قال: [لا] 1 بأس به،2 ولكن لا يقطع الشعر.3
قال إسحاق: كما قال.4
[1472-] قلت: المحرم ينكح؟
قال: لا، وإن نكح فرق بينهما.5
__________
1 سقطت من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن الكلام لا يستقيم بدونها.
2 ولا فدية عليه، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم "احتجم وهو محرم".
أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب الحجامة والقيء للصائم 2/237.
ومسلم في كتاب الحج، باب جواز الحجامة للمحرم 1/862.
3 فإن قطع شعراً فعليه الفدية لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} الآية 196 سورة البقرة.
ولأنه حلق شعراً لإزالة ضرر غيره، فلزمته الفدية كما لو حلقه لإزالة قمله.
[] المغني 3/278-279، الكافي 1/414، تحفة الأحوذي 3/577-578.
4 الإشراف ق 113ب، معالم السنن 2/356.
5 هذا المذهب، وعليه الأصحاب، كما قاله صاحب الإنصاف، وسواء كان النكاح لنفسه أو لغيره بأن كان والياً في النكاح أو وكيلاً فيه.
لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب".
رواه مسلم في كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم 2/1030، والنسائي في كتاب المناسك، باب النهي عن نكاح المحرم 5/192.
ورواية عن الإمام: إن زوج المحرم غيره صح، سواء كان ولياً أو وكيلاً.
[] المغني والشرح الكبير 3/311-313، شرح النووي لصحيح مسلم 9/194. الإنصاف 3/492، تحفة [] [] الأحوذي 3/578-580.(5/2193)
قال إسحاق: كما قال، قد سن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ به عمر بن الخطاب رضي الله عنه.1
[1473-] قلت: يغسل المحرم ثيابه؟ 2
قال: نعم.3
__________
1 وذلك ما روى البيهقي في باب المحرم لا ينكح ولا ينكح 5/66، إن طريفاً تزوج امرأة وهو محرم، فرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نكاحه.
وقال ابن حزم: "وصح عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت فسخ نكاح المحرم إذا نكح" المحلي 7/198.
وتأتي نحو هذه المسألة برقم (1688) .
2 في ع "قلت: المحرم يغسل ثيابه".
3 ومما ورد في ذلك:
أ- ما روى البيهقي 5/64 في باب المحرم يغسل ثيابه عن جابر قال:" المحرم يغتسل ويغسل ثوبيه إن شاء".
ب- ما جاء في الآثار للأنصاري ص 123 عن مجاهد قال: "سألت ابن عمر رضي الله عنهما أيغسل المحرم ثيابه؟ قال: نعم إن الله لا يصنع بدرنه شيئاً".
جـ- عن نافع ابن عمر قال: "لا بأس أن يغسل المحرم ثيابه".
المحلى 7/247.
وسبق في مسألتي (1461) ، (1470) إن المحرم يبدل ثيابه ويغتسل.(5/2194)
قال إسحاق: (نعم كما قال) .1
[1474-] قلت: المحرم يحك رأسه؟
قال: (يحكه) 2 ببطن أنامله3 [لا] يقتل4 دابة5 ولا يقطع شعراً.6
__________
1 في ظ "نعم"، بحذف "كما قال"، وأكثر ما درج عليه المؤلف في إثبات قول إسحاق هو:" كما قال "
وانظر عن قول إسحاق في المسألة. الإشراف ق 115أ.
2 في ع" يحك "، والمناسب ما أثبته من ظ.
3 وهذا من، باب سد الذرائع، لأن الحك بالظفر يحتمل أن يقطع الشعر، أما بالباطن فغالباً أنه لا يقطع.
4 سقطت "لا" من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، ولأن السياق يتطلب ذلك.
5 أي قملة.
6 فإن قطع شعراً لزمته فدية، راجع التعليق على مسألة رقم: (1471) .
وسيأتي تفصيل ذلك في المسألة (1510) .
وتحرير المسألة أن المذهب جواز حك المحرم رأسه، أو بدنه برفق ما لم يقطع شعراً.
وقيل: غير الجنب لا يحكهما بيديه، ولا يحكهما بمشط، أو ظفر.
انظر: الإنصاف 3/460، الفروع 3/354، المغني 3/267، المحرر 1/238(5/2195)
قال إسحاق: كما قال،1 وكذلك كل جسده يحكه بالأصابع ولا يحكه بظفره، فإن حكه بظفره حتى أدمى تصدق بشيء.
[1475-] قلت: المحرم يقصر عن الحلال؟
قال: نعم.2
قال إسحاق: (نعم) .3
[1476-] قلت: المحرم إذا مات يغطى وجهه؟
قال: لا يغطى وجهه، ولا يقرب الطيب.4
__________
1 انظر عن قوله الإشراف ق 115ب.
2 المحرم إذا حلق رأس حلال، أو قلم أظفاره، فلا فدية عليه، لأنه شعر مباح الإتلاف، فلم يجب بإتلافه شيء، كشعر بهيمة الأنعام.
المغني 3/524، الشرح الكبير 3/266، الفروع 3/354، المحرر 1/238، المبدع 3/138، التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح ص 108.
3 في ع "شديداً".
وانظر عن قوله المغني 3/524، الشرح الكبير 3/266.
4 الطيب: ما يتطيب به.
لسان العرب 1/565.
وفي الكافي 1/407: "كل ما يتطيب به، أو يتخذ منه طيب، كالمسك والكافور والعنبر والزعفران والورس والورد والبنفسج".
ومما ورد في ذلك ما روى ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً في حديث المحرم الذي وقصته ناقته: "وكفنوه في ثوبه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبداً" - أي على هيئته التي مات عليها - النووي على مسلم 8/129.
وفي بعض الروايات: "اغسلوه بماء ولا تقربوه طيباً، ولا تغطوا وجهه فإنه يبعث يلبي". أخرجه مسلم، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات 1/866.
ولقد سبق الكلام في حكم تغطية وجه المحرم في مسألة رقم: (1466) ، وأن الصحيح من المذهب جواز ذلك.
ورواية المنع مستندة لهذا الحديث، وهي المذكورة هنا.
وأجيب بأن المتفق عليه من الحديث: "لا تخمروا رأسه"، والرواية الأخرى مضطربة كما قاله ابن قدامة في المغني 3/304.
ويمكن تأويل الحديث بأن المقصود منه صيانة الرأس، كما ذهب إليه النووي في شرح صحيح مسلم 8/128.(5/2196)
قال إسحاق: كما قال.
[1477-] قلت: ما استيسر من الهدي [ما هو] 1؟
قال: شاة.2
__________
1 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها كما في ع؛ لأن مقام السؤال يتطلبها.
2 الشاة: الواحدة من الغنم للذكر والأنثى، والجمع شياه.
القاموس المحيط 4/289، مختار الصحاح 352، المصباح المنير 1/328.
روى ذلك عن الإمام أحمد ابن هانئ 1/158 برقم 797.
ومما ورد في تقدير ما استيسر من الهدي ما روى الإمام مالك في الموطأ 1/385 عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم أنهما قالا: "ما استيسر من الهدي شاة".
وانظر أيضاً: المغني 3/566، الإشراف ق 128، فتح القدير للشوكاني 1/196.(5/2197)
قال إسحاق: كما قال،1 [والبقرة] 2 والبدنة أفضل،3 والشاة4 وشرك في الدم5 يجزي.6
__________
1 الإشراف ق 128 ب.
2 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما في ع، لأن البقرة كالبدنة في الأفضلية إن أخرجت كاملة.
3 هذا إذا كانت كاملة، قال في الإقناع: " والأفضل فيهما إبل ثم بقر إن أخرج كاملاً ".
الإقناع 1/401، وانظر أيضاً: المغني 3/571، شرح منتهى الإيرادات 2/77.
4 هكذا في المخطوطة فيكون حكم الشاة، كحكم ما بعدها في الإجزاء، ويحتمل وجود تصحيف فبدل الواو "من" فتصبح العبارة: "والبدنة أفضل من الشاة".
5 أي الإشتراك في الهدي والأضحية بالبدنة والبقرة.
6 لما روي عن جابر رضي الله عنهما أنه قال: "نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة".
رواه مسلم في باب الإشتراك في الهدي وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة 1/955، والترمذي في باب ما جاء في الإشتراك في البدنة والبقرة 3/248 وقال: حديث حسن صحيح.
[] وانظر عن المسألة أيضاً المغني 3/579-580، 11/96 الكافي 1/472، الإشراف ق 128ب.(5/2198)
[1478-] قلت: كيف تنحر البدن؟ 1
قال: معقولة2 على ثلاث،3 وإن خشي عليها أن تنفر4
__________
1 النحر: الصدر، ونحره ينحره نحراً أصاب صدره.
ونحر البعير: طعنه في منحره حيث يبدو الحلقوم من أعلى الصدر.
لسان العرب 10/486.
ونحر البدن شرعاً: أن يضربها بحربة أو نحوها في الوهدة التي بين أصل عنقها وصدرها.
المغني 11/45، الشرح الكبير 11/52.
2 عقل البعير: ثني وظيفه مع ذراعه، وشدهما جميعاً في وسط الذراع.
لسان العرب 11/459، مختار الصحاح 447.
3 السنة في نحر الإبل أن تكون قائمة معقولة يدها اليسرى لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} سورة الحج الآية 36.
ولأن ابن عمر رضي الله عنهما مر على رجل قد أناخ بدنته لينحرها، فقال: ابعثها قياماً مقيدة، سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
متفق عليه. أخرجه البخاري، باب نحر الإبل مقيدة 2/185، ومسلم، باب نحر البدن قياماً مقيدة 1/956.
4 النفر: التفرق.
ونفر الظبي وغيره نفراً أو نفراناً: شرد. لسان العرب 5/224.(5/2199)
أناخها.1
قال إسحاق: كما قال.
[1479-] قلت: يوجه بالذبيحة إلى القبلة؟
قال: نعم.2
قال إسحاق: كما قال.
[1480-] قلت: يذبح أهل الكتاب للمسلمين؟
قال: أما النسك فلا،3 وأما [ما] 4 سوى ذلك فلا بأس.
__________
1 أناخها: أبركها. لسان العرب 3/65.
وانظر عن المسألة: الكافي 1/480، الإقناع 1/403.
2 هذا على وجه الاستحباب لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يستحب ذلك، ولأنها أولى الجهات بالاستقبال.
انظر: المغني 11/46، الكافي 1/480.
3 هذه رواية عن الإمام أحمد. وعنه أيضاً: لا يجزي ذبحه للإبل خاصة.
والصحيح جواز ذلك، وهو المذهب كما في الإنصاف 4/82.
ولكن المستحب أن يذبحها مسلم.
وحجة المنع أن النسك قربة، فلا يليه غير أهل القربة.
ومعتمد ما عليه المذهب أن من جاز له ذبح غير الأضحية جاز له ذلك كالمسلم، ولأن الكافر يجوز أن يتولى ما كان قربة للمسلمين كبناء المساجد والقناطر. المغني 11/116.
4 سقطت الميم من ظ، والصواب إثباتها كما في ع.(5/2200)
قال إسحاق: لا يذبح أضحية1 ولا غيرها للمسلمين، فإذا ذبحها لنفسه وسمى غير الله عز وجل أكلتُه إذا لم أسمع منه ذلك.2
[1481-] قلت: الأكل من لحوم الضحايا فوق ثلاثة أيام؟
__________
1 الأضحية بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء فيهما، جمعها أضاحي، ويقال لها ضحية وجمعها ضحايا، وهي شاة تذبح يوم الأضحى.
القاموس المحيط 4/356، مختار الصحاح 378، المصباح المنير 1/359.
2 أما عدم أكل ذبيحة من سمعناه يذكر على ذبيحته اسم غير الله، فلقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} الآية 173 سورة البقرة، وورد تكرار تحريم هذه المحرمات في سورة النحل آية 115.
وأما أكل ذبيحة من لم نسمعه يذكر ذلك، فلقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} من الآية 5 من سورة المائدة.
وأما عدم استنابة الكافر في ذبح الأضحية فلما فيها من القربة، وهو ليس من أهل القرب.
وعدم استنابته مطلقاً في أية ذبيحة فذلك أخذ بالاحتياط وورع من الإمام إسحاق رحمه الله تعالى.
والراجح جواز ذلك كما سبق لعموم الأدلة في ذلك، ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك وتحصل كثيراً في البلدان التي يعيش فيها مسلمون وأهل كتاب.(5/2201)
قال: لا بأس [به] .1
قال إسحاق: كما قال،2 سنة مسنونة.3
[1482-] قلت: كم يؤكل من التطوع؟
قال: الثلث، ويطعم أصحابه الثلث، ويتصدق بالثلث.
[قال إسحاق: كما قال] .4
__________
1 ساقطة من ظ، والمناسب إثباتها كما في ع.
2 قال ابن قدامة في المغني 11/110: "ويجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاثة في قول عامة أهل العلم" ا. هـ.
3 فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها، ولا تشربوا مسكراً".
أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه 2/164، وأحمد في مسنده 5/357.
والحديث مما صرح فيه بالناسخ والمنسوخ جميعاً.
ومعنى نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء.. الخ أنه كان منهياً عن الانتباذ في بعض الأوعية خوفاً من أن يصير مسكراً إلا في الأسقية، لأنه يؤمن منها الإسكار، فورد نسخ ذلك، فأبيح الانتباذ في كل وعاء بشرط أن لا يشربوا مسكراً.
شرح النووي على صحيح مسلم 13/158.
4 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها كما في ع؛ لأن المعهود من المصنف أن يذكر رأي إسحاق في المسألة، ويستحب الأكل من هدي التطوع لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} سورة الحج، آية 36.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من بدنه، كما في حديث جابر المشهور الذي وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الكافي 1/474، والمبدع 3/298 أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "الضحايا والهدايا ثلث لك، وثلث لأهل بيتك، وثلث للمساكين".
وانظر عن المسألة أيضاً المغني 3/566، الكافي 1/468/، المبدع 3/296، الإنصاف 4/103، فتح القدير للشوكاني 3/454.(5/2202)
[1483-] قلت: مسوك1 الضحايا كيف يصنع بها؟
قال: يتصدق بها، (وينتفع) 2 ولا يبيعها.3
__________
1 جمع مَسْك بالفتح وسكون السين: وهو الجلد، وخص به بعضهم جلد السخلة.
لسان العرب 10/486.
2 في ظ "وينتفع بها" بزيادة "بها" والمناسب حذفها كما أثبته من ع.
3 هذا هو المشهور في المذهب لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ولا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي، وتصدقوا، واستمتعوا بجلودها".
أخرجه أحمد في مسنده 4/15، وعنه يجوز بيع الجلد والتصدق بثمنه.
وثالثة: يجوز ويشتري بثمنه أضحية.
ورابعة: يجوز ويشتري به آلة البيت، كالغربال ونحوه، لا مأكولاً.
وخامسة: يكره.
وأخرى: يحرم بيع جلد الشاة فقط.
انظر: المغني 11/111، المبدع 3/289، الإنصاف 4/92(5/2203)
قال إسحاق: كما قال.
[1484-] قلت:1 ما يؤكل من الكفارات، والنذور، وجزاء الصيد؟
قال: لا يؤكل من النذور، ولا من جزاء الصيد، ويؤكل ما سوى ذلك.2
قال إسحاق: كما قال، لأن النذور وجزاء الصيد3 واجبان،4
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد".
2 آخر الصفحة رقم 85 من ظ.
وهذه رواية عن الإمام أحمد.
والمذهب، وما عليه جماهير الأصحاب، كما في الإنصاف أنه لا يجوز الأكل من كل واجب، سوى هدي التمتع والقران.
ومن أدلة جواز الأكل منها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أكلن من الهدي، كما يدل عليه حديث عمرة عن عائشة الآتي في الصفحة التالية.
الإنصاف 4/104، المغني 3/565، الكافي 1/468، المبدع 3/296، فتح الباري 3/558، الإشراف ق 129 ب.
3 في ظ (الصيد) ساقطة.
4 آخر الصفحة 171 من ع، والواجب عند الأصوليين هو: ما توعد بالعقاب على تركه وقيل: ما يعاقب تاركه، [] روضة الناظر لابن قدامة 1/90-91، المسودة في أصول الفقه 575.(5/2204)
ويتحامى1 الأكل من كل واجب أحب إلينا،2 وكذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما: لا يؤكل من جزاء الصيد والنذور، ويؤكل ما سوى ذلك [ظ-44/أ] .3
قال أحمد: بلغني عن أبي يعقوب [إسحاق] 4 أنه قال: لا يؤكل من هدي المتعة.
قال أحمد: فذكر [ت] 5 حديث عمرة6 عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أدخل علينا لحم بقر فقالوا ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن
__________
1 في ع "وتتحامى"، والأقرب للسياق ما أثبته من ظ.
والمعنى يجتنب الأكل ويتوقاه، لسان العرب 14/200.
2 انظر عن قول إسحاق المغني 3/565، معالم السنن للخطابي 2/297، الإشراف ق 129ب.
3 أخرجه البخاري في باب ما يأكل من البدن وما يتصدق 2/187.
4 ساقط من ع، وهو ابن راهوية المشارك في المسائل.
5 التاء ساقط من ع.
6 هي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، تابعية أكثرت عن عائشة. وروى عنها ابنها أبو الرجال، وأخوها محمد بن عبد الرحمن، وابن أخيها يحيي بن عبد الله، وابن ابنها حارثة بن أبي الرجال وغيرهم، قال عنها الحافظ في التقريب: "ثقة من الثالثة"، ماتت سنة ثمان وتسعين، وقيل سنة ست ومائة.
تهذيب التهذيب 2/438، التقريب ص 471.(5/2205)
أزواجه1 (فنفر) .2
قلت: من شاء؟ 3
قال: (يأكلن) 4 من اللحم، قال:5 ويكون هذا.
قلت: يأكل؟
قال: يأكل (ما سوى جزاء) 6 الصيد والنذور، واحتج بحديث ابن عمر رضي الله عنهما.7
__________
1 الحديث عن عمرة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا أنه الحج، حتى إذا دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي، إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحل. قالت عائشة رضي الله عنها: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه".
أخرج البخاري في باب ما يأكل من البدن وما يتصدق 2/187، ومسلم في باب بيان وجوه الإحرام 1/876، وابن ماجة في باب فسخ الحج 2/993، حديث2981، وأحمد في مسنده 6/194 بلفظ: (عن نسائه) .
2 في ع "ببقر"، والصواب ما أثبته من ظ؛ لأن الحديث ينتهي عند قوله: " أزواجه"و "فنفر" من كلام الإمام أحمد.
3 أي تأكل من شاءت منهن.
4 في ع "لم يأكلن".
5 أي الإمام أحمد أيضاً، وفيه زيادة تأكيد بجواز الأكل.
6 في ظ "ما سوى ذلك جزاء"، والصواب ما أثبته من ع؛ لأن المعنى لا يستقيم إلا به.
7 السابق تخريجه في أول المسألة.(5/2206)
قال إسحاق: كما قال، ولم (أقل) 1 ما بلغه.2
[1485-] قلت: ما يضمن من الهدي؟
قال: (هدي المتعة) 3 وجزاء الصيد [وكل] 4 شيء من الكفارات.
قال إسحاق: كما قال، ومن التطوع ما يأكل منه، فإذا أكل غرم كالهدي.5
__________
1 في ظ "أقله"، والمناسب حذف الهاء كما في ع، لاستقامة المعنى بذلك.
2 أكد الإمام إسحاق رحمه الله ما سبق له من أنه يجوز للمحرم أكل ما سوى الصيد والنذور، ونفى ما بلغ الإمام أحمد رحمه الله من أنه يقول بأن المتمتع لا يأكل من هديه.
ويحمل هذا الخطأ على الواسطة بينهما، فإن الإمامين جبلان في الحفظ والضبط والإتقان، أو لعله نسيان من الإمام إسحاق فيما أفتى به أولاً.
3 في ع "الهدي والمتعة"، والصواب ما أثبته من ظ لاستقامة المعنى به.
4 ساقطة من ع، والمعنى يقتضي إثباتها كما في ظ.
5 أي: ويضمن من هدي التطوع ما يأكل منه إذا خاف عطبه في الطريق فنحره، كما يأتي في المسألة التالية، وأما الواجب إذا ساق له هدياً وعطب في الطريق فعليه الضمان، ومنه ما ذكر من هدي التمتع والجزاء والكفارات، وكذلك النذر، فيضمن الجميع، لأن وجوبه في الذمة فلا يبرأ منه إلا بإيصاله إلى مستحقه، بمنزلة من عليه دين فحمله إلى مستحقه يقصد دفعه إليه فضاع في يده، فإنه يضمن.
وروى الإمام مالك في الموطأ 1/380، والدارقطني 2/242 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أهدى تطوعاً ثم ضلت فليس عليه البدل، إلا إن شاء، فإن كان نذراً فعليه البدل".
كما روى مالك في الموطأ 1/381 عن ابن شهاب أنه قال: من أهدى بدنة جزاءً، أو نذراً أو هدي تمتع فأصيبت في الطريق، فعليه البدل.
[] انظر: المغني 3/557، الإنصاف4/98-99(5/2207)
[1486-] قلت: البدنه تهلك قبل أن تبلغ؟ 1
قال: إن كان تطوعاً فليس عليه البدل،2 وإن كان هدي المتعة وجزاء الصيد والكفارات فعليه البدل، ولا يأكل من التطوع [هو] 3 ولا أحد من أهل رفقته.4
__________
1 أي قبل وصولها الحرم ومجئ وقت الذبح. الإنصاف4/83، الشرح الكبير مع المغني 3/522.
2 لما سبق في المسألة السابقة (1485) .
3 ساقطة من ع، والأقرب ما أثبته من ظ للتنصيص على المعطوف عليه الموضح للمعنى أكثر.
4 إذا خاف عطب هدي التطوع نحره ولا يأكل منه، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن ذؤيباً أبا قبيصة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن ثم يقول: " "إن عطب منها شيء فخشيت عليه موتاً فانحرها، ثم أغمس نعلها في دمها، ثم اضرب صفحتها، ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك".
أخرجه مسلم في باب ما يفعل بالهدي إذا عطب 1/963.
فإن أكله غرم.
روى الإمام مالك في الموطأ 1/381 عن سعيد بن المسيب أنه قال: "من ساق بدنه تطوعاً فعطبت فنحرها، ثم خلى بينها وبين الناس يأكلونها فليس عليه شيء، وإن أكل منها، أو أمر من يأكل منها غرمها".
أما إذا وصل الهدي محله فيستحب الأكل من هدي التطوع، كما سبق في المسألة (1482) .
وعلم مما سبق أنه لا يأكل من التطوع في حالة العطب، ويأكل من الواجب، لأن التطوع لا يلزمه ضمان فإن أكل غرم.
[] المغني 7/560-561، الإنصاف 4/97.(5/2208)
قال إسحاق: كما قال، لأنه إن أكل غرم.
[1487-] قلت: تركب البدنة؟
قال: إي والله، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: اركبها.1
__________
1 هو جزء من حديث أخرجه الأئمة: البخاري ومسلم وأبو داود بأسانيدهم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال: "اركبها، قال: إنها بدنة، فقال: اركبها ويلك، في الثانية أو في الثالثة".
وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً ".
[] صحيح البخاري 2/180، باب ركوب البدن صحيح مسلم1/960-961-، باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها، سنن أبي داود 2/367، باب ركوب البدن.(5/2209)
قال إسحاق: كما قال.1
[1488-] قلت: من قال: من قلد هديه فقد أحرم؟ 2
(قال: قالت) 3 عائشة رضي الله عنها: "كنت أفتل4 قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم"5.
__________
1 انظر: لقول إسحاق معالم السنن 2/293.
وركوب البدن إذا كان لحاجة يجوز، لحديث جابر المذكور، ولأنه تعلق بها حق المساكين فلم يجز ركوبها من غير ضرورة، وأما مع عدم الحاجة ففيه روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: وهو الصحيح من المذهب أنه لا يجوز لما ذكرنا.
والثانية: يجوز لحديث أبي هريرة.
[] المغني والشرح الكبير3/563، الإنصاف4/91، المبدع 3/287-288.
2 ويحرم عليه ما يحرم على المحرم، وهو قول ابن عباس، ومحكي عن ابن عمر رضي الله عنهم، كما سيأتي في التعليق على قول إسحاق: (كما قال) .
3 في ظ "وقالت"، والأولى ما أثبته من ع لاستقامة المعنى بذلك.
4 فتل الحبل فتلاً أي لواه وبرمه. المعجم الوسيط 2/673، لسان العرب 11/514.
5 ولفظه "عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم".
أخرجه البخاري في باب فتل القلائد للبدن 2/182، ومسلم في باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم 1/957، وأبو داود في باب من بعث بهديه وأقام 2/365، وابن ماجه في باب تقليد البدن 2/1034، حديث3095.
وبظاهره قال مالك والشافعي، كما في معالم السنن.(5/2210)
[و] 1 قال: من قلد هديه، وهو يريد الحج فقد وجب عليه الإحرام، وحديث عائشة رضي الله عنها: "أنه [إن] 2 كان مقيماً لا يحرم عليه شيء".
قال إسحاق: كما قال.3
[1489-] قلت: صيام (المتمتع) ؟ 4
قال: (يصوم) 5 في أشهر الحج على حديث ابن عمر رضي الله عنهما6 ما بين أن يهل بالحج، ويجعل آخرها7 يوم
__________
1 الواو ساقطة من ع، والصواب إثباتها، كما في ظ، والقائل هو الإمام أحمد.
2 ساقطة من ع، والصواب إثباتها، كما في ظ لاستقامة المعنى بذلك.
3 انظر عن قول الإمامين فتح الباري 3/546، ومعالم السنن 2/293، وشرح السنة 7/96.
4 في ع "التمتع"، والمناسب للسياق بعده ما أثبته من ظ.
5 في ظ "تصوم".
6 وحديث ابن عمر جاء فيه "فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعةً إذا رجع إلى أهله".
متفق عليه، البخاري في باب من ساق البدن معه 2/181، ومسلم في باب وجوب الدم على المتمتع 1/901.
7 أي الأيام الثلاثة.(5/2211)
عرفة.1
قال إسحاق: كما قال، ولا (يصومهن) 2 إلا وهو محرم، (كذلك) 3 قال ابن عمر رضي الله عنهما.4
قلت: من قال لا يصومهن حتى يحرم؟ 5
قال: إذا علم أنه لا يجد فيقدم الصوم،6 ويعجبه7 أن يكون محرماً.
__________
1 هذا هو المشهور عن الإمام أحمد، وهو وقت الاختيار لصيام هذه الأيام الثلاثة، أي ما بين إحرامه بالحج ويوم عرفة، ولها وقت جواز ويبتدئ من بعد الإحرام بالعمرة.
وعن الإمام رواية أن الأفضل أن يكون آخرها يوم التروية.
المغني 3/505، المبدع 3/175، الكافي 1/398، الإنصاف 3/512.
2 في ظ "يصومن"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.
3 في ظ "وكذلك" بزيادة الواو، والمناسب ما أثبته من ع. لأن إسحاق يستدل بقول ابن عمر رضي الله عنهما وليس قبل قوله قول، وقول ابن عمر يوافقه.
4 انظر عن قول ابن عمر رضي الله عنهما المغني 3/505، الإشراف ق122 أ.
5 أي بالحج: وممن قال بذلك إسحاق والشافعية والمالكية، كما سيأتي في التعليق الأخير في المسألة.
6 قال ابن قدامة في المغني: 3/505: " وإن صام منها شيئاً قبل إحرامه بالحج جاز، نص عليه" أي الإمام أحمد.
7 أي الإمام أحمد، وتطلق هذه اللفظة عند علماء الحنابلة على الندب، وقيل على الوجوب، والمقصود بها هنا الندب حملاً على ما هو مقرر في المذهب.(5/2212)
قال إسحاق: كما قال، لا يصوم إلا وهو محرم.1
[1490-] قلت: إذا فاته الصوم؟
قال: إذا فاته الصوم حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما،2 أرجو أن لا يكون به بأس يصوم أيام منى.3
__________
1 انظر عن قول إسحاق المغني 3/505.
2 قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن، إلا لمن لم يجد الهدي".
أخرجه البخاري 2/250 في كتاب الصيام، باب صيام أيام التشريق.
وورد عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هدياً ولم يصم صام أيام منى".
وبنحوه عن عائشة رضي الله عنها.
أخرجهما البخاري أيضا 2/250.
3 هذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهو قول إسحاق لحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، المشار إليه.
وعن الإمام أحمد رواية: أنه لا يصوم أيام منى ويصوم بعد ذلك عشرة أيام، للحديث السابق في التعليق السابق الذي أشار إليه الإمام أحمد، ولأنها لا يجوز فيها صوم النفل، فلا يصومها عن الهدي.
والروايتان عن الإمام أحمد مطلقتان في أكثر كتب الحنابلة.
والراجح: والله أعلم جواز صومها لمن لا يجد الهدي، للحديث الصحيح عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم، ويخص به حديث النهي عن صيامها، وهو صريح حديثهما حيث بينا أنه لم يرخص إلا لمن لا يجد الهدي. والظاهر أن الترخيص من المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقياس فاقد الهدي على المتطوع قياس مع الفارق، علاوة على أنه في مقابل النص.
[] المغني 3/507، الإنصاف 3/351-352، المبدع 3/176.
وعن أحمد في وجوب الدم عليه في هذه الحالة روايتان:
أحدهما: يجب عليه الدم، جزم بها الخرقي.
وثانيهما: لا دم عليه.(5/2213)
قال إسحاق: كما قال، يصوم أيام التشريق بلا شك لما رخص لهم في ذلك، وهو مستثنى من جملة نهي النبي صلى الله عليه وسلم أيام التشريق.1
__________
1 ومنه عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب".
أخرجه مسلم 1/800 في كتاب الصيام، باب تحريم صوم أيام التشريق.
وعن عقبة ابن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب".
أخرجه الترمذي 3/143 في كتاب الصيام، باب ما جاء في كراهية الصوم أيام التشريق، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود 2/804 في باب صيام أيام التشريق، والنسائي 5/252 في كتاب المناسك، باب النهي عن صوم يوم عرفة.
وفي حديث لأبي داود 2/804 قال عمرو بن العاص لابنه عبد الله الصائم في أيام التشريق "كل فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها وينهانا عن صيامها".
وانظر عن قول إسحاق المغني 3/507، ومعالم السنن للخطابي 3/295، وسنن الترمذي 3/244.(5/2214)
[1491-] قلت: المتمتع لا يجد هدياً؟
قال: يصوم أيام منى،1 حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم.2
قال إسحاق: كما قال.3
[1492-] قلت: صيام السبعة إذا مات قبل أن يصومهن؟
قال: يطعم عنه.4
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 هذا إذا لم يصم قبل يوم النحر.
2 هو حديثهما في المسألة السابقة (1490) .
3 راجع المسألة السابقة (1490) .
4 هذا إن كان لغير عذر، يطعم عنه كما يطعم عن صوم أيام رمضان، أما إن كان لعذر فلا شيء عليه كما في المغني.
وفي المبدع والإنصاف أنه كصوم رمضان، نص عليه أحمد، تمكن منه أم لا، أي يطعم عنه مطلقا لعذر أولغير عذر. وبناء على أنه يدفع من التركة للحج إذا مات بعد التمكن كما سبق في مسألة رقم (1376) يترجح الإطعام إذا كان في التركة سعة لذلك.
المغني 3/509، المبدع3/178، الإنصاف 3/516.(5/2215)
[1493-] قلت: من فاته الحج؟
قال: يحل بعمرة،1 وإن كان معه هدي نحره، ويحج من قابل2 وعليه الهدي3 (وإذا) 4 كان أهلَّ بحج وعمرة فعليه قضاؤهما،
__________
1 هذا الصحيح من المذهب، لما روى الشافعي في مسنده ص 125 أن عمر رضي الله عنه قال لأبي أيوب حين فاته الحج: "اصنع ما يصنعه المعتمر، ثم قد حللت، فإن أدركت الحج قابل فحج، واهد ما استيسر من الهدي".
ورواه أيضا البيهقي 5/174 في باب ما يفعله من فاته الحج، ومالك في الموطأ 1/383، باب هدي من فاته الحج.
وعن الإمام أحمد رواية: أنه يمضي في حج فاسد ويقضيه.
المغني 3/550، المبدع 3/267، الكافي 1/460، الإنصاف 4/62.
2 المذهب عليه القضاء، سواء كان الفائت واجباً أو تطوّعاً، لعموم حديث عمر السابق.
ولما روى الدارقطني 2/241 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فاته عرفات فاته الحج، فليحل بعمرة، وعليه الحج من قابل".
وعنه: لا قضاء عليه، فإن كانت فرضاً فعلها بالوجوب السابق، وإن كانت نفلاً سقطت. المغني 3/551، المبدع 3/268، الكافي 460.
3 على أصح الروايتين عن الإمام أحمد، لقول عمر السابق لأبي أيوب.
والثانية: لا هدي عليه.
[] انظر: المراجع السابقة، والسنن الكبرى للبيهقي 5/174-175.
4 في ع "إذا" بحذف الواو، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.(5/2216)
وهدي واحد يجزيه.1
قال إسحاق: كما قال.
[1494-] قلت:2 المحصر؟ 3
قال: إذا كان إحصار عدو نحر هديه ورجع،4
__________
1 يجب على من فاته الحج هدي واحد يخرجه عند القضاء، سواء كان مفرداً أو قارناً أو متمتعاً. المغني 3/552.
وانظر أيضاً: المسألتين الآتيتين برقم (1653) ، (1706) .
2 في ظ بزيادة "لأحمد".
3 الحصر: المنع، وقد تقدم تعريفه لغة في المسألة رقم (1371) .
4 هذا إذا لم يجد طريقاً، لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (سورة البقرة- الآية 196) .
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم حصروا في الحديبية أن ينحروا ويحلقوا ويحلوا.
وسواء كان الإحرام بحج أو بعمرة أو بهما. وهذا هو المذهب.
أما إن وجد طريقاً آمناً لم يجز له التحلل، قرب أم بعد، لأنه قادر على أداء نسكه فأشبه من لم يحصر، فإن كان لا يصل إلا بعد الفوات مضى وتحلل بعمرة.
انظر: المغني 3/371، 372، والكافي 1 /461، والمبدع 3/270، والإنصاف 4/67.
وفي وجوب القضاء والهدي ومكان نحره روايات عن الإمام.
ففي القضاء روايتان:
إحداهما: لا قضاء عليه وهو المذهب.
والثانية: يجب عليه القضاء.
وفي الهدي اختار ابن القيم رحمه الله أنه لا هدي عليه. والمذهب أنه يلزمه.
ومكان نحره رواية أنه لا ينحره إلا في الحرم، ويواطئ رجلاً على نحره في وقت يتحلل فيه. وأخرى أنه لا ينحره إلا في الحرم إذا كان مفرداً أوقارناً، ويكون يوم النحر. والمذهب ينحره في محل حصره.
انظر: الإنصاف 4/68، 70، والمغني 3/372، 373.(5/2217)
(وإن) 1 كان من مرض أو كسر فهو محرم حتى يطوف بالبيت،2 (هذا على الحج والعمرة) .3
__________
1 في ع "وإذا".
2 إذا كان الإحصار بغير عدو: فالمشهور في المذهب أنه لا يجوز له التحلل، لأنه لا يستفيد بالحل الانتقال من حاله، ولا التخلص من الأذى الذي به، بخلاف حصر العدو، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم "دخل على ضباعة بنت الزبير فقالت: "إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال: "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني". سبق تخريجه في المسألة (1371) .
فلو كان المرض يبيح الحل ما احتاجت إلى شرط. وعنه رواية: أن له التحلل بذلك.
[] انظر: المغني 3/376، الكافي 1/463-464، الإنصاف 4/71، المبدع 3/273.
وفي لزوم القضاء والهدي ما تقدم في حصر العدو، أما مكان نحر الهدي فالمنصوص عن الإمام أحمد أن من معه هدي لا ينحره إلا في الحرم. الإنصاف 4/71.
3 في ع "على هذا الحج والعمرة".
والمعنى: أي أن الحكم في ذلك واحد، سواء كان إحرامه بالحج أو بالعمرة أو بهما، كما سبقت الإشارة إليه في المحصر بعدو في التعليق على هذه المسألة.(5/2218)
وإن كان معه هدي بعث به إلى البيت إن وصل إلى ذلك،1 (وإن لم يصل) 2 فالهدي معه أبداً حتى يصل إلى البيت،3 وهو محرم [أبداً حتى يصل إلى البيت] ،4 (وإن) 5 أصابه أذى أو احتاج إلى دواء، أو ما كان فعل (وافتدى) ،6 فإن وصل إلى البيت وقد كان بعث بهديه ذلك وقد فاته الحج7 [ع87
__________
1 أي إن تمكن من ذلك وهو بعث الهدي.
2 في ظ "وإن وصل"، والسياق يؤيد ما أثبته من ع.
3 ولا ينحره قبل ذلك.
4 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن المعنى لا يتم بدونها. فالمعنى: فيكون محرما حتى يصل إلى البيت فيتحلل بعمرة.
5 في "ع": "فإن".
6 في ع "وهدى" وأكثر ما يرد هذا الحكم بلفظ "الفدية" وليس "بالهدي"، ومما يدل على ذلك قوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} سورة البقرة آية 196.
المغني 3/520، الكافي 1/415
7 آخر الصفحة 172 من ع.(5/2219)
/ب] فعليه هدي [آخر] ،1 والقارن (المحصر) 2 بتلك المنزلة عليه (فيها) 3 هدي واحد.4
قال إسحاق: كما قال سواء.
[1495-] قلت:5 قصة صفية بنت حيي رضي الله عنها6 حين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر7؟
__________
1 في ظ "واحد"، والسياق يقتضي ما أثبته من ع ". والمعنى: إن وصل المريض الذي أرسل هديه إلى البيت محرماً وقد فاته الحج، تحلل بعمرة وعليه هدي آخر غير الذي بعثه.
2 في ظ "والمحصر"، والصواب ما أثبته من ع لموافقته للسياق.
3 في ظ "فيهما".
4 راجع التعليقات السابقة في المسألة.
5 في ظ بزيادة "لأحمد".
6 هي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعنة بن ثعلبه بن عبيد، رضي الله عنها. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد خيبر، وماتت سنة ست وثلاثين، وقيل في ولاية معاوية رضي الله عنه، قال الحافظ في [] [] التقريب ص 470: وهو الصحيح. وانظر أيضاً: الإصابة 4/337-339، الاستيعاب لابن عبد البر 4/337-339.
7 قال في المعجم الوسيط 2/939: "نفر الحاج من منى: دفعوا إلى مكة".
ومعنى النفر هنا: الخروج من مكة، والقصة ما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "أن صفية بنت حيي زوج النبي صلى الله عليه وسلم حاضت، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحابستنا هي؟ قالوا إنها قد أفاضت: قال: فلا إذاً".
أخرجه البخاري في باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت 2/195، ومسلم في باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض 1/964، وأبو داود في باب الحائض تخرج بعد الإفاضة 2/510، وابن ماجة في باب الحائض تنفر قبل أن تودع 2/1021، حديث3072.(5/2220)
قال: هو هكذا.
قال إسحاق: كما قال.1
[1496-] قلت: امرأة طافت خمسة أشواط ثم حاضت؟
قال: لا، إلا التمام.2
__________
1 ذهب الإمامان إلى أنه لا طواف وداع على حائض لقصة صفية هذه، ويشهد له أيضاً الحديث المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض".
البخاري، باب طواف الوداع 2/195، ومسلم في ال، باب السابق 1/946.
وتدل القصة أيضا على أن طواف الحج ركن لا يعذر أحد بتركه، كما سيأتي في المسألتين (1496) ، (1604) ، المغني 3/489، كشاف القناع 2/513، غاية المنتهى1/416.
2 هذا في طواف الإفاضة، فلا يجزيها إلا التمام، لأنه ركن لا يعذر أحد بتركه، كما دل عليه حديث المسألة السابقة، وكما سيأتي في المسألة (1604) .
[] ومن ترك بعض الطواف كمن ترك جميعه. المغني 3/492-493.
وستأتي المسألة (1665) قريباً منها.(5/2221)
قال إسحاق: لا يجزيها إلا السبع الوافية في الطواف الواجب [يوم النحر] 1، (فأما) 2 في الوداع فيجزيها أكثر السبع.3
[1497-] قلت: إذا طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تصلي الركعتين؟
قال: تمضي [تصلي] 4 حيث شاءت،5 واحتج6 بحديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.7
__________
1 ساقطة من ظ، والأَوْلى إثباتها كما في "ع"، لأن بذلك يتعين كونه طواف الإفاضة وهو المراد، وطواف الإفاضة وإن كان يجوز بعد يوم النحر كما سبق في المسألة (1449) إلا أن ذلك وقته المفضل الذي طاف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.
المغني 3/465.
2 في ع "وأما".
3 بل يسقط عنها طواف الوداع كله، سواء طافت بعضه أم لم تطف، كما سبق في المسألة (1495) .
4 ساقطة من ع، والمناسب للمقام إثباتها كما في ظ.
5 لأن ركعتي الطواف سنة مؤكدة وليستا بواجب، ويستحب أن يركعهما الطائف خلف المقام، وليس ذلك بواجب. انظر: المغني والشرح الكبير 3/401.
6 أي على جواز صلاتهما في أي مكان.
7 وهو ما روى عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره أنه طاف مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد صلاة الصبح بالكعبة، فلما قضى عمر رضي الله عنه طوافه، نظر فلم ير الشمس، فركب حتى أناخ بذي طوى فسبح ركعتين".
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5/91، باب من ركع ركعتي الطواف حيث كان.(5/2222)
قال إسحاق: كما قال، إن عمر حين طاف بعد الصبح ثم خرج من مكة فلما طلعت الشمس صلى، فأمر الحائض شبيه بقول عمر رضي الله عنه.1
[1498-] قلت: يكون آخر عهده بالبيت؟
قال: إذا خرج إلى الأبطح2 فقد خرج من حد مكة.
يقول: إن اشترى بعد ذلك أوباع (فلا شيء3 عليه) .4
__________
1 ووجه الشبه بينهما أن عمر رضي الله عنه امتنع من الصلاة عند شروق الشمس للنهي عن الصلاة فيه، فلما زال وقت النهي صلى، وكذلك الحائض تمتنع من الصلاة للحيض، فإذا زال المانع تصليهما حيث شاءت.
2 الأبطح: سبق تعريفه في المسألة رقم: (1454) .
3 في ظ "فلا يثبت"، والصواب ما أثبته من ع لاستقامة المعنى به.
4 سئل الإمام أحمد هنا عن طواف الوداع، فأجاب بأن من ابتعد عن البيت ووصل إلى الأبطح فهو في حكم من خرج من مكة، ولا يطلب منه وداع آخر، ولو اشتغل بعد ذلك بأمور كالبيع والشراء، ووافق عليه إسحاق. وأما ما دون الأبطح، فالمذهب أن من اشتغل في تجارة أو أقام بعد طواف الوداع أعاد لحديث ابن عباس السابق، أما إذا اشترى زاداً أو شيئاً لنفسه في طريقه فلا شيء عليه.
[] المغني 3/486-487، الإنصاف 4/50.
ولم يجب رحمه الله عن حكم طواف الوداع، وحكمه: المذهب أَن طواف الوداع واجب ومن تركه لزمه دم، وبه قال إسحاق، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض".
متفق عليه. وسبق تخريجه في المسألة (1495) .
ولمسلم: "لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت"، ووقته بعد فراغ المرء من جميع أموره وعزمه على الخروج.
[] المغني والشرح الكبير 3/485-486، الإنصاف 4/49، كشاف القناع 2/512، طرح التثريب 5/127-128.(5/2223)
قال إسحاق: 1كما قال.2
[1499-] قلت:3 عن كم تنحر البدنة؟
قال: عن سبعة، والبقرة عن سبعة.4
__________
1 في ع بزيادة "أخشى".
2 آخر الصفحة رقم 86 من ظ.
3 في ظ بزيادة "لا حمد".
4 لما روى جابر رضي الله عنه قال: "نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة".
رواه مسلم في باب الاشتراك في الهدي، وإجزاء البقرة والبدنة كل منهما عن سبعة 1/955، والترمذي في باب ما جاء في الاشتراك في البدنة والبقرة 3/248 وقال: حديث حسن صحيح.(5/2224)
قال إسحاق: كما قال.
(وإن) 1 نحر البدنة عن عشرة أجزأه، لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.2
__________
1 في ع "فإن".
2 وهو ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعة، وفي الجزور عشرة".
رواه الترمذي في نفس الباب 3/349، وقال: حديث حسن غريب.
ورواه النسائي في كتاب الضحايا، باب ما تجزئ عنه البدنة من الضحايا 7/222.
وابن ماجة في باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة 2/1047، حديث3131.
واستدل له أيضاً بالحديث المتفق عليه عن رافع بن خديج "إن النبي صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير".
البخاري في كتاب الشركة 3/ 110، ومسلم في كتاب الأضاحي 2/1559، ورواه أيضاً النسائي في كتاب الأضاحي 7/221.
والراجح والله أعلم ما دل عليه حديث جابر الصحيح الصريح في الأضحية، وهو أن البدنة عن سبعة، وأما حديث رافع فهو في القسمة لا في الأضحية، وحديث ابن عباس غريب كما صرح به الحافظ الترمذي، وقال: إنما نعرفه من وجه واحد، فهو لا يقوى على معارضة الحديث الصحيح الصريح في الموضوع. وذكر العلامة السندي في حاشية النسائي 7/221 أنه منسوخ.
[] وانظر أيضاً: المغني 3/578-579، 11/96، زاد المعاد 1/231، سنن الترمذي 3/248.(5/2225)
[1500-] قلت: الأخذ من الشعر في العشر؟ 1
قال: أما إذا أراد أن يضحي فلا يأخذ،2 حديث أم سلمة رضي الله عنها.3
قال إسحاق: كما قال، والأمصار في ذلك سواء.4
[1501-] قلت: الحلق يوم النحر في غير الحج؟
قال: ما أعرفه.5
__________
1 أي عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، كما في التعليق التالي.
2 روى نحوها عن الإمام ابنه عبد الله برقم 972، 973،ص 262.
3 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئاً".
رواه مسلم، كتاب الأضاحي، باب نهي من دخل عليه عشر ذي الحجة وهو يريد التضحية أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً 2/1565.
والنسائي كتاب الضحايا 7/211.
4 قال في الفروع وأطلق أحمد النهي، وهو المذهب.
ونهيه صلى الله عليه وسلم مع قاعدة أن النهي يقتضي التحريم، إلا لصارف يؤيد ما أجاب به الإمامان هنا، وهو الحرمة، وفيه الاحتياط.
[] المغني 11/95، المبدع 3/299، الإنصاف 4/108-109، الفروع 3/555،
الإشراف ق 143ب.
5 الحلق يوم النحر في غير الحج لموافقة الحجاج بدعة، أما حلق الرأس لغير حج أوعمرة مطلقاً، ففيه روايتان عن الإمام أحمد.
أحدهما: يكره حلقه في غير حجة أوعمرة أوحاجة.
والثانية: لا يكره، وهو الصحيح من المذهب كما في الإنصاف.
[] المغني 1/73-74، الإنصاف 1/123، المحرر 1/11.(5/2226)
قال إسحاق: كما قال، لا يحلقن أحد بغير مكة إلا من علة، لما يكون شبيهاً بالخوارج.1
[1502-] قلت: قول ابن عباس رضي الله عنهما الحج عرفات؟ 2
__________
1 الخوارج: هم فرقة خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه. تاريخ الخلفاء 174.
وورد أن من سيماهم التحليق.
قال ابن قدامة في المغني 1/73: "واختلفت الرواية عن أحمد في حلق الرأس، فعنه مكروه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخوارج: "سيماهم التحليق" ا. هـ.
ومما رود في ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج ناس من قبل المشرق ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه. قيل ما سيماهم؟ قال: سيماهم التحليق أوالتسبيد". (وهو بمعنى التحليق) .
أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم، وتلاوتهم لا تتجاوز حناجرهم 8/218، وأحمد في مسنده 3/5.
وقال الحافظ ابن حجر: إنهم الخوارج، فتح الباري 13/536.
2 ثبت ذلك في حديث مرفوع وهو حديث الديلمي السابق في التعليق على المسألة رقم (1763) ، فإن فيه: "الحج عرفة".
وسبقت هذه المسألة برقم (1388) بلفظ "قلت: قوله الحج عرفات والعمرة الطواف"؟(5/2227)
قال: (نعم) 1 لا يتم الحج إلا بعرفات.2
قلت: [قال] 3: والعمرة الطواف.
قال: يقول: لا تتم العمرة إلا بالطواف.4
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في ع "يقول"، والمناسب للمقام ما أثبته من ظ، ويحتمل صحة "يقول"، فيكون المعنى قال أحمد: يقول ابن عباس: "لا يتم الحج إلا بعرفات".
2 فسر الإمام أحمد رحمه الله تعالى العبارة بمعنى أن الحج لا يتم بدون عرفات، وذلك للاهتمام بأمرها وبيان أنها أهم ركن فيه، وليس معناه أن كل الحج عرفة، فإنه له أركان أخرى لا يتم إلا بها أيضاً كطواف الإفاضة. الفروع 3/525.
3 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، للدلالة على أن القائل ابن عباس رضي الله عنهما، والسياق يقتضي إثباتها أيضاً.
4 أي الطواف أهم ركن في العمرة كما أن الوقوف بعرفة أهم ركن في الحج.
ويظهر الحصر في هذه المسألة أكثر من الأولى، لأن في ركنية غير الطواف في العمرة خلافاً، بخلاف الحج المتفق فيه على ركنية غير الوقوف، وهو طواف الإفاضة.
[] انظر: المغني 3/428، الإقناع 1/397-398، المبدع 3/3/265، الفروع 3/525-528.(5/2228)
[1503-] قلت: من قال (عمرة) 1 في رمضان تعدل حجة (أثبت) 2 هو؟
قال: بلى، هو ثبت.3
قال إسحاق: ثبت كما قال، ومعناه: أن يكتب له كأجر حجة، ولا يلحق بالحاج أبداً.4
[1504-] قلت:5 في الذي يصيب أهله مهلاًّ بالحج؟
__________
1 في ع "العمرة"، والصواب ما أثبته من ظ، لورودها كذلك في الحديث.
2 في ع "ثبت".
3 أي مصيب في قوله ذلك، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: "ما منعك أن تحجين معنا؟ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان لزوجها وابنها، وترك ناضحا فنضح عليه، قال: فإذا كان رمضان اعتمري فيه، فإن عمرة في رمضان حجة، أو نحواً مما قال".
أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب عمرة في رمضان 2/200، ومسلم، كتاب الحج، باب فضل العمرة في رمضان 1/917، ولفظه: فإن عمرة فيه تعدل حجة.
وفي لفظ: "فعمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي".
4 أي يكتب له أجر حجة ولا يجزي ذلك عن حجة الإسلام، فالحديث بمثابة قوله صلى الله عليه وسلم "من قرأ قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن".
كما حكاه ابن قدامة في المغني 3/176 عن إسحاق.
5 في ظ بزيادة "لأحمد".(5/2229)
قال: يحجان من قابل1 ويتفرقان2، وأرجو أن يجزيهما هدي واحد.3
[قال إسحاق: كما قال، بل يجزيهما هدي واحد] 4.
__________
1 إن كان ما أفسداه حجاً واجباً، وجب عليهما القضاء بلا خلاف في المذهب، أما إن كان تطوعاً فالمنصوص عن أحمد وجوب القضاء، وعليه الأصحاب، وفي الهداية لا يلزم القضاء. الإنصاف ص 496 الشرح الكبير 3/318.
2 في حكم التفرق وجهان:
الأول: يستحب وهو المذهب.
الثاني: يجب.
انظر: الإنصاف 3/497، الكافي 1/459، المغني 3/315، الشرح الكبير 3/319.
3 هذه رواية عن الإمام ولو كانت مطاوعة له، والمذهب أن على كل واحد منهما بدنة إذا طاوعته، وذهب إليه الإمام أحمد في المسألة (1680) وعنه رواية لا فدية عليها.
أما المكرهة فالمذهب لا فدية عليها كما أجاب به الإمام أحمد في المسألة، وعنه: عليها الفدية، وعنه: يفدي عنها الواطئ.
المغني 3/316، الإنصاف 3/521.
4 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن في ذلك إثباتاً لقول إسحاق في المسألة. وهو المطلوب كما درج عليه المؤلف.
وجزم إسحاق أنه يجزيهما هدي واحد، أي ولو كانت مطاوعة، موافقاً لرواية عن أحمد كما سبق.
وانظر عن قول إسحاق في ذلك الإشراف ق104أ.
والأصل في المسألة: ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً سأله فقال: إني وقعت بامرأتي ونحن محرمان، فقال: "أفسدتَ حجك. انطلق أنت وأهلك مع الناس فاقضوا ما يقضون، وحل إذا حلوا. فإذا كان في العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك، واهديا هدياً، فإن لم تجدا فصوما ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم".
وقال ابن عباس وعبد الله بن عمرو مثل ذلك، وفي حديث ابن عباس: فإذا أحرمتما فتفرقا، ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما.
[] انظر: سنن البيهقي 7/167-168، باب ما يفسد الحج.
وانظر أيضاً: المراجع السابقة.(5/2230)
[1505-] قلت:1 المحرم إذا باشر امرأته وهي محرمة؟
قال:2 عليه دم.3
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد".
2 في ع قال الإمام أحمد.
3 أي شاة أو سبع بدنة أو بقرة، وهذا إذا كان دون الفرج ولم ينزل، وهو المذهب.
وفي رواية أن عليه بدنة.
أما إن أنزل، فالمذهب أن عليه بدنة.
وفي رواية أن عليه شاة. وأجاب بذلك الإمام أحمد في المسألة (1681) .
الإنصاف 3/501، 523، المغني والشرح الكبير 3/322، الكافي 418.
وحكم حجه، إن لم ينزل: لا يفسد.
الإنصاف 3/502، المغني 3/322، الكافي 1 /459.
وإن أنزل فيه روايتان: المذهب أنه لا يفسد، كما سيأتي بيان ذلك في التعليق على المسألة (1624) .(5/2231)
قال إسحاق: نعم.
[1506-] قلت: في الذي يصيب امرأته بعد رمي (الجمرة) ؟ 1
قال: إذا رمى (الجمرة) 2 فقد انتقض الإحرام، ويعتمر من التنعيم.
قال إسحاق: حجته جائزة، (وإن) 3 يعتمر من التنعيم حتى يكون (الطواف بالبيت) 4 بدل الزيارة محرماً، فهو أفضل، لأنه لو كان ترك طواف الزيارة (ولم) 5 يكن جامع جاز له أن يرجع محرماً فيطوف طواف الزيارة.6
[1507-] قلت: [في] 7 الذي يصيب أهله في العمرة قبل أن يقصر؟
__________
1 في ع "الجمار"، والصواب ما أثبته من ظ، لأن المقصود جمرة العقبة.
2 في ع "الجمار"، والصواب ما أثبته من ظ، لأن المقصود جمرة العقبة.
3 في ع "لأن".
4 في ع "طواف البيت".
5 في ع "لم" بحذف "الواو"، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
6 خلاصة هذه المسألة أن من وطئ بعد رمي جمرة العقبة: لم يفسد حجه، ويفسد إحرامه، ويلزمه أن يحرم من الحل- ويلزمه شاة على المذهب، وقيل بدنة.
[] انظر: المغني 3/515-516، الإنصاف ص499-501، الكافي 1/459.
7 في ع بحذف "في".(5/2232)
قال: الدم لهذا كثير عندي.1
قال إسحاق: كما قال يتصدق (بشاة) 2 لا بد له.
[1508-] قلت: من قبل امرأته وهو محرم؟
قال: عليه دم.3
قال إسحاق: كما قال [[ع-88/أ] .
[1509-] قلت: أين تقضى الفدية؟
قال: على حديث علي رضي الله عنه4 (إلا ما كان مما ترك
__________
1 الصحيح من المذهب أن الذي يجامع في العمرة قبل الحلق أو التقصير لا تفسد عمرته، ويلزمه دم.
وقيل: تفسد.
الإنصاف 3/501، المغني والشرح الكبير 3/412.
2 في ع "بالشاة".
3 هذه المسألة ساقطة من ظ.
وقد روى نحوها عن الإمام أحمد ابنه عبد الله برقم 761 ص 205، وحكم القبلة حكم المباشرة فيما دون الفرج. وسبق الكلام عن ذلك في التعليق على المسألة (1505) .
وانظر أيضاً: 3/324 فقد خص فيه ذكر حكم من قبل.
4 والحديث أن الحسين بن علي اشتكى من رأسه فأمر علي برأسه فحلق، ثم نسك عنه بالسقياء فنحر عنه بعيراً. أخرجه مالك في الموطأ، باب جامع الهدي 1/388.(5/2233)
في أمر الحج فهو بمكة) .1
قال إسحاق: كما قال.2
[1510-] قلت: من نتف شيئاً من شعره؟
قال: في ثلاث شعرات دم، هو عندي كثير،3 كان ابن عيينة
__________
1 في ظ "مما كان مما ترك من أمر الحج وهو بمكة".
والصواب ما أثبته من ع، لأن المعنى يستقيم به، أي أن الفدية إن كانت لفعل محظور فإن محلها حيث وجد سببها، لحديث علي رضي الله عنه المشار إليه ولحديث كعب بن عجرة المتفق عليه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالفدية في الحديبية".
البخاري في باب المحصر 3/208، ومسلم 1/859، حديث1201.
فإنه لم يأمره ببعثه إلى الحرم، وهذا هو المذهب.
ورواية: أن محلها الحرم.
أما إن كانت لترك واجب، فمحلها الحرم لأنه هدي وجب لترك نسك، فأشبه هدي القران.
[] الإنصاف 3/531-532، المغني 3/568-569، الكافي 1/428.
2 انظر: لقوله: الإشراف ق 106أ.
3 في إزالة الثلاث الشعرات روايتان عن الإمام أحمد:
الأولى: تجب بذلك الفدية، وهو المذهب، وبه قال ابن عيينة.
الثانية: لا تجب، وأن أقل شيء تجب فيه الفدية أربع شعرات. اختاره الخرقي وقدَّمه في المغني.
[] المغني والشرح الكبير 3/521، الكافي 1/416، الإنصاف 9/456-457.(5/2234)
يستكثره.1
قال إسحاق: فيه دم.2
[1511-] قلت: المحرم يقاتل العدو؟
قال: إذا أريد [ماله بُدَّ لَهُ] 3 من أن يدفع عن نفسه.4
قال إسحاق: كلما (أريد) 5 ماله فله أن يقاتل، يبدأ
__________
1 حكى موافقة للرواية الأولى: ابن قدامة في المغني 3/521، والشرح الكبير 3/263، وابن المنذر في الإشراف ق 106ب.
2 حكى ذلك عنه ابن المنذر في الإشراف ق 106ب.
3 كذا في النسختين ظ وع، ولعله "ما لا بد له" كما في م، ويصح المعنى بهما لكن بهذا التقدير يكون أوضح.
4 لعموم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد".
متفق عليه. البخاري في كتاب المظالم، باب من قاتل دون ماله 3/108، ومسلم في كتاب الإيمان 1/125، حديث226.
ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار".
رواه مسلم في كتاب الإيمان أيضاً 1/124، حديث225.
5 في ظ "أراد"، والمناسب للمقام ما أثبته من ع.(5/2235)
بالنشدة.1
[1512-] قلت:2 ما يتداوى به المحرم؟
قال: كل شيء ليس فيه طيب.3
قال إسحاق: كما قال، وكل شيء يوكل.4
[1513-] قلت: من قتل الصيد يحكم عليه كما قتل في الخطأ والعمد؟
__________
1 النشدة: من المناشدة كقوله أناشدك الله أن لا تفعل كذا، أي أسألك بالله، فيقال: نشدتك الله، وناشدتك الله- أي سألتك به، فيبدأ بالمناشدة، وإن لم يكف عنه، دفعه بالأخف فالأخف كغيره في دفع الصائل.
أساس البلاغة للزمخشري ص632، لسان العرب 3/422، مختار الصحاح 659، المصباح المنير 2/605.
2 في ظ بزيادة "لأحمد".
3 روى نحو هذه المسألة عن الإمام أحمد ابنه عبد الله في المسائل برقم 759 ص205، وروى نحو ذلك أيضاً الإمام أحمد عن ابن عمر في مسائل أبي داود ص112.
4 أجاب الإمام أحمد بضابط لما يتداوى به المحرم، وأجاب الإمام إسحاق بأنه يتداوى بكل شيء يوكل، ويقيد ذلك بأن لا يمس طيباً، لعموم النهي عن الطيب في الإحرام، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: "ولا تمسوه بطيب".
أخرجه مسلم 1/866، وراجع أيضاً مسألة رقم (1462) .(5/2236)
قال: كلما قتل يحكم عليه في الخطأ والعمد.1
قال إسحاق: كما قال.
[1514-] قلت: (ما حكم فيه) 2 من الصيد؟
قال: (كلما تقدم) 3 فيه حكم فهو على ذلك.
قال إسحاق: كما قال، كل شيء [قد] 4 حكم فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو ما حكم (فيه) 5 إلى يوم
__________
1 هذا على الصحيح من المذهب، لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} ، وعن جابر رضي الله عنهما قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيده المحرم كبشاً.
أخرجه ابن ماجة، باب جزاء الصيد يصيبه المحرم 2/1030.
فلم يفرق بين العمد والخطأ، ولأنه ضمان إتلاف استوى عمده وخطؤه كما للآدمي.
[] وعنه رواية: أنه لا كفارة في قتل الصيد إذا كان خطأ. المغني 3/531-532، الإنصاف 3/528.
2 في ع "ما قد حكم فيه" بزيادة "قد".
3 في ع "كلما قد تقدم" بزيادة "قد".
4 في ع بحذف "قد".
5 في ع بحذف "فيه".(5/2237)
القيامة.1 وما لم يحكموا فيه [حكم فيه] 2 ذوا عدل.3
ويجوز أن يحكم فيه ذوا عدل والذي أصاب الصيد.4
[1515-] قلت:5 الثعلب؟
قال: أمره (يشتبه) .6
__________
1 لأنهم أقرب إلى الصواب وأبصر بالعلم، فكان حكمهم حجة على غيرهم، كالعالم مع العامي.
المغني 3/535، الإنصاف 3/536، المبدع 3/192.
2 في ظ حذف "فيه"، والأقرب للسياق إثباتها كما في ع.
3 لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} المائدة آية 95.
4 المذهب أنه يجوز أن يكون القاتل للصيد أحد العدلين لعموم الآية.
ولما روى الشافعي في مسنده ص 134 أن عمر رضي الله عنه "أمر إربد أن يحكم في الضب الذي قتله، فحكم فيه بجدي، فقال عمر: فذلك فيه".
[] المغني 3/536-537، الإنصاف 3/540، المبدع 3/195.
5 في ظ بزيادة "لأحمد".
6 في ظ "مشتبه"، وما أثبته من ع موافق لما نقله ابن المنذر عن الإمام أحمد، الإشراف ق 111أ.
وفي قتل الثعلب روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: فيه الجزاء.
والثانية لا جزاء فيه.
المغني 3/533، الإنصاف 3/537، المبدع 3/149.
وعلى القول بأن فيه الجزاء روايتان بما يجب فيه:
إحداهما: أن فيه عنزاً.
والثانية: شاة.
الإنصاف 3/537، المغني 3/533، المبدع 3/194.(5/2238)
قال إسحاق: [إن] 1 أهل العلم اختلفوا فيه، منهم من جعله صيداً يرى فيه [حكومة] 2، ومن جعله سبعاً لم يحكم فيه، والحكم فيه أحب إلي.
[1516-] قلت: القملة؟ 3
قال: يطعم (عنها) 4 شيئاً.5
__________
1 في ع بحذف "إن".
2 في ع "الحكومة".
3 الجمع: قمل، وهو معروف أوله الصؤاب، وهي بيض القمل. لسان العرب 11/568.
4 في ظ "عنه" والصواب ما أثبته من ع، لأن الضمير يرجع إلى القملة وهي مؤنث.
5 في قتل المحرم للقمل روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: لا جزاء عليه، وهي المذهب، لأنه غير مأكول، وهو من المؤذيات، ولا مثل له ولا قيمة.
الثانية: عليه الجزاء. فعلى هذه الرواية أي شيء تصدق به فهو خير.
[] انظر: الإنصاف 3/486، المغني والشرح3/268، 532-533.(5/2239)
قال إسحاق: تمرة فما فوقها.1
[1517-] قلت: حمام الحل والحرم؟
قال: سواء.2
قال إسحاق: كما قال.3
[1518-] قلت لأحمد: الصيد يدخل الحرم حياً؟
قال: ما يعجبني.4
__________
1 المغني 3/268.
2 في وجوب الجزاء فيه، لأن أصله وحشي والعبرة بالأصل لا بالحال.
انظر: المغني 3/533، الإنصاف 3/484، المبدع 3/195، الإشراف ق 111ب.
والواجب فيه شاة، فقد حكم بعض الصحابة بذلك، منهم ابن عباس، وعمر، وابن عمر، وعثمان رضي الله عنهم.
المغني والشرح الكبير 3/532، المبدع 3/195، مسند الإمام الشافعي 135.
وعن الإمام أحمد رواية أنه لا يضمن أهليه.
انظر: معونة أولي النهى 4/101.
3 الإشراف ق 111ب.
4 فيلزم من ملكه في الحل رفع يده عنه وإرساله، فإن تلف في يده أو أتلفه، فعليه ضمانه.
[] المغني 3/359، الإنصاف 3/481-482، الكافي 1/424.(5/2240)
قال إسحاق: كما قال.1
[1519-] قلت: لحم الصيد في الحرم؟
قال: إذا ذبح في الحلِّ لا بأس به.2
قال إسحاق: كما قال.
[1520-] [قلت:3 يقرد4 المحرم بعيره؟
قال: نعم.5
__________
1 قال ابن قدامة "وممن كره إدخال الصيد الحرم ابن عمر، وابن عباس، وعائشة، وعطاء، وطاووس، وإسحاق". المغني 3/359.
2 لأن النهي عن الصيد في الحرم، أما ما ذبح في غير الحرم فمباح، وما ذبح في غير الحرم خرج عن كونه صيداً في الحرم، ولأنه لو جرحه في الحل فدخل الحرم فمات حل أكله، فهذا من، باب أولى. الكافي 1/425.
3 هذه المسألة بكاملها ساقطة من ع.
4 القراد: واحد القردان، وهو دويبة تعض الإبل. لسان العرب مادة "قرد".
ومعنى يقرد بعيره: أي ينزع عنه القراد. الشرح الكبير مع المغني 3/304.
5 قال في الشرح الكبير 3/304 "ولا بأس أن يقرد المحرم بعيره" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الإشراف ق115.
ولقد روى مالك وابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن ربيعة بن أبي عبد الله أنه رأى عمر بن الخطاب يقرد بعيراً له في طين بالسقيا، وهو محرم.
كما روى ابن أبي شيبة أن علياً رخّص للمحرم أن يقرد بعيره.
الموطأ 1/357، ومصنف عبد الرزاق 4/449، ومصنف ابن أبي شيبة 4/22.(5/2241)
قال إسحاق: كما قال] .1
[1521-] قلت: لحم الصيد؟
قال: لا بأس به للمحرم إلا ما أريد [به] 2 الرجل إذا صيد من أجله على ما قال عثمان رضي الله عنه.3
قال إسحاق: كما قال سواء.4
[1522-] قلت: قوم محرمون اشتركوا في صيد؟
قال: عليهم جزاء واحد.5
__________
1 انظر عن قول إسحاق الإشراف ق115ب.
2 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
3 قال في المغني "وإن صيد من أجله لم يبح له، روي ذلك عن عثمان ابن عفان". انظر: المغني والشرح الكبير 3/289.
4 انظر عن قول إسحاق سنن الترمذي 3/204.
5 هذا هو المذهب لقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} المائدة 95.
والجماعة قد قتلوا صيداً فيلزمهم مثله.
ولأنه بدل متلف يتجزأ، فيقسم بدله بين المشتركين.
وعنه: على كل واحد جزاء.
وعنه: إن كفروا بالمال فجزاء واحد، وإن كفروا بالصيام فكفارات.
الكافي 1/422، الإنصاف 3/547، المغني 3/546.(5/2242)
قال إسحاق: كما قال.1
[1523-] قلت: قوم أحلة صادوا في الحرم2 صيداً؟
قال: عليهم الجزاء.3
__________
1 انظر: لقوله المغني 3/546، الإشراف ق112أ.
2 أي حرم مكة، بناءً على المذهب، كما يأتي في آخر التعليق على المسألة.
3 صيد الحرم حرام على الحلال والحرام، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكة ولا ينفر صيده" الحديث.
أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد، باب لا يحل القتال بمكة 2/214، ومسلم في باب تحريم مكة وصيدها 1/986، حديث1353.
وحكمه في الجزاء حكم صيد الإحرام، كما نص عليه في المسألة الآتية برقم 1613، لأنه مثله في التحريم فكان مثله في الجزاء.
الكافي 1/423، الإنصاف 3/548، المغني 3/358.
أما حرم المدينة فإنه يحرم صيده أيضاً، لكن لو فعل ففي وجوب الجزاء روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: لا جزاء فيه وهو المذهب،
والثانية: أنه فيه الجزاء.
[] المغني 3/369-370، الإنصاف 3/559.(5/2243)
قال إسحاق: كما قال [ظ-45/أ] .
[1524-] قلت: الكلب1 إذا أكل من الصيد؟ 2
قال: لا يؤكل.3
__________
1 أي الكلب المعلم، ويعتبر في تعليمه ثلاثة شروط: إذا أرسله استرسل، وإذا زجره انزجر، وإذا أمسك لم يأكل. المغني 11/6.
2 الصيد لغة: ما تصيد، وفي القاموس الصيد: المصيد، أو ما كان ممتنعاً ولا مالكَ له.
لسان العرب 3/261، القاموس المحيط 1/320.
وشرعا: اقتناص حيوان حلال متوحش طبعاً، غير مملوك لأحد، ولا مقدور عليه. الإقناع 4/321، وانظر أيضاً: المطلع على أبواب المقنع ص 385.
3 هذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وهي المذهب كما في الإنصاف، لما جاء عن عدي بن حاتم قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إنا قوم نصيد بهذه الكلاب، فقال: "إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليكم وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب، فإني أخاف أنما أمسكه على نفسه، وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل".
متفق عليه، البخاري في كتاب الذبائح والصيد-، باب إذا أكل الكلب 6/220، ومسلم في باب الصيد بالكلاب المعلمة 2/1529، وفيه "فإن أكل الكلب فلا تأكل".
والرواية الثانية: يباح الأكل.
المغني 11/8، الإنصاف 10/431.(5/2244)
قال إسحاق: كما قال، (لا يتبع) 1 حينئذ.
[1525-] قلت: البندقة2 والحجر؟ 3
قال: لا، أي لا يؤكل.4
__________
1 كذا في النسختين أي لا يؤكل بعده، وفي م "لا ينبغي"، والصواب ما أثبته، لأن ما في م مخالف للنسخة المنقول عنها، ولأن عبارة "لا ينبغي" موهمة بأن ذلك خلاف الأولى ولا يحرم، ودل كلام الإمامين على أنه يحرم كما في الحديث الصحيح، فيناسب ذلك العبارة المثبتة.
2 البندق: الذي يرمى به، واحده بندقة، والجمع بنادق.
لسان العرب 10/29، القاموس المحيط 3/222، الصحاح 4/1452، وفي صبح الأعشى 2/145: "قوس البندق-ويسمى الجلاهق- قوس يتخذ من القنا، ويلف عليه الحرير، ويغرى. وفي وسط وتره قطعة دائرة تسمى الجوزة، توضع فيها البندقة عند الرمي".
3 أي الذي لا حد له.
4 قال ابن عمر رضي الله عنهما في المقتول بالبندق: "تلك الموقوذة".
أخرجه البخاري في باب صيد المعراض 6/218.
وقال الخرقي في المختصر 209: "ولا يؤكل ما قتل بالبندق أو الحجر، لأنه موقوذ" ا. هـ.
والمقصود بالحجر كما أسلفت هو الذي لا حد له، أما المحدد إن قتل بحده فيباح ذلك، لما روى أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى فأصيبت شاة، فكسرت حجراً فذبحتها، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بأكلها.
[] أخرجه البخاري في باب ما أنهر الدم من القصب، وباب ذبيحة المرأة والأمة 6/225-226، وابن ماجة في باب ذبيحة المرأة 2/1062، وقال في الروض المربع 3/356 الشرط الثاني: الآلة فتباح بكل محدد ولو مغصوباً، من حديد وحجر وقصب وغيره" ا. هـ. وانظر أيضاً: المغني 11/37.(5/2245)
قال إسحاق: كما قال، إلا ما أدركت ذكاته.
[1526-] قلت: ذبيحة السارق؟
قال: لا بأس بها.
قال إسحاق: مكروه.1
__________
1 المراد بذلك حكم ذبيحته من حيث صحة التذكية، فهي كما تدل عليه مسألتنا صحيحة بالاتفاق بين أحمد وإسحاق، إلا أن تذكيته مكروهة عند إسحاق، غير مكروهة عند أحمد.
ونقل عبد الرزاق في المصنف 4/485 بسنده عن طاووس وعكرمة كراهة ذلك، كما نقل عدمها عن الزهري وابن المسيب.
فأما حرمة المسروق فلا خلاف فيها.
وفي مسائل عبد الله برقم 976 ص263: "سمعت أبي يقول لو أن رجلاً سرق شاة ثم ذبحها، فقال: لا يحل أكلها-يعني- له قلت لأبي: فإن ردها على صاحبها؟ قال: لا تؤكل.(5/2246)
[1527-] قلت:1 من نسي التسمية عند الذبح.
قال: لا بأس به.2
قال إسحاق: كما قال.3
[1528-] قلت: ذبيحة المرأة والصبي؟
قال: لا بأس به (إذا كان الصبي يطيق) 4 الذبح [ع-88/ب] .5
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد".
2 المشهور من المذهب أن التسمية شرط مع الذكر، وتسقط سهواً، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "من نسي فلا بأس".
أخرجه البخاري، باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمداً 6/224.
وعنه أن التسمية مستحبة غير واجبة.
وعنه أخرى: لا يعذر بتركها عمداً أو سهواً.
[] المغني 11/32-33، المبدع 9/223-224، الإنصاف 10/441-442.
3 المغني 11/33.
4 في ع "إذا كان يطيق الصبي"، والإطاقة: القدرة على الشيء. لسان العرب 10/232.
5 آخر الصفحة 174 من ع، وفي مسائل عبد الله برقم 988 ص267 "سألت أبي عن ذبيحة الصبي والمرأة؟ قال إذا طاقا وسميا فلا بأس".(5/2247)
قال إسحاق: كما قال، ولا أقل من سبع سنين.1
[1529-] قلت: ذبيحة الأقلف؟ 2
قال: لا بأس (بها)
__________
1 الطفل إذا كان مميزاً أبيحت ذبيحته، وإن كان غير مميز فلا تباح. وفي صحة ذبيحة المرأة ما روي أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى، فأصيبت شاة، فكسرت حجراً فذبحتها فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم بأكلها.
أخرجه البخاري كما سبق في المسألة: (1525) .
وقال في المغني: "قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي".
[] المغني 11/54-55 والإنصاف 10/386-389.
2 الأقلف: الذي لم يختن.
انظر: لسان العرب 9/290، القاموس المحيط 3/293.
3 في ظ "به". والصواب ما أثبته من ع، لأن الضمير يعود إلى ذبيحة الأقلف وهي مؤنث.
وذبيحة الأقلف تباح، قال المقدسي في الإقناع: "ويشترط للذكاة أربعة شروط أحدها أهلية الذابح، وهو أن يكون عاقلاً قاصداً التذكية ولو مكرهاً أو أقلف، وتكره ذبيحته" ا. هـ.
وفي الشرح الكبير: "وعن أحمد لا تباح ذبيحة الأقلف، وروي عن ابن عباس، والصحيح إباحته فإنه مسلم أشبه سائر المسلمين" ا. هـ.
الشرح الكبير مع المغني 11/46، الإقناع 4/316، كشاف القناع 6/205، مسائل النيسابوري 2/131، مصنف عبد الرزاق 5/483.(5/2248)
قال إسحاق: كما قال ولكن لا يتعمدن.1
[1530-] قلت: ما يذكى2 به؟
قال: كل شيء (إلا) 3 السن والظفر.4
قال إسحاق: كما قال، لأن السن عظم.5
__________
1 العمد: ضد الخطأ، وتعمده: قصده. لسان العرب 3/302.
2 الذكاة في اللغة: إتمام الشيء. لسان العرب 14/288.
وفي الشرع: ذبح أو نحر مقدور عليه مباح أكله، من حيوان يعيش في البر، لا جراد ونحوه، بقطع حلقوم ومريء، أو عقر إذا تعذر. الإقناع 4/316.
3 في ع بتكرار "إلا".
4 الظفر معروف، وجمعه أظفار وأظفور وأظافير، يكون للإنسان وغيره.
لسان العرب 4/517، القاموس المحيط 2/83.
5 في الأصل (عظمة) .
والأصل في ذلك ما جاء في حديث رافع بن خديج من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر، وسأخبركم عنه، أما السن عظم، وأما الظفر فمدى الحبشة". متفق عليه.
[] أخرجه: البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب التسمية على الذبيحة 6/224-225.
ومسلم في كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر 2/1558. المغني 11/43، الإقناع 4/317، الروض المربع 3/356.(5/2249)
[1531-] قلت: المعراض؟ 1
قال: (أكره) 2 صيد المعراض حتى يخزق3.4
قال إسحاق: كما قال [فما أصابه] 5 بعرضه فلا يأكل.6
__________
1 المعراض بالكسر: سهم يرمى به بلا ريش ولا نصل، يمضي عرضاً فيصيب بعرض العود لا بحده.
انظر: لسان العرب 7/180، المصباح المنير 2/403.
وفي المغني: المعراض: عود محدد، وربما جعل في رأسه حديدة.
2 في ع "كره"، والأقرب للسياق ما أثبته من ظ، لأن الكوسج ينقل جواب الإمام أحمد، وهو رحمه الله يذكر رأيه ولا ينقل رأي غيره.
3 الخزق: الطعن، خزق السهم وخسق، إذا أصاب الرمية ونفذ فيها.
انظر: اللسان 10/79، النهاية في غريب الحديث 2/29.
4 المعراض إن أصاب بحده فخرق وقتل يباح صيده، وإن أصاب بعرضه فقتل بثقله فلا يباح.
انظر: المغني 11/25، الإنصاف 10/420، مختصر الخرقي ص 208.
5 في ظ "فإذا أصاب"، والأقرب للسياق وبنص الحديث ما أثبته من ع.
6 لما جاء في حديث عدي بن حاتم قلت: فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب، فقال: "إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله".
أخرجه: البخاري كتاب الذبائح والصيد، باب صيد المعراض 6/218.
ومسلم واللفظ له في كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة 2/1529، وروى قريباً من هذه عن الإمام أحمد ابنه عبد الله في مسائل برقم 1023 ص 273.(5/2250)
[1532-] قلت:1 ثمن الهدي؟ 2
قال: أرجو أن لا يكون به بأس.3
قال إسحاق: [أكرهه] 4، ولكن الشراء أهون.5
[1533-] قلت (لأحمد) 6: الجلالة؟ 7
قال: (أكرهها) 8 " (نهى النبي صلى الله عليه وسلم) 9 عن لحوم
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد"، والمسألة (1534) متقدمة على هذه المسألة في ع.
2 لعله يعني بذلك: ما حكم من يتصدق بثمن هدي التطوع بدل شرائه وذبحه؟
3 قال البهوتي عن الأضحية: "وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، كالهدي والعقيقة". الروض المربع 1/536.
4 في ع "كما قال أكرهه" بزيادة "كما قال"، والأقرب للمعنى ما أثبته من ظ.
5 أي أقرب إلى الصواب.
6 في ع بزيادة "رضي الله عنه".
7 الجلالة هي التي أكثر علفها النجاسة. الإقناع 4/311.
8 في ظ "أكرهه"، والصواب ما أثبته من ع لأن المقصود لحوم الجلالة، وهي مؤنث، ويؤيده الحديث الآتي، والكراهة رواية عن الإمام.
والمذهب وما عليه الأصحاب أن لبن ولحم الجلالة يحرم، وجزم به في الإقناع.
المغني 11/71، الإنصاف 10/366، الإقناع 4/311.
9 في ع "النبي صلى الله عليه وسلم نهى".(5/2251)
الجلالة،1 وأكره ركوبها.2
قال إسحاق: كما قال، وكذلك ألبانها.3
[1534-] قلت:4 ذكاة الجنين؟ 5
قال: ذكاة أمه.6
__________
1 وذلك ما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الجلالة وألبانها".
رواه ابن ماجة في كتاب الذبائح، النهي عن لحوم الجلاّلة 2/1064.
2 يكره ركوب الجلالة، لأنها ربما عرقت فتلوث الراكب بعرقها. وعن الإمام رواية: أنه يحرم ركوبها.
المغني 11/72، الإنصاف 10/367، الإقناع 4/311.
3 كما نص عليه في حديث ابن عمر السابق في التعليق الذي قبل الحاشية السابقة حيث ذكر فيه تحريم لحوم الجلالة وألبانها.
4 في ظ بزيادة "لأحمد".
5 الجنين: الولد ما دام في بطن أمه لاستتاره فيه، وجمعه أجنة وأجنن. انظر: لسان العرب 13/93.
6 في مسائل عبد الله برقم 982 ص 265 "سمعت أبي يقول: ذكاة الجنين ذكاة أمه، وروى نحوها عن الإمام أحمد أيضاً ابن هاني في المسائل برقم 1767 ج2/136، ومما يستدل به لذلك: ما روى جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ذكاة الجنين ذكاة أمه". رواه أبو داود في كتاب الأضاحي، باب ما جاء في ذكاة الجنين 3/252.
وهذا إذا خرج من بطن أمه بعد ذبحها ميتاً أو متحركا كحركة المذبوح، أما إن خرج حياً حياة مستقرة يمكن أن [] يذكى، فلا يباح إلا بذكاته. المغني 11/51-52، الإنصاف 10/402-403، المبدع 9/224.(5/2252)
قال إسحاق: كما قال.1
[1535-] قلت: لحوم الخيل2 والبراذين؟ 3
قال: لا بأس بهما.4
__________
1 المغني 11/51.
2 الخيل: جماعة الأفراس لا واحد له، أو واحدة، خائل لأنه يختال، وجمعه أخيال وخيول. القاموس المحيط 3/384، لسان العرب 11/231.
3جمع برذون وهو: الدابة، والأنثى برذونة. والبراذين من الخيل ما كان من غير نتاج العراب. لسان العرب 13/51، القاموس 4/203.
4 لقول جابر رضي الله عنه: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل".
وقالت أسماء رضي الله عنها: "نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه". متفق عليهما.
أخرجهما البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الخيل 6/229.
ومسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب أكل لحوم الخيل 2/1541، وفي مسائل النيسابوري 2/137: "سمعت أبا عبد الله وسئل عن أكل لحوم الخيل؟ قال: تؤكل.(5/2253)
قال إسحاق: كما قال، فإن تركهما1 تارك فله حجة أيضاً2، والرخصة أحب إلينا.3
__________
1 في ع "تركها"، والأقرب ما أثبته من ظ الظاهر السياق.
2 وهي ما استدل بها من لم ير أكل لحومها، ومن ذلك مفهوم قوله تعالى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} سورة النحل آية 8.
لأن التعليل بالركوب يدل على أنها مخلوقة لهذه المصلحة دون غيرها، وإفرادها عن الأنعام وذكرها مع الحمير يفيد اتحاد حكمهما، والحمر الأهلية حرام، وحديث خالد ابن الوليد قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير".
رواه الإمام أحمد 4/89، وأبو داود 4/151، وابن ماجة 2/1066، والبيهقي 9/328.
3 لأن حديثي جابر وأسماء متفق على صحتهما، وحديث خالد قال عنه أحمد: ليس له إسناد جيد، كما في المغني 11/70.
وقال ابن الجوزي في العلل 2/171: "قال المؤلف قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، وبقية من المدلسين يحدث عن الضعفاء" أهـ.
وقال عنه أبو داود أنه منسوخ، وقال الشوكاني في فتح القدير 3/149: "والحاصل أن الأدلة الصحيحة قد دلت على حل أكل لحوم الخيل، فلو سلمنا أن في هذه الآية متمسكاً للقائلين بالتحريم، لكانت السنة المطهرة رافعة لهذا الاحتمال، ووافق لهذا الاستدلال "أهـ.
وانظر أيضاً:: المغني 11/69،الإقناع 4/310، المذهب لأحمد 126.(5/2254)
[1536-] قلت: الثعلب؟
قال: أكرهه.1
قال إسحاق: كما قال.
[1537-] [قلت:2 يزاحم3 على الحجر؟ 4
قال: لا، ولا يُؤْذِي5 ولا يُؤْذَى.
قال إسحاق: كما قال.] 6
__________
1 في أكل الثعلب روايتان عن الإمام:
إحداهما: أنه يحرم، لأنه سبع، وهي الصحيح من المذهب، وجزم به في الإقناع.
الثانية: يباح.
انظر: المغني 11/67، والشرح 11/75، الإنصاف 10/360، الإقناع 4/309.
2 هذه المسألة ساقطة من ع، كما انفردت نسخة ع بالمسألة التالية.
3 زحم القوم بعضهم بعضاً يزحمونهم زحماً وزحاماً: ضايقوهم. وازدحموا وتزاحموا: تضايقوا. لسان العرب 12/262.
4 أي الحجر الأسود.
5 الأذى: كل ما تأذيت به. وأذى الرجل: فعل الأذى. لسان العرب 14/27.
6 ورد في ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر إنك رجل قوي، لا تؤذ الضعيف إذا أردت استلام الحجر، فإن خلا لك فاستلمه، وإلا فاستقبله وكبر". أخرجه البيهقي في كتاب الحج، باب الاستلام في الزحام 5/80.
وتقبيل الحجر مستحب، وفي المزاحمة إيذاء للناس، وهذا لا يجوز، فلا يرتكب محرم للحصول على المستحب.
المغني 3/384، الفروع 3/496، الروض المربع 4/96.(5/2255)
[1538-] [قلت:1 الجبن؟ 2
قال: يؤكل من كل.
قال إسحاق: كما قال.] 3
[1539-] قلت: الشيء يهدى4 إلى البيت؟
قال: إن قسمه على5 فقراء مكة أعجب إلي،6 ولا يدفعه إلى
__________
1 هذه المسألة ساقطة من ظ.
2 الجبن: الذي يؤكل وهو ما جمد من اللبن وصنع بطريقة خاصة، وفيه ثلاث لغات جُبْنٌ وجُبُنٌ وجُبُنّ، أجودها الأولى وهي سكون الباء. المصباح المنير 1/90، لسان العرب 13/85، المعجم الوسيط 1/106.
3 ورد في ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك، فدعا بسكين فسمّى وقطع".
[] رواه أبو داود في كتاب الأطعمة، باب أكل الجبن 4/169، وانظر أيضاً: مصنف عبد الرزاق 5/538-و-542.
4 أي الهدية، وليس الدم الواجب.
5 في ظ "في".
6 أي يتولى التقسيم بنفسه.(5/2256)
بني شيبة.1
قال إسحاق: كما قال،2 وذلك لما أحدثوا من أمر المحاباة.
[1540-] قلت: يقبل اليد إذا مس الحجر؟ 3
قال: لا بأس به.
قال إسحاق: هو سنة.4
__________
1 أي لا يدفعه إليهم ليتولوا قسمته. وبنو شيبة هم سدنة الكعبة والذين بأيديهم مفاتيحها، قال عثمان بن طلحة: "فلما كان يوم الفتح قال: أي النبي صلى الله عليه وسلم: يا عثمان ائتني بالمفتاح، فأتيته به فأخذه مني، ثم دفعه إلي وقال: خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم". زاد المعاد 2/165.
2 وستأتي المسألة بنحو نصها برقم (1758) .
[3] أي: لمسه ومسكه بيده. انظر: لسان العرب 6/217-218، القاموس المحيط 2/260.
4 لما روي عن نافع قال: رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ثم قبّل يده، وقال: "ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله".
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب استلام الركنين اليمانيين10/924، وأخرج حديث نافع عن ابن عمر البيهقي في كتاب الحج من سننه، باب تقبيل اليد بعد الاستلام 5/75.
وانظر عن المسألة أيضاً المغني 3/395، الإنصاف 4/5، المصنف لعبد الرزاق الصنعاني 5/40 وما بعدها، المقنع بحاشيته 1/442، الروض المربع 4/96.(5/2257)
[1541-] قلت: (مس) 1 المقام؟ 2
قال لا يمسه.
قال إسحاق: كما قال،3 إنما أمر بالصلاة إليه.4
[1542-] قلت:5 إذا قطع الطواف يبني أو يستأنف؟
__________
1 في ع "ومس" بزيادة الواو.
2 أي: مقام إبراهيم عليه السلام.
3 في ع بزيادة "أيضاً".
وقال في الفروع: "ولا يشرع تقبيل المقام ومسحه"، وحكى الإجماع على ذلك. الفروع 3/503، الإنصاف 4/18، شرح منتهى الإيرادات 2/54.
4 وذلك قوله تعالى {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} سورة البقرة آية 125.
وجواب الإمامين دال على وقوف السلف عند النص، غير خارجين عنه، متمثلين بقوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، أخرجه النسائي بهذا الفظ 1578/، باب 22.
ويوضحه أكثر ما روي عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر ثم قال: "أما والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك".
رواه مسلم في باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف 1/925.
5 في ظ بزيادة "لأحمد".(5/2258)
قال: يبني.1
قال إسحاق: كما قال، وكذلك إن أحدث (ذهب فتوضأ ثم رجع) 2 فبنى، واجباً كان أو غير واجب.3
[1543-] قلت: المكتوبة تجزئ من (ركعتي) 4 السبع؟
قال: أعجب إلى أن يصلى ركعتي5 السبع.
قال إسحاق: كما قال، (وإن) 6 اقتصر على ذلك
__________
1 هذا إذا كان القطع يسيراً، أو أقيمت الصلاة، أو حضرت جنازة.
لما في ذلك من المشقة، ولأن أداء الصلاة فعل مشروع فلم يقطعه وصلاة الجنازة تفوت بتأخيرها.
ويكون ابتداء البناء من الحجر الأسود.
أما إذا كان طويلاً: فالمذهب أنه يستأنف، لأن الموالاة شرط، وقد والى النبي صلى الله عليه وسلم بين طوافه وقال: "خذوا عني مناسككم".
ورواية: أن الموالاة لا تشترط مع العذر.
انظر: الإنصاف 4/17، المغني 3/414، المبدع 3/222.
2 في ظ "فذهب فتوضأ ورجع"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
3 ستأتي مسألة من أحدث في الطواف برقم (1622) .
4 في ع "ركعتين"، وقواعد العربية تقتضي ما أثبته من ظ.
5 في ع "ركعتين"، وقواعد العربية تقتضي ما أثبته من ظ.
6 في ع "فإن".(5/2259)
أجزاه.1
[1544-] قلت: الطواف بعد العصر وبعد الصبح؟
قال: (لا بأس به والصلاة) 2 أيضاً.
قال إسحاق: كما قال؛ لما خص رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة بذلك.3
[1545-] قلت: يقرن4 بين الطواف؟
__________
1 المذهب أن صلاة المكتوبة بعد الطواف تجزي عن ركعتيه، كتحية المسجد وركعتي الإحرام.
وفي رواية: أنها لا تجزئ عنهما، ويصليهما بعد المكتوبة.
[] انظر: المغني والشرح الكبير 3/401-402، الإنصاف 4/8، المبدع 3/256.
2 في ظ "لا بأس بالصلاة"، والأولى ما أثبته من ع، لزيادة الإيضاح فالمعنى: لا بأس بالطواف والصلاة.
3 مما ورد مما يدل على جواز الطواف والصلاة بعد الصبح والعصر:
ما روى جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار".
أخرجه الترمذي في كتاب المناسك، باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح لمن يطوف 3/220، وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود في باب الطواف بعد العصر 2/449، والنسائي، باب إباحة الطواف في كل الأوقات 5/223.
4 أي يجمع: بأن يؤخر ركعتي الطواف فيطوف سبعين أو أكثر، ثم يصلي لكل سبعة أشواط ركعتين.(5/2260)
قال: (إن) 1 قرن فأرجو أن لا يكون به بأس،2 وإن لم يقرن فهو الأصل.3
قال إسحاق: كما قال سواء.
__________
1 في ع "إذا".
2 لأنه فعل ذلك بعض الصحابة، فلقد روى عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه 5/64، عن ابن جريج قال: "كان عطاء لا يرى بقرن الطواف بأساً، ويفتي به، ويذكر أن طاووس والمسور بن مخرمة كانا يفعلانه".
كما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها طافت بالبيت ثلاثة أسابيع، لا تصلي بينهن، فلما فرغت صلت لكل سبع ركعتين، وأخرج هذا الأثر أيضاً سعيد بن منصور، كما ذكره محب الدين الطبري في القرى لقاصد أم القرى ص 318.
ويقول ابن قدامة في المغني 3/402 محتجاً لجواز قرن الطواف: "إن الطواف يجري مجرى الصلاة، يجوز جمعها" ا. هـ.
3 أشار بذلك إلى أنه إن صلى بعد كل طواف فهو أولى، وفيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث صلى الركعتين بعد الطواف.
وهناك رواية عن الإمام أحمد أنه يكره قرن الطواف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ومما يدل عليها ما أخرجه عبد الرزاق في المصنف أيضاً عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يكره قرن الطواف، ويقول: على كل سبع ركعتان، وكان هو لا يقرن بين سبعين.
انظر: المغني والشرح الكبير 3/402، المبدع 3/224، الإنصاف 4/18، الفروع 3/503، التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع 148، مصنف عبد الرزاق 5/64.(5/2261)
[1546-] قلت: المرأة تطوف (متنقبة) ؟ 1
قال: إذا كانت غير محرمة فلا بأس.2
قال إسحاق: كما قال.3
[1547-] قلت: الصلاة في جوف الكعبة؟
قال: لا بأس بها.4
__________
1 في ع "منتقبة".
2 ومما ورد في ذلك ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 5/25 عن عائشة رضي الله عنها، كانت تطوف بالبيت وهي متنقبة.
وانظر أيضاً: المغني 3/306. أما إذا كانت محرمة فلا يجوز لها النقاب، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنتقب المرأة الحرام، ولا تلبس القفازين".
أخرجه البخاري كما سبق في المسألة (1467) .
3 قال ابن المنذر في الإشراف ق 119 أ: "كانت عائشة أم المؤمنين رحمة الله عليها تطوف متنقبة، وبه قال الثوري وأحمد وإسحاق" ا. هـ.
4لم يبين الإمام أحمد هنا فيما إذا كانت الصلاة التي لا بأس بها في جوف الكعبة فرضاً أو نفلاً، كما بينه إسحاق، والمعروف عنه أنه له في هذه المسألة روايتان:
رواية كما قال إسحاق هنا بصحة النافلة فيها دون الفريضة، لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} سورة البقرة آية 144.
والمصلي فيها أو على ظهرها غير مستقبل لجهتها، وهو المذهب.
ورواية بصحة المكتوبة في ذلك أيضاً.
[] المغني 1/721، الإقناع 1/99-100، الإنصاف 1/496-497.(5/2262)
قال إسحاق: أما النافلة فلا بأس بها،1 ولا تجوز المكتوبة فيها، ولا فوقها.
[1548-] قلت: من يتعوذ2 بالبيت3 من دبر الكعبة؟ 4
قال: هذا قد روي فيه5، وأما البين
__________
1 قال ابن قدامة: "وتصح النافلة في الكعبة وعلى ظهرها، لا نعلم فيه خلافاً". المغني 1/721.
2 عاذ به: لاذ به ولجأ إليه واعتصم، فيتعوذ بالبيت أي يلتجئ بالدعاء.
لسان العرب 3/498.
3 آخر الصفحة 175 من ع.
4 أي من خلفها.
وفي اللسان 4/268 دبر البيت مؤخره وزاويته، والمراد به هنا حكم من يلتزم للدعاء والتعوذ بخلف الكعبة بدل مكان الملتزم المعهود بين الركن والباب.
5 في ع "قال إسحاق كما قال سنة".
من ذلك ما روى الأزرقي بسنده عن أيوب قال: رأيت القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز يقفان بظهر الكعبة بحيال الباب، فيتعوذان ويدعوان.
وعن عطاء قال: "مر ابن الزبير بعبد الله بن عباس بين ال، باب والركن الأسود، فقال: ليس هاهنا الملتزم دبر البيت، قال ابن عباس: هناك ملتزم عجائز قريش".
أخبار مكة 1/348، القرى لقاصد أم القرى 318.(5/2263)
[فهو] 1 بين الركن والباب.2
قال إسحاق: (كل سنة) 3.4
[1549-] قلت: (يدخل البيت والحجر بالنعلين) 5؟
__________
1 ساقطة من ع، والأقرب إثباتها كما في ظ للاتضاح أكثر.
2 فيستحب لمن فرغ من طواف الوداع أن يقف في الملتزم، وهو ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، فيلتزمه ويلصق به صدره ويدعو الله عز وجل، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:" طفت مع عبد الله، فلما جاء دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن وال، باب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطاً وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله".
رواه أبو داود في كتاب الحج، باب الملتزم 2/452، وابن ماجة فيهما 2/987.
المغني والشرح 3/490، المبدع 3/257، القرى 318.
3 في ع "كما قال سنة"، والموافق للسياق ما أثبته من ظ.
4 الأقرب والله أعلم هو ما في ع، قال إسحاق: كما قال سنة، لأنه يبعد أن يقول إسحاق كل سنة مع أن السنة لم تثبت في هذا، وفي حال الإصرار على إثبات ما أثبت في المتن، فإنه يجب التعليق على ذلك.
5 في ع "يدخل البيت بالنعلين أو الحجر".
والحجر بكسر الحاء: حجر إسماعيل، وهو ما تركت قريش في بنائها من أساس إبراهيم عليه السلام، وهو حالياً ما أحيط بالبناء المقوس من جهة شمال الكعبة بين الركنين العراقي والشامي، ويسمى الحطيم.
حاشية على المغني 3/397، وانظر أيضاً: تهذيب الأسماء واللغات 3/80، معجم البلدان 2/221.(5/2264)
قال: مكروه1، والحجر من البيت.2
قال إسحاق: كما قال.
[1550-] قلت: اللقطة3 يشهد عليها إذا وجدها؟
__________
1 قال ابن قدامة في المغني "ولا يدخل البيت بنعليه ولا خفيه ولا الحجر، لأن الحجر من البيت" ا. هـ.
ومما ورد في ذلك أيضاً ما روى عبد الرزاق في مصنفه بسنده عن عطاء وطاووس ومجاهد قالوا: "لا يدخل البيت بحذاء ولا بسلاح ولا خفين" المغني 3/586، المبدع 3/257، مصنف عبد الرزاق 5/83.
2 ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت الكعبة، ولجعلتها على أساس إبراهيم، فإن قريشاً حين بنت البيت استقصرت".
أخرجه مسلم واللفظ له في باب نقض الكعبة وبنائها 1/968، والبخاري في باب فضل مكة 2/156.
3 اللقطة: بضم اللام وفتح القاف: وهي اللغة المشهورة: اسم الشيء الذي تجده ملقى فتأخذه، وفيها من اللغات لقطة بسكون القاف، ولقاطة. المصباح المنير 2/556، لسان العرب 7/392.
وفي الاصطلاح: المال الضائع من ربه يلتقطه غيره.
انظر: المغني والشرح 6/318، الإقناع 1/397.(5/2265)
قال: نعم يشهد ذوي عدل،1 وإذا أكلها، فإن جاء صاحبها غرمها.
[1551-] قلت: بحديث من يغرمها؟
قال: بحديث بسر بن سعيد2 عن زيد3 بن
__________
1 المذهب أن الإشهاد على اللقطة مستحب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالإشهاد، وإنما أمر بالتعريف، كما في حديث زيد بن خالد الآتي، وحديث أبي بن كعب، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
وقيل يجب الإشهاد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل" رواه أبو داود 2/335 والأمر يقتضي الوجوب. وأجيب عنه: بأنه محمول على الاستحباب لما سبق.
انظر: المغني 6/335، الإنصاف 6/418، المبدع 5/285.
2 هو بسر بن سعيد المدني، العابد، مولى ابن الحضرمي. روى عن أبي هريرة، وعثمان، وزيد بن ثابت، وزيد بن خالد الجهني، وغيرهم. قال مالك: قال الوليد بن عبد الملك لعمر بن عبد العزيز: من أفضل أهل المدينة؟ قال: "مولى لبني الحضرمي يقال له بسر". مات سنة مائة، وقيل سنة مائة وواحد.
[] انظر: تهذيب التهذيب 1/437-438، والطبقات الكبرى لابن سعد 5/281-282.
3 زيد بن خالد الجهني، أبو عبد الرحمن، ويقال أبو طلحة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان، وعائشة، وعنه ابناه خالد وأبو حرب، وبسر بن سعيد، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم. توفي بالمدينة سنة 78، وقيل بالكوفة. تهذيب التهذيب 3/410، الإصابة 1/547.(5/2266)
خالد.1
قال إسحاق: كما قال.
[1552-] قلت: [من] 2 أين تشعر3 البدن؟
__________
1 الجهني، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة؟ فقال: "عرفها سنة، فإن لم تعرف، فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كُلْها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه". أخرجه مسلم في كتاب اللقطة 2/1349.
فإن تلفت قبل الحول لم يضمنها إن لم يفرط، لأنها في يده أمانة. وبعده: فالمذهب أنه يضمنها ولو لم يفرط، لأنها دخلت في ملكه.
ورواية أنه لا يضمنها.
انظر: المغني 6/336، 339، المبدع 5/285، 286، الإقناع 2/402، الإنصاف 6/420.
2 ساقطة من ظ، والأقرب إثباتها كما في ع.
3 الإشعار: الإعلام، وأشعر البدنة أعلمها.
انظر: لسان العرب 4/413.
ويراد به عند الفقهاء: أن يشق صفحة سنامها الأيمن حتى يدميها. المغني 3/574، النووي على مسلم 8/228.(5/2267)
قال: صفحة1 (سنامها) 2 الأيمن، حديث أبي حسان3 عن ابن عباس رضي الله عنهما.4
__________
1 الصفح: الجنب، وصفح كل شيء: جانبه. لسان العرب 2/512.
2 في ظ "سنامه"، والأقرب للسياق ما أثبته من ع.
وسنام البعير والناقة: أعلى ظهرها. لسان العرب 12/306.
3 هو أبو حسان الأعرج ويقال: الأجرد أيضاً، بصري، اسمه: مسلم بن عبد الله. روى عن علي، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة، وابن عمر، وغيرهم، وعنه قتادة، وعاصم. وذكره ابن حبان في الثقات. قتل سنة ثلاثين ومائة. التهذيب 12/72، التقريب 401.
4 قال: صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "الظهرَ بذي الحليفة، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم، وقلدها نعلين ثم ركب راحلته. فلما استوت به على البيداء أهل بالحج".
أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام 1/912، واللفظ له، وأبو داود في كتاب الحج، باب في الإشعار 2/362، وابن ماجة، باب إشعار البدن 2/1034، والترمذي، باب ما جاء في إشعار البدن 3/249، حديث 906، والنسائي، باب أي الشقين يشعر 5/170.
وما ذكره الإمام أحمد هنا ودل عليه الحديث الثابت هو الصحيح من المذهب.
وعنه: أن الإشعار في الجانب الأيسر.
وثالثة: له الخيرة في ذلك.
انظر: المغني 3/574، الإنصاف 4/101، الإقناع 1/407.(5/2268)
قال إسحاق: كما قال.1
[1553-] قلت: رجل اشترى2 بدنة فضلت3 فاشترى أخرى، ثم وجد الأولى؟
قال: ينحرهما جميعاً.4
قال إسحاق: كما قال [ظ-45/ب] .5
__________
1 سنن الترمذي 3/250.
2 في ع "أهدى".
3 أي ضاعت. يقال ضل الشيء إذا ضاع. لسان العرب 11/392.
4 لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها ساقت بدنتين فضلتا، فأرسل إليها ابن الزبير بدنتين مكانهما فنحرتهما، ثم وجدت البدنتين الأوليين فنحرتهما، وقالت: "هكذا السنة في البدن".
رواه الدارقطني في كتاب الحج 2/242، والذي ذكره الإمام أحمد هنا هو المنقول، أنه نص عليه وجزم به في المغني، ولم يحك خلافاً عنه.
وعن الإمام رواية مخرجة على إحدى روايتيه في العاطب والمعيب، في أن له استرجاعها.
والمذهب في الجميع عدم الاسترجاع.
[] انظر: المغني 3/558-559، الإنصاف 4/100، المحرر 1/250.
5 انظر: المغني 3/558.(5/2269)
[1554-] قلت: البدنة تهلك قبل أن تبلغ (الحرم) 1؟
قال: أما إذا كانت نذراً أو جزاء صيد أبدلها ويأكل وإن شاء باع، وإذا كان تطوعاً لم يأكل هو ولا [أحد من] 2 أهل رفقته، وخلى بينها وبين الناس.
قال إسحاق: (كما قال) .3
[1555-] قلت: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكم اعتمر؟
قال: ما حج من المدينة إلا واحداً،4 والعمرة يقولون: ثلاثاً5
__________
1 في ع "في الحرم" بزيادة في، والكلام يستقيم بحذفها كما في ظ.
2 ساقطة من ع، وفي إثباتها كما ظ زيادة تأكيد بمنع أي واحد من أهل رفقته.
3 في ظ "هو كما قال" بزيادة "هو"، وأكثر إجابة الإمام إسحاق في هذه المسائل بحذفها كما أثبته من ع.
وقد تقدم الكلام عن حكم ذلك في المسألة رقم (1486) .
4 وهي حجة الوداع، وكانت سنة عشر من الهجرة.
انظر: الإقناع 1/334، زاد المعاد 1/175، حاشية الروض المربع 1/453.
5 مما جاء في ذلك ما روى الإمام مالك في الموطأ أنه بلغه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاثاً: عام الحديبية، وعام القضية، وعام الجعرانة". باب العمرة في أشهر الحج 1/342، ولم يذكر فيه عمرته التي كانت مع حجه.
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد 1/184: "ولكن هذا الحديث مرسل وهو غلط أيضاً".(5/2270)
ويقولون: أربعاً.1
قال إسحاق: (حج) 2 حجتين قبل أن يهاجر،3 وأما من المدينة فكما قال، والعمرة أربع.
[1556-] قلت: يعتمر الرجل في الشهر كما شاء؟
__________
1 جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر، كلهن في ذي القعدة، إلا التي مع حجته" عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين، وعمرة مع حجته.
أخرجه البخاري في باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم 2/199، ومسلم في باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن 1/916، واللفظ له.
[] انظر في المسألة أيضاً: زاد المعاد 1/171-172.
2 في ع "حج صلى الله عليه وسلم".
3 ورد في ذلك عن جابر بن عبد الله قال: "حج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج، حجتين قبل أن يهاجر، وحجة قرن معها عمرة".
صححه ابن خزيمة في باب ذكر عدد حجج النبي صلى الله عليه وسلم 4/352 وأخرجه الترمذي في باب كم حج النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا حديث غريب من حديث سفيان، لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حباب، وابن ماجة، باب حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم 2/1037، حديث3076، والدارقطني 1/278، وانظر أيضاً: زاد المعاد 1/175.(5/2271)
قال: ما أمكنه، ليس لها وقت كوقت الحج.1
قال إسحاق: كما قال، إلا أنه يعتمر في كل شهر أفضل،2 لكي يجمع الاختلاف،3 ويكون أمكن للحلق.
[1557-] قلت: المحرم ينزع ضرسه4 وإذا انكسر ظفره
__________
1 مما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
متفق عليه. أخرجه البخاري في باب العمرة 2/198، ومسلم في باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة 1/983.
وما روى الشافعي بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر، مسند الشافعي ص 113.
وروي عن أحمد أنه قال: "إن شاء اعتمر في كل شهر".
وعنه لابد أن يحلق أو يقصر، وفي عشرة أيام يمكن الحلق.
انظر: المغني 3/175، زاد المعاد 1/174، الإنصاف 4/57.
2 فقد روى الشافعي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه اعتمر في كل شهر مرة، مسند الشافعي 113.
3 يجوز تكرار العمرة في السنة وفي الشهر كما أجاب به الإمام أحمد هنا، لأنه ليس لها وقت خاص، وكره ذلك الحسن وابن سيرين ومالك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله. وأشار الإمام إسحاق أن التوقيت بالشهر وسط بين ما ذهب إليه الفريقان، وتتقارب أقوالهم بذلك، ولا ينتقض بعدم إمكانية الحلق أو التقصير.
4 أي: يقلع سنه، لسان العرب 8/349، 6/116، وراجع أيضاً المسألة (1530) .(5/2272)
طرحه؟ 1
قال: نعم.2
قال إسحاق: يفعل3 ذلك سنة.4
[1558-] قلت: محرم مس طيباً ولبس ثوباً وحلق رأسه ولبس الخفين وأشباه ذلك مما لا ينبغي له أن يفعله؟
قال: كأنه حل5، عليه كفارة واحدة [وإن فعل6 واحدة]
__________
1 طرحه: رماه. طرح بالشيء وطرحه يطرحه طرحاً: رمى به.
انظر: لسان العرب 2/528.
2 ولا فدية عليه، فقد جاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "المحرم يدخل الحمام وينزع ضرسه ويشم الريحان وإذا انكسر ضرسه طرحه، ويقول: أميطوا عنكم الأذى، فإن الله عز وجل لا يصنع بأذاكم شيئاً".
أخرجه البيهقي في السنن، باب المحرم ينكسر ضرسه 5/62، والدارقطني 1/232، ولأن ذلك يؤذيه ويؤلمه فله إزالته كالشعر النابت في عينه. المغني 3/298، الإنصاف 3/459، مطالب أولي النهي 2/325.
3 نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، كما في المغني 3/298.
4 ومن ذلك أثر ابن عباس رضي الله عنهما السابق.
5 في ظ "يدخل".
6 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها كما في ع، لأن ذلك هو المبين للرواية عن الإمام أحمد الذي وافق عليها الإمام إسحاق، كما سيأتي في التعليق التالي.(5/2273)
بعد واحدة فعليه دم في كل واحدة.1
قال إسحاق: كما قال.2
[1559-] قلت: فسر لي حديث عبد الرحمن بن يعمر،3 وحديث عروة
__________
1 هذه رواية عن الإمام أحمد ووافق عليها الإمام إسحاق، أي بالتفريق بين فعلها في وقت واحد أو أوقات. وعنه رواية ثانية: أنه عليه فدية واحدة. والصحيح من المذهب أن من فعل محظوراً من أجناس فعليه لكل واحد فدية، سواء فعل ذلك مجتمعاً أو متفرقاً، لأنها مختلفة فلم تتداخل كالحدود.
ويأتي في المسألة (1678) عن أحمد وإسحاق أنهما قالا: عليه في كل واحد كفارة بدون تفصيل.
[] المغني 3/527، الإنصاف3/527، المبدع 3/185، المقنع بحاشيته 1/427-428، الشرح الكبير 3/343، وإن كرر محظوراً من جنس واحد فسيأتي بيان حكمه في التعليق على المسألة (1634) .
2 انظر عن قول إسحاق المراجع السابقة عدا الإنصاف.
3 هو عبد الرحمن بن يعمر الديلمي. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه بكير بن عطاء الليثي. [] [] وذكر ابن حبان أنه مكي سكن الكوفة. مات بخراسان. تهذيب التهذيب 6/301-302، الإصابة 2/417، التقريب 212، الاستيعاب مع الإصابة 2/402.
ولفظ حديثه الذي أشار إليه المصنف أنه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فجاءه نفر من أهل نجد فقالوا: يا رسول الله كيف الحج؟ قال: الحج عرفة، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه".
أخرجه أصحاب السنن، وقد سبق في المسألة (1431) .(5/2274)
ابن مضرس.1
قال: أما حديث عبد الرحمن بن يعمر فهو على كمال الحج به يكمل الحج، وقوله: الحج عرفة (يشبه) 2 قوله: "من أدرك من الصلاة [ركعة] 3 فقد أدركها"،4 فإن أفسدها شيء أليس
__________
1 ولفظ حديثه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبلي طيء أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى يدفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه".
أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
وقد سبق تخريجه أيضاً في المسألة (1431) .
2 في ع "شبه".
3 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لموافقة الحديث.
4 أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" كتاب مواقيت الصلاة، باب من أدرك من الصلاة ركعة 1/145.
ومسلم في كتاب المساجد، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة 1/423، حديث607.
وأبو داود في كتاب الصلاة، باب الرجل يدرك الإمام ساجداً 1/553، حديث 893، وابن ماجة بلفظ: "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك" في باب من أدرك من الجمعة ركعة 1/356، حديث1122.(5/2275)
[كانت] 1 تفسد صلاته، (وكذلك) 2 الحج إذا هو وطئ قبل رمي (الجمرة) 3 فقد أفسد حجه.
وحديث عروة توكيد بجمع.4
قال إسحاق: كما قال، ولا يدعن الوقوف بجمع قل أم كثر.5
__________
1 ساقطة من ع.
2 في ع "فهكذا"، والمناسب ما أثبته من ظ.
3 في ظ "الحجارة"، والأولى ما أثبته من ع، لأنه الوارد في المناسك.
4 قد يفهم حديث ابن يعمر (الحج عرفة) بأن من وقفها فقد تم حجه، ويدل حديث ابن مضرس عن المبيت بمزدلفة أن هناك واجبات أو فروضاً أخر للحج زيادة عن الوقوف بعرفة، فطلب الكوسج من الإمام أحمد الجمع بين الحديثين، فجمع بينهما بما ذكر، فإن الوقوف بعرفة يكمل الحج بأداء أهم ركن فيه، وحديث ابن مضرس دال على التأكيد بالمبيت بجمع أي بالمزدلفة-الذي سبق بيان حكمه في المسألة (1431) ، وفي حديث ابن مضرس أيضاً تأكيد لذلك الركن العظيم وهو الوقوف بعرفة، وانظر عن ذلك المسألة (1431) ، (1485) .
5 أكد الإمام إسحاق هنا على ضرورة المبيت بمزدلفة، وعدم الاكتفاء بالوقوف بعرفة بناء على حديث ابن يعمر "الحج عرفة"، وسبق في المسألة (1431) أنه يرى أن المبيت بمزدلفة واجب، ومن تركه لزمه دم.(5/2276)
[1560-] قلت: المحرم يغسل رأسه قبل أن يحلقه؟
قال: إذا رمى الجمرة فقد انتقض إحرامه1، إن شاء غسله.2
قال إسحاق: كما قال.
[1561-] قلت: إذا رمى قبل الزوال يعيد الرمي؟
قال: نعم يعيد الرمي إلا يوم النحر.
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 أي انتهى الأثر المترتب عليه من المنع، بمعنى أنه حصل له التحلل الأول برمي جمرة العقبة، وحصول التحلل بذلك رواية عن الإمام أحمد.
والصحيح من المذهب أن التحلل الأول لا يحصل إلا بفعل اثنين من ثلاثة وهي: الرمي والحلق والطواف. وهذا بناء على الاختلاف هل الحلق أو التقصير نسك أو إطلاق من محظور.
[] والصحيح من المذهب أنه نسك، قدمه في المغني والهداية والفروع. الإنصاف 4/40-41، المغني والشرح الكبير 3/458، الفروع 3/514، الهداية 1/203.
2 ويجوز للمحرم غسل رأسه قبل رمي جمرة العقبة أيضاً، إلا إذا خاف تساقط الشعر، فإن أمن ذلك فله الغسل برفق، كما سبق في المسألة (1470) .
3 إذا رمى قبل الزوال في أيام التشريق، يعيد الرمي، لأن وقت الرمي فيها من الزوال كما سبق في المسألة (1438) ، ولا يعيد في يوم النحر، بل وقته المفضل بعد طلوع الشمس. المغني 449، ويدل على هذا الحكم الذي أجاب به الإمامان هنا حديث: جابر بن عبد الله في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا عني مناسككم".(5/2277)
[1562-] قلت: يرمي [الجمار] 1 بحصاة قد رمى بها؟
قال: لا، هذا مكروه.2
قال إسحاق: مكروه كما قال3 فإن اضطر فرمى جاز [ع-89/ب] .4
[1563-] قلت: [رجل] 5 رمى جمرة [قبل جمرة] ؟ 6
__________
1 ساقطة من ع.
2 الصحيح من المذهب أن الرمي بما رمي به لا يجزئ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من غير المرمي، وقال: "خذوا عني مناسككم".
وقيل: يجزئ.
المغني 3/446، الشرح الكبير 3/452، المبدع 3/241، الإنصاف 4/36.
3 في ع بتكرار "قال".
4 آخر الصفحة 6، وحكى ابن المنذر عنه صلى الله عليه وسلم جواز ذلك بدون تفصيل. الإشراف ق 126 ب.
5 ساقطة من ظ، والأقرب للسياق إثباتها كما في ع.
6 في ع "قبل جمرة" ساقطة(5/2278)
قال: يبتدئ يحسب له واحدة.1
قال إسحاق: كما قال.
[1564-] قلت:2 يوم النفر يقوم عند الجمار؟ 3
قال: من الناس من (يقوم) 4 يوم النفر أخف،5 وأما الذي يستحب فطول القيام.6
__________
1 المذهب أن الترتيب في رمي الجمار واجب، كما أجاب به الإمام أحمد هنا، فإن بدأ بجمرة العقبة ثم الثانية ثم الأولى، لم يجزه، إلا الأولى، وأعاد الثانية والثالثة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها، وقال: "خذوا عني مناسككم".
وعن الإمام أحمد رواية: أنه يجزئ ذلك مع الجهل.
وعنه أيضاً: أنه يجزئ مطلقاً.
المغني والشرح الكبير 3/477، الإنصاف 4/46، المبدع 3/251.
2 في ظ بزيادة "لأحمد".
3 أي الوقوف للدعاء عند الجمرة الأولى والثانية، أما جمرة العقبة فلا يسن الوقوف عندها، كما سيأتي في التعليق الذي بعد حاشيتين.
4 في ع "يقول"، والمعنى مستقيم بالعبارتين.
5 قال محب الدين الطبري في القرى ص 527: "باب ما جاء في الرخصة في ترك القيام عند الجمار يوم النفر: عن ابن أبي نجيح عن عطاء قال: لا يقام يوم النفر عند الجمار. عن ابن طاووس عن أبيه: "لا يقام يوم النفر عند الجمار إلا قياماً خفيفاً. أخرجهما سعيد بن منصور" ا. هـ.
6 يسن الوقوف عند الجمرة الأولى والثانية بعد رمي كل منهما للدعاء، ولا يقف عند جمرة العقبة، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: "أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا أزالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام، ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها".
[] أخرجه أبو داود في باب رمي الجمار 2/497، حديث1973. المغني والشرح الكبير 3/474-475، المبدع 3/250.
وانظر أيضاً: المسألتين (1644) ، (1654) ولم أقف على تفريق بين النفر وغيره في الوقوف عند الجمار، إلا ما ذكرت في تعليق على قول الإمام أحمد: (من الناس من يقوم يوم النحر أخف) .(5/2279)
قال إسحاق: (إن لم يقم يومئذ) 1 أصلاً لنصبهم2 (للحج) 3 جاز، ولكن ليقم قياماً خفيفاً.
[1565-] قلت: قوله:4 من قدم ثقله5 فلا حج له؟ 6
__________
1 في ع "يومئذ إن لم يقم".
2 النصب: أن يسير القوم يومهم. لسان العرب 1/760.
3 في ع "الحج".
4 أي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما يتضح في التعليق الذي بعد الحاشية التالية.
5 الثقل: متاع المسافر وحشمه. لسان العرب 11/87، المصباح المنير 1/83، النهاية.
6 أخرج ابن أبي شيبة عن الأعمش عن عمارة قال: قال عمر: من قدم ثقله ليلة ينفر فلا حج له، وعن الحكم عن [] إبراهيم عن عمرو بن شرحبيل عن عمر قال: "من تقدم ثقله قبل النفر فلا حج له". المصنف 4/41-42.(5/2280)
قال: كأنه أحب أن يبيت الناس بمنى،1 ليس له ذاك الإسناد.2
قلت: إبراهيم عن عمرو بن شرحبيل؟ 3
قال: ما أرى سمعه منه.4
قال إسحاق: قد صحّ هذا، ومعناه: لا فضيلة له، وأحب أن لا يقدم أحد ثقله.5
__________
1 نقل ابنه عبد الله في المسائل برقم 891 ص 240: "سألت أبي عن قول عمر: من قدم ثقله فلا حج له، فقال هذا على التغليظ، والله أعلم، لئلا يتقدم الناس فتخلو منى" أي يتعجلوا في يومين.
2 لما يأتي في تعليق رقم 4 من أن إبراهيم لم يسمع من عمرو بن شرحبيل شيئاً.
3 هو عمرو بن شرحبيل الهمداني، أبو ميسرة الكوفي. روى عن عمر، وابن مسعود وغيرهم، وعنه أبو وائل، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو عمار، وغيرهم. كانت ركبتاه كركبة البعير من كثرة الصلاة. مات رحمه الله سنة ثلاث وستين.
انظر: تهذيب التهذيب 8/47، التقريب 26.
4 قال الحافظ ابن حجر في التهذيب 8/78 عند ترجمته للنخعي: "وقال ابن المديني: لم يسمع من الحارث بن قيس، ولا من عمرو بن شرحبيل" ا. هـ. ولم يذكر الحافظ المزي في تهذيب الكمال أن إبراهيم روى عن عمرو بن شرحبيل.
5 روى ابن أبي شيبة أيضاً: عن طاووس قال: "إذا حل لك النفر فلا بأس أن تقدم ثقلك".
[] وعن عمار بن ياسر قال: إذا حلّ لك النفر فقدم ثقلك إن شئت. المصنف 2/41-42.(5/2281)
[1566-] قلت: من نفر1 ولم يودع البيت؟
قال: (إذا) 2 تباعد فعليه دم، (وإن) 3 كان قريباً4 (رجع) .5
قال إسحاق: كما قال.6
ومن ترك الزيارة فعليه الرجوع أبداً، لأنه الطواف الواجب
__________
1 معنى النفر هنا: الخروج من مكة، راجع المسألة (1495) .
2 في ع "فإذا".
3 في ع "وإذا".
4 القريب: هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، والبعيد من بلغ مسافة القصر. المغني والشرح 3/487.
5 في ظ "يرجع" وقال الخرقي في المختصر: "فإن خرج قبل الوداع، رجع إن كان بالقرب، وإن بعد بعث بدم" ا. هـ. المغني 3/487 ومما ورد في ذلك: أن ابن عمر رضي الله عنهما رَدّ رجلاً من مرّ ظهران لم يكن ودَّع البيت. أخرجه البيهقي في كتاب الحج، باب الوداع 5/162 وقال في المغني: أخرجه سعيد بن منصور. فالقريب إذا رجع سقط عنه الدم، وإن لم يرجع لزمه، والبعيد: قيل يلزمه وإن رجع، لأنه استقر عليه، وقيل: لا يلزمه، لأنه أتى بالواجب. المغني والشرح الكبير 3/487، المبدع 3/256.
6 المغني والشرح الكبير 3/487(5/2282)
(الذي به يتم الحج) .1
[1567-] قلت: أهلت امرأة وزوجها كاره؟
قال: لا ينبغي له أن يمنعها إذا لم تكن حجت حجة الإسلام.2
فإن (كان) 3 تطوعاً (فلزوجها أن يمنعها) ،4 وإذا (كان) 5 على وجه اليمين فعليها كفارة اليمين.6
__________
1 في ع "الذي يتم به الحج"، وقد سبق الكلام على أن طواف الإفاضة أو الزيارة ركن لا يتم الحج إلا به في التعليق على المسألتين (1495، 1496) ، وسيأتي أيضاً في المسألة (1604) .
2 على الصحيح من المذهب، لأنه فرض لم يكن له منعها منه كصوم رمضان والصلوات الخمس.
وعن الإمام أحمد رواية: أنه له تحليلها.
المغني 3/194، 554، الإنصاف 3/399، الكافي 1/385، الإشراف ق 98 أ.
3 في ظ "كانت"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع، لأن الضمير يعود للإهلال.
4 في ظ "فليس لزوجها أن يمنعها"، وما أثبته من ع هو المذهب إن كان إحرامها من غير إذنه، كما هو ظاهر المسألة، لأن حقه ثابت في استمتاعها فلم تملك إبطاله بما لا يلزمها. وما في ع رواية عن الإمام أحمد فيما إذا كان [] إحرامها بغير إذنه أيضاً. وأما إذا أحرمت للتطوع بإذنه فليس له أن يمنعها، رواية واحدة. الإنصاف 3/397-[398،] الكافي 1/383، 385، المحرر 1/234، المغني 3/194، 554-456.
5 في ع "كانت"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.
6 أي: إذا حلفت أن تحج ومنعها زوجها، تكفّر كفارة يمين.(5/2283)
قال إسحاق: التطوع1 إذا لم تكن أحرمت وتريد الإحرام فله منعها إن شاء، إلا أن يتفضل عليها، وإذا أحرمت في التطوع مضت2 إلا أن يكون قد حلف بالطلاق فلها المضي تعمل عمل المحصر تحل بعمرة وعليها الحج من قابل،3 وهذا4 إذا حلف إن حججت العام.5
[1568-] قلت: من نذر أن يطوف على أربع؟ 6
قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "طوافاً للرجلين وطوافاً
__________
1 لم يذكر هنا قول إسحاق في الواجب، وقوله في ذلك ليس له منعها، كما هو الصحيح من المذهب. المغني 3/194، 554.
2 وهي رواية عن الإمام أحمد كما سبق آنفاً.
3 ومثله ما لو أحرمت بواجب فحلف بطلاقها ثلاثاً في رواية عن الإمام أحمد، والصحيح من المذهب أنها لا تحل. الإنصاف 3/399، المغني 3/556.
4 أي القضاء.
5 أي: إذا حلف بالطلاق إن حججت هذا العام، تحل وعليها قضاؤه. وإن حلف بالطلاق إن حجت بدون قيد "العام"، لا يكون عليها قضاء، لأن ذلك يكون حرجاً عليها، إما أن تطلق وإما أن يجب عليها أن تحل بعمرة كل سنة ويكون عليها حج من قابل، وفي ذلك حرج عليها، ولا حرج في الدين لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} سورة الحج آية 78.
6 أي: على رجليه ويديه بمعنى أن يطوف حبواً.(5/2284)
لليدين،1 عاودته2 [في ذلك] ".3
فقال: مثل ذلك.4
قال إسحاق: كما قال.
لما لا نجد في هذا أعلى من قوله،5 وجهل هؤلاء6
__________
1 قال ابن قدامة في المغني 11/371: "قال ابن عباس رضي الله عنهما في امرأة نذرت أن تطوف بالبيت على أربع، قال: "تطوف عن يديها سبعاً وعن رجليها سبعاً"، رواه سعيد" ا. هـ.
2 أي كررت السؤال على الإمام أحمد. انظر: المسألة رقم: (1396) .
3 ساقطة من ع.
4 من نذر أن يطوف على أربع فعليه طوافان، لما روى معاوية بن خديج، أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أمه كبشة بنت معدي كرب عمة الأشعث بن قيس، فقالت أمه: يا رسول الله إني آليت أن أطوف بالبيت حبواً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوفي على رجليك سبعين: سبعاً عن يديك، وسبعاً عن رجليك".
رواه الدارقطني 2/237، لقول ابن عباس السابق.
وعن الإمام أحمد رواية: أنه يلزمه طواف واحد.
انظر: المغني 11/371، الفروع 6/414، تصحيح الفروع 6/414، الإنصاف 11/150.
5 أي قول ابن عباس.
6 وهم من قالوا: إن القياس أن لا يلزمه إلا طواف واحد، قال في المغني 11/371 والقياس أن يلزمه طواف واحد على رجليه، ولا يلزمه ذلك على يديه، لأنه غير مشروع فيسقط، كما أن أخت عقبة نذرت أن تحج غير معتمرة، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحج وتعتمر.(5/2285)
(حيث) 1 [ظ-46/أ] خطّؤوا ابن عباس رضي الله عنهما [في ذلك] .2
[1569-] (قلت) :3 من جعل على نفسه المشي متى يركب؟
قال: إذا رمى الجمرة فقد فرغ، يركب.4
قال إسحاق: كما قال.
[1570-] قلت: الرجل يهدي الرجل؟
__________
1 في ع "حين"، ويستقيم المعنى بالعبارتين.
2 آخر الصفحة رقم 89 من ظ وساقطة من ع.
3 في ع "قال قلت".
4 قال في المغني: "ويلزمه المنذور من المشي أو الركوب في الحج أو العمرة إلى أن يتحلل، لأن ذلك انقضاء الحج والعمرة".
قال أحمد: يركب في الحج إذا رمى، ومن العمرة إذا سعى، لأنه لو وطئ بعد ذلك لم يفسد حجاً ولا عمرة، وهذا يدل على أنه إنما يلزمه في الحج التحلل الأول" ا. هـ. وانظر أيضاً: الفروع 6/412، الإنصاف 11/148، كشاف القناع 6/283.(5/2286)
قال: إذا أراد اليمين فكفارة (يمين) 1 إلا [أن ينذر] 2 أن ينحره فعليه كبش، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.3
قال إسحاق: كما قال، لما استعمل ها هنا النية.
[1571-] قلت: من قال: إن فعلت كذا وكذا فأنا يومئذ محرم (أو قال فأنا محرم) 4 بحجة؟
قال: (إذا) 5 أراد اليمين فكفارة يمين.
__________
1 في ظ "اليمين".
2 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما في ع، لأن الكلام لا يستقيم إلا بها.
3 لو نذر ذبح ابنه أو نفسه أو أجنبي، ففي ذلك روايتان عن الإمام أحمد مرويتان عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً:
إحداهما: هذه، بأنه يلزمه ذبح كبش، فقد روى البيهقي في السنن 10/73 في كتاب الإيمان، باب ما جاء فيمن نذر أن يذبح ابنه أو نفسه، عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: في رجل نذر أن يذبح ابنه قال: يذبح كبشاً.
والثانية: أن عليه كفارة يمين، وهو المذهب، لأنه نذر معصية فيوجب الكفارة.
وفي السنن الكبرى أيضاً 10/72 عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لامرأة نذرت أن تذبح ابنها: لا تنحري ابنك، وكفري عن يمينك.
[] انظر عن المسألة أيضاً: المغني 11/215-217، 235، الإنصاف 11/125-126، كشاف القناع 6/276، الفروع 6/403.
4 في ظ "أو أنا محرم"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
5 في ع "إن".(5/2287)
قال إسحاق: كما قال.1
[1572-] قلت: متمتع (لم) 2 يجد ما يذبح، فصام، ثم وجد يوم النحر ما يذبح؟.
قال: إذا دخل في الصوم فليس عليه،3 ويقول في الكفارات كلها إذا دخل في الصوم يمضي فيه،4 وكذلك إذا تيمم ثم دخل في الصلاة فلْيمضِ.5
__________
1 هذه مسألة نذر اللجاج، وتقدم الكلام عليها في باب الأيمان.
وانظر: الإنصاف 11/50، المغني 11/283، الشرح الكبير 11/209.
2 في ظ "لا" والمناسب لسياق الكلام ما أثبته من ع.
3 أي: لا يلزمه الخروج من الصوم إلى الهدي، وهذا هو المذهب، لأنه صوم دخل فيه لعدم الهدي، فلم يلزمه الخروج إليه، كصوم السبعة.
وقيل: إن قدر على الهدي قبل يوم النحر انتقل إليه، وإن وجده بعد أن مضت أيام النحر أجزأه الصيام، لأنه قدر على المبدل في وقت وجوبه، فلم يجزئه البدل. وقال صاحبا المبدع والإنصاف: وفي الفصول تخريج يلزمه الانتقال.
المغني 3/509، الإنصاف 3/516، المبدع 3/178، الهداية 1/90، كشاف القناع 2/454، القواعد الفقهية لابن رجب ص 7.
4 لأنه بدل لا يبطل بالقدرة على المبدل، فلم يلزمه الرجوع إلى المبدل بعد الشروع فيه، كما لو شرع المتمتع العاجز عن الهدي في صوم السبعة الأيام، فإنه لا يخرج بلا خلاف. المغني 11/281.
5 هذه رواية عن الإمام أحمد روي عنه أنه رجع عنها، فقد حكى صاحبا المغني والمبدع بأن المروزي روى عن أحمد قال: كنت أقول يمضي، فإذا الأحاديث أنه يخرج" ا. هـ.
والمشهور في المذهب أنه تبطل الصلاة بوجوده للماء لقوله صلى الله عليه وسلم: "الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك".
رواه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الجنب يتيمم 1/236، والترمذي في كتاب الطهارة أيضاً، باب ما جاء في [] التيمم للجنب إذا لم يجد الماء 1/111-213 وقال: هذا حديث حسن صحيح. فدل بمفهومه أنه لا يكون طهوراً [] عند وجود الماء، وبمنطوقه على وجوب إماسه جلده عند وجوده. المغني 1/270، المبدع 1/227-228.(5/2288)
قال إسحاق: الذي نختار أن يعيد الصوم والتيمم جميعاً ما لم يفرغ.1
[1573-] (قلت) :2 أناس اشتركوا في بقرة وظنوا أنهم سبعة، فلما ذبحوها إذا هم ثمانية؟
قال: أقول (يذبحون) 3 شاة، وقد أجزأت [عنهم] .4
__________
1 اختلاف العلماء للمروزي ص 34 تحقيق صبحي السامرائي.
2 في ع "قال قلت".
3 في ع "يذبحوا"، وقواعد العربية تؤيد ما أثبته من ظ.
4 ساقطة من ظ، والمناسب إثباتها لأن في ذلك زيادة توضيح.
وقال المرداوي في الإنصاف 2/76: "لو اشترك جماعة في بدنة أو بقرة للتضحية فذبحوها على أنهم سبعة، فبانوا ثمانية، ذبحوا شاة وأجزأتهم على الصحيح من المذهب-إلى أن قال-ونقل مهنا تجزي عن سبعة، ويرضون الثامن يضحي" ا. هـ.
وانظر أيضاً: المبدع 3/278، الإقناع 1/402، شرح منتهى الإرادات 2/78.(5/2289)
قال إسحاق: [قد] 1 أجزاهم ذلك، وإن ذبحوا شاة كان أفضل.
[1574-] قلت:2 يصوم [ع-90/ب] السبعة3 الأيام4 في الطريق؟
قال: إن شاء صام في الطريق.5
قال إسحاق: جائز كما قال.6
__________
1 ساقطة من ع.
2 في ظ بزيادة "لأحمد".
3 آخر الصفحة 177 من ع.
4 في ع "أيام"، والمناسب ما أثبته من ظ، لأن الأيام بدل من السبعة.
5 لصيام السبعة الأيام وقت اختيار ووقت جواز:
فأما وقت الاختيار فإذا رجع إلى أهله لظاهر الآية، ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله". متفق عليه.
وأما وقت الجواز: فمنذ تمضي أيام التشريق. المغني 3/506، المبدع 3/176، الإنصاف 3/513، كشف المحظورات 179، فتح القدير للشوكاني 1/197.
6 المغني 3/506.(5/2290)
[1575-] قلت: يقلد الشاة؟ 1
قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى [مرة] 2 غنماً فقلدها.3
قال إسحاق: سنة مسنونة تقليد الغنم عن النبي صلى الله عليه وسلم4 ومن بعده.
__________
1 القلادة: ما جعل في العنق. لسان العرب 3/366.
وتقليد الهدي: أن يجعل في أعناقها النعال وآذان القرب وعراها، والحكمة من تقليد الهدي: المحافظة عليها، فبه [] تعرف ولا تختلط بغيرها، ويتوقاها اللصوص. المغني 573-574.
2 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لنص الحديث عليها.
3 كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى البيت غنماً، فقلدها".
أخرجه مسلم في باب بعث الهدي إلى الحرم لمن لا يريد الذهاب بنفسه واستحباب تقليده 1/958، والبيهقي في باب الاختيار في تقليد الغنم دون الإشعار 5/232، والبخاري في باب تقليد الغنم 2/183 بدون ذكر "فقلدها".
4 يسن تقليد الغنم للحديث المذكور، ولما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كنت أفتل القلائد للنبي صلى الله عليه وسلم فيقلد الغنم ويقيم في أهله حلالاً" وفي لفظ: "كنت أفتل قلائد الغنم للنبي صلى الله عليه وسلم ثم يمكث حلالاً".
أخرجه البخاري في باب تقليد الغنم 2/183.
وانظر أيضاً: المغني 3/573، الإنصاف 4/101، المبدع 3/395، الهداية 1/108، فتح الباري 3/547(5/2291)
[1576-] قلت: هدي التطوع إذا عطب يُؤْكل؟
قال: إذا كان عليه البدل فله أن يأكل ويبيع، والتطوع ينحره ويخلي بينه وبين الناس، ولا يأكل هو ولا أهل رفقته.1
قال إسحاق: كما قال.
[1577-] قلت: من قال: لا يجزئ هدي المتعة والإحصار إلا يوم النحر، وما سوى ذلك يجزئك في أي شهر شئت.
قال: أما هدي المتعة فإنه يذبح يوم النحر،2 وأما الإحصار فإنه يختلف، يكون من عدو، فيذبح مكانه ويرجع،3 وكل شيء تصيب بمكة فكفارته بمكة.4
وأما ما كان معناه حديث علي رضي الله عنه، فعلى ما صنع علي رضي الله عنه.5
__________
1 سئل الإمام أحمد رحمه الله هنا عن الأكل من هدي التطوع إذا عطب، فأجاب بما هو أعم من ذلك وهو حكم الهدي إذا عطب مطلقاً، سواء كان واجباً أو تطوعاً، وسبق الكلام على ذلك في المسائل (1485، 1486) ، (1554) .
2 الشرح الكبير مع المغني 3/244، الإنصاف 3/445، الهداية 1/90.
3 انظر: المسألة (1398) والتعليق عليها.
4 أي أن ما وجد سببه بمكة يكون التكفير عنه بها. المغني 3/569.
5 فعله رضي الله عنه المشار إليه هو: أن ابنه اشتكى من رأسه، فحلق رأسه ثم نسك عنه بالسقيا في خارج الحرم، فما كان في معنى ذلك، وهو الفدية الواجبة لفعل محظور، فمحلها حيث وجد سببها، وسبق تقرير ذلك في المسألة (1509) .(5/2292)
قال إسحاق: كما قال [يعني] 1 حديث حسين بن علي رضي الله عنهما.2
[1578-] قلت: يكره القران إلا بسوق؟
قال: لا.3
قال إسحاق: أكرهه إلا بسوق، (فإذا لم يسق) 4 تمتع ولا يقرن.5
__________
1 ساقطة من ظ، والمناسب إثباتها كما في ع.
2 وهو الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب رضي الله عنهما، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته. ولد سنة أربع، وقيل سنة ست، وقيل سنة سبع. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه أخوه [] الحسن، وبنوه: علي زين العابدين، وفاطمة، وسكينة، وغيرهم. استشهد سنة إحدى وستين. الإصابة 1/331-334.
وسبق تخريج حديثه في المسألة (1509) .
3 قال قدامة في المغني 3/232: "وقد أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة" ا. هـ.
4 في ع "قال: إذا لم يسق"، والموافق للسياق ما أثبته من ظ.
5 وسيأتي في المسألة (1605) قول إسحاق: ولا يجوز القران إلا بسوق، وقد حكى ذلك عنه المروزي في اختلاف العلماء ص 110، وقد سبق في المسألة (1402) أن مذهب إسحاق ورواية عن الإمام أحمد أنه إن ساق الهدي فالقران أفضل وإن لم يسق فالتمتع(5/2293)
[1579-] قلت: إذا نتجت1 البدنة فمات ولدها؟
قال: ليس عليه شيء.2
قال إسحاق: كما قال.
[1580-] قلت: بدنتان سمينتان بتسعة وبدنة بعشرة؟
قال: ثنتان أعجب إلي.3
__________
1 نتجت: ولدت. لسان العرب 2/374.
2 لبقاء أصل الهدي وعدم نقصه بذلك، أما إذا لم يمت ذبحه معها، كما سيأتي ذلك عن الأئمة الثلاثة سفيان وأحمد وإسحاق في المسألة (1670) ، وكذا لو تعيبت في الطريق ذبح ولدها معها.
المغني 3/563، المبدع 3/288.
3 قال المرداوي في الإنصاف 4/34: "وسأله ابن منصور: بدنتان سمينتان بتسعة، وبدنة بعشرة؟ قال: ثنتان أعجب إلي"، وذكر ذلك أيضاً ابن مفلح في المبدع، وابن رجب في القواعد، والشويكي في التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح، وأورد ابن رجب، المسألة تحت قاعدة: "إذا تقابل عملان أحدهما ذو شرف في نفسه ورفعة وهو واحد، والآخر ذو تعدد في نفسه وكثرة، فأيهما يرجح؟ " قال: "ظاهر كلام الإمام أحمد ترجيح الكثرة". وما ذكر الكوسج هو نص الإمام أحمد في المسألة، ولأصحابه وجهان غير هذا:
أحدهما: الأفضل المغالاة في الثمن.
والثاني: أنهما سواء.
المبدع 3/278، القواعد الفقهية 22، التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح ص 125، شرح منتهى الإرادات 2/77(5/2294)
قال إسحاق: أحب إلي أكثرهما ثمناً،1 فإذا استوتا في الثمن فثنتان أعجب إلي لكثرة اللحم.
[1581-] قلت: القارن يصيب شيئاً من طيب أو شعر أو لباس، ما عليه من الكفارة؟ 2
قال: عليه كفارة واحدة.3
__________
1 وهو وجه عند الحنابلة كما سبق، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
2 في ع "من قال الكفارتان".
3 ويأتي ذلك عنه أيضاً في المسألة (1679) .
وفي الإنصاف والفروع: "نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب، ويدل على ذلك ظاهر الكتاب والسنة، فإن ما ورد في ذلك لم يفرق بين القارن وغيره، قال تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} سورة البقرة، آية 196.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: آذاك هوامك؟ قال: نعم يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة".
أخرجه البخاري واللفظ له في باب المحصر 2/208، ومسلم 1/859، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسأل كعباً عن إحرامه، فدل ذلك أنه لا فرق بين القارن وغيره في فعل المحظور والتكفير عنه.
وعن الإمام أحمد رواية أخرى: أن القارن يلزمه جزاءان: إذا ارتكب محظوراً، لانتهاكه إحرامين، وهو قول سفيان كما يأتي عنه في صدر المسألة (1679) .
انظر: الفروع 3/464، الإنصاف 3/531.(5/2295)
قال إسحاق: كما قال، (لأن إحرامه وإحرام المفرد) 1 والمتمتع إحرام واحد.2
[1582-] قلت: رجل أحرم بالحج فكره (ذاك) 3 أبوه وأمه.
قال: إذا وجب، فعليه الإنفاذ.4
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في ع "لأن إحرامه إحرام المفرد الحج"، والصواب ما أثبته، لأن الكلام لا يستقيم إلا بذلك.
2 يأتي نحو هذا الجواب في الموضوع عن الإمام إسحاق في المسألة (1631) ، (1679) .
3 في ع "ذلك"، والأولى ما أثبته من ظ، لأنه المشار به إلى القريب.
4 أي: عليه أن يحج إذا كان واجباً، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أما إن كان تطوعاً فلا يحج، لأحقيتهما بمنعه من ذلك، كالجهاد إذا لم يتعين.
انظر: الإنصاف 3/400.(5/2296)
[1583-] قلت: إذا أفسد حجهما بجماع من أين يهلان من قابل؟
قال: من حيث كانا أهلاَّ من مواقيتهما.1
[قال إسحاق: كما قال] ،2 والافتراق من حيث أصابا.3
[1584-] قلت: رجل حج، ثم ارتد، ثم أسلم [يستأنف] ؟ 4
قال:5 يستأنف.6
__________
1 الإحرام في القضاء يكون من أبعد الموضعين، الميقات، أو موضع إحرامه الأول، لأنه إن كان الميقات أبعد، فلا يجوز له تجاوز الميقات بغير إحرام، وإن كان موضع الإحرام أبعد، فعليه الإحرام بالقضاء منه، لأن القضاء يحكي الأداء.
انظر: المغني 3/378، المبدع 3/163، الإنصاف 3/496.
2 ساقطة من ع، والأولى إثباتها لأن المؤلف درج على ذكر قول إسحاق بعد قول أحمد، وقول إسحاق موافق لقول أحمد في هذه المسألة، كما في المغني 3/378.
3 وكذا المذهب، وعليه الأصحاب كما قاله المرداوي في الإنصاف 3/496.
وعن الإمام رواية: أنهما يتفرقان من الموضع الذي يحرمان فيه.
انظر أيضاً: المغني والشرح الكبير 3/378، المبدع 3/164.
ومعنى التفرق: هو أن لا يركب معها في محمل، ولا ينزل معها في فسطاط (بيت من الشعر، المصباح المنير 2/472) .
4 ساقطة من ظ، وفي ع "من قال يستأنف" بزيادة من قال، وهذه الزيادة لا تتفق مع جواب الإمام أحمد، والظاهر أنها زيادة من الناسخ.
5 في ع (قال أحمد) بزيادة أحمد.
6 هذه رواية عن الإمام أحمد، ودليلها الآية المذكورة في قول إسحاق.
والرواية الثانية: أنه لم يلزمه حج ثان، قال عنها صاحب الإنصاف 3/388 الصحيح من المذهب، وأطلق الروايتين في الحاشية على المقنع 10/387.(5/2297)
قال إسحاق: كما قال، لما قال جل ذكره {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} .1
[1585-] قلت: محرم نظر إلى امرأته [بشهوة] 2 (حتى انتشر) ،3 أو لمس من شهوة؟
قال: إذا ردد النظر أعجب إلي أن يهريق دماً.
قال إسحاق: كما قال، ولو أمنى كذلك (بعد أيضاً إذ لم يمس) .4
__________
1 الزمر، آية 65.
2 ساقطة من ظ، والمناسب للسياق إثباتها كما في ع.
3 في ع (حتى إذا انتشر) بزيادة (إذا) .
4 في ع "أيضاً بعد إذ لمس".
وتحرير هذه المسألة: أنه إن نظر ولم يكرر فأمنى، فعليه شاة.
قال المرداوي في الإنصاف 3/224: "لو نظر نظرة فأمنى فعليه شاة بلا نزاع" ا. هـ.
أما إن نظر وكرر، فأنزل ففيه روايتان:
إحداهما: عليه بدنة. وهي المذهب كما في الإنصاف 3/524.
الثانية: عليه شاة، وهي قول إسحاق.
انظر أيضاً: المغني 3/330، المبدع 3/182، الإشراف ق 105 أ.
وإن كرر النظر حتى أمذى فعليه شاة، وهو المذهب، وقيل لا فدية عليه. الإنصاف 3/524.
وإن لم يقترن بالنظر مني أو مذي، فلا شيء عليه، سواء كرر النظر أو لم يكرره. المغني 3/332، المبدع 3/182.
أما إذا لمس: فإن أنزل فعليه بدنة، وهو المذهب كما في الإنصاف 3/501.
وعنه رواية: عليه شاة.
وإن لم ينزل فعليه شاة، وهو المذهب كما في الإنصاف 3/523.
وعنه: عليه بدنة. وانظر أيضاً: المبدع 3/167، المغني 3/322.
وسبق بيان حكم حجه في التعليق على المسألة (1505) .(5/2298)
[1586-] قلت:1 رجل جامع [أهله] 2 ثم أصاب صيداً، [ع-90/أ] أو حلق رأسه أو أشباه ذلك؟
قال: الإحرام عليه قائم كلما أصاب من3 ذلك فعليه الكفارة.4
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد".
2 ساقطة من ع.
3 آخر الصفحة رقم 178 من ع.
4 لأنه يجب عليه إتمامه لعموم قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} ولأنه قد روي ذلك عن عمر وعلي وأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين. فلا بد أن يجتنب بعد الفساد ما يجتنبه قبله، وسبق التفصيل فيمن كرر محظوراً في المسألة: (1558) .
[] انظر: المغني 3/377-378، الإنصاف 3/495.(5/2299)
قال إسحاق: أعجب إليّ أن يكون يلزمه ما يلزم الحرام.1
[1587-] قلت:2 من طاف يوم النحر، ثم جامع امرأته قبل أن يصلي الركعتين؟
قال: ما عليه3 شيء، يصلي متى شاء.
قال إسحاق: كما قال، لأن الذي يتم به الحج هو الطواف، وقد فرغ منه.
[1588-] قلت:4 إذا جامع في العمرة قبل أن يطوف بالصفا والمروة؟
قال: لا تتم العمرة إلا بالطواف بينهما، يقضي العمرة ويكون عليه فيها الهدي.
__________
1 وافق إسحاق الإمام أحمد في أنه يلزم المفسد لحجه ما يلزمه لو لم يفسده، وتقدم رأيه فيمن كرر محظوراً من أجناس في المسألة (1558) .
2 في ع وردت المسألة الآتية برقم (1594) إثر هذه المسألة.
3 أي ليس عليه شيء من دم أو غيره، لأنه بطوافه هذا قد تحلل التحلل الذي يجيز له الجماع، ولأن ركعتي الطواف سنة لا شيء على تاركها. المغني 3/401.
4 في ع بزيادة "لأحمد رضي الله عنه".(5/2300)
قال إسحاق: (لا قضاء عليه) ،1 إذا كان قد طاف بالبيت، لما قال ابن عباس رضي الله عنهما: العمرة البيت، وعليه دم كما قال [ظ-46/ب] .2
__________
1 في نسخة م "القضاء عليه".
2 يدور الحكم فيمن جامع في العمرة قبل الطواف بين الصفا والمروة على هل السعي ركن أم لا؟ وفي ذلك ثلاث روايات عن الإمام أحمد:
الأولى: أنه ركن لا تتم العمرة إلا به، فمن جامع قبله فسدت عمرته وعليه الدم والقضاء، كما سبق في المسألة (1366) ، وهذا ما نص عليه الإمام أحمد هنا، ونسبه البغوي في شرح السنة 7/140 له وإلى إسحاق، وكذلك الخطابي في معالم السنن 2/386.
الثانية: أنه سنة لا شيء على تاركه، قال به ابن عباس رضي الله عنهما كما في شرح السنة في المكان المشار إليه، والمغني 3/408، وأحكام القرآن للجصاص 1/96، أخذاً بظاهر قوله تعالى {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، ونفي الجناح دليل على عدم الوجوب.
الثالثة: أنه واجب يجبر بالدم، وهي التي قال بها الإمام إسحاق هنا، ورجحها في المغني 3/408 معللاً بأن دليل من أوجبه وجعله ركناً، دل على مطلق الوجوب لا على كونه لا يتم الحج إلا به، وقال المرداوي في الإنصاف 4/58 عن الرواية الأولى أنها الصحيح من المذهب، وصححه في المحرر 1/243، وقدمها في الفروع 3/525.
ومن الأدلة لها سعيه صلى الله عليه وسلم مع قوله في الحديث الصحيح: "خذوا عني مناسككم" وقوله صلى الله عليه وسلم: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي". أخرجه الإمام أحمد في مسنده 6/421، والدارقطني في سننه 2/255.
وانظر أيضاً: فتح القدير للشوكاني 1/160.(5/2301)
[1589-] قلت: في محرم أصاب صيداً أيأكله الحلال؟
قال: لا يأكله.1
قال إسحاق: كما قال.2
[1590-] قلت: (من) 3 وجب عليه هدي،4 فلم يجد، يقوم عليه قيمة دراهم ثم يقوم طعاماً، ثم يصوم مكان كل مدّ يوماً؟
قال: يصوم مكان كل نصف صاع يوماً،5 هكذا في
__________
1 حيث إن المحرم إذا ذبح الصيد صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس، لأن الصيد حرم عليه ذبحه لحق الله تعالى فلم يحل بذبحه كالمجوس.
المغني والشرح الكبير 3/292، المقنع بحاشيته 1/412.
2 انظر عن قول إسحاق المغني والشرح الكبير 3/292.
3 في ع "فيمن"، والمعنى مستقيم بالعبارتين، ولعل الاختلاف من النساخ.
4 المقصود بالهدي هنا الواجب في جزاء الصيد، لأن هدي المتعة الواجب فيه الهدي أو الصيام على الترتيب، ولا حاجة للتقويم لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} البقرة، آية 196، المغني 3/498.
5 الصحيح من المذهب كما في الإنصاف 3/509، وكما حكى عن الإمام أحمد في المسألة الآتية برقم (1594) أن كفارة جزاء الصيد على التخيير بين إخراج المثل، أو التقويم بطعام، أو الصيام عنه، لقوله تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً} سورة المائدة، آية 95.
وعنه رواية أنها على الترتيب، فيجب المثل، فإن لم يجد أطعم، فإن لم يجد صام.
المغني 3/543، المبدع 3/173.
وفي مقدار الطعام الذي يصوم عنه روايتان عن الإمام:
إحداهما: أنه يصوم عن كل مد يوماً.
والثانية: عن كل نصف صاع يوماً، وهي ما حكاها الكوسج عن الإمام هنا، وقال القاضي إن في المسألة رواية واحدة عن الإمام فحمل الأولى على البر، والثانية على ما سواه.
المغني 3/544، المبدع 3/174، الإشراف ق 109 أ.
وقال في الإنصاف 3/511: "والصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب أنه يصوم عن كل طعام مسكين يوماً".(5/2302)
حديث الحكم عن مقسم1 عن ابن عباس رضي الله
__________
1 في (م) (معتمر) .
هو مقسم بكسر أوله وسكون ثانية بن بجرة، ويقال نجدة، أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له مولى ابن عباس للزومه له. روى عن ابن عباس، وعبد الله بن الحارث، وعائشة، وعبد الله بن عمرو. وروى عنه ميمون بن مهران، والحكم بن عتيبة، وغيرهم. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب ص 346: صدوق وكان يرسل. مات سنة إحدى ومائة.
تهذيب التهذيب 10/288، الجرح والتعديل 8/414.(5/2303)
عنهما.1
قال إسحاق: كما قال.2
[1591-] قلت: ما يرخص من شجر الحرم ومن نبتها أن يقلع؟
قال: كل (ما زرع) 3 على مائك، والشجر البالي الميت (المتساقط) .4، 5
__________
1 قال: "إذا أصاب المحرم الصيد فإن كان عنده جزاء ذبحه، فإن لم يكن عنده جزاء قوّم جزاؤه دراهم، ثم قوّمت الدراهم طعاماً، فصام مكان كل نصف صاع يوماً، وإنما جعل الطعام للصائم لأنه إذا وجد الطعام وجد جزاؤه"، المحلى 7/221، وحمله القاضي على ما سوى البر كما سبق آنفاً، ويدل أثر ابن عباس أيضاً على ما ذهب إليه الإمام أحمد في رواية أن جزاء الصيد على الترتيب، والصحيح من المذهب التخيير كما سبق في التعليق على قول الإمام أحمد: (يصوم مكان كل نصف صاع يوما) .
2 انظر عن قول إسحاق الإشراف ق 109 أ.
3 في ع "ما زرعته"، ولعل المناسب ما أثبته من ظ، يشمل كل ما نبت في ملكه، سواء بواسطته أو بفعل غيره.
4 في ع "الساقط"، والمناسب ما أثبته.
5 ورد في قطع شجر الحرم الحديث الصحيح في فتح مكة حيث قال فيه صلى الله عليه وسلم: "لا يعضد شجرها".
أخرجه البخاري في كتاب جزاء الصيد، باب لا ينفر صيد الحرم 2/213، ومسلم في باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها 1/989، حديث1355.
واستثني في الحديث "الإذخر"، واختلف العلماء في حكم ما سواه مما ينبت في أرض الحرم، فلا خلاف في المذهب من أنه لا يجوز قطع ما لم ينبته الإنسان، وأما ما أنبته الإنسان فإن كان زرعاً فلا خلاف في جواز قطعه، وإن كان شجراً قيل: لا يجوز لعموم النهي في الحديث الشريف، واختار ابن قدامة في المغني 3/365 أنه إن كان الشجر من جنس شجرهم كالنخل لم يحرم، قياساً على الزرع.
والصحيح من المذهب أنه يجوز قطعه كذلك، كما قاله في الإنصاف 3/553، وقدمه في الفروع 3/475، وجزم به في المحرر 1/242، والهداية 1/98. وانظر أيضاً: فتح الباري 4/44.
وأما قطع الشجر الميت المتساقط والانتفاع به فهو جائز قال صاحب المغني: لا نعلم فيه خلافاً، انظر: المراجع السابقة.(5/2304)
قال إسحاق: كما قال.
[1592-] قلت: تكره أجور (بيوت) 1 مكة وشراءها والبناء بمنى؟.
قال: أخبرك2 أني أتوقى الكراء،3 وأما الشراء فقد اشترى عمر
__________
1 في ظ "بيت"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
2 في ظ (أجترئ) .
3 أي أتنزه عن ذلك لكراهته، ويشهد له ما في المسائل برواية ابنه عبد الله ص 234 مسألة 875: "سألت أبي عن كراء بيوت مكة؟ فقال ما أكثر ما جاء فيه كراهية، وقال: إن تنزه أحب لي".
ومسألة بيع بيوت مكة وإجارتها طال الخلاف فيها، واختلفت الروايات عن الإمام أحمد في ذلك، فروي عنه عدم جواز ذلك، قال المرداوي في الإنصاف: "هذا هو المذهب المنصوص، وهو مبني على أن مكة فتحت عنوة" وقال: "والصحيح من المذهب أنها فتحت عنوة، وعليه الأصحاب".
وروي عن الإمام أحمد جواز ذلك.(5/2305)
رضي الله عنه دار السجن،1 وأما البناء بمنى فإني أكرهه.
قال إسحاق: كل شيء من دور مكة فإن بيعها وشراءها وإجارتها (مكروه) ،2 (ولكن الشراء واستئجار الرجل أهون) 3 إذا لم يجد، وأما البناء بمنى على وجه الاستخلاص لنفسه فلا يحل.4
__________
1 أخرج عبد الرزاق في باب الكراء في الحرم 5/14: "قال ابن جريج: ولا يرى به عمرو بن دينار بأساً، قال: وكيف يكون به بأس والربع يباع فيؤكل ثمنه، وقد ابتاع عمر بن الخطاب دار السجن بأربعة آلاف دينار" ا. هـ. والربع: الدار بعينها حيث كانت. القاموس 3/25.
2 في ع "مكروهة"، وحكى الكراهة عن إسحاق: ابن قدامة في المغني 4/304، الشرح 4/20، وابن حزم في المحلى 4/263.
3 في ظ "وليس الكراء واستئجار الرجل أهون"، ولعل الصواب ما أثبته من ع كما يفهم ذلك من السياق، والمعنى أن الشراء والاستئجار أهون فيجوز ذلك، لأن الإنسان قد لا يجد مسكناً فإنه يضطر إلى ذلك، بخلاف البيع، لأن الغالب أن البائع قد يبيع وهو في غنى ولا توجد ضرورة لبيع ذلك، لأنه بإمكان الإنسان التكسب بغير ذلك، أما إن احتاج لذلك ووجدت ضرورة، فحكمه حكم الشراء.
4 قال ابن قدامة رحمه الله: "قال إسحاق: البناء بمكة على وجه الاستخلاص لنفسه لا يحل" ا. هـ. المغني 4/305، الشرح الكبير 4/21.
والمعنى أي: إذا كان البناء لاستئثار نفسه على وجه الخصوص فإن هذا لا يجوز، ويفهم منه أن البناء إذا لم يكن كذلك فإنه يجوز.
وعنه رواية أخرى: بجواز الشراء وعدم جواز الكراء، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
والروايتان الجواز وعدمه مبنيتان على أن مكة فتحت عنوة أو صلحاً، وقال بكل واحد منهما الإمام أحمد.
وقال ابن قدامة عن رواية جواز الكراء والبيع، وهو أظهر في الحجة.
وقال ابن القيم في الزاد بعد سرد حجج الفريقين: "والصواب القول بموجب الأدلة من الجانبين، وأن الدور تملك وتوهب وتورث وتباع، ويكون نقل الملك في البناء لا في الأرض" ا. هـ.
[] انظر: المغني 4/304-305، الشرح الكبير 4/20-21، الإنصاف 4/288- 290، الفتاوى 17/490، [29/211،] زاد المعاد 1/174-179، المحلى 7/263، شفاء الغرام 1/26-32، مصنف ابن أبي شيبة 4/79.(5/2306)
[1593-] قلت:1 (يخرج) 2 من حجارة مكة أو ترابها إلى الحل؟
قال: كأن الخروج [منها] 3 أشد، إلا ماء زمزم أهون، أخرجه
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد"
2 في ظ "هل يخرج" بزيادة هل، وأكثر ما درج عليه المؤلف في بقية المسائل عدم ذكرها كما أثبته من ع.
3 ساقطة من ع.(5/2307)
كعب.1
قال إسحاق: لا يخرج شيء من ترابها ولا [من] 2 حجارتها، وأما ماء زمزم فمباح، (ولا يدخل في شيء) 3 مما وصفنا.
__________
1 قال ابن قدامة في المغني 3/587: "ولا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل فيه من الحل كذلك، قال عمر وابن عباس رضي الله عنهما: "ولا يخرج من حجارة مكة وترابها إلى الحل، والخروج أشد، إلا أن ماء زمزم أخرجه كعب" ا. هـ.
وذكر نحوه ابن مفلح في الفروع 3/481، وقال بعد ذلك: "ولا يكره إخراج ماء زمزم، قال أحمد: أخرجه كعب، [] لم يزد على ذلك". ثم أورد حديث عائشة في نقل ماء زمزم". الفروع 3/482-483.
وحديثها رضي الله عنها: "أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحمله".
أخرجه الترمذي في كتاب الحج 3/295، حديث963 وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والبيهقي في باب الرخصة في الخروج بماء زمزم 5/202.
وانظر أيضاً: شرح السنة 7/300، مسائل أبي داود ص 137.
ولم أقف على رواية كعب المشار إليها، ولم يرد حديث في ماء زمزم عمن يسمى بهذا الاسم من الصحابة كما [] أفاده الحافظ المزي في تحفة الأشراف 8/294-325، والنابلسي في ذخائر المواريث 3/85-88.
2 ساقطة من ع، والمناسب للسياق إثباتها كما في ظ.
3 في ظ "ولا يخرج شيء"، والصواب ما أثبته من ع، لأن المعنى والسياق يتطلب ذلك، ويشهد له ما سبق ذكره في المغني: "ولا يخرج من تراب الحرم، ولا يدخل فيه من الحل".
وفي إدخاله الحرم روايتان عن الإمام أحمد كما في الفروع 3/481.(5/2308)
[1594-] قلت:1 فيمن أصاب الصيد هو مخير في الطعام والصيام والذبح؟
قال: هو مخير.2
قال إسحاق: كما قال.
[1595-] قلت: الشرب في الطواف؟
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد"، وقد وردت هذه المسألة في ع إثر مسألة رقم (1587) .
2 هذا هو الصحيح من المذهب كما في الإنصاف، وقدمه في المغني، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} سورة المائدة، آية 95، وأوفى الأمر للتخيير.
وعن الإمام أحمد رواية: أن جزاء الصيد على الترتيب.
وعنه رواية أخرى: أنه مخير بين إخراج المثل والصيام، ولا إطعام، وإنما ذكر في الآية ليعدل الصيام. المغني 3/543، الإنصاف 3/509، الإشراف ق 109 أ.(5/2309)
قال أحمد: لا بأس به، حدثنا إسحاق1 [قال] 2 (أخبرنا) 3 أحمد4 [قال] 5 (حدثنا) 6 معتمر7 عن هشام8 عن قيس بن
__________
1 الظاهر أنه ابن راهويه بمعنى أن الكوسج بعد ما ذكر جواب الإمام أحمد أورد الأثر الذي رواه عن إسحاق عن أحمد بالسند المذكور.
2 ساقطة من ع.
3 في ع "أنا"، وهو اصطلاح عند المحدثين بمعنى "أخبرنا".
4 هو الإمام أحمد بن حنبل.
5 ساقطة من ع.
6 في ع "نا"، وهو اصطلاح عند المحدثين بمعنى حدثنا.
7 هو معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي أبو محمد البصري، قيل إنه كان يلقب بالطفيل. روى عن أبيه، وحميد الطويل، وهشام بن حسان، وجماعة. وروى عنه الثوري وهو أكبر منه، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم. ثقة، وقيل: إنه سيئ الحفظ. مات سنة سبع وثمانين ومائة.
تهذيب التهذيب 10/227، التقريب ص 342، الأعلام 7/265.
8 هو: هشام بن حسان الأزدي القردوس، أبو عبد الله البصري. روى عن حميد بن هلال، والحسن البصري، وقيس بن سعد المكي، وعنه الحمادان، والسفيانان، ومعتمر بن سليمان، وغيرهم. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب ص 364: "ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما" ا. هـ. مات سنة سبع وقيل: سنة ثمان وأربعين ومائة.
وانظر أيضاً: تهذيب التهذيب لابن حجر 11/34، الإعلام 8/85، تذكرة الحفاظ 1/154.(5/2310)
سعد1 عن طاووس قال: لا بأس بالشرب في الطواف.2
قال إسحاق: كما قال في المسألة.3
[1596-] قلت: فعل ابن أبي (نعم)
__________
1 هو: قيس بن سعد المكي، أبو عبد الملك. روى عن عطا وطاووس ومجاهد وغيرهم، وعنه الحمادان وهشام بن حسان. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب ص 283: ثقة. مات سنة تسع عشرة ومائة، وقيل: سبع عشرة ومائة.
انظر: تهذيب التهذيب 8/397، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2/356.
2لم أقف على الأثر عن طاووس بالسند المذكور، وقال ابن المنذر: "روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب ماء في الطواف، ورخص في الشرب في الطواف عطاء وطاووس وأحمد وإسحاق، ولا أعلم أحداً منع منه الطائف، وبه نقول" ا. هـ. وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: "لا بأس أن يشرب وهو يطوف". الإشراف ق 118 أ، مصنف عبد الرزاق 5/497، وانظر أيضاً: المغني 3/392.
3 سبق نقل ابن المنذر ذلك عنه في التعليق السابق.
4 في ع "نعيم"، والصواب ما أثبته من ظ، لما يأتي في ترجمته، واسمه عبد الرحمن بن أبي نعم-بضم النون وسكون المهملة-البجلي، أبو الحكم الكوفي العابد. روى عن أبي هريرة وأبي سعيد ورافع بن خديج وابن عمر، وروى عنه سعيد بن مسروق الثوري ومحمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي وغيرهما. أخرج له الستة. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: "صدوق عابد من الثالثة، مات قبل المائة".
[] انظر: تهذيب التهذيب 6/286، التقريب ص 211، سير أعلام النبلاء 5/62، حلية الأولياء 5/69-73، طبقات ابن سعد 6/298، التاريخ الكبير 5/356، الأنساب للسمعاني 2/92، خلاصة تذهيب الكمال 2/155.(5/2311)
(يلبي) 1 بالحج حين يصدر2 الناس من منى؟ 3
قال: (كرهه) 4 أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.5
قال إسحاق: كما قال.6
__________
1 في ظ "يلي"، والصواب ما أثبته من ع.
2 الصدر: خلاف الورد، وهو الانصراف عن الماء، ويقال أيضاً للانصراف عن غيره، ويوم الصدر: اليوم الرابع من أيام النحر، لأن الناس يصدرون فيه عن مكة إلى أماكنهم.
انظر: المعجم الوسيط 1/510، القاموس المحيط 2/70، مجمل اللغة 2/552.
3 أي يحرم بالحج بمجرد صدور الناس من منى، فقد روى محمد بن فضيل عن أبيه قال: كان عبد الرحمن بن أبي نعم يحرم من السنة إلى السنة ويقول: "لبيك، لو كان رياء لاضمحل" وهذا هو فعله المشار إليه في المسألة. سير أعلام النبلاء 5/63، حلية الأولياء 5/70.
4 في ع "قد كرهه" بزيادة قد.
5 ومن ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما "من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج".
أخرجه البخاري 2/150 في باب قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} . ووجه الكراهة لفعل ابن أبي نعم، لأنه إحرام بالحج قبل أشهره.
6 انظر عن قوله المغني 3/224، الشرح الكبير 3/223، وراجع أيضاً الإحرام بالحج قبل أشهره في المسألة(5/2312)
[1597-] قلت: يكره الجوار1 بمكة؟
قال: قد جاور جابر وابن عمر رضي الله عنهما،2 ليت أني الآن بمكة مجاور.3
قال إسحاق: كما وصف.
[1598-] قلت:4 يقتل صيدها متعمداً ويكفّر؟
قال: (لا يعجبني أن يفعل ذلك) 5 متعمداً.
قال إسحاق: كما قال.6
[1599-] [ع-91/أ] قلت: هل يقطع من شجر الحرم متعمداً ويكفّر؟
__________
1 الجوار لغة: المجاورة، وجاوره مجاورة أي ساكنه، فالجوار بمكة أي السكن بها. لسان العرب 4/153، المعجم الوسيط 1/146.
2 ذكر ذلك ابن قدامة في المغني 3/587، ومحب الدين الطبري في القرى ص 660.
3 تستحب المجاورة بمكة، وتجوز لمن هاجر منها المجاورة بها، ونقل حنبل عن الإمام أحمد إنما كره عمر الجوار بمكة لمن هاجر منها، فحمله في الفروع أن الإمام أحمد حكاه ولم يقل به، ويحتمل القول به فيكون فيه [] [] روايتان. الفروع 3/492-493، الإنصاف 3/563، المغني 3/587.
