمعيد(3/17)
والمتفقهة بالمدرسة مثلا فلا أشكال في توقف الاستحقاق على نصب الناظر له وأن لم يشترط بل قال ويصرف الناظر إلى مدرس أو معيد أو متفقهة بالمدرسة لم يتوقف الاستحقاق على نصب بل لو انتصب مدرس أو معيد بالمدرسة وأذعن له الطلبة بالاستفادة وتأهل لذلك استحق ولم تجز منازعته لوجود الوصف المشروط وكذا لو أقام طالب بالمدرسة متفقها ولو لم ينصبه ناصب كذا لو شرط الصرف المطلق إلى إمام مسجد أو مؤذن أو قيمه فأم إمام ورضيه الجيران أو قام بخدمة المسجد قائم ونحو ذلك قال الشيخ: ولو وقف على مدرس وفقهاء فللناظر ثم الحاكم تقدير أعطيتهم فلو زاد النماء فهو لهم وليس تقدير الناظر أمرا حتما كتقدير الحاكم بحيث لا يجوز له أو لغيره زيادته ونقصه لمصلحة - وأن قيل أن المدرس لا يزاد ولا ينقص بزيادة النماء ونقصه للمصلحة كان باطلا لأنه لهم فالحكم بتقديم مدرس أو غيره باطل لم نعلم أحد يعتد به قال به ولا بما يشبهه ولو نفذه حاكم وإنما قدم القيم ونحوه لأن ما يأخذه أجرة ولهذا يحرم أخذه فوق أجرة مثله بلا شرط - قال في الفروع: وجعل الإمام والمؤذن كالقيم بخلاف المدرس والمعيد والفقهاء فأنهم من جنس واحد وقال الشيخ أيضا: لو عطل مغل مسجد سنة تقسطت الأجرة المستقبلة عليها وعلى السنة الأخرى لتقوم الوظيفة فيهما فأنه خير من التعطيل ولا ينقص الإمام بسبب تعطيل الزرع بعض العام قال في الفروع فقد أدخل مغل سنة في سنة وأفتى غير واحد منا في زمننا فيما نقص عما قدره الواقف كل شهر أنه يتمم مما بعد وحكم به بعضهم(3/18)
بعد سنين ورأيت غير واحد لا يراه انتهى - ومن شرط لغيره النظر أن مات فعزل نفسه أو فسق فكموته لأن تخصيصه للغالب وأن شرط النظر للأفضل من أولاده فهو له فأن أبى القبول أنتقل إلى من يليه فأن تعين أحدهم أفضل ثم صار فيهم من هو أفضل أنتقل إليه لوجود الشرط فيه فأن استوى اثنان اشتركا وللإمام النصب لأجل المصالح العامة قال الشيخ أن أطق النظر لحاكم شمل أي حاكم سواء كان مذهبه مذهب حاكم البلد زمن الواقف أو لا وإلا لم يكن له النظر إذا انفرد وهو باطل اتفاقا انتهى - فأن تعدد الحكام كان للسلطان أن يوليه من شاء من المتأهلين ولو فوضه حاكم لم يحز لآخر نقضه وتعين بصرف الوقف فلا يصرف في غيره وأن شرط الواقف ألا يؤجر وقفه صح واتبع شرطه وكذا لو شرط ألا يزاد في عقد الإجارة على مدة قدرها ولا اعتراض لأهل الوقف على من ولاه الواقف أمر الوقف إذا كان أمينا ولم مساءلته عما يحتاجون إلى علمه من أمور وقفهم حتى يستوي علمهم فيه وعلمه ولهم مطالبته بإنتساخ كتاب الوقف لتكون نسخة في أيديهم وثيقة وله إنتساخه والسؤال عن حاله وأجرة تسجيل كتاب الوقف من الوقف ولولي الأمر أن ينصب ديوانا مستوفيا لحساب أموال الأوقاف عند المصلحة كما له أن ينصب دواوين لحساب الأموال السلطانية كالفيء وغيره وله أن يفرض له على عمله ما يستحقه مثله من مال يعمل بمقدار ذلك المال وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما فرض له ولو وقف داره على مسجد وعلى إمام يصلي فيه(3/19)
كان للإمام نصف الريع كما لو وقفها على زيد وعمرو ولو وقفها على مساجد القرية وعلى إمام يصلي في واحد منها كان الريع بينه وبين كل المساجد نصفين.(3/20)
فصل: وأن وقف على ولده أو أولاده أو ولد غيره
فصل: وأن وقف على ولده أو أولاده أو ولد غيره ثم على المساكين فهو لولده الذكور والأناث والخناثي بينهم بالسوية وأن حدث للواقف ولد بعد وقفه استحق كالموجودين - اختاره ابن أبي موسى وأفتى به ابن الزغواني وهو ظاهر كلام القاضي وابن عقيل وجزم به في المبهج خلافا لما في التنقيح - ويدخل ولد بنيه وجد وإحالة الوقف أولا ولا يدخل ولد البنات كوصية ويستحقونه مرتبا كقوله بطنا بعد بطن وأن قال وقفت على ولدي وولد ولدي ما تناسلوا وتعاقبوا الأعلى فالأعلى والأقرب أو الأول فالأول أو البطن الأول ثم البطن الثاني أو على أولادي ثم على أولادي أو على أولادي فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولادي فترتيب جملة على مثلها لا يستحق البطن الثاني شيئا قبل انقراض الأول وكذا قوله قرنا بعد قرنا قاله في التلخيص ولو قال بعد الترتيب على أولاده ثم على أنسالهم وأعقابهم استحقه أهل العقب مرتبا لا مشتركا ولو رتب بين أولاده وأولادهم بثم: ثم قال ومن توفي عن ولد فنصيبه لولده استحق كل ولد بعد أبيه نصيبه ولو قال على أولادي ثم على أولاد أولادي على أنه من توفي منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل درجته استحق كل ولد نصيب أبيه بعده كالتي قبلها ومتى بقي واحد من البطن الأول كان الجميع له وكذا حكم وصية(3/20)
إذا وجدوا موت الموصي فأن كان ولده أو ولد غيره قبيلة ليس فيهم أحد من صلبه أو قال على أولادي أو ولدي وليس له إلا أولاد أولاد أو قال: ويفضل الولد الأكبر أو الأفضل أو الأعلم على غيرهم أو قال فإذا خلت الأرض من عقبي عاد إلى المساكين أو قال على ولد ولدي غير ولد البنات أو غير ولد فلان أو قال يفضل البطن الأعلى على الثاني أو عكسه أو يفضل الأعلى فالأعلى وأشباه ذلك أو قال على أولادي وأولادهم فلا ترتيب واستحقوا مع آبائهم وأن قال على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا على أهـ من مات منهم عن ولد عاد ما كان جاريا عليه على ولده كان دليلا على الترتيب بين كل والد وولده فإذا مات عن ولد انتقل إلى ولده سهمه سواء بقي من البطن الأول أحدا أو لم يبق وأن رتب بعضهم دون بعض فقال على أولادي ثم على أولادي وأولادهم ما تناسلوا وتعاقبوا أو على أولادي وأولاد أولادي وأولاد أولادهم ما تناسلوا ففي المسألة الأولى يختص به الأولاد فإذا انقرضوا صار مشتركا بين من بعدهم وفي الثانية يشترك البطنان الأولان دون غيرهم فإذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم وإذا قال على ولدي وولد ولدي ثم على المساكين دخل البطن الأول والثاني ولم ويدخل الثالث وأن قال على ولدي وولد ولدي دخل ثلاثة بطون دون من بعدهم ولو كان له ثلاثة بنين فقال وقفت على ولدي فلان وفلان وعلى ولد ولدي كان الوقف على المسميين وأولادهما وأولاد الثالث الذي لم يذكره لدخوله في عموم ولدي ولا شيء للثالث وكذا على ولدي فلان وفلان يشمل ولد ولده وإذا(3/21)
وقف على فلان فإذا انقرض أولاده فعلى المساكين كان من بعد موت فلان لأولاده ثم من بعدهم للمساكين ولا يدخل وله البنات إلا بصريح كقوله على أن لولد الإناث سهما ولولد الذكور سهمين ونحوه أو بقرينه كقوله من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده أو قال على ولدي فلان وفلان وفلانة وأولادهم أو قال فإذا خلت الأرض ممن ينسب إلى من قبل أب أو أم فللمساكين أو قال على البطن الأول من أولادي ثم على الثاني والثالث وأولادهم والبطن الأول بنات ونحو ذلك فأن قيد فقال على أولادي لصلى أو من ينتسب لي لم يدخلوا وأن رتب بين أولاده وأولادهم بثم ثم قال ومن مات عن ولد فنصيبه لولده استحق كل ولد بعد أبيه نصيب أبيه الأصلي والعائد مثل أن يكون ثلاثة أخوة فيموت أحدهم عن ولد ويموت الثاني عن غير ولد فنصيبه لأخيه الثالث فإذا مات الثالث عن ولد استحق جميع ما كان في يد أبيه من الأصلي والعائد إليه من أخيه وبالواو للاشتراك1 فإذا زاد على أنه أن توفي أحد من أولاد الموقوف عليه ابتداء في حياة والده وله ولد ثم مات الأب عن أولاده لصلبه وعن ولد لصلبه الذي مات أبوه قبل استحقاقه فله معهم ما لأبيه لو كان حيا فهو صريح في ترتيب الأفراد وأن قال على أن نصيب من مات عن غير ولد لمن في درجته والوقف مرتب فهو لأهل البطن الذي هو منهم من أهل الوقف وكذا أن كان مشتركا بين البطون فأن لم يوجد في درجته أحد فكما لو لم يذكر الشرط فيشترك
__________
1 عطف على قوله سابقا رتب بين أولاده وأولادهم بثم.(3/22)
الجميع في مسألة الاشتراك ويختص الأعلى به في مسألة الترتيب وأن كان الوقف على البطن الأولى على أن نصيب من مات منهم من غير ولد لمن في درجته فكذلك فيستوي في ذلك كله أخوته وبنو عمه وبنو بني عم أبيه ونحوهم إلا أن يقول يقدم الأقرب فالأقرب إلى المتوفى ونحوه فيختص به وليس من الدرجة من هو أعلى ولا أنزل وإن شرط أن نصيب المتوفى عن غير ولد لمن في درجته استحقه أهل الدرجة وقت وفاته وكذا من سيوجد منهم فأن حدث من هو أعلى من الموجودين وكان الشرط في الوقف استحقاق الأعلى فالأعلى أخذه منهم(3/23)
فصل: والمستحب أن يقسم الوقف على أولاده
فصل: والمستحب أن يقسم الوقف على أولاده للذكر مثل حظ الأنثى واختار الموفق مثل حظ الأنثيين فأن فضل بعضهم على بعض أو خص بعضهم بالوقف دون بعض فأن كان على طريق الأثرة كره1 وأن كان على أن بعضهم له عيال أو به حاجة أو خص المشتغلين بالعلم أو ذا الدين دون الفساق أو المريض أو من له فضيلة من أجل فضيلته فلا بأس وأن وقف على بنيه أو بني فلان اختص به الذكور إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم - والحفيد والسبط ولد الابن والبنت - ولا يدخل مولى بني هاشم في الوصية لهم لأنه ليس منهم حقيقة ولو قال الهاشمي على أولادي وأولاد أولادي الهاشميين لم يدخل من أولاد بنته من ليس هاشميا ويجدد حق حمل بوضعه من
__________
1 لأن ذلك يحدث التنافس بين المستحقين ويبعثهم على التقاطع وهذا لا يلائم القربة المقصودة.(3/23)
ثمر وزرع كمشتر وتقدم أول الباب ويشبه الحمل أن قدم إلى ثغر موقوف عليه فيه أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه وقيامه من نزل في مدرسة ونحوه وشجر الجوز الموقوف أن أدرك أن قطعه في حياة البطن الأول فهو له وأن مات وبقي في الأرض مدة حتى زاد كانت الزيادة حادثة من منفعة الأرض التي للبطن الثاني ومن الأرض التي لورثة الأول فإما أن تقسم الزيادة على قدر القيمتين وإما أن يعطي الورثة أجرة الأرض للبطن الثاني وأن غرسه البطن الأول من مال الوقف ولم يدرك إلا بعد انتقاله إلى البطن الثاني فهو لهم وليس لورثة الأول فيه شيء - قاله الشيخ - وأن وقف على عقبه أو نسله أو ولد ولده أو ذريته دخل فيه ولد البنين وأن نزلوا ولا يدخل ولد البنات بغير قرينة كما تقدم1 وأن وقف على قرابته أو قرابة فلان فهو للذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه: أربعة آباء: يستوي فيه ذكر وأنثى وصغير وكبير وغني وفقير ولا يدخل فيه من يخالف دينه دينه كما يأتي قريبا ولا أمة ولا قرابته من قبلها إلا أن يكون في لفظه ما يدل على إرادة ذلك كقوله ويفضل قرابتي من جهة أبي على قرابته من جهة أمي أو قوله إلا ابن خالتي فلانا أو نحو ذلك أو قرينة تخرج بعضهم عمل
__________
1 ذهب كثير ممن يعتد بهم من علماء المذهب إلى دخول البنات كاولاد البنين. واستدلوا لذلك بأدلة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحسين بن السيدة فاطمة: "إن ابني هذا سيد: ولكن تأول الآخرون في هذه الأدلة ورجحوا ما ذهب إليه المصنف.(3/24)
بها - ويأتي في الوصايا حكم أقرب قرابته أو الأقرب إليه - وأهل بيته وقومه ونسباؤه وأهل وآلة كقرابته والعترة العشيرة وهي قبيلته وذوو رحمه قرابته من جهة أبويه ولو جاوزوا أربعة آباء فيصرف إلى كل من يرث بفرض أو عصبة أو بالرحم والأشراف أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم - قال الشيخ: وأهل العراق كانوا لا يسمون شريفا إلا من كان من بني العباس وكثير من أهل الشام وغيرهم لا يسمون شريفا إلا من كان علويا انتهى - وجمع المذكر السالم كالمسلمين وضميره يشمل النساء لا عكسه وأن قال لجماعة أو لجمع من الأقرب إليه فثلاثة ويتمم مما بعد الدرجة الأولى والأيامي والعزاب والبكر والثيب والعانس والأخوة والعمومة يشمل الذكر والأنثى والأخوات للإناث اللاتي فارقهن أزواجهن بموت أو حياة وبكر ومن لم يتزوج ورجل ثيب وامرأة ثيبة إذا كانا قد تزوجا والثيوبة زوال البكارة ولو من غير زوج والرهط ما دون العشرة من الرجال خاصة لغة وأهل الوقف المتناولون له والعلماء حملة الشرع من غني وفقير: لاذ وأدب ونحو ولغة وتصريف وعلم كلام وطب وحساب وهندسة وهيئة وتعبير رؤيا وقراءة قرآن وإقرائه وتجويده وذكر ابن رزين فقهاء ومتفقهة كعلماء وأهل الحديث من عرفه ولو حفظ أربعين حديثا لا من سمعه والقراء الآن حفاظ القرآن وفي الصدر الأول هم الفقهاء وأعقل الناس الزهاد - قال ابن الجوزي: وليس ما الزهد ترك ما يقيم النفس(3/25)
ويصلح أمرها ويعينها على طريق الآخرة فأنه زهد الجهال وإنما هو ترك فضول العيش وما ليس بضرورة في بقاء النفس وعلى هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - واليتيم من لم يبلغ ولا أب له ولو جهل بقاء أبيه فالأصل بقاؤه في ظاهر كلامهم وأن وقف على أهل قريته أو قرابته أو أخوته ونحوهم أو وصى لهم لم يدخل فيهم من يخالف دينه إلا بقرينة كالصريح وإن كانوا كلهم كفارا وفيهم مسلم واحد والباقي كفار والواقف مسلم دخلوا1 وإن كان فيهم كافر على غير دين الواقف الكافر لم يدخل وإن وقف على جماعة حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم كما لو أقر لهم وإن أمكن حصرهم في ابتدائه ثم تعذر كوقف على رضي الله عنه عمم من أمكن منهم وسوى بينهم وإن لم يمكن حصرهم ابتداء كالمساكين والقبيلة الكبيرة كبني هاشم وبني تميم جاز التفضيل والاقتصار على واحد منهم كالوقف على المسلمين كلهم أو على إقليم كالشام ومدينة كدمشق وأن وقف على الفقراء أو المساكين تناول الآخر2 ومن وجد فيه صفات استحق بها ولو وقف على أصناف الزكاة أو صنفين فأكثر أو الفقراء أو المساكين جاز الاقتصار على صنف كزكاة ولا يعطي فقير أكثر مما يعطاه من زكاة3 وإن وقف
__________
1 لأن إطلاق لفظ القرابة على واحد خاص من بين هذا الجمع بعيد.
2 إذا ذكر أحد المصنفين وحده شمل الآخر وان ذكرا معاً فبينهما فارق في المعنى وهذه قاعدة في المذهب.
3 وهو ما يكفيه ويكفي عائلته سنة فقط.(3/26)
على مواليه وله موال من فوق أو من أسفل اختص الوقف بهم وأن كان له موال من فوق ومن أسفل تناول جميعهم فيستوون فيه وإن عدم الموالي لموالي العصبة والشاب والفتى من البلوغ إلى الثلاثين والكهل من حد الشباب إلى الخمسين والشيخ منها إلى السبعين والهرم منها إلى الموت وأبواب البر والقرب كلها وأفضلها الغزو ويبدأ به والوصية كالوقف في هذا الفصل ويأتي في باب الموصى له ذكر ألفاظ لم تذكر هنا كلفظ الجيران وأهل السكة وغير ذلك فليراجع هناك لأن الوقف كالوصية.(3/27)
فصل: والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه
فصل: والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه بإقالة ولا غيرها ويلزم بمجرد القول بدون حكم حاكم ولا يصح بيعه ولا هبته ولا المناقلة به نصا إلا أن تتعطل منافعه المقصودة منه بخراب أو غيره بحيث لا يورد شيئا أو يورد شيئا لا يعد نفعا وتتعذر عمارته وعود نفعه ولو مسجدا حتى بضيقه على أهله وتعذر توسيعه أو خراب محلته أو كان موضعه قذرا فيصح بيعه وشجرة يبست وجذع انكسر أو بلى أو خيف الكسر أو الهدم وبيع ما فضل من نجارة خشبه ونحاتته ولو شرط عدمه إذن فشرط فاسد ويصرف ثمنه في مثله أو بعض مثله في جهته وهي مصرفه فأن تعطلت صرف في جهة مثلها فإذا وقف على الغزاة في مكان فتعطل فيه الغزو وصرف إلى غيرهم من الغزاة في مكان آخر كما سيأتي قريبا ويجوز نقل آلة المسجد الذي يجوز بيعه وانقاضه إلى مثله أن احتاجها وهو أولى من بيعه ويصير حكم المسجد للثاني ويصح بيع بعضه لا صلاح ما بقي أن اتحد الواقف كالجهة أن كان عينين أو عينا ولم تنقص القيمة بتشقيص وإلا(3/27)
بيع الكل وأفتى عبادة بجواز عمارة وقف من آخر أي من ريعه على جهته ويجوز اختصار آنية إلى أصغر منها وإنفاق الفضل على الإصلاح ويجوز تجديد بناء المسجد لمصلحة لا قسمه مسجدين ببابين إلى دربين مختلفين ويجوز نقض منارته جعلها في حائطه لتحصينه وحكم فرس حبيس إذا لم يصلح لغزو وكوقف فيباع ويشترى بثمنه ما يصلح للغزو وبمجرد شراء البدل يصير وقفا كبدل أضحية ورهن أتلف والاحتياط وقفه ويبيعه حاكم أن كان على سبل الخيرات وإلا فناظره الخاص والأحوط إذن حاكم له فأن عدم فحاكم ويجوز بيع آلته وصرفها في عمارته وما فضل عن حاجة المسجد من حصره وزيته ومغله وانقاضه وآلته وثمنها جاز صرفه إلى مسجد آخر محتاج والصدقة بها على فقراء المسلمين - قال الشيخ: وفي سائر المصالح وبناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته - وفضل غلة موقوف على معين استحقاقه مقدر يتعين إرصاده ذكره أبو الحسين واقتصر عليه الحارثي - قال الشيخ: أن علم أن ريعه يفضل دائما وجب صرفه لأن بقاءه فساد وإعطاؤه فوق ما قدر له الواقف جائز قال: ولا يجوز لغير الناظر صرف الفاضل ومن وقف على ثغر فاختل صرف في ثغر مثله وعلى قياسه مسجد ورباط ونحوهما ونص فيمن وقف على قنطرة فانحرف الماء أو انقطع: يرصد لعله يرجع ويحرم حفر بئر وغرس شجرة في مسجد فأن فعل قلعت وطمت فان لم تقلع فثمرها لمساكين المسجد ويتوجه جواز حفر بئر إن كان فيه مصلحة ولم يحصل به ضيق - قال في الرعاية: لم يكره أحمد حفرها فيه - وإن(3/28)
كانت الشجرة مغروسة قبل بنائه ووقفها معه فأن عين مصرفها عمل به وإلا فكوقف منقطع ولا يجوز نقل المسجد مع إمكان عمارته بدون العمارة الأولى ويجوز رفعه إذا أراد أكثر أهله ذلك وجعل تحت سفله سقاية وحوانيت - قال في الفنون: لا بأس بتغيير حجارة الكعبة أن عرض لها مرمة لأن كل عصر احتاجت فيه إليه قد فعل ولم يظهر نكير ولو تعينت الآلة لم يجز كالحجر الأسود ولا يجوز نقله ولا يقوم غيره مقامه ولا ينتقل النسك معه ويكره نقل حجارتها عند عمارتها إلى غيرها كما لا يجوز ضرب تراب المساجد لبناء في غيره بطريق الأولى قال: ولا يجوز أن تعلى أبنيتها زيادة على ما وجد من علوها قال في الفروع: ويتوجه جواز البناء على قواعد عليه الصلاة والسلام يعني إدخال الحجر في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم لولا المعارض في زمنه لفعله كما في حديث عائشة قال ابن هبيرة فيه: يدل على جواز تأخير الصواب لأجل قالة الناس ورأى مالك والشافعي تركه لئلا يصير البيت ملعبة للملوك.(3/29)
باب الهبة والعطية
مدخل
...
باب الهبة والعطية
الهبة تمليك جائز التصرف مالا معلوما أو مجهولا تعذر علمه موجودا مقدورا على تسليمه غير واجب في الحياة بلا عوض بما يعد هبة عرفا من لفظ هبة وتمليك ونحوهما وتنعقد بإيجاب وقبول وبمعطاة بفعل يقترن بما يدل عليها فتجهيز ابنته بجهاز إلى زوجها تمليك وتقدم أول البيع.(3/29)
والعطية تمليك عين في الحياة بلا عوض
وهبة التلجئة باطلة توهب في الظاهر وتقبض مع إتفاق الواهب والموهوب له على أنه ينزعه منه إذا شاء ونحو ذلك من الحيل التي تجعل طريقا إلى منع الوارث أو الغريم حقوقهم.
وأنواع الهبة صدقة وهدية ونحلة - وهي العطية - ومعانيها متقاربة تجري فيها أحكامها فأن قصد بإعطائه ثواب الآخرة فقط فصدقه وأن قصد إكراما وتوددا ومكافاة فهدية وإلا فهبة وعطية ونحلة.
وهي مستحبة إذا قصد بها وجه الله تعالى كالهبة للعلماء والفقراء والصالحين وما قصد به صلة الرحم لا مباهاة ورياء وسمعة فتكره - قال الشيخ: والصدقة أفضل الهبة إلا أن يكون في الهبة معنى تكون به أفضل من الصدقة مثل الإهداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم محبة له ومثل الإهداء لقريب يصل به رحمه أو لأخ له في الله فهذا قد يكون أفضل من الصدقة انتهى - ووعاء هدية كهي مع عرف كقوصرة الثمر ومن أهدى ليهدى له أكثر فلا بأس لغير النبي صلى الله عليه وسلم.
ويعتبر أن تكون من جائز التصرف وهي كبيع في تراخي قبول وتقدمه وغيرهما ولا تقتضي عوضا ولو مع عرف كان يعطيه ليعارضه أو يقضي له حاجة وأن شرط فيها عوضا معلوما صارت بيعا فيثبت فيها خيار وشفعة ونحوهم وأن شرط ثوابا مجهولا لم تصح الهبة وحكمها حكم البيع الفاسد ويردها الموهوب له بزيادتها المتصلة والمنفصلة وأن اختلفا في شرط عوض فقول منكر وأن قال وهبتني ما بيدي وقال(3/30)
بعتكه ولا بينة: حلف كل منهم على ما أنكر ولا يصح البيع ولا الهبة ويصح أن يهب شيئا ويستثني نفعه مدة معلومة وأن يهب أمة ويستثني ما في بطنها وتلزم بقبضها بإذن واهب لا قبلهما ولو في غير مكيل ونحوه إلا ما كان في يد متهب كوديعة وعارية وغصب ونحوه فيلزم بعقد ولا يحتاج إلى مدة يتأتى قبضه فيها ولا إلى إذن في القبض ولا يصح قبض إلا بإذن واهب والإذن لا يتوقف على اللفظ بل المناولة والتخلية إذن ولواهب الرجوع في إذن وهبة قبل قبض مع الكراهة ويبطل إذن الواهب بموت أحدهما ويقبض لطفل أبوه فقط من نفسه فيقول وهبت ولدي كذا وقبضته له لا يحتاج إلى قبول ولا يصح قبض طفل ولو مميزا ولا قبض مجنون لأنفسهما ولا قبولهما بل وليهما الأمين يقوم مقامهما ثم وصى ثم حاكم أمين كذلك أو من يقيمونه مقامهم وعند عدمهم يقبض له من يليه من أم وقريب وغيرهما نصا وتقدم آخر باب ذكر أهل الزكاة لكن يصح منهما قبض المأكول الذي يدفع مثله للصغير وأن كان الواهب لهما أحد الثلاثة غير الأب لم يتول في طرفي العقد وكل من يقبل ويقبض هو وأن كان الأب غير مأمون أو مجنونا أو لا وصي له قبل له الحاكم ولو أتخذ الأب دعوة ختان وحملت هدايا إلى داره فهي له إلا أن يوجد ما يقتضي الاختصاص بالمختون فيكون له وهذا كثياب الصبيان ونحوهما مما يختص بهم وكذا لو وجد ما يقتضي اختصاص الأم فيكون لها مثل كون المهدي من أقاربها أو معارفها وخادم الفقراء الذي يطوف لهم في الأسواق ما حصل له لا يختص به وما يدفع من(3/31)
صدقة إلى شيخ زاوية أو رباط الظاهر أنه لا يختص به وله التفضيل في القسم بحسب الحاجة وأن كان الشيء يسيرا لم تجر العادة بتفريقه اختص هوبه - ذكره الحارثي - والهبة من الصبي لغيره باطلة ولو إذن فيها الولي وكذا السفيه وتجوز من العبد بإذن سيده وله أن يقبل الهبة والهدية بغير إذنه وأن مات واهب قبل إقباض ورجوع قام وارثه مقامه في إذن ورجوع
وتبطل بموت متهب قبل القبض ولو وهب الغائب هبة وأنفذها مع رسول الموهوب له أو وكيله ثم مات الواهب أو الموهوب له قبل وصولها لزم حكمها وكانت للموهوب له لأن قبضهما كقبضه وأن أنفذها الواهب مع رسوله نفسه ثم مات قبل وصولها إلى الموهوب له أو مات الموهوب له بطلت وكانت للواهب أو وثته لعدم القبض وليس للرسول حملها بعد موت الواهب إلى الموهوب له إلا أن يأذن الوارث وكذا حكم هدية وأن مات المتهب أو الواهب قبل القبول أو ما يقوم مقامه بطل العقد(3/32)
فصل: وان ابرأ غريم من دينه او وهبه له
...
فصل: وأن أبرأ غريم غريمه من دينه أو وهبه له
فصل: وأن أبرأ غريم غريمه من دينه أو وهبه له أو أحله منه أو أسقطه عنه أو تركه أو ملكه له أو تصدق به عليه أو عفا عنه صح وبرئت ذمته ولو كان المبرأ منه مجهولا لهما أو لأحدهما سواء جهلا قدره أو وصفه أو هما ولو لم يتعذر علمه أو لم يقبله المدين أو رده أو كان قبل حلول الدين وأن أبرأه ونحوه يعتقد أنه لا شيء له عليه ثم تبين أن له عليه صحت البراءة كما تصح من المعلوم وظاهر كلامهم عمومه في جميع الحقوق(3/32)
المجهولة وصرح به في الفروع آخر القذف لكن لو جهله ربه وعلمه من عليه الحق وكتمه خوفا من أنه لو علمه لم يبرئه لم تصح البراءة وإن أبرأه من درهم إلى ألف صح فيه وفيما دونه ولا يصح الإبراء من الدين قبل وجوبه ومن صور البراءة من المجهول لو أبرأه من أحدهما أو أبرأ أحدهما ويؤخذ بالبيان ولا يصح مع إبهام المحل كأبرأت أحد غريمي ولا تصح هبة الدين لغير من هو في ذمته وتقدم آخر السلم وتصح هبة المشاع من شريكه ومن غيره منقولا كان أو غيره ينقسم أولا وإن وهب أو تصدق أو وقف أو وصى بأرض أو باعها أحتاج أن يحدها كلها ويعتبر لقبضه إذن الشريك وتقدم آخر الخيار في البيع ويكون نصفه مقبوضا تملكا ونصف الشريك أمانة وإن أذن له في التصرف مجانا فكعارية وإن كان بأجرة فكمأجور وإن تصرف بلا إذن ولا إجارة أو قبضه بغير إذن الشريك فكغاصب وتصح هبة مصحف وكل ما يصح بيعه فقط واختار جمع وكلب ونجاسة مباح نفعهما ولا تصح هبة مجهول لا يتعذر علمه كالحمل في البطن واللبن في الضرع والصوف على الظهر ومتى أذن له في جز الصوف وحلب الشاة كان إباحة وأن وهب دهن سمسمه أو زيت زيتونه أو جفته قبل عصرهما لم يصح ولو قال: خذا من هذا الكيس ما شئت كان له أخذ ما به جميعا وخذا من هذه الدراهم ما شئت لم يملك أخذها كلها ولا تصح هبة المعدوم كالذي تحمله أمته أو شجرته فأن تعذر علم المجهول صحت هبته كصلح ولا هبة ما لا يقدر على تسلميه ولا تعليقها على شرط مستقبل غير الموت نحو(3/33)
إن مت - بفتح التاء - فأنت في حل فأن ضم التاء صح وكان وصية ولا شرط ما ينافي مقتضاها نحو ألا يبيعها ولا يهبها أو يشرط أن يبيعها أو يهبها بشرط أن يهب فلانا شيئا وتصح هي ولا يصح توقيتها كقوله وهبتك هذا سنة: إلا العمري والرقي - وهما نوعان من أنواع الهبة يفتقران إلى ما تفتقر إليه سائر الهبات كقوله أعمرتك هذه الدار أو الفرس أو الجارية أو أرقبتكها أو جعلتها لك عمرك أو حياتك أو ما حييت أو ما عشت أو نحو هذا أو عمري أو رقي أو ما بقيت أعطيتكها عمرك - ويقبلها فتصح وتكون للمعمر - بفتح الميم - ولو رثته من بعده كتصريحه فأن لم يكن له ورثة فلبيت المال وأن أضافها إلى عمر غير لم تصح ونصه لا يطأ الجارية المعمرة وحمل على الورع وأن شرط رجوعها بلفظ الأقارب أو غيره إلى المعمر - بكسر الميم - عند موته أو النية أن مات قبله أو إلى غيره فهي الرقي أو رجوعها مطلقا أو إلى ورثته أو قال هي لآخرنا موتا صح العقد دون الشرط وتكون للمعمر - بفتح الميم - ولو رثته من بعده كالأول ولا ترجع إلى المعمر والمرقب ولا يصح أعمار المنفعة ولا أرقابها فلو قال سكني هذه الدار لك عمرك أو غلة هذا البستان أو خدمة هذا العبد أو منحتك عمرك فعارية له الرجوع فيها متى شاء في حياته وبعد موته ويصح أعمار منقول وأرقابه من حيوان كعبد وجارية ونحوهما وغير حيوان.(3/34)
فصل: ويجب على الأب والأم وغيرهما التعديل
فصل: ويجب على الأب والأم وغيرهما التعديل بين من يرث بقرابة من ولد وغيره في عطيتهم: لا في شيء تافه: بقدر إرثهم إلا في(3/34)
نفقة وكسوة فتجب النفقة - قال الشيخ لا يجب على المسلم التسوية بين أولاد الذمة انتهى - وله التخصيص بإذن الباقي فأن خص بعضهم أو فضله بلا إذن إثم وعليه الرجوع أو إعطاء الآخر ولو في مرض الموت حتى يستووا كما لو زوج أحد ابنيه في صحته وأدى عنه الصداق ثم مرض الأب فأنه يعطي ابنه الآخر كما أعطى الأول ولا يحسب من الثلث لأنه تدارك للوجوب أشبه قضاء الدين وأن مات قبل التسوية ثبت للمعطي ما لم تكن العطية في مرض الموت والتسوية هنا القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين والرجوع المذكور يختص بالأب دون الأم وغيرها وتحرم الشهادة على التخصيص والتفضيل تحملا وأداء ولو بعد موت المخصص والمفضل إن علم وكذا كل عقد مختلف فيه فاسد عند الشاهد وتكره على عقد نكاح محرم بنسك وتقدم في محظورات الإحرام وقيل إن أعطاه لمعنى فيه من حاجة أو زمانه أو أعمى أو كثرة عائلة أو لاشتغاله بالعلم ونحوه ومنع بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يعصي الله بما يأخذه ونحوه جاز التخصيص أختاره الموفق وغيره ولا يكره قسم ماله بين وراثه ولو أمكن أن يولد له فأن حدث له وارث سوى بينه وبينهم وجوبا أو أن ولد له ولد بعد موته استحب للمعطي أن يساوي المولود الحادث بعد أبيه ويستحب التسوية بينهم في الوقف وتقدم في باب الوقف وإن وقف ثلثه في مرضه على بعض وارثه أو وصى بوقفه عليهم جاز ويجري مجرى الوصية ولا يصح وقف مريض على أجنبي أو وارث بزيادة على الثلث ولا يجوز لواهب ولا يصح أن يرجع في هبته ولو صدقه وهدية(3/35)
ونحلة أو نقوطا أو حمولة في عرس ونحوه أو تعلق بالموهوب رغبة الغير بأن ناكح الولد أو داينه لو جود ذلك بعد لزومها كالقيمة1 إلا الأب الأقرب ولو أسقط حقه من الرجوع ولو أدعى اثنان مولودا فوهباه أو وهبه أحدهما شيئا فلا رجوع وأن ثبت اللحاق بأحدهما ثبت الرجوع.
ويشترط لرجوع الأب شروط ثلاثة: أحدها أن تكون عينا باقية في ملك الابن فلا رجوع في دينه على الولد بعد الإبراء ولا في منفعة أباحها له بعد الاستيفاء كسكنى دار ونحوها فأن خرجت العين عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو بغير ذلك ثم عادت إليه بسبب جديد كبيع أو هبة أو وصية أو إرث أو نحوه لم يملك الرجوع وإن عادت كفسخ البيع بعيب أو إقالة أو فلس المشتري أو بفسخ خيار الشرط أو المجلس أو دبر العبد أو كاتبه ملك الرجوع وهو مكاتب وما أخذه الابن من دين الكتابة لم يأخذه منه أبوه.
الثاني: أن تكون العين باقية في تصرف الولد فأن تلفت فلا رجوع في قيمتها وإن استولد الأمة أو كان وهبها له للاستعفاف لم يملك الرجوع وإن رهن العين أو أفلس وحجر عليه فكذلك فأن زال المانع ملك الرجوع وكل تصرف لا يمنع الابن التصرف في الرقبة كالوصيلة والهبة قبل القبض والوطء المجرد عن الإحبال والتزويج والإجارة والمزارعة عليها وجعلها مضاربة في عقد شركة لا يمنع الرجوع وكذلك العتق المعلق وإذا رجع وكان التصرف لازما كالإجارة والتزويج والكتابة
__________
1 أي لا يجوز له ذلك كما لا يجوز رجوعه بقيمة الموهوب.(3/36)
فهو باق بحاله وأن كان جائزا كالوصية والهبة قبل القبض بطل والتدبير والعتق المعلق بصفة لا يبقي حكمها في حق الأب ومتى عاد إلى الابن عاد حكمها وأن وهبه الولد لولده لم يملك1 الرجوع إلا أن يرجع هو
الثالث: ألا يزيد زيادة متصلة تزيد في قيمتها كالسمن والكبر والحمل وتعلم صنعة أو كتابة أو قرآن وأن زاد ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع وأن اختلف الأب وولده في حدوث زيادة فقول الأب ولا تمنع المنفصلة كولد البهيمة وثمرة الشجرة وكسب العبد والزيادة للولد فأن كانت ولد أمة امتنع الرجوع لتحريم التفريق وأن وهبه حاملا فولدت في يد الابن فالولد زيادة متصلة وأن وهبه حائلا ثم رجع فيها حاملا فأن زادت قيمتها فزيادة متصلة وأن وهبه نخلا فحملت فقبل التأثير زيادة متصلة وبعده منفصلة وأن تلف بعض العين أو نقصت قيمتها أو أبق العبد أو أرتد الولد لم يمنع الرجوع ولا ضمان على الابن فيما تلف منها ولو بفعله وأن جنى العبد جناية يتعلق أرشها برقبته فللأب الرجوع فيه ويضمن أرش الجناية فأن جنى على العبد فرجع الأب فيه فأرش الجناية عليه للابن وصفة الرجوع أن يقول: قد رجعت فيها أو ارتجعتها أو رددتها ونحوه من الألفاظ الدالة على الرجوع علم الولد أو لم يعلم ولا يحتاج إلى حكم حاكم وأن تصرف الأب فيه بعد قبض الابن أو وطئ الجارية ولو نوى به الرجوع لم يكن رجوعا بغير قول وأن سأل امرأته هبة مهرها فوهبته أو
__________
1 فاعل يملك يعود على الواهب الأول وهو الجد.(3/37)
قال أنت طالق أن لم تبرئيني فأبرأته ثم ضرها بطلاق أو غيره فلها الرجوع لا أن تبرعت به من غير مسئلة.(3/38)
فصل: ولأب فقط اذا كان حرا ان يمتلك من مال ولده ماشاء
...
فصل: ولأب فقط إذا كان حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء
فصل: ولأب فقط إذا كان حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء مع حاجة الأب وعدمها في صغر وكبره وسخطه ورضاه وبعلمه وبغيره دون أم وجد وغيرهما: بشروط أحدها: أن يكون فاضلا عن حاجة الولد لئلا يضره فليس له أن يتملك سريته وأن لم تكن أم ولد لأنها ملحقة بالزوجات ولا ما تعلقت حاجته به الثاني: ألا يعطيه لولد آخر الثالث: ألا يكون في مرض موت أحدهما الرابع: أن لا يكون الأب كافرا والابن مسلما لا سيما إذا كان الابن كافرا ثم أسلم قاله الشيخ وقال: الأشبه أن الأب المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئا الخامس: أن يكون عينا موجودة ويحصل تملكه بقبض مع قول أو نية وهو السادس ولا يصح تصرفه فيه قبل ذلك ولو عتقا ولا يملك إبراء نفسه ولا إبراء غريم ولده ولا تملكه ما في ذمة نفسه ولا ذمة غريم ولده ولا قبضه منهما لأن الولد لم يملكه ولو أقر بقبض دين ولده فأنكر الولد أو أقر رجع على غريمه ورجع الغريم على الأب - قال الشيخ: لو أخذ من مال ولده شيئا ثم انفسخ سبب استحقاقه بحيث وجب رده إلى الذي كان مالكه مثل أن يأخذ صداق ابنته ثم يطلق الزوج أو يأخذ ثمن السلعة التي باعها الولد ثم ترد السلعة أو يأخذ المبيع الذي اشتراه الولد ثم يفلس بالثمن ونحو ذلك فالأقوى في جميع الصور أن للمالك الأول الرجوع على الأب - ويأتي(3/38)
في الصداق لو تزوجها على ألف لها وألف لأبيها - وأن وطئ جارية ولده فأحبلها صارت أم ولد له وولده حر لا تلزمه قيمته ولا مهر ولا حد ويعزر ويلزمه قيمتها أن لم يكن الابن وطئها ولا ينتقل الملك فيها أن كان الابن استولدها فلا تصير أم ولد للأب وأن كان الابن وطئها ولو لم يستولدها لم يملكها الأب ولم تصر أم ولد له وحرمت عليهما ولا يحد وأن وطئ أمة أحد أبويه لم تصر أم ولد وولده قن ويحد وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين قرض ولا ثمن مبيع ولا قيمة متلف ولا أرش جناية ولا ما انتفع به من ماله ولا أن يحيل عليه بدينه ولا بغير ذلك إلا بنفقته الواجبة زاد في الوجيز: وحبسه عليها وله مطالبته بعين مال له في يده ويجري الربا بينهما ويثبت له في ذمته الدين ونحوه - قال في الموجز: لا يملك إحضاره في مجلس الحكم فأن أحضره فأدعى فأقر أو قامت بينة لم يحبس1 وإن وجد عين ماله الذي أقرضه أو باعه ونحوه بعد موته فله أخذه أن لم يكن انتقد ثمنه ولا يكون ميراثا بل له دون سائر الورثة ولا يسقط دينه الذي عليه بموته فيؤخذ من تركته وتسقط جنايته ولو قضى الأب الدين الذي عليه لولده في مرضه أو وصى بقضائه فمن رأس ماله ولولد الولد مطالبة جده بماله في ذمته وكذا الأم ولا اعتراض للأب على تصرف الولد في مال نفسه بعقود المعاوضات وغيرها.
والهدية تذهب الحقد وتجلب المحبة ولا ترد وأن قلت كذراع أو
__________
1 يريد فادعى الولد بدين فأقر به الأب.(3/39)
كراع خصوصا الطيب مع انتفاء مانع القبول ويسن أن يثيب عليها فأن لم يستطع فليذكرها ويثن على صاحبها ويقول جزاك الله خيرا ويقدم في الهدية الجار القريب بابه على البعيد ويجوز ردها لأمور مثل أن يريد أخذها بعقد معاوضة لحديث جابر في جمله أو يكون المعطي لا يقنع بالثواب المعتاد أو تكون بعد السؤال واستشراف النفس لها أو لقطع المنة وقد يجب الرد كهدية صيد لمحرم.(3/40)
فصل: عطية المريض في غير مرض الموت
فصل: عطية المريض في غير مرض الموت ولو مخوفا أو في غير مخوف كرمد ووجع ضرس وصداع وجرب وحمى يسيرة ساعة أو نحوها والإسهال اليسير من غير دم ونحوه ولو مات به أو صار مخوفا ومات به كصحيح وفي مرض الموت المخوف كالبرسام ووجع القلب والرئة وذات الجنب والطاعون في بدنه أو وقع ببلده أو هاجت به الصفراء أو البلغم والقولنج1 والحمى المطبقة والرعاف الدائم والقيام المتدارك وهو الإسهال المتواتر والفالج في ابتدائه والسل في انتهائه وما قال مسلمان عدلان من أهل الطب لا واحد ولو لعدم عند إشكاله أنه مخوف - فعطاياه ولا لأجنبي بزيادة على الثلث إلا بإجازة الورثة فيهما إلا الكتابة فلو حاباه فيها جاز وتكون من رأس المال وكذا لو وصى بكتابة بمحاباة وإطلاقها يكون بقيمته وفرع في المستوعب على العتق فقال: وينفذ العتق في مرض الموت في الحال ويعتبر خروجه من
__________
1 الوقلنج هو احتباس الطعام في بعض الأمعاء. والفالج أشبه بالشلل.(3/40)
الثلث لا حين العتق فلو أعتق في مرضه أمة تخرج من الثلث حال العتق لم يجز أن يتزوجها إلا أن يصح من مرضه وأن وهبها حرم على المتهب وطؤها حتى يبرأ الواهب أو يموت والاستيلاد في المرض لا يعتبر من الثلث فأنه من قبيل الاستهلاك في مهور الأنكحة وطيبات الأطعمة ونفائس الثياب والتداوي ورفع الحاجات ويقبل إقرار المريض به ولو وهب في الصحة وأفيض في المرض فمن الثلث فأما الأمراض الممتدة كالسل والجذام وحمى الربع والفالج في دوامه فأن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة وإلا فعطاياه كصحيح والهرم إن صار صاحب فراش فكمخوف ومن كان بين الصفين عند التحام حرب هو فيه واختلطت الطائفتان للقتال سواء كانتا متفقتين في الدين أو لا وكانت كل واحدة منهما مكافئة للأخرى أو إحداهما مقهورة وهو منها فكمرض مخوف فأما القاهرة بعد ظهورها أو كان كل من الطائفتين متميزة لم يختلطوا وبينهما رمي سهام أولا فليس بمخوف ومن كان في لجة البحر عند هيجانه أو قدم ليقتل قصاصا أو غيره أو أسر عند عادته القتل أو حامل عند مخاض حتى تنجو من نفاسها مع ألم ولو بسقط تام الخلق بخلاف المضغة إلا أن يكون ثم مرض أو ألم أو حبس ليقتل أو جرح جرحا موحيا مع ثبات عقله فكمرض مخوف وحكم من ذبح أو أبينت حشوته وهي أمعاؤه لا خرقها فقط كميت ولو علق صحيح عتق عبد فوجد شرطه في مرضه ولو بغير اختياره فمن ثلثه وإن اختلف الورثة وصاحب العطية هل أعطيها في الصحة أو المرض فقولهم وأن كانت في رأس(3/41)
الشهر واختلفا في مرض المعطي فيه فقول المعطي وإن عجز الثلث عن التبرعات المنجزة بدئ بالأول فالأول منها ولو كان فيها عتق فأن تساوت بأن وقعت دفعة واحدة قسم الثلث بين الجميع بالحصص وإذا قال المريض أن أعتقت سعدا فسعيد حر ثم اعتق سعدا عتق سعيد أن خرج من الثلث وأن لم يخرج إلا أحدهما عتق سعد وحده ولم يقرع بينهما ولو رق بعض سعد لعجز الثلث عن كله فات إعتاق سعيد وأن بقي من الثلث بعد إعتاق سعد ما يعتق به بعض سعيد تمام الثلث منه وأن قال أن أعتقت سعدا فسعيد وعمرو حر أن ثم أعتق سعدا ولم يخرج من الثلث إلا أحدهم عتق سعد وحده وإن خرج من الثلث اثنان أو واحد وبعض آخر عتق سعد وأقرع بين سعيد وعمرو فيما بقي من الثلث ولو خرج من الثلث اثنان وبعض الثالث أقرعنا بينهما لتكميل الحرية في أحدهما وحصول التشقيص في الآخر وأن قال أن أعتقت سعدا فسعيد حر أو فسعيد وعمرو حران في حال أعتاقي فالحكم سواء ولو رق بعض سعد لفات شرط عتقهما فأن كان الشرط في الصحة والأعتاق في المرض فالحكم على ما ذكرناه وأن قال أن تزوجت فعبدي حر فتزوج في مرضه بأكثر من مهر المثل فالزيادة محاباة فتعتبر من الثلث فأن لم يخرج من الثلث إلا المحاباة أو العبد قدمت المحاباة وأن اجتمعت عطية ووصية وضاق الثلث عنهما ولم تجز جميعهما قدمت العطية ولو قضى مريض بعض غرمائه صح ولم يكن لبقة الغرماء الاعتراض عليه ولم يزاحم المقضي الباقون ولو لم(3/42)
تف تركته ببقية الديون وما لزم المريض في مرضه من حق لا يمكن دفعه وإسقاطه كأرش جناية عبده وما عاوض عليه بثمن المثل ولو مع وارث وما يتغابن الناس بمثله فمن رأس المال ولا يبطل تبرعه بإقراره بعده بدين ولو حابى وراثه بطلت في قدرها أن لم تجز الورثة وصحت في غيرها بقسطه وللمشتري الفسخ وأن كان له شفيع فله أخذه فأن أخذه فلا خيار للمشتري ولو باع المريض أجنبيا وحاباه وله شفيع وارث أخذها أن لم يكن حيلة لأن المحاباة لغيره ويعتبر الثلث عند الموت فلو أعتق عبدا لا يملك غيره ثم ملك مالا فخرج من ثلثه تبينا أنه عتق كله وأن صار عليه دين يستغرقه لم يعتق منه شيء.(3/43)
فصل: وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء
فصل: وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء - أحدها - أن يبدأ بالأول فالأول منها: والوصية يسوي بين متقدمها ومتأخرها الثاني - لا يصح الرجوع في العطية: بخلاف الوصية - الثالث - يعتبر قبوله للعطية عند وجودها: والوصية بخلافه - الرابع - أن الملك يثبت في العطية من حينها ويكون مراعي: فإذا خرجت من ثلثه عند موته تبينا أنه كان ثابتا من حينه فلو أعتق أو وهب رقيقا في مرضه فكسب ثم مات سيده فخرج من الثلث: كان كسبه له أن كان معتقا وللموهوب له أن كان موهوبا وأن خرج بعضه فلهما1 من كسبه بقدره فلو أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت
__________
1 مرجع الضمير هو الموهوب له. والعبد المعتق إذا نفذ العتق في بعضه(3/43)
سيده فقد عتق منه شيء وله من كسبه شيء ولورثة سيده شيآن1 فصار العبد وكسبه نصفين فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه وللورثة نصفهما: فلو كان العبد يساوي عشرة فكسب قبل الوفاة مثلها عتق منه شيء وله من الكب شيء وللورثة شيآن: فيعتق نصفه ويأخذ خمسة وللورثة نصفه وخمسة وأن كسب مثلي قيمته صار له شيآن وعتق منه شيء وللورثة شيآن فيعتق منه ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس من كسبه والباقي للورثة وأن كسب نصف قيمته عتق منه شيء وله نصف شيء من كسبه وللورثة شيآن: فيعتق منه ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه والباقي للورثة وأن كان موهوبا لإنسان فله من العبد بقدر ما عتق منه وبقدره من كسبه وأن أعتق جارية ثم وطئها بنكاح أو غيره ومهر مثلها نصف قيمتها فكما لو كسبت نصف قيمتها: يعتق منها ثلاثة أسباعها: سبع بملكها له بمهرها: وسبعان بإعتاق المتوفى ولو وهبها لمريض آخر لا مال له فوهبها الثاني للأول صحت هبة الأول في شيء وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه وبقي لورثة الآخر ثلثا شيء وللأول شيآن فلهم ثلاثة أرباعها ولورثة الثاني ربعها ولو باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة وهما جنس واحد فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه مع التخلص من الربا فأسقط قيمة الرديء من الجيد ثم أنسب الثلث إلى الباقي وهو عشرة من عشرين تجده نصفها فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء ويبطل فيما بقي حذرا من ربا الفضل ولا
__________
1 شيء من رقبة العبد وهو ما لم ينفذ فيه العتق. وشيء من كسبه.(3/44)
شيء للمشتري سوى الخيار وأن شئت في عملها فأنسب ثلث الأكثر من المحاباة فيصح البيع فيهما بالنسبة وهو هنا نصف الجيد بنصف الرديء وأن شئت فاضرب ما حاباه في ثلاثة يبلغ ستين ثم أنسب قيمة الجيد إليها فهو نصفه فيصح بيع نصف الجيد بنصف الرديء وأن شئت فقل قدر المحاباة الثلثان ومخرجهما ثلاثة فخذ للمشتري سهمين منه وللورثة أربعة: ثم أنسب المخرج إلى الكل بالنصف فيصح بيع نصف أحدهما بنصف الآخر وبالجبر يصح بيع شيء من الأعلى بشيء من الأدنى قيمته ثلث شيء من الأعلى فتكون المحاباة بثلثي شيء منه فألقها منه يبقى قفيزا لا ثلثي شيء يعدل مثل المحاباة منه وهو شيء وثلث شيء فإذا جبرت وقابلت عدل شيئين فالشيء نصف قفيز فلو لم يفض إلى الربا كما لو باعه عبدا يساوي ثلاثين لا يملك غيره بعشرة ولم تجز الورثة صح بيع ثلثه بالعشرة والثلثان كالهبة فيرد الأجنبي نصفهما وهو عشرة ويأخذ عشرة بالمحاباة وأن كانت المحاباة مع وارث صح البيع في ثلثه ولا محاباة ولهما فسخه وإذا أفضى إلى إقالة بزيادة أو ربا فضل فكالمسألة الأولى وقدم في الفروع وغيره في المسألة الأولى أن له ثلثه بالعشرة وثلثه بالمحاباة لنسبتهما من قيمته فيصح بقدر النسب وأن أصدق امرأة عشرة لا مال له غيرها وصداق مثلها خمسة فماتت قبله ثم مات فلها بالصداق خمسة وشيء بالمحاباة رجع إليه نصف ذلك بموتها صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين: أجبرها بنصف شيء وقابل يخرج الشيء ثلاثة: فلورثته ستة(3/45)
ولورثتها أربعة وأن مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة ولو وهبها كل ماله فماتت قبله فلورثته أربعة أخماسه ولورثتها خمسة ويأتي في الخلع له تتمة أن شاء الله وللمريض لبس الناعم وأكل الطيب لحاجة وأن فعله لتفويت الورثة منع من ذلك.(3/46)
فصل: لو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه
فصل: لو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته أو ملك من يعتق عليه بهبة أو وصية عتق من رأس ماله وورث فلو اشترى ابنه بخمسمائة وهو يساوي ألفا فقدر المحاباة من رأس ماله ولو اشترى من يعتق على وارثه صح وعتق عليه وارثه وأن دبر ابن عمه عتق ولم يرث ولو قال أنت حر آخر حياتي عتق وورث وليس عتقه وصية له ولو أشترى من يعتق عليه ممن يرث أو أعتق ابن عمه في مرضه عتق من الثلث وورث وأن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدره ويرث بقدر ما فيه من الحرية ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه ورثته وتعتق أن خرجت من الثلث ويصح النكاح وإلا عتق قدره وبطل النكاح ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهما مهر مثلها ثم مات صح العتق ولم تستحق الصداق لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها وأن تبرع بثلث ماله ثم أشترى إياه من الثلثين صح الشراء ولم يعتق فإذا مات عتق على الورثة أن كانوا ممن يعتق عليهم ولا يرث لأنه لم يعتق في حياته.(3/46)
كتاب الوصايا
مدخل
مدخل
...
كتاب الوصايا
الوصية الأمر بالتصرف بعد الموت ولا تجب إلى على من عليه دين أو عنده وديعة أو عليه واجب يوصي بالخروج منه والوصية بالمال التبرع به بعد الموت ويصح من البالغ الرشيد سواء كان عدلا أو فاسقا رجلا أو امرأة مسلما أو كافرا ومن المحجور عليه لفلس ومن العبد والمكاتب والمدبر وأم الولد في غير المال وفي المال أن ماتوا على الرق فلا وصية لهم ومن عتق منهم ثم مات ولم يغير وصيته صحت لأن الوصية تصح مع عدم المال كالفقير إذا أوصى ولا شيء له ثم استغنى وتصح من المحجور عليه لسفه بمال لا على أولاده ومن مميز عاقل لا من سكران ومجنون ومبرسم وطفل دون التمييز ولا ممن اعتقل لسانه بإشارة ولو فهمت إذا لم يكن مأيوسا من نطقه كقادر ولا من أخرس لا تفهم إشارته فأن فهمت صحت وتصح في إفاقة من يخنق في أحيان والضعيف في عقله أن منع ذلك رشده في مال فكسفيه وأن وجدت وصيته بخطة الثابت بإقرار ورثته أو بينة تعرف خطه صحت وعمل بها ما لم يعلم رجوعه عنها وأن تطاولت مدته وتغيرت أحوال الموصي مثل أن يوصي في مرض فيبرأ منه ثم يموت بعد أن يقتل لأن الأصل بقاؤه وعكسها ختمها والإشهاد عليها ولم يعرف أنه خطه لكن لو تحقق أنه خطه من خارج عمل به لا بإشهاد عليها وعكس الوصية الحكم فأنه(3/47)
لا يجوز برؤية خط الشاهد ولو رأى الحاكم حكمه بخطه تحت ختمه ولم يذكر أنه حكم به أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة لم يجز للحاكم إنفاذ الحكم بما وجده ولا للشاهد الشهادة بما رأى خطه به - ويأتي في باب كتاب القاضي إلى القاضي - وأيضا آخر الباب الذي قبله1 ويسن أن يكتب الموصي وصيته ويشهد عليها ويستحب أن يكتب في صدرها هذا ما أوصى فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبد ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأوصى أهلي أن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ويطيعوا الله ورسوله أن كانوا مؤمنين وأوصيهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني أن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
__________
1 يعني قبل باب كتاب القاضي إلى القاضي.(3/48)
فصل: والوصية ببعض المال ليست واجبة بل مستحبة
فصل: والوصية ببعض المال ليست واجبة بل مستحبة لمن ترك خيرا وهو المال الكثير عرفا: بخمس ماله لقريب فقير لا يرث فأن كان القريب غنيا فلمسكين وعالم ودين ونحوهم وتكره لغيره أن كان له وارث ومن لا وارث له بفرض أو عصبة أو رحم تجوز وصيته بكل ماله فلو مات وترك زوجا أو زوجة لا غير وأوصى بجميع ماله ورد2 بطلت في قدر فرضه من الثلثين فيأخذ الموصي له الثلث ثم يأخذ أحد الزوجين فرضه من الباقي وهو الثلثان.
__________
2 يريد لم يرض أحد الزوجين نفاذ الوصية.(3/48)
فيأخذ ربعهما أن كان زوجة ونصفها أن كان زوجا ثم يأخذ الموصي له الباقي من الثلثين ولو أوصى أحد الزوجين للآخر بماله وليس له وارث غير أخذ المال كله إرثا ووصية وتحرم الوصية وقيل تكره "وهو الأولى اختاره جمع" على من له وراث غير أحد الزوجين بزيادة على الثلث لأجنبي وبشيء لوارث وتصح وتقف على إجازة الورثة إلا إذا أوصى بوقف ثلثه على بعض الورثة فيجوز وتقدم في الباب قبله وأن أسقط عن وارثه دينا أو أوصى بقضائه أو أسقطت المرأة صداقها عن زوجها أو عفا عن جناية موجبها المال فكالوصية وأن أوصى لولد وارثه صح فأن قصد بذلك نفع الوارث لم يجز فيما بينه وبين الله وتصح وصية لكل وارث بمعين بقدر إرثه ولو لم تجز الورثة كرجل خلف ابنا وبنتا وعبدا قيمته مائة وأمة قيمتها خمسون فوصى له به ولها بها وكذا وقفه لكن بالإجازة فيما زاد على الثلث ولو كان الوارث واحدا وأن لم يف الثلث بالوصايا ولم تجز الورثة تحاصوا فيه ولو عتقا كمسائل العول والعطايا المعلقة بالموت: كقوله إذا مت فأعطوا فلانا كذا أو اعتقوا فلانا ونحوه وصايا كلها ولو كانت في حال الصحة ويسوي بين مقدمها ومؤخرها والعتق وغيره وإذا أوصى بعتق عبده لزم الوارث إعتاقه ويجره الحاكم عليه أن أبى وأن أعتقه الوارث أو الحاكم فهو حر من حين أعتقه وولاؤه للموصي فأن كانت الوصية بعتقه إلى غير الوارث كان الإعتاق إليه ولم يملك ذلك غيره إذا لم يمتنع1 وما كسب الموصي
__________
1 مرجع الضمائر هنا هو الموصى إليه المعين.(3/49)
بعتقه بعد الموت وقبل الإعتاق فله وأن أراد الورثة ما يقف على إجارتهم بطلت الوصية فيه.(3/50)
فصل: في أجازة الورثة
...
فصل: وإجازتهم تنفيذ لا هبة: فلا تفتقر إلى شروطها من الإيجاب والقبول والقبض ونحوه ولا تثبت أحكامها فلو كان المجيز أبا للمجازلة لم يكن له الرجوع ولا يخنث بها من حلف لا يهب ولا يعتبر أن يكون المجاز معلوما ولو كان المجاز عتقا كان الولاء للموصي تختص به عصبته ولو كان الموصي بعتقه أمة فولدت قبل العتق وبعد الموت تبعها الولد كأم الولد ولو قبل الموصي له الوصية المفتقرة إلى الإجازة قبل الإجازة ثم أجيزت فالملك ثابت له من حين قبوله وما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز زاحم به من لم يجاوز الثلث: كوصيتين إحداهما مجاوزة الثلث والأخرى غير مجاوزة كنصف وثلث فأجاز الورثة الوصية المجاوزة للثلث خاصة فأن صاحب النصف يزاحم صاحب الثلث بنصف كامل فيقسم الثلث بينهما على خمسة لصاحب النصف ثلاثة أخماسه وللآخر خمساه ثم يكمل لصاحب النصف بالإجازة ولو أجاز المريض في مرض موته وصية موروثه جازت غير معتبرة من ثلثه وأن كان وقفا على المجيزين صح ويكفي فيها قول الوارث أجزت أو أمضيت أو أنفذت ونحو ذلك فإذا قال ذلك لزمت الوصية وأن أوصى أو وهب لوارث فصار عند الموت غير وارث صحت وعكسه بعكسه لأن اعتبار الوصية بالموت ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي فلو أجازوا قبل ذلك أو ردوا أو أذنوا لمورثهم في صحته أو مرضه الوصية بجميع ماله(3/50)
لأجنبي أو لبعض ورثته1 فلهم الرد بعد موته ومن أجاز الوصية إذا كانت جزءا مشاعا من التركة كنصفها ثم قال إنما أجزت لأنني ظننت المال قليلا فالقول قوله مع يمينه وله الرجوع بما زاد على ظنه إلا أن يكون المال ظاهرا لا يخفى أو تقوم بينة بعلمه بقدره وأن كان المجاز عينا كعبد أو فرس أو يزيد على الثلث وقال ظننت المال كثيرا تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلا أو ظهر عليه دين لم أعلمه أو كان المجاز مبلغا معلوما لم يقبل قوله ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف إلا المفلس والسفيه.
__________
1 يريد أو لبعض ورثته بشيء.(3/51)
فصل: ولا يثبت الملك للموصي له
فصل: ولا يثبت الملك للموصي له إلا بقبوله بعد الموت أن كان واحدا أو جمعا محصورا فورا أو تراخيا ولا عبرة بقبوله ورده قبل الموت ويحصل القبول باللفظ وبما قام مقامه من الأخذ والفعل الدال على الرضا ويحصل الرد بقوله رددت الوصية أو ما أقبلها أو ما أدى هذا المعنى ويجوز التصرف في الموصي به بعد ثبوت الملك بالقبول وقبل القبض وأن كانوا غير محصورين كالعلماء والفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصرهم كبني تميم أو على مصلحة كمسجد وحج لم يشترط القبول ولزمت بمجرد الموت ولو كان فيهم ذو رحم من الموصي به2 مثل أن يوصى بعبد للفقراء وأبوه فقير لم يعتق عليه وأن مات
__________
2 قوله ولو كان فيهم يعني في الموصى لهم من العلماء أو الفقراء من يتصل برحم للعبد الموصى به.(3/51)
الموصى له قبل موت الموصي أو رد الوصية بعد موته بطلت وأن ردها بعد موته وبعد قبوله ولو قبل القبض ولو في مكيل ونحوه أو مات الموصى له بقضاء دينه قبل موت الموصي لم تبطل وإذا لم يقبل بعد موته ولا رد حكم عليه بالرد وبطل حقه من الوصية وكل موضع صح فيه الرد بطلت فيه الوصية ويرجع الموصي به إلى التركة ويكون للوارث ولو خص به الراد واحدا منهم وكل موضع امتنع الرد فيه لاستقرار ملكه عليه فله أن يخص به بعض الورثة ويستقر الضمان على الورثة بمجرد موت مورثهم إذا كان المال عينا حاضرة يتمكن من قبضها فلو ترك مائتي دينار وعبدا قيمته مائة موصى به لرجل فسرقت الدنانير بعد موت الموصي فقال أحمد وجب العبد للموصى له وذهبت دنانير الورثة وتنعقد الوصية بقوله وصيت لك أو لزيد بكذا أو أعطوه من مالي بعد موتي كذا أو ادفعوه إليه أو جعلته له أو هو له بعد موتي أو هو له من مالي بعد موتي ونحو ذلك ولا تصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول أن مت فثلثي للمساكين أو لزيد والمقيدة أن يقول أن مت من مرضي هذا أو في هذه البلدة أو في هذه السفرة فثلثي للمساكين فأن بريء من مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البلدة ثم مات بطلت الوصية وأن مات الموصى له بعد موت الموصي وقبل الرد والقبول قام وارثه مقامه في القبول والرد فأن كان وراثه جماعة اعتبر القول والرد من جميعهم فمن قبل منهم أو رد فله حكمه فأن كان فيهم من ليس له التصرف قام وليه مقامه فيفعل ما فيه الحظ(3/52)
وأن فعل غيره لم يصح فلو وصى لصبي بذي رحم يعتق بملكه له وكان على الصبي ضرر في ذلك بأن تلزمه نفقة الموصي به لكونه فقيرا لا كسب له والمولي عليه موسر لم يكن له قبول الوصية وأن لم يكن عليه ضرر لكون الموصي به ذا كسب أو لكون المولي عليه فقيرا لا تلزمه نفقته تعين القبول: فما حصل من كسب أو نماء منفصل فيه بعد موت الموصي وقبل القبول كالولد والتمرة والكسب فللورثة لأنه ملكهم ولو كانت الوصية بأمة فوطئها الوارث قبل القبول وأولدها صارت أم ولد له ولا مهر عليه وولده لا تلزمه قيمته وعليه قيمتها للموصي له أن قبلها وأن وطئها الموصى له كان ذلك قبولا كالهبة فيثبت له الملك به وكوطء الرجعية ولو وصى له بزوجته فقبلها انفسخ النكاح فان أتت بولد كانت حاملا به وقت الوصية فهو موصى به معها وأن حملت به بعد الوصية وولدته في حياة الموصي فهو له وبعد موته قبل القبول للورثة ولأبيه أن ولدته بعده وكل موضع كان الولد للموصي له فأنه يعتق عليه وأن حملت به بعد موت الموصي ووضعته قبل القبول فللورثة وبعده لأبيه وأمه أم ولد هذا كله أن خرجت من الثلث وأن لم تخرج ملك بقدره وانفسخ النكاح وكل موضع يكون الولد لأبيه فأنه يكون له منه ههنا بقدر ملكه من أمه ويسري العتق إلى باقيه أن كان موسرا وإلا ما ملك منه فقط وكل موضع قلنا تكون أم ولد فإنها تصير أم ولد هنا موسرا كان أو معسرا وأن وصى له أبيه فمات قبل القبول فقبل ابنه صح وعتق عليه الجد ولم يرث من ابنه شيئا ولو وصى له(3/53)
بأرض فبنى الوارث فيها وغرس قبل القبول ثم قبل الموصي له فكبناء المشتري الشقص المشفوع وغرسه ولو بيع شقص في شركة الورثة والموصي له قبل قبوله فلا شفعة له ولو كان الموصى به زكويا وتأخر القبول مدة تجب الزكاة فيها في مثله فلا زكاة فيه وأما اعتبار قيمة الموصى به فيوم الموت ويأتي في باب الموصى به.(3/54)
فصل: ويجوز الرجوع في الوصية
فصل: ويجوز الرجوع في الوصية وفي بعضها ولو بالإعتاق فإذا قال قد رجعت في وصيتي أو أبطلتها أو غيرتها أو قال في الموصي به هو لورثتي أو في ميراثي فهو رجوع وأن قال ما أوصيت به لزيد فهو لعمرو كان لعمرو ولا شيء لزيد وإذا أوصى لإنسان بمعين من ماله ثم وصى به لآخر أو وصى له بثلثه ثم وصى لآخر بثلثه أو وصى له بجميع ماله ثم وصى به لآخر فهو بينهما ومن مات منهما قبل موت الموصي أو رد بعد الموت كان الكل للآخر لأنه اشتراك تزاحم وإذا أوصى بعبد لرجل ولآخر بثلثه فهو بينهما أرباعا وأن وصى به لاثنين فرد أحدهما وصيته فللآخر نصفه وأن وصى لاثنين بثلثي ماله فرد الورثة ذلك ورد أحد الوصيين وصيته فللآخر الثلث كاملا وإذا أقر الوارث أن أباه وصى بالثلث لرجل وأقام آخر بينة أن أباه وصى له بالثلث فرد الوارث الوصيتين وكان الوارث رجلا عدلا وشهد بالوصية حلف معه الموصي له واشتركا في الثلث وأن كان المقر ليس بعدل أو كان امرأة فالثلث لمن شهدت له البينة وأن لم يكن لواحد منهما بينة فأقر الوارث أنه أقر لفلان بالثلث أو بهذا العبد لآخر به بكلام متصل فالمقر به(3/54)
بينهما وأن باع الموصي ما أوصى به أو وهبه أو تصدق به أو رهنه أو أكله وأطعمه أو أتلفه أو أوجبه في بيع أو هبة ولم يقبل فيهما أو عرضه لبيع أو رهن أو وصى ببيعه أو عتقه أو هبته أو أصدقه أو جعله عوضا في خلع أو أجرة في إجارة أو كان قطنا فخشى به فراشا أو مسامير فسمر بها بابا أو قال ما أوصيت به لفلان حرام عليه أو كاتب العبد أو دبره أو خلطه بغيره على وجه لا يتميز ولو صبرة بغيرها أو أزال اسمه أو زال هو أو بعضه فطحن الحنطة أو خبز الدقيق وعجنه أو جعل الخبز فتيتا أو غزل القطن والكتان أو نسج الغزل أو عمل الثوب قميصا وفصله أو كان جارية فأحبلها أو ضرب النقرة دراهم أو ذبح الشاة أو بنى أو غرس أو نجر الخشبة بابا أو انهدمت الدار أو بعضها وزال اسمها أو أعادها ولو بآلتها القديمة: فرجوع: لا أن جحد الوصية أو أجر أو زوج أو زرع أو وطئ الأمة ولم تحمل أو خلطه بما يتميز منه أو لبس أو سكن الموصي به أو أوصى بثلث ماله فتلف المال أو باعه ثم ملك مالا أو انهدمت ولم يزل اسمها أو غسل الثوب وأن وصى له بقفيز من صبرة ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن ذلك رجوعا سواء خلطها بمثلها أو بخير منها أو دونها وأن زاد في الدار عمارة لم يستحق الموصى له العمارة وتكون للوارث لا المنهدم منها لأن الأنقاض منها وأن أوصى له بدار دخل فيها ما يدخل في البيع وأن علق الوصية على صفة بعد موته إذا كان يرتقب وقوعها كقوله أوصيت له بكذا إذا مر شهر بعد موتي أو لفلانة بكذا إذا وضعت بعد موتي صح وأن وصى لزيد ثم قال أن قدم عمرو فهو له فقدم في حياة الموصي فهو له عاد إلى الغيبة أو لم يعد(3/55)
وأن قدم بعد موته فلزيد وأن أوصى له بثلثه وقال أن مت قبلي أو رددته فلزيد ومات قبله أو رد فعلى ما شرط.(3/56)
فصل: وتخرج الواجبات التي على الميت من رأس المال
فصل: وتخرج الواجبات التي على الميت من رأس المال أوصى بها أو لم يوص كقضاء الدين والحج والزكاة فأن وصى معها بتبرع اعتبر الثلث من الباقي بعد إخراج الواجب كمن تكون تركته أربعين فيوصي بثلث ماله وعليه دين عشرة فتخرج العشرة أولا ويدفع إلى الموصى له عشرة وهي ثلث الباقي بعد الدين وأن لم يف ماله بالواجب الذي عليه تحاصوا والمخرج بذلك وصيه ثم وارثه ثم الحاكم وأن أخرجه من لا ولاية له من ماله أجزأ كما لو كان بأذن حاكم وأن قال أخرجوا الواجب من ثلثي أخرج من الثلث وتمم من رأس المال فأن كان معها وصية تبرع فأن فضل منه شيء فلصاحب التبرع وإلا بطلت الوصية.(3/56)
باب الموصى له
مدخل
...
باب الموصى له
تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وكافر معين ولو مرتدا أو حربيا ولو بدار حرب فلا تصح لغير المعين كاليهود والنصارى ونحوهم ولا لكافر بمصحف ولا بعبد مسلم ولا بسلاح ولا بحد قذف فلو كان العبد كافرا ثم أسلم قبل موت الموصي أو بعده قبل قبول بطلت وتصح للمكاتب ولو مكاتبه بجزء شائع أو معين فأن قال ضعوا عنه بعض كتابته أو بعض ما عليه وضعوا ما شاؤا فأن قال ضعوا عنه نجما فلهم أن يضعوا عنه أي نجم شاؤا أتفقت النجوم أو اختلفت وأن قال ضعوا عنه(3/56)
ما شاء فالكل إذا شاء وأن قال ضعوا عنه أي نجم شاء رجع إلى مشيئته وأن قال ضعوا عنه أكبر نجومه وضعوا أكثرها مالا وأن قال أكثرها بالمثلثة وضعوا عنه أكثر من نصفها فأن كانت النجوم خمسة وضعوا ثلاثة وأن كانت نجومه ستة وضعوا أربعة ولو أوصى له بأوسط نجومه وكانت النجوم شفعا متساوية القدر تعلق الوضع بالشفع المتوسط كالأربعة المتوسط منها الثاني والثالث: والستة المتوسط منها الثالث والرابع وأن كانت وترا متساوية القدر والأجل كخمسة تعين الثالث أو سبعة فالرابع وأن كانت مختلفة المقدار فبعضها مائة وبعضها مائتان وبعضها ثلاثمائة فأوسطها المائتان فيتعين وأن كانت متساوية القدر مختلفة الأجل مثل أن يكون اثنان إلى شهر واحد إلى شهرين وواحد إلى ثلاثة أشهر تعينت الوصية في الذي إلى شهرين وأن اتفقت هذه المعاني في واحد تعين وأن كان لها أوسط في القدر وأوسط في الأجل وأوسط في العدد يخالف بعضها بعضا رجع إلى قول الورثة مع أيمانهم لا يعلمون ما أراد الموصي منها وتصح الوصية لمدبره لكن لو ضاق الثلث عن المدبر وعن وصيته بدئ بنفسه فيقدم عتقه على وصيته وتصح لأم ولده كوصيته أن ثلث قريته وقف عليها ما دامت على ولدها فأن شرط عدم تزويجها فلم تتزوج وأخذت الوصية ثم تزوجت ردت ما أخذت من الوصية ولو دفع لزوجته مالا على ألا تتزوج بعد موته فتزوجت ردت المال إلى ورثته نصا وأن أعطته مالا على ألا يتزوج عليها رده إذا تزوج وإذا أوصى بعتق أمته على ألا تتزوج فمات فقالت(3/57)
لا أتزوج عتقت فأن تزوجت لم يبطل عتقها وتصح الوصية لعبد غيره ولو قلنا لا يملك ويعتبر قبوله فإذا قبل ولو بغير إذن سيده فهي لسيده ككسبه وأن قبل سيده دونه لم يصح وأن كان حرا وقت موت الموصي أو بعده قبل القبول ثم قبل فهي له دون سيده ووصيته لعبد وراثه كوصيته لوارثه ولعبد قاتله كقاتله وتصح لعبده بمشاع يتناوله فلو وصى له بربع ماله وقيمته مائة وله سواه ثمانمائة عتق وأخذ مائة وخمسة وعشرين وأن وصى له بنفسه أو برقبته عتق بقبوله أن خرج من ثلثه وإلا بقدره وأن وصى له بمعين لا يتناول شيئا منه كثوب ومائه لم يصح ولو وصى بعتق نسمة بألف فاعتقوا نسمة بخمسمائة لزمهم عتق أخرى بخمسمائة وأن قال أربعة بكذا جاز الفضل بينهم ما لم يسم ثمنا معلوما وتصح للحمل أن كان موجودا حال الوصية بأن تضعه حيا لأقل من ستة أشهر من حين الوصية فراشا لزوج أو سيد أو بائنا أو لأقل من أربع سنين أن لم تكن فراشا أو كانت فراشا لزوج أو سيد إلا أنه لا يطؤها لكونه غائبا في بلد بعيد أو مريضا مرضا يمنع الوطء أو كان أسيرا أو محبوسا أو علم الورثة أنه لم يطأها أو أقروا بذلك ويثبت الملك له من حين قبول الولي بعد موت الموصي وأن أنفصل ميتا بطلت الوصية ولو وصى لحمل امرأة من زوجها أو سيدها صحت الوصية له أن لحق به وأن كان منفيا بلعان أو دعوى الاستبراء فلا ولو وصى لحمل امرأة فولدت ذكرا أو أنثى تساويا فيها وأن فاضل بينهما فعلى ما قال وأن ولدت أحدهما منفردا فله وصيته ولو قال أن كان في بطنك ذكر فله كذا وإن(3/58)
كان فيه أنثى فكذا فكانا فيه فلهما ما شرط وأن كان خنثى ففي الكافي له ما للأنثى حتى يتبين أمره وأن ولدت ذكرين أو أنثيين فللذكرين ما للذكر وللأنثيين ما للأنثى وأن قال أن كان حملك أو ما في بطنك ذكرا فله كذا وأن كان أنثى فله كذا فولدت أحدهما منفردا فله وصيته وأن ولدت ذكرا وأنثى فلا شيء لهما لأن أحدهما ليس هو كل الحمل ولا كل ما في البطن1 وأن وصى لمن تحمل هذه المرأة لم تصح لأنه وصية لمعدوم وكذا المجهول كان يوصي بثلثه لأحد هذين أو قال لجاري أو قريبي فلان باسم مشترك ما لم تكن قرينة تدل على أنه أراد معينا من الجار والقريب فأن قال أعطوا أحدهما صح وللورثة الخيرة وأن قال عبدي غانم حر وله مائة وله عبدان بهذا الاسم عتق أحدهما بقرعة ولا شيء له.
__________
1 لأنه قصر الوصية على الحمل إذا كان واحد منهما. ولا تشتبه هذه بالتي سبقت في قوله: إن كان في بطنك إلخ لأن هذا تشقيق في الوصية لا قصر.(3/59)
فصل: وأن قتل الوصي2 الموصي ولو خطأ أو قتل مدبر سيده بطلت الوصية
فصل: وأن قتل الوصي2 الموصي ولو خطأ أو قتل مدبر سيده بطلت الوصية وأن أوصى لقاتله لم تصح وأن جرحه ثم أوصى له فمات من الجرح لم تبطل وكذا فعل مدبر بسيده وأن وصى لصنف من أصناف الزكاة أو لجميع الأصناف صح ويعطون بأجمعهم وينبغي أن يعطي كل صنف ثمن الوصية كما لو وصى لثمان قبائل ويكفي من كل صنف واحد ويستحب إعطاء من أمكن منهم وتقديم أقارب الموصي ولا يعطي إلا المستحق من أهل بلده ولا تجب التسوية ويعطي كل واحد منهم القدر الذي يعطاه من الزكاة وأن وصى للفقراء دخل فيه المساكين وكذا العكس إلا أن يذكر الصنفين جميعا ويستحب تعميم من أمكن منهم
__________
2 الوصي هو الموصى له.(3/59)
والدفع إليهم على قدر الحاجة والبداءة بأقارب الموصي كما تقدم وأن وصى لكتب القرآن أو العلم صح وتصح لمسجد وتصرف في مصالحه وأن وصى بشراء عين وأطلق أو بيع عبده وأطلق فالوصية باطلة فأن وصى ببيعه بشرط العتق صحت الوصية وبيع كذلك فأن لم يوجد من يشتريه كذلك بطلت وأن وصى ببيعه لرجل يعينه بثمن معلوم بيع به وأن لم يسم ثمنا بيع بقيمته فأن تعذر بيعه للرجل أو أبى أن يشتريه بالثمن أو بقيمته أن لم يعين الثمن بطلت الوصية وأن وصى في أبواب البر صرف في القرب كلها ويبدأ بالغزو وأن قال ضع ثلثي حيث أراك الله فله صرفه في أي جهة من جهات القرب والأفضل إلى فقراء أقاربه فأن لم يجد فإلى محارمه من الرضاع فأن لم يجد فإلى جيرانه ويأتي في باب الموصى إليه إذا قال ضع ثلثي حيث شئت وإذا قال يخدم عبدي فلانا سنة ثم هو حر صحت الوصية فأن لم يقبل الموصى له بالخدمة أو وهب له الخدمة لم يعتق إلا بعد السنة وإذا أوصى أن يشتري عبد زيد بخمسمائة فيعتق فلم يبعه سيده أو امتنع من بيعه بالخمسمائة أو تعذر شراؤه بموته أو لعجز الثلث عن ثمنه فالخمسمائة للورثة ولا يلزمهم شراء عبد آخر وأن اشتراه بأقل فالباقي للورثة وإذا أوصى أن يشتري عبد بألف فيعتق فلم يخرج من ثلثه اشترى عبد بالثلث ولا يشترط في صحة الوصية القربة - قال الشيخ: لو جعل الكفر أو الجهل شرطا في الاستحقاق لم تصح فلو وصى لأجهل الناس لم يصح - وأن وصى من لا حج عليه أن يحج عنه بألف صرفه من ثلثه مؤنة حجة بعد(3/60)
أخرى راكبا وراجلا يدفع لكل واحدا قدر ما يحج به حتى ينفد فلو لم يكف الألف أو البقية حج به من حيث يبلغ ولا يصح حج وصى بإخراجها لأنه منفذ فهو كقوله تصدق عني لم يأخذ منه ولا وارث ويجزي أن يحج عنه من الميقات وأن قال حجوا عني بألف ولم يقال واحدة لم يحج عنه إلا حجة واحدة وما فضل للورثة وأن قال حجة بألف دفع الألف إلى من يحج عنه فأن عينه أولا في الوصية فقال يحج عني فلان بألف فهو وصية له أن حج ولا يعطي إلا أيام الحج فأن أبى الحج وقال اصرفوا لي الفضل لم يعطه وبطلت الوصية في حقه ويحج عنه بأقل ما يمكن من النفقة والبقية للورثة وله تأخير لعذر ولو قال من عيه حج صرف1 الألف كما سبق وحسب من الثلث الفاضل عن نفقة المثل وأن قال حجوا على حجة ولم يذكر قدرا من المال دفع إلى من يحج قدر نفقة المثل فقط فأن تلف المال في الطريق فهو من مال الموصي وليس على النائب إتمام الحج ولو وصى بثلاث حجج إلى ثلاثة صح صرفها في عام واحد وأحرم النائب بالفرض أولا أن كان عليه فرض وكذا أن وصى لم يقل إلى ثلاثة والوصية بالصدقة أفضل من الوصية بحج التطوع وأن وصى لأهل سكتة او لقرابته أو لأهل بيته أو لجيرانه ونحوه لم يدخل من وجد بين الوصية والموت كمن وجد بعد الموت وأن أوصى بمال في كيس معين لم يتناول المتجدد فيه وأهل سكنه هم أهل دربه أي زقاقه ولجيرانه يتناول أربعين دارا من كل جانب ويقسم المال على عدد الدور
__________
1 يريد: قال من وجب الحج عليه حجوا عني بألف مثلا.(3/61)
وكل صحة دار تقسم على سكانها وجيران المسجد من يسمع النداء ولأقرب قرابته أو أقرب الناس إليه أو أقربهم به رحما لا يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب فأب وابن سواء وأخ من أبوين أولى من أخ لأب وكل من قدم قدم ولده إلا الجد فأنه يقدم على بني أخوته وأخاه لأبيه يقدم على ابن أخيه لأبويه والذكور والأناث فيها سواء وأخ وجد سواء ولا يدخل في القرابة من كان من جهة الأم وتقدم في الوقف ويقدم الابن على الجد والأب على ابن الابن والطفل من لم يميز وصبي وغلام ويافع ويتيم من لم يبلغ ولا يشمل اليتيم ولد الزنا ومراهق من قارب البلوغ وشاب وفتى منه إلى الثلاثين وكهل منها إلى خمسين وشيخ منها إلى سبعين ثم هرم وتقدم في الوقف.(3/62)
فصل: لاتصح الوصية لكنيسة ولالحصرها وقناديلها
...
فصل: ولا تصح الوصية لكنيسة ولا لحصرها وقناديلها ونحوه ولا بيت نار وبيعة وصومعة ودير1 ولا لإصلاحها وشغلها وخدمتها ولا لعمارتها ولا لكتب التوراة والإنجيل والزبور والصحف ولو من ذمي لأنها كتب منسوخة والاشتغال بها غير جائز وأن وصى ببناء بيت يسكنه المجتازون من أهل الذمة وأهل الحرب صح ولا لملك ولا لميت ولا لجني ولا لبهيمة أن قصد تمليكها وتصح لفرس حبيس ما لم يرد تمليكه وينفق الموصي به إليه فأن مات الفرس رد الموصي به أو باقيه على الورثة وأن شرد أو سرق ونحوه انتظر عوده وأن أيس منه رد إلى الورثة ولو وصى بشراء فرس للغزو بمعين ومائة نفقة له فاشترى بأقل منه فباقيه نفقة لا أرث وتصح لفرس زيد ولو لم يقبله ويصرفه
__________
1 بيت النار هو متعبد نوع من المجوس. والبيعة والصومعة والدير بكسر الدال هي أمكنة العبادة لليهود والنصارى.(3/62)
في علفه فأن مات فالباقي للورثة وأن وصى لحي وميت يعلم موته أو لم يعلم فللحي النصف ولو لم يقل بينهما وكذا أن وصى لحيين فمات أحدهما وأن وصى لوارثه وأجنبي بثلث ما له فأجاز سائر الورثة وصية الوارث فالثلث بينهما نصفين وأن وصى لكل واحد منهما بمعين قيمتها الثلث فأجاز سائر الورثة وصية الوارث جازت الوصيتان لهما وأن ردوا بطلت وصية الوارث وللأجنبي المعين له ولو وصى لهما بثلثي ماله فرد الورثة نصف الوصية وهو ما جاوز الثلث فللأجنبي السدس ولو ردوا نصيب الوارث وأجازوا للأجنبي فله الثلث كإجازتهم للوارث وأن ردوا وصية الوارث ونصف وصية الأجنبي فله السدس ولو وصى له ولجبريل أو له ولحائط بثلث ماله فله جميع الثلث ولو وصى له وللرسول صلى الله عليه وسلم بثلث ماله قسم بينهما نصفين: ويصرف ما للرسول صلى الله عليه وسلم في المصالح العامة ولو وصى له ولله أو له ولأخوته قسم نصفين ولو وصى لزيد وللفقراء بثلثه قسم بين زيد والفقراء نصفين نصفه له ونصفه للفقراء ولو كان زيد فقيرا لم يستحق من نصيب الفقراء شيئا وأن وصى به لزيد وللفقراء والمساكين فله تسع فقط والباقي لهما ولا يستحق معهم بالفقر والمسكنة ولو وصى بماله لابنيه وأجنبي فردا وصيته فله التسع ولو وصى بدفن كتب العلم لم تدفن ولو وصى بإحراق ثلث ماله صح وصرف في تجهيز الكعبة وتنوير المساجد ولو وصى بجعل ثلثه في التراب صرف في تكفين الموتى ويجعله في الماء صرف في عمل سفن(3/63)
الجهاد ولو وصى بكتب العلم لآخر صح ولا تدخل كتب الكلام لأنه ليس من العلم ولا تصح لكتبه ولا لكتب البدع المضلة والسحر والتعزيم والتنجيم ونحو ذلك وتصح بمصحف ليقرأ فيه ويوضع بجامع أو موضع حريز.(3/64)
باب الموصى به
مدخل
...
باب الموصى به
يعتبر فيه إمكانه فلا تصح بمدبرة ولا بمال الغير ولو ملكه بعد وتصح بما لا يقدر على تسليمه: وللوصي السعي في تحصيله كآبق وشارد وطير في هواء وحمل في بطن ولبن في ضرع وبمعدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته أبدا أو مدة معينة فأن حصل شيء فله وإلا بطلت ومثله بمائه لا يملكه فأن قدر عليها عند الموت أو على شيء منها وإلا بطلت وتصح بإناء ذهب وفضة وبزوجته الأمة1 وبما فيه نفع مباح من غير المال ككلب صيد وماشية وزرع وجرو لما يباح اقتناؤه منها ويأتي في الصيد وكزيت متنجس لغير مسجد وله ثلث الكلب والزيت أن لم تجز الورثة ولو كان له مال كثير وأن وصى لزيد بكلابه ولآخر بثلث ماله فللموصي له بالثلث ثلث المال وللموصي له بالكلاب ثلثها أن لم يجز الورثة ولو وصى بثلث ماله ولم يوص بالكلاب دفع إليه ثلث المال ولم تحتسب الكلاب على الورثة وتقسم بين الوارث والموصي له أو بين موصي لهما بها على عددها لأنه لا قيمة لها
__________
1 وعلى ذلك ينفسخ نكاحها.(3/64)
فأن تشاحوا في بعضها فينبغي أن يقرع بينهم ولا تصح بما لا يباح اتخاذه منها ولا بالخنزير ولا بشيء من السباع التي لا تصلح للصيد ولا بما لا نفع فيه مباح كالخمر والميتة ونحوها وتصح بمجهول ويعطى ما يقع عليه الاسم فأن اختلف الاسم بالحقيقة والعرق كالشاة هي في الحقيقة للذكر والأنثى من الضأن والماعز والهاء للوحدة وفي العرف للأنثى الكبيرة والبعير والثور هو في العرف للذكر الكبير وفي الحقيقة للذكر والأنثى من الضأن والمعز غلب العرف كالأيمان وصحح المنقح أنه تغلب الحقيقة: فيتناول الذكور والأناث والصغار والكبار فيعطى ما يقع عليه الاسم من ذكر وأنثى كبير وصغير وحصان وجمل وحمار وبغل وعبد: لذكر وأتان وناقة وبكرة وقلوص وحجر1 وبقرة: لأنثى وكبش للذكر الكبير من الضأن وتيس للذكر الكبير من المعز وفرس ورقيق لذكر وأنثى والدابة اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير فأن قرن به ما يصرفه إلى أحدها كقوله دابة يقاتل عليها انصرف إلى الخيل وأن قال دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال والذكر ولو قال عشرة من إبلي أو غنمي فللذكر والأنثى وأن أوصى له بعبد مجهول من عبيده صح ويعطيه الورثة ما شاؤا منهم فأن لم يكن له عبيد لم تصح الوصية أن لم يملك الموصي عبيدا قبل الموت فلو ملك قبله ولو واحدا أو كان واحد صحت وأن كان له عبيد فماتوا قبل موت الموصي بطلت ولو تلفوا بعد موته من غير تفريط فكذلك وأن ماتوا إلا واحدا
__________
1 الحجر بكسر الحاء انثى الخيل.(3/65)
تعينت الوصية فيه وأن قتلوا كلهم فله قيمة أحدهم وهو من يختار الورثة بذله للموصي له على قاتله ومثله شاة من غنمه ولو وصى أن يعطي مائة من أحد كيسي فلم يوجد فيهما شيء استحق مائة وأن وصى له بقوس وله أقواس قوس نشاب: وهو الفارسي وقوس نبل: وهو العربي وقوس بمجري: وهو الذي يوضع السهم في مجراه فيخرج من المجرى وجرخ أو بندق وهو قوس جلاهق1 أو ندف: فله قوس النشاب بغير وتر لأنه أظهرها فأن لم يكن له الأقوس واحد من هذه القسي تعينت الوصية فيه وأن كان في لفظه أو حاله قرينة تصرفه إلى أحدها انصرف إليه: مثل أن يقول قوس يندف به أو يتعيش به أو نحو ذلك فهذا يصرفه إلى قوس الندف وأن قال قوس يغزو به خرج قوس الندف والبندق وأن كان الموصى له ندافا لا عادة له بالرمي أو بندقانيا لا عادة له بالرمي عن سواه أو يرمي بقوس غيره ولا يرمي بسواه انصرفت الوصية إلى القوس الذي يستعمله عادة فأن كان له أقواس من النوع الذي استحق الوصي منها أعطى أحدها بقرعة وأن وصى له بطبل حرب صحت لا بطبل لهو ولا تصلح للحرب وقت الوصية وأن كان من جوهر نفيس ينتفع برضانه وكالذهب والفضة صحن نظرا إلى الانتفاع بجوهرهما دون جهة التحريم وأن كان له طبلان أحدهما مباح أو وصى له بكلب وله كلبان أحدهما مباح انصرفت الوصية إلى المباح وكذا الدف وتصح الوصية بالبوق
__________
1 الجرخ قوس رومي. والجلاهق بضم الجيم وكسر الهاء كلمة فارسية الأصل معناها الكبير.(3/66)
لمنفعته في الحرب وأن كان له طبول تصح الوصية بجميعها فله أحدها بالقرعة ولا تصح بمزمار وطنبور وعود لهو وكذا آلات اللهو كلها ولو لم يكن فيها أوتار وتنفذ الوصية فيما علم من ماله وما لم يعلم: فإذا أوصى بثلثه فاستحدث مالا ولو بنصب أحبولة قبل موته فيقع فيها صيد بعد موته دخل ثلثه في الوصية ويقضي منه دينه وأن قتل وأخذت ديته دخلت في الوصية فهي ميراث تحدث على مللك الميت فيقضي منها دينه ويجهز منها أن كان قبل تجهيزه ولو وصى بمعين بقدر نصف الدية حسبت الدية على الورثة من ثلثيه.(3/67)
فصل: وتصح الوصية بالمنفعة المفردة
فصل: وتصح الوصية بالمنفعة المفردة كخدمة عبد وغلة دار وثمرة بستان أو شجرة: سواء وصى بذلك مدة معلومة أو بجميع الثمرة والمنفعة في الزمان كله ولا يملك واحد من الموصى له والوارث إجبار الآخر على السقي: فأن أراد أحدهما سقيها بحيث لا يضر بصاحبه لم يملك الآخر منعه وأن يبست الشجرة فحطبها للوارث وأن لم يحمل في المدة المعينة فلا شيء للموصى له وأن قال لك ثمرتها أول عام تثمر صح وله ثمرتها ذلك العام وأن وصى له بلبن شاته وصوفها صح ويعتبر خروج ذلك من الثلث وإلا أجيز منها بقدر الثلث وإذا أريد تقويمها وكانت الوصية مقيدة بمدة قوم الموصي بمنفعة مسلوب المنفعة تلك المدة ثم تقوم المنفعة في تلك المدة فينظر كم قيمتها وأن كانت الوصية مطلقة في الزمان كله فأن كانت منفعة عبد ونحوه فتقوم الرقبة بمنفعتها: لأن عبدا لا منفعة له لا قيمة له وأن كانت المنفعة ثمرة بستان قومت الرقبة على الورثة والمنفعة على الوصي(3/67)
لأن الشجر ينتفع بحطبه إذا يبس فإذا قيل قيمة الشجر عشرة وبلا ثمرة درهم علمنا أن قيمة المنفعة تسعة ولو وصى بمنافع عبده أو أمته أبدا أو مدة معينة صح وللورثة عتقها لا عن كفارة ومنفعتها باقية للموصى له ولا يرجع على المعتق بشيء وأن أعتقه صاحب المنفعة لم يعتق فأن وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد أو أسقطها فللورثة الإنتفاع به لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده ولهم بيعها من الموصي له لأن المشتري قد يرجو الكمال بحصول منافعها له من جهة الوصي إما بهبة أو وصية أو مصالحة بمال: وقد يقصد تكميل المصلحة لمالك المنفعة بتمليكها له: وقد يعتقها فيكون له الولاء وأن جنت سلموها أو فدوها مسلوبة ويبقى انتفاع الوصية بحاله ولهم كتابتها وولاية تزويجها وليس لهم تزويجها إلا بإذن مالك المنفعة ويجب بطلبها والمهر في كل موضع وجب: للموصى له وأن وطئت بشبهة فالولد حر وللورثة قيمته عند الوضع على الواطئ وأن قتلها وارث أو غيره فلهم قيمتها وتبطل الوصية ويلزم القاتل قيمة المنفعة وللموصى له استخدامها حضرا وسفرا والمسافرة بها وإجارتها وإعارتها وليس لواحد منهما وطؤها فأن وطئها أحدهما أثم ولا حد عليه وولده حر فأن كان الواطئ صاحب المنفعة لم تصر أم ولد له وعليه قيمة ولدها يوم وضعه ولا مهر عليه وحكمها على ما ذكر فيما إذا وطئها أجنبي بشبهة وأن كان الواطئ مالك الرقبة صارت أم ولد له وعليه المهر وتجب عليه قيمة الولد يأخذ شركاؤه حصتهم منها وأن كان هو الوارث وحده سقطت عنه وأن ولدت من(3/68)
زوج أو زنا فالولد لمالك الرقبة لأنه جزء منها ونفقتها على مالك نفعها وكذلك سائر الحيوانات الموصى بمنفعتها ويعتبر خروج جميعها من الثلث فتقوم بمنفعتها وأن وصى لرجل برقبتها ولآخر بمنفعتها صح وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا ولو مات الموصى له بنفعها أو الموصى له برقبتها فلورثة كل واحد منهما ما كان له وأن وصى لرجل يجب زرعه ولآخر بتبنه صح والنفقة بينهما ويجبر الممتنع منهما وتكون النفقة على قدر قيمة حق كل واحد منهما وأن وصى له بخاتم ولآخر بفصه صح وليس لواحد منهما الانتفاع به إلا بإذن الآخر وأيهما طلب قلع الفص من الخاتم أجيب إليه وأجبر الآخر عليه وأن وصى له بمكاتبه صح ويكون كما لو اشتراه وأن وصى له بمال الكتابة أو بنجم منها صح وللموصى له الاستيفاء والإبراء ويعتق بأحدهما والولاء للسيد فأن عجز فأراد الوارث تعجيزه وأراد الموصى له أنظاره أو عكسه فالحكم للوارث - وتقدم في الباب قبله ذكر الوصية للمكاتب - وأن وصى برقبته لرجل وبما عليه لآخر صح: فأن أدى لصاحب المال أو أبرأه منه عتق وبطلت الوصية برقبته وأن عجز فسخ صاحب الرقبة كتابته وكان رقيقا له وبطلت وصية صاحب المال وأن كان قبض من مال الكتابة شيئا فهو له وأن كانت الكتابة فاسدة فأوصى لرجل بما في ذمة المكاتب لم يصح فأن قال أوصيت لك بما أقبضه من مال الكتابة صح وإذا قال اشتروا بثلثي رقابا فاعتقوهم لم يجز صرفه إلى المكاتبين.(3/69)
فصل: من أوصى له بشىْ معين فتلف قبل موت الموصى او بعده
...
فصل: ومن أوصى له بشيء معين فتلف قبل موت الموصى أو بعده
فصل: ومن أوصى له بشيء معين فتلف قبل موت الموصى أو بعده(3/69)
قبل القبول بطلت الوصية وأن تلف المال كله غيره بعد موت الموصي فهو للموصى له وأن لم يأخذه زمانا قوم وقت الموت لا وقت الأخذ وأن لم يكن له سوى المال المعين إلا مال غائب أو دين في ذمة موسر أو معسر فللموصي له ثلث الموصي به وكلما اقتضى من الدين شيء أو حضر من الغائب شيء ملك من الموصي به قدر ثلثه حتى يملكه كله وكذلك الحكم في المدبر وتعتبر قيمة الحاصل بسعر يوم الموت على أدنى صفته من يوم الموت إلى حين الحصول وأن وصى له بثلث عبد فاستحق ثلثاه فله ثلثه الباقي أن خرج من الثلث وإلا فله تسعه أن لم تجز الورثة ومثله لو وصى بثلث صبرة من مكيل أو موزون فتلف أو استحق ثلثاها وأن وصى له بثلث ثلاثة أعبد فاستحق اثنان أو ماتا فله ثلث الباقي وأن وصى له بعبد قيمته مائة ولآخر بثلث ماله وملكه غير العبد مائتان فأجاز الورثة فللموصى له بالثلث المائتين وربع العبد وللموصى له ثلاثة أرباعه1 وأن ردوا فللموصى له
__________
1 في هذه المسئلة وصية بمعين هو العبد وأخرى بمشاع: هو ثلث المال: وذلك المشاع يتناول حصة من العبد فينفرد صاحب المشاع بنصيبه من غير العبد ويشارك صاحب العبد فيه: ولا يسبق إلى الذهن أنه يأخذ الثلث من العبد ويترك للآخر الثلثين: لأن النقص يكون في هذه الحالة قد انحصر في وصية الثاني وهو جور وإنما يفرض العبد اجزاءا من جنس الكسر المشترك فيه أعني اثلاثا: ثم يضم إليها الثلث المفروض للشريك فيصير العبد أربعة أجزاء يأخذ صاحب العبد ثلاثة والثاني واحدا: وبذلك يكون النقص دخل على الاثنين بقدر حقهما.(3/70)
بالثلث سدس المائتين وسدس العبد وللموصى له بالعبد نصفه1 وأن كانت الوصية بالنصف مكان الثلث فأجازوا فلصاحب النصف مائة وثلث العبد ولصاحب العبد ثلثاه وفي الرد لصاحب النصف خمس المائتين وخمس العبد ولصاحب العبد خمساه والطريق فيهما أن تنسب الثلث إلى وصيتهما جميعا وهما في الأول مائتان وفي الثانية مائتان وخمسون ويعطي كل واحد مما له في الإجازة مثل تلك النسبة وأن وصى له بثلث ماله ولآخر بمائة ولثالث بتمام الثلث على المائة فلم يزيد الثلث على المائة بطلت وصية صاحب التمام وقسم الثلث بين الآخرين على قدر وصيتهما لكل واحد خمسون وأن زاد على المائة وأجاز الورثة نفذت الوصية على ما قال الموصى وأن ردوا فلكل واحد نصف وصيته وأن ترك ستمائة ووصى لأجنبي بمائة ولآخر بتمام الثلث فلكل واحد منهما مائة وأن رد الأول وصيته فللآخر مائة وأن وصى للأول بمائتين وللآخر بباقي الثلث فلا شيء للثاني سواء رد الأول وصيته أو قبلها وإذا أوصى لشخص بعبد ولآخر بتمام الثلث عليه فمات العبد قبل الموصي قومت التركة بدونه ثم ألقيت قيمته من ثلثها فما بقي فهو وصية التمام.
__________
1 وعلى ذلك يكون جميع ما نفذت فيه الوصية هو ثلث المال فحسب.(3/71)
باب الوصية بالانصباء والأجزاء
مدخل
...
باب الوصية بالإنصياء والأجزاء
إذا أوصى له بمثل نصيب وارث معين أو بنصيبه فله مثل نصيبه مضموما(3/71)
إلى المسألة فإذا أوصى بمثل نصيب ابنه أو بنصيب ابنه وله ابنان فله الثلث وأن كانوا ثلاثة فله الربع فأن كان معهم بنت فله تسعان وبمثل نصيب ولده وله ابن وبنت فله مثل نصيب البنت وبضعف نصيب ابنه فله مثله مرتين وبضعفيه ثلاثة أمثاله بثلاثة أضعافه أربعة أمثاله وهلم جرا وأن وصى بمثل نصيب من لا نصيب له كمن يوصى بنصيب ابنه وهو لا يرث لرقه أو لكونه مخالفا لدينه أو بنصيب أخيه وهو محجوب عن ميراثه فلا شيء للموصى له وأن وصى بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمه أو بمثل نصيب أقلهم ميراثا كان له مثل ما لأقلهم ميراثا فلو كانوا ابنا وأربع زوجات صحت من اثنين وثلاثين لكل امرأة سهم وللموصى له سهم يزاد عليها فتصير من ثلاثة وثلاثين وأن قال بمثل نصيب أكثرهم ميراثا فله ذلك مضافا إلى المسألة فيكون له في هذه المسألة ثمانية وعشرون تضم إلى المسألة فتكون ستين سهما وأن وصى بمثل نصيب وارث أو كان: فله مثل ماله لو كانت الوصية وهو موجود فأن خلف ابنين ووصى بمثل نصيب ثالث لو كان فللموصى له الربع وأن خلف ثلاثة بنين فله الخمس وأن كانوا أربعة فله السدس ولو كانوا أربعة وأوصى بمثل نصيب أحدهم: إلا مثل نصيب ابن خامس لو كان فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية فيكون له سهم يزاد على ثلاثين سهما فتصح من اثنين وستين سهما له منها سهمان ولكل ابن خمسة عشر وأن قال بمثل نصيب خامس لو كان: إلا مثل نصيب سادس لو كان فقد أوصى له بالسدس إلا السبع وهو سهم من اثنين وأربعين(3/72)
فيزاد السهم على الاثنين وأربعين تصح من ستة وثمانين للموصى له سهمان ولكل ابن أحد وعشرون وأن خلفت زوجا وأختا وأوصت بمثل نصيب أم لو كانت فللموصى له الخمس لأن للام الربع لو كانت فيجعل له سهم مضافا إلى أربعة يكون خمسا وأن خلف بنتا فقط ووصى بمثل نصيبها فللموصى له النصف كما لو وصى بمثل نصيب ابن ليس له غيره وأن خلف ثلاثة بنين ووصى لثلاثة بمثل أنصبائهم فالمال بينهم على ستة أن أجازوا ومن تسعة أن ردوا.(3/73)
فصل: في الوصية بالأجزاء
فصل: في الوصية بالأجزاء وأن وصى له بجزء أو حظ أو قسط أو نصيب أو شيء أعطاه الوارث ما شاء مما يتمول وأن وصى له بسهم من ماله فله سدس بمنزلة سدس مفروض فأن لم تكمل فروض المسألة أو كانوا عصبة أعطي سدسا كاملا وأن كملت فروضها أعيلت به: كزوج وأخت لأبوين أو لأب وأعطي السبع وأن كانت عائلة كأن كان معها جدة زاد عولها به فيعطى الثمن وأن وصى له بجزء معلوم كثلث أو ربع أخذته من مخرجه فدفعته إليه وقسمت الباقي على مسألة الورثة إلا أن يزيد على الثلث ولا يجيزوا له فتفرض له الثلث وتقسم الثلثين عليهما فأن لم ينقسم ضربت المسألة أو وفقها في مخرج الوصية فما بلغ فمنه تصح وأن وصى بجزأين أو أكثر أخذتها من مخرجها وقسمت الباقي على المسألة فأن زادت على الثلث وردوا جعلت السهام الحاصلة للأوصياء ثلث المال وقسمت الثلثين على الورثة فلو وصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربعه وخلف ابنين أخذت الثلث والربع من(3/73)
مخرجهما سبعة من اثني عشر يبقى خمسة للابنين أن أجازا: تصح من أربعة وعشرين وأن ردا جعلت السبعة ثلث المال فتكون من أحد وعشرين: الوصيين الثلث سبعة لصاحب الثلث أربعة ولصاحب الربع ثلاثة: ولكل واحد من الابنين سبعة وأن أجازا لأحدهما دون الآخر أو أجاز أحدهما لهما دون الآخر أو أجاز كل واحد من الابنين لواحد فاضرب وفق مسألة الإجازة وهو ثمانية في مسألة الرد وهي أحد وعشرون تكن مائة وثمانية وستين للذي أجيز له سهمه من مسألة الإجازة مضروبة في وفق مسألة الرد وللمردود عليه سهمه من مسألة الرد مضروبا في وفق مسألة الإجازة والباقي للورثة وللذي كان أجاز لهما سهمه من مسألة الإجازة في وفق مسألة الرد وللآخر سهمه من مسألة الرد في مسألة الإجازة والباقي بين الوصيين على سبعة.(3/74)
فصل: وأن زادت الوصايا على المال
فصل: وأن زادت الوصايا على المال عملت فيها عملك في مسائل العول فإذا وصى بنصف وثلث وربع وسدس أخذتها من أثنى عشر وعالت إلى خمسة عشرة فيقسم المال كذلك أن أجيز لهم أو الثلث أن رد عليهم وأن أوصى لرجل بجميع ماله ولآخر بنصفه وله ابنان فالمال بين الوصيين على ثلاثة أن أجيز لهما والثلث على ثلاثة مع الرد فأن أجيز لصاحب المال وحده فلصاحب النصف التسع والباقي لصاحب المال وأن أجازا لصاحب النصف وحده فله النصف ولصاحب المال تسعان وأن أجاز أحدهما لهما قسمه بينهما على ثلاثة(3/74)
وأن أجاز لصاحب المال وحده دفع إليه كل ما في يده وأن أجاز لصاحب النصف وحده دفع إليه نصف ما في يده ونصف سدسه.(3/75)
فصل: في الجمع بين الوصية بالاجزاء والانصباء
...
فصل في الجمع بين الوصية بالأجزاء والإنصياء
إذا خلف ابنين ووصى لزيد بثلث ماله ولعمرو بمثل نصيب أحد ابنيه فلكل منهما الثلث مع الإجازة والسدس مع الرد والابنان بالعكس وأن كان الجزء الموصى به لزيد النصف وأجازا فهو له ولعمرو الثلث ويبقى سدس بين الابنين وتصح من أثنى عشر وأن ردا فمن خمسة عشر لزيد ثلاثة ولعمرو اثنان وأن كان الموصي به لزيد الثلثين صحت مع الإجازة من ثلاثة لزيد سهمان ولعمرو سهم مع الرد يقسم الثلث بينهما على ثلاثة وتصح من تسعة وأن وصى لرجل بمثل نصيب أحدهما ولآخر بثلث باقي المال فلصاحب النصيب ثلث المال وللآخر ثلث الباقي تسعان مع الإجازة ومع الرد الثلث على خمسة والباقي للورثة وأن كانت وصية الثاني بثلث ما يبقى من النصف فمن ثمانية عشر لصاحب النصيب الثلث ستة وللآخر ثلث ما بقي من النصف سهم يبقى أحد عشر للابنين وتصح من ستة وثلاثين لصاحب النصيب اثنا عشر وللآخر سهمان ولكل ابن أحد عشر أن أجاز إليهما ومع الرد الثلث على سبعة وتصح من أحد وعشرين للأول ستة وللآخر سهم ولكل ابن سبعة وأن خلف أربعة بنين ووصى لزيد بثلث ماله إلا مثل نصيب أحدهم فأعط زيدا وابنا الثلث والثلاثة الثلثين لكل ابن تسعان ولزيد تسع ولو وصى لزيد بمثل(3/75)
نصيب أحدهم إلا سدس جميع المال ولعمرو بثلث باقي الثلث بعد النصيب صحت من أربعة وثمانين لكل ابن تسعة عشر ولزيد خمسة ولعمرو ثلاثة وأن خلف أما وبنتا وأختا وأوصى بمثل نصيب الأم وسبع ما بقي ولآخر بمثل نصيب الأخت وربع ما بقي ولآخر بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي: فمسألة الورثة من ستة تعطي الموصى له بمثل نصيب البنت ثلاثة وثلث ما بقي من الستة سهم وللموصى له بمثل نصيب الأخت سهمان وربع ما بقي سهم وللموصى له بمثل نصيب الأم سهم وسبع ما بقي خمسة أسباع سهم فيكون مجموع الموصى به لهم ثمانية أسهم وخمسة أسباع سهم يضاف إلى مسألة الورثة وهي ستة يكن أربعة عشر سهما خمسة أسباع تضرب في سبعة ليخرج الكسر صحيحا يكن مائة وثلاثة فمن له شيء من أربعة عشر سهما وخمسة أسباع مضروب في سبعة فللبنت أحد وعشرون وللأخت أربعة عشر وللأم سبعة وللموصى له بمثل نصيب البنت وثلث ما بقي ثمانية وعشرون وللموصى له بمثل نصيب الأخت وربع ما بقي أحد وعشرون وللموصى له بمثل نصيب الأم وسبع ما بقي اثنا عشر وهكذا تفعل بكل ما ورد عليك من هذا الباب وإذا خلف ثلاثة بنين وأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا ربع المال فخذ مخرج الكسر أربعة وزد عليه ربعه يكن خمسة فهو نصيب كل ابن وزد على عدد البنين واحدا وأضربه في مخرج الكسر يكن ستة عشر: أعط الموصى له نصيبا وهو خمسة واستثن ربع المال أربعة يبقى له سهم: ولكل(3/76)
ابن خمسة وأن شئت خصصت كل ابن بربع وقسمت الربع الباقي بينهم وبينه على أربعة وأن قال إلا ربع الباقي بعد النصيب فزد على سهام البنين سهما وربعا وأضربه في أربعة يكن سبعة عشر للموصى له سهمان ولكل ابن خمسة وبالجبر تأخذ مالا وتدفع منه نصيبا إلى الوصي واستثن منه ربع الباقي وهو ربع مال إلا ربع نصيب صار معك مال وربع إلا نصيبا وربعا يعدل انصباء البنين وهو ثلاثة: أجبر وقابل يخرج النصيب خمسة والمال سبعة عشر وأن قال إلا ربع الباقي بعد الوصية فأجعل المخرج ثلاثة وزد عليه واحدا يكن أربعة فهي النصيب وزد على سهام البنين سهما وثلثا وأضربه في ثلاثة تكن ثلاثة عشر سهما له سهم ولكل ابن أربعة.(3/77)
باب الموصى اليه
مدخل
...
باب الموصى إليه
وهو المأمور بتصرف بعد الموت
الدخول في الوصية للقوى عليها قربة وتركه أولى في هذه الأزمنة وتصح وصية المسلم إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل ولو مستورا أو أعمى أو امرأة أو أم ولد أو عدو الطفل الموصى عليه ولو عاجزا ويضم إليه قوى أمين معاون ولا تزال يده عن المال ولا نظره وهكذا أن كان قويا فحدث فيه ضعف والأول هو الوصي دون الثاني وتصح إلى رقيقه ورقيق غيره ولا يقبل إلا بإذن سيده ويعتبر وجود هذه الصفات عند الوصية إليه وعند موت الموصي فأن تغيرت بعد الوصية ثم عادت قبل الموت عاد(3/77)
إلى عمله وأن زالت بعد الموت أو بعد الوصية ولم تعد قبل الموت أنعزل ولم تعد وصيته إلا بعقد جديد وينعقد الإيصاء بقول الموصي فوضت أو وصيت إليك أو إلى زيد بكذا أو أنت أو هو جعلته أو جعلتك وصي ولا تصح إلى فاسق ولا صبي ولو مراهقا ولا إلى المجنون ولا إلى كافر من مسلم ولا إلى سفيه ولا نظر لحاكم مع وصي خالص إذا كان كفئا في ذلك وتصح وصية المنتظر بأن يجعله وصيا بعد بلوغه أو بعد حضوره من غيبته ونحوها وأن مات فلان ففلان وصي أو هو وصي سنة ثم فلان بعدها فإذا قال أوصيت إليك فإذا بلغ ابني فهو وصي صح فإذا بلغ ابنه صار وصيه ومثله أوصيت إليك فإذا تاب ابني من فسقه أو صح من مرضه أو اشتغل بالعلم أو صالح أمه أو رشد فهو وصي صحت ويصير وصيا عنه بوجود الشرط وإذا وصى إلى واد وبعده إلى آخر فهما وصيان كما لو أوصى إليهما جميعا في حالة واحدة إلا أن يقول قد أخرجت الأول: وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعله الموصي لكل منهما أو يجعله لأحدهما فيصح تصرفه منفردا: وإذا تصرفا فالظاهر أن المراد صدوره عن رأيهما ثم لا فرق بين أن يباشر أحدهما أو الغير بإذنهما ولا يشترط توكيلهما وأن مات أحدهما أو جن أو غاب أو وجد منه ما يوجب عزله ولم يكن الموصي جعل لكل منهما الانفراد بالتصرف أقام الحاكم مقامه أمينا وأن أراد الحاكم أن يكتفي بالباقي منهما لم يجز له فأن جعل الموصي لكل منهما الانفراد بالتصرف أو جعله لأحدهما صح تصرفه منفردا: فأن مات أحدهما والحالة هذه أو خرج عن أهلية(3/78)
التصرف لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه واكتفى بالباقي إلا أن يعجز عن التصرف وحده ولو حدث عجز لضعف أو كثرة عمل ونحوه ولم يكن لكل واحد منهما التصرف منفردا ضم أمين وإذا اختلف الوصيان عند من يجعل المال منهما لم يجعل عند واحد منهما ولم يقسم بينهما وجعل في مكان تحت أيديهما وأن نصب وصيا ونصب عليه ناظرا يرجع الوصي إلى رأيه ولا يتصرف إلا بإذنه جاز وأن فسق الوصي أنعزل وأقام الحاكم مقامه أمينا ويصح قبول الإيصاء إليه في حياة الموصي وبعد موته: فمتى قبل صار وصيا وله عزل نفسه متى شاء مع القدرة والعجز في حياة الموصي وبعد موته وحضوره وغيبته وللموصي عزله متى شاء وليس للوصي وبعد موته وحضوره وغيبته وللموصي عزله متى شاء للوصي أن يوصي أن لم يجعل إليه ذلك: نحو أن يقول أذنت لك أن توصي إلى من شئت أو كل من أوصيت إليه فقد أوصيت إليه أو فهو وصي ويجوز أن يجعل للوصي جعلا ومقاسمة الوصي الموصي له جائزة على الورثة لأنه نائب عنهم ومقاسمته للورثة على الموصي له لا تجوز.(3/79)
فصل: ولا تصح الوصية إلا في معلوم
فصل: ولا تصح الوصية إلا في معلوم يملك الموصي فعله كقضاء الدين وتفريق الوصية والنظر في أمر غير مكلف ورد الودائع واستردادها ورد غصب وإمام بخلافة وحد وقذف فهو يستوفيه لنفسه لا للموصي إليه لأنه لا يملك ذلك فملكه وصية ويصح الإيصاء بتزويج مولاته ولو كانت صغيرة وله إجبارها كالأب - ويأتي في باب أركان النكاح - ولا يقضى الدين إلا ببينة غير ما يأتي فأما النظر(3/79)
على ورثته في أموالهم: فأن كان ذا ولاية عليهم كأولاده الصغار والمجانين ومن لم يؤنس رشده فله أن يوصي إلى من ينظر في أموالهم يحفظها ويتصرف لهم فيها بما لهم الحظ فيه ومن لا ولاية له عليهم كالعقلاء الراشدين وغير أولاده: من الأخوة أو الأعمام وأولاد ابنه وسائر من عدا أولاده لصلبه فلا تصح عليهم ولا من المرأة على أولادها ولا باستيفاء دينه مع بلوغ الوارث ورشده ولو مع غيبته وإذا أوصى إليه في شيء لم يصر وصيا في غيره: مثل أن يوصى إليه بتفريق ثلثه دون غيره أو بقضاء ديونه أو بالنظر في أمر أطفاله وأن جعل لكل واحدة من هذه الخصال وصيا جاز ويتصرف كل واحد منهم فيما جعل إليه وإذا أوصى إليه بتفرقة ثلثه وقضاء دينه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم أو جحدوا ما في أيديهم وأبوا قضاء الدين أو جحدوه وتعذر ثبوتهما قضي الدين باطنا1 وأخرج بقية الثلث مما في يده أن لم يخف تبعة ويبرأ مدين باطنا بقضاء دين يعلمه على الميت ولو ظهر دين يستغرق التركة أو جهله موصي له فتصدق بجميع الثلث هو أو حاكم ثم ثبت ذلك لم يضمن ولو أقام الذي له الحق بينة شهدت بحقه لم يشترط الحاكم بل تكفي الشهادة عند الموصي والأحوط عند الحاكم وتصح وصية كافر إلى مسلم أن لم تكن تركته خمرا أو خنزيرا ونحوهما وإلى من كان عدلا في دينه وإذا قال ضع ثلثي حيث شئت أو أعطه أو تصدق به على من شئت لم يجز له أخذه ولا دفعه إلى أقاربه
__________
1 يريد: قضى الموصى الدين من غير علم الورثة.(3/80)
الوارثين ولو كانوا فقراء ولا إلى ورثة الموصي ومن أوصى إليه بحفر بئر بطريق مكة أو في السبيل فقال لا أقدر فقال الموصي أفعل ما ترى لم يجز حفرها بدار قوم لا بئر لهم لما فيه من تخصيصهم ولو أمره ببناء مسجد فلم يجد عرصة لم يجز شواء عرصة يزيدها في مسجد صغير ولو قال يدفع هذا إلى يتامى بني فلان فإقرار بقرينة وإلا فهو وصية وأن دعت حاجة إلى بيع بعض العقار لقضاء دين مستغرق أو لحاجة صغار وفي بيع بعضه ضرر: مثل أن ينقص الثمن على الصغار باع الوصي على الصغار وعلى الكبار أن أبوا البيع أو كانوا غائبين وأن كان شريكهم غير وارث لم يبع عليه ولو كان الكل كبارا وعلى الميت دين أو وصية تستغرق: باعه الموصي إليه إذا أبوا بيعه وكذا لو أمتنع البعض والحكم لا يتقيد بالعقار بل يثبت فيما عداه إلا الفروج نص عليه - قال الحارثي وأن مات إنسان لا وصى له ولا حاكم ببلده أو مات ببرية ونحوها جاز لمسلم ممن حضره أن يجوز تركته وأن يتولى أمره ويفعل الأصلح فيها من بيع وغيره ولو كان في التركة ماء - وقال أحمد: أحب إلى أن يتولى بيعهن حاكم ويكفنه منها أن كانت وأمكن وإلا فمن عنده ويرجع عليها أو على من يلزمه كفنه أن نواه مطلقا أو استأذن حاكما ما لم ينو التبرع.(3/81)
كتاب الفرائض
*
مدخل
...
كتاب الفرائض
وهي العلم بقسمة المواريث وموضوعه التركات لا العدد والفريضة نصيب مقدر شرعا لمستحقه وإذا مات بدئ من تركته(3/81)
بكفنه وحنوطه ومؤنة تجهيزه ودفنه بالمعروف من صلب ماله سواء كان تعلق به حق رهن أو أرش جناية أو لم يكن وما بقي بعد ذلك يقضي منه ديونه سواء كانت لله زكاة المال والفطر والكفارات والحج الواجب أو لآدمي كالديون والعقل وأرش الجنايات والغصوب وقيم المتلفات وغير ذلك وما بقي بعد ذلك تنفذ وصاياه من ثلثه إلا أن يجيزها الورثة فتنفذ من جميع الباقي ثم يقسم ما بقي بعد ذلك على ورثته وأسباب التوارث ثلاثة فقط: رحم وهو القرابة: ونكاح وهو عقد الزوجية الصحيح فلا ميراث في النكاح الفاسد: وولاء عتق
وموانعة ثلاثة: والرق: واختلاف الدين وتأتي في أبوابها والنبي صلى الله عليه وسلم لم يورث وكانت تركته صدقة والمجمع على توريثهم من الذكور عشرة الابن وابنه وأن نزل والأب وأبوه وأن علا والأخ من كل جهة وابن الأخ إلا من الأم والعم وابنه كذلك والزوج ومولى النعمة ومن الإناث سبع البنت وبنت الابن وان سفل أبوها والأم والجدة والأخت من كل جهة والزوجة ومولاة النعمة: والوارث ثلاثة: ذو فرض وعصبات ورحم والفروض ستة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس وأصحابها عشرة: الزوجان والأبوان والجد والجدة والبنت وبنت الابن والأخت ومن كل جهة والأخ لأم فللزوج الربع أن كان لها ولد أو ولد ابن والنصف مع عدمهما ولزوجه فأكثر الثمن أن كان له ولد أو ولد ابن والربع مع عدمها وولد البنت لا يحجب الزوج من النصف إلى الربع ولا الزوجة من(3/82)
الربع إلى الثمن ويأتي في باب ذوي الأرحام ويرث أب وجد مثله أن عدم الأب مع ذكورية ولد أو ولد ابن المفرض سدسا وبفرض وتعصيب مع أنوثيتهما: فيأخذ السدس فرضا ثم ما بقي أن بقي شيء بالتعصيب وبالتعصيب مع عدمهما.(3/83)
فصل: في احكام الجد مع الأخوة
...
فصل: والجد لأب وأن علا مع الأخوة والأخوات لأبوين أو لأب: يقاسمهم كأخ منهم ما لم يكن الثلث خيرا له فيأخذه والباقي لهم فأن كان معهم ذو فرض أخذ فرضه: ثم للجد إلا حظ من المقاسمة كأخ وثلث الباقي وسدس جميع المال ولو عائلا: كزوج وبنتين وأم وجد فتعطيه سهمين من خمسة عشر فأن لم يفضل عن الفرض إلا السدس فهو له وسقط الأخوة: كأم وبنتين وجد وأخت أو أخ: فللأم السدس واحد وللبنتين الثلثان والسدس للجد وتسقط الأخوة: إلا في الاكدرية وهي زوج وأم وأخت وجد فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف ثم يقسم نصف الأخت وسدس الجد بينهما على ثلاثة فأضربها في المسألة وعولها تكن سبعة وعشرين: للزوج تسعة مع الأخوة غيرها ولا يفرض لأخت معه ابتداء إلا فيها فأن كان مكان الأخت أخ سقط لأنه عصبة في نفسه وصحت من ستة وأن كان مع الأخت أخت أخرى أو أخ أو أكثر انحجبت الأم إلى السدس وبقي السدس لهما ولا عول وأن لم يكن مع الأخت إلا أخ لأم لم يرث وانحجبت الأم إلى السدس وأن لم يكن في الاكدرية(3/83)
زوج فللأم الثلث وما بقي بين الجد والأخت على ثلاثة فتصح من تسعة وتسمى الخرقي لكثرة اختلاف الصحابة فيها وتسمى المسبعة والمسدسة والمخمسة والمربعة والمثلثة والعثمانية والشعبية والحجاجية وولد الأب كولد الأبوين في مقاسمة الجد إذا انفردوا فأن اجتمعوا: عاد ولد الأبوين الجد بولد الأب ثم أخذوا منهم ما حصل لهم إلا أن يكون ولد الأبوين أختا واحدة فتأخذ تمام النصف وما فضل لولد الأب ولا يتفق هذا في مسألة فيها فرض غير السدس فجد وأخت لأبوين وأخت لأب من أربعة: له سهمان ولكل أخت سهم ثم ترجع الأخت لأبوين فتأخذ ما في يد أختها كله وأن كان معهم أخ من أب فللجد الثلث وللأخت النصف يبقى للأخ وأختيه السدس على ثلاثة تصح من ثمانية عشر وأن كان معهم أم فلها السدس وللجد ثلث الباقي وللأخت النصف والباقي لولدي الأب: تصح من أربعة وخمسين وتسمى مختصرة زيد فأن كان معهم أخ آخر من أب صحت من تسعين وتسمى تسعينية زيد فأن اجتمع مع الجد أختان لأبوين وأخت لأب فمن خمسة: للجد سهمان وللأختين لأبوين سهمان وهما ناقصان عن الثلثين فيستردان ما في يد الأخت للأب وهو سهم فلا تكمل الثلثان فيقتصر على استرداد ذلك وتصح من عشرة.(3/84)
الملقبات من مسائل الأرث
من الملقبات: اليتيمتان: زوج وأخت لأبوين أو لأب والمباهلة زوج وأم وأخت لأبوين أو لأب والغراء والمروانية: زوج وولد أم وأختان وأم الأرامل: ثلاث زوجات وجدتان وأربع أخوات لأم(3/84)
وثمان لأبوين أو لأب وعشرية زيد: جد وأخت لأبوين وأخ لأب ومربعة الجماعة: زوجة وأخت وجد والدينارية والركابية: زوجة وأم وبنتان واثنا عشر أخا وأخت والمأمونية: أبوان وابنتان ماتت بنت قبل القسمة وتأتي آخر المناسخات ومسألة الامتحان: أربع زوجات وخمس جدات وسبع بنات وتسعة أخوة والمذهب لا يرث أكثر من ثلاث جدات ومسألة الإلزام: زوج وأم وأخوان لأم وتأتي العمريتان والمشركة: وهي الحمارية: وأم الفروخ وهي الشريحية والمنبرية وهي البخيلة.(3/85)
فصل في احوال الأم
فصل: وللأم أربعة أحوال فمع الولد أو ولد الابن أو اثنين ولو محجوبين من الأخوة والأخوات كاملي الحرية: لها سدس ومع عدمهم ثلث وفي أبوين وزوج أو زوجة: وهما العمريتان: لها ثلث الباقي بعد فرضيهما والربع إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنا أو أدعته والحق بها أو منفيا بلعان فأنه ينقطع تعصيبه ممن نفاه ونحوه فلا يرثه هو ولا أحد من عصبته ولو بأخوة من أب إذا ولدت توأمين1 فلا يرث الأخ من الأب ولا يحجب لأنه لا نسب له وترثه أمه وذو فرض منه فرضه وعصبته أمه في إرث فقط كقولنا في الأخوات مع البنات عصبة
__________
1 يريد بالتوامين هنا ولدي الزنا ومغزى كلامه تقرير أن مولد الزنا لا يثبت له نسب من جهة الأبوة وذلك مصداق الحديث "الولد للفراش وللعاهر الحجر" وعلى ذلك فلا عصبة له من جهة الأبوة حتى ولا مع توامه، وإنما ترثه أمه وكذا توأمه – باعتبار الإخاء من الأم لا من الأب ويرثه بعد هذين عصبة أمه فإنهم عصبته حيث انحصر نسبه في ناحية الأمومة كما صرح به المصنف.(3/85)
فلا يعقلون عنه ولا يثبت لهم ولاية التزويج ولا غيره أن لم يكن له ابن ولا ابن ابن وأن نزل ويكون الميراث لأقربهم منها فأن خلف أمه وأباها وأخاها فلها الثلث والباقي لأبيها1 وأن كان مكان الأب جد فالباقي بين أخيها وجدها نصفين وأن خلف أما وخالا2 فلها الثلث والباقي للخال وأن كان معهما أخ لأم فله السدس فرضا والباقي تعصيبا ويسقط الخال ويرث أخوه مع بنته بالعصوبة فقط لا أخته لأمه3 فإذا خلف بنتا وأخا وأختا: لأم فلبنته النصف والباقي للأب4 وبدون البنت لهما الثلث فرضا والباقي للأخ وإذا قسم ميراث ابن الملاعنة ثم أكذب الملاعن نفسه لحقه الولد ونقضت القسمة وإذا مات ابن ابن ملاعنة وخلف أمه وجدته أم أبيه وهي الملاعنة: فالكل لأمه فرضا وردا وينقطع التوارث بين الزوجين إذا تم اللعان وأن مات أحدهما قبل إتمامه ورثه الآخر.
__________
1 لأن الأب أقرب عاصب إلى الأم. والحديث يقول: الحقوا الفرائض بأهلها فما بقى فهو لأولى رجل ذكر.
2 يريد بالخال هنا أخا الأم لغير أمها حتى يكون عاصبا يستحق ما بقي بعد فرضها.
3 لأنها محجوبة بالبنت.
4 الأظهر عندي أن يقال والباقي للأخ للأم [لأنه اقرب عاصب للام] حيث لا ذكر للأب بل ولا أب له كما تقرر.(3/86)
فصل في نصيب الجدة والجدات
فصل: ولجدة فأكثر إذا تحاذين: السدس والقربى ولو من جهة الأب تحجب البعدى ولا يرث أكثر من ثلاث جدات أم الأم(3/86)
وأم الأب وأم الجد ومن كان من أمهاتهن وأن علون أمومة والجدات المتحاذيات: أم أم أم وأم أم أب وترث الجدة وأم الجد وابنهما حي سواء كان أبا أو جدا كما لو كان عما وأن اجتمعت ذات قرابتين مع أخرى فلها ثلثا السدس فلو تزوج بنت عمته1 فجدبة أم أم أم ولدهما وأم أبي أبيه أو بنت خالته: فجدته أم أم أم وأم أم أب وقد تدلى جدة بثلاث جهات ترث بها فينحصر السدس فيها أما أم أبي الأم وأم أبي الجد فلا ترثان بأنفسهما فرضا لأنهما من ذوي الأرحام وتقدم لو أدعى اللقيط رجلان فألحقه القافة بهما فهما أبواه: لأبيهما إذا مات2 مع أم أم نصف السدس ولها نصفه.
__________
1 توضيح ذلك أنك تتزوج بنت عمتك فتأتي منها بولد فجدتك [وهي أم أبيك وعمتك تعتبر أم أم أم للولد أعني جدة لزوجتك. وهي بعينها أم أبي أبي الولد أعني أنها أم أبيك أنت. وبذلك تكون جدتك هذه أدلت إلى الولد من جهة ابنتها التي هي أم زوجتك ومن جهة أبنها الذي هو أبوك: فتفطن لذلك وقسن عليه أمثاله.
2 مراده إذا مات الرجلان اللذان الحق الولد بهما وترك كل منهما أباه ثم مات الولد اللقيط فإن هذين الأبوين يشتر كان في نصف السدس.(3/87)
فصل في نصيب البنت والبنات
فصل: وللبنت الواحدة النصف ولابنتين فصاعدا الثلثان وبنات الابن إذا لم تكن بنات بمنزلتهن فان كانت بنت وبنت ابن فأكثر فللبنت النصف ولبنت الابن فصاعدا السدس تكملة الثلثين إلا أن يكون مع بنات الابن ابن في درجتهن كأخيهن أو ابن عمهن فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين وأن استكمل البنات الثلثين سقط بنات
__________
1 توضيح ذلك أنك تتزوج بنت عمتك فتأتي منها بولد فجدتك [وهي أم أبيك وعمتك تعتبر أم أم أم للولد أعني جدة لزوجتك. وهي بعينها أم أبي أبي الولد أعني أنها أم أبيك أنت. وبذلك تكون جدتك هذه أدلت إلى الولد من جهة ابنتها التي هي أم زوجتك ومن جهة أبنها الذي هو أبوك: فتفطن لذلك وقسن عليه أمثاله.
2 مراده إذا مات الرجلان اللذان الحق الولد بهما وترك كل منهما أباه ثم مات الولد اللقيط فإن هذين الأبوين يشتر كان في نصف السدس.(3/87)
الابن إلا أن يكون معهن في درجتهن ذكر ولو غير أخيهن أو أنزل منهن فيعصبهن فيما بقي وبنت الابن مع بنات ابن الابن كالبنت مع بنات الابن ويمكن عول المسألة بسدس بنت الابن كله: كزوج وأبوين وبنت وبنت ابن اجعلها من اثني عشر تعول إلى خمسة عشر فلو عصبها أخوها والحالة هذه فهو الأخ المشؤم لأنه ضر نفسها وما انتفع وكذا أخت لأب مع الأخت لأبوين وكذا في بنات ابن الابن مع بنت الابن وفرض الأخوات من الأبوين أو من الأب عند عدمهن مثل فرض البنات والأخوات من الأب معهن كبنات الابن مع البنات سواء: إلا أنه لا يعصبهن إلا أخوهن وأخت فأكثر لأبوين أو لأب مع بنت فأكثر أو بنت ابن فأكثر عصبة يرثن ما فضل كالأخوة: فبنت وبنت ابن وأخت للبنت النصف ولبنت الابن السدس والباقي للأخت ولو كان ابنتان وبنت ابن وأخت فللبنتين الثلثان والباقي للأخت ولا شيء لبنت الابن فأن كان معهن أم فلها السدس ويبقى للأخت سدس فأن كان بدل الأم زوج فالمسألة من اثني عشر للزوج الربع وللبنتين الثلثان وبقي للأخت نصف السدس وأن كان معهم أم عالت إلى ثلاث عشر وسقطت الأخت وسواء كانت الأخت في هذه المسائل لأبوين أو لأب فأن اجتمع مع الأخت لأبوين ولد أب فالباقي عن البنتين أو البنات للأخت لأبوين وسقط ولد الأب أختا كانت أو أخا أو أخوات أو أخوة وللأخ الواحد لأم السدس ذكرا كان أو أنثى فأن كانا اثنين فصاعدا فلهم الثلث بينهم بالسوية.(3/88)
فصل: حجب النقصان وحجب الحرمان
فصل: حجب النقصان يدخل على كل الورثة وحجب الحرمان لا يدخل على خمسة الزوجين والأبوين والولد ويسقط الجد بالأب وكل جد بمن هو أقرب منه والجدات من كل جهة بالأم وولد الابن بالابن والأخ والأخت لأبوين بالابن وابنه والأب ويسقط الأخ للأب بهؤلاء الثلاثة وبالأخ الشقيق وتسقط الأخوة لأم بالولد ذكرا كان أو أنثى وبولد الابن ذكرا كان أو أنثى وبالأب والجد لأب ويسقط ابن الأخ بالجد ومن لا يرث لمانع فيه من رق أو قتل أو اختلاف دين لم يحجب وكذا لو كان ولد زنا.(3/89)
باب العصبات
مدخل
...
باب العصبات
العصبة: من يرث بغير تقدير: أن انفرد أخذ المال كله وأن كان معه ذو فرض أخذ ما فضل عنه وأن استوعبت الفروض المال سقط1 وهم كل ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى: وهم الابن وابنه والأب وأبوه والأخ وابنه - الأمن الأم - والعم وابنه كذلك ومولى النعمة وأحقهم بالميراث أقربهم ويسقط به من بعد أقربهم الابن ثم ابنه وأن نزل ثم الأب ثم الجد أبو الأب وأن علا فهو أولى من الأخوة لأبوين أو لأب في الجملة فأن اجتمعوا معه فقد تقدم حكمهم ثم الأخ من الأبوين ثم من الأب ثم ابن الأخ من الأبوين ثم من الأب ثم ابناؤهم وأن نزلوا ثم الاعمام ثم ابناؤهم كذلك ثم اعمام الأب ثم ابناؤهم كذلك ثم اعمام الجد ثم ابناؤهم كذلك ابدا لا يرث بنو أب أعلى من بني أب أقرب منهم وأن نزلت درجتهم,
__________
1 ومن ذلك تعمل أن للعاصب أحوالا ثلاثة هي التي بينها.(3/89)
فمن تزوج امرأة وأبوه ابنتها فولد الأب عم وولد الابن خال فيرثه خاله هذا دون عمه1 ولو خلف الأب اخاله وابن ابنه هذا وهو أخو زوجته ورثه دون أخيه ويقال فيها زوجة ورثت ثمن التركة وأخوها الباقي فلو كانت الأخوة سبعة ورثوه سواء ولو كان الأب نكح الأم فولده عم ولد ابنه وخاله ولو تزوج رجلان كل منهما أم الآخر فولد كل منهما عم الآخر وأولى ولد كل أب أقربهم إليه فأن استووا فأولادهم من كان لأبوين فان عدم العصبة من النسب ورث المولى المعتق ولو أنثى ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب كنسب ثم مولاه كذلك ثم الرد ثم ذوو الأرحام، ولا يرث المولى من اسفل2 واربعة من الذكور يعصبون أخواتهم ويمنعونهن الفرض3 ويقتسمون ما ورثوا للذكر مثل حظ الأنثيين: وهم الابن وابنه وأن نزل والأخ من الأبوين والأخ من الأب
__________
1 يمكنك تصور هذه إذا فرضت نفسك تزوجت امرأة وتزوج أبوك بنتها ثم أتيت أنت بولد فيكون أخا لزوجة أبيك وأتى أبوك بولد فيكون أخاك وعلى هذا فأخوك يدعو ابنك خالا. وابنك يدعو أخاك عما فإذا مات أخوك هذا وترك عمك أخا أبيك وترك ابنك فالوارث له ابنك وإن كان خالا دون عمك وذلك لأن ابنك لم يقدم على عمك باعتباره خالا بل باعتباره ابن أخ للميت أعني ابنك أنت.
2 يريد بالمولى من أسفل العتيق لأن كلمة مولى تطلق على السيد وعبده.
3 ذلك بيان لمن ترث بالتعصيب من النساء بعد أن أوضح لك في تعريف العاصب أنه الذكر خاصة ولكن تعصيب النساء بغيرهن لا بنفسهن. وليس في النساء عصبة بنفسها إلا من أعتقت رقيقا.(3/90)
فيمنعها الفرض لأنها في درجته وابن ابن الابن يعصب من بازائه من أخواته وبنات عمه ومن أعلى منه من عماته وبنات عم أبيه إذا لم يكن لهن فرض ولا يعصب من أنزل منه1 وكلما نزلت درجته زاد في تصيبه قبيل آخر ومتى كان بعض بني الأعمام زوجا أو أخا من أم أخذ المال كله فرضا وتعصيبا وإذا كان زوج وأم وأخوة لأم وأخوة لأبوين أو لأب: فللزوج النصف وللأم السدس والأخوة من الأم الثلث وسقط سائرهم وتسمى المشركة والحمارية إذا كان فيها أخوة لأبوين2 وأن كان مكانهم أخوات لأبوين أو لأب عالت إلى عشرة وتسمى أم الفروخ والشريحية3.
__________
1 لا يعصب من هي أنزل منه للحديث السابق عن النبي صلى الله عليه وسلم [فما بقي فلا ولى رجل ذكر] .
2 لا تسمى بالمشركة أو الحمارية إلا إذا كان فيه أخوة للميت من أبويه. وإنما سميت مشركة بفتح الراء مشددة لأنها حصلت على عهد عمر رضي الله تعالى عنه فأسقط الأشقاء لأن الفروض استغرقت التركة فقال المحرومون لعمر: يا أمير المؤمنين هب أن أبانا كان حمارا أليست أمنا واحد؟؟ فرجع عمر في حكمه وشرك بين هؤلاء وبين الأخوة للام. ولذا سميت مشركة وحمارية. ولكن القول بعدول عمر لم يؤخذ به عندنا حيث ثبت عن كثير م الصحابة إسقاط الأشقاء.
3 سميت ذات الفروخ لكثرة عولها وتشعبها وشريحية لأن شريحاً [وهو مضرب المثل في عدالة القضاة وذكائهم] حكم فيها بالعول إلى عشرة.(3/91)
باب اصول المسائل والعول والرد
مدخل
...
باب أصول المسائل والعول والرد1
تخرج الفروض من سبعة أصول: - أربعة لا تعول: وهي ما كان فيه فرض واحد أو فرضان من نوع وهي أصل اثنين وثلاثة وأربعة وثمانية فالنصف والربع والثمن نوع والثلثان والثلث والسدس نوع فالنصف وحده مع الباقي كزوج وأخ أو نصفان كزوج وأخت لأبوين أو لأب من اثنين والثلث وحده مع الباقي كأم وأب أو الثلث مع الثلثين كأخوات لأبوين أو لأب وأخوات لأم أو الثلثان مع الباقي كبنتي ابن وعم من ثلاثة والربع وحده أو مع النصف من أربعة والثمن وحده أو مع النصف من ثمانية وتسمى المسألة التي لا عول فيها ولا رد العادلة: وهي التي استوى مالها وفروضها.
وثلاثة تعول: والعول زيادة في السهام ونقصان في انصباء الورثة وهي أصل ستة واثنى عشر وأربعة وعشرين وهي التي يجتمع فيها فرضان من نوعين فإذا اجتمع مع النصف سدس أو ثلث أو ثلثان
__________
1 أصل المسئلة هو السهام الرئيسية التي ينقسم إليها رأس المال وهو يشبه ما يسمى في علم الحساب مقام الكسر فإذا قيل مثلا أصل هذه المسئلة من اثنين فالمراد تقسيم المال إلى قسمين ثم يعطى لكل من الورثة نصيبه.وذلك النصيب يشبه ما يسمى في الحساب بسط الكسر. وأما العول فهو زيادة في السهام أعني مقام الكسر ونقص في الأنصباء أعني في البسط وذلك يوافق ما يقوله الحسابيون إذا كبر المقام صغر البسط وبالعكس.(3/92)
فمن ستة وتعول إلى سبعة وإلى ثمانية وتسعة وعشرة فقط وأن اجتمع مع الربع أحد الثلاثة فمن اثني عشر وتعول على الأفراد إلى سبعة عشر فقط1 ولا بد في هذه الأصول أن يكون الميت أحد الزوجين أو أجتمع مع الثمن سدس أو ثلثان أو سدس وثلثان فمن أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين فقط وتسمى البخيلة والمنبرية2 ولا يكون الميت فيها إلا زوجا.
__________
1 يريد أنها تعول إلى ثلاثة عشر وخمسة عشر وسبعة عشر ولا تزيد عن ذلك ولا تعول إلى الاشفاع فيما دون السبعة عشر.
2 سموها بالبخيلة لقلة عولها. وسميت المنيرية لأن علياً رضي الله عنه سئل فيها وهو على المنبر فأفتى واسترسل في خطبته.(3/93)
فصل في الرد
فصل: في الرد إذا لم يستوعب الفروض المال ولم يكن عصبة رد الفاضل على ذوي الفروض بقدر فروضهم إلا الزوج والزوجة فلا رد عليهما فأن كان المردود عليه واحدا أخذ المال كله وأن كان جماعة من جنس واحد كبنات أو جدات اقتسموه كالعصبة من البنين والأخوة وغيرهم وأن اختلفت أجناسهم فخذ عدد سهامهم من أصل ستة أبدا وأجعله أصل مسألتهم فأن كان سدسين كجدة وأخ من أم فهي من اثنين وأن كان مكان الجدة أم فمن ثلاثة وأن كان مكانها أخت من أبوين فمن أربعة وأن كان معهما أخت لأب فمن خمسة ولا تزيد على هذا أبدا لأنها لو زادت سدسا آخر لكمل المال فأن أنكسر على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم لأنه أصل مسألتهم وأن(3/93)
كان معهم أحد الزوجين فأعطه فرضه من مسألته وأقسم الباقي على مسألة الرد فأن انقسم كزوجة وأم وأخوين لأم فللزوجة الربع والباقي ثلاثة تنقسم على مسألة الرد صحت المسألتان من مسألة الزوجية وأن لم ينقسم على مسألة الرد ولم يوافقها فأضرب مسألة الرد في مسألة الزوجية ثم من له شيء من مسألة الزوجية أخذه مضروبا في مسألة الرد ومن له شيء من مسألة الزوجية1 أخذه مضروبا في الفاضل عن مسألة الزوجية: - فزوج وجدة وأخ وأم مسألة الزوج من اثنين ومسألة الرد من اثنين أضرب إحداهما في الأخرى يكن أربعة وأن كان مكان الزوج زوجة فأضرب مسألة الرد في أربعة تكن ثمانية وأن كان مكان الجدة أخت من الأبوين انتقلت إلى ستة عشر وأن كان مع الزوجة بنت وبنت ابن انتقلت إلى اثنين وثلاثين وأن كان معهن جدة صارت من أربعين وأن كان مع أحد الزوجين واحد منفرد ممن يرد عليه أخذ الفاضل عن الزوج كأنه عصبة ولا تنتقل المسألة كزوجة وبنت للزوجة الثمن والباقي للبنت فرضا وردا وأن وافق الباقي مسألة الرد بجزء فأرجع مسألة الرد إلى وفقها ثم أضرب في مسألة الزوجية ثم من له شيء من مسألة الزوجية أخذه مضروبا في وفق مسألة الرد ومن له شيء من مسألة الرد أخذه مضروبا في وفق الفاضل عن مسألة الزوجية كأربع زوجات وثلاث
__________
1 قوله ومن له شيء من مسئلة الزوجية غير ظاهر والصواب أن يقال: ومن له شيء من مسئلة الرد إلخ وبالبحث في المثال الذي ذكره يتضح لك وجه تصويبنا.(3/94)
جدات وثمان بنات فمسألة الزوجية من اثنين وثلاثين ومسألة الرد من ثلاثين لأن سهام البنات توافق عددهن بالربع فرجعن إلى اثنين وثم أضرب الاثنين في عدد الجدات فكان ستة ثم في أصل مسألة الرد وهو خمسة تبلغ ثلاثين: للجدات ستة وللبنات أربعة وعشرون وبين الثلاثين وبين الفاضل عن الزوجات وهو ثمانية وعشرون موافقة بالإنصاف فارجع الثلاثين إلى خمسة عشر ثم أضربها في مسألة الزوجية تبلغ أربعمائة وثمانين ومنها تصح صم كل من له شيء من مسألة الزوجية أخذه مضروبا في وفق مسألة الرد وهو خمسة عشر ومن له شيء من مسألة الرد أخذه مضروبا في وفق الفاضل عن مسألة الزوجية وهو أربعة عشر: فللزوجات أربعة في خمسة بستين لكل زوجة خمسة عشر وللجدات ستة في أربعة عشر بأربعة وثمانين لكل واحدة ثمانية وعشرون وللبنات أربعة وعشرون في أربعة بثلاثمائة وستة وثلاثين ولكل بنت اثنان وأربعون ومال من لا وارث له لبيت المال وليس بيت المال وارثا وإنما يحفظ المال الضائع وغيره فهو جهة ومصلحة.(3/95)
باب تصحيح المسائل
مدخل
...
باب تصحيح المسائل
فإذا انكسر سهم فريق من الورثة عليهم فأضرب عددهم أن باين سهامهم أو وفقه لها أن وافقها في المسألة وعولها أن كانت عائلة فما بلغ صحت منه الفريضة ثم من له شيء من أصل المسألة يأخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة وهو الذي يسمى جزء(3/95)
السهم فما بلغ له ويصير لكل واحد من الفريق من السهام عدد ما كان لجماعتهم ووفق ما كان لجماعتهم فأقسمه عليهم مثال ذلك: زوج وأم وثلاثة أخوة: أصلها من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم ويبقى للأخوة سهمان: لا تنقسم عليهم توافقهم فأضرب عددهم وهو ثلاثة في أصل المسألة تكن ثمانية عشر سهما للزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللأم سهم في ثلاثة بثلاثة وللأخوة سهمان في ثلاثة بستة لكل واحد منهم سهمان ولو كان الأخوة ستة وافقتهم سهامهم بالنصف فردهم إلى نصفهم ثلاثة وتعمل فيها كعملك في الأول ويصير لكل واحد من الأخوة سهم وأن انكسر على فريقين أو أكثر وكانت متماثلة بعد اعتبار موافقتها السهام كثلاثة وثلاثة اجتزأت بأحدها وضربت في أصل المسألة: كزوج وثلاث جدات وثلاثة أخوة لأبوين أو لأب تصح من ثمانية عشر وأن كانت متناسبة وتسمى متداخلة وهو أن تنسب الأقل إلى الأكثر بجزء واحد من أجزائه كنصفه أو ثلثه أو ربعه أو بجزء من أحد عشر ونحوه اجتزأت بأكثرها وضربته في المسألة وعولها ثم كل من له شيء من الأصل أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة وأن كانت متباينة كخمسة وستة وسبعة ضربت بعضها في بعض فما بلغ أضربه في المسألة وعولها ثم كل من له شيء من الأصل أخذه مضروبا فيما ضربت فيه المسألة وأن كانت موافقة كأربعة وستة وعشرة أو كاثني عشر وثمانية عشر وعشرين وفقت بين أي عددين شئت منها من غير أن تقف شيئا ثم ضربت وفق(3/96)
أحدهما في جميع الآخر فما بلغ فأحفظه ثم أنظر بينه وبين الثالث فأن كان داخلا فيه لم يحتج إلى ضربه واجتزأت بالمحفوظ وأن وافقه ضربت وفقه فيه أو باينه ضربت كله فيه ثم في المسألة فما بلغ فمنه تصح وأن تماثل أو في وفقه أن كان موافقا فما بلغ ضربته في المسألة وأن تناسب اثنان وباينهما الثالث كثلاث جدات وتسع بنات ابن وخمسة أعمام: ضربت أكثرهما وهو التسعة في جميع الثالث وهو خمسة ثم في المسألة وتصح من مائتين وسبعين وأن توافق اثنان وباينهما الثالث ضربت وفق أحدهما في جميع الآخر ثم في الثالث وأن تباين اثنان ووافقهما الثالث فأضرب أحدهما في الآخر ثم الخارج في الثالث أن باينه: كأربع زوجات وثلاث أخوات لأبوين أو لأب وخمسة أعمام وتصح من سبعمائة وعشرين لأن أن مائله أو أضرب وفقه أن وافقه كما تقدم في الصور كلها وكذا لو انكسر على أكثر من ثلاث فرق وهذه طريقة الكوفيين وقدمها في المغني والشرح وغيره وقوله في التنقيح والإنصاف في اثني عشر وثمانية عشر وعشرين تقف الاثني عشر لا غير: فعلى طريقة البصريين وطريقة الكوفيين أسهل منها.(3/97)
فصل: في طريق معرفة الموافقة وغيرها
فصل: والطريقة إلى معرفة الموافقة والمناسبة والمباينة أن تلقي أقل العددين من أكثرهما مرة بعد أخرى فأن فني به فالعددين متناسبان وأن لم يفن لكن بقيت منه بقية فألقها من العدد الأقل فأن بقيت منه بقية فألقها من البقية الأولى ولا تزال كذلك تلقي كل(3/97)
بقية من التي قبلها حتى تصل إلى عدد يغني الملقي منه غير الواحد فأي بقية فني بها غير الواحد فالموافقة بين العددين بجزء تلك البقية أن كانت اثنين فبالأنصاف: وأن كانت ثلاثة فبالأثلاث أو بأحد عشر أو غيره من الأعداد الصم فيجزئ ذلك وأن بقي واحد فالعددان متباينان.(3/98)
باب المناسخات
مدخل
...
باب المناسخات وأحوالها
ومعناها: أن يموت بعض ورثة الميت قبل قسم تركته ولها ثلاثة أحوال أن يكون ورثة الثاني يرثونه على حسب ميراثهم من الأول: مثل أن يكونوا عصبة لهما فأقسم المال بين من بقي منهم ولا تنظر إلى الميت الأول كميت خلف أربعة بنين وثلاث بنات ثم ماتت بنت ثم ابن ثم بنت أخرى ثم ابن آخر وبقي ابنان وبنت فأقسم المال على خمسة ولا تحتاج إلى عمل مسائل وكذلك تقول في أبوين وزوجة وابنين وبنتين منها ماتت بنت ثم الزوجة ثم ابن ثم الأب ثم الأم فقد صارت المواريث كلها بين الابن والبنت الباقين أثلاثا وربما اختصرت المسائل بعد التصحيح بالموافقة بين السهام فإذا صححت المسألة فأن كان لجميعها كسر تتفق فيه جميع السهام: رددت المسألة إلى ذلك الكسر ورددت سهام كل وارث إليه ليكون أسهل في العمل كزوجة وابن وبنت ماتت البنت تصح المسألتان من اثنين وسبعين للزوجة ستة عشر وللابن ستة وخمسون وتتفق سهامهما بالأثمان فرد المسألة(3/98)
إلى ثمنها تسعة للزوجة سهمان وللابن سبعة - الحال الثاني أن يكون ما بعد الميت الأول من الموتى لا يرث بعضهم بعضا كأخوة خلف كل واحد بنيه فاجعل مسائلهم كعدد انكسرت عليه سهامهم وصحح على ما ذكر في باب التصحيح مثاله رجل خلف أربعة بنين فمات أحدهم عن ابنين والثاني عن ثلاثة والثالث عن أربعة والرابع عن ستة فالمسألة الأولى من أربعة ومسألة الابن الأول من اثنين والثاني من ثلاثة والثالث من أربعة والرابع من ستة فالاثنان تدخل في الأربعة والثلاثة في الستة فاضرب وفق الأربعة في الستة تكن اثني عشر ثم في المسألة الأولى تكن ثمانية وأربعين لورثة كل ابن اثني عشر فلكل واحد من ابني الأول ستة ولكل واحد من ابني الثاني أربعة ولكل واحد من بني الثالث ثلاثة ولكل واحد من بني الرابع سهمان.
الحال الثالث ما عدا ذلك وهو ثلاثة أقسام - الأول - أن تنقسم سهام الميت الثاني على مسألة فتصح المسألتان مما صحت منه الأولى: كرجل خلف زوجة وبنتا وأخا ثم ماتت البنت وخلفت زوجا وبنتا وعما فأن لها أربعة ومسألتها من أربعة - الثاني - ألا تنقسم عليها بل توافقها فأضرب وفق مسألته في الأولى ثم كل من له شيء من المسألة الأولى مضروب في وفق الثانية ومن له شيء من الثانية مضروب في وفق سهام الميت الثاني: مثل أن تكون الزوجة أما للبنت في مسألتنا فأن مسألتها من اثني عشر توافق سهامها بالربع فترجع إلى ربعها ثلاثة فأضربها في الأولى تكن(3/99)
أربعة وعشرين - الثالث - ألا تنقسم سهام الميت الثاني على مسألة ولا توافقها فاضرب الثانية في الأولى ثم كل من له شيء من الأولى مضروب في الثانية ومن له شيء من الثانية مضروب في سهام الميت الثاني كان تخلف البنت بنتين فأن مسألتها تعول إلى ثلاثة عشر أضربها في الأولى تكن مائة وأربعة فأن مات ثالث جمعت سهامه مما صحت منه الأوليان وعملت فيها عملك في مسألة الثاني مع الأولى وكذلك تصنع في الرابع ومن بعده وإذا قيل ميت مات عن أبوين وبنتين ثم لم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين احتيج إلى السؤال عن الميت الأول: فأن كان رجلا فالأب جد وارث في الثانية لأنه أبو أب: وتصح المسألتان من أربعة وخمسين وأن كانت امرأة فالأب أبو أم في الثانية لا يرث: وتصح المسألتان من اثني عشر وهي المأمونية1.
__________
1 لأن المأمون اختبر بها يحيى بن أكثم حينما رغب في إسناد القضاء إليه. وقد أعجب بالجواب منه.(3/100)
باب قسمة التركات
مدخل
...
باب قسمة التركات
وإذا كانت التركة معلومة وأمكن نسبة كل وارث من المسألة فله من التركة مثل نسبته: كزوج وأبوين وابنتين المسألة إلى خمسة عشر والتركة أربعون دينارا فللزوج ثلاثة وهي خمس المسألة فله خمس التركة ثمانية دنانير ولكل واحد من الأبوين ثلثا خمس المسألة فله ثلثا الثمانية ولكل واحدة من البنتين مثل ما للأبوين كليهما: وذلك عشرة وثلثان(3/100)
وأن شئت قسمت التركة على المسألة وضربت الخارج بالقسم في نصيب كل وارث فما اجتمع فهو نصيبه وأن شئت قسمت المسألة على التركة فما خرج قسمت عليه نصيب كل وارث بعد بسطه من جنس الخارج فما خرج فنصيبه وأن شئت قسمت المسألة على نصيب كل وارث ثم قسمت التركة على خارج القسمة فما خرج فنصيبه وأن شئت ضربت سهامه في التركة وقسمتها على المسألة فما خرج فنصيبه وأن شئت في مسائل المناسخات قسمت التركة على المسألة الأولى ثم أخذت نصيب الثاني فقسمته على مسألته وكذلك الثالث وأن كان بين المسألة والتركة موافقة فأقسم وفق التركة على وفق المسألة وأن أردت القسمة على قرار الدينار وهي أربعة وعشرون فاجعل عدد القراريط كالتركة واعمل ما ذكرنا: فأن كانت السهام كثيرة وأردت أن تعلم سهم القيراط فأقسم ما صحت منه المسألة على أربعة وعشرين فما خرج فهو سهم القيراط فإذا قسمت عليها ستمائة فأقسمها على ستة لأنها أحد ضلعي القيراط يخرج مائة أقسمها على الضلع الآخر وهو أربعة يخرج خمسة وعشرون وهي سهم القيراط وأن شئت قسمت وفق السهام على وفق القيراط فتأخذ سدس الستمائة فتقسمه على سدس الأربعة وعشرين وهو أربعة فيخرج خمسة وعشرون وأن شئت أخذت ثمن الستمائة خمسة وسبعين وقسمته على ثمن الأربعة وعشرين وهو ثلاثة يخرج خمسة وعشرون وكذلك كل عدد قسمته على عدد آخر وأن شئت فأنظر عددا إذا ضربته في الأربعة وعشرين ساوى حاصله المقسوم أو قاربه:(3/101)
فأن بقيت منه بقية ضربتها في عدد آخر حتى يبقى أقل من المقسوم عليه ثم تجمع العدد الذي ضربته إليه وتنسب تلك البقية من المقسوم عليه فتضمها إلى العدد فيكون ذلك سهم القيراط مثاله في الستمائة أن تضرب عشرين في أربعة وعشرين تكون أربعة وثمانين فتضرب خمسة أخرى في الأربعة وعشرين تكون مائة وعشرين وتضم الخمسة إلى العشرين فيكون ذلك سهم القيراط ومن عرف علم الحساب هان عليه ذلك فإذا عرفت سهم القيراط فكل من له سهام فأعطه بكل سهم من سهام القيراط قيراطا: فان بقي له شيء من السهام لا يبلغ قيراطا فأنسبه إلى سهم القيراط وأعطه منه مثل تلك النسبة وأن كان في سهام القيراط كسر فابسط القراريط الصحاح من جنس الكسر وضم الكسر إليها وأحفظ المجتمع: ثم كل من له شيء من المسالة أضربه في مخرج الكسر وأحسب له بكل عدد البسط قيراطا وأن بقي ما لا يبلغ مجموع البسط فأنسبه منه وأعطه مثل تلك النسبة وأن كانت سهام التركة دون الأربعة وعشرين فأنسبها إليها وأحفظ بسط الكسر ثم كل من له شيء من المسألة اضربه في مخرج الكسر واحسب له بكل قدر عدد البسط قيراطا مثاله زوج وثلاثة أخوة وأختان لأبوين: تصح من ستة عشر نسبتها إلى الأربعة والعشرين ثلثان فمخرج الكسر ثلاثة وبسطه اثنان فللزوج ثمانية أضربها في ثلاثة بأربعة وعشرين واحسب له كل اثنين بقيراط يكن اثنا عشر قيراطا وكذا الأخوة وأن كانت التركة سهاما من عقار كثلث وربع ونحوه فأن شئت اجمعها من قراريط الدينار وأقسمها على ما قلنا,(3/102)
فثلث دار وربعها أربعة عشر قيراطا فاجعلها كأنها دنانير واعمل على ما سبق فإذا خلفت زوجا وأما وأختا لأبوين أو لأب فالمسألة من ثمانية للزوج ثلاثة هي ربعها وثمنها فإذا قسمت السهام على المسألة فللزوج ربع أربعة عشر قيراطا وثمنها وهو خمسة قراريط وربع من جميع الدار وللأم سهمان هما ربع التركة فتعطيها ثلاثة ونصفا وللأخت مثل الزوج وأن شئت وافقت بينها وبين المسألة وضربت المسألة أن باينت السهام أو وفقتها في مخرج سهام العقار ثم كل من له شيء من المسألة أضربه في السهام الموروثة من العقار أو وفقها فما بلغ فأنسبه من مبلغ سهام العقار فما خرج فهو نصيبه ففي المسألة المذكورة ليس بين الثمانية والسبعة موافقة فأضرب الثمانية في مخرج السهام وهو اثنا عشر تكن ستة وتسعين: للزوج من المسألة ثلاثة مضروبة في سبعة تكون أحدا وعشرين فأنسبها إلى ستة وتسعين تجدها ثمنها وثلاثة أرباع ثمنها فله من الدار مثل تلك النسبة وللأخت مثله وللأم سهمان في سبعة بأربعة عشر وهي ثمن الستة وتسعين وسدس ثمنها فلها من الدار مثل تلك النسبة ومثال الموافقة زوج وأبوان وابنتان والتركة ربع دار وخمسها: فالمسألة من خمسة عشر ومخرج السهام عشرون فالمسألة توافق السهام الموروثة من العقار بالثلث لأنها تسعة فترد المسالة إلى ثلثها خمسة ثم تضربها في مخرج سهام العقار وهو عشرون تكن مائة: فللزوج من المسائلة ثلاثة في وفق سهام العقار ثلاثة تبلغ: انسبها إلى المائة تكن تسعة أعشار وعشرها فله من الدار تسعة أعشار عشرها ولكل واحد من الأبوين(3/103)
سهمان في ثلاثة تبلغ ستة وفي ستة أعشار عشر الدار ولكل بنت أربعة في ثلاثة اثني عشر وهي عشر الدار وعشر أعشرها وأن انقسمت سهام العقار على المسألة فأقسمها من غير ضرب في شيء: مثال ذلك زوج وأم وثلاث أخوات متفرقات والتركة ربع دار وخمسها المسألة من تسعة ومخرج سهام العقار عشرون الموروث منها تسعة منقسمة على المسألة: للزوج منها ثلاثة وهي عشر الدار ونصف عشرها وللأخت من الأبوين مثل ذلك ولكل واحدة من الباقيات نصف عشرها وإذا قال بعض الورثة لا حاجة لي بالميراث اقتسمه بقية الورثة ويوقف سهمه ولو قال قائل إنما يرثني أربعة بنين ولي تركة أخذ الأكبر دينارا وخمس ما بقي وأخذ الرابع جميع ما بقي والحال أن كل واحد منهم أخذ حقه من غير زيادة ولا نقصان كم كانت التركة؟ الجواب: كانت ستة عشر دينارا وأن خلف بنين ودنانير فأخذ الأكبر دينارا وعشر الباقي والثاني دينارين وعشر الباقي والثالث ثلاثة وعشر الباقي والرابع أربعة وعشر الباقي واستمروا كذلك ثم أخذ الأصغر الباقي واستوت سهامهم فكم البنين والدنانير؟ فخذ مخرج العشر وهو عشرة وانقصه واحدا فالباقي عدد البنين فاضرب عددهم في مثله والمرتفع عدد الدنانير وهو أحد وثمانون ولو قال إنسان صحيح لمريض أوص فقال إنما يرثني امرأتاك وجدتاك وأختاك وعمتاك وخالتاك فالجواب أن كل واحد منهما تزوج بجدتي الآخر أم أمه وأم أبيه فأولد المريض كلا منهما بنتين(3/104)
فهما من أم أبي الصحيح عمتا الصحيح ومن أم أمه خالتاه وقد كان أبو المريض تزوج أم الصحيح فأولدها بنتين وتصح من ثمانية وأربعين.(3/105)
باب ذوى الأرحام وكيفية توريثهم
مدخل
...
