ما يقاس على الأصناف الربوية
قال العلماء: هل الربا قاصر على الأصناف الستة، أم يقاس عليها غيرها؟ قالت الظاهرية: كـ ابن حزم وغيره: ربا الفضل قاصر على الستة، وغيرهم قالوا: إن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين متماثلين، ولا تجمع بين متناقضين: لا يستوي الأعمى والبصير {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر:19 - 21] هذه أمور متناقضة يستحيل أن تتوافق، ولذلك يقول الله: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:35]، الذي يريد أن يساوي بين الموحد والمشرك رجل عنده خبل في ذهنه: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22]، هل يمكن أن نسوي بين المنتقبة الملتزمة التي تلبس ملابس فضفاضة لا تصف وبين امرأة عارية؟ كيف نوفق بين هؤلاء؟ لا يمكن أن يجتمعا، ولذلك الشريعة تسوي بين المتماثلين، وعلى هذا: لماذا حرم الشرع هذه الأصناف الستة؟ ما هي العلة، قالت الأحناف والحنابلة: العلة في الذهب والفضة الوزن، وقالت المالكية: العلة في الذهب والفضة الثمن، وقال ابن تيمية: العلة في الذهب والفضة؛ لأنها ذهب وفضة، أي: الثمنية، والعلة في الأنواع الأربعة قال بعضهم: الكيل، وقال بعضهم: الوزن، وقال بعضهم: لأنها مطعومة.
لو كانت العلة في الذهب والفضة هي الوزن إذاً: فالعلة في الذهب والفضة تختلف عن العلة في الأنواع الأربعة، ولو كانت الوزن لكان كل ما يوزن فيه ربا، فالحديد يوزن، ومعنى ذلك أني لو أعطيتك طناً من الحديد وأخذت منك طنين فهذا ربا.
وهذا كلام ضعيف جداً؛ لأن العلة الراجحة هي الثمنية، وما ينطبق عليه الثمنية لابد فيه من التماثل.
مثلاً: في مجتمع كمصر جعلنا الحديد للبيع والشراء، تشتري كيلو لحمة بسيخ حديد، تشحن بترول بربع سيخ حديد، تركب ميترو الأنفاق بربع سيخ حديد، تشتري سلعاً بسيخ حديد، إذاً: الحديد هنا أصبح ثمناً للأشياء، إذاً: الربا يسري فيه، الأوراق النقدية -مثلاً- لو أعطيتك 20 جنيهاً وأخذت منك 30 في الحال، فهذا ربا في الورقة لأن لها ثمناً، فعلة تحريم الذهب والفضة هي الثمن، فكل ما يصبح قيمة للأشياء يصبح فيه ربا، وفي حال التعامل به لابد من التقابض والمماثلة.
بالنسبة للأصناف الأربعة العلة فيها ما قاله ابن تيمية وهو الراجح: العلة فيها أنها مطعومة -ومعنى مطعومة: أنها تؤكل ولها طعم- ومكيلة أو موزونة، وطالما أنها مطعومة تكال أو توزن يجرى فيها الربا.(57/6)
أمثلة للأصناف الربوية وما يقاس عليها
مثال: البرتقال، معي 3 كيلو من البرتقال أعطيتك إياها بـ4 كيلو، فهذا التعامل ربوي؛ لأن البرتقال مطعوم -أي له طعم يعني: يؤكل- وموزون، إذاً: مطعوم موزون، وكذلك كل مطعوم يكال، الذرة لم تذكر في الستة التي وردت في الحديث، فلو أعطيتك 2 كيلو ذرة وأخذت منك 3 فهو ربا؛ لأن الذرة مكيلة ومطعومة، إذاً: أنظر إلى جنس السلعة، إن كانت ثمنية ففيها ربا عند التعامل مع جنسها، وإن كانت مطعومة ومكيلة فيشترط فيها التماثل والتقابض إذا تعاملت فيها بجنسها.