4 في ع وردت هذه المسألة قبل المسألة التي تليها، والمناسب الترتيب الذي أثبته من ظ، بدليل الضمير في قوله "صيدها"، فإنه يرجع إلى مكة في المسألة التي قبلها.
5 في ع "ما يعجبني أن يفعل ذاك".
6 سبق تقرير حكم صيد الحرم وما يجب فيه في المسألة (1523) .(5/2313)
قال: لا، إلا ما كان منه ميت ساقط.
قال إسحاق: كما قال، (لا يتعمدن) 1 أحد بهذا.2
[1600-] قلت: قول عمر رضي الله عنه: "لا تتخذوا لدوركم3 أبواباً"؟ 4
قال: الدار التي لها أفنية5 وساحة.6
قال إسحاق: كما قال، (وأما) 7 إذا قصر عن مسكنه لا يلزمه
__________
1 في ع "لا يتعمد".
2 سبق أيضاً تقريره في المسألة (1591) .
3 الدار: المحمل يجمع البناء والعرصة، وكل موضع حل به قوم فهو دارهم، والدور جمع دار، وهي المنازل المسكونة والمحال. لسان العرب 4/298.
4 والأثر هو: ما روى عبد الرزاق في المصنف 5/147: "عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبواباً، لينزل البادي حيث شاء".
5 جمع فناء وهو سعة أمام الدار، وفناء الدار ما امتد من جوانبها.
انظر: لسان العرب 15/165.
6 الساحة: الناحية، وهي أيضاً فضاء يكون بين دور الحي. وساحة الدار: باحتها. لسان العرب 2/492.
7 في ع "فأما".(5/2314)
إدخال (الحجاج) .1
[1601-] قلت: يدخل المحرم (الحمام) ؟ 2
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال.
[1602-] قلت: رجل تمتع فلم يذبح حتى رجع إلى أهله؟
قال: يبعث بالدم إلى مكة إذا كان ساهياً، قال والعامد عليه دم واحد، إلا أنه أساء.3
__________
1 في ظ "الحج"، والصواب ما أثبته من ع، لأن به يستقيم المعنى، وفي ع أيضاً زيادة "قال إسحاق الكوسج: قال كان الحميري يقول: أنتم تسمون الحجرة داراً". والمعنى أي: إذا كانت داره لا تكفي لسكنه فإنه لا يلزمه إتاحة الفرصة لغيره بدخولها من الحجاج وغيرهم، فعلى هذا لا مانع من تبويبها، وهذه المسألة مترتبة على الخلاف في جواز إجارة بيوت مكة وبيعها، وسبق تحريرها في المسألة
وانظر أيضاً: فتح الباري 3/451، فتح القدير للشوكاني 3/449.
2 في ظ "الخيام"، والظاهر أن الصواب ما أثبته من ظ، وروى هذه المسألة بهذا اللفظ ابنه عبد الله في مسائل برقم 579 ص 204، وكلاًّ من الدخول في الحمام والخيام جائز للمحرم، انظر عن دخول الخيام مسألة الاستظلال للمحرم رقم (1464) ، وعن دخول الحمام مسألة الاغتسال للمحرم رقم (1470) .
3 قال أبو الخطاب: "فإن وجب عليه الهدي فأخره لعذر، مثل إن ضاعت نفقته، أو وجب عليه الصيام فلم يصم الثلاثة الأيام في الحج لعذر، لم يلزمه غير قضاء ذلك، وإن أخّر ذلك لغير عذر، فعلى روايتين:
إحداهما: لا يلزمه إلا قضاء ذلك.
والثانية: يلزمه مع القضاء دم". ا. هـ.
[] الهداية 1/90-91، وانظر أيضاً: المقنع بحاشيته 1/423.(5/2315)
قال إسحاق: كما قال.
[1603-] (قال أحمد) :1 [قوله صلى الله عليه وسلم] :2 "لا تحل لقطتها3إلا لمنشد"4 (فكأن) 5 لقطة الحرم (لمن) 6 يغشى
__________
1 في ع "قال الإمام أحمد رضي الله عنه".
2 ساقطة من ظ، والأقرب للسياق إثباتها كما في ع.
3 الضمير يعود إلى مكة، وسبق تعريف اللقطة في المسألة (1550) .
4 جزء من حديث، ولفظه عند البخاري: "عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يعضد عضاهها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ولا يختلى خلاها".
أخرجه البخاري في كتاب اللقطة، باب كيف تعرف لقطة أهل مكة 3/94، وسبق تخريجه بألفاظ مقاربة في المسألتين (1523) ، (1591) .
ومعنى قوله: "لا تحل لقطتها إلا لمنشد"، أي: لا تحل إلا لمن يريد أن يعرفها فقط، أما من أراد أن يعرفها ثم يتملكها فلا. فتح الباري 5/88.
5 في ع "قال فكأن"، بزيادة "قال".
6 في ع "لم" والموافق للمعنى ما أثبته من ظ.(5/2316)
(الحرم) 1 من الناس أنهم متفرقون من بلدان شتى، فالذي يأخذ لقطتها يقول: متى (أجد) 2 صاحبها فلا يحل له، [إلا] 3 أن ينشد لقطة الحرم كما ينشد غير لقطة الحرم، فإذا أنشدها سنة حلت له.
قال إسحاق: قال جرير الرازي:4 معنى قوله [صلى الله عليه وسلم] 5 "لا تحل لقطتها إلا لمنشد"، يقول إلا الرجل سمع صاحبها ينشدها قبل ذلك فحينئذ له أخذها، وهذا الذي أختاره.6
__________
1 في ظ "الحرام".
2 في ظ "أخذ"، والمعنى يقتضي ما أثبته من ع.
3 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ لأن المعنى لا يستقيم بدونها.
4 هو جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الرازي. روى عن عبد الملك بن عمير وسليمان التيمي والأعمش وعطاء بن أبي السائب وغيرهم. وروى عنه إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم. توفي سنة ثمان وثمانين ومائة هـ.
انظر: تهذيب التهذيب 2/75، تذكرة الحفاظ 1/271، تاريخ بغداد 7/253، الأعلام 2/119.
5 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما سبق في التعليق الثاني في المسالة.
6 الضمير يعود إلى الإمام إسحاق، قال ابن حجر في الفتح 5/88: "وقال إسحاق بن راهويه: قوله "إلا لمنشد" أي: لمن سمع ناشداً يقول: من رأى لي كذا، فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يعرفها ليردها على صاحبها، وهو أضيق من قول الجمهور لأنه قيده بحاله للمعرف دون حاله" ا. هـ.
والمذهب أن لقطة الحرم كغيرها في جواز ملكها بعد تعريفها سنة، لعموم الأحاديث الواردة في اللقطة، ولأن حرم مكة أحد الحرمين فأشبه المدينة، ولأنها أمانة فلم يختلف حكمها في الحل والحرم كالوديعة.
وهناك رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتمليك، وإنما يجوز حفظها لصاحبها، فإن التقطها عرفها أبداً حتى يأتي صاحبها لهذا الحديث، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية. المغني 6/332، الإنصاف 6/413،المبدع 5/284، الاختيارات الفقهية ص 169.(5/2317)
[1604-] (قلت) :1 [ما] 2 الطواف (الواجب) 3 الذي لا بد منه؟
قال: لا بد من طواف الزيارة يوم النحر.
قال إسحاق: كما قال، لأن الحج به يتم.4
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد".
2 سقطت من ظ، وبإثباتها كما في ع يتضح المعنى أكثر.
3 في ع "الواجب قال" بزيادة "قال"، والسياق يتطلب حذفها، كما في ظ.
4 طواف الزيارة ركن لا يتم الحج إلاّ به، كما سبقت الإشارة لذلك في المسائل: (1495، 1496) ، (1566) .
أما كونه يوم النحر فذلك هو الأفضل وليس واجباً، ولا بأس بتأخيره عن يوم النحر كما نص عليه في المسألة [ (1449) ،] وانظر أيضاً: المغني 3/465-466، ولم يقصد الإمام أحمد رحمه الله هنا بأن طواف الزيارة واجب في يوم النحر، بل عرفه بأول وقته وأفضله.(5/2318)
[1605-] قلت: من قرن الحج والعمرة يتمتع إذا شاء؟
قال: إذا لم يسق الهدي إن شاء صيرهما عمرة.1
قال إسحاق: كما قال، ولا يجوز القران إلا بسوق.2
[1606-] قلت: رجل دخل مكة بعمرة في أشهر الحج وهو يريد الإقامة بمكة ثم ينشئ الحج، أمتمتّع هو؟
قال: نعم.
قال إسحاق: شديداً كما قال.
[1607-] قلت: رجل من أهل مكة انقطع إلى [بلد] 3 سواها ثم قدم معتمراً في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى أنشأ الحج منها، أمتمتّع هو؟
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال.4
__________
1 بل يستحب له ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا ويجعلوها عمرة، إلا من كان معه هدي.
انظر: المغني 3/416، وانظر أيضاً: المسألة (1377) .
2 سبق تقرير ذلك في المسألة (1578) .
3 سقطت من ع، والأولى إثباتها كما في ظ.
4 قال ابن قدامة في المغني 3/502: "فإن دخل الآفاقي مكة متمتعا ناوياً للإقامة بها بعد تمتعه، فعليه دم المتعة"، قال ابن المنذر: "أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم"، ولو كان الرجل منشؤه ومولده بمكة فخرج عنها متنقلاً مقيماً بغيرها، ثم عاد إليها متمتعاً ناوياً للإقامة بها أو غير ناوٍ لذلك، فعليه دم المتعة، لأنه خرج بالانتقال عنها عن أن يكون من أهلها" إلى أن قال: "فكأنما نوى أن يقيم بعد أن يجب عليه الدم" ا. هـ.
وانظر عن قول ابن المنذر المشار إليه الإشراف ق 121 ب.
وانظر أيضاً: الإنصاف 3/441(5/2319)
[1608-] قلت: رجل قدم مكة بعمرة فطاف بالبيت وبالصفا والمروة وهو جنب، أو على غير وضوء ناسياً، ثم وقع بأهله ثم ذكر؟
قال: يعيد الطواف1 وعليه دم،2 وقد أجزأه.3
قال إسحاق: كما قال.
[1609-] قلت: محرم اضطر، يأكل الميتة أو (يصيد) 4 الصيد فيأكله؟
__________
1 لأن الطهارة شرط في صحة الطواف.
2 لكونه وطئ في عمرته، الإنصاف 3/521، الكشاف 2/455، المبدع 3/180، ويلزم من إعادة الطواف إعادة السعي حيث إن سعيه الأول بعد طواف على غير طهارة، فلا يعتد به. المغني 3/409.
3 أي أجزأه عمله هذا وهو الإعادة.
4 في ع "يصيب"، والأقرب للسياق ما أثبته من ظ.(5/2320)
قال: يأكل الميتة.1
قال إسحاق: يأكل الصيد، وعليه الجزاء [ظ-47/أ] 2. 3
__________
1 قال في الإنصاف 10/472: "وهو المذهب نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب"، وعلله بقوله لأن في أكل الصيد ثلاث جنايات: صيده وذبحه وأكله، وأكل الميتة فيه جناية واحدة.
وروي عن الإمام أحمد نحو ما روى عنه ابن منصور هنا جماعة.
قال أبو داود في مسائله ص 128: "سمعت أحمد سئل عن المحرم يضطر إلى الميتة والصيد، قال: يأكل الميتة. وسألته عنه مرة أخرى قال: أما أنا فأختار له الميتة".
وفي مسائل ابن هاني 2/134: "سألت أبا عبد الله عن المحرم يضطر إلى الصيد والميتة؟ قال: يأكل الميتة ولا يقرب الصيد، لأن الميتة قد أحلت له".
وفي مسائل ابنه عبد الله رقم 902 ص 243: "سمعت أبي سئل عن المحرم يضطر إلى الميتة والصيد؟ قال: يأكل الميتة. قيل: فإن اضطر إلى الصيد؟ قال: يصيد ويأكل ويكفّر".
وقال ابن قدامة عن أكل الصيد عند الاضطرار: "فيباح له ذلك بغير خلاف نعلمه فإن الله تعالى قال: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وترك الأكل مع القدرة عند الضرورة إلقاء بيده إلى التهلكة" ا. هـ.
المغني 3/531، الشرح الكبير 3/531، وانظر أيضاً: الإنصاف 3/491.
2 في م "وعليه الجزاء" ساقطة.
3 آخر الصفحة 91 من ظ، ولم أطلع على قول غيره للإمام إسحاق في المسألة، وقوله هذا يحتمل أنه يرى أن في أكل الميتة الجزاء قياساً على الصيد، مخالفاً بذلك لمذهب الإمام أحمد، ويحتمل أنه يريد أن عليه الجزاء إذا لم يجد الميتة فاضطر للصيد فأكله، كما نقل نحو ذلك عن الإمام أحمد ابنه عبد الله، كما سبقت الإشارة إليه.(5/2321)
[1610-] قلت: رجل أرسل كلبه في الحل على الصيد فصاده في الحرم؟
قال: ليس عليه شيء.1
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يتعمد إرساله كي يصيد في الحرم.2
[1611-] قلت: رجل أرسل كلبه في الحرم (فصاد) 3 في الحل؟
قال: ولا على هذا شيء.4
__________
1 هذا هو المنصوص عن أحمد، لأنه لم يرسله على صيد في الحرم بل دخل باختياره، أشبه ما لو استرسل بنفسه.
قال في الشرح الكبير 3/362: "أما إن أرسل كلبه على صيد في الحل فقتله في الحرم، فنص أحمد على أنه لا يضمنه" ا. هـ.
وروي عن الإمام أحمد أنه إن كان الصيد قريباً من الحرم ضمنه لأنه فرط بإرساله، وإلاّ لم يضمنه.
انظر أيضاً: المغني 3/362، المبدع 3/203 والمقنع مع حاشيته 1/437.
2 لأنه إن تعمد ذلك أشبه ما لو فعل ذلك بسهمه، ومن فعل ذلك بسهمه ضمن عند أحمد وإسحاق والثوري. المقنع مع حاشيته 1/437.
3 في ع "فصاده"، والموافق للسياق ما أثبته من ظ.
4 هذا في أصح الروايتين عن الإمام أحمد، لأنه ليس من صيد الحرم، وعنه رواية توافق ما نقل الكوسج عن إسحاق هنا بأن عليه الضمان.
قال ابن قدامة في المغني 3/361: "قال أحمد فيمن أرسل كلبه في الحرم فصاد في الحل فلا شيء عليه، وحكي عنه رواية أخرى بأنه يضمن" ا. هـ. وانظر أيضاً: الشرح 361، المبدع 3/200.(5/2322)
قال إسحاق: بلى، هذا يغرم لأنه ارتكب (ما لا) 1 يحل له.
[1612-] قلت: رجل رمى صيداً [في الحل] 2 فأصابه في الحرم؟
قال: عليه جزاؤه [ع-92/ب] .3
قال إسحاق: كما قال.
[1613-] قلت: رجل حلال أصاب صيداً في الحرم يحكم عليه كما يحكم على المحرم؟
قال: نعم.4
__________
1 في ع "ما لم"، والأقرب للسياق إثباتها كما في ظ.
2 ساقطة من ع، والمناسب للسياق إثباتها كما في ظ.
3 آخر الصفحة 180 من ع، وما أجاب به الإمام هنا من أن عليه الجزاء هو المشهور في المذهب، لأنه قتل صيداً حرمياً، ولا يختص تحريمه فيمن في الحرم.
وعن الإمام أحمد رواية أنه لا جزاء عليه.
[] المغني 3/360-361، الشرح الكبير 3/361، المبدع 3/203.
4 قال ابن قدامة في المقنع 3/436 "وهو حرام على الحلال والمحرم، فمن أتلف من صيده شيئاً فعليه ما على المحرم في مثله" ا. هـ.
وانظر أيضاً: المغني 3/358، الإنصاف 3/548، المبدع 3/201. وتقدمت الإشارة إلى هذا في المسألة رقم (1523) .(5/2323)
قال إسحاق: كما قال.
[1614-] قلت: محرم دل حلالاً على الصيد فقتله هل عليه الكفارة؟
قال: نعم، عليه الكفارة،1 ولا ينبغي [له] 2 أن يفعل ذلك، وإنما ذلك بمنزلة رجل أمر رجلاً أن يقتل مسلماً فقتله.3
قال إسحاق: كما قال.4
قال أحمد: وهذا عليه أدب ينكل به.
__________
1 أي الجزاء بمثله. قال ابن قدامة: "ويضمن الصيد بالدلالة فإذا دل المحرم حلالاً على الصيد فأتلفه فالجزاء كله على المحرم" ا. هـ.
المغني 3/286، وانظر أيضاً: الشرح الكبير في نفس الصفحة، والإنصاف 3/474 حيث قال: "هذا المذهب مطلقاً، نقله ابن منصور، وعليه أكثر الأصحاب".
2 سقطت من ظ.
3 أي أن المحرم مع كونه يلزمه الجزاء إذا دل على الصيد، فإنه يحرم عليه هذا العمل.
قال في المبدع: "ويضمن مع التحريم ما دل عليه" ا. هـ.
[] انظر: المغني 3/286-287، المبدع 3/150.
4 المغني والشرح الكبير 3/286.(5/2324)
قال إسحاق: أجاد.1
[1615-] قلت: على أهل مكة إحصار؟ 2
قال: أهل مكة يهلون ولا يحلون إلا بالوقوف بعرفة وبالرمي وبالطواف مثل الحاج.3
__________
1 فيه زيادة تأكيد أن الإمامين رحمهما الله يريان أنه لا يجوز للمحرم أن يدل على الصيد، وقوله: "هذا ينكل به" يحتمل أن الإشارة ترجع إلى الحكم عليه بالكفارة، فيكون المعنى: يحكم عليه كفارة، وهذا الحكم -أي إيجاب الكفارة- تنكيل له حيث حكم عليه بالكفارة وهو لم يصده. ويحتمل أن الإشارة ترجع إلى من دل على الصيد، فيكون المعنى: أن عليه الكفارة وينكل به بأن يعزره الإمام بما يراه. والله أعلم.
2 الإحصار: منع الحاج من دخول مكة والوصول إلى البيت غالباً.
3 قال ابن قدامة: "أجمع أهل العلم على أن المحرم إذا حصره عدو من المشركين وغيرهم فمنعوه الوصول إلى البيت ولم يجد طريقاً آمناً، فله التحلل" ا. هـ.
المغني 3/371، وانظر أيضاً: الشرح الكبير 3/515.
ويطلق أيضاً على المنع من إتمام المناسك كما سبق في المسألة 6، فالمكي لا يحصر، لأنه في مكة، فلا بد له من إتمام أعمال الحج. وروى نحو هذا عن الإمام أحمد النيسابوري في المسائل برقم 720، ج 1/146 حيث قال: "قلت لأبي عبد الله: على المكي إحصار؟ قال: لا، قد وجب عليه الحج ساعة يلبي بالحج، وقال: أذهب إلى قول عمرو بن دينار: لا تكون متعة إلا من الموقت" ا. هـ.
أي لا يكون تحلل الإحصار إلا لمن جاء من الميقات، والظاهر أن هذا ما لم يمنع الحاج من الوقوف بعرفة، فإنه لو منع يكون له التحلل كمن منع من دخول مكة السابق حكمه في المسألة (1398) ، (1494) ، وما دام هو في مكة يحل بعمرة، كما نقل ذلك ابن المنذر عن الإمام أحمد، فلا يتحلل من إحرامه كتحلل المحصر.(5/2325)
قال إسحاق: كما قال.
[1616-] قلت: (رجل) 1 قدم معتمراً في (أشهر الحج) 2 حتى إذا قضى عمرته أهل بالحج من مكة، ثمّ كسر (أو أصابه) 3 أمر لا يقدر على أن يحضر مع الناس المواقف؟
قال: نرى إن لم يجد من يحمله إلى المواقف [أن يقيم حتى] 4 إذا برأ وصح خرج إلى الحل فدخل بعمرة فقضاها، ثم عليه حج قابل والهدي.
قال إسحاق: كما قال سواء.5
__________
1 في ع "رجلاً".
2 في ظ "شهر الحج"، والمناسب ما أثبته من ع، لأن للحج أشهراً وليس شهراً واحداً، قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} البقرة 197.
3 في ظ "وأصابه"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
4 مشطوب من ظ، والصواب إثباته كما في ع، لأن الكلام لا يستقيم إلا بإثباته.
5 سبق تقرير ذلك في المسألتين (1398) ، (1494) وتأتي مسألة مشابهة لها برقم (1418) .(5/2326)
[1617-] قلت: رجل أهل بالحج فأحصر بعدو، قال:1 يحل من كل شيء وينحر هديه ويحلق ويرجع، وليس عليه قضاء؟
(قال أحمد) :2 إذا كان من عدو3 فليس عليه قضاء.4
قال إسحاق: كما قال.
[1618-] قلت: وإذا أهل بالحج فكسر أو مرض، فهو حرام حتى يصل إلى البيت فيحل بعمرة، وعليه الحج من قابل والهدي؟
قال: نعم، أنا أعتقد هذا من قول المدنيين.5
قال إسحاق: كما قال.6
__________
1 "قال" مثبتة في النسختين، ولعل إثباتها سهو من الناسخ، فإن السياق لا يتطلب ذكرها حيث نص على جواب الإمام أحمد بعد ذلك.
2 في ع "قال الإمام أحمد".
3 في ظ "عذر".
4 هذا هو المذهب، وعن الإمام أحمد رواية أنه يقضي الحج ولو كان من حصر عدو، وسبق بيان ذلك في المسألة (1398) .
5 نعم هذا قول المالكية، قال ابن عبد البر في الكافي 1/346: "من أحصره المرض فإنه لا يحله إلا الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلاق ولو أقام سنين، فإذا وصل إلى البيت بعد فوات الحج عمل عمل العمرة وقطع التلبية عند دخول الحرم" ا. هـ.
6 سبقت المسألة برقم (1616) وسبق بيان ما دلت عليه في المسألتين (1398) ، (1494) .(5/2327)
[1619-] قلت: يستلم الأركان كلها؟
قال: لا، إلا اليماني والحجر.1
قال إسحاق: هكذا هو.2
[1620-] قلت: رجل طاف ثمانياً أو تسعاً، يتم طوافين (أو يقطع) ؟ 3
قال: (إن شاء أتم) 4 طوافين وإن شاء قطع، ولا ينصرف إلا على وتر.
قال إسحاق: كما قال، ولكن يبني على ما طاف حتى يتم طوافين.
__________
1 لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم إلا الحجر والركن اليماني.
ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم غير الركنين اليمانيين. أخرجهما مسلم في باب استحباب استلام الركنين اليمانيين في الطواف دون الركنين الآخرين 1/924.
[] وانظر عن المسألة المغني 3/393-395، المبدع 3/217، الروض الندي 184.
2 الإشراف ق 116 ب.
3 في ظ "ويقطع"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
4 في ع "إن شاء أن يتم"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.(5/2328)
[1621-] قلت: رجل شك في طوافه بعد ما ركع ركعتين؟
قال أحمد: إن كان الطواف الواجب فإنه يعيد،1 وإن كان تطوعاً فقد ذهب.2
قال إسحاق: كما قال.
[1622-] قلت: إذا أصابه شيء في الطواف مما ينقض وضوءه (أيبني أم يستأنف) ؟ 3
قال: يبني.4
__________
1 هذه رواية عن الإمام أحمد، قال ابن قدامة في المغني 3/392: "وإن شك بعد الفراغ منه لم يلزمه شيء، لأن الشك في شرط العبادة بعد فراغها لا يؤثر فيها" ا. هـ.
وقال ابن رجب في القواعد قاعدة 159 في تعارض الأصل والظاهر: "إذا شك بعد الفراغ من الصلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركن منها، فإنه لا يلتفت إلى الشك، وإن كان الأصل عدم الإتيان به وعدم براءة الذمة، لكن الظاهر من أفعال المكلفين للعبادات أن تقع على وجه الكمال، فيرجح هذا الظاهر على الأصل" ا. هـ.
القواعد ص 340، وانظر أيضاً: المبدع 3/223.
2 أي لا يلزمه إعادته، لأنه لا يلزم من انتقض وضوؤه في طواف التطوع الإعادة، كما سيأتي في المسألة (1624) ، فمن شك فيه لا يلزمه من، باب أولى.
3 في ع "يبنى أو يستأنف".
4 هذه رواية عن الإمام أحمد فيما إذا سبقه الحدث، كما قاله ابن قدامة قال: "أما إذا أحدث عمداً فإنه يبتدئ الطواف لأن الطهارة شرط له، فإذا أحدث عمداً أبطله كالصلاة، وإن سبقه الحدث ففيه روايتان".
والرواية الثانية: أنه يستأنف، قال عنها المرداوي في الإنصاف: "هذا المذهب بلا ريب"، وقال: "واعلم أن حكم الطائف إذا أحدث في أثناء طوافه حكمه حكم المصلي إذا أحدث في صلاته". وروي عن الإمام أحمد أيضاً فيمن طاف ثلاثة أشواط أو أكثر يتوضأ، فإن شاء بنى وإن شاء استأنف، كما روي عنه يبني إذا لم يحدث حدثاً إلا الوضوء فإن عمل عملاً غير ذلك استقبل الطواف.
انظر: المغني 3/414، الإنصاف 4/17، المبدع 3/222(5/2329)
(قال إسحاق) :1 كما قال.2
[1623-] قلت: (وبالصفا) 3 والمروة؟
قال: يبني،4 وإذا خرج5 في الجنازة والصلاة المكتوبة يبني.6
__________
1 في ع "قال إسحاق يبني" بزيادة يبني.
2 انظر عن قول إسحاق المغني 3/414، الإشراف ق 134أ.
3 في ع "والصفا" بحذف الباء.
4 سبق في المسألة (1423) أن الطهارة لا تشترط في السعي على المشهور في المذهب، وجوابه هنا بأنه يبني موافق لذلك.
5 في ظ بزيادة "من" بعد خرج، والمناسب للسياق عدم ذكرها، كما في ع.
6 وذلك في الطواف والسعي، لأن الصلاة فعل مشروع في أثناء الطواف فلم تقطعه، والجنازة يصلي عليها ولا تقطع الطواف أيضاً، لأنها تفوت بالتشاغل عنها.
المغني 3/413، المبدع 3/222، الإنصاف 4/21، الإشراف ق 118ب، 119أ، 120ب.
ويكون ابتداء الطواف في البناء من الحجر الأسود ولو كان قطعه من بعده. المغني 3/413.(5/2330)
(قال إسحاق) :1 كما قال.2
[1624-] قلت: رجل طاف بالبيت تطوعاً فانتقض وضوؤه، أله أن يترك ذلك الطواف (فلا يعيده) ؟ 3
قال: إن شاء تركه.4
قال إسحاق: كما قال.
[1625-] قلت: هل يقف الرجل في الطواف يتحدث مع الرجل؟
قال: مكروه.
[1626-] قلت: بين الصفا والمروة؟
__________
1 في ع "قال إسحاق يبنى" بزيادة يبني، والمقام لا يتطلب ذكرها كما هو مثبت من ظ.
2 انظر عن قول إسحاق الإشراف ق 119 أ.
3 في ع "ولا يعيده".
4 قال ابن مفلح في المبدع 3/222: "فأما النفل فلا تجب إعادته كالصلاة" ا. هـ.
وانظر أيضاً: المغني 3/414.(5/2331)
قال: في السعي أهون.
قال إسحاق: كما قال، وأن يحدث من السنن أو أمر الآخرة في الطواف بالبيت فلا بأس به.1
[1627-] قلت: يجهر الإمام في الظهر يوم عرفة؟
قال: لا.
قلت: [ع-93/أ] وإن كان يوم الجمعة؟
قال: [وإن كان يوم الجمعة] 2 ليس ثمة جمعة.3
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 قال ابن قدامة رحمه الله في المغني 3/391 "يستحب أن يدع الحديث، إلا ذكر الله تعالى، أو قراءة القرآن، أو أمراً بمعروف، أو نهياً عن منكر، أو ما لا بد منه. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الطواف بالبيت صلاة، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير" ا. هـ.
أخرجه الحاكم وصححه في المستدرك 1/459.
وانظر أيضاً: الشرح الكبير 3/391، الإشراف ق 117 أ.
2 ساقطة من ظ، وفي إثباتها كما في ع موافقة للسياق أكثر.
3 وقال البهوتي: ويجهر إمام بقراءة الفاتحة والسورة في الصبح، وفي أولتي مغرب وعشاء" إلى أن قال: "ويسر فيما عدا ذلك" ا. هـ.
شرح منتهى الإرادات 1/182. فيدخل فيه يوم عرفة.(5/2332)
[1628-] قلت:1 يقدم الفدية قبل حلق الرأس إذا آذاه القمل؟
قال: لا بأس به،2 ويقدم الكفارة قبل الحنث،3 "الأعمال بالنية"،4 أليس يقدم الزكاة قبل محلها،5 والمظاهر يكفر قبل أن يتماسا؟ 6
__________
1 في ع بين هذه المسألة والتي بعدها تقديم وتأخير.
2 قال ابن قدامة في المغني 3/525: "ومن أبيح له حلق رأسه لأذى به، فهو مخير في الفدية قبل الحلق وبعده، نص عليه أحمد" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الإنصاف 3/509.
3 قال ابن قدامة في المغني 11/225: "والتكفير قبل الحنث وبعده سواء في الفضيلة" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الإقناع 4/338.
4 جزء من حديث، ولفظه عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية 1/20.
5 قال ابن مفلح في الفروع 2/571: "يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول إذا تم النصاب" ا. هـ. وانظر أيضاً: الإقناع 1/287، المغني 2/500.
6 بل يجب عليه ذلك، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} المجادلة آية 3.
وانظر: الإقناع 4/85، المغني 8/556.(5/2333)
قال إسحاق: لا يعجبني في الفدية، والباقي كما قال.
[1629-] قلت: [إذا] 1 قتل المحرم الصيد ثم أكله؟
قال: كفارة واحدة.2
قال إسحاق: كما قال.
[1630-] قلت: العبد يعتق في (الموقف) 3 بعرفة يجزي عنه من حجة الإسلام؟
قال: يجزيه.
قلت: محرماً كان أو غير محرم؟
قال: غير محرم أجود.4
__________
1 ساقطة من ظ، والمناسب للسياق إثباتها كما في ع.
2 وذلك لأن الضمان للقتل دون الأكل. المغني 3/292، الشرح 3/292، الإنصاف 3/478.
3 في ظ "المواقف"، والمناسب ما أثبته من ع.
4 لأنه لا يفوته آنذاك شيء من أفعال الحج، وبين الإمام أحمد أن حاله أجود، لأنه إن كان محرماً فقد فاته بعض أفعال الحج قبل الحرية، ولذلك خالف في إجزاء حجته عن حجة الإسلام بعض أهل العلم، ومنهم ابن المنذر ومالك.
المغني 3/200، الشرح الكبير 3/162، الإشراف ق 99ب.(5/2334)
قال إسحاق: هو جائز محرماً كان أو غير محرم.1
[1631-] قلت: القارن إذا (أفسد) 2 حجه بإصابة أهله، ما عليه [من الهدي] ؟ 3
قال: عليه هدي واحد.4
قال إسحاق: كما قال، لأن عليه طوافاً واحداً وسعياً واحداً، [و] 5 كذلك سائر الأشياء تشبيهاً به.6
__________
1 سبق الكلام عن ذلك في المسألة رقم (1702) .
2 في ظ "فسد"، والمناسب ما أثبته من ع.
3 سقطت من ظ، والمناسب إثباتها كما في ع بدليل تحديد الجواب، بعد ذلك بالهدي.
4 أي بدنة، لأنها الواجبة في إفساد الحج بالوطء، ولا فرق بين القارن وغيره في وجوبها، قال في الإقناع 1/370: "الثالث فدية الوطء تجب به بدنة، قارناً كان أو مفرداً" ا. هـ.
وفي المغني 496: "إن أفسد القارن نسكه بالوطء فعليه فداء واحد" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الإشراف ق 104.
5 الواو ساقطة من ع.
6 أي: وكذلك في بقية محظورات الإحرام، فإنه لا يلزمه إلا ما يلزم المفرد، كما أنه ليس عليه إلا ما على المفرد من الطواف والسعي.
قال ابن قدامة في المغني 3/496 "وإن قتل القارن صيداً فعليه جزاء واحد" ا. هـ.
انظر أيضاً: كشاف القناع 2/455.
وراجع أيضاً المسألة(5/2335)
[1632-] قلت: إذا التقى الختانان1 ولم ينزل، (أفسد) 2 حجهما؟
قال: إذا مس (الختان الختان) 3 (فسد) 4 حجهما.5
[1633-] قلت: الماء الدافق من المباشرة والجس6 والقبلة والنظرة، يفسد الحج؟
قال: هذا أهل أن يفسد حجه، والنظرة أهون ما هنالك.7
__________
1 التقاء الختانين: تغييب الحشفة في الفرج، وختان الرجل: الجلدة التي تبقى بعد الختان، وختان المرأة: جلدة كعرف الديك على الفرج يقطع منها في الختان. الكافي 1/57.
2 في ع "فقد أفسدا".
3 في ظ "الختانان"، والأولى ما أثبته من ع ويؤيده حديث "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل"، رواه مسلم 348، باب 22.
4 في ع "أفسدا".
5 قال الخرقي في المختصر ص 70: "فإن وطئ المحرم في الفرج فأنزل أو لم ينزل، فقد فسد حجهما" ا. هـ.
وقال ابن قدامة في المغني 3/315، معلقاً على ذلك: "أما فساد الحج بالجماع فليس فيه اختلاف". وانظر أيضاً: الإشراف ق 103.
6 الجس: اللمس باليد. لسان العرب 6/38.
7 إذا أنزل من باشر فيما دون الفرج، ففي فساد حجه روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: أنه يفسد كما يدل عليه كلامه هنا، ونص عليها في رواية ابنه عبد الله برقم 297 ص 242، ونص على ذلك إسحاق ونسبها إليه ابن قدامة في المغني 3/322، واختارها الخرقي لأنها عبادة يفسدها الوطء، فأفسدها الإنزال عن مباشرة كالصيام.
الثانية: أنه لا يفسد أجاب بذلك الإمام أحمد في المسألة الآتية برقم (2013) وقال عنها ابن قدامة: وهي الصحيحة إن شاء الله، لأنه استمتاع لا يجب بنوعه الحد فلم يفسد الحج، وهي المذهب كما في الإنصاف.
وانظر أيضاً: الكافي 1/459، وراجع المسألة (1505) .(5/2336)
قال إسحاق: يفسد من كل حجة إذا أنزل الماء الدافق وتعمد الجماع وإن كان دون الفرج، إلا نظرة فعليه دم، وحجته جائزة.1
[1634-] قلت: رجل وقع بأربع نسوة وهو محرم في يوم واحد أو في أيام متفرقة؟
قال: فسد حجه وعليه كفارة واحدة2ما لم يكفر،3 فإذا قتل
__________
1 انظر عن مسألة النظر بالتفصيل مسألة رقم (1585) .
2 هذا هو المذهب، وكذلك إن كرر غيره من سائر المحظورات من جنس واحد، لتداخل الكفارات.
وعن الإمام أحمد رواية: أن عليه لكل وطء كفارة.
وعنه أخرى: إن تعتمد سبب المحظور، مثل إن لبس لشدة الحر، ثمّ لبس للبرد، ثم لبس للمرض، فعليه كفارات، وإلا فواحدة.
3 فإن كفّر عن الأول لزمه للثاني كفارة.
[] انظر: المغني 3/318، 3/527، الإنصاف 3/525-526، المبدع 3/183-184، المقنع بحاشيته 1/427.(5/2337)
بعد ذلك صيداً أو حلق رأسه ففي كل واحدة هدي على حدة.1
قال إسحاق: كما قال.2
[1635-] قلت: هل يجب على المرأة شيء إذا كانت كارهة حين وقع بها زوجها؟
قال: المستكرهة لا.3
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 لأنه يجب عليه أن يجتنب بعد الوطئ ما يجتنبه قبله، كما سبق في المسألة (1586) .
2 انظر عن قوله الإشراف ق 104.
3 هذا هو المذهب، لقوله صلى الله عليه وسلم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
أخرجه ابن ماجة من حديث أبي ذر بلفظ "إن الله تجاوز عن أمتي ... ". وفي رواية لابن عباس "إن الله وضع عن أمتي" 2043، 2045، باب 160.
وعن الإمام أحمد رواية: عليها الفدية.
وعنه أخرى: أنه يفدي عنها الواطئ، كما سبق في المسألة رقم 1504، وسيأتي في المسألة رقم (1680) .
وانظر: المغني 3/316، والإنصاف 3/512، والمبدع 3/180.(5/2338)
[1636-] قلت: رجل نسي طواف الإفاضة حتى رجع إلى بلاده؟
قال: إذا ترك الإفاضة فلا بد من أن يرجع إلى البيت (يعتمر) ،1 فإن كان أصاب أهله فعليه دم.2
قلت: فإن كان طاف طواف الوداع؟
قال: لا يجزي الوداع من الإفاضة إلا أن ينوي (ذلك) .3
قال إسحاق: كما قال.
[1637-] قلت: إذا أصاب الرجل امرأته قبل أن تقصر من شعر رأسها وقد أفاضت؟
قال: تهريق دماً، وقد تم حجها وحجه.4
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في ع "معتمراً". ولزمه الرجوع لأن طواف الإفاضة ركن لا يتم الحج إلا به، كما سبق في مسألتي (1502) ، (1566) .
2 لأن الوطء قبل الطواف وبعد التحلل الأول لا يفسد الحج ولا يوجب البدنة. المغني 3/493، الفروع 3/535.
3 في ع "ذاك" ولم يقع طواف الوداع عن طواف الإفاضة لأن النية شرط في الطواف. المغني 3/494.
4 لأن الحج يتم بطواف الإفاضة، والحلق أو التقصير واجب فيمن تركه جبره بدم، كسائر الواجبات، فالذي يجامع قبل الحلق أو التقصير فكأنه ترك ذلك الواجب، فيجبر بدم. الإنصاف 2/62، الفروع 3/529، الشرح الكبير 3/506.(5/2339)
[1638-] قلت: إذا نذر أن (يحج) 1 ماشياً ولم (ينو) 2 من أين يمشي؟
قال: يكون ذلك من حيث حلف، فإن لم يقدر يمشي (وكان) 3 معذباً بالمشي فعل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخت عقبة بن عامر.4
قال إسحاق: كلما كان المشي عجز عنه [فله أن يركب ويهدي] 5، فإنما معنى صوم ثلاثة أيام معنى الكفارة إذا لم يجد.6
__________
1 في ظ "يمشي"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
2 في ع "ينوي"، والموافق لقواعد العربية ما أثبته من ظ.
3 في ظ "كان" بحذف الواو، والصواب إثباتها كما في ع، لأنه الموافق للسياق، وحذفها لا يستقيم معه المعنى.
4 سبق تقرير ذلك في المسألة (1396) .
5 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما في ع لأن الكلام لا يستقيم بدونها، وما أجاب به الإمام إسحاق هنا يخالف ما نقل عنه في المسألة (1396) فإنه قال هنالك بوجوب المشي وإن لم يقدر.
6 بمعنى والله أعلم: أنه إذا عجز عن المشي يركب ويكفّر، كما أن الحالف إذا حنث يصوم إذا لم يجد الطعام أو الكسوة أو الرقبة، وقد سبق تقرير المسألة في المسألة رقم (1396) كما أشرت إليه آنفاً.(5/2340)
[1639-] قلت:1 سئل سفيان2 [ع-93/ب] يجزي القارن شاة؟
قال: نعم.
(قال أحمد) :3 بلى.4
قال إسحاق: لا يجزيه إلا الهدي يسوقه معه، فإن لم يفعل فهو متمتع، حكمه (كحكم) 5 المتمتع6 عليه ما استيسر من
الهدي.
__________
1 في ظ بزيادة "قال" بعد "قلت"، والأولى حذفها كما أثبته من ع، لاستقامة المعنى بذلك. ويجوز إثباتها، فيكون القائل هو الراوي عن سفيان.
2 هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ولد سنة 97هـ. روى عن أبيه وأبي إسحاق الشيباني وأبي إسحاق السبيعي وغيرهم، وعنه خلق كثير، منهم جعفر بن برقان، وخصيف بن عبد الرحمن من مشايخه، والأوزاعي، ومالك وزهير بن معاوية. قيل عنه: إنه أمير أهل الحديث، وقال ابن المبارك كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان. توفي رحمه الله سنة 161.
[] تهذيب التهذيب 4/111-115، الأعلام 3/104، طبقات ابن سعد 6/257، تاريخ بغداد 9/151، وفيات الأعيان 1/210.
3 في ع "قال الإمام أحمد".
4 قال ابن قدامة: "ولا نعلم في وجوب الدم على القارن خلافاً، إلا ما حكي عن داود" ا. هـ. المغني 497.
5 في ظ "حكم" بحذف الكاف الأولى.
6 لم يكن جواب الإمام إسحاق هنا عن ما يجزي القارن من الدم، وإنما كان جوابه عن حكم من لم يسق الهدي هل يصح منه القران أم لا؟ وقد سبق أن نص على ذلك في المسألتين (1578) ، (1605) حيث قال في الأولى: "أكرهه إلا بسوق"، وفي الثانية: "ولا يجوز القران إلا بسوق".(5/2341)
[1640-] (قلت) :1 سئل سفيان عن إنسان أخَّر الطواف إلى الإفاضة؟ 2
قال: يهريق دماً.
قال أحمد: ليس عليه شيء.
قال إسحاق: لا شيء عليه.3
[1641-] قلت: سئل [سفيان] 4 عن رجل طاف بالبيت ثم دخل الكعبة قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: لا بأس.
[قال أحمد: لا بأس] 5 به.
قال إسحاق: كما قال، لأنه ربما سهل عليه دخول الكعبة،
__________
1 في ع بزيادة "قال" أيضاً.
2 أي النفر من مكة.
3 سبق كلام الإمامين عن ذلك في المسألة (1449) في حكم تأخير الإفاضة عن يوم النحر.
4 ساقط من ظ، والأولى إثباته، كما في ع لأن في ذلك اتضاحاً أكثر، ولأنه قد ذكره في المسألتين السابقتين.
5 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما في ع، لأن السياق يتطلب ذلك.(5/2342)
حينئذ فله أن يغتنم ذلك.1
[1642-] قلت: سئل [سفيان] 2 عن محرم غطى رأسه وهو نائم ناسياً، فلم ير عليه (شيئاً) .3
[قال أحمد: ليس عليه شيء] 4
__________
1 قال ابن المنذر: "وقال الثوري لا بأس له إذا طاف أن يدخل الكعبة، فإذا خرج سعى، وبه قال أحمد وإسحاق" ا. هـ.
الإشراف ق 121 أ، وسبق حكم الصلاة في جوف الكعبة في المسألة (1547) .
2 ساقطة من ظ، وأكثر ما درج عليه المؤلف الإثبات كما في ع.
3 في ع "شيء"، والموافق لقواعد العربية ما أثبته من ظ، وعن قول سفيان هذا:
قال ابن قدامة في المغني 3/528: "وقال أحمد: قال سفيان ثلاثة في الجهل والنسيان سواء: إذا أتى أهله، وإذا أصاب صيداً، وإذا حلق رأسه". فمفهومه أنه لا شيء على الناسي فيما سوى ذلك، ومنه تغطية الرأس المنصوص عليه هنا. وانظر أيضاً: اختلاف العلماء ص 119.
4 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن السياق يتطلب ذلك، والمشهور في المذهب أن المتطيب أو اللابس ناسياً، أو جاهلاً لا فدية عليه. ونسب ابن قدامة ذلك إلى سفيان الثوري وإسحاق، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
أخرجه ابن ماجة في كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي 1/659.
وعن الإمام رواية: أنه تجب عليه الفدية، حكاها عنه الكوسج في المسألة الآتية برقم (1649) .
ونقلها ابن قدامة عن الثوري أيضاً.(5/2343)
قال إسحاق: كما قال، ليس عليه في الناسي [شيء] 1، والعامد عليه فدية2 [دون الدم] .3
[1643-] [قلت: سئل4 عن الرجل يتوضأ وهو محرم فيقع] 5 في يده الشعر، فلم ير عليه (شيئاً) .6
قال [أحمد] 7: ليس عليه شيء.8
__________
1 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
وانظر عن قول إسحاق المغني 3/528.
2 لنهيه صلى الله عليه وسلم عن لبس العمايم والبرانس.
المغني 3/302، المبدع 3/139، الكافي 1/406، الإنصاف 3/461، الشرح الكبير مع المغني 3/268.
3 ساقطة من ع.
4 أي سفيان.
5 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ لأن المعنى لا يستقيم بدونها.
6 في ظ "بأساً"، والأولى ما أثبته من ع بدليل نص أحمد عليها في الجواب، وموافقته لنص سفيان في المسألة السابقة.
7 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها كما في ع.
8 قال في الفروع 3/354: "وله تخليل لحيته ولا فدية بقطعه بلا تعمد" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الشرح الكبير 3/368، الإنصاف 3/460، ولم أقف على رأي سفيان وإسحاق في المسألة.(5/2344)
قال إسحاق: ليس عليه شيء كما قال.
[1644-] قلت: قال1 قلت: امرأة لم تقم عند الجمرتين أو (إحداهما) ؟ 2
قال:3 تطعم شيئاً، وأن تهريق دماً أحب إلي.
قال أحمد: إن أطعمت شيئاً فليس به بأس، وإن لم تطعم فليس عليها شيء.
قال إسحاق: كما قال.4
قال أحمد: لأن الوقوف (هناك) 5 سنة وليس من الفرض.6
__________
1 أي الراوي عن سفيان.
2 في ظ "أحدهما"، والموافق لقواعد العربية ما أثبته من ع.
3 أي سفيان، وانظر عن نص عبارته هذه المغني 3/477.
4 انظر عن قول إسحاق المغني 3/477.
5 في ع "هنالك"، وكلاهما يشار به إلى المكان البعيد، والإشارة في المسألة إلى الوقوف عند الجمرتين. شرح ابن عقيل 1/136.
6 كما سبق في التعليق على المسألة (1564) ، والوقوف عند الجمرتين الأولى والثانية مستحب للرجال والنساء، وتأتي مسألة نحو هذه المسألة برقم (1654) ، ومن ترك سنة من سنن الحج فلا شيء عليه. الإقناع 1/398، الفروع 3/529.(5/2345)
[1645-] قلت: [قال] 1 يشم المحرم الريحان؟
قال:2 أكرهه.
قال أحمد: (ليس) 3 من آلة (المحرم) 4 شم الريحان،5 ابن عمر كرهه.6
قال إسحاق: (تركه أحب إلي) 7، (وإن) 8 شم [لم] 9 يكن عليه فدية.
__________
1 ساقطة من ع، والموافق للسياق إثباتها، كما في ظ.
2 أي سفيان الثوري وحكى كراهة ذلك عنه ابن المنذر في الإشراف ق 114 أ.
3 في ظ "ليس هو" بزيادة "هو"، والأقرب حذفها كما في ع.
4 في ع "الإحرام".
5 أي ليس مما يباح استعماله للمحرم شم الريحان، وهذا في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد، والمذهب أنه يباح له ذلك، كما سبق بيانه في المسألة (1456) .
6 حكى الكراهة عن ابن عمر رضي الله عنهما: شمس الدين ابن مفلح في الفروع 3/377، وبرهان الدين بن مفلح في المبدع 3/147، وابن المنذر في الإشراف ق 114 أ.
7 في ع "تركه خير"، وسياق الإمام إسحاق هو ما أثبته.
8 في ع "فإن".
9 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن قول إسحاق يباح شم الريحان بلا فدية كما سبق في المسألة (1456) .(5/2346)
[1646-] قلت: سئل سفيان عن رجل جاوز الميقات فأهلّ، ثم جامع؟
قال: عليه أن يحج من قابل، وعليه بدنة، وليس عليه دم، لترك ميقاته، لأن عليه القضاء،1 فإن رجع إلى ميقاته فما أحسنه.
قال أحمد: عليه دم لتركه الميقات، ويمضي في حجته يصنع ما يصنع الحاج، (ويلزمه) 2 ما يلزم المحرم في كل ما أتى، لأن الإحرام عليه قائم وعليه حج قابل، والهدي.3
قال إسحاق: كما قال أحمد.4
__________
1 انظر عن قول سفيان المغني 3/217، الشرح الكبير 3/221، الإشراف ق 99 أ.
2 في ظ "ويلزم"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
3 من جاوز الميقات بدون إحرام ثم أفسد حجه، فالصحيح من المذهب كما في الإنصاف 3/430 أن الدم لا يسقط عنه، لأنه واجب عليه بموجب هذا الإحرام، فلم يسقط بوجوب القضاء كجزاء الصيد، وبهذا قال إسحاق.
ونقل عن الإمام أحمد: أنه يسقط بقضائه، وهو قول الثوري كما سبق قبل حاشية.
انظر: المغني 3/217، الشرح 3/221، المبدع 3/112، حاشية المقنع 1/395.
وراجع أيضاً مسألة رقم (1506) ما يجب على المجامع في الحج. ومسألة رقم (1586) من أفسد حجه بالجماع لزمه اجتناب ما يجتنبه قبله.
4 في ع بزيادة "رضي الله عنهما".
وانظر عن قول إسحاق المغني 3/217، الشرح 3/221، الإشراف ق 99 ب(5/2347)
[1647-] قلت: قال سفيان في مملوك جاوز (الميقات) 1 (بغير) 2 إحرام منعه مواليه أن يحرم حتى وقف بعرفة، قال: "يحرم مكانه وليس عليه دم، لأن سيده الذي منعه".3
قال أحمد: جيد،4 حديث أبي رجاء5 عن ابن عباس رضي الله عنهما.6
__________
1 في ظ "المواقيت"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
2 في ع "بعد" والصواب ما أثبته من ظ لأن المعنى لا يستقيم إلا به.
3 انظر عن قول الثوري. المغني 3/219.
4 إذا تجاوز المملوك الميقات بدون إحرام ثم عتق، يحرم وليس عليه دم على الصحيح من المذهب، كما في الإنصاف 3/427، لأنه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإحرام منه.
وعن الإمام أحمد رواية: أنه يلزمه دم. انظر أيضاً: المغني 3/219، المبدع 3/111.
5 هو عمران بن ملحان بكسر الميم وقيل بفتحها وسكون اللام، ويقال ابن تيم، ويقال ابن عبد الله العطاردي البصري. أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره. روى عن عمر وعلي وابن عباس وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: مخضرم ثقة، معمر مات سنة خمس ومائة وله مائة وعشرون سنة. وقال ابن سعد: كان ثقة في الحديث، وله رواية علم بالقرآن، أمّ قومه أربعين سنة. قال: وقال الواقدي عنه: توفي سنة سبع عشرة ومائة هجرية. تهذيب التهذيب 8/140، تقريب التهذيب 265، الاستيعاب [3/23-26،] طبقات ابن سعد 7/138-140، حلية الأولياء 2/304-309.
6 لم يذكر الإمام أحمد هنا حديث أبي رجاء عن ابن عباس، وإنما أشار إليه بسنده هذا، ولا يوجد في كتب السنة الستة كما في تحفة الأشراف 5/191 حديث عن أبي رجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أشبه من حديث: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية".
أخرجه البخاري في كتاب الفتن 8/87، وفي كتاب الأحكام 8/105.
والظاهر أن الإمام أحمد أخذ بعموم: "من رأى من أميره شيئاً يكرهه" وإن كان الحديث وارداً على من فارق الجماعة، ولا شك أن السيد أمير على عبده وزيادة، ومناسبة الحديث لمسألتنا أيضاً أنه منعه من الإحرام، فإن كرهه فليصبر. والله أعلم(5/2348)
قال إسحاق: كما قال [ظ-48/أ] .1
[1648-] قلت: قال سفيان: سمعنا أن (الحرم) 2 ميقات [أهل مكة] 3 فمن خرج من الحرم ولم (يهل) 4 أمرته أن يرجع، وأرى عليه إذا كان ذاك حدهم ما أرى على غيرهم إذا [جاوزوا] 5 الميقات.6
__________
1 انظر عن قول إسحاق المغني 3/219.
2 في ع "المحرم"، والصواب ما أثبته من ظ لأن المعنى لا يستقيم إلا به.
3 ساقطة من ع، والكلام لا يتم إلا بإثباتها كما في ظ.
4 في ع "تهل"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.
5 في ع "جاوز"، والصواب ما أثبته من ظ لموافقته للسياق.
6 فإن من تجاوز الميقات مريداً للنسك غير محرم فعليه أن يرجع ليحرم منه، بشرط أن لا يخشى فوات الحج، فإن رجع فلا شيء عليه.
وإن أحرم بعد تجاوز الميقات عليه دم رجع أو لم يرجع، على الصحيح من المذهب.
وعن الإمام أحمد رواية: يسقط الدم إن رجع إلى الميقات وهو قول سفيان.
[] انظر: المغني 3/216-217، الإنصاف3/429، المقنع بحاشيته 1/395، الإشراف ق98ب.(5/2349)
قال أحمد: ليس لهم حد محدود،1 إلا أنه أعجب إلى أن يحرموا من الحرم إذا (توجهوا) 2 إلى منى.
__________
1 في مسألة مهل المكي للحج روايتان عن الإمام أحمد:
إحداهما: هذه قال المرداوي في الإنصاف: "على الصحيح من المذهب، نقله الأثرم وابن منصور"، يعني بذلك رواية الكوسج هذه، لأن المقصود من الإحرام من مكة الجمع في النسك بين الحل والحرم، وهذا يحصل بالإحرام من أي موضع كان.
الثانية: يحرم من الحرم سواء كان مكياً أو غيره، إذا كان قد اعتمر، لحديث: "حتى أهل مكة يهلّون منها" وفي لفظ "حتى أهل مكة من مكة".
أخرجه مسلم في باب مواقيت الحج والعمرة 1/839. فمن أحرم من الحل وذهب إلى الموقف مباشرة ولم يمر بالحرم فعليه دم، لأنه لم يجمع في إحرامه بين الحل والحرم، وهو قول سفيان كما أجاب به في صدر المسألة.
قال عن هذه الرواية المرداوي: هذا المذهب، ولم يذكر ابن قدامة في المغني والمقنع غيرهما، ومما يرجح هذه الرواية الحديث الصحيح المتقدم، وهو نص في محل النزاع. والله أعلم.
[] المغني 3/212-213، الإنصاف 3/426، المقنع بحاشيته 1/394.
2 في ع "وجهوا"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.(5/2350)
قال إسحاق: كما قال أحمد،1 [ع-94/أ] فإن أخذوا بما روى ابن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم لأهل مكة التنعيم2 كان أفضل.3
[1649-] قلت: قال سفيان: إذا لبس قميصه عشرة أيام ناسياً لم أر عليه شيئاً.4
قال أحمد: أقول عليه [الكفارة.
__________
1 آخر الصفحة 183 من ع.
2 قال ابن قدامة في المغني 3/210 عن ذلك "قال ابن سيرين: "بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل مكة التنعيم"، وذكره عنه أيضاً أحمد البنا في الفتح الرباني 11/57.
3 ما ذكر الإمامان أحمد وسفيان ووافق عليه إسحاق أولاً هو محل الحاج إذا أراد أن يهل للحج، وهو من أي مكان من الحرم، ومرسل ابن سيرين وارد على مهل أهل مكة للعمرة، فلا يرد على من أراد أن يهل بالحج، وفرق بين مهل المكي للحج ومهله للعمرة، قال الخرقي: "وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل، وإذا أرادوا الحج فمن مكة".
[] انظر: الإنصاف 3/425-426، المغني 3/210-212، المقنع بحاشيته 1/394، وراجع أيضاً المسألة (1399) .
4 حكى ذلك عنه المروزي في اختلاف العلماء ص 119، وابن قدامة المغني 3/528. وسبق قوله أيضاً في المسألة (1642) ، وما أجاب به من عدم إيجاب الكفارة على من لبس ناسياً، وهو المشهور عند الحنابلة كما سبق في المسألة المذكورة.(5/2351)
قلت: كفارة واحدة؟
قال:] 1 كفارة واحدة ما لم يكفّر.2
قال إسحاق: ليس عليه شيء.3
[1650-] (قلت: قال سفيان: إذا وجد ريحه أو طعمه فلا أرى به بأساً) 4 إذا مسته النار.5
قال أحمد: ما يعجبني إذا كان يجد ريحه أو طعمه، إلا أن يكون
__________
1 ساقطة من ظ، والأقرب للسياق إثباتها كما في ع.
2 سبق في مسألة (1642) أن المشهور في المذهب أن من لبس ناسياً لا شيء عليه، فيما نقل عن الإمام أحمد هنا بلزوم الكفارة هي الرواية الثانية، كما سبقت الإشارة لذلك هناك. وسبق أيضاً أن من كرر محظوراً من جنس واحد أن عليه كفارة واحدة ما لم يكفر عن الأولى في المسألة (1634) .
3 حكى ذلك عنه ابن قدامة في المغني 3/528، وسبق قوله أيضاً في المسألة (1634) المشار إليها آنفاً.
4 في ع "قلت سئل سفيان إذا وجد ريحه أو طعمه أو ريحه (مرة أخرى) قال: لا أرى به بأساً"، والمعنى يستقيم بالعبارتين ما عدا تكرار أو ريحه، والضمير في قوله ريحه وطعمه يعود على المأكول الذي فيه طيب، وهو معهود في الذهن بالنسبة للمؤلف حيث سبق في المسألة (1462) بيان حكم أكل ما فيه طيب، وكررها هنا لعرض قول سفيان على الإمام أحمد، كما هي عادة المؤلف أن يذكر في آخر كل، باب أقوال سفيان، ويعرضها على الإمام أحمد ويأخذ جوابها.
5 انظر عن قول سفيان الثوري الإشراف ق 114ب.(5/2352)
شيئاً قليلاً.1
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[1651-] قلت:2 سئل سفيان عن رجل أهلّ لا يدري بحج أو (بعمرة) .3
قال: إذا كان لا يدري فأحب إلي أن يجمعهما جميعاً، فإن كان (هذا قد) 4 (أخذ به) 5 وإن كان هذا قد (أخذ به) .6
قال أحمد: وأنا أقول (إن) 7 كان أهل بحج فشاء أن (يجعله) 8 عمرة إذا قدم مكة فعل، [وإن] 9 كان أهلّ بحج (وعمرة) 10
__________
1 سبق تفصيل أكل ما فيه طيب في المسألة (1462) .
2 في ع بزيادة "لأحمد".
3 في ع "عمرة"، والأقرب للصواب ما أثبته من ظ.
4 في ع "فإن كان هذا كان قد" بزيادة كان.
5 في ع "أخذته"، والصواب ما أثبته من ظ لأن المعنى لا يستقيم إلا به.
6 في ع "أخذته"، والصواب ما أثبته من ظ لأن المعنى لا يستقيم إلا به.
7 في ع "وإن" بزيادة الواو.
8 في ظ "يجعلها"، والصواب ما أثبته من ع، لأن الضمير يرجع للحج وهو مذكر.
9 في ع بياض، والصحيح ذكرها كما في ظ، لأن السياق يتطلب ذلك.
10 في ع "أو عمرة" والصواب ما أثبته من ظ لأن السوق يكون بهما.(5/2353)
فلم يسق، فشاء أن يجعلها عمرة فعل.1
قال إسحاق: كما قال أحمد (لا بأس له) 2 أن يكون متمتعاً، حتى يأتي على الأمرين جميعاً، (فإذا) 3 كان نوى واحداً منهما كان قد بر.4
[1652-] قلت: (قال) 5 سفيان: إذا طاف الرجل بالصبي والمريض يجزي عنهما.6
__________
1 أي أن له في كلتا الحالتين جعل ما نواه عمرة، وفي مسائل أبي داود 124: سمعت أحمد سئل عن رجل لبى فنسي فلا يدري بحجة لبى أو بعمرة؟ قال: يجعلها عمرة ثم يلبي بالحج من مكة، لو أنه أهل بالحج فجعلها عمرة لم يكن به بأس، وهذا هو الصحيح من المذهب في أن من أحرم بنسك ونسيه جعله عمرة.
وعن الإمام رواية أن يصرفه إلى ما شاء. الإنصاف 3/450، الفروع 3/335، المغني 3/252، الشرح الكبير 3/252.
2 في ظ "لأنه نوى"، والأقرب للسياق ما أثبته من ع.
3 في ع "فإن".
4 أي أنه لا يخلو حال الناسي لنسكه من أن يكون أحرم بحج أو بعمرة، وأنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج يعتمر ويحج، ويكون حينئذ قد فعل ما نواه سابقاً، فتبرأ ذمته، وهو ما يؤدي إليه كلام الإمام أحمد، فإنه إذا اعتمر في الحج يصير متمتعاً.
5 في ع "قال سئل" بزيادة "سئل"، والصواب حذفها كما في ظ، لأن المعنى لا يستقيم إلا بذلك.
6 أي عن الحامل والمحمول.(5/2354)
قيل له: أليس ذاك إذا نوى؟
قال: (هل) 1 يستقيم إلا بالنية؟ 2
قال أحمد: نعم.
قلت: يجزي عنهما؟
قال: نعم.3
__________
1 في ع "و"، وتصح العبارة بهما.
2 قال ابن المنذر في الإشراف ق 119: "واختلفوا فيمن طاف بصبي ونواه بطوافه عنه وعن الصبي، فقال الثوري وأحمد وإسحاق: يجزيه إذا نوى ذلك" ا. هـ.
3 إن كان المحمول كبيراً حمل لعذر، فإن نويا جميعاً عنه وقع ما نوياه، وإن نويا عن الحامل وقع عنه، وإن نوى أحدهما عن نفسه ولم ينو الآخر وقع عن الناوي، وإن لم ينويا شيئاً أو نوى كل واحد عن صاحبه لم يقع شيء، وإن نوى كل واحد منهما عن نفسه فالصحيح من المذهب أنه يقع عن المحمول، وذكر المرداوي في الإنصاف وابن مفلح في المبدع احتمالاً لابن الزاغوني أنه يقع عنهما، قال ابن قدامة: "وهو قول حسن" ا. هـ.
وهذا موافق لرواية الكوسج هذه، ذكراه احتمالاً، ولم يتعرضا لرواية الكوسج هذه، ولم يذكرها ابن قدامة في المغني.
انظر: المغني 3/206، المبدع 3/219، الإنصاف 4/14.
فأما الصبي فإن نوى الحامل عن نفسه وعن الصبي وقع عن الصبي على الصحيح من المذهب، كالكبير يطاف به محمولاً لعذر وينوي كل واحد منهما عن نفسه، واقتصر عليه في المبدع. وذكر ابن قدامة في المسألة ثلاثة احتمالات فقال: "فإن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي احتمل وقوعه عن نفسه كالحج إذا نوى به عن نفسه وغيره، واحتمل أن يقع عن الصبي كما لو طاف بكبير ونوى كل واحد منهما عن نفسه لكون المحمول أولى، واحتمل أن يلغو لعدم التعيين لكون الطواف لا يقع عن غير معين" ا. هـ.
وجعل المرداوي الاحتمال الأول وجهاً في المذهب، ونحو ذلك في الفروع، ولم يتعرضوا-كما أشرت إليه-لرواية الكوسج هذه بأنه يجزي عنهما، ومما يؤكد هذه الرواية ما سبق ذكره عن ابن المنذر قبل حاشية.
انظر: المغني 3/205، الإنصاف 3/392، الفروع 3/216، المبدع 3/88، الإقناع 1/336.(5/2355)
قال إسحاق: كما قال (ولا بد) 1 من النية.2
[1653-] قلت: قال سفيان في رجل قدم مكة وقد فاته الحج: يطوف طوافين طوافاً لحجه وطوافاً لعمرته،3 وينحر وعليه الحج من
__________
1 في ع "لا بد" بحذف الواو.
2 انظر عن قول إسحاق الإشراف ق 119.
3 هذا قول سفيان الثوري إن كان فاته الحج قارناً، كما نصّ على ذلك في المسألة الآتية برقم (2038) ، ونسب إليه ذلك ابن قدامة في المغني 3/552، فيما إذا كان قارناً، ووجه قوله يطوف طوافين أنه يقول: يطوف ويسعى لعمرته، ثم لا يحل حتى يطوف ويسعى لحجه. أما إن لم يكن قارناً، فقوله كقول الإمامين أحمد وإسحاق بأنه يلزمه طواف واحد وسعي واحد.
قال ابن قدامة في المغني 3/550: "من فاته الحج يتحلل بطواف وسعي وحلاق، هذا على الصحيح من المذهب" إلى أن قال: "وهو قول مالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي" ا. هـ.(5/2356)
قابل، ويستحب أن ينحر من قبل أن يحل.
قال أحمد: طواف واحد يجزي عنه، وإن كان معه هدي نحره، وعليه الهدي من قابل.
قلت: هدي واحد؟
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال أحمد.1
[1654-] قلت: قال سفيان من رمى الجمرتين ولم يقم (عندهما) 2 فليذبح شاة أو يتصدق بصاع.
قال أحمد: لا (أعلم) 3 عليه شيئاً، ويتقرب إلى الله بما شاء [وقد أساء] .4
__________
1 سبق الكلام عما يفعله من فاته الحج في المسألة (1493) ، ولا يختلف الحكم في ذلك سواء كان قارناً أو لم يكن قارناً عند الإمامين أحمد وإسحاق.
2 في ع "عندها"، وقواعد العربية تقتضي ما أثبته من ظ.
3 في ظ "نعلم"، ولعل الصواب ما أثبته من ع، لأن أسلوب المؤلف في معظم المسائل اتباع الإفراد لا التعظيم، كما سيأتي قوله في المسألة (1663) : "ما أدري"، وفي المسألة (1695) : "ما أعرف هذا".
4 ساقطة من ع، والمعنى وقد أساء لتركه التي هي الوقوف عند الجمرتين، كما سبق في المسألتين (1564) ، (1644) .(5/2357)
قال إسحاق: كما قال أحمد.1
[1655-] قلت:2 قال سفيان: إذا أدركه المساء بغير منى في اليومين ثم أتى منى لحاجة بعدما أمسى بغيرها، فلا يرون عليه شيئاً.3
[قال] 4 قلت: يذهب؟
قال:5 نعم.
قال أحمد: إذا كان قد نفر قبل المساء ثم عاد إلى منى لحاجة له
__________
1 في ع بزيادة "رضي الله عنهما" وسبقت مسألة نحو هذه المسألة برقم (1644)
وانظر أيضاً: المسألة (1564) .
2 في ع يوجد قبل ذلك عبارة "آخر الجزء الرابع وأول الجزء الخامس بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، والظاهر أنها من الناسخ بدليل أن الكلام متصل بعضه ببعض، فيحتمل أن المراد بالجزء هو الجزء المنسوخ منه الكلام، ويأتي نحو ذلك عن نسخة ظ في أول الأيمان ص؟.
3 ممن لم يروا عليه شيئاً الإمام الشافعي ففي الأم 2/215: "لو خرج منها قبل أن تغيب الشمس نافراً ثم عاد إليها مارّاً أو زائراً لم يكن عليه شيء إن بات، ولم يكن عليه لو بات أن يرمي من الغد" ا. هـ.
4 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما في ع، والقائل هو الراوي عن سفيان.
5 أي سفيان.(5/2358)
فأدركه المساء بمنى فلينفر.1
قال إسحاق: كما قال، لما كان نفره حيث نفر أولاً، (فإنما) 2 قيل له3 يتعجل في اليومين قبل المساء، فإذا أمسى لم يكن له أن ينفر،4 فإذا كان نفر في الوقت الذي أمر فذاك نفره، ثم رجوعه إليه [ع-94/ب] لحاجة لم يضره ذلك، ورجع من ساعته ليلاً كان أو نهاراً.
[1656-] قلت: قال سفيان: من رمى قبل الزوال يعيد الرمي؟ 5
قال أحمد: نعم.
قال إسحاق: كما قال.6
__________
1 قال في المبدع 3/245: "فلو عاد فلا يضر رجوعه لحصول الرخص، وليس عليه رمي في اليوم الثالث، قاله أحمد" ا. هـ.
وذكر ذلك أيضاً المرداوي في الإنصاف 4/49.
2 في ع "وإنما"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.
3 في ع بزيادة "أن".
4 سبق في المسألة (1451) بيان أحكام النفر، وأن من أدركه المساء بمنى لزمه المبيت.
5 انظر عن قوله المغني 3/476 والإشراف ق 127أ.
6 سبق كلام الإمامين عن ذلك في المسألة (1438) .(5/2359)
[1657-] قلت: قال:1 ومن رمى (بالخذف) 2 والمَدَر3، لم يعد الرمي؟ 4
قال [أحمد] :5 لا أدري ما الحذف والمدر،6 (وإذا) 7 رمى بالتفاح أو بالنوى، أو ما أشبهه لا، حتى يرمي بالحصى.8
[قال إسحاق: لا يجزيه حتى يرمي بالحصى] 9 وما أشبه الحصى
__________
1 أي سفيان.
2 في ظ "الخذف"، بحذف الباء، والموافق للسياق إثباتها كما في ع. والخذف: الرمي بالحصى الصغار بأطراف الأصابع. لسان العرب 9/61، المصباح المنير 1/165، النهاية 2/16، وفي الأم للشافعي 2/214 "والخذف ما حذف به الرجل، وقدر ذلك أصغر من الأنملة طولاً وعرضاً".
3 المدر: قطع الطين اليابس، وفي المصباح المنير: المدر: جمع مدرة وهو التراب المتلبد. لسان العرب 5/162، المصباح المنير 2/566.
4 انظر عن قوله المغني 3/446.
5 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن في ذلك بياناً لمذهب الإمام أحمد، حيث إن ما قبله قول سفيان الثوري كما أسلفت في التعليق الأول في المسألة.
6 جعل ابن قدامة المدر مما لا يجوز الرمي به. المغني 3/446.
7 في ع "إن"، والأقرب للسياق ما أثبته من ظ.
8 لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بالحصى وأمر بالرمي مثل حصى الخذف، كما سبق في المسألة (1436) ، فلا يتناول غير الحصى، ويتناول جميع أنواعه. المغني 3/446.
9 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما في ع، لأن في ذلك إثباتاً لقول إسحاق وهو ما درج عليه المؤلف، ولأن هذا التعقيب من أسلوب إسحاق كما في بقية المسائل(5/2360)
إذا لم يجد الحصى.
[1658-] قلت: قال سفيان: فيمن نسي [رمي] 1 الجمار (أو) 2 تركه عمداً، فعليه كفارة واحدة؟ 3
(قال أحمد) :4 النسيان والعمد في هذا واحد، [عليه كفارة واحدة] .5
قال إسحاق: كما قال.6
__________
1 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها كما في ع، لأن فيها زيادة توضيح، ولموافقة الضمير في قوله "تركه".
2 في ظ "إن"، والصواب ما أثبته من ع، لأن مذهب سفيان التسوية بين العمد والنسيان في ترك رمي الجمار، فلا يستقيم الكلام إلا بما أثبته، ويؤيده وجود "نسي" قبل ذلك فلا يتناسب معها إلا "أو" المثبتة.
3 انظر عن قول سفيان الإشراف ق 128 أ.
4 في ع "قال أحمد رحمه الله".
5 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها كما في ع، لأن فيها زيادة إيضاح، وبيان أن الواجب في ذلك كفارة واحدة، كما سبق في مسألة رقم (1444) أن من نسي رمي جمرة أو أكثر عليه دم.
6 سبق كلام الإمامين أحمد وإسحاق عن ترك رمي الجمار أو نقصه في المسألة (1444) المشار إليها آنفاً.(5/2361)
[1659-] قلت: قال سفيان: في الذي يؤخر الرمي إلى الليل ناسياً أو متعمداً يهريق دماً.1
قال أحمد: قد غلط عليه، أما الناسي فأرجو أن لا يكون عليه (شيء) ،2 (لأنك) 3 تجد أقواماً رخصوا الرمي بالليل،4 (فأما) 5 العامد كأنه ترك الرمي أصلاً، وهو6 أسهل من المسألة الأولى7 التي نسي الجمار أو تركه.
قال إسحاق: كلما تركه ناسياً رمى [إذا] [ظ-48/ب] ذكر8 (وأما إذا تعمد) 9 تركه إلى الليل رمى وعليه دم.10
__________
1 حكى ذلك عنه ابن المنذر في الإشراف ق 128 أ.
2 في ع "شيئاً"، والصواب "شيء" كما أثبته لأنه اسم كان.
3 في ظ "لابل" والأقرب للسياق ما أثبته من ع.
4 وممن رخص بذلك أبو ثور كما في الإشراف ق 128 أ.
5 في ع "وأما"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.
6 أي من آخر الرمي إلى الليل.
7 هي المسألة السابقة، وكان أسهل، لأنه بقي له وقت يمكن أن يرمي فيه على قول بعض العلماء، ولم يقل الإمام أحمد بوجوب الكفارة عليه مراعاة للخلاف.
8 أي ولا دم عليه، ويرمي في وقت الرمي وهو بعد الزوال من الغد، وقد سبق قوله في المسألة (1443) أنه لا يرمي بالليل، وانظر أيضاً: الإشراف ق 128 أ.
9 في ظ "وإذا تعمد" بحذف "أما".
10 قال ابن المنذر في الإشراف ق 128: "وقال إسحاق: إذا تعمد تركه إلى الليل رمى وعليه دم" ا. هـ. ويرمي كما أشرت إليه آنفاً في وقت الرمي الذي هو بعد الزوال من الغد(5/2362)
[1660-] قلت: قال سفيان في رجل أمر رجلاً أن يرمي عنه وهو مريض فنسي [أن يرمي] 1 الذي أمر حتى رجع إلى مصره، قال: (على الذي أمر عن المريض دم) .2
قال أحمد: قد أساء المأمور، ولكن الدم على الآمر.3
قال إسحاق: كما قال.
[1661-] قلت: قال سفيان: من خرج ولم يودع (فإن) 4 عليه الكفارة،5 قال عباد بن كثير:6 ليس عليه
__________
1 ساقطة من ع، والأولى إثباتها كما في ظ، لأن في ذلك زيادة إيضاح.
2 في ع "على الذي أمر دم وعلى المريض دم".
3 قال المرداوي في الإنصاف 3/421: "ونقل ابن منصور إن أمر مريض من يرمي عنه فنسي المأمور أساء، والدم على الآمر" ا. هـ. وحكى ذلك أيضاً ابن مفلح في الفروع 3/254.
4 في ع "قال"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.
5 أي: دم، وانظر عن قول سفيان المغني 3/485، 487، المجموع 8/284.
6 هو: عباد بن كثير الثقفي البصري، روى عن أيوب السختياني ويحيى ابن أبي كثير وعمرو بن خالد. وروى عنه إسماعيل بن عياش والد راوردي، وأبو نعيم، وغيرهم. روى له أبو داود وابن ماجة. قال ابن المبارك: قلت للثوري: إن عباداً من تعرف حاله، وإذا حدث جاء بأمر عظيم، فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال: بلى. مات بعد الأربعين ومائة. تهذيب التهذيب 5/100، التقريب 163.(5/2363)
كفارة.1
قال أحمد: عليه دم.
قال إسحاق: كما قال أحمد.2
[1662-] قلت: سئل سفيان تسافر المرأة مع زوج ابنتها؟
قال: ما أرى [به] 3 بأساً.
قال أحمد: ما أرى به بأساً، ولكن لا يرى منها حرمة.4
__________
1 لم أقف على قوله.
2 سبق قول الإمامين أحمد وإسحاق في حكم طواف الوداع في المسألة (1498) .
3 ساقطة من ع، والأولى إثباتها كما في ظ.
4 قال ابن قدامة في المغني 3/190: "قال الأثرم سمعت أحمد يسأل: هل يكون الرجل محرماً لأم امرأته يخرجها إلى الحج؟، فقال: أما في حجة الفريضة فأرجو، لأنها تخرج إليها مع النساء ومع كل من أمنته، وأما في غيرها فلا" ا. هـ.
وقال أيضاً في ص 192: "قال أحمد: ويكون زوج أم المرأة محرماً لها يحج بها" وإلى أن قال: "وقال في أم امرأته يكون محرماً لها في حج الفرض دون غيره، قال الأثرم: كأنه ذهب إلى أنها لم تذكر في قوله: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الآية ا. هـ.
أي لم يستثنِ زوج البنت في إبداء الزينة له.
وقال شمس الدين بن مفلح في الفروع 3/238: "ونقل الأثرم في أم امرأته يكون محرماً لها في حج الفرض فقط" ا. هـ.
وحكى ذلك أيضاً المرداوي في الإنصاف 3/413 وانظر أيضاً: المبدع 3/100، المقنع بحاشيته 1/392، الإقناع 1/343، كشاف القناع 2/394، كشف المخدرات 169، الإنصاف 3/412.فقد ذكر أصحاب هذه الكتب أن من محارم المرأة زوج أمها وابن زوجها، ولم يذكروا زوج البنت.
أما الشيخ أحمد بن محمد النجدي فقد قال في جامع المناسك الثلاثة الحنبلية ص 41: "ويشترط في حق المرأة أن يصحبها محرم، وهو زوجها أو من يحرم عليها بنسب أو سبب كأخ وخال وزوج أم وبنت" ا. هـ.(5/2364)
قال إسحاق: كما قال، [و] 1 ليكونوا في رفقة معهم (نساء) 2، ولا يخلون بها.
[1663-] قلت: سئل سفيان عن امرأة طافت وهي حائض (الطواف) 3 الواجب، أو على غير وضوء أو جنب ثم رجعت إلى الكوفة، قال: تعود كما هي محرمة.
__________
1 الواو ساقطة من ع، والأقرب للسياق إثباتها كما في ظ.
2 في ع "ليلاً"، والسياق يقتضي ما أثبته من ظ.
3 في ع "طواف" بحذف الألف واللام.(5/2365)
قال أحمد: ما أدري،1 دعها.2
ثم قال: أما رجوعها إلى البيت فلا بد من الرجوع إليه، فتطوف إذا كانت قد طافت جنباً أو حائضاً.3
[1664-] قلت: فإن كان أصاب أهله؟
قال: ليس عليه شيء،4 ولم ير ما قال سفيان أن تعود كما هي محرمة.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
__________
1 أي: لا أعرف قول سفيان هذا، وإلا فقد أجاب الإمام أحمد رحمه الله في المسألة. ويحتمل أن المعنى: لا أعرف من أين قال سفيان تعود كما هي محرمة. ويأتي عنه ما يؤكد هذا المعنى في المسألة التالية.
2 في ع توجد عبارة بين "دعها" و"ثم" غير واضحة، أقرب ما تحمل عليه "تمر له". والمعنى مستقيم بدونها كما أثبته من ظ.
3 سبق في المسألة (1423) حكم الطواف على غير طهارة مفصلاً.
4 أي: إن طاف الرجل طواف الركن جنباً أو على غير طهارة، فذهب إلى بلاده فأصاب أهله، ليس عليه شيء، بمعنى: لم يفسد حجه وإنما وجب عليه دم.
قال ابن قدامة في المغني 3/493: "قال أحمد: من طاف للزيارة أو اخترق الحجر في طوافه ورجع إلى بغداد، فإنه يرجع لأنه على بقية إحرامه. فإن وطئ النساء أحرم من التنعيم" ا. هـ.(5/2366)
[1665-] قلت: قال سفيان: إذا لم تكمل سبعة1 فهي بمنزلة (من لم تطف تكون حراماً) 2 حتى ترجع، فتقضي حجة كانت أو عمرة.
قال أحمد: ما أحسن ما قال.
قال إسحاق: كما قال في السبعة الواجب.3
[1666-] قلت: سئل سفيان عن رجل حج عن رجل فأصابه أذى من رأسه أو تطيب أو لبس ثوباً أو أصاب صيداً، قال: ما جنى فهو عليه في ماله، وليس عليهم منه شيء وإن اشترطه عليهم.
قال أحمد: هو عليه ليس عليهم.4
__________
1 أي سبعة أشواط.
2 في ظ "من لم تكن حراماً"، والمعنى يستقيم بما أثبته من ع.
3 قال ابن قدامة في المغني 3/492: "طواف الزيارة ركن الحج لا يتم إلا به، ولا يحل من إحرامه حتى يفعله. فإن رجع إلى بلده قبله لم ينفك، ورجع متى أمكنه محرماً، لا يجزيه غير ذلك. وبذلك قال عطاء والثوري ومالك والشافعي وإسحاق"، ثم قال: "فإن ترك بعض الطواف، فهو كمن ترك جميعه".
وسبق أيضاً في المسألة (1496) أن الطواف الواجب لا بد من إتمامه، ولا يعذر أحد بتركه.
4 بين ابن قدامة في المغني أن ما لزم النائب المستأجر من الدماء فعليه، لأن الحج عليه، وكذا النائب غير المستأجر ما لزمه من الدماء بفعل محظور فعليه في ماله، لأنه لم يؤذن له في الجناية. وأطلق ذلك ولم يبين فيما إذا اشترط أو لم يشترط، والظاهر عدم اختلاف الحكم كما نص عليه الإمامان سفيان وأحمد، لما يأتي في التعليق الذي بعد الحاشية التالية.(5/2367)
قلت: [وإن اشترطه عليهم؟
قال:] 1 وإن اشترطه، لا يدري (أيكون أم لا يكون) .2
قال إسحاق: كما قال [ع-95/أ] أحمد، إلا أن الشرط إن اشترطه على الذي يعطي3 الحج وكان متطوعاً عن الذي يحج عنه، فشرطه على الأمر جائز، وإن كان منفذاً عن ميت (فبما) 4 اشترط عليه، من مثل هذا لم ينتفع بشرطه.5
__________
1 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
2 في ع "يكون أو لا يكون"، والمعنى واحد، ووجه كونه لم ينفعه شرطه أنه شرط على مجهول فلا يجوز، لأنه لا يعلم هل يصيب شيئاً أم لا، فيكون شرطاً على غائب. ولم يفرق الإمام أحمد بين ما إذا كان الذي يحج عن غيره يحج عنه تطوعاً أو عن استئجار، وفرق بين ذلك الإمام إسحاق، فأجاز الشرط للأول دون الثاني، كما سيأتي.
3 بالبناء على المجهول، كما يتضح في التعليق الذي بعد الحاشية التالية.
4 في ظ "بما" بحذف الفاء.
5 أي إذا اشترط المتطوع على الذي يحج عنه أنه إن أصاب دماً فعليه، جاز ونفعه ذلك الشرط وكان الدم على الذي يحج عنه. وأما إذا اشترطه منفذ عن ميت بوصية أو اشترطه مستأجر، لم يجز ولم ينتفع بشرطه عند الإمام إسحاق. والله أعلم.(5/2368)
[1667-] قلت: قال سفيان: إذا قال الرجل: حجوا عني بألف درهم يحج بها رجال،1 وإذا قال: حجوا عني بألف درهم حجة، يحج عنه حجة، وما بقي يرد إلى الورثة.
قال أحمد: جيد.2
__________
1 أي يصرف المال كله في الحج، فإذا زاد عن حجة حج عنه بالمبلغ رجال. وإذا قيده كما في الصورة الآتية بحجة، يحج عنه حجة واحدة، والباقي يرد للورثة.
2 إذا أوصى الموصي أن يحج عنه بقدر من المال، كأن قال: حجوا عني بألف درهم، فالمذهب أنه يحج عنه بجميعه بقدر ما يبلغ من الحجج، لأنه وصى بجميعه في جهة قربة فوجب صرفه فيها.
قال ابن قدامة في المقنع: "وإن وصى أن يحج عنه بألف، صرف في حجة بعد أخرى حتى ينفذ، ويدفع إلى كل واحد قدر ما يحج به" ا. هـ.
وعنه رواية: تصرف في حجة، والباقي للورثة.
فإن لم تكف الألف، أو البقية بعد الإخراج، حج به من حيث بلغ، على الصحيح من المذهب، وقيل: يعان به في حجه.
[] المغني 6/560، الإنصاف 7/237-238، المحرر 1/387، المقنع بحاشيته 3/371، الهداية 1/223.
أما إن حدد ذلك كأن قال: حجوا عني بألف درهم حجة، فما نقل عن الإمام أحمد هنا، رواية قدمها أبو الخطاب في الهداية.
والمذهب وما عليه جماهير الأصحاب، كما في الإنصاف بأنه يدفع جميع المبلغ إلى من يحج عنه، وجزم به في المغني والمحرر، لأنه قصد إرفاقه بذلك.
الإنصاف 7/239، المغني 6/563، المحرر 1/387، الهداية 1/224(5/2369)
قال إسحاق: (كلما) 1 قال: حجوا عني فإنما يحج عنه برجال، إن احتمل [المال] 2 (حججاً) 3، فما فضل يصرف (في) 4 الحج أبداً، لما نوى الميت استغراق الألف في الحج، وإذا قال: حجوا عني (بألف) 5 حجة، فما فضل لا يكون أبداً راجعاً إلى الورثة [لما] 6 قال: الحجة (بألف) 7، فما فضل يجعل في مثله، يعان به (حاج) 8 [أو] 9 يحج [به] 10 من الموضع الذي بلغ.11
__________
1 في ظ "كما"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
2 ساقطة من ظ، وفي إثباتها كما في ع زيادة إيضاح، والمقصود بالمال الثلث فيما زاد عن حجة الإسلام.
3 في ع "حجاً"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.
4 في ظ "إلى"، والأقرب ما أثبته من ع.
5 في ع "بألف درهم".
6 ساقطة من ظ.
7 في ع "بألف درهم".
8 في ع "الحجاج". والموافق للسياق ما أثبته من ظ.
9 ساقطة من ع، والمقام يقتضي إثباتها كما في ظ.
10 ساقطة أيضاً من ع.
11 لم يفرق الإمام إسحاق بين الصورتين، فيرى أن الباقي يصرف في الحج أبداً، وقد حكي عنه ذلك أيضاً في المسألة الآتية برقم (1707) .(5/2370)
[1668-] قلت: وإذا قال: لفلان ألف درهم يحج بها، يعطى ألف درهم، فإن شاء حج وإن شاء لم يحج.
قال أحمد: لا، بل يحج عنه، وما فضل فهو له.1
قال إسحاق: كما قال، لأن الميت قد رضي بالفضل أن يكون له.2
[1669-] قلت:3 قال سفيان: إذا أعطى الرجل دراهم يحج (عن)
__________
1 قال ابن قدامة في المغني 6/564: "ولو قال المعين: اصرفوا الحجة إلى من يحج وادفعوا الفضل إلي لأنه موصى به إلي، لم يصرف إليه شيء، لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج، فإذا لم يفعل لم يوجد الشرط ولم يستحق شيئاً" ا. هـ.
وانظر أيضاً:: الإنصاف 7/240.
وقال ابن مفلح في المبدع 6/41: "فإن عينه فقال: يحج عني فلان بألف، صرف ذلك إليه" ا. هـ.
وحكى ذلك أيضاً ابن قدامة رحمه الله في المغني 6/563، وأبو الخطاب في الهداية 1/224.
2 علله ابن قدامة بنحو ذلك، فقال: "إذا أوصى أن يحج عنه بقدر من المال حجة واحدة، وكان فيه فضل عن قدر ما يحج به، فهو لمن يحج لأنه قصد إرفاقه بذلك " ا. هـ المغني 6/563.
3 في ع بزيادة "لأحمد".
4 في ظ "عنه"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع(5/2371)
إنسان فمات1 في بعض الطريق. قال: ينبغي له أن يوصي أن يحجوا عنه، فإن لم يفعل ترد الدراهم على الورثة2 وليس عليه شيء مما أنفق.
قال أحمد: ليس عليه شيء مما أنفق،3 ويحجوا بالباقي من (حيث بلغ) 4 هذا الميت.5
قال إسحاق: كما قال أحمد سواء
[1670-] قلت: قال سفيان: أكره أن يستأجر الرجل عن (أبويه) 6 يحج
__________
1 أي النائب.
2 لأنه أخذ الدراهم على أن يتم الحج، فموته قبل إتمامه يبقي ذلك ديناً عليه، فلزمه الوصية بوفائه. فإن لم يتم ذلك تعاد للورثة، لأنه حق لهم، حيث لم يتم إنجاز العمل المقابل لذلك وهو الحج.
3 لأن إنفاقه هذا في حال يصح له الإنفاق فيها، وما حصل من عدم تمكنه من إتمام الحج لا يملكه، وعلله ابن قدامة في المغني بأنه إنفاق بإذن صاحب المال، فلا يلزمه الضمان. المغني 3/181.
4 في ظ "مبلغ"، ويستقيم الكلام بالعبارتين، إلا أنه يتضح أكثر بما أثبته من ع.
5 لأنه سقط عنه بعض ما وجب عليه بفعل نائبه فلم يجب عليه ثانياً، العدة شرح العمدة ص 163، وانظر عن [] المسألة أيضاً المغني 3/181-182، الفروع 3/253، كشاف القناع 2/398.
6 في ع "والديه".(5/2372)
عنهما.
قال أحمد: نحن نكره هذا كله، إلا أن يعينه في الحج.
قال إسحاق: لا أرى استئجار حاج عن ميت أبداً، بل يعطى قدر ما يحج به عن الميت فيكون حجه كله منه،1 وما فضل رده حتى يصرفوه في مثله.2
[1671-] قلت: [قال:] 3 وإذا حج الرجل عن آخر أكره أن يأخذ ما فضل من حجه، شرطاً كان عليه أو غير شرط.
قال أحمد: يرد الفضل وأكره [له] 4 أن يأخذ الدراهم على أن يحج عن آخر، قيل له: (فكيف) 5 يصنع؟
قال: يجهز رجلاً [ظ-49/أ] يحج عنه.
قال إسحاق: إن فعل كما قال أحمد فحسن، وإن أعطوه حتى
__________
1 سبق تقرير مذهب الإمامين أحمد وإسحاق في الاستئجار على الحج في المسألة (1372) .
2 أي أن ما فضل عن تكاليف الحج مما قدر له يرده على الورثة، وينفقونه عنه مرة أخرى في حج، أو يحج به من حيث بلغ، كما سيأتي في المسألة
3 ساقطة من "ع"، والسياق يقتضي إثباتها، كما في ظ، ولأن بذلك يتعين كون القائل سفيان.
4 ساقطة من "ع".
5 في ع "كيف" بحذف الفاء.(5/2373)
يتجهز هو فلا بأس.1
[1672-] قلت: قال سفيان: إن شاء صام الثلاثة أيام (متفرقة) 2، والوصال أحب [إلي] .3
قال أحمد: لا بأس به متفرقاً.
قال إسحاق: كما قال، لما لم يسم الله عز وجل في كتابه متتابعاً.4
[1673-] قلت: قال سفيان فإن لم يصم في العشر فعليه دم؟ 5
__________
1 راجع عن قول الإمامين أيضاً المسألة (1372) .
2 في ظ "متفرقاً"، والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
3 ساقطة من ع.
4 المقصود بذلك قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} سورة البقرة آية 196.
فلم يذكر التتابع هنا.
وقال ابن قدامة في المغني 3/506: "ولا يجب التتابع، وذلك لا يقتضي جمعاً ولا تفريقاً. وهذا قول الثوري وإسحاق وغيرهما، ولا نعلم فيه مخالفاً" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الإنصاف 3/515، المبدع 3/177.
5 قال المروزي في اختلاف العلماء ص 122: "قال سفيان: إذا لم يجد المتمتع ما يذبح ولم يصم فإن الدم أحب إلي، ومنهم من يرخص يقول: يصوم بعد أيام التشريق" ا. هـ.(5/2374)
قال أحمد: يصوم أيام منى.
قال إسحاق: كما قال أحمد.1
[1674-] قلت: (سئل) 2 سفيان (عن) 3 رجل اشترى بدنة فنتجت؟
قال: إذا نحرها يبدأ بالأم ثم ولدها.
قال أحمد: لا تبالي [بأيهما] 4 بدأت.5
__________
1 سبق تفصيل قول الإمامين أحمد وإسحاق فيمن فاته صومها في العشر، وأن الراجح جواز صومها في أيام التشريق. وعلى الرواية بعدم جواز ذلك عن الإمام أحمد أيضاً روايتان في وجوب الدم عليه، سبق ذلك في المسألة (1490) .
2 في ظ "قال"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
3 في ظ "في"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
4 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
5 قال في المبدع 3/288: "فإن ولدت المعينة ذبح ولدها معها، سواء عينها حاملاً أو حدث بعده، لما روي عن علي أن رجلاً سأله فقال: "يا أمير المؤمنين إني اشتريت هذه البقرة لأضحي بها وإنها وضعت هذا العجل، فقال: لا تحلبها إلا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم الأضحى فاذبحها وولدها عن سبعة". رواه سعيد والأثرم. ا. هـ.
وانظر أيضاً: المغني 3/562، والشرح الكبير 3/564، المحرر 1/249.(5/2375)
قال إسحاق: (كما قال أحمد) .1
[1675-] قلت: (سئل) 2 سفيان (عن) 3 رجل نحر فلم يطعم منه حتى سرق؟
قال: لا أرى عليه شيئاً، إذا نحره فقد فرغ.4
قال أحمد: جيد.5
قال إسحاق: كما قال.
[1676-] قلت: سئل سفيان: عن رجل أهلّ بالحج والعمرة فقرن بين الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة؟ 6
__________
1 غير واضحة في ع، والأقرب لها "كل واسع"، والكلام مستقيم بما أثبته من ظ، وهو الموافق لما درج عليه المؤلف.
2 في ع "قال".
3 في ع "في"، والمناسب للسياق في العبارتين ما أثبته من ع.
4 انظر عن قول سفيان المغني 3/557.
5 قال في المقنع 3/289: "وإن ذبحها فسرقت فلا شيء عليه" ا. هـ.
وجزم بذلك في المغني والشرح، والمحرر.
وقال المرداوي في الإنصاف: هذا المذهب.
المغني 3/557، الشرح 3/569، المحرر 1/250، الإنصاف 4/93.
6 أي: جمع بين الطواف والسعي بأن طاف للحج والعمرة طوافاً واحداً ثم سعى لهما كذلك، ويتحقق ذلك فيها إذا طاف بعد الوقوف بعرفة ولم يكن قد طاف قبل ذلك. والله أعلم.(5/2376)
قال: يعيد.1
قال أحمد: طواف واحد يجزيه ولم ير ما قال سفيان.
قال إسحاق: كما قال أحمد [ع-95/ب] .2
[1677-] قلت: (قال) 3 سفيان في المحصر إذا حل، ثم جامع قبل أن يحلق أو أصاب صيداً: (ليس) 4 عليه شيء، [ليس] 5 هو بمنزلة النسك.6
__________
1 أي: لا بد من أن يطوف طوافين، طوافاً لعمرته، وطوافاً لحجه. انظر: اختلاف العلماء للمروزي ص 115 مخطوط.
2 سبق قول الإمامين أحمد وإسحاق رحمهما الله في المسألة (1403) أن القارن يجزيه طواف واحد وسعي واحد.
3 في ظ "سئل" والمناسب للسياق ما أثبته من ع.
4 في ع "فليس" بزيادة الفاء.
5 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
6 دل كلام سفيان على أنه لم يعتبر الحلق نسكاً، ومن اعتبره نسكاً لا يعتبر الحل بدونه.
قال ابن قدامة في المغني 3/375: "فيحصل الحل بشيئين: النحر أو الصوم والنية، إن قلنا الحلاق ليس بنسك، وإن قلنا هو نسك حصل بثلاثة أشياء الحلاق مع ما ذكرنا" ا. هـ.
فيدور الحكم هنا مع الخلاف في هل الحلاق نسك أم لا؟ فمن لم يعتبره نسكاً لم ير شيئاً فيما فعل قبله. وذهب إليه سفيان كما هو واضح في مسألتنا هذه.
وانظر أيضاً: المغني 3/458، الشرح الكبير 3/459.
ومن رآه نسكاً اعتبر ما يحصل قبله من المحظورات يجب فيه الكفارة، وهو ظاهر مذهب الحنابلة.
قال ابن قدامة في المغني 3/458: والحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة في ظاهر مذهب أحمد وقول الخرقي ا. هـ.(5/2377)
قال أحمد: نحن نكره له أن يحل إلا أن يكون إحصار عدو.
قال إسحاق: كما قال.1
[1678-] قلت: قال سفيان في الطيب كفارة، وفي الثياب كفارة، وفي الشعر كفارة؟
قال أحمد: جيد في كل واحد كفارة.
[قال إسحاق: كما قال] .2
__________
1 لم يتعرض أحمد وإسحاق لحكم المحصر إذا حل وجامع قبل أن يحلق، وإنما أجابا عما يكون به الإحصار، وقد سبق قولهما في ذلك في المسألة رقم (1494) .
2 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما في ع، لأن في ذلك إثباتاً لقول إسحاق، وقد درج المؤلف على ذلك، وسبق في المسألة (1558) تفصيل قول الإمامين أحمد وإسحاق فيمن فعل محظوراً من أجناس.(5/2378)
[1679-] قلت: قال سفيان إذا (قرن) 1 بين الحج والعمرة فأصاب شيئاً من طيب، أو شعر، أو لباس، فعليه كفارتان،2 ومن قال: طوافاً واحداً،3 فكفارة واحدة.4
[قال أحمد: عليه كفارة واحدة.
قال إسحاق: كفارة واحدة] 5، لا يكون حكمه أعظم من
__________
1 في ع "أقرن"، والصواب ما أثبته من ظ، لما سبق في التعليق رقم 1 على المسألة (1403) .
2 وذلك بناء على رأيه بأن عليه طوافين وسعيين، كما سبق في المسألة (1676) .
3 ممن قال يجزي القارن طواف واحد وسعي واحد: أحمد في المشهور عنه، وإسحاق، ومالك، والشافعي، وعطاء، وطاووس، ومجاهد.
وقد سبق قول الإمامين أحمد وإسحاق في ذلك في المسألة (1403) ، وانظر: أقوال بقية الأئمة: الكافي لابن عبد البر 1/334، المغني 3/494.
4 أي: من قال يجزي القارن طواف واحد وسعي واحد، يرى أنه إن ارتكب محظوراً يلزمه كفارة واحدة.
قال ابن قدامة في المغني 3/196: "وإن أفسد القارن نسكه بالوطء، فعليه فداء واحد، إلى أن قال: وسائر محظورات الإحرام من اللبس والطيب وغيرهما، لا يجب في كل واحد منها أكثر من فداء واحد، كما لو كان مفرداً. والله أعلم" ا. هـ.
راجع أيضاً المسألة (1581) .
5 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ(5/2379)
حكم الطواف، وإنما عليه طواف واحد.1
[1680-] قلت: قال سفيان: (نحن نقول) 2 إذا طاوعته امرأته فعلى كل واحد منهما كفارة،3 وإن باشرها وليس (عليهما) 4 ثوب (فعليهما) 5 فدية.
قال أحمد: أما في الوطء (فما) 6 أحسنه،7 وفي المباشرة
__________
1 كما سبق بيانه في التعليق الذس قبل الحاشية السابقة.
2 في ع "نقول نحن".
3 الجمهور أن الكفارة بدنة، وقال سفيان الثوري وإسحاق: "إنها بدنة، فإن لم يجد فشاة". المغني 3/316، 568، الإشراف ق 104 أ.
4 في ع "الضمير للواحدة وليس للمثنى".
5 الظاهر أنه يعني بذلك أنها إن كانت مطاوعة في المباشرة كان على كل واحد منهما فدية، قياساً على قوله في المجامعة المطاوعة في المسألة رقم (1682) .
6 في ع "ما" بحذف الفاء.
7 أي: ما أحسن قول سفيان في ذلك، وهذا من ألفاظ الإمام أحمد في الجواب، كما يقول أحياناً: جيد.
قال الخرقي في المختصر ص 70: "فإن وطئ المحرم في الفرج فأنزل أو لم ينزل، فقد فسد حجهما، وعليه بدنة إن كان استكرهها. وإن كانت طاوعته، فعلى كل واحد منهما بدنة" ا. هـ. وهو الصحيح من المذهب، وعنه رواية أنه يجزئهما هدي واحد، وأخرى أنه لا فدية عليها، كما سبق بيان ذلك في التعليق على المسألة (1504) ، وراجع المسألة (1635) عن حكم المكرهة.(5/2380)
عليهما دم.1
قال إسحاق: كما قال أحمد إذا أراد بالدم شاة.2
[1681-] قلت: قال سفيان: وأصحابنا يقولون: (إن) 3 قبّل فأمنى فبدنة، وإن قبّل فأمذى فبقرة، وإن قبّل [قبلة] 4 فلم يمنِ ولم يمذِ فشاة.5
قال أحمد: أرجو أن (يجزي عنه) 6 شاة يعني (في هذا
__________
1 أشار الإمام أحمد إلى أنه خالف سفيان في هذه المسألة، ولا يتأتى الخلاف من جهة قوليهما: "فدية" و"دم" لأن مؤداهما هنا واحد. قال في المقنع: " وما وجب للمباشرة ملحق بفدية الأذى" المبدع 1/182.
وانظر أيضاً: المغني 568، فيحمل قول الإمام أحمد هنا على أن عليهما دماً واحداً، ولو كانت مطاوعةً قياساً على إحدى رواياته في المجامعة المطاوعة كما في التعليق السابق، ويؤيده أيضاً موافقة إسحاق لأحمد القائل بهدي واحد ولو كانت مطاوعة في الجماع، كما سبق في المسألة رقم (1504) .
وبهذا يتضح الخلاف بين الإمامين سفيان وأحمد. والله أعلم.
2 وهو المراد. انظر: المغني 3/568، المبدع 3/182.
3 في ع "إذا".
4 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
5 انظر عن قول سفيان المغني 3/327.
6 في ع "يجزيه".(5/2381)
كله) .1
قال إسحاق: يجزيه شاة في كل واحدة من ذلك ما لم يكن (تعمد جماعاً) 2 دون الفرج، فإذا جامع دون الفرج فحكمه حكم المجامع في الفرج.
قال أحمد: لكن إن غشيها دون الفرج وجبت عليه بدنة، ولا أفسد الحج إلا بالتقاء الختانين،3 وكلما وقع على أهله ولم يرم الجمرة فعليه أن يأتي الحج من قابل.4
قال إسحاق: كما قال، إلا قوله "ما لم يجامع في الفرج" ما لم
__________
1 في ع "في كل هذا"، وهذه رواية عن الإمام أحمد، والمذهب أن من قبل زوجته أو باشرها فأمنى فعليه بدنة، كما سبق في التعليق على المسألة (1505) ، وأجاب بذلك أيضاً الإمام أحمد في المسألة (1633) .
2 في ظ "تعمد جماع". والأقرب ما أثبته من ع.
3 الفرق بين رأي الإمامين أحمد وإسحاق فيمن وطئ فيما دون الفرج، هو أن إسحاق يرى ذلك كالوطء في الفرج، يفسد الحج ويوجب عليه بدنة.
ويرى الإمام أحمد هنا أنه يوجب عليه بدنة ولا يفسد الحج، فإن الحج لا يفسد عنده إلا إذا مس الختان الختان.
وسبق له نحو هذا الجواب في مسألة رقم (1632) .
وعن الإمام أحمد رواية توافق ما ذهب إليه إسحاق، ويقول ابن قدامة عن الرواية الأولى وهي الصحيحة إن شاء [] الله. المغني 3/322-323.
4 راجع المسألة (1506) .(5/2382)
يكن جماعاً.1
[1682-] قلت: سئل سفيان عن المحرم يجامع [أهله] 2 في غير الفرج وينزل [قال] 3: يقولون: عليه بدنة، وتم حجه.4
قلت: فالمرأة؟
[قال:] 5 عليها دم إذا كانت تشتهي.
قيل له: فإن أنزلت؟
قال: عليها ما على الرجل.
قال أحمد: جيد.6
__________
1 أي أن الإمام إسحاق وافق الإمام أحمد فيما ذهب إليه، إلا قوله: "ما لم يجامع في الفرج"، ولم يقل الإمام أحمد ذلك نصاً، بل قاله معنى وهو قوله: "إلا بالتقاء الختانين"، فأتى بما هو أعم منه، وهو "ما لم يكن جماعاً"، أي يقول إسحاق: "لا أفسد الحج ما لم يكن جماعاً" أعم من أن يكون وطئا في الفرج، أو وطئا فيما دونه قصد به الجماع، كما وضحه أيضاً في المسألة التالية.
2 ساقط من ع.
3 زيادة يقتضيها السياق.
4 انظر عن قول الثوري الإشراف ق 105 أ.
5 ساقط من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
6 قال ابن قدامة في المغني 3/323: "والمرأة كالرجل في هذا كله إذا كانت ذات شهوة، وإلا فلا شيء عليها كالرجل إذا لم يكن له شهوة".
وانظر أيضاً: الإنصاف 3/525، وراجع المسألة السابقة (1681) في وجوب البدنة وعدم فساد الحج، ووجوب البدنة عليها إذا كانت تشتهي وأنزلت، كمسألة المرأة المجامعة المطاوعة السابقة برقم (1680) .(5/2383)
قال إسحاق: كما قال إذا لم يكن الجماع دون الفرج إنزالاً، فإن حكم ذلك والجماع واحد ما تعمد [ظ-49/ب] . 1
[1683-] قلت: سئل سفيان عن رجل أهلّ بعمرة في أشهر الحج ثم جامع أهله قبل أن يطوف بالبيت ثم أقام إلى الحج؟
قال: يحج [مع الناس] 2 وعليه دم لعمرته، لما أفسد من العمرة، وليس عليه دم للمتعة، لأنه (أفسد ما عليه قضاؤه لعمرته) .3
قال أحمد: بلى، عليه دم [المتعة، ودم] 4 لما أفسد من العمرة.5
__________
1 في ع "إذا تعمد".
كما بينه في المسألة السابقة (1680) .
2 ساقطة من ع.
3 في ع "أفسدها عليه قضاء لعمرة".
4 ساقطة من ظ، والسياق يقتضي إثباتها كما في ع.
5 المذهب أن المتمتع إذا أفسد عمرته يجب عليه دم لإفساده لعمرته، ولا يسقط عنه دم التمتع، لأنه دم وجب عليه، فلا يسقط بالإفساد.
وعن الإمام أحمد رواية توافق ما نقل عن سفيان هنا، وهي أن دم المتعة يسقط عنه، لأنه لم يحصل له الترفه بسقوط أحد السفرين.
المغني 3/515، الفروع 3/394، الإنصاف 3/498.(5/2384)
قال إسحاق: كما قال.
[1684-] قلت:1 قال سفيان في رجل حج ثم ارتد ثم أسلم قال: يستأنف الحج، لا تجزيه حجته تلك.2
قيل له: فإن أصاب في حجته تلك ما يجب عليه من كفارات ثم ارتد ثم أسلم، ترى عليه كفارة؟.
(فقال) :3 لا، كل شيء عمله وهو مسلم من الفرائض ثم ارتد فليس عليه قضاء، يستأنف إذا أسلم، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُك} .4
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد".
2 سبق في المسألة (1584) قول الإمامين أحمد وإسحاق في إجزاء حجته أو عدم إجزائها، وأنها تجزيه على المذهب عند الحنابلة.
3 في ع "قال" بحذف الفاء.
4 سورة الزمر آية 65، فإذا ارتكب شيئاً فارتد ثم أسلم، لم يكن عليه أداؤه إلا في حقوق الآدميين. ونقل ابن قدامة عن الثوري أنه يذهب إلى أن من أصاب حداً ثم ارتد ثم أسلم درئ عنه الحد، إلا حقوق الناس، لأن ردته أحبطت عمله فأسقطت ما عليه من حقوق الله تعالى، كمن فعل ذلك في حال شركه، ولأن الإسلام يجب ما قبله. المغني 10/؟.(5/2385)
قال أحمد: كل شيء وجب عليه وهو مسلم فهو عليه، لا بد له من أن يأتي به.1
قال إسحاق: كما [ع-96/أ] قال أحمد، لأن ارتداده لا يخفف عنه فرضاً كان لزمه في إسلامه.
[1685-] قلت: قال سفيان: (إذا) 2 لمس من شهوة فعليه دم.3
قال أحمد: جيد.4
قال إسحاق: كما قال.
[1686-] قلت: قال سفيان في رجل قارن (قدم مكة) 5 فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة لعمرته ثم جامع قبل أن يأتي منى، عليه
__________
1 المرجع السابق.
2 في ظ "إذا لم " بزيادة "لم"، والسياق يقتضي حذفها كما في ع.
3 هذا إذا لم ينزل. المغني 3/327.
4 هذا إذا لم ينزل أيضاً، أما إذا أنزل فعليه بدنة.
وقد سبق تفصيل ذلك في المسألة (1505) ، (1585) .
5 في ظ "مدين"، والصواب ما أثبته من ع، لأن الكلام لا يستقيم إلا به.(5/2386)
شاة لعمرته وينحر بدنة لحجه، وعليه الحج من قابل.1
قال أحمد: إن كان نوى بطوافه أن يحل من حجه ومن عمرته فقد حل، إذا هو قصر أو حلق.2
قلت: وله أن يحل (منهما) 3 إذا قرن؟
قال: نعم إذا لم يسق (ولا بد له) 4 من أن يهلّ بالحج في عامه ذلك، [وليس عليه شيء إذا وطئ بعد الحلق] 5 (وليس) 6 عليه لعمرته شيء على قولنا7، لأن العمرة إنما هو الطواف
__________
1 لأن القارن يبقى على إحرامه كالمفرد، ولا يحل إلا بعد رمي جمرة العقبة والحلق، فإذا جامع قبل أن يأتي منى فقد أفسد حجه وعليه بدنة، ويجب عليه القضاء، كما سبق تفصيل ذلك في المسألة (1504) .
2 لأنه إن نوى ذلك أصبح متمتعاً، والمتمتع إذا طاف وسعى للعمرة حل له كل شيء حتى النساء، لما جاء في حديث جابر المشهور في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم "فلما قدمنا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحل. قال: أحلوا وأصيبوا من النساء". الشرح الكبير 246.
3 في ظ "منها"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
4 في ظ "لا بد" بحذف الواو و"له"، والأقرب للسياق ما أثبته من ع.
5 ساقطة من ظ، وفي إثباتها زيادة فائدة.
6 في ع "فليس".
7 أي إذا نوى بطوافه أن يحل كما سبق في التعليق على قول الإمام أحمد: (إذا كان نوى بطوافه أن يحل) في المسالة.(5/2387)
بالبيت، وعليه دم إن (عجل) 1 به العام، وليس عليه في قابل، وعليه أن يحج ويعتمر من قابل.2
[1687-] قلت: فإن أهل بحج وساق، أله أن يفسخه ويجعله عمرة؟
قال: لا.
قال إسحاق: كما قال.3
[1688-] قلت: محرم تزوج؟
قال أحمد: يفرق بينهما.
__________
1 في ع "تعجل".
2 هكذا في المخطوطين، ولا يظهر لي معنى ذلك، والظاهر والله أعلم أنه سقط بعض الكلام، وأن الذي عليه الحج والعمرة من قابل هو الذي في الصورة المقابلة. فقول الإمام أحمد: وهو القارن الذي ساق الهدي أولم يسق الهدي ولكن لم ينو أن يحل فجامع بعد الفراغ من أعمال العمرة، وهو ما يفهم من كلام الإمام أحمد.
ويحتمل أن يكون ما بين القوسين قطعة من كلام ساقط لإسحاق مع ذكره، فإنه لم يذكر له في المسألة قولاً، خلافاً لما درج عليه المؤلف من ذكر أقواله، فيمكن أن يكون قول إسحاق نحو ما يلي: "قال إسحاق: كما قال، وإن كان ساق الهدي أولم يسق ولكن لم ينو أن يحل، فجامع بعد أعمال العمرة، كان عليه دم، وعليه أن يحج ويعتمر من قابل".
3 سبق تقرير ذلك في المسألة (1377) .(5/2388)
قال إسحاق: كما قال، لما صحّ نهي النبي صلى الله عليه وسلم، وفرق بينهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه.1
[1689-] قلت: قال سفيان في رجل أرسل كلبه في الحل على [شيء] 2 فطرده حتى دخل الحرم فأخذه: (ليس) 3 عليه شيء، ليس هو بمنزلة يده.
قال أحمد: كما قال.
قال إسحاق: كما قال.4
[1690-] قلت: قال: لو رمى شيئاً في الحل (فدخلت) 5 رميته الحرم فأصابت شيئاً ضمن، لأن يده التي جنت.
قال أحمد: ما أحسن ما قال.
__________
1 سبق بيان حكم النكاح للمحرم، وتخربج ما صحّ من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وتفريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسألة (1472) ، وانظر أيضاً: مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح ص 169.
2 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثابتها كما في ع.
3 في ع "قال: ليس" بزيادة قال، والمقام لا يتطلبها، كما أثبته من ظ.
4 سبق بيان الحكم في المسألة (1610) .
5 في ظ "فدخل"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.(5/2389)
قال إسحاق: كما قال.1
[1691-] قلت:2 قال سفيان: إذا طردت في الحرم شيئاً فأصابه شيء قبل أن يقع أو حين (يقع) 3 ضمنت،4 وإن وقع من ذلك المكان إلى مكان آخر فليس (عليك) 5 شيء.6
قال أحمد: جيد.7
قال إسحاق: كما قال.
[1692-] قلت:8 قال سفيان في شجرة أصلها في الحرم وأغصانها في الحل
__________
1 قال ابن قدامة في المغني 3/362: "وإن رمى من الحل صيداً في الحل فقتل صيداً في الحرم فعليه جزاؤه، وبهذا قال الثوري وإسحاق" ا. هـ.
2 في ظ بزيادة "لأحمد".
3 في ع "وقعت"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
4 لأن في تنفيره تسبباً في إتلافه، فأشبه ما لو أتلفه في شبكة. المغني 3/363.
5 في ظ "عليه"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
6 لأنه لم يكن سبباً في إتلافه. المرجع السابق.
7 قال ابن قدامة في المغني 3/364: "إن سفيان قال إذا طردت في الحرم شيئاً فأصابه شيء قبل أن يقع أو حين وقع، ضمنت. وإن وقع من ذلك المكان إلى مكان آخر، فليس عليك شيء. فقال أحمد: جيد".
8 في ظ بزيادة "لأحمد".(5/2390)
فوقع على أغصانها طير فرماه إنسان (فصرعه) :1 ليس عليه شيء لأن الطير في الحل، ولا تقطع أغصانها التي في الحل.2
قال أحمد: عليه جزاؤه، لأن أصلها في الحرم3.
قال إسحاق: كما قال، لأن (الأغصان) 4 تبع للأصل أبداً.
[1693-] قلت: وقال: شجرة أصلها في الحل وأغصانها في الحرم وعليها
__________
1 في ظ "فضربه"، والموافق للمقام ما أثبته من ع، ويؤيده وروده كذلك في المسألة التالية.
2 لأن الأغصان تابعة للأصل. المغني 3/368، ويظهر أن الإمام سفيان فرق بين الصيد والقطع في تبعية الغصن للأصل، فتتبع الأغصان الأصل في القطع دون ما وقع عليها فيعتبر فيه محله. ووافقه الإمامان أحمد في رواية وإسحاق في القطع، وأما في الصيد فراعيا جانب الاحتياط وأوجبا فيه الضمان، ولو كان على غصن في الحل أصله في الحرم كما يتضح في المسألة التالية.
3 من قتل صيداً على غصن في الحل أصله في الحرم، في ضمانه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله:
إحداهما: يضمن، وهي ما نقلها الكوسج هنا عنه وعن الإمام إسحاق. وحكاها أيضاً عنهما ابن قدامة في المغني.
الثانية: لا يضمن، قدمها في المغني، وهي المذهب وعليه أكثر الأصحاب، كما في الإنصاف، وهي قول الإمام سفيان كما حكاه عنه الكوسج هنا، وابن قدامة في المغني 3/361، الإنصاف 3/549، المقنع بحاشيته 1/437.
4 في ع "أغصانها"، والأقرب لموافقة السياق ما أثبته من ظ.(5/2391)
طير فرماه إنسان فصرعه.
قال: ما كان في الحل فليرم وما كان في الحرم فلا يرم.1
قال أحمد: ما أحسن ما قال.2
قال إسحاق: كما قال،3 فإن أصاب (الأغصان) 4 التي في الحرم [لم] 5 يكن عليه شيء، لأنها تبع للأصل [ع-96
__________
1 أي يضمن والحالة هذه، حيث إن الطير على الغصن الذي هو في الحرم، فعليه الضمان. ويؤيده ما سبق من رأيه في المسألة السابقة من أن من قتل طيراً على غصن في الحل أصله في الحرم لا يضمن، فالاعتبار عنده ما عليه الصيد بدون نظر إلى الأصل. وانظر عن قوله في المسألة المغني 3/360.
2 فيمن قتل طيراً على غصن في الحرم أصله في الحل روايتان أيضاً عن الإمام أحمد رحمه الله:
إحداهما: أنه يضمن، نص عليها في مسائل صالح، وهي المذهب وعليها أكثر الأصحاب كما في الإنصاف. وقال عنها في المقنع: أصح الروايتين، وبهذا قال الثوري كما في التعليق السابق، وأجاب بذلك الإمام أحمد في هذه المسألة، ووافقه عليه الإمام إسحاق.
الثانية: لا يضمن.
[] انظر: المغني 3/360-361، المقنع بحاشيته 1/436، الإنصاف 3/548، مسائل صالح ص 163.
3 أي يضمن الطير لأنه في الحرم.
4 في ظ "للأغصان".
5 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما في ع، والسياق يدل عليه، وقوله "يكن" دال أيضا على سقوط "لم".(5/2392)
ب] .1
[1694-] قلت: سئل سفيان عن صيد رُمي في الحل، فتحامل فدخل (في الحرم) 2 فمات؟
قال: ليس عليه فيه كفارة، ويكره أكله، لأنه مات في الحرم.
قال أحمد: ما أحسن ما قال.
قال إسحاق: كما قال، لأن الإرادة مضت فيه في الحل [ظ-50/أ] .3
__________
1 بين الإمام إسحاق رحمه الله أن من قطع الغصن الذي في الحرم الذي وقع عليه الطير لم يكن عليه شيء، لأنه تبع لأصله الذي في الحل، وهذه رواية عن الإمام أحمد. المغني 3/368.
2 في ظ "الحرم" بحذف "في"، وفي إثباتها كما في ع موافقة لما قبله "في الحل".
3 المعنى: أي لأن قصد رمي الصيد كان في الحل.
قال ابن قدامة في المغني 3/367: "ولو رمى الحلال من الحل صيداً في الحل فجرحه، وتحامل الصيد فدخل الحرم فمات فيه، حل أكله ولا جزاء فيه لأن الذكاة حصلت في الحل، فأشبه ما لو جرح صيداً ثم أحرم فمات الصيد بعد إحرامه، ويكره أكله لموته في الحرم" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الشرح 3/363، الإنصاف 3/552.(5/2393)
[1695-] [قلت: قال سفيان له إذا أحرم الرجل في بيته صيد فهو ضامن له.
قال أحمد: "ما أعرف هذا"، كالمنكر لما قال.1
قال إسحاق: كلما أحرم وفي يده صيد فعليه إرساله، فأما في البيت فلا يضر] .2
[1696-] قلت: قال سفيان فيمن طاف يوم النحر (لم ينو به طواف) 3 الزيارة يجزيه منه.4
قال أحمد: معاذ الله، لا يجزيه إلا بالنية.5
__________
1 وبين ابن قدامة في المغني أن من ملك صيداً في الحل فأدخله الحرم أو أحرم بالنسك، لزمه رفع يده عنه وإرساله. فإن تلف في يده أو أتلفه فعليه ضمانه. المغني 3/359.
2 هذه المسألة بتمامها ساقطة من ظ، وسبق في المسألة (1518) ، أن إسحاق ممن كره إدخال الصيد في الحرم.
3 في ع "لم ينو بطواف"، والموافق لقواعد العربية والسياق ما أثبته من ظ.
4 حكى ذلك عنه ابن قدامة في المغني 3/466.
5 لأن النية شرط من شروط الطواف لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنما الأعمال بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى".
أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور 7/237، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صلاة، ولا تصح الصلاة إلا بالنية.
المغني 3/466، الشرح 3/402، الإنصاف 4/19.(5/2394)
قال إسحاق: كما قال أحمد، لأنه واجب به يتم الحج (ولا تقضى) 1 المكتوبات إلا بالنية.2
[1697-] (قلت: قال) :3 (سئل) 4 سفيان عن السنور5 الأهلي؟
قال: ليس فيه حكومة، وإن لم يكن أهلياً ففيه حكومة.
قال أحمد: أهلي وغير أهلي فيه حكومة.6
__________
1 في ع "لا تقضى" بحذف الواو.
2 انظر عن قول إسحاق في عدم إجزاء الطواف بدون نية. المغني 3/466.
3 في ع "قال قلت".
4 في ع "سألت"، وما أثبته من ظ هو ما درج عليه في جميع المخطوطة.
5 السنور: الهر.
6 قال شمس الدين بن مفلح في الفروع 3/427: "ونقل ابن منصور في السنور أهلياً أو برياً حكومة" ا. هـ.
وقال ابن قدامة في المغني 3/533: "واختلفت الرواية في السنور أهلياً كان أو وحشياً، والصحيح أنه لا جزاء فيه، وهو اختيار القاضي، لأنه سبع وليس بمأكول.
وقال الثوري وإسحاق في الوحش حكومة، ولا شيء في الأهلي، لأن الصيد كان وحشياً ا. هـ.
وانظر أيضاً: المبدع 3/49، الإنصاف 3/538.(5/2395)
قال إسحاق: كما قال سفيان،1 لما يلزم حكومة المحرم فيما يصيب في غير (الأهلي) .2
[1698-] قلت: سئل سفيان: أرأيت إن كثر عليه القمل، أترى أن يلقيها ويكفّر؟
قال: نعم.
قال أحمد: جيد.3
قال إسحاق: كما قال،4 لأن الله عز وجل لم يأمره بتعذيب نفسه.5
__________
1 كما سبق تقرير ذلك في التعليق السابق.
2 في ع "أهلي".
3 رمي القمل كقتله، قال ابن قدامة في المغني 3/267: "ولا فرق بين قتل القمل أو إزالته بإلقائه على الأرض" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الفروع 3/357، الإنصاف 3/487، وسبق في المسألة (1516) أن في قتل المحرم للقمل روايتين عن الإمام أحمد:
إحداهما: لا جزاء عليه، وهي المذهب.
والثانية: عليه الجزاء، فيوافقها ما نقله عنه الكوسج هنا.
4 نسب ابن قدامة في المغني إلى إسحاق أنه يقول فيمن قتل القمل عليه تمرة فما فوقها. المغني 3/268.
5 قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} البقرة 286.(5/2396)
[1699-] قلت: قال سفيان في رجل أصاب صيداً وعنده طعام لا يتم جزاء الصيد: صام، لا يكون بعضه (صوماً) 1 وبعضه (طعاماً) 2، يكون صوماً.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال.3
[1700-] قلت: [سئل سفيان] : 4 أرأيت إن كان جزاؤه مداً أو
__________
1 في ع "صوم"، وقواعد العربية تؤيد ما أثبته من ظ.
2 في ع "طعام"، وقواعد العربية تؤيد ما أثبته من ظ.
3 أي من أصاب صيداً والطعام الذي عنده لا يكفي لجزائه، فإنه يصوم ويترك الطعام، ولا يصوم عن بعض ويطعم عن البعض الآخر.
قال ابن قدامة في المغني 3/545: "ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعض، نص عليه أحمد، وبه قال الشافعي والثوري وإسحاق وأبو ثور وابن المنذر، إلى أن قال: لأنها كفارة واحدة، فلا يؤدي بعضها بالإطعام وبعضها بالصيام كسائر الكفارات".
وقال المرداوي في الإنصاف 3/512: "ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعضه، نص عليه، ولا أعلم فيه خلافاً" ا. هـ.
وانظر أيضاً: المبدع 3/174، الفروع 3/432، الإشراف 39 ب.
4 ساقط من ظ، والموافق للسياق إثباتها كما في ع(5/2397)
نصفا؟ 1
قال: يصوم يوماً.2
قال أحمد: لا بد من تمام يوم.3
قال إسحاق: كما قال.
[1701-] قلت:4 سئل سفيان عن الضفدع؟
قال: فيه حكومة.
[قال أحمد: لا أعرف فيه حكومة، من أين يكون فيه حكومة] 5؟ قد نهي عن
__________
1 أي: إن كان جزاء الصيد المقتول بعد تقويمه لم يبلغ ما يعدل صيام يوم، أو بقي منه ما لا يعدل يوماً.
2 وكذلك لو بقي من الطعام ما لا يعدل يوماً، فإنه يصوم عنه يوماً.
3 قال المرداوي في الإنصاف 3/512: "لو بقي من الطعام ما لا يعدل يوماً، صام عنه يوماً. نص عليه. لأنه لا يتبعض" ا. هـ.
وانظر أيضاً: المغني 3/544، الفروع 3/432، المبدع 3/174.
وسبق في المسألة (1590) مقدار الطعام الذي يعدل صيام يوم.
4 في ظ بزيادة "لأحمد".
5 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها كما في ع، لأن في ذلك بيان قول الإمام أحمد في المسألة، وهو ما درج عليه المؤلف.
وفي تقرير قول الإمام أحمد قال المرداوي في الإنصاف 3/485: "قال الإمام أحمد: لا فدية في الضفدع. وقال في الإرشاد: فيه حكومة" ا. هـ.(5/2398)
قتله.1
[قال إسحاق: كما قال أحمد] .2
[1702-] قلت: سئل سفيان عن المغمى عليه هل يلبى عنه؟ 3
قال: أرى أن يمضي، فإذا أفاق لبى، فإن كان عليه أيام يرجع [رجع، فإن لم يكن عليه أيام يرجع] 4 لبى، وأهراق دماً
__________
1 وذلك ما روى النسائي عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيباً ذكر ضفدعاً في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله. سنن النسائي كتاب الصيد والذبائح، باب الضفدع 6/210.
ونقل عبد الله عن أبيه في المسائل برقم 1015 ص 271 تحريم أكل الضفدع، وعلل الإمام أحمد هنا عدم وجوب الجزاء في قتل الضفدع بالنهي عن قتله، وذلك يدل على أن الضفدع ليس من الصيد المباح أكله، فلا يجب فيه الجزاء، لأن من شروط وجوب جزاء الصيد أن يكون الصيد مباحاً أكله.
[] انظر: المغني 3/532-534، 11/84.
2 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها كما في ع، لأن ذلك بيان قول الإمام إسحاق، وهو ما درج عليه المؤلف من ذكر قوله بعد قول الإمام أحمد.
3 أي: يحرم عنه وينوى عنه الحج؟
4 ساقطة من ظ، والسياق يقتضي إثباتها كما في ع.(5/2399)
ومضى.1
قال أحمد: جيد، وإن وقف بعرفة وهو مغمى عليه فليس له حج، إلا أن يفيق قبل طلوع الفجر.2
قلت: قيل لسفيان: فإن لم (يفق) ؟ 3
قال: ما أرى أن يلبى عنه،4 ليس هو بمنزلة الصبي.5
قال أحمد: جيد.6
__________
1 انظر عن قول سفيان: الإشراف ق 140 أ.
والمعنى والله أعلم أنه يمضي في سفره وهو مغمى عليه، فإن أفاق وكان لديه وقت متسع بأن يرجع ويلبي من الميقات فعل ولا شيء عليه، وإلا لبى بعد إفاقته وأهرق دماً لمجاوزته الميقات بدون إحرام.
2 روى عنه ذلك ابناه: صالح في المسائل ص 19، وعبد الله في المسألة 889 ص 39، وانظر أيضاً: المغني 3/205.
3 في ع "يفيق"، وقواعد العربية تقتضي ما أثبته من ظ.
4 قال في المجموع 7/38 "اتفق أصحابنا والعراقيون والخراسانيون وغيرهم أن المغمى عليه ومن غشي لا يصح إحرام وليه عنه، لأنه غير زائل العقل".
5 فإن الصبي يحرم عنه وليه إن كان غير مميز. قال ابن قدامة: "الصبي حجه فإن كان مميزاً أحرم بإذن وليه، وإن كان غير مميز أحرم عنه وليه فيصير محرماً بذلك" ا. هـ.
المغني 3/203، وانظر أيضاً: الشرح الكبير 3/163.
6 قال ابن قدامة: "إذا أغمي على بالغ لم يصح أن يحرم عنه رفيقه" ا. هـ.
المغني 3/205، وانظر أيضاً: الشرح الكبير 3/165.(5/2400)
قال إسحاق: كما قال، لأنه لا بد من أن يكون واقفاً وقد عقل، قلّ الوقوف أم كثر، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة".1
[1703-] قلت:2 امرأة (أرادها) 3 زوجها، فلبت بحج (أو عمرة) ؟ 4
قال أحمد: وجب عليها [ع-97/أ] ما لبت به.5
قال إسحاق: لا، بل هي بمنزلة المحصر، لأنها عصت الزوج لما قال [عطاء6] نحو ذلك، (قال) :7 إن قال لامرأته: إن حججت العام فأنت طالق ثلاثاً وهما محرمان، أنها بمنزلة المحصر: تهل بالعمرة وعليها الحج من قابل،
__________
1 سبق تخريجه في المسألة (1431) .
2 في ظ بزيادة "لأحمد".
3 في ظ "أرادت"، والموافق للسياق ما أثبته من ع، والمعنى أنها أحرمت وزوجها يريدها، وغير آذن لها بالإحرام.
4 في ع "وعمرة"، والأولى ما أثبته من ظ، لشموله الإحرام بالحج أو بالعمرة أو بهما.
5 سبق في المسألة (1567) بيان حج المرأة بدون إذن زوجها مفصلاً.
6 بياض في ظ، وأثبته من ع.
7 في ع "قلت"، والموافق للسياق ما أثبته من ظ، والقائل هو عطاء.(5/2401)
أخبرني1 [بذلك] 2 عيسى بن يونس3 [عن] 4 الأوزاعي، عن عطاء،5 وكذلك إذا خالفته فأهلت بحجة.
[1704-] قلت: سئل سفيان إن أكل منه شيئاً؟
قال: يغرم قيمة ما أكل، يعني من الفدية أو جزاء الصيد.
قال أحمد: إذا أكل منه شيئاً فعليه البدل.6
__________
1 في ظ توجد قبل أخبرني "حدثنا إسحاق قال أخبرني إسحاق قال"، والكلام مستقيم بدونها، والضمير في قوله "أخبرني"، للإمام إسحاق.
2 ساقطة من ظ، والإشارة إلى قول عطاء السابق.
3 هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، أبو عمرو السبيعي الكوفي، ويقال أبو محمد. روى عن أبيه والأعمش والأوزاعي وغيرهم، وروى عنه أبوه يونس وابنه عمرو، وحماد بن سلمة وإسحاق بن راهويه وغيرهم. مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل إحدى وثمانين.
التهذيب 8/237، تذكرة الحفاظ 1/289، طبقات الحفاظ 124.
4 ساقطة من ظ، والصواب إثباتها كما في ع لتوقف صحة العبارة على ذلك.
5 قال ابن قدامة قال عطاء: "الطلاق هلاك، هي بمنزلة المحصر". المغني 3/556.
6 قال ابن قدامة في المغني 3/566 إثر كلام عن ما يجوز الأكل منه وما لا يجوز من الهدي: "وإن أكل منها ما منع من أكله ضمنه بمثله، لأن الجميع مضمون عليه بمثله حيواناً، فكذلك أبعاضه" ا. هـ.
وقد سبق بيان ما يجوز الأكل منه وما لا يجوز، وما يضمن وما لا يضمن من الهدي في المسائل: (1484، 1485، 1486) .(5/2402)
قال إسحاق: (كما قال) ،1 لما قال ابن عباس ذلك2.
[1705-] قلت: قال سفيان: لا تجزي المهزولة في جزاء الصيد ولا في المتعة.
قال أحمد: كلما لا يجزي في الأضاحي لا يجزي فيهما3.
قال إسحاق: كما قال، لأنها إذا كانت [لا] 4 تجزي في الأضحية، فما كان من الواجب فهو ألزم له.
__________
1 في ع "كما قال أحمد" بزيادة أحمد، وأكثر ما درج عليه عدم الزيادة.
2سبق عنه أنه قال: "إذا هديت هدياً تطوعاً" إلى أن قال: "فإن أكلت أو أمرت به غرمت" راجع المسألة (1485) ، المغني 3/558 وسبق حديث ابن عباس أيضاً في المسألة المذكورة.
3 قال ابن قدامة في المغني: "ويمنع من العيوب في الهدي ما يمنع في الأضحية". ومما جاء في بيان ما لا يجزي في الأضحية: "عن البراء بن عازب رفعه قال: لا يضحى بالعرجاء البين ضلعها، ولا بالعوراء بين عورها، ولا بالمريضة بين مرضها، ولا بالعجفاء التي لا تنقي".
أخرجه: الترمذي في كتاب الأضاحي، باب ما لا يجوز من الأضاحي 4/85، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ومعنى لا تنقي أي: الهزيلة التي لا مخ فيها، المبدع 3/278.
وانظر عن المسألة: المبدع 3/278، الإقناع 1/402، الإشراف ق 129 أ، المقنع بحاشيته 1/473.
4 ساقطة من ظ، والسياق يقتضي إثباتها كما في ع.(5/2403)
[1706-] قلت: قال سفيان في قارن قدم [مكة] 1 فاته الحج ومعه بدنة يطوف طوافين طوافاً لحجه وطوافاً لعمرته2، ويمسك البدنة، فإن باعها فلا شيء عليه؟ 3
قال أحمد: إن كان قد أوجبها فلا بد من أن ينحرها4، وعليه مثل ما أهل به من قابل. 5
قال إسحاق: كما قال أحمد، لما مضت السنة من النبي صلى الله عليه وسلم في القارن بالطواف الواحد والسعي الواحد6.
__________
1 ساقطة من ع، والأقرب للسياق إثباتها كما في ظ.
2 انظر عن قوله هذا المغني 3/552.
3 وقد سبق أن نقل عنه في المسألة (1653) أنه ينحر وقال ابن قدامة: إن سفيان قال: ويهريق دماً، وهنا أجاب سفيان بأنه لا شيء عليه إن لم ينحر البدنة التي ساقها، فلعله قصد بذلك تخفيفاً عنه، حيث إن البدنة ذات قيمة، فيمكن له بيعها وشراء شاة ينحرها، فيتفق كلامه في لزوم النحر، أو لعل هذه رواية أخرى عنه. والله أعلم.
4 قال ابن قدامة في المغني 3/552: "وإذا كان معه هدي قد ساقه نحره، ولا يجزئه إن قلنا بوجوب القضاء".
5 سبق الكلام عن حكم القضاء والهدي على من فاته الحج في المسألة (1493) .
6 وسبق تقرير ما على القارن من الطواف والسعي في المسألة (1403) ، والمسألة مبنية على ما يلزم القارن من الطواف والسعي إذا لم يفته الحج وسبق ببيانه في المسألة المذكورة، ومما ينبني على هذا الأصل من المسائل مسألة ما إذا أصاب صيداً أو اقترف شيئا محرماً عليه من محرمات الإحرام، فمن قال عليه طوافان وسعيان يوجب عليه كفارتين، ومن قال عليه طواف واحد وسعي واحد يوجب عليه كفارة واحدة. وقد سبق ذلك في المسألة (1679) .(5/2404)
[1707-] قلت: قال سفيان: إذا حج رجل عن رجل ففاته الحج، فهو ضامن.
قال أحمد: أنا لا أرى أن يأخذ الدراهم ويحج1 (وعلى) 2 قولهم يضمن3.
قال إسحاق: كلما حج فلم يفرط ففاته الحج لم يضمن، لأن الأخذ للحج هو مباح إذا كانت إرادته فضل (شهود) 4 المشاهد والأخذ، (ولم تكن) 5 إرادته المواكلة ودفع الأيام
__________
1كما سبق بيان ذلك في المسائل: (1372) ، (1378) ، (1668) ، (1670) والذي لا يراه الإمام أحمد هو الاستئجار في الحج، أما إذا كان على البلاغ بأن يعطي الإنسان من يحج عنه تكاليفه في الحج، فإن زاد عن التكاليف أعاده، وإن نقص أخذ بقية التكاليف، فهذا جائز. وسيأتي نحوه في المسألة (1709) .
2 في ظ "على" بحذف الواو، والذي يستقيم به الكلام إثباتها كما في ع.
3 أي على قول من أجاز أخذ الأجرة على الحج، فإنه يضمنها إذا فاته الحج. المغني 3/182.
[] وممن أجاز الاستئجار على الحج: مالك والشافعي وأحمد في رواية. بداية المجتهد 1/320، المجموع [7/120-121،] المغني 3/180.
4 في ع "شهد"، والأقرب ما أثبته من ظ.
5 في ع "لم تكن" بحذف الواو(5/2405)
هؤلاء1 [ظ-50/ب] (حيث) 2 (ميزوا3 بينهما) إذا قال4: "حجوا عني" صرف في الحج كما (قال) 5، وإذا قال: "حجة" فللورثة6.
[1708-] قلت:7 قال سفيان: إذا حج رجل عن رجل ثم أقام بعد النفر،
__________
1 في قول الإمام إسحاق رحمه الله تعالى: "أخطأ هؤلاء" نظر، وما ذهب إليه الإمام أحمد مسلك قوي، فإنه إذا حدد الموصي بأنه يريد بالمبلغ حجة كفى في نفاذ وصيته حجة واحدة، بخلاف ما إذا قال: "حجوا عني" فأطلق، فإنه يحتمل أنه أراد استغراق المبلغ جميعه للحج. والله أعلم.
2 في ع "حين".
3 في ع "بأن قالوا".
4 أي الميت.
5 في ع "قلنا"، والسياق يقتضي ما أثبته من ظ.
6 هذا عين ما أجاب به الإمام أحمد في مسألة (1667) .
7 في ظ بزيادة "لأحمد".(5/2407)
فالنفقة عليه إلا أن يكون [الورثة] 1 أذنوا له.
قال أحمد: النفقة عليه2 (وإن) 3 أذنوا له، إذا كانت وصية، إلا أن يكونوا تبرعوا من أموالهم.
قال إسحاق: كما قال أحمد سواء، لأن المال لغير المعطى، إلا [أن4] يكونوا تبرعوا.
[1709-] قلت: قال سفيان: (أكره) 5 أن يستأجر الرجلُ الرجلَ أن يحج عن
__________
1 ساقطة من ع، وفي ظ بياض، والأولى إثباتها لأن فيه زيادة توضيح، ويؤيده إثباتها في نسخة م، وهي المنسوخة عن الظاهرية.
2 قال ابن قدامة في المغني 3/183: "وإن أقام بمكة أكثر من مدة القصر بعد إمكان السفر للرجوع أنفق من مال نفسه، لأنه غير مأذون له فيه" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الإنصاف 3/420، الفروع 3/253.
3 في ظ "فإن"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
4 ساقطة من ع، والموافق للسياق إثباتها كما في ظ.
5 في ع "وأكره" بزيادة الواو.(5/2408)
آخر، فإن فعل (وقضى) 1 عنه المناسك فإني أرجو أن يجزيه.
قال أحمد: أكره أن يستأجر [الرجل] 2 الرجل أن يحج عن آخر، إنما يجهز [الرجل] الرجل أن يحج عن الميت.
قال إسحاق: كما قال3، وقد أحسن سفيان، (إذا قاطع) 4 فإنا وإن كرهنا المقاطعة فإن قوماً من علماء أهل الحجاز5 (رأوه جائزاً) 6، فلا نغرمه وقد (تمم) 7 الحج عن صاحبه [ع-97/ب] 8.
__________
1 في ظ "قضى" بحذف الواو، والمناسب للسياق إثباتها كما في ع.
2 ساقطة من ظ، وفي إثباتها كما في ع زيادة توضيح.
3 سبق مراراً حكم الإجارة على الحج، وسبق نحو عبارة الإمام أحمد هذه في المسألة (1671) ، وراجع أيضا المسائل: (1372) ، (1378) ، (1670) ، (1707) .
4 في ع "قاطع"، والصواب يقتضي ما أثبته من ظ، ومعنى المقاطعة أن يقطع له الأجرة أي يحددها، كأن يقول: حج عن فلان بألفي ريال مثلاً، وهي الطريقة المعروفة بالسنة على الإجارة، كره ذلك الأئمة الثلاثة: أحمد في هذه الرواية، وإسحاق، وسفيان. ويرتضون بالطريقة المعروفة بالأجرة على البلاغ، وهي ما إذا أعطى الذي يحج عن غيره تكاليف الحج. راجع المسألة (1707) .
5 سبق في المسألة (1707) أن ممن أجاز الاستئجار على الحج الإمامين مالكاً والشافعي.
6 في ع "رآه جائز"، والموافق لقواعد العربية ما أثبته من ظ.
7 في ظ "تم"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
8 المعنى أي: مراعاة للخلاف في المسألة، لا نحكم على الذي حج عن غيره بتلك الطريقة أن يغرم ما أخذه، والحال أنه قد تمم الحج عن صاحبه (مستنيبه) ، فيحكم بإجزاء الحج أيضاً.(5/2409)
[1710-] قلت:1 قال الحسن في امرأة تريد أن تحج (فلم يأذن لها) 2 زوجها: أن تحج بغير إذن زوجها وليس له أن يمنعها.
قال أحمد: لا ينبغي له أن يمنعها، ولا تحج إلا بإذنه. 3
قال إسحاق: كلما كان عليها الحج فرضاً فلها أن تحج بغير إذنه [مع محرم] 4، وإن كان تطوعاً لم يحل لها أن تحج، وله منعها لما أدت الفريضة. 5
__________
1 في ظ بزيادة "لأحمد".
2 في ظ "بغير إذن".
3 هذا إذا كان الحج نفلا فلا ينبغي له أن يمنعها، فأما الفرض فلا يجوز له أن يمنعها، بل يجوز لها الحج بدون إذنه، كما سبق في المسألة (1567) . ويمكن أن تكون عبارة الإمام أحمد رحمه الله تعالى فيما هو أعم من النفل، فمعناها أنه لا يليق بالرجل أن يمنع زوجته عن أفعال العبادات كالحج. ومن الأدب كذلك أن لا تحج هي إلا بإذنه. قال ابن قدامة في المغني 3/194: "ويستحب أن تستأذنه في ذلك، نص عليه أحمد، فإن أذن وإلا خرجت بغير إذنه" ا. هـ.
وبذلك يحمل قول الإمام أحمد هنا: "لا تحج إلا بإذنه" على الإطلاق على أنه مخصص بحجة النفل، أو أن المقصود به الاستحباب.
4 ساقطة من ظ، وفي إثباتها كما في ع زيادة توضيح.
5 سبق تفصيل قوله في المسألة (1567) .
وذكر هنالك أنه إذا أحرمت في التطوع تمضي، إلا أن يكون قد حلف بالطلاق فتعمل عمل المحصر، وعليها الحج من قابل(5/2410)
[1711-] قلت: قال: قلت [يعني] 1 لسفيان: إذا أوصى بحجة؟
قال: يفرد.
قال أحمد: نعم.2
قال [إسحاق: إن أفرد] 3 كما أمر فحسن، وإن ضم معه عمرة بمال الميت [عن الميت4] جاز5.
[1712-] قال أحمد: الأربعة الأشهر: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.
قال إسحاق: كما قال6.
__________
1 ساقطة من ع.
2 لأنه أقل ما يشمله الحج، والمحرم بالحج يقال له مفرد.
قال ابن قدامة في المغني 3/247: "الإفراد. وهو الإحرام بالحج مفرداً" ا. هـ.
أما القران والتمتع، فكلاهما فيه زيادة عن الإفراد.
3 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن المعنى لا يستقيم بدونها، ولموافقة ما درج عليه المؤلف من إثبات قول إسحاق في المسألة.
4 ساقطة من ع.
5 لعله قصد بذلك إذا كانت العمرة واجبة عليه، أما إن كانت تطوعاً فليس له ذلك، إلا إذا أجازه الورثة، لأن فيه زيادة نفقة لم يأمره بها.
6 الأشهر الحرم هي المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} التوبة، آية 36.
قال القرطبي: الأشهر المذكورة في هذه الآية: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب. تفسير القرطبي 8/132.
وروى البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق 4/74.
عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض. السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان".(5/2411)
[1713-] قال أحمد: إذا كان الناس محتاجين، فالصدقة أحب إلي من الحج، يعني من بعد الحج.1
قال إسحاق: كما قال.
[1714-] قال أحمد: (يولى) 2 على أهل مكة رجل ليس من أهلها، هكذا السنة في ذلك3.
__________
1 يريد به حج الفرض، وقد أتى الإمام أحمد رحمه الله تعالى بهذا القيد بعد الإجابة الأولى، خوفاً من أن يتوهم أن الصدقة مقدمة على الحج مطلقاً. وإنما أتى بلفظ الحج فقط بدون حج الفرض، لأن الحج إذا أطلق لا يكون إلا للفرض، فإن أريد غير الفرض فبقرينة.
2 في ع "ويولى" بزيادة الواو.
3 لم أقف عليه.(5/2412)
قال إسحاق: إن فعلوا ذلك فحسن، وإن كان الذي يستأهل1 من أهلها جاز ذلك.
[1715-] سئل أحمد [عن] 2 من قال: لا يقصر إلا في حج أو عمرة أو غزو؟
[قال: هذا التأويل3، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصر إلا في حج أو عمرة أو غزو4] .5
__________
1 يستأهل: يستحق أي إن كان أهلاً لولايتها وهو من أهلها، جاز ذلك.
2 ساقطة من ع.
3 أي القول بعدم جواز القصر في سفر غير الحج والعمرة والجهاد. وممن قال بذلك ابن مسعود رضي الله عنه.
4 هذا مما استدل به من قال بعدم جواز القصر في غير سفر الحج والعمرة والجهاد، وأجيب عنه: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسافر إلا في حج أو عمرة أو جهاد.
انظر: أحكام القرآن للجصاص 2/255، المغني 2/99، الشرح الكبير 2/91، المجموع 4/346.
5 بين المعقوفتين ساقط من ع.
والسياق يتطلب إثباتها كما في ظ، وهو الموافق لما درج عليه المؤلف من إثبات جواب الإمام أحمد في المسألة.(5/2413)
قال إسحاق: كما قال، (والتقصير) 1 في غيرهم2 سنة أيضاً3.
[1716-] [قلت: لأحمد] 4 إن النبي صلى الله عليه وسلم (أقام) 5 بمكة
__________
1 في ظ "والمقصر"، والأقرب ما أثبته، وقد عقد البخاري كتاباً سماه: "كتاب تقصير الصلاة"، صحيح البخاري 2/34.
2 أي في غير الحج والعمرة والجهاد.
3 لما روي عن إبراهيم أنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله إني أريد البحرين في تجارة فكيف تأمرني في الصلاة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صل ركعتين".
رواه سعيد كما في المغني 2/100، وأورده عن إبراهيم أيضاً الجصاص في أحكام القرآن 2/255.
وغير ذلك من الأحاديث الدالة على جواز قصر الصلاة في السفر.
قال ابن قدامة في المغني 2/100: "وهذه النصوص تدل على إباحة الرخص في كل سفر. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يترخص في عوده من سفره، وهو مباح" ا. هـ.
انظر: المغني 2/99، بداية المجتهد 1/158، المجموع 2/346، المقنع بحاشيته 1/222، الإنصاف 2/316، كفاية الأخيار 1/87، توضيح البيجوري 1/228، أحكام القرآن للجصاص 2/255.
4 في ع "قلت لأحمد رضي الله عنه".
5 في ع "إذا أقام" بزيادة إذا.(5/2414)
ثماني عشرة زمن الفتح؟ 1
قال: إنما أراد حنيناًلم يكن ثم إجماع2، (وأقام) 3 بتبوك عشرين4 لم [يكن] 5 ثم إجماع، ولكن إذا أجمع [على] 6
__________
1 وذلك ما روي عن عمران بن حصين قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت معه الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة لا يصلي إلا ركعتين، يقول: يا أهل البلد صلوا أربعاً فإنا قوم سفر".
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر 2/23، والبيهقي في كتاب الصلاة، باب المسافر يقصر ما لم يجمع مكثاً ما لم يبلغ مقامه 3/151 وأحمد في مسنده 4/431، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة، مختصر المنذري 2/61، وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 2/46: "وعلي ضعيف".
2 أي لم ينو ولم يعزم على إقامة أيام معلومة، وإنما كان يستعد للسفر إلى حنين، قال ابن منظور "جمع أمره وأجمعه وأجمع عليه: عزم عليه"، المغني 2/834، لسان العرب 8/57، المصباح المنير 1/109.
3 في ع "فأقام".
4 روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة".
أخرجه أحمد في مسنده 3/295، وأبو داود في كتاب الصلاة، باب إذا أقام بأرض العدو يقصر 2/27، وقال الألباني صحيح، إرواء الغليل 3/23.
5 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن المعنى لا يستقيم بدونها.
6 ساقطة من ع، والأقرب إثباتها لأن فيه زيادة إيضاح.(5/2415)
إقامة زيادة على أربع أتم الصلاة1.
(قال إسحاق) :2 هذه الأشياء تتبع كما جاءت، والأربع ليس بقوي3.
[1717-] قال أحمد: (وإذا) 4 رمى عند طلوع الشمس
__________
1 عن الإمام أحمد في ذلك روايتان:
إحداهما: إن نوى الإقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر.
والثانية: أنه إن نوى الإقامة أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم، وهذا هو المشهور عن أحمد، ويوافق ما رواه عنه الكوسج هنا.
انظر: الإنصاف 2/329، المغني 2/132، الكافي 1/200، المبدع 2/113، الكافي لابن عبد البر 1/209، الشرح الصغير 1/204، المجموع 4/219، مغني المحتاج 1/264، الاختيار لتعليل المختار 1/79، سنن الترمذي 2/433، معالم السنن 2/60.
2 في ع "قال إسحاق رضي الله عنه".
3 هذا تأدب من الإمام إسحاق رحمه الله في جوابه، وبيان لمذهبه وهو أنه إن نوى إقامة تسعة عشر يوماً أتم، حكى ذلك عنه الترمذي في سننه 2/433.
4 في ع "إذا" بحذف الواو.(5/2416)
في النفر الأول ثم نفر كأنه (لم ير عليه دماً) ،1 [وإذا رمى قبل طلوع الشمس فعليه دم2] .
قال [إسحاق3] إذا رمى بعد طلوع الشمس يوم النفر الأول فلا شيء عليه4، لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما:
إذا (انتفخ) 5 النهار في النفر الأول حل النفر لمن أراد التعجيل6، فأما قبل طلوع الشمس فعليه دم كما قال أحمد7.
[1718-] (قلت:) 8 امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تطوف بالصفا؟
__________
1 في ع "لم يرى عليه دما" والموافق لقواعد العربية ما أثبته من ظ، وحكى المرداوي ما يدل على هذه الرواية فقال: ونقل ابن منصور: أن الرمي عند طلوعها متعجل، ثم نفر. كأنه لم ير عليه دماً، وجزم به الزركشي" ا. هـ. الإنصاف 4/45.
2 ساقطة من ع، وسبق الكلام عن وقت الرمي في المسألة (1438) .
3 ساقطة من ع، والموافق للسياق، ولما درج عليه المؤلف الإثبات كما في ظ.
4 حكى عنه ابن قدامة في المغني 3/476 ما يدل على ذلك، كما سبق في المسألة (1438) .
5 في ظ "ارتفع"، وما أثبته من ع هو الموافق لأثر ابن عباس الآتي في التعليق التالي.
6 لم أقف على الأثر باللفظ المذكور، وفي السنن الكبرى للبيهقي 5/152: "عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا انفتح النهار من يوم النفر الآخر فقد حل الرمي والصدر" طلحة بن عمرو المكي ضعيف-" ا. هـ.
7 راجع وقت الرمي المسألة (1438) .
8 في ظ "قال أحمد"، والمناسب للسياق، والموافق لأكثر ما درج عليه المؤلف ما أثبته من ع.(5/2417)
قال: لا بد من أن تطوف بالصفا والمروة إذا كان من الطواف الواجب.
قال إسحاق: كما قال1.
[1719-] قال إسحاق: وأما الرجل الذي عليه الحج (وقد ذهب2) ماله ولم يحج، وكان مفرطاً أله أن يحج لغيره؟ فإن السنة في ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مجملاً، حيث رأى رجلاً يلبي عن شبرمة فقال له: "أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: فاجعل هذه عن نفسك ثم حج (عن صاحبك) 3"، فهذا الذي
__________
1 يدور الحكم في ذلك على هل السعي ركن في الحج والعمرة أم لا؟ وقد سبق الكلام على ذلك في المسألة (1588) .
2 في ع "فذهب".
3 في ظ "لصاحبك"، والمناسب ما أثبته من ع، ولم أقف على حديث بعبارة: "حج عن صاحبك أو لصاحبك". فالحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي، أو قريب لي، قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة".
أخرجه أبو داود في باب الرجل يحج عن غيره 2/403، وابن ماجة في باب الحج عن الميت 1/969، حديث2903، والبيهقي فيمن ليس له أن يحج عن غيره 4/336، وقال: هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه، ولعل ذلك رواية بالمعنى، ورواية الحديث بالمعنى لمثل الإمام إسحاق رحمه الله العالم بالألفاظ ومقاصدها، الخبير بما يحيل معانيها، جائزة عند جمهور السلف والخلف، كما قاله النووي في التقريب. تدريب [] الراوي في شرح تقريب النواوي 2/98-99.(5/2418)
يعتمد عليه،1 والذي ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم [في الفقير] 2 أن يحج عن غيره لا يعرف مذهبه.3
[1720-] سئل أحمد عن وصي حج عن الميت؟
قال: لا يحج عنه4، [ع-98/أ] لأنه
__________
1 أي في أن من لم يحج حجة الإسلام ليس له أن يحج عن غيره، فإن فعل وقع عن نفسه، وهو المذهب، وهو قول إسحاق. المغني 3/198، الإنصاف 3/416، معالم السنن 2/335، حلية العلماء 3/208.
وعن الإمام أحمد رواية أنه يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره.
المغني 3/198، معالم السنن 2/335، حلية العلماء 3/208.
2 ساقطة من ظ، والمناسب للسياق إثباتها كما في ع.
3 هذا مذهب سفيان الثوري، حيث رأى أنه إن كان يقدر على الحج حج عن نفسه، وإن لم يقدر حج عن غيره. حكى ذلك عنه ابن قدامة في المغني 3/198، والشاشي القفال في حلية العلماء 3/208.
4 قال ابن قدامة في المغني 6/565: "وإذا أوصى لرجل أن يخرج عنه حجة لم يكن للوصي الحج بنفسه". نص عليه أحمد كما لو قال: "تصدق علي" لم يجز أن يتصدق على نفسه. ا. هـ.
وروى أبو داود في المسائل ص 135: سمعت أحمد سئل: يحج عنه الوصي؟ قال لا يحج الوصي عن الميت.(5/2419)
(لاينبغي) 1له أن ينفذ ذاك2 إلا أن يكون الورثة كباراً فيجيزوا ذلك، فإن كانوا صغاراً فلا يحج الوصي3.
قال إسحاق: لا بل يستحب للوصي أو لمن كان يلي الميت من القرابة أن يتولى أن يحج عن الميت، فإنه أفضل من الغرباء، بعد أن يكون الذي دفع في الحج قواماً ليس فيه فضل كبير عن الحج، فإذا كان كذاك فحج، فما فضل جعله في الحج [ظ-51/أ] 4.
[1721-] قلت لأحمد: يجب على المرأة إذا لم يحج بها محرمها (أن تعطيه5)
__________
1 في ظ "ينبغي" بحذف "لا"، والسياق يقتضي إثباتها كما في ع.
2 لأنه إذا نفذه بنفسه يتهم في قدر المال الذي أنفقه في الحج وفي قصد الانتفاع بها دون تنفيذ الوصية.
3 كما سبق آنفاً.
4 أي: يجوز أن يحج الوصي بنفسه إذا كان المال الذي أخذه للحج قواماً، بمعنى ليس فيه فضل كبير عن نفقة الحج المعروفة، فإن كان كذلك وبقي مال صرفه في الحج، كما إذا أوصى الميت أن يحج عنه بخمسمائة درهم وبقي منها صرف في الحج أبداً، كما سبق في المسألة (1666) .
5 في ع "أن تعطي له".(5/2420)
شيئاً يحج بها وهي موسرة؟ فكأنه حسن لها أن تعطي1.
قال إسحاق: ما أحسن ما قال.
[1722-] (قلت:) 2 فإن أبى زوجها (أن يدعها تخرج) 3 وهي تجد محرماً؟
قال: إذا وجب عليها الحج فلا تطع زوجها.4
[1723-] سئل أحمد: عن رجل عزل5 ألف درهم للحج فمات قبل
__________
1 قال في الفروع 3/240: "وإن أراد أجرة فظاهر كلامهم لا يلزمها، ويتوجه كنفقته، كما ذكروه في التغريب في الزنى وفي قائد الأعمى، فدل ذلك كله على أنه لو تبرع لم يلزمها للمنة، ويتوجه أن يجب للمحرم أجرة مثله لا النفقة، كقائد الأعمى، ولا دليل يخص وجوب النفقة" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الإنصاف 3/415، المبدع 3/102، وسبق في مسألة (1368) والتعليق عليها أن نفقة المحرم من سبيلها، بل ويعتبر من استطاعتها، لوجوب الحج إن تملك زاداً وراحلة لها ولمحرمها.
2 في ظ "قيل لأحمد"، وقد وردت فيها أثر مسألة (1724) ، ولعل المناسب إثباتها هنا كما في ع.
3 في ع "أن يدعها أن تخرج" بزيادة "أن".
4 سبق بيان ذلك في المسألة (1567) ، (1710) .
5 عزل الشيء: نحاه جانباً، فمعنى "عزل ألف درهم" أي: نحاها جانباً ولم يتصرف فيها، وخصصها للحج.
لسان العرب 11/440، المصباح المنير 2/407.(5/2421)
(أوان) 1 الحج؟
قال: ميراث.
قال إسحاق: الدراهم ميراث (الميت) ،2 ولكن إن كان الميت عليه الحج فرضاً، فلا بد من أن يحج الورثة عنه.3
[1724-] قلت لإسحاق: رجل أوصى [رجلاً] 4 أن يحج عنه بألف درهم، فاتجر الوصي بالألف فربح؟
قال: يجعل الربح كله في سبب الحج عن الميت، ويعطي الألفَ رجلاً بعينه فيحج، والنماء يعطى في سبب الحج.5
[1725-] سئل أحمد عن رجل قال: اعطوا فلاناً دراهم يحج عني،
__________
1 في ظ "أبان"، والمعنى يستقيم بما أثبته من ع.
2 في ظ "للميت"، والمناسب ما أثبته من ع.
3 كما سبق في المسألة رقم (1375، 1376) أن من مات وعليه حج يحج عنه من ماله.
4 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها كما في ع.
5 لأنه تعدى في ذلك العمل، ولا يستحق شيئاً من الربح لتعديه.(5/2422)
(وإذا) 1 فلان [قد] 2 أخذ دراهمَ للحج، أله أن يحج لهذا قابلاً؟
فكأنه رخص فيه.
قال إسحاق: أرجو أن يكون ذلك جائزاً إذا كان على وجه النظر والحيطة.3
[1726-] قال أحمد: إنما يكره أن يظلل المحرم إذا كان راكباً، وأما إذا كان على القرار4 فلا بأس به.
__________
1 في ع "فإذا".
2 ساقطة من ع.
3 فلعله أراد بتعيينه إياه الإحسان إليه، أو عينه لثقته به بأنه يؤدي عنه الفرائض كما ينبغي، فيحتاط أن يكون هو الذي يحج عنه ولو من قابل إذا لم يتمكن في هذه السنة كما في المسألة، وهذا كله فيما إذا لم يعتذر هو أو يأبى، فإن كان كذلك حج عنه ثقة سواه. وسبق في المسألة (1668) عن ابن قدامة أنه إذا قال: اصرفوا الحجة إلى من يحج، وادفعوا إلي فضل المال لأنني أنا الموصى به لم يقبل منه، لأنه إنما أوصى له بالزيادة بشرط أن يحج، فإذا لم يحج لا يستحق شيئاً. راجع المسألة المذكورة والمسألة التي قبلها.
4 أي في مكان مستقر وليس في محمل، وسبق الكلام عن الاستظلال للمحرم مفصلا في مسألة رقم (1464) .
وراجع معنى القرار لسان العرب 5/84، المصباح المنير 2/496.(5/2423)
[1727-] قلت: إذا أهل [بالحج] 1 [من] 2 دون الميقات ثم ترك إحرامه؟ 3
قال: لا يستطيع أن يتركه وهو محرم، وكل ما أصاب من لباس أو صيد أو غير ذلك فعليه (في كل واحد) 4 كفارة،5 (وإن) 6 أتى أهله فقد بطل حجه، إلا أنه محرم أبداً،7 نحن نقول في المحصر هو على إحرامه أبداً، إلا أن يكون بعدو.8
__________
1 ساقطة من ع، والصواب إثباتها، لأن في عدم ذلك احتمال أن يكون الإهلال بالعمرة، والكلام هنا عن الإهلال بالحج بدليل قوله: بطل حجه بعد ذلك.
2 ساقطة من ظ، والأولى إثباتها.
3 أي فسخ إحرامه وتخلى عنه، قال ابن منظور في لسان العرب 10/405: "تركت الشيء أي خليته". وانظر أيضاً: المصباح المنير 1/74.
4 في ظ "في ذلك كله"، والصواب ما أثبته من ع، ويشهد له ما سبق تقريره في المسألة (1558) : من كرر محظوراً من أجناس فعليه في كل واحدة كفارة، وما في التعليق التالي.
5 قال الخرقي في المختصر ص 71: "فإن قال أنا أرفض إحرامي وأحل، فلبس المخيط وذبح الصيد، وعمل ما يعمله الحلال، كان عليه في كل فعل فعله دم، وكان على إحرامه" ا. هـ. وانظر أيضاً: المغني 3/377.
6 في ع "فإن".
7 أي يبقى محرماً حتى يتحلل به الحاج، لأنه يجب المضي في الحج الفاسد. وسبق بيان ما يفعله من أفسد حجه بالجماع في المسألة (1586) .
8 أي لا يتحلل المحصر بغير عدو، سبق الكلام على ذلك في المسألة (1398) ، (1494) .(5/2424)
كتاب الكفارات
باب1 (الكفارات)
__________
1 في ظ يوجد قبله: الجزء الرابع من مسائل أحمد بن محمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه، رواية إسحاق بن منصور المروزي، فيه الكفارات وأول البيوع، وسيأتي نحوه في المسألة (1655) عن نسخة ع.
2 في ع "الأيمان" والأقرب مما أثبته من ظ، لأن أغلب المسائل الواردة هنا في كفارات الأيمان، ولاحتمال حذف مضاف تقديره من كفارات الأيمان.
والأيمان: جمع يمين، وهي لغة: يمين الإنسان وغيره، واليمين: القوة والقدرة، وتطلق أيضاً على الحلف والقَسَم. [] لسان العرب 13/458، 461، 462، مختار الصحاح 744-745.
واليمين شرعا: الحلف على مستقبل إرادة تحقيق خبر فيه ممكن بقوله، يقصد به الحث على فعل الممكن أو تركه. الإقناع 4/329، كشاف القناع 6/228.
والكفارات جمع كفارة وهي لغة: مشتقة من الكَفر-بالفتح-وهو التغطية، وكل شيء غطى شيئا فقد كفره، وسُمي الزارع كافراً، لأنه يغطي البذر بالتراب. مختار الصحاح 577، لسان العرب 5/148، أساس البلاغة 547.
والكفارة-بالتشديد-:ما كُفِّر به من صدقة أو صوم ونحو ذلك. لسان العرب 5/148.
والكفارة شرعاً: هي عبارة عن الفعلة والخصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة: أي تسترها وتمحوها. النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/189.
وقال النووي في المجموع: "استعملت الكفارة فيما وجد فيه صورة مخالفة أو انتهاك وإن لم يكن فيه إثم كالقاتل خطأ وغيره". المجموع 6/333.(5/2425)
[1728-] قلت:1، 2حديث أبي لبابة3 حين قال: أنخلع من مالي صدقة إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجزيك الثلث من ذلك".4
__________
1 في ظ قبل "قلت" توجد عبارة نصها "حدثنا إسحاق بن منصور بن بهرام المروزي قال:" فعلى إثباتها يكون القائل "حدثنا" هو راوي المسائل: محمد بن حازم، كما سبق في المسألة الأولى.
2 في ظ "قلت: لأحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله".
3 هو أبو لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، واختلف في اسمه فقيل: بشير، وقيل: رفاعة، وقيل: يسير، وقيل: مروان. شهد بدراً، وكان أحد النقباء. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وروى عنه ولداه السائب، وعبد الرحمن، وعبد الله بن عمر، وغيرهم. مات في خلافة علي رضي الله عنه. [] [] الإصابة 4/167، الاستيعاب 4/167-168، تهذيب التهذيب 12/214.
4 أخرج الإمام أحمد في مسنده 3/452: "إن أبا لبابة بن عبد المنذر لما تاب الله عليه قال: يا رسول الله، إن من توبتي أن أهجر دار قومي وأساكنك، وأني أنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجزي عنك الثلث"".
وأخرج أبو داود في سننه في كتاب الأيمان والنذور، باب فيمن نذر أن يتصدق بماله 3/613، عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لبابة أو من شاء الله: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب، وأن أنخلع من مالي كله صدقة. قال: "يجزي عنك الثلث".
وأخرج أيضا بسند آخر: "عن ابن كعب بن مالك قال: كان أبو لبابة، فذكر معناه، والقصة لأبي لبابة".
وقال ابن القيم في التهذيب 4/384 إثر ما ورد في بعض روايات حديث مالك من أن فيه ذكر الثلث، قال: "المحفوظ في هذا الحديث ما أخرجه أصحاب الصحاح من قوله: "أمسك عليك بعض مالك".
وأما ما ذكر فيه الثلث، فإنما أتى به إسحاق، ولكن هو في حديث أبي لبابة بن عبد المنذر" فذكر الحديث.
وقصة أبي لبابة أنه شعر أنه أذنب فربط نفسه بسلسلة حتى ذهب سمعه، وكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة أو أراد أن يذهب لحاجة، وإذا فرغ أعادته إلى الرباط، حتى تاب الله عليه؟ وقد اختلف في الذنب الذي ارتكبه.
قال عن ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب 4/167، (اختلف في الحال التي أوجبت فعل أبي لبابة هذا بنفسه، وأحسن ما قيل في ذلك أنه كان ممن تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فربط نفسه بسارية، وقال والله لا أحل نفسي منها ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى يتوب الله علي، أو أموت. فتاب الله عليه، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وحله بيده.ثم قال: يا رسول الله إن من توبتي-الحديث. وقد قيل: إن الذنب الذي أتاه أبو لبابة كان إشارته إلى حلفائه من بني قريظة أنه الذبح إن نزلتم على حكم سعد بن معاذ، وأشار إلى حلقه، فنزلت الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الأنفال آية 27، فتاب الله عليه) ا. هـ بتصرف.
ورجح القول الثاني البنا في بلوغ الأماني المطبوع مع الفتح الرباني 9/184(5/2426)
قال: هذا على النذر والتقرب إلى الله عز وجل فيجزيه الثلث(5/2427)
(من) 1 ماله،2 وإذا كان على معنى اليمين،3 فكفارة يمين على ما قالت عائشة وحفصة وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم،4 فإذا كان في الحج وكان معذبا في مشيه فكفارة يمين على
__________
1 في ظ "في".
2 قال في المقنع "ولو نذر الصدقة بكل ماله، فله الصدقة بثلثه ولا كفارة" ا. هـ.
وهذا هو الصحيح من المذهب كما في الإنصاف، وعن الإمام أحمد رواية: بأنه تلزمه الصدقة بماله كله، وهذه توافق قول إسحاق الآتي:
قال المرداوي: "قال الزركشي: ويحكي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، أن الواجب في ذلك كفارة يمين" ا. هـ.
ويمكن أن تحمل هذه الرواية على ما بينه الإمام أحمد في تتمة كلامه هذا فيما إذا خرج النذر على معنى اليمين.
انظر: المغني 11/339، الإنصاف 11/127، الإقناع 4/359، المقنع بحاشيته 3/598، المحرر 2/199، المبدع 9/330.
3 وهو ما يسمى بنذر اللجاج والغضب، وذلك إذا خرج النذر مخرج اليمين، بأن يمنع به نفسه أو غيره شيئاً، أو يحث به على شيء، مثل أن يقول: إن كلمت زيدا فلله عليّ الحج أو الصدقة بمالي، فهذا مخير بين الوفاء بما حلف فلا شيء عليه، وبين أن يحنث فيتخير بين فعل المنذور أو كفارة يمين، ولا يلزمه الوفاء به كما يلزمه وفاء نذر [] التبرر. المغني 11/194-195، الإنصاف 11/119، المحرر 2/199.
[4] حكى ذلك عن الصحابة المذكورين رضي الله عنهم ابن قدامة في المغني 11/194-195، ويأتي ذلك في حديث أبي رافع عن حفصة وابن عمر وزينب بنت أم سلمة التي عدها ابن قدامة في المغني من بين من أفتى في القضية، وقال في الاستدلال للمسألة "ولأنه قول من سمينا ولا مخالف لهم في عصرهم".(5/2428)
حديث أخت عقبة.1
وإذا كان يريد اليمين فقال: هو محرم بحجه أو عليه المشي إلى بيت الله عز وجل فكفارة يمين،2 على حديث أبي رافع3
__________
1 فالنذر بالحج إذا كان على وجه القربة إلى الله تعالى وجب الوفاء به، إلا أن يكون الإنسان معذباً بذلك، فيكون الحكم ما دل عليه حديث أخت عقبة السابق في المسألة (1396) ، بأنه يكفر كفارة يمين. وإن كان النذر بالحج نذر لحاج كأن قال "إن كلمت زيدا فأنا محرم بالحج" فقد سبق في التعليق على هذه المسألة، وسيأتي في بقية كلام الإمام أحمد كما في التعليق التالي أن عليه كفارة يمين على حديث أبي رافع.
2 هذا هو بقية كلام الإمام أحمد رحمه الله المشار إليه.
وفي مصنف عبد الرزاق 8/453 "عن معمر عن قتادة قال: سئل الحسن وجابر بن زيد عن رجل قال: إن لم أفعل كذا وكذا فأنا محرم بحجة، قالا: ليس الإحرام إلا على من نوى الحج يمين يكفرها".