باب ذوي الأرحام وكيفية توريثهم
وهم قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة وهم أحد عشر صنفا ولد البنات وولد بنات الابن وولد الأخوات وبنات الأخوة وبنات الأعمام وأولاد الأخوة من الأم والعم من الأم والعمات والأخوال والخالات وأبو الأم وكل جدة أدلت باب بين أمين أو باب أعلا من الجد ومن أدلى بهم ويورثون بالتنزيل وهو أن تجعل كل شخص بمنزلة من أولى به فولد البنات وولد بنات الابن وولد الأخوات كأمهاتهم وبنات الأخوة والأعمام لأبوين أو لأب وبنات بنيهم وولد الأخوة من الأم كآبائهم والأخوال والخالات وأبو الأم كالأم والعمات والعم من الأم كالأب وأبو أم أب وأبو أم أم وأخواتهما وأختاهما وأم أبي جد بمنزلتهم ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به فان انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله وأن أدلى جماعة منهم بواحد واستوت منازلهم منه بلا سبق فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم كأنثاهم ولو خالا وخالة: فابن أخت معه أخته أو ابن بنت معه أخته أو خال أو خالة المال بينهما نصفان فأن أسقط بعضهم بعضا كأبي الأم والأخوال فاسقط الأخوال لأن الأب يسقط الأخوة والأخوات فأن كان بعضهم أقرب من بعض فالميراث لأقربهم ويسقط البعيد منهم كما يسقط البعيد من العصبات بقريبهم كخاله وأم أبي أم أو ابن خال فالميراث للخالة لأنها تلقي الأم بأول(3/105)
درجة فأن اختلفت منازلهم من المدلى جعلته كالميت وقسمت نصيبه بينهم على ذلك: كثلاث خالات متفرقات وثلاث عمات مفترقات فالثلث بين الخالات على خمسة والثلثان بين العمات كذلك فاجتز بإحداهما واضربها في ثلاثة تكن خمسة عشر ك للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة وللتي من قبل الأب سهم وللتي من قبل الأم سهم وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة وللتي قبل الأب سهمان وللتي من قبل الأم سهمان وأن خلف ثلاثة أخوال مفترقين فللخال من الأم السدس والباقي للخال من الأبوين وأن خلف ثلاث بنات عمومة منهم بجماعة قسمت المال بين المدلي بهم كأنهم أحياء فما صار لوارث فهو لمن أدلى به فابن أخت معه أخته وبنت أخت أخرى فلبنت الأخت وأخيها حق أمهما النصف بينهما نصفين ولبنت الأخت الأخرى حق أمها النصف وأن كان بنت بنت ابن: فمن أربعة لبنت البنت ثلاثة حق أمها ولبنت بنت الابن سهم حق أمها وأن كان ثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات وبنت عم: فأقسم المال بين المدلي بهم كأنهم أحياء فللأخت لأبوين النصف وللأخت للأب السدس وللأخت للأم السدس وللعم السدس وتصح من ستة فأعط بنت الشقيقة ثلاثة وبنت الأخت لأب سهما وبنت الأخت للأم سهما وبنت العم سهما وأن أسقط بعضهم بعضا عملت على ذلك كما إذا كان في مسألتنا بدل بنت الأخت لأبوين بنت أخ لأبوين فهي أيضا من ستة لبنت الأخ لأم سهم(3/106)
والباقي لبنت الأخ لأبوين وسقط بنت الأخ لأب وبنت العم فأن كان بعضهم أقرب من بعض في السبق إلى الوارث ورث وأسقط غيره إذا كانوا من جهة واحدة كبنت بنت وبنت بنت البنت وأن كانوا من جهتين فينزل البعيد حتى يلحق بوارثه سواء سقط به القريب أو كبنت بنت بنت وبنت أخ من أم المال لبنت بنت البنت والجهات ثلاثة أبوة وأمومة وبنوة ومن أدلى بقرابتين ورث بهما فتجعل ذا القرابتين كشخصين: كابن بنت بنت هو ابن ابن بنت أخرى ومعه بنت بنت بنت أخرى فللابن الثلثان وللبنت الثلث فأن كانت أمهما واحدة فله ثلاثة أرباع المال وأن اتفق معهم أحد الزوجين فأعطه فرضه غير محجوب ولا يعادل وأقسم الباقي بينهم كما لو انفردوا فإذا خلفت زوجا وبنت بنت وبنت أخت فللزوج النصف والباقي بينهما نصفين وتصح من أربعة وأن كان معه خالة وعمة أو خالة وبنت عم أو بنت ابن عم: فللزوج النصف والباقي للخالة ثلثه والعمة أو بنت العم أو بنت ابن العم ثلثاه وتصح من ستة وأن خلفت زوجا وابن خال أبيها وبنتي أخيها فللزوج النصف والباقي كأنه التركة بين ذوي الأرحام فابن خال أبيها يدلي بعمته وهي جدة الميتة فيرث ميراثها وهو السدس فيكون له سدس الباقي ولبنتي أخيها باقيه وهو خمسة بينهما نصفين اثني عشر وتصح من أربعة وعشرين للزوج اثنا عشر ولابن خال أبيها سهمان ولكل واحدة من بنتي الأخ خمسة ولا يعول هنا إلا أصل ستة(3/107)
إلى سبعة: كخالة وست بنات وست أخوات مفترقات وكأبي أم وبنت أخ لأمن وثلاث بنات ثلاث أخوات مفترقات.(3/108)
باب ميراث الحمل
مدخل
...
باب ميراث الحمل
يرث الحمل ويثبت الملك له بمجرد موت موروثه بشرط خروجه حيا فإذا مات عن حمل يرثه وقف الأمر: فأن طلب بقية الورثة القسمة لم يعطوا كل المال ووقف للحمل الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين مثال كون الذكرين نصيبهما أكثر: لو خلف زوجة حاملا وابنا ومثاله في الأنثيين: كزوجة حامل مع أبوين ومتى زادت الفروض على الثلث فميراث الإناث أكثر ومن لا يحجبه يأخذ إرثه كاملا ومن ينقصه شيئا: اليقين ومن سقط به لم يعط شيئا فإذا ولد وورث الموقوف كله رفع إليه وأن زاد رد الباقي لمستحقه وأن أعوز شيئا رجع على من هو في يده ولو مات كافر عن حمل منه لم يرثه للحكم بإسلامه قبل وضعه وكذا لو كان من كافر غيره فأسلمت أمة قبل وضعه مثل أن يخلف أمه حاملا من غير أبيه ويرث طفل حكم بإسلامه بموت أحد أبويه منه ويرث الحمل ويورث بشرطين.
أحدهما أن يعلم أنه كان موجودا حال موت مورثه بأن تأتي به أمه لأقل من ستة أشهر فان أتت به لأكثر من ذلك وكان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث إلا أن تقر الورثة أنه كان موجودا حال الموت وأن كانت لا توطأ لعدمهما أو غيبتهما أو اجتنابهما الوطء عجزا أو قصدا أو غيره ورث: ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل أربع سنين.(3/108)
الثاني أن تضعه حيا كما تقدم وتعلم إذا استهل بعد وضع كله صارخا أو عطس أو بكى أو ارتضع أو تحرك حركة طويلة أو تنفس وطال زمن التنفس ونحو ذلك مما يدل على حياته: لا حركة يسيرة أو اختلاج يسير أو تنفس يسير وإن خرج بعضه حيا فاستهل ثم انفصل ميتا لم يرث وأن جهل مستهل من توأمين أرثهما مختلف عين بقرعة1 ولو زوج أمته بحر فأحبلها فقال السيد: أن كان حملك ذكرا فأنت وهو رقيقان وإلا فأنتما حران هي القائلة إن ألد ذكرا لم أرث ولم يرث وإلا ورثنا2 ومن خلفت زوجا وأما وأخوة لأم وامرأة أب حامل فهي القائلة أن ألد أنثى ورثت لا ذكرا.3
__________
1 إنما قال ارثهما مختلف للحاجة إلى تمييز نصيب المستهل من التركة وأما لو كان ارثهما متحدا كولدى أم فاحتمال الحياة يتناول كليهما وميراثهما متحد معلوم فيخرج لهما ويرثه عنهما من يستحقه والله أعلم.
2 معلوم مما سبق أن الرق من موانع الأرث. وعلى ذلك الأمة التي ولدت ذكرا بعد موت زوجها لا ترث هي ولا ولدها لأن سيده لم يفدها الحرية بهذ التعليق وإذا ولدت انثى تبين أن الحرية كانت موجودة منوقت التعليق وظهرت لنا بالولادة فلها ولا بنتها حق الميراث. وتعبير المصنف في هذا الموضع كتمثيل لاقرارها.
3 قوله فهي يعنى فهذه مسألة التي تقول إ، ولدت أنثى ورثت هذه المولودة من أختها الكبيرة المتوفاة لأنها صاحبة فرض وأما لو وضعت ذكرا فلا ميراث له لأنه عاصب وقد استنفدت الفروض التركة.(3/109)
باب ميراث المفقود
مدخل
...
باب ميراث المفقود
من انقطع خبره ولو عبدا لغيبة ظاهرها السلامة كأسر وتجارة وسياحة وطلب علم انتظر به تتمة تسعين سنة منذ ولد: فأن فقد ابن(3/109)
تسعين اجتهد الحاكم وأن كان غالبها الهلاك كمن غرق مركبه فسلم قوم دون قوم أو فقد من بين أهله كمن يخرج إلى الصلاة أو إلى حاجة قريبة فلا يعود أو في مفازة مهلكة: كمفازة الحجاز أو بين الصفين حال التحام القتال: انتظر به تمام أربع سنين منذ فقد فأن لم يعلم خبره قسم ماله واعتدت امرأته عدة الوفاة وحلت للأزواج ويأتي في العدد ويزكي ماله لما مضى قبل قسمة ولا يرثه إلا الأحياء من ورثته وقت قسم ماله لا من مات قبل ذلك فأن قدم بعد قسمه أخذ ما وجده ورجع على من أخذ الباقي وإن مات مورثه في مدة التربص أخذ كل وارث اليقين ووقف الباقي وطريق العمل في ذلك أن تعمل المسألة على أنه حي: ثم على أنه ميت: ثم تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا أو في وفقها أن اتفقتا وتجتزئ بإحداهما أن تماثلنا وبأكثرهما أن تداخلتا وتدفع إلى كل وارث اليقين وهو أقل النصيبين ومن سقط في إحداهما لم يأخذ شيئا فأن بان حيا موت موروثه فله حقه والباقي لمستحقه وأن بان ميتا أو مضت مدة تربصه ولم يبن حاله فالموقوف لورثه الميت الأول ولباقي الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه فيقتسموه كأخ مفقود في الأكدرية مسألة الحياة والموت من أربعة وخمسين: للزوج ثلث المال وللأم سدس وللجد تسعة من مسألة الحياة وللأخت منها ثلاثة ويبقى خمسة عشر موقوفة للمفقود بتقدير حياته ستة وتبقى تسعة زادت عن نصيبه ولهم أن يصطلحوا على كل الموقوف إذا لم يكن للمفقود فيه حق بأن يكون ممن يحجب غيره ولا(3/110)
يرث كما لو خلف الميت أما وجدا وأختا لأبوين وأختا لأب مفقودة وكذا أن كان أخا لأب عصب أخته مع زوج وأخت لأبوين وأن حصل لأسير من ريع وقف عليه: حفظه وكيله ومن ينتقل الوقف إليه ولا ينفرد أحدهما بحفظه ومن أشكل نسبة فكمفقود ومفقودان فأكثر كخناثي في التذيل ولو قال رجل أحد هذين ابني ثبت نسب أحدهما فيعينه فأن مات عينه وإرث فأن تعذر أرى القافة فأن تعذر عين أحدهما بالقرعة ولا مدخل للقرعة في النسب على ما يأتي.(3/111)
باب ميراث الخنثى المشكل
مدخل
...
باب ميراث الخنثى المشكل
وهو الذي له ذكر وفرج امرأة وثقب مكان الفرج يخرج منه البول وينقسم إلى مشكل إلى مشكل وغير مشكل فأن ظهرت فيه علامات الرجال من نبات لحيته وخروج المني من ذكر وكونه مني رجل فرجل أو علامات النساء من الحيض والحمل وسقوط الثديين أو تفلكهما فهو امرأة وليس بمشكل فيهما إنما هو رجل فيه خلقة زائدة أو امرأة فيها خلقة زائدة وحكمه في إرثه وغيره حكم من ظهرت علامته فيه والذي لا علامة فيه مشكل ولا يكون أبا ولا أما ولا جدا ولا جدة ولا زوجا ولا زوجة وينحصر أشكاله في الإرث في الولد وولد الابن والأخ لغير أم وولد الأخ لغير أم والعم وولده والولاء فأن بال أو سبق بوله من ذكره فذكر أو عكسه فأنثى وأن خرجا معا اعتبر أكثرهما فأن استويا فمشكل فأن كان يرجى انكشاف حاله وهو صغير أعطي هو من معه(3/111)
اليقين ومن سقط به في إحدى الحالتين لم يعط شيئا ويوقف الباقي حتى يبلغ فتظهر فيه علامات الرجال أو النساء وأن يئس من ذلك بموته أو عدم العلامات بعد بلوغه فأن ورث بكونه ذكرا فقط كولد أخي الميت أو عمه فله نصف ميراث ذكر فقط كزوج وبنت وولد أب خنثي تصح من ثمانية: للزوج سهمان وللبنت خمسة وللخنثي سهم وأن ورث بكونه أنثى فقط فله نصف ميراث أنثى فقط: كزوج وأخت لأبوين وولد أب خنثي تصح من ثمانية وعشرين للخنثي: سهمان ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر وأن ورث بهما متساويا كولد الأم فله السدس وأن كان معتقا فهو عصبة وأن ورث بهما متفاضلا فطريق العمل أن تعمل المسألة على أنه ذكر ثم على أنثى ويسمى هذا مذهب المنزلين ثم أضرب إحداهما في الأخرى أن تباينتا أو وفقها أن اتفقنا واجتز بإحداهما أن تماثلتا وبأكثرهما أن تداخلتا ثم اضرب الحاصل في حالين ثم من له شيء من إحدى المسألتين أضربه في الأخرى أن تباينتا أو في وفقها أن توافقتا واجمع ماله فيهما أن تماثلتا ومن له شيء من أقل العددين اضربه من في نسبة أقل المسألتين إلى الأخرى ثم يضاف إلى ماله من أكثرهما أن تباينتا فان كان ابن وبنت وولد خنثي فمسألة ذكوريته من خمسة وأنوثيته من أربعة فاضرب إحداهما في الأخرى لتباينهما تكن عشرين ثم في الحالين أي في اثنين تكن أربعين للبنت سهم من أربعة في خمسة وسهم من خمسة في أربعة سبعة وللذكر سهمان في خمسة وسهمان في أربعة ثمانية عشر وللخنثي سهم في خمسة وسهمان في(3/112)
أربعة "ثلاثة عشر" ومثال التوافق زوج وأم وولد أب خنثي مسألة الذكورية من ستة ومسألة الأنوثية من ثمانية بينهما موافقة بالإنصاف فاضرب ستة في أربعة تكن أربعة وعشرين ثم في حالين تكن ثمانية وأربعين ومثال التماثل زوجة وولد خنثي وعم مسألة الذكورية ثمانية ومسألة الأنوثة كذلك فاجتز بإحداهما ثم اضربها في حالين تكن ستة عشر ومثال التناسب أم وبنت وولد خنثي وعم مسألة الذكورية من ستة وتصح من ثمانية عشر ومسألة الأنوثية من ستة وتصح منها فاجتز بالثمانية عشر ثم أضربها في حالين تكن ستة وثلاثين وأن كانا خنثيين فأكثر نزلتهم بعدد أحوالهم فتجعل للاثنين أربعة أحوال وللثلاثة ثمانية وللأربعة ستة عشر وللخمسة اثنين وثلاثين فما بلغ من ضرب المسائل اضربه في عدد أحوالهم واجمع ما حصل لهم في الأحوال كلها مما صحت منه قبل الضرب في عدد الأحوال هذا أن كانوا من جهة واحدة وأن كانوا من جهات جمعت ما لكل واحد من الأحوال وقسمته على عدد الأحوال كلها فالخارج بالقسم نصيبه ولو صالح الخنثي المشكل من منعه على ما وقف له صح أن كان بعد بلوغه - قال الموفق: وجدنا في عصرنا شخصين ليس لهما في قبلهما مخرج لا ذكر ولا فرج أحدهما ليس له في قبله إلا لحمة كالزبرة يرشح البول منها على الدوام والثاني ليس له إلا مخرج واحد فيما بين المخرجين منه يتغوط ومنه يبول قال: وحدثت أن في بلاد العجم(3/113)
شخصا ليس له مخرج أصلا لا قبل ولا دبر وإنما يتقيأ ما يأكله ويشربه: قال فهذا وما اشبهه في معنى الخنثي لكنه لا يكون اعتباره بمباله فأن لم يكن له علامة أخرى فهو مشكل ينبغي أن يثبب له حكمه في ميراثه وأحكامه كلها.(3/114)
باب ميراث الغرقى ومن عمى موتهم
مدخل
...
باب ميراث الغرقى من عمى موتهم
إذا مات متوارثان بغرق أو هدم أو غير ذلك وجهل أولهما موتا أو علم ثم نسي أو جهلوا عينه ولم يختلفوا في السابق ورث كل واحد من الموتى صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه من الميت فيقدر أحدهما مات أولا فيورث الآخر منه ثم يقسم ما ورثه منه على الأحياء من ورثته ثم يصنع بالثاني كذلك فإذا غرق أخوان أحدهما مولى زيد والآخر مولى عمر: صار مال كل واحد منهما لمولى الآخر وأن جهل السابق منهما واختلف ورثتهما فيه ولا بينة أو كانت وتعارضت بحالفا ولم يتوارثا كما لو ماتت امرأة وابنها فقال زوجها: ماتت فورثناها ثم مات ابني فورثته وقال أخوها: مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه وكان ميراث الابن لأبيه وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين ولو عين الورثة موت أحدهما وشكوا: هل مات الآخر قبله أو بعده؟ ورث من شك في موته من الآخر ولو تحقق موتهما لم يتوارثا ولو مات أخوان عند الزوال أو الطلوع أو الغروب في يوم واحد أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ورث الذي(3/114)
مات بالمغرب من الذيم مات بالمشرق لموته قبله لأن الشمس وغيرها تزول وتطلع وتغرب في المشرق قبل المغرب.(3/115)
باب ميراث اهل الملل
مدخل
...
باب ميراث أهل المال
لا يرث المسلم الكافر إلا بالولاء ولا الكافر المسلم إلا بالولاء أو يسلم قبل قسم ميراث قريب مسلم ولو مرتدا أو زوجة في عدة لا زوجا ولا قنا عتق قبل القسمة بعد موت قريبه أو مع موته كتعليقه العتق على ذلك أو دبر ابن عمه ثم مات وأن قال أنت حر في آخر حياتي: عتق وورث وأن كان الوارث واحدا فمتى تصرف في التركة واجتازها فهو كقسمها وأن أسلم قبل قسم بعض المال ورث مما بقي ويرث الكفار بعضهم بعضا أن اتحدت ملتهم وهم ملل شتى مختلفة فلا يرثون مع اختلافها ويرث ذمي حربيا وعكسه وحربي مستأمنا وعكسه وذمي مستأمنا وعكسه بشرطه والمرتد لا يرث أحدا إلا أن يسلم قبل قسم الميراث ولا يرثه أحد فان مات في ردته فما له فيء والزنديق: هو الذي كان يسمى منافقا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كمرتد لا تقبل توبته ويأتي في باب المرتد ومثله مرتكب بدعة مكفرة كجهمي وغيره.(3/115)
فصل: ويرث مجوسي
ونحوه ممن يرى حل نكاح ذوات المحارم بجميع قراباته إذا أسلم أو حاكم إلينا فإذا خلف أما وهي أخته من أبيه وعما ورثت الثلث بكونها أما والنصف بكونها أختا والباقي للعم فأن كان معها أخت أخرى لم ترث بكونها أما إلا السدس لأنها انحجبت(3/115)
بنفسها وبالأخرى ولا يرثون بنكاح المحارم1 ولا بنكاح لا يقرون عليه لو اسلموا كمن تزوج مطلقته ثلاثا ولو تزوج المجوسي بنته فأولدها بنتا ثم مات عنهما فلهما الثلثان لأنهما ابنتاه ولا ترث الكبرى بالزوجية فأن ماتت الكبرى بعده فقد تركت بنتا هي أخت لأب فلها النصف بالنبوة والباقي بالأخوة2 فأن ماتت الصغرى أولا فقد تركت أما هي أخت لأب فلها النصف والثلث بالقرابتين ولو أولد مسلم ذات محرم أو غيرها بشبهة ثبت النسب وكذا لو اشتراها وهو لا يعرفها فوطئها ثبت النسب وورث بجميع قراباته وإذا مات ذمي لا وارث له من أهل الذمة كان ماله فيئا وكذا ما فضل من ماله عن إرثه كمن ليس له وارث إلا أحد الزوجين.
__________
1 ومن هذا تفهم أن قوله فيما سلف [بجميع قراباته] ليس شاملا لنكاح المحارم.
2 وإنما ورثت بالجهتين كما تقدم نظيره لأن صلة الكبرى بالصغرى صلة أمومة وأخوة وليست صلة نكاح بمحرم حتى تكون غير سبب في الأخذ وكذلك يقال فيما يليه من المثال.(3/116)
باب ميراث المطلقه
مدخل
...
باب ميراث المطلقة
إذا أبان زوجته في صحته أو في مرضه غير المخوف ومات به أو مرض غير الموت بطلاق أو غيره ولو قصد الفرار من الميراث لم يتوارثا بل في طلاق رجعي ما دامت في العدة وأن طلقها في مرض الموت طلاقا لا يتهم فيه: بأن سألته الطلاق أو الخلع أو علق طلاقها على فعل لها منه بد فعلته عالمة أو على مشيئتها أو خيرها فاختارت نفسها أو علقه بفعل زيد(3/116)
كذا ففعله في مرضه أو بشهر فجاء في مرضه أو علقه في الصحة على شرط كقدوم زيد أو صلاتها الفرض فوجد في المرض أو طلق من لا ترث كالأمة والذمية فعتقت وأسلمت قبل موته أو قال لهما: أنتما طالقتان غدا فعتقت الأمة وأسلمت الذمية قبل غد أو وطئ مجنون أم زوجته فكطلاق الصحيح1 إلا إذا سألته طلقة فطلقها ثلاثا فترثه وأن كان يتهم فيه بقصد حرمانها الميراث كمن طلقها ابتداء في مرض موته المخوف أو علقه فيه على فعل لا بد لها منه شرعا كصلاة ونحوها أو عقلا كأكل وشرب ونوم ونحوه ففعلته ولو عالمة: وليس منه كلام أبويها أو أحدهما: أو طلقها أو خلعها فيه بعوض من غيرها أو علقه على مرضه أو على فعل له ففعله في مرضه أو على تركه: كقوله لاتزوجن عليك أو أن لم أتزوج عليك ونحوه فمات قبل فعله أو أقر فيه أنه كان ابانها في صحته أو وكل في صحته من يبينها متى شاء فابانها في مرضه أو قذفها في مرضه أو صحته ولاعنها في مرضه لنفي الحد أو لنفي الولد أو علق طلاق ذمية أو أمة على الإسلام والعتق فوجدا في مرضه أو علم أن سيدها علق عتقها بغد فابانها اليوم أو وطئ فيه عاقل ولو صبيا أم امرأته أو وطئ امرأته أبوه ورثته ولم يرثها ولو بعد العدة ما لم تتزوج: أبانها الثاني أولا: أو ترتد ولو أسلمت بعده وتعتد أطول الأجلين ويأتي في العدد فان لم يمت من المرض ولم يصح منه بل لسبع أو أكله سبع فكذلك2 ولو أبانها قبل الدخول ورثته ولا عدة عليها
__________
1 يعني لا ترثه إذا مات بعد ذلك لعدم اتهامه بقص حرمانها.
2 يعني ترثه في هذه الحالات كما ورثته في الصور السابقة لوجود التهمة نحوه.(3/117)
ويكمل لها الصداق ويأتي في باب الصداق وأن أكره ابن عاقل وارث ولو نقص إرثه أو انقطع: امرأة أبيه أو جده وهو وارثه في مرضه على ما يفسخ نكاحها من وطء أو غيره لم يقطع ميراثها إلا أن تكون له امرأة ترثه سواها ولم يتهم فيه حال الإكراه أو طاوعت وأن فعلت في مرض موتها ما يفسخ نكاحها: بأن ترضع امرأة زوجها الصغيرة أو زوجها الصغير أو استدخلت ذكر ابن زوجها وهو نائم أو ارتدت: لم يسقط ميراث زوجها ما دامت في العدة وكذا بعد العدة كما لو كان هو المطلق وجزم به في الفروع فقال: والزوج في إرثها إذا قطعت نكاحها منه كفعله انتهى ومقتضاه أنه يرثها في العدة وبعدها كما لو كان هو المطلق هذا أن كانت متهمة فيه وإلا سقط كفسخ معتقة تحت عبد أو فعلته مجنونة ولو خلف زوجات نكاح بعضهن فاسد أو منقطع قطعا يمنع الميراث ولم تعلم عينها أخرجها وإرث بقرعة وأن كان الزوج عنينا فأجل سنة فلم يصبها حتى مرضت في آخر الحول واختارت فرقته وفرق بينهما لم يتوارثا وأن طلق أربعا في مرضه طلاقا يتهم فيه فانقضت عدتهن وتزوج أربعا سواهن فالميراث للثمان ما لم يتزوج المطلقات ولو كانت المطلقة واحدة وتزوج أربعا سواها فالميراث بين الخمس على السواء ولو ادعت أن زوجها أبانها وجحد الزوج ثم مات لم ترثه أن دامت على قولها ولو قتلها في مرض الموت ثم مات لم ترثه لخروجها من حيز التملك والتمليك1 وحكم التزوج في مرضه أو مرضها أو مرضهما ولو مخوفا ولو مضارة:
__________
1 يريد أنها بالموت أصبحت لا تملك فلاحق لها جهته.(3/118)
حكم النكاح في الصحة في صحة العقد وتوريث كل منهما من صاحبه.(3/119)
باب الاقرار بمشارك في الميراث
مدخل
...
باب الإقرار بمشارك في الميراث
إذا أقر كل الورثة المكلفون: ولو أهـ واحد يرث المال كله تعصيبا أو فرضا أو فرضا وردا ولو مع عدم أهلية الشهادة كالكافر والفاسق: بوارث للميت سواء كان من حرة أو أمته فصدقهم أو كان صغيرا أو مجنونا ثبت نسبه ولو اسقط المقربة1 كأخ يقربان ولو مع منكر له لا يرث لمانع رق ونحوه: أن كان مجهول النسب وهو ممكن ولم ينازع فيه منازع ويأتي في الإقرار وإلا فلا2 ويثبت إرثه فيقاسمهم أن لم يقم به مانع فأن كان به مانع ثبت نسبه ولم يرث فأن كان المقربة غيره مكلف فأنكر بعد تكليفه لم يسمع إنكاره ولو طلب إحلافه على ذلك لم يستحلف وإذا اعترف إنسان بأن هذا أبوه فكاعترافه بالله ابنه حيث أمكن ذلك ويعتبر إقرار الزوج والمولى المعتق إذا كانا في الورثة وأن أقر أحد الزوجين الذي لا وارث معه بابن للآخر من غيره فصدقه الإمام أو نائبه ثبت نسبه وإلا فلا3 وأن أقر بعض
__________
1 يشير بذلك إلى أن ثبوت النسب يحتاج لا قرار المتبوع في النسب ولو لم يعترف التابع بنسب من أقر به من الورثة.
2 جملة الشروط لثبوت النسب خمسة: أن يدعيه كل الوارثين وإن يصدقهم إذا كان مجهول النسب فمتى توفرت هذه الشروط ثبت النسب وثبت حقه في الميراث إلا لمانع.
3 إنما اعتبرنا تصديق الإمام لمن أقر م الزوجين لأن ما سيبقى بعد نصيب ذلك الزوج المقر لبيت المال. والإمام هو القائم عليه المنزل فمنزلته الوارث وقد أسلفنا لك أنه لا بد إقرار من جميع الورثة.(3/119)
الورثة فشهد عدلان منهم أو من غيرهم أنه ولد الميت أو أقر في حياته أو ولد على فراشه: ثبت نسبه وارثه وإلا يثبت نسبه المطلق لأنه إقرار على الغير ويثبت نسبه وإرثه من المقر فقط لأنه إقرار على نفسه خاصة فلو كان المقربة أخا للمقر ومات المقر عنه أو عنه وعن بني عم ورثه المقر به ويثبت نسبه من ولد المقر المنكر له تبعا فتثبت العمومة ولو مات المقر عن المقر به وعن أخ منكر فإرثه بينهما وإذا أقر به بعض الورثة ولم يثبت نسبه لزم المقر أن يدفع إليه فضل ما في يده عن ميراثه فأن جحده بعد إقراره لم يقبل جحده فإذا خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ فله ثلث ما في يده أو بأخت فلها خمس ما في يده فأن لم يكن في يد المقر فضل فلا شيء للمقر به فإذا خلف أخا من أب وأخا من أم فأقر بأخ من أبوين ثبت نسبه وأخذ ما في يد الأخ من الأب فأن أقر به الأخ من الأب وحده أخذ ما في يده ولم يثبت نسبه وأن أقر به الأخ من الأم وحده أو بأخ سواه ولو من الأم فلا شيء له وأن أقر بأخوين من أم دفع إليهما ثلث ما في يده.
__________
1 مراده بالمقر من اعترف بأخوين لهما. فإن إقراره مأخوذ عليه.(3/120)
فصل: في طريق العمل
فصل: في طريق العمل أن تضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار وتراعي الموافقة وتدفع إلى المقر سهمه من مسألة الإقرار في مسألة الإنكار وإلى المنكر سهمه من مسألة الإنكار في مسألة الإقرار فما فضل فهو للمقر له فلو خلف ابنين فأقر أحدهما بأخوين فصدقه أخوه في أحدهما ثبت نسبه وصاروا ثلاثة: للمقر ربع المال1 وللمنكر
__________
1 مراده بالمقر من اعترف بأخوين لهما. فإن إقراره مأخوذ عليه.(3/120)
ثلثه وللمتفق عليه كذلك أن جحد الرابع وإلا فله الربع والباقي للمجحود تصح من اثني عشر وأن خلف ابنا فأقر بأخوين فأكثر بكلام متصل ولا وارث غيره فاتفقا أو اختلفا ثبت نسبهما ولو لم يكونا توأمين وأن أقر بأحدهما بعد الآخر أعطى الأول نصف ما في يده والثاني ما بقي في يده إذا كذب الأول بالثاني: وثبت نسب الأول: ووقف ثبوت نسب الثاني على تصديقه1 ولو كذب الثاني بالأول وهو مصدق ثبوت نسب الثلاثة وأن أقر بعض الورثة بامرأة للميت لزمه لها ما يفضل في يده من حصته فان مات من أنكر فأقر بها ابنه كمل إرثها وأن قال مكلف مات أبى وأنت أخي أو مات أبونا ونحن ابناؤه فقال: هو أبي ولست بأخي لم يقبل إنكاره وأن قال: مات أبوك وأنا أخوك فقال: لست بأخي فالمال كله للمقر به وأن قال: ماتت زوجتي وأنت أخوها فقال: لست بزوجها قبل إنكاره.
__________
1 صورة المسألة: أن يقر محمد بأخوة أحمد ثم يقر ثانيا بأخوة محمود. لزمه أن يعطي أحمد نصف المال الذي بيده لأن الإقرار أثبت الشركة مناصفة بينهما. وإقراره الثاني بمحمود مأخوذ به فيكون أخا ثالثاً يستحق ثلث المال فيرجع بالسدس على محمد وهو ثلث ما في يده. وأما السدس الثاني فموقوف على تصديق أحمد إذ أنه حين إقرار محمد لمحمود كان وارثا والشرط أن يقر جميع الورثة فإن صدق رجعنا عليه بثلث ما في يده كذلك وإلا فلا وهذا معنى قوله إذا كذب الأول أي الذي أقر به محمد أول الأمر.(3/121)
فصل: ومن اقر في مسئلة عول بمن يزيل العول
...
فصل: ومن أقر في مسألة عول بمن يزيل العول
فصل: ومن أقر في مسألة عول بمن يزيل العول كعن زوج وأختين لأب أو لأبوين أقرت إحداهما بأخ فأضرب مسألة الإقرار في مسألة الإنكار(3/121)
تكن ستة وخمسين1 وأعمل كما تقدم: يكن للزوج أربعة وعشرون وللمنكرة ستة عشر وللمقرة سبعة ويبقى تسعة للأخ فأن صدقها الزوج فهو يدعي أربعة2 والأخ يدعي أربعة عشر: والمقربة من السهام تسعة فأقسمها على سهامها الثمانية عشر اتساعا للزوج سهمان وللأخ سبعة فأن كان معهم أختان لأم فإذا ضربت وفق مسألة الإقرار في مسألة الإنكار بلغت اثنين وسبعين للزوج ثلاثة من مسألة الإنكار في وفق مسألة الإقرار أربعة وعشرون ولولدي الأم ستة عشر وللأخت المنكرة ستة عشر وللمقرة ثلاثة يبقى في يدها ثلاثة عشر للأخ منها ستة يبقى سبعة لا يدعيها أحد تقر بيد المقرة فأن صدق الزوج المقرة فهو يدعي اثنا عشر والأخ يدعي ستة يكونان ثمانية عشر ولا تنقسم عليها الثلاثة عشر ولا توافقها فأضرب ثمانية عشر في أصل المسألة ثم كل من له شيء من اثنين وسبعين مضروب في ثمانية عشر من له شيء
__________
1 مسألة الإنكار هي التي يفرض فيها عدم الإقرار باخ. وأصلها الأول من ستة لأن فيها نصفا للزوج وثلثين للأختين فعالت إلى سبعة وصار ذلك أصلالها. ومسئلة الإقرار من ثمانية وهي ما يفرض فيها وجود الأخ. للزوج النصف. وللأخ مع أختيه النصف. هذا إذا لم تنكر إحدى الأختين. فإن أنكرت إحداهما ضربت أصل مسألة الإنكار [سبعة] في أصل مسألة الإقرار به [ثمانية] ثم وزعت على أن يأخذ المقر نصيبه مضروبا في أصل مسألة الإنكار والمنكر نصيبه مضربا في أصل مسألة الإقرار.
2 إذا صدق الزوج على أخوة الأخ المقر به أو كملتا للزوج نصفه ثمانية وعشرين وأكملت التوزيع على ما ذكره المصنف.(3/122)
من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة عشر وعلى هذا تعمل ما ورد عليك.(3/123)
باب ميراث القاتل
مدخل
...
باب ميراث القاتل
القاتل بغير حق لا يرث من المقتول شيئا مثل أن يكون القتل مضمونا أو دية أو كفارة عمدا كان القتل أو شبه عمد أو خطأ بمباشرة أو سبب: مثل أن يحفر بئرا أو يضع حجرا أو ينصب سكينا أو يخرج ظلة الطريق أو يرش ماء ونحوه أو بجناية مضمونة من يهيمة فيهلك بها موروثه ولو كان القاتل غير مكلف انفرد بالقتل أو شارك فيه وكذا لو قتله بسحر أو سقى ولده ونحوه دواء ولو يسيرا أو فصده أو حجمه أو بسط سلعته لحاجة فمات ولو شربت دواء فأسقطت جنينها لم ترث من الضرة شيئا وما لا يضمن حق وارثه أو دفعا عن نفسه وقتل العادل الباغي في الحرب وعكسه لا يمنع الميراث ومنه عند الموفق والشارح من قصد مصلحة موليه مما له فعله من سقي دواء أو بط جراحة فمات أو أمره إنسان عاقل كبير ببط جراحه فمات أو من أمره إنسان عاقل كبير ببط جراحه أو قطع سلعة منه فمات بذلك ومثله من أدب ولده ولعله أصوب.(3/123)
باب ميراث المعتق بعضه
مدخل
...
باب ميراث المعتق بعضه
القن والمدبر والمكاتب وأم الولد ومن علق عتقه بصفة ولم توجد لا يرثون ولا يورثون ويرث معتق بعضه ويورث ويحجب(3/123)
بقدر حرية بعضه وما كسب بجزئه الحر أو ورث به أو كان قاسم سيده في حياته فهو خاصة وهو لورثته لو كان حرا وهو ربع وسدس وللأم ربع والباقي للعم وكذا الحكم أن لم ينقص ذو الفرض بالعصبة كجدة وعم مع ابن نصفه حر فله نصف الباقي بعد ميراث الجدة ولو كان معه من يسقط بحريته التامة كأخت وعم حرين فله النصف وللأخت نصف ما بقي وللعم ما بقي ولو كان مكان الابن بنت فلها الربع وللأم الربع لحجبها لها عن نصف السدس وللعم سهمان وهو الباقي وأم وبنت نصفهما حر وأب حر: فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها وهو الربع وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث ومع حرية البنت السدس فنصف حريتها يحجبها عن نصفه يبقى لها الربع لو كانت حرة فلها بنصف حريتها نصفه وهو الثمن والباقي للأب وأن شئت نزلتهم أحوالا كالخناثي فأم وبنت نصفها حر وأب حر فتقول: أن كانتا حرتين فالمسألة من ستة للبنت ثلاثة وللأم السدس سهم والباقي للأب وأن كانتا رقيقتين فالمال للأب وأن كانت البنت وحدها حرة فلها النصف والمسألة من اثنين وأن كانت الأم وحدها حرة فلها الثلث وهي من ثلاثة وكلها تدخل في السنة فتضربها في الأربعة أحوال تكون أربعة وعشرين للبنت ستة وهي الربع لأن لها النصف في حالين وللأم الثمن وهو ثلاثة لأن لها الثلث في حال السدس في حال والباقي للأب وترجع بالاختصار إلى ثمانية وإذا كان عصبتان نصف كل واحد منهما حر كأخوين أو ابنين لم تكمل(3/124)
الحرية "حتى ولو كان أحدهما يحجب الآخر كابن وابن ابن ولهما ثلاثة أرباع المال بالخطاب والأحوال ولأم مع الابنين سدس وربع سدس ولزوجة ثمن وربع ثمن - وجعل في التنقيح للأم السدس وللزوجة الثمن وهو على المذهب غير صواب وابنان نصف أحدهما قن المال بينهما أرباعا تنزيلا لهما بأحوالهما ويرد على كل ذي فرض وعصبة أن لم يصبه من التركة بقدر حريته من نفسه لكن أيهما استكمل برد أزيد من قدر حريته من نفسه: منع من الزيادة ورد على غيره أن أمكن وإلا فلبيت المال فلبنت نصفها حر النصف بفرض ورد ولابن مكانها النصف بعصوبة والباقي لبيت المال ولابنين نصفهما حر: البقية مع عدم عصبة ولبنت وجدة نصفهما حر المال بينهما نصفين بفرض ورد ولابن هنا على قدر فرضيهما لئلا يأخذ من نصفه حر فوق نصف التركة ومع حرية ثلاثة أرباعهما المال بينهما أرباعا فرضيهما لفقد الزيادة الممتنعة وثلثهما الثلثان بينهما بالسوية والبقية لبيت المال.(3/125)
باب الولاء وجره ودوره
مدخل
...
باب الولاء وجره ودوره
ومعنى الولاء: إذا اعتق نسمة صار لها عصبة في جميع أحكام التعصيب عند عدم العصبة من النسب: من الميراث وولاية النكاح والعقل وغير ذلك قاله في المطلع والزركشي فكل من اعتق رقيقا أو بعضه فسرى عليه ولو سائبة ونحوها كقوله: اعتقتك سائبة أو ولا ولاءلي عليك أو منذورا أو من زكاة أو من كفارة أو عتق عليه برحم أو تمثيل به أو كتابة(3/125)
ولو أدى إلى الورثة أو تدبير أو إيلاد أو وصية بعتقه أو بتعليق بصفة فوجدت أو بعوض أو حلف بعتقه فخنث فله عليه الولاء وأن اختلف دينهما وعلى أولاده من زوجة معتقة أو سرية وعلى من له أو لهم ولاؤه كمعتقيه ومعتقى أولاده وأولادهم ومعتقيهم أبدا ما تناسلوا لا يزول بحال ويرث به ولو باينه في دينه عند عدم العصبة من النسب وعدم ذوي فروض تستغرق فروضهم المال وأن كان ذو الفرض لا يرث جميع المال فالباقي للمولى ثم يرث به عصباته من بعده الأقرب فالأقرب فول اعتق كافر مسلما فخلف المسلم العتيق ابنا لسيده كافرا وعما مسلما فماله لابن سيده وأن تزوج حر الأصل ولم يمسه رق أو كان أبوه مجهول النسب وأمه عتيقه أو عكسه فلا ولاء عليه ومن اعتق عبده عن ميت أو حي بلا أمره فولاؤه للمعتق إلا إذا عتق وارث عن ميت في واجب عليه ككفارة ظهار ورمضان وقتل وله تركة: فيقع عن الميت والولاء للميت فإن تبرع بعتقه عنه ولا تركة أجزأ عنه كإطعام وكسوة والولاء للمعتق وأن اعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه وإذا قال: أعتق عبدك عني مجانا أو على ثمنه أو اعتقه عني ويطلق ففعل والعتق والولاء للقائل ويجزئه عن العتق الواجب ما لم يكن ممن يعتق عليه ولا يلزمه ثمنه إلا بالتزامه وأن قال: أعتقه والثمن على أو اعتقه عنك وعلى ثمنه ففعل صح والثمن عليه والعتق والولاء للمعتق يجزيه عن الواجب ولا يجب على السيد إجابة من قال اعتق عبدك عني وعلى ثمنه وأن قال كافر لشخص(3/126)
اعتق عبدك المسلم عني وعلى ثمنه ففعل صح وعتق وولاؤه له كالمسلم.(3/127)
فصل: ولا يرث النساء بالولاء
فصل: ولا يرث النساء بالولاء إلا من اعتقن أو اعتق من اعتقن وأولادهما ومن جروا ولاءه أو كاتبن أو كاتب من كاتبن ولا يرث به ذو فرض إلا أب وجد يرثان السدس مع الابن أو ابنه وأن نزل ويرث الجد والأخوة إذا اجتمعوا من المولى كمال سيده وأن زادوا عن اثنين فله ثلث ماله لأنه أحظ وأن نقصوا قاسمهم وكذا بقية مسائله على ما تقدم في ميراث الجد وترث عصبه ملاعنة عتق ابنها والولاء لا يورث ولا يباع ولا يوهب ولا يوقف لكن يورث به وهو الكبر1 ولا يجوز أن يوالي غير مواليه ولو بإذن معتقه فلو مات السيد قبل عتيقه فله ولاؤه يرث به أقرب عصبته إليه يوم موت عتيقه وهو المراد بالكبر فلو مات السيد عن ابنين ثم أحدهما عن ابن ثم مات عتيقه فإرثه لابن سيده وأن ماتا قبل العتيق وخلف أحدهما ابنا والآخر تسعة ثم مات العتيق فإرثه بينهم على عددهم كإرثهم بالنسب وإذا اشترى أخ وأخته أباهما وأخاهما فاشترى عبدا ثم اعتقه ثم مات الأب ثم مات العتيق ورثه الابن دون أخته بالسب لكونه عصبة المعتق فقدم على مولاه وغلط فيها خلق كثير ولو مات بعد الابن رثت ومنه بقدر عتقها من الأب والباقي بينها وبين معتق أمها أن كانت عتيقة ومن نكحت عتيقها فأحبلها ثم مات فهي القائلة أن ألد أنثى فلي النصف وذكرا الثمن وأن لم ألد فالجميع
__________
1 الكبر بضم الكاف وسكون الباء بمعنى الأكبر وبمعنى الأدخل في النسب وهو المراد هنا.(3/127)
وإذا ماتت امرأة وخلفت ابنها وعصبتها ومولاها فولاؤه وارثه لابنها أن لم يكن له وارث من النسب وعقله على عصبتها وابنها لأنه من العاقلة فأن انقرض بنوها فالولاء لعصبتها دون عصبتهم - قال ابن أبي موسى فأن مات العبد ولم يترك ولا ذا سهم ولا كان لمعتقه عصبة ورثه الرجال من ذوي أرحام معتقه دون نسائهم وعند عدمهم لبيت المال.(3/128)
فصل: في جر الولاء
فصل: في جر الولاء من ثبت له ولاء رقيق بمباشرة عتق أو سبب لم يزل عنه بحال فأما أن تزوج العبد ومثله المكاتب والمدبر والمعلق عتقه بصفة معتقه فأولدها فولاء ولدها لمولى أمه فأن أعتق العبد أنجر ولاؤه إلى معتقه ولا يعود إلى مولى أمه بحال فأن نفاه الأب باللعان عاد ولاؤه إلى موالى الأم لأننا تبينا أنه لم يكن له أب ينتسب إليه فأن عاد فاستلحقه عاد الولاء إلى موالي الأب ولا يقبل قول سيد مكاتب ميت أنه أدى وعتق ليجر الولاء وأن اعتق الجد ولو قبل الأب أو بعد موته لم يجر ولاءهم وأن اشترى الابن أبا عتق عليه وله ولاؤه وولاء أخوته أخوته ومن له ولهم ولاؤه ويبقى ولاء نفسه لمولى أمه فأن اشترى هذا الابن عبدا فاعتقه ثم اشترى العتيق أبا معتقه فاعتقه ثبت له ولاؤه وجر ولاء معتقه فصار لكل واحد منهما ولاء الأخر فلو مات الأب وابنه والعتيق لمولى أم مولاه ولو اعتق حربي عبدا كافرا فسبى سيده فاعتقه فولاء كل واحد وللآخر فلو سبى المسلمون العتيق الأول فرق ثم اعتق بطل ولاء الأول وصار الولاء للثاني(3/128)
ولا ينجر إلى الأخير ما للأول قبل رقه ثانيا من ولاء ولد وعتيق وكذا لو اعتق ذمي عبدا كافرا فهرب إلى دار الحرب فاسترق وأن اعتق مسلم كافرا فهرب إلى دار الحرب ثم سباه المسلمون جاز استرقاقه فأن اعتق عاد الولاء إلى الأول وأن أعتق مسلم أو ذمي مسلما فأرتد ولحق بدار الحرب ثم سبى لم يجز استرقاقه وأن اشترى فالشراء باطل ولا يقبل منه إلا التوبة أو القتل.(3/129)
فصل: في دور الولاء
فصل: في دور الولاء ومعناه أن يخرج من مال ميت قسط إلى مال ميت آخر بحكم الولاء ثم يرجع من ذلك القسط جزء إلى الميت الآخر بحكم الولاء أيضا فيكون هذا الجزء الراجع فدار بينهما1 وأعلم أنه لا يقع الدور في مسألة حتى يجتمع فيه ثلاثة شروط - أن يكون المعتق اثنين فصاعدا - وأن يكون في المسألة اثنان فصاعدا - وأن يكون الباقي منهما يجوز أرث الميت قبله: مثاله ابنتان عليهما ولاء لموالي أمهما اشترتا أباهما فعتق عليهما بينهما نصفين فلكل واحدة منهما نصف ولاء أبيها ونصف ولاء أختها الكبرى: يجر ذلك إليها أبوها ويبقى نصف ولاء كل واحدة منهما لموالي أمها لأن كل واحدة لا تجر ولاء نفسها فأن ماتت الكبرى ثم مات الأب بعدها: فالأخت الباقية تستحق سبعة أثمان المال نصفه بالنسب وربعه بكونها مولاة نصفه والربع الباقي لموالى الميتة وهو أختها الباقية وموالي أمها فيكون الربع بينهما للأخت الباقية نصفه وهو ثمن المال والثمن الباقي لموالي الأم فيبقى للأخت
__________
1 قوله فدار بينهما واقع موقع خبر يكون ولو قال دائرا لكان أظهر.(3/129)
الباقية سبعة أثمان ولموالي أمها ثمنه فإذا ماتت الصغرى بعد ذلك كان مالها لمواليها: وهم أختها الكبرى وموالي أمها بينهما نصفين فأجعل النصف الذي أصاب الكبرى من الصغرى بالولاء لمواليها: وهم أختها الصغرى وموالي أمها مقسوما بينهما نصفين لموالي الأم نصفه وهو الربع وللصغرى نصفه وهو الربع فهذا الربع قد خرج من مال الصغرى إلى موالي أختها الكبرى ثم عاد إليها لأنها مولاة لنصف أختها وهذا هو الجز الدائر فيكون لموالي الأم ولو أشترى ابن وبنت معتقة أباهما عتق عليهما وثبت ولاؤه لهما نصفين وجر كل واحد منهما نصف ولاء صاحبه ويبقى نصفه لموالى أمه فأن مات الأب ورثاه بالنسب أثلاثا وأن ماتت البنت بعده ورثها أخوها بالنسب فإذا مات أخوها فماله لمواليه وهم أخته وموالي أمه فلموالي أمه النصف ولموالي أخته النصف: وهم الأخ وموالي الأم فلموالي أمها نصفه وهو الربع يبقى الربع هو الجزء الدائر لأنه خرج من تركة الأخ وعاد إليه فيكون لموالي أمه.(3/130)
كتاب العتق
*
مدخل
...
كتاب العتق
وهو تحرير الرقبة وتخليصها من الرق وهو من أفضل القرب وأفضل الرقاب أنفسها عند أهلها وأغلاها ثمنا وعتق الذكر ولو لأنثى أفضل من عتق الأنثى وهما في الفكاك من النار إذا كانا مؤمنين سواء1 والتعدد
__________
1 ثواب العتق نجاة من النار سواء كان العتيق عبدا أو أمة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل أرب منها أربا منه من النار حتى أنه ليعتق اليد باليد".(3/130)
في العتق أفضل من عتق الواحد بذلك المال ويستحق عتق وكتابة من له كسب ودين ويكره عتق من لا قوة له ولا كسب وأن كان ممن يخاف عليه الرجوع إلى دار الحرب وترك إسلامه أو الفساد من قطع طريق وسرقة أو يخاف على الجارية الزنا والفساد كره إعتاقه وأن علم ذلك منه أو ظنه حرم وصح ولو اعتق رقيقه واستثنى نفعه مدة معلومة أو استثنى خدمته مدة حياته صح ويصح العتق ممن تصح وصيته وأن لم تبلغ ولا يصح من سفيه ولا من مجنون ولا من غير مالك بغير إذنه ولا أن يعتق عبد ولده الصغير كالكبير ولا المجنون ولا يتيمه الذي في حجره ولا عتق الموقوف ولو قال رجل لعبد غيره: أنت حر من مالي فلغو فأن اشتراه بعد ذلك فهو مملوكه ولا شيء عليه ويحصل العتق بالقول وبالملك لا بالنية المجردة.
فأما القول: فصريحه لفظ العتق والحرية صرفا: نحو أنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق أو أنت حر في هذا الزمان أو المكان أو اعتقتك ولو هازلا ولا تجرد عن النية لا من نائم ونحوه غير أمر ومضارع واسم فاعل وأن قصد بلفظ الحرية عفته وكرم أخلاقه أو بقوله ما أنت إلا حر يريد به عدم طاعته ونحو ذلك لم يعتق ولو أراد العبد استحلافه فله ذلك.
وكنايته: خليتك والحق بأهلك واذهب حيث شئت وأطلقتك وحبلك على غاربك ولا سبيل ولا ملك ولا رق ولا سلطان ولا خدمة لي عليك وفككت رقبتك وأنت موالي وأنت لله ووهبتك(3/131)
لله ورفعت يدي عنك إلى الله وأنت سائبة وملكتك نفسك وقوله لأمته أنت طالق أو حرام وقوله لعبده الذي لا يمكن كونه منه لكبره أو صغره ونحوه أنت ابني أو أبي فلا يعتق ما لم ينو عتقه أن أمكن كونه منه عتق ولو كان له نسب معروف وأن قال: أعتقتك من ألف سنة أو أنت حر من ألف سنة ونحوه أو قال لأمته: أنت ابني أو لعبده أنت ابنتي لم يعتق وأن اعتق حاملا عتق جنينها إلا أن يستثنيه وأن اعتق ما في بطنها دونها عتق وحده ولو اعتق أمة حملها لغيره وهو موسر كالموصي له عتق الحمل وضمن قيمته.
وأما الملك فمن ملك دار حم محرم ولو مخالفا في الدين بميراث أو غيره ولو حملا عتق عليه لا غير محرم ولا محرم برضاع أو مصاهرة وأن ملك ولده وأن نزل أو أباه من الزنا لم يعتق وأن ملك سهما ممن يعتق عليه بغير الميراث وهو موسر هنا القادر حالة العتق على قيمته وأن يكون ذلك كفطرة وأن كان معسرا أو ملكه بالميراث ولو موسرا لم يعتق عليه إلا ما ملك وأن مثل برقيقه ولو بلا قصد فقطع أنفه أو أذنه أو عضوا منه أوجبه أو خصاه أو خرق أو أحرق عضوا منه أوجبه أو وطئ جاريته المباحة التي لا يوطأ مثلها فأفضاها قال الشيخ: أو استكرهه على الفاحشة عتق بلا حكم ولو كان عليه دين وله ولاؤه ولا عتق بضربة وخدشة ولعنة ولو مثل بعبده مشترك سرى العتق إلى باقيه بشرطه وضمن للشريك ذكره ابن(3/132)
عقيل لا إذا مثل بعبد غيره وقال جماعة لا يعتق الكاتب بالمثلة ولو اعتق عبده أو مكاتبه وبيده مال فهو لسيده.(3/133)
فصل ومن أعتق جزءا
فصل: ومن أعتق جزءا من رقيقه غير شعر وسن وظفر وريق ونحوه معينا كرأسه وأصبعه أو مشاعا كنصفه وعشر عشره ونحوه: عتق كله وأن أعتق شركا له في عبد أو العبد كله وهو موسر بقيمة باقيه يوم عتقه على ما ذكر في زكاة فطر: عتق كله وعليه قيمة باقيه لشريكه وقت عتقه فأن لم يؤد القيمة حتى أفلس كانت في ذمته ويعتق على موسر ببعضه بقدره كما تقدم وولاؤه له وسواء كان العبد والشركاء مسلمين أو كافرين أو بعضهم فأن أعتقه الشريك بعد ذلك ولو قبل أخذ القيمة أو تصرف فيه لم ينفذ وأن اختلفا في القيمة رجع إلى قول المقومين فأن كان العبد قد مات أو غاب أو تأخر تقويمه زمنا تختلف فيه القيمة ولم يكن بينة فالقول قول المعتق وأن اختلفا في صناعة في العبد توجب زيادة القيمة فقول المعتق إلا أن يكون العبد يحسن الصناعة في الحال ولم يمض زمن يمكن تعلمها فيه فيكون القول قول الشريك: كما لو اختلفا في حدوثه فقول المعتق وأن كان المعتق معسرا عتق نصيبه فقط ولو أيسر بعده وإذا كان لرجل نصف عبد ولآخر ثلثه ولآخر سدسه فأعتق موسران منه حقيهما معا بوكيل أو تعليق فضمان حق الثالث وولاء حصة بينهما نصفين ولو قال شريك أعتقت فضمان حق الثالث وولاء حصته بينهما نصفين ولو قال شريك أعتقت نصيب شريكي فلغو وأن قال أعتقت النصف انصرف إلى ملكه ثم(3/133)
سرى ولو وكل أحدهما الآخر فأعتق نصفه ولا نية انصرف إلى نصيبه ومن أدعى أن شريكه الموسر أعتق حقه فأنكر عتق حق المدعي مجانا ولم يعتق نصيب الموسر ولا تقبل شهادة المعسر عليه لأنه يجر نفسه نفعا فأن لم تكن بينه سواه حلف الموسر وبرئ من القيمة والعتق ولا ولاء للمعسر في نصيبه ولا للموسر فأن عاد المعسر فأعتقه وادعاه ثبت له وأن كان المدعي عليه معسرا فقوله مع يمينه ولا يعتق منه شيء فأن كان المدعي عدلا حلف العبد مع شهادته وصار نصفه حرا وأن اشترى المدعي حق شريكه عتق عليه كله وأن ادعى كل واحد منهما ذلك على شريكه وهما موسران عتق عليهما ولا ولاء لهما عليه وأن كان أحدهما معسرا عتق نصيبه فقط وأن كانا معسرين لم يعتق منه شيء وللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما ويعتق أو مع أحدهما أن كان عدلا ويعتق نصفه وأيهما اشترى نصيب صاحبه عتق ما اشترى فقط وكذا أن كان البائع وحده معسرا وأن قال لشريكه أن أعتقت نصيبك فنصيب حر فأعتقه عتق الباقي بالسراية مضمونا وأن كان معسرا عتق على كل واحد حقه وأن قال: إذا أعتقت نصيبك فنصيبي مع نصيبك أو قبله حر فأعتق نصيبه عتق عليهما وأن كان المعتق موسرا ولغت القبلية وأن قال لأمته: أن صليت مكشوفة الرأس فأنت حرة قبله فصلت كذلك عتقت وأن قال: أن أقررت بك لزيد فأنت حر قبله فأقر له به صح إقراره فقط وأن قال: أن أقررت بك له فأنت حر ساعة إقراري لم يصح الإقرار ولا العتق وكل من شهد عل سيد رقيق بعتق رقيقه ثم(3/134)
اشتراه فعتق عليه أو شهد اثنان عليه بذلك فردت شهادتهما ثم اشترياه أو أحدهما فعتق أو كان بين شريكين فأدعى كل واحد منهما أن شريكه أعتق حقه منه وكانا موسرين فعتق عليهما كما تقدم أو كانا معسرين عدلين فخلف العبد مع كل واحد منهما وعتق أو ادعى عبد أن سيده أعتقه فأنكر وقامت بينة بعتقه فلا ولاء على الرقيق في هذه المواضع كلها فأن عاد من ثبت إعتاقه فاعترف به ثبت له الولاء وأما الموسران إذا عتق عليهما: فأن صدق أحدهما صاحبه في أنه أعتق نصيبه وحده أو أنه سبق بالعتق فالولاء له وأن اتفقا أنهما أعتقا نصيبهما دفعة واحدة فالولاء بينهما وأن ادعى كل واحد منهما أنه المعتق وحده أو أنه السابق فأنكر الآخر وتحالفا فالولاء بينهما نصفين.(3/135)
فصل: ويصلح تعليق العتق
...
فصل: ويصح تعليق العتق
فصل: ويصح تعليق العتق بصفة كدخول دار وحدوث مطر وغيره ولا يملك إبطاله بالقول ولو أتفق السيد والعبد على إبطاله لم يبطل وما يكتسبه العبد قبل وجود الشرط فلسيده إلا أنه إذا علق عتقه على أداء مال معلوم فما أخذه السيد حسبه من المال فإذا كمل أداء المال عتق وما فضل في يده فلسيده وله وطء أمته بعد تعليق عتقها ومتى وجدت الصفة كاملة وهو في ملكه عتق فإذا قال لعبده: إذا أديت إلى ألفا فأنت حر لم يعتق حتى يؤدي الألف جميعه فأن أبرأه السيد من الألف لم يعتق ولم يبطل التعليق فأن خرج عن ملكه قبل وجود الصفة بيع أو غيره لم يعتق فان عاد إلى ملكه عادت الصفة ولو وجدت في حال زوال ملكه ويبطل بموت السيد وإذا قال: إن دخلت الدار(3/135)
بعد موتي فأنت حر لم يصح ولم يعتق بوجود الشرط وأن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي فدخلها في حياة السيد صار مدبرا وأن دخلها بعد موته لم يعتق وأنت حر بعد موتي بشهر صح وما كسبت بعد الموت وقبل وجود الشرط فللورثة وليس لهم التصرف فيه بعد الموت وقبل وجود الشرط ببيع ونحوه وأن قال أخدم زيدا سنة بعد موتي ثم أنت حر صح فلو أبرأه زيد من الخدمة بعد موت السيد عتق في الحال فأن كانت الخدمة لكنيسة وهما كافران فأسلم العبد سقطت عنه الخدمة وعتق مجانا وإذا قال لعبده: أن لم أضربك عشرة أسواط فأنت حر ولم ينو وقتا لم يعتق حتى يموت أحدهما وأن باعه قبل ذلك صح ولم ينفسخ البيع ولو قال لجاريته: إذا خدمت ابني حتى يستغني فأنت حرة لم تعتق حتى تخدمه إلى أن يكبر ويستغني عن الرضاع وأن قال لهما أنت حرة أن شاء الله عتقت ويأتي في تعليق الطلاق بالشروط وأن قال حر أن ملكت فلانا فهو حر أو كل مملوك أملكه فهو حر ك صح وأن قال ذلك عبد ثم عتق وملك لم يعتق وتقدم آخر شروط البيع إذا علق عتقه على بيعه وأن قال: آخر مملوك أملكه فهو حر فملك عبيدا واحدا بعد واحد لم يعتق واحد منهم حتى يموت فيعتق آخرهم ملكا منذ ملكه وكسبه له دون سيده فأن ملك أمة حرم وطؤها حتى يملك غيرها وكذا الثانية وهلم جرا فأن تبين أنها آخر ما ملك كان أولادها أحرارا من حين ولدتهم لأنهم أولاد حرة وأن كان وطئها فعليه مهرها لكن ملك اثنين فأكثر معا أو علق العتق على أول مملوك(3/136)
يملكه فملكها أو قال لأمته: أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ولدين خرجا معا أو اشكل الأول عتق واحد بقرعة وأول مملوك ملكه حر ولم يملك إلا واحدا عتق وكذا آخر مملوك وأن قال لأمته: آخر ولد تلدينه فهو حر فولدت حيا ثم مات لم يعتق الأول وعكسه يعتق الحي وأن قال: أول أو آخر مملوك أشتريه حر فملكه بإرث أو هبة ونحوها لم يعتق وأن قال: أول ولد تلدينه أو إذا ولدت ولدا فهو حر فولدت ميتا ثم حيا لم يعتق الحي وعكسه يعتق وأول أمة أو امرأة تطلع حرة أو طالق فطلع الكل وطلق واحدة بقرعة يتبع حمل معتقه بصفة أن كان موجودا حال عتقها أو حال تعليق عتقها لا أن حملته ووضعته بينهما كما قبل التعليق وأن علق عتق عبده بصفة فوجدت في صحة السيد عتق من رأس المال وأن وجدت في مرض موته عتق من الثلث وتقدم في باب الهبة وأن قال أنت حر وعليك ألف أو على ألف عتق في الأولى ولا شيء عليه وفي الثانية أن قبل عتق وإلا فلا ومثلها أن قال: على أن تعطيني ألفا أو بألف أو بعتك نفسك بألف أو قال لأمته أعتقتك على أن تتزوجيني وتأتي تتمتها في أركان النكاح وأنت حر على أن تخدمني سنة عتق بلا قبول ولزمته الخدمة فأن مات السيد أثناء السنة رجع الورثة على العبد بقيمة ما بقي من الخدمة ولو باعه نفسه بمال في يده صح وعتق وله عليه الولاء ويجوز للسيد بيع هذه الخدمة من العبد أو غيره ولعل المراد بالبيع الإجارة وأن قال: أن أعطيتني ألفا فأنت حر(3/137)
فهو تعليق محض لا يبطل ما دام ملكه ولا يعتق بالإبراء منها بل يدفعها.(3/138)
فصل: وأن قال كل مملوك أو مماليكي أو رقيقي حر عتق
فصل: وأن قال كل مملوك أو مماليكي أو رقيقي حر عتق مدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده وعبيد عبده التاجر وأشقاصه ولو لم ينوها ولو قال عبدي أو أمتي حر أو زوجتي طالق ولم ينو معينا عتق الكل وطلق كل نسائه لأنه مفرد مضاف فيعم وأن قال أحد عبدي أو بعضهم حر ولم ينوه أو عينه ثم أنسيه أعتق أحدهم بالقرعة: وكذا لو أدى أحد مكاتبيه وجهل وأن قال لأمتيه إحداكما حرة ولم ينو حرم وطؤها بدون قرعة فأن وطئ واحدة لم تعتق الأخرى كما لو اعتقها ثم انسيها فأن مات أقرع الورثة وأن مات أحد العبدين أقرع بينه وبين الحي فأن علم ناس بعدها أن المعتق غيره عتق وبطل عتق الأول إلا أن تكون القرعة بحكم حاكم فيعتقان وقبل القرعة يقبل تعيينه فيعتق من عينه وأن قال: أعتقت هذا لا بل هذا عتقا وكذا الحكم في إقرار الوارث.(3/138)
فصل: وأن أعتق في مرض موته
فصل: وأن أعتق في مرض موته المخوف جزءا من عبده أو دبره مثل أن يقول: إذا مت فنصف عبدي حر أو وصي بعتقه وثلثه يحتمل جميعه عتق كله فلو مات العبد قبل سيده عتق بقدر ثلثه وكذا لو أعتق شركا له في عبد في مرض موته أو دبره وثلثه يحتمل باقيه ويعطي الشريك قيمة حصته وأن أعتق في مرضه ستة أعبد قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم ثم ظهر عليه دين يستغرقهم بيعوا في دينه فأن اعتقنا ثلثهم ثم ظهر له مال(3/138)
يخرجون من ثلثه عتق من أذن منهم وكان حكمهم حكم الأحرار من حين اعتقهم وكسبهم لهم منذ عتقوا وأن كانوا قد تصرف فيهم ببيع أو هبة أو رهن أو تزويج بغير إذن كان باطلا وأن كانوا قد تصرفوا فحكم تصرفهم حكم تصرف الأحرار فأن لم يظهر له مال غيرهم جزأناهم ثلاثة أجزاء كل اثنين جزءا ثم أقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمي رق فمن خراج له سهم الحرية عتق ورق الباقون فأن كانوا ثمانية فأن شاء أقرع بينهم بسهمي حرية وخمسة رق وسهم لمن ثلثاه حر وأن شاء جزأهم أربعة أجزاء وأقرع بينهم بسهم حرية وثلاثة رق ثم أعاد القرعة بين الستة لإخراج من ثلثاه حر وكيف أقرع جاز وأن أعتق في مرضه عبدين لا يملك غيرهما قيمة أحدهما مائتان والآخر ثلاثمائة جمعت قيمتهما وهي خمسمائة فجعلتها الثلث ثم أقرعت بينهما فأن وقعت على الذي قيمته مائتان ضربتها في ثلاثة تبلغ ستمائة ثم تنسبه منه الخمسمائة يكون العتق خمسة أسداسه وأن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه وكل شيء يأتي من هذا الباب فسبيله أن يضرب في ثلاثة ليخرج بلا كسر وأن أعتق واحدا من ثلاثة أعبد غير معين فمات أحدهم في حياته أقرع بينه وبين الحيين فان وقعت على الميت رق الآخران وأن وقعت على أحد الحيين عتق إذا خرج من الثلث وأن أعتق الثلاثة في مرض فمات أحدهم في حياة السيد أقرع بينه وبين الحيين وكذا الحكم لو أوصى بعتقهم فمات أحدهم بعده وقبل عتقهم أو دبرهم بعضهم ووصى بعتق الباقين فمات أحدهم وأن قال اشترني من سيدي بهذا المال واعتقني ففعل(3/139)
عتق ولزم مشتريه المسمى أن لم يكن اشتراه بعين المال وإلا بطلا.(3/140)
باب التدبير
مدخل
...
باب التدبير
وهو تعليق بالموت فلا تصح الوصية به ويعتبر من الثلث سواء دبره في الصحة أو المرض فأن لم يف الثلث بها وبولدها أقرع بينهما فأيهما خرجت القرعة لهي عتق أن احتمله الثلث وإلا عتق منه بقدره وأن فضل من الثلث بعد عتقه شيء كمل من الآخر كما لو دبر عبدا أو أمة وأن اجتمع العتق والتدبير في المرض قدم العتق ومن التدبير الوصية بالعتق ويصح ممن تصح وصيته وصريحه لفظ العتق والحرية المعلقين بموت السيد ولفظ التدبير وما تصرف منها: غير أمر ومضارع واسم فاعل.
وكنايات العتق المنجز تكون تدبيرا إذا أضاف إليه ذكر الموت ويصح تعليقه بالموت مطلقا نحو أن مت فأنت حر ومقيدا نحو أن مت من مرضي هذا افي عامي هذا أو في هذه البلد أو الدار فأنت حر أو مدبر وكذا أنت مدبر اليوم ويتقيد به فأن مات السيد على الصفة التي شرطها عتق وإلا فلا وأن قال: أن قرأت القرآن فأنت حر بعد موتي فقرأه جميعه في حياة السيد صار مدبرا ولا بعضه1 إلا إذا قال أن قرأت قرآنا وأن قال متى شئت أو أن شئت فأنت مدبر أو إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر ونحوه فأنت مدبر فشاء ولو متراخيا أو قدم زيد في حياة السيد لأبعدها صار مدبرا وأن قال: متى شئت بعد موتي فأنت حر أو أي وقت شئت بعد موتي لم يصح التعليق ولم يعتق وكذا لو قال: إذا مت
__________
1 أي لا يصير مدبرا إذا قرأ بعضه.(3/140)
فأنت حر أولا أو قال فأنت حر أو لست بحر وأن بطل التدبير أو قال رجعت فيه أو جحده أو رهن المدبر أو أوصى به لم يبطل لأنه تعليق العتق على صفة فأن مات السيد وهو رهن عتق وأخذ من تركته قيمته تكون رهنا مكانه وأن غير التدبير فكان مطلقا فجعله مقيدا لم يصح التقييد وأن كان مقيدا فأطلقه صح لأنه زيادة وأن أرتد المدبر ولحق بدار حرب لم يبطل تدبيره فأن سباه المسلمون لم يملكوه ويرد إلى سيده أن علم به قبل قسمة ويستتاب فأن تاب وإلا قتل وأن لم يعلم به حتى قسم فأن أختاره سيده أخذه بالثمن الذي حسب به على آخذه به وأن يختر آخذه بطل تدبيره ومتى عاد إلى سيده بوجه من الوجوه عاد تدبيره وأن مات سيده قبل سبيه عتق فأن سبى بعده لم يرد إلى ورثة سيده لكن يستتاب فان تاب وأسلم صار رقيقا يقسم بين الغانمين فأن لم يتب قتل ولم يجز استرقاقه وأن أرتد سيده أو دبره في ردته ثم عاد إلى الإسلام فالتدبير بحاله وأن قتل أو مات على ردته لم يعتق وللسيد بيع المدبر ولو أمة أو لبيع في غير الدين وهبته ووقفه فأن عاد إليه عاد التدبير وأن جنى بيع وأن بقي تدبيره وأن بيع بعضه فباقيه مدبر وللسيد وطء مدبرته وأن يشترطه فأن أولها بطل تدبيرها وله وطء أمتها أن لم يكن وطئ أمها وما ولدته من غير سيدها بعد تدبيرها كهي يعتق بموته سواء كان موجودا حال التعليق أو العتق أو حادثا بينهما ويكون مدبرا بنفسه فأن بطل في الأم لبيع أو غيره لم يبطل في الولد وأن عتقت الأم في حياة السيد لم يعتق ولدها حتى يموت السيد فلو قالت ولدت(3/141)
بعد تدبيري وأنكر السيد فقوله وكذا ورثته بعده ولا يعتق ما ولدته قبل التدبير لأنه لا يتبعها فيه وولد المدبر يتبع أمه لا أباه وإذا كاتب المدبر أو أم ولده أدبر المكاتب صح فأن أدى عتق وأن مات سيده قبل الأداء عتق أن حمله الثلث وإلا عتق منه بقدره وسقط من الكتابة بقدر ما عتقه منه وهو مكاتب فيما بقي وأن دبر أم ولده لم يصح إذ لا فائدة فيه وإذا عتق بالكتابة كان ما في يده له وأن عتق بالتدبير مع العجز عن أداء مال الكتابة كان ما في يده للورثة لأكسبه لأن كسب المدبر في حياة سيده لسيده وبعدها له وأن مات السيد قبل العجز وأداء جميع الكتابة عتق بالتدبير وما في يده للورثة أيضا وإذا دبر شركا له في عبد لم يسر التدبير إلى نصيب شريكه ولو موسرا فأن مات المدبر عتق نصيبه أن خرج من الثلث وأن لم يف نصيبه بقيمة حصة شريكه وأن كان يفي سري في بقيته ويعطي لشريكه قيمة حصته وتقدم آخر الباب قبله وأن عتق الشريك نصيبه قبل موت السيد المدبر وهو موسر عتق وسرى إلى نصيب شريكه وغرم قيمته لسيده وأن دبر كل واحد نصيبه فمات أحدهما عتق نصيبه وبقي نصيب الآخر على التدبير أن لم يف ثلث الميت بقيمة حصة شريكه وأن كان يفي بها سرى إليها كما تقدم وأن قال لعبدهما أن متنا فأنت حر فإذا مات أحدهما فنصيبه حر لأنه لا يعتق إلا بموتهما جميعا وإذا أسلم مدبر كافر أو قنه أو مكاتبه بيع عليه وأن أنكر السيد التدبير ولا بينة حلف على البت وأن كان المنكر ورثة السيد بعد موته حلف كل(3/142)
واحد من الورثة على نفي العلم ومن نكل منهم عتق نصيبه ولم يسر إلى باقيه وكذلك أن أقر لأن إعتاقه بفعل المورث لا بفعل المقر ولا الناكل وأن شهد به رجلان أو رجل وامرأتان أو حلف معه المدبر حكم به وكذا الكتابة وأن المدبر سيده بطل تدبيره.(3/143)
باب الكتابة
مدخل
...
باب الكتابة
وهي بيع سيد رقيقه أو بعضه بمال مؤجل في ذمته مباح معلوم يصح فيه السلم منجم يعلم قسط كل نجم ومدته وهي مندوبة لمن يعلم فيه خيرا أو هو الكتب والأمانة وتكره كتابة من لا كسب له ولا تصح كتابة المرهون والكتابة في الصحة والمرض من رأس المال واختار الموفق وجموع أنها في المرض المخوف من الثلث ولو كانت في الصحة واسقط دينه أو أعتقه في مرضه اعتبر خروج الأقل من رقبته أو دينه من الثلث ولو وصى بعتقه أو أبرأه الدين اعتبر أيهما من ثلثه ولو حمل الثلث بعضه عتق وباقيه على الكتابة ولا تصح إلا بقول من جائز التصرف وأن كانت مع قبوله وأن كاتب المميز صح لا مجنونا أو طفلا غير مميز فأن فعل لم يعتقا بالأداء بل بتعليق العتق به أن كان التعليق صريحا وإلا فلا وتصح كتابة الذمي عبده فأن اسلما أو أحدهما أو ترافعا إلينا أمضينا العقد أن كان موافقا للشرع وأن كانت فاسدة مثل أن يكون العوض خمرا ونحوه وقد تقابضاه في الكفر أمضيناه أيضا وحصل العتق سواء أترافعا قبل الإسلام أو بعده وأن تقابضاه في الإسلام فهي كتابة فاسدة(3/143)
ويأتي حكمها أن شاء الله وأن ترافعا قبل قبضه أبطلنا الكتابة وتصح كتابة الحربي في دار الحرب ودار الإسلام فأن دخلا متسأمنين إلينا لم يتعرض الحاكم لهما إلا أن يترافعا إليه فأن كانت صحيحة ألزمها حكمها وأن جاء وقد قهر أحد صاحبه بطلت الكتابة لأن دار الحرب دار قهر وإباحة فمن قهر صاحبه ولو حرا فهو حر "أملكه" وأن دخلا من غير قهر ثم قهر أحدهما الآخر في دار الإسلام لم تبطل وتنعقد بقوله كاتبتك على كذا مع قبوله وأن لم يقل فإذا أديت لي فأنت حر ولا تصح إلا بعوض مباح منجم بنجمين فأكثر يعلم لكل أجل نجم قسطه ومدته تساوت أولا فلا تصح حالة ولا على عبد مطلق ولا توقيت النجمين بساعتين ونحوه بل يعتبر ماله وقع في القدرة على الكسب صوبه في الإنصاف وأن كان ظاهر كلام الأصحاب خلافه وتصح على خدمة مفردة منجمة في مدتين فأكثر كأن يكاتبه في أول المحرم على خدمته فيه وفي رجب أو خياطة ثوب وبناء حائط عينهما وكذا لو قال على أن تخدمني هذا الشهر وخياطة كذا عقيب الشهر أو على أن تخدمني شهر معين أو سنة معينة لم يصح لأنه نجم واحد وتصح على خدمة ومال تقدمت الخدمة أو تأخرت أن كان المال مؤجلا ولو إلى أثنائها بخلاف الخدمة فأنه لا يشترط تأجيلها وإذا كاتب العبد وله مال فماله لسيده إلا أن يشترطه فأن كانت له سرية أن جوزنا للعبد التسري أو ولد منها فهو لسيده وإذا أدى(3/144)
ما كوتب عليه فقبضه السيد أو وليه أو أبرأه منه عتق لا قبل الأداء والإبراء وأن كاتبه على دنانير فأبرأه من دارهم أو بالعكس لم تصح البراءة إلا أن يزيد بقدر ذلك مما لي عليك ولو كان في ملكه ما يؤدي فهو عبد ما بقي عليه درهم فأن أبرأه بعض ورثته من حقه منها وكان موسرا عتق عليه كله وما فضل في يده بعد الأداء فله فأن مات أو قتل ولو كان القاتل السيد قبل الأداء انفسخت الكتابة ومات عبدا وكان ما في يده لسيده وأن عجل ما عليه قبل محله لزم سيده أخذه وعتق أن لم يكن فيه ضرر فلو أبى جعله الإمام في بيت المال ثم أداه إلى السيد وقت حلوله وحكم بعتق المكاتب في الحال وإذا كاتبه على جنس كدنانير ودراهم أو عرض لم يلزمه قبض غيره وإذا أدى العوض وعتق فبان العوض معيبا فله أرشه أو عوضه أن رده ولم يبطل عتقه وإذا احضر مال الكتابة فقال السيد هذا حرام أو غصب فأن أقر به المكاتب أو ثبت ببينة لم يلزم السيد قبوله ولا يجوز له وكذلك نفقة الزوجة وصداقها وكل حق أو عوض في عقد فأن أنكر ولم يكن للسيد بينة فقول العبد مع يمينه ثم يجب أخذه ويعتق فأن نكل عن اليمين لم يلزم السيد قبوله وأن حلف قيل للسيد: إما أن تقبضه وإما أن تبرئه ليعتق فأن قبضه وكان تمام كتابته عتق العبد ولم يمنع السيد من التصرف فيه أن لم يقر به لأحد وعليه أثمه فيما بينه وبين الله وأن أدعى أنه غصبه من فلان لزمه دفعه إليه فأن أبرأه من مال الكتابة لم يلزمه قبضه لأنه لم يبق عليه حق وأن لم يبرئه ولم يقبضه كان له دفع ذلك إلى الحاكم لينوب الحاكم(3/145)
في قبضه عنه ويعتق العبد ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته وأن اتفقا على زيادة الأجل والدين لم يجز وإذا دفع إلى السيد مال الكتابة ظاهرا فقال له السيد أنت حر أو قال هذا حر ثم بان العوض مستحقا لم يعتق بذلك فلو أدعى المكاتب أن السيد قصد بذلك عتقه وأنكر السيد فقول السيد.(3/146)
فصل: ويملك المكاتب نفع نفسه
فصل: ويملك المكاتب نفع نفسه وكسبه والإقرار وكل تصرف يصلح ماله من البيع والشراء والإجارة والاستئجار والإنفاق على نفسه وولده التابع له من أمته ورقيقه وله أن يقتص لنفسه ممن جنى عليه على طرفه او جرحه بغير إذن سيده وله شراء ذوي رحمه وقبولهم إذا وهبوا له أو وصى له بهم ولو أضروا بماله وله أن يفديهم إذا جنوا وإذا ملكهم لم يجز بيعهم وكسبهم له وحكمهم حكمه: أن عتق عتقوا وان عجز رقوا لسيده إلا إذا أعتقه سيده فلا يعتقون بل إرقاء لسيده وولده من أمته كذلك وله تأديب رقيقه وتعزيرهم وختنهم لا إقامة الحد عليهم وله المطالبة بالشفعة والأخذ بها ولو من سيده وكذا السيد منه لأنه مع سيده في البيع والشراء كالأجنبي وله الشراء نسيئة بلا رهن وله شراء من يعتق على سيده وسفره كمدين وتقدم في الحجر وله أخذ الصدقة ولا يسال الناس صح فلو خالف وفعل كان لسيده تعجيزه ولا يصح شرط نوع بحارة وليس له أن يسافر لجهاد ولا يبيع نساء ولو برهن وضمن ولو بأضعاف قيمته وأن باع بأكثر من قيمته حالا(3/146)
وجعل الزيادة مؤجلة جاز ولا يرهن ماله ولا يضارب ولا يتزوج ولا يتسرى ولا يقرض ولا يتبرع ولا يدفع ماله سلما ولا يهب ولو بثواب مجهول ولا يحابي ولا يعير دابته ولا يوصي بماله ولا يحط عن المشتري شيئا ولا يضمن ولا يتكفل أحدا ولا ينفق على قرينه غير ولده الذي يتبعه ولا يتوسع في النفقة ولا يقتص إذا قتل بعض رقيقه بعضا ولا يكاتبه ولا يعتقه ولو بمال في ذمته ولا يزوجه ولا يكفر بمال إلا بأذن سيده في هذه المسائل كلها وأن أذن له في التكفير بالمال لم يلزمه وكذا تبرعه ونحوه وولاء من يعتقه أو يكاتبه لسيده ولو مع عدم عجزه ورجوعه إلى الرق إلا أن يؤدي هو قبل أن يؤدي مكاتبه فيكون ولاء كل منهما لسيده الذي كاتبه وإذا كوتبت الأمة وهي حامل أو ولدت بعدها تبعها ولدها أن عتقت بأداء أو إبراء أمة ولا يتبعها ما ولدته قبل الكتابة ولو أعتق السيد الولد صح عتقه وإذا اشترى المكاتب زوجته أو اشترت المكاتبة زوجها انفسخ النكاح وان استولد أمته صارت أم ولد له وامتنع عليه بيعها وأن لزمته ديون معاملة تعلقت بذمته يتبع بعد العتق ولا يملك غريمه تعجيزه وأن عجز تعلقت بذمة سيده.(3/147)
فصل: ولا يملك السيد شيئا من كسبه
فصل: ولا يملك السيد شيئا من كسبه ويحرم الربا بينهما إلا في مال الكتابة وتقدم آخر الربا لتجويزهم تعجيل الكتابة بشرط أن يضع بعضها فيجوز في هذه الصورة وأن جنى السيد عليه فله الأرش ولا(3/147)
قصاص وأن حبسه فعلى السيد أرفق الأمرين بالمكاتب من أنظاره مثل تلك المدة أو أجرة مثله وأن جنى المكاتب على غيره ولو على سيده تعلقت برقبته واستوى الأول والآخر ولو كان بعضها في كتابته وبعضها بعد تعجيزه وعليه فداء نفسه مقدما على الكتابة ولو حل نجم إلا أن يشاء ولي الجناية من سيده وغيره التأخير إلى بعد وفاء مال الكتابة فأن كان فيها ما يوجب القصاص فلمستحقه استيفاؤه وتبطل حقوق الآخرين أن كان في النفس وأن عفا على مال صار حكمه حكم الجناية الموجبة للمال فأن أدى وعتق فالضمان عليه وأن أعتقه سيده أو قتله فالضمان عليه وأن عجزه فعاد قنا خير بين فدائه وتسليمه وإذا كان أرش الجناية للسيد عجزه سقط عنه مال الكتابة وأرش الجناية وأن بدأ المكاتب فدفع مال الكتابة إلى سيده وكان ولي الجناية سأل الحاكم فحجز عليه لم يصح دفعه إلى سيده ويرتجعه ويسلمه إلى ولي الجناية فأن وفي بما لزمه من أرشها وإلا باع الحاكم منه ما بقي وباقيه باق على كتابته فان أدى عتق بالكتابة وسرى العتق إلى باقيه أن كان السيد موسرا وأن لم يكن الحاكم حجر عليه صح دفعه إلى السيد والواجب في الفداء أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ولا يجبر المكاتب على الكسب لوفاء دين الكتابة بخلاف سائر الديون.(3/148)
فصل: وان وطىء مكاتبته في مدة الكتابة
...
فصل: وأن وطئ مكاتبته في مدة الكتابة
فصل: وأن وطئ مكاتبته في مدة الكتابة بشرط جاز ولا مهر وبلا شرط يؤدب عالم بالتحريم منه ومنها ويلزمه مهر ولو مطاوعة كأمتها ولا حد فأن تكرر وطؤه قبل أن يؤدي مهره فمهر واحد ومتى أدى مهر(3/148)
وطء لزمه مهر ما بعده فأن أولدها سواء وطئها بشرط أو لا أو أولد أمته ثم كاتبها صارت أم ولد له وولده حر فأن أدت عتقت وكسبها لها وأن مات ولم تؤد أو عجزت عتقت بموته وسقط ما بقي عليها من كتابتها وما في يدها لورثته ولو مات قبل عجزها وكذا الحكم فيما إذا أعتق المكاتب سيده ولا يملك السيد إجبار مكاتبته ولا ابنتها ولا أمتها على التزويج وليس لواحدة منهن التزويج فلا أذنه وليس له وطء بنت مكاتبته ولو بشرط فأن فعل فلا حد عليه ويأثم ويعذر ولها المهر حكمه حكم كسبها يكون لأمها فأن أحبلها صارت أم ولد له والولد حر يلحقه نسبه ولا تجب عليه قيمتها وليس له وطء جارية مكاتبته ولا مكاتبته فان فعل أثم وعزر ولا حد وعليه مهرها لسيدها وولده منها حر يلحقه نسبه وتصير أم ولد له وعليه قيمتها لسيدها ولا يجب عليه قيمة الولد ولو كاتب اثنان جاريتهما ثم وطئها أحدهما أدب فوق أدب الواطئ المكاتبة الخالصة وعليه لها مهر مثلها فأن وطئاها فلها على كل واحد منها مهر فأن كانت بكرا فعلى الأول مهر بكر وعلى الآخر مهر ثيب وأن أولدها أحدهما فولده حر وتصير أم ولدله ومكاتبة له كما لو اشترى نصفها من شريكه وعليه له نصف قيمتها مكاتبة له لأنه أتلفها عليه فأن كان موسرا أداه وأن كان معسرا ففي ذمته وعليه له نصف قيمة ولدها ونصف مهر مثلها وأن ألحق بهما فهي أم ولدهما يعتق نصفها بموت أحدهما وباقيها بموت الآخر ويجوز بيع المكاتب وهبته والوصية به وولده التابع له وتقدم في الهبة والموصي إليه(3/149)
ومن أنتقل إليه يقوم مقامه مكاتبه يؤدي إليه ما بقي من كتابته فإذا أدى إليه عتق وولاؤه لمن انتقل إليه وأن عجز عادقنا وأن لم يعلم مشتريه أنه مكاتب فله الرد أو الأرش ولا يجوز بيع ما في ذمة المكاتب وتصح وصية السيد لمكاتبه ودفع زكاته إليه وأن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخر صح شراء الأول فقط وسواء كانا لواحد أو لاثنين وولاؤه للسيد على مقتضى ما سبق فان جهل الأول بطل البيعان ويرد كل واحد منهما إلى كتابته وأن أسر فاشتراه أحد فلسيده أخذه بما اشترى به وهو على كتابته ولا يحتسب عليه بمدة الأسر وأن لم يأخذه فهو لمشتريه بما بقي من كتابته يعتق بالأداء وولاؤه له ومن مات وفي وراثه زوجة لمكاتب انفسخ نكاحها وكذا لو ورث رجل زوجته المكاتبة أو غيرها.(3/150)
فصل: والكتابة الصحيحة عقد لازم من الطرفين
...
فصل: الكتابة الصحيحة عقد لازم من الطرفين
فصل: الكتابة الصحيحة عقد لازم من الطرفين لا يدخلها خيار على مستقبل ولا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه وال الحجر عليه ويعتق بالأداء إلى سيده ومن يقوم مقامه من ورثته وغيرهم وتصح الوصية بمال الكتابة فأن سلمه المكاتب إلى الموصي له أو وكيله أو وليه كان محجورا عليه برئ وعتق وولاؤه لسيده الذي كاتبه وأن أبرأه الموصي له من مال الكتابة عتق فأن أعتقه لم يعتق وأن عجز ورد في الرق صار عبدا للورثة وما قبضه الموصي له فهو له وتبطل الوصية فيما لم يقبضه وأن وصى به للمساكين ووصى إلى من يقبضه ويفرقه بينهم صح ومتى سلم المال إلى الموصي برئ وعتق وأن أبرأه منه لم يبرأ(3/150)
لأن الحق لغيره وأن دفعه المكاتب إلى المساكين لم يبرأ ولم يعتق لأن التعيين إلى الموصي وأن وصى بدفع المال إلى غرمائه تعين القضاء منه كما لو وصى به عطية لهم فأن كان إنما وصى بقضاء ديونه مطلقا كان على المكاتب أن يجمع بين الورثة والوصي بقضاء الدين ويدفعه إليهم بحضرته لأن المال للورثة ولهم قضاء الدين منه ومن غيره وللوصي في قضاء الدين حق لأن له منعهم من التصرف قبل قضاء الدين وتقدم في باب الموصي له: الوصية للمكاتب بمال الكتابة: ولا يملك أحدهما فسخها إلا السيد له الفسخ إذا حل نجم فلم يؤده المكاتب ولو لم يقل قد عجزت وإذا حل النجم وماله حاضر عنده طولب به ولم يجز الفسخ قبل الطلب فأن طلب منه فذكر أنه غائب عن المجلس في ناحية من نواحي البلد أو قريب منه لم يجز الفسخ وأمهل ويلزمه أنظاره ثلاثا لبيع عرض أو لمال غائب دون مسافة قصر يرجو قدومه ولدين حال على ملئ أو مودع وإذا حل نجم والمكاتب غائب بغير إذن سيده فله الفسخ لا أن غاب بإذنه لكن يرفع الأمر إلى الحاكم لكتب كتابا إلى حاكم البلد الذي فيه المكاتب ليأمره بالأداء أو يثبت عجزه عنده فيفسخ السيد أو وكيله حينئذ وأن كان قادرا على الأداء أمره بالخروج إلى البلد الذي فيه السيد ليؤدي أو يوكل من يؤدي فأن فعله في أول حال الإمكان عند خروج القافلة أن كان لا يمكنه الخروج إلا معها لم يجز الفسخ وأن أخره مع الإمكان ومضى زمن المسير فللسيد الفسخ وأن كان قد جعل السيد للوكيل الفسخ عند امتناع المكاتب من(3/151)
الدفع إليه جاز وله الفسخ إذا ثبتت وكالته ببينة بحيث يأمن من المكاتب إنكار السيد فأن لم يثبت ذلك لم يلزم المكاتب الدفع إليه وكان له عذرا يمنع جواز الفسخ وحيث جاز الفسخ لم يحتج إلى حكم حاكم وليس للعبد فسخها ولقادر على الكسب تعجيز نفسه أن لم يملك وفاءا فأن ملكه أجبر على وفائه ثم عتق ويجوز فسخها باتفاقهما ويجب على سيده ولو كان العبد المكاتب ذميا أن يؤتيه ربع مال الكتابة أن شاء وضعه عنه من أول الكتابة أو من أثنائها وأن شاء قبضه ثم دفعه إليه والوضع عنه أفضل وأن مات السيد قبل الإيتاء فهو دين في تركته فأن أعطاه السيد من جنس مال الكتابة لزمه قبوله وأن أعطاه من غير جنسها مثل أن يكاتبه على دراهم فيعطيه دنانير أو عروضا لم يلزمه قبوله وأن أدى ثلاثة أرباع المال وعجز عن الربع لم يعتق وللسيد فسخها لكن لو كان له على السيد مثل ما له عليه حصل التقاص وعتق عليه.(3/152)
فصل: وأن كاتب عبيده اثنين فأكثر
فصل: وأن كاتب عبيده اثنين فأكثر أو أماءه صفقة واحدة بعوض واحد صح وقسط بينهم بقدر قيمتهم يوم العقد ويكون كل واحد منهم مكاتبا بقدر حصته فمن أدى ما قسط عليه عتق وحده ومن عجز فللسيد فسخ كتابته فقط وأن شرط عليهم في العقد ضمان كل واحد منهم عن الباقين فسد الشرط وصح العقد وأن اختلفوا بعد أن أدوا أو عتقوا في قدر ما أدى كل واحد منهم فقال من كثرت قيمته: أدينا على قدر قيمتنا وقال آخر: أدينا على السواء فبقيت لنا على(3/152)
الأكثر بقية فقول من يدعي أداء قدر الواجب عليه فأن شرط السيد على المكاتب أن يرثه دون ورثته أو يزاحمهم في مواريثهم ففاسد ولا تفسد الكتابة وأن شرط عليه خدمة معلومة بعد العتق جاز وإذا كاتبه على ألفين في رأس كل شهر ألف وشرط أن يعتق عنه أداء الأول صح ويعتق عند أدائه ويبقى الألف الآخر دينا عليه بعد عتقه ومن كاتب بعض عبده ملك من كسبه بقدره فأن أدى ما عليه عتق كله وأن كاتب حصة له في عبد صح سواء كان باقيه حرا أو ملكا لغيره بإذن شريكه أو لا فأن أدى ما كوتب عليه ومثله لسيده الآخر عتق كله أن كان كاتبه موسرا وعليه قيمة حصة شريكه فأن أعتق الشريك قبل أدائه عتق كله أن كان موسرا وعليه قيمة نصيب المكاتب وأن كاتبا عبدهما ولو متفاضلا صح ولم يؤد إليهما إلا على قدر ملكيهما فأن قبض أحدهما دون الآخر بغير أذنه شيئا لم يصح القبض وللآخر أن يأخذ منه حصته فان كاتباه منفردين فأدى إلى أحدهما ما كاتبه عليه لكون نصيبه من العوض أقل أو أبرأه من حصة عتق نصيبه خاصة أن كان معسرا وإلا كله وأ كاتباه كتابة واحدة فأدى إلى أحدهما مقدار حقه بغير إذن شريكه لم يعتق منه شيء وأن كان بإذنه عتق نصيبه وسرى إلى باقيه أن كان موسرا وضمن نصيب شريكه بقيمته مكاتبا ولو كاتب ثلاثة عبدا فأدعى الأداء إليهم فأنكره أحدهم شاركهما فيما أقرا بقبضه وتقبل شهادتهما عليه نصا وأن اختلفا في الكتابة فقول من ينكرها وأن اختلفا في قدر عوضها أو جنسه أو أجلها فقول سيد(3/153)
وأن اختلفا في وفاء مالها فقول سيد وأن أقام العبد شاهدا وحلف معه أو شاهدا وامرأتين ثبت الأداء وعتق وأن أقر السيد ولو في مرض موته بقبض مال الكتابة عتق العبد ولو قال استوفيت كتابتي كلها أن شاء الله أو شاء زيد عتق كما لو لم يستثن.(3/154)
فصل: الكتابة الفاسدة
فصل: والكتابة الفاسدة كما إذا كان العوض حراما كخمر ونحوه أو مجهولا لا كثوب ودار تكون جائزة من الطرفين لكل منهما فسخها ولا يلزمه قيمة نفسه ويغلب فيها حكم الصفة في أنه إذا أدى عتق لا أن أبرئ سواء كان فيه صفة كقوله: أن أديت إلى فأنت حر أو لم يكن وتنفسخ بموت السيد وجنونه والحجر عليه بسفه ويملك السيد أخذ ما في يده قبل الأداء وما فضل بعد لأن كسبه هنا للسيد ويتبع المكاتبة ولدها فيها من غير سيدها ولا يجب الإيتاء وإذا شرط في كتابته أن يوالي من شاء فالشرط باطل والولاء لمن أعتق.(3/154)
باب احكام أمهات الأولاد
مدخل
...
باب أحكام أمهات الأولاد
أم الولد من ولدت ما فيه صورة ولو خفية ولو ميتا من مالك ولو بعضها ولو مكاتبا أو محرمة عليه أو أبى مالكها أن لم يكن الابن وطئها وتعتق بموته وأن لم يملك غيرها فأن وضعت جسما لا تخطيط فيه كمضغة ونحوها لم تصر به أم ولد وأن ملك حاملا من غيره فوطئها حرم بيع الولد ويعتقه وإن أصابها في ملك غيره بنكاح(3/154)
أو شبهة عتق الحمل لا بزنا ولم تصر أم ولد وأن وطئ أمته المزوجة أدب ولا حد عيه وأن أولدها صارت أم ولد له وتعتق بموته وولده حر وما ولدت بعد ذلك من الزوجة فله حكم أمه وكذا لو ملك أخته أو بنته من الرضاع فوطئها واستولدها أو أمة مجوسية أو وثنية أو ملك الكافر أمة مسلمة فأستولدها أو وطئ أمته المرهونة أو وطئ رب المال أمة من مال المضاربة وأحكام أم الولد أحكام الأمة من وطء وخدمة وإجازة ونحوها إلا في التدبير وفيما ينقل الملك في رقبتها كبيع وهبة ووقف أو يراد له كرهن وتصح كتابتها كما تقدم وهي بيع ولا تورث وولدها الحادث من غير سيدها بعد الاستيلاد حكمها في العتق بموت سيدها سواء عتقت أو ماتت قبله إلا أنه لا يعتق باعتاقها وولد المدبرة وولد المكاتبة بعد تدبيرها كهي لكن إذا ماتت يعود رقيقا وإذا عتقت أم الولد بموت سيدها فما في يدها لورثته إلا ثياب اللبس المعتاد وكذا لو عتقت بتدبير أو غيره وأن مات وهي حامل منه فلها النفقة لمدة حملها من حال حملها وإلا فعلى وراثه وإذا جنت تعلق أرش جنايتها برقبتها وعلى السيد يفديها بأقل الأمرين من قيمتها يوم الفداء معيبة بعيب الاستيلاد أو أرش جنايتها وسواء كانت الجناية على بدن أو مال أو بإتلاف أو إفساد نكاح برضاع كما يأتي في الرضاع وكلما جنت فداها فأن كانت الجنايات كلها قبل فداء شيء منها تعلق أرش الجميع برقبتها ولم يكن عليه فيها كلها إلا الأقل من قيمتها أو أرش جميعها ويشترك المجني عليهم في الواجب لهم كالغرماء وأن كانت(3/155)
الجناية الثانية بعد فدائه عن الأولى فعليه فداؤها من التي بعدها كالأولى وأن ماتت قبل فدائها فلا شيء على سيدها لأنه لم يتعلق بذمته شيء إلا أن يكون هو الذي أتلفها فيكون عليه قيمتها وله تزويجها وأن كرهت وأن قتلته ولو عمدا عتقت ولوليه مع فقد ولدها من سيدها القصاص وأن عفوا على مال أو كانت الجناية خطأ فعليها الأقل من قيمتها أو دينه ولا حد على قاذفها ويعزر.(3/156)
فصل: وإذا أسلمت أم ولد الكافر
فصل: وإذا أسلمت أم ولد الكافر حيل بينه وبينها ما لم يسلم وألزم بنفقتها أن لم يكن لها كسب إلا أن يموت فتعتق وأن كان كسبها لا يفي بنفقتها لزمه إتمامها ومن وطئ أمه بينه وبين آخر فلم تحبل منه لزمه نصف مهرها لشريكه وأن أحبلها صارت أم ولد له وولده حر ولم يلزمه لشريكه سوى نصف قيمتها وأن كان معسرا ثبت في ذمته فأن وطئها الشريك بعد ذلك وأحبلها لزمه مهرها ولم تصر أم ولد له وأن جهل إيلاد الأول أو أنها مستولدة فولده حر وعليه فداؤه يوم الولادة وإلا فولده رقيق سواء كان الأول موسرا أو معسرا.(3/156)
كتاب النكاح
*
مدخل
...
كتاب النكاح
وخصائص النبي صلى الله عليه وسلم
وهو عقد التزويج: وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء والمعقود عليه منفعة الاستمتاع لا ملكها: - يسن لمن له شهوة ولا يخاف الزنا ولو فقيرا واشتغاله به أفضل من التخلي لنوافل العبادة ويباح لمن لا شهوة(3/156)
له ويجب على من يخاف الزنا من رجل وامرأة علما أو ظنا ويقدم حينئذ على حج واجب نصا ولا يكتفي في الوجوب بمرة واحدة بل يكون في مجموع العمر ولا يكتفي بالعقد فقط بل يجب الاستمتاع ويجزي تسر عنه ومن أمره به والده أو أحدهما قال أحمد أمرته أن يتزوج - قال الشيخ: وليس لهما إلزامه بنكاح من لا يريد فلا يكون عاقا كأكل ما لا يريد - ويجب بالنذر وليس له أن يتزوج ولا يتسرى ولا يطأ زوجته أن كانت معه بدار حرب إلا لضرورة ويصح النكاح ولو في غير الضرورة ويجب عزله ولا يتزوج منهم ويستحب نكاح دينة ولود وبكر وإلا أن تكون مصلحته في نكاح الثيب أرجح من بيت معروف بالدين والقناعة حسيبة وهي النسيبة أي طيبة الأصل لا بنت زنا ولقيطة ومن لا يعرف أبوها وأن تكون جميلة أجنبية ولا يزيد على واحدة أن حصل بها إلا عفاف ويسن وقال الأكثر يباح "لوروده بعد الحظر" لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته: النظر ويكرره ويتأمل المحاسن ولو بلا أذن "ولعله أولى أن أمن الشهوة" إلى ما يظهر منها غالبا: كوجه ورقبة ويد وقدم فأن لم يتيسر له النظر أو كرهه بعث إليها امرأة تتأملها ثم تصفها له وتنظر المرأة إلى الرجل إذا عزمت على نكاحه لأنه يعجبها منه ما يعجبه منها قال ابن الجوزي في كتاب النساء: ويستحب لمن أراد أن يزوج ابنته أن ينظر لها شابا مستحسن الصورة ولا يزوجها دميما وهو القبيح ويأتي في الباب بعده وعلى من استشير في خاطب أو مخطوبة أن يذكر ما فيه(3/157)
من مساوئ وغيرها ولا يكون غيبة محرمة إذا قصد به النصيحة وأن استشير في أمر نفسه بينه كقوله: عندي شح وخلقي شديد ونحوهما ولا يصلح من النساء من قد طال لبثها مع رجل ومن التغفيل أن يتزوج الشيخ صبية ويمنع المرأة من مخالطة النساء فأنهن يفسدنها عليه والأولى إلا يسكن بها عند أهلها وإلا يدخل بيته مراهق ولا يأذن لها في الخروج ولرجل نظر ذلك ورأس وساق من الأمة المستأمة وهي المطلوب شراؤها وكذا الأمة غير المستأمة "وهو أصوب مما في التنقيح" ومن ذات محارمه وهي من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح لحرمتها إلا نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلا وتقدم في الحج فيحرم النظر إلى أم المزني بها وبنتها لأن تحريمهن بسبب محرم وكذا المحرمة باللعان وبنت الموطوءة بشبهة وأمها ولا تسافر المسلمة مع أبيها الكافر لأنه ليس محرما لها في السفر نصا وأن كانت الأمة جميلة وخيفت الفتنة بها حرم النظر إليها كالغلام الأمرد ونصف أن الجميلة تنتقب ولعبده لا مبعض ومشترك - وأفتى الموفق بلى - نظر ذلك من مولاته وكذا غير أولى الأربة وهو من لاشهوة له كعنين وكبير ومخنث ومن ذهبت شهوته لمرض لا يرجى برؤه وينظر ممن لا تشتهي كعجوز وبرزة وقبيحة إلى غير عورة صلاة ويحرم نظر خصي ومجبوب إلى أجنبية نصا كفحل ولشاهد نظر مشهود عليها تحملا وأداء عند المطالبة منه ونصه وكفيها مع الحاجة وكذا لمن يعاملها في بيع وإجارة ونحو ذلك ولطبيب نظر ولمس ما تدعو الحاجة إلى نظره(3/158)
ولمسه حتى فرجها وباطنها ويكن ذلك مع حضور محرم أو زوج ويستتر منها ما عدا موضع الحاجة ومثله من يلي خدمة مريض أو مريضة في وضوء واستنجاء وغيرهما وكتخليصها من غرق وحرق ونحوهما وكذا لو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته نصا ولصبي مميز غير ذي الشهوة ما فوق السرة وتحت الركبة وذو الشهوة وبنت تسع كذي رحم ومن له النظر لا يحرم البروز له ولا يحرم النظر إلى عورة الطفل والطفلة قبل السبع ولا لمسها نصا ولا يجب سترها مع أمن الشهوة ولا يجب الاستتار منه في شيء وللمرأة مع الرجل والمرأة ولو كافرة وللرجل مع الرجل ولو أمرد نظر ما فوق السرة وتحت الركبة وخنثي مشكل في النظر إليه كامرأة ونظره إلى رجل كنظر امرأة إليه وإلى امرأة كنظر رجل إليها ويجوز النظر إلى الغلام بغير شهوة ما لم يخف ثورانها فيحرم إذا كان مميزا ويحرم النظر إلى أحد منهم بشهوة أو خوف نصا ولمس كنظر وأولى ومعنى الشهوة التلذذ بالنظر ولا يجوز النظر إلى الحرة الأجنبية قصدا ويحرم نظر شعرها لا الباين وتقدم في السواك وصوتها ليس بعورة ويحرم التلذذ بسماعه ولو بقراءة ويحرم النظر مع شهوة تخنيث وسحاق وداية يشتهيها ولا يعف عنها وكذا الخلوة بها وتحرم الخلوة لغير محرم على الكل مطلقا كخلوته بأجنبية ولو رتقاء فأكثر وخلوة أجانب بها وتحرم بحيوان يشتهي المرأة وتشتهيه كالقرد - وقال الشيخ: الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كامرأة ولو لمصلحة تعليم وتأديب والمقر مولاه عند من يعاشره(3/159)
كذلك ملعون ديوث ومن عرف بمحبتهم ومعاشرة بينهم منع من تعليمهم وقال أحمد لرجل معه غلام جميل هو ابن أخته الذي أرى لك إلا يمشي معك في طريق وكره أحمد مصافحة النساء وشدد أيضا حتى لمحرم وجوزه لوالد ويجوز أخذ يد عجوز ولا بأس للقادم من سفر بتقبيل ذوات المحارم إذا لم يخف على نفسه لكن لا يفعله على الفم بل الجبهة والرأس ولكل واحد من الزوجين نظر جميع بدن الآخر ولمسه بلا كراهة حتى الفرج قال القاضي: يجوز تقبيل فرج المرأة قبل الجماع ويكره بعده: وكذا سيد مع أمته المباحة ولا ينظر من المشتركة عورتها ويحرم أن تتزين لمحرم غيرهما وله النظر من أمته المزوجة والوثنية والمجوسية إلى ما فوق السرة وتحت الركبة - قال في الترغيب وغيره: ويكره النظر إلى عورة نفسه فلا حاجة - ويكره نوم رجلين أو امرأتين أو مراهقين متجردين تحت ثوب واحد أو لحاف واحد - قال في المستوعب: ما لم يكن بينهما ثوب - وأن كان أحدهما ذكرا غير زوج وسيد أو مع أمرد حرم وإذا بلغ الأخوة عشر سنين ذكروا كانوا أو إناثا وذكورا فرق وليهم بينهم في المضاجع فيجعل لكل منهم فراشا وحده.(3/160)
فصل: ويحرم التصريح بخطبة معتدة
فصل: ويحرم التصريح "وهو ما لا يحتمل غير النكاح" بخطبة معتدة بائن إلا لزوج تحل له ويرحم تعريض "وهو ما يفهم منه النكاح مع احتمال غيره" بخطبة رجعية ويجوز في عدة الوفاة والبائن بطلاق ثلاث وبغير الثلاث ويفسخ لعنة وعيب وهي في الجواب كهو فيما يحل ويحرم والتعريض نحو أن يقول أني في مثلك لراغب ولا تفوتيني(3/160)
بنفسك وإذا أنقضت عدتك فأعلميني وما أشبه ذلك مما يدلها على رغبته فيها وتجيبه: ما يرغب عنك وأن قضى شيء كان ونحو ذلك فأن صرح نكاحه ولا يحل لرجل أن يخطب على خطبه مسلم - لا كافر كما لا ينصحه نصا - أن أجيب تصريحا أو تعريضا أن علم فأن فعل صح العقد كالخطبة في العدة بخلاف البيع فان لم يعلم أجيب أم لا أو رد لو بعد الإجابة أو لم يركن إليه أو إذن له أو سكت عنه أو كان قد عرض لها في العدة أو ترك الخطبة جاز ولا يكره للولي ولا للمرأة الرجوع عن الإجابة لغرض وبلا غرض يكره وأشد منه تحريما من فرض له ولي الأمر على الصدقات أو غيرها ما يستحقه فيجيء من يزاحمه أو ينزعه عنه والتعويل في الرد والإجابة عليه أن لم تكن مجبرة وإلا فعلى الولي لكن لو كرهت المجاب واختارت غيره وعينته سقط حكم إجابة وليها لأن اختيارها يقدم على اختياره - قال الشيخ: ولو خطبت المرأة أو وليها الرجل ابتداء فأجابها فينبغي ألا يحل لرجل آخر خطبتها إلا أنه أضعف من أن يكون هو الخاطب ونظير الأولى أن تخطبه امرأة أو وليها بعد أن خطب هو امرأة فأن هذا بمنزلة البيع على بيع على أخيه قبل انعقاد العقد وذلك كله ينبغي أن يكون حراما انتهى - والسعي من الأب للأيم في التزويج واختيار الأكفاء غير مكروه لفعل عمر رضي الله عنه ولو أذنت لوليها أن يزوجها من رجل بعينه فهل يحرم على أخيه المسلم(3/161)
خطبتها أم لا؟ احتمالان ويستحب عقد النكاح يوم الجمعة مساء بعد خطبة ابن مسعود: يخطبها العاقد أو غيره قبل الإيجاب والقبول وكان أحمد إذا حضر عقد نكاح ولم يخطب فيه بها قام وتركهم وليست واجبة وهي: أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيآت أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات اتقوا اله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام أن الله كان عليكم رقيبا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا الآية وبعد فأن الله أمر بالنكاح ونهى عن السفاح فقال مخبرا وآمرا وانكحوا الأيامى منكم الآية ويجزئ عن ذلك أن يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم والمستحب خطبة واحدة لا اثنتان إحداهما من الزوج قبل قبوله1 ويستجب ضرب الدف في الأملاك حتى يشتهر ويعرف نصا قيل ل أحمد ما لصوت؟ قال: يتكلم ويتحدث ويطهر ويسن إظهار النكاح ويأتي آخر الوليمة وأن يقال للمتزوج بارك الله لك وعليك وجمع بينكما في خير وعافية وأن يقول إذا زفت إليه اللهم أني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه.
__________
1 والأخرى من العاقد.(3/162)
فصل: خص النبي صلى الله عليه وسلم بواجبات ومحضورات ومباحات وكراهات
...
فصل: خص النبي صلى الله عليه وسلم بواجبات ومحظورات ومباحات وكراهات
فصل: خص النبي صلى الله عليه وسلم بواجبات ومحظورات ومباحات وكراهات - قاله أحمد - فالواجبات: الوتر وهل هو قيام الليل أو غيره؟ احتمالان: الأظهر الثاني والسواك لكل صلاة والأضحية وركعتا
__________
1 والأخرى من العاقد.(3/162)
الفجر "وفي الرعاية والضحى - وغلطه الشيخ" وقيام الليل لم ينسخ1 وأن يخير نساءه بين فراقه والإقامة معه2 وإنكار المنكر إذا رآه على كال حال3 والمشاورة في الأمر مع أهله وأصحابه4 ومصابرة العدو الكثير للوعد بالنصر.
ومنع من الرمز بالعين والإشارة بها ونزع لأمة الحرب إذا لبسها حتى يلقي العدو وإمساك من كرهت نكاحه ومن الشعر والخط وتعلمهما ومن نكاح الكتابية كالأمة ومن الصدقة5 ولو تطوعا أو غير مأكولة والزكاة على قرابتيه وهما بنو هاشم وبنو المطلب - وقال القاضي في قوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآية تدل على أن من لم تهاجر معه لم تحل له - وكان لا يصلي أولا6 على من مات وعليه دين لا وفاء له: كأنه ممنوع منه إلا مع ضامن: ويأذن لأصحابه في الصلاة عليه ثم نسخ المنع فكان آخر يصلي عليه ولا ضامن ويوفي دينه من عنده وظاهر كلامهم لا يمنع من الإرث
__________
1 أنكر الشيخ ابن تيمية مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الضحى – وعدم نسخ قيام الليل هو صحيح المذهب.
2 يدل على ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} الآية.
3 يريد ولو ترتب عليه إيذاؤه بسبب إنكاره وذلك بخلاف غيره.
4 كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما عن الخطأ كبقية الأنبياء وإنما وجبت عليه المشاورة بقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} للتشريع.
5 بريد من أخذه الصدقة.
6 قوله "أولا" أي في أول الإسلام.(3/163)
وفي عيون المسائل لا يرث ولا يعقل بالإجماع وأبيح له أن يتزوج بأي عدد شاء - وفي الرعاية: كان له أن يتزوج بأي عدد شاء إلى أن نزل قوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} انتهى - ثم نسخ لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بترك التزويج فقال تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} الآية وله التزوج بلا ولي ولا شهود وبلا مهر وبلفظ الهبة وتحل له بتزويج اله كزينب وإذا تزوج بلفظ الهبة لا يجب مهر العقد ولا بالدخول وله أن يتزوج في زمن الإحرام وأن يردف الأجنبية خلفه لقصة أسماء وأن يزوجها لمن شاء ويتولى طرفي العقد وأن كانت خلية أو رغب فيها وجبت عليها الإجابة وحرم على غيره خطبتها وأبيح له الوصال في الصوم وخمس خمس الغنيمة وأن لم يحضر والصفى من المغنم: وهو ما يختاره قبل القسمة من الغنيمة ودخول مكة بلا إحرام والقتال فيها ساعة وله أخذ الماء من العطشان وأن يقتل بغير إحدى الثلاث نصا1 وجعلت تركته صدقة فلا يورث وفي عيون المسائل ويباح له ملك اليمين مسلمة كانت أو مشتركة2 وأكرم وجعل خير الخلائق أجمعين وأمته الأمم وجعلت شهداء على الأمم بتبليغ الرسل إليهم وأصحابه خير القرون
__________
1 المراد بالثلاث: الثلاث المبيحة للقتل وهي المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله الله وأن محمداً وأن محمداً رسول الله: إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" اهـ.
2 فسروا المشتركة بالكتابية.(3/164)
وأمته معصومة من الاجتماع على الضلالة وإجماعهم حجة ونسخ شرعة الشرائع ولا تنسخ شريعته وجعل كتابه معجزا ومحفوظا عن التبديل ولو ادعى عليه أو أدعى بحق كان القول قوله بغير يمين وظاهر كلامهم أنه في وجوب القسم والتسوية بين الزوجات كغيره وظاهر كلام ابن الجوزي أنه غير واجب عليه وجعل أولى بالمؤمنين من أنفسهم ويلزم كل واحد من يقيه بنفسه وما له فله طلب ذلك وأن يحبه أكثر من نفسه وماله وولده والناس أجمعين وحرم على غيره نكاح زوجاته بعد موته وهن أزواجه في الدنيا والآخرة وجعلن أمهات المؤمنين في تحريم النكاح ووجوب احترامهن وطاعتهن وتحريم عقوقهن ولا يتعدى تحريم نكاحهن إلى قرابتهن إجماعا وجعل ثوابهن وعقابهن ضعفين ولا يحل أن يسألن شيئا إلى من وراء حجاب ويجوز أن يسأل غيرهن مشافهة وأولاد بناته ينسبون إليه دون أولاد بنات غيره والنجس منا طاهر منه وهو طاهر بعد موته بلا نزاع بين العلماء ولم يكن له فيء في الشمس والقمر لأنه نوراني والظل نوع ظلمة وكانت الأرض تجتذب أثقاله وساوى الأنبياء في معجزاتهم وانفرد بالقرآن والغنائم وجعلت ولأمته الأرض مسجدا وترابها طهورا ونصر بالرعب مسيرة شهر وبعث إلى الناس كافة وأعطى الشفاعة العظمى والمقام المحمود ومعجزاته باقية إلى يوم القيامة ونبع الماء من بين أصابعه بركة من الله تعالى حلت في الماء بوضع أصابعه فيه فجعل يفور ويخرج من بين أصابعه لا أنه(3/165)
يخرج من نفس اللحم والدم كما ظنه بعض الجهال قاله في الهدى ومن دعاه وهو يصلي وجب عليه قطعها وإجابته: وتطوعه صلى الله عليه وسلم بالصلاة قاعدا كتطوعه قائما في الأجر وقال القفال على النصف كغيره وكان له القضاء بعلمه وهو سيده ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع وأول من يقرع باب الجنة وهو أكثر الأنبياء تبعا وأعطى جوامع الكلم وصفوف أمته في الصلاة كصفوف الملائكة ولا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوته ولا أن يناديه من وراء الحجرات ولا باسمه فيقول يا محمد بل يقول يا رسول الله يا نبي الله ويخاطب في الصلاة بقوله: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ولو خاطب مخلوقا غيره بطلت صلاته وخاطب إبليس باللعنة في صلاته فقال: ألعنك بلعنة الله ولم تبطل وكان الهدية حلالا له بخلاف غيره من رعاياهم1 ومن رآه في المنام فقد رآه حقا فأن الشيطان لا يتخيل به وكان لا يتثاءب وعرض عليه الخلق كلهم من آدم إلى من بعده كما علم آدم أسماء كل شيء ويبلغه سلام الناس بعد موته والكذب عليه ليس ككذب على غيره ومن كذب عليه متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وتنام عيناه ولا ينام قلبه ولا نقض بنومه ولا مضطجعا ويرى من خلفه كما يرى أمامه رؤية بالعين حقيقة نصا والدفن في البنيان مختص به لئلا يتخذ قبره مسجدا وزيارة قبره مستحبة
__________
1 بخلاف أولياء الأمور فلا يجوز لهم أخذ الهدايا من الرعايا لقوله صلى الله عليه وسلم "هدايا العمال غلول" أي خيانة.(3/166)
للرجال والنساء وخص بصلاة ركعتين بعد العصر ولم يكن له أن يهدي ليعطي أكثر منه وله أن يقضي وهو غضبان وأن يقضي بعلمه ويحكم لنفسه وولده ويشهد لنفسه وولده ويقبل شهادة من يشهد له صلى الله عليه وسلم.(3/167)
باب اركان النكاح وشروطه
مدخل
...
باب أركان النكاح وشروطه
وأركانه الزوجان الخاليان من الموانع والإيجاب والقبول ولا ينعقد إلا بهما مرتبين الإيجاب أولا: وهو اللفظ الصادر من قبل الولي أو من يقوم مقامه ولا يصح إيجاب إلا بلفظ أنكحت أو زوجت ولمن يملكها أو بعضها وبعضها الآخر حرا أعتقتها وجعلت عتقها صداقها ونحوه ولا يصح قبول لمن يحسنها إلا بقبلت تزويجها أو نكاحها أو هذا التزويج أو هذا النكاح أو تزويجها أو رضيت هذا النكاح أو قبلت فقط أو تزوجت أو قال الخاطب للولي: أزوجت فقال نعم أو قال للمتزوج أقبلت فقال نعم - واختار الموفق والشيخ وجمع انعقاده بغير العربية لمن لم يحسنها وقال الشيخ أيضا ينعقد بما عده الناس نكاحا بأي لغة ولفظ كان وأن مثله كل عقد وأن الشرط بين الناس ما عدوه شرطا فالأسماء تعرف حدودها تارة بالشرع وتارة باللغة وتارة بالعرف وكذلك العقود انتهى - فأن كان أحد المتعاقدين يحسن العربية دون الآخر أتى الذي يحسن العربية بها والآخر يأتي بلسانه وأن كان كل منهما لا يحسن لسان الآخر ترجم بينهما ثقة يعرف اللسانين ولا بد أن يعرف الشاهد أن اللسانين المعقود بهما ويأتي حكم تولى(3/167)
طرفي العقد ويصح إيجاب أخرس وقبوله بإشارة مفهومة يفهمها صاحبه والشهود أو كتابة لا من القادر على النطق ولا من أخرس لا تفهم إشارته فأن قدر على تعلمها من لا يحسنها بالعربية لم يلزمه وكفاه معناهما الخاص بكل لسان ولو قال الولي للمتزوج: زوجتك موليتي بفتح التاء عجزا أو جهلا باللغة العربية صح لا من عارف وأن أوجب النكاح ثم جن أو أغمى عليه قبل القبول بطل العقد بموته نصا لا أن نام ولا يصح تعليق النكاح على شرط مستقبل كقوله: أن وضعت زوجتي جارية فقد زوجتكها أو زوجتك ما في بطنها أو من في هذه الدار وهما لا يعلمان ما فيها بخلاف الشروط الحاضرة والماضية: مثل قوله زوجتك هذا أن كان أنثى أو زوجتك ابنتي أن كانت عدتها قد انقضت أو أن كنت وليها وهما يعلمان ذلك فأنه يصح وكذا تعليقه بمشيئة الله أو قال: زوجتك ابنتي أن شئت فقال قد شئت وقبلت فيصح قاله زين الدين بن عبد الرحمن بن رجب - وإذا وجد الإيجاب والقبول انعقد النكاح ولو من هازل أو ملجأ وكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بلفظ الهبة وتقدم في الباب قبله وأن تقدم القبول والإيجاب كقوله: تزوجت ابنتك أو زوجني ابنتك لم يصح نصا وأن تراخي عنه صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بم يقطعه عرفا وأن تفرقا قبله بطل الإيجاب وأن اختلف لفظ الإيجاب والقبول فقال الولي زوجتك: فقال المتزوج قبلت هذا النكاح أو بالعكس صح ولا يثبت الخيار في النكاح وسواء في ذلك خيار المجلس وخيار الشرط.(3/168)
فصل وشروطه خمسة
أحدها: تعيين الزوجين فلا يصح زوجتك ابنتي وله بنات حتى يميزها بأن يشير إليها أو يسميها أو يصفها بما تتميز به عن غيرها كقوله: بنتي الكبرى أو الصغرى أو الوسطى أو البيضاء ونحوه فأن سماها مع ذلك كان تأكيدا ولو لم يكن له إلا واحدة صح ولو سماها بغير اسمها وكذا لو سماها بغير اسماها وأشار إليها وأن سماها باسمها أو بغيرها ولم يقل بنتي لم يصح وكمن له بنات فاطمة وعائشة فقال زوجتك بنتي عائشة ونويا في الباطن فاطمة وأن سمى له في العقد غير من خطبه فقبل يظنها المخطوبة لم يصح ولو رضي بعد علمه بالحال وأن كان قد أصابها وهي جاهلة بالحال أو التحريم فلها الصداق يرجع به على وليها - قال أحمد لأنه غره - وتجهز إليه التي خطبها بالصداق الأول يعني بعقد جديد بعد انقضاء عدة التي أصابها أن كان ممن يحرم الجمع بينهما وأن كانت ولدت منه لحقه الولد وأن علمت أنها ليست زوجته وأنها محرمة عليه وأمكنته من نفسها فهي زانية لا صداق لها.
الثاني: رضاهما أو من يقوم مقامهما فأن لم يرضيا أو أحدهما لم يصح لكن للأب تزويج بنيه الصغار والمجانين وبالغين بغير أمة ولا معيبة عيبا يرد به النكاح بمهر المثل وغيره ولو كرها وليس لهم خيار إذا بلغوا وتزويج الأبكار ولو بعد البلوغ وثيب لها تسع سنين بغير أذنهم وليس ذلك للجد ويسن استئذان بكر بالغة هي وأمها بنفسه أو بنسوة ثقات ينظرن ما في نفسها وأمها بذلك أولى وإذا زوج ابنه الصغير فبامرأة(3/169)
واحدة وبأكثر أن رأى فيه مصلحة وحيث أجبرت أخذ بتعيين بنت تسع سنين فأكثر كفئا ولا بتعيين المجبر فأن امتنع تزويج من عينته فهو عاضل سقطت ولايته ومن يخنق في بعض الأحيان أو زال عقله ببرشام أو بمرض مرجو الزوال لم يصح تزويجه إلا بإذنه وليس للأب تزويج ابنه البالغ العاقل بغير إذنه إلا أن يكون سفيها وكان أصلح له وله قبول النكاح لابنه الصغير والمجنون ويصح قبول مميز لنكاحه بإذن وليه نصا لا طفل دون التمييز ولا مجنون ولو بأذن وليهما وللسيد إجبار إمائه الأبكار والثيب إلا مكاتبته ولو كان نصف الأمة حرا لم يملك مالك الرق إجبارها ويعتبر أذنها وأذن مالك البقية: كأمة لاثنين ويقول كل منهما زوجتكها ولا يقول زوجتك بعضها ويملك إجبار عبده الصغير ولو مجنونا لا عبده الكبير العاقل ولا يجوز لسائر الأولياء تزويج حرة كبيرة إلا بإذنها إلا المجنون ة فلهم تزويجها إذا ظهر منها الميل إلى الرجال ويعرف ذلك من كلامهم وتتبعها الرجال وميلها إليهم ونحوه وكذا أن قال أهل الطب أن علتها تزول بتزويجها ولو لم يكن لها ولي إلا الحاكم زوجها وأن احتاج الصغير العاقل أو المجنون المطبق البالغ إلى النكاح لحاجة النكاح أو غيره زوجهما الحاكم بعد الأب والوصي ولا يملك ذلك بقية الأولياء وأن لم يحتاجا إليه فليس له تزويجهما وليس لسائر الأولياء تزويج صغيرة لها دون تسع سنين بحال ولا للحاكم تزويجها خلافا لما في الفروع فأنه لم يوافق عليه ولهم تزويج بنت تسع فأكثر بأذنها ولها إذن صحيح معتبر نصا وإذن الثيب الكلام: وهي من وطئت في القبل(3/170)
بآلة الرجال ولو بزنا وحيث حكمنا بالثيوبة وعادت البكارة لم يزل حكم الثيوبة وإذن البكر الصمات ولو زوجها غير الأب وأن ضحكت أو بكت فسكوتها ونطقها أبلغ فأن أذنت فلا كلام وأن لم تأذن استحب أن لا يجبرها وزوال البكارة بأصبع أو وثبة أو شدة حيضة ونحوه لا يغير صفة الأذن وكذا وطء دبر ويعتبر في الاستئذان تسمية الزوج على وجه تقع معرفتها به ولا يشترط تسمية المهر ولا الشهادة بخلوها عن الموانع الشرعية ولا الإشهاد على إذنها والاحتياط الإشهاد وأن أدعى زوج أذنها وأنكرت صدقت قبل الدخول لا بعده وأن ادعت الأذن فأنكرت صدقت ومن أدعى نكاح امرأة فجحدته ثم أقرت له لم تحل له إلا بعقد جديد فأن أقر الولي عليها وكان الولي ممن يملك إجبارها صح إقراره وإلا فلا.(3/171)
فصل: الثالث الولي
فصل: الثالث الولي: فلا يصح إلا بولي فلو زوجت نفسها أو غيرها أو وكلت غير وليها في تزويجها ولو بأذن وليها فيهن لم يصح فأن حكم بصحته حاكم أو كان المتولي العقد حاكما لم ينقض وكذلك سائر الأنكحة الفاسدة كما لو حكم بالشفعة للجار ويزوج أمتها بأذنها "بشرط نطقها به" من يزوجها ولو بكرا أن كانت غير محجور عليها وإلا فيزوج أمتها وليها في مالها أن كان الحظ في تزويجها وكذلك الحكم في أمة ابنه الصغير ويجبرها من يجبر سيدتها ويزوج معتقتها عصبة المعتقة من النسب فأن عدم فأقرب ولي لسيدتها المعتقة بإذنها فأن اجتمع بابن المعتقة وأبوها فالابن ولي إذن لسيدتها وأحق الناس(3/171)
بنكاح المرأة الحرة أبوها ثم أبوه وأن علا وأولى الأجداد أقربهم ثم ابنها وأن سفل ثم أخوها لأبوين ثم لأبيها ثم بنوهما كذلك وأن نزلوا العم لأبوين ثم لأب ثم بنوهما كذلك وأن نزلوا ثم أقرب العصبات على ترتيب الميراث فإذا كان ابنا عم أحدهما أخ لأم فكأخ لأبوين وأخ لأب ثم المولى المنعم ثم أقرب عصباته ويقدم هنا ابنه وأن نزل على أبيه ثم السلطان وهو الإمام أو الحاكم أو من فوضا إليه ولو من بغاة إذا استولوا على بلد ومن حكمه الزوجان وهو صالح للحكم كحاكم ولا ولاية لغير العصبات الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم وأبيها ونحوهم ولا لمن أسلمت على يديه فأن عدم الولي مطلقا أو عضل زوجها ذو سلطان في ذلك المكان كوالي البلد أو كبيره أو أمير القافلة ونحوه فأن تعذر زوجها عدل بأذنها - قال أحمد في دهقان قرية: رئيسها: يزوج من لا ولي لها إذا احتاط لها في الكفء والمهر إذا لم يكن في الرستاق قاض - وأن كان في البلد حاكم وأبى التزويج إلا بظلم كطلبه جعلا لا يستحقه: صار وجوده كعدمه وولي أمة ولو آبقة سيدها ولو فاسقا أو مكاتبا فان كان لها سيدان اشتراكا في الولاية وليس لواحد منهما الاستقلال بها بغير أذن صاحبه فأن اشتجرا لم يكن للسلطان ولاية فأن اعتقاها وليس لها عصبة فهما ولياها فأن اشتجرا أقام الحاكم مقام الممتنع منها وأن كان المعتق أو المعتقة واحدا وله عصبتان كالابنين والأخوين فلأحدهما الاستقلال بتزويجها ولا تزول الولاية بالإغماء ولا العمى ولا بالسفه وأن جن أحيانا أو أغمى(3/172)
عليه أو نقص عقله بنحو مرض أو أحرم انتظر زوال ذلك ولا ينعزل وكيلهم بطريان ذلك.(3/173)
فصل: يشترط في الولي حرية الا مكاتبا يزوج امته
...
فصل: ويشترط في الولي حرية إلا مكاتبا يزوج
فصل: ويشترط في الولي حرية إلا مكاتبا يزوج أمته وذكورية وأتفاق دين سوى ما يأتي قريبا وبلوغ وعقل وعدالة ولو ظاهرا إلا في سلطان وسيد ورشد وهو معرفة الكفء ومصالح النكاح وليس هو حفظ المال لأن رشد كل مقام بحسبه - قاله الشيخ - ويقدم أصلح الخاطبين وفي النوادر - وينبغي أن يختار لموليته شابا حسن الصورة فأن كان الأقرب ليس أهلا كالطفل والعبد والكافر والفاسق والجنون المطبق والشيخ إذا أفند1 أو عضل الأقرب زوج الأبعد والعضل منعها أن تتزوج بكفء إذا طلبت ذلك ورغب كل منهما في صاحبه ولو بدون مهر مثلها - قاله الشيخ ومن صور العضل إذا امتنع الخطاب لشدة الولي انتهى - ويفسق بالعضل أن تكرر منه وأن غاب غيبة منقطعة ولم يؤكل زوج الأبعد ما لم تكن أمة فيزوجها الحاكم ويأتي في نفقة المماليك وهي ما لا تقطع إلا بكلفة ومشقة وتكون فوق مسافة القصر وأن كان الأقرب أسيرا أو محبوسا في مسافة قريبة لا تمكن مراجعته أو تتعذر أو كان غائبا لا يعلم أقريب هو أم بعيد أو علم أنه قريب ولم يعلم مكانه أو كان مجهولا لا يعلم أنه عصبة فزوج الأبعد صح ثم أن علم العصبة وزال المانع لم يعد العقد وكذا لو زوجت بنت ملاعنة ثم
__________
1 أفند أي ضعف عقله وتصرفه لسبب ما من كبر أو مرض.(3/173)
استلحقها ولا يلي كافر نكاح مسلمة ولو بنته إلا إذا أسلمت أم ولده ومكاتبته ومدبرته فيليه ويباشره ويلي كتابي نكاح موليته الكتابية من مسلم وذمي ويباشره ويشترط فيه شروط ولا يلي مسلم نكاح كافرة إلا سيد أمة أو ولي سيدتها أو يكون المسلم سلطانا فله تزويج ذمية لا ولي لها وإذا زوج الأبعد من غير عذر للأقرب أو زوج أجنبي لم يصح ولو أجازه الولي ولو تزوج الأجنبي لغيره بغير أذنه أو زوج الولي موليته التي يعتبر أذنها بغير أذنها أو تزوج العبد بغير إذن سيده لم يصح ولو أجازه وهو نكاح الفضولي فأن وطئ فلا حد.(3/174)
فصل: وكيل كل واحد من هؤلاء الاولياء يقوم مقامه
...
فصل: ووكيل كل واحد من هؤلاء الأولياء يقوم مقامه
فصل: ووكيل كل واحد من هؤلاء الأولياء يقوم مقامه وأن كان حاضرا والولي ليس بوكيل للمرأة ولو كان وكيلا لتمكنت من عزله فله توكيل بغير إذنها وقبل إذنها له ولا يفتقر إلى حضور شاهدين ويثبت له ما يثبت لموكل1 حتى في الإجبار لكن لا بد من إذن غير مجبرة لوكيل فلا يكفي إذنها لوليها بالتزويج ولا بالتوكيل من غير مراجعة الوكيل لها وإذنها له بعد توكيله فيما يظهر ولو وكل ولي ثم أذنت للوكيل صح ولو لم تأذن للولي وهو في كلامهم ويشترط في وكيل ولي ما يشترط في الولي من العدالة وغيرها ولا يشترط في وكيل الزوج عدالته ويصح توكيله مطلقا كقول المرأة لوليها والولي لوكيله
__________
1 يريد بقوله ولا يفتقر إلى حضور شاهدين أن للولي أن يوكل من غير توقف عليهما. وقوله يعد ويثبت له أي لمن وكله الولي.(3/174)
زوج من شئت أو من ترضاه ويتقيد الولي ووكيله المطلق بالكفء وليس للوكيل ولا للولي أن يتزوجها لنفسه ويجوز لولده ومقيدا كزوج فلانا بعينه ويشترط قول ولي أو قول وكيله لوكيل زوج زوجت فلانة فلانا أو زوجت موكلك فلانا فلانة ولا يقول زوجتها منك ويقول ويكل زوج: قبلته لفلان أو لموكلي فلان ووصى كل واحد من الأولياء في النكاح بمنزلته فتستفاد ولاية النكاح بالوصية إذا نص له على التزويج مجبرا كان الولي كأب أو غير مجبر كأخ - قال ابن عقيل صفة الإيصاء أن يقول الأب لمن اختاره أوصيت إليك بنكاح بناتي أو جعلتك وصيا في نكاح بناتي كما يقول في المال وصيت إليك بالنظر في أموال أولادي - فيقوم الوصي مقامه مقدما على من يقدم عليه الموصي فأن كان الولي له الإجبار فذلك لوصيه فيجبر من يجبره من ذكر وأنثى وأن كان يحتاج إلى أذنها فوصيه كذلك ولا خيار لمن زوجه إذا بلغ وأما الوصي في المال فيملك تزويج أمة من يملك النظر في ماله نصا وكذا من لم يثبت له الولاية كالعبد والفاسق والصبي المميز لا يصح أن يوكله الولي في تزويج موليته فان وكله الزوج في قبول النكاح أو وكله الأب في قبوله كابنه الصغير صح.(3/175)
فصل: وإذا استولى وليان
فصل: وإذا استولى وليان فأكثر في الدرجة فأن أذنت لواحد منهم تعين ولم يصح نكاح غيره وأن أذنت لهم صح التزويج من كل واحد منهم والأولى تقديم أفضلهم علما ودينا ثم أسنهم فأن تشاحوا أقرع بينهم فان سبق غير من قرع فزوج صح وإذا(3/175)
زوج الوليان اثنين وعلم السابق فالنكاح له فإذا دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات فرق بينهما فأن كان وطئها وهو لا يعلم فهو وطء شبهة يجب لها به مهر المثل وترد للأول ولا تحل له حتى تنقضي عدتها ولا ترد الصداق الذي يؤخذ من الداخل بها على الذي دفعت إليه ولا يحتاج النكاح الثاني إلى فسخ لأنه باطل: ولا يجب لها المهر إلا بالوطء دون مجرد الدخول والوطء دون الفرج وأن وقعا معا بطلا ولا مهر لها على واحد منهما ولا يرثانها ولا ترثهما وأن جهل السابق مثل أن جهل السبق أو علم عين السابق ثم جهل أو علم السبق وجهل السابق فسخهما حاكم ولها نصف المهر يقترعان عليه وكذا لو طلقاها وأن أقرت لأحدهما بالسبق لم يقبل نصا وأن ماتت قبل الفسخ والطلاق فلأحدهما نصف ميراثها بقرعة من غير يمين وأن مات الزوجان فأن كانت أقرت بسبق أحدهما فلا ميراث لها من الآخر وهي تدعي ميراثها ممن أقرت له بالسبق فأن أدعى ذلك أيضا دفع إليها ميراثها منه وأن لم يكن أدعى ذلك وأنكر الورثة فالقول قولهم مع أيمانهم فأن نكلوا قضى عليهم وأن لم تكن أقرت بالسبق فلها ميراثها من أحدهما بقرعة ولو أدعى كل واحد منهما السبق فأقرت به لأحدهما ثم فرق بينهما وجب المهر على المقر له وأن مات ورثت المقر له دون صاحبه: وأن ماتت قبلهما أحتمل أن يرثها المقر له واحتمل إلا يقبل إقرارها له أطلقها في المغني والشرح وأن لم تقر لأحدهما إلا بعد موته فكما لو أقرت له في حياته وليس لورثة أحدهما الإنكار لاستحقاقها وأن لم تقر لواحد منهما أقرع(3/176)
بينهما وكان لها ميراثها ممن نفع لها القرعة عليه وأن كان أحدهما قد أصابها وكان هو المقر له أو كانت لم تقر لواحد منهما فلها المسمى لأنه مقر لها به وهي لا تدعي سواه وأن كانت مقرة للآخر فهي تدعي مهر المثل وهو مقر لها بالمسمى فأن استويا أو اصطلحا فلا كلام وأن كان مهر المثل أكثر حلف على الزائد وسقط وأن كان المسمى لها أكثر فهو مقر لها بالزيادة وهي تنكرها فلا تستحقها وأن زوج سيد عبده الصغير من أمته أو بنته أو زوج ابنه بنت أخيه أو زوج وصي في نكاح صغيرا بصغيرة تحت حجره ونحوه صح أن يتولى طرفي العقد وكذلك ولي المرأة العاقلة مثل ابن عم والمولى والحاكم إذا أذنت له في نكاحها أو وكل الزوج الولي أو الولي الزوج أو وكلا واحدا ويكفي زوجت فلانا فلانة أو تزوجتها أن كان هو الزوج أو وكيله إلا بنت عمه وعتيقته المجنونتين فيشترط ولي غيره أو حاكم.(3/177)
فصل: وإذا قال لأمته القن أو المدبرة أو المكاتبة
فصل: وإذا قال لأمته القن أو المدبرة أو المكاتبة أو أم ولده أو المعلق عتقها على صفة التي تحل له إذن: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك أو جعلت عتق أمتي صداقها أو صداق أمتي عتقها أو قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها أو أعتقتها على أن عتقها صداقها أو أعتقتك على أن أتزوجك وعتقك صداقك: صح أن كان متصلا نصا بحضرة شاهدين فأن طلقها سيدها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها وقت الإعتاق فأن لم تكن قادرة أجبرت على الأستسعاء نصا وأن ارتدت أو فعلت(3/177)
ما يفسخ نكاحها: مثل أن أرضعت له زوجة صغيرة ونحو ذلك قبل الدخول فعليها قيمة نفسها ويصح جعل صداق من بعضها حر عتق ذلك البعض وأن قال: زوجتك لزيد وجعلت عتقك صداقك أو قال صداقك عتقك أو أعتقتك وزوجتك له على ألف وقبل زيد فيهما: صح كما لو قال: أعتقتك وأكريتك منه بألف ولو أعتقها بسؤالها على أن تنكحه أو قال: أعتقتك على أن تنكحيني ويكون عتقك صداقك أو على أن تنكحيني فقط وقبلت: صح ويصير العتق صداقا كما لو دفع إليها مالا ثم تزوجها عليه ولم يلزمه أن تتزوجه ثم أن تزوجته لم يكن له عليها شيء ولا لزمها قيمة نفسها لو قال: أعتقتك وزوجيني نفسك لم يلزمها أن تتزوجه ولا شيء عليها ولا بأس أن يعتق الرجل أمته ثم يتزوجها سواء أعتقها لله سبحانه أو ليتزوجها وإذا قال: أعتق عبدك على أن أزوجك ابنتي فأعتقه لم يلزمه أن يزوجه ابنته وعليه له قيمة العبد كما لو قال: أعتق عبدك عني وعلى ثمنه أو طلق زوجتك على ألف ففعل أو ألق متاعك في البحر وعلى ثمنه.(3/178)
فصل: الرابع الشهادة
فصل: الرابع الشهادة: احتياطا للنسب خوف الإنكار فلا ينعقد النكاح إلا بشاهدين مسلمين عدلين ذكرين بالغين عاقلين سامعين ناطقين ولو كانا عبدين أو ضريرين إذا تيقنا الصوت تيقنا لا شك فيه: أو عدوى الزوجين أو أحدهما أو الولي: لا بمتهم برحم كابني الزوجين أو ابني أحدهما ونحوه: ولا بأصمين أو أخرسين أو أحدهما كذلك ولا يبطل بالتواصي بكتمانه فأن كتمه الزوجان والولي والشهود قصدا صح العقد(3/178)
وكره ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين ولو كانت الزوجة ذمية ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولي وشاهدي عدل قبل منهما ويثبت النكاح بإقرارهما ويكفي العدالة ظاهرا فقط فلو بانا فاسقين فالعقد صحيح ولو تاب في مجلس العقد فكمستور قاله في الترغيب.
__________
1 يظهر لي أن كلمة والثاني مقمحة هنا إذ لم يسبقها أول.(3/179)
فصل: الخامس الخلو من الموانعالخامس الخلو من الموانع
الخامس الخلو من الموانع: بأن لا يكون بهما أو بأحدهما ما يمنع التزويج من نسب أو سبب أو اختلاف دين أو كونها في عدة ونحو ذلك والكفاءة في زوج شرط للزوم النكاح لا لصحته يصح النكاح مع فقدها فهي حق للمرأة والأولياء كلهم حتى من يحدث منهم فلو زوجت المرأة بغير كفء فلمن لم يرض الفسخ من المرأة والأولياء جميعهم فورا وتراخيا ويملكه برضاها فللأخوة الفسخ نصا ولو زالت الكفاءة بعد العقد فلها الفسخ فقط والكفاءة مفسرة في خمسة أشياء - الدين: فلا يكون الفاجر والفاسق كفئا لعفيفة عدل - الثاني المنصب وهو النسب: فلا يكون العجمي وهو من ليس من العرب كفئا لعربية - الثالث الحرية: فلا يكون العبد ولا المبعض كفئا لحرة ولو عتيقة - الرابع الصناعة: فلا يكون صاحب صناعة دنيئة كالحجام والحائك والكساح والزبال والنفاط كفئا من هو صاحب صناعة جليلة كالتاجر والبزار "والثاني"1 وصاحب العقار ونحو ذلك.
الخامس: اليسار بمال بحسب ما يجب لها من المهر والنفقة "قال ابن عقيل
__________
1 يظهر لي أن كلمة والثاني مقمحة هنا إذ لم يسبقها أول.(3/179)
بحيث لا تتغير عادتها عند أبيها في بيته" فلا يكون المعسر كفئا لموسرة وليس مولى القوم كفئا لهم ويحرم تزويجها بغير كفء بغير رضاها ويفسق به الولي ويسقط خيارها بما يدل على الرضا من قول أو فعل وأما الأولياء فلا يثبت رضاهم إلا بالقول ولا تعتبر هذه الصفات في المرأة: فليست الكفاءة شرطا في حقها للرجل والعرب من قرشي وغيره بعضهم لبعض أكفاء وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء.(3/180)
باب المحرمات في النكاح
مدخل
...
باب المحرمات في النكاح1
يحرم على الأبد الأم والجدة من كل جهة وأن علت والبنت من حلال أو حرام أو شبهة أو منفية بلعان ويكفي في التحريم أن يعلم أنها بنته ظاهرا وأن كان النسب لغيره وبنات الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا وأن سفلن والأخت من كل جهة وبنات كل أخ وأخت وأن سفلن وبنات ابنتهما كذلك والعمات والخالات من كل جهة وأن علون لابناتهن وتحرم عمة أبيه وعمة الأمة وعمة العم لأب لأنها عمة أبيه لا عمة العم لأم لأنها أجنبية وتحرم خالة العمة لأم لا خالة العمة
__________
1 التحريم في النكاح ضربان. تحريم على التأبيد. وتحريم على التوقيت. والأول منهما أربعة أنواع. أولها تحريم النسب وهو ما مثل له المصنف بالأم والجدة الخ. وثانيها زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. وثالثها تحريم الرضاع. ورابعها تحريم المصاهرة. وأما الضرب الثاني وهو التحريم المؤقت إلى أمد فنوعان أحدهما تحريم الجمع كزواج الأخت مع أختها الخ. والثاني التحريم لعارض كزواج المعتدة إلخ وإيضاح هذه الأنواع مبسوط في سياق الكلام الآتي.(3/180)
لأب لأنها أجنبية وتحرم عمة الخالة لأب لأنها عمة الأم ولا تحرم عمة الخالة لأم لأنها أجنبية.
وتحرم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقط على غيره ولو من فارقها وهن أزواجه دنيا وأخرى.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ولو بلبن غصبه فأرضع به طفلا - قال ابن البناء وابن حمدان وصاحب الوجيز: إلا أم أخيه وأخت ابنه - يعنون فلا تحرمان بالرضاع وفيها صور ولهذا قيل إلا المرضعة وبنتها على أبي المرضع وأخيه من النسب وعكسه والحكم صحيح ويأتي في الرضاع لكن الأظهر عدم الاستثناء لأن إباحتهن لكونهن في مقابلة من يحرم بالمصاهرة لا في مقابلة من يحرم من النسب والشارع إنما حرم من الرضاع ما يحرم من النسب لا ما يحرم بالمصاهرة.(3/181)
فصل: ويحرم بالمصاهرة أربع
فصل: ويحرم بالمصاهرة أربع: ثلاث بمجرد العقد وهن أمهات نسائه وحلائل آبائه وهن كل من تزوجها أبوه أو جده لأبيه أو لأمه من نسب أو رضاع وأن علا فارقها أو مات عنها وحلائل أبنائه: وهن كل من تزوجها أحد من بنيه أو بني أولاده وإن نزلوا من أولاد البنين أو البنات من نسب أو رضاع وتباح بناتها والرابعة الربائب ولو كن في غير حجره وهن بنات نسائه اللاتي دخل بهن دون اللاتي لم يدخل بهن فإن متن قبل الدخول أو ابانهن بعد الخلوة وقبل الوطء لم تحرم البنات فلا يحرم الريبة إلا الوطء - قال الشارح:(3/181)
والدخول بها وطؤها كنى عنه بالدخول - وتحرم بنت ربيبه نصا وبنت ربيبته: وتباح زوجة ربيبه وتباح أخت أخيه لأمه وبنت زوج أمة وزوجة زوج أمه وحماة ولده ووالده وبنتاهما فلو كان لرجل ابن أو بنت من غير زوجته ولد له قبل تزويجه بها أو بعده ولو بعد فراقها ولها بنت أو ابن من غيره ولدتها قبل تزويجه بها أو بعده بعد وطئها أو فراقها ولدته من آخر: جاز تزويجه أحدهما من الآخر ويباح لها ابن زوجة ابنها وابن زوج ابنتها وابن زوج أمها وزوج زوجة ابنها وزوج زوجة أبيها ويثبت تحريم المصاهرة بوطء حلال وحرام وشبهة ولو في دبر ولا يثبت أن كانت ميتة أو صغيرة لا يوطأ مثلها ولا بمباشرتها ولا بنظر إلى فرجها أو غيره ولا بخلوة لشهوة وكذا لو فعلت هي ذلك برجل أو استدخلت ماءه ويحرم باللواط لا بدواعيه ولا بمساحقة النساء ما يحرم بوطء المرأة فمن تلوط بغلام أو ببالغ حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته نصا وتحرم أخته من الزنا وبنت ابنه وبنت بنته وبنت أخيه وبنت أخته من الزنا وتحرم الملاعنة على الملاعن على التأبيد ولو أكذب نفسه أو كان اللعان بعد البينونة أو في نكاح فاسد وإذا قتل رجل رجلا ليتزوج امرأته لم تحل له أبدا - قاله الشيخ عقوبة له وقال في رجل خبب امرأة على زوجها: يعاقب عقوبة بليغة ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما - ويجب التفريق بينهما وإذا فسخ الحاكم نكاحا لعنة أو عيب يوجب الفسخ لم تحرم على التأييد.(3/182)
فصل: ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها أو خالتها
فصل: ويحرم الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها أو خالتها ولو رضيتا وسواء كانت العمة والخالة حقيقة أو مجازا كعمات آبائهم وخالاتهم وعمات أمهاتها وخالاتهن وأن علت درجتهن من نسب أو رضاع وبين خالتين بأن ينكح كل واحد منهما ابنة الآخر فيولد لكل واحد منهما بنت وبين عمتين بأن ينكح كل واحد منهما أم الآخر فيولد لكل واحد منهما بنت أعمة وخالة بأن ينكح امرأة وينكح ابنه أمها فيولد لكل واحد منهما بنت وبين كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى حرم نكاحه فإن كان في عقد واحد أو عقدين معا أو تزو خمسا في عقد واحد بطل في الجميع وأن تزوجهما في عقدين أو وقع في مدة الأخرى بائنا كانت أو رجعية بطل الثاني والأول صحيح فأن لم تعلم أولاهما فعليه فرقتهما بطلاقهما أو بفسخ الحاكم نكاحهما دخل بهما أو بواحدة منهما أو لم يدخل بواحدة فان كان لم يدخل بهما فعليه لإحداهما نصف المهر يقترعان عليه وله أن يعقد على إحداهما في الحال بعد فراق الأخرى وأن كان دخل بإحداهما أقرع بينهما فان وقعت القرعة لغير المصابة فلها نصف المهر وللمصابة مهر المثل وأن وقعت للمصابة فلا شيء للأخرى وللمصابة المسمى جميعه وله نكاح من شاء منهما فإن نكح المصابة فله ذلك في الحال وأن أراد نكاح الأخرى لم يجز حتى تنقضي عدة المصابة وأن كان دخل بهما وأصابهما فلإحداهما المسمى وللأخرى مهر المثل يقرع بينهما وليس له نكاح واحدة منهما حتى(3/183)
تنقضي عدة الأخرى وأن ولدت منه إحداهما أو كلتاهما فالنسب لاحق به ولا يحرم الجمع بين أخت رجل من أبيه وأخته من أمه ولو في عقد واحد ولا بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها ويكره بين بنتي عميه أو عمتيه أو بنتي خاليه أو بنتي خالتيه أو بنت عمه وبنت عمته أو بنت خاله وبنت خالته ولو كان لرجلين بنتان لكل رجل بنت ووطئا أمة فأتت بولد وألحق ولدها بهما فتزوج رجل بالأمة والبنتين فقد تزوج أم رجل وأخته وأن اشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها صح ولم يحل له وطؤها حتى يطلق امرأته وتنقضي عدتها ودواعي الوطء مثله وأن اشترى جارية ووطئها حل له شراء أمها وأختها وعمتها وخالتها كما يحل له شراء المعتدة والمزوجة وإن اشترى من يحرم الجمع بينهما في عقد واحد صح وله وطء إحداهما وليس له الجمع بينهما في الوطء وأما الجمع في الاستمتاع بمقدمات الوطء فيكره ولا يحرم قاله ابن عقيل فأن وطئ إحداهما فليس له وطء الأخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه بعتق أو تزويج بعد استبرائها أو إزالة ملكه ولو ببيع ونحوه للحاجة - قاله الشيخ وابن رجب - ويعلم أنها ليست بحامل ولا يكفي استبراؤها بدون زوال الملك ولا تحريمها ولا زوال ملك بدون استبراء ولا كتابتها ولا رهنها ولا بيعها بشرط خيار ومثله هبتها لمن يملك استرجاعها منه كهبتها لولده فلو خالف ووطئهما واحدة بعد واحدة: فوطء الثانية محرم لا حد فيه ولزمه أن يمسك عنهما حتى يحرم إحداهما(3/184)
ويشتريها1 فإن عادت إلى ملكه ولو قبل وطء الباقية لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى - قال ابن نصر الله: هذا أن لم يجب إستبراء فإن وجب لم يلزمه ترك أختها فيه - وهو حسن وأن وطئ أمته ثم تزوج أختها لم يصح فإن حرمت عليه ثم تزوج الأخت بعد إستبرائها صح فإن رجعت إليه الأمة فالزوجية بحالها وحلها باق ولم يطأ واحدة منهما حتى تحرم عليه الأخرى وأن أعتق سريته ثم تزوج أختها قبل فراغ مدة إستبرائها لم يصح أيضا له نكاح أربع سواها وأن اشترى أختين مسلمة ومجوسية فله وطء المسلمة وأن وطئ امرأة بشبهة أو زنا لم يجز في العدة أن يتزوج أختها ولا يطأها أن كانت زوجة نصا ولا يعقد على رابعة ولا يطأها ولا يمنع من نكاح أمة في عدة حرة بائن بشرطيه وتقدم لو اشتبهت أخته بأجنبية في آخر كتاب الطهارة ويحرم نكاح موطوءة بشبهة في العدة الأعلى واطئ أن لم تكن لزمتها عدة من غيره وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع ولا للمرأة أن تتزوج أكثر من رجل وله التسري بما شاء من الأماء ولو كتابيات من غير حصر وكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بأي عدد شاء ونسخ تحريم المنع2
__________
1 كذا في الأصل والأظهر أن يقال: حتى يحرم أحداهما ويستبرئها بدل قوله ويشتريها.
2 المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حل من التزوج بمن شاء وباي عدد شاء. ثم قصر فيما بعد على التسع اللاتي كن في عصمته معا. وفي ذلك يوق الله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} – الآية، وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ويقول العلماء أن هذا النهي نسخ وجاز له ثانيا التعدد الكثير بقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الخ ليكون المنع من جهته هو.(3/185)
ولا للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين وليس له التسري ويأتي في نفقة المماليك ولمن نصفه حر فأكثر نكاح ثلاث نصا ومن طلق واحدة من نهاية جمعه لم يجز له أن يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها ولو كان الطلاق بائنا وأن ماتت جاز في الحال نصا فلو قال أخبرتني بانقضاء عدتها في مدة يجوز انقضاؤها فيها فكذبته فله نكاح أختها وبدلها في الظاهر ولا تسقط السكنى والنفقة ونسب الولد وتسقط الرجعة.(3/186)
فصل في المحرمات لعارض يزول
تحرم عليه زوجة غيره والمعتدة والمستبرأة منه من وطء مباح أو محرم أو من غير وطء والمرتابة بعد العدة بالحمل وتحرم الزانية إذا علم زناها على الزاني وغيره حتى تتوب وتنقضي عدتها فإن كانت حاملا منه لم يحل نكاحها قبل الوضع وتوبتها أن تراود عليه فتمتنع وقيل توبتها كتوبة غيرها من غير مراودة وأختاره الموفق وغيره فإذا تابت حل نكاحها للزاني وغيره ولا يشترط توبة الزاني بها إذا نكحها وإذا زنت امرأة أو رجل قبل الدخول أو بعده لم ينفسخ النكاح ولا يطأ الرجل أمته إذا علم منها فجورا وتحرم مطلقته ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره ويأتي في الرجعة بأبسط من هذا وتحرم المحرمة حتى تحل وتقدم في محظورات الإحرام ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال ولا لمسلم ولو عبدا نكاح كافرة الأحرائر نساء أهل الكتاب ولو حربيات والأولى إلا تتزوج من نسائهم وقال الشيخ يكره كذبائحهم بلا حاجة ومنع النبي صلى الله عليه وسلم من نكاح كتابية(3/186)
وأيضا من نكاح أمة مطلقا أهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل كاليهود والسامرة والنصارى ومن وافقهم من الأفرنج والأرمن وغيرهم فأما المتمسك من الكفار بصحف إبراهيم وشيث وزبور داود فليسوا بأهل كتاب لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم كالمجوس وأهل الأوثان وكمن أحد أبويها غير كتابي ولو أختارت دي أهل الكتاب1 ولكتابي نكاح مجوسية ووطؤها بملك يمين ولا لمجوسي كتابية نصا وتحل نساء بني ثعلب ومن في معناهن من نصارى العرب ويهودهم والدروز والنصيرية والتبانية لا تحل ذبائحهم ولا يحل نكاح نسائهم ولا أن ينكحهم المسلم وليته والمرتدة يحرم نكاحها على أي دين كانت لا يحل لحر مسلم ولو خصيا أو مجبوبا إذا كان له شهوة يخاف معها مواقعة المحظور بالمباشرة نكاح أمة مسلمة: إلا أن يخاف عنت العزوبة: إما لحاجة متعة: وإما لحاجة خدمة لكبر أو سقم ونحوهما نصا: ولا يجد طولا لنكاح حرة ولو كتابية بإلا يكون معه مال حاضر يكفي لنكاحها ولا يقدر على ثمن أمة ولو كتابية فتحل والصبر عنها مع ذلك خير
__________
1 عللوا ذلك بأنها متولدة بين من يحل ومن لا يحل. وشبهوها بحيوان ولد بين مأكول وغير مأكول مع أن علماء المذهب اختلفوا فيمن ولدت بين مجوسيين واختارت دينا من أديان أهل الكتاب فمنهم من قال بتحريمها. ومنهم من قال بحلها للمسلم اعتبار بنفسها فإذا أخذنا بقول المجيزين نكاحها مع أن أبويها غير كتابيين فلعل الأولى أن يقال بالحواز فيمن أحد أبويها كتابي.(3/187)
وأفضل وله فعل ذلك مع صغر زوجته الحرة أو غيبتها أو مرضها أو كان له مال ولكن لم يزوج لقصور نسبه أو له مال غائب بشرطه1 فإن وجد من يقرضه أو رضيت الحرة بتأخير صداقها أو بدون مهر مثلها أو بتفويض بضعها أو بذل له باذل أن يزنه أو أن يهبه أو لم يجد من يزوجه إلا بأكثر من مهر المثل بزيادة تجحف بماله لم يلزمه والقول قوله في خشية العنت وعدم الطول حتى لو كان في يده مال فادعى أنه وديعة أو مضاربة قبل قوله ونكاح من بعضها حر أولى من أمة ومتى تزوج أمة ثم ذكر أنه كان موسرا حال النكاح أو لم يكن يخشى العنت فرق بينهما فإن كان قبل الدخول وصدقه السيد فلا مهر وأن أكذبه فله نصفه وإن كان بعد الدخول فعليه المسمى جميعه وإذا تزوج الأمة وفيه الشرطان2 ثم أيسر أو نكح حرة أو زال خوف العنت أو نحوه لم يبطل نكاحها وأن تزوج حرة فلم تعفه ولم يجد طولا لحرة أخرى جاز له نكاح أمة ولو جمع بينهما في عقد واحد وكذا لو تزوج أمة فلم تعفه ساغ له نكاح ثانية ثم ثالثة ثم رابعة ولو في عقد واحد إذا علم أنه لا يعفه إلا ذلك وكتابي حر في ذلك كمسلم وولد الجميع منهن رقيق للسيد إلا أن يشترط الزوج على مالكها حريته فيكون حرا قاله في الروضة وابن القيم - لعبد ومدبر وكاتب ومعتق بعضه نكاح أمة ولو فقد
__________
1 يريد بشرطه أن يخاف العنت فإن نكاح الأمة موقوف جوازه على ذلك وهو الشرط.
2 الشرطان هما أن يعدم مهر الحرة، وأن يخاف العنت.(3/188)
فيه الشرطان ولو على حرة وأن جمع بينهما في عقد واحد ضح وليس له نكاح سيدته ولا أم سيده أو سيدته ولا الحر أن يتزوج أمته ولا أن يتزوج أمة مكاتبه ولا أمة ولده من النسب دون الرضاع ولو كان ملك كل واحد من الثلاثة بعضا من الأمة ولا لحرة نكاح عبد ولدها ولها ذلك مع رقها وللعبد نكاح أمة ولده ويصح نكاح أمة من بيت المال مع أن فيه شبهة تسقط الحد لكن لا تجعل الأمة أم ولد ذكره في الفنون وللابن نكاح أمة أبيه وكذلك سائر القرابات وأن ملك حر أو ولده الحر زوجته أو مكاتبه زوجته بميراث أو غيره انفسخ نكاحها وكذا لو ملك بعضها ويحرم وطؤها هنا وكذا لو ملكت زوجة أو ولدها أو مكاتبها زوجها أو بعضه ومن جمع ببن محللة ومحرمة في عقد واحد صح فيمن تحل ولو تزوج أما وبنتا في عقد واحد بطل في الأم فقط ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين كالمجوسية إلا إماء أهل الكتاب وكل من حرمها النكاح من أمهات النساء وبناتهن وحلائل الآباء والأبناء حرمها الوطء في ملك اليمين والشبهة والزنا لأن الوطء آكد في التحريم من العقد فلو وطئ ابنه أمة أو أبوه أمة بملك اليمين حرم عليه نكاحها ووطؤها أن ملكها ولا يحل نكاح خنثى مشكل حتى يتبين أمره قال الشيخ ولا يحرم في الجنة زيادة العدد والجمع بين المحارم وغيره.(3/189)
باب الشروط في النكاح
مدخل
...
باب الشروط في النكاح
ومحل المعتبر منها صلب العقد وكذا لو اتفقا عليه قبله - قاله الشيخ(3/189)
وغيره وقال: وعلى هذا جواب أحمد في مسائل الحيل لأن الآمر بالوفاء بالشروط والعقود والعهود يتناول ذلك تناولا واحدا وقال في فتاويه أنه ظاهر المذهب ومنصوف أحمد وقول قدماء أصحابه ومحققي المتأخرين قال في الإنصاف: وهو الصواب الذي لا شك فيه - ولا يلزم الشرط بعد العقد ولزومه.
وهي قسمان: - صحيح - وهو نوعان: أحدهما ما يقتضيه العقد كتسليم الزوجة إليه وتمكينه من الاستمتاع بها فوجوده كعدمه - الثاني شرط ما تنتفع به المرأة كزيادة معلومة في مهرها أو نقد معين أو ألا ينقلها من دارها أو بلدها أو ألا يسافر بها أو لا يفرق بينها وبين أبويها أو أولادها أو على أن ترضع ولدها الصغير أو لا يتزوج عليها ولا يتسرى أو شرط لها طلاق ضرتها أو بيع أمته فهذا صحيح لازم للزوج بمعنى ثبوت الخيار لها بعدمه لا يجب الوفاء به بل يسن فإن لم يفعل فلها الفسخ لا بعزمه وهو على التراخي فلا يسقط إلا بمال يدل على الرضا من قول أو تمكين منها مع العلم ولا تلزم هذه الشروط إلا في النكاح الذي شرطت فيه فإن بانت منه ثم تزوجها ثانيا لم تعد - وقال الشيخ: لو خدعها فسافر بها ثم كرهته لم يكن له أن يكرهها بعد ذلك انتهى - هذا إذا لم تسقط حقها فإن أسقطته سقط ولو شرطا سكنى المنزل بخراب وغيره سكن بها حيث أراد وسقط حقها من الفسخ - وقال الشيخ فيمن شرطا لها أن يسكنها بمنزل أبيه فسكنت ثم طلبت سكنى(3/190)
منفردة وهو عاجز فلا يلزمه ما عجز عنه انتهى - ولو شرطت عليه نفقة ولدها وكسوته مدة معينة صح وكانت من المهر.(3/191)
فصل: - القسم الثاني فاسد - وهو نوعان:
أحدهما ما يبطل النكاح: هو أربعة أشياء - أحدهما نكاح الشغار: وهو أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما سكتا عنه أو شرطا نفيه ولو لم يقل وبضع كل واحد منهما مهر الأخرى وكذا لو جعلا بضع كل واحد ودراهم معلومة مهرا للأخرى فإن سموا مهرا كأن يقول: زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ومهر كل واحدة مائلة أو مهر ابنتي مائة ومهر ابنتك خمسون أو أقل أو أكثر: صح بالمسمى نصا أن كان مستقلا غير قليل حيلة ولو سمى لإحداهما لم يسم للأخرى صح نكاح من سمى لها - الثاني نكاح المحلل: بأن يتزوجها بشرط أنه متى أحله للأول طلقها أو لا نكاح بينهما أو اتفقا عليه أو نوى ذلك ولم يرجع عن نيته عند العقد وهو حرام غير صحيح ولا يحصل به إلا حصان ولا الإباحة للزوج الأول ويلحق فيه النسب فلو شرط عليه قبل العقد أن يحلها لمطلقتها ثم نوى عند العقد غير ما شرطا عليه وأنه نكاح رغبة صح قاله الموفق وغيره والقول قوله في نيته ولو زوج عبده بمطلقته ثلاثا ثم وهبها العبد أو بعضه لينفسخ نكاحها لم يصح النكاح نصا وهو محلل بنيته كنية الزوج1 ولو دفعت
__________
1 يريد أنه بهبته العبد أو بعضه للزوجة المطلقة يكون محتالا للتحليل كاحتيال من تزوج قاصدا مجردا حلال الزوجة. فالنكاح في كل ذلك باطل.(3/191)
ما لا هبة لمن تثق به ليشتري مملوكا فاشتراه وزوجه لها ثم وهبه لما انفسخ النكاح ولم يكن هناك تحليل مشروط ولا منوى ممن تؤثر نيته وشرطه وهو الزوج ولا أثر لنية الزوجة والولي "قاله في أعلام الموقعين وقال: صرح أصحابنا بأن ذلك يحلها وذكر كلامه في المغني فيها قال في المحرر والفروع وغيرهما: ومن لا فرقه بيده لا أثر لنيته قال المنقح الأظهر عدم الإحلال وفي الفنون فيمن طلق زوجته الأمة ثلاثا ثم اشتراها لتأسفه على طلاقها حلها بعيد في مذهبنا لأنه يقف على زوج وإصابة ومتى زوجها مع ما ظهر من تأسفه عليها لم يكن قصده بالنكاح إلا التحليل والقصد عندنا يؤثر في النكاح بدليل ما ذكره أصحابنا إذا تزوج الغريب بنية طلاقها إذا خرج من البلد لم يصح ومن عزم على تزويجه لمطلقته ثلاثا أو عدها كان أشد تحريما من التصريح بخطبة المعتدة إجماعا لا سيما ينفق عليها ويعطيها ما تحلل به ذكره الشيخ - الثالث نكاح المتعة وهو أن يتزوجها إلى مدة مثل أن يقول زوجتك ابنتي شهرا أو سنة أو إلى انقضاء الموسم أو قدوم الحاج وشبهه معلومة كانت المدة أو مجهولة أو يقول هو أمتعتني نفسك فتقول أمتعتك نفسي لا بولي ولا شاهدين وأن نوى بقلبه فكالشرط نصا خلافا لل موفق وإن شرط في النكاح طلاقها في وقت ولو مجهولا فهو كالمتعة وأن لم يدخل بها في عقد المتعة وفيما حكمنا به أنه متعة فرق بينهما ولا شيء عليه وإن دخل بها فعليه مهر المثل وأن كان فيه مسمى: ولا يثبت به إحصان ولا إباحة للزوج الأول ولا يتوارثان ذ زوجة ومن تعاطاه(3/192)
عالما عزر ويلحق فيه النسب إذا وطئ يعتقده نكاحا ويرث ولده ويرثه ومثله إذا تزوجها بغير ولي ولا شهود واعتقده نكاحا جائزا فإن الوطء فيه شبهة يلحقه الولد فيه ويستحقان العقوبة على مثل هذا العقد الرابع - إذا شرط نفى الحل في نكاح أو علق ابتداءه على شرط غير مشيئة الله كقوله: زوجتك إذا جاء رأس الشهر ن أو رضيت أمها أو رضي فلان أو ألا يكره فلان: فسد العقد وتقدم ذكر بعض الشروط في أركان النكاح ويصح النكاح إلى الممات.