مثال: أعطيتك 3 كيلو من اللحم وأخذت منك 2 كيلو، فهذا لحم بلحم وهو ربا؛ لأن اللحم مطعوم وموزون، فلابد فيه من التماثل والتقابض.
مثال آخر: (جاء بلال بتمر رديء واستبدله بتمر جيد من تمر المدينة وجاء به إلى النبي، فقال له: يا بلال! أوكل تمر خيبر هكذا؟ -يعني: تمر خيبر في جودته- فقال: يا رسول الله! إنما هو تمر رديء نستبدله بتمر جيد، قال: أوه عين الربا يا بلال)؛ لأن التمر لابد فيه من التماثل والتقابض في مجلس العقد، القاعدة الثانية: إن كان من جنس ربوي بجنس آخر غير ربوي لا يشترط التماثل ولا التقابض، مثال ذلك: الأرز، أعطيتك كيلو من الأرز وأخذت منك تسجيلاً أو تسجيلين أو ثلاثة، هذا جنس غير ربوي، دخل في التعامل مع جنس ربوي، إذاً: لا يشترط التقابض ولا التماثل.
هذه هي القاعدة الثالثة.
القاعدة الأولى: جنس ربوي بمثله لابد فيه من التماثل والتقابض، يعني: الوزن يداً بيد في مجلس العقد، جنس ربوي بآخر ربوي، لكنه ليس من جنسه فيه شرط واحد، وهو البر مع التمر، البر ربوي والتمر ربوي، لكن الجنسين مختلفين هنا المماثلة غائبة، فيلزم التقابض فقط، وهذا يجوز طالما الجنس مختلف.
مثال: أنت معك 2 كيلو أرز، وأنا معي 3 كيلو شعير، فهل الأرز ربوي أم غير ربوي؟ الأرز بالقياس ربوي، مطعوم وموزون وهو مكيل، فهو مطعوم والقمح الذي هو البر أيضاً ربوي، إذاً: ربوي دخل مع ربوي، لكن الأجناس مختلفة، فهنا اختلفت المماثلة ولزم التقابض.
مثال آخر: معك ملح ومعي تمر، الملح والتمر ذكرا في الحديث، معك 3 كيلو من الملح وأنا معي 20 كيلو من التمر، واستبدلت التمر بالملح 3 بـ20، يجوز؛ لأن الأجناس مختلفة، فلا يشترط التماثل، لكن يشترط التقابض في مجلس.
إذاً: إذا كانت الأجناس ربوية -بالقياس أو بالحديث- لابد من التقابض، والربوي: كل مطعوم مكيل أو موزون.
مثال: سمك بلحم، اللحم مطعوم وموزون، والسمك مطعوم وموزون، السمك واللحم ليسا في الحديث، لكن بالقياس هما أجناس مختلفة.
إذاًً: بقي شرط واحد وهو التقابض في مجلس واحد يداً بيد.
قال: [ولا يجوز بيع مطعوم -مكيل أو موزون- بجنسه إلا مثلاً بمثل].
مطعوم مكيل أو موزون، إلا مثلاً بمثل بجنسه: يعني: بنوعه، خذ هذا المثال الصعب: أعطيتك تسجيلين وأخذت منك ساعة، فما حكم هذا التعامل؟ جائز؛ لأن هذا جنس غير ربوي، وهذا جنس غير ربوي لا مطعوم ولا موزون، لا التسجيل ولا الساعة، إذاً: لا يشترط التماثل ولا التقابض.
أولاً: أنظر إلى السلعة التي أقايضها، هل هي من أجناس الربا أم ليست من أجناس الربا؟ أعطيتك 2 كيلو من الملح مقابل سيارة، ليس بربا؛ لأنه جنس ربوي دخل مع جنس غير ربوي، وطالما الجنس الربوي دخل مع جنس غير ربوي لا يشترط شيئاً.