3 هو نفيع بن رافع الصائغ، أبو رافع المدني، نزيل البصرة مولى ابنة عمر، وقيل مولى بنت العجماء. أدرك الجاهلية، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم. روى عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وروى عنه الحسن البصري، وبكر بن عبد الله المزني، وقتادة، وغيرهم، قال عنه الحافظ بن حجر في التقريب: "ثقة ثبت"، قال الذهبي: موته قريب من موت أنس بن مالك رضي الله عنه.
تهذيب التهذيب 10/172، التقريب 359، تذكرة الحافظ 1/69، طبقات الحافظ 34.(5/2429)
قصة مولاته.1
قال إسحاق: كما قال، لأن كل ذلك إذا لم يكن على وجه النذر قربة إلى الله عز وجل، فكفارة يمين مغلظة،2 وأما فعل
__________
1 وذلك ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 8/486 "عن بكر بن عبد الله قال: "أخبرني أبو رافع قال: قالت مولاتي ليلى ابنة العجماء: كل مملوك لها حر، وكل مالها هدي، وهي يهودية أو نصرانية إن لم تطلق زوجتك-أو تفرق بينك وبين امرأتك-. قال فأتيت زينب ابنة أم سلمة، وكانت إذا ذكرت امرأة بفقه ذكرت زينب، قال: فجاءت معي إليها، فقالت: أفي البيت هاروت وماروت؟ فقالت: يا زينب جعلني الله فداك، إنها قالت: كل مملوك لها حر، وهي يهودية أو نصرانية، فقالت: يهودية ونصرانية؟ خلي بين الرجل وامرأته، قال: فكأنها لم تقبل ذلك، قال: فأتيت حفصة فأرسلت معي إليها، فقالت: يا أم المؤمنين، جعلني الله فداك إنها قالت: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية أو نصرانية، قال: فقالت حفصة: يهودية ونصرانية؟ خلي بين الرجل وامرأته فكأنها أبت، فأتيت عبد الله بن عمر، فانطلق معي إليها، فلما سلم عرفت صوته، فقالت: بأبي أنت وبآبائي أبوك، فقال: أمن حجارة أنت أم من حديد أم من أي شيء أنت؟ أفتتك زينب وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي منهما، فقالت يا أبا عبد الرحمن: جعلني الله فداك، إنها قالت كل مملوك حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية، قال: يهودية ونصرانية؟ كفري عن يمينك وخلي بين الرجل وامرأته".
وقال ابن قدامة في المغني 11/219: أخرجه الأثرم والجوزجاني.
2 كفارة اليمين مذكورة في قوله تعالى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} سورة المائدة آية 89، وقد بين إسحاق رحمه الله مراده بالكفارة المغلظة في المسألة رقم (954) من كتاب الطلاق حيث قال: "ولكني أختار في الأيمان المغلظات ستين مسكينا".(5/2430)
أبي لبابة فليس [فيه] 1 أنه قال فعلت [في] 2 مالي، إنما قال: أريد أن أفعل، فإذا [فعل في] 3 ماله كله قربة فهو كما قال،4 إلا أنه يحبس قوت نفسه قدر ما يكفيه إلى أن يصيب.5
__________
1 ساقطة من ع والذي يدل عليه السياق إثباتها كما في ظ.
2 ساقطة من ع.
3 ساقطة من ع والذي يدل عليه السياق إثباتها كما في ظ.
4 أي تلزمه الصدقة بماله كله، وهي رواية عن الإمام أحمد كما سبق في أول المسألة. وأجاب الإمام إسحاق عن المشهور عن الإمام أحمد بأنه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة "يجزي عنك الثلث" فإن أبا لبابة كان يريد أن يلتزم بالنذر بكل ماله ولم يلتزم به قبل ذلك، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من التزام ذلك ووجهه إلى الثلث، فلا يكون الحديث دليلاً على أن من التزم نذر كل ماله يجزي عنه الثلث.
5 أي إلى أن يجد مالاً، ثم إن وجد مالاً يتصدق بقدر ما كان حبسه لنفقته كما يأتي عن الإمام إسحاق أيضا في المسألة (1755) ، والإمام إسحاق يرى أيضاً كقول أحمد أنه إذا كان الإنسان قد نذر بفعل ما يكون معذباً فيه، أنه لا ينفذ ذلك، بل عليه كفارة يمين، ولكنه لا يرى أن الإنسان يكون معذباً فيما إذا أنفق كل ماله بنذر. ومن صريح كلام إسحاق الدال على أنه إذا كان الإنسان معذباً فيما نذر به لا ينفذه، قوله فيمن نذر ثلاثين حجة، لا يكون هذا النذر أبداً في طاعة، عليه كفارة مغلظة وذلك في المسألة الآتية رقم (1762) .(5/2431)
[1729-] قلت: يكره أن يحلف الرجل بالمصحف؟ [ع-79/أ]
قال: لا أكره ذلك، بل يغلظ عليه بكل ما يقدر.
قال إسحاق: كما قال.1
__________
1 قال ابن قدامة رحمه الله في المغني 11/194 "وإن حلف بالمصحف انعقدت يمينه، وكان قتادة يحلف بالمصحف، ولم يكره ذلك إمامنا وإسحاق لأن الحالف بالمصحف إنما قصد الحلف بالمكتوب فيه وهو القرآن، فإنه بين دفتي المصحف بإجماع المسلمين" ا. هـ.
وفي المبدع: "ولم يكره أحمد الحلف بالمصحف"، واختلفت الروايات عن الإمام أحمد في الكفارة الواجبة حالة الحنث إذا حلف بكلام الله، أو بالمصحف، أو بالقرآن، أو بسورة منه، أو بآية منه، هل الواجب كفارة واحدة، أو بكل آية كفارة إن قدر، أو بكل آية كفارة مطلقاً قدر أو لم يقدر؟.
والمذهب أن عليه كفارة واحدة، وجزم به في الإقناع وقدمه في المحرر، والهداية، والفروع، لأن الحلف بصفات الله تعالى وتكرار اليمين بها لا يوجب أكثر من كفارة واحدة، فهذا أولى.
وقال في الروضة كما في الإنصاف والمبدع: "أما إذا حلف بالمصحف فعليه كفارة واحدة، رواية واحدة" ا. هـ.
[] انظر: الإنصاف 11/7-8، المبدع 9/259، الإقناع 4/331، المقنع بحاشيته 3/561، المحرر 2/197، الهداية 2/118.(5/2432)
[1730-] قلت: [الرجل] 1 يقول حلفت وأقسمت؟
قال: إذا كان يريد [اليمين] 2 فكفارة يمين.3
قال إسحاق: كما قال.4
[1731-] قلت: من أقسم على رجل فلم يبره؟
قال: الحنث على المقسم.5
__________
1 ساقطة من ع.
2 ساقطة من ع والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
3 إن نوى بذلك اليمين كان يميناً بلا نزاع، وإن لم ينو فالمذهب أنه لا يكون يميناً، وبه قال إسحاق، وعن الإمام أحمد رواية: أنه يكون يميناً، ويأتي نحوها أيضاً في المسألة (1745) ، (1771) .
[] المغني 11/205، المبدع 9/260، الإنصاف 11/9-10، المحرر 2/197، التنقيح المشبع 289، وهذا إن لم يذكر لفظ الجلالة أما إن ذكره بأن قال: حلفت بالله أو أقسمت بالله فهي يمين، المراجع السابقة.
4 انظر عن قول إسحاق المغني 11/205.
5 أي الكفارة على الحالف، وهذا هو الصحيح من المذهب كما في الإنصاف، ولم يذكر غيره ابن قدامة في المغني، وحكى عن الإمام أحمد رواية: أنها تجب على الذي حنثه.
المغني11/247، الإنصاف 11/34،
وإبرار المقسم: فعل ما أراده الحالف ليصير بذلك باراً، فتح الباري 11/542، لسان العرب 4/53، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإبرار المقسم، فقد أخرج البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع"، وذكر مما أمر به "إبرار المقسم". فتح الباري 10/ 316، 603(5/2433)
قال إسحاق: كما قال.
[1732-] قلت: من قال "يمينك على ما يصدقك عليه صاحبك؟ "1
قال: هكذا هو، إلا أن يخاف القتل نحو حديث وائل بن حجر.2
__________
1 لفظ الحديث، وسيأتي توضيح ذلك في آخر المسألة.
2 هو وائل بن حُجر-بضم المهملة وسكون الجيم- بن سعد بن مسروق بن وائل الحضرمي، أبو هنيدة، ويقال أبو هند. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه ابناه علقمة وعبد الجبار. مات في ولاية معاوية بن أبي سفيان.
الإصابة 11/108، تهذيب التهذيب 3/592، الأعلام 8/108.
وحديثه أي قصته، لا حديثاً بروايته، وذلك عن سويد بن حنظلة قال: "خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدو له، فتحرج القوم أن يحلفوا وحلفت أنه أخي، فخلى سبيله. فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا وحلفت أنه أخي، قال: "صدقت المسلم أخو المسلم".
أخرجه أبو داود في باب المعارض في اليمين 3/573، وابن ماجة في باب من ورى في يمينه 1/685.
وقوله: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك": أي تحمل اليمين على المعنى الذي يقصده المستحلف، وورد بذلك لفظ رواية في مسلم: "اليمين على نية المستحلف" 2/1274، فلا يعتبر في ذلك قصد الحالف ولا يستفيد من توريته، وأفاد العلامة ابن قدامة في المغني أن ذلك مقيد بما إذا لم يكن المستحلف ظالماً، سواء كان المستحلف الظالم حاكماً أو غير حاكم، فإذا كان ظالما نفعت الحالف توريته.
[] المغني 11/242-245، الإقناع 4/335، المبدع 9/282.(5/2434)
حدثنا إسحاق1قال: (أخبرنا) 2 أحمد3قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا عبد الله بن أبي صالح4 [ذكوان] 5 عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك".6
__________
1 أي ابن راهويه.
2 في ع "أنبأنا".
3 أي ابن محمد بن حنبل.
4 هو عبد الله بن أبي صالح ذكوان السماني المدني، ويقال له عباد. روى عن أبيه وسعيد بن جبير، وروى عنه هشيم وابن جريج وغيرهما. له حديث واحد في الكتب الستة عن أبيه عن أبي هريرة، وهو حديث مسألتنا. قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: لين الحديث، تهذيب التهذيب 5/263، التقريب 176.
5 ساقطة من ع، والأنسب إثباتها كما في ظ، لأنه اسم أبي صالح كما سبق في الترجمة آنفا.
6 الحديث بالسند المذكور موجود في مسند الإمام أحمد 2/228، ورواه مسلم في باب يمين الحالف على نية المستحلف 2/1274، حديث 1653 عن يحيى بن يحيى وعمرو الناقد عن هشيم، وأبو داود في باب المعارض في اليمين 3/572، حديث3255 عن عمرو بن عون عن هشيم، والترمذي في كتاب الأحكام، باب ما جاء أن اليمين على ما يصدقه صاحبه 3/636، حديث 1354 عن قتيبة وأحمد بن منيع قالا: حدثنا هشيم، وابن ماجة في باب من ورّى في يمينه 1/686، حديث 1221 عن عمرو بن رافع عن هشيم، والدارمي في الرجل يحلف على الشيء وهو يورّك على يمينه 1/583، عن عثمان بن محمد بن هشيم، والتوريك في اليمين: أن ينوي الحالف غير ما نواه المستحلف. هامش على سنن الدارمي 583.(5/2435)
قال إسحاق: هكذا هو.
[1733-] قلت: فيمن جعلت مالها في سبيل الله عز وجل (وأعتقت) 1 جاريتها حديث امرأة من ذي أصبح؟ 2
قال: أما العتق فعلى ما قالت،3 وأما المال فكفارة
__________
1 في ع "فأعتقت".
2 وذلك ما روى عبد الرزاق في مصنفه 8/485: "عن عثمان بن أبي حاضر قال: "حلفت امرأة من أهل ذي أصبح فقالت: مالي في سبيل الله، وجاريتها حرة إن لم يفعل كذا وكذا- لشيء كرهه زوجها- فحلف زوجها ألا يفعله، فسئل عن ذلك ابن عمر وابن عباس فقالا: أما الجارية فتعتق، وأما قولها: مالي في سبيل الله، فتتصدق بزكاة مالها".
3 قال الخرقي: "ومن حلف بعتق ما يملك فحنث، عتق عليه كل ما يملك من عبيده وإمائه ومكاتبيه ومدبريه وأمهات أولاده وشقص يملكه من مملوكه" ا. هـ.
المغني 11/219.(5/2436)
يمين.1
قال إسحاق: كما قال.2
[1734-] [قلت: فيمن جعل مملوكه حُراً إن لم يفعل كذا وكذا؟
قال: هذا مثل ذاك.
قال إسحاق: كما قال] .3
[1735-] قلت: "إذا استلجج4 أحدكم باليمين في أهله، فإنه آثم
__________
1 هذه إحدى الروايات عن الإمام في أن من تصدق بكل ماله هل عليه أن يتصدق بكله أو يتصدق بالثلث ولا كفارة، أو تلزمه كفارة يمين فقط، وسبق ذلك في أول الكفارات مسألة رقم (1728) .
2 انظر عن قول إسحاق المغني 11/219، وسبق قوله أيضا في المسألة (1728) .
3 هذه المسألة ساقطة من نسخة ع.
4 لج في الأمر: تمادى عليه وأبى أن ينصرف عنه. لسان العرب 2/353.
وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 35/278: "اللجاج التمادي في الخصومة، ومنه قيل: رجل لجوج إذا تمادى في الخصومة، ولهذا تسمي العلماء هذا نذر اللجاج والغضب، فإنه يلج حتى يعقده ثم يلج في الامتناع من الحنث، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن اللجاج باليمين أعظم إثماً من الكفارة".(5/2437)
له عند الله عز وجل من الكفارة التي أمر الله1 بها".2
قال: [ظ-51/ب] يعني يكفّر عن يمينه.3
قال إسحاق: كما قال، يقول: لا يلج في يمينه فيمضي عليه بل يرجع فيكفّر يمينه.4
__________
1 آخر الصفحة 100 من ظ.
2 هذا حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد في مسنده 2/278، وأخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه"، وفي مسلم: "فرض".
وانظر: صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذر 7/217 ومسلم الكتاب المذكور، باب النهي عن الإصرار على اليمين 2/1276.
ومعنى الحديث أنه إذا حلف يميناً تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه، ويكون الحنث ليس فيه معصية، ينبغي له أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه، فإن لم يفعل وقال: أنا أتورع عن ارتكاب الحنث وأخاف الإثم، فهو مخطئ، واستمراره على ذلك أكثر إثماً من الحنث.
فتح الباري 11/519، صحيح مسلم بشرح النووي 11/123.
3 انظر عن المسألة أيضاً المغني 11/166.
4 للحديث السابق، ويؤيده أيضا حديث "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأتِ الذي خير وكفّر عن يمينك" متفق عليه، البخاري 7/240، مسلم 2/1274.(5/2438)
[1736-] قلت (من) 1 يحلف على أمور شتى أو على شيء واحد مراراً (وفي مجلس) 2 أو في مجالس؟
قال: ما لم يكفّر فهو كفارة واحدة.3
__________
1 في ع "فيمن".
2 في ظ "أو في مجلس" والأقرب للسياق ما أثبته من ع.
3 من كرر أيماناً إما أن يكون على شيء واحد أو على أشياء، فإن كان على شيء واحد كقوله: والله لا أكلت، والله لا أكلت، والله لا أكلت، فعليه كفارة واحدة، وهو المذهب، وهذا هو المقصود بقوله في مسألتنا "أو على شيء واحد مراراً".
وقد روى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه قال: "إذا أقسمت مراراً فكفارة واحدة".
وعن الإمام أحمد رواية أن عليه لكل يمين كفارة.
المغني 11/210، المبدع 9/279، الإنصاف 11/44، المصنف 8/504.
أما إن كان على أشياء، كقوله: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست، فعن الإمام أحمد روايتان:
إحداهما: هذه بأن عليه كفارة واحدة حكاها ابن قدامة في المغني عن إسحاق، كما ذكر أن ابن منصور نقلها عن أحمد.
[] والثانية: أن عليه لكل يمين كفارة قال ابن قدامة: وهو قول أكثر أهل العلم. المغني 11/211-212، المبدع [9/279-280،] الإنصاف 11/45.
ومن حلف يميناً واحدة على أجناس كقوله: والله لا أكلت ولا شربت ولا لبست، فكفارة واحدة، نص على ذلك في المسألة الآتية برقم (1767) .
وقال ابن قدامة وابن مفلح لا نعلم فيه خلافاً.
المغني 11/211، المبدع 9/280، الإنصاف 11/46.(5/2439)
قال إسحاق: كما قال.1
[1737-] قلت: من قال: عليّ عتق رقبة فحنث؟
قال: [ع-79/ب] عليه كفارة يمين.2
قال إسحاق: كما قال (إذا كان ذلك في معصية أو غضب) .3
[1738-] قلت: من قال: كل حلال عليه حرام إذا كانت له امرأة؟
قال: إذا كانت له امرأة فكفارة الظهار،4 وإذا لم تكن له امرأة
__________
[1] انظر عن أقوال إسحاق في المسألة المغني 11/210-212.
[] وأما التفريق بين المجلس والمجالس، فقد روى عبد الرزاق في المصنف 8/505- 506: "عن قتادة أنه قال: "إذا حلف في مجلس واحد فكفارة واحدة، وإذا كان في مجالس شتى فكفارات شتى، ونقله ابن قدامة في المغني عن عمرو بن دينار، وذهب إلى أنه لا يختلف الأمر فيما إذا كان يمينه في مجلس أو مجالس". المغني 11/210.
2 فهو نذر لجاج فسبيله إذا حنث أن يكفّر كفارة يمين، أو يفعل ما حلف عليه كما سبق ذلك في بيان حكم نذر اللجاج في مسألة (1728) .
[] وانظر أيضاً: المغني 11/194، 220، الإنصاف 11/119، المبدع 9/326-327.
3 في ع "إذا كان في غضب ومعصية" بحذف ذلك وتقديم غضب على معصية.
وانظر عن قول إسحاق المغني 11/195.
4 جاء في كتاب الطلاق من هذه المسائل في المسألة رقم (955) "قلت: إذا قال: ما أحل الله عليه حرام وله امرأة؟ قال: عليه كفارة ظهار."
ومن قال لزوجته: أنتِ عليَّ حرام، فالصحيح من المذهب أنه ظهار، اختاره الخرقي وقدمه في الفروع، وعن الإمام أحمد رواية أنه ظاهر في اليمين، وعنه أخرى أنه كناية ظاهرة، وعنه أخرى أنه كناية خفية.
[] انظر: الإنصاف 8/486-487، 9/196، المغني 8/506، الفروع 5/390.(5/2440)
فكفارة يمين.1
قال إسحاق: كما قال إذا لم ينو طلاق امرأته.
[1739-] (قلت) :2 افتداء اليمين؟
قال: أرجو أن لا يكون به بأس.3
__________
1 لأن من حرم حلالاً لم يحرم وعليه كفارة، وهذا هو المذهب، ويحتمل أن يحرم تحريماً تزيله الكفارة.
[] انظر: المغني 11/249، والإنصاف 11/30، والمحرر 2/198، والمبدع 9/272-273، والإشراف 4/172.
2 في ع "قال قلت" بزيادة قال.
3 يكون افتداء اليمين، والله أعلم، بأن يتصالح مع خصمه فيسلم له المطلوب، وإن كان هو محقاً ابتعاداً عن اليمين.
قال في المحرر 2/198: "ومن دعي إلى الحلف عند حاكم وهو محق، فالأولى أن يفتدي يمينه" ا. هـ.
وقال المرداوي عن افتداء اليمين عند الحاكم، وهو المذهب.
الإنصاف 11/29، المبدع 9/271.
وفي المبدع 9/272: "ذكر في المستوعب والرعاية أنه إن أراد اليمين عند غير الحاكم، فالمشروع أن يقول: والذي نفسي بيده، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لا ومقلب القلوب، وما أشبه ذلك" ا. هـ.(5/2441)
قال إسحاق: كما قال.
[1740-] قلت: كم في كفارة اليمين من الطعام؟
قال: مُدُّ بُرٍّ لكل مسكين.1
قال إسحاق: كما قال، ونصف صاع أفضل.
[1741-] قلت: (يجزي المكاتب) 2 في الرقبة الواجبة؟
قال أحمد: إذا لم يكن أدى شيئاً فنعم، وأما إذا كان أدى الثلثَ، النصفَ، الثلثين، فلا يعجبني.3
__________
1 قال ابن قدامة في المغني 8/601 "قدر الطعام في الكفارات كلها مُدّ من بُرٍّ لكل مسكين، أو نصف صاع من تمر أو شعير" ا. هـ.
وانظر أيضاً: الشرح الكبير 8/616، الإنصاف 9/233.
وستأتي المسألة أيضاً برقم (1751) .
2 في ظ "تجزي المكاتبة"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
3 في إجزاء المكاتب في العتق ثلاث روايات عن الإمام أحمد:
إحداها: هذه أي لا يجزي إن أدى من كتابته شيئاً، وهو المذهب كما في الإنصاف، وجزم به الخرقي، لأنه إن أدى شيئاً فقد حصل العوض عن بعضه فلم يجز كما لو أعتق بعض رقبة.
الثانية: أنه يجزئ مطلقاً.
الثالثة: أنه لا يجزئ مطلقاً.
[] الإنصاف 9/218-219، المغني 11/271.(5/2442)
قال إسحاق: كما قال.1
[1742-] قلت: يجزي ولد الزنى في الرقبة الواجبة؟
قال: نعم.2
قال إسحاق: كما قال.3
[1743-] قلت: الذي يحنث متى يجب عليه الصوم ممن لا يجد الكفارة؟
قال: يترك لنفسه قوت يومه ثم يكفر (بما بقي) ،4 وإذا دخل
__________
1 انظر عن قول إسحاق: المغني 11/271.
2 أي يجزئ وقال المرداوي في الإنصاف: "وهو المذهب ولا أعلم فيه خلافا" ا. هـ.
وحكى ابن قدامة في المغني أن إجزاء ولد الزنى في الرقبة الواجبة هو قول أكثر أهل العلم، لدخوله في مطلق قوله تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} المجادلة آية 3.
المغني 11/272، الإنصاف 9/220.
3 انظر عن قول إسحاق المغني 11/272.
4 في ع "ما بقي" بحذف الباء، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.
وقال الخرقي: "ويكفر بالصوم من لم يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته مقدار ما يكفر به" ا. هـ.
وقال المرداوي في الإنصاف: "لا ينتقل إلى الصوم إلا إذا عجز عجزاً، كعجزه عن زكاة الفطر على الصحيح من المذهب" ا. هـ.
والحجة لذلك ظاهر قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} المائدة آية 89.
فإن الله تعالى اشترط للصيام أن لا يجد، ومن وجد ما يكفر به فاضلاً عن قوته وقوت عياله فهو واجد فيلزمه التكفير بالمال.
المغني 11/277، الإنصاف 11/41، المبدع 9/278، الفروع.(5/2443)
في الصوم ثم وجد سعة يمضي في صيامه.1
قال إسحاق: كما قال2، إلا أنا نختار له إذا وجد سعة قبل فراغه من الصوم أن يعتق أو يطعم أو يكسو.
[1744-] قلت: إذا كسا كم يكسو؟.
__________
1 قال الخرقي: "ومن دخل في الصوم ثم أيسر لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى العتق أو إلا أن يشاء" ا. هـ.
ويستدل لذلك بأنه بدل لا يبطل بالقدرة على المبدل، فلم يلزمه الرجوع إلى المبدل بعد الشروع فيه، كما لو شرع المتمتع العاجز عن الهدي في صوم الأيام، فإنه لا يخرج بلا خلاف. المغني 11/281.
2 انظر عن قول إسحاق المغني 11/277، 281.(5/2444)
قال: ثوباً جامعاً تجوز فيه الصلاة.1
قال إسحاق: كما قال.
[1745-] قلت: فيمن قال: حلفت ولم يحلف؟
قال: إذاً لم يعقد اليمين.2
[قال إسحاق: كما قال] 3 لا شيء عليه.4
__________
1 فإذا كسا امرأة أعطاها درعاً وخماراً، لأنه أقل ما يستر عورتها وتجزئها الصلاة فيه. مختصر الخرقي 218، [] المغني 11/260-261، الإنصاف 11/40، المبدع 9/277، المحرر 2/198.
2 قال ابن قدامة في المغني: "إذا قال: حلفت ولم يكن حلف، فقال أحمد: هي كذبة ليس عليه يمين، وعنه عليه الكفارة" ا. هـ.
فمن قال: حلفت ولم يحلف، فالمذهب أنه لا شيء عليه، إلا أن ينوي بذلك إنشاء يمين فيكون يميناً.
وعن الإمام أحمد رواية: أن عليه كفارة ولو لم ينو بذلك اليمين بل أراد الكذب، وأجاب بذلك الإمام أحمد في مسألته الآتية برقم (1771) وسبقت أيضاً المسألة برقم (1730) .
المغني 11/248، الإنصاف 11/39.
3 في ع "قال إسحاق: نعم كما قال" بزيادة نعم، وأكثر ما درج عليه المؤلف حذفها، كما أثبته من ظ.
4 انظر عن قول إسحاق المغني 11/205.(5/2445)
[1746-] قلت: إلى كم يكون للرجل [ع-80/أ] الاستثناء؟
قال: ما دام في ذلك الأمر.1
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يكون سكوت، ثم عود في الأمر.2
[1747-] قلت: يجوز له الاستثناء في نفسه؟
[قال:] 3 [لا] 4 حتى يتكلم.5
__________
1 هذا المذهب وهو أنه يشترط لعدم الحنث في اليمين أن يكون الاستثناء متصلاً، كما نص عليه أيضاً في المسألة الآتية برقم (1765) ، لأن الاستثناء من تمام الكلام فاعتبر اتصاله به كالشرط وجوابه، ولو جاز الاستثناء في كل حال لم يحنث حانث به.
وعن الإمام أحمد رواية: أنه لا يحنث إذا كان الفصل يسيراً.
وعنه أخرى: أنه لا يحنث إذا استثنى في المجلس.
[] المغني 11/226-227، المبدع 9/269، الإنصاف 11/25.
2 انظر عن قول إسحاق المغني 11/227.
3 ساقطة من ع والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
4 ساقطة من ظ وفي إثباتها كما في ع يتضح المعنى أكثر.
5 قال ابن قدامة في المغني: "ويشترط أن يستثني بلسانه، ولا ينفعه الاستثناء بالقلب في قول عامة أهل العلم"، إلى أن قال: "ولا نعلم لهم مخالفاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف فقال إن شاء الله" والقول هو النطق" ا. هـ.
وروي عن الإمام أحمد: إن كان مظلوماً فاستثنى في نفسه، رجوت أن يجوز إذا خاف على نفسه.
المغني 11/228، الإنصاف 11/26، المبدع 9/270(5/2446)
قال إسحاق: كما قال، لا بد من نطق،1
[1748-] قلت: إذا (أوقع) 2 اليمين بين الرجلين (فاستحياهما) 3 جميعاً أقرع بينهما أيهما (يحلف) ؟ 4
قال: هذا شيء ليس في أيديهما يقرع بينهما.
قال إسحاق: كما قال.5
[1749-] قلت: من حلف فقال: إن شاء الله، لم يحنث؟
قال: ليس له (استثناء) 6 في الطلاق والعتاق.7
__________
1 انظر عن قول إسحاق المغني 11/228.
2 في ع "وقعت" والأقرب ما أثبته من ظ، والمعنى والله أعلم أنه كان سبباً في إيقاع اليمين.
3 في ع "فاستحياها"، والأقرب ما أثبته من ظ.
4 في ع "حلف" ومعنى الحلف والله أعلم: الحنث.
5 معنى المسألة، والله أعلم، أنه إذا حلف عليه اثنان أحدهما حلف عليه أن يفعل كذا والثاني أن لا يفعل كذا، فإنه يقرع بينهما فمن وقعت عليه القرعة بأن يحنث حنث، وبَرَّ هو بيمين الثاني.
6 في ع "الاستثناء".
7 حكى رواية ابن منصور هذه ابن قدامة في المغني 11/231، وهذا هو المذهب كما في الإنصاف، أي أن الاستثناء في الطلاق والعتاق لا ينفعه، لأنه وقع الطلاق والعتاق في محل قابل، فتوقع كما لو لم يستثن، وعلل الإمام أحمد ذلك بأن الطلاق والعتاق ليسا من الأيمان، وهما لا يُكَفِّرَان.
وعن الإمام أحمد رواية أن الطلاق والعتاق لا يقعان مع الاستثناء، وهي توافق قول إسحاق كما سيأتي قريباً.
وعنه: أنه يقع العتق دون الطلاق. وعنه أن إيقاع الطلاق والعتاق لا ينفع فيه الاستثناء، أما الحلف بهما فينفع فيه.
وعنه أيضاً: التوقف عن الجواب كما سيأتي في المسألة (1765) أنه قال: "لم أفتِ فيه".
قال الخرقي: "وإذا استثنى في الطلاق والعتاق، فأكثر الروايات عن أبي عبد الله رحمه الله أنه توقف عن الجواب، وقطع في موضع أنه لا ينفعه الاستثناء" ا. هـ.
[] المغني 8/382-11/231، الإنصاف 9/104، الروض الندي 405، المبدع 7/305، المقنع بحاشيته [3/206-207،] الفتاوى 33/238، و 35/284.(5/2447)
قال إسحاق: كلما استثنى متصلاً في الطلاق والعتاق فله ثنياه،1 لأن من لم يرَ له الاستثناء في ذلك
__________
1 حكى جواز الاستثناء في الطلاق عن إسحاق بن حزم في المحلى 10/217، وهي رواية عن الإمام أحمد كما ذكرت آنفاً؛ لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها، فلم يقع، كما لو علقه على مشيئة زيد.
والراجح والله أعلم هو وقوع الطلاق وعدم الانتفاع بالاستثناء، لما روي عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا: "كنا معشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزاً في كل شيء إلا في الطلاق والعتاق"، حكى ذلك ابن قدامة في المغني، وصاحب حاشية المقنع عن أبي الخطاب.
وقال ابن قدامة: "وهذا نقل للإجماع، وإن قدر أنه قول بعضهم ولم يعلم له مخالف فهو إجماع" ا. هـ.
ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله: أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً فلم يصح.
المغني 8/282، المقنع بحاشيته 3/307.(5/2448)
[يقول:] 1 ليست بيمين، ولكن إنما أجزنا استثناءه لإرادته ونيته [ع-80/ب] المتقدمة أن لا يريد أن يقع هذا الطلاق وهذا العتاق.2
[1750-] قلت: يتصدق عن الميت؟
قال: نعم، يحج عنه ويسقي عنه (ويعتق عنه ويسعى عنه) ويصام عنه النذر إلا الصلاة.3
__________
1 ساقطة من ع والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
2 حكى الكوسج عن الإمامين نحو هذه المسألة في باب الطلاق برقم (951) .
3 قال ابن قدامة في المغني 11/369: "من نذر حجاً أو صياماً أو صدقةً أو عتقاً أو اعتكافاً أو صلاة أو غيره من الطاعات ومات قبل فعله، فَعَلَهُ الولي عنه، وعن أحمد في الصلاة لا يصلي عن الميت لأنها لا بدل بحال" ا. هـ.
وما يتعلق بالحج يأتي مراراً. انظر: المسائل (1372، 1670، 1671) .
وجواز الصيام عنه له ما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" متفق عليه.
أخرجه البخاري في كتاب الصيام، باب من مات وعليه صوم 2/239، ومسلم 1/803، باب قضاء الصيام عن الميت، حديث 1147.
وللوفاء بالنذر إجمالاً ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقض عنها".
أخرجه الترمذي في كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في قضاء النذر عن الميت 4/117 وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأبو داود في باب قضاء النذر عن الميت 3/603.(5/2449)
قال إسحاق: كل [شيء عنه] 1 جائز حتى الصلاة (والذكر والتسبيح) ، 2ألا ترى أن الحاج عن غيره لا بد له من أن يصلي خلف الأسبوع، فيجزيه أن ينويه عن نفسه.3
__________
1 ساقطة من ع.
2 في ع "والتسبيح والذكر".
3 أي فهل يجزيه أن ينوي عن نفسه، وهو استفهام إنكاري بمعنى أنه لا يجزي أن ينوي عن نفسه، بل لا بد أن ينوي عن الذي حج عنه، فأثبت بذلك الإمام إسحاق أن الصلاة عن الميت جائزة، وهي الرواية التي قدمها ابن قدامة في المغني في روايتي الإمام أحمد في المسألة.(5/2450)
[1751-] قلت: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} ؟ "1
قال: أما أنا فأقول مداً من حنطة لكل مسكين.2
قال إسحاق: كما قال، لأن اللازم (ذلك) .3
[1752-] قلت: يقدم الكفارة قبل الحنث؟
قال: نعم يقدم الكفارة قبل الحنث،4 المظاهر يكفر [عن
__________
1 جزء من الآية الكريمة {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ} المائدة آية: 89.
2 سبق بيان مقدار إطعام كل مسكين في المسألة (1740) .
3 في ع "ذاك".
4 أي يجوز له تقديم الكفارة قبل الحنث، جزم بذلك في المغني وقدمه في المبدع، وهذا هو المذهب كما في الإنصاف. ويستدل لذلك بما روى عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفّر عن يمينك وأتْ الذي هو خير".
وسبق تخريجه في المسألة (1735) ، فقدم التكفير قبل الإتيان بالذي هو خير أي قبل الحنث. ولأنه كفر بعد وجود السبب فأجزأ ككفارة الظهار، وكتعجيل الزكاة بعد وجود النصاب.
[] وعن الإمام أحمد رواية: أنه لا يجوز التكفير قبل الحنث بالصوم. المغني 11/223-224، المبدع 9/278-[279،] الإنصاف 11/42-43، شرح السنن 10/17. وقد سبقت الإشارة إلى هذه المسألة في المسألة رقم (1628) .(5/2451)
يمينه] 1 قبل أن يحنث.2
قال إسحاق: كما [قال] ،3 وكذلك [كل] 4 كفارة يمين واجبة، فله أن يقدمها قبل الحنث لا يكون حكمه أعظم من الزكاة.5
[1753-] قلت: [ع-81/أ] (صيام) 6 ثلاثة أيام متتابعة؟
[قال: نعم، متتابعة] 7 في كفارة اليمين في قراءة
__________
1 ساقطة من ع ويستقيم الكلام بما في النسختين.
2 قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} سورة المجادلة آية 3.
3 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن الكلام لا يتم بدونها.
4 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
5 أي يجوز تقديم الزكاة قبل الحول، فيجوز تقديم الكفارة الواجبة في اليمين قبل الحنث، لأن اليمين لا يكون أعظم من الزكاة التي جاز إخراجها قبل الحول.
انظر عن قول إسحاق المغني 11/323، شرح السنة 1/17، معالم السنن للخطابي 3/585.
6 في ع "يصام".
7 ساقطة من ع، والصواب إثباتها لموافقته لما درج عليه المؤلف، ولأن السياق يقتضيه(5/2452)
أُبَيّ1 وابن مسعود رضي الله عنهما.2
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك الأنصاري الخزرجي، سيد القراء، ويكنى أبا المنذر وأبا الطفيل، شهد المشاهد كلها. قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك"، وكان عمر يسميه سيد المسلمين. اختلف في وفاته.
[] قال الحافظ في الإصابة: وصحح أبو نعيم أنه مات سنة ثلاثين. الإصابة 1/31-32، التقريب 25.
2 الآية بقراءة الجمهور: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} سورة المائدة آية 89.
وقراءة الصحابيين الجليلين أُبي وابن مسعود "فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات" الآية. نسب إليهما ذلك الشوكاني في فتح القدير 2/72، واشتراط التتابع في الصيام هو المذهب لقراءة أبي وعبد الله بن مسعود المشار إليها، ولأنه صيام في كفارة فوجب فيه التتابع ككفارة القتل والظهار، والمطلق يحمل على المقيد.
[] وعن الإمام أحمد رواية أنه يجوز له تفريقها، المغني 11/273، المبدع 9/278، الإنصاف 11/41-42، المحرر 2/198، مسائل ابن هانئ 2/75.
3 انظر عن قول إسحاق المغني 11/273.(5/2453)
[1754-] قلت: قيل له يعني سفيان يطعم أهل الكتاب من كفارة اليمين؟
قال: المسلم أحب إلي.1
قال الإمام أحمد: (لا يجزيه) 2 أن يطعم أهل الذمة كل شيء من الواجب، لا يطعم أهل الذمة كفارة اليمين، والظهار وكل شيء من الكفارات.3
قال إسحاق: كما قال [أحمد] 4 وأجاد.
[1755-] قلت: قال: قيل له-يعني سفيان-: ما ترى في رجل قال (إذا) 5 ملكت عشرة (دراهم فهي) 6 على المساكين فملكها فأصاب فيها؟
قال: أحب إلي أن يتنزه عنها.
__________
1 قال ابن قدامة في المغني 11/252: "وقال الثوري: يعطيهم إن لم يجد غيرهم".
2 في ع "لا يجوز له".
3 لأنهم كفار فلم يجز إعطاؤهم كما في أهل الحرب، قاله في المغني، ولم يذكر خلافاً في المذهب. المغني 11/252.
4 ساقطة من ع والأَوْلى إثباتها كما في ظ لأن في ذلك نصاً بأن قول إسحاق كقول أحمد لئلا يلتبس بقول سفيان، وانظر عن قول إسحاق المغني 11/252.
5 في ع "إن".
6 في ع "درهم فهو" والأنسب للسياق ما أثبته من ظ(5/2454)
قيل [له] 1: يتصدق بها كلها؟
قال: نعم.
قال أحمد: إذا كان يريد اليمين أجزأه كفارة اليمين، وإذا أراد النذر يجزيه الثلث.
قال إسحاق: كما قال، إلا في النذر عليه أن يمضيه إذا كان في طاعة إلا قوته حتى يصيب، ثم يتصدق بقدر ما كان حبسه.2
[1756-] قلت: سئل سفيان عن رجل قال: لله تعالى عليه أن يصوم شعبان فمضى شعبان ولم يصم من غير عذر، قال (يصوم ويطعم) 3 [ظ-52/أ] .
__________
1 ساقطة من ع.
2 حكى رواية ابن منصور هذه أبو إسحاق بن مفلح في المبدع 9/331 فقال: "ونقل ابن منصور: أنه قال: إن ملكت عشرة دراهم فهي صدقة، وإن كان على جهة اليمين أجزأه كفارة يمين، وإن أراد النذر أجزأه الثلث" ا. هـ.
ومن قال: إذا ملكت عشرة دراهم فهي على المساكين، إذا أراد بذلك نذراً يكون لمن نذر أن يتصدق بكل ماله، والمشهور عن أحمد أنه يجزيه الثلث، وعن إسحاق أنه يلزمه فيما نذر فيه، وسبق تقرير ذلك في مسألة رقم (1728) .
3 في ظ "يصوم ثلاثة" والذي يستقيم به المعنى ويوافق الحكم في المسألة ما أثبته من ع، ومعنى يطعم: أي عن كفارة اليمين.(5/2455)
(قال أحمد: ما أحسنه) 1 يصوم ويكفر عن يمينه.2
قال إسحاق: كما قال أحمد؛ الصوم مكان الصوم، والكفارة مكان التأخير.
قال أحمد: الصوم يطعم عنه في رمضان، والنذر يقضى عنه.3
[قال إسحاق: كما قال أجاد] .4
[1757-] قلت: (قال) 5 سفيان: في صيام شهرين متتابعين يستقبل الرجل من المرض وغيره. والمرأة تقضي من الحيض وتستقبل من المرض.
[قال أحمد: يبني رمضان متتابعاً، أليس يفطر ثم يقضي ما
__________
1 في ظ "قال أحمد: ما أحسنه قال أحمد" بزيادة قال أحمد الثانية والمعنى مستقيم بحذفها كما أثبته من ع.
2 قال عن ذلك المرداوي رحمه الله: "بلا نزاع"، الإنصاف 11/140، وانظر: المبدع 9/337.
3 لعله يقصد بذلك من مات ولم يأت به، وقد سبق في المسألة (1750) أن المذهب أنه يجوز قضاء صيام النذر عنه، أو لعله يقصد من نذر الصوم فعجز عنه لكبر أو مرض. الشرح 356.
4 في ع "قال إسحاق أجاد كما قال".
5 في ظ "سئل" والموافق للسياق ما أثبته من ع.(5/2456)
أفطر] ؟ 1
قال إسحاق: كما قال أحمد يبني على ما مضى أبدا من مرض أو غيره.
[1758-] قلت: (رجل أو امرأة) 2 نذرت بشيء أن يهدى إلى البيت؟
قال: لا يعطى لبني شيبة، يقسم على مساكين مكة.3
__________
1 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لقول الإمام إسحاق الآتي "كما قال أحمد".
وأما توجبه جوابه: فإنه سئل عمن كان عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر لعذر، هل يبني أم يستأنف؟ فأجاب بأن صوم رمضان متتابع، ومع ذلك إذا أفطر يبني على ما مضى ويقضي الفائت فقط، وذلك يكون جواباً أيضاً للسؤال؛ فإنه كما يبني في صيام رمضان المتتابع يبني في غيره من الصيام المتتابع. وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
والثانية: أن يخير بين أن يستأنف ولا شيء عليه، وبين أن يبني على صيامه ويكفر، وهو المذهب كما في الإنصاف، وجزم به الخرقي، وجزم به أيضاً في المبدع والمحرر والمغني، وقدمه في الشرح الكبير والفروع.
الإنصاف 11/144، المغني 11/364، المحرر 1/200، الشرح الكبير 11/353، مسائل ابن هانئ 2/76، الفروع.
2 في ع "رجل وامرأة"، والمناسب للسياق ما أثبته من ظ.
3 فيتصرف فيه كما يتصرف في هدي الحج ودمائه، وقد سبق أن ذلك لمساكين الحرم في المسألة (1539) .(5/2457)
قال إسحاق: كما قال.1
[1759-] قلت: رجل حلف بنذور كثيرة مسماة: إلى بيت الله عز وجل2 (أو لا يكلم) 3 أباه أو أخاه بكذا وكذا، نذر الشيء لا يقوى عليه أبدا؟
قال: كفارة يمين إذا كان على معنى اليمين، فإذا كان على وجه التقرب إلى الله عز وجل فالوفاء به (إلا أن يكون) 4 معذباً في ذلك، فيكون على حديث أخت عقبة.5
__________
1 سبقت المسألة كاملة برقم (1539) في الشيء يهدى إلى البيت.
2 في ظ (إلى بيت الله الحرام) .
3 في ع "أن لا يكلم"، والأقرب للسياق ما أثبته من ظ.
4 في ع "أن لا يكون"، والمعنى يستقيم بما أثبته من ظ.
5 سبق في مسألة رقم (1728) أن النذر إذا كان على معنى اليمين فكفارة يمين، وإذا كان على وجه التقرب إلى الله فيلزم الوفاء به، إلا إذا كان معذباً به فيكون الحكم فيه ما دل عليه حديث أخت عقبة بأنه يكفر كفارة يمين، وبين الإمام أحمد هنا أن من نذر نذوراً كثيرة أو الشيء الذي لا يقوى عليه، فإن كان على معنى اليمين فكفارة يمين، وإن لم يكن كذلك فهو معذباً فيه، فيكون الحكم فيه ما دل عليه حديث أخت عقبة. والله أعلم. انظر: المبدع 9/328، وراجع أيضا المسألة المذكورة.(5/2458)
قال إسحاق: كلما كان نذوراً على هذه الجهة فكفارة يمين مغلظة وهو مخير1، وإذا كان (في طاعة الله) 2 فعليه الوفاء بما نذر.3
[1760-] قلت: رجل جعل على نفسه المشي ولم يذكر حجاً ولا عمرة؟
قال: لا يكون المشي إلا في (حج أو عمرة) 4 وإذا أراد اليمين فكفارة يمين،5 وإذا [ع-81/ب] أراد التقرب إلى الله عز
__________
1 أي بين الوفاء به وبين التكفير كفارة يمين، ويأتي عنه نحو عبارته هذه في مسألة (1781) .
2 في ع "في طاعة" بدون ذكر لفظ الجلالة.
3 ولا يكون في طاعة الله ما فيه تعذيب للعبد، كما يأتي عنه في المسألة (1762) قوله: "في رجل نذر ثلاثين حجة قال: لا يكون هذا النذر أبداً في طاعة الله عليه كفارة مغلظة"، وراجع أيضا المسألة (1728) .
4 في ع "حج وعمرة"، والصواب ما أثبته من ظ لأنه يكفي في ذلك الإتيان بأحدهما، ويؤيده قول ابن قدامة في المقنع: "وإن نذر المشي إلى بيت الله أو موضع من الحرم لم يجزئه إلا أن يمشي في حج أو عمرة" المبدع [9/341-342،
] وانظر أيضاً: المغني لابن قدامة 11/345، الإنصاف للمرداوي 9/147، والشرح الكبير 11/359.
5 كما سبق في المسألة السابقة.(5/2459)
وجل فليوف بنذره.1
قال إسحاق: كما قال؛ إذا أراد بذكره حجاً أو عمرةً، فإن نوى [بذا] 2 (مسجداً) 3 من مساجد الله عز وجل كان كما أراد.4
[1761-] (قلت) :5 ما المن؟ 6
__________
1 لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" أخرجه البخاري كما سبق في المسألة (1374) ، ولا يكون ذلك إلا في حج أو عمرة، كما قاله الإمام أحمد في صدر المسألة.
وسبقت مسألة: من نذر أن يحج ماشياً برقم (1396) .
2 ساقطة من ع.
3 في ع "مسجد"، والموافق لقواعد العربية ما أثبته من ظ.
4 كمسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى، لأن من نذر المشي إليهما لزمه ذلك. المغني 11/350، المبدع 9/343، الإنصاف 11/149.
وفي المغني 3/349، والشرح الكبير 3/363. "ومن نذر سوى الثلاثة لا يلزمه إتيانه، لا نعلم فيه خلافاً"، وانظر أيضاً: الإنصاف 11/149.
5 في ع "قلت لأحمد" بزيادة أحمد.
6 معنى السؤال كما فهم من الجواب ومن استخدم اللفظة عند الفقهاء في باب الأيمان، أي ما المنّ المعتبر فيما إذا حلف الرجل أن يقطعه، هل يحنث باستعمال عين ما حلف أن لا يستعمله ابتعاداً عن المن فقط، أو يحنث باستعمال ثمنه أو المبدل به، ونحو ذلك.(5/2460)
قال: إذا كان رجلاً يمون رجلاً1 أو امرأة تمون زوجها فتمتن على زوجها: إني أنفق عليك أو أكسوك، فيحلف (الرجل أو الممنون) 2 عليه أن لا يأكل من طعامه ولا يلبس من ثيابه، فمتى ما صار إلى شيء مما أراد، وقع من (ذاك) 3 عليه [حنث] 4 في وجه من الوجوه إن حلف أن لا يلبس ثوباً، فباع الثوب فاشترى بثمنه ثوباً آخر أو نحو هذا.5
قال إسحاق: كما قال.
[1762-] [قلت:6 رجل نذر ثلاثين حجة؟
__________
1 أي ينفق عليه من قوله: يمون تموناً، قال الفيروز أبادي: "التمون كثرة النفقة على العيال، ومانه قام بكفايته فهو ممون" ا. هـ. القاموس 4/275.
2 في ع "الزوج أو الممنون".
3 في ع "ذلك".
4 ساقطة من ع.
5 خلاصة القول في ذلك أن الأيمان يرجع فيها إلى النية، فمثلاً لو امتن شخص على آخر، فحلف الممنون عليه أن لا يلبس له ثوباً ليقطع منته به، فباع الثوب فاشترى بثمنه ثوباً آخر، فإنه يحنث، لأنه انتفع به وهذا الانتفاع [] [] تلحقه المنَّة. المغني 11/298-299، المبدع 9/283.
6 هذه المسألة بتمامها ساقطة من ظ.(5/2461)
قال: يحج ما استطاع، فإذا لم يستطع كفّر عن يمينه.1
قال إسحاق: لا يكون هذا النذر أبداً في طاعة عليه كفارة مغلظة] .2
[1763-] قلت: قول من يقول: النذر نذران، فنذر لله عز وجل ونذر للشيطان، [فما كان لله] 3 عز وجل (ففيه) 4 الوفاء، وما كان للشيطان [فلا وفاء فيه ولا كفارة.5
__________
1 ويأتي عنه في المسألة (1781) أنه قال: "أجبن إذا تكلم في ثلاثين حجة، ثم قال: وليس في ثلاثين حجة حديث، ثم قال: فيه كفارة يمين".
2 لا يكون في طاعة، لأن الإنسان يكون معذباً فيه، وانظر عن قول إسحاق في المسألة نفسها، المسألة الآتية برقم (1781) ، وانظر أيضاً: التعليق على قوله في المسألة (1728) .
3 في ظ "قال: فما كان لله" بزيادة "قال"، والمعنى مستقيم بحذفها كما في ع.
4 في ع "فعليه" والأقرب ما أثبته من ظ.
5 ورد بنحو ذلك حديث فيه التكفير في نذر المعصية وهو عن عمران ابن حصين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "النذر نذران، فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية الله فذلك للشيطان ولا وفاء فيه، ويكفره ما يكفر اليمين".
أخرجه النسائي في باب كفارة النذر 7/28.
وممن قال بأن نذر المعصية لا كفارة فيه مالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد.
الكافي لابن عبد البر 1/391، المجموع 8/452، المغني 11/334، سنن الترمذي 4/104.(5/2462)
قال: النذر للشيطان] :1 هي المعصية، وعليه الكفارة2 (وفيه حديث الهياج) .3
وحديث عائشة4 رضي الله عنها؛ حديث الزهري: وما كان
__________
1 ما بين المعقوفتين ساقط من ع، والأقرب لاستقامة المعنى الإثبات كما في ظ.
2 أي النذر للشيطان هو نذر المعصية، ووجوب الكفارة فيه كما نص عليه هنا هو المذهب، كما في الإنصاف للأحاديث التي ذكرها الإمام أحمد الآتي بيانها، ولحديث عمران بن حصين السابق.
3 في ع "وفيه على حديث الهياج" والموافق للسياق ما أثبته من ظ، والهياج هو: هياج بن عمران بن الفصيل-بفتح الفاء وكسر الصاد-البرجمي البصري. روى عن عمران بن حصين، وسمرة بن جندب، وروى عنه الحسن البصري، قال عنه الحافظ في التقريب "مقبول".
تهذيب التهذيب 11/89، التقريب 367.
وحديثه: ما أخرج أحمد في مسنده 4/428 عن هياج بن عمران البرجمي أن غلاماً لأبيه أبق، فجعل لله تبارك وتعالى عليه إن قدر عليه أن يقطع يده، قال: فقدر عليه، قال: فبعثني إلى عمران بن حصين، قال: فقال: "أقرئ أباك السلام وأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة. فليكفر عن يمينه، ويتجاوز عن غلامه ".
4 قوله "حديث عائشة حديث الزهري، حديث الزهري بدل من حديث عائشة لأن حديث الزهري هو حديث عائشة، فإن الزهري رواه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين".
أخرجه أبو داود في باب من رأى عليه كفارة إذا كان في معصية 3/594، والترمذي في باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نذر في معصية 4/103، وذكر أن الحديث لا يصح بهذا السند، وصححه بسند آخر.(5/2463)
لله عز وجل ففيه الوفاء، إلا أن يكون معذباً في نحو حديث أخت عقبة، كفّر عن يمينه وركب [وإن كان] 1 معناه: اليمين فليكفّر [عن] 2 يمينه.3
قال إسحاق: كما قال، المعذب وغير المعذب كفارة يمين مغلظة.4
[1764-] قلت: لغو اليمين؟
قال: أن يحلف على الشيء (ويرى) 5 أنه كما حلف
__________
1 ساقطة من ع والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
2 ساقطة من ع، والأقرب إثباتها كما في ظ.
3 ملخص كلامه: أنه إن كان النذر في طاعة وقصد به القربة ففيه الوفاء، إلا أن يكون معذباً فيه فلا ينفذه ويكفّر عنه، وإن قصد بذلك اليمين فعليه كفارة يمين، وقد تردد ذلك كثيراً في هذا الباب.
4 معنى كلامه هذا أن ذلك لا يكون نذراً في طاعة أبداً، وهو عين ما قاله فيمن نذر أن يحج ثلاثين حجة. في المسألة (1762) .
5 في ع "يرى" بحذف الواو.(5/2464)
عليه.1
قال إسحاق: كما قال.
[1765-] قلت: الاستثناء في الأيمان كلها وإلى متى [يكون] 2 له الاستثناء؟
قال: له الاستثناء (في الكلام ما لم يخرج) 3 إلى غير ذلك الكلام،4 وله الاستثناء في كل شيء إلا الطلاق (والعتاق) ،5
__________
1 ويبين بخلافه، وهذه إحدى صور لغو اليمين.
ومن صور لغو اليمين أيضاً: أنها التي تمر على لسان الإنسان في حديثه من غير قصد، كقول الرجل: لا والله، وبلى والله.
المغني 11/179، الإنصاف 11/18، 20، 21، المبدع 9/266.
وقد أخرج أبو داود في سننه 3/571، عن عطاء في اللغو في اليمين، قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلام الرجل في بيته، كلا والله، وبلى والله".
2 ساقطة من ع.
والمعنى مستقيم بما في العبارتين.
3 في ظ "ما كان في الكلام لم يخرج"، والأقرب للسياق ما أثبته من ع.
4 كما سبق في المسألة (1746) أن المذهب أنه يشترط لعدم الحنث في اليمين أن يكون الاستثناء متصلا بالكلام.
5 في ع "والعتق".(5/2465)
(فإذا قال) :1 أنت طالق إن شاء الله تعالى لم أُفتِ فيه بشيء.2
قال إسحاق: الاستثناء في كل شيء جائز.3
[1766-] قلت: الرجل يقول: كفر بالله أو شرك بالله تعالى ثم4 يحنث؟ 5
قال: كلّ ما أراد به اليمين (فكفارته كفارة يمين) 6 على
__________
1 في ع "قال إذا قال"، والأقرب للسياق ما أثبته من ظ.
2 سبق عنه في المسألة (1749) أنه قال ليس له الاستثناء في الطلاق والعتاق.
3 كما سبق عنه ذلك في المسألة (1749) ، وانظر عن قوله أيضاً: المحلى 10/217.
4 في ظ (بم) .
5 وصورة ذلك أن يقول: إن لم يفعل كذا فهو يهودي، كما سبق في حديث أبي رافع الذي أشار إليه الإمام أحمد في المسألة (1728) .
6 في ع "فكفارة يمين".
وهذه رواية عن الإمام أحمد، وهي المذهب، كما في الإنصاف.
والثانية: لا كفارة عليه، قال عنها ابن قدامة: هي أصح إن شاء الله تعالى، فإن الوجوب من الشارع، ولم يرد في هذه اليمين نصّ ولا هي في قياس المنصوص، فإن الكفارة إنما وجبت في الحلف باسم الله تعالى تعظيماً لاسمه، وإظهاراً لشرفه وعظمته، ولا تتحقق التسوية.
[] المغني 11/198-199، الإنصاف 11/31-32.(5/2466)
حديث أبي رافع.1
قال إسحاق: [كما قال] 2 وعلى الإمام أن يؤدبه3 كما فعل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
[1767-] (قلت: رجل قال) :4 والله لا آكل هذا الطعام، ولا ألبس هذا الثوب، ولا أدخل هذا البيت؟
قال: [في] 5 كل هذا كفارة واحدة، لأنه في شيء واحدٍ نسقاً واحداً.6
__________
1 السابق في المسألة (1728) .
2 ساقطة من ظ والموافق لما درج عليه المؤلف إثباتها كما في ع، وانظر عن قول إسحاق بأن عليه كفارة يمين.
المغني 11/199، شرح السنة 10/9.
3 لأنه لا يجوز أن يقول ذلك، فقد ورد النهي عن ذلك، فعن ثابت بن الضحاك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير ملة الإسلام فهو كما قال" أخرجه البخاري في باب من حلف بملة سوى الإسلام 7/223، والنسائي في باب النذر فيما لا يملك 7/19.
4 في ع "قلت رجل حلف فقال".
5 ساقطة من ع، والأقرب للسياق إثباتها كما في ظ.
6 النسق: بالتسكين، مصدر نسقت الكلام إذا عطفت بعضه على بعض. لسان العرب10/353.(5/2467)
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يريد أن يؤكد على نفسه في كل واحد يميناً.1
[1768-] قلت: رجل حلف [أن] 2 لا يأكل اللحم فأكل الشحم؟
قال: لا بأس به إلا أن يكون أراد اجتناب الدسم.3
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يريد به كل شيء من اللحم، فإن الشحم من اللحم كما قال إبراهيم.
[1769-] قلت: حلف أن لا يشرب اللبن [ع-82/أ] (فأكل الزبد) ؟ 4
__________
1 سبق تقرير هذه المسألة في مسألة رقم (1736) .
2 ساقط من ع، ويستقيم الكلام بما في النسختين.
3 قال الخرقي: "ولو حلف لا يأكل لحماً فأكل الشحم أو المخ أو الدماغ لم يحنث، إلا أن يكون أراد اجتناب الدسم، فيحنث بأكل الشحم" ا. هـ.
وعدم الحنث بأكل الشحم لمن قال لا يأكل اللحم هو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب كما في الإنصاف، لأنه لا يسمى لحماً وينفرد عنه باسمه وصفته.
وقال القاضي: يحنث بأكل الشحم الذي على الظهر والجنب. المغني 11/318، الإنصاف 11/68، المبدع 9/295.
4 في ع "قال فأكل الزبد" بزيادة قال، والذي يقتضيه السياق ويستقيم به المعنى حذفها كما في ظ.(5/2468)
قال: لا بأس به.1
قال إسحاق: كما قال.
[1770-] (قلت: رجل حلف لا يشرب) 2 من لبن هذه البقرة، فبيعت واشترى بثمنها شاة؟
قال: يشرب من لبنها،3 كل هذا إذا لم يرد دفع (المن) 4 أو حيله.5
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 هذا هو المذهب كما في الإنصاف.
وعن الإمام أحمد رواية أنه يحنث، وقال القاضي: يحتمل أن يقال في الزبد إن ظهر فيه لبن حنث بأكله. المغني [11/314،] الإنصاف 11/72-95، المبدع 9/297.
2 في ع (قلت أن لا يشرب) ، والمناسب ما أثبته من ظ لأن فيه زيادة إيضاح.
3 لأن يمينه كانت على لبن البقرة، فلم تتناول ثمنها الذي اشترى به شاة.
4 في ع "اليمين"، والأقرب للسياق ما أثبته من ظ، فإذا قصد بيمينه هذه دفع المن فإنه يحنث، لإمكان المن عليه حينئذ لما سبق ذلك في المسألة (1761) ، ويصح المعنى أيضاً بما كان في نسخة ع، وهو إرادة دفع اليمين، ويكون معناه الحيلة المذكورة بعد ذلك، والحيلة تفسير لدفع اليمين.
5 أي إذا جمع لبن البقرة وباعها واشترى بثمنها شاة، فعل كل ذلك حيلة للتخلص من الحنث في يمينه، فإنه يحنث. ويشبه ذلك فعل اليهود الذين حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها.(5/2469)
[1771-] قلت: رجل [قال] 1 حلفت أو أقسمت؟
قال: إن أراد الكذب فقد وجبت عليه الكفارة فيها.2
قال إسحاق: كلما لم يرد اليمين فلا [كفارة] 3 عليه، كان كما أراد.4
[1772-] قلت: إذا قال الرجل قد حلفت ولم يحلف، وطلقت ولم يطلق؟
قال: أخشى أن يكون قد وجب عليه الطلاق.5
قال إسحاق: لا يجب عليه شيء إذا أراد الكذب6 [ظ-52/ب] .
__________
1 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
2 هذه رواية عن الإمام أحمد، والمذهب أنه لا شيء عليه كما سبق بيان ذلك في المسألة (1730) ، (1745) .
3 ساقطة من ع، والصواب إثباتها كما في ظ، لأن السياق والمعنى لا يستقيم بدونها.
4 سبق قوله أيضاً في المسألتين المذكورتين.
5 وحكمه حكم من أقر بالطلاق وهو كاذب، كمن يقال له: أطلقت امرأتك؟ فيقول: نعم، وأجاب الإمام أحمد في ذلك بنحو ما أجاب به هنا، كما في المسألة التالية.
6 ورد في ع إثر هذه المسألةِ المسألةُ الآتية برقم (1778) .(5/2470)
[1773-] (قلت) :1 وإذا سئل الرجل أطلقت امرأتك؟ فيقول: نعم؟
[قال:] 2 أخاف أن يلزمه.3
قال إسحاق: كلما أراد به كذبا لم يلزمه.
[1774-] قلت: سئل عن رجل قال: كلُّ جارية أطؤها فهي حرة متى تعتق؟
قال: إذا توارت الحشفة فقد عتقت.
قال أحمد: جيد إذا وجب الغسل.4
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في ع "قلت قال" بزيادة "قال".
2 ساقطة من ع، وفي كلتا النسختين يستقيم المعنى، فإن زيادة "قال" الأولى يناسب حذفها هنا، وحذفها هناك إثباتها هنا.
3 إذا قيل للرجل: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم، فالصحيح من المذهب كما في الإنصاف أنه يقع الطلاق، وجزم به في المغني والشرح، لأن نعم صريح في الجواب، والجواب الصريح للفظ الصريح صريح، فلو قيل له: ألفلان عليك ألف؟ فقال: نعم، وجب عليه. المغني 8/285، الشرح 8/278، الإنصاف 8/467، مصنف ابن أبي شيبة 5/99.
4 وسبق في المسألة (1630) أن الحج يفسد عند الإمام أحمد إذا مَسَّ الختانُ الختانَ.(5/2471)
[1775-] سئل الإمام أحمد عن امرأة حلفت فقالت: إن لبست قميصي هذا فهي تهديه؟
قال: تلبس قميصها وتكفر يمينها؛ عشرة مساكين لكل مسكين مُدّاً، (وإن) 1 كانت موسرة وأرادت اليمين فعليها كفارة اليمين.
قال إسحاق: كما قال.2
[1776-] قلت: رجل نذر أن ينحر نفسه؟
قال: يفدي نفسه، إذا حنث يذبح كبشاً.3
قال إسحاق: كما قال.
[1777-] قلت: من قال: أنا أهدي جاريتي هذه أو داري هذه؟
__________
1 في ع "فإن".
2 فرق الإمامان أحمد وإسحاق رحمهما الله تعالى بين الموسرة وغيرها إذا حلفت بإهداء قميصها فلم يتركا الخيار للمعسرة وألزماها بكفارة يمين، وأن لا تضيع مالها رحمة بها وشفقة عليها، لأنها لو تصدقت بذلك قد يكون في ذلك ضرر لها وأن لا تجد ما تستر به وهذا لا يجوز، بينما تركا الخيار للموسرة بأن لها أن تهديه لضمان استطاعتها على شراء بدله. والله أعلم.
3 هذه رواية عن الإمام أحمد، والمذهب أن عليه كفارة يمين كما سبق تقرير ذلك في المسألة: (1570) .(5/2472)
قال: كفارة يمين إذا أراد اليمين.1
قال إسحاق: كما قال.
[1778-] قلت:2 من قال عليه عتق مائة رقبة؟
قال: إذا أراد اليمين فكفارة يمين.3
قال إسحاق: كما قال، إلا أنها مغلَّظة.
[1779-] قلت: الرجل يحلف كاذباً على أمر يتعمد (ذاك) ؟ 4
(قال: هذا أتى عظيماً) .5
__________
1 لأن مرجع الأيمان إلى النية، وإن لم يرد اليمين فكذلك كفارة يمين إن كان نذر لجاج وغضب، لأن فيه كفارة يمين كما سبق في مسألة رقم (1728) .
2 وردت هذه المسألة في ع إثر مسألة رقم (1772) .
3 هذه المسألة كسابقتها، لما ذكر فيها، ولأن في ذلك نذراً بما لا يستطيع، فإن عتق مائة رقبة ليس بالسهل، فهو كمن نذر الشيء الذي لا يقوى عليه، كما سبق في مسألة رقم (1759) .
4 في ع "ذلك".
5 في ع "قال هذا إثماً عظيماً" وهو مخالف لقواعد العربية فلعله أراد "أتى إثماً عظيماً" بزيادة أتى، وإتيانه للعظيم بسبب كذبه بهذه اليمين وذلك محرم مذموم، قال تعالى: {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} المجادلة آية 14.
وقال صلى الله عليه وسلم "إياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور".
أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة 4/347، حديث 1971، وقال: حديث حسن صحيح.
واليمين المذكورة هي التي تسمى باليمين الغموس، وسميت بالغموس لأنها تغمس صاحبها في النار، وهي من أكبر الكبائر. قال صلى الله عليه وسلم: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس". أخرجه: البخاري 8/228.(5/2473)
[قلت الكفارة] ؟ 1
قال: هذا يتبوأ مقعده.2
قال [إسحاق] 3: ليس في ذلك كفارة ولكن فيه (الإثم العظيم) 4، فليتب إلى الله.
[1780-] قلت: تكره أن يحلف الرجل بعتق أو طلاق أو مشي؟
__________
1 ساقطة من ع، والسياق يقتضي إثباتها كما في ظ.
2 أي ليس عليه كفارة. قال الخرقي: "ومن حلف على شيء وهو يعلم أنه كاذب، فلا كفارة عليه لأن الذي أتى به أعظم من أن تكون فيه الكفارة" ا. هـ.
وهذا هو المذهب، أي أنها يمين غير منعقدة فلا توجب الكفارة كاللغو.
وعن الإمام أحمد أن فيها الكفارة.
[] المغني 11/177-178، الإنصاف 11/16، المبدع 9/265.
3 ساقطة من ع، والموافق للسياق ولما درج عليه المؤلف إثباتها.
4 في ع "إثماً عظيماً".(5/2474)
قال: سبحان الله تعالى من لا يكره ذلك،1 لا يحلف [إلا] 2 بالله.3
قال إسحاق: كما قال.
[1781-] قلت: إذا قال الرجل كل مالٍ لي في سبيل الله عز وجل (أو لله) 4 عليّ حجة أو ثلاثون حجة إن كان كذا وكذا؟
قال: إذا كان يريد اليمين فكفارة يمين،5 وأجبن إذا تكلم في ثلاثين
__________
1 قال المرداوي في الإنصاف: 11/15: "نص الإمام أحمد رحمه الله على كراهة الحلف بالعتق والطلاق، وفي تحريمه وجهان وأطلقهما في الفروع:
أحدهما: يحرم اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله. وقال: ويعزر وفاقاً لمالك.
والثاني: لا يحرم واختاره الشيخ تقي الدين أيضاً في موضع آخر، بل ولا يكره. قال وهو قول غير واحد من أصحابنا. ا. هـ.
2 إلا ساقطة من ع، والصواب إثباتها، لأنه الموافق للحكم الشرعي كما في التعليق التالي.
3 لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت".
أخرجه البخاري في، باب لا تحلفوا بآبائكم 7/221.
4 في ع "ولله" بحذف الألف.
5 لأن مرجع الأيمان إلى النية كما سبق في التعليق على المسألة (1760) وسبق أيضا في المسألة (1728) أن النذر إذا كان على معنى اليمين فكفارته كفارة يمين.(5/2475)
حجة،1 وإذا كان معناه النذر فالوفاء به.2
قلت: حجة وثلاثون حجة؟ 3
قال: ليس في ثلاثين حجة حديث.
قلت: فثلاثون أشد من واحدة؟
قال: فيه كفارة4 يمين.5
قال إسحاق: في كل هذا كفارة [يمين] 6 مغلظة، ثلاثين حجة كانت أو أكثر7، [فما] 8 عظم من الحج وكثر فهو أجدر به أن يكفر.
__________
1 سبق عنه رحمه الله تعالى في المسألة (1762) "أن من نذر ثلاثين حجة يحج ما استطاع، فإذا لم يستطع كفر عن يمينه".
2 هذا إذا كان نذر حجة، لأنه قربة إلى الله، فيجب الوفاء به كما سبق في المسألة (1728) ، أما إذا نذر أن يجعل ماله في سبيل الله فهذه رواية عن الإمام، والمذهب أنه يجزئه التصدق بثلثه، كما سبق في المسألة المذكورة.
3 أي قلت يلزم الوفاء به، أو أنذر حجة أو أنذر ثلاثين حجة؟
4 في ظ (كفارة يمين يكفر) .
5 لأن هذا فيه تعذيب لنفسه. راجع المسألة (1759) .
6 ساقطة من ع.
7 كما سبقت أقواله في مثل ذلك في المسائل: (1728) ، (1759) ، (1762) .
8 في ظ "بما"، والأقرب للسياق ما أثبته من ع.(5/2476)
[1782-] قال إسحاق: وأما ما سألت عن الحالف (متى زوج) 1 ابنته من فلان فامرأته طالق، فغاب الأب فزوجها الأخ فلما رجع [الأب] 2 لم يرض ما زوج ابنه أيلزم الأب اليمين؟
[قال] 3: فإن ذلك لا يلزمه إذا كانت الإرادة عند عقد اليمين (أن لا) 4 يزوجها منه، ولا يحتل بعد ذلك بهذه الغيبة لكي يزوجها، فإنه لا يقع عليه طلاق (امرأته) .5
وتزويج الأخ عندنا جائز إذا كان [الأب] 6 غائباً في مصر أخرى، ألا ترى أن عائشة رضي الله عنها زوجت بني أختها بنات أخيها، وإنما معنى ذلك: أنها رأت ذلك جائزاً، والذي
ولي العقدة بنو الأخ، وأبوهم غائب بالطائف،7 (احتج بذلك [ع-82/ب] ابن المبارك) .8
__________
1 في ع "متى ما زوج" بزيادة "ما".
2 ساقطة من ع، وفي إثباتها كما في ظ إيضاح.
3 ساقطة من ظ، والأنسب إثباتها كما في ع لطول المقام.
4 في ظ "أولاً"، والموافق للسياق وما يستقيم به الكلام ما أثبته من ع.
5 في ع "امرأة"، والموافق للسياق ما أثبته من ظ، وخلاصة القول في المسألة أن الإمام إسحاق رحمه الله علق عدم لزوم الأب اليمين بشرطين:
الأول: أن يكون قاصداً عند عقد اليمين أنه لا يزوج بنته من ذلك الرجل بنفسه، ولا يقصد تزويجه إياها مطلقاً.
الثاني: أن لا يكون سفره على سبيل التحايل ليزوج ابنه البنت ذلك الرجل في غيبته فلا يحنث هو في يمينه.
6 ساقطة من ظ، والمناسب للسياق إثباتها كما في ع.
7 أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه 4/135 عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الفتى من بني أختها إذا هوى الفتاة من بني أخيها طربت بينهما شهراً وتكلمت، فإذا لم يبق إلا النكاح قالت: يا فلان أنكح فإن النساء لا ينكحن". وأخرج نحو ذلك ابن حزم في المحلى 9/453.
ومما ورد عن عائشة رضي الله عنها أيضاً أنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر ابن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام، فلما قدم أنكر ذلك فجعل المنذر أمرها إليه فأجازه. المحلى 9/455.
8 في ع "احتج بحديث ابن المبارك"، والموافق للسياق ما أثبته من ظ.(5/2477)
(قال: ومعنى قول عائشة: أنكحت) 1 أي تكلمت،2 لما رأت تزويج الولي والأب غائب جائزاً.
وهذا الذي نعتمد عليه أن يكون تزويج الولي الدون جائزاً إذا كان الولي من الأولياء بمصر آخر، وبين المصرين سفر تقصر (فيه) 3 الصلاة.4
__________
1 في ظ "وقال معنى ذلك أنكحت"، والموافق للسياق ما أثبته من ع.
2 كما هو واضح في حديث عائشة السابق.
3 في ع (في مثله) .
4 وهذا على سبيل الأولوية عند الإمام إسحاق، فإنه يجوز عنده أن يزوج الأبعد مع وجود الأقرب، فيجوز عنده أن يزوج الأخ للأب مع وجود الأخ الشقيق، وكل ولي كذلك عنده، كما صرح بذلك في أوائل النكاح من مسائل الكوسج هذه، مستدلاً بحديث: "أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول".
أخرجه الترمذي في كتاب النكاح، باب ما جاء في الوليين يزوجان 3/418، وقال: هذا حديث حسن. وأبو داود في باب إذا أنكح الوليان 2/571، والنسائي في كتاب البيوع 7/314.
ووجه الدلالة: عنده بأنه لم يفرق في الحديث بين ولي وولي، ونقل عنه ابن المنذر في الإشراف، مسألة تزويج الأخ للأب مع وجود الشقيق، وخطأه.
أما المسألة عند الحنابلة فالمذهب أنه لا يجوز تزويج الأبعد مع وجود الأقرب، فإذا غاب الأقرب فالمذهب أنه يزوجها الأبعد.
الإنصاف 8/76، 81، المغني 7/364، 369، الإشراف 4/44، شرح منتهى الإرادات 3/19.(5/2478)
بالحج،1 ولأنا نرى أن يحج كلّ من كان أدّى الفريضة أن يأخذ مالاً فيحج عن غيره، ولا يأخذه مقاطعة، بل يجعل كل ما احتاج من كسوة أو نفقة أو كراء من مال الميت، فإن فضلت فضلة ردها عليه،2 ولا يكون ذلك للورثة أبداً كما قال (هؤلاء) 3 عليهم4 صرف ذلك في معونة في حج أو حج حيث بلغ، قال الميت: "حجوا عنِّي بالذي سمى حجته" أو قال: "حجوا عني"،5 وقد أخطأ
__________
1 أي: إذا كان قصده الحصول على الفضل بمشاهدة مشاعر الحج والاستفادة من الأجرة، ولم يكن الحصول على المال هو هدفه الوحيد.
2 كما سبق في المسألة (1670) قوله إنه لا يرى استئجار حاج عن ميت.
3 في ع "وهؤلاء" بزيادة الواو، والصواب حذفها كما أثبته من ظ، لأن المعنى لا يستقيم بالإثبات، أي لا يرد ما زاد على الحج على الورثة كما قال هؤلاء، ومنهم الإمام أحمد.
قال ابن قدامة في المغني 3/182: "وقال-أي أحمد- في رجل أخذ حجة عن ميت ففضلت معه فضلة، يردها" ا. هـ.
وسبق نص ما ينكره إسحاق عند أحمد في المسألة (1667) .
4 أي الورثة.
5 إذا أوصى الميت أن يحج عنه بمبلغ ففضل من الحج مبلغ، لا يرد إلى الورثة عن الإمام إسحاق، بل يحج به عن الميت حجاً آخر من حيث بلغ، أي من حيث يكفي لتكاليف الحج، سواء كان من مكان بعيد أو قريب. فالمبلغ الباقي قد يكفي لتكاليف حاج من جدة أو المدينة المنورة أو دمشق أو ما إلى ذلك. وإن لم يكف لتكاليف حجة يعان به حاج. ويستوي في ذلك عنده فيما إذا قال الموصي: "حجوا عني بذلك حجة"، أو أطلق وقال: "حجوا عني" فقط. وسبق قول إسحاق في ذلك في مسألة رقم (1667) ، (1669) .(5/2479)
المجلد السادس
وصف النسخ الخطية ومنهج العمل في تحقيق المخطوط:
لقد كانت أول مشكلة واجهتها فيه هي: قراءة المخطوطتين، ونسخهما نظراً لرداءة خطهما، ووجود طمس وبياض في بعض الأماكن، وبعد أن تم النسخ والمقابلة بين النسختين سلكت في التحقيق المنهج التالي:
أولا: اتخذت النسخة الظاهرية أصلاً، ورمزت لها بحرف (ظ) ورمزت للنسخة العمرية بحرف (ع) ، وقد بينت في وصف المخطوطتين مميزات نسخة الظاهرية على العمرية التي جعلتني أتخذها أصلاً.
ثانيا: أثبت نص النسخة الظاهرية في أعلا الصفحة، وقيدت الفروق بين النسختين في أسفلها، فإذا وجدت نقصاً في الأصل سواء كان ذلك من ناحية اللغة، 1 أو المعنى، 2 أو حدوث خطأ مخلٍّ في بعض الكلمات والعبارات3 ووجدت في النسخة الثانية ماهو أصح منه: أثبته في المتن من النسخة العمرية، وأشرت إلى ذلك في الحاشية، وبينت وجهة نظرى حول هذا الاختلاف، أما إذا تطابق نصا النسختين ووجدت نفس النص في أحد الكتب المعتبرة: فإنني أشير إلى الفرق في الحاشية، وأبقي على المتن كما ورد.
__________
1 انظر: المسائل التالية: المسألة رقم (1843) ، (1921) ، (1950) ، (1969) .
2 انظر: المسائل التالية: (1846) ، (1961) .
3 انظر: المسائل التالية: (2002) ، (1911) ، (1958) .(6/2545)
ثالثا: حاولت ماأمكنني إخراج النص على أقرب صورة وضعها المؤلف فإن اعترضني مايخالف الرسم الحالي أبدلته أثناء النسخ مثل قوله في المسألة رقم 4: يعطيني الدينار بكذى وكذى, وفي المسألة رقم 10: بعه بكذى وكذى فقد كتبتها: كذا وكذا بلألف.
رابعا: بينت معاني الكلمات الغريبة, وعرفت المصطلحات الفقهيه وشرحت المقصود من العبارات التي قد يلتبس معناها على القارىء.
خامساً: علقت على معظم العبارات المتباينة بين النسختين, وذكرت وجه الخطأ والصواب فيها حسبما يظهر لي, وإذا لم يترجح أحد النصين وكان فيهما لبس يغير المعنى أشرت إلى ذلك في الهامش واجتهدت في تحرير العبارة كما في المسألة رقم (2698) , ورقم (2728) .
سادسا: ميزت المسائل عن بعضها بعد نسخها, ووضعت لها رقماً تسلسلياً تعرف به, وبدأت كل مسألة مع أول السطر, وفرقت بين الأرقام التسلسلية الخاصة بالمسائل, وبين سائر الأرقام التي توضع للتعليقات, وأرقام بداية صفحات المخطوطة فأضع رقم المسألة بين معكوفتين هكذا [] وأرقام التعليقات بين قوسين () , وأثبت أرقام بداية صفحات النسخة التي اتخذتها أصلاً على السطر في المتن مع الرمز ظ, وأما النسخة الأخرى فإنني أضع لها إشارة في المتن عبارة عن نجمة هكذا *
وأثبت الإشارة مع رقم الصفحة في الحاشية.
سابعا: في نهاية كل مسألة وأحياناً في نهاية جواب الإمام أحمد(6/2546)
وإسحاق أو أحدهما ضمن المسألة أعلق على ذلك حسب الخطوات التالية:
أ - أوثق الموضوع فأذكر المسائل المطابقة، أو المماثلة لمسائل إسحاق بن منصور التي رواها أصحاب الإمام أحمد في المطبوع منها والمخطوط مما أمكنني الحصول عليه مثل: مسائل صالح، وعبد الله ابني الإمام أحمد، الأولى مخطوطة، والثانية مطبوعة، ومسائل أبي داود السجستاني، ومسائل ابن هانىء وهما مطبوعتان، ومسائل عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي وهي مخطوطة، وكذلك المسائل المتناثرة التي ورد ذكرها في كتب الحنابلة المعتمدة، كالروايتين والوجهين لأبي يعلى، والمحرر لأبي البركات، والقواعد الفقهية لابن رجب، وبدائع الفوائد لابن القيم، وغيرها فما وجدته منها موافقاً لما ورد في المخطوطة أشرت إليه بقولي: نص على ذلك، وما وجدته مقارباً أشرت إليه بقولي: ورد مثل ذلك، ثم أذكره، أو طرفاً منه، أو معناه وأبين محله.
ب - أذكر الأقوال المنسوبَةَ إلى الإمامين أحمد وإسحاق مما أثبته العلماء المتقدمون في كتبهم مثل: محمد بن نصر المروزي (ت 294) في كتابه: اختلاف العلماء، وأحمد بن محمد بن هارون الخلال (ت 311) في كتابه: أحكام أهل الملل، وأبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر في: الإشراف (ت 318) ، وأبي عبد الله الحسن بن حامد (ت 403) في: تهذيب الأجوبة وعبد الخالق بن عيسى الهاشمي (ت 370) في رؤوس(6/2547)
المسائل وكلها مخطوطة ومحمد بن جرير الطبري (ت 310) في كتابه: اختلاف الفقهاء، وأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (ت 321) في كتابه اختلاف الفقهاء، وأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت 456) في المحلى وكلها مطبوعة.
ج - استعرضت معظم كتب المذهب المعتمدة مثل: مختصر الخرقي والمحرر لأبي البركات، والفروع لابن مفلح، والعمدة، والمقنع، والكافي والمغني لابن قدامة، وكتاب الإقناع، وزاد المستقنع للحجاوي، ومنتهى الإرادات لابن النجار وشروحها كشاف القناع، وشرح المنتهى، والروض المربع للبهوتي، والإنصاف للمرداوى وغيرها. ونقلت منها ما وجدته موافقاً أو مؤيداً للمسألة.
د - حاولت ما أمكنني حصر الروايات والأوجه في المسألة حسبما ورد في كتب المذهب وبينت الراجح منها عند علماء الحنابلة وقارنت بينها وبين بعض المسائل الواردة في المخطوطة، فأحياناً توافق الراجح من المذهب، وأحياناً لا توافقه، فإذا أطلقت الروايات حدَّدْتُ ما ترجح منها عندي مبيناً وجهة نظري في ذلك.
هـ - التمست الدليل من الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين لتوثيق النص فما وجدته موافقاً أو مؤيداً للمسألة نقلته بنصه، وأحياناً أذكر معناه وأشير إلى موضعه في المصادر والمراجع التي وجدته فيها ولو تعددت، وقد أكتفي بالعزو إلى الصحيحين أو أحدهما إن كان الحديث(6/2548)
فيهما ولم أتعرض للكلام على صحة الحديث أو الأثر أو ضعفهما لكنني قد أورد؟ كلام العلماء على بعضها إن وجدت تعليقاً عليها من قبل المؤلف.
و قد أضيف من كلامي أحيانا بعض العبارات أو الكلمات أو التعاريف أو الأسماء ضمن التعليقات والنقول في الحاشية فأضعها بين شرطتين هكذا - - كما في (2505) ، (2510) ، (2625) ، (2566) ، (2631) .
ز - لا أكرر التعليق عند تكرار المسائل بل أكتفي بالإحالة إلى ما سبق مبيناً رقم الصفحة والمسألة إلا إذا كان في المسألة اللاحقة زيادةُ معنى فإنني أضيف ما يبينه كما في (2583) ، (2687) .
ح - أثناء التعليق على المسائل أستعمل كلمة قال، عندما أنقل النص حرفياً كما ورد في كتاب المؤلف، فإذا رويت الكلام بالمعنى أو تصرفت فيه صدَّرته بكلمة: ذَكَرَ فلان، أو ورد في كتاب كذا، فإن كان الكلام لغير المؤلف أشير في الغالب إلى اسم من نقله عنه.
ط - خرَّجت الأحاديث الواردة في صلب المخطوطة مبيناً المصادر التي نقلتها منها، وغالباً ما أكتفي بذكر مصدر أو مصدرين إذا كان اللفظ واحداً فإن كان ثَمَّتَ زيادات في بعض ألفاظ الأحاديث أو الآثار ذكرتها وأشرت إلى مصدر الرواية، فإذا كان الحديث في الكتب الستة اكتفيت بذكره دون بيان درجته إلا إذا وجدت للمؤلف كلاماً عليه فإنني(6/2549)
أشير إليه, أما إذا كان الحديث أو الأثر في غير الكتب الستة فإنني أحاول معرفة ما قيل فيه فأنقله, ولكن الغالب وخصوصاً إذا كانت آثار عن التابعين وتابعيهم فإن مَظِنَّتُهاَ المصنفات وهذه لم تخدم بعد ولم يُحْكَمْ على ما فيها حسب علمي إلا ما وُجِدَ متناثراً في بطون الكتب الأخرى كالمحلى لابن حزم وهو غير شامل, أما الأحاديث والآثار التي أوردتها في الحاشية لتوثيق النصوص فلم أكتف بذكر مصدر واحد حين العزو ولو كان الحديث في الصحيحين إلا ما ندر.
ى - أتكلم على الخلاف بين الأئمة الأربعة أو أذكر قول أحدهم, وأحياناً أقارن بين المذاهب الأربعة, أو أبين مسلك أحد المذاهب في المسألة إذا نص على ذلك أو أشير إليه في صلب المخطوطة, وما لم يرد شيء منه فلا أتعرض لذكره لكنني عند توثيق مسائل أحمد وإسحاق أنقل ما أثبته العلماء في كتبهم من أقوال بعض الأئمة التي توافق أو تؤيد ذلك.
ك - عزوت الآيات الواردة في صلب المخطوطة إلى مواضعها من السور بعد أن أتممت نصوص بعضها التي لم تذكر بتمامها.
ل - ترجمت لجميع الأعلام الواردة أسماؤهم في المتن ترجمة موجزة أعتمد فيها غالباً على ما ذكره الحافظ في التقريب, أما الصحابة المشهورون كالخلفاء الراشدين وأمثالهم وكذلك الأئمة الأربعة فلم أترجم لهم نظرا لبيان حالهم.
م - إذا وُجِدَ في التعليق على أي مسألة من المسائل أكثر من رواية(6/2550)
أو رأي للإمام أحمد, فأحيانا أسكت عن الترجيح وهذا معناه أنني قد ملت إلى الرواية التي بُنِيَ عليها المذهب, وأحياناً أعين الراجح من الروايات وأعلل سبب الترجيح, وقد أشير إلى موافقة المسألة للراجح من المذهب من الروايات.(6/2551)
كتاب البيوع1
__________
1 الكَتْبُ: هو جمعك بين الشيئين، ومن ذلك سميت الكتيبة لأنها تكتتب فاجتمعت، ومنه قيل: كتبت الكتاب، لأنه يجمع حرفاً إلى حرف.
والبيوع: جمع بيع، والبيع من حروف الأضداد في كلام العرب. يقال: باع فلان إذا اشترى وباع منه غيره.
وهو في اللغة مطلق المبادلة.
وفي الاصطلاح مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا على منفعة مباحة، واشتقاقه من الباع لأن كل واحد يمد باعه للأخذ والإعطاء، وهو مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} (البقرة الآية 275) ، وقال تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} (البقرة الآية 282) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث أبي هريرة؟ وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق"… الحديث.
قال الحافظ في الفتح: أجمع المسلمون على جواز البيع، والحكمة تقتضيه لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا، وصاحبه قد لا يبذله له، ففي تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج، والآية الأولى أصل في جواز البيع.
انظر: تهذيب اللغة للأزهري الناشر: الدار المصرية للتأليف والترجمة 3/237، 10/150، والبخاري مع الفتح 4/287، والمغني لابن قدامة الناشر: مكتبة القاهرة 1389هـ 3/480، وشرح المنتهى للبهوتي 2/139.(6/2553)
[1783-] قلت1 لأحمد بن محمد بن حنبل: قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم وهم يسلفون2
__________
1 القائل هو إسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المروزي صاحب الإمام أحمد وتلميذه المتوفي سنة 251هـ، اشتهر في مسائله التي نقلها عن الإمام أحمد والتي هي موضع بحثنا هذا.
2 قال الأزهري في تهذيب اللغة 12/431: كل مال قدمته في ثمن سلعة مضمونة اشتريتها فهو سلف وسلم. يقال: سلفت وأسلفت وأسلمت بمعنى واحد، وهذا هو الذي يسميه عوام الناس عندنا: السلم.
وفي المصباح المنير للفيومي الناشر: دار الكتب العلمية بيروت عام 1398هـ ص 338 قال: السلم في البيع: مثل السلف وزنا ومعنى، اسم من الإسلاف، والقرض الذي لا منفعة فيه للمقرض، وعلى المقترض رده كما أخذه.
والسلم: لغة أهل الحجاز، والسلف: لغة أهل العراق، فهما شيء واحد وسمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس وسلفا لتقديمه، كما جاء في شرح منتهى الإرادات، باب السلم 2/214.
وشرعا: له عدة تعريفات عند الحنابلة ذكر بعضها صاحب الإنصاف وغيره نختار منها ثلاثة:
الأول: لابن قدامة ذكره في الكافي والمغني وتبعه ابن مفلح في المبدع وهو: أن يسلم عينا حاضرة في عوض موصوف في ذمة إلى أجل.
انظر: الكافي لابن قدامة الناشر: المكتب الإسلامي بيروت ط2 عام 1399هـ 2/108، والمغني 4/207، والمبدع في الشرح المقنع لابن مفلح 4/177.
الثاني: ذكره شارح المنتهى 2/214، قال: هو عقد على ما يصح بيعه في ذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد، والسلم قسم من البيع، وجاء في الفتح 4/435 عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمّى قد أحلّه الله في كتابه وأذن فيه ثمّ قرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} (البقرة آية 282) .
والحكمة تقتضيه لأنّ أرباب الزروع والثمار والتجارات يحتاجون إلى النفقة على أنفسهم وعليها -أي على الزروع-، وقد تعوزهم النفقة فجوز لهم السلم -لتسهيل مصالحهم- انظر: المغني 4/207.
الثالث: للبعلي في كتابه المطلع، والشيخ مرعي في غاية المنتهى، وهو: عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد وقد استحسنه صاحب الإنصاف.
انظر: المطلع على أبواب المقنع للبعلى، الناشر: المكتب الإسلامي بيروت عام 1401هـ ص 245، وغاية المنتهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى للشيخ مرعى ط2 عام 1401هـ الناشر: المؤسسة السعيدية بالرياض 2/69، والإنصاف 5/84.(6/2554)
في الثمار سنتين وثلاثا.1
قال: معناه: أن يسلف في الشيء عنده يومئذ.2
__________
1 في الأصل: (وثلاثة) ، وما أثبتناه أصحّ لموافقتها لنصّ الحديث، وهذا قطعة من حديث لابن عبّاس عند البخاري وتمامه. فقال: "من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم".
انظر: صحيح البخاري، الناشر المكتبة الإسلامية بإستامبول 1981م. 3/44.
وفي رواية للإمام أحمد: العام والعامين بدل (سنتين وثلاث) . انظر: المسند 1/217.
2 كلمة (يومئذ) غير موجودة في الأصل، وقد ذكر مثل ذلك في مسائل أبي داود ومسائل عبد الله بن الإمام أحمد، ومسائل إسحاق بن هانئ وحكى ابن هبيرة في الإفصاح الإجماع عليه.
وفي الإنصاف قال: إنه لا نزاع في اشتراط كون المسلم فيه عام الوجود في محله.
أما السلم في ثمرة بستان بعينه: فهو خلاف المذهب، وقد نقل عن الإمام أحمد جوازه في الثمرة الموجودة إن بدا صلاحها وأمن عليها الجائحة.
انظر: مسائل أبي داود، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت صـ197، ومسائل عبد الله، الناشر: المكتب الإسلامي ط1 عام 1401 هـ صـ287، ومسائل إسحاق بن هانئ، الناشر: المكتب الإسلامي ج 2/19، والإفصاح عن معاني الصحاح- لابن هبيرة، الناشر: المؤسسة السعيدية بالرياض ج 1/363، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 5/103.(6/2555)
قال: لا بأس بذلك سنتين وثلاثاً1 إذا كان كيلا معلوماً أو وزناً2 معلوماً.3
قال إسحاق:4 كما قال، هو السلم بعينه.
__________
1 في النسخة ع: (وثلاث) .
2 في النسخة ع: (ووزنا) .
3 قال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أجازوا السلف في الطعام والثياب وغير ذلك مما يعرف حده وصفته.
انظر: سنن الترمذي: كتاب البيوع، باب ما جاء في السلف في الطعام والثمر 3/594.
4 هو إسحاق بن راهويه صاحب الإمام أحمد والمحدّث الفقيه المعروف.(6/2556)
[1784-] قال أحمد:1 أكره بيع المضطر.2
وقال إسحاق: كما قال.
[1785-] قلت: ابن عمر كره3 إذا كان لك على رجل دين بأن4
__________
1 كلمة (أحمد) ناقصة من ع.
2 المضطر (مفتعل من الضرّ) واضطره بمعنى: ألجأه إليه، وليس له منه بد، والضرورة: اسم من الاضطرار، والضراء: نقيض السراء.
والمقصود بالمضطر هنا: إما أن يضطر إلى العقد مكرها عليه وهذا بيع فاسد لا ينعقد، وإما أن يضطر إلى البيع لدين ركبه، أومؤنة ترهقه: فيبيع ما في يده بالوكس للضرورة، وهذا سبيله في حق الدين والمروءة أن لا يبايع على هذا الوجه، ولكن يعاون ويقرض إلى الميسرة، أو تشترى سلعته بقيمتها.
قال ابن الأثير: فإن عقد البيع مع الضرورة على الوجه صح ولم يفسخ مع كراهة أهل العلم له.
وفي سنن أبي داود عن علي رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر". الحديث.
انظر: سنن أبي داود، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت ط1 عام 1391هـ. 3/676، والمصباح المنير 425 والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير، الناشر: عيسى البابي الحلبي وشركاه 3/83.
3 في نسخة ع: (قال) .
4 في نسخة ع: (أن) .(6/2557)
تسلفه1 إياه في حنطة2 حتى تقبضه؟ 3
قال: نعم أكرهه.
قال إسحاق: كما قال، لأن السلم لا يكون أبدا إلا بتسليم الثمن نقداً.
[1786-] قال أحمد: شرطان في بيع: أبيعك هذا الغلام4 على أن متى
__________
1 في نسخة ظ: (تسلمه) .
2 الحنطة بالكسر: البر، وهو نوع من حبوب القمح. انظر: المصباح المنير 1/186، وترتيب القاموس لأحمد الزاوي، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت عام 1399 هـ ج 1/725.
3 أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر في الرجل يقرض الرجل الدراهم ثم يأخذ بقيمتها طعاما: أنه كرهه. وروى البيهقي عن كليب بن وائل قال: قلت لابن عمر: كانت لي على رجل دراهم فأتيت أتقاضاها، فقال: ليس عندي ولكن اكتبها على طعام إلى الحصاد؟ قال: لا يصلح.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، باب في الرجل يقرض الرجل القرض 6/275.
والسنن الكبرى للبيهقي الناشر مطبعة دائرة المعارف العثمانية ط1 1352هـ كتاب البيوع باب لا يجوز السلف حتّى يكون ثمن معلوم في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل 6/25.
4 كلمة: (الغلام) غير موجودة في الأصل.(6/2558)
ما بعته فأنا أحق به، وعلى أن يخدمني سنة.1
__________
1 نصّ على ذلك في مسائل عبد الله ص277 فقال: سمعت أبي سئل عن شرطين في بيع؟ قال: هو أن يقول: أبيعك هذه الجارية على أنك إذا بعتها فأنا أحق بها وأن تخدمني كذا وكذا، قال أبي: فقد اشترط شرطين في بيع قال فأما إذا كان شرطاً واحداً فلا بأس. قد باع جابر على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعيراً واستثنى ظهره وقال لعائشة: "اشترطي الولاء إنما الولاء لمن أعتق".
وجاء في المقنع لابن قدامة الناشر: المطبعة السلفية ط3 ج 2/28، والإنصاف 4/348: أنه إن جمع بين شرطين لم يصح؛ هذا المذهب، وعليه الأصحاب. وعنه: يصح اختاره الشيخ تقي الدين قاله في الفائق. وعنه: لا يصح.
قال المرداوي محلّ الخلاف إذا لم يكونا من مصلحة العقد: فأما إن كانا من مصلحته فإنه يصح على الصحيح من المذهب. ثم ذكر رواية عن أحمد أنه فسر الشرطين المنهي عنهما بشرطين فاسدين.
وروي عنه أنه فسرهما بشرطين صحيحين ليسا من مصلحة العقد ولا مقتضاه.
ونقل عن القاضي قوله في المجرد: هما شرطان مطلقاً: يعني سواء كانا صحيحين، أو فاسدين أو من غير مصلحة العقد، وقال هو ظاهر كلام الإمام أحمد ووافقه ابن عقيل في التذكرة، وقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله صلّى الله عليه وسلّم: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك".
رواه أبو داود في سننه، كتاب البيوع والإجارات، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده 3/769، والترمذي في سننه كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك 3/527.(6/2559)
قال إسحاق: هذا من الشرطين في بيع، ومنه قوله: أبيعك هذا على أن تعطيني الدينار بكذا وكذا.
[1787-] قلت: من كره إذا أسلف1 في طعام أن يأخذ بعضه طعاما وبعضه دراهم؟
قال: أكرهه.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 في نسخة ع: (سلف) .
2 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 133 باب الإقالة في بعض السلم: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الإقالة في جميع المسلم فيه جائز واختلفوا في الإقالة في بعض المسلم فروينا عن ابن عمر، وابن سيرين والنخعي، والحسن، وأحمد بن حنبل، وإسحاق أنهم كرهوا ذلك، وقال مالك: يأخذ سلمه كله أو رأس ماله، وبه قال ربيعة، والليث بن سعد وابن أبي ليلى، ورخص فيه ابن عباس، وعطاء، وطاوس، ومحمد بن علي، وحميد بن عبد الرحمن، وعمرو بن دينار، والحكم، والثوري، والشافعي والنعمان وأصحابه.
قال ابن المنذر: وبه نقول إذا كان له أن يقيله في الجميع فما الذي يمنع أن يقيله في البعض.
وذكر أبو يعلى في الروايتين والوجهين 1/362 تحقيق الدكتور عبد الكريم اللاحم ص360 روايتين عن الإمام أحمد:
إحداهما: عن صالح وابن القاسم: يأخذ سلمه كله أو رأس ماله.
والأخرى: نقلها حنبل، وقد ذكر له قول ابن عباس: يأخذ بعض سلفه وبعض رأس ماله، فقال أحمد: لا بأس به، ولا يأخذ فضلا.
قال القاضي: ظاهر الأولى المنع وهي أصح، لأنه إذا أسلم في كُرَّينِ من طعام مائة درهم فلو أجزنا الإقالة في أحدهما رد البائع إلى المشتري خمسين من المائة حين الإقالة وبقي الكُرُّ الآخر بخمسين، وبمنفعة هذه الخمسين إلى حين الإقالة وهذا لا يصح.
وظاهر الثانية الجواز: لأن ما صحت الإقالة بجميعه صحت ببعضه بدليل تنوع الأعيان، قال: وإنما تصح هذه المسألة على الرواية التي تقول: إن الإقالة فسخ.
وفي الإنصاف 5/113 ذكر روايتين:
إحداهما: يجوز ويصح وهو المذهب.
والأخرى: لا يجوز ولا يصح.
[] وقد روى البيهقي في سننه، كتاب البيوع، باب من أقال المسلم إليه بعض السلم وقبض بعضا 6/27- أثر ابن عباس رضي الله عنه، وأقوال من ذهب مذهبه في جواز ذلك.(6/2560)
[1788-] قلت: الرهن1
__________
1 الرهن لغة: الثبوت والدوام، يقال: أرهنت لهم الطعام والشراب: أدمته لهم، وهو طعام راهن، هكذا جاء في مختار الصحاح للرازي الناشر: دار الفكر للطباعة بيروت ص260.
وفي المصباح المنير ص287،: رهن الشيء يرهن رهونا: ثبت ودام فهو راهن.
وشرعاً: توثقه دين بعين يمكن أخذه أوبعضه منها أوثمنها.
وهو جائز بالإجماع؛ لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ، ولحديث عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعه"، ومثله عن أنس وابن عباس.
انظر: سنن ابن ماجه، كتاب الرهون، باب حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة 2/815.(6/2561)
والقبيل1 في السلف؟
قال: أكرهه في السلم خاصة2 وفي البيع لا بأس
__________
1 القبالة بالفتح: الكفالة، وهي في الأصل مصدر قبل إذا كفل، وقبل بالضم: إذا صار قبيلاً: أي كفيلا، انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/10.
2 ورد ذلك في مسائل صالح ورقة 159، ومسائل أبي داود 198، ومسائل ابن هانئ 20.
ونقل القاضي- في كتابه الروايتين والوجهين 1/358 روايتين في ذلك:
إحداهما: تنص على الجواز، نقلها حنبل وهو اختيار أبي بكر.
والثانية: تنص على المنع، نقلها أبو طالب والمروذي، وهو اختيار الخرقي.
قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 133: كرهه علي بن أبي طالب، وسعيد بن أبي جبير، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، ورخص فيه عطاء، ومجاهد، والشعبي، وعمرو بن دينار، ومالك والشافعي، وإسحاق وأصحاب الرأي وكان مجاهد يكره الرهن إلا في السفر، وقد روينا عن ابن عمر، وابن عباس، والحسن البصري، والنخعي: الرخصة والكراهية جميعا، ثم قال: الرهن والحميل في السلم جائز إذ لم يمنع منه سنة ولا إجماع، وقد رهن النبيّ صلى الله عليه وسلم درعا وأخذ طعاما- فدل ذلك على خلاف قول مجاهد.
وفي المحرر لأبي البركات الناشر: مطبعة السنة المحمدية عام 1369هـ 1/335 قال في باب الرهن: فيه روايتان عن أحمد، وورد مثل ذلك في المذهب الأحمد لابن الجوزي ط2 الناشر المؤسسة السعيدية بالرياض ص90.
وفي شرح المنتهى 2/222 قال: لا يصح الرهن والكفيل في السلم، رويت كراهته عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.
وذكر في الإنصاف 5/122 روايتين:
إحداهما: لا يجوز جزم به الخرقي، وهو المذهب.
والأخرى: يجوز نقلها حنبل.
قلت: ورواية المنع أولى بالأخذ كما هو المذهب.
وقد علل لها القاضي بقوله: لو هلك الرهن على وجه العدوان يصير مستوفيا للمسلم فيه، فيصير كأنه استوفى الرهن بدلاً عن السلم فلا يجوز لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره".
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن علي ابن أبي طالب، وابن عمر، وسعيد بن جبير، وطاوس، وسعيد بن المسيب: أنهم كرهوا الرهن والكفيل في السَّلم.
انظر: مصنف عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب من كره الرهن في السلم 6/21.(6/2562)
به.1
قال إسحاق: كلاهما لا بأس به، والسلم أشد.
[1789-] قلت: من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه؟
قال: هو هكذا، وكل شيء في معنى الطعام فهو كذلك، البر والشعير، والملح، والتمر، والزبيب، والحمص، والعدس، والحبوب كلها، والسكر، وكل شيء يؤكل ويشرب، مما تتخذ
__________
1 كلمة: (لا بأس به) ليست في ع.(6/2563)
منه الأشربة.1
قال إسحاق: كما قال، في كل شيء يكال ويوزن [ظ-53/أ] .
[1790-] قلت: قول زيد بن ثابت رضي الله عنه: كره أن يعجل له، ويضع عنه؟ 2
قال أحمد: أكرهه.
__________
1 سواء كان مطعوماً، أو غير مطعوم.
قال في الإنصاف 4/460، 461 وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه الأصحاب، وبعد أن ساق عبارة المقنع وهي قوله: "لم يجز بيعه حتّى يقبضه" قال: وهذا المذهب مطلقاً وعليه الأصحاب.
[] وقال في شرح المنتهى 2/187-188: فصل في التصرّف في المبيع، فذكر أنّه لا يصحّ بيعه، ولو لبائعه، ولا الإعتياض عنه، ولا إجارته، ولا هبته، ولو بلا عوض، ولا رهنه، ولو قبض ثمنه، ولا حوالة عليه قبل قبضه. لحديث: "من ابتاع طعاماً، فلا يبعْه حتّى يستوفيه". وهو يشمل بيعه من بائعه، وغيره، وقيس على البيع ما ذكر بعده، ولأنّه من ضمان بائعه، فلم يجز فيه شيء من ذلك، كالسلم.
وقد روى البخاري حديث النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، في كتاب البيوع، باب بيع الطعام، قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك 3/23، ومسلم في كتاب البيوع، باب بطلان البيع، قبل القبض 3/1159.
2 يقال: وضعت عنه دينه أي: أسقطته، ووضع عن غريمه، نقص من ماله عليه شيئاً. انظر: المصباح المنير 828 وترتيب القاموس 4/623.(6/2564)
قال إسحاق: كما قال.1
[1791-] قلت: ما المستقيم؟ 2
قال: الرجل يدفع إلى الرجل الثوب فيقول:3 بعه بكذا وكذا، فما
__________
1 روى البيهقي في سننه كتاب البيوع، باب لا خير في أن يعجله بشرط أن يضع عنه، 6/28: قال زيد بن ثابت رضي الله عنه للسائل: "لا آمرك أن تأكل هذا ولا توكله".
وذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 168 من كره ذلك، منهم: زيد بن ثابت، وابن عمر، وابن المسيب، والحسن البصري، وسالم بن عبد الله، والحكم، والثوري، وابن عيينة، وهشيم، وأحمد، وإسحاق.
2 قال الأزهري في تهذيب اللغة (9/361) : إذا انقاد الشيء واستمرّت طريقته فقد استقام لوجهه، وفي حديث ابن عبّاس: "إذا استقمت بنقد فبعت بنقد فلا بأس به، وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة فلا خير فيه".
قال أبو عبيد في غريب الحديث: قوله: (إذا استقمت) يعني: قَوَّمْتَ، وهذا كلام أهل مكّةَ يقولون: استقمت المتاع، أيّ قوّمت، ومعنى الحديث: أن يدفع الرّجل إلى الرّجل الثوب فيقوّمه بثلاثين درهماً، ثمّ يقول له: بعه فما زاد عليها فلك.
3 في نسخة ع: (قال: تدفع إلى الرجل فتقول) .(6/2565)
ازددت فهو لك.
[1792-] قلت: فيمن يدفع الثوب إلى رجل1 فيقول: بعه بكذا وكذا فما ازددت2 فهو لك؟
قال: لا بأس به.
قال إسحاق: كما قال.3
[1793-] قلت: كره أن يبيع بالدينار إلا درهما.4
قال أحمد: أكرهه، ولا بأس بدينار ودرهمين، أو درهم.
__________
1 في نسخة ع: (يدفع إلى الرجل الثوب) .
2 في نسخة ع: (زاد) .
3 نصّ أحمد على ذلك في مسائل صالح، ورقة: 45، وساق حديث ابن عبّاس في جوازه، وفي مسائل أبي داود السجستاني 206 وزاد: ثمّ قال أحمد: وهل هذا إلاّ مثل المضاربة لعلّه أن لا يربح المضارب.
وأخرج عبد الرزّاق بسنده في المصنّف، كتاب البيوع، باب الرجل يقول: بع بكذا، فما ازددت فلك 8/234، عن ابن عبّاس، والشعبي، والزهري، وقتادة، وأيّوب، وابن سيرين، أنّهم: كانوا لا يرون بأساً أن يقول الرجل: بع هذا بكذا وكذا، فما زاد فلك.
وذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 183: أنه روي عن ابن عباس وهو قول ابن سيرين، وأحمد، وإسحاق، وزاد أحمد فقال: هذا مثل المضاربة، وكره ذلك النخعي، وحمّاد، والثوري.
4 في الأصل: (درهم) .
والصحيح ما أثبتناه لأن المستثنى منه تام مثبت، وهذا حكمه النصب دائماً.(6/2566)
قال إسحاق: كما قال1
[1794-] قلت: بيع ده دوازده؟ 2
قال: أكرهه.
قال إسحاق: كما قال3
__________
1 نصّ أحمد على ذلك في مسائل عبد الله (282) ، ومسائل الفضل بن زياد القطّان، نقلها عنه ابن القيّم -رحمه الله- في بدائع الفوائد 4/76، وفي مسائل حرب، ذكرها ابن مفلح في شرحه على المحرّر لأبي البركات، 1/302.
وجزم في شرح المنتهى بعدم جواز المبيع لجهالة قدر المستثنى 2/152.
وقال في الإنصاف (4/315) : هو المذهب، لكنّه يرجّح إجازة البيع إذا علمت قيمة الدرهم من الدينار.
وذكر ابن المنذر في الإشراف (137) من كرهه من العلماء، وهم: النخعي، عطاء، الأوزاعي، ابن أبي ليلى، الثوري، الشافعي، أحمد، وإسحاق. وأجازه آخرون إذا عرف سعر الدينار في ذلك السوق -أيّ بالنسبة للدرهم- وقد أخرج عبد الرزّاق في كتاب البيوع، باب البيع بدينار إلاّ درهماً عن ابن سيرين أنّه كان يكره أن يشتري بدينار إلاّ درهماً نسيئةً، ولم يرَ به بأساً في النقد. انظر: الإنصاف 8/129.
2 ده دوازده: كلمة فارسية ومعناها: أبيعك هذا بسعر العشر اثني عشر، وهي من ألفاظ بيع المرابحة ومن بيع الأعاجم كما جاء في الكافي وغيره.
3 ورد ذلك في مسائل أبي داود (195) ، وذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة: 130 الخلاف فيه فقال: كرهه ابن عبّاس، وابن عمر، ومسروق، وعكرمة، والحسن، وسعيد بن جبير، وعطاء بن يسار، وأحمد، وإسحاق.
وقال إسحاق: البيع مردود. ورخّص فيه شريح، وابن المسيّب، وابن سيرين، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي.
ونقل صاحب المغني (4/136) مثل ذلك ثمّ قال: لأنّ فيه نوعا من الجهالة والتحرز عنها أولى وهذه كراهة تنزيه.
ونقل ابن هبيرة في الإفصاح الإجماع على اعتباره من البيع الجائز ثم قال: كرهه أحمد ولم يكرهه آخرون.
وجزم بكراهته في رؤوس المسائل ورقة 227 لقول ابن عباس وابن عمر، ولاحتمال الجهالة.
وقال في الكافي 2/94، وزوائده لابن عبيدان الدمشقي نشر المؤسسة السعيدية بالرياض 1/137.
هو صحيح جائز غير مكروه، لأن الثمن معلوم، لكنه أثبت، هو وصاحب الإنصاف 4/438 كراهية الإمام أحمد له، لأن ابن عمر، وابن عباس، كرهاه، ولأنه بيع الأعاجم، ولأن الثمن لا يعلم في الحال.
ثم رجح المرداوي، جواز البيع حين قال: وحيث قلنا: إنه ليس بربا، فالبيع صحيح، بلا نزاع.
وقد أخرج عبد الرزاق، والبيهقي، في سننه كراهة ذلك عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهما.
انظر: المصنف لعبد الرزاق، كتاب البيوع، باب بيع ده دوازده 8/232، والسنن الكبرى للبيهقي 5/330.(6/2567)
قال إسحاق: كما قال.
[1802-] قلت: الشريكان في الربح على ما اصطلحا عليه، والوضيعة1 على المال؟
قال: هكذا.
قال إسحاق: كما قال2.
__________
1 الوضيعة: الحَطيطَةُ والخسارة، واحدة الوضائع، وهي أثقال القوم.
المعجم الوسيط 2/1040، ومختار الصحاح 726، وفي ترتيب القاموس 4/624: وضع في تجارته وضيعة إذا خسر فيها.
2 ورد مثل ذلك في مسائل ابن هانئ 2/24، ومسائل صالح ورقة 10، ومسائل عبد الله 300.
وقال ابن المنذر في الإشراف 157: وإن دفع إليه- أي إلى العامل- ألف درهم مضاربة، ولم يسم ما للعامل فيها من الربح، فعمل في المال كان له أجر مثله، والربح والوضيعة على رب المال. وهذا قول الثوري، وأحمد، وإسحاق.
قلت: وهذه المسألة تدخل ضمن شركتي العنان والمضاربة. لأن المضاربة هي: دفع مال معين، ومعلوم لمن يتجر فيه، بجزء معلوم مشاع، من ربحه- وخصت الوضيعة بشركتي العنان والمضاربة، لدخول عنصر المال فيهما عند العقد.
ومن شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل من الربح، والوضيعة على المال إذا لم يخالف.
قال في المغني 5/23، 27: الربح على ما اصطلحا عليه والوضيعة على المال.
وقد أخرج عبد الرزاق بسنده عن الشعبي، وعن جابر بن زيد قالا: الربح ما اصطلحوا عليه، والوضيعة على المال، هذا في الشريكين، فإن هذا بمائة وهذا بمائتين.
وروى مثل ذلك عن علي رضي الله عنه، وقتادة، وابن سيرين، وأبي قلابة، وأبي الحصين في الشريكين وفي المضاربة.
انظر: المصنّف، كتاب البيوع، باب نفقة المضارب ووضيعته 8/247، 248، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ ابن حجر، الناشر: السيد عبد الله هاشم يماني عام 1384هـ 3/58.(6/2568)
وكراهيته1 اسمه حتى2 يقول: أبيعك هذا بربح العشر اثني عشر.3
[1795-] قلت: بيعك الصك؟ 4
قال: هو غرر.5
__________
1 في نسخة ع: (وكراهيته أيضاً) .
2 هكذا ورد في جميع النسخ، والسياق يقتضي أن تكون: وهي أن يقول، بدلا من (حتّى) .
3 في نسخة ع: (عشرة) .
4 الصك: هو الكتاب الذي يكتب في المعاملات والأقارير وهي الديون الثابتة على الناس وتسمى صكاكا لأنها تكتب في الصكاك، وكانت الأرزاق تكتب صكاكا- وهي المقصودة هنا- فتخرج مكتوبة فتباع، فنهي عن شراء الصكاك وبيعها لأنه بيع ما لم يقبض.
انظر: المصباح المنير 3/408، وترتيب القاموس 2/838، والنهاية لابن الأثير 3/43، ومجمع بحار الأنوار لمحمد طاهر الفتني الناشر: مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند عام 1393 هـ،3/337 والقواعد الفقهية لابن رجب، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت صـ84/ ق52.
5 الغرر: الخطر، وغرته الدنيا غروراً من باب قعد: خدعته بزينتها فهي غرور مثل رسول.
انظر: المصباح 532.(6/2569)
قال إسحاق: شديداً.1
__________
[1] ذكر ابن المنذر في الإشراف -ورقة 111- الخلاف في ذلك فقال: منعه ابن عباس، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وسالم بن عبد الله، وعطاء بن أبي رباح، ومحمد بن كعب، ومالك، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق. وقال الشعبي مرة لا آمر به ولا أنهى عنه.
ورخص فيه زيد بن ثابت، وابن عمر. وقال شريح، والشعبي: يجوز بعرض أوحيوان.
قال أبو يعلى في الروايتين والوجهين 353: نقل أبو طالب عن أحمد أنه لا يجوز، ثم قال: وهو الأصح، لأنه لا يقدر على تسليمه ثم ذكر رواية أخرى عن حنبل بالجواز، وقال بعدها: وعندي أن هذه محمولة على أنه ابتاع العرض وأحاله بالثمن على الرزق.
وقال ابن رجب في القواعد الفقهية ص84/ق52: إن كان الدين نقداً وبيع بنقد، لم يجز بلا خلاف، لأنه صرف بنسيئة، وإن بيع بعرض، وقبضه في المجلس، ففيه روايتان:
إحداهما: لا يجوز، قال أحمد في رواية ابن منصور في بيع الصك: هو غرر.
ونقل أبو طالب عنه أنه كرهه، وقال: الصك لا يدري أيخرج أولا، وهذا يدل على أن مراده الصك من الديوان.
الثانية: الجواز نص عليها في رواية حرب، وحنبل، ومحمد بن الحكم وفرق بينه وبين العطاء، وقال: الصك إنما يحتال على رجل، وهو يقر بدين عليه، والعطاء إنما هو شيء مغيب، لا يدرى أيصل إليه أم لا.
وكذلك نقل حنبل عنه: في الرجل يشتري الصك على الرجل بالدين؟ قال: لا بأس به بالعرض إذا خرج ولا يبيعه حتّى يقبضه -يعني مشتريه-.
وفي شرح المنتهى 2/147 قال: لا يصح بيع قسطه من ديوان قبل قبضه، لأنه مغيب فهو من بيع الغرر.
وأخرج عبد الرزاق في كتاب البيوع، باب هل يباع بالصك له على الرجل، بيعا عن الشعبي منع ذلك 8/108.
وروى مسلم في كتاب البيوع، باب بطلان البيع قبل القبض، عن أبي هريرة أنه قال لمروان: "أحللت بيع الربا؟ فقال مروان: ما فعلت؟ فقال أبوهريرة حللت بيع الصكاك وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يستوفى". الحديث.
انظر: صحيح مسلم 3/1162، والموطأ برواية يحيى عن مالك الناشر: دار إحياء الكتب العربية بمصر 2/641، والمسند 2/349.(6/2570)
[1796-] قلت: ابن عباس يقول: إذا استقمت1 بنقد فبعت بنقد، فلا بأس به.
قال: لا بأس به، وإذا استقام بنسيئة2 فباع بنسيئة3 فهو مكروه، لأنه يتعجل4 شيئاً ويذهب
__________
1 في الأصل: (استقامت) وما أثبتناه أصح.
2 نسأته البيع نسيئة: أخرته، والنسأ: التأخير، ومنه (إنما الربا في النسيئة) ، أي: البيع إلى أجل معلوم.
انظر: النهاية 5/44، ومجمع بحار الأنوار 4/691، وترتيب القاموس 4/360.
3 جملة: (فباع بنسيئة) ناقصة من ع.
4 في نسخة ع: (لا يتعجل) .(6/2571)
عناؤه1 باطلاً.
قال إسحاق: كما قال.
[1797-] قلت: قيل له - يعني سفيان -: ما ترى في الرجل يشتري الشيء بدرهم إلاّ حبّة أو حبّتين؟
قال: لا بأس به.
قال أحمد: لا بأس به2
قال إسحاق: كما قال.
[1798-] قلت [ع-120/ب] : بيع المزايدة؟ 3
__________
1 في نسخة ع: (عنه) ، وهو خطأ.
2 ورد مثل ذلك في مسائل عبد الله 289 باب الصرف..، قلت: وهذا يدخل في باب استثناء الشيء من جنسه، والمقصود بالحبة والحبتين هنا أي: وزن الحبة والحبتين على تقدير مضاف، وهذا نظير قوله بدينار إلا قيراطاً أي: وزن قيراط.
وانظر: الإشراف لابن المنذر ورقة: 137، رؤوس المسائل، ورقة: 264، والمحرر: 1/302.
3 في نسخة ع: المزابنة، وما ورد في الأصل أصح لأنها المقصودة بقول إسحاق، ولموافقتها لما في حديث ابن عمر عند أحمد.
وفي المعجم الوسيط 1/409: زايده: نافسه في الزيادة، وفي ثمن السلعة زاد فيه على آخر والمزاد: موضع المزايدة.(6/2572)
قال: لا بأس به.
قال إسحاق: أكرهه إلا في الميراث، والغنيمة، والشركة، فإن فعل سوى ذلك جاز.1
__________
1 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة: 117، 141 حديث: "لا يسوم الرجل على سوم أخيه" وأن هذا مذهب مالك، وقال: لا بأس بالمزايدة، ما دام صاحب السلعة يساوم عليها، بدليل بيع رسول الله صلى الله عليه وسلم للقدح والحلس - والحلس بساط يفرش في البيت - ولأنّ الناس في القديم والحديث ما زالوا يزيدون في أثمان السلع التي تباع.
وقال في موضع آخر: أباح ذلك ابن سيرين، وأحمد، وهو مذهب الثوري، والشافعي، ولا أعلمه إلا مذهب المدني والكوفي.
وكره الأوزاعي، وإسحاق: بيع من يزيد إلا في الغنائم، والمواريث.
وذكر في الإنصاف 4/396 أنه يحرم أن يزايد في سلعة من لا يرد شراءها لأنه في معنى النجش. وقال في ص395: لو نجش البائع فزاد أو أوطأ، فهل يبطل البيع؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يبطل البيع، وهو صحيح.
والثاني: يبطل.
وفي رواية عن أحمد: لا يصح بيع النجش - وهو أن يزيد في السلعة ليرفع ثمنها فيقع فيها غيره.
وروى البخاري تعليقاً في كتاب البيوع، باب بيع المزايدة، قول عطاء: أدركت الناس لا يرون بأساً ببيع المغانم فيمن يزيد.
وفي الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "باع حلسا وقدحا وفيه، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "من يزيد على درهم، من يزيد على درهم" الحديث.
قال الترمذي بعد هذا الحديث: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم، والمواريث.
وقال الحافظ في الفتح: وكان الترمذي يقيد بما ورد في حديث ابن عمر عند الإمام أحمد، والدارقطني، ففي رواية الإمام أحمد عن ابن عمر قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدكم على بيع أخيه إلا المغانم، والمواريث".
وفي رواية الدارقطني بزيادة- (حتّى يذر) إلا المغانم والمواريث.
وقال ابن العربي: لا معنى لاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك.
وكأنه خرج على الغالب فيما يعتاد فيه البيع مزايدة، وهي الغنائم، والمواريث ويلتحق بهما غيرهما للإشتراك في الحكم. وقد أخذ بظاهره: الأوزاعي، وإسحاق فخصا الجواز ببيع المغانم، والمواريث. وذكر قول مجاهد: لا بأس ببيع من يزيد.
انظر: مسند الإمام أحمد 2/71 الحديث 5398، وسنن الترمذي، كتاب البيوع، باب بيع من يزيد 3/513، وسنن الدارقطني 3/11، وفتح الباري 4/354.(6/2573)
[1799-] قلت: إذا اختلف بيعان1 ولم تكن بينة فالقول ما قال رب السلعة، أو يترادان؟
قال: نعم.2
__________
1 في نسخة ع: (البيعان) .
2 نصّ على ذلك في مسائل ابن هانئ 2/36، ومسائل أبي داود 207.
وذكر القاضي في الروايتين والوجهين 340 رواية الأثرم، وابن بدينا، وإبراهيم الحارث: إذا اختلف المتبايعان تحالفا ولم يفرق بين أن تكون السلعة قائمة أوتالفة.
وفي رواية محمد ابن العباس النسائي: إن كانت السلعة قد استهلكت فالقول قول المشتري مع يمينه. ثم قال القاضي: المسألة على روايتين:
إحداهما: يتحالفان كما لوكانت باقية، وهو اختيار الخرقي.
والثانية: القول للمشتري وهو اختيار أبي بكر- أي غلام الخلال -.
وقال في: المحرّر 1/331، والمقنع 2/55، والإنصاف 4/446: ومتى اختلفا في قدر الثمن، تحالفا. هذا المذهب، ونقله الجماعة عن أحمد، وعن الأصحاب؛ لأن كلا منهما مدّعٍ ومنكر، وعنه: القول قول البائع مع يمينه.
وذكر قول الزركشي: إن هذه الرواية وإن كانت خفية مذهبا فهي ظاهرة دليلاً.
وعنه: القول قول المشتري.
وعنه: إن كان الخلاف قبل قبض الثمن تحالفا، وإن كان بعده فالقول قول المشتري.
أما في كشاف القناع 3/224، وشرح المنتهى 2/185: فالمعتمد فيهما رواية التحالف عند الاختلاف.
وقال ابن المنذر في الإشراف 138: كان الشعبي يقول: القول قول البائع، أويترادان البيع، وبه قال أحمد. وقيل: القول قول البائع مع يمينه.(6/2574)
قال إسحاق: كما قال، وكل من كان القول قوله، فعليه اليمين.1
__________
1 في اختلاف العلماء للمروزي ورقة 96 قال: قال سفيان: القول للبائع، إذا كان البيع حاضراً، أو يترادان البيع. وهو قول: ابن أبي ليلى، وأحمد وإسحاق.
وقد روى أبو داود في كتاب البيوع، باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم 3/780: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة، أو يتتاركان"، وفي رواية: "أويترادان البيع".
وأخرجه النسائي في باب اختلاف المتبايعين في الثمن 8/266 والترمذي في باب ما جاء إذا اختلف البيعان 3/561، وابن ماجه في كتاب التجارات، بابٌ البيعان يختلفان 2/737، والدارقطني، كتاب البيوع 3/21، والبيهقي في كتاب البيوع، باب اختلاف المتبايعين 5/331، 332، وقال الترمذي: هكذا روي عن بعض أهل العلم من التابعين، منهم شريح وغيره.(6/2575)
[1800-] قلت: الرجل يبيع السلعة، فيقول: اقبلها، ولك عشرة دراهم؟
قال: أكرهه، إلا أن تكون تغيرت السلعة.1
قال إسحاق: كما قال، لأنّ حكمه [لا يكون أعظم من بيع النسيئة، إذا تغيّرت السلعة، فاشتراها بأقلّ، وكذلك تغيير السوق،
__________
1 نقل القاضي في الروايتين والوجهين 356: رواية ابن القاسم عن الإمام أحمد: أن الإقالة لا تجوز، بزيادة، وإنما تجوز بالثمن، وأنها فسخ لا بيع، كما نص على أنها فسخ في رواية يعقوب بن بختان.
وقال في الإنصاف 4/476: إذا تقابلا بزيادة على الثمن أو بنقص منه أوبغير جنس الثمن: لم تصح الإقالة والملك باق للمشتري على المذهب. ثم ذكر الرواية بصحة الإقالة بمثل الثمن.
وقال: هو المذهب عند القاضي، وهو ظاهر ما نقله ابن منصور.
وقد أخرج البيهقي في كتاب البيوع، باب من أقال المسلم إليه بعض السلم، وقبض بعضا، عن ابن عباس أنه كره أن يبتاع من الرجل، ثم يرده، ويرد معه دراهم.
انظر: السنن الكبرى 6/27.(6/2576)
السوق، قد سوى النخعي بينهما1.
[1801-] قلت: الرجل يشترى المتاع جميعا فيجد ببعضه عيبا؟
قال: يرجع عليه بالقيمة2.
__________
1 هذه الصورة تنطبق على مسألة بيع العينة، وهي بيع الرجل متاعه إلى أجل ثم يشتريه في المجلس بثمن حال ليسلم به من الربا- وفعلها محرم على الصحيح من المذهب، فإن تغيرت السلعة حتّى انخفض سعرها بسببه بلا مواطأة بين البيعين: جاز لبائعها الأول شراؤها.
انظر: الإنصاف 4/335 وغاية المنتهى 2/19.
روى وكيع بسنده إلى الشعبي أن شريحا كان يقول في الرجل يبيع الشيء حالا، ولا ينتقد ثمنه، ثم يشتريه من صاحبه الذي باعه منه، بأقل من ذلك الثمن. قال: إذا تغيرت السوق فلا بأس.
انظر: أخبار القضاة لوكيع 2/246.
2 لمسألة الرد بالعيب ثلاث صور:
[1] : أن يكون المبيع واحدا، لا يتجزأ، فله الرد، أوالإمساك مع الأرش. وهذا هو المذهب مطلقا، فإن دلس البائع، لزمه رد القيمة على الأصح.
[2] : أن يكون المبيع وقع صفقة واحدة، على شيئين معيبين. فالصحيح من المذهب ردهما، أو إمساكهما مع الأرش.
[3] : أن يكون أحدهما معيبا فقط - وهذا ما يوافق مسألتنا هذه - ففيه تفصيل؛
أ- إن كان لا ينقصه التفريق، فله رده بقسطه كتفريق الصفقة، أوالإمساك مع الأرش، كالمعيب الواحد.
ب- فإن كان ينقصه التفريق، فليس له إلا الأرش، أو ردهما معا. وهو المذهب وهناك روايتان:
إحداهما: تقول: بأنه لا يجوز إلا ردهما، أوإمساكهما.
والآخرى: تقول: يرد المعيب وحده، أو يردهما معا، وهذه الرواية توافق ما جاء في المسألة.
انظر: الإنصاف 4/410، 417، 418، شرح المنتهى 2/176، 178، 179، 180، المغني 4/114، 115، 121، الكافي 2/83.
وانظر: رؤوس المسائل ورقة: 223 والإشراف لابن المنذر ورقة 128 واختلاف العلماء للمروزي ورقة: 100.(6/2577)
قال إسحاق: كما قال.
[1802-] قلت: الشريكان في الربح على ما اصطلحا عليه، والوضيعة1 على المال؟
قال: هكذا.
قال إسحاق: كما قال2.
__________
1 الوضيعة: الحَطيطَةُ والخسارة، واحدة الوضائع، وهي أثقال القوم.
المعجم الوسيط 2/1040، ومختار الصحاح 726، وفي ترتيب القاموس 4/624: وضع في تجارته وضيعة إذا خسر فيها.
2 ورد مثل ذلك في مسائل ابن هانئ 2/24، ومسائل صالح ورقة 10، ومسائل عبد الله 300.
وقال ابن المنذر في الإشراف 157: وإن دفع إليه- أي إلى العامل- ألف درهم مضاربة، ولم يسم ما للعامل فيها من الربح، فعمل في المال كان له أجر مثله، والربح والوضيعة على رب المال. وهذا قول الثوري، وأحمد، وإسحاق.
قلت: وهذه المسألة تدخل ضمن شركتي العنان والمضاربة. لأن المضاربة هي: دفع مال معين، ومعلوم لمن يتجر فيه، بجزء معلوم مشاع، من ربحه- وخصت الوضيعة بشركتي العنان والمضاربة، لدخول عنصر المال فيهما عند العقد.
ومن شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل من الربح، والوضيعة على المال إذا لم يخالف.
قال في المغني 5/23، 27: الربح على ما اصطلحا عليه والوضيعة على المال.
وقد أخرج عبد الرزاق بسنده عن الشعبي، وعن جابر بن زيد قالا: الربح ما اصطلحوا عليه، والوضيعة على المال، هذا في الشريكين، فإن هذا بمائة وهذا بمائتين.
وروى مثل ذلك عن علي رضي الله عنه، وقتادة، وابن سيرين، وأبي قلابة، وأبي الحصين في الشريكين وفي المضاربة.
انظر: المصنّف، كتاب البيوع، باب نفقة المضارب ووضيعته 8/247، 248، التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ ابن حجر، الناشر: السيد عبد الله هاشم يماني عام 1384هـ 3/58.(6/2578)
[1803-] قلت: الخراج1
__________
1 الخراج: ما حصل من غلة العين المبيعة كائنة ما كانت، وصورته: أن يشتري شيئا فيستغله مدة، ثم يطلع على عيب قديم، فله رد العين، وأخذ الثمن، وما استغله فهو له، لأن المبيع لوتلف في يده لكان من ضمانه والباء في ـ بالضمان ـ متعلقة بمحذوف تقديره: الخراج مستحق بالضمان.
انظر: المطلع على أبواب المقنع 237.(6/2579)
بالضمان؟ 1
قال: يكون ذاك في العبد، والأمة، ولا يكون ذاك في المصرّاة2.
قال إسحاق: كما قال،3 وكذلك في الدور، والأرضين.
__________
1 وروى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان"، وعند أحمد بلفظ: "الغلة بالضمان".
انظر: المسند 6/49، 208، 237، سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب فيمن اشترى عبداً فاستعمله ثمّ وجد به عيباً 3/777.
وسنن الترمذي، كتاب البيوع، باب فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيباً 3/572.
والنسائي، كتاب البيوع، باب الخراج بالضمان 2/754.
2 المُصرَّاة: هي المحفلة التي ترك اللبن في ضرعها، حتّى اجتمع، وصر الناقة، شد ضرعها بالصرار، وهي الخرقة تشد على أخلافها - حلمات الضرع - لتمنع من الحلب ورضاع فصيلها - ولد الناقة - اليومين والثلاثة حتّى يجتمع لها لبن، ليراه مشتريها كثيرا فيزيد في ثمنها، فإذا حلبها، وأخذ ما اجتمع في ضرعها، لم تجد له بعد نفس القدر ما لم تصره، وهذا غرر للمشتري، وتدليس من البائع.
انظر: تاج العروس للزبيدي، الناشر: مطبعة حكومة الكويت 1385هـ 12/303، والمصباح 399، وسنن أبي داود 3/722.
3 ذكر القاضي أبو يعلى روايتين في النماء المنفصل إحداهما تقول: إنه للبائع، لأن الزيادة، جزء من المبيع، كولد الجارية. والأخرى تقول: هو للمشتري، ثم قال: وهو الصحيح عندي.
قلت: وهو كذلك بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان".
أما المصراة، فقد ورد النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بردها، ومعها صاعاً من تمر جبراً لصاحبها.
والصحيح من المذهب في حالة المصراة، أنه ليس له إلا إمساكها على حالتها، أوردها ونمائها لأنه ليس فيها عيب، وإنما صار الخيار للمشتري بسبب التدليس، لا لفوات جزء من المصراة نفسها، حتّى يستحق أرشا عنه.
انظر: الروايتين والوجهين 372، والإنصاف 4/402، وشرح المنتهى 2/177، وكشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي، الناشر: مطبعة الحكومة بمكة عام 1394هـ ج 3/208.(6/2580)
[1804-] قلت: إذا اشترى جارية، فوقع عليها، وبها داء؟
قال: قد اختلفوا فيه.
عاودته فلم يقل شيئاً.
قال إسحاق: السنة في ذلك ما قال عليّ رضي الله عنه: تلزمه، ويرجع بقيمة العيب، وعلى ذلك عامّة علماء الأمصار1.
__________
1 قد ورد عن الإمام أحمد في ذلك ثلاث روايات:
الأولى: بردها، وليس معها شيء.
الثانية: يمسكها وله الأرش، روى عن علي رضي الله عنه، وإسحاق، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
الثالثة: بردها ومعها مهر مثلها.
والمذهب تخييره بين الإمساك مع الأرش، أو الرد، وهو أولى ولا شيء عليه وذلك في الأمة، الثيب لأن وطأ الثيب لا ينقص عينها، أوصفتها، ولا قيمتها، وقد فعل ما يجوز له حالة ملكه لها، وقبل علمه بالعيب شأنها في ذلك شأن الزوجة المعيبة عيبا ترد به، فإنها يفسخ عقدها بعد وطئها، إذا لم يكن الزوج عالماً بالعيب قبل العقد، أما البكر فإنه إذا وطئها أو تعيبت عنده، وقد ظهر بها عيب من قبل ترد به: تعين له الأرش على الصحيح من المذهب.
ونقل الجماعة عن أحمد رواية: أنه يخير بين إمساكها مع الأرش، أوردها، وأرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن.
وفي رواية ثالثة عن أحمد: يلزمه مهر البكر.
انظر: الكافي لابن قدامة 2/86، والمغني 4/108، 110، 111، والإنصاف 4/415، 416، وشرح المنتهى 2/177، وكشاف القناع 3/208.
أما أثر علي رضي الله عنه فقد أخرجه عبد الرزاق والبيهقي في رجل اشترى جارية فوطئها فوجد بها عيباً؟ قال: لزمته ويرد البائع ما بين الصحة والداء، وإن لم يكن وطئها ردها.
قال البيهقي: هو مرسل، علي بن الحسين لم يدرك جده علياً.
انظر: المصنف كتاب البيوع، باب الذي يشتري الأمة فيقع عليها 8/152، والسنن الكبرى للبيهقي، باب ما جاء فيمن اشترى جارية، فأصابها، ثم وجد بها عيباً 5/322، وأخبار القضاة لوكيع 2/347.(6/2581)
[1805-] قلت: شريح كان لا يجيز الغلط1؟
قال: إن أقام بذلك بينة فذاك له.
قال إسحاق: إذا تحقق الغلط لم يسع البائع إلا قبوله2.
[1806-] قلت: بيع المرابحة3؟ كسب الكراء والنفقة ربحاً؟
__________
1 أخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين قال: جاء إلى شريح رجل يخاصم امرأته، فقال: غبنتني، قال شريح: ذلك أرادت، قال: وكان يرد الغلط، 8/311 باب الغبن والغلط في البيع، الأثر رقم: 15332.
2 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة: 131: قال أحمد وإسحاق: المشتري بالخيار إن شاء أمسك، وإن شاء رد، وقال الثوري: لا تقبل البينة هو أصدق من بينته.
وقال في المغني 4/142: لا يقبل قوله في الغلط إلا ببينة، وظاهر كلام الخرقي: أن القول قول البائع مع يمينه.
وجاء في الإنصاف 4/440: أنه لا يقبل قول البائع بالغلط إلا بالبينة مطلقا ثم ذكر عن الإمام أحمد أربع روايات:
الأولى: لا يقبل قوله، وهو مقتضى كلام الخرقي، وهو المذهب.
الثانية: يقبل قوله مطلقا مع يمينه وللمشتري الخيار.
الثالثة: يقبل قوله إن كان معروفا بالصدق، وإلا فلا.
الرابعة: لا يقبل قوله وإن أقام بينة ما لم يصدقه المشتري.
3 يقال: رابحته على سلعته، وأربحته، وأعطيته ربحا، وأعطاه مالا مرابحة: أي على الربح بينهما، ويقال: بعته السلعة مرابحة: أي على كل عشرة دراهم درهم، وكذلك اشتريته مرابحة.
انظر: تاج العروس 6/380.
وفي المصباح المنير 255: بعته المتاع واشتريته منه مرابحة إذا سمّيت لكلّ قدر من الثمن ربحاً.(6/2583)
قال: لا كسب للكراء، والنفقة ربحاً.
قال إسحاق: كما قال إذا باع مرابحة، فإن قال: قام على بكراية ونفقة فربح عليه جاز1.
__________
1 ذكر ابن المنذر في الإشراف 138: إنّ الحسن البصري يقول: إذا أنفق على المال نفقةً، فباعها مرابحةً، فلا يأخذنّ للنفقة ربحاً. وبه قال ابن المسيب، وابن سيرين، وطاوس، والنخعي، والأوزاعي، وأحمد، وأبو ثور.
أما الشعبي، والحكم فإنهما كانا لا يريان بأسا، أن يحمل على المتاع النفقة والكراء، وأجر القصار، وأشباه ذلك ثم يبيعه مرابحة.
قال ابن المنذر: أسلم للبائع وأحوط له أن يقول: اشتريت هذا المتاع بكذا، ولزمه كذا، وأبيعك بكذا.
وذكر صاحب الإنصاف 4/444 روايتين في ذلك:
قال في الأولى: لا يجوز وهو المذهب، وهذه الرواية هي التي تتفق مع كلام الإمام أحمد هنا.
وقال في الثانية: يجوز ولكنها مرجوحة.
وأثبت في المغني 4/137: مثل ما ذكره ابن المنذر من ضرورة بيان ما زاد على ثمن السلعة، من خياطة، وقصارة، وغير ذلك عند البيع، قال: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، فإنه قال: يبين ما اشتراه وما لزمه.
وقد أثبت الرواية الثانية مشيراً إلى احتمال جوازها في ضم الأجرة على الثمن مع بيان ذلك عند البيع.(6/2584)
[1807-] قال أحمد رحمه الله: إذا اشترى سلعة وبها داء، فإن المشترى بالخيار إن شاء ردها، وإن شاء أمسكها، ورجع على البائع بقدر الداء، كذلك إذا اشترى مصراة، إن شاء أمسكها ورجع على البائع بقدر ما نقص ما كان صره.
قال إسحاق: يرد المصراة ويرد معها صاعا من تمر.1 كما حكم النبيّ صلى الله عليه وسلم2.
__________
1 مسألة الرد بالعيب والمصراة تقدم التعليق عليها عند المسألة رقم: (1803) .
وقد أدرج الإمام أحمد في هذه المسألة المصراة في حكم السلعة المعيبة مطلقا، وهي رواية عنه ذكرها ابن هانئ وغيره، والمذهب على خلافها كما تقدم بيانه.
قال في الإنصاف وغيره: وظاهر كلام غير أبي بكر من أصحابنا، أنه ليس له في المصراة، إلا الرد، أوالإمساك لا غير.
انظر: مسائل ابن هانئ 2/9، المغني 4/102 والإنصاف 4/402.
2 روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصروا الإبل، والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاع تمر". وفي رواية آخرى للبخاري: "فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر"
وفي رواية مسلم: "من ابتاع شاة مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام"
انظر: البخاري مع الفتح، باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم 4/361، 368. وصحيح مسلم، باب حكم بيع المصراة 3/1158.(6/2585)
[1808-] قلت: الرجل يأخذ من الرجل سلعة فيقول: أخذتها منك على ما تبيع الباقين؟
قال: لا يجوز1.
قال إسحاق: كما قال.
[1809-] قلت: فإن اشتركوا في بزّ2 فخارج بعضهم بعضاً بربح قبل أن يقتسموا؟
__________
1 ذكر ابن القيّم هذه الرواية عن الكوسج بلفظ: "أخذتها منك بسعر ما تبيع".
وذكرها ابن مفلح في شرح المحرّر بلفظ: "أخذتها منك على ما تبيع الباقي".
وروى مثل ذلك حرب في مسائله عن الإمام أحمد، وأنّه قال: "لا يجوز هذا حتّى يبين له السعر".
وعن حنبل قال: "أمّا أنا أكرهه لأنه بيع مجهول، والسعر يختلف يزيد وينقص"، كما كره ذلك أبو عبيدة.
انظر: بدائع الفوائد لابن القيم 4/103، والمحرر لأبي البركات (الحاشية) 1/298، والكافي 2/17، والمذهب الأحمد 76، والمبدع 4/34، وشرح المنتهى 2/151، 152.
2 البَزّ: بالفتح، نوع من الثياب، وقيل: الثياب خاصّة من أمتعة البيت، وقيل: أمتعة التاجر من الثياب، ورجل بزاز، والحرفة البزازة بالكسر.
انظر: المصباح 61، ومختار الصحاح صـ51.(6/2586)
قال: لا بأس به إنّما يكره فيما يكال ويوزن1.
قال إسحاق: كما قال.
[1810-] قلت: قول الله عز وجل: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} 2 إذا باع بالنقد أيشهد أم لا؟
__________
1 أشار إلى مثل ذلك في المغني والإنصاف في الثوب يشترك فيه اثنان فيبيع أحدهما نصيبه على الآخر، وفي الصبرة يبيع قسطه منها مرابحة.
أما المكيل والموزون فإن كان جزافا جاز بيع نصيبه، وإن تحدد مقداره، امتنع بيعه قبل حيازته، وبيعه مكيلاً أو موزوناً.
وقد روى الأثرم بإسناده عن الحكم قال: (قدم طعام لعثمان رضي الله عنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اذهبوا إلى عثمان نعينه على طعامه، فقال عثمان: إن في هذه الغرارة كذا وكذا، وأبيعها بكذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سميت الكيل فكل". وقد احتج به أحمد.
انظر: المغني 4/141، والإنصاف 4/441، والقواعد الفقهية لابن رجب 78/ ق52، والدرر السنية في الأجوبة النجدية جمع عبد الرحمن ابن قاسم ط 2 عام 1385هـ، من مطبوعات دار الإفتاء 5/12.
ونقل ابن حزم في المحلى، الناشر: مكتبة الجمهورية العربية بالقاهرة عام 1389هـ 10/4: أن محمد بن سيرين قال: لا بأس بالشريكين يكون بينهما المتاع أو الشيء الذي لا يكال ولا يوزن أن يبيعه قبل أن يقاسمه.
2 سورة البقرة الآية: 282.(6/2587)
قال: إن أشهد فلا بأس، وإن لم يشهد فلا بأس لقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} 1.
قال إسحاق: كما قال سواء2.
[1811-] قلت: العينة3 وأي شيء هي؟
__________
1 سورة البقرة الآية: 283.
2 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة: 138 جواز ذلك، وأن الإشهاد للندب لا للوجوب، نقله عن الحسن البصري، وممن قال به أحمد، وإسحاق، وساق أثراً عن أبي سعيد الخدري أنه قال: صار إلى الأمان قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} .
[] واستعرض القرطبي في تفسيره 3/403، 404- الناشر: دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ط 3 عام 1387هـ. الأقوال في ذلك، ثمّ ذكر أنّ المبايعات الحاضرة مدارها على الإئتمان، وأنّ الإشهاد إنّما جعل للطمأنينة، وذلك أن الله تعالى جعل لتوثيق الدين طرقا، منها: الكتاب، والرهن، والإشهاد. ولا خلاف بين علماء الأمصار، أن الرهن مشروع، بطريق الندب، لا بطريق الوجوب، فيعلم من ذلك مثله في الإشهاد.
وأخرج النسائي عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه أنه صلى الله عليه وسلم "اشترى فرسا من أعرابي ولم يشهد".
انظر: سنن النسائي، الناشر: مصطفى البابى الحلبي بمصر ط 1 عام 1383هـ كتاب البيوع، باب التسهيل في ترك الإشهاد على البيع 7/265.
3 عين الرجل- بتشديد الياء-: أخذ وأعطى بالعينة، أي السلف، والرجل يبيع سلعته بثمن معلوم، إلى أجل مسمى، ثم يشتريها من المشتري في المجلس نفسه، بأقل من ذلك الثمن نقدا، والمراد بها هنا البيع النسيئة كما في المتن.
انظر: النهاية في غريب الحديث: 3/333، والمصباح: 527 والمعجم الوسيط: 2/641.
وبيع العينة حرام، إذا اشترط المشتري على البائع أن يشتريها منه، بثمن معلوم.
انظر: الإنصاف 4/335 وشرح المنتهى 2/158.(6/2588)
قال: البيع النسيئة، قال: إذا كان يبيع بنقد وبنسيئة فلا بأس، وأما رجل لا يبيع إلا بنسيئة فهذا [ع-121/أ] مما أكرهه.1
قال إسحاق: كلما باع بنسيئة حتى عرف به، وصح البيع على ما جاء في السنة، فهو ما جُوِّز.
[1812-] قلت: الرجل يشتري السلعة، ثم يستوضع صاحبها أو يشتري
__________
1 جاء في رواية أحمد بن الحسن الترمذي قول أحمد: العينة عندنا: أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه، إلا بنسيئة، فإن باع بنقد، ونسيئة، فلا بأس.
وفي رواية صالح بن القاسم قال: أكره للرجل أن لا يكون له عادة غير العينة، لا يبيع بنقد.
انظر: بدائع الفوائد لابن القيم 4/84.
وفي مسائل أبي داود 192 قال أحمد: لا يعجبني أن يكون بيعه كله في العينة، ومثل ذلك في مسائل صالح ورقة: (101) .(6/2589)
الشيء، ثم يستزيد صاحبه؟
قال: أكره كلاهما1.
قال إسحاق: الزيادة سنة، وأما أن يستوضع فلا2.
[1813-] قلت: العارية؟ 3
__________
1 ورد في مسائل ابن هانىء 2/5: أن الإمام أحمد كره أن يستوهب على الحاجة بعد أن يشتريها. وأخرج عبد الرزاق بسنده عن الشعبي، أن عمر رضي الله عنه كان يكره أن يستوضع بعد ما يجب البيع.
وعن جابر قال: من رأى ابن عمر يقول لخادمه: إذا ابتعت لحماً، بدرهم فلا تستزد شيئا. وعن خيثمة أنه قال في الرجل يشتري الشيء بدرهم، ثم يستزيد شيئا؟ قال: الزيادة لصاحب الدرهم.
انظر: المصنّف، كتاب البيوع، باب هل يستوضع، أو يستزيد بعد ما يجب البيع، وباب الرجل يستزيد في الشراء 8/60، 293.
2 روي أن علياً رضي الله عنه مر بجارية تشترى لحما من قصاب وهي تقول: زدني، فقال علي: زدها إنه أبرك للبيع. انظر: المصنف لعبد الرزاق 8/60.
وقد سمى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك خيرا، في حديث عائشة عند الإمام أحمد، وفيه: أن امرأة وابنها اشتريا ثمرة بستان، فحلف صاحبه أن لا يضع عنهما شيئا من ثمنه، حتّى قال صلى الله عليه وسلم: "تألى أن لا يفعل خيرا" الحديث. انظر: المسند 6/105.
3 العارية: مشددة فعيلة من العار وقد تخفف، والعارة ما تداولوه بينهم، جمعها عوارى، وأعاره الشيء واستعار: طلبها، واستعار منه: طلب إعارته، وقيل من العري: وهو التجرد سميت عارية لتجردها من العوض.
وفي الشرع: إباحة الإنتفاع بعين من أعيان المال، مع بقاء عينها.
انظر: تاج العروس 13/162، وكتاب المطلع على أبواب المقنع للبعلي 272.(6/2590)
قال: العارية مؤداة1.
__________
1 هذا قطعة من حديث أخرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي وتمامه: "العارية مؤداة، والمنحة مردودة والدين مقضي، والزعيم غارم".
انظر: المسند 5/267، وسنن أبي داود كتاب البيوع، باب في تضمين العارية 3/824، 825، والترمذي كتاب البيوع، باب ما جاء في أن العارية مؤداة 3/556، وابن ماجه كتاب الصدقات، باب العارية 2/801.
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية أدراعا، وسلاحا في غزوة حنين. فقال: يا رسول الله أعارية مؤداة؟ قال: "عارية مؤداة".
وفي رواية أبي داود عن أمية بن صفوان عن أبيه بلفظ: "بل عارية مضمونة".
انظر: سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في تضمين العارية 3/823، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب العارية، باب العارية مؤداة 6/88.
وقال في مسائل ابن هانىء2/33: الناس مختلفون في ضمان العارية. والمذهب ينص على ضمان العارية وإن لم يتعد فيها المستعير، وإن شرط المستعير نفى الضمان لم يصح.
قال الخطابي عند هذا الحديث: اختلف الناس في تضمين العارية فروي عن علي، وابن مسعود رضي الله عنهما: سقوط الضمان فيها. وقال شريح، والحسن، وإبراهيم: لا ضمان فيها. وإليه ذهب سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، وإسحاق بن راهويه.
وروي عن ابن عباس، وأبي هريرة أنهما قالا: هي مضمونة. وبه قال عطاء، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
وقال مالك بن أنس: ما ظهر هلاكه كالحيوان ونحوه فهو غير مضمون، وما خفى هلاكه من ثوب ونحوه فهو مضمون.
وقد تعددت الروايات عن الإمام أحمد في النص على ضمان العارية.
انظر: المذهب الأحمد 118، الكافي 2/383 والإنصاف 6/112.
وممن روى عنه القول بضمان العارية: ابن عباس، وأبوهريرة، ومسروق.
وممن قال بعدم ضمانها إذا لم يخالف: الحكم، وحماد.
انظر: مصنف عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب العارية 8/178، 181، مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب [] في العارية من كان يضمنها، ومن كان لا يفعل، 6/141- 146 والسنن الكبرى للبيهقي 6/89- 91.(6/2591)
[1814-] قلت: الوديعة؟ 1
….2 ليس عليه فيها ضمان، إلاّ أن يخالف.3
__________
1 الوديعة لغة: فعيلة بمعنى مفعولة، وأودعت زيدا مالا: دفعته إليه ليكون عنده وديعة. وجمعها ودائع، واشتقاقها من الدعة: وهي الراحة.
وفي الشرع: هي عبارة عن توكل لحفظ مال غيره، تبرعا بغير تصرف.
انظر: المصباح 812، والمطلع على أبواب المقنع 279.
2 يحتمل نقص كلمة: (قال) هنا، إذ بها تكمل الإجابة.
3 إذا تلفت الوديعة من غير تفريط، لم يضمن المودع، وهو المذهب، وفي رواية: يضمن، وقيدت بما إذا ادعى تلفها، أما إن ثبت التلف، بلا تعد، أوتفريط، فلا ضمان، قولا واحدا.
انظر: المذهب الأحمد 116، والكافي 2/373، والإنصاف 6/316.
وفي الحديث: (من أودع وديعة، فلا ضمان عليه) . وليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل، ضمان.
انظر: سنن ابن ماجه كتاب الصدقات باب الوديعة 2/802، وسنن الدارقطني 3/41، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب الوديعة باب: لا ضمان على مؤتمن 6/289، وتلخيص الحبير كتاب الوديعة 3/79.(6/2592)
قال: إسحاق: كذلك العارية حكمها، والوديعة سواء، ما لم يخالف العارية لم يضمن.
[1815-] قلت: والمضارب1 إذا خالف لمن الربح؟
قال: الربح لصاحب المال، ويكون عليه الضمان، وإذا لم يسميا
__________
1 المضارب: هو عامل المضاربة، والمضاربة: مصدر ضارب، وفي اشتقاقها وجهان:
[1-] أنها مشتقة من الضرب في الأرض: أي السفر للكسب والتجارة بدليل قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} سورة المزمل الآية: (20)
[2-] أو أنها مشتقة من ضرب كل واحد منهما في الربح بسهم، والأول أصح. وتسمى: القراض، والمقارضة.
والمضاربة في الشرع: هي أن يدفع إنسان ماله إلى آخر، يتجر له فيه، والربح بينهما حسب ما يشترطانه، وهي جائزة بالإجماع.
انظر: الكافي 2/267، والنهاية في غريب الحديث 3/79، والمغني 5/19، والمطلع 261.(6/2593)
الربح، فله أجر مثله.1
__________
1 ورد في مسائل صالح ورقة: (54) مثل ذلك وزاد فقال: هي كالوديعة إذا خالف إلا أن المضارب أعجب إليَّ أن يعطى بقدر ما عمل.
ونقل ابن القيم في بدائع الفوائد 4/124 عن صالح مثل ذلك وزاد: إلا أن يكون الربح محيطاً بأجرة مثله، فيذهب.
وقال في مسائل عبد الله 294: مثل قوله في مسائل صالح.
أما في مسائل أبي داود 199، فإنه قال: يختلفون في المضارب إذا خالف.
وفي الروايتين (388) ذكر ثلاثة أقوال للإمام أحمد:
الأول: لا أجرة له، لأنه غير مأذون.
الثاني: له أجرة المثل، ما دام قد أجيز بيعه.
الثالث: الربح ليس لواحد منهما، ويتصدقان به، وهذه رواية انفرد بها حنبل.
وزاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مجموعة الفتاوى 30/86 قولاً رابعاً وهو: أن يكون المكسب بينهما على قدر النفعين بحسب معرفة أهل الخبرة. ثم قال: وهو أصحهما، وبه حكم عمر رضي الله عنه فيما أخذه ابناه من مال بيت المال، فاتجرا فيه، فجعله قراضا. وعليه اعتمد الفقهاء في باب المضاربة، وقد ذكر قصتهما مالك في الموطأ. كتاب القراض، باب القراض 2/687.
وذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 158 ستة أقوال في المسألة:
أحدهما: أنه ضامن، والربح لصاحب المال. روي هذا القول عن أبي قلابة، ونافع، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقيل: الربح على ما اشترطا عليه، وهو ضامن للمال، روي عن إياس بن معاوية.
وقيل: هو ضامن، ويتصدق بالفضل، روي عن الشعبي وغيره.
وقيل: الربح له قضاء، ويتصدق به تورعا، ولا يصلح لواحد منهما، وهو قول الأوزاعي.
وقيل: لا ضمان عليه، وإن خالف، فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا ضمان على من شورك، في الربح.
وقيل: من ضمن فله ربحه روى عن شريح.
والصحيح من المذهب: أن الشريك مطلقا، إذا تعدى ضمن، والربح لرب المال.
انظر: الكافي 2/282، والإنصاف 5/425.(6/2594)
قال إسحاق: كما قال سواء، وأخطأ هؤلاء حين قالوا: الربح يتصدق به، لا يحل لواحد منهما.1
[1816-] قلت: تكون المضاربة بالعروض؟ 2
قال: …3
__________
1 يقصد بهؤلاء: الشعبي، والنخعي، والحكم، وحماد: فهم الذين قالوا بذلك، أما الرواية عن أحمد الموافقة لقولهم، فقد قال القاضي: هي على سبيل الورع، وهو قول الأوزاعي.
انظر: الإشراف نفس الصفحة السابقة، والمغني لابن قدامة 5/39.
2 العرض، بوزن الفلس: المتاع، وكل شيء عرض، إلا الدراهم والدنانير، فإنها عين، وقيل: العروض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل، ولا وزن، ولا تكون حيواناً، ولا عقاراً. انظر: مختار الصحاح 424.
3 بياض في المخطوطة، وقد تتبعت ما نقل عن الإمام أحمد في المضاربة بالعروض، فوجدته قد نص على عدم جوازها في رواية: أبي طالب، وحرب، وابن هانىء، ونقل عنه الأثرم: القول بالجواز. ولعله أراد إباحة المضاربة بالعروض بعد تقويمها قياساً على زكاتها حيث قال في رواية: إن الشركة، والمضاربة تجوز بالعروض، وتجعل قيمتها وقت العقد رأس المال.
وظاهر المذهب عدم جواز ذلك، لجهالة رأس المال عند المفارقة، فالشركة إما أن تقع على أعيان العروض، أو قيمتها، أو أثمانها، ولا يجوز وقوعها على الأعيان، لأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال، أو بمثله وهذه لا مثل لها.
وممن كره ذلك: ابن سيرين، وسفيان الثوري، ويحيى بن أبي كثير، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وممن رخص فيه: ابن أبي ليلى.
وقد رجح صاحب الإنصاف جواز المضاربة بالعروض، واختاره بعض علماء المذهب.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة: (157) ، ورؤوس المسائل ورقة: (255) ، والروايتين والوجهين 394، والمغني 5/13، والإنصاف 5/409، 410، وشرح منتهى الإرادات 2/320، وكشاف القناع 3/487.(6/2595)
قال إسحاق: كما قال.
[1817-] قلت: الشفعة1 في أي شيء تكون؟
__________
1 الشفعة في الملك معروفة، وهي: مشتقّة من الزيادة، لأنّ الشفيع يضمّ المبيع إلى ملكه، فيشفعه به، كأنّه كان واحداً وِتراً فصار زوجاً شفعاً.
وفي الشرع: هي استحقاق الشريك، انتزاع حصّة شريكه، المنتقلة عنه من يد، من انتقلت إليه.
انظر: النهاية 2/485 والمغني 5/229.(6/2596)
قال: الشفعة في الدور.1
قال أحمد: يروى "الشفعة للخليط".2
__________
1
نص على ذلك في مسائل عبد الله 297، وفي الروايتين والوجهين 451: نقل عن حنبل قول الإمام أحمد: أرى الشفعة للخليط، وإن لم يمكن قسمته كالعبد، والحيوان. وذكر رواية عبد الله، وعن الفضل بن زياد مثله. ثم قال: من ذهب إلى ظاهر رواية حنبل يقول: هذا ملك مشترك، فأشبه العقار.
والمذهب: أنه لا شفعة في غير الأرضين، لأن الشفعة إنما وجبت في العقار، خوفا من التأذى على الدوام، أو أنه يستضر، لأن شريكه يطالبه بالقسمة، فيلزمه مؤنة بذلك، وهذا معدوم في غير العقار.
وروى مالك أن سعيد بن المسيب سئل عن الشفعة هل لها من سنة؟ فقال: نعم. الشفعة في الدور، والأرضين، ولا يكون إلا بين الشركاء.
وعند البيهقي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة في الدور، والأرضين.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شفعة إلا في دار، أو عقار".
انظر: الموطأ 2/714، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب الشفعة 6/103، 109.
2 قال في مسائل أبي داود: الشفعة للشريك.
وفي مسائل عبد الله قال مرة: الشفعة للشريك لا يكون لغيره، وقال الشفعة للخليط، ثم قال: والجار ليست له شفعة، وفسر الخليط بقوله: إن الخليطين الذين يرثان جميعا دارا عن أبيهما، ولا يعرف كل واحد حصته فيما بينهما. وفي رواية أو يشتريان جميعا، فأما إذا عرفا الحقوق فلا شفعة.
وقال في مسائل ابن هانىء: لا شفعة إلا للخليط، ولما قرىء عليه الحديث: "الجار أحق بشفعة جاره"، قال: ليس العمل على هذا، وذكر حديث جابر: "إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا صرفت الطرق، فلا شفعة. قال: وبه آخذ".
[] انظر: مسائل أبي داود 203، ومسائل عبد الله 296-298، ومسائل ابن هانىء 2/26، والإشراف لابن المنذر ورقة 71، ومسند أحمد 3/296.
روى مسلم وأبو داود عن جابر قال: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم، ربعة أوحائط …" الحديث.
انظر: صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب الشفعة 3/1229، وسنن أبي داود كتاب البيوع، باب الشفعة 3/783.(6/2597)
[1818-] قلت: من قال الشفعة؟ 1
قال: من عرف حقه، فهو جار، ومن لم يعرف حقه، فهو خليط.
[1819-] قلت: من قال الشفعة بالأبواب؟
قال: الطريق يكون الباب، وإن كان بينهما طريق، مثل دارنا
__________
1 هكذا ورد في المخطوط، ولعل الصواب: من قال الشفعة بالجوار لأن ما بعده يدل عليه، وقد تكون من قال الشفعة بالخلطة.(6/2598)
هذه.1
__________
1 نقل ابن القيم عن الإمام أحمد من رواية ابن مشيش: أن أهل البصرة يقولون: إن كان الطريق واحدا، كان بينهم شفعة مثل دارنا هذه. انظر: إعلام الموقعين لابن القيم 2/150.
ومن شروط الشفعة أن يكون المال المشترك، قابلا للقسمة، فأما مالا ينقسم، كالحمام الصغير والبئر، والطرق، والعراضي الضيقة، فعن أحمد فيها ثلاث روايات:
الأولى: لا شفعة فيها.
الثانية: فيها الشفعة.
الثالثة: تجب الشفعة في كل مال حاشا منقولا، لا ينقسم.
والرواية الأولى ينبني عليها الصحيح من المذهب لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا شفعة في فناء، ولا طريق، ولا منقبة"- وهو الطريق الضيق. ولما روى مالك في موطئه عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: "لا شفعة في بئر، ولا فحل النخل". قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا.
انظر: الموطأ 2/717، والعدة شرح العمدة للمقدسي 1/276، الطبعة السلفية بالقاهرة، والمغني 5/233، والإنصاف 6/257.
وقال ابن قدامة: لا شفعة في الدار، ولا في الطريق إذا بيعت، ولها طريق نافذ، فإن كان الطريق غير نافذ، ولا منفذ سواه، فلا شفعة فيه أيضا، لأن ذلك يضر بالمشتري، وتبقى الدار لا طريق لها، وإن كان للدار درب آخر يستطرق منه، أو يمكن فتح باب لها من جهة أخرى، ينظر في الطريق المبيع، فإن تعذر قسمته، منعت الشفعة، وإن أمكن قسمته، وجبت الشفعة لأنه أرض مشتركة تحتمل القسمة، ويمكن أن لا تجب الشفعة فيها بحال، لأن الضرر يلحق بالمشتري، بتحويل الطريق إلى مكان آخر. انظر: المغني 5/234.(6/2599)
[1820-] قلت: من قال: الشفعة بالحدود؟
قال: الطريق يحيط بالدار حواليها ملاصقا له. وإن كان في درب آخر.
[1821-] قلت: من قال الشفعة بالرؤوس؟
قال: قوم يكونون في الدار خمسة، أو ستة، وآخرون في دار أخرى] 1 أربعة، أو خمسة [ع-121/ب] فعلى قدر رؤوسهم، ومن قال بالأنصباء، فعلى2 قدر سهامهم،3
__________
1 من قوله: (لا يكون أعظم من بيع النسيئة…) في المسألة رقم: (1800) ، إلى هنا ساقط من نسخة (ظ) .
2 في ع: (فهو على) .
3 في المسألة روايتان عن الإمام أحمد:
قال مرة: تكون على قدر الأنصباء.
وفي الآخرى قال: على عدد رؤوسهم.
والصحيح من المذهب أن الشقص المشفوع إذا أخذه الشفعاء، قسم بينهم على قدر أملاكهم، روي ذلك عن: الحسن، وابن سيرين، وعطاء. وبه قال إسحاق وآخرون.
أما القسم على عدد الرؤوس فقد روي عن: النخعي، والشعبي. وبه قال ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، والثوري.
والأولى: أصح لأنه حق يستفاد بسبب الملك، فكان على قدر الأملاك، كالغلة في الملك المشترك: فإنها تقسم بين الشركاء على قدر سهامهم فيه.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 146، ورؤوس المسائل ورقة 280، والروايتين والوجهين 450، والمغني 5/270، والإنصاف 6/275.
وقد أخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي قوله: الشفعة على قدر رؤوس الرجال.
وعن شريح، وابن سيرين قالا: الشفعة بالحصص.
وقال مالك في الموطأ: الشفعة بين الشركاء، على قدر حصصهم.
انظر: المصنف لعبد الرزاق كتاب البيوع، باب الشفعة بالحصص، أو على الرؤوس 8/85، وموطأ مالك، كتاب الشفعة، باب ما تقع فيه الشفعة 2/715.(6/2600)
وهذا لمن يقول: الشفعة بالجوار، ونحن نقول: الشفعة بالخليط.1
__________
1 في ع: (للخليط) .
وكلا اللفظين وارد فقوله بالخليط: يقصد المال المختلط عينه أن فيه الشفعة. وقوله: للخليط يقصد بذلك الشريك نفسه.
وقد نص الإمام أحمد على حق الخليط في الشفعة دون غيره، وذلك في مسائل ابنه عبد الله 298، وأبي داود 203، وابن هانىء 2/26، وابنه صالح ورقة 47.
وقال في موضع آخر من مسائل صالح ورقة 42: الناس مختلفون في الشفعة، فأهل الحجاز يذهبون إلى أنه إذا صرفت الطرق، وعرف الناس حدودهم، فلا شفعة إلا للخليط، ولا شفعة للجار.
وقال أهل العراق: للجار شفعة.
وقال بعضهم: إنما تكون الشفعة للجار إذا كان طريقهما واحدا، وبمثل ذلك قال ابن القيم في إعلام الموقعين 2/150.(6/2601)
[1822-] قلت1 لأحمد: إن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن2 الجار أحق بسقبه"3؟
قال: أهل المدينة يقولون: الجار هو الخليط،4 أرأيت إن أوصى
__________
1 في ع: (قيل) .
2 هكذا ورد في نسخ المخطوطة (إن الجار) بزيادة: إن، وهي غير موجودة في ألفاظ الحديث.
3 سقبه: أي بقربه كما جاء في المصباح 331، انظر أيضاً: مختار الصحاح 303.
هذا الحديث أخرجه البخاري عن أبي رافع، والترمذي عن سمرة، بلفظ: جار الدار أحق بالدار.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب الشفعة، باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع 4/437، والترمذي كتاب الأحكام، باب ما جاء في الشفعة 3/641.
4 روى البخاري عن جابر بن عبد الله: قضى النبيّ صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة.
وقد روى الترمذي طرف الحديث من قوله: إذا وقعت الحدود. ثم قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنهم عمر بن الخطاب، وعثمان، وبه يقول بعض فقهاء التابعين مثل: عمر بن عبد العزيز وغيره، وهو قول أهل المدينة منهم: يحيى ابن سعيد الأنصاري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن أنس، وبه يقول الشافعي وأحمد، وإسحاق.
انظر: البخاري مع الفتح، كتاب الشفعة، باب الشفعة ما لم يقسم 4/436، وسنن الترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء إذا حدت الحدود 3/644، وكذلك الموطأ، كتاب الشفعة، باب مالا تقع فيه الشفعة 2/717، وإعلام الموقعين 2/147، وعمدة القارى للعيني، الناشر: دار إحياء التراث العربي بيروت 12/72.(6/2602)
رجل رجلا بمال1، يقسم في الجيران من يعطى من جيرانه؟ ينبغي أن لا يعطى إلا من كان لاصقا به وإلا فالجار هو الخليط،2 واحتج ببيت قاله الأعشى.3
قال أحمد: البيت لا أحفظه.4
__________
1 في ع: (بماله) .
2 قال ابن القيم: القائلون: بأن المراد بالجار هو الخليط، حملوا أحاديث شفعة الجوار، على مثل ما دلت عليه أحاديث شفعة الشركة، فيكون لفظ الجار فيها مرادا به الشريك. ووجه هذا الإطلاق: المعنى والاستعمال. أما المعنى: فإن كل جزء من ملك الشريك، مجاورٌ لملك صاحبه، فهما جاران حقيقة. وأما الاستعمال: فإنهما خليطان متجاوران، ولهذا سميت الزوجة جارة وذكر بيت الأعشى: أجارتنا إلى آخره. انظر: إعلام الموقعين 2/149.
3 هو عامر، وقيل عمر بن الحارث بن رباح الباهلي من همدان، شاعر جاهلي يكنى أبا قحفان، أشهر شعره رائية له في رثاء أخيه لأمه (المنتشر بن وهب) انظر: الأعلام للزركلى ط 3، 4/16.
4 جملة: (قال أحمد: البيت لا أحفظه) ساقطة من نسخة ع.
وقد ذكر في نسخة ع بيت الأعشى وهو:
أجارتنا بيني فإنك طالقة ... وموموقة قد كنت فينا ووامقه
وبيني فإن البين خير من العصا ... وأن لا تزالي فوق رأسك بارقه
وقد استشهد ابن القيم بالشطر الأول منه عند كلامه عن شفعة الخليط كما سبق الإشارة إليه.
والشاعر يخاطب إحدى الزوجات معلنا طلاقها طلاقاً بائنا، وقد كانت من قبل بينهما مودة، ولكن الفراق أصبح خيراً من البقاء الذي يصاحبه الضرب الدائم لها من قبله، وموموقة: محبوبة، ووامقة: حابة. انظر: المعجم الوسيط 2/1058.(6/2603)
قال إسحاق: كلما وصف فمعناه، كما قال، ولا تكون الشفعة أبداً، إلا لمن له1 شركة، قلَّتْ أم كثرت2، وهي3 على الأنصباء4، ليست على الرؤوس، وليست5 الشفعة بالأبواب، إنما الشفعة للشركاء في الدور، والأرضين.6
__________
1 كلمة: (له) غير موجودة في الأصل.
2 في ع: (قل أم كثر) .
3 في الأصل: (وهي) ساقطة.
4 في الأصل: (على الأنصباء) ساقطة.
5 في ع: (ليس) .
6 سبق الكلام على هذا عند المسألة: (1817) .