النوع الثاني: - إذا شرطا أو أحدهما الخيار في النكاح أو في المهر أو عدم الوطء أو أن جاء بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما أو شرط عدم المهر أو النفقة أو قسمة لها أقل من ضرتها أو أكثر أو أن أصدقها رجع عليها أو يشترط أن يعزل عنها أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة أو لا تسلم نفسها إلا بعد مدة معينة أو ألا يسافر بها إذا أرادت انتقالا أو أن يسكن بها حيث شاءت أو شاء أبوها أو غيره أو أن تستدعيه إلى الجماع وقت حاجتها أو إرادتها أو شرط لها النهار دون الليل أو إلا تنفق عليه أو تعطيه شيئا ونحوه بطل الشرط وصح العقد وأن طلق بشرط خيار وقع.(3/193)
فصل: - فإن تزوجها على أنها مسلمة
فصل: - فإن تزوجها على أنها مسلمة فبانت كتابية أو تزوجها يظنها مسلمة ولم تعرف بتقدم كفر فبانت كافرة: فله الخيار في فسخ النكاح وبالعكس لا خيار له وأن شرطها أمة فبانت حرة أو ذات نسب فبانت أشرف أو على صفة دنيئة فبانت أعلى منها:(3/193)
فلا خيار له وإن شرطها بكرا أو جميلة أو نسيبة أو بيضاء أو طويلة أو شرط نفي العيوب التي لا يفسخ بها النكاح كالعمى والخرس والصم والشلل ونحوه فبانت بخلافه: فله الخيار نصا كما لو شرط الحرية ويرجع بالمهر أن قبضته على الغار وإلا سقط ولا يصح فسخ في خيار الشرط إلا بحكم حاكم غير ما يأتي في الباب بعده وأن تزوج الحر امرأة يظنها حرة الأصل أو شرطها حرة فبانت أمة وكان الحر ممن لا يجوز له نكاح الأماء أو كان ممن يجوز له ذلك وأختار الفسخ وكان ذلك قبل الدخول فلا مهر وأن كان دخل بها فلها المسمى وولده منها حر ويفديه بقيمته يوم ولادته حيا لوقت يعيش لمثله سواء عاش أو مات بعد ذلك ويرجع بذلك وبالمهر على من غره سواء كان الغار واحدا أو أكثر كما يأتي قريبا وأن كان ظنها عتيقة فلا خيار له والحكم في المدبرة وأم الولد والمعلق عتقها بصفة كالأمة القن وولد أم الولد يقوم كأنه عبد وكذلك ولد المعتق بعضها ويفدي من ولدها بقدر ما فيه من الرق وكذلك المكاتبة ويفديه أبوه ومهرها وقيمة ولدها لها إلا أن يكون الغرور منها فلا شيء لها ويثبت كونها ببينة فقط لا بمجرد الدعوى ولا بإقرارها وأن حملت المغرور بها فضربها ضارب فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب غرة يرثها ورثته وأن كان الضارب أباه لم يرثه ولا يجب فداء هذا الولد للسيد ويفرق بينهما أن لم يكن ممن يجوز له نكاح الأماء وإن كان ممن يجوز له نكاح الأماء فله الخيار فإن رضي بالمقام معها فما بعد الرضا فرقيق وأن كان المغرور(3/194)
عبدا فولده أحرار يفديهم إذا عتق لتعلقه بذمته ويرجع به على من غره كأمره بإتلاف مال غيره بأنه له فلم يكن ويرجع عليه بالمهر المسمى أيضا وشرط رجوعه على الغار أن يكون قد شرط له إنها حرة ولو لم يقارن الشرط العقد حتى مع إيهامه حريتها - قاله في الشرح والمغني نصا - ولمستحق الفداء مطالبة الغار ابتداء فإن كان الغار السيد ولم تعتق بذلك فلا شيء له على الزوج وأن كان الأمة تعلق برقبتها وإن كان أجنبيا رجع عليه وإن كان الغرور منها ومن وكيلها فالضمان بينهما نصفان وإن تزوجت حرة أو أمة رجلا على أنه حر أو تظنه حرا فبان عبدا فلها الخيار بين الفسخ والإمضاء نصا فإن اختارت الحرة الإمضاء فلأوليائها الاعتراض عليها لعدم الكفاءة وإن اختارت الفسخ فلها ذلك من غير حاكم كما لو كانت تحت عبد وإن غرها بنسب فبان دونه وكان ذلك مخلا بالكفاءة فلها الخيار وإن لم يخل بها فلا خيار أشبه ما لو شرطته فقيها فبان بخلافه وإن شرطت صفة غير ذلك مما لا يعتبر في الكفاءة كالجمال ونحوه فبان أقل منها فلا خيار لها وكل موضع حكم فيه بفساد العقد ففرق بينهما قبل الدخول فلا مهر وبعده فلها مهر المثل وكل موضع فسخ فيه النكاح مع صحته قبل الدخول فلا مهر وبعده يجب المسمى.(3/195)
فصل: - وإن عتقت الأمة كلها وزوجها حر
فصل: - وإن عتقت الأمة كلها وزوجها حر أو بعضه فلا خيار لها وإن كان عبدا فلها فسخ النكاح بنفسها بلا حاكم فإذا قالت اخترت نفسي أو فسخت النكاح انفسخ ولو قالت طلقت نفسي ونوت المفارقة كان كناية عن الفسخ وهو على التراخي فإن عتق قبل فسخها أو رضيت بالمقام معه(3/195)
أو أمكنته من وطئها او مباشرتها أو تقبيلها طائعة أو قبلته هي ونحوه مما يدل على الرضا بطل خيارها فإن ادعت الجهل بالعتق وهو مما يجوز جهله أو الجهل بملك الفسخ لم تسمع وبطل خيارها نصا ويجوز للزوج الأقدام على وطئها إذا كانت غير عالمة ولو بذلك الزوج لها عوضا على أن تختاره جاز نصا ولو شرط معتقها عليها دوام النكاح تحت حر أو عبد إذا أعتقها فرضيت لزمها ذلك فإن كانت صغيرة أو مجنونة فلا خيار لها في الحال ولها الخيار إذا بلغت تسعا وعقلت ما لم يطأ الزوج قبل ذلك ولا يمنع زوجها من وطئها وليس لوليها الاختيار عنها فإن طلقت قبل أن تختار وقع الطلاق وبطل خيارها إن كان بائنا وإن كان رجعيا أو عتقت المعتدة الرجعية فلها الخيار فإن رضيت بالمقام بطل خيارها وإن فسخت في العدة بنت على ما مضى منها تمام عدة حرة فإن راجعها فلها الفسخ فإن فسخت ثم عاد فتزوجها بقيت معه بطلقة واحدة وإن تزوجها بعد أن عتق رجعت معه على طلقتين ومتى اختارت الفرقة بعد الدخول فالمهر للسيد وإن كان قبله فلا مهر وأن أعتق أحد الشريكين وهو معسر فلا خيار لها ولو زوج مدبرة له لا يملك غيرها وقيمتها مائة بعبد على مائتين مهرا ثم مات السيد عتقت ولا فسخ قبل الدخول لئلا يسقط المهر أو يتنصف فلا تخرج من الثلث فيرق بعضها فيمتنع الفسخ فهذه مستثناة من كلام من أطلق1 وإن أعتق الزوجان معا فلا
__________
1 حاصل هذا أن المدبرة التي عتقت بموت سيدها لها حق الفسخ من زوجها العبد. ولكن لو فسخت المهر كله أو لا تستحق نصفه على خلاف العلماء في ذلك. ومعروف أن المدبرة تحسب حرة من ثلث مال سيدها. وإن المهر الذي تأخذه يعود على مال السيد بالزيادة. ومتى اتسع المال ترجح أن تخرج كلها عتيقة فإذا فسخت وسقط المهر فقد لا يتسع مال السيد لعتقها كلها. والشارع متشوف إلى حرية القن لتنفذ عليه جميع الاحكام الشرعية. فلذلك استثنيت هذه الصورة من حق الزوجة ومنعت من الفسخ فيها لتأخذ الصداق فيساعد على عتقها.(3/196)
خيار لها وإن أعتق العبد وتحته أمة فلا خيار له لأن الكفاءة تعتبر فيه لا فيها فلو تزوج امرأة مطلقا فبانت أمة فلا خيار ولو تزوجت مطلقا فبان عبد فلها الخيار فكذلك في الاستدامة ويستحب لمن له عبد وأمة متزوجان فأراد عتقها البداءة بالرجل لئلا يثبت لها عليه خيار.(3/197)
باب العيوب في النكاح
مدخل
...
باب العيوب في النكاح1
إذا وجدت زوجها مجبوبا: أي مقطوع الذكر لم يبق منه ما يطأ به أو أشل: فلها الفسخ في الحال فإن أمكن وطؤه بالباقي فادعاه وأنكرته قبل قولها مع يمينها وإن عنينا لا يمكنه الوطء بإقراره أو ببينة على إقراره أو بنكوله كما يأتي أجل سنة هلالية ولو عبدا منذ ترافعه إلى الحاكم فيضرب له المدة ولا يضربها غيره ولا تعتبر عنته إلا بعد بلوغه ولا يحتسب عليه منها ما اعتزلته ولو عزل نفسه أو سافر
__________
1 قسم الفقهاء عيوب النكاح المثبتة للخيار إلى ثلاثة أقسام أحدها ما يختص بالرجال. وهو ما ذكره المصنف في هذا الفصل وثانيها ما يشترك فيه الرجال والنساء وثالثها ما يختص بالنساء.(3/197)
حسب عليه فإن وطئ فيها وإلا فلها الفسخ وإن وجب قبل الحول ولو بفعلها فلها الخيار من وقتها فإن قال قد علمت أني عنين قبل أن أنكحها فإن أقرت أو ثبت ببينة فلا يؤجل وهي امرأته وإن علمت أنه عنين بعد الدخول فسكتت عن المطالبة ثم طالبت بعد فلها ذلك ويؤجل سنة من يوم ترافعه وإن قالت في وقت من الأوقات رضيت به عنينا لم يكن لها المطالبة بعد وإن لم يعترف ولم تكن بينة ولم يدع وطأ حلف فإن نكل أجل فإن اعترفت أنه وطئها مرة في القبل ولو في مرض يضرها فيه الوطء أو في حيض ونحوه أو في إحرام أو وهي صائمة وطاهرة ولو في الردة بطل كونه عنينا فإن وطئها في الدبر أو في نكاح سابق أو وطئ غيرها لم تزل العنة لأنها قد تطرأ وإن أدعى وطء بكر فشهد بعذرتها امرأة ثقة أجل والأحوط شهادة امرأتين وإن لم يشهد بها أحد فالقول قوله وعليها اليمين إن قال أزلتها وعادت وإن شهدت بزوالها لم يؤجل وعليه اليمين إن قالت زالت بغيره وكذا إن أقر بعنته وأجل وادعى وطأها في المدة وإن كانت ثيبا وأدعى وطأها بعد ثبوت عنته وأنكرته فقولها وإن ادعى الوطء ابتداء وادعى وطأها بعد ثبوت عنته وأنكرته فقولها وإن أدعى الوطء ابتداء مع إنكار العنة وأنكرته فقوله مع بينة فإن نكل قضى عليه بنكوله ويكفي في زوال العنة تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوع مع انتشاره وإن دعت زوجة مجنون عنته ضربت له المدة ويكون القول قولها هنا في عدم الوطء ولو كانت ثيبا وإن علم إن عجزه عن الوطء لعارض من صغر أو مرض مرجو الزوال لم تضرب له مدة وإن كان لكبر أو مرض لا يرجى زواله ضربت له(3/198)
المدة وكل موضع حكمنا بوطئه فيه بطل حكم عنته فإن كان في ابتداء الأمر لم تضرب له مدة وإن كن بعد ضربها انقطعت وإن كان بعد انقضائها لم يثبت لها خيار وكل موضع حكمنا بعدم الوطء فيه حكمنا بعنته كما لو أقر بها(3/199)
فصل: -1 ويثبت الخيار في فسخ النكاح
فصل: -1 ويثبت الخيار في فسخ النكاح بجذام أو برص أو جنون ولو أفاق فإن اختلفا في بياض بجسده هل هو بهق أو برص أو في علامات الجذام من ذهاب شعر الحاجبين هل هو جذام؟ فإن كانت للمدعي بينة من أهل الثقة والخبرة تشهد بما قال ثبت قوله وإلا حلف المنكر والقول قوله وإن اختلفا في عيوب النساء أريت النساء الثقات ويقبل قول امرأة واحدة عدل وإن شهدت بما قال الزوج عمل بها وإلا فالقول قول المرأة وإن زال العقل بمرض فهو إغماء لا يثبت به خيار فإن زال المرض ودام به الإغماء فهو كالجنون يثبت به الخيار2 ويثبت بالرتق وهو كون الفرج مسدودا ملتصقا لا مسلك للذكر فيه وبالقرن والعفل: وهو لحم يحدث فيه يسده وقيل القرن عظم أو غدة تمنع ولوج الذكر وقيل العفل رغوة تمنع لذة الوطء وقيل شيء يخرج من الفرج شبيه بالأدرة التي للرجال في الخصية وعلى كلا الأقوال يثبت به الخيار ويثبت بانخراق ما بين السبيلين وما بين مخرج بول ومني,
__________
1 في هذا الفصل ذكر المصنف القسمين الباقيين من أقسام العيوب وبدأ بالمشترك منها بين الرجل والمرأة.
2 هذه هي العيوب الخاصة بالنساء. وهي القسم الثالث.(3/199)
وببخر فم وفرج وباستطلاق بول ونحو وبقروح سيالة في فرج وبباسور وناصور وخصاء وهو قطع الخصيتين وسل وهو سلهما ووجاء وهو رضهما وكونه خنثي غير مشكل وأما المشكل فلا يصح نكاحه ويوجد إن أحدهما بالآخر عيبا به عيب غيره أو مثله إلا أن يحد المجبوب المرأة رتقاء فلا ينبغي أن يثبت لهما خيار - قاله الموفق والشارح - وبحدوثه بعد العقد ولو بعد الدخول قاله الشيخ وتعليلهم لا يدل عليه وهنا لا يرجع بالمهر على أحد لأنه لم يحصل غرر1 ويثبت باستحاضة وقرع في رأس وله ريح منكرة فإن كان عالما بالعيب وقت العقد أو علم بعده ورضي به أو وجد منه دلالة على الرضا من وطء أو تمكين مع العلم بالعيب فلا خيار له والقول قوله مع يمينه في عدم علمه فإن رضي بعيب ثم حدث عيب آخر من غير جنسه فله الخيار فإن ظن العيب الذي رضي به يسيرا فبان كثيرا كمن ظن البرص في قليل من جسده فبان في كثير منه أو زاد بعد العقد فلا خيار له وإن كان الزوج صغيرا وبه جنون أو جذام أو برص فلها الفسخ في الحال ولا ينتظر وقت إمكان الوطء وعلى قياسه الزوجة إذا كانت صغيرة أو مجنونة أو عفلاء أو قرناء.
__________
1 يريد بقوله [وهنا] أنه إذ كان الفسخ لعيب طرأ بعد الدخول فلا رجوع بالمهر على أحد.(3/200)
فصل: - وخيار العيوب
فصل: - وخيار العيوب والشروط على التراخي لا يسقط لا أن توجد منه دلالة على الرضا من قول أو وطء أو تمكين مع العلم بالعيب أو يأتي بصريح الرضا فإن ادعى الجهل بالخيار ومثله(3/200)
يجهله فالأظهر ثبوت الفسخ قاله الشيخ وفي العنة لا يسقط بغير قول ومتى زال العيب فلا فسخ ولو فسخت بعيب فبان إلا عيب بطل الفسخ واستمر النكاح ولا فسخ بغير العيوب المذكورة كعور وعرج وعمى وخرس وطرش وقطع يد أو رجل وكل عيب ينفر الزوج الآخر منه خلافا ل ابن القيم فإن شرط الزوج نفى ذلك أو شرطها بكرا أو جميلة ونحوه فبانت بخلافه فله الخيار وكذا لو شرطته أو ظنته حرا فبان عبدا وتقدم في الباب قبله ولو بان عقيما أو كان يطأ ولا ينزل فلا خيار لها لأن حقها في الوطء لا في الإنزال ولا يصح فسخ في خيار العيب وخيار الشرط إلا بحكم حاكم فيفسخه الحاكم أو يرده إلى من له الخيار ويصح في غيبة زوج والأولى مع حضوره والفسخ لا ينقص عدد الطلاق وله رجعتها بنكاح جديد وتكون عنده على طلاق ثلاث وكذا سائر الفسوخ إلا فرقة اللعان فإن فسخ قبل الدخول فلا مهر وبعده أو بعد خلوة لها المسمى ويرجع به على من غره من امرأة عاقلة وولي ووكيل أيهم أنفرد بالغرر ضمن وشرط أبو عبد الله بن تيمية بلوغها وقت العقد ليوجد تغرير محرم ولا سكنى لها ولا نفقة إلا أن تكون حاملا وأن وجد الغرور من المرأة والولي فالضمان على الولي ومنها ومن الوكيل بينهما نصفان وأن أنكر الولي لو كان ممن له رؤيتها أو الوكيل عدم العلم بالعيب ولا بينة قبل قوله مع يمينه وإن ادعت عدم العلم بعيب نفسها واحتمل ذلك فحكمها حكم الولي قاله الزركشي ومثلها في الرجوع على الغار لو زوج امرأة فادخلوا عيه غيرها ويلحقه الولد ويجهز زوجته بالمهر الأول(3/201)
نصا وتقدم وإن طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب فعليه نصف الصداق لا يرجع به وإن مات أو ماتت قبل العلم به أو بعده وقبل الفسخ فلها الصداق كاملا ولا يرجع به على أحد.(3/202)
فصل: - وليس لولي صغيرة
فصل: - وليس لولي صغيرة أو صغيرة ومجنونة ومجنون وسيد أمة تزويجهم معيبا يرد به فلو خالف وفعل لم يصح فيهن مع علمه والأصح ويجب عليه الفسخ إذا علم - قاله في المغني والشرح وشرح ابن منجا والزركشي في شرح الوجيز وغيرهم خلافا لما في التنقيح - ولا لولي كبيرة تزويجها بمعيب بغير رضاها لأنها تملك الفسخ إذا علمت به بعد العقد فإن اختارت نكاح مجبوب أو عنين لم يملك وليها الذي يعقد نكاحها منعها وإن اختارت نكاح مجنون أو مجذوم أو أبرص فله منعها وإن علمت بالعيب بعد العقد لو حدث به لم يملك الولي إجبارها على الفسخ لأن حقه في ابتداء النكاح لا في دوامه.(3/202)
باب نكاح الكفار
مدخل
...
باب نكاح الكفار
حكمه حكم نكاح المسلمين فيما يجب به وتحريم المحرمات ووقوع الطلاق والظهار والإيلاء وفي وجوب المهر والقسم والإباحة للزوج الأول والإحصان وغير ذلك فإذا طلق الكافر ثلاثا ثم تزوجها قبل زوج وإصابة ثم أسلما لم يقر عليه وأن طلق أقل من ثلاث ثم أسلما فهي عند على ما بقي من طلاقها وأن نكحها الثاني وأصابها حلت لمطلقها ثلاثا سواء كان المطلق مسلما أو كافرا وإن ظاهر الذمي من امرأته ثم أسلما فعليه كفارة الظهار ونقرهم على فاسد نكاحهم وإن(3/202)
خالف أنكحه المسلمين إذا اعتقدوه في دينهم ولم يرتفعوا إلينا فإن أتونا قبل عقده عقدناه على حكمنا وإن أتونا مسلمين أو غير مسلمين بعده لم تتعرض لكيفية عقدهم ولا تعتبر له شروط أنكحه المسلمين من الولي والشهود على نكاح محرم في الحال كالمحرمات بالنسب أو السبب وكالمعتدة والمرتدة والمجوسية والحبلى من الزنا والمطلقة ثلاثا أو شرط فيه الخيار متى شاء أو إلى مدة هما فيها ونحوه بل يفرق بينهم فإن كان قبل الدخول فلا مهر وإن فرق بينهما بعده فلها مهر المثل وإن كانت المرأة تباح إذن كعقده في عدة فرغت أو بلا ولي أو بلا شهود وصيغة أو تزويجها على أخت ماتت بعد عقده وقبل الإسلام والترافع أقرا وأن قهر حربي حربية فوطئها أو طاوعته واعتقداه نكاحا أقرا وأن لم يعتقداه نكاحا لم يقرا عليه لأنه ليس من أنكحتهم وكذا ذمي ومتى كان المهر صحيحا أو فاسدا وقبضته استقر وأن كان صحيحا ولم تقبضه أخذته وإن لم تقبض الفاسد أو لم يسم لها مهرا فلها مهر المثل ولو أسلما والمهر خمر قد قبضته فانقلب خلا وطلق قبل الدخول رجع بنصفه ولو تلف الخل ثم طلق رجع بمثل نصفه وإن قبضت الزوجة بعض الحرام وجب حصة ما بقي من مهر المثل وتعتبر الحصة فيما يدخله كيل أو وزن أو عدبه1.
__________
1 يريد بقوله به أن ما يكال يعتبر الكيل في المستحق منه من الصداق به. وكذا الموزون بالوزن والمعدود بالعد والمزروع بالزرع.(3/203)
فصل: - إذا أسلم الزوجان معا
فصل: - وإذا أسلم الزوجان معا بأن تلفظا بالإسلام دفعة واحدة أو أسلم زوج كتابية فهما على نكاحهما سواء كان قبل الدخول أو بعده وأن أسلمت كتابية تحت كتابي أو أحد الزوجين غير الكتابيين قبل الدخول انفسخ النكاح ولا يكون طلاقا وإن سبقته فلا مهر وإن سبقها فلها نصفه وإن قالت سبقني قال بل أنت سبقت فقولها وإن قالا سبق أحدنا ولا نعلم عينه فلها أيضا نصفه وإن قال الرجل أسلمنا معا فنحن على النكاح وأنكرته فقولها وإن أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الأمر على فراغ العدة فإن أسلم الآخر فيها بقي النكاح وإلا تبينا فسخه منذ أسلم الأول ولو وطئ مع الوقف ولم يسلم الآخر فلها مهر المثل وإن أسلم فلا ولها نفقة العدة إن أسلمت قبله لا بعده وإن اختلفا في السابق أو جهل الأمر فقولها وإن قال أسلمت بعد شهرين من إسلامي فلا نفقة لك فيهما فقالت بعد شهر فقوله ولو اتفقا على أنها أسلمت بعده وقالت أسلمت في العدة وقال بل بعدها فقوله وانفسخ النكاح وإن قال أسلمت في عدتك فالنكاح باق وقالت بل بعد انقضائها فقوله ويجب المسمى بالدخول مطلقا وسواء فيما ذكرنا اتفقت الداران أو اختلفتا.(3/204)
فصل: - إن ارتدا معا
فصل: - وإن ارتدا معا أو أحدهما قبل الدخول انفسخ النكاح ويسقط المهر بردتها وبردتهما معا ويتنصف بردته وإن كانت بعد الدخول وقفت الفرقة على انقضاء العدة ويمنع من وطئها وتسقط نفقتها بردتها لا بردته ولا بردتهما معا وأن وطئها مع الوقف أدب ووجب(3/204)
لها مهر المثل لهذا الوطء إن ثبت على الردة أو ثبت المرتد منهما حتى انقضت العدة ويسقط أن أسلما أو المرتد قبل انقضائها ويجب لها المسمى أن لم تكن قبضته وإن انتقلا أو أحدهما إلى دين لا يقر عليه أو تمجس أحد الزوجين الكتابيين فكالردة.(3/205)
فصل: ان اسلم حر وتحته اكثر من اربع
...
فصل: - وأن أسلم حر وتحته من أربع
فصل: - وأن أسلم حر وتحته من أربع فأسلمن معه أو كن كتابيات أمسك أربعا ولو كان محرما ولو من مئات وفارق سائرهن أن كان مكلفا سواء تزوجهن في عقد أو عقود وسواء كان من أمسك منهن أول من عقد عليهن أو آخرهن وإلا وقف الأمر حتى يكلف وليس لوليه الاختيار وعليه النفقة إلى أن يختار وإن مات الزوج لم يقم وارثه مقامه وإن أسلم البعض وليس البواقي كتابيات ملك إمساكا وفسخا في مسلمة أو خاصة وله تعجيل إمساك مطلقا وتأخيره حتى تنقضي عدة البقية أو يسلمن وصفة الاختيار اخترت نكاح هؤلاء أو اخترت هؤلاء أو امسكتهن نكاحهن أو ثبت حبسهن أو إمساكهن أو نكاحهن أو أمسكت نكاحهن أو ثبت نكاحهن أو ثبتهن أو أمسكت هؤلاء أو تركت هؤلاء أو اخترت هذه للفسخ أو للإمساك ونحوه وإن قال لمن زاد على أربع فسخت نكاحهن كان اختيارا للأربع فإن سرحت هؤلاء أو فارقتهن لم يكن طلاقا لهن ولا اختيارا لغيرهن إلا أن ينويه والمهر لمن انفسخ نكاحهن بالاختيار أن كان دخل بها وإلا فلها مهرها1 ولا يصح
__________
1 قوله وإلا فلها مهرها غير واضح المعنى ولا متناسب مع السياق فلعل صوابه فلا مهر لها – حتى يكون للمقابلة بينه وبين ما قبله وجه من الصحة.(3/205)
تعليق الفرقة ولا الاختيار بشرط ولا فسخ نكاح مسلمة لم يتقدمها إسلام أربع وعدة ذوات الفسخ منذ اختار وفرقتهن فسخ وعدتهن كعدة المطلقات وأن ماتت إحدى المختارات أو بانت منه وانقضت عدتها فله أن ينكح واحدة من المفارقات وتكون عنده على طلاق ثلاث وإن لم يختر أجبر بحبس ثم تعزير وليس للحاكم أن يختار عنه ولهن النفقة حتى يختار فإن طلق واحدة أو وطئها فقد أختارها وأن وطئ الكل تعين الأول له وأن ظاهر أو آلى منها أو قذفها لم يكن اختيارا فإن طلق الكل ثلاثا أخرج بالقرعة أربع منهن وكن المختارات ووقع الطلاق بهن وله نكاح البواقي بعد انقضاء عدة الأربع وإن مات فعلى الجميع أطول الأمرين من عدة وفاة أو ثلاثة قروء إن كن ممن يحضن وعدة حامل بوضعه وصغيرة وآيسة بعد وفاة والميراث لأربع بقرعة وإن اخترن جميعهن الصلح جاز كيفما اصطلحن ومن هاجر إلينا بذمة مؤبدة أو أسلم أحدهما والآخر بدار الحرب لم ينفسخ النكاح وإن أسلمت امرأة ولها زوجان أو أكثر تزوجاها في عقد واحد لم يكن لها أن تختار أحدهم ولو أسلموا معا وإن كان في عقود فالأول صحيح وما بعده باطل وإن أسلم وتحته أختان أو امرأة وعمتها أو خالتها اختار منهما واحدة إن كانتا كتابيتين أو غيرهما وأسلمنا معه أو بعده في العدة إن كانت عدة وإن كانتا إما وبنتا فسد نكاح الأم وإن كان دخل بهما أو بالأم فسد نكاحهما وإن أختار أحد الأختين ونحوهما لم يطأها حتى تنقضي(3/206)
عدة أختها وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع فإن كن ثمانيا وأختار أربعا وفارق الباقيات لم يطأ واحدة من المختارات حتى تنقضي عدة المفارقات أو يمتن وإن كن خمسا ففارق إحداهن فله وطء ثلاث من المختارات ولا يطأ الرابعة حتى تنقضي عدة المفارقة وإن كن ستا ففارق اثنتين فله وطء اثنتين من المختارات وأن كن سبعا ففارق ثلاثا فله وطء واحدة فقط من المختارات وكلما انقضت عدة واحدة من المفارقات فله وطء واحدة من المختارات وإن أسلم قبلهن ثم طلقهن قبل انقضاء عدتهن ثم أسلمن بعدها تبينا إن طلاقه لم يقع بهن وله نكاح أربع منهن وإن كان وطئهن تبينا أنه وطئ غير نسائه وأن آلى منهن أو ظاهر أو قذف تبينا أن ذلك في غير زوجة وحكمه حكم ما لو خاطب بذلك أجنبية فإن أسلم بعضهن في العدة تبينا أنها زوجة فوقع طلاقه بها وكان وطؤه لها وطئ المطلقة وإن كانت المطلقة غيرها فوطؤها لها وطء لامرأته كذلك إن كان وطؤه لها قبل طلاقها وإن طلق الجميع فأسلم أربع منهن أو بأقل في عدتهن ولم يسلم البواقي تعينت الزوجية في المسلمات ووقع الطلاق بهن فإن أسلم البواقي فله إن يتزوج منهن.(3/207)
فصل: ان أسلم حر وتحته اماء
...
فصل: - وإن أسلم حر وتحته أماء
فصل: - وإن أسلم حر وتحته أماء فأسلمن معه أو في العدة وكان في حال اجتماعهم على الإسلام ممن يحل له نكاح الأماء اختار منهن واحدة إن كانت تعفه وإلا اختار من يعفه إلى أربع وإلا فسد نكاحهن وإن أسلم وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر فله الاختيار منهن وإن أسلم(3/207)
وهو معسر فلم يسلمن حتى أيسر لم يكن له الأختيار منهن وإن أسلم بعضهن وهو موسر وبعضهن وهو معسر فله الاختيار ممن اجتمع إسلامه وإسلامهن وهو معسر وإن أسلمت إحداهن بعده ثم عتقت ثم أسلم البواقي فله الأختيار منهن بشرطه وأن عتقت ثم أسلمت ثم أسلمن أو عتقت ثم أسلمن ثم أسلمت أو عتقت بين إسلامها وإسلامه تعينت الأولى أن كانت تعفه وإلا اختار من البواقي معها من تعفه وإن أسلم وتحته حرة وأماء فأسلمت الحرة في عدتها قبلهن أو بعدهن انفسخ نكاحهن وتعينت الحرة إن كانت تعفه هذا إذا لم يعتقن ثم يسلمن في العدة فإن اعتقن ثم أسلمن في العدة فحكمهن كالحرائر: وإن أسلم عبد وتحته أماء فأسلمن معه أو في العدة ثم عتق أو لا اختار اثنتين فإن أسلم وعتق ثم أسلمن أو أسلمن ثم عتق ثم أسلم اختار ما يعفه إلى أربع بشرطه ولو كان تحته أحرار فأسلم وأسلمن معه لم يكن للحرة خيار الفسخ.(3/208)
كتاب الصداق
*
مدخل
...
كتاب الصداق
وهو العوض في النكاح ونحوه1 ويسن تخفيفه وتسميته في العقد ويسن أن يكون من أربعمائة درهم إلى خمسمائة وإن زاد فلا بأس ويكره ترك التسمية فيه قاله في التبصرة ويستحب ألا ينقص عن عشرة دراهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج
__________
1 يريد من قوله ونحوه وطء الشبهة والزنا بالمكرهة منه.(3/208)
بلا مهر وكل ما صح ثمنا أو أجرة صح مهرا وإن قل من عين ودين ومعجل ومؤجل ومنفعة معلومة كرعاية غنمها مدة وخياطة ثوبها ورد آبقها من موضع معين فإن طلقها قبل الدخول وقبل استيفاء المنفعة فعليه نصف أجرة ذلك وإن كانت مجهولة كرد آبقها أين كان وخدمتها فيما شاءت شهرا لم يصح وإن تزوجها على منافعه أو منافع غيره المعلومة مدة معلومة صح ويصح على عمل معلوم منه ومن غيره ودين سلم أو غيره وعلى غير مقدور له كآبق ومغتصب يحصلهما ومبيع اشتراه ولم يقبضه نصا ولو مكيلا ونحوه وعليه تحصيله فإن تعذر فقيمته وعلى أن يشتري لها عبد زيد أو على أن يعتق إباها فإن تعذر شراؤه أو طلب ربه به أكثر من قيمته فلها قيمته فإن جاءها بقيمته مع إمكان شرائه لم يلزمها قبوله وكل موضع لا تصح فيه التسمية أو خلا العقد عن ذكره حتى في التفويض ويأتي يجب مهر المثل بالعقد وإن أصدقها تعليم أبواب فقه أو حديث أو شيء من شعر مباح أو أدب أو صنعة أو كتابة أو ما يجوز أخذ الأجرة على تعليمه وهو معين صح حتى ولو كان لا يحفظه ويتعلمه ثم يعلمها وإن تعلمته من غيره أو تعذر عليه تعليمها لزمته أجرة العليم وإن علمها ثم نيستها فلا شيء عليه وإن لقنها الجميع وكلما لقنها شيئا انستيه لم يعتد بذلك تعليما وإن أدعى الزوج أنه علمها وادعت أن غيره علمها فالقول قولها وإن جاءته بغيرها ليعلمه ما كان يريد يعلمها لم يلزمه أو أتاها بغير يعلمها لم يلزمها قبوله وإن طلقها قبل الدخول وقبل(3/209)
تعليمها فعليه نصف الأجرة وبعد الدخول كلها وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة ولو حصلت الفرقة من جهتها رجع عليها بالأجرة كاملة وأن أصدقها تعليم شيء معين من القرآن لم يصح1 وأن أصدقها تعليم التوراة والإنجيل أو شيء منهما لم يصح ولو كانت كتابية أو المصدق كتابيا لأنه منسوخ مبدل محرم فهو كما لو أصدقها محرما وإذا تزوج نساء بمهر واحد أو خالعهن بعوض واحد صح امرأتين بصداق واحد ونكاح إحداهما فاسد لكونها محرمة عليه فلمن صح نكاحها حصتها من المسمى وإن جمع بين نكاح وبيع فقال زوجتك ابنتي وبعتك داري هذه بألف صح ويقسط الألف على قدر مهر مثلها وقيمة الدار وإن قال زوجتك ابنتي واشتريت منك عبدك هذا بألف فقال بعتك وقبلت النكاح صح ويقسط الألف على قدر قيمة العبد ومهر مثلها فإن قال زوجتك ولك هذا الألف بألفين لم يصح لأنه كمد عجوة.
__________
1 وجه ذلك أن الفروج تستباح بمال، والقرآن فضلا عن كونه ليس بمال فهو من القرب التي لا يصح أخذ الأجرة عليه ولا جلعها بدل مال.(3/210)
فصل: - ويشترط أن يكون الصداق معلوما
فصل: - ويشترط أن يكون الصداق معلوما كالثمن فإن أصدقها دارا غير معينة أو دابة أو عبدا مطلقا أو شيئا معلوما: كما يثمر شجره ونحوه أو مجهولا كمتاع بيته وما يحكم به أحد الزوجين أو زيد أو مالا منفعة فيه أو ما لا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء ومالا يتمول عادة كقشرة جوزة وحبة حنطة لم يصح ويجب أن يكون له نصف
__________
1 وجه ذلك أن الفروج تستباح بمال، والقرآن فضلا عن كونه ليس بمال فهو من القرب التي لا يصح أخذ الأجرة عليه ولا جلعها بدل مال.(3/210)
يتمول عاد ويبذل العوض في مثله عرفا والمراد نصف القيمة لا نصف عين الصداق فإنه قد يصدقها مالا ينقسم العبد ولو نكحها على أن يحج بها لم تصح التسمية ولا يضر جهل يسي ولا غرر يرجى زواله كما تقدم في الباب وأن أصدقها عبدا من عبيده أو دابة من دوابه أو قميصا من قميصان ونحوه صح لأن الجهالة فيه يسيرة ولها أحدهم بقرعة نصا وأن أصدقها عبدا موصوفا صح فإن جاءها بقيمته أو صدقها عبدا وسطا ثم جاءها بقيمته أو خالعته على ذلك لعنته فجاءته بقيمته لم يلزمهما قبول وإن أصدقها عتق أمته صح وإن أصدقها طلاق امرأة له أخرى أو أن يجعل إليها طلاق ضرتها إلى سنة لم يصح كما لو أصدقها خمرا ولها مهر مثلها وإن تزوجها على ألف أن كان أبوها حيا وألفين إن كان ميتا لم يصح1 وإن تزوجها على ألف إن لم تكن له زوجة أو إن لم يخرجها من دارها أو بلدها وألفين إن كان له زوجة أو أن أخرجها صح إذا قال لسيدته اعتقيني على أن أتزوجك فاعتقته أو قالت أعتقتك على أن تتزوج بي عتق ولم يلزمه شيء وإذا فرض الصداق وأطلق صح ويكون حالا وإن فرضه أو بعضه مؤجلا إلى وقت معلوم أو إلى أوقات: كل جزء منه إلى وقت معلوم صح وهو إلى أجله وإن أجله أو بعضه ولم يذكر
__________
1 عدم الصحة في ذلك مبني أولا على أن حالة الأب مجهولة فيكون الصداق مجهولا وثانيا أن موت الأب ليس فيه غرض صحيح في نظر الشارع حتى يكون التعليق عليه صحيحا ومهما كان التعليق غير صحيح في تقدير الصداق فإن عقد النكاح صحيح لما عرفت من أن تسمية الصداق ليست شرطا في صحة العقد.(3/211)
محل الأجل صح نصا ومحله الفرقة البائنة فلا يحل مهر الرجعية إلا بانقضاء عدتها.(3/212)
فصل: وإن تزوجها على خمر
فصل: وإن تزوجها على خمر أو خنزير أو مال مغصوب صح النكاح ولها مهر مثلها وإن تزوجها على عبد بعينه فظنه مملوكا له فخرج حرا أو مغصوبا فلها قيمته يوم العقد وإن وجدت به عيبا فلها الخيار بين إمساكه وأخذ أرشه أو رده وأخذ قيمته: أو مثله إن كان مثليا كمبيع وكذا إن تزوجها على عبد معين وشرط فيه صفات فبان ناقصا صفة شرطتها وعلى جرة خل فخرجت خمرا أو مغصوبا فلها مثله وعلى هذا الخمر وأشار إلى خل: أو عبد فلان هذا وأشار إلى عبده صحت التسمية ولها المشار إليه كما لو قال بعتك هذا الأسود وأشار إلى أبيض أو هذا الطويل وأشار إلى قصير وعلى عبدين فخرج أحدهما حرا فلها قيمة الحر وتأخذ الرقيق وعلى عبد فبان نصفه حرا أو مستحقا أو على ألف ذراع فبانت تسعمائة خيرت بين أخذه وقيمة الفائت: وبين رده وأخذ قيمة الكل وإن تزوجها على عصير فبان خمرا فلها مثل العصير فإن كان معدوما فقيمته.(3/212)
فصل: - ولأبي المرأة أن يشترط شيئا من صداقها
فصل: - ولأبي المرأة أن يشترط شيئا من صداقها لنفسه بل ولو الكل إذا كان ممن يصح تملكه ويكون ذلك أخذا من مالها فإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح وكانا جميعا مهرها وعلى أن الكل له يصح أيضا وكان مهرها ولا يملكه الأب إلا بالقبض مع النية(3/212)
وشرطه ألا يجحف بمال البنت - قاله في المجرد1 وابن عقيل والموفق والشارح - فإن طلقها قبل الدخول بعد قبضه رجع عليها في الأولى بألف وفي الثانية بقدر نصفه ولا شيء على الأب فيما أخذه أن قبضه بنية التملك وقبل القبض يأخذ من الباقي ما شاء بشرطه2 وإن فعل ذلك غير الأب صحت التسمية والكل لها وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها وإن كرهت: كبيرة كانت أو صغيرة وليس لها إلا ما وقع عليه العقد وإن فعل ذلك غير الأب بإذنها صح ولم يكن لغيره الاعتراض إن كانت رشيدة وإن فعله بغير إذنها وجب مهر المثل ويكمله ويكون الولي ضامنا وإن زوج ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر صح ولزم ذمه الابن وإن كان معسرا إلا أن يضمنه أبوه كثمن مبيعه وإن تزوج امرأة فضمن أبوه أو غير نفقتها عشر سنين صح: موسرا كان الأب أو معسرا وإن دفع الأب الصداق عن ابنه الصغير أو الكبير ثم طلق الابن قبل الدخول فنصف الصداق للابن دون الأب وكذا لو ارتدت قبل الدخول فرجع جميعه وليس للأب وكذا لو ارتدت قبل الدخول فرجع جميعه وليس للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع في الهبة لأن الابن ملكه من غير أبيه3 وللأب قبض صداق ابنته المحجور عليها لا الكبيرة الرشيدة ولو بكرا إلا بإذنها.
__________
1 لعل صواب الاسم "المحرر" فإنه المعروف والكثير الذكر. ما لم يكن المجرد أيضا كتابا في المذهب غير مشهور لنا.
2 يريد إذا طلقها قبل القبض فللأب أن يأخذ من النصف الذي استحقته بنته إذا توفرت الشروط التي ذكرت في باب الهبة حين الكلام على أخذ الوالد من مال ولده – فلتراجع.
3 إذا لم يمكن للأب أن يرجع على نحو الرجوع في الهبة فذلك لا يمنع أن يتملكه بمقتضى ماله من حق التملك لمال الابن.(3/213)
فصل: - وإن تزوج عبد بإذن سيده
فصل: - وإن تزوج عبد بإذن سيده صح وله نكاح أمة ولو أمكنه حرة وتعلق صداق ونفقة وكسوة ومسكن بذمة السيد نصا ولا ينكح مع الأذن المطلق إلا واحدة وزيادته على مهر المثل في رقبته وإن طلق رجعيا فله ارتجاعها بغير إذن سيده: لا إعادة البائن إلا بإذن سيده وإن تزوج بغير إذن أو إذن له في التزويج بمعينة أو من بلد معين أو من جنس معين فنكح غير ذلك لم يصح النكاح ويجب بوطئها في رقبته مهر مثلها لا بمجرد الدخول والخلوة1 يفديه السيد بالأقل من قيمته أو المهر الواجب وإن إذن له في تزويج صحيح أو أطلق فنكح نكاحا فاسدا فغير مأذون فيه وإن أذن في نكاح فاسد وحصلت إصابة فالمهر على السيد وإن زوجه أمته وجب مهر المثل ويتبع به بعد عتقه نصا وإن زوجه حرة ثم باعه لها بثمن في الذمة صح وانفسخ النكاح ولها على سيده المهر إن كان بعد الدخول فإن كان المهر وثمنه من جنس تقاصا بشرطه وتقدمت في السلم وإن كان الشراء قبل الدخول سقط نصف الصداق وإن باعها إياه بالصداق صح قبل الدخول وبعده وانفسخ النكاح ويرجع سيده عليها بنصفه إن كان قبل الدخول ولو جعل السيد العبد مهرها بطل العقد كمن زوج ابنه على رقبة من يعتق على الابن لو ملكه لتعذره له قبلها2
__________
1 نكاح العبد فاسد لعدم إذن السيد والنكاح الفاسد لا يوجب الصداق إلا بالوطء بخلاف الصحيح فإنه يوجبه ولو بمجرد الخلوة أو الدخول.
2 يريد إذا زوج السيد عبده أمة جعل صداقها رقبة العبد بمعنى أن السيد=(3/214)
فصل: - وتملك الزوجة الصداق المسمى بالعقد
فصل: - وتملك الزوجة الصداق المسمى بالعقد فإن كان معينا كالعبد والدار والماشية فلها التصرف فيه ونماؤه المتصل والمنفصل لها وزكاته ونقصه وضمانه عليها سواء قبضته أو لم تقبضه فإن زكته ثم طلقت قبل الدخول كان ضمان الزكاة كله عليها إلا أن يمنعها قبضه فيكون ضمانه عليه لأنه بمنزلة الغاصب إلا أن يتلف بفعلها فيكون ذلك قبضا منها ويسقط عنه ضمانه وإن كان غير معين كقفيز من صبرة ملكته وإن لم يدخل في ضمانها ولم تملك التصرف فيه إلا بقبضه كمبيع وكل موضع قلنا هو من ضمان الزوج إذا تلف لم يبطل الصداق بتلفه وإن قبضت صداقها ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف عينه إن كان باقيا ولو النصف فقط ولو النصف مشاعا ويدخل في ملكه قهرا ولو لم يختره كالميراث فما حصل من نمائه كله بعد دخول نصفه في ملكه فهو بينهما نصفين فإن كانت تصرفت في الصداق ببيع أو هبة مقبوضة أو عتق أو رهن أو كتابة منع الرجوع في نصفه ويثبت حقه في القيمة إن لم يكن مثليا ولا تمنع الوصية والشركة والمضاربة والتدبير وإن تصرفت بإجارة أو تزويج رقيق خير الزوج
__________
= يمنحها إياه بطل العقد لأن الملك لا يجامع الزوجية. ونظير ذلك من زوج ابنه وجعل صداق زوجته عبداً يعتق على الولد بمجرد ملكه فإن ذلك يبطل العقد حيث يتعذر لعتقه على الولد قبل أن يدخل في ملك الزوجة. وهذا توضيح كلامه. وقد عرقت أنت مما شيء منها بطلان عقد النكاح، ويرجع في مثل هذه الأحوال إلى قيمة العبد أو مهر المثل إن كانت حرة وهو ما قرره محققوا المذهب.(3/215)
بين الرجوع في نصفه ناقصا وبين الرجوع في نصف قيمته فإن رجع في نصف المستأجر صبر حتى تنقضي الإجارة ولو طلقها على أن المهر كله لها لم يصح الشرط وإن طلق ثم عفا صح وإن زاد الصداق زياد منفصلة رجع في نصف الأصل والزيادة لها ولو كانت الزيادة ولد أمة وإن كانت الزيادة متصلة كطلع نخل وثمر شجر وحرث أرض فهي لها أيضا فإن كانت غير محجور عليها خيرت بين دفع نصفه زائدا أو بين دفع نصف قيمته يوم العقد إن كان متميزا وغير المتميز له قيمة نصفه يوم الفرقة على أدنى صفة من وقت العقد إلى وقت قبضه والمحجور عليها لا تعطيه إلا نصف القيمة وإن كان ناقصا بغير جناية عليه خير زوج غير محجور عليه: بين أخذه ناقصا ولا شيء له غيره وبين أخذ نصف قيمته يوم العقد إن كان متميزا وغيره يوم الفرقة على أدنى صفاته من يوم العقد إلى يوم القبض وإن كان نقصه بجناية جان عليه فله مع ذلك نصف الأرش وإن زاد من وجه ونقص من وجه كعبد صغير كبر ومصوغ كسرته وإعادته صياغة أخرى وحمل الأمة ومثل أن يتعلم صنعة وينسى أخرى أو هزل وتعلم فلكل منهما الخيار ولا أثر لمصوغ كسرته وإعادته كما كان أو أمة سمنت ثم هزلت ثم سمنت ولا لارتفاع سوق وحمل البهيمة زيادة: ما لم يفسد اللحم وزرع وغرس نقص للأرض1 ولو أصدقها
__________
1 يريد أن يقول إذا اصدقها قطعة أرض ثم افترقا قبل الدخول مثلا وكانت غرست في الأرض أو زرعت فيها فإن ذلك نقص للأرض وسيبين لك قريباً كيف يسترد المستحق له.(3/216)
صيدا ثم طلق وهو محرم دخل ملكه ضرورة كإرث فله إمساكه وإن كان ثوبا فصبغته أو أرضا فبنتها فبذلك الزوج قيمة زيادته ليملكه فله ذلك فلو بذلت المرأة النصف بزيادته لزمه قبوله1 وإن كان تالفا أو مستحقا بدين أو شفعة رجع في المثل بنصف مثله وفي غيره بنصف قيمته يوم العقد إن كان متميزا: أو غير متميز يوم الفرقة على أدنى صفاته من يوم العقد إلى يوم القبض ولو طلق قبل أخذ الشفيع إن قلنا تثبت الشفعة فيما أخذ صداقا قدم الشفيع وإن نقص الصداق أو تلف في يدها بعد الطلاق قبل المطالبة أو بعدها ضمنته وإن قبضت المسمى في الذمة كالمعين إلا أنه لا يرجع بنمائه ويعتبر في تقويمه صفته يوم قبضته ويجب رده بعينه والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح فإذا طلق قبل الدخول فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الإبراء في ماله برئ منه صاحبه سواء كان المعفو عنه عينا أو دينا فإن كان دينا سقط بلفظ الهبة والتمليك والإسقاط والإبراء والعفو والصدقة والترك ولا يفتقر إلى قبول وإن كان عينا في يد أحدهما فعفا الذي هو في يده فهو هبة يصح بلفظ العفو والهبة التملك ولا يصح بلفظ الإبراء والإسقاط ويفتقر إلى القبض فيما يشترط القبض فيه وإن عفا غير الذي هو في يده صح العفو بهذه
__________
1 إنما لزمه القبول لأنها زادته نفعا ولامة عليه في ذلك. وقد نظر بعضهم في ذلك الالزام بأن الغاصب إذا رد خشبا كان غصبه وسمره لم يلزم المغصوب منه القبول ولعل سبيل التوفيق أن يقال بعدم لزوم القبول في الموضعين.(3/217)
الألفاظ كلها ولا يملك الأب العفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة إذا طلقت ولو قبل الدخول ولا الكبيرة ولا غيره من الأولياء ولو بانت امرأة الصغيرة أو السفيه أو المجنون على وجه يسقط صداقها عنهم مثل أن تفعل امرأته ما يفسخ نكاحها برضاعه أو ردة أو نصفه كطلاق من السفيه أو رضاع من أجنبية لمن ينفسخ نكاحها برضاعه أو نحو ذلك لم يكن لوليها العفو عن شيء من الصداق.
__________
1 يعني أن ما يرجع من الصداق حق للزوج لا للأجنبي الذي دفعه فإنه خرج عن ملك ذلك الأجنبي من حين تبرعه، وقد عاد إلى الزوج من طريق الزوجة.(3/218)
فصل: - وإذا أبرأته من صداقها
فصل: - وإذا أبرأته من صداقها أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه وإن أبرأته من نصفه أو وهبته له ثم طلقها قبل الدخول رجع في النصف الباقي ولو اشترى عبدا بمائة ثم أبرأه البائع من الثمن أو قبضه ثم وهبه إياه وجد المشتري به عيبا فله رد المبيع والمطالبة بالثمن أو أخذ أرش العيب مع إمساكه فإن وهب المشتري العبد للبائع ثم أفلس المشتري والثمن في ذمته ضرب البائع الثمن مع الغرماء ولو كاتب عبدا ثم أسقط عنه مال الكتابة برئ وعتق - قال الموفق وغيره لم يرجع المكاتب على سيده بما كان عليه من الإيتاء - وكذلك لو أسقط عن المكاتب القدر الذي يلزمه إيتاؤه إياه واستوفى الباقي ولو قضى المهر أجنبي متبرعا ثم سقط أو تنصف فالراجع للزوج1 ولو خالعها بنصف صداقها قبل الدخول صح
__________
1 يعني أن ما يرجع من الصداق حق للزوج لا للأجنبي الذي دفعه فإنه خرج عن ملك ذلك الأجنبي من حين تبرعه، وقد عاد إلى الزوج من طريق الزوجة.(3/218)
وصار الصداق كله له: نصفه بالطلاق ونصفه بالخلع وإن خالعها على مثل نصف الصداق في ذمتها صح وسقط جميع الصداق: نصفه بالطلاق ونصفه بالمقاصة ولو قالت له اخلعني بما يسلم إلى من صداقي أو على ألا تبعه عليك في المهر ففعل صح وبرئ من جميعه وإن خالعها بمثل جميع الصداق في ذمتها أو بصداقها كله صح ويرجع عليها بنصفه وإن أبرأت مفوضة المهر أو البضع أو من سمى لها مهر فاسد كالخمر والمجهول من المهر صح قبل الدخول وبعده فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف مهر المثل فإن كانت البراءة من نصفه ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف مهر المثل الباقي ولا متعة لها وإن ارتدت من وهبت زوجها الصداق أو أبرأته منه قبل الدخول رجع عليها بجميعه أي الصداق ولا يبرأ الزوج من الصداق إلا بتسليمه إليها أو إلى وكيلها إذا كانت رشيدة ولو بكرا ولا يبرأ بالتسليم إلى أبيها ولا إلى غيره فإن فعل وأنكرت وصوله إليها حلفها الزوج ورجعت عليه ورجع على أبيها وإن كانت غير رشيدة سلمه إلى وليها في مالها من أبيها أو وصيها أو الحاكم أو من أقامه الحاكم.(3/219)
فصل: وكل فرقة جاءت من قبل الزواج
...
فصل: - وكل فرقة جاءت من قبل الزوج
فصل: - وكل فرقة جاءت من قبل الزوج قبل الدخول كطلاقه وخلعه ولو بسؤالها وإسلامه وردته أو من أجنبي كرضاع ونحوه تنصف المهر وتجب بها المتعة لغير من سمى لها وكذا تعليق طلاقها على فعلها وكذا توكيلها في ففعلته - وقال الشيخ: لو علق طلاقها على صفة من فعلها الذي لها منه بد وفعلته فلا مهر لها وقواه ابن رجب(3/219)
ولو أقر الزوج بنسب أو رضاع أو غير ذلك من المفسدات قبل منه في انفساخ النكاح دون سقوط النصف فإن صدقته أو ثبت ببينة سقط ولو وطئ أم زوجته أو ابنتها بشبهة أو زنا انفسخ النكاح ولها نصف الصداق وكل فرقة جاءت من قبلها قبل الدخول كإسلامها وردتها أو إرضاعها من ينفسخ نكاحها برضاعه وإرتضاعها وهي صغيرة وفسخها لعيبه وبإعساره بمهر أو نفقة أو غيرهما أو لعتقها تحت عبد وفسخه لعيبها أو لفقد صفة شرطها فيها فإنه يسقط به مهرها ومتعتها إن كانت مفوضة وكذا فسخها بشرط صحيح شرط عليه حالة العقد فلم يف به وفرقة اللعان تسقط كل المهر ويتنصف بشراء زوج لزوجته ولو من مستحق مهرها وبشرائها له ولو جعل لها الخيار بسؤالها فاختارت نفسها فلا مهر لها نصا وإن كان بغير سؤالها لم يسقط.(3/220)
فصل: ويقرر الصداق كاملا
فصل: - ويقرر الصداق المسمى كاملا حرة كانت الزوجة أو أمة موت وقتل كالدخول حتى ولو قتل أحدهما الآخر أو قتل نفسه ووطؤها في فرج ولو دبرا وطلاق في مرض موت قبل دخوله وخلوة بها عن بالغ ومميز ولو كافرا وأعمى نصا ولو كان الخالي أعمى أو نائما مع علمه أن لم تمنعه: إن كان ممن يطأ مثلها وبمن يوطأ مثلها ولا يقبل دعواه عدم علمه بها ولو كان أعمى نصا: إن لم تصدقه لأن العادة إنه لا يخفى عليه ذلك فقدمت العادة هنا على الأصل - قال الشيخ فكذا دعوى إنفاقه فإن العادة هناك أقوى انتهى - ويقبل قول مدعي الوطء في الخلوة وتقرره الخلوة المذكورة ولو لم يطأ: ولو كان بهما مانع أو بأحدهما مانع(3/220)
حسي كجب ورتق ونضاوة أو شرعي كإحرام وحيض وصوم وحكم الخلوة حكم الوطء في تكميل المهر ووجوب العدة وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها وثبوت الرجعة عليها في عدتها ونفقة العدة وثبوت النسب لا في الإحصان والإباحة لمطلقها ثلاثا ولا يجب بها الغسل ولا الكفارة ولا يخرج بها من العنة ولا تحصل بها الفيئة ولا تفسد به العبادات ولا تحرم بها الربيبة ويقرره لمس ونظر إلى فرجها بشهوة فيهما وتقبيلها ولو بحضرة الناس: لا بالنظر إليها ولا تحملها ماء الزوج ويثبت به النسب وهدية زوج ليست من المهر نصا فما قبل العقد إن وعدوه بالعقد ولم يفوا رجع بها - قاله الشيخ: وقال: فيما إن اتفقوا على النكاح من غير عقد فأعطى إياها لأجل ذلك شيئا فماتت قبل العقد ليس له استرجاع ما أعطاهم انتهى - وما قبض بسبب النكاح فكمهر وما كتب فيه المهر لها ولو طلقت - قاله الشيخ - ولو فسخ في فرقة قهرية كفقد كفاءة قبل الدخول رد إليه الكل ولو هدية نصا وكذا في فرقة اختيارية مسقطة للمهر وتثبت الهدية مع فسخ مقرر له أو لنصفه وإن كانت العطية لغير العاقدين بسبب العقد كأجرة الدلال ونحوها - قال ابن عقيل: إن فسخ بإقالة ونحوها مما يقف على تراض لم يرده وإلا رده - وقياسه نكاح فسخ لفقد كفاءة أو عيب فيرده لا لردة ورضاع ومخالعة.(3/221)
فصل: وان اختلفا الزوجان
فصل: - وإن اختلفا الزوجان أو ورثتهما أو الزوج وولي غير مكلفة في قدر الصداق أو عينه أو صفته أو جنسه أو ما يستقر به: فقول(3/221)
زوج أو وراثه بيمينه ولو لم يكن مهر مثل وفي تسميته فقوله بيمينه ولها مهر مثل فإن طلق ولم يدخل بها فلها المتعة ومن حلف على فعل نفسه حلف على البت وعلى فعل غيره على نفي العلم وإن أنكر أن يكون لها عليه صداق فالقول قبل الدخول وبعده فيما يوافق مهر مثلها سواء ادعى أنه وفاها أو أبرأته منه أو قال لا تستحق على شيئا وإن دفع إليها ألفا أو عرضا فقال: دفعته صداقا وقالت: هبة فقوله مع يمينه لكن إن كان من غير جنس الواجب فلها رده ومطالبته بصداقها وإن اختلفا في قبض المهر فقولها وإذا كرر العقد على صداقين: سر وعلانية: أخذ بالزائد وإن قال هو عقد أسررته ثم أظهرته وقالت بل عقدان بينهما فرقة فقولها ولها المهر في العقد الثاني إن كان دخل بها ونصفه في العقد الأول أن أدعى سقوط نصفه بالطلاق قبل الدخول وإن أصر على الإنكار سئلت: فإن ادعت إنه دخل بها في النكاح الأول ثم طلقها طلاقا بائنا ثم نكحها نكاحا ثانيا حلفت على ذلك واستحقت ولو اتفقا قبل العقد على مهر وعقداه بأكثر منه أخذ بما عقد به كعقده هزلا وتلجئة ويستحب أن تفي بما وعدت به وشرطته ولو وقع مثل ذلك في البيع فالثمن ما اتفقا عليه والزيادة على الصداق بعد العقد تلحق به حكمها حكم الأصل المعقود عليه فيما يقرره وينصفه وتملك الزيادة من حينها وزيادة مهر أمة بعد عتقها لها نصا.(3/222)
فصل: في المفوضة
فصل: - في المفوضة - وهو على ضربين - تفويض البضع وهو إن يزوجه الأب ابنته المجبرة بغير صداق أو تأذن المرأة لوليها إن(3/222)
يزوجها بغير صداق سواء سكت عن الصداق أو شرط نفيه - والثاني تفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو على ما شاء أو شاء أجنبي أو يقول على ما شئنا أو حكمنا ونحوه فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل بالعقد فلو فوض مهر أمته أعتقها أو باعها ثم فرض لها المهر كان لمعتقها أو بائعها لأن المهر وجب بالعقد في ملكه ولو فوضت المرأة نفسها ثم طالبت بفرض مهرها بعد تقدير مهر مثلها أو دخوله بها وجب مهر المثل حالة العقد ولها المطالبة بفرضه هنا وفي كل موضع فسدت فيه التسمية فإن تراضيا على فرضه جاز وصار حكمه حكم المسمى قليلا كان أو كثيرا سواء كانا عالمين مهر المثل أولا وإلا فرضه حاكم بقدر مهر المثل وصار كالمسمى يتنصف بالطلاق قبل الدخول ولا تجب المتعة معه فإذا فرضه لزمهما فرضه كحكمه فدل على أن ثبوت سبب المطالبة كتقديره أجرة المثل والنفقة ونحوه حكم فلا يغيره حاكم آخر ما لم يتغير السبب وإن فرض لها غير الزوج والحاكم مهر مثلها فرضيته لم يصح فرضه وإن مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه وكان لها مهر نسائها فإن فارقها قبل الدخول بطلاق أو غيره لم يكن لها إلا المتعة وهي معتبرة بحال الزوج في يساره وإعساره: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره فأعلاها خادم إذا كان موسرا وأدناها إذا كان فقيرا كسوة تجزئها في صلاتها فإن دخل بها قبل الفرض استقر مهر المثل فإن طلقها بعد ذلك لم تجب المتعة والمتعة تجب على كل زوج حر وعبد مسلم وذمي لكل زوجة مفوضة حرة أو(3/223)
أمة مسلمة أو ذمية طلقت قبل الدخول وقبل أن يفرض لها مهر وتستحب لكل مطلقة غيرها ومتعة الأمة لسيدها كمهرها وتسقط المتعة في كل موضع يسقط فيه كل المهر وتجب في كل موضع يتنصف فيه المسمى ويجوز الدخول بالمرأة قبل إعطاؤها شيئا مفوضة كانت أو مسمى لها ويستحب إعطاؤها شيئا قبل الدخول بها وإن سمى لها صداقا فاسدا وطلقها قبل الدخول وجب عليه نصف مهر المثل وأختار القاضي وأصحابه والمجد وغيرهم المتعة.(3/224)
فصل: - ومهر المثل معتبر
فصل: - ومهر المثل معتبر بمن يساويها من جميع أقاربها من جهة أبيها وأمها: كأختها وعمتها وبنت أخيها وبنت عمها وأمها وخالتها وغيرهن: القربى فالقربى وتعتبر المساواة في المال والجمال والعقل والأدب والسن والبكارة والثيوبة والبلد وصراحة نسبها وكل ما يختلف لأجله الصداق فإن لم يوجد إلا دونها زيدت بقدر فضيلتها القربى فالقربى1 وإن لم يوجد إلا فوقها نقصت بقدر نقصها وإن كان عادتهم التخفيف على عشيرتهم دون غيرهم اعتبر ذلك وإن كانت عادتهم التأجيل فرض مؤجلا وإلا حالا وإن لم يكن لها أقارب اعتبر من يشبهها من نساء بلدها فإن عدمن فبأقرب نساء شبها بها من أقرب البلاد إليها فإن اختلفت عادتهن أو مهورهن أخذ بالوسط الحال.
__________
1 يريد أن يزاد في مهرها يقدر زيادتها في الفضيلة على أقرب النساء إليها.(3/224)
فصل: واذا افترقا في النكاح الفاسد
فصل: واذا افترقا في النكاح الفاسد قبل الدخول بطلاق أو(3/224)
موت أو غيرهما فلا مهر فيه وإن دخل أو خلا به استقر المسمى بخلاف البيع الفاسد إذا تلف فإنه يضمن بقيمته لا بثمنه ولا يصح تزويج من نكاحها فاسد قبل طلاق أو فسخ فإن أبى الزوج الطلاق فسخه حاكم ويجب مهر المثل للموطوءة بشبهة ولمكرهة على زنا في قبل ولو كانت من محارمه أو ميتة ولو من مجنون ويتعدد المهر بتعدد الشبهة مثل أن تشتبه بزوجته ثم يتبين الحال ويعرف إنها ليست زوجته ثم تشتبه الموطوءة عليه مرة أخرى أو تشتبه عليه بزوجته ثم تشتبه بزوجته الأخرى أو بأمته ونحو ذلك ويتعدد بوطء الزنا إذا كانت مكرهة أو أمة مطاوعة بغير إذن سيدها لا بتعدد وطء شبهة: مثل إن اشتبهت عليه بزوجته ودامت تلك الشبهة حتى وطئ مرارا ولا بتعدده في نكاح فاسد ولا مهر بوطئها في دبر ولا في اللواط بالذكر ولا المطاوعة على الزنا: كما لو أذنت له في قطع يدها فقطعها: إلا الأمة1 وإذا وطئ في نكاح باطل بالإجماع كنكاح زوجة الغير أو المعتدة وهو عالم بالحال وتحريم الوطء وهي مطاوعة عالمة فلا مهر لأنه زنا يوجب الحد وهي مطاوعة عليه وإن جهلت تحريم ذلك أو كونها في عدة فلها مهر المثل كالموطوء بشبهة ولا يجب أرش بكارة مع وجوب المهر للحرة الموطوءة بشبهة أو زنا ومن طلق امرأته
__________
1 إذا كانت الأمة راضية بالزنا فرضاها لا يسقط المهر لأنه حق السيد.(3/225)
قبل الدخول طلقة وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل ونصف المسمى1.
__________
1 مهر المثل وجب بسبب وطئها وهي غير حلال له. ونصف المسمى واجب بسبب العقد السابق على الطلاق.(3/226)
فصل: - وإن دفع أجنبية
فصل: - وإن دفع أجنبية فأذهب عذرتها أو فعل ذلك بأصبعه أو غيرها فعليه أرش بكارتها: وهو ما بين مهر البكر والثيب وإن فعل ذلك الزوج ثم طلق قبل الدخول لم يكن لها عليه إلا نصف المسمى وللمرأة منع نفسها قبل الدخول حتى تقبض مهرها الحال كله أو الحال منه ولها المطالبة به ولو لم تصح للاستمتاع فإن وطئها مكرهة لم يسقط به حقها من الامتناع وحيث قلنا لها منع نفسها فلها السفر بغير إذن ولها النفقة إن صلحت للاستمتاع فإن كانت محبوسة أو لها عذر يمنع التسليم وجب تسليم الصداق وإن كان مؤجلا لم تملك منع نفسها ولو حل قبل الدخول وإن قبضته وسلمت نفسها ثم بان معيبا كان لها منع نفسها ولو أبى كل من الزوجين التسليم الواجب أجبر زوج ثم زوجة وإن بادر أحدهما به أجبر الآخر وإن بادر هو فسلم الصداق فله طلب التمكين فإن أبت بلا عذر فله استرجاعه وإن تبرعت بتسليم نفسها ثم أرادت الامتناع بعد دخول أو خلوة لم تملكه فإن امتنعت فلا نفقة لها وإن أعسر بالمهر الحال قبل الدخول أو بعده فلحرة مكلفة الفسخ فلو رضيت بالمقام معه مع عسرتها او تزوجته عالمة بعسرته امتنع الفسخ ولها منع نفسها ويأتي في النفقات والخيرة(3/226)
لسيد الأمة لا لولي صغيرة ومجنونة ولا يصح الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم.(3/227)
باب الوليمة وآداب الأكل والشرب
مدخل
...
باب الوليمة وآداب الأكل والشرب
وما يتعلق بذلك1
وهي اسم لطعام العرس خاصة - قال الشيخ: وتستحب بالدخول انتهى - وجرت العادة قبله بيسير وشندخية2 لطعام أملاك على زوجة وعذيرة واعذار لختان وخرسة وخرس لطعام ولادة أي لخلاصها وسلامتها من الطلق وعقيقة: الذبح للمولود وكيرة لبناء ونقيعة تصنع للقادم من سفر والتحفة طعام القادم يصنعه هو - وقال ابن القيم في تحفة الودود: هو الزائر - وحذاق: لطعام عند حذاق صبي 3 ووضمة وهي طعام المآتم مشتدخ: المأكول من ختمة القارئ والعتيرة: تذبح أول يوم في رجب والإخاء والتسري "ذكرهما بعض الشافعية" والقرى اسم لطعام الضيفان والمأدبة اسم لكل دعوة بسبب أو غيره والآدب صاحب المأدبة فإن عم الداعي فقال: أيها الناس هلموا إلى الطعام أو يقول الرسول: قد إذن لي أن ادعوا من لقيت
__________
1 ذكر المصنف هنا طائفة نم الولائم التي لها أصل في الشرع من دليل سنة أو جواز وبين أسماءها على حسب اختلاف أسبابها كما هو في استعمال العرب.
2 شندخية بضم الشين والدال وكسر الخاء نسبة إلى الشندخ بإسكان النون وضم ما عداها الوليمة التي يقيمها من بني دارا أو قدم من سفر.
3 حذاق الصبى: ختمه القرآن.(3/227)
أو من شئت وقد شئت أن تحضروا: فهي الجفلى وأن خص قوما للدعوة دون قوم فهي النقرى وجميعها جائزة وليس منها شيء واحد ووليمة العرس سنة مؤكدة ولو بشيء قليل كمدين من شعير ويسن ألا تنقص عن شاة والأولى الزيادة عليها وإن نكح أكثر من واحدة في عقد أو عقود أجزأته وليمة واحدة إذا نواها عن الكل والإجابة إليها واجبة إذا عينه داع مسلم يحرم هجره ومكسبه طيب في اليوم الأول وهي حق الداعي تسقط بعفوة وقدم في الترغيب لا يلزم القاضي حضور وليمة عرس ومنه ابن الجوزي في المنهاج من إجابة ظالم وفاسق ومبتدع ومتفاخر بها أو فيها مبتدع يتكلم ببدعة: إلا لراد عليه وكذا إن كان فيها مضحك بفحش أو كذب وإلا أبيح إذا كان قليلا وإن كان المدعو مريضا أو ممرضا أو مشغولا لا بحفظ مال أو كان في شدة حر أو برد أو مطر يبل الثياب أو وحل أو كان أجيرا ولم يأذن له المستأجر: لم تجب الإجابة والعبد كالحر إن إذن له سيده والمكاتب إن ضر بكسبه لم يلزمه الحضور إلا أن يأذن له سيده وفي الترغيب إن علم حضور الأراذل ومن مجالستهم تزرى بمثله لم تجب إجابته وتكره إجابة من في ماله حلال وحرام كأكله منه ومعاملته وقبول هديته وهبته ونحوه وقيل يحرم كما لو كان كله حراما - وقال الآزجي وهو قياس المذهب: وسئل أحمد عن الذي يعامل بالربا أيؤكل عند أم لا؟ قال لا: وفي الرعاية ولا يأكل مختلطا بحرام بلا ضرورة - وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته وإن لم يعلم إن في المال حراما فالأصل الإباحة وإن كان تركه أولى للشك(3/228)
وينبغي صرف الشبهات في الأبعد عن المنفعة فالأقرب ما يدخل في الباطن من الطعام والشراب ونحوه ثم ما ولى الظاهر من اللباس فإن دعاه الجفلى أو في اليوم الثالث أو ذمي كرهت الإجابة وتستحب في اليوم الثاني وإن دعته امرأة فكرجل إلا مع خلوة محرمة وسائر الدعوات مباحة نصا غير عقيقة فتسن ومأتم فتكره ويكره لأهل الفضل والعلم الإسراع إلى الإجابة والتسامح فيه لأن فيه بذلة ودناءة وشرها لا سيما الحاكم وإن حضر وهو صائم صوما واجبا لم يفطر ودعا وأخبرهم أنه صائم ثم انصرف وإن كان مفطرا استحب الأكل وإن كان صائما تطوعا وفي تركه الأكل كسر قلب الداعي: استحب له أن يفطر وإلا كان تمام الصوم أولى من الفطر - قاله الشيخ: وهو أعدل الأقوال: وقال: ولا ينبغي لصاحب الدعوة الإلحاح في الطعام للمدعو إذا امتنع فإن كلا الأمرين جائز وإذا لزمه بما لا يلزمه كان من نوع المسألة لمنهي عنها ولا يحلف عليه ولا ليأكل ولا ينبغي للمدعو إذا رأى أنه يترتب على امتناعه مفاسد أن يمتنع فإن فطره جائز انتهى ويحرم أخذ طعام بغير إذن صاحبه فإن علم بقرينة رضاه ففي الترغيب يكره فمع الظن أولى وإن دعاه اثنان إلى وليمتين أجاب أسبقهما بالقول فإن استويا أجاب أدينهما ثم أقر بهما رحما ثم جوارا ثم يقرع ولا يجب الثاني إلا أن يتسع الوقت لأجابتهما فإن اتسع لهما وجبا.(3/229)
فصل: وان علم ان في الدعوة منكرا
...
فصل: وإن علم إن في الدعوة منكر
فصل: - وإن علم إن في الدعوة منكر كالزمر والخمر والعود والطبل ونحوه وآنية ذهب أو فضة أو فرش محرمة وأمكنه إزالة المنكر لزمه الحضور والإنكار وإن لم يقدر لم يحضر فإن لم يعلم حتى حضر وشاهده(3/229)
إزالة وجلس فإن لم يقدر انصرف وإن علم به ولم يره لم يسمعه فله الجلوس والأكل نصا وله الانصراف وإن شاهد ستورا معلقة فيها صور حيوان وأمكنه حطها أو قطع رؤسها فعل وجلس وإن لم يمكنه ذلك كره الجلوس: إلا أن تزال وإن علم بها قبل الدخول كره الدخول وإن كانت مبسوطة أو على وسادة فلا بأس بها ويحرم تعليق ما فيه صورة حيوان وستر الجدر به وتصويره فإن قطع رأس الصورة أو قطع منها ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه فهو كقطع الرأس: كصدرها وبطنها أو أصدرها بلا رأس أو بلا صدر أو بلا بطن أو جعل لها رأسا منفصلا عن بدنها أو رأسا سابلا بدن فلا كراهة وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده كالعين واليد والرجل حرم وتقدم بعض ذلك في باب ستر العورة ويكره ستر حيطان بستور لا صور فيها أو فيها صور غير حيوان إن كانت غير حرير نصا: إن لم تكن ضرورة من حر أو برد كالستر على الباب للحاجة ويحرم ستر بحرير والجلوس معه: لا مع الستر بغيره ولا يجوز الأكل بغير إذن صريح أو قرينة ولو من بيت قريبه أو صديقه ولم يحرزه عنه: كأخذ الدراهم1 والدعاء إلى الوليمة أو تقديم الطعام: أذن فيه إذا أكمل وضعه ولم يلحظ انتظار من يأتي لا في الدخول إلا بقرينة فلا يشترط إذن ثان للأكل كالخياط إذا دعي للتفصيل والطبيب للفصد وغير ذلك من الصنائع فيكون إذنا في التصرف ولا يملك الطعام الذي قدم إليه بل يملك على
__________
1 وقال كثير من علماء المذهب بجواز الأكل من طعام القريب والصديق إذا علم رضاه ولم يحرزه: عملا بالعادة الجارية بين الأقرباء ومن في معناهم.(3/230)
ملك صاحبه1 ولا يجوز للضيفان قسمه ولو حلف ألا يهبه فأضافه لم يحنث.
__________
1 يعني لا يملك المدعو حمل الطعام معه. فإن الدعوة ليس تمليكا. وإنما يملك الأكل وهو باق على ملك صاحبه.(3/231)
فصل: في آداب الأكل
يستحب غسل اليد قبل الطعام وبعده ولو كان على وضوء وإن يتوضأ الجنب قبل الأكل ولا يكره غسل يديه في الإناء الذي أكل فيه ويكره بطعام وهو القوت ولو بدقيق حمص وعدس وباقلاء ونحوه - قال الشيخ: الملح ليس بقوت وإنما يصلح به القوت - ولا بأس بنخالة وإن دعت الحاجة إلى استعمال القوت: مثل الدبغ بدقيق الشعير والتطبب للجرب باللبن والدقيق ونحو ذلك رخص فيه وغسل الفم بعد الطعام مستحب ويسن أن يتمضمض من شرب اللبن ويسن أن يلعق أصابعه قبل الغسل والمسح أو يلعقها غيره ويعرض رب الطعام الماء لغسلهما ويقدمه بقرب طعامه ولا يعرض الطعام2 وتسن التسمية على الطعام والشراب ويجهر بها فيقول: بسم الله - قال الشيخ: ولو زاد الرحمن الرحيم لكان حسنا - وإن يأكل بيمينه ومما يليه ويكره تركهما والأكل والشرب بشماله إلا من ضرورة وإن جعل بيمينه خبزا وبشماله شيئا يأتدم به وجعل يأكل من هذا كره لأنه
__________
2 السنة تقديم الطعام من غير أن يعرضه أولا باستشارة المدعو فقد يستحي الضيف أن يطلبه.(3/231)
أكل بشماله ولما فيه من الشره فإن أكل أو شرب بشماله أكل وشرب معه الشيطان وإن نسي التسمية في أوله قال إذا ذكر: بسم الله أوله وآخره فإن كانوا جماعة سموا كلهم ويسمى المميز ويسمى عمن لا عقل له ولا تمييز ويحمد الله جهرا إذا فرغ ويقول ما ورد: ومنه الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ويسن الدعاء لصاحب الطعام ومنه: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة ويستحب إذا فرغ من الأكل ألا يطيل الجلوس من غير حاجة بل يستأذن رب المنزل وينصرف ويسمى الشارب عند كل ابتداء ويحمد عند كل قطع وقد يقال مثله في أكل كل لقمة فعله أحمد وقال ك أكل وحمد خير من أكل وصمت ويكره الأكل من ذروة الطعام والشراب والتنفس في إناءيهما وأكله حارا إن لم تكن حاجة ومما يلي غيره إن كان الطعام نوعا واحدا فإن كان أنواعا أو فاكهة قال الآمدي: أو كان يأكل وحده فلا بأس وكره أحمد أن يتعمد القومن حين وضع الطعام فيفجأهم وكذا من غير أن يدعي: وهو الطفيلي وفي الشرح لا يجوز وإن فجأهم بلا تعمد أكل نصا وكره الخبز الكبار وقال ليس فيه بركة ويكره أن يستبدله فلا يمسح يده ولا السكين به ولا يضعه تحت القصعة ولا تحت المملحة بل يوضع الملح وحده على الخبز ويستحب أن يصغر اللقمة ويجيد المضغ ويطيل البلع قال الشيخ: إلا أن يكون هناك ما هو أهم من الإطالة واستحب بعض الأصحاب(3/232)
تصغير الكسر وينوي بأكله وشربه التقوى على الطاعة ويبدأ الأكبر والأعلم وصاحب البيت ويكره لغيرهما السبق إلى الأكل وإذا أكل معه ضرير استحب أن يعلمه بما بين يديه ويسن مسح الصحفة وأكل ما تناثر منه والأكل عند حضور رب الطعام وإذنه والأكل بثلاث أصابع ويكره بما دونها وبما فوقها ما لم تكن حاجة ولا بأس بالأكل بالملعقة.(3/233)
فصل: - ويكره القرآن في التمر
فصل: - ويكره القرآن في التمر ونحوه مما جرت العادة بتناوله إفرادا وفعل ما يستقذر من بصاق ومخاط وغيره وإن ينفض يده في القصعة وإن يقدم إليها رأسه عند وضع اللقمة في فيه وإن يغمس اللقمة الدسمة في الخل أو الخل في الدسم فقد يكره غيره ولا بأس بوضع الخل والبقول على المائدة: غير الثوم والبصل وماله رائحة كريهة ويكون ما يدفع به الغصة وينبغي أن يحول وجهه عند السعال والعطاس عن الطعام ويبعده عنه أو يجعل على فيه شيئا لئلا يخرج منه بصاق فيقع في الطعام وإن خرج من فيه شيء ليرى به صرف وجهه عن الطعام وأخذه بيساره ويكره رده إلى القصعة وإن يغمس بقية اللقمة التي أكل منها في المرقة وكذا هندسة اللقمة وهو إن بقضم بأسنانه بعض أطرافها ثم يضعها في الأدم وإن يتكلم بما يستقذر أو بما يضحكهم أو يخزيهم وإن يأكل متكئا أو مضطجعا أو منبطحا وفي الغنية وغيرها أو على الطريق وإن يعيب الطعام وإن يحتقره: بل إن اشتهاه أكله وإلا تركه ولا بأس بمدحه ويستحب أن(3/233)
يجلس على رجله اليسرى وينصب اليمنى أويتربع - قال ابن الجوزي ولا يشرب الماء في أثناء الطعام فإنه أجود في الطب - وينبغي أن يقال إلا أن يكون ثم عادة ولا يعب الماء عبا وإن يأخذ إناء الماء بيمينه ويسمي وينظر فيه ثم يشرب منه مصا مقطعا ثلاثا ويتنفس خارج الإناء ويكره أن يتنفس فيه وإن يشرب من السقاء وثلة الإناء او محاذيا للعروة المتصلة برأس الإناء ولا يكره الشرب قائما: وقاعدا أكمل وإما ماء آبار ثمود فلا يباح شربه ولا الطبخ به ولا استعماله فإن طبخ أو عجن أكفأ القدور وعلف العجين النواضح ويباح منها بئر الناقة: وتقدم في الطهارة وديار قوم لوط مسخوط عليها فيكره شرب مائها واستعماله وظاهر كلامهم لا يكره أكله قائما وإذا شرب سن أن يناوله الأيمن وكذا في غسل يده ورش لماء ورد ونحوه ويبدأ في ذلك بأفضلهم ثم بمن على اليمين ويستحب أن يغض طرفه عن جليسه ويؤثر على نفسه المحتاج ويخلل أسنانه أن علق بها شيء لا في أثناء الطعام لا بعود يضره وتقدم في باب السواك ويلقي ما أخرجه الخلال ويكره أن يبتلعه وأن قلعه بلسانه لم يكره ابتلاعه ولا يأكل مما شرب عليه الخمر لا مختلطا بحرام ولا يلقم جليسه ولا يفسح لغيره إلا أن يأذن رب الطعام وفي معنى ذلك تقديم بعض الضيفان ما لديه ونقله إلى البعض الآخر - قال في الفروع: وما جرت العادة به كإطعام سائل وسنور ونحوه وتلقيم وتقديم: يحتمل كلامهم وجهين وجوازه أظهر لحديث أنس في الدباء ولا يخلط طعاما بطعام ولا يكره قطع اللحم(3/234)
بالسكين والنهي عنه لا يصح وينبغي ألا يبادر إلى تقطيع اللحم الذي يقدم للضيفان حتى يأذنوا له في ذلك ولا بأس بالنهد: وتقدم في ما يلزم الإمام والجيش وإن تصدق منه بعضهم: قال أحمد "أرجو ألا يكون به بأس" لم يزل الناس يفعلون ذلك: وعلى هذا يتوجه صدقة أحد الشريكين بما يسامح به عادة وعرفا وكذا المضارب والضيف ونحو ذلك والسنة أن يكون البطن أثلاثا: ثلثا للطعام: وثلثا للشراب: وثلثا للنفس ويجوز أكله أكثر بحيث لا يؤذيه ومع خوف أذى وتخمة يحرم ويكره أدمان أكل اللحم وتقليل الطعام بحيث يضره وليس من السنة ترك أكل الطيبات ولا بأس بالجمع بين طعامين ومن السرف أن تأكل كل ما اشتهيت ومن أذهب طيباته في حياته الدنيا واستمتع بها نقصت درجاته في الآخرة وقال أحمد "يؤجر في ترك الشهوات" ومراده ما لم يخالف الشرع ويأكل ويشرب مع أبناء الدنيا بالأدب والمروءة ويأكل مع الفقراء بالإيثار ومع الأخوان بالانبساط ومع العلماء بالتعلم ولا يتصنع بالانقباض ولا يكثر النظر إلى المكان الذي يخرج منه الطعام ويستحب الأكل مع الزوجة والولد ولو طفلا والمملوك وإن تكثر الأيدي على الطعام ولو من أهله وولده ويسن أن يجلس غلامه معه على الطعام وأن يجلسه أطعمه منه وألا يرفع يده قبلهم حتى يكتفوا ويكره لصاحب الطعام مدح طعامه وتقويمه لأنه دناءة.(3/235)
فصل: - ويستحب أن يباسط الأخوان
فصل: - ويستحب أن يباسط الأخوان بالحديث الطيب والحكايات التي تليق بالحال إذا كانوا منقبضين ويقدم رب الدار ما حضر من(3/235)
الطعام من غير تكلف ولا يحتقره وإذا كان الطعام قليلا والضيوف كثيرة فالأولى ترك الدعوة: لا سيما إذا كان قليلا ويسن أن يخص بدعوته الأتقياء والصالحين وإذا طبخ مرقة فليكثر من مائها ويتعاهد منه بعض جيرانه وإذا حضر الطعام والصلاة فقد تقدم آخر باب صفة الصلاة ولا خير فيمن لا يضيف ومن آداب إحضار الطعام تعجيله لا سيما إذا كان الطعام قليلا وتقدم الفاكهة قبل غيرها لأنه أصلح في باب الطب ويكره أكل ما لم يطب أكله منها ولا يستأذنهم في التقديم ومن التكلف أن يقدم جميع ما عنده - قال الشيخ: إذا دعي إلى أكل دخل بيته فأكل ما يكسر نهمته قبل ذهابه انتهى ولا يجمع بين النوى والتمر في طبق واحد ولا يجمعه في كفه بل يضعه من فيه على ظهر كفه وكذا كل ما فيه عجم وتفل ولا يخلط قشر البطيخ الذي أكله بما لم يؤكل ولا يرمي به لأن في جمعه ليطرح كلفة وربما صدم رأس الجليس أو قطر منه شيء في حالة الرمي ولرب الطعام أن يخص بعض الضيفان بشيء طيب إذا لم يتأذ غيره ويستحب للضيف أن يفضل شيئا لا سيما إن أكل ممن يتبرك بفضلته أو كان ثم حاجة وفي شرح مسلم يستحب لصاحب الطعام وأهل الطعام الأكل بعد فراغ الضيفان: لحديث أبي طلحة الأنصاري في الصحيح والأولى النظر في قرائن الحال ولا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشرع ويكره أن يأكل ما انتفخ من الخبز ووجهه ويترك الباقي ولا يقترح طعاما بعينه وإن خير بين طعامين أختار الأيسر: إلا أن يعلم أن مضيفه يسر(3/236)
باقتراحه ولا يقصر وينبغي ألا يقصد بالإجابة إلى الدعوة نفس الأكل بل ينوي به الإقتداء بالسنة وإكرام أخيه المؤمن وينوي صيانة نفسه عن مسيء به الظن والتكبير ويكره أكل الثوم والبصل ونحوهما ويستحب أن يجعل ماء الأيدي في طشت واحد فلا يرفعه إلا أن يمتلئ ولا يضع الصابون في ماء الطشت بعد غسل يديه وظاهر كلامهم لا يكره غسل اليد بالطيب ومن أكل طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه وإذا شرب لبنا قال: بارك لنا فيه وزدنا منه وإذا وقع الذباب ونحوه في طعام أو شراب سن غمسه كله ثم ليطرحه ويغسل يديه وفمه من ثوم وبصل وزهومة ورائحة كريهة ويتأكد عند النوم وفي الثريد فضل على غيره من الطعام وهو أن يثرد الخبز أي يفته يبله بمرق لحم أو غيره وإذا ثرد غطاه شيئا يذهب فوره فإنه أعظم للبركة ويكره رفع يده قبلهم بلا قرينة وأن يقيم غيره عن الطعام قبل فراغه لما فيه من قطع لذته ولا يقوم عن الطعام حتى يرفع وأن أكل تمرا عتيقا ونحوه فتشه وأخرج سوسه وإطعام الخبز البهيمة تركه أولى إلا لحاجة أو كان يسيرا: ومن السنة إن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار ويحسن أن يأخذ بركابه وروي مرفوعا "من أخذ بركاب من لا يرجوه ولا يخافه غفر له" قال ابن الجوزي وينبغي أن يتواضع في مجلسه وإذا حضر ألا يتصدر وإن عين له صاحب البيت مكانا لم يتعده والنثار في العرس وغيره والتقاطه مكروهان لأنه شبه النهبة والتقاطه دناءة وإسقاط مروءة ومن أخذ منه شيئا ملكه ومن حصل(3/237)
في حجره منه شيئا فهو له وليس لأحد أخذه منه فإن قسم على الحاضرين لم يكره وكذلك أن وضعه بين أيديهم وأذن لهم في أخذه على وجه لا يقع فيه تناهب ويسن إعلانه النكاح والضرب عليه بدف لا حلق ولا صنوج: للنساء ويكره للرجال وتقدم بعضه في كتاب النكاح ولا بأس بالغزل بالعرس وضرب الدف في الختان وقدوم الغائب ونحوهما كالعرس ويحرم كل ملهاة سوى الدف كمزمار وطنبور ورباب وحنك وناي ومعرفة وجفانة وعود وزمارة الراعي ونحوها: سواء استعملت لحزن أو سرور.(3/238)
باب عشرة النساء والقسم والنشوز
مدخل
...
باب عشرة النساء والقسم والنشوز
وما يتعلق بها
وهي ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام يلزم كل واحد منهما معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة وكف الأذى وألا يمطله بحقه مع قدرته ولا يظهر الكراهة لبذله بل ببشر وطلاقة ولا يتبعه منة ولا أذى وحقه عليها أعظم من حقها عليه ويسن تحسين الخلق لصاحبه والرفق به واحتمال أذاه - قال ابن الجوزي "معاشرة المرأة بالتلطف مع إقامة هيبة ولا ينبغي أن يعلمها قدر ماله ولا يفشي إليها سرا يخاف إذاعته ولا يكثر من الهبة لها وليكن غيورا من غير إفراط لئلا ترمي بالشر من أجله" وإذا تم العقد وجب تسليم المرأة في بيت الزوج ما لم تشترط بيتها إذا طلبها وكانت حرة يمكن الاستمتاع بها ونصه "بنت تسع سنين فأكثر ولو كانت نضوة الخلقة" لكن إن خافت على نفسها الإفضاء(3/238)
من عظمه فلها منعه من جماعها وعليه النفقة ولا يثبت له خيار الفسخ ويستمتع بها كما يستمتع من الحائض وإن أنكر أن وطأه يؤذيها لزمتها البينة ويقبل قول امرأة ثقة في ضيق فرجها وعبالة ذكره ونحوه وإن تنظرهما وقت اجتماعهما للحاجة ويلزمه تسليمها إن بذلته ولا يلزم ابتداء تسليم مع ما يمنع الاستمتاع بالكلية ويرجى زواله كإحرام ومرض وصغر وحيض ولو قال لا أطأ ومتى امتنعت قبل المرض ثم حدث فلا نفقة وإن كان المرض غير مرجو الزوال لزم تسليمها إذا طلبها ولزم تسلمها إذا بذلته وإن سالت الأنظار مدة جرت العادة بإصلاح أمرها فيها كاليومين والثلاثة: لا لعمل جهاز وكذا لو سال هو الأنظار: وولى من به صغر أو جنون مثله وإن كانت أمة لم يجب تسليمها إلا ليلا مع الإطلاق نصا وللسيد استخدامها نهارا فلو شرط التسليم نهارا أو بذله سيدها وجب تسليمها ليلا ونهارا وللزوج حتى العبد السفر بلا إذنها وبها: إلا أن يكون السفر مخوفا أو شرطت بلدها أو تكون أمة فليس له ولا لسيدها ولو صحبة الزوج السفر بها بغير إذن الآخر ولو بوأها أي بذل لها السيد مسكنا ليأتيها الزوج فيه لم يلزمه وللسيد بيعها وله السفر بعبده المزوج واستخدامه نهارا ولو قال السيد بعتكها فقال: بل زوجتنيها فسيأتي في باب ما إذا وصل بإقراره ما يغيره وللزوج الاستمتاع بزوجته كل وقت على أي صفة كانت إذا كان في القبل ولو من جهة عجيزتها: ما لم يشغلها عن الفرائض أو يضرها ولو كانت على التنور أو على ظهر قتب وله الاستمناء(3/239)
بيدها ويأتي في التعزير فإن زاد عليها في الجماع صولح على شيء منه - قال القاضي "لأنه غير مقدر فرجع إلى اجتهاد الإمام" وجعل ابن الزبير أربعا وأربعا بالنهار وصالح أنس رجلا استعدى على امرأته على ستة ولا يكره الجماع في ليلة من الليالي ولا يوم من الأيام وكذا السفر والتفصيل والخياطة والغزل أو الصفات كلها ولا يجوز لها تطوع بصلاة ولا صوم وهو مشاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ويحرم وطؤها في الحيض وتقدم وحكم المستحاضة في باب الحيض ويحرم في الدبر فإن فعل عزر وأن تطاوعا عليه أو أكرهها ونهى فلم ينته فرق بينهما قال الشيخ كما يفرق بين الرجل الفاجر ومن يفجر به انتهى - وله التلذذ بين الاليتين من غير إيلاج وليس لها استدخال ذكره وهو نائم بلا إذنه ولها لمسه وتقبيله بشهوة وقال القاضي "يجوز تقبيل فرج المرأة قبل الجماع ويكره بعده" وتقدم في كتاب النكاح ويحرم العزل عن الحرة إلا بإذنها وعن الأمة إلا بإذن سيدها ويعزل عن سريته بلا إذنها ويعزل وجوبا عن الكل بدار حرب بلا إذن وإذا عن له قبل الإنزال أن ينزع لا على قصد الإنزال خارج الفرج لم يحرم في الكل وله إجبارها ولو ذمية ومملوكة على غسل حيض ونفاس وإجبار المسلمة البالغة على غسل جنابة: لا الذمية كالمسلمة التي دون البلوغ وله إجبارها على غسل نجاسة واجتناب محرم وأخذ شعر وظفر تعافه النفس وإزالة وسخ فإن احتاجت إلى شراء الماء فثمنه عليه وتمنع من أكل ماله رائحة كريهة كبصل وثوم وكراث ومن تناول ما يمرضها ولا تجب النية(3/240)
ولا التسمية في غسل ذمية ولا تعبد به لو أسلمت بعده وتمنع الذمية من دخول كنيسة وبيعة وتناول محرم وشرب ما يسكرها ولا دونه نصا وكذا مسلمة تعتقد إباحة يسير النبيذ وله إجبارهما على غسل أفواههما ومن سائر النجاسات كما تقدم ولا تكره الذمية على الوطء في صومها نصا ولا إفساد صلاتها وسبتها ولا يشتري لها ولا لأمته الذمية زنارا بل تخرج هي تشتري لنفسها نصا.(3/241)
غيبة ظاهرها السلامة ولم يعلم خبره وتضررت زوجته بترك النكاح لم يفسخ نكاحها ويسن أن يقوم عند الوطء: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا قال ابن نصر الله: وتقوم المرأة أيضا وإن يلاعبها قبل الجماع لتنهض شهوتها وإن يغطي رأسه عند الجماع وعند الخلاء وإلا يستقبل القبلة يستحب للمرأة أن تتخذ خرقة تناولها للزوج بعد فراغه من جماعها قال أبو حفص: ينبغي إلا تظهر الخرقة بين يدي امرأة من أهل دارها وقال الحلواني في التبصرة: يكره أن يمسح ذكره بالخرقة التي تمسح بها فرجها وقال أبو الحسن بن القطان في كتبا أحكام النساء: لا يكره نخرها للجماع وحال الجماع ولا نخره وقال مالك لا بأس بالنخر عند الجماع وأراد سفها في غير ذلك يعاب على فاعله وتكره كثرة الكلام حال الوطء ويستحب أن لا ينزع إذا فرغ قبلها حتى تفرغ فلو خالف كره ويكره وهما متجردان تحدثهما به ولو لضرتها وحرمه في الغنية لأنه من السر وإفشاء السر حرام ويكره وطؤها بحيث يراه غير طفل لا يعقل أو يسمع حسهما ولو رضيا إن كانا مستوري العورة وإلا حرم مع رؤيتها ويكره أن يقبلها ويباشرها عند الناس وله الجمع بين نسائه وإمائه بغسل واحد ويسن أن يتوضأ لمعاودة الوطء والغسل أفضل وليس عليها خدمة زوجها في عجن وخبز وطبخ ونحوه نصا لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة بقيا مهابه وأوجب الشيخ المعروف من مثلها لمثله وأما خدمة نفسها في ذلك فعليها إلا أن يكون مثلها لا يخدم نفسها ويأتي في النفقات ولا يصح إجارتها لرضاع وخدمة إلا بإذنه ولو(3/242)
لعمل في ذمتها فإن عملت بنفسها من إقامته مقامها استحقت الأجرة فإن أجرت ثم تزوجت صح العقد ولم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا يمنعها من الرضاعة حتى تنقضي المدة أشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة أو دارا مستعارة فإذا نام الصبي أو اشتغل فللزوج الاستمتاع بها وليس ولولي الصبي منعه وله الاستمتاع بها ولو أضر اللبن وله منعها من رضاع ولدها من غيره ومن رضاع ولد غيرها: لا ولدها منه إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه نصا ويأتي في نفقة الأقارب ولا يجوز الجمع بين زوجته في مسكن واحد أي بيت واحد بغير رضاهما لأن كل واحدة منهما تسمع حسه إذا أتى الأخرى أو ترى ذلك فإن رضيتا ذلك أو بنومه بينهما في لحاف واحد جاز وإن اسكنهما في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت جاز إذا كان مسكن مثلها وكذلك الجمع بين الزوجة والسرية إلا برضا الزوجة ويجوز نومه مع امرأته بلا جماع بحضرة محرم لها وله منعها من الخروج من منزله إلى ما لها منه بد سواء أرادت زيارة والديها أو عيادتهما أو حضور جنازة أحدهما أو غير ذلك ويحرم عليها الخروج بلا إذنه فإن فعلت فلا نفقة لها إذن هذا إذا قام بحوائجها وإلا فلا بد لها - قال الشيخ فيمن حبسته امرأته بحقها إن خاف خروجها بلا إذنه اسكنها حيث لا يمكنها الخروج فإن لم يكن له من يحفظها غير نفسه حبست معه - يعني إذا كان الحبس مسكن مثلها كما يأتي في الباب فإن عجز عن حفظها أو خيف حدوث شر أسكنت في رباط ونحوه ومتى كان خروجها مظنة(3/243)
الفاحشة صار حقا لله يجب على ولي الأمر رعايته فإن مرض بعض محارمها أو مات غيره من أقاربها استحب له أن يأذن لها في الخروج إليه لا لزيارة أبويها ولا يملك منعها من كلامهما ولا منعها من زيارتهما إلا مع ظن حصول ضرر يعرف بقرائن الحال ولا يلزمها طاعة أبويها في فراقه ولا زيارة ونحوها بل طاعة زوجها أحق.(3/244)
فصل: - في القسم
فصل: - في القسم: وهو توزيع الزمان على زوجاته ويلزم غير طفل أن يساوي بين زوجاته في القسم إذا كن حرائر كلهن أو أماء كلهن ليلة ليلة إلا أن يرضين بالزيادة وعماد القسم الليل ويخرج في نهاره في معاشه وقضاء حقوق الناس وما جرت العادة به ولصلاة العشاء والفجر ولو قبل طلوعه كصلاة النهار وحكم السبعة والثلاث التي يقيمها عند المزفوفة حكم سائر القسم فإن تعذر عليه المقام عندها ليلا لشغل أو حبس أو ترك ذلك لغير عذر قضاء لها ويدخل النهار تبعا لليلة الماضية وأن أحب أن يجعل النهار مضافا إلى الليل الذي يتعقبه جاز لأن ذلك لا يتفاوت إلا لمن معيشته بالليل كالحارس فإنه يقسم بالنهار لأنه محل سكنه ويكون الليل تبعا للنهار وليس له البداءة بإحداهن ولا السفر بها أو بأكثر من واحدة إلا بقرعة أو رضاهن ورضاه فإن رضين ولم يرض وأراد خروج غيرها أقرع وأذابات عند إحداهن بقرعة أو غيرها لزمه المبيت عند الثانية أن كن اثنتين فإن كن ثلاثا أقرع في الليلة الثانية فإن كن أربعا أقرع في الليلة الثالثة ويصير في الليلة الرابعة إلى الرابعة بغير(3/244)
قرعة ولو أقرع في الليلة الأولى فجعل سهما للأولى وسهما للثانية وسهما للثالثة وسهما للرابعة ثم أخرج عليهن مرة واحدة جاز وكل لكل امرأة ما يخرج لها ويقسم لمعتق بالحساب ويقسم المريض والمجنون والعنين والخصي كالصحيح فإن شق على المريض استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهن فإن لم يأذن له أقام عند إحداهن بقرعة أو اعتزلهن جميعا أن أحب ويطوف بمجنون مأمون وليه وجوبا فإن خيف منه فلا قسم عليه لأنه لا يحصل منه أنس ولا قسم لمجنونة يخاف منها وأن لم يعدل الولي في القسم ثم أفاق الزوج قضى للمظلومة ويحرم تخصيص بإفاقته وإذا أفاق في نوبة واحدة قضي يوم جنونه للأخرى ولا يجب عليه التسوية بينهن في وطء ودواعيه ولا في نفقه وشهوات وكسوة إذا قام بالواجب وأن أمكنه ذلك وفعله كان أحسن وأولى ويقسم لزوجته الأمة ليلة لأنها على النصف من الحرة والحرة ليلتين وإن كانت كتابية فإن عتقت الأمة في نوبتها أو في نوبة حرة متقدمة قبلها فلها قسم حرة وإن عتقت في نوبة حرة متأخرة أتم للحرة نوبتها على حكم الرق ولا تزاد الأمة شيئا ويكون للحرة ضعف مدة الأمة والحق في القسم للأمة دون سيدها فلها أن تهب ليلتها لزوجها أو لبعض ضرائرها كالحرة وليس لسيدها الاعتراض عليها ولا أن يهبه دونها ويقسم لحائض ونفساء ومريضة ومعيبة ولرتقاء وصغيرة يمكن وطؤها ومن آلى أو ظاهر منها ومحرمة وزمنة ومجنونة مأمونة نصا ولا قسم لرجعية صرح به في المغني والشرح(3/245)
والزركشي في الحضانة ومأثم صريح يخالفه ولأنها ترجع حضانتها على ولدها وهي رجعية ويقسم لمن سافر بها بقرعة إذا قدم ولا يحتسب عليها مدة السفر وإن كان بغير قرعة لزمه القضاء مدة غيبته ما لم تكن الضرة رضيت بسفرها ويقضي مع قرعة ما تعقبه السفر أو تخلله من مدة إقامة وإن قلت وإذا خرجت القرعة لإحداهن لم يجب عليه السفر بها وله تركها والسفر وحده لا بغير من خرجت لها القرعة وأن وهبت حقها من ذلك جاز إذا رضي الزوج وإن وهبته للزوج أو الجميع أو امتنعت من السفر سقط حقها إذا رضي الزوج واستأنف القرعة بين البواقي وإن أبى فله إكراهها على السفر معه والسفر الطويل والقصير سواء ومتى سافر بإحداهن بقرعة إلى مكان كالقدس مثلا ثم بداله إلى مصر فله استصحابها معه وإذا سافر بزوجتين بقرعة آوى إلى كل واحدة ليلة في رحلها من خيمة أو خركاة أو خباء شعر فهو كبيت المقيمة وإن كانتا جميعا في رحله فلا قسم إلا في الفراش فلا يحل أن يخص فراش واحدة بالبيتوتة فيه دون فراش الأخرى ويحرم دخوله في ليلتها إلى غيرها إلا لضرورة مثل أن تكون منزولا بها أو توصى إليه أو ما لا بد منه فإن لم يلبث عندها لم يقض شيئا وإن لبث أو جامع لزمه أن يقضي لها مثل ذلك من حق الأخرى ولو قبل أو باشر أو نحوه لم يقض والعدل القضاء وكذا يحرم دخوله نهارا إلى غيرها إلا لحاجة ويجوز أن يقضي ليلة صيف عن ليلة شتاء وأول الليل عن آخره وعكسه والأولى أن يكون لكل واحدة من نسائه مسكن يأتيها فيه فإن أتخذ لنفسه مسكنا يدعو إليه كل واحدة(3/246)
في ليلتها ويومها ويخليه من ضرتها جاز وله دعاء البعض إلى مسكنه ويأتي البعض وأن امتنعت من دعاها عن إجابته سقط حقها من القسم وإن أقام عند واحدة ودعا الباقيات إلى بيتها لم يجب عليهن الإجابة وإن حبس فاستدعى كل واحدة في ليلتها فعليهن طاعته أن كان مسكن مثلهن وإلا لم يلزمهن فإن أطعنه لم يكن له أن يترك العدل بينهن ولا استدعاء بعضهن دون بعض كما في غير الحبس فإن كانت امرأتاه في بلدين فعليه العدل بينهما فإن يمضي إلى الغائبة في أيامها أو يقدمها إليه فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان سقط حقها لنشوزها وإن قسم في بلديهما جعل المدة بحسب ما يمكن كشهر وشهر أو أكثر أو أقل على حسب تفاوت البلدين وأن قسم لإحدى زوجاته ثم جاء ليقسم للثانية فاغلقت الباب دونه أو منعته من الاستمتاع بها أو قالت لا تدخل علي أو لا تبت أو أدعت الطلاق - سقط حقها من القسم والنفقة فإن عادت إلى المطاوعة استأنف القسم بينهما ولم يقض للناشر فلو كان له أربع نسوة فأقام عند ثلاث منهن ثلاثين ليلة لزمه أن يقيم عند الرابعة عشرا فإن نشزت إحداهن وظلم واحدة ولم يقسم لها وأقام عند الاثنين ثلاثين ليلة ثم أطاعته الناشز وأراد القضاء للمظلومة قسم لها ثلاثا وللناشز ليلة خمسة أدوار ليكمل للمظلومة خمسة عشر ليلة ويحصل للناشز خمس ثم يقسم بين الجميع فإن كان له ثلاث نسوة فقسم بين اثنين ثلاثين ليلة وظلم الثالثة ثم تزوج جديدة ثم أراد أن يقضي للمظلومة(3/247)
فإنه يخص الجديدة بسبع إن كانت بكرا أو بثلاث أن كانت ثيبا ثم يقسم بينها وبين المظلومة خمسة أدوار للمظلومة من كل دور ثلاث وواحدة للجديدة.(3/248)
فصل: - وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد
فصل: - وإن أراد النقلة من بلد إلى بلد بنسائه فأمكنه استصحاب الكل في سفره فعل ولا يجوز له إفراد إحداهن بغير قرعة فإن فعل قضى للباقيات وإن لم يمكنه أو شق عليه وبعث بهن جميعا مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ولا يقضي لأحد وإن انفرد بإحداهن بقرعة: فإذا وصل البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات مدة كونها معه في البلد خاصة وإن امتنعت من السفر معه أو من المبيت عنده أو سافرت بغير إذنه أو بإذنه لحاجتها سقط حقها من قسم ونفقة وإن بعثها لحاجته أو انتقلت من بلد إلى بلد بإذنه لم يسقط حقها من نفقة ولا قسم ويقضي لها بحسب ما أقام عند ضرتها وللمرأة أن تهب حقها من القسم في جميع الزمان وفي بعضه لبعض ضرائرها بإذنه أو لهن كلهن أو له فيجعله لمن شاء منهن ولو أبت الموهوب لها ولا يجوز هبة ذلك بمال فإن أخذت عليه مالا لزمها رده وعليه أن يقضي لها لأنها تركته بشرط العوض ولم يسلم لها فإن كان غرضها غير المال: كإرضاء زوجها عنها أو غير جاز - وقال الشيخ: قياس المذهب جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره ووقع في كلام القاضي ما يقتضي جوازه - ثم إن كانت تلك الليلة الموهوبة تلي الليلة الموهوبة لها(3/248)
وإلى بينهما وإلا لم يجز إلا برضا الباقيات ومتى رجعت في الهبة عاد حقها في المستقبل فقط ولو في بعض الليل ولا يقضيه إن لم يعلم إلا بعد فراغ الليلة ولها هبة ذلك ونفقتها وغيرهما لزوجها ليمسكها ولها الرجوع في المستقبل ولا قسم عليه في ملك اليمين وله الاستمتاع بهن وإن نقص زمن زوجاته - لكن يساوي بينهن في حرمانهن أي الزوجات كما إذا بات عند أمته أو دكانه أو عند صديقه ويستمتع بهن كيف شاء كالزوجات أو أقل أو أكثر وإن شاء ساوى وإن شاء فضل وإن شاء استمتع ببعضهن دون بعض وتستحب التسوية بينهن وألا يعضلهن بأن لم يرد الاستمتاع وإذا احتاجت الأمة إلى النكاح وجب عليه إعفافها إما بوطئها أو تزويجها أو بيعها.(3/249)
فصل: - وإذا تزوج بكرا
فصل: - وإذا تزوج بكرا ولو أمة أقام عندها سبعا وثيبا ولو أمة ثلاثا ولا يحتسب عليهما بما أقام عندهما فإذا انتهت مدة إقامته عند الجديدة عاد إلى القسم بين زوجاته كما كان ودخلت بينهن فصارت آخرهن نوبة وإن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعا فعل وقضى للبواقي سبعا سبعا وإن تزوج امرأتين فزفتا إليه في ليلة واحدة كره له ذلك بكرين كانتا أو ثيبتين أو بكرا وثيبا ويقدم اسبقهما دخولا فيوفيها حق العقد ثم يعود إلى الثانية فيوفيها حق العقد ثم يبتدئ القسم فإن ادخلتا عليه معا قدم إحداهما بقرعة ويكره أن تزف إليه امرأة في مدة حق امرأة زفت إليه قبلها وعليه أن يتمم(3/249)
للأولى ثم يقضي حق الثانية وإن أراد السفر فخرجت القرعة لإحدى الجديدتين سافر بها ودخل حق العقد في قسم السفر فإذا قدم بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي فيها حق الأولى تممه في الحضر وقضى للحاضرة حقها فإن خرجت القرعة لغير الجديدتين وسافر بها قضى للجديدتين حقهما واحدة بعد واحدة يقدم السابقة دخولا أو بقرعة إن دخلتا معا وإن سافر بجديدة وقديمة بقرعة أو رضى تمم للجديدة حق العقد ثم قسم بينها وبين الأخرى وإذا طلق إحدى نسائه في ليلتها أو الحارس في نهارها أثم فإن تزوجها بعد - قضى لها ليلتها ولو كان قد تزوج غيرها بعد طلاقها وإذا كان له امرأتان فبات عند إحداهما ليلة ثم تزوج ثالثة قبل ليلة الثانية قدم المزفوفة بلياليها ثم يبيت ليلة عند المظلومة ثم نصف ليلة للجديدة ثم يبتدئ وأختار الموفق والشارح: لا يبيت نصفها بل ليلة كاملة لأنه حرج ولو سافر بإحدى زوجتيه بقرعة ثم تزوج في سفره بامرأة أخرى وزفت إليه فعليه تقديمها بأيامها ثم يقسم.(3/250)
فصل: - في النشوز
فصل: - في النشوز وهو معصيتها إياه فيما يجب عليها إذا ظهر منها إمارات النشوز بأن تتثاقل أو تتدافع إذا دعاها إلى الاستمتاع أو تجيبه متبرمة متكرهة ويختل أدبها في حقه وعظها فإن رجعت إلى الطاعة والأدب حرم الهجر والضرب وإن أصرت وأظهرت النشوز: بأن عصته وامتنعت من إجابته إلى الفراش أو(3/250)
خرجت من بيته بغير إذنه ونحو ذلك هجرها في المضجع ما شاء وفي الكلام ثلاثة أيام لا فوقها فإن أصرت ولم ترتدع فله أن يضربها فيكون الضرب بعد الهجر في الفراش وتركها من الكلام ضربا غير مبرح أي غير شديد ويجتنب الوجه والبطن والمواضع المخوفة والمستحسنة: عشرة أسواط فأقل وقيل بدرة أو مخراق منديل ملفوف لا بسوط ولا بخشب فإن تلفت من ذلك فلا ضمان عليه ويمنع منها من علم بمنعه حقها حتى يؤديه ويحسن عشرتها ولا يسأله أحد لم ضربها؟ ولا أبوها ولأن فيه إبقاء للمودة وله تأديبها على ترك فرائض الله تعالى نصا فإن أدعى كل منهما ظلم صاحبه اسكنهما الحاكم إلى جانب ثقة يشرف عليهما ويكشف حالهما كما يكشف عن عدالة وإفلاس من خبرة باطنه ويلزمهما الإنصاف ويكون الإسكان المذكور قبل بعث الحكمين فإن خرجا إلى الشقاق والعداوة وبلغا إلى المشاتمة بعث الحاكم حكمين حرين مسلمين: ذكرين عدلين مكلفين فقيهين عالمين بالجمع والتفريق يفعلان ما يريانه من جمع بينهما أو تفريق بطلاق أو خلع والأولى أن يكونا من أهلهما وينبغي لهما أن ينويا الإصلاح لقوله تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} وإن يلطفا وينصفا ويرغبا ويخوفا ولا يخصا بذلك أحدهما دون الآخر وهما وكيلان عن الزوجين في ذلك لا يرسلان إلا برضاهما وتوكيلهما فلا يملكان تفريقا إلا بإذنهما فيأذن الرجل لوكيله فيما يراه من طلاق أو إصلاح وتأذن المرأة لوكيلها في الخلع والصلح على ما يراه ولا ينقطع نظرهما(3/251)
بغيبة الزوجين أو أحدهما وينقطع بجنونهما أو أحدهما ونحوه مما يبطل الوكالة وإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا عليه لكن لا يزال الحاكم يبحث ويستبحث حتى يظهر له من الظالم فيردعه ويستوفي منه الحق ولا يصح الإبراء من الحكمين إلا في الخلع خاصة من وكيل المرأة فقط وإن خافت امرأة نشوز زوجها وإعراضه عنها لكبر أو غيره فوضعت عنه بعض حقوقها أو كلها تسترضيه بذلك جاز وإن شاءت رجعت في ذلك في المستقبل لا الماضي ويأتي إذا اختلفا في النشوز أو بذل التسليم في كتاب النفقات.(3/252)
باب الخلع
مدخل
...
باب الخلع
وهو فراق امرأته بعوض يأخذه الزوج بألفاظ مخصوصة وإذا كرهت المرأة زوجها لخلقة أو خلقه أو لنقص دينه أو لكبره أو ضعفه أو نحو ذلك وخافت أثما بترك حقه فيباح لها أن تخالعه على عوض تفتدي به نفسها منه ويسن إجابتها إلا أن يكون له إليها ميل ومحبة فيستحب صبرها وعدم أفتدائها وإن خالعته مع استقامة الحال كره ووقع الخلع وإن عضلها أي ضارها بالضرب والتضييق عليها أو منعها حقوقها من القسم والنفقة ونحو ذلك ظلما لتفدي نفسها فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها إلا أن يكون بلفظ طلاق أو نيته فيقع رجعيا وإلا لغوا وإن فعل ذلك لا لتفتدي أو فعله لزناها أو نشوزها أو تركها فرضا فالخلع صحيح(3/252)
ولا يفتقر الخلع إلى حاكم نصا ولا بأس به في الحيض والطهر الذي أصابها فيه إذا كان بسؤالها وتقدم في الحيض ويصح لكل زوج يصح طلاقه وأن يتوكل فيه مسلما كان أو ذميا ويقض عوضه وإن كان مكاتبا ومحجورا عليه لفلس فإن كان محجورا عليه لغير ذلك كعبد وصغير ومميز وسفيه دفع المال إلى سيد وولي وليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير والمجنون ولا طلاقها وكذا سيدهما وليس لأب خلع ابنته الصغيرة ولا طلاقها بشيء من مالها ويصح الخلع مع الزوجة البالغة الرشيدة ومع الأجنبي لجائز التصرف بغير إذنها ويصح بذل العوض فيه منهما بأن يقول الأجنبي: أخلع زوجتك أو طلقها على ألف أو بألف أو على سلعتي هذه فيجيبه فيصح ويلزم الأجنبي وحده العوض وإن قال: على مهرها أو سلعتها وأنا ضامن أو على ألف في ذمتها وأنا ضامن فيجيبه صح وإن لم يضمن حيث سمى العوض منها لم يصح وإن قالت له طلقني وضرتي بألف فطلقهما وقع بائنا واستحق الألف على باذلته وأن طلق إحداهما لم يستحق شيئا وإن قالت: طلقني بألف على أن تطلق ضرتي أو على إلا تطلق ضرتي ففعل فالخلع صحيح والشرط والبذل لا زمان فأن لم يف لها بشرطها استحق على السائلة الأقل من الألف ومن صداقها المسمى وإن خالعته أمة بغير إذن سيدها على شيء لم يصح وبإذنه يصح ويكون العوض في ذمته كاستدانتها بإذنه وكذا الحكم في المكاتبة إلا إنه إن كان بإذن سيدها سلمته مما في يدها وإن لم يكن في يدها شيء فهو في ذمة(3/253)
سيدها فإن خالعته لمحجور عليها لسفه أو صغير أو جنون لم يصح الخلع ولو إذن فيه الولي فيقع رجعيا إن كان بلفظ طلاق أو نيته دون ثلاث وإلا كان لغوا وإن تخالعا هازلين بلفظ طلاق أو نيته صح وإلا فلا كمبيع ولا يبطل إبراء من أدعت سفها حالة لخلع بلا بينة ويصح من محجور عليها لفلس ويكون في ذمتها يؤخذ منها إذا أنفك عنها الحجر وأيسرت.(3/254)
فصل: - والخلع طلاق بائن
فصل: - والخلع طلاق بائن إلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة ولا ينوي به الطلاق فيكون فسخا لا ينقص به عدد الطلاق ولو لم ينو الخلع لأنها صريحة فيه وكناياته باريتك وأبرأتك وابنتك فمع سؤال الخلع وبذل العوض يصح من غير نية لأن دلالة الحال من سؤال الخلع وبذل العوض صارفة إليه ولا بد في الكنايات من نية الخلع ممن أتى بها منهما وإن تواطآ على أن تهبه الصداق وتبرئه على إن يطلقها فأبرأته ثم طلقها كان بائنا وكذلك لو قال لها أبرئيني وأنا أطلقك أو إن أبرأتيني طلقتك ونحو ذلك من عبارات الخاصة والعامة التي يفهم منها أنه سأل الإبراء على أن يطلقها وإنها أبرأته على أن يطلقها قاله الشيخ ويأتي نظيره في كنايات الطلاق وقال أيضا: إن كانت أبرأته براءة لا تتعلق بالطلاق ثم طلقها بعد ذلك فهو رجعي وتصح ترجمة الخلع بلك لغة من أهلها وإن قال: خالعت يدك أو رجلك على كذا فقالت: قبلت فإن نوى به طلاقا وقع وإلا فلغو هذا معنى كلام الأزجي ولا يقع بالمعتدة(3/254)
من الخلع طلاق ولو واجهها به وإن شرط الرجعة أو الخيار فيه صح ولم يصح الشرط ويستحق المسمى فيه ولا يصح تعليقه على شرط قال ابن نصر الله: كالبيع فلو قال: إن بذلت لي كذا فقد خلعتك لم يصح وإن قالت: اجعل أمري في يدي وأعطيك عبدي هذا ففعل وقبض العبد ملكه وله التصرف فيه ولو قبل اختيارها ومتى شاءت تختار مالم يطأ أو يرجع فإن رجع فلها أن ترجع عليه بالعوض ولو قال: إذا جاء رأس الشهر فأمرك بيدك ملك إبطال هذه الصفة - قال أحمد: ولو جعلت له ألف درهم على أن يخيرها فاختارت الزوج لا يرد شيئا - وإن قالت: طلقني بدينار فطلقها ثم ارتدت لزمها الدينار ووقع الطلاق بائنا ولا تؤثر الردة وإن كان بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة فإن أقامت على ردتها حتى انقضت عدتها تبينا عدم وقوع الطلاق لأنها لم تكن بزوجة وإن أسلمت فيها وقع.(3/255)
فصل: - ولا يصح إلا بعوض
فصل: - ولا يصح إلا بعوض فإن خالعها بغير عوض لم يقع خلع ولا طلاق: إلا أن يكون بلفظ طلاق أو نيته فيقع رجعيا ولا يصح بمجرد بذلك المال وقبوله بل لا بد من الإيجاب والقبول في المجلس فإن قالت: بعني عبدك هذا وطلقني بألف ففعل صح وكان بيعا وخلعا ويقسط الألف على الصداق المسمى وقيمة العبد فيكون عوض الخلع ما يخص المسمى أي المهر وعوض العبد ما يخص قيمته حتى لو ردته بعيب رجعت بذلك وإن وجدته حرا أو مغصوبا رجعت به لأنه(3/255)
عوضها فإن كان مكان العبد شقص مشفوع وثبتت فيه الشفعة يأخذه الشفيع بحصة قيمته من الألف ولا يستحب له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها فإن فعل كره وصح نصا والعوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع إن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا أو مذروعا لم يدخل في ضمان الزوج ولا يملك التصرف فيه إلا بقبضه وإن تلف قبله فله عوضه وإن كان غير ذلك دخل في ضمانه بمجرد الخلع وصح تصرفه فيه وإن خالعها بمجرم: كالخمر والحر فكخلع بلا عوض إن كانا يعلمانه وإن كانا يجهلانه صح وكان له بدله وإن قال أن أعطيتني خمرا أو ميتة فأنت طالق فأعطته ذلك طلقت رجعيا ولا شيء عليها وإن تخالع كافران بمحرم ثم أسلما أو أحدهما قبل قبضه فلا شيء له وإن خالعها على عبد فبان حرا أو مستحقا فله قيمته عليها وعلى خل فبان خمرا رجع عليها بمثله خلا وإن كان العوض مثليا فله مثله وصح الخلع وإن بان معيبا فإن شاء أمسكه وأخذ أرشه وإن شاء رده وأخذ قيمته أو مثله إن كان مثليا وإن خالعها على رضاع ولده المعين أو على سكني دار معينة مدة معلومة صح فإن مات الولد أو خربت الدار أو ماتت المرضعة أو جف لبنها رجع بأجرة المثل لباقي المدة يوما فيوما وإن أطلق الرضاع فحولان أو بقيتهما وكذا لو خالعته على كفالته أو نفقته مدة معينة: كعشر سنين ونحوها والأولى أن يذكر مدة الرضاع وصفة النفقة: بأن يقول ترضعيه من العشر سنين حولين أو أقل بحسب ما يتفقان عليه ويذكر ما يقتاته من طعام وأدم فيقول: حنطة أو غيرها كذا(3/256)
وكذا قفيزا وجنس الأدم فإن لم يذكر مدة الرضاع منهما ولا قدر الطعام والأدم صح ويرجع إلى العرف والعادة وللوالد أن يأخذ منها ما يستحقه من مؤنة الولد وما يحتاج إليه فإن أحب أنفقه بعينه وإن أحب أخذه لنفسه وأنفق على الولد غيره وإن أذن لها في الإنفاق عليه جاز فإن مات الولد بعد مدة الرضاعة فلأبيه أن يأخذ ما بقي من المؤنة يوما فيوما كما تقدم ولو أراد الزوج أن يقيم بدل الرضيع آخر ترضعه أو تكفله فأبت ذلك أو أرادته هي فأبي لم يلزما وأن خالع حاملا على نفقة حملها صح وسقطت نصا ولو خالعها وأبرأته من نفقة حملها بأن جعلت ذلك عوضا في الخلع صح ولا نفقة لها ولا للولد حتى تفطمه فإذا فطمته فله طلبه بنفقته وتعتبر الصيغة منهما في ذلك كله فيقول: خلعتك أو فسخت نكاحك على كذا أو فاديتك على كذا فتقول: قبلت أو رضيت أو تسأله هي فتقول: أخلعني أو طلقني على كذا فيقول: خلعتك ونحوه أو يقول الأجنبي: أخلعها أو طلقها على ألف علي ونحوه فيجيب.(3/257)
فصل: - ويصح الخلع بالمجهول
فصل: - ويصح الخلع بالمجهول وبالمعدوم الذي ينتظر وجوده وللزوج ما جعل له فإن خالعها على ما في يدها من الدراهم صح وله ما في يدها ولو كان أقل من ثلاثة دراهم ولا يستحق غيره وإن لم يكن في يدها شيء فله ثلاثة دراهم كما لو وصى له بدراهم وعلى ما في بيتها من المتاع فله ما فيه قليلا كان أو كثيرا وإن لم يكن فيه متاع فله أقل ما يسمى متاعا وإن خالعها على حمل أمتها أو غنمها أو غيره أو ما(3/257)
تحمل شجرتها فله ذلك فإن لم يكن حمل أرضته بشيء نصا والواجب ما يتناوله الاسم وكذا على ما في ضروع ما شيتها ونحوه وإن خالعها على عبد مطلق فله أقل ما يسمى عبدا وإن قال: أن أعطيتني عبدا فأنت طالق - طلقت بأي عبد أعطته يصح تمليكه ولو مدبرا أو معلقا عتقه بصفة طلاقا بائنا وملك العبد نصا والبعير والبقرة والشاة والثوب ونحو ذلك كالعبد فإن بان مغصوبا أو العبد حرا أو مكاتبا أو مرهونا لم تطلق وإن أعطيتني هذا العبد أو أعطيتني عبدا فأنت طالق فأعطته إياه طلقت وإن خرج معيبا فلا شيء له غيره وإن خرج مغصوبا أو بان حرا أو بعضه لم يقع الطلاق وعلى عبيد فله ثلاثة وكل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض وقع الطلاق سواء قبضه منها أو لم يقبضه فإن هرب الزوج أو غاب قبل عطيتها أو قالت: يضمنه لك زيد أو أجعله قصاصا بمالي عليك أو أعطته به رهنا أو أحالته به لم يقع الطلاق وإن قالت طلقني بألف فطلقها استحق الألف وبانت وإن لم يقبض وإن أعطيتني ثوبا صفته كذا وكذا فأنت طالق فأعطته ثوبا على تلك الصفات طلقت وملكه وإن أعطته ناقصا لم يقع الطلاق ولم يملكه وإن كان على الصفة لكن به عيب وقع الطلاق ويتخير بين إمساكه ورده والرجوع بقيمته وإن أعطيتني ثوبا هرويا فأنت طالق فأعطته مرويا لم تطلق وإن أعطته هرويا طلقت وإن خالعته على عينه بان قالت: اخلعني على هذا الثوب المروي فبان هرويا صح وليس له غيره وإن خالعته على(3/258)
مروي في الذمة فأتته بهروي صح وخير بين رده وأخذه مرويا وبين إمساكه.(3/259)
فصل: - وطلاق معين أو منجز بعوض كخلع في الإبانة
فصل: - وطلاق معين أو منجز بعوض كخلع في الإبانة فإذا قال: إن أو إذا أو متى أعطيتني ألفا فأنت طالق فالشرط لازم من جهته لا يصح إبطاله وكان على التراخي: أي وقت أعطته - على صفة يمكنه القبض ألفا فأكثر: وازنة إن كان شرطها وزنية وإلا فما شرط فإن اختلفا فقولها كما يأتي: بإحضار الألف: ولو كانت ناقصة في العدد: وأذنها في قبضه - طلقت بائنا وملكه وإن لم يقبضه1 لا أن أعطته دون ذلك وسبيكة تبلغ ألفا لأن السبيكة لا تسمى دراهم وإن قال أنت طالق بألف إن شئت لم تطلق حتى تشاء بالقول فإن شاءت ولو على التراخي وقع بائنا ويستحق الألف وإن قالت: أخلعني بألف أو على ألف أو طلقني بألف أو على ألف وإن قالت: أخلعني بألف أو على ألف أو طلقني بألف أو على ألف أو قالت: ولك ألف إن طلقتني أو خلعتني أو طلقتك وإن لم يذكر الألف بانت واستحق الألف من غالب نقد البلد ولها أن ترجع قبل أن يجيبها ولو قالت: طلقني بألف إلى شهر فطلقها قبله فلا شيء لها نصا وإن قالت من الآن إلى شهر فطلقها قبله استحقه وطلقني بألف: طلقتك ينوي به الطلاق صح واستحق الألف وإلا لم يصح الخلع ولم يستحق شيئا لأنه ما أجابها إلى ما بذلت
__________
1 أي وقت: اسم شرط. جونبه طلقت بائنا، وأما قوله بإحضار الألف وقوله بعد وأذنها فمتعلقان بقوله اعطته وهما بيان للإعطاء.(3/259)
العوض فيه واخلعني بألف فقال طلقتك لم يستحقه لأنه أوقع طلاقا ما طلبته ووقع رجعيا وطلقني واحدة بألف أو على ألف أو ولك ألف ونحوه فطلقها ثلاثا أو اثنتين استحقه وطلقني واحدة بألف فقال: أنت طالق وطالق وطالق بانت الأولى وإن ذكر الألف عقيب الثانية بانت بها والأولى رجعية ولغت الثالثة وقيل تطلق ثلاثا وهو موافق لقواعد المذهب وإن قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها واحدة لا يستحق شيئا ووقعت رجعية وإن لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ففعل استحق الألف علمت أو لم تعلم فإن قال والحالة هذه أنت طالق طلقتين والأولى بألف والثانية بغير شيء وقعت الأولى واستحق الألف ولم تقع الثانية وإن قال: الأولى بغير شيء وقعت وحدها ولم يستحق شيئا لأنه لم يجعل لها عوضا وكملت الثلاث وإن قال: إحداهما بألف لزمها الألف وطلقني عشرا بألف فطلقها واحدة أو اثنتين فلا شيء له وإن طلقها ثلاثا استحق الألف وإن كان له امرأتان إحداهما رشيدة فقال: أنتما طالقتان بألف إن شئتما فقالتا: قد شئنا لزم الرشيدة نصف الألف وطلقت بائنا ووقع بالأخرى رجعيا ولا شيء عليها وقوله لرشيدتين أنتما طالقتان بألف فقبلت واحدة طلقت بقسطها وإن قالتا قد شئنا طلقتا بائنا ولزمهما العوض بينهما وقول امرأتيه طلقنا بألف فطلق واحدة بانت بقسطها من الألف ولو قالت إحداهما فرجعي ولا شيء له ولو قال: أنت طالق وعليك ألف أو على ألف أو بألف فقبلت في المجلس بانت واستحقه وإن لم تقبل وقع رجعيا وله الرجوع قبل قبولها,(3/260)
ولا ينقلب بائنا ببذلها الألف في المجلس بعد عدم قبولها وأنت طالق ثلاثا بألف فقالت: قبلت واحدة بألف أو بألفين وقع الثلاث واسحق الألف وإن قالت قبلت بخمسمائة أو قبلت واحدة من الثلاث بثلث الألف لم يقع وأنت طالق طلقتين إحداهما بألف وقعت بها واحدة ووقفت الأخرى على قبولها وإن قال الأب طلق ابنتي وأنت برئ من صداقها فطلقها وقع رجعيا ولم يبرأ ولم يرجع على الأب ولم يضمن له وإن قال الزوج: هي طالق أن أبرأتني من صداقها فقال: قد أبرأتك لم يقع إلا إذا قصد الزوج مجرد اللفظ بالإبراء وإن قال هي طالق أن برئت من صداقها لم يقع وإن قال الأب طلقها على ألف من مالها وعلى الدرك فطلقها طلقت بائنا وتقدم في كتاب الصداق لو خالعته على صداقها أو بعضه أو أبرأته منه فليعاود.(3/261)
فصل: - وإذا خالعته الزوجة في مرض موتها
فصل: - وإذا خالعته الزوجة في مرض موتها صح وله الأقل من المسمى في الخلع أو ميراثه منها وإن صحت من مرضها ذلك فله جميع ما خالعها به وإن طلقها في مرض موته أو وصى لها بأكثر من ميراثها لم تستحق أكثر من ميراثها وإن خالعها وحاباها فمن رأس المال ولك من صح أن يتصرف في الخلع لنفسه صح توكيله ووكالته فيه: من حر وعبد وذكر وأنثى ومسلم وكافر ومحجور عليه ورشيد فإذا وكل الزوج في خلع امرأته مطلقا فإن خالعها بمهرها فما زاد صح وإن نقص من المهر رجع على الوكيل بالنقص وصح الخلع ولو خالع وكيله بلا مال كان الخلع لغوا وإن عين للوكيل العوض فنقص منه لم يصح(3/261)
الخلع وإن وكلت المرأة في ذلك فخالع بمهرها فما دونه أو بما عينته فما دونه صح وإن زاد صح ولزمت الوكيل الزيادة وإن خالف وكيل الزوج أو الزوجة جنسا أو حلولا أو نقد البلد لم يصح الخلع ولو كان وكيل الزوج والزوجة واحدا فله أن يتولى طرفي العقد كالنكاح وإذا تخالعا أو تطالقا تراجعا بما بينهما من حقوق النكاح فلا يسقط شيء منها ولو سكت عنها كالديون ولا تسقط نفقة عدة الحامل لا بقية ما خولع ببعضه.(3/262)
فصل: - وإذا قال: خالعتك بألف
فصل: - وإذا قال: خالعتك بألف فأنكرته أو قالت: إنما خالعك غيري بانت والقول قولها بيمينها في العوض وإن قالت: نعم لكن ضمنه غيري لزمها الألف وعوض الخلع حال ومن نقد البلد وإن اختلفا في قدر العوض أو عينه أو ناجيله أو جنسه أو صفته أو هل هو وزني أو عددي فقولها مع يمينها غوان علق طلاقها أو عتقه بصفة ثم خالعها أو ابانها بثلاث أو دونها وباعه فوجدت الصفة أو لم توجد ثم عاد فتزوجها وملكه فوجدت الصفة طلقت وعتق وكذا الحكم لو قال: أن بنت مني ثم تزوجتك فأنت طالق فبانت ثم تزوجها ويحرم الخلع حيلة لإسقاط بمين طلاق ولا يصح قال الشيخ: كما لا يصح نكاح المحلل وقال: ولو أعتقد البينونة بذلك ثم فعل ما حلف عليه فكطلاق أجنبية فتبين امرأته على ما يأتي في آخر باب الشك في الطلاق ولو خالع وفعل المحلوف عليه بعد الخلع معتقد إن الفعل بعد الخلع لم تتناوله يمينه أو فعل المحلوف عليه معتقدا زوال النكاح لم يكن كذلك وهو كما لو حلف(3/262)
على شيء يظنه فبان بخلاف ظنه1 ولو أشهد على نفسه بطلاق ثلاث ثم استفتى فأفتى بأنه لا شيء عليه لم يؤاخذ بإقراره لمعرفة مستنده ويقبل بيمينه إن مستنده في إقراره ذلك ممن يجهله مثله انتهى ويأتي في صريح الطلاق.
__________
1 يريد أنه يحنث في طلاقه ومجرد ظنه السابق لا يعفيه من طائلة الحنث من قبيل هذا جميع صور الخلع التي يأتيها الناس في زمننا على زعمهم أنها مخرج لهم من الأيمان التي تورطوا فيها. وأنت تعلم أن جميع الحيل عندنا باطلة.
وقد تم بحمد الله الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع وأوله
كتاب الطلاق(3/263)
المجلد الرابع
كتاب الطلاق
مدخل
مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطلاق
وهو حل قيد النكاح أو بعضه ويباح عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة أو لسوء عشرتها وكذا للتضرر بها من غير حصول الغرض بها ويكره من غير حاجة ومنه محرم كفى الحيض ونحوه ومنه واجب كطلاق المولى بعد التربص إلا لم يفئ ويستحب لتفريطها في حقوق الله الواجبة مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه إجبارها عليها وفي الحال التي تحوج المرأة إلى المخالعة من شقاق وغيره ليزيل الضرر وكونها غير عفيفة ولتضررها بالنكاح وعنه يجب لتركها عفة ولتفريطها في حقوق الله تعالى.
قال الشيخ: إذا كانت تزني لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال بل يفارقها وإلا كان ديوثا انتهى - ولا بأس بعضلها في هذا الحال والتضييق عليها لتفتدى منه والزنا لا يفسخ نكاحها وتقدم في باب المحرمات في النكاح وإذا ترك الزوج حقا لله فالمرأة في ذلك مثله فتختلع ولا يجب الطلاق إذا أمره به أبوه وإن أمرته به أمه فقال أحمد لا يعجبني طلاقه وكذا إذا أمرته ببيع سريته وليس لها(4/2)
ذلك1 ويصح الطلاق من زوج عاقل مختار ولو مميزا يعقله ولو دون عشر يعلم أن زوجته تبين منه وتحرم عليه ويصح توكيله وتوكله فيه ويصح من كتابي وسفيه وممن تبلغه الدعوة وأخرس تفهم إشارته - ويأتي في باب صريح الطلاق وكنايته - وطلاق مرتد موقوف فإن عجلت الفرقة فباطل2 وتزويجه باطل وتعتبر إرادة لفظ الطلاق لمعناه فلا طلاق لفقيه يكرره وحاك عن نفسه أو غيره ولا من زال عقله بسبب يعذر فيه كالمجنون والنائم والمغمى عليه والمبرسم ومن به نشاف ولا لمن أكره على شرب مسكر أو شرب ما يزيل عقله ولم يعلم أنه يزيل العقل أو أكل بنجا ونحوه ولو لغير حاجة فإن ذكر المجنون والمغمى عليه بعد إفاقتهما أنهما طلقا وقع نصا ويقع طلاق من زال عقله بسكر ونحوه محرم ولو خلط في كلامه وقراءته أو سقط تمييزه بين الأعيان فلا يعرف متاعه من متاع غيره أو لم يعرف السماء من الأرض ولا الذكر من الأنثى ويؤاخذ بأقواله أو أفعاله وكل فعل يعتبر له العقل من قتل وقذف وزنا وسرقة وظهار وإيلاء وبيع وشراء وردة وإسلام ونحوه قال جماعة من الأصحاب لا تصح عبادة السكران أربعين يوما حتى يتوب - قاله
__________
1 الطلاق مباح في الأصل وإن كانت تعتريه بقية الأحكام الخمسة على ما وضحه المصنف، ولكنه مع الإباحة مبغوض للحديث "أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق" فليس من البر بالوالدين إطاعتهما في الأمر به إذا لم يكن سبب آخر.
2 إذا ارتد قبل الدخول انفسخ النكاح. وإذا ارتد بعد الدخول ثم طلق فإن عجل الإسلام قبل مضي زمن الرجعة فطلاقه صحيح، وإن عجل الفرقة بمعنى تأخيره الإسلام حتى مضت العدة فالطلاق باطل والنكاح يعتبر مفسوخا من وقت الردة.(4/3)
الشيخ والحشيشة الخبيثة كالبنج والشيخ يرى حكمها حكم الشراب المسكر حتى في إيجاب الحد - والغضبان مكلف في حال غضبه بما يصدر منه من كفر وقتل نفس وأخذ مال بغير حق وطلاق وغير ذلك قال ابن رجب في شرح النواوية ما يقع من الغضبان من طلاق وعتاق أو يمين فإنه يؤاخذ بذلك كله بغير خلاف واستدل لذلك بأدلة صحيحة وأنكر على من يقول بخلاف ذلك ويأتي في باب الإيلاء(4/4)
فصل. ومن أكره على الطلاق ظلما بما يؤلم كالضرب والخنق وعصر الساق والحبس والغط في الماء مع الوعيد فطلق
لم يقع وفعل ذلك بولده إكراه لوالده وإن هدده قادر بما يضره ضررا كثيرا كقتل وقطع طرف وضرب شديد وحبس وقيد طويلين وأخذ مال كثير وإخراج من ديار ونحوه أو بتعذيب ولده بسلطان أو تغلب كلص ونحوه يغلب على ظنه وقوع ما هدده به وعجزه عن دفعه والهرب منه والاختفاء فهو إكراه فإن كان الضرب يسيرا في حق كمن لا يبالي به فليس بإكراه وفي ذوي المروآت على وجه يكون إخراقا لصاحبه وعضالة وشهرة فهو كالضرب الكثير قاله الموفق والشارح - ولو سحر ليطلق كان إكراها - قال الشيخ وقال: إذا بلغ به السحر إلى أن لا يعلم ما يقول لم يقع به الطلق انتهى - ولا يكون السب والشتم والاخراق وأخذ المال اليسير إكراها وينبغي لمن أكره على الطلاق وطلق أن يتأوله فينوي بقلبه غير امرأته ونحو ذلك ويأتي في باب التأويل في الحلف ويقبل قوله في نيته فإن ترك التأويل بلا عذر أو أكره على الطلاق(4/4)
مبهمة فطلق معينة لم يقع ولو قصد إيقاع الطلاق دون دفع الإكراه أو أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها أو على طلقة فطلق ثلاثا وقع فإن طلق من أكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها دونها والإكراه على العتق واليمين ونحوهما كالإكراه على الطلاق ويقع الطلاق في النكاح المختلف في صحته كالنكاح بولاية فاسق أو بشهادة فاسقين أو بنكاح الأخت في عدة أختها أو نكاح الشغار أو المحلل أو بلا شهود أو بلا ولي وما أشبه ذلك كبعد حكم بصحته ويكون بائنا ما لم يحكم بصحته ويجوز في حيض ولا يكون بدعة ويثبت فيه النسب والعدة والمهر ولا يقع في نكاح باطل إجماعا ولا في نكاح فضولي قبل إجازته وإن نفذناه بها ويقع عتق في بيع فاسد.(4/5)
فصل: ومن صح طلاقه صح توكيله وتوكله فيه
فإن وكل المرأة فيه صح وللوكيل أن يطلق متى شاء إلا أن يحد له حدا أو يفسخ أو يطأ ولا يطلق أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليه بلفظه أو نيته فلو وكله في ثلاث فطلق واحدة أو وكله في واحدة فطلق ثلاثا طلقت واحدة نصا وإن خيره من ثلاث ملك اثنتين فأقل ولا يملك الطلاق تعليقا وإن وكل اثنين فيه فليس لأحدهما الانفراد فيه إلا بإذن الموكل وإن وكلهما في ثلاث فطلق أحدهما أكثر من الآخر وقع ما اجتمعا عليه فلو طلق أحدهما واحدة والآخر أكثر فواحدة ويحرم على الوكيل الطلاق وقت بدعة فإن فعل وقع كالموكل ويقبل دعوى الزوج أنه يرجع عن الوكالة قبل إيقاع الوكيل الطلاق وعنه لا يقبله إلا ببينة - اختاره الشيخ وغيره(4/5)
وقال وكذا دعوى عتقه ورهنه ونحوه انتهى - وإن قال لامرأته طلقي نفسك فلها ذلك كالوكيل ويأتي وإن قال اختاري من ثلاث ما شئت لم يكن لها أن تختار أكثر من اثنين لأن من للتبعيض كما مر في الوكيل(4/6)
باب سنة الطلاق وبدعته
مدخل
...
باب سنة الطلاق وبدعته
السنة فيه أن يطلقها واحدة في طهر لم يصبها فيه ثم يدعها فلا يتبعها طلاقا آخر حتى تنقضي عدتها إلا في طهر يعقب الرجعة من طلاق حيض فبدعة1 زاد في الترغيب ويلزمه وطؤها وإن طلق المدخول بها في حيض أو طهر أصابها فيه ولو في أخره ولم يستبن حملها فهو طلاق بدعة محرم ويقع نصا وتسن رجعتها إن كان رجعيا فإذا راجعها وجب إمساكها حتى تطهر فإذا طهرت سن أن يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى فإذا طلقها في هذا الطهر قبل أن يسمها فهو طلاق سنة ولو علق طلاقها بقيامها أو بقدوم زيد فقامت أو قدم وهي حائض وطلقت للبدعة ولا إثم وإن قال أنت طالق إذا قدم زيد السنة فقدم في زمان السنة طلقت وإن قدم في زمان البدعة لم يقع فإذا صارت إلى زمان السنة وقع وإن قال ذلك لها قبل الدخول طلقت عند قدومه حائضا كانت أو طاهرا وإن قدم بعد دخوله بها في طهر لم يصبها فيه طلقت وإن قدم زمن البدعة لم تطلق حتى يجئ زمن السنة وإن طلقها ثلاثا بكلمة أو بكلمات في طهر لم يصبها فيه أو في إطهار قبل رجعة حرم نصا لا اثنتين ولا بدعة فيها بعد رجعة أو عقد وإذا كانت المرأة صغيرة أو آيسة أو غير مدخول
__________
1 صورة هذه المسئلة موضحة بعد في قوله: وإن طلق المدخول بها الخ(4/6)
بها أو استبان حملها فلا سنة لطلاقها ولا بدعة في وقت ولا عقد فلو قال لإحداهن أنت طالق للسنة أو قال للبدعة أو قال للسنة والبدعة أو لا للسنة ولا للبدعة طلقت في الحال وإن قال للسنة طلقة وللبدعة طلقة وقع طلقتان ويدين في غير آيسة إذا قال أردت إذا صارت من أهل ذلك الوصف ويقبل حكما وإن قال لها في الطهر الذي جامعها فيه أنت طالق للسنة فيئست من المحيض أو استبان حملها لم تطلق وإن قال لمن لطلاقها سنة وبدعة أنت طالق طلقة للسنة وطلقة للبدعة طلقت طلقة في الحال وطلقة في ضد حالها الراهنة وأنت طالق للسنة في طهر لم يصبها فيه طلقت في الحال وإن كانت حائضا طلقت إذا طهرت ولم تغتسل وإن كانت في طهر أصابها فيه طلقت إذا طهرت من الحيضة المستقبلة وأنت طالق للبدعة وهي حائض أو في طهر أصابها فيه طلقت في الحال وإن كانت في طهر لم يصبها فيه طلقت إذا أصابها أو حاضت لكن ينزع في الحال بعد إيلاج الحشفة إن كان الطلاق ثلاثا فإن استدام حد عالم وعزر غيره وأنت طالق ثلاثا للسنة تطلق الأولى في طهر لم يصبها فيه والثانية طاهرة بعد رجعة أو عقد وكذا الثالثة وعنه تطلق ثلاثا في طهر لم يصبها فيه وهو المنصوص وصححه جمع وأنت طالق ثلاثا نصفها للسنة ونصفها للبدعة أو قال بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة طلقت طلقتين في الحال والثالثة في ضد حالها الراهنة وكذا أنت طالق ثلاثا للسنة والبدعة وأطلق وأنت طالق طلقتان للسنة وواحدة للبدعة أو عكسه فهو على ما قال فإن أطلق ثم قال(4/7)
نويت ذلك أو عكسه فإن فسر نيته بما يوقع في الحال طلقتين وطلقت وقبل وإن فسرها بما يوقع طلقة واحدة ويؤخر اثنتين دين ويقبل في الحكم وأنت طالق في كل قرء طلقة وهي حامل أو من اللائي لم يحضن لم تطلق حتى تحيض فتطلق في كل حيضة طلقة وإن كانت في القرء وقع بها واحدة في الحال ويقع بها طلقتان في قرءين آخرين في أول كل قرء منهما وغير المدخول بها تبين بالطلقة الأولى فإن تزوجها وقع بها طلقتان في قرءين وإن كانت آيسة لم تطلق ويباح خلع وطلاق بسؤالها زمن بدعة وتقدم في باب الحيض وأنت طالق للسنة إن كان الطلاق يقع عليك للسنة وهي في زمن السنة طلقت بوجود الصفة وإن لم تكن في زمن السنة انحلت الصفة ولم يقع الطلاق بحال وأنت طالق للبدعة إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة إن كانت في زمن البدعة وقع في الحال والألم يقع بحال وإن كانت ممن لا سنة بطلاقها ولا بدعة لم يقع في المسألتين وأنت طالق أحسن الطلاق أو أجمله أو أقربه أو أعدله أو أكمله أو أفضله أو أتمه أو أسنه أو طلقة سنية أو جليلة ونحوه أن طالق السنة وأقبحه أو أسمجه أو أردأه أو أفحشه أو أنتنه ونحوه للبدعة إلا أن ينوي أحسن أحوالك أو أقبحها أن تكوني مطلقة فيقع في الحال لكن لو نوى بأحسنه زمن البدعة لشبهه بخلقها القبيح أو بأقبحه زمن السنة لقبح عشرتها لم يقبل إلا بقرينة وأنت طالق في الحال السنة وهي حائض أو قال طالق البدعة في الحال وهي في طهر لم يصبها فيه أو قال أنت طالق طلقة حسنة قبيحة أو فاحشة جميلة أو تامة ناقصة تطلق في الحال(4/8)
صريح الطلاق وكنايته
مدخل
...
صريح الطلاق وكنايته
الصريح ما لا يحتمل غيره من كل شيء والكناية ما يحتمل غيره ويدل على معنى الصريح وصريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه لا غير غير أمر نحو طلقى ومضارع نحو أطلقك ومطلقة بكسر اللام فلا تطلق به وإذا أتى بصريح الطلاق وقع نواه أو لم ينوه ولو كان هازلا أو لا عبا أو مخطئا وهو إنشاء - وقال الشيخ هذه صيغ إنشاء من حيث أنها تثبت الحكم وبها تم وهي أخبار لدلالتها على المعنى الذي في النفس وإن قال امرأتي طالق أو عبدي حر أو أمتي حرة وأطلق النية طلق جميع نسائه وعتق جميع عبيده وإمائه ولو قال كلما قلت لي شيئا ولم أقل لك مثله فأنت طالق فقالت له أنت طالق بفتح التاء أو كسرها فلم يقله أو قاله طلقت ولو علقه بشرط وإن قال لها أنت طالق بفتح التاء طلقت وإن ادعى أنه أراد بقوله طالق من وثاق أو أراد أن يقول أطلقتك فسبق لسانه فقال طلقتك أو أراد أن يقول طاهر فسبق لسانه أو أراد بقوله مطلقة من زوج كان قبله لم تطالق فيما بينه وبين الله ولم يقبل في الحكم وكذا الحكم لو قال أردت إن قمت فتركت الشرط ولم أرد طلاقا فإن صرح في اللفظ بالوثاق فقال: طلقتك من وثاقي أو من وثاق لم يقع ولو قيل له أطلقت امرأتك أو امرأتك طالق؟ فقال: نعم أو ألك امرأة فقال: قد طلقتها وأراد الكذب طلقت ولو قيل له ألك امرأة فقال لا وأراد الكذب لم تطلق ولو حلف بالله على ذلك وإلا طلقت ولو قيل له أطلقت امرأتك فقال قد كان بعض(4/9)
ذلك فإن أراد الإيقاع وقع وإن قال أردت أني علقت طلاقها بشرط قبل ولو قيل له أخليتها ونحوه وقال نعم فكناية وكذا ليس لي امرأة أو ليست لي امرأة أو لا امرأة لي ومن أشهد على نفسه بطلاق ثلاث ثم استفتى فأفتى بأنه لا شيء عليه لم يؤاخذ بإقراره لمعرفة مسنده ويقبل يمينه أن مستنده ذلك في إقراره ممن يجهل مثله ذكره الشيخ وتقدم ذلك آخر باب الخلع ولو قيل له ألم تطلق امرأتك فقال بلى طلقت وإن قال نعم طلقت امرأة غير النحوى وإن لطم امرأته أو أطعمها أو سقاها أو ألبسها ثوبا أو أخرجها من دارها أو قبلها ونحوه فقال هذا طلاقك طلقت فهو صريح فلو فسره بمحتمل أو نوى أن هذا سبب طلاقك قبل حكما وإن طلق أو ظاهر منها ثم قال عقبة لضرتها شركتك معها أو أنت مثلها أو أنت كهى أو أنت شريكتها فصريح في الضرة في الطلاق والظهار - ويأتي الإيلاء - وإن قال أنت طالق لا شيء أو طلقة لا تقع عليك أو لا ينقص بها عدد الطلاق طلقت وأنت طالق أولا أو طالق واحدة أولا لم يقع وإن كتب صريح طلقها بما يتبين وقع وإن لم ينوه وإن نوى تجويد خطه أو غم أهله أو تجربة قلمه لم يقع ويقبل حكما وإن كتبه بشيء لا يتبين مثل أن كتبه بإصبعه على وسادة ونحوها أو على شيء لا يثبت عليه خط كالكتابة على الماء أو في الهواء لم يقع فلو قرأ ما كتبه وقصد القراءة لم يقع ويقع بإشارة مفهومة من أخرس فقط فلو لم يفهمها ل البعض فكناية وتأويله مع الصريح كالنطق وكنايته طلاق فأما القادر على الكلام فلا يصح طلاقه بإشارة وصريحه بلسان العجم بهستم فإذا قاله من(4/10)
يعرف معناه وقع ما نواه لأنه ليس له حد مثل الكلام العربي فإن زاد بسيار طلقت ثلاثا وإن قاله عربي ولا يفهمه أو نطلق عجمي بلفظ الطلاق ولا يفهمه لم يقع وإن نوى موجبه.(4/11)
فصل. والكنايات نوعان:
ظاهرة وهي ست عشرة أنت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وأنت حرة وأنت الحرج وحبلك على غاربك وتزوجي من شئت وحللت للأزواج ولا سبيل لي عليك ولا سلطان لي عليك وأعتقتك وغطى شعرك وتقنعي وأمرك بيدك وخفية نحو اخرجي واذهبي وذوقي وتجرعي وخليتك وأنت مخلاة وأنت واحدة ولست لي بامرأة واعتدي واستبرئي واعتزلي والحقي بأهلك ولا حاجة لي فيك وما بقي شيء وأعفاك الله والله قد أراحك مني واختاري وجرى القلم وكذا بلفظ الفراق والسراح - وقال ابن عقيل أن الله قد طلقك كناية خفية وكذا فرق الله بين وبينك في الدنيا والآخرة: وقال الشيخ في أن أبرأتني فأنت طالق فقالت أبرأك الله مما تدعي النساء على الرجال فظن أنه يبرأ فطلق قال يبرأ - فهذه المسائل الثلاث الحكم فيها سواء ونظير ذلك أن الله قد باعك أو قد أقالك ونحو ذلك والكناية ولو ظاهرة لا يقع بها طلاق إلا أن ينويه بنية مقارنة للفظ أو يأتي بما يقوم مقام نية كحال خصومة وغضب وجواب سؤالها فيقع ولو بلا نية فلو ادعى في هذه الأحوال أنه ما أراد الطلاق أو أنه أراد غيره دين ولم يقبل في الحكم ويقع مع النية بالكناية الظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة وكان أحمد يكره الفتيا في الكنايات الظاهرة مع ميله أنها ثلاث، وعنه يقع(4/11)
ما نواه اختاره جماعة فعليها إن لم ينو عددا فواحدة ويقبل حكما ويقع ثلاث في أنت طالق بائن أو طالق البتة أو طالق بلا رجعة ولو قال أنت طالق واحدة بائنة أو واحدة بتة وقع رجعيا وأنت طالق واحدة ثلاثا أو ثلاثا واحدة يقع ثلاث ويقع بالخفية ما نواه إلا أنت واحدة فيقع بها واحدة وإن نوى ثلاثا فإن لم ينو عددا وقع واحدة رجعية إن كانت مدخولا بها وإلا بائنة وما لا يدل على الطلاق نحو كلى واشربي واقعدي وبارك الله عليك وأنت مليحة أو قبيحة لا يقع به طلاق ولو نواه وكذا أنا طالق أو أنا منك طالق أو أنا منك بائن أو حرام أو برئ وإن قال أنت علي كظهر أمي أو أنت علي حرام أو ما أحل الله علي حرام أو الحل علي حرام فهو ظهار لأنه صريح فيه ولا يقع به طلاق ولو نواه وإن قال فراشي علي حرام ونوى امرأته فظهار وإن نوى فراشه فيمين وما أحل الله علي حرام أعني به الطلاق تطلق ثلاثا وإن عنى به طلاقا فواحدة وأنت علي كالميتة والدم يقع ما نواه من الطلاق والظهار واليمين فإن نوى الطلاق ولم ينو عددا وقع واحدة وإن لم ينو شيئا فهو ظهار ولو قال علي الحرام أو يلزمني الحرام أو الحرام يلزمني فلغو لا شيء فيه مع الإطلاق ومع نية أو قرينة ظهار ويأتي في بابه وإن قال حلفت بالطلاق وكذب لم يصر حالفا كما لو قال حلفت بالله وكان كاذبا ويلزمه إقراره في الحكم ولا يلزمه فيما بينه وبين الله.(4/12)
فصل: وإذا قال لامرأته أمرك بيدك
فهو توكيل منه لها ولا يتقيد ولها أن تطلق نفسها ثلاثا كقوله طلقي نفسك ما شئت ولا يقبل قوله(4/13)
أردت واحدة ولا يدين وهو في يدها ما لم يفسخ أو يطأ وكذلك الحكم إن جعله في يد غيرها وإن قال لها اختاري نفسك لم يكن لها أن تطلق أكثر من واحدة وتقع رجعية إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك سواء جعله بلفظ بأن يقول اختاري ما شئت أو اختاري الطلقات إن شئت أو جعله بنيته بأن ينوي بقوله اختاري عددا فإن نوى ثلاثا أو اثنتين أو واحدة فهو على ما نوى وإن نوى ثلاثا فطلقت أقل منها وقع ما طلقته فلو كرر لفظ الخيار بأن قال اختاري اختاري اختاري فإن نوى أفهامها وليس نيته ثلاثا ولا اثنتين أو نوى واحدة فواحدة نصا وإن أراد ثلاثا فثلاث نصا وليس لها أن تطلق إلا ماداما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه إلا أن يجعل لها أكثر من ذلك فإن قاما أو أحدهما من المجلس أو خرجا من الكلام الذي كانا فيه إلى غيره بطل خيارها وإن كان أحدهما قائما فركب أو مشى بطل لا إن قعد أو كانت قاعدة فاتكأت أو متكئة فقعدت وإن تشاغلت بالصلاة بطل وإن كانت في صلاة فأتمتها لم يبطل وإن أضافت إليها ركعتين أخريين أو كانت راكبة فسارت بطل لا إن أكلت يسيرا أو قالت بسم الله أو سبحت شيئا يسيرا أو قالت أدعو إلي شهودا أشهدهم على ذلك وإن جعله لها على التراخي وإن قال اختاري اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك فإن ردته في اليوم الأول بطل كله وإن قال اختاري نفسك اليوم واختاري نفسك غدا فردته في اليوم الأول لم يبطل الثاني ولو(4/14)
الأجنبي حكمها فيما تقدم فيقع الطلاق بإيقاعه الصريح أو بكناية بنية ولو وكل فيه بصريح ولفظ أمرو اختيار وطلاق: للتراخي في حق وكيل وتقدم بعض ذلك في آخر كتاب الطلاق ووجب على النبي صلى الله عليه وسلم تخيير نسائه وإن وهبها لأهلها أو لأجنبي أو وهبها لنفسها فردت أو لم ينو طلاقا أو نواه ولم ينوه موهوب له فلغو كبيعها لغيره نصا وإن قبلت فواحدة رجعية إذا نواها أو أطلق نية الطلاق أو دلت دلالة الحال وإن نوى كل ثلاث أو اثنتين وقع ما نواه كبقية الكنايات الخفية وتعتبر نية موهوب له كما تعتبر نية واهب ويقع أقلها إذا اختلفا في النية وإن نوى الزوج بالهبة الطلاق في الحال وقع ولم يحتج إلى قبولها ومن شرط وقوع الطلاق النطق به إلا في موضعين تقدما: - إذا كتب صريح طلاقها: وإذا طلق الأخرس بالإشارة فإن طلق في قبله لم يقع كالعتق ولو أشار بإصبعيه مع نيته بقلبه نقل ابن هانئ لا يلزمه ما لم يلفظ به أو يحرك لسانه فظاهره يقع ولو لم يسمعه بخلاف القراءة في الصلاة.(4/15)
باب ما يختلف فيه عدد الطلاق
مدخل
...
باب ما يختلف فيه عدد الطلاق
الطلاق بالرجال، فيملك الحر والمعتق بعضه ثلاث طلقات وإن كان تحته أمة ويملك العبد والمكاتب ونحوه اثنتين ولو طرأ رقه كلحوق ذمى بدار حرب فاسترق وقد كان طلق اثنتين وإن كان تحته حرة فلو علق الطلاق الثلاث بشرط فوجد بعد عتقه طلقت ثلاث وإن علق الثلاث بصفة لغت الثالثة ولو عتق بعد طلقة ملك تمام الثلاث ولو عتق بعد(4/15)
طلقتين أو عتقا معا لم يملك ثالثة فلو عتق بعد طلقتين لم يملك نكاحها ويأتي في الرجعة وإذا قال أنت الطلاق أو أنت طالق أو الطلاق لي لازم أو الطلاق يلزمني أو يلزمني الطلاق أو علي الطلاق ولو لم يذكر المرأة ونحوه فصريح منجزا كان أو معلقا بشرط أو محلوفا به ويقع ثلاث مع نيتها ومع عدمها واحدة فإن قال الطلاق يلزمني ونحوه وله أكثر من واحدة فإن كان هناك سبب أو نية تقتضي تخصيصا أو تعميما عمل به وإلا وقع بالكل واحدة واحدة وإذا قال أنت طالق ثلاث فثلاث كنيتها بانت طالق ثلاثا1 أو طالق الطلاق وعنه واحدة: اختاره أكثر المتقدمين ولو أوقع طلقة ثم جعلها ثلاثا ولم ينو استئناف طلاق بعدها فواحدة وأنت طالق واحدة ونوى ثلاثا فواحدة وأنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاث طلقت ثلاثا فإن قال أردت بعدد المقبوضتين قبل منه وإن لم يقل هكذا بل أشار فقط فطلقة واحدة - قال في الرعاية ما لم يكن له نية - أو أنت طالق واحدة بل هذه: طلقتا وإن قال هذه أو هذه وهذه طالق وقع بالثالثة وإحدى الأوليين كما لو قال هذه أو هذه بل هذه طالق وإن قال هذه وهذه أو هذه طالق وقع بالأولى وإحدى الأخريين كهذه بل هذه أو هذه طالق - ويأتي في باب الشك في الطلاق له تتمة - وأنت طالق كل الطلاق أو أكثره "بالمثلثة" أو جميعه أو منتهاه أو غايته أو كعدد الحصى ألف أو بعدد الحصى
__________
1 معنى هذا على ما يظهر أن يكرر القول ثلاثا فهو كما إذا جمعها في لفظ مع النية.(4/16)
أو القطر أو الريح أو الرمل أو التراب أو الماء ونحوه أو يا مائة طالق أو أنت مائة طالق ونحوه طلقت ثلاثا وإن نوى واحدة وكذا أنت طالق كألف أو كمائة فإن نوى في صعوبتها قبل حكما إلا في قوله كعدد ألف وأنت طالق إلى مكة ولم ينو بلوغها أو أنت طالق بعد مكة طلقت في الحال - ويأتي في الطلاق في المضي والمستقبل - وإن قال أشد الطلاق أو أغلظه أو أكبره "بالباء الموحدة" أو أطوله أو أعرضه أو ملء الدنيا أو ملء البيت ونحوه أو مثل الجبل أو مثل عظم الجبل فواحدة رجعية ما لم ينو أكثر وكذا أقصاه - صححه في الإنصاف وصحح في التنقيح وتصحيح الفروع أنها ثلاث وإن نوى واحدة - وطالق من واحدة إلى ثلاث طلقت ثنتين ونوى طلقة مع طلقتين فثلاث وإن نوى موجبة عند الحساب فثنتان ولو لم يعرفه وإن قال الحاسب أو غيره أردت واحدة قبل وإن لم ينو وقع بامرأة الحاسب ثنتان وبغيرها واحدة وطالق نصف طلقة في نصف طلقة طلقت طلقة بكل حال وإن قال بعدد ما طلق فلان زوجته وجهل عدده فطلقة.(4/17)
فصل. وجزء طلقة كهى،
فإذا قال أنت طالق نصف طلقة أو نصفي طلقة أو جزءا منها وإن قل أو نصف طلقتين طلقت طلقة وإن قال نصفي طلقتين أو نصف ثلاث طلقات أو ثلاثة أنصاف طلقة أو أربعة أو ثلث أو خمسة أرباع ونحوه ثنتان وإن قال ثلاثة أنصاف طلقتين فثلاث ونصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة أو نصف(4/17)
وثلث وسدس طلقة فواحدة وإن قال نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة طلقت ثلاث وإن قال أوقعت بينكن أو عليكن أو بينكن بلا أوقعت طلقة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا وقع بكل واحدة طلقة وإن أراد قسمة كل طلقة بينهن وقع بالاثنين على كل واحدة اثنتان وبالثلاث والأربع بكل واحدة ثلاثا وكذا ما بعدها من الصور وإن قال أوقعت بينكن أو عليكن خمسا أو ستا أو سبعا أو ثمانيا وقع بكل واحدة طلقتان وإن أوقع تسعا فأزيد أو قال أوقعت بينكن طلقة وطلقة فثلاث وسواء في ذلك المدخول بها وغيرها وأوقعت بينكن طلقة فطلقة أو طلقة ثم طلقة ثم طلقة أو أوقعت بينكن طلقة وأوقعت بينكن طلقة أو أوقعت بينكن طلقة طلقن ثلاثا إلا التي لم يدخل بها فإنها تبين بالأولى فإن قال أنتن طوالق ثلاثا أو طلقتكن ثلاثا طلقن ثلاثا ثلاثا.(4/18)
فصل. وإن قال نصفك أو جزء منك أو إصبعك أو يدك أو دمك طالق طلقت
لكن لو قال إصبعك أو يدك طالق ولا إصبع لها ولا يدأ وقال إن قمت فيمينك طالق فقامت بعد قطعها لم تطلق وإن قال شعرك أو ظفرك أو سنك أو لبنك أو منيك أو قال سوادك أو بياضك أو ريقك أو دمعك أو عرقك أو روحك أو حملك أو سمعك أو بصرك طالق لم تطلق: وحياتك طالق تطلق وأنت طالق شهرا أو بهذا البلد صح وتطلق في جميع الشهور والبلدان وحكم عتق في الكل كطلاق.(4/18)
فصل. وإن قال لمدخول بها أنت طالق أنت طالق ونوى بالثانية الإيقاع أو لم ينو بها إيقاعا ولا تأكيدا طلقت طلقتين
وإن نوى بالثانية التأكيد وإتمامها أو كانت غير مدخول بها فواحدة ويشترط في التأكيد أن يكون متصلا فلو قال أنت طالق ثم مضى زمن طويل ثم أعاد ذلك للمدخول لها طلقت ثانية ولم تنفع نية التأكيد وإن نوى بالثانية التأكيد أو أكد الثانية بالثالثة صح وقبل وكذا تأكيد الأولى بهما وإن أكد الأولى بالثالثة لم يقبل لعدم اتصال التأكيد وأنت طالق طالق طالق يقع واحدة ما لم ينو أكثر وأنت طالق وطالق وطالق وأكد الأولى بالثانية لم يقبل أنه غاير بينهما وبين الأولى بحرف يقتضي المغايرة والعطف وهذا يمنع التأكيد وإن أكد الثانية بالثالثة قبل لأنها مثلها في لفظها وإن قال أنت طالق فطالق فطالق أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق فالحكم فيها كالتي عطفها بالواو وإن غاير بين الحروف فقال أنت طالق وطالق ثم طالق أو طالق ثم طالق وطالق أو أنت طالق فطالق أو طالق ثم طالق وطالق فطالق لم يقبل في شيء منها إرادة التأكيد لأن كل كلمة مغايرة لما قبلها مخالفة لها في لفظها والتأكيد إنما يكون بتكرير الأول بصورته وأنت مطلقة أو مسرحة أنت مفارقة وأكد الأولى بهما قبل لأنه لم يغاير بينهما بالحروف الموضوعة للمغايرة بين الألفاظ بل أعاد اللفظة بمعناها وإن أتى بالواو لم يقبل وإن أتى بشرط أو استثناء أو صفة عقب جملة اختص بها فإذا قال أنت طالق أنت طالق فهاتان جملتان لا تتعلق إحداهما بالأخرى فلو تعقب إحداهما بشرط أو باستثناء ثم(4/19)
بصفة لم يتناول الأخرى بخلاف معطوف مع معطوف عليه فإنهما شيء واحد ولو تعقبه بشرط لعاد إلى الجميع وأنت طالق فطالق أو ثم طالق أو بل طالق أو طالق طلقة بل طلقتين أو طالق طلقة بعدها طلقة أو بلط طلقة أو قبل طلقة أو قبلها طلقة طلقت طلقتين وإن كانت غير مدخول بها بانت بالأولى ولم يلحقها ما بعدها لكنت لو أراد بقوله بعدها طلقة سأوقعها قبل حكما وإن أراد بقوله قبلها طلقة في نكاح آخر أو إن زوجا قبلى طلقها إن وجد ذلك وأنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة أو طالق وطالق طلقت طلقتين ولو غير مدخول بها وإن قال معها اثنتان وقع ثلاث والمعلق كالمنجز في هذا سواء قدم الشرط أو أخره أو كرره فلو قال إن دخلت الدار فأنت فأنت طالق ثم طالق ثم طالق فدخلت طلقت ثلاثا وواحدة إن كانت غير مدخول بها وإن دخلت الدار فأنت طالق طلقة معها طلقة أو مع طلقة فدخلت طلقت طلقتين ولو غيره مدخول بها وإن قال لغير مدخول بها أنت طالق ثم طالق إن دخلت الدار وإن دخلت الدار فأنت طالق فطالق فطالق فدخلت طلقت واحدة وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت طلقت مدخول بها وغيرها اثنتين وإن قصد إفهامها أو تأكيدا وقع واحدة وإن كرر الشرط مع الجزاء ثلاثا فقال إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار فأنت طالق طلقت ثلاثا وقال الشيخ فيمن قال(4/20)
الطلاق يلزمه وكرره لأفعل كذا وكذا لا يقع أكثر من طلقة إلا لم ينو.(4/21)
باب الاستثناء في الطلاق
وهو إخراج بعض الجملة بألا أو ما يقوم مقامها كغير وسوى وليس ولا يكن وحاشا وخلا وعدا من متكلم واحد يصح استثناء النصف فأقل من طلقاته ومطلقاته وإقراره لا ما زاد عليه نصا فإذا قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا أو ثلاثا إلا اثنتين أو خمسا إلا ثلاثا أو إلا واحدة أو أربعا إلا واحدة أو قال ثلاثا الأربع طلقة طلقت ثلاثا وأنت طالق طلقتين إلا واحدة يقع واحدة وأنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو إلا اثنتين إلا واحدة أو ثلاثا إلا واحدة إلا واحدة أو إلا واحدة أو إلا واحدة أو واحدة وثنتين إلا واحدة أو أربعا إلا اثنتين يقع اثنتان وثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة أو خمسا أو أربعا إلا ثلاثا أو طالق وطالق وطالق إلا واحدة أو إلا طلاقا أو طلقتين وواحدة إلا واحدة أو طلقتين ونصفا إلا طلقة أو ثنتين وثنتين إلا ثنتين أو إلا واحدة يقع ثلاثا كعطفه بالفاء أو بثم ولو أراد الاستثناء من المجموع في قوله طالق وطالق وطالق إلا واحدة دين وقبل فيقع اثنتان والاستثناء يرجع إلى ما تلفظ به لا إلى ما يملكه ويشترط فيه وفي شرط ونحوه اتصال معتاد لفظا أو حكما كانقطاعه بتنفس ونحوه ونية قبل تمام المستثنى منه - وقطع جمع وبعده قبل فراغه واختاره الشيخ وابن القيم في أعلام الموقعين وقال الشيخ لا يضر فصل(4/21)
يسير وباستثناء -: وأنت طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا واحدة وقعت الثلاث وإن قال نسائي طوالق واستثنى واحدة بقلبه لم تطلق وإن قال نسائي الأربع أو الثلاث أو الاثنتين طوالق واستثنى واحدة بقبله طلقت في الحكم وإن قالت له امرأة من نسائه طلقني فقال نسائي طوالق ولا نية له أو قالت له طلق نساءك فقال نسائي طوالق طلقت كلهن فإن أخرج السائلة بنيته دين في الصورتين ولم يقبل في الحكم فيهما.(4/22)
باب الطلاق في الماضي والمستقبل
إذا قال أنت طالق أمس أو قبل أن أتزوجك ونوى وقوعه إذن وقع، وإلا لم يقع وإن قال أردت أن زوجا قبلي طلقها أو طلقتها أنا في نكاح قبل هذا قبل منه إن كان قد وجد ما لم تكن قرينة من غضب أو سؤالها الطلاق ونحوه، ع فإن ما ت أو جن أو خرس قبل العلم بمراده لم تطلق وأنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل مضيه أو معه لم تطلق ويجرم وطؤها من حين عقد الصفة إن كان الطلاق يبينها1 ولها النفقة إلى أن يتبين وقوع الطلاق وإن قدم بعد شهر وجزء يسع وقوع الطلاق تبيينا وقوعه فيه وإن وطأه محرم فإن كان وطئ لزمه المهران كان الطلاق بائنا وإن خالعها بعد اليمين بيوم فأكثر كثرة يقع الخلع معها قبل الطلاق
__________
1 لم يقع الطلاق فيما إذا قدم زيد قبل تمام الشهر أو معه لعدم تمام الشهر الذي قرن بأوله الطلاق، وحرم وطؤها من حين عقده لتلك الصيغة لاحتمال كل وقت يأتي أن يكون من الشهر المعقود به الطلاق، ولا تغفل عن كون هذا كله في غير الطلاق الرجعي وإلا فلا حرمة للوطء.(4/22)
بحيث لا تكون معها بائنا وكان الطلاق بائنا ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين صح الخلع وبطل الطلاق1 وإن قدم بعد شهر وساعة وقع الطلاق البائن دون الخلع وترجع بالعوض2 وإن كان الطلاق رجعيا صح الخلع قبل وقوع الطلاق وبعده ما لم تقض عدتها وكذا الحكم لو قال أنت طالق قبل موتي بشهر لكن لا إرث لبائن لعدم التهمة وإن مات أحدهما بعد عقد الصفة بيومين ثم قدم زيد بعد شهر وساعة من حين عقد الصفة لم يرث أحدهما الآخر إلا أن يكون رجعيا فإنه لا يمنع التوارث ما دامت في العدة وإن قدم بعد الموت بشهر وساعة وقعت الفرقة بالموت ولم يقع الطلاق وإن قال إذا مت فأنت طالق قبله بشهر لم يصح،
__________
1 الكلام على الخلع المطلقة يحتاج إلى بيان: وذلك أن الخلع بعد إيقاع صيغة الطلاق "البائن" غير صحيح لاعتباره حيلة في الراجح عندنا والحيل كلها مردودة، وعلى هذا فلو قال لزوجته أنت طالق قبل مجيء زيد بشهر. ثم بعد ذلك بمدة خالعها نظرنا إلى قدوم زيد. فإن كان بعد الخلع بأكثر من شهر فالخلع صحيح لظهور وقوعه قبل الزمن الذي جعل مبدأ للطلاق ولا حرج فيه. والطلاق غير واقع لأنها بانت بالخلع السابق. وذلك مراد المصنف والله يعلم بقوله: "خالعها بعد اليمين إلى قوله كثرة يقع الخلع بحيث لا تكون معها بائنا" يعني أن المدة بين الطلاق والخلع لا تدخل في الشهر المقدر.