اكتب هذه القاعدة: الجنس الأول ربوي وهو الملح، دخل مع السيارة وهي غير ربوية؛ لأنها لا مطعومة ولا مأكولة، إذاً: لا يشترط لا التماثل ولا التقابض.
مثال: الذهب قيمة ثمنية لابد معها من التقابض في مجلس العقد، لكن لا تشترط المماثلة، مثال ذلك: ذهبت أشتري 40 جراماً من الذهب، ومعي لأجل هذا الشراء 50 كيلو من الأرز، دخلت إلى صاحب الذهب، قلت له: أعطني 20 جراماً ذهب بـ 50 كيلو أرز، يجوز، لكن لابد من التقابض، الذهب جنس ربوي، والأرز جنس ربوي، إذاً: اختلف الجنسان، فلابد من شرط واحد وهو التقابض في مجلس العقد.
قال المصنف رحمه الله: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل) في الأجناس المتفقة من حديث معمر بن عبد الله، والمماثلة المعتبرة في الشرع: هي المماثلة في الكيل والوزن، فدل على أنه لا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن، ولا يحرم فيما لا يطعم كالأشنان والحديد، ولا فيما لا يكال كالبطيخ والرمان، وهي إحدى الروايات في علة الربا].(57/7)
بيع العرايا
هناك مسألة ذكرها المصنف وهي العرايا، فما هي العرايا؟ أنا رجل فقير من الفلاحين عندي تمر من العام الماضي -بلح ناشف- اشتاقت نفسي في هذا العام لأكل الرطب، التمر بالرطب لابد فيه من التماثل؛ لأن هذا تمر وهذا تمر، الرطب عندما يجف يتحول إلى بلح، استثنينا من هذه القاعدة شيئاً اسمه العرايا، بيع التمر على الأرض بالرطب في النخل، شريطة الخرص: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات:10]، الخراصون هم الكذابون، والخراص يقول: ما على النخلة من رطب عندما ينشف سيساوي 10 كيلو من التمر على الأرض، وأنت عندك 10 كيلو تعطيها لصاحب النخلة مقابل أخذ الرطب التي على النخلة ليتفكه بها، وهذا ليس فيه مماثلة؛ لأنه ربما يكون الرطب قبل أن يجف أكثر من التمر، فهذه تسمى العرايا.(57/8)
حكم بيع المكيل بالموزون والعكس
قال: [ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بجنسه وزناً، ولا موزون كيلاً].
والمعنى: البر مكيل، أعطيتك صاع بر، وأعطيتني كيلو من البر، أنت أعطيتني الآن مكيلاً وأنا أعطيتك إياه موزوناً، إذاً: هنا أنا استبدلت المكيل بالموزون وهذا لا يجوز، لابد من كيل بكيل أو وزن بوزن، مثال ذلك: أعطيتك 2 كيلو من التمر مقابل 50 مد من التمر، أنا قومت التمر بالوزن وأنت قومت التمر بالكيل، يجوز أم لا يجوز؟ لا يجوز، فلابد من المكيل أن يدخل في المكيل، والموزون يدخل في الموزون، إلا أن ابن تيمية قال: إذا كان لا يختلف الكيل عن الوزن فيجوز، يعني: إذا كان بالكيل هو نفسه بالوزن، وهذا من اختيارات شيخ الإسلام أنه يجوز التوازن بين المكيل والموزون إذا تماثلا.
قال: [وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد]، الجنس هذا ربوي والجنس هذا ربوي، لكنهما مختلفان، هذه سلعة وهذه سلعة أخرى، يشترط فيها التقابض فقط ولا يشترط التماثل، يعني: يجوز بيعه كيلاً ووزناً وجزافاً، مثاله: أعطيتك 2 كيلو من التمر مقابل كيلو من البر جاز؛ لأن هذا بر وهذا تمر اختلفت الأجناس، ويجوز أن أعطيك 2 كيلو من البر مقابل 30 صاعاً من التمر، هذا موزون وهذا مكيل يجوز؛ لأن الأجناس قد اختلفت، إن اختلفت الأجناس فبيعوا كيفما شئتم يداً بيد، الشرط الوحيد التقابض، لكن بيعوا كيفما شئتم، يعني: كيلاً أو وزناً أو جزافاً.