قلت: وأنا أميل إلى ما ذكره ابن القيم، وهو أن القول الوسط الجامع بين الأدلة هو قول البصريين، وغيرهم من فقهاء الحديث: إن كان بين الجارين حق مشترك، من حقوق الأملاك، كطريق، أو ماء، أو غير ذلك، ثبتت الشفعة، وإن تميز ملك كل واحد عن الآخر، فلا شفعة. وهذا الذي نص عليه أحمد في رواية أبي طالب حين سأله عن الشفعة لمن هي؟ فقال له: إذا كان طريقهما واحدا، فإذا صرفت الطرق، وعرفت الحدود، فلا شفعة. انظر: إعلام الموقعين 2/149.(6/2604)
[1823-] قلت: للنصراني شفعة؟
قال: ما أدري له شفعة.1
__________
1 سيأتي في مسألة: (2192) قوله: (ليس لليهودي والنصراني شفعة وقد نص على ذلك في مسائل ابن هانىء 2/27، ومسائل عبد الله 298، ومسائل أبي داود 203، وفي منح الشفا الشافيات في شرح المفردات للبهوتي 2/48 الناشر: المؤسسة السعيدية بالرياض، والكافي 2/435، قال: ليس له شفعة على المذهب نص عليه، وهو قول الحسن، والشعبي، وابن أبي ليلى، وإحدى الروايتين عن شريح. ولحديث أنس مرفوعا: لا شفعة لنصراني.
قلت: وحديث أنس رواه الطبراني في المعجم الصغير 1/206، الناشر: المكتبة السلفية بالمدينة عام 1388هـ.
وقال في الإنصاف 6/312: نص عليه من وجوه كثيرة، وهو المذهب كما روى الخلال في كتابه أحكام أهل الملل عن عبد الله، وحنبل، وحرب، وإسحاق، وأبي داود، وأبي طالب، وصالح، وأبي الحارث، والأثرم، والحسن بن هارون. كل هؤلاء سمعوا أبا عبد الله وسألوه، فقال: ليس للذمي شفعة. قيل له: لم؟ قال: لأن ليس له مثل حق المسلم، وهو قول مجاهد، والشعبي. وقد احتج أحمد على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجتمع دينان في جزيرة العرب".
انظر: أحكام أهل الملل للخلال ورقة 50، 51، وقد روى البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده عن ابن عباس، ورواية أخرى عند مالك عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" -من حديث طويل ـ وهو لفظ البخاري ومسلم، وعند أحمد ومالك: "لا يترك بجزيرة العرب دينان".
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب الجزية والموادعة باب إخراج اليهود من جزيرة العرب 6/270، ومسلم 3/1258، وموطأ مالك 2/892، 893، ومسند أحمد 6/275.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن الحسن البصري والشعبي: ليس ليهودي ولا نصراني شفعة.
انظر: مصنف عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب هل للكافر شفعة وللأعرابي 8/84، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية، باب في الشفعة للذمى وللأعرابي 7/169، 170، 171، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب الشفعة 6/109.(6/2605)
قال إسحاق: كلما كان شريكاً، فله شفعة، لأن حرمة الجوار لأهل الذمة أيضا.
[1824-] قلت: بيع الزيادة في العطاء1 بالعروض؟
قال: يزاد الرجل عشرة دراهم في عطائه، فلا يبيعها إلا بالعروض فإذا مات2 انقطع ذلك.
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 سبق تعريفه، وهو ما يسمى بالصكاك عند المسألة: (1795) .
2 في نسخة ع: (إذا مات الرجل) .
3 سبق التعليق عليه عند المسألة (1795) .
وقد أخرج عبد الرزاق أن شريحا سئل عن بيع الزيادة في العطاء بالعروض فكرهه، ولم ير به بأساً في الحيوان.
وفي رواية وكيع عن شريح: أنه كان لا يرى بأسا ببيع الزيادة في العطاء بالعروض.
وفي رواية آخرى قال: ابتاعوها بعرض ولا تبتاعوها بوزن.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب بيع الأرزاق قبل أن تقبض 8/29، وأخبار القضاة لوكيع 2/286.(6/2606)
[1825-] قلت: بيع1 المصاحف؟
قال: لا أعلم2 فيه رخصة عن أحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم والشراء أهون.3
__________
1 كلمة (بيع) ناقصة من ع.
2 في ع: (ما أعلم) .
3 ذكر هذه المسألة ابن المفلح في: شرح المحرر 1/286، وقال في مسائل عبد الله 284: أحب إلى أن لا يبيعها، كرهه ابن عمر، وابن عباس. وقال مرة أخرى: اشتر ولا تبع أذهب إلى حديث ابن عباس وجابر.
وفي مسائل أبي داود 191 قال: المصحف لا يباع البتة.
وفي رواية حنبل وحرب قال: أكره بيع المصاحف وشراءها، وأجاز الشراء دون البيع في رواية المروذي.
وفي رواية أبي الحارث قال: لا يعجبني بيع المصحف، وشراؤه أسهل.
قال ابن القيم: احتج أحمد بأن أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم رخصوا في شراء المصاحف وكرهو ابيعها.
والخلاصة أن ثمة ثلاث روايات عن أحمد في بيع المصحف:
الأولى: لا يجوز ولا يصح، وهو المذهب.
والثانية: يجوز بيعه مع الكراهة.
والثالثة: يجوز مطلقاً. انفرد بروايتها أبو الخطاب.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 141، والروايتين والوجهين لأبي يعلى 369، وبدائع الفوائد لابن القيم 4/124، والكافي 2/8، والإنصاف 4/278، وشرح منتهى الإرادات 2/143.
وروى البيهقي: أن ابن عباس سئل عن بيع المصاحف للتجارة فيها؟ فقال: لا نرى أن تجعله متجرا، ولكن ما عملت بيديك، فلا بأس به، وقال في رواية أخرى: اشتر المصحف، ولا تبعه. وعن ابن عمر قال: لوددت أن الأيدي قطعت في بيع المصاحف. وعنه أنه كان يمر بأصحاب المصاحف فيقول: بئس التجارة. وعن ابن مسعود: أنه كره شراء المصاحف وبيعها.
انظر: السنن الكبرى للبيهقي كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع المصاحف 6/16.(6/2607)
قال إسحاق: السنة1 أن يشتريها ولا يبيعها.
[1826-] قلت: بيع الطعام مجازفة؟ 2
__________
1 حرف (أن) ناقصة من ع.
2 الجزاف- بكسر الجيم-: بيع الشيء لا يعلم كيله ولا وزنه، وهو اسم من جازف مجازفة من باب قاتل، والجزاف بالضم: خارج عن القياس، وهو فارسي: تعريب كزاف ومن هنا قيل: أصل الكلمة دخيل في العربية، يقال: جزف في الكيل جزفا: أكثر منه، ومنه الجزاف والمجازفة في البيع وهو المساهلة.
انظر: المصباح 121، وتهذيب اللغة للأزهري 10/625.(6/2608)
قال: ليس به بأس إذا لم يُرِدْ1 فرارا من الكيل ولم يعلم مكيلة الطعام.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 في نسخة ع: (لم يرد به) .
2 نص على ذلك في مسائل ابن هانىء 2/14، ومسائل عبد الله 302.
وذكر ابن القيم في بدائع الفوائد 4/74 عن أحمد أنه قال: من الناس من كره بيع ما يعلم كيله، حتّى يعلمه المشتري. وقال في مسائل القطان: إذا استوى علم البائع والمشتري بالقدر للمبيع جزافا، فلا بأس، فإذا علم أحدهما، وجهل الآخر فلا.
قال ابن المنذر: كره ذلك عطاء، ومسروق، وابن سيرين، وعكرمة، ومجاهد، ومالك، وأحمد، وإسحاق.
انظر: الإشراف ورقة 124، والمغني 4/95، وورد مثل ذلك في رؤوس المسائل ورقة 221.
والحاصل أن هناك روايتين عن أحمد في بيع الصبرة مع علم البائع مقدارها دون المشتري: هما التحريم، والكراهة. والتحريم: هو الصحيح من المذهب نص عليه. انظر: الإنصاف 4/312، 314.
والدليل على جواز بيع الطعام مجازفة ما رواه البخاري، وأحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن ابن عمر قال: لقد رأيت الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتاعون جزافا: يعني الطعام، يضربون أن يبيعوه في مكانهم حتّى يؤووه إلى رحالهم، وهذا لفظ البخاري.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب البيوع، باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، وباب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا 4/347، والمسند 2/7، وسنن أبي داود كتاب البيوع، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى 3/760، وسنن ابن ماجه كتاب التجارات، باب بيع المجازفة 2/750.
وقد استدل به شارح المنتهى على جواز بيع الصبرة جزافا قال: ويجوز بيعها مع جهل المتبايعين أو علمهما بقدرها لعدم التغرير. انظر: شرح المنتهى 2/149.(6/2609)
[1827-] قلت: لا يحتلب1 أحد ماشية [ع-122/أ] أحد إلا بإذنه؟
قال: لا يحتلبن2 حتى ينادي ثلاثا، فإن أجابه فأذن له، فهو إذنه، وإن3 أبى، فلا يحلب4 على حديث أبي سعيد.5
قال إسحاق: إن أبى وكان جائعا طعم قدر ما يبلغه إلى غيره، وإن لم يجبه أحد، شرب.6
__________
1 في نسخة ع: (يحتلبن) .
2 في نسخة ع: (يحلبن) .
3 في نسخة ع: (فإن) .
4 في نسخة ع: (يحلب) .
5 حديث أبي سعيد رواه ابن ماجه في كتاب التجارات، باب من مر على ماشية قوم أو حائط هل يصيب منه؟ 2/771، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيت على راع فناده ثلاث مرار، فإن أجابك، وإلا فاشرب في غير أن تفسد …" الحديث.
6 هناك روايتان عن الإمام أحمد في احتلاب الماشية:
إحداهما: يجوز له أن يحلب، ويشرب إن لم يجد معها أحد. لحديث سمرة عند أبي داود، والترمذي. قال الترمذي: وبه يقول أحمد، وإسحاق.
والرواية الثانية: لا يجوز له أن يحلب، ولا يشرب، بلا إذن مطلقا. لحديث ابن عمر المتفق عليه.
انظر: المحرر 2/190، والمغني 9/418، والتنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع للمرداوى، الناشر: المطبعة السلفية بمصر ص286، والتوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح للشويكى ط1 عام 1371هـ، مطبعة السنة المحمدية بمصرص 423.
روى: مالك، وأحمد، والبخاري، وأبوداود، وابن ماجه بألفاظ مختلفة عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحلبن أحد ماشية أحد، إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته، فتكسر خزانته، فينقل طعامه، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم، أطعمتهم …" الحديث.
وروى أبو داود، والترمذي، عن سمرة بن جندب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم على ماشية، إن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له، فليحتلب، وليشرب، فإن لم يكن فيها، فليصوت ثلاثا، فإن أجابه فليستأذنه، وإلا فليحتلب، وليشرب ولا يحمل".
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
انظر: الموطأ كتاب الإستئذان، باب ما جاء في أمر الغنم 2/971، والمسند 2/56، 57، وصحيح البخاري مع الفتح كتاب اللقطة، باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذنه 5/88، وسنن أبي داود كتاب الجهاد، باب في ابن السبيل يأكل من التمر ويشرب من اللبن إذا مر بها 3/89، 91، وسنن الترمذي كتاب البيوع، باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب 3/581، وسنن ابن ماجه كتاب التجارات، باب النهي أن يصيب منها شيئا، إلا بإذن صاحبها 2/772.
وانظر: عمدة القارى 12/277.(6/2610)
[1828-] قلت: جعل1 الآبق2 في المصر وخارجه؟
قال: لا أدري، قد تكلم الناس فيه. لم يكن عنده حديث صحيح.3
قال إسحاق: والسنة في ذلك ما قال4 ابن مسعود إذا كان خارجا من المصر: فأربعون، وفي المصر عشرة.5
__________
1 الجعالة: ما يجعل على العمل من أجر، أورشوة جمعه: جعائل. والجعل: الجعالة.
انظر: المعجم الوسيط 1/126، ومختار الصحاح 105.
وفي المصباح المنير: الجُعْل بالضم الأجر، يقال: جعلت له جعلا، والجِعالة: بكسر الجيم، وبعضهم يحكى التثليث.
انظر: المصباح 125، والمطلع 215.
2 أبق العبد يأبُق ويأبَق ويأبِق إباقا: من بابي تعب وقتل في لغة، والأكثر: من باب ضرب: إذا هرب من سيده، من غير خوف، ولا كد عمل، وتأبق إذا استتر، وقيل احتبس، والجمع أُباق مثل: كافر وكفار.
انظر: النهاية في غريب الحديث 1/15، والمصباح 6، والمعجم الوسيط 1/3.
3 عبارة الإمام أحمد هذه وردت بنصها في شرح منتهى الإرادات 2/469، عن ابن منصور راوى هذه المسائل بلفظ: (لا أدري قد تكلم الناس فيه، لم يكن عندي فيه حديث صحيح) .
4 في الأصل: (السنة ما قال في ذلك) ، وما أثبتناه أولى.
5 ورد في مسائل عبد الله 310: أن الإمام أحمد قال مرة: إذا جىء به خارجا من الحرم، فله دينار، وقال ثانية: آخذ بحديث ابن مسعود في الآبق أربعون درهما، أذهب إليه، وذكر عن شريح أنه قال: إذا وجده في المصر: عشرة دراهم، وإذا وجده في غير المصر: أربعون درهما.
وذكر في الإفصاح لابن هبيرة 2/68، والكافي 2/335، والإنصاف 6/394، 396 روايتين عن الإمام أحمد:
إحداهما: تحدد الجعل بدينار، أو اثني عشر درهما، طالت المسافة أم قصرت، وسواء كان من داخل المصر، أومن خارجه. وهو المذهب.
والأخرى: تنص على أنه إن جاء به من المصر: فله عشرة دراهم، وإن جاء به من خارجه: فأربعون درهما، ولا فرق بين بعد المسافة وقصرها.(6/2611)
[1829-] قلت: التولية1 بيع؟
قال: هو بيع.2
[1830-] قلت: إذا اشترى طعاما أيوليه3 آخر قبل أن يقبضه؟
__________
1 قال في المصباح: وليته تولية: جعلته والياً، ومنه التولية في البيع.
انظر: المصباح 841، وانظر أيضاً: مختار الصحاح 736.
2 قال في الكافي 2/99: بيع التولية هو البيع بمثل الثمن الذي اشترى به، وحكمه حكم المرابحة، ويصح بلفظ البيع، ولفظ التولية.
وفي شرح المنتهى 2/181: يثبت الخيار في البيع بتخيير الثمن، أي- إذا أخبر البائع بخلاف الواقع- على قول في أربع صور من صور البيع، وذكر التولية واحدة منها.
3 في نسخة ع: (يوليه) ، بدون همزة استفهام.(6/2613)
قال: لا.1
[1831-] قلت: والشركة2 بيع؟
قال: وهذا أيضا بيع.3 والإقالة4 ليس
__________
1 حرف (لا) غير موجودة في الأصل، وهذه المسألة تدخل في عموم منع بيع الطعام قبل قبضه.
2 قال في مختار الصحاح 336: وشركه في البيع والميراث يشرَكه مثل: علمه يعلمه: شركة، والاسم: الشرك، وجمعه: أشراك كشبر وأشبار.
وفي الاصطلاح: الشركة بيع بعضه بقسطه من الثمن، قاله في: التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح للشويكى ص: 156.
3 ذكر صاحب الكافي 2/94، والمقنع 2/52، والمبدع 4/102، وشرح المنتهى 2/181: أن التولية، والشركة، والمرابحة، والمواضعة: أنواع من البيع اختصت بهذه الأسماء كاختصاص السلم.
وأخرج عبد الرزاق عن الزهري قال: التولية بيع في الطعام وغيره، وعن الحسن، وابن سيرين، والحكم، قالوا: التولية بيع، والشركة بيع ولا يشرك حتّى يقبض.
وفي رواية عن ابن سيرين أنه أجاز التولية بعد القبض.
انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب التولية في البيع والإقالة 8/49.
4 وَقِلته البيع بالكسر، وأَقَلْتُه: فسخته. يقال: أقاله إقالة، وقاله بغير ألف، واستقاله: طلب إليه أن يقيله. الإقالة في البيع: رفع العقد، وقيل نقضه وإبطاله.
انظر: ترتيب القاموس 3/726، والمصباح المنير630، والمطلع على أبواب المقنع 238، 239.(6/2614)
ببيع.1
__________
1 قال في المقنع 2/63، والكافي 2/101، والمبدع 4/123: هي فسخ في الأصح، عبارة عن الرفع، والإزالة، بدليل جوازها في السلم مع إجماعهم على المنع من بيعه قبل قبضه، والفسخ لا يعتبر فيه القبض كالرد بالعيب، ولأن الإقالة لا تجوز إلا بمثل الثمن، والبيع يجوز فيه ذلك.
وعن أحمد: أنها بيع، لأن البيع عاد إلى بائعه على الجهة التي خرج عليها، فكانت بيعا، كالأول.
قال في الإنصاف 4/475: الإقالة فسخ، هذا المذهب، بلا ريب نص عليه، ومثل ذلك في شرح المنتهى 2/192.
وأخرج الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي، والحاكم عن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقال مسلما، أقال الله عثرته يوم القيامة".
وفي رواية الإمام أحمد: من أقال عثرة أقاله الله يوم القيامة.
وفي رواية البيهقي: من أقال نادما. وفي رواية أخرى ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد، الناشر: دار الكتاب العربي بيروت ط2 عام 1967 م ج 4/110 عن أبي شريح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أقال أخاه بيعا أقال الله عثرته يوم القيامة". قال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
انظر: المسند 2/252، وسنن أبي داود، كتاب البيوع والإجارات، باب في فضل الإقالة 3/738، وسنن ابن ماجه كتاب التجارات، باب الإقالة 2/741، والسنن الكبرى للبيهقي، كتاب البيوع، باب من أقال المسلم 6/27، ومستدرك الحاكم كتاب البيوع 2/45.
وقال: صحيح على شرط الشيخين، وسكت عنه الذهبي.(6/2615)
قال إسحاق: كما قال، ويعجبني في الإقالة أيضا.
[1832-] قلت: إذا اشترى ما يكال أو يوزن يولِّي صاحبه، أو يشرك1 فيه إنسانا قبل أن يقبضه؟
قال: لا.
قال إسحاق: كما قال.2
[1833-] قلت: قيل له يعنى سفيان: رجل اشترى سفينة،3 فقال له رجل: ولني منها كرا.4
قال: لا، حتى يقبض، ولا يشركه حتى يقبض.5
__________
1 في ع: (يشترك) .
2 سبق التعليق على نظير هذه المسألة عند المسألتين (1789، 1830) .
3 يقصد بذلك حمولة سفينة من الطعام على تقدير مضاف.
4 الكر: كيل معروف، والجمع: أكرار، مثل: قفل وأقفال، وهو ستون قفيزا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف، أوستة عشر كيلوغراما، فالكر على هذا الحساب اثنا عشر وسقا. انظر: المصباح 640، وحاشية الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان لابن الرفعة ص 72.
قلت: فيكون الكر إذاً سبعمائة وعشرين صاعا، أوتسعمائة وستين كيلوغراما.
5 هذه المسألة كالمسائل التي مرت في منع بيع الطعام قبل قبضه فتعطى حكمها.(6/2616)
قال أحمد: إن كان اشترى ما في السفينة صبرة،1 لم يسم2 كيلا فلا بأس أن يشرك3 فيها رجلا، أو يبيع ما شاء إلا أن يكون سمى كيلا، فلا يبع ولا يولي حتى يكال عليه.
قال إسحاق: كما قال.
[1834-] قلت:4 بيع الكلأ؟ 5
قال: لا يمنع الكلأ من أرضه ولا من غيرها.6
__________
1 الصُبْرَة من الطعام جمعها: صُبَرٌ، مثل: غرفة وغرف، يقال: اشتريت الشيء صبرة أي: بلا كيل ولا وزن.
انظر: المصباح 392، ومختار الصحاح 355، والمعجم الوسيط 1/506.
2في ع: "يسمى".
3 سبق التعليق على مثل هذه عند المسألة (1826) .
4 في ع: (قلت لأحمد) .
5 الكلأ: هو النبات والعشب سواء رطبه ويابسه، وهو اسم للنوع، ولا واحد له، وأرض مُكْلِئَة: هي التي قد شبع إبلها، وما لم يشبع الإبل، لم يعدوه إعشابا، ولا كلأ، وإن شبعت الغنم. انظر: تاج العروس 1/404.
6 نص على مثل ذلك في مسائل أبي داود 194، ومسائل ابن هانىء 2/28.
وقال في شرح المنتهى 2/145: لا يصح بيع نابت من كلأ وشوك ونحو ذلك.
وقال في الإنصاف: هذا مبني على أصل وهو أن الماء العد- المعد لشرب من أراد- والمعادن، الجارية، والكلأ النابت في أرضه، هل تملك بملك الأرض قبل حيازتها، أم ==(6/2617)
........................................................................................................................................
__________
لا تملك بمجرد ملك الأرض؟ فيه روايتان عن أحمد:
إحداهما: لا تملك قبل حيازتها بما تراد له، وهو المذهب.
والثانية: تملك بمجرد ملك الأرض.
فعلى المذهب: لا يجوز لمالك الأرض بيع ذلك، ولا يملك بعقد البيع، ولكن يكون مشتريه أحق به من غيره، ويترتب على ذلك، أن من أخذ الكلأ، من أرض مملوكة فقد ملكه على الصحيح من المذهب. نص عليه أحمد. ولمن شاء الدخول في الأرض ورعي الكلأ، وأخذه إذا لم يحوط عليه، بلا ضرر- وقد أشار إلى رواية ابن منصور هذه-.
وقد اختار الرواية الثانية أبو بكر، وابن عقيل، وقال ابن رجب في القاعدة الخامسة والثمانين:
أكثر النصوص عن أحمد تدل على الملك لصاحب الأرض، وعن ابن تيمية: جواز بيع الكلأ إذا قصد استنباته.
وفي القاعدة الثالثة والعشرين قال: هل يجوز أخذ ذلك بغير إذنه، على وجهين، ومنهم من قال: الخلاف في غير المحوط، فأما المحوط فلا يجوز بغير خلاف.
انظر: القواعد لابن رجب ص31، ص190، والإنصاف 4/290.
وأخرج الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن رجل من المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: غزوت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاثا أسمعه يقول "المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ، والماء، والنار".
وفي لفظ ابن ماجه عن أبي هريرة: "ثلاث لا يمنعن: الماء والكلأ والنار".
انظر: المسند 5/364، وسنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في منع الماء 3/750، وسنن ابن ماجه كتاب الرهون، باب المسلمون شركاء في ثلاث 2/826.(6/2618)
قال إسحاق: كما قال [ظ-53/ب] .
قال إسحاق: كما قال، لا يغرم من الحرق، والغرق، وآفات1 السماء.
[1835-] قلت: بيع الطعام جزافاً؟
قال: إذا علم البائع مكيله، فينبغي له أن يسمى الكيل، فإذا سمى كيلا كاله.
قال:2 وإذا لم يعلم كيله يبيعه جزافا؟
قال: نعم إذا لم يعلم البائع والمشترى.
قال إسحاق: كما قال، إلا أن يكون البائع، كاله قبل ذلك، ثم غاب عنه، فله أن يبيعه جزافا حينئذ.3
[1836-] قلت: إذا أسلفت رجلاً4 سلفا فلا تقبل5 منه هدية كراع،6
__________
1 في نسخة ع: (أو) .
2 في ع: (قلت) .
3 سبق تحقيق ذلك عند المسألة (1826) .
4 في ع: (إذا أسلفت رجل) .
5 في ع: (فلا يقبل) .
6 كُراع: وزن غُراب: من الغنم والبقر، والكراع: أنثى، والجمع أَكْرُعٌ ثم تجمع الأكرع على أكارع، والأكارع للدابة: قوائمها، وهو ما دون الكعب وللإنسان ما دون الركبة، وقيل لجماعة الخيل خاصة: كراع.
انظر: النهاية في غريب الحديث 4/164، والمصباح المنير 642.(6/2619)
ولا عارية ركوب دابة؟
قال: لا يفعل.
قال إسحاق: كما قال، وهذا في القرض إلا أن يكونا يتهاديان قبل ذلك، وأما ما كان من دين سوى ذلك فهو أهون، إلا أن يقبله على معنى تأخير الدين.1
__________
1 أورد ابن المنذر في الإشراف كلام إسحاق هذا، وقال: وهو قول النخعي.
والصحيح من المذهب: أنه إن فعله بغير شرط، أوقضى خيرا منه بغير مواطأة، أو أهدى له هدية بعد الوفاء: جاز.
وفي رواية أخرى: لا يجوز، أما إن فعله قبل الوفاء مجانا فلا يجوز إلا أن تكون العادة جارية بينهما قبل القرض، أوينوى احتسابه من القرض. وهذا هو المذهب نص عليه.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 142، والإنصاف 5/132، 133، والتوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح 171.
وقد أخرج ابن ماجه عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقرض أحدكم قرضا، فأهدى له، أوحمله عل الدابة، فلا يركبها، ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك".
انظر: سنن ابن ماجه، كتاب الصدقات، باب القرض 2/813.
وروى البخاري عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه في قصة طويلة قال: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال: إنك في أرض الربا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجل، حق فأهدى إليك حِمْلَ تِبْنٍ، أوحمل شعير، أوحمل قت فإنه ربا.
وفي رواية أخرى عند البيهقي: إن أحدكم يقرض القرض إلى أجل، فإذا بلغ أتاه به وبسلة فيها هدية فاتق تلك السلة وما فيها.
وفي رواية أخرى عن ابن سيرين: أن أبي بن كعب أهدى إلى عمر بن الخطاب من ثمرة أرضه فردها إلى أن قال: كان عمر رضي الله عنه أسلفه عشرة آلاف درهم.
وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنه قال في رجل كان له على رجل عشرون درهما فجعل يهدي إليه، وجعل كلما أهدى إليه هدية، باعها حتّى بلغ ثمنها ثلاثة عشر درهما، فقال ابن عباس: لا تأخذ منه إلا سبعة دراهم.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب عبد الله بن سلام 7/129، وسنن البيهقي، كتاب البيوع، باب كل قرض جر منفعة فهو ربا 5/349.(6/2620)
[1837-] قلت: قال: إن لي جاراً يأكل الربا، وإنه يدعوني؟
قال: أما أنا فإذا كان أكثر مال الرجل حراماً فلا يعجبني أن آكل من ماله.1
قال إسحاق: كما قال، ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه ليس بمخالف لما قلنا.2
__________
1 ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين 1/40 جواب أحمد هذا بنصه إلا أنه قال: فلا يعجبني أن يؤكل ماله.
2 قول ابن مسعود أخرجه عبد الرزاق قال: جاء رجل إليه فقال: إن لي جارا يأكل الربا، وإنه لا يزال يدعوني؟ فقال: مهنؤه لك، وإثمه عليه. قال سفيان: فإن عرفته بعينه فلا تصبه، وفي رواية أخرى عن سلمان الفارسي قال: إذا كان لك صديق عامل، أو جار عامل، أو قرابة عامل فأهدى لك هدية، أو دعاك إلى طعام فاقبله، فإن مهنأه لك وإثمه عليه.
انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب طعام الأمراء وأكل الربا 8/150.
والذي يظهر لي أن هذه الروايات تحمل على ما إذا كان تعامل الداعى بالربا ليس مجزوماً به، أو أنه قليل ليس بمهنة له بدليل قول أحمد: إن كان أكثر مال الرجل حراماً فلا يعجبني أن آكل من ماله، أما إذا كان مشهورا بأكل الربا وغلب على ماله الحرام فالامتناع أولى على ما قاله الإمام أحمد.(6/2621)
[1838-] قلت: العهدة1 في البيع، وما هي، وبعد ما مات؟
قال: إذا اشترى الرجل الشيء فيحدث عنده عيب يرده به؟
قال: لا يثبت هذا عندي.2
__________
1 العهدة: الرجعة، ومنه تقول: لا عهدة لي، أي: لا رجعة يقال فيه عهدة إذا لم يحكم، أي: عيب، وفي الأمر عهدة: إذا لم يحكم بعد. انظر: تاج العروس 8/459.
2 سأل صالح بن الإمام أحمد أباه فقال: الرجل يبيع العبد فيأبق أو يظهر به جنون يستحلف البائع أنه ما يعلم أنه آبق- أي من قبل البيع-؟ فقال: استحلف عثمان ابن عمر حين باع فقال: أتحلف أنك بعته وما علمت به عيبا؟ فأبى ابن عمر أن يحلف فرده عليه. انظر: مسائل صالح ورقة: (163) .
وأخرج أبو داود، وابن ماجه عن عقبة بن عامر الجهني صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا عهدة بعد أربع".
وفي رواية أخرى عند ابن ماجه عن الحسن عن سمرة: "عهدة الرقيق ثلاثة أيام".
انظر: سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في عهدة الرقيق 3/776، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب عهدة الرقيق 2/754.
وقد علق الخطابي على حديث عقبة بن عامر في عهد الرقيق فقال: عهدة الرقيق ثلاثة أيام، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس، وضعف أحمد عهدة الثلاثة في الرقيق، وقال: لا يثبت في العهدة حديث، ثم قال الخطابي: لا عهدة إلا في الرقيق خاصة، وهذا قول أهل المدينة: ابن المسيب، والزهرى-أعني في عهدة السنة في كل داء عضال- وكان الشافعي لا يعتبر الثلاث والسنة في شيء منها وينظر إلى العيب، فإن كان يحدث مثله في مثل المدة التي اشتراه فيها إلى وقت الخصومة فالقول قول البائع مع يمينه، وإن كان لا يمكن حدوثه في تلك المدة رده على البائع.
قلت: وهذا موافق لما عليه أحمد.
[] انظر: سنن أبي داود 3/776، والإشراف لابن المنذر ورقة: (126- 127) وروضة الطالبين للنووي 3/488.(6/2622)
قال إسحاق: نقول العهدة: أن يكون الرجل يبيع العبد، فيحدث به عيب، فما كان في الثلاث، لم يكلف البينة، وما كان أكثر كلف، وما كان من العيوب مثل البرص ونحوه، جعل له العهدة سنة.
[1839-] قلت: عهدة السنة من الجنون، والجذام، والبرص؟
قال: لا أعرف هذا.
قال إسحاق: كما وصفنا.1
__________
[1] قال ابن المنذر في الإشراف، ورقة: (126-127) : اختلف أهل العلم في عهدة الرقيق، فقالت طائفة: من باع عبدا بغير البراءة، فأصاب العبد، أو الوليدة في الأيام الثلاث من حين يستبريان حتّى تنقضى الأيام الثلاثة: فهو من مال البائع، ثم عهدة السنة من الجنون، والجذام، والبرص إذا مضت السنة: فقد برىء البائع من العهدة كلها، هذا قول مالك.
وفي موطأ مالك، كتاب البيوع، باب ما جاء في العهدة 2/612 قال: إذا باع عبدا، أو وليدة من الميراث أومن غيره بالبراءة فقد برىء من كل عيب ولا عهدة إلا أن يكون علم عيبا، فكتمه، فإن كان علم عيبا، فكتمه: لم تعقد البراءة، وكان ذلك مردودا عليه، ولا عهد عندنا إلا في الرقيق.
وقال قتادة: وإن رأى عيبا في ثلاث ليال رده بغير بينة، وإن رأى عيبا بعد ثلاث ليال، لم يستطع أن يرده إلا ببينة، وقالت طائفة: من اشترى عبدا، أو وليدة فوجد عيبا نظر فإن كان ذلك عيبا يحدث مثله عند المشتري، فالقول قول البائع، مع يمينه، وإن لم يكن حدوث مثله عند المشتري رد على البائع، هذا قول الشافعي. وقال الثوري فيما لا يحدث مثله يرده بغير بينة، ويحلف المشتري أنه لم يره، ولم يرض بعد أن رآه، ولم يعرضه على البيع بعد أن رأى الداء. قال ابن المنذر: ويقول الشافعي أقول: لا يثبت في العهدة حديث.(6/2623)
[1840-] قلت: يبيع الرجل عنبه ممن يعصره1 خمراً؟
قال: ما يعجبني.2
__________
1 في ع: (يصنعه) .
2 ورد مثل ذلك في مسائل ابن هانىء 2/5، ومسائل صالح ورقة: (76) ، وذكره ابن المنذر في الإشراف ورقة: (141) ، فقال: وقد روينا عن سعد بن أبي وقاص ما يدل على كراهة ذلك.
وفي الإنصاف، وشرح منتهى الإرادات قال: لا يصح بيع العنب ممن يعصره خمراً ولو ذمياً، وهذا هو المذهب.
انظر: المغني 3/167، والإنصاف 4/327، وشرح منتهى الإرادات 2/155 وشرح المفردات 1/288.
وعن بريدة مرفوعا: من حبس العنب أيام قطافه حتّى يبيعه من يهودي، أونصراني، أوممن يتخذه خمرا، فقد تقحم النار على بصيرة.
انظر: مجمع البحرين في زوائد المعجمين للهيثمي 3/374 تحقيق عبد القدوس بن محمد نذير، والتلخيص الحبير، كتاب البيوع، باب البيوع المنهي عنها 3/19.(6/2624)
قال إسحاق: [ع-122/ب] لا يبيعه إذا علم ذلك.
[1841-] قلت: متى يباع النخل؟
قال: لا يباع حتى يؤمن عليها العاهة.1
قيل: تحمر، وتصفر؟
قال: حتى يؤمن عليها العاهة.2
__________
1 العاهة: الآفة، وهي في تقدير: فعلة بفتح العين، والجمع: عاهات، يقال عَيِهَ الزرع إذا أصابته العاهة. انظر: المصباح المنير 528، وفي المعجم الوسيط 2/638 العاهة: ما يصيب الزرع والماشية من آفة أو مرض.
2 قال النخعي: إذا اشتد البسر، وأمن عليه الآفة فليشتريه، وقال ابن المنذر: حكم جميع ثمار الأشجار داخل في معنى ثمر النخل، وبيع ذلك جائز، إذا طاب أول ثمرها، وهو مذهب أحمد، وإسحاق، وكثير من أهل العلم.
[] انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 112، ورؤوس المسائل ورقة 218-219.
ولا يصح بيع الثمرة قبل بدوصلاحها، ولا زرع قبل اشتداد حبه بلا نزاع في الجملة إلا إذا باع الثمرة بأصلها، أو شرط القطع في الحال: فهذا جائز على الصحيح من المذهب، وفي رواية: لا يجوز.
انظر: المغني 4/63، والإنصاف 5/65، وشرح منتهى الإرادات 2/210، والتوضيح 165، 166.
وقد روى الإمام أحمد، ومسلم، والترمذي، والنسائي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتّى يزهو وعن السنبل حتّى يبيض ويأمن العاهة نهى البائع والمشتري.
انظر: المسند 2/5، وصحيح مسلم، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها 3/1165، وسنن الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتّى يبدو صلاحها 3/520، وسنن النسائي، كتاب البيوع، باب بيع السنبل حتّى يبيض 7/238.
وفي رواية البخاري عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الثمرة حتّى يبدو صلاحها وعن النخل حتّى يزهو، قيل: وما يزهو؟ قال: يحمار ويصفار".
انظر: البخاري مع الفتح كتاب البيوع، باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها 4/347.(6/2625)
قيل: يحمر بعضه، وبعضه أخضر؟
قال: يباع الذي بلغ.1
__________
1 قال في الكافي: إذا بدا الصلاح في نوع جاز بيع ما في البستان. وعنه: لا يباع إلا ما بدا صلاحه، والأول أظهر، لأن ذلك يؤدي إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة 2/76.(6/2626)
قيل: الكرم؟ 1
قال: حتى يسود.2
قيل: كل شيء من الفاكهة بمنزلة النخل؟
قال: نعم، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تباع الثمار".3
قال إسحاق: كما قال، ولكن إن4 احمرّ بعضه، أو اصفرّ، أو اسودّ شيء من العنب، فإن له بيعه كله5 لأن النخل والعنب لا يدرك كله في يوم واحد، فكيف يمكنه أن يبيع ما أدرك؟
__________
1 الكرم: على وزن فَلْس: العنب. المصباح: 243.
2 قلت: خص السواد كعلامة لاستواء العنب مع أننا نرى اليوم أنواعا من العنب مستوية ولونها أبيض، فلعل السائد آنذاك مع أنواع العنب هو اللون الأسود فخص بالذكر دون غيره، ولهذا فإن السواد ليس علة يبنى عليه الحكم، وإنما هو علامة من علامات الإستواء الذي هو العلة الأصلية.
3 سبق تخريجه في الصفحة التي قبل هذه.
4 في نسخة ع: (إذا) .
5 أخرج أبو داود، والترمذي عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع العنب حتّى يسودّ … " الحديث.
انظر: سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها 3/668، وسنن الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتّى يبدو صلاحها 3/521.(6/2627)
وكذلك الثمار كلها إذا نضج منها1 طائفة، لأن العاهة ترفع حينئذ.
[1842-] قلت: إذا بعت ثوبا فحلّ الأجل فوجدته بعينه، فقال: اشتره مني؟
قال: بأكثر لا بأس،2 وإن كان بأقل وتغيرت السوق وخَلِق الثوب: فلا بأس، وكل سلعة على هذا، وهذا قبل أن يقبض الثمن، فإذا3 قبض الثمن فليشتر كيف
__________
1 في نسخة ع: (منه) .
2 نقل المروذي فيمن باع شيئا ثم وجده يباع أيشتريه بأقل مما باعه؟ قال: لا، ولكن بأكثر لا بأس. انظر: الإنصاف 4/337.
ونقل ابن القيم عن جامع الأنباري قوله: قلت له- أي لأحمد- ما تقول فيمن باع دابة بنساء هل يشتريها من صاحبها إذا حل ماله بأقل مما باعها إذا كان قد هزلها وعمل عليها؟ فقال: فيه اختلاف، ولم يجزه، ولم يعدل عنده أن يكون مثل من باع ما يكال فيأخذ ما يكال، فذكرت له الشراء عند الضرورة؟ فلم يكرهه. انظر: بدائع الفوائد لابن القيم 4/56.
قلت: ولعل الإمام أحمد رأى عدم جواز ذلك تورعا رغم تغير حال الدابة وإلا فإن السلعة متى نقصت قيمتها لقدم، أوغيره: جاز أخذها بأقل مما بيعت به على الصحيح من المذهب وسيأتي بيان ذلك.
3 في نسخة ع: (وإذا) .(6/2628)
شاء.1
قال إسحاق: كما قال.
[1843-] قلت: سلعة بين رجلين قامت على أحدهما، بأكثر مما قامت على الأخر، فباعها2، مرابحة؟ 3
قال: المساومة4، والمرابحة واحد، فالثمن5 بينهما نصفان، إذا سلم صاحب الأكثر المبيع، مساومةً كان، أو مرابحةً، وذلك أن
__________
1 قال في المحرر 1/321: من باع شيئا بنسيئة، لم يجز له أن يشتريه بأقل مما باعه، إلا أن يتغير بما ينقصه، أو يشتريها بغير جنس الثمن، أومن غير مشتريه منه.
وجاء في الإنصاف 4/335، 336، والمبدع 4/48 أن هذه هي العينة وفعلها محرم على الصحيح من المذهب، ولا يشترط في التحريم أن يشتريها بنقد، بل يحرم شراؤها سواء كان بنقد، أو نسيئة، وهو الصحيح من المذهب. فإن اشتراها بغير جنس الثمن جاز، بلا خلاف وهو قول شريح، كما ورد في أخبار القضاة لوكيع 2/246.
وقد سبق مثل هذه المسألة برقم: (1789) .
2 هكذا في جميع نسخ المخطوطة، ولعل الصواب: (فباعاها) .
3 سبق تعريف المرابحة عند المسألة رقم: (1806) .
4 سام البائع السلعة سوماً، من باب قال: أي: عرضها للبيع. وسامها المشتري، استامها: طلب بيعها. المصباح 351.
5 في نسخة ع: (الثمن) .(6/2629)
كل واحد منهما، مالك لنصف السلعة.1
فصاحب الأكثر، لما سلم المبيع، رضي بالوكس.
عاودته، فقال: مثل ذلك.
قال إسحاق: كما قال إذا كانت2 إرادتهما ذلك، فإن اجتمعا في المرابحة على أن يأخذ3 هذا من نصفه بما قام، فهو على ذلك،4 والمساومة نصفان على حال.5
__________
1 ورد في مسائل ابن هانىء 2/27، قال: إذا باع مساومة فالمال بينهما بالسوية، وإذا باع مرابحة أخذ كل واحد منهما رأس ماله، وتقاسما الربح على قدر رؤوس أموالهما. وقال: يروى ذلك عن الشعبي، وقتادة، والحسن.
2 في الأصل: (كان) ، وما أثبته أرجح لمطابقة تاء التأنيث للاسم.
3 في نسخة ع: (أخذ) .
4 أي أنهما إذا اتفقا على أن كل واحد يأخذ ربح نصيبه في الشركة، جاز ذلك.
5 هكذا وردت في نسخ المخطوطة، ومما يظهر لي أن العبارة غير مستقيمة، ولعل الصواب أن يقال: (على أي حال، أوعلى كل حال) .
وقد أخرج عبد الرزاق عن الثوري في سلعة بين الرجلين، قام نصفها على أحدهما بمائة، وقام نصفها الآخر بخمسين فباعها، مرابحة: فلصاحب المائة الثلثان من الربح، ولصاحب الخمسين الثلث من الربح، وكذلك إن باعاها بربح ده دوازده، وإن باعاها مساومة، فرأس المال والربح بينهما نصفان.
انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب بيع المرابحة 8/229.(6/2630)
[1844-] قلت: يكره1 أن يبيع النخل ويستثنى2 منها3 كيلا معلوماً؟
قال: لا يستثنى إلا نخلا بعينه.
قال إسحاق: كما قال.4
__________
1 في نسخة ع: (كره) .
2 الثنيا بضم الثاء مع الياء، والثنوى بالفتح مع الواو: اسم من الاستثناء، وفي المصباح، استثناه: أخرجه من قاعدة عامة، أو حكم عام.
انظر: المصباح 105، والمعجم الوسيط 1/101.
3 في نسخة ع: (منه) .
4 نص على ذلك في مسائل عبد الله 282، وقال ابن المنذر في الإشراف 112: لا يجوز في قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور أن يستثنى نخلات ولا يشير إليهن.
ونقل ابن الهبيرة في الإفصاح 1/342 عن أحمد قوله: يجوز بيع النخلة واحدة ويستثنى منها أرطالا معلومة، فأما في البستان أو الثمر أو الصبر فلا يجوز الاستثناء منها على الإطلاق في أظهر الروايتين.
وفي المبدع 4/31 قال: إن باعه الصبرة، إلا قفيزا، أو ثمرة الشجرة، إلا صاعا، أو ثمرة البستان، إلا صاعا: لم يصح في ظاهر المذهب، لأن البيع مجهول، وعنه: يصح.
وذكر في المغني وشرح المنتهى أنه: لا يصح بيع ما لم يعلم، ومن ذلك بيع الشجر، إلا واحدة، لجهالة المستثنى. "ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يعلم".
وقال في الإنصاف: بلا نزاع نص عليه.
انظر: المغني 4/77، والإنصاف 4/303، وشرح منتهى الإرادات 2/148.
وأخرج مسلم، والترمذي، والنسائي، عن جابر: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا"، وزاد النسائي، والترمذي، وصححه: "إلا أن تعلم".
انظر: صحيح مسلم 3/1175، وسنن الترمذي 3/576، وسنن النسائي 7/260، ونيل الأوطار للشوكاني ط 1 عام 1357هـ الناشر: المطبعة العثمانية المصرية 5/151.(6/2631)
[1845-] قلت: المواصفة؟ 1
قال: يصف له المتاع، أَشْتَرِي لك متاع كذا وكذا، يصفه له، ثم يبيعه من الرجل؟
قال: أكرهه، والذي يشترى الشيء على الصفة، فهو غير هذا، ذاك في ملكه، إذا كان على الصفة لزمه البيع.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 المواصفة: صفة الشيء المطلوب، شراؤه أو عمله، وواصفته الشيء: بعته إيّاه بصفته، وليس حاضراً، ومنه: بيع المواصفة، وهو أن يبيع ما ليس عنده، ثمّ يبتاعه فيدفعه إلى المشتري، وقيل له ذلك لأنّه باع بالصفة من غير نظر، ولا حيازة ملك.
انظر: المعجم الوسيط 2/1036، 1037، والنهاية في غريب الحديث 5/191.
2 قال في الكافي: لا يجوز بيع عين، لا يملكها، ليمضى فيشتريها، لحديث حكيم بن حزام: أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الرجل يأتيني يلتمس مني البيع، ما ليس عندي، فأمضى إلى السوق، ثم أشتريه فأبيعه منه، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تبع ما ليس عندك". ولأنه بيع ما لا يقدر على تسليمه، أشبه ببيع الطير في الهواء.
انظر: الكافي 2/20، وكشاف القناع 3/146.
قلت: وحديث حكيم بن حزام رواه: أبو داود في كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده 3/768، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك 3/525. ولكن بألفاظ مغايرة لما ذكره ابن قدامة.
وقال ابن المنذر في الإشراف 111 بعد أن ذكر قول حكيم بن حزام: قال أحمد، وإسحاق: معناه أن يقول لصاحبه: اشتر كذا وكذا أشتريها منك.(6/2632)
- قلت: الرجل يموت، أو يفلس، حل دينه؟
قال: إذا وثق له الورثة، فهو1 أحب لي، وإذا أفلس، لم2 يحل دينه، والموت أحرى أن يحل دينه.3
__________
1 في نسخة ع: (هو) .
2 في الأصل: (ولم) والصواب ما أثبتناه لأن زيادة الواو تغير المعنى وتخالف النقول الواردة في ذلك.
3 لا يحل الدين المؤجل بتفليس المدين، لأن الأجل حق له، فلا يسقط بفلسه كسائر الحقوق. ولأن حلوله، وهو مفلس، كعدم حلوله. ولا فرق إذا كان معدما، فلا يتعجل في التضييق على المسلم بلا موجب، وقد أمر الله بالتيسير، وحث عليه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن في المهلة، فرصة لحصول المال، ولا يحل بالموت إذا وثق الورثة- قيمة التركة أوالدين المستقر على الميت- برهن، أو كفيل، وقد نقل عن أحمد ثلاث روايات في ذلك:
الأولى: يحل بالموت، دون الفلس.
الثانية: لا يحل بهما.
الثالثة: إن وثق الورثة، لم يحل وإلا حل، وهو المذهب وأشهر ما روى عنه.
وقد ذكر رواية إسحاق هذه كل من أبي البركات في المحرر، والقاضي أبي يعلى في الروايتين والوجهين.
انظر: الروايتين 374، ورؤوس المسائل ورقة 245، والمحرر 1/346، والعدة للمقدسي شرح العمدة لابن قدامة 240، والإنصاف 5/307.
وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، وكثر دينه فقال صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا عليه"، فتصدقوا عليه، ولم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال صلى الله عليه وسلم: "خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك". كتاب البيوع، باب الرجل يبتاع البيع فيفلس 7/274، 275.(6/2633)
قال إسحاق: كما قال.
[1847-] قلت: نهى عن سلف1، وبيع؟
قال: أن يكون يقرضه قرضاً، ثم يبايعه عليه2 بيعا يزداد عليه، ويحتمل أن يكون يسلف3 إليه في شيء، يقول:4 فإن لم يتهيأ عندك، فهو بيع عليك
__________
1 في نسخة ع: (السلف) .
2 كلمة: (عليه) ناقصة من ع.
3 في ع: (سلف) .
4 كلمة: (يقول) ناقصة من ع.(6/2634)
قال إسحاق: كما قال.1
[1848-] قلت: وعن ربح2 ما لم يضمن؟
قال: لا يكون عندي إلا في الطعام، يعني: ما لم يقبض.3
قال إسحاق: كما قال في كل ما يكال ويوزن.4
__________
1 ذكر الترمذي هذه المسألة في سننه في كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك 3/526 بلفظ: قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: ما معنى نهى عن سلف وبيع؟ قلت: وهذا يدخل في باب النهي عن كل قرض جر منفعة، وقد سبق التعليق عليه عند المسألة رقم: (2504) .
2 في رواية الترمذي: (بيع) بدل: (ربح) .
3 في الرواية الترمذي: (تقبض) بدل: (يقبض) .
4 ورد مثل ذلك في مسائل أبي داود 202، وذكر الترمذي المسألة كاملة في نفس المرجع السابق، وذكر ابن المنذر قول أحمد، وإسحاق كما جاء هنا. انظر: الإشراف ورقة 116.
وروى الإمام أحمد، وأبوداود، والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة، وعن بيع وسلف، وعن ربح ما لم يضمن، وعن بيع ما ليس عندك".
انظر: موطأ مالك، كتاب البيوع، باب النهي عن بيعتين في بيعة 3/738 وسنن أبي داود، كتاب البيوع والإجارات، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده 3/768، وسنن الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك 3/527.(6/2635)
[1849-] قلت لأحمد: أَتُبَاعُ1 الثمرة في رؤوس النخل، أيبيعها قبل أن يجدها؟ 2
قال: لا أرى به3 بأساً.
عاودته، فقال: مثل ذلك.4
__________
1 في نسخة ع: (الرجل يبتاع) .
2 جدّه جدّا، من باب قتل: قطعه فهو جديد، وهذا زمن الجَداد والجِداد، وأَجَد النخل بلألف: حان جداده: وهو قطفه.
انظر: المصباح المنير 113، انظر أيضاً: مختار الصحاح 95.
3 في نسخة ع: (بها) .
4 ورد في مسائل ابن هانىء: أن الإمام أحمد سئل عن بيع الثمر على رؤوس النخل أله أن يبيعه قبل أن يصرمه؟ قال: فيه اختلاف، ورخص فيه زيد وابن الزبير، ومثل ذلك ذكر ابن المنذر ثم قال: وبه قال الحسن البصري، وأحمد.
وفي جواز بيع الثمر من قبل المشتري، قبل أن يجده روايتان:
الأولى: تنص على الجواز باعتبار أن التخلية قبض؛ لأن كل شيء، قبضه بحسبه، وهو الصحيح من المذهب.
والثانية: تشترط القبض، وهو اختيار أبي بكر-أي غلام الخلال.
انظر: مسائل ابن هانىء 2/6، والإشراف لابن المنذر ورقة: (114) ، ورؤوس المسائل ورقة 222، والمحرر 1/316، والمغني 4/69، والإنصاف 5/74، وشرح منتهى الإرادات 2/212.
وقد أخرج عبد الرزاق بسنده إلى زيد بن ثابت، والزبير بن العوام، قالا: إذا ابتاع الرجل الثمرة على رؤوس النخل، فلا بأس أن يبيعها قبل أن يصرمها.
انظر: المصنف كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الطعام حتّى يستوفى 8/41.(6/2636)
قال إسحاق: أكرهه حتى يصرمه1، إلا أن يشتريه مجازفة، فهو أهون.
[1850-] قلت: الرجل يشتري الشيء ممّا لا يكال، ولا يوزن أيبيعه قبل أن يقبضه؟
قال: يبيعه قبل أن يقبضه.
قال إسحاق: كما قال [ع-123/أ] .2
[1851-] قلت: اشترى عبد الرحمن من عثمان فرسا بأرض أخرى، إن أدركتها الصفقة3 سالمة، ثم أجاز قليلا فقال:
__________
1 صرمته صرما، من باب ضرب: قطعته، والصرام: قطع الثمرة واجتناؤها من النخلة، يقال: هذا وقت الصرام والجداد.
انظر: النهاية لابن الأثير 3/26، والمصباح المنير 400.
2 غير المكيل والموزون يحق للمشتري بيعه قبل قبضه، ولو تلف فهو عليه، وقد نص على ذلك سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، في مسألة لاحقة رقم 240 أما الكيلـ والموزون، فهو داخل في ربح ما لم يضمن،
وقد تقدم التعليق على ذلك في المسألة رقم:
3 صفقت له بالبيعة صفقا ضربت بيدي على يده، وكانت العرب إذا وجب البيع، ضرب أحدهما يده على يد صاحبه، ثم استعملت الصفقة في العقد، فقيل بارك الله لك في صفقة يمينك. انظر: المصباح 405.(6/2637)
أزيدك1 ستة [ظ-54/أ] آلاف، إن وجدها رسولي سالمة، فوجدها رسول عبد الرحمن قد هلكت، فخرج ثمنها بالشرط الآخر؟ 2..
قال: هو على ما قالا.3
قلت: يكون هذا بيع المواصفة؟ 4
قال: لا،5 ولكن تبايعا بشيء مغيب عنهما، فهو على حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "ما أدركته الصفقة حيا مجموعا6
__________
1 في نسخة ع: (أزيد ستة ألف) .
2 أي أن القدر الذي اشترطه عبد الرحمن على نفسه، زيادة على قيمة الفرس، قيده بوجودها حية، فلما ماتت، اقتصر حق عثمان على القيمة، دون الزيادة- وهي المقصود بالشرط الآخر-.
3 أي أن الثمن يؤدى حسب الشرط الذي تم بينمها، وتراضيا عليه، إذ المسلمون على شروطهم.
4 سبق تعريف بيع المواصفة عند المسألة رقم: (1845) .
5 حرف: (لا) ناقصة من نسخة ع.
6 أي: ما كان ساعة عقد البيع، لم يتغير عن حالته، والصفقة هي عقد البيع، بدليل قول أبي هريرة عن الصحابة: (شغلهم الصفق في الأسواق) .(6/2638)
فهو1 من المتاع".2
قال أحمد: ما أحسنه من قول، أما أنا فأذهب إليه.3
__________
1 كلمة (فهو) ناقصة من نسخة ع.
2 هذا الأثر ذكره البخاري تعليقا في كتاب البيوع، باب إذا اشترى متاعا، أودابة فوضعه عند البائع، أومات قبل أن يقبض، ذكره في ترجمة الباب مشعرا باختيار ما دل عليه.
قال الحافظ في الفتح: ذهب ابن عمر إلى أن الصفقة، إذا أدركت شيئا حيا، فهلك بعد ذلك، عند البائع، فهو من ضمان المشتري. وبه قال سليمان بن يسار، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح 4/351، 352.
وقال في رؤوس المسائل ورقة (221) : هو من مال المشتري، لقوله صلى الله عليه وسلم: "الخراج بالضمان" والخراج هاهنا للمشتري، ولأنه مبيع متعين، أشبه المقبوض. انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة: (126) .
3 قال في مسائل عبد الله 302: سألت أبي عن قول ابن عمر ما أدركته الصفقة حيا مجموعا، فهو من مال المشتري، فقال أبي: هو الرجل يشتري عبدا، أودابة قد عرفهما ورآهما فصافقه- يعني باعه- فإذا أدركته الصفقة، فهو من مال المشتري.
وروى عبد الرزاق عن طاوس في ذلك تفصيلا قال: إن قال البائع، لا أعطيكه حتّى تنقدني الثمن، فهلك، فهو من ضمان البائع، وإلا فهو من ضمان المشتري، وروى عن قتادة مثل ذلك.
انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب المصيبة في المبيع قبل أن يقبض 8/46.(6/2639)
قال إسحاق: هو كما قال ابن عمر مجملا، وفعل عبد الرحمن (بن عوف) 1 وعثمان معناهما معنى قول ابن عمر سواء.2
[1852-] قلت: فيمن باع بالبراءة؟ 3
قال أحمد: حتى يبين.4
__________
1 قوله (بن عوف) ناقصة من ع.
2 كلمة (سواء) ناقصة من ع.
3 برئ زيد من دينه يبرأ براءة: سقط عنه طلبه، فهو بريء، وبارئ وبراءً بالفتح والمد، وأَبْرَأْتُه منه وبرأته من العيب بالتشديد، جعلته بريا منه وبريء منه مثل: سلم: وزناً ومعنىً.
انظر: المصباح المنير 60، انظر أيضاً: مختار الصحاح ص45.
4 جاء ذلك في مسائل عبد الله وصالح، ولما سئل الإمام أحمد عمن باع بالبراءة ذكر قصة ابن عمر، وقد ذكرها مالك في الموطأ: أن عبد الله بن عمر باع غلاما له بثمانمائة درهم، وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه لعبد الله بن عمر: بالغلام داء لم تسمه، فاختصما إلى عثمان، فقال الرجل: باعني عبدا، وبه داء لم يسمه لي، وقال عبد الله: بالبراءة، فقضى عثمان على عبد الله: أن يحلف لقد باع العبد وما به من داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبد.
انظر: الموطأ، كتاب البيوع، باب العيب في الرقيق 2/613، ومسائل عبد الله: 276، ومسائل صالح ورقة: (56) .
وقد نُقِلَ عن أحمد روايتان في ذلك:
إحداهما: تقول بجواز البيع بالبراءة، ما لم يكتم البائع عيبا علمه قبل العقد، أويرض المشتري بأخذ السلعة بعيبها.
والأخرى: تنص على عدم صحة البيع بالبراءة، وللمشتري الفسخ ما لم يوقفه على العيب. وهو اختيار الخرقى.
فالأولى: توافق ما روى عن عثمان، وزيد بن ثابت، وبه قال شريح، وعطاء، والحسن، وطاوس، وقد قيدت في رواية عن أحمد بما إذا كان العيب مجهولاً. لحديث أم سلمة: أن رجلين اختصما في مواريث درست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه، فقال صلى الله عليه وسلم: "استهما، وتوخّيا وليحلّل كل منكما صاحبه"، فدل هذا على أن البراءة من المجهول جائزة. وهي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وظاهر المذهب عدم فساد البيع مع شرط البراءة، إذا قلنا بعدم لزومه.
أما الرواية الثانية: فهي الموافقة للمذهب، قال في الروايتين: ما لم يوقف البائع المشتري على العيب، وذكر ابن المنذر مثل ذلك، قيل: لأنه خيار عيب يثبت بعد البيع، فلا يسقط بشرط البراءة كالشفعة.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 127، والروايتين والوجهين لأبي يعلى 335، 336، ورؤوس المسائل ورقة 225، والكافي 2/93، والمغني 4/135، والإنصاف 4/359، وشرح منتهى الإرادات 2/165.(6/2640)
قال إسحاق: حتى يبينا كما قال، إما تسمية، أو وضع يد.
[1853-] قلت:1 كل قرض جر منفعة، فلا خير فيه؟
__________
1 كلمة (قلت) ناقصة من ع.(6/2641)
قال: لا خير فيه.
قال إسحاق: كما قال.1
[1854-] قلت: إذا كان لرجل على رجل، دراهم فقضاه، أجود من دراهمه؟
قال: لا بأس به.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 هذه المسألة سبق التعليق على مثلها عند المسألة رقم: (1836) عند قوله: "إذا أسلفت رجلا سلفا، فلا تقبل منه هدية"، كما مرت مسألة مماثلة، ذكر فيها بعض الصور لهذا البيع وهي رقم: (1847) ، وفي مسائل صالح ورقة: (27) بين الإمام أحمد صورا للقرض الذي يجر منفعة.
وقد روي عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وفضالة بن عبيد رضي الله عنهم، قوله أنه صلى الله عليه وسلم "نهى عن قرض جر منفعة".
انظر: التلخيص الحبير، باب القرض 3/34، وكشف الخفاء للعجلوني، الناشر: مكتبة التراث الإسلامي حلب 2/182.
وروى البيهقي في سننه عن فضالة بن عبيد صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا".
انظر: السنن الكبرى، كتاب البيوع، باب كل قرض جر منفعة فهو ربا 5/350.
2 هذه المسألة كاملة لم تذكر في الأصل، وقد ورد مثل ذلك في مسائل ابن هانىء 2/18.
وجاء في الصحيح عن جابر قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان لي عليه دين فقضاني وزادني.
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة قال: كان لرجل على النبيّ صلى الله عليه وسلم جمل سن من الإبل، فجاءه يتقاضاه، فقال: أعطوه. فطلبوا سنه، فلم يجدوا له، إلا سناً فوقها. فقال: أعطوه. فقال: أوفيتني أوفى الله بك، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إن خياركم أحسنكم قضاء".
انظر: البخاري مع الفتح، كتاب الوكالة، باب وكالة الشاهد والغائب جائزة 4/482، وكتاب الصلاة، باب الصلاة إذا قدم من سفر 1/537.(6/2642)
[1855-] قلت: اقتضاء الدنانير من دراهم، والدراهم من دنانير؟ 1
قال: بالقيمة.
قلت: واقتضاؤه في الدين؟ 2
قال: بالقيمة.
قال إسحاق: كما قال بسعر يومه.3
__________
1 في نسخة ع: (دنانير في البيع) .
2 في نسخة ع: (قلت: واقتضاء في الدين) .
3 في نسخة ع: (يومئذ) وقد ورد ما في معنى هذه المسألة في مسائل أبي داود 196، 197، ومسائل ابن هانئ 2/16، ومسائل صالح ورقة 88.
واقتضاء النقد من آخر جائز على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية الأثرم، وحنبل، بما يطابق رواية ابن منصور هذه، ولكن يشترط أن يحضر أحد النقدين في مجلس العقد، والآخر في الذمة مستقر، بسعر يومه نص عليه، ويكون صرفا بعين وذمة، فلوكان له عند رجل ذهب، فقبض منه دراهم مرارا، فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار صح نص عليه، وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعد، فصارفه بها وقت المحاسبة، لم يجز نص عليه، لأنه بيع دين، بدين وهو المذهب. انظر: الإنصاف 5/49، 50.
وأخرج أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم أن ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير، وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث بطوله وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها، ما لم تفترقا وبينكما شيء".
قال الترمذي بعد هذا الحديث: "والعمل على هذا عند بعض أهل العلم: أن لا بأس أن يقتضي الذهب من الورق، والورق من الذهب، وهو قول أحمد، وإسحاق".
انظر: سنن أبي داود، كتاب البيوع، والإجارات، باب اقتضاء الذهب من الورق 3/650.
والترمذي كتاب البيوع، باب ما جاء في الصرف 3/535.
والنسائي، كتاب البيوع، باب أخذ الورق من الذهب 7/249.
وابن ماجه، كتاب التجارات، باب اقتضاء الذهب من الورق والورق من الذهب 2/760. والمستدرك للحاكم 2/44.(6/2643)
[1856-] قلت: الطعام بالطعام نسيئة، والثوب بالثوبين إلى أجل وقفيز1
__________
1 القفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، وهو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك، ويختلف مقداره في البلاد، ويعادل بالتقدير الحديث على رأي البعض نحو ستة عشر كيلو غراما.
انظر: تهذيب اللغة 8/437، والنهاية 4/90، والمصباح 617، والمعجم الوسيط 2/751.(6/2644)
برٍّ بِقَفِيزَيْ شعير؟
قال: كل هذا مكروه [ع-123/ب] .1
__________
1 كل مالين اتفقا في علة ربا الفضل، كالمكيلين، والموزونين، أوالمطعومين لا يجوز بيع أحدهما بالآخر، نساء بلا خلاف، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت عند مسلم: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد".
ولقوله: "البر بالبر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء".
انظر: صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالورق، نقداً 3/1211.
أما إذا اختلفت علة المالين المتبادلين، كالمكيل بالموزون، ولم يتفقا في الطعم ففي بيعها نسيئة روايتان:
إحداهما: يجوز، وهو المذهب،
والأخرى: لا يجوز قطع به الخرقي وعقب صاحب الإنصاف على ذلك فقال: ظاهر كلام أكثر الأصحاب الصحة – أي صحة البيع – وما لا يدخل فيه ربا الفضل كالثياب والحيوان ففيه أربع روايات:
الأولى: يجوز النسأ فيهما، وهو الصحيح من المذهب، سواء بيع بجنسه، أوبغير جنسه متساويا، أو متفاضلا.
والثانية: لا يجوز النسأ في كل مال بيع بآخر سواء، كان من جنسه أولا.
الثالثة: لا يجوز في الجنس الواحد، كالحيوان بالحيوان، ويجوز في الجنسين المختلفين، كالثياب بالحيوان.
الرابعة: يجوز النسأ إلا فيما بيع بجنسه متفاضلا وهي اختيار ابن تيمية.
ولقد ذكر ابن المنذر عبارتين للإمام أحمد في ذلك قال مرة: مكروه كما جاء في المخطوطة، ومرة قال: أتوقاه، وأوضح عبارته الأخيرة أبو يعلى في الروايتين حين قال: قال في رواية حنبل: لا أدري في بيع الحيوان بالحيوان بأسا إذا اختلفت، وأتوقاه إذا كان من جنس واحد.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة: (122) ، والروايتين والوجهين 304، 305، والمحرر لأبي البركات 1/319، والكافي 2/66، 67، والإنصاف 5/42، 43.(6/2645)
قال إسحاق: كلما كان مما يكال ويوزن، فلا خير فيه، ويجوز ما سوى ذلك.
[1857-] قلت: قفيز شعير1 بقفيزيْ برٍّ يداً بيد؟
قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 في نسخة ظ (بقفيز) ، والصواب ما أثبته. ويؤيّد ذلك ما سيأتي في المسألة رقم: (2568) .
2 ستأتي المسألة برقم: (1900) فانظرها: مع التعليق عليها.(6/2646)
[1858-] قلت: شاة بشاتين، (أو بعير ببعيرين) ،1 نسيئة؟
قال: أكره الحيوان بالحيوان نسيئة حديث سمرة.2
قال إسحاق: أرجو أن لا يكون به بأس.
__________
1 في نسخة ع: (وبعير ببعيرين) .
2 هكذا ورد في كلتا النسختين، والأوضح أن يقال: (لحديث سمرة) .
وحديث سمرة رواه: الإمام أحمد في مسنده 5/12، وأبوداود في كتاب البيوع، باب في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة 3/652، والترمذي كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة 3/529، والنسائي، كتاب البيوع، باب بيع الحيوان بالحيوان نسيئة 7/257، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الحيوان بالحيوان نسيئة 2/763، الجميع عن الحسن عن سمرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة".
وفي رواية عن جابر: قال صلى الله عليه وسلم: "الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نسيئا، ولا بأس به يداً بيد".
وقال الترمذي بعد أن ساق هذا الحديث وصححه: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وهو قول سفيان الثوري، وأهل الكوفة وبه يقول أحمد، وقد رخص بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة – وذكر منهم إسحاق -.(6/2647)
[1859-] قلت: في الصرف بشرط:1 ما كان من زيوف2 رددته عليك؟
قال: هذا مكروه.
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 في نسخة ع: (يشترط) .
2 زافت الدراهم تزيف زيفا: من باب: سار، ردُؤَت، ثم وصف بالمصدر، فقيل: درهم زيف، وجمع على معنى الإسمية، فقيل: زيوف مثل: فلس، وفلوس.
قال بعضهم: الزيوف في النقود، هي العملة المطلية بالزئبق المعقود بمزاوجة الكبريت وكانت معروفة قبل، وفي المعجم الوسيط: زافت النقود: ظهر فيها غش ورداءة. انظر: المصباح 310، والمعجم الوسيط 1/409.
3 قال أبوداود السجستاني في مسائله 188: سمعت أحمد بن حنبل غير مرة يكره التجارة والمعاملة بالمزيفة، والمُكَحَلة – والمكحلة: هي التي عَلِقَها السواد بسبب كثرة الاستعمال-، وقال مرة لرجل: لا تنفق المزيف وقال في الدراهم المزيفة، أوالزيوف تجتمع عند الإنسان: لا يبيع شيئا منها ولكن يسبكها – أي: يذيبها فيجعل الصافي منها سبيكة، أي قطعة من فضة-.
وقد أجاز رد الزائف من النقود على هذه الصورة كل من الحسن البصري، وقتادة، وسفيان الثوري.
انظر: مصنف عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الصرف 8/119، 120.
قلت: ولعل الإمام أحمد، وإسحاق كرها ذلك لتجنب الخلاف المحتمل وقوعه بين المتصارفين عندما يفارقه قبل أن يتبين الزائف منها، ثم يردها بعد، فقد ينكر أنها دراهمه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن من شرط صحة المصارفة أن يتبادلا النقدين، ويتفرقا بعد تمام المبادلة والتراضي لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا اختلفت فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد" وقد تقدم.(6/2648)
[1860-] قلت: السلم في الحيوان؟
قال: لا بأس به،1 إنما قال الشعبي: كرهه
__________
1 نص على ذلك في مسائل ابن هانئ 2/20، فقال: لا بأس به إذا وصف شيئا معلوما، مثل البقر، والغنم، والإبل، ويصف قده –أي حجمه-، وسنه: رباعي، خماسي، وفي مسائل عبد الله 287: لا بأس بالسلم في الحيوان على الصفة، وذكر حديث نافع: أن ابن عمر، كان لا يرى بأسا بالسلم في الحيوان، إلى أجل معلوم.
وقد سبق ذكر قول ابن عمر: "ما أدركته الصفقة حيا مجموعا.."، وهو من أدلة جواز السلم في الحيوان.
وقد مر التعليق على ذلك عند المسألة رقم (1851) .
وروى البيهقي عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا بالسلم في الحيوان. انظر: السنن الكبرى للبيهقي، باب من أجاز السلم في الحيوان بسن وصفة 6/22.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص في قصة طويلة، حين أمره صلى الله عليه وسلم بتجهيز الجيش، وفيها: "فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابتع علينا إبلا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتّى تنفذ هذا البعث". انظر: المسند 2/216.
وسنن أبي داود، كتاب البيوع، باب الرخصة في بيع الحيوان بالحيوان 3/652. وقد ذكر صاحب الإنصاف 5/85 روايتين عن الإمام أحمد في السلم بالحيوان:
إحداهما: يصح السلم فيه، وهو الصحيح من المذهب.
والأخرى: لا يصح.(6/2649)
عبد الله.1 إنه قال: من لقاح بني فلان.2
قال إسحاق: كما قال، وهو على ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلمفي استقراض السن.3
[1861-] قلت: قال سعيد بن المسيب:4 لا ربا إلا في ذهب، أو فضة، أو في ما يكال ويوزن، مما يؤكل ويشرب.5
__________
1 هو عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل المعروف.
2 أخرج عبد الرزاق عن إبراهيم والشعبي قولهما: إنما كره عبد الله السلم لأنه شرط من نتاج أبي فلان، ومن فحل أبي فلان. انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب السلف في الحيوان 8/24 وذكر مثل ذلك البيهقي في سننه، كتاب البيوع، باب من أجاز السلم في الحيوان 6/22، 23.
3 يقصد بذلك حديث جابر وأبي هريرة عند البخاري، وقد مرا عند المسألة رقم: (1854) .
4 هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات، والفقهاء الكبار، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل. وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات بعد التسعين، وقد ناهز الثمانين، أخرج له أصحاب الستة. انظر: التقريب 1/305.
5 قول سعيد بن المسيب هذا ذكره مالك في الموطأ عن أبي الزناد، كتاب البيوع، باب بيع الذهب بالفضة تبرا، وعينا 2/635، والدارقطني، كتاب البيوع 3/14، وعبد الرزاق في المصنف، كتاب البيوع، باب البز بالبز 8/36، والبيهقي في كتاب البيوع، باب جريان الربا في كل ما يكال ويوزن 5/286، وهو موافق لمذهب ابن المسيب، لأنه يرى أن العلة في المطعومات: الطعم إذا كانت مكيلة أوموزونة فقط، وما عدا ذلك فلا يجري فيه حكم الربا عنده وإن اتحد الجنس.
انظر: مجموع للنووي 9/401، الطبعة المنبرية عام 1348هـ، وعن مطبعة التضامن الأخوي، والمغني لابن قدامة 4/6.(6/2650)
قال: كل شيء إذا كان نسيئة فهو مكروه.1
قال إسحاق: كما قال.
[1862-] قلت: إن عليا رضي الله عنه كان يضمن2 الأجير.
قال: كل شيء تفسده3 يده ضمن، وكل شيء يصيبه من حرق، أو غرق فاجبن عنه.4
__________
1 سبق التعليق على ذلك عند المسألتين رقم (1811، 1856) .
2 في الأصل: (لا يضمن) وما أثبتناه أصح، وقد ذكر ذلك ابن المنذر في الإشراف ورقة 146، وأبو يعلى في الروايتين والوجهين 431، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الإجارة، باب ما جاء في تضمين الأجراء 6/122.
وهناك رواية أخرى عند البيهقي أن عليا كان لا يضمن أحدا من الأجراء ولكنها رويت من وجه لا يثبت كما قال الشافعي رحمه الله.
3 في نسخة ع: (تفسد) .
4 نصّ في مسائل عبد الله على تغريم الصّبّاغ ثمن الثوب الذي ضيعه، والملاح ما أفسد ==(6/2651)
...........................................................................................................................ز
__________
من الطعام، وورد ذلك في الإشراف لابن المنذر، وقد جاء عن الإمام أحمد ثلاث روايات في ضمان الأجير المشترك لما يتلف في يده:
الأولى: لا يضمن سواء كان سبب الهلاك مما لا يستطاع دفعه كالحريق، والغرق، أوكان مما يستطاع، كاللصوص ونحوه إذا لم يتلف بفعله، وهذه الرواية موافقة للمسألة، وقد أسند القاضي روايتها إلى ابن منصور.
والثانية: إن كان هلاكه بما لا يستطاع الامتناع منه فلا ضمان عليه وإن كان مما يستطاع ضمن.
والثالثة: يضمن سواء كان هلاكه بما يستطاع، أو بما لا يستطاع، وهو مفهوم رواية مهنا عن أحمد: فيمن دفع إلى القصار ثوبا يقصره ثم ذهب الثوب مقصوراً، فعليه قيمة الثوب خاما، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتّى تؤدي".
رواه الإمام أحمد في مسنده 5/8، وأبوداود في كتاب البيوع، باب في تضمين العارية 3/822، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في أن العارية مؤداة 3/557، وابن ماجه 2/802، والدارمي، الناشر: عبد الله هاشم يماني عام 1386هـ ج 2/264.
قال الترمذي بعد أن ساق هذا الحديث: ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ وغيرهم إلى هذا وقالوا: يضمن صاحب العارية وهو قول الشافعي وأحمد.
قال القاضي: والأولى أصح، وهو اختيار الخرقي، وذكر مثل ذلك في رؤوس المسائل، وفي الإنصاف قال: ويضمن أيضا ما تلف بفعله مطلقا على الصحيح من المذهب، نص عليه في رواية ابن منصور.
وقيل: لا يضمن ما لم يتعد، وقد مال إلى هذه صاحب الإنصاف. انظر: مسائل عبد الله 303، والروايتين والوجهين لأبي يعلى 430، ورؤوس المسائل ورقة: (188) ، والإنصاف 6/72.(6/2652)
[1863-] قلت: ضمان الصناع، والحائك، والصائغ، والصباغ، والراعي؟
قال: عليهم الضمان ما كان من جناية أيديهم، وأمّا ما كان من حرق، أو غرق، بيّن فأنا أجبن عنه.
قال إسحاق: [ع-124/أ] هذه، والأولى1 سواء2 كما
__________
1 في نسخة ع: (الأولى) بدون واو، وهو خطأ، لأن حذف حرف العطف يخل بالمعنى.
2 قلت: وهو كما قال، لأن أصحاب الحرف التي أشار إليها في هذه المسألة يطلق على كل واحد منهم اسم الأجير المشترك.
وقد تقدم الكلام على ذلك في المسألة التي قبل هذه، ومبنى ذلك على حفظ الأمانة، وأدائها، ولما رواه البيهقي من طريقين فيهما مقال، عن علي رضي الله عنه أنه كان يضمن الغسال، والصباغ، والصائغ، وقال: لا يصلح الناس إلا ذلك. انظر: السنن الكبرى، كتاب الإجارة، باب ما جاء في تضمين الأجراء 6/122.(6/2653)
بينّا.
[1864-] قلت: إذا استكرى دابة فجاوز بها يضمن،1 ولا كراء عليه؟ 2قال: له الكراء، وعليه ضمانه،3 أليس المضارب إذا خالف، الربحُ لصاحب المال، والضمان عليه، وحديث عروة البارقى4
__________
1 في نسخة ع: (ضمن) .
2 في ع: (له) والأولى ما ورد في الأصل، لأن الأجرة في العادة تدفع بعد حصول الغرض، والغرض هنا: وصول المستأجر إلى حيث يريد، فالأجرة إذاً لا زالت في ذمته، أي أنها عليه.
3 قال الخرقي في مختصره، الناشر: مؤسسة دار السلام دمشق ط 1 1378هـ 105: من اكترى دابة إلى موضع، فجاوز، فعليه الأجرة المذكورة، وأجرة المثل لما جاوز، وإن تلفت فعليه أيضا ضمانها.
وذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 175: أن أحمد، وإسحاق، وأبا ثور قالوا: عليه الكراء والضمان.
وفي رؤوس المسائل ورقة 293 قال: هي من ضمانه، وأجرة الزيادة في المسافة، وهو المذهب كما في الإنصاف 6/52، وانظر: المحرر 1/358، والعدة 269، والمغني 5/371.
4 كلمة (البارقي) ناقصة من ع.(6/2654)
[] في الشاة؟ 1قال إسحاق: كما قال.1865- قال أحمد: أكره الثوب بالثلث ودرهم2 يعني: بأن3 يدفعه إلى الحائك.4
__________
1 روى البخاري، وأبوداود، والترمذي، وابن ماجه عن عروة بن أبي الجعد البارقي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا يشتري به أضحية، أوشاة، فاشترى شاتين، فباع إحداهما بدينار، فأتاه بشاة ودينار، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى ترابا، لربح فيه.
[] انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب المناقب 6/632- الحديث رقم 3642، وأبوداود كتاب البيوع والإجارات، باب في المضارب يخالف 3/677، والترمذي، كتاب البيوع 3/550، وابن ماجه، كتاب الصدقات، باب الأمين يتجر فيه، فيربح 2/803.
2 في نسخة ع: (والدرهم) .
3 في نسخة ع: (أن) .
4 قال ابن هانىء في مسائله 2/32: قال لي أبو عبد الله: أنا أكره أن أسلم الثوب بالثلث وشيء، مسمى مع الثلث، وكان الحسن، أو ابن سيرين، يرخص أحدهما فيه، ولا يرى في أحدهما بأسا، وكان أبو عبد الله على الكره منه يسلم بالثلث وشيء، مسمى، وكان أحب إليه أن يؤخذ الثوب مقاطعة.
وسئل: تكره أن يدفع الثوب إلى النساج بالثلث وشيء مسمى؟ قال: نعم، وسمعته يقول: ابن سيرين، أو الحسن، رخص في الرجل يعطى ثوبه الحائك بالثلث وشيء مسمى، قال: وأنا أكره ذلك.
وقد ورد في الإشراف لابن المنذر مثل ذلك ورقة: (181) .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عوف قال: سألت محمدا عن الرجل يدفع إلى النساج الثوب بالثلث ودرهم، أو بالربع، أو بما تراضيا عليه؟ فقال: لا أعلم به بأسا. انظر: المصنف 6/426.(6/2655)
[] قال إسحاق: إن فعل جاز وتركه أفضل.1866- قلت: إذا اكترى1 شيئا أيؤاجره2 بأكثر من ذلك؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس إلا أن يؤاجره3 بنحو من صناعته.4
__________
1 في نسخة ع: (أكرى) .
2 في نسخة ع: (له أن يؤاجره) .
3 في نسخة ع: (إلا أنه يؤاجر) .
4 في مسائل ابن هانىء 2/33 سئل عن رجل يستأجر الدار فيكريها بأكثر مما استأجرها؟ قال: إذا عمل فيها شيئا فلا بأس به.
وقال في المغني 5/355: يجوز للمستأجر إجارة العين بمثل الأجرة وزيادة نص عليه أحمد، وروى ذلك عن عطاء، والحسن، والزهري، وأبي ثور، وابن المنذر، وعن أحمد أنه إن أحدث في العين زيادة جاز له أن يكريها بزيادة وإلا لم تجز الزيادة، فإن فعل تصدق بالزيادة.
روى هذا عن الشعبي، وبه قال الثوري، لأنه ربح بذلك فيما لم يضمن، ورجح ابن قدامة الأولى معللا: أنه عقد يجوز برأس المال فجاز بالزيادة كبيع المبيع بعد قبضه.
وقال في كشاف القناع، وقريبا منه في شرح المنتهى: لا يجوز أن يؤجرها لمن هو أكثر ضررا منه.
انظر: الكشاف 3/558، وشرح منتهى الإرادات 2/361.
وفي الإنصاف 6/34 ذكر خمس روايات في المسألة:
الأولى: جواز الإجارة بمثل الأجرة وزيادة، وهو المذهب.
الثانية: لا تجوز إجارة العين المستأجرة.
الثالثة: لا تجوز إلا بإذنه.
الرابعة: لا تجوز بزيادة إلا بإذنه.
الخامسة: إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة، وإلا فلا، فإن فعل، تصدق بها.(6/2656)
[] قال إسحاق: تركه أفضل.1867- قلت: كان ابن عباس رضي الله عنه يبيع1 نخله من غلامه قبل أن يدرك؟ قال: ليس بين العبد وبين سيده2 رباً.3
__________
1 في نسخة ع: (النخل) .
2 في نسخة ع: (بين العبد وسيده) .
3 قال في مسائل ابن هانئ 2/18: سألته عن الرجل يدفع إلى مملوكه دراهم، ويزيد عليه في غلته؟ قال: جائز، ليس بين العبد، وسيده ربا.
ومعلوم أن بيع السيد لمملوكه باطل؛ لأنه باع مالَهُ لمالِه، والعبد لا يملك بالتمليك، بدليل قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ} (سورة النحل آية 75) .
انظر: رؤوس المسائل ورقة 225، والمحرر 1/309، وورد في المقنع 2/19، وشرح المنتهى 2/154، والإنصاف 4/322: إن جمع بين كتابة وبيع، فكاتب عبده، وباعه شيئاً صفقة واحدة، بطل البيع، هذا الصحيح من المذهب.(6/2657)
قال إسحاق: كما قال.
[1868-] قلت: بيع ما ليس عندك؟ أن يقول لصاحبه: اشتر كذا وكذا اشتريه منك؟
قال: أكرهه.
قال إسحاق: كما قال، وهو أن يبيع الرجل الشيء كيلاً، أو وزناً، وليس عنده أصله.1
[1869-] قلت: الرجل يدفع إليه الثوب ليبيعه، فإذا باعه قال: أشركني فيه؟
__________
1 هذا هو بيع المواصفة وقد تقدم الكلام عليه عند المسألة رقم: (1845) .
وانظر: الإشراف لابن المنذر ورقة: (111) ، والنهاية في غريب الحديث 5/191، والكافي 2/20، وكشاف القناع 3/146.(6/2658)
قال: أكره هذا.1
قال إسحاق: إذا كان صاحبه يعلم2 ذاك فلا بأس به.
[1870-] قلت: فيمن3باع عبداً، وله مال4، فماله للبائع، إلا أن يشترط المشتري؟
قال: نعم، والنخل كذلك.
قال إسحاق: كما قال، قَلَّ، أو5 كثر، وأخطأ هؤلاء حين6 قالوا: إذا كان المال أكثر من الثمن، فسد البيع.7
__________
1 لم أقف على ما يؤيد، أو يعارض ذلك في المراجع التي بين يدي، وقد قال إسحاق بجواز البيع، إذا علم المشتري برغبة المالك، في مشاركته قبل المزايدة في السلعة.
2 في نسخة ع: (ذلك) .
3 في نسخة ع: (من) .
4 في نسخة ع: (ماله) وهو خطأ.
5 في نسخة ع: "أم" والعطف في هذا المقام بأو: أرجح، لأن أم تأتي مع همزة التسوية وهي غير واردة هنا.
6 كلمة "حين" ناقصة من نسخة ع.
7 الأصل في ذلك حديث سالم بن عبد الله عن أبيه – رضي الله عنهما – عند البخاري ومسلم وغيرهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ابتاع نخلا بعد أن تُؤبَّر، فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدا، وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع"، وهذا لفظ البخاري.
وقد ==(6/2659)
..................................................................................................................
__________
وقد أخرجه عبد الرزاق من طريقين:
الأول: مرفوعاً رواه عن معمر، عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر.
والثاني: موقوفاًَ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رواه من طريق نافع، عن ابن عمر، وفي رواية عن معمر، عن أيوب قال: قال نافع: ما هو إلا عن عمر.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب الشرب والمساقاة باب الرجل يكون له ممر، أوشِرْب في حائط، أوفي نخل 5/49، ومسلم كتاب البيوع، باب من باع نخلا عليها تمر 3/1173، وأبو داود كتاب البيوع والإجارات، باب في العبد يباع وله مال 3/713، ومصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب يبيع العبد وله مال 8/34، ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب البيوع، باب في الرجل يعتق العبد وله مال 6/417.
قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 136: قال أكثر أهل العلم بظاهر الحديث: أن ماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع ماله، فيكون له، كذلك قال عمر بن الخطاب، وقضى به شريح، وبه قال طاوس، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقد روينا عن ابن عمر أنه قال: من زين وليدة ثم باعها: أن للذي اشترى ما عليها، إلا أن يشترط الذي باعها ما عليها، وهو قول الحسن البصري، والنخعي، وبالقول الأول يقول ابن المنذر.
وفي شرح منتهى الإرادات 2/170 قال: وينتقل ملك في مبيع إلى مشترٍ، وفي ثمن إلى بائع بعقد، سواء شرطا الخيار لهما، أو لأحدهما، أيا كان لظاهر الحديث "من باع عبدا وله مال … فذكره" فجعل المال للمبتاع باشتراطه.
واختُلف في العبد يباع وله مال يعلم قدره أولا يعلم، فاشترطه المشتري، فقالت طائفة: هو للمشتري عرضا، أو عيناً يعلم به، أولا يعلم، وإن كان المال أكثر من قيمة العبد، وكان الثمن نقداً، أو عرضاً، فهو للبائع، هذا قول مالك، وإسحاق، وأبي عبيد، وأبي ثور.
وقالت طائفة: هو مشترٍ للعبد، ومشترٍ لماله معه، فإن كان للعبد ذهب، لم يجز أن يشتريه بذهب، فإن كان مال العبد مجهولا، أودينا فاشتراه بدين، لم يجز، هذا قول الشافعي عن حكاية بعض أهل مصر عنه.
وكل مال يكون للعبد فهو داخل في جملة قوله: وله مال، غير جائز إخراج شيء منه بغير سند، لأن السنة لا يستثنى منها إلا بسنة مثلها، ولا يجوز الخروج عن ظاهر خبر النبي، وعمر هذا إلا في خبر مثله.(6/2660)
[1871-] قلت: الخلاص؟ 1
قال: لا أرى الخلاص.
قلت: ما الخلاص؟
قال: أن يبيع الدار، أو العبد، يقول: على أن أتخلصه لك.2
__________
1 الخلاص: يكون مصدرا للشيء الخاص، والمراد به هنا: الرجوع بالثمن على البائع إذا كانت العين مستحقة وقد قبض ثمنها، أي قضى بما يتخلص به من الخصومة.
انظر: تهذيب اللغة للأزهري 7/135، والنهاية في غريب الحديث 2/62.
2 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 111: باب النهي عن بيع المرء ما ليس عنده، ثم ذكر حديث حكيم بن حزام، وأعقبه بذكر أقوال العلماء في ذلك ثم قال: أصح ذلك أن أبيع ما ليس عندي مما ملْكه لغيري على أن عليَّ خلاصه، وهذا من بيوع الغرر، لأني قد أقدر عليه وقد لا أقدر.
وفي المبدع 4/16، والإنصاف 4/283 قال: فإن باع ملك غيره، بغير إذنه، أو اشترى بعين ماله شيئا بغير إذنه، لم يصح، وهو المذهب.
وعنه: يصح ويقف على إجازة المالك.
وفي كشاف القناع 3/147 قال: لم يصح ولو أجازه المالك بعد لفوات شرطه، لحديث عروة البارقي.(6/2661)
قال إسحاق: كما قال.
[1873-] قلت: الرجل يبيع الشيء1، ولم يقبضه المشتري، فيتوى2 من
__________
1 في نسخة ع: "البيع".
2 تَوِيَ المال توى: ذهب فلم يُرْجَ، والإنسان: هلك فهو: تَو، والتوى على وزن: الحصى. انظر: المصباح 98، والمعجم الوسيط 1/91.(6/2663)
مال من هو؟
قال: هو من مال المشتري، فإذا حبسه البائع على [ظ-54/ب] المشتري، فهو من مال البائع.
قال إسحاق: كما قال.1
[1874-] قلت: من باع شيئاً، واستثنى نصفه، أو ثلثه؟
قال: يبيع النصف، ولا يستثنى،2 نقول: يبيع نصفه حتى لا ينبغي له أن يستثنى، هو له كله.
قال إسحاق: كما قال.
[1875-] قلت: ابن مسعود رضي الله عنه اشترى جارية من امرأته واشترطت
__________
1 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 126: باب السلعة تتلف عند البائع قبل أن يقبضها المشتري بعد تمام البيع، فذكر قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور: أنها من مال المشتري، والثمن للبائع، فإن حبسها البائع عن المشتري فهي من مال البائع، واستشهد بقول ابن عمر: ما أدركته الصفقة حيا مجموعاً.
وقد تقدم تفصيل ذلك عند المسألة رقم (1851) .
2 تقدم بحث بيع الثنيا بأدلته عند المسألة رقم (1844) .
أما استثناء المشاع كالثلث والربع من المبيع فهو جائز على الصحيح من المذهب، وفي رواية: لا يصح. انظر: الإنصاف 4/307.(6/2664)
عليه؟
قال: شرطها جائز، ولكن لا يطأها المشتري.1
__________
1 ورد مثل ذلك في مسائل عبد الله 278، فقال: البيع جائز، ولا يقربها، لأن عمر بن الخطاب قال: لا تقرب فرجاً وفيه شرط لأحد، وقريب من ذلك في مسائل ابن هانىء 2/10، ونقل ابن المنذر في الإشراف ورقة 136 القول: بجواز الشرط عن أحمد، وإسحاق.
وساق القاضي في الروايتين والوجهين 345: قولين للإمام أحمد في جواز الشرط وعدمه، أحدهما قال فيه: يجوز البيع، والشرط معاً، نقل ذلك عنه علي بن سعيد. والآخر: يدل على عدم جواز الشرط، فقد نقل المروذى عن أحمد: أنه سئل ما معنى حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم "لا شرطان في بيع"؟ قال: إذا قال: أبيعك أمتي هذه على أنك إن بعتها فأنا أحق بها، فظاهر هذا إبطال الشرط.
وقد ساق صاحب الإنصاف 4/351 هاتين الروايتين فقال:
إحداهما: لا يبطل وهو الصحيح من المذهب نص عليه.
والرواية الثانية: يبطل البيع، وهو ما جزم به في شرح منتهى الإرادات 2/164، حيث ذكر أنه إن شرط بائع على المشتري، إن هو باع المبيع، فهو أحق به بالثمن: صح البيع، وبطل الشرط، قياساً على اشتراط الولاء في حديث بريرة.
وروى مالك في الموطأ، وعبد الرزاق في مصنفه: أن عبد الله بن مسعود ابتاع جارية من امرأته زينب الثقفية، واشترطت عليه: أنك إن بعتها، فهي لي بالثمن الذي تبيعها به، فسأل عبد الله بن مسعود عن ذلك عمر بن الخطاب فقال عمر: لا تقربها وفيها شرط لأحد، انظر: الموطأ كتاب البيوع، باب ما يفعل في الوليدة إذا بيعت والشرط فيها 2/616، والمصنف كتاب البيوع باب الشرط في البيع 8/56.(6/2665)
قلت: مثل ماذا؟
قال: تجد أنت من الإماء، وأنت1 تملكها، ولا تقدر أن تطأها في جاريتك تكون صائمة، تكون حائضا، تكون مكاتبة2، إلا أن يشترط ذلك عليها، فيطأها بالشرط يعني المكاتبة.
قال إسحاق: كما قال، إلا أن في3 معنى احتجاجه ممنوع من ملكه، فهذه العلل ليست بحجة لإقامة هذا الشرط.
[1876-] قلت:4المزارعة؟
__________
1 في نسخة ع: "فأنت".
2 في الأصل مكاتبته، والكتاب، والمكاتبة: أن يكاتب الرجل عبده، أو أمته على مال ينجمه عليه، ويكتب عليه أنه إذا أدى نجومه، فهو حر، فإذا وفر على مولاه جميع نجومه التي كاتبه عليه عتق، وولاؤه لمولاه الذي كاتبه، والسيد مُكاتِب، والعبد مُكاتَب. انظر: تهذيب اللغة 10/150، وتاج العروس 4/106.
3 حرف "في" ناقص من نسخة ع.
4 المزارعة مشتقة من الزرع، وتسمى: مخابرة، من الخَبار بفتح الخاء، وهي الأرض اللينة، وتسمى مؤاكرة، والعامل فيها خبير ومؤاكر، وهي: دفع أرض، وحب لمن يزرعه، ويقوم عليه، أودفع حب مزروع ينمي بالعمل، لمن يعمل عليه بجزء مشاع، معلوم من المتحصل.
والأصل فيها حديث ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر، بشطر ما يخرج منها من ثمر، أو زرع وتبعه في ذلك الخلفاء الأربعة – رضي الله عنهم أجمعين – ولم ينكر، فكان كالإجماع، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، لأن كثيراً من الناس لا أرض ولا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر، وأهل الشجر، يحتاجون إلى العمل، ففي تجويزها دفع للمحتاجين، وتحصيل لمنفعة كل منهما: فجاز كالمضاربة.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب الحرث والمزارعة، باب المزارع بالشطر ونحوه 5/10، ومسلم كتاب المساقاة، باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع 3/1186، وشرح منتهى الإرادات 2/344، وكشاف القناع 3/523.(6/2666)
قال: يزارع على الشطر، [ع-124/ب] ويكون البذر من رب الأرض، والعمل من الداخل.1
__________
1 قال في مسائل أبي داود 200: سئل أبوعبد الله عن المزارعة؟ فقال: بالثلث والربع جائزة، ويعجبني أن يكون البذر من صاحب الأرض، ويكون من الداخل العمل والبقر، كالمضارب يعمل في المال بنفسه، وذكر في مسائل صالح ورقة 153 مثل ذلك.
قال في الشرح الكبير على المغني 5/589، وفي شرح منتهى الإرادات 2/347: ظاهر المذهب: أن المزارعة إنما تصح إذا كان البذر من رب الأرض، والعمل من العامل، نص عليه أحمد في رواية الجماعة، واختاره عامة الأصحاب، وهو مذهب ابن سيرين، وإسحاق، لأنه عقد يشترك العامل، ورب العمل في نمائه، فوجب أن يكون رأس المال كله من عند أحدهما كالمساقاة، والمضاربة.
وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد في هذه المسألة، فروى عنه اشتراط البذر من رب الأرض، وروى عنه ما يدل على أن البذر يجوز أن يكون من العامل، حين قال في رواية مهنا: يجوز لصاحب النخل والشجر دفعها إلى قوم يزرعون الأرض، ويقومون على الشجر على أن له النصف، ولهم النصف، وقد دفع النبيّ صلى الله عليه وسلم خيبر على هذا من غير ذكر البذر، فعلى هذا أيهما أخرج البذر، جاز.
انظر: الروايتين 425، 426، والمحرر 1/354، والمذهب الأحمد 105، والروض المربع في شرح زاد المستقنع للبهوتي مع حاشية العنقري، الناشر: مكتبة الرياض الحديثة عام 1397هـ ج 2 / 290، والتوضيح 209، والشرح الكبير على المغني 5/588.(6/2667)
وإن أعانه رب الأرض، بالثور والحديد جائز.1
__________
1 قلت: ويُقْصَدُ بالثور والحديد: وسيلتا نضح الماء من البئر، وحرث الأرض للزرع، فالثور والجمل: هما وسيلة إخراج الماء من الآبار، فيما مضى قبل اختراع الآلة الحاضرة، والحديد: هو المحراث، وهي: آلة الحرث يشد على خشبة ويعلق على ظهر دابة تجره فوق الأرض المراد زراعتها، فيحرثها تمهيداً لتسويتها وبذر الحب فيها.
وروى البيهقي عن عمر بن عبد العزيز قال: لما استخلف عمر أجلى أهل نجران، واشترى عقارهم وأموالهم، وأجلى أهل فدك، وتيماء، وأهل خيبر، واستعمل يعلى بن المنبه، فأعطى البياض على: إن كان البذر، والبقر، والحديد، من عمر فلعمر الثلثان ولهم الثلث، وإن كان منهم، فلم الشطر الحديث.
انظر: السنن الكبرى كتاب المزارعة، باب من أباح المزارعة بجزء معلوم مشاع 6/135.
قال البخاري: "باب المزارعة بالشطر ونحوه" ثم ذكر حديث قيس بن مسلم عن أبي جعفر، وقول علي، وسعد بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم، وعروة بن الزبير، وآل أبي بكر، وآل عمر، وآل علي، وابن سيرين جواز المزارعة على الثلث والربع، ثم ذكر أن عمر عامل الناس على: إن جاءهم عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب ما جاء في الحرث والمزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه 5/10.(6/2668)
وإن كان البذر من قبل الداخل فلا يعجبني،1 وكراء الأرض بالدراهم لا بأس به، وبالطعام هي المحاقلة2.3
__________
1 ورد في مسائل أبي داود ص200 قول الإمام أحمد: يعجبني أن يكون البذر من صاحب الأرض وقد سبق بيانه.
وقال في مسائل صالح ورقة 153: أحب إلى أن يكون البذر على رب الأرض.
وقال في الإنصاف 5/483: والصحيح من المذهب اشتراط كون البذر من رب الأرض، وهو المشهور عن أحمد، وعليه جماهير الأصحاب، نص عليه.
2 المحاقلة مفاعلة من الحقل: هي بيع الزرع في سنبله بالبر والحنطة، قيل لعطاء: ما المحاقلة؟ قال: هي بيع الزرع بالقمح.
انظر: تهذيب اللغة 4/47، ومختار الصحاح 147، والمصباح 175، والمطلع على أبواب المقنع 240.
3 جاء في الروايتين 425، 426: أن الإمام أحمد سئل عن كراء الأرض بالطعام؟ قال: هو المحاقلة ولا بأس بكراها بالدراهم، والدنانير، لحديث رافع بن خديج في الصحيحين، وفيه: "نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحاقل بالأرض …" الحديث.
وذكر صالح في مسائله ورقة 153: أنه سأل أباه عن الرجل يدفع أرضه بالثلث، أو الربع، أو الدراهم؟ قال: كله سواء، ليس به بأس.
وأخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، واللفظ لمسلم، عن حنظلة بن قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض، فقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض"، قال: فقلت: أبالذهب والورق؟ فقال: أما بالذهب والورق فلا بأس به.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب ما جاء في الحرث، والمزارعة، باب كراء الأرض بالذهب والفضة 5/25، ومسلم كتاب البيوع، باب كراء الأرض بالذهب والورق 3/1183، وأبو داود كتاب البيوع والإجارات، باب في المزارعة 3/686.(6/2669)
قال إسحاق: كما قال.
[1877-] قلت: الرجل يشترط على الأكار1 أن يعمل له؟
قال: في غير الحرث؟
قلت: نعم.
قال: فلا.2
قال إسحاق: الشرط باطل، ولكن إن كانت معاملاتهم على أن
__________
1 الأكار: اسم فاعل للمبالغة جمع: أكرة، وأكرة الأرض: خزنتها. انظر: المصباح 24، وفي المعجم الوسيط 1/23، الأكار: الحرّاث.
2 قال عبد الله في مسائله ص305: سألت أبي عن الخياط يكون عنده الغلام أيبعثه في حوائج ما ترى في ذلك؟ قال: "إن كان من عمله فنَعَمْ، وأما غير ذلك فلا …"، والذي يلزم العامل في عقد المزارعة، هو عمل كل ما فيه صلاح الثمرة، وزيادتها.
انظر: موطأ مالك 2/705، والكافي 2/294، والمبدع 5/52، والمذهب الأحمد 105، والإنصاف 5/477.
قلت: وخدمة رب الأرض، أوصاحب الزرع في بيته وخاصته من قبل المزارع إذا شرطها عليه فيه مخالفة لمقتضى العقد، وعليه يحمل منع الإمام أحمد كما يظهر لي.(6/2670)
يعملوا لأرباب الزرع شيئاً، ففعلوا فلا بأس.
وقال إسحاق:1 لا يدفع البذر فإن اشترط دفعه، فلا2 خير فيه، ولكن الداخل، لا يدخل البذر، بل يكون من رب الأرض، حتى يجتمع3 له البذر، والأرض، فلا4 يكون فيما5 خرج عليه شبهة.6
[1878-] قلت لأحمد: الأكار إذا خرج في نصيبه، ما يجب فيه العشر أيعطي؟
قال: نعم.7
__________
1 يبدو والله أعلم أن كلام إسحاق هنا متعلق بالمسألة السابقة رقم (1876) .
2 في نسخة ع: "وإلا فلا".
3 في نسخة ع: "تجتمع".
4 في نسخة ع: "ولا".
5 في نسخة ع: "فيها".
6 أخرج أبوداود عن رافع بن خديج، أنه زرع أرضاً، فمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يسقيها، فسأله: "لمن الزرع، ولمن الأرض؟ قال: زرعي ببذري وعملي، لي الشطر، ولبني فلان الشطر، فقال: أربيتما، فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك".
انظر: كتاب البيوع، باب في التشديد في كراء الأرض 3/692.
7 إن كان مستأجراً للأرض يزرعها، فالزكاة عليه دون مالك الأرض، ذكره في المحرر 1/221، والتوضيح 83.(6/2671)
قال إسحاق: شديداً، وجهل أبو حنيفة قال: ليس عليه شيء.1
[1879-] قلت: بيع الماء؟
قال: لا يباع فضل الماء، والذي يحمل في القرب فلا بأس به.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 الإمام أبوحنيفة رحمه الله يرى الزكاة على المؤجر. انظر: فتح القدير لابن الهمام، الناشر: مصطفى البابى الحلبي بمصر ط1 عام 1389 هـ 2/250.
وإن كان شريكاً أخذ الأرض مزارعة بقسط من غلتها فإنه يستوي هو، والمالك في وجوب إخراج الزكاة كل على حصته، لأن ظاهر قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [سورة الأنعام آية 141] يقتضي وجوب ذلك في الزرع سواء كان للمالك أوللمزارع الشريك متى بلغ نصاباً.
2 نص على ذلك في مسائل أبي داود 194، ومسائل صالح ورقة 43، 147.
وذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 117: الإجماع على منع بيع فضل الماء وعدم جواز بيعه، إن كان يخص شخصاً يأتيه من ساقية، كشرب يوم معلوم، لانتوائه على الجهالة، أما ما حازه الشخص في قِرَب راويات: فلا خلاف بين علماء الأمصار في جواز بيعه، وممن رخص في بيعه ابن سيرين، وحماد بن أبي سليمان، وأحمد، وإسحاق.==(6/2672)
....................................................................................................................
__________
== وفي شرح منتهى الإرادات 2/145 قال: لا يصح بيع ماء عِدٍ – بكسر العين، وتشديد الدال – أي الذي له مادة لا تنقطع كماء عين، ونقع بئر لحديث: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار".
وقد تقدم تخريجه عند المسألة رقم (1834) .
ويصح بيع ماء المصانع المعد لمياه الأمطار ونحوها إن عُلم، لملكه بالحصول فيها. وذكر في الإنصاف 4/290 روايتين:
الأولى: تنص على عدم ملك الماء قبل أن يحاز لما يراد له، وهو المذهب.
والثانية: تقول بالملك بمجرد ملك مكان تجمعه أو خروجه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والبيهقي عن عطاء، أنه قال: لا بأس ببيع الماء، هو يستقيه ويحمله، ليس كفضل الماء الذي يذهب في الأرض.
وعن مسروق: أنه كان يعجبه ثمن الماء، يعني السقاية يشترى له رواية فيبيعها ويتصدق بثمنها.
وروى مسلم، وأحمد، وابن أبي شيبة في مصنفه عن جابر بن عبد الله قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء".
وفي رواية عند البخاري، وأبي داود، والترمذي، وعبد الرزاق عن أبي هريرة بلفظ: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ".
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب المساقاة، باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتّى يروى 5/31، وصحيح مسلم كتاب المساقاة، باب تحريم بيع فضل الماء 3/1197، والمسند 3/338، وسنن أبي داود كتاب البيوع، باب في منع الماء 3/747، وسنن الترمذي كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع فضل الماء 3/563، ومصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب بيع الماء وأجر ضِراب الفحل 8/106، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب في بيع الماء وشرائه 6/254.(6/2673)
[1880-] قلت: قال ابن عباس: لا تبيعوا اللبن في ضروعها، ولا الصوف على ظهورها؟ 1
قال: هكذا هو.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 حديث ابن عباس رواه أحمد في مسنده 1/302، وفسر يحيى بن أبي كثير الغرر: ببيع ما في بطون الأنعام، وما في ضروعها.
وأخرج الدارقطني، والبيهقي عن ابن عباس قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتّى تطعم"، وفي رواية: "حتّى يبدو صلاحها، أوصوف على ظهر، أو لبن في ضرع، أوسمن في لبن".
انظر: سنن الدارقطني كتاب البيوع 3/14، 15، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيع الصوف على ظهر الغنم 5/340.
2 نص على ذلك في مسائل ابن هانىء 2/9، وذكره في رؤوس المسائل ورقة 231.
وروى ابن المنذر في الإشراف ورقة 110 عن ابن عباس، وأبي هريرة أنهما نهيا عن بيع الألبان في ضروع الأنعام، وبيع الأصواف على ظهورها، وكره ذلك مجاهد، وطاوس، وأخذ أحمد، وإسحاق، وأبو ثور بحديث ابن عباس، وقال ابن المنذر: لا يجوز بيع شيء من ذلك لأنه غرر يقِلّ ويكثر، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، ونقل القاضي روايتين عن أحمد:
الأولى: لا يجوز ذلك، نقلها أبو طالب لحديث ابن عباس، ولأن قلع الشعر فيه تعذيب، وجزِه لا يستوفى الصوف كله.
والثانية: يجوز، نقلها حنبل، لأن ما جاز بيعه بعد جزه جاز قبل، والأولى أصح.
انظر: الروايتين والوجهين لأبي يعلى 348، وشرح منتهى الإرادات 2/147.(6/2674)
[1881-] قلت: العبد المأذون له في التجارة إذا ركبه الدين؟
قال: إذا أذن له فعلى السيد.1
قال إسحاق: كما قال في رقبته.
[1882-] قلت: الرجلان أخرج2 كل واحد منهما مائة درهم واشتركا،3 ثم عمل فيها أحدهما كيف الربح؟
__________
1 نص على ذلك في مسائل عبد الله 290، وذكره في رؤوس المسائل ورقة 258، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن إبراهيم قال: إذا أفلس العبد المأذون له في التجارة، فدينه في رقبته، فإن شاء مولاه أن يبيعه باعه، ويقسم ثمنه بين الغرماء، وليس عليه أكثر من ثمنه.
وأخرج عبد الرزاق عن الحكم في العبد المأذون له في التجارة قال: لا يباع إلا أن يحيط الدين برقبته، فيباع حينئذ.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة، كتاب البيوع، باب في العبد المأذون له في التجارة 6/353. ومصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب هل يباع العبد في دينه إذا أذن له 8/285.
2 في نسخة ع: "خرج".
3 في نسخة ع: "فاشتركا".(6/2675)
قال: الربح على ما اصطلحا.1
قال إسحاق: كما قال سواء، لأن العمل من أحدهما معونة، ولا يُبطِل ذلك ما اشترطا.
[1883-] قلت: السفتجة؟ 2
قال: لا بأس بها إذا كان على وجه المعروف.
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 هذه المسألة مر التعليق على نظيرها عند المسألة رقم (1791) .
2 السفتجة: قيل: بضم السين، وقيل: بفتحها، وأما التاء فمفتوحة فيهما – فارسي معرب – وفسرها بعضهم فقال: هي كتاب صاحب المال لوكيله أن يدفع مالاً قرضاً يأمن به من خطر الطريق، والجمع سفاتج.
انظر: المصباح 329، والمطلع على أبواب المقنع 260.
3 نص على ذلك في مسائل أبي داود 192، وزاد: فإذا كان يريد أن ينتفع بالدراهم، أويؤخر دفعها، أويأخذ وقاية به فلا يصلح.
وقال ابن المنذر في الإشراف 142: لا بأس به إذا لم يشترط أفضل مما يدفعه، أويدخل فيه صرفاً، أونقداً غير نقده، ثم ذكر الذين أباحوا ذلك، ومنهم علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن سيرين، وعبد الرحمن بن الأسود، وأيوب السختياني، والثوري، وأحمد، وإسحاق.
قلت: والسفتجة هي: ما تعرف اليوم بشيكات الحوالة، والشيك: سند له صيغة متعارف عليها مختوم بخاتم البنك أو المصرف التي تتعامل بها البنوك والمصارف فيما بينها، ونحن نرى بعض المصارف وهم قلة لا يتقاضون أجوراً على ذلك خصوصاً إذا كان طالب الشيك ممن يودع نقوده عندهم، أما البنوك وسائر المصارف فإنها تأخذ أجراً على كل شيك تحرره يزيد وينقص بقدر حجم المبلغ المُحوَّل.(6/2676)
[1884-] قلت: ما يفعل في الرجل إذا أفلس؟ 1
قال: لا تباع الدار، ولا الخادم إذا كان يحتاج إليه.
قلت: يؤاجر في عمل إذا كان يحسنه؟
قال: إني أخبرك إذا كان رجل في كسبه فضل عن قوته.2
__________
1 أفلس الرجل: كأنه صار إلى حال ليس له فلوس، وبعضهم يقول: صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم، فهو مفلس، والجمع مفاليس، وحقيقته: الانتقال من حال اليسر إلى حال العسر.
انظر: المصباح 578، وانظر أيضاً: الصحاح 3/959.
2 نص على مثل ذلك في مسائل عبد الله 296، ونقل القاضي رواية ابن منصور هذه على أنها إحدى الروايتين عن أحمد، والأخرى نقلها حنبل وظاهرها: أنه لا يؤاجر لسداد الدين، وذكر في الإنصاف أنه لا نزاع في ترك المسكن، والخادم المناسبين لحالته، والكافيين لحاجته ما لم يكونا عين مال الغرماء، وذكر روايتين في إجارته لوفاء دينه:
إحداهما: يجبر على العمل، وهو الصحيح من المذهب.
والأخرى: لا يجبر كما لا يجبر على أخذ الهدية والصدقة والقرض وغير ذلك.
انظر: الروايتين والوجهين 374، ورؤوس المسائل 245، والإنصاف 5/303 – 317.(6/2677)
قلت: فالنبيّ صلى الله عليه وسلم ما فعل بمعاذ؟
قال: أخرجه لهم من ماله، والدار، والخادم ليس من هذا في شيء،1 يعطى من الزكاة من له دار، وخادم.
قال إسحاق: كما قال، فلذلك2 لا يباع عليه الخادم، والدار.
[1885-] قلت: الرجلان يدعيان السلعة، وقد أقاما البينة؟
قال: إذا كان في يد غيرهما أُقْرِعَ بينهما، وإذا كانت السلعة بيد أحدهما، فالبينة بينة الذي ليس في يديه شيء، وإذا كانت في يديهما جميعاً، فادعياها، وأقاما البينة جميعاً: فهو بينهما نصفان.3
__________
1 حديث معاذ رواه البيهقي بسنده عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم "حجَر على معاذ بن جبل ماله وباعه في دين كان عليه".
قلت: ولم يثبت أنهم أخذوا بيته، أوثيابه، أو متاعه الخاص.
انظر: السنن الكبرى كتاب التفليس، باب الحجر على المفلس 6/48.
2 في نسخة ع: "قال فلذلك".
3 نص على ذلك في مسائل أبي داود 210، وروى البيهقي عن عروة وسليمان بن يسار "أن خصمين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتى كل واحد منهما بالشهود فأسهم بينهما"، ورواه عبد الرزاق في مصنفه، وأبوداود في المراسيل عن سعيد بن المسيب، ووصله الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة.
وروى البيهقي عن جابر بن عبد الله: "أن رجلين تداعيا بدابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يديه".
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة، وحماد، في متاع وجد بين رجلين يدعيانه جميعاً، قالا: يحلفان فإن نكلا قسم بينهما، وإن حلفا قسم بينهما.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب الرجلين يدعيان السلعة يقيم كل منهما البينة 8/279، وباب المتاع في يد الرجلين يدعيانه جميعاً 8/281، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب الدعوى والبينات، باب المتداعيين يتداعيان ما لم يكن في يد واحد منهما 10/258، وباب المتداعيين يتنازعان شيئاً في يد أحدهما 10/256، والتلخيص الحبير كتاب الدعاوى والبينات 4/210.(6/2678)
قال إسحاق: كذلك هو.
[1886-] قلت: المتاع1 لمن يكون؟
قال أحمد: كل شيء للرجال، مما2 لا يختلف فيه، القوس، والسلاح، ومتاع الرجل متاع اليد،3 وأما الحلي فللمرأة، وما اختلفا فيه، فهو بينهما.4
__________
1 في نسخة ع: "متاع البيت".
2 في نسخة ع: "ما".
3 هذه الكلمة ناقصة من نسخة ع.
4 في الأصل: "لمن أقام البينة"، وقال الخرقى في مختصره باب الدعاوى والبينات ص238: وإذا كان الزوجان في البيت فافترقا، أوماتا فادعى كل واحد منهما ما في البيت أنه له: أوورثه، حُكِم بما كان يصلح للرجال للرجل، وما كان يصلح للنساء للمرأة، وما كان يصلح أن يكون لهما، فهو بينهما نصفين.
وذكر ابن رجب في القاعدة 151 ص324 من القواعد الفقهية: مثل ذلك.
وقال في الشرح الكبير 6/323، 324: إذا اختلف الزوجان في قماش البيت وكانت لأحدهما بينة، ثبت له بلا خلاف، وإن لم تكن لواحد منهما بينة، فالمنصوص عن أحمد: أن ما يصلح للرجل من العمائم، وقمصانهم، وجبابهم، والأقبية، والطيالسة، والسلاح، وأشباه ذلك القول فيه قول الرجل مع يمينه، وما يصلح للنساء كحليهن، وقمصهن، ومقانعهن، ومغازلهن، فالقول قول المرأة مع يمينها، وما يصلح لهما كالمفارش، والأواني: فهو بينهما.
وذكر أن مثل ذلك ورد في رواية الجماعة عن أحمد، ومنهم يعقوب بن بختان وفيها، فإن كان المتاع على يدى غيرهما: فمن أقام البينة دفع إليه، وإن لم تكن لهما بينة أقرع بينهما فمن كانت له القرعة حلف وأعطى المتاع. وكذلك قال في رواية مهنا، وبهذا قال الثوري، وابن أبي ليلى، وقسمة المختلف فيه بينهما هو المذهب، وقيل: الحكم كذلك إن لم تكن عادة فإن كان ثَمَّ عادة عُمل بها. انظر: الإنصاف باب الدعاوى والبينات 11/378.
وأخرج عبد الرزاق، والبيهقي، عن معمر عن الزهري، وعن أيوب عن أبي قلابة قالا: البيت بيت المرأة، إلا ما عرف للرجل، وفي رواية أخرى عن الثوري عن أبي أمية عبد الكريم، عن إبراهيم قال: متاع الرجل للرجل، ومتاع النساء للنساء.
انظر: المصنف كتاب البيوع، باب متاع البيت 8/282، والبيهقي كتاب الدعوى والبينات، باب متاع البيت يختلف فيه الزوجان 10/269.(6/2679)
قال إسحاق: كما قال، وما اختلفا فيه فهو لمن أقام البينة.1
[1887-] قلت: [ع-125/أ] الحجر2 على الرجل؟
قال: إي لعمري كما يكون؟
لولا الحجر لذهبت3 أموال الناس.
قال إسحاق: أحسن.4
__________
1 من قوله: قال إسحاق إلى آخر المسألة غير موجود في الأصل.
2 في المصباح 147 حَجَرَ عليه حجراً: من باب قتل: منعه التصرف فهو محجور عليه، وعرَّف صاحب الإنصاف 5/272، الحجر بقوله: حَجْر الفَلَس: عبارة عن منع الحاكم، من عليه دين حالٌّ، يعجز عنه ماله الموجود مدة الحجر، من التصرف فيه، وهو على ضربين:
حجر: لحق الغير، كالحجر على المفلس والمريض بما زاد على الثلث، والعبد، والمكاتب.
وحجر: لحفظ نفسه، كالحجر على الصغير، والمجنون، والسفيه.
3 في نسخة ع: "لذهب".
4 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 163: أن أكثر علماء الأمصار من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر يوجبون الحجر على كل مضيع لماله صغيراً، أوكبيراً، واحتجوا بأخبار رويت عن علي، وابن عباس، وابن الزبير، تدل على ذلك. وأن ممن قال به أحمد.
وفي رؤوس المسائل ورقة 245 قال: بالحجر على المفلس إذا امتنع عن دفع دينه، وذكر حديث معاذ.
وقال في المقنع 2/133، والإنصاف 5/281: وإن كان له مال لا يفي بدينه، وسأل غرماؤه الحاكِمَ الحجر عليه: لزمه إجابتهم، هذا هو المذهب.
وفي رواية عن أحمد: متى ضاق المال عن ديونه، صار محجوراً عليه بغير حكم حاكم.(6/2681)
[1888-] قلت: العبد يباع في الدَّين؟
قال: إذا لم يكن أذن له سيده، فإن ذلك في رقبته إن شاء سيده فداه.
قال إسحاق: كما قال.1
[1889-] قلت: العبد إذا أعتق وعليه دين؟
قال: الدين على سيده إذا كان أذن له، وإن جنى جناية، فعلى سيده.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 تقدم التعليق على مثل ذلك عند المسألة رقم (1881) .
2 هذه المسألة كالتي قبلها، وقد أخرج عبد الرزاق عن الثوري قال: قال أصحابنا حماد وغيره: إذا أعتقه وعليه دين، فقيمة العبد، على السيد، ويبيعه غرماؤه فيما زاد على القيمة، وهو أحب القولين، فإن فضل شيء عن قيمة العبد، أتبع به العبد.
وعن الزهري قال: إذا أعتق الرجل عبده، وعليه دين، فالدين على السيد، ومثله عن إبراهيم النخعي.
انظر: المصنف كتاب البيوع، باب هل يباع العبد في دينه 8/286.
وفي المحرر 2/382، إذا أقر العبد بجناية خطأ، أو غصب أو سرقة، أو العبد غير المأذون له بمال عن معاملة، أومطلقاً: لم يقبل على السيد، قال الشارح: لئلا يفضى إلى إيجاب مال في حق غيره.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري في عبد، خرق ثياب حرٍّ؟ قال: نقول إذا أفسد مالاً، أوخرق ثياباً: فهو في رقبة العبد في منزلة الدين، وإذا جرح جراحة قيل للسيد: إن شئت فأسلمه بجناية، وإن شئت فاغرم عنه.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب هل يباع العبد في دينه إذا أذن له 8/285، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية، باب في العبد يفلس فيقر بالدين 7/227.
وجاء في أخبار القضاة لوكيع 2/329: أن شريحاً قال: إن دينه على من أذن له في البيع وأكل ثمنه.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية، الناشر: مطبعة الفجالة الجديدة عام 1384 هـ 2/283، أن علياً رضي الله عنه قال: ما جنى العبد ففي رقبته، ويخير مولاه إن شاء فداه، وإن شاء دفعه، وأخرج البيهقي عن ابن المسيب أنه قال: عقل العبد في ثمنه مثل عقل الحر في دينه.
انظر: المصنف لابن أبي شيبة 9/233، باب العبد يجني الجناية، والسنن الكبرى كتاب الديات، باب جراحة العبد 8/104.(6/2682)
[1890-] قلت: شريكان اقتسما غرماً1 فتوى2 نصيب أحدهما؟
قال: يرجع على صاحبه.
قال إسحاق: كلما اقتسما على الخارج، فيقول أحدهما: لي الدين3 ولك العين، ولي ما على فلان، ولك ما على فلان، فهو جائز [ظ-55/أ] .4
__________
1 غرم غرماً، وغرامة: لزم ما لا يجب عليه، ويقال: غرم الدية والدين أداهما عن غيره، وفي التجارة: خسر، والغريم المدين، وصاحب الدين.
انظر: المعجم الوسيط 2/651، والمصباح 533.
2 سبق تعريفها عند المسألة رقم (1873) .
3 المقصود بالدين: هي تلك الأموال المسجلة على الغرماء في دفاتر الشركة.
4 قال عبد الله في مسائله 295: سمعت أبي يقول: لا أرى أن يتخارجا أكرهه – يعني – الشريكين، في العين والدين.
وقال ابن المنذر في الإشراف ورقة 150: اختلفوا في الدين يكون بين الشركاء، فيقتسمون الغرماء ثم توى بعض المال، ففي قول ابن سيرين، والنخعي: يرجع الذي توى ماله على الذي لم يتوفيُحاصُه – أي: يقاسمه – وبه قال أحمد، وفي قول الحسن البصري، وإسحاق ابن راهويه: ذلك جائز.
وأخرج عبد الرزاق قال: سألت معمراً عن شريكين اقتسما غرماً، فأخذ هذا بعضهم، وهذا بعضهم، فيتوى نصيب أحدهم، وخرج نصيب الآخر؟ فقال: كان الحسن يقول: إذا أبرأه منهم فهو جائز.
وعن إبراهيم النخعي قال: ليس بشيء، ما خرج، أو توى فهو بينهما. قال معمر: وهو أعجب القولين إليّ.
انظر: المصنف كتاب البيوع، باب الشريكين يتحول كل واحد منهما رجلاً، فيخرج من أحد الرجلين ويتوى الآخر 8/288.(6/2684)
[1891-] قلت: الحائك يُدفَع إليه الثوب على الثلث، والربع؟
قال: كل شيء من هذا: الغزل، والدار، والدابة، وكل شيء دُفع1 إلى الرجل يعمل فيه على الثلث والربع، فعلى قصة خيبر.2
قال إسحاق: كما قال.3
[1892-] قلت: الحائك يعطى الثوب بالثلث والربع ألست4 تكرهه؟ 5
قال أحمد: ليس به بأس.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
__________
1 في نسخة ع: "يدفعه".
2 هذه الكلمة ناقصة من نسخة ع.
3 لقد مر التعليق على قصة خيبر عند المسألة رقم (1876) .
4 في نسخة ع: "أليس".
5 في نسخة ع: "قال نعم" وهي زيادة غير مقبولة لتعارضها مع ما قبلها.(6/2685)
[1893-] قلت: إذا زرع في أرض الرجل، بغير إذنه؟
قال: يعطيه النفقة، والزرع لرب الأرض، لأن الزرع لا ينتفع به إذا قلعه.1
__________
1 نص على ذلك في مسائل أبي داود 200.
وأورد القاضي في الروايتين والوجهين 422 قولين للإمام أحمد:
قال في أحدهما: يأخذ صاحب الأرض الزرع بنفقته لحديث رافع بن خديج.
وقال في الآخر: يأخذه بقيمته كالشفيع والمؤبر.
وفي رؤوس المسائل ورقة 277: إذا غصب أرضاً، فزرعها ثم أدركها صاحبها: فإن شاء أقره إلى الحصاد بالأجرة، وإن شاء أخذ الزرع بقيمته، أونفقته على اختلاف الروايتين.
وهذا هو المذهب كما في الإنصاف 6/131، ويحتمل أن الزرع للغاصب وعليه الأجرة، قاله أبوالخطاب، وقيل: لصاحب الأرض قلعه إن ضمن.
وأخرج أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من زرع في أرض قوم، بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وله نفقته".
انظر: سنن أبي داود كتاب البيوع والإجارات، باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها 3/692، وابن ماجه كتاب الرهون، باب من زرع في أرض قوم بغير إذنهم 2/824.
قال الخطابي بعد هذا الحديث: ويشبه أن يكون معناه على العقوبة والحرمان للغاصب، والزرع في قول عامة الفقهاء لصاحب البذر، لأنه تولد من ماله، وتكون معه، وعلى الزارع كراء الأرض، غير أن أحمد بن حنبل كان يقول: إذا كان الزرع قائماً، فهو لصاحب الأرض، وأما إذا حُصِد، فإنما يكون له الأجرة.(6/2686)
[1894-] قلت: إن أصاب الأرض1 غرق فذهب الزرع؟
قال: عليه أجر الأرض بقدر ما شغلها يعني على الغاصب.2
قال إسحاق: كما قال.
[1895-] قلت: فإن غصب سفينة فغرقت؟
قال: يغرم، وأما إذا غصب أرضاً فزرعها فأصابها غرق من قبل الغاصب، غرم قيمة الأرض، وإن كان [ع-125/ب] شيئاً من السماء، فليس عليه شيء، فإن أصاب الزرع شيء: فعلى الغاصب كرى الأرض، لرب الأرض، بقدر ما شغل الأرض.
قال إسحاق: كما قال.3
[1896-] قلت: من بنى في حق قوم، بإذنهم أو بغير إذنهم؟
__________
1 كلمة "الأرض" غير موجودة في الأصل.
2 في نسخة ع: "يعنى الغاصب".
3 هذه المسألة بكاملها ليست موجودة في الأصل وهي تشبه التي قبلها.
قال أبو يعلى في الروايتين والوجهين 419: إذا جنى على العين المغصوبة جناية أتلف منها منفعة مقصودة، لزمه الأرش، وإن نقصت قيمة العين بتغير صفته، فعليه ما نقص.(6/2687)
قال: إذا كان بإذنهم ترد عليه قيمته، وإذا كان بغير إذنهم قلع بناءه.
قال أحمد: وأحب إلي إذا كان البناء ينتفع به فأحب إلي أن يعطيه النفقة ولا يقلع بناءه.1
__________
1 نقل عن أحمد أنه: يُقَوّم البناء ويعطى، لأن أخذ الغاصب بناءه يضر برب الأرض في الخراب والهدم، ويكون ذهاب مال الغاصب في الحفر والآجر، ولأنه بناء حصل في ملك الغير، فلم يجبر على قلعه على وجه يضر به كما لو أعاره أرضاً للبناء، ولأنه لو أعاره أرضاً للزراعة مدة معلومة، فانقضت المدة، والزرع لم يبلغ، فإنه يجبر – أي مالك الأرض – على إقراره في أرضه حتّى يبلغ.
ونقل عنه أنه يجبر على قلع البناء وهو أصح لحديث عروة بن الزبير وغيره: أن رجلين.
وفي رواية البيهقي: من بنى بياضة اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما في أرض الآخر نخلاً، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الأرض بأرضه، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق".
قال عروة: فلقد أخبرني الذي حدثني، قال: رأيتها وإنه ليضرب في أصولها بالفؤوس، وإنه لنخل عَمٌّ – العم: التام الطويل من كل شيء – حتّى خرجت. قال مالك: العرق الظالم: كل من احتفر، أوأخذ، أوغرس بغير حق.
والمقطوع به عند جمهو ر علماء الحنابلة: أن من غرس، أومن بنى في أرض غيره بلا إذنه ألزم بقلع غرسه وبنائه، وتسوية الأرض مع أرش نقصها وأجرتها مدة استخدامه لها.
انظر: الروايتين والوجهين 421، والإنصاف 6/135 البخاري مع الفتح كتاب الحرث والمزارعة، باب من أحيا أرضاً مواتاً 5/18، وموطأ مالك كتاب الأقضية، باب القضاء في عمارة الموات 2/743، وأبوداود كتاب الخراج، باب في إحياء الموات 3/454، 455، والترمذي كتاب الأحكام، باب ما ذكر في إحياء أرض الموات 3/653، والبيهقي كتاب الغصب، باب ليس لعرق ظالم حق 6/142، والمعجم الوسيط 2/629.(6/2688)
قال إسحاق: كما قال سواء.
[1897-] قلت قال:1 "إذا تشاجرتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع"؟ 2
__________
1 كلمة قال ناقصة من نسخة ع، والمراد بالقائل هنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ما بعدها تضمن بعض ألفاظ الحديث الذي سأذكره فيما بعد.
2 أخرج البخاري، ومسلم، وأحمد، وأبوداود، والترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قضى النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق الميتاء – وهي الرحبة تكون بين الطريقين – بسبعة أذرع"، هذا لفظ البخاري، وعن مسلم: "إذا اختلفتم في الطريق جعل عرضه سبعة أذرع"، وفي المسند: "إذا اختلفتم، أوتشاجرتم في الطريق فدعوْا سبعة أذرع".
قال الحافظ في الفتح: والحكمة من جعلها سبعة أذرع لتسلكها الأحمال والأثقال دخولاً وخروجاً، ويسع ما لا بد لهم من طرحه عند الأبواب.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب المظالم، باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء 5/118، وصحيح مسلم كتاب المساقاة، باب قدر الطريق إذا اختلفوا فيه 3/1232، والمسند 2/429، وسنن أبي داود كتاب الأقضية، أبواب من القضاء 4/48، وسنن الترمذي كتاب الأحكام، باب ما جاء في الطريق إذا اختُلف فيه كم يجعل 3/628، وسنن ابن ماجه كتاب الأحكام، باب إذا تشاجروا في قدر الطريق 2/784.
قلت: وهذا القدر من سعة الطريق مناسب لحالة الناس فيما مضى حينما كانت وسائل النقل هي الدواب فقط، ولا يُعَلُّون المنازل فتتقارب نوافذها فتنكشف عورات ساكني الغرف كما هو الحال اليوم، ولهذا فإنه ينبغي أن لا تقل سعة الطريق المحدث اليوم عن اثني عشر متراً كي يسمح لوسائل النقل الحديثة بالتنقل من خلاله، وتتباعد نوافذ الدور المتقابلة عن بعض.(6/2689)
قال: هذا عندي على حين يريدون أن يضعوا1 الطريق، وأما كل طريق، ثبت، وقسم.2
قال إسحاق: كما قال سواء.
قال إسحاق: السنة إذا كانت3 أرض بين قوم، فاقتسموها ليبني كل واحد بناءً، فقالوا: ندع الطريق بيننا، فتشاجروا،
__________
1 في نسخة ع: "يصنعوا".
2 هكذا ورد في جميع نسخ المخطوطة، ولعل في المسألة نقصاً وهو خاتمة كلام الإمام أحمد، والذي يظهر أن العبارة تستقيم هكذا: "وأما كل طريق ثبت وقسم فلا….".
3 في نسخة ع: "كان".(6/2690)
وضع الطريق1 على سبعة أذرع2 بذراع اليد.
فأما الطريق3 التي يمر فيها قوم، فإنها لا تحول عن جهتها وإن اتسعت.
[1898-] قلت: الرجل يستهلك للرجل الطعام، أو شيئاً من العروض، ما عليه؟
قال: عليه قيمته يوم غصَبه.
عاودته بعد ذلك؟ فجَبُن عنه.
قال إسحاق: كما قال: يوم غصبه.4
__________
1 في نسخة ع: "وضع الطريق بينهما".
2 في نسخة ع: "سبع" وهذا موافق لرواية الإمام أحمد في المسند وفي مختار الصحاح 221 قال: ذراع اليد يذكر ويؤنث والمثبت في الأصل هو التذكير للأذرع، وقد أنث عددها وهو موافق لما جاء في قوله تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} [سورة الحاقة آية 7] .
3 في الأصل: "الذي"، والصحيح ما أثبتناه لمطابقة الضمير للاسم قبله ولسياق الكلام بعده.
4 نقل حرب، وإبراهيم بن هانىء: أن ما كان من الطعام والدراهم أوما يكال، ويوزن فعليه مثله، ليس القيمة، فظاهر هذا: أن ما يكال، ويوزن له مثل، وما عدا ذلك لا مثل له -أي فله قيمته -. انظر: الروايتين والوجهين 409.
وفي رؤوس المسائل ورقة 275: إذا غصَب ما لا مثل له وأتلفه: ضمنه بقيمته يوم الإتلاف.
وقال مالك: يوم غصبه، وجاء في الموطأ عن يحيى قال: سمعت مالكاً يقول: الأمر عندنا فيمن استهلك شيئاً من الحيوان بغير إذن صاحبه، أن عليه قيمته يوم استهلاكه، ليس عليه أن يؤخذ بمثله من الحيوان، ولا يكون له أن يعطى صاحبه فيما استهلك شيئاً من الحيوان، ولكن عليه قيمته يوم استهلكه، القيمة أوعدل ذلك فيما بينهما في الحيوان والعروض.
انظر: الموطأ كتاب الأقضية، باب القضاء في استهلاك الحيوان والطعام وغيره 2/735، وانظر: المغني مع الشرح الكبير 5/436.(6/2691)
[1899-] قلت: إذا استودع الرجل مالاً، فباع به لنفسه، وربح فيه، لمن الربح؟ 1
قال: الربح لصاحب المال على حديث عروة البارقي2 في الشاة.
قال إسحاق: كما قال.
[1900-] قلت: من كره البر بالشعير إلا مثلاً بمثل، وإن3 كان يداً
__________
1 في الأصل: "لمن الربح" ساقطة.
2 نص على ذلك في مسائل عبد الله 308، ومسائل صالح ورقة 54.
وقد تقدم الكلام على حديث عروة البارقي عند المسألة رقم (1864) .
3 في الأصل: "إلا".(6/2692)
بيد؟
قال: أهل المدينة يكرهونه.
قلت: ما تقول أنت؟
قال: أرجو أن لا يكون به بأس.1
قال إسحاق: لا بأس به.2
__________
1 في الأصل: "بأساً" والصواب ما أثبتناه.
2 قال أبوداود في مسائله 197: سمعت أحمد يقول: أهل المدينة يكرهون الشعير بالبر اثنين بواحد، ولكنا لا نرى به بأساً.
وفي مسائل ابن هانىء 2/17 سئل عن الرغيف بالرغيفين؟ قال: إذا كان برًّا ببرٍّ فلا، ولكن رغيفي شعير برغيف حنطة فلا بأس يدا بيد.
وجاء في الإشراف لابن المنذر 122: أن مالكا، والليث بن سعد لا يجيزان بيع الحنطة بالشعير إلا مثلا بمثل، قال: وكره البر بالشعير متفاضلاً: الحكم، وحماد، وقالت طائفة: لا بأس بالتفاضل بينهما يدا بيد. وذكر منهم سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور، وقال ابن المنذر: لا بأس بذلك متفاضلا يداً بيد.
قال المروزي في اختلاف العلماء ورقة 92: إن مالكا، والأوزاعي، وأهل المدينة جعلوا البر والشعير صنفاً واحداً، فقالوا: لا يجوز أن يباع البر، والشعير إلا مثلا بمثل يداً بيد، وقال سفيان، وأهل العراق: البر، والشعير صنفان مختلفان، لا بأس أن يباع أحدهما بالآخر متفاضلاً، يدا بيد، ولا يجوز نسيئة، وكذلك قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقد ورد في الموطأ عن مالك، عن نافع، عن سليمان بن يسار أنه أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فنى علفُ دابته، فقال لغلامه: خذ من حنطة أهلك طعاما فابتع به شعيراً، ولا تأخذ إلا مثله.
انظر: الموطأ كتاب البيوع، باب بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما 2/646.
قلت: والراجح: جواز التفاضل بين البر والشعير لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت: "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد".
وفي رواية: "إذا كان يدا بيد".
ولأنهما من بين الأصناف المذكورة في الحديث، فجاز التفاضل بينهما. انظر: صحيح مسلم كتاب المساقاة 3/1211.(6/2693)
[1901-] قلت: الملاح يضمن الطعام له الزيادة وعليه النقصان؟
قال أحمد: عليه النقصان والزيادة لصاحب [ع-126/أ] المال.1
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 نص على ذلك في مسائل عبد الله 303.
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن، وقد سئل عن الملاح يحمل الطعام؟ فقال: له الزيادة وعليه النقصان.
وفي رواية أخرى عن ابن سيرين في الرجل يستأجر الملاح على أن عليه النقصان، والزيادة له؟ قال: الزيادة لصاحب الطعام والنقصان على الملاح.
وعن إبراهيم قال: إذا دفع الرجل إلى الملاح الطعام، فهو ضامن لما نقص. انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية 7/97.(6/2694)
[1902-] قلت: رجل ضل بعير له أعجف1، فوجده في يد رجل قد أنفق عليه حتى سمن؟
قال: هو بعيره يأخذه2 من أمر هذا أن يأخذه، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "دعها معها حذاؤها وسقاؤها".3
__________
1 عَجف الفرس عَجْفاً من باب تعب: ضَعُفَ، ومن باب قرب: لغة فهو أعجف، وشاة عجفاء، وجمع الأعجف: عجاف على غير قياس. انظر: المصباح 467.
قلت: والشاهد قوله تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ} [سورة يوسف آية 46] .
2 في الأصل "بعيره" بدون كلمة: يأخذه، وما أثبتناه أصح، وقد أثبتها ابن القيم في بدائع الفوائد 3/279.
3 هذا الحديث أخرجه البخاري عن زيد بن خارجة الجهني قال: جاء أعرابي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسأله عما يلتقطه – إلى أن سأله عن ضالة الإبل، فتمعَّر وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "مالك ولها، معها حذاؤها، وسقاؤها، تَرِد الماء وتأكل الشجر" وقد نص الإمام أحمد على ذلك في مسائل صالح ورقة 23، وذكرها في رؤوس المسائل ورقة 305.
وأورد ابن القيم نفس المسألة، ثم قال بعدها: ولا يناقض هذا قاعدته – أي الإمام أحمد – فيمن أدى عن غيره واجباً بغير إذنه، أنه يرجع عليه، لأن هذا متعد بأخذ البعير حيث نهاه الشارع عن أخذه.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب اللقطة، باب ضالة الإبل 5/80، وبدائع الفوائد 3/279.(6/2695)
قال إسحاق: إن كان أخذه في دار مضيعة، فأنفق عليه ليرده إلى الأول1، ويأخذ2 النفقة كان له ذلك.
[1903-] قلت: نهى3 عن حبل الحبلة؟ 4
قال: حبل الحبلة نتاج النتاج.
__________
1 في نسخة ع: "للأول" وهو خلاف الأولى بدليل قوله تعالى: {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ} [سورة طه آية 40] ، وقوله: {مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [سورة يوسف آية 65]
2 في الأصل: "وليأخذ" والصحيح ما أثبتناه وهو مطابق لما جاء في بدائع الفوائد.
3 كلمة "نهى" ناقصة من نسخة ع.
4 حَبَلَ الحَبَلَة بفتح الجميع: الولد الذي في بطن الناقة وغيرها. المصباح 145.
وانظر أيضاً: مختار الصحاح 121.
وقد روى أحمد، والبخاري، ومسلم، وأبوداود، والترمذي، وابن ماجه عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة".
انظر: المسند 1/56، وصحيح البخاري مع الفتح كتاب البيوع، باب بيع الغرر، وحبل الحبلة 4/356، ومسلم كتاب البيوع، باب تحريم بيع حبل الحبلة 3/1153، وأبوداود كتاب البيوع، باب في بيع الغرر 3/675، والترمذي كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع حبل الحبلة 7/257، والنسائي كتاب البيوع، باب بيع حبل الحبلة 7/257، وابن ماجه كتاب التجارات، باب النهي عن شراء ما في بطون الأنعام 2/740.(6/2696)
قال: يقول: يعني: ما تحمل، ما في بطن ناقتك.1
قال إسحاق: كما قال.
[1904-] قال: قلت: -يعني لسفيان-2 ترى3 بسهام القصابين4 بأساً؟
قال: ما يعجبني.
قال أحمد:5 لا أدري أي6 شيء هو؟ إن كان شيئاً مجهولاً لا يجوز
__________
1 قال ابن هانىء في مسائله 2/6: سئل – يعنى أحمد – عن بيع الحبلة؟ قال: تكون الناقة حاملاً، فتقول: أبيعك ما في بطن هذه الناقة وذكر مثل ذلك في مسائل عبد الله 291، والإشراف لابن المنذر ورقة 109.
2 في نسخة ع: (قلت: قال سفيان) وهو خطأ، لأن ما بعده سؤال موجه إليه فكيف يكون قوله؟
3 في نسخة ع: "لا يرى".
4 قلت: وسهام القصابين: السهم النصيب، والجمع أسهم وسهام، والقصاب: الجزار كما في المصباح 346، 494، وسهم القصاب نصيبه من الذبيحة والمقصود هنا نصيبه الذي بمثابة الأجرة، وقدره مجهول حتّى يفرز، ولهذا كره.
5 بياض في نسخة ع.
6 في نسخة ع: "إلى أي".(6/2697)
قال إسحاق: كما قال، لا يجوز وهو مجهول عندنا.
[1905-] قلت: يُردُّ من الزنا؟
قال: وأي داء أدوى منه، إذا كانت معروفة به.1
قال إسحاق: شديداً.
[1906-] قلت: يضمن الأجير؟
قال: أما ما عنتت2 يده فنعم
__________
1 المراد بقوله "يرد من الزنا"، أي: الجارية تباع فيثبت بها عيب وهو ارتكابها فاحشة الزنا.
قال في المحرر 1/327: ولا يرد الرقيق بعيب من فعله كالزنا والسرقة والإباق والبول في الفراش إلا إذا كان مميزاً.
وفي الكافي 2/90: والزنا عيب، لأنه يوجب الحدود.
وفي المغني 4/116، والشرح الكبير 2/378 قال: الزنا، والبخر عيب في العبد، والأمة جميعاً.
وذكر في المقنع 2/44، والإنصاف أن الزنا من عيوب الرقيق نص عليه، ثم أشار إلى أن المذهب اعتبار الزنا عيباً في العبد متى بلغ عشرين عاماً، وفي رواية: أن يكون مميزاً.
2 تعنته: أدخل عليه الأذى، وأعنته: أوقعه في العنت، فيما يشق عليه تَحَمله، والعنت: الخطأ. انظر: المصباح 515.(6/2698)
قال إسحاق: كما قال.1
[1907-] قلت: يضمن صاحب الوديعة؟
قال: لا والله إلا أن يتهم بريبة، كما ضمن عمر رضي الله عنه أنساً.
قال إسحاق: شديداً.2
[1908-] قلت: يضع عن المكاتب، ويعجل له؟
__________
1 أخرج عبد الرزاق عن قتادة قال: يضمن كل عامل، أخذ أجراً، إذا ضيع. قال معمر: وقال لي ابن شبرمة: لا يضمن إلا ما اعنتت يده. انظر: المصنف كتاب البيوع، باب ضمان الأجير الذي يعمل بيده 8/216.
وقد تقدم الكلام فيما سبق على ضمان الأجير، والصناع عند المسألتين رقم (1862، 1863) .
2 سبق التعليق على ذلك وبيان الراجح من المذهب عند المسألة رقم (1814) .
وقد ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 185 قول أحمد وإسحاق هذا، وقال أجمع أهل العلم على أن المودع إذا حرز الوديعة، ثم تلفت من غير جناية: أنه لا ضمان عليه. وأخرج البيهقي عن أنس بن مالك: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضمنه وديعة سرقت من بين ماله". وقال الشافعي: يحتمل أنه كان فرط فيها فضمنها إياه بالتفريط، والله أعلم.
انظر: السنن الكبرى كتاب الوديعة، باب لا ضمان على مؤتمن 6/289.(6/2699)
قال: ما أعلم به بأساً،1 هو ملكه بعد.
قال إسحاق:2 لا يقاطعه أبداً، إلا بعوض.
[1909-] قلت: من يقول: لا يُسْلم في برٍ حتى يُسَنْبِل، ولا في نخل حتى يكون زهواً؟
قال: يقول في زرع بعينه ونخل بعينها.
قال إسحاق: كما قال.3
[1910-] قلت: يسلم في الكرابيس4 بذرع معلومٍ؟
__________
1 ذكر ذلك الخرقي في مختصره كتاب المكاتب ص247، وورد في العدة شرح العمدة 354، ومثله في المحرر 2/9، وشرح المفردات 2/100.
وقال صاحب العدة في تعليقه على هذه المسألة: إن مال الكتابة غير مستقر، وليس بدين صحيح، فيحمل على أنه أخذ بعضاً، وأسقط بعضاً، والدليل على أنه غير مستقر، أنه معرض للسقوط بالعجز، ولا تجوز الكفالة له ولا الحوالة عليه، ولا تجب فيه زكاة بخلاف الدين على الأجنبي، فإنه دين حقيقي، والذي يحقق هذا أن المكاتب عبد للسيد وكسبه ينبغي أن يكون له.
2 هذه الجملة ساقطة من نسخة ع.
3 سبق أن استوفيت البحث في ذلك أثناء التعليق على المسألة الأولى عند الكلام على السلم، وبيع الثمار.
4 الكرباس: بكسر الكاف فارسي معرب، ينسب إليه بياعه، فيقال: كرابيسي، وفي حديث عمر رضي الله عنه "وعليه قميص من كرابيس" هي جمع: كرباس، وهو ثوب غليظ من القطن.
انظر: تهذيب اللغة للأزهري 10/425، وتاج العروس 16/432، ومعجم الوسيط 2/781.(6/2700)
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال [ظ-55/ب] .1
[1911-] قلت: يقال للسقا: صب لي عشرين قربةً بدرهم؟
قال: ما أعلم به بأساً، إلا أن يعجل له الدرهم2 يقول: إن عجلت لي الدرهم، صببت لك عشرين قربة، وإن لم تعجل لي، صببت لك خمس عشرة قربة، فيكون قرضا جر منفعة.
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 أخرج البيهقي عن ابن عباس أنه سئل عن السلف في الكرابيس؟
قال: إذا كان ذرع معلوم، إلى أجل معلوم، فلا بأس، وفي رواية عند ابن أبي شيبة عن زكريا قال: سئل عامر عن السلم في الكرابيس؟ فقال: فقد كنت أفعله.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية، باب في السلم في الثياب 6/388، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب البيوع، باب السلف في الحنطة والثياب 6/26.
2 في الأصل "الدراهم" بالجمع وما أثبتناه أصح، لأن السياق يقتضيه.
3 سبق الكلام على مثل ذلك عند المسألة رقم (1836) .(6/2701)
[1912-] قلت: إذا أخذ1 من الخباز الخبز2 رطلا3 بعد رطل، فإذا استوفى4 أعطاه أو5 يعجل له الدرهم؟
قال: لا بأس به عجل، أو لم يعجل6 إلا أن يكون يعجل له، ليرخص عليه فيكون قرضاً جر منفعة.7
__________
1 في نسخة ع: "يأخذ".
2 هذه الكلمة ناقصة من نسخة ع.
3 الرطل معيار يوزن به، أو يكال وهو بغدادي يختلف باختلاف البلاد، وهو اثنتا عشرة أوقية، والأوقية اثنا عشر درهما.
قلت: وعلى هذا يكون الرطل مائة وأربعة وأربعين درهما تقريباً.
انظر: المعجم الوسيط 1/352، والمصباح 1/273.
4 في نسخة ع: "استوفى الدرهم".
5 في نسخة ع: "و" وهو خطأ، لأن الكلام يدل على التخيير لا الجمع بين الأمرين.
6 في نسخة ع: "عجل له"، "أولم يعجل له" وسواء حذفت كلمة "له" أوأثبتت فالكلام مستقيم.
7 ذكر أبو داود في مسائله ص194، 198، مسألة مشابهة قال: سمعت أحمد سئل عن الرجل يبعث إلى البقال فيأخذ منه الشيء ثم يحاسبه بعد ذلك؟ قال: أرجوأن لا يكون به بأس، كما جوز أحمد السلف في الخبز يأخذه كل يوم.
وفي بدائع الفوائد لابن القيم 4/103 نقل روايتين مماثلتين عن الأثرم قال فيهما: إن يأخذ على معنى البيع وليس على معنى السلف وأن يقاطعه بقيمته يوم أخذه فلا بأس.(6/2702)
قال إسحاق: كما قال.1
[1913-] قلت: قال يعنى لسفيان: ما ترى في بيع2 الروايا بالدرهم؟
قال: ليس له حد.
قال أحمد: لا بأس به، نحن نشتري عشر قرب بدرهم.
قال إسحاق: كما قال3 أحمد.
[1914-] قلت: أجر4 السمسار،5 والكرى، والقصار،6 والشرى7
__________
1 في نسخة ع: "قال سواء".
2 هذه الكلمة ساقطة من نسخة ع.
3 في نسخة ع: "على ما قال".
4 في نسخة ع: "أجور".
5 السمسار: هو المتوسط بين البائع والمشتري لإمضاء البيع، وقيل السمسار: القيم بالأمر الحافظ له، وسمسار الأرض: العالم بها والحاذق المتبصر في أمورها.
انظر: تهذيب اللغة للأزهري 13/155، وتاج العروس 12/86، والنهاية في غريب الحديث 2/400.
6 القصار: يقصر الثوب قصراً، وحرفته القصارة. انظر: تهذيب اللغة 8/360، وتاج العروس 13/431.
7 قلت: الشرى، أي ما يقابل الجهد الذي يبذله المشتري للبضاعة، فيقدر أجرة لتعبه، ووقته، ويضيفها على رأس المال المدفوع في البضاعة.(6/2703)
واللفائف1 توضع على المتاع ثم يبيعه مرابحة؟
قال أحمد: يقول: اشتريت كل ثوب بكذا،2 وقصرته بكذا،3 وأجر السمسار كذا، وأبيعك بكذا.
قال إسحاق: كما قال.4
[1915-] قلت: قال: شهدت ابن عمر رضي الله عنهما يبيع ثمرة أرضه فقال: أبيعكها بأربعة آلاف، بطعام الفتيان؟
قال: إذا كانت الثنيا تعلم فلا بأس.
قال إسحاق: كما قال.5
__________
1 هي المواد التي تغلف بها البضائع من: صناديق، وأكياس، وأقمشة، وحبال، وغيرها لحفظ البضاعة عن التمزق والضياع.
2 في نسخة ع: "بكذى وكذى" في كلا النسختين، ولقد اعتمدت الرسم المستعمل حالياً فقلبت الياء ألفاً فيما أثبته.
3 في نسخة ع: "بكذى وكذى" في كلا النسختين، ولقد اعتمدت الرسم المستعمل حالياً فقلبت الياء ألفاً فيما أثبته.
4 سبق التعليق على هذه المسألة عند المسألة رقم (1806) ، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن طاوس: أنه سئل عن الرجل يشتري البر فيتكارى له أيأخذ له ربحاً؟ قال: إذا بين.
انظر: المصنف كتاب البيوع، باب في النفقة تضم إلى رأس المال 6/108.
5 سبق تحقيق ذلك وبيان الراجح من المذهب فيها عند المسألة رقم (1844) .
وقد أخرج عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: سمعت شيخاً يقال له الزبير أبوسلمة قال: سمعت ابن عمر وهو يبيع ثمرة له، فيقول: أبيعكموها بأربعة آلاف، وطعام الفتيان الذين يعملونه.
انظر: المصنف كتاب البيوع، باب بيع الثمر، ويشترط منها كيلا 8/261.
وروى مالك، عن عبد الله بن أبي بكر أن جده محمد بن عمرو بن حزم باع ثمر حائط له يقال له: الأفرق بأربعة آلاف درهم، واستثنى منه ثمانمائة درهم تمراً، وقال مالك: الأمر المجمع عليه عندنا: أن الرجل إذا باع ثمر حائطه أن له أن يستثنى ما بينه وبين ثلث الثمر لا يجاوز ذلك، وما كان دون الثلث فلا بأس بذلك، فأما الرجل يبيع ثمرة حائطه، ويستثنى ثمر نخلة، أونخلات اختارها ويسمى عددها، فلا أرى بذلك بأساً.
انظر: الموطأ كتاب البيوع، باب ما يجوز في استثناء الثمر 2/622.(6/2704)
[1916-] قلت: تكره العَرَّةُ1 في الأرض؟
قال: شديداً [ع-126/ب] .
قال إسحاق: إن فعل جاز، وكان ابن عمر رضي الله عنهما
__________
1 في الأصل: "العدة".
والعُرة بالضم: الجرب، والعرة – بالفتح – الفضيحة، والقذر ويقال: فلان عرة، كما يقال: قذر. انظر: المصباح 477.
قلت: والمقصود هنا: عذرة بني آدم كما ذكره البيهقي عن الأصمعي في السنن الكبرى كتاب المزارعة، باب ما جاء في طرح السرجين والعذرة في الأرض 6/139.(6/2705)
يشدد فيه.1
[1917-] قلت: رجل اشترى سلعة فنمت2 عنده فوجد3 البيع غير جائز؟
قال: إن شاء المشتري حبسها ورجع عليه بقدر الداء، وإن شاء ردها، فإن كان فيها نماء رجع عليه بقدر نمائها.4
__________
1 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 170 باب كراهية الزرع بالعرة ثم قال: كرهه ابن عمر، وكره بيع رجيع ابن آدم مالك، وحرَّمه الشافعي، وحرم بيعه وشراءه، وكره أحمد العرة في الأرض، وقال إسحاق: إن فعله جاز. وقد روينا عن سعد بن أبي وقاص كالرخصة فيه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يكري، ويشترط أن لا يدمِّن بالعرة.
وعن عبد الله بن دينار أن رجلاً كان يزرع أرضه بالعذرة، فقال له عمر بن الخطاب: أنت الذي تطعم الناس ما يخرج منهم.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه أن ابن عمر كان إذا أكرى أرضه اشترط على صاحبها أن لا يعرَّها.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية، باب العذرة تضمن بها الأرض 7/68، 69، والبيهقي في المرجع السابق.
2 هذه الكلمة غير واضحة في نسخة ع.
3 في نسخة ع: "ووجد".
4 ورد في مسائل ابن هانىء 2/8 قوله: سألت أبا عبد الله عن السلعة المعيبة: رجل اشترى من رجل ثوباً، ثم وجد به عيباً؟ قال: يرده عليه، قلت: فيأخذ منه بقدر عيبه ولا يرده عليه؟ قال: نعم.
وفي مسائل عبد الله 282 مثل ذلك، وفي مختصر الخرقي 86، والإشراف لابن المنذر ورقة 128.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه – كتاب البيوع، باب الضمان مع النماء 8/177 عن الزهري أنه سئل عمن اشترى غنماً فنمت ثم جاء أمر برد البيع فيه؟ قال: يرد مثل غنمه، والنماء له، فإن الضمان عليه.
وفي المحرر 1/324 ذكر روايتين عن أحمد في رد المعيب أوإمساكه مع أخذ الأرش. وقال عن الثانية: هو المذهب، فإن كان قد نما نماءً منفصلاً لم يلزم رده معه كالكسب، وفي رواية يلزمه، وإن كان النماء ولد أمة تعين الأرش لتعذر التفرقة ووافقه صاحب المقنع 2/45، والإنصاف 4/412، وزاد في النماء المنفصل فقال: هو للمشتري، وهو المذهب. وجزم به في شرح منتهى الإرادات 2/177.
وقد ذكر ابن تيمية في الاختيارات العلمية، الناشر: مطبعة كردستان العلمية عام 1329هـ 5/74 رواية لأبي طالب مشابهة لرواية ابن منصور هذه.(6/2706)
قال إسحاق: كما قال.
[1918-] قلت: رجل1 دفع إلى صباغ ثوباً ليصبغه، فصبغه، فقال صاحب الثوب: لم آمرك بهذا الصبغ، والخياط والصائغ كذلك؟
__________
1 هذه الكلمة ناقصة من نسخة ع.(6/2707)
قال1: القول قول المدفوع إليه، ويستحلف أيضاً مع ذلك.2
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 هذه الكلمة ناقصة من نسخة ع.
2 قال في رؤوس المسائل ورقة 289: إذا اختلف الخياط وصاحب الثوب في التفصيل، فقال الخياط قباء، وقال الآخر قميصا: فالقول قول الخياط وهكذا الاختلاف مع الصباغ في الصبغ، لأنهما اتفقا في الإذن واختلفا في صفته، فكان القول قول المأذون له، كالمضارب ورب المال إذا اختلفا في الجنس الذي يتجر فيه، ولأنه مأذون له في التصرف أشبه الوصي إذا ادعى الإنفاق على اليتيم.
نص على ذلك في مسائل ابن هانىء 2/8، ومسائل صالح ورقة 48، 71، ومسائل عبد الله 283، وورد مثل ذلك في رؤوس المسائل ورقة 224، إلا أنه قال: فصبغه بدل: قطعه.
وقال في شرح المنتهى 2/177: ولا يرد مشتر – رد مبيعاً لعيبه – نماء منفصلاً منه كثمرة، وولد بهيمة إلا لعذر كولد أمة فيرد معها لتحريم التفريق، وللمشتري قيمة الولد على البائع. وأخرج ابن أبي شيبة عن شعبة قال: سألت الحكم عن رجل اشترى ثوباً فقطعه فوجد به عواراً؟ قال: يرده، وسألت حماداً؟ فقال: يرده ويرد معه أرش التقطيع.
انظر: المصنف كتاب الأقضية، باب في رجل يشتري من الرجل الثوب فيقطعه، ثم يجد به عواراً 6/336.
وقد ذكر ابن حزم في المحلى 9/744 قول أحمد، وإسحاق هذا.(6/2708)
[1919-] قلت: رجل اشترى ثوباً فقطعه قميصاً، ثم رأى به عيباً؟
قال: إذا رأى به عيباً، فإن شاء رد القميص، ورجع البائع على المشتري بقدر النقصان من القطع، وإن شاء حبسه المشتري، ورجع على البائع، بقدر الذي نقص من القيمة.
قال إسحاق: كما قال.
وهذا1 رأي شريح.
[1920-] سئل أحمد عن رجل استعار دابَّة إلى مكان سماه، فعطبت؟
قال: هو ضامن، والعارية مؤداة2، "على اليد ما أخذت حتى تؤدي".3
قال إسحاق: كما قال.
[1921-] قلت: الموازنة يكون للرجل على الرجل أربعة4 دوانيق،5 فيضع هو
__________
1 في نسخة ع: "وهو".
2 سبق تحقيق هذه المسألة عند المسألة رقم (1813) .
3 هذا الحديث سبق تخريجه عند المسألة رقم (1813) .
4 في الأصل "أربع" وما أثبتناه أصح، لأن: دوانق جمع دانق وهو مذكر، فلزم تأنيث عدده.
5 دانق، ودانق، ودوانيق، والدانق مُعَرَّب، وهو سدس درهم.
انظر: تهذيب اللغة 9/35، والمصباح 239.(6/2709)
دانقين في كفة، ويضع غريمه درهماً في كفة؟
قال: الموازنة لا بأس بها.1
قال إسحاق: كما قال إلا أن يتهاونوا في الرجحان.
[1922-] قلت: اشترى شيئاً وهو بالخيار، ولم يسم إلى متى؟
قال: له الخيار أبدً أو يأخذه.
قال إسحاق: كما قال.2
[1923-] قال أحمد: في البستان يكون فيه الفواكه، لا يبيع إلا ما طاب
__________
1 ذكر في الفروع 4/149 أن الإمام أحمد جوز بيع موزون ربوي بجنسه، وفاقاً لمالك وقال في ص152: ويحرم بيع الموزون بجنسه إلا وزناً نقل الجماعة، وروى مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط: أنه رأى سعيد بن المسيب يراطل الذهب بالذهب فيفرغ ذهبه في كفة الميزان، ويفرغ صاحبه الذي يراطله ذهبه في كفة الميزان الأخرى، فإذا اعتدل لسان الميزان أخذ وأعطى.
قال مالك: الأمر عندنا في بيع الذهب بالذهب، والورق بالورق مراطلة، أنه لا بأس بذلك أن يأخذ أحد عشر ديناراً بعشرة دنانير يداً بيد إذا كان وزن الذهبين سواء عيناً بعين، وإن تفاضل العدد، والدراهم أيضاً في ذلك بمنزلة الدنانير.
انظر: الموطأ كتاب البيوع، باب المراطلة 2/638.
2 هذه المسألة بكاملها غير موجودة في الأصل.(6/2710)
منه.
قلت: كيف يباع النخل إذا طاب بعضه؟
قال: ليس هذا مثل النخل، إنما النخل، صنف واحد،1 وهذه أصناف مختلفة.
قال: وسمعته يقول في التين: لا يبيع2 إلا ما طاب منه، إذا كان بين أوله وآخره، تفاوت.
قال إسحاق: كما وصفنا3 من قبل، إذا طاب أوله، جاز له البيع.4
[1924-] قلت: إذا دفع الأرض بالثلث5، والربع، أو الثوب بالثلث، والربع ودراهم؟ 6
قال: أكره الدراهم في الأرض، والثوب
__________
1 ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "يباع".
3 في نسخة ع: "كما قال، ووصفنا".
4 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1841) .
5 في نسخة ع: "أو".
6 في نسخة ع: "ودرهم".(6/2711)
قال إسحاق: كلما بيَّن جاز.1
[1925-] قلت: قال يعنى لسفيان:2 ما ترى في مشاركة النصراني؟
قال: أما ما يغيب عنك3، فلا يعجبني.
قال أحمد: أحسن.4
__________
1 لقد استوفيت التعليق على مثل ذلك عند المسألة رقم (1865) .
2 في نسخة ع: "قال: قلت – يعنى لسفيان"، وما أثبتناه أقرب إلى الصواب، فقد جاء في رواية الخلال عن إسحاق بن منصور ما يلي: "قال لأبي عبد الله، قال يعني لسفيان." فذكر المسألة بنصها.
3 في نسخة ع: "فما".
4 نص على ذلك في مسائل عبد الله 295، وروى الخلال بسنده في كتاب أحكام أهل الملل ورقة 46، 47، 48 عن إسحاق بن إبراهيم وإبراهيم بن هانىء، وأبي طالب، والأثرم، وإسحاق بن منصور، والعباس بن محمد بن موسى الخلال وعبد الله بن حنبل، وحرب كلهم قالوا: إن أحمد قال: لا يعجبني مشاركة اليهودي، والنصراني، إلا أن يكون المسلم الذي يلى الشراء، والبيع، وقال: لا يخلو اليهودي، والنصراني بالمال، لأنه يعمل بالربا، كما روى بسنده عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مشاركة اليهودي، والنصراني إلا أن يكون الشراء، والبيع بيد المسلم، وعن مجاهد، وعطاء، وطاوس، أنهم كرهو اشركة اليهودي، والنصراني إلا إذا كان المسلم هو الذي يرى الشراء والبيع.
وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه أهل الذمة، الناشر: دار العلم بيروت ط 2 1401هـ ج 1 /270، رواية ابن منصور هذه وما رواه الخلال وغيره في ذلك.
وروى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه لم يكن يرى بأساً بشركة اليهودي، والنصراني إذا كان المسلم هو الذي يلي الشراء والبيع.
وعن إياس بن معاوية قال: لا بأس بشركة اليهودي، والنصراني إذا كنت تعمل بالمال.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية، باب في مشاركة اليهودي والنصراني 6/8، والإشراف لابن المنذر ورقة 82.(6/2712)
قال إسحاق: كما قال بعد إذ يلي المعاملة بيده.
[1926-] قلت: رجل اشترى داراً فاستغلها، ثم باعها مرابحة؟
قال: يبين، وكذلك إذا اشترى ثوباً، فلبسه أياماً، أو اشترى جارية، فوطئها، أو اشترى بقرة، أو شاة، فشرب من لبنها، أو نحو ذلك،1
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 نص على مثل ذلك في مسائل ابن هانىء 2/8، وجاء في المقنع 2/54، وما يزاد في الثمن، أو يحط منه في مدة الخيار، أويؤخذ أرشاً لعيب، أوجناية عليه يُلْحَق برأس المال ويخبر به، قال الشارح: وكذا إن نقص المبيع بمرض، أو ولادة، أو عيب، أوتلف بعضه، أو أخذ مشتر صوفاً، أولبناً، أونحوه.
وقال في المبدع 4/107، والإنصاف 4/443: لوأخذ نماء ما اشتراه، أو استخدمه، أو وطئه: لم يجب بيانه على الصحيح من المذهب، وفيه رواية: كنقصه.(6/2713)
[1927-] قلت: إذا اشترى بيضة فوجد فيها، فروجة حية؟
قال: هذا ملك البائع إنما اشترى البيضة ليأكلها.1
قلت: وإن2 كانت ميتة؟ قال: يردها بالعيب.
قال إسحاق: كما قال [ظ-56/أ] .
[1928-] قلت: اشترى سمكة فوجد في بطنها درة؟
قال: هي للصياد.3
قلت: فإن أصاب في بطنها دراهم؟ [ع-127/أ]
قال: هذه لقطة، وكذلك كل شيء يوجد في بطن الحيوان ما خلا السمك فهي لقطة.4
__________
1 في نسخة ع: "يأكلها".
2 في نسخة ع: "وإذا".
3 ذكر ذلك الخرقي في مختصره ص87، وفي شرح المنتهى 2/178، 179، وكشاف القناع 3/211، 212، قال: "وإن كسر مشتر ما مبيعه مأكوله في جوفه كرمان وبطيخ، فوجد المأكول فاسداً، وليس لمكسوره قيمة كبيض الدجاج: رجع بثمنه لتبين فساد العقد من أصله".
4 ورد مثل ذلك في مسائل عبد الله 316، وفي الإنصاف 6/429، 430، قال: لو وجد في جوف حيوان درة، أو نقداً فهو لقطة لواجده على الصحيح من المذهب، وذكر عن إسحاق بن منصور رواية: أنها لقطة للبائع إن ادعاه، إلا أن يدعي المشتري أنه أكله عنده، فهو له، فأما إن كانت الدرة غير مثقوبة في السمكة فهي للصياد، لأن الظاهر ابتلاعها من معدنها. وستأتي هذه الرواية عند المسألة برقم (1931) .(6/2714)
قال إسحاق: كما قال.
[1929-] قلت: قال، قلت: يعني لسفيان: ما ترى في الرجل يجد الدراهم1 كم يعرفه؟
قال: أربعاً،2 قال أحمد: يُعرِّفه سنة،3 هي لقطة.
__________
1 هكذا ورد في كلتا النسختين "الدراهم" بالجمع، ولعل الصواب إفراده لأن السياق يقتضيه، فتكون العبارة: "ما ترى في الرجل يجد الدرهم كم يعرفه؟ ".
2 يقصد بذلك: أربعة أيام وهو قول سفيان ذكره ابن قدامة. انظر: المغني مع الشرح الكبير 6/320.
3 قال في المغني 6/320: روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عباس، وبه قال ابن المسيب، والشعبي، وروى عن عمر رواية أخرى أنه يعرفها ثلاثة أعوام، وذكر قول سفيان، وإسحاق.
قال في الإنصاف 6/411: التعريف حولاً كاملاً بلا نزاع في الجملة.
وروى أحمد في مسنده 4/173 عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من التقط لقطة يسيرة درهماً، أوحبلاً، أوشبه ذلك، فليعرفه ثلاثة أيام، فإن كان فوق ذلك فليعرفه سنة".
وروى البخاري، ومسلم، والترمذي عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة؟ قال: عرفها سنة ثم اعرف وكاءها، وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه" الحديث.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب في اللقطة، باب إذا جاء صاحب اللقطة 5/91، وصحيح مسلم كتاب اللقطة 3/1346، وسنن الترمذي كتاب الأحكام، باب ما جاء في اللقطة 3/646.(6/2715)
قال إسحاق: ما كان دون الدينار عرفه جمعة، ونحوها.
[1930-] قلت: اشترى داراً فوجد فيها دراهم؟
قال: هذه لقطة حتى يكون فيها ضرب الأكاسرة، فيكون ركازاً لمن وجده.1
__________
1 ذكر مثل ذلك الخرقي في مختصره 53، والقاضي في الروايتين والوجهين 469.
وقال في المحرر 1/222: كل مال مدفون في أرض الإسلام، وجدت عليه علامات الكفار، فهو ركاز وفيه الخمس وإن قل والباقي لواجده سواء كان المكان له أولغيره، وعنه: إن كان للمكان مالك فهو له، وإذا خلا المدفون من علامة، أوكان على شيء منه علامة الإسلام: فهو لقطة.
وقال ابن الجوزي في المذهب الأحمد 45: الركاز ما وجد من دفن الجاهلية عليه علامتهم، فإن كانت عليه علامة للمسلمين، أولم تكن عليه علامة: فهو لقطة، وورد في العدة شرح العمدة 134 مثله.
قلت: وليس المقصود خصوص ضرب الأكاسرة في اعتبار الركاز أوالكنز، وإنما المراد أن لا يكون من نقود المسلمين، أو النقود التي تملكوها ولوكانت جاهلية.(6/2716)
قال إسحاق: كما قال.
[1931-] قلت: قال الثوري: رجل وجد في بطن شاة عشرة دراهم؟
قال: هي للبائع إلا أن يدعى1 المبتاع أنها أكلته عنده.
قال أحمد: إن قال هذا: إنها أكلته عندي، فهو كما قال، وإلاّ رده على البائع، وإن قال البائع: ليست لي،2 فهي بمنزلة اللقطة.
قال إسحاق: كما قال.3
[1932-] قلت: قال الثوري في4 رجل اشترى سمكة فوجد في بطنها درهمين؟
قال: الدرهمان للبائع.
قال أحمد: الدرهمان للذي اصطادها، ثم قال بعدُ: يعرفهما.5
__________
1 في نسخة ع: "يدعيه".
2 في نسخة ع: "ليست هي لي".
3 في التعليق على المسألة رقم (1928) المماثلة ما يكفى.
4 حرف "في" ناقص في نسخة ع.
5 قلت: وكأن الإمامين أحمد وإسحاق، رأيا أن الدرهمين حكمهما حكم اللقطة، لأن السمكة ابتلعتهما في البحر ولا يعرف صاحبهما، ولا يحتمل أن يكونا من مال البائع أو المشتري. بخلاف مسألة الشاة. وقد سبق التعليق على المسألة برقم (1928) .(6/2717)
قال إسحاق: يعرفهما.
[1933-] قلت: ما الذي لا يُعَرَّف من اللقطة؟
قال: كل شيء يعرف إلا مالا قيمة له.1
قال إسحاق: كما قال.
[1934-] قال لي أحمد: ما تقول في رجل وجد كنزاً دراهم2 إسلامياً وجاهلياً في مكان واحد؟
قلت: هذه إسلامي، قال: فما تقول إذا وجدها متفرقة؟
قلت: الجاهلي ركاز، والآخر لقطة؟
__________
1 أمثلة ذلك في مختصر الخرقي 53، والمحرر 1/222، والعدة شرح العمدة 134، والمذهب الأحمد 45.
وقد روى البخاري، ومسلم، وأبوداود عن أنس رضي الله عنه قال: مر النبيّ صلى الله عليه وسلم بثمرة مسقوطة فقال: "لولا أن تكون صدقة لأكلتها".
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب البيوع، باب ما يتنزه من الشبهات 4/293، وصحيح مسلم كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم 2/751، وسنن أبي داود كتاب الزكاة، باب الصدقة على بنى هاشم 2/299.