2 فرض هذه المسئلة أن زيدا قدم بعد إيقاع صيغة الطلاق بشهر وساعة لا بعد الخلع كما كان في السابق ولذلك وقع الطلاق هنا ولغا الخلع بظهور وقوعه في خلال الشهر الذي هو من العدة. وإنما ذكرت الساعة مع الشهر لأنها هي الفترة التي تفرضها لإيقاع الطلاق بعد الشهر المقدور.(4/23)
وإن قال أنت طالق قبل موتي أو قبل موتك أو قبل موت زيد أو طالق قبل قدومه أو قبل دخولك الدار طلقت في الحال وإن قال قبيل موتي أو قال قبيل قدوم زيد لم يقع في الحال ويقع في الوقت الذي يليه الموت وإن قال طالق قبيل موت زيد وعمرو بشهر وقع بأولهما موتا وإن قال بعد موتي أو مع موتي أو بعد موتك أو مع موتك لم تطلق وإن قال يوم موتي طلقت في أوله ولو قال أطولكما حياة طالق فبموت أحدهما يقع الطلاق إذن لا وقت يمينه وإن تزوج أمة أبيه ثم قال لها إذا مات أبي فأنت طالق أو إذا اشتريتك فأنت طالق فمات أبوه أو اشتراها طلقت ولو قال إذا ملكتك فأنت طالق فمات أبوه أو اشتراها لم تطلق1 فإن كانت مدبرة فوقع الطلاق والعتق إن خرجت من الثلث وإن لم تخرج من الثلث فكذلك لملك الابن جزءا منها أو كلها فينفسخ النكاح
__________
1 ملك اليمين يفسخ العقد ولكن إذا علق طلاقها على موت أبيه أو شرائها كما في الأولى فإن الطلاق يتحقق بمجرد الملك الحاصل بالسبب وفسخ النكاح متأخر عنه فالحكم للطلاق وأما في الثانية فقد علق الطلاق على نفس الملك. والملك حين تمامه يقارنه الفسخ فلا يدركه الطلاق والحكم للأول في السبق.(4/24)
فصل. ويستعمل طلاق ونحوه كما يأتي استعمال القسم
ويجعل جواب القسم جوابا له في غير المستحيل فإذا قال أنت طالق لأقومن وقام لم تطلق فإن لمط يقم في الوقت الذي عينه حنث وأنت طالق إن أخاك لعاقل وكان أخوها عاقلا لم يحنث وإن لم يكن أخوها عاقلا حنث كما لو قال والله إن أخاك لعاقل وإن شك في عقله لم يقع الطلاق(4/24)
وأنت طالق لا أكلت هذا الرغيف فأكلته حنث وأنت طالق ما أكلته لم يحنث إن كان صادقا كما لو قال والله ما أكلته وأنت طالق لولا أبوك لطلقتك وكان صادقا لم تطلق ولو قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق لأكرمتك طلقتك في الحال وإن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال عبدي حر لأقومن طلقت وإن قال إن حلفت بطلاق امرأتي فعبدي حر ثم قال أنت طالق لقد صمت أمس عتق العبد وإن علق الطلاق على وجود فعل مستحيل عادة أو في نفسه: الأول كانت طالق إن صعدت السماء أو شاء الميت أو البهيمة أو طرت أو قلبت الحجر ذهبا أو إن شربت ماء هذا النهر كله أو حملت الجبل ونحوه والثاني كان رددت أمس أو جمعت بين الضدين أو إن كان الواحد أكثر من اثنين أو إن شربت ماء هذا الكوز ولا ماء فيه كحلفه بالله عليه وإن علقه على عدمه كانت طالق لأشربن ماء الكوز ولا ماء فيه علم أن فيه ماء أو لم يعلم أو إن لم أشربه ولا ماء فيه أو لأصعدن السماء أو أن لم أصعدها أو إذا طلعت الشمس أو لأقتلن فلانا فإذا هو ميت علمه أولا أو لأطيرن ونحوه طلقت في الحال كما لو قال أنت طالق إن لم أبع عبدي فمات العبد وعتق وظهار وحرام ونذر ويمين بالله كطلاق وإن قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد لم تطلق في اليوم ولا غد وأنت طالق ثلاثا على مذهب الصيغة والشيعة واليهود والنصارى طلقت ثلاثا لاستحالة الصيغة لأنه لا مذهب لهم ولقصده(4/25)
التأكيد فإن لم يقل ثلاثا فواحدة إن لم ينو أكثر ومثله أنت طالق ثلاثا على سائر المذاهب.(4/26)
فصل. في الطلاق في زمن مستقبل
إذا قال أنت طالق غدا أو يوم السبت أو في رجب طلقت بأول ذلك كما لو قال إذا دخلت الدار فأنت طالق فإذا دخلت أول جزء منها طلقت وأما إذا قال إن لم أقصك حقك في شهر رمضان فامرأتي طالق لم تطلق حتى يخرج رمضان قبل قضائه وفي الموضعين لا يمنع من وطء زوجته قبل الحنث وأنت طالق اليوم أو في هذا الشهر أو في الحول طلقت في الحال فإن قال أردت في آخر هذه الأوقات أو في وسط الشهر أو يوم كذا منه أو في النهار دون الليل دين وقبل حكما إلا في قوله غدا أو يوم السبت فلا يدين ولا يقبل حكما وأنت طالق في أول رمضان أو في غرته أو غرته أو في رأسه أو استقباله أو مجيئه طلقت بأول جزء منه ولم يقبل قوله أردت آخره أو وسطه ونحوه ظاهرا ولا باطنا وإن قال بانقضاء رمضان أو انسلاخه أو نفاده أو مضيه طلقت في آخر جزء منه وإن قال أول نهار رمضان أو أول يوم منه طلقت بطلوع فجر أول يوم منه وأنت طالق إذا كان رمضان أو إلى رمضان أو إلى هلال رمضان أو في هلال رمضان طلقت وقت يستهل إلا أن يكون أراد من الساعة إلى الهلال فتطلق في الحال وإن قال في مجيء ثلاثة أيام طلقت في أول اليوم الثالث وأنت طالق اليوم أو غدا أو أنت طالق غدا أو بعد غد طلقت في أسبق الوقتين، وأنت طالق اليوم وغدا(4/26)
أو بعد غد أو في اليوم وفي غد وفي بعده فواحدة في الأولى كقوله كل يوم وثلاث في الثانية كقوله في كل يوم وإن قال أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم أو أسقط اليوم الأول أو اليوم الأخير ولم يطلقها في يومه وقع في آخر جزء منه ويأتي في الباب بعده إذا أسقط اليومين وأنت طالق اليوم إن لم أتزوج عليك اليوم طلقت في آخره إن لم يتزوج فيه وإن قال لعبده إن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق فلم يبعه حتى خرج اليوم طلقت فإن عتق العبد أو مات الحالف أو المرأة في اليوم طلقت وإن دبره أو كاتبه لم تطلق قبل خروج اليوم لجواز بيعه وإن وهبه لإنسان لم يقع الطلاق لأنه يمكن عوده إليه فيبيعه في اليوم وإن قال إن لم أبع عبدي فامرأتي طالق ولم يقيده باليوم فكاتب العبد لم يقع الطلاق فإن عتق بالكتابة أو غيرها وقع وإن قال لزوجاته الأربع أيتكن لم أطأها الليلة فصواحباتها طوالق ولم يطأ تلك الليلة واحدة طلقت ثلاثا ويأتي في الباب بعده.(4/27)
فصل: وإن قال أنت طالق يوم يقدم زيد
أو قال في اليوم الذي يقدم فيه زيد فماتت أو مات أو ماتا في يوم قدومه أو لم يمت واحد منهما في ذلك اليوم تبين أن طلاقها وقع من أول اليوم وأنت طالق في شهر رمضان إن قدم زيد فقدم فيه طلقت من أوله وأنت طالق في غد إذا قدم زيد فماتت قبل قدومه لم تطلق وإن قدم زيد والزوجان حيان طلقت عقب قدومه وأنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة إلا أن يريد أنها طالق اليوم طلقة وطالق غدا طلقة فتطلق اثنتين في اليومين،(4/27)
فإن قال أردت أنها تطلق في أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا وإن أراد نصف طلقة اليوم وباقيها غدا طلقت اليوم واحدة وأنت طالق إلى شهر أو إلى حول تطلق بمضيه إلا أن ينوى طلاقها في الحال فتطلق في الحال كانت طالق إلى مكة ولم ينو بلوغها إلى مكة وأنت طالق من اليوم إل سنة طلقت في الحال فإن قال أردت أن عقد الصفة من اليوم ووقوعه بعد سنة لم يقع إلا بعدها وإن قال أردت تكرير طلاقها من حين تلفظت إلى سنة طلقت في الحال ثلاثا إن كانت مدخولا بها وأنت طالق في آخر الشهر تطلق في آخر جزء منه وقيل بآخر فجر اليوم الأخير اختاره الأكثر وفي أول آخره تطلق بطلوع فجر آخر يوم منه ويحرم وطؤه في تاسع عشرين ذكره ابن الجوزي والمراد إن كان الطلاق بائنا وفي آخر أوله تطلق في آخر أول يوم منه وإذا مضى يوم فأنت طالق فإن كان نهارا وقع إذا عاد النهار إلى مثل وقته وإن كان ليلا فبغروب شمس الغد ووقع إذا عاد النهار إلى مثل وقته وإن كان ليلا فبغروب شمس الغد وإذا مضت سنة فأنت طالق طلقت إذا مضى اثنا عشر شهرا بالأهلة ويكمل الشهر الذي حلف في أثنائه بالعدد وإن قال إذا مضت السنة أو هذه السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذي الحجة فإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهرا دين وقبل وأنت طالق في كل سنة طلقة طلقت الأولى في الحال والثانية في أول المحرم وكذا الثالثة إن بقيت الزوجة في عصمته وإن بانت حتى مضت السنة الثالثة ثم تزوجها لم يقع ولو نكحها في الثانية أو الثالثة وقعت الطلقة عقبه فإن قال أردت بالسنة اثني عشر شهرا قبل(4/28)
حكما وإن قال أردت أن يكون أول السنين المحرم دين ولم يقبل في الحكم وأنت طالق يوم يقدم زيد فقدم نهارا مختارا حنث علم القادم باليمين أو جهلها وسواء كان القادم ممن لا يمتنع بيمينه كالسلطان والحاج والأجنبي أو ممن يمتنع من القدوم كقرابة لهما أو لأحدهما أو غلام لأحدهما وإن قدم ليلا طلقت إن نوى به الوقت أو لم ينو شيئا وإن قدم نهارا طلقت في أوله وإن قدم به ميتا أو مكرها لم تطلق ومع النية يحمل الكلام عليها وإن قال إن تركت هذا الصبي يخرج فأنت طالق فانفلت الصبي بغير اختيارها فخرج فإن كان نوى ألا يخرج حنث وإن نوى ألا تدعه لم يحنث نصا وإن لم تعلم نيته انصرفت يمينه إلى فعلها فلا يحنث إلا إذا خرج بتفريطها في حفظه أو باختيارها.(4/29)
باب تعليق الطلاق بالشروط
مدخل
...
باب تعليق الطلاق بالشروط
وهو ترتيب شيء غير حاصل على شيء حاصل أو غير حاصل بأن أو إحدى أخواتها ويصح مع تقدم الشرط وتأخره كتأخر القسم في قوله أنت طالق لأفعلن ويصح بصريحه وبكنايته مع قصده ومن صح تنجيزه صح تعليقه وإن فصل بين الشرط وحكمه بكلام منتظم كأنت طالق يا زانية إن قمت لم يضر ويقطعه سكوته وتسبيحه ونحوه كأنت طالق استغفر الله إن قمت أو سبحان الله إ قمت وأنت طالق مريضة رفعا ونصبا يقع بمرضها وتعم من وأي المضافة إلى الشخص ضمير هما فاعلا أو مفعولا ولا يصح إلا من زوج فلو قال إن تزوجت فلانة أو إن تزوجت امرأة فهي طالق لم تطلق إن تزوجها ولو كانت التي(4/29)
عينه عتيقته1 كحلفه لا أفعل كذا فلم يبق له زوجة ثم تزوج أخرى وفعل ذلك وإن قال لأجنبية أنت طالق إن قمت فتزوجها ثم قامت لم تطلق وإن علق زوج طلاقا بشرط لم تطلق قبل وجوده وليس له إبطاله فإذا وجدت طلقت فإن مات أحدهما قبل وجود الشرط أو استحال وجوده سقطت اليمين وإن قال عجلت ما علقته أو أوقعت لم يتعجل وإن أراد تعجيل طلاق سوى تلك الطلقة وقع فإذا جاء الزمن الذي علق الطلاق به وهي زوجته وقع بها الطلاق المعلق وإن قال سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع في الحال وإن قال أنت طالق ثم قال أردت إن قمت دين ولم يقبل في الحكم.
__________
1 لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق ولا عتاق لابن آدم فيما لا يملك". وقوله: "لا طلاق قبل نكاح، ولا عتاق قبل ملك يمين" اهـ.(4/30)
فصل وأدوات الشرط المستعملة في طلاق وعتق غالبا ست:
إن وإذا ومتى ومن وأي وكلما - وهي وحدها للتكرار - وكلما ومهما ولو - على التراخي إذا تجردت عن لم أو نية فور أو قرينة ما إذا نوى الفورية أو كانت هناك قرينة تدل عليها فإنه يقع في الحال ولو تجردت عن لم فإذا اتصلت بثم صارت على الفور إلا أن فقط نفيا وإثباتا مع عدم نية أو قرينة فور وسواء أضيفت إلى الوقت أو إلى شخص أو من إذا اتصلت بها لم فإذا قال إن أو إذا أو متى أو أي وقت أو كلما قمت فأنت طالق أو من أو أيتكن قامت فهي طلق أو أن طلق فلو قمت فمتى قامت طلقت ولو قام الأربع في مسئلة من قامت أو أيتكن(4/30)
قامت طلقن كلهن، وكذلك إن قال من أقمتها أو أيتكن أقمتها ثم أقامهن طلقن كلهن وعلى قياسه لو قال أي عبيدي ضربته أو من ضربته من عبيدي فهو حر وضربهم عتقوا كما لو قال أي عبيدي ضربك أو من ضربك من عبيدي فهو حر فضربوه كلهم عتقوا وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق إلا في كلما وإن قال كلما أكلت رمانة فأنت طالق وكلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق فأكلت رمانة أي جميع حبها طلقت ثلاثا1 ولو جعل مكان كلما أداة غيرها فثنتان فإن نوى بقوله نصف رمانة نصفا منفردا عن الرمانة المشروطة وكانت مع الكلام قرينة تقتضي ذلك لم يحنث حتى ينوي بأكل ما نوى تعليق الطلاق به وإن علق طلاقها على صفات ثلاثة فاجتمعن في عين واحدة مثل إن يقول إن رأيت رجلا فأنت طالق وإن رأيت أسود فأنت طالق وإن رأيت فقيها فأنت طالق فرأت رجلا أسود فقيها طلقت ثلاثا كما لو رأت ثلاثة رجال فيهما الصفات الثلاث وإذا قال إن لم أطلقك فأنت طالق ولم ينو وقتا ولم تقم قرينة بفور ولم يطلقها لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما فإن نوى وقتا أو قامت قرية بفور تعلق به فإن كان المعلق طلاقا بائنا لم يرثها إذا ماتت وترثه هي نصا لأنه يقع بها الطلاق في آخر حياته فهو كالطلاق في مرض موته ولا يمنع من وطئها قبل فعل ما حلف عليه وإن قال إن لم أطلق عمرة فحفصة طالق فأن الثلاثة مات أولا وقع الطلاق قبل موته وكذا لو
__________
1 لأنه علق الطلاق بكلما على أكل نصف رمانة أو كلها. وقد وجد وصف النصف مرتين ووصف الجمع كما تقتضي كلما.(4/31)
قال إن لم أعتق عبدي أو إن لم أضربه فامرأتي طالق وقع بها الطلاق في آخر جزء من حياة أولهم موتا وهذا مع الإطلاق وإن حلف ليفعلن شيئا ولم يعين له وقتا بلفظه ولا نيته فهو على التراخي أيضا وإن قال من لم أطلقها أو أي وقت أو متى لم أو إذا لم أطلقك فأنت طالق فمضى زمن يمكن طلاقها فيه طلقت واحدة وفي كلما ثلاثا إن كانت مدخولا بها وإلا فواحدة بائنة.(4/32)
فصل. وإن قال العامي: إن دخلت الدار فأنت طالق "بفتح الهمزة"
فهو شرط كنيته وإن قاله عارف بمقتضاه وهو التعليل طلقت في الحال إن كان وجد فلا تطلق إذا لم تكن دخلت قبل ذلك لأنه إنما طلقها لعلة فلا يثبت الطلاق بدونها ولذلك أفتى ابن عقيل في فنونه فيمن قيل له: زنت زوجتك! فقال هي طالق ثم تبين أنها لم تزن أنها لا تطلق وجعل السبب كالشرط اللفظي وأولى1 وإن قال أنت طالق إذا دخلت الدار أو ولو دخلت الدار طلقت في الحال فإن نوى الجزاء أو أراد أن يجعل قيامها وطلاقها شرطين لشيء ثم أمسك قبل حكما وكذا الحكم لو قال أردت إقامة الواو مقام الفاء وإن قال إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر صح ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار وهي طالق وإن أسقط الفاء من جزاء متأخر فشرط كأن دخلت الدار أن طالق فلا تطلق حتى تدخل فإن قال أردت الإيقاع في الحال وقع وأنت طالق إن دخلت الدار وقع في الحال وإن قال أردت الشرط دين ولم يقبل في
__________
1 وفي المذهب رأي آخر يعتد به أنها تطلق.(4/32)
الحكم وإن دخلت الدار فأنت طالق وإن دخلت الأخرى فمتى دخلت الأولى طلقت سواء دخلت الأخرى أو لم تدخل ولا تطلق الأخرى وإن قال أردته جعل الثاني شطرها لطلاقها طلقت بكل واحدة منهما وإن قال أردت أن دخول الثانية شرط لطلاق الثانية فهو على ما أراده وإن قال إن دخلت الدار وإن دخلت هذه الأخرى فأنت طالق لم تطلق إلا بدخولهما وأنت طالق لو قمت كان ذلك شرطا ولو لم تكن شرطا وإن قال أردت أن أجعل لها جوابا دين وقبل وإن قمت فقعدت أو ثم فعدت فأنت طالق أو إن قعدت إذا قمت أو إن قعدت إن قمت إن قعدت متى قمت لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد وكذا أنت طالق إن أكلت إذا لبست أو إن أكلت إن لبست أو إن أكلت متى لبست لم تطلق حتى تلبس ثم تأكل ويسمى اعتراض الشرط على الشرط وإذا أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى تسأله ثم يعدهما ثم يعطيها وإن قمت وقعدت فأنت طالق طلقت بوجودهما كيفما كان وكذا أنت طالق لا قمت وقعدت إن قال إن قمت أو قعدت فأنت طالق طلقت بوجود أحدهما وكذا أنت طالق لا قمت ولا قعدت تطلق بوجود أحدهما وكلما أجنبت منك جنابة فإن اغتسلت من حمام فأنت طالق فأجنب ثلاثا واغتسل مرة فيه فواحدة.(4/33)
فصل. في تعليقه بالحيض،
إذا قال إذا حضت فأنت طالق طلقت بأول حيض متيقن حين ترى الدم فإن بان الدم ليس بحيض بان نقص عن أقل الحيض ويتصل الانقطاع حتى يمضي أقل الطهر بين الحيضتين أو لكونها بنت دون تسع سنين لم تطلق به وإذا مضت حيضة فأنت(4/33)
طالق لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر ولو لم تغتسل ولا تعتد بالحيضة التي هي فيها وإذا حضت حيضة فأنت طالق وإذا حضت حيضتين فأنت طالق فحاضت حيضة طلقت واحدة فإذا حاضت الثانية طلقت الثانية عتد طهرها وإذا حضت حيضة فأنت طالق ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى تطهر من الثالثة وإذا حضت نصف حيضة فأنت طالق فحاضت سبعة أيام ونصفا وقع وإن طهرت فيما دونها تبينا وقوعه في نصفها أو إذا طهرت فأنت طالق وكانت حائضا طلقت إذا انقطع الدم وإن كانت طاهرا فمتى تطهر من الحيضة المستقبلة فإن قالت قد حضت وكذبها قبل قولها في نفسها مع تبيينها ووقع كقوله إن أضمرت بغضي فأنت طالق فادعته لا دخول الدار ونحوه مما يمكن إقامة البينة عليه ولو حلفت وإن قال قد حضيت فأنكرته طلقت بإقراره وإن قال إن حضت فأنت وضرتك طالقتان فقالت قد حضت وكذبها طلقت وحدها ولو صدقتها الضرة فإن أقامت بينة بذلك بأن اختبرتها بإدخال قطنة في فرجها زمن دعواها الحيض فإن ظهر دم فهي حائض طلقتا وإن قال قد حضت وأنكرته طلقتا بإقراره وإن حضتما فأنتما طالقتان فقالتا قد حضنا فإن صدقهما طلقتا وإن كذبهما لم تطلقا وإن أكذب إحداهما طلقت وحدها وإن قال ذلك لأربع فقد علق طلاق كل واحدة منهن على حيض الأربع فإن كن قد حضن فصدقهن طلقن وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن وإن صدق واحدة أو واحدة اثنتين لم يطلق منهن شيء وإن صدق ثلاثا طلقت المكذبة وحدها وإن قال لهن كلما حاضت(4/34)
إحداكن أو أيتكن حاضت فضرائرها طوالق فقلن قد حضنا فصدقهن طلقن ثلاثا ثلاثا وإن صدق واحدة لم تطلق وطلقت ضراتها طلقة طلقة وإن صدق اثنتين طلقتا طلقة طلقة المكذبتان ثنتين وإن صدق ثلاثا طلقن ثنتين ثنتين والمكذبة ثلاثا وإن حضتما حيضة فأنتما طالقتان طلقت كل واحدة بشروعهما في الحيض "ولستة أشره فأكثر وقد وطئ بينهما فثلاث لأن الثاني حمل مستأنف وأشكل السابق فطلقة بيقين ولغا ما زاد والورع أن يلتزمهما ولا فرق بين من قلده حيا أو ميتا1" وإن قال إن كان أول ما تلدين ذكرا فأنت طالق واحدة وإن كان أنثى فاثنتين فولدتهما دفعة واحدة لم يقع بهما شيء وإن ولدتهما دفعتين طلقت بالأول وبانت بالثاني: وإن قال كلما ولدت أو كلما ولدت ولدا فأنت طالق فولدت ثلاثة معا طلقت ثلاثا وإن ولدتهم
__________
1 ما بين القوسين كلام قلق لا يفيد معنى ولم نجد في المراجع التي بيدنا أصلا يساعد على فهمه وحاصل ما وجدنا "وهو أنسب لما بعده" قول صاحب المغنى في هذا المقام: "فإن قال إن لم تكوني حاملا فأنت طالق. ولم تكن حاملا طلقت، وإن أتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين اليمين أو لأقل من أربع سنين ولم يكن يطؤها لم تطلق لأنا تبينا أنها كانت حاملا بذلك الولد وإن مضت أربع سنين ولم تلد تبينا أنها طلقت حين عقد اليمين، وإن كان يطؤها وأتت بولد لأكثر من ستة أشهر أو أقل من أربع سنين نظرت: فإن ظهرت علامات الحمل من انقطاع الحيض ونحوه قبل وطئه – يعني الثاني – بحيث لا يحتمل أن يكون من الوطء الثاني لم تطلق، وإن حاضت أو وجد ما يدل على براءتها من الحمل طلقت، وإن لم يظهر ذلك واحتمل أن يكون من الثاني ففيه وجهان الخ" وقد نقلنا لك هذا ليتكشف لك الموضوع وتستغني عن ذلك الكلام المضرب.(4/35)
متعاقبين من حمل واحد بالأول طلقة وبالثاني أخرى ولم تنقض عدتها به لأنها لا تنقضي إلا بوضع كل الحمل وانقضت العدة بالثالث ولم تطلق به ذكر في المغني والكافي وغيرهما وذكر في الإنصاف أن عدتها تنقضي بالثاني وهو سهو وإن قال إن ولدت اثنين فأنت طالق للسنة فطلقة بطهرها ثم أخرى بعد طهر من حيضة وإن كنت حاملا بغلام فأنت طالق واحدة وإن ولدت أنثى فأنت طالق اثنتين فولدت غلاما كانت حاملا به وقت اليمين تبينا أنها طلقت واجدة حين حلفه وانقضت عدتها بوضعه وإن ولدت أنثى طلقت بولادتها طلقتين واعتدت بالقروء وإن ولدت غلاما وجارية وكان الغلام أولهما ولادة تبينا أنها طلقت طلقة واحدة وبانت بوضع الجارية ولم تطلق بها وإن كانت الجارية ولدت أولا طلقت ثلاثا واحدة بحمل الغلام واثنتين بولادة الجارية.(4/36)
فصل. في تعليقه بالطلاق: إذا قال إذا طلقتك فأنت طالق
ثم قال أنت طالق طلقت مدخول بها طلقتين وغيرها واحدة فإن قال عنيت بقولي هذا إنك تكونين طالقا أوقعته عليك ولم أرد إيقاع طلاق سوى ما باشرتك به دين ولم يقبل في الحكم وإن طلقها بائنا لم يقع المملق كان خلعتك فأنت طالق ففعل لم تطلق به وتقدم وإن طلقتك فأنت طالق ثم قال إن قمت فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين وكذا لو نجزه بعد التعليق إذا التعليق بعد وجود الصفة تطليق ولو قال أولا إن قمت فأنت طالق ثم قال إن طلقتك فأنت طالق فقامت طلقت بالقيام واحدة لم تطلق بتعليق الطلاق وإن قال إن قمت فأنت طالق ثم قال إن وقع عليك(4/36)
طلاقي فأنت طالق فقامت طلقت مدخول بها طلقتين وكلما طلقتك أو كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال أنت طالق فثنتان لمدخول بها ولغيرها واحدة وهي المنجزة ولا تقع ثالثة لأن الثانية لم تقع بإيقاعه بعد عقد الصفة وإن قال بعدها أو خرجت فأنت طالق فخرجت طلقت بالخروج طلقة وبالصفة أخرى ولم تقع ثالثة وكلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم وقع بمباشرة أو سبب أو صفة عقدها بعد ذلك أو قبله فثلاث إن وقعت الأولى والثانية رجعيتين وإذا طلقتك فأنت طالق ثم قال لا: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت مدخول بها ثلاثا وكلما طلقتك طلاقا أملك فيه رجعتك فأنت طالق ثم قال أنت طالق طلقت اثنتين وإن كان الطلقة بعوض أو في غير مدخول بها بانت بالأولى فإن طلقها اثنتين طلقت الثالثة وكلما وقع عليك طلاقي أو إن وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم قال أنت طالق طلقت ثلاثا واحدة بالمنجزة وتتمتها من المعلق ويلغو قوله قبله وهي السريجية ويقع بغير مدخول بها واحدة وهي المنجزة وإن وطئتك وطأ مباحا أو إن أبنتك أو إن فسخت نكاحك أو راجعتك أو ظاهرت أو آليت منك أو لاعنتك فأنت طالق قبله ثلاثا ففعل طلقت ثلاثا وكلما طلقت ضرتك فأنت طالق ثم قال مثله للضر ثم طلق الأولى طلقت الضرة طلقة بالصفة والأولى ثنتين طلقة بالمباشرة ووقوعه بالضرة تطليق لا إن أحدث فيها طلاق بتعليقه طلاقا ثانيا وإن طلق الثانية فقط طلقتان طلقة طلقة ومثل هذه قوله إن طلقت حفصة فعمرة طالق(4/37)
أو كلما طلقت حفصة فعمرة طالق ثم قال إن طلقت عمرة فحفصة طالق أو كلما طلقت عمرة فحفصة طالق فحفصة كالضرة في المسئلة التي قبلها وعكس المسئلة قوله لعمرة إن طلقتك فحفصة طالق ثم قال لحفصة إن طلقتك فعمرة طالق فحفصة هنا كعمرة هناك ولو علق ثلاثا بتطليق يملك فيه الرجعة ثم طلقها واحدة طلقت ثلاثا وقبل الدخول يقع ما نجزه ويعوض لا يقع غيره وإن قال لزوجاته الأربع أيتكن وقع عليها طلاقي فضرائرها طوالق ثم وقع على إحداهن طلاقه طلقن ثلاثا ثلاثا وإن قال كلما طلقت واحدة منكن فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثة فثلاثة أحرار وكلما طلقت أربعا فأربعة أحرار ثم طلقن معا أو منفردات عتق خمسة عشر عبدا إلا أن تكون له نية فيؤاخذ بما نوى ولو جعل مكان كلما إن عتق عشرة وكلما أعتقت عبدا من عبيدي فامرأة من نسائي طالق وكلما أعتقت اثنين فامرأتان طالقتان ثم أعتق اثنين طلق الأربع وكلما أعتقت عبدا من عبيدي فجارية من جواري حرة وكلما أعتقت اثنين فجاريتان حرتان وكلما أعتقت ثلاثة فثلاث أحرار وكلما أعتقت أربعة فأربع أحرار فأعتق أربعة عتق من جواريه خمس عشرة بعدة من عتق من عبيده في المسئلة المتقدمة وإن قال إن دخل الدار رجل فعبد من عبيدي حر وإن دخلها طويل فعبدان وإن دخلها أسود فثلاثة وإن دخلها فقيه فأربعة أحرار فدخلها رجل فقيه طويل أسود عتق عشرة وإن قال إذا أتاك طلاقي فأنت طالق ثم كتب إليها إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب(4/38)
كاملا ولم يمح ذكر الطلاق طلقت ثنتين وإن قال أردت أنك طالق بذلك الطلق الأول دين وقبل في الحكم وإن أتاها بعض الكتاب وفيه الطلاق ولم ينمح ذكره لم تطلق ولو كتب إليها إذا قرأت كتابي فأنت طالق فقرئ عليها وقع إن كانت لا تحسن القراءة وإلا فلا ولا يثبت الكتاب إلا بشاهدين مثل كتاب القاضي إلى القاضي وإذا شهد عندها كفى وإن لم يشهدا به عند الحاكم لا أن يشهد أن هذا خطه.(4/39)
فصل. في تعليقه بالحلف:
الحلف بالطلاق تعليق في الحقيقة - قال أبو يعلى الصغير ولهذا لو حلف لا حلفت فعلق طلاقها بشرط أو بصفة لم يحنث انتهى - مجاز في الحلف لمشاركته له في المعنى المشهور وهو الحث على فعل أو المنع منه أو تصديق خبر أو تكذيبه كقوله إن لم أدخل الدار فأنت طالق أو لأفعلن أو إن لم أفعل أو إن دخلت الدار فأنت طالق أو أنت طالق لقد قدم زيد أو لم يقدم أشبه قوله والله ونحوه فأما التعليق على غير ذلك كانت طالق إن طلعت الشمس أو قدم الحاج ونحوه فشرط لا حلف فلا يقع به الطلاق المعلق على الحلف وكذا إذا شئت فأنت طالق فإنه تمليك وإذا حضت فأنت طالق فإنه طلاق بدعة وإذا طهرت فأنت طالق فإنه طلاق سنة وإذا قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال أنت طالق إن قمت أو دخلت الدار أو لم تدخلي أو إن لم يكن هذا القول حقا ونحوه طلقت في الحال وإن قال إن حلفت بطلاقك أو إن كلمتك فأنت طالق وأعاده مرة أخرى طلقت واحدة ومرتين فثنتان وثلاثا طلقت مدخول بها ثلاثا إلا أن(4/39)
يقصد بإعادتها أفهامها فلا تطلق سوى الأولى وإن قال لامرأتيه أن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقتان وأعاده طلقت كل واحدة منهما طلقة فإن كانت إحداهما غير مدخول بها فأعاده بعد وقوع الطلقة الأولى لم تطلق واحدة منهما لكن لو تزوج قد ذلك البائن ثم حلف بطلاقها طلقت كالأخرى طلقة طلقة واختار الموفق وغيره لا تطلق ولو جعل كلما بدل إن طلقت كل واحدة ثلاثا: طلقة عقب حلفه ثانيا وطلقتين لما نكح البائن وحلف بطلاقها ولو قال لزوجتيه حفصة وعمرة إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق ثم أعاده لم تطلق واحدة منهما وإن قال بعد ذلك إن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت عمرة فإن قال بعد هذا إن حلفت بطلاقكما فعمرة طالق لم تطلق واحدة منهما فإن قال بعده إن حلفت بطلاقكما فحفصة طالق طلقت حفصة وإن قال لمدخول بهما كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فأنتما طالقتان وأعاده ثانيا طلقت كل واحدة منهما طلقتين وإن قال كلما حلفت بطلاق واحدة منكما فهي طالق أو فضرتها طالق وأعاده طلقت كل واحدة طلقة وإن قال لأحدهما إذا حلفت بطلاق ضرتك فأنت طالق ثم قال ذلك للأخرى طلقت الأولى فإن أعاده للأولى طلقت الأخرى وإن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق ثم قال إن حلفت بطلاقك فعبدي حر طلقت ثم إن قال لعبده إن حلفت بعتقك فامرأتي طالق عتق العبد ولو قال له إن حلفت بطلاق امرأتي فأنت حر ثم قال لها إن حلفت بعتق عبدي فأنت طالق عتق العبد ولو قال له إن حلفت بعتقك فأنت حر ثم أعاد عتق،(4/40)
ويأتي في كتاب الإيمان ما يتعلق بالحلف بالله وبالطلاق.(4/41)
فصل. في تعليقه بالكلام:
إذا قال إن كلمتك فأنت طالق فتحققي ذلك أو اعلمي ذلك قاله متصلا بيمينه طلقت إلا أن يريد بعد انفصال كلامي هذا وكذلك إن زجرها فقال تنحي أو اسكتي أو مري ونحوه أو قال إن قمت فأنت طالق طلقت إلا أن يريد كلاما مبتدأ مثل أن ينوي محادثتها أو الاجتماع بها أو نحوه وإن سمعها تذكره فقال الكاذب عليه لعنة الله حنث نصا فإن جامعها ولم يكلمها لم يحنث إلا أن تكون نيته هجرانها وإن قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق فقالت إن بدأتك به فعبدي حر انحلت يمينه إلا أن ينوي أنه لا يبدؤها في مرة أخرى وتبقى يمينها معلقة فإن بدأها بكلام انحلت يمينها وإن بدأته عتق عبدها وإن كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لتشاغله أو غفلته أو كاتبته أو راسلته حنث كتكليمها غيره وهو يسمع تقصده به إلا أن يكون أراد ألا تشافهه ولو أرسلت إنسانا يسأل أهل العلم عن مسئلة أو حديث فجاء الرسول فسأل المحلوف عليه لم يحنث وإن أشارت إليه بيد أو عين أو غيرهما لم تطلق وكذا لو كلمته وهي مجنونة وإن كلمته وهو سكران أو أصم بحيث يعلم أنها تكلمه أو مجنونا يسمع كلامها أو كلمته وهي سكرى حنث وكذلك إن كلمت صبيا وهو يعلم أنه مكلم وإن كلمته ميتا أو غائبا أو مغمى عليه أو نائما أو سكرانا أو مجنونا مصروعين لم يحنث وإن سلمت عليه حنث فإن كان أحدهما إماما والآخر مأموما لم يحنث بتسليم الصلاة إلا أن ينوي بتسليمه على المأمومين،(4/41)
وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان فقرأه في نفسه ولم يحرك شفتيه به حنث إلا أن ينوي حقيقة القراءة وإن قال لامرأتيه إن كلمتما هذين فأنتما طالقتان فكلمت كل واحدة منهما واحدا منهما طلقتا كما لو قال إن ركبتما دابتيكما أو أكلتما هذين الرغيفين أو لبستما ثوبيكما فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة منهما دابتها وأكلت كل واحدة رغيفا ولبست كل واحدة ثوبا طلقتا وإن قال إن كلمتما زيدا وكلمتما عمرا فأنتما طالقتان فلا تطلقان حتى تكلم كل والحدة منهما زيدا وعمرا وإن قال لعبدين إن ركبتما أو لبستما ثوبيكما أو تقلدتما بسيفيكما أو دخلتما بزوجتيكما فأنتما حران فمتى وجد من كل واحد ركوب دابته أو لبس ثوبه أو تقلده بسيفه أو الدخول بزوجته ترتب عليها العتق لأن الانفراد بهذا عرفي وفي بعضه شرعي فيتعين إلى توزيع الجملة على الجملة وإن قال إن أمرتك فخالفتني فأنت طالق فنهاها وخالفته لم يحنث إلا أن ينوي مطلق المخالفة وإن نهيتك فخالفني فأنت طالق فأمرها وخالفته لم يحنث في قياس التي قبلها إلا أن ينوي مطلق المخالفة وإن كلمتك فأنت طالق ثم قاله ثانيا طلقت واحدة وإن قاله ثالثا طلقت ثانية وإن قاله رابعا طلقت ثلاثا وتبين غير المدخول بها بطلقة ولم تنعقد يمينه الثانية ولا الثالثة وإن نهيتني عن نفع أمي فأنت طالق فقالت له لا تعطلها من مالي شيئا لم يحنث وأنت طالق إن كلمت زيدا ومحمدا مع خالد لم تطلق حتى تكلم زيدا في حال كون محمد مع خالد وأنت طالق إن كلمت زيدا وأنا غائب أو وأنت راكبة أو وهو راكب أو ومحمد راكب لم تطلق(4/42)
هي حتى تكلمه في تلك الحال، وإن كلمتني إلى أن يقدم زيد أو حتى يقدم زيد فأنت طالق فكلمته قبل قدومه حنث فإن قال أردت إن استدمت تكليمي من الآن إلى أن يقدم زيد دين وقبل.(4/43)
فصل. في تعليقه بالأذن -
إذا قال إن خرجت بغير إذني أو إلا بإذني أو حتى آذن لك فأنت طالق ثم أذن لها فخرجت ثم خرجت بغير إذنه طلقت إلا أن ينوي الإذن مرة أو يقوله بلفظه فإن أذن لها بالخروج كلما شاءت لم تطلق وإن أذن لها من حيث لا تعلم فخرجت طلقت نصا فلو قال إلا بإذن زيد فمات زيد لم يحنث إذا خرجت ولو أذن لها فلم تخرج حتى نهاها ثم خرجت طلقت وإن قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت إلى غير الحمام طلقت سواء عدلت إلى الحمام أو لم تعدل وإن خرجت تريد الحمام وغيره أو خرجت إلى الحمام ثم عدلت إلى غيره طلقت.(4/43)
فصل في تعليقه بالمشيئة -
إذا قال أنت طالق إن أو إذا أو متى أو كيف أو حيث أو أتى أو أين أو كلما أو أي وقت شئت ونحوه لم تطلق حتى تقول قد شئت سواء شاءت فورا أو تراخيا راضية أو كارهة - وفي التنقيح ولو مكرهة وهو سبقة قلم - ولو شاءت بقبلها دون نطقها أو قالت قد شئت إن طلعت الشمس أو قد شئت إن شئت أو شاء فلان فقال قد شئت لم يقع1 فإن رجع لم يصح رجوعه كبقية التعاليق وكذا
__________
1 عللوا عدم الوقوع حين تعليقها المشيئة على شيء مما ذكر بأنه لم يوجد منها مشيئة بل تعليق ولما كانت المشيئة من الأمور الباطنة كان تعليقها على شرط باطلا لا يقتضي تحققها إذا وجد شرطها.(4/43)
لو علقه بمشيئة غيرها وإن قيد المشيئة بوقت كقوله أنت طالق إن شئت اليوم تقيد به فإن خرج اليوم قبل مشيئتها لم تطلق وإن علقه على مشيئة اثنين كقوله إن شئت وشاء أبوك أو زيد وعمر ولم يقع حتى توجد مشيئتهما ولو اختلفا في الفورية والتراخي وأنت طالق وعبدي حر إن شاء زيد ولا نية فشاءهما وقعا وإلا لم يقع شيء وأنت طالق إن شاء زيد فمات أو جن لم تطلق وإن خرس أو كان أخرس وفهمت إشارته فكنطقة ولو غاب لم تطلق وإن شاء وهو سكران طلقت لا إن شاء وهو مجنون وإن شاء وهو صبي طفل لم يقع وإن كان مميزا يعقل الطلاق وقع وأنت طالق إلا أن يشاء زيد فمات أو جن طلقت في الحال وإن خرس فشاء بالإشارة وفهمت فكنطقه إن لم يقيد في التعليق والنطق وأنت طالق واحدة إلا أن يشاء زيد ثلاثا أو تشائي ثلاثا أو ثلاثا إلا أن يشاء زيد أو تشائي واحدة فشاء أو شاءت الثلاث أو شاء الواحدة وقعت فإن لم يشأ أو شاء أقل من ثلاث فواحدة في الأولى ويا طالق أو طالق أو عبدي حر إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله أو إن لم يشأ الله أو ما لم يشأ طلقت وعتق العبد وكذا لو قدم الشرط وإن دخلت الدار فأنت طالق أو حرة إن شاء الله أو أنت طالق أو حرة إن دخلت الدار إن شاء الله فدخلت فإن نوى رد المشيئة إلى الفعل لم يقع وإلا وقع وأنت طالق لرضا زيد أو لمشيئته طلقت في الحال فإن قال أردت الشرط دين وقبل حكما ولو قال إن كان أبوك يرضى بما فعلته فأنت طالق فقال ما رضيت ثم قال رضيت طلقت أيضا بخلاف إن كان أبوك راضيا لأنه ماض وإن(4/44)
قال إن كنت تحبين أن يعذبك الله بالنار أو قال إن كنت تحبينه بقلبك فأنت طالق فقالت أنا أحبه لم تطلق إن قالت كذبت وكذا إن كنت تبغضين الجنة أو الحياة ونحوه وإن قال إن كنت تحبين أو تبغضين زيدا فأنت طالق فأخبرته به طلقت وإن كذبت1 وتعليق عتق كطلاق فيما تقدم ويصح بالموت ولو قالت أريد أن تطلقني فقال إن كنت تريدين أو إذا أردت أن أطلقك فأنت طالق فظاهر الكلام يقتضي أنها تطلق بإرادة مستقبلة ودلالة الحال على أنه أراد إيقاعه للإرادة التي أخبرته بها قاله في الفنون ونص الثاني في إعلام الموقعين ومثله تكونين طالقا إذا دلت قرينة من غضب أو سؤال ونحوه على الحال دون الاستقبال.
__________
1 لما كانت العادة تبعد صدقها في حب العذاب وبغض الجنة أهمل إقرارها بذلك وقبلت دعواها الكذب فيه بخلاف حب زيد أو بغضه فإن إقرارها به مأخوذ عليها لأول الأمر لعدم منافاته للعادة المألوفة.(4/45)
فصل: في مسائل متفرقة:
إذا قال أنت طالق إذا رأيت الهلال أو عند رأسه تطلق بإكمال العدة أو إذا رؤى بعد الغروب لا قبله إلا أن ينوي حقيقة رؤيتها ويقبل حكما وهو هلال إلى الثالثة ثم بعدها يقمر فإن لم تره حتى اقمر أو علقه على رؤية زيد فلم يره حتى اقمر لم تطلق وإذا رأيت فلانا فأن طالق وأطلق فرأته ولو ميتا أو في ماء أو زجاج شفاف طلقت لا مع نية أو قرينة وإن رأته أنه مكرهة أو رأت خياله في ماء أو مرآة أو رأت صورته على حائط أو غيره أو جالسته وهي عمياء لم تطلق وتقدم في الصيام وإن قال أنت طالق ليلة القدر أو قال إن كانت امرأتي في السوق فعبدي حر وإن كان(4/45)
عبدي في السوق فامرأتي طالق وكانا في السوق عتق العبد ولم تطلق المرأة لأن العبد عتق باللفظ الأول فلم يبق له في السوق عبد وإن قال لزوجاته من بشرتني أو قال أخبرتني بقدوم زيد فهي طالق فأخبره به نساؤه أو عدد منهن معا طلقن وإن أخبرته متفرقات طلقت الأولى فقط إن كانت صادقة وإلا فأول صادقة بعدها ولا تطلق منهن كاذبة وإن لبست أو إن لبست ثوبا فأنت طالق ونوى معينا دين وقبل حكما وإن قربت - بكسر الراء - دار أبيك فأنت طالق لم يقع حتى تدخلها وتطلق بوقوفها تحت فنائها ولصوقها بجدارها وأول من تقوم منكن فهي طالق أو أول من قام من عبيدي فهو حر فقام الكل دفعة واحدة لم يقع طلاق ولا عتق وإن قام واحد أو واحدة ولم يقم بعدهما أحد فوجهان1 وإن قام اثنتان أو ثلاث دفعة واحدة ثم قامت أخرى وقع الطلاق بمن قام أولا وإن قال أول من تقوم منكن وحدها2 لم يقع وإن قال آخر من تدخل منكن الدار فهي طالق فدخل بعضهن لم يحكم بطلاق واحدة منهن حتى ييأس من دخول غيرها بموته أو موتهن أو غير ذلك فيتبين وقوع الطلاق بآخرهن دخولا من حين دخلت وكذا الحكم في العتق وإن قال إن دخل داري أحد فامرأتي طالق فدخلها هو أو قال لإنسان إن دخل دارك أحد فعبدي حر فدخلها صاحبها لم يحنث وإن حلف لا يفعل شيئا ففعله
__________
1 أحدهما لا يقع حيث لا يصدق على من قام أنه أول نظرا لعدم قيام غيره أبدا والثاني لأن الذي قام لم يسبقه أحد بذلك.
2 يريد انه لو قامت واحدة فحسب فهي طالق ثم قام اثنتان أو أكثر معالم تطلق.(4/46)
ناسيا أو جاهلا حنث في طلاق وعتاق لا في يمين مكفرة وعنه لا يحنث في الجميع بل يمينه باقية واختاره الشيخ وغيره1 وإن فعله مكرها أو مجنونا أو مغمى عليه أو نائما لم يحنث ومن يمتنع بيمينه ويقصد منعه كزوجته وولده وغلامه وقرابته إذا حلف عليه كهو في الجهل والنسيان والإكراه وكونه يمينا وإن حلف على من لا يمتنع كالسلطان والأجنبي والحاج استوى العمد والسهو والإكراه وغيره وإن حلف على غيره ليفعلنه أو لا يفعلنه فخالفه حنث الحالف وقال الشيخ لا يحنث إن قصد إكرامه لا إلزامه به ويأتي في كتاب الإيمان وإن حلف ليفعلنه فتركه مكرها: لم يحنث وناسيا أو جاهلا يحنث في طلاق وعتق فقط وإن عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلافه فكمن حلف على مستقبل وفعله ناسيا يحنث في طلاق وعتق فقط وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا أو لا يكلمه أو لا يسلم عليه أو لا يفارقه حتى يقضيه حقه فدخل بيتا هو فيه ولم يعلم أو سلم على قوم هو فيهم أو عليه يظنه أجنبيا ولم يعلم أو قضاه حقه ففارقه فخرج رديئا أو أحاله بحقه ففارقه ظنا أنه قد برئ حنث إلا في السلام والكلام وإن علم به في السلام ولم ينوه ولم يستثنه بقلبه حنث وإن حلف لا يبيع لزيد ثوبا فوكل زيد من يدفعه إلى من يبيعه فدفعه الوكيل إلى الحالف
__________
1 استدل القائلون بذلك بعموم قوله تعالى ليس علكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم – وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" اهـ.(4/47)
فباعه غير علمه فكناس، ولو حلف لا تأخذ حقك مني فأكره على دفعه إليه أو أخذه منه قهرا حنث وإن أكره صاحب الحق على أخذه فكما لو حلف لا يفعل شيئا ففعله مكرها وإن حلف لا يفعل شيئا أو على من يمتنع بيمينه كزوجة وقرابة وقصد منعه ولا نية ولا سبب ولا قرينة ففعل بعضه لم يحنث فلو كان في فمها رطبة فقال إن أكلتها أو مسكتها أو ألقيتها فأنت طالق فأكلت بعضا وألقت الباقي لم يحنث فإن نوى الجميع أو البعض فيمينه على ما نوى وإن دلت قرينة تقتضي أحد الأمرين تعلق به كمن حلف لا شربت هذا النهر أو لا أكلت الخبز أو لا شربت الماء وما أشبهه مما علق على اسم جنس أو على اسم جمع كالمسلمين والمشركين والفقراء والمساكين حنث بالبعض وإن حلف لا شربت من ماء الفرات فشرب من مائه حنث كرع فيه أو اغترف منه كما لو حلف لا شربت من هذا البئر ولا أكلت من هذه الشجرة ولا شربت من هذه الشاة ولا شربت من ماء الفرات فشرب من نهر يأخذ منه حنث ولا شربت من الفرات فشرب من نهر يأخذ منه فوجهان1 وإن حلف ليفعلنه لم يبرأ حتى يفعله جميعه ولا يدخل دارا فأدخلها بعض جسده أو دخل طاق الباب أو لا يشرب ماء هذا الإناء فشرب بعضه أو لا يبيع عبده ولا يهبه فباع أو وهب بعضه لم يحنث وإن حلف لا ألبس من غزلها ولم يقل ثوبا فلبس ثوبا فيه منه أو لا
__________
1 أحدهما يحنث لأن الماء المشروب أصله من الفرات وهو المحلوف عليه. والثاني لا يحنث لأن الماء لا ينسب إلى الفرات الآن وإنما يضاف إلى النهر الآخر.(4/48)
آكل طعاما اشتريته فأكل طعاما شوركت في شرائه حنث ولا يلبس ثوبا اشتراه زيد أو نسجه أو لا يأكل طعاما طبخه أو لا يدخل دارا له أو لا يلبس ما خاطه فلبس ثوبا نسجه هو وغيره أو اشترياه حنث إلا أن تكون له نية وإن اشترى غيره شيئا فخلطه بما اشتراه فأكل أكثر مما اشتراه شريكه حنث وإن أكل مثله أو أقل منه لم يحنث ولو اشتراه لغيره أو باعه حنث بأكل والشركة والتولية والسلم والصلح على مال شراء وإن حلف بطلاق ما غصب فثبت بما يثبت به المال فقط لم تطلق.(4/49)
باب التأويل في الحلف
مدخل
...
باب التأويل في الحلف
وهو أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره سواء في ذلك الطلاق والعتاق واليمين المكفرة فإن كان الحالف ظالما كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده لم ينفعه تأويله وكانت يمينه منصرفة إلى ظاهر الذي عنى المستخلف وإن كان مظلوما كالذي يستحلفه ظالم على شيء لو صدقه لظلمه أو ظلم غيره أو نال مسلما منه ضرر فهنا له تأويله وكذا إن لم يكن ظالما ولا مظلوما ولو بلا حاجة ويقبل في الحكم مع قرب الاحتمال وتوسطه لا مع بعده فينوي باللباس الليل وبالفراش والبساط الأرض وبالأوتاد الجبال وبالسقف والبناء السماء وبالأخوة أخوة الإسلام وما ذكرت فلانا أي ما قطعت ذكره وما رأيته ما ضربت رئته وبنسائي طوالق أن نساؤه والأقارب كبناته وعماته وخالاته ونحوهن وبجواري أحرار سفنه وما كاتبت فلانا ولا عرفته ولا أعلمته ولا سألته حاجة ولا(4/49)
أكلت له دجاجة ولا فروجة ولا في بيتي فرش ولا حصير ولا بارية ويعني بالمكاتبة مكاتبة الرقيق وبالتعريف جعلته عريفا وبالأعلام جعلته أعلم الشفة وبالحاجة شجرة صغيرة وبالدجاجة الكبة من الغزل1 وبالفروجة الذراعة وبالفرش صغار الإبل والحصير الحبس وبالبارية السكين التي يبرى بها وما أكلت من هذا شيئا ولا أخذت منه ويعني بعد أكله وأخذه.
__________
1 الكبة بمعنى اللفة المكورة.(4/50)
فصل ولا يجوز التحيل لإسقاط حكم اليمين
ولا تسقط به وقد نص أحمد على مسائل من ذلك وقال من احتال بحيلة فهو حانث قال ابن حامد وغيره جملة مذهبه أنه لا يجوز التحيل في اليمين وأنه لا يخرج منها إلا بما ورد به سمع كنسيان وكإكراه واستثناء فإذا أكلا تمر أو نحوه مما له نوى فحلف لتخبرني بعدد ما أكلت ولتميزن نوى ما أكلت ولم تعلم فإنها تفرط كل نواة وحدها وتعد له عددا يتحقق دخول ما أكلت فيه مثل أن يعلم أن عدد ذلك ما بين مائة إلى ألف فتعد ذلك كله وكذلك إن قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة ولم تعلم عددها فإن كان ذلك نيته لم يحنث وإن نوى الإخبار بكميته من غير نقص ولا زيادة أو أطلق حنث لأنه حيلة وكذلك المسائل الآتية في هذا الفصل وشبهها.
وقد ذكروا من ذلك صورا كثير وجوزه جماعة من الأصحاب والذي يقطع به أن ذلك ليس مذهبا لأحمد.
فمن ذلك إذا حلف ليقعدن على بارية في بيته وألا يدخله بارية ولم(4/50)
يكن فيه بارية فإنه يدخل فيه قصبا ينسجه فيه أو ينسج قصبا كان فيه وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه ولا يجد طعم الملح فإنه يصلق فيه بيضا ولا يأكل بيضا ولا تفاحا أو ليأكلن ما في هذا الإناء فوجده بيضا وتفاحا فإنه يعمل من البيض ناطفا ومن التفاح شرابا وإن كان على سلم وحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إلى هذه ولا أقمت مكاني ساعة فلتنزل العليا ولتصعد السفلى وإن حلف لا أقمت عليه ولا نزلت عنه ولا صعدت فيه فإنه ينتقل إلى سلم آخر وإن حلف لا أقمت في هذا الماء ولا خرجت منه فإن كان جاريا لم يحنث إذا نوى ذلك الماء بعينه وإن كان واقفا حنث ولو حمل منه مكرها.(4/51)
فصل وإن استحلفه ظالم ما لفلان عندك وديعة وكان له عند فإنه يضمن بما الذي ينوي غير الوديعة أو غير مكانها أو يستثني بقلبه
ولم يحنث فإن لم يتأول أثم وهو دون إثم إقراره بها ويكفر فلو لم يحلف لم يضمن عند أبي الخطاب ولو سرقت منه امرأته شيئا فحلف بالطلاق لتصدقني أسرقت مني شيئا أم لا؟ وخافت أن صدقته فإنها تقول سرقت منك ما سرقت منك وتعني بما الذي وإن حلف لما سرقت مني شيئا لخانته في وديعة لم يحنث لأن الخيانة ليست سرقة إلا أن ينوي أن يكون له سبب وإن قال لها أنت طالق إن لم أجامعك اليوم وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم فصلى العصر ثم جامعها واغتسل إن غابت الشمس لم يحنث إن لم يكن أراد بقوله اغتسلت منك المجامعة1 وأنت طالق
__________
1 إذا أراد بالاغتسال المجامعة فإنه يحنث على أي حال لأنه علق طلاقها على عدم الوطء مرة وعلى الوطء أخرى ولا بد من أحد الأمرين.(4/51)
إن لم أطأك في رمضان نهارا فسافر مسافة القصر ثم وطئها انحلت يمينه وقال أحمد لا يعجبني لأنها حيلة وإن اشترى خمارين وله ثلاث نسوة "فحلف" لتتخمرن1 كل واحدة عشرين يوما من الشهر اختمرت الكبرى والوسطى بهما عشرة أيام ثم أخذت الصغرى من الكبرى إلى آخر الشهر ثم اختمرت الكبرى بخمار الوسطى بعد العشرين إلى آخر الشهر وكذا ركوبهن لبغلهن ثلاثة فراسخ لا يحمل كل بغل أكثر من امرأة فقال أنتن طوالق إن لم تركب كل امرأة منكن فرسخين فإن حلف ليقسمن بينهن ثلاثين قارورة: عشر مملوءة وعشر فرغ وعشر منصفة - قلب كل منصفة في مثلها فلكل واحدة خمس مملوءة وخمس فرغ فإن كان له ثلاثون شاة عشرة أنتجت كل واحدة ثلاث سخلات وعشرة أنتجت كل واحدة سخلتين وعشرة أنتجت كل واحدة سخلة ثم حلف بالطلاق ليقسمنها بينهن لكل واحدة ثلاثون رأسا من غير أن يفرق بين شيء من السخال وأمهاتهن فإنه يعطي إحداهن العشرة التي أنتجت كل واحدة سخلتين ويقسم بين الزوجتين ما بقي بالسوية لكل واحدة خمس مما نتاجها واحدة وخمس مما نتاجها ثلاث وإن حلف لا شربت هذا الماء ولا أرقته ولا تركته في الإناء ول فعل ذلك غيرك فإن طرحت في الإناء ثوبا فشرب الماء ثم جففته لم يحنث وإن حلف ليقسمن هذا الزيت نصفين ولا يستعبر كيلا ولا ميزانا وهو ثمانية أرطال في ظرف ومعه آخر يسع
__________
1 يريد أنه حلف على نسائه الثلاث أن تتخمرن بالخمارين على أن تختص كل واحدة بالخمار عشرين يوما وكلمة حلف ساقطة من الأصل.(4/52)
خمسة وآخر يسع ثلاثة أخذ بظرف الثلاثة مرتين فألقاه في ظرف الخمسة وترك الخمسة في ظرف الثمانية وما بقي في الثاني يضعه في الخامس ثم ملأ الثلاثي من الثماني وألقاه في الخماسي فيصير فيه أربعة وفي الثماني أربعة ولو كان عشرة أرطال في ظرف ومعه ظرف يسع ثلاثة وآخر يسع سبعة أخذ بظرف الثلاثة منه ثلاث مرات وأفرغ في ظرف السبعة ويبقى في ظرف الثلاثة من المرة الثالثة رطلان ثم ألقى ما في ظرف السبعة في ظرف العشرة ثم ألقى ما في الثلاثي وهو رطلان في ظرف السبعة ثم أخذ من ظرف العشرة ملء الثلاث فألقاه في السبعة يبقى فيه خمسة فإن قال إن ولدت ذكرين أو أنثيين أو حيين أو ميتين فأنت طالق فولدت اثنين ولم تطلق فقد ولدت ذكرا وأنثى حيا وميتا1 فإن حلف بالطلاق أني أحب الفتنة وأكره الحق وأشهد بما لم تره عيني ولا أخاف من الله ولا من رسوله وأنا عدل مؤمن مع ذلك فلم يقع عليه الطلاق فهذا رجل يحب المال والولد2 ويكره الموت ويشهد بالبعث والنشور والحساب ولا يخاف من الله ولا من رسوله الظلم والجور وإن حلف إن امرأته بعثت إليه فقالت قد حرمت عليك وتزوجت بغيرك وأوجب عليك أن تنفذ لي نفقتي ونفقة زوجي وتكون على الحق في جميع ذلك فهذه امرأة زوجها أبوها من مملوكه ثم بعث المملوك في تجارة ومات الأب
__________
1 هذه المسئلة وما يليها أمثلة لأسئلة وأجوبتها.
2 وقد وصف الله تعالى الأموال والأولاد بأنها فتنة في قوله جل شأنه: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} – الآية(4/53)
فإن البنت ترثه وينفسخ نكاح العبد وتقضي العدة وتتزوج برجل فتنفذ إليه1 ابعث إلي من المال الذي لي معك فهو مالي وإن حلف أن خمسة زنوا بامرأة لزم الأول القتل والثاني الرجم والثالث والرابع نصف الجلد والخامس لم يلزمه وبر في يمينه: فالأول ذمى والثاني محصن والثالث بكر والرابع عبد والخامس حربى.
__________
1 مرجع الضمير هو المملوك الذي كان زوجا لها.(4/54)
فوائد في المخارج من مضايق الأيمان وما يجوز استعماله حال عقد اليمين وما يتخلص به من المآثم والحنث.
إذا أراد تخويف امرأته بالطلاق فقال: "إن خرجت من دارها" أنت طالق ثلاثا إن خرجت من الدار إلا بإذني ونوى بقلبه طالق من وثاق أو من العمل الفلاني كالخياطة والغزل والتطريز ونوى بقوله ثلاثا ثلاثة أيام فله نيته فإن خرجت لم تطلق فيما بينه وبين الله تعالى رواية واحدة ويقع في الحكم كما تقدم لأن هذا الاحتمال بعيد وكذلك الحكم إذا نوى بقوله طالق الطالق من الإبل وهي الناقة التي يطلقها الراعي وحدها أول الإبل إلى المرعى وحبس لبنها ولا يحلبها إلا عند الورد أو نوى بالطلاق الناقة يحل عقالها وكذا إن نوى إن خرجت ذلك اليوم أو إن خرجت وعليها ثياب خز أو إبريسم أو غير ذلك أو إن خرجت عريانة أو راكبة بغل ونحوه أو إن خرجت ليلا أو نهارا فله نيته ومتى خرجت على غير الصفة التي نواها لم يحنث وكذا الحكم إذا قال أنت طالق إن لبست ونوى ثوبا دون ثوب فله نيته وكذلك إن كانت يمينه بعتاق وكذا إن وضع يده على ضفيرة شعرها وقال أنت طالق ونوى مخاطبة(4/54)
الضفيرة أو وضع يده على شعر عنده وقال أنت حر ونوى مخاطبة الشعر أو إن خرجت من الدار أو إن سرقت مني شيئا أو إن خنتني في مالي أو إن أفشيت سري أو غير ذلك ما يريد منعها منه فله نيته وإن أراد ظالم أن يحلفه بالطلاق أو العتاق ألا يفعل ما يجوز له فعله أو يفعل ما لا يجوز له فعله أو أنه لم يفعل كذا لشيء لم يلزمه الإقرار به فحلف ونوى شيئا مما ذكرنا لم يحنث وإن قال له قل زوجتي أو كل زوجة لي طالق إن فعلت كذا أو إن كنت فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا فقال ونوى زوجته العمياء أو اليهودية أو كل زوجة له عمياء أو برصاء أو يهودية أو نصرانية أو عوراء أو خرساء أو حبشية أو رومية أو مكية ونحوه أو نوى كل امرأة تزوجها بالصين أو البصرة أو بغيرها من المواضع ولم تكن له زوجة على الصفة التي نواها وكان له زوجات على غيرها من الصفات لم يحنث وكذا حكم العتاق وكذلك إن قال إن كنت فعلت كذا ونوى إن كنت فعلته بالصين ونحوه من الأماكن التي لم يفعله فيها لم يحنث فإن أحلفه مع الطلاق بصدقة جميع ما يملكه فحلف ونوى جنسا من الأموال ليس في ملكه منه شيء لم يحنث كأن قال جميع ما أملكه ونوى من الياقوت الأحمر أو الزبرجد الأخضر أو المسك أو العنبر أو الكبريت الأصفر أو نوعا من أنواع البهار أو ما يملكه من السيوف والقسي والحطب وغير ذلك أي ذلك نوى ولم يكن في ملكه منه شيء لم يحنث ولم يلزمه التصدق بشيء مما يملكه غيره وكذلك إن أحلفه(4/55)
عن رجل أو عن شيء غيره أنه لا يعمل أين هو وهو يعلم أنه في دار بعينها فحلف ونوى أنه لا يعلم أين هو من الدار في أرضها أو في علوها أو في بعض مجالسها أو خزائنها أو غرفها أو سطحها وهو لا يعلم ذلك لم يحنث وكذلك إن كان معه في الدار فكبست عليه فحلف قبل فتح الباب إن ما فلانا هنا وأشار إلى راحة كفه أو إلى ما تحت يده لم يحنث فإن أحلفه أن يأتيه به متى رآه فحلف ونوى متى رآه في داخل الكعبة أو الصين أو غير ذلك من المواضع التي تتعذر رؤيته فيها فلا يحنث إذا رآه في غيرها ولم يحضره وإن أحلفه بالمشي إلى بيت الله الحرام الذي بمكة فقال ذلك ونوى ببيت الله مسجد الجامع وبقوله يلزمه إتمام حجة وعمرة فله نيته ولا يلزمه شيء فإن ابتدأ أحلافه بالله فقال له قل والله فالحيلة أن يقول هو الله الذي لا إله إلا هو ويدغم الهاء في الواو حتى لا يفهم محلفه ذلك فإن قال له المحلف أنا أحلفك بما أريد وقل أنت نعم كلما ذكرت أنا فصلا ووقفت فقل أنت نعم وكتب له نسخة اليمين بالطلاق والعتاق والمشي إلى بيت الله الحرام وصدقة جميع ما يملكه فالحيلة أن ينوي بقوله نعم بهيمة الأنعام ولا يحنث فإن قال اليمين التي أحلفك بها لازمة لك قل نعم أو قال له قل اليمين التي تحلفني بها لازمة لي فقال ونوى باليمين يده فله نيته وكذا إن قال له إيمان البيعة لازمة لك أو قال له قل إيمان البيعة لازمة لي فقال ونوى بالإيمان الأيدي التي تبسط عند أخذ البيعة ويصفق بعضها على بعض فله نيته وكذلك(4/56)
إن قال اليمين يميني والنية نيتك فقال ونوى بيمينه يده وبالنية البضعة من اللحم فله نيته فإن قال له قل إن فعلت كذا فامرأتي علي كظهر أمي فالحيلة أن ينوي بالظهر ما يركب من الخيل والبغال وغيرها فإذا نوى ذلك لم يلزمه شيء - ذكره القاضي في كتاب أبطال الحيل - وقال: هذا من الحيل المباحة قال فإن قال له قل فأنا مظاهر من زوجتي فالحيلة أن ينوي بقوله مظاهر مفاعل من ظهر الإنسان كأنه يقول ظاهرتها فنظرت أينا أشد ظهرا قال: والمظاهر أيضا الذي قد لبس حديدة من الدرعين وثوبا بن ثوبين فأي ذلك ينوى فله نيته - فإن قال قل وإلا فقعيدة بيتي التي يجوز عليها أمري طالق وهي حرام فقال ونوى بالقعيدة الغرارة - وقال في المستوعب نسيجة تنسج كهيئة العيبة1 فله نيته فإن قال قل وإلا فمالي على المساكين صدقة فالحيلة أن ينوي بقوله مالي على المساكين من دين ولا دين عليهم فلا يلزمه شيء فإن قال قل وإلا فكل مملوك لي حر فلا حيلة أن ينوي بالمملوك الرقيق الملتوت بالزيت والسمن فإن قال له قل وإلا فكل عبد لي حر فالحيلة أن ينوي بالحر غير ضد العبد وذلك أشياء فالحر اسم للحية الذكر والحر الفعل الجميل والحر من الرمل الذي ما وطئ فإن قال قل وإلا فكل جارية لي حرة فالجارية السفينة الجارية والجارية الأذن والجارية الريح والجارية العادة التي جرت فأي ذلك نوى فله نيته والحرة السحابة الكثيرة المطر والكريمة من النوق فإن قال قل وإلا فعبيدي أحرار فقال ونوى بالأحرار البقل فله نيته فإن الناعم من البقل يسمى أحرارا وما خشن
__________
1 هي ما يعرف بالحقيبة أو الجوال وما في معنى ذلك.(4/57)
يسمى ذكورا فإن قال له قل وإلا فجواري حرائر فقال ونوى بالحرائر الأيام فله نيته فإن الأيام تسمى حرائر فإن قال قل كل شيء في ملكي صدقة ونوي بالملك محجة الطريق فله نيته وإن قال قل جميع ما أملكه من عقال ودار وضيعة فهو وقف على المساكين فقال ونوى بالوقف السوار من العاج فله نيته فإن قال قل وإلا فعلى الحج فقال ونوى بالحج أخذ الطبيب ما حول الشجة من الشعر فله نيته فإن قال قل وإلا فأنا محرم بحجة وعمرة فإن نوى بالحجة القصة من الشعر الذي حوالي الشجة ونوى بالعمرة أن يبني الرجل بامرأة في بيت أهلها فله نيته لأن ذلك يسمى معتمرا فإن قال قل وإلا فعلى الحج بكسر الحاء ونوى شجة الأذن فله نيته فإن قال قل وإلا فلا قبل الله منه صوما ولا صلاة ونوى بالصوم زرق النعام أو النوع من الشجر ونوى بالصلاة بيتا لأهل الكتاب يصلون فيه فله نيته وكذا إن قال قل وإلا فما صليت لليهود والنصارى ونوى بقوله صليت أي أخذت بصلاء الفرس - وهو ما اتصل بخاصرته إلى فخذية أو نوى بصليت أن شويت شيئا في النار أو ينوي بما النافية وكذا إن قال قل وإلا فأنا كافر بكذا وكذا فقال ونوى بالكافر المستتر المتغطي أو الساتر المغطى فله نيته(4/58)
فصل في الأيمان التي يستحلف بها النساء أزواجهن.
إذا استحلفته ألا يتزوج عليها فحلف ونوى شيئا مما ذكرنا فله نيته فإن قالت له قل كل امرأة أطؤها غيرك فطالق وكل جارية أطؤها غيرك حرة فقال(4/58)
ذلك ولم يكن له زوجة غيرها ولم تكن في ملكه جارية ثم تزوج أو اشترى جارية ووطئها لم تطلق ولم تعتق1 وإن كان له وقت اليمين زوجات أو جوار فقال ذلك من غير نية تأويل فأي زوجة وطئ منهن غيرها طلقت وأي جارية وطئها منهن عتقت فإن نوى بقوله كل جارية أطؤها أو كل امرأة أطؤها غيرك برجلي فله نيته ولا يحنث بجماع غيرها زوجة كانت أو سرية فإن أرادت امرأته الإشهاد عليه بهذه اليمين التي يحلف بها في جواريه وخاف أن يرفع إلى الحاكم فلا يصدقه فيما نواه فالحيلة أن يبيع جواريه ممن يثق به ويشهد على بيعهن شهودا عدولا من حيث لا تعلم الزوجة ثم بعد ذلك يحلف بعتق كل جارية يطؤها منهن وليس في ملكه شيء منهن ويشهد على نفسه وقت اليمين شهود البيع ليشهدوا له بالحالين جميعا وإن شهد غيرهم وأرخ الوقتين وبينهما من الفصل ما يتميز به كل وقت منهما عن الآخر كفاه ذلك ثم بعد اليمين يقابل مشتري الجواري ويشتريهن منه وطؤهن ولا يحنث فإن رافعته إلى الحاكم وأقامت البينة باليمين وبوطئهن أقام هو البينة أنه لم يكن وقت اليمين في ملكه شيء منهن ذكر ذلك صاحب المستوعب وغيره وهو صحيح كله متفق عليه إذا كان الحالف مظلوما.
__________
1 لأن التعليق هنا اتصاف المرأة الموطوءة بأنها زوجته حال العقد وكذا الجارية لم تكن جاريته.(4/59)
باب الشك في الطلاق
مدخل
...
باب الشك في الطلاق
وهو هنا مطلق التردد: - إذا شك هل طلق أم لا أو شك في وجود(4/59)
شرطه ولو كان الشرط عدميا نحو لقد فعلت كذا أو إن لم أفعله اليوم فمضى وشك في فعله لم تطلق وله الوطء - لكن قال الموفق ومن تابعه الورع التزام الطلاق فإن كان المشكوك فيه رجعيا إن كانت مدخولا بها والأجدد نكاحها إن كانت غير مدخول بها أو قد انقضت عدتها وإن شك في طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها حتى تنقضي عدتها فيجوز لغيره نكاحها لأنه إذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق فلا تحل لغيره انتهى - ولو حلف منه واحدة ولم يدر أكل المحلوف عليها أم لا لم تطلق ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله وإن حلف ليا كأنها لم يتحقق بره حتى يعلم أنه أكلها وإذا شك في عدد الطلاق بنى على اليقين فإن لم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا أو قال أنت طالق بعدد ما طلق فلان وجهل عدده فواحدة وله مراجعتها ويحل له وطؤها وإن قال لامرأتيه أحدكما طالق ينوي واحدة بعينها طلقت وحدها فإن لم ينو أخرجت بالقرعة لا بتعيينه ويجوز له وطء الباقي بعد القرعة لا قبلها إن كان الطلاق بائنا وتجب النفقة حتى يقرع وإن مات ولو بعد موت إحداهما قبل البيان أقرع الورثة وإن ماتت المرأتان أو إحداهما عين المطلق لأجل الإرث فإن كان نوى المطلقة حلف لورثة الأخرى أنه لم ينوها وورثها أو الحية ولم يرث الميتة1 وإن كان ما نوى إحداهما أقرع ولو قال لهما أو
__________
1 يريد. وأن ماتت أحدهما وكان ينويها بالطلاق حلف أنه لم ينو الحية وعلى ذلك لا يرث الميتة إن كان بائنا.(4/60)
لأمتيه إحداكما طالق غدا أو حرة غدا فماتت إحداهما قبل الغد طلقت الباقية وعتقت وإن كان نساء أو إماء فماتت إحداهن قبل الغد أو باع إحدى الإماء أقرع بين الباقي إذا جاء الغد وإن قال امرأتي طالق وأمتي حرة وله نساء وإماء ونوى معنية انصرف إليها وإن نوى واحدة مبهمة أخرجت بقرعة وإن لم ينو شيئا طلقن وعتقن كلهن وإن طلق واحدة من نسائه وأنسيها أخرجت بقرعة وتحل له الباقيات وإن تتبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة بأن تذكر ذلك تبين أنها كانت محرمة عليه ويكون وقوع الطلاق من حني طلق وترد إليها التي كانت خرجت عليها القرعة إلا أن تكون قد تزوجت أو القرعة بحاكم.(4/61)
فصل. وإن قال هذه المطلقة. بل هذه طلقتا
وكذلك لو كن ثلاثا فقال هذه بل هذه بل هذه طلقن كلهن وإن قال هذه أو هذه بل هذه أو قال هذه أو هذه وهذه طلقت الثالثة وإحدى الأولتين وإن قال طلقت هذه بل هذه أو هذه أو أنت طالق وهذه أو هذه طلقت الأولى وإحدى الأخيرتين وإن قال هذه أو هاتين أخذ بالبيان فإن قال هي الأولى طلقت وحدها وإن قال ليست الأولى طلقت الأخيرتان وليس له الوطء قبل التعيين في كل موضع يقبل فيه تعيينه فإن وطئ لم يكن تعيينا وإن ماتت إحداهما لم يتعين الطلاق في الأخرى وإن قال طلقت هذه وهذه أو هذه وهذه فالظاهر أنه طلق اثنتين لا يدري أيهما: الأوليان أم الأخريان؟ كما لو قال طلقت هاتين أو هاتين فإن قال هما الأوليان أو الأخريان تعين فيما عينه وإن قال لم أطلق الأوليين تعين في الأخريين(4/61)
أو لم أطلق الأخريين تعين في الأوليين وإن قال إنما أشك في طلاق الثانية والأخريين طلقت الأولى لجزمه بطلاقها وبقي الشك في الثلاث ومتى فسر كلامه بمحتمل قبل منه.(4/62)
فصل. فإن مات بعضهن أو جميعهن أقرع بين الجميع
فمن خرجت القرعة لها لم يرثها وإن مات بعضهن قبله وبعضهن بعده فخرجت لميتة بعده لم ترثه والباقيات يرثهن ويرثنه وإن قال بعد موتها هذه التي طلقتها أو قال في غير المعينة هذه التي أرادتها لم يرثها ويرث الباقيات: صدقة ورثتهن أولا ولا يستحلف فإن مات فقال ورثته لإحداهن هذه المطلقة فأقرت أو أقر ورثتها بعد موتها حرمناها ميراثه وإن أنكرت أو أنكر ورثتها ولم تكن بينة فقولها أو قول ورثتها فإن شهد اثنان من ورثته أنه طلقها قبلت شهادتهما إذا لم يكونا ممن يتوفر عليهما ميراثه ولا على من لا تقبل شهادتهما له كأمهما وجدتهما لأن ميراث إحدى الزوجات لا يرجع إلى ورثة الزوج وإنما يتوفر على ضرائرها وإن ادعت إحدى الزوجات أنه طلقها طلاقا تبين به فأنكرها فقوله فإن مات لم ترثه وعليها العدة.(4/62)
فصل. إذا كان له أربع نسوة فطلق إحداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات ولم يعلم أيتهن طلقها
فللتي تزوجها ربع ميراث النسوة ثم يقرع بين الأربع فأيتهن خرجت قرعتها حرمت وورثه الباقيات وإن طلق واحدة لا بعينها أو بعينها فانسيها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة قبل القرعة ومتى علمناها بعينها أما بتعيينه لها أو بقرعة فعدتها من حين طلقها لا من حين عينها إن مات الزوج قبل التعيين اعتددن(4/62)
بأطول الأجلين من عدة الوفاة أو الطلاق وعدة الطلاق من حين طلق وعدة الوفاة من حين موته وإن كان الطلاق رجعيا فعليهن عدة الوفاة.(4/63)
فصل. وإذا ادعت أن زوجها طلقها أو ادعت وجود صفة علق طلاقها عليها فأنكرها فقوله فإن كان لها بينة قبلت ولا يقبل فيه إلا رجلان عدلان وإن اختلفا في عدد الطلاق فقوله فإن طلقها ثلاثا وسمعت ذلك أو ثبت عندها بقول عدلين لم يحل لها تمكينه من نفسها وعليها إن تفر منه ما استطاعت وإن تفتدي منه إن قدرت ولا تتزين له وتهرب ولا تقيم معه وتختفي في بلدها لا تخرج منها ولا تتزوج حتى يظهر طلاقها ولا تقتله قصدا فإن قصدت الدفع عن نفسها فآل إلى نفسه1 فلا إثم عليا ولا ضمان في الباطن فأما في الظاهر فإنها تؤاخذ بحكم القتل ما لم يثبت صدقها وكذا لو ادعى نكاح امرأة كذبا لو تزوجها تزويجا باطلا فسلمت إليه بذلك وإذا طلقها ثلاثا فشهد عليه أربعة أنه وطئها أقيم عليه الحد نصا فإن جحد طلاقها ووطئها ثم قامت بينة بطلاقه فلا حد عليه2 فإن قال وطئتها عالما بأني كنت طلقتها ثلاثا كان إقرارا منه بالزنا فيعتبر فيه ما يعتبر في الإقرار بالزنا.
__________
1 يعني أرادت دفعه فآل دفاعها إلى نفس مطلقها فقتلته.
2 لجواز أن يكون ناسيا أو مخطئا وهذه شبهة تسقط عنه الحد عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "ادرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم".(4/63)
فصل. إن طار طائر فقال إن كان هذا غرابا ففلانة طالق
وإن لم(4/63)
يكن غرابا ففلانة طالق فهي كالمنسية1 وإن قال إن كان غرابا ففلانة طالق وإن كان حماما ففلانة طالق لم تطلق واحدة منهما إذا لم يعلم فإن قال إن كان غرابا فأمتي حرة أو فامرأتي طالق ثلاثا وقال آخر إن لم يكن غرابا مثله ولم يعلماه لم تعتقا ولم تطلق وحرم عليها الوطء إلا مع اعتقاد أحدهما خطأ الآخر فإن اشترى أحدهما أمة الآخر أقرع بينهما فإن وقعت القرعة على أمته فولاؤها له وإن وقعت على المشتراة فولاؤها موقوف حتى يتصادقا على أمر يتفقان عليه فإن أقر كل منهما أنه الحانث طلقت زوجتاهما وعتقت أمتاهما وإن أقر أحدهما حنث وحده وإن ادعت امرأة أحدهما أو أمته عليه الحنث فقوله ولو كان عبد مشترك بين موسرين فقال أحدهما إن كان غرابا فنصيب حر وقال الآخر إن لم يكن غرابا فنصيبي حر عتق على أحدهما فيميز بالقرعة والولاء له فإن قال إن كان غرابا فعبدي حر وإن لم يكن غرابا فأمتي حرة ولم يعلم عتق أحدهما بقرعة فإن ادعى أحدهما أو كل منهما أنه الذي عتق فقول السيد مع يمينه فإن قال إن كان غرابا فنساؤه طوالق وإن لم يكن غرابا فعبيده أحرار ولم يعلم منع من التصرف في الملكين حتى يتبين وعليه نفقة الجميع فإن لم يتبين وقال لا أعلم ما الطائر أقرع بين النساء ورق العبيد فإن وقعت القرعة على الغراب طلق النساء ورق العبيد وإن خرجت على العبيد عتقوا ولم يطلقن وإن قال لامرأته وأجنبية إحداكما طالق أو قال سلمى طالق واسمها سلمى أو قال لحماته ابنتك طالق ولها
__________
1 يعني يقرع بين زوجتيه.(4/64)
بنت غيرها طلقت امرأته فإن قال أردت الأجنبية دين ولم يقبل في الحكم إلا بقرينة دالة على إرادة لأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه وإن لم ينو زوجته ولا الأجنبية طلقت زوجته وإن نادى امرأته فأجابته امرأة له أخرى أو لم تجبه وهي حاضرة فقال أنت طالق يظنها المناداة طلقت المناداة فقط فإن قال علمت أنها غيرها وأرادت طلاق المناداة طلقتا معا فإن قال أردت طلاق الثانية طلقت وحدها وإن لقي أجنبية فظنها امرأته فقال فلانة أنت طالق فإذا هي أجنبية طلقت امرأته نصا وكذا لو لم يسمها بل قال أنت طالق وإن علمها أجنبية وأراد بالطلاق زوجته فقال أنت طالق أو تنحي يا مطلقة لم تطلق امرأته وكذا العتق وإن أوقع بزوجته كلمة وجهلها وشك هل هي طلاق أو ظهار لم يلزمه شيء.(4/65)
باب الرجعة
مدخل
...
باب الرجعة
وهي إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد - إذا طلق الحر امرأته ولو أمة على حرة بعد دخوله أو خلوته بها في نكاح صحيح أقل من ثلاث أو العيد واحدة ولو كانت زوجته حرة بغير عوض فله مراجعتها ما دامت في العدة ولو مريضا أو مسافرا أو محرما وتقدم في محظورات الإحرام ويملكها ولي مجنون ولا رجعة بعد انقضاء العدة وتحصل الرجة بلفظ من ألفاظها نحو راجعت امرأتي أو ارتجعتها أو رجعتها(4/65)
أو رددتها أو أمسكتها لابنكحتها أو تزوجتها1 وإن خاطبها فيقول راجعتك أو ارتجعتك أو رجعتك أو رددتك أو أمسكتك فإن زاد بعد هذه الألفاظ للمحبة أو الإهانة أو قال أردت أني رجعتك لمحبتي إياك أو إهانة لك لم يقدح في الرجعة وإن قال أردت أني كنت أهينك أو أحبك وقد رددتك بفراقي إلى ذلك فليس برجعة وإن أطلق ولم ينو شيئا صحت فالاحتياط أن يشهد وليس من شرطها الإشهاد لكن يستحب فيقول أشهدا على أني راجعت امرأتي أو زوجتي أو راجعتها لما وقع عليها من طلاقي فلو أشهد وأوصى الشهود بكتمانها فصحيحة ولا تفتقر إلى ولي ولا صداق ولا رضا المرأة ولا علمها ولا إذن سيدها والرجعية زوجة يلحقها الطلاق والظهار واللعان والإيلاء وابتداء المدة من حين اليمين ويرث كل منهما صاحبه إن مات وإن خالعها صح خلعه ولها النفقة ولا قسم لها - صرح به الموفق والشارح والزركشي في الحضانة ولعله مراد من أطلق - ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها ولها أن تتزين له وتتشوف وتحصل الرجعة بوطئها بلا أشهاد نوى الرجعة به أو لم ينو ولا تحصل بمباشرتها من القبلة واللمس والنظر إلى فرجها بشهوة أو غيرها ولا بالخلوة بها والحديث معها ولا بإنكار الطلاق ولا يصح تعليقها بشرط فلو قال راجعتك إن شئت أو إن قدم أبوك فقد راجعتك أو كلما طلقتك فقد راجعتك لم يصح ولو قال كلما راجعتك فقد طلقتك صح وطلقت وإن راجعها في الردة
__________
1 لأن قوله نكحتها أو تزوجتها كناية في الرجعة والرجعة لا تصح بالكناية.(4/66)
من أحدهما لم يصح، وهكذا ينبغي أن يكون إذا راجعها بعد إسلام أحدهما1 فإن كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما لم تنقض عدتها به ولو خرج بعض الولد فارتجعها قبل أن تضع باقية أو قبل أن تضع الثاني صح وانقضت عدتها به وأبيحت لغيره ولو لم تطهر أو تغتسل من النفاس وإن طهرت من الحيضة الثالثة ولم تغتسل فله رجعتها فظاهره ولو فرطت في الغسل سنين ولم تبح للأزواج2 وما عدا ذلك من انقطاع نفقتها وعدم وقوع الطلاق بها وانتفاء الميراث وغير ذلك فإنه يحصل بانقطاع الدم.
__________
1 إذا طلقها ثم ارتد أحد الزوجين وراجع الزوج زوجته قبل أن يسلم المرتد منهما فالرجعة غير صحيحة. لأنها استبقاء للنكاح والردة من أحدهما تقتضي فسخه فبينهما منافاة. وكذلك إذا كان مرتدين ووقع الطلاق ثم أسلم أحدهما وراجع الزوج زوجته فالرجعة باطلة ما لم تكن هي كتابية فتصح. هذا ما قطع به المصنف ومن وافقه، وهو مبني على أن الفرقة بالردة سبقت على فرقة الطلاق والرجعة إنما تنبني على الطلاق وهناك قول راجح أخذ به بعض ثقات المذهب وتقدم لنا نظيره. وهو أننا لا نتعجل الفرقة بالردة بل تنتظر المرتد منهما فإن أسلم في العدة فالرجعة التي حصلت قبل إسلام من أسلم منهما صحيحة حيث ظهر أنه راجعها وعلقة النكاح باقية. وإن لم يسلم المرتد في المعدة بطلت الرجعة لظهور وقوعها في الفرقة المتقدمة التي كانت معلقة.
2 ذلك لأن أحكام الحيض باقية كعدم حلها للأزواج وعدم جوازها وطئها وعدم قراءتها القرآن الخ فبقى كذلك جواز رجعتها.(4/67)
فصل. وإذا تزوجت الرجعية في عدتها وحملت من الزوج الثاني انقطعت عدة الأول بوطء الثاني
وملك الزوج3 رجعتها في مدة الحمل كما يملكه بعد وضعها ولو قبل طهرها من نفاسها وإن أمكن أن يكون
__________
3 يريد الزوج الأول.(4/67)
أكمل منهما فله رجعتها قبل وضعه ولو بان أنه للثاني وإن انقضت عدتها ولم يرتجعها أو طلقها قبل الدخول بانت ولم تحل إلا بنكاح جديد وتعود على ما بقى من طلاقها سواء رجعت بعد نكاح غيره أو قبله وطئها الثاني أو لم يطأها وإن ارتجعها وأشهد على المراجعة من حيث لا تعلم فاعتدت ثم تزوجت من أصابها ردت إليه ولا يطؤها حتى تنقضي عدتها ولها على الثاني المهر وإن تزوجها مع علمهما بالرجعة أو علم أحدهما فالنكاح باطل والوطء محرم على من علم وحكمه حكم الزاني في الحد وغيره وإن كان الثاني ما دخل بها فرق بينهما وردت إلى الأول ولا شيء على الثاني فإن لم تكن له بينة برجعتها لم تقبل دعواه وإن صدقته هي وزوجها ردت إليه وإن صدقه الزوج فقط انفسخ نكاحه ولم تسلم إلى الأول والقول قولها بغير يمين فإن كان تصديقه قبل دخوله به فلها عليه نصف المهر وبعده لها الجميع وإن صدقته وحدها لم يقبل قولها في فسخ نكاح الثاني فإن بانت منه بطلاق أو غيره ردت إلى الأول بغير عقد ولا يلزمها مهر للأول بحال كما لو ارتدت أو أسلمت أو قتلت نفسها وإن مات الأول وهي في نكاح الثاني فينبغي أن ترثه لإقراره بزوجيتها وإقرارها بذلك وإن ماتت لم يرثها ويرثها الزوج الثاني فإن مات الثاين لم ترثه - قال الزركشي ولا يمكن من تزوج أختها ولا أربع سواها - وإن ادعت الرجعية أو البائن انقضاء عدتها قبل قولها إذا كان ممكنا إلا أن تدعيه الحرة بالحيض في شهر فلا يقبل إلا ببينة كما لو ادعت خلاف عادة منتظمة(4/68)
فصل: وأقل ما تنقضي به عدة الحرة من الإقراء وهي الحيض تسهة وعشرون يوما ولحظة
...
فصل. وأقل ما تنقضي به عدة الحرة من الإقراء وهي الحيض تسعة وعشرون يوما ولحظة
والأمة خمسة عشر ولحظة1 فإن ادعت انقضاءها في أكثر من شهر صدقت وفي أقل من تسعة وعشرين يوما ولحظة لا تسمع دعواها حتى مر عليها ما يمكن صدقها فيه نظرنا فإن بقيت على دعواها المردودة لم تسمع أيضا وإن ادعت انقضاءها في هذه المدة كلها أو فيما يمكن فيها قبل قولها والفاسقة والمريضة والمسلمة والكافرة في ذلك سواء وإن ادعت انقضاءها بوضع حمل تمام لم يقبل قولها في أقل من ستة أشهر من حين إمكان الوطء بعد العقد وإن ادعت أنها أسقطته لم يقبل في أقل من ثمانين يوما ولا تنقضي به عدة قبل أن يصير مضغة وإن ادعت انقضاءها بالشهور لم يقبل قولها والقول قول الزوج إلا أن يدعي انقضاءها ليسقط نفقتها مثل أن يقول في محرم طلقتك في شوال فتقول هي بل في ذي القعدة فقولها فإن ادعت ذلك ولم يكن لها نفقة قبل قولها ولو انعكس الحال فقال طلقتك في ذي القعدة فلى رجعتك فقالت بل في شوال فلا رجعة لك فقوله وإن ادعى في عدتها أنه كان راجعها أمس أو منذ شهر قبل قوله فإن ادعاه بعد انقضائها فأنكته فقولها وإن قالت قد انقضت عدتي فقال قد كنت راجعتك فقولها وإن سبق فقال
__________
1 وذلك بأن تحيض يوما وليلة ثم تطهر ثلاثة عشر يوما ثم تحيض ثانيا فإذا كانت أمة وطهرت بعد الحيض الثاني لحظة انتهت عدتها. وإن كانت حرة وطهرت بعد الحيض الثاني ثلاثة عشر يوما ثم حاضت ثالثا يوما وليلة وطهرت بعد الحيض لحظة تتأكد فيها الطهر فقد تمت عددتها في ذلك العدد من الأيام.(4/69)
ارتجعتك فقالت قد انقضت عدتي قبل رجعتك فأنكرها فقوله وإن تداعيا معا قدم قولنا1 وإن اختلفا في الإصابة فقال قد أصبتك فلى رجعتك فأنكرته أو قالت قد أصابني فلى المهر كاملا فقول المنكر وليس له رجعتها في الموضعين ولا تستحق فيهما إلا نصف المهر إن كان اختلافهما قبل قبضه وإن كان بعده وادعى إصابتها فأنكرت لم يرجع عليها بشيء وإن كان هو المنكر رجع وإن ادعى زوج الأمة بعد عدتها أنه كان راجعها في عدتها فأنكرته وصدقه مولاها فقولها نصا وإن صدقته وكذبه مولاها لم يقبل إقرارها في إبطال حق السيد فإن علم صدق الزوج لم يحل له وطؤها ولا تزويجها ولا يحل لها تمكينه من وطئها كما قبل طلاقها ولو قالت الرجعية انقضت عدتي ثم قالت ما نقضت عدتي فله رجعتها ولو قال أخبرتني بانقضاء عدتها ثم راجعها ثم أقرت بكذبها في انقضائها وأنكرت ما ذكر عنها وأقرت بأن عدتها لم تنقض فالرجعة صحيحة.
__________
1 يريد عند تعارضهما يسقط ادعاؤهما والقول للحاكم. ومراده بالإصابة بعد. وطؤها قبل الطلاق.(4/70)
فصل. والمرأة إذا لم يدخل بها2 تبينها تطليقة فلا رجعة عليها ولا نفقة لها
فإن طلقها ثلاثا أو العبد اثنتين قبل الدخول أو بعده لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ممن يمكنه الجماع ويطؤ في القبل مع انتشار ولو كان خصيا
__________
2 والخلوة في حكم الدخول.(4/70)
أو مسلولا أو موجوءا1 أو مملوكا أو لم يبلغ هو أو هي عشرا أو مجنونا أو نائما أو مغمى عليه وأدخلت ذكره في فرجها أو كانا مجنونين أو وطئها فأفضاها أو ظنها سرية أو أجنبية وتعود بطلاق ثلاث وأدنى ما يكفي تغييب الحشفة وإن لم ينزل فإن كان مجبوبا قد بقي من ذكره قدر الحشفة فأكثر فأولجه أحلها وإلا فلا ولا يحلها وطء السيد إن كانت أمة ولا في نكاح فاسد أو باطل أو بشبهة أو في ردته أو ردتها أو في الدبر أو وطئها قبل إسلام الآخر أو في حيض أو نفاس أو إحرام منهما أو من أحدهما أو صوم فرض منهما أو من أحدهما لا إن وطئها وهي محرمة الوطء لضيق وقت صلاة أو مريضة تتضرر بوطئه أو في المسجد أو لقبض مهر وإن كانت أمة فاشتراها مطلقها لم تحل له2 وإن كانت ذمية فوطئها زوجها الذمي أحلها لمطلقها المسلم نصا ولو تزوجها وهو عبد فلم يطلقها حتى تعتق أو طلقها واحدة ثم عتق فله عليها الثلاث تطليقات ككافر حر طلق ثنتين ثم استرق ثم تزوجها لا إن عتق بعد طلاقه اثنتين ولو تزوجها وهو حر كافر فسبي واسترق ثم أسلما جميعا لم يملك إلا طلاق العبد ولو طلقها في كفره واحدة وراجعها ثم سبي واسترق لم يملك إلا طلقة ولو علق طلاقا ثلاثا بشطر غير عتقه فوجد الشرط بعد عتقه لزمته
__________
1 الخصي والمسلول هو من انتزعت خصيتاه. والموجوء هو من دقت خصيتاه أو عروقهما بين حجرتين أو ما يشبه ذلك من غير أخراج لهما. والمجبوب هو مقطوع الذكر.
2 لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره عملا بعموم قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} .(4/71)
الثلاث، وفي تعليقها بعتقه تبقى له طلقة وإن غاب عن مطلقته ثلاثا ثم أتته فذكرت أنها نكحت من أصابها وانقضت عدتها منه وكان ذلك ممكنا فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها إما بأمانتها أو بخبر غيرها ممن يعرف حالها وإلا فلا فلو أنكر الزوج الثاني وطأها وادعته منه فالقول قوله في تنصيف المهر إذا لم يقر بالخلوة بها والقول قولها في إباحتها للأول فإن صدقه الأول لم يحل له نكاحها فإن عاد فصدقها أبيحت له وكذا لو تزوجت حاضرا وفارقها وادعت إصابتها منه وهو منكرها ولو جاءت حاكما وادعت أن زوجها طلقها وانقضت عدتها جاز تزويجها وتزوجها إن صدقها وكان الزوج مجهولا ولم تعينه وإن لم يثبت أنه طلقها - قال الشيخ كمعاملة عبد لم يثبت عتقه وقال ونص أحمد أنه إذا كتب إليها أنه طلقها لم تتزوج حتى يثبت الطلاق - وكذلك لو كان للمرأة زوج: أي معروف: فادعت أنه طلقها لم تتزوج بمجرد ذلك باتفاق المسلمين فإن قالت قد تزوجت من أصابني ثم رجعت عن ذلك قبل أن يعقد عليها لم يجز العقد وإن كان بعده لم يقبل كما لو ادعى زوجية امرأة فأقرت له بذلك ثم رجعت عن الإقرار وإن طلقها رجعيا وغاب فقضت عدتها وأرادت التزويج فقال لها وكيله توقفي كيلا يكون راجعك لم يجب عليها التوقف.(4/72)
باب الإيلاء
مدخل
...
باب الإيلاء
وهو حلف زوج يمكنه الجماع بالله تعالى أو بصفة من صفاته على(4/72)
ترك وطء امرأته الممكن جماعها ولو قبل الدخول في قبل أبدا أو يطلق أو أكثر من أربعة أشهر أو ينويها.
وهو محرم في ظاهر كلامهم لأنه يمين على ترك واجب وكان هو والظهار طلاقا في الجاهلية وله أربعة شروط1 أحدها أن يحلف على ترك الوطء في القبل فإن تركه بغير يمين لم يكن موليا وإن تركه مضرا بها من غير عذر ضربت له مدته وحكم له حكمه وكذا حكم من ظاهر ولم يكفر وإن كان لعذر من مرض أو غيبة أو حبس لم تضرب له مدة وإن حلف على ترك الوطء في الدبر أو دون الفرج لم يكن موليا وإن حلف لا يجامعها إلا جماع سوء يريد جماعا ضعيفا لا يزيد على التقاء الختانين لم يكن موليا فإن قال أردت وطأ لا يبلغ التقاء الختانين أو أراد به الوطء في الدبر أو دون الفرج فمول فإن لم يكن له نية أو قال والله لا أجامعك جماع سوء لم يكن موليا
__________
1 وإليك بقية الشروط إجمالا ريثما يذكرها بعد كلام طويل: الثاني أن يحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته: الثالث أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر الخ: الرابع: أن يكون من زوج يمكنه الوطء(4/73)
فصل. والألفاظ التي يكون بها موليا ثلاثة أقسام:
أحدها ما هو صريح في الحكم والباطن كلفظه الصريح أو قال لا أدخلت أو غيبت أو أولجت ذكري أو حشفتي في فرجك وللبكر خاصة لا افتضضتك لمن يعرف معناه فلا يدين ولا يقبل له فيه تأويل(4/73)
الثاني صريح في الحكم1 وهو خمسة عشر لفظا لا وطئتك لا جامعتك لا باضعتك لا بعلتك لا باششتك لا غشيتك لا أفضيت إليك لا لمستك لا افترشتك لا افتضضتك لمن لا يعرف معناه لا قربتك لا أصبتك لا أتيتكم لا مسستك لا اغتسلت منك فلو قال أردت غير الوطء دين ولم يقبل في الحكم.
الثالث ما لا يكون موليا فيها إلا بالنية مما يحتمل الجماع وهو ما عدا هذه الألفاظ كقوله والله لا جمع رأسي ورأسك مخدة لا سأقف رأسي رأسك لا ضاجعتك لا دخلت عليك لا دخلت علي لا قربت فراشك لا بت عندك لأسوءنك لأغيظنك لتطولن غيبتي عنك لا مس جلدي جلدك لا أويت معك لا نمت عنك فهذه إن أراد بها الجماع كان موليا وإلا فلا ومن هذه الألفاظ ما يفتقر إلى نية الجماع والمدة معا وهو لأسوءنك لأغيظنك لتطولن غيبتي عنك فلا يكون موليا حتى ينوي ترك الجماع في مدة تزيد على أربعة أشهر وسائر الألفاظ يكون موليا بنية الجماع فقط وإن قال لا أدخلت جميع ذكري في فرجك لم يكن موليا عكس لا أولجت حشفتي.
الشرط الثاني أن يحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته وسواء كان في الرضا أو الغضب فإن حلف بنذر أو عتق أو طلاق أو صدقة مال أو حج أو ظهار أو تحريم مباح ونحوه فليس بمول ولو قال إن وطئتك فأنت زانية أو فلله علي صوم أمس أو هذا الشهر أو استثنى في اليمين بالله
__________
1 معنى كونه صريحا في الحكم والباطن أن هذه الصيغة تثبت عليه الايلاء سواء أرفع أمره إلى الحاكم أم لم يرفع وأما الصريح في الحكم فقط فيقتضي ثبوت الايلاء عند الحاكم فحسب ويترك الحالف فيما بينه وبين الله إلى ما نوى من ايلاء أو عدمه.(4/74)
لم يكن موليا وإن قال إن وطئتك فلله علي أن أصلي عشرين ركعة كان موليا.
الشرط الثالث أن يحلف على أكثر من أربعة أشهر أو يعلقه على شرط يغلب على الظن ألا يوجد في أقل منها مثل والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى أو يخرج الدجال أو الدابة أو غير ذلك من أشراط الساعة أو ما عشت أو حتى أموت أو حتى تموتي أو يموت ولدك أو زيد أو حتى يقدم زيد من مكة والعادة أنه لا يقدم في أربعة أشهر أو حتى تمرضي أو يمرض زيد أو إلى قيام الساعة أو حتى آتي الهند أو حتى ينزل الثلج في الصيف أو يعلقه على شرط مستحيل كوالله لا وطئتك حتى تصعدي السماء أو تقلبي الحجر ذهبا أو يشيب الغراب ونحوه أو حتى تحبلي من غيري فيكون موليا فإن قال أردت بتحبلي ترك قصد الحبل فليس بمول1 وإن قال والله لا وطئتك مدة أو ليطولن تركي لجماعك لم يكن موليا حتى ينوي أكثر من أربعة أشهر وإن قال والله حتى يقدم زيد ونحوه مما لا يغلب على الظن عدمه في أربعة أشره أو في هذه البلدة أو محفوفة أو منقوشة أو حتى تصومي نفلا أو تقومي أو يأذن زيد فيموت أو علقمة على ما يعلم أنه يوجد في أقل من أربعة أشهر أو يظن ذلك كذبول بقل وجفاف ثوب ونزول مطر في أوانه وقدوم حج في زمانه أو حتى تدخلي الدار أو تلبس هذا الثوب أو حتى أتنفل بصوم
__________
1 إذا قال والله لا أطؤك حتى تحبلي ولم يجعل حتى غائية لم يكن موليا كما قال المصنف ويكون ذلك مثل قولك والله لا أعلم السفيه العلم حتى يطغى به ويزداد شرا.(4/75)
يوم أو حتى أكسوك أو أعطيك مالا أو لا وطئتك إلا برضاك أو لا وطئتك مكرهة أو محزونة فليس بإيلاء وإن قال حتى تشربي الخمر أو تزني أو تسقطي ولدك أو تتركي صلاة الفرض أو حتى أقتل زيدا ونحوه أو حتى تسقطي صداقك أو دينك عني أو حتى تكفلي ولدك أو تهبيني دارك أو يبيعني أبوك داره ونحوه فمول وإن وطئتك فعبدي حر عن ظهاري وكان ظاهر فوطئ عتق عن الظهار وإلا فليس بمول فلو وطئ لم يعتق ووالله لا وطئتك مريضة فليس بمول إلا أن يكون بها مرض لا يرجى برؤه في أربعة أشهر لم يصر موليا وإن لم يرج برؤه فمول ولا وطئتك حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة فرضا أو لا وطئتك ليلا أو نهارا فليس بمول وحتى تفطمي ولدي فإن أراد وقت الفطام وكانت مدته تزيد على أربعة أشهر فمول وإن أراد فعل الفطام أو مات الولد قبل مضي الأربعة أشهر فليس بمول ووالله لا وطئتك طاهرا أو وطأ مباحا فمول وإن قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك طاهرا أو وطأ مباحا فمول وإن قال إن وطئتك فوالله لا وطئتك أو إن دخلت الدار فوالله لا وطئتك لم يكن موليا حتى يوجد الشرط ووالله لا وطئتك في السنة إلا مرة أو إلا يوما أو لا وطئتك سنة إلا يوما فلا إيلاء حتى يطأ ويبقى منها فوق ثلثها ولا وطئتك عاما ثم قال والله لا وطئتك عاما فإيلاء واحد إلا أن ينوي عاما آخر ولا وطئتك عاما ولا وطئتك نصف عام أو لا وطئتك نصف عام ولا وطئتك عاما فإيلاء واحد ودخلت القصيرة في الطويلة وإن نوى بإحدى المدتين غير(4/76)
الأخرى أو قال لا وطئتك عاما فإذا مضى فوالله لا وطئتك عاما فهما إيلاآن لا يدخل حكم أحدهما في الآخر فإذا مضى حكم أحدهما بقي الآخر فإن قال في المحرم والله لا وطئتك هذا العام ثم قال والله لا وطئتك عاما من رجب إلى اثني عشر شهرا أو قال في المحرم والله لا وطئتك عاما ثم قال في رجب والله لا وطئتك عاما فهما إيلاآن في مدتين بعض إحداهما داخل في الأخرى فإن فاء في رجب أو فيما بعده من بقية العام الأول حنث في اليمينين وتلزمه كفارة واحدة وينقطع حكم الإيلاءين وإن فاء قبل رجب أو بعد العام الأول حنث في إحدى اليمينين فقط وإن فاء في الموضعين حنث في اليمينين وإن حلف على ترك وطئها عاما ثم كفر يمينه قبل الأربعة أشهر انحل الإيلاء ولم يوقف بعد الأربعة أشهر وإن كفر بعدها وقبل الوقف صار كالحالف على أكثر منها إذا مضت يمينه قبل وقفه فإن قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر فهو حالف على ترك الوطء وليس بمول لكن له حكم المولى لما بان من قصده من الإضرار بها - قال في الفصول هو الأشبه بمذهبنا - ولأنه لو ترك الوطء مضرا بها من غير يمين ضربت له مدة الإيلاء فكذا مع اليمين وقصد الإضرار وكذلك في كل مدتين متواليتين يزيد مجموعهما على أربعة أشهر كثلاثة أشهر وثلاثة أو ثلاثة وشهرين وإن قال والله لا كلمتك أو لا كلمتك سنة لم يكن موليا لأنه يمكنه وطؤها ولا يكلمها(4/77)
فصل. وإن قال والله لا وطئتك إن شئت
فشاءت ولو تراخيا(4/77)
فمول ولا وطئتك إلا أن تشائي أو يشأ أبوك أو إلا باختيارك أو إلا أن تختاري فليس بمول ولا وطئت واحدة منكن فمول منهن فيحنث بوطء واحدة وتنحل يمينه إلا أن يريد واحدة بعينها فيكون موليا منها وحدها وإن أراد واحدة مبهمة أخرجت بقرعة لا بتعيينه ولا وطئت كل واحدة منكن فمول من جميعهن في الحال وتنحل يمينه بوطء واحدة ولا يقبل قوله نويت واحدة منهن معينة أو مبهمة ولا أطؤكن لم يصر موليا حتى يطأ ثلاثا فيصير موليا من الرابعة وإن مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال حكم الإيلاء فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه وإن آلى من واحدة ثم قال للأخرى شركتك معها لم يصر موليا من الثانية.
ويصح الإيلاء بكل لغة ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها فإن آلى بلغة لا يعرفها لم يكن موليا ولو نوى موجبها عند أهلها فإن اختلف الزوجان في معرفة ذلك فقوله إذا كان متكلما بغير لسانه فإن آلى بلغته وقال جرى على لساني من غير قصد لم يقبل في الحكم وإن آلى من الرجعية صح.
وابتداء المدة من حين آلى ولا يصح الإيلاء من الرتقاء والقرناء.
الشرط الرابع: - أن يكون من زوج يمكنه الوطء مسلما كان أو كافرا حرا أو عبدا سليما أو خصيا أو مريضا يرجى برؤه فلا يصح إيلاء الصبي غير المميز ولا المجنون ولا العاجز عن الوطء بجب كامل أو شلل ولو آلى ثم جب بطل إيلاؤه ويصح إيلاء السكران والمميز كطلاقهما ولا يشترط(4/78)
في صحة الإيلاء الغضب ولا قصد الإضرار كالطلاق والإيلاء والظهار وسائر الأيمان في الغضب والرضا سواء ومدة الإيلاء في الأحرار والرقيق سواء وإذا أسلم الذمي لم ينقطع حكم الإيلاء ولا حق لسيد الأمة في طلب الفيئة والعفو عنها بل لها ولو حلف ألا يطأ أمته أو أجنبية مطلقا أو إن تزوجها لم يكن موليا وسواء كانت الزوجة حرة أو أمة مسلمة أو كافرة عاقلة أو مجنونة صغيرة أو كبيرة وتطالب غير مكلفة إذا كلفت.(4/79)
فصل. وإذا صح الإيلاء ضربت له مدة أربعة أشهر
ولا يطالب بالوطء فيهن وابتداء المدة من حين اليمين ولا تفتقر إلى ضرب حاكم كمدة العدة فإذا مضت ولم يطأ ولم تعفه ورافعته إلى الحاكم أمره بالفيئة وهي الجماع فإن أبى أمره الحاكم بالطلاق فإن لم يطلق طلق الحاكم عليه كما يأتي في آخر الباب ولا تطلق بمجرد مضي المدة فإن كان به عذر في المدة يمنع الوطء ولو طارئا بعد يمينه كحبسه وإحرامه ونحوه احتسب عليه بمدته وإن كان المانع من جهتها كصغرها ومرضها أو حبسها وصيامها واعتكافها الفرضين وإحرامها ونفاسها وغيبتها ونشوزها وجنونها ونحوه وكان موجودا حال الإيلاء فابتداء المدة من حين زواله وإن كان طارئا في أثناء المدة استؤنفت من وقت زواله إن كان قد بقي منها أكثر من أربعة أشهر وإلا سقط حكم الإيلاء ولا تبنى على ما مضى كمدة الشهرين في صوم الكفارة إلا الحيض فإنه يحتسب عليه مدته وقت الإيلاء ولا يقطع مدته إن طرأ وإن آلى في(4/79)
الردة فابتداء المدة من حين رجوع المرتد منهما إلى الإسلام فإن طرأت الردة في أثناء المدة انقطعت وحرم الوطء فإذا عاد إلى الإسلام استؤنفت المدة سواء كان الردة منهما أو من أحدهما وكذلك إن أسلم أحد الزوجين الكافرين وإن طلقها في أثناء المدة أو انقضت عدة الرجعية انقطعت المدة فإن عاد فتزوجها وقد بقي من المدة أكثر من أربعة أشهر عاد حكمه وإن كان الطلاق رجعيا ولم تنقض المدة بنت فإن راجعها بنت أيضا وإن آلى من زوجته الأمة ثم اشتراها ثم أعتقها وتزوجها أو كان المولى عبدا فاشترته امرأته ثم أعتقته ثم تزوجته عاد الإيلاء وإن انقضت المدة وبها عذر يمنع الوطء لم تملك طلب الفيئة ولا المطالبة بالطلاق وتتأخر المطالبة إلى حين زواله وإن كان العذر به وهو مما يعجز به عن الوطء من مرض أو حبس يعذر فيه أو غيره لزمه أن يفئ بلسانه في الحال فيقول متى قدرت جامعتك وإن كان محبوسا بحق يمكنه أداؤه طولب بالفيئة لأنه قادر عليها بأداء ما عليه فإن لم يفعل أمر بالطلاق وإن كان عاجزا عن أدائه أو حبس ظلما أمر بفيئة المعذور ومتى زال عذره وقدر على الفيئة وطولب بها لزمه إن حل الوطء فإن لم يفعل أمر بالطلاق وإن كان غائبا لا يمكنه القدوم لخوف أو نحوه فاء فيئة المعذور وإن أمكنها القدوم فلها إن توكل من يطالبه بالمسير إليها أو حملها إليه أو الطلاق وإن كان مظاهر لم يؤمر بالوطء ويقال له إما أن تكفر وإما أن تطلق فإن طلب الإمهال ليطلب رقبة يعتقها أو طعاما يشتريه أمهل ثلاثة أيام وإن علم أنه قادر على التكفير في الحال وإنما قصده(4/80)
المدافعة لم يمهل وإن كان فرضه الصيام لم يمهل حتى يصوم بل يطلق وإن كان قد بقي عليه من الصيام مدة يسيرة أمهل فيها وإن وطئها في الفرج وطأ محرما مثل أن يطأ في الحيض أو النفاس أو الإحرام أو صيام فرض من أحدهما أو مظاهرا فقد فاء إليها وعصى بذلك فانحل الإيلاء لا إن وطئها دون الفرج أو في الدبر وإن أراد الوطء حال الإحرام أو الصيام الفرض أو قبل تكفيره للظهار فمتعته لم يسقط حقها كما لو منعته في الحيض: وليس على ما قال بلسانه كفارة ولا حنث وإن كان مغلوبا على عقله بجنون أو إغماء لم يطالب حتى يزول ذلك وإن قال أمهلوني حتى أقضي صلاتي أو أتغدى أو حتى ينهضم الطعام أو حتى أنام فأنا ناعس أو حتى أفطر من صومي أو أرجع إلى بيتي أمهل بقدر الحاجة فقط فإن كانت الزوجة صغيرة أو مجنونة فليس لها المطالبة ولا لوليها فإن كانتا ممن لا يمكن وطؤهما لم يحتسب عليه بالمدة فإن كان وطؤهما ممكنا فأفاقت المجنونة وبلغت الصغيرة قبل انقضائها فلهما المطالبة فإن لم يبق له عذر وطلبت الفيئة فجامع انحلت يمينه ولم يخرج من الفيئة ولو علق طلاقا ثلاثا بوطئها أمر بالطلاق وحرم الوطء فإن أولج فعليه النزع حين يولج الحشفة ولا حد ولا مهر ومتى تم الإيلاج أو لمس حقه نسبه ووجب المهر ولا حد وإن نزع ثم أولج فإن جهلا التحريم فالمهر والنسب لاحق به ولا حد والعكس فعكسه وإن علمه وحده لزمه المهر والحد ولا نسب وإن علمته وحدها فالحد عليها والنسب لاحق ولا مهر وكذا إن تزوجت في عدتها ولو علق طلاق غير مدخول بها(4/81)
بوطئها فوطئها وقع رجعيا وأدنى ما يكفي من ذلك تغييب الحشفة أو قدرها في الفرج ولو من مكره وناس وجاهل ونائم إذا استدخلت ذكره ومجنون ولا كفارة عليه فيهن وإن لم يف وأعفته المرأة سقط حقها كعفوها بعد مدة الفيئة وأن لم تعفه أمر بالطلاق فإن طلق واحدة فله رجعتها سواء أوقعه بنفسه أو طلق الحاكم عليه فإن لم يطلق ولم يطأ أو امتنع المعذور من الفيئة بلسانه طلق الحاكم عليه وليس للحاكم أن يأمره بالطلاق ولا أن يطلق عليه إلا أن تطلب المرأة ذلك فإن طلق عليه واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو فسخ صح والخيرة في ذلك للحاكم وإن قال فرقت بينكما فهو فسخ وإن ادعى أن المدة ما انقضت وادعت مضيها فقوله مع يمينه وإن ادعى أنه وطئها فأنكرته وكانت ثيبا فقوله مع يمينه ولا يقضي فيه بالنكول نصا وإن كانت بكرا أو اختلفا في الإصابة ادعت أنها عذراء فشهدت امرأة بثيوبتها فقوله فإن لم يشهد لها أحد بزوال البكارة فقوله.(4/82)
كتاب الظهار
مدخل
مدخل
...
كتاب الظهار
وهو محرم وهو أن يشبه امرأته أو عضوا منها بظهر من تحرم عليه على التأبيد أو إلى أمد أو بها ولو بغير العربية ولو اعتقد الحل كمجوسي أو بعضو منها أو بذكر أو عضو منه: كأنت كظهر أمي أو أنت علي كظهر أمي أو بطن أو كيد أو رأس أمي أو أختي أو كوجه حماتي ونحوه أو يقول(4/82)
ظهرك أو يدك أو رأسك أو جلدك أو فرجك علي كظهر أمي أو كيد أختي أو عمتي أو خالتي من نسب أو رضاع وإن قال كشعر أمي أو كسنها أو ظفرها أو شبة شيئا من ذلك من امرأته بأمه أو بعضو من أعضائها أو قال بروح أمي أو عرقها أو ريقها أو دمعها أو دمها أو قال وجهي من وجهك حرام فليس بظهار وإن قال أنا مظاهر أو علي الظهار أو على الحرام أو الحرام لي لازم فلغو ومع نية أو قرينة ظهار وكذا أنا عليك حرام أو كظهر رجل ويكره أن يسمى الرجل امرأته بمن تحرم عليه كقوله لها يا أختي يا ابنتي ونحوه ولا يثبت به حكم الظهار لأنه ما نواه به، وإن قال أنت عندي أو منى أو أنت علي كأمي كان مظاهرا وإن قال أردت كأمي في الكرامة قبل حكما وأنت كظهر أمي طالق وقع الظهار والطلاق معا وأنت طالق كظهر أمي طلقت ولم يكن ظهارا إلا أن ينويه فإن نواه وكان الطلاق بائنا فكالظهار من الأجنبية لأنه أتى به بعد بينونتها كالطلاق وإن كان رجعيا كان ظهارا صحيحا وأنت أمي أو كأمي أو مثل أمي أو امرأتي أمي ليس بظهار إلا أن ينويه أو يقرن به ما يدل على إرادته وإن قال أمي امرأتي أو مثل امرأتي لم يكن مظاهرا وأنت علي كظهر أبي أو كظهر غيره من الرجل أو كظهر أجنبية أو أخت زوجتي أو عمتها أو خالتها ونحوه ظهار وأنت علي كظهر البهيمة أو أنت حرام إن شاء الله فلا ظهار وأنت علي حرام ظهار أو لو نوى طلاقا أو يمينا وإن قال ذلك لمحرمة عليه بحيض أو نحوه ونوى الظهار فظهار وإن نوى أنها محرمة عليه لذلك أو أطلق فليس بظهار، وإن قال(4/83)
الحل علي حرام أو ما أحل الله لي أو ما أنقلب إليه حرام فمظاهر وإن صرح بتحريم المرأة أو نواها كقوله ما أحل الله علي حرام من أهل ومال فهو آكد وتجزيه كفارة الظهار لتحريم المرأة والمال وأنت علي كظهر أمي حرام أو أنت علي حرام كظهر أمي حرام.(4/84)
فصل. ويصح من كل زوج يصح طلاقه
فيصح ظهار الصبي المميز - وقال الموفق: الأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ولا إيلاء - ويصح من الذمي كجزاء صيد ويكفر بغير صوم ويصح من السكران بناء على طلاقه ومن العبد ويأتي حكم تكفيره ويصح ممن يخنق في الأحيان في إفاقته كطلاقه ولا يصح ظهار الطفل والمكره والزائل العقل بجنون أو إغماء أو نوم أو غيره ويصح من كل زوجة لعموم الآية ولأنها زوجة يصح طلاقها فإذا ظاهر من أمته أو أم ولده أو قال لها أنت علي حرام فعليه كفارة يمين وإن قالت لزوجها أنت علي كظهر أبي أو قالت إن تزوجت فلانا فهو علي كظهر أبي فليس بظهار وعليها كفارته لا تجب عليها حتى يطأها مطاوعة ويجب عليها تمكينه قبلها وإن قال لأجنبية أنت علي كظهر أمي أو إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي لم يطأها إن تزوجها حتى يكفر كفارة الظهار وكذا إن قال كل النساء أو كل امرأة أتزوجها علي كظهر أمي فإن تزوج نساء وأراد العود فعليه كفارة واحدة وسواء تزوجهن في عقد أو عقود فإن قال لأجنبية أت علي كظهر أمي وقال أردت أنها مثلها في التحريم دين ولم يقبل في الحكم وإن قال هلا أنت علي حرام وأراد في كل حال(4/84)
فمظاهر وإن أراد في تلك الحال أو أطلق فلا ولو ظاهر من إحدى زوجتيه ثم قال للأخرى أشركتك معها أو أنت مثلها فصريح في حق الثانية أيضا ويصح الظهار معجلا ومعلقا بشرط نحو إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي أو إن شاء زيد فمتى شاء زيد أو دخلت الدار صار مظاهرا ومطلقا ومؤقتا نحو أنت علي كظهر أمي شهرا أو شهر رمضان فإذا مضى الوقت زال الظهار وحلت بلا كفارة ولا يكون عائدا إلا بالوطء في المدة وأنت علي كظهر أمي إن شاء الله أو ما أحل الله علي حرام إن شاء الله وأنت علي حرام إن شاء الله أو إن شاء الله وشاء زيد فشاء زيد وأنت إن شاء الله حرام ونحوه لا ينعقد ظهاره وأنت علي حرام ووالله لا وكلتك إن شاء الله عاد الاستثناء إليهما إلا أن يريد أحدهما.(4/85)
فصل. ويحرم علي مظاهر ومظاهر منها الوطء والاستمتاع منها بما دون الفرج قبل التكفير
ومن مات منهما ورثه الآخر وتجب الكفارة بالعود - وهو الوطء في الفرج - وذلك أنها شرط لحل الوطء فيؤمر بها من أراده ليستحله بها وتقديم الكفارة قبل الوجوب تعجيل لها قبل وجوبها لوجود سببها كتعجيل الزكاة قبل الحول بعد كمال النصاب ولو مات أحدهما أو طلقها قبل الوطء فلا كفارة فإن عاد فتزوجها لم يطأها حتى يكفر وإن وطئ قبل التكفير أثم مكلف واستقرت عليه الكفارة ولو مجنونا وتحريمها باق عليه حتى يكفر وتجزيه كفارة واحدة وإن ظاهر من امرأته الأمة ثم اشتراها لم تحل له حتى يكفر فإن أعتقها عن كفارته صح فإن تزوجها(4/85)
بعد ذلك حلت له بلا كفارة فإن أعتقها في غير الكفارة ثم تزوجها لم تحل له حتى يكفر وإن كرر الظهار قبل التكفير فكفارة واحدة في مجلس كان أو مجالس نوى التأكيد والإفهام ولم ينو وإن ظاهر ثم كفر ثم ظاهر فكفارة ثانية وإن ظاهر من نسائه بكلمة واحدة بأن قال أنتن علي كظهر أمي فكفارة واحدة وإن كان بكلمات بأن قال لكل واحدة أنت علي كظهر أمي فلكل واحدة كفارة.(4/86)
فصل. في كفارة الظهار وغيرها.
فكفارة الظهار على الترتيب فيجب تحرير رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وكفارة الوطء في نهار رمضان مثلها كفارة القتل مثلهما لطن لا إطعام فيها والاعتبار في الكفارات بحالة الوجوب كالحد1 وإمكان الأداء مبني على زكاة فإن وجبت وهو موسر ثم أعسر لم يجزئه إلا العتق وإن وجبت وهو معسر ثم أيسر أو هو عبد ثم عتق لم يلزمه العتق وله الانتقال إليه إن شاء ووقت الوجوب من وقت العود لا وقت المظاهرة ووقته في اليمين من الحنث لا وقت اليمين وفي القتل زمن الزهوق لا زمن الجرح فإن شرع في الصوم ثم قدر على العتق لم يلزمه الانتقال إليه وله
__________
1 يريد أو الوجوب يتعلق بما يقدر عليه المظاهر وقت استقرارها من عتق ثم صيام ثم إطعام. فإذا وجب عليه واحد منها ثم عجز عنه فليس له العدول إلى ما هو أقل منه بل ينظر إلى وقت القدرة، فظهر لك أن الترتيب في نفس الوجوب لا في الخراج وأمثلة المصنف توضح لك هذا.(4/86)
أن ينتقل إليه أو إلى الإطعام والكسوة في كفارة اليمين وإن كفر الذمي بالعتق لم يجزئه إلا رقبة مؤمنة فإن كانت في ملكه أو ورثها أجزأت عنه وإلا فلا سبيل له إلى شراء رقبة مؤمنة ويتعين تكفيره بالإطعام إلا أن يقول لمسلم اعتق عبدك عني وعلى يمنه فيصح وإن أسلم قبل التكفير بالإطعام فكالعبد يعتق قبل التكفير بالصيام1 وإن ظاهر وهو مسلم ثم ارتد وصام في ردته عن كفارته لم يصح وإن كفر بعتق أو إطعام لم يجزئه نصا.
__________
1 مراده أن الإطعام هو الذي استقر في ذمته حين وجوب الكفارة. فإسلامه لا يغير ذلك الواجب كما أن العبد لا بعدل عن الصيام إلى العتق حيث لم يجب عليه في أول أمره.(4/87)
فصل. فمن ملك رقبة أو أمكنه تحصيلها بما هو فاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام
وغيرها من حوائجه الأصلية ورأس ماله كذلك ووفاء دينه ولو لم يكن مطالبا به بثمن مثلها لزمه العتق وليس له الانتقال إلى الصوم إذا كان حرام مسلما ولو كان له عبد اشتبه بعبد غيره أمكنه العتق بأن يعتق الرقبة التي في ملكه ثم يقرع بين الرقاب فيعتق من وقعت عليه الرقعة ومن له خادم يحتاج إلى خدمته أما لكبر أو مرض أو زمانة أو عظم خلق ونحوه مما يعجز عن خدمة نفسه أو يكون ممن لا يخدم نفسه عادة ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته أو له دار يسكنها أو دابة يحتاج إلى ركوبها أو الحمل عليها أو كتب علم يحتاجها أو ثياب يتجمل بها إذا كان صالحا لمثله أو لم يجد رقبة إلا بزيادة عن ثمن(4/87)
مثلها تجحف به لمط يلزمه العتق وإن كانت لا تجحف به لزمه وإن وجد يمينها وهو محتاج إليه لم يلزمه شراؤها وإن كان له مال يحتاجه لأكل الطيب ولبس الناعم وهو من أهله لزمه شراؤها وإن كان له خادم يخدم امرأته وهو ممن عليه إخدامها أو كان له رقيق يتقوت بإخراجهم أو عقار يحتاج إلى غلته أو عرض للتجارة ولا يستغني عن ربحه في مؤنته لم يلزم العتق وإن استغنى عن شيء من ذلك مما يمكنه أن يشتري به رقبة لزمه فلو كان له خادم يمكن بيعه ويشتري به رقبتين يستغني بخدمة أحدهما ويعتق الأخرى لزمه ذلك وكذا لو كان له ثياب فاخرة تزيد على ملابس مثله يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه في لباسه ورقبة يعتقها أو له دار يمكنه بيعها وشراء ما يكفيه لسكنى مثله ورقبة أو صنعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه به شراء رقبة: ويراعى في ذلك الكفاية التي حرم معها أخذ الزكاة: لزمه ويستثنى من ذلك لو كان له سرية لم يلزمه إعتاقها وإن أمكنه بيعها أو شراء رقبة أخرى ورقبة يعتقها لم يلزمه ذلك وإن وجد رقبة بثمن مثلها إلا أنها رفيعة يمكن أن يشتري بثمنها رقابا من غير جنسها لزمه شراؤها وإن وهبت له رقبة لم يلزمه قبولها وإن كان ماله غائبا وأمكنه شراؤها بنسيئة أو كان ماله دينا مرجو الوفاء لزمه ذلك فإن لم تبع بالنسيئة جاز الصوم ولو في غير كفارة الظهار.(4/88)
فصل. ولا يجزى في جميع الكفارات ونذر العتق المطلق إلا رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل ضررابينا
كالعمى وقطع اليدين أو إحداهما أو الرجلين أو إحداهما أو أشل شيء من ذلك أو قطع(4/88)
إبهام اليد أو قطع أنملة منه أو أنملتين من غيره كقطع الكل أو قطع سبابتها أو الوسطى أو قطع الخنصر والبنصر من يد واحدة وقطع أنملة واحدة من غير الإبهام ولو من الأصابع الأربع لا يمنع الإجزاء ويجزئ من قطعت خنصره أو بنصره أو قطعت إحداهما من يد والأخرى من اليد الأخرى ومن قطعت أصابع قدمه كلها والأعرج يسيرا ومن يخنق في الأحيان والرتقاء والكبيرة التي تقدر على العمل والأمة المزوجه والحبلى وله استثناء حملها والمدبر وولد الزنا والصغير حيث كان محكوما بإسلامه والأعرج والمؤجر والمرهون ولو كان الراهن معسرا والخصي ولو مجبوبا والأقرع والأبخر والأبرص وأصم غير أخرس والجاني ولو قتل في الجناية والأحمق: وهو الذي يعمل القبيح والخطأ على بصيرة لقلة مبالاته بما يعقبه من المضار: ويجزى مقطوع الأنف والأذنين ومن ذهب شمه ولا يجزي مريض مأيوس من برئه كمرض السل ولا النحيف العاجز عن العمل وإن كان يتمكن من العمل أجزأ كمريض يرجى برؤه كمن به حمى ونحوه ولا يجزى جنين وإن ولد حيا ولا زمن ولا مقعد ولا غائب لا يعلم خبره فإن أعتقه ثم تبين أنه حي أجزأ ولا مجنون مطبق ولا أخرس لا تفهم إشارته فإن فهمت وفهم إشارة غيره أجزأ ولا أخرس أصم ولو فهمت إشارته ولا من علق عتقه بصفة عند وجودها فإن علق عتقه للكفارة أو أعتقه قبل وجود الصفة أجزأ ولا من يعتق عليه بالقرابة ولا من اشتراه بشرطك العتق ولو قال له رجل اعتق عبدك عن كفارتك ولك(4/89)
عشرة دنانير ففعل لم يجزئه عن الكفارة وولاؤه له فإن رد العشرة بعد العتق على باذلها ليكون العتق عن الكفارة لم يجز عنها وإن قصد العتق عن الكفارة وحدها وعزم على رد العشرة أو رد العشرة قبل العتق وأعتقه عن كفارته أجزأه وإن اشترى عبدا ينوي إعاقته عن كفارته فوجد به عيبا لا يمنع الإجزاء في الكفارة فأخذ أرشه ثم أعتقه عن كفارته أجزأه وكان الأرش له فإن أعتقه قبل العلم بالعيب ثم ظهر على العيب فأخذ أرشه فهو له أيضا ولا تجزئ أم ولد ولا ولدها الذي ولدته بعد كونها أم ولد ولا مكاتب أدى من كتابته شيئا ولا مغصوب ولا من أوصى بخدمته أبدا ولو أعتق عن كفارته عبدا لا يجزئ في الكفارة نفذ عتقه ولا يجزئ عنها ومن أعتق غيره عنه عبدا بغير أمره لم يعتق عن المعتق عنه إذا كان حيا وولاؤه لمعتقه ولا يجزي عن كفارته وإن نوى ذلك وكذا من كفر عنه غيره بالإطعام فأما الصيام فلا يصح أن ينوب عنه ولو بإذنه وإن أعتقه عنه بأمره ولو لم يجعل له عوضا صح العتق عن المعتق عنه وله ولاؤه وأجزأ عن كفارته فإن كان المعتق عنه ميتا وكان قد أوصى بالعتق صح وإن لم يوص فأعتق عنه أجنبي لم يصح وإن أعتق عنه وارثه ولم يكن عليه واجب لم يصح عنه ووقع عن المعتق وإن كان عليه عتق واجب صح فإن كان عليه كفارة يمين فأطعم عنه أو كسا جاز وإن أعتق عنه ففيه وجهان ولو قال من عليه الكفارة أطعم أو أكس عن كفارتي صح ضمن له عوضا أولا ولو ملك نصف عبد فأعتقه عن كفارته وهو معسر1 ثم
__________
1 يريد وهو معسر بقيمة نصيب شريكه فإن العتق لا يتجاوز وملكه كما هو معلوم.(4/90)
اشترى باقية فأعتقه كله عن كفارته وهو معسر1 سرى إلى نصيب شريكه وعتق ولم يجزئه عن كفارته وأجزأه عتق نصيبه2 فإن أعتق نصفا آخر أجزأه كمن أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصف أمة ونصف عبد فإن كان العبد كله له فأعتق جزأ منه معينا أو مشاعا عتق جميعه فإن نوى به الكفارة أجزأ عنه وإن نوى إعتاق الجزء الذي باشره بالإعتاق عن الكفارة دون بقيته لم يحتسب له إلا بما نوى.
__________
1 جملة "وهو معسر: الثانية" حال من قوله عن كفارته يعني عن كفارته التي وجبت عليه في حالة الإعسار. وليست حالا من قوله سابقا ثم اشترى الخ كما قد يتوهم لئلا يضطرب المعنى: وعليه فالمراد أنه حيثما اشترى الباقي ضم إلى عتق النصف الأول عتق الثاني عن تلك الكفارة التي لزمته معسرا.
2 كأنه يريد التنصيص على أن العتق سرى من النصف الأول إلى الثاني بمجرد شرائه ومن غير احتياج منه إلى قصد وعلى ذلك فعتقه للنصف الثاني غير مجزئ في بقية الكفارة لأنه لم يصادف ملكا باقيا "والله أعلم".(4/91)
فصل. فمن لم يجد رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين حرا كان أو عبدا
فلا يجوز أن يفطر فيهما ولا أن يصوم فيهما عن غير الكفارة ولا تجب نية التتابع ويكفي فعله وكالمتابعة بين الركعات وإن تخلل صومهما صوم رمضان أو فطر واجب كفطر العيدين وأيام التشريق أو حيض أو نفاس أو جنون أو إغماء أو لمرض: ولو غير مخوف ولسفر أو ولديهما أو لإكراه أو نسيان أو لخطأ لا لجهل: كمن أكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب(4/91)
أو وطئ غير المظاهر منها ليلا ولو عمدا أو نهارا ناسيا للصوم أو لعذر يبيح الفطر أو في أثناء الإطعام أو العتق أو أصاب المظاهر منها في أثناء الإطعام أو العتق لم ينقطع التتابع1 وإن أفطر يظن أنه قد أتم الشهرين فبان بخلافه أو ظن أن الواجب شهر واحد أو ناسيا لوجوب التتابع أو أفطر لغير عذر أو صام تطوعا أو قضاء أو عن نذر أو كفارة أخرى أو أصاب المظاهر منها ليلا أو نهارا ولو ناسيا2 أو مع عذر يبيح الفطر انقطع ويقع صومه عما نواه3 وإن لمس المظاهر منها أو باشرها دون الفرج على وجه يفطر به قطع التتابع وإلا فلا وحيث انقطع التتابع لزمه الاستئناف فإن كان عليه نذر صوم غير معين أخره إلى فراغه من الكفارة وإن كان معينا أخر الكفارة عنه أو قدمها عليه إن أمكن وإن كان أياما من كل شهر كيوم خميس أو أيام البيض قدم الكفارة عليه وقضاه بعدها ويجوز أن يبتدئ صوم الشهرين من أول شهر ومن أثنائه فإن الشهر اسم لما بين الهلالين ولثلاثين يوما فإن بدأ من أول شهر فصام شهرين بالأهلة أجزأه وإن كانا ناقصين أو أحدهما وإن بدأ من أثناء شهر وصام ستين يوما أو صام شهرا بالهلال وشهرا بالعدد كمن
__________
1 "لم ينقطع" جواب أن الشرطية المتقدمة في قوله: وإن تخلل صومهما الخ والمعنى أن فعل شيء مما ذكر لا يحيط ما مضى من الصوم كما أن إصابة المظاهر منها لا تبطل ما مضى من الإطعام أو العتق إذا كانت الكفارة بواحد منها.
2 ذكر النسيان فيما يقطع التتابع يتعارض مع ذكره فيما لا يقطعه كما تقدم والظاهر ترجيح عدم ذكره لأنه معفو عنه.
3 يريد صومه الذي أتى به للتطوع أو خلاف بين أيام الكفارة.(4/92)
صام خمسة عشر من المحرم وصفر وخمسة عشر من ربيع أجزأه وإن كان صفر ناقصا وإن نوى صوم رمضان عن الكفارة لم يجزئه عن واحد منهما وانقطع التتابع حاضرا كان أو مسافرا.(4/93)
فصل. فإن لم يستطع الصوم لكبر أو مرض
ولو رجي زواله أو لخوف زيادته أو تطاوله أو لشق فلا يصير فيه عن جماع الزوجة إذا لم يقدر على غيرها أو لضعف عن معيشته لزمه إطعام ستين مسكينا مسلما حرا أو مكاتبا ذكرا كان أو أنثى كبيرا كان أو صغيرا ولو لم يأكل الطعام ولو مجنونا ويقبض لهما وليهما ويجوز دفعها إلى مكاتبه وإلى من يعطي من زكاة لحاجة ولا يجوز دفعها إلى كافر ولا إلى قن ولا إلى من تلزمه مؤونته ويجوز إلى من ظاهره الفقر أو المسكنة فإن بان غنيا أجزأه لا إن بان كافرا أو قنا وإن ردها على مسكين واحد ستين يوما لم يجزئه إلا ألا يجد غيره فيجزيه1 وإن دفع إلى مسكين في يوم واحد من كفارتين أجزأه كما لو كان الدافع اثنين ولو دفع ستين مدا إلى ثلاثين مسكينا من كفارة واحدة كل مسكين مدان أجزأه ثلاثون ويطعم ثلاثين آخرين فإن دفع الستين من كفارتين أجزأه عن كل كفارة ثلاثون والمخرج في الكفارة ما يجزئ في الفطرة فإن كان قوت بلده غير ذلك كالذرة والدخن والأرز لم يجز إخراجه وإخراج الحب أفضل فإن أخرج دقيقا جاز لكن
__________
1 لا يجزئ دفعها إلى مسكين في ستين يوما لقوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} إلا إذا عدم غيره فيجزئ ترديدها عليه للعذر ولا يكلف اله نفسا إلا وسعها.(4/93)
يزيد على المد قدرا يبلغ المد حبا أو يخرجه بالوزن رطلا وثلثا ولا يجوز إخراجه خبز - وعنه واختاره جمع أجزاء الخبز - ولا يجزى من البر أقل من مد ومن التمر والشعير والزبيب والأقط أقل من مدين ولا من خبز البر أقم من رطلين بالعراقي ولا من خبز الشعير أقم من أربعة أرطال إلا أن يعلم أنه مدمن البر أو مدان من الشعير فإذا أخذ من دقيق البر ثلاثة عشر رطلا وثلثا أو من الشعير مثليه فخبز وقسم على عشرة مساكين في كفارة اليمين أجزأ ولو لم يبلغ خبز البر عشرين رطلا ولا خبز الشعير أربعين رطلا وكذا في سائر الكفارات ويستحب إخراج أدم مع المجزئ ولا يجزى إخراج القيمة ويجب أن يملك المسكين القدر الواجب من الكفارة فإن غدى المساكين أو عشاهم ولو بمد فأكثر لكل واحد لم يجزئه وإن قدم لهم ستين مدا وقال بينكم بالسوية فقبلوها أجزأه ولا يجب التتابع في إطعام الكفارة.(4/94)
فصل. ولا يجزئ إطعام وعتق وصوم الأبنية:
بأن ينويه عن الكفارة مع التكفير أو قبله بيسير: ونية الصوم واجبة كل ليلة ولا يجزى فيهن نية التقرب فقط فإن كانت عليه كفارة واحدة فنوى عن كفارتين أجزأه وإن كان عليه كفارات من جنس واحد لم يجب تعيين سببها ولا تتداخل1 فلو كان مظاهرا من أربع نسائه فأعتق عبدا عن ظهاره أجزأه عن إحداهن وحلت له واحدة غير معينة فتخرج بقرعة فإن كان الظهار من ثلاث نسوة فأعتق عن إحداهن وصام عن
__________
1 بخلاف كفارة اليمين فإنها تتداخل إذا تعدد الحنث ولم يكن أخرجها.(4/94)
أخرى ومرض فأطعم عن أخرى أجزأه وحل له الجميع من غير قرعة ولا تعيين وإن كانت من أجناس كظهار وقتل وجماع في رمضان ويمين لم يجب تعيين السبب أيضا ولا تتداخل فلو كانت عليه كفارة واحدة نسي سببها أجزأته كفارة واحدة وإن كانت كفارتان من ظهار أمن ظهار وقتل فقال أعتقت هذا عن هذه وهذا عن هذه أو هذا عن إحدى الكفارتين وهذا عن الأخرى من غير تعيين أو أعتقهما عن الكفارتين أو أعتقت كل واحد منهما عنهما جميعا أجزأه ولا يجزى تقديم كفارة قبل سببها فلا يجزى كفارة الظهار قبله ولا كفارة اليمين عليها ولا كفارة القتل قبل الجرح فلو قال لعبده أنت حر الساعة إن تظهرت عتق ولم يجزئه عن ظهاره أن تظهر ولو قال إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي لم يجز التكفير قبل الدخول ولو قال لعبده تظهرت فأنت حر عن ظهاري ثم تظهر عنق العبد ولم يجزئه عن الكفارة فإن لم يجد ما يطعم لم تسقط وتبقى في ذمته وتقدم في باب ما يفسد الصوم بعض ذلك وحكم أكله.(4/95)
كتاب اللعان وما يحلق من النسب
مدخل
...
كتاب اللعان وما يحلق من النسب
وهو شرعا شهادات مؤكدات بأيمان من الجانبين مقرونة باللعن والغضب قائمة مقام حد قذف أو تعزيز في جانبه أو حد زنا في جانبها.
إذا قذف الرجل زوجته بالزنا في طهر أصابها فيه أولا في قبل أو(4/95)
دبر كما يأتي ولم تصدقه ولم يأت بالبينة لزمه ما يلزم بقذف أجنبية من حد أو تعزيز وحكم بفسقه وردت شهادته فإن لاعن ولو وحده سقط عنه وله إسقاط بعضه أيضا باللعان ولو بقى منه سوط ويسقط الحد والباقي منه أيضا بتصديقها وله إقامة البينة بعد اللعان ونفى الولد ويثبت موجبهما وصفته أن يقول الزوج بحضرة حاكم أو نائبه - وكذا لو حكما رجلا أهلا للحكم ويأتي في القضاء - أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به امرأتي هذه من الزنا مشيرا إليها ولا يحتاج مع حضورها والإشارة إليها إلى تسميتها ونسيها كما لا يحتاج إلى ذلك في سائر العقود وإن لم تكن حاضرة سماها ونسبها حتى يكمل ذلك أربع مرات ولا يشترط حضورهما معا بل لو كان أحدهما غائبا عن صاحبه مثل أن لاعن الرجل في المسجد والمرأة على بابه لعذر جاز ثم يقول في الخامسة: وأن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا ثم تقول هي أشهد بالله أن زوجي هذا لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا وتشير إليه إن كان حاضرا وإن كان غائبا سمته ونسبته وإذا كملت أربع مرات تقول في الخامسة: وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فقط وتزيد استحبابا فيما رماني به من الزنا فإن نقص أحدهما من الألفاظ الخمسة شيئا أو بدأت باللعان قبله أو تلاعنا بغير حضرة حاكم أو أبدل أحدهما لفظة أشهد بأقسم أو أحلف أو أوالي أو لفظة اللعنة بالإبعاد أو أبدلها بالغضب أو أبدلت لفظة الغضب بالسخط أو قدمت الغضب أو بدلته باللعنة أو قدم اللعنة أو أتى به أحدهما(4/96)
قبل إلقائه عليه أو علقه بشرط أو لم يوال بين الكلمات عرفا أو أتى به بغير العربية من يحسنها أو أتى به قبل مطالبتها له بالحد مع عدم وله يريد نفيه لم يعتد به وإن عجزا عنه بالعربية لم يلزمهما تعلمها ويصح بلسانهما فإن كان الحاكم يحسن لسانهما أجزأ ذلك ويستحب أن يحضر معه أربعة يحسنون لسانهما وإن كان لا يحسن فلا يجزى في الترجمة إلا عدلان وإذا فهمت إشارة الأخرس منهما أو كتابته صح لعانه بها وإلا فلا وإذا قذف الأخرس ولاعن ثم أطلق لسانه فتكلم فأنكر القذف واللعان لم يقبل إنكاره للقذف ويقبل اللعان فيما عليه فيطالب بالحد ويلحقه النسب ولا تعود الزوجة فإن لاعن لسقوط الحد ونفى النسب فله ذلك ويصح اللعان ممن اعتقل لسانه وأيس من نطقه بإشارة فإن رجي عود نطقه بقول عدلين من أطباء المسلمين انتظر به ذلك.(4/97)
فصل. والسنة أن يتلاعنا قياما بحضرة جماعة
ويستحب ألا ينقصوا عن أربعة في الأوقات والأماكن المعظمة ففي مكة بين الركن والمقام وبالمدينة عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيت المقدس عند الصخرة وفي سائر البلدان في جوامعها وتقف الحائض عند باب المسجد والزمان بعد العصر - وقال ابن الخطاب في موضع آخر بين الأذانين1 فإذا بلغ كل واحد منهما الخامسة أمر الحاكم رجلا فأمسك بيده فم الرجل وامرأة تضع يدها على فم المرأة ثم يعظه فيقول: اتق الله فإنها موجبة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإذا قذف نساءه ولو بكلمة
__________
1 الأذان والإقامة.(4/97)
واحدة فعليه أن يفرد كل واحدة بلعان فيبدأ بلعان التي تبدأ بالمطالبة فإن طالبن جميعا وتشاححن بدأ بإحداهن بقرعة وإن لم يتشاححن بدأ بلعان من شاء منهن ولو بدأ بواحدة مع المشاحة من غير قرعة صح وإن كانت المرأة خفرة بعث الحاكم من يلاعن بينهما نائبا عنه ويستحب أن يبعث معه عدولا ليلاعنوا بينهما وإن بعثه وحده جاز.(4/98)
فصل. ولا يصح إلا بزوجين1 ولو قبل الدخول
ولها نصف الصداق عاقلين بالغين سواء كانا مسلمين أو ذميين حرين أو رقيقين عدلين أو فاسقين أو محدودين في قذف أو كان أحدهما كذلك وإذا قذف أجنبية فعليه الحد لها إن كانت محصنة والتعزير لغيرها وإن قذفها ثم تزوجها أو قال لامرأته زنيت قبل أن أنكحك حد ولم يلاعن حتى ولو لنفي والولد وإن ملك أمة ثم قذفها فلا لعان ولو كانت فراشا ولا حد عليه ويعزر وإن قال لامرأته أنت طالق يا زانية ثلاثا فله أن يلاعن وإن قال أنت طالق ثلاثا يا زانية حد ولم يلاعن لأنه أبانها ثم قذفها إلا أن يكون بينهما ولد فله أن يلاعن لنفيه وكذا لو أبانها بفسخ أو غيره ثم قذفها بالزنا في النكاح أو في العدة أو في النكاح الفاسد لاعن لنفي الولد وإلا فلا ويحد أيضا إن لمط يضف القذف إلى النكاح وإن قالت قذفتني قبل أن تتزوجني وقال بل بعده أو قالت بعد ما بنت منك وقال بل قبله فقوله وإذا اشترى زوجته الأمة ثم أقر بوطئها ثم أتت بولد
__________
1 هذا أحد شروط اللعان الثلاثة، والثاني القذف الموجب للحد أو التعزير والثالث أن تكذبه وتستمر على التكذيب ويستمر على قذفه.(4/98)
لستة أشهر كان لاحقا به إلا أن يدعي الاستبراء فينتفي عنه لأنه محلق به بالوطء في الملك دون النكاح1 وإن لم يكن أقر بوطئها وأقر به وأتت به لدون ستة أشهر منذ وطئ كان ملحقا بالنكاح إن أمكن ذلك وله نفيه باللعان وهل يثبت هذا اللعان التحريم المؤبد؟ على وجهين وإن قذف زوجته الرجعية صح لعانها ولو لم يكن بينهما ولد وكل موضع قلنا لا لعان فيه فالنسب لا حق به ويجب بالقذف موجبه من حد أو تعزير إلا أن يكون القاذف صبيا أو مجنونا فلا ضرر فيه ولا لعان وإن قذف زوجته الصغيرة التي لا يجامع مثلها أو المجنونة حال جنونها عزر ولا لعان بينهما حتى ولو أراد نفي المجنونة ويكون لاحقا به ولا يحتاج في التعزير إلى مطالبة وإن كانت الصغيرة يوطأ مثلها كإبنة تسع فصاعدا فعليه الحد وليس لوليها المطالبة به ولا بالتعزير ولا لها حتى تبلغ ثم إن شاء الزوج أسقط الحد باللعان وإن قذف المجنونة وأضافه إلى حال إفاقتها أو قذفها وهي عاقلة ثم جنت فليس لوليها المطالبة فإذا أفاقت فلها المطالبة بالحد وللزوج إسقاطه باللعان وإن قذفها الزوج وهو طفل لم يحد وإن أتت امرأته بولد لم يلحقه نسبه إن كان له دون عشر سنين وإن كان مجنونا فلا حكم لقذفه وإن أتت امرأته بولد فنسبه لا حق به فإذا عقل فله نفيه وإن ادعى أنه كان ذاهب العقل حين قذفه فأنكرت ولا بينة ولم يكن له حال علم فيها زوال عقله فالقول قولها مع يمينها وإن عرف جنونه ولم
__________
1 مراده إذا أتت الأمة بولد ثم ادعى سيدها الذي كان زوجا لها أنه بعد الوطء استبرأها فلم يعد لوطئها في ملكه أثر في إثبات النسب(4/99)
يعرف له حال إفاقة فقوله مع يمينه وإن عرف له الحالان فوجهان.(4/100)
فصل. القذف الذي يترتب عليه الحد أو اللعان
بأن يقذفها بالزنا في القبل أو الدبر فيقول زنيت أو يا زانية أو رأيتك تزنين وسواء في ذلك الأعمى والبصير فإن قال وطئت بشبهة أو مكرهة أو نائمة أو مع إغماء أو جنون أو وطئت بشبهة والولد من الواطئ فلا لعان ولو كان بينهما ولد ولو قال وطئك فلان بشبهة وكنت عالمة فله أن يلاعن وينفي الولد - اختاره الموفق وغيره - وإن قال لامرأته التي في حباله لم تزني أو لم أقذفك ولكن ليس هذا الولد مني فهو ولده في الحكم ولا حد عليه وإن قال بعد أن أبانها أو قاله لسريته فشهدت بينة - وتكفي أنها امرأة مرضية - أنه ولد على فراشه لحقه نسبه وإن قال ما ولدته وإنما التقطته أو استعارته فقالت بل هو ولدي منك لم يقبل قولها ولا يلحقه نسبه إل ببينة وتكفي امرأة مرضية تشهد بولادتها له فإذا ثبتت ولادتها لحقه نسبه وكذلك لا تقبل دعواها الولادة إذا علق طلاقها بها ولا دعوى الأمة لها لتصير أم ولد ويقبل قولها فيه لتنقضي عدتها به وإن ولدت توأمين فأقر بإحداهما ونفي الآخر أو سكت عنه لحقه نسبهما وإن كان قذف أمهما فطالبته بالحد فله إسقاطه باللعان والأخوان المنفيان إخوان لأم فقط لا يتوارثان بأخوة أبوة وإن أتت بولد فنفاه ولاعن لنفيه ثم ولدت آخر لأقل من ستة أشهر لم ينتف الثاني وباللعان الأول ويحتاج في نفيه إلى لعان ثان فإن أقر بالثاني أو سكت عن نفيه فإنهما توأمان لكون ما بينهما أقل من ستة أشهر وإن أتت(4/100)
الثاني بعد ستة أشهر فليسا توأمين وله نفيه باللعان وإن استحلقه أو ترك نفيه لحقه ولو كانت قد بانت باللعان لأنه يمكن أن يكون قد وطئها بعد وضع الأول وإن لاعنها قبل وضع الأول فأتت بولد ثم ولدت آخر بعد ستة أشهر لم يحلقه الثاني وإن مات الولد أو مات واحد من توأمين أو ماتا فله أن يلاعن لنفي النسب.(4/101)
فصل. فإن صدقته الزوجة فيما رماها به مرة أو مرارا أو سكتت أو عفت عنه أو ثبت زناها بأربعة سواه
أو قذف خرساء أو ناطقه فخرست أو صماء لحقه النسب ولا حد ولا لعان وإن كان إقرارها دون الأربع مرات أو أربع مرات ثم رجعت فلا حد عليها وإن كان تصديقها قبل لعانه فلا لعان بينهما وإن كان بعده لم تلاعن هي وإن مات أحدهما قبل اللعان أو في أثناء لعان أحدهما أو قبل لعانها ورثه صاحبه ولحق الزوج نسب الولد ولا لعان لكن إن كانت قد طالبت في حيلتها فإن أولياءها يقومون في الطلب به مقامها فإن طولب به فله إسقاطه باللعان وإذا قذف امرأته وله بينة بزناها فهو مخير بين لعانها وإقامة البينة وإن قال لي بينة غائبة أقيمها أمهل اليومين أو الثلاثة فإن أتى بالبينة وإلا حد إلا أن يلاعن إن كان زوجا فإن قال قذفتها وهي صغيرة فقالت بل كبيرة وأقام كل واحد منهما بينة لما قال فهما قذفان1 وكذلك إن اختلفا في الكفر أو الرق أو الوقت إلا أن يكونا مؤرختين تاريخا
__________
1 فقذفها في الكبر موجب للحد عليه وقد أثبتته بالبينة. وقذفها في الصغر يوجب التعزير وقد اعترف به.(4/101)
واحدا فيسقطان في أحد الوجهين وفي الآخر يقرع بينهما فإن شهدا أنه قذف فلانة وقذفهما لم تقبل شهادتهما لاعترافهما بعداوته وإن أبرآه وزالت العداوة ثم شهدا عليه بذلك لم تقبل بعد ردها وإن ادعيا أنه قذفهما ثم زالت العداوة ثم شهدا عليه بقذف زوجته قبلت ولو شهدا أنه قذف امرأته ثم ادعيا أنه قذفهما فإن أضافا دعواهما إلى ما قبل شهادتهما بطلت وإن لم يضيفاها وكان ذلك قبل الحكم بشهادتهما لم يحكم بها لا بعده وإن شهدا أنه قذف امرأته ومهما لم تقبل وإن شهدا على أبيهما قذف ضرة أمهما قبلت وإن شهدا بطلاق الضرة فوجهان ولو شهد شاهد أنه أقر بالعربية أنه قذفها وشهد آخر أقر بذلك بالعجمية ثبتت الشهادة وكذا لو شهد أحدهما أنه أقر يوم الخميس بقذفها وشهد الآخر أنه أقر بذلك يوم الجمعة وإن شهد أحدهما أنه قذفها بالعربية والآخر بالعجمية أو شهد أحدهما أنه قذفها يوم الخميس والآخر يوم الجمعة لم يثبت وإن لاعن ونكلت عن اللعان فلا حد عليها وحبست حتى تقر أربعا أو تلاعن ولا يعرض للزوج حتى تطالبه فإن أراد اللعان من غير طلبها فإن كان بينهما ولد يريد نفيه فله ذلك وإلا فلا.(4/102)
فصل. وإذا تم اللعان بينهما ثبت أربعة أحكام
أحدها سقوط الحد عنه إن كانت محصنة أو التعزير إن لم تكن محصنة فإن نكل عن اللعان أو عن تمامه فعليه الحد فإن ضرب بعضه فقال أنا ألاعن سمع ذلك منه ولو نكلت المرأة عن الملاعنة ثم بذلتها سمعت أيضا فإن قذفها برجل بعينه سقط الحد عنه لهما بلعانه ذكر الرجل في لعانه أو لم يذكره(4/102)
فإن لم يلاعن فلكل منهما المطالبة وأيهما طالب حد له وحده وإن قذف امرأته وأجنبية بكلمتين فعليه حدان فيخرج من حد الأجنبية بالبينة ومن حد الزوجة بها أو باللعان وكذا بكلمة واحدة إلا أنه إذا لم يلاعن ولم يقم بينة فحد واحد وإن قال لزوجته يا زانية بنت الزانية فقد قذفها بكلمتين فإن حد لأحدهما لم يحد للأخرى حتى يبرا جلده من حد الأولى الثاني الفرقة بينهما ولو لم يفرق الحاكم فلا يقع الطلاق1 وله أن يفرق بينهما من غير استئذانهما ويكون تفريقه بمعنى إعلامه لهما حصول الفرقة، الثالث الحريم المؤبد فلا تحل له ولو أكذب نفسه وإن لاعنها أمة ثم اشتراها لم تحل له، الرابع انتفاء الولد عنه إذا ذكره في اللعان في كل مرة صريحا أو تضمنا بأن يقول إذا قذفتها بنا في طهر لم يصبها فيه وادعى أنه اعتزلها حتى ولدت: أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما ادعيت عليها أو فيما رميتها من الزنا ونحوه فإن لم يذكر لم ينتف إلا أن يعيد اللعان ويذكر نفيه ولو نفى أولادا كفاه لعان واحد ولا ينتفي عنه إلا أن ينفيه باللعان التام: وهو أن يوجد اللعان منهما جميعا فلا ينتفي بلعان الزوج وحده وإن نفى الحمل في لعانه لم ينتف فإذا وضعته عاد اللعان لنفيه.
__________
1 يعني لا يلحقها طلاقها حيث انقطعت العلقة بينها تماما بالملاعنة.(4/103)
فصل. ومن شرط نفي الولد أن ينفيه حالة علمه بولادته من غير تأخير إذا لم يكن عذر -
قال أبو بكر لا يتقدر ذلك بثلاث بل هو على ما جرت به العادة فإن كان ليلا فحتى تصبح وينتشر الناس وإن كان جائعا أو ظمآن فحتى يأكل أو يشرب أو ينام إن كان ناعسا أو يلبس ثيابه(4/103)
ويسرج دابته ويركب ويصلي إن حضرت الصلاة ويحرز ماله إن كان غير محرز وأشباه هذا من أشغاله فإن أخره بعد هذا لم يكن له نفيه - ومن شرطه ألا يوجد منه دليل على الإقرار به فإن أقر به أو بتوأمه أو نفاه وسكت عن توأمه أو هنئ به فسكت أو أمن على الدعاء أو قال أحسن الله جزاءك أو بارك عليك أو رزقك الله مثله أو أخر نفيه مع إمكانه لحقه نسبه وامتنع نفيه وإن قال أخرت نفيه رجاء موته لم يعذر بذلك وإن قال لم أعلم بولادته وأمكن صدقه بأن يكون في محلة أخرى قبل قوله مع يمينه وإن لم يمكن مثل أن يكون معها في الدار لم يقبل وإن قال علمت ولادته ولم أعلم إن لي نفيه أو علمت ذلك ولم أعلم أنه على الفور وكان ممن يخفى عليه ذلك كعامة الناس أو من هو حديث عهد بإسلام أو من أهل البادية قبل منه وإن كان فقيها لم يقبل منه وإن أخره لحبس أو مرض أو غيبة أو اشتغال بحفظ مال يخاف عليه منه ضيعته أو بملازمة غريم يخاف فوته أو بشيء يمنعه ذلك لم يسقط نفيه وإن قال لم أصدق المخبر به وكان مشهور العدالة أو كان الخبر مستفيضا لم يقبل قوله وإلا قبل وإن علم وهو غائب فأمكنه السير فاشتغل به لم يبطل خياره وإن أقام من غير حاجة بطل ومتى أكذب نفسه بعد نفيه واللعان لحقه نسبه حيا كان أو ميتا غنيا كان أو فقيرا ويتوارثان ولزمه الحد إن كانت محصنة وإلا التعزير فإن رجع عن إكذاب نفسه وقال لي بينة أقيمها بزناها أو أراد إسقاط الحد باللعان لم يسمعها وإن ادعت أنه قذفها فأنكر فأقامت به بينة فقال صدقت البينة ليس ذلك قذفا لأن القذف(4/104)
الرمي بالزنا كذبا وأنا صادق فيما رميتها به لم يكن ذلك إكذابا لنفسه وله إسقاط الحد باللعان فإن قال ما زنت ولا رميتها بالزنا فقامت البينة عليه بقذفها لزمه الحد ولم تسمع بينته ولا لعانه ولو اتفقت الملاعنة على الولد ثم استلحقه الملاعن رجعت عليه بالنفقة ويأتي في النفقات ولا يلحقه نسبه باستلحاق ورثته له بعد موته ولعانه ولو نفى من لم ينتف وقال أنه من زنا حد إن لم يلاعن.(4/105)
فصل. فيما يحلق من النسب -
من ولدت امرأته من أمكن كونه منه ولو مع غيبته ولا ينقطع الإمكان عنه بالحيض بأن تلده بعد ستة أشهر منذ أمكن اجتماعه بها أو لأقل من أربع سنين منذ أبانها وهو ممن يولد لمثله كابن عشر لحقه نسبه ما لم ينفه باللعان ومع هذا فلا يكمل به مهر ولا يثبت به عدة ولا رجعة ولا يحكم ببلوغه إن شك فيه وإن أتت به لدون ستة أشهر منذ تزوجها وعاش وإلا لحقه بالإمكان كما بعدها أو لأكثر من أربع سنين منذ أبانها أو أخبرت بانقضاء عدتها بالقرء ثم أتت به لأكثر من ستة أشهر لم يلحق الزوج فأما إن طلقها فاعتدت بالإقراء ثم ولدت قبل مضي ستة أشهر من آخر إقرائها لحقه ولزم ألا يكون الدم حيضا وإن فارقها حاملا فولدت ثم ولدت آخر قبل مضي ستة أشهر لحقه وإن كان بينهما أكثر من ستة أشهر لم يحلقه وانتفى عنه من غير لعان وإن كان بينهما أكثر من ستة أشهر لم يلحقه وانتفى عنه من غير لعان وإن علم أنه لا يجتمع بها كالذي يتزوجها بحضرة الحاكم أو غيره ويطلقها في المجلس أو يموت قبل غيبته عنهم أو يتزوجها وبينهما مسافة لا يصل إليها في المدة التي ولدت فيها لم يلحقه وإن أمكن وصوله في المدة(4/105)
لحقه النسب وإن كان الزوج صبيا له دون عشر سنين أو مقطوع الذكر والأنثيين أو الأنثيين فقط لم يلحقه نسبه ويلحق مقطوع الذكر فقط والعنين.(4/106)
فصل. وإن طلقها طلاقها رجعيا فولدت لأكثر من أربع سنين منذ طلقها وقبل نصف سنة منذ أخبرت بفراغ العدة أو لم تخبر
أو لأقل من أربع سنين منذ انقضت عدتها لحقه نسبه وإن أخبرت بموت زوجها فاعتدت ثم تزوجت لحق الثاني ما ولدته لنصف سنة فأكثر وإن وطئ رجل امرأة لا زوج لها بشبهة فأتت بولد لحقه نسبه - وقال أحمد كل من درات عنه الحد ألحقت به الولد - ولو تموج رجلان اختين فزنت كل واحدة منهما إلى زوج الأخرى غلطا فوطئها وحملت منه لحق الولد بالواطئ لا بالزوج وإن وطئت امرأته أو أمته بشبهة في طهر لم يصبها فيه فاعتزلها حتى أتت بولد لستة أشهر من حين الوطء لحق الواطئ وانتفى عن الزوج من غير لعان وإن أنكر الواطئ الوطء فالقول قوله بغير يمين ويلحق نسب الولد بالزوج وإن أتت به لدون ستة أشهر من حين الوطء لحق الزوج وإن اشتركا في وطئها في طهر فأتت بولد يمكن أن يكون منهما لحق الزوج لأن الولد للفراش وإن ادعى الزوج أنه م الواطئ فقال بعض أصحابنا يعرض على القافة معهما فيلحق بمن ألحقته به منهما فإن ألحقته بالواطئ لحقه ولم يملك نفيه عن نفسه وانتفى عن الزوج بغير لعان وإن ألحقته بالزوج لحق ولم يملك الواطئ نفيه باللعان وإن ألحقته القافة بهما لحق بهما ولم يملك الواطئ نفيه عن نفسه وهل يملك الزوج(4/106)
نفيه باللعان على روايتين فإن لم يوجد قافة أو اشتبه عليهم لحق الزوج وإن أتت امرأته بولد فادعى أنه من زوج قبله وكانت تزوجت بعد انقضاء العدة أو بعد أربع سنين منذ باتت من الأول لم يلحق بالأول وإن وضعته لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني لم يحلق به وينتفي عنهما وإن كان أكثر من ستة أشهر فهو ولده وإن كان لأكثر من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ولأقل من أربع سنين من طلاق الأول ولم يعلم انقضاء العدة لحق بمن ألحقته القافة فإن ألحقته بالأول انتفى عن الزوج بغير لعان وإن ألحقته بالزوج انتفى عن الأول وليس للزوج نفيه وتعتبر عدالة القائف وذكوريته وكثرة إصابته لا حريته ويكفي واحد ولا يبطل قولها بقول أخرى ولا بإلحاقها غيره - وتقدكم في اللقيط بعضه.(4/107)
فصل. ومن اعترف بوطء أمته في الفرج أو دونه
لأنه قد يجامع فيسبق الماء إلى الفرج فولدت لستة أشهر لحقه نسبه وإن ادعى العزل أو عدم الإنزال إلا أن يدعي الاستبراء ويحلف عليه فينتفي بذلك فإن ادعى الاستبراء فأتت بولدين فأقر بأحدهما ونفى الآخر لحقاه وإن أعتقها أو باعها ونحوه بعد اعترافه يوطئها فأتت بولد لدون ستة أشهر من حين العتق أو البيع لحق به وتصير أم ولد له والبيع باطل وكذا إن لم يستبرئها فأتت به لأكثر من ستة أشهر وادعى المشتري أنه من البائع فهو ولد البائع سواء ادعاه البائع أو لم يدعه وإن ادعاه المشتري لنفسه أو ادعى كل واحد منهما أنه للآخر والمشتري مقر بالوطء أرى القافة وإن استبرئت ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر(4/107)
لم يلحقه نسبه وكذا إن تستبرأ ولم يقر المشتري للبائع به وإن ادعاه بعد ذلك وصدقه المشتري لحقه نسبه وبطل البيع فإن لم يكن البائع أقر بوطئها قبل بيعها لم يلحقه الولد بحال سواء ولدته لستة أشهر أو لأقل وإن اتفقا على أنه ولد البائع فهو ولده وبطل البيع وإن ادعاه البائع ولم يصدقه المشتري فهو عبد للمشتري كما لو باع عبدا ثم أقر أنه كان أعتقه والقول قول المشتري مع يمينه ويحلق الولد بوطء الشبهة وفي كل نكاح فاسد فيه شبهة كنكاح صحيح لا كملك اليمين ولا أثر لشبهة ملك مع فراش وإن وطئ المجنون من لا شبهة له عليها ولا شبهة ملك لم يلحقه نسبه.(4/108)
كتاب العدد
*
مدخل
...