[ولم يجز النسأ فيه لذلك] النسأ: يعني: التأخير، فكل ما ثبت فيه ربا الفضل ثبت فيه ربا النسيئة وهو التأخير.
قال: [إلا في الثمن بالمثمن]، يعني: البيع بالتقسيط، مثاله: عندي قمح تشتريه مني بالأجل فهذا يجوز، هذا ثمن وهذا مثمن، لما توسط الثمن تلاشى الربا.(57/9)
جريان الربا فيما له أصل واحد
قال: [وكل شيئين جمعهما اسم خاص من أصل الخلقة فهما جنس واحد يشمل أنواعاً كالذهب والفضة، والبر والشعير، والتمر والملح، فإذا اتفق شيئان في الاسم الخاص من أصل الخلقة فهما جنس واحد كأنواع التمر والبر].
هذا جاء بنوع تمر، ثم جاء بنوع آخر من التمر، كلها من جنس واحد ففيها الربا؛ لأن الأجناس هنا متفقة.
[إلا أن يكونا من أصلين مختلفين، فإن فروع الأجناس أجناس إلا أن يكونا من أصلين مختلفين لحم ضأن بلحم بقر، هذا جنس وهذا جنس، أعطيتك كيلو من لحم الضأن، وأخذت منك 3 كيلو من لحم البقر، يجوز أم لا يجوز؟ يجوز لأن الجنس هنا مختلف، هذا لحم ضأن وهذا لحم بقر، ولذلك يقول هنا: [إلا أن يكونا من أصلين مختلفين؛ فإن فروع الأجناس أجناس كالأدقة].
والأدقة هو الدقيق، هذا دقيق البر وهذا دقيق الأرز، اختلفت الأجناس، يعني: هذا دقيق من نوع، وهذا دقيق من نوع آخر، اختلفت الأجناس لكنها تتبع أصلاً واحداً، هنا لابد فيها من التماثل والتقابض في مجلس العقد.
قال: [ولا يجوز بيع الرطب منها بيابس من جنسه].
يتحدث عن الأصناف الربوية، مثال ذلك: الرطب تزن أكثر من اليابس فلا يجوز أن يباع الرطب باليابس في الأصناف الربوية، يعني: أعطيتك رطباً وأخذت منك نفس الكيلو يابساً لا يجوز؛ لأن الأجناس الربوية لابد فيها من التماثل، والتماثل لم يتحقق؛ لأن الجنس الأول يزن أكثر من الجنس الثاني.
قال: [ولا يجوز بيع خالصه بمشوبه].
الخالص يعني: ذهب خالص بذهب مشوب، لا يجوز أن يباع هذا بهذا ولو تماثلا؛ لأنهما يستحيل أن يتفقا.
يعني: هذا ذهب خالص وهذا ذهب مطعم، في الشكل لا يمكن أن يتماثلا في الوزن، وحتى إن تماثلا في الوزن فلا يمكن أن يكونا متماثلين، فلو أن وزنها عشرون جراماً، وهذه وزنها عشرون جراماً، لكن هذه خالصة وهذه مشوبة، فهذا لا يجوز.
يقول: [ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه].
أعطيتك كيلو من اللحم نيئاً، وأخذت منك كيلو مطبوخاً، هذا لا يجوز؛ لأن المطبوخ يزن أقل، هذا معناه أن النيء يزيد في الوزن، كيف أعادل، لا يجوز أن يباع النيء بالمطبوخ، ولا المشوب بغير المشوب، ولا الرطب باليابس من الأجناس الربوية.(57/10)
بيع المزابنة والمحاقلة
يقول: [ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: وهو اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل].