2 كلمة "دراهم" ناقصة من نسخة ع.(6/2718)
قال: ما أحسن ما قلت.
[1935-] قال أحمد: ضربت الدراهم على عهد الحجاج بن يوسف.1
قال إسحاق: كما قال، إلا ما قال2 في العُتَّق مع دراهم إسلامي، لأن العتق حكمه أبداً حكم الركاز.3
[1936-] قلت: إذا اكترى رجل4 من رجل، دابة بعشرة دنانير، فأعطاه ديناراً، فيقول: إن ركبت الدابة، فالدينار من الكرى، وإن تركت الكرى، فالدينار لك؟
قال: هذا مكروه.5
__________
1 هو أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي، الأمير المشهور، الظالم السفاك، قائد داهية، ولى إمرة العراق عشرين عاماً، ولد في الطائف سنة أربعين للهجرة، ومات في العراق سنة خمس وتسعين.
انظر: وفيات الأعيان 2/29، وتقريب التهذيب 1/154.
2 جملة "إلا ما قال" ناقصة من نسخة ع.
3 في نسخة ع: "أبداً حكمه حكم الركاز".
4 هذه الكلمة ناقصة من نسخة ع.
5 سماه أحمد في مسائل عبد الله 280: "عربانَ البيع".
وفي النهاية 3/202: يقال أعْرَب في كذا، وعَرَّبَ، وعَرْبَن، وهو عربان وعُرْبونٌ، وعَرَبونٌ، قيل سمى بذلك لأن فيه إعراباً لعقد البيع أي: إصلاحاً وإزالة فساد.
وقد ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 137: أن ابن عباس، والحسن البصري كرهاه، وبه قال مالك.
وأخرج مالك، وأبوداود، وابن ماجه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان"، وذكر مالك تفسير ذلك فيما يشبه ما ورد في المسألة.
انظر: موطأ مالك كتاب التجارات: باب ما جاء في بيع العربان 2/609، وسنن أبي داود كتاب البيوع، باب في العربان 3/768، وسنن ابن ماجه كتاب التجارات، باب بيع العربان 2/738.(6/2719)
قال إسحاق: كلما شرط1 ذا وبينه للناس2 جاز لما يتعامل الناس به.3
[1937-] قلت: العبد بعبدين4 إلى أجل معلوم؟ 5
قال: أقول الحيوان بالحيوان نسيئة لا يصلح، وإذا كان يداً بيد فلا بأس الحيوان كلها.6
__________
1 كلمة "ذا" ناقصة من نسخة ع "بياض في محلها".
2 كلمة "للناس" ساقطة من الأصل.
3 كلمة "الناس به" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع: "بالعبدين".
5 كلمة "معلوم" ساقطة من الأصل.
6 هذا في معنى حديث سمرة وجابر رضي الله عنهما.
وقد سبق تخريجه عند المسألة رقم 75.(6/2720)
قال إسحاق: الذي نختار أن يكون يباع نسيئة حكمه حكم السلم.1
[1938-] قلت: الأمة تباع ويستثنى ما في بطنها؟
قال: إذا علم أنه ولد2 فله ثنياه، وكذلك إذا أعتقها، واستثنى ما في بطنها: فهو جائز.
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 ما قاله إسحاق فيه رواية عن أحمد وقد فَصَّلْت القول في ذلك عند المسألة (1811) ، وكأن إسحاق يأخذ بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد، وأبي داود حين أمره صلى الله عليه وسلم أن يبتاع إبلاً بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها، وبفعل علي رضي الله عنه حيث باع جملاً له يدعى عصيفر بعشرين بعيراً إلى أجل، وابن عمر حينما اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة يوفيها صاحبها بالربذة. انظر: المسند 2/171.
وسنن أبي داود كتاب البيوع والإجارات، باب الرخصة في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة 3/652، وموطأ مالك كتاب البيوع، باب ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض والسلف فيه 2/652.
2 في نسخة ع: "ولد بين".
3 ورد ذلك في مسائل عبد الله 281.
وقال في الروايتين والوجهين 352: إن ذلك رواية عن أحمد نقلها ابن القاسم، وسِندي، وابن منصور والرواية الثانية: تنص على عدم الجواز، نقلها حنبل،==(6/2721)
...........................................................................................................ز
__________
والمروذي، إذ لا يصلح الاستثناء في البيع، وقال أبوبكر: ولا تختلف الرواية أنه إذا أعتقها واستثنى حملها أن الشرط جائز.
وفي الإشراف لابن المنذر ورقة 136: ذكر أن طائفة قالت: البيع جائز والشرط لازم، وذكر منهم الحسن البصري، والنخعي، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور، وعدَّ الثوري ممن منعوا ذلك.
قال ابن المنذر: وهم يرون تقليد الواحد إذا لم يخالفه منهم غيره ولا نعلم لابن عمر في ذلك مخالفاً، وهذا يلزمهم.
وجاء في الكافي 2/35، وشرح المفردات 1/281 ذكر الروايتين عن أحمد، وأن المذهب هو منع الاستثناء المجهول في البيع، ومنه الحمل، وهي التي أثبتها شارح منتهى الإرادات 2/150.
وذكر صاحب الإنصاف 4/308: أنها – أي مسألة بيع الأمة واستثناء حملها – رواية عن أحمد نقلها ابن القاسم، وسندي.
والرواية الأخرى تنص على عدم جواز ذلك، وهو المذهب هذا في البيع مطلقاً، فإذا استثنى الحمل في العتق صح قولاً واحداً.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: من باع حبلى أو أعتقها واستثنى ما في بطنها قال: له ثنياه فيما قد استبان خلقه وإن لم يستبن خلقه، فلا شيء له، وعن شعبة قال: سألت الحكم، وحماداً عن الرجل يعتق الأمة، ويستثنى ما في بطنها؟ قالا: له ذلك، وفي رواية أخرى عند عبد الرزاق عن النخعي قال: إذا أعتق الرجل أمته، واستثنى ما في بطنها: فله ما استثنى. وقال سفيان: ونحن لا نأخذ بذلك، نقول: إذا استثنى ما في بطنها: عتقت كلها، إنما ولدها كعضو منها، وذكر روايات مماثلة عن الزهري، وقتادة، والحكم، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وجابر والشعبي.
وعن ابن عمر وبعض هؤلاء، روى ابن أبي شيبة جواز الاستثناء.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب المدبر، باب الرجل يعتق أمته ويستثنى ما في بطنها 9/172، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب الرجل يعتق أمته ويستثنى ما في بطنها 6/152، 153، 154، وباب الرجل يبيع الجارية أويعتقها ويستثنى ما في بطنها 429.(6/2722)
[1939-] قلت: رجل اشترى من رجل سلعة، إلى أجل، ثم ندم البائع فاستقال المشتري على أن يعطيه دراهم؟
قال: إذا أعطاه الدراهم فوق ما باعه، فليس به بأس.
قال إسحاق: شديداً كما قال.1
[1940-] قلت: من باع ثمرة حائطه، أو زرع أرضه على من الزكاة؟
قال: الزكاة إنما تكون على البائع.2
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 سبق التعليق على مثل ذلك عند المسألتين (1842، 1843) .
2 هذه المسألة بكاملها غير موجودة في الأصل.
3 الزكاة إنما تجب في الثمار إذا بدا صلاحها، ومتى بلغت مرحلة الصلاح، فليس له أن يتصرف فيها قبل الجداد حتّى تخرص فيضمن زكاتها، ثم يتصرف ببيع أوغيره، ولهذا فإنه متى باع الثمرة بعد النضج، لزمته زكاته.
انظر: المصنف لعبد الرزاق كتاب الزكاة، باب وآتوا حقه يوم حصاده 4/146، والمحرر لأبي البركات 221، والعدة شرح العمدة 132.(6/2723)
[1941-] قلت: يشتري الرجل الذهب بالفضة، والفضة بالذهب [ع-127/ب] جزافاً إذا كان1 تبراً أو حلياً قد صيغ؟
قال: ما يعجبني هذا.2
قال إسحاق: لا خير فيه.
[1942-] قلت: رجل باع من رجل3، حنطة بذهب، إلى أجل، ثم يشتري به تمراً قبل أن يقبض الذهب من بيعه؟
قال: لا يجوز شيء مما يكال، أو يوزن بشيء مما يكال أو يوزن، ولا بأس أن يشتري منه ما لا يكال، ولا يوزن.4
__________
1 في نسخة ع: "كانت".
2 قال أبو يعلى في الروايتين والوجهين 303: نقل أبو طالب، وأحمد، وهشام، وحرب: لا يباع فلس بفلسين، ولا سكين بسكينين، ولا إبرة بإبرتين مما أصله الوزن، لأن كل ما دخله الربا فإنه يجرى في معموله كالذهب والفضة.
وفي رؤوس المسائل 216: نص على عدم جواز بيع الموزونات بعضها ببعض جزافاً لأنه جنس يجري فيه الربا، وقال في موضع آخر 214: إن ما جرى الربا في تبره جرى في معموله كالذهب والفضة.
3 جملة "من رجل" ناقصة من نسخة ع.
4 نص على مثل ذلك في مسائل أحمد بن أَحْرَم بن خزيمة، كما جاء في بدائع الفوائد لابن القيم 4/73، وهذا مبناه على ما جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عند مسلم.
وقد تقدم في التعليق على المسألة رقم 1856، عند البخاري مع الفتح 4/377، 378.(6/2724)
قال إسحاق: كما قال سواء.
[1943-] قلت: يباع بعير ببعيرين إلى أجل؟
قال: لا يباع الحيوان بالحيوان نسيئة حديث سمرة.1
قال إسحاق: لا بأس به.2
[1944-] قلت: إذا كان للرجل الشفعة3، فمات، ولم يطلبها؟
قال: ليس لورثته شيء، قال: الشفعة، والحد، والخيار لا يورث، رجل قذف، أو رجل له4 خيار في بيع، أو شيء، إنما هو5 يطلبه هو بنفسه، فإذا6 مات لم ترثه
__________
1 في نسخة ع: "حديث الحسن عن سمرة".
2 سبق التعليق على ذلك عند المسألتين رقم (1858، 1936) .
3 في نسخة ع: "شفعة".
4 في نسخة ع: "ورجل كان له".
5 جملة "إنما هو" ناقصة من نسخة ع.
6 في نسخة ع: "وإذا".(6/2725)
ورثته.1
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 جزم الخرقي في مختصره 103 بسقوط الحق في الشفعة إذا مات صاحبها قبل مطالبته بها.
وقال في الإنصاف 6/297: إن مات قبل طلبها، لم يستحق الورثة الشفعة على الصحيح من المذهب نص عليه مرارا.
وفي القواعد الفقهية لابن رجب – القاعدة 144 ص316 – ذكر أن مما يقوم فيه الورثة مقام مورثهم من الحقوق: الشفعة إذا طالب بها المورث قبل موته، والقذف، وخيار الشرط، وإن لم يطالب، فليس للورثة أن يطالبوا، وهو المذهب، لأنه حق للمورث، فلا يثبت بدون مطالبة، غير أن القاضي قال في خلافه: إن علم منه رغبة في المطالبة، فللورثة الحق حينئذ، ثم إن المطالبة بالشفعة حقها أن تطلب على الفور، وما دام قد سكت مدة، فهو بذلك قد أسقط حقه بتركه وإعراضه.
ونقل أبو طالب: أن للولد حق المطالبة بالشفعة مطلقاً، كما قال أبوالخطاب: للورثة حق المطالبة بها.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري قال: سمعنا أن الشفعة لا تباع، ولا تورث، ولا تعار، وهي لصاحبها الذي وقعت له. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن سيرين، والشعبي قالا: الشفعة لا تورث.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب هل يوهب وكيف إن بنى فيها أوباع 8/83، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية، باب من قال الشفعة لا تورث 7/343.(6/2726)
[1945-] قلت: العمرى؟ 1
قال: العمرى أن يقول: هذا شيء لك حياتك، فإذا جعله، فله حياته ومماته.2
__________
1 العُمرى، بضم العين: نوع من الهبة، مأخوذة من العمر، يقال: أعمرته الدار عمرى، أي: جعلتها له يسكنها مدة عمره، فإذا مات عادت إليَّ، كذا كانوا يفعلونه في الجاهلية فأبطل ذلك الشارع صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن من أعمر شيئاً، أوراقبه في حياته، فهو لورثته من بعده.
انظر: المطلع على أبواب المقنع لابن مفلح 291، ومختار الصحاح 454.
2 روى مالك، ومسلم، وابن ماجه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل أعمر عمرى له، ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاه أبداً"، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن ابن عباس بلفظ: "من أعمر شيئاً، فهو له" وفي رواية "العمرى جائزة لمن أعمرها"، وعند ابن أبي شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه "من أعمر عمرى، فهي له ولورثته من بعده".
انظر: الموطأ كتاب الأقضية، باب القضاء في العمرى 2/756، وصحيح مسلم كتاب الهبات، باب العمرى 3/1245، وسنن ابن ماجه كتاب الهبات، باب العمرى 2/796، ومصنف عبد الرزاق كتاب المدبر، باب العمرى 9/186، 189، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية 7/138، 139.
وفي المغني مع الشرح الكبير 6/304، 307، قال: العمرى تنقل الملك للمعمر، وبهذا قال جابر بن عبد الله، وابن عمر، وابن عباس، وشريح، ومجاهد، وطاوس، والثوري، فإذا شرط في العمرى أنها للمعمر وعقبه فهذا تأكيد لحكمها، وتكون للمعمر وورثته، وإذا أطلقها، فهي للمعمر أيضاً، فإن شرط أنك إذا مت فهي لي: فعن أحمد روايتان:
إحداهما: صحة العقد والشرط، ومتى مات المُعْمَرُ رجعت إلى المُعْمِر.
والرواية الثانية: أنها تكون للمُعْمَر وورثته، ويسقط الشرط وهو ظاهر المذهب نص عليه في رواية أبي طالب، وهو الراجح لتضافر الأدلة عليه.(6/2727)
والرقبى:1 أن يرقبه بها يقول: إن مت فهي لك، أو هي راجعة إليَّ، فهذا مثل العمرى لا يرجع إلى الأول أبداً.
قال إسحاق: قال أو لم يقل فهو2 سواء لا يرجع أبداً.3
[1946-] قلت: السكنى؟ 4
__________
1 جاء في مختار الصحاح 252: أرقبه دارا: أعطاه إياها، والاسم منه: الرقبى، وهي من المراقبة؛ لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، وفي المطلع 291 قال: هي هبة ترجع إلى المُرْقِب إذا مات المُرْقَب، وقد نهي عنه.
2 كلمة "فهو" ناقصة من نسخة ع.
3 أخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب قال: العمرى والرقبى سواء، وفي رواية عن مجاهد "من أعمر عمرى، فهي له ولورثته من بعده لا ترجع إلى الذي أعمرها" والرقبى مثلها.
4 سكن داره، يسكنها بالضم، وأسكنها غيره إسكاناً والاسم من هذا: السكنى، كالعتبى من العتاب. انظر: مختار الصحاح 307.(6/2728)
قال: السكنى: أن يقول: هي لك سكنى حياتك، يرجع في السكنى، ولا يرجع في العمرى والرقبى.
قال إسحاق: كما قال [ظ-56/ب] .1
[1947-] قلت: أجر الحجام؟ 2
__________
1 روى مالك، عن نافع أن عبد الله بن عمر ورث من حفصة بنت عمر، دارها قال: وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب ما عاشت، فلما توفيت بنت زيد قبض عبد الله بن عمر المسكن ورأى أنه له.
وأخرج عبد الرزاق عن الشعبي قال: السكنى ترجع إلى أهلها، وفي رواية عن إبراهيم قال في السكنى: يرجع فيها صاحبها، إذا شاء فإنما هي عارية، وفي رواية عن نافع: أن حفصة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أسكنت مولاةً لها بيتا ما عاشت، فماتت مولاتها، فقبضت حفصة بيتها.
انظر: الموطأ كتاب الأقضية: باب القضاء في العمرى 2/756، والمصنف كتاب المدبر: باب السكنى 7/193.
2 المذهب جواز استئجار الحجام.
وفي رواية عن أحمد: لا يصح.
وعنه روايتان في أكل أجرة الحجام للحر:
إحداهما: يحرم.
والأخرى: يكره.
انظر: الإنصاف 6/48، 49.(6/2729)
قال: نحن نعطيه كما أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم،1 فلما سئل عن أكله نهى عنه، فلما ألح عليه قال: أعلفه ناضحك2 وإن استفتاني حجام3 نهيته.4
__________
1 روى البخاري، ومسلم، وأبوداود، والترمذي، وغيرهم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "حجم أبوطيبة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأمر له بصاع أوصاعين من طعام، وكلم مواليه فخفف عن غلته أوضريبته".
وفي رواية أخرى عن ابن عباس وفيه "ولوكان سحتاً لم يعطه النبيّ صلى الله عليه وسلم ".
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب الإجارة: باب ضريبة العبد 4/458، وصحيح مسلم كتاب المساقاة: باب حل أجر الحجام 3/1205، وسنن أبي داود كتاب البيوع والإجارات: باب في كسب الحجام 3/709، وسنن الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كسب الحجام 3/567.
2 نضح نضحاً: رش، يقال: نضح الإناء بما فيه، ونضح البعير الماء: حمله من النهر، أو البئر لسقي الزرع، فهو ناضح، سمى ناضحاً؛ لأنه ينضح العطش: أي يبله بالماء الذي يحمله، هذا أصله، ثم استعمل الناضح في كل بعير وإن لم يحمل الماء.
انظر: المصباح 746، والمعجم الوسيط 2/928.
3 في نسخة ع: "حجاما"، وهو خطأ لأنه فاعل ومحله الرفع.
4 ورد مثل ذلك في مسائل عبد الله 305، ومسائل أبي داود 193، وقال: هو شر المكاسب، وأخرج أبوداود، والترمذي، وابن ماجه عن ابن مُحَيَّصَة عن أبيه: "أنه استأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها، فلم يزل يسأله، ويستأذنه حتّى قال: أعلفه ناضحك، وأطعمه رقيقك".
قال الترمذي: حديث محيصة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وقال أحمد: إن سألني حجام نهيته، وأخذ بهذا الحديث.
انظر: سنن أبي داود كتاب البيوع: باب في كسب الحجام 3/707، وسنن الترمذي كتاب البيوع: باب كسب الحجام 3/566، وسنن ابن ماجه كتاب التجارات: باب كسب الحجام 2/732.(6/2730)
قال إسحاق: كلما كان أجر الحجام يأخذه1 عفواً من غير2 شرط، كان له ولمولاه أن يأكلاه.3
[1948-] قلت: أجر المُعَلِّم؟
قال: يتأولون فيه حديث الرقية.4
__________
1 في نسخة ع: "أخذه".
2 في نسخة ع: "غير ما".
3 في نسخة ع: "يأكله"، والصحيح تثنية الضمير كما جاء في الأصل.
4 رقيته أرقيه – من باب: رمى – رقياً: عوَّذته بالله، والاسم: رُقْيا على فُعْلى، والمرة رُقْيَةٌ، والجمع رُقَى، مثل مدية، ومدى، ويرقى بها صاحب الآفة: كالحمى والصرع، ومما يقول فيها: "بسم الله أرقيك والله يشفيك".
انظر: النهاية في غريب الحديث 2/254، والمصباح 280، والمعجم الوسيط 1/367.
أما حديث الرقية فقد رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، وأصحاب السنن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "انطلق نفر من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتّى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم، فأبوْا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي – إلى أن قال: فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: "ما يدريك أنها رقية؟ أي سورة الفاتحة ثم قال: قد أصبتم فاستهموا واضربوا لي معكم سهماً".
انظر: البخاري مع الفتح كتاب التجارات: باب ما يعطى في الرقية 4/453، ومسلم كتاب السلام: باب لا بأس في الرقى، ما لم يكن فيه شرك 4/1727، وأحمد في مسنده 3/44، وأبوداود في كتاب البيوع: باب كسب الأطباء 3/703، والترمذي في كتاب الطب: باب ما جاء في أخذ الأجرة على التعويذ 4/398، وابن ماجه كتاب التجارات: باب أجر الراقي 2/729.(6/2731)
وزوج النبيّ صلى الله عليه وسلم على سورة من القرآن، وكره أن يقول فيه شيئاً.1
__________
1 ذكر ابن هانىء في مسائله 2/31 عن أحمد أنه قال: سمعت ابن عيينة يقول: لا يأخذ على شيء من الخير.
وفي مسائل أبي داود 193 قال: من الناس من يتوقى من الشرط، وإذا لم يشرط أهون، وقال مرة: فيه اختلاف، ولما سئل عن حديث أبي سعيد: أليس فيه حجة؟ قال: ذاك في الرقية، وعن حديث سهل بن سعد "زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم على سورة" قال: إسناده صحيح، ولكن لم نر أحداً يعمل به.
وفي مسائل عبد الله 305 قال: سألت أبي عن الأرغفة التي يأخذها المعلمون من الصبيان؟ قال: أكرهها هذا قذر جداً.
وأكد كراهة أخذ الأجرة على تعليم القرآن في رؤوس المسائل ورقة 287،
وذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 135 الخلاف في ذلك، وقال ممن كرهه الزهري، وإسحاق، والنعمان.
وحديث تزويج النبيّ صلى الله عليه وسلم المرأة على شيء من القرآن، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه "أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: إني وهبت نفسي لك، فقامت طويلاً، فقال رجل يا رسول الله فزوجنيها …" الحديث بطوله وفي آخره فقال صلى الله عليه وسلم: "زوجتكها بما معك من القرآن".
رواه البخاري في كتاب النكاح: باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح 6/129، ومسلم في كتاب النكاح: باب الصداق وجواز كونه تعلم القرآن 2/1040، وأحمد في مسنده 5/336، والترمذي كتاب النكاح: باب ماجاء في مهر النساء 3/412.
وقال الترمذي بعد هذا الحديث: قال بعض أهل العلم: النكاح جائز ويجعل لها صداق مثلها، وهو قول أهل الكوفة، وأحمد، وإسحاق.(6/2732)
قال إسحاق: لا خير فيه، لا خير في أجور المعلمين، لأن المفسر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم الكراهية،1 والرقية2 لا تشبه هذا، وكذلك التزويج على سورة من القرآن يؤدى كل على جهته.
[1949-] قلت: القسام أو الحاسب3 يأخذ الأجر؟
قال: أجر4 هذا كله واحد مثل المعلم والقاضي، كان سفيان
__________
1 في نسخة ع: "كراهية" وهو خطأ لأن الكلام بعدها مستأنف لا مضافا.
2 في نسخة ع: "الرقية" بدون واو.
3 في الأصل "إذا حاسب"، وما أثبتناه أصح.
4 في نسخة ع: "أصل".(6/2733)
ابن عيينة يكره هذا كله.1
قال إسحاق: هذا أهون من التعليم، لما لم تمض فيه2 سنة3 من النبيّ صلى الله عليه وسلم لتحريمه.4
__________
1 نص على كراهة ذلك في مسائل عبد الله 306، وفي مسائل صالح ورقة 164 قال: الناس مختلفون فيه، وفي الإشراف لابن المنذر ورقة 135 ذكر ما جاء عن أحمد كما جاء في المسألة.
وذكر في الإنصاف 6/45 روايتين عن أحمد:
إحداهما: تنص على عدم جواز الإجارة، على عمل تعبدي يُتقرب به إلى الله، ومن ذلك تعليم القرآن.
والأخرى: يصح أخذ الأجرة بلا شرط، نص عليه.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن نافع قال: كان زيد لا يأخذ على القضاء أجراً. وفي رواية أخرى عن مسروق: أنه كان لا يأخذ أجراً، وعن الحسن أنه قال: أكره أن آخذ على القضاء أجرا، وعن سفيان، عن أبي الحصين، عن القاسم، عن عمر قال: لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ أجراً.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب في القاضي يأخذ الرزق 6/505.
2 كلمة "فيه" ناقصة من نسخة ع.
3 في نسخة ع: "السنة".
4 ورد ذلك في الإشراف لابن المنذر ورقة 135، وكأن إسحاق يشير إلى حديث عبادة بن الصامت عند أبي داود، وابن ماجه، وابن أبي شيبة وفيه: "… قال: علَّمت ناساً من أهل الصُفَة الكتاب والقرآن، فأهدى إليَّ رجل منهم قوساً فقلت: ليست بمالٍ، أو أرمي عنها في سبيل الله عز وجل؟ لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إليَّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليس بمالٍ، أو أرمي عنها في سبيل الله؟ قال: إن كنت تحب أن تُطَوَّق طوقاً من نار فاقبلها".
وقد ذكر الخطابي أن ممن أخذ بظاهر هذا الحديث: الزهري، وإسحاق بن راهويه، وممن أجازه بلا شرط: الحسن، وابن سيرين، والشعبي، وممن أباحه مطلقاً عطاء، وأبو ثور، واحتجوا بحديث سهل بن سعد وفيه "ملكتكها على ما معك من القرآن".
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قلابة، أنه لم ير بأساً أن يأخذ المعلم أجراً، وعن طاوس عن أبيه كذلك ولكن لا يشارط، فإن أعطى شيئاً أخذه، وعن الشعبي، وعطاء مثل ذلك.
انظر: سنن أبي داود كتاب البيوع: باب في كسب المعلم 3/701، 702، وسنن ابن ماجه كتاب التجارات: باب في الأجر على تعليم القرآن 2/730، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع 6/220، 223.(6/2734)
[1950-] قلت: كسب الحجام؟
قال: إذا جاءني1 مستفتيا2 نهيته3، وإذا ألح أمرته بالذي أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم محيصة،4 وإن استفتاني
__________
1 في نسخة ع: "إذا جاء".
2 في الأصل: "مستفتى" وما أثبتناه أصح؛ لأنه حال، والحال حكمه النصب.
3 في نسخة ع: "وإن".
4 هو محيصة بن مسعود بن كعب الخزرجي، أبوسعيد، المدني صحابي معروف، أخرج له أبوداود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. انظر: الإصابة 9/142، والتقريب 2/233.(6/2735)
حجام1 نهيته.
قال إسحاق: كما قلنا أولا.2
[1951-] قلت لأحمد:3 إذا اختلف الراهن والمرتهن؟
قال: إذا أقر الراهن أنه رهنه بعشرة، فقد وجبت عليه، وإذا قال المرتهن: رهنته عندي بعشرين فهو مدعٍ، فعليه البينة، البينة على الذي يدعي الفضل.4
__________
1 في نسخة ع: "حجاماً" وهو خطأ.
2 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1947) .
3 كلمة "أحمد" ناقصة من ع.
4 في مسائل ابن هانىء 2/34 قال: قيل له – أي للإمام أحمد -: فإن هم اختلفوا الراهن والمرتهن فالقول قول من؟ قال: قول الراهن مع يمينه. وفي رؤوس المسائل ورقة 242 مثل ذلك، وذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 84 أنه قول النخعي، وعثمان البتي، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال الخرقي في مختصره 92، وابن قدامة في المغني 4/299 وإن اختلفا في قدر الحق نحوأن يقول الراهن: رهنتك عبدي هذا بألف، فقال المرتهن: بألفين، فالقول قول الراهن، ثم ذكر مثل قول ابن المنذر وزاد: أنه حكى عن الحسن، وقتادة، أن القول قول المرتهن ما لم يجاوز ثمن الرهن أوقيمته، والأول هو الصحيح من المذهب كما جاء في الإنصاف 5/168، دون ذكر اليمين.
وأخرج مسلم، وأبوداود، والترمذي عن علقمة بن وائل عن أبيه حديث الكندي والحضرمي اللذين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه … الحديث".
انظر: صحيح مسلم كتاب الأيمان: باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجِرَة بالنار 1/123، وأبوداود، كتاب الأيمان والنذور: باب من حلف يميناً ليقتطع بها مالا لأحد 3/566، والترمذي كتاب الأحكام: باب ما جاء في البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه 3/616.
وقال الترمذي: وفي الباب عن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عمر، والأشعث بن قيس، وقال: حديث وائل بن حجر، حديث حسن صحيح.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: "إذا اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن: رهنتك بدرهم، وقال المرتهن: رهنتك بألف، فالقول قول الراهن، لأن المرتهن يدعي الفضل إلا أن يقيم المرتهن البينة". وفي رواية أخرى عن حماد: سئل عن رجل في يده رهن، فقال: هو بعشرة، وقال صاحبه: هو بدرهم، فقال: البينة على من ادعى الفضل.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب اختلاف المرتهن والراهن 8/243، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية: باب في الراهن والمرتهن يختلفان 6/80، 81.(6/2736)
قال إسحاق: كما قال [ع-128/أ] .
[1952-] قلت: رجل رهن رهناً فهلك الرهن؟(6/2737)
قال: الرهن يكون ممن رهنه.1
__________
1 ورد مثل ذلك في مسائل عبد الله 293، ومسائل ابن هانىء 2/33، والإشراف لابن المنذر ورقة 150.
وفي رؤوس المسائل ورقة 243 قال: الرهن أمانة، أي: حكمه حكم الأمانة لا يغرمه المرتهن إذا هلك.
وقال المروزي في اختلاف العلماء ورقة 107: ذهب أهل المدينة ومكة منهم الزهري وغيره: إذا ذهب الرهن من غير جناية للمرتهن عليه، فهي من مال الراهن، ودين المرتهن ثابت على حاله، وسواء ما ظهر هلاكه، وما خفي وهو قول أحمد، وأبي ثور مستدلين بحديث الزهري عن سعيد بن المسيب "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الرهن لمن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه".
وهذا الحديث أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الأقضية: باب ما لا يجوز من غلق الرهن 2/728.
وعبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الرهن لا يغلق 8/237 بلفظ: "لا يغلق الرهن ممن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه".
والبيهقي كتاب الرهن: باب الرهن غير مضمون 6/39 بلفظ لا يغلق الرهن. الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه، وعليه غرمه كلهم عن سعيد بن المسيب مرسلاً.
ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة موصولا في كتاب الرهون: باب لا يغلق الرهن 2/816.
والدارقطني كتاب البيوع 3/32، والحاكم كتاب البيوع: باب لا يغلق الرهن 2/51.
وهذا هو المذهب، وفي رواية أبي طالب قال: إذا ضاع الرهن عند المرتهن لزمه وتأوله القاضي على التعدي، وهو الصواب، أما إذا تلف بغير تعدٍ منه، فلا شيء عليه بلا نزاع، هكذا قال صاحب الإنصاف 5/159، 160،
وانظر: مختصر الخرقي 92.(6/2738)
قال إسحاق: الرهن ممن رهنه يقول المرتهن: لا يذهب الرهن بماله، بل يباع فيعطى حقه، وصاحبه يأخذ الفضل1، وإذا2 كان نقصانا، فعلى الراهن، وإنما هذا إذا كان الرهن حيا. فإذا هلك ترادا3 الفضل.4
قال أحمد: إذا رهنه من قرض، فلا ينتفع بشيء وإن أذن له، وإذا كان من بيع، فلا بأس أن ينتفع به، إذا كان أذن له.5
__________
1 في الأصل "بالفضل" وما أثبتناه أصح.
2 في نسخة ع: "وإن".
3 في نسخة ع: "تراد" ولفظ التثنية هو الموافق لما جاء في الأقوال الواردة في ذلك.
4 ترادا الفضل: أي إن كانت قيمة الرهن عند هلاكه، أكثر من الدين يرد المرتهن الزائد على الراهن، وإن كانت أقل يعطى الراهن للمرتهن النقص، يروى ذلك عن علي بن أبي طالب، وبه قال عبيد الله بن الحسن، وأبوعبيد، وإسحاق. انظر: سنن البيهقي كتاب الرهن: باب من قال الرهن مضمون 6/43.
وانظر: الإشراف ورقة 150، واختلاف العلماء للمروزي ورقة 107.
5 ذكر قريباً من ذلك في مسائل عبد الله 293، ومسائل ابن هانىء 2/34.
وقال الخرقي في مختصره 92: "ولا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء، إلا ما كان مركوباً أومحلوباً، فيركب ويحلب بقدر العلف".
ومثل ذلك قال صاحب المحرر 1/ 336، ورؤوس المسائل ورقة 243.
قال في المقنع 2/110: وإذا كان الرهن مركوباً، أومحلوباً، فللمرتهن أن يركب، ويحلب بقدر نفقته، متحرياً للعدل في ذلك، وهذا المذهب بلا ريب، وعليه الأصحاب، نص عليه في رواية محمد بن الحكم، وأحمد بن القاسم، وهذه الرواية هي المشهورة والمعمول بها في المذهب. وعنه: لا يجوز، حيث ورد في رواية ابن منصور أن المرتهن، لو علف الرهن بغير إذن صاحبها، فالعلف على المرتهن من أمره أن يعلف. انظر: الإنصاف 5/172، 173.
قلت: والرواية الأولى تتفق مع حديث أبي هريرة حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظهر يركب بنفقته، إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً وعلى الذي يركب ويشرب النفقة".
رواه البخاري في كاتب الرهن في الحضر: باب الرهن مركوب ومحلوب 5/143، وأحمد في مسنده 2/472.
وأبو داود في كتاب البيوع والإجارات: باب في الرهن 3/795.
والترمذي كتاب البيوع: باب ما جاء في الانتفاع بالرهن 3/546.
وابن ماجه كتاب الرهون: باب الرهن مركوب ومحلوب 2/816.
قال في شرح المفردات 1/313: نفقة الحيوان واجبة، وللمرتهن فيه حق، وقد أمكن القيام به من نماء الرهن واستيفائه من منافعه، فجاز كما يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه.(6/2739)
[1953-] حدثنا إسحاق1 قال: أخبرنا2 أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن
__________
1 في نسخة ع: "إسحاق بن منصور".
2 في نسخة ع: "ثنا".(6/2740)
إدريس1 قال: أخبرنا2 هشام3، عن الحسن ومحمد قالا: لا ينتفع بالرهن إذا كان من قرض، وإن أذن لك صاحبه، وإذا كان من بيع، فلا بأس أن ينتفع به إذا أذن لك4.
قال إسحاق: كما قال، وسمعته من ابن إدريس.
[1954-] قلت: الرهن لا يباع إلا عند السلطان؟
قال: ما أحسن هذا.5
قال إسحاق: إن فعل ذلك6 فحسن، وإن كان قد وكل ببيعه،
__________
1 هو: الأودي. التقريب 1/401.
2 في نسخة ع: "ثنا".
3 هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، ثقة فقيه ربما دلس من الخامسة مات سنة 145 أو146 وله 87 سنة، روى له الستة: انظر: التقريب 2/319.
4 قول الحسن البصري، ومحمدبن سيرين هذا، ذكره ابن أبي شيبة في كتاب البيوع: باب من كره كل قرض جر منفعة 6/180، وأخرج عبد الرزاق في كتاب البيوع: باب قرض جر منفعة 8/145 عن ابن سيرين وإبراهيم النخعي مثل ذلك.
5 قال في الإنصاف 5/162، 163: إذا امتنع الرهن من وفاء الدين، ولم يكن أذن في بيعه، فإن الأمر يرفع إلى الحاكم فيجبره على وفاء دينه، أوبيع الرهن وهو الصحيح من المذهب، فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه، وقيل: يحبس ويعزر، فإن أصر يباع عليه.
6 في نسخة ع: "ذاك".(6/2741)
فهو جائز.1
[1955-] 2 قلت: يكره أن يدفع إلى مضاربه مالاً يعمل له به؟
قال: أكرهه.
قال إسحاق: كما قال.3
[1956-] قلت: المضاربة4 على من الزكاة؟
قال: على رب المال.
__________
1 أخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين قال: لا يباع الرهن إلا عند السلطان.
وفي رواية عن سفيان الثوري قال: القاضي ينظر للغائب في الرهن الذي يخشى فساده، وقال: إن أذن في الرهن صاحبه باعه، وإلا بيع عند السلطان، وإذا باع العدل الرهن جاز.
انظر: المصنف لابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب هل يباع إذا خشي فساده عند السلطان 8/246.
2 مسألة (1955، 1956، 1957، 1958) جاءت في الأصل بعد مسألة (1961) .
3 قال في رؤوس المسائل 257: يجوز أن يدفع إليه مالاً، بعضه شركةً، وبعضه مضاربةً، لأنه وجد شرائط كل واحد منهما، أشبه إذا أفرد كل واحد منهما بالعقد، ولا ضرر في ذلك على أي منهما؛ لأن جهد العامل في المال أينما اتجه فالمصلحة بينهما مشتركة.
4 كلمة "المضاربة" ناقصة من نسخة ع.(6/2742)
قال إسحاق: كما قال.1
[1957-] قلت: المفاوضة2 في كل شيء يدخل عليه من صِلَة، أو هبة، أو ربح، أو ميراث؟
قال: لا أرى شيئاً من هذا، إلا ما اشتركا وربحا.3
__________
1 المضارب هنا أجير ونصيبه من الربح، لا يدخل في رأس مال المضاربة، فالزكاة على المال لا على الأجرة ما لم يمض عليها الحول.
2 المفاوضة: المساواة والمشاركة، وهي مفاعلة من التفويض، كأن كل واحد منهما رد ما عنده إلى صاحبه، وتفاوض الشريكان في المال إذا اشتركا فيه أجمع.
انظر: النهاية في غريب الحديث 3/479، والمصباح 581.
وفي الكافي 2/266، والمقنع 2/184، والإنصاف 5/464: هي أن يدخلا في الشركة الأكساب النادرة: كاللقطة والركاز، أوما يحصل لهما من ميراث، وما يلزم أحدهما من ضمان غصب، أو أرش جناية، ونحو ذلك من هبة، أو وصية، وتفريط، وتعد، وبيع فاسد، وقيل: هي أن يفوض كل واحد منهما إلى الآخر، كل تصرف مالي، وبدني من أنواع الشركة في كل مكان، على ما يرى، والربح على ما شرطاه والوضيعة بقدر المال.
3 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 149 قول أحمد وإسحاق: إن شركة المفاوضة باطلة، وقول جماعة منهم سفيان الثوري: إنه لا يكون شركة مفاوضة حتّى تكون رؤوس أموالهما سواء، ومثل ذلك في رؤوس المسائل ورقة 253.
وذكر في المقنع 2/184، والإنصاف 5/464: أنها شركة فاسدة، إن دخلت فيها الأكساب النادرة وأنها نوعان:
أحدهما: أن يفوض كل شريك شريكه فيطلق يده بالتصرف فيما في يده من المال: كالشراء والبيع والمضاربة، والتوكيل، والمداينة، والسفر بالمال، وغير ذلك: فهذا جائز، لأنها لا تخرج عن شركة العنان، والوجوه، والأبدان وجميعها منصوص على صحتها.
وفي المحرر 1/354 قال: وإن يشتركا في كل ما يثبت لهما أوعليهما ونحو ذلك من كل شرط فاسد، لا يعود بجهالة الربح، فإنه يلغو ويصح العقد نص عليه، ويتخرج فساده.
وقال ابن مفلح في الفروع 4/403: وإن اشتركا في كل ما ثبت لهما، أو عليهما فإن لم يدخل فيها كسب نادر، أو غرامة، كلقطةٍ وضمانِ مالٍ: صح، وإن دخل فشركة مفاوضة فاسدةٍ. نص عليه.
والثاني: ما تضمن الجهالة والغرر، وهو ما ورد وصفه في المسألة وسبق تعريفه.
فهذا غير جائز على الصحيح من المذهب.
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن ابن سيرين قال: المفاوضة بالمال أجمع، وكان ابن سيرين ينكر الميراث. يقول: هو لمن ورثه إذا ورث أحد المتفاوضين، وذكر في رواية قول سفيان الثوري كما سبق في الإشراف، وزاد: ولا تكون حتّى يخلطا أموالهما، ولا تكون بالعروض إلا أن يقول الرجل: ما ابتعت أنا وأنت من شيء فهو بيني وبينك من غير أن يخلطا شيئاً.(6/2743)
قال إسحاق: كما قال، إنما يكون بينهما ما تفاوضا فيه.
[1958-] قلت: المضارب إذا خالف لمن الربح؟(6/2744)
قال: الربح لصاحب المال ويكون عليه الضمان.1
قال إسحاق: كما قال.
قلت: إذا لم يسميا الربح؟
قال: يكون له أجر مثله.
قال إسحاق: كما قال،2 فأجاد.
[1959-] قلت: الرهن ينتفع به أم لا؟
قال: لا ينتفع به إلا حديث الدر حديث أبي هريرة.
قال إسحاق: كما قال،3 لأن الدر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال: مركوب ومحلوب [ع-128/ب] .
[1960-] قلت: لا يغلق الرهن؟
قال: لا يغلق، لا يذهب، لا يكون للمرتهن. للراهن زيادته، وعليه4 نقصانه، وإن عطب فإنما يعطب من الراهن.
__________
1 جملة "ويكون عليه الضمان" غير موجودة في الأصل، ويترجح إثباتها حيث وردت في المسألة المماثلة رقم (1815) .
2 سبق تحقيق ذلك التعليق على ذلك عند المسألة رقم (1815) .
3 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1952) .
4 كلمة "عليه" ساقطة من الأصل.(6/2745)
قال إسحاق: بل إذا عطب يترادان الفضل.1
[1961-] قلت لإسحاق: فسر لي أمر الرهن، وما اختلفوا فيه.
قال: اختلف أهل العلم في الراهن2 والمرتهن إذا اختلفا على أوجه خمسة:
منهم من قال: يترادان الفضل إذا هلك الرهن، وهذا الذي يعتمد عليه، لأنه في الرواية أكثر، والمذهب قائم فيه؛ لأن الراهن لو أراد المرتهن منه قدر الرهن كان مسروراً، فلما أراد أن يأخذ من الراهن3 رهنا قيمته أكثر من حقه، فهلك فقد ذهب من الرهن4 قدر حقه، بحقه الذي له على الراهن، وما كان في الراهن من فضل5، فعلى المرتهن أن يغرم قدر ذلك، للراهن لمَّا هلك في ضمنه، ولم تكن وديعة، ولا عارية، فحكم الرهن بعضه من بعض سواء.6
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1952) .
2 في نسخة ع: "الرهن" وهو خطأ.
3 في نسخة ع: "الرهن" وهو خطأ ظاهر.
4 في نسخة ع: "الراهن" وهو خطأ أيضاً.
5 في الأصل: "على" والصواب ما أثبتناه.
6 قوله "فحكم الرهن بعضه من بعض سواء"، أي أنه ما دام قد أسقط الدين في مقابلة الرهن، حينما هلك عند المرتهن، فليس للمرتهن منه إلا بقدر دينه، وما زاد عنه فهو حق للراهن يُرد عليه من مال المرتهن تماما كما لوبيع الرهن، فإن المرتهن لا يأخذ من قيمته إلا بمقدار دينه فقط والباقي يرد على الراهن.(6/2746)
وأما ما نقص من الرهن، فقد أجمع1 عامة أهل العلم على أن يرد الراهن قدر ما كان الرهن ناقصاً عن حقه.2
وأما من قال: ذهبت3 الرهان بما فيها قل4 أو كثر.
فنقول: إن الرهن قام مقام الحق5، لما تراضيا عليه، ويحتج بأن6
__________
1 في نسخة ع: "اجتمع".
2 ينسب هذا القول لعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وبه يقول عبيد الله بن الحسن، وأبو عبيد، وإبراهيم النخعي، والثوري، وإسحاق بن راهويه.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الرهن يهلك 8/239، وشرح معاني الآثار للطحاوي، الناشر: مطبعة الأنوار المحمدية بالقاهرة 4/103، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب في الرجل يرهن الرجل فيهلك 7/186، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب الرهن: باب من قال الرهن مضمون 6/43، والمحلى لابن حزم 8/496 مسألة 2214، والمغني مع الشرح الكبير 4/442.
3 في الأصل: "ذهب" وما أثبتناه أصح لأن السياق يقتضيه.
4 في نسخة ع: "أم".
5 في نسخة ع: "بما".
6 في نسخة ع: "أن".(6/2747)
إجماع الناس على (أنه إذا اشتبه1 الرهن بالحق، ثم هلك الرهن كان بما2 فيه، فلما اجتمع أهل العلم على هذا كان القياس على الإجماع) أن يكون نَقَصَ أو زاد لا تراجع3 بينهما، ولكنا قلدنا علياً، وابن عمر، وغيرهما حيث قالوا: يترادان الفضل.4
وأما الوجه الثالث: ما قال هؤلاء الكوفيون:5 إن ما زاد من
__________
1 في الأصل: "استوى".
2 في الأصل: "لما" والصحيح ما أثبتناه حيث يتفق مع لفظ الروايات الواردة في ذلك.
3 في نسخة ع: "أن لا تراجع" والمعنى: سواء كان الرهن مساويا لقيمة الدين، أوأقل، أو أكثر إذا تلف سقط الدين، ولا يغرم أحدهما للآخر شيئاً، وقال الحسن البصري، وشريح، والشعبي، والزهري، وقتادة، وطاوس: من ارتهن حيواناً فهلك فهو بما فيه.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الرهن يهلك، وباب رهن الحيوان 8/240، والمغني مع الشرح الكبير 4/442، والمحلى 8/496.
4 انظر: سنن البيهقي كتاب الرهن: باب من قال الرهن مضمون 6/43.
5 يقصد بالكوفيين إبراهيم النخعي ومن تبعه، فقد قالوا: إن كانت قيمة الرهن أكثر من قيمة الدين، أومثلها فقد بطل الدين كله، ولا غرامة على المرتهن في زيادة قيمة الرهن على قيمة الدين، فإن كانت قيمة الرهن أقل، من قيمة الدين سقط من الدين بمقدار قيمة الرهن، وأدى الراهن إلى المرتهن ما بقي من دينه. روى ذلك ابن حزم بسنده إلى عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين.
انظر: المحلى والمغني نفس الجزء والصفحة، والإفصاح لابن هبيرة 1/370.(6/2748)
الرهن على حقه، فهو أمين لا رجوع للراهن على المرتهن.
فالحجة على هؤلاء إذا لم يكن لهم1 تقليد صحيح2 أن يقال: إن كان في الفضل أميناً، ولذلك3 لم4 يغرمه، [ظ-57/أ] فأيهما5 تشاحا في [ع-129/أ] ذلك الفضل،6 فقال الراهن: أنت إذا كنت في الفضل7 أمينا فرده عليَّ، فإن لم تحكم بالرد فقد انتقض عليك كلامك،8 لما أمر الله برد الأمانات إلى أهلها9، وإن كان مضموناً في يده الفضل، فهلك
__________
1 كلمة "لهم" غير موجودة في الأصل.
2 في نسخة ع: "محتجاً".
3 في نسخة ع: "وكذلك" وهو خطأ.
4 "لم" ناقصة من نسخة ع.
5 في نسخة ع: "فإنهما" وهو خطأ.
6 في نسخة ع زيادة بعد كلمة "الفضل" وهي جملة "لم يغرمه" وهذه لا محل لها هنا كما يظهر لي، ولعلها أدرجت سهو امن الناسخ.
7 في نسخة ع: "العمل" وهو خطأ.
8 في الأصل "كلاماً" والصواب ما أثبتناه لأن السياق يقتضيه.
9 يشير إلى قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلىَ أَهْلِها} [سورة النساء آية: 58] .(6/2749)
غرم الفضل. وهذا أعدل الأقاويل إلينا1 وأصحه.
والوجه الرابع: أن يكون ما قال هؤلاء الذين يحتجون بقول علي: ما كان من2 حيوان رهن، فهو بما فيه، وما كان من3 سوى ذلك4، ترادوا الفضل لأن كل رهن رهنه، فحكمه حكم الرهن.
قال إسحاق بن منصور: هذا قول أحمد ابن حنبل.5
وأما قوله الخامس: فالذين قالوا: إذا هلك الرهن، رجع6 بماله كله، لأن الرهن كان وثيقة كمعنى الكفالة، ونحوها7 فهذا
__________
1 كلمة "إلينا" ناقصة من نسخة ع.
2 "من" ناقصة من نسخة ع.
3 "من" ناقصة من ع.
4 كلمة "ذلك" ناقصة من نسخة ع.
5 وهو قول عطاء، والزهري، والأوزاعي، وأبي ثور، وابن المنذر، وأبي سليمان وأصحابهم.
انظر: المحلى والمغني، والإفصاح نفس الأجزاء والصفحات السابقة، وانظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 150.
6 في نسخة ع: "يرجع".
7 في نسخة ع: "ونحو هذا".(6/2750)
قول ضعيف.
فإن احتجوا لهذا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغلق الرهن، هو1 ممن رهنه له غنمه، وعليه غرمه".
قيل لهم: إنما هذا في بيع الرهن قبل أن يهلك، وكذلك فسره الزهري على ذلك فهو، أبصر بمعناه إذ رواه2 عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.3
__________
1 الضمير "هو" زائد في الأصل، ولم أجده في ألفاظ الحديث وإنما الثابت ذكر اسم الرهن مرة ثانية هكذا: "لا يغلق الرهن "الرهن" ممن رهنه"… الحديث.
2 في نسخة ع: "روى".
3 حديث: "لا يغلق الرهن" سبق تخريجه والتعليق عليه عند المسألة رقم (1952) .
أما الحديث فقد أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغلق الرهن ممن رهنه" قلت – أي معمر للزهري -: أرأيت قوله "لا يغلق الرهن" أهو الرجل يقول: إن لم آتك بما لك، فهذا الرهن لك؟ قال: نعم. قال معمر: ثم بلغني عنه أنه قال: إن هلك لم يذهب حق هذا، إنما هلك من رب الرهن، له غنمه، وعليه غرمه.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الرهن يغلق 8/237، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب الرهن: باب الرهن غير مضمون 6/40.
قلت: وهاهو الزهري يقول كما يقول الإمام أحمد وغيره: إن الرهن إن هلك فهو من مال الراهن، ويبقى حق المرتهن في محله فتدبر.(6/2751)
وكذلك قول ابن عمر، وطاووس، وإبراهيم وغيرهم:1 إنه إذا قال للمرتهن: إن جئتك بحقك إلى كذا وكذا، وإلا فالرهن لك2، إنه لا يكون له، ولكن يباع، فيكون للراهن الزيادة وعليه النقصان.3
[1962-] قلت لأحمد:4 الكرم إذا أُعْطِيَ على الثلث والربع وفيه فواكه سوى العنب؟
قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
__________
1 قول ابن عمر رضي الله عنه، وإبراهيم النخعي، ذكره ابن أبي شيبة في كتاب البيوع: باب الرهن 6/480.
2 في نسخة ع: "لأنه" وهو خطأ.
3 ورد مثل ذلك في مسائل أبي داود 206.
وروى ابن المنذر في الإشراف ورقة 151، عن عمر بن الخطاب أنه قال في الرجل يرهن الرهن فيقول: إن جئتك بحقك إلى كذا، وإلا فهو لك؟ قال: ليس ذلك له، وهذا معنى قوله: لا يغلق الرهن عند مالك، والثوري، وأحمد، وبه قال الشعبي.
وقال مالك في الموطأ كتاب الأقضية: باب ما لا يجوز من غلق الرهن 2/729 بعد أن ساق الحديث وبين معناه: وهذا لا يصلح، ولا يحل، وهذا الذي نهى عنه، وإن جاء صاحبه بالذي رهن به بعد الأجل، فهو له، وأرى هذا الشرط منفسخا. وانظر: بدائع الفوائد لابن القيم 4/95.
4 كلمة "أحمد" ناقصة من نسخة ع.(6/2752)
قال إسحاق: كما قال، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم سن في خيبر ذلك.1
[1963-] قلت: شراء ماء مرو؟
قال: لا أدري، إن كان شيئاً قديماً يتبايعونه2 بينهم، فمن يرده؟
قلت: ما أرى إلا كان أهل3 الجاهلية على هذا.
قال: إن كان في الجاهلية4، فأقروه عليه5 في الإسلام، فمن يدفعه، إنما علينا أن نتبع من6 كان قبلنا.
__________
1 الحديث رواه ابن عمر رضي الله عنهما، وقد سبق بيانه وتخريجه عند المسألة رقم (1876) معزواً إلى الصحيحين.
وكذلك أخرجه أبوداود كتاب البيوع، والإجارات: باب المساقاة 3/695، والترمذي في كتاب الأحكام: باب ما ذكر في المزارعة 3/657، وابن ماجه في كتاب الرهون: باب معاملة النخيل والكرم 2/824، وأحمد في مسنده 2/17.
2 في الأصل: "يتبايعون" وما أثبتناه أولى.
3 في نسخة ع: "إلا ما في" بدل: "إلا كان أهل".
4 كلمة "الجاهلية" ناقصة من نسخة ع.
5 كلمة "عليه" ساقطة من الأصل.
6 في نسخة ع: "ما" وهو خطأ، لأن "ما" ضمير غير العاقل وهو غير وارد هنا..(6/2753)
قال إسحاق: ماء مرو إذا باعه بقسطه من الأرضين، فهو جائز إلا من كره الدخول في أرض الخراج.1
فأما أن يبيع ماء بلا أرض، فإنه مكروه، فأما المشتري يشتري أصول المياه، فهي جائزة له إذا منح المنحة.2
__________
1 في نسخة ع: "الخوارج" وهو بعيد، لأن الأمر يدور حول بيع الماء وحده في باطن الآبار والعيون، ولفظة الخراج أقرب، حيث سئل أحمد عن بيع أرض السواد؟ -وهي أرض خراجية- فقال: دعه.
انظر: مسائل أبي داود 211.
2 قال في مسائل أبي داود 194: سمعت أحمد سئل عن شراء الماء، وذكر أن أهل مرو يبيعونه – يعني مياؤه –؟ قال: الماء لا يجوز بيعه -يعني في قراره-.
وفي نسخة أخرى: سئل عن شراء ماء مرو يبيعونه مياهه؟ قال: الماء لا يجوز بيعه، حتّى يجعل في وعاء، فلا بأس حينئذ.
وفي بدائع الفوائد 4/58 روى عن أحمد أنه قال: الرجل تكون له الأرض، وليس فيها بئر، ولجاره بئر في أرضه، فليس له أن يمنع جاره أن يسقى أرضه من بئره. وفي الروايتين 459 مثل ذلك نقلها عن حنبل، وأبي الصقر، وإسحاق بن إبراهيم، وفي الإشراف لابن المنذر ورقة 19.
ونص في مسائل صالح ورقة 43 على عدم جواز بيع الماء في قراره وقبل حيازته، وفي شرح المنتهى 2/145 قال: لا يجوز بيع ماءٍ عدٍ، أو نَقْعِ بئرٍ لحديث: "المسلمون شركاء في ثلاث …".(6/2754)
[1964-] قلت: رجل نحل ابنه ثلث أرضه ولم يقاسمه إلا بالفَرَقِ؟ 1
قال: لا يجوز إلا على شيء معروف2، كما قال أبو بكر لعائشة.
قال إسحاق: كما قال. مع أن أبا بكر، إنما كان وهب جداد عشرين وسقاً، وهذا3 عندنا جائز، إذا جَدَّ النخل وقبض.4
__________
1 الفَرَقُ بفتحتين: مكيال يقال إنه يسع ستة عشر رطلاً، وقيل: هي اثنا عشر مداً أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز، وقيل الفَرَقُ: خمسة أقساط، والقسط صاع ونصف، وأما الفَرْقُ بالسكون فمائة وعشرون رطلاً.
انظر: النهاية 3/437، والمصباح 565.
2 نص على عدم جواز هبة المجهول في مسائل أبي داود 203، وفي رؤوس المسائل ورقة 303.
3 في نسخة ع: "فهذا".
4 روى مالك، وعبد الرزاق، والبيهقي في السنن الكبرى، عن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن أبا بكر الصديق كان نحلها جادَّ عشرين وسقاً من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إليَّ غِنىً بعدي مِنْكِ، ولا أعز عليّ فقراً بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقاً، فلوكنت جددتيه واحتزيته، كان لك، وإنما هو اليوم، مال وارث، وإنما هو أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله.
انظر: الموطأ كتاب الأقضية: باب ما لا يجوز من النحل 2/752، والمصنف كتاب الوصايا: باب النحل 9/101، وسنن البيهقي كتاب الهبات: باب شرط القبص في الهبة 6/170.(6/2755)
[1965-] قلت: النِّحَلُ؟
قال: إذا سَوَّى بين ولده فلا بأس، للذكر مثل حظ الأنثيين.
قال إسحاق: كما قال.1
__________
1 نص على ذلك في مسائل أبي داود 204، ومسائل عبد الله 314، ومسائل صالح ورقة 24، وذكره في رؤوس المسائل ورقة 301، واختلاف العلماء للمروزي ورقة 109.
وعن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: "إني نحلت ابني هذا غلاماً، فقال: أكل ولدك نحلت مثله؟ قال: لا. قال: فأرجعه".
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب الهبة وفضلها: باب الهبة للولد 5/211، وصحيح مسلم كتاب الهبات: باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة 3/1242، ومسند أحمد 4/268، وسنن الترمذي كتاب الأحكام: باب ما جاء في النحل والتسوية بين الولد 3/640، وموطأ مالك كتاب الأقضية: باب ما لا يجوز من النحل 2/751، وسنن ابن ماجه كتاب الهبات: باب الرجل ينحل ولده 2/795.
قال الترمذي بعد هذا الحديث: هذا حديث حسن صحيح، وقد روى من غير وجه عن النعمان بن بشير، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يستحبون التسوية بين الولد، حتّى قال بعضهم: يسوى بين ولده حتّى في القُبْلَةِ، وقال بعضهم: يسوى بين ولده في النحل والعطية: يعني الذكر والأنثى سواء، وهو قول سفيان الثوري، وقال بعضهم: التسوية بين الولد أن يعطى الولد مثل حظ الأنثيين، مثل قسمة الميراث، وهو قول أحمد، وإسحاق.
قال الحافظ في الفتح 5/215: في الحديث – أي حديث النعمان بن بشير – الندب إلى التأليف بين الإخوة وترك ما يوقع بينهم الشحناء أويورث العقوق للآباء.(6/2756)
[1966-] قلت: الحيوان يرد من الحبل؟
قال: الحبل زيادة في الحيوان.1
قال إسحاق: كما قال وهو نقص2 في الآدميين.
[1967-] قلت: باع جارية ولم يعلم3 أنها حبلى، إن شاء البائع رجع؟
قال: نعم.
قال: وإن شاء المشتري ردها بالعيب.
قال إسحاق: نعم.4
__________
1 نص في رؤوس المسائل ورقة 222 على أن الحبل في الأمة عيب ترد به، ومن العيوب حمل الأمة دون الدابة كذا في الإنصاف 4/407، وفي ص344 قال: وإن شرطها – أي الأمة- حائلاً، فبانت حاملاً، فله الفسخ من الأمة، بلا نزاع، ولا فسخ له في غيرها من البهائم على الصحيح من المذهب.
وقيل: له الفسخ كالأمة، وقيده بعضهم، فقال: إن لم يضر اللحم.
2 في نسخة ع: "عيب".
3 في نسخة ع: "يدر".
4 أخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين، والشعبي قالا: الحَبَلُ غرر يرد به، في الأمة تباع، وقال مثل ذلك معمر، عن قتادة.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن عامر الشعبي أنه سئل عن رجل اشترى جارية، فزعم أنها حبلى، فأنكر الذي باعه، فوضعوا الجارية على يدى عدل حتّى يتبين حملها، فماتت، فقال: إن كان لم يتبين حملها، فهي من مال المشتري.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب يرد من الزنى والحبل 8/166، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية: باب الرجل يشتري الجارية فيظهر بها العيب 6/305.(6/2757)
[1968-] قلت: الرجل يدفع إلى الرجل مالاً مضاربة، فيموت المضارب من قال هو أسوة الغرماء؟
قال: لا، هذه أصلها أمانة عنده.1
قال إسحاق: كما قال.
[1969-] قلت: من كره الدينار الكوفي بالشامي، بينهما2 فضل أن يأخذ فضل الشامي فضة؟ 3
__________
1 قال في رؤوس المسائل ورقة 256: إذا مات المضارب، ولم تعلم المضاربة بعينها فإنها تصير ديناً، وهذا هو المذهب كما في الإنصاف 5/451، 452.
وعنه: لا تكون ديناً في تركته، إلا إذا مات غير فجاءة، وقيل: تكون كالوديعة أي ديناً في تركته إذا مات، ولم يعينها، وهذا هو المذهب.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الشعبي قال: الدين والمضاربة سواء، إذا لم يعرف شيء بعينه. انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية 6/34.
2 جملة "بينهما فضل" ناقصة من نسخة ع.
3 قوله "أن يأخذ فضل الشامي فضة" هذه العبارة كلها ناقصة من ع.(6/2758)
قال: لا أكرهه أن يأخذ بالفضل فضة.
قال إسحاق: كما قال.1
[1970-] قلت: رجل باع2 ثوباً بدينارٍ إلا درهماً؟ 3
قال: لا يجوز.4
قلت: إلى أجل؟
قال: إلى أجل5 أبعد له لو كان بدينار [ع-129/ب] إلا قيراطاً،6
__________
1 أخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد والحكم في الدينار الشامي بالدينار الكوفي، وفضل الشامي فضة قالا: لا بأس به، وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي: أنه كرهه.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية: باب الدينار الشامي بالدينار الكوفي 7/36، ومصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الصرف 8/121.
2 في نسخة ع: "باع رجلاً".
3 في الأصل"درهم"وما أثبتناه أصح، لأن الكلام تام مثبت، والمستثنى فيه منصوب وجوباً.
4 سبق التعليق على مثل ذلك عند المسألة رقم (1793) .
وقد أخرج عبد الرزاق، عن ابن سيرين، وإبراهيم، ومجاهد كلهم كانوا يكرهون أن يشترى بدينار إلا درهماً. انظر: كتاب البيوع: باب البيع بدينار إلا درهم 8/129.
5 جملة "قال: إلى أجل" ناقصة من نسخة ع.
6 هكذا ورد، والصواب نصب قيراط مثل درهم، والقيراط يقال: أصله قراط، لكنه أبدل من أحد المضعفين ياء للتخفيف، كما في دينار ونحوه، ولهذا يرد في الجمع إلى أصله فيقال: قراريط. قال بعض الحساب: القيراط في لغة اليونان: حبة خرنوب، وهو نصف دانق، والدرهم عندهم: اثنا عشر حبة، والحساب يقسمون الأشياء أربعة وعشرين قيراطاً. انظر: المصباح 600، 601.(6/2759)
أو مسوحاً1 فنعم.
قال إسحاق: كما قال.
[1971-] قلت: قال الثوري: إذا باع الرجل2 أرضا، واشترط ثمرها، فقال المبتاع: خذ زرعك من الأرض، وقال البائع: لم يستحصد طعام؟ 3
قال: يحصده4 وإن لم يستحصد،5 لأنه يقول: فرغ لي أرضي، وإن اشترط عليه أن الطعام في أرضك شهرين، ضمن
__________
1 هذه الكلمة غير واضحة في ع، ويقال: درهم مسيح، أى: أطلس لا نقش عليه.
انظر: المصباح 696، ومسوح ينصب على الاستثناء مثل قيراط.
2 في نسخة ع: "رجل".
3 في نسخة ع: "يحصد طعاما" وهو ظاهر الخطأ لأن الكلام لا يستقيم بذلك.
4 في نسخة ع: "يحصد".
5 في نسخة ع: "يحصد".(6/2760)
الأرض1 إن أصابتها2جائحة.
قال أحمد: [ظ-57/ب] لا يأخذ الزرع حتى يدرك، فإن أصابت الأرض جائحة فليس عليه ضمان.3
قال إسحاق: كما قال أحمد.4
[1972-] قلت: يقول: أبيعك هذا الثوب بعشرة دراهم إلى شهر، أو بعشرين إلى شهرين، فباع إلى أحدهما قبل أن يفارقه؟
__________
1 في نسخة ع: "للأرض" والصواب ما جاء في الأصل.
2 في نسخة ع: "أصابته".
3 من قوله "قال أحمد إلى كلمة "جائحة" ناقصة من نسخة ع.
4 نص على ذلك في القواعد الفقهية لابن رجب ص191 القاعدة الخامسة والثمانون.
قلت: وكأن سفيان الثوري يرى وجوب التخلية حال العقد؛ لأن زمن إصلاح الزرع غير محدد، فأصبح وقت تسليم البيع مجهولاً، وهو ممنوع شرعاً، أما إذا تحدد زمن قطعه، واشتُرِط لذلك مدة معلومةً، فإنه يجيزه مع تضمينه الأرض إن حل بها فساد ما.
وأما الإمام أحمد فيرى لزوم بقاء الزرع، في الأرض المباعة حتّى يستوى لأنه اشتراها والزرع عليها، ولا يصح إفساده حيث لا ضرر على المشتري من بقائه فترة نضوجه، وقد اتفق مع سفيان في تضمين البائع الأرض إن أصابتها جائحة، وهي في يده قبل تخليتها من الزرع، وهذا ما أميل إليه؛ لأنه يتمشى مع سماحة الإسلام ويوافق قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".(6/2761)
قال: لا بأس إذا فارقه على أحدهما.
قال إسحاق: كما قال، إنما يكره قوله ذاك.1
[1973-] قلت: رجل اشترى سلعة من رجل بكذا وكذا، وتَحِلَّةَ اليمين؟ 2
__________
1 نص على كراهة هذا القول في مسائل صالح ورقة 37 لأنها تدخل في معنى البيعتين في البيعة المنهي عنها، كما في الإنصاف 4/350.
وأخرج عبد الرزاق عن الزهري، وطاوس، وسعيد بن المسيب قالوا: لا بأس أن يقول: أبيعك هذا الثوب بعشرة إلى شهر، أوبعشرين إلى شهرين، فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه، فلا بأس به.
وفي رواية أخرى عن ابن سيرين أنه كان يكره أن يقول: أبيعك بعشرة دنانير نقداً، أوبخمسة عشر إلى أجل، قال معمر: وكان الزهري، وقتادة لا يريان بذلك بأسا إذا فارقه على أحدهما. وعن ابن مسعود قال: لا تصلح الصفقتان في الصفقة أن يقول: هو بالنسيئة بكذا وكذا، وبالنقد بكذا وكذا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: لا بأس أن يقول للسلعة: هي بنقد بكذا وكذا، وبنسيئة بكذا وكذا، ولكن لا يفترقا إلا عن رضاً. وفي رواية عن طاوس قال: لا بأس إذا أخذه على أحد النوعين.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب البيع بالثمن إلى أجلين 8/136، 138، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب الرجل يشتري من الرجل البيع فيقول: إن كان بنسيئة فبكذا، وإن كان نقداً فبكذا 6/119.
2 في المصباح 179: حللت اليمين: إذا فعلت ما يخرج عن الحنث، فانحلت هي، وحَلَّلْتها بالتثقيل، والاسم التحلة بفتح التاء، وفعلته تحلة القسم، أي بقدر ما تحل به اليمين، ولم أبالغ فيه، ثم كثر هذا حتّى قيل لكل شيء لم يبالغ فيه: تحليل.
وقال في تاج العروس 7/385 تحلة اليمين: جُعل مثلاً لكل شيء يقل وقته.(6/2762)
قال: لا بد من أن يسمي تحلة اليمين.
قال إسحاق: كما قال.1
[1974-] قلت: قال: قلت: -يعني لسفيان-: ما ترى2 في السلف في البيض، والرمان؟
قال: ليس له حد.
قال أحمد: أقول جائز.3
__________
1 هذا البيع ينطوي على جهالة في بعض الثمن الذي من شروط صحة البيع معرفته، لأن ما تحل به اليمين، يصدق على القليل، والكثير، ولهذا قال أحمد: لا بد من بيانه، وتحلة اليمين صورتها: أن يقول البائع" والله لا أبيعها بخمسين ريالاً، فيقول المشتري: أعطيك خمسين ريالاً، ومعها شيئاً به تحل اليمين.
2 جملة "ما ترى" ناقصة من نسخة ع.
3 جاء في مسائل عبد الله 287 عن ابن مسعود أنه لم يكن يرى بأساً أن يسلف في كل شيء، ما خلا الحيوان، وفي مسائل ابن هانىء 2/19 قال: سألت أحمد عن السلف في البيض. فقال: إنما سمعت السلف فيما يكال، ويوزن.
قال الخرقي في مختصره ص90: وكل ما ضبط بصفة، فالسلم فيه جائز، إذا كان بكيل معلوم، أو وزن معلوم، أوعدد معلوم، إلى أجل معلوم بالأهلة، موجوداً عند محله.
وذكر ذلك ابن المنذر في الإشراف ورقة 134 ثم قال: وهو قول الأوزاعي، وقد جزم بجواز السلم فيه في رؤوس المسائل ورقة 236، وذكره في اختلاف الفقهاء لابن جرير، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت ط2 عام 1320 هـ ص108.
وفي تهذيب الأجوبة لابن حامد ورقة 64 قال: سئل أحمد عن السلم في البيض فقال: لا أدري.
وفي الإنصاف 5/86 قال: لا يصح السلم في المعدود المختلف على الأصح، ومنها الرمان، والبيض. وفي رواية يصح.
ومثل ذلك ورد في الكشاف 3/277، لكنه قال في موضع آخر ص285: بجواز السلم في المعدود المختلف الذي يتقارب عدداً، ومثَّل الشارح بالرمان، والبيض، معللاً أن التفاوت فيه يسير، ولهذا لا تكاد القيمة تختلف بين البيضتين والجوزتين.(6/2763)
قال إسحاق: جائز، وكذلك كل شيء، يعد1 عداً، فيعرف.2
[1975-] قلت: رجل سلف رجلاً3، مائة دينار، في شيء، فلما ذهب ليزن له الدنانير، قال: أعطني بها دراهم، أو عرضاً؟ 4
__________
1 في نسخة ع: "بقدر".
2 في الأصل "فيعرف أوفيستسلف".
3 كلمة "رجلا" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع: "عرض".(6/2764)
قال: لا، حتى يأخذ الدنانير ثم يصارفه بما شاء.
قال إسحاق: كما قال.1
[1976-] قلت: قال الثوري: رجل2 باع من رجل سلعة بدينار، ثم جاءه بعد3 فقال: أعطني بالدينار دراهم فأعطاه الدراهم4، ثم ردت السلعة؟
قال: ترد إليه الدراهم،5 لأن البيع كان فاسداً، لأنه صرف، وإذا كان أخذ منه عرضاً، رد إليه دنانير؛ لأنه ليس بمنزلة الصرف، وإن اشترى جارية، فوجد بها عيباً، وكان قد أخذ بالدنانير دراهم، فإنه يرد الدنانير.
__________
1 أخرج عبد الرزاق، عن ابن سيرين قال: أمر ابن مسعود رجلاً، أن يسلف بنى أخيه ذهباً، ثم اقتضى منهم ورِقاً، فأمره ابن مسعود برده، ويأخذ منهم ذهباً. انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الرجل عليه فضة، فيأخذ مكانه ذهباً 8/127.
قلت: ولعل المنع هنا، جاء بسبب عدم قبض الدنانير؛ إذ لا يتم ملكه لها إلا بعد القبض، أما لوكان له في ذمة شخص دنانير ثابتة، فإن له أن يأخذ دراهم بدلها، بسعر يومها وقد تقدم بحث ذلك عند المسألة رقم (1855) .
2 في نسخة ع: "عن رجل".
3 كلمة "بعد" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع: "دراهم".
5 في نسخة ع: "دراهم".(6/2765)
قال أحمد: إذا كان البيع جاز بالدنانير: فإنه يرد الدنانير، إذا استحق الشيء، إذا كان أصل البيع صحيحاً، وإذا كان أصل البيع فاسداً، فإنه يرد الدراهم.
قال إسحاق: كما قال،1 لأن البيع إذا كان صحيحاً فقد صارت الدنانير لك، ثم صرفتها2 بدراهم بعد،3 فقد جاز، لأن الدنانير كانت مالكا لها،4 فإذا استحق ذلك البيع يوماً، فقد رد الثمن، وهو الدنانير، وإذا كان فاسداً، فعليه رد الدراهم.5
__________
1 قلت: وبيان ذلك أنه متى كان أصل البيع صحيحاً، فإن تصرف البائع بالثمن المعقود عليه لا يغير من حقيقة العقد شيئاً، فإذا رُدت السلعة إليه بالاستحقاق، لزمه رد الثمن الذي عقد عليه بعينه، ما لم يرض المشتري بالبدل، أما إذا كان أصل العقد فاسداً، فإن المشتري يتقبل عين الثمن المدفوع إلى البائع، ولولم يكن نفس المعقود عليه؛ لأن البائع صرف القيمة المعقود عليها، وهو لا يملكها شرعاً. والمشتري شريك له في ذلك. انظر: الإنصاف 4/424، 6/88.
2 في نسخة ع: "صرفها".
3 كلمة "بعد" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع: "مالكها".
5 مسألة البيع بالذهب، وأخذ الدراهم بدله، أو العكس سبق بيانها عند المسألة (1855) .(6/2766)
[1977-] قلت: إذا أسلفت رجلاً ها هنا طعاماً، فأعطاكه بأرضٍ أخرى؟
قال: فإن كان بشرط1، فهو مكروه، وإن كان على وجه المعروف، فلا بأس به.
قال أحمد: هو كما قال، لا بأس به.2
قال إسحاق:3 كما قال.
[1978-] قلت: رجل ابتاع رقيقاً جملةً، فإذا في أحدهم عيب؟
__________
1 في نسخة ع: "شرط".
2 جملة: "قال أحمد: هو كما قال، لا بأس به" ساقطة من نسخة ع.
3 لا يشترط ذكر مكان الإيفاء، إلا أن يكون موضع العقد، لا يمكن الوفاء فيه، كالبرية، والبحر، ودار الحرب، فيشترط ذكره على الصحيح من المذهب، وإن اشترط الوفاء في غير مكان العقد، صح وهو المذهب.
وفي رواية: لا يصح.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 46، ورؤوس المسائل ورقة 237، والروايتين والوجهين 355، والمقنع 2/94، 95، والإنصاف 5/107، 108.
قال الحافظ في الفتح 4/431 وقد استدل بحديث ابن عباس "من أسلف في شيء، ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم".
وقد تقدم تخريجه عند المسألة رقم (1783) واستدل به على صحة السلم إذا لم يذكر مكان القبض، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور.(6/2767)
قال: يرد ذا1 العيب بالقيمة.
قال إسحاق: كما قال، وهذا بعد ما قبض ما اشترى.2
__________
1 كلمة "ذا" غير موجودة في الأصل.
2 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 128 مثل ذلك وقال يروى هذا عن الحارث العُكَلى، وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وفي رؤوس المسائل 223 ذكر روايتين:
إحداهما: له الفسخ.
والأخرى: له الفسخ في المعيب، أو الإمساك.
وقال في شرح المنتهى 2/179: من اشترى معيباً في وعاءين صفقة، لم يملك رد أحدهما بقسطه من الثمن، لأنه تفريق للصفقة، مع إمكان عدمه، أشبه رد بعض المعيب لواحد، وله مع الإمساك الأرش.
وفي المقنع 2/44، والإنصاف 4/410 قال: فمن اشترى معيباً، لم يعلم عيبه، أوكان عالماً به، ولم يرض به، فله الخيار بين الرد، والإمساك مع الأرش. هذا المذهب مطلقاً، وكذلك يقال في نظائره، كالصفقة إذا تفرقت.
وعنه: ليس له الأرش إلا إذا تعذر رده.
وقد أخرج عبد الرزاق، عن حماد في رجل اشترى رقيقاً جملة، فإذا في أحدهم عيب، قال: يردهم جميعاً أويأخذهم جميعاً. قال معمر: وسألت عنه ابن شبرمة؟ فقال: يُقَوَّم العيب، ثم يرد إلى البائع. وفي رواية عن سفيان قال: المشتري بالخيار يقوم ما وُجِدَ به عيب ويرده بعيبه، وإن شاء ردهم كلهم.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الرجل يشترى البيع جملة فيجد في بعضه عيب 8/156.(6/2768)
[1979-] قلت: لا يبرأ من العيوب حتى يبين على حديث ابن عمر وعثمان؟
قال: لا يبرأ حتى يبين.
قال إسحاق: كما قال.1
[1980-] قلت: إذا كان لرجل2 على قوم حق، يأخذ منهم من شاء بجميع حقه؟
قال: إذا كتب في كتابه3 أيهم شئتُ، أَخَذتُ بحقي، يأخذ أيهم شاء.4
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 تقدم تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1852) .
2 في نسخة ع: "للرجل".
3 في نسخة ع: "كتابهم".
4 في مسائل أبي داود 209 قال: يأخذ من أيهما شاء، فإذا قبض من واحد، برىء من الآخر.
وأخرج عبد الرزاق، عن ابن سيرين قال: إذا قال: أيهما شئتُ أخذتُ بحقي جميعاً أوشتى، قال: أحب أن يشترط كذلك. وعن سفيان الثوري مثله. المصنف كتاب البيوع: باب الكفلاء 8/172.(6/2769)
[1981-] قلت: قال الثوري: ليس على الشريك ضمان، إذا كفل لشريكه عن غريم لهما؛ لأنه [ع-130/أ] لا ينبغي لأحدهما أن يستوفي دون صاحبه.1
قال أحمد: إذا ضمن له نصيبه، فهو ضامن.
قال إسحاق: كما قال أحمد.2
[1982-] قلت: قال الثوري: الكتاب يكون فيه: (ومن قام بهذا الحق، فهو وليٌّ بما فيه) فقام به رجل؟
قال: لا بأس أن يثبت ولايته، من قبل الذي3 له الحق.
قال إسحاق: نعم.
[1983-] قلت: قال الزهري: رجل اشترى غنماً فنمت، ثم جاء أمر يرد
__________
1 قول الثوري هذا ذكره عبد الزراق في مصنفه 8/173.
2 أخرج عبد الرزاق قال: سئل ابن أبي ليلى، عن رجل قال: ما بايعتم به هذا، فأنا به كفيل، وما كان عليه، فأنا له ضامن؟ فقال: ليس بشيء حتّى يوقت…. نفس المرجع السابق ص174.
والأصل في ذلك حديث أبي أمامة عند أحمد، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه، وفيه ".والزعيم غارم" وقد تقدم تخريجه عند المسألة رقم (1813) .
3 في الأصل "هذا الذي" وما أثبته أولى.(6/2770)
منه البيع؟
قال: يرد عليه1 غنمه والنماء له، فإن الضمان كان عليه2.
قال أحمد: إذا استحقت فالنماء له، إلا في المصراة، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:3 "يردها ويرد معها صاعاً".
قال إسحاق: كما قال.4
قال أحمد: فأما غير ذلك، فإن الخراج5 له بالضمان على حديث عائشة.
قال إسحاق: كما قال.6
قلت:7 قال الثوري: يردها ونماءَها، والجارية إذا ولدت مثل ذلك.8
__________
1 في الأصل "منه" والصواب ما أثبتناه.
2 ذكر هذا عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الضمان مع النماء 8/177.
3 كلمة "قال" ناقصة من نسخة ع.
4 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1803) ، وحديث المصراة تقدم تخريجه في المسألة رقم: (1807) ، كما سبق تعريف المصراة في المسألة رقم (1803) .
5 في نسخة ع: "فالخراج" بدل "فإن الخراج".
6 سبق تحقيق هذه المسألة وتخريج الحديث عند المسألة رقم (1803) .
7 كلمة "قلت" غير موجودة في الأصل.
8 قول الثوري هذا ورد في مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الضمان مع النماء 8/177.(6/2771)
قال أحمد: لا.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[1984-] قال الثوري: اللبن والأولاد يرد في البيع الفاسد، إذا كان هذا نماء رد مع السلعة، والدراهم، والزرع، ليس مثله، وإن هلك الأصل منه: فقيمته، وقيمة النماء هذا في الصوف، واللبن، والوليدة.1
قال أحمد: هذا يكون في كل ما حلب، لأن2 النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في المصراة.3
قال إسحاق: كما قال سفيان، لأن البيع حين فسد، فعلى المشتري رد ذلك النماء [ظ-58/أ] من صوف، كان أو لبن، وأما الدراهم، والزرع4 فما كان فيهما من نماء، فإن الغاصب
__________
1 ذكره عبد الرزاق في مصنفه كما تقدم نفس المرجع السابق والباب والصفحة.
2 في الأصل "أن" وما أثبتناه أقرب للصواب.
3 الإمام أحمد يرى أن النماء المنفصل لا يرد إلا مع المصراة إذا أعادها المشتري حيث ورد النص بذلك، وما سوى ذلك فهو للمشتري، وهو المذهب كما في الإنصاف 4/412، وقد سبق الكلام على حكم المصراة في المسألة (1807) .
4 في نسخة ع: "الزروع".(6/2772)
يرد النماء إلى المالك.1
[1985-] قلت: الرجل يقول للرجل: قد كانت لك عندي وديعة، فدفعتها إليك؟
قال: يصدق إذا كان دفعها إليه بغير بينة [ع-130/ب] .
قال أحمد: يصدق إذا قال: لك عندي وديعة، إذا كان ذلك2 إقراراً منه إلا أن يجئ هذا3 ببينة.4
__________
1 نص على مثل ذلك في مسائل عبد الله 308، 313.
والصحيح من المذهب كما جاء في الإنصاف 4/414: رد المعيب دون نمائه المنفصل، كالنخيل، والشجر، والزروع، وقيل: النماء أياً كان للمشتري لا يرد للبائع.
2 في نسخة ع: "ذاك".
3 كلمة "هذا" ناقصة من نسخة ع.
4 تقدم الكلام على الوديعة عند المسائل رقم (1814، 1899، 1907) .
وقد جزم به الخرقي في مختصره ص100، وابن هبيرة في الإفصاح 2/19.
وكذلك جاء في المذهب الأحمد 117، والكافي 2/380، والمبدع 5/242، ولا يطلب بينة على رد الوديعة. ذكره في رؤوس المسائل ورقة 273، والإشراف لابن المنذر ورقة 185.
وقال في المقنع 2/282، والإنصاف 6/337، 338: المودَع أمين والقول قوله فيما يدعيه من ردٍّ وتلفٍ مع يمينه. وهذا هو المذهب بلا ريب.
وعن أحمد: إن دفعها المودِع ببينة لزم المودَع إعادتها ببينة. نص عليه في رواية أبي طالب، وابن منصور.(6/2773)
قال إسحاق: يصدق في هذا وفي كل ما أقر من شيء، ثم خرج مما أقر بكلام متصل، كنحو ما يقول: اشتريت منك عبداً، أو أرضاً بألف درهم، فأديت ثمنه إليك، وكان لك عندي كذا وكذا، فرددتها عليك.
فكل هذا لا ضمان عليه،1 لأنه أقر على نفسه بشيء، ثم خرج منه بكلام متصل: فهو خبر، وأخطأ هؤلاء حين قالوا: إقراره جائز وعليه البينة بالأداء.2
[1986-] قلت: قال الثوري: كل إنسان استعار شيئاً فرهنه بإذن صاحبه، فذهب الرهن، رد المستعير إلى صاحبه، قيمة المتاع الذي كان رهنه به.
__________
1 في نسخة ع: "عليك" وهو خطأ.
2 يقصد بقوله "هؤلاء" أبا حنيفة رحمه الله ومن وافقه حيث قال: هو مقر بالحق مدع لقضائه، فعليه البينة بالقضاء، وإلا حلف غريمه، وأخذ.
انظر: مختصر الطحاوي، الناشر: لجنة إحياء المعارف النعمانية بالهند 1370 هـ ص113، وفتح القدير 8/336، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين 5/595، والمغني مع الشرح الكبير 5/285، والإفصاح لابن هبيرة 2/20.(6/2774)
قال أحمد: نحن نقول: العارية مؤداة.1 وإن كان أرهنه2 بإذن صاحبه، فلا بد له من أن يؤديه (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) .3
قال إسحاق: كما قال سفيان.
__________
1 هذا قطعة من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
وقد سبق تخريجه عند المسألة رقم (1813) .
2 في نسخة ع: "رهنه".
3 هذا حديث سمرة رضي الله عنه، وقد سبق تخريجه عند المسألة رقم (1862) .
وقال ابن المنذر في الإشراف 154: اختلفوا في الرجل يستعير من الرجل الثوب، ليرهنه بعشرة دراهم، وضاع الثوب عند المرتهن، فكان محمد بن الحسن يقول: يرد الراهن العشرة التي أخذها على رب الثوب، ويبطل حق المرتهن، ولا يضمن المرتهن ولا الراهن من الفضل شيئاً. وقال أبو ثور: لا ضمان عليه لصاحب الثوب، إذا أعاره على أن يرهنه.
وقال أحمد: الثوب عارية، هو ضامن حتّى يؤديه. وقال الثوري: إذا أعاره ثوباً ليرهنه، فرهنه، فعطب الثوب، فكل ما أخذ من سبب الثوب ما بينه وبين قيمة الثوب، يرد عليه. وبه قال إسحاق.
وفي الإنصاف 5/149: لوتلف المرهون، ضمن المستعير فقط، على الصحيح من المذهب.
وقد تقدم بحث العارية والوديعة وضمانهما من عدمه عند المسألة رقم (1813) .(6/2775)
[1987-] قلت: قال الثوري: رجل قال لرجل: استودعتك هذا الثوب، فقال: صدقت، ثم قال: استودعنيه رجل آخر؟
قال: الثوب للأول، ويغرم للآخر ثوبا.
قال أحمد: إذا جاء الآخر يطلبه، فلا بد هو كما قال.
قال إسحاق: كما قال.1
[1988-] قلت: إذا بعت ثوباً، فحل الأجل، فوجدته بعينه فقال: اشتره مني؟
قال أحمد: لا بأس أن يشتريه بأكثر، ولا يشتريه بأقل، إذا لم يكن قبض الثمن، وإذا كان قبض الثمن فليشتره كيف شاء.
قال إسحاق: كما قال.2
__________
1 هذه المسألة رواها عبد الرزاق عن سفيان الثوري في المصنف كتاب البيوع: باب الوديعة 8/183.
قلت: ويفهم من كلام الإمام أحمد أنه، إن لم يطلب الآخر ثوباً، فليس عليه شيء، لأنه ربما غلط في إقراره، فاستدرك حين قال: "استودعنيه رجل آخر" ولهذا، فإن مطالبة الآخر تزيل اللبس.
2 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (8142) .
وأخرج عبد الرزاق، عن مجاهد قال: لا تأخذ ما بعته إلى أجل، إلا بأكثر مما بعته به، وقال طاوس: إلا أن يكون قد خرج من يده إلى غيره، فلا بأس أن تبتاعه بما شئت.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب السلعة يسلفها في دينار، هل يأخذ غير الدينار 8/17.(6/2776)
[1989-] قلت: يبيع1 الرجل شاته [ع-131/أ] ممن يذبحها لصنمه؟
قال: إني أكره ذا.2
قال إسحاق: لا يحل ذلك3 إذا علمه.4
[1990-] قلت: قال الثوري في نصراني أسلف نصرانياً في الخمر، ثم أسلم أحدهما؟
قال: له رأس ماله.
قال أحمد: له رأس ماله.
قال إسحاق: إذا كان الثمن دراهم أو شيئاً يحل.
__________
1 في نسخة ع: "بيع".
2 في نسخة ع: "ذي".
3 في الأصل "ذاك".
4 قلت: البيع والشراء مع الذمي جائز، ويمتنع إذا عُلم أنه يستعين بما يشتريه على محاربة الله ورسوله، ومسألة الشاة كمسألة بيع العنب ممن يعصره خمراً رقم (1840) وقد تم التعليق عليها.(6/2777)
[1991-] قلت: قال الثوري: إذا أقرض أحدهما صاحبه خمراً، فإن أسلم المقرض، لم يأخذ شيئاً، وإذا أسلم المستقرض رد على النصراني ثمن خمره.
قال أحمد: ليس للخمر ثمن، وشنعها على قائلها.
قال إسحاق: كما قال أحمد وهو بين.1
[1992-] قلت: رجل باع بقرة واشترط رأسها، ثم بدا له فأمسكها، فقضى زيد بشراء رأسها.2
قال أحمد: هكذا يكون شريكا في البقرة بقدر الرأس يقوم الرأس3 مع اللحم فيكون له بقدر الرأس والبيع جائز.
قال الثوري: ونحن نقول: البيع فاسد.4
__________
1 هاتان المسألتان رواهما عبد الرزاق عن سفيان الثوري في مصنفه كتاب البيوع: باب بيع الخمر 8/196، والخلال في أحكام أهل الملل ورقة 49.
2 روى عبد الرزاق هذه المسألة في كتاب البيوع: باب الدابة تباع، ويشترط بعضها 8/195.
3 جملة "يقوم الرأس" ساقطة من نسخة ع.
4 ذكر عبد الرزاق قول سفيان هذا في المصنف كتاب البيوع: باب الدابة تباع، ويشترط بعضها 8/ 195.(6/2778)
وتعجب أحمد من قوله.1
قال إسحاق: كما قال أحمد.2
[1993-] قلت: رجل أخذ عبداً آبقاً، فأبق منه؟
قال: ليس عليه شيء.3
__________
1 في نسخة ع: "الإمام أحمد".
2 قال في رؤوس المسائل ورقة 219 يجوز بيع شاة ويستثنى سواقطها.
وورد في المغني 4/78، والكافي 2/35، وشرح المنتهى 2/150: أنه لا يصح استثناء حمل مبيع من أمه أو بهيمة مأكولة، أواستثناء شحم مأكول، أو رطل لحم، أوشحم من مأكول إلا رأسه وجلده وأطرافه، فيصح استثناؤها نصاً، حضراً وسفراً لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، ومعه أبوبكر وعامر بن فهيرة مروا براعى غنم، وذهب أبو بكر، وعامر فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها. وسلب الذبيحة: جلدها، وأكارعها، وبطنها. انظر: المعجم الوسيط 1/441.
وقال في الإنصاف 4/306: هذا المذهب نص عليه فلو أبى المشتري ذبحه لم يجبر عليه على الصحيح من المذهب ويلزمه قيمة المستثنى على التقريب نص عليه.
وفي رواية: لا يصح الاستثناء.
قلت: وهذه رواية مرجوحة؛ لأن المستثنى قد وَضَحَ فجاز استثناؤه.
3 نص على ذلك في مسائل عبد الله 310.
وأخرج عبد الرزاق عن الشعبي قال: سئل عن رجل أخذ عبداً آبقاً، فأبق منه؟ قال: ليس عليه ضمان. وفي رواية عن ابن أبي ليلى قال: إن كان أخذ أجراً ضمن، وإلا فلا ضمان عليه.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب العبد الآبق يأبق من الذي أخذه 8/209.(6/2779)
قال إسحاق: كما قال.
[1994-] قلت: قال الزهري:1 رجل اكترى من رجل بعيراً، فمات في الطريق؟
قال: له بقدر ما ركب،2 وإن نفق الجمل، فللكرى بقدر ما ركب.3
__________
1 في الأصل "قال الزهري" ساقطة.
2 قال في الإنصاف 6/61: وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها، سواء تلفت ابتداء أوفي أثناء المدة، فإذا تلفت في ابتداء المدة، انفسخت، وإن تلفت في أثنائها، انفسخت أيضاً، فيما بقى فقط على الصحيح من المذهب. وقيل: تنفسخ أيضاً فيما مضى، ويسقط المسمى على قيمة المنفعة، فيلزمه بحصته. ونقل الأثرم فيمن اكترى بعيراً بعينه، فمات فهو عذر، يعطيه بحساب ما ركب. وأخرج عبد الرزاق، عن الزهري، والشعبي مثل هذا بزيادة: "إن كان البعير يرجع خالياً، ليس عليه شيء". انظر: كتاب البيوع: باب الرجل يكري الدابة فيموت في بعض الطريق 8/213.
3 قال في الإنصاف 6/60: إذا هرب الأجير، أو شردت الدابة: لم تنفسخ الإجارة وثبت له خيار الفسخ، فإن فسخ، فلا كلام، وإن لم يفسخ، وكانت الإجارة على مدة انفسخت بمضيها يوماً فيوماً.
قلت: وشرود الدابة إذا كان غير مقدور على إعادتها، واستيفاء المنفعة منها: كهلاكها، وهذه المسألة تشبه التي قبلها، فحكمها، كحكمها.(6/2780)
قال إسحاق: كما قال.1
[1995-] قلت: قال الزهري: رجل اكترى إلى مكة، واشترط عليه نفقته، قال: إن لم يعطه وَرقاً، فلا بأس به، إذا أعطاه طعاماً.2
قال أحمد: ما يعجبني حتى يكون شيئاً محدوداً، ليس فيه شك، فهو أجود، وأما إذا أراد أن يأخذ دراهم، فلا يجد بداً3 من أن يحدَّها.4 والطعام على ذلك قد يسهل5 الناس فيه.6
__________
1 هذه المسألة مكررة في الأصل.
2 قول الزهري هذا رواه عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الرجل يكتري على شيء مجهول. وهل يجوز الكراء، أويأخذ مثله منه 8/216.
3 في نسخة ع: "فلا بد" بدلاً من جملة "فلا يجد بداً".
4 في نسخة ع: "يحددها".
5 في نسخة ع: "سهل".
6 ذكر ذلك ابن المنذر في الإشراف ورقة 141، وقال في الإنصاف 6/12: يصح استئجار الأجير بطعامه وكسوته، وهذا هو المذهب مطلقاً.
وعنه: لا تصح فيهما حتّى يصف الطعام والكسوة.
قلت: وهذه الرواية توافق مسألتنا هذه.
وأخرج عبد الرزاق قال: سئل سفيان عن رجل يكتري من رجل إلى مكة ويضمن له الكَرِىُّ نَفَقَتَهُ إلى أن يبلغ؟ قال: لا إلا أن يوقت أياماً معلومةً، وكيلاً معلوماً من الطعام يعطيه إياه كل يوم.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الرجل يكري على شيء مجهول 8/214.
وروى عبد الرزاق، وابن ماجه، وابن سعد في الطبقات قول أبي هريرة رضي الله عنه: إني كنت أجيراً لابن عفان وابنة غزوان على عُقْبَة (عقبة رجلي أي: ركوبتي على الدابة حين السفر) رجلى وشبع بطنى ….
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الرجل يكتري على الشيء المجهول 8/215، وابن ماجه كتاب الرهون: باب إجارة الأجير على طعام بطنه 2/817، وطبقات ابن سعد 4/326.
وروى ابن ماجه في سننه عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب استقى ليهودي سبعة عشر دلواً كل دلوبتمرة. انظر: كتاب الرهون: باب الرجل يستقى كل دلو بتمرة 2/818.
وفي الروايتين والوجهين لأبي يعلى 428 قال: روى حنبل، وإسحاق بن منصور: عدم الجواز، وروى عنه أبوداود، وأحمد بن سعيد: جواز ذلك على حديث أبي هريرة، وهو اختيار الخرقي في مختصره ص105.
وفي الإشراف لابن المنذر ورقة 177 قال: أجازه مالك، وأحمد وإسحاق، وساق أثري أبي هريرة، وعلي السابقين. ثم قال: وأبطل النعمان استئجار الرجل العبد، بطعامه، ثم ناقض النعمان في الظئر فقال: تستأجر بطعامها وكسوتها.
وفي الإنصاف 6/12 قال: المذهب مطلقاً جواز ذلك، وعنه: لا تصح حتّى يصف الطعام، والكسوة، وعنه: يصح في الظئر دون غيره، واختاره القاضي.(6/2781)
قال إسحاق: إن اكترى الرجل واشترط أن يطعم المكارى فإن(6/2782)
ذلك كِرًى1 جائزاً ولكن إذا كان2 الطعام مسمى مع الكرى المسمى كان أفضل، وإن لم يسم الطعام، فهو جائز، لأنا نجيز إجارة الرجل نفسه على طعام بطنه.
وهؤلاء3 أفسدوه ثم خالفوا قولهم أيضاً، فقالوا:4 إذا استأجر ظئرا5 بطعام بطنها.
__________
1 في الأصل: "كذا جائز".
2 جملة "إذا كان" ناقصة من نسخة ع.
3 لعله قصد بهؤلاء أبا حنيفة والشافعي رحمهما الله؛ لأنهما قصرا إجارة المرء بطعامه وكسوته، على الظئر فقط، ومنعاها فيما عدا ذلك؛ لأنها إجارة الأجر فيها مجهول القدر، وجهالته تفضى إلى المنازعة التي حذر منها الشارع.
انظر: المبسوط 15/119 الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت 120، والقوانين الفقهية لابن جزي ص236، طبع في المغرب، والإفصاح لابن هبيرة 2/42.
4 في نسخة ع: "قالوا".
5 الظئر: بهمزة ساكنة، ويجوز تخفيفها: الناقة تعطف على ولد غيرها، ومنه قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها: ظئر، وللرجل الحاضن: ظئر أيضا، والجمع أظآر، مثل: حمل وأحمال.
انظر: المصباح 461، والنهاية في غريب الحديث 3/154.
قال الزيلعي في نصب الراية 4/104، الناشر: المكتبة الإسلامية بالهند ط 2 عام 1393 هـ، والحافظ ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/189: استئجار الظئر كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبله ثم أقرهم عليه.(6/2783)
[1996-] قلت: رجل استأجر سفينة فانكسرت أو غرقت؟
قال أحمد: هذا مثل البعير إذا مات له بقدر ما حمل، وليس على الملاح ضمان، وله أجر1 بقدر ما حمل، وليس عليه ضمان إلا أن تكون سفينته مشقوقة، أو قيل له: اتق هذا الصخر، فلم يفعل2 وحملها عليه، ونحو هذا مما يعرف له الذنب، وأما إذا جاء أمر من السماء، فليس [ظ-58/ب] عليه ضمان، ومن الناس من يُضَمِّن كلَّ أجير يأخذ الأجر.3
قال إسحاق: كما قال.4
__________
1 في نسخة ع: "أجرة".
2 في نسخة ع: "يقبل".
3 في نسخة ع: "الأجرة".
4 قال في مسائل ابن هانىء 2/30: وسئل – أي الإمام أحمد – عن الملاح أيضمن؟ قال: إذا أصابه شيء لا يملكه، مثل الغرق ونحوه، فإنه لا ضمان عليه، وإن كان من عنت ضمن.
وأخرج عبد الرزاق، عن ابن شبرمة قال: سألت ابن هبيرة – هو عبد الله بن هبيرة بن أسعد السبائي الحضرمي، وهو غير صاحب الإفصاح – وابن أبي ليلى عن رجل استأجر سفينة فانكسرت، فقلت: ليس عليه ضمان؟ قال ابن أبي ليلى: يضمن الأجير، قلت: فإن أصابتها صاعقة من السماء، فاحترقت؟ قال ابن هبيرة: لا ضمان عليه. وفي رواية عند ابن أبي شيبة عن سفيان الثوري عن ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، في سفينة تؤجر في البحر، فتكسر وفيها متاع؟ قال ابن شبرمة: لا يضمن. وقال ابن أبي ليلى: يضمن، وقال سفيان: لا نرى عليه ضماناً.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب ضمان الأجير الذي يعمل بيده 8/218، وانظر: مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب الرجل يستأجر السفينة فتغرق 7/264.
وانظر: المسألتين رقم (1862، 1863) حيث تقدم الكلام على مثل ذلك.(6/2784)
[1997-] قلت: رجل دفع إلى حائك غزلاً، فأفسد حياكته؟
قال أحمد: إذا فسد، فهو ضامن، هذا فساد يده.1
__________
1 في نسخة ع: "هذا إفساد يديه".
ونص على مثل ذلك في مسائل ابن هانىء 2/30 فذكر أن القصار والصباغ: يضمن ما أعنتت يده، وأما ما كان من حريق أوشيء ظاهر، فلا يعجبني أن يغرم.
وفي مسائل عبد الله 303 قال: بغرامة الخياط للثوب إذا ضاع. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن شريح، أنه اختصم إليه حائك ورجل دفع إليه غزلا، فأفسد حياكته، فقال الحائك: إني قد أحسنت. قال: فلك ما أحسنت، وله مثل غزله، زاد ابن أبي شيبة: كان شريح يقول: أقم البينة أنه أفسده، فإذا أقام البينة، قال للنساج: أعطه مثل غزله.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب ضمان الأجير الذي يعمل بيده 8/219.
وانظر: مصنف ابن أبي شيبة في كتاب البيوع: باب في الحائك يفسد الثوب 7/323.(6/2785)
قال إسحاق: أجاد كما قال.
[1998-] قلت: قال الثوري في رجل سلف رجلاً، دنانير ودراهم في طعام فوجد في الدراهم زيوفاً؟
قال: البيع فاسد.1
قال أحمد: قد مضى عليه بقدر ما كان منها صحيحاً.2
قال إسحاق: كما قال أحمد: يجوز السلم بقدر الصحاح، لأنه بيَّن قدر ما أسلم فيه.
[1999-] قلت: قال الثوري وإذا أسلفت رجلاً عشرة دراهم في فَرَقَين3
__________
1 سوف تأتي مسألة مشابهة رقم (2000) يقول فيها مثل قول أحمد، وقد رواها عبد الرزاق عن الثوري في مصنفه كتاب البيوع: باب فساد البيع إذا لم يكن النقد جيداً 8/225.
2 في رؤوس المسائل ورقة 238 قال: إذا أسلم في سلعة دراهم ثم بان أنها زيوفٌ أوبعضها: بطل العقد فيما وقع فيه الرد. وفيه رواية أخرى: لا يبطل إذا رد إليه بدلها في مجلس الرد.
وذكر في الإنصاف 5/104 أنه لو قبض بعض رأس مال السلم ثم تفرقا: بطل فيما لم يقبض، ولم يبطل فيما قبض على الصحيح من المذهب – بناء على تفريق الصفقة –.
وقد ذكر ابن قدامة في الكافي 2/115: إن في المقبوض وجهين.
3 الفَرَقُ: مكيال وسبق تعريفه عند المسألة (1964) .(6/2786)
فرق حنطة، وفرق شعير، ثم وجد1 خمسة دراهم زيوفاً.
قال: البيع فاسد، لأنك2 لا تدري أللشعير هي، أم3 للحنطة؟ ولو فرقها فقال: خمسة في البر4، وخمسة في الشعير5، فوجد خمسة زيوفاً6، رد7 الذي وجد فيه الزيوف.8
قال أحمد: دعها ما أدرى
__________
1 كلمة "وجد" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "فإنك".
3 في نسخة ع: "أو".
4 في نسخة ع: "بر".
5 في نسخة ع: "شعير".
6 الزيوف في النقود وغيرها: عملة مغشوشة، وقد تقدم تعريف ذلك عند المسألة رقم 76 ويقال: زَيَّفَها، وعليه زَيَّفَ قوله، أورأيه: فنده وأظهر باطله.
قال بعضهم: الزيوف هي الدراهم المطلية بالزئبق المعقود بمزاوجة الكبريت.
انظر: المعجم الوسيط 1/409، والمصباح 310.
7 كلمة "رد" ناقصة من نسخة ع.
8 هذه المسألة ذكرها عبد الرزاق في كتاب البيوع: باب فساد البيع إذا لم يكن النقد جيدا 8/224، 225.(6/2787)
ثم قال: هذه1 المسألة على ما قال.2
قال إسحاق: يجوز في البر [ع-131/ب] بقدره، والشعير بقدره، فيصح من السلم بقدر ما صح من الدراهم في البر، والشعير بحصته، فإن كان الدراهم بهرجاً3، ولم تكن شقوقاً، أو زيوفاً، بيناً فأبدله: تم السلم.
[2000-] قلت: قال الثوري: رجل سلف دينارين في حلة بذرع معلوم، فوجد أحد الدينارين زيفاً؟
__________
1 في نسخة ع: "أما هذه".
2 قال في مسائل أبي داود 198 يقدر للحنطة كذا، وللشعير كذا ويجعل كل واحد على حدته.
وجاء في المقنع 2/94 قوله: وإن أسلم ثمنا واحداً في جنسين لم يجز حتّى يبين ثمن كل جنس، وهذا هو المذهب، كما في الإنصاف 5/106.
وفي رواية: يصح قبل البيان.
وفي شرح المفردات 1/310 قال: لا يصح أن يسلم في جنسين كبر، وشعير، أو تمر، وزبيب بثمن واحد، يجعل لهما حتّى يبين ثمن كل جنس؛ لأن كل واحد من الجنسين، مجهول، فلم يصح كما لوعقد عليه مفرداً بثمن مجهول؛ لأن فيه غرراً.
3 بهرج الكلام وغيره: زَيَّفَه ورده لزيفه، وهو الردىء من الشيء ودرهم بهرج: ردىء الفضة، والبهرج: الباطل.
انظر: المعجم الوسيط 1/73، والمصباح 80، والنهاية 1/166.(6/2788)
قال: يرد البيع ولو كان طعاماً، حسن1 أن يأخذ بعضه ويدع بعضه.2
قال أحمد: أما الحلة فلا يتخلص منها، وأما الطعام، فقد مضى عليها3 ما كان منها4 صحيحاً.5
قال إسحاق: كما قال.
[2001-] قلت: قال الثوري في رجل قال لرجل: بعني ثوبك هذا بهذه المائة الدرهم، فلما دفع إليه الدراهم، إذا هي زيوفاً؟
__________
1 في نسخة ع: "أحسن".
2 هذه المسألة ذكرها عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب فساد البيع إذا لم يكن النقد جيدا 8/225.
3 هكذا ورد في نسخ المخطوطة: عليها، والصواب أن يقال: عليه؛ لأن الضمير يعود على الطعام وهو مذكر.
4 هكذا ورد في نسخ المخطوطة: منها، والصواب أن يقال: منه؛ لأن الضمير يعود على الطعام وهو مذكر.
5 أي قد عقد السلم بما يقابل الدينار من الطعام، لوكان الرجل أسلف في طعام بدلاً من الحلة، أما الحلة فلا تتجزأ حتّى يمضى العقد فيما يقابل ما صح من الدينارين.(6/2789)
قال: يلزمه البيع، ويغرم له دراهم1 جياداً.2
قال أحمد: أرد البيع، لأنه وقع على دراهم زيوف.3
قال إسحاق: كما قال سفيان، لأن البائع باع4 على أنها جياد.
[2002-] قلت: قال الثوري: رجل قال لرجل: بعني سلعتك بهذه الدراهم، وأراها إياه وهي طيب غير أنها ناقصة؟
قال: لا بأس إذا أراها إياه.5
قال أحمد: جيد
__________
1 في نسخة ع: "دراهما".
2 ذكر هذه المسألة عبد الرزاق في مصنفه 8/225.
3 قلت: ولعل الإمام أحمد رحمه الله لم يجز البيع؛ لأن الثمن، وهو أحد ركني البيع، قد تعين في مجلس العقد، وضُبط بالإشارة إليه إلا أنه ظهر فاسداً، فلو قال المشتري: بعني ثوبك هذا بمائة درهم مطلقاً، للزمه البيع بمائة جياداً.
4 في نسخة ع: "باعها".
5 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في المصنف 8/225، والفرق بينها وبين المسألة التي قبلها، أنه في الأولى حدد مقدار القيمة، وسماها: دراهما ولم يبين زيفها، ولذلك فسد البيع بفساد الثمن، أما في هذه المسألة فالدراهم صحيحة، ومعينة، لكنها ناقصة، فلم يضرها النقص، لأنه لم يحدد مقدارها عند المبايعة لذلك تم البيع.(6/2790)
قال إسحاق: كما قال.
[2003-] قلت: قال الثوري في رجل1 يبتاع السلعة بدنانير كوفية، ثم جاء الشام فقيل له: بكم أخذتها؟
فقال:2 بكذا وكذا قال: فلك ربح خمسة دنانير، قال: فله3 رأس المال الذي ابتاعه:4 كوفية، والربح شامية.5
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال، ولكن يبين أنها كوفية، كذلك ابتاعها بالكوفة، لأن بيع المرابحة عليه أن يبين للمشترى مثل ما يعلم.6
__________
1 في نسخة ع: "الرجل".
2 في نسخة ع: "قال".
3 في نسخة ع: "له".
4 في نسخة ع: "ابتاعه به".
5 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الرجل يشتري بمكان فيحمله إلى مكان ثم يبيعه مرابحة 8/231.
6 النقود الشامية تختلف قيمتها عند التعامل بها، في البيع، والشراء عن النقود الكوفية من أجل ذلك، لزمه أن يبين أصل المشتري، ليعرف رأس المال، ويربح على أساسه وقد تقدم بحث بيع المرابحة عند المسألة رقم (1806) .(6/2791)
[2004-] قلت: قال الثوري: كل بيع اشتراه قوم جماعة، فلا يبيعوا بعضه مرابحة.
قال:1 كذلك أقول، إلا أن يبين، يقول:2 اشتريناه جماعة، ثم اقتسمناه.
قال إسحاق: كما قال.
[2005-] قلت: قال الثوري: إذا اشتريا متاعاً، ثم تقاوماه، فأخذ كل واحد منهما بعضه، فليس له أن يبيعه، مرابحة لأنه قد اشترى معه غيره.3
قال أحمد: لا يبيعه مرابحة، قال إسحاق: بلى يبيعه مرابحة بعد أن يبين أنا اشتريناه، ثم قومناه.
[2006-] قلت: قال الثوري: إذا رهن ثوبين بعشرة4، فجاء بخمسة وقال: أعطني نصف الرهن، فلا يدفع إليه حتى يستوفي حقه،
__________
1 في نسخة ع: "قال أحمد".
2 في نسخة ع: "بقوله".
3 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في مصنف كتاب البيوع: باب الرجل يشتري بمكان فيحمله إلى مكان ثم يبيعه مرابحة 8/231.
4 في نسخة ع: "بعشرة دراهم".(6/2792)
لأن الأصل كان بجميع1 المال.
قال أحمد: صحيح.
قال إسحاق: كما قال.2
[2007-] قلت: قال قتادة:3 رجل ارتهن وليدة، فأبقت من الذي ارتهنها إلى سيدها، فأصابها؟ 4
قال: لا تباع، ووجبت لها الحرية إذا مات سيدها بالولد، ويؤخذ سيدها للمرتهن بحقه.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في نسخة ع: "بجمع".
2 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 152: أجمع أهل العلم على أن الراهن ممنوع من بيع الرهن، وهبته والصدقة به وإخراجه من يدى مرتهنه، حتّى يبرأ من حق المرتهن.
وفي رؤوس المسائل ورقة 239 قال: إذا رهنه عبدين بألف، فمات أحدهما بقي الآخر، رهن بالدين – أي كله – لأنه محبوس بحق، فكان محبوساً به وبكل جزء منه كالتركة.
3 هو قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي أبوالخطاب البصري، ثقة ثبت، يقال: ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة مائة وبضعة وعشر، وأخرج له الستة. انظر: التقريب 2/123.
4 فأصابها، أي: وطئها.(6/2793)
قلت: قال قتادة: تباع إن لم يكن لسيدها مال، ويفتك ولدها؟
قال: لا تباع.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
قلت: وقال ابن شبرمة:1 تستسعى،2 ولا تباع.
قال: لا أقول تستسعى، وجبت لها الحرية، إذا مات سيدها بالولد.
قال الثوري: ونحن نقول: فإن حملت من سيدها، فقد استملكها.3
__________
1 هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الضبي أبوشبرمة الكوفي القاضي، ثقة فقيه، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين ومائة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبوداود، والنسائى، وابن ماجة. انظر: التقريب 1/422.
2 سعى المكاتب في فك رقبته سعايةً: وهو اكتساب المال ليخلص به، واستسعيته في قيمته: طلبت منه السعى.
انظر: المصباح 328، وانظر أيضاً: مختار الصحاح 300.
3 هاتان مسألتان رواهما عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب من رهن جارية، ثم وطئها 8/242 وقد ورد فيها قوله "استهلكها" بدل "استملكها" الواردة في المخطوطة.
ولعل الصواب ما ورد في رواية عبد الرزاق، إذ المراد من الاستهلاك إفساد الرهن على المرتهن، وقد حصل بالحمل الذي حصل بسبب وطء الراهن لها، لأنها صارت أم ولد لا تباع.(6/2794)
قال أحمد: هو ما قلت1.
قال إسحاق: أما السعاية فحسن، وتعتق بالموت [ظ-59/أ] .
[2008-] قلت: رجل رهن [ع-132/أ] جارية له أن يصيبها؟
قال: لا والله، لا يصيبها.
قال إسحاق: كما قال،2 وللمرتهن منعها من الراهن أن ينظر
__________
1 قال ابن المنذر في الإشراف 152: أجمع أهل العلم على أن للمرتهن منع الراهن من وطء أمته المرهونة، وذكر قول الثوري وقتادة: "تباع إن لم يكن لسيدها مال" وقول ابن شبرمة: "تستسعى ولا تباع" وقول أحمد وإسحاق: لا تباع.
وفي رؤوس المسائل ورقة 239 قال: لا يملك الراهن الانتفاع بالرهن لأنه محبوس لاستيفاء حق، فلا يملك المالك الانتفاع به كالبيع المحبوس على قبض الثمن، وكما لو أراد أن ينتفع بوطىء المرهونة.
وفي الإنصاف 5/155 قال: وإن وطىء الجارية فأولدها خرجت من الرهن، هذا المذهب.
وذكر ذلك ابن رجب في قواعده ص179، وزاد: وتلزمه قيمتها يوم حبلها.
2 أخرج عبد الرزاق في مصنفه، عن معمر قال: سئل قتادة عن رجل ارتهن وليدة؟ قال: لا يُصِبُها. كتاب البيوع: باب من رهن جارية، ثم وطئها 8/242.(6/2795)
إليها، فضلاً عن الوطء.1
[2009-] قلت: جارية رهنت فولدت الولد من الرهن؟ 2
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال.3
[2010-] قلت: قال الثوري: رجل رهن رهناً، فأعطاه الراهن4 بعض الحق ثم هلك الرهن5 يرد المرتهن ما أخذ من الحق؟
قال: بل6 يرجع المرتهن على الراهن، فيأخذ ما بقي له من الحق.
__________
1 قال الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار 4/100 كتاب الرهن: أجمعوا على أن الأمة الرهن، ليس للراهن أن يطأها، وللمرتهن منعه من ذلك.
2 في نسخة ع: "الراهن" وهو خطأ.
3 أخرج عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الشعبي قال: إذا ولدت فالولد من الرهن، إنما هو زيادة فيها.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب من رهن جارية ثم وطئها 8/242، وذكر ذلك ابن المنذر في الإشراف ورقة 152، وقال: وكذلك قال الشعبي والنخعي.
4 كلمة "الراهن" ناقصة من نسخة ع.
5 كلمة "الرهن" ناقصة من نسخة ع.
6 حرف "بل" ناقص من نسخة ع.(6/2796)
قال إسحاق: كلما هلك، وقيمته مثل ما كان، أعطى من الدراهم فقد هلك بما فيه، ويرد المرتهن على الراهن ما قبض منه.1
[2011-] قلت: قال الثوري: رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فجاء بألف درهم، فقال: هذا ربح وقد دفعت إليك ألفاً رأس مالك.
قال: هو مصدق فيما قال.
قال إسحاق: كما قال وعليه اليمين إن شاء.2
__________
1 سبق التعليق على مثل ذلك عند المسألة رقم (1952) .
2 نص على مثل ذلك في مسائل أبي داود 199.
وقال ابن المنذر في الإشراف 158: أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم، أن الرجل إذا دفع للرجل مالاً مضاربةً، ثم اختلفا، وقد جاء العامل بألفي درهم، فقال رب المال: كان رأس مالي ألفي درهم، وقال العامل: رأس المال ألف درهم، والربح ألف درهم، فإن القول قول العامل المدفوع إليه المال مع يمينه، وذلك إن لم يكن لرب المال بينة، كذلك قال الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وفي المغني 5/56 قال: وإن ادعى العامل رد المال، وأنكر رب المال، فالقول قول رب المال مع يمينه. نص عليه أحمد – لأن العامل – قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير، ولأن رب المال مُنْكِرٌ والقول قول المنكر.
وذكر ابن قدامة في المغني 5/55 مثل ذلك ثم قال معلقاً على الرواية الأولى: وبه قال الثوري، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المبارك، وابن المنذر، لأن رب المال ينكر السدس الزائد واشتراطه له، والقول قول المنكر.
وفي المحرر لأبي البركات 1/351 قال: لواختلفا بعد الربح فيما شرط للعامل، فالقول قول المالك، وعنه قول العامل إلا أن يجاوز تسمية المثل فيرد إليهما، فإن أقاما البينة: فبينة العامل أولى، وورد مثل ذلك في شرح منتهى الإرادات 2/338.
وفي المقنع 2/181، والإنصاف 5/455: القول قول رب المال في رده إليه، وهو المذهب، وقيل: القول قول العامل. وقد أورد ابن رجب في قواعده ص62/ ق44، والمرداوي في الإنصاف مسألة ابن منصور هذه كتوثيق لثاني القولين.
والذي أميل إليه: هو القول الثاني، لأن رب المال بينته واضحة باعتراف المضارب، وبهذا لزم المضارب اليمين، وهو ما يتفق مع ما ورد في السنة في حق المدعي والمدعى عليه.
وذكر عبد الرزاق عن الثوري مثل هذه المسألة ثم قال: لا ربح له حتّى يستوفي هذا رأس المال إلا أن يأتي ببينة أنه قد دفع إليه رأس ماله.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب المضاربة بالعروض 8/251.(6/2797)
[2012-] قلت: رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربةً، فقال صاحب المال: بالثلث، وقال الآخر: بالنصف؟
قال: القول قول صاحب المال، إلا أن يأتي هذا ببينة، فإن لم يأت ببينة1، فله اليمين2 على صاحب المال.
__________
1 جملة "فإن لم يأت ببينة" ناقصة من نسخة ع.
2 في الأصل "الثمن".(6/2798)
قال إسحاق: كما قال.1
[2013-] قلت: من كره أن يدفع إلى رجل مالاً مضاربة، ويحمل له بضاعة؟
قال: ما يعجبني أن يكون في المضاربة شرط.
قال إسحاق: كما قال،2 لا يجوز أن يعطيه على أن يحمله بضاعة، ولا أن يعمل له عملاً.3
__________
1 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 159: كان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور يقولون: القول قول رب المال مع يمينه، وذلك أن العامل مدعى، للفضل، ولا تقبل دعواه إلا ببينة، وفي الروايتين والوجهين 391 قال: نقل ابن منصور والسندي: القول قول رب المال، مع يمينه، ونقل حنبل: إن كان ما يدعيه المضارب قدر أجرة مثله، أو زيادة عليه بقليل مما يتغابن بمثله: قبل قوله، وإن كان فيه زيادة على ذلك، فله أجرة مثله.
2 جملة "كما قال" ناقصة من نسخة ع.
3 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 158، 159 أن العامل، أورب المال إن اشترط أحدهما شيئاً، قال أبو ثور: المضاربة فاسدة، وللعامل كرى مثله، إن عمل في المال، والربح والوضيعة لرب المال عليه، ثم قال ابن المنذر: وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل، إذا دفع إلى آخر مالاً، وأعانه رب المال من غير شرط: أن ذلك جائز، فإن اشترط أن يعمل معه: فهي مضاربة فاسدة.
وقال في المقنع 2/174: إن شرط لم يصح.
وفي رؤوس المسائل ورقة 355: إن شرط لم ينعقد شرط، وقال الأكثر: تفسد المضاربة.
وهذه المسألة تشبه مسألة العامل في المزارعة، وقد تقدم الكلام عليها عند المسألة رقم 93.
وقد أخرج عبد الرزاق عن طاوس أنه كره ذلك.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب اشتراط المقارض أن يحمل بضاعة أو أنه يشترى ما أعجبه 8/257.(6/2799)
[2014-] قلت: رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربة، وشرط عليه أن كل ما أعجبني مما تأتي به، أخذته بالثمن؟
قال: ليس ذا بشيء.1
قال إسحاق: ليست هذه بمضاربة صحيحة قد أفسد المضاربة، الشرط.2
__________
1 مكان كلمة "بشيء" بياض في الأصل.
2 ليس لرب المال أن يشتري من مال المضارب شيئاً لنفسه، لأنه شرط شيئا ليس من مصلحة العقد، ولا مقتضاه، ولأنه مُلْكُه فلم يصح شراؤه له كشرائه من وكيله، هذا هو المذهب.
وفي رواية: يجوز، لأنه تعلق به حق المضارب، فعليها يأخذ بالشفعة، وقد قيدها بعضهم فقال: إن ظهر ربح، وإلا فلا.
انظر: رؤوس المسائل 257، والمقنع 2/176، والإنصاف 5/424، 438.(6/2800)
[2015-] قلت: رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربة، [ع-132/ب] على الشطر قال: اعمل فيه بما أراك الله عز وجل، فقارض آخر: على الربع؟
قال: قد أذن له.1
قال إسحاق: كما قال.
[2016-] قلت: قال الثوري رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربة، وقال: ادَّان عليَّ؟
قال: يكره ذلك من أجل أنه كفل عنه، وهو يجر إليه منفعة.2
__________
1 نص على ذلك في مسائل عبد الله 294 وليس لمضارب، دفع مال المضاربة، لآخر مضاربة من غير إذن رب المال، على الصحيح من المذهب، وإن فعل ضمن، فإن أذن له جاز ذلك، نص عليه أحمد، وقال في الإنصاف: لوقال له: "اعمل برأيك" جاز له فعل كل ما هو ممنوع منه، إذا رآه مصلحة، وقيل: يجوز بناء على توكيل الوكيل وهو ضعيف.
انظر: رؤوس المسائل 257، والمغني مع الشرح الكبير 5/161، والإنصاف 5/438.
2 هذه المسألة رواها عبد الرزاق عن الثوري في المصنف كتاب البيوع: باب المقارض يأمر مقارضه أن يبيع بالدين 8/255.(6/2801)
قال: ما أعلم به بأسا إذا قال: ادَّان عليَّ.
قال إسحاق: كما قال، لأن ذلك منه ليس بشرط يشرطه1، فيفسد، إنما هو زيادة منفعة لهما.
[2017-] قلت: قال: سألت الزهري عن رجل، قارض2 رجلاً فابتاع متاعاً فوضعه في البيت، ثم قال لصاحب المال: ائتني غداً، فجاء سارق فسرق المتاع والمال؟
قال: ما أرى أن يلحق أهل المال أكثر في مالهم: الغرم على المشتري.3
وقال الثوري: يأخذ صاحب المال المقارضَ، ويأخذ المقارضُ صاحب المال.4
__________
1 كلمة "يشرطه" ناقصة من نسخة ع.
2 قارضته من المال قِراضاً من باب قاتل، وهو المضاربة: انظر: المصباح 600.
3 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب المقارض يأمر مقارضه أن يبيع بالدين 8/256.
4 أي يأخذ صاحب المتاع القيمة من العامل في المضاربة، لأنه هو الذي اشترى منه، ويرجع المضارب على صاحب رأس مال المضاربة، لأن المضارب مؤتمن على ما بيده من المال إذا لم يتسبب في تلفه وقد حلت به آفة فلا يغرمه كما لو كان وكيلاً.(6/2802)
قال أحمد: فيه التباس.1
قال إسحاق: كما قال الزهري: لا يلزم صاحب2 المال أكثر من ماله هذا، إذا لم يقل استدن عليّ.3
[2018-] قلت: شريكين4 في سلعة، باع أحدهما السلعة، ولم يستأذن صاحبه؟
قال: يجوز حصته، إنما باع ما يملك.
__________
1 ذكر في الإنصاف 5/445 أن المضارب إذا اشترى سلعة في الذمة، ثم تلف المال قبل نقد ثمنها، أو تلف، هو والسلعة، فالثمن على رب المال، ولرب السلعة مطالبة كل منهما بالثمن، ويرجع به على العامل.
2 في نسخة ع: "رب".
3 إذا قال رب المال للمضارب: استدن علىّ، فقد أذن له بزيادة رأس المال المضاربة، وعندئذ يمكنه من سد النقص على حساب صاحب المال، لأن رأس المال حلت به آفة، وأمكن تحصيل عوض عنه بالذمة، أما إذا لم يؤذن له بالاستدانة، فالثمن على رب المال، ولرب السلعة مطالبة كل من العامل، ورب المال بالثمن، ويرجع به على العامل، ولواشترى سلعة بعد تلف رأس مال المضاربة من غير إذن مسبق، فهي له وحده، والثمن عليه إلا أن يجيزه رب المال. انظر: الإنصاف 5/444، 445.
4 في نسخة ع: "شريكان" وكلتا الصيغتين واردتان، ففي حالة الرفع يكون التقدير: اشترك شريكان، وفي حالة الجر يكون التقدير: ما تقول في شريكين.(6/2803)
قال إسحاق: كما قال: إلا أن يجيز شريكه ذاك.1
[2019-] قلت: إذا أعطاه العروض مضاربة، له أجر مثله؟
قال أحمد: أكره أن يفعله، فإن فعله2، فهو على ما اشترطاه.
قال إسحاق: الذي يعجبنا أن لا تكون المضاربة إلا بالذهب والفضة، فإن أعطاه متاعاً، فليقل له: بعه، فإذا صار دراهم، فهو مضاربة بيني وبينك [ع-133/أ] .3
[2020-] قلت: قال الثوري: رجل دفع إلى رجل4 ألف درهم، مضاربة على النصف، ثم مكث يوماً، ثم دفع إليه ألف درهم أخرى5،
__________
1 في نسخة ع: "ذلك" والفرق بين ذاك، وذلك، أن الأولى إشارة للمتوسط بين القريب والبعيد، والأخرى إشارة للبعيد، ثم إن العبارة غير مستقيمة كما يبدو لي، ولعل الصواب أن تكون هكذا: "إلا أن لا يجيز شريكه ذاك".
2 في نسخة ع: "فعل".
3 تقدم الكلام على المضاربة بالعروض عند المسألة رقم 1816، وأخرج عبد الرزاق عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم: أنه كره البز مضاربةً يقول: لا، إلا الذهب والفضة، قال سفيان: ونحن نقول له أجر مثله إذا أعطاه العروض مضاربة.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب المضاربة بالعروض 8/250.
4 جملة "إلى رجل" ناقصة من نسخة ع.
5 جاء في الأصل: "ثم دفع إلى رجل ألفاً أخرى" والصواب ما أثبتناه حيث يستقيم الكلام به.(6/2804)
على النصف، كل ألف منها وحدها؟
قال أحمد: جيد.
قلت: لا يخلطها؟
قال: لا.
قال إسحاق: هو جائز، ويخلطهما جميعاً أفضل.
[2021-] قلت: حديث شريح في شاة، باعها أحدهما صاحبه بعشرين درهماً، وهو شريكه فيها، فباعها المشتري بواحدٍ وعشرين درهماً، فذهب بها الذي اشتراها وبالدرهم، فقال للذي باع: أردت رباً، فلم يربو لك، إنما كان شريكك في درهم واحد.1
قال أحمد: كان شريح يقول: إذا نقد أحد الشريكين، ولم ينقد الآخر، فكانت وضيعة، لحقت الوضيعة صاحب النقد، وليس على الآخر شيء.2
__________
1 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الرجل يبيع على السلعة ويشترك فيها 8/260.
2 ورد في نسخة ع زيادة بعد كلمة "شيء" وهي "فإن كان ربح فبينهما".(6/2805)
قلت: ما تقول أنت؟
قال: أقول كما قال شريح.
قال إسحاق: كما قال.
[2022-] قلت: قال قتادة: رجل أخذ من رجل مالاً مضاربةً، فعمل فيه1 وخلط2 فيه مالاً،3 ولم يعلم الآخر، إن هلك المال، فلا [ظ-59/ب] ضمان عليه، وإن4 كان فيه ربح، فهو بالحصص.5
قال أحمد: ما أحسن ما قال.6
__________
1 في نسخة ع: "به".
2 في نسخة ع: "فخلط".
3 في نسخة ع: "مالا له".
4 في نسخة ع: "فإن".
5 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب ضمان المقارض إذا تعدى ولمن الربح 8/254.
6 ليس للمضارب أن يخلط مال المضاربة بغيره مطلقاً على الصحيح من المذهب.
وعنه: يجوز بمال نفسه، كما جاء في رواية إسحاق بن منصور هذه، ورواية مهنا، لأنه مأمور، فيدخل فيما أذن فيه. وقال أبو ثور وغيره: يجوز إذا قال – أي رب المال – اعمل برأيك.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 159، والإنصاف 5/438.(6/2806)
قال إسحاق: كلما خلط بغير إذنه، فهو ضامن، والربح للأول، إلا أن يكون1 قال له: اعمل برأيك، واخلطه بمالك إن شئت.2
[2023-] قلت: قال الثوري: كل بيع ليس فيه كيل، ولا وزن، ولا عدد فجذاذه، وحمله، ونقصه على المشتري، وكل بيع فيه كيل، أو وزن، أو عدد، فهو على البائع حتى يوفيه إياه.3
قال أحمد: أما العدد فلا، ولكن كل ما يكال4، أو يوزن، فلابد للبائع بأن5 يوفيه المبتاع، لأن ملك6 البائع، فيه قائم حتى يوفيه المشتري، وكل ما لا يكال، ولا يوزن مثل الدار، والعبد، والأمة وكل شيء خرج من حد الكيل، والوزن إذا
__________
1 كلمة "يكون" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "أو".
3 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الرجل يبيع على من الكيل والعدد 8/260.
4 في نسخة ع: "ما كان يكال".
5 في نسخة ع: "أن".
6 في نسخة ع: "مال".(6/2807)
كان ذلك معلوماً، فهو من مال المشتري1، فما لزمه من شيء فهو عليه.
قال إسحاق: كما قال أحمد، لأن له بيع كل شيء، لا يكال، ولا يوزن قبل القبض، فإن2 هلك كان من مال المشتري.3
[2024-] قلت: قال الثوري: إذا قال الرجل4 للرجل: بعتك هذه النخلة، فجداده على المشتري.5
__________
1 في نسخة ع: "فهو ملك للمشتري".
2 في نسخة ع: "وإن".
3 ورد النص ببطلان بيع المكيل، والموزون من قبل المشتري حتّى يقبضه – أي حتّى يكيله إن كان مكيلاً، ويزنه إن كان مما يوزن – من أجل ذلك صار ضمانه على البائع حتّى يقبضه المشتري.
وقد تقدم الكلام على قبض المكيل والموزون عند المسألة رقم (1789) ، وعلى ما لا يكال، ولا يوزن عند المسألة رقم (1850) .
كما تقدم الكلام على تلف المبيع عند البائع قبل أن يقبضه المشتري وذلك عند المسألة رقم (1851) عند قوله "ما أدركته الصفقة حيا مجموعا".
4 كلمة "الرجل" ناقصة من نسخة ع.
5 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الرجل يبيع على من الكيل والعدد 8/260.(6/2808)
قال:1 جيد هذا،2 لم يبعه كيلاً، ولا وزناً.
قال إسحاق: كما قال.
[2025-] قلت: من كره أن يبيع النخل، ويستثنى منه كيلاً معلوماً؟
قال أحمد: لا،3 لأنه لا يدرى عسى أن لا يكون فيه ما استثنى، ولكن يستثتنى نخلتين أو ثلاثاً، أو أكثر.
قال إسحاق: هو كما قال بعد إذ يعلم الذي استثنى.4
[2026-] قلت: كم الجائحة؟ 5
__________
1 في نسخة ع: "قال أحمد".
2 كلمة "هذا" ناقصة من نسخة ع.
3 حرف "لا" ناقص من نسخة ع.
4 تقدم بحث الثنيا وتعريفها عند المسألة رقم (1844) .
وأخرج عبد الرزاق، عن سعيد بن المسيب، قال: يكره أن يبيع النخل، ويستثنى منه كيلاً معلوماً.
وقال سفيان الثوري: لا بأس أن يستثنى هذه النخلة، وهذه النخلة.
وفي رواية عن قتادة في رجل قال له: أبيعك تمر حائطي بمائة دينار، إلا خمسين فَرَقاً فكرهه، وقال: إلا أن يشترط نخلات معلومات.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب بيع الثمر ويشترط منها كيلاً 8/261، 262.
5 الجائحة: هي الآفة التي تُهلك الثمار، والأموال وتستأصلها بأمر سماوي، وكل مصيبة عظيمة، وفتنة مُبِيرَة جائحة، والجمع جوائح.
انظر: النهاية في غريب الحديث 1/311، 312، والمصباح 138.(6/2809)
قال: أقول: هي موضوعة، ولا أَحُدُّها.1
__________
1 ورد في مسائل ابن هانىء 2/25 قوله: سمعته - أي أحمد - يقول في الجائحة قال: أهل المدينة يقولون: الثلث، كأنه لا يذهب إليه، وفي مسائل عبد الله 284 قال: سألت أبي عن وضع الجوائح، فقال: الرجل يشترى الثمرة في رؤوس النخل، فتصيبه العاهة فيفسد، فوضع النبيّ صلى الله عليه وسلم الجوائح تكون، لا يكون للبائع شيء، لأنه لم ينتفع منه المشتري بشيء.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 30/280 - 282: والجوائح موضوعة في جميع الشجر عند أصحابنا، وقد نقل عن أحمد أنه قال: إنما الجوائح في النخل، وقد تأوله القاضي على أنه أراد إخراج الزرع، والخضر من ذلك. ويمكن أنه أراد أن لفظ الجوائح الذي جاء في الحديث، هو في النخل، وباقى الشجر ثابتة بالقياس، لا بالنص، وأما الجوائح فيما يبتاع من الزرع ففيه وجهان:
[1-] لا جائحة فيها فهو أشبه، لأنها لا تباع إلا بعد تكامل صلاحها، وأوان جذاذها، بخلاف الثمرة، فإن بيعها جائز بمجرد بُدُوالصلاح، ومدته تطول، وعلى هذا الوجه حمل القاضي كلام أحمد: إنما الجوائح في النخل.
[2-] فيها الجائحة كالثمرة، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتّى يسود، وبيع الحب حتّى يشتد، فبيع هذا بعد اسوداده، كبيع هذا بعد اشتداده، ومن حين يشتد إلى حين يستحصد مدة قد تصيبه فيها جائحة.
وأخرج عبد الرزاق عن علي أنه قال: الجائحة الثلث فصاعداً، يطرح عن صاحبها، وما كان دون ذلك فهو عليه، والجائحة: المطر، والريح، والجراد، والحريق.
وفي رواية عن معمر قال: كان أهل المدينة يقولون: "ما كان دون الثلث، فهو على المشتري إلى الثلث". فإذا كان فوق الثلث فهي جائحة، وما رأيتهم يجعلون الجائحة إلا في الثمار.
وكذلك رواه أبوداود عن يحيى بن سعيد قال: لا جائحة فيما أصيب دون ثلث رأس المال، قال يحيى: وذلك في سُنَة المسلمين.
وفي رواية أخرى عن عطاء قال: الجوائح كل ظاهر مُفْسِدٍ من مطرٍ، أوبردٍ، أوجرادٍ، أوريحٍ، أوحريقٍ.
وقال مالك: بلغنا أن عمر بن عبد العزيز قضى بوضع الجائحة، قال مالك: وعلى هذا الأمر عندنا، ثم قال: والجائحة التي توضع عن المشتري: الثلث فصاعداً، ولا يكون ما دون ذلك جائحة.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الجائحة 8/263، وموطأ مالك 2/621، وسنن أبي داود كتاب البيوع: باب تفسير الجائحة 3/747.(6/2810)
قال إسحاق: الجائحة إنما هي إذا اجتاحت ماله نخلاً، كانت1 أو ثماراً، وهي آفات تنزل من السماء، ولا تكون الجوائح إلا في الثمار، وهو أن يخفف الثلث عن الذين اشتروا [ع-133/ب] .
[2027-] قلت: إذا أفلس الرجل، فوجد الرجل من متاعه النصف، أو الثلث، أو الربع اقتضى من ثمنه شيئاً؟
__________
1 في نسخة ع: "كان".(6/2811)
قال: لا، إلا أن يجده بعينه.
قال إسحاق: كما قال إذا1 اقتضى شيئاً، كان هو والغرماء سواء.2
__________
1 في نسخة ع: "فإذا".
2 إذا أفلس رجل، فأصاب أحدُ الغرماء عينَ ماله، فهو أحق به، فإن كانت السلعة قد تلف بعضها، أو مُتَزَيِّدَة بما لا تنفصل زيادتها، أونقص بعض ثمنها، كان البائع أسوة الغرماء.
نص على ذلك في مسائل ابن هانىء إلا أنه قال: هو أحق به زاد، أونقص.
انظر: مسائل ابن هانىء 2/22، ومختصر الخرقي 93، والإشراف لابن المنذر ورقة 165، والروايتين والوجهين لأبي يعلى 371، ورؤوس المسائل ورقة 244، والمحرر لأبي البركات 1/345، والإنصاف 5/303، 304.
وقد بوَّب البخاري في صحيحه لذلك فقال: باب إذا وجد ماله عند مفلس في البيع، والقرض، والوديعة، فهو أحق به.
وقال الحسن: إذا أفلس، وتبين لم يجز عتقه، ولا بيعه، ولا شراؤه.
وقال سعيد بن المسيب: قضى عثمان: من اقتضى من حقه قبل أن يفلس، فهو له، ومن عَرَف متاعه بعينه، فهو أحق به – ثم ساق حديث أبي هريرة – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أدرك ماله بعينه عند رجل، أو إنسان، قد أفلس، فهو أحق به من غيره".
قال الحافظ في الفتح: قوله "من أدرك ماله بعينه" استدل به على أن شرط استحقاق صاحب المال دون غيره: أن يجد ماله بعينه، لم يتغير، ولم يتبدل، وإلا فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلاً أو في صفة من صفاتها، فهو أسوة للغرماء.
وروى أبوداود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل باع متاعاً، فأفلس الذي ابتاعه، ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئاً، فوجد متاعه بعينه، فهو أحق به، وإن مات المشتري، فصاحب المتاع أسوة الغرماء".
وفي رواية أخرى "فإن كان قضاه من ثمنها شيئاً، فما بقي هو أسوة الغرماء، وأيما امرئ هلك، وعنده متاع امرئ بعينه اقتضى منه شيئاً، أولم يقتض، فهو أسوة الغرماء". انظر: سنن أبي داود كتاب البيوع: باب الرجل يفلس فيجد الرجل متاعه بعينه 3/791.
قال الترمذي: حديث "أيما امرئ أفلس" هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب الاستقراض والدين والحجر والتفليس: باب إذا وجد ماله عند مفلس 5/62، وصحيح مسلم كتاب المساقاة: باب من أدرك ما باعه عند المشتري، وقد أفلس فله الرجوع فيه 3/1193، وسنن أبي داود كتاب البيوع: باب في الرجل يفلس، فيجد الرجل متاعه بعينه عنده 3/791، 793، وسنن الترمذي كتاب البيوع: باب ما جاء إذا أفلس، وللرجل غريم يجد عنده متاعه 3/554، وشرح معاني الآثار للطحاوي كتاب القضاء والشهادات 4/164.(6/2812)
[2028-] قلت: الموت والإفلاس واحد؟
قال: لا، الموت أسوة بالغرماء، والإفلاس هو أحق به.1
__________
1 إذا وجد من بين غرماء المفلس، من دينه ثمن مبيع فوجده، فله أخذه بحصته إلا أن يكون المفلس قد مات، فهو أسوة الغرماء، وهو المذهب، لأن التركة تنتقل بموت صاحبها إلى الورثة، وهو الصحيح من المذهب، وقد نص الإمام أحمد على أن المفلس إذا مات سقط حق البائع في عين ماله؛ لأن المال انتقل إلى الورثة.
وفي رواية: لا تنتقل التركة بموت المفلس، وعلى هذا يبقى الدين في ذمته متعلقاً بالتركة.
انظر: المحرر 1/345، والإنصاف 5/308.(6/2813)
قال إسحاق: كما قال.
[2029-] قلت: رجل تزوج امرأة، وهو مفلس ولم تعلم المرأة يفرق بينهما؟
قال: لا، إلا أن يكون قال لها: عندي من الأموال والعروض وغرها من نفسها.
قال إسحاق: كلما لم يكن مطيقاً1 على النفقة، فسألت2 التفريق يفرق3 بينهما.4
__________
1 في الأصل "مطلعاً".
2 في نسخة ع: "فسألته".
3 في نسخة ع: "فرق".
4 إذا أعسر زوج عن نفقة زوجته، ولم تجد ما تأخذه من مال زوجها، فلها الخيار في البقاء معه أوالفسخ، وإن اختارت الفراق فَرَّقَ بينهما الحاكم؛ لأن اليسار من شروط الكفاءة عند اختيار الزوج.
انظر: مختصر الخرقى 170، والمحرر لأبي البركات 2/38، والمذهب الأحمد 166، والعدة في شرح العمدة 388، 450، والتنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع 257.(6/2814)
[2030-] قلت: رجل أحال رجلاً على آخر فلم يقضه شيئاً؟
قال: إذا رضي الحوالة1، فليس له أن يرجع.
قال إسحاق: كما قال: يوم أحال مليا2 يوم أحاله فلا رجوع.3
وإن أحاله وهو معدم، رجع،4 وإن لم يعلم به، رجع.5
__________
1 الحوالة لغة: اسم مأخوذ من تحويل الشيء من موضع لآخر.
واصطلاحاً: قيل: مشتقة من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة، وقيل: هي عقد إرفاق تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
انظر: المصباح 190، والمعجم الوسيط 1/208، والإنصاف 5/222.
2 فسر الإمام أحمد الملىء فقال: هو أن يكون مليئاً بماله، وقوله وبدنه.
انظر: الإنصاف 5/227.
3 في نسخة ع: "كلما كان يوم أحال ملياً يوم أحاله، فلا رجوع" والعبارة ركيكة في كلتا المخطوطتين، لكنها أقرب إلى استقامة المعنى في النسخة العمرية، ومع هذا فإنني أرجح وجود تصحيف، وتكرار في الأصل، وتكرار في العمرية، ولعل الصواب أن تكون العبارة هكذا: قال إسحاق: "كلما كان ملياً يوم أحاله، فلا رجوع) ".
ويؤيد ذلك قوله في المسألة الآتية رقم (2350) "إذا كان يوم احتال ملياً فلا رجوع عليه".
4 كلمة "رجع" ناقصة من نسخة ع.
5 ذكر ذلك ابن المنذر في الإشراف ورقة 161، وفي رؤوس المسائل ورقة 249، والمقنع 2/121، والمغني مع الشرح 5/60. ==(6/2815)
.........................................................................................................................
__________
== وقال مالك في الموطأ: "الأمر عندنا في الرجل، يحيل الرجل على الرجل، بدين له عليه، أنه إن أفلس الذي أحيل عليه، أومات فلم يدع وفاء، فليس للمحتال على الذي أحاله شيء، وأنه لا يرجع على صاحبه الأول".
الموطأ كتاب الأقضية: باب القضاء في الحوالة 2/750.
وقال في الإنصاف 5/228، 229: لورضى المحتال بالحوالة مطلقاً، برئ المحيل، ولوظهر أنه مفلس من غير شرط، ولا رضى من المحتال، رجع بلا نزاع، ولورضى بالحوالة ولم يشترط اليسار وجهله، أوظنه مليئاً، فبان مفلساً برئ المحيل على الصحيح من المذهب نص عليه.
وفي رواية: له أن يرجع، أما لوشرط المحيل: أن المحال عليه ملىء، ثم تبين عسرته رجع المحتال على المحيل، بلا نزاع.
قال البخاري في صحيحه: باب الحوالة – وهل يرجع في الحوالة؟ وذكر طرفاً من قول قتادة، والحسن البصري: "إذا كان يوم أحال عليه ملياً جاز" ثم ساق حديث الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغَنِيِّ ظلم، فإذا أُتبعَ أحدكم على ملىء، فَلْيَتْبَع".
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: جاز، أي: لا رجوع، ومفهو مه أنه إذا كان مفلساً، فله أن يرجع، وتمام الأثر: عن سعيد بن أبي عَروبَة، عن قتادة، والحسن: أنهما سئلا عن رجل احتال على رجل، فأفلس؟ قالا: إن كان ملياً يوم احتال عليه، فليس له أن يرجع، وقيده أحمد بما إذا لم يعلم المحتال بإفلاس المحال عليه.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب البيوع 4/464، ومصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الإحالة 8/269، ومسند أحمد 2/463، وسنن أبي داود كتاب البيوع: باب في المطل 3/640.(6/2816)
قال عثمان: ليس على مال مسلم1 توى.2
[2031-] قلت: قال الثوري: درهم بين رجلين، قال أحدهما: لي نصفه، وقال الآخر: لي كله. قال ابن أبي ليلى، ثلث، وثلثان. وقال ابن شبرمة: ثلاثة أرباع، وربع، وأما نحن فنقول: هو بينهما نصفان.3
قال أحمد: إذا كان في أيديهما بينهما نصفان، وإذا كان في يد أحدهما فهو له، وإذا كان في يد رجل، فأقر أنه لهذين، فادعى أحدهما كله، وادعى الآخر النصف، فقد أقر أن لصاحبه النصف،4 واستوت دعواهما5 في النصف الباقي يقرع بينهما
__________
1 في نسخة ع: "المسلم" وما أثبتناه أصح؛ لأنه اللفظ الموافق للرواية في كتب الحديث.
2 التوى، وُزان الحصى وقد يمد، وقد سبق تعريفه عند المسألة رقم (1873) .
وأثر عثمان رواه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الحوالة: باب من قال يرجع على المحيل 6/71.
وعن الحسن البصري مثله، رواه عبد الرزاق في نفس المرجع السابق.
3 ذكر هذا عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان وزاد قوله "وهو أحب إلينا".
انظر: كتاب البيوع: باب المتاع في يد الرجلين يدعيان جميعا 8/ 281.
4 كلمة "النصف" ناقصة من نسخة ع.
5 في الأصل "دعوتهما" وما أثبتناه أصح.(6/2817)
فمن أصابته القرعة، حلف، وكانت السلعة له.1
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[2032-] قلت: إذا أذن الرجل لعبده في التزويج، فعلى من المهر؟
قال:2 على السيد.
قال إسحاق: هو على العبد في ماله إلا أن يضمن السيد المهر.3
__________
1 نص على مثل ذلك في مسائل أبي داود 210.
وانظر: المحرر لأبي البركات 2/218، وشرح المفردات 2/286 – 288، والتنقيح 311.
2 في نسخة ع: "قال المهر".
3 إذا تزوج العبد بغير إذن سيده، فالنكاح باطل، وإن دخل بها، غرم سيده الأرش، وقد قُدِّر بخُمُس المهر، وزواج المملوك على السيد، يلزمه إذا احتاج إلى ذلك، أو طلبه.
انظر: المختصر للخرقي 136، 173، والمحرر 2/121، والمذهب الأحمد 167.
قلت: فإذا أذن له سيده، بأن يتزوج، فقد التزم بمؤنة الزواج، أما قول إسحاق بأن المهر من مال العبد، فالعبد لا يملك مالاً يستقل به عن سيده ما لم يعتق.
وقد تقدم الكلام عند المسألة رقم 1881 على العبد المأذون له في التجارة إذا ركبه الدين أن السيد يتحمله، سواء قلنا بتعلق الدين برقبته فيباع، أويفديه سيده، فالمهر من باب الأولى.(6/2818)
[2033-] قلت: بيع البصل، والجزر، والفجل، والبطيخ، وكل شيء يكون تحت الأرض تكرهه؟
قال: لا يجوز بيعه حتى يُعلم ما هو.
قال إسحاق: كلما باع منه جَنْيَةً واحدةً: جاز ذلك، فأما البصل، والجزر، وما أشبههما مما له أصل في الأرض، فبيعه عند الإدراك جائز، وذلك إن كان المشترون1 لا يخفى عليهم جودة ذلك من رداءته، فليس ذلك بغرر.2
[2034-] قلت: يشارك المسلم اليهودي والنصراني؟
قال: إذا كان هو يلي البيع والشراء.3
__________
1 في نسخة ع: "إذا كان المشترين" وهو خطأ.
2 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 110 أن ذلك يدخل في بيع الغرر وأن أحمد يبطله، وإسحاق ممن يجيزه، والصحيح من المذهب عدم جواز بيعه، نص عليه.
وفي رواية: يجوز اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما؛ لأن أهل الخبرة إذا رأواْ ما ظهر منها من الورق وغيره، دلهم ذلك على سائرها والناس محتاجون إلى هذه البيوع، وما زال هذا يباع في الإسلام، ولم ينكره أحد، لا في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا بعده، بل يتعذر عليهم بيع المزارع إلا بهذه الكيفية.
انظر: الإنصاف 4/302، والفتاوى الكبرى 29/227، وبدائع الفوائد 4/74.
3 سبقت هذه المسألة مع التعليق عليها عند المسألة رقم (1925) .(6/2819)
[2035-] قلت: يؤاجر نفسه منه؟
قال: أما الإجارة، فليس بها بأس.1
__________
1 ورد في مسائل عبد الله 306 أنه كره أن يبنى المسلم للمجوسي داراً أويجصص لهم بيعة.
وفي مسائل ابن هانىء 2/29، 30 قال لسائل: لا تعينهم على ماهم فيه، وسأله بَنّاءٌ فقال: أبني للمجوسي النواويس؟ جمع ناووس ـ مقبرة النصارى ـ قال: لا تبني لهم ناووساً ولا غيره.
وذكر ذلك كله ابن القيم في أحكام أهل الذمة 1/275.
وذكر الخلال في كتابه أحكام أهل الملل ورقة 52، وابن القيم في أحكام أهل الذمة 1/279: قول الإمام أحمد في عدم جواز إجارة المسلم، لنظارة كرم النصرانى إلا أن يباع لغير الخمر.
وفي الروايتين والوجهين لأبي يعلى 432 روايتان عن أحمد:
قال في الأولى: لا بأس أن يؤاجر المسلم نفسه من الذمي، نقلها أحمد بن سعيد.
وقال في الثانية: إذا أجر نفسه في خدمته، لم يجز وإن كان في عمل شيء جاز.
وفي الإنصاف 6/25 روايتان في جواز إجارة المسلم للذمي ليعمل له عملا غير الخدمة:
الأولى: يجوز وهو المذهب، والثانية: لا يجوز ولا يصح.
أما إجارته لخدمته فلا تصح على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية الأثرم، وفي رواية: يجوز.
وقد روى البخاري في كتاب الإجارة: باب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك 4/452 أن خباباً رضي الله عنه قال: "عملت عند العاص بن وائل، فاجتمع لي عنده فأتيته أتقاضاه" … الحديث".
وقال الحافظ في الفتح أورد – أي البخاري – في الباب حديث خباب وهو إذ ذاك مسلم في عمله للعاص بن وائل وهو مشرك، وكان ذلك بمكة، وهي إذذاك دار حرب، واطلع النبيّ صلى الله عليه وسلم على ذلك وأقره، ولم يجزم المصنف بالحكم لاحتمال أن يكون الجواز مقيداً بالضرورة، أوأن جواز ذلك كان قبل الإذن في قتال المشركين ومنابذتهم، وقبل الأمر بعدم إذلال المؤمن نفسه.
وقال المهلب: كره أهل العلم ذلك إلا لضرورة بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله.
الشرط الثاني: أن لا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين.(6/2820)
قال إسحاق: لا خير في الإجارة متى يكون المشرك آمره وناهيه.
[2036-] قلت: قال: سألت الثوري عن رجل باع شفعة لرجل من آخر إلى أجل، فجاء الشفيع، فقال: أنا آخذها إلى أجلها؟
قال: لا يأخذها إلا بالنقد، لأنها قد دخلت في ضمن الأول.
قال: ومنا من يقول تقر في يدي الذي ابتاعها [ظ-60/أ] فإذا بلغ الأجل أخذها.1
__________
1 هذه المسألة رواها عبد الرزاق عن الثوري في المصنف كتب البيوع: باب الشفعة يؤخذ معها غيرها، أوتكون إلى أجل 8/86.(6/2821)
قال أحمد: إذا كان1 في الثقة، مثل ذلك، فله إلى ذلك الأجل.
قال إسحاق: كما قال أحمد.2
[2037-] قلت: قال الثوري [ع-134/أ] في عبد بين رجلين، أراد أحدهما أن يبيع وأبى الآخر؟
قال: أستحسن أن يجبر على البيع، وقد اختلفوا.
قال أحمد:3 يبيع كل واحد منهما حصته.4
__________
1 في نسخة ع: "إذا كان هذا".
2 يشترط أن يكون الشفيع مليا موثوقاً فيه، ليأخذ الشقص المباع، ويحل محل المشتري بنفس العقد.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 147، وروؤس المسائل ورقة 282.
وقال في المقنع 2/271، والإنصاف 6/301 وإن كان مؤجلاً، أخذه الشفيع بالأجل، إن كان ملياً، وإلا أقام كفيلاً ملياً، وأخذ به، وهذا المذهب نص عليه.
3 كلمة "أحمد" ناقصة من نسخة ع.
4 للشريك أن يبيع نصيبه لأنه ملَكه، ولو باع نصيبه غيره صح البيع في قسطه دون الآخر. وهو الصحيح من المذهب.
وفي رواية عن أحمد: لا يصح البيع.
انظر: المقنع 2/18، والشرح الكبير على المغني 4/38، والإنصاف 4/317، وشرح منتهى الإرادات 2/153.
قلت: والراجح ما عليه المذهب، وهو حرية الشريك في بيع قسطه، ولشريكه حق الشفعة، إن رغب ذلك، أما أن يكره على البيع فلا، ما لم يتحقق ضرر من شراكته فالضرر يزال حينئذ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".(6/2822)
قال إسحاق: لا يجبر صاحبه على البيع إلا أن يكون مضاراً،1 وله أن يبيع نصيبه.
[2038-] قلت: قال الثوري: إن2 باع الرجل3 رجلاً ثوباً بثوب، أو عرضاً بعرض فتشاكسا،4 فقال أحدهما: لا أدفع إليك، وقال الآخر مثل ذلك، جعلا بينهما حكماً، يقبض منهما جميعاً،
__________
1 في نسخة ع: "مضارا له".
2 في نسخة ع: "وإذا".
3 في نسخة ع: "رجل".
4 في نسخة ع: "فتشاكيا" وهذه اللفظة محتملة إلا أن الشكوى لا تأتي إلا بعد المشاكسة، فتكون الشكوى من لوازمها، ويكون الصواب ما جاء في الأصل.
قال في المصباح 378: شَكِسَ شَكْساً وشَكاسَةً، فهو شَكِسٌ مثل شَرِسَ شَراسَةً، فهو شَرِسٌ وزناً ومعنىً.
وفي المعجم الوسيط 1/490: شكس شكسا وشكاسة: ساء خُلُقُهُ، وعَسُرَ في معاملته، وتشاكسا، أي: تخالفا وتعاسرا وفي التنزيل {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} . [سورة الزمر آية 29] .(6/2823)
ويدفع إليهما جميعاً؟
قال: نعم هو هكذا.
قال إسحاق: كما قال إلا أن يكون حاكم، يرى أن يأمر أحدهما1 بالدفع أولا.
[2039-] قلت: قال الثوري: وإن كان عرضاً، بدنانير أو دراهم، يكون عدلاً بينهما، لا يدفع إليه العَرَضَ حتى يزن2 له الدنانير، أو الدراهم؟
قال: أما العرض فيدفع إليه إذا كان بدراهم.3
__________
1 كلمة "أحدهما" غير موجودة في الأصل.
2 في نسخة ع: "يرى".
3 هذه المسألة والتي قبلها متشابهتان في الحكم، لأن بيع الثوب بالثوب يكون أحدهما ثمناً للآخر فيجري عليه ما يجري على العين.
قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 139: المتبايعان يمتنع كل واحد منهما أن يدفع ما بيده حتّى يقبض ما بيد صاحبه، فقال الثوري، وأحمد، وإسحاق: يجعلان عدلاً بينهما، يدفعان إليه، ويدفع إليهما.
قال في المقنع 2/58: وإن قال البائع: لا أُسَلِّمُ المبيع حتّى أقبض ثمنه، وقال المشتري: لا أسلمه حتّى أقبض المبيع، والثمن عينٌ: جعل بينهما عدل يقبض منهما، ويسلم إليهما جميعاً، وهو المذهب كما في الإنصاف 4/457، 458.
وعنه ما يدل على أن البائع يجبر على تسلم المبيع مطلقاً.
ثم ذكر رواية الكوسج هذه، واعتبرها قولاً ثالثاً في المسألة، أي أنه يسلم إليهما جميعا. وانظر أيضاً: في ذلك المحرر 1/332، والمذهب الأحمد 83.
قلت: وليس في رواية الكوسج ما يغاير قول ابن قدامة، لأن التسليم لكليهما معاً يقتضى نصب عدل يأخذ المالين منهما، ويسلمه لهما، وهذه أرجح من روايته: إلزام البائع بتسليم المبيع؛ لأنه لا نص على ذلك، وقد درج المسلمون على تقديم الثمن أحياناً، وتقديم المثمن أحيانا أخرى، ولم تكن ثمة قاعدة ثابتة بتقديم أحدهما على الدوام.(6/2824)
قال إسحاق: كما قال سفيان، إلا أن يكون حاكم يأمر بدفع العَرَضِ أولا، ثم يأمر ذا بدفع الدراهم.
[2040-] قلت: سئل الثوري عن رقيق العجم يخرجون من البحر، أو من غيره هل يباعون من اليهود والنصارى؟
فقال: إن كانوا كباراً عُرِضَ عليهم الإسلام، فإن أسلموا فذاك، وإلا بيعوا من اليهود، والنصارى إن شاء صاحبهم. والذي يستحب1 أن اليهود، والنصارى إذا مَلَكَهم المسلم ببيع، أو سبي2 يدعوهم إلى الإسلام، فإن أبوا إلا التمسك بدينهم: فإن المسلم، إن شاء باعهم من أهل دينهم، لا يبيعهم من أهل
__________
1 في نسخة ع: "يستحب من ذاك".
2 في نسخة ع: "سباء".(6/2825)
الحرب.
قال أحمد: لا يباعون صغاراً، ولا كباراً من اليهود، والنصارى.1
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[2041-] قلت: قال الثوري: وإن2 كانوا على دين مثل الهند، والزنج ونحوهم، فإن المسلم [ع-134/ب] لا يبيعهم من أحد من أهل الذمة، ولا من أهل الحرب، لأنهم يجيبون إذا دعوا، وليس لهم دين يتمسكون به، ولا ينبغي أن
__________
1 جاء في رواية حنبل قول الإمام أحمد: ليس لنصراني، ولا أحد من أهل الأديان، أن يشتري من سبينا شيئا، ولا يباع منهم، إن كان صغيراً لعله يسلم وهذا يُدْخِلُهُ في دينه، قلت: وإن كان كبيراً وأبى الإسلام؟ قال: لا يباع إلا من مسلم، لعله يسلم، وكذلك قال في رواية أبي طالب، وإسحاق بن إبراهيم، وأبي الحارث، والميموني.
هكذا ورد في شرح الشروط العمرية لابن القيم 76، تحقيق الدكتور صبحى الصالح، الناشر: دار العلم للملايين بيروت ط 2 عام 1401هـ، وقد ذكر في ص78 رواية الكوسج هذه.
2 في نسخة ع: "فإن".(6/2826)
يترك اليهودي، والنصراني أن1 يُهَوِّدَهم، ولا يُنَصِّرهم.2
قال أحمد: لا يباع هؤلاء، ولا أولئك من أحد من أهل الكتاب.3
__________
1 في نسخة ع: "بأن".
2 في نسخة ع: "وينصرهم".
3 نص على ذلك في مسائل عبد الله 248، 249، وفي مسائل صالح ورقة 143 وزاد: إن عمر بن الخطاب كتب بذلك لأمراء الأمصار، وقال المروذي: سئل أبو عبد الله هل يشتري أهل الذمة من سبينا؟ قال: لا، إذا صاروا إليهم يئسوا من الإسلام، وإذا كانوا في أيدي المسلمين، فهو أقرب إلى الإسلام.
وذكر ابن القيم في شرح الشروط العمرية 75 أن منها قولهم: "ولا نتخذ من الرقيق الذي جرت عليه أحكام المسلمين". قال: وهذا فعلٌ ظاهرٌ منتشرٌ عن عمر، أقره جميع الصحابة، ولأنه رقيق جرى عليه ملك المسلمين، فلا يجوز بيعه من كافر، كالحربي.
قال في المقنع 1/490: وهل يجوز بيع من استُرِقَّ منهم ـ أي الكفار ـ للمشركين على روايتين. وقال الشارح أظهرهما: لا يصح.
وعنه: يصح؛ لأنه باع من سبي قريظة لأهل الحرب، وعنه يجوز في البالغ دون الصغار، وعنه يجوز في غير النساء.
قال في الإنصاف 4/136:
إحداهما: أي إحدى الروايتين لا يجوز بيعهم لمشرك مطلقاً، وهو الصحيح من المذهب.
والثانية: يجوز مطلقاً إذا كان كافراً، وعنه: لا يجوز بيع البالغ دون غيره، وعنه يجوز بيع البالغ من الذكور دون الإناث.(6/2827)
قال إسحاق: كما قال.
[2042-] قلت: قال الثوري: إذا كان العجم صغاراً، عند المسلم صلى عليهم، وإن لم يكن خرج بهم من بلادهم، فإنه يصلي عليهم1 إذا وقعوا في يده.
قال حماد: إذا ملكت الصغير، فهو مسلم.
قال أحمد: إذا لم يكن معه أبواه2، فهو مسلم.3
__________
1 كلمة "عليهم" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "أبوه".
3 قال في الإنصاف 4/134، 135: إذا سبي الطفل منفرداً، فهو مسلم بالإجماع، هذا المذهب. وعنه: أنه كافر. ولو سبي مع أحد أبويه، فهو مسلم على الصحيح من المذهب، وعنه: يتبع أباه، وعنه: يتبع المسبى معه منهما.
وفي أحكام أهل الذمة لابن القيم 2/493 قال: لو سبي الطفل منفرداً عن أبويه كان مسلما عند الأئمة الأربعة وغيرهم، بل ولو سبي مع أحد أبويه، لكان مسلما في أصح الروايتين بل أصح القولين، وأنه يحكم بإسلامه ولو سبي معهما، وهو مذهب الأوزاعي وأهل الشام وإحدى الروايتين عن أحمد.(6/2828)
قال إسحاق: كما قال، وإن كان أبواه1 أيضاً معهم، لأن دار الإسلام لهم إسلام.2
[2043-] قلت: لا يجبرون على الإسلام إذا كان معه أبواه، أو أحدهما؟
قال: نعم، ولا يفادون به.
قلت: ولا يفادى بالصغير إذا لم يكن معه أبواه؟
قال: هذا أوكد، هو مسلم.
قال إسحاق: كما قال.3
__________
1 في نسخة ع: "أبوه".
2 في نسخة ع: "إسلاما".
3 قال في الإنصاف: إن سُبِىَ مع أبويه، فهو على دينهما، وهذا هو المذهب، وعنه أنه مسلم.
وفي أحكام أهل الذمة 2/492 قال ابن القيم: ويحكم بإسلامهم إن مات الأبوان، أو أحدهما في دار الإسلام، ولا يحكم بإسلامهم، إن ماتا في دار الحرب، وهذا هو المنصوص عن أحمد، وهو اختيار عامة أصحابه، واحتجوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصِّرانه ويمجِّسانه".
قلت: وهذا الحديث أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب ما قيل في أولاد المشركين. انظر: البخاري مع الفتح 3/246.(6/2829)
[2044-] قلت: قال الثوري: رجل باع بيعاً، فقال: لقد بعتك، وأنا صغير، فقال المبتاع بعتني وأنت بالغ، ولم تك1 بينة؟
قال: البيع صحيح حتى يأتي المدعي بفساده.2
قال أحمد: إذا أقر أني بعتك وأنا صغير، فقد أقر بالبيع، فهو جائز عليه.3
قال إسحاق: كما قال.
[2045-] قال أحمد:4 إذا اختلفا في البيع، وهو قائم فقال ذا: بعتك
__________
1 في نسخة ع: "تكن".
2 وأخرج عبد الرزاق قال: سألت الثوري عن رجل قال لرجل بعتك داري، وأنا غلام، فقال المبتاع: بل بعتني وأنت رجل؟ قال: البينة على البائع أنه باعها، وهو غلام، البيع جائز حتّى يفسده المبتاع، فقال له الرجل: فإن مالكا قال: القول قول البائع، فلم يلتفت إليه. انظر: المصنف كتاب البيوع: بابٌ البيعان يختلفان وعلى من اليمين 8/275.
3 نص أحمد رحمه الله على أنهما إذا اختلفا فقال: بعتك قبل أن أبلغ. وقال المشتري: بل بعد بلوغك، فالقول قول المشتري، وهذا يتجه في الإقرار، وسائر التصرفات، لأن الأصل في العقود الصحة.
انظر: شرح المحرر لابن مفلح 2/368، والاختيارات العلمية لشيخ الإسلام 216، والفتاوى الكبرى له 29/132.
4 في نسخة ع: "قلت" بدل "قال أحمد".(6/2830)
بعشرين وقال المشتري: اشتريته بعشرة: فالمشتري مقر للبائع بالملك، فزعم أنه ملَّكَه عليه، خلاف ما قال صاحب السلعة: فالسلعة1 لمالكها الأول، ويكون للمشتري اليمين عليه.2
__________
1 في نسخة ع: "والسلعة".
2 تقدم الكلام على اختلاف المتبايعين في التعليق على المسألة رقم (1799) عند قوله: إذا اختلف بيعان، ولم تكن بينة، فالقول ما قال رب السلعة، أو يترادان، وذكرت أن فيها ثلاث روايات:
يتحالفان، والقول للبائع مع يمينه، والقول للمشتري.
والثانية توافق ما جاء في هذه المسألة.
وفي المغني 4/144، 145 قال: إذا اختلف المتبايعان، والسلعة قائمة، فقال البائع: بعتك بعشرين، وقال المشتري: بل بعشرة، ولأحدهما بينة حكم بها، وإن لم يكن لهما بينة تحالفا، وعنه: القول قول المشتري مع يمينه، لأن البائع يدعى عشرة زائدة ينكرها المشتري، والقول قول المنكر.
والرواية الثالثة: أن القول للبائع أويترادان. قال: والمشهور في المذهب: الأول، ويحتمل أن يكون معنى القولين واحداً، وأن القول قول البائع مع يمينه، فإذا حلف فرضى المشتري بذلك، أخذ به، وإن أبى حلف، وفسخ البيع بينهما.
وقد رجح ابن قدامة الأخذ بحديث ابن مسعود المتقدم، وهو أن يترادا البيع إذا لم يرض المشتري بيمين البائع.
واستدل بحديث رواه سعيد بن منصور عن عبد الملك بن عبيدة أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف المتبايعان، استحلف البائع، ثم كان المشتري بالخيار، إن شاء أخذ وإن شاء ترك".
وأخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن مسعود: أنه باع من الأشعث بن قيس بيعاً فاختلفا في الثمن – إلى أن قال ابن مسعود للأشعث حين حَكَّمَه في المسألة – أقول بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلف البيعان، ولم تكن بينة فالقول قول رب المال، أويترادان البيع". انظر: المصنف كتاب البيوع: باب البيعان يختلفان على من اليمين 8/271.
وروى ذلك ابن حزم بسنده في المحلى وقال: هو قول ابن مسعود، والشعبي، وأحمد بن حنبل، انظر: المحلى 9/324.(6/2831)
قال إسحاق: كما قال.
[2046-] قلت: إذا قال الرجل لعبده: أُصبعك حرٌّ؟
قال: فهو حر.
قلت:1 وإذا قال ظُفرك حر؟
قال: لا يكون حراً، الظفر يسقط ويذهب [ع-135/أ] .
قال أحمد: كلما أعتق عضواً من أعضائه، أصبعاً كان، أو غيره، قليلاً كان، أو كثيراً عتق، وأما الظفر والشعر يسقط.2
__________
1 "قلت" في ع ساقطة.
2 قال في التنقيح 209: وإن أعتق جزءاً من عبده معيناً غير شعرٍ، وسنٍ، وظفر ونحوه: عَتِقَ كُلَّهُ.
وفي العدة شرح العمدة 347 قال: فإذا قال: ربع عبدي حر، أويده حرة: عتق جميعه.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن إبراهيم النخعي قال: إذا أعتق بعض عبده في مرضه: عتق كله، فإن كان أكثر من الثلث، يسعى فيما بقى من الثلث.
وأخرج عبد الرزاق، عن قتادة قال: إذا قال الرجل لعبده: أصبعك، أو ظفرك، أو عضو منك حر: عتق كله.
وفي رواية أخرى، عن الشعبي قال: إذا كان له عبد فأعتق منه عضواً: عتق كله، ميراثه ميراث حر، وشهادته شهادة حر.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب إذا أعتق بعض عبده في مرضه 6/496، ومصنف عبد الرزاق كتاب المدبر: باب من أعتق بعض عبده 9/150.
قال ابن حزم بعد أن ساق هذه الروايات في المحلى 10/201 مسألة رقم 1666: قال أحمد، وإسحاق: إن قال ظفرك حر: لم يجب العتق بذلك، لأنه يُبايِنُ حَامِلَه.(6/2832)
[2047-] قلت: قال إياس بن معاوية1 في بيع الخلاص: إذا باعه، وهو يرى أنه له، ثم جاء رجل بَعْدَ2 ذلك، فاستحقه، فَيَرُدُّ البيعَ إلى أهله، ويرد إلى الرجل رأس ماله، ومن باع، وهو يعلم أنه ليس له أَخَذَ بالشَّرْوَى3 وطاووس
__________
1 هو إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني، أبووائلة البصري القاضي المشهور بالذكاء، ثقة من الطبقة الخامسة مات سنة 122، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم في المقدمة. انظر: التقريب 1/87.
2 في نسخة ع: (بعده) .
3 قال في المعجم الوسيط 1/481: شروى الشيء: مثله.(6/2833)
مثله.1
قال أحمد: يرد البيع إلى أهله، ويرد إلى الرجل رأس ماله، يؤخذ بما جنى فقط، حتى يرد ما أخذ، علم أو لم يعلم.
قال إسحاق: السنة2 في ذلك ما قال إياس بن معاوية.3
[2048-[] ظ-60/ب] قلت: اشترى ثلاث نسوة داراً، فقلن: هي للمطلقة، والأيم، والمحتاجة منا، فماتت واحدة منهن، فقال شريح: هذه الرقبى إذا ماتت الأولى، فليس للباقين4 شيء، هي على سُهْمان الله.5
قال أحمد: هذه معناها معنى الرقبى كما قال.