كتاب العدد
وهي: التربص المحدود شرعا كل امرأة فارقها زوجها في حياته قبل المسيس والخلوة فلا عدة عليها وإن خلا بها وهي مطاوعة ولو لم يمسها ولو في نكاح فاسد فعليه العدة سواء كان بهما أو بأحدهما مانع من الوطء كإحرام وصيام وحيض ونفاس ومرض وجب وعنة ورتق وظهار وإيلاء واعتكاف أو لم يكن إلا ألا يعلم بها كأعمى وطفل ومن لا يولد لمثله لصغره أو كانت لا يوطأ مثلها لصغرها أو غير مطاوعة وفارقها في حياته فلا عدة عليها ولا يكمل صداقها ولا تجب بالخلوة بلا وطء في نكاح مجمع على بطلانه فارقها أو مات عنها وإن وطئها ثم مات أو فارقها(4/108)
اعتدت لوطئه بثلاثة قروء منذ وطئها كالمزني بها من غير عقد ولا بتحملها ماء الرجل ولا بالقبلة واللمس من غير خلوة وتجب على الذمية من الذمي والمسلم ولو لم تكن من دينهم وعدتها كعدة المسلمة وتجب العدة على من وطئت مطاوعة كانت أو مكرهة إلا أن يكون الواطئ لا يولد لمثله لصغره وهو مذهب المالكية.
والمعتدات ست: إحداهن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن تنقضي عدتها إلا وضع كل الحمل ولو لم تطهر وتغتسل من نفاسها لكن إن تزوجت في مدة النفاس حرم وطؤها حتى تطهر فلو ظهر بعض الولد فهي في عدة حتى ينفصل باقيه إن كان واحدا وإن كان أكثر فحتى ينفصل باقي الأخير فإن وضعت ولدا وشكت في وجود ثان لم تنقض عدتها حتى تزول الريبة وتتيقن أنه لم يبق معها حمل والحمل الذي تنقضي به العدة تصير به الأمة أم ولد وهو ما تبين فيه شيء من خلق الإنسان كرأس ورجل فإن وضعت مضغة لا يتبين فيها شيء من ذلك فذكر ثقات من النساء أنه مبدأ خلق آدمي لم تنقض به العدة وكذا لو ألقت نطفة أو دما أو علقة لكن لو وضعت مضغة لم يتبين فيها الخلق فشهدت ثقات من القوابل أن فيها صورة خفية بأن بها أنها خلقة أدمي انقضت به العدة وإن أتت بولد لا يلحقه نسبه كامرأة صغير لا يولد لمثله وخصي مجبوب ومطلقة عقب عقد ومن أتت به لدون ستة أشهر منذ عقد عليها وعاش أو بعد أربع سنين منذ مات أو(4/109)
بانت منه أو انقضاء عدتها إن كانت رجعية لم تنقض عدتها به وتعتد بعده عدة وفاة أو عدوة فراق حيث وجبت وأقل مدة الحمل ستة أشهر وغالبها تسعة أشهر وأكثرها أربع سنين وأقل ما يتبين به الولد أحد وثمانون يوما.(4/110)
فصل. الثانية المتوفى عنها زوجها
ولو طفلا أو طفلة لا يولد لمثلهما ولو قبل الدخول فتعتد إن لم تكن حاملا منه أربعة أشهر وعشر ليال بعشرة أيام إن كانت حرة وإن كانت أمة نصفها وإن كانت حاملا من غيره اعتدت للزوج بعد وضع الحمل ومعتق بعضها بالحساب من عدة حرة وأمة ويجبر الكسر وإن مات زوج الرجعية في عدتها استأنفت عدة وفاة من حين موته وسقطت عدة الطلاق وإذا قتل المرتد في عدة امرأته استأنفت عدة وفاته ولو أسلمت امرأة كافر ثم مات قبل انقضاء العدة انتقلت إلى عدة وفاته في قياس التي قبلها وإن طلقها في الصحة بائنا ثم مات في عدتها لم تنتقل عنها وإن كان الطلاق في مرض موته اعتدت أطول الأجلين من عدة طلاق وعدة وفاة إل أن تكون ل ترثه كالأمة أو الحر يطلقها العبد أو الذمية يطلقها المسلم أو تكون هي سألته الطلاق أو الخلع أو فعلت ما يفسخ نكاحها فتعتد للطلاق ل غير وإن كانت المطلقة مبهمة ومعينة ثم أنسيها ثم مات اعتدت كل واحدة الأطول منهما ما لم تكن حاملا وإن مات المريض المطلق في مرضه بعد انقضاء عدتها بالحيض أو بالشهور أو بوضع الحمل أو كان طلاقه قبل الدخول فليس عليها عدة لموته ولا يعتبر وجود الحيض في عدة الوفاة وإن ارتابت المتوفى عنها كظهور إمارات الحمل من الحركة(4/110)
وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض ونزول اللبن في ثديها وغير ذلك قبل أن تنكح ولو بعد فراغ شهور العدة لم تزل في عدة حتى تزول الريبة وإن تزوجت قبل ذلك لم يصح النكاح ولو تبين عدم الحمل وإن كان بعد الدخول لم يفسد نكاحها ولم يحل وطؤها حتى تزول الريبة وإن كان قبله وبعد العقد لم يفسد أيضا إلا أن تأتي بولد والمراد ويعيش لدون ستة أشهر منذ نكاحها فيفسد فيهما وإن مات عن امرأة فنكاحها فاسد كالنكاح المختلف فيه فعليها عدة وفاة.(4/111)
فصل. الثالثة ذات القروء المفارقة في الحياة بعد الدخول بها
بطلاق أو خلع أو لعان أو رضاع أو فسخ بعيب أو إعسار أو اعتلق تحت عبد أو اختلاف دين أو غيره فعدتها ثلاثة قروء وإن كانت حرة أو بعضها وقرآن إن كان أمة والقرء الحيض ولا يعتد بالحية التي طلقها فيها وإن قال الزوج وقع الطلاق في الحيض أو في أوله وقالت بل في الطهر الذي قبله أو قال انقضت حروف الطلاق مع انقضاء الطهر فوقع في أول الحيض وقالت بل بقي منه بقية فالقول قولها وإذا انقطع دمها من الحيضة الثالثة لم تحل للأزواج حتى تغتسل وإن فرطت في الاغتسال مدة طويلة وتنقطع بقية الأحكام بانقطاعه - وتقدم في الرجعة.(4/111)
فصل. الرابعة المفارقة في الحياة ولم تحض لا يأس أو صغر
فعدتها ثلاثة أشهر وإن كانت أمة أو أم ولد شهران ومن بعضها حر بالحساب والابتداء من حين وقع الطلاق سواء كان في الليل أو النهار أو في أثنائهما من ذلك الوقت إلى مثله فإن كان الطلاق أول(4/111)
الشهر اعتبر ثلاثة أشهر بالأهلة وإن كان في أثنائه اعتدت بقيته وشهرين بالأهلة ومن الثالث تمام ثلاثين يوما تكملة الأول.
وحد الأياس خمسون سنة - واختار الشيخ لا حد لأكثر سنة - وإن حاضت الصغيرة في عدتها ولو قبل انقضائها بلحظة ابتدأتها بالقروء وإن كان بعد انقضائها بالشهور ولو بلحظة لم يلزمها استئنافها وإن يئست ذات القروء في عدتها ابتدأت عدة آيسة فإن بان بها حمل من الزوج سقط حكم ما مضى وتبين أن ما رأته من الدم لم يكن حيضا وإن عتقت الأمة الرجعية في عدتها بنت على عدة حرة وإن كانت بائنا بنت على عدة أمة وإن عتقت تحت عبد فاختارت نفسها اعتدت عدة حرة.(4/112)
فصل. الخامسة: من ارتفع حيضها ولو بعد حيضة أو حيضتين لا تدري ما رفعه
اعتدت سنة تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة لأنها لا تبنى عدة على عدة أخرى وإن كانت أمة فبأحد عشر شهرا فإن عاد الحيض إلى الحرة أو الأمة قبل انقضاء عدتها ولو في آخرها لزمها الانتقال إليه وإن عاد بعد مضيها ولو قبل نكاحها لم تنتقل فإن عاد وعادة المرأة أن يتباعد ما بين حيضتيها لم تنقض عدتها إلا بثلاث حيض وإن طالت وعدة الجارية التي أدركت ولم تحض والمستحاضة المبتدأة ثلاثة أشهر والأمة شهران وإن كانت عادة أو تمييز عملت به فإن كانت عادتها سبعة أيام من أول كل شهر فمضى لها شهر إن بالهلال وسبعة أيام من أول الثالث فقد انقضت عدتها وإن علمت أن لها حيضة في كل شهر أو شهرين ونحوه ونسيت وقتها فعدتها ثلاثة أمثال ذلك وإن عرفت(4/112)
ما رفعه من مرض أو رضاع أو نفاس فلا تزال في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به أو تبلغ سن الآيسة فتعتد عدتها وعنه تنتظر زواله ثم إن حاضت اعتدت به وإلا اعتدت بسنة.(4/113)
فصل. السادسة: امرأة المفقود الذي انقطع خبره لغيبة ظاهرها الهلاك:
كالذي يفقد من بين أهله أو يخرج إلى الصلاة فلا يرجع أو يمضي إلى مكان قريب ليقضي حاجته ويرجع فلا يظهر له خبر أو يفقد في مفازة أو بين الصفين إذا قتل قوم أو من غرق مركبه ونحو ذلك: فإنها تتربص أربع سنين ولو كان أمة ثم تعتد للوفاة أربعة أشهر وعشرا والأمة شهران وخمسة أيام - وفي التنقيح كحرة وهو سهو - ولا يفتقر الأمر إلى الحاكم ليحكم بضرب المدة وعدة الوفاة والفرقة ولا إلى طلاق ولي زوجها بعد اعتدادها فلو مضت المدة والعدة تزوجت وإذا حكم الحكم بالفرقة أو غرفت المدة نفذ الحكم في الظاهر فلو طلق الأول صح طلاقه لبقاء نكاحه وكذا لو ظاهر منها ونحوه ولو تزوجت امرأته قبل الزمان لمعتبر ثم تبين أنه كان ميتا أو أنه كان طلقها قبل ذلك بمدة تنقضي فيها العدة لم يصح النكاح وإذا تربصت واعتدت ثم تزوجت ثم قدم زوجها الأول قبل وطء الثاني ردت إليه ولا صداق على الثاني وإن كان بعده خير الأول بين أخذها بالعقد الأول ولو لم يطلق الثاني نصا ويطأ بعد عدته وبين تركها مع الثاني من غير تجديد عقد - اختار الموفق التجديد انتهى - ويأخذ الأول قدر الصداق الذي أعطاها هو من الثاني ويرجع الثاني على الزوجة بما أخذ منه فإن رجع الأول بعد موتها(4/113)
لم يرثها وإن رجع بعد موت الثاني ورثته واعتدت ورجعت إلى الأول وأما من انقطع خبره لغيبة ظاهرها السلامة كسفر التاجر في غير مهلكة وأباق العبد وطلب العلم والسياحة والأسر وسفر الفرجة ونحوه فإن امرأته تتربص تمام تسعين سنة من يوم ولد ثم يعتد عدة الوفاة ثم تحل وتقدم في باب ميراث المفقود وإن كانت غيبته غير منقطعة يعرف خبره ويأتي كتابه فليس لامرأته أن تتزوج إلا أن يتعذر الإنفاق عليها من ماله فلها الفسخ لا بتعذر الوطء إذا لم يقصد بغيبته الإضرار بتركه فإن قصده فلها الفسخ به إذا كان سفره أكثر من أربعة أشهر ومن ظهر موته باستفاضة كأن تظاهرت الأخبار بموته أو بينة فاعتدت زوجته للوفاة أبيح لها أن تتزوج فإن عاد زوجها بعد ذلك فكمفقود يخير زوجها بين أخذها وتركها وله الصداق وله تضمين البينة ما تلف من ماله وإن اختارت امرأة المفقود المقام والصبر حتى يتبين أمره فلها النفقة من ماله ما دام حيا فإن تبين أنه مات أو فارقها رجع عليهما بما بعد ذلك من النفقة وإن ضرب لها حاكم مدة التربص فلها فيها النفقة لا في العدة وإن تزوجت أو فرق الحاكم بينهما سقطت فإن قدم الزوج بعد ذلك وردت إليه عادت نفقتها من حين الرد وإذا تزوج امرأة لها ولد من غيره وليس للولد ولد ولا ولد ابن ولا أب ولا جد وهي غير آيسة فمات اعتزلها الزوج وجوبا حتى تحيض أو يتبين حملها لأن حملها يرثه فإن لم يفعل وأتت بولد قبل ستة أشهر ورث وإن أتت به بعدها من حين وطئها بعد موت الولد لم يرث ومن طلقها زوجها أو مات(4/114)
عنها وهو غائب عنها فعدتها من يوم مات أو طلق وإن لم يجتنب ما تجتنبه المعتدة وإن أقر الزوج أنه طلقها من مدة تزيد على العدة إن كان فاسقا أو مجهول الحال لم يقبل قوله في انقضاء العدة التي فيها حق الله وإن كان عدلا غير متهم مثل إن كان غائبا فلما حضر أخبرها أنه طلق من كذا وكذا فتعتد من حين الطلاق كما لو قامت به بينة وعدة موطوءة بشبهة أو بزنا كمطلقة إلا أمة غير مزوجة فبحيضة وإن وطئت زوجة أو سرية بشبهة أو زنا حرمت حتى تعتد الزوجة وتستبرأ السرية وله الاستمتاع منهما بما دون الفرج.(4/115)
فصل: وإن وطئت معتدة بشبهة أو نكاح فاسد فرق بينهما
وأتمت عدة الأول ولا يحتسب منها مدة مقامها عند الواطئ الثاني وله رجعة رجعية في مدة تتمة عدته ثم استأنفت العدة من الواطئ وإن كانت بائنا قاصا بها المطلق عمدا فكذلك وإن أصابها بشبهة استأنفت العدة للوطء ودخلت فيها بقية الأولى وإن وطئت امرأة بشبهة ثم طلقها زوجها رجعيا اعتدت له أولا ثم اعتدت للشبهة وكل معتدة من غير النكاح الصحيح كالزانية والموطوءة بشبهة أو نكاح فاسد قياس المذهب تحريمها على الواطئ وغيره في العدة - قال الشارح وقال الموفق: والأولى حل على نكاحها لمن هي معتدة منه إن كان يلحقه نسب ولدها وإلا فلا - وتقدم في المحرمات في النكاح إن لم يلزمها عدة من غيره وإن تزوجت في عدتها فنكاحها باطل ويجب أن يفرق بينهما وتسقط نفقة الرجعية وسكناها عن الزوج الأول لنشوزها ولم تنقطع عدتها(4/115)
حتى يطأ الثاني ثم إذا فارقها بنت على عدتها من الأول واستأنفت العدة من الثاني وإن أتت بولد من أحدهما عينا انقضت عدتها به منه ثم اعتدت للآخر وإن أمكن أن يكون منهما أرى القافة معهما فألحق بمن ألحقوه به منهما وانقضت عدتها به وإن ألحقته بهما لحق بهما وانقضت عدتها به منهما وإن نفته عنهما أو أشكل عليها أو لم يوجد قافة ونحوه اعتدت بعد وضعه بثلاثة قروء وللثاني أن ينكحها بعد انقضاء العدتين فإن وطئ رجلان امرأة بشبهة أو زنا فعليها عدتان لهما وإذا تزوج معتدة وهما عالمان بالعدة وبتحريم النكاح فيها ووطئها فيها فهما زانيان عليهما حد الزنا ولا مهر لها إن لم تكن أمة ولا يلحقه النسب وإن كانا جاهلين بالعدة أو التحريم ثبت النسب وانتفى الحد ووجب المهر وإن علم هو دونها فعليه الحد والمهر وإن علمت هي دونه فعليها الحد ولا مهر له ويلحقه النسب.(4/116)
فصل. وإن طلقها واحدة فلم تنقض عدتها حتى طلقها ثانية بنت على ما مضى من العدة
إن راجعها ثم طلقها بعد دخوله بها أو قبله استأنفت العدة كفسخها بعد الرجعة بعتق أو غيره وإن طلقها بائنا ثم نكحها في عدتها ثم طلقها قبل دخوله بنت على ما مضى.(4/116)
فصل. ويلزم الإحداد في العدة كل متوفى عنها فقط في نكاح صحيح
ويباح لبائن ويحرم فوق ثلاث على ميت غير زوج ولا يجب في نكاح فاسد والمسلمة والذمية والمكلفة وغيرها فيه سواء وهو اجتناب ما يدعو إلى جماعها ويرغب في النظر إليها ويحسنها من زينة وطيب ولو في دهن كدهن ورد وبنفسج وياسمين وبان ونحوه لكن لها أن(4/116)
تجعل في فرجها طيبا إذا اغتسلت من الحيض ولا بأس بدهن غير مطيب كزيت وشيرج وصب في غير وجه وسمن ويحرم أن تختضب وأن تحمر وجهها وأن تبيضه باسفيداج العرائس وأن تجعل عليه صبرا بصفرة وأن تنقش وجهها وأن تختضب وجهها وما أشبه ذلك مما يحسنها وأن تكتحل بأثمد ولو كانت سوداء إلا إذا احتاجت للتداوي فتكتحل ليلا وتمسحه نهارا ويباح بتوتيا وعنزروت ونحوهما كتنظيف وتقليم أظافر ونتف إبط وحلق شعر مندوب أخذه واغتسال بسدر وامتشاط ودخول حمام ويحرم عليها الثياب المصبغة للتحسين كالمعصفر والمزعفر والأحمر والأزرق والأخضر الصافيين والأصفر والمطرز والحلي كله حتى الخاتم والحلقة وما سبغ غزله ثم نسج كمصبوغ بعد نسجه ولا يحرم الأبيض وإن كان حسنا ولو حريرا ولا الملون لدفع الوسخ كالكحلى والأسود والأخضر المشبع ولا نفاب ويجوز لها التزين في الفرش والبسط والستور وأثاث البيت لأن الإحداد في البدن لا في الفرش ونحوه.(4/117)
فصل. وتجب عدة الوفاة في المنزل الذي وجبت فيه وهو الذي مات فيه زوجها وفي ساكنة فيه
سواء كان لزوجها أو بأجارة أو عارية إذا تطوع الورثة بإسكانها فيه أو السلطان أو أجنبي وإن انتقلت إلى غيره لزمها العود إليه إلا أن تدعو الضرورة إلى خروجها منه بأن يحولها مالك أو تخشى على نفسها من هدم أو غرق أو عدو أو غير ذلك كخروجها لحق أو لا تجد ما تكتري به أو لا تجد إلا من مالها وفي المغني وغيره أو(4/117)
يطلب منها فوق أجرته فتسقط السكنى وتسكن حيث شاءت ولا سكنى لها ولا نفقة في مال الميت ولا على الورثة إذا لم تكن حاملا ولهم إخراجها لأذاها ولا تخرج ليلا ولو لحاجة بل لضرورة ولها الخروج نهارا لحوائجها فقط ولو وجدت من يقضيها لها وليس لها المبيت في غير بيتها فلو تركت الاعتداد في المنزل أو لم تحد عصت وتمت العدة بمضي الزمان والأمة كالحرة في الإحداد والاعتداد في منزلها إلا أن سكناها في العدة كسكناها في حياة زوجها للسيد إمساكها نهارا ويرسلها ليلا فإن أرسلها ليلا ونهارا اعتدت زمانها كله في المنزل والبدوية كالحضرية فإن انتقلت الحلة انتقلت معهم وإن انتقل غير أهل المرأة لزمها المقام مع أهلها وإن انتقل أهلها انتقلت معهم إلا أن يبقى من الحلة ما لا تخاف على نفسها معهم فتخير بين الإقامة والرحيل وإن هرب أهلها فخافت هربت معهم فإن أمنت أقامت لقضاء العدة في منزلها وإن مات صاحب السفينة وامرأته فيها ولها مسكن في البر فكمسافرة في البر وإن لم يكن لها مسكن سواها وكان لها فيها بيت يمكنها المسكن فيه بحيث لا تجتمع مع الرجال وأمكنها المقام فيه بحيث تأمن على نفسها ومعها محرمها لزمها أن تعتد وإن كنت ضيقة وليس معها محرم أو لا يمكنها الإقامة فيها إلا بحيث تختلط مع الرجال لزمها الانتقال عنها إلى غيرها وإذا أذن للمرأة زوجها في النقلة من بلد إلى بلد أو من دار إلى دار فمات قبل خروجها من الدار أو البلد قبل نقل متاعها من الدار أو بعده لزمها الاعتداد في الدار وإن مات بعد انتقالها إلى الثانية اعتدت فيها وكذلك إن مات بعد وصولها(4/118)
إلى البلد الآخر وإن مات وهي بين الدارين أو بلدين خيرت بينهما وإن سافر بها لغير النقلة فمات في الطريق قريبا وهي دون مسافة القصر لزمها العود وإن كان فوقها خيرت بين البلدين وإذا مضت إلى مقصدها فلها الإقامة حتى تقضي ما خرجت إليه وتقضي حاجتها من تجارة أو غيرها وإن كان خروجها لنزهة أو زيارة ولم يكن قدر لها مدة أقامت ثلاثا وإن كان قدر لها مدة فلها إقامتها فإذا مضت مدتها أو قضت حاجتها ولم يمكنها الرجوع لخوف أو غيره أتمت العدة في مكانها وإن أمكنها الرجوع لكن لا يمكنها الرجوع إلى منزلها حتى تنقضي لزمتها الإقامة في مكانها وإن كانت تصل وقد بقي منها شيء لزمها العود لتأتي به في مكانها وإن أذن لها في الحج أو كانت حجة الإسلام فأحرمت به ثم مات فخشيت فوات الحج مضت في سفرها وإن لم تخش وهي في بلدها أو قريبة يمكنها العود أقامت لتقضي العدة في منزلها وإلا مضت في سفرها ولو كان عليها حجة الإسلام فمات لزمتها العدة في منزلها وإن فاتها الحج إن أحرمت قبل موته أو بعده وأمكن الجمع بينهما بأن تأتي بالعدة في منزلها وبحج لزمها العود ولو تباعدت وإن لم يمكن قدمت مع البعد الحج ومع القرب العدة كما لو لم تكن أحرمت ومتى كان عليها في الرجوع خوف أو ضرر فلها المضي في سفرها كالبعيدة ومتى رجعت وبقي عليها شيء منها أتت به في منزل زوجها.(4/119)
فصل. وتعتد بائن حيث شاءت من بلدها
في مكان مأمون ولا تسافر ولا تبيت إلا في منزلها وجوبا فلو كانت دار المطلق متسعة لهما(4/119)
وأمكنها السكنى في موضع منفرد كالحجرة وعلو الدار وبينها باب يغلق وسكن الزوج في الباقي جاز كما لو كانتا حجرتين متجاورتين وإن لم يكن بينهما باب مغلق ولها موضع تستتر فيه بحيث لا يراها ومعها محرم تتحفظ به جاز أيضا ولو غاب من لزمته السكنى لها أو منعها منها اكتراه الحاكم من ماله أو اقترض عليه أو قرض أجرته وإن اكترته بإذنه أو أذن حاكم أو بدونهما للعجز عن إذنه رجعت ومع القدرة إن نوت الرجوع رجعت ولو سكنت ملكها فلها أجرته ولو سكنته أو اكترت مع حضوره وسكوته فلا أجرة لها وليس له الخلوة مع امرأته البائن إلا مع زوجته أو أمته أو محرم أحدهما وإن أراد إسكان البائن في منزله أو غيره مما يصلح لها تحصينا لفراشه ولا محذور فيه لزمها ذلك ولو لم تلزمه نفقة كمعتدة لشبهة أو نكاح فاسد أن مستبرأة بعتق وحكم الرجعية في العدة حكم المتوفى عنها في لزوم المنزل.(4/120)
باب الاستبراء
مدخل
...
باب الاستبراء
وهو: قصد علم براءة رحم ملك يمين حدوثا أو زوالا من حمل غالبا بأحد ما يستبرأ به.
إذا ملك ولو طفلا أمة ببيع أو هبة أو إرث أو سبي أو وصية أو غنيمة أو غير ذلك لم يحل له وطؤها ولا الاستمتاع بها بقبلة ونظر لشهوة ولا بما دون فرج بكرا كانت أو ثيبا صغيرة يوطأ مثلها أو كبيرة ممن تحمل أو ممن لا تحمل - حتى يستبرئها وسواء ملكها من صغير أو كبير أو رجل أو امرأة أو مجبوب أو من رجل قد استبرأها ثم لم يطأها وإن اشترى(4/120)
غير مزوجة فأعتقها قبل استبرائها لم يصح تزوجه بها قبله ولغيره نكاحها قبل الاستبراء مع الرق والعتق إن كان البائع ما وطئ أو وطئ ثم استبرأ ولا يجب استبراء الصغيرة التي لا يوطأ مثلها ولا بملك أنثى من أنثى وإن اشترى زوجته أو عجزت مكاتبته أو فك أمته من الرهن أو أسلمت أمته المجوسية أو المرتدة أو الوثنية التي حاضت عنده أو كان هو المرتد وأسلم أو اشترى مكاتبه من ذوات محارمه فحضن عنده ثم عجز أو زوج السيد أمته ثم طلقت قبل الدخول أو اشترى عبده التاجر أمة ثم أخذها سيده حلت بغير استبراء لكن يستحب في الزوجة ليعلم هل حملت في زمن الملك أو غيره وإن كان ما اشتراه المكاتب من غير ذوات محارمه بعد أن حاضت عنده وأخذها السيد لعجزه لزمه الاستبراء وإن وطئ المشتري الجارية وهي حامل حملا كان موجودا حين البيع من غير البائع انقضى استبراؤها بوضعه - قال أحمد: ولا يلحق بالمشتري ولا يبيعه ولكن يعتقه لأنه قد شرك فيه لأن الماء يزيد في الولد انتهى - ويحرم وطء مستبرأة زمن استبرائها فإن فعل لم ينقطع به وتبنى على ما مضى فإن حملت قبل الحيضة استبرأت بوضعه وإن أحبلها فيها وقد ملكها حائضا فكذلك وفي حيضة ابتدأتها عنده تحل في الحال لجعل ما مضى حيضة وإن وجد استبراء مشتر ونحوه في يد بائع ونحوه أو يد وكيله بعد الشراء وقبل القبض أجزأ ولا يكون استبراء إلا بعد ملك المشتري لجميع الأمة فلو ملك بعضها ثم ملك باقيها لم يحتسب الاستبراء إلا من حين ملك باقيها وإن باع أمته أوهبها ونحوه ثم عادت إليه بفسخ أو غيره حيث(4/121)
انتقل الملك وجب استبراؤها ولو قبل القبض إن افترقا وإلا فلا يجب وتقدم في الإقالة ويكفي استبراء زمن خيار لمشتر وإن اشترى أمة مزوجة فطلقها الزوج قبل الدخول وجب استبراؤها أو ملكها معتدة أو زوج أمته ثم طلقت بعد الدخول وأعتقت في العدة لم يجب استبراء اكتفاء بالعدة وإن كانت الأمة لرجلين فوطئاها ثم باعاها لرجل آخر أجزأه استبراء واحد وإن أعتقاها لزمها استبراآن(4/122)
فصل. وإن وطئ أمته ثم أراد تزويجها أو بيعها لم يجز حتى يستبرئها
فلو خالف وفعل صح البيع دون النكاح وإن لم يطأ أو كانت آيسة لم يلزمه استبراؤها إذا أراد بيعها لكن يستحب وإذا اشترى جارية فظهر بها حمل لم تحل من خمسة أحوال: أحدها أن يكون البائع أقر بوطئها عند البيع أو قبله وأتت بولد لدون ستة أشهر أو يكون البائع ادعاه وصدقه المشتري فهو ابن للبائع وتصير أم ولد له والبيع باطل الثاني: أن يكون أحدهما استبرأ ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من حين وطئها المشتري فالولد له والجارية أم ولد له الثالث: أتت به لأكثر من ستة أشهر بعد استبراء أحدهما لها ولأقل من ستة أشهر منذ وطئها المشتري فلا يحلق بواحد منهما ويكون ملكا للمشتري ولا يملك فسخ البيع فإن ادعاه كل واحد منهما فهو للمشتري وإن ادعاه البائع وحده فصدقه المشتري لحقه وكان البيع باطلا وإن أكذبه فالقول قول المشتري في ملك الولد الرابع: أن تأتي به بعد ستة أشهر منذ وطئها المشتري وقبل استبرائها ونسبه لاحق به فإن ادعاه البائع فأقر له المشتري لحقه وبطل(4/122)
البيع، وإن أكذبه فالقول قول المشتري وإن ادعى كل واحد منهما أنه من الآخر عرض على القافة فالحق بمن ألحقوه به منهما وإن ألحقوه بهما لحق بهما وينبغي أن يبطل البيع وتكون الجارية أم ولد للبائع الخامس: أتت به لأقل من ستة أشهر منذ باعها ولم يكن أقر بوطئها فلا بيع صحيح والولد مملوك للمشتري فإن ادعاه البائع فالحكم كما ذكرنا في الثالث وإذا أعتق أم ولده أو أمته التي كان يصيبها قبل استبرائها أو مات عنها لزمها استبراء نفسها لكن لو أراد أن يتزوجها أو استبرأ بعد وطئه ثم أعتقها أو باعها فأعتقها مشتر قبل وطئها أو كانت مزوجة أو معتدة أو فرغت عدتها من زوجها فأعتقها أو أراد تزويجها قبل وطئه فلا استبراء وإن أبانها قبل الدخول بها أو بعده أو مات فاعتدت ثم مات سيدها فلا استبراء بأن لم يطأ وإن باع ولم يستبرئ فأعتقها المشتري قبل وطء واستبراء استبرأت أو تممت ما وجد عند مشتر وإذا زوج أم ولده ثم مات عتقت ولم يلزمها استبراء وإن بانت من الزوج قبل الدخول بطلاق أو موت زوجها أو بطلاقه بعد الدخول فأتمت عدتها ثم مات سيدها فعليها الاستبراء وإن مات زوجها وسيدها ولم يعلم السابق منهما وبين موتهما أقل من شهرين وخمسة أيام لزمها بعد موت الآخر منهما عدة الحرة من الوفاة فقط وإن كان بينهما أكثر من ذلك أو جهلت المدة لزمها بعد موت الآخر منهما الأطول من عدة الحرة للوفاة أو استبراء ولا ترث الزوج وإن ادعت أمة موروثة تحريمها على وارث بوطء موروثة أو مستبرأة أن لها زوجا صدقت وإن أعتق أم ولده أو أمة كان يصيبها ممن تحل له إصابتها فله أن يتزوجها في الحال(4/123)
من غير استبراء وإن اشترك رجلان في وطء أمة لزمها استبراآن.
فصل. ويحصل استبراء حامل بوضع الحمل كله وبحيضة لا ببقيتها لمن تحيض ويمضي شهر لآيسة وصغيرة وبالغ لم تحض وتصدق في الحيض فلو أنكرته فقال أخبرتني به صدق وإن ارتفع حيضها ما تدري رفعه فبعشرة أشهر تسعة للحمل وشهر للاستبراء وإن عرفت ما رفعه انتظرته حتى يجئ فتستبرئ به أو تصير من الآيسات فتستبرئ استبراءهن.(4/124)
كتاب الرضاع
مدخل
...
كتاب الرضاع
وهو: مص لبن أو شربه ونحوه ثاب من حمل من ثدي امرأة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ولا تثبت بقية أحكام النسب من النفقة والإرث والعتق ورد الشهادة وغير ذلك لأن النسب أقوى وإذا حملت امرأة من رجل يثبت نسب ولدها منه فثاب لها لبن فأرضعت به ولو مكرهة طفلا رضاعا محرما صار ولدا لهما في تحريم النكاح وإباحة النظر والخلوة وثبوت المحرمية وأولاده من البنين والبنات وإن سفلوا أولاد ولدهما وصار أبويه وآراؤهما أجداده وجداته وأخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته وأخوة الرجل وأخواته أعمامه وعماته وجميع أولاد المرضعة الذين ارتضع معهم والحادثين قبله وبعده من زوجها ومن غيره وجميع أولاد الرجل الذي انتسب الحمل إليه من المرضعة ومن غيرها أخوة لمرتضع وأخواته وأولاد أولادهما أولاد أخوته وأخواته وإن نزلت(4/124)
درجتهم وتنتشر حرمة الرضاع من المرتضع إلى أولاده وأولاد أولاده وإن سفلوا فيصيرون أولادا لهما ولا تنتشر الحرمة إلى من في درجته من إخوته وأخواته ولا إلى من هو أعلى منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته فتحل مرضعة لأبي مرتضع ولأخيه وعمه وخاله من نسب ويحل لأبيه من نسب أو يتزوج أخته من الرضاعة وتحل أم مرتضع وإخوته وعمته وخالته من النسب لأبيه وأخيه من رضاع وإن أرضعت بلبن ولدها من الزنا أو المنفى بلعان طفلا صار ولدا لها وحرم على الزاني والملاعن تحريم مصاهرة ولم تثبت حرمة الرضاع في حقهما كالنسب وإن أرضعت بلبن اثنين وطئاها بشبهة وثبتت أبوتهما للمولود فالمرتضع ابنهما أو أبوة أحدهما فهو ابنه ثبت ذلك بالقافة أو بغيرها وإن نفته القافة عنهما أو أشكل عليهم أو لم يوجد قافة ثبت التحريم بالرضاع في حقهما وإن انتفى عنهما بأن تأتي به لدون ستة أشهر من وطئها أو لأكثر من أربعة سنين من وطء الآخر انتفى المرتضع عنهما فإن كان المرتضع جارية حرمت عليهما تحريم مصاهرة وتحرم أولادها عليهما أيضا لأنها ابنة موطوءتهما فهي ربيبة لهما وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل تقدم كلبن البكر لم ينشر الحرمة أيضا ولا ينشر الحرمة غير لبن المرأة فلو ارتضع طفلان من بهيمة أو رجل أو خنثي مشكل لم ينشر الحرمة.(4/125)
فصل ولا تثبت الحرمة بالرضاع إلا بشروط:
أحدها: أن يرتضع في العاملين ولو كان قد فطم قبله فلو ارتضع(4/125)
بعدهما بلحظة ولو قبل فطامه أو ارتضع الخامسة كلها بعدهما بلحظة لم يثبت.
الثاني: أن يصل اللبن إلى جوفه من حلقه فإن وصل إلى فمه ثم مجه أو احتقن به أو صل إلى جوفه لا يغذى كالذكر والمثانة لم ينشر الحرمة.
الثالث: أن يرتضع خمس رضعات فصاعدا ويشترط أن تكون متفرقات فمتى امتص ثم تركه شبعا أو لتنفس أو لملمة أو لانتقاله من ثدي إلى غيره أو من امرأة إلى غيرها أو قطع عليه فهي رضعة فمتى عاد ولو قريبا فهي رضعة أخرى وسعوط في أنفه ووجور في فم كرضاع وكذا جبن عمل منه ويحرم من ذلك خمس فإن ارتضع دونها وكملها سعوطا أو وجورا أو أسعط وأوجر وكمل الخمس برضاع ثبت التحريم ولو حلب في إناء لبن دفعة واحدة أو دفعات ثم سقى لطفل في خمسة أوقات فهي خمس رضعات وإن حلب في إناء خمس حلبات في خمس أوقات ثم سقي دفعة واحدة كان رضعة واحدة ويحرم لبن الميتة إذا حلب أو ارتضع من ثديها بعد موتها كما لو حلب في حياتها ثم شربه بعد موتها ولو حلف لا يشرب من لبن امرأة فشرب منه وهي ميتة حنث ويحرم اللبن المشوب إن كانت صفاته باقية وسواء خلط بطعام أو شراب أو غيرهما فإن حلب اللبن من نسوة وسقي لطفل فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن.(4/126)
فصل. وإذا تزوج كبيرة ذات لبن من غيره زوجا كان أو غيره ولم يدخل بها وبثلاث صغائر فأرضعت الكبيرة إحداهن حرمت الكبيرة أبدا وبقي نكاح الصغيرة
فإن أرضعت اثنتين منفردتين أو معا انفسخ نكاحهما وإن أرضعت الثلاث متفرقات انفسخ نكاح الأولتين دون الثالثة وإن أرضعت إحداهن منفردة ثم اثنتين معا انفسخ نكاحهن وله نكاح إحدى الثلاث وإن كان دخل بالأم حرم الكل ابتداء ولو أرضعت الثلاث أجنبية في حالة واحدة: بأن حلبته في ثلاث أوان وأوجرتهن في حالة واحدة أو أرضعت اثنتين معا وأوجرت الثالثة في حالة واحدة: حرم عليه نكاح الكبيرة أبدا وانفسخ نكاح الثلاث وإن أرضعت اثنتين انفسخ نكاحهما وإن أرضعت إحداهن منفردة ثم اثنتين معا انفسخ نكاح الجميع وله نكاح إحدى الثلاث وكل امرأة تحرم عليه ابنتها كأمه وجدته وأخته وربيبته إذا أرضعت طفلة حرمتها عليه وكل رجل تحرم ابنته كأخيه وأبيه إذا أرضعت امرأته بلبنه طفلة حرمتها عليه وفسخ نكاحها منه فيهما إن كانت زوجته وإن أرضعتها امرأة أحد هؤلاء بلبن غيره لم تحرم عليه لأنها صارت ربيبة زوجها وإن أرضعتها من لا تحرم بنتها كعمتها وخالتها لم تحرمها عليه ولو تزوج بنت عمه فأرضعت جدتهما أحدهما صغيرا انفسخ النكاح لأنها لما أرضعت الزوج صار عم زوجته، وإن أرضعت الزوجة صارت عمته وإن أرضعتهما جميعا صار عمها وصارت عمته وإن تزوج بنت عمته فأرضعت جدتهما أحدهما صغيرا انفسخ النكاح لأنها لما أرضعت الزوج صار خالها وإن أرضعت الزوجة صارت عمته وإن تزوج بنت خاله فأرضعت جدتهما الزوج صار عم زوجته، وإن(4/127)
أرضعتها صارت خالته وإن تزوج ابنة خالته فأرضعت الزوج صار خال زوجته وإن أرضعتها صارت خالة زوجها.(4/128)
فصل. وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول فإن الزوج يرجع عليه بنصف مهرها الذي يلزمه لها
وإن أفسدت نكاح نفسها قبل الدخول سقط مهرها وإن كان بعده لم يسقط ويجب على زوجها وإن أفسده غيرها بعد الدخول وجب لها مهرها ويرجع به ولها الأخذ من المفسد نصا فإذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى فانفسخ نكاحهما1 فعليه نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى وعليه مهر الكبرى المسمى لها ولا يرجع عليها بشيء إذا كان أداه إليها وإن كان لم يدخل بها فلا مهر لها ونكاح الصغرى بحاله2 وإن دبت الصغرى إلى الكبرى وهي نائمة أو مغمى عليها أو مجنونة فارتضعت منها انفسخ نكاح الكبرى3 ويرجع على الصغرى بنصف مهر الكبرى قبل الدخول ونكاح الصغرى ثابت فإن كان دخل بالكبرى حرمتا ولا مهر للصغرى وعليه مهر الكبرى يرجع به على الصغيرة وإن ارتضعت الصغيرة منها رضعتين وهي نائمة ثم انتبهت الكبيرة فأتمت لها ثلاث رضعات فعليه مهر الكبيرة وثلاثة أعشار مهر الصغيرة ويرجع به على
__________
1 وذلك إذا كان دخل الكبرى. جريا على قاعدة المذهب وهي الدخول بالأمهات يحرم البنات والعقد على البنات يحرم الأمهات.
2 لأنه لم يدخل بأمها التي أرضعتها وهي الزوجة الكبرى.
3 وذلك أيضا في غير المدخول بها لأنها صارت أم زوجته الصغرى.(4/128)
الكبيرة وإن لم يكن دخل بالكبيرة فعليه خمس مهرها يرجع به على الصغيرة وإن أرضعت بنت الزوجة الكبرى الصغرى فالحكم في التحريم والفسخ كما لو أرضعتها الكبيرة والرجوع على المرضعة التي أفسدت النكاح وإن أرضعتها أم الكبيرة والرجوع على المرضعة التي أفسدت النكاح وإن أرضعتها أم الكبيرة انفسخ نكاحهما معا فإن كان لم يدخل بالكبيرة فله أن ينكح من شاء منهما ويرجع على المرضعة بنصف صداقهما وإن كان دخل بالكبيرة فله نكاحها وليس له نكاح الصغيرة حتى تنقضي عدة الكبيرة لأنها قد صارت أختها فلا ينكحها في عدتها وكذلك الحكم إن أرضعتها جدة الكبيرة لأنها تصير عمة الكبيرة أو خالتها والجميع بينهما محرم وكذلك إن أرضعتها أختها أو زوجة أخيها بلبنه أو أرضعتها بنت أخيها أو بنت أختها ولا تحريم في شيء من هذا على التأبيد لأنه تحريم جمع إلا إذا أرضعتها بنت الكبيرة توقد دخل بأمها وإذا كان لرجل خمس أمهات أولاد لهن لبن منه فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة منهن رضعة صار أبا له وحرمت عليه لا أمهات الأولاد لعدم ثبوت الأمومة1 وإن أرضعن طفلا كذلك صار المولى أبا له وحرمت عليه2 المرضعات لأنه ربيبهن وهن موطوآت أبيه ولو كان له خمس بنات أو خمس بنات زوجته فأرضعن امرأة له صغرى رضعة رضعة فلا أمومة ولا يصير الكبيرة ولا الكبيرة جدا ولا جدة ولا أخوة المرضعات أخوالا ولا أخواتهن
__________
1 إنما ثبتت الأبوة في حق الزوجة الصغيرة لأنها من لبنة خمس رضعات.
2 يريد حرمت المرضعات على ذلك الطفل.(4/129)
خالات ولو كمل لطفل خمس رضعات من أم رجل وأخته وابنته وزوجته وزوجة أبيه من كل واحدة رضعة فكذلك أي لا تحريم وإذا كان لامرأة لبن من زوج فأرضعت به طفلا ثلاث رضعات فانقطع لبنها ثم تزوجت بآخر فصار لها منه لبن فأرضعت منه الطفل رضعتين صارت أما له ولم يصر واحد من الزوجين أبا له ويحرم عليهما إن كان أنثى لكونه ربيبا لهما لا لكونه ولدهما وإذا كان له ثلاث نسوة لهن لبن منه فأرضعت امرأة له صغرى كل واحدة منهن رضعتين لم تحرم المرضعات وحرمت الصغرى وتثبت الأبوة لا الأمومة وعليه نصف مهرها يرجع به عليهن على قدر رضاعتهن وعلى الأولى خمس المهر وعلى الثانية خمسه وعلى الثالثة عشره ولو كان لامرأته ثلاث بنات من غيره فأرضعن ثلاث نسوة له صغار كل واحدة واحدة إرضاعا كاملا ولم يدخل بالكبرى حرمت عليه لأنها من جدات النساء ولم ينفسخ نكاح الصغار لأنهن لسن أخوات إنما هن بنات خالات لأن الربيبة لا تحرم إلا بالدخول بأمها ولا ينفسخ نكاح من كمل رضاعها أولا وإن كان دخل بالأم حرم الصغائر أيضا وإن أرضعن واحدة كل واحدة منهن اثنتين حرمت الكبرى وقيل لا تحرم - اختاره الموفق والشارح وصححه في الإنصاف(4/130)
فصل. وإذا طلق كبيرة مدخولا بها فأرضعت صغيرة بلبنه صارت بنتا له
وإن أرضعتها بلبن غيره صارت ربيبة وحرمتا ويرجع على الكبيرة بنصف مهر الصغيرة إن كان ما دخل بالكبيرة بقي نكاح الصغيرة(4/130)
وإن طلق صغيرة فأرضعتها امرأة له حرمت المرضعة فإن كان لم يدخل بها فلا مهر لها وله نكاح الصغيرة1 وإن كان دخل بها فلها مهرها وحرمتا عليه وإن طلقهما جميعا فالحكم في التحريم على ما مضى ولو تزوج كبيرة وآخر صغيرة ثم طلقاهما ونكح كل واحد منهما زوجة الآخر ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما وإن كان زوج الصغيرة دخل حرمت عليه الصغيرة وكل من قبلنا بتحريمها فالمراد على التأبيد وهو مقرون بفسخ نكاحها.
__________
1 مراده أن للزوج نكاح الصغيرة إذا لم يكن دخل بالتي أرضعتها وإلا حرمتا كما صرح بذلك.(4/131)
فصل. وإذا طلق امرأته ولها منه لبن فتزوجت بصبي فأرضعته بلبنه انفسخ نكاحها وحرمت عليه وعلى الأول أبدا1
ولو تزوجت الصبي أولا ثم فسخت نكاحها لمقتض ثم تزوجت كبيرا فصار لها منه لبن فأرضعت به الصبي حرمت عليهما أبدا - قال في المستوعب وهي مسئلة عجيبة لأنه تحريم طرأ لرضاع أجنبي قال: وكذلك لو زوج أمته لعبد له يرضع ثم أعتقها فاختارت فراقه ثم تزوجت ممن أولدها فأرضعت بلبن هذا الولد زوجها الأول بعد عتقه حرمت عليهما جميعا - ولو زوج رجل أم ولده أو أمته بصبي مملوك فأرضعته بلبن سيدها حرمت عليهما ولا يتصور هذا إن كان الصبي حرا لأن من شرط نكاح الحر الأمة خوف العنت ولا يوجد ذلك في الطفل فإن تزوج بها كان
__________
1 حرمت على الطفل لأنها أصبحت أمه. وحرمت على زوجها لأنها صارت حليلة للطفل الذي هو ابن له في الرضاع.(4/131)
النكاح فاسدا وإن أرضعته لم تحرم على سيدها.(4/132)
فصل. متى كان مفسد النكاح جماعة وزع المهر على رضعاتهن المحرمة لا على رؤسهن
فلو سقى خمس زوجة صغيرة من لبن أم الزوج خمس مرات انفسخ نكاحها ولزمهن نصف مهرها بينهن فإن سقتها واحدة شربتين وأخرى ثلاثا فعلى الأولى خمس المهر وعلى الثانية خمس وعشر وإن سقتها واحدة شربتين وسقاها ثلاث ثلاث شربات فعلى الأولى الخمس وعلى كل واحدة من الثلاث عشر وإن كان له ثلاث نسوة كبار وواحدة صغيرة فأرضعت كل واحدة من الثلاث الصغيرة أربع رضعات ثم حبلن في إناء وسقينه للصغرى حرم الكبار وإن لم يكن دخل بهن فنكاح الصغيرة ثابت وعليه لكل واحدة ثلث صداقها يرجع به على ضرتها لأن إفساد نكاحها حصل بفعلها وفعلهما1 وإن كان قد دخل بإحدى الكبار حرمت الصغيرة أيضا ولها نصف صداقها يرجع به عليهن أثلاثا وللتي دخل بها المهر كاملا وإن حلبن في إناء فسقته إحداهن الصغيرة خمس مرات كان عليه صداق ضرتها يرجع به عليها إن كان قبل الدخول لأنها أفسدت نكاحهما ويسقط مهرها إن لم يكن دخل بها وإن كان دخل بها فلها مهرها لا يرجع به على أحد وإن كانت كل واحدة من الكبار أرضعت الصغيرة خمس رضعات حرم الثلاث فإن كان لم يدخل بهن فلا مهر لهن عليه وإن كان دخل بهن فعليه لكل واحدة مهرها لا يرجع به على
__________
1 إنما ثبت لكل واحدة ثلث مهرها دون النصف كما هو المعروف في غير المدخول بها لأن اشتراكها في فسخ النكاح سبب لها الحرمان من السدس.(4/132)
أحد وتحرم الصغيرة ويرجع بما لزم من صداقها على المرضعة الأولى.(4/133)
فصل. وإذا أرضعت زوجته الأمة امرأته الصغيرة فحرمتها عليه
كان ما لزمه من صداق الصغيرة له في رقبة الأمة وإن أرضعتها أم ولده حرمتا عليه أبدا ولا غرامة عليها1، ويرجع على مكاتبته وإن أرضعت أم ولده بلبنه امرأة ابنه فسخت نكاحها وحرمتها عليه أبدا لأنها صارت أخته وإن أرضعت زوجة أبيه بلبنه حرمتها عليه لأنها صارت بنت ابنه ويرجع الأب على ابنه بأقل الأمرين مما غرمه لزوجته أو قيمتها لأن ذلك من جناية أم ولده وإن أرضعت أم ولده واحدة منهما2 بغير لبن سيدها لم تحرمها عليه لأن كل واحدة منهما صارت بنت أم ولده.
__________
1 حرمت أم الولد لأنها صارت من أمهات نسائه. وحرمت الزوجة لأنها بنته في الرضاع كما تقدم نظيره ولم يرجع على أم الولد بما وجب وهو نصف المهر لأنه سيدها وليس له غرم عليها.
2 مرجع الضمير زوجة أبيه وزوجة ابنه كما يفهم من السابق الكلام ولم تحرم واحدة منهما على زوجها لأن بنت أم ولدك من غير لبنك "كلبن زوج أم الولد" لا تحرم على أبيك ولا على ابنك.(4/133)
فصل. وإذا شك في الرضاع أو عدده بنى على اليقين
لأن الأصل عدم الرضاع في المسئلة الأولى وعدم وجود الرضاع المحرم في الثانية لكن تكون من الشبهات تركها أولى "قاله الشيخ" وإن شهد به امرأة واحدة مرضية على فعلها أو فعل غيرها أو رجل واحدة ثبت بذلك ولا يمين وإذا تزوج امرأة ثم قال قبل الدخول هي أختي من الرضاع انفسخ(4/133)
النكاح فإن صدقته أو ثبت ببينة فلا مهر لها وإن أكذبته فلها نصف المهر وإن قال بعد الدخول انفسخ النكاح ولها المهر ما لم تقر أنها طاوعته عالمة بالتحريم فإن رجع عن ذلك وأكذب نفسه لم يقبل في الحكم وأما فيما بينه وبين الله فإن علم كذب نفسه فالنكاح بحاله وإن شك في ذلك لم يزل عن اليقين بالشك فإن قال هي عمتي أو خالتي أو ابنة أخي أو ابنة أختي أو أمي من الرضاع وأمكن صدقه فهو كما لو قال أرضعتني وإياها سواء أو قال هذه حواء والحكم في الإقرار بقرابة من النسب تحرمها عليه كالحكم في الإقرار بالرضاع وإن ادعى أن زوجته أخته من الرضاع فأنكرته فشهدت بذلك أمه أو ابنته أو أبوه لم تقبل شهادتهم وإن شهد بذلك أمها أو ابنتها أو أبوها قبلت1 وإن ادعت ذلك المرأة وأنكرها الزوج فشهدت لها أمها أو ابنتها أو أبوها لم تقبل وإن شهدت لها أم الزوج أو ابنته أو أبوه قبل - وفي الترغيب والبلغة لو شهد به أبوها لم يقبل بل أبوه بلا دعوى وقاله في الرعايتين - وإن كانت الزوجة هي التي قالت هو أخي من الرضاع فأكذبها ولم تأت بالبينة
__________
1 لما كان هو المدعي كانت شهادة أبيه أو أمه مثلا غير مقبولة لأن الشهادة في حين قيام الدعوى من قبله تعتبر لحظة فكانوا متهمين فيها للقرابة التي بينه وبينهم وقبلت شهادة أبيها لعدم اتهامه في جانب الزوج ومن ذلك تفهم التعليل لما ذكر بعد هذه المسئلة.(4/134)
فهي زوجته في الحكم فإن كان قبل الدخول فلا مهر وإن كانت قبضته لم يكن للزوج أخذه وإن كان بعد الدخول فإن أقرت أنها كانت عالمة أنها أخته وبتحريمها عليه وطاوعته في الوطء فلا مهر لها وإن أنكرت شيئا من ذلك فلها المهر وهي زوجته في الحكم وأما فيما بينها وبين الله فإن علمت صحة ما أقرت به لم يحل لها مساكنته ولا تمكينه من وطئها وعليها أن تفتدي وتفر منه كما قلنا في التي علمت أن زوجها طلقها ثلاثا وتقدم وينبغي أن يكون الواجب لها من المهر بعد الدخول أقل المهرين من المسمى أو مهر المثل وإن كان إقرارها بأخوته قبل النكاح لم يجز لها نكاحه ولا يقبل رجوعها عن إقرارها في ظاهر الحكم وكذلك الرجل إن أقر أن هذه أته ونحوه قبل النكاح وأمكن صدقه لا يحل له أن يتزوج بها بعد ذلك في ظاهر الحكم ولو ادعت أمة أخوة السيد بعد وطء لم يقبل وقبله يقبل في تحريم الوطء لا في ثبوت العتق وإذا تزوج امرأة لها ابن من زوج قبله فحملت منه ولم تلد ولم يزد لبنها أو لم تحمل فهو للأول وإن زاد زيادة في أوانها فإن أرضعت به طفلا صلا ابنا لهما وإن لم يزد أو زاد قبل أوانه أو لم تحمل وزاد بالوطء فللأول وإن انقطع لبن الأول ثم ثاب بحملها من الثاني فهو لهما ومتى ولدت فاللبن للثاني وحده إلا إذا لم يزد أو لم ينقص من الأول حتى ولدت فهو لهما وإن ادعى أحد الزوجين على الآخر أنه أقر أنه أخو صاحبه من الرضاع فأنكر لم يقبل في(4/135)
شهادة النساء المنفردات لأنها شهادة على الإقرار1 ويكره لبن الفاجرة والمشركة والذمية والحمقاء والزنجية وسيئة الخلق والجذماء والبرصاء والبهيمة وعمياء فإنه يقال الرضاع يغير الطباع ويستحب أن يعطى الظئر عند الفطام عبدا أو أمة وتقدم في الإجارة وليس للزوجة أن ترضع غير ولدها إلا بإذن الزوج قاله الشيخ.
__________
1 والإقرار مما يطلع عليه الرجال في الغالب دون النساء. ولهذا أهملت شهادة النساء عليه واشترط شهادة رجلين عدلين كالنكاح.(4/136)
كتاب النفقات
*
مدخل
...
كتاب النفقات
وهي كفاية من يمونه خبزا وأدما وكسوة ومسكنا وتوابعها.
ويلزم ذلك الزوج لزوجته ولو ذمية بما يصلح لمثلها بالمعروف وهي مقدرة بالكفاية وتختلف باختلاف حال الزوجين فيعتبر ذلك الحاكم بحالهما عند التنازع فيفرض للموسرة تحت الموسر من أرفع خبز البلد ودهنه وأدمه الذي جرت عادة أمثالها بأكله من الأرز واللبن وغيرهما مما لا تكرهه عرفا وإن تبرمت بأدم نقلها إلى أدم غيره، ولحما2 عادة الموسرين بذلك الموضع وحطبا وملحا لطبخه وقدر اللحم رطل عراقي لكن يخالف في إدمانه - قال في الوجيز وغيره في جمعة مرتين - وما يلبس مثلها من حرير وخز وجيد كتان وقطن وأقله قميص وسراويل ووقاية "وهي ما تضعه فوق المقنعة وتمسى الطرحة" ومقنعة ومداس وجبة للشتاء وللنوم فراش ولحاف ومخدة. محشو ذلك بالقطن المنزوع
__________
2 ولحما معطوف على قوله من أرفع وهو مفعول يفرض.(4/136)
الحب إذا كان عرف البلد وملحفة للحاف وإزار وللجلوس زلي وهو بساط من صوف - وهو الطنفسة - أو رفيع الحصر وتزاد من عدد الثياب ما جرت العادة بلبسه مما لا غنى عنه دون ما للتجمل والزينة للمعسرة تحت المعسر من أدنى خبز البلد "كخشكار1" بأدمه الملائم له عرفا كالباقلا والخل والبقل والكامخ وما جرت به عادة أمثالها ودهنه ولحمه عادة - وفي الوجيز وغيره كالرعاية في اللحم كل شهر مرة - وما يلبس مثلها أو ينام فيه من غليظ القطن والكتان وللنوم فراش بصوف وكساء أو عباءة للغطاء والجلوس بارية2 أو خيش، للمتوسطة تحت المتوسط والموسرة مع المعسر والمعسرة مع الموسر المتوسط من ذلك عرفا وعليه نفقة البدوية من غالب قوت البادية بالناحية التي ينزلونها ويجب ما تحتاج إليه من الدهن للسراج أو الليل أو غيره على اختلاف أنواعه في بلدانه: السمن في موضع والزيت في آخر والشيرج في آخر لا لأهل الخيام والبادية3 ولا يجب لها إزار للخروج وهو الملحفة ومثله الخف ونحوه لأنه لم يبن أمرها على الخروج ولا بد من ماعون الدار ويكتفي بخزف وخشب والعدل ما يليق بهما وحكم المكاتب والعبد كالمعسر ومن نصفه حر إن كان موسرا فكمتوسطين وإنه كان معسر فكمعسرين ولا يجب في النفقة الحب فلو طلبت مكان الخبز حبا أو دراهم أو دقيقا
__________
1 الخشكار هو رديء الدقيق المعروف عند العوام بالكشكار وبالحشارة والكامخ بفتح الميم الإدام المبتذل الغث.
2 البارية بتشديد الياء الحصير المنسوج.
3 بريد لا يجب على الزوج زيت المصباح للزوجة إذا كانوا من أهل البادية لعدم اعتيادهم ذلك.(4/137)
أو غير ذلك أو مكان الكسوة دراهم أو غيرها لم يلزمه بذله ولا يلزمها قبوله بغير رضاها لو بذله وإن تراضيا على ذلك جاز بخلاف الطعام وليس هو معاوضة حقيقة ولكل منهما الرجوع عنه بعد التراضي في المستقبل ولا يملك الحاكم فرض غير الواجب كدراهم مثلا ولا يعتاض عن الماضي بربوى1 وعليه مؤنة نظافتها من الدهن والسدر والصابون وثمن ماء شرب ووضوء وغسل حيض ونفاس وجنابة ونجاسة وغسل ثياب وكذا المشط وأجرة القيمة نحوه وتبيض الدست وقت الحاجة ولا يجب عليه الأدوية وأجرة الطبيب والحجام والفاصد وكذا ثمن الطيب والحناء والخضاب ونحوه إلا أن يريد منها التزين به أو قطع رائحة كريهة منها ويلزمها ترك حناء وزينة نهاها عنه فإن احتاجت إلى من يخدمها لكون مثلها لا يخدم نفسها أو لموضعها2 ولا خادم لها لزمه لها خادم حر أو عبد إما بشراء أو كراء أو عارية ولا يلزمه أن يملكها إياه ولا إخدام لرقيقة ولو كانت جميلة فإن طلبت منه أجر خادمها فوافقها جاز وإن أبى وقال أنا آتيك بخادم سواه فله ذلك إذا أتى بمن يصلح لها ولا يكون الخادم إلا ممن يجوز له النظر إليها أما امرأة أذو رحم محرم فإن كان الخادم ملكها كان تعيينه إليهما وإن كان ملكه أو استأجره أو استعاره فتعيينه إليه ويجوز أن تكون كتابية ويلزمها قبولها،
__________
1 لا يجوز الاعتياض بربوي لأن النفقة الواجبة من الربوي فيؤدي ذلك إلى ربا النسيئة
2 إن كان مثلها لا يخدم نفسها. يزيد من المتزوجات بأمثاله: أو لموضعها يعني من المجد ومكانتها من شرف الحسب.(4/138)
وله تبديل خادم ألفتها ولا يلزم أجرة من يوضئ مريضة وتلزم نفقة الخادم وكسوته بقدر نفقة الفقيرين إلا في النظافة فلا يجب عليه لها ما يعود بنظافتها ولا مشط ودهن وسدر لرأسها فإن احتاجت إلى خف وملحفة لحاجة الخروج لزمه إلا إذا كانت بأجرة أو عارية فعلى مؤجر ومعير ولا يلزمه أكثر من نفقة خادم واحد فإن قالت أنا أخدم نفسي وآخذ ما يلزمك لخادمي لم يلزمه وإن قال أنا أخدمك لم يلزمها قبوله ولو أرادت من لا إخدام لها أن تتخذ خادما وتنفق عليه من مالها فليس لها ذلك إلا بإذن الزوج.(4/139)
فصل: وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها ومسكنها كالزوجة سواء إلا فيما يعود بنظافتها
...
فصل. وعليه نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها ومسكنها كالزوجة سواء إلا فيما يعند بنظافتها
فأما البائن بفسخ أو طلاق فإن كانت حاملا فلها النفقة تأخذها كل يوم قبل الوضع ولها السكنى والكسوة وإن لم تكن حاملا فلا شيء لها فإن لم ينفق عليها يظنها حائلا ثم تبين أنها حامل فعليه نفقة ما مضى سواء قلنا النفقة للحمل أو لها من أجله في ظاهر كلامهم وعكسها يرجع عليها وإن ادعت أنها حامل أنفق عليها ثلاثة أشهر فإن مضت ولم يبن رجع عليها إلا إن ظهرت براءتها قبل ذلك بحيض أو غيره فيقطع النفقة سواء دفع إليها بحكم حاكم أو يغبره شرط أنها نفقة أو لم يشرط وإن ادعت الرجعية الحمل فأنفق عليها أكثر من مدة عدتها رجع عليها بالزيادة ويرجع في مدة العدة إليها ولا يرجع بالنفقة في النكاح الفاسد إذا تبين فساده سواء كانت النفقة قبل مفارقتها أو بعدها كما لو أنفق على أجنبية وتجب للحمل لا لها من أجله وتستحق قبضها(4/139)
والتصرف فيها فتجب على زوج لناشر حامل ولملاعنة حامل ولو نفاه لعدم صحة نفيه فإن نفاه بعد وضعه فلا نفقة في المستقبل فإن استلحقه رجعت عليه الأم بما أنفقته وبأجرة المسكن والرضاع سواء قلنا النفقة للحمل أو لها من أجله وتجب لحامل من وطء شبهة أو نكاح فاسد على الواطئ ولملك يمين على السيد ولو أعتقها وعلى وارث زوج ميت ومن مال حمل موسر فتسقط عن أبيه وإن تلفت من غير تفريط وجب بدلها ولا تجدب على زوج رقيق ولا معسر ولا غائب فلا تثبت في الذمة كنفقة الأقارب وتسقط بمضي الزمان ما لم تستدن بإذن حاكم أو تنفق بنية الرجوع إذا امتنع من الإنفاق من وجب عليه ولا تجب على من لا يلحقه نسب الحمل كزان ولا على وارث مع عسر زوج ولا تجب فطرة حامل مطلقة ولا يصح جعل نفقة الحامل عوضا في الخلع لأن النفقة ليست لها ولو وطئت الرجعية بشبهة أو بنكاح فاسد فعليهما حتى تضع وبعد الوضع حتى ينكشف الأب منهما ومتى ثبت نسبه من أحدهما رجع عليه الآخر بما أنفق ولا نفقة من التركة لمتوفى عنها زوجها ولو حاملا ونفقة الحمل من نصيبه ولا لأم ولد حامل وينفق من مال حملها نصا ولا سكنى لهما ولا كسوة ولا تجب النفقة في النكاح الفاسد لغير حامل ولا لناشز غير حامل فإن كان لها ولد أعطاها نفقة ولدها إن كانت هي الحاضنة له أو المرضعة ويعطيها أيضا أجرة رضاعها إن طالبت بها فمتى امتنعت من فراشه أو الانتقال معه إلى مسكن مثلها أو خرجت(4/140)
أو سافرت أو انتقلت من منزله بغير إذنه أو أبت السفر معه إذا لم تشترط بلدها فهي ناشز.(4/141)
فصل. ويلزمه دفع القوت إلى الزوجة في صدر كل نهار وذلك إذا طلعت الشمس
فإن اتفقا على تأخيره أو تعجيله لمدة قليلة أو كثيرة جاز - واختار الشيخ لا يلزمه تمليك: ينفق ويكسو بحسب العادة انتهى - ولو أكلت مع زوجها عادة سقطت نفقتها وكذا إن كساها بدون إذنها وإذن وليها ونوى أن يعتد بها وإن رضيت بالحب لزمه أجرة طحنه وخبزه فإن طلب أحدهما دفع القيمة عن النفقة أو الكسوة لم يلزم الآخر وتقدم أو الباب ويلزمه كسوتها في كل عام مرة ويلزم الدفع في أوله لأنه أول وقت الوجوب وتملكها مع نفقة بالقبض وغطاء ووطاء ونحوهما ككسوة ولا تملك المسكن وأوعية الطعام والماعون والمشط ونحو ذلك لأنه إمتاع - قاله في الرعاية1 وإن أكلت معه عادة أو كساها بلا إذن ولم يتبرع سقطت والقول قوله في ذلك فإذا قبضتها فسرقت أو تلفت أو بليت لم يلزمه عوضها وإذا انقضت السنة وهي صحيحة فعليه كسوة السنة الأخرى وإن مات أو ماتت أو بانت قبل مضي السنة أو تسلفت النفقة أو الكسوة فحصل ذلك قبل مضيها رجع بقسطه لكن لا يرجع ببقية يوم الفرقة إلا على ناشز وإذا قبضت النفقة فلها التصرف فيها على وجه لا يضر بها ولا ينهك بدنها فيجوز لها بيعها وهبتها والصدقة بها وغير ذلك فإن عاد عليها بضرر في بدنها أو نقص
__________
1 يريد أن ذلك إمتاع لها وتيسير للعشرة بينهما وليس تمليكا.(4/141)
في استمتاعها لم تملكه فإذا دفع إليها الكسوة فأرادت بيعها أو الصدقة بها وكان ذلك يضر بها أو يخل بتحملها بها أو بسترتها لم تملك ذلك ولو أهدى لها كسوة لم تسقط كسوتها ولو أهدى لها طعام فأكلته وبقي قوتها إلى الغد لم يسقط قوتها فيه وإن غاب مدة ولم ينفق فعليه نفقة ما مضى سواء تركها لعذر أو غيره فرضها حاكم أو لم يفرضها وإذا أنفقت في غيبته من ماله فبان ميتا رجع عليها الوارث وإن فارقها في غيبته فأنفقت من ماله رجع عليها بما بعد الفرقة وتقدم معناه في العدد في امرأة المفقود إذا أنفقت.(4/142)
فصل. وإذا بذلت تسليم نفسها البذل التام وهي ممن يوطأ مثلها أو بذله وليها أو استلم من يلزمه تسلمها
لزمته النفقة والكسوة كبيرا كان الزوج أو صغيرا يمكنه الوطء أو لا يمكنه كالعنين والمجبوب والمريض حتى ولو تعذر وطؤها لمرض أو حيض أو نفاس أو رتق أو قرن1 أو لكونها نضوة الخلق أو حدث بها شيء من ذلك عنده لكن لو امتنعت من التسليم ثم حدث لها مرض فبذلته فلا نفقة وتقدم أو عشرة النساء إذا ادعت عبالة ذكره فإن كان الزوج صغير أجبر وليه على نفقتها من مال الصبي وإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها وزوجها طفل أو بالغ لم تجب نفقتها ولو مع تسليم نفسها وإن بذلت تسليم نفسها والزوج غائب لم يفرض لها حتى يراسله حاكم الشرع فيكتب إلى حاكم البلد الذي هو فيه ليستدعيه ويعلمه ذلك فإن سار إليها أو وكل من يتسلهما فوصل فتسلمها هو أو نائبه وجبت النفقة فإن لم يفعل فرض الحاكم عليه نفقتها من الوقت الذي
__________
1 القرن على وزن الفرح والقرنة كالتربة ما نتأ من الفرج في مدخله والرتق بفتح الراء والتاء انسداد الفرج.(4/142)
كان يمكن الوصول إليها وتسلمها وإن غاب بعد تسكينها فالنفقة واجبة عليه في غيبته وإن منعت تسليم نفسها ومنعها أهلها أو تساكنا بعد العقد فلم تبذل ولم يطلب فلا نفقة لها وإن طال مقامها على ذلك وإن بذلت تسليما غير تام كتسليمها في منزلها دون غيره أو في المنزل الفلاني دون غيره أو في بلدها دون غيره لم تستحق شيئا إلا أن تكون قد اشترطت ذلك في العقد وإن منعت نفسها قبل الدخول حتى تقبض صداقها الحال فلها ذلك ووجبت نفقتها وليس لها منع نفسها بعد الدخول حتى تقبضه ولا قبله حتى تقبض المؤجل ولو حل قبل الدخول فإن فعلت فلا نفقة لها وإن سلم الأمة سيدها ليلا ونهارا فكحرة في وجوب النفقة ولو أبى الزوج وتقدم معناه في عشرة النساء وإن كانت عنده ليلا فقط فعليه نفقة الليل من العشاء وتوابعه كالوطاء والغطاء ودهن المصباح ونحوه ونفقة النهار على سيدها ولو سلمها السيد نهارا فقط لم يكن له ذلك وعلى المكاتب نفقة زوجته ونفقة امرأة العبد ألقن على سيده فإن كان بعضه حرا فعليه من نفقتها بقدر ما فيه من الحرية وباقيها على سيده.(4/143)
فصل. وإذا نشزت المرأة أو سافرت أو انتقلت من منزله
وإن كان في غيبته بغير إذنه أو تطوعت بحج أو صوم منعته فيه نفسها أو أحرمت بحج منذور في الذمة أو لم تمكنه من الوطء أو مكنته منه دون بقية الاستمتاع أو لم تبت معه في فراشه أو لزمتها عدة من غيره فلا نفقة لها وسواء فيه البالغة والمراهقة والعاقلة والمجنونة قدر الزوج(4/143)
على ردها على الطاعة أم لا فإن أطاعت الناشز في غيبته لم تعد نفقتها حتى يعود التسليم بحضوره أو حضور وكيله فإن لم يحضر وروسل فعلم بذلك ومضى زمن يقدم في مقله لزمته وله تفطيرها في صوم التطوع ووطؤها فيه فإن امتنعت فناشز وبمجرد إسلام مرتدة ومختلفة عن الإسلام في غيبته لزمت النفقة ويشطر لناشز ليلا فقط أو نهارا فقط لا بقدر الأزمنة ويشطر لها بعض يوم ولو صامت لكفارة أو نذر أو قضاء رمضان ووقته متسع فيهما بلا إذنه أو سافرت لتغريب أو حبست ولو ظلما فلا نفقة لها وله البيتوتة معها في حبسها وإن حبسته على صداقها أو غيره من حقوقها وهو معسر كانت ظالمة مانعة له من التمكين فلا نفقة لها مدة حبسه وإن كان قادرا على أدائه لمنعه بعد الطلب فلها النفقة مدة حبسه إذا كانت باذلة للتمكين - قال الشيخ - وإن سافرت بإذنه في حاجته أو أحرمت بحجة الإسلام أو عمرته أو طردها وأخرجها من منزله فلها النفقة إن أحرمت في الوقت من الميقات وإن سافرت في حاجة نفسها ولو لنزهة أو تجارة أو زيارة أو حج تطوع ولو بإذنه فلا نفقة لها إلا أن يكون مسافرا معها متمكنا من استمتاعها فلا تسقط وإن أحرمت بمنذور معين في وقته أو صامت نذرا معينا في وقته ولو كان النذر بإذنه أو كان نذرها قبل النكاح في وقته فلا نفقة لها وإن اختلفا في نشوزها بعد الاعتراف بالتسليم أو في الإنفاق عليها أو تسليم النفقة إليها فقولها وإن ادعت يساره ليفرض لها نفقة الموسرين أو قالت كنت موسرا فأنكر فإن عرف له مال فقولها وإلا فقوله وإن(4/144)
اختلفا في بذله التسليم أو وقته أو في فرض الحاكم أو في وقتها فقال فرضها منذ شهر وقالت بل منذ عام فقوله وكل من قلنا القول قوله فلخصمه عليه اليمين وإن دفع إليها نفقة وكسوة أو بعث بذلك إليها فقالت إنما فعلته تبرعا وهبة فقال بل وفاء للواجب فقوله كما لو قضى دينه واختلف هو وغريمه في نيته وإن دفع إليها شيئا زائدا على الكسوة مثل مصاغ وقلائد وما أشبه ذلك على وجه التمليك فقد ملكته وليس له إذا طلقها أن يطالبها به وإن كان قد أعطاها للتجمل له كما يركبها دابته ويخدمها غلامه ونحو ذلك لأعلى وجه التمليك المعين فهو باق على ملكه فله أن يرجع فيه متى شاء سواء طلقها أو لم يطلقها وإن طلقها وكانت حاملا فوضعت فقال طلقتك حاملا فانقضت عدتك بوضع الحمل وانقضت نفقتك ورجعتك فقالت بل بعد الوضع فلي النفقة ولك الرجعة فقولها وعليها العدة ولا رجعة له1 وإن رجع فصدقها فله الرجة ولو قال طلقتك بعد الوضع فلي الرجعة ولك النفقة فقالت بل وأنا حامل فقولها2 وإن عاد فصدقها سقطت رجعته ووجبت لها النفقة هذا في الحكم الظاهر وفيما بينه وبين الله تعالى فيبني على ما يعلم من حقيقة الأمر دون ما قاله.
__________
1 القول قولها في النفقة بناء على الأصل. وعليها العدة لإقرارها بالطلاق ولا رجعة له لاعترافه بسقوطها.
2 يعني في سقوط النفقة فقط وأما الرجعة فله.(4/145)
فصل:- وإن أعسر الزوج بنفقتها أو ببعضها
عن نفقة المعسر(4/145)
لا بما زاد عنها أو أعسر بالكسوة أو ببعضها أو بالسكنى أو المهر بشرطه خيرت على التراخي بين الفسخ من غير انتظار وبين المقام وتمكينه وتكون النفقة أن نفقة الفقير والكسوة والمسكن دينا في ذمته ما لم تمنع نفسها ولها المقام ومنعه من نفسها فلا يلزمها تمكينه ولا الإقامة في منزله وعليه ألا يحبسها بل يدعها تكتسب ولو كانت موسرة فإن اختارت المقام أو رضيت بعسرته أو تزوجته عاملة به أو شرط ألا ينفق عليها أو أسقطت النفقة المستقبلة ثم بدا لها الفسخ فلها ذلك ومن لم يجد إلا قوت يوم بيوم فليس بمعسر بالنفقة لأن ذلك هو الواجب عليه وإن كان يجد في أول النهار ما يغديها وفي آخره ما يعشيها فلا خيار لها وإن كان صانعا يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقدر كفايتها في الأسبوع أو تعذر عليه الكسب في بعض زمانه أو تعذر البيع أو مرض مرضا يرجى برؤه في أيام يسيرة أو عجز عن الاقتراض أياما يسيرة أو اقترض ما ينفقه عليها أو تبرع له إنسان بما ينفقه فلا فسخ وإن كان المرض يطول أو كان لا يجد من النفقة إلا يوما دون يوم فلها الفسخ وإن أعسر بنفقتها فبذلها غيره لم تجبر إلا أن ملكها الزوج أو دفعها وكيله وكذا من أراد قضاء دين غيره فلم يقبل ربه وتقدم في السلم وإن أتاها بنفقة حرام لم يلزمها قبولها وتقدم في المكاتب ويجبر قادر على التكسب وإن أعسر بنفقة الخادم أو النفقة الماضية أو نفقة الموسر أو المتوسط أو الأدم فلا فسخ وتبقى النفقة والأدم في ذمته ومن كان له دين متمكن من استيفائه فكموسر وإن لم يتمكن(4/146)
فكمعسر وإن كان له عليها دين فأراد أن يحتسب عليها بدينه مكان النفقة فله ذلك إن كانت موسرة وإلا فلا وإن أعسر زوج الأمة فرضيت أو زوج الصغيرة أو المجنونة لم يكن لوليهن الفسخ.(4/147)
فصل: - وإن منع زوج موسر أو سيده إن كان عبدا كسوة أو بعضها
قدرت له على مال ولو من عين جنس الواجب أخذت منه كفايتها وكفاية ولدها الصغير عرفا ونحوه بالمعروف بغير إذنه وإن لم تقدر أجبره الحاكم فإن أبى حبسه فإن صبر على الحبس وقدر الحاكم على ماله أنفق منه فإن لم يقدر له على مال يأخذه أو لم يقدر على النفقة من مال الغائب ولم يجد إلا عروضا أو عقارا باعه وأنفق منه فيدفع إليها نفقة يوم بيوم فإن تعذر ذلك فلها الفسخ ونفقة الزوجات والأقارب والرقيق والبهائم إذا امتنع من وجبت عليه النفقة فأنفق عليها غيره بنية الرجوع فله الرجوع - ويأتي في الباب بعده - وإن كان الزوج غائبا ولم يترك لها نفقة ولم يقدر على مال له ولا على استدانة ولا الأخذ من وكيله إن كان له وكيل كتب الحاكم إليه فإن لم يعلم خبره وتعذرت النفقة كما تقدم فلها الفسخ ولا يصح الفسخ في ذلك كله إلا بحكم حاكم فيفسخ بطلبها أو تفسخ بأمره وفسخ الحاكم تفريق لا رجعة فيه ومن ترك الإنفاق الواجب لامرأته لعذر أو غيره مدة لم تسقط ولو لم يفرضها حاكم وكانت دينا في ذمته ويصح ضمان النفقة ما وجب منها وما يجب في المستقبل وتقدم في الضمان والصداق(4/147)
باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم
مدخل
...
باب نفقة الأقارب والمماليك والبهائم
تجب عليه نفقة والديه وإن علوا وولده وإن سفل أو بعضها: حتى ذوي الأرحام منهم ولو حجبه معسر: بالمعروف من حلال إذا كانوا فقراء وله ما ينفق عليهم فاضلا عن نفسه وامرأته ورقيقه يومه وليلته وكسوتهم وسكناهم من ماله وأجرة ملكه ونحوه أو كسبه لا من أصل البضاعة والملك وآلة العمل ويجبر قادر على التكسب ويلزمه نفقة كل من يرثه بفرض أو تعصيب ممن سواه1 سواء ورثه الآخر أولا: كعمته وعتيقه وبنت أخيه ونحوه: فأما ذوو الأرحام من غير عمودي النسب فلا نفقة لهم ولا عليهم.
ويتلخص لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط - أحدها أن يكون المنفق عليهم فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يكفيهم فلا نفقة لهم.
الثاني: أن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفق عليهم فاضل عن نفقة نفسه إما من ماله وإما من كسبه فمن لا يفضل عنه شيء لا يجب عليه شيء.
الثالث: أن يكون المنفق وارثا إن كان من غير عمودي النسب وإن كان للفقير ولو حملا وارث غير أب فنفته عليهم على قدر إرثهم منه فأم وجد على الأم الثلث والباقي على الجد وجدة وأخ على الجدة السدس والباقي على الأخ وأم وبنت بينهما أرباعا، وابن وبنت بينها أثلاثا،
__________
1 أي سوى النسب.(4/148)
فإن كان أحدهم موسرا لزمه بقدر إرثه من غير زيادة ما لم يكن من عمودي النسب وعلى هذا المعنى حساب النفقات إلا أن يكون له أب فينفرد بالنفقة وأم أم وأبو أم: الكل على أم الأم ومن له ابن فقير وأخ موسر فلا نفقة له عليهما ومن له أم فقيرة وجدة موسرة فالنفقة على الجدة وكذا أب فقير وجد موسر وأبوان وجد والأب معسر على الأم ثلث النفقة والباقي على الجد وإن كان معهم زوجة فكذلك وأبوان وأخوان وجد والأب معسر فلا شيء على الأخوين لأنهما محجوبان وليسا من عمودي النسب ويكون على الأم الثلث والباقي على الجد وإن لم يكن في المسئلة جد فالنفقة كلها على الأم وتجب نفقة من لا حرفة له ولو كان صحيحا مكلفا ولو من غير الوالدين ويلزمه خدمة قريب بنفسه أو غيره لحاجة كزوجة1 ويبدأ بالإنفاق على نفسه فإن فضل نفقة واحد فأكثر بدأ بامرأته ثم برقيقة ثم بالأقرب فالأقرب ثم العصبة ثم التساوي وإن فضل عنه ما يكفي واحدا لزمه بذله فإن كان له أبوان قدم الأب والابن إن كان الابن صغيرا أو مجنونا قدم وإن كان الابن كبيرا والأب زمنا فهو أحق - وفي المستوعب يقدم الأحوج ممن تقدم في هذه المسائل - وإن كان أب وجد أو ابن وابن ابن قدم الأب والابن ويقدم جد على أخ وأب على ابن ابن وأبو أب
__________
1 على المنفق أن يخدم من وجبت عليه نفقتهم كما تجب على الزوج خدمة الزوجة تبعا لنفقتها. لأن الخدمة من تمام الكفاية.(4/149)
على أبي أم ومع أبي أبي أب يستويان وظاهر كلامهم يأخذ من وجبت له النفقة بغير إذنه إن امتنع من الإنفاق لزوجة وتقدم في الباب قبله ولا تجب نفقة مع اختلاف دين إلا بالولاء أو بإلحاق القافة ومن ترك الإنفاق الواجب مدة لم يلزمه عوضه إل أن فرضها حاكم أو استدان بإذنه لكن لو غاب زوج فاستدانت لها ولأولدها الصغار رجعت ولو امتنع زوج أو قريب من نفقة واجبة بأن تطلب منه فيمتنع رجع عليه منفق عليه بنية الرجوع ويلزمه نفقة زوجة من تلزمه مؤنته وإعفاف من وجبت له نفقة من أب وإن علا وابن وإن نزل وغيرهم إذا احتاج إلى النكاح لزوجة حرة أو سرية تعفه أو يدفع إليه مالا يتزوج به حرة أو يشتري به أمة والتحيير للملزوم بذلك وليس له أن يزوجه قبيحة ولا أن يملكه إياها ولا كبيرة لا استمتاع بها ولا أن يزوجه أمة ولا يملك استرجاع ما دفع إليه من جارية ولا عوض ما زوجه به إذا أيسر ويقدم تعيين قريب إذا استوى المهر1 ويصدق أنه تائق بلا يمين وإن ماتت أعفه ثانيا إلا أن طلق لغير عذر أو أعتق وإن اجتمع جدان ولم يملك إلا إعفاف أحدهما قدم الأقرب إلا أن يكون أحدهما من جهة الأب فيقدم وإن بعد على الذي من جهة الأم ويلزمه إعفاف أمه كأبيه إذا طلبت ذلك وخطبها كفؤ والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة والمسكن بقدر العادة كما ذكرنا
__________
1 يقدم قول القريب المكلف بالنفقة على قول قريبه في اختيار الزوجة لأن الأول هو المخاطب بالنظر في شأن الثاني المعسر.(4/150)
في الزوجة ويجب على المعتق نفقة عتيقه فإن مات مولاه فالنفقة على الوارث من عصبياته على ما ذكر في الولاء ويجب عليه نفقة أولاد معتقه إذا كان أبوهم عبدا فإن أعتقه أبوهم فانجر الولاء إلى معتقه صار ولاؤهم لمعتق أبيهم ونفقتهم عليه وليس على العتيق نفقة معتقه لأنه لا يرثه وإن كان كل واحد منهما مولى الآخر فعلى كل واحد منهما نفقة الآخر وليس على العبد نفقة ولده حرة كانت الزوجة أو أمة ولا نفقة أقاربه الأحرار ونفقة أولاد المكاتب الأحرار وأقاربه لا تجب عليه وتجب عليه نفقة ولده من أمته وإن كانت زوجته حرة فنفقة أولادها عليها فإن كان لهم أقارب أحرار كجد وأخ مع أم أنفق كل واحد منهم بحسب ميراثه والمكاتب كالمعدوم بالنسبة إلى النفقة وإن كانت مكاتبة فسيأتي فإن أراد المكاتب التبرع بالنفقة على ولده من أمة أو مكاتبة لغير سيده أو حرة فليس له ذلك وإن كان من أمة لسيده جاز لا من مكاتبة لسيده1.
__________
1 لأن المكاتب ممنوع من التصرف المطلق ما دام رقيقا فلم يجز له أن يتبرع بالنفقة إلا لولده من أمة سيده لأن تبرعه يكون آيلا إلى سيده وهو جائز.(4/151)
فصل. وتجب نفقة ظئر الصغير في ماله.
فإن لم يكن له مال فعلى أمن تلزمه نفقته ولا يلزمه لما فوق الحولين ولا يفطم قبلهما إلا بإذن أبويه إلا أن يتضرر وللأب منع امرأته من خدمة ولدها منه لا من رضاعه إذا طلبت ذلك وإن طلبت أجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فهي أحق سواء كانت في حبال الزوج أو مطلقة فإن طلبت أكثر من أجرة مثلها ولو(4/151)
بيسير لم تكن أحق به إلا ألا يوجد من يرضعه إلا بمثل تلك الزيادة ولو كانت مع زوج آخر وطلبت رضاعه بأجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فأمه أحق إذا رضي الزوج الثاني وإذا أرضعت الزوجة ولدها وهي في حبال والده فاحتاجت إلى زيادة نفقة لزمه وللسيد إجبار أم ولده على رضاعه مجانا فإن عتقت على السيد فحكم رضاع ولدها منه حكم المطلقة البائن وإن امتنعت الأم من إرضاع ولدها لم تجبر إلا أن يضطر إليها أو يخشى عليه لكن يجب عليها أن تسقيه اللبأ وللزوج منع امرأته من إرضاع ولد غيرها ومن إرضاع ولدها من غيره من حين العقد إلا أن يضطر إليها بألا يوجد من يرضعه غيرها أو لا يقبل الارتضاع من غيرها فيجب التمكين من إرضاعه أو تكون قد شرطته عليه نصا وإن أجرت نفسها للرضاع ثم تزوجت لم يملك الزوج فسخ الإجارة ولا منعها من الرضاع حتى تمضي المدة: أشبه ما لو اشترى أمة مستأجرة وتقدم في عشرة النساء.(4/152)
فصل. ويلزم السيد نفقة رقيقه قدر كفايتهم بالمعروف
ولو مع اختلاف الدين ولو آبقا أو نشزت الأمة أو عمى أو زمن أو مرض أو انقطع كسبه من غالب قوت البلد وأدم مثله وكسوتهم من غالب الكسوة لأمثال العبيد في ذلك البلد الذي هو به وغطاء ووطاء ومسكن وماعون وإن ماتوا فعليه تكفينهم وتجهيزهم ودفنهم ويسن أن يلبسه مما يلبس وأن يطعمه مما يطعم فإن وليه1 فإن سيده يجلسه يأكل معه أو يطعمه منه ولا يأكل بلا إذنه ويستحب أن يسوي بين عبيده وإمائه في
__________
1 يريد أن ولي العبد صنع الطعام.(4/152)
الكسوة والإطعام ولا بأس بزيادة من هي للاستمتاع في الكسوة ويلزمه نفقة ولد أمته الرقيق دون زوجها ويلزم الحرة نفقة ولدها من عبد ويلزم المكاتبة نفقة ولدها ولو كان أبوه مكاتبا وكسبه لها وينفق على من بعضه حر بقدر رقه وبقيتها عليه وله وطء أمة ملكها يجزئه الحر بلا إذن ويلزم السيد تزويجهم إذا طلبوه1 إلا أمة يستمتع بها ولو مكاتبة بشرط وطئها فإن أبى أجبر وتصدق الأمة أنه ما يطؤها وأن زوجها بمن عيبه غير الرق فلها الفسخ وإذا كان للعبد زوجة فعلى سيده تمكينه من الاستمتاع بها ليلا ومن غاب عن أم ولده زوجت لجاجة نفقة - قال في الرعاية زوجها الحاكم وحفظ مهرها للسيد - وكذا لحاجة وطء وما الأمة فقال القاضي: إذا غاب سيدها غيبة منقطعة فطلبت التزويج زوجها الحاكم وتقدم في أركان النكاح: ويحرم أن يكلفهم من العمل ما لا يطيقون وهو ما يشق عليه مشقة كثيرة فإن كلفه مشقا أعانه ولا يجوز تكليف الأمة بالرعي لأن السفر مظنة الطمع لبعدها عمن يذب عنها ويجب أن يريحهم وقت قيلولة ونوم وصلاة مفروضة وأن يركبهم عقبة عند الحاجة وتستحب مداراتهم إذا مرضوا ويجب ختان من لم يكن مختونا منهم وأباق العبد كبيرة ويحرم إفساده على سيده وإفساد المرأة على زوجها - قال الشيخ في مسلم نحس في بلاد التتار أبى بيع عبده وعتقه ويأمره بترك المأمور وفعل المنهي عنه فهربه إلى بلاد أهل بدع مضلة فإنه لا حرمة لهذا ولو كان في طاعة المسلمين
__________
1 لقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}(4/153)
والعبد إذا هاجر من أرض الحرب فهو حر وقال: ولو لم تلائم أخلاق العبد أخلاق سيده لزمه إخراجه عن ملكه ولا يعذب خلق الله - ويجب ألا يسترضع الأمة لغير ولدها إلا بعد ريه كما لو مات ولدها وبقي لبنها ولا يجوز له إجارتها بلا إذن زوج في مدة حقه ويجوز في مدة حق السيد ما لم يضر بها وتجوز المخارجة باتفاقهما إذا كان ما جعل "على الحجم1" بقدر كسب العبد فأقل بعد نفقته والألم يجز ولا يجبر من أباها ومعناها أن يضرب عليه خراجا معلوما يؤديه إلى سيده كل يوم وما فضل للعبد ويؤخذ من الغني لعبد مخارج هدية طعام وإعارة متاع وعمل دعوة - وفي الهدي للعبد التصرف بما زاد على خراجه - وللسيد تأديبهم باللوم والضرب كولد وزوجة والأحاديث الصحيحة تدل على جواز الزيادة2 ويسن العفو عنه أولا ويكون مرة أو مرتين نصا ولا يضربه شديدا ولا يضربه إلا في ذنب عظيم نصا ويقيده بقيد إذا خاف عليه ويؤدب على فرائضه وعلى ما إذا كلفه ما يطيق فامتنع وليس له لطمه في وجهه ولا خصاؤه ولا التمثيل ولا يشتم أبويه الكافرين ولا يعود لسانه الخنا والردا ولا يدخل الجنة
__________
1 الظاهر أن ما بين القوسين مقحم بين كلام المصنف وانه من كلام ساقه الشارح للاستدلال وحاصله أن عبدا كان يدعى أبا طيبة وكان حجاما وقد حجم النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه أجرته وأمر سادة هذا العبد أن يخففوا عنه الضريبة المفروضة عليه. وذلك إقرار من النبي لهم على جوازها.
2 يريد جواز الزيادة في ضرب الرقيق على ضرب الزوجة لتعليمهم.(4/154)
سيء الملكة وهو الذي يسيء إلى مماليكه - قال ابن الجوزي في كتابه السر المصون معاشرة الولد باللطف والتأديب والتعليم وإذا احتيج إلى ضربه ضرب ويحمل الولد على أحسن الأخلاق ويجنب سيئها فإذا كبر فالحذر منه ولا يطلعه على كل الأسرار ومن الغلط ترك تزويجه إذا بلغ فإنك تدري ما هو فيه مما كنت فيه فصنه من الزلل عاجلا خصوصا البنات وإياك أن تزوج البنت بشيخ أو شخص مكروه وأما المملوك فلا ينبغي أن تسكن إليه بحال بل كن منه على حذر ولا تدخل الدار منهم مراهقا ولا خادما فإنهم رجال مع النساء ونساء مع الرجال وربما امتدت عين امرأة إلى غلام محتقر انتهى - وإن بعثه سيده لحاجة فوجد مسجدا يصلي فيه قضى حاجته ثم صلى وإن صلى فلا بأس ومتى امتنع السيد من الواجب عليه من نفقة أو كسوة أو تزويج فطلب العبد البيع لزمه بيعه سواء كان امتناع السيد لعجزه عنه أو مع قدرته عليه ولا يلزمه بيعه بطلبه مع القيام بما يجب له ولا يتسرى عبد ولو بإذن سيده لأنه لا يملك وقيل بل بإذنه نص عليه في رواية جماعة واختاره كثير من المحققين وصححه في الإنصاف وجعله المذهب فإذا قال له السيد تسراها أو أذنت لك وفي وطئها أو ما دل عليه أبيح له على هذا القول وعليه يجوز في أكثر من واحدة ولم يملك السيد الرجوع بعد التسري نصا.(4/155)
فصل. ويلزمه إطعام بهائمه ولو عطبت وسقيها حتى تنتهي إلى أول شبعها وريها دون غايتهما
ويلزمه القيام بها والإنفاق عليها وإقامة(4/155)
من يرعاها أو نحوه ويحرم أن يحملها ما لا تطيق وأن يحلب من لبنها ما يضر بولدها ويسن للحالب أن يقص أظافره لئلا يجرح الضرع وجيفتها له ونقلها عليه فيلزمه أن ينقلها إلى مكان يدفع فيه ضررها عن الناس ويحرم وسم وضرب في الوجه إلا لمداواة وفي الآدمي أشد ويكره خصي غير غنم وديوك ويحرم في آميين لغير قصاص ولو رقيقا ويكره تعليق جرس ووتر وجز معرفة وناصية وذنب ويحرم لعن الدابة - قال أحمد قال الصالحون لا تقبل شهادته - وإن امتنع من الإنفاق عليها أجبر على ذلك فإن أبى أو عجز أجبر على بيع أو إجارة أو ذبح مأكول فإن أبى فعل الحاكم إلا صلح أو اقترض عليه ويجوز الانتفاع بها في غير ما خلقت له كالمحمل أو الركوب وأبل وحمر لحرق ونحوه ولا يجوز قتلها ولا ذبحها للإراحة كالآدمي المتألم بالأمراض الصعبة وعلى مقتني الكلب المباح أن يطعمه أو يرسله ولا يحل حبس شيء من البهائم لتهلك جوعا ويحسن قتل ما يباح قتله ويباح تجفيف دود القز بالشمس إذا استكمل وتدخين الزنابير فإن لم يندفع ضررها إلا بإحراقها جاز ولا تجب عيادة الملك الطلق إذا كان مما لا روح فيه كالعقار ونحوه1 وإن كان لمحجور عليه وجب على وليه عمارة داره وحفظ ثمره وزرعه بالسقي وغيره
__________
1 الملك الطلق بكسر الطاء هو المختص بمالك واحد. ومراده بقوله. ولا تجب عيادة الملك المطلق الخ أنه لا يكلف برعايته كما كلف بملكه ذي الروح فإن الثاني محترم النفس وإهماله محرم.(4/156)
باب الحضانة
مدخل
...
باب الحضانة
وهي حفظ صغير ومجنون ومعتوه وهو المختل العقل مما يضرهم وتربيتهم بعمل مصالحهم كغسل رأس الطفل ويديه وثيابه ودهنه وتكحيله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوه.
وهي واجبة كالإنفاق عليه ومستحقها رجل عصبة وامرأة وارثة أو مدلية بوارث كالخالة وبنات الأخوات أو مدلية بعصبة كبنات الأخوة والأعمام وذوي رحم غير من تقدم وحاكم فإذا افترق الزوجان ولهما طفل أو معتوه أو مجنون ذكر أو أنثى فأحق الناس بحضانته أمه كما قبل الفراق مع أهليتها وحضورها وقبولها ولو بأجرة مثلها كرضاع فهي أحق من أبيه ولأن أباه لا يتولى الحضانة بنفسه وإنما يدفعه إلى امرأته وأمه أولى من امرأة أبيه ولو امتنعت لم تجبر ثم أمهاتها ثم أب ثم أمهاته ثم جد ثم أمهاته وهلم جرا ثم أخت لأبوين وتقدم أخت من أم على أخت من أب وخالة على عمة وخالة أم على خالة أب وخالات أبيه على عماته ومن يدلي بعمات وخالات بأم على من يدلي بأب وتحريره أم ثم أمهاتها فالقربى ثم أب ثم أمهاته كذلك ثم جد ثم أمهاته كذلك ثم أخت لأبوين ثم لأم ثم لأب ثم خالة لأبوين ثم لأم ثم لأب ثم عمات كذلك ثم خالات أمه ثم خالات أبيه ثم عمات أبيه ثم بنات أخوته وأخواته ثم بنات أعمامه وعماته ثم بنات أعمام أبيه وبنات عمات أبيه كذلك على التفصيل المتقدم، وتقدمت(4/157)
حضانة لقيط ثم لباقي العصبة الأقرب فالأقرب فإن كانت أنثى فمن محارمها ولو برضاع ونحوه فلا حضانة عليها لابن العم ونحوه لأنه ليس من محارمها وفي المغني وغيره إذا بلغت سبعا لم تسلم إليه وقبلها له الحضانة عليها وهو قوي وإن اجتمع أخ وأخت أو عم وعمة أو ابن أخر وبنت أخ أو ابن أخت وبنت أخت قدمت الأنثى على من في درجتها من الذكور كما تقدم الأم على الأب وأم الأب على أبي الأب ثم لذوي الأرحام رجالا ونساء غير من تقدم فيقدم أبو أم ثم أمهاته ثم أخ من أم ثم خال ثم حاكم فيسلمه إلى من يحضنه من المسلمين ولو استؤجرت للرضاع والحضانة لزماها وإن استؤجرت للرضاع وأطلق لزمتها الحضانة تبعا وللحضانة وأطلق لم يلزمها الرضاع وإن امتنعت الأم أو غيرها من الحضانة أو كانت غير أهل لها انتقلت إلى من بعدها ومن أسقط حقه منها سقط عنه وله العود متى شاء.(4/158)
فصل. ولا حضانة لرقيق ولا لمن بعضه حر
ولو كان بينه وبين سيده مهايأة فإن كان بعض الطفل رقيقا فلسيده وقريبه بمهايأه لأن حضانة الطفل الرقيق لسيده والأولى لسيده أن يقره مع أمه ولا لفاسق ولا لكافر على مسلم ولا لمجنون ولو غير مطبق ولا لمعتوه ولا لطف ولا لعاجز عنها كأعمى ونحوه قال الشيخ وضعف البصر يمنع من كمال ما يحتاج إليه المحضون من المصالح انتهى وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من الحضانة وصرح بذلك العلائي الشافعي في قواعده وقال لأنه يخشى على الولد من لبنها وخالطتها انتهى - ويأتي(4/158)
في التقرير أن الجذمى ممنوعون من مخالطة الأصحاء ولا لامرأة مزوجة لأجنبي من الطفل من حين العقد ولو رضي الزوج لئلا يكون في حضانة أجنبي فإن كان الزوج ليس أجنبيا كجده وقريه فلها الحضانة ولو اتفقا على أن يكون في حضانتها وهي مزوجة ورضي زوجها جاز ولم يكن لازما ولو تنازع عمان ونحوهما واحد منهما متزوج بالأم أو الخالة فهو أحق فإن زالت الموانع كأن عتق الرقيق وأسلم الكافر وعدم الفاسق ولو ظاهرا وعقل المجنون وطلقت الزوجة ولو رجعيا ولو لم تنقض العدة رجعوا إلى حقهم ونظير هذه المسئلة لو وقف على أولاده وشرط أن من تزوج من البنات لا حق لها فتزوجت ثم طلقت عاد إليها حقها فإن طلقت وكان قد أراد برها رجع حقها كالوقف وإن أراد صلتها ما دامت حافظة لحرمة فراشه فلا حق قها ولا تثبت الحضانة على البالغ الرشيد العاقل وإليه الخيرة في الإقامة عند من شاء من أبويه فإن كان رجلا فله الانفراد بنفسه إلا أن يكون أمرد يخاف عليه الفتنة فيمنع من مفارقتهما ويستحب ألا ينفرد عنهما ولا يقطع بره عنهما وإن كانت جارية فليس لها الانفراد ولأبيها وأوليائها عند عدمه منعها منه وعلى عصبة المرأة منعها من المحرمات فإن لم تمنع إلا بالحبس حبسوها وإن احتاجت إلى رزق وكسوة كسوها ولبس لهم إقامة الحد عليها ومتى أراد أحد الأبوين النقلة إلى بلد مسافة قصر فأكثر أمن هو والطريق(4/159)
ليسكنه فالأب أحق بالحضانة - قال في الهدى هذا كله ما لم يرد بالنقلة مضارة الآخر وانتزاع الولد فإذا أراد ذلك لم يجب إليه انتهى - وإن كان البلد قريبا للسكنى فأم أحق وإن كان بعيدا ولو لحج أو قريبا لحاجة ثم يعود أو بعيدا للسكنى لكنه مخوف هو أو الطريق فمقيم أولى فإن اختلفا فقال الأب سفري للإقامة وقالت الأم بل لحاجة وتعود فقوله مع يمينه وإن انتقلا جميعا إلى بلد واحد فالأم باقية على حضانتها وإن أخذه الأب لافتراق البلدين ثم اجتمعا عادت إلى الأم حضانتها.(4/160)
فصل. وإذا بلغ الغلام سبع سنين عاقلا واتفق أبواه أن يكون عند أحدهما جاز وإن تنازعا فيه خيره الحاكم بينهما فكان مع من اختار منهما -
قال ابن عقيل مع السلامة من فساد فأما إن علم أنه يختار أحدهما ليمكنه من فساد ويكره الآخر للأدب لم يعمل بمقتضى شهوته انتهى - ولا يخير قبل سبع فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه وإن مرض كانت أحق بتمريضه في بيتها وإن اختار أمه كان عندها ليلا وعند أبيه نهارا ليعمله الصناعة والكتابة ويؤدبه فإن عاد فاختار الآخر نقل إليه وإن عاد فاختار الأول رد إليه هكذا أبدا فإن لم يختر أحدهما أو اختارهما أقرع ثم إن اختار غير من قدم بالقرعة رد إليه ولا يخير إذا كان أحد أبويه ليس من أهل الحضانة وتعين أن يكون عند الآخر وإن اختار أباه ثم زال عقله رد إلى الأم وبطل اختياره والجارية إذا بلغت سبع سنين فأكثر فعند أبيها إلى البلوغ وبعده عنده أيضا إلى الزفاف وجوبا ولو تبرعت الأم بحضانتها،(4/160)
ويمنعها من الانفراد وكذلك من يقوم مقامه وإذا كانت عند الأم أو الأب فإنها تكون عنده ليلا ونهارا فإن تأديبها وتخريجها في جوف البيت ولا يمنع أحدهما من زيارتها عند الآخر من غير أن يخلو الزوج بأمها ولا يطيل والورع إذا زارت ابنتها تحرى أوقات خروج أبيها إلى معاشه لئلا يسمع كلامها وإن مرضت فالأم أحق بتمريضها في بيت الأب وتمنع من الخلوة بها إن كانت البنت مزوجة إذا خيف منها وكذلك الغلام وإن مرض أحد الأبوين والولد عند الآخر لم يمنع الولد ذكرا كان أو أنثى من عيادته ولا من تكرر ذلك ولا من حضوره عند موته تولى جهازه وأما في حال الصحة فالغلام يزور أمه والأم تزور ابنتها والغلام يزور أمه على ما جرت به العادة كاليوم في الأسبوع وإن مات الولد حضرته أمه وتتولى ما تتولاه حال الحياة فتشهده في حال نزعه وتشد لحيته وتوجهه وتشرف على من يتولى غسله وتجهيزه ولا تمنع من جميع ذلك إذا طلبته فإن أرادت الحضور بما ينافي الشرع: من تخريق ثوب ولطم خد ونوح - منعت فإذا امتنعت وإلا حجبت عنه إلى أن تترك المنكر وإن استوى اثنان فأكثر في حضانة من له دون سبع سنين: كالأختين والأخوين ونحوهما - قدم أحدهما بقرعة فإذا بلغ سبعا ولو أنثى كان عند من شاء منهم وسائر العصبات: الأقرب فالأقرب منهم - كأب عند عدمه أو عدم أهليته في التخيير والإقامة والنقلة إذا كان محرما للجارية كما تقدم وسائر النساء المستحقات لها كأم في ذلك ولا يقر الطفل بيد من لا يصونه ويصلحه والمعتوه ولو أنثى عند أمه ولو بعد البلوغ(4/161)
كتاب الجنايات
*
مدخل
...
كتاب الجنايات
وهي جمع جناية وهي: التعدي على الأبدان بما يوجب قصاصا أو غيره
قتل الآدمي بغير حق ذنب كبير وفاعله فاسق وأمره إلى الله: إن شاء عذبه وإن شاء غفر له وتوبته مقبولة ولا يسقط حق المقتول في الآخرة بمجرد التوبة - قال الشيخ: فعلى هذا يأخذ المقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته فإن اقتص من القاتل أو عفا عنه: فهل يطالبه المقتول في الآخرة؟ على وجهين - قال القاضي عياض في حديث صاحب النسعة - وهو حديث صحيح مشهور - في هذا الحديث أن قتل القصاص لا يكفر ذنب القاتل بالكلية وإن كفر ما بينه وبين الله تعالى كما جاء في الحديث الآخر "فهو كفارة له ويبقى حق المقتول" ويأتي في باب المرتد له تتمة1
__________
1 النسعة بالنون المكسورة: السير العريض من الجلد، ويستخدم في حزم المتاع وسواه.
والحديث المشار إليه مروي من طريق متعددة والكلام عليه تفصيلا يخرج بنا عن الإيجاز وخلاصته أن رجلا قتل آخر، فجاء أخو القتيل يقتاد القاتل بسير في عنقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم له. وقد أفتاه صلى الله عليه وسلم بما يدل على أنه لو عفا ولي القتيل كان على القاتل ذنبان: ذنب القتيل لإزهاق روحه. وذنب وليه لما حقه من الضرر. ومن ذلك فهم القاضي عياض وغيره أنه لو اقتص الولي من القاتل لم يبق له حق بعد ذلك وبقي حق المقتول وحده كما نقل المصنف.(4/162)
والقتل ثلاثة أضرب: عمد يختص القصاص به: وشبه عمد: وخطأ ويشترط في القتل العمد - القصد فالعمد: أن يقتل قصدا بما يغلب على الظن موته به عاملا بكونه آدميا معصوما - وهو تسعة أقسام: - أحدها أن يجرحه بمحدد له مور: أي دخول وتردد في البدن يقطع اللحم والجلد كسكين وسيف وسنان وقدوم ويغرزه بمسلة أو ما في معناه مما يحدد ويجرح: من حديد ونحاس ورصاص وذهب وفضة وزجاج وحجر وخشب وقصب وعظم جرحا ولو صغيرا: كشرط حجام فمات ولو طالت علته منه ولا علة به0 غيره ولو لم يداوه قادر عليه أو يغرزه بإبرة أو شوكة ونحوها في مقتل: كالعين والفؤاد والخاصرة والصدغ وأصل الأذن والخصيتين فمات أو بإبرة ونحوها في الألية والفخذ فمات في الحال أو بقى ضمنا1 حتى مات: وإن قطع أو بط سلعة خطرة من أجنبي مكلف بغير إذنه فمات فعليه القود وإن فعله حاكم من صغير أو مجنون أو وليهما لمصلحة فلا شيء عليه: - الثاني أن يضربه بمثقل فوق عمود الفسطاط الذي تتخذه العرب لبيوتها فيه رقة ورشاقة لا كهو2 وأما العمود الذي تتخذه الترك وغيرهم لخيامهم فالقتل به عمد لأنه يقتل غالبا أو يضربه بما يغلب على الظن موته كاللت: نوع من
__________
1 الضمن بفتح الضاد وكسر الميم: السقيم.
2 قوله: لاكهو: يريد به ما كان كعمود الفسطاط لا يعتبر القتل به عمدا وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيمن قتلت جاريتها به الدية على عاقلتها. ومعروف أن العاقلة لا تحمل العمد.(4/163)
السلاح1 والدبوس وعقب الفأس والكوذين: الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقاق الثياب والسندان أو حجر كبير أو يلقى عليه حائط أو سقفا أو صخرة أو خشبة عظيمة أو يلقيه من شاهق أو يكرر الضرب بخشبة صغيرة أو حجر صغير أو يضربه به مرة أو يلكزه بيده في مقتل أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر مفرط أو برد شديد ونحوه فمات فعليه القود وإن ادعى جهل المرض في ذلك كله لم يقبل وإن لم يكن كذلك ففيه الدية لأنه عمد الخطأ: إلا أن يصغر جدا كالضربة بالقلم أو الإصبع في غير مقتل ونحوه أو مسه بالكبير ولم يضربه فلا قود فيه ولا دية: - الثالث أن يجمع بينه وبين أسد أو نمر بمضيق كزبية ونحوها وزبية الأسد: حفرة تحفر له شبه البئر فيفعل به ما يقتل مثله - فعليه القود وإن فعل به فعلا لو فعله الآدمي لم يكن عمدا فلا قود وإن ألقاه مكتوفا بحضرة سبع فقتله أو بمضيق بحضرة حية فنهشته أو لسعته عقرب من القواتل فقتله - فعليه القود وإن نهشه كلبا أو سبعا أو حية من القواتل وهو يقتل غالبا فعمد وإن كان لا يقتل غالبا كثعبان الحجاز أو سبع صغير أو كتفه وألقاه في أرض غير مسبعة فأكله سبع أو نهشته حية فمات - فشبه عمد وكذلك إن ألقاه مشدودا في موضع لم يعهد وصول زيادة الماء إليه أو تحتمل زيادة الماء وعدمها فيه وإن كان يعلم وصول زيادة الماء إليه أو تحتمل زيادة الماء وعدمها فيه وإن كان يعلم زيادة الماء في ذلك الوقت فمات به فهو عمد: - الرابع: ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منهما إما لكثرتهما أو لعجزه عن
__________
1 اللت بضم اللام وتشييد التاء.(4/164)
التخلص لمرض أو ضعف أو صغر أو كان مربوطا أو منعه الخروج كونه في حفرة لا يقدر على الصعود منها ونحو هذا فمات أو حبسه في بيت وأوقد فيه نارا أو سد المنافذ حتى اشتد الدخان وضاق به النفس أو دفنه حيا أو ألقاه في بئر ذات نفس عالما بذلك فمات - فعمد وإن ألقاه في ماء يسير يقدر على التخلص منه فلبث فيه اختيارا حتى مات فهدر وإن كان في نار يمكنه التخلص منها فلم يخرج حتى مات فلا قود ويضمنه بالدية وإنما تعلم قدرته على التخلص بقوله: أنا قادر على التخلص أو نحو هذا: - الخامس: خنقه بحبل أو غيره أو سد فمه وأنفه أو عصر خصيتيه حتى مات في مدة يموت في مثلها غالبا - فعمد وإن كان في مدة لا يموت فيها غالبا فشبه عمد إلا أن يكون صغيرا إلى الغاية بحيث لا يتوهم الموت فيه فمات - فهدر ومتى خنقه وتركه سالما حتى مات ففيه القود وإن تنفس وصح ثم مات فلا ضمان: - السادس: حبسه ومنعه الطعام والشراب أو أحدهما أو الدفاء في الشتاء ولياليه الباردة قاله ابن عقيل حتى مات جوعا أو عطشا أو بردا في مدة يموت في مثلها غالبا بشرط أن يتعذر عليه الطلب - فعمد فإن لم يتعذر فهدر كتركه شد موضع فصاده والمدة التي يموت فيها غالبا تختلف باختلاف الناس والزمان والأحوال فإذا عطشه في الحر - مات في الزمان القليل وعكسه في البرد وإن كان في مدة لا يموت فيها غالبا فعمد الخطأ وإن شككنا فيها لم يجب القود: - السابع: سقاه سما لا يعلم به أو خالطه بطعام ثم أطعمه إياه أو خلطه بطعام وآكله فأكله وهو لا يعلم فمات - فعليه القود إن كان مثله يقتل غالبا وإن علم آكله(4/165)
به وهو بالغ عاقل فلا ضمان وإن كان غير مكلف: بأن كان صغيرا أو مجنونا ضمنه وإن خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه فإن ادعى القاتل بالسم عدم علمه أنه قاتل لم يقبل كما لو جرحه وقال: لم أعلم أنه يموت إن كان سما لا يقتل غالبا فشبه عمد وإن اختلف هل يقتل غالبا أو لا؟ وثم بينة عمل بها وإن قالت: يقتل النضو الضعيف دون القوي أو غير ذلك - عمل على حسب ذلك فإن لم يكن مع أحدهما بينة فالقول قول الساقي: - الثامن: أن يقتله بسحر يقتل غالبا فهو عمد وإن قال: لا أعلمه قاتلا لم يقبل قوله فهو كتم حكما وإذا وجب قتله بالسحر وقتل كان قتله به حدا وتجب دية المقتول في تركته: والمعيان: الذي يقتل بعينه - قال ابن نصر الله في حواشي الفروع ينبغي أن يلحق بالساحر الذي يقتل بسحره غالبا فإذا كانت عينه يستطيع القتل بها ويفعله باختياره وجب به القصاص وإن فعل ذلك بغير قصد الجناية فيتوجه أنه خطأ يجب فيه ما يجب في القتل الخطأ: وكذا ما أتلفه بعينه يتوجه فيه القول بضمانه: إلا أن يقع بغير قصد فيتوجه عدم الضمان - انتهى ويأتي في التعزير -: التاسع: أن يشهد اثنان فأكثر على شخص بقتل عمد أو ردة حيث امتنعت التوبة أو أربعة فأكثر بزنا محصن ونحو ذلك مما يوجب القتل فقتل بشهادتهم ثم رجعوا واعترفوا بتعمد القتل - فعليهم القصاص وكذلك الحاكم إذا حكم على شخص بالقتل عالما بذلك متعمدا فقتل واعترف فعليه القصاص ولو أن الولي الذي باشر قتله أقر بعلمه بكذب الشهود وتعمد قتله فعليه القصاص وحده فإن أقر الشاهدان والولي(4/166)
والحاكم جميعا بذلك فعلى الولي المباشر القصاص وحده أيضا وإن كان الولي لم يباشر وإنما باشر وكيله فإن كان الوكيل عالما فعليه القصاص وحده وإلا فعلى الولي فيختص مباشر عالم بالقود ثم ولي ثم بينة وحاكم ومتى لزمت الدية الحاكم والبينة فهي بينهم سواء: على الحاكم مثل واحد منهم ولو رجع الولي والبينة ضمنه الولي وحده ولو قال بعضهم: عمدنا قتله وقال بعضهم: أخطأنا يريد كل قائل نفسه دون البعض الآخر "قاله ابن قندس في حاشية الفروع" أو قال واحد: عمدت قتله وقال الآخر: أخطأت - فلا قود على المتعمد وعليه حصته من الدية المغلظة وعلى المخطئ حصته من الدية المخففة ولو قال كل واحد منهم: تعمدت وأخطأ شريكي أو قال واحد: عمدنا جميعا وقال الآخر: عمدت وأخطأ صاحبي أو قال واحد: عمدت ولا أدري ما فعل صاحبي - فعليهما القود ولو قال واحد: عمدنا مخبرا عنه وعمن معه وقال الآخر: أخطأنا مخبرا عنه وعمن معه - لزم المقر بالعمد القود والآخر نصف الدية مخففة إذا كانا اثنين وإن قالا: أخطأنا فعليهما الدية مخففة ولو حفر في بيته بئرا وستره ليقع فيه أحد فوقع فمات فإن كان دخل بإذنه قتل به: لا أن دخل بلا إذنه أو كانت مكشوفة بحيث يراها الداخل أو لم يقصده ولو جعل في حلق زيد خراطة1 وشدها في شيء عال وترك تحته حجرا فأزاله آخر عمدا فمات - قتل مزيله دون رابطه وإن جهل الخراطة فلا قود وعلى عاقلته في ماله الدية ولو شد على ظهره قربة منفوخة وألقاه في البحر وهو لا يحسن السباحة فجاء آخر وخرق القربة فخرج الهواء فغرق فالقاتل
__________
1 الخراطة: الحبل وما يشبهه.(4/167)
هو الثاني واختار الشيخ أن الدال يلزمه القود إن تعمد وإلا فالدية وإن الآمر لا يرث1
__________
1 الفرع الذي نقله عن الشيخ هنا مستطرد وليس تكملة لما قبله.(4/168)
فصل:- وشبه العمد: ويسمى خطأ العمد وعمد الخطأ: أن يقصد الجناية إما لقصد العدوان عليه أو التأديب له فيسرف فيه بما لا يقتل غالبا ولم يجرحه بها فيقتل:
قصد قتله له أو لم يقصده: نحو أن يضربه بسوط أو عصا أو حجر صغير أو يلكزه بيده أو يلقيه في ماء قليل أو يسحره بما لا يقتل غالبا أو سائر ما لا يقتل غالبا أو يصيح بصغير أو صغيرة وهما على سطح أو نحوه فيسقطان أو يتغفل غافلا فيصيح به فيسقط فيموت أو يذهب عقله وفيه الكفارة إذا مات والدية على العاقلة وإن صاح بمكلف أو مكلفة فسقطا فلا شيء عليه إمساك الحية محرم وجناية فلو قتلت ممسكها من مدعي المشيخة ونحوه فقاتل نفسه ومع الظن أنها لا تقتل فشبه العمد بمنزلة من أكل حتى بشم فإنه لم يقصد قتل نفسه.(4/168)
فصل: - والخطأ: كرمي صيد أو غرض أو شخص ولو معصوما أو بهيمة ولو محترمة فيصيب آدميا معصوما لم يقصده أو ينقلب عليه نائم ونحوه -
فعليه الكفارة والدية على العاقلة وإن قتل في دار الحرب من يظنه حربيا فيتبين مسلما أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلما أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم - فهذا فيه الكفارة بلا دية قال الشيخ: هذا في المسلم الذي هو بين الكفار معذور: كالأسير والمسلم الذي لا يمكنه الهجرة والخروج من صفهم فأما الذي يقف في صف(4/168)
قتالهم باختياره فلا يضمن بحال وإن قتل بسبب كالذي يحفر بئرا أو ينصب حجرا أو سكينا ونحوه تعديا ولم يقصد جناية فيؤول إلى إتلاف الإنسان فسبيله سبيل الخطأ فإن قصد جناية فشبه عمد محرم وعمد الصبي والمجنون خطأ لا قصاص فيه والدية على العاقلة حيث وجبت والكفارة في ماله ولو قال: كنت حال القتل صغيرا أو مجنونا وأمكن - صدق بيمينه ويأتي في الباب بعده.(4/169)
فصل: - وتقتل الجماعة بالواحد إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به
وإلا فلا ما لم يتواطؤا على ذلك وإن عفا عنهم الولي سقط القود ووجبت دية واجدة ويأتي حكم الاشتراك في الطريق فيما يوجب القصاص فيما دون النفس وإن جرحه واحد جرحا والآخر مائة - فهما سواء في القصاص والدية فإن قطع واحد يده وآخر رجله وأوضحه ثالث - فللولي قتل جميعهم: والعفو عنهم إلى الدية من كل واحد منهم ثلثها وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية ويقتل الآخرين وله أن يعفو عن اثنين فيأخذ منهم ثلثيها ويقتل الثالث وإن برئت جراحة أحدهم ومات من الجرحين الآخرين فله أن يقتص من الذي برئ جرحه: مثل جرحه ويقتل الآخرين ويأخذ منهما دية كاملة أو يقتل أحدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية وله أن يعفو عن الذي برئ جرحه ويأخذ منه دية جرحه وإن ادعى الموضح أن جرحه برئ قبل موته وكذبه شريكاه فإن صدقه الولي ثبت حكم البرء بالنسبة إليه فلا يملك قتله ولا مطالبته بثلث الدية وله أن يقتص منه موضحة أو يأخذ منه أرشها ولم يقبل قوله في حق شريكيه فإن اختار الولي القصاص فله قتلهما وإن اختار(4/169)
الدية لم يلزمهما أكثر من ثلثيها وإن كذبه الولي حلف1 وله الاقتصاص منه أو مطالبته بثلث الدية ولم يكن له مطالبة شريكيه بأكثر من ثلثيها وإن شهد له شريكاه ببرئها لزمهما الدية كاملة للولي أخذها منهما إن صدقهما وإن لم يصدقهما أو عفا إلى الدية لم يكن له أكثر من ثلثيها ونقبل شهادتهما إن كان قد تابا وعدلا فيسقط القصاص ولا يلزمه أكثر من موضحة وإن قطع واحد يده من الكوع وآخر من المرفق ومات - فهما قاتلان ما لم يبرأ الأول فإن برئ فالثاني فإن اندمل القطعان أقيد الأول بأن يقطع من الكوع والثاني إن كانت كفه مقطوعة أقيد أيضا فتقطع يده من المرفق وإن كان له كف فحكومة وإن قتله جماعة بأفعال لا يصلح واحد منها لقتله نحو أن يضربه كل واحد سوطا في حالة أو متواليا - فلا قود وفيه عن تواطئ وجهان: الصواب القود وإن فعل واحد فعلا لا تبقى معه الحياة: كقطع حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول ويعزر الثاني كما يعزر جان على ميت وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه فالثاني هو القاتل وعلى الأول ضمان ما تلف بالقصاص أو الدية ولو كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا محالة إلا أنه لا يخرج به عن علم الحياة وتبقى معه الحياة المستقرة كخرق الأمعاء أو أم الدماغ وضرب الثاني عنقه فالقاتل الثاني وإن رماه من شاهق يجوز أن يسلم منه أولا وتلقاه آخر بسيف فقده أو رماه بسهر قاتل فقطع عنقه آخر قبل وقوع السهم به أو ألقى عليه صخرة فأطار آخر رأسه بالسيف قبل وقوعها عليه -
__________
1 الذي يحلف هو الولي.(4/170)
فالقصاص على الثاني. وإن ألقاه في لجة لا يمكنه التخلص منها فالتقمه حوت فالقود على الرامي وإن ألقاه في ماء يسير فأكله سبع أو التقمه حوت أو تمساح فإن علم الرامي بالحوت ونحوه - فالقود وإلا فالدية وإن أكره مكلفا على قتل معين فقتله فالقصاص عليهما وإن كان غير معين كقوله: أقتل زيدا أو عمرا أو اقتل أحد هذين - فليس إكراها فإن قتل أحدهما قتل وإن أكره سعد زيدا على أن يكره عمرا على قتل بكر فقتله - قتل الثلاثة جزم به في الرعاية الكبرى وإن دفع لغير مكلف آلة قتل: كسيف ونحوه ولم يأمره بقتل فقتل لم يلزم الدافع شيء وإن أمر عير مكلف أو عبده أو كبيرا عاقلا يجهلان تحريم القتل: كمن نشأ في غير بلاد الإسلام فقتل فالقصاص على الآمر ويؤدب المأمور وإن كان العبد ونحوه قد أقام في بلاد الإسلام بين أهلهل وادعى الجهل بتحريم القتل - لم يقبل والقصاص عليه ويؤدب السيد وإن أمره بزنا أو سرقة ففعل لم يجب الحد على الآمر: جهل المأمور التحريم أولا وإن أمره مكلفا عالما بالتحريم فعلى القاتل ويؤدب الآمر ولو قال مكلف غير قن لغيره: اقتلني أو اجرحني أو اقتلني وإلا قتلتك ففعل - فدمه وجرحه هدر ولو قاله قن ضمنه القاتل لسيده بمال فقط وإن قال له القادر عليه: اقتل نفسك وإلا قتلت أو اقطع يدك وإلا قطعتها فإكراه ومن أمر قن غيره بقتل قن نفسه أو أكرهه عليه - فلا شيء له وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك فالقصاص على القاتل، ويعزر الآمر وإن لم يعلم فعل الآمر وإن كان الآمر غير السلطان فالقصاص على القاتل(4/171)
بكل حال، وإن أكرهه السلطان على قتل أحد أو جلده بغير حق فالقصاص عليهما لكن إن كان السلطان يعتقد جواز القتل دون المأمور كمسلم قتل ذميا أو حر قتل عبدا فقتله فقال القاضي: الضمان عليه دون الإمام قال الموفق: إلا أن يكون القاتل عاميا فلا ضمان عليه وإن كان الإمام يعتقد تحريمه والقاتل يعتقد حله - فالضمان على الآمر وإن أمسك إنسانا الآخر ليقتله: لا للعب والضرب فقتله: مثل إن أمسكه له حتى ذبحه - قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت ولا قود عليه ولا دية وإن كان الممسك لا يعلم أن القاتل يعتله فلا شيء عليه وكذا لو فتح فمه وسقاه الآخر سما: أو تبع رجلا ليقتله فهرب فأدركه خر فقطع رجله فحبسه أو أمسكه آخر ليقطع طرفه فلو قتل الولي الممسك فقال القاضي: يجب عليه القصاص وخالفه المجد وإن كتفه وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتله لزمه القود وإن كانت غير مسبعة لزمته الدية وتقدم في الباب.(4/172)
فصل: - وإن اشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما لو انفرد:
كأب وأجنبي في قتل ولد وكحر وعبد في قتل عبد وكمسلم وذمي في قتل ذمي وخاطئ وعامد ومكلف وغير مكلف وشريك سبع وشريك نفسه: بأن يجرحه سبع أو إنسان ثم يجرح هو نفسه متعمدا - وجب القصاص على شريك الأب وعلى العبد وعلى الذمي كمكره أبا على قتل ولده وسقط عن غيرهم ويجب على شريك القن نصف قيمة المقتول وعلى شريك الأب وشريك الذمي وشريك(4/172)
الخاطئ ولو أنه نفسه: بأن جرحه جرحين أحدهما خطأ والآخر عمد وشريك غير المكلف وشريك السبع في غير قتل نفسه نصف الدية في ماله لأنه عمد ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم قاتل أو خاطه في اللحم الحي أو فعل ذلك وليه أو الإمام فمات - فلا قود على الجارح وعليه نصف الدية: لكن إن كان الجرح موجبا للقصاص استوفى وإلا أخذ الأرش.(4/173)
باب شروط القصاص
مدخل
...
باب شروط القصاص
وهي خمسة: - أحدها: أن يكون الجاني مكلفا فأما الصبي والمجنون وكل زائل العقل بسبب يعذر فيه كالنائم والمغمى عليه ونحوهما - فلا قصاص عليهم فإن قال: قتلته وأنا صبي وأمكن - صدق بيمينه وتقدم في الباب قبله وإن قال: قتلته وأنا مجنون فإن عرف له حال جنون فالقول قوله مع يمينه وإلا فقول الولي وكذلك إن عرف له حال جنون ثم عرف زواله قبل القتل فإن ثبت زوال عقله فقال: كنت مجنونا وقال الولي: بل سكران فقول القاتل مع يمينه فأما إن قتله وهو عاقل ثم جن - لم يسقط عنه: سواء ثبت ذلك بينة أو إقرار ويقتص منه في حال جنونه ولو ثبت عليه حد زنا أو غيره بإقراره ثم جن لم يقم عليه حال جنونه والسكران وشبهه إذا قتل فعليه القصاص الثاني: أن يكون المقتول معصوما فلا يجب قصاص ولا دية ولا كفارة بقتل حربي ولا مرتد قبل توبة لا بعدها إن قبلت ظاهرا ولا زان محصن ولو قبل توبته عند حاكم ولا محارب تحتم قتله، في(4/173)
نفس، ولا يقطع طرف بل ولا يجوز والمراد قبل التوبة ولو كان القاتل ذميا ويعزر فاعل ذلك والقاتل معصوم الدم لغير مستحق دمه ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد فأسلم أو حربي فأسلم ثم مات أو رمى حربيا أو مرتدا فأسلم قبل أو يقع به السهم - فلا شيء عليه وإن قطع طرفا أو أكثر من مسلم فارتد المقطوع ومات من جراحه - فلا قود على القاطع وعليه الأقل من دية النفس أو المقطوع يستوفيه الإمام وإن عاد إلى الإسلام ثم مات - وجب القصاص في النفس وإن جرحه وهو مسلم ثم ارتد أو بالعكس ثم جرحه جرحا آخر ومات منهما - فلا قصاص فيه ويجب نصف الدية لذلك وسواء تساوى الجرحان أو زاد أحدهما: مثل أن قطع يديه وهو مسلم ورجليه وهو مرتد أو بالعكس ولو قطع طرفا أو أكثر من ذمي ثم صار حربيا ثم مات من الجراحة فلا شيء على القاطع: - الثالث أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني وهو أن يساويه في الدين والحرية أو الرق فيقتل المسلم الحر والذمي الحر بمثله ويقتل العبد بالعبد: المسلم بالمسلم والذمي بالذمي ويجرى القصاص بينهما فيما دون النفس فله استيفاؤه وله العفو عنه دون السيد سواء كانا مكاتبين أو مدبرين أو أمي ولد وأحدهما كذلك أولا وسواء تساوت القيمة أولا أو كان القاتل والمقتول لواحد أولا ولو قتل عبد مسلم عبدا مسلما لذمي قتل به ولا يقتل مكاتب لعبده الأجنبي ويقتل بعبده ذي الرحم ولو قتل من بعضه حر مثله أو أكثر منه حرية - قتل به لا بأقل منه حرية وإذا قتل الكافر الحر عبدا مسلما(4/174)
لم يقتل به قصاصا وتؤخذ منه قيمته ويقتل لنقضه العهد ويقتل الذكر بالأنثى ولا يعطى أولياؤه شيئا وتقتل الأنثى بالذكر ويقتل كل واحد منهما بالخنثي ويقتل بكل واحد منهما ويقتل الذمي بالذمي حرا أو عبدا بمثله وذمي بمستأمن وعكسه ولو مع اختلاف أديانهم ويقتل النصراني واليهودي بالمجوسي ويقتل الكافر بالمسلم إلا أن يكون قتله وهو حربي ثم أسلم فلا يقتل وإن كان القاتل ذميا قتل لنقضه العهد وعليه دية حرا وقيمة عبد إن كان المسلم المقتول عبدا ويقتل المرتد بالذمي ويقدم القصاص على القتل بالردة ونقض العهد فإن عفا عنه ولي القصاص إلى الدية فله دية المقتول وإن أسلم المرتد ففي ذمته وإن قتل بالردة أو مات تعلقت بماله ولا يقتل مسلم ولو عبدا بكافر ذمي ولو ارتد ولا حر ولو ذميا بعبد إلا أن يقتله وهو عبد أو يجرحه وهو مثله أو يكون الجارح مرتدا ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق العبد قبل موت المجروح أو بعده فإنه يقتل به نصا ولو جرح مسلم ذميا أو حر عبدا ثم أسلم المجروح أو عتق ومات فلا قود وعليه دية حر مسلم فيأخذ سيد العبد ديته إلا أن تجاوز الدية أرش الجناية فالزيادة لورثة العبد ولا يقتل السيد بعبده ويقتل به عبده وبحر غيره ولا يقطع طرف الحر بطرف العبد وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود وعليه للورثة دية حر مسلم وإن مات من الرمية.(4/175)
فصل: - ولو قطع أنف عبد قيمته ألف فاندمل ثم أعتق أو أعتق ثم اندمل أو مات من سراية الجرح
وجبت قيمته بكمالها للسيد وإن قطع يده فأعتق ثم عاد فقطع رجله واندمل الجرحان وجب في يده نصف قيمته والقصاص في الرجل أو نصف الدية إن عفا عن القصاص وإن اندمل قطع اليد وسرى قطع الرجل إلى نفسه ففي اليد نصف قيمته لسيده وعلى القاطع القصاص في النفس أو الدية كاملة لورثته مع العفو وإن اندمل قطع الرجل وسرى قطع اليد ففي الرجل القصاص أو نصف الدية لورثته ولا قصاص في اليد ولا في سرايتها وعلى الجاني لسيده أقل الأمرين من أرش القطع أو دية حر وإن سرى الجرحان لم يجب القصاص إلا في الرجل فإن اقتص منه وجب نصف الدية وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو نصف الدية فإن كان قاطع الرجل غير قاطع اليد واندملا فعلى قاطع اليد نصف القيمة لسيده وعلى قاطع الرجل القصاص أو نصف الدية وإن سرى الجرحان إلى نفسه فلا قصاص على الأول وعليه نصف دية حر وعلى الثاني القصاص في النفس وإن قطع عبي عبد ثم عتق ثم قطع آخر يده ثم آخر رجله فلا قود على الأول: اندمل جرحه أو سرى وعلى الآخرين القصاص في الطرفين وإن سرت الجراحات كلها فعليهما القصاص في النفس وإن عفا عن القصاص فعليهم الدية أثلاثا ويستحق السيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو ثلث الدية وإن كان الجانيان في حال الرق والثالث في حال الحرية فمات فعليهم الدية وللسيد أقل الأمرين: من أرش الجنايتين أو ثلثي الدية وإن قطع يده ثم عتق فقطع آخر رجله ثم عاد(4/176)
الأول فقتله بعد الاندمال فعليه القصاص للورثة ونصف القيمة للسيد وعلى الآخر القصاص في الرجل أو نصف الدية وإن كان قبل الاندمال فعلى الجاني الأول القصاص في النفس دون اليد فإن اختار الورثة القصاص في النفس سقط حق السيد وإن اختاروا العفو فعليه الدية دون أرش الطرف وللسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو أرش الطرف والباقي للورثة وعلى الثاني القصاص في الرجل ومع العفو نصف الدية وإن كان الثاني هو الذي قتله قبل الاندمال فعليه القصاص في النفس ومع العفو نصف دية واحدة وعلى الأول نصف القيمة للسيد ولا قصاص وإن كان القاتل ثالثا فقد استقر القطعان وعلى الأول نصف القيمة للسيد وعلى الثاني القصاص في الرجل أو نصف الدية لورثته وعلى الثالث القصاص في النفس أو الدية مع العفو وإذا قطع يد عبده ثم أعتقه ثم اندمل فلا شيء عليه وإن مات بعد العتق بسراية الجرح - فلا قصاص فيه ويضمنه بما زاد على أرش القطع من الدية لورثته فإن لم يكن له وارث سواه وجب لبيت المال ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد أسلم وعتق - فعليه القصاص ومثله من قتل من يظنه قاتل أبيه أو قتل من يعرفه أو يظنه مرتدا فلم يكن: - الرابع: ألا يكون المقتول من ذرية القاتل فلا يقتل والد: أبا كان أو أما وإن علا بولده وإن سف من ولد البنين أو البنات وتؤخذ من حر الدية ولا تأثير لاختلاف الدين والحرية كاتفاقهما فلو قتل الكافر ولده المسلم أو العبد ولده الحر لم يجب القصاص(4/177)
لشرف الأبوة: إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنا فيقتل الوالد به ولو تداعى نفسان نسب صغير مجهول النسب ثم قتلاه قبل إلحاقه بواحد منهما فلا قصاص عليهما وإن ألحقته القافة بواحد منهما ثم قتلاه لم يقتل أبوه وقتل الآخر وإن رجعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما عن إقرارهما: كما لو ادعاه واحد فالحق به ثم جحده وإن رجع أحدهما صح رجوعه وثبت نسبه من الآخر ويسقط القصاص عن الذي لم يرجع ويجب على الراجع وإن عفا عنه فعليه نصف الدية ولو اشترك رجلان في وطء امرأة في طهر واحد وأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما لم يجب القصاص وإن نفيا نسبه لم ينتف إلا باللعان ويقتل الولد بكل واحد من الأبوين المكافئين وإن علوا ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص فلو قتل أحد الزوجين الآخر ولهما ولد أو قتل رجل أخا زوجته فورثته ثم ماتت فورثها أو ولده أو قتلت أخا زوجها فصار القصاص أو جزء منه لابنها أو قتل رجل أخاه فورثه ابن القاتل أو أحد يرث ابنه منه شيئا لم يجب القصاص وإذا قتل أحد أبوي المكاتب المكاتب أو عبدا له - لم يجب القصاص وإن اشترى المكاتب أحد أبويه ثم قتله - لم يجب القصاص ولو قتل أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول لأنه ورث بعض دم نفسه وإن قتل أحد الاثنين أباه والآخر أمه وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول لذلك والقصاص(4/178)
على القاتل الثاني لأن القتيل الثاني ورث جزءا من دم الأول فلما قتل ورثه فصار له جزء من دم نفسه فسقط القصاص عن الأول وهو قاتل الأب لإرثه ثمن أمه وعليه سبعة أثمان ديته لأخيه وله أن يقتص من أخيه ويرثه ولو كانت الزوجة بائنا فعلى كل واحد منهما القصاص لأخيه فإن بادر أحدهما أخاه سقط عنه القصاص لأنه يرث أخاه إن لم يكن للمقتول ابن أو ابن ابن فإن كان - فله قتل عمه ويرثه إن لم يكن له وارث سواه فإن تشاحا في المبتدئ منهما وأيهما قتل صاحبه أو بمبادرة أو قرعة ورثه إن لم يكن له وارث سواه وسقط عنه القصاص وإن كان محجوبا عن ميراثه كله فلوارث القتل قتل الآخر وإن عفا أحدهما عن الآخر ثم قتل المعفو عنه العافي ورثه أيضا وسقط عنه ما وجب عليه من الدية وإن تعافيا جميعا على الدية تقاصا بما استويا فيه ووجب لقاتل الأم الفضل عن قاتل الأب لأن عقلها نصف عقل الأب وإن كان لكل واحد منهما ابن يحجب عمه من ميراث أبيه فإذا قتل أحدهما صاحبه ورثه ابنه وللابن أن يقتل عمه ويرثه ابنه ويرث كل واحد من الابنين مال أبيه ومال جده الذي قتله عمه دون الذي قتله أبوه وإن كان لكل واحد منهما بنت فقتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عنه لأنه يرث نصف ميراث أخيه ونصف قصاص نفسه فورث مال أبيه الذي قتله أخوه ونصف مال أبيه الذي قتله هو وورثت البنت التي قتل أبوها نصف أبيها ونصف(4/179)
مال جدها الذي قتله عمها ولها على عمها نصف دية قتيله وإذا كان أربع أخوة قتل الأول الثاني والثالث والرابع فالقصاص على الثالث ووجب له نصف الدية على الأول وللأول قتله فإن قتله ورثه وورث ما يرثه من أخيه الثاني فإن عفا عنه إلى الدية وجبت عليه بكمالها يقاصه بنصفها وإن كان لهما ورثة فتفصيلهما كالتي قبلها.
الخامس: أن تكون الجناية عمدا وإن قتل من لا يعرف وادعى كفره أو رقه أو ضرب ملفوفا فقده أو ألقى عليه حائطا أو ادعى أنه كمان ميتا وأنكر وليه أو قطع طرف البنان وادعى شلله أو قلع عينا وادعى عماها أو قطع ساعدا وادعى أنه لم يكن عليه كف أو ساقا وادعى أنها لم يكن لها قدم أو قتل رجلا في داره وادعى أنه دخل لقتله أو أخذ ماله أو يكابره على أهله فقتله دفعا عن نفسه وأنكر وليه أو تجارح اثنان وادعى كل واحد منهما أنه جرحه دفعا عن نفسه - وجب القصاص والقول قول المنكر مع يمينه إذا لم تكن بينة ومتى صدق المنكر فلا قود ولا دية وإن ادعى القاتل أن المقتول زنى وهو محصن لم تقبل دعواه من غير بينة وإن قام شاهدين بإحصانه قبل وإن اختصم قوم بدار فجرح وقتل بعضهم بعضا وجهل الحال فعلى عاقلة المجروحين دية القتلى يسقط منها أرش الجراح فإن كان فيهم من ليس به جرح شارك المجروحين في دية القتل ويأتي في القسامة إذا قال إنسان: ما قتل هذا المدعى عليه بل أنا قتلته وله قتل من وجده يفجر بأهله وظاهر كلام أحمد لا فرق بين كونه محصنا أو غيره وصرح به الشيخ والحر المسلم(4/180)
يقاد به قاتله وإن كان مجدع الأطراف معدوم الحواس والقاتل صحيح سوي الخلق وبالعكس وكذلك إن تفاوتا في العلم والشرف والغنى والفقر والصحة والمرض والقوة والضعف والكبر والصغر ونحو ذلك ويجرى القصاص بين الولاة والعمال وبين رعيتهم ولا يشترط في وجوب القصاص كون القتل في دار الإسلام وقتل الفيلة وغيره سواء في القصاص والعفو وذلك للولي دون السلطان.(4/181)
باب استيفاء القصاص
مدخل
...
باب استيفاء القصاص
وهو فعل مجني عليه أو وليه بجان عامد مثل ما فعل أو شبهه وله ثلاثة شروط: أحدها أن يكون مستحقه مكلفا فإن كان صغيرا أو مجنونا لم يجزا استيفاؤه ويجبس القاتل حتى يبلغ الصغير ويعقل المجنون وليس لأبيهما استيفاؤه كوصي وحاكم فإن كانا محتاجين إلى نفقة فلولي مجنون العفو إلى الدية دون ولي الصغير نصا وإن ماتا قبل البلوغ والعقل قام وارثهما مقامهما فيه وإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهرا أو اقتصا ممن لا تحمل العاقلة ديته كالعبد سقط حقهما الثاني: اتفاق المستحقين له على استيفائه وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض فإن فعل فلا قصاص عليه ولشركائه في تركة الجاني حقهم من الدية وترجع ورثة الجاني على المقتص بما فوق حقه فلو كان الجاني أقل دية من قاتله مثل: امرأة قتلت رجلا له ابنان قتلها أحدهما بغير إذن الآخر فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة وترجع ورثتها بنصف ديتها على قاتلها وهو ربع دية الرجل وإن عفا بعضهم وكان ممن يصح عفوه(4/181)
ولو إلى الدية سقط القصاص وإن كان العافي زوجا أو زوجة وكذا لو شهد أحدهم ولو مع فسقه بعفو بعضهم وللباقي حقهم من الدية على الجاني فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص فعليهم القود حكم بالعفو حاكم أو لا وإن لم يكونوا عالمين بالعفو فلا قود ولو كان قد حكم بالعفو وعليهم ديته وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائبا فإن كان القاتل هو العافي فعليه القصاص وإن كان بعضهم غائبا انتظر قدومه وجوبا ويحبس القاتل حتى يقدم وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام ومن لا وارث له فوليه الإمام: إن شاء اقتص وإن شاء عفا إلى دية كاملة وليس له العفو مجانا وإذا اشترك جماعة في قتل واحد فعفا عنه قسطه منها الثالث: أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير الجاني فلو وجب القود أو الرجم على حامل أو حملت بعد وجوبه لم تقتل حتى تضع الولد وتسقيه البأ ثم إن وجحد من يرضعه مرضعة راتبة قتلت وإن وجد مرضعات غير رواتب أو لبن شاة ونحوها يسقى منه راتبا جاز قتلها ويستحب لولي القتل تأخيره إلى الفطام وإن لم يكن له من يرضعه تركت حتى ترضعه حولين ثم تفطمه ولا تجلد في الحد ولا يقتص منها في الطرف حتى تضع قال الموفق وغيره وتسقيه اللبأ فإن وضعت الولد وانقطع النفاس وكانت قوية يوم تلفها ولا يخاف على الولد الضرر من تأثر اللبن أقيم عليها الحد من(4/182)
قطع الطرف والجلد وإن كانت في نفاسها أو ضعيفة يخاف تلفها لم يقم عليها حتى تطهر وتقوى ويأتي في كتاب الحدود وإن ادعت من وجب عليها القصاص الحمل قبل منها إن أمكن وتحبس حتى يتبين أمرها ولا تحبس لحد وإن اقتص من حامل فإن كانت لم تضعه لكن ماتت على ما بها من انتفاخ البطن وأمارة الحمل فلا ضمان في حق الجنين لأنه لا يتحقق إن الانتفاخ حمل وإن ألقته حيا فعاش فلا كلام وإن ألقته حيا وبقي خاضعا ذليلا زمانا يسيرا ثم مات ففيه دية كاملة إذا كان وضعه لوقت يعيش مثله وإن ألقته ميتا أو حيا في وقت لا يعيش مثله ففيه غرة والضمان في ذلك على المقتص من أمه مع الكفار.(4/183)
فصل: - ولا يستوفى القصاص ولو في النفس إلا بحضرة السلطان أو نائبه وجوبا
فلو خالف وفعل وقع الموقع وله تعزيره ويستحب إحضار شاهدين ويجب أن تكون الآلة ماضية وعلى الإمام تفقدها فإن كانت كالة أو مسمومة منعه من الاستيفاء بها فإن عجل واستوفى بها عزر وإن كان الولي يحسن الاستيفاء ويقدر عليه بالقوة والمعرفة مكنه منه الإمام وخيره بين المباشرة والتوكيل وإلا أمره بالتوكيل فإن ادعى المعرفة فأمكنه فضرب عنقه فأبانه فقد استوفى وإن أصاب غير العنق وأقر بتعمد ذلك عزر فإن قال: أخطأت وكانت الضربة قريبة من العنق كالرأس والمنكب قبل قوله مع يمينه وإن كان بعيدا كالوسط والرجلين لم يقبل ثم إن أراد لم يمكن لأنه ظهر منه أنه لا يحسن الاستيفاء وإن احتاج الوكيل إلى أجرة فمن مال الجاني كالحد(4/183)
وإن باشر الولي الاستيفاء فلا أجرة له ويجوز اقتصاص جان من نفسه برضا الولي ولو أقام حد زنا أو قذف أو قطع سرقة على نفسه بإذن سقط قطع السرقة فقط وإن كان الاستيفاء لجماعة لم يجز أن يتولاه جميعهم وأمروا بتوكيل واحد منهم أو من غيرهم فإن تشاحوا وكان كل واحد منهم يحسن الاستيفاء قدم أحدهم بقرعة لكن لا يجوز الاستيفاء حتى يوكله الباقون فإن لم يتفقوا على التوكيل منع الاستيفاء حتى يوكلوا.(4/184)
فصل: - ولا يجوز استيفاء القصاص في النفس إلا بالسيف في العتق
سواء كان القتل به أو بمحرم لعينه: كسحر وتجريع خمر ولواط أو قتله بحجر أو تغريق أو تحريق أو هدم أو حبس أو خنق أو قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه أو قطع يديه ورجليه ثم عاد فضرب عنقه قبل البرء أو أجافه أو أمه أو قطع يدا ناقصة الأصابع أو شراء أو زائدة أو جناية غير ذلك فمات ويدخل قود العضو في قود النفس ولا يفعل به كما فعل إذا كان القتل بغير السيف فإن فعل فقد أساء ولم يضمن فإن ضربه بالسيف فلم يمت كرر عليه حتى يموت ولا يجوز بسكين ولا في طرف إلا بها ويأتي فيما يوجب القصاص فيما دون النفس ولا تجوز الزيادة أيضا على ما أتى به ولا قطع شيء من أطرافه فن فعل فل قصاص عليه ويجب فيه ديته سواء عفا عنه أو قتله وإن زاد في الاستيفاء من الطرف مثل: أن يستحق قطع إصبع فيقطع اثنين فحكمه حكم القاطع ابتداء إن كان عمدا من مفصل أو شجة يجب في مثلها القصاص: فعليه القصاص في الزيادة وإن كان(4/184)
خطأ أو جرحا لا يجب القصاص: مثل من يستحق موضحة فاستوفى هاشمة فعليه أرش الزيادة إلا أن يكون ذلك بسبب من الجاني كاضطرابه حال الاستيفاء فلا شيء على المقتص فإن اختلفا على فعله عمدا أو خطأ أو قال المقتص: حل هذا باضطرابك أو فعل من جهتك فالقول قول المقتص مع يمينه وإن قطع يده فقطع المجني عليه رجل الجاني لزمه دية رجله وإن سرى الاستيفاء الذي حصلت به الزيادة إلى نفس المقتص منه أو إلى بعض أعضائه: مثل أن قطع إصبعه فسرى إلى جميع يده أو اقتص منه بآلة كالة أو مسمومة أو في حال حر مفرط أو برد شديد فسرى - فعلى المقتص نصف الدية قال القاضي: كما لو جرحه جرحين في ردته وجرحا بعد إسلامه فمات منهما وإن قطع بعض أعضائه ثم قتله بعد أن برئت الجراح: مثل أن قطع يديه ورجليه فبرئت جراحته ثم قتله فقد استقر حكم القطع ولولي القتيل الخيار إن شاء عفا وأخذ ثلاث ديات وإن شاء قتله وأخذ ديتين وإن شاء قطع يديه ورجليه وأخذ دية نفسه وإن شاء قطع يديه أو رجليه وأخذ ديتين وإن شاء قطع طرفا واحدا وأخذ دية الباقي وإن اختلفا في اندمال الجرح قبل القتل وكانت المدة بينهما يسيرة لا يحتمل اندماله في مقلها فقول الجاني بغير يمين وإن اختلفا في مضيها فقوله أيضا مع يمينه وإن كانت المدة ما يحتمل البر فيها فقول الولي مع يمينه فإن كان للجاني بينة ببقاء المجني عليه ضمنا حتى قتله حكم له ببينة وإن كانت للولي ببرئه حكم له أيضا فإن تعارضتا قدمت بينة الولي لأنها مثبتة للبرء(4/185)
وإن ظن ولي دم أنه اقتص في النفس فلم يكن ودواه حتى برئ فإن شاء الولي دفع إليه دية فعله وإلا تركه.(4/186)
فصل: - وإن قتل واحد اثنين فأكثر:
واحدا بعد واحد أو دفعة واحدة فاتفق أولياؤهم على قتله قتل لهم ولا شيء لهم سواه وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول إن كان قتلهم واحد بعد واحد وللباقين دية قتلاهم كما لو بادر غير الأول واقتص فإن كان ولي الأول غائبا أو صغيرا أو مجنونا انتظر وإن قتلهم دفعة واحدة وتشاحوا أقرع بينهم وإن بادر غير من وقعت له القرعة فقتله استوفى حقه وسقط حق الباقين إلى الدية وإن قتلهم متفرقا وأشكل الأول وادعى كل واحد الأولية ولا بينة فأقر القاتل لأحدهم قدم بإقراره وإلا أقرع: فإن عفا ولي الأول عن القود قدم ولي المقتول الأول بعده فإن لم تكن أولية بعده أو جهلت فبقرعة وإن عفا أولياءه الجميع إلى الديات فلهم ذلك وإن أراد أحدهم القود والآخر الدية قتل لمن اختار القود وأعطى الباقون دية قتلاهم من مال القاتل وإن قتل رجلا وقطع طرفا من آخر قطع طرفه أولا ثم قتل لولي المقتول بعد الاندمال: تقدم القتل أو تأخر وإن قطع يد رجل وقتل آخر ثم سرى القطع إلى نفس المقطوع فمات فهو قاتل لهما: فإن تشاحا في الاستيفاء قتل بالذي قتله ووجبت الدية كاملة للمقتول بالسراية ولم يقطع طرفه وإن قطع يد واحد وأصبع آخر من يد نظيرتها قدم رب اليدان كان أولا وللآخر دية أصبعه ومع أوليته تقطع أصبعه ثم يقتص رب اليد بلا أرش(4/186)
وإن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل فيما تقدم وإن بادر بعضهم فاقتص بجنايته في النفس أو الطرف فلمن بقي الدية على الجاني ويأتي إذا قتل أو أتى حدا خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم آخر كتاب الحدود.(4/187)
باب العفو عن القصاص
الواجب بقتل العمد أحد شيئين: القود أو الدية فيخير الولي بينهما ولو لم يرض الجاني وإن عفا مجانا فهو أفضل ثم لا عقوبة على جان لأنه إنما عليه حق واحد قد سقط وإن اختار القود أو عفا عن الدية فقط فله أخذها ولو سخط الجاني وله الصلح على أكثر منها وتقدم في الصلح ومتى اختار الدية تعينت وسقط القود ولا يملك طلبه بعد فإن قتله بعد ذلك قتل به وإن عفا مطلقا أو على غير مال أو على القود مطلقا ولو عن يده فله الدية وإن قال لمن عليه قود: عفوت عن جنايتك أو عنك برئ من الدية كالقود نصا وإذا جنى عبد على حر جناية موجبة للقصاص فاشتراه المجني عليه بأرش الجناية سقط القصاص ولم يصح الشراء لأنهما لم يعرفا قدر الأرش فالثمن مجهول وإن عرفا عدد الإبل أو أسنانها فصفتها مجهولة فإن قدر الأرش بذهب أو فضة فباعه به صح وتقدم أو الباب قبله عفو ولي المجنون والصغير ويصح عفو المفلس القصاص لم يكن لغرمائه إجباره على تركه وإن أحب العفو عنه إلى مال فله ذلك لا مجانا وكذا السفيه ووارث المفلس والمكاتب وكذا المريض فيما زاد على الثلث إن مات(4/187)
القاتل أو قتل وجبت الدية في تركته كتعذره في طرفه وقتل غير المكافئ وإن لم يخف تركه سقط الحق وإن قطع إصبعا عمدا فعفا عنه ثم سرت إلى الكف أو إلى النفس والعفو على مال أو على غير مال فله تمام دية ما سرت إليه وإن كان الجرح لا قصاص فيه كالجائفة فعفا عن القصاص ثم سرى إلى النفس فلوليه القصاص لأنه لا يصح العفو عن قود ما لا قود فيه وله بعد السراية العفو عن القصاص وله كمال الدية وإن عفا عن دية الجرح صح وله بعد السراية دية النفس وإن عفا مطلقا أو عفا عن القود مطلقا فله الدية وإن قال الجاني: عفوت مطلقا أو عفوت عنها وعن سرايتها وقال: بلط عفوت إلى مال أو عفوت عنها دون سرايتها فالقول قول المجني عليه أو وليه وإن قتل الجاني العافي فيما إذا عفا على مال قبل البرء فالقولد أو الدية كاملة وإن وكل في قصاص ثم عفا ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليهما وإن علم الوكيل فعليه القود وإن عفا عن قاتله بعد الجرح صح سواء كان بلفظ العفو أو الوصية أو الإبراء أو غير ذلك فإن قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها صح ولم يضمن السراية فإن كان عمدا لم يضمن شيئا وإن كان خطأ اعتبر خروجهما من الثلث وإلا سقط عنه ديتها ما احتمله الثلث وإن أبرأه من الدية أو وصى له بها فهو وصية لقاتل وتصح وتقدم في الموصي له وتعتبر من الثلث وإن أبرأ القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من الجناية المتعلق أرشها برقبته لم يصح وإن أبرأ العاقلة أو السيد صح وإن وجب لعبد(4/188)
قصاص أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه وليس ذلك للسيد لا أن يموت العبد ومن صح عفوه مجانا فإن أوجب الجرح مالا عينا فكوصية وإلا فمن رأس المال ويصح قول مجروح: أبرأتك وحللتك من دمي أو قتلي أو وهبتك ذلك أو نحوه معلقا بموته فلو برئ بقي حقه بخلاف عفوت عنه ونحوه.(4/189)
باب: ما يوجب قصاصا فيما دون النفس من الأطراف والجراح
مدخل
...
باب: ما يوجب قصاصا فيما دون النفس من الأطراف والجراح
كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها: من حر وعبد ومن لا يجرى القصاص بينهما في النفس لا يجرى بينهما في الطرف: كالأب مع ابنه والحر مع العبد والمسلم مع الكافر ولا يجب إلا بما يوجب القود في النفس وهو العمد المحض فلا قود في شبه العمد ولا خطأ وهو نوعان: أحدهما: الأطراف فتؤخذ العين والأنف والحاجز - وهو وتر الأنف - والأذن والسن والجفن والشفة واليد والرجل واللسان والإصبع والكتف والمرفق والذكر والخصية والإلية وشعر المرأة بمثله.(4/189)
فصل: - ويشترط للقصاص في الأطراف ثلاثة شروط:
أحدها: إمكان الاستيفاء بلا حيف وأما الأمن من الحيف فشرط لجواز الاستيفاء بأن يكون القطع من مفصل أوله حد ينتهي إليه كمارن الأنف وهو ما لان منه - وهو الذي يجب فيه القصاص أو الدية دون القصبة فإن قطع القصبة أو قطع من نصف كل من الساعد أو الكتف أو الساق أو العضد أو الورك أو قطع يده من الكوع ثم تأكلت إلى(4/189)
نصف الذراع فلا قصاص وله الدية ولا أرش للباقي ولا قود في اللطمة ونحوها ويؤخذ الأنف الكبير بالصغير والأقني بالأفطس والأشم بالأخشم الذي لا شم له والصحيح بالأجذم ما لم يسقط منه شيء: إلا أن يكون من أحد جانبيه فيؤخذ من الصحيح مثل ما بقي منه أو يؤخذ أرش ذلك فلا يشترط التساوي في الصغر والكبر والصحة والمرض: في العين والأذن ونحوهما فتقلع عي الشاب بعي الشيخ المريضة وعين الكبير بعي الصغير وعين الصحيح بعين الأعمش لكن إن كان قلع عينه بإصبعه لا يجوز أن يقتص بإصبعه لأنه لا يمكن المماثلة فيه ولا تؤخذ الصحيحة بالقائمة وتؤخذ القائمة بالصحيحة ولا أرشها معها كما يأتي وتؤخذ أذن السميع بمثلها وبأذن الأصم وتؤخذ أذن الأصم بكل واحدة منهما وتؤخذ الصحيحة بالمثقوبة فإن كان الثقب في غبر محله أو كانت مخرومة أخذت الصحيحة ولم تؤخذ الصحيحة بها ويخير المجني عليه بين أخذ الدية الأقدر النقص وبين أن يقتص فيما سوى العيب ويتركه من أذن الجاني ويجب له في قدر النقص حكومة وإن قطع بعض أذنه فله أن يقتص من أذن الجاني بقدر ما قطع من أذنه ويقدر ذلك بالأجزاء لا بالمساحة ومن قطع طرفه من أذن أو غيرها فرده فالتحم وثبت فلا قصاص ولا دية ولا أرش نقصه خاصة نصا وإن سقط بعد ذلك قريبا أو بعيدا فله القصاص ويزيد ما أخذه وإن قطع بعض الطرف فالتصق فله أرش الجرح ولا قصاص ومن قطع أذنه ونحوها قصاصا فألصقها فالتصقت فطلب(4/190)
المجني عليه إبانتها لم يكن له ذلك فإن كان المجني عليه لم يقطع جميع الطرف وإنما قطع بعضه فالتصق فللمجني عليه قطع جميعه والحكم في السن كالحكم في الأذن وتؤخذ السن: ربطها بذهب أولا بالسن: الثنية بالثنية والناب بالناب والضاحك بالضاحك والدرس بالدرس: الأعلى بالأعلى والأسفل بالأسفل ممن قد أثغر - أي: سقطت راوضعه ثم نبتت وإن كسر بعضها يرد من سن الجاني في الحال لأنه لا قود ولا دية لما رجي عوده من عين أو منفعة في مدة تقولها أهل الخبرة فإن عاد مثلها في موضعها على صفتها فلا شيء عليه وإن عادت مائلة أو متغيرة عن صفتها فعليه حكومة وإن عادت قصيرة ضمن ما نقص بالحساب: ففي ثلثها ثلث ديتها وإن عادت والدم يسيل ففيها حكومة وإن مضى زمن يمكن عودها فيه فلم تعد وآيس من عودها بقول أهل العلم بالطب خير المجني عليه بني القصاص والدية فإن مات المجني عليه قبل الأياس من عودها فلا قصاص وتجب الدية وإن قلع له سنا زائدا قلع له مثلها إن كان أو حكومة فإن لم يكن له زائد فحومة وإن قلع سنا فاقتص منهم عادت سن المجني عليه فقلها الجاني فلا شيء عليه ويؤخذ كل من جفن البصير والضرير بالآخر بمثله وإن قطع الأصابع الخمس من مفاصلها فله القود وإن قطعها من الكوع فله القود منه فإن أراد قطع الأصابع فقط فليس له ذلك وإن قطع من المرفق فله القصاص منه فإن أراد القود من الكوع منع وإن قطع(4/191)
من الكتف أو خلع عظم المنكب - ويقال له مشط الكتف - فله القود إذا لم يخف جائفة فإن خيف فله أن يقتص من مرفقه ومتى خالف واقتص مع خشية الحيف أو من مأمومة أو جائفة أو من نصف الذراع ونحوه أجزأ والرجل كاليد فيما تقدم ويؤخذ الذكر بالذكر وسواء في ذلك ذكر الصغير والكبير والذكر الصغير والكبير والطويل والقصير والصحيح والمريض والمختون والأقلف ويؤخذ ذكر الخصي والعنين بمثله وتؤخذ الأنثيان بالأنثيين فإن قطع إحداهما فقال أهل الخبرة أنه يمكن أخذها مع سلامة الأخرى جاز القود وإلا فلا وله نصف الدية وإن قطع ذكر خنثي مشكل أو أنثييه أو شفريه لم يجب القصاص ويقف الأمر حتى يتبين أمره وإن اختار الدية يرجى انكشاف حاله أعطى اليقين وهو الحكومة في المقطوع وإن كان قد قطع جميعها فله دية امرأة في الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين وإن يئس انكشاف حاله أعطى نصف دية الذكر والأنثيين ونصف دية الشفرين وحكومة في نصف ذلك كله إن أوضح إنسانا فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه فإنه يوضحه فإن ذهب وإلا استعمل ما يذهبه من غير أن يجني على حدقته وأذنه أو أنفه فإن لم يمكن سقط القود إلى الدية وإن أذهب ذلك بشجة لا قود فيها: مثل أن تكون دون الموضحة أو لطمه فاذهب ذلك لم يجز أن يفعل به كما فعل لكن يعالج بما يذهب ذلك فإن لم يذهب سقط القود إلى الدية وإن لطم عينه فذهب بصرها أو ابيضت وشخصت عولجت عين الجاني حتى تصير كذلك: بدواء،(4/192)
أو بمرآة ومحمية ونحوها تقرب إلى عينه حتى يذهب بصرها بعد تغطية عينه الأخرى بقطن ونحوه وإن وضع فيها كافورا فذهب ضوؤها من غير أن يجني على الحدقة وإن لم يمكن إلا ذهاب بعض ذلك مثل أن يذهب بصرها دون أن تبيض وتشخص فعليه حكومة في الذي لم يمكن القصاص منه.(4/193)
فصل: - الشرط الثاني: المماثلة في الاسم والموضع
فتؤخذ اليمين باليمين واليسار باليسار من كل ما انقسم إلى يمين ويسار من يد ورجل وأذن ومنخر وثدي وإليه وخصية وشفر: العليا بالعليا والسفلى بالسفلى من شفة وجفن وأنملة فلا تؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين ولا سفلى بعليا ولا عليا بسفلى وتؤخذ الأصبع والسن والأنملة بمثلها في الاسم والموضع ولو قطع أنملة رجل عليا وقطع الوسطى من تلك الأصبع من آخر ليس له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته الآن ولا قصاص له بعد وبين أن يصبر حتى تذهب علا قاطع بقود أو غيره ثم يقتص من الوسطى ولا أرش له الآن للحيلولة وإن قطع من ثالث السفلى فللأول أن يقتص من العليا ثم للثاني أن يقتص من الوسطى ثم للثالث أن يقتص من السفلى سواء جاؤا معا أو واحدا بعد واحد فإن جاء صاحب الوسطى أو السفلى يطلب القصاص قبل صاحب العليا لم يجب إليه ويخيران بين أن يرضيا بالعقل أو الصبر حتى يقتص الأول وإن عفا فلا قصاص لهما وإن اقتص فللثاني الاقتصاص وحكم الثالث مع الثاني حكم الثاني(4/193)
مع الأول فإن قطع صاحب الوسطى الوسطى والعليا فعليه دية العليا تدفع إلى صاحب العليا وإن قطع الأصبع كلها فعليه القصاص في الأنملة الثالثة وعليه أرش العليا للأول وأرش السفلى على الجاني لصاحبها وإن عفا الجاني عن قصاصها وجب أرشها يدفعه إليه ليدفعه إلى المجني عليه وإن قطع أنملة رجل العليا ثم قطع أنملتي آخر العليا والوسطى من تلك الأصبع فللأول قطع العليا ثم يقطع الثاني الوسطى ويأخذ أرش العليا من الجاني وإن بادر الثاني فقطع الأنملتين فقد استوفى حقه وللأول الأرش على الجاني وإن كان قطع الأنملتين أولا قدم صاحبهما في القصاص ولصاحب العليا أرشها فإن بادر صاحبها فقطعها فقد استوفى حقه ثم تقطع الوسطى للأول ويأخذ أرش العليا ولو قطع أنملة رجل العليا ولم يكن للقاطع أنملة فاستوفى الجاني من الوسطى فإن عفا إلى الدية تقاصا وتساقطا وإن اختار الجاني القصاص فله ذلك ويدفع أرش العليا ولا تؤخذ أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية ويؤخذ زائد بمثله موضعا وخلقة ولو تفاوتا قدرا فإن اختلفا في غير القدر لم يؤخذ ولو بتراضيهما فإن لم يكن للجاني زائد يؤخذ فحكومة وتؤخذ كاملة الأصابع بزائدة إصبعا وإن ترضيا على أخذ الأصلية بالزائدة أو عكسه أو خنصر ببنصر أو أخذ شيء من ذلك بما يخالفه لم يجز لأن الدماء لا تستباح بالإباحة والبدل، فلا يحل لأحد قتل نفسه ولا قطع طرفه ولا يحل لغيره ببذله لحق الله تعالى فإن فعلا فقطع يسار جان من له قود في يمينه أو عكسه بتراضيهما(4/194)
أو قطعها تعديا أو خنصرا ببنصر أو قال: اخرج يمينك فأخرج يساره عمدا أو غلطا أو ظنا أنها تجزي فقطعها أجزأت على كل حال ولم يبق قود ولا ضمان حي ولو كان أحدهما مجنونا لأنه لا يزيد على التعدي.(4/195)
فصل: - الثالث: استواؤهما في الصحة والكمال
فلا تؤخذ صحيحة بشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصة ولا ذات أظفار بما لا أظفار هلا ولا بناقصة الأظفار: رضي الجاني أو لا فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أربع أو قطع من له أربع يد من له ثلاث أو قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها إصبع شلاء فلا قصاص وإن كانت المقطوعة ذات أظفار إلا أنها خضراء أو مستحشفة - أخذت بها السليمة ولا يؤخذ لسان ناطق بأخرس ولا ذكر صحيح بأشل ولا ذكر فحل بذكر خصي أو عنين ويؤخذ مارن الأشم الصحيح بمارن الأخشم والمجذوم وهو المقطوع وتر أنفه والمستحشف - وهو الرديء - وأذن سميع صحيحة بأذن أصم شلاء ويؤخذ معيب من ذلك كله بصحيح وبمثله فتؤخذ الشلاء بالشلاء إذا أمن من قطع الشلاء التلف وتؤخذ الناقصة بالناقصة إذا تساوتا فيه: بأن يكون المقطوع من يد الجاني كالمقطوع من يد المجني عليه فإن اختلفا فكان المقطوع من يد أحدهما الإبهام ومن الأخرى إصبع غيرها لم يجز القصاص ولا يجب له إذا أخذ المعيب بالصحيح والناقص بالزائد مع ذلك أرش وإن اختلفا في شلل العضو وصحته فالقول قول ولي الجناية مع يمينه وظفر كسن في(4/195)
انقلاع وعود وإن قطع بعض لسان أو شفة أو حشفة أو ذكر أو أذن قدر بالأجزاء: كنصف وثلث وربع وأخذ منه مثل ذلك لا بالمساحة.(4/196)
فصل: - النوع الثاني: الجراح
فيقتص في كل جرح ينتهي إلى عظم: كالموضحة في الوجه والرأس1 وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم ولا يستوفى القصاص فيما دون النفس بالسيف ولا بآلة يخشى منها الزيادة2 وسواء كان الجرح بها أو بغيرها3 فإن كان الجرح موضحة أو ما أشبهها - فبالموسى أو حديدة ماضية معدة لذلك ولا يستوفى إلا من له علم بذلك: كالجرائحي ومن أشبهه فإن لم يكن للولي علم بذلك أمر بالاستنابة ولا يقتص في غير ذلك من الشجاح والجروح: كما دون الموضحة أو أعظم منها: كالهاشمة والمنقلة والمأمومة4 وله أن يقتص فيهن موضحة ويجب له ما بين
__________
1 الموضحة بضم الميم وسكون الواو: هي الشجة التي تبدي العظم.