هذه تسمى المزابنة: اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل، يعني: أشتري منك تمراً على الأرض بتمر على النخل، لكن هذا يستثنى منه العرايا، مثلاً: على النخل حوالي 5 كيلو من التمر، وعلى الأرض 5 كيلو أيضاً، هل أشتري ما على الأرض بما على النخل؟ لا يجوز؛ لأن ما على النخل لا أضمنه، ربما يفسد وربما يصيبه العطب إلى غير ذلك.
[ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، وهو اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل، فروى جابر قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة وعن المزابنة)، والمحاقلة: بيع الحب في سنبله بجنسه].
يعني: معي أرز أبيض الآن في بيتي أبيعه لك مقابل أرز آخر مازال في السنبل لم ينضج بعد هذا لا يجوز، وهذه تسمى المحاقلة، ولا تجوز المحاقلة ولا المزابنة.
قال: [وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمخابرة، وهو بيع الزرع الأخضر والثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع)].
مثال ذلك: عندي في البيت ثمرة ناضجة مكتملة أبيعك إياها مقابل ما هي في الأرض، هل يجوز هذا؟ يجوز بشرط واحد، وهو القطع، أن تقطعها الآن، يعني: مثلاً بعتك ثمرة قبل النضج على أن تقطعها الآن كعلف للحيوان يجوز؛ لأن هذا شرط القطع، أما باعتبار ما سيكون كمن يبيع الجاموسة في بطنها الجنين، يقول: هي بثلاثة آلاف وما في بطنها بألف، هل هذا يجوز؟ لا يجوز؛ لأن ما في بطنها لا أضمنه، وهذا بيع الغرر وبيع المجهول.(57/11)
شروط بيع العرايا
يقول: [ورخص النبي صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا].
بدأ يشرح شروط بيع العرايا، فلابد أن تكون العرايا فيما دون خمسة أوسق، فإن زادت عن خمسة أوسق لا تجوز، والوسق 60 صاعاً، والصاع 4 أمداد، 5 أوسق في 60 يساوي300 صاع، يعني: أول شرط العرايا ألا تزيد عن 300 صاع.
قال: [أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً، فروى أبو هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا في خمسة أوسق أو دون)، وإنما يجوز بشروط خمسة].
إذاً: العرايا تجوز بخمسة شروط.
[الشرط الأول: أن يكون دون خمسة أوسق].
يعني: إن زادت عن هذا فلا تجوز.
[لأن الأصل تحريم بيع الرطب بالتمر خولف فيما دون الخمسة بالخبر.
الثاني: أن يكون مشتريها محتاجاً إلى أكلها رطباً].
يعني: يكون فقيراً ويشتهي الرطب لا يشتريها ليخزنها، وإنما ليأكلها، الشرط الثاني الأكل.
[الثالث: ألا يكون له نقد يشتري به].
فإن كان معه نقود أو أثواب أو لحم ووافق البائع، على هذا لا يكون معه ما يشتري به إلا التمر.
[الرابع: أن يشتريها بخرصها للخبر].
ما معنى الخرص: أن يقدرها الحاذق لما تجف تساوي كذا من الآصع.
[الخامس: أن يتقابضا قبل تفرقهما؛ لأنه بيع تمر بتمر فاعتبرت أحكامه].
هذه الخمسة شروط الخاصة ببيع العرايا.
إلى هنا انتهى باب الربا، حتى ننتقل إلى ما سواه في باب بيع الأصول والثمار في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.
نكتفي بهذا القدر، والله تعالى أعلم.(57/12)
العدة شرح العمدة [58]
للثمار علامات لبدو الصلاح، ويمنع بيعها حتى تبدو عليها علامات الصلاح، ومما يفض النزاع بين المتبايعين في الأصول قاعدة: أن النخل المؤبر ثمرته للبائع إلا أن يشترط المشتري، وقد قسم الفقهاء الشجر إلى ستة أنواع لكل نوع حكم ثمرته قبل وبعد البيع.(58/1)
مسائل في القرض
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد.