قال إسحاق: بل هو جائز إذا كان معناها معنى الرقبى، لا بل هو الرقبى، وقد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرقبى والعمرى
__________
1 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الخلاص في البيع 8/192.
2 كلمة (السنة) ناقصة من نسخة ع.
3 سبق الكلام على بيع الخلاص عند المسألة رقم (1871) .
4 في رواية عبد الرزاق عن الشعبي "الباقيتين".
5 في رواية عبد الرزاق عن الشعبي "على سهمان الله عز وجل"، والسهمان: جمع سَهْمٍ، وهو من جموع الكثرة، وقد ذكر عبد الرزاق هذه المسألة بكاملها في مصنفه كتاب المدبر: باب الرقبى 9/195.(6/2834)
فأجازهما.1
[2049-] قلت: قال سفيان: رجل سلَّف، فسمى الأجل، ولم يسم المكان؟
__________
1 تقدم الكلام حول تعريف الرقبى والعمرى وحكمهما سابقاً، عند المسألة رقم (1945) .
أما هذه المسألة فهي تشبه إعمار المنفعة، وهذا غير جائز، ولوفُعل كان كالعارية للمعمِّر الرجوعُ متى شاء في حياته، وبعد موته نقله الجماعة عن أحمد، وتبطل بموت من مات منهما، وبه قال أكثر أهل العلم منهم الشعبي، والنخعي، والثوري، وإسحاق، وقال الحسن، وعطاء، وقتادة هي كالعمرى.
انظر: الإنصاف 7/135.
وأخرج أبو داود في كتاب البيوع: باب الرقبى 3/821، والترمذي في كتاب الأحكام: باب الرقبى 3/625، والنسائى كتاب الرقبى: باب الاختلاف على أبي الزبير 6/227، وابن ماجه كتاب الهبات: باب الرقبى 2/797 عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها".
وفي رواية عند النسائي عن ابن عباس قال: "العمرى والرقبى سواء".
قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روى بعضهم عن أبي الزبير بهذا الإسناد عن جابر موقوفاً ولم يرفعه، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أن الرقبى جائزة، مثل العمرى وهو قول أحمد، وإسحاق، وفرَّق بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم بين العمرى والرقبى، فأجازوا العمرى، ولم يجيزوا الرقبى، وقال أحمد، وإسحاق: الرقبى مثل العمرى.(6/2835)
ل: مردود، نكرهه.1
قال أحمد: ليس في حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم تسمية المكان، يوفيه السلم2 حيث دفع إليه المال.3
قال إسحاق: كما قال أحمد واحد.
[2050-] قلت: قال سفيان: رجل سلف في طعام إلى أجل يوفيه بمكة فلقيه بغير مكة، فقال: خذ مني طعامك، وأنا أوفيك كراك إلى مكة؟
قال: هذا لا خير فيه، أن يأخذ طعاماً، ودراهم.
قال أحمد: كما قال.
قال إسحاق: كما قال.
[2051-] قلت: سئل عن رجل اشترى من رجل طعاماً، بجدة يداً بيد، فلقيه بمكة، فقال: أحمل طعامي، وأوفيك كراك من جدة إلى
__________
1 أخرج عبد الرزاق في مصنفه قال: قال الثوري: إذا سلفت سلفاً، فَبَيِّنْهُ إلى أجل معلوم، وفي مكان معلوم، فإن سميت الأجل، ولم تسم المكان فهو مردود حتّى تسمى حيث يوفيك الطعام. انظر: المصنف كتاب البيوع: باب لا سلف إلا إلى أجل معلوم 8/7.
2 في نسخة ع: "المسلم".
3 لقد تقدم الكلام على ذلك عند المسألة رقم (1977) .(6/2836)
مكة؟
قال: أكره أن يأخذ دراهم، وهو في ضمنه بَعْدُ.
قال أحمد: لا بأس به.1
[2052-] قلت: أرأيت إن حمله صاحب الطعام الذي اشتراه منه فوافا الطعام بمكة، من غير أن يأمره المشتري، فقال البائع: أوفني كراي من جدة إلى مكة.
قال: ليس له كراء.2
قال أحمد: ليس له كراء.
قال إسحاق: كلاهما كما قال أحمد
__________
1 أخرج عبد الرزاق عن طاوس قال: كان أبي سلف قوماً طعاماً من أرضه وهي أقرب من الجند من أرضهم، فقال: احملوه إلى الجند، وأعطاهم كراء ما بين أرضه والجند. انظر: المصنف كتاب البيوع: باب السفتجة 8/141.
2 أخرج عبد الرزاق عن الثوري في رجل كان له على رجل طعاماً، بجدة فحمله إلى مكة ثم قال: أعطني كراءَهُ الذي حملته به من جدة؟ قال: ليس له كراء، وفي رواية عن الزهري، وابن سيرين قالا: إذا أسلفت رجلاً هاهنا طعاماً، فأعطاكه بأرض أخرى، فإن كان يشترط، فهو مكروه، وإن كان على وجه المعروف، فلا بأس.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب السفتجة 8/140، 141.(6/2837)
[2053-] قلت: رجل سلف مائة درهم، في مائة فَرَقٍ، إلى أجل مسمى وقال: أنْقُدُكَ الآن خمسين، وخمسين إلى شهر؟
قال: إذا كان بعض السلف نقداً، وبعضه إلى أجل، فمردود كله.1
قال أحمد: صدق،2 كله مردود.
قال إسحاق: كلما سلم في طعام مسمى، وسمى الثمن، ونقده بعضه، جاز من السلم بقدره.3
__________
1 في نسخة ع: "عليه".
2 يقصد الإمام أحمد بقوله صدق: سفيان الثوري، وقد أخرج ذلك عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري، إلا أنه قال بعد قوله إلى شهر: فالبيع كله فاسد؛ لأن العقدة واحدة. انظر: كتاب البيوع: باب السلف وبعضه نسيئة 8/91.
3 لقد تقدم الكلام عند المسألة رقم (1783) على تعريف السلف، وأن من شروط صحته: تسليم قيمة المُسْلَم فيه حالاً، وفي مجلس العقد.
وذكر ابن المنذر في الإشراف 132: أن ابن شبرمة، والثوري، وأحمد ممن قالوا بفساد السلم، إذا تخلف بعض الثمن عند المشتري، وإن أصحاب الرأى قالوا: له من السلم بحساب ما قبض، وبه قال إسحاق، وهو ظاهر كلام الخرقي في مختصره ص90، وجزم به في رؤوس المسائل 236.
قال في الإنصاف 5/104: لو قبض البعض ثم افترقا: بطل فيما لم يقبض، ولا يبطل فيما قبض، على الصحيح من المذهب، بناء على تفريق الصفقة.
وعنه: يبطل في الجميع.(6/2838)
[2054-] قلت: إذا أسلف الرجل في شيء، فكان في دراهمه زيف؟
قال: يرد بحساب الزيوف، وما بقي سلف.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال.1
[2055-] قلت: الرجل يسلف2 ثلاثمائة درهم في ثلاثمائة فَرَق في أصناف شتى، مائة فرق حنطة، ومائة [ع-135/ب] فرق شعير، ومائة فرق ذرة، ودفع إليه ثلاثمائة جملة، فوجد فيها زيفاً.
قال: هذا مردود، لأنه لا يدري من أيها يرُد قبْلُ، فإن ميزها، مائة في كذا، ومائة في كذا، فعرف من أي صنف، هو ذاك الزيف.
قال: يرد بقدره من ذلك3 بحسابه، ويجوز سائرها.
قال أحمد: يجوز أن يرد على الأصناف الثلاثة، على كل صنف بقدر ما وجد من الزيف.4
__________
1 سبق الكلام على ذلك عند المسألة رقم (1999) .
2 في نسخة ع: "سلف".
3 في نسخة ع: "ذاك".
4 تقدم تحقيق ذلك عند المسألة (1999) ولإسحاق رأي آخر وهو: أن له إبداله والسلم جائز، وهو قول أبي ثور. انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 132.(6/2839)
قال إسحاق: كما قال أحمد.1
[2056-] قلت: رجل سلف إلى رجل على أن يوفيه بمكان كذا وكذا، فلقيه دون مكانه، فقال: خذ مني طعامك، وأنا أحمله لك2 إلى مكان كذا وكذا؟
قال: مردود.3
قال أحمد: لا بأس به.
وسئل: فإن أخذ منه ولم يحمله؟
قال أحمد: لا بأس به.4
__________
1 كلمة "أحمد" ناقصة من نسخة ع.
2 كلمة "لك" غير موجودة في الأصل، وقد أثبتها لأنها تطابق ما جاء في رواية عبد الرزاق.
3 أخرج عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري في رجل سلف رجلاً خمسمائة، فرقٍ يعطيه إياها بأرض معلومة، ثم وجده بأرض أخرى، فقال: اكتل مني طعامك ها هنا، وأنا أحمله لك على دوابى إلى الأرض التي شرطت لك، قال: هو مكروه أن يحمله، لأنه أخذ طعاماً، وأخذ الكراء فضلاً.
انظر: كتاب البيوع: باب السفتجة 8/141.
4 الأصل عدم اشتراط ذكر مكان الإيفاء إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه، وإن اشترطه في غير مجلس العقد: صح، وهو المذهب، وفي رواية أخرى عن أحمد: لا يصح، ويجوز له أخذه في غير موضع العقد من غير شرط، إن رضيا به، ولا يجوز أخذه مع أجرة حَمْلِه إلى مكان العقد.
انظر: المقنع 2/95، وكشاف القناع 3/292، والإنصاف 5/107، 108.(6/2840)
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[2057-] قلت: رجل اشترى قثاء وزناً، فوزنه البائع، فقال للمشتري: قد وزنته، هو كذا وكذا، ولم يحضر المشتري، وزنه فقبضه1 على ذلك، وربح؟
قال: يتنزه عن الربح.
قال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس.2
قال إسحاق: كما قال أحمد، ولكن لا يزنه أبداً حتى يحضر الذي اشتراه، أو وكيل له.3
__________
1 في نسخة ع: "فقبض".
2 في الأصل "بأساً" وما أثبتناه أصح؛ لأنه اسم ليكون المتصرفة من كان الناقصة وحكمه الرفع.
3 المكيل والموزون يشترط في بيعه القبض مع اليقين بمقداره عند المشتري ما لم يكن بيعَ جزافٍ، وهذه الصورة لم يتوفر فيها ذلك، وسفيان يرى أن يتنزه المشتري عن الربح، فربما كان الوزن زائداً، لأنه لا يعلم عن حقيقته، ولم يحضر وزنه. وقد قال صلى الله عليه وسلم لعثمان: "إذا سميت الكيل فكل".
وقد تقدم الحديث عنه عند المسألة رقم (1809) .(6/2841)
[2058-] قلت: قال: إذا ابتعت ثوباً بشرط، فسمّ أياماً، ولا تذهب به بغير شرط.
قال أحمد: ما أحسن ذا.
قال إسحاق: كما قال.1
[2059-] قلت: قال المشتري: ابتعتُ2 وشرطْتَ لي الخيار إلى غد،
__________
1 قال ابن المنذر في الإشراف 125: اختلفوا في الرجلين يتبايعان، ويشترطان في عقد البيع خياراً غير معلوم مدته. فكان ابن أبي ليلى، والأوزاعي يقولان: البيع جائز والشرط باطل.
وحجتهما خبر بريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "كل شرط ليس في كتاب الله، فهو باطل" فأثبت النبيّ صلى الله عليه وسلم البيع، وأبطل الشرط.
وقال أحمد، وإسحاق: البيع جائز، والشرط لازم، وللذي شرط له الخيار أبداً، أو يأخذه. قلت: ولعلهما يحتجان بقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم"، وفيه قول ثالث وهو: أن البيع فاسد وهو قول الثوري وغيره.
في رؤوس المسائل 213 قال: يبطل البيع والشرط إلى الأبد. وبه قال أكثرهم، وفيه رواية أخرى: هما صحيحان.
وفي المقنع 2/35، والإنصاف 4/373 قال: "ولا يجوز مجهولاً في ظاهر المذهب، وعنه: يجوز، وهما على خيارهما إلا أن يقطعاه".
2 في نسخة ع: "ابتعته".(6/2842)
فبينته، وإلا فالبيع لازم؟
قال أحمد: البيع لازم، واليمين على البائع.1
قال إسحاق: كما قال.
[2060-] قلت: قال البائع بعتُك بالنقد، وقال المشتري: اشتريتُ2 منك إلى أجل3، فالقول4 قول البائع.
قال أحمد: القول قول البائع، ويكون على البائع يمين بما ادعى
__________
1 ذكر أبو يعلى في الروايتين والوجهين 341 رواية مشابهة لهذه، وهي إذا قال البائع: بعتك ولي الخيار يومان، أوثلاثة، وأنكر المشتري، فبينة البائع، وإلا فالبيع مسلم – أي أن القول قول من ينفى الخيار -.
وذكر المروزي مثل ذلك في كتابه اختلاف العلماء ورقة 97 فقال: القول قول المشتري إلا أن يجىء البائع ببينة. وهذا كله مبناه على حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: "البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه" هذا لفظ الترمذي.
انظر: البخاري مع الفتح في كتاب الرهن: باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه 5/145، ومسلم في كتاب الأقضية: باب اليمين على المدعى عليه 3/1336، وسنن الترمذي كتاب الأحكام: باب ما جاء أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه 3/617، ومسند أحمد 1/351.
2 في نسخة ع: "اشتريته".
3 كلمة "أجل" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع: "القول".(6/2843)
المشتري عليه، وعلى المشتري يمين بما ادعى البائع، فإن حلفا: فالقول قول البائع إذا كانت السلعة قائمة بعينها، وإذا كانت استهلكت، فعرف قيمة السلعة، فردت القيمة إلى البائع، القيمة يوم تقوم مقام السلعة.1
[2061-] قلت: فإن أقاما جميعا البينة، أخذ بينة الذي يدعي النسيئة؟
قال أحمد: القول قول البائع.
قال إسحاق: كما قال.2
[2062-] قلت: وإن3 قال المشتري: اشتريتُ بشرط. وقال البائع: لم أشترطه؟
قال: بينته على شرطه، وإلا فيمين البائع.4
قال إسحاق: كما قال [ظ-61/أ] .
__________
1 من قوله: وإذا كانت استهلكت إلى آخر المسألة من نسخة (ع) وفي الأصل: "فردت القيمة إلى البائع، القيمة يوم تقوم مقام السلعة"، وما أثبته أصح.
2 ذكر مثل ذلك القاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين 341، والمروزي في اختلاف العلماء 97.
3 حرف "إن" غير موجود في الأصل.
4 في نسخة ع: "يمين البائع ما شرط له".(6/2844)
[2063-] قلت: إن قال البائع: بعت، وأنا عليه بالخيار يومين أو ثلاثة، وأنكر المشتري؟
قال: بينة البائع، وإلا فالبيع مسلم. قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال.
[2064-] قلت: إن1 ادعى البائع أنه باع2 بنقد، وقال المشتري بنسيئة، فأخذت بقول البائع يحلف البائع؟ 3
قال: نعم.
قال أحمد: هو4 الذي قلت5 يحلفان جميعا.
[ع-136/أ] قال إسحاق: كما قال.6
[2065-] قلت: رجل دفع إلى رجل سلعة يبيعها، فباعها وانتقد الثمن ودفعه إلى صاحبه الذي أمره، ثم ادعى المشتري بعدُ بالسلعة
__________
1 في نسخة ع: "إذا".
2 في نسخة ع: "باعه".
3 كلمة "البائع" غير موجودة في الأصل.
4 في نسخة ع: "البائع هذا" بدل "هو".
5 في نسخة ع: "قلت قبلُ".
6 هذه المسألة والمسألتان اللتان قبلها يشبهان المسألتين (2059، 2060) .(6/2845)
عيباً، فأقر الذي باعه أن هذا العيب كان به؟
قال سفيان: لا يصدق، لأنه1 خرج من الأمانة حيث انتقد، ودفع الثمن الذي أمره ولو أقر بالعيب قبل أن ينتقد2 الثمن، جاز.
قال أحمد: قبل وبعد هو واحد يصدق.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[2066-] قلت: رجلان اشترى أحدهما من الآخر، سلعة بسلعة، فوجد أحدهما بسلعته عيباً؟
قال: يردها ويأخذ سلعته.3
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال، وإن كانت مستهلكة، رجع بقيمتها.
قلت: فإن لم يجد سلعته؟
قال: قيمتها.
قلت: فإن لم يدر ما قيمتها؟
__________
1 في نسخة ع: "لأنه قد".
2 في نسخة ع: "ينقد".
3 روى عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان الثوري مثل ذلك. انظر: كتاب البيوع: باب الرجل يبدل العبد بالعبد فيجد في أحدهما عيبا 8/165.(6/2846)
قال: فالقول قول الذي ماتت في يده، إلا أن يجىء هذا ببينة، هو المدعي.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال.
قلت: قال1 ابن أبي ليلى: إذا وجدها بعينها، فالقيمة، فإن لم يجدها، فقيمة التي رضي بها.2
قيل لسفيان: أليست قيمتها صحيحة؟ 3
قال: بلى.
قال أحمد: ما أحسن قول ابن أبي ليلى.
قال إسحاق: كما قال.
[2067-] قلت: كان ابن أبي ليلى إذا جاءه الرجل وقد اشترى سلعة من رجل، فادعى عيباً، ولم يكن للبائع بينة أنه أبرأه: يأخذ من المشتري يمينه: ما عرضتها على البيع منذ رأيت بها هذا العيب، ولا رضيته.
__________
1 في نسخة ع: "وقال".
2 في نسخة ع: "يقيمها إذا رضي بها".
3 في نسخة ع: "فقيمتها صحيح".(6/2847)
قال أحمد: إذا عرضها على البيع، فقد جازت عليه.
قال إسحاق: كما قال، إذا عرضها على البيع، قام ذلك1 مقام الرضى.2
[2068-] قلت: قال ابن أبي ليلى في الرجل يشتري العبد الآبق فأبق منه؟
قال: لا يسأله عن شيء، لا يأخذ يمينه -يعني البائع- حتى يسأل المشتري البينة أنه أبق عند البائع.
قال سفيان: نقول نحن نكره أن يتعنته.3
__________
1 كلمة "ذلك" ناقصة من نسخة ع.
2 لو تصرف المشتري بالمبيع المعيب بما يدل على الرضى، أو عرضه للبيع، أواستغله، فلا شيء له. وهو المذهب.
وفي رواية: له الأرش مع الإمساك.
قال ابن قدامة: وقياس المذهب: أن له الأرش بكل حال، وتبعه في ذلك صاحب الإنصاف، وهو قول جماعة من العلماء منهم: شريح، والحسن، وابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والثوري، وإسحاق.
انظر: الإشراف لابن المنذر ورقة 128، والروايتين لأبي يعلى 333، والمقنع 2/47، والإنصاف 4/420.
3 في نسخة ع: "بيعته" بدل جملة "أن يتعنته"، ومعنى تعنته أدخل عليه الأذى، وأعنته: أوقعه في العنت، وفيما يشق عليه تَحَمُّلُه.
انظر: المصباح 515. وانظر أيضاً: الصحاح 1/259.(6/2848)
قال أحمد: أقول أُحلِّفُ البائعَ للمشتري، أنه لم يأبق عنده،1 فإذا حلف، لم يكن عليه شيء، إلا أن يقيم هذا البينة عليه.
قال إسحاق: كما قال أحمد.2
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في الأصل "عبده" وما أثبتناه أصح لأن السياق يقتضيه.
2 في مسائل ابن هانىء 2/10، سئل الإمام أحمد عن بيع الآبق؟ قال: لا يجوز بيعه، إلا حاضراً.
وفي الإشراف لابن المنذر 110 قال: هو غرر إذا لم يتساوَ علم الطرفين في إباقه.
وقد سئل الإمام أحمد عن رجل اشترى عبداً فأبق، وأقام البينة، فقال: إن كان إباقه موجودا في يد البائع، يرجع على البائع بجميع الثمن، لأنه غرر بالمشتري، ويتبع البائع عبده حيث كان.
قال صاحب الإنصاف: وهو الصواب الذي لا يعدل عنه.
وذكر الطحاوي أن ابن شبرمة، وابن أبي ليلى قالا: يحلف البائع بالإباق "بالله ما أبق قط".
وقال أحمد في مسائل صالح 163: حين سئل عن ذلك: استحلف عثمانُ ابنَ عمر حين باع فقال: أتحلف أنك ما علمت به عيباً؟.
وانظر: تفصيل ذلك عند المسألة رقم (1838) .
وبيع الآبق لا يجوز ولو لقادر على تحصيله، وهو المذهب، وقيل: يصح بيعه لقادر على تحصيله، كالمغصوب.
ورجح ذلك المرداوى، وقال: فإن عجز عن تحصيله، فله الفسخ، كالمغصوب.
انظر: اختلاف الفقهاء للطحاوي، الناشر: معهد الأبحاث الإسلامية في إسلام آباد عام 1391 هـ ص232، والإنصاف 4/293، 417، وشرح المنتهى 2/145.(6/2849)
[2069-] قلت: سئل عن رجل ابتاع عبداً آبقا، فجاء المشتري، فأقام البينة أنه باعه عبداً آبقاً، وقد أبق العبد من عند المشتري؟ 1
قال: لا يقضى على البائع مادام آبقا حتى يموت، أو يرده،2 لأنه لا بد له من أن يسلم العبد إليه، ولا يرد عليه فضل ما بين الداء، والصحة مادام في إباقه، فإن مات في إباقه3، فله فضل ما بين الداء والصحة.
قال إسحاق: كما قال.4
[2070-] قلت: رجل5 ابتاع عبداً فكاتبه، فوجد به عيباً، بعد ما
__________
1 من قوله "فأقام البينة" إلى قوله "عند المشتري" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "يرد".
3 جملة "فإن مات في إباقه" ناقصة من نسخة ع.
4 للمشتري الخيار بين الرد والإمساك مع الأرش سواء تعذر رد المبيع، أولا هذا المذهب مطلقاً.
وفي رواية: ليس له الأرش إلا إذا تعذر رده.
انظر: الإنصاف 4/410.
5 كلمة "رجل" ناقصة من نسخة ع.(6/2850)
كاتبه؟
قال سفيان: ليس على البائع شيء، لأنه بمنزلة البيع.
قال أحمد: [ع-136/ب] لولا عتقه1 كان له أن يرجع عليه ما بين الداء والصحة.
قال إسحاق: كما قال أحمد.2
[2071-] قلت: لو أن رجلاً باع جاريةً، أو باع شاةً، فولدت، أو نخلاً له ثمرة، فوجد به عيباً، أو3 استُحِقَّ: أخذ منه4 قيمة الثمرة، وقيمة الولد، إن كان أحدث فيهم شيئا،5 إن كان باع، أو استهلك، فإن كان مات، أو ذهبت6 به الريح، فليس عليه شيء.
__________
1 في الأصل: "لا يرى عتقه" والصواب ما أثبتناه، لأنه يتمشى مع السياق.
2 من اشترى معيباً لم يعلم عيبه، فله الخيار بين الرد والإمساك مع الأرش، وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن، وهذا هو المذهب بلا خلاف.
انظر: المقنع 2/44، والإنصاف 4 / 410 – 412.
3 في نسخة ع: "و" بدل "أو".
4 كلمة "منه" ناقصة من نسخة ع.
5 جملة "إن كان أحدث فيهم شيئا" ناقصة من ع.
6 في نسخة ع: "ذهب" بدون تاء التأنيث.(6/2851)
قال أحمد: هو كما قال.1
قال إسحاق: هو كما قال.
[2072-] قلت: الصبي يسرق ويشرب الخمر، ويأبق؟
قال: لا يرد منه إلا أن يكون محتلماً.
قال أحمد: ما جاز على عشرة2 فهو عيب يرد منه.3
__________
1 ذكر القاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين 372 عن أحمد: "بأن النماء المنفصل للبائع، لأن الزيادة جزء من المبيع، كولد الجارية".
قلت: لكن الولد والثمرة زيادتان في المبيع موجودتان قبل عقد البيع، والتصرف بهما من قبل المشتري مع رده للمبيع: لاحَقَّ له فيه، فهو حينما رد السلعة المعيبة، يلزمه أن يردَّ كل ما كان معها عند العقد، ويغْرَمَ ما تلف منها، أو استهلك بفعل يده، لأن مثل ذلك لا يعتبر نماء حدث عنده حتّى يكون له فيه حق على الراجح من الروايتين، أما ما ذهب منها قضاءً، وقدراً، فلا يغرمه.
وقد تقدم الكلام على حكم النماء عند المسألة رقم (1803) عند قوله "الخراج بالضمان".
2 في نسخة ع: "العشرة".
3 السرقة وشرب الخمر، والإباق: عيب في الرقيق يرد منه إن كان مميزاً نص عليه أحمد، وهو أحد الوجهين، والوجه الثاني أن يكون ابن عشر سنين فصاعداً، وهو المذهب نص عليه أيضاً.
قلت: ولعل التمييز المقصود في الرواية الأولى، داخل في حد السن الوارد، في الوجه الثاني فحينئذ لا تعارض. ويؤيد ذلك قول ابن قدامة في الكافي: "فأما العيوب المنسوبة إلى فعله – أي العبد، ومثل لها – فإن كانت من مميز جاوز العشر، فهي عيب"، ونقل المرداوي عن صاحب الرعاية مثل ذلك، ومن العلماء من اشترط البلوغ.
انظر: الكافي 2/90، والإنصاف 4/405.(6/2852)
قال إسحاق: لا نرى ذلك حتى يكون احتلامٌ، أو إنباتُ شعرٍ، أو خمس عشرة1 سنة.
[2073-] قلت: قال ابن أبي ليلى في الرجل يبني البناء في الأرض بغير إذن أهلها، ثم يؤاجرها؟
قال: الغلة على النصف.
قال أحمد: ما أحسنه من قول.2
__________
1 في الأصل "خمسة عشر" وما أثبتناه أصح.
2 أشار صاحب الإنصاف في كتاب الغصب إلى رواية ابن منصور هذه، والأصل في ذلك أن الغاصب يملك ما أحدثه في الأرض المغتصبة. ونقل القاضي أبو يعلى روايتين فيمن غصب أرضاً فبنى فيها:
الأولى: يقوَّم البناء، ويعطى؛ لأنه إن أخذ الغاصب بناءه يضر برب الأرض، نقلها بكر بن محمد عن أبيه عنه.
والثانية: لا يجبر على قلعه على وجه يضر به، كما لو أعاره أرضاً للزراعة، ولأنه لو أعاره أرضا للزراعة، مدة معلومة، فانقضت المدة، والزرع لم يبلغ، فإنه يجبر على إقراره في أرضه حتّى يبلغ. ونقلها ابن مشيش، ومهنا: وهو أصح، وهو اختيار الخرقي.
انظر: مختصر الخرقي 101، ورؤوس المسائل ورقة 278، والروايتين والوجهين 421، والكافي 2/398، والإنصاف 6/136.
وروى البيهقي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بنى في رباع قوم، بإذنهم فله القيمة، ومن بنى بغير إذنهم، فله النقض".
انظر: السنن الكبرى كتاب الغصب: باب من بنى أوغرس في أرض غيره 6/91.
وأخرج ابن أبي شيبة عن شريح، وعبد الله كانا يقولان في رجل بنى في فناء قوم بغير إذنهم إن له النقض، وإن بنى بإذنهم فله النفقة.
وعن قتادة وأبي هاشم قالا: من أذن لرجل في بناء ثم أراد أن يخرجه، فله قيمة البناء. وعن عامر في رجل أعار جاراً له حائطاً، فبنى عليه، فأراد أن يقلع بناءه، قال: يغرم لصاحب الحائط ما أنفق.
انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية: باب الرجل يأذن للرجل يبني في الدار ثم يخرجه 7/94، 95.(6/2853)
قال إسحاق: الغلة على قدر ما أنفق في البناء، وعلى قدر قيمة الأرض.
[2074-] قلت: رجل باع من رجل1 جارية بمائة دينار، فأخذ بها منه ألف درهم، ثم وجد بالجارية عيباً، فردت عليه؟
__________
1 في نسخة ع: "رجلاً" بدون حرف الجر.(6/2854)
قال: يأخذ منه الذي بايعه به قبل، لأن الأصل كان صحيحاً. قال: نعم.
قال أحمد: يأخذ الدنانير كان البيع صحيحاً، أو فاسداً، يأخذ ما وجب له البيع.1
قال إسحاق: كما قال [ظ-61/ب] .
[2075-] قلت: هل يجوز بيع الصبي؟
قال: لا، إلا بإذن أهله، إلا أن يدفع إليه الشيء اليسير حتى ينبت، أو يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم.2
__________
1 من باع شيئاً بذهب، ثم أخذ عنه دراهم، ثم رده المشتري بعيب قديم: رجع المشتري بالذهب، لا بالدراهم نص أحمد عليه. ومن اكترى بدراهم، وأعطاه عنها دنانير، ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم.
انظر: المقنع 2/221، والإنصاف 4/424، 6/88.
وقد تقدم التعليق على مثل ذلك عند المسألة رقم (1975) .
2 ذكر أبو داود في مسائله عن أحمد أنه سئل: متى تجوز هبة الغلام؟ قال: إذا احتلم ليس فيه اختلاف، أو يصير ابن خمسة عشر، والصحيح من المذهب: اشتراط التكليف والرشد في صحة البيع من حيث الجملة.
وفي رواية: يصح تصرف الصبي المميز بإذن وليه وهو المذهب.
وفي رواية: لا يصح تصرفه إلا في الشيء اليسير.
وقال صاحب الإنصاف: ويستثنى من الخلاف في المميز والمراهق تصرفه للاختبار، فإنه يصح قولاً واحداً، ثم قال: ظاهر كلام المصنف – أي ابن قدامة – عدم صحة تصرف غير المميز مطلقاً، -سواءً في القليل، أوالكثير -. أما في الكثير فلا يصح قولاً واحداً، ولو أذن له فيه وليه، وأما في اليسير، فالصحيح من المذهب صحة تصرفه، وهو الصواب. وقيل: لا يصح.
انظر: مسائل أبي داود 203، والشرح الكبير مع المغني 4/6، والإنصاف 4/267، 268.(6/2855)
قال إسحاق: كما قال، وذلك أن الشيء اليسير، قد اشترى أبو الدرداء العصافير من الصبيان.
[2076-] قلت: قال: سألت الأوزاعي عن شراء1 الخبز بالدقيق، والحنطة؟
قال: لا بأس به.2
قال أحمد: لا بأس به، ثم سألته بعد ذلك، فجبن عنه، وأما نسيئة، فمكروه لا شك فيه.
قال إسحاق: كما قال الأوزاعي.3
__________
1 كلمة "شراء" ناقصة من نسخة ع.
2 انظر: فقه الإمام الأوزاعي 2/197.
3 قال أحمد رحمه الله في مسائل ابن هانىء 2/16، 17: الخبز بالحنطة لا يعجبني. وكان ابن شبرمة يكرهه، وسئل عن البر بالخبز؟ قال: هذا أبعد.
وذكر ابن المنذر في الإشراف 123: جواز بيع الخبز بالدقيق في قول طائفة من العلماء منهم: الليث بن سعد، وأبو ثور، وإسحاق، وسفيان الثوري. وأما أحمد فقال: لا يعجبني. وفي رؤوس المسائل ورقة 216: مثل ذلك.
وقال في الإنصاف 5/26: لا يجوز بيع خبز بحبه ولا بدقيقه نص عليه مراراً.
وقد ورد في المغني 4/21: أنه لا يجوز بيع الحنطة بشيء من فروعها وذكر الدقيق، والسويق، وأما بيع بعض فروعها ببعض، مثل الدقيق، والسويق، فيجوز بيع كل واحد منهما بجنسه متساوياً.
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد أنه كان لا يرى بأساً بالحنطة، بالدقيق، والدقيق، بالخبز.
وعن سفيان أنه كان يكره نسيئة الحنطة، بالدقيق.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب بيع الطعام مثلاً بمثل 8/30، 31.(6/2856)
[2077-] قلت: فاشتراء1 الدقيق بالقمح، كيلاً بكيل؟
قال: لا.
قلت: وزناً بوزن؟
قال: لا بأس به [ع-138/ب] .2
__________
1 في الأصل "فاشترى" وما أثبتناه أولى لأن السياق يقتضيه.
2 في مسائل ابن هانىء 2/17 قال: سئل – يعني أحمد – عن البر بالدقيق، وزناً بوزن؟ قال: أكرهه.
وقد اختلفت الرواية في بيع الحنطة بالدقيق، فنقل إسحاق بن إبراهيم، ويعقوب بن بختان، وأبو الحارث، وابن منصور – وهي هذه المسألة – في إحدى الروايتين: أنه لا يجوز لا كيلاً بكيلٍ، ولا وزناً بوزنٍ، وفي رواية: يجوز مثلاً بمثلٍ وزناً.
قال القاضي في الروايتين والوجهين 306: والأُولى أصح.
وفي المقنع 2/67 قال: لا يجوز بيع حب بدقيقه، ولا بسويقه في أصح الروايتين. قال في الإنصاف 5/25: وهي المذهب، والرواية الثانية: يجوز، فيباع وزناً. وعلل أحمد -رحمه الله – المنع: بأن الأصل الكيل.(6/2857)
قلت: ولا يصلح القمح بالسويق، كيلاً بكيل؟
قال: لا.
قال أحمد: لا بأس به.1
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 في نسخة ع: "هو كما قال" بدلا من جملة "لا بأس به" ولكل عبارة مدلولها، وهو محتمل مُخَرَّجاً على الروايتين.
وأما السويق بالقمح فقد ذكر ابن هانىء في مسائله 2/17 أنه سئل أحمد عن السويق بالبر؟ قال: جنس واحد.
والصحيح من المذهب تحريم بيع الدقيق بالسويق ـ أي متفاضلا ـ.
وقيل: يجوز على الأضعف.
وعنه: لا يجوز وزناً.
وقيل يجوز بيع دقيق بسويقه في أصح الوجهين. انظر: الإنصاف 5/25، 26.
وقال في المغني 4/22: أما بيع الدقيق بالسويق، فالصحيح أنه لا يجوز.
وروي عن أحمد أنه يجوز؛ لأن كل واحد منهما أجزاء حنطة، ليس معه غيره فأشبه الدقيق بالدقيق، والسويق بالسويق.(6/2858)
[2078-] قلت: قال: سألت الأوزاعي: عن النوى بالتمر، صاعاً بصاعٍ؟ 1
قال: لا بأس به.
قلت: صاعاً بصاعين؟
قال: لا بأس به،2 يداً بيدٍ.
قال أحمد: لا بأس به.3
__________
1 في نسخة ع: "بصاعين".
2 جملة "قلت: صاعا بصاعين؟ قال: لا بأس به" كلها ناقصة من نسخة ع.
3 هذه المسألة أشار إليها القاضي أبو يعلى في الروايتين 311 فقال: نقل ابن منصور عنه إذا باع النوى بالتمر، صاعاً بصاعين فلا بأس.
ونقل ابن القاسم ومهنا: إذا باع التمر بالنوى اثنين بواحد، أو أربعة بواحد أكرهه.
يجوز بيع التمر بالنوى صاعاً بصاع، وصاعاً بصاعين رواية ابن منصور، وفي رواية مهنا، وابن أبي القاسم قال: أكرهه.
وقد رجح القاضي الرواية الأولى، لأن النوى في التمر غير مقصود، بدليل أنه يجوز بيع التمر بالتمر وفي جميعه نوى.
وذكر في الإنصاف 5/37 روايتين في بيع التمر بالنوى إحداهما: وهي المذهب يجوز متفاضلا ومتساوياً، والثانية: لا يجوز، قال: ولعل المنع ينزل على ما إذا كان الربوي – النوى – مقصوداً فالجواز على عدم القصد، ثم قال: وقد صرح ابن عقيل باعتبار عدم القصد.
وقال في الشرح الكبير على المغني 4/140: وقد يكون الجنس الواحد مشتملاً على جنسين، كالتمر يشتمل على النوى وغيره وهما جنسان، فما داما متصلين اتصال الخلقة فهما جنس واحد، فإذا ميز أحدهما عن الآخر صارا جنسين.(6/2859)
قال إسحاق: كما قالا.
[2079-] قلت: سألت الأوزاعي عن الشعر بالصوف رطلاً برطلين؟
قال: لا بأس به يداً بيد.
قال أحمد: لا بأس به يداً بيد.1
قال إسحاق: كما قال.
[2080-] قلت: قال سفيان في رجل استقرض من رجل دانق فلوس،2 وعشرون3 فلساً بدانق، فصار عشرة بدانق؟ 4
__________
1 جملة "يداً بيد" ساقطة من نسخة ع.
وتُخَرَّج هذه المسألة على مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا اختلفت هذه الأجناس، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد".
وقد تقدم الكلام على ذلك عند المسألة رقم (1857) .
2 الفلوس: مفردها فلس، والفلس: عملة يُتَعامَل بها مضروبة من غير الذهب والفضة، وكانت تقدر بسدس الدرهم، وهي تساوي جزءاً من ألف من الدينار في العراق وغيره. انظر: المعجم الوسيط 2/700.
3 في نسخة ع: "وعشرين" وهو خطأ، لأن التقدير "وكان عشرون فلساً بدانق".
4 معنى ذلك: أن المقترض أخذ ما يساوي قيمة دانق فضة فلوساً وكانت قيمة الدانق عشرين فلساً عند اقتراضه فنزلت بعد إلى عشرة، فإذا قضاه حقه لزمه دفع عشرين فلساً، لأنه قبض منه فلوساً ولم يقبض دانقاً.(6/2860)
قال: له عشرون1 فلساً.
قال أحمد: ما أحسنه.
قال إسحاق: كما قال، إذا كان الفلوس على النحو الذي كان.
[2081-] قلت: إذا قال: بعني فلوساً بدانق، فله دانق فضة زاد أو نقص؟
قال أحمد: جيد هذا ليس فيه شك.
قال إسحاق: كما قال.2
[2082-] قلت: سئل [ع-137/أ] عن رجل قال لرجل: بعني فلوساً بدرهم، والدانق3: ستة عشر فلساً؟
__________
1 في ع: "عشرين".
2 في هذه المسألة: المعقود عليه هو الدانق، وهو الثمن الذي يجب دفعه، وسواء زادت الفلوس مقابل قيمة الدانق، أونقصت عن معدلها عند البيع، فالمعول على الدانق، ولا عبرة بتغير قيمته من الفلوس.
3 لقد سبق تعريف الدانق عند المسألة رقم (1921) وأنه يساوي سدس الدرهم وعلى هذا يكون الدرهم بستة وثلاثين فلساً ونصف الدرهم بثمانية عشر فلساً.(6/2861)
قال: نعم، فأعطاه الدرهم وأخذ منه بنصف درهم حساب ستة عشر بدانق، وبقي له عنده نصف درهم، فصارت الفلوس أربعة وعشرين بدانق.1
قال: إن كان عنده الفلوس حين باعه يأخذ منه بنصف درهم ستة عشر بدانق، وإن لم يكن عنده حين باعه2 فله نصف درهم فضة.
قال أحمد: يرجع بنصف فضة على ما قال.
قال إسحاق: كما قال أحمد.3
[2083-] قلت: رجل ابتاع ثمانية دراهم بدينار، فوجد فيها أربعة زيوفاً
__________
1 كلمة "بدانق" ناقصة من نسخة ع.
2 من قوله "يأخذ منه – إلى قوله – حين باعه" ناقصة من نسخة الأصل.
3 بيان ذلك: أن نصف الدرهم الذي بقي لم يأخذ عنه فلوساً، حينما كان سعر الدانق ستة عشر فلساً، ليس له أن يأخذ عنه بَعْدُ بسعر الدانق أربع وعشرين فلساً، لأن العقد تم قبل أن يرتفع سعر الدانق، فإن كانت الفلوس موجودة عند البائع ساعة قبضه للدرهم، فليس للمشتري سوى ستة عشر فلساً عن الدانق الواحد تماماً، مثل الذي قبضه عن النصف الأول من الدرهم، وإن لم يكن عنده فلوسٌ، فللمشتري نصف درهم فضة يأخذه من البائع.(6/2862)
بعد ما فارقه.
قلت: قال سفيان: يردها، ويكون شريكه في الدينار.1
قال: هذا قوله، وقال مالك: يتتاركان.2 وقال ابن عمر: ليس
__________
1 هذه المسألة ذكرها عبد الرزاق عن الثوري في مصنفه كتاب البيوع: باب الصرف 8/122.
2 ذكر ذلك في مسائل صالح ورقة 103، وقال في مسائل أبي داود 196: سمعت أحمد يقول: قال مالك: إذا خرج في الصرف زيوف، انتقض الصرف.
روى المروزي في كتابه "اختلاف العلماء ورقة 101" عن الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله: رجل اشترى بدنانير دراهم، فوقعت فيها ردية كيف يصنع؟ فقال: قد اختلف الناس فيها، قالوا فيها أربعة أقوال. قال أبوعبد الله: أما ابن عمر فقال: ليس له إبدال، رواه ابن جريج، عن خلاد بن عطاء، قال: فكيف يكون؟ أعطيك ديناراً، وآخذ منك دراهم، فيكون الدينار فاسداً، وتكون الدراهم ردية، فلا أرد عليك، ولا ترد علي، قال: فكان مالك يقول: ينتقض الصرف، قال: وهذا شديد، يكون قد ذهبت الدراهم.
قال: وقال سفيان: ينتقض من الصرف بقدر ذلك. قال: ولم أره يعجبه، ثم قال: وما أرى الناس يَسْلَمون مما قاله الحسن، وقتادة، قالا: يرد عليه، ويأخذ البدل. قلت – أي الأثرم يسأل أبا عبد الله -: فنرجو أن يكون القول ما قالا، فهو أسهل على الناس، قال: أرجو أن يكون قد رواه سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: وهو قول قتادة، قال: لا بأس أن يستبدل.
وفي الروايتين والوجهين لأبي يعلى 321 ذكر روايتين:
إحداهما: له البدل نص عليه في رواية أبي الحارث ومحمد بن يحيى الكحال، وهو اختيار الخرقي والخلال.
والأخرى: ليس له البدل نص عليه في رواية حنبل. وفي رؤوس المسائل 218 مثل ذلك.
وفي شرح المنتهى 2/201 ذكر أنه: إذا ظهر عيب في كل، أو أحد العوضين ولو كان العيب يسيراً، وكان العيب من غير جنس المعيب، بأن وجد الدنانير رصاصاً، أو الدراهم نحاسا: بطل العقد نصاً، لأنه باعه ما لم يملكه.
وإن ظهر العيب في بعضه بأن كان بعض الدنانير، أو الدراهم مغصوباً، أو نحاساً بطل العقد في المعيب فقط، بناء على تفريق الصفقة، ويصح في الباقي بقسطه.
وإن كان العيب من جنس أحد العوضين، كوضوح ذهب، وسواد فضة: فلآخذه الخيار، بين فسخ وإمساك، وليس له أخذ بدله، لوقوع العقد على عينه.
فإن رد المعيب بطل العقد، وإن أمضى العقد، فله أرشه كسائر المعيبات المبيعة، ولا يأخذ أرشه من جنس النقد المسلم، لئلا يصير كمد عجوة ودرهم.
قلت: وقد أسهب صاحب الإنصاف 5/45 – 49 في تفصيل هذه المسألة بعد أن ذكر أن فيها روايتين وهما بطلان العقد، وأخذ العوض.(6/2863)
لنا عليهم البدل. وقال الحسن: يبدله. وهي مسألة تشتبه، فلم يقل فيها شيئا.1
قال إسحاق: كما قال سفيان.
__________
1 انظر: القوانين الفقهية لابن جزي 215 فقد ذكر الخلاف في ذلك وأقوال الفقهاء.(6/2864)
[2084-] قلت: رجل ابتاع من رجل فضة، واشترط عليه أن يصوغ له خاتماً؟
قال: هذا مكروه، هذا يصير نسيئة.
قال أحمد: جيد هذا مكروه، هذا في نفس البيع، ولكن لو سمى له الكراء، لم يكن به بأس، وهو أيضاً شرط في الصرف.
قال إسحاق: لا يجوز هذا الشرط، والصرف منتقض.1
[2085-] قلت: قال: سئل سفيان عن السيف المحلى والخاتم نسيئة فكرهه.
قال: هذا على قولنا: لا يجوز أبداً2 حتى يفصله، فكيف نسيئة؟
قال إسحاق: [ع-137/ب] كما قال أبداً3 لا يجوز حتى يميز، وكذلك الخرز مع4
__________
1 قلت: في هذه المسألة اجتمع صرف، وتأخر أحد العوضين، في جنسين مع إجارة ربويين، فالإجارة: جائزة هنا متى تم التقابض، وتعينت الأجرة، ولما لم يحصل التقابض بين المتبايعين، انتقض الصرف وبطل الشرط.
2 كلمة "أبداً" ناقصة من نسخة ع.
3 كلمة "أبداً" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع: "من".(6/2865)
الذهب.1
__________
1 نص على ذلك في مسائل أبي داود 196، ومسائل عبد الله 279، ومسائل صالح ورقة 46، وذكره ابن المنذر في الإشراف في باب بيع الذهب بالذهب مع أحد الذهبين شيء غير الذهب ورقة 119، وفي رؤوس المسائل ورقة 217.
وفي كتاب الروايتين والوجهين 307 ذكر رواية نقلها الجماعة: أنه لا يجوز.
ونقل الميمونى رواية: يفهم منها الجواز، حيث قال: "لا يشتريها – أي السيف – حتّى يفصلها" إلا أن هذا أهون.
قال ابن المنذر: روى هذه المسألة عن أبي عبد الله خمس عشرة نفساً كلهم اتفقوا على أنه لا يجوز البيع حتّى يفصل – أي الذهب عن الفضة – إلا الميمونى. قال القاضي: والعمل على ما روى الجميع.
وروى: مسلم في كتاب المساقاة: باب بيع القلادة فيها خرز وذهب 3/1213، وأبو داود في كتب البيوع والإجارات: باب في حلية السيف تباع بالدراهم 3/647، والترمذي في كتاب البيوع: باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز 3/547، والنسائى في البيوع: باب بيع القلادة فيها الخرز، والذهب بالذهب 7/245، واللفظ لمسلم عن فضالة بن عبيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بقلادة فيها خرز وذهب، وهي من المغانم، تباع فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة، فنزع وحده، ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب وزناً بوزن".
قال الخطابي بعد هذا الحديث: إنه نهى عن بيع الذهب بالذهب، ومع أحدهما شيء غير الذهب، وممن قال هذا البيع فاسد: شريح، ومحمد بن سيرين، والنخعي، وإليه ذهب الشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه.
وقال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم لم يروا أن يباع السيف محلى، أو منطقة مفصصة، أو مثل هذا بدراهم حتّى يميز ويُفْصَل، وهو قول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. انظر: مصنف عبد الرزاق 8/69.(6/2866)
[2086-] قلت: سئل سفيان عن الخبز بالحنطة، والدقيق بالحنطة نسيئة؟
فكرهه.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال.1
[2087-] قلت: سئل سفيان عن تمرة بتمرتين، وتمرة بتمرة؟
قال: نكرهه.
وسئل عن التمر بالتمر كيلاً؟
قال: لا يستقيم إلا كيلاً، هو كيل [ع-139/أ] .
قال: هو كما قال، وأعجبه هذا من قول سفيان: تمرة بتمرتين إنه كرهه.
قال إسحاق: كما قال، وقد جاوز الكراهية لأنه قد صار مثلاً
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (2076) .
وانظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب بيع الطعام مثلا بمثل 8/30.(6/2867)
بمثلين.1
[2088-] قلت: قال الثوري في رجل قال لرجل: بعني نصف2 دارك مما يلى داري؟
قال: هذا بيع مردود، لأنه لا يدري أين ينتهي بيعه، ولو قال: أبيعك نصف هذه الدار، أو ربع هذه الدار3 جاز.4
قال أحمد: كلاهما جائز.5
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[2089-] قلت: قال الثوري: إذا صرفت بدينار عشرة ونصفاً، فلا تأخذ
__________
1 سبق الكلام على مثل هذا عند المسألة رقم (2078) .
وانظر: مصنف عبد الرزاق 8/34.
2 كلمة "نصف" ناقصة من نسخة ع.
3 كلمة "دار" ناقصة من نسخة ع.
4 روى هذه المسألة عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب بيع المجهول والضرر 8/110.
5 ولا يصح بيع نصف داره الذي يلي المشتري، لأنه لا يعلم إلى أين ينتهي قياس النصف، كما لو باعه عشرة أذرع من ثوب أو أرض، وعين ابتداءها دون انتهائها، فإن باعه نصف داره التي تليه مشاعاً: صح نص عليه.
انظر: المحرر 1/295، وشرح المنتهى 2/149، والإنصاف 4/306.(6/2868)
بالنصف طعاماً، ولا شيئاً إلا فضةً، فإن شرطت عليه أربعة عشر درهماً، ومُدَّ بُرٍّ: فلا بأس بذلك.1
قال أحمد: كلاهما كما قال.
قال إسحاق: كما قالا.
[2090-] قلت: قال ابن سيرين في رجل كانت عليه مائة دينار، وازنة، فأسلفنى مائة دينار ناقصة؟
قال: لا بأس أن يُسلف بالدنانير النقص2 إن كانت التي تُسْلِمُهُ وازنة، ولكن لو كنت تُسَلِّمه ناقصة، فأسلفك مائة3 وازنة كان ذلك مكروهاً.4
قال أحمد: كلاهما أرجو أن لا يكون به بأس ليس هو قضاء [ع-138/أ] .
قال إسحاق: كما قال أحمد5.
__________
1 رويت هذه المسألة عن الثوري في مصنف عبد الرزاق، كتاب البيوع: باب الصرف 8/117.
2 في نسخة ع: "النواقص".
3 كلمة "مائة" ناقصة من نسخة ع.
4 ذكر هذه المسألة عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الصرف 8/120.
5 قلت: ولعل ابن سيرين رحمه الله كره ذلك، لئلا يكون ثَمَّة نفع للمقرض الأول من الثاني، إذا كانت نقود الأول ناقصة الوزن ونقود الثاني وازنة.
وكأن الإمام أحمد يرى انفصال كل حالة عن الأخرى، فهذا له نقوده، وهذا له نقوده، كل حسب ماله، وليست واحدة سداداً عن الأخرى حتّى يمتنع التفاوت بينهما، خصوصاً إذا كانت الناقصة تأتى بمنزلة السداد.
أما جواز قرض الدراهم المغشوشة، فهو جائز، كأن يكون عيارها تسعة وستون ويرد بدلها دراهم عيارها سبعون، وهو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، كما جاء في مجموع الفتاوى الكبرى 29/531.(6/2869)
[2091-] قلت: سئل سفيان: إن هو كسر طنبور1 معاهد؟
قال: يغرم.
وسئل: إن هو قتل خنزير معاهد؟
قال: يضمن [ظ-62/أ] .
قال أحمد: ما يعجبنى أن يفعل شيئا من ذلك وإن فعل: فليس عليه شيء، ليس لها ثمن.
قال إسحاق: كما قال أحمد، لأن حكام المسلمين لا يجوز لهم إلا أن يحكموا بكتاب الله عز وجل2.
__________
1 الطنبور: آلة من آلات اللعب، واللهو، والطرب ذات عنق وأوتار، هكذا عرَّفها مَجْمَعُ اللغة العربية كما في المعجم الوسيط 2/567.
2 نص على ذلك في مسائل عبد الله 317 فذكر أنه: ليس للخمر ثمن نهى صلى الله عليه وسلم عن ثمن الخمر، وليس لهم أن يظهروا الخمر، ولكن يمنع المسلمون من أذاهم، أو يفسدوا لهم شيئا، وإن أتلفوا لهم شيئاً من غير ما حرم الله ضَمِن الذي أتلف قيمَتَه، كأن كسر ==(6/2870)
.......................................................................................................................................
__________
إناءً فيه خمر ضمن الإناء ولم يضمن الخمر.
وقال الخرقي: من أتلف لذمي خمراً، أو خنزيراً، فلا غرم عليه، وينهى عن التعرض لهم فيما لا يظهرونه، وزاد في المحرر "… أو كلباً، أو كسر صليباً، أو آلة لهو …".
انظر: مختصر الخرقي 102، ورؤوس المسائل ورقة 279، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص294، والمحرر لأبي البركات 1/363، وشرح المنتهى 2/400.
قال في الإنصاف 6/125: هذا هو المذهب – أي عدم ضمان الخمر عند إراقتها – وعنه: يلزمه قيمة الخمر.
وروى البخاري، ومسلم، والترمذي، وأحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً، مقسطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويفيض المال حتّى لا يقبله أحد".
انظر: البخاري مع الفتح كتاب البيوع: باب قتل الخنزير 4/414، وفي كتاب المظالم: باب هل تكسَرُ الدِّنانُ، أو تخرق الزِّقاق، فإن كسر صنما، أو صليبا، أو طنبورا، أو ما لا ينتفع بخشبته، ثم ذكر قول شريح الذي أخرجه البيهقي، وابن أبي شيبة، عن أبي الحصين: أن رجلاً كسر طنبوراً لرجل، فرفعه إلى شريح، فلم يضمنه. انظر: البخاري مع الفتح 5/122.
وقد أشار الحافظ إلى حديث ابن مسعود، وفيه جواز كسر آلات الباطل، وما لا يصلح إلا في المعصية حتّى تزول هيئتها، وينتفع برَضاضِها.
انظر: صحيح مسلم في كتاب الإيمان: باب نزول عيسى بن مريم حاكماً لشريعة نبينا 1/135، وأحمد في مسنده 2/240، والترمذي كتاب الفتن: باب ما جاء في نزول عيسى بن مريم عليه السلام 4/506.(6/2871)
[2092-] قلت: قال سفيان: من كسر شيئاً صحيحاً: فقيمته صحيحاً؟
قال: إن كان يوجد مثله فمثله، وإن كان لا يوجد مثله، فعليه قيمته صحيحاً.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2093-] قلت: قال2: فإذا كسر الذهب، فقيمته بالفضة، وإذا كسر
__________
1 روى البخاري في كتاب المظالم: باب إذا كسر قصعة، أو شيئاً لغيره 5/124، وأبوداود كتاب البيوع: باب فيمن أفسد شيئاً يغرم مثله 3/826، والترمذي كتاب الأحكام: باب ما جاء فيمن يكسر له الشيء 3/631، وأحمد في مسنده 3/105، وابن ماجه كتاب الأحكام: باب الحكم فيمن كسر شيئاً 2/782 الجميع عن أنس رضي الله عنه "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها، فكسرت القصعة فضمَّها، وجعل فيها الطعام، وقال: كلوا، وحبس الرسول القصعة حتّى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة وحبس المكسورة". هذا لفظ البخاري.
وفي رواية أخرى عند أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت صانعاً طعاماً مثل صفية، صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً فبعثت به، فأخذني أفْكُلٌ فكسرْتُ الإناء، فقلت: يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ قال: إناء مثل إناء، وطعام مثل طعام".
الأفكل: الرَّعْدَة من بَرْدٍ أو خوف، والمراد هنا: الغيرة.
2 في نسخة ع: "قال سفيان".(6/2872)
الفضة فقيمتها بالذهب؟
قال أحمد: يُصْلِحُه له أحب إليّ إن كان خُلْخالاً، وإن كان ديناراً، أعطاه ديناراً آخر مثله.
قال إسحاق: كما قال إلا أنه1، إن أعطاه الذهب من الفضة، أو الفضة من الذهب، جاز2.
[2094-] قلت: سئل سفيان عن الغنم تقع في الزرع؟
قال: إن كان أرسلها متعمداً: غرم، وإن كانت3 انفلتت، فليس عليه شيء [ع-139/ب] .
قال أحمد: أما بالنهار فإذا أرسلها عمداً فعليه الغُرْم، وإذا انفلتت، فليس عليه شيء4، وإن انفلتت بالليل فعلى صاحبها الغرم، فإن قال صاحب الزرع: أفسدت غنمك زرعي بالليل يُنْظَر في الأثر، فإن لم يكن أثر غنمه في الزرع، لا بد لصاحب
__________
1 كلمة "أنه" ناقصة من نسخة ع.
2 الصحيح من المذهب أن من غصب شيئاً فأتلفه، أو غيَّر من صفته متعمداً، فعليه رده بزيادته وأرش نقصه. انظر: الإنصاف 6/146.
قلت: والذي يكسر شيئا من مال غيره، فهو كالغاصب.
3 في نسخة ع: "كان".
4 كلمة "شيء" ناقصة من نسخة ع.(6/2873)
الزرع من أن يجيء بالبينة.
قال إسحاق: كما قال أحمد، لأنه مدعي1.
[2095-] قلت: سئل سفيان: إذا أخذ عبداً ليجتعل عليه فأبق منه؟
قال: ليس عليه شيء.
قال أحمد: ليس عليه شيء.
قال إسحاق: كما قال.
[2096-] قلت: السكنى، والغلة، والخدمة يرجع؟
قال: نعم.
__________
1 روى مالك في الموطأ كتاب الأقضية: باب القضاء في الضوارى والحريسة 2/747، وأحمد في مسنده 4/295، وأبوداود في كتاب الإجارات: باب المواشى تصيب زرع قوم 3/829، وابن ماجه كتاب الأحكام: باب الحكم في ما أفسدت المواشي 2/781، كلهم عن مُحَيِّصَةَ عن أبيه: "أن ناقة البراء بن عازب، دخلت حائط رجل فأفسدته عليهم، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل".
وفي رواية أخرى عند أبي داود عن البراء بن عازب قال: "كانت له ناقة ضارية، فدخلت حائطاً فأفسدته، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: فقضى بأن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل".(6/2874)
قال إسحاق: كما قال1.
[2097-] قلت: قال الحسن، وابن سيرين، في رجل له على رجل دين، فقضاه من الربا والقمار؟
قالا: لا بأس به.
قال أحمد: لا يعجبنى هذا ينبغي له أن يرد الربا إلى صاحبه.
قال إسحاق: كما قال الحسن، وابن سيرين، وإن تنزه فردَّ الربا بعينه إلى صاحبه، كان أفضل من أن يعطيه العوض2.
__________
1 وقد تقدم الكلام على مثل ذلك عند قوله: قلت: رجل أخذ عبداً آبقا فأبق منه عند المسألة رقم (1993) .
وذكر في الإنصاف 6/397، والقواعد الفقهية لابن رجب 138/ق75 أنه لا يتوقف رجوع من يرد الآبق بنفقته على تسليمه، بل لو أبق قبل ذلك، فله الرجوع بما أنفق عليه، نص عليه في رواية عبد الله وصرح به الأصحاب.
وفي المقنع 2/294، والمبدع 5/271 قال: وإن هرب منه في طريقه، فإنها لا تسقط – أي النفقة – نص عليه. لأنها وقعت مأذوناً فيها شرعاً، أشبه ما لو وقعت بإذن المالك، ثم هرب.
2 روى هذه المسألة عن الحسن وابن سيرين: ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب البيوع والأقضية: باب الرجل يكون له على الرجل دين 7/293.
قلت: ولعل الإمام أحمد كره ذلك على أنه مال "حرام" يجب على المسلم أن يتنزه عن أخذه.
وقد تقدم الكلام على مثل ذلك عند المسألة رقم 54 عند مسألة إجابة دعوة الجار الذي يتعاطى الربا، وقد أمر سبحانه برد المال الذي جمع من الربا فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} . [البقرة 278، 279] ووصف أَكَلَةَ الربا في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} الآية [البقرة 275] .(6/2875)
[2098-] قلت: إذا أحالك رجل على آخر، وأنت تعلم أنه رباً، فلا بأس به؟
قال: إذا كان من الربا، ينبغي لصاحب الربا أن يرده إلى صاحبه.
قال إسحاق: كما قال.
[2099-] قلت: أبيع السلعة ممن أعلم أنه يُدَلِّسها؟
قال أحمد: لعله لا يدلسها لعل الله يرزقه التوبة، فإن كان معروفا بهذا، فلا يعجبني.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
__________
1 قلت: إذا تيقن أنه يدلسها، فليس لصاحب السلعة أن يبيعه إياها، لأن في ذلك معونة له على الإثم، وقد نهى الشارع عن ذلك.(6/2876)
[2100-] قلت: الرجل يمر بالعشار1 فيقول: تعطيني، أو أحل متاعك فيعطيه شيئاً، ولا يحل متاعه؟
قال: جيد يحتسبه من الزكاة.
قال إسحاق: كما قال2.
[2101-] قلت: امرأة أسلمت غلاماً لها في عمل، فماتت فورثتها، أُخْتُها
__________
1 العشَّار، والعاشِر: قابض العُشْر، يقال: عَشَّر القوم يَعْشُرهم عُشْراً بالضم، وعُشوراً، وعَشَّرَهم أخذ عُشْرَ أموالهم، وقيل: العشار: من يأخذ على السلع مكساً.
انظر: لسان العرب 5/247، والمعجم الوسيط 2/602.
2 الذي يظهر لي أنه أراد بالعشار هنا: آخذ المكس وهو الذي يُعَشِّر أموال المسلمين، ويأخذه من التجارة المختلفة، إذا مروا عليه باسم العُشْرِ، أما ما يأخذه من أهل الذمة في تجاراتهم، فليس ذلك بمكس، لأنه لو قصد بالعشار، آخذ الزكاة لما جاز له أن يأخذ غير النصاب المقدر، وهذا لا ضير فيه. وقد أجاز أحمد، وإسحاق رحمهما الله تسليم ما يطلبه العشار على أن ينوي الدافع اعتبارها من الزكاة.
قال ابن قدامة في المغني 2/476: ولا يجوز إخراج الزكاة إلا بنية إلا أن يأخذها الإمام منه قهراً.
وانظر: الخطابي على سنن أبي داود كتاب الخراج والإمارة والفىء: باب في السعاية على الصدقة 3/349. [] [] والأموال لأبي عبيد ص14- 24، والأحكام السلطانية لأبي يعلى 208، ومفتاح الرتاج على كتاب الخراج [] لأبي يوسف 2/161- 186.(6/2877)
إن شاءت1 أن تخرج الغلام أخرجته2، وإن أخرجته انفسخت الإجارة؟
قال أحمد: ليس لها أن تخرجه، ولا تنفسخ بالموت3 الإجارة، ولو أن المولى حي لم يكن له أن يخرجه من الإجارة.
قال إسحاق: كما قال.
[2102-] قلت: قال: البيع يقطع من المستكري كراه، وعلى المستأجر أجره، قال أحمد: ليس هذا بشيء.
قال إسحاق: كما قال، لأن الكراء، [ع-140/أ] والإجارة هما إلى ذلك الوقت حياً كان المؤاجر، أو ميتاً4.
__________
1 جملة "إن شاءت"، ناقصة من ع.
2 جملة "وأخرجته" ناقصة من ع.
3 في نسخة ع: "ولا يفسخ الموت".
4 قال الخرقي في مختصره 105: ولا يتصرف مالك العقار فيه إلا عند تقضي المدة، وإذا مات المكري والمكتري، أو أحدهما فالإجارة بحالها.
وفي الإشراف لابن المنذر 178: يقوم الوارث منهما مكان الميت. وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور. وفي ص189 قال: باب خروج الأجير من عمله قبل انقضاء الوقت، وذكر قول طائفة من العلماء منهم أبو ثور، وسفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق: إنه ليس لواحد من الطرفين فسخ الإجارة من عذر أو غير عذر، والكرى إلى مدته. ومثل ذلك في مسائل أبي داود 205، وفي مسائل عبد الله 304، ورؤوس المسائل ورقة 285.
وفي المقنع 2/211، وفي الإنصاف 6/58: الإجارة عقد لازم من الطرفين يقتضى تمليك المؤجر الأجرة، والمستأجر المنافع، فإذا فسخها المستأجر قبل انقضاء المدة، لم تنفسخ، ولا يجوز للمؤجر التصرف فيها في حال كون يد المستأجر عليها، فإن تصرف فيها قبل انقضاء المدة، لم تنفسخ الإجارة على الصحيح من المذهب. قال المرداوي: قلت: وهو الصواب.
قال البخاري: باب إذا استأجر أرضاً، فمات أحدهما، وقال ابن سيرين: ليس لأهله أن يخرجوه إلى تمام الأجل، وقال الحكم، والحسن، وإياس بن معاوية: تمضي الإجارة إلى أجلها.
وقال ابن عمر: "أعطى النبيّ صلى الله عليه وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدراً من خلافة عمر، ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الإجارة بعد ما قبض النبيّ صلى الله عليه وسلم".
قال الحافظ: والجمهور على عدم الفسخ. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 4/462.(6/2878)
[2103-] قلت: قال سفيان: المرأة إذا ادعت ولداً، لم تصدق إلا أن تجىء ببينة أنها ولدته.
قال أحمد: إن1 كان لها إخوة، أو نسب معروف، فقالت المرأة: هذا ابني، فلا بد من أن تثبت أنه ابنها، فأما2 إذا لم يكن لها دافع
__________
1 في نسخة ع: "إذا".
2 في نسخة ع: "وأما".(6/2879)
فقالت1: هذا ابني فمن يحول بينها وبينه.2
قال إسحاق: إقرارها بالولد جائز هي أثبت دعوة من الرجل، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم ألحقَ ولد الملاعنة بأمه3.
__________
1 في نسخة ع: "وقالت".
2 ذكر ابن قدامة في المغني 6/124: أنه اختلفت الرواية عن أحمد في دعوى المرأة نسب اللقيط إليها، فروي: أن دعوتها تقبل، ويلحقها نسبه لأنها أحد الأبوين، فثبت النسب بدعواها كالأب. وروي: أنها إن كان لها زوج، لم يثبت النسب بدعواها، لإفضائه إلى إلحاق النسب بزوجها بغير إقرار، ولا رضاه، أو إلى أن امرأته، وطئت بزناً أو شبهة وفي ذلك ضرر عليه، وإن لم يكن لها زوج، قبلت دعواها لعدم هذا الضرر.
أما الرواية الثالثة: فهي مسألتنا هذه التي رواها الكوسج، وزاد ابن قدامة، فقال: لأنه إذا كان لها أهل ونسب معروف، لم تَخْفَ ولادتها عليهم، ويتضررون بإلحاق النسب بها لما فيه من تعييرهم بولادتها من غير زوجها، ثم قال: ويحتمل أن لا يثبت النسب بدعوتها، وهو قول الثوري وغيره، ونسب إلى ابن المنذر: الإجماع على ذلك، وذكر ابن مفلح في المبدع 5/305، 306، رواية ابن منصور هذه ويمثل ما أشار إليه صاحب المغني.
3 حديث الملاعنة عن ابن عمر رواه البخاري في كتاب الطلاق: باب يلحق الولد بالملاعنة 9/460، ومسلم في كتاب اللعان 2/1132، وأحمد في مسنده 2/7، والترمذي في كتاب الطلاق: باب ما جاء في اللعان 3/499:
"أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته، فانتفى من ولدها ففرق بينهما وألحق الولد بالمرأة" وهذا لفظ البخاري.(6/2880)
[2104-] قلت: قال عمر بن عبد العزيز: إذا كان خادم ومنزل لم يبع ماله، ولم يسجن إذا لم يكن له غير هذا.
قال: ما أحسنه، أما أنا فأستحسنه إذا حبس ذهب كسبه، وضاع عياله، ولم يرد1 على الغرماء شيئا.
قال إسحاق: كما قال، لا يباع المسكن والخادم في الدَّين2.
[2105-] قلت: قال سفيان: إذا فَلَّس القاضي الرجلَ، فليس له3 بيع، ولا صدقة، ولا عتق.
قال: أما بيع، وصدقة فنعم، وأما العتق، فهذا شيء مستهلك، يقول: يجوز عتقه.
__________
1 في نسخة ع: "يرد ذلك".
2 سبق الكلام على مثل هذا عند المسألة رقم (1884) .
وانظر: شرح المنتهى 2/284.
أما الحبس فمخصوص به القادر الممتنع.
قال المرداوى في الإنصاف 5/275: القول بالحبس اختاره جماهير الأصحاب، وقطع به أكثرهم، وعليه العمل، وهو الصواب، ولا تخلص الحقوق في هذه الأزمنة غالباً إلا به، وبما هو أشد منه.
3 كلمة "له" ناقصة من نسخة ع.(6/2881)
قال إسحاق: كما قال أحمد، وذلك أن1 العتق لله2.
[2106-] قلت: قال سفيان في رجل ابتاع متاعاً3 من رجل وقَلَّبَه، ونظر إليه واشتراه إلى أجل، فقال4: أَقْبِضُه غداً، [ظ-62/ب] فمات البائع، وعليه دين؟
قال: هو للمشتري بما اشترى دون الغرماء، ويتبعه الغرماء بالمال.
__________
1 في نسخة ع: "لأن".
2 ذكر القاضي في الروايتين والوجهين 373 هذه المسألة عن الكوسج، على أنها القول الراجح من الروايتين في جواز العتق، أما الأخرى فنقلها محمد بن موسى الدنداني: إذا طلب البائع عين ماله – أي من المفلس -: لم يجز بيعه، ولا هبته، ولا عتقه، وقال في الكافي 2/170: ويتعلق بالحجر أربعة أحكام:
أحدها: وهو الشاهد: منع تصرفه في ماله، فلا يصح بيعه، ولا هبته، ولا وقفه، ولا غير ذلك، لأنه حَجْرٌ ثبت بالحاكم فَمَنَعَ تصرفه، كالحجر للسفه، وفي العتق روايتان:
إحداهما: لا يصح لذلك لأن حق الغرماء تعلق بماله فمنع صحة عتقه، كما لوكان مريضاً.
والثانية: يصح، لأنه عتق من مالك رشيد صحيح، أشبه عتق الراهن.
3 في نسخة ع: "طعاما".
4 في نسخة ع: "فقال له".(6/2882)
قال أحمد: هو كما قال.
قال إسحاق: كما قال.
[2107-] قلت: قال سفيان: وإن اشترى1 بنقدٍ ولم يقبض، فجاءه ينقده من الغد، وقد مات البائع، فهو أحق به، وإن كان ترخيصاً غير أنه مضمون على البائع حتى يسلمه.
قال أحمد: هو من ملك المشتري، ليس عليه ضمان.
قال إسحاق: كما قال أحمد2.
__________
1 تقدم الكلام على ذلك عند المسألة رقم (1851) عند حديث ابن عمر "ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً" وعند المسألة رقم (1873) عند قوله "الرجل يبيع الشيء ولم يقبضه المشتري فيتوى، من مال من هو؟ ".
2 هذه المسألة كالتي قبلها، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: إذا اشترى الرجل المتاع فقال المشتري: أنقله إلي، وقال البائع: لا حتّى تأتيني بالثمن، فهذا بمنزلة الرهن، فإن هلك، فهو من مال البائع، وإن قال البائع للمشتري: أُنْقُلْهُ، فقال: دَعْهُ حتّى نأتيك بالثمن، فهذا بمنزلة الوديعة، إن هلك فهو من مال المشتري، ويبيع هذا، ولا يبيع ذاك.
قال ابن عون: فذكرته لمحمد، فقال: صدق أظن.
وعن الحكم في رجل اشترى من رجل متاعاً، هلك في يدي البائع قبل أن يقبضه؟ قال: إن كان قال له: خذ متاعك فلم يأخذه، فهو في يدي البائع من مال المشتري، وإن كان قال: لا أدفعه لك حتّى تأتي بالثمن، فهو مال البائع.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الرجل يشتري البيع يهلك في يدي البائع قبل أن يقضيه المبتاع 6/50، 51.
وفي شرح المنتهى 2/189 ذكر أن ما عدا المبيع بصفة، أو رؤية متقدمة، لا يصح التصرف فيه قبل قبضه، وما عدا ذلك من ضمان مشترٍ، ولو قبل قبضه لحديث: "الخراج بالضمان"، وهذا المبيع ربحه للمشتري، فضمانه عليه، إلا إن منعَه البائع من قبضه، ولولقبض ثمنه فعليه ضمانه لأنه كغاصب.(6/2883)
[2108-] قلت: سئل سفيان عن رجلين أخوين ورثا صكاً من أبيهما فذهبا إلى الذي عليه الحق، فتقاضياه، فقال: عندي طعام، فاشتَرِيا مني طعاماً بما لكما عليّ، فقال أحد الأخوين: أنا آخذ بنصيبي طعاماً، وقال الآخر: لا آخذ إلا الدراهم، فأخذ أحدهما منه عشرة أقفزة بخمسين درهماً وهو الذي يصيبه؟
قال: جائز، ويتقاضاه الآخر فإن توى، وذهب ما على الغريم، رجع الأخ على أخيه بنصف الدراهم التي أخذ ولا يرجع بالطعام.
قال أحمد: لا يرجع عليه بشيء، إذا كان قد رضي1 به،
__________
1 في مسألة سابقة مرت برقم (1890) : في شريكين اقتسما غرماً، فتوى نصيب أحدهما. قال أحمد: يرجع على صاحبه، وهنا يمنع رجوعه، والفرق بين هذه وتلك، أن أحد الشريكين هنا قد رضي بعوض، بذل لهما معاً، ولما امتنع شريكه أن يأخذ نصيبه إلا عين المال، صار مؤجلاً لاستيفاء حقه مفرطاً في اغتنام الفرصة، فلا حق له بَعْدُ في نصيب شريكه إذا تعذر عليه استيفاء حصته لسبب من الأسباب.(6/2884)
حديث ابن عباس يتخارج أهل الميراث.
قال إسحاق: كما قال1.
قلت: قيل له: فإن اشترى طعاماً، لا يسوى قيمة الذي أخذ؟
قال: غلاؤه وَرُخْصُهُ له، ويرجع عليه أخوه بالدراهم.
قال أحمد: لا يرجع، هذا أشنع من الأول، فإن كان يرجع عليه، فَرُخْصُهُ وغلاؤه عليهما، ولا يرى أحمد أن يرجع.
قال إسحاق: كما قال.
__________
1 روى البخاري تعليقاً في كتاب الحوالة: باب الحوالة 4/464 عن ابن عباس قال: يتخارج الشريكان، وأهل الميراث فيأخذ هذا عيناً، وهذا ديناً، فإن توى لأحدهما، لم يرجع على صاحبه.
قال الحافظ في الفتح بعد هذا الحديث: قال ابن التين: محله ما إذا وقع ذلك بالتراضي مع استواء الدين، وقال ابن المنير: ووجهه أن من رضي بذلك فهلك، فهو في ضمانه كما لواشترى عيناً فتلفت في يده.
وذكر عبد الرزاق في مصنفه ثلاث روايات قال في الأولى "يتخارج الشريكان" وقال في الثانية: لا بأس أن يتخارج القوم في الشركة تكون بينهما، وفي الثالثة قال: لا بأس أن يتخارج أهل الميراث من الدين.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الشريكين يتحول كل واحد منهما 8/288، وروى البيهقي في السنن الكبرى مثل ذلك 6/65.(6/2885)
[2109-] قلت: قال سفيان في رجلين شريكين لهما على رجل مائة درهم، فوهب أحدهما نصيبه من المائة للذي عليه الدين؟
قال: جائز ويتقاضى الآخر بقية الخمسين، فإن توى، لم يضمن الذي وهب.
قال أحمد: وما الفرق بينهما، فهو كما قال، يعني [ع-140/ب] بين هذه المسألة والمسألة1 الأولى.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[2110-] قلت: سئل سفيان عن رجلين باعا من رجل، طعاماً بمائة درهمٍ وكتبا الصك جميعاً باسميهما، فأخذ أحدهما دراهم من الصك؟
قال: ما أخذ، فهو له، إلا أن يكونا خلطا الطعام قبل البيع.
قال أحمد: إذا خلطا فما أخذا من شيء، فهو بينهما.
قال إسحاق: كما قال، لأنه مال واحد بينهما2.
__________
1 كلمة "والمسألة" ناقصة من نسخة ع.
2 قلت: إن مجرد كتب الصك بالمبيع على شخص لعدد من الأشخاص، لا يُصَيِّرُهم شركاء في ثمن المبيع، فكل شخص له قيمة ما باعه، يأخذه مجموعاً، أو متفرقاً بمعرفته، إلا إذا كان المبيع مشتركاً بينهم في الأصل، ففي هذه الحالة يصبح ما أخذه أيٌّ منهم مشتركاً بين الجميع، لاحق له بالاختصاص به.(6/2886)
[2111-] قلت: الزُّبْد1 باللبن؟
قال: إذا كان اللبن حليباً يخرج مثل ذلك الزبد كرهته.
قال: يقول إذا كان يعلم ذاك2 أنه يخرج مثله.
ثم قال: يكون أنقص منه يكون3 الرايب4 بذلك النقصان.
قال إسحاق: كما قال.
[2112-] قلت: الزُّبد بالرايب؟
قال: إذا لم يكن فيه زبد، فلا بأس به.
قال: هذا صحيح جيد.
قال إسحاق: كما قال5.
__________
1 الزبد، بالضم، زبد السمن قبل أن يسلا، والقطعة منه زُبْدَةٌ وهو ما خَلُصَ من اللبن إذا مُخِضَ، وزَبد اللبن: رَغْوَتُه، والزُّبْدُ: أخص من الزَبْد.
انظر: تاج العروس 8/132.
2 في نسخة ع: "ذلك".
3 في نسخة ع: "حتّى يكون".
4 راب اللبن يروب روباً، فهو رايب: إذا خَثُرَ، والروبة بالضم مع الواو: خميرة تلقى في اللبن ليروب.
انظر: المصباح 288، انظر أيضاً: مختار الصحاح 261.
5 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 124: باب الألبان والزبد والسمن، وذكر قول أحمد في الزبد بالرايب إذا لم يكن فيه زبد، فلا بأس به، وقال إسحاق: وقال الثوري كما قال في الزبد باللبن الحليب والرايب.
وذكر في الروايتين والوجهين لأبي يعلى 310 أنه اختُلِف في بيع الزبد باللبن الذي زُبدُه فيه. فنقل مهنا عن أحمد كراهة ذلك، ونقل ابن منصور جواز بيعه إذا كان الزبد أكثر من الزبد الذي في اللبن، وقد مال القاضي إلى ترجيح رواية المنع وقال: إنها توافق رواية الجماعة.
وقال صاحب المغني 4/138، 140: اللبن يشتمل على المخيض والزبد وهما جنسان، فما داما متصلين اتصال الخلقة فهما جنس واحد، فإذا مُيِّز أحدهما من الآخر صارا جنسين حكمهما حكم الجنسين الأصليين.
وفي الإنصاف 5/22: ذكر روايتين في بيع الزبد بالمخيض، إحداهما: يجوز وهو الصحيح من المذهب، والأخرى: لا يجوز، كما ذكر روايتين في بيع الزبد باللبن: الجواز وعدمه، وأشار إلى ما أشار إليه أبو يعلى في ذلك.(6/2887)
[2113-] قلت: قال سفيان: أكره سمن البقر، بسمن الغنم اثنين بواحد؟
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال1.
__________
1 لا يجوز بيع السمن بالسمن، إلا مثلاً بمثل يداً بيد، لأن الأدهان المائعة جنس واحد.
وقال في المقنع والإنصاف: وفروع الأجناس أجناس كالأدقة، والأخباز، والأدهان، وكذا الخلول، وهو المذهب.
وقال أبوبكر المروزي: كل مأكول ومشروب من المكيل، والموزون لا يجوز بيع شيء منه بشيء من جنسه، إلا مثلاً بمثلٍ يداً بيد، ولا يجوز فيه النسيئة.
انظر: الإشراف ورقة 123، والمقنع 2/66، 67، والإنصاف 5/17، 18.(6/2888)
[2114-] قلت: سئل سفيان عن سيف بسيفين، وقدح بقدحين، وسكين بسكينين، وطست بطستين، يداً بيد واحدًا باثنين؟
قال: ما كان يوزن، فوزناً بوزنٍ، وما كان لا يوزن، فلا بأس اثنين بواحد يداً بيدٍ1.
قال: أصل هذا كله يعود إلى الوزن، فمن كره ما يوزن واحداً باثنين يكرهه2.
__________
1 روى ابن المنذر في الإشراف ورقة 122 عن الزهري قوله: كل شيء يوزن، فهو يجرى مجرى الذهب والفضة، وكل شيء يكال فهو يجري مجرى البر، والشعير. وقال الثوري: ما كان يوزن، فوزن بوزن، وما لا يوزن، فلا بأس إثنان بواحدٍ يداً بيدٍ، ولا بأس سيف بسيفين، وإبرة بإبرتين.
2 وعن الإمام أحمد روايتان في معمول الرصاص، والنحاس، ونحوه مما أصله الوزن:
الرواية الأولى: لا يجوز، لأن كل ما دخله الربا، فإنه يجري في معموله كالذهب والفضة.
والرواية الثانية: يجوز ثوب بثوبين، وكساء بكساءين لأنه في الحال غير موزون، فالعلة غير موجودة فيه. وأخرج عبد الرزاق عن الثوري قال: الحديد بالنحاس، لا بأس به يداً بيد، وهو نسيئة مكروه، وذكر قول الزهري المتقدم بتمامه.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الحديد بالنحاس 8/37.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن: أنه كان لا يرى بأساً بمنٍ من صفر صحيح بمَنْوَين من صفر مكسور، وسئل عن سكين بسكينين، فلم ير به بأساً. وعن ابن سيرين قال: كانت الدرع تباع بالأدرع.
انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية 7/297.
والمذهب على الرواية الثانية، وقيل في الأولى: إن قصد الوزن عند المبايعة، لم يجز التفاضل، وإن لم يقصد جاز.
انظر: مسائل ابن هانىء 2/17، ورؤوس المسائل ورقة 214، واختلاف العلماء للمروزي ورقة 93، 94، والروايتين لأبي يعلى 303، والإنصاف 5/14.(6/2889)
قال إسحاق: كما قال.
[2115-] قلت: قال1: السلف في الفلوس لا يرون به بأساً، يقولون: يجوز برؤوسها؟
قال2: إن تجنبه رجل ما كان به بأس، وإن اجترأ عليه رجل أرجو أن لا يكون به بأس3، قال سعيد بن المسيب: لا ربى إلا
__________
1 أي سفيان.
2 أي الإمام أحمد.
3 قال في شرح المنتهى 2/215: ويصح السلم في فلوس، ولو نافقة وزناً وعدداً، ويكون رأس مالها عَرَضا، لا نقداً، لأنها ملحقة بالنقد – على رواية – وفي كشاف القناع 3/278 قال: ويصح السلم في فلوس، ولو نافقة عددية، أو وزنية ولو كان رأس مالها أثماناً، لأن الفلوس عرض، لا ثمن وهذا الصواب، لكن تقدم لك في الربا أنها ملحقة بالأثمان على الصحيح، فلا يصح إن كان رأس مالها ثمناً لفوات التقابض.
وأخرج البيهقي عن إبراهيم أنه قال: لا بأس بالسلف في الفلوس، وقال سعيد القداح: لا بأس بالسلف في الفلوس.
انظر: السنن الكبرى كتاب البيوع: باب لا ربا فيما خرج من المأكول والمشروب والذهب والفضة 5/287.(6/2890)
في ذهب، أو فضة، أو ما يكال، أو يوزن مما يؤكل أو يشرب1.
قال إسحاق: لا بأس بالفلس بالفلسين يداً بيد، ولا بأس بالسلم في الفلوس إذا كان ثمنه ذهباً، أو فضةً، ورآه قوم كالصرف، وليس ببين.
[2116-] قلت: قال سفيان: وأناس لا يرون به2 بأساً، الإبرة بالإبرتين، والفلس بالفلسين، والسيف بالسيفين. يقولون: قد خرج من الوزن. وأناس يكرهونه، يقولون: يعود إلى الوزن، وأن يوزن أحب إليّ.
قال أحمد: يعود إلى الوزن، هذا أصله كله واحد3 من ذَهَبَ
__________
1 سبق تخريج قول سعيد بن المسيب عند المسألة رقم (1861) .
2 كلمة "به" ناقصة من نسخة ع.
3 روايتان في المبدع 4/129، والإنصاف 5/15 عن أحمد في بيع الفلس بالفلسين:
الأولى: لا يجوز التفاضل نص عليها في رواية الجماعة.
والثانية: يجوز.
وقال أبو يعلى في الروايتين 303: نقل أبو طالب، وأحمد، وهشام، وحرب: لا يباع فِلس بفلسين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد، وحماد، وطاوس كلهم قالوا: لا بأس بالفلس بالفلسين يداً بيد. انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الفلس بالفلسين 7/120.(6/2891)
إلى قول سعيد بن المسيب، لا يرى1 بهذا كله بأساً، ومن ذهب إلى حديث عمار2 يكره هذا كله.
قال إسحاق: لا بأس به: اثنان بواحد، يداً بيد، لأنه خرج من حد الوزن، ولا ينظر إلى أصل ماكان، إنما النظر يوم يتبايعون.
[2117-] قلت لأحمد3: سئل عن السمن بالزبد اثنان بواحد، قال سفيان: إذا خرج من الزبد، مثله، فلا بأس به، وإذا زاد، أو نقص، فهو مكروه.
قال: إذا كان مثله، فالفضل بأي شيء أخذه؟ يكون أقل قليلاً حتى يكون الرايب بالنقصان.
__________
1 في نسخة ع: "فلا يرى".
2 أثر عمار رضي الله عنه وهو قوله "العبد خير من العبدين"، والثوب خير من الثوبين، فما كان يداً بيد فلا بأس به إنما الربا في النسىء إلا ما كيل، أو وزن. ذكره ابن حزم في المحلى 9/532 عن رباح بن الحارث وذكره صاحب منار السبيل 1/382، وصحح إسناده الألباني في إرواء الغليل 5/194.
3 كلمة "أحمد" ناقصة من نسخة ع.(6/2892)
قال إسحاق: إذا كان مثله، فلا بأس1.
[2118-] قلت: سئل سفيان: [ع-141/أ] يكره أن يسلف في الرطب في غير حينه وليس في أيدى الناس منه شيء؟
قال: نعم. أصحابنا يكرهون ذلك أن يسلفوا في شيء من الثمار، وليس في أيدي الناس منه شيء2.
قال أحمد: لا بأس أن يسلفه في غير حينه، ويؤجله إلى [ظ-63/أ] الوقت الذي يمكن فيه.
قال إسحاق: كما قال أحمد لما يحتاج أن يكون موجوداً عند
__________
1 قال في الإنصاف 5/21: لا يجوز بيع الزبد بالسمن على الصحيح من المذهب، وقيل: يجوز.
وقال في الكافي 2/62: ولا يجوز بيع لبن، بما استخرج منه، من زبد، وسمن، ومخيض، ولا زبد بسمن، لأنه مستخرج منه، أشبه الزيتون بالزيت.
وعنه يجوز بيع الزبد باللبن، إذا كان أكثر من الزبد الذي في اللبن، والسمن مثله.
2 أخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم، وسعيد بن المسيب، وعكرمة، وطاوس، والشعبي، ومحمد أنهم كانوا يكرهون السلف في الشيء الذي ليس له في أيدي الناس أصل.
انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية: باب في السلف في الشيء الذي ليس في أيدي الناس 6/125.(6/2893)
محل السلم، وهذا تشبيه بأصل السلم1، الذي جاء أنهم كانوا يسلمون في البر، وليس ذلك يومئذ عندهم2.
[2119-] قلت: رجل سلف مائة درهم في مائة قفيز على أن يضع الدراهم على يد العدل3، فإذا جاء4 الأجل، أعطاه الدراهم.
قال: هذا مردود، لأنه لا يكون السلم إلا بقبض.
قال إسحاق: كما قال5.
__________
1 تقدم الكلام على السلم عند المسألة رقم (1783) عند قول ابن عباس "قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم وهم يسلفون في الثمار سنتين وثلاثا".
2 روى البخاري، وأبو داود عن محمد بن أبي مجالد قال: أرسلني أبو بردة، وعبد الله ابن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى، وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف فقالا: كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم في الحنطة، والشعير، والزيت إلى أجل مسمى، قال قلت: أكان لهم زرع، أولم يكن لم زرع؟ قالا: ما كنا نسألهم عن ذلك.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب السلم: باب السلم إلى أجل 4/434، وأبوداود كتاب البيوع والإجارات: باب في السلف 3/743.
3 في نسخة ع: "عدل".
4 في نسخة ع: "حل".
5 قلت: ومن تعريف السلم الذي تقدم بيانه في أول المسائل، يتضح عدم صحة السلم، ما لم يدفع المُسْلِم رأس مال السَلَم في مجلس العقد، للمُسَلَّم له.
قال في كشاف القناع 3/291: الشرط السادس للسلم أن يقبض المسلم إليه، أو وكيله رأس ماله في مجلس العقد قبل التفرق، استنبطه الشافعي رضي الله عنه من قوله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف فليسلف" أي فليعط. قال: لأنه لا يقع اسم السلف فيه، حتّى يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارق من أسلفه.
وقد نص الإمام أحمد على كراهة الكفيل والرهن في السلم، فقال في مسائل أبي داود 198: لا يعجبنى، وقال في مسائل ابن هانىء 2/20: أكرهه، وفي مسائل صالح 161 مثل ذلك.
وذكر القاضي أبو يعلى في ذلك روايتين، وكذلك صاحب الإنصاف في السلم مطلقاً:
إحداهما: لا يجوز، وهو المذهب.
والأخرى: يجوز.
وأما حبس رأس مال السلم كرهان مقبوضة للمسلم فيه: فلا يجوز، وهو المذهب، وقيل: يجوز.
انظر: الروايتين والوجهين 354، والإشراف لابن المنذر 133، واختلاف الفقهاء لابن جرير 98، والإنصاف 5/122، 123.(6/2894)
[2120-] قلت: رجل سلَّف رجلاً1 دراهم على أن يعطيه من أندرة2 هذا طعاماً إلى عشرة أيام؟
ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كلمة "رجلاً" غير موجودة في نسخة ع.
2 أندرة: ناحية من نواحى اليمامة عند منفوحة، هكذا ورد في معجم البلدان 5/279.
وفي تهذيب اللغة 14/95 قال: وقيل: الأندر قرية بالشام فيها كروم، والأندر: الجرين الذي يجمع فيه الزرع بعد حصاده وهو المقصود هنا.(6/2895)
قال: هذا مردود لأن أصله غرر، لأنه إن احترق، أو سرق، لم يكن له شيء.
قال أحمد: لا يسمى أندراً1 ولا قرية صغيرة يفنى منها الطعام إلا أن يكون مثل الموصل2، والسواد.
قال إسحاق: كما قال أحمد، لأن الأمصار قل ما يخلو مصر من ذلك النوع.
[2121-] قلت: الرجل يقول: أسلفك في طعام أرضك التي بمكان كذا وكذا؟
قال: هذا3 مكروه.
قال أحمد: سواء4، إذا كان أرضاً بعينها، يقول مكروه.
قال إسحاق: كما قال أحمد5.
__________
1 في نسخة ع: "الأندرا".
2 الموصل، بالفتح وكسر الصاد: مدينة مشهورة في العراق، وتعد باب العراق، ومفتاح خراسان، ومنها يقصد إلى أذربيجان، وسميت الموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل: وصلت بين دجلة والفرات. انظر: معجم البلدان 5/223.
3 إنَّ كلمة "هذا" ناقصة من ع.
4 إنَّ كلمة "سواء" ناقصة من ع.
5 نص على مثل ذلك في مسائل عبد الله 287، وجاء في شرح المنتهى 2/220، وكشاف القناع 3/290: لا يصح السلم إلى عين قرية صغيرة، أو بستان لما روى ابن ماجه وغيره: أنه أسلف إليه صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود دنانير في تمر مسمى، فقال اليهودي: من تمر حائط بنى فلان، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أما من حائط بنى فلان، فلا، ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى"، ولأنه لا يؤمن انقطاعه ولا تلف المسلم في مثله".
قلت: ولفظ الحديث عند ابن ماجه عن عبد الله بن سلام قال: "جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني فلان أسلموا لقوم من اليهود، وإنهم قد جاعوا فأخاف أن يرتدوا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: من عنده؟ فقال رجل من اليهود: عندي كذا وكذا، لشيء قد سماه، أراه قال: ثلاثمائة دينار بسعر كذا وكذا من حائط بني فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسعر كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا وليس من حائط بني فلان".
انظر: كتاب التجارات: باب السلف في كيل معلوم، أو وزن معلوم 2/766.
وقال في الإنصاف 5/103: هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به كثير
منهم، ونقل أبو طالب وحنبل: يصح إن بدا صلاحه، أو استحصد.(6/2896)
[2123-] قلت: رجل أسلف مائة درهم في حنطة إلى أجل، فلما حل الأجل، جاء يكتاله منه، فقامت البينة أن الدراهم كانت مسروقة، فليس بينهما بيع، وتؤخذ منه الدراهم؟
قال أحمد: إذا كانت مسروقة، لم يجب بينهما بيع1.
قلت لأحمد: لم لا يكون السلم قائماً، ويأخذ هذا بالدراهم؟
قال: لأن السلم لا يكون إلا بأن يعجل لصاحبه مثل الصرف، فلو أن رجلين تصارفا بدنانير، فوجدت2 الدنانير مسروقة: رجع عليه3 بالدراهم ثمن الدنانير التي أخذ.
قال إسحاق: كما قال أحمد المسألتين جميعاً.
[2124-] قلت: إذا أسلفت رجلاً مائة درهم كل درهم4 في قفيز، ولم
__________
1 جاء في المقنع 2/8: أن من باع ملك غيره، أو اشترى بعين ماله شيئاً بغير إذنه لم يصح، وهذا هو المذهب كما في الإنصاف 4/283.
قلت: نهى صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام فقال: "لا تبع ما ليس عندك" – وقد تقدم بتمامه عند المسألة رقم (1845) فكذلك الشراء، ثم إن المال المسروق حرام يجب إعادته إلى أهله، فكيف يسوغ جعله أحد العوضين.
2 في نسخة ع: "وجد".
3 في نسخة ع: "عليهم".
4 في الأصل "كل درهم" ساقطة.(6/2898)
يسم مائة قفيز، فلا بأس أن يأخذ بعضه1 قمحاً، وبعضه دراهم، ما لم يكن مائة درهم، في مائة قفيز، فهو مكروه أن يأخذ بعضه دراهم، وبعضه قمحاً.
قال أحمد: على2 القولين واحد، كره ابن عمر أن يأخذ بعضه دراهم وبعضه طعاماً، ورخص ابن عباس أن يأخذ بعضه طعاماً وبعضه دراهم، فكلاهما واحد عنده.3
__________
1 كلمة "بعضه" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "كلا" وهما كلمتان يسوغ استعمالهما في هذا الموضع لأن مؤداهما
واحد.
3 قال في شرح المنتهى 2/218: ويصح أن يسلم في شيء كلحم، وخبز، وعسل، يأخذ كل يوم جزءا معلوماً مطلقاً، أي: سواء بين ثمن كل قسط أولا، ومتى قبض البعض وتعذر الباقي، رجع بقسطه من الثمن.
روى البيهقي عن ابن عباس قال: إذا أسلمت في شيء، فلا بأس أن تأخذ بعض سلمك، وبعض رأس مالك، فذلك المعروف، وروى جابر الجعفي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كره ذلك.
انظر: السنن الكبرى كتاب البيوع: باب من أقال المسلم إليه بعض السلم وقبض بعضا 6/27.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن ابن عباس: أنه كان لا يرى بأساً إذا سلف الرجل في طعام أن يأخذ بعضه طعاماً وبعضه دراهم، ويقول: هو المعروف.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب السلف في شيء فيأخذ بعضه 8/13، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب في رجل أسلف في طعام 6/10.(6/2899)
قال إسحاق: أما ما ميزه الثوري، فلا تمييز بينهما، وقول ابن عباس في أن يقبض بعضه سلماً، وبعضه دراهم أحب إلينا، ومن كرهه، [ع-142/أ] فحجته أن يقول: كأنك بعته بالدراهم التي قبضت طعاماً، لم تقبضه بعد.
[2125-] قلت: سئل سفيان: أتكره أن أشتري عصيراً فأتخذه خلاً؟
قال: إذا علمت أنه يصير خمراً، ثم يصير خلاً، فإني أكرهه.
قال أحمد: أكرهه لا ينبغي لمسلم أن يكون في بيته خمر.
قال إسحاق: كما قال1، لا ينبغي أن يأتى عليه طرفة عين،
__________
1 تحريم الخمر ثابت بالكتاب، والسنة، والإجماع، ولأن كل ما أوصل إلى الحرام، فهو حرام، فإنه إذا كان العصير لا يتخلل حتّى يصير خمراً، وجب على المسلم عدم اقتنائه،، قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 100 باب النهي عن بيع الخمر: قال أبوبكر – أي ابن المنذر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الخمر، وقال: "إن الذي حرم شربها، حرم بيعها"، ونهى عن التجارة في الخمر، وأجمع أهل العلم على أن بيع الخمر غير جائز، الخمر حرام شربها، لا يجوز الانتفاع بها، ولا يجوز أن يتخذ الخمر خلاً، لأن ذلك لوكان جائزاً، ما أمر بصبها، لأنه نهى عن إضاعة المال.
وأخرج مسلم، وأبوداود، والترمذي، وأحمد عن أنس: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلاً؟ فقال: لا".
انظر: صحيح مسلم كتاب الأشربة: باب تحريم تخليل الخمر 3/1573، وسنن أبي داود كتاب الأشربة: باب ما جاء في الخمر تخلل 4/82، وسنن الترمذي كتاب البيوع: باب النهي أن يتخذ الخمر خلاً 3/580، ومسند أحمد 3/119.
وقد تقدم الكلام على مسألة بيع العنب ممن يتخذه خمراً عند المسألة رقم 57 وأن الإمام أحمد كرهه فكيف يسعى المسلم إلى وجوده في ملكه.(6/2900)
وفي منزله خمر، والعصير لا يصير خلاً أبداً حتى يصير خمراً، إلا أن يعالج بأن يصب عليه من الخل بقدر ما يمنعه عن طباع الخمر.
[2126-] قلت: نصراني أسلف نصرانياً في خمر، فأسلم الذي سلف وأبى الآخر أن يُسلم؟
قال: يرد رأس المال، لأن المسلم لا ينبغي له أن يأخذ الخمر.
قلت: سئل سفيان: فإن أسلم الآخر؟
قال: ترد الدراهم.
قال أحمد: كلاهما يرد الدراهم.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
__________
1 هذه المسألة ذكرها الخلال في كتابه أحكام أهل الملل ورقة 49.
وذكر رواية أخرى عن ابن منصور أنه قال لأبي عبد الله: قال الثوري في نصراني أسلف نصرانياً في الخمر، ثم أسلم أحدهما؟ قال: له رأس ماله، قال أحمد: له رأس ماله.
وهذه الرواية وردت عند المسألة رقم 1990وعلقت عليها.
وفي رواية ثالثة عنه أنه قال لأبي عبد الله: قلت له ـ يعني سفيان ـ مجوسي باع مجوسياً خمراً، ثم أسلما؟ قال: يأخذ الثمن، قيل له: فإن كان خنزيراً ووجد به عيباً؟ قال: لا يأخذ منه شيئاً ولا يأخذ الثمن؟ قال أحمد: قد وجب الثمن عليه يوم باعه يأخذ الثمن، وأما الخنزير فكما قال، قال: وكذلك ما قال في الخمر.
وفي رواية أبي طالب: أنه سأل أبا عبد الله عن يهودي اشترى من رجل آخر بألف درهم إلى أجل، ثم أسلم بعد ما اشتراها؟ قال: قد وجب الحق عليه، يرد إليه ماله.
وفي اختلاف العلماء للمروزي ورقة 102 قال: إذا أسلف النصراني إلى النصراني فأسلم أحدهما رد عليه رأس ماله. وانظر أيضاً: اختلاف الفقهاء لابن جرير 160.
وقال في شرح المنتهى 2/220: وإن أسلم ذمي إلى ذمي في خمر، ثم أسلم أحدهما، رجع المُسْلِم برأس ماله، أو عوضه لتعذر الاستيفاء أو الإيفاء.(6/2901)
[2127-] قلت: نصراني أقرض نصرانياً خمراً، فأسلم الذي أقرض؟
قال: لا شيء له، لأنه لا ينبغي له أن يأخذ ثمن الخمر، ولا الخمر.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال.
[2128-] قلت: فإن أسلم المستقرض، ولم يسلم المقرض؟
قال سفيان: يدفع إليه قيمة الخمر.(6/2902)
قال أحمد: لا يكون للخمر ثمن، ولا لشيء من الميتة.1
قال إسحاق: كما قال أحمد، لا ثمن لشيء من المحرم.
[2129-] قلت: رجلان أحدهما نصراني، والآخر مسلم بينهما عنب، فعصره النصراني خمراً، قال: يضمن له نصف قيمة العنب.
قال أحمد: قد أفسده على المسلم لا بد له من أن يضمن.2
قال إسحاق: كما قال.
[2130-] قلت: الراعي المشترك يجىء بالجلد، فيقول: قد مات؟
__________
1 ذكر هذه المسألة بكاملها الخلال في المرجع السابق ص49. وساق رواية أخرى عنه أنه قال لأبي عبد الله: قال الثوري: فإذا أقرض أحدهما صاحبه خمراً، فإن أسلم المقرض: لم يأخذ شيئا، وإن أسلم المستقرض: رد على النصراني ثمن خمره، قال: ليس للخمر ثمن، وشنعها على قائلها.
وهذه الرواية سبق ذكرها عند المسألة رقم (1990) وتم التعليق عليها.
وروى المروذي – المرجع السابق – عن سفيان قال: وإذا أقرضه خمراً، فأسلم الذي أقرض الخمر، فلا ينبغي له أن يأخذ الخمر، ولا قيمته، وقال أحمد، وأبو ثور: لا يرد عليه شيء، لأنه ليس للخمر ثمن ولا قيمة.
قال في المبدع 4/212: لوأقرض ذمي ذمياً خمراً، ثم أسلما أو أحدهما، بطل القرض، ولم يجب على المقترض شيء.
2 هذه المسألة رواها الخلال في كتابه أحكام أهل الملل ورقة 48.(6/2903)
قال: أما من كان يرى الضمان، فإنه لا يصدقه حتى يأتي بالبينة أنه قد مات.
قال أحمد: كلما كان هلاكه1 هلاكاً ظاهراً، فليس عليه ضمان، إنه مؤتمن من أين يجىء هذا في صحراء ببينة2؟
__________
1 كلمة "هلاكه" غير موجودة في نسخة ع.
2 الراعى أجير، وقد مر تحقيق مسألة تضمين الأجير عند المسألة رقم (1906) لقوله صلى الله عليه وسلم: "على اليد ما أخذت حتّى تؤديه" رواه الحسن عن سمرة وقد تقدم تخريجه عند المسألة رقم (1862) .
وقال في الإنصاف 6/76: لوأحضر الجلد ونحوه مدعياً للموت: قبل قوله في أصح الروايتين، وعنه: لا يقبل قوله إلا ببينة تشهد بموتها.
قلت: ولعل الإمام أحمد أخذ بحديث "لا ضمان على مؤتمن" الذي أخرجه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في كتاب البيوع 3/41.
وذكره الحافظ في التلخيص الحبير كتاب الوديعة 3/97 بلفظ: "ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان" ثم قال: وفي إسناده ضعيفان، ونقل عن الدارقطني أنه من قول شريح. واعتبر أحمد الراعي مؤتمناً، فلم يضمنه إذا كان الهلاك مقطوعاً به، وهو قول الحسن البصري، وعامر الشعبي، وسعيد بن المسيب، والزهري، وابن شبرمة. وكان شريح، وإبراهيم النخعي يضمنان الراعى. انظر: مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب الراعى عليه الضمان 7/335، 336، ومصنف عبد الرزاق كتاب البيوع 8/220، وسنن ابن ماجه كتاب الصدقات: باب الوديعة 2/802.(6/2904)
قال إسحاق: كما قال، وكذلك ما أتلفه1، هو من تضييع، أو تفريط جناية يد، أو غير ذلك فهو ضامن.
[2131-[] ظ-63/ب] قلت: سئل عن رجل أجر غلامه، أشهراً وأخذ الكراء، ثم بدا لصاحب الغلام أن يأخذ غلامه.
قال: ليس له ذلك يؤخذ بالشرط2.
__________
1 جملة "ما أتلفه" ناقصة من نسخة ع.
2 ذكر ذلك ابن حزم في المحلى 9/10.
قلت: والمقصود بالشروط: أي أن الشروط المتفق عليها بين الطرفين في عقد الإجارة هي المعتبرة في جواز قطع الإجارة أو عدمه لقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم".
رواه: البخاري تعليقا وجزم به في كتاب الإجارة: باب أجرة السمسرة 4/451 قال ابن سيرين: إذا قال بعه بكذا، فما كان من ربح، فلك، أو بيني وبينك، فلا بأس به، ثم ذكر الحديث.
ورواه أبوداود في كتاب الأقضية: باب الصلح 4/20.
والترمذي في كتاب الأحكام: باب ما ذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلح بين الناس 3/625، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
والحاكم في كتاب البيوع رواية بلفظ: "المسلمون عند شروطهم" 2/49.
وابن أبي شيبة في مصنفه كتاب البيوع: باب من قال: المسلمون عند شروطهم 6/568 – 570، وأورد روايات في ذلك عن عمر، وعلي رضي الله عنهما، وعن شريح، وعطاء، والشعبي، وغيرهم، ورواه البيهقي كتاب الشركة: باب الشرط في الشركة 6/79.
وابن الجارود في المنتقى ص215 حديث 637، 638.(6/2905)
قال أحمد: جيد، هو هكذا.
قال إسحاق: كما قال.
[2132-] قلت: قال سفيان: كل صناع1 عمل لك، ففرغ منه، صباغ، أو حائك، فسرق، فليس عليك شيء حتى يسلمه إليك.
قال أحمد: أقول هكذا ليس له كراء2.
[2133-] قلت: والسفينة3 إذا غرقت؟
قال: ليس له كراء.
__________
1 هكذا وردت "صناع" في جميع النسخ ولعل الصواب "صانع" بالمفرد لأن الفعل بعده يدل عليه.
2 قال في المقنع 2/218: وإن أتلف الثوب بعد عمله، خُير مالكه بين تضمينه إياه غير معمول ولا أجرة له، وبين تضمينه إياه معمولاً، ويدفع إليه الأجرة.
قال صاحب الإنصاف 6/77، 81: وهذا بلا خلاف، وذكر أن القول قول ربه في صفته معمولاً، وفي موضع آخر قال: تُسْتحقُّ الأجرة كاملة بتسليم العين، أو بفراغ العمل الذي بيد المستأجر، أو ببذلها على الصحيح من المذهب.
3 في نسخة ع: "في السفينة".(6/2906)
قال إسحاق: كما قال1.
[2134-] قلت: سئل: أرأيت [ع-142/ب] لو بَنَى لي بناءً2، فوقع قبل أن يسلمه إليّ؟
قال: ليس له أجر.
قال أحمد: ما هذا عندي مثل ذاك، له أجر ما عمل إذا قال: استعمل لي ألف لَبِنَةٍ في كذا وكذا فعمل، ثم سقط، فله الكراء، فإذا استأجره يوماً فعمل، فسقط عند الليل ما عمل، فله الكراء، فإذا قيل له: ارفع لي حائطاً كذا وكذا ذراعاً، فله أن يرفعه، فإن سقط فعليه التمام.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 تقدم بحث موسع في مسألة تضمين الأجير المشترك في الصفحات عند المسائل رقم 1862، 1863، 1906) وعلى القول بتضمينه فإنه لا يستحق أجرة لأنه فرط والمفرط أولى بالخسارة.
2 في نسخة ع: "بيتا".
3 قال في المغني 5/343: وإذا استأجره لبناء ألف لبنة في حائطه أو استأجره يبني له فيه يوماً، فعمل ما استأجره عليه، ثم سقط الحائط، فله أجره، لأنه وَفَّى العمل، وإن قال: ارفع لي هذا الحائط عشرة أذرع، فرفع بعضه، ثم سقط فعليه إعادة ما سقط، وإتمام ما وقعت عليه الإجارة من الذرع، وهذا إذا لم يكن سقوطه في الأول لأمر من جهة العامل، فأما إن فرط، أو بناه محلولاً، أو نحوذلك فسقط فعليه إعادته وغرامة ما تلف منه.(6/2907)
[2135-] قلت: قال: سمعت الأوزاعي قال: إذا اكترى دابَّةً فجاوز بها الوقت، فإن سلمت الدابة كان له كراء الدابة، وإن هلكت الدابة1 ضمن ثمنها، ولا كراء لصاحبها.
قال أحمد: له الكراء، وإن عطبت فعليه الكراء2 والضمان، واحتج بحديث عروة البارقي في الشاة.3
قال إسحاق: كما قال وليس في حديث عروة ذاك البيان4.
[2136-] قلت: قال: سألت سفيان عن رجل تكارى حماراً يوماً، بدرهم على أن لا يخرجه من الكوفة فأخرجه؟
قال: يضمن.
__________
1 كلمة "الدابة" ناقصة من نسخة ع.
2 سبق التعليق على ذلك عند المسألة رقم (1864) .
3 سبق تخريج الحديث عند المسألة رقم (1864) .
4 أخرج ابن أبي شيبة في كتاب البيوع: باب الرجل يكري الدابة فيجاوز بها 6/49، والبيهقي كتاب الإجارات: باب لا ضمان على المكتري فيما اكترى إلا أن يتعدى 6/123، عن شريح، وإبراهيم، والحكم أنهم كانوا يضمنون من تجاوز بالدابة مكان الكراء.(6/2908)
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال، لأنه خالف الوجه الذي أخذه له1.
[2137-] قلت: قال سفيان: إذا اكتريت إلى الري2 ففرغت من الكراء؟
قال أحمد: وجب الذي بينهما، لأن ابن عمر حين فرغ من الكراء صارفه، فالكراء مثل البيع3.
__________
1 هذه المسألة كالتي قبلها في الحكم تماماً.
2 الري، بفتح أوله وتشديد ثانيه: مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن، كثيرة الفواكه والخيرات، وهي محط الحاج على طريق السابلة، وقصبة بلاد الجبال، بينها وبين نيسابور: مائة وستون فرسخاً، وإلى قزوين: سبعة وعشرون فرسخاً. انظر: معجم البلدان 3/116.
3 قال في شرح المنتهى 2/380: وتستقر الأجرة كاملة بذمة مستأجر، كسائر الديون بفراغ عمل ما استؤجر لعمله.
وقال أيضاً: وتستقر بانتهاء مدة الإجارة، إذا كانت على مدة، وسلمت إليه العين، بلا مانع. انتهى.
وقد استدل على ذلك بقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فآتوهن أُجُورَهُنّ} [سورة نساء 24]
حيث أمر بإيتائهن بعد الإرضاع، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة" وذكر منهم "رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه، ولم يوفه أجره".
انظر: البخاري مع الفتح كتاب البيوع: باب إثم من باع حراً فأكل ثمنه، وكتاب الإجارة: باب إثم من منع أجر الأجير 4/417، 447، ورواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة 2/358.
وقال في الإنصاف 6/81 – 82: تُستحقُّ الأجرة كاملة بتسليم العين، أو بفراغ العمل الذي بيد المستأجر، أو ببذلها على الصحيح من المذهب. وإذا استؤجر على عمل مُلِكَت الأجرة بالعقد، لكن لا يستحق تسليمها إلا بفراغ العمل، وتسليمه لمالكه على الصحيح من المذهب.
قال أبوالخطاب: تملك بالعقد، وتستحق بالتسليم، وتستقر بمضي المدة.
وذكر ابن قدامة في المغني 5/330 قول ابن أبي موسى: من استؤجر لعمل معلوم استحق الأجر عند إيفاء العمل، وإن استؤجر كل يوم في كل يوم بأجر معلوم، فله أجر كل يوم عند تمامه.
روى ابن ماجه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" ورواه البيهقي عن أبي هريرة.
انظر: سنن ابن ماجه كتاب الرهون: باب أجر الأجراء 2/817، والتلخيص الحبير كتاب الإجارة الحديث رقم 1284 ج 3/59.
قال الحافظ: وهذ الحديث ذكره البغوي في المصابيح في قسم الحسان.
وانظر: السنن الكبرى للبيهقي كتاب الإجارة: باب إثم من منع الأجير أجره 6/121.(6/2909)
فقلت: بعد ذلك بيوم أو بيومين، أنه قد بلغني خبر، فإن عجلت بيوم أو يومين، فلك كذا وكذا؟
قال: لا بأس.
قال أحمد: ليس بذا بأس.(6/2910)
قال سفيان: فإن زاد أو نقص، فله1 الكراء الأول، وليس له من الزيادة شيء.
قال أحمد: إن عجل له، فينبغي أن يفي له الزيادة.
قال إسحاق: كما قال أحمد2.
[2138-] قلت: سئل سفيان عن الإجارة الفاسدة فيها ضمان؟
قال: ليس فيها ضمان3.
قال أحمد: أنا أقول في الإجارة الصحيحة إذا كان هلاكا4 ظاهراً لم أضمنه5.
__________
1 في نسخة ع: "فعليه".
2 يصح شرط تعجيل الأجرة، ويصح تأخيرها بأن تكون مؤجلة بأجل معلوم، ما لم يشترط ذلك في العقد. أما أحمد فكأنه يرى أن يدفع المستأجر الأجرة للأيام الزائدة، إذا دفعت الأجرة المعقود عليها مقدماً كالثمن، كذا ورد في شرح المنتهى 2/381.
قلت: والظاهر من كلام إسحاق أن الزيادة البسيطة، أو التعجيل في مدة تسليم الأجرة لا تأثير له في زيادة الأجرة أو نقصها.
3 جملة "ليس فيها" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع: "هلاكها".
5 قال في شرح المنتهى 2/381: ولا تجب أجرة ببذل تسليم عين في إجارة فاسدة، وفي المغني 5/331 ذكر روايتين عن أحمد:
أحدهما: عليه أجر المثل لمدة بقائها في يده لأن المنافع تلفت تحت يده.
والثانية: لا شيء له، لأنه عقد فاسد على منافع لم يستوفها، فلم يلزمه عوضها.
وقال ابن قدامة في المقنع 2/221: إذا تسلم العين في الإجارة الفاسدة حتّى انقضت المدة، فعليه أجرة المثل سكن أولم يسكن.
وهذا هو المذهب كما في الإنصاف 6/87، وقيل: لا أجرة عليه إن لم ينتفع.(6/2911)
قال إسحاق: هو كما قال، ويعنى بالظاهر أن يكون الفساد من قبل الله1.
[2139-] قلت: رجل قال لرجل: أكرني دابتك إلى مكان كذا وكذا، فذهب بها إلى المكان الذي أكراه، فلم يحمل عليها شيئاً، فعليه الكراء؟
قال أحمد: عليه الكراء.
قال إسحاق: كما قال، لأنه لم يَحُلْ بينه وبين الذي شرط له
__________
1 قوله "الفساد من قبل الله" لعل في الجملة تحريفاً، أو سبق قلم.
إذ كيف يسوغ نسبة الفساد إلى الله وهو الذي يقول في محكم كتابه: {واللهُ لا يُحِبُّ الفَسَاد} [سورة البقرة الآية 205] ، ولعل مراده أن الفساد لم يكن بفعل إنسان أو بسببه، وإنما هو بقضاء الله وقدره.(6/2912)
أن يحمله1.
[2140-] قلت: إذا اكترى دابَّةً فذهب بها، فجاء فقال: قد ماتت في بعض الطريق، فالقول قول المستكري؟
[قال أحمد: إذا كان مؤتمناً فالقول قول المستكري] .2
قال إسحاق: كما قال، فإن اتهمه حَلَّفَه3.
__________
1 قال في المغني 5/330: وإن أسلمت إليه العين التي وقعت الإجارة عليها، ومضت المدة ولا حاجز له عن الانتفاع: استقر الأجر، وإن لم ينتفع، وإن كانت الإجارة على علم، فتسلم المعقود عليه، ومضت مدة يمكن استيفاء المنفعة فيها: يستقر عليه الأجر، لأن المنافع تلفت تحت يده باختياره، فاستقر الضمان عليه، كما لوتلفت العين في يد المشتري، وكما لوكانت الإجارة على مدة فمضت. وقد جاء في الإنصاف 6/81 مثل ذلك.
2 ما بين القوسين ساقط من الأصل.
3 لقد تقدم الكلام عند المسألة رقم 1864على تضمين المستكري إذا تلفت الدابة معه بتفريط أو تعد منه، وفي هذه المسألة لم يشر إلى سبب الهلاك، فيتوقف الحكم على عدالة المستكري، لأن الدابة في ضمانه، وإن لم يشترط ذلك عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: " على اليد ما أخذت حتّى تؤديه".
رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه.
وقد سبق تخريجه عند المسألة رقم (1862) .(6/2913)
[2141-] قلت: رجل اكترى دابة من مكة إلى جدة بكذا وكذا، فإن ذهب من جدة إلى عسفان1، فبكذا وكذا؟
قال: لا بأس.
قال أحمد: إذا كان في عقدة واحدة نحن نقيم الكراء مقام البيع2.
قال سفيان: الذي يكرهه الناس أن يقول: أكري إلى مكة بكذا، وإلى المدينة بكذا، فمن أيهم يأخذ كراه، [ع-143/أ] لا يدرى أي شيء كراه.
قال أحمد: هذا الذي أكرهه شرطين في بيع.
قال إسحاق: كما قال أحمد3.
__________
1 عُسْفانُ: هي منهلة من مناهل طريق المدينة وتقع بين مكة والجُحْفَةَ وسميت عسفان لتَعَسُّف السيل فيها، وهي من مكة على مرحلتين، وقيل: على ستة وثلاثين ميلاً، وهي قرية جامعة بها منبر، ونخل ومزارع.
انظر: معجم البلدان 4/121، 122.
2 هذه المسألة ذكرها ابن قدامة في المغني والشارح 6/22، 86. ثم قال صاحب المغني: وهذه الروايات – التي منها مسألتنا هذه – تدل على أن مذهبه – أي الإمام أحمد– أنه متى قدر لكل عمل معلوم أجراً معلوماً صح.
3 قال صاحب المغني 5/377: ونقل مهنا عن أحمد فيمن استأجر من حمال إلى مصر بأربعين ديناراً، فإن نزل دمشق فكراؤه ثلاثون، فإن نزل الرقة فكراؤه عشرون، فقال: إذا اكترى إلى الرقة بعشرين واكترى إلى دمشق بعشرة، واكترى إلى مصر بعشرة: جاز ولم يكن للحمال أن يرجع، فظاهر هذا أنه لم يحكم بصحة العقد الأول، لأنه في معنى بيعتين في بيعة.(6/2914)
[2142-] قلت: إذا استأجر الرجل أجيراً شهراً معلوماً، فجاء في نصف ذلك الشهر؟
قال: الذي استأجره بالخيار إن شاء عمل، وإن شاء لم يعمل.
قال أحمد: هو كما قال: إنما استأجره في أول الشهر.
قال إسحاق: كما قالا1.
[2143-] قلت: رجل اكترى غلاماً، فقال: فَرَّ مني؟
__________
1 قال ابن رجب في القواعد الفقهية، القاعدة 45 صفحة 65: إذا استأجره لحفظ شيء مدة معلومة، فحفظه في بعضها ثم ترك، فهل تبطل الإجارة؟ فيه وجهان، وذكر رواية ابن منصور هذه على أنها من أدلة أحد الوجهين، ثم قال: والوجه الآخر: يبطل العقد، فلا يستحق شيئاً من الأجر، بناء على أصلنا فيمن امتنع عن تسليم بعض المنافع، أنه لا يستحق أجرة وبذلك أفتى به ابن عقيل في فنونه. انتهى بتصرف.
وفي الإنصاف 6/59 بعد أن ساق عبارة المقنع 2/211 وهي قوله "وإن حوله المالك قبل تقضيها، لم يكن له أجرة لما سكن نص عليه" قال: وهو المذهب المنصوص عن أحمد ثم قال: فائدة: وكذا الحكم لوامتنع الأجير عن تكميل العمل، ثم أشار إلى ما جاء في القواعد الفقهية وذكر رواية ابن منصور.(6/2915)
قال: ليس عليه شيء إلا أن يقيم صاحب الغلام البينة أنه عمل عنده، وإلا فالقول قوله.
قال أحمد: هو كما قال.
قال إسحاق: كما قال.
[2144-] قلت1: رجل استأجر من رجل غلاماً، فقال المستأجر: مَرِضَ عندي فلم يعمل، وقال الغلام: قد عملت عنده؟
قال: إذا كان عنده في بيته فالكراء عليه، إلا أن يجىء بالبينة أنه كان مريضاً.
قال أحمد: هو كما قال سفيان.2
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 في نسخة ظ: "قلت لأحمد".
2 كلمة "سفيان" ناقصة من ع.
3 هذه المسألة والتي قبلها ذكرهما القاضي في كتابه الروايتين والوجهين 428 عند قوله
"فإن استأجر عبداً مدة بعينها وتسلمه، ثم ادعى المستأجر أن العبد أبق في هذه المدة، وأنه لم ينتفع به".
قال: فنقل ابن منصور: القول قول المستأجر في ذلك، فإن ادعى أنه مرض في هذه المدة، لم يقبل قوله حتّى يقيم البينة على ذلك، فظاهر هذا أنه قد فرق بين الإباق والمرض، فجعل القول قول المستأجر في الإباق، وجعل القول قول المؤجر في عدم المرض، ووجه ذلك أنه قد استحق المستأجر التسليم للمنفعة المعقود عليها، والمؤجر يدعى تسليمها منه، والأصل عدم ذلك، فكان القول قول المستأجر لأنه منكر، وإنما فرق بين الإباق وبين المرض، لأن الإباق لا يمكنه إقامة البينة عليه فكان القول قوله، والمرض يمكن إقامة البينة عليه، فإذا لم يقمها، لم يقبل قوله، ثم قال: وأصل هذا إذا ادعى المبتاع عيباً في المبيع، أنه إن كان موجوداً قبل العقد. هل يقبل قوله أم لا؟ على روايتين، كذلك هنا.
أما الرواية الثانية، فنقلها حنبل: أنه لا يقبل قوله في ذلك، ويكون القول قول السيد إلا أن يقيم المستأجر بينة بالإباق.
وفي المغني 5/414: عن أحمد روايتان:
إحداهما: أن القول قول المستأجر، لأنه مؤتمن عليها، فأشبه المودع، ولأن الأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان، ولا أجر عليه إذا حلف أنه ما انتفع بها، لأن الأصل عدم الانتفاع.
والثانية: القول قول المؤجر لأن الأصل السلامة، فإن ادعى أن العبد مرض في يده نظرنا، فإن جاء به صحيحاً فالقول قول المالك سواء وافقه العبد أو خالفه. نص عليه أحمد، وإن جاء به مريضاً فالقول قول المستأجر، وذكر رواية ابن منصور هذه.(6/2916)
[2145-] قلت: الرجل يؤاجر داره كل شهر بعشرة دراهم؟
قال سفيان: مكروه حتى يسمي شهراً معلوماً، أو أشهراً معلومةً1.
__________
1 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 179: كراهية سفيان لهذا الكراء حتّى يسمى شهراً معلوماً، أو أشهراً معلومةً.(6/2917)
قال أحمد: لا بأس به إذا قال كل شهر.1
قال إسحاق: كما قال أحمد، إلا أن الوقت الذي يحتاج إليه لابد من بيانه، وإلا أقل ذلك شهر.
[2146-] قلت: قال سفيان: كل أجيرٍ استأجرته أو دارٍ بشيء يكال، أو
__________
1 وفي الروايتين والوجهين لأبي يعلى 424 ذكر روايتين: الجواز، وعدمه واستدل على الأولى برواية ابن منصور هذه، وهي اختيار الخرقي في مختصره ص105، واستدل على المنع برواية أبي الحارث والمروذي في الرجل يكتري لمدة غُزاتِهِ.
قال في رؤوس المسائل 289: إذا دفعت الإجارة على كل شهر، بشيء معلوم، لزمت في الشهر الأول، وما بعده فتلزم في الدخول فيه، وفي رواية: تبطل في الجميع. اختارها أبوبكر، وقد رجح المؤلف الرواية الأولى مستدلاً بتأجير علي رضي الله عنه نفسه من رجل ينضح له على نخلة كل دلوبتمرة قال: والأَشْهُرُ كالدلاء حيث لم يحدد دلاءً بعينها.
وقال في المقنع 2/199، والإنصاف 6/20، 21: ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكترى لمدة غزاته، وإن سمى لكل يومٍ شيئاً معلوماً، فجائز، وإن أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة. فالمنصوص في رواية ابن منصور أنه يصح. وهو المذهب، وقيل: يصح في العقد الأول – أي في الشهر الأول – لا غير.
وأخرج ابن أبي شيبة عن شريح في رجل استأجر بيتاً أشهراً، وقال إلى أجل، فسكنه ثم أراد أن يخرج منه؟ فقال: إذا أتى بالمفاتيح فقد برىء وعليه أجر ما سكن. انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية: باب الرجل يستأجر الدار شهراً 7/84.(6/2918)
يوزن: فهو مكروه إلا شيئاً هو عندك، بمنزلة [ط-64/أ] شيء تبيعه.
سئل سفيان إن هو عمل على هذا؟
قال: له أجر مثله.
سئل سفيان: ليس له إلا الذهب والفضة.
قال: نعم.
قال أحمد: ليس بذا بأس إذا اكتريت داراً، أو استأجرت غلاماً بكذا وكذا قفيزا من حنطة كذا وكذا شهرا1، إلا من قال:
__________
1 نص على ذلك في مسائل أبي داود ص200، قال: من الناس من يتوقاه، يقول: هي المحاقلة، لا أدري، ربما تهيبته.
وذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 179: أحمد، وإسحاق فيمن أجازوا ذلك حيث قالوا: لا بأس أن يكري بطعام موصوف معلوم، كما يوصف في أبواب المسلم، وقال الثوري: هو مكروه، وقال ابن المنذر: القول الأول صحيح.
وذكر – أي ابن المنذر – في باب استئجار الأرض ورقة 169: أن سعيد بن جبير، وعكرمة، والنخعي، وأبا ثور ممن لا يرون بذلك بأساً، كما ذكر قول أحمد: ربما تهيبته.
وقال – أي ابن المنذر – القول في هذا على وجهين:
أحدهما: أن كراها لا يجوز بشيء من الطعام الذي يخرج منها، لأنها قد تخرج شيئاً وقد لا تخرج، وكذلك لا يجوز أن تكتري بربع ما يخرج من الأرض أو ثلثه، وإن اكترى الأرض مدة معلومة، بطعام معلوم موصوف، فجائز.(6/2919)
المحاقلة: أن يكري الأرض بالطعام المسمى.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2147-] قلت: إذا استأجرت إنساناً يوماً، فذهب ذلك اليوم، فليس عليه غيره.
قال: إذا قلت: اعمل اليوم، فليس عليه إلا ذلك اليوم.
قال إسحاق: كما قال2.
[2148-] قلت: الخياط يدفع إليه الثوب ليخيطه اليوم بدرهم وغداً بنصف درهم؟
__________
1 تقدم الكلام على المحاقلة عند المسألة رقم (1876) .
وانظر أيضاً: صحيح مسلم كتاب البيوع: باب تحريم بيع الرطب بالتمر إلا في العرايا 3/1168، وفتح الباري 5/10، والإنصاف 5/28.
2 متى سلم الأجير نفسه للمستأجر فقد بذل منافعه له، وعلى المستأجر أن يستوفي منه الجهد المطلوب بتمكينه من العمل المعقود عليه، فإن حبسه عن العمل لغيره، ولم يمكنه من العمل، فهو المفرِّط وتلزمه الأجرة، لأن حبس الأجير نَفْسَه على حساب المستأجر مثل حبس العين المؤجرة، وقد تقدم الكلام على ذلك عند المسألة رقم (2139) .(6/2920)
قال: مكروه، له أجر مثله.
قلت: سئل: لم تكرهه؟
قال: لأنه إن عمل اليوم بعضه، ثم مات من أيهما كنت تعطيه؟
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال1.
[2149-] قلت: قال سفيان: إذا قال الرجل للرجل: ابتع لي ثوباً دابَّة شيئاً لم يصفه، فليس بشيء، إن شاء الآمر أخذه، وإن شاء لم يأخذه؟
__________
1 ذكر في رؤوس المسائل ورقة 290 عن أحمد قوله: "لا تصح، وله أجر المثل" – أي إن خاط الثوب – لأن المعقود عليه مجهول، حيث خيره بين شيئين، فهو كقوله: بعتك أحد هذين العبدين، أو بعتك بدرهم نساء، أو بنصف نقداً.
وجاء في المحرر 1/357: مثل ذلك إلا أنه قال دانق بدل نصف درهم، وزاد: أو إن خطته رومياً فبعشرة، وفارسياً بخمسة: لم يصح، وعنه: يصح، وتجب الأجرة بالعقد.
وفي الشرح الكبير مع المغني 6/20 ذكر روايتين:
إحداهما: لا يصح وله أجر المثل نقلها أبو الحارث عن أحمد – وهو قول الثوري، وإسحاق، وأبي ثور وغيرهم – لأنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلم يصح.
والثانية: يصح، وهو قول الحارث العُكَلِى، وأبي يوسف، ومحمد، لأنه سمى لكل عمل، عوضاً معلوما فصح.(6/2921)
قال: نعم.
قال أحمد: هو كما قال إلا أن يخيره الآمر إذا اشتراه.
قال إسحاق: كما قال1.
__________
1 قال في العمدة وشرحه العدة ص253: "وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً، أو عرفاً" لأن الإنسان ممنوع من التصرف في حق غيره، وإنما أبيح لوكيله التصرف فيه بإذنه، فيجب اختصاص تصرفه فيما تناوله إذنه، إما لفظاً كقوله: بع ثوبي بعشرة، وإما عرفاً كبيعة الثوب بعشرة وزيادة.
وفي الكافي 2/247، وكشاف القناع 3/466 ذكر أنه لا يملك الوكيل شرط الخيار للعاقد معه، ولوشرط الخيار له، ولموكله، وإن شرط لنفسه فقط لم يصح، وله شرطه لموكله.
وجاء في المبدع 4/371، والكافي 2/247، وكشاف القناع 3/465 قولهم: وإن قال له: بعه بألف نساء، فباعه بألف حالَّةً: صح في الأصح. فإذا كان يستضر بحفظ الثمن في الحال: لم يصح، لأن حكم الإذن إنما يثبت في المسكوت عنه لتضمنه المصلحة، فإذا كان يتضرر به عُلم انتفاؤها فتنتفي الصحة.
وفي شرح المنتهى 2/303 ذكر أنه: لا يصح توكيله إن قال لوكيله: اشتر ما شئت، أو عبداً بما شئت لكثرة الغرر حتّى يبين للوكيل نوع ما يشتريه، وقدر الثمن الذي يشتري به، لأن الغرر لا ينتفي إلا بذكر الشيئين، وهو المذهب، كما في الإنصاف 5/393، وهو إحدى الروايتين.
وعنه: ما يدل على أنه يصح. وقيل: يكفى ذكر النوع فقط، وقيل يكفى ذكر النوع أو قدر الثمن.(6/2922)
[2150-] قلت: رجل قال لرجل: ابتع لي ثوباً بعشرة دراهم، ولم يدفع إليه الدراهم، فجاء فقال: قد اشتريت، وسرق المال؟
قال: يسأل البينة.
قال أحمد: إذا قال له اشتر لي، فهو أمينه، لا أعلم إلا ذلك.
قال إسحاق: كما قال أحمد] ع-143/ب] بلا شك1.
[2151-] قلت: إذا دفعت إليه عشرة دراهم، فقلت: اشتر لي ثوباً فاشترى ولم ينقد، فهلك الثوب، والدراهم جميعاً؟
قال: هو أمين في الدراهم.
قال أحمد: هو أمين في الدراهم، وهو مخالف حين لم ينقده.
قلت: قال: ويدفع إلى صاحب الثوب ثمنه إلا أن يجىء ببينة أنه اشتراه للذي أمره؟
قال أحمد: جاء ببينة، أو لم يجىء، فقد ضمن، وإذا لم يكن
__________
1 الوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط، والقول قوله مع يمينه في الهلاك، ونفي التفريط، فلو قال الوكيل: تلف مالك في يدي، أو الثمن الذي قبضته ثمن متاعك تلف في يدي، فكذبه الموكل، فالقول قول الوكيل مع يمينه، لأنه أمين، وهذا مما يتعذر إقامة البينة عليه، فلا يكلف ذلك كالمودع، وهذا هو المذهب مطلقاً، فإن ادعى التلف بأمر ظاهر، كلف البينة عليه لأنه مما لا يخفى.
انظر: المقنع 2/157، والمغني 5/75، والإنصاف 5/396.(6/2923)
حبس، إنما اشترى الثوب، وذهب لينقده الدراهم، فسرق الثوب، والدراهم فالضمان على الدافع.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2152-] قلت: أمر رجلاً أن يشتري له سلعة بمائة دينار، ووصف له الصفة التي يريد، فاشترى له بأقل، فإن توى لم يضمن؟
قال: جيد2.
__________
1 هذه المسألة اشتملت على صورتين:
الصورة الأولى: تنص على احتمال تفريط الوكيل، فلوحبس ثمن السلعة بعد أن اشتراها من غير عذر لزمه أن يغرمه للبائع إذا فقد بأي سبب، أما الثوب فهو من نصيب الموكل، لأن الوكيل أمينه، وقد اشتراه على مراده فعلاً.
أما الصورة الثانية: فتختلف عن سابقتها، فالوكيل هنا لم يتوان عن دفع النقود، ولم يفرط، لكن آفة حلت به، فأفقدته ما معه، فلا غرامة عليه حينئذ.
قال في الشرح الكبير مع المغني 5/240 فإن اشترى شيئاً وقبضه، وأخر تسليم الثمن لغير عذر، فهلك في يده ضمنه، وإن كان له عذر مثل إن ذهب ينقده، أو نحو ذلك: فلا ضمان عليه. نص أحمد على هذا، لأنه مفرط في إمساكه في الصورة الأولى فلزمه الضمان بخلاف ما إذا لم يفرط.
وفي الإنصاف 5/392 في باب الوكالة قال: وإن أخر تسليم ثمنه، بلا عذر: ضمنه على الصحيح من المذهب نص عليه، وقيل: لا يضمن.
2 أخرج عبد الرزاق عن الثوري قال: إذا أبضع رجل مع رجل لثوب فجاء به على صفته دون ثمنه فهلك: لم يضمن. وعن الثوري أيضاً قال: إذا قال الرجل للرجل اشتر لي عبداً صحيحاً كذا وكذا بمائة دينار، فوجد العبد بخمسين فاشتراه؟ قال: لا يضمن المشتري.
انظر: كتاب البيوع: باب البضاعة يخالف صاحبها 8/189.(6/2924)
قلت: اشتراه بأقل؟
قال: إذا اشتراه على الصفة، نقول إذا وجده رخيصاً بعد أن يكون على ما أراد: فلا بأس.
قال إسحاق: كما قال.
[2153-] قلت: قال: اشتر لي سلعةً ولم يصف له، فإن اشترى بأقل أو بأكثر ضمن؟
قال أحمد: هذا لم يشتر له، أرأيت إن أراد هو روميا فاشترى له1 حبشيا؟ لا، حتى يصفه2 له.
قلت: إذا وصف له لم يضمن إلا أن يشتري بأكثر؟
__________
1 كلمة "له" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "يصف" وهذه كالمسألة التي مرت قبل رقم (2149) عند قوله "قلت: قال سفيان: إذا قال الرجل للرجل: ابتع لي ثوباً ذاته شيئاً لم يصفه" وقد تم التعليق عليها.(6/2925)
قال: يضمن إذا اشترى بأكثر.
قال إسحاق: كما قال1.
[2154-] قلت: قال سفيان: رجل أمر رجلاً أن يبتاع له جارية بمائة دينار، فاشتراها الرجل بمائة دينار، ثم استغلاها الرجل بعد ما
__________
1 جاء في المقنع 2/153: "وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل، أو بأكثر مما قدره له: لم يصح، وهو أحد الوجهين.
وقال في الإنصاف 5/383: اختاره القاضي في الجامع وغيره، والوجه الثاني: يصح. وهو المذهب نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: يصح، ويكون المتصرف ضامناً للمالك، لأن التصرف هنا مستند أصله إلى إذن صحيح، وإنما وقعت المخالفة في بعض أوصافه، فيصح العقد بأصل الإذن، ويضمن المخالف لمخالفته في صفته، ولا فرق أن يبيع الوكيل بدون ثمن المثل، أو يشتري بأكثر منه، ومنهم من فرق بينهما، وأبطله في صورة الشراء دون البيع، ولا فرق أيضا بين أن يقدر الموكل للوكيل الثمن، أولا.
نص أحمد على ذلك في رواية الأثرم، وقيل: يبطل العقد مع مخالفته التسمية لمخالفة صريح الإذن بخلاف ما إذا لم يسمه، فإنه إنما خالف دلالة العرف.
وقد صحح القاضي، وابن عقيل رواية بطلان العقد، وتأولا رواية نفاذه مع الضمان على تعذر رد العين، فيأخذ المالك الثمن، ويضمن المشتري ما نقص من قيمة السلعة، قال ابن رجب: وحاصل هذه الطريقة أن هذه المخالفة تجعله كتصرف الفضولي سواء.
انظر: المحرر 1/350، ونظم المفردات مع شرحها 2/14، والمبدع 4/371، والقواعد الفقهية لابن رجب 420.(6/2926)
اشتراها له، قال: هذه غالية آخذها لنفسي، فأخذها لنفسه بعد ما اشتراها لصاحبه فأحبلها فولدت؟
قال: هذا غاصب1 عليه العُقْر2، ويأخذ الآمر جَارِيَتَهُ، وَوَلَدُهَا رقيقٌ، ويؤدب المشتري3.
__________
1 غاصِبٌ جمعه غُصاب، من غصب الشيء غصباً إذا أخذه قهراً وظلماً. ويقال: غصبه ماله، وغصبه منه ماله، والمرأة زنى بها كُرْهاً، وقيل: هو استيلاء على مال الغير بغير حق.
انظر: المعجم الوسيط 2/653، والمغني 5/177.
2 العُقْر: بالضم: دية فرج المرأة إذا غصبت على نفسها، ثم كثر ذلك حتّى استعمل في المهر. انظر: المصباح 502.
3 تصرفات الغاصب الحكمية: كالحج، وسائر العبادات، والعقود: كالبيع، والنكاح ونحوها: باطلة في إحدى الروايتين، وهذا المذهب، لأن ذلك التصرف كتصرف الفضولي والأخرى صحيحة. ومعلوم أن الوكيل إذا اشترى لموكله شيئاً، انتقل الملك من البائع إلى الموكل، ولم يدخل في ملك الوكيل، لأنه قبل عقداً لغيره صح له، فوجب أن ينتقل الملك إليه، كالأب، والوصي، وكما لوتزوج له فإذا وطىء الغاصب الجارية المغصوبة، وهو عالم بالحرمة: فعليه حد الزنا وعليه مهر مثلها، وأرش بكارتها.
وعنه: لا يلزمه أرش البكارة، لأنه يدخل في مهرها سواء كانت مكرهة أو مطاوعة.
وعنه: لا مهر مع المطاوعة.
فإن حملت فالولد مملوك لسيدها ولا يلحق نسبه بالواطىء، هذا المذهب مطلقاً، وإن كان الغاصب جاهلاً بالتحريم، أوله شبهته، فلا حد عليه، لأن الحد يُدْرَأ بالشبهات، وعليه المهر، س وأرش البكارة، وإن حملت فالولد حر لاعتقاده أنها ملكه، ويلحقه النسب لموضع الشبهة.
انظر: المقنع 2/242، 250، والمغني 5/199، 200، والإنصاف 6/168.(6/2927)
قال: فإن اشترى لصاحبها غيرها أرخص منها، فسرح بها إليه، فقبضها الآمر، فأحبلها فولدت، ثم اطلع بَعْدُ أن الجارية الأولى التي اشتراها له، هي أحب إليه من هذه؟
قال: الولد للواطىء الآمر، والجارية لا يردها، وعليه قيمتها للمشتري، لأنه أخذها بشراء وأولدها، وهو استهلاك، فإن لم يولدها فإن شاء ردها.
قلت: إن كانت ماتت الجارية الأولى؟
قال: هذا غاصب ضامن للقيمة1.
قال إسحاق: هذا الآمر حين وجهت الجارية إليه فوطئها على
__________
1 قال ابن هبيرة في الإفصاح 2/28: اتفقوا على أن العروض والحيوان وكل ما كان غير مكيل، ولا موزون، يضمن إذا غصب وتلف بقيمته.
قال في الإنصاف 6/169، 170، 173: لوقتلها الغاصب بوطئه، وجبت عليه الدية نقله مهنا. وإن ماتت الأم بالولادة، وجب ضمانها، وإذا تلفت عند المشتري، فعليه قيمتها للمغصوب منه، ولا يرجع على الغاصب بالقيمة على الصحيح من المذهب.(6/2928)
وجه الشراء: فالولد ولده، وعليه القيمة للذي وجهها لأنه كالاستهلاك، وأما المشتري حين اشتراها للآمر، ثم استغلها، فقال: أجعلها لنفسي: فإنه1 لم يسعه ذلك، ولكنه2 إذا ولدت صيَّرت الولد ولده، لأنه وطئها بشبهة، وعليه القيمة للآمر إذا ولدت منه.
[2155-] قلت: شريح كان لا يجيز الغلط؟
قال سفيان: وذلك في الرجل يبيع السلعة اشتراها بمائة فباعها بربح عشرين3، ويقول: أخذتها بخمسين فادعى الغلط، وأقام البينة أنه ابتاعها بمائة؟
قال: لا يجوز الغلط.
قال سفيان: أما نحن فنقول: إذا جاء بالبينة، لم تجز بينته هو أصدق من بينته [ع-144/أ] .
قال [ظ-64/ب] أحمد: المشتري مخير إن شاء رد السلعة، وإن شاء أخذها، بالذي أقام عليه البينة أنه ابتاعها.
__________
1 في نسخة ع: (كأنه) .
2 في نسخة ع: (ولكن) .
3 في نسخة ع: "عشر".(6/2929)
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2156-] قلت: رجل أخذ ثوباً بمائة، فقال: أخذته بمائتين، فقال له صاحبه: لك ربح عشرين على مائتين، أو ده دوازده على مائتين، فوجده قد أخذ الثوب بمائة، وقامت البينة؟
قال: أُلْقِي عنه المائة وربحها، وأجيز البيع بالثمن الأول وربحه2، وإن
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1805) .
2 جاء في الإشراف لابن المنذر ورقة 130: إذا أخبر البائع أنه اشترى هذه السلعة بمائة دينار، وباعها مرابحة، ثم اطلع على الخيانة، فقال الثوري وابن أبي ليلى، ويعقوب وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: يحط عنه الخيانة وحصتها من الربح.
وقال القاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين 338: نقل حنبل إذا علم المشتري أنه كذب في بيعه، وزاد في القيمة: له الخيار إن أحب أن يرد على البائع سلعته، وإن أحب كان الرجوع على البائع بالزيادة.
وفي رؤوس المسائل 227 قال: إذا علم المشتري أن البائع خانه: فله إسقاط الزيادة ويمسك الباقي.
وفي رواية: إن شاء أمسك، وإن شاء فسخ، ومتى بان الثمن أقل، حط الزيادة، ويحط من المرابحة قسطها، ولا خيار له على الصحيح من المذهب، فلو قال: رأس مالي مائة بعتك بها وربح عشر: فهو جائز غير مكروه، ثم إذا بان ببينة أو إقرار أن رأس المال تسعون: فالبيع صحيح، لأنه زيادة في الثمن، فلم يمنع صحة البيع كالمعيب، وللمشتري أن يرجع على البائع بما زاد، وهو عشرة وحظها من الربح، وهو درهم فيبقى على المشتري تسعة وتسعون درهماً.
انظر: مختصر الخرقي 87، والمحرر 1/330، والعمدة وشرحه العدة 231، والتنقيح 131، وشرح منتهى الإرادات 2/183، والإنصاف 4/439.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري في رجل قيل له: بكم ابتعت هذا العبد؟ قال: بمائة، فقال رجل: لك ربح عشرة، ثم جاءه البينة أنه أخذه بخمسين، قال: فإن لم ينكر أخذ الخمسين ونصف الربح، وإن أنكر رد عليه البيع.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب بيع المرابحة 8/230.(6/2930)
كان باع مساومة بأقل أو بأكثر: جاز بيعه؟
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال1.
[2157-] قلت2: رجل ابتاع بيعاً بنسيئة، فباعه مرابحة ولم يبين؟
قال: إن كان بعينه، فصاحبه بالخيار: إن شاء أخذ، وإن شاء
__________
1 أخرج ابن ماجه جابر بن عبد الله قال: "كنت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال لي: أتبيع ناضِحَكَ هذا بدينارين والله يغفر لك؟ قلت يا رسول الله: هو ناضحكم إذا أتيت المدينة، قال: فتبيعه بدينارين والله يغفر لك؟ قال: فما زال يزيدني ديناراً ديناراً، ويقول مكان كل دينار والله يغفر لك، حتّى بلغ عشرين ديناراً".
انظر: سنن ابن ماجه كتاب التجارات: باب السوم 2/743.
2 في نسخة ع: "قلت لأحمد" وهو خطأ، لأن الإجابة بعد السؤال من قول سفيان الثوري، ثم يتلوه قول أحمد.(6/2931)
ترك، وإن كان قد استهلك فهو حال.
قال أحمد: إذا كان البيع قائماً: فإن شاء المشتري رد، وإن شاء كان له إلى ذلك الأجل، وإذا كان قد استهلك: حبس المشتري المال بقدر ما كان للبائع فيه من الأجل.
قال إسحاق: كما قال أحمد سواء1.
__________
1 روى ابن المنذر في الإشراف ورقة 131: أن الثوري وأصحاب الرأى قالوا: إن كان المبيع قائماً بعينه: فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، وإن كان فائتاً: فقد وجب الثمن. وعن شريح، وابن سيرين أنهما قالا: له مثل نقده، وإلى أجله، ونحوه قال الأوزاعي، وذكر قول أحمد، كما ورد في المسألة.
قال في المحرر 1/330: وإن بان الثمن مؤجلاً، فله الأخذ به مؤجلاً.
وفي أحقيته في الفسخ: روايتان، وعنه في المؤجل: ليس له إلا الأخذ حالاً، أو الفسخ.
وفي العدة 232، والمقنع 2/53، والتنقيح 131 أن له الخيار بين رده وإمساكه بالثمن حالا، وقيل مؤجلا، ولا خيار له نصاً.
قال في الإنصاف 4/439، 440 هذا إحدى الروايات – أي خيار المشتري بين الرد والإمساك – وعنه – أي أحمد – يأخذه مؤجلاً ولا خيار له نص عليه، وهذا المذهب، فإن علم بتأجيل الثمن بعد تلف المبيع: حبس الثمن بقدر الأجل.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري في رجل اشترى متاعاً نظرةً – أي نسيئة – ثم باعه مرابحة، ثم اطلع على ذلك قال: سمعت عن محمد بن سيرين، عن شريح قال: له مثل نقده، ومثل أجله. قال: وقال أصحابنا: هو بالخيار إن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإن استهلك المتاع فهو بالنقد. وعن قتادة مثل ذلك.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الرجل يشتري بنظرة فيبيعه مرابحة 8/230.(6/2932)
[2158-] قلت: رجل ابتاع ثوباً بمائة، فقال: قد أخذته بتسعين ليَنْفَق عنه؟
قال: جائز، نقص من ثمنه، وهو كذب، قد أساء.
قال أحمد: هو كاذب والبيع جائز.
قال إسحاق: البيع جائز، وليس هذا بالكذب، إذا كانت إرادته أنه قد1 قام عليه بتسعين فأكثر2.
[2159-] قلت: رجل باع ثوباً فجاء رجل فأقام البينة أنه اشتراه بمائة، وأقام الآخر البينة أنه اشتراها بمائتين، والبائع يقول: بعته بمائتين والثوب في يد البائع بَعْدُ؟
قال: المتبايعان بالخيار إن شاء أحدهما أخذ النصف بمائة،
__________
1 كلمة "قد" ناقصة من نسخة ع.
2 روى هذه المسألة ابن المنذر في الإشراف ورقة 131.
قال في الإنصاف 4/440: لو باعها بدون ثمنها عالماً: لزمه على الصحيح من المذهب.
قلت: والمراد أن صاحب السلعة إذا تعمد الحط من قيمتها التي اشتراها به عند البيع فالبيع جائز، أما إخفاؤه للسعر الحقيقي: فهو كذب خالف فيه شرط بيع المرابحة، ولكنه لا يبطل البيع حكماً.(6/2933)
والآخر النصف بخمسين، وإن شاءا ردَّاه، فإن كان الثوب في يد أحدهما، ولا يُدرى أيهما اشترى أولا؟
قال: هي للذي في يديه، إلا أن يجىء هذا ببينة أنه أول، فهو له، وإذا أقاما جميعاً البينة أنه الأول، فهو للذي في يديه.
قال أحمد: ليس قول البائع بشيء، يقرع بينهما فمن أصابته القرعة: فهو له بالذي ادعى أنه اشتراه به.
قلت: فإن كان الثوب في يد أحدهما، ولا يدرى أيهما اشترى أولا؟
قال: لا ينفعه ما في يديه إذا كان مُقِرًّا أنه اشتراه من فلان: يقرع بينهما.
قلت: إذا أقاما جميعاً البينة أنه أول؟
قال: يقرع بينهما إذا كان مقراً أنه اشتراه من فلان، ولا ينفعه ما في يديه.
قال إسحاق: كما قال1.
[2160-] قلت: قال سفيان: كل صانع دفعت إليه عملاً، يعمله ليس لك
__________
1 سبق تحقيق مثل ذلك عند المسألة رقم 1885.
وانظر: مصنف ابن أبي شيبة 6/316، ومصنف عبد الرزاق 8/276.(6/2934)
أن تأخذه حتى توفيه أجره.
قال أحمد: يسلم المدفوع إليه أولاً، ويعطيه الكراء.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2161-] قلت: رجل في يده ثوب، فقال له آخر: ثوبي بعتك بعشرة دراهم، وقال الآخر: بل وهبته لي؟
قال: بينته أنه وهبه له، وبينة الآخر أنه باعه.
قال أحمد: لماَّ أقر أنه وهبه له فقد أقر له بالملك، وله اليمين عليه أنه لم يهبه، ويدفع الثوب إليه، وعلى صاحب الثوب البينة أنه باعه منه بعشرة دراهم، وإلا حلف الآخر أنه لم يشتره.
قلت: فإن لم يكن بينهما بينة؟
قال: يحلفان جميعًا، هذا أنه وهبه له، وهذا أنه باعه، فإن حلفا يترادان.
قال أحمد: هو كما قال، يحلف هذا أنه لم يشتره [ع-144/ب] منه، ويحلف هذا أنه لم يهبه له.
قلت: فإن استهلك الثوب؟
__________
1 سبق تحقيق مثل ذلك عند المسألة رقم (2131) ، وقد تقدم بحث موسع في الأجير الخاص عند المسألة رقم (2137) .(6/2935)
قال: فقيمته فيما بينه وبين ما ادعى صاحب الثوب.
قال: هو كما قال.
قال إسحاق: هو كما قال أحمد1.
[2162-] قلت: سئل عن رجل اشترى جارية، فوقع عليها ثم باعها مرابحة؟
قال: أحسن أن يبين.
قلت: فاللبن، والصوف؟
قال: أحسن أن يبين.
قال أحمد: يبين الوطء، ويبين أنه قد أخذ منها صوفاً أو شرب منها اللبن.
قال إسحاق: كما قال2.
[2163-] قلت: إذا ابتاع ثياباً بمائة درهم، فلا يبيعن بعضه مرابحة، ولكن يبيعه
__________
1 سبق الكلام على اختلاف المتبايعين في المسألة رقم (1799) .
وانظر أيضاً: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب البيعان يختلفان 8/272، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية 6/228، واختلاف الفقهاء للطحاوي 233، والشرح الكبير 2/399.
2 سبق التعليق على ذلك عند المسألة رقم (1926) .(6/2936)
جميعا، فإن علم ثمن كل ثوب، فليبع إذا أخذ كل ثوب على حدته.
قال أحمد: إذا اشتراه جملة، لم يبع بعضها دون بعض مرابحة حتى يبين.
قال إسحاق: كما قال1، إلا أن يبين الشراء كما كان2.
__________
1 قال في المقنع 2/53، 54: وإن باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن، ولم يبين ذلك للمشتري في تخييره بالثمن: فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد.
وفي الإنصاف 4/441 قال: هذا المذهب.
وعنه: يجوز بيع نصيبه مرابحة مطلقاً من اللذين اشترياه واقتسماه.
وعنه: عكسه.
قال المرداوي: ومحل الخلاف إذا كان المبيع من المتقومات التي لا ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كالثياب ونحوها. فأما إن كان من المتماثلات التي ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كالبر، والشعير ونحوهما، فإنه يجوز بيع بعضه مرابحة، بلا نزاع أعلمه، وكذا قال صاحب المغني والشارح 4/105، 261.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري في رجل اشترى مائة ثوب بألف درهم فرد منها ثوباً قال: لا يبيعها مرابحة. انظر: المصنف كتاب البيوع: باب بيع المرابحة 8/229.
2 ورد في الأصل "كما قال"، وما أثبتناه أولى، لأن كلمة "قال" تكررت في كلام إسحاق، ووجود "كان" التامة يتناسب مع السياق.(6/2937)
[2164-] قلت: إذا ابتاع1 بُراًّ بمائة درهم، ثم باعه على شراء مائتين غلطاً فربحوه على المائتين بألفي المائة، وقد ربح المائة والبيع مُسَلَّم جائز؟
قال: نعم.2
قال إسحاق: كما قال سواء3.
[2165-] [ظ-65/أ] قلت: سئل سفيان عن رجل باع ثوباً، فقال: أبيعكه وعليّ خياطته وقصارته، قال: مكروه، لأنه سمى عملاً وبيعاً، فإن سرق الثوب من عند البائع، فهو من مال البائع حتى
__________
1 في نسخة ع: "قلت: اشترى".
2 جملة "قال نعم" غير موجودة في الأصل.
3 سبق تحقيق نظيرها عند المسألة رقم (2155) ، وقد أخرج عبد الرزاق، عن الثوري قال: إذا ابتعت ثوباً بمائة، ثم غلطت فقلت: ابتعت بخمسين ومائة وربحك خمسين، ثم اطلع على ذلك فألغى الخمسين وربحها، ويكون له المائة وربحها، يقول: ثلثي الربح.
وعن الثوري في رجل قيل له: بكم ابتعت هذا العبد؟ قال: بمائة، فقال رجل: لك ربح عشرة، ثم جاءه البينة أنه أخذه بخمسين؟ قال: فإن لم ينكر: أخذ الخمسين ونصف الربح، وإن أنكر: رد عليه البيع.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب بيع المرابحة 8/230.(6/2938)
يسلمه.
قال أحمد: إذا قال: أبيعكه وعليّ خياطته وقصارته، فهذا من نحو شرطين في بيع1، وإذا قال: أبيعكه وعليّ قصارته، فلا بأس به، وإذا قال: أبيعكه وعليّ خياطته، فلا بأس به إنما هذا شرط واحد.
قال إسحاق: كما قال أحمد2.
__________
1 مبنى ذلك على حديث "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك" رواه أبوداود والترمذي.
وقد سبق تخريج هذا الحديث عند المسألة رقم (1786) .
2 هذه المسألة رواها الترمذي في سننه عن الكوسج في كتاب البيوع: باب ماجاء في كراهية بيع ما ليس عندك 3/526، ومن شروط الصحة في البيع.
كما جاء في المقنع 2/27، والإنصاف 4/344، 345، 346: أن يشترط البائع نفعاً معلوماً في البيع، أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع، كحمل الحطب وتكسيره، وخياطة الثوب وتفصيله، فالصحيح من المذهب: جوازه.
وفي رواية: لا يصح، وإن جمع بين شرطين: لم يصح.
قال صاحب الإنصاف: والواو هنا بمعنى: أو، تقديره: كحمل الحطب أو تكسيره، وخياطة الثوب أو تفصيله بدليل قوله: وإن جمع بين شرطين لم يصح، فلو جعلنا الواو على بابها كان جمعا بين شرطين، ولا يصح ذلك، ثم قال بَعْدُ: واعلم أن الصحيح من المذهب: صحة شرط البائع نفعاً معلوماً في المبيع.
وأما جواز الشرط الواحد في البيع من الشروط التي لا تنافى مقتضى العقد فجائز، لحديث جابر حيث باع جمله في إحدى الغزوات على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستثنى حملانه إلى المدينة.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب الشروط: باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز 5/314، وصحيح مسلم كتاب المساقاة: باب بيع البعير واستثناء ركوبه 3/1221، وسنن أبي داود كتاب البيوع 3/775.(6/2939)
قلت: فإن سرق الثوب من عند البائع؟
قال: هذا رجل مستأجر، فإن كان هلاكاً ظاهراً، إذا كان أمر من السماء مثل: الحريق، واللصوص، أو صاعقة، فليس عليه ضمان.
قال إسحاق: كما قال سواء1.
[2166-] قلت: الرجل يستأجر البيت إذا شاء أخرجه، وإذا شاء خرج؟
قال: قد وجب بينهما إلى أجله إلا أن يهدم البيت، أو يموت البعير، أو تغرق الدار، أو الأرض، فلا ينتفع المستأجر بما استأجر فيكون عليه حساب2 ما سكن.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 سبق الكلام على ذلك عند المسألتين (1862، 1863) .
2 في نسخة ع: "بحساب".
3 ورد في المقنع 2/213، والإنصاف 6/58، 63، وشرح المفردات 2/32 أن الإجارة لا تنفسخ بفسخ أحد الطرفين إلا إذا هلكت العين المؤجرة.(6/2940)
[2167-] قلت: قال سفيان في رجل تكارى دابة فضربها، فماتت؟
قال: هو ضامن إلا أن يكون أمره أن يضرب.
قال أحمد: إذا كان يضربها ضرباً يَضْرِب صاحبُها مثله، إذا لم يتعد: فليس عليه شيء.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2168-] قلت: قال شريح في رجل باع سمناً، فوجد فيه رباً2؟
__________
1 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 176: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب الجمل الذي كان عليه جابر بن عبد الله، وذكر قول سفيان هذا، وقول أحمد، وإسحاق، وهو قول أبي ثور.
وجاء في رؤوس المسائل ورقة 290: إذا ضرب البهيمة المستأجرة ضرباً معتاداً فماتت: فلا ضمان عليه، وبه قال أكثرهم، لأنها تلفت بغير تفريط منه، أشبه إذا ماتت تحت الحِمْل.
وانظر: المحرر 1/358، والإنصاف 6/55.
وأخرج عبد الرزاق عن شريح قال: إذا خالف المكترى: ضمن.
وفي رواية عن حماد قال: من اكترى فتعدى، فهلك فله الكراء، والضمان عليه.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب ليس على المكترى ضمان وباب الكَرِى يتعدى به 8/171، 211.
2 جاء في المصباح 254: الرُبُّ، بالضم: دُبْسُ الرُّطَب إذا طبخ.
وفي المعجم الوسيط 1/321: الرب: عصارة التمر المطبوخة وما يطبخ من التمر والعنب، ورب السمن والزيت: تَفِلُهُ الأسود، جمع: ربوب، ورباب.
قلت: وفائدته أنه يوضع في أوعية السمن التي تصنع من الأَدَم كي تصطبخ جدرانها الداخلية به فيحفظ السمن ويسد مسام الجلد، فإذا كثر يتساقط بعضه عند تفريغ السمن وعصر الأوعية، فيصير مذاقه حِلواً دسماً.(6/2941)
قال: له بكيل الرب سمناً، قال سفيان: المشتري بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء رد، ولا يُكَلَّف البائعُ أن يجيء بالسمن كيف يبيع ما ليس عنده.
قال أحمد: إن كان سماناً عنده سمن كثير، أعطاه بقدر الرُّب سمناً، وإن لم يكن عنده سمن، رجع عليه بقدر الرب من السمن.
قال إسحاق: كما قال، لأنه بنى على قول شريح.1
__________
1 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 141: "باب بيع السمن والزيت بالظروف" وذكر فيمن يشتري الزيت والسمن فيجد فيه رباً، ثم ساق المسألة كما هي.
وفي الشرح الكبير 2/334 أورد المسألة أيضاً، وأعقبها بقوله: ولنا أنه إن وجد المبيع بكيل ناقصاً، فأشبه ما لو اشترى صبرة فوجد تحتها ربوة، أو اشتراها على أنها عشرة أقفزة، فبانت تسعة، فإنه يأخذ الموجود بقسطه من الثمن، كذلك هذا، وعلى هذا إنما يأخذ بقسطه من الثمن، ولا يلزم البائع أن يعطيه سمناً، سواء كانت موجوداً عنده أو لم يكن فإن تراضيا على إعطائه سمناً جاز. ومثل ذلك قال صاحب الإنصاف 4/314.
قلت: وما قاله الإمام أحمد رحمه الله أولى لأن المشتري قد تكون له مصلحة بالقدر الذي اتفق عليه من السمن، فإذا نقص زالت الفائدة أو خفت، وإذا كان البائع سماناً، فلا حرج عليه من أن يتمم المقدار المعقود عليه ولا مشقة عليه في ذلك.(6/2942)
[2169-] قلت: رجل دفع إلى رجل ثوباً يبيعه، ولم يسم نقداً ولا نسيئة؟
قال: لا يبيعه إلا بنقد. بيع الناس [ع-145/أ] نقداً، فإن باعه نسيئة رده، فإن استهلك الثوب، فقيمته على الذي باع.
قال أحمد: هو كما قال1.
__________
1 أورد القاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين 397 هذه المسألة، واعتبرها دليلاً على المنع.
وفي المقنع 2/152 قال: لا يجوز أن يبيع نساء ولا بغير نقد البلد.
وفي الشرح الكبير مع المغني 3/121 قال: وإن أطلق له الإذن في البيع: لم يبع إلا حالاً بنقد البلد، لأن الأصل في البيع الحلول، وإطلاق النقد ينصرف إلى نقد البلد. ثم بين الفرق بين هذا النوع من البيوع، وبين بيع المضارب، فذكر وجهين:
أحدهما: أن المقصود من المضاربة الربح لا دفع الحاجة بالثمن في الحال، وقد يكون المقصود في الوكالة دفع حاجة بأجرة تفوت بتأخير الثمن.
الثاني: أن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب، فيعود ضرر التأخير في التقاضي عليه – وههنا بخلافه – فلا يرضى به الموكل، ولأن الضرر في توِي الثمن على المضارب، لأنه يحسب من الربح.
قال في الإنصاف 5/378: هذا هو المذهب نص عليه. انتهى.
أما الرواية بجواز البيع قياساً على المضاربة، فهو اختيار أبي الخطاب، قال المرداوي: فالحاصل أن الصحيح من المذهب في الوكالة: عدم الجواز، وفي المضاربة: الجواز. ومثل ما جاء في المقنع جاء في المبدع 4/368، وشرح المنتهى 2/305، وكشاف 3/463.
قلت: والذي يظهر لي أن الحكم على إمضاء البيع نسيئة أورده: يتوقف على قرائن الأحوال للآمر، فإن علم الوكيل عدم حاجة موكله لقيمة الثوب مثلاً، وإنما أراد بيعه فقط، وقد أنابه عنه وفوض إليه الأمر بالبيع دون قيد. ثم رأى مصلحة راجحة في بيع النسيئة: فالبيع جائز، لأنه لم يخرج في تصرفه عن صور البيع المأمور به، وقد تحرى نفع موكله وهو مؤتمن.
أما إذا كان الذي دفع إليه الثوب سمساراً فالراجح عدم قبول تصرفه ما لم يتفق مع مراد صاحب الثوب، لأن السماسرة ينشدون الأجر وهو متحقق لهم في إمضاء البيع على أي وجه، فهو بذلك يحرص عليه لمصلحته.(6/2943)
قلت: سئل سفيان: فإن باع بنقد ولم ينتقد؟
قال: لا يدفعن الثوب حتى ينتقد، فإن دفعه ضمن.
قال أحمد: صحيح1.
سئل: فإن باع الثوب فاستهلك، فالذي باع به أكثر من القيمة؟
قال: لا يؤخذ إلا بالقيمة.
قال أحمد: جيد.
__________
1 هذا مبناه على التفريط، ولهذا فهو يضمن إن سلم الثوب قبل قبض الثمن إذا لم يتحصل على قيمته، لأن المفرط أولى بالخسارة.(6/2944)
قال إسحاق: كما قال.
[2170-] قلت1 لأبي عبد الله أحمد: وإذا وكل الرجل الرجل أن يبيع شيئاً ثم قال بَعْدُ: إني رجعت؟
قال: إن رجع قبل أن يبيعه وعلم الذي أمر ببيعه: فله أن يرجع، وإن لم يعلم الذي أمر: جاز بيعه، وإن كانت السلعة بعينها2: لم يكن للآمر أن يرجع، وإن شاء الآمر أن يُحلِّف الذي أمره أنك لا تعلم أني قد رجعت: حلفه.
قال أحمد: كله كما قال.
قال إسحاق: كما قال سواء في اليمين وغيره3.
__________
1 جملة "قلت لأبي عبد الله أحمد" ناقصة من ع.
2 أي: إن كان الشيء الموكل في بيعه سلعةً معينةً، فلا مجال لعود الآمر في أمره بالبيع بعد مُضِيِّه من قبل الوكيل.
3 ذكر القاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين 395: رواية عن ابن منصور وجعفر ابن محمد: إذا تصرف بعد العزل نفذ تصرفه – أي إذا لم يعلم بالعزل –.
وقال الخِرَقي: وما فعل الوكيل بعد فسخ الموكل أو موته، فباطل فظاهر كلامه: بطلان التصرف.
انظر: مختصر الخرقي 99. وذكر في رؤوس المسائل 259 مثل ذلك.
وفي المقنع 2/151 قال: وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين.
قال في الإنصاف 5/372، 373: إحداهما: ينعزل، وهو المذهب، وهو ظاهر كلام الخرقي.
والرواية الثانية: لا ينعزل، نص عليه في رواية ابن منصور، وجعفر بن محمد، وأبي الحارث.(6/2945)
[2171-] قلت: وإذا ابتعت1 شيئاً بدينار إلى أجل فحل الأجل يأخذ2 بالدينار ما شاء من ذلك النوع؟
قال أحمد: لا، إذا كان قد باع ما يكال أو يوزن إلى أجل فحل الأجل: فلا يأخذ ما يكال، ولا ما يوزن، ويأخذ ما خالفهما.
قال إسحاق: هكذا هو سواء، لأنه قول ابن عباس بعينه3.
[2172-] قلت: رجل اشترى سلعةً من رجل فندم فيها، قال: أقلنى ولك
__________
1 في نسخة ع: "بعت" وهو خطأ.
2 في نسخة ع: "فأخذ".
3 أخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال: إذا أسلفت في طعام فحل الأجل، فلم تجد طعاماً فخذ منه عرضاً بأنقص، ولا تربح عليه مرتين، وفي رواية عن سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار أنهما كرها إذا بعت طعاماً بدينار إلى أجل، فحل الأجل أن تأخذ به طعاما قبل أن تقبض الذهب.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب السلعة يسلفها في دينار هل يأخذ غير الدينار 8/16، 18. وانظر: الموطأ 2/643 باب ما يكره من بيع الطعام إلى أجل.(6/2946)
كذا وكذا.
قال أحمد: أكرهه، أن يكون يُرْجِع إليه سلعته ومعها فضل إلا1 أن تكون تغيرت السوق، أو تتاركا البيع، فباعه بيعاً مستأنفاً، فلا بأس به، ولكن إن2 جاء إلى نفس البَيِّع فقال: أقلنى فيها ولك كذا وكذا: فهذا مكروه.
قال إسحاق: كما قال سواء3.
[2173-] قلت: رجل اشترى بعيراً ببعيرين، وقال: آتيك به غداً؟
قال: أكره الحيوان بالحيوان نسيئة.
قال إسحاق: كلما باع دابة بدابتين، وسلم الدابة إليه، وجعل الدابتين إلى أجل معلوم، ووصفها4 بصفة تعرف، فهو جائز كالسلم في الحيوان جائز إذا قبض5.
__________
1 حرف "إلا" ناقصة من ع.
2 حرف "إن" ناقصة من ع.
3 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1800) .
4 في نسخة ع: "ووضعهما".
5 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1858) .(6/2947)
[2174-] قلت: رجل باع من رجل إلى سنة، فإن1 خرج عطاؤه2 قبل ذلك حل حقي؟
قال: ليس هذا بوقت، هذا بيعتان3 في بيعة.4
قال إسحاق: كما قال.
[2175-] قلت: قال: سلف ما يكال فيما يوزن ولا يكال؟
قال: هذا لا يعجبنا، هذا قول أبي حنيفة.5
__________
1 "فإن" ناقصة من ع.
2 في نسخة ع: "عطاء".
3 في نسخة ع: "بيعتين" وهو خطأ، لأنه خبر وحكمه الرفع.
4 الأجل حق لمن عليه الدين، وقد تحدد بسنة، وضربت قيمة المبيع على قدر الأجل باعتباره يأخذ قسطا من الثمن، فلا يجوز أن يسلم الثمن للبائع قبل محله إلا على معنى "أن يعجل له ويضع عنه"، وهذا معنى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} [سورة البقرة الآية 282] ، أما حديث: "نهى صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة"، وفي رواية: "نهى عن صفقتين في صفقة" فقد تقدم تخريجه عند قوله نهى عن سلف وبيع وعن ربح ما لا يضمن أثناء التعليق على المسألتين رقم (1847، 1848) .
5 ينسب هذا القول لإبراهيم النخعي، وعند الحنفية: إسلام المكيل في الموزون جائز على كل حال لانعدام الوصفين جميعا، إذ لا اتفاق بين البدلين في الجنس ولا في القدر، والموزون غير المكيل. انظر: بدائع الصنائع 12 /120، 121.(6/2948)
قال إسحاق:1 هو جائز، وكذلك ما يوزن فيما يكال، لأنهما جنسان مختلفان، فأسلم أحدهما في الآخر، ونقد الذي أسلم ما سمى له، وسلمه إليه2.