2 إنما منع الاستيفاء بالسيف في الأطراف والجراح خوفا من الزيادة، والزيادة حيف لا تتفق مع ما شرع له القصاص من إقامة العدل والردع عن إهدار الدماء وأما القصاص في النفس فلا يكون إلا بالسيف لسرعة الإزهاق به وعدم تعذيب المقتص منه.
3 يريد: عدم جواز القصاص بآلة يخشى منها حتى لو كان اعتداء الجاني بها.
4 الهاشمة: هي الشجة التي تكسر العظم، والمنقلة بضم الميم وتشديد القاف مكسورة هي الشجة التي ينتقل بسببها العظم عن مكانه. والقاموس يخصها بالعظم الرقيق. والمأمومة الشجة التي قاربت الدماغ، فإذا وصلته سميت أم الدماغ، وإنما لم يكن في هذه الجروح قصاص خاص لها لأنها لا تنتهي إلى حد كما تنتهي الموضحة إلى العظم، وعلى هذا فالقصاص فيها لا يؤمن معه الحيف، والمشروع لها فحسب، =(4/196)
دية الموضحة ودية تلك الشجة فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل وفي المنقلة عشرا وفي المأمومة ثمانية وعشرين وثلثا ويعتبر قدر الجرح بالمساحة دون كثافة اللحم فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة - كان له أن يوضحه في جميع رأسه ولا أرش له للزائد وإن أوضح كل الرأس ورأس الجاني أكبر فله قدر شجته من أي جانب شاء المقتص لا من جانبين جميعا لأنه يأخذ موضحتين بموضحة وإن كان رأس المجني عليه أكبر فأوضحه الجاني في مقدمة ومؤخرة موضحتين قدرهما قدر جميع رأس الجاني - فله الخيار بين أن يوضحه موضحة واحدة في جميع رأسه أو يوضحه موضحتين يقتص في كل واحدة منهما على قدر موضحته ولا أرش لذلك وإن كانت الشجة بقدر بعض الرأس منهما لم يعدل عن جانبها إلى غيره وإذا أراد الاستيفاء من موضحة وشبهها: فإن كان على موضعها شعر أزاله ويعمد إلى موضع الشجة من رأس المشجوج فعلم طولها وعرضها بخشبة أو خيط ثم يضعها على رأس الشاج ويعلم طرفيه بسواد أو غيره ثم يأخذ حديدة عرضها كعرض الشجة فيضعها في أول الشجة ويجرها إلى آخرها فيأخذ مثل الشجة طولا وعرضا ولا يراعى العمق.
__________
= وقد جوزوا أن يقتص لهذه الجروح بمثل قصاص الموضحة مع أخذه الأرش، فإذا كانت هاشمة فديتها عشر فإذا اقتص بموضحة سقط من الدية خمس هي دية الموضحة وبقى له خمس هي زيادة الهاشمة عنها، وبهذا يتضح لك الباقي.(4/197)
فصل: - وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح موجب للقصاص
حتى ولو في موضحة أو تساوت أفعالهم فلم يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر: مثل أن يضعوا حديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين أو يشهدوا بما يوجب قطعه فيقطع ثم يرجعوا عن الشهادة أو يكرهوا إنسانا على قطع طرف فيجب قطع المكرهين والمكره أو يلقوا صخرة على طرف إنسان فتقطعه، أو يمدها1 فتبين ونحوه - فعليهم كلهم القصاص وإن تفرقت أفعالهم فقطع كل إنسان من جانب أو قطع أحدهم بعض المفصل وأتمه غيره أو ضرب كل واحد ضربة حتى انفصلت أو وضعوا منشارا على مفصل ثم مده كل واحد مرة حتى بانت اليد - فلا قصاص وسراية الجناية كهى في القود والدية في النفس ودونها2 حتى لو اندمل الجرح فاقتص ثم انتقض فسرى فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع - وجب القصاص في ذلك وإن شل ففيه ديته دون القصاص وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصا فمات الجاني فهدر لكن لو اقتص قهرا مع حر أو برد أو بآلة كالة أو مسمومة ونحوه لزمه بقية الدية ويحرم أن يقتص من طرف قبل برئه فإن فعل سقط حقه من سرايته فلو سرى إلى نفسه أو سرى القصاص إلى نفس الجاني فهدر وإن قطع يد رجل من الكوع ثم قطعها آخر من المرفق فمات بسرايتهما فللولي قتل القاطعين
__________
1 قوله: أو يمدها – يريد به أن يمد إنسان يده فتقع عليها الصخرة.
2 يعني أن سراية الجناية مثل الجناية في النفس وفيما دون النفس من طرف أو جرح.(4/198)
كتاب الديات
مدخل
مدخل
...
كتاب الديات
وهي جمع دية وهي: المال المؤدى إلى مجني عليه أو وليه بسبب جناية.
كل من أتلف إنسانا مسلما أو ذميا مستأمنا أو مهادنا بمباشرة أو سبب عمدا أو خطأ أو شبه عمد - لزمته ديته: إما في ماله أو على عاقلته على ما سيأتي فإن كان عمدا محضا فهي في مال الجاني حالة وشبه العمد والخطأ وما أجرى مجراه على عاقلته لا يلزمه شيء منها فإن كان التالف جزءا من الإنسان فسيأتي في باب العاقلة: إن شاء الله فإذا ألقاه على أفعى أو ألقاها عليه فقتلته أو طلبه بسيف مجرد ونحوه أو ما يخيف كلت ودبوس فهرب منه فتلف في هربه: بأن سقط من شاهق أو انخسف به سقف أو خر في مهواة من بئر أو غيره أو سقط فتلف أو لقيه سبع فافترسه أو غرق في ماء أو احترق بنار: سواء كان المطلوب صغيرا أو كبيرا أو أعمى أو بصيرا عاقلا أو مجنونا أو روعه بأن شهر السيف في وجهه أو دلاه من شاهق فمات من روعته أو ذهب عقله أو حفر بئرا محرما حفرها في فنائه أو في فناء غيره أو في طريق لغير مصلحة المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه أو وضع حجرا أو رماه أو غيره من منزله أو حمل به رمحا جعله بين يديه أو خلفه - لا قائما في الهواء وهو يمشي لعدم تعيده - فأتلف إنسانا أو غيره أو صب ماء في طريق،(4/199)
أو فنائه أو رمى قشر بطيخ أو خيار أو بقلا في طريق أو بال أو بالت دابته في طريق ويده عليها: راكبا كان أو ماشيا أو قائدا فتلف به إنسان أو ماشية أو تكسر منه عضو فعليه ضمان مالا تحمله العاقلة وإن حفر بئرا أو نصب سكينا أو وضع آخر حجرا فعثر به إنسان أو دابة فوقع في البئر أو على السكين - ضمن واضع الحجر المال وعلى عاقلته دية الحر: كدافع إذا تعديا وإلا فعلى متعد منهما وإن أعمق بئرا قصيرة ولو ذراعا فحفرها إلى القرار ضمنا التالف بينهما إن كان مالا ودية الحر على عاقلتهما فإن وضع آخر فيها سكينا فأثلاثا وإن حفرها بملكه أو وضع فيها حجرا أو حديدة وسترها فمن دخل بإذنه وتلف بها فالقود وإلا فلا: كمكشوفة بحيث يراها إن كان بصيرا أو دخل بغير إذنه وإن كان الداخل أعمى أو كان بصيرا لكن في ظلمة لا يبصرها - ضمنه وإن قال صاحب الدار: ما أذنت له في الدخول وادعى ولي الهالك أنه أذن له فقول المالك وإن قال: كانت مكشوفة وقال الآخر: كانت مغطاة فقول ولي الداخل وإن تلف أجير لحفرها بها أو دعا من يحفرها له بداره أو بمعدن فمات بهدم - فهدر وإن حفر بئرا في ملكه أو في ملك غيره بإذنه فلا ضمان عليه وكذلك إن حفرها في موات أو وضع حجرا أو نصب شركا أو شبكة أو منجلا ليصيد بها وإن فعل شيئا من ذلك في طريق ضيق فعليه ضمان ما تلف به أذن له الإمام ألم يأذن ولو فعل ذلك الإمام لضمن فإن كان الطريق واسعا فحفرها في مكان منها يضر بالمسلمين(4/200)
ضمن وإن كان لا يضر وحفرها لنفسه ضمن ما تلف بها وإن حفرها في ملك مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه - ضمن ما تلف به جميعه وتقدمت أحكام البئر في آخر الغصب وإن غصب صغيرا حرا فنهشته حية أو أصابته صاعقة ففيه الدية وإن كان فنا فالقيمة - قال الشيخ: ومثل ذلك كل سبب يختص البقعة: كالوباء وانهدام سقف عليه ونحوهما - انتهى وإن مات بمرض أو فجأة لم يضمن الحر وإن قيد حرا مكلفا أو غلة فتلف بصاعقة أو حية - وجبت الدية.(4/201)
فصل: - وإن اصطدم حران مكلفان بصيران أو ضريران أو أحدهما وهما ماشيان أو راكبان أو راكب وماش - فماتا
فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر وقيل بل نصفها لأنه هلك بفعل نفسه وفعل صاحبه فيهدر فعل نفسه وهذا هو العدل وكالمنجنيق إذا رجع فقتل أحد الثلاثة وإن مات أحد المتصادمين فديته كلها أو نصفها على عاقلة الآخر على الخلاف وإن اصطدما عمدا ويقتل غالبا فعمد يلزم كل واحد منهما دية الآخر في ذمته فيتقاصان وإلا فشبه عمد ولو تجاذبا حبلا ونحوه فانقطع فسقطا فماتا فكمتصادمين: سواء انكبا أو استلقيا أو انكب أحدهما واستلقى الآخر لكن نصف دية المنكب على عاقلة المستلقي مغلظة ونصف دية المستلقي على عاقلة المنكب وإن اصطدم قنان ماشيان فماتا فهدر وإن مات أحدهما فقيمته في رقبة الآخر كسائر جناياته وإن كانا حرا وقنا وماتا ضمنت قيمة القن في تركة الحر ووجبت دية الحر كاملة في تلك القيمة وإن اصطدم امرأتان فماتا فكرجلين فإن أسقطت(4/201)
كل واحدة منهما جنينها فعلى كل واحدة نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها وعلى كل واحدة عتق ثلاث رقاب: واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتها في الجنينين فإن أسقطت أحدهما دون الأخرى اشتركتا في ضمانه وعلى كل واحدة منهما عتق رقبتين وإن كان المتصادمان راكبين فرسين أو بغلين أو حمارين أو جملين أو أحدهما راكبا فرسا والآخر غيره: مقبلين أو مدبرين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر أو نصفها على الخلاف وإن ماتت إحداهما فعلى الآخر قيمتها وإن نقصت فعليه نقصها وإن كان أحدهما يسير بين يدي الآخر فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا فعلى عاقلة السائر دية الواقف وعليه ضمان دابته فإن مات الصادم أو دابته فهدر وإن انحرف الواقف في طريق ضيق غير مملوك له: قاعدا أو واقفا فلا ضمان فيه إن كان مملوكا للواقف ضمنه السائر ولا يضمن واقف لسائر شيئا ولو في طريق ضيق ومن أركب صغيرين لا ولاية له عليهما فاصطدما فماتا فعلى الذي أركبهما ديتهما في ماله وما تلف من مالهما ففي ماله أيضا وإن ركبا من عند أنفسهما فكالبالغين المخطئين وكذا إن أركبهما ولي لمصلحة كما إذا أراد أن يمرنهما على الركوب وكانا يثبتان بأنفسهما فأما إن كانا لا يثبتان بأنفسهما فالضمان عليه وإن اصطدم صغير وكبير: فإن مات الصغير ضمنه الكبير وإن(4/202)
مات الكبير ضمنه الذي أركب الصغير وإن قرب صغيرا من هدف فأصابه سهم ضمنه المقرب وإن أرسله في حاجة فأتلف مالا أو نفسا فجنايته خطأ من مرسله وإن جنى عليه ضمنه ذكره في الإرشاد وغيره وتقدم في الغصب إذا اصطدم سفينتان.(4/203)
فصل: - وإن رمى ثلاثة بمنجنيق فرجع الحجر فقتل رابعا
فعلى عواقلهم ديته أثلاثا ولا قود ولو قصدوه بعينه فإن قصدوه أو قصدوا جماعة فهو شبه عمد لأن قصد واحد بالمنجنيق لا يكاد يفضي إلى إتلافه وإن لم يقصدوا قتل آدمي فهو خطأ فإن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في أموالهم وإن قتل أحدهم سقط فعل نفسه وما يترتب عليه وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدية وإن رجع الحجر فقتل اثنين وجب على عاقلة الحي منهم لكل ميت ثلث ديته وعلى عاقلة كل واحد من الميتين ثلث دية صاحبه ويلقى فعل نفسه والضمان في ذلك يتعلق بمن مد الحبال ورمى الحجر دون من وضعه في الكفة وأمسك الخشب كمن وضع سهما في قوس إنسان ورماه صاحب القوس فالضمان على الرامي دون الواضع ومن جنى على نفسه أو طرفه عمدا أو خطأ فلا شيء له من بيت المال وغيره وإن نزل رجل بئرا فخر عليه آخر فمات الأول من سقطته فعلى عاقلته ديته وإن كان عمدا وهو مما يقتل غالبا فعليه القصاص وإلا فشبه عمد وإن وقع خطأ فالدية على عاقلته مخففة وإن مات الثاني بسقوطه على الأول فدمه هدر وإن سقط ثالث فمات الثاني فعلى عاقلته ديته وإن مات الأول من سقطتهما فديته على عاقلتهما(4/203)
ودم الثالث هدر هذا إذا كان الوقوع هو الذي قتله فإن كان البئر عميقا يموت الواقع بمجرد وقوعه لم يجب ضمان على أحد وإن احتمل الأمرين فكذلك وإن جذب الأول الثاني وجذب الثاني الثالث وماتوا فلا شيء على الثالث وديته على عاقلة الثاني ودية الثاني على عاقلة الأول ولو كان الأول هلك من وقعة الثالث فضمان نصف ديته على عاقلة الثاني والباقي هدر ولو كانوا أربعة فجذب الثالث رابعا فماتوا جميعهم بوقوع بعضهم على بعض فلا شيء على الرابع وديته على عاقلة الثالث وإن لم يقع بعضهم على بعض بل ماتوا بسقوطهم أو كان البئر عميقا بموت الواقع فيه بنفس الوقوع أو كان فيه ما يغرق الواقع فيقتله أو أسد يأكلهم ولم يتجاذبوا لم يضمن بعضهم بعضا وإن شك في ذلك لم يضمن بعضهم بعضا وإن كان موتهم لوقوع بعضهم على بعض فدم الرابع هدر وعليه1 دية الثالث ودية الثاني عليه وعلى الثالث نصفين ودية الأول على الثلاثة أثلاثا وإن خر رجل في زبية أسد فجذب آخر وجذب الثاني ثالثا وجذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فدم الأول هدر وعلى عاقلته دية الثاني وعلى عاقلة الثاني دية الثالث وعلى عاقلة الثالث دية الرابع وكذا لو تدافع أو تزاحم عند حفرة جماعة فسقط منهم أربعة فيها متجاذبين كما وصفنا.
__________
1 يريد على عاقلته، وكذا قوله: ودية الثاني عليه وعلى الثالث: أي عاقلة الرابع وعاقلة الثالث.(4/204)
فصل: - ومن أخذ طعام إنسان أو شرابه في برية أو مكان لايقدر فيه على طعام ولا شراب أو أخذ دابته فمات بذلك
...
فصل: - ومن أخذ طعام إنسان أو شرابه في برية أو مكان لا يقدر فيه على طعام ولا شراب أو أخذ دابته فهلك بذلك أو هلكت بهيمته -
فعليه ضمان ما تلف به ومثلها في الحكم لو أخذ منه قوسا يدفع بها عن نفسه ضربا ذكره في الانتصار وإن اضطر إلى طعام أو شراب لغير مضطر فطلبه منه فمنعه إياه فمات بذلك - ضمنه المطلوب منه بديته في ماله وإن لم يطلبه منه لم يضمنه لأنه لم يمنعه ومن أمكنه إنجاء آدمي أو غيره من هلكة: كماء أو نار أو سبع فمل يفعل حتى هلك لم يضمن ومن أفزع إنسانا أو ضربه فأحدث بغائط أو بول ونص أو ريح - فعليه ثلث ديته إن لم يدم فإن دام فسيأتي في دية الأعضاء ولو مات من الإفزاع فعلى الذي أفزعه الضمان تحمله العاقلة بشرطه وإذا أكره رجلا على قتل إنسان فصار الأمر إلى الدية فهي عليهما ولو أكره رجل امرأة على الزنا فحملت وماتت في الولادة ضمنها وتحمله العاقلة: إلا أن لا يثبت ذلك إلا باعترافه فتكون الدية عليه وإن شهد شاهدان على إنسان بقتل عمد فقتل ثم رجعا عن الشهادة لزمهما الضمان في مالهما.(4/205)
فصل: - ومن أدب ولده أو امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف فأفضى إلى تلف لم يضمن
وإن أسرف أو زاد على ما يحصل به المقصود أو ضرب من لا عقل له من صبي وغيره - ضمن ومن أسقطت بطلب سلطان أو تهديده لحق الله تعالى أو غيره أو ماتت بوضعها أو فزعا أو ذهب عقلها من ذلك أو استدعى إنسان عليها إلى السلطان - ضمن السلطان ما كان بطلبه ابتداء(4/205)
وضمن المستعدي ما كان بسببه: من موتها فزعا أو إلقاء جنينها وظاهره ولو كانت ظالمة كما يضمن بإسقاطها بتأديب أو قطع يد لم يأذن سيد فيهما أو لشر دواء لمرض وإن ماتت حامل أو حملها من ريح طبيخ علم ربه بذلك وكان يقتل عادة - ضمن ولو أذن السيد في ضرب عبده أو الوالد في ضرب ولده فضربه المأذون له - ضمنه وإن سلم ولده الصغير أو سلم بالغ عاقل نفسه إلى سابح حاذق ليعلمه السباحة فغرق لم يضمنه إذا لم يفرط السابح وإن أمر بالغا عاقلا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه ولو كان الآمر السلطان كاستئجاره: أقبضه الأجرة أولا كما لو أذن له ولم يأمره وإن أمر غير مكلف ضمنه وإن وضع جرة على سطحه أو حائطه ولو متطرفة أو حجرا فرمتها الريح على إنسان فقتلته أو شيء فأتلفه لم يضمنه ولو دفع الجرة حال نزولها عن وصولها إليه لم يضمن وكذا لو تزحزح فدفعه ولو حالت بهيمة بينه وبين طعامه أو ماله ولا تندفع إلا بقتلها فقتلها لم يضمنها وتقدم آخر الغصب وإن أخرج جناحا إلى طريق نافذ أو ميزابا أو في غير نافذ بغير إذن أهله فسقط على إنسان فأتلفه - ضمنه وتقدم في الغصب.(4/206)
باب مقادير دية النفس
مدخل
...
باب مقادير دية النفس
دية الحر المسلم مائة من الإبل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة أو ألف مثقال ذهبا أو اثنا عشر ألف درهم فضة من دراهم الإسلام(4/206)
التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل فهذه الخمس أصول في الدية: لا حلل1 فأيها أحضر من لزمته - لزم الولي قبوله فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد وجبت مغلظة أرباعا: خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وتجب في قتل الخطأ مخففة أخماسا: عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة ذكورا وإناثا ويؤخذ من البقر النصف مسنات والنصف أتبعة ومن الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة2 ولا تعتبر القيمة في شيء من ذلك بعد أن يكون سليما من العيوب فيؤخذ المتعارف مع التنازع وتغلظ دية طرف كقتل ولا تغليظ في غير إبل والتخفيف في الخطأ من ثلاثة أوجه: الضرب على العاقلة والتأجيل ثلاث سنين ووجوها مخمسة وشبه العمد تخفف فيه من وجهين: الضرب على العاقلة والتأجيل ثلاث سنين وتغلظ من وجه وهو التربيع وفي العمد المحض تغلظ بتخصيصها بالجاني وتعجيلها عليه وتبديل التخميس بالتربيع فإن لم تمكن قسمة دية الطرف مثل أن يوضحه عمدا أو شبه عمد فإنه يجب أربعة أرباعا3 والخامس من أحد الأنواع الأربعة قيمته ربع
__________
1 يعني ليست حلل الثياب من أصول الدية، وذلك أخذ من المصنف بالرواية المشهورة عن الإمام، وهناك رواية أخرى باعتبار الحلل من أصول الدية، وعليها تكون الدية منها مائتي حلة يمنية: كل واحدة منها إزار ورداء.
2 الثني من الضأن ما تم له سنة والجذع ما تم له ستة أشهر.
3 أربعة أرباعا يعني بنت مخاض، وبنت لبون، وحقة، وجذعة، وتوضيح =(4/207)
قيمة الأربع وإن كان أوضحه خطأ وجبت الخمس من الأنواع الخمسة من كل نوع بعير وإن كان الواجب دية أنملة وجبت ثلاثة أبعرة وثلث قيمتها نصف قيمة الأربعة وثلثها وإن كان خطأ ففيها ثلثا قيمة الخمس ولا يعتبر في الإبل أن تكون من جنس إبل الجاني ولا إبل بلده ودية المرأة نصف دية رجل من أهل ديتها وتساوي جراحها جراحه فيما دون ثلث ديته فإذا بلغته أو زادت صارت على النصف ودية الخنثي المشكل نصف دية رجل ونصف دية أنثى ويقاد به الذكر والأنثى ويقاد هو بكل واحد منهما وتساوى جراحه جراح الذكر فيما دون الثلث وفي الثلث وما زاد عنه ثلاثة أرباع جرح ذكر ودية الذكر الكتابي الحر نصف دية الحر المسلم إن كان ذميا أو معاهدا أو مستأمنا وجراحاتهم من دياتهم كجراحات المسلمين من دياتهم ودية الكافر على قاتله المسلم عمدا ويأتي آخر الباب وأما عبدة الأوثان وسائر من لا كتاب له كالترك ومن عبد ما استحسن - فلا دية لهم إذا لم يكن لهم أمان ولا
__________
= ذلك الفرع أن الموضحة المعتمدة فيها خمس من الإبل، والأنواع التي يخرج الواجب منها هي الأربعة، والخامس يختار من أحد الأنواع على أن يلاحظ في قيمته أنها ربع قيمة المجموع حتى يكون الواجب مستوفى، وقوله بعد: في الموضحة الخطأ وجبت الخمس يريد تلك الأنواع الأربعة مع زيادة ابن المخاض.(4/208)
عهد فإن كان له أمان فديته دية المجوسي ومن لم تبلغه الدعوة إن وجد فلا ضمان فيه إذا لم يكن لهم أمان ولا عهد فإن كان له أمان فديته دية أهل دينه فإن يمل يعرف دينه فكمجوسي ودية العبد والأمة قيمتهما ولو بلغت دية الحجر أو زادت عليها والمدبر والمكاتب وأم الولد كالقن وفي جراحه - إن لم يكن مقدرا من الحر كما لو شجه دون موضحة - ما نقصه بعد التئام الجرح ولو زاد على أرش الموضحة وإن كان مقدرا من الحر فهو مقدر من العبد منسوب إلى قيمته ففي يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته: نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر ومن نصفه حر فعلى قاتله نصف دية حر ونصف قيمته إذا كان عمدا وإن كان غيره ففي ماله نصف قيمته ونصف الدية على العاقلة وكذا الحكم في جراحه إن كان قدر الدية من أرشها يبلغ ثلث الدية: مثل أن يقطع أنفه أو يديه وإن قطع إحدى يديه فالجميع على الجاني وإن قطع خصيتيه أو أنفه أو أذنيه لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملك السيد عنه وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر وقيمته مقطوع الذكر وملك سيده باق عليه والأمة كالعبد وإن بلغت جراحتها ثلث قيمتها لم ترد إلى النصف لأن ذلك في الحرة على خلاف الأصل.(4/209)
فصل: - ودية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتا بجناية عمدا أو خطأ
أو ظهر بعضه أو ألقته حيا لدون ستة أشهر أو ألقت يدا أو رجلا أو رأسا أو جزءا من أجزاء الآدمي: في حياة أمه أو بعد موتها أو ألقت ما تصير به الأمة أم ولد - غرة: عبدا أو أمة قيمتها خمس من الإبل: ذكرا كان أو أنثى وهو عشر دية أمة من ضربة أو دواء أو غيره ولو بفعلها ويعلم ذلك بأن يسقط عقب الضرب أو تبقى متألمة(4/209)
إلى أن يسقط وإن ألقته رأسين أو أربع أيد لم يجب أكثر من غيرة لأنه يجوز أن يكون من جنين واحد وما زاد مشكوك فيه وإن دفع بدل الغرة دراهم أو غيرها ورضي المدفوع إليه جاز ولو قتل حاملا ولم تسقط جنينها أو ضرب من في جوفها حركة أو انتفاخ فسكن الحركة وأذهبها وأسقطت ما ليس فيه صورة آدمي أو ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل أنه مبدأ خلق آدمي لو بقى تصور أو ضرب بطن حربية أو مرتدة حامل فأسلمت ثم وضعت جنينا ميتا فلا شيء فيه وإن شهدت أن فيه صورة ففيه غرة وإذا كان أبوا الجنين كتابيين فغرته نصف قيمة غرة المسلم وقيمة غرة جنين المجوسية أربعون درهما فإن تعذر وجود غرة بهذه الدراهم وجبت الدراهم وإن لم يجد الغرة وجبت قيمتها من أحد الأصول في الدية لأن الخيرة للجاني في دفع ما شاء من الأصول.(4/210)
فصل: - والغرة موروثة عنه كأنه سقط حيا
يرثها ورثته فلا يرث منها قاتل ولا رقيق وترث عصبة سيد قاتل جنين معتقته لا جنين أمته: إلا أن يكون حرا فإن أسقطته ميتا ثم ماتت ورثت نصيبها من الغرة ثم يرثها ورثتها وإن ماتت قبله ثم ألقته ميتا لم يرث أحدهما صاحبه وإن خرج حيا ثم ماتت قبله ثم مات أو ماتت ثم خرج حيا ثم مات - ورثها ثم يرثه ورثته وإن اختلف ورثتهما في أولهما موتا فلهما حكم الغرقى وإن ألقت جنينا: ميتا أو حيا ثم ماتت ثم ألقت آخر حيا ففي الميت غرة وفي الحي الأول دية إن كان سقوطه لوقت يعيش مثله ويرثهما الحي الآخر ثم يرثه ورثته إن مات(4/210)
وإن كانت الأم ماتت بعد الأول وقبل الثاني - ورثت الأم والجنين الثاني من دية الأول ثم إذا ماتت الأم ورثها الثاني ثم يصير ميراثه لورثته فإن ماتت الأم بعدهما ورثتهما جميعا وإن ضرب بطنها فألقت أجنة ففي كل واحد غرة وإن ألقتهم أحياء لوقت يعشون لمثله ثم ماتوا ففي كل واحد منهم دية كاملة وإن كانت أم الجنين أمة وهو حر فتقدر حرة أو كانت ذمية حاملا من ذمي ومات على أصلنا فتقدر مسلمة ولا يقبل في الغرة خنثي ولا خصي ونحوه وإن كثرت قيمته ولا معيب يرد في البيع ولا هرمة ولا من له دون سبع سنين بل من له سبع فأكثر ولو جاوز خمس عشرة سنة أو أسود كأبيض.(4/211)
فصل: - وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه يوم الجناية نقدا
ومع سلامته وعيبها تعتبر سليمة ولو كانت أمه حرة فتقدر أمة ويؤخذ عشر قيمتها نقدا ولا يجب مع الغرة ضمان نقص الأم وولد المدبر والمكاتبة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد إذا حملت من غير سيدها من غير من يعتق عليه - له حكم ولد الأمة لأنه مملوك جنين معتق بعضها بالحساب وإذا سقط جنين ذمية قد وطئها مسلم وذمي في طهر واحد - وجب فيه ما في الجنين الذمي فإن ألحق بعد ذلك بالمسلم فعليه تمام الغرة وإن ادعت نصرانية أو ورثتها أن جنينها من مسلم من وطء شبهة أو زنا: فإن اعترف الجاني فعليه غرة كاملة وإن اعترفت العاقلة أيضا وكن مما تحمله فالغرة عليها وتحلف مع الإنكار وعليها ما في جنين الذميين والباقي على الجاني وإن اعترفت(4/211)
العاقلة دون الجاني فالغرة عليها مع دية أمه، وإن أنكر الجاني والعاقلة فالقول قولهم مع إيمانهم: أنا لا نعلم أن هذا الجنين من مسلم وجبت دية ذمي ولا يلزمهم اليمين على البت وإن كان ما لا تحمله العاقلة فقول الجاني وحده مع يمينه ولو كانت النصرانية امرأة مسلم فادعى الجاني أن الجنين من ذمي بشبهة أو زنا فقول ورثة الجنين.(4/212)
فصل: - وإذا كانت الأمة بين شريكين فحملت بمملوكين فضربها أحدهما فأسقطت -
ضمن لشريكه نصف عشر قيمة أمه ويسقط ضمان نفسه وإن أعتقها الضارب بعد ضربها وكان معسرا ثم أسقطت عتق نصيبه منها ومن ولدها وعليه لشريكه نصف عشر قيمة الأم ولا يجب عليه ضمان ما أعتقه وإن كان موسرا سرى العتق إليها وإلى جنينها وإن ضرب غير سيد بطن أمة فعتقت مع جنينها أو عتق وحده ثم أسقطت ففيه غيرة وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه غرة قيمتها عشر دية أمه وإن كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا - اعتبر أكثرهما دية من أب أو أم وأخذ غبرة قيمتها عشر الدية وإن سقط الجنين حيا ثم مات ففيه دية حرا إن كان حرا أو قيمته إن كان مملوكا إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله، وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا إذا ثبتت حياته باستهلاله أو ارتضاعه أو تنفسه أو عطاسه أو غير ذلك مما تعلم به حياته ولدون ستة أشهر فحكمه حكم الميتة وإن ألقته حيا فجاء آخر فقتله وكانت فيه حياة مستقرة فعلى الثاني القصاص إذا كان عمدا أو الدية كاملة إذا كان سقوطه لوقت يعيش لمثله،(4/212)
وإن لم تكن فيه حياة مستقرة بل كانت حركته كحركة المذبوح فالقاتل هو الأول وعليه الدية كاملة ويؤدب الثاني وإن بقى الجنين حيا وبقى زمنا سالما لا ألم به لم يضمنه الضارب لأن الظاهر أنه لم يمت من جنايته وإن اختلفا في خروجه حيا فقول جان مع يمينه.(4/213)
فصل: - وإن ادعت أن ضربها فأسقطت جنينها فأنكر فالقول قوله
وإن أقر أو ثبت ببينة أنه ضربها وأنكر إسقاطها فقوله أيضا مع يمينه أنه لا يعلم إسقاطها وإن ثبت الإسقاط والضرب وادعى أنها أسقطته من غير ضرب وأنكرته: فإن كانت أسقطته عقب ضربها فقولها وإن ادعى أنها ضربت نفسها أو شرب دواء أسقطت منه فقولها وإن أسقطت بعد الضرب بأيام وبقيت سالمة إلى حين الإسقاط فقولها أيضا وإن لم تكن سالمة فقوله كما لو ضرب إنسانا فلم يبق متألما ولا ضمنا ومات بعد أيام وإن اختلف في وجود التألم فقوله وإن تأملت في بعض المدة فادعى برأها فقولها وإن قالت: سقط حيا وقال ميتا فقوله وإن ثبتت حياته وقالت: لوقت يعيش لمثله وأنكر فقولها وإن أقامت ببينة باستهلاله وأقام ببينة بخلافها قدمت ببينتها وإن قالت: مات عقب الإسقاط وقال: عاش مدة - فقولها ومع التعارض تقدم ببينته وإن ثبت أنه عاش مدة فقالت المرأة: بقى متألما حتى مات فأنكر - فقوله ومع التعارض تقدم ببينتها ويقبل في استهلال الجنين وسقوطه وبقائه متألما أو بقاء أمه متأملة قول امرأة عدل وإن اعترف الجاني باستهلاله أو ما يوجب فيه دية كاملة فالدية في ماله وإن كان مما تحمل العاقلة فيه(4/213)
الغرة - فهي على العاقلة: وباقي الدية في مال القاتل؛ وكل من قلنا القول قوله - فمع يمينه.(4/214)
فصل: - وإن انفصل منها جنينان ذكر وأنثى فاستهل أحدهما واختلفوا في المستهل
فقال الجاني: هو الأنثى وقال وارث الجنين: هو الذكر - فقول الجاني وإن كان لأحدهما بينة قدم بها وإن كان لهما بينتان وجبت دية الذكر وإن اعترف الجاني باستهلال الذكر فأنكرت العاقلة فقولهم فإذا حلفوا كان عليهم دية الأنثى وعلى الجاني تمام دية الذكر وهو نصف الدية وإن اتفقوا ولم يعرف لزم دية أنثى وتجب الغرة في الذي لم يستهل وإن ضربها فألقت يدا ثم ألقت جنينا فإن كان إلقاؤهما متقاربا وبقيت المرأة متألمة إلى أن ألقته - دخلت اليد في ضمان الجنين ثم إن كان سقط ميتا أو حيا لوقت لا يعيش لمثله ففيه غرة وإلا فدية كاملة وإن بقي حيا لم يمت فعلى الضارب ضمان اليد بديتها وإن ألقت اليد وزال الألم ثم ألقت الجنين - ضمن اليد وحدها ثم إن ألقته ميتا أو حيا لوقت لا يعيش لمثله ففي اليد نصف غرة وإن ألقته حيا لوقت يعيش لمثله ثم مات أو عاش وكان بين إلقاء اليد وإلقائه مدة يحتمل أن تكون الحياة لم تخلق فيه قبلها فإن قلن أي: القوابل أنها يد من لم تخلق فيه الحياة أو يد من خلقت فيه ولم يمض له ستة أشهر أو أشكل عليهن - وجب نصف غرة وإذا شربت الحامل دواء فألقت به جنينا فعليها غرة لا ترث منها لأنها قاتلة وإن جنى على بهيمة فألقت جنينها ففيه ما نقصها(4/214)
فصل: - وتغلظ دية النفس: لا الطرف - في قتل الخطأ فقط في ثلاثة مواضع:
حرم مكة وإحرام وأشهر حرم فقط فيزداد لكل واحد ثلث الدية فإن اجتمعت هذه الحرمات الثلاث وجب ديتان وظاهر كلام الخرقي أنها لا تغلظ لذلك وهو ظاهر الآية والأخبار واختاره جمع وإن قتل مسلم كافرا: كتابيا أو غيره حيث حقن دمه عمدا - ضعفت الدية على قاتله لإزالة القود وإن قتله ذمي أو قتل الذمي مسلما لم تضعف الدية عليه وإن جنى رقيق: خطأ أو عمدا لا قود فيه أو فيه قود واختير المال أو أتلف مالا بغير إذن سيده - تعلق ذلك برقبته فيخير سيده بين أن يفديه بأرش جنايته أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه أو يبيعه ويدفع ثمنه فإن كانت الجناية أكثر من قيمته لم يكن على السيد أكثر من قيمته: إلا أن يكون أمره بالجناية أو أذن له فيها فيلزمه الأرش كله فلو أمره أن يقطع يد حر فعلى السيد دية يد الحر وإن كانت أكثر من قيمة العبد وكذال لو أمره أن يجرحه ولو قتل العبد أجنبي تعلق الحق بقيمته - جزم به في المحرر واختاره أبو بكر والمطالبة للسيد والسيد يطالب الجاني بالقيمة وإن سلم الجاني سيده فأبى ولي الجناية قبوله وقال: بعه أنت وادفع ثمنه إلى لم يلزمه ويبيعه الحاكم وإن فضل عن ثمنه شيء من أرش الجناية فهو للسيد وللسيد التصرف فيه بعتق وغيره وينفذ عتقه: علم بالجناية أو لم يعلم ويضمن إذا أعتقه ما يلزمه من ضمانه إذا امتنع من تسليمه قبل عتقه وإن باعه أو وهبه صح ولم يزل تعلق الجناية عن رقبته؛ فإن(4/215)
كان المشتري عالما بحاله فلا خيار له وينتقل الخيار في فدائه وتسليمه إليه: كالسيد الأول وإن لم يعلم فله الخيار بين إمساكه ورده وإن جنى الرقيق عمدا فعفا الولي عن القصاص على رقبته لم يملكه بغير رضا سيده وإن جنى على اثنين فأكثر خطأ اشتركوا فيه بالحصص فإذا عفا أحدهم أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته تعلق حق الباقين بكل العبد وشراء ولي القود الجاني عفو عنه وإن جرح العبد حرا فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر دية الحر واختار السيد فداءه بقيمته صح العفو في ثلث ما مات عنه والثلثان للورثة ولو أن عشرة أعبد قتلوا عبدا فعليهم القصاص فإن اختار السيد قتلهم فله ذلك وإن عفا إلى مال تعلقت قيمة عبده برقابهم: على كل واحد منهم عشرها يباع منه بقدرها أو يفديه سيده فإن اختار قتل بعضهم والعفو عن بعض فله ذلك وإن قتل عبد عبدين لرجلين قتل بالأول منهما فإن عفا عنه الأول قتل بالثاني وإن قتلهما دفعة واحدة - أقرع بين السيدين فمن وقعت له القرعة - اقتص وسقط حق الآخر وإن عفا الثاني تعلقت قيمة القتيل الآخر سقط حتى الأول من القيمة وإن عفا الثاني تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته أيضا ويباع فيهما ويقسم ثمنه على قدر القيمة ولم يقدم الأول بالقيمة.(4/216)
باب دية الأعضاء ومنافعها
دية الأعضاء ومنافعها
...
باب دية الأعضاء ومنافعها
من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه دية نفسه وما فيه منه(4/216)
شيئان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها وما فيه ثلاثة أشياء ففيها الدية وفي كل واحد منها ثلثها وما فيه منه أربعة أشياء ففيها الدية وفي كل واحد منها ربعها وما فيه عنه عشرة أشياء ففيها الدية وفي كل واحد منها عشرها ففي العينين الدية ولو مع حول وعمش ومرض وبياض لا ينقص البصر من كبير أو صغير وفي أحدهما نصفها: لكن إن كان بهما أو بأحدهما بياض ينقص البصر نقص منها بقدره وفي ذهاب البصر الدية وفي ذهاب بصر إحداهما نصفها فإن ذهب بالجناية على رأسه أو عينه أو بمداواة الجناية وجبت الدية فإن ذهب ثم عاد لم تجب وإن كان قد أخذها ردها وإن ذهب بصره أو سمعه فقال عدلان من أهل الخبرة: لا يرجى عوده - وجبت وإن قالا يرجى عوده إلى مدة عيناها - انتظر إليها ولم يعط الدية حتى تنقضي المدة فإن بلغها ولم يعد أو مات قبل مضيها وجبت الدية وإن قلع أجني عينه في المدة استقرت على الأول الدية أو القصاص وعلى الثاني حكومة وإن قال الأول: عاد ضوؤها وأنكر الثاني فقول المنكر مع يمينه وإن صدق المجني عليه الأول سقط حقه عنه ولم يقبل قوله على الثاني وإن قال أهل الخبرة: يرجى عوده لكن لا نعرف به مدة وجبت الدية أو القصاص وإن اختلف في ذهابه رجع إلى عدلين من أهل الخبرة فإن لم يوجد أهل الخبرة أو تعذر معرفة ذلك اعتبر بأن يوقف في عين الشمس ويقرب الشيء من عينه في أوقات غفلته: فإن طرف وخاف من الذي تخوف به فهو كاذب وإلا حكم له وكذلك الحكم في السمع والشم(4/217)
والسن وإن جنى عليه فنقص ضوء عينيه أو أسود بياضهما أو احمر ولم يتغير البصر فحكومة وإن اختلفا في نقص سمعه وبصره فقول المجني عليه مع يمينه وإن ادعى نقص ضوء إحداهما عصبت العليلة وأطلقت الصحيحة ونصب له شخص ويعطى الشخص شيئا كبيضة مثلا ويتباعد عنه في جهة شيئا فشيئا فكلما قال: قد رأيته فوصف لونه علم صدقه حتى ينتهي فإن انتهت رؤيته علم موضع الانتهاء بخيط أو غيره ثم تشد الصحيحة وتطلق العليلة وينصب له الشخص ثم يذهب في الجهة حتى تنتهي رؤيته فيعلم موضعها ثم يرد الشخص إلى انتهاء جهة أخرى فيصنع به مثل ذلك ويعلم منه المسافتان ثم يذرعان ويقابل بينهما وإن اختلف المسافتان فقد كذب فيردد حتى تستوي المسافة من الجانبين وإن جنى على عينيه فندرتا1 أو احولتا أو اعمشتا ونحوه فحكومة: كما لو ضرب يده فاعوجت والجناية على الصغير والمجنون كالجناية على المكلف لكن المكلف خصم لنفسه والخصم للصغير والمجنون وليهما فإذا توجهت اليمين عليهما لم يحلفا ولم يحلف الولي فإذا تكلفا حلفا وفي عين الأعور دية كاملة فإن قلعها صحيح فله القود بشرطه مع أخذ نصف الدية وإن قلع الأعور عين صحيح لا تماثل عينه أو قلع المماثلة خطأ فليس عليه إلا نصف الدية وإن قلع عينه الصحيحة عمدا فلا قصاص وعليه دية كاملة وإن قلع عيني صحيح عمدا خير بين قلع عينه ولا شيء له غيرها وبين الدية وفي يد أقطع أو رجله - نصف الدية: كبقية الأعضاء فلو قطع يد صحيح قطعت يده،
__________
1 ندرتا: بمعنى تضخمتا، أو فسدتا.(4/218)
وفي الأشفار الأربعة: وهي الأجفان ولو من أعمى - الدية وفي كل واحد منها ربعها فإن قطع العينين بأجفانها وجبت ديتان وفي أهداب العينين - وهي الشعر الذي على الأجفان - الدية وفي كل واحد منها ربعها فإن قطع أجفانا بأهدابها لم يجب أكثر من دية وفي كل واحد من الشعور الثلاثة الأخرى الدية وهي شعر الرأس واللحية والحاجلين: كثيفة كانت أو خفيفة جميلة أو قبيحة من صغير أو كبير بحيث لا تعود ولا قصاص في هذه الشعور الأربعة لعدم إمكان المساواة وفي كل حاجب نصفها وفي بعض ذلك بقسطه من الدية يقدر بالمساحة وإن عاد الشعر قبل أخذ الدية سقطت وبعده ترد وإن بقى من شعر اللحية أو غيره من الشعور ما لا جمال فيه فدية كاملة وفي الشارب حكومة وفي الأذنين ولو من أصم الدية وفي إحداهما نصفها وإن قطع بعض الأذن وجب بالحساب من ديتها يقدر بالأجزاء وكذا قطع بعض المارن والحلمة واللسان والشفة والحشفة والأنملة والسن وشق الحشفة طولا فن جنى على أذنه فاستحشفت أي شلت ففيها حكومة فإن قطعها قاطع بعد استحشافها ففيها ديتها وفي السمع إذا ذهب سمعه فديتان فإن اختلفا في ذهاب سمعه فإنه يغتفل ويصاح به وينظر اضطرابه ويتأمل عند صوت الرعد والأصوات المزعجة فإن ظهر منه انزعاج أو التفات أو ما يدل على السمع فقول الجاني مع يمينه وإن لم يوجد شيء من ذلك فقوله مع يمينه وإن ادعى نقصان(4/219)
سمع إحداهما فاختباره بأن تشد العليلة تطلق الصحيحة ويصبح رجل من موضع يسمعه ويعمل كما تقدم في نقص البصر في إحدى العينين ويؤخذ من الدية بقدر نقصه وإن تعدى نقصان السمع فيهما حلف ووجبت فيه حكومة وفي مارن الأنف - وهو ما لان منه ولو من أخشم الدية وإن قطع المارن وشيئا من القصبة فدية واحدة وفي كل واحد من المنخرين والحاجز بينهما ثلث الدية وفي قطع أحدهما مع نصف الحاجز نصفها ومع كله ثلثاها وفي الشم الدية وفي ذهابه من أحد المنخرين نصفها وفي بعضه حكومة وإن نقص من أحدهما قدر بما يقدر به نقص السمع من إحدى الأذنين وإن قطع أنفه فذهب شمه فديتان وإن ادعى ذهاب شمه اختبر بالروائح الطيبة والمنتنة فإن هش للطيب وتنكر من المنتن فقول الجاني مع يمينه وإلا فقول مجني عليه مع يمينه وإن ادعى نقص شمه فقوله مع يمينه ويجب ما تخرجه الحكومة وإن قطع مع الأنف اللحم الذي تحته ففي اللحم حكومة: كقطع الذكر واللحم الذي تحته وإن ضرب أنفه فأشله أو عوجه أو غير لونه فحومة وفي قطعه إلا جلدة بقي معلقا بها فلم يلتحم واحتيج إلى قطعة ففيه ديته وإن رده فالتحم أو أبانه فرده فالتحم فحكومة وفي الشفتين الدية وفي كل واحدة منهما نصفها فإن ضربهما فأشلهما أو تقلصتا فلم تنطبقا على الأسنان أو استرختا فصارتا لا ينفصلان عن الأسنان ففيهما الدية وإن تقلصتا بعض التقلص فحومة وحد الشفة السفلى من أسف ما تجافى عن الأسنان واللثة مما ارتفع من جلدة الذقن وحد العليا من فوق ما تجافى عن الأسنان واللثة إلى اتصاله بالمنخرين والحاجز(4/220)
وحدهما طولا طول الفم إلى حاشية الشدقين، وفي اللسان الناطق الدية وفي الكلام الدية وفي الذوق إذا ذهب ولو من لسان أخرس الدية والمذاق الخمس: الحلاوة والمرارة والحموضة والعذوبة والملوحة فإذا ذهب واحد منها فلم يدركه وأدرك الباقي فخمس الدية وإن ذهب اثنتان فخمسان وفي ثلاثة ثلاثة أخماس وفي أربعة أربعة أخماس وإن لم يدرك بواحدة ونقص الباقي فخمس الدية وحكومة لنقص الباقي وإن جنى على لسان ناطق فأذهب كلامه وذوقه فديتان فإن قطعه فذهبتا معا فدية واحدة وإن ذهب بعض الكلام وجب من الدية بقدر ما ذهب: يعتبر ذلك بحروف المعجم وهي ثمانية وعشرون حرفا ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية وفي الحرفين نصف سبعها وكذا حساب ما زاد ولا فرق بين ما خف على اللسان من الحروف أو ثقل ولا بين الشفوية والحلقية اللسانية وإن جنى على شفتيه فذهب بعض الحرف وجب فيه بقدره وكذلك إن ذهب بعض حروف الحلق بجناية وإن ذهب حرف فعجز عن كلمة كجعله أحمد أمد لم يجب غير أرش الحرف وإن ذهب حرف فأبدل مكانه حرفا آخر: مثل أن كان يقول درهم فصار يقول: دلهم أو دغهم أو دنهم فعليه ضمان الحرف الذاهب لا إن جنى عليه فذهب البدل وجبت ديته أيضا لأنه أصل وإن لم يذهب شيء من الكلام لكن حصلت فيه عجلة أو تمتمة أو فأفأة فعليه حكومة فإن جنى عليه جان آخر فأذهب كلامه ففيه الدية كاملة فإن أذهب الأول الحروف وأذهب الثاني بقية(4/221)
الكلام فعلى كل واحد منهما بقسطه، وإن كان ألثغ من غير جناية عليه فذهب إنسان بكلامه كله: فإن كان مأيوسا من زوال لثغته ففيه بقسطه ما ذهب من الحروف وإن كان غير مأيوس من زوالها كالصغير ففيه الدية كاملة وكذلك الكبير إذا أمكن زوال لثغته بالتعليم وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام فإن استويا مثل أن قطع ربع لسانه فذهب ربع كلامه فربع الدية فإن ذهب أكثر من الآخر وهو نصف الدية في الحالين وإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع آخر بقيته فذهب الكلام فعلى الأول نصف الدية وعلى الثاني نصفها وحكومة لربع اللسان ولو قطع نصفه فذهب ربع الكلام ثم آخر فزال ثلاثة أرباعه فعلى الأول نصف الدية وعلى الثاني ثلاثة أرباعها وإن عاد كلامه أو ذوقه أو لسانه سقطت الدية وإن كان قبضها ردها وإن قطع نصفه فذهب كل كلامه ثم قطع آخر بقيته فعاد كلامه لم يجب رد الدية وإن قطعه فذهب كلامه ثم عاد اللسان دون الكلام لم يرد الدية وإن اقتص من قطع بعض لسانه فذهب من كلام الجاني مثل ما ذهب من كلام المجني عليه أو أكثر فقد استوفى حقه ولا شيء له في الزائد لأنه من سراية القود وسراية القود غير مضمونة وإن ذهب أقل فللمقتص دية ما بقي لأنه لم يستوف بدله وإذا قطع لسان صغير لم يتكلم لطفوليته ففيه الدية وإن بلغ حدا يتكلم مثله فلم يتكلم ففيه حكومة كلسان الأخرس وإن كبر(4/222)
فنطق ببعض الحروف وجب فيه بقدر ما ذهب من الحروف لأنا تبينا أنه كان ناطقا وإن كان قد بلغ إلى حد يتحرك بالبكاء أو غيره فلم يتحرك ففيه حكومة وإن لم يبلغ إلى حد يتحرك ففيه الدية وفي كل سن ممن قد أثغر خمس من الإبل والأضراس والأنياب كالأسنان إذا قلعت بسنخها - وهو ما بطن منها في اللحم - أو قطع الظاهر فقط سواء قلعها في دفعة أو دفعات وإن قلع منها السنخ فقط ولو كان هو الذي جنى على ظهرها ففيه حكومة ولا يجب بقلع سن الصغير الذي لم يثغر في الحال شيء لكن ينتظر عودها: فإن مضت مدة ييأس من عودها وجبت ديتها إلا أن ينبت مكانها أخرى وإن عادت قصيرة أو شوهاء أو أطول من أخواتها أو صفراء أو حمراء أو سوداء أو خضراء فحكومة وإن أمكن تقدير نقصها من نظيرتها أو كان فيها ثلمة أمكن تقديرها ففيها بقدر ما نقص وإن نبتت مائلة عن صف الأسنان بحيث لا ينتفع بها ففيها ديتها وإن كان ينتفع بها فحكومة وإن جعل مكان السن سنا أخرى أن سن حيوان أو عظمها فثبتت وجب ديتها وإن قلعت هذه الثلاثة فحكومة وإن قلع سنه أو قلع طرفه ونحوهما فرده فالتحم فله أرش نقصه ثم إن أبانه أجنبي وجبت ديته وإن عادت سن من قد أثغر ولو بعد الأياس من عودها رد ديتها إن كان أخذها وإن كسر بعض ظاهر السن ففيه من دية السن بقدره كالنصف وإن جاء آخر فكسر الباقي منها فعليه بقية الأرش وإن اختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل واحد منهما وإن انكشفت اللثة عن(4/223)
بعض السن فالدية في قدر الظاهر عادة دون ما انكشف على خلاف العادة وإن اختلفا في قدر الظاهر اعتبر ذلك بأخواتها فإن لم يكن له شيء تعتبر به ولم يمكن أن يعرف ذلك أهل الخبرة فقول الجاني إن قلع سنا مضطربة لكبر أو مرض وكانت منافعها باقية من المضغ وحفظ الطعام والريق وجبت ديتها وكذلك إن ذهب منافعها وبقي بعضها وإن ذهبت منافعها كلها فهي كاليد الشلاء وإن قلع سنا فيها داء أو أكلة ولم يذهب شيء من أجزائها ففيها دية سن صحيحة: وإن سقط من أجزائها شيء سقط من ديتها بقدر الذاهب منها ووجبت الباقي وإن كانت ثنيته قصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها كما لو نقصت بكسرها وإن جني على سنه فبقي فيها اضطراب ففيها حكومة وفي تسويد السن والظفر والأذن والأنف بحيث لا يزول عنه ديته فإن ذهبت بعد ذلك بجناية ففيها حكومة وإن احمرت السن أو اصفرت أو اخضرت أو كلت أو تحركت فحكومة فإن قلعها بعد ذلك قالع فحكومة ولو نبتت من صغير سوادء ثم ثغر ثم عادت سوداء فديتها وفي اللحيين الدية وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان السفلى وفي إحداهما نصفها فإن قلعها بما عليها من الأسنان وجبت ديتها ودية الأسنان وفي اليدين الدية وفي إحداهما نصفها وسواء قطعهما من الكوع أو المنكب أو مما بينهما فإن قطعهما من الكوع ثم قطعهما من المرفق أو مما قبله أو بعده ففي المقطوع ثانيا حكومة وإن جني عليهما فأشلهما وأذهب نفعهما أو أشل رجله أو ذكره أو أنثييه أو اسكتيها وكذا سائر الأعضاء ففيه ديته إلا الأذن والأنف كما تقدم(4/224)
وإن جني على يد فعوجها أو نقص قوتها أو شأنها فحكومة وإن كسرها ثم انجبرت مستقيمة فحكومة لشينها إن شأنها ذلك وإن عادت موجعة فالحكومة أكثر وإن قال الجاني: أنا أكسرها ثم أجبرها مستقيمة لم يمكن فإن كسرها تعديا ثم جبرها فاستقامت لم يسقط ما وجب من الحكومة في اعوجاجها وفي الكسر الثاني حكومة أخرى وتجب دية اليد في يد المرتعش وقدم الأعرج ويد الأعسم: وهو اعوجاج في الرسغ فإن كان له كفان في ذراع أو يدان في عضد وإحداهما باطشة دون الأخرى أو أكثر بطشا أو في سمت الذراع والأخرى منحرفة عنه أو إحداهما تامة والأخرى ناقصة - فالأولى هي الأصلية والأخرى زائدة ففي الأصلية ديتها والقصاص بقطعها عمدا وفي الزائدة حكومة: سواء قطعها منفردة أو مع الأصلية وإن استوتا من كل الوجوه: فإن كانتا غير باطشتين ففيهما حكومة وإن كانتا باطشتين ففيهما جميعا دية يد واحدة وحكومة للزائدة وإن قطع إحداهما فلا قود وفيها نصف ما فيهما إذا قطعتا: أي نصف يد وحكومة وإن قطع أصبعا من إحداهما فنصف أرش أصبع وحكومة وإن قطع ذو اليد التي لها طرفان يدا - لم يقطعا ولا إحداهما وكذا الرجل وإن قطع كفا بأصابعه لم يجب إلا دية اليد وإن قطع كفا عليه بعض أصابع دخل ما حاذى الأصابع في ديتها وعليه أرش باقي الكف وإن قطع أنملة بظفرها فليس عليه إلا ديتها وفي كف بلا أصابع وذراع بلا كف وعضد بال ذراع حكومة وفي الرجلين الدية وفي أحدهما نصفها وتفصيلهما كاليدين ومفصل الكعبين مثل مفصل الكفين فإن كان(4/225)
له قدمان على ساق فكالكفين على ذراع واحد فن كانت أحدهما أطول من الأخرى فقطع الطولي وأمكنه المشي على القصيرة فهي الأصلية وإلا زائدة وفي الثديين الدية وفي أحدهما نصفها وفي حلمتيهما الدية وفي إحداهما نصفها وإن قطع الثديين بحلمتيهما فدية واحدة فإن حصل مكان قطعها جائفة ففيها ثلث الدية مع ديتهما وإن جائفتان فدية وثلثان وإن جني فأذهب لبنهما من غير أن يشلهما فحكومة وإن جني عليهما من صغيرة ثم ولدت فلم ينزل لها لبن: فإن قال أهل الخبر: قطعته الجناية فعليه ما على من ذهب باللبن بعد وجوده وإن قالوا: قد انقطع من غير الجناية لم يضمن وإن نقص لبنهما أو كانا ناهدين فكسرهما أو صار بهما مرض فحكومة وفي ثندؤتي الرجل - مفرز الثدي - الدية وفي إحداهما نصفها وفي الأليتين الدية وفي إحداهما نصفها: وهما ما علا وأشرف عن الطهر وعن استواء الفخذين وإن لم يحصل إلى العظم الذي تحتهما وفي ذهاب بعضهما بقدره فإن جهل المقدار فحكومة وفي كسر الصلب الدية إذا لم ينجبر فإن ذهب به مشيه أو نكاحه فدية واحدة وإن ذهبا فديتان وإن جبر فعادت إحدى المنفعتين لم يجب إلا دية إلا أن تنقص الأخرى أو تنقصا فحكومة وإن ادعى ذهاب جماعة فقال رجلان من أهل الخبرة: إن مثل هذه الجناية تذهب الجماع فقول المجني عليه مع يمينه وإن ذهب ماؤه أو أحباله دون جماعه ففيه الدية وفي ذهاب الأكل الدية وفي إذهاب منفعة الصوت الدية وفي الحدب الدية فإن انحنى قليلا فحكومة وفي الصفر الدية: وهو أن يجني عليه فيصير وجهه في(4/226)
جانب ولا يعود فلا يقدر على النظر أمامه ولا يمكنه لي عنقه وإن صار الالتفات أو ابتلاع الماء أو غيره شاقا عليه فحكومة وفي الذكر الدية من صغير وكبير وشيخ وشاب وإن قطع نصفه بالطول ففيه دية كاملة لأنه ذهب بمنفعة الجماع وحشفته الدية وفي ذكر الخصي ولو جامع به وذكر العنين والذكر دون حشفتة - حكومة وفي الأنثيين الدية وفي إحداهما نصفها فإن قطع الذكر والأنثيين معا أو الذكر ثم الأنثيين فديتان وإن قطع الأنثيين ثم الذكر ففي الأنثيين الدية وفي الذكر حكومة وإن رش أنثييه أو أرسلهما كملت ديتهما وإن قطعهما فذهب نسله فدية واحدة وفي أسكتي المرأة: وهما اللحم المحيط بالفرج من جانبيه إحاطة الشفتين بالفم وهما شفراها - الدية وفي إحداهما نصفها وسواء كانتا غليظتين أو دقيقتين قصيرتين أو طويلتين من بكر أو ثيب صغيرة أو كبيرة مخفوضة: أي مختونة أو غير مخفوضة ولو من رتقاء وفي ركب المرأة - وهو عانتها حكومة وكذا عانته فإن أخذ منه شيء مع فرجها أو ذكره فحكومة مع الدية وفي أصابع اليدين الدية وفي أصابع الرجلين الدية وفي كل أصبع عشرها وفي كل أنملة ثلث العشر فإن كانت من إبهام فنصف العشر وفي الظفر خمس دية الأصبع إذا قلعه ولم يعد وفي الأصبع الزائدة حكومة وإن جنى على مثانته فلم يستمسك بوله ففيه الدية وإن جنى عليه فلم يستمسك غائطه ففيه الدية وإن أذهب المنفعتين فديتان وفي ذهاب العقل الدية فإن نقص نقصا معلوما: مثل أن صار يجن يوما ويفيق يوما ففيه من الدية بقدر ذلك وإن لم يعلم: مثل أن صار مدهوشا(4/227)
أو يفزع مما لا يفزع منه ويستوحش إذا خلا فحكومة وإن أذهب عقله بجناية توجب أرشا: كالجراح أو قطع عضوا من يديه أو رجليه أو غيرهما أو ضربه على رأسه وجبت الدية وأرش الجرح إن كان وإن جنى عليه فأذهب سمعه وعقله وبصره وكلامه - وجب أربع ديات مع أرش الجرح فإن مات من الجناية لم يجب إلا دية واحدة وإن أنكر الجاني زوال عقله ونسبه إلى التجافن راقبناه في خلواته: فإن لم تنضبط أحواله وجبت الدية ولا يحلف وفي تسويد الوجه إذا لم يزل الدية فإن حمره أو صفره فحكومة.(4/228)
فصل: - في العضو الأشل
...
فصل: - وفي العضو الأشل
- وهو الذي ذهبت منفعته - من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة في موضعها: صورتها كصورة الصحيحة غير أنه ذهب بصرها وشحمة الأذن وذكر الخصي والعنين والسن السوداء التي ذهبت منفعتها بحيث لا يمكنه أن يعض بها شيئا والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الأنف دون مارنه واليد والأصبع الزائدين - حكومة وتقدم بعضه ولا تجب دية جرح حتى يندمل ولا دية سن وظفر ومنفعة حتى ييأس من عودها فإن مات في المد فلوليه دية سن وظفر وله القود في غيرهما وتقدم بعضه ولو التحمت الجائفة أو الموضحة وما فوقها على غير شين لم يسقط موجبها.(4/228)
باب الشجاج وكسر العظام
مدخل
...
باب الشجاج وكسر العظام
الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة هي عشر: خمس لا(4/228)
مقدر فيها أولها - الحارصة وهي: التي تشق الجلد قليلا أي: تقشره شيئا يسيرا ولا تدميه ثم البازلة وتسمى الدامية والدامعة وهي: التي يسيل منها لدم ثم الباضعة وهي: التي تبضع اللحم بعد الجلد ثم المتلاحم وهي: ما أخذت في اللحم ثم السمحاق وهي: التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة - تسمى تلك القشر سمحاقا وتسمى الجراح الواصلة إليها سمحاقا - فهذه الخمس فيها حكومة وخمس فيها مقدر أولها الموضحة وهي: التي توضح لعظم أي: تبرزه ولو بقدر رأس إبرة وموضحة الرأس والوجه سواء، وفيها إن كانت من حر مسلم ولو أنثى خمس من الإبل ولا يعتبر إيضاحها للناظر فلو أوضحه برأس مسلة أو إبرة وعرف وصولها إلى العظم كانت موضحة فإن عمت الرأس أو لم تعمه ونزلت إلى الوجه فموضحتان وإن أوضحته موضحتين بينهما حاجز فعليه أرش موضحتين فإن خرق الجاني ما بينهما أو ذهب بالسراية - صارا موضحة واحدة ومثله لو قطع ثلاث أصابع امرأة فعليه ثلاثون من الإبل فإن قطع الرابعة قبل البرء عاد إلى عشرين فإن اختلفا في قطعها فقول مجني عليها وإن اندملت الموضحتان ثم أزال الحاجز بينهما فعليه أرش ثلاث مواضح وإن اندملت إحداهما ثم زال الحاجز بفعله أو بسراية الأخرى فموضحتان وإن خرقه أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر وإن أزاله المجني عليه فعلى الأول أرش موضحتين فإن اختلفتا فيمن خرقه فقال الجاني: أنا شققت ما بينهما(4/229)
وقال المجني عليه: بل أنا أو أزالها آخر سواك - فقول المجني عليه وإن خرق الجاني ما بينهما في الباطن: بأن قطع اللحم الذي بينهما وترك الجلد الذي فوقهما - صارا واحدة وإن خرقه ففي الظاهر فقط فثنتان كما لو جرحه جراحا واحدة وأوضحه في طرفيها وإن شج جميع رأسه سمحاقا إلا موضعا منه أوضحه - لم يلزمه أكثر من أرش موضحة كما لو أوضحه كله وإن شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها لم يلزمه أكثر من أرش هاشمة وإن كانت منقلة وما دونها أو مأمومة وما دونها فعلليه أرش منقلة ومأمومة كما تقدم في الموضحة - ثم الهاشمة وهي: التي توضح العظم وتهشمه وفيها عشر من الإبل فإن هشمه هاشمتين بينهما حاجز ففيهما عشرون من الإبل على ما ذكرنا من التفصيل في الموضحة وتستوي الهاشمة الصغيرة والكبيرة كالموضحة وإن ضربه بمثقل فهشمه من غير أن يوضحه فحكومة وإن أوضحه موضحتين هشم العظم في كل واحدة منها واتصل الهشم في الباطن فهاشمتان - ثم المنقلة وهي: التي توضح وتهشم وتنقل عظامها بتكسيرها وفيها خمس عشرة من الإبل وفي تفصيلها ما في تفصيل لموضحة والهاشمة على ما مضى ثم التي تصل إلى أم الدماغ - وهي جلدة فيها الدماغ - وفيها ثلث الدية في الدامغة ما في الأمومة وهي: التي تخرق جلدة الدماغ وإن أوضحه جان ثم هشمه ثان ثم جعلها ثالث منقلة ثم رابع مأمومة أو دامغة فعلى الرابع ثمانية عشر وثلث من الإبل وعلى كل واحد من الثلاثة قبله خمس من الإبل(4/230)
فصل: - وفي الجائفة ثلث الدية:
وهي التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر وإن أجافه جائفتين بينهما حاجز فعليه ثلثا الدية وإن خرق الجاني ما بينهما أو خرق بالسراية صارا جائفة واحدة فيها ثلث الدية لا غير وإن خرق ما بينهما أجنبي أو المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية وعلى الأجنبي الثاني ثلثها ويسقط ما قبل فعل المجني عليه وإن احتاج إلى خرق ما بينهما للمداواة فخرقها المجني عليه أو غيره بأمره أو ولي المجني عليه لذلك أو الطبيب بأمره فلا شيء في خرق الحاجز وعلى الأول ثلثا الدية وإن جرحه من جانب فخرج من الجانب الآخر فجائفتان وإن خرق شدقه أو أنفه فوصل إلى فمه فليس بجائفة لأن باطن الفم في حكم الظاهر وإن طعنه في خده فكسر العظم ووصل إلى فمه فليس بجائفة أيضا وعليه دية منقلة لكسر العظم وفيما زاد حكومة وإن جرحه في ذكره فوصل إلى مجرى البول أو في جفنه فوصل إلى بيضة عينه فحكومة: كإدخاله أصبعه في فرج بكر وداخل عظم فخذ وإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه أو أوضحه فوصل إلى قفاه فعليه دية جائفة وموضحة وحكومة: كجرح القفا والورك وإن أجافه ووسع آخر الجرح فجائفتان: على كل واحد منهما أرش جائفة وإن وسعها الطبيب بإذنه أو بإذن وليه لمصلحته فلا شيء عليه وإن أدخل سكينا في الجائفة ثم أخرجها عزر ولا شيء عليه وإن خاطها فجاء آخر فقطع الخيط وأدخل السكين فيها قبل أن تلتحم عزر أشد من التعزير الذي قبله وغرم ثمن الخيوط وأجرة الخياط(4/231)
ولا شيء عليه وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى عليه أرشها وإن التحم بعضها دون بعض ففتق ما التحم فعليه أرش جائفة وإن فتق غير ما التحم فليس عليه أرش جائفة وحكمه حكم من فعل مثل فعله قبل أن يلتحم منها شيء وإن وسع بعض ما التحم في الظاهر فقط أو الباطن فقط فعليه حكومة ومن وطئ زوجته وهي صغيرة أو نحيفة لا يوطأ مثلها لمثله فخرق ما بين مخرج بول ومني أو ما بين القبل والدبر فلم يستمسك البول لزمته الدية وإن استمسك فعليه ثلث الدية ويلزمه المهر المسمى في النكاح مع أرش الجناية ويكون أرش الجناية في ماله إن كان عمدا محضا: وهو أن يعلم أنها لا تطيقه وإن وطأه يفضيها وإن علم ذلك وكان مما يحتمل أن لا يفضي إليه فعلى العاقلة وإن اندمل الحاجز وزال الإفضاء وجبت حكومة فقط وإن كانت كبيرة محتملة للوطء: يوطأ مثلها لمثله أو أجنبية كبيرة مطاوعة ولا شبهة وهي حرة مكلفة فهدر ولا مهر: كما لو أذنت في قطع يدها فسرى إلى نفسها وإن كانت مكرهة أو وطئها بشبهة فأفضاها لزمه ثلث ديتها ومهر مثلها وأرش البكارة وإن استطلق بولها فدية فقط.(4/232)
فصل: - وفي كسر الضلع بعير وفي الترقوتين بعيران وفي إحداهما بعير -
والترقوة: العظم المستدير حول العنق من النحر إلى الكتف لكل آدمي ترقوتان - وفي كل واحد من الذراع - وهو الساعد الجامع لعظمي الزند والعضد - والفخذ والساق: إذا جبر ذلك مستقيما - بعيران وإلا فحكومة ولا مقدر في غير هذه(4/232)
العظام وما عدا ما ذكرنا من الجروح وكسر العظام: مثل خرزة الصلب والعصعص والعانة - ففيه حكومة وخرزة الصلب إن أريد بها كسر الصلب ففيه الدية1 والحكومة: أن يقوم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به ثم يقوم وهي به قد برئت: فما نقص من القيمة فله مثله من الدية: كأن كان قيمته وهو صحيح عشرون وقيمته وبه الجناية تسعة عشر ففيه نصف عشر ديته: إلا أن تكون الحكومة في شيء فيه مقدر فلا يبلغ به أرش المقدر فإن كانت في الشجاج التي دون الموضحة لم يبلغ بها أرش الموضحة وإن كانت في أصبع لم يبلغ بها دية الأصبع وإن كانت في أنملة لم يبلغ بها ديتها وإن كانت مما لا تنقص شيئا بعد الاندمال قومت حال الجناية ولا تكون هدرا فإن لم تنقصه حال الجناية ولا بعد الاندمال أو زادته حسنا: كإزالة الحية امرأة أو أصبع أو يد زائدة فلا شيء فيها كما لو قطع سلعة أو ثؤلولا أو بط جراحا وإن لطمه في وجهه فلم يؤثر فلا ضمان ويعزر كما لو شتمه.
__________
1 خرزة الصلب: هي إحدى فقاره. والقول بوجوب الدية فيها أحد توجيهين والثاني هو حكومة على أي حال، كما تقدم قريبا، وذلك لعدم ورود تقدير فيه.(4/233)
باب العاقلة وما تحمله
مدخل
...
باب العاقلة وما تحمله
العاقلة: من غرم ثلث الدية فأكثر بسبب جناية غيره فعاقلة الجاني ذكرا كان أو أنثى - ذكور عصبته نسبا وولاء: قريبهم وبعيدهم حاضرهم وغائبهم صحيحهم ومريضهم ولو هرما وزمنا وأعمى ومنهم عمودا نسبه: آباؤه وأبناؤه ولا يعتبر أو يكونوا وارثين في الحال بل متى كانوا يرثون لولا الحجب عقلوا وليس منهم الأخوة لأم ولا سائر(4/233)
ذوي الأرحام ولا الزوج ولا المولى من أسفل ولا مولى الموالاة: وهو الذي يوالي رجلا يجعل له ولاءه ونصرته ولا الحليف الذي يحالف آخر على التناصر لا العديد: وهو الذي لا عشيرة له ينضم إلى عشيرة فيعد منهم وإن عرف نسب قاتل من قبيلة ولم يعلم من أي بطونها لم يعقلوا عنه ولا مدخل لأهل الديوان في المعاقلة وليس على فقير ولو معتملا ولا صبي ولا زائل العقل ولا امرأة ولا خنثي مشكل ولو كانوا معتقين ولا رقيق ولا مخالف لدين الجاني - حمل شيء من الدية ولا يحمل الموسر من غيرهم وهو هنا من ملك نصابا عند حلول الحول فاضلا عنه: كحج وكفارة ظهار وخطأ الإمام والحاكم في أحكامهما - في بيت المال: كخطأ وكيل1 فعلى هذا للإمام عزل نفسه وخطؤهما الذي تحمله العاقلة وشبهه في غير حكم - على عاقلتهما وكذا الحكم إن زاد سوطا لخطأ في حد أو تعزيز أو جهلا حملا أو بان من حكما بشهادته غير أهل في أنه من بيت المال ويأتي في كتاب الحدود ولا تعاقل بين ذمي وحربي بل بين ذميين إن اتحدت ملتهما فلا يعقل يهودي ولا نصراني عن الآخر فإن تهود نصراني أو تنصر يهودي أو ارتد مسلم لم يعقل عنهم أحد وتكون جناياتهم في أموالهم كسائر الجناية التي لا تحملها العاقلة ومن لا عاقلة له أو له وعجزت عن الجميع فالدية أو باقيها عليه إن كان ذميا وإن كان مسلما أخذت أو باقيها من بيت المال حالة دفعة واحدة فإن تعذر فليس على القاتل شيء لأن الدية تلزم العاقلة ابتداء وإن رمى ذمي أو مسلم صيدا ثم تغير دينه
__________
1 يعني أن خطأ الوكيل على موكله فكذا خطأ الإمام على بيت المال.(4/234)
ثم أصاب السهم آدميا فقتله فالدية في ماله ولو اختلف دين جارح حالتي جرح وزهوق حملته عاقلته حال الجرح ولو جنى ابن المعتقة من عبد فعقله على موالي أمه فإن عتق أبوه وانجر ولاؤه ثم سرت جنايته أو رمى بسهم فلم يقع السهم حتى عتق أبوه فأرشها في ماله.(4/235)
فصل: - ولا تحمل العاقلة عمدا محضا ولو لم يجب فيه القصاص
كالجائفة ولا عبدا قتل عمدا أو خطأ ولا طرفه ولا جنايته ولا قيمة دابة ولا صلح إنكار ولا اعترافا: بأن يقر على نفسه بجناية خطأ أو شبه عمد توجب ثلث الدية فأكثر: إن لم تصدقه العاقلة ولا ما دون ثلث الدية الكاملة وهي دية الذكر الحر المسلم: إلا غرة جنين مات مع أمه بجناية واحدة أو بعد موتها: لا قبلها لنقصه عن الثلث فهذا كله في مال الجاني حالا وتحمل دية المرأة وتحمل من جراحها ما يبلغ أرشه ثلث الدية الكاملة فأكثر: كدية أنفها لا يدها وكذا حكم الكتابي ولا تحمل شيئا من دية المجوسي والوثني لأنها دون الثلث وتحمل شبه العمد كالخطأ وما أجرى مجراه وما يحمله كل واحد من العاقلة غير مقدر وترجع فيه إلى اجتهاد الحاكم فيحمل كل إنسان منهم ما يسهل ولا يشق ويبدأ بالأقرب فالأقرب: كعصبات في ميراث لكن يؤخذ من بعيد لغيبة قريب فإن اتسعت أموال الأقربين لها - لم يتجاوزهم وإلا انتقل إلى من يليهم فيبدأ بالآباء ثم بالأبناء ثم بالأخوة ثم بنيهم ثم أعمام ثم بنيهم ثم أقارب الأب ثم بنيهم ثم أعمام الجد ثم بنيهم كذلك فإذا انقرض المناسبون فعلى المولى(4/235)
المعتق ثم على عصابته فإن كان المعتق امرأة حمل عنها جناية عتيقها من يحمل جنايتها من عصابتها ثم على مولى المولى ثم على عصابته: الأقرب فالأقرب: كالميراث - سواء فيقدم من يدلي بأبوين على من يدلي بأب وإن تساوى جماعة في القرب وكثروا وزع ما يلزمهم بينهم ومن صار أهلا عند الحول ولم يكن أهلا عند الوجوب كفقير يستغني وصبي يبلغ ومجنون يفيق دخل في التحمل وعاقلة ابن الملاعنة عصبة أمه.(4/236)
فصل: وما تحمله العاقلة - يجب مؤجلا في ثلاث سنين:
في آخر كل سنة ثلثه إن كان دية كاملة كدية النفس أو طرف كالأنف وإن كان الثلث كدية المأمومة - وجب في آخر السنة الأولى وإن كان نصف الدية الكاملة كدية اليد ودية المرأة والكتابي أو ثلثيها: كدية المنخرين وجب الثلث في آخر السنة الأولى والثلث الثاني أو السدس الباقي من النصف - في آخر الثانية وإن كان أكثر من دية: مثل أن ذهب سمع إنسان وبصره بجناية واحدة - ففي ست سنين: في كل سنة ثلث وكذا لو قتلت الضربة الأم جنينها بعد ما استهل لم يزد في كل حول على ثلث الدية وإن قتل اثنين أو أذهب سمعه وبصره بجنايتين فديتهما في ثلاث سنين: من كل دية ثلث وابتداء الحول في الجرح من حين الاندمال وفي القتل من حين الموت: سواء كان قتلا موحيا أو عن سراية جرح ومن مات من العاقلة قبل الحول أو افتقر أو جن لم يلزمه شيء وإن مات بعد الحول لم يسقط وعمد غير مكلف - خطأ: تحمله العاقلة وتقدم في كتاب الجنايات(4/236)
باب كفارة القتل
من قتل نفسا محرمة أو شارك فيها ولو نفسه أو قنه أو مستأمنا أو معاهدا خطأ أو ما أجرى مجراه أو شبه عمد أو قتل بسبب في حباته أو بعد موته: كحفر بئر ونصب سكين وشهادة زور: لا في قتل عمد محض ولا في قتل أسير حربي يمكنه أن يأتي به الإمام فقتله قبله ولا في قتل نساء حرب وذريتهم ولا من لم تبلغه الدعوة إن وجد - فعليه كفارة كاملة في ماله ولو كان القاتل إماما في خطأ يحمله بيت المال أو كافرا: وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وتقدم حكمها عند كفارة الظهار ولو ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا أو حيا ثم مات فعليه الكفارة: لا بإلقاء مضغة وإن قتل جماعة لزمه كفارات: سواء كان المقتول مسلما أو كافرا مضمونا حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى وسواء كان القاتل كبيرا عاقلا أو صبيا أو مجنونا أو حرا أو عبدا أو ذكرا أو أنثى ولا تجب كفارة اليمين على الصبي والمجنون ويكفر العبد بالصيام ويأتي في آخر كتاب الإيمان - ويكفر من مال غير مكلف وليه ومن رمى في دار الحرب مسلما يعتقده كافرا أو رمى إلى صف الكفار فأصاب فيهم مسلما فعليه الكفارة ولا كفارة في قتل مباح كقتل حربي وباغ وصائل وزان محصن وقتل قصاصا أو حدا ولا في قطع طرف وقتل بهيمة.
وأكبر الذنوب الشرك بالله ثم القتل ثم الزنا(4/237)
باب القسامة
الأول: دعوى القتل عمدا أو خطأ أو شبه عمد
...
باب القسامة
وهي أيمان مكررة في دعوى قتل معصوم ولا تثبت إلا بشروط: -
أحدها: دعوى القتل عمدا أو خطأ أو شبه عمد على واحد معين مكلف ذكر أو أنثى حر أو عبد مسلما أو ذميا ويقسم على العبد سيده وأم الولد ولامدبر والمكاتب والمعلق عتقه بصفة: كالقن فإن قتل عبد المكاتب فللمكاتب أن يقسم على الجاني وإن عجز قبل أن يقس فلسيده دونه ولا قسامة فيما دون النفس من الجراح والأطراف والمال غير العبد والدعوى فيها كالدعوى في سائر الحقوق: البينة على المدعي واليمين على من أنكر يمينا واحدة وكذا لو ادعى القتل من غير وجود قتيل ولا عداوة والمحجور عليه لسفه أو فلس - كغيره في دعوى القتل والدعوى عليه إلا أنه إذا أقر بمال أو لزمته الدية بالنكول عن اليمين - لم يلزمه في حال حجره ولو جرح مسلم فارتد المجروح ومات على الردة فلا قسامة وإن مات مسلما فارتد وارثه قبل القسامة فكذلك وإن ارتد قبل موتت موروثه كانت القسامة لغيره من الوارث وإن لم يكنن له وارث سواه فلا قسامة فيه وإن ارتد رجل فقتل عبده ثم ارتد: فإن عاد إلى الإسلام فله القسامة وإلا فلا.(4/238)
فصل: - الثاني: اللوث ولو في الخطأ وشبه العمد:
واللوث(4/238)
العداوة الظاهرة: كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر وما بين أحياء العرب وأهل القرى الذين بينهم الدماء والحروب وما بين البغاة وأهل العدل وما بين الشرط واللصوص وكل من بينه وبين المقتول ضغن يغلب على الظن قتله قال القاضي: يجوز للأولياء أن يقسموا على القاتل إذا غلب على ظنهم أنه قتله وإن كانوا غائبين عن مكان القتل لأن للإنسان أن يحلف على غالب ظنه: كما إن من اشترى من إنسان شيئا فجاء آخر يدعيه جاز أن يحلف أنه لا يستحقه لأن الظاهر أنه ملك الذي باعه وكذلك إذا وجد شيئا بخطه أو بخط أبيه في دفتره جاز أن يحلف وكذلك إذا باع شيئا لم يعلم فيه عيبا فادعى عليه المشتري أنه معيب وأراد رده كان له أن يحلف أنه باعه قبل العيب ولا ينبغي أن يحلف المدعي إلا بعد الاستثبات وغلبة ظنن تقارب اليقين - وينبغي للحاكم أن يعظهم ويعرفهم ما في اليمين الكاذبة ويدخل في اللوث لو حصل عداوة بين سيد عبد وعصبته فلو وجد قتيل في صحراء وليس معه غير عبده كان ذلك لوثا في حق العبد ولورثة سيده القسامة فإن لم تكن عداوة ظاهرة ولكن غلب على الظن صدق المدعي: كتفرق جماعة عن قتيل أو كانت عصبته من غير عداوة ظاهرة أو وجد قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم أو في زحام أو شهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم كالنساء والصبيان والفساق أو عدل واحد وفسقه أو تفرق فنآن عن قتيل1 أو شهد رجلان على رجل أنه قتل أحد هذين
__________
1 الفنء – بوزن شيء – الجماعة وهذا التمثيل شبيه بقوله قريبا: أو تفرق جماعة عن قتيل.(4/239)
القتيلين أو شهد أن هذا القتيل قتله أحد هذين أو شهد أحدهما أن إنسانا قتله والآخر أنه أقر بقتله أو شهد أحدهما أنه قتله بسيف والآخر بسكين ونحو ذلك - فليس بلوث ولا يشترط مع العداوة ألا يكون في الموضع الذي به القتل غير العدو ولا أن يكون بالقتيل أثر القتل كدم في أذنه أو أنفه وقول القتيل قتلني فلان - ليس بلوث ومتى ادعى القتل عمدا أو غيره أو وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه على قاتل مع عدم اللوث حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ وإن نكل لم يقض عليه بالقود بل بدية.(4/240)
فصل: - الثالث: اتفاق الأولياء في الدعوى
فإن كذب بعضهم بعضا فقال أحدهم: قتله هذا وقال آخر: لم يقتله هذا أو بل قتله هذا - لم تثبت القسامة: عدلا كان المكذب أو فاسقا لعدم التعيين فلو كانت الدعوى على أهل مدينة أو محلة أو واحد غير معين لم تسمع فإن لم يكذبه أحدهم ولم يوافقه في الدعوى: مثل أن قال أحدهم قتله هذا وقال الآخر: لا نعلم قاتله - تثبت أيضا وكذلك إن كان أحد الوليين غائبا فادعى الحاضر دون الغائب أو ادعيا جميعا على واحد ونكل أحدهما عن الأيمان لم يثبت القتل وإذا قال الولي بعد القسامة غلطت ما هذا الذي قتله أو ظلمته بدعواي القتل عليه أو كان هذا المدعي عليه في بلد آخر يوم قتل وليي وكان بينهما بعد لا يمكنه أن يقتله إذا كان فيه - بطلت القسامة ولزمه رد ما أخذه وإن قال ما أخذته حرام - سئل عن ذلك فإن قال أردت أني كذبت في دعواي(4/240)
عليه بطلت القسامة أيضا وإن قال: أردت أن الإيمان تكون في حنية المدعى عليه تبطل1 وإن قال: هذا مغصوب وأقر بمن غصبه منه لزمه رده عليه ولا يقبل قوله على من أخذ منه وإن لم يقر به لأحد لم ترفع يده عنه لأنه لم يتعين مستحقه والقول قوله في مراده وإن أقام المدعي عليه بينة أنه كان يوم القتل في بلد بعيد من بلد المقتول لا يمكنه مجيئه إليه في يوم واحد - بطلت الدعوى وإن قالت بينة: نشهد أن فلانا لم يقتله لم تسمع هذه الشهادة فإن قالا: ما قتله فلان بل قتله فلان سمعت وإن قال إنسان: ما قتله هذا المدعى عليه بل أنا قتلته: فإن كذبه الولي لم تبطل دعواه وله القسامة ولا يلزمه رد الدية إن كان أخذها وإن صدقه الولي أو طالبه بموجب القتل لزمه رد ما أخذه وبطلت دعواه على الأول وسقط القود عنهما وله مطالبة الثاني بالدية.
__________
1 الحنية على وزن غنية: فسرها صاحب الكشاف بالجهة. وفي القاموس بمعنى القوس والأول أنسب والمعنى: أن يكون مذهب الولي يقتضي طلب اليمين من جهة المدعي عليه، وأن طلبها وحصولها من جهته هو غير مشروع – فإن كان القسامة صحيحة إذ المدار فيها على مذهب الإمام أو اجتهاده، وقد عمل بذلك.(4/241)
فصل: - الرابع: أن يكون في المدعين ذكور مكلفون ولو واحدا
فلا مدخل للنساء والخناثى والصبيان والمجانين في القسامة: عمدا كان القتل أو خطأ فيقسم الرجال العقلاء فقط والحق للجميع وإن كان الجميع لا مدخل لهم فكما لو نكل الورثة فإن كان اثنين فأكثر: البعض غائب أو غير مكلف وناكل عن اليمين فلحاضر مكلف أن يحلف بقسطه ويستحق نصيبه من الدية إن كانت الدعوى خطأ أو شبه عمد فإذا قدم الغائب وبلغ الصبي وعقل المجنون؛ حلف(4/241)
ما يخصه وإن كانت عمدا لم تثبت القسامة حتى يحضر الغائب ويبلغ الصغير ويعقل المجنون لأن الحق لا يثبت إلا بالبينة الكاملة والبينة أيمان الأولياء كلهم.
ويشترط أيضا ألا يكون للمدعين بينة - وتكليف قاتل لتصح الدعوى - وإمكان القتل منه - وصفة القتل - وطلب الورثة واتفاقهم على القتل وعين القاتل وتقدم بعضه وليس من شطرها أن تكون الدعوى بقتل عمد يوجب القصاص فلو كان القاتل ممن لا قصاص عليه كالمسلم يقتل كافرا أو الحر يقتل عبدا سمعت القسامة لكن إن كان على قتل محض لم يقسموا إلا على واحد معين وكذا إن كان خطأ أو شبه عمد إن قلنا تجري فيهما القسامة.(4/242)
فصل - ويبدأ في القسامة بأيمان المدعين
فيحلفون خمسين يمينا بحضرة الحاكم أنه قتله وثبت حقهم قبله فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه - ولو امرأة - خمسين يمينا وبرئ ويعتبر حضور المدعى عليه وقت اليمين كالبينة عليه وحضور المدعى أيضا وتختص الأيمان بالورثة الذكور دون غيرهم فتقسم بين الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم إن كانوا جماعة وإن كان واحدا حلفها وإن كانوا خمسين حلف كل واحد يمينا وإن كانوا أكثر حلف منهم خمسون: كل واجد يمينا وإن كانوا أقل فإن انقسمت من غير كسر مثل: أن يخلف المقتول ابنين أو أخا وزوجا - حلف كل واحد منهما خمسة وعشرين يمينا وإن كان فيها كسر جبر عليهم كزوج وابن يحلف الزوج ثلاثة عشر يمينا والابن ثمانية وثلاثين وإن كانوا ثلاثة بنين حلف(4/242)
كل واحد سبعة عشر وإن كان فيهم من لا قسامة عليه بحال كالنساء سقط حكمه: فابن وبنت يحلف الابن خمسين وأخ وأخت لأب وأم وأخ وأخت لأم - قسمت الأيمان بين الأخوين على أحد عشر: على الأخ من الأبوين ثمانية وعلى الأخ لأم ثلاثة ثم يجبر الكسر عليهما فيحلف الأخ من الأب سبعا وثلاثين والآخر أربع عشرة.(4/243)
فصل: - وإن مات المستحق انتقل إلى وراثه ما عليه من الإيمان على حسب مواريثهم
ويجبر الكسر فيما عليهم كما يجبر في حق ورثة القتيل فإن مات بعضهم قسم نصيبه من الإيمان بين ورثته فلو كان للقتيل ثلاثة بنين فعلى كل واحد سبعة عشر فإن مات أحدهم قبل أن يقسم وخلف ثلاثة بنين قسمت أيمانهم بينهم كل واحد ست أيمان فإن كان موته بعد شروعه في الإيمان فحلف بعضها استأنفها ورثته ولا يبنون على أيمانه لأن الخمسين جرت مجرى اليمين الواحدة وإن جن في أثنائها ثم أفاق أو تشاغل عنه الحاكم في أثنائها: تمم ولم يستأنف لأن الأيمان لا تبطل بالتفريق وكذا إن عزل الحاكم في أثنائها أتمها عند الثاني فلا يشترط أن تكون في مجلس واحد وكذا لو سأله الحاكم في أثنائها إنظاره فأنظره.(4/243)
فصل: - وإذا حلف الأولياء استحقوا القود إذا كانت الدعوى عمدا:
إلا أن يمنع مانع وصفة اليمين أن يقول: والله الذي لا إليه إلا هو علام خائنة الأعين وما تخفي الصدور لقد قتل فلان بن فلان الفلاني - ويشير إليه - فلانا ابني أو أخي منفردا بقتله ما شركه غيره عمدا أو شبه عمد أو خطأ بسيف أو بما يقتل غالبا ونحو ذلك: فإن اقتصر على لفظ والله كفى(4/243)
ويكون بالجر فإن قال: والله مضموما أو منصوبا أجزأه قال القاضي تعمده أو لم يتعمده لأن اللحن لا يحيل المعنى وبأي اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته حلف - أجزأه إذا كان إطلاقه ينصرف إلى الله ويقول المدعى عليه: والله ما قتلته ولا شاركت في قتله ولا فعلت شيئا مات منه ولا كان سببا في موته ولا معينا على موته - فإن لم يحلف المدعون أو كانوا نساء حلف المدعى عليه خمسين يمينا فإن لم يحلف المدعون ولم يرضوا بيمين المدعى عليه وداه الإمام من بيت المال فإن تعذر لم يجب على المدعي عليه شيء وإن رضوا بيمينه فنكل لم يحبس ولزمته الدية ولا قصاص ولو رد المدعى عليه اليمين على المدعي فليس للمدعي أن يحلف.
ويفدى ميت في زحمة: كجمعة وطواف - من بيت المال.(4/244)
كتاب الحدود
*
مدخل
...
كتاب الحدود
وهي: جمع حد وهو شرعا: عقوبة مقدرة لتمنع من الوقوع في مثله وتجب إقامته ولو كان من يقيمه شريكا لمن يقيمه عليه في المعصية أو عونا له وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يجمع بين معصيتين ولا يجب الحد إلا على مكلف ملتزم عالم بالتحريم فإن زنى المجنون في إفاقته أو أقر في إفاقته أنه زنى في إفاقته - فعليه الحد فإن أقر في إفاقته ولم يضف إلى حال أو شهدت عليه البينة(4/244)
بالزنا ولم تضفه إلى إفاقته - فلا حد ولو استدخلت ذكر نائم أو زنى بها وهي نائمة - فلا حد على النائم منهما وإن جهل تحريم الزنا ومثله يجهله أو تحريم عين المرأة: مثل أن يزف إليه غير امرأته فيظنها امرأته أو تدفع إليه جارية فيظن أنها جاريته فيطؤها فلا حد عليه ويأتي في الباب بعده.
ولا يجوز أن يقيم الحد إلا الإمام أو نائبه: لكن لو أقامه غيره لم يضمنه نصا فيما حده الإتلاف: إلا السيد الحر المكلف العالم به وبشروطه ولو فاسقا أو امرأة - فله إقامة الحد بالجلد فقط على رفيقه ولو مكاتبا أو مرهونا أو مستأجرا ولو أنثى كحد الزنا وحد الشرب وحد القذف: كما له أن يعزره في حق الله وحق نفسه ولا يملك القتل في الردة والقطع في السرقة بل ذلك للإمام ولا يملك إقامته على قن مشترك ولا على من بعضه حر: ولا على أمته الموجة ولا ولي على رقيق موليه: كأجنبي ولا يملكه المكاتب ولا يقيمه السيد حتى يثبت عنده: إما بإقرار الرقيق الإقرار الذي يثبت به الحد إذا علم شروطه أو ببينة يسمعها إن كان يحسن سماعها ويعرف شروط العدالة وإن ثبت بعلمه فله إقامته ولا إمام ونائبه1 وتحرم إقامة الحدود في مسجد فإن أقيم فيه سقط الفرض.
__________
1 يريد. لا يملك الإمام ولا نائبه إقامة الحد بعلمه كما ملكه السيد فيما جاز له لأن الحاكم غير مأذون له أن يعمل إلا بما تثبته البينة لقوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} .(4/245)
فصل: - ويضرب الرجل قائما بسوط:
لا جديد فيجرح: ولا خلق حجمه بين القضيب والعصا؛ ولا يضرب بعصا، ولا غيرها(4/245)
وإن كان السوط مغصوبا أجزأ وإن رأى الإمام الجلد في حد الخمر بالجريد والنعال والأيدي فله ذلك ولا يمد المحدود ولا يربط ولا تشديده ولا يجرد بل يكون عليه غير ثياب الشتاء: كالقميص والقميصين وإن كان عليه فروة أو جبة محشوة - نزعت ولا يبالغ في ضربه بحيث يشق الجلد ولا يبدي إبطه في رفع يده ويسن تفريق الضرب على أعضائه وجسده فلا يوالي في موضع واحد لئلا يشق الجلد فإن فعل أجزأ ويكثر منه في مواضع اللحم كالأليتين والفخذين ويتقي الرأس والوجه والفرج والبطن من الرجل والمرأة وموضع القتل فيجب اجتنابها وتضرب المرأة جالسة وتشد عليها ثيابها وتمسك يداها لئلا تنكشف ويضرب منها الظهر وما قاربه ويعتبر له نية ليصير قربة فيضربه لله ولما وضع الله ذلك فإن جلده للتشفي أثم ولا يعيده ولا تعتبر الموالاة في الحدود قال الشيخ: وفيه نظر والجلد في الزنا أشد الجلد ثم جلد القذف: ثم الشرب ثم التعزير وكل موضع وجب فيه الضرب من حد أو تعزير فشرطه التأليم ويحرم حبسه بعد الحد وأذاه بالكلام ولا يؤخر حد الزنا لمرض: رجما كان أو جلدا لأنه يجب على الفور ويقام في الحر والبرد فإن كان مريضا أو نضو الخلقة أو في شدة حر أو برد وكان الحد جلدا - أقيم عليه بسوط يؤمن معه التلف فإن كان لا يطيق الضرب وخشي عليه من السوط - أقيم بأطراف الثياب والقضيب الصغير وشمراخ النخل فإن خيف عليه ضرب بمائة شمراخ مجموعة أو عثكول ضربة واحدة أو بخمسين شمراخا(4/246)
ضربتين ولا يقام الحد رجما كان أو غيره على حبلى ولو من زنا حتى تع فإن كان رجما لم ترجم حتى تسقيه اللبأ ثم إن كان له من يرضعه أو تكفل أحد برضاعه رجمت وإلا تركت حتى تفطمه وإن لم يظهر حملها لم يؤخر لاحتمال أن تكون حملت من الزنا وإن ادعت الحمل قبل قولها وإن كان جلدا إذا وضعته وانقطع النفاس وكانت قوية يؤمن تلفها أقيم عليها الحد وإن كانت في نفاسها أو ضعيفة يخاف عليها لم يقم عليها حتى تطهر وتقوى وهذا الذي تقتضيه السنة الصحيحة وقال أبو بكر: يقام عليها الحد في الحال بسوط يؤمن معه التلف فإن خيف عليها من السوط أقيم بالعثكول وأطراف الثياب وتقدم بعض ذلك في استيفاء القصاص ويؤخر سكران حتى يصحو فلو خالف وحده سقط ويؤخر قطع خوف تلف وإن مات في حد أو قطع سرقة أو تعزير أو تأديب معتاد وتقدم في الديات - فلا ضمان عليه إن لم يلزم التأخير فإن لزم ولم يؤخر ضمن وإن زاد في الحد سوطا أو أكثر عمدا أو خطأ أو في السوط أو اعتمد في ضربه أو بسوط لا يحتمله ضمنه بكل الدية كما إذا ألقي على سفينة موقرة حجرا فغرقها فإن كانت الزيادة من الجلاد من غير أمر فالضمان على عاقلته ومن أمر بزيادة فزاد جاهلا تحريمها ضمنه الآمر وإلا فالضارب وإن تعمده العاد فقط أو أخطأ وادعى الضارب الجهل ضمنه العاد وتعمد الإمام الزيادة شبه عمد تحمله العاقلة وإن كان الحد رجما لم يحفر له: رجلا كان أو امرأة ثبت ببينة أو إقرار وتشد ثياب المرأة لئلا تنكشف والسنة أن يدور الناس حول المرجوم منكل جانب كالدائرة إن كان ثبت ببينة(4/247)
لا بإقرار لاحتمال أن يهرب فيترك ويسن حضور شهود الزنا وبداءتهم بالرجم وإن كان ثبت بإقرار بدأ الإمام أو الحاكم إن كان ثبت عنده ثم يرجم الناس ويجب حضور الإمام أو نائبه في كل حد ومن أذن له في إقامة الحد فهو نائبه ويجب حضور طائفة في حد الزنا ولو واحدا مع من يقيم الحد ومتى رجع المقر بحد الزنا أو سرقة أو شرب قبل الحد عن إقراره: بأن يقول: كذبت في إقراري أو لم أفعل ما أقررت به أو رجعت عن إقراري ونحوه - قبل منه وسقط عنه الحد وإن رجع في أثنائه أو هرب ترك وجوبا وإن قال: ردوني إلى الحاكم وجب رده فإن تمم عليه الحد ضمن المتمم الراجع بالدية لا الهارب ولا من طلب الرد إلى الحاكم ولا قود وإن رجم ببينة فهرب لم يترك.(4/248)
فصل: - وإذا اجتمعت حدود الله تعالى وفيها قتل:
مثل أن سرق وزنا وهو محصن وشرب وقتل في المحاربة استوفى القتل وسقط سائرها لكن ينبغي أن يقتل للمحاربة لأنه حق آدمي ويسقط الرجم وإن لم يكن فيها قتل فإن كانت من جنس: مثل أن زنى أو سرق أو شرب مرارا قبل إقامة الحد أجزأ حد واحد فتتداخل السرقة كغيرها ولو طالبوا متفرقين فإن أقيم عليه الحد ثم حدثت جناية أخرى ففيها حدها وإن كانت من أجناس استوفيت كلها ويجب الابتداء بالأخف فالأخف فإذا شرب وزنى وسرق - حد للشرب ثم للزنا ثم قطع ولو بدأ بغير الأخف وقع الموقع وتستوفى حقوق الآدميين كلها ويبدأ بغير قتل بالأخف فالأخف منها وجوبا فيحد للقذف ثم يقطع لغير السرقة(4/248)
ثم يقتل، فإن اجتمعت مع حدود الله تعالى ولم يتفقا في محل واحد بدأ بها وبالأخف فالأخف وجوبا فإن لم يكن فيها قتل استوفيت كلها ولا يتداخل القذف والشرب فإذا زنى وشرب وقذف وقطع يدا قطعت يده أولا ثم حد القذف ثم الشرب ثم الزنا: فقدموا هنا القطع على حد القذف وهو أخف من القطع وإن كان فيها قتل فإن حدود الله تدخل في القتل: سواء كان القتل من حدود الله كالرجم في الزنا والقتل في المحاربة وللردة أو حق آدمي كالقصاص ثم إن كان القتل حقا لله استوفيت الحقوق كلها متوالية من غير انتظار برء الأول فالأول لأنه لا بد من فوات الأول وإن اتفق حق الله وحق الآدمي في محل واحد كالقتل والقطع قصاصا واحدا: مثل أن قتل - وإن عفا ولي الجناية - استوفى الحد وذكر ابن البناء من قتل بسحر قتل حدا وللمسحور من ماله ديته فيقدم حق الله تعالى انتهى فإن سرق وقتل في المحاربة ولم يأخذ المال قتل حتما ولم يصلب ولم تقطع يده وإن قتل مع المحاربة جماعة قتل بالأول ولأولياء الباقين دياتهم.(4/249)
فصل: - ومن قتل أو قطع طرفا أو أتى حدا خارج حرم مكة ثم لجأ إليه أو لجأ إليه حربي أو مرتد -
لم يستوف منه فيه ولكن لا يبايع ولا يشارى ولا يطعم ولا يسقى لا يؤاكل ولا يشارب ولا يجالس ولا يؤوى ويهجر فلا يكلمه أحد حتى يخرج لكن يقال له: اتق الله واخرج إلى الحل ليستوفى منك الحق الذي قبلك فإذا(4/249)
خرج أقيم عليه الحد فإن استوفى ذلك منه في الحرم فقد أساء ولا شيء عليه وإن فعل ذلك في الحرم استوفى منه فيه ولو قوتلوا في الحرم دفعوا عن أنفسهم فقط وفي الهدي: الطائفة الممتنعة بالحرم من مبايعة الإمام لا تقاتل لا سيما إن كان لها تأويل وأما حرم مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وسائر البقاع والأشهر الحرم وغيرها فلا تمنع إقامة حد ولا قصاص ومن أتى حدا في الغزو أو ما يوجب قصاصا لم يستوف منه في أرض العدو حتى يرجع إلى دار الإسلام فيقام عليه وإن أتى بشيء من ذلك في الثغور أقيم عليه فيها وإن أتى حدا في دار الإسلام ثم دخل دار الحرب أو أسر أقيم عليه إذا خرج.(4/250)
باب حد الزنا
مدخل
...
باب حد الزنا
وهو: فعل الفاحشة في قبل أو دبر وهو من الكبائر العظام.
إذا زنى محصن وجب رجمه بالحجارة وغيرها حتى يموت ويتقي الوجه ولا يجلد قبله ولا ينفى وتكون الحجارة متوسطة كالكف فلا ينبغي أن يثخن المرجوم بصخرة كبيرة ولا أن يطول عليه بحصيات خفيفة ومن وطئ امرأته ولو كتابية في قبلها وطأ حصل به تغيب الحشفة أو قدرها في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران ملتزمان فهما محصنان فإن اختل شرط منها ولو في أحدهما فلا إحصان لواحد منهما فإن عتقا وعقلا وبلغا بعد النكاح ثم وطئها صارا محصنين ولا يحصل الإحصان بالوطء بملك اليمين ولا في نكاح فاسد ولا في نكاح خال من الوطء سواء حصلت فيه خلوة أو وطئ فيما دون(4/250)
الفرج وفي الدبر أولا ويثبت لمستأمنين كذميين ولو مجوسيين لكن لا يصير المجوسي محصنا بنكاح ذي رحم محرم فلو زنى أحد منهم وجب الحد ويلزم الإمام إقامة حد بعضهم ببعض ومثله القطع بسرقة بعضهم من بعض ولا يسقط بإسلامه لكن لا يقام حد الزنا على مستأمن نصا قال في المغني والشرح الكبير في باب القطع في السرقة: لأنه يجب به القتل لنقض العهد ولا يجب مع القتل حد سواه انتهى وهذا إذا زنى بمسلمة وأما إن زنى بغير مسلمة فلا يقام عليه الحد كالحربي ولا حد الخمر ولو كان لرجل ولد من امرأته فقال: ما وطئتها لم يثبت إحصانه ولو كان لها ولد من زوج فأنكرت أن يكون وطئها لم يثبت إحصانها ويثبت بقوله: وطئتها أو جامعتها أو باضعتها ويثبت إحصانها بقولها: أنه جامعها أو باضعها أو وطئها وإن قالت: باشرها أو أصابها أو أتاها أو دخل بها أو قاله هو فينبغي أن لا يثبت به الإحصان وإذا جلد الزاني على أنه بكر فبان محصنا - رجم وإذا رجم الزانيان المسلمان غسلا وكفنا وصلى عليهما ودفنا وإذا زنى الحر غير المحصن من رجل أو امرأة جلد مائة وغرب عاما إلى مسافة القصر في بلد معين وإن رأى الإمام التغريب إلى فوق مسافة القصر فعل والبدوي يغرب عن حلته وقومه ولا يمكن من الإقامة بينهم ولو عين السلطان جهة لتغريبه وطلب الزاني جهة غيرها تعين ما عينه السلطان ولو أراد الحاكم تغريبه فخرج بنفسه وغاب سنة ثم عاد لم يكفه في ظاهر كلامهم ولا يحبس في البلد نفي إليه فإن عاد من تغريبه قبل مضي الحول(4/251)
أعيد تغريبه حتى يكمل الحول مسافرا ويبنى على ما مضى وتغرب امرأة مع محرم وجوبا إن تيسر فيخرج معها حتى يسكنها في موضع ثم إن شاء رجع إذا أمن عليها وإن شاء أقام معها وإن أبى الخروج معها بذلت له الأجرة من مالها فإن تعذر فمن بيت المال فإن أبى الخروج معها نفيت وحدها كما لو تعذر: كسفر الهجرة وسفر الحج إذا مات المحرم في الطريق وقيل تستأجر امرأة ثقة اختاره جماعة وإن زنى الغريب غرب إلى بلد غير وطنه وإن زنى في البلد الذي غرب إليه غرب إلى غير البلد الذي غرب منه وتدخل بقية مدة الأول في الثاني لأن الحدين من جنس فتداخلا.(4/252)
فصل:- وإن كان الزاني رقيقا فحده خمسون جلدة ولا يغرب بكرا كان أو ثيبا
ولا يرجم هو ولا المبعض وإذا زنى ثم عتق فعليه حد الرقيق ولو زنى حر ذمي ثم لحق بدار حرب ثم سبي فاسترق حد حد الأحرار ولو كان أجد الزانيين حرا والآخر رقيقا أو زنى محصن ببكر فعلى كل واحد حده ولو زنى بعد العتق وقبل العلم به فعليه حد الأحرار وإن أقيم عليه حد الرقيق قبل العلم بحريته ثم علمت بعد - تمم عليه حد الأحرار وإن كان نصفه حرا فحده خمس وسبعون ويغرب نصف عام محسوبا على العبد من نصيبه الحر وللسيد نصف عام بدلا عنه وما زاد من الحرية أو نقص فبحساب ذلك فإن كان فيها كسر مثل أن يكون ثلثه حرا فيلزمه ست وستون جلدة وثلثا جلدة فينبغي أن يسقط الكسر والمدبر والمكاتب وأم الولد كالقن وإن عفا السيد(4/252)
عن عبده لم يسقط عنه الحد وإذا فجر رجل بأمة ثم قتلها فعليه الحد وقيمتها وحد اللواط: الفاعل والمفعول به - كزان ولا فرق بين أن يكون في مملوكه أو أجنبي أو أجنبية فإن وطئ زوجته أو مملوكته في دبرها فهو محرم ولا حد فيه وحد زان بذات محرم - كلائط ومن أتى بهيمة ولو سمكة عزر ويبالغ في تعزيره وقتلت البهيمة: سواء كانت مملوكة له أو لغيره مأكولة أو غير مأكولة فإن كانت ملكه فهدر وإن كانت لغيره ضمنها ويحرم أكلها ويثبت ذلك بشهادة رجلين على فعله بها أو إقراره ويأتي ولو مرة إن كانت ملكه وإن لم تكن ملكه لم يجز قتلها بإقراره ولو مكنت امرأة قردا من نفسها حتى وطئها فعليها ما على واطئ البهيمة.(4/253)
فصل: - ولا يجب الحد إلا بشروط
أحدها: أن يطأ في فرج أصلي من آدمي حي قبلا كان أو دبرا بذكر أصلي وأقله تغييب حشفة من فحل أو خصي أو قدرها عند عدمها فإن وطئ دون الفرج أو تساحقت امرأتان أو جامع الخنثي المشكل بذكره أو جومع في قبله فلا حد وعليهم التعزير ولو وجد رجل مع امرأة يقبل كل منهما الآخر ولم يعلم أنه وطئها فلا حد وعليهما التعزير وإن قالا: نحن زوجان واتفقا على ذلك قبل قولهما وإن شهد عليهما بالزنا فقالا: نحن زوجان فعليهما الحد إن لم تكن بينة تشهد بالنكاح.
الثاني: أن يكون الزاني مكلفا فلا حد على صغير ومحنون وإن زنى ابن عشر أو بنت تسع - عزرا قاله في الروضة وقال في المبدع: يعزر(4/253)
غير البالغ منهما انتهى وذلك كضربه على ترك الصلاة وحد السكران إذا زنا أو أقر به في سكره.
الثالث: انتفاء الشبهة فإن وطئ جارية ولده: وطئها الابن أولا أو جارية له أو لولده أو لمكاتبه فيها شرك أو أمة: كلها أو بعضها لبيت المال وهو حر مسلم أو وطئ امرأته أو أمته في حيض أو نفاس أو دبر أو امرأة على فراشه أو في منزله أو زفت إليه ولو لم يقل له: هذه امرأتك ظنها امرأته أو أمته أو ظن أن له أو لولده فيها شركا أو دعا الضرير امرأته فأجابه غيرها فوطئها أو وطئ أمته المجوسية أو المرتدة الو المعتدة أو المزوجة أو في مدة استبرائها أو في نكاح أو ملك مختلف في صحته كنكاح متعة وبلا ولي أو بلا شهود ونكاح الشغار والمحلل ونكاح الأخت في عدة أختها البائن وخامسة في عدة رابعة بائن ونكاح المجوسية وعقد الفضولي ولو قبل الإجازة وفي شراء فاسد بعد قبضه ولو اعتقد تحريمه - فلا حد وتقدم وطء بائع في مدة خيار يعتقد تحريمه وإن جهل تحريم الزنا لحداثة عهده بالإسلام أو أنشئه ببادية بعيدة أو تحريم نكاح باطل إجماعا - فلا حد ولا يسقط الحد بجهل العقوبة إذا علم التحريم لقضية ما عز وإن أكرهت المرأة على الزنا أو المفعول به لواطا قهرا أو بالضرب أو بالمنع من طعام أو شراب اضطرارا إليه ونحوه فلا حد وإن أكره عليه الرجل فزنى - حد وعنه لا واختاره الموفق وجمع وإن أكره على إيلاج ذكره بأصبعه من غير انتشار أو باشر المكره المكره أو مأموره ذلك فلا حد وإن وطئ ميتة أو(4/254)
ملك أمه أو أخته من الرضاع فوطئها - عزر ولم يحد وإن اشترى ذات محرمه من النسب ممن يعتق عليه ووطئها أو وطئ في نكاح مجمع على بطلانه مع العلم: كنكاح المزوجة والمعتدة ومطلقته ثلاثا والخامسة وذوات محارمه من النسب والرضاع أو زنى بحربية مستأمنة أو نكح بنته من الزنا نصا وحمله جماعة على أنه لم يبلغه الخلاف فيحمل إذن على معتقد تحريمه أو استأجر امرأة للزنا أو لغيره فزنى بها أو بامرأة له عليها قصاص أو بصغيرة يوطأ مثلها أو مجنونة أو بامرأة ثم تزوجها أو بأمة ثم اشتراها - فعليه الحد وإن مكنت المكلفة من نفسها مجنونا أو مميزا أو من لا يحد لجهله أو مكنت حربيا أو مستأمنا أو أدخلت ذكر نائم فعليها الحد وحدها.
الرابع: ثبوت الزنا، ولا يثبت إلا بأحد أمرين: أحدهما: أن يقر به أربع مرات في مجلس أو مجالس وهو مكلف مختار ويصرح بذكر حقيقة الوطء ولا ينزع عن إقراره حتى يتم الحد فإن أقر أنه زنى بامرأة فكذبته فعليه الحد: دونها كما لو سكتت أو لم تسأل ولا يصح إقرار الصبي والمجنون ولا من زال عقله بنوم أو شرب دواء ويحد الأخرس إذا فهمت إضارته وإن أقر بوطء امرأة وادعى أنها امرأته فأنكرت المرأة الزوجية ولم تقر بوطئه إياها فلا حد عليه ولا مهر لها وإن اعترفت بوطئه وأنه زنى بها مطاوعة فلا مهر ولا حد على واحد منهما: إلا أن تقر أربع مرات وإن أقرت أنه أكرهها عليه أو اشتبه عليها فعليه المهر ولو شهد أربعة على إقراره أربعا بالزنا ثبت الزنا،(4/255)
يثبت بدون أربعة، فإن أنكر أو صدقهم دون أربع مرات فلا حد عليه ولا على الشهود ولو تمت البينة عليه وأقر على نفسه إقرارا تاما ثم رجع عن إقراره لم يسقط عنه الحد.
فصل: - الأمر الثاني: أن يشهد عليه ولو ذميا أربعة رجال مسلمين عدول: أحرار كانوا أو عبيدا يصفون الزنا بزنا واحد فيقولون: رأيناه مغيبا ذكره أو حشفته أو قدرها في فرجها كالميل في المكحلة أو الرشاء في البير ويجوز للشهود أن ينظروا إلى ذلك منهما لإقامة الشهادة عليهما ولا يعتبر ذكر مكان الزنا ولا ذكر المزني بها إن كانت الشهادة على رجل ولا ذكر الزاني إن كانت الشهادة على امرأة ويكفي إذا شهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها والتشبيه تأكيد ويشترط أن يجئ الأربعة في مجلس واحد: سواء جاؤا متفرقين أو مجتمعين وسواء صدقهم أو لا فإن جاء بعضهم بعد أن قام الحاكم من مجلسه أو شهد ثلاثة وامتنع الرابع أو لم يكملها - فهم قذفة: وعليهم الحد وإن كانوا فساقا أو عميانا أو بعضهم - فعليهم الحد وإن شهدوا أربعة مستورون ولم تثبت عدالتهم أو مات أحد الأربعة قبل وصف الزنا فلا حد عليهم فإن شهد ثلاثة رجال وامرأتان حد الجميع وإن كان أحد الأربعة زوجا - حد الثلاثة: لا الزوج إن لاعن وإن شهدوا أربعة: فإذا المشهود عليه مجبوب أو رتقاء - حدوا للقذف وإن شهدوا عليها فتبين أنها عذراء لم تحد هي ولا الرجل ولا الشهود1 وتكفي شهادة امرأة واحدة بعذرتها وإن شهد اثنان
__________
1 عدم الحد واضح في جانب المقذوفة والمقذوف لظهور براءتهما بوجود =(4/256)
أنه زنى بها في بيت أو بلد أو يوم واثنان أنه زنى بها في بيت أو بلد أو يوم آخر أو شهد اثنان أنه زنى بامرأة بيضاء واثنان أنه زنى بامرأة سوداء - فهم قذفة لأنهم لم يشهدوا بزنا واحد وعليهم الحد وإن شهد اثنان أنه زنى بها في زاوية بيت صغير عرفا واثنان أنه زنى بها في زاويته الأخرى أو اثنان أنه زنى بها في قميص أبيض أو قائمة واثنان في أحمر أو نائمة - كملت شهادتهم1 وإن كان البيت كبيرا والزاويتان متباعدان فهم قذفة والقول في الزمان كالقول في المكان متى كان بينهما زمن متباعد لا يمكن وجود الفعل الواحد في جميعه كطرفي النهار لم تكمل شهادتهم فإن تقاربا قبلت وإن شهدا أنه زنى بها مطاوعة وآخران مكرهة - لم تكمل وحد شاهدا المطاوعة لقذف المرأة وحد الأربعة لقذف الرجل وإن شهد أربعة فرجعوا أو بعضهم قبل الحد - حد الأربعة وإن رجع أحدهم بعد الحكم حد وحده إذا طالب به قبل موته ولأنه ورث حد القذف يحد بطلب الورثة وعليه ربع ما تلف بشهادتهم2، ويأتي في الرجوع عن الشهادة وإذا ثبت الشهادة بالزنا فصدقهم المشهور عليه لم يسقط
__________
= البكارة وأما بجانب الشهود فقد يتبادر رجحان حدهم، ولكنهم عللوا عدمه باحتمال أن يكون الزنا قد حصل كما شهدوا ثم عادت البكارة؛ وهذه شبهة تكفي في إسقاط الحد عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: "ادرأوا الحدود بالشبهات ما استطعتم".
1 وحيث اعتبرت الشهادة كاملة أقيم الحد، واختلافهم في تعيين القميص أو الجهة أو كونها قائمة أو نائمة لا يحبط شهادتهم، لاحتمال أن يكون الزنا في مبدئه كان على حالة وفي منتهاه كمان على الحالة الثانية.
2 قوله: وعليه، يريد به وعلى ذلك الراجح الذي حد.(4/257)
الحد1 وإن شهد شاهدان واعترف هو مرتين لم تكمل البينة ولم يجب الحد فإن كملت البينة ثم مات الشهود أو غابوا - جاز الحكم بها وإقامة الحد: وإن شهدوا بزنا قديم أو أقر به وجب الحد وتجوز الشهادة بالحد من غير مدع وإن شهد أربعة أنه زنى بامرأة وشهد أربعة آخرون على الشهود أنهم هم الزناة - لم يحد المشهود عليه ويحد الأولون للقذف وللزنا وكل زنا من مسلم أو ذمي أوجب الحد لا يقبل فيه إلا أربعة شهود ويدخل في اللواط ووطء المرأة في دبرها وإن أوجب التعزير: كوطء البهيمة والأمة المشركة والمزوجة - قبل فيه رجلان كشهود المباشرة دون الفرج ونحوها وإن حملت امرأة لا زوج لها لا سيد لم تحد بمجرد ذلك وتسئل استحبابا: فإن ادعت أنها أكرهت أو وطئت بشبهة أو لم تعترف بالزنا - لم تحد ويستحب للإمام أو الحاكم الذي يثبت عنده الحد بالإقرار التعريض للمقر بالرجوع إذا تم والوقوف2 ولا بأس أن يعرض له بعض الحاضرين بالرجوع أو بألا يقر ويكره لمن علم بحاله أن يحثه على الإقرار3.
__________
1 قوله: لم يسقط الحد - يريد به لم يسقط عن الزاني اعتبار للشهادة فلا يعدل عنها على تكملة الإقرار خلافا لمن يقول بطلت الشهادة، ويرجع إلى تكملة لأنه الأصل.
2 معنى الوقوف. التوقف عن الإقرار قبل إتمامه.
3 وإنما استحب ذلك التعريض لما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع ماعز حين أقر بين يديه بالزنا. إذا كان يصرف وجهه عن ناحية ما عز كراهة سماع الإقرار منه حتى تكرر أربع مرات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعلك قبلت، لعلك لمست". والحكمة في استحباب ذلك عدم شيوع الفاحشة بين المسلمين.(4/258)
باب القذف
مدخل
...
باب القذف
وهو: الرمي بزنا أو لواط أو شهادة به عليه ولم تكمل البينة وهو كبيرة.
من قذف ولو أخرس بإشارة مفهومة ولو في غير دار الإسلام، وهو1 مكلف مختار محصن ولو ذات محرم أو مجبوبا أو خصيا أو مريضا مدنفا أو رتقاء أو قرناء - حد حر ثمانين جلدة وقن ولو عتق قبل حده أربعين ومعتق بعضه بحسابه سوى أبويه وإن علوا فلا يحدان بقذف ولد وإن نزل: كقود ولا يحدان له فإن قذف أم ابنه وهي أجنبية منه فماتت قبل استيفاؤه فله إذا ماتت بعد - المطالبة ويحد الابن بقذف كل واحد من آبائه وأمهاته وإن علوا ويحد بقذف على وجه الغيرة ويشترط لإقامة الحد - مطالبة المقذوف - واستدامة الطلب إلى إقامته: بألا يعفو - وألا يأتي القاذف ببينة ما قذفه به - وألا يصدقه المقذوف - وألا يلا عن القاذف إن كان زوجا وهو حق الآدمي ولا يستحلف فيه ولا يقبل رجوعه عنه2 ويسقط بعفو المقذوف فقط وليس للمقذوف استيفاء بنفسه وقذف غير المحصن:
__________
1 مرجع الضمير. القاذف.
2 لا يستحلف فيه المنكر مع كونه حق آدمي لأنه ليس من الحقوق المالية ولا تعلق له بها، ولا يقبل رجوع القاذف بخلاف حد الزنا لأن الثاني حق الله تعالى.(4/259)
كمشرك وذمي وقن ولو كان القاذف سيده ومسلم له دون عشر سنين ومسلمة لها دون تسع سنين ومن ليس بعفيف - يوجب التعزير فقط وحق طلب تعزير القن إذا قذف - له: لا لسيده والمحصن هنا هو: الحر المسلم العاقل الذي يجامع مثله العفيف عن الزنا ظاهرا ولو ثائبا من زنا أو ملاعنة وولدها وولد زنا: كغيرها فيحد من قذفها ومن ثبت زناه منهما أو من غيرهما ببينة أو شهد به شاهدان أو أقر به ولو دون أربع مرات أو حد للزنا - فلا حد على قاذفة ويعزر ولو قال لمن زنى في شركه أو كان مجوسيا تزوج بذات محرم بعد أن أسلم: يا زاني - فلا حد عليه إذا فسره بذلك ويعزر ولا يشترط في المقذوف البلوغ بل يكون مثله يطأ أو يوطأ: كابن عشر وابنة تسع ولا يقام عليه الحد حتى يبلغ المقذوف ويطالب به بعد بلوغه وليس لوليه المطالبة عنه وكذا لو جن المقذوف أو أغمى عليه قبل الطلب وإن كان بعده أقيم: كما لو وكل في استيفاء القصاص ثم جن أو أغمى عليه وإن قذف غائبا اعتبر قدومه وطلبه: إلا أن يثبت أنه طالبه في غيبته فيحد وإن كان القاذف مجنونا أو مبرسما أو نائما أو صغيرا - فلا حد عليه بخلاف السكران وإن قال لحرة مسلمة: زنيت وأنت صغيرة وفسره بصغر عن تسع - لم يحد ويعزر وكذلك إن قذف صغيرا له دون عشر سنين وإن فسره بتسع فأكثر من عمرها أو بعشر فأكثر من عمره - حد وإن قال القاذف للمقذوف: كنت أنت صغيرا حين قذفتك فقال: بل كبيرا فالقول قول القاذف وإن أقام(4/260)
فصل: - والقذف محرم: إلا في موضعين: -
أحدهما: أن يرى امرأته تزني في طهر لم يصبها فيه فيعتزلها ثم تلد ما يمكن أنه من الزنى - فيجب عليه قذفها ونفي ولدها - وفي المحرر وغيره وكذا لو وطئها في طهر زنت فيه وظن أن الولد من الزاني وفي الترغيب نفيه محرم مع التردد: - والثاني: أن يراها تزني ولم تلد ما يلزم نفيه أو يستفيض زناها في الناس أو أخبره به ثقة أو يرى رجلا يعرف بالفجور يدخل إليها زاد في الترغيب خلوة - فيباح قذفها ولا يجب وفراقها أولى(4/261)
من قذفها وإن أتت بولد يخالف لونه لونهما أو يشبه رجلا غير والديه - لم يبح نفيه بذلك: ما لم تكن قرينة وإن كان يعزل عنها لم يبح له نفيه ولا يجوز قذفها بخبر من لا يوثق بخبره ولا برؤيته رجلا خارجا من عندها من غير أن يستفيض زناها مع قرينة.(4/262)
فصل: - وصريح القذف ما لا يحتمل غيره:
نحو يا زان يا عاهر زنى فرجك بالوطء1 يا معفوج يا منيوك قد زنيت أو أنت أزنى الناس: فتح التاء أو كسرها للذكر والأنثى في قوله: زنيت أو أنت أزنى من فلانة يحد للمخاطب وليس بقاذف لفلانة2 أو قال لرجل: يا زانية أو يا نسمة زانية ولامرأة يا زان أو يا شخصا زانيا أو قذفها أنها وطئت في دبرها أو قذف رجلا بوطء امرأة في دبرها أو قال لها يا منيوكة إن لم يفسره بفعل زوج أو سيد إذا كان القذف بعد حريتها وفسره بفعل السيد قبل العتق ولا يقبل قوله بما يحيله: ويحد فإن قال: أردت زاني العين أو عاهر اليد أو يا لوطي إنك من قوم لوط أو تعمل عمل قوم لوط: غير إتيان الذكور ونحوه - لم يقبل وكل ما لا يجب الحد بفعله لا يجب على القاذف به كوطء البهيمة والمباشرة دون الفرج والوطء بالشبهة وقذف المرأة بالمساحقة أو بالوطء مكرهة والقذف باللمس والنظر وقوله: لست لأبيك أو لست بولد فلان قذف لأمه: إلا أن يكون منفيا بلعان لم يستحلفه أبوه ولم يفسره بزنا أمه وكذا إن نفاه عن قبيلته أو قال: يا ابن الزانية وإن نفاه عن أمه أو قال: إن لم تفعل
__________
1 العفج بمعنى النكاح.
2 مراده بفلانة – المذكورة مع صيغة التفصيل في قوله. أنت أزنى من فلانة.(4/262)
كذا فلست بابن فلان أو رمى بحجر فقال: من رماني فهو ابن الزانية ولم يعرف الرامي أو اختلف اثنان في شيء فقال أحدهما: الكاذب ابن الزانية فلا حد وإن كان يعرف الرامي فقاذف وإن قال لولده: لست بولدي فهو كناية في قذف أمه يقبل تفسيره بما يحتمله وزنأت في الجبل مهموزا - صريح ولو زاد في الجبل أو عرف العربية كما لو لم يقل في الجبل أو لحن لحنا غير هذا وإن قال لرجل: زنيت بفلانة أو قال لها: زنى بك فلان أو يا ابن الزانيين كان قاذفا لهما بكلمة واحدة وإن قال: يا ناكح أمه وهي حية فعليه حدان نصا ويا زاني ابن الزاني كذلك إن كان أبوه حيا وإن أقر أنه زنى بامرأة فهو قاذف لها ولو لم يلزمه حد الزنا بإقراره.(4/263)
فصل: - وكنايته والتعريض نحو:
زنت يداك أو رجلاك أو يدك أو رجلك أو بدنك ونحو قوله لامرأة رجل: قد فضحته وغطيت أو نكست رأسه وجعلت له قرونا وعلقت عليه أولادا من غيره وأفسدت فراشه أو يقول لمن يخاصمه: يا حلال ابن الحلال ما يعير كل الناس بالزنا أو يا فاجرة يا قحبة أو يا خبيثة أو يقول لعربي يا نبطي أو يا فارسي أو يا رومي أو يقول لأحدهم: يا عربي أو قال ما أنا بزان أو ما أمي زانية أو يا خنيث بالنون أو يا عفيف يا نظيف أو يسمع رجلا يقذف رجلا فيقول: صدقت أو صدقت فيما قلت أو أخبرني أو أشهدني فلان أنك زنيت وكذبه فلان أو قال: يا ولد الزنا قال في الرعاية: أو قال لها لم أجدك عذراء وفي الكافي: يا ولد الزنا قاذف(4/263)
لأمه فهذه كناية: إن فسره بالزنا فهو قذف وإن فسره بما يحتمله غير القذف قبل مع يمينه وعزر وإن كان نوى الزنا بالكناية لزمه الحد باطنا ويلزمه إظهار نية ويعزر بقوله: يا كافر يا منافق يا سارق يا أعور يا أفطع يا أعمى يا مقعد يا ابن الزمن الأعمى الأعرج يا نمام يا حروري يا مرائي يا مرابي يا فاسق يا فاجر يا حمار يا تيس يا رافضي يا خبيث البطن أو الفرج يا عدو الله يا جائر يا شارب الخمر يا كذاب يا كاذب يا ظالم يا خائن يا مخنث يا مأبون أي: معيوب زنت عينك يا قرنان يا قواد يا معرص يا عرصة ونحوهما: يا ديوث يا كشحان يا قرطبان يا علق يا سوس ونحو ذلك.(4/264)
فصل: - وإن قذف أهل بلد أو جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم عادة - لم يحد وعزر:
كسبهم بغيره ولو لم يطلبه أحد منهم وإن قال لامرأته: يا زانية فقالت بك زنيت - لم تكن قاذفة وسقط عنه الحد بتصديقها ولا يجب عليها حدا لقذف لأنه يمكن الزنا منها به من غير أن يكون زانيا: بأن يكون قد وطئها بشبهة ولا يجب عليا حد الزنا لأنها لم تقر أربع مرات ومن قذف له موروث حي محجور عليه أولا أما: كان أو غيرها - لم يكن له أن يطالب في حياته بموجب قذفه فإن مات وقد طالب به صار للوارث بصفة ما كان للموروث اعتبارا بإحصانه1 وإن قذف ميت: محصن أولا ولو من غير أمهات
__________
1 إنما اشترط في انتقال استحقاق الحد إلى الوارث أن يكون الموروث طلبه قبل موته لأن الحد من الحقوق فلا يملكه الوارث إلا إذا طلبه مورثه. ولما كان انتقال الحد للوارث لأن القذف قدح في نسبه اشترط أحصان الوارث، وهذا معنى قول المصنف. اعتبارا بإحصانه، وإن لم يكن محصنا فليس إلا التعزير كما تقدم، وكما وضحه عقب ذلك.(4/264)
الوارث - حد قاذف بطلب وارث محصن خاصة وإن كان الوارث غير محصن فلا حد وثبت حد قذف الميت والقذف الموروث لجميع الورثة حتى الزوجين وإن عفا بعضهم حد للباقي كاملا ومن قذف النبي صلى الله عليه وسلم أو أمه - كفر وقتل ولو تاب نصا أو كان كافرا ملتزما فأسلم: لا أن سبه بغير القذف ثم أسلم - وتقدم آخر باب أحكام الذمة وكذا كل أم نبي غير نبينا قاله ابن عبدوس في تذكرته ولعله مراد غيره وإن قذف جماعة يتصور منهم الزنا عادة بكلمة واحدة فحد واحد إذا طالبوا ولو متفرقين أو واحد منهم فيحد لمن طلب ثم لا حد بعده وإن أسقطه أحدهم فلغيره المطالبة واستيفاؤه وسقط حق العافي وإن كان بكلمات حد لكل واحد حدا ومن حد لقذف ثم أعاده أو بعد لعانه لم يعد عليه الحد ويعزر ولا لعان وإن قذفه بزنا آخر حد مع طول الزمن وإلا فلا وإن قذف رجلا ممرات بزنا أو زنيات ولم يحد - فحد واحد.(4/265)
فصل: - تجب التوبة من القذف والغيبة وغيرهما
ولا يشترط لصحتها من ذلك إعلامه1 ولأن في إعلامه دخول غم عليه وزيادة إيذاء وقال القاضي والشيخ عبد القادر: يحرم إعلامه وقيل: إن علم به المظلوم وإلا دعا له واستغفر ولم يعلمه وذكره الشيخ
__________
1 يريد لا يشترط في التوبة من الغيبة مثلا إعلام المغتاب أو المقذوف مما تحدث به شأنه.(4/265)
عن أكثر العلماء، وقال: وعلى الصحيح من الروايتين لا يجب الاعتراف ولو سأله فيعرض ولو مع استحلافه لأنه مظلوم لصحة توبته ومع عدم التوبة والإحسان - تعريضه كذب ويمينه غموس1 قال: واختار أصحابنا لا يعلمه بل يدعو له في مقابلة مظلمته وقال: ومن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما مسلم شتمته أو سببته فاجعل ذلك له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" وقال أيضا: "زناه بزوجة غيره كالغيبة" ولو أعلمه بما فعل ولم يبينه فحاله فهو كإبراء منه وفي الغنية: لا يكفي الاستحلال المبهم فإن تعذر فيكثر الحسنات ولو رضى أن يشتم أو يغتاب أو يجنى عليه ونحوه لم يبح ذلك ويأتي لذلك تتمة في باب شروط من تقبل شهادته.
__________
1 حاصل هذه الفقرة أنه لو سب إنسان غيره ظلما فله أن يتوب من غير اشتراط إعلامه وذلك كما تقدم، وقيل إذا وصل إلى علم المظلوم ما حدث في شأنه فيجب إعلامه بمعنى الاعتذار إليه حتى تصح التوبة، وإن لم يصل إليه دعا واستغفر له المتحدث في شأنه، وإذا استحلف المظلوم من وقع في شأنه كان للثاني أن يعرض في يمينه وقول المصنف لأنه مظلوم – تعليل لحق الاستحلاف، وقوله: لصحة توبته – تعليل لجواز التعريض على سبيل اللف والنشر والله أعلم.(4/266)
باب حد السكر
مدخل
...
باب حد السكر
كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام من أي شيء كان ويسمى خمرا ولا يجوز شربه للذة ولا لتداو ولا عطش - بخلاف ماء تجس ولا غيره إلا لمكره أو مضطر إليه لدفع لقمة غص بها وليس عنده ما يسيغها ويقدم عليه بول ويقدم عليهما ماء نجس - وفي المغني(4/266)
وغيره: إن شربها لعطش فإن كانت ممزوجة بما يروى من العطش أبيحت لدفعه عند الضرورة وإن شربها صرفا أو ممزوجة بشيء يسير لا يروي من العطش لم تبح وعليه الحد - انتهى وإذا شربه الحر المسلم المكلف مختارا عالما أن كثيره يسكر: سواء كان من عصير العنب أو غيره من المسكرات قليلا كان أو كثيرا ولو لم يسكر الشارب فعليه الحد: ثمانون جلدة والرقيق أربعون ولا حدج ولا إثم على مكره على شربها سواء أكره بالوعيد أو بالضرب أو ألجئ إلى شربها: بأن يفتح فوه وصب فيه وصبره على الأذى أولى من شربها وكذا كل ما جاز فعله لمكره ولا على جاهل تحريمها فلو ادعى الجهل مع نشئه بين المسلمين لم يقبل ولا نقبل دعوى الجهل بالحد ويحد من احتقن به أو استعط أو تمضمض به فوصل إلى حلقه أو أكل عجينا لت به فإن خبز العجين فأكل من خبزه لم يحد وإن ثرد في الخمر أو اضطبع به أو طبخ به لحما فأكل من مرقه - حد ولو خلطه بماء فاستهلك فيه ثم شربه أو داوى به جرحه لم يحد ولا يحد ذمي ولا مستأمن بشربه ولو رضى بحكمنا لأنه يعتقد حله ويثبت شربه بإقراره مرة: كقذف ولو لم توجد منه رائحة أو شهادة رجلين عدلين يشهدان أنه شرب مسكرا ولا يحتاجان إلى بيان نوعه ولا أنه شربه مختارا عالما أنه مسكر ولا يحد بوجود رائحة منه لكن يعزر حاضر شربها ومتى رجع عن إقراره - قبل رجوعه: كسائر الحدود: غير القذف1 ولو وجد
__________
1 الرجوع عن الإقرار مسقط للحد في حقوق الله تعالى كحد الشرب والقطع في السرقة لا في حقوق الآدميين كالقذف على ما يأتي إن شاء الله تعالى.(4/267)
سكران أو تقيأها - حد وإذا أتى على عصير ثلاثة أيام بلياليهن - جرم ولو لم يوجد منه غليان: إلا أن يغلي قبل ذلك فيحرم ولو طبخ قبل التحريم - حل إن ذهب ثلثاه نصا وقال الموفق والشارح وغيرهما الاعتبار في حله عدم الإسكار سواء ذهب بطبخه ثلثاه أو أقل أو أكثر والنبيذ مباح: ما لم يغل أو تأت عليه ثلاثة أيام وهو: ما يلقى فيه تمر أو زبيب أو نحوهما ليحلو به الماء وتذهب ملوحته فإن طبخ قبل غليانه حتى صار غير مسكر: كرب الخروب وغيره فلا بأس وجعل أحمد وضع زبيب في خردل كعصير وأنه إن صب عليه خل - أكل وإن غلا عنب وهو عنب فلا بأس به نصا ولا يكره الانتباذ في الدباء والحنتم والمزفت والمقير كغيرها1 ويكره الخليطان وهو أن ينتبذ عنبين كتمر وزبيب أو وبسر أو مذنب وحده: ما لم يغل أو تأت عليه ثلاثة أيام ولنبيذ كل واحد وحده ولا بأس بالفقاع والخمرة إذا فسدت خلا لم تحل وإن قلب الله عينها فصارت خلا فهي حلال وتقدم في باب إزالة النجاسة.
__________
1 يريد: لا يكره جعل النبيذ في أناء من القرع اليابس أو إناء مطلي بالزفت أو القطران.(4/268)
باب التعزير
وهو التأديب وهو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة: كاستمتاع لا يوجب الحد وإتيان المرأة المرأة واليمين الغموس لأنه لا كفارة فيها وكدعاء عليه ولعنه وليس لمن لعن ردها وكسرقة ما لا قطع فيه وجناية لا قصاص فيها والقذف بغير الزنا ونحوه،(4/268)
وكنهب وغصب واختلاس وسب صحابي وغير ذلك ويأتي في باب المرتد سب الصحابي بأتم من هذا وتقدم في باب القذف جملة من ذلك فيعزر فيها المكلف وجوبا وتقدم قول صاحب الروضة: إذا زنى ابن عشر أو بنت تسع عزرا وقال الشيخ لا نزاع بين العلماء إن غير المكلف كالصبي المميز يعاقب على الفاحشة تعزيرا بليغا وكذا المجنون يضرب على ما فعل لنزجر لكن لا عقوبة بقتل أو قطع وفي الرعاية الصغرى وغيرها: ما أوجب حدا على مكلف عزر به المميز كالقذف انتهى وإن ظلم صبي صبيا أو مجنون مجنونا أو بهيمة بهيمة اقتص للمظلوم من الظالم وإن لم يكن في ذلك زجر: لكن لاقتصاص المظلوم وأخذ حقه وتقدم تأديب الصبي على الطهارة والصلاة وذلك ليتعود وكتأديبه على خط وقراءة وصناعة وشبهها قال القاضي ومن تبعه: إلا إذا شتم نفسه أو سبها فإنه لا يعزر وقال في الأحكام السلطانية: إذا تشاتم والد وولده لم يعزر الوالد لحق ولده ويعزر الولد لحقه ولا يجوز تعزيره إلا بمطالبة الوالد ولا يحتاج التعزير إلى مطالبة في هذه1 وإن تشاتما غيرهما عزر - قال الشيخ: ومن غضب فقال: ما نحن مسلمون: إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلا جرح فيه ولا عقوبة انتهى ويعزر بعشرين سوطا بشرب مسكر في نهار رمضان بفطره كما يدل عليه تعليلهم مع الحد فيجتمع الحد والتعزير في هذه الصورة ولو توجه عليه تعزيرات على معاص شتى: فإن تمحضت
__________
1 يعني أن أقامة التعزير فيما عدا مسئلة الوالد وولده لا تتوقف على طلب من أقيم لأجله بل للإمام الحق في تنفيذه لأنه للتأديب فكان من الحقوق الدينية، وقوله بعد: وإن تشاتم غيرهما - يريد به غير الوالد وولده: كالجد مع ابن ابنه، أو الخال أو الأخ الخ.(4/269)
لله واتحد نوعها، أو اختلف - تداخلت وإن كانت لآدمي وتعددت: كان سبه مرات ولو اختلف نوعها أو تعدد المستحق كسب أهل بلد فكذلك ومن وطئ أمة امرأته فعليه الحد إلا أن تكون أحلتها له فيجلد مائة ولا يرجم ولا يغرب إن أولدها لم يلحقه نسبه ولا يسقط الحد بالإباحة في غير هذا الموضع ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا الموضع: إلا إذا وطئ جارية مشتركة فيعزر بمائة إلا سوطا وعنه ما كان سببه الوطء كوطئه جاريته المزوجة وجارية ولده أو أحد أبويه والمحرمة برضاع ووطء ميتة ونحوه عالما بتحريمه: إذا قلنا لا يحد فيهن - يعزر بمائة والعبد بخمسين إلا سوطا واختاره جماعة وكذا لو وجد مع امرأته رجلا1 ويجوز نقص التعزير عن عشر جلدات إذ ليس أقله مقدرا فيرجع إلى اجتهاد الإمام والحاكم فيما يراه وما يقتضيه حال الشخص ولا يجرد للضرب بل يكون عليه القميص والقميصان كالحد وذكر ابن الصيرفي أن من صلى في الأوقات المنهي عنها يضرب ثلاث ضربات ويكون بالضرب والحبس والصفع والتوبيخ والعزل عن الولاية وإن رأى الإمام العفو عنه جاز ولا يجوز قطع شيء منه ولا جرحه ولا أخذ شيء من ماله قال الشيخ: وقد يكون التعزير بالنيل من عرضه: مثل أن يقال له: يا ظالم يا معتدي وبإقامته من المجلس وقال التعزير بالمال سائغ إتلافا وأخذا وقول أبي محمد المقدسي: لا يجوز أخذ ماله منه - إلى ما يفعله الحكام الظلمة والتعزير يكون على فعل
__________
1 بريد أن ذلك الرجل الذي وجد مع الزوجة ولم يكن زنى بها يجلد مائة جلدة.(4/270)
المحرمات وترك الواجبات: فمن جنس ترك الواجبات من كتم ما يجب بيانه: كالبائع المدلس والمؤجر والناكح وغيرهم من المعاملين وكذا الشاهد والمخبر والمفتي والحاكم ونحوهم فإن كتمان الحق سببه الضمان وعلى هذا لو كتم شهادة كتمانا أبطل به حق مسلم ضمنه: مثل أن يكون عليه حق ببينة وقد أداه حقه وله بينة بالأداء فتكتم الشهادة حتى يغرم ذلك الحق فظاهر نقل حنبل وابن منصور سماع الدعوى والأعذار والتحليف في الشهادة ومن استمني بيده خوفا من الزنا أو خوفا على بدنه فلا شيء عليه إذا لم يقدر على نكاح ولو لأمة ولا يجد ثمن أمة وإلا حرم وعزر وحكم المرأة في ذلك حكم الرجل فتستعمل شيئا مثل الذكر وله أن يستمني بيد زوجته وجاريته ولو اضطر إلى جماع وليس ثم من يباح وطؤها حرم الوطء وإذا عزره الحاكم أشهره لمصلحة كشاهد الزور ويأتي ويحرم بحلق لحيته لا تسويد وجهه وصلبه حيا ولا يمنع من أكل ووضوء ويصلي بالإيماء ولا يعيد قال القاضي: ويجوز أن ينادى عليه بذنبه إذا تكرر منه ولم يقلع انتهى ومن لعن ذميا أدب أدبا خفيفا: إلا أن يكون صدر منه ما يقتضي ذلك وقال الشيخ: يعزر بما يردعه وقد يقال بقتله للحاجة وقال يقتل مبتدع داعية وذكره وجها وفاقا لمالك ونقل عن أحمد في الدعاة من الجهمية وقال في الخلوة بأجنبية واتخاذ الطواف بالهجرة دينا وقول الشيخ: انذروا لي لتقضى حاجتكم واستغيثوا بي: أن أصر ولم يتب - قتل1 وكذا من تكرر شربه للخمر: ما لم ينته بدونه، ونص
__________
1 الشيخ المنقول عنه ذلك كله هو العلامة ابن تيمية كما نبه إلى ذلك المصنف في أول الكتاب وجرى عليه ومعنى اتخاذ الطواف بالهجرة. أن يعتقد أن الطواف يقوم مقام الهجرة التي كانت قبل فتح مكة فإن ذلك بدعة في الدين والله أعلم.(4/271)
أحمد في المبتدع الداعية يحبس حتى يكف عنها ومن عرف بأذى الناس ومالهم حتى بعينه ولم يكف - حبس حتى يموت أو يتوب ونفقته مدة حبسه من بيت المال ليدفع ضرره ومن مات من التعزير لم يضمن.(4/272)
فصل: - ولا يجوز للجذماء مخالطة الأصحاء عموما ولا مخالطة أحد معين صحيح إلا بإذنه
وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء بأن يسكنوا في مكان منفرد لهم وجوز ابن عقيل قتل مسلم جاسوس لكفار وعند القاضي يعنف ذو الهيئة ويعزر غيره وفي الفنون: للسلطان سلوك السياسة وهي الحزم عندنا ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع قال الشيخ: وقوله الله أكبر - كالدعاء عليه1 ومن دعي عليه ظلما فله أن يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه نحو أخزاك الله أو لعنك الله أو شتمه بغير فرية نحو: يا كلب يا خنزير فله أن يقول له مثل ذلك أو تعزيره ومقتضى كلامه في موضع آخر أنه لا يلعن كما تقدم وإذا كان ذنب الظالم إفساد دين المظلوم لم يكن له أن يفسد دينه لكن له أن يدعو عليه بما يفسد به دينه مثل ما فعل وكذا لو افترى عليه الكذب لم يكن له أن يفتري
__________
1 معنى ذلك – أن يقول إنسان الله أكبر على فلان فهذا يعتبر كالدعاء الموجب للتعزير وقوله بعد، بغير فرية – يعني بغير كذب يعد قذفا.(4/272)
عليه الكذب لكن له أن يدعو الله عليه بمن يفتري عليه الكذب نظير ما افتراه وإن كان هذا الافتراء محرما لأن الله إذا عاقبه بمن يفعل به ذلك لم يقبح منه ولا ظلم فيه وقال: وإذا كان له أن يستعين بمخلوق من وكيل ووال وغيرهما فاستعانته بخالقه أولى بالجواز – انتهى.
وقال أحمد: الدعاء قصاص وقال: فمن دعا - فما صبر1.
__________
1 يشير بذلك إلى أنه بهذا يكون ترك الأفضل المطلوب على وجه الاستحباب في قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} .(4/273)
فصل: - والقوادة التي تفسد النساء والرجال - أقل ما يجب عليها الضرب البليغ
وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في النساء والرجال وإذا أركبت دابة وضمت عليها ثيابها ونودي عليها: هذا جزاء من يفعل كذا وكذا كان من أعظم المصالح قاله الشيخ وقال لولي الأمر: كصاحب الشرطة أن يعرف ضررها إما بحبسها أو بنقلها عن الجيران أو غير ذلك قال سكنى المرأة بين الرجال والرجال بين النساء - يمنع منه لحق الله تعالى ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه العزب أن يسكن بين المتأهلين والمتأهل أن يسكن بين العزاب ونفى شابا خاف به الفتنة من المدينة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنفي المخنثين من البيوت وقال: يعزر من يمسك الحية ويدخل النار ونحوه وكذا من ينقص مسلما بأنه مسلماني مع حسن إسلامه وكذا من قال لذمي: يا حاج أو سمى من زار القبور والمشاهد حاجا: إلا أن يسمى ذلك حجا يفند حج الكفار والضالين وإذا ظهر كذب المدعي في دعواه يؤذى به المدعى عليه عزر لكذبه وأذاه(4/273)
باب القطع في السرقة
مدخل
...
باب القطع في السرقة
وهي: أخذ مال محترم لغيره وإخراجه من حرز مثله لا شبهة فيه على وجه الاختفاء فلا قطع على منتهب ولا مختلس والاختلاس نوع من الخطف والنهب ولا على غاصب ولا خائن في وديعة أو عارية أو نحوهما ولا جاحد وديعة ولا غيرها من الأمانات: إلا العارية فيقطع بجحدها وبسرقة ملح وتراب وأحجار ولبن وكلأ وسرجين طاهر وثلج وصيد وفاكهة وطبيخ وذهب وفضة ومتاع وخشب وقصب ونورة وجص وزرنيخ وفخار وتوابل وزجاج.
ويشترط في قطع سارق - أن يكون مكلفا - مختارا - وأن يكون المسروق مالا - محترما - عالما به وبتحريمه - من مالكه أو نائبه ولو من غلة وقف وليس من مستحقيه1 ويقطع الطرار سرا: وهو الذي يسرق نصابا من جيب إنسان أو كمه أو صفنه وسواء بسط ما أخذ منه المسروق أو قطع الصفن2 فأخذه أو أدخل يده في الجيب فأخذ ما فيه أو بعد سقوطه ويقطع بسرقة العبد الصغير الذي لا يميز فإن كان كبيرا لم يقطع سارقه: إلا أن يكون نائما أو مجنونا أو
__________
1 كذلك يشترط في القطع بالسرقة: كون المسروق نصابا. وإن يخرجه السارق من حرز مثله وعدم شبهة الملك، وثبوت السرقة بالشهود أو الإقرار، وإن يطالب المسروق منه بماله وستأتي هذه الشروط مفصلة.
2 بسط الثوب أو الجرح بمعنى شقة. والصفن بفتح الصاد وتسكين الفاء: الخريطة التي توضع فيها النقود وما في معناها.(4/274)
أعجميا لا يميز بين سيده وغيره في الطاعة لا بسرقة مكاتب وأم ولد ويقطع بسرقة مال المكاتب: إلا أن يكون السارق سيده ولا يقطع بسرقة حر وإن كان صغيرا ولا بما عليه من حلي وثياب ولا بسرقة مصحف ولا بما عليه من حلي ولا بكتب بدع وتصاوير ولا بآلة لهو كطنبور ومزمار وشبابة وإن بلغت قيمته مفصلا نصابا1 ولا بما عليها من حلي ولا بمحرم كخمر وخنزير وميتة: سواء سرقه من مسلم أو كافر ولا بسرقة صليب أو صنم من ذهب أو فضة ولا آنية فيها خمر أو ماء ولا بسرقة ماء وسرجين نجس ويقطع بسرقة إناء نقد تبلغ قيمته مكسرا نصابا وبسرقة دراهم أو دنانير فيها تماثيل وسائر كتب العلوم الشرعية وعين موقوفة على معين وإناء معد لخل ولخمر ووضعه فيه كسكين معد لذبح الخنازير وسيف حد لقطع الطريق2 وإن سرق منديلا قيمته دون نصاب فين طرفه دينار مشدود يعلم به - قطع وإلا فلا.
__________
1 آلة اللهو لا قيمة لها شرعا مهما بلغت تكاليفها ولذلك قال: وإن بلغت قيمته مفصلا يعني على فرض أنه غير متماسك الأجزاء قبل أن يكون على هيئته المحرمة.
2 يعني أن وضع الخمر في الإناء لا يفقده ماليته: كما أن إعداد السيف لقطع الطريق وإن كان محرما لا يخرجه عن كونه متمولا ذا قيمة.(4/275)
فصل: - ويشترط أن يكون المسروق نصابا
وهو: ثمانية دراهم أو ربع دينار أي مثقال أو عرض - قيمته: كأحدهما وتعتبر قيمته حال إخراجه من الحزر فإن كان في النقد غش لم يجب القطع حتى يبلغ ما فيه من النقد الخالص نصابا وساء كان النقد مضروبا،(4/275)
أو تبرا أو حليا أو مكسرا ويضم أحد النقدين إلى الآخر بالأجزاء في تكميل النصاب وإن سرق عرضا قيمته نصاب ثم نقصت قيمته بعد إخراجه: قبل الحكم أو بعده قطع وإن ملكه ببيع أو هبة أو غيرهما بعد إخراجه من الحرز وبعد رفعه إلى الحاكم قطع: لا قبل رفعه لتعذر شرط القطع وهو الطلب وإن وجدت السرقة ناقصة ولم يعلمه هل كانت ناقصة حين السرقة أو بعدها لم يقطع وإن دخل الحرز فذبح منه شاة أو شق ثوبا قيمته كل منهما نصاب فنقصت عن النصاب ثم أخرجهما ناقصتين أو أتلفهما أو غيرهما فيه وقيمتهما نصاب: بأكل أو غيره لم يقطع وإذا ذبح السارق المسروق - حل وإن سرق فرد خف قيمته منفردا درهم ومع الآخر أربعة لم يقطع وإن أتلفه لزمه ستة1 وكذا الحكم لو سرق جزءا من ثياب ونظائره وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب واحد فأكثر - قطعوا: سواء أخرجوه جملة كثقيل اشتركوا في حمله أو أخرج كل واحد جزءا: دخلوا الحرز معا أو دخل أحدهم فأخرج بعض النصاب ثم دخل الباقون فأخرجوا باقيه فإن كان فيهم من لا قطع عليه لشبهة أو غيرها: كأبى المسروق منه قطع الباقون وإن اعترف اثنان بسرقة نصاب ولم يقر الآخر ولو سرق لجماعة نصابا - قطع وإن هتك اثنان حرزا فدخلاه فأخرج أحدهما نصابا وحده أو دخل أحدهما فقدمه إلى باب النقب أو وضعه في النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه - قطعا وإن دخلا دارا وأحدهما في سفلها جمع
__________
1 من هذه الستة درهمان قيمة الفرد التالف، وأربعة: أرش التفريق.(4/276)
المتاع وشده بحبل والآخر في علوها مد الحبل فرمى به وراء الدار قطعا وإن رماه الداخل إلى خارج أو ناوله فأخذه الآخر أولا أو أعاده فيه أحدهما - قطع الداخل وحده وإن اشتركا في النقب وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما ولو تواطأ.(4/277)
فصل: - ويشترط أن يخرجه من الحرز
فإن وجد حرزا مهتوكا أو بابا مفتوحا فأخذ منه فلا قطع وإن هتك الحرز فابتلع فيه جوهرا أو ذهبا فخرج به ولو لم يخرج منه ما ابتلعه1 أو نقب وترك المتاع على بهيمة فخرجت به ولو لم يسقها أو في ماء جار فأخرجه أو راكد ففتحه فأخرجه أو على جدار أو في الهواء فأطارته الريح أو أمر صغيرا أو معتوها أن يخرجه ففعل أو رمى به خارجا أو جذبه بشيء أو استتبع سخل شاة أو فصيل ناقة أو غيرهما: مثل أن يشتري الأم والسخل على ملك الغير في حرز فيأتي بالأم إلى مكان السخل ويريه أمه حتى يتبعها وكذلك العكس أن يأتي مكان أمه وهي في حرز مالكها حتى يستتبع الأم سخلها: بأن يبعثه عليها حتى تتبعه - قطع: إلا أن يتبعها من غير استتباع وأن تطيب في الحرز بما لو اجتمع بعد تطييبه وخروجه من الحرز لبلغ نصابا أو هتك الحرز وأخذ المال وقتا آخر أو أخذ بعضه ثم أخذ بقيته وقرب ما بينهما أو فتح أسفل كوارة فخرج العسل شيئا فشيئا أو أخرجه إلى ساحة دار أو خان من بيت مغلق من الدار أو الخان: فتحه أو نقبه أو احتلب لبنا من ماشية في الحرز وأخرجه - قطع فإن شرب اللبن
__________
1 يعني ولو لم يقدر على إخراج المسروق الذي ابتلعه من جوفه مثلا.(4/277)
في الحرز، أو شرب منه فانتقص النصاب أو ترك المتاع في ماء راكد فانفتح من غير فعله فخرج به أو أخرج النصاب في مرتين وبعد ما بينهما: مثل أن كانا في ليلتين أو ليلة واحدة وبينهما مدة طويلة أو علم قردا أو نحوه السرقة فسرق - لم يقطع وعليه الضمان وإن جر خشبة فألقاها بعد أن أخرج بعضها من الحرز فلا قطع عليه: سواء أخرج منها ما يساوي نصابا أو لا لأن بعضها لا ينفرد عن بعض وكذلك لو أمسك الغاصب طرف عمامته والطرف الآخر في يد مالكها لم يضمنها وكذلك لو سرق ثوبا أو عمامة فأخرج بعضها.(4/278)
فصل: - وحرز المال ما جرت العادة بحفظه فيه
ويختلف باختلاف الأموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته وضعفه فحرز الأثمان والجواهر والقماش في الدور والدكاكين في العمران - وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة والصندوق في السوق حرز وثم حارس وإلا فلا فإن لم تكن الأبواب مغلقة ولا فيها حافظ فليست حرزا وإن كان فيها خزائن مغلقة فالخزائن حرز لما فيها وما خرج عنها فليس بمحرز وأما البيوت التي في البساتين والطرق والصحراء: فإن لم يكن فيها أحد فليست حرزا: مغلقة كانت أو مفتوحة فإن كان بها نائم وهي مغلقة فهي حرز وإلا فلا وكذا خيمة خركات ونحوها وإن كان لابسا ثوبا أو متوسدا له: نائما أو مستيقظا أو مفترشا أو متكئا عليه في أي موضع كان من بلد أو برية أو نائما على مجر فرسه ولم يزل عنه أو نعله في رجله - فحرز فإن تدحرج(4/278)
عن الثوب زال الحرز وإن كان الثوب أو غيره من المتاع بين يديه كبز البزازين وقماش الباعة وخبز الخباز بحيث يشاهده وينظر إليه فهو حرز وإن نام أو كان غائبا عن موضع مشاهدته فليس بمحرز وإن جعل المتاع في الغرائر وعلم عليها أي شدها بخيط ونحوه ومعها حافظ يشاهدها فمحرزة وإلا فلا وحرز سفن في شط بربطها وحرز بقل وباقلاء وطبيخ وقدورة وخزف - وراء الشرائح وهي: من قصب أو خشب إذا كان بالسوق حارس وحرز حطب وخشب وقصب - الحظائر: كما لو كان في فنذق مغلق عليه وحرز مواش الصبر1، وفي المرعى بالراعي ونظره إليها إذا كان يراها في الغالب وما نام عنه منها فقد خرج عن الحوز وحرز حمولة إبل سائرة بتقطيرها مع قائد يراها بحيث يكثر الالتفات إليها ويراعيها وزمام الأول منها بيده والحافظ: الراكب فيما وراءه - كقائد2 أو بسائق يراها: سواء كانت مقطرة أولا وإن كانت باركة: فإن كان معها حافظ لها ولو نائما وهي معقولة فهي محرزة وإن لم تكن معقولة وكان الحافظ ناظرا إليها بحيث يراها فهي محرزة وإن لم تكن معقولة وكان الحافظ ناظرا إليها بحيث يراها فهي محرزة وإن كان نائما أو مشغولا عنها فلا فإن سرق من أحمال الجمال بما عليه وصاحبه نائم عليه لم يقطع وإن لم يكن صاحبه عليه قطع وهذا التفصيل في الإبل التي في الصحراء فأما التي في البيوت والمكان المحصن على الوجه الذي ذكرناه في الثياب فهي محرزة وحكم سائر المواشي كالإبل
__________
1 الصبر بضم الصاد وفتح الباء: بمعنى الحظائر.
2 يريد أن الراكب على البعير الأول إذا كان يكثر الالتفات إلى ما وراءه فهو حرز كما اعتبر ذلك في القائد.(4/279)
وحرز ثياب في حمام أو في إعدال وغزل في سوق أو خان وما كان مشتركا في الدخول إليه - بحافظ كقعوده على المتاع وإن فرط حافظ فنام أو اشتغل فلا قطع ويضمن الحافظ ولو لم يستحفظه وإن استحفظ رجل آخر متاعه في المسجد فسرق: فإن فرط في حفظه فعليه الغرم إن كان التزم حفظه وأجابه إلى ما سأله وإن لم يجبه لكن سكت لم يلزمه غرم ولا قطع على السارق في الموضعين وإن حفظ المتاع بنظره إليه وقربه منه فلا غرم عليه وعلى السارق القطع وحرز كفن مشروع في قبر على ميت ولو بعد عن العمران إذا كان القبر مطموما الطم الذي جرت به العادة وهو ملك له فلو عدم الميت وفيت منه ديونه وإلا فهو ميراث فمن نبش القبر وأخذ الكفن قطع والخصم فيه الورثة فإن عدموا فنائب الإمام ولو كفنه أجنبي فكذلك وإن أخرجه من اللحد ووضعه في القبر من غير أن يخرجه منه فلا قطع وإن كفن رجل في أكثر من ثلاثة لفائف أو امرأة في أكثر من خمس فسرق الزائد عن ذلك أو ترك في تابوت فسرق التابوت أو ترك معه طيب مجموع أو ذهب أو فضة أو جوهر - لم يقطع بأخذ شيء من ذلك لأنه ليس بمشروع وحرز جدار الدار كونه مبنيا فيها إذا كانت في العمران أو في الصحراء وفيها حافظ فإن أخذ من أجزاء الجدار أو خشبة ما يبلغ نصابا وجب قطعه: لا إن هدم الحائط ولم يأخذه وإن كانت الدار في الصحراء لا حافظ لها فلا قطع على من أخذ من جدارها شيئا وحرز الباب تركيبه في موضعه: مغلقا كان أو مفتوحا(4/280)
وعلى سارقه القطع إن كانت الدار محرزة بما ذكرناه وأما أبواب الخزائن في الدار: فإن كان باب الدار مغلقا فهي محرزة: مغلقة كانت أو مفتوحة وإن كان مفتوحا لم تكن محرزة: إلا أن تكون مغلقة أو يكون في الدار حافظ وحلقة الباب إن كانت مسمرة فهي محرزة فإن سرق باب مسجد منصوبا أو باب الكعبة المنصوب أو سرق من سقفه أو جداره أوتآ زيره شيئا قطع لا بسرقة ستائر الكعبة ولو كانت مخيطة عليها1 ولا بسرقة قناديل مسجد وحصره ونحوه إذا كان السارق مسلما2 وإلا قطع ومن سرق من ثمر شجر أو جمار نخل وهو: الكثر قبل إدخاله الحرز كأخذه من رؤس النخل وشجر من البستان لم يقطع، ولو كان عليه حائط وحافظ ويضمن عوضه مرتين3 ومن سرق منه نصابا بعد إيوائه الحرز كجرين ونحوه أو سرق من شجرة في دار محرزة - قطع وكذا الماشية تسرق من المرعى من غير أن تكون محرزة تضمن بمثل قيمتها ولا قطع كثمر وكثر وما عداهن يضمن بقيمته مرة واحدة أو بمثله إن كان مثليا ولا قطع في عام مجاعة عاما نصا إذا لم يجد ما يشتريه أو ما يشترى به وإذا سرق الضيف من مال مضيفه من الموضع الذي
__________
1 عللوا ذلك بأن الستائر على الكعبة ليست في حرزها الشرعي.
2 وعدم القطع هنا لأن تلك الأشياء مما ينتفع بها المسلمون فللسارق شبهة ملك فيها.
3 إنما غرم مثل القيمة مرتين في الثمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أجاب به عن سؤال بشأن ذلك الحكم "ومن خرج بشيء منه" – يريد الثمر – "فعليه غرامة مثليه" وحكمة ذلك معقولة وهي أن النفس كثيرة التطلع إلى الثمر فتضعيف الغرم فيه مما يردع عن تناوله بطريق السرقة.(4/281)
أنزله فيه أو موضع لم يحرزه عنه لم يقطع وإن سرق من موضع محرز عنه: فإن كان منعه قراه فسرق بقدر لم يقطع وإن لم يمنعه قطع وإذا أحرز المضارب مال المضاربة أو الوديعة أو العارية أو المال الذي وكل فيه فسرقه أجنبي فعليه القطع وإن غصب عينا أو سرقها وأحرزها فسرقها سارق أو غصب بيتا فأحرز فيه ماله فسرقه منه أجنبي لم يقطع.(4/282)
فصل: - ويشترط انتفاء الشبهة
فلا يقطع سرقة مال ولده وإن سفل وسواء في ذلك الأب والأم والابن والبنت والجد والجدة من قبل الأم أو الأب ولا بسرقة مال والده وإن علا ويقطع سائر الأقارب بالسرقة من مال أقاربهم: كالأخوة والأخوات ومن عداهم ولا يقطع العبد بسرقة مال سيده وأم الولد والمدير والمكاتب كالقن ولا سيد المكاتب بسرقة ماله وكل من لا يقطع الإنسان بسرقة ماله لا يقطع عبده بسرقة ماله: كآبائه وأولاده وغيرهم ولا مسلم بسرقته من بيت المال ولو عبدا إن كان سيده مسلما ولا بالسرقة من مال له فيه شرك أو لأحد ممن لا يقطع بالسرقة منه ولا بالسرقة من غنيمة له فيها حق أو لولده أو لوالده أو سيده وإن لم يكنن من الغانمين ولا من أحد ممن ذكرنا فسرق منها قبل إخراج الخمس - لم يقطع وإن أخرج الخمس فسرق من أربعة الأخماس - قطع وإن سرق من الخمس - لم يقطع وإن قسم الخمس خمسة أقسام فسرق من خمس الله ورسوله لم يقطع وإن سرق من غيره قطع: إلا أن يكون من أهل ذلك الخمس ولا يقطع أحد الزوجين بسرقته من مال الآخر، ولو(4/282)
من محرز عنه ويقطع المسلم بالسرقة من مال الذمي والمستأمن ويقطعان بسرقة ماله: كقود وحد قذف وضمان متلف وإن زنى المستأمن بغير مسلمة لم يقم عليه الحد نصا كحد خمر وتقدم في باب حد الزنا ويقطع المرتد إذا سرق فإن قال السارق: الذي أخذته ملكي كان عنده وديعة أو رهنا أو ابتعته منه أو وهبه لي أو أذن لي في أخذه أو في الدخول إلى حرزه أو غصبه مني أو من أبي أو بعضه لي - فالقول قول المسروق منه مع يمينه فإن حلف سقط دعوى السارق ولا قطع عليه ولو كان معروفا بالسرقة لأن صدقه محتمل وإن نكل قضى عليه بالنكول.(4/283)
فصل: - وإذا سرق المسروق مال السارق أو المغصوب منه مال الغاصب:
من الحرز الذي فيه العين المسروقة أو المغصوبة ولو متميزة أو أخذ عين ماله فقط أو معه نصاب من مال المتعدي لم يقطع وإن سرق منه نصابا من غير الحرز الذي فيه ماله أو سرق من مال من له عليه دين وهما باذلان غير ممتنعين من أدائه أو قدر المالك على أخذ ماله فتركه وسرق من مال المتعدي أو الغريم - فعليه القطع وإن عجز عن استيفائه أو أرش جنايته فسرق قدر دينه أو حقه فلا قطع وإن سرق أكثر من دينه فكالمغصوب منه إذا سرق أكثر من دينه على ما مضى ومن قطع بسرقة عين فعاد فسرقها قطع: سواء سرقها من الذي سرق منه أو من غيره ومن سرق مرات قبل القطع أجزء حد واحد عن جميعها ولو سرق المال المسروق أو المغصوب أجنبي لم(4/283)
يقطع ومن آجر داره أو أعارها ثم سرق منها مال المستعير أو المستأجر قطع.(4/284)
فصل: - ويشترط ثبوت السرقة -
إما بشهادة عدلين يصفان السرقة والحرز وجنس النصاب وقدره وإذا وجب القطع بشهادتهما لم يسقط بغيبتهما ولا موتهما ولا تسمع البينة قبل الدعوى وإن اختلف الشاهدان فشهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس أو من هذا البيت أو سرق ثورا أو ثوبا أبيض أو عروبا وشهد الآخر أنه سرق يوم الجمعة أو من البيت الآخر أو بقرة أو حمارا أو ثوبا أسود أو مرويا - لم يقطع: كما لو اختلفا في الذكورية والأنثوية - أو باعتراف مرتين يذكر فيه شروط السرقة: من النصاب والحرز وغير ذلك والحر والعبد ولو آبقا في هذا سواء ولا ينزع عن إقراره حتى يقطع فإن رجع - قبل ولا قطع1 بخلاف ما لو ثبت ببينة تشهد على فعله فإن إنكاره لا يقبل فإن قال: أحلفوه لي أني سرقت منه - لم يحلف وإن شهدت على إقراره بالسرقة ثم جحد وقامت البينة بذلك - لم يقطع ولو أقر مرة واحدة أو ثبت بشاهد ويمين أو أقر ثم رجع لزمه غرامة المسروق ولا قطع وإن كان رجوعه وقد قطع بعض المفصل لم يتمم إن كان يرجى برؤه لكونه قطع الأقل وإن قطع الأكثر فالمقطع بالخيار: إن شاء قطعه ولا يلزم القاطع
__________
1 الرجوع عن الإقرار مسقط للحد في السرقة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض للسارق الذي أقر على نفسه إمامه ليعدل عن الإقرار بقوله: "ما أخالك سرقت".(4/284)
بقطعه. ولا بأس بتلقين السارق ليرجع عن إقراره وبالشفاعة فيه إذا لم يبلغ الإمام فإذا بلغه حرمت الشفاعة ولزم القطع.(4/285)
فصل: - ويشترط أن يطالب المسروق منه بماله أو وكيله
فإن أقر بسرقة مال غائب أو شهدت بها بينة - حبس ولم يقطع حتى يحضر فإن كانت العين في يدها أخذها الحاكم وحفظها للغائب وإن أقر بسرقة رجل فقال المالك: لم تسرق مني ولكن غصبتني أو كان لي قبلك وديعة فجحدتني لم يقطع وإن أقر أنه سرق من رجلين فصدقه أحدهما أو حضر أحدها فطالب ولم يطالب الآخر - لم يقطع فإن أقر أنه سرق من رجل شيئا يبلغ نصابا فقال الرجل: فقد فقدته من مالي فينبغي أن يقطع.