هناك ثلاث مسائل أريد أن أنبه عليها لحدوث الالتباس فيها عند البعض، سواء بوهم مني أو بسبق لسان أو بفهم خاطئ من بعض طلبة العلم، فأريد أن أوضحها توضيحاً شافياً سريعاً.
المسألة الأولى: سألني سائل عن مسألة في القرض، وأجبت بأنه لا يجوز أن تقترض بالدولار وترده بالجنيه المصري؛ لأن الدولار جنس والجنيه المصري جنس آخر، فينبغي إن اتفقتم على الرد بالجنيه المصري أن يكون التقابض في مجلس العقد، أما أن يكون الدولار بدولار فيجوز أن تقرض لأجل.
وعلى هذا أرسل أحد الإخوة يقول: أنا اقترضت ألفاً من الدولارات، وجاء موعد السداد، فهل يجوز أن أسددها بالجنيه المصري؟ أقول: لا يجوز؛ لأن هذا جنس وهذا جنس، ولا بد من التقابض في مجلس العقد.
المسألة الثانية: سأل أحد الإخوة: هل يجوز أن أشتري الذهب بالقمح مؤجلاً؟ قلت: نعم يجوز؛ لأن اختلاف العلة مدعاة للجواز، فإن الذهب العلة في تحريمه الثمنية، والقمح العلة في تحريمه أنه مطعوم ومكيل، فاختلفت العلة ومن هنا جاز أن أشتري الذهب مؤجلاً بقمح وليس بنقد، فالنقد يحرم أما القمح فيجوز.
المسألة الثالثة: أن البعض حدث له التباس في حالة شراء أو بيع أو مقايضة جنس ربوي بغير ربوي كساعة بقمح، هل يشترط التقابض؟ قلنا: لا يشترط التقابض، والله تعالى أعلم.(58/2)
باب بيع الأصول والثمار
قال المصنف رحمه الله: [باب بيع الأصول والثمار] الأصول جمع أصل، والأصل إما أن يكون ثابتاً أو متداولاً -في لغة المحاسبين- والأصل الثابت كنخلة أو دار أو عقار.
هناك فرق بين الثمرة وبين الأصل، فأن أبيعك النخل هذا بيع أصل، وأن أبيعك ثمرة النخل هذا بيع ثمرة، وهناك فرق بين بيع الأصل وبين بيع الثمرة، فإن بعتك الأصل فالثمرة تابعة له، وإن بعتك الثمرة فالأصل لا يتبعها، فالفرع تابع للأصل، وليس الأصل تابعاً للفرع، فإن اشتريت منك داراً فكل ما فيها تبع لها سواء من شبابيك وأبواب وسلالم إلى غير ذلك ولا تقل: أنا بعتك الدار ولم أبعك الباب، أقول لك: الباب تبع للدار، والسلم تبع للدار، وكل ما في الدار تبع له إلا ما في بطن الأرض من كنوز، فهذه مسألة أخرى سنأتي على ذكرها.
قال: [من باع نخلاً مؤبراً فالثمر للبائع].
لو افترضنا أني بعتك ثمرة في نخلة، لكني بعد أن أبرتها أي لقحتها، والتلقيح هو نقل اللقاح من طلع النخل الذكر إلى الأنثى، فأنا لقّحت ثم بعت، فالثمرة التي في طلع النخل لي أنا البائع؛ فمن باع نخلاً مؤبراً فالثمر للبائع.
قال: [فالثمرة للبائع متروكاً في النخل إلى الجذاذ].
الحصاد للزرع، والجذاذ للنخل، واللقاط للقثاء وما على شاكلتها، والجز للباذنجان وما على شاكلته، أي هذه مصطلحات قطع الثمرة.