__________
1 في الأصل جاء ما نصه: قال إسحاق بن منصور كراستين ندا براست ندارند فقال إسحاق.
2 ذكر ابن المنذر هذه الرواية ورقة 133، وأبو يعلى في الروايتين والوجهين 305، 306، 356، وقال: نقل حنبل: يسلف ما يكال فيما يوزن، وما يوزن فيما يكال إذا اختلف النوعان، لأنهما جنسان يدخلهما الربا بعلتين، فجاز دخول النَّساء فيهما، ودليله: بيع الحنطة بالذهب والفضة ونقل المروزي: لا يسلف ما يكال فيما يوزن وإن اختلفا، وكذلك نقل ابن منصور فذكر المسألة ثم قال: لأنهما جنسان يدخلهما الربا، وليس أحدهما ثمنا للأشياء، فلم يجز دخول النَّساء فيه بدليل ما يجمعه علة واحدة كالبر والشعير، والحديد والرصاص.
وأشار ابن حزم في المحلى 9/518، 520 إلى مثل ذلك، وقد تقدم الكلام على هذا عند المسألتين رقم (1857، 1941) .
وجاء في المقنع 2/74 قوله: وإن باع مكيلاً بموزون: جاز التفرق قبل القبض وفي النساء: روايتان:
قال في الإنصاف 5/42: إحداهما: يجوز وهو المذهب، والثانية: لا يجوز. ثم عقب صاحب الإنصاف بقوله: ظاهر كلام أكثر الأصحاب هنا: الصحة.
وأخرج عبد الرزاق، عن الحسن، وإبراهيم النخعي قالا: أسلف ما يكال فيما يوزن ولا يكال، وأسلف ما يوزن فيما يكال ولا يوزن ولا يكال.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الطعام مثلا بمثل 8/30، وانظر: مختصر الطحاوي 87.(6/2949)
[2176-] [ظ-65/ب] قلت: من كره اللحم بالبر1 نسيئة2؟
قال أحمد: كل شيء من الطعام بعضه ببعض نسيئة مكروه على ما كره ابن عمر3.
قال إسحاق: اللحم بالبر نسيئة هو مثل: أن يسلم ما يوزن فيما يكال، لا بأس به إذا كان أحدهما يداً بيد، لأنه لا بد في السلم من أن ينقد الثمن.
[2177-] قلت: قال الثوري: يكره نسيئة الحنطة بالدقيق، ولا نرى بأساً
__________
1 في نسخة ع: "باللبن".
2 أخرج عبد الرزاق أن طاوساً كان يكره اللحم بالبر نسيئة. انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الطعام مثلاً بمثل 8/35.
3 أخرج عبد الرزاق، عن سالم، عن ابن عمر قال: ما اختلفت ألوانه من الطعام، فلا بأس به يداً بيد البر بالتمر، والزبيب بالشعير، وكرهه نسيئة.
انظر: المرجع السابق 8/30.
وهو قول مالك في الموطأ 2/646، باب بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما.(6/2950)
بنسيئة الخبز بالدقيق.1
قال أحمد: كل شيء من الطعام بعضه ببعض نسيئة أكرهه، حديث سالم عن ابن عمر أثبت من قوله.
قال إسحاق: هو مكروه، الخبز بالدقيق لأن أصلهما واحد2.
[2178-] قلت: الحنطة بالدقيق وزناً [ع-145/ب] بوزن؟
قال: ليس به بأس.
قلت: الخبز بالدقيق وزنا بوزن يداً بيد؟
قال: ما يعجبني.
قال إسحاق: كلاهما واحد، ولا بأس به، لأنهما يوزنان في الأصل وزناً3.
[2179-] قلت: الثوب بالثوبين نسيئة؟
قال: أما أنا فأتوقاه، على حديث عمار4، إلا من ذهب
__________
1 ذكر هذه المسألة عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب الطعام مثلا بمثل 8/31.
2 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (2076) .
3 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (2077) ، وانظر: الموطأ باب بيع الطعام بالطعام لا فضل بينهما 2/648.
4 تقدم نصه وتخريجه عند المسألة رقم (2116) .(6/2951)
مذهب سعيد بن المسيب.1
قال إسحاق: هو عندنا جائز.
[2180-] قلت: بيع العنب وقد أطعم بالطعام يداً بيد؟
قال: هذا لا بأس به يداً بيد.
قال إسحاق: كما قال، لأن ثمنه ما كان من شيء، فعجله جاز.
[2181-] قلت: بعير ببعيرين يداً بيد، ودراهم، والدراهم نسيئة؟
قال: ما أعلم به بأساً.
قلت: وبعير ببعيرين نسيئة ودراهم، والدراهم يداً بيد؟
قال: هذا مكروه.
قال إسحاق: كلاهما لا بأس به، والدراهم إذا كانت معجلة فهو أحبّ إلينا.2
__________
1 سبق تخريج قول سعيد بن المسيب عند المسألة (1861) وقد نص على كراهة بيع الثوب بالثوبين نسيئة في مسائل ابن هانىء 2/17.
2 تقدم بحث حكم بيع الشيء بجنسه متفاضلا عند المسألة (1857) .
وقد كره الإمام أحمد على رواية منع بيع الحيوان بالحيوان، لحديث سمرة الذي تقدم تخريجه عند المسألة رقم (1858) .
وفي الإنصاف 5/43 بعد أن ساق الرواية الثانية، وهي عدم جواز النساء في كل مال بيع بآخر سواء كان من جنسه أولا. قال: فعلى هذه الرواية: لو باع عرضاً بعرض، ومع أحدهما دراهم، والعروض نقداً، والدراهم نسيئة: جاز وإن كان بالعكس: لم يجز، لأنه يفضي إلى النسيئة في العروض.
وأخرج عبد الرزاق، عن قتادة، وابن سيرين قالا: لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم والدرهم نسيئة، فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب بيع الحيوان بالحيوان 8/23.(6/2952)
[2182-] قلت: الحديد بالنحاس نسيئة؟
قال: على معنى حديث عَمَّار1مكروه، وهذا كله وزن.
قال إسحاق: لا خير في هذا.
[2183-] قلت: قال الزهري كل شيء يوزن: فهو يجرى مجرى الذهب والفضة، وكل شيء يكال: فهو يجري مجرى البر والشعير.2
قال أحمد: هو هكذا، إلا أنه يضيق في مواضع، لو أن رجلاً اشترى كوز صفر بدراهم وفضلت له فضلة من فلوس، من قال ذلك القول يكره أن يأخذ فلوساً.
__________
1 حديث عمار سبق تخريجه عند المسألة رقم: (2116) .
2 هذه المسألة ذكرها عبد الرزاق في مصنفه، كتاب البيوع، باب الحديد بالنحاس 8/37 وقد تقدم الكلام على ذلك عند المسألتين رقم: (2114) ، (2116) .(6/2953)
قال إسحاق: كما قال أحمد: أكره أن يأخذ فلوساً.1
[2184-] قلت: اشترى جارية فوضعها على يدي رجل حتى يستبرئها، فماتت قبل أن تحيض.
قال: من وضعها؟ فلم أقل شيئا؟
قال: الأمر على حديث ابن عمر "ما أدركت الصفقة حياً مجموعاً، فهو من مال المبتاع".
قال إسحاق: كما قال إلا أن يكون البائع منع الشيء الذي باعه حتى ينقده الثمن، فإذا هلك كان من مال البائع، وإن كان مما لا يكال، ولا يوزن.2
[2185-] قلت: رجل اشترى سلعة على الرضا، وسمى الثمن فهلكت؟
__________
1 قلت: وجه الكراهة في أخذ الفلوس قد يكون باعتبارها من جنس الكوز عند من لا يعدها من العملة النافقة.
2 تقدم بحث ذلك عند المسألتين رقم: (1851) ، (1873) .
وقد أخرج عبد الرزاق، عن ابن شبرمة قال: من اشترى جارية فوضعها على يدي رجل يستبرئها، فماتت قبل أن تحيض: فهي من مال البائع، وعن الثوري مثل ذلك. انظر: كتاب البيوع: باب المصيبة في البيع قبل أن يقبض 8/47.(6/2954)
قال: هو سواء، هو من ماله حتى يرده.1
[2186-] قلت: ذهب بها على سوم، ولم يسم الثمن فهلكت؟
قال: هو على حديث شريح حين قال لعمر في الدابة، حين أراد أن يشترى، فعطبت، فقال: أخذته على سوم، فأنت له ضامن، حتى ترده، هذا يضمن القيمة على اليد ما أخذت حتى تؤديه مثل العارية.
__________
1 قال في الإنصاف 5/201: في المقبوض على وجه السوم ثلاث صور:
الأولى: وهي الشاهد هنا أن يساوم إنسانا في ثوب أو نحوه، ثم يقبضه ليريه أهله، فإن رضوه وإلا رده فيتلف، ففي هذه الصورة: يضمن إن صح بيع المعاطاة – هو بيع المناولة – والمذهب: صحة بيع المعاطاة.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن الشعبي في رجل اشترى سلعة على الرضا فسمى الثمن فهلكت، قال: يضمن، وعند ابن أبي شيبة عن الحسن البصري وعن سفيان الثوري مثله.
وذكر ابن جرير في اختلاف الفقهاء 42 عن الثوري أنه قال: إذا ابتعت بيعاً بشرط، فسميت الثمن فهلك فمن مالك، أنت له ضامن حتى ترده على صاحبه من موت أو غيره.
انظر: مصنف عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب السلعة تؤخذ على الرضا 8/54، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية: باب الرجل يشتري الشيء على أن ينظر إليه 7/134.(6/2955)
قال إسحاق: كما قال، إلا قوله كالعارية.1
[2187-] قلت: رجل أخذ ثوباً من رجل فقال: اذهب به، فإن رضيته أخذته، فباعه؟
قال: هذا حين باعه، فقد رضيه إلا أن يكون باعه طمعاً
__________
1 قال القاضي في الروايتين والوجهين 320: اختلف الرواية في المقبوض على وجه السوم هل هو مضمون أم لا، فنقل أبو طالب فيمن ساوم رجلاً بدابة فقال: خذها بما أحببت، فأخذها ولم يقطع الثمن فماتت: فهو من مال البائع، ونقل ابن منصور فيمن قبض سلعة على سوم، ولم يسم الثمن فهلكت: فهو ضامن للقيمة "على اليد ما أخذت حتى تؤدي"، وقد رجح القاضي هذه الرواية لأن المشتري قبضه لمصلحته فكان مضموناً عليه كالعارية والغصب.
وفي الإنصاف 5/201 قال: في ضمانه روايتان:
إحداهما: يضمنه القابض، وهو المذهب.
والثانية: لا يضمنه، هو من ضمان المالك كالرهن، وما يقبضه الأجير.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر الشعبي قال: اشترى عمر من رجل فرساً، واستوجبه على إن رضيه، وإلا فلا يبع بينهما، فحمل عليه عمر رجلا من عنده فعطب الفرس، فجعلا بينهما شريحا، فقال شريح لعمر: سلم ما ابتعت، أو رد ما أخذت، فقال له: قضيت بِمُرِّ الحق.
انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب الرجل يشتري الشيء على أن ينظر إليه 7/133.(6/2956)
في الربح، ولم يرضه.
قال إسحاق: كما قال.1
[2188-] 2 قلت: قال سفيان الثوري: حد الشفعة عندنا ثلاثة أيام، إذا
__________
1 قال في الشرح الكبير 2/366: إن كان الخيار للمشتري وحده فينفذ تصرفه، ويبطل خياره، لأنه لا حق لغيره فيه، وثبوت الخيار له لا يمنع تصرفه فيه كالمعيب، قال أحمد: إذا اشترط الخيار فباعه قبل ذلك بربح، فالربح للمبتاع، لأنه قد وجب عليه حين عرضه.
وفي المقنع 2/385، 386 قال: ويكون تصرف البائع فسخاً للبيع وتصرف المشتري إسقاطاً لخياره في أحد الوجهين.
وقال صاحب الإنصاف 4/387 وأما تصرف المشتري فهو إفضاء وإبطال لخياره على الصحيح من المذهب. وعنه: لا يكون إمضاء ولا يبطل خياره.
وأخرج عبد الرزاق، عن طاوس في رجل أخذ ثوباً من رجل فقال: اذهب به، فإن رضيته، أخذته، فباعه قبل أن يرجع إلى الرجل. فقال: هو جائز عليه حين باعه. وفي رواية عن عكرمة قال: لا يحل له الربح.
وروى الطبري في اختلاف الفقهاء 43 عن أبي ثور قوله: وإن عرضها - أي السلعة - على البيع فإن كان هذا رضا منه، لزمته السلعة، وعليه الثمن، ولا يكون رضا إلا أن يقول: قد رضيت.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب السلعة تؤخذ على الرضا فتهلك 8/55.
2 جاء في الأصل ما نصه: الجزء الخامس من مسائل أحمد بن محمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم رواية إسحاق بن منصور المروزي سماع يوسف من ابن يزيد ماجه، فيه بقية البيوع وأول كتاب الحدود والديات. حدثنا إسحاق بن منصور المروزي قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله: قال سفيان الثوري …(6/2957)
علم، فلم يأخذ، فلا شفعة له؟
قال: لا أعرفه، إذا بلغه ينبغي له أن يطلب ساعة يبلغه.
قال إسحاق: كما قال أحمد، لابد من الطلب حين يسمع حتى يعلم طلبه، ثم له أن يخاصم، ولو بعد أيام.1
__________
1 قال في المحرر 1/365: خيار الشفعة على الفور: بأن يُشْهِدَ ساعة علمه بالطلب، أو يبادر فيه بالمضي المعتاد إلى المشتري، فإن تركهما لغير عذر: سقطت شفعته، وعلى أنه على التراخي كخيار العيب.
وعلل في شرح المنتهى 2/436: بأن الأخذ بالتراخي يضر بالمشتري لعدم استقرار ملكه على المبيع، والمطالبة بها على الفور ساعة يعلم هو الصحيح من المذهب، كما في الإنصاف 6/260، وقد ذكر رواية ابن منصور هذه.
وعن أحمد رواية: أنها على التراخي مالم يرض كخيار العيب.
والمشهور عن الإمام أحمد هي الرواية الأولى.
وانظر أيضاً: العمدة وشرحها 278، وشرح المفردات 2/49، والمذهب الأحمد 115.
وقد ذكر ابن حزم في المحلى 10/18 قول سفيان هذا، وأخرج عبد الرزاق، عن الثوري أنه قال: الشفعة للكبير، والصغير، والأعرابي، واليهودي، والنصراني، والمجوسي، فإذا علم بثلاثة أيام، فلم يطلبها: فلا شفعة له وإذا مكث أياما ثم طلبها، وقال: لم أعلم أن لي شفعة: فهو متهم.
انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب هل للكافر شفعة وللأعرابي 8/84.(6/2958)
[2189-] قلت: إلى كم يقضى للغائب بالشفعة؟
قال: هو على شفعته أبداً، والصغير حتى يبلغ ويختار.
قال إسحاق: كما قال بعد أن يعلم أن الغائب حين سمع طلب، ثم له أن يخاصم ولو بعد أيام.1
__________
1 قال الخرقي في مختصره 102، 103: من كان غائباً، فعلم بالبيع وقت قدومه: فله الشفعة، وإن طالت غيبته، وللصغير إذا كبر المطالبة بالشفعة. وفي شرح منتهى الإرادات 2/436، وكشاف القناع 4/175: مثل ذلك.
وجاء في رؤوس المسائل 282: إذا ترك الأب أو الوصي المطالبة بشفعة الصبي وألحظ في المطالبة: لم تسقط الشفعة، لأنه تصرف، لا حظ له فيه كما لو أسقطا الديون التي له. أما ابن قدامة في الكافي فقد قيد حق الشفيع في الشفعة إذا أخر طلبها بوجود عذر كالمرض، أو الحبس، أو الغيبة، وأنه لم يتمكن من التوكيل، أو الإشهاد 2/420.
وذكر في الإنصاف 6/263، 272 روايتين في حق الغائب والصغير في الشفعة، قال عن الغائب: إذا علم، فأشهد على طلب الشفعة، وأخر الطلب مع إمكانه، ففي سقوط شفعته روايتان:
إحداهما: لا تسقط شفعته، وهو المذهب.
والثانية: تسقط إذا لم يكن عذر.
وقال عن الصغير: له الأخذ بالشفعة إذا كبر، وهو المذهب، نص عليه. وقيل: تسقط مطلقاً، وليس للولد الأخذ إذا كبر.
وممن قال بالشفعة للغائب والصغير: شريح، والحسن، وعطاء، والليث بن سعد، وعبيد الله بن الحسن، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال الثوري: له الشفعة إذا بلغ.
انظر: الإشراف لابن المنذر 145، 146.
وأخرج الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجار أحق بشفعة جاره ينتظر به وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً"، وعند الترمذي وغيره بلفظ: "الجار أحق بشفعة".
انظر: مسند أحمد 3/303، وسنن أبي داود كتاب البيوع والإيجارات: باب في الشفعة 3/788، وسنن الترمذي كتاب الأحكام: باب ما جاء في الشفعة للغائب 3/642، وسنن ابن ماجه كتاب الشفعة: باب الشفعة بالجوار 2/833.
قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن الرجل أحق بشفعته، وإن كان غائبا، فإذا قدم: فله الشفعة وإن تطاول ذلك.(6/2959)
[2190-] قلت: رجل قال لرجل: أَكْتَرِي منك إلى مكة بكذا وكذا، فإن سرت شهراً، [ع-146/أ] أو كذا شيئاً يسميه، فلك زيادة كذا وكذا؟
قال: أرجو أن لا يكون به بأس، إذا كان شرطاً واحداً، إلا أن يشترط شرطين.
قال إسحاق: [ظ-66/أ] هو جائز، وهكذا عمل الناس في(6/2960)
الكراء خاصة.1
[2191-] قلت: إذا باع الشفعة فبناها، ثم جاء الشفيع بعد، فالقيمة أو يقلع بناءه.
قال: جيد، قال إسحاق: لا2، بل هو بالخيار، إن شاء أخذ الشفعة بما قامت عليه بالبناء وغيره، وإلا تركها.3
__________
1 سبق بحث الشروط في البيع عند المسألتين (1786) ، (1875) .
2 حرف (لا) ناقص من نسخة ع.
3 قال الخرقي في مختصره 103: وإذا بنى المشتري أعطاه الشفيع، قيمة بنائه إلا أن يشاء المشتري أن يأخذ بناءه، فله ذلك إذا لم يكن في أخذه ضرر.
وفي رؤوس المسائل 281 قال: إذا بنى المشتري، أو غرس فللشفيع الأخذ بالثمن، والبناء والغراس بالقيمة، إلا أن يمتنع المشتري من تسليم ما أحدثه: فيقلعه ويغرم للشفيع ما نقصت الأرض بالقلع، وبه قال أكثرهم.
وعبارة المقنع 2/269: مثل ذلك. وهو الصحيح من المذهب، كما في الإنصاف 6/292، 294.
ونسب صاحب الإنصاف إلى الحارثي قوله: إذا لم يقلع المشتري: ففي الكتاب تخيير الشفيع بين أخذ الغراس والبناء بالقيمة، وبين قلعه وضمان نقصه، وهذا ما قاله القاضي وجمهور أصحابه. قال: ولا أعرفه نقلا عن الإمام أحمد رحمه الله، إنما المنقول عنه روايتان:
التخيير من غير أرش، والأخرى –وهي المشهورة عنه-: إيجاب القيمة من غير تخيير.
قال المرداوي: والصحيح من المذهب: أن له قلعه – أي للمشتري قلع غرسه وبنائه إذا شاء – سواء كان فيه ضرر أم لا، وعليه أكثر الأصحاب.
وأخرج عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن الشيباني عن الشعبي قال: إذا بناها ثم جاء الشفيع بعد: فالقيمة، وقال حماد: يقلع هذا بناءه، ويأخذ هذا الشفعة من الأرض، وقول حماد أحب إلى الثوري.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب هل يوهب وكيف إن بنى 8/83.
وجاء في شرح المنتهى 2/444، وكشاف القناع 4/175 أن المشتري لا يضمن نقص الأرض حين يقلع بناءه وغرسه لانتفاء عدوانه.(6/2961)
[2193-] قلت: قال سفيان: رجل باع داراً بألف درهم، (ثم باع بابها بألف درهم) 1 ثم جاء الشفيع فَقُوِّمَتِ الدار بعد ما بيع بابها بألف درهم؟
قال: يأخذ الشفيع2 الدار بخمسمائة.3
قال إسحاق: إنما يأخذها4 بقدر ما بقيت عليه من الثمن، إذا كان ما اشتراه يساوي ذلك، فأما إذا اشترى ما يساوي مثل ذلك، فإنه ينظر إلى ما باع منه، فيحط بقدره، فلذلك قال سفيان: يؤخذ بخمسمائة.5
[2194-] قلت: الرجلان تكون بينهما الدار والأرض، فيقول أحدهما
__________
1 ما بين القوسين ساقط من الأصل.
2 من قوله (فقومت الدار– إلى قوله -: يأخذ الشفيع) ناقص من ع، وهذا الكلام قد تضمنته رواية عبد الرزاق.
3 قول سفيان هذا أورده عبد الرزاق في مصنفه، كتاب البيوع، باب هل يوهب وكيف إن بنى فيها، أو باع بعضها 8/84.
4 في نسخة ع: (يأخذ) .
5 قال في شرح منتهى الإرادات 2/439: فلو اشترى شقصاً من دار بألف وهي تساوي ألفين، فباع بابها أو هدمها، فبقيت بألف: أخذها الشفيع بخمسمائة، بالحصة من الثمن.(6/2963)
لصاحبه: إني أريد أن أبيع الدار، ولك الشفعة فاشتر مني. قال: لا حاجة لي فيها قد أذنت لك أن تبيع [ع-146/ب] ثم يأتي يطلب الشفعة؟
قال أحمد: له الشفعة إنما وجبت له بعد البيع.1
__________
1 قال ابن المنذر في الإشراف 145: قالت طائفة: لا شفعة له، كذلك قال الحكم، والثوري، وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث، واحتجوا بحديث جابر، قالوا: ومحال أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن شاء ترك"، وإذا ترك فلا يكون لتركه معنى، يجوز على ظاهر الخبر، إلا والترك يلزمه وتبطل شفعته.
وقال آخرون: إذا أبى أن يأخذ ثم يبيع فله الشفعة، ومنهم البتي، وابن أبي ليلى.
واختلف فيه عن أحمد. فقال مرة: كقول هؤلاء، ومرة: كقول الثوري، وجزم في المقنع 2/262، والكافي 2/432 بعدم سقوط الشفعة إذا أذن الشفيع قبل البيع، لأنه إسقاط، لحق قبل وجوبه، فلم يصح.
زاد في الكافي قوله: وعن أحمد أنه قال: ما هو ببعيد أن لا تكون له شفعة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه".
قال في الإنصاف 6/271، 272: هذا هو المذهب نص عليه – أي عدم سقوط الشفعة – ثم قال: ويحتمل أن تسقط، وهو رواية عن أحمد.
وأخرج عبد الرزاق، من طريق الثوري، عن ابن أبي ليلى قال: لا يقع له شفعة حتى يقع البيع، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك.
انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب الشفيع يأذن قبل البيع 8/83.(6/2964)
قال إسحاق:1 أجاد سفيان في ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كانت له ربعة، أو حائط، فلا يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإن باع ولم يؤذنه، فهو أحق به"،2 فقد بين في هذا أنه إذا أذنه قبل، فلا حق له بعد.3
[2195-] قلت: قال الثوري: إذا قلت: أبتاع منك ما في هذا البيت ما بلغ4 كل كر بكذا وكذا، فهو مكروه حتى يقول: أبتاع منك
__________
1 في الأصل (قال أحمد) ، وما أثبتناه أصح، لأن إسحاق يخالف أحمد في هذه المسألة ويوافق سفيان، فيترجح أن يكون القول قوله هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنه يبعد تناقض الإمام أحمد في مسألة واحدة، فيوجب الشفعة في أولها ويمنعها في آخرها.
2 هذا الحديث رواه مسلم في كتاب المساقاة، باب الشفعة 3/1229، وأبو داود في كتاب البيوع، باب في الشفعة 3/783، وأحمد في مسنده 3/312 الجميع عن جابر رضي الله عنه.
3 أخرج عبد الرزاق عن الثوري، عن أشعث عن الحكم في رجلين يكون بينهما دار أو أرض، فيقول أحدهما لصاحبه: إني أريد أن أبيع، لك الشفعة فاشتر مني، فيقول: قد قام الثمن، فأنا أحق؟ قال: لا شيء له إذا أذن، قال الثوري: وبه نأخذ.
انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب الشفيع يأذن قبل البيع 8/82.
4 هكذا ورد في جميع النسخ، وفي رواية عبد الرزاق: "بالغاً ما بلغ"، ولعله أصوب.(6/2965)
(مائة كر) 1 بكذا وكذا؟ 2
قال: ما أعلم به بأساً إذا كان يُعْلَمُ أن فيه كراً.
قال: يعني إذا قال: كل كر.3
قال إسحاق: كما قال أحمد، لأن البيع قد أتى على كماله كله، وقد بيَّن كل كر بكذا وكذا، وكذلك كل شيء يكال أو يوزن مجموعاً في موضعه فقال: أبيعك هذا كل كرٍ، أو كل منٍّ بكذا وكذا: جاز بيع ذلك، وأخطأ هؤلاء حين قالوا: لا يقع البيع على كله حتى يقول: هو مائة كر أو مائة4 مَنٍّ.
__________
1 في الأصل (كذا) .
2 هذه المسألة رواها عبد الرزاق في مصنفه كتاب البيوع: باب بيع المجهول والغرر 8/110.
3 جاء في الشرح الكبير 2/331: وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم: صح، وإن لم يعلما قدر قفزانها حال العقد، وبهذا قال مالك، والشافعي، وقال أبو حنيفة: يصح في قفيز واحد، ويبطل فيما سواه، لأن جملة الثمن مجهولة، فلم يصح كبيع المتاع برقمه. ولنا أن البيع معلوم بالمشاهدة، والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين، وهو كيل الصبرة، فجاز كما لو باع ما رأس ماله اثنان وسبعون لكل ثلاثة عشر درهم، فإنه لا يعلم في الحال وإنما يعلم بالحساب كذا ههنا، ولأن المبيع معلوم بالمشاهدة، والثمن معلوم قدر ما يقابل كل جزء من المبيع فصح كالأصل المذكور.
4 الإمام أبو حنيفة يرى عدم انعقاد البيع على الصبرة كلها، إذا باعها كل قفيز بدرهم مالم يسم جملة قفزانها، وخالفه في ذلك الإمامان: أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وقد ذكر هذا الخلاف ابن حزم في المحلى 9/434، 636. انظر: فتح القدير لابن الهمام 6/267، ومختصر الطحاوي ص 79.(6/2966)
[2196-] قلت: قال سفيان: إذا بادل مصحفاً بمصحف وزاد دراهم أو أخذ دراهم، قال: لا بأس به.1
قال أحمد: كانوا يشددون في البيع ويرخصون في الشراء.2
قال إسحاق: لا بأس بالمبادلة كما قال سفيان.
[2197-] قلت: سئل سفيان عن رجل باع جارية، واشترط ما في بطنها إن كان بها [ع-147/أ] حبل؟
قال: مردود.
سئل: أرأيت إن استيقن أن بها حبلا أهو عندك سواء؟
قال: سواء، لا يدرى يخرج أو لا يخرج.
قال أحمد: إن عمر أعتقها واستثنى ما في بطنها،3 والبيع
__________
1 أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه 7/309 كتاب البيوع والأقضية: باب المصحف بالمصحف مبادلة عن مجاهد قال: لا بأس بالمصحف بالمصحف وبينهما عشرة دراهم.
2 سبق التحقيق في مسألة بيع المصاحف عند المسألة رقم: (1825) .
3 أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه 6/431، كتاب البيوع والأقضية، باب في الرجل يبيع الجارية أو يعتقها ويستثني ما في بطنها قال: حدثنا قرة بن سليمان، عن محمد ابن فضاء، عن أبيه، عن ابن عمر قال: سألته عن الرجل يعتق الأمة ويستثني ما في بطنها؟ قال: له ثنياه.
وروى ابن حزم في المحلى 9/ 382 أثر ابن عمر هذا بسنده إلى نافع مولى ابن عمر قال: أعتق ابن عمر جارية له واستثنى ما في بطنها.(6/2967)
والعتق عندي قريب، والشرط جائز.
قال إسحاق: كما قال أحمد: إذا باعها واستثنى ما في بطنها: جاز، أفتى بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والعتاق شبيه بالبيع، يجوز استثناء ما في البطن.1
[2198-] قلت: قال: سألت سفيان عن رجل اشترى بدرهم لحماً، والدرهم ليس بجيد، فقال له اللحام: آخذ منك الدرهم بوضيعة نصف دانق، فأعطاه الدرهم.2
قال أحمد: أكرهه إلا أن يشتري اللحم3 بخمسة دوانيق ونصف، أو بدرهم، فيكون للحام عليه درهم، مكان درهم إذا وجد
__________
1 تقدم تحقيق مسألة استثناء الحمل في حالتي البيع والعتق عند المسألة رقم: (1938) .
2 قوله "فأعطاه الدرهم" لا يوجد في نسخة ع.
3 قوله "قال أحمد: أكرهه إلا أن يشتري اللحم" هذا الكلام ناقص من نسخة ع.(6/2968)
درهمه زيفاً1.
قلت: إن أخذ منه لحماً، وذهب به إلى منزله؟
قال: كلٌّ بيع فاسد: يأخذ القيمة، ويتنزه عن الفضل.
قال أحمد: يُقَوَّمُ اللحم إذا قال: اشتريته منك بهذا الدرهم والدرهم، مردود، أُقَيِّمُ اللحم إذا استهلكه.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
__________
1 لم يتبين جواب سفيان الثوري في هذه المسألة، ولعل الإمام أحمد باشر بالإجابة قبل أن يستكمل الكوسج الرواية، غير أن سفيان، وأحمد متفقان على رد البيع إذا ظهر زيف في الدراهم، وقد أخرج عبد الرزاق، عن الثوري في رجل سلف رجلاً ديناراً أو دراهم في طعام، فوجد الدراهم زيوفا؟ قال: البيع فاسد.
وورد هذا النص عن سفيان في سياق المسألة رقم (1998) .
وانظر: المصنف، كتاب البيوع، باب فساد البيع إذا لم يكن النقد جيداً 8/224.
وروى أبو داود في مسائله 196 قال: سمعت أحمد سئل عن الرجل يجيء ومعه درهم صحيح إلى الخباز، وهو يبيع الخبز سبعة أرطال فيريد أن يشتري بنصف درهم، فيقول: تعطيني نصف درهم مكسرة، وأربعة أرطال خبز، قال أحمد: يريد أن يأخذ فضل الكسرة فيه، هذا خبيث.
قلت: وهذا الكلام يشبه رواية ابن منصور هذه، فالعلة حسبما يظهر لي جاءت من احتمال الغرر في الصرف للمتبقي من الدرهم من جهة، ومن جهة أخرى منع التعامل في العملة المغشوشة، وقد تقدم بحث ذلك عند المسألتين (1859) ، (1998) .(6/2969)
[2199-] قلت: قال سفيان في رجل قال لرجل: أبيعك هذه الدار وهي ألف ذراع وأراه الحدود، فاشتراها، فوجدها ألفي ذراع؟ هي للمشتري إذا أراه الحدود.
قال أحمد: قال عبد الله: لا غَلَتَ1 في الإسلام، هي للبائع2.
قلت: فإن نقص من ألف ذراع، وأراه الحدود، فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ، وإن شاء ترك؟
قال أحمد: نعم، هذا بَيِّنٌ كما قال.
قال إسحاق: كما قال أحمد.3
__________
1 في نسخة ع "غلة" بالتاء المربوطة وهو خطأ، والغَلْتُ: الإقالة في الشراء والبيع، وبالتحريك: الغَلَطُ في الحساب، يقال: غَلِتَ في الحساب غلتا، وغَلِطَ في الحساب غلطا. انظر: تاج العروس 5/18.
2 أخرج ابن أبي شيبة بسنده قال: قال عبد الله: لا غلت في الإسلام. يعني: لا غلط، وقد ذكر هذا الأثر الزبيدي في تاج العروس 5/18، حيث قال: وفي الحديث عن ابن مسعود، فذكره.
وفي رواية عن ابن سيرين: أنه كان لا يجيز الغلط، وقد تقدم بحث الغلط في البيع عند المسألة رقم: (1805) .
وانظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية: باب في الرجل يبيع البيع فيغلط 7/196.
3 ورد في المحرر 1/313 قوله: وإذا باعه أرضاً على أنها عشرة أذرع فبانت تسعة: فللمشتري ردها، أو إمساكها بالقسط، وإن بانت أحد عشر: فالزيادة للبائع مشاعة، ولهما الخيار، وعنه: البيع باطل.
أما ابن قدامة في المقنع 2/32، 33 فقال: إن بانت أحد عشر: فالبيع باطل، وعنه: أنه صحيح، والزائد للبائع، ولكل واحد منهما الفسخ، فإن اتفقا على إمضائه: جاز، وإن بانت تسعة: فهو باطل، وعنه أنه صحيح، والنقص على البائع، وللمشتري الخيار بين الفسخ وأخذ المبيع بقسطه من الثمن، فإن اتفقا على تعويضه عنه: جاز.
ويعلل صاحب المبدع 4/61 في بطلان المبيع الزائد عن العقد قائلا: لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة، لأنه إنما باعه عشرة أذرع، ولا المشتري على أخذ البعض، لأنه إنما اشترى الكل، وعليه ضرر في الشركة وعلى رواية صحة المبيع في حالة النقص قال: لأن ذلك نقص على المشتري فلم يمنع صحة البيع كالرد بالعيب.
وذكر في الإنصاف 4/360 روايتين في حالتي الزيادة والنقص، ولم يرجح واحدة منهما.
وفي كتاب الروايتين والوجهين 361: أورد روايتين عن أحمد في زيادة المبيع ونقصه عما في العقد، وكأن القاضي يجزم بصحة العقد في حالة النقص إذا قبل المشتري قياساً على المعيب، ولا يرجح جوازه في حالة الزيادة، وعلل لذلك بمثل ما تقدم في المبدع.(6/2970)
[2200-] قلت: قال سفيان إن باع جراباً فيه مائة ثوب، أو طعاماً فقال: الثياب خمسون ثوباً، والطعام كر، فوجد الثياب مائة ثوب والطعام كرين؟ أما الثياب: فمردودة، وأما الطعام: فيكيل له الذي له وما بقي كان له.
قال أحمد: نعم.1
__________
1 هذه المسألة أوردها المروزي في كتابه "اختلاف العلماء، ورقة: (99) " وزاد: كل ما كان شيئا متفرقاً فزاد: فهو مردود، وأما الكيل، والوزن إن زاد أو نقص: يترادان، وهو قول أحمد وأبي ثور.(6/2971)
قال إسحاق: إذا أراد المشتري أن لا يأخذ الطعام فله ذلك، وإن أراد أن يأخذ، فكما قال، وأما الثياب فمردودة، لأنه ليس اشتراؤه كالطعام لما فيه من التفاوت [ظ-66/ب] .
[2201-] قلت: قال سفيان: وإذا باع شيئاً واحداً نحو الدار والثوب فأراه ونظر إلى حدوده، فقال: أبيعك هذه الدار، وهذا الثوب وهو كذا وكذا فوجده يزيد، فهو للمشتري.
قال أحمد: لا، هو للبائع.1
[2202-] قلت: قال: وإذا كان شيئاً مفترقاً فزاد: فهو مردود، وأما الكيل والوزن إن زاد: أخذ الذي له، ورد سائره، والعدد إن زاد، أو نقص: يتردان.
قال أحمد: كما قال.
قال إسحاق: كما قال أحمد كلاهما.2
__________
1 هذه المسألة تشبه المسألة السابقة رقم: (2199) .
2 أخرج عبد الرزاق عن عكرمة قال: إن ابتعت طعاماً فوجدته زائداً فالزيادة لصاحب الطعام، والنقصان عليك، وفي رواية عن سفيان عن الشعبي، والحكم في طعام اشتريته فوجدته زائداً؟ قالا: اردد على صاحبه الزيادة، والنقصان على المشتري. انظر: المصنف كتاب البيوع: باب اشتريت طعاماً فوجدته زائدا 8/133.(6/2972)
[2203-] قلت: قال سفيان: إذا اشترى مائة ثوب كل ثوب بعشرة دراهم، فوجدها تسعين: فالمشتري بالخيار، وإن زادت على مائة: فالبيع مردود.
قال أحمد: كما قال.
قال إسحاق: كما قال.1
[2204-] قلت: سئل عن رجل اشترى مائة ثوب بألف درهم فزاد، أو نقص فالبيع مردود.
قال [ع-147/ب] أحمد: نعم.
قال إسحاق: كما قال.2
[2205-] قلت: سئل3 عن رجل أخذ ثوبين من رجلين أحدهما بعشرة،
__________
1 قال المروزي في اختلاف العلماء، ورقة (99) : فإن اشترى جراباً على أن فيه مائة ثوب كل ثوب بعشرة، فوجدها تسعين، فإن سفيان قال: المشتري بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء رد.
2 تقدم الكلام على مثل ذلك عند المسألة رقم: (2200) .
3 كلمة (سئل) ناقصة من نسخة ع.(6/2973)
والآخر بعشرين، فجاء بهما فقال: لا أدري أيهما ثوبك من ثوب هذا؟
قال سفيان: يضمن إذا كان لا يدري.
قال أحمد: إذا ادعيا جميعا ثوباً من هذين الثوبين اقتراعا بينهما، فأيهما أصابته القرعة، حلف وكان الثوب الجيد له، والثوب الآخر للآخر.
قيل: كل من أصابته القرعة حلف؟
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال سواء1.
__________
1 جاء في القواعد لابن رجب ص 348، 350، 363 القاعدة 160.
قوله: تستعمل القرعة في تمييز المستحق، إذا ثبت الاستحقاق، ابتداء لمبهم غير معين، عند تساوي أهل الاستحقاق، ثم قال: إذا ادعى الوديعة اثنان، فقال المودع: لا أعلم لمن هي منكما، فإنه يقرع بينهما، فمن قرع صاحبه حلف، وأخذها. نص عليه أحمد.
وإذا ادعى اثنان عينا بيد ثالث، فأقر بها لأحدهما مبهما، وقال: لا أعلم عينه، فإنه يقرع بينهما، فمن قرع فهي له، وهل يحلف: على وجهين ذكرهما أبو بكر، والمنصوص عن أحمد: أن عليه اليمين، وعليه حُمِلَ حديث أبي هريرة: "إذا أحب الرجلان اليمين، أو كرهاها: فليستهما عليه".(6/2974)
[2206-] قلت: سئل سفيان يكره شراء حجارة المعادن والسلف فيه؟
قال: نعم، لأنه غرر، لا يدري ما فيه.
قال أحمد: نعم جيد.
قال إسحاق: كما قال.1
[2207-] قلت: قال سفيان: إذا قال: بعني حنطة هذا البيدر2 أو تبن3 هذا البيدر، فهو مكروه، لأنه لا يدري ما هو.
قال أحمد: نعم.
قلت: لم كرهه؟ 4
__________
1 أخرج عبد الرزاق عن معمر قال: سألت يحيى بن أبي كثير عن بيع المعادن، فقلت: لم أسمع فيه بشيء، فقال: إنه لمكروه، أو إنهم ليكرهونه.
انظر: المصنف، كتاب البيوع، باب بيع المجهول والغرر 8/109.
2 البيدر: الجرن والقمح ونحوه بعد دياسه وتقويمه، جمع: بيادر. انظر: المعجم الوسيط 1/78، وفي مختار الصحاح ص 43 البيدر بوزن خيبر: الموضع الذي يُداس فيه الطعام.
3 التبن: ساقُ الزرع بعد دِياسِهِ.
انظر: المصباح المنير 79، وانظر أيضاً: المعجم الوسيط (1/82) .
4 في نسخة ع: (أتكرهه) .(6/2975)
قال: هذا قبل أن يداس1 وينقى الطعام، فهو مكروه.
قال إسحاق: كما قال.2
[2208-] قلت: قال سفيان: إذا باع جميع الأشياء جزافاً، فخلى بينه وبينها، وأقر بالقبض: فهو جائز، إذا لم يسم كيلا، ولا وزناً، ولا عدداً.
قال أحمد: جيد، هذا بيع الصُّبَرِ.
قال إسحاق: كما قال.3
[2209-] قلت لأحمد: قال سفيان الثوري: في رجل ابتاع أعطاباً4 كيلاً. فيقول: كل لي عَطْباً منها، وآخذ ما بقي منها على هذا الكيل،
__________
1 داس الرجل الحنطة دوساً ودياساً مثل: الدِّراس، والمِدْوَسِ – بكسر الميم -: آلة يداس بها الطعام. انظر: المصباح 241.
2 قلت: بيع حصيلة الزرع من الحب أو التبن قبل أن يفصلا، ويتبين مقدارهما إما كيلاً، أو صبرةً بارزة ترى: فيه جهالة منع الشارع منها، وهذا خلاف بيع الزرعَ خَرْصاً بعد أن يشتد حبه فقد أذن فيه.
3 تقدم بحث بيع الطعام جزافاً، وصُبْرَةً عند المسألتين رقم: (1826) ، (1833) .
4 العُطْب، والعُطُب: هو القطن، هكذا ورد في معجم ألفاظ الفقه الحنبلي، لمحمد بشير الأدلبي ص 129، والمعجم الوسيط 2/607.(6/2976)
كان أصحابنا يكرهون هذا حتى يكيلها كلها.
قال أحمد: جيد.1
قال إسحاق: كما قال.
[2210-] قلت: رجل لزم رجلا، فقال رجل: دعه فما لَكَ عليه، فهو عليّ؟
قال أحمد: إذا قال: ما على فلان فهو عليّ، فرضى فلانٌ وهو الطالب: فقد انتقل حقُّهُ عليه2، وليس له أن يرجع بشيء مثل الحوالة إلا أن يقول: ضمنت عنك، أو تكفلت، أو أنا به حميل، فهذا كله لا يدل المعنى أنه قد انتقل الملك عليه.
وإذا قال: هو عليّ، فرضي المالك: فقد انتقل ملكه على هذا، وليس له أن يرجع على الذي بَرَّأَهُ بشيء.
قال إسحاق: كما قال سواء.3
__________
1 مادام أنه باعها مكيلة لا جزافاً فإنه يلزمه كيلها للمشتري، وقد مر عند المسألة رقم 1809 قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه: "إذا سميت الكيل فكل".
2 كلمة (عليه) ناقصة من نسخة ع.
3 بعد أن ذكر صاحب الإنصاف قول ابن قدامة في المقنع: ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما – أي الضامن والمضمون عنه – قال: بلا نزاع.
وعن أحمد: يبرأ المديون بمجرد الضمان إن كان ميتاً مفلساً نص عليه.
وذكر في موضع آخر: أن ذمة المضمون عنه لا تبرأ قبل القضاء في أصح الروايتين، وهو المذهب وعليه الأصحاب، والرواية الثانية: يبرأ بمجرد الضمان نص عليه.
انظر: المقنع 2/112، والإنصاف 5/190، 197.(6/2977)
[2211-] قلت: إذا ضمن عن الرجل بغير أمره، أله أن يرجع عليه؟
قال: إذا كان بأمره فهو أوكد، وإذا لم يكن بأمره لِمَ لا يرجع1، هل وهب له شيئاً؟ هل ملكه شيئاً؟ إنما ضمن
__________
1 نص على مثل ذلك في مسائل ابن هانئ 2/58.
وقال في الروايتين والوجهين 367، 281: نقل ابن منصور والأثرم: أنه يرجع، وهو اختيار الخرقي، ونقل محمد بن عبيد الله بن المُنَادِي، وإسحاق بن إبراهيم: لا يرجع.
وفي الإشراف لابن المنذر 162، 163، ذكر الإجماع على رجوعه إذا ضمن بأمره، والخلاف فيما لو ضمن دون أمره، فقال عبيد الله بن الحسن، وأحمد، وإسحاق: يرجع به عليه، وشبه أحمد ذلك بالأسير، وبه قال إسحاق.
قال ابن المنذر: لم يقل كل الناس أنه يرجع على الأسير بما فداه به. ومنهم سفيان الثوري، والشافعي، لأنه متطوع فيما فعل، ولو كانوا قد أجمعوا في الأسير لم يجز أن نجعل إحدى المسألتين قياسا على الأخرى، لأن إنقاذ الأسارى واجب على المسلمين، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر به، وقضاء ديون الناس ليس بواجب على أحد.
قلت: والذي أميل إليه: هو رجوع الضامن على المضمون عنه، وكذلك الأسير مالم ينو الضامن التبرع أصلاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حثَّ على فك العاني ولكنه لم يجعل فداءه حقاً في مال المسلم، نعم هو حق في بيت مال المسلمين، وهذا هو الذي تؤكده النصوص الواردة في ذلك.
قال في المقنع 2/115: وإن قضى الضامن الدين متبرعاً لم يرجع بشيء وإن نوى الرجوع، وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع به؟ على روايتين، وإن أذن في أحدهما: فله الرجوع بأقل الأمرين: مما قضى، أو قدر الدين.
وفي الإنصاف 5/204، 205: إن قضى الضامن الدين فلا يخلو: إما أن يقضيه متبرعاً أولا، فإن قضاه متبرعاً: لم يرجع بلا نزاع، لأنها هدية تحتاج قبولا، وقبضاً، ورضىً، وإن قضاه غير متبرع: فلا يخلو إما أن ينوي الرجوع، أو يَذْهَلَ عن ذلك، فإن نوى الرجوع: ففيه أربع مسائل:
إحداها: أن يضمن بإذنه، ويقضي بإذنه، فيرجع، بلا نزاع.
الثانية: أن يضمن بإذنه، ويقضي بغير إذنه، فيرجع أيضاً، بلا نزاع.
الثالثة: أن يضمن بغير إذنه، ويقضي بإذنه، فيرجع على الصحيح من المذهب.
الرابعة: أن يضمن بغير إذنه، ويقضي بغير إذنه، فهذه فيها الروايتان:
إحداهما: يرجع، وهو المذهب بلا ريب. نص عليه.
والثانية: لا يرجع، اختارها ابن الجوزي، وإن قضاه ولم ينو الرجوع ولا التبرع، بل ذهل عن قصد الرجوع وعدمه، فالمذهب أنه لا يرجع. وقيل: يرجع وهو ظاهر ما نقله ابن منصور، وهو قول الخرقي.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال: من كفل عن رجل بكفالة، ولم يأمره فأداها عنه: فليس للمكفول عنه شيء، إنما هي حمالة تحملها عنه.
انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية: باب في الرجل يكفل الرجل ولم يأمره 7/203.(6/2978)
عنه1 ضماناً مثل الذي يجد الأسير في يدي العدو فيشتريه،
__________
1 في الأصل (عليه) .
أليس كلهم.
قال: يرجع عليه بالثمن.(6/2979)
قال أحمد: يرجع عليه بالثمن وإن لم يكن أمره أن يشتريه.
قال إسحاق: كما قال، لأن اللازم للمسلم إذا عاينه أن يستنقذه، فإن نوى الارتجاع عليه بما استنقده كان له، شاء الأسير أو أبى1.
__________
1 قال الخرقي في مختصره 203: وإذا اشترى المسلم أسيراً من أيدي العدو: لزم الأسير أن يؤدي ما اشتراه به، ومن الأدلة على لزوم إنقاذ الأسير، ما رواه البخاري، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكوا العاني –يعني الأسير-، وأطعموا الجائع، وعودوا المريض".
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء
من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يُقْتَلَ مسلم بكافر.
قال الحافظ: قال ابن بطال: فكاك الأسير واجب على الكفاية، وبه قال الجمهور. وقال إسحاق بن راهويه: من بيت المال، انظر: صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد، باب فكاك الأسير 6/167.
وما رواه أبو عبيد في الأموال 169: أن عمر بن عبد العزيز أعطى رجلاً مالا يخرج به لفداء الأسارى، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنا سنجد ناساً فروا إلى العدو طوعاً أفنفديهم؟ قال: نعم، قال: وعبيداً فروا طوعاً وإماءً؟ فقال: افدوهم، قال: ولم يذكر له صنف من الناس من جند المسلمين يومئذ إلا أمر بفدائهم.
كما روى بسنده عن عطاء في حر أسره العدو، فاشتراه رجل من المسلمين؟ قال: يسعى له في ثمنه، ولا يسترقه.
وقال ابن جزي في قوانينه 133: من فدى أسيراً بأمره رجع عليه بالفدية اتفاقاً، فإن فداه بغير أمره ولا علمه رجع أيضا عليه.
[2212-] قلت: قال سفيان: إذا بعت رجلاً بيعاً بنقد، ولم يقضك، وعسر عليه الثمن، فقال: تاركني وأزيدك، وبعني بيعاً مستقبلاً بنسيئة: فلا يبيعه إياه [ع-148/أ] ولكن يبيعه غيره.(6/2980)
قال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس.
قال إسحاق: لا بأس به إذا تتاركا، ثم تبايعا والإرادة منهما على المتاركة.1
[2213-] قلت: سئل سفيان: عن رجل كانت عنده دابة مسروقة، فقال: هي وديعة عندي؟
قال: بَيِّنَتُه أنها وديعة، وإلا قُضِيَ عليه.
__________
1 هذه المسألة تضمنت طلب الإقالة مع رد المبيع ومعه شيء يعطاه البائع، وقد تقدم تحقيق ذلك عند المسألة رقم: (1800) ، وأن فيها روايتين.
وأما جواز بيع السلعة نسيئة بعد المتاركة من بيع النقد، فقد ذكر في الإنصاف 4/478: أن المفلس بعد الحجر عليه يملك المقايلة لظهور المصلحة.
قال أحمد: إذا أقيمت عليه البينة أنها دابة فلان، فما قوله: إنها وديعة.
قلت: إن أقام البينة أنها وديعة، وأقام الآخر البينة أنها له؟(6/2981)
قال: تدفع إلى الذي أقام البينة أنها له، حتى يجيء صاحب الوديعة، فيثبت.
قال إسحاق: كما قال.1
[2214-] قلت: سئل عن رجل وُجِدَ عنده ثوب مسروق، فقال: اشتريته؟
قال: يُقْضَى عليه.
قال أحمد: شديداً.
قال إسحاق: ينظر إلى هذا الذي اشتراه، فإن كان أمينا فعلى المستحق أن يفك الثوب منه بما أدى في ثمنه أو يتبع سارقه [ظ-67/أ] .
[2215-] قلت: سئل عن التجارة في جلود السباع.
__________
1 قلت: لقد أقر من بيده الدابة أنها ليست له بقوله: إنها وديعة، ولهذا قَوِيَتْ حجة من ادعى أنها له، وهذا يدخل في باب الدعاوى والبينات وقد سبق تحقيق مثل ذلك عند المسألة (1885) .
قال: أرجو أن لا يكون به بأس.
قال أحمد: أكرهه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع.1(6/2982)
قال إسحاق: لا تحل التجارة في شيء من جلود السباع، ولكن لو كان عند الرجل منه شيء فانتفع به في لحاف أو ما أشبهه كان أهون.
[2216-] قلت: سئل عن بيع الهر؟ 2
قال: لا أرى به بأساً.
قال أحمد: أرجو أن لا يكون به بأس.3
__________
1 هذا الحديث رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي عن أبي المليح، عن أسامة عن أبيه. انظر: المسند 5/74، 75، وسنن أبي داود كتاب اللباس: باب ما جاء في جلود النمور والسباع 4/374، وسنن الترمذي كتاب اللباس: باب ما جاء في النهي عن جلود السباع 4/241.
2 الهرة: السنورة، والهر: الذكر، قال: ويجمع الهر: هِرَرَةَ، وتجمع الهرة: هِراراً، انظر: تهذيب اللغة 5/361.
3 أجاز الخرقي في مختصره 89 بيع الهر وكل ما فيه منفعة، وقال ابن المنذر في الإشراف 109: أجمع أهل العلم على أن اتخاذه مباح، واختلفوا في بيعه، فروينا عن ابن عباس: أنه رخص في بيعه، وبه قال الحسن البصري، وابن سيرين، والحكم، وحماد، ومالك، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وكرهت طائفة بيعه. روينا ذلك عن أبي هريرة، وطاوس، ومجاهد، وبه قال جابر بن زيد. ==(6/2983)
...............................................................................................................................
__________
وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب البيوع: باب في ثمن السنور 6/413، 414، أن ابن سيرين قال: لا بأس بثمن الهر، ومثله الحكم، وحماد، وعطاء، وروى عن أبي هريرة وأبي الزبير، ومجاهد، وطاوس، والحسن: كراهته، وذكر حديث جابر أنه نهى صلى الله عليه وسلم عن ثمن الهر.
قال ابن المنذر: فإن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيعه: لا يجوز، وإن لم يثبت ذلك: فبيعه كبيع الحمير والبغال، وسائر ما ينتفع به.
قلت: والحديث أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي عن جابر قال: نهى رسول الله عن أكل الهر وثمنه، وفي رواية أحمد، وأبي داود بلفظ: نهى عن ثمن الهر، وفي رواية أخرى عند أبي داود، والترمذي: ثمن السنور، بدل: الهر.
قال البيهقي بعد أن ذكر الحديث بطرقه: وهذا الحديث صحيح على شرط مسلم بن الحجاج دون البخاري، فإن البخاري لا يحتج برواية أبي الزبير، ولا برواية أبي سفيان ولعل مسلماً إنما لم يخرجه في الصحيح، لأن وكيع بن الجراح رواه عن الأعمش قال: قال جابر بن عبد الله فذكره، ثم قال الأعمش: أرى أبا سفيان ذكره، فالأعمش كان يشك في وصل الحديث، فصارت رواية أبي سفيان بذلك ضعيفة، وقد حمله بعض أهل العلم على الهر، إذا توحش فلم يُقْدَرْ على تسليمه، ومنهم من زعم أن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين كان محكوماً بنجاسته، وليس على واحد من هذين القولين دلالة بينة.
انظر: المسند 3/297، وسنن أبي داود كتاب البيوع: باب في ثمن السنور 3/752، وسنن الترمذي كتاب البيوع: باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب والسنور 3/568، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب البيوع: باب ما جاء في ثمن السنور 6/11.
وقال الترمذي عند حديث النهي عن ثمن الهرة: هذا الحديث غريب وفي حديث النهي عن ثمن السنور قال: في إسناده اضطراب.
قال ابن قدامة في المغني 4/193 عن الهر: إنه حيوان أبيح اقتناؤه وفيه نفع مباح من غير وعيد في حسبه فأبيح بيعه كالبغل، وذكر المجيزين لذلك، كما جاء في الإشراف، ثم قال: وعن أحمد رواية: أنه كره ثمنها، وأن ذلك روى عن أبي هريرة، وطاوس، ومجاهد، وجابر بن زيد، وهو اختيار أبي بكر لحديث جابر، وقال عن هذا الحديث: بأنه يحمل على غير المملوك من السباع، أو ما لا نفع فيه منها.
وأورد صاحب الإنصاف 4/273 روايتين في بيع الهر إحداهما: جوازه، وهو المذهب، والأخرى: منعه وهو اختيار أبي بكر، وابن أبي موسى. وقيل: يجوز فيما قيل بطهارته منها.
وفي شرح منتهى الإرادات 2/142 قال: يصح بيع الهر لما في الصحيح: "أن امرأة دخلت النار في هرة لها حبستها"، والأصل في اللام الملك.(6/2984)
قيل: أليس هو من السباع؟
قال: بلى. والبيزان1 والصقور،2
__________
1 الباز، لغة في البازى، جمع أبؤز كأفلس، وبؤوز بالضم ممدوداً، وبئزان بالكسر، ويقال: باز، وثلاثة أبواز، وبزاة، فإذا كثرت فهي البيزان. تاج العروس 15/18.
قال الدميري في حياة الحيوان الكبرى 1/108: البازى، أفصح لغاته، بازي مخففة الياء، والثانية: بأز، والثالثة: بازيٌّ بتشديد الياء، وهو مذكر لا اختلاف فيه، ويقال في التثنية: بازيان، وفي الجمع بُزاة، كقاضيان وقضاة، ويقال للبزاة، والشواهين، وغيرهما مما يصيد: صقور، وهو مشتق من البزوان، وهو الوثب.
2 الصقر: هو الطائر الذي يصاد به من الجوارح، وهو من البزاة والشواهين، وجمعه: أصقر، وصقور، وصقورة، وصقار، وصقارة: بكسرها وصقر: بضم فسكون. انظر: المخصص لابن سيدة 8/148، وحياة الحيوان للدميري 2/65.(6/2985)
والحمر،1 لا تؤكل لحومهم ولكن لا بأس بأثمانهم.
قال إسحاق: كل شيء من هذا يشتريه المسلم، فهو أهون، وأكره الثمن للبائع إلا الحمر2.
[2217-] قلت: سئل عن بيع البنادق؟
قال: لا أرى به بأساً.
__________
1 المقصود هنا: الحمر الإنسية حيث نهى صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب الذبائح: باب لحوم الحمر الإنسية 9/653، وكتاب الهبة: باب قبول الهدية 5/202، وصحيح مسلم كتاب الصيد والذبائح: باب تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية 3/1537، وكتاب الحج: باب تحريم الصيد للمحرم 2/850، وأحمد في مسنده عن البراء بن عازب 4/297، وعن سلمة بن المحبق 3/476، وسنن النسائي كتاب الطهارة: باب سؤر الحمار 1/49، وسنن أبي داود كتاب المناسك، باب لحم الصيد للمحرم 2/428، وسنن الترمذي كتاب الحج: باب ما جاء في كراهية لحم الصيد للمحرم 3/197.
2 لا خلاف في جواز بيع الحمر الأهلية، فقد نص على اقتنائها في محكم الكتاب حيث قال تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [سورة النحل آية 8] .
قال في المغني 4/193: بلا خلاف في إباحة بيع البغل والحمار، وحكمها حكم سباع البهائم في الطهارة، والنجاسة، وإباحة الاقتناء والانتفاع.(6/2986)
قال أحمد: لا بأس بها إذا كان يرمي للصيد، لا يرمي للعبث.
قال إسحاق: كما قال1.
[2218-] قلت: سئل عن بيع الدفوف2؟
فكرهه.
قال أحمد: ذهب إلى حديث إبراهيم، كان أصحاب عبد الله
__________
1 روى أحمد، والنسائي، والدارمي عن عبد الله بن عمرو يرفعه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها، سأله الله عنها يوم القيامة، قيل يا رسول الله: فما حقها؟ قال: حقها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فترمي بها".
وفي رواية عند النسائي عن عمرو بن الشريد قال: سمعت الشريد يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل عصفوراً، عبثا عج إلى الله عز وجل يوم القيامة يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني لمنفعة".
انظر: المسند 2/166، وسنن النسائي كتاب الضحايا: باب من قتل عصفوراً بغير حقها 7/211، وسنن الدارمي كتاب الأضاحي: باب من قتل شيئاً من الدواب عبثاً 2/7.
2 الدف: الجَنْبُ من كل شيء، والجمع دفوف، مثل فلس وفلوس، وقد يؤنث بالهاء، فيقال: الدفة، ومنه: دفتا المصحف للوجهين من الجانبين، والدف: الذي يلعب به بضم الدال وفتحها، والجمع: دفوف.
المصباح المنير 234، وانظر أيضاً: مختار الصحاح 208.(6/2987)
يستقبلون الجواري في الطرق معهم الدفوف فيخرقونها1، [ع-148/ب] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فصل ما بين الحلال، والحرام، صوت الدف"2، الدف على ذاك أيسر، الطبل3 الذي ليس له رخصة.
قال إسحاق: كل شيء قد جاءت فيه سنة: فالرخصة في الانتفاع به، لا بأس به على مثال ما جاء، وكذلك أثمانها جائزة للبائع.
[2219-] قلت: سئل سفيان عن رجلين اشتركا فجاء أحدهما بدنانير وجاء الآخر بدراهم؟
__________
1 هذا الأثر رواه ابن حزم، عن يحيى بن سعيد القطان قال: أخبرنا سفيان
الثوري، حدثنى منصور بن معتمر، عن إبراهيم النخعي، ثم ذكره. إلا أنه قال: يشققونها بدل: يحرقونها. انظر: المحلى كتاب البيوع 9/715.
2 رواه أحمد في مسنده عن محمد بن حاطب الجمحي 3/418، والترمذي في كتاب النكاح: باب ما جاء في إعلان النكاح 3/389، وابن ماجه في كتاب النكاح: باب إعلان النكاح 1/611.
3 الطبل معروف: الذي يضرب به، وهو ذو الوجه الواحد والوجهين، الجمع: أطبال وطبول، والطبلة: شيء من الخشب تتخذه النساء.
انظر: تهذيب اللغة 13/355، ولسان العرب 13/423.(6/2988)
قال: نكرهه، من أجل أنه إن جاء هذا بألف درهم، وجاء شريكه بمائة دينار، فبيعت الدنانير بألفي درهم كيف يقتسمان؟ فإن فعلا، فبيعت الدنانير بأكثر فربحا: فالربح بينهما، فإذا اقتسما: عزلت قيمة المائة الدينار من الوزن على ما باع.
قال أحمد: إذا جاء كل واحد منهما بدراهم فهو أحب إليَّ.
قال أحمد: جيد، إذا افترقا يرجع هذا بالدنانير، ويرجع هذا بالدراهم.
قال إسحاق: كما قال أحمد. والدراهم جميعا يخرجانها أسلم1.
__________
1 قال في الكافي 2/258: وتجوز الشركة في المالين المختلفين، فيكون لأحدهما دنانير، وللآخر دراهم، ولأحدهما صحاح، وللآخر مكسرة، أو لأحدهما مائة، وللآخر مائتان، لأنهما أثمان فصحت الشركة بهما كالمتفقين.
وفي المغني 5/14 قال: لا يشترط لصحة الشركة اتفاق المالين في الجنس، بل يجوز أن يخرج أحدهما دراهم والآخر دنانير، نص عليه أحمد، وبه قال الحسن، وابن سيرين إلى أن قال: ومتى تفاصلا يرجع هذا بدنانيره، وهذا بدراهمه، ثم اقتسما الفضل، نص عليه أحمد.
وذكر ابن المنذر في الإشراف 149: أن ممن رخص فيه الحسن البصري وقال: إذا كان عند القسمة أخذ كل واحد منهما مثل ما جاء به، قال: وكره الثوري هذه الشركة.
ومثل ذلك جاء في مختصر الخرقي 97، ورؤوس المسائل 252، والمحرر 1/ 353، والإنصاف 5/408.(6/2989)
[2220-] قلت: سئل عن رجل اشترى طعاماً، فقبضه ثم اشترك فيه آخر؟
قال: يكيل لشريكه النصف.
قيل له: يخلطان بَعْدُ؟
قال: نكرهه.
قال أحمد: لا أكرهه أن يخلطا بَعْدُ.
قال إسحاق: كما قال.
[2221-] قلت: سئل سفيان عن رجلين اشتركا بالعروض فربحا؟
قال: مكروه1.
قال أحمد: صدق2.
قلت: قال: ولكن يقسم الربح على قدر رؤوس أموالهما.
قيل له: فإن كانا اصطلحا على الربح؟
قال: لا، إلا على رؤوس أموالهما.
__________
1 روى ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب البيوع: باب الشركة بالعروض 7/59 عن وكيع قال: كان سفيان يكره الشركة والمضاربة بالعروض.
2 تقدم تحقيق مسألة المضاربة بالعروض عند المسألة رقم (1816) .(6/2990)
قال أحمد: أقول على ما اشترطا.
قال إسحاق: هو كما قال أحمد1، لما أجاز ابن سيرين وغيره المضاربة بالعروض، فهو وإن لم نأخذ به، فإذا وقع اتبعناه2.
[2222-] قلت: سئل عن رجلين اشتركا بغير رؤوس أموال، قال كل واحد منهما: ما اشتريت فهو بيني وبينك؟
قال: أراه جائزاً.
قال أحمد: أقول جائز3.
__________
1 تقدم التحقيق في مسألة توزيع الربح على المشتركين عند المسألة رقم (1802) .
2 روى عبد الرزاق، عن ابن سيرين: أنه رخص أن يعمل بالبز مضاربة مرة واحدة، فإذا عمل به: كان الربح بينهما ويرد رأس ماله، ثم إن شاء دفعه إليه بعد.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب المضاربة بالعروض 8/250.
3 هذه هي شركة الوجوه – سميت بذلك لأن الشريكين يشتركان فيما يشتريان بجاههما – وقد نص على جوازها في مسائل ابن هانيء 2/21.
وجاء في الإشراف ورقة 149: أن الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبا ثور، ومحمد بن الحسين أجازوا الشركة بغير رأس مال، على أن يشتريا بوجوههما فما ربحا أو وضعا فعليهما، وقال ابن المنذر: لا بأس أن يقول الرجل: ما اشتريت في هذا الوقت من متاع فهو بيني وبينك ولا أعلم أحداً يمنع ذلك.
وقد ذكر ابن قدامة في المغني 5 /11 رواية ابن منصور هذه، ثم قال: وبهذا قال الثوري، ومحمد بن الحسين، وابن المنذر.
وفي المقنع 2/182، والإنصاف 5/458 قال: شركة الوجوه أن يشتركا على أن يشتريا بجاههما دينا إلى أجل، هذا المذهب، وسواء عينا جنس الذي يشترونه، أو قدره، أو وقته، أو لا.(6/2991)
وأعجبه قول سفيان في هذا، وقال: خالف أبا حنيفة [ع-149/أ] .
قال إسحاق: هو كما قال1، والأصل فيه ما قال ابن مسعود
__________
1 قلت: شركة الوجوه عند الحنفية: جائزة، وقد أثبتوا ذلك في كتبهم التي بين أيدينا مثل موطأ الإمام محمد بن الحسن ص 346، مع التعليق الممجد للكنوي والمبسوط للسرخسي 11/154، وفتح القدير لابن الهمام 6/189.
ولا أدري فربما نقل عن الإمام أبي حنيفة مالم أقف عليه، لأن الإمام أحمد أشار إلى ذلك كما ورد في المسألة.
وأكده ابن قدامة في المغني حين ذكر رواية ابن منصور هذه ثم أعقبها بقوله: وقال أبو حنيفة: لا يصح حتى يذكر الوقت، أو المال، أو صنفا من الثياب.
وقد جزم التهانوى في كتابه إعلاء السنن، 13/75: بأن ما ذكره ابن قدامة لم يرد في كتب الحنفية، لكنهم يمنعون شركة الأبدان، في ما لا يجوز التوكيل فيه، مثل الاحتطاب، والاحتشاش، والتكسب، والصيد، قالوا: لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة، والتوكيل في أخذ المال المباح باطل. كما ورد في فتح القدير 6/191.
وقالوا عن حديث ابن مسعود: إن الغنيمة مقسومة بين الغانمين بحكم الله تعالى فيمتنع أن يشترك هؤلاء في شيء منها بخصوصهم، وفعله صلى الله عليه وسلم إنما هو تنفيل قبل القسمة، أو أنه على قدر ما يخصهم.(6/2992)
رضي الله عنه: اشتركت أنا وعمار، وسعد فيما نصيب1، فقال سفيان: هذه شركة بغير مال.
[2223-] قلت: قال سفيان في خمسة نفر، بينهم خمسة أبيات في دار، فباع أحدهم نصيبه في بيت: لا أجيزه، فإن باعوا جميعاً جاز، سئل لِمَ لا تجيزه؟
قال: هو ضرر، يضر بأصحابه، هو لا يستطيع أن يأخذ نصيبه من ذلك البيت.
قيل: فإن قال: أبيعك بيتاً من الدار؟
قال: لا يجوز بيع ما ليس له.
قيل: فإن قال: أبيعك خُمُسَ الدار؟
قال: إذا قال نصيبي.
__________
1 هذا الأثر أخرجه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، عن عبد الله بن مسعود قال: اشتركت أنا، وعمار، وسعد فيما نصيب يوم بدر، قال: فجاء سعد بأسيرين، ولم أجيء أنا وعمار بشيء.
انظر: سنن أبي داود: كتاب البيوع والإجارات: باب في الشركة على غير رأس المال 3/681، وسنن ابن ماجه كتاب التجارات: باب الشركة، والمضاربة 2/768، وسنن النسائي كتاب البيوع: باب الشركة بغير مال 7/280.(6/2993)
قال أحمد: جيد هو كما قال.
قال إسحاق: أما قوله: أبيعك الخمس نصيبي: فهو جائز، ولكن بيعه نصيبه، من بيت لا يجوز، لأنه باعه غير مقسوم فالداخل يقوم مقامه، وليس له أن يقاسمه، لأنه ضرر1.
[2224-] قلت: قال سفيان: في رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربة، فابتاع به متاعاً، فقبض المتاع ولم2 ينقد ثمنه، فسرق [ظ-67/ب] المتاع، وسرق المال؟
قال: الرسول ضامن للمتاع، ويتبع الذي أمره.
قال أحمد: ما هو بعيد، مما قال الثوري.
قال إسحاق: هذا المضارب إذا قبض المتاع، ثم سرق المال، والمتاع جميعاً، فإنه يضمن ثمن المتاع للذي3 اشتراه منه، وقال بعضهم: يرجع بما4 غرم على رب المال، وليس بواضح5.
__________
1 هذه المسألة تقدم نظيرها رقم (2018) .
2 حرف "لم" ناقص من نسخة ع.
3 في نسخة ع: "الذي".
4 في نسخة ع: "ما".
5 هذه المسألة شبيهة لما مر في مسألتي الوكالة رقم (2150) ، (2150) .
وقال في الفروع 4/388: وإن اشترى السلعة في الذمة، ثم تلف المال قبل نقد ثمنها، أو تلف هو والسلعة: فالثمن على رب المال، ولرب السلعة، مطالبة كل منهما بالثمن، ويرجع به العامل، أي يرجع بما دفعه على رب المال.
وبمثل ذلك ورد في المحرر 1/352، والمقنع 2/178، والكافي 2/282، والشرح الكبير 3/83، والإنصاف 5/444، وشرح منتهى الإرادات 2/334.
وأخرج عبد الرزاق، عن معمر قال: سألت الزهري عن رجل، قارض رجلاً، فابتاع متاعا فوضعه في البيت، ثم قال لصاحب المال: ايتني غداً، فجاء سارق فسرق المتاع، والمال؟ فقال: ما أرى أن يلحق أهل المال أكثر من مالهم، الغرم على المشتري.
وعن الثوري في رجل قارض رجلاً، فابتاع متاعاً، فوضعه في البيت، ثم قال لصاحب المال ايتني غداً، فجاء السارق فسرق المتاع؟ قال: يأخذ صاحب المال المقارضَ، ويأخذ المقارض صاحب المال، وقد روى ابن منصور ذلك في المسألة رقم (2017) .
وعن معمر في رجل، دفع إلى رجل مالاً مضاربة، وأذن له أن يشتري بدين بينه وبينه، فاشترى بمائة دينار، فهلكت المضاربة، وهلك الذي اشترى بالدين؟ قال: أما الذين اشترى بالدين فهلك: فهو بينهما، والمال الذي دفع إليه مقارضة فهلك: فهو من صاحب المال.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب المقارض يأمر مقارضه أن يبيع بالدين 8/256.
قلت: وهذا كله فيما لو لم يفرط المضارب، أما إن ثبت تفريطه، فإنه يغرم، بلا شك لأن المفرط أولى بالخسارة.(6/2994)
[2225-] قلت: سئل سفيان عن المضارب يجيء بالبز1، فيطلبونه بنسيئة2 إلى أجل، فقال المضارب لصاحب المال: أنا آخذه
__________
1 في نسخة ع: "ببز".
2 في نسخة ع: "نسيئة".(6/2995)
منك إلى ذلك الأجل؟
قال: لا أرى به بأساً، إذا تراضيا أن يبيعه إياه.
قال أحمد: إذا باعه صاحب المال فجيد.
قال إسحاق: كما قال1.
[2226-] قلت: قال سفيان: إذا كان لك قرض، فلا تجعله مضاربة، [ع-149/ب] إلا أن تأمره أن يدفعه إلى إنسان، ثم يدفع ذلك الإنسان إليه؟
قال: جيد2، ويجعل الوديعة قرضاً، ويجعلها مضاربة، ويجعل المضاربة قرضاً.
__________
1 يصح أن يشتري المضارب من مال المضاربة لنفسه، لأنه ملك غيره، فصح شراؤه كشراء الوكيل من موكله، ما لم يظهر ربح، نص عليه أحمد، وبه قال الثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وليس له أن يشتري إن ظهر ربح على الصحيح من المذهب.
انظر: الكافي 2/284، والشرح الكبير 3/80، والفروع 4/392، والإنصاف 5/439.
2 قال في الإشراف ورقة 157: وقال كل من نحفظ عنه من أهل العلم: لا يجوز أن يجعل الرجل ديناً له على رجل مضاربةً، وممن حفظنا ذلك عنه: عطاء، والحكم، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
قال ابن المنذر: وبه نقول.(6/2996)
قال أحمد: جيد.
قال أحمد: إذا كان لك قرض على رجل، فلا تصرفه مضاربة ولا سلفاً، ولا يكون وديعة حتى تقبضه.
قال إسحاق: كما قال1.
[2227-] قلت2: قال سفيان في مضارب، ابتاع خمراً قال: إن كان
__________
1 جاء في المحرر 1/339، والفروع 4/189 – 190: أن من أذن لغريمه في الصدقة بدينه عنه، أو صرفه، أو المضاربة به: لم يصح، ولم يبرأ. وهو المذهب، وعنه: يصح.
قال في الفروع: ونقل ابن منصور: لا يجعله مضاربة إلا أن يقول: ادفعه إلى زيد، ثم يدفعه إليك.
وفي الشرح الكبير 3/69: وإن قال: اقبض وديعتى، وضارب بها: صح في قولهم جميعا، ويكون وكيلاً في قبض الوديعة، مأذوناً له في التصرف، مؤتمنا عليه، فجاز جعله مضاربة، كما لو قال: اقبض المال من غلامي فضارب به …
ولو كان له في يد إنسان وديعة، فقال: ضارب بها: صح، وإن قال: ضارب بالدين الذي عليك: لم يصح، نص عليه أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم.
قال صاحب الإنصاف 5/431، 432: وهو المذهب، ثم قال: ولو قال هو قرض عليك شهراً، ثم مضاربة: لم يصح، وقيل: يصح.
وانظر: الفروع 4/380، وشرح منتهى الإرادات 2/330.
2 كلمة "قلت" ناقصة من نسخة ع.(6/2997)
اشتراه متعمداً ضمن1، وإن كان جاهلاً، لم يضمن.
قال أحمد: الجاهل، لم لا يضمن؟ نقول: يضمن جاهلاً، أو عامداً.
قال إسحاق: كما قال أحمد2.
[2228-] قلت: قال سفيان في رجل أخذ مالاً مضاربةً، واشترى به بزاً، فقدم به، فقال صاحب المال: لا تبعه، وقال المضارب: أنا أبيعه، يُنْظَرُ، فإن كان فيه ربح، أُجْبِرَ صاحب المال على أن يبيع، وإن لم يكن فيه ربح لم يجبر.
قال أحمد: هو كما قال.
__________
1 كلمة "ضمن" ناقصة من نسخة ع.
2 قال ابن قدامة في المغني 5/37، وتبعه الشارح 3/76: ليس له – أي المضارب – أن يشتري خمراً، ولا خنزيراً سواء كانا مسلمين، أو كان أحدهما مسلماً، والآخر ذمياًّ، فإن فعل: فعليه الضمان، لأنه إن كان العامل مسلماً: فقد اشترى خمراً، ولا يصح أن يشتري خمراً، ولا يبيعه، وإن كان ذمياً فقد اشترى للمسلم ما لا يصح أن يملكه ابتداء: فلا يصح كما لو اشترى الخنزير، ولأن الخمر محرمة، فلا يصح شراؤها له كالخنزير والميتة، ولأن ما لا يجوز بيعه لا يجوز شراؤه.
وقال في الفروع 4/382، 383: ولو اشترى خمراً جاهلاً: ضمن، نقله ابن منصور، ولا يملك دفعه مضاربة نقله الجماعة.(6/2998)
قال إسحاق: أجاد1.
[2229-] قلت: قال سفيان في رجل دفع إلى رجل خمسين ديناراً، مضاربة فأخذ منها خمسة دنانير فضمنها، ثم ألقاها في الخمسين فربح؟
قال: ضمن وله ما ربح.
قال أحمد: ليس هذا بشيء.
قال إسحاق: كلما أخذ المضارب من المضاربة شيئاً، ثم أعاده فيه ثم ربح، فالمضاربة صحيحة، على ما اشترطا عليه.
[2230-] قلت: قال سفيان في رجل دفع إلى رجل خمسين ديناراً مضاربة، فقال: اشتر بها ما شئت، فاشترى بها جارية، فوقع عليها، إن كانت يوم وقع عليها ثمن خمسين ديناراً: يغرم العُقْرَ، ويعزر، والولد مملوك.
قال أحمد: صدق، فإن كانت يوم وقع عليها ثمن ستين ديناراً:
__________
1 ليس لرب المال منع المضارب من التصرف في مال المضاربة، بعد تلبس العامل بالعمل كما أنه ليس له عزله، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية حنبل، ولو فسخ المالك المضاربة من جانبه والمال عرض: فإن للمضارب يبعه على الصحيح من المذهب، وذلك لتعلق حقه بربحه، أما لو منعه صاحب المال عن الشراء: فإنه ينعزل بخلاف البيع.(6/2999)
فله نصف الربح، والولد له، ويضمن ثمن الجارية.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال أحمد1 في الوجهين جميعا.
__________
1 ورد في المغني 5/34 قوله: ليس للمضارب وطء أمة من المضاربة، سواء ظهر في المال ربح، أو لم يظهر، فإن فعل: فعليه المهر، والتعزير، وإن علقت منه، ولم يظهر في المال ربح: فولده رقيق، لأنها علقت منه في غير ملك ولا شبهة ملك، وإن ظهر في المال ربح، فالولد حر، وتصير أم ولد له وعليه قيمتها، ونحو هذا قال سفيان وإسحاق.
وقال في شرح منتهى الإرادات 2/332: إن وطئ العامل أمة من مال المضاربة – أي بغير إذن رب المال – عزر نصاً.
وفي الإنصاف 5/442، 443 قال: يعزر على الصحيح من المذهب، نص عليه في رواية ابن منصور.
وقيل: يحد إن كان قبل ظهور ربح، قال المرداوي: وهو الصواب بشرطه.
قلت: ولكن المنصوص عن أحمد التعزير فقط، لأن الربح مبناه على التقويم حسبما تساويه الجارية ساعة وقوعه عليها، والتقويم غير متحقق لأن الأَنْظارَ تختلف، والقيمة تزيد وتنقص، من يوم لآخر، فقد تكون الجارية تساوي أكثر مما قومت به، فيكون ثمة شبهة للمضارب يدرأ بسببها عنه الحد.
وقد أخرج عبد الرزاق، عن الثوري قال: إذا دفع رجل إلى رجل ألف درهم، مضاربة، فاشترى بها جارية فأعجبته فوقع عليها فولدت له: قومت، فإن كان فيها فضل على ألف درهم، ضمناه قيمة الجارية، ورفعنا عنه حصته منها، لأن له فيها نصيباً وكان الولد له، وإن لم يكن فيها فضل: فعليه العُقْرُ، ودُرِئَ عنه الحد بالشبهة، والولد مملوك لصاحب المال، لأنه وقع عليها، وليس له فيها نصيب.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب ضمان المقارض إذا تعدى ولمن الربح 8/255.(6/3000)
[2231-] قلت: سئل سفيان عن رجلين كَفَلا عن رجل بدين فأخذا منه رهناً.1 فقال أحد الكفيلين: أنا آخذ بنصيبي من الرهن؟
قال: ما أراه رهنا حتى يغرما.
قال أحمد: حتى لو2 يغرما كيف يكون رهناً؟ ليس هذا يعد برهن.
قال إسحاق3: كما قال.
[2232-] قلت: سئل سفيان عن رجل ارتهن دابةً، فعلفها من غير أن
__________
1 في الأصل "ذهباً".
2 في الأصل "لا".
3 جاء في تعريف الرهن: أنه المال الذي يجعل وثيقة بالدين، ليستوفي من ثمنه، إن تعذر استيفاؤه مِمن هو عليه. انظر: المطلع على أبواب المقنع 247.
قلت: ولعل الإمام أحمد رحمه الله نفى كونه رهناً، لأن الرهن يؤخذ في البيع، لا في الكفالة، ثم إن الكفالة، والضمان مبناهما على التبرع وبذل المعروف، فكيف يسوغ للكفيل، أخذ رهان مقابل كفالته أو ضمانه.
قال في المحرر 1/340: ولا يصح – أي الضمان – إلا من جائز تبرعه.
وقال في الفروع 4/236: هو التزام من يصح تبرعه.
وذكر في الإنصاف 5/191: من صح تصرفه بنفسه، وتبرعه بماله: صح ضمانه.(6/3001)
يأمره صاحب الدابة؟
فقال: العلف على المرتهن، من أَمَرَهُ أن يُعَلِّفَ.
قال أحمد: هذا متبرع.
قال إسحاق: كلما رهنه دابة، فإن العلف على المرتهن، وله أن ينتفع بقدر العلف لِما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الرهن مركوب ومحلوب"1.
[2233-] قلت: قال سفيان في رجل أذن لعبده في التجارة، فجرح إنساناً؟
قال: يُدْفَعُ برمته، فيكون الدين على العبد حيث ما ذهب.
قال أحمد: إذا أذن لعبده في التجارة: فالدين على السيد، والعبد يسلم بجنايته إلا أن يفديه مولاه.
قال إسحاق: كما قال أحمد2.
[2234-] قلت: سئل سفيان عن العبد المأذون له في التجارة عن إقراره؟
قال: جائز.
__________
1 هذه المسألة سبق التعليق على مثلها عند المسألة رقم (1952) .
2 لقد تقدم الكلام عند المسألتين رقم (1881) ، (1889) على العبد المأذون له في التجارة إذا عتق وعليه دين، أو جنى جناية.(6/3002)
قال أحمد: إذا أذن له، فهو جائز.
قال إسحاق: كما قال1.
[2235-] قلت: قال سفيان: إذا قال الرجل للرجل: له عليَّ مائة دينار، ولي عنده دينار؟
قال: أما المائة الدينار، فقد أقر بها، وبينته على الدينار.
قال أحمد: أما ظاهر الكلام، فهو هكذا.
قال إسحاق: كما قال سفيان2.
__________
1 قال في المحرر 2/379 إذا أعتق عبده، أو وهبه، ولا يملك غيره، ثم أقر بدين: نفذ العتق، والهبة، ولم يقبل الإقرار في نقضهما نص عليه، وقيل: يقبل ويباع العبد فيه. قال الشارح: لثبوته عليه باعترافه، كما لو ثبت ببينة.
وقال شارح المحرر 2/383: يقبل إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه كالصبي المأذون له.
وقال الشريف في رؤوس المسائل 266: إذا أقر العبد المأذون له في التجارة، بما لا يتعلق بالتجارة كالقرض، وأرش جناية: لم يصح إقراره لأنه أقر بما لم يؤذن له فيه.
وفي المغني 4/188 قال: إن كان مأذوناً له في التجارة: قبل إقراره في قدر ما أذن له، ولم يقبل فيما زاد، ولا يقبل إقرار غير المأذون له بالمال.
2 قال في رؤوس المسائل 268: إذا قال: لفلان عليّ ألف درهم ثم فسرها بالوديعة، وقال المقر له: هذه الوديعة غير الألف المقر بها، فالقول قول المَقَرِّ له، لأن قوله عليَّ، يقتضي إثبات حق في الذمة، والوديعة ليست في الذمة.
قال الخرقي في مختصره 100: والإقرار بدين في مرض الموت كالإقرار في الصحة إذا كان لغير وارث.
وفي المحرر 2/375، 392، 414 قال: إذا أقر بدين لوارث، وأجنبى: لزمه في حصة الأجنبي، قال الشارح معلقاً: هذا هو المتصور في المذهب، كما لو كان الإقرار بلفظين.
وفي موضع آخر من المحرر قال: من أقر بمال في يده لغيره فكذبه: بطل إقراره، وأُقِرَّ بيده، وقيل: ينتزع منه لبيت المال.
زاد الشارح: لأنه مال ضائع لخروجه من ملك المُقِرِّ، وعدم دخوله في ملك المُقَرِّ له.
وجاء في موضع ثالث من المحرر: لو أقر لرجل بعين التركة، ثم أقر بها لآخر، فهي للأول، ويغرم قيمتها للثانى.
والمذهب من حيث الجملة: صحة الإقرار إذا جاء من مكلفٍ مختار غير محجور عليه. انظر: الإنصاف 12/125.(6/3003)
[2236-] قلت: قال سفيان: وإذا قال: لك عندى مائة دينار إلا فرساً، إلا ثوباً: هذا محال من الكلام، يؤخذ بالمائة.
قال أحمد: كما قال.
قال إسحاق: كما قال [ظ-68/أ] 1.
__________
1 جاء في مختصر الخرقي 99، والمغني 5/112، 113: من أقر بشيء، واستثنى من غير جنسه، كان استثناؤه باطلاً، إلا أن يستثنى عيناً من وَرَقٍ، أو ورقاً من عين.
قال ابن قدامة: فلو قال: عندي مائة درهم، إلا ثوباً لي عليه فيكون مقراً بشيء، مدعياً لشيء سواه، فيقبل إقراره. وتبطل دعواه، وذكر القاضي روايتين في جواز استثناء الذهب من الورق والعكس:
إحداهما: لا يصح. قاله أبو بكر لأنه استثناء من غير الجنس، فهو كما لو أقر بدراهم، فاستثنى منها طعاماً، أو ثوباً.
والثانية: يصح، وهو قول الخرقي، لأن العين والورق في حكم الجنس الواحد، ألا ترى أنها قِيَمُ المتلفات، وأُرُوشُ الجنايات، ويضم بعضها إلى بعض في الزكاة. انظر: الروايتين والوجهين 404.
أما في رؤوس المسائل 264 فقد منع الاستثناء من غير الجنس مطلقاً، لأن الاستثناء: إخراج ما لولاه كان داخلاً تحت اللفظ، والذي دخل تحت اللفظ الجنس لا غير، أشبه التخصيص.
وذكر في شرح المفردات 2/305، والمذهب الأحمد 227: أن المذهب عدم صحة الاستثناء سواء كان المستثنى ذهباً من فضة، أو عكسه.(6/3004)
قال أحمد: إذا قال: كانت لك عندي مائة دينار - وليس بينهما بينة – فقضيتك منها خمسين ديناراً، فالقول قوله إذا كان كلاماً في نسق واحد.
قال إسحاق: كما قال1.
__________
1 قال الخرقي في مختصره 99: من ادعى عليه بشيء فقال: قد كان له عليّ وقضيته: لم يكن ذلك إقراراً.
وفي رؤوس المسائل 269 قال: لم يلزمه شيء، لأنه فسر الإقرار بما يحتمله، أشبه إذا قال: له ألف إلا خمسين.
وفي المغني 5/118: ذكر أنه إذا قال عليّ مائة وقضيته منها خمسين كما لو قال له عليّ مائة وقضيتها ففي ذلك روايتان:
إحداهما: أن هذا ليس بإقرار، اختاره القاضي وقال لم أجد عن أحمد رواية بغير هذا.
والثانية: أنه مقر بالحق مدعٍ لقضائه، فعليه البينة بالقضاء، وإلا حَلَفَ غريمه وأخذ.
ووجه قول الخرقي: أنه قول متصل، يمكن صحته، ولا تناقض فيه، فوجب أن يقبل، كاستثناء البعض، وفارق المنفصل، لأن حكم الأول قد استقر بسكوته عليه، فلا يمكن رفعه بعد استقراره.(6/3005)
[2237-] قلت: قال سفيان: إذا شهد رجل على رجل بألف درهم، أو مائة دينار، فإن له دراهم ذلك البلد، ودنانير ذلك البلد.
قال أحمد: جيد [ع-150/أ] .
قال إسحاق: كما قال، وإن كانت النقود في تلك البلدة مختلفة، لكل جنس نقد، فاختلف البائع، والمشتري فإن القضاء، على المشتري ينقد ذلك الجنس1.
__________
1 قال ابن قدامة في المغني 5/123: وإن أقر بدراهم، وأطلق، ثم فسرها بسكة البلد الذي أقر بها فيه: قُبِلَ، لأن إطلاقه ينصرف إليه، وإن فسرها بسكة غير البلد أجود منها: قُبِلَ: لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ، وكذلك إن كانت مثلها، لأنه لا يُتَّهَمُ في ذلك، وإن كانت أدنى من سكة البلد لكنها مساوية في الوزن: احتمل أن لا يقبل، لأن إطلاقها يقتضي دراهم البلد ونقده، فلا يقبل منه دونها، كما لا يقبل في البيع، ولأنها ناقصة القيمة، فلم يقبل تفسيره بها كالناقصة وزناً، ويحتمل: أن يقبل منه، لأنه يحتمل ما فسره به.
وقال في موضع آخر: وإن أقر بدراهم وأطلق في بلد، أوزانهم ناقصة أو دراهمهم مغشوشة ففيه وجهان:
الأول: يلزمه من دراهم البلد ودنانيره، لأنه مطلق كلامهم يحمل على عرف بلدهم، كما في البيع والأثمان.
الثاني: تلزمه الوازنة الخالصة من الغش، لأن إطلاق الدراهم في الشرع ينصرف إليها، بدليل أن بها تقدير نُصُبِ الزكاة، ومقادير الديات.
وقال أيضاً: إن أقر وأطلق: اقتضى إقراره الدراهم الوافية، وهي دراهم الإسلام، وأن تكون جياداً حالَّةً.
ومثله قال الخرقي في مختصره 99.(6/3006)
[2238-] قلت: سئل سفيان عن رجل كان له على رجل مال، فقال له: أقرضنى وأقضيك، وكان له عليه عينٌ دراهمَ، أو دنانير: فلا بأس أن يقرضه عيناً، وإن كان له عليه عَرْضٌ: فلا.
قال أحمد: إذا كان يجر شيئاً: فلا، كأن يقرضه قفيزاً أو قفيزين برٍ، فيبيعه بِوَكْسٍ، ثم يجيء فيقضي دراهم.
قال إسحاق: كلما أراد جر منفعة، فلا خير فيه1.
[2239-] قلت: قال: سألت ابن عيينة2، قلت له: الرجل يكون له على
__________
1 سبق تحقيق مثل ذلك عند المسألة رقم (1836) .
2 هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالى، أبو محمد الكوفي، ثم المكى، ثقة، حافظ، فقيه، إمام حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخره، وكان ربما دلس، لكن عن الثقات، وهو من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار، مات في رجب سنة 198هـ وله 91 سنة، وأخرج له الستة. انظر: التقريب 1/312.(6/3007)
الرجل قمحٌ، أو زيت فيتقاضاه، فيقول: لا أجد، ولكن أقرضني حتى أبتاع لك، وأقضيك؟
قال: هذا مكروه، هذا أمر بين.
قال أحمد: أجاد أبو محمد.
قال إسحاق: كما قال1.
[2240-] قلت: قال سفيان: إذا كان لك على رجل طعامٌ قرضاً، فبعه من الذي عليه بنقد، ولا تبعه منه بنسيئة، ولا تبعه من غيره بنقد ولا نسيئة حتى يقضيه.
قال أحمد: جيد.
__________
1 قال في المغني 4/243، وفي الشرح الكبير 2/486: لو أفلس غريمه، فأقرضه ألفاً ليوفيه كل شهر، شيئاً معلوماَ جاز، لأنه إنما انتفع باستيفاء ما هو مستحق له، ولو كان عليه حنطة، فأقرضه ما يشتري به حنطة، يوفيه إياها، لم يكن محرماً لذلك.
وفي كشاف القناع 3/305 قال: ولو أقرض إنسان من له عليه بر، شيئاً يشتريه – أي البر- به ثم يوفيه إياه، جاز العقد بلا كراهة، وفي المستوعب: يكره، وقاله سفيان، قال: أَمَرَّتين؟
وذكر في المبدع 4/211، والفروع 4/206: أنه إذا أقرض غريمه المعسر، أو المفلس ألفاً ليوفيه منه ومن دينه الأول كل وقت شيئاً: جاز. نقله مهنا، ونقل حنبل: يكره.(6/3008)
قال إسحاق: كما قال1.
__________
1 ذكر ابن قدامة في الكافي 2/28: أنه يجوز بيع الثمن في الذمة لمن هو في ذمته، واستدل بحديث ابن عمر رضي الله عنهما "كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم، فنأخذ بدل الدراهم الدنانير، ونبيع بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: "لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما شيء" -.
وقد تقدم تخريج هذا الحديث عند المسألة رقم (1855) .
ولا يجوز بيعه لغير من هو في ذمته، لأنه معجوز عن تسليمه، فأشبه بيع المغصوب لغير غاصبه، وما كان من الدين مستقر، كالقرض فهو كالثمن، ورد مثل ذلك في مجموع الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية 29/517.
وفي الشرح الكبير 2/473 قال: دل حديث ابن عمر على اشتراط القبض في المجلس لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا تفرقتما وليس بينكما شيء".
وورد في الإنصاف 5/110، 111: أنه يجوز بيع الدين المستقر من عين وقرض، ومهر بعد الدخول، وأجرة استوفي نفعها، وفرغت مدتها، وأرش جناية، وقيمة متلف، ونحو ذلك لمن هو في ذمته، وهو المذهب. وعليه أكثر الأصحاب.
وعنه لا يجوز، اختاره الخلال وذكرها في عيون المسائل كدين السلم، قال في الشرح الكبير: والأول أولى.
واستثنى صاحب الإنصاف من ذلك إذا كان عليه دراهم من ثمن مكيل أو موزون باعه منه بالنسيئة، فإنه لا يجوز أن يستبدل عما في الذمة، بما يشاركه المبيع في علة ربا الفضل، نص عليه، ويستثنى أيضاً ما في الذمة من رأس مال السلم إذا فسخ العقد، فإنه لا يجوز الاعتياض عنه إن كان مستقراً على الصحيح.
وقيل: يصح بناء على جواز رهنه، وقد قالوا: يجوز رهن ما يصح بيعه، فإذا باع الدين المستقر في الذمة لمن هو في ذمته، اشترط قبض عوضه في المجلس.(6/3009)
[2241-] قلت: قال سفيان: إذا أقرضت رجلاً قرضاً، دراهم أو دنانير: فلا تأخذن من غيره عرضاً بمالك عليه.
قال أحمد: كما قال.
قال إسحاق: كما قال1.
[2242-] قلت: سئل سفيان عن رجل ابتاع لصاحبه شيئاً، فاستزاده فزاده؟
قال: أما في القضاء، فهو للذي اشترى، ويعلم صاحبه الذي اشتراه له أني2 [ع-150/ب] استزدت كذا وكذا استحب ذلك.
__________
1 ورد في المقنع 2/96، والإنصاف 5/112: أنه لا يجوز بيع الدين المستقر لغير من هو في ذمته، وهو الصحيح من المذهب.
وعنه: يصح، نص عليه، فإن كان الدين نقداً أو بيع بنقد: لم يجز بلا خلاف، لأنه صرف بنسيئة، وإن بيع بعرض، وقبضه في المجلس ففيه روايتان:
عدم الجواز: لأنه غرر، قاله الإمام أحمد.
والجواز: نص عليها في رواية حرب، وحنبل، ومحمد بن الحكم.
2 جملة "الذي اشتراه له أني" ناقصة من نسخة ع.(6/3010)
قال أحمد: أكره أن يستزيد، إنما هي مسألة1.
قلت: فإن استزاده فزاده؟
قال: هو لصاحب البيع.
قلت: سئل: فإذا ابتاع فاستزاد فزاده، ثم وجد عيباً في البيع فرده؟
قال: الزيادة للذي اشترى.
قال أحمد: الزيادة من سبب البيع.
قال إسحاق: كما قال أحمد: يرد الزيادة مع البيع2.
[2243-] قلت: قال سفيان: لا يكون في الوديعة، والبضاعة، والمضاربة، والعارية ضمان.
قال أحمد: العارية مؤداة عن النبي صلى الله عليه وسلم. والوديعة إذا ذهبت من بين متاعه يضمن كما ضمَّن عمر أنساً. والمضاربة هو أمينه، إلا أن يخالف، والبضاعة هو مؤتمن سببه سبب الوديعة3.
__________
1 سبق تحقيق مثل ذلك عند المسألة رقم (1812) .
2 أخرج عبد الرزاق عن الثوري قال: إذا ابتعت بيعاً، فاستزدت شيئاً، ثم وجدت بالبيع عيباً فرددته، فرد الزيادة والبيع جميعاً إلا أن يشاء أن يسلم إليك الزيادة.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الرجل يستزيد في الشراء 8/293.
3 سبق تحقيق ذلك كله عند المسألة رقم (1813) ، (1814) ، (1815) .(6/3011)
قال إسحاق: في كل هذا: لا ضمان، العارية ولا شيء، إلا أن يخالف فيضمن.
[2244-] قلت: قال سفيان: كل شيء، أصله ضمان فاشترط: أن ليس عليه ضمان: فهو ضامن.
قال أحمد: إذا اشترط له فالمسلمون عند شروطهم1.
قال إسحاق: كما قال أحمد2، ألا ترى أن أنس بن مالك بعد ما ضَمَّنه عمرُ الوديعةَ، كان لا يأخذ بضاعة إلا يشترط أنه
__________
1 هذا الحديث تقدم تخريجه في المسألة رقم: (2131) ، أخذ الغلام المؤجر قبل انقضاء مدة الإجارة.
2 قال في المغني 5/164، والشرح الكبير في باب العارية 3/181: وإن شرط نفي الضمان لم يسقط، وبه قال الشافعي، وقال أبو حفص العكبرى يسقط. قال أبو الخطاب: أومأ إليه أحمد. وبه قال قتادة، والعنبري، لأنه لو أذن في إتلافها، لم يجب ضمانها، فكذلك إذا أسقط عنه ضمانها، وقيل: بل مذهب قتادة، والعنبري أنها لا تضمن إلا أن يشترط ضمانها: فيجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان: "بل عارية مضمونة"، ورجح صاحب المغني والشارح عدم لزوم الشرط، لأن كل عقد اقتضى الضمان لا يغيره الشرط كالمقبوض ببيع صحيح، أو فاسد، وما اقتضى الأمانة، فكذلك كالوديعة، والشركة، والمضاربة، وإسقاط الضمان هنا نفي للحكم مع وجود سببه وليس ذلك للمالك.(6/3012)
برىء من الضمن.1
[2245-] قلت: قال سفيان: كل شيء أصله أمانة، [ع-151/أ] فليس على صاحبه ضمان، وإن اشترط أنه ضامن.
قال أحمد: الأمانة على معنى الوديعة والبضاعة.
قال إسحاق: الأمانات كلها مؤداة، لا ضمان فيها2.
__________
1 روى عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: كانت عند أنس بن مالك وديعة فهلكت من بين ماله، فضمنه إياها عمر بن الخطاب، فقال معمر: لأن عمر اتهمه يقول: كيف ذهبت من بين مالك. وفي رواية أخرى عن الشعبي أن عمر قال لأنس: إنك لأمين في نفسي.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الوديعة 8/182.
وأخرجه البيهقي عن أنس في كتاب الوديعة: باب لا ضمان على مؤتمن 6/289، 290.
2 ذكر في الشرح الكبير 3/182: أن كل ما كان أمانة، لا يصير مضموناً بشرطه، لأن مقتضى العقد كونه أمانة، فإذا شرط ضمانه: فقد التزم ضمان مالم يوجد سبب ضمانه، فلم يلزمه كما لو اشترط ضمان الوديعة، أو ضمان مال في يد مالكه، وما كان مضموناً، لا ينتفي ضمانه بشرطه لأن مقتضى العقد ضمانه، فإذا شرط نفي ضمانه: لا ينتفي مع وجود سببه، كما لو اشترط نفي ضمان ما يتعدى فيه، وعن أحمد أنه ذكر له ذلك فقال: المؤمنون على شروطهم، وهذا يدل على نفي الضمان بشرطه، والأول ظاهر المذهب كما ذكرناه.(6/3013)
[2246-] قلت: سئل سفيان عن رجل استودع رجلاً ألف درهم، فجاءه فقال: ادفع إليّ دراهمي، قال: قد دفعتها إليك؟
قال: يصدق1.
فإن قال: أمرتني أن2 أدفعها إلى فلان: فبينته.
قال أحمد: في كلا الأمرين يصدق3.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[2247-] قلت: سئل سفيان عن رجل استودع رجلاً دراهم4، بيضاً
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1985) .
2 في نسخة ع: "لأن".
3 قال في رؤوس المسائل 273: إذا أذن صاحب الوديعة لمن هي عنده، أن يدفعها إلى زيد، فقال: قد دفعتها فأنكر زيد: فالقول قول المودع، لأنه ادعى رفع يده عنها إلى من يجوز له الدفع إليه، أشبه إذا ادعى دفعها إلى مالكها.
وجاء في المحرر 1/364، والفروع 4/484، والمذهب الأحمد 117 مثل ذلك.
وقال في المقنع 2/282، والمبدع 5/243، والإنصاف 6/339: القول قول المودع على الصحيح من المذهب، نص عليه في رواية ابن منصور، وقيل: لا يقبل قوله، قال الحارثي: وهو قوي.
وذكر شارح منتهى الإرادات 2/455: أنه يصدق بيمينه نصا، ولا يلزم المدعى عليه للمالك غير اليمين.
4 في كلا النسختين "دراهم" والصحيح ما أثبتناه.(6/3014)
فخلطها بسود، فهلكت أيضمن؟
قال: لا.
قال أحمد: هذا رجل قد خلط ماله، بمال1 غيره.
قلت: ترى عليه ضماناً؟
قال: إي والله.
قال إسحاق: كما قال أحمد [ظ-68/ب] 2.
[2248-] قلت: قال سفيان إذا أكرى رجل دابة، أو أعار، أو استودع
__________
1 في نسخة ع "بملك".
2 ورد في الفروع 4/483، ومثله في المحرر 1/364: أنه إن خلطها بما لا تتميز منه ضمن، وإن تميز: فلا، على الأصح، وهو المذهب كما في الإنصاف 6/331.
وقيل: لا يضمن وهو ظاهر رواية البغوي، وإن خلطها بمتميز لم يضمن، هذا الصحيح من المذهب نص عليه، وعنه: يضمن، وحملت هذه الرواية على نقصها بالخلط.
وجاء في شرح المنتهى 2/454: لا يضمنها إن خلط بمتميز، كدراهم بدنانير، لأنه لا يعجز به عن ردها، أشبه ما لو تركها في صندوق فيه أكياس له.
قلت: وعلى ذلك فإن خلط الدراهم البيض المودعة، بالسود التي تخص المودع: لا يحول دون تمييزها عن بعض، وإن تلفت من غير تفريط، ولا ريبة: فلا ضمان عليه على الراجح، ولو طلب صاحب الوديعة يمين المودع: فله ذلك إذا لم يكن الهلاك بأمر ظاهر.(6/3015)
شيئاً، فعلى الذي أكرى، أو أعار، أو استودع أن يأخذه من عنده، وليس عليه أن يحمله إليه.
قال أحمد: من استعار شيئاً، فعليه أن يرده من حيث أخذه.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2249-] قلت: رجل أخذ من رجل مالا مضاربة من أين نفقته؟
قال أحمد: المضارب ينفق من مال نفسه، إلا أن يشترط على صاحب المال.
__________
1 ورد في المغني 5/166، والشرح الكبير 3/183: أنه إن كانت العين باقية فعلى المستعير ردها إلى المعير، أو وكيله في قبضها، ويبرأ بذلك من ضمانها، وإن ردها إلى من جرت العادة بجريان ذلك على يديه كزوجته المتصرفة في ماله، ورد الدابة إلى سائسها، فقياس المذهب: أنه يبرأ، لأن أحمد قال في الوديعة: إن سلمها المودع إلى امرأته لم يضمنها، ومؤنة الرد على المستعير لقوله صلى الله عليه وسلم: "العارية مؤداة"، وقوله: "على اليد ما أخذت، حتى تؤديه" - وقد تقدم تخريج هذين الحديثين عند المسألتين رقم (1813) ، (1862) - وعليه ردها إلى الموضع الذي أخذها منه، إلا أن يتفقا على ردها إلى غيره، لأن ما وجب رده إلى موضعه.
وقال شيح الإسلام ابن تيمية في الاختيارات في كتاب البيع: باب العارية 93.
قالوا: تجب على المستعير مؤنة رد العارية، وضمانها إذا تلفت. وهذا دليل على أنه يجب عليه ردها إلى صاحبها كما أخذها منه.(6/3016)
قال إسحاق: كما قال1، إلا أن يكون عمله في المضاربة في سفر يسافره: فإن النفقة حينئذ من المضاربة.
[2250-] قلت: قال سفيان: إذا دفعت إلى رجل ألف درهم مضاربة، فجاء بألفين، فقال: هذا ألف رأس المال، وألف ربح، فقال
__________
1 نص على ذلك في مسائل عبد الله 294.
وذكر ابن المنذر في الإشراف 160: أن المضارب إذا سافر، ينفق بالمعروف إذا شخص بالمال – أي نقل المال معه في سفره – وممن قال به الأوزاعي، وأبو ثور، وإسحاق، وممن رأى ذلك الحسن البصري، والنخعي. وقالت طائفة: نفقته على نفسه، وما أكل من المال، فهو دين عليه، وهو قول ابن سيرين، وحماد ابن أبي سليمان، وبه قال أحمد إلا أن يشترط.
وجاء في المقنع 2/177، والكافي 2/270، والإنصاف 5/440: أنه يجوز للمضارب أن يشترط نفقته وليس ذلك إلا بشرط، وهو المذهب، لأنه دخل على شيء محدد من الربح، فلا حق له في غيره، بلا شرط، إذ لو استحقها لأفضى إلى اختصاصه به حين لم يربح سوى النفقة. وأخرج عبد الرزاق عن قتادة قال في رجل قارض رجلا مالاً، وثبت السفر بينه وبينه، فخرج، على من النفقة؟ قال: النفقة في المال، والربح على ما اصطلحوا عليه، والوضيعة على المال.
وعن ابن سيرين، قال: ما أكل المضارب فهو دين عليه.
وقال إبراهيم النخعي: يأكل، ويلبس بالمعروف. وعن الحسن قال: يأكل بالمعروف.
انظر: المصنف كتاب البيوع: باب نفقة المضارب ووضيعته 8/247.(6/3017)
صاحب المال: مالي ألفان؟
قال: القول قول المدفوع إليه، وبينة صاحب المال أنه دفع ألفين.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال1.
[2251-] قلت: سئل سفيان عن رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربة.
فقال الدافع: دفعت إليك بالثلث، وقال المدفوع إليه: دفعت إليّ بالشطر؟
قال: القول قول الدافع إلا أن يجىء هذا ببينة، وإلا حلف الدافع أنه دفع إليه بالثلث.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال2.
[2252-] قلت: سئل سفيان: إذا اختلفا فقال المدفوع إليه: هذا ربح وقد دفعت إليك رأس المال؟
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (2011) .
2 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (2012) .(6/3018)
قال: بينته أنه دفع رأس المال، وإلا فهذا رأس المال، ويستحلف صاحب المال، أنه لم يقبض رأس ماله.
قال أحمد: نعم.
قال إسحاق: هو كما قال.
[2253-] قلت: رجل دفع إلى رجل مالاً مضاربة، فاشترى أخته، فوقع عليها؟
قال: هي حرة، وعليه العقر.
قال أحمد: إذا كانت حرة فقد ضمن المال، وإذا كان جاهلاً، فليس عليه العقر.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
__________
1 قال القاضى أبو يعلى في كتابه الروايتين والوجهين 391: إذا ابتاع المضارب أبا رب المال، أو ابنه: صح الشراء، وعتق، رواية واحدة، نص عليه في رواية علي بن سعيد، وابن منصور، وهل يضمن لرب المال عوض ذلك؟
ذكر أبو بكر وجهين:
أحدهما: لا ضمان عليه، لأنا قد حكمنا بصحة العقد في حق رب المال.
والثاني: يضمن، وهو أصح، لأنه إذا دفع إليه المال مضاربة، لينميه ويحصل له الربح، وفي هذا الموضع قد أتلف عليه المال، لأنه قد عتق عليه، فإذا قلنا يضمن، قال أبو بكر: في قدر الضمان قولان:
أحدهما: إنه ضامن بالثمن، لأن العدوان فيه حصل.
والثانى: يضمن قيمته، ويكون له من الربح بحصته، لأن الإتلاف حصل بعد حصول الملك للمضارب بسبب من جهته، لأنه إنما يعتق بعد صحة الشراء.
وذكر ابن قدامة في الكافي 2/273، والبهوتى في شرح المنتهى 2/331 صحة شراء من يعتق، وعلى العامل الضمان علم، أو لم يعلم، وقال أبو بكر: إن لم يعلم، لم يضمن لأنه معذور كالذي يشتري معيباً.
وذكر في المقنع 2/174، والإنصاف 5/433 أنه: لا يجوز للعامل أن يشتري من يعتق على رب المال، فإن فعل: صح، وهذا المذهب اختاره أبو بكر، والقاضى، وأنه ظاهر كلام الإمام أحمد.
ويحتمل: أن لا يصح الشراء، والصحيح من المذهب ضمان العامل مطلقاً علم، أو لم يعلم، وقيل: لا يضمن، ولو كان عالما وهو توجيه لأبي بكر. وقد قال في التنبيه: إن لم يعلم لم يضمن وجزم به في عيون المسائل.(6/3019)
[2254-] قلت: المضارب يشترط عليه أن لا يخرج من البلد، فخرج؟
قال أحمد: يضمن.
قال إسحاق: كما قال1.
[2255-] قلت: قال: الشفعة لا تباع، ولا توهب، ولا تورث؟
قال أحمد: نعم.
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1815) .(6/3020)
قال إسحاق: كما قال [ع-151/ب] 1.
[2256-] قلت: رجل أمر رجلاً أن يبني له في أرضه، فيقيم سنة أله أن يخرجه قبل السنة؟
قال أحمد: لا.
قلت: فإذا جاء السنة له قيمة البناء، أو يقلع بناءه؟
قال أحمد: لا، بل له قيمة بنائه إلا أن يكون شرط عليه أن يقلع.
قال إسحاق: كما قال2.
[2257-] قلت: قال ابن أبي ليلى: الرجل يبني في الأرض البناء بغير إذن أهلها، ثم يؤاجرها، قال: الغلة على النصف.
قال أحمد: كما قال.
قال إسحاق: كلما أخذها بغير إذن ربها: فإن النماء كله تبع للأرض3.
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1944) .
2 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (2073) .
3 ورد في الإنصاف 6/136: أن من غصب أرضاً، فبناها داراً بتراب منها، وآلات من المغصوب منه: فعليه أجرتها مبنية، وإن كانت آلاتها من مال الغاصب: فعليه أجرة الأرض دون بنائها، لأنه إنما غصب الأرض والبناء له: فلم يلزمه أجرة ماله، فلو أجرها: فالأجرة لهما بقدر قيمتهما، وذكر رواية ابن منصور هذه.(6/3021)
[2258-] قلت: رجل ابتاع داراً، فقال المشتري: أبتاعها منك، فإن أدرك فيها أحد شيئاً: فعليك مثل ذرعها من دار أخرى؟
قال: لا يكون، هذا الشرط باطل، والبيع جائز.
قال أحمد: إذا اشترط عليه، فقال: أشتري منك هذه الدار، فإن أدرك فيها دارك، فدارك الأخرى بيع لي بثمن هذه: فهذا بيعان في بيعة، لا يجوز.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2259-] قلت: سئل سفيان عن رجل من أهل القرى، جاء فاشتريت منه
__________
1 جاء في المقنع 2/28، والإنصاف 4/349، وشرح منتهى الإرادات 2/163: أن من الشروط الفاسدة في البيع: أن يشترط أحدهما على صاحبه عقداً آخر كسلف، أو قرض، أو بيع، أو إجارة، أو صرف للثمن، أو غيره: فهذا يبطل البيع، وهو الصحيح من المذهب، ويحتمل أن يبطل الشرط وحده، وهي رواية عن الإمام أحمد.
قال المرداوي في الإنصاف: هذه المسألة هي مسألة بيعتين في بيعة المنهي عنها، قاله الإمام أحمد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا".
رواه أبو داود في سننه كتاب البيوع: باب فيمن باع بيعتين في بيعة 3/738.(6/3022)
طعاماً، ولم أر الطعام، ونقدته الثمن؟ فلم ير بذلك بأساً، ولكن لا يسمي أجلاً، فإذا رأيته، فأنت بالخيار، ولا نرى للبائع أن يحرك الثمن، حتى ينظر أيرضى المشتري أم لا.
قال أحمد: لا يحرك الثمن كما قال. والبائع مالك بعد، مالم يكتله المشتري، فإن ربح في الثمن شيئا. فالربح للمشتري.
قال إسحاق: كما قال أحمد سواء1.
__________
1 قال القاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين 294: اختلفت الرواية عن أحمد – رضي الله عنه– في بيع الأعيان الغائبة إذا لم يسبق من المشتري رؤية، ولا صفة، فنقل الجماعة: أنه لا يصح.
قال في رواية الميمونى: البيع بيعان: بيع صفة، وبيع شيء حاضر. فالصفة: هي السلم، وبيع حاضر: فلا يبعه حتى يراه ويعرفه، فهذا يقتضي إبطال البيع.
ونقل حنبل عنه قال: كلما بيع في ظروف مغيب، لم يره الذي اشتراه: فالمشتري بالخيار إذا قبضه إن شاء رد، وإن شاء أخذ، قيل له: فيكون عيباً؟ قال: له الخيار لأنه بيع غرر، فظاهر هذا جواز البيع، وإثبات خيار الرؤية، وقد رجح المرداوي صحة الرواية الأولى.
وقال ابن قدامة في المقنع 2/11: إذا اشترى مالم يره، ولم يوصف له، أو رآه، ولم يعلم ما هو، أو ذكر له من صفته ما لا يكفي في السلم: لم يصح البيع.
وقال في الشرح الكبير 2/322: اختلفت الرواية عن أحمد في بيع الغائب الذي لم يوصف، ولم تتقدم رؤيته. فالمشهور عنه أنه: لا يصح بيعه، وبهذا قال الشعبي، والنخعي، والحسن، والأوزاعي وهو قول إسحاق.
وفيه رواية أخرى: أنه يصح.
ثم قال: ويثبت الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ والإمضاء ويكون على الفور.
وفي الإنصاف 4/295 قال: إذا لم يَرَ المبيع فتارة يوصف له، وتارة لا يوصف له، فإن لم يوصف له: لم يصح البيع على الصحيح من المذهب. وعنه: يصح نقلها حنبل. هذا إذا ذكر جنس المبيع، فإن لم يذكره فلا يصح رواية واحدة. وإن وصف له المبيع، فتارة يذكر له من صفته ما يكفي في السلم، وتارة يذكر ما لا يكفي في السلم، فإن ذكر له ما لا يكفي في السلم: لم يصح البيع على الصحيح من المذهب، وعنه: يصح.
فعلى هذه الرواية، ورواية عدم اشتراط الرؤية: له خيار الرؤية على أصح الروايتين، وله أيضا فسخ العقد قبل الرؤية على الصحيح من المذهب.
وأخرج عبد الرزاق، عن ابن سيرين قال: إذا ابتاع رجل منك شيئاً على الصفة، فلم تخالف ما وصفت له، فقد وجب عليه البيع. قال أيوب: وقال الحسن هو بالخيار إذا رآه. وقال الثوري: كل صفقة وصفت، فإن لم يكن مثلها فصاحبه بالخيار إذا رآه. انظر: المصنف كتاب البيوع: باب البيع على الصفة وهي غائبة 8/44، 46.(6/3023)
قلت: سئل: فإن نظر إلى فوق الطعام، فرضي، ولم يرض الأسفل؟
قال: هذا بالخيار إن شاء أخذ، وإن شاء ترك.
قال أحمد: له الخيار، هذا يدلك على أنه لم يملك بعد شيئاً1.
__________
1 قال في الإنصاف 4/295: يصح البيع بالرؤية، وهي تارة تكون مقارنة للبيع، وتارة تكون غير مقارنة، فإن كانت مقارنة لجميعه: صح البيع بلا نزاع، وإن كانت مقارنة لبعضه، فإن دلت على بقيته: صح البيع نص عليه، فرؤية أحد وجهي ثوب: تكفي فيه إذا كان غير منقوش، وكذا رؤية وجه الرقيق، وظاهر الصبرة المتساوية الأجزاء من حب وثمر ونحوها.(6/3024)
قال إسحاق: هو عندنا على ما عاين أعلاه، وليس له خيار إذا كان أسفله مثله [ظ-69/أ] .
[2260-] قلت: سئل سفيان عن رجل باع شيئاً، فقال: إن لم تحمله غداً فلا بيع1 بينى وبينك؟
قال: لا أرى هذا شيئاً، والبيع جائز.
قال أحمد: هو على شرطه.
قال إسحاق: هو كما قال أحمد2.
__________
1 في نسخة ع: "بيعا".
2 قال ابن قدامة في المغني 3/504: فإن قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث، أو مدة معلومة، وإلا فلا بيع بيننا: فالبيع صحيح نص عليه.
وجاء في أخبار القضاة لوكيع 2/342، والمصنف لعبد الرزاق كتاب البيوع: باب الشراء على الرضى، وهل يكون خيار أكثر من ثلاث 8/54: عن محمد – هو ابن سيرين – أن رجلاً باع من رجل بيعاً فقال: إن لم أجىء يوم كذا وكذا، فلا بيع بيني وبينك، فلم يأته لذلك الوقت، وجاء بعد ذلك فخاصمه إلى شريح، فقال: أنت أخلفته، قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج وقال عطاء: ليس هذا ببيع.
أما الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه فإنهما يريان لزوم الشرط أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلمون على شروطهم".
وقد تقدم تخريج الحديث عند المسألة رقم (2131) .(6/3025)
[2261-] قلت: سئل سفيان عن رجل باع بيعاً، فقال: إن لم تأتني بنقدي غداً، فلا بيع بيني وبينك؟
قال: له شرطه.
قال أحمد: له شرطه.
قال إسحاق: كما قال1.
[2262-] قلت: رجل باع ثوباً بشرط، فمات المشتري؟
قال: يلزمه البيع إلا أن تقوم البينة أنه قد رده.
قال أحمد: جيد2.
__________
1 هذه المسألة تشبه التي قبلها.
2 ورد في المقنع 2/40، والشرح الكبير 2/371 أن من مات منهما في مدة الخيار: بطل خياره في ظاهر المذهب، ولم يورث، ويبقى خيار الآخر بحاله، إلا أن يكون الميت، قد طالب بالفسخ قبل موته: فيكون لورثته. وهو قول الثوري.
وفي الإنصاف 4/393 قال: هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وجزم به كثير منهم، وقيل: يورث كالأجل، وخيار الرد بالعيب، فإنه طالب الميت في حياته: فإنه يورث، نص عليه.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري في رجل باع شيئاً برضى، فسمى المشتري أجلاً يرده فيه، فإن حبسه فوق الشرط الذي ضربه له: فقد لزمه البيع، وإن هلك المشتري في الشرط قبل أن يُعْلَمَ رضي، أو لم يرض لزم ورثته، فإن مات البائع والمشتري في أجله، فهو على شرطه يرده على ورثة البائع إن شاء.
انظر: المصنف لابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب في السلعة تؤخذ على الرضى فتهلك 8/55.(6/3026)
قال إسحاق: كما قال.
[2263-] قلت: قال سفيان، فإن باع ثوباً، بشرط، فمات البائع قبل أن يمضى الأجل، يقال للمشتري: قد صار المال لغيره، فإن شئت فخذ، وإن شئت فرد.
[] قال أحمد: له أن يرد إن شاء، وإن شاء [4-152/أ] أخره إلى الأجل.
[2264-] قلت: فإن قال ورثة البائع: لا نعطيه حتى يمضي شرط المشتري، ليس ذلك للوارث، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك؟
قال أحمد: الخيار للمشتري، ما بينه وبين الأجل.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
__________
1 هذه المسألة كالتي قبلها والتعليق على الأولى يشملها.(6/3027)
[2265-] قلت: قال سفيان في الرجل يبيع الخادمة1، ويشترط خدمتها، نحن نكره هذا، فإن هلكت الخادمة: فهي من مال البائع حتى يسلمها.
قال أحمد: له شرطه، فإن هلكت: فهي من مال المشتري.
قال إسحاق: كما قال أحمد، هو بناء على قول ابن مسعود حين اشترى الجارية من امرأته2.
[2266-] قلت: الرجل يشتري الجارية بشرط. يطأها؟
قال: لا، أليس قال عمر: لا يقربها ولأحد فيها شرط3.
[2267-] قلت: قال سفيان: أكره أن يجيء الرجل إلى الرجل، فيقول: أكرني ثيابك، أو حليك حتى أرهنه، أَجُرُّ لك بها منفعة، فهو قرض جر منفعة.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال4.
__________
1 في نسخة ع: "الخادم".
2 تقدم تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1875) .
3 سبق تخريج قول عمر رضي الله عنه بنفس الصفحة والمسألة السابقة.
4 تقدم بحث مثل هذا عند المسألتين رقم (1836) ، (1853) .(6/3028)
[2268-] قلت: قال سفيان: في رجل قال لرجل: أرهني كذا وكذا، وأعطيك مائة درهم، فأخذ الرهن، فجاء ليزن الدراهم، فسرق الرهن قبل أن يعطيه الدراهم؟
قال: لا يكون رهناً حتى يأخذ الدراهم، ليس عليه فيه ضمان، إلا بشيء قد قبضه.
قال أحمد: ولو قبضه كان من الراهن، لأن ملكه له.
قال إسحاق: كما قال سفيان1.
[2269-] قلت: قال سفيان في رجل جاء إلى رجل فقال: أعرني ثوبك أرهنه، فأعطاه فرهنه، فسرق الثوب؟
قال: كل شيء أخذه من سبب الثوب، ما بينه وبين قيمة الثوب يرده عليه.
قال أحمد: الثوب عارية، هو ضامن حتى يؤديه.
قال إسحاق: كما قال سفيان2.
__________
1 الرهن حينما سرق قبل دخوله في ضمان المرتهن، صار حكمه حكم الوديعة، وقد تقدم أن المودع لا يضمن إذا لم يفرط، عند المسألتين (1814) ، (1952) .
2 تقدم تحقيق ذلك عند المسألتين رقم (1813) ، (1986) .(6/3029)
[2270-] قلت: سئل سفيان عن رجل ارتهن عبداً، فجنى عنده جناية؟
قال: ما جنى، فهو عليه.
قيل: فما على الذي رهنه شيء؟
قال: ما عليه شيء.
قال أحمد: ما على المرتهن شيء.
قال إسحاق: كما قال1.
[2271-] قلت: سئل فإن جنى العبد جناية لا تحيط بثمنه؟
قال: بقدر ذلك.
سئل: أليس يرجع بقدر ذلك على صاحبه؟
__________
1 قال ابن المنذر في الإشراف 155: باب جناية العبد المرهون على غير الراهن والمرتهن. ثم ذكر أقوال العلماء في ذلك، ومنها قول الثوري: إذا ارتهن عبداً، فجنى عنده جناية، فما جنى، فهو عليه، ليس على الذي رهنه شيء.
وجاء في مختصر الخرقي 92، والمغني 4/276، والشرح الكبير 2/524: إذا جنى العبد المرهون، فالمجني عليه أحق برقبته من مرتهنه حتى يستوفي حقه، فإن اختار سيده أن يفديه وفعل: فهو رهن بحاله، وذكر ابن القيم في بدائع الفوائد 4/27: أنه إذا جنى العبد المرهون، قدم المجني عليه بموجب جنايته على المرتهن لاختصاص حقه بالعين بخلاف المرتهن، فإن حقه متعلق بذمة الراهن.
وذكر صاحب الإنصاف 5/178: أن له أن يفديه بأقل الأمرين: من قيمته، أو أرش جنايته على الصحيح من المذهب، وعنه: إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش.(6/3030)
قال: بلى.
قال أحمد: هو على صاحبه.
قال إسحاق: هو كما قال1.
[2272-] قلت: سئل سفيان عن رجل رهن رهناً شيئاً، فقال المرتهن: أعطيتك مائتي درهم، ورهنتني ثوباً. فقال الراهن: دفعت إلي مائة درهم. فالقول قول الراهن، إلا أن يجىء المرتهن ببينة.
قال أحمد: نعم، القول قول الراهن، إذا كان يدعي المرتهن له عليه فضلاً2.
[2273-] قلت: فإن استهلك الرهن، فقال الراهن: رهني ثمن كذا وكذا، وقال المرتهن: ثمن كذا وكذا، فبينة الراهن على رهنه إن كان
__________
1 قال ابن مفلح في الفروع 4/232: وإن جنى الرهن، فله بيعه في الجناية، أو تسليمه ويبطل الرهن، أو فداؤه وهو رهن، وإن نقص الأرش عن قيمته، فهل يباع بقدره، أو كله والفاضل عن الأرش رهن؟ فيه وجهان ذكرهما المرداوي في تصحيح الفروع: أحدهما: يباع بقدره، وباقية رهن. وهو الصحيح.
وقال في الإنصاف 5/ 178: هذا المذهب.
والثاني: يباع جميعه، ويكون باقي ثمنه رهناً، وهذا هو الصواب، ولعله مراد الجماعة.
2 سبق تحقيق ذلك عند المسالة رقم (1951) .(6/3031)
يساوي كذا وكذا، وإلا فالقول قول المرتهن.
قال أحمد: إن ما يذهب من الراهن، ويرجع المرتهن بحقه على الراهن.
قال إسحاق: القول قول الراهن، لأن المرتهن إنما يفر مما يخشى من ذهاب حقه، فهو في الأصل [ع-152/ب] المدعي للزيادة: فعليه البينة1.
__________
1 قال في الإشراف 151: باب قيمة الرهن، وإذا اختلف الراهن والمرتهن في قيمته – أي قيمة الرهن – إذا تلف في قول من يضمنه القيمة، فالقول قول المرتهن مع يمينه، هكذا قول الثوري، وعبيد الله بن الحسن، وأصحاب الرأي.
وقال الشافعي، وأحمد: لا شيء على المرتهن إلا أن يتلف في جنايته، فيكون القول قول المرتهن الغارم مع يمينه.
وفي مختصر الخرقي 92، وكشاف القناع 3/340 قالا: القول قول المرتهن مع يمينه.
وذكر ابن قدامة في المغني 4/299: أن الرهن إذا تلف في الحال التي يلزم المرتهن ضمانه، وهي: إذا تعدى، أو لم يحرز: فالقول قول المرتهن مع يمينه، لأنه غارم، ولأنه منكر لوجوب الزيادة على ما أقر به، والقول قول المنكر.
وأخرج عبد الرزاق، عن إبراهيم النخعي قال: فإن هلك الرهن: فالقول قول المرتهن، إلا أن يأتي الراهن بالبينة على قيمة رهنه، قال سفيان: وأصحابنا يقولونه. انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب اختلاف المرتهن والراهن إذا هلك أو كان قائماً 8/243.(6/3032)
[2274-] قلت: سئل سفيان: فإن استأجرت دابة من رجل، ورهنته ثوباً، فهلك الثوب، أو الدابة1؟ فليس على واحد منهما شيء، إلا أن يرهنه بدرهم قد ذاب عليه.
قال أحمد: الثوب رهن بدرهم، ويهلك من مال الراهن، والدابة من مالكها، إلا أن يكون خالف، أو جاوز بها المكان الذي استأجرها إليه [ظ-69/ب] .
قال إسحاق: كما قال سفيان، ولا يكون في الدابة ضمان إلا أن يخالف2.
[2275-] قلت: قال سفيان: إذا رهنت رهناً، فدفعت إليه بعض الذي له، أو كله، فسرق الرهن الذي له رد الذي لك، لأنه مضمون، ولا يضره، سرق الرهن قبل، أو بعد، أو دفعت إليه قبل أو بعده.
قال أحمد: يهلك الرهن من الراهن3 إلا أن يجىء خلافٌ من
__________
1 هكذا وردت في جميع النسخ، ويظهر أن هناك كلمة ناقصة، وهي: "قال" - أي سفيان -.
2 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1864) .
3 في الأصل "الدرهم".(6/3033)
المرتهن، أو يكون استعمله أو رهنه، أو مَلَّكَهُ غيره.
قال إسحاق: كما قال سفيان1.
[2276-] قلت: قال سفيان: إذا رهنت رهناً، فأتيته ببعض حقه، فقلت: خذ مني وأعطني بحساب ذلك، فليس ذلك للراهن أن يأخذ حتى يوفيه كله.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال2.
__________
1 أخرج عبد الرزاق، عن الثوري في رجل رهن رجلاً رهناً، فأعطى الراهن بعض الحق، ثم هلك الرهن، قال: يرد ما أخذ من الحق، قال: وبه نأخذ. وعن معمر قال: سئل قتادة عن رجل رهن خلخالين فهلك أحدهما؟ قال: حقه في الباقي منهما. وعن إبراهيم قال: في الرهن إذا كان أكثر، ثم ذهب منه شيء، ذهب من الحق بقدر ما ذهب من الرهن، وإذا كان الحق أكثر: ذهب من الحق الذي ذهب من الرهن. انظر: المصنف كتاب البيوع: باب الرهن يهلك بعضه أو كله 8/241، 242.
2 قال ابن المنذر في الإشراف ورقة 156: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن من رهن شيئاً بمال، فأدى بعض المال، أو أراد إخراج بعض الرهن أن ذلك ليس له، ولا يخرج من الرهن شيئاً حتى يوفيه آخر حقه، أو يبرئه من ذلك. وذكر أن إسحاق، والثوري ممن قال بذلك. ثم علل: بأن الرهن وثيقة بحق، فلا يزول إلا بزوال جميعه، كالضمان والشهادة.
وفي مختصر الخرقي ص 91: إذا قضاه بعض الحق: كان الرهن بحاله على ما بقي.
وزاد ابن قدامة في المغني 4/270 قائلاً: لأن حق الوثيقة يتعلق بالرهن جميعه، فيصير محبوساً بكل الحق، وبكل جزء منه لا ينفك منه شيء، حتى يقضى جميع الدين سواء كان مما يمكن قسمته أو لا يمكن.
ومثل ذلك جاء في المقنع 2/106، وفي الإنصاف 5/160: ذكر أنه لا ينفك شيء، من الرهن حتى يقضي جميع الدين، بلا نزاع، حتى لو قضى أحد الوارثين ما يخصه من دين برهن، وفي شرح المنتهى 2/237 مثل ذلك.
وذكر ابن رجب في القواعد الفقهية ص 252/ق 113 أن أحمد نص في رواية مهنا على أن الشريكين إذا رهنا داراً لهما، في دين عليهما معاً، وقضى أحدهما ما عليه، ولم يقض الآخر: أن الدار رهن على ما بقي.
وفي شرح معاني الآثار للطحاوي 4/104 قال: وليس للراهن أخذ الرهن منه حتى يوفيه دينه، وأجمعوا أن للمرتهن حبسه حتى يستوفي الدين.(6/3034)
[2277-] قلت: قال سفيان: والرهن قيمته يوم دفعه، ولا يؤخذ بأكثر من ذلك إذا هلك.
قال أحمد: الرهن من الراهن.
قال إسحاق: كما قال سفيان1.
[2278-] قلت: قال سفيان: الرهن إذا كان بأكثر، كان بما فيه، وإذا كان بأقل رد الراهن الفضل.
قال أحمد: الرهن من الراهن.
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (2273) .(6/3035)
قال إسحاق: يترادان الفضل، هذا أصح المذاهب1.
[2279-] قلت: قال سفيان: لو أن الراهن قال للمرتهن: إِلْبَسْهُ، أو أَعِرْهُ، أو أَكْرِهِ، فقد خرج من الضمان، والرهن؟
قال أحمد: له أن يكري بإذن الراهن، فإذا رجع إليه صار رهناً، ويكون الكراء للراهن، فإذا قال: إِلْبَسْهُ لم يجز له أن يلبسه إذا كان يأخذ الفضل، ويأخذ حقه، هو رهن على حاله، فإذا قال له: أعره فأعاره، ثم رجع إليه: فهو رهن على حاله،2 وإذا قال
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند قوله "فسر لي أمر الرهن" عند المسألة: (1961) حيث أطال إسحاق الكلام فيها.
2 ذكر ابن المنذر في الإشراف 156: اختلاف العلماء في الرهن المقبوض يؤاجره المرتهن بأمر الراهن. ففي قول ابن أبي ليلى ومن معه: لا يكون ذلك إخراجاً من الرهن. وقال الثوري وغيره: إذا فعل ذلك بأمر الراهن: خرج من الرهن. قال ابن المنذر: والأول أصح.
وقال في الإنصاف 5/151: لو أجَّر الرهن، أو أعاره للمرتهن أو غيره بإذنه: فلزومه باق على الصحيح من المذهب، وعنه: يزول لزومه، رجحه القاضى، واختاره أبو بكر، وفي المحرر 1/335 مثل ذلك.
ثم ذكر صاحب الإنصاف رواية ابن منصور هذه.
وقيل: إن زادت مدة الإجارة على أجل الدين: لم يصح بحال.
أما ابن قدامة في المغني 4/249 فإنه يقول: إذا أخرجه المرتهن من يده باختياره: زال لزوم الرهن، وبقي العقد كأن لم يوجد فيه قبض، سواء أخرج بإجارة، أو إعارة، أو إيداع أو غير ذلك، فإذا عاد فرده إليه عاد اللزوم، بحكم العقد السابق، ثم ذكر روايتين لابن منصور عن أحمد:
إحداهما: إذا ارتهن داراً، ثم أكراها صاحبها: خرجت من الرهن، فإذا رجعت إليه صارت رهناً.
والأخرى: فيمن رهن جارية ثم سأل المرتهن أن يبعثها إليه لتخبز لهم، فبعث بها فوطئها: انتقلت من الرهن، قال أبو بكر: لا يكون رهناً في تلك الحال، ويستدل ابن قدامة على استدامة قبض الرهن – ما بقي شيء من الدين – بقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ] سورة البقرة آية 283 [.(6/3036)
له1: "ضعه على يَدي عدل2"، فهو مقبوض للمرتهن3، فإن
__________
1 كلمة "له" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع "ضعه على رجل، فوضعاه على يدي عدل".
3 قال في الإشراف 151: باب العدل يقبض الرهن. قال ابن المنذر: إذا قبض العدل الرهن، فهو مقبوض في قول عطاء، وعمرو بن دينار، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق.
وفي المقنع 2/107، والإنصاف 5/163: وإن شرط في الرهن جعله على يدي عدل: صح، وقام قبضه مقام قبض المرتهن بلا نزاع.
واشترط في شرح منتهى الإرادات 2/238، وكشاف القناع 3/331: أن يكون العدل جائز التصرف، فإذا قبضه: قام مقام قبض المرتهن.
وورد في المغني 3/263 مثل ذلك، وذكر أنه قول جماعة من الفقهاء، وهم الذين ذكرهم ابن المنذر مع غيرهم. وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحارث، والحكم أنهما كانا لا يريان بأساً بالرهن إذا كان على يدى عدل مقبوضاً. وعن الشعبي قال: هو رهن.
انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية: باب في الرهن إذا كان على يدي عدل أيكون مقبوضا 6/404.(6/3037)
مات الراهن، أو أفلس1، كان المرتهن أحق به من الغرماء2.
قال إسحاق: كما قال3.
__________
1 في نسخة ع "المفلس" وهو خطأ.
2 في الأصل "الغرباء".
3 قال الخرقي في مختصره 93: والمرتهن أحق بثمن الرهن من جميع الغرماء حتى يستوفي حقه حياً كان الراهن أو ميتاً.
وقال أبو يعلى في الروايتين والوجهين 364: اختلفت الرواية إذا مات الراهن مفلساً، وعليه دين، هل يكون المرتهن أحق به، أم يكون أسوة الغرماء؟ فنقل أبو طالب، وابن منصور: المرتهن أحق به من الغرماء. ونقل أحمد بن سعد: المرتهن أسوة الغرماء.
وصحح القاضي الرواية الأولى، لأن المرتهن لم يرض بذمة من عليه الحق، وإنما دخل ليتعلق حقه بذمته، وبعين ماله، فلهذا قدم على الغرماء بكل حال.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن الشعبي، والحسن البصري، وعطاء، وسالم: إن قبض المرتهن ثم مات الراهن وعليه دين: فهو أحق به من الغرماء.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الرهن إذا وضع على يدي عدل يكون قبضاً 8/241، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية: باب من قال إذا كان الرهن عند المرتهن، فهو أحق به من سائر الغرماء 7/222.(6/3038)
[2280-] قلت: سئل سفيان عن رجل ارتهن داراً ثم أكراها من صاحب الدار؟
قال: قد خرجت من الرهن إذا أخذ فضل غلة.
قال أحمد: هذا ردها إلى مالكها الأول، لا تكون رهناً حتى ينقضي كراء ذلك، فإذا انقضى كراه رجعت إليه، صارت رهناً.
قال إسحاق: كما قال أحمد.
[2281-] قلت: قال سفيان في رجل ارتهن عبداً، فقام إلى سيده فقتله؟
قال: كل شيء أصابه من سيده، فليس على المرتهن منه شيء، هو ماله بعضه في بعض.
قال أحمد: هو كما قال، وهو رهن على حالته.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
__________
1 قال في المغني 4/277، والشرح الكبير 2/525: إن كانت الجناية على سيد العبد، فلا يخلو من حالتين:
إحداهما: أن تكون الجناية غير موجبة للقود، كجناية الخطأ، وشبه العمد وإتلاف مال، فيكون هدراً لأن العبد مال لسيده، فلا يثبت له مال في ماله.
الثاني: أن تكون موجبة للقود – إلى أن قال – فإن أحب أن يقتص فله ذلك، وعليه قيمته تكون رهناً مكانه، وقضاءاً عن الدين، لأنه يخرجه عن كونه رهناً باختياره، فكان عليه بدله كما لو أعتقه.
قال الشارح: ويحتمل أن لا يجب عليه شيء، لأنه اقتص بإذنه، فكأنه اقتص بإذن الشارح، فلم يلزمه شيء كالأجنبي.
وفي القواعد الفقهية لابن رجب ص 90/ ق 45 نقل عن القاضي في خلافه: أن ظاهر كلام الإمام أحمد جواز عتق الراهن واقتصاصه من أحد عبيده المرهونين إذا قتله الآخر.
وفي المقنع 2/112، والإنصاف 5/182، 184 قال: فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة – أي إما قيمة الجاني، أو الرهن – تجعل مكان الرهن. وهو المذهب نص عليه في رواية ابن منصور، حكمه حكم ما إذا كانت الجناية على العبد المرهون، من أجنبي واقتص السيد.
قال ابن رجب: إن عتقه يوجب ضمان قيمته، يكون رهناً، لأن فيه إسقاطاً لحقه القائم في العبد بغير رضاه.
وقيل: لا يلزمه شيء، وهو تخريج في المغني والشرح.(6/3039)
[2282-] قلت لأحمد: قال سفيان في رجل رهن عبداً، من رجل فقتل العبد عمداً، فاقتص السيد من الذي قتله: فليس للمرتهن شيء، قد ذهب الرهن بما فيه إلا أن يكون للمرتهن فضل، يعني: عن قيمة العبد.
قال أحمد: يؤخذ السيد برهن يكون قيمة العبد، ويقتص من العبد.(6/3040)
وقال أحمد: مثله لو أن الراهن [ع-153/أ] أعتق العبد جاز عتقه، ويؤخذ للمرتهن بمثل قيمة العبد يكون رهناً عنده.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
__________
1 روى أبو داود في مسائله 207 أنه سئل – أي الإمام أحمد – عن رجل رهن غلامه ثم أعتقه؟ قال: جاز عتقه، وعلى الراهن قيمته – أي رهناً مكانه –، وذكر ابن المنذر في الإشراف 155 قول سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، كما ورد في المسألة.
وقال الخرقي في مختصره 92: إذا جرح العبد المرهون، أو قتل: فالخصم في ذلك سيده، وما قبض بسبب ذلك من شيء فهو رهن.
وجزم في رؤوس المسائل 243 على منع السيد من القصاص إذا لم يأذن المرتهن بذلك، لأن فيه إبطال حق المرتهن، فلا يملكه الراهن كما لو أراد بيعه.
وذكر المروزي في اختلاف العلماء 108 قول إبراهيم النخعي، وأحمد: العتق جائز ويؤخذ الراهن برهن يكون قيمته العبد فيكون رهنا بدله.
وجاء في المغني 4/280، والشرح الكبير 2/527 مثل قول الخرقي ثم فصّل قائلاً: إن كانت الجناية موجبة للقصاص، فللسيد القصاص، لأنه حق له، فإن اقتص أخذت منه قيمة أقلهما قيمة، فجعلت مكانه رهناً. نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهذا قول إسحاق، ويتخرج: أن لا يجب عليه شيء، لأنه لم يجب بالجناية مال ولا استحق بحال، وليس على الراهن أن يسعى للمرتهن في اكتساب مال.
قال في المقنع 2/112، والإنصاف 5/182: للسيد القصاص، هذا المذهب مطلقاً، وقيل: ليس له القصاص إلا برضى المرتهن، فإن اقتص، فعليه قيمة أقلهما قيمة، تجعل مكانه – يعني يلزمه الضمان – وهذا المذهب نص عليه في رواية ابن منصور.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قوله: عِتْقُ العبد جائز يتبع المرتهن الراهن، وعن سفيان: مثله، وزاد: وإن كان السيد موسراً أتبع المرتهن السيد بالرهن.
انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية: باب الراهن يرهن العبد فيعتقه 6/589.(6/3041)
[2283-] قلت: قال سفيان: فإن أخذ السيد الدية: يأخذ المرتهن ثمن رهنه.
قال أحمد: تؤخذ ديته فتكون رهناً إلى الوقت الذي تبايعا.
قال إسحاق: كما قال، لأنه عوض من ثمنه.
[2284-] قلت: سئل سفيان عن رجل وضع رهناً، على يدي صاحبه بحق له، فقال: إن جئت إلى كذا وكذا، وإلا فبع ما في يديك، واستوف حقك؟
قال سفيان: لا يعجبني أن يبيع لنفسه، وإن كان على يدي غيره أحب إليّ، وإن باعه كما أمره: فبيعه جائز.
قال أحمد: بيعه جائز إذا وكله ببيعه.
قال إسحاق: كما قال أحمد1، ويكره له أن يكون أمين نفسه
__________
1 هذه المسألة تدخل في باب الوكالة، وقد ذكر القاضى أبو يعلى في الروايتين والوجهين 399، 400 روايتين عن أحمد في الوصى، والوكيل، وأمين الحاكم هل لهم الشراء من أنفسهم؟
الأولى: نص فيها على المنع، نقلها مهنا، والبرزاطى في الوصي: لا يشتري من مال اليتيم ولا يبيعه شيئاً، ونقل حرب، وأبو طالب: أن الوكيل لا يشتري ولا يشارك إنما وُكِّلَ في بيعه، وبهذا قال الخرقي في مختصره 99.
والثانية: ظاهرها الجواز، نقلها جعفر بن محمد، وإسحاق بن إبراهيم، وحنبل، وقيدت بما إذا زاد على السوم، أو أنه إذا أراد شراء سلعة يوكل رجلاً، ولا يعقد هو لنفسه فيأخذ بإحدى يديه من الأخرى.
قال في المقنع 2/152، والإنصاف 5/375: ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه. هذا المذهب وعليه الجمهور.
وعنه: يجوز كما لو أذن له على الصحيح إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء، أو وكل من يبيع – حيث جاز التوكيل – وكان أحد المشترين.(6/3042)
حتى يؤمر بذلك، فإن فعل جاز.
[2285-] قلت: قال سفيان: إذا كانت دار بين اثنين، فقال أحدهما: أبيعك نصف هذه الدار؟ قال: لا يجوز، إنما له الربع من النصف، حتى يقول: نصيبي.
قال أحمد: هو كما قال.
قال إسحاق: إذا قال: أبيعك نصف هذه الدار يريد بيع حصته وهو النصف1، وعلم المشتري إرادته: جاز ذلك2.
__________
1 جملة "وهو النصف" ناقصة من نسخة ع.
2 تقدم تحقيق مسألة مماثلة لهذه المسألة عند المسألة رقم (2088) .(6/3043)
[2286-] قلت: سئل عن رجل1 يلتمس من رجل بيعاً بألف درهم نسيئة، إلى سنة2 فكره أن يبايعه، فدفع إلى3 رجل ألف درهم، فقال: ابتع به حريرا وبعه من فلان إلى سنة، واكتب الصك عليّ وعليه، وأكون أنا ضامناً4 كفيلا عليه5 [ظ-70/أ] والمال والربح هو لي6.
البيع جائز في القضاء.
قال: فترى في الربح شيئاً فيما بينه وبين الله عز وجل؟
قال: لا بأس بالربح.
قال أحمد: لا بأس بالربح7.
__________
1 في نسخة ع: "عم جاء".
2 عبارة "إلى سنة" ناقصة من ع.
3 في نسخة ع: "إليه".
4 في نسخة ع: "ضامنا له".
5 في نسخة ع: "عنه".
6 هكذا جاء في كلتا النسختين، ولعل الصواب هكذا: المال والربح هو لي؟ قال: البيع جائز في القضاء.
7 بيع النَّساء في ما لا يدخله ربا الفضل كالثياب، والحيوان: جائز. وهو الصحيح من المذهب سواء بيع بجنسه، أو بغير جنسه، متساوياً، أو متفاضلاً، هكذا ورد في المقنع 2/74، والإنصاف 5/42.
قلت: وهذه الصورة تضمنت توكيل الرجل الذي دخل بين البيعين وهو جائز، وما فعله صاحب المال من إخفاء حقيقة أمره لا يؤثر على صحة البيع، غير أنه قد أسقط حقه في مطالبة المشتري عند حلول الدين، إلا بصفته كفيلاً، وهنا يرد إشكال: وهو أن الوسيط لو تنازل عن الدين أو ادعاه لنفسه، فإن حق المالك الحقيقي سيضيع، ولا إثبات له على ذلك، وهو بهذا يعتبر في حكم المفرط.
ونحن نرى اليوم بعض الناس، يتعاملون بمثل ذلك، فيقعون في المحذور، فكثير من المتاجر والمؤسسات تنشأ بأسماء أناس لا علاقة لهم أصلا بتكوينها لأن الذي أنشأها، وصرف المال عليها، ويعمل بها: زيد من الناس، بينما تسجل في دواوين الحكومة، وتعلن على الملأ باسم عمرو، ولهذا فقد وقعت منازعات وخصومات بسبب تسلط المالك بالاسم على المال، ولم يستطع المالك الحقيقي أن يثبت ملكيته: فضاع حقه، وهذا يحصل كثيراً مع الوافدين الذين يتاجرون بأسماء بعض أفراد الرعية، ممن يعصون ولي الأمر ولا يلتزمون بأوامره.(6/3044)
قال إسحاق: كما قالا.
[2287-] قلت: قال سفيان: لا تستقيم المفاوضة بالثلث، والربع، حتى يكون مال هذا مثل مال هذا.
قال أحمد: تفاوضهما يكون فيما يُظْهِرَان فإن أظهرا أن كل واحد منهما شريك في جميع ما يستفيد صاحبه، كان كما اشترطا1.
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1957) .(6/3045)
[2288-] قلت: سئل عن شريكين متفاوضين، وسوس أحدهما سبعة عشر عاماً؟
قال: هما على شركتهما حتى يموت ميت، أو يفرق بينهما القاضي.
قال أحمد: إذا وسوس، فهو مثل الميت، يخرج نصيبه ويسلمه إلى وليه.
قال إسحاق: كما قال سفيان إلا أن يحكم في ذلك سلطان1.
[2289-] قلت: رجل باع ثوبا بعشرة دراهم بنقد، ولم ينتقد الثمن، فقال للمشتري: تعطينيه بعشرين؟
__________
1 قال في المقنع 2/184، والإنصاف 5/461: إنه إذا مرض أحد الشريكين في شركة الأبدان، فالكسب بينهما، وإن ترك العمل لغير عذر، فلا يكون الكسب بينهما، وهو أحد الوجهين، والوجه الثانى: يكون الكسب بينهما وهو الصحيح من المذهب.
قلت: وباعتبار أن شركة المفاوضة لا تخرج عن شركة العنان، والوجوه، والأبدان، والمضاربة: فإن ما قيل عن شركة الأبدان، ينطبق على شركة المفاوضة، فإن بلغت الوسوسة حداً، تتعطل معه منافع الشريك بحيث يصبح شأنه شأن المجنون، والمريض مرضاً مزمناً: فإن بقاء الشركة، على حالها دون تراضٍ منهما، فيه ضرر على السليم منهما بسبب تحمله أعباء الشركة، وقيامه عليها، وتنميتها مع تقييد يده من التصرف، في ماله المشترك على غير الوجه المعروف بين الشركاء.(6/3046)
قال: هذا مكروه، من أجل أنه لم ينتقد.
قال أحمد: ليس بهذا بأس.
قال إسحاق: إذا كان البيع منهما على الرغبة جاز، إنما يكره الخداع1.
__________
1 هذه المسألة شبيهة بمسألة العينة، وتتحقق متى أخذ المشتري السلعة بأقل مما باعها به، لأنها إن كان البيع نسيئة: فهو رباً، وإن كان بالنقد، ولم ينقد: ففيه تهمة بأنه قرض جر منفعة، جاء على صورة بضاعة يكسب فيها البائع من المقترض، ويكون له بذمته دراهم أكثر من قيمتها الحقيقية، أما إذا لم تكن ثَمَّةَ مواطأة على مثل ذلك، بل كان المشتري قادراً على تسليم ثمن السلعة، ولكن البائع عاجله، فطلبها منه بزيادة: فلا مانع من ذلك، باعتبار أن غير المكيل والموزون من ضمان المشتري إذا أبقاه عند البائع بعد العقد.
أخرج عبد الرزاق بسنده عن عمرو بن مسلم قال: سألت طاوساً عن رجل باع من رجل متاعاً، أيشتريه منه قبل أن ينقده؟ فقال: رخص فيه ناس، وكرهه ناس، وأنا أكرهه.
وقال عبد الرزاق: سألت الثوري عن رجل يبيع الدابة بالنقد ثم يريد أن يبتاعها بأقل مما باعها قبل أن ينتقد؟ فقال: أخبرني الشيبانى، عن الشعبي، والأعمش، عن إبراهيم: أنهما كرهاه.
وعن معمر قال: سألت حماداً عن رجل اشترى من رجل سلعة، هل يبيعها منه قبل أن ينقده بوضيعة؟ قال: لا، وكرهه حتى ينقده.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن إبراهيم النخعي في الرجل يبيع السلعة بالنقد، ثم يشتريها بأقل مما باعها قبل أن ينقده، فكره ذلك.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الرجل يبيع السلعة ثم يريد شراءها بنقد 8/186، 188، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية: باب الرجل يبيع السلعة بالنقد ثم يشتريها 6/593.(6/3047)
[2290-] قلت: قال سفيان في رجل اشترى زوج نعال، أو مصراعين1 فقبضهما، فجاء يدعي في أحد الفردين عيباً؟
قال: كل شيء من هذا النحو زوج: يأخذه جميعاً، أو يرده جميعاً، لأنه ضرر يضر بصاحبه، فإن كان فرداً لا يضر به: فلا بأس أن يرده.
قال أحمد: ما أحسنه.
قال إسحاق: كما قال2.
[2291-] قلت: قال سفيان في رجل باع ثوباً، فمات المشتري قبل أن ينقده شيئاً، فجاء البائع فقال: قد بعت من أبيكم ثوباً، ولم آخذ الثمن، وأقام البينة أنه باعه ثوباً، ولا يدرون ما الثمن؟
قال: أما الثوب فقد باعه ليس له ثوب، وأقر البائع بالبيع [ع-153/ب] ليس له ثمن إلا أن يقيم البينة على ثمن الثوب، دراهم
__________
1 قال في المصباح 400 المصراع في الباب: الشطر، وهما: مصراعان.
2 سبق تحقيق مثل ذلك عند المسألة (1801) .(6/3048)
معلومة.
قال أحمد: جيد إلا أن يكون الثوب بعينه، فله قيمة الثوب. فإذا استهلك الثوب، وصف الشاهدان الثوب، ثم تقام تلك الصفة: فيرجع بها على الصفة، وإذا (كان لا يصفون) 1 الثوب فعلى ما قال سفيان.
قال إسحاق: كما قال أحمد2.
[2292-] قلت: سئل: فإن قال الميت: ابتعت هذا الثوب من فلان، ولم أنقده الثمن؟
قال: هو سواء ليس له شيء، إلا أن يجىء بالبينة على ثمن الثوب.
قال أحمد: إذا كان الثوب بعينه: له قيمة الثوب، وإذا استهلك: وصف الشاهدان الثوب، ثم تقام تلك الصفة، فيرجع بها على الصفة.
__________
1 في الأصل "كانوا لا يصلون إلى". والمثبت من ع.
2 هذه المسألة تندرج تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي …" وقد تقدم تحقيق ذلك عند المسألة رقم (2059) .(6/3049)
قال إسحاق: معناهما واحد1.
[2293-] قلت: سئل سفيان عن رجل باع ثوباً بشرط، وسمّى الثمن فجاء بثوب، فقال: هذا ثوبك. وقال صاحب الثوب: ليس هذا
__________
1 ورد عن أحمد روايتان في صحة إقرار الإنسان في مرض الموت لأجنبي – كما جاء في الروايتين والوجهين ص 405 -:
إحداهما: لا ينفذ إقراره، لأنه إقرار في مرض الموت بحق في ماله، فلم يصح، كما لو أقر لوارث، قال في رواية ابن منصور: إذا قال: فرسي هذا لفلان، فإقراره جائز إذا كان صحيحاً، وإن أقر وهو مريض فلا.
وفي مسائل صالح – ورقة 21 – قال: سألت أبي عن رجل قال عند وفاته: لفلانة ابنتى عليّ ألفي درهم وسبعمائة درهم، هل يجوز ذلك؟ قال: إن كان يعرف ذاك أو كان لها بينة في حياة منه وصحة: فلها ذاك، وإلا فلا يجوز.
وفي المقنع 3/726، والإنصاف 12/134 قال: وإن أقر لمن لايرثه صح في أصح الروايتين، وهو المذهب، والأخرى: لا يصح بزيادة على الثلث، وعنه: لا يصح مطلقاً.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن شريح في رجل كان يطالب رجلاً بدين، فمات المطلوب.
فقال شريح: بينته على أصل حقه، والبراءة على أهل المتوفي أن صاحبهم قد برىء، أو يمين الطالب أنه مات يوم مات والحق عليه.
انظر: المصنف كتاب البيوع والأقضية: باب الرجل يطالب فيموت 7/344.
الثانية: يصح إقراره وهو اختيار الخرقي، حيث ذكر في مختصره ص 100 أن الإقرار في مرض موته، كالإقرار في الصحة إذا كان لغير وارث.(6/3050)
ثوبى: فالقول قول الذي جاء بالثوب.
قال أحمد: جيد1.
قال إسحاق: كما قال.
[2294-] قلت: سئل: فإن ذهب بالثوب بشرط أن يريه أهله، فهلك الثوب؟
قال: يضمن2.
[2295-] قلت3: فإن ذهب بالثوب بغير ثمن. وقال: إن رضيته ساومتك به بعد، فذهب؟
قال: ليس عليه شيء.
قال أحمد: إذا ذهب به على الثمن، فقد4 ملكه ضَمِنَ الثمن، وإذا
__________
1 تقدم الكلام بالتفصيل عن اختلاف المتبايعين عند المسألة (2045) .
وقال في المقنع 2/57، والإنصاف 4/449: فإن اختلفا في صفتها -أي صفة العين- فالقول قول المشتري بلا خلاف.
2 تقدم الكلام على مثل ذلك عند المسألتين (2185) ، (2186) .
3 كلمة "قلت" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع "فهو".(6/3051)
ذهب به على غير ثمن، فليس عليه شيء، إلا أن يكون1 في حديث عمر حين أخذ الدابة لينظر إليها، لم يكن بين الثمن.
قال إسحاق: عليه القيمة، إذا أخذه مساومة بناء على قول عمر2.
[2296-] قلت: سئل سفيان عن الرجل يبيع البيع3 بشرط، ولا يسمي أجلاً؟
قال: لا يعجبني، حتى يسمي يوما أو يومين.
قال أحمد: إذا لم يسم، أي شيء يكون؟ إذا سَمَّى هو أحسن.
قال إسحاق: لابد من أن يجتمعا على شيء4 معلوم5.
[2297-] قلت: قضى عمرو بن حُرَيْثٍ6 في رجل باع سلعة، ولم
__________
1 كلمة "يكون" ناقصة من نسخة ع.
2 تقدم الكلام على ذلك عند المسألة رقم (2186) .
3 كلمة "البيع" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع: "أجل".
5 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (2058) .
6 عمرو بن حُرَيْث بن عمر بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشى، المخزومي، صحابي صغير، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاثة عشر عاماً، واستخلفه بشر بن مروان على الكوفة في عهد عبد الملك مات سنة 78 هـ. وقيل 85 هـ، أخرج له الستة.
انظر: تاريخ خليفة بن خياط ص 277، والتهذيب 8/18، والتقريب 2/67.(6/3052)
يقبض، ونقد بعض الثمن وارتهنها ببعض فماتت؟
قال: هي رهن بما بقي.
قال أحمد: إذا قال: لا أسلمها حتى تجيء بالثمن، فماتت في يده: فهو ضامن.
قال إسحاق: كما قال1.
[2298-] قلت: قال سفيان: لا حمالة، ولا كفالة2 للعبد حتى يأذن له
__________
1 سبق تحقيق مثل ذلك عند المسألة رقم (1873) .
2 الكفالة، والحمالة، والضمان كلها ألفاظ متقاربة المعنى.
قال في المصباح المنير 649: كفلت بالمال، وبالنفس كفلا من باب قتل، والإسم الكفالة، وقيل: كفلته وكفلت به وعنه: إذا تحملت به، وتكفلت بالمال: التزمت به، وألزمته نفسى، وتحملت به.
وفي الإنصاف 5/190 قال: يصح الضمان بلفظ: ضمين، وكفيل، وقبيل وحميل. وجاء في حديث ابن عباس: أن رجلا لزم غريما له بعشرة دنانير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندى شيء أعطيكه. فقال: والله لا أفارقك حتى تقضيني، أو تأتيني بحميل. وفيه، فقال صلى الله عليه وسلم: "كم تستنظره؟ فقال شهرا، فقال: أنا أحمل له". الحديث.
انظر: سنن ابن ماجه كتاب الصدقات: باب الكفالة 2/804.(6/3053)
سيده.
قال أحمد: صدق.
قلت: قال: فإن كفل ما عليه؟
قال أحمد: لا يكون عليه شيء.
قلت: لأنه لم يأذن له سيده؟
قال: نعم.
قال إسحاق: كما قال سواء1.
__________
1 ذكر في الإشراف 162 قول ابن أبي ليلى، والثوري وغيرهم: بعدم جواز كفالة العبد المأذون له في التجارة. وقال أبو ثور: إن كان ذلك من قبل التجارة: جاز، وإن كان تطوعاً: لم يجز، وقال عبد الملك: ذلك جائز، وقال ابن المنذر: لا يجوز ذلك إلا بإذن السيد.
وفي اختلاف الفقهاء لابن جرير 2/66 ذكر أن: كفالة العبد باطلة سواء كفل بنفس، أو بمال إذا لم يأذن له سيده. وعلل بعضهم: أن الكفالة معروف، والعبد لا يملك ذلك. ثم ذكر قول شريح: ضمان العبد باطل، إلا أن يكون أذن له مولاه فيه. قال: وهو قياس قول الأوزاعي.
وجاء في المقنع 2/113، والإنصاف 5/193: لا يصح الضمان من عبد بغير إذن سيده. هذا المذهب بلا ريب، نص عليه، وعليه الأصحاب. ويحتمل: أن يصح ويُتْبَعَ به بعد العتق. وهو لأبي الخطاب. وهو رواية عن الإمام أحمد، ويطالبه به بعد عتقه.
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري، عن ابن أبي ليلى في كفالة العبد: ليست بشيء، ليست من التجارة. وفي مصنف ابن أبي شيبة عن شريح، وعن عامر قالا: لا كفالة للعبد.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب كفالة العبد 8/175، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب في العبد يكفل 7/211.(6/3054)
[2299-] قلت: قال سفيان: إذا قال رجل لرجل: إكفل عني ولك ألف درهم، الكفالة جائزة، ويرد عليه ألف درهم؟
قال أحمد: ما أرى1 هذا يأخذ شيئاً بحق.
قال إسحاق: ما أعطاه من شيء، فهو حسن2 [ظ-70/ب] [ع-154/أ] .
[2300-] قلت: قال: وإذا قال: استقرض لي من فلان ألف درهم ولك عشرة دراهم: هذا لا خير فيه، لأنه قرض، جر منفعة.
قال أحمد: هذا أجير، لا بأس به.
قال إسحاق: أكرهه3.
__________
1 في الأصل "ما أدرى".
2 قال ابن المنذر في الإشراف 162: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم، على أن الحوالة بجعل يأخذه الحميل: لا تحل ولا تجوز، واختلفوا في ثبوت الضمان على هذا الشرط. ثم ذكر قول سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، تماما كما جاء في المسألة.
3 تقد الكلام على القرض الذي تصحبه منفعة للمقرض عند المسألة رقم (1836) .(6/3055)
[2301-] قلت: قال سفيان في رجلين لهما على رجل ألف درهم، فذهبا يتقاضيانه، فقال أحدهما: أنا أحبسه أو يعطيني، قال شريكه: لا تحبسه ونصيبك عليّ: ليس بشيء؛ لأنه شريكه فيما عليه لا كفالة له.
قال أحمد: إذا قال: عليّ. فقد تحول عليه.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2302-] قلت: سئل الأوزاعي عن العير تقدم بالبضاعة، أيشتريها الرجل؟
قال: لا، حتى يسمع أهل المنزل.
قال أحمد: معناه: لا تتلقوا البيوع، فإذا هبطت الأسواق،
__________
1 ذكر الخرقي في مختصره 96 في باب الضمان: أن من ضُمِنَ عنه حق بعد وجوبه عليه، أو قال: ما أعطيته فهو علىّ: فقد لزمه ما صح أنه أعطاه.
وقال ابن قدامة في المغني 4/400 عند ذلك: وقد دلت مسألة الخرقي على أحكام منها: صحة ضمان المجهول، وصحة الضمان عن كل من وجب عليه حق، حياً كان أو ميتاً. وقد نص الشارح على جواز الضمان في قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنا بِهِ زَعِيمٌ} ] سورة يوسف آية 72 [أي: كفيل.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "والزعيم غارم". ولحديث سلمة بن الأكوع عند البخاري، ومضمونه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توقف عن الصلاة على جنازة رجل، حتى ضمن أبو قتادة الدين الذي عليه. انظر: البخاري مع الفتح 4/466.(6/3056)
فليشتر من شاء.
قال إسحاق: كما قال أحمد1.
[2303-] قلت: قال: سألت الأوزاعي عن السفينة تقدم بالبضاعة؟
قال: لا يَحْبِسْ يبيع مكانه، ليس صاحب البَرِّ كصاحب البحر.
قال أحمد: وإن حبس أي شيء يكون؟
قال إسحاق: كما قال الأوزاعي لأن حبسه احتكار2.
__________
1 قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود، لأن صاحبه عاص آثم، إذا كان به عالماً، وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز، ثم أورد أربعة أحاديث:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التلقي، وأن يبيع حاضر لباد".
الثانى: عن ابن طاوس عن أبيه قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما ما معنى قوله: "لا يبيعن حاضر لباد، فقال: لا يكون له سمسارا".
الثالث: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من اشترى محفلة. فليرد معها صاعا". قال: "ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي البيوع".
الرابع: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَبِيعُ بعضكم على بيع بعض، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق".
انظر: البخاري مع الفتح، كتاب البيوع 4/373.
2 قلت: يختلف الحال بين جلب البدوي، وصاحب السفينة من وجهين:
الأول: أن البدوي يمكنه الوصول إلى السوق بسهولة إذا لم يتلقفه أحد من الباعة، والسماسرة، بخلاف صاحب السفينة، فحده شاطىء البحر لا يتجاوزه.
الثانى: أن البدوي يجهل أسعار السوق، ولا يحسن المماكسة، وفقه البيوع فقد يخدع. أما صاحب السفينة فهو حضري، متمرس في التجارة، لن يبيع على أحد مالم تتحقق مصلحته في البيع، ثم إن السفينة حرز لبضاعته، ولا ضير عليه إن بقيت مدة فيها، حتى يتمكن من تصريفها بالكيفية التي يريد. ولهذا قال إسحاق: إن حبسه احتكاراً، أي: حبس البضاعة، وخصوصاً إذا كانت حاجة الناس إليها مؤكدة ولا بديل لها.(6/3057)
[2304-] قلت: قال: سمعت سفيان ذكر العَرَّة، فقال: أنا أكره بيعه وشراءه.
قال أحمد: أحسن.
قال إسحاق: كما قال1، وبيعه منعفص2، فإن احتاج رجل فاشتراه، فهو أهون، لأنه لا يمنح.
قال إسحاق بن منصور: سألت غير واحد فلم يدر، وأما منعفص، إما أن تكون صحفت، وإما أن يكون إسحاق جاء
__________
1 سبق الكلام على العَرَّةِ عند المسألة رقم (1916) .
2 عفص الشيء عفصاً: ثناه وعطفه، والعفص شجر البَلُّوطِ، وهو: دواء قابض مُجَفِّفٌ. انظر: المعجم الوسيط 2/611.
قلت: ولعل المقصود بعفص العَرِّةِ: تفتتها، وتغير هيئتها، إذا اختلطت بغيرها، كالتراب ونحوه.(6/3058)
بشيء لا أدري ما هو1.
[2305-] قلت: قال: قيل له يعني سفيان: مجوسي باع مجوسيّاً خمراً، ثم أسلما2؟
قال: يأخذ الثمن.
قيل له: فإن كان خنزيراً وجد به عيباً؟
قال: لا يأخذ منه شيئاً.
قيل: ولا يأخذ الثمن؟
قال: لا.
قال أحمد: قد وجب عليه الثمن3، وأما الخنزير فكما قال، وكذلك ما قال في الخمر.
قال إسحاق: لا يأخذ من الخنزير، ولا من الخمر شيئاً4.
[2306-] قلت: قال في الشيء يجعل على يدي عدلٍ: هو له، قال
__________
1 من قوله: "قال إسحاق بن منصور" إلى قوله: "لا أدري ما هو" غير موجودة في نسخة ع.
2 في نسخة ع "أسلم".
3 في نسخة ع "قد وجب عليه الثمن يوم باعه، يأخذ الثمن".
4 تقدم بحث ذلك عند المسألتين (1990) ، (2127) .(6/3059)
الحكم1: هو بين الغرماء.
قال أحمد: نعم، إذا جُعِلَ على يدي عدل ضمن له2، إنما يعني به الرهن.
قال إسحاق: كما قال أحمد. لأن العدل بين الراهن والمرتهن إذا قبض ذلك الشيء فهو أمين3.
__________
1 هو الحكم بن عتيبة، أبو محمد، ويقال أبو عبد الله الكندي، الكوفي، ثقة، ثبت، فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الطبقة الخامسة، ولد سنة 47 هـ، وقيل 50، ومات سنة 113 هـ، أو بعدها، وله نيف وستون، أخرج له الستة.
انظر: التهذيب 2/432، والتقريب 1/192.
2 في نسخة ع: "فهو".
3 ورد في الإشراف 151: أنه إذا قبض العدل الرهن، فهو مقبوض في قول عطاء، وعمرو بن دينار، وسفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور وغيرهم، وقال الحكم، والحارث العكلي، وقتادة: لا يكون الرهن مقبوضاً إذا قبضه العدل، قال ابن المنذر: يكون الرهن مقبوضاً، لأن العدل في معنى وكيل المرتهن.
وفي مختصر الخرقي 91: إذا قبض الرهن من تشارطا أن يكون على يده، كان مقبوضاً، وهل المرتهن أحق بالرهن المقبوض من الغرماء عند موت الراهن، ولا مال له سواه.
ذكر القاضي في الروايتين والوجهين 364 قولين لأحمد:
الأول: نقله أبو طالب، وابن منصور: أنه أحق به من الغرماء.
والثاني: نقله أحمد بن سعيد: أنه أسوة الغرماء.
ورجح القاضي القول الأول قال: لأن المرتهن لم يرض بذمة من عليه الحق، وإنما دخل ليتعلق حقه بذمته، وبعين ماله، فلهذا قدم على الغرماء بكل حال.
وقال في شرح منتهى الإرادات 2/238 إذا قبضه – أي العدل – قام مقام قبض مرتهن.
وأخرج عبد الرزاق، عن الشعبي، والحسن قالا: إذا وضعه على يد غيره، فهلك، فهو بما فيه. وسئلا: أهو أحق به من الغرماء؟ قالا: هو أحق به. وفي رواية عن الأشعث قال: كان الحكم، والشعبي يختلفان في الرهن يوضع على يدي عدل. قال الحكم: ليس برهن. وقال الشعبي: هو رهن. وابن أبي ليلى يأخذ بقول الحكم.
وروى ابن أبي شيبة عن عامر قال: إذا قبض المرتهن الرهن، ثم مات الراهن، وعليه دين، فهو أحق به من الغرماء حتى يستوفي. وعن عطاء، وسالم مثل ذلك. وعن الحسن قال: إن الرهن المقبوض إذا مات صاحبه، أو أفلس: فالذي هو في يده أحق به، فإن لم يكن مقبوضاً: فهو بين الغرماء.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الرهن إذا وضع على يدى عدل يكون قبضاً، وكيف إن هلك 8/240، 241، ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية: باب من قال إذا كان الرهن عند المرتهن، فهو أحق به من سائر الغرماء 7/222.(6/3060)
[2307-] قلت: قال: قيل له1: ماترى في استئجار الحُلِيِّ؟
قال: لا بأس به.