وإذا وجب القطع قطعت يده اليمنى من مفصل الكف وحسمت وجوبا وهو: أن يغمس موضع القطع من مفصل الذراع في زنيت مغلي فإن عاد قطعت رجله اليسرى من منفصل الكعب وحسمن وجوبا وصفة القطع: أن يجلس السارق ويضبط لئلا يتحرك وتشد يده بحبل وتجر حتى يتبين مفصل الكف من مفصل الذراع ثم توضع بينهما سكين حادة ويدق فوقها بقوة لتقطع في مرة واحدة أو توضع السكين على المفصل وتمد مدة واحدة وإن علم قطعا أوحى من هذا قطع به ويسن تعليق يده في عنقه زاد جماعة ثلاثة أيام إن رآه الإمام ولا يقطع في شدة حر ولا برد ولا مريض في مرضه ولا حامل حال حملها ولا بعد وضعها حتى ينقضي نفاسها وإذا قطعت(4/285)
يده ثم سرق قبل اندمالها لم يقطع حتى يندمل القطع الأول وكذا لو قطعت رجله قصاصا لم تقطع اليد في السرقة حتى تبرأ الرجل فإن عاد ثالثا بعد قطع يده ورجله حرم قطعه وحبس حتى يموت ولو سرق ويده اليمنى أو رجله اليسرى ذاهبة قطع الباقي منهما وإن كان الذاهب يده اليسرى ورجله اليمنى - لم يقطع لتعطيل منفعة الجنس وذهاب عضوين من شق واحد ولو كان الذاهب يديه أو يسراهما لم تقطع رجله اليسرى وإن كان الذاهب رجليه أو يمناهما ويداه صحيحتان قطعت يمنى يديه وإن سرق وله يمنى فذهبت في قصاص أو بأكلة أو تعد - سقط القطع وعلى العادي الأدب فقط1 سواء قطعها بعد ثبوت السرقة والحكم بالقطع أو قبله إذا كان بعد السرقة لأنه قطع عضوا غير معصوم ولو شهد عليه بالسرقة فحبسه الحاكم لتعديل الشهود فقطعه قاطع ثم عدلوا فكذلك وإن لم يعدلوا وجب القصاص على القاطع وإن ذهبت يده اليسرى أو مع رجليه أو مع إحداهما فلا قطع وإن ذهبت بعد سرقته رجلاه أو يمناهما قطع: كذهاب يسراهما نصا ومثلا ولو أمن تلفه بقطعها وما ذهب معظم نفعها كمعدومة: لا ما ذهب منها خنصر أو بنصر أو إصبع سواهما ولو الإبهام وإن وجب قطع يمناه فقطع القاطع يسراه بدلا عن يمينه أجزأت ولا يقطع يمناه أما القاطع فإن كان قطعها من غير اختيار من السارق أو كان أخرجها السارق دهشة أو ظنا منه أنها تجزئ
__________
1 يريد بالعادي من قطع يد السارق متعديا بعد أن ثبتت السرقة ولو قبل أن يحكم الإمام بالقطع.(4/286)
فقطعها القاطع عالما بأنها يسراه وأنها لا تجزئ فعليه القصاص وإن لم يعلم أنها يسراه أو ظن أنها تجزئه فعليه ديتها وإن كان السارق أخرجها اختيارا عالما بالأمرين فلا شيء على القاطع ولا يقطع يمنى السارق ويجتمع القطع والضمان فيرد العين المسروقة إلى مالكها وإن كانت تالفة وهي من المثليات - فعليه مثلها وإلا فقيمتها: قطع أو لم يقطع موسرا كان أو معسرا وإن فعل في العين فعلا نقصها به: كقطع الثوب ونحوه وجب رده ورد نقصه والزيت الذي يحسم به وأجرة القطع من مال السارق.(4/287)
باب حد المحاربين
مدخل
...
باب حد المحاربين
وهم قطاع الطريق المكلفون الملتزمون ولو أنثى الذين يعرضون للناس بسلاح ولو بعصا وحجارة في صحراء أو بنيان أو بحر فيغصبونهم مالا محترما قهرا مجاهرة فإن أخذوا مختفين فهم سراق وإن خطفوه وهربوا فمنتهبون لا قطع عليهم وإن خرج الواحد والاثنان على آخر قافلة فاستلبوا منها شيئا فليسوا بمحاربين لأنهم لم يرجعوا إلى منعة وقوة وإن خرجوا على عدد يسير فقهروهم فهم محاربون ويعتبر ثبوته ببينة أو إقرار مرتين فمن كان منهم قد قتل قتيلا لأخذ ماله ولو بمثقل أو سوط أو عصا ولو غير من يكافئه كمن قتل ولده أو عبدا أو ذميا وأخذ المال - قتل حتما بالسيف في عنقه ولو عفا عنه ولى ثم صلب المكافئ دون غيره بقدر ما يشتهر ثم ينزل ويدفع إلى أهله فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن فإن مات قبل قتله لم يصلب ولا يتحتم استيفاء جناية يوجب القصاص فيما دون النفس: إلا إذا كان قتل وحكمها(4/287)
حكم الجناية في غير المحاربة فإن جرح إنسانا قتل آخر اقتص منه للجراح ثم قتل للمحاربة حتما فيهما وردء وطليع في ذلك كمباشر وإذا قتل واحد منهم ثبت حكم القتل في حق جميعهم فيجب قتل الكل وإن قتل بعضهم وأخذ المال بعضهم - قتلوا كلهم وصلب المكافئ فإن كان فيهم صبي أو مجنون لم يسقط الحد عن غيرهما ولا حد عليهما وعليهما ضمان ما أخذا من المال في أموالهما ودية قتيلهما على عاقلتهما ولا شيء على ردئهما وإن كان فيهم امرأة ثبت لها حكم المحاربة فمتى قتلت أو أخذت المال ثبت لها حكم المحاربة في حق من معها كهى لأنهم ردؤها وإن قطع أهل الذمة على المسلمين الطريق وحدهم أو مع المسلمين انتقض عهدهم وحلت دماؤهم وأموالهم.(4/288)
فصل: - ومن قتل ولم يأخذ المال قتل حتما
ولا أثر لعفو ولي ولم يصلب ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى وحسمت في مقام واحد حتما مرتبا وجوبا ولا يقطع منهم إلا من أخذ من حرز لا شبهة له فيه ما يقطع السارق في مثله فإذا أخذوا نصابا أو ما تبلغ قيمته نصابا ولو لم تبلغ حصة كل واجد منهم نصابا قطعوا فإن أخذ من غير حرز كأخذه من منفرد عن القافلة ونحوه فلا قطع وإن كانت يده اليمنى أو رجله اليسرى معدومة أو مستحقة في قصاص أو شلاء قطع الموجود - منهما فقط ويسقط القطع في المعدوم وإن عدم يسرى يديه قطعت يسرى رجليه وإن عدم يمنى يديه لم يقطع يمنى رجليه ولو حارب مرة أخرى لم يقطع منه شيء ويتعين دية كقود لزمه بعد(4/288)
فصل: - من صال على نفسه أو نسائه أو ولده أو ماله ولو قل:
بهيمة أو آدمي1 ولو غير مكافئ أو صبيا أو مجنونا في منزله أو غيره ولو متلصصا ولم يخف أن يبدره الصائل بالقتل دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به فإن اندفع بالقول لم يكن له ضربه وإن لم يندفع بالقول فله ضربه بأسهل ما يظن أن يندفع به فإن ظن أنه يندفع بضرب عصا لم يكن له ضربه بحديد وإن ولى هاربا لم يكن له قتله ولا اتباعه وإن ضربه فعطله لم يكن له أن يثني عليه وإن ضربه فقطع يمينه فولى هاربا فضربه فقطع رجله فالرجل مضمونة بقصاص أو دية فإن مات من سراية القطعين فعليه نصف الدية
__________
1 قوله: بهيمة أو آدمي فاعل صال المتقدم.(4/289)
وإن رجع إليه بعد قطع رجله فقطع يده الأخرى فاليدان غير مضمونتين وإن مات فعليه ثلث الدية فإن لم يمكنه دفعه إلا بالقتل أو خاف ابتداء أن يبدأه بالقتل إن لم يعاجله بالدفع - فله ضربه بما يقتله ويقطع طرفه ويكون هدرا وإن قتل المصول عليه فهو شهيد مضمون وإن كان الدفع عن نسائه فهو لازم وإن كان عن نفسه في غير فتنة فكذلك إن أمكنه الهرب وإلا حتماء كما لو خاف من سيل أو نار وأمكنه أن يتنحى عنه وكما لو كان الصائل بهيمة ولو قتلها ولا ضمان عليه وإن كان الدفع عن نفسه في غير فتنة وظن الدافع سلامة نفسه فلازم أيضا1 ولا يلزمه الدفع عن ماله ولا حفظه من الضياع والهلاك كمال غيره لكن له معونة غيره في الدفع عن ماله ونسائه في قافلة وغيره وإن راود رجل امرأة عن نفسها فقتلته دفعا عن نفسها لم تضمنه ولو ظلم ظالم لم يعنه حتى يرجع عن ظلمه وكره أحمد أن يخرج إلى صيحة بالليل لأنه لا يدري ما يكون وإذا وجد رجلا يزني بامرأته فقتلهما فلا قصاص عليه ولا دية: إلا أن تكون المرأة مكرهة فعليه القصاص هذا إذا كانت بينة أو صدقه الولي وإلا فعليه الضمان في الظاهر وتقدم في شروط القصاص بعض
__________
1 الدفاع عن النفس واجب في حالة الأمن لأن الاستسلام للصائل يعتبر القاء بالنفس إلى التهلكة وأما في أيام الفتنة فالدفاع جائز لا واجب، ولذلك لم يدفع عثمان رضي الله تعالى عنه عن نفسه، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنه: "اجلس في بيتك؛ فإن خفت أن ينهرك شعاع السيف فغط وجهك، وفي رواية – فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل".(4/290)
ذلك والبينة: شاهدان اختاره أبو بكر1 وإن قتل رجلا ادعى أنه هجم منزله فلم يمكنه دفعه إلا بالقتل لم يقبل قوله بغير بينة وعليه القود: سواء كان المقتول يعرف بسرقة أو عيارة، أولا2 فإن شهدت بينة أنهم رأوا هذا مقبلا إلى هذا بسلاح مشهور فضربه هذا فدمه هدر وإن شهدوا أنهم رأوه داخل داره ولم يذكروا سلاحا أو ذكروا سلاحا غير مشهور لم يسقط القود بذلك وإن عض يده إنسان عضا محرما فانتزع يده من فيه ولو بعنف فسقطت ثناياه فهدر وكذا ما في معنى العض فإن عجز - دفعه كصائل وإن كان العض مباحا: مثل أن يمسكه في موضع يتضرر بإمساكه أو يعصر يده ونحو ذلك مما لا يقدر على التخلص منه إلا بعضه فعضه فما سقط من أسنانه ضمنه وإن نظر في بيته من خصاص الباب أو من نقبب في جدار أو من كوة ونحوه لا من باب مفتوح - فرماه صاحب الدار بحصاة أونحوها أو طعنه بعود فقلع عينه فلا شيء عليه ولو أمكن الدفع بدونه وسواء كان في الدار نساء أو كان محرما أو نظر من الطريق أو من ملكه أولا فإن ترك الاطلاع ومضى لم يجز رميه فإن رماه فقال المطلع: ما تعمدته أو لم أر شيئا حين اطلعت لم يضمنه وليس لصاحب الدار رميه بما يقتله ابتداء فإن لم يندفع يرميه بالشيء اليسير جاز رميه بأكثر منه حتى يأتي ذلك على نفسه ولو تسمع الأعمى والبصير على من في البيت
__________
1 الاكتفاء بشاهدين هنا إحدى روايتين، وذلك لأن البينة هنا ليست على الزنا وإنما على وجود الرجل مع المرأة، والرواية الثانية أنها أربعة.
2 العيارة هي السرقة بالانضمام مع غيره، فإن كانت على إنفراد فسرقة فحسب.(4/291)
لم يجز طعن أذنه ولو كان عريانا في طريق لم يكن له رمي من نظر إليه وإن عقرت كلبة من قرب من أولادها أو خرقت ثوبه لم تقتل بل تنقل وقال الشيخ في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال تجار ليردوه: هم مجاهدون في سبيل الله ولا ضمان عليهم بقود ولا دية.(4/292)
باب قتال أهل البغي
باب قتال أهل البغي
...
باب قتال أهل البغي
نصب الإمام الأعظم فرض كفاية ويثبت بإجماع المسلمين عليه كإمامة أبي بكر من بيعة أهل الحل والعقد من العلماء ووجوه الناس بصفة الشهود أو يجعل الأمر شورى في عدد محصور ليتفق أهلها على أحدهم فاتفقوا عليه أو بنص من قبله عليه أو باجتهاد أو بقهره الناس بسيف حتى أذعنوا له ودعوه إماما.
ويعتبر كونه قرشيا بالغا عاقلا سميعا بصيرا ناطقا حرا ذكرا عدلا عالما ذا بصيرة كافيا ابتداء ودواما ولو تنازعها اثنان متكافئان في صفات الترجيح قدم أحدهما بقرعة فإن بويع لاثنين فيهما شرائط الإمامة فالإمام - الأول وإن بويع لهما معا أو جهل السابق منهما فالعقد باطل فيهما ويجبر متعين لها وتصرفه على الناس بطريق الوكالة لهم فهو وكيل المسلمين فله عزل نفسه ولهم عزله إن سأل العزل لقول الصديق: أقيلوني أقيلوني وإلا حرم إجماعا ولا ينعزل بفسقه ولا بموت من بايعه ويحرم قتاله ويلزم الإمام عشرة أشياء
حفظ الدين - وتنفيذ الأحكام - وحماية البيضة - وقامة الحدود - وتحصين الثغور - وجهاد من عاند - وجباية الخراج والصدقات - وتقدير العطاء - واستكفاء الأمناء - وأن يباشر بنفسه مشارفة الأمور(4/292)
والخارجون عن قبضته أصناف أربعة - أحدها: قوم امتنعوا من طاعته وخرجوا عن قبضته بغير تأويل فهؤلاء - القطاع وتقدم ذكرهم.
الثاني: لهم تأويل: إلا أنهم نفر يسير لا منعة لهم: كالعشرة ونحوهم وحكمهم حكم قطاع الطريق.
الثالث: الخوارج الذين يكفرون بالذنب ويكفرون أهل الحق وعثمان وعليا وطلحة والزبير وكثيرا من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم - فهم فسقة يجوز قتلهم ابتداء والإجهاز على جريحهم وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه وطائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون حكمهم حكم المرتدين قاله في الترغيب والرعايتين وهي أشهر وذكر ابن حامد أنه لا خلاف فيه وذكر ابن عقيل في الإرشاد عن أصحابنا تكفير من خالف من أصل الخوارج وروافض ومرجئه.
الرابع: قوم من أهل الحق باينوا الإمام وراموا خلعه أو مخالفته بتأويل سائغ صواب أو خطأ ولهم منعة وشوكة يحتاج في كفهم إلى جمع جيش: وهم البغاة.
فمن خرج على إمام ولو غير عدل بأحد هذه الوجوه باغيا وجب قتاله1 وسواء كان فيهم واحد مطلع أو كانوا في طرف ولايته أو في موضع متوسط تحيط به ولايته أولا وعلى الإمام أن يراسلهم
__________
1 الوجوه المشار إليها أربعة – أحدها: أن يكونوا من أهل الإيمان – ثانيها: أن يخرجوا على الإمام بالعداء ويعملوا على عزله – ثالثها: أن يكون لهم في ذلك تأويل يستندون إليه – رابعها: أن تكون لهم شوكة بحيث يحتاج في ردعهم إلى جيش.(4/293)
ويسألهم ما ينقمون منه ويزيل ما يذكرونه من مظلمة ويكشف ما يدعونه من شبهة ولا يجوز قتالهم قبل ذلك: إلا أن يخاف كلبهم فإن أبوا الرجوع وعظهم وخوفهم القتال فإن فاؤا وإلا لزمهم قتالهم إن كان قادرا وإلا أخره إلى الإمكان وعلى رعيته معونته على حربهم وإن استنظروه مدة رجاء رجوعهم فيها أنظرهم وإن ظن أنها مكيدة لم ينظرهم وإن أعطوه مالا: وإن بذلوا رهائن على أنظارهم لم يجز أخذها لتلك1 فإن كان في أيديهم أسرى من أهل العدل وأعطوا بذلك رهائن منهم قبلهم الإمام واستظهر للمسلمين فإن أطلقوا الأسرى أطلقت رهائنهم فإن قتلوا من عندهم لم يجز قتل رهائنهم، ولا أسراهم2 فإذا انقضت الحرب خلى الرهائن كما تخلى الأسرى منهم وإن سألوه أن ينظرهم أبدا ويدعهم وما هم عليهم ويكفوا عن المسلمين وخاف ظفرهم أن قاتلهم - تركهم وإن قوى عليهم لم يجز إقراره على ذلك وإن حضر معهم عبيد ونساء وصبيان قوتلوا مقبلين وتركوا مدبرين كغيرهم ويكره قصد رحمة الباغي بقتل3 فإن فعل - ورثه ويحرم قتلهم بما يعم إتلافه: كالمنجنيق والنار إلا لضرورة: مثل أن يحتاط بهم البغاة ولا يمكنهم التخلص إلا بذلك وإن رماهم البغاة بذلك جاز رميهم بمثله وإن اقتتلت طائفتان منهم فقدر الإمام على قهرهما لم يمل لواحدة
__________
1 قوله لتلك - يريد به للمكيدة، يعني لا يجوز أخذ الرهائن لأنهم لو غدروا لما جاز قتل رهائنهم، وربما كان تقديم الرهائن لغرض التمكن فتكون حيلة على المسلمين. في حين أن الرهائن لا تفيد شيئا.
2 عللوا ذلك بقوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
3 كأبيه وأخيه مثلا.(4/294)
منهما وإن عجز وخاف اجتماعهما على حربه ضم إليه أقربهما إلى الحق وإن استويا اجتهد برأيه في ضم إحداهما ولا يقصد بذلك معونة إحداهما بل الاستعانة على الأخرى فإذا هزمها لم يقاتل من معهم حتى يدعهم إلى الطاعة ويحرم أن يستعين في حربهم بكافر أو بمن يرى قتلهم مدبرين: إلا لضرورة وله أن يستعين عليهم بسلاح أنفسهم وكراعهم: وهو خيلهم عند الضرورة فقط ولا يجوز في غير قتالهم ومتى انقضى الحرب وجب رده إليهم: كسائر أموالهم والمراهق منهم والعبد - كالخيل وإذا تركوا القتال: إما بالرجوع إلى الطاعة أو بإلقاء السلاح أو بالهزيمة إلى فئة أو إلى غير فئة أو بالعجز لجراح أو مرض أو أسر - حرم قتلهم واتباع وقتل مدبرهم وقتل جريحهم فإن قتل مدبرهم أو جريحهم فلا قود للاختلاف في ذلك ولا يجوز أن يغنم لهم مال ولا تسبي لهم ذرية ويجب رد ذلك إليهم إن أخذ منهم ولا يرد السلاح والكراع حال الحرب بل بعده ومن أسر من رجالهم فدخل في الطاعة خلى سبيله وإن أبى وكان جلدا حبس ما دامت الحرب قائمة فإذا انقضت خلى سبيله وشرط عليه ألا يعود إلى القتال ولا يرسل مع بقاء شوكتهم فإن بطلت شوكتهم ولكن يتوقع اجتماعهم في الحال - لم يرسل وإن أسر صبي أو امرأة فعل بهما كما يفعل بالرجل ولا يخلي في الحال ويجوز فداء أسرى أهل العدل بأسارى البغاة ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم حال الحرب من نفس أو مال ولا كفارة فيه فإن قتل العادل كان شهيدا ولا يغسل ولا يصلى عليه ولا يضمن أهل البغي أيضا ما أتلفوه حال الحرب من نفس أو مال. ومن(4/295)
أتلف من الطائفتين شيئا في غير الحرب ضمنه ومن قتل من أهل البغي غسل وكفن، وصلى عليه وإذا لم يكونوا من أهل بدع فليسوا بفاسقين بل مخطئين في تأويلهم فتقبل شهادتهم ويأتي في الشهادات وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج أو جزية لم يعد عليهم ولا على باذل لوقوعه موقعة وما أقاموا من حد وقع موقعه أيضا خوارج كانوا أو غيرهم ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل بغير يمين ولا تقبل دعوى دفع خراج ولو كان الدافع مسلما ولا دعوى دفع جزية إليهم إلا ببينة ولا ينقض من حكم حاكمهم إلا ما ينقض من حكم غيره وإن كتب قاضيهم إلى قاضي أهل العدل جاز قبول كتابه والأولى ألا يقبله وإن ولى الخوارج قاضيا لم يجز قضاؤه وإن ارتكب أهل البغي في حال امتناعهم ما يوجب حدا ثم قدر عليهم أقيم عليهم وإن أعانهم أهل ذمة أو عهد - انتقض عهدهم وصاروا أهل حرب إلا أن يدعوا شبهة: كأن يظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض وإن أكرههم البغاة على معونتهم وادعوا ذلك قبل منهم ويغرمون ما أتلفوه من نفس أو مال حال الحرب وغيره وإن استعانوا بأهل الحرب وأمنوهم لم يصح أمانهم وأبيح قتلهم وحكم أسيرهم حكم أسير سائر أهل الحرب وإن ظهر قوم رأى الخوارج: مثل تكفير من ارتكب كبيرة وترك الجماعة واستحلال دماء المسلمين وأموالهم ولم يجتمعوا لحرب - لم يتعرض لهم وإن سبوا الإمام أو عدلا غيره أو تعرضوا بالسب - عزرهم وإن جنوا جناية وأتوا حدا أقامه عليهم وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب(4/296)
رئاسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة منهما ما أتلف على الأخرى فلو قتل من دخل بينهم بصلح وجهل قاتله ضمنتاه.(4/297)
باب حكم المرتد
مدخل
...
باب حكم المرتد
وهو الذي يكفر بعد إسلامه ولو مميزا طوعا ولو هازلا فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ له صاحبة أو ولدا أو ادعى النبوة أو صدق من ادعاها أو جحد نبيا أو كتابا من كتب الله أو شيئا منه أو جحد الملائكة أو البعث أو سب الله أو رسوله أو استهزأ بالله أو كتبه أو رسله قال الشيخ: أو كان مبغضا لرسوله أو لما جاء به اتفاقا وقال: أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم إجماعا انتهى أو سجد لصنم أو شمس أو قمر أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين أو وجد منه امتهان القرآن أو طلب تناقضه أو دعوى أنه مختلف أو مختلق أو مقدور على مثله أو إسقاط لحرمته أو أنكر الإسلام أو الشهادتين أو أحدهما كفر لا من حكى كفرا سمعه ولا يعتقده أو نطق بكلمة الكفر ولم يعلم معناها ولا من جرى على لسانه سبقا من غير قصد لشدة فرح أو دهش أو غير ذلك: كقول من أراد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك فقال: أنت عبدي وأنا ربك ومن أطلق الشارع كفر - فهو كفر لا يخرج به عن الإسلام: كدعواهم لغير أبيهم وكمن أتى عرافا فصدقه بما يقول فهو تشديد وكفر لا يخرج به عن الإسلام وإن أتى بقول يخرجه عن الإسلام1: مثل أن يقول
__________
1 قوله ومن أطلق الشارع كفره الخ – يريد أن الكفر الذي يطلق في بعض الأحاديث قد لا يكون كفرا حقيقة وإنما هو من باب التأكيد في التحذير: كقوله =(4/297)
هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برئ من الإسلام أو القرآن أو النبي عليه الصلاة والسلام أو يعبد الصليب ونحو ذلك على ما ذكروه في الإيمان أو قذف النبي صلى الله عليه وسلم أو ما أمه أو اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو سخر بوعد الله أو بوعيده أو لم يكفر من دان بغير الإسلام: كالنصارى أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم أو قال قولا بتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة - فهو كافر وقال الشيخ: من اعتقد أن الكنائس بيوت الله وأن الله يعبد فيها وأن ما يفعل اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله أو أنه يحب ذلك أو يرضاه أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم وأن ذلك قربة أو طاعة فهو كافر وقال في موضع آخر: من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد وإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك فإن أصر صار مرتدا وقال: قول القائل ما ثم إلا الله: إن أراد ما يقوله أهل الاتحاد من أن ما ثم موجود إلا الله ويقولون أن وجود الخالق هو وجود المخلوق والخالق هو المخلوق والمخلوق هو الخالق والعبد هو الرب والرب هو العبد ونحو ذلك من المعاني وكذلك الذين يقولون: أن الله تعالى بذاته في كل مكان ويجعلونه مختلطا بالمخلوقات: يستتاب فإن تاب وإلا قتل وقال: من اعتقد أن لأحد طريقا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم أولا يجب عليه اتباعه وأن له أو لغيره خروجا عن اتباعه وأخذ ما بعث به: أو قال: أنا محتاج إلى محمد في علم الظاهر دون
__________
= صلى الله عليه وسلم "من أتى عرافا فصدقه بما يقول – أو فيما يقول – فقد كفر بما أنزل على محمد" وقد يراد به الكفر الحقيقي إذ من يصدق العراف في قوله وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كذب العرافين، فإن ذلك يكون تكذيبا للنبي حينئذ.(4/298)
علم الباطن أو في علم الشريعة دون علم الحقيقة أو قال أن من الأولياء من يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى أو إن هدى غير النبي صلى الله عليه وسلم من هديه - فهو كافر وقال: من ظن أن قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} بمعنى قدر فإن الله ما قدر شيئا إلا وقع وجعل عباد الأصنام ما عبدوا إلا الله فإن هذا من أعظم الناس كفرا بالكتب كلها وقال: من استحل الحشيشة كفر بلا نزاع وقال: لا يجوز لأحد أن يلعن التوراة ومن أطلق لعنها يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإن كان ممن يعرف أنها منزلة من عند الله وأنه يجب الإيمان بها فهذا يقتل بشتمه لها ولا تقبل توبته في أظهر قولي العلماء وأما من لعن دين اليهود الذي هم عليه في هذا الزمان فلا بأس عليه في ذلك وكذلك إن سب التوراة التي عندهم بما يبين أن قصده ذكر تحريفها مثل أن يقال: نسخ هذه التوراة مبدلة لا يجوز العمل بما فيها ومن عمل اليوم بشرائعها المبدلة والمنسوخة فهو كافر فهذا الكلام ونحوه حق لا شيء على قائله.(4/299)
فصل: - وقال: من سب الصحابة أو أحد منهم
...
فصل: - وقال: ومن سب الصحابة أو أحد منهم
واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي وأن جبريل غلط - فلا شك في كفر هذا بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره وكذلك من زعم أن القرآن ينقص منه شيء وكتم أو أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك وهذا قول القرامطة والباطنية ومنهم الناسخية ولا خلاف في كفر هؤلاء كلهم ومن قذف عائشة رضي الله عتها بما برأها الله منه كفر بلا خلاف ومن سب غيرها من أزواجه صلى الله عليه(4/299)
وسلم ففيه قولان - أحدهما: أنه كسب واحد من الصحابة - والثاني وهو الصحيح أنه كقذف عائشة رضي الله عنها وأما من سبهم سبا لا يقدح في عدالتهم ولا دينهم: مثل من وصف بعضهم ببخل أو جبن أو قلة علم أو عدم زهد ونحوه - فهذا يستحق التأديب والتعزير ولا يكفر وأما من لعن وقبح مطلقا فهذا محل الخلاف أعني هل يكفر أو يفسق توقف أحمد في كفره وقتله وقال: يعاقب ويجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عن ذلك وهذا المشهور من مذهب مالك وقيل: يكفر إن استحله والمذهب يعزر: كما تقدم أول باب التعازير وفي الفتاوى المصرية يستحق العقوبة البليغة باتفاق المسلمين وتنازعوا هل يعاقبه بالقتل أو ما دون القتل؟ وقال: أما من جاوز ذلك كمن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر وأنهم فسقوا فلا ريب أيضا في كفر قائل ذلك بل من شك في كفره فهو كافر - انتهى ملخصا من الصارم المسلول ومن أنكر أن يكون أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كفر لقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} وإن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئا منها ومنها الطهارة أو حل الخبز واللحم والماء أو أحل الزنا ونحوه أو ترك الصلاة أو شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها كلحم الخنزير والخمر وأشباه ذلك أو شك فيه ومثله ل يجهله - كفر وإن كان بتأويل كالخوارج لم يحكم بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم متقربين بذلك إلى الله تعالى وتقدم في المحاربين والإسلام - شهادة ألا إله إلا الله(4/300)
وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت مع الاستطاعة وصوم رمضان فمن أنكر ذلك أو بعضه لم يكن مسلما ومن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا: فإن عزم على أن لا يفعله أبدا استتيب عارف وجوبا كالمرتد وإن كان جاهلا عرف فإن أصر قتل حدا ولم يكفر: إلا بالصلاة إذا دعي إليها وامتنع أو شرط أو ركن مجمع عليه فيقتل كفرا وتقدم في كتاب الصلاة ومن شفع عنده في رجل فقال: لو جاء النبي صلى الله عليه وسلم يشفع فيه ما قبلت منه: إن تاب بعد القدرة عليه قتل لا قبلها.(4/301)
فصل: - ومن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء
وهو بالغ عاقل مختار دعي إليه ثلاثة أيام وضيق عليه وحبس: فإن تاب وإلا قتل بالسيف: إلا رسول الكفار إذا كان مرتدا بدليل رسولي: مسيلمة ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه حرا كان المرتد أو عبدا ولا يجوز أخذ فداء عنه وإن قتله غيره بلا إذنه أساء وعزر ولم يضمن سواء قتله قبل الاستتابة أو بعدها: إلا أن يلحق بدار حرب فلكل قتله وأخذ ما معه من مال والطفل الذي لا يعقل والمجنون ومن زال عقله بنوم أو إغماء أو شرب دواء مباح - لا تصح ردته ولا إسلامه لأنه لا حكم لكلامه فإن ارتد وهو مجنون فقتله قاتل فعليه القود وإن ارتد في صحته ثم جن - لم يقتل في حال جنونه فإذا أفاق استتيب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل وإن عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته إن كان مميزا ومعنى عقل الإسلام: أن يعلم أن الله(4/301)
ربه لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله فإذا اسلم حيل بينه وبين الكفار ويتولاه المسلمون ويدفن في مقابرهم إذا مات فإن قال بعده: لم أدر ما قلت أو قاله كبير - لم يلتفت إلى قوله وأجبر على الإسلام ولا تقتل المرتدة الحامل حتى تضع ولا الصغير حتى يبلغ ويستتاب بعده ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل قال أحمد: فيمن قال لكافر: أسلم وخذ ألفا فأسلم فلم يعطه فأبى الإسلام - يقتل وينبغي أن يفي وإن أسلم على صلاتين قبل منه وأمر بالخمس ومثله إذا أسلم على الركوع دون السجود ونحوه ومن ارتد وهو سكران صحت ردته ولا يقتل حتى يصحو وتتم له ثلاثة أيام من حين صحوه ليستتاب فيها فإن تاب وإلا قتل وإن مات في سكره أو قتل مات كافرا وإن أسلم في سكره ولو أصليا صح إسلامه ثم يسأل بعد صحوه فإن ثبت على إسلامه فهو مسلم من حين إسلامه وإن كفر فهو كافر من الآن ولا تقبل في الدنيا أي في الظاهر توبة زنديق: وهو المنافق وهو من يظهر الإسلام ويخفي الكفر وكالحلولية والمباحية وكمن يفضل متبوعه على النبي صلى الله عليه وسلم أو أنه إذا حصلت له المعرفة والتحقيق سقط عنه الأمر والنهي أو إن العارف المحقق يجوز له التدين بدين اليهود والنصارى ولا يجب عليه الاعتصام بالكتاب والسنة وأمثال هؤلاء ولا من تكررت ردته أو سب الله أو رسوله صريحا أو تنقصه ولا الساحر الذي يكفر بسحره ويقتلون(4/302)
بكل حال وأما في الآخرة فمن صدق منهم في توبته قبلت باطنا ومن أظهر الخير وأبطن الفسق فكالزنديق في توبته ومن كفر ببدعة قبلت ولو داعية وتقبل توبة القاتل فلو اقتص منه أو عفى عنه فهل يطالبه المقتول في الآخرة؟ فيه وجهان قال ابن القيم: والتحقيق أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق - حق لله تعالى - وحق للمقتول - وحق للمولى فإذا أسلم القاتل نفسه طوعا واختيارا إلى الولي ندما على ما فعل وخوفا من الله وتوبة نصوحا - سقط حق الله تعالى بالتوبة وحق الأولياء بالاستيفاء أو الصلح أو العفو وبقي حق المقتول يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب ويصلح بينه وبينه.(4/303)
فصل: - وتوبة المرتد وكل كافر:
موحدا كان كاليهودي أو غير موحد كالنصراني: والمجوسي وعبدة الأوثان - إسلامه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا يكشف عن صحة ردته ولا يكلف الإقرار بما نسب إليه ولا يشترك إقراره بما جحده ويكفي جحده لردته بعد إقراره بها: لا بعد بينة بل يجدد إسلامه ولا يعزر فإن لم يفعل استتيب فإن تاب وإلا قتل: لكن إن كانت ردته بإنكار فرض أو إحلال محرم أو جحد نبي أو كتاب أو شيء منه أو إلى دين من يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث إلى العرب خاصة فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده ويشهد أن محمدا بعث إلى العالمين أو يقول: أنا برئ من كل دين يخالف الإسلام مع الإتيان بالشهادتين ولا يغني قوله محمد رسول الله عن كلمة التوحيد وإن قال الكافر: أشهد أن النبي رسول لم يحكم بإسلامه لأنه يحتمل أن يريد غير نبينا وقوله: أنا مسلم أو أسلمت(4/303)
أو أنا مؤمن أو أنا برئ من كل دين يخالف دين الإسلام - توبة: أصليا كان أو مرتدا قد علم ما يراد منه وإن لم يأت بالشهادتين وقال أبو يعلى الصغير: لا خلاف أن الكافر لو قال: أنا مسلم ولا أنطق بالشهادتين لم يحكم بإسلامه - وفي الانتصار: لو كتب الشهادة صار مسلما ولو أكره ذمي أو مستأمن على إقراره به لم يصح لأنه ظلم حتى يوجد منه ما يدل على الإسلام به طوعا: مثل أن ثبت على الإسلام بعد زوال الإكراه وإن مات قبل ذلك فحكمه حكم الكفار وإن رجع إلى الكفر لم يجز قتله ولا إكراهه على الإسلام بخلاف حربي ومرتد فإنه يصح إكراههما عليه ويصح ظاهرا فإن مات قبل زوال الإكراه فحكمه - حكم المسلمين وفي الباطن إن لم يعتقد الإسلام بقلبه فهو باق على كفره باطنا ولا حظ له في الإسلام وإن أتى الكافر بالشهادتين ثم قال: لم أرد الإسلام صار مرتدا ويجبر على الإسلام نصا وإذا صلى أو أذن حكم بإسلامه: أصليا كان أو مرتدا جماعة وفرادى بدار الإسلام أو الحرب ولا يثبت بالصلاة حتى يأتي بصلاة يتميز بها عن صلاة الكفار من استقبال قبلتنا أو الركوع والسجود فلا تحصل بمجرد القيام وإن صام أو زكى أو حج - لم يحكم بإسلامه بمجرد ذلك فلو مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد ردته حكم بإسلامه وورثه المسلم: إلا أن يثبت أنه ارتد بعد صلاته أو تكون ردته بجحد فريضة أو كتاب أو نبي أو ملك ونحو ذلك من البدع - فلا يحكم بإسلامه بالصلاة ولا يبطل إحصان مرتد بردة فإن أتى بهما بعد إسلامه - حد ويؤاخذ بحد فعله(4/304)
فصل: - وتوبة المرتد وكل كافر
...
في ردته نصا قبلها فمتى زنا رجم ولا تبطل عباداته التي فعلها في إسلامه من صلاة وحج وغيرهما إذا عاد إلى الإسلام.(4/205)
فصل: - ومن ارتد لم يزل ملكه
ويملك بأسباب التمليك: كالصيد والاحتشاش والاتهاب والشراء وإيجار نفسه إجارة خاصة أو بأن يؤجر لخياطة ونحوها ولا يرث ولا يورث ويكون ملكه موقوفا ويمنع من التصرف فيه ومن وطء إمائه إلى أن يسلم فإذا أسلم عصم دمه وماله وإن لم يحكم به حاكم وينفق منه على من تلزمه مؤنته وتقضى منه ديونه وأروش جناياته: ما كان منها بعد الردة كما قبلها فإن أسلم أخذه أو بقيته ونفذ تصرفه ويضمن ما أتلفه لغيره ولو في دار حرب وسواء كان المتلف واحدا أو جماعة صار لهم منعة أولا وإن تزوج أو زوج موليته أو أمته لم يصح وإن مات أو قتل مرتدا صار ماله فيئا من حين موته وبطل تصرفه وإن لحق بدار حرب فهو وما معه كحربي: لكل أحد قتله بغير استتابة وأخذ ما معه وما بدارنا من أملاكه فملكه ثابت فيه يصير فيئا من حين موته وإن لحق بدار حرب أو تعذر قتله مدة طويلة فعل الحاكم ما يرى فيه إلا حظ: من بيع حيوانه الذي يحتاج إلى نفقته وإجارة ما يرى إبقاءه ومكاتبة يؤدي إلى الحاكم ويعتق بالأداء وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قدر عليهما لم يجز استرقاقهما ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الإسلام ومن لم يسلم منهم قتل ولو ارتد أهل بلد وجرى فيه حكمهم - فدار حرب يجب على الإمام قتالهم أو يغنم مالهم ويجوز استرقاق من(4/305)
حدث وولد بعد الردة وإقراره بجزية ولا يجرى على المرتد رق: رجلا كان أو امرأة لحق بدار الحرب أو أقام بدار الإسلام ومن ولد من أولاد المرتدين قبل الردة أو كان حملا وقتها - فمحكوم بإسلامه ولا يجوز استرقاقهم صغارا ولا كبارا وبعد البلوغ يستتابون كآبائهم ولا يقر مرتد بجزية وإذا مات أبو الطفل أو الحمل أو المميز أو أحدهما في دارنا على كفره - لا جده ولا جدته - فمسلم ويقسم له الميراث وكذا لو عدم الأبوان أو أحدهما بلا موت كزنا ذمية ولو بكافر أو اشتباه ولد مسلم بولد كافر نصا قال القاضي: أو وجد بدار حرب وتقدم في كتاب الجهاد إذا سبي الطفل وأطفال الكفار في النار نصا واختار الشيخ تكليفهم في القيامة ومثلهم من بلغ منهم مجنونا ومن ولد أعمى أبكم أصم وصار رجلا هو مع أبويه نصا وإن كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا قال: هو معهما وإن تصرف المرتد لغيره بالوكالة صح ولا يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في ردته ويلزمه قضاء ما ترك قبلها وإن قتل من يكافئه عمدا فعليه القصاص والولي مخير بين القتل والعفو عنه فإن اختار القصاص قدم على قتل الردة: تقدمت الردة أو تأخرت وإن عفا على مال وجبت الدية في ماله وإن كان خطأ وجبت أيضا في ماله قال القاضي: تؤخذ منه في ثلاث سنين فإن قتل أو مات - أخذت من ماله في الحال وتثبت الردة بالإقرار، أو البينة.(4/306)
فصل: - ومن أكره على الكفر
فالأفضل له أن يصبر ولو أتى ذلك على نفسه وإن لم يصبر وأجاب لم يصر كافرا إذا كان قلبه(4/306)
مطمئنا بالإيمان ومتى زال الإكراه أمر بإظهار إسلامه فإن أظهره وإلا حكم بأنه كافر من حين نطق به وإن شهدت بينة أنه نطق بكلمة الكفر وكان محبوسا أو مقيدا عند الكفار في حالة خوف لم يحكم بردته وإن شهدت أنه كان آمنا في حال نطقه حكم بردته وإن ادعى ورثته رجوعه إلى الإسلام لم تقبل إلا ببينة وإن شهدت عليه بأكل لحم خنزير لم يحكم بردته فإن قال بعض ورثته: أكله مستحلا له أو أقر بردته - حرم ميراثه ويدفع إلى من يدعي الإسلام قدر ميراثه لأنه لا يدعي أكثر منه والباقي لبيت المال فإن كان في الورثة صغير أو مجنون دفع إليه نصيبه ونصيب المقر بردة الموروث.(4/307)
فصل: - ويحرم تعلم السحر: وتعليمه وفعله وهو:
عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قبله أو عقله من غير مباشرة له وله حقيقة فمنه ما يقتل ومنه ما يمرض وما يأخذ الرجل عن زوجته فيمنعه وطأها أو يعقد المتزوج فلا يطيق وطأها وما كان مثل فعل لبيد بن الأعصم حين سحر النبي صلى الله عليه وسلم في مشط ومشاطة أو يسحره حتى يهيم مع الوحش ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما إلى الآخر ويحبب بين الاثنين: ويكفر بتعلمه وفعله: سواء اعتقد تحريمه أو إباحته كالذي يركب الحمار من مكنسة وغيرها فتسير في الهواء أو يدعي أن الكواكب تخاطبه ويقتل إن كان مسلما وكذا من يعتقد حله من المسلمين ولا يقتل ساحر ذمي إلا أن يقتل به ويكون مما يقتل غالبا فيقتص منه فأما الذي يسحر بأدوية وتدخين وسقي شيء لا يضر فإنه(4/307)
لا يكفر ولا يقتل ويعزر تعزيرا بليغا دون القتل: إلا أن يقتل بفعله فيقتص منه وإلا فالدية وتقدم في كتاب الجنايات وأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل ويعزر تعزيرا بليغا دون القتل وكذا الكاهن والعراف والكاهن: الذي له رئى من الجن يأتيه بأخبار والعراف: الذي يحدس ويتخرص كالمنجم ولو أوهم قوما بطريقته أن يعلم الغيب فللإمام قتله لسعيه بالفساد وقال الشيخ: التنجيم كالاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية من السحر قال: ويحرم إجماعا والمتعبد والقائل بزجر طير والضارب بحصى وشعير وقداح زاد في الرعاية والنظر في ألواح الأكتاف إذا لم يعتقد إباحته وأنه لا يعلم به عزر ويكف عنه وإلا كفر وتحرم رقية وحرز وتعوذ بطلسم وعزيمة بغير عربي وباسم كوكب وما وضع على نجم من صورة أو غيرها ولا بأس بحل السحر بشيء من القرآن والذكر والأقسام والكلام المباح وإن كان بشيء من السحر فقد توقف فيه أحمد والمذهب جوازه ضرورة قال في عيون المسائل: ومن السحر السعي بالنميمة والإفساد بين الناس وهو غريب.(4/308)
كتاب الأطعمة
الأطعمة
مدخل
...
كتاب الأطعمة
وأحدها طعام وهو: ما يؤكل ويشرب والمراد هنا بيان ما يحرم أكله وشربه وما يباح والأصل فيها الحل فيباح كل طعام طاهر لا مضرة فيه من الحبوب والثمار وغيرها حتى المسك والفاكهة المسوسة والمدودة(4/308)
ويباح أكلها بدودها وباقلا بذبابه وخيرا وقثاء وحبوب وخل بما فيه تبعا: لا أكل دودها ونحوها أصلا ولا أكل النجاسات كالميتة والدم والرجيع والبول ولو كانا طاهرين بلا ضرورة ولا أكل الحشيشة المسكرة وتسمى حشيشة الفقراء ولا ما فيه مضرة من السموم وغيرها وفي التبصرة ما يضر كثيره يحل يسيره ويحرم من الحيوانات الآدمي والحمر الأهلية ولو توحشت والخنزير وما له ناب يفترس به: سوى الضبع: كأسد ونمر وذئب وفهد وكلب وابن آوى وابن عرس وسنور أهلي وبري ونمس وقرد ولو صغيرا لم ينبت نابه ودب وفيل وثعلب ويحرم سنجاب وسمور وفنك وما له مخلب من الطير يصيد به كعقاب وبازي وصقر وشاهين وحدأة وبومة وما يأكل الجيف: كنسر ورخم ولقلق وعقعق وهو: القاق وغراب البين والأبقع وما تستخبثه العرب ذوو اليسار من أهل القرى والأمصار من أهل الحجاز ولا عبرة بأهل البوادي: كالقنفذ والدلدل وهو عظيم القنافذ قدر السخلة ويسمى النيص على ظهره شوك طويل نحو ذراع والحشرات كلها كديدان وجعلان وبنات وردان وخنافس وأوزاع وصراصر وحرباء وجراذين وخلد وفأر وحيات وعقارب وخفاش وخشاف وهو الوطواط وزنبور ونحل ونمل وذباب وطبابيع وقمل وبراغيث ونحوها وهدهد وصرد وغداف خطاف وأخيل وهو: الشقراق وسنونو وهو نوع من الخطاف وغيرها مما أمر الشرع بقتله أو نهى عنه وما لا تعرفه العرب من أمصار(4/309)
الحجاز وقراها ولا ذكر في الشرع - يرد إلى أقرب الأشياء شبها به فإن لم يشبه شيئا منها فمباح وما أحد أبويه المأكولين مغصوب فكأمه حلا وحرمة وملكا ولو اشتبه مباح ومحرم - حرما ويحرم متولد من مأكول وغيره كالبغل والسمع - ولد الضبع من الذئب والعسبار ولد الذئب من الزنج وهو: الضبعان وهو ذكر الضباع والدرياب وه: أبو زريق قيل: أنه متولد من الشقراق والغراب والمتولد بين أهلي ووحشي وكحيوان من نعجة نصفه خروف ونصفه كلب ويحرم ما ليس ملكا لآكله ولا أذن فيه ربه ولا الشارع.(4/310)
فصل: - وما عدا هذا فمباح:
كمتولد من مأكولين كبغل من حمار وحش وخيل ولو غير عربية ووبر ويربوع وبقر وحش على اختلاف أنواعها من الأيل والتيتل والوعل والمها وظباء وحمر وحش: ولو تأنست وعلفت وأرنب وزرافة ونعامة وضب وضبع وإن عرف بأكل الميتة فكان كجلالة قاله في الروضة وبهيمة الأنعام وهي: الإبل والبقر والجاموس والغنم ودجاج وديوك وطاووس وببغاء وهي: الدرة وعندليب وسائر الوحش من الصيود كلها وزاغ وغراب الزرع وهو أحمر المنقار والرجل وحجل وزرزور وصعوة جمع صعو وهون: صغار العصافير أحمر الرأس وحمام وأنواعه من الفواخت والجوازل والرقاطي والدياسي وسماني وسلوى وقيل هماشئ واحد وعصافير وقنابر وقطا وحبارى وكركى وكروان وبط وأوز وما أشبهه مما يلقط(4/310)
الحب أو يفدى في الإحرام وغرانيق وطير الماء كله وأشباه ذلك ويباح جميع حيوانات البحر: إلا الضفدع والحية والتمساح.(4/311)
فصل: - وتحرم الجلالة وهي:
التي أكثر علفها النجاسة ولبنها وبيضها ويكره ركوبها لأجل عرقها حتى تحبس ثلاثا وتطعم الطاهر وتمنع من النجاسة: طائرا كانت أو بهيمة ومثله خروف ارتضع من كلبة ثم شرب لبنا طاهرا ويجوز أن تعلف النجاسة الحيوان الذي لا يذبح أو لا يحلب قريبا وإذا عض كلب شاة ونحوها فكلبت - ذبحت وينبغي ألا يؤكل لحمها وما سقى بطاهر يستهلك به عين النجاسة به طهر وحل وإلا فلا ويكره أكل تراب وفحم وطين وهو عيب في المبيع لأنه يضر البدن به فإن كان منه ما يتداوى به كالطين الأرمني لم يكره وكذا يسير تراب وطين ويكره أكل غدة وأذن قلب وبصل وثوم ونحوهما: ما لم ينضج بطبخ وأكل كل ذي رائحة كريهة ولو لم يرد دخول المسجد فإن أكله كره له دخوله ما لم يذهب ريحه وأكل حب ديس بحمر أهلية وبغال وينبغي أن يغسل ويكره مداومة أكل لحم وأكل لحم منتن ونيء ويكره الخبز الكبار ووضعه تحت القصعة.(4/311)
فصل: - ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا:
حضرا أو سفرا سوى سم ونحوه: بأن خاف التلف إما من جوع أو يخاف إن ترك الأكل عجز عن المشي وانقطع عن الرفقة فيهلك أو يعجز عن الركوب(4/311)
فيهلك ولا يتقيد ذلك بزمن مخصوص - وجب عليه أن يأكل منه ما يسد رمقه ويا من معه الموت وليس له الشبع كما فوق الشبع وقال الموفق وتبعه جماعة: إن كانت الضرورة مستمرة جاز الشبع وإن كانت مرجوة الزوال فلا وله أن يتزود منه إن خاف الحاجة فإن تزود فلقيه مضطر آخر لم يجز له بيعه ويلزمه إعطاؤه بغير عوض إن لم يكن هو مضطرا في الحال إلى ما معه ويجب تقديم السؤال على أكله وقال الشيخ: لا يجب ولا يأثم وأنه ظاهر المذهب وإن وجد من يطعمه ويسقيه لم يحل له الامتناع والعدول إلى الميتة: إلا أن يخاف أن يسمه فيه أو يكون الطعام مما يضره ويخاف أن يهلكه أو يمرضه وإن وجد طعاما مع صاحبه وميتة وامتنع من بذله أو بيعه منه ووجد ثمنه لم يجز له مكابرته عليه وأخذه منه ويعدل إلى الميتة: سواء كان ثوبا يخاف من مكابرته التلف أو لم يخف وإن بذله له بثمن مثله وقدر على الثمن لم يحل أكل الميتة وإن بذله بزيادة لا تجحف أي لا تكثر - لزمه شراؤه وإن كان عاجزا عن الثمن فهو في حكم العادم وإن امتنع من بذله إلا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه المضطر بذلك لم يلزمه أكثر من ثمن مثله وليس للمضطر في سفر المعصية كقاطع الطريق والآبق الأكل من الميتة ونحوها إلا أن يتوب وإن وجد طعاما جهل مالكه وميتة: أو وجد صيدا حيا وهو محرم وميتة - أكل الميتة وإن وجد صيدا وطعاما جهل مالكه بال ميتة وهو محرم - أكل الطعام وإن وجد لحم صيد ذبحه(4/312)
محرم وميتة - أكل لحم الصيد قال القاضي ولو وجد بيض صيد سليما وميتة فظاهر كلام القاضي يأكل الميتة ولا يكسره إن لم يجد إلا صيدا ذبحه وكان ذكيا ظاهرا وليس بنجس ولا ميتة في حقه ويتعين عليه ذبحه في محل الذبح وتعتبر شروط الذكاة فيه وله الشبع منه ولا يجوز قتله ولو اشتبهت ميتة الذكاة ولم يجد غيرهما تحرى المضطر فيهما وحرمتا على غيره ولو وجد ميتتين مختلف إحداهما أكلها دون المجمع عليها وإن لم يجد شيئا لم يبح له أكل بعض أعضائه ومن لم يجد إلا طعاما أو ما لم يبذله مالكه: فإن كان صاحبه مضطرا إليه ولو في المستقبل فهو أحق به إلا النبي صلى الله عليه وسلم فكان له أخذ الماء من العطشان ويلزم كل أحد أن يقيه بنفسه وماله وله طلبه وليس للمضطر الإيثار بالطعام الذي معه في حال اضطراره ولا يجوز لأحد أن يأخذ من المضطر طعامه المضطر إليه فإن أخذه فمات لزمه ضمانه وإن لم يكن صاحبه مضطرا إليه لزمه بذله بقيمته فإن أبى - أخذه بالأسهل من شراء أو استرضاء ولا يجوز قتاله فإن أبى أخذه قهرا ويعطيه عوضه فإن منعه فله قتاله على ما يسد رمقه فإن قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه وإن قتل المضطر فعليه ضمانه ويلزمه عوضه في كل موضع أخذه فإن لم يكن معه في الحال لزمه في ذمته فإن بادر صاحب الطعام فباعه أو رهنه قبل الطلب صح ويستحق أخذه من المرتهن والمشتري وبعد الطلب لا يصح البيع في الأظهر قاله في القواعد ولو بذله بثمن مثله لزمه قبوله ولو كان معسرا(4/313)
ولو امتنع المالك من البيع إلا بعقد ربا جاز أخذه منه قهرا في ظاهر كلام جماعة فإن لم يقدر على قهره دخل في العقد وعزم على ألا يتم عقد الربا فإن كان المبيع نساء عزم على أن العوض الثابت في الذمة قرض وقال الزركشي: قال بعض المتأخرين لو قيل أن له أن يظهر صورة الربا ولا يقاتله ويكون كالمكره فيعطيه من عقد الربا صورته لا حقيقته لكان أقوى فإن لم يجد إلا آدميا محقون الدم لم يبح قتله ولا أتلاف عضو منه: مسلما كان أو كافرا وإن كان مباح الدم كالحربي والمرتد والزاني المحصن حل قتله وأكله وكذا بعد موته: وإن وجد معصوما ميتا لم يبح أكله ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع برد أو حر أو لاستقاء ماء ونحوه - وجب بذله مجانا وإذا اشتدت المخمصة في سنة مجاعة وأصابت الضرورة خلقا كثيرا وكان عند بعض الناس قدر كفايته وكفاية عياله لم يلزمه بذله للمضطرين وليس لهم وإن لم يبق درهم مباح أكل عادته: لا ماله عنه غنى: كحلوى وفاكهة قال في النوادر وتقدم في الغصب والترياق الذي فيه من لحوم الحيات أو من الخمر - محرم ولا يجوز التداوي بشيء محرم أو فيه محرم: كألبان الأتن ولحم شيء من المحرمات ولا بشرب مسكر.(4/314)
فصل: - من مر بثمر على شجر أو ساقط تحته لا حائط عليه ولا ناظر
ولو غير مسافر ولا مضطر - فله أن يأكل منه مجانا ولو لغير حاجة ولو من غصونه من غير رميه بشيء ولا ضربه ولا صعود شجرة واستحب جماعة أن ينادي قبل الأكل ثلاثا: يا صاحب(4/314)
البستان فإن أجابه وإلا أكل للخبر وكذا ينادى للماشية ونحوها ولا يحمل ولا يأكل من مجموع مجنى ولا ما وراء حائط إلا لضرورة ملتزما عوضه وكثمر - زرع قائم: كبر يؤكل فريكا عادة وباقلا وحمص أخضرين ونحوهما مما يؤكل رطبا عادة ولبن ماشية إذا لم يجد صاحبها فهي كالثمرة بخلاف شعير ونحوه والأولى في الثمار وغيرها أن لا يأكل منها إلا بإذن ولا بأس بأكل جبن المجوس وغيرهم من الكفار ولو كانت أنفحتة من ذبائحهم وكذا الدروز والتيامنة والنصيرية ولا يجوز أن يشترى الجوز والبيض الذي اكتسب من القمار لأنهم يأخذونه بغير حق.(4/315)
فصل: - يجب على المسلم ضيافة المسلم المسافر المجتاز إذا نزل به في القرى:
لا الأمصار مجانا يوما وليلة قدر كفايته مع أدم وفي الواضح لفرسه تبن: لا شعير ولا تجب للذمي إذا اجتاز بالمسلم فإن أبى فللضيف طلبه به عند حاكم فإن تعذر جاز له الأخذ من ماله بقدر ضيافته بغير إذنه وتسن ضيافته ثلاثة أيام والمراد يومان مع اليوم الأول فما زاد على الثلاثة فهو صدقة ولا يجب عليه إنزاله في بيته: إلا أن لا يجد مسجدا أو رباطا ونحوهما يبيت فيه ولا يخاف منه ومن قدم لضيافته طعاما لم يجز لهم قسمه لأنه إباحة ويجوز للضيف الشرب من كوز صاحب البيت والاتكاء على وسادة وقضاء حاجة في مرحاضه من غير استئذان باللفظ: كطرق بابه عليه وطرق حلقته قال الشيخ: من امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي(4/315)
فمذموم مبتدع وما نقل عن أحمد أنه امتنع من أكل البطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النبي صلى الله عليه وسلم له – كذب.(4/316)
باب الذكاة
مدخل
...
باب الذكاة
وهي: ذبح أو نحر مقدور عليه مباح أكله من حيوان يعيش في البر: لا جراد ونحوه - بقطع حلقوم ومريء أو عقر إذا تعذر فلا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه: من الصيد والأنعام والطير إلا بالذكاة إن كان مما يعيش في البر: إلا الجراد وشبهه ولو مات بغير سبب من كبس وتغريق فأما السمك وشبهه مما لا يعيش إلا في الماء فيباح بغير ذكاة: سواء صاده إنسان أو نبذه البحر أو جزر الماء عنه أو حبس في الماء بحظيرة حتى يموت أو ذكاة أو عقره في الماء أو خارجه أو طفا عليه وما كان مأواه البحر وهو يعيش في البر: ككلب الماء وغيره وسلحفاة وسرطان ونحو ذلك - لم يبح المقدور عليه منه إلا بالتذكية وذكاة السرطان أن يفعل به ما يموت به وكره أحمد شيء من السمك الحي: لا جراد ويحرم بلغ السمك حيا ويجوز أكل الجراد بما فيه والسمك بما فيه: بأن يقلى أو يشوى ويؤكل من غير أن يشق جوفه.(4/316)
فصل: - ويشترط للذكاة شروط -
أحدها: أهلية الذابح وهو أن يكون عاقلا قاصدا التذكية ولو مكرها أو أقلف وتكره ذبيحته فلو وقعت الحديدة على حلق شاة فذبحتها أو ضرب إنسانا بسيف فقطع عنق شاة لم تبح ولا تعتبر إرادة الأكل: مسلما كان الذابح أو كتابيا ولو(4/316)
حربيا أو من نصارى بني تغلب ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا ولو جنبا وحائضا ونفساء وأعمى عدلا أو فاسقا والمسلم بالذبح أولى من الكتابي ولا تباح ذبيحة من أحد أبويه كافر غير كتابي ولا صيده غير سمك ونحوه ولا ذكاة مجنون وسكران وطفل غير مميز وتباح من مميز ولو دون عشر ولا ذكاة مرتد وإن كانت ردته إلى دين أهل الكتاب ولا مجوسي ولا وثني ولا زنديق وكذا الدروز والتيامنة والنصيرية بالشام ويؤكل من طعامهم غير اللحم والرسم فلو ذبح من لا تحل ذبيحته حيوانا لغيره بغير إذنه ضمنه بقيمته حيا وبإذنه لا يضمن الثاني: الآلة وهو أن يذبح بآلة محددة تقطع أو تخرق بحدها لا بثقلها من حديد كانت أو حجر أو خشب أو قصب أو عظم أو غيره إلا السن والظفر متصلين أو منفصلين فإن ذبح بآلة مغصوبة أو ذهب ونحوها حل ويباح المغصوب لربه ولغيره إذا ذبحه غاصبه أو غيره سهوا أو عمدا طوعا أو كرها ولو بغير إذن ربه - الثالث: أن يقطع الحلقوم - وهو مجرى النفس - قال الشيخ: سواء كان القطع فوق - وهو الموضع الثاني من الحلق - أو دونها وأن يقطع المريء - وهو البلعوم وهو مجرى الطعام والشراب - فإن أبانهما كان أكمل والأصح ولا يشترط قطع الودجين - وهما عرقان محيطان بالحلقوم - والأولى قطعهما ولا يضر رفع يده إذا أتم الذكاة على الفور ومحل الذكاة الحلق واللبة - وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر - فيذبح في الحلق وينحر في اللبة ويسن أن ينحر البعير ويذبح ما سواه، فإن(4/317)
عكس أجزأ والنحر أن يطعنه بمحدد في لبته فإن عجز عن قطع الحلقوم والمريء: مثل أن يند البعير أو يتردى في بئر فلا يقدر على ذبحه صار كالصيد: إذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله: إلا أن يموت بغيره: مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح ولو كان الجرح موحيا كما لو جرحه مسلم ومجوسي وإن ذبحها من قفاها ولو عمدا فأتت السكين على موضع ذبحها وفيها حياة مستقرة أكلت ويعلم ذلك بوجود الحركة فإن ذبحها من قفاها وشك هل حياته مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء أولا نظر: فإن كان الغالب بقاء ذلك لحدة الآلة وسرعة القطع أبيح وإن كانت كالة وأبطأ قطعه وطال تعذيبه لم يبح ولو أبان الرأس بالذبح أو بسيف يريد بذلك الذبيحة أبيحت وكلما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة - وهي التي تخنق في حلقه والموقوذة - وهي التي تضرب حتى تشرف على الموت - والمتردية وهي الواقعة من علو - والنطيحة وهي التي نطحتها دابة أخرى وأكيلة السبع وهي التي أكل السبع بعضها والمريضة وما صيد بشبكة أو أحيولة أو فخ أو أنقذه من مهلكة فذكاه وفيه حياة مستقرة يمكن زيادتها على حركة المذبوح سواء انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو يعيش - حلت إن تحركت بيد أو رجل أو طرف عين أو مصع ذنب - أي: تحريكه - ونحوه وسئل أحمد عن شاة مريضة خافوا عليها فذبحوها فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها أو تحركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف فنهر الدم،(4/318)
فقال: لا بأس وإن لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح لم تبح لأنه لو ذبح ما ذبحه المجوس لم يبح وما قطع حلقومه أو أبينت حشوته ونحوه ففي حكم الميتة - الرابع: قول بسم الله عند حركة يده لا يقوم غيرها مقامها وتجوز بغير العربية ولو مع القدرة عليها ويسن التكبير معها يقول: بسم الله والله أكبر ولا تستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عليها فإن كان أخرس أومأ برأسه إلى السماء ولو أشار إشارة تدل على التسمية وعلم ذلك كان كافيا فإن ترك التسمية عمدا أو جهلا لم تبح وإن ترك سهوا فإنها تباح ويشترط قصد التسمية على ما يذبحه فلو سمى على شاة وذبح غيرها بتلك التسمية لم تبح وكذا لو رأى قطيعا فسمى وأخذ شاة فذبحها بالتسمية الأولى ولو جهل عدم الإجزاء وقال الموفق وجماعة: تكون التسمية عند الذبح أو قرب منه: فصل بالكلام أولا: كالتسمية على الطهارة فلو اضجع شاة ليذبحها وسمى ثم ألقى السكين وأخذ سكينا أخرى أو رد سلاما أو كلم إنسانا أو استقى ماء ثم ذبح حل ويضمن أجير ونحوه ترك التسمية عمدا أو جهلا وإن ذبح الكتابي باسم المسيح أو غيره لم تبح وإذا لم يعلم: أسمى الذابح أم لا؟ أو أذكر اسم غير الله أم لا فحلال وتحصل ذكاة جنين مأكول خرج من بطن أمه بعد ذبحها بذكاة أمه إذا خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح أشعر أو لم يشعر ويستحب ذبحه وإن كان ميتا ليخرج الدم الذي في جوفه وإن كان فيه حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه ولو وجأ بطن أم جنين مسميا فأصاب مذبح الجنين فهو مذكى والأم ميتة(4/319)
فصل: - يسن توجيه الذبيحة إلى القبلة
وكون المذبوح على شقه الأيسر ورفقه به وحمله على الآلة بقوة وإسراع القطع ويكره إلى غير القبلة وآلة كالة وأن يحد السكين والحيوان يبصره أو يذبح شاة وأخرى تنظر إليه ويكره كسر عنق المذبوح وسلخه وقطع عضو منه ونتف ريشه حتى تزهق نفسه فإن فعل أساء وأكلت ويكره نفخ اللحم نصا قال الموفق: مرادهم الذي للبيع لأنه غش وإن ذبحه فغرق المذبوح في ماء أو وطئ عليه شيء يقتله مثله لم يحل وعنه يحل اختاره الأكثر وإن ذبح كتابي ما يحرم عليه يقينا كذي الظفر - وهي الإبل والنعام والبط - وما ليس بمشقوق الأصابع أو ما زعم أنه يحرم عليه ولم يثبت عندنا تحريمه عليه كحال الرئة ونحوها أو يحرم علينا ومعناه أن اليهود إذا وجدوا الرئة لاصقة بالأضلاع امتنعوا من أكلها زاعمين تحريمها ويسمونها اللازقة وإن وجدها غير لاصقة أكلوها - وإن ذبح حيوانا غيره ما يحل له لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم - وهي شحم الثرب: شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء وشحم الكليتين ولنا أن نتملكها منهم بما ينقل الملك والأولى تركها ولا يحل لمسلم أن يطعمهم شحما من ذبحنا نصا لبقاء تحريمه عليهم وإن ذبح لعيده أو لكنيسته أو المجوسي لآلهته أو للزهرة أو للكواكب: فإن ذبحه مسلم مسميا فمباح وإن ذبحه الكتابي وسمى الله ولم يذكر غير اسمه حل وكره وعنه يحرم واختاره الشيخ ولا تؤكل المصبورة ولا المجثمة وهي الطائر أو الأرنب بجعل غرضا يرمى حتى يقتل - ولكن يذبح(4/320)
ثم يرموا إن شاؤا والمصبورة مثله إلا أن المجثمة لا تكون إلا في الطائر: وإلا الأرنب وأشباهها والمصبورة: كل حيوان يحبس للقتل ومن ذبح حيونا فوجد في بطنه جرادا أو سمكة في حوصلة طائر أو حبا في بعر جمل ونحوه لم يحرم وكره ويحرم بول وروث طاهران وتقدم أو الأطعمة ويحل مذبوح منبوذ بموضع يحل ذبح أكثر أهله ولو جهلت تسمية الذابح وإسماعيل: الذبيح على الصحيح.(4/321)
كتاب الصيد
مدخل
مدخل
...
كتاب الصيد
وهو مصدر بمعنى المفعول وهو: اقتناص حيوان حلالا متوحش طبعا غير مملوك ولا مقدور عليه وهو مباح لقاصده ويكره لهوا وإن كان فيه ظلم الناس بالعدوان على زروعهم وأموالهم فحرام وهو أفضل مأكول والزراعة أفضل مكتسب قيل عمل اليد وقيل التجارة وأفضلها بز وعطر وزرع وغرس وماشية وأبغضها في رقيق وصرف ويسن التكسب ومعرفة أحكامة حتى مع الكفاية التامة قاله في الرعاية وقال أيضا فيها: يباح كسب الحلال لزيادة المال والجاه والترفه والتنعم والتوسعة على العيال مع سلامة الدين والعرض والمروءة وبراءة الذمة ويجب على من لا قوت له ولا لمن تلزمه مؤنته ويقدم الكسب لعياله على كل نفل ويكره تركه والاتكال على الناس قال أحمد: لم أر مثل الغني عن الناس، وقال في قوم(4/321)
لا يعملون ويقولون نحن توكلون: هؤلاء مبتدعة وأفضل الصنائع خياطة وكل ما تصح فيه فهو حسن نصا وأدناها حياكة وحجامة وأشدها كراهة: صبغ وصياغة وحدادة ونحوها ويكره كسبهم وكسب الجزار لأنه يوجب قساوة قلبه وكسب من يباشر النجاسات والفاصد والمزين والجرائحي والختان ونحوهم ممن صنعته دنيئة قال في الفروع والمراد مع مكان أصلح منها وقال ابن عقيل ويستحب الغرس والحرث واتخاذ الغنم وإن رمى صيدا فأثبته - ملكه ثم إن رماه آخر فقتله: فإن كانت رمية الأول موحية: بأن نحرته أو ذبحته أو وقعت في حلقومه أو قلبه وجراحة الثاني غير موحية أو أصاب مذبحه أو نحرته حل ولا ضمان على الثاني إلا ما نقصه من خرق جلده ونحوه وإن كان الأول غير موح حرم وقيمته للأول مجروحا بالجرح الأول إلا أن تنحره رميته أو تذبحه أو يدرك فيه حياة مستقرة فيذكى فيحل وإن كان المرمى قنا أو شاة للغير ولم يوحياه وسريا فعلى الثاني نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول ويكملها سليما الأول وإن رميا الصيد معا فقتلاه كان حلالا وملكاه بينهما فإن كان جرح أحدهما موحيا والآخر غير موح ولا يثبته مثله فهو لصاحب الجرح الموحى وإن أصاب أحدهما بعد صاحبه فوجده ميتا ولم يعلم هل صار بالأول ممتنعا أو لا؟ حل ويكون بينهما فإن قال كل منهما: أنا أثبته ثم قتلته أنت حرم ويتحالفان لأجل الضمان وإن اتفقا على الأول منهما فقال الأول: أنا أثبته ثم قتله الآخر وأنكر الثاني إثبات الأول له فالقول قول الثاني ويحرم على الأول والقول قول الثاني في عدم الإثبات مع يمينه وإن علمت جراحة كل(4/322)
منهما وأن جراحة الأول لا يبقى معها امتناع مثل كسر جناح الطائر أو ساق الظبي فالقول قول الأول بغير يمين وإن علم أنه لا يزيل الامتناع مثل خدش الجلد فقول الثاني وإن احتمل الأمرين فقوله نصا ولو رماه فأثبته ثم رماه مرة أخرى فقتله حرم.(4/323)
فصل: - وإن أدرك الصيد وفيه حياة غير مستقرة
بل متحركا كحركة المذبوح فهو كالميتة: لا يحتاج إلى ذكاة وكذا لو كان فيه حياة مستقرة فوق حركة المذبوح ولكن لم يتسع الوقت لتذكيته وإن اتسع الوقت لها لم يبح إلا بها وإن خشي موته ولم يجد ما يذكيه لم يبح أيضا ولو اصطاد بآلة مغصوبة فالصيد لمالكها ولو امتنع الصيد على الصائد من الذبح: بأن جعل يعدو منه حي مات تعبا – حل، وإن أدرك الصيد ميتا حل بشروط أربعة - أحدها: أن يكون الصائد من أهل الذكاة ولو أعمى وتقدمت شروطها إلا ما لا يفتقر إلى ذكاة كحوت وجراد فيباح إذا صاده من لا تباح ذبيحته فإن رمى مسلم وغير كتابي أو متولد بينه وبين كتابي صيدا أو أرسلا عليه جارحا أو شارك كلب مجوسي كلب مسلم في قتله - لم يحل: سواء وقع سهماهما فيه دفعة واحدة أو سهم أحدهما قبل الآخر: لكن لو أثخنه كلب المسلم ثم قتله الآخر وفيه حياة مستقرة - حرم: مثل أن يكون الأول قد عقره موحيا: مثل أن ذبحه أو جعله في حكم المذبوح ثم أصابه الثاني وهو غير موح فالحكم للأول فإن كان الأول المسلم أبيح وإن كان المجوسي أبيح وإن كان الجرح(4/323)
الثاني موحيا أيضا فمباح إن كان الأول مسلما لأن الإباحة حصلت به وإن كان الأول غير موح والثاني موح فالحكم للثاني في الحظر والإباحة وإن رد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم فقتله - حل وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل صيده وكره وعكسه لا يحل وإن أرسل كلبا فزجره المجوسي فزاد في عدوه حل صيده وعكسه لم يحل ولو وجد مع كلبه كلبا آخر وجهل حاله: هل سمى عليه أم لا؟ وهل استرسل بنفسه أم لا؟ أو جهل حال مرسله: هل هو من أهل الصيد أم لا ولا يعلم أيهما قتله أو علم أنهما قتلاه معا أو علم أن المجهول هو القاتل - لم يبح وإن علم حال الكلب الذي وجده مع كلبه وأن الشرائط المعتبرة قد وجدت فيه - حل ثم إن كان الكلبان قتلاه معا فهو لصاحبهما وإن علم أن أحدهما قتله فهو لصاحبه وإن جهل الحال حل أكله ثم إن كان الكلبان متعلقين به فهو بينهما وإن كان أحدهما متعلقا به فهو لصاحبه وعلى من حكم له به اليمين وإن كان الكلبان ناحية وقف الأمر حتى يصطلحا فإن خيف فساده بيع واصطلحا على ثمنه والاعتبار بأهلية الرامي وسائر الشروط حال الرمي فإن ارتد أو مات بعد رميه وقبل الإصابة حل.(4/324)
فصل: - الشرط الثاني – الآلة -
وهي نوعان: أحدهما محددة فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة ولا بد من جرحه به فإن قتله بثقله لم يبح: كشبكة وفخ وبندقة وعصا وحجر لا حد له فإن كان له حد: كصوان فكمعراض وإن صاد بالمعراض - وهو(4/324)
عود محدود وربما جعل في رأسه حديدة - أكل ما قتل بحده دون عرضه وكذا سهم ورمح وحربة وسيف ونحوه يضرب به صفحا فيقتل - فكله حرام وكذا إن أصاب بحده فلم يجرح وقتل بثقله: وإن نصب مناجل وأو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا ولو بعد موت ناصبه أو ردته - أبيح إن جرحه وإلا فلا وإن قتل بسهم مسموم لم يبح إذا احتمل أن السم أعان على قتله ولو رماه فوقع فيما يقتله مثله أو تردى ترديا يقتله مثله أو وطئ عليه شيء فقتله - لم يحل ولو كان الجرح موحيا وإن وقع في ماء ورأسه خارجه أو كان من طير الماء أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان - فمباح - وإن رمى طيرا في الهواء أو على شجرة أو جبل فوقع إلى الأرض فمات حل لأن سقوطه بالإصابة وإن رمى صيدا ولو ليلا فجرحه ولو غير موح فغاب عن عينه ثم وجده ميتا - ولو بعد يومه - وسهمه فقط فيه أو أثره ولا أثر به غيره - حل وإن وجد به سهما أو أثر سهم غير سهمه أو شك في سهمه أو في قتله أو أكل منه سبع يصلح أن يكون قتله لم يحل وإن كان الأثر مما لا يقتل مثله: مثل أكل حيوان ضعيف كسنور وثعلب من حيوان قوي أو تهشم من وقعته - فمباح ولو أرسل عليه كلبه فعقره فغاب أو غاب قبل عقره ثم وجد ميتا والكلب وحده أو الصيد بفمه أو يعبث به أو عليه - حل وتقدم قريبا لو وجد مع كلبه كلبا آخر وإن رمى صيدا أو ضرب صيدا فأبان بعضه ولو بنصب مناجل ونحوها فإن قطعه قطعتين متساويتين أو متقاربتين(4/325)
أو قطع رأسه - حل فإن أبان منه عضوا غير الرأس ولم يبق فيه حياة مستقرة وكان البينونة والموت معا أو بعده بقليل - أكل وما أبين منه وإن كانت مستقرة فالمبان حرام: سواء بقي الحيوان حيا أو أدركه فذكاه أو رماه بسهم آخر فقتله وإن بقي متعلقا بجلده حل بحله: لأنه لم يبن وإن أخذ قطعة من حوت وأفلت حيا أبيح ما أخذ منه وتحل الطريدة وهي الصيد يقع بين القوم لا يقدرون على ذكاته فيقطع ذا منه بسيفه قطعة يقطع الآخر أيضا حتى يؤتى عليه وهو حي وكذا الناد.(4/326)
فصل: - النوع الثاني - الجارحة
فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة: إلا الكلب الأسود والبهيم الأسود: وهو ما لا بياض فيه أو بين عينيه نكتتان: كما اقتضاه الحديث الصحيح فيحرم صيده كغير المعلم: إلا أن يدركه في الحياة فيذكى ويحرم اقتناؤه وتعليمه ويسن قتله ولو كان معلما وكذا الخنزير ويحرم الانتفاع به ويجب قتل كلب عقور ولو كان معلما ويحرم اقتناؤه ولا تقتل كلبة عقرت من قرب ولدها أو خرقت ثوبه بل تنقل وتقدم آخر حد المحاربين ولا يباح قتل الكلاب غير ما تقدم: ويباح اقتناؤها للصيد والماشية الحرث وتقدم في كتاب البيع.
والجوارح نوعان: - أحدهما - ما يصيد بنابه: كالكب والفهد وكل ما أمكن الاصطياد به.
وتعليمه بثلاثة أشياء: أن يسترسل إذا أرسل: وينزجر إذا زجر لا في حال مشاهدته الصيد: وإذا أمسك لم يأكل ولا يعتبر تكراره بل يحصل بمرة فإن أكل بعد تعليمه لم يحرم ما تقدم من صيده ولم يبح ما أكل منه،(4/326)
يخرج عن كونه معلما فيباح ما صاده بعد الصيد الذي أكل منه وإن شرب دمه ولم يأكل منه لم يحرم ويجب غسل ما أصابه فم الكلب والثاني - ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين ونحوها فتعليمه - بأن يسترسل إذا أرسل ويرجع إذا دعي ولا يعتبر ترك الأكل ولا بد أن يجرح الصيد فإن قتله بعد رميه أو خنقه - لم يبح.(4/327)
فصل: - الشرط الثالث - إرسال الآلة قاصدا الصيد
فلو سقط السيف من يده فعقره - لم يحل وإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه أو أرسله ولم يسم - لم يبح صيده فإن زجره ولم يزد عدوه فكذلك وإن زجره فوقف ثم أشلاه وسمى أو سمى وزجره ولم يقف لكنه زاد في عدوه بأشلائه حل صيده لأنه بمنزلة إرساله وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف فتقل صيدا أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا أو قصد إنسانا أو حجرا أو رمى عبثا غير قاصد صيدا أو رمى حجرا يظنه صيدا أو شك فيه أو غلب على ظنه أنه ليس بصيد أو ظنه آدميا أو بهيمة فأصاب صيدا - لم يحل وإن رمى صيدا فأصاب غيره أو رمى صيدا فقتل جماعة أو أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتله ولولاها ما وصل أو وقع سهمه في حجر فرده على الصيد فتقله حل الجميع والجارح بمنزلة السهم فإن رمى صيدا فأثبته - ملكه فإن تحامل ومشى غير ممتنع فأخذه غيره لزمه رده ولو دخل خيمته أو داره ونحوه: كما لو مشى بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع وإن لم(4/327)
يثبته وبقي ممتنعا فدخل خيمة إنسان فأخذه أو دخلت ظبية داره فأغلق بابه وجهلها أو لم يقصد تملكها أو عشش طير غير مملوك في برجه وفرخ فيه - ملكه ومثله أحياء أرض بها كنز وكنصب خيمة وفتح حجره لذلك ونصب شبكة وشرك وفخ ومنجل لذلك وحبس جارح له أو بإلجائه بمضيق لا يفلت منه وإن صنع بركة يصيد بها سمكا فما حصل فيه ملكه وإن لم يقصد بها ذلك لم يملكه: كتوحل صيد بأرضه أو حصل فيها من مد الماء أو عشش فيها طائر ولغيره أخذه كالماء والكلأ وإن رمى طيرا على شجرة في دار قوم فطرحه في دارهم فأخذوه فهو للرامي ولو وقع صيد في شرك إنسان أو شبكته ونحوه وأثبته ثم أخذه إنسان لزمه رده بآلته وإن لم تمسكه الشبكة وانفلت منها في الحال أو بعد حين - لم يملكه وإن أخذ الشبكة وذهب بها فصاده إنسان ملكه ويرد الشبكة فإن مشى بها على وجه لا يقدر على الامتناع فهو لصاحبها: كما لو أمسكه الصائد وثبتت يده عليه ثم انفلت منه وإن اصطاد صيدا فوجد عليه علامة ملك: كقلادة في عنقه أو قرط في أذنه أو جد الطائر مقصوص الجناح - لم يملكه ويكون لقطة: ومن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجرة فهي له دون صاحب السفينة وإن وقعت فيها فلصاحبها وإن ثبت بفعل إنسان لقصد الصيد: كالصياد الذي يجعل في السفينة ضوءا بالليل ويدق بشيء كالجرس لثبت السمك في السفينة - فللصياد وإن لم يقصد الصيد بهذا بل حصل اتفاقا فهي لمن وقعت في حجره ولا يصاد الحمام: إلا أن(4/328)
يكون وحشيا ويحرم صيد سمك وغيره بنجاسة كعذرة وميتة ودم وعنه يكره وعليه الأكثر وإن منعه الماء حتى صاده حل ويكره الصيد ببنات وردان لأن مأواها الحشوش وبضفادع وشباشب: وهو طير تخاط عينه أو تربط وبخراطيم وكل شيء فيه روح ومن وكره: لا بلبل ولا فرخ من وكره ولا بما يسكره ولا بشبكة وشرك وفخ ودبق وكل حيلة وكره جماعة بمثقل كبندق ونصه - لا بأس ببيع البندق ويرمى بها الصيد لا للعبث وإذا أرسل صيدا وقال أعتقتك - لم يزل ملكه عنه: كما لو أرسل البعير والبقرة.(4/329)
فصل: - الشرط الرابع - التسمية
ولو بغير عربية عند إرسال السهم والجارحة: لا من أخرس ولا يضر تقدم يسير أو تأخر وكذا تأخر كثير في جارح إذا زجره فانزجر وإن تركها عمدا أو سهوا لم يبح وإن سمى على صيد فأصاب غيره حل ولو سمى على سهم ثم ألقاه ورمى بغيره بتلك التسمية لم يبح ودم السمك طاهر مأكول.(4/329)
كتاب الأيمان وكفاراتها
مدخل
مدخل
...
كتاب الأيمان وكفاراتها
وهي جمع يمين وهي: القسم والإيلاء والحلف بألفاظ مخصوصة فاليمين توكيد الحكم بذكر معظم على وجه مخصوص وهي وجوابها كشرط وجزاء والحلف على مستقبل - إرادة تحقيق خبر فيه ممكن(4/329)
بقوله يقصد به الحث على فعل الممكن أو تركه والحلف على ماض إما بر: وهو الصادق وإما غموس: وهو الكاذب أو لغو: وهو ما لا أجر فيه ولا إثم ولا كفارة ولا يصح إلا من مكلف مختار قاصدا اليمين وتصح من كافر وتلزمه الكفارة بالحنث: حنث في كفره أو بعده.
والحلف - منه واجب: مثل أن ينجي به إنسانا معصوما من هلكة ولو نفسه: مثل أن تتوجه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو برئ - ومندوب: مثل أن يتعلق به مصلحة من إصلاح بين متخاصمين أو إزالة حقد من قلب مسلم عن الحالف أو غيره أو دفع شر فإن حلف على فعل الخبر بشيء هو صادق فيه: أو يظن أنه فيه صادق ومكروه: كالحلف على فعل مكروه أو ترك مندوب ومنه الحلف في البيع والشراء - ومحرم: وهو الحلف كاذبا عمدا أو على فعل معصية أو ترك واجب ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم - كان حلها: أي حنثها محرما ويجب بره وإن كانت على فعل مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه ويستحب بره وإن كانت على فعل مكروه أو ترك مندوب فحلها مندوب ويكره بره وإن كانت على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب ويحرم بره وحلها في المباح مباح وحفظها فيه أولا ولا يلزم إبرار قسم كإجابة سؤال بالله.(4/330)
فصل: - واليمين التي تجب بها الكفارة إذا حنث - وهي اليمين بالله تعالى:
نحو والله وبالله وتالله والرحمن والقديم الأزلي وخالق الخلق ورازق العالمين ورب العالمين والعالم بكل شيء ورب السماوات والأرض والحي الذي لا يموت والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء ونحوه مما لا يسمى به غيره أو صفة: من صفاته كوجه الله وعظمته وعزته: وإرادته وقدرته وعلمه وجبروته ونحوه حتى ولو نوى مقدوره ومعلومه ومراده وأما ما يسمى به غيره تعالى وإطلاقه ينصرف إلى الله كالعظيم والرحيم والرب والمولى والرازق فإن نوى به الله أو أطلق كان يمينا فإن نوى غيره فليس بيمين وما لا يعد من أسمائه ولا ينصرف إطلاقه إليه ويحتمله كالشيء والموجود والحي والعالم والمؤمن والواحد والمكرم والشاكر: فإن لم ينو به الله أو نوى به غيره - لم يكن يمينا وإن نواه كان يمينا وإن قال: وحق الله وعهد الله واسم الله وأيمن الله - جمع يمين - وأمانة الله وميثاقه وكبريائه وجلاله ونحوه فهو يمين وكذا على عهد الله وميثاقه ويكره الحلف بالأمانة كراهة تحريم وإن قال: والعهد والميثاق وسائر ذلك كالأمانة والقدرة والعظمة والكبرياء والجلال والعزة ولم يضفه إلى الله لم يكن يمينا: إلا أن ينوي صفة الله وإن قال: لعمر الله كان يمينا وإن لم ينو - ومعناه الحلف ببقاء الله وحياته - وإن حلف بكلام الله أو بالمصحف أو بالقرآن أو بسورة منه أو بآية أو بحق القرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة وكذا لو حلف بالتوراة أو الإنجيل ونحوهما من كتب الله وإن قال: أحلف بالله وأشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم(4/331)
بالله أو أقسمت بالله أو شهدت بالله أو حلفت بالله أو آليت بالله - كان يمينا وإن لم يذكره اسم الله كأن قال: أحلف أو حلفت أو أشهد أو شهدت إلى آخرها لم يكن يمينا: إلا أن ينوي وإن قال: نويت بأقسمت بالله ونحوه الخبر عن قسم ماض أو بقولي: شهدت بالله - آمنت به أو بأقسم ونحوه الخبر عن قسم يأتي أو بأعزم - القصد دون اليمين - دين وقبل حكما ولا كفارة وإن قال: حلفا بالله أو قسما بالله أو آليت بالله أو آلي بالله فهو يمين ولو لم ينوها وإن قال: أستعين أو أعتصم بالله أو أتوكل على الله أو علم الله أو عز الله أو تبارك الله ونحوه لم يكن يمينا ولو نوى.(4/332)
فصل: - وحروف القسم
باء ويليها مظهر أو مضمر وواو يليها مظهر وتاء تخص اسم الله فإن قال: تالرحمن أو تالرحيم - لم يكن قسما ويصح القسم بغير حرف القسم فيقول: الله لأفعلن بالجر والنصب وإن رفعه كان يمينا: إلا أن يكون من أهل العربية ولا ينوي به اليمين وإن نصبه بواو أو رفعه معها أو دونها فيمين: إلا أن لا يريد عربي وهاء الله يمين بالنية - قال الشيخ: الأحكام متعلقة بما أراده الناس بالألفاظ الملحونة كقوله: حلفت بالله رفعا ونصبا ووالله بأصوم وبأصلي ونحوه وكقول الكافر: أشهد أن محمدا رسول الله برفع الأول ونصب الثاني وأوصيت لزيد بمائة وأعتقت سالما ونحو ذلك وقال من رام جعل جميع الناس في لفظ واحد بحسب عادة قوم بعينهم فقد رام ما لا يمكن عقلا ولا يصح شرعا - انتهى وهو كما قال ويجاب القسم في الإيجاب بأن خفيفة وثقيلة وبلام التوكيد،(4/332)
وبقد وبل عند الكوفيين وفي النفي بما وإن بمعناها وبلا وتحذف لا: نحو والله أفعل ويحرم الحلف بغير الله وصفاته ولو بنى لأنه شرك في تعظيم الله فإن فعله - استغفر وتاب ولا كفارة في اليمين به ولو كان الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم: سواء أضافه إلى الله كقوله: ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه مثل والكعبة والنبي وأبى وغير ذلك ويكره بطلاق وعتاق.(4/333)
فصل: - ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط -
أحدها: أن تكون اليمين منعقدة وهي التي يمكن فيها البر والحنث: بأن يقصد عقدها على مستقبل فلا تنعقد يمين النائم والصغير قبل البلوغ والمجنون ونحوهم وما عد من لغو اليمين.
فأما اليمين على الماضي فليست منعقدة وهي نوعان - غموس: وهي التي يحلف بها كاذبا عالما بغمسه في الإثم ثم في النار ولا كفارة فيها ويكفر كاذب في لعانه ذكره في الانتصار وإن حلف على فعل مستحيل لذاته أو غيره كأن قال: والله لأصعدن السماء أو إن لم أصعد أو لأشربن ماء الكوز ولا ماء فيه: علم أن فيه ماء أو لا أو إن لم أشربه أو فإذا هو ميت: علمه أو لم يعلمه ونحو ذلك - انعقدت يمينه وعليه الكفارة في الحال وإن قال: والله إن طرت أو لا طرت أو صعدت السماء أو شاء الميت أو قبلت الحجر ذهبا أو جمعت بين الضدين أو رددت أمس أو شربت ماء الكوز ولا ماء فيه ونحوه - فبذا لغو وتقدم في الطلاق في الماضي والمستقبل(4/333)
وإن قال: والله ليفعلن فلان كذا أو لا يفعلن أو حلف على حاضر فقال: والله لتفعلن كذا أو لا تفعلن كذا فلم يطعه - حنث الحالف والكافرة عليه لا على من أحنثه وإن قال: أسألك بالله لتفعلن وأراد اليمين فكالتي قبلها وإن أراد الشفاعة إليه بالله فليست بيمين ويسن إبرار القسم كإجابة سؤال الله ولا يلزم وإن أجابه إلى صورة ما أقسم عليه دون معناه عند تعذر المعنى فحسن.
والثاني - لغو اليمين: وهو سبقها على لسانه من غير قصد كقوله لا والله وبلى والله في عرض حديثه وظاهره ولو في المستقبل ولا كفارة فيها وإن عقدها على زمن خاص ماض يظن صدق نفسه فبان بخلافه - حنث في طلاق وعتاق فقط وتقدم آخر تعليق الطلاق بالشروط وقال الشيخ: وكذا عقدها على زمن مستقبل ظانا صدقه فلم يكن: كمن حلف على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل أو ظن المحلوف عليه خلاف نية الحالف ونحو ذلك.
الشرط الثاني: أن يحلف مختارا فلا تنعقد يمين مكره.
الثالث: الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله ولو معصية مختارا ذاكرا فإن فعله مكرها أو ناسيا فلا كفارة ويقع الطلاق والعتاق ناسيا وتقدم وجاهل كناس.(4/334)
فصل: - ويصح الاستثناء في كل يمين مكفرة:
كاليمين والظهار والنذر فإذا حلف فقال: إن شاء الله أو إن أراد الله وقصد بها المشيئة: لا من أراد بإرادته وأمره أو أراد التحقيق لا التعليق - لم(4/334)
يحنث: فعل أو ترك قدم الاستثناء أو أخره إذا كان متصلا لفظا أو حكما كانقطاعه بتنفس أو سعال أو عطاس أو قيء ونحوه ويعتبر نطقه به مرة ولا ينفعه بالقلب إلا من مظلوم خائف - وقصد الاستثناء قبل تمام المستثني منه فلو حلف غير قاصد الاستثناء ثم عرض له بعد فراغه من اليمين فاستثنى لم ينفعه ولو أراد الجزم فسبق لسانه إلى الاستثناء من غير قصد أو كانت عادته جارية به فجرى على لسانه من غير قصد لم يصح وإن شك فيه فالأصل عدمه وإن قال والله لأشربن اليوم إن شاء زيد فشاء زيد ولم يشرب حتى مضى اليوم حنث وإن لم يشأ زيد لم يلزمه يمين فإن لم يعلم مشيئته لغيبة أو جنون أو موت انحلت اليمين ولا أشرب إلا أن يشاء زيد فإن شاء فله الشرب وإن لم يشأ لم يشرب فإن خفيت مشيئته لغيبة أو موت أو جنون لم يشرب وإن شرب حنث ولأشربن إلا أن يشاء زيد فإن شرب قبل مشيئة زيد - بر وإن قال زيد قد شئت أن لا تشرب انحلت يمينه وإن قال: قد شئت أن تشرب أو ما شئت أن لا تشرب لم تنحل فإن خفيت مشيئته لزمه الشرب ولا أشرب اليوم إن شاء زيد ففاق زيد: قد شئت أن لا تشرب فشرب حنث وإن شرب قبل مشيئته في هذه المواضع - أن يقول بلسانه: قد شئت وإذا حلف ليفعلن شيئا ونوى وقتا بعينه تقيد به وإن لم ينوي لم يحنث حتى ييأس من فعله: إما بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف ونحوه وإن لم تكن له نية لم يحنث اليأس من فعله، وإذا حلف على يمين(4/335)
فرأى غيرها خيرا منها سن له الحنث والتكفير ولا يستحب تكرار الحلف فإن أفرط كره وإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب له افتداء يمينه فإن حلف فلا بأس.(4/336)
فصل: - وإن حرم أمته أو شيئا من الحلال غير زوجته
كقوله: ما أحل الله علي حرام - ولا زوجة له أو هذا الطعام علي حرام أو طعامي علي: كالميتة لدم ونحوه أو علقه بشرط: مثل إن أكلته فهو علي حرام أو حرام علي إن فعلت كذا ونحوه - لم يحرم وعليه كفارة يمين إن فعله وإن قال: هو يهودي أو نصراني أو كافر أو مجوسي أو يكفر بالله أو يعبد الصليب أو غير الله أو برئ من الله أو من الإسلام أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم أو لا يراه الله في موضع كذا إن فعل كذا أو قال: أنا أستحل الزنا أو شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير أو ترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام ونحوه إن فعلت - لم يكفر وفعل محرما ما تلزمه التوبة منه وعليه إن فعله كفارة يمين واختار الموفق والناظم لا كفارة وإن قال: عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني به أو محوت المصحف إن فعلت وحنث - لا كفارة وإن قال: أخزاه الله أو قطع يديه أو رجليه وأدخله الله النار أو لعنه الله إن فعل أو لأفعلن أو عبد فلان حر لأفعلن أو إن فعلت كذا فمال فلان صدقة أو فعلي حجة أو مال فلان حرام عليه أو فلان برئ من الإسلام ونحوه فلغو وإن قال: إيمان البيعة تلزمني فهي يمين - رتبها الحجاج والخليفة المعتمد -(4/336)
تشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها وإن لم يعرفها أو عرفها ولم ينوها أو نواها ولم يعرفها فلا شيء عليه ولو قال: أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا أو فعله لزمته يمين الظهار والطلاق والعتاق والنذر واليمين بالله إذا نوى بها ذلك ولو حلف بشيء من هذه الخمسة فقال له آخر: يميني مع يمينك أو أنا على مثل يمينك يريد التزام مثل يمينه1 إلا في اليمين بالله وإن لم ينو شيئا لم تنعقد يمينه وإن قال: علي نذر أو يمين أو قال: علي عهد الله أو ميثاقه إن فعلت كذا وفعله كفر كفارة يمين وكذا علي نذر ويمين فقط وإن أخبر عن نفسه بحلف بالله ولم يكن حلف فهي كذبة لا كفارة عليه فيها.
__________
1 كذا في الأصل، والذي يظهر لي أن لو المتقدمة تستدعى تقدير جواب هو: لزمه مثل تلك اليمين، واستثناؤه يمين الله يدل على أن اللزوم لا يتناولها وقد عللوا ذلك بأن هذا كناية، ويمين الله لا تنعقد بالكتابة، وبعضهم همم من غير فرق.(4/337)
فصل: - في كفارة اليمين
وفيها تخيير وترتيب فيخير من لزمته بين ثلاثة أشياء - إطعام عشرة مساكين مسلمين أحرارا ولو صغارا: جنسا واحدا كان المطعم أو أكثر اكسوتهم أو تحري رقبة فمن لم يجد - فصيام ثلاثة أيام والكسوة ما تجزئ صلاة الآخذ الفرض فيه للرجل ثوب ولو عتيقا إذا لم تذهب قوته أو قميص يجزئه أن يصلي فيه الفرض نصا: بأن يجعل على عاتقه منه شيئا أو ثوبان يأتز بأحدهما ويرتدي بالآخر ولا يجزئه مئزر وحده ولا سراويل وللمرأة درع وخمار يجزئها أن تصلي فيهما وإن أعطاها ثوبا واسعا يمكن أن يستر بدنها ورأسها أجزأه ويجوز أن يكسوهم من جميع أصناف الكسوة مما يجوز للآخذ لبسه: من قطن وكتان وصوف وشعر ووبر(4/337)
وخز وحرير وسواء كان مصبوغا أو لا أو خاما أو مقصورا ويجوز أن يطعم بعضا ويكسو بعضا فإن أطعم المسكين بعض الطعام وكساه بعض الكسوة أو عتق نصف عبد وأطعم خمسة أو كساهم أو أطعم وصام لم يجزئه كبقية الكفارات ولا ينتقل إلى الصوم إلا إذا عجز كعجزه عن زكاة الفطر ولو كان ماله غائبا استدان إن قدر وإلا صام والكفارة بغير الصوم إنما تجب في الفاضل عن حاجته الأصلية الصالحة لمثله: كدار يحتاج إلى يكناها ودابة يحتاج إلى ركوبها وخادم يحتاج إلى خدمته فلا يلزمه بيع ذلك فإن كان له عقار يحتاج إلى أجرته لمؤنته أو حوائجه الأصلية أو بضاعة يختل ربحها المحتاج إليه بالتكفير منها أو سائمة يحتاج إلى نمائها حاجة أصلية أو أثاث يحتاج إليه أو كتب علم يحتاجها أو ثياب جماع ونحو ذلك أو تعذر بيع شيء لا يحتاج إليه - انتقل إلى الصوم وتقدم بعض ذلك في الظهار ويجب التتابع في الصوم إن لم يكن عذر وتجب كفارة يمين ونذر على الفور إذا حنث وإن شاء كفر قبل الحنث فتكون محللة لليمين وإن شاء بعده فتكون مكفرة فهما في الفضيلة سواء فيما كانت الكفارة غيره1 ولو كان الحنث حراما ولا يصح تقديمها على اليمين وإذا كفر بالصوم قبل الحنث لفقره ثم حنث وهو موسر لم يجزئه ومن كرر يمينا موجبها واحد على فعل واحد كقوله: والله لا أكلت والله لا أكلت أو حلف أيمانا كفارتها واحدة كقوله: والله وعهد الله وميثاقه وكلامه أو كررها على أفعال مختلفة قبل التكفير، كقوله
__________
1 قوله: غيره – يريد به فيما كانت كفارته غير الصوم.(4/338)
والله لا أكلت والله لا شربت والله لا لبست فكفارة واحدة ومثله الحلف بنذور مكررة ولو حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة كقوله والله لا أكلت ولا شربت ولا لبست - فكفارة واحدة حنث في الجميع أو في واحد وتنحل البقية وإن كانت الأيمان مختلفة الكفارة: كالظهار واليمين بالله فلكل يمين كفارتها وليس لرقيق أن يكفر بغير صوم ولو أذن له سيده في العتق والإطعام لأنه لا يملك وليس لسيده منعه من الصوم ولو أضر به ولو كان الحلف والحنث بغير إذنه ولا منعه من نذر ويكفر كافر ولو مرتدا بغير صوم ومن بعضه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار وتقدم في الظهار بعض أحكام لكفارة فليعاود.(4/339)
باب جامع الأيمان
مدخل
...
باب جامع الأيمان
يرجع فيها إلى نية حالف إن كان غير ظالم ولفظه يحتملها ويقبل حكما مع قرب الاحتمال من الظاهر وتوسطه: لا مع بعده فتقدم نيته في عموم لفظه وعلى السبب سواء كان ما نواه موافقا لظاهر اللفظ أو مخالفا له فالموافق الظاهر: أن ينوي باللفظ موضوعه الأصلي مثل: أن ينوي باللفظ العام العموم وبالمطلق الإطلاق وبسائر الألفاظ ما يتبادر إلى الأفهام منها والمخالف يتنوع أنواعا: منها - أن ينوي بالعام الخاص مثل: أن يحلف لا يأكل لحما ولا فاكهة ويريد لحما بعينه وفاكهة بعينها ومنها - أن يحلف على فعل شيء أو تركه وينوي في وقت مثل: أن يحلف لا يتغذى ويريد اليوم أو لا أكلت ويريد الساعة أو دعي إلى غذاء فحلف لا يتغذى ينوي(4/339)
ذلك الغذاء اختصت يمينه بما نواه: ومنها - أن ينوي بيمينه غير ما يفهمه السامع منه كما تقدم في التأويل في الحلف: ومنها - أن يريد بالخاص العام: كقوله: لا شربت لفلان الماء من العطش ينوي قطع كل ما له فيه منة: لا بأقل: كقعود في ضوء ناره وظل حائطه أو حلف لا يأوي مع زوجته في داره سماها يريد جفاءها فيعم جميع الدور أو لا يلبس من غزلها يريد قطع منتها كما يأتي قريبا ومن شروط انصراف اللفظ إلى ما نواه احتمال اللفظ له كما تقدم فإن نوى ما لا يحتمله: مثل أن يحلف لا يأكل خبزا يعني به لا يدخل بيتا لم تنصرف اليمين إلى المنوي فإن لم ينوي شيئا لا ظاهر اللفظ ولا غيره رجع إلى سبب اليمين وما هيتها فلو حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد أن لا يجاوزه، أو كان السبب يقتضي التعجيل قبل خروج الغد فإن عدما - لم يبرأ إلا بقضائه في الغد وكذا لآكلن شيئا غدا أو لأبعينه غدا أو لأشترينه أو لأضربنه ونحوه وإن قصد مطله فقضاه قبله حنث وإن حلف لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه بها أو بأكثر لم يحنث وبأقل يحنث ولا يبيعه بمائة حنث بها وبأقل ولا أشترينه بمائة فاشتراه بها أو بأكثر حنث لا بأقل وإن حلف لا ينقص هذا الثوب عن كذا فقال: قد أخذته ولكن هب لي كذا فقال أحمد هذا حيلة قيل له فإن قال البائع: أبيعك بكذا وأهب لفلان شيئا آخر قال: هذا كله ليس بشيء وكرهه ولا يدخل دارا ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره ويقبل قوله في الحكم وإن كانت(4/340)
بطلاق أو عتاق لم يقبل لتعلق حق الآدمي ولا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا حنث وكذا إن انتفع بثمنه وإن انتفع بشيء من مالها سوى الغزل وثمنه لم يحنث وإن امتنت عليه بثوب فحلف لا يلبسه قطعا لمنتها فاشتراه غيرها ثم كساه إياها أو اشتراه الحالف ولبسه على وجه لا منة لها فيه فوجهان ولا يولى معها في دار سماها يريدها ولم يكن للدار سبب يهيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث فإن كان للدار أثر في يمينه لكراهته سكناها أو خوصم من أجلها أو امتن عليه بها لم يحنث إذا آوى معها في غيرها وإن عدم السبب والنية لم يحنث إلا بفعل ما يتناوله لفظه وهو الإيواء معها في تلك الدار بعينها والإيواء - الدخول: قليلا كان أو كثيرا وإن برها بصدقة أو غيرها أو اجتمع معها فيما ليس بدار ولا يبيت لم يحنث سواء كان للدار سبب في يمينه أو لم يكن ولا عدت رأيتك تدخلينها ينوي منعها حنث بدخولها ولو لم يرها وإن حلف لا يدخل عليها بيتا فدخل عليها فيما ليس ببيت فكالتي قبلها وإن دخل على جماعة هي فيهم يقصد الدخول عليها معهم أو لم يقصد شيئا حنث وإن استثناها بقلبه فكذلك وإن كان لا يعلم أنها فيه فدخل فوجدها فيه فكما لو دخل عليها ناسيا وكذلك إن حلف لا يدخل عليها فدخلت عليه فخرج في الحال فإن أقام حنث.(4/341)
فصل: - والعبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ
فلو حلف لعامل أن لا يخرج إلا بإذنه ونحوه فعزل أو على زوجته فطلقها(4/341)
أو على عبده فأعتقه أو لا يدخل بلد الظلم فرآه فيه فزال أو لا أرى منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي أو الولي فعزل ونحوه: يريد ما دام كذلك أو أطلق - انحلت يمينه - قال ابن نصر الله: والمذهب عود الصفة فيحمل - يعني انحلال اليمين - على أنه نوى تلك الولاية وذلك النكاح أو الملك - انتهى فلو رأى المنكر في ولايته وأمكنه رفعه فلم يرفعه حتى عزل حنث بعزله ولو رفعه بع ذلك وإن مات قبل إمكان رفعه إليه حنث وإن لم يعين الوالي أذن لم يتعين ولو لم يعلم به الحالف إلا بعد علم الوالي فمات - لبر: كما لو رآه معه وإن حلف للص أن لا يخبر به ولا يغمز عليه فسأله الوالي عن قوم هو معهم فبرأهم وسكت عنه يقصد التنبيه عليه - حنث: إلا أن ينوي حقيقة النطق والغمز: أن يفعل فعلا يعلم به أنه هو اللص ولو حلف ليتزوجن - يبر بعقد صحيح وليتزوجن عليها ولا نية ولا سبب - لا يبرأ إلا بدخوله بنظيرتها أو بمن تغمها أو تتأذى بها فإن تزوج عجوزا زنجية لم يبرأ نصا ولا يتزوج عليها - حنث بعقد صحيح ولو على غير نظيرتها وإن حلف لا يكلمها هجرا حنث بوطئها وليطلقن ضرتها بر برجعي إن لم تكن نية أو قرينة تقتضي الإبانة.(4/342)
فصل: - فإن عدم النية وسبب اليمين وما هيجها رجع إلى التعيين وهو الإشارة.
فإن تغيرت صفة التعيين فذلك خمسة أقسام: - أحدها - أن تستحيل إجزاؤه بتغير اسمه: كلا أكلت هذه البيضة فصارت فرخا أو هذه(4/342)
الحنطة فصارت زرعا فأكله أو لا شربت هذا الخمر فصار خلا فشربه – حنث.
الثاني - تغيرت صفته وزال اسمه مع بقاء أجزائه: كلا أكلت هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا أو ناطفا أو غيره من الحلوى أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو لا أكلت هذا الحمل فصار كبشا أو هذه الحنطة فصارت دقيقا أو سويقا أو هريسة أو هذا العجين فصار خبزا أو هذا اللبن فصار مصلا أو جبنا أو كشكا أو لا دخلت هذه الدار فصارت مسجدا أو حماما أو فضاء ثم دخلها أو أكله - حنث في جميع ذلك.
الثالث - تبدلت الإضافة: كلا كلمت زوجة زيد هذه ولا عبده هذا ولا دخلت داره هذه فطلق الزوجة وباع العبد، والدار فكلمهما ودخل الدار حنث.
الرابع - تغير صفته بما يزيل اسمه ثم عادت: كغصن انكسر ثم أعيد وقلم كسر ثم بري وسفينة نقضت ثم أعيدت ودار هدمت ثم بنيت ونحوه فإنه يحنث.
الخامس - تغيرت صفته لما لم يزل اسمه: كلحم شوي أو طبخ وتمر حديث فعتق وعبد بيع ورجل صحيح فمرض ونحوه فإنه يحنث وإن قال: لا كلمت سعدا زوج هند أو سيد صبيح أو صديق عمر أو مالك هذه الدار أو صاحب الطيلسان أو لا كلمت هند امرأة سعد أو صبيحا عبده أو عمرا صديقه فطلق الزوجة، وباع العبد(4/343)
والدار والطيلسان وعادى عمرا ثم كلمهم - حنث ولا يلبس هذا الثوب وكان رداء حال حلفه فارتدى به أو اتزر أو أعتم أو جعله قميصا أو سراويل أو قباء فلبسه - حنث وكذلك إن كان سراويل فارتدى أو اتزر به حنث: لا إذا ائتزر به ولا بطيه وتركه على رأسه ولا بنومه عليه أو تدثره وإن قال: لا ألبسه وهو رداء فغير عن كونه رداء ولبس - لم يحنث وكذلك أن ينوي بيمينه في شيء من هذه الأشياء ما دام على تلك الصفة والإضافة أو ما لم يتغير.(4/344)
فصل: - فإن عدم النية وسبب اليمين وما هيجها والتعيين -
رجع إلى ما يتناوله الاسم والاسم يتناول العرفي والشرعي والحقيقي: وهو اللغوي فيقدم شرعي ثم عرفي ثم لغوي فالشرعي - ما له موضوع فيه وموضوع في اللغة: كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه فاليمين المطلقة تنصرف إلى الموضوع الشرعي ويتناول الصحيح منه: إلا إذا حلف لا يحج فحج حجا فاسدا فيحنث فإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا أو لا ينكح غيره فأنكح نكاحا فاسدا أو حلف ما بعت ولا صليت ونحوه وكان قد فعله فاسدا لم يحنث: إلا أن يضيف اليمين إلى شيء لا تتصور فيه الصحة: كحلفه لا يبيع الحر أو الخمر أو ما باع الحر أو الخمر أو قال لزوجته: إن سرقت مني شيئا وبعتيه أو طلقت فلانة الأجنبية فأنت طالق فيحنث بصورة البيع والطلاق فإن حلف لا يبيع فباع بيعا فيه الخيار - حنث ولا أبيع ولا أتزوج ولا أؤجر فأوجب البيع والنكاح والإجارة ولم يقبل المشتري والمتزوج(4/344)
والمستأجر - لم يحنث ولا يتسرى فوطئ جاريته حنث ولو عزل كحلفه لا يطأ ولا يحج ولا يعتمر - حنث بإحرام ولا يصوم حنث بشروع صحيح ولو كان حال حلفه صائما أو حاجا فاستدام أو حلف على غيره لا يصلي وهو في الصلاة فاستدام - لم يحنث ولا يصوم صوما لم يحنث حتى يصوم يوما ولا يصلي حنث بتكبيرة الإحرام ولا يصلي صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة ويشمل صلاة الجنازة فيهما قال القاضي وغيره: الطواف ليس بصلاة في الحقيقة وإن حلف لا يهب لزيد شيئا ولا يوصي له ولا يتصدق عليه أو لا يعيره ففعله ولم يقبل زيد - حنث وإن نذر أن يهب له - بر بالإيجاب ولا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث ولا يهبه فأسقط عنه دينا أو أعطاه من نذره أو كفارته أو صدقته الواجبة أو أعاره أو أوصى له لم يحنث فإن تصدق عليه تطوعا أو أهدى له أو أعمره أو وقف عليه أو باعه أو حاباه - حنث وإن حلف لا يتصدق فأطعم عياله لم يحنث.(4/345)
فصل: - والاسم اللغوي - ما لم يغلب مجازه
فإن حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ الذي في العظام أو الكبدة أو الطحال أو القلب أو الكرش أو المصران أو الإلية أو الدماغ: وهو المخ الذي في قحف الرأس أو القانصة أو الكلية أو الكوارع أو لحم الرأس أو لحم خد الرأس أو اللسان ونحوه - لم يحنث: إلا أن يكون أراد اجتناب الدسم ويحنث بأكل لحم ولو كان محرما: كخنزير وميتة ومغصوب(4/345)
وبلحم سمك ولحم قديد ولحم طير وصيد ولا يأكل شحما فأكل شحم الجوف من الكلى أو غيره أو من شحم الظهر أو سمينه ونحه أو السنام أو الإلية - حنث: لا باللحم الأحمر ولا يأكل لبنا فأكل من لبن الأنعام أو الصيد أو لبن آدمية: حليبا كان أو رائبا أو مائعا أو مجمدا - حنث إن أكل زبدا أو سمنا أو كشكا: وهو الذي يعمل من القمح واللبن أو مصلا أو أقطا أو جبنا - لم يحنث: إن كان ظاهرا فيه حنث وإن أكل جبنا أو ما يصنع من اللبن من كشك أو مصل أو أقط ونحوه - لم يحنث ولا يأكل سمنا فأكل زبدا أو ما يصنع من اللبن سوى السمن لم يحنث وإن أكل السمن منفردا أو في عصيدة أو حلوى أو طبيخ من خميص ونحوه يظهر طعمه فيه - حنث وكذلك إذا حلف لا يأكل لبنا فأكل طبيخا فيه لبن أو لا يأكل طبيخا فيه خل يظهر طعمه فيه - حنث ولا يأكل فاكهة حنث بعنب: ورطب ورمان وسفرجل وتفاح وكمثري وخوخ واترج ونبق وموز وجميز وبطيخ وكل ثمر شجر غير بري ولو يابسا: كصنوبر وعناب وجوز ولوز وبندق وتمر وتوت وزبيب ومشمش وتين وأجاص ونحوه: لا قثاء وخيرا وخص زيتون وبلوط وبطم وزعرور أحمر وثمر قيقب وعفص وآس وخوخ الدب وسائر ثمر كل شجر لا يستطاب ولا قرع وباذنجان وجزر ولفت وفجل وقلقاس وسنوطل ونحوه وإن حلف لا يأكل رطبا أو بسرا فأكل مذنبا أو منصفا حنث: كما لو أكل(4/346)
نصف رطبة بسرة منفردتين فإن كان الحلف على الرطب فأكل القدر الذي أرطب من النصف أو كان على البسر فأكل البسر الذي في النصف - حنث وإن أكل البسر من يمينه على الرطب أو الرطب من يمينه على البسر - لم يحنث: وإن حلف واحد ليأكلن رطبا وآخر ليأكلن بسرا فأكل الحالف على أكل الرطب ما في المنصف من الرطب وأكل الآخر باقيها - برا جميعا وليأكل رطبة أو بسرة أو لا يأكل ذلك فأكل منصفا لم يبر ولم يحنث لأنه ليس فيه رطبة ولا بسرة ولا يأكل رطبا فأكل تمرا أو بلحا أو بسرا أو لا يأكل تمرا فأكل بسرا أو بلحا أو رطبا أو دبسا أو ناطفا - لم يحنث ولا يأكل عنبا فأكل زبيبا أو دبسا أو هما أو ناطفا أو لا يكلم شابا فكلم شيخا أو لا يشتري جديا فاشترى تيسا أو لا يضرب عبدا فضرب عتيقا - لم يحنث ولا يأكل من هذه البقرة لم يعم ولدا ولبنا ولا يأكل من هذا الدقيق فأسبغه أو خبزه فأكله - حنث وحقيقة الغداء والقيلولة قبل الزوال والعشاء بعده وآخره نصف الليل فلو حلف لا يتغدى فأكل بعده أو لا يتعشى فأكل لعد نصف الليل أو لا يتسحر فأكل قبله - لم يحنث والغداء والعشاء أن يأكل أكثر من نصف شبعة ولا ينام حنث بأدنى نوم ولا يأكل أدما حنث بأكل ما جرت العادة بأكل الخبز به من مصطبغ به: كالطبيخ والمرق والخل والزيت والسمن والسيرج واللبن الدبس والعسل أو جامد كالشواء والجبن والباقلاء والزيتون والبيض والملح(4/347)
والتمر والزبيب ونحوه والقوت - الخبز وجبه ودقيقه وسويقة والفاكهة اليابسة واللحم واللبن ونحوه: لا عنب وحصرم وخل نحوه والطعام - ما يؤكل ويشرب من قوت وأدم وحلو وجامد ومائع وما جرت العادة بأكله من نبات الأرض: لا ماء ودواء وورق شجر ونشارة خشب وتراب ونحوها والعيش في العرف - الخبز من حنطة.(4/348)
فصل: - وإن حلف لا يلبس شيئا
فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا: أو خفا أو نعلا أو عمامة أو قلنسوة - حنث فإن ترك القلنسوة في رحله أو أدخل يده في الخف أو النعل لم يحنث ولا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة أو خاتما ولو في غير الخنصر أو دراهم أو دنانير في مرسلة ونحوها أو لؤلؤا أو جوهرا في مخنقة أو منفردا أو منطقة محلاة - حنث: لا سبحا وعقيقا وحريرا ولو لامرأة: ولا ودعا أو خرز زجاج ونحوه ولا سيفا محلى دن منطقته ولا يدخل دار فلان أو لا يركب دابته أو يلبس ثوبه فدخل أو ركب أو لبس ما هو ملك له أو مؤجره أو مستأجره أو جعله لعبده - حنث: لا ما استعاره فلان أو عبده ولا يدخل مسكنه حنث بمستأجر ومستعار ومغصوب يسكنه لا بملكه الذي لا يسكنه وإن قال: ملكه - لم يحنث بمستأجر ولا يركب دابة عبد فلان فركب دابة جعلت برسمه حنث: كحلفه لا يركب رحل هذه الدابة أو لا يبيعه ولا يدخل دارا فدخل سطحها حنث: لا إن وقف على(4/348)
الحائط، أو في طاق الباب، أو كان في اليمين دلالة لفظية أو حالية تقتضي اختصاص الإرادة بداخلها مثل: أن يكون سطح الدار طريقا وسبب يمينه يقتضي ترك وصلة أهل الدار لم يحنث بالمرور على سطحها وإن نوى باطن الدار تقيدت به يمينه وإن تعلق بغصن شجرة في الدار من خارجها لم يحنث فإن صعد حتى صار في مقابلة سطحها بين حيطانها أو كانت الشجرة في غير الدار فتعلق بفرع ماد على الدار في مقابلة سطحها - حنث وإن حلف ليخرجن منها فصعد سطحها لم يبرأ ولا يخرج منها فصعده لم يحنث ولا يضع قدمه في الدار أو لا يطؤها أو لا يدخلها فدخلا راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا - حنث: لا بدخول مقبرة لأنه العرف وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان: من ذكر وأنثى وصغير وكبير وعاقل ومجنون ولا يكلم زيدا ولا يسلم عليه فإن زجره فقال: تنح أو اسكت - حنث: إلا أن يكون نوى كلاما غير هذا وإن صلى بالمحلوف عليه إماما ثم سلم من الصلاة لم يحنث وإن ارتج في الصلاة ففتح عليه الحالف لم يحنث ولو كاتبه أو أرسل إليه رسولا حنث: إلا أن يكون أراد أن لا يشافهه وإن أشار إليه حنث قاله القاضي وإن ناداه بحيث يسمع فلم يسمع لتشاغله أو غفلته أو سلم عليه حنث وإن سلم على قوم هو فيهم ولم يعلم فكناس وإن علم به ولم ينوه ولم يستثنه بقلبه ولا بلسانه كأن يقول: السلام عليكم: إلا فلانا - حنث ولا يبتدئه بكلام فتكلما معا لم يحنث لخلاف لا كلمته حتى يكلمني أو يبدأني(4/349)
بكلام فيحنث بكلامهما معا ولا يكلمه حينا الحين - أشهر إذا أطلق ولم ينو شيئا وكذا الزمان معرفا وإن قال: زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا أو طويلا أو وقتا أو حقبا - فأقل زمان وإن قال الأبد والدهر والعمر معرفا فذلك على الزمان كله والحقب ثمانون سنة والشهور ثلاثة: كالأشهر والأيام وإن قال: إلى الحول فحول كامل: لا تتمته وإن حلف لا يتكلم ثلاثة أيام أو ثلاث ليال دخل في ذلك الأيام التي بين الليالي والليالي التي بين الأيام ولا يدخل باب هذه الدار أو قال: لا دخلت من باب هذه الدار فحول ودخله حنث ولو مع بقاء الأول وإن قلع الباب ونصب في دار أخرى وبقي الممر حنث بدخوله الممر فقط ولا يدخل هذه الدار من بابها فدخلها مر غيره - حنث ولا يكلمه إلى حين الحصاد أو الجذاذ انتهت يمينه بأوله وإن حلف لا مال له وله مال ولو غير زكوى من الأثمان والعقارات والأثاث والحيوان ونحوه أو له دين على ملئ أو غيره أو ضائع ولم ييأس من عوده أو مغصوب أو محجور - حنث فإن أيس من عوده: كالذي سقط في البحر أو كان متزوجا أو وجب له حق شفعة لم يحنث ولا يفعل شيئا فوكل من يفعله ففعله حنث إلا أن ينوي ولو توكل الحالف فيما حلف أن لا يفعله وكان عقدا أضافه إلى الموكل أو أطلق لم يحنث.(4/350)
فصل: - والعرفي ما اشتهر مجازه حتى غلب على حقيقته بحيث لا يعلمها أكثر الناس كالرواية -
وهي في العرف: اسم للمزادة - وفي الحقيقة اسم لما يستقى عليه من الحيوانات والظعينة في العرف:(4/350)
المرأة، وفي الحقيقة: اسم للناقة التي يظعن عليها والدابة في العرف اسم لذوات الأربع من الخيل والبغال والحمير وفي الحقيقة: اسم لما دب ودرج والعذرة والغائط في العرف: الفضلة المستقذرة وفي الحقيقة - العذرة: فناء الدار الغائط: المطمئن من الأرض فهذا وأمثاله تنصرف يمين الحالف إلى مجازه دون حقيقته فإن حلف على وطء امرأة تعلقت يمينه بجماعها ولا يشم الريحان فشم الورد والبنفسج والياسمين ولو يابسا - حنث ولا يشم الورد والبنفسج فشم دهنهما أو شم ماء الورد حنث ولا يشم طيبا فشم نبتا ريحه طيب حنث: لا فكاهة ولا يأكل رأسا - حنث بأكل كل رأس حيوان من الإبل الصيود وبأكل رؤوس طيور وسمك وجراد ولا يأكل بيضا حنث بأكل كل بيض يزايل بائضه: كثر وجوده كبيض الدجاج أو قل كبيض النعام لأنه العرف ولا يحنث بأكل بيض السمك والجراد ولو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء ملحا أو ماء نجسا أو لا يأكل خبزا فأكل خبز الأرز أو الذرة أو غيرهما في مكان: يعتاد أكله أولا - حنث ولا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو الكعبة أو بيت رحا أو حماما ابيت شعر أو أدم أو خيمة - حنث: حضريا كان الحالف أو بدويا: لا إن دخل دهليز الدار أو صفتها ولا يركب فركب سفينة حنث ولا يتكلم فقرأ ولو خارج للصلاة أو سبح الله لم يحنث وحقيقة الذكر ما نطق به فتحمل يمينه عليه قال أبو الوفاء: لو حلف لا يسمع كلام الله في فسمع القرآن حنث إجماعا، وإن(4/351)
استؤذن عليه فقال: أدخلوها بسلام آمنين يقصد القرآن لينبهه لم يحنث وإلا حنث وليضربنه مائة سوط أو عصا أو ليضربنه مائة ضربة أو مائة مرة فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبرأ ويبرأ بمائة ضربة مؤلمة وإن قال: بمائة سوط بر وإن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها تأليما لا تلذذا - حنث ولو لم ينو في يمينه وإن حلف ليضربنها ففعل ذلك بر ولا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره: مثل أن لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر معه فيه أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا أو لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر أو لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث وإن ظهر له شيء من المحلوف عليه حنث ولا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه فأكله - حنث ولا يأكل ولا يشرب فمص قصب السكر أو الرمان ونحوه لم يحنث وكذا لا يأكل سكرا فتركه في فيه حتى ذاب وابتلعه ولا يطعمه حنث بأكله وشربه ومصه وإن ذاقه ولم يبلعه لم يحنث ولا يذوقه حنث بأكله وشربه لأنه ذوق وزيادة وكذلك إن مضغه ورمى به لأنه قد ذاقه ولا يأكل ولا يشرب من الكوز فصب منه في إناء وشرب لم يحنث عكسه إن اغترف بإناء من النهر أو البئر ولا يأكل من هذه الشجرة حنث بالثمرة فقط ولو لقطها من تحتها وليأكلن أكلة - بالفتح - لم يبرأ حتى يأكل ما يعده الناس أكلة والأكلة بالضم اللقمة ولا يتزوج ولا يتطهر: ولا يتطيب فاستدامه لم يحنث ولا يركب(4/352)
وهو راكب ولا يلبس، وهو لابس ولا يلبس من غزلها وعليه شيء منه أو لا يقوم ولا يقعد أو لا يستتر ولا يستقبل القبلة وهو كذلك فاستدام ذلك أو لا يدخل دار أو هو داخلها فأقام فيها أو لا يضاجعها على فراش وهما متضاجعان فاستدام أو ضاجعته ودام - حنث وكذا لا يطؤها أو لا يمسك أو لا يشاركه فدام ولا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام معه - حنث ما لم يكن له نية.(4/353)
فصل: - وإن حلف لا يسكن دارا هو ساكنها أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه
ولم يخرج في الحال بنفسه وأهله ومتاعه المقصود مع إمكانه - حنث: إلا أن يقيم لنقل متاعه أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى أن يمكنه الخروج بحسب العادة فلو كان ذا متاع كثير فنقله قليلا قليلا على العادة بحيث لا يترك النقل المعتاد لم يحنث وإن أقام أياما ولا يلزمه جمع دواب البلد لنقله ولا النقل وقت الاستراحة عند التعب ولا أوقات الصلوات وإن خرج دون متاعه وأهله حنث لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال: إلا أن يودع متاعه أو بعيره أو يزول ملكه عنه أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إرراهها أو كان له عائلة فامتنعوا ولا يمكنه إخراجهم فيخرج وحده - لم يحنث وإن أكره على المقام لم يحنث وكذا إن كان في جوف الليل في وقت لا يجد منزلا يتحول إليه أو يحول بينه وبين المنزل أبواب مغلقة لا يمكنه فتحها أو خوف على نفسه أو أهله أو ماله فأقام في طلب النقلة أو انتظار زوال المانع أو خرج طالبا النقلة فتعذرت عليه لكونه(4/353)
لا يجد مسكنا يتحول إليه لتعذر الكراء أو غيره أو لم يجد بهائم ينقل عليها ولم يمكنه النقلة بدونها فأقام ناويا للنقلة متى قدر عليها - لم يحنث وإن أقام أياما وليالي قال الشيخ: والزيارة ليست سكنى اتفاقا والسفر القصير سفر وإن حلف لا يساكنه فانتقل أحدهما لم يحنث: وإن بنيا بينهما حاجزا وهما على حالهما في المساكنة حنث لأنهما بتشاغلهما ببناء الحاجز قد تساكتا قبل وجوده بينهما وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها فسكن كل واحدة حجرة - لم يحنث وإن كانا في حرجة دار واحدة حالة اليمين فخرج أحدهما منها وقسماها حجرتين وفتحا لكل واحد منهما بابا وبينهما حاجز ثم سكن كل واحد منهما في حجرة لم يحنث وإن سكنا في دار واحدة: كل واحد في بيت ذي باب وغلق رجع إلى نيته بيمينه أو إلى سببها وما دلت عليه قرائن أحاله في المحلوف على المساكنة فيه فإن عدم ذلك حنث وإن حلف لا ساكنت فلانا في هذه الدار وهما غير متساكنين فبنيا بينهما حائطا وفتح كل واحد منهما بابا لنفسه وسكناها - لم يحنث وليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله - بر وليخرجن أو ليدخلن من هذه الدار فخرج دون أهله لم يبر: كحلفه لا يسكنها أو لا يأويها أو لا ينزلها وليخرجن أو ليرجلن من البلد أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فله العود إن لم تكن نية ولا سبب.(4/354)
فصل: - وإن حلف لا يدخل دارا فحمل بغير إذنه فأدخلها وأمكنه الامتناع فلم يمتنع -
حنث وبضرب ونحوه فدخل لم يحنث(4/354)
ويحنث بالاستدامة بعد الإكراه وإن حلف لا يستخدمه فخدمه وهو ساكت - حنث ولو كان الخادم عبده وليشرين هذا الماء غدا أو ليضربن غلامه غدا فتلف المحلوف عليه ولو بغير اختياره قبل الغد أو فيه ولو قبل التمكن من فعله أو أطلق ولم يقيده بوقت فتلف قبل فعله حنث حال تلفه وإن مات الحالف قبل الغد أو جن فلم يفق إلا بعد خروج الغد لم يحنث وإن ضربه قبله أو فيه ضربا لا يؤلمه أو بعد موت الغلام أو أفاق الحالف من جنونه في الغد ولو جزءا يسيرا أو مات فيه أو هرب الغلام أو مرض هو أو الحالف فلم يقدر على ضربه - حنث وإن جن الغلام وضربه فيه - بر وإن ضربه في الغد أو خنقه أو نتف شعره أو عصر ساقه بحيث يؤلمه - بر وإن حلف ليضربن هذا الغلام اليوم أو ليأكلن هذا الرغيف اليوم فمات الغلام أو أتلف الرغيف أو مات الحالف - حنث ولا يكفل بمال فكفل ببدن وشرط البراءة لم يحنث وإن حلف من عليه الحق ليقضينه حقه فأبرأه أو أخذ عنه عوضا لم يحنث وإن حلف من عليه الحق ليقضينه حقه فأبرأه أو أخذ عنه عوضا لم يحنث وإن مات المستحق للحق فقضى ورثته لم يحنث وليقضينه حقه غدا فأبرأه اليوم أو قبل مضيه أو مات ربه فقضاه لورثته - لم يحنث وليقضينه حقه عند رأس الهلال أو مع رأسه أو إلى رأسه أو استهلاله أو عند رأسه أو مع رأسه فقضاه عند غروب الشمس من آخر الشهر - بر وإلا فلا ولو شرع في عده أو كيله أو وزنه أو ذرعه فتأخر القضاء لم يحنث: كما لو حلف ليأكلن هذا الطعام في هذا الوقت فشرع في أكله فيه وتأخر الفراغ(4/355)
لكثرته ولا أخذت حقك مني فأكرهه على دفعه أو أخذه حاكم فدفعه إلى غريمه فأخذه حنث: كلا تأخذ حقك على: لا أن أكره قابضه ولا أن وضعه الحالف بين يديه أو في حجره فلم يأخذه الغريم لأنه لا يضمن مثل هذا المال ولا صيد يحنث لو كانت يمينه لا أعطيك لأنه يعد إعطاء إذ هو تمكين وتسليم بحق فهو كتسليم ثمن ومثمن وأجرة وزكاة ولا أفارقك حتى أستوفي حقي منك ففارقه مختارا: أبرأه من الحق أو بقي عليه أو أذن الحالف أو فارقه من غير إذن أو هرب على وجه يمكنه ملازمته والمشي معه أو أحاله الغريم بحقه أو فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه أو كمن فارقه لعلمه بوجوب مفارقته إلا أن يهرب منه بغير اختياره أو قضاه عن حقه عرضا ثم فارقه: كلا فارقتك حتى تبرأ من حقي أن ولي قبلك حق وإن قاضه قدر حقه ففارقه ظنا أنه قد وفاه فخرج رديئا أو مستحقا فكناس وفعل وكيل كهو فلو وكل في استيفاء حقه ففارقه الموكل قبل استيفاء الوكيل حنث وإن فارقه مكرها بمخوف كالجاء بسبيل ونحوه أو تهديد بضرب ونحوه لم يحنث ولا فارقتني ففارقه الغريم أو الحالف طوعا حنث لا كرها ولا افترقنا فهرب حنث: لا إن أكرها ولا فارقتك حتى أوفيك حقك فأبرأه الغريم منه فكمكره وإن كان الحق عينا فوهبها له الغريم فقبلها حنث وإن قبضها منه ثم وهبها إياه لم يحنث وإن كانت يمينه لا أفارقك ولك في قبلي حق لم يحنث إذا أبرأه أو وهب العين له أو أحاله وقدر الفرقة ما عده الناس فراقا: كفرقة البيع وما نواه بيمينه مما يتحمله لفظه فهو على ما نواه وتقدم ما له تتعلق بهذا الباب في الطلاق(4/356)
باب النذر
مدخل
...
باب النذر
وهو مكروه ولو عبادة لا يأتي بخير ولا يرد قضاء وهو إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى بالقول شيئا غير لازم بأصل الشرع: كعلي لله أو نذرت لله ونحوه فلا تعتبر له صيغة ويصح من كافر بعبادة فإن نواه الناذر من غير قول لم يصح: كاليمين وينعقد في واجب: كلله علي صوم رمضان ونحوه فيكفر إن لم يصمه: كحلفه عليه وعند الأكثر لا: كلله علي صوم أمس ونحوه من المحال.
والنذر المنعقدة أقسام:
أحدها: المطلق: كعلي نذر أو لله علي نذر: أطلق أو قال: إن فعلت كذا ولم ينو شيئا فيلزمه كفارة يمين.
الثاني: نذر اللجاج والغضب وهو تعليقه بشرط يقصد المنع منه أو الحمل عليه والتصديق عليه: كقوله إن كلمتك أو إن لم أضربك فعلي الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو مالي صدقة أو إن لم أكن صادقا فعلي صوم كذا فيخير بين فعله وكفارة يمين إذا وجد الشرط ولا يضر قوله علي مذهب من يلزم بذلك أو لا أقلد من يرى الكفارة ونحوه لأن الشرع لا يتغير بتوكيد ذكره الشيخ ولو علق الصدقة به ببيعه والمشتري علق الصدقة به بشرائه فاشتراه - كفر كل منهما كفارة يمين ومن حلف فقال: علي عتق رقبة فحنث فعليه كفارة يمين.
الثالث: نذر المباح: كقوله: لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي فيخير بين فعله وكفارة يمين: كما لو حلف ليفعلنه فلم يفعل(4/357)
الرابع: نذر مكروه: كطلاق ونحوه فيستحب أن يكفر ولا يفعله فإن فعله فلا كفارة عليه.
الخامس: نذر المعصية: كشرب الخمر وصوم يوم الحيض والنفاس ويوم العيد وأيام التشريق فلا يجوز الوفاء به ويقضى الصوم ويكفر فإن وفى به أثم ولا كفارة.
ومن نذر ذبح معصوم ولو نفسه كفر كفارة يمين فإن نذر ذبح ولده وكان له أكثر من ولد ولم يعين واحدا ولا قوله لزمه بعددهم كفارات فإن نذر فعل طاعة وما ليس بطاعة لزمه فعل الطاعة ويكفر لغيره ولو كان المتروك خصالا كثيرة أجزأته كفارة واحدة قال الشيخ: والنذر للقبور أو لأهل القبور كالنذر لإبراهيم الخليل والشيخ فلان نذر معصية لا يجوز الوفاء به وإن تصدق بما نذره من ذلك على من يستحقه من الفقراء والصالحين كان خيرا له عند الله وأنفع وقال فيمن نذر قنديل نقد للنبي صلى الله عليه وسلم: يصرف لجيران النبي صلى الله عليه وسلم قيمته وأه أفضل من الختمة وقال: وأما من نذر للمساجد ما تنور به أو يصرف في مصالحها فهذا نذر بر فيوفى بنذره.
السادس: نذر التبرر كنذر الصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف وعيادة المريض والحج والعمرة ونحوها من القرب على وجه التقرب سواء نذره مطلقا أو معلقا: كقوله: إن شفى الله مريضي أو سلم مالي أو طلعت الشمس - فلله علي كذا أو فعلت كذا نحو تصدقت بكذا ونص عليه في: إن قدم فلان تصدقت بكذا - فهذا نذر وإن لم يصرح بذكر النذر لأن دلالة الحال تدل على إرادة(4/358)
النذر، فمتى وجد شرطه انعقد نذره ولزمه فعله ويجوز فعله قبله وقال الشيخ فيمن قال: إن قدم فلان أصوم كذا: "هذا نذر يجب الوفاء به مع القدرة لا أعلم فيه نزاعا ومن قال ليس بنذر فقد أخطأ" وقال قول القائل لئن ابتلاني الله لأصبرن ولئن لقيت العدو لأجاهدن ولو علمت أن العمل أحب إلى الله لعملته - نذر معلق بشرط: كقول الآخر: {لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} - الآية ونظير ابتداء الإيجاب لقاء العدو ويشبهه سؤال الإمارة فإيجاب المؤمن على نفسه إيجاب لم يحتج إليه بنذر وعهد وطلب وسؤال جهل منه وظلم وقوله: لو ابتلاني الله لصبرت ونحو ذلك: إن كان وعدا أو التزاما ما فنذر وإن كان خبرا عن الحال ففيه تزكية النفس وجهل بحقيقة حالها انتهى".
ومن نذر التبرر أو حلف بقصد التقرب: كقوله: والله إن سلم مالي لأتصدقن بكذا فوجد الشرط لزمه ومن نذر الصدقة بكل ماله أو بمعين وهو كل ماله أو بألف ونحوه وهو كل ماله أو يستغرق كل ماله - نذر قربة لا لحاج وغضب - أجزأه ثلثه ولا كفارة وإن نوى عينا أو مالا دون مال كصامت أو غيره أخذ بنيته لأن الأموال تختلف عند الناس وثلث المال معتبر بيوم نذره ولا يدخل ما تجدد له من المال بعده وإن نذر الصدقة بمال ونيته ألف مختصة يخرج ما شاء ومصرفه للمساكين كصدقة مطلقة وإن نذر الصدقة ببعض ماله وبألف وليست كل ماله - لزمه جميع ما نذره ولو نذر الصدقة بقدر من المال فأبرأ غريمه من نذره يقصد به وفاء النذر لم يجزئه إن كان الغريم من أهل(4/359)
الصدقة فإن أخذ منه ثم دفعه إليه أجزأ وتجب كفارة النذر على الفور وتقدم آخر كتاب الأيمان وإن نذر صياما أو صيام نصف يوم أو ربعه ونحوه لزمه صوم يوم بينة من الليل وإن نذر صلاة وأطلق فركعتان قائما لقادر لأن الركعة لا تجزئ في فرض وإن عين عددا أو نواه لزمه: قل أو كثر وإن نذر عتق عبد معين فمت قبل عتقه لم يلزمه عتق غيره ويكفر وإن قتله السيد فالكفارة فقط وإن أتلفه غيره فكذلك وللسيد القيمة ولا يلزمه صرفها في العتق وإن نذر صوم سنة معينة لم يدخل في نذره رمضان ويوما العيدين وأيام التشريق كالليل وإن قال: سنة وأطلق لزمه التتابع كما في شهر مطلق ويأتي ويصوم اثني عشر شهرا سوى رمضان وأيام النهى ولو شرط التتابع وإن قال: سنة من الآن أو من وقت كذا فكمعينة وإن نذر صوم الدهر لزمه وإن أفطر كفر فقط بغير صوم ولا يدخل رمضان ويوم النهى ويقضى فطره منه لعذره ويصام لظهار ونحوه منه ويكفر مع صوم ظهار فقط وإن نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض أو أيام التشريق أفطر وقضى وكفر وإن نذر أن يصوم يوما معينا أبدا ثم جهل فقال الشيخ: يصوم يوما من الأيام مطلقا - أي يوم كان انتهى وقيا المذهب وعليه كفارة للتعيين.(4/360)
فصل: - وإن نذر صوم يوم يقدم فلان
فقدم ليلا فلا شيء عليه ويستحب صوم يوم صبيحته وإن قدم نهارا أو مفطرا أو يوم عيد أو حيض أو نفاس - قضى وكفر وإن قدم زيد وهو صائم وكان(4/360)
قد بيت النية بخبر سمعه صح صومه وأجزأه وإن نوى حين قدم لم يجزئه ويقضي ويكفر وإن وافق قدومه يوما من رمضان فعليه القضاء والكفارة وإن وافق قدومه وهو صائم عن نذر معين أتمه ولا يلزمه قضاؤه ويقضي نذر القدوم كصوم في قضاء رمضان أو كفارة أو نذر مطلق ومثل ذلك في الحكم لو نذر صوم شهر من يوم يقدم فلان فقدم أول رمضان وعليه نذر الاعتكاف كالصوم وإن نذر صوم يوم أكل فيه فلغو وإن وافق يوم نذره وهو مجنون فلا قضاء عليه ولا كفارة وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه قضى متتابعا وكفر وإن أفطر منه لغير عذر استأنف شهرا من يوم فطره وكفر ولعذر يبني ويقضي ما أفطره متتابعا متصلا بتمامه ويكفر وإن صام قبله لم يجزئه كالصلاة وكذلك إن نذر الحج في عام فحج قبله: فإن كان نذره بصدقة مال جاز إخراجها قبل الوقت الذي عينه: كالزكاة ولو جن الشهر المعين كله لم يقضه ولم يكفر وصومه في كفارة الظهار في الشهر المنذور وكفطره فيه: ويبني من لا يقطع عذره تتابع صوم الكفارة وإن قال: لله علي الحج في عامي هذا فلم يحج لعذر أو غيره فعليه القضاء والكفارة وإن نذر صوم شهر مطلق لزمه التابع وهو مخير: إن شاء صام شهرا هلاليا من أوله ولو ناقصا وإن شاء ابتدأ من أثناء الشهر ويلزمه شهر بالعدد ثلاثون يوما فإن قطعه بلا عذر استأنفه ومع عذر يخير بينه بلا كفارة وبين البناء ويتم ثلاثين يوما ويكفر وإن نذر صيام أيام معدودة ولو ثلاثين يوما لم يلزمه تتابع إلا بشرط أو نية وإن نذر صياما متتابعا غير معين فأفطر لمرض يجب معه الفطر أو حيض - خير بين استئنافه(4/361)
ولا شيء عليه وبين البناء على صومه فيكفر وإن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف بلا كفارة وإن أفطر لسفر أو ما يبيح الفطر مع القدرة على الصوم لم ينقطع التتابع وإن نذر صياما فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أو نذره في حال عجزه أطعم لكل يوم مسكينا وكفر كفارة يمين وإن عجز لعارض يرجى برؤه انتظر زواله ولا يلزمه كفارة ولا غيرها وإن صار غير مرجو الزوال صار إلى الكفارة والفدية وإن نذر صلاة ونحوها وعجز فعليه كفارة يمين فقط وإن نذر حجا لزمه وإن نذر المشي أو الركوب إلى بيت الله الحرام أو موضع من الحرم كالصفا والمروة وأبي قيس أو مكة وأطلق أو قال: غير حاج ولا معتمر - لزمه إتيانه في حج أو عمرة من دويرة أهله - أي: مكانه الذي نذر فيه - إلا أن ينوي من مكان معين فيلزمه منه على صفة ما نذره من مشي أو ركوب إلى أن يسعى في العمرة أو يأتي بالتحللين في الحج ويحرم لذلك من الميقات فإن ترك المشي المنذور أو الركوب المنذور لعجز أو غيره فكفارة يمين فإن لم يرد بالمشي أو الركوب حقيقة ذلك إنما أراد إتيانه في حج أو عمرة لزمه إتيانه في ذلك ولم يتعين عليه مشي ولا ركوب وإن نذرهما إلى غير الحرم كعرفة ومواقيت الإحرام وغير ذلك لم يلزمه ذلك ويكون كنذر المباح ولو أفسد الحج المنذور ماشيا أو راكبا وجب قضاؤه ماشيا أو راكبا ويمضي في فاسدة ماشيا أو راكبا حتى يحل منه وإن فاته الحج سقط توابع الوقوف والمبيت بمزدلفة وبمنى والرمي وتحلل بعمرة وإن نذر أن يأتي بيت الله الحرام أو يذهب إليه أو بحجة أو يزوره لزمه ذلك: إن شاء ماشيا وإن شاء راكبا ولو نذر(4/362)
المشي إلى مسجد المدينة أو الأقصى لزمه ذلك وأن يصلي فيه ركعتين وإن نذر إتيان مسجد سوى المساجد الثلاثة ماشيا أو راكبا لم يلزمه إتيانه وإن نذر الصلاة فيه لزمته الصلاة فيصليها في أي مكان شاء ولا يلزمه المشي إليه والصلاة فيه وإن نذر المشي إلى بيت الله ولم يعين بيتا ولم ينوه انصرف إلى بيت الله الحرام وإن نذر طوافا أو سعيا فأقله أسبوع وتقدم نذر الصلاة في المساجد الثلاثة في باب الاعتكاف وإن نذر رقبة فهي التي تجزئ في الكفارة على ما تقدم في الظهار: إلا أن ينوي رقبة بعينها فيجزئه ما عينه لكن لو مات المنذور المعين أو أتلفه قبل عتقه لزمه كفارة يمين بلا عتق كما تقدم في الباب وإن نذر الطواف على أربع - طاف طوافين والسعي كالطواف وكذا لو نذر طاعة على وجه منهي عنه كنذره صلاة عريانا أو حجا حافيا حاسرا أو نذرت الحج حاسرة ونحوه فيفي بالطاعة على الوجه المشروع وتلغى تلك الصفة ويكفر وتقدم معناه ولا يلزم الوفاء بالوعد ويحرم بلا استثناء.(4/363)
كتاب القضاء والفتيا
*
مدخل
...
كتاب القضاء والفتيا
والقضاء - جمعة أقضية وهو: الإلزام وفصل الخصومات وهو فرض كفاية كالإمامة وإذا أجمع أهل بلد على تركه أثموا وولايته رتبة دينية ونصبة شرعية وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به وأداء الحق(4/363)
فيه قال الشيخ: والواجب اتخاذها دينا وقربة فإنها من أفضل القربات وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرياسة والمال بها انتهى وفيه خطر عظيم ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه فمن عرف الحق ولم يقض به أو قضى على جهل ففي النار ومن عرف الحق وقضى به ففي الجنة ويجب على الإمام أن ينصب في كل أقليم قاضيا وأن يختار لذلك أفضل من يجد علما وورعا وإن لم يعرف سأل عمن يصلح فإن ذكره له من لا يعرفه أحضره وسأله فإن عرف عدالته وإلا بحث عنها فإذا عرفها ولاه ويأمره بتقوى الله وإيثار طاعته في سره وعلانيته ويتحرى العدل والاجتهاد في إقامة الحق ويكتب له بذلك عهدا وأن يستخلف في كل صقع أصلح من يقدر عليه وعلى من يصلح له إذا طلب ولم يوجد غيره من يوثق به - الدخول فيه: إن لم يشغله عما هو أهم منه ولا يجب عليه طلبه ومن لا يحسنه ولم تجتمع فيه شروطه حرم عليه الدخول فيه ومن كان من أهله ويوجد غيره مثله فله أن يليه ولا يجب عليه والأولى أن لا يجيب إذا طلب ويكره له طلبه وكذلك الإمارة وطريقة السلف الامتناع وإن لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره حرم وتأكد الامتناع ويحرم بذل المال في ذلك ويحرم أخذه وطلبه وفيه مباشرة أهل له وتصح تولية مفضول مع وجود أفضل ولا تثبت ولاية القضاء إلا بتولية الإمام أو نائبه ومن شروط صحتها معرفة المولى كون المولى على صفة تصلح للقضاء وتعيين ما يوليه الحكم فيه من الأعمال والبلدان ومشافهته بالولاية في المجلس ومكاتبته بها في البعد(4/364)
وإشهاد عدلين على توليته فيقرأ أو نائبه عليهما العهد أو يقرأه غيره بحضرته ليمضيا معه إلى بلد توليته فيقيما له الشهادة ويقول لهما: أشهدا على أني قد وليته قضاء البلد الفلاني وتقدمت عليه بما يشتمل هذا العهد عليه ولا تصح الولاية بمجرد الكتابة من غير إشهاد وإن كان البلد قريبا من بلد الإمام يستفيض إليه ما يجري في بلد الإمام: نحو أن يكون بينهما خمسة أيام فما دونها - جاز أن يكتفي بالاستفاضة دون الشهادة: كالكتابة والإشهاد ولا تشترط عدالة المولي بكسر اللام ولو كان نائب الإمام وألفاظ التولية الصحيحة سبعة: وليتك الحكم وقلدتك واستنبتك واستخلفتك ورددت إليك وفوضت إليك وجعلت إليك الحكم فإذا وجد أحدها وقبل المولى الحاضر في المجلس أو الغائب بعده أو شرع الغائب في العمل انعقدت والكناية نحو: اعتمدت عليك وعولت عليك ووكلت إليك وأسندت الحكم إليك فلا تنعقد حتى تقترن بها قرينة نحو فاحكم أو فتول ما عولت عليك وما أشبه.(4/365)
فصل: - وتفيد ولاية الحكم العامة
ويلزم بها فصل الخصومات واستيفاء الحق ممن هو عليه ودفعه إلى ربه والنظر في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء والحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو فلس والنظر في الوقوف في عمله لتجرى بإجرائها على شرط الواقف وتنفيذ الوصايا وتزويج النساء اللاتي لا ولي لهن وإقامة الحدود وإقامة الجمعة بالإذن في إقامتها ونصب إمامها وكذا العيد ما لم يخصا بإمام، والنظر(4/365)
في مال الغائب، وجباية الخراج وأخذ الصدقة إن لم يخصا بعامل والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن طرقات المسلمين وأفنيتهم وتصفح حال شهوده وأمنائه ليستبقي ويستبدل من يصلح قال في التبصرة: ويستفيد الاحتساب على الباعة والمشترين وإلزامهم بالشرع قال الشيخ: ما يستفيده بالولاية لا حد له شرعا بل يتلقى من الألفاظ والأحوال والعرف ولا يحكم ولا يسمع بينة في غير عمله وهو محل حكمه فإن فعل لغا وتجب إعادة الشهادة كتعديلها وله طلب الرزق من بيت المال لنفسه وأمنائه وخلفائه مع الحاجة وعدمها فإن لم يجعل له شي وليس له ما يكفيه وقال للخصمين: لا أقضي بينكما إلا بجعل جاز ولا يجوز الاستئجار على القضاء وللمفتي أخذ الرزق من بيت المال ولو تعين عليه أن يفتي لا كفاية - لم يأخذ ومن أخذ رزقا لم يأخذ وإلا أخذ أجرة حظه وعلى الإمام أن يفرض من بيت المال لمن نصب نفسه لتدريس العلم والفتوى في الأحكام ما يغنيه عن التكسب.(4/366)
فصل: - ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل:
بأن يوليه القضاء في كل البلدان وأن يوليه خاصا في أحدهما أو فيهما فيوليه النظر في بلد أو محلة خاصة فينفذ قضاؤها في أهله ومن طرأ إليه: لكن لو أذنت له في تزويجها فلم يزوجها حتى خرجت من عمله لم يصح تزويجه كما لو أذنت له في غير عمله ولو دخلت بعد إلى عمله: فإن قالت: إذا حصلت في عملك فقد أذنت لك فزوجها في عمله - صح بناء على جواز تعليق الوكالة(4/366)
بالشرط، أو يجعل إليه الحكم في المداينات خاصة أو في قدر المال لا يتجاوزه أو يفوض إليه عقود الأنكحة دون غيرها ويجوز أن يولي من غير مذهبه وإن نهاه عن الحكم في مسئلة فله الحكم بها ويجوز أن يولي قاضيين فأكثر في بلد واحد: يجعل لكل واحد منهما عملا: سواء كان المولى الإمام أو القاضي ولى خلفاءه مثل: أن يجعل إلى أحدهما الحكم بين الناس وإلى الآخر عقود الأنكحة فإن جعل إليهما عملا واحدا جاز فيحكم كل واحد باجتهاده وليس للآخر الاعتراض عليه ولا نقض حكمه فإن تنازع خصمان في الحكم عند أحدهم قدم قول الطالب ولو عند نائب فلو تساويا في الدعوى كالمدعين اختلفا في ثمن مبيع باق - اعتبر أقرب الحاكمين إليهما فإن استويا أقرع بينهما ولا يجوز أن يقلد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه فإن فعل بطل الشرط وعمل الناس على خلافه: كما يأتي قريبا قال الشيخ من أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن قال: ينبغي كان جهلا ضالا قال: ومن كان متبعا للإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو يكون أحدهما أعلم أو أتقى فقد أحسن ولم يقدح في عدالته قال: وفي هذه الحال يجوز عند أئمة الإسلام بل يجب وأن أحمد نص عليه ويجوز أن يفوض الإمام إلى إنسان تولية القضاء وليس له أن يولي نفسه ولا والده ولا ولده: كما لو وكله في الصدقة بمال لم يجز له أخذه ولا دفعه إلى هذين فإن مات المولي - بكسر اللام - أو عزل المولى - بفتحها - مع صلاحيته لم تبطل ولايته: كما لو عزل الإمام، لأنه(4/367)
نائب المسلمين لا نائبه وكذا كل عقد لمصلحة المسلمين: كوال ومن ينصبه لجباية مال وصرفه وأمير جهاد ووكيل بيت المال ومحتسب قاله الشيخ وقال: الكل لا ينعزل بانعزال المستتيب وموته حتى يقوم غيره مقامه انتهى ولا يبطل ما فرضه فارض في المستقبل ولا ينعزل حيث صح عزله قبل علمه بالعزل فليس كوكيل فإن كان المستتيب قاضيا فعزل نوابه أو زالت ولايته بموت أو عزل أو غيره: كما لو اختل فيه بعض شروطه - انعزلوا ومن عزل نفسه انعزل ولو أخبر بموت قاضي بلد فولى غيره فبان حيا لم ينعزل ويستحب أن يجعل للقاضي أن يستخلف وإن نهاه عن الاستخلاف لم يكن له أن يستخلف وإن أطلق فله ذلك ويصح تولية قضاء وإمارة بشرط فإذا قال المولى من نطر في الحكم في البلد الفلاني من فلان وفلان خليفتي أو فقد وليته لم تنعقد لمن ينظر لجهالة المولى منهما وإن قال: وليت فلانا وفلانا فمن نطر منهما فهو خليفتي انعقدت لمن سبق منهما النظر.(4/368)
فصل: - ويشترط في القاضي عشر صفات:
أن يكون بالغا عاقلا ذكرا حرا لكن تصح ولاية عبد إمارة سرية وقسم صدقه وفئ وإمامة صلاة وأن يكون مسلما عدلا ولو تائبا من قذف فلا تجوز تولية فاسق ولا من فيه نقص يمنع الشهادة وأن يكون سميعا بصيرا ناطقا مجتهدا ولو في مذهب إمامه لضرورة واختار في الإفصاح والرعاية أو مقلدا وعليه عمل الناس من مدة طويلة وإلا تعطلت أحكام الناس وكذا المفتي فيراعي كل منهما ألفاظ إمامه ومتأخر يقلد كبار(4/368)
مذهب في ذلك، ويحكم به ولو اعتقد خلافه لأنه مقلد قال الشيخ: منصب الاجتهاد ينقسم حتى لو ولاه في المواريث لم يجب أن يعرف إلا الفرائض والقضايا وما يتعلق بذلك وإن ولاه عقود الأنكحة وفسخها لم يجب أن يعرف إلا ذلك وعلى هذا فقضاة الأطراف يجوز أن لا يقضوا في الأمور الكبار: كالدماء والقضايا المشكلة وعلى هذا لو قال: اقض فيما نعلم كما يقول له فيما تعلم - جاز ويبقى ما لا يعلم خارجا عن ولايته انتهى ومثله لا تقض فيما مضى له عشر سنين ونحوه ويحرم الحكم والفتيا بالهوى إجماعا وليحذر المفتي أن يميل في فتياه مع المستفتي أو مع خصمه مثل: أن يكتب في جوابه ما هو له دون أن يكتب ما هو عليه ونحو ذلك وليس له أن يبتدئ في مسائل الدعاوى والبينات بذكر وجوه المخالص منها وإن سأله بأي شيء تندفع دعوى كذا وكذا وبينة كذا وكذا لم يجب لئلا يتوصل بذلك إلى إبطال حق وله أن يسأله عن حاله فيما ادعى عليه فإذا شرحه به عرفه بما فيه من دافع وغير دافع ويحرم الحكم والفتيا بقول أو وجه من غير نظر في الترجيح إجماعا ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعا قاله الشيخ: ولا يشترط كون القاضي كاتبا أو ورعا أو زاهدا أو يقظا أو مثبتا للقياس أو حسن الخلق والأولى كونه كذلك قال الشيخ: الولاية لها ركنان: القوة والأمانة فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم والأمانة ترجع إلى خشية الله قال: وشروط القضاء تعتبر حسب الإمكان ويجب تولية الأمثل فالأمثل قال: وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره(4/369)
فيولى للعدم أنفع الفاسقين وأقلهما شرا وأعدل المقلدين وأعرفهما بالتقليد وهو كما قال: والشاب المتصف بالصفات المعتبرة كغيره: لكن الأسن أولى مع التساوي ويرجح أيضا بحسن الخلق ومن كان أكمل في الصفات ويولي المولى مع أهليته وما يمنع التولية ابتداء يمنعها دواما إذا طرأ ذلك عليه لفسق أو زوال عقل: إلا فقد السمع والبصر فيا ثبت عنده في حال سمعه وبصره فلم يحكم به حتى عمى أو طرش فإن ولاية حكمه باقية فيه ولو مرض مرضا يمنع القضاء تعين عزله وقال الموفق والشارح: ينعزل بذلك ويتعين على الإمام عزله انتهى والمجتهد من يعرف من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الحقيقة، والمجاز والأمر والنهي والمجمل والمبين والمحكم والمتشابه والخاص والعام والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمستثنى والمستثنى منه ويعرف من السنة صحيحها من سقيمها وتواترها من آحادها ومرسلها ومتصلها وسندها ومنقطعها مما له تعلق بالأحكام خاصة ويعرف ما اجتمع عليه مما اختلف فيه والقياس وحدوده وشروطه وكيفية استنباطه والعربية المتناولة بالحجاز والشام والعراق وما يواليها وكل ذلك مذكور في أصول الفقه وفروعه فمن عرف ذلك أو أكثره ورزق فهما - صلح للفتيا والقضاء.(4/370)
فصل: - كان السلف يأبون الفتيا،
ويشددون فيها ويتدافعونها وأنكر أحمد وغيره على من يهجم على الجواب وقال: لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى فيه وقال: إذا هاب الرجل شيئا(4/370)
لا ينبغي أن يحمل على أن يقول وقال: لا ينبغي للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أحدها: أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور الثاني: أن يكون له حلم ووقار وسكينة الثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته الرابعة: الكفاية وإلا بغضه الناس فنه ذا لم تكن له كفاية احتاج إلى الناس وإلى الأخذ مما في أيديهم الخامسة معرفة الناس أي: ينبغي له أن يكون بصيرا بمكر الناس وخداعهم ولا ينبغي له أن يحسن الظن بهم بل يكون حذرا فطنا لما يصورونه في سؤالاتهم والمفتي من يبين الحكم من غير إلزام والحاكم يبينه ويلزم به ويحرم أن يفتي في حال لا يحكم فيها: كغضب ونحوه فإن أفتى وأصاب صح وكره وتصح فتوى العبد والمرأة والأمي والأخرس المفهوم الإشارة أو الكتابة وتصح مع أخذ النفع ودفع الضرر ومن العدو وأن يفتي أباه وأمه وشريكه ومن لا تقبل شهادته له ولا تصح من فاسق لغيره وإن كان مجتهدا لكن يفتي نفسه ولا يسأله غيره ولا تصح من مستور الحال والحاكم كغيره في الفتيا ويحرم تساهل مفت وتقليد معروف به قال الشيخ: لا يجوز استفتاء إلا من يفتي بعلم أو عدل انتهى وليس لمن انتسب إلى مذهب إمام في مسئلة ذات قولين أو وجهين أن يتخير ويعمل بأيهما شاء1 وتقدم في الباب ويلزم المفتي تكرير النظر عند تكرار الواقعة وإن حدث ما لا قول فيه - تكلم فيه حاكم ومجتهد ومفت وينبغي له أن يشاور من عنده ممن يثق بعلمه إلا أن يكون في ذلك إفشاء
__________
1 يريد أن ينبه إلى أن الواجب العمل بأوفق الوجهين للكتاب والسنة: لا أن يختار أوفقهما لهواه.(4/371)
سر السائل أو تعريضه للأذى أو مفسدة لبعض الحاضرين وحقيق به أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلفت فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم" ويقول إذا أشكل عليه شيء "يا معلم إبراهيم علمني" وفي آداب المفتي: "ليس له أن يفتي في شيء من مسائل الكلام مفصلا بل يمنع السائل وسائر العامة من الخوض في ذلك أصلا وله تخيير من استتفتاه بين قوله وقول مخالفه ولا يلزم جواب ما لم يقع1: لكن يستحب إجابته ولا جواب ما لا يحتمله السائل ولا ما لا يقع فيه وإن جعل له أهل بلد رزقا ويتفرغ لهم جاز وله قبول هدية والمراد لا ليفتيه بما يريده مما لا يفتي به غيره وإلا حرمت ومن عدم مفتيا في بلده وغيره فله حكم ما قبل الشرع وقيل متى خلت البلد من مفت حرمت السكنى فيها وله رد الفتيا أخاف غائلتها أو كان في البلد من يقوم مقامه وإلا لم يجز لكن إن كان الذي يقوم مقامه معروفا عند العامة مفتيا وهو جاهل تعين الجواب على العالم قال في عيون المسائل: الحكم يتعين بولايته حتى لا يمكنه رد محتكمين إليه ويمكنه رد من يستشهره وإن كان محتملا شهادة فنادر أن لا يكون سواه وأما في الحكم فلا ينوب البعض عن البعض ولا يقول لمن ارتفع إليه امض إلى غيري من الحكام - انتهى" ومن قوى عند مذهب غير إمامه أفتى به وأعلم السائل قال أحمد: "إذا جاءت
__________
1 يريد: جواب السائل عن شيء لم يكن وقع.(4/372)
المسئلة ليس فيها أثر فأفت فيها بقول الشافعي ذكره النواوي في تهذيب الأسماء واللغات في ترجمة الشافعي ويجوز له العدول عن جواب المسئول عنه إلى ما هو أنفع للسائل وأن يجيبه بأكثر مما سأله وأن يدله على عوض ما منعه عنه وأن ينهيه على ما يجب الاحتراز عنه وإذا كان الحكم مستغربا وطأ قبله ما هو كالمقدمة له وله الحلف على ثبوت الحكم أحيانا وله أن يكذلك مع جواب من تقدمه بالفتيا فيقول: جوابي كذلك والجواب صحيح وبه أقول إذا علم صواب جوابه وكان أهلا وإلا اشتغل بالجواب معه في الورقة وإن لم يكن أهلا لم يفت معه لأنه تقرير لمنكر وإن لم يعرف المفتي اسم من كتب فله أن يمتنع من الفتيا معه خوفا مما قلناه والأولى أن يشير على صاحب الرقعة بإبدالها فإن أبى ذلك أجابه شفاها وإذا كان هو المبتدئ بالإفتاء في الرقعة كتب في الناحية اليسرى لأنه أمكن وإن كتب في الأيمن أو الأسفل جاز ولا يكتب فوق البسملة وعليه أن يختصر جوابه ولا بأس لو كتب بعد جوابه كما في الرقعة1: زاد السائل من لفظه كذا وكذا والجواب عنه كذا وإن انجر جهل لسان السائل أجزأت ترجمة واحد ثقة وإن رأى لحنا فاحشا في الرقعة أو خطأ يحيل المعنى أصلحه وينبغي أن يكتب الجواب بخط واضح وسطا ويقارب سطوره وخطه لئلا يزور أحد عليه ثم يتأمل الجناب بعد كتابته خوفا من غلط أو سهو ويستحب أن يكتب في فتواه: الحمد لله وفي آخرها: والله أعلم ونحوه وكتبه فلان الحنبلي أو الشافعي ونحوه، وإذا
__________
1 يريد: أن يكتب المفتي ما يدل على موافقته على إفتاء من سبقه.(4/373)
رأى خلال السطور أو في آخرها بياضا يحتمل أن يلحق به ما يفسد الجواب فليحترز منه فإما أن يأمره بكتابة غير الورقة أو يشغله بشيء وينبغي أن يكون جوابه موصلا بآخر سطر في الورقة ولا يدع بينهما فرجة خوفا من أن يكتب السائل فيها غرضا له ضارا وإن كان في موضع الجواب ورقة ملزوقة كتب على موضع الالتزاق وشغله بشيء وإذا سئل عن شرط واقف لم يفت بإلزام العمل به حتى يعلم هل الشرط معمول به في الشرع أو من الشروط التي لا تحل؟ مثل: أن يشرط أن تصلي الصلوات في التربة المدفون بها ويدع المسجد أو يشعل بها قنديل أو سراج أو وقف مدرسة أو رباطا أو زاوية وشرط أن المقيمين بها من أهل البدع كالشيعة والخوارج والمعتزلة والجهمية والمبتدعين في أعمالهم: كأصحاب الإشارات والملاذن وأهيل الحيات وأشباه الذباب المشتغلين بالأكل والشرب والرقص ولا يجوز أن يفتي فيما يتعلق باللفظ بما اعتاده هو من فهم تلك الألفاظ دون أن يعرف عرف أهلها والمتكلمين بها بل يحملها على ما اعتادوه وعرفوه وإن كان مخالفا لحقائقها الأصلية وإذا اعتدل عنده قولان من غير ترجيح فقال القاضي: يفتي بأيهما شاء ومن أراد كتابة على فتيا أو شهادة لم يجز أن يكبر خطه ولا أن يوسع السطور بلا إذن ولا حاجة ويكره أن يكون السؤال بخطه: لا بإملائه وتهذيبه وإذا كان في رقعة الاستفتاء مسائل فحسن أن يرتب الجواب على ترتيب الأسئلة وليس له أن يكتب الجواب على ما يعمله من صورة الواقعة إذا لم يكن في الرقعة(4/374)
تعرض له بل يذكر جوابه في الرقعة فإن أراد الجواب على خلاف ما فيها فليقل: وإن كان الأمر كذا فجوابه كذا ولا يجوز إطلاقه في الفتيا في اسم مشترك إجماعا بل عليه التفصيل: فلو سئل: هل له الأكل في رمضان بعد طلوع الفجر؟ فلا بد أن يقول: يجوز بعد الفجر الأول لا الثاني وأرسل أبو حنيفة إلى أبي يوسف يسأله عمن دفع ثوبا إلى قصار فقصره وجحده هل له أجرة إن عاد وسلمه إلى ربه - وقال: إن قال: نعم أو لا أخطأ - ففطن أبو يوسف وقال: إن قصره قبل جحوده فله وبعده لا لأنه قصره لنفسه وسأل أبو الطيب قوما عن بيع رطل تمر برطل تمر فقالوا: يجوز فخطأهم فقالوا: لا فخطأهم فقال: إن تساويا كيلا جاز ولا يجوز أن يلقي السائل في الحيرة مثل أن يقول في مسئلة في الفرائض: تقسم على فرائض الله أو يقول: فيها قولان ونحوه بل يبين له بيانا مزيلا للإشكال لكن ليس عليه أن يذكر المانع في الميراث من الكفر وغيره وكذلك في بقية العقود من الإجارة والنكاح وغير ذلك فلا يجب أن يذكر الجنون والإكراه ونحو ذلك والعامي يخير في فتواه فيقول: مذهب فلان كذا ويقلد العامي من عرفه عالما عدلا أو رآه منتصبا معظما ولا يقلد من عرفه جاهلا عند العلماء ويكفيه قوله عدل خبير قال ابن عقيل: يجب سؤال أهل الفقه والخبر فإن جهل عدالته لم يجز تقليده ويقلد ميتا وهو كالإجماع في هذه الأعصار وقبلها ويحفظ المستفتى الأدب مع المفتي ويجله ولا يومي بيده في وجهه ولا يقول: ما مذهب إمامك(4/375)
في كذا؟ وما تحفظ في كذا؟ أو أفتاني غيرك أو فلان بكذا أو قلت أنا أو وقع لي أو إن كان جوابك موافقا فاكتب لكن إن علم غرض السائل في شيء لم يجز أن يكتب بغيره ويكره أن يسأله في حال ضجر أو هم أو قيامه أو نحوه ولا يطالبه بالحجة ويجوز تقليد المفضول من المجتهدين ولزوم التمذهب بمذهب وامتناع الانتقال إلى غيره - إلا شهر عدمه ولا يجوز له ولا لغيره تتبع الحيل المحرمة والمكروهة ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه فإن تتبع ذلك فسق وحرم استفتاؤه وإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخلص المستفتي بها من حرج جاز: كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم بلالا رضي الله عنه إلى بيع التمر بدراهم ثم يشتري بالدراهم تمر آخر فيتخلص من الربا وإذا استفتي واحدا أخذ بقوله ويلزمه بالتزامه ولو سال مفتيين فأكثر فاختلفا عليه تخير فإن لم يجد إلا مفتيا واحدا لزمه قبوله وله العمل بخط المفتي وإن لم يسمع الفتوى من لفظه إذا عرف أنه خطه.(4/376)
فصل: - وإن تحاكم شخصان إلى رجل يصلح للقضاء فحكماه بينهما فحكم نفذ حكمه:
في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان وغيرها حتى مع وجود قاض فهو كحاكم الإمام ويلزم من كتب إليه بحكمه القبول وتنفيذه: كحاكم الإمام ولا يجوز نقض حكمه فيما لا ينقض حكم من له ولاية: ولكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه في الحكم لا بعده وقبل تمامه وقال الشيخ: وإن حكم(4/376)
أحدهما خصمه أو حكما مفتيا في مسئلة اجتهادية جاز وقال: يكفي وصف القصة وقال: العشر صفات التي ذكرها في المحرر في القاضي لا تشترط فيمن يحكمه الخصمان وقال في عمد الأدلة بعد ذكر التحكيم وكذا يجوز أن يتولى مقدمو الأسواق والمساجد والواسطات والصلح عند الفورة والمخاصمة وصلاة الجنازة وتفويض الأموال إلى الأوصياء وتفرقة زكاته بنفسه وإقامة الحدود على رقيقه وخروج طائفة إلى الجهاد والقيام بأمر المساجد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعزير لعبيد وإماء وأشباه ذلك.(4/377)
باب آداب القاضي
مدخل
...