قيل: والسيف، والسرج؟
__________
1 جملة "قيل له" ناقصة من ع.(6/3061)
قال: والسيف والسرج.
قال أحمد: الحلي ما أدري ما هو، وأما السيف والسرج1 واللجام، فلا بأس به.
قال إسحاق: كما قال الثوري2.
[2308-] قلت: قال: قلت: يعني - لسفيان -: إستَكريت أجيراً يستقي لي على بعيري، فقلت: اذهب إلى الحيرة، فذهب إلى الفرات،
__________
1 من قوله "قيل: والسيف والسرج" إلى قوله "وأما السيف والسرج" غير موجود في نسخة ع.
2 قال عبد الله في مسائله 304 قرأت على أبي: قال: سألت سفيان عن رجل يؤاجر حلى فضة بالدراهم؟ قال: لا بأس به. سألته عن ذلك؟ فقال: لا يعجبني، لأنه يأخذ عليه فضلا.
وذكر ابن المنذر في الإشراف 183 أن الثوري قال: لا بأس باستئجار الحلي والسيف، والسرج. وبه قال إسحاق، وأبو ثور. وذكر قول أحمد كما جاء في المسألة، وقد أجاز ابن المنذر ذلك كله إذا كان معلوماً.
وفي رؤوس المسائل 292 قال: يكره إجارة الحلي بجنسه، والمذهب: جواز إجارة الحلي بأجرة من جنسه للتحلي، لأنه نفع مباح مقصود يستوفى دون الأجزاء.
وقي: ل لا يصح. وهو رواية عن الإمام أحمد، أما إذا كانت الأجرة من غير جنسه فيصح قولاً واحداً.
انظر: المقنع 2/198، والإنصاف 6/18، وشرح منتهى الإرادات 2/358.(6/3062)
فعطب البعير؟
قال: يضمن.
قال أحمد: هذا خالفه يضمن.
قال إسحاق: كما قال1.
__________
1 ورد في المحرر 1/358، والمغني 4/390، 391: أنه لا ضمان على الأجير الخاص مالم يعتمد، وذكر ابن قدامة روايات نقلها مهنا عن أحمد تنص على ذلك. ثم قال: لأن الأجير الخاص نائب، عن المالك في صرف منافعه إلى ما أمره به: فلم يضمن من غير تعد، كالوكيل والمضارب. أما ما يتلف بتعديه: فيجب ضمانه.
وذكر في الإنصاف 6/73 أنه: لا ضمان عليه إلا أن يتعدى، وهو المذهب، وقيل: يضمن، وحكي فيه عن الإمام أحمد رواية بتضمينه ما تلف بأمر خفي لا يعلم إلا من جهته.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن الشعبي، وزهير العبسي: أن رجلاً استأجر رجلاً يعمل على بعير فضربه، ففقأ عينه فخاصمه إلى شريح، فضمنه وقال: إنما استأجرك لتصلح، ولم يستأجرك لتفسد، وهذا اللفظ لا بن أبي شيبة.
وذكر ابن أبي شيبة في الباب، عن عبد الله بن مسعود قوله: الأجير مضمون له أجره، ضامن لما اسْتُودِعَ. وعن الحكم، وابن سيرين أنهما كانا يضمنان الأجير ما تلف في يده.
أما ابن شبرمة، والشعبي، وابن أبي ليلى فقالوا: لا يضمن إلا ما أعنتت يده.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب ضمان الأجير الذي يعمل بيده 8/217، 218، ومصنف ابن أبي شيبة: باب في الأجير يضمن أم لا 6/126، 127، 129.(6/3063)
[2309-] قلت: قال: قلت: يعنى سفيان: الرجل يشتري المتاع إلى الأجل؟
قال: لا يبيعه مرابحة حتى يبين.
قلت: فإذا حل الأجل ونقده الثمن، أفليس لا يبيعه مرابحة حتى يبين؟
قال: نعم.
قال أحمد: جيد.
قال إسحاق: كما قال1 سواء2.
[2310-] قلت: سئل الأوزاعي عن الرجل تكون له الجارية النصرانية، أيكرهها على أكل اللّحم في صومها، وهل يطأها في صومها، وهل يمنعها أن تأتي الكنيسة، أو يسعه أن يأذن لها، وهل يسعه أن يبيعها من أهل الديارات3 ولا يطمع في إسلامها؟
__________
1 في نسخة ع: "قالا" ولعل الصواب ما في نسخة ع بدليل سواء.
2 سبق تحقيق مثل ذلك عند المسألة رقم (1806) .
3 الديارات: جمع دير، والدير: بيت يتعبد فيه الرهبان، ولا يكاد يكون في المصر الأعظم، إنما يكون في الصحارى، ورؤوس الجبال، فإن كان في المصر كنيسة، أو بيعة، وربما فرقوا بينها فجعلوا الكنيسة لليهود والبيعة للنصارى.
قال الحموي: ديارات الأساقف بالنجف ظاهر الكوفة، وهو أول الحيرة، وهي قباب، وقصور بحضرتها نهر يعرف بالغدير.
انظر: المصباح 243 والمعجم الوسيط 1/306، ومعجم البلدان لياقوت الحموي 2/495، 498.(6/3064)
قال: يأمرها بالغسل من الحيض والجنابة، وليخلي بينها وبين العمل في دينها، فأما إتيانها في صومها: فلا أعلم يحرمه عليه صوم، لم يفرضه الله على أحد، ولا أرى بأساً أن يأذن لها في الكنيسة1، ولا أرى [ع-154/ب] بأساً أن يبيعها من أهل الديارات.
قال أحمد: لا يأذن لها في الكنيسة، ولا يبيعها من أهل الديارات.
قال إسحاق: كما قال أحمد: والباقي كما قال الأوزاعي2.
__________
1 ورد في نسخة ع بعد كلمة "الكنيسة" زيادة وهي قوله "ولا أرى باسا أن يمنعها".
2 قال في المغني 7/294: وللزوج إجبار زوجته على الغسل من الحيض، والنفاس، مسلمة كانت، أو ذمية، حرة كانت، أو مملوكة، لأنه يمنع الاستمتاع الذي هو حق له، وإن كانت ذمية: فإن النية والتسمية منه لازمة لغسلها، كما ورد في الإنصاف 8/350.
وذكر روايتين في إجبار الذمية على الغسل من الجنابة:
إحداهما: له إجبارها عليه، لأن كمال الاستمتاع يقف عليه، فإن النفس تعاف من لا تغتسل من الجنابة.
والثانية: ليس له إجبارها عليه، وممن قال به الثوري، لأن الوطء لا يقف عليه، فهو مباح بدونه.
والصحيح من المذهب إجبار الذمية على الغسل من الحيض، والنفاس، كما ورد في الإنصاف 8/349، 353 قال: ولا تمنع من دخول بيعة، وكنيسة، ولا تكره على الوطء في صومها، نص عليه.(6/3065)
[2311-] سئل إسحاق عن شري الزرع وهو حنطة، بالحنطة، والشعير، بالشعير، وهو قصيل1 لم يدرك الزرع؟
قال: لا يحل له2 اشتراء الحنطة إذا كانت قد أدركت، وابيضت -إلا أنها لم تحصد- بالبر، وكذلك الشعير، بالشعير، وكذلك التمر، وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك: المحاقلة3، والمزابنة4 إلا أنه رخص في
__________
1 قال في المصباح المنير 611: قصلته قصلاً من باب ضرب: قطعته فهو قصيل، ومقصول، ومنه القصيل: وهو الشعير يجز أخضر لعلف الدواب، وسمي قصيلا لأنه يقصل وهو رطب.
انظر أيضاً: مختار الصحاح 539.
2 كلمة "له" ناقصة من نسخة ع.
3 سبق تعريف المحاقلة عند المسألة رقم (1876) .
4 المزابنة: بيع التمر في رؤوس النخل بتمر كيلاً، ونهى عن ذلك، لأنه بيع مجازفة من غير كيل، ولا وزن، ولأنه لا تتساوى مقاديرهما، فالرطب ينقص بعد جفافه وبذلك يدخل في بيوع الغرر.
انظر: المصباح 297، ومختار الصحاح 268، ومختصر الخرقي 82 باب الربا والصرف.(6/3066)
العرايا1، وهي التمر يكون في رؤوس النخل دون خمسة
__________
1 العرايا جمع: عرية، والعرية: النخلة يُعْرِيها صاحبها غيره ليأكل ثمرها عامها فيعروها، أي: يأتيها، فهي فعيلة بمعنى: مفعولة.
انظر: المصباح 483، ومختار الصحاح 429.
وقال في مسائل ابن هانىء 2/7: المحاقلة: شري الزرع بالقمح.
وفي مسائل أبي داود 200: قلت لأحمد عن كراء الأرض بالحنطة، والشعير؟ قال: من الناس من يتوقاه، يقول: هي المحاقلة لا أدري ربما تهيبته.
وقال ابن المنذر في الإشراف 114: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع المحاقلة، والمزابنة، والمخابرة، وفي حديث جابر: والمحاقلة: بيع الزرع بالحنطة، والمزابنة: أن يبيع التمر على رؤوس النخل. وممن قال بظاهر الحديث في المحاقلة: ابن المسيب، وعطاء، وأحمد، وأبو عبيد. وفي تفسير المحاقلة وجه آخر، وهو أن المحاقلة: كري الأرض.
والصحيح من المذهب كما في الإنصاف 5/28 منع بيع الحب المشتد في سنبله بجنسه، وفي بيعه بغير جنسه وجهان:
أحدهما: يصح، وهو الصحيح.
والثانى: لا يصح.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس، وأبي هريرة، وجابر، وأبي سعيد، وزيد بن ثابت، ورافع بن خديج كلهم قالوا: "نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع المحاقلة والمزابنة". وعن سهل ابن أبي خثمة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرية، أن تباع بِخَرْصِهَا يأكلها أهلها رُطَباً".
انظر: مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع والأقضية: باب في المحاقلة، والمزابنة 7/128 – 132.
وقال ابن قدامة في المقنع 2/70: العرايا: هي بيع الرطب في رؤوس النخل، خرصاً بمثله من التمر، كيلاً فيما دون خمسة أو سق، لمن به حاجة إلى أكل الرطب ولا ثمن معه.
وفي الإنصاف 5/29 قال: سواء كان موهوباً، أو غير موهوب، على الصحيح من المذهب. وذكر رواية أخرى عن أحمد نقلها سندي، وابن القاسم العرية: أن يهب للجار، أو ابن العم النخلة، والنخلتين ما لا تجب فيه الزكاة، فللموهوب له أن يبيعها بخرصها تمراً.(6/3067)
أوسق.
[2312-] سئل إسحاق عن الرجل يدفع الثوب ينسج على النصف، والجلد يدبغ، فيهلك في يده قبل أن يسلمه، ويرده؟
قال: أما من يدفع الثوب إلى النساج على الثلث، أو الربع، أو شيء مسمى: فإن ذلك جائز عندنا، لما يتعامل الناس [ظ-71/أ] بينهم، كذلك سنتهم بينهم، إذا لم يكن في ذلك شرط يحرم حلالا، أو يحل حراماً. وفي الإجارات قد أجازوا أكثر مما(6/3068)
يدخل في معاملة من ينسج الثياب، فإن هلك الثوب في يد النساج، أو الدباغ يهلك الجلد في يده، وقد أخذه بأجرة بينة: فإنهم ضامنون لقيمة ما استهلكوا1.
[2313-] سئل إسحاق عن جلود الثعالب2؟
فقال3: السنة في جلود الثعالب، وكل شيء من السباع، أن لا يصلي فيها لابس، فإن صلى فصلاته فاسدة، لما خص النبي صلى الله عليه وسلم في النهي في جلود السباع4. ومعنى نهيه: التحريم، إلا ما علم أنه نهى على معنى الأدب5، فإذا لبسه لابس: فيرخص للذين
__________
1 تقدم التعليق على مثل ذلك عند المسألتين رقم (1862) ، (1863) .
2 ثعلب: يقع على الذكر، والأنثى، فيقال: ثعلب ذكر، وثعلب أنثى، وإذا أريد الاسم الذي لا يكون إلا للذكر قيل: ثُعْلُبَان بضم الثاء واللام.
ويقال في الأنثى: ثعلبة بالهاء، كما يقال عقربة.
انظر: المصباح 101، ومختار الصحاح 736.
3 في نسخة ع "قال".
4 تقدم تحقيق ذلك وتخريج الحديث عند المسألة رقم (2215) .
5 ذكر ابن اللحام في مختصر أصول الفقه 104: أن إطلاق النهي عن الشيء لعينه يقتضي فساد المنهي عنه، عند الأكثر شرعاً. وقيل: لغة، وقال بعض الفقهاء والمتكلمين: لا يقتضي فساده، وقيل: يقتضي فساد العبادات فقط.
وفي المسودة 82، 83 قال: إطلاق النهي يقتضي الفساد. نص عليه في مواضع تمسك فيها بالنهي المطلق على الفساد. قال القاضي: وهو قول جماعة الفقهاء، خلافاً للمعتزلة والأشعرية في قولهم: لا يقتضي الفساد.
وقال أبو الخطاب: ظاهر النهي، يوجب فساد المنهي عنه، إلا أن تقوم دلائل على خلافه، وهذا هو مذهب العلماء في قديم الدهر وحديثه.(6/3069)
لبسوه، فإذا جاءه القيام للصلاة: نزعه، وتَرْكُ اللُّبْسِ: أَحبُّ إلينا، وإن كان قوم من أهل العلم من التابعين، رخصوا فيه لما أخبرنا جرير1، عن بيان2، عن قيس3 بن أبي حازم قال: قال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لو تحرجت من الصلاة في خُفي: لتحرجت من لبسهما، فَحَكَمَ في لابس، ما يُصَلِّى فيهما لرفضه، وأن لا يلبسه، كذلك قال عبيدة4 في افتراش الحرير،
__________
1 هو جرير بن عبد الحميد بن قرط بن هلال، أبو عبد الله الضبي.
2 هو بيان بن بشر الأحمسي البَجَلِي، أبو بشر الكوفي المعلم، روى عن أنس، وقيس بن أبي حازم، ثقة ثبت من الطبقة الخامسة، أخرج له الستة.
انظر: التهذيب 1/506، والتقريب 1/111.
3 هو قيس بن أبي حازم البجلى، أبو عبد الله الكوفي، ثقة من الطبقة الثانية، مخضرم ويقال: له رؤية، وهو الذي يقال: إنه اجتمع له أن يروي عن العشرة، مات بعد التسعين أو قبلها، وقد جاوز المائة وتغير، أخرج له الستة. انظر: التقريب 2/127.
4 هو عبيدة بن معتب الضَّبِّي، أبو عبد الكريم الكوفي الضرير ضعيف، واختلط بآخر عمره، ليس له في البخاري سوى موضع واحد في الأضاحي، أخرج له البخاري تعليقاً، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
انظر: التهذيب 7/86، والتقريب 1/548.(6/3070)
أنه كلبسه، وترك ذلك أفضل، ولا يحل بيع شيء من جلود السباع، ولا اشتراؤه، لأنها ميتة، وإن كانت السباع قد ذكيت: فلا ذكاة لها أيضا.
[2314-] سئل إسحاق عن المكروهات، من وقف عليها أنها حرام؟
قال: ليس لما وصفت1 حد يعرف ينتهى إليه، لا يجاوزه، ولكن معنى المكروهات إلى التحريم أقرب2، وفيها قال ابن عمر وغيره: يعجبنا أن يكون بيننا وبين الحرام، ستر من الحلال3، ما يدل أن المكروهات صارت في حد الشبهات.
__________
1 في نسخة ع: "وقفت".
2 قال ابن اللحام في مختصر أصول الفقه 64: المكروه: ضد المندوب، وهو ما مدح تاركه، ولم يذم فاعله، وهو في كونه منهيا عنه حقيقة، ومكلف به كالمندوب، ويطلق أيضا على الحرام، وعلى ترك الأولى.
3 هذا الأثر عن ابن عمر، ذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 64 – عند الكلام على حديث ابن بشير: "إن الحلال بين وإن الحرام بين" بلفظ: "إني لأحب أن أدع بيني وبين الحرام، سترة من الحلال، لا أخرقها".(6/3071)
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"1.
[2315-] سئل إسحاق عن شريكين متفاوضين اشترى أحدهما سلعة، ولم ينقد، [ع-155/أ] ثم غاب، فجاء البائع، فأخذ شريكه، وأقام البينة أن شريكه اشترى منه، وهو مدعي لذلك أتجعله خصماً له،
__________
1 هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه من طرق عدة، وتمامه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما شُبِّهَ عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من إثم: أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى، يوشك أن يواقعه".
قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث: قوله "الحلال بيِّن والحرام بيِّن" فيه تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أشياء، وهو صحيح، لأن الشيء: إما أن ينص على طلبه مع الوعيد على تركه، أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله، أو لا ينص على واحد منهما فالأول: الحلال بيِّن، والثاني الحرام بيِّن، والثالث مشتبه لخفائه، فلا يدرى هل هو حلال أو حرام، وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه، لأنه إن كان في نفس الأمر حراماً، فقد برئ من تبعتها، وإن كان حلالاً، فقد أجر على تركها، بهذا القصد، لأن الأصل في الأشياء مختلف فيه حظراً وإباحةً.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب البيوع: باب الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة 4/290.(6/3072)
وتقبل بينته على الغائب؟
قال: هو خصم، لأن المتفاوضين، إذا تفاوضا فكل شيء، كان كما تفاوضا1، وإن قالا: نشترى في المفاوضة، ولم يسميا كيف يفعلان، ولا نعرف2 ما قال هؤلاء، فإنهما يشتركان في كل شيء إلا التزويج، إنما يكونان متفاوضين، إذا أظهرا وأوضحا، وقال أحدهما لصاحبه: نحن شريكان في كل شيء يكون بيننا3.
[2316-] سئل إسحاق عن رجل اشترى ثوباً بعشرة دراهم، ولم ينقد
__________
1 في نسخة ع: "فاوضا".
2 في نسخة ع: "يعرف".
3 تقدم تعريف شركة المفاوضة والتعليق عليها عند المسألة رقم (1957) .
وأخرج عبد الرزاق عن الثوري، رواية مطولة في المفاوضة، ومما ورد فيها: أنه إذا قال أحد المتفاوضين: قد إدَّنت كذا وكذا: فهو مصدق على صاحبه، وإن مات أحدهما: أخذ الآخر.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن الحكم قال: إذا لحق أحد المتفاوضين دين فهو عليهما جميعا.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب المفاوضين 8/258، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب في المتفاوضين يلحق أحدهما الدين 7/199.(6/3073)
الثمن، ثم طعن فيه بعيب، أتقبل بينته، ويقضى له من قبل أن ينقد الثمن؟
قال: نعم، ويحكم1 على خصمه إذا صح دعوى2 العيب، يثبت أنه كان عند البائع، قبل أن يصير في ملك المشتري، وكيف يمنعه النقد من المخاصمة في العيوب وغيرها، أرأيت إن استحقه، إنسان أن لا يصير خصماً له حتى يقيم عليه البينة3.
[2317-] قال إسحاق: وأما الحجام الذي يجز شعور الناس، ويأخذ على ذلك أجراً، إنما إرادته أن يفعله لمنفعة، فإذا أعطي من غير شرط جاز ذلك، فإن كان يريد أن يكتسب4، ما يكتسب5 من
__________
1 في نسخة ع: "ويحكم له".
2 في نسخة ع: "دعوى وعرف".
3 إذا اشترى السلعة، ولم ينقد الثمن، وقبض المبيع: فقد ملك، وله أن يبيعه ويتصرف فيه، إذ يجوز عليه، ما يجوز على مثله من العروض التي تم التقابض فيها بين المتبايعين. وسبق قول الإمام أحمد: إذا ذهب بالثوب على الثمن، فقد ملكه ويضمن قيمته إذا هلك. كما تقدم تحقيق مسائل مماثلة.
انظر: المسائل (2151) ، (2225) ، (2289) .
4 في نسخة ع: "يكسب".
5 في نسخة ع: "كسب".(6/3074)
هذا لعياله، أو على نفسه، فهو مأجور أيضاً، وإن جز شعور1 الناس2، يريد3 أن يؤجر، ولا ينال منه4 منفعة، فهو مأجور أيضا5، وإذا أخذ من شعر نفسه: فإنه لا يعيد الوضوء، وإن أَمَرَّ الماء على شعره جاز، وإن6 تركه، فلا شيء عليه، ولو رأينا7 إيجاب إمرار الماء على شعره، لرأينا إعادة الوضوء، لأن الوضوء إذا انتقض منه شيء، حتى صارت في غير عمل الوضوء: كان عليه إعادة الوضوء، حتى يأتي كلا في موضعه بتمامه، وكذلك نتف الإبط، وحلق العانة، وقص الشارب، وتقليم الأظافر: لا يجب عليه في ذلك تجديد وضوء، والشارب أشد، فإمرار الماء عليه حسن، لأن الشارب من مواضع الوضوء.
__________
1 في نسخة ع: "شعر".
2 في نسخة ع: "إنسان".
3 في نسخة ع: "يريد به".
4 كلمة "منه" ناقصة من نسخة ع.
5 سبق تحقيق مسألة الحجام عند المسألة (1947) .
6 في نسخة ع: "فإن".
7 في نسخة ع: "فلو رأيت".(6/3075)
[2318-] قال إسحاق: وأما من خلط مالاً خبيثاً، ومالاً طيباً، ثم دعا الناس إلى طعامه: فإن الداعي إذا كان صديقاً له، [ظ-71/ب] أو جاراً، فدعاه إلى طعامه، فلم يعرف أن ما دعاه إليه هو من خبيث، جاز له الإجابة، وتركه أفضل، ولا يكون إذا ترك الإجابة، لمعنى تخوف الشبهة، أن يكون كمن لا يجيب الداعي الذي أمر بإجابته.
فإن كان دعاه إلى شيء، يعلم أنه خبيث، لم تحل له الإجابة.
وإن كان الغالب عليه المال الخبيث، إن ترك الإجابة، فهو أحب إلينا، وإن لم يعرف شيئاً بعينه، لأن قول ابن مسعود، وسلمان، ومن سلك طريقهما: حيث رخصوا للمجيب لصاحب الربا وما أشبهه، إنما أجابوا السائل حيث قال: لا أعلم له إلا مالاً خبيثا، وقد يكون بأن لا يعلم، وعامته طيب، فأجابوه: أن أَجِبِ الداعي، ولك المهنأ وعليه الوزر1.
[2319-] قال إسحاق: وأما العارية: فهي مؤداة على كل حال، وإن هلكت العارية، فلم يجد صاحبها سبيلاً إلى أن يؤديها إلى أربابها لما ضاعت، فإن أهل العلم قد اختلفوا:
__________
1 سبق تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1837) .(6/3076)
رأى قوم: أنه ضامن لما قيل: إن1 العارية مؤداة.
وتأول هذا الحديث، آخرون على معنى: أنها مؤداة لا يجوز للذي استعارها أن يحبسها.
فأما إذا هلكت: فلم تكن مضمونة، إذا لم يكن خالف فيها، وهو الذي أختاره.
قال إسحاق: وأما الوديعة فإنها، إذا هلكت: فلا ضمان عليه فيها، إذا لم يكن منه فيها خلاف2.
[2320-] قال إسحاق: [ع-155/ب] وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا"، فإن تفسيره قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الخيار لكل بَيِّعَيْنِ، ما لم يتفرقا، أو يكون بيع الخيار"، فقد بين الفراق، وفي حديث ابن عمر، وأبي برزة3: أن ذلك بالأبدان،
__________
1 حرف: "إن" ناقص من نسخة ع.
2 سبق تحقيق ذلك عند المسألتين رقم (1813) ، (1814) .
3 أبو برزة الأسلمي: مشهور بكنيته، واسمه: نَضَلَةُ بن عبيد على الصحيح. وقيل: ابن عبد الله، وقيل: ابن عائذ، وقيل: عبد الله بن نضلة، نزل مرو ومات بها، وقيل: مات بالبصرة، وقيل بمفازة سجستان وهراة، كان إسلامه قديماً، شهد فتح خيبر، وفتح مكة، وحنيناً، قيل: مات سنة 64 للهجرة، وقيل: مات في خلافة معاوية، وقيل: إنه بقي إلى خلافة عبد الملك، وقيل: غير ذلك. انظر: الإصابة 10/152، 11/35.(6/3077)
لا بالنطق، وكيف يكون الافتراق بالنطق، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لهما1 الخيار ما لم يتفرقا"، وكان ابن عمر إذا باع شيئاً2، مشى قليلاً لكي يجب البيع. وحديث أبي برزة: أن البيعين بعد عقدة البيع بينهما، أقاما جميعاً، فاختصما إلى أبي برزة، فحكى قول النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال3: لم يتفرقا4 بَعْدُ5.
__________
1 الكلمة "لهما" ناقصة من نسخة ع.
2 الكلمة "شيئا" ناقصة من نسخة ع.
3 الكلمة "ثم قال" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع "يفترقا".
5 حديث "البيعان بالخيار مالم يفترقا"، أخرجه البخاري عن حكيم بن حزام رضي الله عنه وتمامه: "فإن صدقا، وبينا: بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا، وكتما: محقت بركة بيعهما".
قال البخاري رحمه الله: بابٌ البيعان بالخيار مالم يتفرقا، وبه قال ابن عمر، وشريح، والشعبي، وطاوس، وعطاء، وابن أبي مليكة.
وفي حديث ابن عمر بلفظ: المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه، مالم يتفرقا إلا بيع الخيار. قال نافع راوي الحديث: وكان ابن عمر إذا اشترى شيئا يعجبه فارق صاحبه.
ثم ذكر الحافظ روايات أخرى لحديث نافع وأقوالاً لبعض الفقهاء وقال: قوله "إلا بيع الخيار" أي فلا يحتاج إلى التفرق، وفي رواية: "مالم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر" وهو ظاهر في حصر لزوم البيع بهذين الأمرين، وفيه دليل على إثبات خيار المجلس، وأن ابن عمر حمله على التفرق بالأبدان، وكذلك أبو برزة الأسلمى، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، وخالف في ذلك إبراهيم النخعي فقال: البيع جائز، وإن لم يتفرقا، وفي رواية سعيد ابن منصور بلفظ "إذا وجبت الصفقة، فلا خيار".
وقد أطال الحافظ في إيراد الأقوال في معنى التفرق، فليرجع إليه من شاء.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب البيوع: باب كم يجوز الخيار، وبابٌ البيعان بالخيار مالم يتفرقا 4/326 – 330، وروى ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب البيوع: باب من قال البيعان بالخيار مالم يفترقا 7/124 – 128: أحاديث في ذلك عن ابن عمر، وحكيم بن حزام، وأبي برزة الأسلمي، وأبي هريرة، وابن أبي مليكة، وعطاء، وشريح، والشعبي، وسعيد بن المسيب. ثم ذكر فيمن كان يوجب البيع إذا تكلم به: إبراهيم – أي النخعي – حيث قال: البيع جائز، وإن لم يتفرقا.(6/3078)
[2321-] قال إسحاق: وأما الخان1 الذي في القرية السابلة2 لمن يسكنه من المنتابين، فباعه قوم من رؤساء القرية من والٍ، والخان كان
__________
1 قال في المصباح 220 الخان: ما ينزله المسافرون، والجمع: خانات.
قلت: وهو ما يعرف بالفنادق والنُّزُل في وقتنا الحاضر مع الفارق، لأن الخانات في الماضي لا تؤجر، وإنما يسكنها المسافر إذا مر على القرية، ولا يدفع مقابل ذلك شيئاً.
انظر أيضاً: المعجم الوسيط 1/263.
2 قول: القرية السابلة: أي: الشيء على طريق الناس في أسفارهم.
قال في المصباح 314 السابلة: الجماعة المختلفة في الطرقات في حوائجهم، وانظر أيضاً: مختار الصحاح 284.(6/3079)
لا يُسْكَنُ لمَّا كان ممر الناس على غير ذلك الموضع: فإن ذلك البيع فاسد، إلا أن يكون حاكم، أو والٍ يرى أن يبيع ذلك، فيجعل ثمنه في مثله حيث ينتفع الناس.
وأما1 أن يجتمع قوم من أهل القرية يبيعون: فبيعهم مردود، وإن كان المشتري هدم ذلك حتى جعله مزرعة: فإن على2 الحاكم إذا رفع إليه ذلك أن يبطله كله، ولو صارت في يدى3 واحد، بعد واحد4، فإن لم يكن ذلك، وندم البائع، فلم يجد سبيلاً إلى الرجوع، فعليه أن يجعل ثمنه في مثله، حيث ينتفع الناس، فإن ذلك يكون كفارة لما فعل إن شاء الله تعالى.
وأما أن يجعل من أرض القرية، برضا أهل القرية: فإن ذلك لا يجوز، إلا أن يكونوا كباراً، يعدون وفيهم صغار، ولهم أوصياء استحقوا ذلك الموضع من أربابها اتخذوه خاناً5.
__________
1 في نسخة ع: "فأما".
2 "على" غير موجودة في الأصل وإثباتها أولى لأن السياق يقتضي ذلك.
3 في نسخة ع: "يد".
4 كلمة "واحد" ناقصة من نسخة ع.
5 هذه المسألة تنطبق على الوقف العام على سبيل الخيرات، وهو ما لا يجوز بيعه، إلا أن تتعطل منافعه، فيباع ويصرف ثمنه في مثله.
قال صاحب الإنصاف: اعلم أن الوقف لا يخلو: إما أن تتعطل منافعه، أو لا، فإن لم تتعطل منافعه: لم يجز بيعه، ولا المناقلة به مطلقاً: نص عليه في رواية علي بن سعيد قال: لا يستبدل به، ولا يبيعه إلا أن يكون بحال لا ينتفع به. وفي رواية أبي طالب مثل ذلك. ونقل جعفر فيمن جعل خاناً للسبيل وبنى بجانبه مسجداً، فضاق المسجد أيزاد منه في المسجد؟ قال: لا، قيل: فإنه إن ترك ليس ينزل فيه أحد، وقد عطل؟ قال: يترك على ما صير له.
والصحيح من المذهب أن ولاية البيع للوقف العام للحاكم، وقطع به الأكثر من علماء الحنابلة، وقيل: بيد الناظر الخاص إن وجد.
انظر: المحرر لأبي البركات 1/370، والفروع لابن مفلح 4/622، والإنصاف 7/100 – 107.(6/3080)
[2322-] قال إسحاق: وأما مبادلة الأرض بالأرض أيكون للشفيع في ذلك شفعة، فإن أهل العلم اختلفوا في ذلك:
فرأى عامة علماء أهل البصرة وأهل الحجاز أن لا شفعة في ذلك.
ورأى هؤلاء أن لهم الشفعة بقيمة الأرض التي استبدل1 بها2،
__________
ـــ
1 في نسخة ع: "يستبدل".
2 الحنفية يرون أن الشفعة تختص بمقابلة مال بمال مطلقاً، لأن الشفيع لا يتمكن من الأخذ إلا بمثل السبب الذي يملك به الجار الحادث، وأخذه لا يكون إلا مبادلة مال، بمال. ولهذا فهم يرون الشفعة في كل هبة، أو مبادلة تمت على سبيل المعاوضة.
قالوا: لو وهبه الرجل داراً على إن أبرأه من دين له عليه، ولم يسمه، وقبض: كان للشفيع فيها الشفعة، وكذلك لو أبرأه مما يدعي في هذه الدار الأخرى وقبضها، فهو مثل ذلك في الاستحقاق بالشفعة، لأن التملك فيها تم بجهة المعاوضة.
انظر: المبسوط للسرخسى 14/140، 141، 144.(6/3081)
والأمر على ذلك: أن لا شفعة في ذلك، إنما سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة بالشراء، فإذا زال عن ذلك الشيء الذي سنه النبي صلى الله عليه وسلم: لم يجعل الشفعة في غيره، كنحو الرجل الذي يصدق امرأة أرضاً، وأشباه ذلك مما لا يقع اسم الشراء عليه.
وكذلك قال الحسن في المبادلة والصداق أيضا، وهو الذي يعتمد عليه1.
__________
1 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 148 أن ممن قال بالشفعة في الصداق: الحسن البصري، والشعبي، وأبو ثور. وممن أوجب الشفعة فيه: ابن أبي ليلى، وابن شبرمة قالوا: يأخذه بقيمة الشقص. أما الحارث العكلي، وغيره فقالوا: يأخذ ذلك بصداق مثلها. ورجح ابن المنذر القول الأول، ثم قال عن الهبة: إن كانت معقودة على ثواب معلوم، وتقابضا: فالشفعة قيد ثابته في قول بعضهم، وإن كانت الهبة على غير ثواب: فلا شفعة فيه.
وفي المغني 5/235 قال: ظاهر كلام الخرقي أنه لا شفعة فيه – أي في ما انتقل بعوض غير المال – لأنه – أي الخرقي – لم يتعرض في جميع مسائله لغير البيع، وهذا قول أبي بكر – أي غلام الخلال – وبه قال الحسن، والشعبي، وأبو ثور، وقال ابن حامد: تجب فيه الشفعة، وبه قال ابن شبرمة، وابن أبي ليلى.
وذكر في الكافي 2/418 الشروط لثبوت الشفعة أحدها: أن يكون الشقص منتقلا بعوض. ثم قال: والمنتقل بعوض نوعان، أحدهما: ما عوضه المال كالمبيع: ففيه الشفعة بالإجماع. والخبر ورد فيه.
والثاني: ما عوضه غير المال كالصداق، وعوض الخلع، والصلح عن دم العمد: فلا شفعة فيه في ظاهر الحديث.
قال في الإنصاف 6/252: لا شفعة بما عوضه غير المال، على الصحيح من المذهب، وقيل: فيه شفعة اختاره ابن حامد، وأبو الخطاب وغيرهما.
وانظر أيضاً: مختصر الخرقي 102، والمذهب الأحمد 115، وشرح منتهى الإرادات 2/434.(6/3082)
[2323-] قال إسحاق: وأما طلب الشفعة، فإن طلبه إذا سمع بالشراء، فذلك الطلب الذي يوجب له الشفعة، وإن أخر المخاصمة، فإن عرض له شغل، أو مذهب لم يرد به ضرر المشتري: فهو على شفعته، وليس يبطل الشفعة تأخير المخاصمة، ولا أن يكون يذهب في احتيال المال، ويفارق المشتري، أو أن يسأل المشتري1 كفيلاً، أو أن يبدأه إذا لقيه بالسلام والسؤال ثم يطلب الشفعة: كل هذا باطل، مما أحدث هؤلاء2،
__________
1 كلمة "المشتري" ناقصة من نسخة ع.
2 قال ابن قدامة في المغني 5/242: فإذا لقيه بدأ السلام لأن ذلك السنة ثم يطالب، وإن قال بعد السلام: بارك الله لك في صفقة يمينك، أو دعا له بالمغفرة ونحو ذلك: لم تبطل شفعته، لأن ذلك يتصل بالسلام، فيكون من جملته، والدعاء له بالبركة في الصفقة دعاء لنفسه، لأن الشقص يرجع إليه، فلا يكون ذلك رضى، وإن اشتغل بكلام آخر، أو سكت لغير حاجة بطلت شفعته.(6/3083)
والشفعة1 حق جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أصل على حدته، لا يعقل بالمقاييس، إنما هو استسلام وتعبد، [ظ-72/أ] ولا يبطلها إلا سنة مجمع عليها، كما اجتمعت الأمة على تسليم الشفعة للشركاء، مع أن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم:
قال بعضهم: إذا طلب الشفعة: فله أجل شهر، فإن خاصمه قبل الشهر، فله ذلك، فإذا مضى الشهر: فلا حق له، وإن تركه بعد الالتقاء، ولم يذاكره الشفعة، وخلى سبيله: فقد بطلت الشفعة.
وقال آخرون من أصحابه: له أجل ثلاثة أيام2.
وأما [ع-156/أ] مالك بن أنس، ومن سلك طريقه من علماء أهل العراق، وأهل3 الشام فإنهم قالوا: لا تبطل الشفعة بعد إذ طلبها حين سمع بالشراء4. حتى أن قوما دخلوا على مالك
__________
1 في نسخة ع: "فالشفعة".
2 هذه الأقوال نقل بعضها أو ما يقرب منها عن الحنفية.
انظر: اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى للإمام أبي يوسف ص 36، ومختصر الطحاوي 120، والمبسوط للسرخسي 14/116 – 118.
3 كلمة "وأهل" ناقصة من نسخة ع.
4 انظر: الموطأ كتاب الشفعة: باب ما تقع فيه الشفعة 2/715، والمدونة باب من أجل شفعة الغائب والحاضر 4/208، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3/484، والقوانين الفقهية لابن جزي 246.(6/3084)
فقالوا1: إذا اشترى المشتري الأرض، ويريد أن يبني فيها، والشفيع يَتَلَوَّمَ بطلبها، لمّا وَسَّعْتَ عليه2 في المدة، فإن على المشتري ضرراً كثيراً، لمّا لا يمكنه البناء تَخَوُّفاً أن يكون الشفيع يطلبه بَعْدُ؟
فقال مالك: إذا أراد ذلك المشتري، قدمه إلى الحاكم فيقول: اشتريت هذه الأرض، وهذا شفيعها يتلوم في طلبها، وأنا أريد البناء: فيوقف الحاكم، فإن لم يطلبها: فقد بطل3 دعواه في ذلك، فهذا الذي يعتمد عليه، وهو أشبه بالسنة الماضية لِماَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر في الإسلام4"، ولا يحل للشفيع أن يتلوم
__________
1 في نسخة ع: "وقالوا".
2 في نسخة ع: "له".
3 قال مالك رحمه الله: من اشترى أرضاً، فيها شفعة لناس حضور، فليرفعهم إلى السلطان، فإمّا أن يستحقوا، وإما أن يسلم له السلطان، فإن تركهم، فلم يرفع أمرهم إلى السلطان، وقد علموا باشترائه، فتركوا ذلك حتى طال زمانه، ثم جاءوا يطلبون شفعتهم: فلا أرى لهم.
انظر: الموطأ كتاب الشفعة باب ما تقع فيه الشفعة 2/718.
4 هذا الحديث رواه الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شاق الله عليه"، ثم قال: وهذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه. وذكره السيوطي في الجامع الصغير، ورمز له بالحسن.
انظر: المستدرك، كتاب البيوع 2/57، 58 والجامع الصغير مع الفيض للمناوي 6/431.(6/3085)
بطلبها، لكى يشغل المشتري عن ما1 يجب من الإحداث فيها، كما لا يحل للشريك أن يبيع رباعه، أو أرضه من غريب، ما لم يعرضه2 على شريكه حتى يأخذ، أو يترك، فإذا عرضه على شريكه بالثمن الذي يريد بيعها به، فقال: لا أطلبها، فباعها بذلك، ثم يطلب3 الشفعة بعد: فلا شفعة له، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا عرضها عليه بالثمن، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، وإن باع ولم يؤذن، فهو أحق به4"، وفي هذا بيان ما وصفنا إن
__________
1 في نسخة ع: "من" وهو خطأ.
2 في نسخة ع: "يعرض".
3 في نسخة ع: "طلب".
4 هذا الحديث أخرجه عبد الرزاق عن الثوري، وابن جريج عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له شركة في أرض، أو رباع، فليس له أن يبيع حتى يستأذن شريكه، فإن شاء أخذه، وأن شاء تركه".
وقد بوب البخاري رحمه الله لذلك فقال: باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، وذكر قول الحكم: إذا أذن له قبل البيع، فلا شفعة له، وقول الشعبي: من بيعت شفعته، وهو شاهد لا يغيرها: فلا شفعة له، ثم ساق حديث الباب.
عن عمرو بن الشريد، وفيه قصة سعد بن أبي وقاص مع أبي رافع – رضي الله عنهم أجمعين – حين باع أبو رافع بيته لسعد على سبيل الشفعة قبل أن يمضي البيع مع المشتري.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع: باب الشفيع يأذن قبل البيع، وكم وقتها 8/82، والبخاري مع الفتح كتاب الشفعة 4/437.(6/3086)
تركه تارك.
وإن لم يكن البائع عقد العقدة، وكذلك روى الثوري عن الحكم بن عتيبة1 وأخذ2 به، وأخطأ هؤلاء حيث أنكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقالوا: الشفعة تقع بَعْدُ3،
__________
1 تقدمت ترجمته عند المسألة رقم (2306) .
2 لقد تقدم تخريج قول الحكم بن عتيبة، وابن أبي ليلى في التعليق على المسألة رقم (2194) عند قوله: قلت: الرجلان تكون بينهما الدار، والأرض فيقول أحدهما لصاحبه: إنى أريد أن أبيع الدار ولك الشفعة، فاشتر مني، إلى آخر المسألة.
3 هذا قول ابن أبي ليلى وقد تقدم، وقال الطحاوي في مختصره ص 121: الشفعة تجب بالبيع، وتستحق بالإشهاد والطلب، وتملك بالأخذ.
وذكر ابن قدامة في الكافي 2/432: أنه إذا أذن الشريك في البيع: لم تسقط شفعته، لأنه إسقاط حق قبل وجوبه، فلم يصح، كما لو أبرأه مما يجب له.
وعن أحمد أنه قال: ما هو ببعيد أن لا تكون شفعة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن باع ولم يؤذنه، فهو أحق به".
ويفهم منه أنه إذا باعه بإذنه: لا حق له.
قلت: والحديث رواه مسلم في كتاب المساقاة: باب الشفعة 3/1229 وفيه: فإن شاء أخذ وإن شاء ترك.
والمذهب عدم سقوط الشفعة إذا أسقطها الشفيع قبل البيع، كما في الإنصاف 6/271، 272 قال: ويحتمل أن تسقط، وهو رواية عن أحمد ذكرها أبو بكر، واختارها الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وانظر: مجموع الفتاوى: باب الشفعة 30/386.(6/3087)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي سن الشفعة لأمته، فهو مبين1 مذهب طلبها فما عدا ما قال فهو مهجور.
فكل ما وصفنا من الشفعة، فهو للشريك أبدا، لا شفعة للجار لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قسمت2 الحدود، وعرف الناس حقوقهم: فلا شفعة بينهم3".
فإذا كان الشفعاء يطلبون الشفعة: قضى لهم على قدر أنصبائهم، وليس على الرؤوس.
وكذلك قال عطاء4، والحسن، والشعبي.
__________
1 في نسخة ع: "بين".
2 في نسخة ع: "اقتسمت".
3 تقدم تحقيق ذلك عند المسألتين (1818) ، (1822) .
4 هو عطاء بن السائب، أبو محمد، ويقال: أبو السائب، الثقفي الكوفي، صدوق اختلط من الخامسة، مات سنة 136 هـ، روى له البخاري وأصحاب السنن. انظر: التقريب 2/22، والتهذيب 7/203.(6/3088)
وبه أخذ مالك، وأهل الحجاز1.
وهو أمر واضح بين، لأن الشفعة جعلت لطالبها باستحقاق الملك على قدر الملك.
[2324-] قال إسحاق: إذا كان لرجل شفعة في دار، فغاب، وباع المشتري الدار بفضل ما اشترى2: من أيهما يطلب الشفعة إذا جاء الشفيع، فإن شاء أخذه من المشتري الأول، وإن كان غائباً، فله أن يأخذه ممن في يده3 بالشراء الذي اشتراه به4 إن شاء5.
__________
1 تقدم تحقيق ذلك عند المسألة (1821) .
2 حرف "من" ناقصة من نسخة ع.
3 في نسخة ع: "يديه".
4 كلمة "به" ناقصة من نسخة ع.
5 ورد في المقنع 2/268، والإنصاف 6/287: وإن باع، فللشفيع الأخذ بأي البَيِّعَينِ شاء. وهو المذهب بلا ريب، والمشهور عند الأصحاب، وقيل: يأخذه ممن هو في يده، وهو قول ابن أبي موسى، وظاهر كلام ابن عقيل، وقيل: البيع باطل، وهو ظاهر كلام أبي بكر.
وفي مختصر الخرقي 102 قال: فإن لم يعلم حتى تبايع ذلك ثلاثة، أو أكثر: كان له أن يطالب بالشفعة من شاء منهم.
وعلق ابن قدامة في المغني 5/248 على كلام الخرقي بقوله: وجملة ذلك أن المشتري إذا تصرف في المبيع قبل أخذ الشفيع، أو قبل علمه، فتصرفه صحيح، لأنه ملكه وصح قبضه له.(6/3089)
[2325-] قال إسحاق: وأما الرجل يدفع المتاع إلى رجل، ليحمله إلى مصرـ فرجع الرسول، فقال: قد سرق المتاع، ووصف: أني قد وضعته في موضع، فقلت لأصحابي: احفظوا، وكنت وضعته على حمار، وفقدت الحمار، فلما كان بَعْدُ أصبت الحمار، ولم أصب المتاع: فإنه لا ضمان له1 عليه، لأن الرجل الذي يستودع، أو يدفع إليه الشيء، ليبلغ2 به موضعاً: لا يكون عليه حفظه أكثر مما يكون عليه من حفظ متاعه، فإذا فعل ذلك كما يفعل بمتاعه من الحفظ والتعاهد، ومن يأمر بحفظ متاعه: فلا ضمان عليه، إلا أن يكون3 متهماً، ويخلط على نفسه، فإن عمر ضمَّن أنس بن مالك بضاعة، وذلك أنه سأله عنها، وكيف صنع فيها؟ فقال: وضعتها مع متاعى، وذهبت4 من بين متاعي، فقال عمر: أذهب لك5 معها شيء؟ قال: لا،
__________
1 كلمة "له" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "يبلغ".
3 بياض في نسخة ع.
4 في نسخة ع: "فذهبت".
5 كلمة "لك" ناقصة من نسخة ع.(6/3090)
قال: ضمنت يا أنس وإنك عندنا لأمين، يقول: صار ضامناً لحال ما اتهمه، وإن كان1 الخصم أمينا، أن يكون2 الفعل3، كفعل المتهمين: أجرى عليه حكم الخصوم، فمن هاهنا قال: ضمنت لما فعل فعلا أنكره، وقال له: إنك لأمين عندنا4.
[2326-] قال إسحاق: وأما الرجل الذي5 يسلم الغلام إلى أهل الصناعات على أن يعلمه الصانع الحرفة سنين6، واشترط المدفوع إليه: متى ما علمته [ع-156/ب] فأخذته قبل شرطي: فلي عليك مائتا درهم، فأخذه قبل شرطه، وقد تعلم الصناعة: فإن الذي يعتمد عليه الوفاء في الشروط7، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المسلمون عند شروطهم، إلا أن يكون شرطاً يحرم حلالاً، أو
__________
1 كلمة "كان" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "ويكون".
3 في نسخة ع: "الفعل فيه".
4 هذه المسألة تندرج في حكم الوديعة، وقد تقدم التعليق عليها عند المسألة رقم 1814.
كما تقدم تخريج حديث أنس عند المسألة رقم 2244.
5 "الذي" ناقصة من نسخة ع.
6 في نسخة ع: "سنينا".
7 في نسخة ع: "الشرط".(6/3091)
يحل حراماً".
وهذه1 مسألة يعمل الناس بها ويبتلون، [ظ-72/ب] فإذا شرط2 مثل هذا الشرط، واجتهد المدفوع إليه، أن يعمله الصناعة أسرع، وربما أنفق عليه ليستدرك ذلك3، وأفضل منه في وقته، فإذا غدر به أبو الغلام، أو الذي دفع إليه4 كائناً من كان: لزمه الشرط الذي على نفسه طائعاً غير مكروه5.
[2327-] قال إسحاق: وأما تصحيح طعام الغلام، وكسوته إلى أن يعلمه، فإن السنة مضت، في استئجار الرجل بالكسوة، وبطعامه أنه جائز، رأى ذلك ابن عباس، وأبو هريرة، وقد قال الله تبارك
__________
1 في نسخة ع: "فهذه".
2 في نسخة ع: "اشترط".
3 في نسخة ع: "ذاك".
4 كلمة "إليه" ناقصة من نسخة ع.
5 سبق التعليق على مثل هذه المسألة، وتخريج حديث "المسلمون عند شروطهم" أثناء التعليق على المسألة رقم (2131) .
وأخرج ابن أبي شيبة، عن إياس بن معاوية في الغلام يدفعه الرجل، إلى الرجل، يعلمه ثم يخرجه قبل أن ينقضي شرطه؟ قال: يرد على معمله ما أنفق عليه.
انظر: المصنف، كتاب البيوع: باب في الرجل يكري من الرجل غلامه، أو نحو ذلك 6/384.(6/3092)
وتعالى {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا} 1، فتلاها ابن عباس حين سئل عن من يؤاجر نفسه على أن يطعموه، ويخدمهم2، وكذلك قال أبو هريرة رضي الله عنه: أجَّرْتُ نفسى على طعام بطنى وعَقِبَةِ رجلي3.
فإن قال قائل: قد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من استأجر4 أجيراً، فليعلمه أجره5" فإن ذلك كما احتج، وغلط
__________
1 سورة البقرة الآية رقم: 202.
2 أثر ابن عباس رواه الحاكم في مستدركه، وصححه ووافقه الذهبى 2/277، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الحج: باب الرجل يؤاجر نفسه من رجل يخدمه 4/333.
وأورده السيوطي في الدر المنثور 1/234 عند تفسير هذه الآية وتمامه "أن رجلا قال له: إنى أجرت نفسي، من قومي على أن يحملوني، ووضعت لهم من أجرتي على أن يدعوني أحج معهم، أفيجزئ ذلك عني؟ قال: أنت من الذين قال الله: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الحِسَابِ} ] سورة البقرة 202 [.
3 تقدم تحقيق ذلك عند المسألة رقم (1995) .
4 في نسخة ع "إن من استأجر أجيرا" بزيادة "إن" وهو خطأ.
5 هذا الحديث رواه النسائى في سننه، وابن أبي شيبة في مصنفه موقوفاً عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، ورواه الإمام أحمد مرفوعاً عن أبي سعيد الخدري بلفظ "إن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن استئجار الأجير، حتى يبين له أجره".
وذكر النسائي وابن أبي شيبة آثاراً عن بعض التابعين في ذلك، منهم الحسن البصري، وابن سيرين، وحماد، وإبراهيم النخعي، وابن طاووس عن أبيه.
انظر: مسند الإمام أحمد 3/59، 68، 71، وسنن النسائي كتاب المزارعة 7 / 29، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع: باب من كره أن يستعمل الأجير حتى يبين له الأجر 6/303، 304.(6/3093)
بالاحتجاج1 بهذا في هذا الموضع، لأن الأجرة بينة، إذا كانت كسوته، وطعامه، وذلك أنه يجعل له كسوة وسطاً، وطعاماً كما يطعم مثله.
فإن قال: إن هذا ليس ببين.
قيل له: فلم أجزته إذا استأجر ضئراً على أن يطعمها، ويكسوها ثوباً، ضرباً من الثياب بغير أعيانها؟
فإن قال: استحسنت ذلك.
فالحجة عليه إذا لم يكن طعام بطنه معلوماً، وزعمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استأجر2 أجيراً، فليبين له3 الأجر"، كيف4 جاز ذلك أن تستحسن خلاف قول النبي صلى الله عليه وسلم؟، هذه زلة
__________
1 في نسخة ع: "في الاحتجاج".
2 من قوله: "ضئراً إلى قوله" من استأجر "غير موجودة في الأصل".
3 "له" ناقصة من نسخة ع.
4 في نسخة ع: "فكيف".(6/3094)
عظيمة، بل خدمة الخدم على طعام بطونهم، أشهر الناس يعملوها1 من الضرورة، فكيف ميزت بينهما، وأقررت أن معنى2 هذا واحد، وأنه على خلاف معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا؟
بل السنة في ذلك ما وصفنا أنه جائز على ما يفعله3 الناس من الطعام والكسوة، كما أن الأجير تستأجره يوماً، أو شهراً بدراهم معلومة، فلابد أن يكون لتلك الأيام ساعات، لم يكن لك أن تستعمله فيها، وليس تلك الساعات بداخلة في أجرتك، لأن الأجير لابد له من إقامة المكتوبات، أو إتيان الغائط، أو البول، أو أكل الطعام، فهذه الأوقات، لم يبينها، ولا يستطيع أن يحدها الأجير، ولا المستأجر، فكيف أجزتم ذلك؟
فإن تشاحا4 فقال: اقرأ في المكتوبة أقل5 مما ما تقرأ مما تراه
__________
1 في نسخة ع: "يعلمونها".
2 في نسخة ع: "معناهما".
3 في نسخة ع: "فعله".
4 أي: الأجير والمستأجر.
5 في نسخة ع: "بأقل".(6/3095)
جائزا، وأبى الأجير أن يقرأ إلا ما سن الرسول صلى الله عليه وسلم1 أيجبر أن يقتصر على ما أراد المستأجر؟
فإن قلت: لا، فقد انتقض عليك دعواك، وإن كان أكولاً، وأراد2 الاستيفاء، وأردت أن لا يزيد على قوته، أيحكم
__________
1 ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث عبادة بن الصامت عند البخاري وغيره: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". وأنه قال في حديث المسيء صلاته عن أبي هريرة "اقرأ بما تيسر معك من القرآن".
كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ غير الفاتحة معها، وكان يطيل في الركعتين الأوليين من كل صلاة، قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إن لم تزد على الفاتحة أجزأت، وإن زدت فهو خير".
وذكر الحافظ في الفتح 2/252: استحباب قراءة السور، أو الآيات مع الفاتحة، وأنه قول الجمهور في الصبح والجمعة والأولين من غيرهما، وصح إيجاب ذلك عن عثمان ابن أبي العاص، وبه قال بعض الحنفية، وابن كنانة من المالكية، وحكاه القاضي الفراء الحنبلي في رواية عن الإمام أحمد.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب الأذان: باب وجوب القراءة للإمام، والمأموم وما بعده 2/236 – 252.
وجاء في المحرر 1/54: أنه يقرأ في الفجر سورة من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي البقية من متوسطه، ويطيل أول ركعتين من صلاته.
2 في نسخة ع: "فأراد".(6/3096)
الحاكم عليه في ذلك بشيء؟ أو كان مستطلق البطن1، فذهب أكثر مما يذهب مثله أله منعه؟
فإن قلت: لا2، فقد أقررت أن الإجارة تمت على ما يفعله الناس من غير استقصاء ذلك الشيء3 الذي [ع-157/أ] وقته، وكذلك الطعام والكسوة على ما يفعله الناس.
[2328-] قال إسحاق: مضت السنة من النبي صلى الله عليه وسلم أن من أحيا أرضاً مواتاً، فقد ملك رقبتها، وقال الرسول4 صلى الله عليه وسلم: "عاديُّ الأرض لله ولرسوله، ثم لكم، من أحيا من موتان الأرض شيئاً، فقد ملك رقبتها5".
__________
1 أي عنده إسهال كما يسمونه في الطب الحديث.
2 حرف "لا" ناقص من نسخة ع.
3 في نسخة ع: "بالشيء".
4 في نسخة ع: "رسول الله".
5 هذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة، عن ابن طاوس، عن أبيه موصولاً بلفظ "من أحيا أرضاً ميتة، فله رقبته"، وعن ابن عباس، وطاوس بلفظ "من أحيا ميتاً من موتان الأرض".
وذكر البخاري في صحيحه آثاراً وأحاديث في ذلك تعليقاً، فقال: باب من أحيا أرضاً مواتاً. وقال عمر: من أحيا أرضاً ميتة فهي له، ويروى عن عمر، وابن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في غير حق مسلم، وليس لعرق ظالم، فيه حق". ويروى فيه عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث الباب عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعمر أرضاً، ليست لأحد: فهو أحق"، وقال عروة: قضى به عمر رضي الله عنه في خلافته.
وأخرج الترمذي حديث جابر، وحديث سعيد بن زيد، وصححهما، ثم قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد، وإسحاق.
وقد تكلم الحافظ على هذا الحديث في كتاب الدراية.
كما أخرج الحديث البيهقي من طريقين مرسلاً عن طاوس، وذكره السيوطي في الجامع الصغير، ورمز له بالضعف، وعزاه ابن قدامة في المغني لسنن سعيد بن منصور، وأورده أبو عبيد في كتاب الأموال عن ابن طاوس عن أبيه بزيادة وهي قوله: قال قلت: وما يعني؟ قال: تقطعونها الناس. قال أبو عبيد: العاديُّ، كل أرض كان بها ساكن في آباد الدهر فانقرضوا، فلم يبق منهم أنيس، فصار حكمها إلى الإمام.
انظر: صحيح البخاري مع الفتح كتاب الحرث والمزارعة 5/18، وسنن الترمذى كتاب الإحكام: باب ما ذكر في إحياء الموات 3/654، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب من قال: إذا أحيا أرضاً، فهي له 7/75، وكتاب الأموال لأبي عبيد 347، 354، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب إحياء الموات: باب لا يترك ذمي يحييه 6/143، والجامع الصغير مع الفيض 4/298، والمغني لابن قدامة 5/417، الدراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ ابن حجر 2/244.(6/3097)
فلما ثبتت السنة بملك رقبة1 الموات للذين أحيوها، صارت سنة مسنونة، وعمل بذلك الخلفاء بعده، واجتمع علماء
__________
1 في الأصل "الرقبة" وما أثبتناه أولى.(6/3098)
الأمصار في عصرنا هذا، ومن قبل أن الأمر على ذلك، لم يختلف منهم فيه والٍ، ولا عالم، ولا جماعة1.
واختلف علماء الأمصار في تفسير الموات، فرأى قوم من أهل العلم، أن كل أرض، لم يوضع عليها الخراج2، وإن كانت منسوبة إلى قرية، إلا أنها ليست مما يعلوها ماؤها، وقد جاوز حدها، قدر دعوة من المصر3، فأحياها رجل: فإنه قد ملك رقبتها، وإن كانت هذه الأرض في غير أرض العرب، لأنها إذا لم تكن في حد قرية: وضع عليها الخراج، أو في مرعى القوم:
__________
1 ذكر الإجماع على ذلك ابن حزم في مراتب الإجماع ص 95 –إحياء الموات، وابن هبيرة في الإفصاح، باب إحياء الموات 2/49، وابن قدامة في المغني، كتاب إحياء الموات 5/416.
2 ذكر أبو داود في مسائله 211 عن أحمد أنه قال: أخشى أن لا يكون في أرض السواد، موات.
وقال البخاري في صحيحه: باب من أحيا أرضاً مواتاً، ورأي علي في أرض الخراب بالكوفة موات. البخاري مع الفتح كتاب الحرث والمزارعة 5/18.
3 أخرج ابن أبي شيبة في كتاب البيوع: باب من قال: إذا أحيا أرضاً ميتة، فهي له 7/74، عن أبي بكر بن حفص يرفعه قال: من أحيا أرضاً على دعوة من المصر، فله رقبتها إلى ما يصيب فيها من الأجر.(6/3099)
لم يكن حريماً، لهذه القرية التي هي1 بجنبها جبلاً كان أو أرضاً، لأن الأرض التي لا2 يعلوها الماء، وإن نسبت إلى قرية، أو قبل مفازة كورة، كنحو مفازة آمل3، أو مفازة كرمان4، أو ما أشبههما، فإن من أحيا منها: فهو مباح له، إذا لم يكن يعرض لها متعرض قَبْلُ فأحياها، فإن الذي يحيى مثل هذه الموات، فقد ملك الرقبة5.
__________
1 في نسخة ع: "أو هي".
2 حرف "لا" ناقص نسخة ع.
3 آمل: اسم أكبر مدينة بطبرستان في السهل، لأن طبرستان سهل وجبل، وهي في الإقليم الرابع، وقد خرج منها كثير من العلماء ولكنهم قل ما ينسبون إلى غير طبرستان، فيقال لهم الطبري، منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري. معجم البلدان 1/57.
4 كرمان: ولاية مشهورة، وناحية كبيرة، معمورة، ذات بلاد، وقرى، ومدن واسعة، تقع بين فارس، ومكران، وسجستان، وخراسان. المرجع السابق 4/454.
5 ورد في مسائل أبي داود 211، قلت لأحمد: أرض ميتة أحياها رجل؟ قال: إذا كانت لم تملك، فإن ملكت: فهى فيء للمسلمين، مثل رجل مات، وترك مالاً لا يعرف له وارث.
وفي مسائل صالح ورقة 118 مثل ذلك، وهكذا يرى الخرقي في مختصره 106 أن الموات: هي الأرض التي تملك مالم تكن أرض ملح، أو ماء للمسلمين فيه منفعة.
وقال الحافظ في الفتح كتاب المزارعة 5/18: الموات: الأرض التي لم تعمر، شبهت العمارة بالحياة، وتعطيلها بفقد الحياة.
أما ابن قدامة فقد ذكر في المغني 5/416: أن الموات: هو الخراب الدارسة تسمى ميتة، ومواتاً وموتاناً. وهو قسمان:
القسم الأول: مالم يجر عليه ملك لأحد، ولا يوجد فيه أثر عمارة، فهذا يملك بالإحياء، بغير خلاف بين القائلين بالإحياء.
القسم الثاني: ما جرى عليه ملك مالك، وهو أنواع:
النوع الأول: ماله مالك معين، وهو ضربان:
الأول: ما ملك بشراء، أو عطية، فهذا لا يملك بالإحياء بغير خلاف.
الثانى: ما ملك بالإحياء، ثم ترك حتى دثر، وعاد مواتاً، فهو كالذي قبله سواء، لأن مالكها معروف، فلا تملك بالإحياء. خلافاً لمالك، لعموم الحديث، ولأن الأصل في الأرض الإباحة.
النوع الثاني: ما يوجد فيه آثار ملك قديم جاهلي، كآثار الروم، ومساكن ثمود ونحوها، فهذا يملك بالإحياء، لأن ذلك الملك، لا حرمة له.
النوع الثالث: ما جرى عليه الملك في الإسلام، لمسلم أو ذمي غير معين.
فظاهر كلام الخرقي: أنها لا تملك بالإحياء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الثانية: أنها تملك بالإحياء لعموم النص.(6/3100)
ولا يكون إحياء الموات، إلا بان يحوط عليها حائطاً، أو يجعل حواليها المسنيات1، كنحو الحيطان، أو يكون زرعها الذي
__________
1 في نسخة ع: "السنيات" والمسنيات جمع: مسناة، وهو حائط يبنى على هيئة السد لحجز ماء السيل، أو النهر، به مفاتيح للماء تفتح على قدر الحاجة.
انظر: المصباح 345، والمعجم الوسيط 1/457.(6/3101)
أحياها كلها، أو كَرِيُّهَا: فهذا الإحياء الذي قد عرفنا1، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحيا أرضاً مواتاً، فقد ملك رقبتها"، وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم: "من أحاط على أرض، فقد [ظ-73/أ] ملكها2".
فدل هذا الحديث على معنى ما أردنا من تفسير الإحياء، أنه الحائط وما أشبهه، وهو الذي لا يُخْتَلَفُ فيه، وهو الحق -إن
__________
1 في نسخة ع: "عرف".
2 من قوله "وهو الذي قال إلى قوله: فقد ملكها" ناقص من نسخة ع.
والحديث رواه أبو داود في كتاب الخراج والإمارة والفيء: باب إحياء الموات 3/456، والإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله، وعن سمرة 3/381، 5/12، 21، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب إحياء الموات: باب ما يكون إحياء، وما يرجى فيه من الأجر 6/148 عن أنس موصولاً بلفظ "ما أحطتم عليه، فهو لكم، وما لم يحط عليه، فهو لله ولرسوله" وعن عمر بن الخطاب موقوفاً قال: ليس لأحد إلا ما أحاطت عليه جدرانه.
والسيوطي في الجامع الصغير مع الفيض 6/29، قال المناوي: أي من أحيا مواتاً، وأحاط عليه حائطاً من جميع جوانبه: ملكه، وليس لأحد نزعه منه، وهذا حجة لأحمد: أن من حوط جداراً على موات ملكه.
وقد ورد في مسائل صالح 118 قول أحمد: أن الإحياء يكون بأن يحيط عليها حائطاً، فيمنع منها، أو يحفر فيها بئراً فتكون له حريمها.(6/3102)
شاء الله- لأن كل أرض بجنب قرية، أو قُرْبَها مما لا يعلوها ماء هذه القرية، وادياً كان أو قناة، فإنا قد علمنا أنه لم يوضع عليها الخراج، بما1 سن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن الخراج يوضع على كل أرض لا2 يعلوها الماء، عامر وغامر3، وهذه التي زال عنها المعنى الذي وصفنا صارت مواتاً.
وقد أجمع عدة من العلماء: أن الموات لا يكون إلا في أرض العرب4، منهم المغيرة الضبي5، والأوزاعي، وسفيان
__________
1 في نسخة ع: "لما".
2 حرف "لا" ناقص من نسخة ع.
3 لقد عثرت على قول لعمر بن عبد العزيز في كتاب الأموال لأبي عبيد ص 361 وهو: من غلب الماء على شيء، فهو له. رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن عمر.
4 في الأصل "أن لا موات في أرض العرب" وما أثبتناه أصح، وقد ذكر ابن حزم في المحلى كتاب إحياء الموات 9/92 أن الحسن بن حي قال: ليس الموات إلا في أرض العرب فقط.
5 هو المغيرة بن مِقْسَم – بكسر الميم – الضبي، مولاهم، أبو هشام الكوفي، الأعمى، ثقة متقن إلا أنه كان يدلس، ولا سيما عن إبراهيم. من السادسة، مات سنة ست وثلاثين ومائة على الصحيح، أخرج له الستة.
انظر: التقريب 2/270.(6/3103)
الثوري1، ومن سلك طريقهم، ولم يروا الموات في أرض الخراج.
فلذلك قلنا: كل أرض لم يوضع عليها الخراج، جبلاً كان أو بياض أرض، بخراسان أو غيرها: ففيها2 الموات3.
وإن كانت أرضاً بجنب4 قرية فتروح فيها دوابهم، وتسرح للرعى، فإلى قدر منتهاها: رأى قوم أن يكون فيها موات،
__________
1 كلمة "الثوري" ناقصة من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "ففيه" وهو خطأ.
3 تقدم عند التعليق عن أول المسألة قول أحمد رحمه الله: أخشى أن لا يكون في أرض السواد، موات.
وقد ساوى ابن قدامة وغيره في ذلك بين البلاد المفتوحة عنوة كالشام والعراق وما أسلم أهله عليه كالمدينة، وما صولح أهله على أن الأرض، للمسلمين، كأرض خيبر، إلا الذي صولح أهله على أن الأرض لهم، وللمسلمين الخراج عنها، فلا تملك بالإحياء من أحد المسلمين، ولا يجوز التعرض لشيء منها عامراً كان، أو مواتاً، ثم قال: ويحتمل أن يملكها من أحياها لعموم الخبر.
وجاء في المقنع، والفروع، والإنصاف: أن موات أرض العنوة كغيره، وهو الصحيح وهو المذهب، وعنه: لا تملك بالإحياء لكن تُقَرُّ بيده بخراجها كما لو أحياها ذمي.
انظر: المقنع 2/286، والمغني 5/419، والفروع 4/555، والإنصاف 6/358، 360.
4 في نسخة ظ: "أرض في جنب".(6/3104)
وقد جعل ذلك حريماً لهذه القرية1، وإن كانت2 لا يعلوها الماء أبداً3.
__________
1 جاء في المغني 5/418، والشرح الكبير 3/375، والإنصاف 6/359: أن ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه، من طرقه، ومسيل مائه، ومطرح قمامته، وملقى ترابه وآلاته: فلا يجوز إحياؤه بغير خلاف في المذهب، وكذلك ما تعلق بمصالح القرية كفنائها، ومرعى ماشيتها، ومحتطبها، وطرقها ومسيل مائها: لا يملك بالإحياء، ولا نعلم فيه أيضا خلافاً بين أهل العلم.
وذكر القاضي روايتين في إحياء ما قرب من العامر إذا لم يتعلق بمصلحته، فنقل يوسف بن موسى: إنما يكون في البرية والصحراء، فإن كانت بين القرى فلا، فظاهر هذا المنع، ونقل أبو الصقر: في رجل أحيا أرضاً، ميتة، وأحيا آخر إلى جنبه أرضاً، وبقيت بين القطعتين بقية، فجاء رجل فأحياها: فليس لهما منعه، فظاهر هذا جواز ذلك. انظر: الروايتين والوجهين لأبي يعلى 453.
وقال الحافظ في الفتح 5/18 إحياء الموات: أن يعمد الشخص لأرض، لا يعلم تقدم ملك عليها، لأحد فيحييها بالسقي، أو الزرع، أو الغرس، أو البناء. فتصير بذلك ملكه، سواء كانت فيما قرب من العمران، أم بعد، وسواء أذن له الإمام في ذلك، أم لم يأذن، وهذا قول الجمهور.
وعن أبي حنيفة: لابد من إذن الإمام مطلقاً، وعن مالك فيما قرب، وضابط القرب ما بأهل العمران إليه حاجة من رعي ونحوه.
2 في نسخة ع: "وإن كان" وهو خطأ.
3 في نسخة ع: "أيضا".(6/3105)
[2329-] قال إسحاق: وهذا إذا كان دون دعوة من القرية، أو المصر، رجوت أن يكون كما وصفوا. وأما ما نأت1 عما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قدر دعوة، فإن رقبتها لمن أحياها، إذا كانت مما2 لا يعلوها ماء هذه القرية.
وإن3 كانت أرضا منسوبة إلى قرية، وهي عامرة ويعلوها الماء، أن لو عمرت فلا أرى لأحد من أهل4 تلك القرية التي تنسب هذه الأرض إليها، أن يستبد بزراعتها دون الشركاء، لأنهم في ذلك شرع واحد، ولا5 يجوز لأحد استخلاص شيء منها، دون أهل القرية إلا أن تكون مقاسمة بين القوم، أو يكون صلحاً بين القوم6 يتراضون به على زراعتها، فلهم ذلك حينئذ.7
__________
1 في نسخة ع: "جاءت".
2 في نسخة ع: "ممن".
3 في نسخة ع: "فإن".
4 كلمة "أهل" ناقصة من نسخة ع.
5 في نسخة ع: "فلا".
6 في نسخة ع: "بينهم" بدل "بين القوم".
7 هذه المسألة تشبه بناء الإنسان في طريق المسلمين الواسع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن كان البناء لنفسه فلا يجوز، وهو المشهور من مذهب أحمد، وجوزه بعضهم بإذن الإمام، وهل يجوز للإمام أن يأذن في حيازة بعضه؟ منهم من أفتى بالجواز، ومنهم من منع، واختاره القاضى أبو يعلى وذكر أنه كلام أحمد، فإنه قال في رواية ابن القاسم: إذا كان الطريق قد سلكه، الناس فصار طريقاً: فليس لأحد أن يأخذ منه شيئاً قليلاً، ولا كثيراً قيل له: وإن كان واسعاً مثل الشوارع؟ قال: وإن كان واسعاً.
قال: وهو أشد ممن يأخذ حدا بينه وبين شريكه، لأن هذا يأخذ من واحد وهذا يأخذ من جماعة المسلمين. انظر: مجموع الفتاوى، باب إحياء الموات 30/399.
أما ما تصالحوا عليه، فلا شيء فيه، فالصلح جائز بين المسلمين، ما لم يتعارض مع النصوص الشرعية الثابتة.(6/3106)
ورأى قوم في هذه الأرض1 التي بين أهل القرية، أو القرية نفسها إذا كانت بينهم، فلم2 يقتسموها، فأرادوا زراعتها أن يقتسموا3 بينهم، ويقرعوا بين4 القسمة، وأرجو أن يكون ذلك جائزاً [ع-157/ب] 5.
وإن كان فيها قوم غُيَّبٌ، أو صغار، فإن الحاكم يوكل على6
__________
1 في نسخة ع: "أرضين".
2 في نسخة ع: "ولم".
3 في نسخة ع: "يقتسموها".
4 في نسخة ع: "بعد".
5 في ع: "تمّ الجزء السادس وأول الجزء السابع".
6 في نسخة ع: "عن".(6/3107)
الغائب، وينصب للصغير وصياً، ثم يقتسمون حينئذ ويقترعون، وهذا رأي مالك وأصحابه1: أن يقتسموا هم عن2 الصغير والغائب، إذا كان الذين حضروا هم مدركون، ويحتاجون إلى القسمة، ويجمعون العدول في ذلك ويقرعون.
قيل لمالك: أرأيت إن قدم الغائب، أو أدرك الصغير، فأنكروا ذلك؟
فقال: جازت القسمة بينهم، ولو أن الحاكم أراد ذلك، لم يقدر على أكثر من أن يحضر عدولا حتى يقتسموا، وقد فعل ذلك هؤلاء، ثم يقول على أثر ذلك: هؤلاء الحكام والله قد3 أضاعوا من الحكم أكثر من ذلك.
والذي نعتمد عليه من ذلك: ما وصف مالك عند الضرورة،
__________
1 انظر: الشرح الكبير مع حاشية الدسوق باب إحياء الموات 4/67، فقد ذكر أنه إذا عمر جماعة بلدة، فإنهم يختصون بها، وبحريمها، فلا مشاركة لغيرهم فيه، ولا يختص به بعضهم دون بعض، وفي ص 75 أشار إلى القسم بالقرعة عند الاختلاف.
وقال في المدونة 4/250: لا يقسم للغائب إلا السلطان.
2 في الأصل "على" وما أثبتناه أصح، لأن الحاضرين ينوبون عن الصغير والغائب، لا عليهم.
3 في نسخة ع: "لقد".(6/3108)
إذا1 لم يمكنهم رفع ذلك2 إلى الحاكم لَمَّا لما يكن هناك من يحكم بينهم3، إذ لم يقدروا على تثبيت ذلك عند الحاكم فجازت حينئذ القسمة، لأنها موضع ضرورة.
وهذا إذا كان منهم غائب، أو صغير، فأما إذا كان أهلها كلهم كباراً حضوراً4، فلا يحتاجون إلى حاكم، ولا إلى قضية قاض، وقد أجاز أهل العلم من أصحاب رسول الله5 صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من الضرورات أكثر من هذا.
وأنكر هؤلاء ما وصف مالك من ذلك عند الضرورة6، وغير الضرورة، ثم أتوا أعظم مما أنكروا، فمن ذلك ما قالوا: لو أن امرأة التقطت صبياً، فربته، فَوُهِبَ للصبي هبةً، فقالوا بأجمعهم: لها أن تقبض ما وهب له7، وهم لا يرون للأم قبضاً في
__________
1 في نسخة ع: "وإذا".
2 كلمة "ذلك" ناقصة من نسخة ع.
3 في نسخة ع: "فيهم".
4 كلمة "حضور" غير موجودة في الأصل.
5 في نسخة ع "رسول الله محمد" بزيادة "محمد".
6 في نسخة ع: "أو".
7 يجوز للملتقط سواء كان رجلاً، أو امرأة، أن يقبض ما يوهب للقيط عند الحنفية وغيرهم، لأن ذلك ليس من باب الولاية عليه، بل من باب إصلاح حاله، وإيصال المنفعة المحضة إليه من غير ضرر، فأشبه إطعامه وغسل ثيابه.
انظر: بدائع الصنائع للكاساني كتاب اللقيط 6/199، وفتح القدير لابن الهمام 6/116، والإنصاف 6/437.(6/3109)
الأصل، فادعوا أن مثل هذا ضرورة.
وقالوا أيضا: لو كانت صبية فخطبها خاطب، فلهذه الملتقطة أن تزوجها، ولا يرون لها خياراً، إذا أدركت، وقالوا: هذا موضع ضرورة.
ومثل هذا كثير من قولهم يفرقون، بين ما جمع القوم، ويجمعون بين ما فرق القوم، قد أُوْلِعُوا بذلك. فإذا1 أحيا الرجل الأرض2 الموات، كما وصفنا، فقد ملك الرقبة، ثم إن ضيعها بعد ذلك3، ثلاث سنين، فقد زال عنه ما أحيا4، إلا أن
__________
1 في نسخة ع: "إذا".
2 في نسخة ع: "أرض".
3 كلمة "ذلك" ناقصة من نسخة ع.
4 روى البيهقي في سننه كتاب إحياء الموات 6/148 عن عمرو بن شعيب، أن عمر جعل التحجر ثلاث سنين، فإن تركها حتى يمضى ثلاث سنين، فأحياها غيره: فهو احق بها.
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال 368: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني، فلما كان زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجره عن الناس، إنما أقطعك لتعمل، فخذ منها ما قدرت على عمارته ورد الباقي".
وروى سالم بن عبد الله، عن أبيه، كان عمر بن الخطاب يخطب على هذا المنبر فقال: يا أيها الناس من أحيا أرضاً ميتة، فهي له، وذلك أن رجالاً كانوا يحتجرون من الأرض مالا يعمرون.
وجاء مثل ذلك في كتاب الخراج لأبي يوسف 65، فقد ذكر قول عمر رضي الله عنه: "ليس لمحتجر حق، بعد ثلاث سنين" روى ذلك عن سالم بن عبد الله بن عمر، والحسن، وطاوس.(6/3110)
يكون [ظ-73/ب] حوط عليها حائطاً، فإن ملكه حينئذ لا يزول.
وأما الأرض التي هي منسوبة إلى قرية، مما قد1 وضع عليها الخراج: فلا موات فيها، لوضع الخراج عليها، ولكن الإمام2 إن رأى أن يدفعها إلى من شاء، حتى يحييها، فله ذلك بعد أن3 يكون ذلك نظراً لأهل القرية، لأنها لو تعطلت4 يوماً حتى لا يقدروا على احتمال خراجها كان على الإمام،
__________
1 حرف "قد" ناقص من نسخة ع.
2 في نسخة ع: "للإمام".
3 في نسخة ع: "إذ".
4 في نسخة ع: "تقطعت".(6/3111)
التخفيف عنهم، فكذلك1 له أن يبيح ما وصفنا حتى تحيا، ويضع عليها قدر طاقتها، وقدر ما يعرف من المؤنة التي تلزم في إحيائها، عُشْراً كان أو غيره، لأن كل شيء يوظفه عليها، كان عليه إسقاطه عن جملة خراج أهل القرية، فلذلك جعل النظر على معنى الحيطة لهم2.
__________
1 في نسخة ع: "وكذلك".
2 روى أبو عبيد في كتاب الأموال، عن قيس بن أبي حازم أن عمر رضي الله عنه جعل لبَجِيْلَة ربع السواد، ثم أخذه منهم بعد سنتين أو ثلاثاً، رده جرير بن عبد الله البجلي، وعن عامر الشعبي أنه نفل جريراً الثلث حين وجهه إلى الكوفة بعد مقتل أبي عبيد، كما روى أن عثمان رضي الله عنه أقطع بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سواد العراق والكوفة.
وورد مثل ذلك عن أبي يوسف، ويحيى بن آدم. قال أبو يوسف: أما أرض البصرة، وخراسان فإنهما عندي بمنزلة السواد، ما افتتح من ذلك عنوة، فهو أرض خراج، ثم قال: وكل أرض من أراضي العراق، والحجاز، واليمن، والطائف، وأرض العرب، وغيرها غامرة وليست لأحد، ولا في يد أحد، ولا ملك أحد، ولا وراثة، ولا عليها أثر عمارة، فأقطعها الإمام رجلاً، فعمرها، فإن كانت في أرض الخراج، أدى عنها الذي أقطعها الخراج.
وجاء في كتاب الاستخراج لأحكام الخراج لابن رجب الحنبلي: جواز إقطاع الإمام العادل، لأرض العنوة، لأنها فيء للمسلمين، فله أن يترك خراجها مشتركا بينهم، وله أن يخص بها من شاء منهم، ثم ذكر إقطاع عثمان لبعض الصحابة، كما ذكر رواية عن الإمام أحمد نقلها الأثرم: "أن دور البصرة والكوفة أقطعت على عهد عمر رضي الله عنه".
قال المروزي في اختلاف العلماء ورقة 103، سئل أبو عبد الله عن القطائع التي بطرطوس، أهي مثل قطائع بغداد؟ فقال: لا بل تلك عندي أسهل في نحر العدو … انتهى.
قال أبو يعلى: وهذا يدل على أن الإقطاع إذا كان لمن ينتفع به من المسلمين، كان شبيها بإقطاع عثمان رضي الله عنه، وروي عنه ما يدل على جواز الإقطاع للإمام العادل، من أرض العنوة على أنها أرض فيء، وليست وقفاً، وفي كلام أحمد ما يدل على كلا القولين.
انظر: كتاب الأموال لأبي عبيد 78، 79، 353، وكتاب الخراج لأبي يوسف 59، 62، وكتاب الخراج ليحيى بن آدم 78، وكتاب الاستخراج لأحكام الخراج لابن رجب الحنبلي 102، 105، 106 وكلاهما مطبوعان مع كتاب الخراج لأبي يوسف.(6/3112)
وجهل هؤلاء حيث قالوا: لا تحيا الموات إلا بإذن الإمام1 وإن
__________
1 هذا رأي الإمام أبي حنيفة، قال أبو يوسف: وقد كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: من أحيا أرضاً مواتاً: فهى له، إذا أجازه الإمام، ومن أحيا أرضاً مواتاً، بغير إذن الإمام: فليست له، وللإمام أن يخرجها من يده ويصنع بها ما يشاء من الإجارة والإقطاع وغير ذلك.
قيل لأبي يوسف: ما ينبغى لأبي حنيفة أن يكون قد قال هذا إلا من شيء، لأن الحديث قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحيا أرضاً مواتاً، فهي له" فبين لنا ذلك الشيء، فإنا نرجوا أن تكون قد سمعت منه في هذا شيئاً يَحتج به؟
قال أبو يوسف: حجته في ذلك أن يقول: الإحياء لا يكون إلا بإذن الإمام، أرأيت رجلين أراد كل واحد منهما أن يختار موضعاً واحداً، وكل واحد منهما منع صاحبه، أيهما أحق به، أرأيت إن أراد رجل أن يحيي أرضاً، ميتة بفناء رجل، وهو مقر أن لاحق له فيها، فقال: لا تحييها فإنها بفنائى، وذلك يضرني، فإنما جعل أبو حنيفة إذن الإمام في ذلك ههنا، فصلا بين الناس، منعا للتشاح في الموضع الواحد.
قال أبو يوسف: أما أنا فأرى إذا لم يكن فيه ضرر على أحد، ولا لأحد فيه خصومة: أن إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم جائز إلى يوم القيامة، فإذا جاء الضرر، فهو على الحديث "ليس لعرق ظالم حق".
انظر: كتاب الخراج لأبي يوسف 63، 64، ومجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر لشيخى زاده 2/558.(6/3113)
كان من أرض العرب، [ع-158/أ] وهذه1 زلة عظيمة، لأنه خلاف قول الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما تحتاج إلى إذن السلطان في هذه الأشياء التي وصفنا، مما قد وضع عليها الخراج، فلا يكون فيها موات، وإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أتى على إذن السلطان في غيره في الموات لقوله: "عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم"، فهو مباح لمن أحياها، إلا أن يكون "غير مسلم"، فإن من أحيا الموات من غير أهل الإسلام، خفت أن لا يكون ذلك2 لقوله
__________
1 في نسخة ع: "فهذه".
2 ساوى الموفق في المقنع 2/286، والمغني 5/418 بين المسلم والكافر في إحياء الموات حيث كانت. قال: نص عليه أحمد، وبه قال مالك، وبعض الحنابلة ذكره القاضي.
قال في المغني: ولنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم "من أحيا أرضاً ميتة، فهى له"، ولأن هذه جهة من جهات التمليك. فاشترك فيها المسلم والذمي كسائر جهاته، ولا يمتنع أن يريد بقوله صلى الله عليه وسلم: "هي لكم" أي لأهل دار الإسلام، والذمي من أهل الدار تجرى عليه أحكامها.
وذكر الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير للدردير 4/69: أن الباجى مال إلى أن للكافر الإحياء فيما قرب من العامر، بإذن الإمام، ثم قال: والمشهور خلافه، أي: لا يجوز للذمي الإحياء فيما قرب من العمارة، ولو بإذن الإمام.
أما صاحب الإنصاف 6/358: فقد ذكر أن الكفار صنفان، بالنسبة للإحياء:
[1-] صنف أهل ذمة يملكون، ما أحيوه على الصحيح من المذهب، نص عليه، وقيل: لا يملكه. وهو ظاهر قول ابن حامد، وقد حمل قوله أبو الخطاب على دار الإسلام.
وقيل: لا يملكه بالإحياء في دار الإسلام.
وقيل: يملكه الكافر في دار الشرك، وفي دار الإسلام وجهان.
[2-] والصنف الثاني: أهل حرب فظاهر كلامه في المقنع: أنهم كأهل الذمة في ذلك كله. وهو ظاهر كلام جماعة، وهو أحد الوجهين، والصحيح من المذهب أنه لا يملكه بالإحياء.(6/3114)
صلى الله عليه وسلم: "لله ولرسوله ثم لكم"1.
فمن أحيا من موتان الأرض شيئاً، سوى أهل الإسلام، لم يكن
__________
1 تقدم تخريج هذا الحديث عند المسألة رقم (2328) .(6/3115)
بد1 للسلطان من أن يضع عليها ما يرى من الخراج، لأنهم لا2 يكونون كالمسلمين، فيوضع3 عليهم4 العُشْرُ، كما يوضع على مسلم، يحيي مواتاً من الأرض،5 فإن المسلم إذا زال عنه الخراج، لزمه العشر، وغير المسلمين6 إنما ألزموا الخراج في أرضيهم، وعلى رؤوسهم، ولا] بد من7 [أن يوضع على ما يحبون من الأرض الخراج، فيكون الإمام قد أخذ من الأرض8 المستحدثة خراجاً، وإنما عليها العشر، وأن9 المشرك لا طهرة10 له بالعشر، والزكاة، وإنما الطهرة للمسلمين11
__________
1 كلمة "بد" ناقصة من نسخة ع.
2 حرف "لا" ناقص من نسخة ع.
3 في نسخة ع: "فوضع".
4 كلمة "عليهم" ناقصة من نسخة ع.
5 في نسخة ع: "وإن".
6 في نسخة ع: "المسلم".
7 ما بين المعكوفتين ناقصة من نسخة ع.
8 في نسخة ع: "أرض".
9 في نسخة ع: "فإن".
10 في نسخة ع: "طهر".
11 لعل إسحاق رحمه الله أراد بذلك أهل الحرب من الكفار، فقد ذكر صاحب الإنصاف 6/358: أنهم لا يملكون بالإحياء، وهو أحد الوجهين، والصحيح من المذهب. أما أهل الذمة، ففي إحيائهم في دار الإسلام، وجهان، الصحيح من المذهب أنهم يملكون ما أحيوه نص عليه، فعلى المذهب المنصوص: إن أحيا الذمي أرض عنوة لزمه الخراج عنها، وإن أحيا غيرها، فلا شيء عليه. على الصحيح من المذهب.(6/3116)
كما قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} 1 الآية.
[2330-] سئل أحمد عن الرجل يعتق عبده، وله مال؟
قال: ماله للسيد، إنما روى أيوب، عن نافع أن ابن عمر أعتق غلاماً2، وله مال، فلم يعرض لماله، وإنما تركه له ابن عمر3.
__________
1 سورة التوبة الآية رقم: 103.
2 في نسخة ع: "غلاماً له".
3 نص على ذلك في مسائل عبد الله ص 394.
وجاء في المغني 10/331، 332: إذا أعتق عبداً، وله مال فماله لسيده. روى هذا عن ابن مسعود، وأبي أيوب، وأنس بن مالك، وبه قال قتادة، والحكم، والثوري، والشافعي، وأصحاب الرأي، وروى ذلك عن حماد، والبتي، وداود بن أبي هند، وحميد، وقال الحسن، وعطاء، والشعبي، والنخعي، ومالك، وأهل المدينة: يتبعه ماله لما روى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق عبداً، وله مال فالمال للعبد"، وروى حماد بن سلمة عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا أعتق عبداً، لم يعرض لماله.
قال ابن قدامة: حديث ابن عمر المرفوع قال أحمد: يرويه عبد الله ابن أبي جعفر من أهل مصر، وهو ضعيف في الحديث، وفعل ابن عمر تَفَضُّلٌ منه على معتقه.
قيل للإمام أحمد: كان هذا عندك على التفضل؟ فقال: إي لعمري على التفضل، قيل له: فكأنه عندك للسيد؟ فقال: نعم، السيد مثل البيع سواء. والمذهب أن مال العبد المعتق لسيده، وفي رواية للعبد، كذا ورد في الإنصاف 7/408.
وقد روى عبد الرزاق عن قتادة، وابن أبي شيبة، عن الحكم: أن العبد إذا أعتق فالمال للسيد.
وعن الحسن، ومحمد بن سيرين، والزهري، والنخعي، وطاوس، ومجاهد أن الرجل إذا أعتق عبده، فالمال للعبد.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب بيع العبد وله مال 8/134، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب في الرجل يعتق العبد وله مال 6/417، 418، 419.
وروى مالك عن ابن شهاب قوله: مضت السنة أن العبد إذا أعتق، تبعه ماله. قال مالك: ومما يبين ذلك أن المكاتب إذا كوتب تبعه ماله، وإن لم يشترطه.
وقد روي عن عائشة رضي الله عنها، والحسن، والزهرى، وابن سيرين، والشعبي، ومجاهد، وطاوس كلهم قالوا: إذا عتق العبد، تبعه ماله.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب بيع العبد وله مال 8/134، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب في الرجل يعتق العبد وله مال 6/417، 418، وموطأ مالك، كتاب العتق والولاء، باب القضاء في مال العبد إذا أعتق 2/775.(6/3117)
ويروى عن ابن مسعود: أما إن مالَكَ لي1، وعن أنس بن مالك2.
قال إسحاق: كما قال.
[2331-] قلت لأحمد: رجل في حائط جاره، شجرة وأغصانها في حائطه، أله أن يمنعه ويأمر بقطعها؟
قال: نعم3. ويروى عن مكحول في نحو هذا.
__________
1 أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن أبي خالد عن عمران بن عمير عن أبيه، وكان غلاماً لعبد الله بن مسعود، فأعتقه، ثم قال: إنما مالك مالي، ثم قال: هو لك.
وأخرجه ابن أبي شيبة، عن شريك، عن ميسرة، عن أبيه، عن جده: أن عبد الله أعتقه فقال: أما إن مالك لي، ولكنه لك. المرجع السابق.
2 أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة: أن أنس بن مالك سأل عبداً له عن ماله، فأخبره بمال كثير: فأعتقه، وقال: مالك لك. نفس المرجع السابق.
3 هذه المسألة تدخل في باب رفع الضرر. وقد تقدم ذلك عند قوله: لا ضرر في الإسلام، عند المسألة رقم (2323) .
وذكر ابن قدامة في المغني 4/365 أنه يلزم صاحب الشجرة، إزالة تلك الأغصان، إما بردها إلى ناحية أخرى، وإما بالقطع، لأن الهواء ملك لصاحب القرار، وإن امتنع المالك من إزالته: لم يجبر لأنه من غير فعله، وإن تلف بها شيء، لم يضمنه، ويحتمل: أن يجبر على إزالته، ويضمن ما تلف به إذا أمر بإزالته، فلم يفعل.
وعلى كلا الوجهين: إذا امتنع من إزالته، كان لصاحب الهواء إزالته بأحد الأمرين، لأنه بمنزلة البهيمة التي تدخل داره، له إخراجها، وله إتلافها، إذا لم يتمكن من إزالتها من غير مشقة، ولا غرامة.
قال في الفروع، كتاب الصلح 4/276: لزمه إزالته، فإن أبى، فله إزالته، بلا حكم. وقيل لأحمد: يقطعه هو؟ قال: لا، يقول لصاحبه حتى يقطع، وذكر رواية أحمد عن مكحول مرفوعا: صاحبها بالخيار بين قطع ما ظلل، أو أكل ثمرها.
قال المرداوي في تصحيح الفروع: يجبر على إزالتها. وهو الصواب.
وقال في الإنصاف 5/252: لا يجبر – أي على القطع – وهو الصحيح.(6/3119)
قال إسحاق: كما قال.
[2332-] قلت لأحمد: الأم تأخذ من مال ولدها؟
قال: لا.
قال إسحاق: كلما احتاجت، أخذت كسوتها، ونفقتها بالمعروف وهي مثل الأب، وأحسن حالاً1.
__________
1 الأصل في ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إن لي مالاً، ووالداً، وإن والدي يريد يجتاح مالي؟ قال: "أنت ومالك لوالدك"، وحديث عمارة بن عمير، عن عمته، أنها سألت عائشة رضي الله عنها: في حجري يتيم، أفآكل من ماله؟ فقالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه".
قال الخطابي في معالم السنن: فيه من الفقه أن نفقة الوالدين واجبة على الولد إذا كان واجداً لها، وهو قول سائر الفقهاء.
انظر: سنن أبي داود كتاب البيوع، باب الرجل يأكل من مال ولده 3/800، وسنن ابن ماجه كتاب التجارات، باب مال الرجل من مال ولده 2/769، ومسند الإمام أحمد 2/214، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب في الرجل يأخذ من مال ولده 7/157 – 161، والمنتقى لابن الجارود حديث رقم 995 ص 331، ومشكل الآثار للطحاوى 2/230.
قلت: ولا شك أن الأم مقدمة على الوالد في بر ولدها وإحسانه لحديث أبي هريرة في الصحيح وغيره أن رجلاً "جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك".
انظر: البخاري مع الفتح كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة 10/401، وسنن ابن ماجه كتاب الأدب، باب بر الوالدين 2/1207.
وعلى هذا فإن للأم أن تأكل من مال ولدها بالمعروف كما قال إسحاق: إن احتاجت إليه وعنده فضل في قوته، أما أن تأخذ من مال ولدها، بلا قيد ودون حاجة، فهذا مالا يكون، ولعل هذا هو ما قصده الإمام أحمد من منع الأم أن تأخذ من مال ولدها، حسبما يظهر لي إذ لو أُطْلِقَتْ يد المرأة – وإن كانت أُمًّا – في مال ولدها لَتَعَرَّضَ للضياع، والتبذير، لأن القِوَامَةَ على النساء وليست لهن، ولأنهن ناقصات عقل ودين كما ورد في السنة.
وقد ذكر ابن أبي شيبة في كتاب البيوع، باب في الوالد يأخذ من الولد، أو يبيع له الشيء 7/60 عن شريح، وابن أبي ليلى، وعبد الله الجدلي أنهم حبسوا رجلاً في خادم باعه لابنته، وآخر أخذ مهر ابنته فإن كان هذا في حق الوالد وهو مظنة حسن التصرف، فكيف بالمرأة.
وفي مسائل ابن هانىء 2/11، 14: سئل أحمد عن المرأة تتصدق من مال ابنها؟ قال: لا تتصدق إلا بإذنه، وعن الأب قال: كل شيء يأخذ من مال ولده فيقبضه، فله أن يأكل ويعتق، ولمَّا سئل عن حديث: "أنت ومالك لأبيك"؟ قال: يأخذ من مال ولده ما شاء، وقال مرة: يأكل من مال ولده، ما لم يفسد.(6/3120)
[2333-] قلت لأحمد: تجبر الأم على الولد إذا لم يكن للأب شيء1؟
قال: تجبر على قدر الميراث.
قال إسحاق: يجبر كل ذي رحم محرم2، على ذي رحمه المحرم، إذا لم يكن له ما يكفيه، فكيف الأم إذا كانت موسرة، ولا أب للغلام، أو الجارية، بل تجبر على نفقة ولدها كلها، إذا كانت موسرة، وإنما3 تجبر على قدر ميراثها إذا كان4 معها، وارث غيرها، فأما إذا لم يكن5 للأب شيء، فكأنه لا أب له6.
__________
1 في نسخة ع: "شيئا" وهو خطأ.
2 جملة "كل ذي رحم محرم" ناقصة من ع.
3 في نسخة ع: "إنما".
4 في نسخة ع: "كانت" وهو خطأ، لأن "كان" هنا ناقصة و "وارث" اسمها وهو مذكر.
5 جملة "فأما إذا لم يكن" ساقطة من نسخة ع.
6 قال الخرقي في مختصره 170: ويجبر الرجل على نفقة والديه وولده الذكور والإناث إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم، وكذلك الصبي إذا لم يكن له أب، أجبر وراثه الذكور والإناث على نفقته على قدر ميراثه منه، فإن كان للصبي أم وَجَدٌّ: كان على الأم ثلث النفقة، وعلى الجد الثلثان.
ونقل ابن قدامة في المغني 8/211، 212، 217 الإجماع على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة من مال الولد، وأن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، ولأن ولد الإنسان بعضه، وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله، كذلك على بعضه وأصله.
قال الموفق: إذا ثبت هذا، فإن الأم تجب نفقتها، ويجب عليها أن تنفق على ولدها إذا لم يكن له أب. وقال في موضع آخر: ظاهر المذهب: أن النفقة تجب على كل وارث لمورثه، بشرط أن يكون فقيراً، وأن تنفق عليه من فضل نفقة نفسه، وأن يكون المنفق وارثاً. وبه قال الحسن، ومجاهد، والنخعي، وقتادة، والحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، وأبو ثور.
وحكى ابن المنذر عن أحمد في الصبي المرضع لا أب له ولا أحد: نفقته وأجر رضاعه على الرجال دون النساء. وروى بكر بن محمد عن أبيه، عن أحمد: النفقة على العصبات. وبه قال الأوزاعي، وإسحاق. وذلك لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قضى على بني عم منفوس، بنفقته واحتج به أحمد.
قال صاحب الإنصاف 9/392: اعلم أن الصحيح من المذهب وجوب نفقة أبويه وإن علوا وأولاده، وإن سفلوا بالمعروف، أو بعضها إن كان المنفق عليه قادراً على البعض.
وعنه: لا تلزمه نفقتهم إلا بشرط أن يرثهم بفرض، أو تعصيب كبقية الأقارب.
وعنه: تختص العصبة مطلقاً بالوجوب. نقلها الجماعة.(6/3121)
[2334-] قال إسحاق: رجل اشترى دابة، ولم يرها فضاعت، أو ماتت قبل أن تدفع إليه، فعلى من الضمان؟(6/3122)
قال: الضمان على المشتري، لأن ما كان من الحيوان، والعروض، وكل1 شيء لا يكال، ولا يوزن، فهلك قبل أن يقبضه المشتري: فهو من مال المشتري، وذلك أن له أن يبيع ما أراد من ذلك قبل قبضه.
فأما إذا قال المشتري: سلم إلي ما بعت من ذلك2 مني، فمنعه ذلك فهلك، فهو من مال البائع، لما صار في يده، كنحو الرهن3.
[2335-] سئل أحمد عن عتق النسمة؟
فاختار الرجل على المرأة4.
__________
1 في نسخة ع: "فكل".
2 كلمة "من ذلك" ناقصة من نسخة ع.
3 سبق التعليق على مثل ذلك عند المسألة رقم (1848) .
4 قال أحمد رحمه الله في مسائل عبد الله 398: المرأة يعتق عنها امرأة أحبُّ إلى.
وفي الإنصاف 7/392 قال: أفضل عتق الرقاب: أنفسها عند أهلها، وأغلاها ثمناً. نقله الجماعة عن الإمام أحمد.
قال المرداوي: وعتق الذكر أفضل من عتق الأنثى، على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية ابن منصور.
وعنه: عتق الأنثى للأنثى أفضل، نص عليه في رواية عبد الله.
قلت: وما رواه عبد الله عن أبيه، هو ما ورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه، عند البخاري وغيره قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها …" الحديث، ولا شك أن رقبة الرجل أنفس من المرأة، لأنه يكسب، ويجاهد، ويعول، وبذلك يكون أولى من المرأة، في حالة الخيار بينهما في العتق، تقرباً إلى الله.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل 5/148.(6/3123)
قال: الضمان على المشتري، لأن ما كان من الحيوان، والعروض، وكل1 شيء لا يكال، ولا يوزن، فهلك قبل أن يقبضه المشتري: فهو من مال المشتري، وذلك أن له أن يبيع ما أراد من ذلك قبل قبضه.
فأما إذا قال المشتري: سلم إلي ما بعت من ذلك2 مني، فمنعه ذلك فهلك، فهو من مال البائع، لما صار في يده، كنحو الرهن3.
[2335-] سئل أحمد عن عتق النسمة؟
فاختار الرجل على المرأة4.
__________
1 في نسخة ع: "فكل".
2 كلمة "من ذلك" ناقصة من نسخة ع.
3 سبق التعليق على مثل ذلك عند المسألة رقم (1848) .
4 قال أحمد رحمه الله في مسائل عبد الله 398: المرأة يعتق عنها امرأة أحبُّ إلى.
وفي الإنصاف 7/392 قال: أفضل عتق الرقاب: أنفسها عند أهلها، وأغلاها ثمناً. نقله الجماعة عن الإمام أحمد.
قال المرداوي: وعتق الذكر أفضل من عتق الأنثى، على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية ابن منصور.
وعنه: عتق الأنثى للأنثى أفضل، نص عليه في رواية عبد الله.
قلت: وما رواه عبد الله عن أبيه، هو ما ورد في حديث أبي ذر رضي الله عنه، عند البخاري وغيره قال: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها …" الحديث، ولا شك أن رقبة الرجل أنفس من المرأة، لأنه يكسب، ويجاهد، ويعول، وبذلك يكون أولى من المرأة، في حالة الخيار بينهما في العتق، تقرباً إلى الله.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل 5/148.(6/3124)
قال إسحاق: كما قال، لأن الرجل هو بدل الرجل، والمرأتان تعدلان برجل1، فعتق رجل يكون برجل أعظم أجراً، وإذا قَتَلَ النفر المرأة2 عمداً: قتلوا بها3 [ظ-74/أ]
__________
1 وذلك في أمور: منها الشهادة لقوله تعالى {وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} ] سورة الطلاق آية 2 [وقوله تعالى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَونَ مِنَ اْلشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إّحْدَاهُمَا اْلأُخْرَى} ] سورة البقرة آية 282 [وفي الميراث لقوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللهُ في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اْلأُنْثَيينِ} [سورة النساء آية: 11] .
وفي الديات حيث ورد في السنة "أن دية المرأة نصف دية الرجل"، وعلى ذلك انعقد إجماع أهل العلم.
[] انظر: السنن الكبرى للبيهقي 8/96، 97، والاستذكار لابن عبد البر 25/57-63.
2 في نسخة ع: "امرأة".
3 بدليل قوله تعالى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وِالعَيْنَ بِالعَيْنِ وِالأّنْفَ بِالأَنْفِ والأّذُنَ بِالأّذُنِ وِالسِّنَّ بِالسِّنَّ وَالجُرُوحّ قِصّاصٌ} ] سورة المائدة آية 45 [.
وقد أخرج عبد الرزاق -في مصنفه، كتاب العقول، باب في النفر يقتلون الرجل 9/476 - عدة روايتات في ذلك إحداها عن ابن المسيب قال: رفع إلى عمر سبعة نفر، قتلوا رجلاً بصنعاء، فقتلهم به قال: وأخبرني منصور عن إبراهيم عن عمر مثله، قال سفيان: وبه نأخذ.
ورواه مالك في الموطأ كتاب العقول، باب ما جاء في الغيلة والسحر 2/871.(6/3125)
[2336-] سئل أحمد عن رجل قال لآخر: ابعث إلي بثوبين فبعث بهما إليه1 على يدى الغلام، [ع-158/ب] فأخذ أحدهما2، ورد الآخر على يدي الغلام، فضاع؟
فقال: هو ضامن، لأنه لم يأمره الآخر أن يرده عليه.
قال إسحاق: كما قال3.
[2337-] سئل أحمد4 عن رجل قال: اشتروا دابة للسبيل، فعجزت النفقة
__________
1 كلمة "إليه" غير موجودة في الأصل.
2 في نسخة ع: "أحدها".
3 قلت هذا مبناه على التفريط، فالغلام قد يكون صغيراً، لا يعتمد عليه في حفظ الأمانة، وليس للمشتري حجة على البائع في استخدامه للغلام، بأنه دليل على أهليته، فالبائع أرسل ثيابه مع الغلام، راضياً به رسولاً، ويحتمل تفريطه لو حصل منه.
4 كلمة "أحمد" ناقصة من نسخة ع.(6/3126)
إن اشتروها من هاهنا، أتشترى ثَمَّ1؟
قال: لا، تشترى هاهنا.
قال إسحاق: كلما كان ذلك نظراً للميت، وما هناك، حيث المنفعة تكون أنفع، تشترى ثَمَّ2.
[2338-] قال أحمد: إذا رهن جاريته3، فنفقتها على الراهن، ولو ماتت يكفنها، و4ملك الراهن فيها.
__________
1 قوله "ثم" أي: هناك، بدليل قوله تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} [سورة الإنسان آية 20 [.
2 قلت: يفهم من ذلك أن الرجل أوصى بشراء دابة من مكان معين، وبثمن معين لكنهم لم يجدوا الدابة، بالنفقة التي عينها في المكان المحدد، فهل يجوز لهم أن يشتروا الدابة من مكان آخر؟ الإمام أحمد فيما اعتقد: يرى أن يشتروا من حيث أوصاهم الميت: تنفيذا للوصية، ولأنه قد لا يؤمن على الدابة من الهلاك في الطريق، لو أخذت من مكان آخر. وإسحاق في ظاهر كلامه: لا يرى مانعاً أن تشتري الدابة من أي مكان، ما دام فيه مصلحة للميت، لأن عدم تنفيذ الوصية، أضر على الميت من مخالفة معنوية، لا تحول دون تحقيق الغرض المطلوب.
3 في نسخة ع: "جارية".
4 في نسخة ع: "من".(6/3127)
قال إسحاق: كما قال1.
[2339-] قلت لإسحاق: رجل اضطر إلى الماء، فاشتراه، وأنكر الثمن، يقول: "إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى2 عن بيع الماء3"؟
__________
1 تقدم التعليق على الرهن إذا كان مركوباً، أو محلوباً عند المسألة رقم (1952) .
وذكر الخرقي في مختصره 92: أن مؤنة الرهن على الراهن، فإن كان عبداً، فمات فعليه كفنه.
وورد في المغني 4/290، 291، 294، والشرح الكبير 2/504، 505 مثل ذلك قال: وهو قول إسحاق لقوله صلى الله عليه وسلم "الرهن من راهنه، له غنمه، وعليه غرمه"، وساق ابن قدامة رواية الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يرهن العبد فيستخدمه، فقال: الرهن لا ينتفع منه بشيء، إلا حديث أبي هريرة خاصة في الذي يركب، ويحلب، ونقل حنبل عن أحمد: أن له استخدام العبد أيضاً. وبه قال أبو ثور إذا امتنع المالك عن الإنفاق عليه.
قال أبو بكر: خالف حنبل الجماعة، والعمل على أنه لا ينتفع من الرهن بشيء إلا ما خصه الشرع به.
وقال صاحب الإنصاف 5/173: قد يقال: دخل في قوله "أو محلوبا" الأمة المرضعة، وهو أحد الوجهين. وقيل: لا تدخل. والظاهر عدم جواز تصرف المرتهن في غير المركوب والمحلوب. وهو الصحيح وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب.
2 كلمة "نهى" ناقصة من نسخة ع.
3 سبق تخريج الحديث عند المسألة رقم (1879) .(6/3128)
قال: لا يحل له إذا اشترى الماء مرة ليرضيه1، بثمن سماه، فطولب بالثمن أن يجحد الثمن، وإن كنا نكره لبائع الماء ما يأخذه2 من ثمنه، ولكن يسلم المشتري إلى3 البائع ولا يجحده4.
قال إسحاق5: وكذلك كراء بيوت مكة، المعطي أعذر، إذا لم يجد من يعطيه المسكن باطلاً6، ولا يجحده إذا استكراه منه7.
__________
1 في نسخة ع: "لا يرضيه" وهو خطأ لأن السياق يأباها.
2 في نسخة ع: "ما أخذ".
3 جملة "المشتري إلى" ناقصة من نسخة ع.
4 سبق التعليق على حكم بيع الماء عند المسألة رقم (1879) ، وأخرج ابن أبي شيبة، عن سلم بن أبي الذيال قال: سألت الحسن عن الرجل تكون له الأرض، ولا يكون له ماء، يشتريه لأرضه؟ فقال: نعم، لا بأس بذلك.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب في بيع الماء وشرائه 6/253.
5 كلمة "إسحاق" ناقصة من نسخة ع.
6 هكذا وردت كلمة "باطلاً" في كلتا النسختين ولعل المعنى: يعذر المستأجر في دفع الأجرة، ولو كانت باطلة، وهذا مبناه على الضرورة.
7 في مسائل أبي داود 211 قال: كان عمرو بن دينار يقول: اشترى عمر دار السجن – أي بمكة – قيل لأحمد: فمن يذهب إلى هذا يذهب إلى أنه لا بأس بكراء بيوتها؟ قال: نعم.
والمذهب عدم جواز بيع رباع مكة، ولا إجارتها وهو مبني على أن مكة فتحت عنوة.
وعنه: أنها فتحت صلحاً، فيدل على جواز البيع.
فعلى المذهب: لا يجوز بيع رباعها – وهي المنزل، ودار الإقامة – ولا إجارتها، وهو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب. وقيل: يجوز، وعنه: يجوز الشراء لحاجة.
وعلى المذهب: لو سكن بأجرة، لم يأثم بدفعها على الصحيح من الروايتين.
وعنه: إنكار عدم الدفع لالتزامه، جزم به القاضي.
وقال الإمام أحمد: لا ينبغى لهم أخذه.
قال المرداوي: لا يجوز لأحد التخصيص بمكة، وتحجيره، ولكن إن احتاج إلى ما في يده منه، سكنه، وإن استغنى عنه: وجب بذل فاضله للمحتاج إليه.
وقد أورد أبو عبيد في كتاب الأموال جملة من الأحاديث والآثار في حكم بيع رباع مكة، وإجارتها من ص 81 – 86، وانظر: رؤوس المسائل 231، 232، والإنصاف 4/288، 289.(6/3129)
[2340-] قلت لإسحاق: رجل دفع إلى رجل مائة درهم، فقال: بع مني طعاماً، ولم يقبضه يومئذ، حتى ارتفع السعر، أللبائع أن يعطيه بسعر يومه، أو بسعر يوم أخذ الدراهم؟
قال: كلما اشترى طعاماً، والبيع1 عنده يومئذ، فإن الشراء2
__________
1 في نسخة ع: "والبائع" وهو خطأ ظاهر.
2 في نسخة ع: "المشتري".(6/3130)
صحيح، والبائع عليه التسليم، وإن اشتراه1، وليس عند البائع طعام، فالبيع فاسد، لأن هذا غير السليم، وإن2 دفع دراهم على أن يعطيه بسعر، سمياه3: فإن له أن يعطيه بسعر يومه، الذي يسلمه إليه4.
[2341-] قلت لإسحاق: رجل سأل امرأته أن تهب له مهرها، فوهبته له، أله5 أن يمسكها بغير مهر؟
قال إسحاق: شديداً، إذا كان من طيب نفس، ما لم ترجع6.
__________
1 في نسخة ع: "فإن دفع دراهم على اشتراه".
2 في نسخة ع: "فإن".
3 في نسخة ع: "سماه" والتثنية أقوى.
4 هذه المسألة تضمنت الإشارة إلى حالتين:
الأولى: بيع ما ليس عنده، وقد تم التعليق عليه عند المسألة رقم (1845) .
والثانية: تأجيل قبض المبيع من قبل البائع، أو المشتري، فإن كان مكيلاً، أو موزوناً، فله حكم: وإن كان غير ذلك، فله حكم.
وقد سبق بيانه عند المسألة رقم (1873) .
5 كلمة "أله" ناقصة من نسخة ع.
6 الأصل في ذلك قوله تعالى {وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً، فَإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شيء مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوه هَنِيئاً مَرِيئاً} ] النساء آية 4 [.
قال ابن كثير في تفسيره 2/185 عند ذكر هذه الآية: يجب أن يعطي الرجل المرأة صداقها، طيباً بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته، أو عن شيء منه، فيأكله حلالاً طيباً.
وأخرج ابن جرير الطبري في تفسيره 4/234 عن ابن عباس أنه قال: إذا كان من غير إضرار، ولا خديعة، فهو هنيء مريء كما قال الله، وذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور 2/120.
وفي مسائل صالح 55 قال: سألته عن المرأة وهبت مهرها لزوجها، ثم بدا له أن يطلقها؟ قال: إذا كان الزوج سألها ذلك: فلها أن ترجع فيه، وإن لم يسألها، ولكنها وهبته بطيبة نفس: فليس لها أن ترجع.
وذكر الخرقي في مختصره 109، وأبو البركات في المحرر 1/ 375: ليس لواهب أن يرجع في هبته، وإن لم يثب عليها.
وفصّل القاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين 447 فذكر أن:
من قال: لا ترجع المرأة في هبتها: إذا وهبت له ابتداء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته، إلا الوالد".
قلت: وهذا اللفظ رواه البيهقي في سننه كتاب الهبات، باب رجوع الوارث فيما وهب من ولده 6/179 عن طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وفيه انقطاع.(6/3131)
ورواه عبد الرزاق في كتاب البيوع، باب العائد في هبته 9/110، ولكن بلفظ ولا يحل لأحد.
ورواه البيهقي موصولاً بلفظ لا يحل لرجل أن يعطى عطية، ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطى ولده الحديث، وهو ما رواه أبو داود في كتاب البيوع، باب الرجوع في الهبة 3/808.
ومن قال: ترجع في هبتها: إذا كان شاهد الحال يقتضي أن هبتها يقصد بها المنفعة، وهو أن تَكْفِهِ من طلاقها، أو تمنعه من التزوج عليها، فإذا عُدِمَ المعنى الذي لأجله وهبت: ملكت الرجوع، لأنه في التقدير يحصل، كأنها وهبت له بشرط أن لا يطلقها، ولا يتزوج عليها.
وذكر في الإنصاف 7/147 عن الإمام أحمد رحمه الله في المرأة تهب زوجها مهرها، إن كان سألها ذلك: رده إليها رضيت، أو كرهت، لأنها لا تهب إلا مخافة غضبه، أو إضراره بها بأن يتزوج عليها، والمذهب: أنها ترجع إذا وهبته من غير سؤال منه.
وروى عبد الرزاق في مصنفه كتاب المواهب، باب هبة المرأة لزوجها 9/113 – 115، عن عمر بن عبد العزيز قال: لا يرجع الزوجان في هبتهما، إذا كانت عن طيب نفس.
وكان شريح يطلب من الزوج، بينة أن زوجته وهبته، عن طيب نفس، وإلا فيمينها هي.
ومن طريق الثوري، أن عمر بن الخطاب كتب: أن النساء يعطين عن رغبة، ورهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها فشاءت أن ترجع رجعت. وكان ابن شبرمة يحلفها أنها ما وهبته له، بطيب نفس.(6/3132)
[2342-] قلت لإسحاق: رجل له على رجل حنطة، فأخذ شعيراً بسعر يومه؟
قال: إذا كان الحنطة1 عليه قرضاً، فلا يجوز له أن يأخذ بقيمته
__________
1 كلمة "حنطة" ناقصة من نسخة ع.(6/3133)
شعيراً، لأنه باع حينئذ الدين بالعين1.
ولو كان باع منه حنطة2، فصار له عليه ثمنه: فله أن يأخذ بثمن الحنطة، كل شيء، لا يكال، ولا يوزن.
وقد رخص قوم في أن يأخذ منه الكيل ثمن الحنطة الذي له على صاحبه، دنانير،3 أو دراهم، أو عرضا من العروض، بسعر يومه الذي يقبض4.
__________
1 قلت: بيع الحنطة بالشعير جائز إذا كان يداً بيد، وفي هذه المسألة سبق قبض الحنطة، على أنه قرض يرد مثله، واستبداله بالشعير معناه، تحويل القرض إلى بيع، وهو غير جائز. لحديث عبادة بن الصامت، وقد تقدم الكلام عليه عند المسألة رقم (1857) .
2 في نسخة ع: "بحنطة" وهو خطأ.
3 في نسخة ع: "و".
4 جاء في مسائل عبد الله 291: أن أحمد كره ذلك، وقال هذا طعام بطعام نَسَاءً، قيل: فيأخذ عرضاً من العروض؟ قال: نعم، لا يأخذ كيلاً، ولا وزناً.
وقال ابن هبيرة في الإفصاح 1/327: اتفقوا على أن بيع الحنطة بالذهب والفضة نساء جائز، وأنه لا يجوز بيع الحنطة بالشعير نساء.
وروى عبد الرزاق، عن الزهري قال: إذا بعت شيئاً، مما يكال، أو يوزن بدينار، فلا تأخذ شيئاً، مما يكال، أو يوزن. وعن طاوس قال: إذا بعت طعاماً إلى أجل، فحل الأجل، فلا تأخذ طعاماً.
وروى ابن أبي شيبة، عن سعيد بن المسيب قال: لا تأخذن طعاما مما يكال، ويوزن.
وعن الشعبي قال: إذا بعت طعاماً إلى أجل، فحل مالك، فخذ به من العروض ما شئت، لا تأخذ طعاماً بعينه.
وعن أبي سلمة في رجل باع من رجل غنماً إلى أجل، فلما حل الأجل أراد أن يأخذ غنماً، ويقاصه: فكرهه. وعن يحيى ابن أبي كثير قال: قضى عمر بن عبد العزيز في دين المتوفي من طعام قال: لا يأخذ الطعام. وعن عطاء قال: لا تأخذ كيلا.
وممن قال بالجواز: أبو الشعثاء جابر بن زيد، قال: إذا حل دينارك فخذ ما شئت. وعن حماد، وابن سيرين قالا: يأخذ طعامه، أو غيره إذا حل.
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، باب السلعة يسلفها في دينار هل يأخذ غير دينار 8/16، 17، 18، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع من الرجل الطعام إلى أجل 6/197.(6/3134)
[2343-] سئل إسحاق عن رجل قال لآخر: أبيعك ضيعتي هذه، فجاء بالدراهم. فقال: خذ هذه، ولم يكن بايعه، ولم يذكر ثمنا، ولا قرضاً، ولا وديعة. فقبضها فاشترى بها متاعاً؟
قال: قد ضمنها.
قال إسحاق: صار ما اشترى من المتاع1، له ربحه، وعليه ضمانه، لأنه سلطه على الانتفاع به في الظاهر.
[2344-] قلت لإسحاق: الوصي يأخذ من نفسه مال اليتيم مضاربة، قدر ما لا يكون فيه حيف؟
__________
1 في نسخة ع: "متاعا".(6/3135)
قال: كلما أخذ مضاربة نظراً لليتيم، ولِمَا أحب1 أن2 يكون لنصيبه في ذلك حظ3. جاز بذلك4، وهو كنحو ما يصيب من غيره، وله أن يأخذ لنفسه من نفسه بعد أن يشهد5 على ذلك.
وكلما أراد الفضل اتجر لليتيم كله، فاشترى، وباع له، فلا ضمان عليه في ذلك، لأنه في هذا الموضع كالوالد يجوز له ما يجوز للوالد6.
__________
1 في نسخة ع: "اختار".
2 حرف "أن" ناقص من نسخة ع.
3 في نسخة ع: "حظا" وهو خطأ، لأنه اسم مؤخر لـ"يكون" المتصرفة من "كان" الناقصة وحكمها الرفع.
4 في نسخة ع: "ذلك".
5 في نسخة ع: "إذ أشهد".
6 جاء في مسائل عبد الله 294: قيل لأبي وأنا أسمع: مال اليتيم يدفع مضاربة؟ قال: نعم إذا كان له وصي.
وفي مسائل أبي داود 213، قال: سمعت أحمد سئل عن بيع الوصي الدور على الصغار؟ قال: إذا كان نظراً، لهم فهو جائز.
وفي مسألة أخرى قيل له وعلى الأكابر؟ قال: إذا كان ممن يؤنس منه رشداً فلا. قيل: فعلى الموصى له؟ يقسم له من غير أن يحضر؟ قال: نعم هو بمنزلة الأب في كل شيء إلا في النكاح.
وقال الخرقي في مختصره 89: ويتجر الوصي بمال اليتيم، ولا ضمان عليه، والربح كله لليتيم، فإن أعطاه لمن يضارب له به، فللمضارب من الربح ما وافقه الوصي عليه.
وقال أبو يعلى في الروايتين والوجهين ص: 400: نقل مهنا والبرزاطي في الوصي: لا يشتري من مال اليتيم، ولا يبيعه شيئاً، وهو اختيار الخرقي. ونقل حنبل عنه فقال: لا يشتري الوصى من نفسه، حتى يوكل رجلاً، يشتري منه، لا يأخذ بإحدى يديه من الأخرى.
وقال ابن قدامة في المغني 4/180: مثل قول الخرقي، وذكر ممن رأى ذلك: ابن عمر، والنخعي، والحسن بن صالح، وأبا ثور. قال: ويروى إباحة التجارة عن عمر، وعائشة، والضحاك، ولا نعلم أحداً كرهه – أي التجارة في مال اليتيم – إلا ما روي عن الحسن، ولعله أراد اجتناب المخاطرة، والذي عليه الجمهور أولى لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولي يتيماً له مال، فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة".
وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أصح من المرفوع.
والحديث رواه مالك في الموطأ من بلاغاته، في كتاب الزكاة، باب زكاة أموال اليتامى، والتجارة لهم فيها 1/251 عن عمر بن الخطاب بلفظ: "اتجروا في أموال اليتامى، لا تأكلها الزكاة".(6/3136)
ورواه الطبرانى في الأوسط عن ابن المسيب عن عمر موقوفاً ورمز له السيوطي بالصحة.
انظر: الجامع الصغير للسيوطي مع الفيض 1/107، 108.
والله يعلم المفسد من المصلح1.
[2345-] قلت إسحاق: رجل2 كتب إلى وكيله أن3 أعط فلاناً ألف درهم فضمن له الوكيل. ثم قدم الرجل فأنكرها4 هل يضمن ذلك الوكيل؟
قال: أما الوكيل، فهو ضامن للذي ضمن له، ولكن إن قال صاحب المال: لا أجيز لك، لأني لم آمرك بالضمان، أمرتك بالدفع، كان ذلك في الحكم جائز له.
ولكن أحسن من ذلك أن يفي له بما ضمن، لما5 فعل ذلك بسبب، وإن أنكر أصلاً، فقال6: لم آمرك: لم يكن عليه
__________
1 يشير إلى قوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اْليَتَامَى قُلْ إصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ اْلمُفْسِدَ مِنَ اْلمُصْلِح} ] سورة البقرة 220 [.
2 كلمة "رجل" ناقصة من نسخة ع.
3 حرف "أن" ناقص من نسخة ع.
4 كلمة "فأنكرها" ناقصة من نسخة ع.
5 في نسخة ع: "إنما".
6 في نسخة ع: "قال".(6/3137)
شيء، إلا أن يقيم الوكيل البينة1، [ع-159/أ] وإن2 لم تكن3 بينة، فله أن يأخذ يمينه، والمال على الوكيل، لذاك4 إذ5 ضمنه على حال6.
__________
1 في نسخة ع: "بينة".
2 في نسخة ع: "فإن".
3 في نسخة ع: "تكن له".
4 في نسخة ع: "كذلك".
5 في نسخة ع: "إذا".
6 الوكيل يلزمه تنفيذ مقتضى الوكالة متى قبلها، ولا يحق له تجاوز ما تضمنته، فإن فعل، فهو كالفضولي للموكل قبول تصرفه، أو رده.
وفي هذه المسألة نرى الموكل قد أمر الوكيل، بسداد دينه لغريمه، ولم يأمره بالضمان عنه، وقد ذكر الخرقي في مختصره أنه: لو أمر وكيله أن يدفع إلى رجل مالاً، فادعى أنه دفعه إليه: لم يقبل قوله على الآمر إلا ببينة، والوكيل هنا معترف بصفة التوكيل، وإنه تصرف على خلاف مراد الموكل، وبذلك يكون قد ضمن الدين الحال، مؤجلاً وهو جائز، بلا نزاع، ولصاحب الحق، مطالبة المضمون عنه في الحال دون الضامن. كما جاء في الإنصاف.
إلا أنه لم يتبين لي وجه تضمين الوكيل ما دام أن المضمون عنه لم ينكر حق غريمه، فإن شاء دفعه إلى صاحبه مباشرة، وإن شاء بواسطة وكيله: فالضامن لا يخلي ذمته من الحق الذي عليه، ما لم يتم سداده ممن ضمنه. في أصح الروايتين، ولأن الضمان عرفه بعضهم بأنه: تضمين المدين في ذمة الضامن، حتى يصير مطالباً به مع بقائه في ذمة الأصل، ولهذا فذمة الضامن والمضمون عنه: مرهونتان بالدين معاً، ولصاحب الحق مطالبة أي منهما.
انظر: مختصر الخرقي، كتاب الربا 98، والإنصاف باب الضمان 5/189، 197، 208.(6/3139)
[2346-] سئل أحمد عن الرجل وقف1 وقفاً هل يستثنى لنفسه شيئاً؟
قال: لم أسمع فيه بشيء2 أعلمه.
قال إسحاق: بل3 يستثني لنفسه4.
__________
1 في نسخة ع: "يوقف".
2 في نسخة ع: "شيء".
3 في نسخة ع: "له أن".
4 ذكر القاضي أبو يعلى في الروايتين والوجهين، كتاب الوقف والعطية 436: رواية إسحاق بن إبراهيم، ويوسف بن موسى، والفضل بن زياد، عن أحمد في الرجل يوقف على نفسه شيئاً ثم على ولده من بعده: فهو جائز، على اعتبار أن الوقف على ولده، وشرط لنفسه جزءاً من المنفعة، فإنه يصح ذلك، بدليل الوقف العام، وهو إذا وقف مسجداً، أو سبل بئراً: جاز أن يصلي فيه، ويشرب من ماء تلك البئر.
ونقل حنبل، وأبو طالب في الرجل يوقف على نفسه حياته، وإذا مات فعلى المساكين: ما سمعت بهذا، لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله، أو وقفه على المساكين، فإذا وقفه عليه حتى يموت، فلا أعرفه، لأنه أوقف الرقبة على نفسه، والوقف يقتضي التمليك للموقف عليهم، وهو مالك، فلا يصح أن يملك من نفسه لنفسه.
قال القاضى: لقد أطلق القول في رواية إسحاق، ويوسف، والفضل: بالجواز، وأطلق القول في رواية حنبل، وأبي طالب: بالمنع، ويمكن أن تُحْمَلَ المسألة على اختلاف حالين، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية: جواز الوقف على النفس.
والمذهب عدم صحة الوقف على نفسه، وهو إحدى الروايتين، والرواية الثانية: يصح.
قال صاحب الإنصاف: وهذه الرواية عليها العمل في زماننا وقبله عند حكامنا من أزمنة متطاولة، وهو الصواب، وفيه مصلحة عظيمة وترغيب في فعل الخير، وهو من محاسن المذهب. وورد مثل ذلك في شرح منتهى الإرادات، وكشاف القناع.
وقال في التنقيح 186: اختاره جماعة وعليه العمل، وهو أظهر.
انظر: الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب الوقف ص 100، والإنصاف، كتاب الوقف 7/16، 17، وشرح منتهى الإرادات 2/494، وكشاف القناع 4/274.(6/3140)
[2347-] سئل أحمد عن من يأخذ من مال رجل، ثم يقول: اجعلني في حِلٍّ؟
قال: إن بين فهو أحب إلي1.
[2348-] قلت2 لأحمد: إذا3 أمر رجل رجلاً أن يبيع له شيئاً، فباعه
__________
1 نص على مثل ذلك في مسائل عبد الله 292.
2 كذا في نسخة ع، وفي الأصل: "قال"، والصواب ما أثبتناه، لأنه سؤال جوابه يأتى في آخر الكلام.
3 في نسخة ع: "فإذا".(6/3141)
بأقل؟
قال: البيع جائز، وهو ضامن لما نقص1.
[2349-] قلت لأحمد: إذا قال: أخذت ثوباً من هذه الثياب بعشرة دراهم، فأعطاه ثوباً: فالبيع فاسد؟
قال: هذا كأنه استحيل2 وهو بالخيار.
__________
1 قال في المقنع 2/153: وإن باع بدون ثمن المثل، أو بانقص مما قدره: صح وضمن النقص.
وذكر صاحب الإنصاف 5/379: أن هذا هو المذهب نص عليه، وعليه أكثر الأصحاب، ويحتمل أن لا يصح، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وقال ناظم المفردات 2/14:
عن ثمن المثل مضى انعقادا ويضمن النقص كذا ما زاد
هذا هو المنصوص في القولين قال به الأكثر في الحالين
قال الشارح: يصح البيع، لأن من صح بيعه بثمن المثل: صح بما دونه، وضمن الوكيل النقص في مسألة البيع، والزائد في مسألة الشراء لأنه مفرط.
وذكر في المحرر 1/350 مثل ذلك، ثم قال: ويتخرج أن يكون كتصرف الفضولي.
وفي الفروع 4/358 نقل عن التبصرة: أنه فضولى نص عليه.
2 هكذا ورد في كلتا النسختين ولعل المعنى "احتيل عليه" لأن المشتري، لم يحدد ثوباً بعينه عند المبايعة، لكنه قال: آخذ من هذه الثياب، فلم يأخذ هو، وإنما أعطاه البائع، فربما تخير له أقلها قيمة، أو معيباً، فيكون له الخيار على رأي إسحاق، وحكم الإمام أحمد بفساد البيع، لانطوائه على الجهالة.(6/3142)
قلت: فإذا قال: اعطيني ثوباً من هذه الثياب، بعشرة فأعطاه ثوباً فهو جائز؟
قال: هذا على ذاك1.
[2350-] قال إسحاق: السنة في الحوالة ما قال رسول الله2 صلى الله عليه وسلم: "من أحيل على مليء، فليتبع3"، فلذلك قلنا: إذا كان يوم احتال
__________
1 قال المرداوي في الإنصاف: قال في الإنتصار: إن ثبت للثياب عرف وصفة: صح إطلاق العقد عليها كالنقود: أومأ إليه الإمام أحمد.
قلت: وهذه المسألة شبيهة بمسألة بيع العبد من جملة العبيد، والشاة من القطيع كما ورد في المقنع، والمذهب عدم جواز ذلك. كما جاء في الإنصاف، قال صاحب الإنصاف: وظاهر كلام الشريف أبي جعفر، وأبي الخطاب: أنه يصح إن تساوت قيمتهم، ثم استدرك قائلاً: وهذا كالمتعذر وجوده.
انظر: المقنع 2/14، والإنصاف 4/302، 352.
2 في نسخة ع: "النبي" بدل رسول الله.
3 هذا الحديث رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال "مطل الغنى ظلم، فإذا أتبع أحدكم على مليء، فليتبع"
انظر: البخاري مع الفتح كتاب الحوالة، باب الحوالة، وهل يرجع في الحوالة 4/464، ومسند أحمد 2/463، وسنن أبي داود كتاب البيوع، باب في المطل 640.(6/3143)
عليه ملياً، فلا رجوع عليه1 أبداً.
وإن كان يومئذ معدماً، فاحتال، ولم يعلم بعدمه: فإن الرجوع عليه قائم، كما قال عثمان بن عفان2 في الحوالة: ليس على مال مسلم تواً.
ولقد قال الحسن: لا تكون الحوالة، براءة إلا أن يبرئه، فإذا أبرأه فقد برئ3. ففي هذا بيان أن الحوالة، إذا أبرأه فقد برئ معدماً، كان أو غير معدم، لأنه هو الذي ضيع ماله4.
وأما زعيمهم الأكبر5، فقال في الحوالة: لا يرجع على رب المال أبداً، مادام الذي أحيل عليه حي.
فقيل له: إذا كان مفلساً؟
__________
1 في نسخة ع: "له" في كلا الموضعين، وكلا التعبيرين محتمل، فعلى ما جاء في الأصل: الضمير يعود على المحيل، أي لا رجوع للمحال على المحيل، وعلى ما جاء في نسخة ع: الضمير يعود على المحال نفسه، أي لا رجوع له على المحيل أيضا.
2 جملة "ابن عفان" ناقصة من نسخة ع.
3 ذكر ذلك عن الحسن، ابن المنذر في الاشراف، كتاب الحوالة والكفالة ورقة 161، 162.
4 سبق التعليق على ذلك وتخريج أثر عثمان رضي الله عنه عند المسألة رقم (2030) .
5 المقصود بذلك الإمام أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى.(6/3144)
قال: نعم، لأن الإفلاس قد يكون ثم يعود المال، فإذا1 مات عن الإفلاس، رجع2.
وليس هذا بقول، مع أن صاحبه قد خالفه.
فقال3: الحوالة مثل الكفالة، يتكافآن جميعاً، يأخذ أيهما شاء4.
__________
1 في نسخة ع: "فأما إذا".
2 الإمام أبو حنيفة لا يرى رجوع المحال على المحيل، مالم يجحد المحال عليه الحوالة، أمام القاضي، وليس ثمة إثبات عليها، أو يموت المحال عليه مفلساً، ولا يترك شيئاً فيه وفاء للدين.
انظر: مختصر الطحاوي 102، وحاشية ابن عابدين 5/345، ومجمع الأنهر 2/148.
3 في نسخة ع: "فقال في".
4 ذكر ابن المنذر في الإشراف ورقة 161، أن أبا ثور كان يقول: الكفالة والحوالة سواء.
وذكر الحافظ في الفتح 4/464 عن الحسن، وشريح، وزفر: أن الحوالة كالكفالة فيرجع على أيهما شاء.
وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب البيوع والأقضية، باب من قال: الكفالة والحوالة سواء 6/594: عن الحسن، وابن سيرين قالا: الكفالة والحوالة سواء.
ولم أقف على قول محمد بن الحسن في الكتب التي بين يدي، غير أن الثابت عنه في كتب الحنفية أنه يقول: بعدم رجوع المحال على المحيل، مالم يتو المال، وذلك بأن يجحد المحتال عليه الحوالة، أو يموت مفلساً، أو يحكم القاضى بعسرته.
وقد ذكر صاحب إعلاء السنن 14 / 492: أن الكفالة والحوالة متقاربتان، وإنما يفترقان في أن الأولى: تتضمن براءة الأصيل بخلاف الثانية: فإنها لا تتضمنه.
لكن الحافظ ابن حجر في الفتح 4/464 قال: وذكر أن محمد بن الحسن احتج لقوله بحديث عثمان رضي الله عنه إنه قال في الحوالة أو الكفالة: "يرجع صاحبها لاتوى" - أي لا هلاك – على مسلم.
انظر: مختصر الطحاوي 102، وحاشية ابن عابدين 5/345، ومجمع الأنهر 2/148، والمحلى لابن حزم 8/518، 519.(6/3145)
وأخطأ في ذلك لأن الأمر فيه، كما وصفنا من ذلك.
ولقد قالوا: إذا أحاله1 على رجل غنياً، كان أو معدماً، فإنه إذا أبرئ صاحب الأصل، فقد برئ أيضا2، وبرئ هذا الذي أحيل عليه، لما صَيَّرَ حكم3 الحوالة كالكفالة.
وهذا4 من عظيم5 ما قالوا
__________
1 في نسخة ع: "أحال".
2 انظر: مجمع الأنهر 2/147، معه بدر المنتقى فقد جاء فيه: وإذا تمت - أي الحوالة - برئ المحيل، بالقبول من الدين والمطالبة جميعا على الصحيح، وقيل: لا يبرأ إلا من المطالبة فقط. وقال زفر: لا يبرأ من المطالبة أيضا.
وفي حاشية ابن عابدين 5/344، 345 مثل ذلك.
3 في نسخة ع: "الحكم".
4 في نسخة ع: "فهذا".
5 في نسخة ع: "أعظم".(6/3146)
فيه1، لأن هذا لم يقبل الحوالة على غَنِيٍّ، اتباعًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم2، إلا لرضائه3، واختياره إياه على من كان له4 عليه المال5.
فإذا6 أبرأه وحده، فكيف7 يبرأ الذي قَبِلَ الحوالة عليه واختاره؟!
وفيما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة: الديناران عليك - الذي8 ضمنهما عن الميت - قال: نعم، فأعاد، فقال له: حق الغريم عليك، والميت منهما بريء. قال: نعم، فتقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة الدينارين، بعدما برئ الميت منهما وضمنهما9، ولو
__________
1 كلمة "فيه" ناقصة من نسخة ع.
2 يقصد بذلك قوله صلى الله عليه وسلم "مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على ملىء، فليتبع".
وقد تقدم تخريجه عند المسألة رقم (2030) .
3 في نسخة ع: "برضا منه".
4 كلمة "له" ناقصة من نسخة ع.
5 في نسخة ع: "رب المال".
6 في نسخة ع: "وإذا".
7 في نسخة ع: "كيف".
8 هكذا ورد في كلتا النسختين، والصواب أن يقال: "الذين".
9 هذا الحديث أخرجه البيهقي عن جابر رضي الله عنه في السنن الكبرى كتاب الضمان، باب الضمان عن الميت 6/75 ونصه: قال جابر: "توفي رجل فغسلناه، وحنطناه، وكفناه، ثم أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا له: تصلى عليه؟ فقام فخطا خطى، ثم قال: عليه دين؟ قال: فقيل: ديناران، قال: فانصرف، قال: فتحملهما أبو قتادة، قال: فأتيناه، قال: فقال أبو قتادة: الديناران عليّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حق الغريم وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال له بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ قال: إنما مات أمس. قال: فعاد إليه كالغد، قال: قد قضيتهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده".
قلت وأصل هذا الحديث مخرج في الصحيح، انظر: البخاري مع الفتح 4/466، 477.(6/3147)
كانت براءة الميت من الدينارين، براءة للذي1 ضَمِنَ ما تقاضاه النبي صلى الله عليه وسلم بعد البراءة.
ولقد قال الحسن: إذا احتال ثم برأ صاحب الأصل، فقد برئ ولم يقل برئا جميعاً2.
__________
1 في نسخة ع: "الذي".
2 قول الحسن رواه ابن أبي شيبة في المصنف كتاب البيوع، باب في حوالة، أله أن يرجع فيها 6/191، عن معاذ، عن أشعث عنه أنه كان لا يرى الحوالة براء، إلا أن يبرئه، فإذا أبرأه فقد برئ.
قال البخاري رحمه الله: باب من تكفل عن ميت ديناً، فليس له أن يرجع. وبه قال الحسن، ثم ذكر حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في ضمان أبي قتادة عن الميت دينه.
وقال الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث: يحتمل قوله "فليس له أن يرجع" أي عن الكفالة، بل هي لازمة له، وقد استقر الحق في ذمته، ويحتمل أن يريد: فليس له أن يرجع في التركة بالقدر الذي تكفل به، والأول أَلْيَقُ بمقصوده ووجه الأخذ منه: أنه لو كان لأبي قتادة أن يرجع لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المِدْيَان حتى يوفي أبو قتادة الدين، لاحتمال أن يرجع فيكون قد صلى على مِدْيَانٍ ودينه باقٍ عليه.
انظر: البخاري مع الفتح كتاب الكفالة 4/474.(6/3148)
[2351-] قلت لأحمد: في أي شيء يكون الاحتكار؟
قال: في كل ما كان قوتا للناس في مثل مكة والمدينة، وأما مثل بغداد1، فلا يكون إلا أن يصيبهم جدب2.
__________
1 قلت: خصت بغداد بذلك لكونها أرض السواد، وهي من أشهر بلاد الإسلام في الزراعة، وكثرة الخيرات، بخلاف المدينة، ومكة فهي ليست بمشتهرة كشهرة بغداد والشام في زراعة الحبوب.
2 نص على ذلك في مسائل صالح ورقة 96، ومسائل أبي داود 191 وقال ابن المنذر في الإشراف في باب النهي عن احتكار الطعام ورقة 118 جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحتكر، إلا خاطىء" وقد اختلف أهل العلم فيم يَحْرُمُ عليه الاحتكار، وفيما يجب أن يحتكر فيه، وذكر منهم طائفة قالت: الاحتكار الذي يحرم: الإحتكار في الحرم، دون سائر البلدان، واحتجوا بقوله تعالى: {وَمنْ يُرِدْ فِيهِ بِإْلحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة الحج آية 25] ولقول عمر رضي الله عنه: "لا تحتكروا الطعام بمكة، فإن احتكار الطعام بمكة، إلحاد بظلم".
وقال أحمد: الاحتكار بمثل مكة، والمدينة، والثغور.
وفيه قول ثانٍ: وهو أن الاحتكار يحرم في كل موضع، في كل سلعة. قال الثوري: كانوا يكرهون الإحتكار.
وفيه قول ثالث: وهو أن الذي يحرم: إنما هو احتكار الطعام الذي هو قوتٌ خاصة، دون سائر الأشياء. روي هذا القول عن عبد الله بن عمر قال: من كانت له تجارة في الطعام، ولم تكن له تجارة غيرها كان خاطياً، أو طاغياً، أو باغياً.
وقد روينا عن ابن المسيب أنه كان يحتكر الزيت.
وقال أحمد: إذا كان الاحتكار من قوت الناس، فهو الذي يكره.
وفرق الحسن البصري بين أن يشتري الطعام من السوق ويحبسه، وبين أن يدخله من أرضه، فرخص في حبس الطعام إذا كان من ضيعته، وكره أن يشتري الطعام ويحبسه، وبه قال أحمد.
وفي الفروع 4/52 - 53 - 54 قال: ويحرم الاحتكار في المنصوص في قوت آدمي. وعنه: وما يأكله الناس، وعنه: أو يضرهم ادخاره بشرائه في ضيق. ونقل حنبل: الجالب مرزوق إذا لم يحتكر. وكرهه في رواية صالح. ونقل عبد الله، وحنبل: "الجالب أحسن حالاً، وأرجو أن لا بأس ما لم يحتكر".
وقد أخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة في مصنفيهما كتاب البيوع، باب الحكرة عند الأول 8/202 - 205، واحتكار الطعام عند الثاني 6/102 - 104 عن أبي أسامة أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يحتكر الطعام. وعن عثمان أنه نهى عن الحكرة. وعن معمر بن عبد الله العدوى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطىء".
وعن ابن عمر قال: الحكرة خطيئة. وعن عمر بن الخطاب أنه قال: من احتكر طعاماً، ثم تصدق برأس ماله، والربح لم يكفر عنه.(6/3149)
[2352-] قلت لأحمد: إذا اكترى الرجل دابةً، ولم يسم ما يحمل عليها؟
قال: يحمل عليها بقدر ما يعرف الناس وتَحْمِلُ الدواب1.
[2353-] قلت لأحمد: التفريق بين الوالدة وولدها.
قال: في السبي على الصغير، والكبير، وأما المولدات فهو أحسن2.
__________
1 جاء في مسائل صالح ورقة 101 أنه سئل - أي الإمام أحمد - عن كراء الإبل؟ فقال: إذا كان لا يحمل عليها ما لا تطيق، فلا بأس بكراها.
وفي رؤوس المسائل ورقة 290 قال: إذا استأجر جملاً ليحج: لم يصح حتى يشاهد المؤجر الراكبين والأغطية والأوطية، لأن المحمول، مجهول، أشبه إذا استأجر لحمل طعام مجهول.
وقال صاحب الإنصاف 6/10: يشترط معرفة المتاع المحمول برؤية، أو صفة، وذكر جنسه وقدره بالكيل، أو بالوزن على الصحيح من المذهب.
2 قال شارح منتهى الإرادات في خيار العيب 2/171: فإن كانت أمه ردت هي وولدها، لتحريم التفريق على القولين. ومثله في كشاف القناع 3/208.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة أن زيد بن حارثة رضي الله عنه "باع ولد جارية له، فأمره صلى الله عليه وسلم برده إليها، وأمر علياً رضي الله عنه، بمثل ذلك".
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- "أنه صلى الله عليه وسلم كان أتى بالسبي، أعطى أهل البيت جميعاً، كراهية أن يفرق بينهم".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يفرق بين الأمة، وولدها في البيع".
وفي الباب عن عمر، وعثمان، والحسن، ومحمد بن سيرين، وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك.
وعن عامر، وعطاء، ومحمد بن علي أنهم قالوا: لا بأس أن يفرق بين المولدات.
وعن وكيع أنه قال: السبي لا يفرق بينهم، فأما المولودات إذا استغنين عن أمهاتهن، فلا بأس به.
وعن الشعبي، وأبي جعفر مثل ذلك.
وروى الترمذي والبيهقي عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة"، وفي رواية عند البيهقي: "بين ولد وأمه".
قال الترمذي: وفي الباب عن علي، وهذا حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: "كرهوا التفريق بين السبي بين الوالدة وولدها، وبين الولد والوالد، وبين الإخوة".
انظر: مصنف عبد الرزاق كتاب البيوع، بابٌ هل يفرق بين الأقارب في البيع 8/307 - 309، ومصنف ابن أبي شيبة كتاب البيوع، باب في التفريق بين الوالد وولده 7/189، 196، وسنن الترمذي كتاب السير، باب في كراهية التفريق بين السبي 4/134، والسنن الكبرى للبيهقي كتاب السير، باب التفريق بين المرأة وولدها 9/126.(6/3151)
[2354-] قلت لأحمد: قول عمر "إذا أعطيتم فاغنوا"1 مَا عَنَى؟
__________
1 الأموال لأبي عبيد الأثر رقم 1778 ص 676، والإشراف في منازل الإشراف لابن أبي الدنيا الأثر رقم 202 ص 198.(6/3152)
قال: ما قيل خمسون درهماً، أو عدلها من الذهب.1
__________
1 من مسألة (3019) إلى هنا ساقط من نسخة ع.(6/3153)
المجلد السابع
وصف نسخ المخطوطة ومحتوياتها
لكتاب مسائل الإمام أحمد بن محمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه برواية الإمام الحافظ إسحاق بن منصور الكوسج ثلاث نسخ خطية:
الأولى: وهي النسخة الظاهرية، وتوجد بالمكتبة الظاهرية بدمشق برقم 53، من باب الحديث فقه حنبلي، وتوجد نسخة مصورة منه بالقاهرة ملحق 3/53، رقم: 20855.
والثانية: نسخة دارالكتب المصرية وهي نسخة منسوخة من النسخة الظاهرية.
والثالثة: النسخة العمرية، والتي انضمت أخيراً إلى المكتبة الظاهرية، وهذه النسخة لم يذكرها بركلمان، ولا فؤاد سزكين في كتابيهما.
وصف النسخة الظاهرية: تحتوي هذه النسخة على ثلاث عشرة ومائة ورقة، ذات وجهين أي ست وعشرين ومائتي صفحة، في كل صفحة من خمسة وثلاثين إلى سبعة وثلاثين سطراً تقريباً، ويتراوح عدد كلمات كل سطر ما بين ست عشرة، وثماني عشرة كلمة، وهي فيما يبدو كاملة عدا بعض السقط والخروم والخروف في أوله، وكتبت بخط جيد دقيق، والغالب عليها الإعجام، إلا في بعض الكلمات، ورسم الخط يختلف عما عليه الحال الآن في بعض الكلمات.
مثل: سفيان ومالك، وإسحاق يكتبه الناسخ: سفين، وملك، وإسحق، وكذلك لفظ: قائم وشيئاً ومائل، وقضى وهكذا وقائداً مرآة فقأت، يكتبه بلفظ: قايم، وشيا ومايل وقضا وهكذى، وقايدا، ومراات، وفقت، ولم يذكر في النسخة(7/3247)
اسم الناسخ وتاريخ النسخ، ويرى الأستاذ فؤاد سزكين: أنها كتبت في القرن الرابع الهجري 1.
وكانت هذه النسخة في ملك الحافظ الكبير: ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، الذي توفي سنة 643?، ووقف الكتاب على مدرسته المعروفة (بجامع المظفري) 2 جاء في الصفحة الأولى عبارة: وقف الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي -رحمه الله- ورضي عنه، وجاء في الصفحة مائة: وقف بالضيائية وهي مدرسة يقال لها: دار الحديث الضيائية المحمدية 3.
والنسخة خالية من السند، إلا في موضع واحد في الصفحة 129، جاء في رواية إسحاق بن منصور المروزي سماع يوسف من ابن مالك، والاسم غير واضح ولا يقراً ويبتدئ الجزء الظاهر منه بقوله:
قلت: الصلاة بوضوء واحد أحب إليك، أو يتوضأ لكل مكتوبة؟
وسقطت من هذه النسخة عدة مسائل في بداية الحدود والديات، وكذلك في وسط الباب، وتحتوي هذه النسخة على العناوين والأبواب التالية:
__________
1 تاريخ التراث العربي 3/228.
2 انظر القلائد الجواهرية في تاريخ الصالحية 1/130، وكذا انظر ترجمة الحافظ الكبير ضياء الدين في شذرات الذهب 5/224-255.
3 انظر القلائد الجواهرية في تاريخ الصالحية 1/130.(7/3248)
العنوان ... الصفحة
باب الصلاة ... 11
من كتاب الزكاة ... 30
الجزء الثاني، فيه الزكاة، والصيام، والحيض، والنكاح، والطلاق، ويتلوه باب الصيام ... 36
في الصيام ... 38
في الحيض ... 42
في النكاح والطلاق ... 43
المناسك ... 80
الجزء السابع من مسائل أحمد بن محمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية رواية إسحاق بن منصور المروزي، في الكفارات وأول البيوع ... 100
كتاب البيوع ... 103
الجزء الخامس من مسائل أحمد بن محمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، رواية إسحاق بن منصور المرزوي سماع يوسف من ابن ... 129
في الحدود والديات ... 143
الجزء السادس من مسائل أحمد بن محمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، فيه بقية الحدود، والديات والجهاد، والذبائح والأشربة، والشهادات والفرائض ... 159
كتاب الجهاد ... 171(7/3249)
العنوان ... الصفحة
كتاب الذبائح ... 175
في الأشربة ... 180
في الشهادات ... 181
في الفرائض ... 185
الجزء السابع من مسائل أحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم، وفيه أبواب الوصاياـ والمدبر، والمكاتب ومسائل شتى، وهو آخر الكتاب ... 191
في المدبر، والمكاتب، والعتق ... 199
مسائل شتى ... 208
وجاء في آخر النسخة: تم الجزء، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، ورسول رب العالمين، وسلم كثيراً.(7/3250)
وصف النسخة العمرية
تحتوي هذه النسخة على اثنتين وثمانين ومائة ورقة ذات وجهين أي: أربعة وستون وثلاثممائة صفحة، في كل صفحة ما بين أربعة وثلاثين، واثنتين وعشرين سطراً، وفي كل سطر خمس عشرة كلمة تقريباً، وهي بخط عادي رديء متداخلة السطور والكلمات وهي منقوطة غالباً، ويختلف رسم بعض الكلمات عن القواعد الإملائية الحديثة، فيكتب ثلاثة، وتحمى، وسفيان، وإسحاق، وبئر ومائة ومثاؤا وتنفى وعما ولم يكن بلفظ: ثلثة وتحما وسفين، وإسحق، وبير، وماية، ومثاوا، وتنفا وكذى، وعن ما ولم يكون.
ويوجد بها نقص في عدة مواضع بحيث يخل المعنى، وقد يذكر جزءاً من المسألة، ويسقط الباقي.
وكتبت هذه النسخة محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن قدامة، وكان الفراغ منها يوم السبت شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وسبعمائة بصالحية دمشق، كما جاء في آخر هذه النسخة.
وامتازت هذه النسخة بتصحيح بعض الأخطاء الموجودة في النسخة الظاهرية، وملء بعض الخروم، وإضافة بعض المسائل التي سقطت من النسخة الظاهرية.
وبدأت هذه النسخة بعبارة: بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حدثنا إسحاق بن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل –رضي الله عنه- إذا أحدث قبل أن يسلم؟
قال: يعيد الصلاة ما لم يسلم.(7/3251)
واحتوت هذه النسخة على الأبواب والعناوين التالية:
العنوان ... الصفحة
بدأ بمسائل من باب الطهارة دون أن يعنون لها ... 2
باب التيمم ... 9
باب الصلاة ... 13
باب الجمعة ... 46
آخر الجزء الأول، وأول الثاني بسم الله الرحمن الرحيم باب الزكاة ... 50
باب المكاتب يزكي ما أخذه منه سيده ... 56
باب في زكاة مضارب يزكي غلته ... 57
باب من ابتاع عبداً قبل الفطر يطعم سيده عنه ... 59
باب في تعجيل الزكاة ... 60
كتاب الصيام ... 63
باب الحيض ... 67
بدأ في النصف الأخير من الصفحة في الكلام على غسل الميت، ولم يعنون له ... 74
بدأ في كتاب الجهاد، ولم يعنون له ... 77
بدأ في الكلام على النكاح، ولم يبوب له ... 81
آخر الجزء الثاني، وأول الثالث ... 89
باب الرضاع ... 92(7/3252)
العنوان ... الصفحة
باب الظهار ... 94
باب الوصايا ... 133
باب الهبة ... 133
آخر الجزء الثالث، وأول الرابع ... 137
بقية باب الهبة ... 137
باب المكاتب ... 143
باب الأيمان ... 155
باب المناسك ... 163
آخر الجزء الرابع، وأول الخامس ... 184
باب الحدود ... 192
باب القسامة ... 215
باب البيوع ... 236
آخر الجزء الخامس، وأول السادس ... 246
آخر الجزء السادس، وأول السابع ... 311
باب الصيد والذبائح ... 314
باب الأشربة ... 319
باب الشهادات ... 321
كتاب المواريث ... 326
مسائل شتى ... 336(7/3253)
وأخذت من هذه النسخة المسائل التي انفردت بها عن النسخة الظاهرية، وجعلتها بين معقوفتين، وجعلتها في الموضع الذي يناسبه في ترتيب المسائل.
وأشير في الهامش إلى أن المسألة أثبتها من العمرية، وسقطت من الظاهرية.
والقسم الذي قمت بتحقيقه من النسخة العمرية من ص 192 إلى ص 236.(7/3254)
وصف نسخة دار الكتب المصرية:
تشتمل نسخة دار الكتب المصرية على تسعة وعشرين وأربعمائة ورقة ذات وجهين في كل صفحة واحد وعشرون سطراً، وعدد كلمات كل سطر ما بين سبع وثمان كلمات، وهي منقولة من النسخة الظاهرية كتبت عام 1362هـ الموافق 1943م بخط عبد اللطيف فخر الدين الناسخ بالدار.
ويقع القسم الذي قمت بتحقيقه من هذه النسخة من الصفحة ستة وأربعين وخمسمائة إلى صفحة تسع وثلاثين وستمائة، وجعلت النسخة الظاهرية الأصل، وذلك لأمور، منها:
1- قدم النسخة عن العمرية، بحيث كتبت في القران الرابع الهجري، كما سبق.
2- قلة الطمس والبياض فيها.
3- جودة خط النسخة الظاهرية، ووضوحها، وعدم تداخل الجمل والعبارات بخلاف النسخة العمرية.
4- قلة الأخطاء اللغوية، والإملائية.
ولكني لم أعتمد عليها اعتماداً كلياً، بحيث إذا وجدت في العمرية المعنى أوضح، أو كلمة ساقطة من المسألة، فإني عند ذلك أجمع فروق النسختين، وأثبته في الأصل، وأجعل الكلمة، أو العبارة بين قوسين، وأشير في الهامش حتى يخرج النص قريباً مما وضعه المؤلف.(7/3255)
عملي في التحقيق
أما المنهج الذي سلكته في التحقيق فيتلخص فيما يلي:
1- حاولت أن يخرج نص الكتاب على أقرب صورة وضعه عليها المؤلف.
2- اتخذت النسخة الظاهرية أصلاً، وأثبتها في أعلى الصفحة، وذكرت الفروق بين النسختين في الهامش، وذلك عند المقابلة، واخترت الصواب منهما، وأشرت إلى المتروك، حيث إني لم أعتمد على النسخة الظاهرية اعتماداً كلياً، وإنما اخترت طريق جمع فروق النسختين، بحيث إذا كان ما في النسخة العمرية أنسب للمعنى، أو وجد نقص في الظاهرية عند ذلك أثبت ما في العمرية في الأصل، وأضعها بين قوسين حتى يكون الباحث على علم، وأشرت إليها في الهامش.
3- بعض المسائل لم تذكرها النسخة الظاهرية، وهي موجودة في العمرية، فوضعتها بين قوسين، وأشرت إليها في الهامش، بأن المسألة من النسخة العمرية، وسقطت من النسخة الظاهرية.
4- في النسخة الظاهرية لم يترض بعد ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم في الغالب الكثير، وأثبت ذلاك من النسخة العمرية، ووضعته بين قوسين، ولم أشر إليها في الهامش لكثرة ورودها في النص.
5- رقمت المسائل بأرقام متسلسلة حسب ورودها في النص على ترتيب المؤلف.
6- وضعت للمسائل الواردة في الكتاب عناوين، وجعلتها بين معقوفتين، إذا أتى بعدها مسألة، أو أكثر في نفس الموضع، أو قريباً منها لم أعنون(7/3256)
لها إشارة مني إلى أنه قد سبق عنونتها فيما مضى.
7- وضعت أرقام صفحات المخطوطة الظاهرية والعمرية في جانب الصفحة للإشارة إلى بدء الصفحة ليسهل الرجوع إليه لمن أراد ذلك من الباحثين، ورمزت بالنسخة بـ[ظ] ، والنسخة العمرية بـ[ع] .
8- خرجت الأحاديث النبوية من مصادرها الأصلية إذا وردت في النص بلفظها، أو بالإشارة إليها.
9- أذكر عند تخريج الحديث أولاً مسند الإمام أحمد باعتبار أنه صاحب المسائل، وأن الحافظ إسحاق بن منصور الكوسج كان يعرض عليه بعض الأحاديث لينظر ما يراه الإمام أحمد فيه.
ثم أذكر صحيح البخاري ومسلم، وسنن أبي داود، وسنن الترمذي وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارمي، والسنن الكبرى للبيهقي.
10- أذكر كلام أهل العلم في الحديث إذا لم يكن الحديث في أحد الصحيحين.
11- خرجت الآثار المروية عن الصحابة والتابعين من الكتب المعنية بتخريج الآثار مثل: مصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، والأوسط لابن المنذر، والمحلى لابن حزم، والسنن الكبرى للبيهقي، وشرح معاني الآثار للطحاوي، ومسند عمر لابن كثير، وغيرها من الكتب المعنية بهذا الشأن.
12- وثقت النص، وذلك بمراجعة كتب المذهب في كل مسألة، ونقلت منها ما وجدته موافقاً أو قريباً منها، ويؤدي المعنى الموجود في(7/3257)
المسألة.
وكذلك راجعت كتب المسائل المروية عن الإمام أحمد، وكذلك المسائل المتناثرة في بطون الكتب الأخرى، وذكرت المسائل الموافقة، والمقاربة للرواية التي أوردها الكوسج، ونقلت بعضها.
13- وثقت أقوال الإمام إسحاق بن راهويه -رحمه الله- من الكتب التي اهتمت بذكر أقواله من المطبوع، والمخطوط بقدر الإمكان، وذكرت العبارات الواردة فيها في الغالب، إذا وجدت في الأوسط، أو المغني، أو المحلى، وغيرها.
14- وثقت أقوال الأئمة الذين ورد ذكر أقوالهم في النص، وذلك بمراجعة الكتب التي اهتمت بذكر أقوالهم، أو إلى كتب المذهب إذا كان لهم مذهب مدون، مثل أقوال الإمام مالك رحمه الله، أرجع إلى الموطأ، أو كتب المذهب.
15- ترجمت للأعلام ترجمة موجزة، عند ذكر اسم العلم في أول مرة.
16- شرحت الكلمات الغريبة التي وردت في نص المخطوطة.
17- شرحت بعض المصطلحات الفقهية.
18- استدللت للمسائل بإيجاز كلما أمكن ذلك.
19- أذكر الترجيح إذا كان قول الإمام أحمد يخالف قول الإمام إسحاق، وليس لأحدهما رواية توافق قول الآخر، وتبين لي رجحان أحد القولين(7/3258)
1 باب 2 الحدود 3 [والديات] 4
__________
1 العنوان من العمرية "باب الحدود" سقطت منها كلمة "والديات"، وضعتها بين معقوفين، والأفضل إثباتها، لأنّ المؤلّف أدرج مسائل الحدود والديات تحت هذا الباب، ولأنّ في ذلك زيادة توضيح.
2 أي: هذا، باب الحدود والديات، والباب معروف، والفعل منه التبويب، والجمع: أبواب وبيبان، وقد يطلق على الصنف.
قال الجوهري: وأبواب مبوّبة، كما يقال: أصناف مصنّفة.
والباب: ما يدخل منه إلى المقصود، ويتوصّل به إلى الاطلاع عليه. المبدع 1/32، والمطلع على أبواب المقنع ص6، والصحاح 1/90، واللسان 1/223.
3 الحدود: جمع حدّ، وهو في اللغة: المنع، والفصل بين شيئين لئلاّ يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلاّ يتعدى أحدهما على الآخر، ونهاية الشيء وطرفه.
والحدود: العقوبات المقدّرة، يجوز أن تكون سميت بذلك من الحدّ: المنع، لأنّها تمنع من الوقوع في مثل ذلك الذنب، وأن تكون سميت بالحدود التي هي المحارم، لكونها زواجر عنها، أو بالحدود التي هي المقدرات، لكونها مقدّرة لا يجوز فيها الزيادة ولا النقصان.
وشرعاً: عقوبة مقدّرة لتمنع من الوقوع في مثله.
[] انظر: المبدع 9/43، كشاف القناع 6/77، واللسان 3/140، المصباح المنير 1/24-25.
4 الديات: جمع، واحدتها دية، مخففة، وأصلها: ودي، والهاء بدل من الواو، كالعدة من الوعد، والزنة من الوزن، تقول: وديت القتيل أديه دية: إذا أعطيت ديته، واتديت: إذا أخذت الدية. وتقول: دِ القتيلَ: إذا أَمَرْتَ. فالدية في الأصل مصدر، ثمّ سمّي بها المال المؤدّى إلى المجني عليه أو إلى أوليائه بسبب جناية، كالخلق بمعنى المخلوق، وهي ثابتة بالإجماع، وسنده قوله تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِه} سورة النساء، آية 92. وفي الخبر: "في النفس مائة من الإبل".
المبدع 8/327، كشاف القناع 6/5، المطلع على أبواب المقنع ص363(7/3259)
[2355-] [1] قلت 2 لأحمد رضي الله عنه: عمر رضي الله عنه أقاد برجل ثلاثة؟ 3
قال أحمد: إي لعمري. 4
__________
1 هذه المسألة في العمرية، وسقطت من الظاهرية.
2 القائل هو الإمام إسحاق بن منصور بن بهرام، أبو يعقوب، الكوْسج.
3 روى عبد الرزّاق عن معمر عن الزهري، وقتادة عن ابن المسيّب، أنّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه "أقاد الرجل بثلاثة في صنعاء"، وقال: "لو تمالأ عليه أهل صنعاء قتلتهم.
[] مصنّف عبد الرزّاق 9/475-476، رقم 18073.
وروى البخاري من طريق: نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنّ غلاماً قتل غيلةً فقال عمر: "لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم".
رواه البخاري تعليقاً في الديات، باب إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب أو يقتص منهم كلّهم 8/42، ومسند عمر بن الخطّاب لابن كثير ص216، وقال ابن كثير: علقه البخاري، وهو من الصحاح النازلة عن درجة المسندات، وكذا روى البخاري تعليقاً: قال مغيرة بن حكيم عن أبيه: إنّ أربعة قتلوا صبياً فقال عمر مثله.
رواه البخاري في الصفحة السابقة، ومع الفتح 12/227.
وقال ابن حجر: وهذا الأثر موصول إلى عمر بأصحّ إسناد.
4 قال ابن قدامة: إنّ الجماعة إذا قتلوا واحداً فعلى كلّ واحد منهم القصاص، إذا كان كلّ واحد منهم لو انفرد بفعله وجب عليه القصاص، روي ذلك عن عمر، وعلي، والمغيرة بن شعبة وابن عبّاس، وبه قال سعيد بن المسيّب، والحسن، وأبو سلمة، وعطاء وقتادة.
المغني 7/671، المقنع 3/338، المحرّر 2/123، الفروع 5/627، الشرح الكبير 9/334، المبدع 8/253، الأحكام السلطانية ص275، كشاف القناع 5/514.
قال المرداوي تعليقاً: هذا المذهب كما قاله المصنّف هنا بلا ريب، وقاله في الفروع وغيره، وعليه جماهير الأصحاب. الإنصاف 9/448.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله: "لا يقتلون به، وتجب عليهم الدية".
انظر: المراجع السابقة.(7/3260)
قال إسحاق: كما قال يقادون بواحد [ع-98/ب] لو اجتمع على قتل واحد مائة، وأكثر] . 1
[2356-] [قلت: التغريب 2 في الخمر؟
__________
1 حكاه عنه ابن المنذر في الأوسط، كتاب الديات 1/71، والبغوي في شرح السنة 10/184، وابن قدامة في المغني 7/671، وكذا في الشرح الكبير 9/334، وحاشية المقنع 3/338.
2 التغريب: غرب بفتح الراء: بعد. وغربته وأغربته: أبعدته ونحيته.
وعند الفقهاء: غرب أي نُفي من البلد الذي وقعت فيه الجناية.
الصحاح 1/191، والمطلع على أبواب المقنع ص371.
قلت: وهو ما يماثل الحبس في الوقت الحاضر، لأنّه إذا حبس نفي وبعد عن أنظار الناس.(7/3261)
قال أحمد: لا. إلاّ في الزنى، والمخنث. 1
__________
1 قال أبو يعلى: قال أحمد رحمه الله، ورضي عنه: في المخنث في رواية المروذي حكمه أن ينفى.
وقال في رواية إسحاق - وقد سئل عن التغريب في الخمر - قال: "لا، إلاّ في الزنى والمخنث". وعامة نفيه مقدر بما دون الحول، ولو بيوم، لئلاّ يصير مساوياً لتغريب الحول في الزنى. الأحكام السلطانية ص279.
والتغريب بالزنى يأتي في مسألة مستقلّة.
روى البخاري عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: لعن النبيّ صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء وقال: "أخرجوهم من بيوتكم وأخرج فلاناً، وأخرج عمر فلانا"
البخاري في الحدود، باب نفي أهل المعاصي، والمخنثين 8/28، وسنن أبي داود في الأدب، باب في الحكم في المخنثين 5/226، رقم 4930، وسنن الترمذي في الأدب، باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء [5/339-106،] رقم 2784. وسنن ابن ماجة في النكاح، باب في المخنثين 1/614، رقم 1904.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال هذا؟ فقيل: يا رسول الله يتشبّه بالنساء، فأمر به فنفي إلى النقيع".
سنن أبي داود في الأدب، باب في الحكم في المخنثين 5/224، رقم 4928 من طريق الأوزاعي عن أبي يسار القرشي عن أبي هاشم، وأبو يسار القرشي: مجهول.
والحافظ في الفتح 12/160، من طريق أبي داود.(7/3262)
قال إسحاق: أجاد] .
[2357-] [قلت: يقاتل من منع الزكاة؟
قال أحمد: نعم. 1 أبو بكر رضي الله عنه قاتلهم حتّى يؤدّوا ذلك. 2
__________
1 قال ابن مفلح: ونقل ابن منصور: يقاتل من منع الزكاة، وكلّ من منع فريضة فعلى المسلمين قتاله حتّى يأخذوها منه، اختاره أبو الفرج، والشيخ تقي الدين، وقال: أجمعوا أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام يجب قتالها حتّى يكون الدين كلّه لله، كالمحاربين وأولى.
المبدع 9/169، الفروع 6/159.
وقال أحمد في رواية أبي طالب: "إذا قال: الزكاة علي ولا أزكّي، يقال له: مرتين أو ثلاثاً: زكّ. فإن لم يزكِّ، يستتاب ثلاثة أيّام، فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه".
الأحكام السلطانية ص53.
2 قال ابن قدامة: اتّفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعيها. المغني 2/572.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لمّا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر: كيف نقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله، فمن قالها فقد عصم منّي ماله، ونفسه إلاّ بحقّه، وحسابه على الله"، فقال: والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإنّ الزكاة حقّ المال. والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدّونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها.
قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلاّ أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه، فعرفت أنّه الحقّ.
وفي رواية: "عقالاً".
[] مسند الإمام أحمد 1/19، 47-48، 2/528-529، والبخاري في الزكاة، باب وجوب الزكاة 2/109-110. وفي استتابة المرتدين، باب قتل من أبى قبول الفرائض، نسبوا إلى الردة 8/50. وفي الاعتصام بالسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم 8/140. ومسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة 1/51، رقم 32. وسنن أبي داود في الزكاة 2/198، [] رقم 1556، وسنن الترمذي في الإيمان، باب ما جاء: أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ الله 5/3-[4،] رقم 2607. وسنن النسائي في الزكاة، باب مانعي الزكاة 5/14-15، وسنن ابن ماجة في الفتن، باب الكف عمن قال: لا إله إلاّ الله 2/1295، رقم 3927.(7/3263)
قال: وكلّ من يمنع فريضةً فعلى المسلمين قتاله حتّى يأخذوها منه.
قال إسحاق: كما قال، إذا أجمعوا على ذلك، وناصبوا للقتال] .
[2358-] [قلت: إذا جاءت الأمة بولد من زنى، 1 فزعمت أنّه من فلان،
__________
1 قال الجوهري: الزنى يمدّ، ويقصر، فالقصر لأهل الحجاز، والمدّ لأهل نجد.
لغةً: الضيق. الصحاح 6/2368 واللسان 14/360.
وشرعاً: هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر.
والزنى حرام، وهو من الكبائر، لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} سورة الإسراء، آية 32.
كشاف القناع 6/89، والمغني 8/156.(7/3264)
وأنكر الرجل؟
قال: يقال لها: اذهبي، فأنتِ كاذبة، فإنّ أقرّت أربع مرّات وهي حرّة، رجمت إن كانت محصنة 1، والأمة إذا
__________
1 المحصن: من كان بالغاً عاقلاً حرّاً، جامع في نكاح صحيح من هو على مثل حاله.
انظر: الهداية للكلوذاني 2/98.
قال ابن هانئ: قلت: تذهب إلى حديث ماعز في الإقرار أن تردده أربع مرّات؟
قال: نعم، إليه أذهب، أكرر أربع مرّات، وفي الرابعة أرجمه.
مسائل الإمام أحمد برواية ابن هانئ 2