باب آداب القاضي
وهو أخلاقه التي ينبغي التخلق بها والخلق: صورته الباطنة
ينبغي أن يكون قويا من غير عنف لينا من غير ضعف حليما متأنيا ذا فطنة وتيقظ بصيرا بأحكام الحكام قبله يخاف الله تعالى ويراقبه لا يؤتى من غفلة ولا يخدع لغرة صحيح البصر والسمع عالما بلغات أهل ولايته عفيفا ورعا نزها بعيدا عن الطمع صدوق اللهجة لا يهزل ولا يمجن ذا رأي ومشورة لكلامه لين إذا قرب وهيبة إذا أوعد وفاء إذا وعد ولا يكون جبارا ولا عسوفا وله أن ينتهر الخصم إذا التوى ويصيح عليه وإن استحق التعزير عزره بما يرى من أدب أو حبس وإن افتات عليه بأن يقول: حكمت علي بغير الحق أو ارتشيت - فله تأديبه وله أن يعفو وإن بدأ المنكر باليمين قطعها عليه وقال: البينة على خصمك فإن عاد نهره فإن عاد(4/377)
عزره إن رأى، وأمثال ذلك مما فيه إساءة الأدب وإذا ولي في غير بلده فأراد المسير إليه استحب له أن يبحث عن قوم من أهل ذلك البلد إن وجد ليسألهم عنه وعن علمائه وعدوله وفضلائه ويتعرف منهم ما يحتاج إلى معرفته فإن لم يجد ولا في طريقه سأل إذا دخل وإذا قرب منه بعث من يعلم بقدومه ليتلقوه من غير أن يأمرهم بتلقيه ويدخل البلد يوم الاثنين أو الخميس أو السبت ضحوة لابسا أجمل ثيابه وفي التبصرة: وكذا أصحابه وإن جميعها سود وإلا فالعمامة وظاهر كلامهم غير السواد أولى ولا يتطير بشيء وإن تفاءل فحسن فيأتي الجامع يصلي فيه ركعتين ويجلس مستقبل القبلة فإذا اجمع الناس أمر بعهده فقرئ عليهم وليقل من كلامه إلا لحاجة يأمر من ينادي بيوم جلوسه للحكم ثم ينصرف إلى منزله الذي أعد له وأول ما يبدأ به أن يبعث إلى الحاكم المعزول فيأخذ منه ديوان الحكم ويلزمه تسليمه إليه وهو ما فيه وثائق الناس من المحاضر - وهي نسخة ما ثبت عند الحاكم - والسجلات - وهي نسخ ما حكم به - وليأمر كاتبا ثقة يكتب ما يسجله بمحضره عدلين ثم يخرج يوم الوعد على أعدل أحواله غير غضبان ولا جائع ولا شبعان ولا حاقن ولا مهموم بأمر يشغله عن الفهم: كالعطش والفرح الشديدين والحزن الكثير والهم العظيم والوجع المؤلم والنعاس الذي يغمر القلب ويسلم عل من يمر عليه ولو صبيانا ثم عل من في مجلسه ويصلي تحية المسجد إن كان في مسجد وإلا خير والأفضل الصلاة ويجلس على بساط أو لبد، أو(4/378)
غيره يفرش له في مجلس حكمه بسكينة ووقار ولا يجلس على التراب ولا على حصر المسجد لأن ذلك يذهب بهيبته من أعين الخصوم ويستعين بالله ويتوكل عليه ويدعوه سرا أن يعصمه من الزلل ويوفقه للصواب ولما يرضيه ويجعل مجلسه في مكان فسيح كجامع ويصونه عما يكره فيه أو فضاء واسع أو دار واسعة في وسط البلدان أمكن ولا يكره القضاء في الجوامع والمساجد ولا يتخذ في مجلس الحكم حاجبا ولا بوابا ندبا بلا عذر وفي الأحكام السلطانية: ليس له تأخير الخصومة إذ تنازعوا إليه - بلا عذر ولا له أن يحتجب إلا في أوقات الاستراحة ويعرض القصص فيبدأ بالأول فالأول ويكون له من يرتب الناس إذ كثروا فيكتب الأول فالأول ويجب تقديم السابق على غيره فإذا حكم بينه وبين خصمه فقال: لي دعوى أخرى لم تسمع منه ويقول له: اجلس إذا لم يبق أحد من الحاضرين نظرت في دعواك الأخرى إن أمكن فإذا فرغ الكل فقال الأخير بعد فصل حكومته: لي دعوى أخرى - لم تسمع منه حتى يسمع دعوى الأول الثانية ثم تسمع دعواه وإن ادعى المدعي عليه على المدعى عليه حكم بينهما لأننا إنما نعتبر الأول فالأول في المدعي: لا في المدعى عليه وإذا تقدم الثاني فادعى على المدعي الأول والمدعى عليه الأول حكم بينهما وإن حضر اثنان أو جماعة دفعة واحدة أقرع بينهم فقدم من خرجت له القرعة وإن كثر عددهم كتب أسماءهم في رقاع وتركها بين يديه ومد يده فأخذ رقعة واحدة بعد أخرى ويقدم صاحبها حسبما يتفق(4/379)
فصل: - ويلزمه العدل بين الخصمين في لحظه ولفظه ومجلسه والدخول عليه: إلا أن يكون أحدهما كافرا فيقدم المسلم عليه في الدخول ويرفعه في الجلوس أو يأذن له أحد الخصمين في رفع الخصم الآخر عليه في المجلس فيجوز وإذا سلم عليه أحدهما رد عليه ولا ينتظر سلام الثاني وله القيام السائغ وتركه لا مسارة أحدهما وتلقينه حجته وتضييفه إلا أن يضيف خصمه معه وتعليمه كيف يدعي إذا لم يلزم ذكره فإن لزم كشرط عقد أو سبب ونحوه ولم يذكره المدعي فله أن يسأل ليتحرى عنه وله أن يشفع إلى خصمه لينظره أو يضع عنه وله أن يزن عنه ويكون بعد انقضاء الحكم وينبغي أن يحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب إن أمكن: يشاورهم فيما أشكل عليه فإن حكم باجتهاده فليس لأحد منهم الاعتراض عليه وإن خالف اجتهاده إلا أن يحكم بما يخالف نصا أو إجماعا ويشاور الموافقين والمخالفين ويسألهم عن حججهم لاستخراج الأدلة وتعرف الحق بالاجتهاد قال أحمد رضي الله عنه: ما أحسنه لو فعله الحكام يشاورون وينظرون فإن اتضح له الحكم وإلا أخره فلو حكم ولم يجتهد فأصاب الحق لم يصح ويحرم عليه تقليد غيره وإن كان أعلم منه ويحرم القضاء وهو غضبان كثيرا أو حاقن أو حاقب أو في شدة جوع أو عطش أو هم أو غم أو وجع أو نعاس أو برد مؤلم أو حر مزعج أو توقان جماع أو شدة مرض أو خوف أو فرح غالب أو ملل أو كسل ونحوه فإن حالف وحكم فوافق الحق نفذ، ويحرم قبول(4/380)
رشوة - وهي ما يعطى بعد طلبه - ويحرم بذلها من الراشي ليحكم بباطل أو يدفع عنه حقا وإن رشاه ليدفع ظلمه ويجريه على واجبه فلا باس به في حقه ويحرم قبوله هدية بخلاف مفت وتقدم في الباب قبله وهي الدفع إليه ابتداء وظاهره ولو كان في غير عمله إلا ممن كان يهدي إليه قبل ولايته إن لم يكن له حكومة أو من ذوي رحم محرم منه لأنه لا يصح أن يحكم له وردها أولى واستعارته من غيره كالهدية لأن المنافع كالأعيان ومثله لو ختن ولده ونحوه فأهدى له ولو قلنا أنها للولد لأن ذلك وسيلة إلى الرشوة فإن تصدق عليه فالأولى أنه كالهدية وإن قبل حيث حرم القبول وجب ردها إلى صاحبها: كمقبوض بعقد فاسد وقال الشيخ فيمن تاب إن علم صاحبه دفعه إليه وإلا دفعه في مصالح المسلمين انتهى وتقدم لو بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها فإن أهدى لمن يشفع له عند السلطان ونحوه لم يجز أخذها ونص أحمد فيمن عنده وديعة فأداها فأهديت إليه هدية - أنه لا يقبلها إلا بنية المكافأة وحكم الهدية عند سائر الأمانات حكم الوديعة ويكره له: لا لمفت ولو في مجلس فتواه - أن يتولى البيع والشراء بنفسه ويستحب أن يوكل في ذلك من لا يعرف أنه وكيله وله عيادة المرضى وشهادة الجنائز وزيارة الأهل والصالحين والأخوان وتوديع الغازي والحاج: ما لم يشغله عن الحكم فإن شغله عنه فليس له ذلك وله حضور بعض دون بعض وله حضور الولائم فإن كثرت الولائم تركها واعتذر إليهم ولا يجيب بعضا دون بعض إلا أن يختص بعضها(4/381)
بعذر يمنعه مثل: أن يكون في إحداها منكر أو يشتغل بها زمنا طويلا والأخرى بخلافها فله الإجابة إليها لظهور عذره ويوصي الوكلاء والأعوان على بابه بالرفق بالخصوم وقلة الطمع ويجتهد أن يكونوا شيوخا أو كهولا من أهل الدين والفقه والصيانة ويتخذ حبسا لأنه قد يحتاج إليه لتأديب واستيفاء حق واحتفاظ بمن عليه قصاص ونحوه ويتخذ أصحاب مسائل يتعرف بهم أحوال من جهل عدالته من الشهود ويجب أن يكونوا عدولا برآء من الشحناء بعداء من العصبية في نسب أو مذهب ولا يسألوا عدولا ولا صديقا ويأتي بعضه في الباب بعده ويستحب له اتخاذ كاتب ويجب أن يكون مسلما مكلفا عدلا ينبغي أن يكون وافر العقل ورعا نزها متيقظا لينا فقيها حافظا جيد الخط لا يشتبه فيه سبعة بتسعة ونحو ذلك صحيح الضبط حرا يجلسه بحيث يشاهد مكتبه ويستحب أن يكون بين يديه للمشافهة بما يملي عليه وإن أمكن القاضي تولي الكتابة بنفسه جاز والأولى الاستنابة ويجعل القمطر مختوما بين يديه لينزل منه ما يجتمع من المحاضر والسجلات ويستحب أن لا يحكم إلا بحضرة الشهود بحيث يسمعون المتحاكمين وليس له أن يرتب شهودا لا يقبل غيرهم لكن له أن يرتب شهودا ليشهدهم الناس فيستغنون بإشهادهم عن تعديلهم ويستغني الحاكم عن الكشف عن أحوالهم ولا يجوز له منع الفقهاء من عقد العقود وكتابة الحجج وما يتعلق بأمور الشرع مما أباحه الله ورسوله إذا كان الكاتب فقيها عالما بأمور الشرع وشروطه، مثل(4/382)
أن يزوج المرأة وليها بحضور شاهدين ويكتب كاتب عقدها أو يكتب رجل عقد بيع أو إجارة أو إقرار أو غير ذلك أو كان الكاتب مرتزقا بذلك وإذا منع القاضي ذلك ليصير إليه منافع هذه الأمور كان هذا من المكس نظير من يستأجر حانوتا من القرية على أن لا يبيع غيره وإن كان منع الجاهلين لئلا يعقد عقدا فاسدا فالطريق أن يفعل كما فعل الخلفاء الراشدون بتعزير من يعقد نكاحا فاسدا كما فعل عثمان رضي الله عنه فيمن تموج بغير ولي وفيمن تزوج في العدة ولا يجوز ولا يصح أن يحكم لنفسه ولمن لا تقبل شهادته له له الحكم عليه ويحكم بينهم بعض خلفائه ويجوز أن يستخلف والده وولده كحكمه لغيره بشهادتهما ليس له أن يحكم على عدوه وله أن يفتي عليه.(4/383)
فصل: - ويستحب أن يبدأ بالمحبوسين
فينفذ ثقة يكتتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبسه في رقعة منفردة ويأمر مناديا ينادي في البلدان: القاضي ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا فمن له خصم منهم فليحضر فإذا حضروا في ذلك اليوم تناول منها رقعة وقال من خصم فلان المحبوسين فإن حضر له خصم بعث ثقة البس فخرج خصمه وحضر معه مجلس الحكم ويفعل ذلك في قدر ما يعلم أنه يتسع زمانه للنظر فيه في ذلك المجلس فلا يخرج غيرهم فإذا حضر المحبوس وخصمه لم يسأل خصمه: فيم حبسه؟ بل يسأل المحبوس: بم حبست؟ ثم ينظر بينهما فإن كان حبس لتعديل البينة - فأعادته مبنية على حبسه على ذلك ويأتي في الباب بعده ويقبل قول خصمه في أنه حبسه(4/383)
بعد تكميل بينته وتعديلها وإن حبس بقيمة كلب أو خمر ذمي وصدقه غريمه - خلي وإن أكذبه وقال: بل حبست بحق واجب غير هذا فقوله لأن الظاهر حبسه بحق وإن حبس في تهمة أو الفتيات على القاضي قبله وتعزير خلي سبيله أو أبقاه بقدر ما يرى وإن لم يحضر له خصم فقال: حبست ظلما ولا حق علي ولا خصم لي نادى: فإن حضر له خصم وإلا أحلفه وخلي سبيله ومع غيبة خصمه يبعث إليه ومع جهله أو تأخره بلا عذر يخلي والأولى بكفيل وينظر في مال الغائب وإطلاقه المحبوس من الحبس وغيره وإذنه ولو في قضاء دين ونفقة ووضع ميزا وبناء وغيره - الضمان وأمره بإراقة نبيذ وقرعته - حكم برفع الخلاف إن كن وفتياه ليست حكما منه فلو حكم غيره بغير ما أفتى به لم يكن نقضا لحكمه ولا هي كالحكم ولهذا يجوز أن يفتي الحاضر والغائب ومن يجوز حكمه له ومن لا يجوز وتقدم بعضه في الباب قبله وإقراره على فعل مختلف فيه ليس حكما به وفعله حكم كتزويج يتيمة وشراء عين غائبة وعقد نكاح بلا ولي - صح وتقدم آخر الصداق أن ثبوت سبب المطالبة كتقرير أجرة مثل ونفقة ونحوه - حكم وتأتي تتمته قريبا قال الشيخ: القضاء نوعان: إخبار هو إظهار وإبداء وأمر: وهو إنشاء فالخبر يدخل فيه خبره عن حكمه وعن آلة ال وشهود وعن الإقرار والشهادة والآخر هو حقيقة الحكم: أمر ونهي وإباحة ويحصل بقوله: أعطه ولا تكلمه والزمه وبقوله: حكمت وألزمت وحكمه بشيء حكم يلازمه،(4/384)
ذكره الأصحاب في أحكام المفقود وثبوت شيء عنده ليس حكما به وتنفيذ الحكم يتضمن الحكم بصحة الحكم المنفذ وفي كلام الأصحاب ما يدل على أنه حكم وفي كلام بعضهم أنه عمل بالحكم وأجازه له وإمضاء لتنفيذ الوصية والحكم بالصحة يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعا والحكم بالموجب حم بموجب الدعوى الثانية ببينة أو غيرها: فالدعوى المشتملة على ما يقتضي صحة العقد المدعى به الحك فيها بالموجب حكم بالصحة وغير المشتملة على ذلك الحكم بالموجب ليس حكما بها قاله ابن نصر الله وقال السبكي وتبعه ابن قندس: الحكم بالموجب يستدعى صحة الصيغة وأهلية التصرف ويزيد الحكم بالصحة كون تصرفه في محله وقال السبكي أيضا: الحكم بالموجب هو الأثر الذي يوجبه اللفظ وبالصحة كون اللفظ بحيث يترتب عليه الأثر وهما مختلفان فلا يحكم بالصحة إلا باجتماع الشروط وقيل لا فرق بينهما في الإقرار ونحوه فالحكم بموجبه في الأصح والحكم بالموجب لا يشمل الفساد انتهى والعمل على ذلك وقالوا: الحكم بالموجب يرفع الخلاف.(4/385)
فصل: - ثم ينظر وجوبا في أمر يتامى ومجانين ووقوف ووصايا لمن لا ولي لهم ولا ناظر
ولو نفذ الأول وصية موصى إليه أمضاها الثاني فدل أن إثبات صفة كعدالة وجرح وأهلية موصى إليه وغيرها حكم يقبله حاكم آخر: لكن يراعيه فإن تغير حاله بفسق أو ضعف أضاف إليه أمينا وإن كان الأول ما نفذ وصيه نظر فيه: فإن كان قويا أقره، وإن(4/385)
كان أمينا ضعيفا ضم إليه من يعينه وإن كان فاسقا عزله وأقام غيره وينظر ففي أمناء الحاكم - وهم من رد إليه الحاكم النظر في أمر الأطفال وتفرقه للوصايا التي لم يعين لها وصي - فإن كانوا بحالهم أقرهم ومن تغير حاله عزله إن فسق وإن ضعف ضم إليه أمينا ثم ينظر في أمر الضوال واللقط التي يتولى الحاكم حفظها فإن كانت مما يخاف تلفه كالحيوان أو في حفظها مؤنة - باعها وحفظ ثمنها لأربابها وإن كانت أثمانا حفظها لأربابها ويكتب عليها لتعرف ثم ينظر ففي حال القاضي قبله إن شاء ولا يجب: فإن كان مما يصلح لقضاء لم يجزي أن ينقض من أحكامه إلا ما يخالف نص كتاب أو سنة متواترة أو آحاد: كقتل مسلم بكافر ولو ملتزما فيلزم نقضه نصا وجعل من وجد عين ماله عند من حجر عليه أسوة الغرماء فينقض نصا ولو زوجت نفسها لم ينقض أو خالف إجماعا قطعيا لا ظنيا وينقض حكمه بما لم يعتقده وفاقا للأئمة الأربعة وحكاه القرافي إجماعا ويأثم ويعصى بذلك ولو حكم بشاهد ويمين لم ينقض وحكاه القرافي أيضا إجماعا ولا ينقض حكمه بعدم علمه الخلافة في المسئلة خلافا لمالك ولا لمخالفة القياس ولو جليا وحيث قلنا ينقض فالناقض له حاكمه إن كان فيثبت السبب وينقضه ولا يعتبر لنقضه طلب رب الحق وينقضه إذا بانت البينة عبيدا أو نحوهم: إن لم ير الحكم بها وفي المحرر له نقضه قال: وكذا كل مختلف فيه صادف ما حكم فيه ولم يعلم به قال السامري: لو حكم بجهل نقض حكمه وإن كان ممن لا يصلح لفسق أو غيره نقض أحكامه كلها،(4/386)
واختار الموفق والشيخ وجمع: لا ينقض الصواب منها وعليه عمل الناس من مدة.(4/387)
فصل: - إذا تخاصم اثنان فدعا أحدهما صاحبه إلى مجلس الحكم لزمته إجابته
فإن استدعى الحاكم أحد على خصمه في البلد بما تتبعه الهمة لزمه إحضاره ولو لم يحرر الدعوى: علم أن بينهما معاملة أو لم يعلم وسواء كان المستعدى ممن يعامل المستعدي عليه أولا يعامله كالفقير يدعى على ذي ثروة وهيبة فيبعث معه عونا يحضره وإن شاء بعث معه قطعة من شمع أو طين مختوما بخاتمه أو في كاغد ونحوه فإذا بلغه لزمه لحضور وإن شاء وكل فإن امتنع أو كسر الختم أعلم الوالي به فأحضره فإذا حضر وثبت امتناعه عزره إن رأى ذلك بحسب ما يراه: من كلام وكشف رأس وضرب وحبس فإن اختفى بعث الحاكم من ينادي على بابه ثلاثا بأنه إن لم يحضر سمر بابه وختم عليه فإن لم يحضر وسأل المدعي أن يسمر عليه منزله ويختمه أجابه إليه فإن أصر حكم عليه كغائب ولا يعدي حاكم في مثل ما لا تتبعه الهمة وفي عيون المسائل لا ينبغي للحاكم أن يسمع شكية أحد إلا ومعه خصمه وإن استدعاه على القاضي قبل أو على من ففي معناه: كالخليفة والعالم الكبير والشيخ المتبوع وكل من خيف تبذيله ونقص حرمته بإحضاره لم يعده حتى يحرر دعواه: بأن يعرف ما يدعيه ويسأله عنه صيانة للقاضي عن الامتهان فإن ذكر أنه يدعى حقا من دين أو غصب أو رشوة أخذها منه على الحكم - راسله: فإن اعترف بذلك أمره(4/387)
بالخروج من العهدة وإن أنكر أحضره وإن ادعى عليه الجور في الحكم وكان للمدعي بينة أحضره وحكم بالبينة وإن لم تكن بينة أو قال حكم على بشهادة فاسقين فأنكر فقوله بغير يمين وإن قال حاكم معزول عدل ولا يتهم: كنت حكمت في ولايتي لفلان على فلان بحق وهو ممن يسوغ الحكم له - قبل قوله وأمضى ذلك الحق ولو لم يذكر مستنده ولو أن العادة تسجيل أحكامه وضبطها بشهود ما لم يشتمل على إبطال حكم حاكم فلو حكم حنفي برجوع واقف على نفسه فأخبر حنبلي أنه كان حكم قبل حكم الحنفي بصحة الوقف لم يقبل وإن أخبر حاكم حاكما آخر بحكم أو ثبوت في عملهما أو في غيره أو في عمل أحدهما - قبل وعمل به إذا بلغ عمله: لا مع حضور المحضر وهما بعملهما وكذا إخبار أمير جهاد وأمين صدقة وناظر وقف وإن قال في ولايته: كنت حكمت لفلان بكذا - قبل قوله سواء قال: قضيت عليه بشاهدين عدلين أو قال: سمعت بينته وعرفت عدالتهم أو قال قضيت عليه بنكوله أو أقر عندي لفلان بحق فحكمت به وإن ادعى علي امرأة برزة: وهي التي تتبرز لحوائجها - أحضرها ولا يعتبر لإحضارها في سفرها هذا محرم: كسفر الهجرة وإن كانت مخدرة أمرت بالتوكيل: فإن توجهت اليمين عليها بعث الحاكم أمينا معه شاهدان يستحلفها بحضرتهما وإن أقرت شهدا عليها قال في الترغيب: إن خرجت للعزايا والزيارات ولم تكثر فهي مخدرة ومريض ونحوه - كمخدرة وإن استدعى عنده على غائب في غير عمله لم يعد عليه وإن كان في عمله وكان له في بلده(4/388)
خليفة: فإن كانت له بينة حاضرة وثبت الحق عنده كتب به إلى خليفته ولم يحضره وإن لم يكن له فيه خليفة وكان فيه من يصلح للقضاء أذن له في الحكم بينهما وإن لم يكن فيه ممن يصلح كتب إلى ثقات من أهل ذلك الموضع ليتوسطوا به بينهما فإن لم يقبلا الوساطة قيل له حرر دعواك فإذا تحررت أحضر خصمه ولو بعدت المسافة ولو ادعى قبله شهادة لم تسمع دعواه ولم يعد عليه ولم يحلف.(4/389)
باب طريق الحكم وصفته
مدخل
...
باب طريق الحكم وصفته
طريق كل شيء ما توصل إليه والحكم: الفصل لا تصح دعوى وإنكار إلا من جائز التصرف وسيأتي وتسمع في كل قليل أو كثير وصح على سفيه فما يؤاخذ به حال سفهه وبعد فك حجره ويحلف إذا أنكر ولا تصح دعوى ولا تسمع ولا يستحلف في حق الله تعالى: كعبادة وحد ونذر وكفارة ونحوه فلو ادعى عليه أن عليه كفارة يمين أو غيره أو صدقة - فالقول قوله من غير يمين ويأتي في اليمين في الدعاوى وتسمع بوكالة ووصية من غير حضور خصم ولا تصح الدعوى المقلوبة وتقبل بينة عتق ولو أنكره عبد وتصح الشهادة به وبحق الله تعالى كالعبادات والحدود والصدقة والكفارة غير تقدم دعوى فشهادة الشهود به دعوى وكذا بحق آدمي غير معين كوقف على فقراء أو علماء أو مسجد أو وصية له أو رباط وإن لم يطلبه مستحقه وكذا عقوبة كذاب مفتر على الناس والمتكلم فيهم قاله الشيخ وتسمع دعوى حسبة في حق الله تعالى: كحد وعدة وردة(4/389)
وعتق واستيلاد وطلاق وظهار ونحو ذلك قاله في الرعاية وغيرها وتقبل شهادة المدعي فيه ولا تقبل يمين في حق آدمي معين إلا بعد الدعوى وشهادة الشاهد إن كان ولا تسمع معه الشهادة فيه قبل الدعوى واختار الشيخ سماع الدعوى والشهادة لحفظ وقف وغيره بالثبات بلا خصم وأجازهما الحنفية وبعض أصحابنا والشافعية في العقود والأقارير وغيرها بخصم مسخر وقال الشيخ: وأما على أصلنا وأصل مالك: فإما أن تمنع الدعوى على غير خصم منازع فتثبت الحقوق بالشهادة على الشهادة وقاله بعض أصحابنا وإما أن تسمع الدعوى والبينة ويحكم بلا خصم وذكره بعض المالكية والشافعية وهو مقتضى كلام أحمد وأصحابه في مواضع لأنا نسمعها على غائب وممتنع ونحوه فمع عدم خصم أولى فإن المشتري مثلا قبض المبيع وسلم الثمن فلا يدعى ولا يدعي عليه والمقصود سماع القاضي البينة وحكمه بموجبها من غير وجود مدعى عليه ومن غير مدع على أحد لكن خوفا من حدوث خصم مستقبل وحاجة الناس خصوصا فيما فيه شبهة أو خلاف لرفعه انتهى وعمل الناس عليه وهو قوي.(4/390)
فصل: - إذا جاء إلى الحاكم خصمان سن أن يجلسهما بين يديه
ثم إن شاء قال: من المدعي منكما؟ وإن شاء سكت حتى يبتدئا ولا يقول هو ولا صاحبه لأحدهما: تكلم فإن بدأ أحدهما فتكلم فقال خصمه: أنا المدعي لم يلتفت إليه ويقال له: أجب عن دعواه ثم ادع بما شئت فإن ادعيا معا قدم أحدهما بقرعة فإذا انقضت حكومته(4/390)
سمع دعوى الآخر فإذا حرر قال للخصم: ما تقول فيما ادعاه فإن أقر له ولو بقوله نعم - لم يحكم له حتى يطالب المدعي بالحكم والحكم أن يقول: قد ألزمتك ذلك أو قضيت عليك له أو يقول: اخرج إليه منه وتقدم نظيره في الباب قبله وإن أنكر مثل أن يقول المدعي أقرضته ألفا أو بعته فيقول: ما أقرضني ولا باعني أو ما يستحق على ما ادعاه ولا شيئا منه ولا حق على - صح الجواب: ما لم يعترف بسبب الحق كما إذا ادعت على من يعترف بأنها زوجته المهر فقال: لا تستحق علي شيئا - لم يصح الجواب ويلزمه المهر إن لم يقم ببينة بإسقاطه: كجوابه في دعوى قرض اعترف به لا يستحق علي شيئا ولهذا لو أقرت في مرض موتها لا مهر لها عليه لم يقبل إلا ببينة أنها أخذته أو أسقطته في الصحة ولو قال لمدع دينارا: لا يستحق على حبة - فليس بجواب - عن ابن عقيل - لأنه لا يكتفي في دفع الدعوى إلا بنص ولا يكتفي بالظاهر ولهذا لو حلف والله إني لصادق فيما ادعيته عليه أو حلف المنكر إنه لكاذب فيما ادعاه علي - يقبل وعند الشيخ يعم الجهات وما لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى إلا أن يقال: يعم حقيقة عرفية والصواب ما قاله الشيخ ولو قال: لي عليك مائة فقال ليس لك علي مائة اعتبر قوله ولا شيء منها كاليمين فإن نكل ما دون المائة حكم عليه بمائة إلا جزاء وللمدعي أن يقول: لي بينة وللحاكم أن يقول ألك بينة؟ فإن قال: لي بينة - قيل إن شئت فأحضرها فإذا أحضرها لم يسألها الحاكم عما عندها حتى يسأله المدعي ذلك فإذا سأله المدعي سؤالها قال: من كانت عنده شهادة فليذكرها إن شاء أو يقول: بم(4/391)
تشهدان؟ ولا يقول لهما: أشهدا وليس له أن يلقنهما: كتعنيفهما وانتهارهما فإذا شهدت البينة شهادة صحيحة واتضح الحكم لم يجز له ترديدها ولزمه في الحال أن يحكم إذا سأله المدعي إن كان الحق لآدمي معين وتقدم إن كان لغير معين أو لله تعالى وإذا حكم وقع الحكم لازما لا يجوز الرجوع فيه ولا نقضه إلا بشرطه المتقدم في باب آداب القاضي ويأتي بعضه آخر الباب ولا يجوز ولا يصح بغير ما يعلمه بل يتوقف ولا خلاف أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة في مجلسه إذا سمعه معه شاهدان فإن لم يسمعه معه أحد أو سمعه شاهد واحد فله أيضا والأولى إذا سمعه شاهدان فأما حكمه بعلمه في غير ذلك مما رآه أو سمعه قبل الولاية أو بعدها - فلا يجوز إلا في الجرح والتعديل ويحرم الاعتراض عليه لتركه تسمية الشهود وقال الشيخ له طلب تسمية البينة ليتمكن من القدح بالإتقان قال في الفروع: ويتوجه مثله لو قال: حكمت بكذا ولم يذكر مستنده قال في الرعاية: لو شهد أحد الشاهدين ببعض الدعوى قال شهد عندي بما وضع به خطه فيه أو عادة حكام بلده وإن كان الشاهد عدلا كتب تحت خطه شهد عندي بذلك وإن قبله كتب: شهد بذلك عندي وإن قبله غيره أو أخبره بذلك كتب: وهو مقبول فإن لم يكن الشاهد مقبولا كتب شهد بذلك وقال للمدعي: زدني شهودا أو زك شاهدك - انتهى وليكن للقاضي علامة يعرف بها من بين الحكام نحو: الحمد لله وحده أو غير ذلك تكتب بقلم غليظ ولا يغيرها: إلا أن يكون نائبا فنيفي أصلا،(4/392)
أو ينتقل من بلد إلى آخر - فلا يحصل لبس ويكتبها فوق السطر الأول تحت البسملة من حذاء طرفها وتكون بعد أداء الشهادة وتكمل الحجة المكتتبة ويكتب تحت العلامة - جرى ذلك أو ثبت ذلك أو ليشهد بثبوته والحكم بموجبه ونحو ذلك بحسب ما يتقضي المقام وإن كتب المزكي خطه فالأولى أن يكون تحت خط الشاهد في المكتوب فيكتب أن فلان بن فلان الواضع خطه أعلاه عدل فيما يشهد به ويرقم القاضي في المكتوب عند شهادة الشاهد بالقلم الغليظ أيضا كما تقدم: إن شاء بخط واحد نحو: شهدا عندي أو شهد الثلاثة أو الأربعة أو أفرد كل واحد بخط وإن كان الشاهد جليل القدر كالأمير ونحوه كتب: أعلمني بذلك بلفظ الشهادة وإن كان المكتوب فيه أوصالا - شغل كل موضع وصل بكلمة بقلم العلامة نحو: ثقتي بالله أو حسبي الله ونحوه كالبياض.(4/393)
فصل: - وإن قال المدعي: ما لي بينة
فقول المنكر بيمينه إلا النبي صلى الله عليه وسلم إذا ادعى عليه أو ادعى هو - فقوله بلا يمين فيعلم المدعي أن له اليمين على خصمه فإن سأل أحلافه أحلفه وليس له استحلافه قبل سؤال المدعي فإن أحلفه أو حلف المدعي قبل سؤال المدعي لم يعتد بيمينه فإن سأله المدعي أعادها ولا بد في اليمين من سؤال المدعي طوعا وأذن الحاكم فيها وله مع الكراهة تحليفه مع علمه بكذبه وقدرته على حقه نصا ويحرم تحليف البريء دون الظالم ودعواه ثانيا وتحليفه وتكون يمينه على صفة جوابه لخصمه، ولا(4/393)
يصلها باستثناء ولا يما لا يفهم وتحرم التورية والتأويل: إلا لمظلوم وقال أيضا: لا يعجبني وتوقف فيها فيمن عامل بحلية: كعينة ولو أمسك عن إحلافه وأراده بعد ذلك بدعواه المتقدمة فله ذلك ولو أبرأه من يمينه برئ منها في هذه الدعوى فلو جددها وطلب اليمين فله ذلك ولا يجوز أن يحلف المعسر لا حق له على ولو نوى الساعة: خاف أن يحبس أولا ولا من عليه دين مؤجل إذا أراد غريمه منعه من السفر وإن لم يحلف - قال له الحاكم: إن حلفت وإلا قضيت عليك النكول ويستحب أن يقول ثلاثا وكذا يقول في كل موضع فلت يستحلف المدعى عليه: فإن لم يحلف قضى عليه إذا سأله المدعي ذلك وهو كإقامة بينة لا كإقرار ولا كبذل ولا ترد اليمين على المدعي وإذا قال المدعي: لي بينة بعد قوله ما لي بينة - لم تسمع وكذا قوله: كذب شهودي أو كل بينة أقمتها فهي زور وأولى ولا تبطل دعواه بذلك وإن قال: لا أعلم لي بينة: ثم قال: لي بنية - سمعت وإن قالت بينة: نحن نشهد لك فقال: هذه بينتي سمعت لكن لو شهدت له بغيره فهو مكذب لها وإن ادعى شيئا فأقر له بغيره لزمه إذا صدقه المقر له والدعوى بحالها ولو سأله ملازمته حتى يقيمها أجيب في المجلس فإن لم يحضرها في المجلس صرفه ولا يجوز حبسه ولا يلزم بإقامة كفيل ولو سأله المدعي ذلك وإن قال: ما أريد أن تشهدوا لي - لم يكلف إقامة البينة وإن قال: لي بينة وأريد يمينه: فإن كانت البينة غائبة عن المجلس قريبة أو بعيدة - فله إحلافه وإن كانت حاضرة فيه فليس له إلا أحدهما وإن حلف المنكر ثم أحضر(4/394)
المدعي ببينته حكم بها لم تكن اليمين مزيلة للحق ولو سأل المدعي إحلافه ولا يقيم البينة فحلف كان له إقامتها وإن كان شاهد واحد في المال أو ما يقصد منه المال - عرفه الحاكم أن له أن يحلف مع شاهده ويستحق بلا رضا خصمه فإن قال: لا أحلف وأرضى يمينه - استحلف له فإذا حلف سقط عنه الحق فإن عاد المدعي بعدها وقال: أنا أحلف مع شاهدي لم يستحلف وإن عاد قبل أن يحلف المدعي عليه فبذل اليمين لم يكن له ذلك في هذا المجلس وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر أو قال لا أقر ولا أنكر أو قال: لا أعلم قدر حقه - قال له القاضي: احلف وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك ولو أقام المدعي شاهدا واحدا فلم يحلف معه وطلب يمين المدعى عليه فأحلف له ثم أقام شاهدا آخر بعد ذلك كملت بينته وقضى بها وإن قال المدعى عليه: لي مخرج مما ادعاه لم يكن مجيبا وإن قال: لي حساب أريد أن أنظر فيه - لزمه إنظاره ثلاثا وإن قال: إن ادعيت ألفا برهن كذا لي عندك - أجبت أو إن ادعيت هذا ثمن كذا بعتنيه ولم تقبضنيه فنعم وإلا فلا حق لك علي - فجواب صحيح وإن قال بعد ثبوت الدعوى: قضيته أو ابرأني وله بينة بالقضاء أو الإبراء وسأل الإنظار - أنظر ثلاثا وللمدعي ملازمته فإن عجز حلف المدعي على نفي ما ادعاه واستحق فإن نكل قضى عليه بنكوله وصدق هذا كله إن لم يكن أنكر أو لا سبب الحق: فأما إن أنكره ثم ثبت فادعى قضاء أو إبراء سابقا لإنكاره لم يسمع وإن أتى ببينة نصا وإن شهدت البينة للمدعي فقال المدعي عليه: حلفوه أنه يستحق(4/395)
ما شهدت به البينة لم يحلف وإن ادعى أنه أقاله بائع فله تحليفه.(4/396)
فصل: - وإن ادعى عليه عينا في يده فأقر بها لحاضر مكلف سئل المقر له عن ذلك:
فإن صدقه صار الخصم فيها وصار صاحب اليد لأن من هي في يده اعترف أن يده نائبة عن يده فإن كانت للمدعي بينة حكم له بها وللمقر له قيمتها على المقر وإلا فقول المدعى عليه: وهو المقر له بها مع يمينه فإن طلب المدعي إحلاف الذي كانت العين في يده أنه لا يعلم أنها لي حلف له فإن نكل لزمه بدلها وإن قال المقر له: ليست لي وهي للمدعي - حكم له بها وإن قال: ليست لي ولا أعلم لمن هي أو قاله المقر له: فإن كانت للمدعي ببينة حكم له بها وإن لم تكن له ببينة وجهل لمن هي؟ سلمت إليه أيضا بلا يمين فإن كانا اثنين اقترعا بها وإن قال المقر له: هي لثالث - انتقلت الخصومة عنه إليه وإن أقر بها لغائب أو غير مكلف معينين - سقطت الدعوى وصارت على المقر له ثم إن كان للمدعي بينة سلمت إليه ولا يحلف وكان الغائب على خصومته وإن كان مع المقر بينة تشهد بها للغائب ويكلف غيره لتكون الخصومة معه وله تحليف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمها إليه فإن حلف أقرت بيده وإن نكل غرم بدلها فإن كان المدعي للعين اثنين فبدلان وإن عاد فأقر بها للمدعي لم تسلم إليه وعليه له بدلها وإن ادعاها لنفسه لم تسمع دعواه لأنه أقر بأنه لا يملكها، وإن(4/396)
ادعى من هي في يده أنها معه إجارة أو إعارة وأقام بينة بالملك للغائب لم يقض بها وإن أقر بها لمجهول قيل له: عرفه وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك وإن عاد فادعاها لنفسه لم تسمع.(4/397)
فصل: - ولا تصح الدعوى إلا محررة تحريرا يعلم به المدعي وإلا فيما نصححه مجهولا:
كوصية وإقرار وخلع وعبد من عبيده في مهر - ويعتبر التصريح بالدعوى فلا يكفي قوله: لي عند فلان كذا حتى يقول: وأنا الآن مطالب به وظاهر كلام جماعة يكفي الظاهر وأن تكون متعلقة بالحال: لا بالدين المؤجل إلا في دعوى تدبير - وأن تنفك عما يكذبها: فلو ادعى أنه قتل أباه منفردا ثم ادعى على آخر المشاركة فيه - لم تسمع الثانية ولو أقر الثاني إلا أن يقول: غلطت أو كذبت في الأولى فتقبل ومن أقر لزيد بشيء ثم ادعاه وذكر تلقينه منه - سمع وإلا فلا وإن ادعى أنه له الآن لم تسمع بينة أنه كان له أمس أو في يده ولو قال: كان بيدك أو لك أمس وهو ملكي الآن - لزمه بيان سبب زوال يده وإن ادعى دارا بين حدودها وموضعها: إن لم تكن مشهورة فيدعي أن هذه الدار بحقوقها وحدودها لي وأنها في يده ظلما وأنا أطالبه الآن بردها وإن ادعى أن هذه الدار لي وأنه يمنعني منها صحت الدعوى وإن لم يقل: إنها في يده وتكفي شهرة المدعي به عند الخصمين والحاكم عن تحديده ولو أحضر ورقة فيها دعوى محرر فقال: أدعي بما فيها مع حضور خصمه لم تسمع قال الشيخ: لا يعتبر في أداء الشهادة قوله: وإن الدين باق في ذمة الغريم إلى(4/397)
الآن، بل يحكم الحاكم باستصحابه الحال إذا ثبت عنده سبق الحق إجماعا وتسمع دعوى استيلاد وكتابة وتدبير وإن كان المدعي عنيا حاضرة في المجلس - عينها بالإشارة وإن كانت حاضرة: لكن لم تحضر مجلس الحكم - اعتبر إحضارها لتعين ويجب إحضارها على المدعى عليه إن أقر أن بيده مثلها ولو ثبت أنها بيده ببينة أو نكول حبس أبدا حتى يحضرها أو يدعي تلفها فيصدق للضرورة وتكفي القيمة وإن ادعى على أبيه دين لم تسمع دعواه حتى يثبت أن أباه مات وترك في يده مالا فيه وفاء لدينه فإن قال: ترك ما فيه وفاء لبعض دينه - احتاج إلى أن يذكر ذلك البعض والقول قول المدعى عليه في نفي تركة الأب مع يمينه وكذا إن أنكر موت أبيه ويكفيه أن يحلف على نفي العلم ويكفيه أن يحلف أنه ما وصل إليه من تكرته شيء ولا يلزمه أن يحلف أن أباه لم يخلف شيئا لأنه قد يخلف تركة لا تصل إليه فلا يلزمه الإيفاء منه ولا يلزمه أكثر مما وصل إليه وإن كان المدعي عينا غائبة أو تالفة من ذوات الأمثال أو في الذمة - ذكر من صفتها ما يكفي في المسلم والأولى مع ذلك ذكر قيمتها وإن لم تنضبط بالصفات: كجوهرة ونحوها تعين ذكر قيمتها لكن يكفي ذكر قدر نقد البلد وإن ادعى نكاحا فلا بد من ذكر المرأة بعينها إن كانت حاضرة وإلا ذكر اسمها ونسبها واشترط ذكر شروطه فيقول: تزوجتها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها: إن كانت ممن يعتبر رضاها ولا يحتاج أن يقول: وليست مرتدة ولا معتدة وإن كانت أمة وهو حر - ذكر عدم الطول وخوف العنت وإن ادعى(4/398)
استدامة الزوجية ولم يدع العقد لم يحتج إلى ذكر شروطه وإن ادعى زوجية امرأة فأقرت صح إقرارها في الحضر والسفر والغربة والوطن إن كان المدعي واحدا وإن كانا اثنين لم يسمع وإن ادعى عقدا سوى النكاح اعتبر ذكر شروطه أيضا وإن كان المدعي به عينا أو دينا لم يحتج إلى ذكر السبب وكذا إن قال: اشتريت هذه الجارية أو بعتها منه بألف لم يحتج أن يقول: وهي ملكه أو هي ملكي ونحن جائزا الأمر أو تفرقنا عن تراض وما لزم ذكره في الدعوى فلم يذكره المدعي - يسأله الحاكم عنه وإن ادعت امرأة على رجل نكاحا لطلب نفقة أو مهر أو نحوه سمعت دعواها: فإن أنكر فقوله بغير يمين وإن أقامت بينة أنها امرأته ثبت لها ما تضمنه النكاح من حقوقها فإن أعلم أنه امرأته حلت له ولا يكون جحوده طلاقا ولو نواه لأن الجحود هنا لعقد النكاح: لا لكونها امرأته وإن كان يعلم أنها ليست امرأته لعدم عقد أو لبينونتها منه لم تحل له ولا يمكن منها ظاهرا ولو حكم به حاكم وحيث ساغ لها دعوى النكاح فكزوج في ذكر شروطه وإن ادعت النكاح فقط لم تسمع وإن ادعى قتل موروثه ذكر القاتل وأنه انفرد به أو شارك غيره وإن قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد ويذكر صفة العمد وإن لم يذكر الحياة وإن ادعى الإرث ذكر سببه وإن ادعى شيئا محلى بذهب أو فضة - قومه بغير جنس حليته فإن كان محلى بهما قومه بما شاء منهما للحاجة.(4/399)
فصل: - يعتبر عدالة البينة ظاهرا أو باطنا ولو لم يعين فيه خصمه فلا بد من العلم بها
ولو قيل: أن الأصل في المسلمين العدالة قاله الزركشي لأن الغالب الخروج عنها وقال الشيخ من قال: أن الأصل في الإنسان العدالة فقد أخطأ وإنما الأصل الجهل والظلم لقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} فالفسق والعدالة كل منهما يطرأ ولا تشترط باطنا في عقد نكاح وتقدم وإذا علم الحاكم شهادتهما حكم بشهادتهما وإن علم فسقهما لم يحكم فله العمل بعلمه في عدالتهم وجرحهم وليس له أن يرتب شهودا لا يقبل غيرهم وتقدم في الباب قبله وإذا عرف عدالة الشهود استحب قوله للمشهود عليه: قد شهدا عليك فإن كان عندك ما يقدح في شهادتهم فبينة عندي فإن لم يقدح في شهادتهما حكم عليه إذا اتضح له الحكم واستنارت الحجة وإن كان فيها لبس - أمرهما بالصلح فإن أبيا أخرهما إل البيان فإن عجلها قبل البيان لم يصح حكمه وإذا حدثت حادثة نظر في كتاب الله فإن وجدها وإلا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجد نظر في القياس فألحقها بأشبه الأصول بها وإن ارتاب في الشهود لزم سؤالهم والبحث عن صفة تحملهم وغيره فيفرقهم ويسأل كل واحد: كيف تحملت الشهادة؟ ومتى؟ وفي أي موضع؟ وهل كنت وحدك أو أنت وغيرك؟ ونحوه فإن اختلفوا لم يقبلها وإن اتفقوا وعظهم وخوفهم: فإن ثبتوا حكم بهم إذا سأله المدعي وإن جرحهما الخصم لم يقبل منه ويكلف البينة بالجرح فإن سأل الإنظار أنظر ثلاثا وكذا لو أراد جرحهم وللمدعي ملازمته: فإن لم يأت ببينة حكم(4/400)
عليه، ولا يسمع الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة عن رؤية فيقول: أشهد أني رأيته يشرب الخمر أو يظلم الناس بأخذ أموالهم أو ضربهم أو يعامل بالربا أو سمعته يقذف أو عن استفاضة فلا يكفي أنه يشهد أنه فاسق أو ليس بعدل ولا قوله: بلغني عنه كذا لكن يعرض جارح بزنا: فإن صرح - حد: إن لم يأت بتمام أربعة شهود ولا يقبل الجرح والتعديل من النساء وإن عدله اثنان فأكثر وجرحه واحد قدم التعديل وإن عدله اثنان وجرحه اثنان قدم الجرح وجوبا وإن قال الذين عدلوا: ما جرحاه به قد تاب منه - قدم التعديل فإن شهد عنده فاسق يعرف حاله - قال للمدعي: زدني شهودا وإن جهل حاله طلب منه المدعي التزكية والتزكية حق للشرع يطلبها الحاكم وإن سكت عنها الخصم ويكفي فيها عدلان يشهدان أنه عدل رضا أو عدل مقبول الشهادة أو عدل فقط ولا يحتاج أن يقول: علي ولي ويكفي فيها الظن بخلاف الجرح ويجب فيها المشافهة حيث قلنا: هي شهادة لا إخبار فلا يكفي فيها رقعة المزكي لأن الخط لا يعتمد في الشهادة ولا يلزم المزكي الحضور للتزكية ولا يكفي قولهما: ولا نعمل إلا خيرا ويشترط في قبول المزكيين معرفة الحاكم خبرتهما الباطنة بصحبة ومعاملة ونحوه ولا يقبل التزكية إلا ممن له خبرة باطنة يعرف الجرح والتعديل غير متهم بعصبية أو غيرها وتعديل الخصم وحده تعديل في حق الشاهد وكذا تصديقه: لكن لا يثبت تعديله في حق غير المشهود عليه ولو رضي أن يحكم بشهادة فاسق لم يجز الحكم بها(4/401)
ولا تصح التزكية في واقعة واحدة فقط وإن سأل المدعي حبس المشهود عليه حتى تزكي شهوده أجابه وحبسه ثلاثا ومثله لو سأله كفيلا به أو عين مدعاه في يد عدل قبل التزكية وإن أقام مشاهدا وسأل حبسه حتى يقيم الآخر لم يجبه إن كان في غير المال وإلا أجابه فإن ادعى رقيق أن سيده أعتقه وأقام شاهدين لم يعدلا فسأل الحاكم أن يحول بينه وبين سيده إلى أن يبحث الحاكم عن عدالة الشهود - فعل ويؤجره من ثقة ينفق عليه من كسبه فإن عدل الشاهدان وإلا رده إلى سيده وإن أقام واحدا وسأله أن يحول بينهما فكذلك وإن أقامت المرأة شاهدين يشهدان بطلاقها البائن ولم يعرف عدالة الشهود حيل بينه وبينهما وإن أقام شاهدا واحدا لم يحل وإن حاكم إليه من لا يعرف لسانه ترجم إليه من يعرف لسانه ولا يقبل في ترجمة وجرح وتعديل ورسالة وتعريف عند حاكم - ويأتي التعريف عند الشاهد في كتاب الشهادات - إلا قول رجلين عدلين في غير مال وزنا وفي المال يقبل في الترجمة رجلان أو رجل وامرأتان وفي الزنا أربعة وذلك شهادة يعتبر فيها لفظ الشهادة ويعتبر فيها وتجب - المشافهة وتعتبر شروط الشهادة فيمن رتبه الحاكم يسأله سرا عن الشهود لتزكية أو جرح ومن سأله الحاكم عن تزكية من شهد له أخبره بحاله وإلا لم يجب ومن نصب للحكم بجرح وتعديل وسماع بينة قنع الحاكم بقوله وحده إذا قامت البينة عنده ومن ثبتت عدالته مرة وجب تجديد البحث عنها مرة أخرى مع طول المدة وإلا فلا.(4/402)
فصل: - وإن ادعى على غائب مسافة قصر
ولو في غير عمله أو ممتنع - أي مستتر: إما في البلد أو دون مسافة قصر - أو ميت أو صغير أو مجنون بلا بينة - لم تسمع دعواه ولم يحكم له وإن كان له بينة سمعها الحاكم وحكم بها في حقوق الآدميين: لا في حق الله تعالى كالزنا والسرقة لكن يقضي في السرقة بالمال فقط وليس تقدم الإنكار في الدعوى على غائب ونحوه شرعا ولا يلزم المدعي أن يحلف أن حقه باق والاحتياط تحليفه خصوصا في هذه الأزمنة ولا يلزم القاضي نصب من ينكر أو يحبس بغيره عن الغائب ثم إذا قدم الغائب وبلغ الصغير ورشد وأفاق المجنون وظهر المستتر فهم على حججهم ولو جرح البينة بعد أداء الشهادة أو مطلقا لم يقبل لجواز كونه بعد الحكم فلا يقدح فيه وإن جرحها بأمر كان قبل الشهادة قبل وبطل الحكم ولا يمين مع بينة كاملة: كقوله - لكن تقدم في باب الحجر إذا شهدت بينة بنفاذ ماله أنه يحلف معها - قال في المحرر: وتختص اليمين بالمدعى عليه دون المدعي إلا في القسامة ودعاوى الأمناء المقبولة وبحيث يحكم باليمين مع الشاهد وقال حفيده: دعاوى الأمناء مستثناه فيحلفون وذلك لأنهم أمناء لا ضمان عليهم: إلا بتفريط أو عدوان فإذا ادعى عليهم ذلك فأنكروا أنهم مدعى عليهم واليمين على المدعى عليهم فلا حاجة إلى استثنائهم وإن كان غائبا عن المجلس أو عن البلد دون مسافة القصر غير ممتنع لم تسمع الدعوى ولا البينة حتى يحضر: كحاضر في المجلس فإن أبى الحضور لم يهجم عليه في بيته وسمعت البينة وحكم بها، ثم(4/403)
إن وجد له مالا وفاه منه، وإلا قال للمدعي: إن وجدت له مالا وثبت عندي وفيتك منه وإن كان المقضي به على الغائب عينا سلمت إلى المدعي والحكم للغائب ممتنع ويصح تبعا: كدعواه - أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب أو غير رشيد وله عند فلان عين أو دين ثبت بإقرار أو بينة فهو للميت ويأخذ المدعي نصيبه والحاكم نصيب الآخر فيحفظه له وتعاد البينة في غير الإرث وكحكمه بوقف يدخل فيه من لم يخلق تبعا لمستحقه الآن وإثبات أحد الوكيلين بالوكالة في غيبة الآخر فثبتت له تبعا وسؤال أحد الغرماء الحجر فالقصة الواحدة المشتملة على عدد أو أعيان كولد الأبوين في المشركة: الحكم فيها لواحد أو عليه - يعمه وغيره وحكمه لطبقة حكم للثانية إن كان الشرط واحدا حتى من أبدى ما يجوز أن يمنع الأول من الحكم عليه فللثاني الدفع به ومن ادعى أن الحاكم حكم له بحق فصدقه - قبل قوله الحاكم وحده إن كان عدلا كقوله ابتداء حكمت بكذا وإذا ادعى أنه حكم له بحق ولم يذكره الحاكم فشهد عدلان أنه حكم له به - قبل شهادتهما وأمضى القضاء: ما لم يتيقن صواب نفسه وكذلك إذا شهدا أن فلانا شهد لفلان بكذا فإن لم يشهد به أحد: لكن وجده في قمطره في صحيفته تحت ختمه بخطه وتيقنه ولم يذكره لم ينفذه: كخط أبيه بحكم أو شهادة لم يحكم ولم يشهد بها وكذا شاهد رأي خطه في كتاب بشهادة ولم يذكرها ومن تحقق الحاكم منه أنه لا يفرق بين أن يذكر الشهادة أو يعتمد على معرفة الخط يتجوز بذلك - لم يجز قبول شهادته وإلا حرم أن يسأله عنه ولا يجب أن يخبره بالصفة ومن نسي شهادته فشهدا بها لم يشهد بها(4/404)
فصل: - ومن له على إنسان حق لم يمكن أخذه منه بحاكم وقدر له على مال -
لم يجز في الباطن أخذ قدر حقه: إلا إذا تعذر على ضيف أخذ حقه من الضيافة بحاكم أو منع زوج ومن في معناه ما وجب عليه من نفقة ونحوها فله ذلك وتقدم لكن لو غصب ماله جهرا أو كان عنده عين ماله فله أخذ قدر المغصوب جهرا أو عين ماله ولو قهرا وعنه يجوز إن لم يكن معسرا به أو كان مؤجلا فيأخذ قدر حقه من جنسه وألا قومه وأخذ بقدره في الباطن متحريا للعدل وإن كان لكل واحد منهما على الآخر دين من غير جنسه فجحد أحدهما فليس للآخر أن يجحده وحكم الحاكم لا يزيل الشي عن صفته باطنا ولو في عقد وفسخ وطلاق فمن حكم له ببينة زور بزوجية امرأة فإنها لا تحل له ويلزمها في الظاهر وعليها أن تمتنع منه ما أمكنها فإن أكرهها فالإثم عليه دونها ثم إن وطئ مع العلم فكزنا فيحد ويصح نكاحها غيره وقال الموفق: لا يصح لإفضائه إلى وطئها من اثنين: أحدهما بحكم الظاهر والآخر بحكم الباطن وإن حكم الحاكم بطلاقها ثلاثا بشهود زور فهي زوجته باطنا ويكره له اجتماعه بها ظاهرا خوفا من مكروه يناله ولا يصح نكاحها غيره ممن يعلم بالحال ومن حكم لمجتهد أو عليه بما يخالف اجتهاده عمل باطنا بالحكم: لا باجتهاده إن باع حنبلي متروك التسمية فحكم بصحته شافعي - نفذ وإن رد حاكم شهادة واحد بهلال رمضان لم يؤثر: كملك مطلق وأولى لأنه لا مدخل لحكمه في عبادة ووقت وإنما هو فتوى فلا يقال حكم بكذبه أو أنه لم يره ولو رفع إليه(4/405)
حكم في مختلف فيه لا يلزمه نقضه لينفذه - لزمه تنفيذه وإن لم يره وكذا لو كان نفس الحكم مختلفا فيه: كحكمه بعلمه وبنكوله وبشاهد ويمين وتزويجه بيتيمة ولو رفع خصمان عقدا فاسدا عنده وأقرا بأن نافذ الحكم حكم بصحته - فله إلزامهما بذلك وله رده والحكم بمذهبه ومن قلد في صحة نكاح لم يفارق بتغير اجتهاده كحكم بخلاف مجتهد نكح ثم رأى بطلانه ولا يلزم إعلام المقلد بتغيره وإن بان خطؤه في إتلاف لمخالفة دليل قاطع أو خطأ مفت ليس أهلا - ضمنا ولو بان بعد الحكم كفر الشهود أو فسقهم لزمه نقضه ويرجع بالمال أو بدله أو بدل قود مستوفى - على المحكوم له وإن كان الحكم لله بإتلاف حسي أو بما سرى إليه ضمنه مزكون وإن بانوا عبيدا أو ولدا للمشهود له أو للمشهود عليه: فإن كان الحاكم الذي حكم به يرى الحكم به لم ينقض حكمه وإلا نقضه ولم ينفذ لأن الحاكم يعتقد بطلانه وإذا حكم بشهادة شاهد ثم ارتاب في شهادته لم يجز له الرجوع في حكمه وفي المحرر: من حكم بقود أو حد بينة ثم بانوا عبيدا فله نقضه إذا كان لا يرى قبولهم فيه وكذا مختلف فيه صادق ما حكم به وجهله خلافا لمالك وتقدم بعضه في الباب قبله.(4/406)
باب كتاب القاضي إلى القاضي
مدخل
...
باب كتاب القاضي إلى القاضي
لا يقبل في حد الله تعالى: كزنا ونحوه ويقل في كل حق آدمي من المال ما يقصد به المال: كالقرض والغصب والبيع والإجارة والرهن والصلح والوصية له وإليه وفي الجناية والقصاص،(4/406)
والنكاح، والطلاق والخلع والعتق والنسب والكتابة والتوكيل وحد القذف وفي هذه المسئلة ذكر الأصحاب أن كتاب القاضي حكمه كالشهادة على الشهادة لأنها شهادة على شهادة وذكروا فيما إذا تغيرت حال له أنه أصل ومن شهد عليه فرع فلا يسوغ نقض الحكم بإنكار القاضي الكاتب ولا يقدح في عدالة البينة بل يمنع إنكاره الحكم كما يمنع رجوع شهود الأصل الحكم فدل ذلك أنه فرع لمن شهد عنده وأصل لمن شهد عليه والمحكوم به إن كان عينا في بلد الحاكم فإن يسلمه إلى المدعي ولا حاجة إلى كتاب وإن كان دينا أو عينا في بلدة أخرى فيأمره أو يقف على الكتاب وهنا ثلاث مسائل متداخلات: مسئلة إحضار الخصم إذا كان غائبا ومسئلة الحكم على الغائب ومسئلة كتاب القاضي إلى القاضي وتقدم بعضه في الباب قبله في الحكم على الغائب ويقف فيما ثبت عنده ليحكم به: إلا في مسافة قصر فأكثر ولو سمع البينة ولم يعدلها وجعل تعديلها إلى الآخر جاز مع بعد المسافة وله أن يكتب إلى قاض معين ونصر أو قرية وإلى كل من يصل إليه من قضاة المسلمين ويشترط لقبوله أن يقرأ على عدلين وهما ناقلاه ويعتبر ضبطهما لمعناه وما يتعلق به الحكم فقط ثم يقول: هذا كتابي أو اشهدا على أن هذا كتابي إلى فلان ابن فلان وإن قال: اشهدا على بما فيه كان أولى ولا يشترط ويدفعه إليهما والأولى ختمه احتياطا ويقبضان الكتاب قبل أن يغيبا لئلا يدفع إليهما غيره فإذا وصلا(4/407)
إلى المكتوب إليه دفعا إليه الكتاب فقرأه الحاكم أو غيره عليهما فإذا سمعاه قالا: نشهد أن هذا كتاب فلان إليك كتبه بعمله ولا يشترط قولهما: قرئ علينا أو أشهدنا عليه وإن أشهدهما عليه مدروجا مختوما من غير أن يقرأ عليهما لم يصح ولا يكفي معرفة المكتوب إليه خط الكاتب وختمه كما لا يحكم بخط شاهد ميت وتقدم لو وجدت وصيته بخطه وتقدم العمل بخط أبيه بوديعة أو دين له أو عليه وكتابه في غير عمله أو بعد عزله كخبره كما تقدم في الباب قبله ويشترط أن يصل الكتاب إلى المكتوب إليه في موضع ولايته فإن وصله في غيره لم يكن له قبوله حتى يصير إلى موضع ولايته ولو ترافع إليه خصمان في غير محل ولايته لم يكن له الحكم بينهما بحكم ولايته فإن تراضيا به فكما لو حما رجلا يصلح للقضاء وسواء كان الخصمان من أهل عمله أو لا: إلا أن يأذن الإمام لقاض أن يحكم بين أهل ولايته حيث كانوا ويمنعه من الحكم بين غير أهل ولايته حيثما كان فيكون الأمر على ما أذن فيه أو منع منه ويقبل كتابه في حيوان وعبد وجارية بالصفة اكتفاء بها: كمشهور عليه لا له ولا يحكم باليمين الغائبة بالصفة فإن لم تثبت مشاركته في صفة - أخذه مدعيه بكفيل مختوما عنقه بخيط لا يخرج من رأسه وبعثه القاضي المكتوب إليه إلى القاضي الكاتب لتشهد البينة على عينه: فإذا شهدا عليه دفع إلى المشهود له به وكتب له كتابا ليبرأ كفيله وإن كان المدعي جارية سلمت إلى أمي يوصلها وإن لم يثبت له ما ادعاه لزمه رده ومؤنته تسلمه فهو فيه كغاصب في(4/408)
ضمانه، وضمان نقصه ومنفعته ويلزمه أجرته إن كان له أجرة إلى أن يصل إلى صاحبه وإذا وصل الكتاب وأحضر الخصم المذكور فيه باسمه ونسبه وحليته: فإن اعترف بالحق لزمه أداؤه وإن قال: ما أنا المذكور في الكتاب - قبل قوله بيمينه: ما لم تقم ببينة فإن نكل قضى عليه وإن أقر بالاسم والنسب أو ثبت ببينة فقال: المحكوم عليه غيري لم يقبل إلا ببينة تشهد أن في البلد آخر كذلك ولو ميتا يقع به إشكال فإن كان حيا أحضره الحاكم وسأله عن الحق: فإن اعترف به ألزمه به وتخلص وإن أنكره وقف الحكم ويكتب إلى الحاكم الكاتب يعلمه الحال وما وقع من الإشكال حتى يحضر الشاهدان فيشهدا عنده بما يتميز به المشهود عليه منهما وإن مات القاضي الكاتب أو عزل لم يقدح كتابه وإن فسق قبل الحكم بكتابه لم يحكم به وإن فسق بعده لم يقدح فيه وإن تغيرت حال المكتوب إليه بموت أو عزل فعلى من وصل إليه الكتاب ممن قام مقامه العمل به اكتفاء بالبينة بدليل ما لو ضاع الكتاب أو انمحى وكانا يحفظان ما فيه: أي ما يتعلق به الحكم فإنه يجوز أن يشهدا بذلك ولو أدياه بالمعنى وكم لو شهدا بأن فلانا القاضي حكم بكذا لزمه إنفاذه ومتى قدم الخصم المثبت عليه بلد الكاتب فله الحكم عليه بلا إعادة شهادة.(4/409)
فصل: - وإذا حكم عليه المكتوب إليه فسأله أن يكتب له إلى الحاكم الكاتب:
أنك قد حكمت علي لا يحكم علي ثانيا - لم يلزمه ذلك وإن سأله أن يشهد عليه بما جرى لئلا يحكم عليه الكاتب أو سأله من ثبتت(4/409)
براءته: مثل إن أنكر وحلفه أو ثبت حقه عنده أو يشهد له بما جرى من براءة أو ثبوت مجرد أو متصل بحكم أو تنفيذ أو الحكم له بما ثبت عنده - لزمه إجابته وإن سأل مع الإشهاد كتابة وأتاه بكاغد أو كان في بيت المال كاغد لذلك لزمه: كساع يأخذ زكاة وما تضمن الحكم ببينة يسمى سجلا وغيره محضرا والمحضر: شرح ثبوت الحق عنده والأولى جعل السجل نسختين: نسخة يدفعها إليه والأخرى عنده والكاغد: من بيت المال فإن لم يكن فمن مال المكتوب وصفة المحضر بسم الله الرحمن الرحيم حضر القاضي - فلان ابن فلان قاضي عبد الله الإمام على كذا في مجلس حكمه وقضائه بموضع كذا - مدع ذكر أنه فلا ابن فلان وأحضر معه مدعى عليه ذكر أنه فلان ابن فلان ولا يعتبر ذكر الجد بلا حاجة والأولى ذكر حليتهما إن جهلهما فادعى عليه بكذا فأقر له أو فأنكر فقال للمدعي: لك بينة؟ فقال: نعم فأحضرها وسأله سماعها ففعل أو فأنكر ولا بينة وسأل تحليفه فحلفه وإن نكل - ذكره وأنه قضى بنكوله وسأله كتابة محضر فأحابه في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا ويعلم: في الإقرار والأحلاف - جرى الأمر على ذلك وفي البينة - شهدا عندي بذلك وإن ثبت الحق بإقرار لم يحتج إلى ذكر مجلس حكمه.(4/410)
فصل: - وأما السجل فلا نفاذ ما ثبت عنده والحكم به
وصفته أن يكتب: هذا ما أشهد عليه القاضي فلان - كما تقدم - من(4/410)
حضره من الشهود أشهدهم أنه ثبت عنده بشهادة فلان وفلان - وقد عرفهما بما رأى معه قبول شهادتهما - بمحضر من خصمين وليذكرهما إن كانا معروفين: وإلا قال: مدع ومدعى عليه جاز حضورهما وسماع الدعوى من أحدهما على الآخر - معرفة فلان ابن فلان ويذكر المشهود عليه وإقراره طوعا في صحة منه وجواز أمر بجميع ما سمى به ووصف في كتابه نسخة وينسخ الكتاب المثبت أو المحضر جميعه حرفا بحرف فإذا فرغه قال: وإن القاضي أمضاه وحكم به على ما هو الواجب في مثله بعد أن يسأله ذلك والأشهاد به - الخصم المدعي ونسبه ولم يدفعه الخصم الحاضر معه بحجة وجعل كل ذي حجة على حجته وأشهد القاضي فلان على إنفاذه وحكمه وإمضائه - من حضره من الشهود في مجلس حكمه في اليوم المؤرخ في أعلاه وأمر بكتب هذا السجل: نسختين متساويتين نسخة منهما تخلد بديوان الحكم ونسخة يأخذها من كتبها وكل واحدة حجة بما أنفذه فيها ولو لم يذكر من خصمين ساغ لجواز القضاء على الغائب ومهما اجتمع عنده من محاضر وسجلات في كل أسبوع أو شهر أو سنة على حسبها قلة وكثرة - ضم بعضها إلى بعض وكتب محاضر وسجلات كذا في وقت كذا.(4/411)
باب القسمة
النوع الأول: قسمة تراض
...
باب القسمة
وهي تمييز بعض الأنصباء عن بعض وإفرازها عنها وهي نوعان: أحدهما: قسمة تراض لا تجوز إلا برضا الشركاء كلهم وهي ما فيها(4/411)
ضرر، أو رد عوض من أحدهما: الدور الصغار والحمام والطاحون الصغيرين والعضائد الملاصقة - أي: المتصلة صفا واحدا وهي: الدكاكين اللطاف الضيقة - فإن طلب أحدهما قسمة بعضها في بعض لم يجبر الآخر لأن كل منهما منفرد ويقصد بالسكن ولكل واحد منهما طريق مفرد وكذا الشجر المفرد والأرض التي ببعضها بئر أو بناء أو نحوه ولا يمكن قسمته بالأجزاء والتعديل فإن قسموه أعيانا برضاهم جاز وحكمها كبيع قال المجد: الذي تحرر عندي فيما فيه رد أنه بيع فيما يقابل الرد وإفراز في الباقي - انتهى فلا يجوز فيها ما لا يجوز في البيع ولا يجبر عليها الممتنع فلو قال أحدهما: أنا آخذ الأدنى ويبقى لي في الأعلى تتمة حصتي فلا إجبار ومن دعا شريكه فيها أو في شركة عبد أو بهيمة أو سيف ونحوه إلى البيع - أجبر فإن أبى بيع عليهما وقسم الثمن نصا قال الشيخ: وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد وكذا لو طلب الإجارة ولو في وقف والضرر المانع من قسمة الإجبار نقص قيمة المقسوم بها بكونهما لا ينتفعان به مقسوما وتقدم بعض ذلك في الشفعة فإن تضرر بها أحد الشريكين وحده: كرب الثلث مع رب الثلثين فطلب أحدهما القسمة لم يجبر الممتنع وما تلاصق من دور وعضائد ونحوها - يعتبر الضرر في عين وحدها ومن كان بينهما عين أو بهائم أو ثياب ونحوها من جنس واحد فطلب أحدهما قسمها أعيانا بالقيمة - أجبر الممتنع إن تساوت القيمة وإلا فلا: كاختلاف أجناسها والآجر واللبن المتساوي(4/412)
القوالب - من قسمة الأجزاء والمتفاوت - من قسمة التعديل فإن كان بينما حائط أو عرصة حائط - وهي موضعه بعد استهدامه - فطلب أحدهما قسمته ولو طولا في كمال العرض أو العرصة عرضا ولو وسعت حائطين لم يجبر ممتنع وإن كان بينهما دار لها علو وسفل فطلب أحدهما قسمها لأحدهما العلو وللآخر السفل أو طلب قسمة السفل دون العلو أو عكسه أو قسمة كل واحد على حدة فلا إجبار ولو طلب أحدهما قسمتهما معا ولا ضرر - وجب وعدل بالقيمة: لا ذراع سفل بذراع علو ولا ذراع بذراع وإن تراضيا على قسم المنافع: كدار منفعتها لهما: مثل دار وقف عليهما أو مستأجرة أو ملك لهما فاقتسماها مهايأة بزمان: بأن تجعل الدار في يد أحدهما شهرا أو عاما ونحوه وفي يد الآخر مثلها: أو بمكان كسكنى هذا في بيت والآخر في بيت ونحوه - جاز لأن المنافع كالأعيان فإن اتفقا على المهايأة وطلب أحدهما تطويل الدور الذي يأخذ فيه نصيبه وطلب الآخر تقصيره - اختص كل واحد بنفقته وكسبه في مدته: لكن لا يدخل الكسب النادر في وجه: كاللقطة والهبة والركاز وإن تهايآ في الحيوان اللبون ليحلب هذا يوما وهذا يوما أو في الشجرة المثمرة لتكون الثمرة لهذا عاما ولهذا عاما - لم يصح لما فيه من التفاوت الظاهر لكن طريقه أن يبيح كل واحد منهما نصيبه لصاحبه في المدة ويكون ذلك كله جائزا: لا لازما فلو رجع أحدهما قبل استيفاء نوبته فله ذلك وإن رجع بعده غرم ما لم ينفرد به وإن(4/413)
كان بينهما أرض فيها زرع لهما فطلب أحدهما قسمها دون الزرع قسمت كالخالية وإن طلب قسمة الزرع دونها أو قسمتهما معا فلا إجبار وإن تراضيا عليه والزرع قصيل أو قطن - جاز وإن كان بذرا أو سنبلا مشند الحب لم يصح وإن كان بينهما نهر أو قناة أو عين نبع ماؤها فالنفقة لحاجة بقدر حقهما والماء بينهما على ما شرطاه عند استخراجه وإن رضيا بقسمه مهايأة بالزمان أو بميزان: بأن ينصب حجر مستو أو خشبة مصدم الماء فيه ثقبان على قدر حقيهما - جاز وإن أراد أحدهما أن يسقي بنصيبه أرضا لا شرب لها من هذا الماء لم يمنع وتقدم في باب إحياء الموات.(4/414)
فصل: - النوع الثاني: قسمة أجبار
وهي ما لا ضرر فيها عليهما ولا على أحدهما ولا رد عوض: كأرض واسعة وقرية وبستان ودار كبيرة ودكان واسع ونحوها: سواء كانت متساوية الأجزاء أولا إذا أمكن قسمتها بتعديل السهام من غير شيء يجعل معها فإن لم يمكن ذاك إلا بجعل شيء معها فلا إجبار ولهما قسم أرض بستان دون شجره وعكسه والجميع فإن قسما الجميع أو الأرض - فقسمة إجبار ويدخل الشجر تبعا: وإن قسما الشجر وحده فلا إجبار ومن قسمة الإجبار قسمة مكيل وموزون من جنس واحد: كدهن ولبن ودبس وخل وتمر وعنب ونحوها وإذا طلب أحدهما القسمة فيها وأبى الآخر أجبر ولو كان وليا على صاحب الحصة ويقسم حاكم مع غيبة ولي وكذا على غائب في قسمة إجبار فإن كان المشترك مثليا - وهو(4/414)
المكيل والموزون - وغاب الشريك أو امتنع - جاز للآخر أخذ قدر حقه عند أبي الخطاب: لا عند القاضي وأذن الحاكم يرفع النزاع وقال الشيخ في قرية مشاعة قسمها فلاحوها: هل يصح؟ فقال: إذا تهايأوا وزرع كل منهم حصته فالزرع له ولرب الأرض نصيبه إلا أن من ترك من نصيب مالكه فله أجرة الفضلة أو مقاسمتها وهي إفراز حق لا بيع فيصح قسم وقف بلا رد من أحدهما إذا كان على جهتين فأكثر فأما الوقف على جهة واحدة فلا تقسم عينه قسمة لازمة اتفاقا لتعلق حق الطبقة الثانية والثالثة لكن تجوز المهايأة - وهي قسمة المنافع - ونفقة الحيوان مدة كل واحد عليه وإن نقص الحادث عن العادة فللآخر الفسخ وتجوز قسمة ما بعضه وقف وبعضه طلق: بلا رد عوض من رب الطلق وبرد عوض من مستحق الوقف والدين في ذمم الغرماء وتقدم في الشركة وتجوز قسمة الثمار خرصا ولو على شجر قبل بدو صلاحه بشرط التبقية وقسمة لحم هدي وأضاحي وغيرهما ومرهون فلو رهن سهمه مشاعا ثم قاسم شريكه صح واختص قسمه بالرهن وتجوز قسمة ما يكال وزنا وما يوزن كيلا وتفرقهما قبل القبض فيهما ولا خيرا فيها ولا شفعة ولا يحنث من حلف لا يبيع إذا قاسم ولو كان بينهما ماشية مشتركة فاقتسماها في أثناء الحول واستداما خلطة الأوصاف - لم ينقطع الحول وإن ظهر في القسمة غبن فاحش لم تصح وإن كان بينهما أرض يشرب بعضها سيحا وبعضها بعلا أو في بعضها شجر وفي بعضها نخل فطلب أحدهما قسمة كل عين على حدة وطلب(4/415)
الآخر قسمتها أعيانا بالقيمة قدم من طلب قسمة كل عين على حدة إن أمكن التسوية في جيده ورديئه وإن لم يمكن وأمكن التعديل بالقيمة عدلت وأجبر الممتنع وإلا فلا.(4/416)
فصل: - ويجوز للشركاء أن يتقاسموا بأنفسهم
ويقاسم ينصبونه أو يسألوا الحاكم نصبه وأجرته مباحة فإن استأجره كل واحد منهم بأجر معلوم ليقسم نصيبه جاز وإن استأجروه جميعا إجارة واحدة بأجرة واحدة لزم كل واحد من الأجر بقدر نصيبه من المقسوم: ما لم يكن شرط وسواء طلبوا القسمة أو أحدهم وأجرة شاهد يخرج لقسم البلاد ووكيل وأمين للحفظ على مالك وفلاح قال الشيخ وقال: إذا مانهم الفلاح بقدر ما عليه أو يستحقه الضيف - حل لهم وقال: إن لم يأخذ الوكيل لنفسه إلا قدر أجرة عمله بالمعروف والزيادة يأخذها المقطع فالمقطع هو الذي ظلم الفلاحين فإذا أعطى الوكيل المقطع من الضريبة ما يزيد على أجرة مثله ولم يأخذ لنفسه إلا أجرة عمله جاز له ذلك ويشترط أن يكون القاسم مسلما عدلا عارفا بالقسمة قال الموفق وغيره: وعارفا بالحساب فإن كان كافرا أو فاسقا أو جاهلا بالقسمة لم تلزمه إلا بتراضيهم بها ويعدل السهام بالأجزاء إن تساوت وبالقيمة إن اختلفت وبالرد إن اقتضته فإذا تمت وأخرجت القرعة لزمت القسمة ولو كان فيها ضرر أو رد - تقاسموا بأنفسهم أو بقاسم لأنها كالحكم من الحاكم ولا يعتبر رضاهم بعدها وتعديل السهام لا يخلو من أربعة(4/416)
أقسام - أحدها: أن تكون السهام متساوية وقيمة أجزاء المقسوم متساوية: كأرض بين ستة: لكل منهم سدسها فتعدل بالمساحة ستة أجزاء متساوية ثم يقرع - الثاني: أن تكون السهام متفقة والقيمة مختلفة فتعدل الأرض بالقيمة وتجعل ستة أسهم متساوية بالقيمة - الثالث: أن تكون القيمة متساوية والسهام مختلفة: كأرض بين ثلاثة لأحدهم النصف وللثاني الثلث وللثالث السدس وأجزاؤها متساوية القيم فتجعل ستة أسهم - الرابع: إذا اختلفت السهام والقيمة فتعدل السهام بالقيمة وتجعل ستة أسهم متساوية القيمة ثم يقرع وإن خير أحدهما الآخر من غير قرعة لزمت القسمة برضاهما وتفرقهما فإن كان فيها تقويم لم يجز أقل من قاسمين لأنها شهادة بالقرعة وإلا أجزأ واحد وإذا سألوا الحاكم قسمة عقار لم يثبت عنده أنه لهم - لم يجب عليه قسمة بل يجوز فإن قسمه ذكر في كتاب القسمة أنه قسمه بمجرد دعواهم بملكه: لا عن بينة شهدت لهم بملكهم وحينئذ إن لم يتفقوا على طلب القسمة لم يقسمه حتى يثبت عنده ملكهم كما سبق وكيفما أقرعوا جاز والأحوط أن يكتب اسم كل شريك في رقعة ثم تدرج في بنادق: شمع أو طين متساويا قدرا ووزنا ثم تطرح في حجر من لم يحضر ذلك ويقال له: أخرج بندقة على هذا السهم فمن خرج اسمه كان له ثم بالثاني كذلك والسهم الباقي للثالث إن كانوا ثلاثة واستوت سهامهم وإن كتب سهم كل اسم في رقعة ثم أخرج بندقة لفلان جاز وإن كانت السهام الثلاثة مختلفة: كنصف، وثلث،(4/417)
وسدس - جزأ المقسوم ستة أجزاء وأخرج الأسماء على السهام لا غير فيكتب لصاحب النصف ثلاثة رقاع ولرب الثلث رقعتين ولرب السدس رقعة ويخرج رقعة على أول سهم فإن خرج عليه اسم رب النصف أخذه مع الثاني والثالث وإن خرج اسم صاحب الثلث أخذه والثاني الذي يليه ثم يقرع بين الأخيرين كذلك والباقي للثالث وإن كان بينهما داران متجاورتان أو متباعدتان أو خانان أو أكثر فطلب أحدهما أن يجمع نصيبه في إحدى الدارين الخانين أو الخانين ويجعل الباقي نصيبا للآخر أو يجعل كل دار سهما لم يجبر الممتنع تساوت أو اختلفت.(4/418)
فصل: - ومن ادعى غلطا فيما تقاسموه بأنفسهم وأشهدوا على رضاهم به -
ولم يصدقه المدعى عليه - لم يلتفت إليه ولو أقام به بينة إلا أن يكون مسترسلا فيغبن بما لا يسامح به عادة أو كان فيما قسمه قاسم الحاكم - قبل قول المنكر مع يمينه إلا أن يكون للمدعي بينة فتنقض القسمة وتعاد وإن كان فيما قسمه قاسم نصبوه وكان فيما شرطنا فيه الرضا بعد القرعة - لم تسمع دعواه وإلا فهو كقاسم الحاكم وإذا تقاسموا ثم استحق من حصة أحدهما شيء معين بطلت وإن كان المستحق من الحصتين على السواء لم تبطل فيما بقي وإن كان في نصيب أحدهما أكثر أو ضرره أكثر: كسد طريقه أو مجرى مائه أو طريقه ونحوه أو كان شائعا فيهما أو في أحدهما - بطلت وإن ادعى كل واحد منهما أن هذا من سهمي تحالفا ونقضت وإذا اقتسما دارين ونحوهما قسمة(4/418)
تراض فبنى أحدهما أو غرس في نصيبه ثم خرج مستحقا ونقض بناؤه وقلع غرسه رجع على شريكه بنصف قيمته ولا يرجع به في قسمة إجبار وإن خرج في نصيب أحدهما عيب فله فسخ القسمة إن كان جاهلا به وله الإمساك مع الأرش ويصح بيع التركة قبل قضاء الدين إن قضى ويصح العتق واختار ابن عقيل لا ينفذ إلا مع يسار الورثة ولا يمنع دين الميت انتقال تركته إلى ورثته بخلاف ما يخرج من ثلثها من معين موصى به والنماء لهم لا إن تعلق الدين بها: كتعلق جناية لا رهن وتصح قسمتها وظهور الدين قبل القسمة لا يبطلها لكن إن امتنعوا من وفائه بيعت فيه وبطلت القسمة فإن وفى أحدهما دون الآخر صح في نصيبه وبيع نصيب الآخر وإن اقتسموا دارا ذات أسطحة يجري عليها الماء من أحدهما فليس لمن صارت له منع جريان الماء: إلا أن يكونوا تشارطوا على منعه وإن اقتسما دارا فحصلت الطريق في حصة أحدهما ولا منفذ للآخر لم تصح القسمة وإن كان لها ظلة فوقعت في حصة أحدهما فهي له بمطلق العقد وولي المولى عليه في قسمة الإجبار بمنزلته وكذا في قسمة التراضي إذا رآها مصلحة.(4/419)
باب الدعاوى والبينات
مدخل
...
باب الدعاوى والبينات
وأحدها دعوى وهي: إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شيء في يد غيره أو في ذمته والمدعي من يطالب غيره بحق يذكر استحقاقه عليه وإذا سكت ترك والمدعى عليه المطالب وإذا سكت لم يترك،(4/419)
وواحد البينات بينة وهي العلامة الواضحة كالشاهد فأكثر ولا تصح دعوى وإنكار إلا من جائز التصرف لكن تصح الدعوى على سفيه بما يؤخذ به حال سفهه وبعد فك حجره ويحلف إذا أنكر وتقدم،
وإذا تداعيا عينا لم تخل من ثلاثة أقسام -
أحدهما: أن تكون في يد أحدهما فهي له مع يمينه أنها له ولا حق للمدعي فيها إذا لم تكن بينة ولا يثبت الملك بها كثبوته بالبينة بل ترجح به الدعوى فلا شفعة له بمجرد اليد وإن سأل المدعى عليه الحاكم كتابة محضر بما جرى أجابه وذكر فيه أنه بقي العين بيده لأنه لم يثبت ما يرفعها ولو تنازعا دابة أحدهما راكبا أو له عليها حمل والآخر آخذ بزمامها أو سائقها فهي للأول وإن اختلفا في الحمل فادعاه الراكب وصاحب الدابة فهو للراكب بخلاف السرج وإن تنازعا ثياب عبد عليه فلصاحب العبد وإن تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر آخذ بكمه فهو للأول وإن كان كمه في يد أحدهما وباقيه مع الآخر أو تنازعا عمامة طرفها في يد أحدهما وباقيها في يد الآخر -: فهما فيها سواء ولو كانت دار فيها أربعة بيوت في أحدها ساكن وفي الثلاثة ساكن واختلفا فلكل واحد هو ساكن فيه وإن تنازعا الساحة التي يتطرق منها إلى البيوت فهي بينهما نصفين ولو كانت شاة مسلوخة بيد أحدهما جلدها ورأسها وسواقطها وبيد الآخر بقيتها وادعى كل واحد منهما كلها وأقاما بينتين بدعواهما فلكل واحد منهما ما بيد صاحبه وإن تنازع صاحب الدار(4/420)
وخياط فيها في إبرة ومقص فهما للخياط وإن تنازع هو والقراب القربة فهي للقراب وإن تنازعا عرصة فيها بناء أو شجر لهما فهي لهما أو لأحدهما فهي له وإن تنازعا حائطا معقودا ببناء أحدهما وحده أو له عليه أزج - وهو ضرب من البناء ويقال له: طاق - أوله عليه بناء كحائط مبني عليه أو عقد معتمد عليه أو قبة أو له عليه سترة مبنية ونحو هذا - فهو له وإن كان معقودا ببنائه عقد يمكن إحداثه كالبناء باللبن والآجر فإنه يمكن أن ينزع من الحائط المبني نصف لبنة أو آجرة ويجعل مكانها لبنة صحيحة أو آجرة صحيحة تعقد بين الحائطين لم يرجح به وإن كان محلولا من بنائهما - أي غير متصل ببنائهما - بل بينهما شق مستطيل كما يكون بين الحائطين اللذين ألصق أحدهما بالآخر - أو شركا بينهما وهو بينهما ويتحالفان: فيحلف كل واحد للآخر أن نصفه له وإن حلف كل واحد منهما على جميع الحائط أنه له جاز وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل واد منهما بينة تعارضتا وصارا كمن لا بينة لهما فإن لم يكن لهما بينة ونكلا عن اليمين كان الحائط في أيديهما على ما كان وإن حلف أحدهما ونكل الآخر قضى على الناكل ولا ترجح الدعوى بوضع خشب أحدهما عليه ولا بوجوه آجر أو أحجار مما يلي أحدهما وبالتزويق والتجصيص ولا بسترة عليه غير مبنية لأنه مما يتسامح به ويمكن إحداثه ولا بمعاقد القمط في الخص - أي: عقد الخيوط التي تشد الخص وهو بيت يعمل من خشب وقصب - وإن تنازع صاحب العلو والسفل سلما منصوبا، أو(4/421)
درجة فلصاحب بالعلو وكذا العرصة التي يحملها الدرجة إلا أن يكون تحت الدرجة مسكن لصاحب السفل فتكون الدرجة بينهما وإن كان تحتها طاق صغير لم تبن الدرجة لأجله وإنما جعل مرفقا يجعل فيه جر الماء ونحوه فهو لصاحب العلو وإن تنازعا الصحن والدرجة في الصدر فبينهما وإن كانت في الوسط فما إليها - بينهما وما وراءه لرب السفل وإن تنازعا في السقف الذي بينهما فهو بينهما وإن تنازعا جدران البيت السفلاني فهو لصاحب السفل وحوائط العلو لصاحب العلو وإن تنازع المؤجر والمستأجر في رف مقلوع أو مصراع مقلوع له شكل منصوب في الدار فهو لربها وإلا بينهما وكذا ما لا يدخل في بيت وجرت العادة به وما لم تجربه عادة فكمكتر وإن تنازعا دارا في أيديهما فادعاها أحدهما وادعى الآخر نصفها جعلت بينهما نصفين: فاليمين على مدعي النصف وإن كان لكل واحد منهما بينة بما يدعيه تعارضتا في النصف فيكون النصف لمدعي الكل والنصف الآخر له أيضا لتقديم بينته وإن كانت الدار في يد ثالث لا يدعيها فالنصف لمدعي الكل لا منازع له فيه ويقرع بينهما في النصف الآخر: فمن خرجت له القرعة حلف وكان له وإن كان لكل واحد منهما بينة فتعارضتا صارا كمن لا بينة لهما وإن تنازع زوجان أو ورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر - ولو أن أحدهما مملوك - في قماش البيت ونحوه أو بعضه: فما يصلح للرجال كالعمامة والسيف فللرجل وما يصلح للنساء كحليهن وثيابهن فللمرأة والمصحف له إذا كان لا تقرأ وما يصلح لهما: كالفرش والأواني(4/422)
وسواء كان في أيديهما من طريق الحكم أو من طريق المشاهدة وسواء اختلفا في حال الزوجية أو بعد البينونة - فبينهما وإن كان المتاع على يدي غيرهما ولم تكن بينة - أقرع فمن قرع منهما حلف واحدة وكذا لو اختلف صانعان في آلة دكان لهما حكم بآلة كل صنعة لصانعها: فآلة العطارين للعطار وآلة النجارين للنجار فإن لم يكونا في دكان واحد واختلفا عين لم يرجح أحدهما بصلاحية العين له وكذا لو تنازع رجل وامرأة في عين غير قماش بينهما وكل من قلنا له فهو مع يمينه إذا لم تكن بينة وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها من غير يمين وإن كانت العين بيد أحدهما وكان لكل منهما بينة سمعت بينة المدعي - وهو الخارج - وحكم له بها سواء أقيمت بينة المنكر - وهو الداخل - بعد رفع يده أولا وسواء شهدت بينته أنها له نتجت في ملكه أو قطيعة من الأمام أولا فإن أقام الداخل بينة أنه اشتراها من الخارج وأقام الخارج بينة أنه اشتراها من الداخل قدمت بينة الداخل ولا تسمع بينة الدخل قبل بينة الخارج وتعديلها وتسمع بعد التعديل قبل الحكم وبعده قبل التسليم وإن أقام الخارج بينة أنها ملكه وأقام الداخل بينة أنه اشتراها منه أو وقفها عليه أو أعتقه - قدمت الثانية ولم ترفع بينة الخارج يده كقوله: أبرأني من الدين أما لو قال: لي بينة غائبة طولب بالتسليم لأن تأخيره يطول.(4/423)
فصل: - القسم الثاني: أن تكون العين في أيديهما أو في غير يد أحد ولا بينة لهما
...
فصل: - القسم الثاني: أن تكون العين في أيديهما أو في غير يد أحد ولا بين لهما: فيتحالفان وتقسم العين بينهما وكذا إن نكلا(4/423)
لأن كل واحد منهما يستحق ما في يد الآخر بنكوله وإن نكل أحدهما وحلف الآخر - قضى له بجميعها فإن ادعها أحدهما نصفها فما دون أو الآخر أكثر من بقيتها أو كلها فالقول قول مدعي الأقل مع يمينه وإن تنازعا مسناة - وهي السد الذي يرد ماء النهر من جانبه حاجز بين نهر أحدهما وأرض الآخر - تحالفا وهي بينهما وكذا إن نكلا لأنها حاجز بين ملكيهما وإن تنازعا صغيرا دون التمييز في أيديهما فهو بينهما رقيق ويتحالفان ولا تقبل دعواه الحرية إذا بلغ بلا بينة على الملك: مثل أن يلتقطه فلا تقبل دعواه لرقه لأن اللقيط محكوم بحريته وإن كان لكل منهما بينة فهو بينهما أيضا وإن كان مميزا فقال: إني حر فهو حر إلا أن تقوم بينة برقة: كالبالغ إلا أن البالغ إذا أقر بالرق ثبت رقه وإن كان لأحدهما بينة بالعين حكم له بها وإن كان لكل واحد منهما بينة لم يقدم أسبقهما تاريخا بل سواء فإن وقتت إحداهما وأطلقت الأخرى والعين بيدهما أو شهدت بينة بالملك وسببه كنتاج أو سبب غيره وبينة بالملك وحده أو بينة أحدهما بالملك له منذ سنة وبينة الآخر بالملك منذ شهر ولم تقل: اشتراه من - فهما سواء ولا تقدم إحداهما بكثرة العدد ولا اشتهار العدالة ولا الرجال على الرجل والمرأتين ولا الشاهدان على الشاهد واليمين وإن تساوتا من كل وجه تعارضتا وتحالفا فيما بيدهما وقسمت بينهما وأقرع ما لم تكن في يد أحد أو بيد ثالث ولم ينازع وكانا كمن لا بين لهما فيسقطان بالتعارض وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه وشهدت البينة بذلك سمعت وإن لم تقل: وهي ملكه لم تسمع وادعى الآخر(4/424)
أنه اشتراها من عمر وهي ملكه تعارضتا حتى ولو أرخا وإن كانت في يد أحدهما فهي للخارج ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة وأقامت امرأة بينة أن أباه أصدقها إياها فهي للمرأة: داخلة كانت أو خارجة.(4/425)
فصل: - القسم الثالث تداعيا عينا في يد غيرهما:
فإن ادعاها لنفسه حلف لكل واحد منهما يمينا فإن نكل عنهما أخذاها منه أو بدلها واقترعا عليهما وإن لم يدعها ولم يقربها لغيره ولا قامت بينة - أقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها فإن كان المدعي به عبدا مكلفا فأقر لأحدهما فهو له وإن صدقهم فهو لهما وإن جحدهما قبل قوله وإن كان غير مكلف لم يرجح بإقراره له وإن أقربها من هي بيده لأحدهما بعينه حلف وأخذها ويحلف المقر للآخر فإن نكل أخذ منه بدلها وإن أخذها المقر له فأقام الآخر بينة أخذها وللمقر له قيمتها على المقر وإن أقر بها لهما ونكلا عن التعيين اقتسماها وإن قال: هي لأحدهما وأجهله: فإن صدقاه لم يحلف وإلا حلف يمينا واحدة ويقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذها ثم إن بينة قبل ولهما القرعة بعد تحليفه الواجب وقبله فإن نكل قدمت القرعة ويحلف للمقروع إن أكذبه فإن نكل أخذ منه بدلها وإن أنكرهما ولم ينازع أقرع فإن علم أنها للآخر فقد مضى الحكم وإن لم تكن بيد أحد فهي لأحدهما بقرعة وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن كان لكل واحد منهما تعارضتا: سواء كان مقرا لهما أو لأحدهما لا بعينه أو ليست(4/425)
بيد أحد، وكذلك إن أنكرهما ثم إن أقر لأحدهما بعينه بعد إقامتهما لم يرجح بذلك وحكم التعارض بحاله وإقراره صحيح وإن كان إقراره له قبل إقامة البينتين فالمقر له كالداخل والآخر كخارج وإن ادعاها صاحب اليد لنفسه ولو بعد التعارض - حلف لكل واحد منهما يمينا وهي له فإن نكل أخذاها منه وبدلها واقترعا عليهما وإن أقر من بيده العين بها لغيرهما فتقدم وإن كان في يده عبد وادعى أنه اشتراه من زيد وادعى العبد أن زيدا أعتقه أو ادعى شخص أن زيدا باعه العبد أو وهبه له وادعى الآخر أنه باعه أو وهبه له وأقام كل واحد منهما بينة صححنا أسبق التصرفين إن علم التاريخ وإلا تعارضتا وكذا إن كان العبد بيد نفسه أو بيد أحدهما وإن كان العبد في يد زيد فالحكم فيه حكم ما إذا ادعيا عينا ففي يد غيرهما وإن ادعيا زوجية امرأة وأقاما بينتين وليست بيد أحدهما - سقطتا وإن ادعى على رجل أنه عبده فقال: بل أنا حر وأقاما بينتين - تعارضتا وإن كان في يده عبد فادعى اثنان كل منهما أنه اشتراه مني بثمن سماه فصدقهما لزمه ثمنان: فإن أنكر حلف لهما وبرئ وإن صدق أحدهما وأقام به بينة لزمه الثمن وحلف للآخر وإن أقام كل واحد بينة مطلقتين أو مختلفتي التاريخ أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة - عمل بهما وإن اتفقا تاريخهما تعارضتا وإن ادعى كل واحد أنه باغي إياه بألف وأقام بينة - قدم أسبقهما تاريخا وإن استويا تعارضتا وإن قال أحدهما: غصبني وقال الآخر ملكنيه أو أقر لي به وأقاما بينتين - فهو للمغصوب منه ولا يغرم(4/426)
للآخر شيئا وإن ادعى أنه أجره البيت بعشرة فقال المستأجر: بل كل الدار تعارضتا ولا قسمة هنا وتقدم أول طريق الحكم وصفته ما يصح سماع البينة فيه قبل الدعوى وما لا يصح.(4/427)
باب تعارض البينتين
مدخل
...
باب تعارض البينتين
التعارض: التعادل من كل وجه
إذا قال لعبده: متى قتلت فأنت حر فادعى العبد أنه قتل وأنكر ورثته فالقول قولهم إن لم تكن له بينة وإن أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه قدمت بينة العبد وعتق وإن قال: إن مت في المحرم فسالم حر وفي صفر فغانم حر ولم تقم لواحد منهما بينة وأنكر الورثة فقولهم وبقيا على الرق وإن أقروا لأحدهما أو أقام بينة عتق وإن أقام كل واحد بينة بموجب عتقه تعارضتا وسقطتا وبقيا على الرق وإن علم موته في أحد الشهرين - أقرع بينهما وإن قال: إن مت في مرضي هذا فسالم حر وإن برئت فغانم حر وجهل ثم مات وللم يكن لهم بينة - عتق أحدهما بقرعة وإن أقاما بينتين تعارضتا وبقيا على الرق وإن أقر الورثة لأحدهما بما يوجب عتقه عتقا بإقرارهم وكذا حكم: إن مت من مرضي هذا في التعارض وأما في الجهل فيعتق سالم لأن الأصل دوام المرض وعدم البرء وإن أتتلف ثوبا فشهدت بينة أن قيمته عشرون وبينة أن قيمته ثلاثون لزمه ما اتفقا عليه وهو عشرون وكذا لو كان بكل قيمة شاهد وله أن يحلف مع الآخر على العشرة كما يأتي آخر اللباب بعده لو اختلفت بينتان في قيمة عين قائمة ليتيم يريد الوصي(4/427)
بيعها - أخذ بينة الأكثر فيما يظهر وكذا قال الشيخ: لو شهدت ببنة أنه أجر حصته موليه بأجرة مثلها وبينة بنصفها وتقدم إذا ماتت امرأة وابنها واختلف زوجها وأخوها في أسبقهما في ميراث الغرقي.(4/428)
فصل: - إذا شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم - وهو ثلث ماله - وبينة أنه أوصى بعتق غانم - وهو ثلث ماله - ولم تجز الورثة - أقرع فمن قرع عتق:
سواء اتفق تاريخهما أو اختلف فلو كانت بينة وارثه فاسقة عتق سالم ويعتق غانم بقرعة وإن كانت عادلة وكذبت الأجنبية لغا تكذيبها دون شهادتها وانعكس الحكم: فيعتق غانم ثم وقف عتق سالم على القرعة وإن كانت فاسقة مكذبة أو فاسقة وشهدت برجوعه عن عتق سالم عتق العبدان ولو شهدت وليست فاسقة ولا مكذبة - قبلت شهادتها وعتق غانم وحده كما لو كانت الشاهدة برجوعه أجنبية ولو كان في هذه الصورة غانم سدس المال - عتقا ولم تقبل شهادتها والوارثة العادلة فيما تقوله خبرا: لا شهادة - كالفاسقة في جميع ما ذكرنا وإن شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه وبينة أنه أوصى بعتق غانم سالما في مرضه وبينة أنه أعتق غانما في مرضه - عتق أقدمهما تاريخا: إن كانت البينتان أجنبيتين أو كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية وإن سبقت الأجنبية فكذبتها الوارثة أو سبقت الوارثة وهي فاسقة - عتقا وإن جهل أسبقهما وكذا لو كانت بينة غانم وارثة وإن قالت البينة الوارثة: ما أعتق ساما وإنما أعتق غانما - عتق غانم كله،(4/428)
وحكم سالم كحكمه لو لم تطعن الوارثة في بينته: في أنه يعتق إن تقدم تاريخ عتقه أو خرجت له القرعة وإلا فلا وإن كانت الوارثة فاسقة ولم تطعن في بينة سالم كله وينظر في غانم: فإن كان تاريخ عتقه سابقا أو خرجت القرعة له عتق كله وإن كان متأخرا أو خرجت القرعة لسالم - لم يعتق منه شيء وإن كانت كذبت بينة سالم عتق العبدان وتدبير مع تنجيز - كآخر تنجيزين مع أسبقهما في كل ما قدمنا.(4/429)
فصل: - وإن مات عن ابنين: مسلم وكافر فادعى كل منهما أنه مات على دينه:
فإن عرف أصل دينه فالقول قول من يدعيه وإن لم يعرف فالميراث للكافر: إن اعترف المسلم أنه أخوه أو قامت به بينة وإلا فبينهما وإن أقم كل منهما بينة أنه ما على دينه ولم يعرف أصل دينه تعارضتا وإن قال شاهدان: نعرفه مسلما وشاهدان نعرفه كافرا ولم يؤرخا معرفتهم ولا عرف أصل دينه - فالميراث للمسلم وتقدم الناقلة إذا عرف أصل دينه فهو كما تقدم ولو شهدت بينة أنه مات ناطقا بكلمة الإسلام وبينة أخرى أنه مات ناطقا بكلمة الكفر تعارضتا ولو لم يعرف أصل دينه وإن خلف أبوين كافرين وابنين مسلمين واختلفوا في دينه فكما تقدم في ابنين مسلم وكافر وكذا لو خلف ابنا كافرا وامرأة وأخا مسلمين ومتى نصفنا المال فنصفه للأبوين على ثلاثة ونصفه للزوجة والآخر على أربعة ولو مات مسلم وخلف زوجة وورثه سواها وكانت الزوجة كافرة ثم أسلمت وادعت أنها أسلمت قبل موته وأنكر الورثة - فقولهم وإن ادعى الورثة أنها كانت كافرة ولم يثبت وأنكرتهم(4/429)
أو ادعوا أنه طلقها قبل موته فأنكرتهم فقولها وإن اعترفت بالطلاق وانقضاء العدة وادعت أنه راجعها وأنكروا فقولهم وإن اختلفوا في انقضاء عدتها فقولها في أنها لم تنقض ولو مات مسلم وخلف ابنين: مسلم وكافر فأسلم الكافر وقال: أسلمت قبل موت أبي وقال أخوه: بل بعده فلا ميراث له فإن قال: أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر فقال أخوه بل في ذي الحجة فله الميراث مع أخيه ولو خلف حر ابنا وابنا كان عبدا فادعى أنه عتق وأبوه حي ولا بينة - صدق أخوه في عدم ذلك وإن ثبت عتقه في رمضان فقال الحر: مات أبي في شعبان وقال العتيق: بل في شوال صدق العتيق وتقدم بينة الحر مع التعارض ولو شهدا على اثنين بقتل فشهدا على الشاهدين به وصدق الولي الكل أو الآخرين أو كذب الكل أو الأولين فقط فلا قتل ولا دية وإن صدق الأولين فقط - حكم بشهادتهما وقتل من شهدا عليه.(4/430)
كتاب الشهادات
*
مدخل
...
كتاب الشهادات
وأحدها شهادة تطلق على التحمل والأداء وهي حجة شرعية تظهر الحق ولا نوجبه وهي: الأخبار بما علمه بلفظ خاص وتحملها في غير حق الله فرض كفاية وإذا تحملها وجبت كفايتها ويتأكد ذلك في حق رديء الحفظ وأداؤها فرض عين وإن قام بالفرض في التحمل والأداء اثنان سقط عن الجميع وإن امتنع الكل أثموا،(4/430)
ويشترط في وجوب التحمل والأداء أن يدعى إليهما من تقبل شهادته ويقدر عليهما بلا ضرر يلحقه في بدنه أو ماله أو أهله أو عرضه ولا تبذل في التزكية ويختص الأداء بمجلس الحكم ومن تحملها أو رأى فعلا أو سمع قولا بحق لزمه أداؤها: على القريب والبعيد فيما دون مسافة القصر والنسب وغيره سواء ولو أدى شاهد وأبى الآخر وقال: احلف أنت بدلي أثم ولو دعي فاسق إلى تحملها فله الحضور ولو مع وجود غيره لأن التحمل لا يعتبر له العدالة ومن شهد مع ظهور فسقه لم يعذر لأنه لا يمنع صدقه فدل أنه لا يحرم أداء الفاسق ولا يضمن من باب فسقه ويحرم أخذ أجرة وجعل عليها: تحملا وأداء ولو لم تتعين عليه لكن إن عجز عن المشي أو تأذى به فله أخذ أجرة مركوب من رب الشهادة وفي الرعاية: وكذا مزك ومعرف ومترجم ومفت ومقيم حد وقود وحافظ مال بيت المال ومحتسب والخليفة ولا يقيمها على مسلم بقتل كافر ويباح لمن عنده شهادة بحد لله - أقامتها من غير تقدم دعوى ولا تستحب وتجوز الشهادة بحد قديم وللحاكم أن يعرض للشهود بالوقف عنها في حق الله تعالى: كتعريضه للمقربة ليرجع ومن عنده شهادة لآدمي يعلمها - لم يقمها حتى يسأله ولا يقدح فيه: كشهادة حسبة ويقيمها بطلبه ولو لم يطلبها حاكم ويحرم كتمها ويسن الإشهاد في كل عقد: سوى نكاح - فيجب ولا يجوز للشاهد أن يشهد إلا بما يعلمه برؤية أو سماع غالبا لجوازه ببقية الحواس قليلا، فالرؤية(4/431)
تختص بالأفعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة ونحو ذلك فإن جهل حاضرا جاز أن يشهد في حضرته لمعرفة عينه وإن كان غائبا فعرفه من يسكن إليه - جاز أن يشهد ولو على امرأة وإن لم تتعين معرفتها لم يشهد مع غيبتها ويجوز أن يشهد على عينها إذا عرف عينها ونظر إلى وجهها قال أحمد: لا يشهد على امرأة حتى ينظر إلى وجهها وهذا محمول على الشهادة على من لم يتيقن معرفتها فأما من تيقن معرفتها وعرف صوتها يقينا فيجوز وقال أحمد أيضا: لا يشهد على امرأة إلا بإذن زوجها وهذا يحتمل أنه لا يدخل عليها بيتها إلا بإذن زوجها ولا تعتبر إشارته إلى مشهود عليه حاضر مع نسبه ووصفه وإن شهد بإقرار لم يعتبر ذكر سببه: كباستحقاق مال ولا قوله: طوعا في صحته مكلفا عملا بالظاهر وإن شهد بسبب يوجب الحق أو استحقاق غيره - ذكره والسماع ضربان: سماع من المشهود عليه: كالطلاق والعتاق والإبراء والعقود وحكم الحاكم وإنفاذه والإقرار ونحوها فيلزمه أن يشهد به على من سمعه وإن لم يشهده به لاستحقاقه أو مع العلم به وإذا قال المتحاسبان لا يشهدوا علينا بما يجري بيننا لم يمنع ذلك الشهادة ولزوم إقامتها وسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا به وبها: كالنسب والموت والملك المطلق والنكاح عقدا ودواما والطلاق والخلع وشرط الوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وما أشبه ذلك فيشهد بالاستفاضة في ذلك كله ولا يشهد بها إلا عن عدد يقع العلم بخبرهم ولا يشترط ما يشترط في الشهادة على الشهادة،(4/432)
ويكتفي بالسماع ويلزم الحكم بشهادة لم يعلم تلقيها من الاستفاضة ومن قال: شهدت بها ففرع وفي المغني شهادة أصحاب المسائل شهادة استفاضة لا شهادة على شهادة وقال القاضي: الشهادة بالاستفاضة خبر لا شهادة وقال: تحصل بالنساء والعبيد وإن سمع النساء فأقر بنسب أب أو ابن فصدقه المقر له جاز أن يشهد له به وإن كذبه لم يجز له أن يشهد له به وإن سكت جاز أن يشهد ومن رأى شيئا في يد إنسان مدة طويلة يتصرف فيه تصرف الملاك من نقض وبناء وإجارة وإعارة ونحوها جاز أن يشهد له بالملك والورع أن لا يشهد إلا باليد والتصرف خصوصا في هذه الأزمنة.(4/433)
فصل: - ومن شهد بنكاح أو غيره من العقود فلا بد من ذكر شروطه
وتقدم في طريق الحكم وإن شهد برضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات وأنه شرب من ثديها أو من لبن حلب منه في الحولين فلا يكفي أن يشهد أنه ابنها من الرضاع وإن شهد بقتل احتاج أن يقول: ضربه بسيف أو غيره أو جرحه فقتله أو مات من ذلك وإن قال: جرحه فمات لم يحكم به وإن شهد بزنا - ذكر المزني بها وأين وكيف وفي أي زمان وأنه رأى ذكره في فرجها وإن شهد بسرقة اشترط ذكر المسروق منه والنصاب والحرز وصفة المسروق وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف وإن شهد أن هذا العبد ابن أمته أو هذه الثمرة من ثمرة شجرته - لم يحكم بهما حتى يقولا: ولدته وأثمرته في ملكه وإن شهد أنه اشتراها من فلان أوقفها عليه أو أعتقها لم يحكم بها حتى(4/433)
يقولا: وهي ملكه وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه أو الطائر من بيضه أو الدقيق من حنطته حكم له بها: لا إن شهدا أن هذه البيضة من طيره حتى يقولا: باضتها في ملكه وإن شهدا لمن ادعى إرث ميت أنه وارثه لا يعلمان له وارثا سواه - حكم له بتركته: سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة أو لا ويعطي ذو الفرض فرضه كاملا وإن قالا: لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد أو بأرض كذا فكذلك: لا إن قالا: لا نعلم له وارثا في البيت ثم إن شهدا أن هذا وارثه شارك الأول وإن شهدت بينة أن هذا ابنه لا وارث له غيره وبينة أخرى لآخر أن هذا ابنه لا وارث له غيره ثبت نسبهما وقسم المال بينهما ولا ترد الشهادة على النفي بدليل المسئلة المذكورة ومسئلة الإعسار والبينة فيه وإن كان النفي محصورا قبلت: كقول الصحابي "فطرح السكني وصلى ولم يتوضأ" ولو شهد اثنان في محفل على واحد منهم أنه طلق أو أعتق - قبل وكذا لو شهدا على خطيب أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما مع المشاركة في سمع وبصر ولا يعارضه قولهم: إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله مع مشاركة خلق كثير - رد وإن شهدا أنه طلق أو أعتق أو أبطل من وصاياه واحدة ونسيا عينها - لم يقبل وتصح شهادة مستخف وشهادة من سمع مكلفا يقر بحق أو عتق أو طلاق أو يشهد شاهدا بحق أو يسمع الحاكم يحكم أو يشهد على حكمه وإنفاذه ويلزمه أن يشهد بما سمع.(4/434)
فصل: - وإن شهد أحد الشاهدين أنه أقر بقتله عمدا أو قتله عمدا وشهد الآخر أنه أقر بقتله، أو قتله وسكت -
ثبت القتل وصدق المدعى عليه في صفته وإن شهدا بفعل متحد في نفسه: كإتلاف ثوب ونحوه وقتل زيد أو باتفاقهما: كسرقة وغصب واختلفا في وقته أو مكانه أو صفة متعلقة به: كلونه: وآلة قتل: مما يدل على تغاير الفعلين لم تكمل البينة فلو شهد أحدهما أنه غصب ثوبا أحمر وشهد الآخر أنه غصب ثوبا أبيض أو شهد أحدهما أنه غصب اليوم وشهد الآخر أنه غصب أمس لم تكمل البينة وكذا لو شهد أنه تزوجها أمس والآخر أنه تزوجها اليوم أو شهد أحدهما أنه سرق مع الزوال كيسا أبيض وشهد آخر أنه سرق مع الزوال كيسا أسود أو شهد أحدهما أنه سرق هذا الكيس غدوة وشهد الآخر أنه سرقه عشية وكذا القذف إذا اختلف الشاهدان في وقت قذفه وإن أمكن تعدده ولم يشهدا باتحاده فبكل شيء شاهدة فيعمل بمقتضى ذلك ولا تنافي وإن كان بدل كل شاهد بينة - ثبتا هنا إن ادعاهما وإلا ما ادعاه وإن كان الفعل مما لا يمكن تكراره: كقتل رجل بعينه - تعارضتا ولو كانت الشهادة على إقرار بفعل أو بغيره ولو نكاحا أو قذفا - جمعت فلو شهد أحدهما أنه أقر بألف أمس والآخر أنه أقر بألف اليوم أو شهد أحدهما أنه أقر بألف أمس والآخر أنه أقر بألف اليوم أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس وآخر أنه باعه إياها اليوم - كملت وثبت البيع والإقرار وإن شهد واحد بالفعل وآخر على إقراره - جمعت وإن شهد واحد بعقد نكاح أو قتل خطأ وآخر على إقراره لم تجمع ولمدعي القتل أن يحلف مع أحدهما ويأخذ الدية ومتى جمعنا مع اختلاف وقت في قتل أو طلاق فالعدة والإرث يليان آخر الديتين،(4/435)
وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف وآخر أنه أقر له بألفين أو شهد أحدهما أن له عليه ألفا آخر أن له عليه ألفين - كملت بينة الألف وثبت وله أن يحلف مع شاهده على الألف الأخرى ولو شهدا بمائة وآخران بخمسين دخلت فيها: إلا مع ما يقتضي التعدد فيلزمانه ولو شهد واحد بألف من قرض وآخر بألف من ثمن مبيع - لم تكمل ولو شهدوا حد بألف وآخر بألف من قرض - كملت وإن شهدا أن له عليه ألفا ثم قال أحدهما: قضاه بعضه - بطلت شهادته وإن شهدا أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما: قضاه خمسمائة صحت شهادتهما بالألف وإذا كانت له بينة بألف فقال: أريد أن تشهدا لي بخمسمائة لم يجز إذا كان الحاكم لم يول الحكم فوقها.(4/436)
باب شروط من تقبل شهادته
مدخل
...
باب شروط من تقبل شهادته
وهي ستة - أحدها: البلوغ فلا نقبل شهادة من هو دونه في جرح ولا غيره ولو ممن هو في حال أهل العدالة - الثاني: العقل وهو نوع من العلوم الضرورية والعاقل: من عرف الواجب عقلا: الضروري وغيره والممكن والممتنع وما يضره وما ينفعه غالبا فلا تقبل شهادة مجنون ومعتوه ويقبل ممن يجن أحيانا في حلا إفاقته - الثالث الكلام فلا تقبل شهادة أخرس ولو فهمت إشارته: إلا إذا أداها بخطه - الرابع: الإسلام فلا تقبل شهادة كافر ولو من أهل الذمة ولو على مثله: إلا رجال أهل الكتاب بالوصية في السفر من حضره الموت من مسلم وكافر عند عدم مسلم فتقبل شهادتهم في هذه المسئلة فقط ولو لم تكن لهم ذمة ويحلفهم الحاكم وجوبا بعد العصر مع(4/436)
ريب: ما خانوا ولا حرفوا وإنها لوصية الرجل فإن عثر على أنهما استحقا إثما - حلف اثنان من أولياء الموصي - بالله: لشهادتنا أحق من شهادتهما ولقد خانا وكتما ويقضي لهم - الخامس: الحفظ فلا تقبل شهادة مغفل ولا معروف بكثرة غلط ونسيان - السادس: العدالة ظاهرا وباطنا وهي: استواء أحواله في دينه واعتدال أقواله وأفعاله ويعتبر لها شيئان: - الصلاح في الدين: وهو أداء الفرائض بسننها الراتبة فلا تقبل إن داوم على تكرها لفسقه واجتناب المحرم فلا يرتكب كبيرة ولا يدمن على صغيرة والكبيرة: ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة زاد الشيخ: أو غضب أو لعنة أو نفي أيمان والكذب صغيرة: إلا في شهادة زور أو كذب على نبي أو رمي فتن ونحوه - فكبيرة ويجب أن يخلص به مسلم من قتل ويباح لإصلاح وحرب وزوجة قال ابن الجوزي: وكل مقصود محمود حسن لا يتوصل إليه إلا به فلا تقبل شهادة فاسق من جهة الأفعال أو الاعتقاد ولو تدين به فلو قلد بخلق القرآن أو نفي الرؤية أو الرفض أو التهجم ونحوه - فسق ويكفر مجتهدهم الداعية ومن أخذ بالرخص فسق قال الشيخ: لا يتريب أحد فيمن صلى محدثا أو لغير القبلة أو بعد الوقت أو بلا قراءة - أنه كبيرة ومن الكبائر على ما ذكر أصحابنا - الشرك وقتل النفس المحرمة وأكل الربا والسحر والقذف بالزنا واللواط وأكل مال اليتيم بغير حق والتولي يوم الزحف والزنا واللواط وشرب الخمر وكل مسكر وقطع الطريق والسرقة وأكل الأموال بالباطل ودعواه ما ليس له وشهادة الزور والغيبة والنميمة واليمين الغموس وترك الصلاة والقنوط من رحمة(4/437)
الله، وإساءة الظن بالله تعالى وأمن مكر الله وقطيعة الرحم والكبر والخيلاء والقيادة والدياثة ونكاح المحلل وهجرة المسلم العدل وترك الحج للمستطيع ومنع الزكاة والحكم بغير الحق والرشوة فيه والفطر في نهار رمضان بلا عذر والقول على الله بلا علم وسب الصحابة والإسرار على العصيان وترك التنزه من البول ونشوزها على زوجها وإلحاقها به ولدا من غيره وإتيانها في الدبر وكتم العلم عن أهله وتصوير ذي الروح والدعاء إلى بدعة أو ضلالة والغلول والنوح والتطير والأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وجور الموصي في وصيته ومنعه ميراثه وإباق الرقيق وبيع الخمر واستحلال البيت الحرام وكتابة الربا والشهادة عليه وكونه ذا وجهين وادعاؤه نسبا غير نسبه وغش الإمام الرعية وإتيان البهائم وترك الجمعة بغير عذر وسيئ الملكة وغير ذلك فأما من أتى شيئا من الفروع المختلف فيها: كمن تزوج بلا ولي أو شرب من النبيذ ما لا يسكره أو أخر زكاة أو حجا مع إمكانهما ونحوه متأولا له - لم ترد شهادته وإن اعتقد تحريمه ردت وأدخل القاضي وغيره الفقهاء في أهل الأهواء وأخرجهم ابن عقيل وغيره وهو المعروف عند العلماء وأولي ذكره ابن مفلح في أصوله الشيء الثاني - استعمال المروءة: وهو ما يجمله ويزينه وترك ما يدنسه ويشينه عادة فلا تقبل شهادة مصافع ومتمسخر ومغن ويكره سماع الغناء والنوح بلا آلة لهو ويحرم معها ويباح الحداء الذي يساق به الإبل ونشيد العرب ولا شهادة شاعر مفرط بالمدح(4/438)
بإعطاء أو ذم بعدمه فالشعر كالكلام: حسنه حسن وقبيحه قبيح ولا مشيب بمدح خمر: لا أن شبب بامرأته أو أمته ولا رقاص ولا مشعوذ ومن يلعب بنرد أو شطرنج لتحريمهما وإن عريا عن القمار غير مقلد في الشطرنج كمع عوض أو ترك واجب أو فعل محرم إجماعا ولا من يلعب بحمام طيارة أو يسترعيها من المزارع أو ليصيد بها حمام غيره أو يراهن بها وتباح للأنس بصوتها ولاستفراخها وحمل كتب من غير أذى الناس ولا بكل ما فيه دناءة حتى في أرجوحة وأحجار ثقيلة ومن يكشف من بدنه ما العادة تغطيته ونومه بين جالسين وخروجه عن مستوى الجلوس بلا عذر وطفيلي ومن يدخل الحمام بلا مئزر أو يتغذى في السوق بحضرة الناس زاد في الفتية أو على الطريق ولا يضر أكل اليسير كالكسرة ونحوها أو يمد رجليه في مجمع الناس أو يتحدث بما يصنعه مع أهله وأمته وغيرهما أو يخاطب أهله أو أمته أو غيرهما بفاحش بحضرة الناس وحاكى المضحكات ومنزي بزي يسخر منه ونحوه قال الشيخ: وتحرم محاكاة الناس ويعزر هو ومن يأمره - انتهى ولا بأس بالثقاف واللعب بالحراب ونحوها وتقبل شهادة من صناعته دنيئة عرفا: كحجام وحائك وحارس ونخال: وهو الذي يتخذ غربالا أو نحوه يغربل به في مجاري الماء وما في الطرقات: من حصى وتراب ليجد في ذلك شيئا من الفلوس أو الدراهم وغيرها: وهو المقلش ومحرش بين البهائم وصباغ ونفاط: وهو اللعاب بالنفط وزبال وكناس العذرة(4/439)
فإن صلى بالنجاسة ولم يتنظف لم تقبل شهادته وكباش: وهو الذي يلعب بالكبش ويناطح به ودباغ وقراد: وهو الذي يلعب بالقرد ويطوف به في الأسواق ونحوها متكسبا بذلك وحداد ودباب إذا حسنت طريقتهم في دينهم ويكره كسب من صفته دنيته وتقدم أول باب الصيد وأما سائر الصناعات التي لا دناءة فيها فلا ترد الشهادة بها إلا من كان يحلف منهم كاذبا أو يعد ويخلف وغلب هذا عليه أو كان يؤخر الصلاة عن أوقاتها أو لا يتنزه عن النجاسات أو كانت صناعة محرمة: كصناعة المزامير من خشب أو قصب والطنابير أو يكثر في صناعته الربا كالصائغ والصيرفي ولم يتوق ذلك - ردت شهادته وكذا من داوم على استماع المحرمات من ضرب النايات والمزامير والعود والطنبور والرباب ونحو ذلك والصفاقين من نحاس ويضرب بإحداهما على الأخرى فتحرم آلات اللهو اتخاذا واستعمالا وصناعة ولعب فيه قمار وتكرر منه أو سأل من غير أن تحل له المسئلة فأكثر أو بنى حماما للنساء.(4/440)
فصل: - ومتى زالت الموانع منهم فبلغ الصبي وعقل المجنون وأسلم الكافر وتاب الفاسق - قبلت شهادتهم بمجرد ذلك
ولا يعتبر في التائب إصلاح العمل وتوبة غير قاذف - ندم وإقلاع وعزم أن لا يعود وإن كان فسقه بترك واجب فلا بد من فعله ويسارع ويعتبر رد مظلمة إلى ربها أو إلى ورثته إن كان ميتا أو يجعله منها في حل ويستمهله معسرا وتوبة قاذف بزنا - أن يكذب نفسه لكذبه حكما،(4/440)
وتصح توبته قبل الحد لصحتها من قذف وغيبة ونحوهما قبل إعلامه والتحلل منه والقاذف بالشتم ترد شهادته وروايته وفتياه حتى يتوب والشاهد بالزنا إذا لم تكمل البينة تقبل روايته: لا شهادته وتقدم بعضه في القذف وتقبل شهادة العبد حتى في موجب حد وقود: كالحر وتقبل شهادة الأمة فيما تقبل فيه شهادة الحرة ومتى تعينت عليه حرم على سيده منعه منها وتجوز شهادة الأصم في المرئيات وبما سمعه قبل صممه وتجوز شهادة الأعمى في المسموعات إذا تيقن الصوت وبما رآه قبل عماه إذا عرف الفاعل باسمه ونسبه فإن لم يعرفه إلا بعينه قبلت إذا وصفه للحاكم بما يتميز به قال الشيخ: وكذا الحكم إن تعذرت رؤية العين المشهود لها أو عليها أو بها لغيبة أو موت أو عمى وإن شهد عند الحاكم ثم عمى أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحاكم بشهادته وتقبل شهادة ولد الزنا في الزنا وغيره وتقبل شهادة الإنسان على فعل نفسه: كالمرضعة على إرضاعها وإن كان الإرضاع بأجرة والقاسم على قسمته بعد فراغه ولو بعوض والحاكم على حكمه بعد العزل وشهادة القروي على البدوي وعكسه(4/441)
باب موانع الشهادة
موانع الشهادة
...
باب موانع الشهادة
وهي ستة - أحدها: قرابة الولادة فلا تقبل شهادة عمودي النسب بعضهم لبعض من والد وإن علا ولو من جهة الأم وولد وإن سفل من ولد البنين والبنات: إلا من زنا أو رضاع وتقبل شهادة بعضهم على بعض ولباقي أقاربه: كلأخيه وعمه، وابن عمه،(4/441)
وخاله، ونحوهم، والصديق لصديقه والمولى لعتيقه وعكسه ولو أعتق عبدين فادعى رجل أن المعتق غصبهما منه فشهد العتيقان بصدق المعدي لم تقبل شهادتهما لردهما إلى الرق وكذا لو شهدا بعد عتقهما أن معتقهما كان غير بالغ حال العتق أو يجرح شاهدي حريتهما وكذا لو عتقا بتدبير أو وصية فشهدا بدين يستوعب التركة أو وصية مؤثرة في الرق.
الثاني: الزوجية فلا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه ولو بعد الفراق إن كانت ردت قبله وإلا قبلت وتقبل عليه في غير الزنا ولا شهادة السيد لعبده ولا العبد لسيده.
قال ابن نصر الله: لو شهد عند الحاكم من لا تقبل شهادة الحاكم له عند الأجنبي كشهادة ولد الحاكم أو والده أو زوجته فيما تقبل فيه شهادة النساء - يتوجه عدم قبولها وقال: لو شهد على الحاكم بحكمه من شهد عنده بالمحكوم فيه - الأظهر لا تقبل وقال: تزكية الشاهد رفيقه في الشهادة لا تقبل - انتهى ولو شهد اثنان على أبيهما بقذف ضرة أمهما وهي تحته أو طلاقها قبلت قال في الترغيب ومن موانعها العصبية فلا شهادة لمن عرف بها وبالإفراط في الحمية لتعصب قبيلة على قبيلة وإن لم تبلغ رتبة العداوة ومن حلف مع شهادته لم ترد.
الثالث: أن يجر إلى نفسه نفعا: كشهادة السيد لمكاتبة والمكاتب لسيده والوارث بجرح موروثه قبل اندماله فلا تقبل وتقبل له بدينه في مرضه فلو حكم بهذه الشهادة لم يتغير الحكم بعد موته ولا تقبل(4/442)
شهادة الوصي للميت ولو بعد عزله وفراغ الإجارة وانفصال الشريك ولا أحد الشفيعين بعفو الآخر عن شفعته أو بيع الشقص الذي تجب فيه الشفعة وإن أسقط شفعته قبل الحكم بشهادته قبلت: لا بعد الرد ولا غريم لمفلس بمال بعد الحجر أو لميت له عليه دين بمال ولا مضارب بمال المضاربة ولا حاكم ولا وصي لمن في حجره وتقبل عليه ولا تقبل لمن له كلام واستحقاق في شيء وإن قل: كرباط ومدرسة.
الرابع: أن يدفع عن نفسه ضررا: كشهادة العاقلة بجرح شهود الخطأ والغرماء بجرح شهود الدين على المفلس والسيد بجرح من شهد على مكاتبه أو عبده بدين والوصي بجرح الشاهد على الأيتام والشريط بجرح الشاهد على شريكه كشهادة من لا تقبل شهادته لإنسان إذا شهد بجرح الشاهد عليه ولا تقبل شهادة الضامن للمضمون عنه بقضاء الحق والإبراء منه ولا شهادة بعض غرماء المفلس على بعض بإسقاط دينه أو استيفائه ولا من أوصى له بمال على آخر بما يبطل وصيته إذا كانت وصيته يحصل بها مزاحمة: إما لضيق الثلث عنها أو لكون الوصيتين بمعين وتقبل فتيا من يدفع عن نفسه ضررا بها.
الخامس: العداوة الدنيوية: كشهادة المقذوف على قاذفه والزوج على امرأته بالزنا ولا المقتول وليه على القاتل والمجروح على الجارح والمقطوع عليه الطريق على قاطعه فلو شهدوا أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا أو على القافلة لم تقبل وإن شهدوا أن هؤلاء قطعوا الطريق بل هؤلاء - قبلت وليس للحاكم أن يسألهم هل قطعوا الطريق عليكم(4/443)
معهم؟ وإن شهدوا أنهم عرضوا لنا وقطعوا الطريق على غيرنا قبلت ويعتبر في عدم قبول الشهادة كون العداوة لغير الله: سواء كانت موروثة أو مكتسبة فأما العداوة في الدين: كالمسلم يشهد على الكافر والمحق من أهل السنة يشهد على المبتدع فلا ترد شهادته لأن الدين يمنعه من ارتكاب محظور في دينه وتقبل شهادة العدة لعدوه وتقبل عليه في عقد نكاح ومن شهد بحق مشترط بين من ترد شهادته له وبين من لا ترد لم تقبل لأنها لا تتبعض في نفسها ومن سره مساءة أحد أو غمه فرحا وطلب له الشر ونحوه فهو عدوه.
السادس: من شهد عند حاكم فردت شهادته بتهمة لرحم أو زوجية أو عداوة أو طلب نفع أو دفع ضرر ثم زال المانع فأعادها لم تقبل كما لو ردت لفسق ثم أعادها بعد التوبة ولو لم يشهد بها الفاسق عند الحاكم حتى صار عدلا قبلت وإن ردت لكفر أو صغر أو جنون أو خرس نم أعادها بعد زوال المانع - قبلت وإن شهد عنده ثم حدث مانع لم يمنع الحكم إلا كفر أو فسق أو تهمة فأما عداوة ابتدأها مشهود عليه كقذفه البينة لما شهدت عليه لم ترد شهادتها بذلك وكذا مقاولته وقت غضب ومحاكمة بدون عداوة ظاهرة سابقة وإن حدث مانع بعد الحكم لم يستوف حد ولو قذفا ولا قود بل مال وإن شهد لمكاتبه أو لموروثه بجرح قبل برئه فردت ثم أعادها بعد العتق والبرء لم تقبل.(4/444)
باب ذكر المشهود به وعدد شهوده
باب ذكر المشهود وعدد شهوده
...
باب ذكر المشهود به وعدد شهوده
لا يقبل في الزنا واللواط أقل من أربعة رجال وكذا الإقرار به يشهدون أنه أقر أربعا فإن كان المقر بهما أعجميا قبل فيه ترجمانان ومن عزر بوطء فرج من بهيمة وأمة مشتركة ونحوها ثبت برجلين ولا يقبل قول من عرف بالغني أنه فقير إلا بثلاثة وتقدم لا تثبت بقية الحدود بأقل من رجلين وكذا القود ويثبت القود بإقراره مرة ولا يقبل فيما ليس بعقوبة ولا مال ويطلع عليه الرجال غالبا: كنكاح وطلاق ورجعة ونسب وولاء وإيصاء وتوكيل في غير مال وتعديل شهود وجرحهم - أقل من رجلين ويقبل في موضحة ونحوها وداء دابة - طبيب واحد وبيطار واحد مع عدم غيره فغن لم يتعذر فاثنان فإن اختلفا قدم قول مثبت ويقبل في ماله وما يقصد به المال كالبيع وأجله خياره ورهن ومهر وتسميته ورق مجهول النسب وإجارة وشركة ومصلح وهبة وإيصاء في مال وتوكيل فيه وقرض وجناية الخطأ ووصية لمعين ووقف عليه وشفعة وحوالة وغصب وإتلاف وما ل وضمانة فسخ عقد معاوضة ودعوى قتل كافر لأخذ سلبه ودعوى أسير تقدم إسلامه لمنع رق وعتق وكتابة وتدبير ونحو ذلك - رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين المدعي وجب تقديم الشاهد على اليمين ولا يشترط في يمينه أن يقول: وإن شاهدي صادق في شهادته وكل موضع قبل فيه شاهد ويمين فلا فرق بين كون المدعي مسلما أو كافرا أو عدلا،(4/445)
أو فاسقا: رجلا أو امرأة ولا تقبل شهادة امرأتين ويمين المدعي ولا أربع نسوة فأكثر مقام رجلين قال القاضي: يجوز أن يحلف على ما لا تجوز الشهادة عليه مثل: أن يجد بخطه دينا له على إنسان وهو يعرف أنه لا يكتب إلا حقا ولم يذكره أو يجد في روزمانج أبيه بخطه دينا له على إنسان ويعرف من أبيه الأمانة وأنه لا يكتب إلا حقا - فله أن يحلف عليه ولا يجوز أن يشهد به ولو أخبره بحق أبيه ثقة فسكن إليه جاز أن يحلف عليه ولم يجز أن يشهد به والأولى الورع عن ذلك فلو نكل عن اليمين من أقام شاهدا حلف المدعي عليه فإن نكل حكم عليه ولو كان لجماعة حق بشاهد فأقاموه - فمن حلف منهم أخذ نصيبه ولا يشاركه من لم يحلف ولا يحلف وارث ناكل: إلا أن يموت قبل نكوله ويقبل في جناية عمد موجبها المال: دون قصاص في قود: كمأمومة وهاشمة ومنقلة مما له قود موضحة من ذلك وفي عمد لا قصاص فيه حال - شاهد ويمين فيثبت المال وإن ادعى أن زيدا ضرب أخاه بسهم عمدا فقتله ونفذ إلى أخيه الآخر فتقله خطأ وأقام بذلك شاهدا وامرأتين أو شاهدا وحلف معه ثبت قتل الثاني فقط ويقبل فيما لا يطلع عليه الرجال: كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والحيض والولادة والرضاع والاستهلال ونحوه - شهادة امرأة واحدة عدل وكذا جراحة وغيرها في حمام وعرس ونحوهما مما لا يحضره رجلا والأحوط اثنتان وإن شهد به رجل كان أولى لكماله وإن شهد رجل وامرأتان أو رجل مع(4/446)
يمين فيما يثبت القود لم يثبت به قود ولا مال وإن أتى بذلك في سرقة ثبت المال دون القطع وإن أتى بذلك رجل في خلع ثبت له العوض وثبت البينونة بمجرد دعواه وإن ادعت امرأة الخلع لم يقبل فيه إلا رجلان ولو آتت برجل وامرأتين أنه تزوجها بمهر ثبت المهر لأن النكاح حق له ولو ادعى شخص على رجل أنه سرق منه أو غصبه مالا فحلف بالطلاق والعتاق ما سرق منه ولا غصبه وأقام المدعي شاهدا وامرأتين شهدوا بالسرقة والغصب أو شاهدا وحلف معه - استحق المسروق والمغصوب ولم يثبت طلاق ولا عتق وإن ادعى رجل على أخر أمة بيده لها ولد أنها أم ولده وإن ولدها ولده وشهد بذلك رجل وامرأتان - حكم له بالأمة وأنها أم ولد له ولا يحكم له بالولد ولا يحريته ويقر في يد المنكر مملوكا له وإن ادعى أنها كانت ملكه فأعتقها وشهد بذلك رجل وامرأتان لم يثبت ملك ولا عتق ولو وجد على دابة مكتوب: حبيس في سبيل الله أو على أسكفة دار أو حائطها: وقف أو مسجد أو مدرسة - حكم به ولو وجد على كتب علم في خزانة: هذه طويلة فكذلك وإلا توقف فيها وعمل بالقرائن.(4/447)
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة وأدائها
مدخل
...
باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة وأدائها
لا تقبل الشهادة على الشهادة: إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي وترد فيما يرد ولا يحكم بها إلا أن يتعذر شهادة شهود الأصل(4/447)
بموت أو مرض أو غيبة إلى مسافة قصر أو خوف من سلطان أو غيره أو حبس قال ابن عبد القوي: وفي معناه الجهل بمكانهم ولو في المصر والمرأة المخدرة كالمريض ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا أن يسترعيه غيره وهو يسمع فيقول: أشهد أني أشهد على فلان بكذا أو أشهد على شهادتي بكذا أو يسمعه يشهد عند الحاكم أو يشهد بحق يعزوه إلى سبب من بيع أو قرض أو إجارة ونحوه فله أن يشهد وأن يؤديها الفرع بصفة تحمله لها فيقول: أشهد أن فلان بن فلان وقد عرفته بعينه واسمه ونسبه وعدالته - وإن لم يعرف عدالته لم يذكرها - أشهدني أنه يشهد لفلان بن فلان بن فلان كذا أو أشهدني أنه يشهد أن فلانا أقر عندي بكذا وإن سمعه يشهد غيره قال: أشهد أن فلان بن فلان أشهد على شهادته أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان - كذا وإن كان سمعه يشهد عند الحاكم قال: أشهد أن فلان بن فلان شهد على فلان بن فلان عند الحاكم بكذا وإن كن الحق إلى سببه قال: أشهد أن فلان بن فلان قال أشهد أن لفلان بن فلان على فلان بن فلان كذا من جهة كذا وإن أراد الحاكم أن يكتب كتبه على ما ذكرنا في الأداء وما عدا هذه المواضع لا يجوز أن يشهد فيها على الشهادة فإذا سمعه يقول: أشهد أن لفان على فلان ألف درهم لم يجز أن يشهد على شهادته لأنه لم يسترعه الشهادة ولم يعزها إلى سبب ولو قال شاهد الأصل: أنا أشهد أن لفلان على فلان ألفا فاشهد به أنت عليه - لم يجز أن يشهد على شهادته ولا تثبت شهادة(4/448)
شاهدي الأصل: إلا بشهادة شاهدين يشهدان عليهما: سواء شهدا على كل واحد منهما أو شهد على كل شاهد شاهد والنساء تدخل في شهادة الأصل والفرع في كل حق يثبت بشهادتهن فيشهد رجلان على رجل وامرأتين أو رجل وامرأتان على رجل وامرأتين أو على رجلين فتصح شهادة امرأة على امرأة وسأله حرب عن شهادة امرأتين على امرأتين فقال: يجوز وإن شهد بالحق شاهد الأصل وشاهد فرع يشهدان أو واحد على شهادة أصل آخر جاز وإن شهد شاهد فرع على أصل وتعذر الآخر حلف واستحق وتصح شهادة فرع على فرع بشرطه فإذا شهد الفروع فلم يحكم الحاكم حتى حضر الأصول أو صحوا أو زال خوفهم وقف حكمه على سماعه شهادتهم منهم وإن حدث فيهم ما يمنع قبول الشهادة لم يجز الحكم ولا يجوز أن يحكم بالفروع حتى تثبت عدالتهم وعدالة أصولهم ولا يجب على فرع تعديل أصله ويتولى الحاكم ذلك وإن عدله الفرع قبل ولا تصح تزكية أصل لرقيقه وتقدم وإذا حكم بشهادة شهود الفرع ثم رجعوا لزمهم الضمان ما لم يقولوا: بان لنا كذب الأصول أو غلطهم وإن رجع شهود الأصل قبل الحكم لم يحكم بها وإن رجعوا بعده فقالوا: كذبنا أو غلطنا - ضمنوا ولو قالوا بعد الحكم ما أشهدناهم بشيء لم يضمن الفريقان شيئا ومن زاد في شهادته أو نقص بحضرة الحاكم قبل الحكم: مثل أن يشهد بمائة ثم يقول: بل هي مائة وخمسون أو بل هي تسعون أو أدى بعد إنكارها - قبل كقوله: لا أعرف الشهادة ثم يشهد وإن كان بعد الحكم لم يقبل وإن(4/449)
رجع قبله لغت ولا حكم ولم يضمن وإن لم يصرح بالرجوع بل قال للحاكم: توقف فتوقف ثم أعاد الشهادة قبلت ويعتد بها.(4/450)
فصل: - وإذا رجع شهود المال أو العتق بعد الحكم:
قبل الاستيفاء أو بعده - لم ينقض ويلزمهم الضمان: ما لم يصدقهم المشهود له ولا ضمان على مزك إذا رجع مزك وإن شهدوا بدين فأبرأ منه مستحقه ثم رجعا لم يغرماه للمشهود عليه ولو قبضه مشهود له ثم وهبه لمشهود عليه ثم رجعا - غرماه وإن رجع شهود طلاق قبل الدخول وبعد الحكم - غرموا نصف المسمى أو بدله وإن كان بعده ولو بائنا لم يغرموا وإن رجع شهود قصاص أو حد بعد الحكم وقبل الاستيفاء لم يستوف ووجبت دية قود للمشهود له ويستوفى إذا طرأ فسقهم وإن كان بعد الاستيفاء لم يبطل الحكم ولا يلزم المشهود له شيء: سواء كان المشهود به مالا أو عقوبة فإن قالوا: عمدنا عليه بالزور ليقتل أو يقطع فعليهم القصاص وإن قالوا: عمدنا الشهادة عليه ولم نعلم أنه يقتل بها وكانا ممن يجوز أن يجهل ذلك - وجبت الدية في أموالهما مغلظة وإن قالوا: أخطأنا فعليهم دية ما تلف أو أرش الضرب وتقدم ذلك مستوفى في كتاب الجنايات: وكل موضع وجب الضمان على الشهود بالرجوع فإنه يوزع بينهم على عددهم بحيث لو رجع شاهد من عشرة غرم العشر وتغرم المرأة كنصف ما يغرم الرجل وإن رجع رجل وثمان نسوة لزم الرجل الخمس وكل امرأة العشر وإذا شهد أربعة بأربعمائة فحكم الحاكم بها ثم رجع(4/450)
واحد عن مائة وآخر عن مائتين وآخر عن ثلاثمائة والرابع عن أربعمائة - فعلى كل واحد مما رجع عنه بقسطه فعلى الأول خمسة وعشرون وعلى الثاني خمسون وعلى الثالث خمسة وسبعون وعلى الرابع مائة وإن كان الحكم بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد - غرم المال كله وإن رجع أحد الشاهدين وحده فكرجوعهما في أن الحاكم لا يحكم بشهادتهما إذا كان رجوعه قبل الحكم وإن كان بعد الاستيفاء لزمه حكم إقراره وإن شهد عليه ستة بزنا فرجم ثم رجع منهم اثنان غرما ثلث الدية وثلاثة - النصف والكل تلزمهم الدية أسداسا وإن شهد أربعة بزنا واثنان بإحصان فرجم ثم رجعوا - لزمتهم الدية أسداسا وإن كان شاهدا الإحصان من الأربعة فعليهما ثلثا الدية وعلى الأخرين الثلث ولو رجع شهود الزنا دون الإحصان أو بالعكس لزم الراجع الضمان كاملا وإن رجع الزائد عن البينة: قبل الحكم أو بعده - استوفى ويحد الراجع لقذفه ورجوع شهود تزكية كرجوع من زكوهم وإن رجع شهود تعليق عتق أو طلاق وشهود وجود بشرطه فالغرم على عددهم وإن رجع شهود قرابة غرموا قيمته لمعتقه وإن رجع شهود كتابة غرموا ما بين قيمته سليما ومكاتبا فإن عتق غرموا ما بين قيمته ومال كتابته وكذا شهود باستيلاء أمته فيضمنون نقص قيمتها فإن عتقت بالموت فتمام قيمتها وإن رجع شهود تأجيل ثمن مبيع ونحوه بعد الحكم غرموا ما تفاوت ما بين الحال والموجل ولا ضمان برجوع عن شهادة كفالة بنفس أو ببراءة منها أو أنها زوجته(4/451)
أو أنه عفا عن دم عمد لعدم تضمنه مالا ومن شهد بعد الحكم بمناف للشهادة الأولى فكرجوع وأولى وإن بان بعد الحكم أن الشاهدين كافران أو فاسقان نقض فينقضه الإمام أو غيره ورجع بالمال أو ببدله وببدل قود مستوفى على المحكوم له وإن كان المحكوم به إتلافا فالضمان على المزكين وكذا إن كان لله بإتلاف حسي أو بما سرى إليه فإن لم يكن مزكون فعلى الحاكم وإن شهدوا عند الحاكم بحق ثم ماتوا أو جنوا حكم بشهادتهم إذا كانوا عدولا وإن بان الشهود عبيدا أو والدا أو ولدا أو عدوا والحاكم لا يرى الحكم به نقضه ولم ينفذ وإن كان يرى الحكم به لم ينقض ويعزر شاهد زور ولو تاب بما يراه الحاكم إن لم يخالف نصا أو معنى نص ويطاف به في المواضع التي يشهر فيها فيقال: إنا وجدنا هذا شاهد زور فاجتنبوه وله أن يجمع له من عوبات إن لم يرتدع إلا به ولا يعزر حتى يتحقق أنه شاهد زور وتعمد ذلك: إما بإقراره أو يشهد بما يقطع بكذبه مثل أن يشهد على رجل بفعل في الشام ويعلم أن المشهود عليه في ذلك الوقت في العراق أو يشهد بقتل رجل وهو حي أو أن هذه البهيمة في يد هذا منذ ثلاثة أعوام وسنها أقل من ذلك أو شهد على رجل أنه قتل في وقت كذا وقد مات قبل ذلك وأشباه هذا مما يعلم به كذبه ويعلم تعمده لذلك ويتبين بذلك أن الحكم كان باطلا ولزم نقضه فإن كان المحكوم به مالا - رد إلى صاحبه وإن كان إتلافا فعلى الشاهدين ضمانه: إلا أن يثبت بإقرارهما على أنفسهما من غير موافقة المحكوم له فيكون ذلك رجوعا(4/452)
منهما عن شهادتهما ومضى حكم ذلك وتقدم في التعزير ولا يعزر بتعارض البينة ولا بغلطه في شهادته ولا تقبل الشهادة من ناطق إلا بلفظ الشهادة فإن قال: أعلم أو أحق أو أتيقن ونحوه أو قال آخر: أشهد بمثل ما شهد به أو بما وضعت به خطى لم يقبل وإن قال بعد الأول: وبذلك أشهد وكذلك أشهد - قبلت وقال الشيخ وابن القيم: لا يعتبر لفظ الشهادة.(4/453)
باب اليمين في الدعاوى
مدخل
...
باب اليمين في الدعاوى
اليمين تقطع الخصومة في الحال ولا تسقط الحق ولا يستحلف المنكر في حقوق الله تعالى: كحد وعبادة وصدقة وكفارة ونذر فإن تضمنت دعواه حقا له: مثل أن يدعي سرقة ماله ليضمن السارق أو ليأخذ منه ما سرقه أو يدعي عليه لحق الآدمي دون حق الله ويستحلف في حق لآدمي وغير نكاح ورجعة: وطلاق وإيلاء وأصل رق لدعوى رق لقيط وولاء واستيلاء ونسب وقذف وقصاص في غير قسامة وفي الترغيب وغيره: ولا يحلف شاهد وحاكم ووصي على نفي دين على الموصي ولا منكر وكالة وكيل وتحلف المرأة إذا ادعت انقضاء عدتها قبل رجعة زوجها ويحلف المولى إذا أنكر مضي أربعة أشهر وما يقضى فيه بالنكول هو المال وما يقصد به المال ومن لم يقض عليه بنكول خلي سبيله ويثبت عتق بشاهد ويمين العبد وتقدم ومن حلف على فعل غيره أو ادعى عليه في إثبات؛ أو فعل(4/453)
نفسه، أو دعوى عليه حلف على البت ومن حلف على نفي فعل غيره أو نفي دعوى عليه فعلى نفي العلم وعبده كأجنبي في حلف على البت أو على نفي علمه إما بهيمته فما نسب إلى تقصير وتفريط فعلى البت وإلا على نفي العلم ومن توجه عليه الحلف بحق جماعة فبذلك لهم يمينا واحدة ورضوا بها جاز وإن أبوا حلف لكل واحد يمينا ولو ادعى واحد حقوقا على واحد فعليه في كل حق يمين.(4/454)
فصل: - واليمين المشروعة:
هي اليمين بالله جل اسمه فإن رأى الحاكم تغليظها بلفظ أو زمان أو مكان جاز ولم يستحب ففي اللفظ يقول: والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الطالب الغالب الضار النافع الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والزمان: أن يحلف بعد العصر أو بين الأذان والإقامة والمكان بمكة بين الركن والمقام وببيت المقدس عند الصخرة وسائر البلاد عند منبر الجامع وتقف الحائض عند باب المسجد ويحلف أهل الذمة في المواضع التي يعظمونها واللفظ أن يقول اليهودي: والله الذي أنزل التوراة على موسى وفلق له البحر وأنجاه من فرعون وملئه والنصراني: والله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعله يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص والمجوسي: والله الذي خلقني وصورني ورزقني: والوثني والصابئ ومن يعبد غير الله يحلف بالله وحده ولا تغلظ اليمين إلا فيما له خطر: كجناية لا توجب قودا أو عتق ونصاب زكاة ولو أبى من وجبت عليه اليمين التغليظ - لم يصر ناكلا ولا يحلف(4/454)
بالطلاق وفاقا للأئمة الأربعة قاله الشيخ: وفي الأحكام السلطانية للوالي إحلاف الشهود استبراء وتغليظا في الكشف في حق الله وحق آدمي وتحليفه بطلاق وعتق وصدقة ونحوه وسماع شهادة أهل اليمين إذا كثروا وليس للقاضي ذلك ومن توجهت عليه يمين وهو فيها صادق أو توجهت له أبيح له الحلف ولا شيء عليه من إثم ولا غيره والأفضل افتداء يمينه ومن ادعى عليه دين هو عليه وهو معسر لم يحل له أن يحلف أنه لا حق له علي ويمين الحالف على حسب جوابه فإذا ادعى أنه غصبه أو أودعه أو باعه أو اقترض منه فإن قال: ما غصبتك ولا استودعتك ولا بعتني ولا أقرضتني - كلف أن يحلف على ذلك وإن قال: ما لك علي حق أو لا تستحق علي شيئا أو لا تستحق علي ما ادعيته ولا شيئا منه كان جوابا صحيحا ولا يكلف الجواب عن الغصب وغيره لجواز أن يكون غصب منه ثم رده وكذلك الباقي فلو كلف جحد ذلك لكان كاذبا وإن أقر به ثم ادعى الرد لم يقبل ولا تدخل النيابة في اليمين فلا يحلف أحد عن غيره فلو كان المدعى عليه صغيرا أو مجنونا لم يحلف ووقف الأمر إلى أن يكلفا فإن كان الحق لغير المكلف وادعاه وليه وأنكر المدعى عليه فالقول قوله مع يمينه فإن نكل قضي عليه وإن ادعى على العبد دعوى وكانت مما يقبل قول العبد فيها: كالقصاص والطلاق والقذف فالخصومة معه دون سيده وإن كان مما لا يقبل قول العبد فيه: كإتلاف مال أو جناية توجبه فالخصم سيده واليمين عليه ولا يحلف العبد(4/455)
فيها بحال ومن حلف فقال: إن شاء الله أعيدت عليه اليمين وكذلك إن وصل كلامه بشرط أو كلام غير مفهوم وإن حلف قبل أن يستحلفه الحاكم أو استحلفه الحاكم قبل أن يسأله المدعي أعيدت عليه ولو ادعى عليه حقا فقال: أبرأتني منه أو استوفيته مني فأنكر فقوله مع يمينه فيحلف بالله أن هذا الحق - ويسميه بعينه - ما برئت ذمتك منه ولا من شيء منه وإن ادعى استيفاءه أو البراءة بجمعة معلومة كفى الحلف على تلك الجهة وحدها.(4/456)
كتاب الإقرار
*
مدخل
...
كتاب الإقرار
وهو إظهار مكلف مختار ما عليه لفظا أو كتابة أو إشارة أخرس أو على موكله أو موليه أو موروثه بما يمكن صدقه وليس بإنشاء فيصح منه بما يتصور منه التزامه - بشرط كونه بيده وولايته واختصاصه ومعلوما: ويصح من أخرس بإشارة معلومة: لا بها من ناطق ولا ممن اعتقل لسانه ويصح إقرار الصبي والمأذون له في البيع والشراء في قدر ما أذن له فيه دون ما رآه وإن أقر مراهق غير مأذون له ثم اختلف هو والمقر له في بلوغه فقول المقر ولا يحلف: إلا أن تقوم بينة ببلوغه ويصح إقرار الصبي أنه بلغ باحتلام إذا بلغ عشرا ولا يقبل بسن إلا ببينة وإن أقر بمال أو بيع أو شراء ونحوه ثم قال بعد بلوغه: لم أكن حين الإقرار بالغا - لم يقبل وإن أقر بالبلوغ من شك في(4/456)
بلوغه ثم أنكره مع الشك صدق بلا يمين، ولو شهد الشهود بإقرار شخص لم تفتقر صحة الشهادة إلى أن يقولوا: طوعا في صحة عقله ويصح إقرار سكران كطلاق وكذا من زال عقله بمعصية: كمن شرب ما يزيل عقله عامدا لغير حاجة: لا من زال عقله بسبب مباح أو معذور فيه وإن ادعى الصبي الذي أنبت الشعر الخشن حول قبله أنه أنبت بعلاج: كدواء لا بالبلوغ لم يقبل ولا يصح إقرار المجنون إلا في حال إفاقته وكذا المبرسم والنائم والمغمى عليه وإن ادعى جنونا لم يقبل إلا ببينة ولا إقرار مكره: إلا أن يقر بغير ما أكره عليه: مثل أن يكره أن يقر لزيد فيقر لعمرو أو أن يقر بدراهم فيقر بدنانير أو على الإقرار بطلاق امرأة فيقر بطلاق غيرها أو يقر بعتق عبد - فيصح إقراره إذن وإن أكره على وزن مال فمال ملكه لذلك صح وتقدم أول كتاب البيع ومن أقر بحق ثم ادعى أنه كان مكرها - لم يقبل إلا ببينة: إلا أن تكون هناك دلالة على الإكراه: كقيد وحبس وتوكل به فيكون القول قوله مع يمينه: وتقدم بينة إكراه على بينة طواعية وإن قال من ظاهره الإكراه: علمت أني لو لم أقر أيضا أطلقوني فلم أكن مكرها - لم يصح لأنه ظن فلا يعارض يقين الإكراه ومن أقر في مرض موته بشيء فكإقراره في صحته: إلا في إقراره بمال لوارث فلا يقبل إلا ببينة أو إجازة ويلزمه أن يقر وإن لم يقبل إذا كان حقا وإن اشترى وارثه شيئا فأقر له بثمن مثله قبل ولا يحاص المقر له غرماء الصحة بل يقدمون عليه لأنه أقر بعد تعلق الحق بماله:(4/457)
لكن لو أقر في مرضه بعين ثم بدين أو عكسه - فرب العين أحق بها ولو أعتق عبدا لا يملك غيره أو وهبه ثم أقر بدين نفذ عتقه وهبته ولم ينقضا بإقراره وتقدم حكم إقرار مفلس وسفيه في الحجر وإن أقر لامرأته في مرض موته بمهر لم يقبل ويلزمه مهر مثلها بالزوجية: لا بإقراره ويصح إقراره بأخذ دين من أجنبي وإن أقر لوارث وأجنبي صح للأجنبي والاعتبار بحالة الإقرار: لا بحالة الموت فلو أقر لوارث فصار عند الموت غير وارث لم يلزم إقراره: لا أنه باطل وإن أقر لغير وارث أو أعطاه - صح وإن صار عند الموت وارثا وإن أقرت في مرضها ألا مهر لها عليه لم يصح: إلا أن يقيم بينة بأخذه أو بإسقاطه وكذا حكم دين ثابت على وارث وإن أقر المريض بوارث صح وإن أقر لامرأته ثم أبانها ثم تزوجها ومات من مرضه لم يصح إقراره وإن أقر أنه كان طلقها في صحته لم يسقط ميراثها.(4/458)
فصل: - وإن أقر عبدا ولو آبقا بحد أو بطلاق أو بقصاص فيما دون النفس - أخذ به في الحال
وإن أقر بقصاص في النفس لم يقتص منه في الحال ويتبع به بعد العتق وطلب جواب الدعوى منه ومن سيده وإن أقر السيد عليه بمال أو بما بوجبه: كجناية الخطأ صح ويؤخذ منه دية ذلك: لا بما يوجب قصاصا ولو فيما دون النفس وإن أقر العبد بجناية خطأ أو شبه عمد أو غصب أو سرقة مال أو غير المأذون له بمال عن معاملة أو مطلقا أو بما لا يتعلق بالتجارة وكذبه السيد لم يقبل على السيد وإن توجهت عليه يمين(4/458)
على مال فنكل عنها فكإقراره فلا يجب المال وسواء كان ما أقر بسرقته باقيا أو تالفا في يد السيد أو يد العبد ويتبع بما أقر به بعد العتق ويقطع للسرقة في المال في الحال قال أحمد في عبد أقر به بسرقة دراهم في يده أنه سرقها من رجل والرجل يدعي ذلك والسيد يكذبه فالدراهم لسيده ويقطع العبد ويتبع بذلك بعد العتق وما صح إقرار العبد به فهو الخصم فيه وإلا فسيده وإن أقر بالجناية مكاتب تعلقت برقبته وذمته ولا يقبل إقرار سيده عليه بذلك وإن أقر غير مكاتب بمال لسيده أو سيده له لم يصح وإن أقر العبد برقة لغير من هو في يده لم يقبل وإن أقر السيد أنه باع عبده من نفسه بألف وصدقه صح ولزمه الألف فإن أنكر حلف ولم يلزمه شيء ويعتق فيهما وإن أقر لعبد غيره بمال صح وكان لمالكه ويبطل برده وإن أقر مكلف له بنكاح أو بقصاص أو تعزير لقذف فصدقه العبد صح وله المطالبة به والعفو عنه وليس لسيده مطالبة بذلك ولا عفو عنه وإن أقر لبهيمة لم يصح وإن قال: علي ألف بسبب هذه البهيمة لم يكن مقرا لأحد وإن قال لمالكها: علي ألف بسببها صح وإن قال: بسبب حمل هذه البهيمة لم يصح وإن أقر لمسجد أو مقبرة أو طريق ونحوه صح الإقرار ولو لم يذكر سببا ويكون لمصالحها ولا يصح لدار إلا مع السبب وإن تزوج مجهولة النسب فأقرت بالرق لم يقبل وإن أقر بولد أمته أنه ابنه ثم مات ولم يتبين هل أتت به في ملكه أو غيره؟ لم تصر أم ولد إلا بقرينة.(4/459)
فصل: - وإن أقر بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه،
وهو يحتمل أن يولد لمثل المقر ولم ينازعه منازع - ثبت نسبه منه وإن كان الصغير أو المجنون ميتا ورثه وإن كان كبيرا عاقلا لم يثبت حتى يصدقه وإن كان ميتا ثبت إرثه ونسبه وإن ادعى نسب مكلف في حياته فلم يصدقه حتى مات المقر ثم صدقه ثبت نسبه ومن ثبت نسبه وله أم فجاءت بعد موت المقر تدعي زوجيته لم تثبت بذلك لأن الرجل إذا أقر بنسب صغير لم يكن مقرا بزوجية أمه وإن قدمت امرأة من بلاد الروم ومعها طفل فأقر به رجل لحقه ولهذا لو ولدت امرأة رجل وهو غائب عنها بعد عشر سنين أو أكثر من غيبته لحقه الولد وإن لم يعرف له قدوم إليها ولا عرف لها خروج من بلدها وإن أقر بنسب أخ أو عم في حياة أبيه أو جده لم يقبل وإن كن بعد موتهما وهو الوارث وحده صح إقراره وثبت النسب وإن كان معه غيره لم يثبت وللمقر له من الميراث ما فضل في يد المقر وتقدم في الإقرار بمشارك في الميراث وإن أقر بأب أو ولد أو زوج أو مولى أعتقه - قبل إقراره ولو أسقط به وارثا وفاه: إذا أمكن صدقه ولم يدفع به نسبا لغيره وصدقه المقر به أو كان ميتا إلا الولد الصغير والمجنون فلا يشترط تصديقهما فإن كبرا وعقلا وأنكرا لم يسمع إنكارهما ولو طلبا إحلاف المقر لم يستحلف لأن الأب لو عاد فجحد النسب لم يقبل منه ويكفي في تصديق والد بولده وعكسه سكوته إذا أقر به ولا يعتبر في تصديق أحدهما تكراره فيشهد الشاهد بنسبهما وتقدم في الشهادات ولا يصح إقرار من له نسب معروف بغير هؤلاء الأربعة: إلا ورثة أقروا لمن أقر به(4/460)
مورثهم أو إن خلف ابنين مكلفين فأقر أحدهما بأخ صغير ثم مات المنكر والمقر وحده وارث - ثبت نسب المقر به منهما فلو مات المقر بعد ذلك عن بني عم وعن الأخ المقر به - ورثه دونهم وإن أقر من عليه ولاء بنسب وإرث لم يقبل: إلا أن يصدقه مولاه وإن كان مجهول النسب ولا ولاء عليه فصدقه المقر به وأمكن - قبل وإن أقرت امرأة ولو بكرا بنكاح على نفسها - قبل: إن كان مدعيه واحدا وتقدم في طريق الحكم وصفته فلو أقرت لاثنين وأقاما بينتين قدم أسبقهما فإن جهل - فسخا ولا يحصل الترجيح باليد وإن أقر رجل أو امرأة بزوجية الآخر فلم يصدقه الآخر إلا بعد موته صح وورثه إلا أن يكون كذبه في حياته وإن أقر ولي مميزة عليها بنكاح - قبل وإن كانت غير مميزة وهي مقرة له بالإذن - قبل أيضا وإلا فلا وإن أقر بنكاح صغيرة بيده - فرق بينهما وفسخه حاكم وإن صدقته إذا بلغت - قبل فدل أن من ادعت أن فلانا زوجها فأنكر فطلبت الفرقة يحكم عليه ولو أقرت مزوجة بولد - لحقها دون زوجها وأهلها وإن أقر الورثة بدين على مورثهم لزمهم قضاؤه: إما من التركة لتعلق الدين بها فللورثة تسليمها فيه وإن أحبوا استخلاصها ووفاء الدين من مالهم فلهم ذلك ويلزمهم أقل الأمرين من قيمتها أقدر الدين بمنزلة الجاني وإن أقر بعضهم لزمه بقدر ميراثه: كإقراره بوصية: ما لم يشهد منهم عدلان أو عدل ويمين فيلزمهم الجميع إن وفت به التركة ويأتي آخر باب ما إذا وصل بإقراره ما يغيره ويقدم ما ثبت ببينة أو إقرار(4/461)
على ما ثبت بإقرار ورثة إن حصلت مزاحمة: فإن لم يكن للميت تركة لم يلزمهم شيء وإن أقر الوارث لرجل بدين يستغرق التركة ثم أقر بمثله للآخر في مجلس ثاني لم يشارك الثاني الأول ويغرمه المقر للثاني وإن أقر لحمل امرأة بمال صح: إلا أن تلقيه ميتا أو يتبين إلا حمل أو لا نتيقن أن الحمل كان موجودا حال الإقرار فيبطل وإن ولدت حيا وميتا فالمال حي وإن ولدت ذكرا وأنثى حيين فلهما بالسوية: إلا أن يعزوه إلى ما يقتضي التفاضل فيعمل به وإن قال: للحمل على ألف جعلتها له ونحوه فهو وعد وإن قال: له علي ألف أقرضنيه أو وديعة أخذتها منه لزمه: لا أقرضني ألفا ومن أقر لكبير عاقل بمال في يده ولو كان المقر به عبدا أو نفس المقر: بأن أقر برق نفسه للغير فلم يصدقه بطل إقراره ويقر بيد المقر فإن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث - قبل منه ولم يقبل بعد ما عاد المقر له أولا إلى دعواه وكذا لو كان عوده إلى دعواه قبل ذلك.(4/462)
باب ما يحصل به الإقرار
باب ما يحصل به الإقرار
...
باب ما يحصل به الإقرار
إذا ادعى عليه ألفا فقال: نعم أو أجل أو صدقت أو أنا مقر به أو بدعواك كان مقرا وإن قال: يجوز أن يكون محقا أو عسى أو لعل أو أظن أو أحسب أو أقدر أو خذه أو أتزن أو أحرز أو أنا أقر أو لا أنكر أو افتح كمك - لم يكن مقرا وإن قال: أنا مقر أو خذها أو اتزنها أو احرزها أو اقبضها أو هي صحاح - كان مقرا وإن قال: أليس لي عليك كذا فقال: بلى فإقرار: لا نعم وقيل(4/462)
إقرار من عامي قال في الإنصاف: هذا عين الصواب الذي لا شك فيه وإن قال: له علي ألف إن شاء الله أو في مشيئة الله أو لك علي ألف إن شئت أو له علي ألف لا يلزمني إلا أن يشاء الله أو إلا أن يشاء زيد أو إلا أن أقوم أو علي ألف في علم الله أو فيما أعلم: لا فيما أظن - إقرار وإن قال: بعتك أو زوجتك أو قبلت إن شاء الله صح كالإقرار وكما لو قال: أنا صائم غدا إن شاء الله فإن تصح نيته وصومه وكذا قوله: أقضني ديني عليك ألفا أو أعطني المشتري فرسي هذه أو سلم إلي ثوبي هذا أو الألف الذي لي عليك أو ألفا من الذي لي عليك أو لي أو هلي لي عليك ألف فقال: نعم أو قال: أمهلني يوما أو حتى افتح الصندوق وإن قال: إن قدم فلان أو إن شاء أو إن شهد به فلان فله علي ألف أو له علي ألف إن قدم فلان أو إن دخل الدار أو إن به فلان صدقته أو هو صادق أو إن جاء المطر أو إن جاء رأس الشهر فله علي ألف ونحو ذلك - ليس بإقرار فإن قال: إذا جاء رأس الشهر أو وقعت كذا فعلي لزيد ألف - إقرار فإن فسره بأجل أو وصية قبل منه وإن أقر العربي بالعجمية أو بالعكس وقال: لم أدر ما قلت - فقوله مع يمينه.(4/463)
باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره
مدخل
...
باب الحكم فيما إذا وصل بإقراره ما يغيره
إذا وصل به ما يسقطه: مثل أن يقول: على ألف لا يلزمني أو قد قبضه واستوفاه أو ألف من ثمن خمر أو خنزير أو من ثمن طعام اشتريته فهلك قبل قبضه أو ثمن مبيع فاسد لم أقبضه أو من مضاربة(4/463)
تلفت وشرط على ضمانها أو تكفلت به على أني بالخيار أو ألف إلا ألفا أو الاستمائة - لزمه الألف وإن قال: له علي من ثمن خمر ألف لم يلزمه وإن قال: كان له علي ألف وقضيته إ