قال: [متروكاً في النخل إلى الجذاذ إلا أن يشترطه المبتاع].
أي: المشتري.
جئت أشتري منك نخلاً مؤبراً ثمرها، فقلت لك: أشتريها بثمرها؛ فالمؤمنون عند شروطهم، فإن وافقت فلا بأس، وطالما أبرت النخلة قبل بيعها فثمرتها للبائع.
قال: [قال ابن عبد البر: الإبار عند أهل العلم التلقيح، وقيل: التأبير ظهور الثمرة من جف الطلع.
] ولكن الأول هو الأرجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نزل المدينة وجدهم يؤبرون النخل، فلما نهاهم عن التأبير فسد النخل، فقالوا: (يا رسول الله نهيتنا عن التأبير ففسد النخل، وقال: أنتم أعلم بشئون دنياكم)، وتأبير النخل من شئون الدنيا والصناعة.
قال: [لأن الحكم متعلق بنفس الظهور دون نفس التلقيح بغير اختلاف بين العلماء، فمتى ظهرت الثمرة فهي للبائع، وإن لم تظهر فهي للمشتري] أي: لو أني اشتريت منك نخلة قبل ظهور الثمرة، ثم بدت الثمرة بعد شرائها فالثمرة للمشتري، وإن بدت الثمرة بعد تلقيحها فهي للبائع.
قال: [لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع) رواه البخاري.
وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره بادياً].
أي: أن الثمرة بدت على الشجرة، أيضاً ثمرة الشجرة للبائع إن باعها طالما أن الثمرة قد بدت.(58/3)
أنواع الثمر والشجر
[والشجر على ستة أضرب: الأول: ما تكون ثمرته في أكمامها، ثم يفتح الكمام فتظهر كالنخل، وقد سبق بيان حكمه، وهو الأصل الذي وردت السنة ببيان حكمه، وما عداه يقاس عليه، ومن هذا الضرب القطن].
اشتريت منك قطناً وقد فتحت اللوزة فالثمرة للبائع.
قال: [ومن هذا الضرب القطن، وما يقصد نوره كالورد والياسمين والنرجس والبنفسج، فإنه يظهر في أكمامه ثم يفتح كمامه فيظهر، فهو كالطلع إن يفتح جنبذه فيظهر نوره فهو للبائع، وإن لم يظهر فهو للمشتري قياساً على النخل].
قاسوا على النخل الورد والقطن والبنفسج والياسمين، وكل ما كان في أكمامه، ثم ظهر وبدا، فإن ظهر وبدا فهو للبائع وليس للمشتري، وهذا يسد باب إشكالات كثيرة.
قال: [الضرب الثاني: ما له ثمرة بارزة -كالجميز والتوت والتين- فما كان منه ظاهراً فهو للبائع؛ لأنها ثمرة ظاهرة فهي كالطلع المؤبر، وما ظهر بعد العقد فهو للمشتري؛ لأنه حدث في ملكه].
هذا النوع ثمرته تبرز، فإن برزت الثمرة فهي للبائع، وإن لم تبرز فهي للمشتري.
قال: [الضرب الثالث: ما له قشر لا يزول إلا عند الأكل كالرمان والموز، فهو للبائع إن كان ظهر؛ لأن قشره في مصلحته فهو كأجزاء الثمرة].
فإن بدا القشر فهذا دليل على أن الثمرة للبائع.
قال: [الضرب الرابع: ما له قشران -كاللوز والجوز- فهذا للبائع بنفس الظهور؛ لأن قشره لا يزال في الغالب إلا بعد جذاذه فهو كالرمان].
وهذا هو الرأي الراجح.
قال: [الضرب الخامس: ما تظهر ثمرته في نوره ثم يتناثر نوره -كالعنب والمشمش والتفاح- فكان كتأبير النخل.
الضرب السادس: ما يقصد ورقه كالتوت فيحتمل أنه للمشتري بكل حال قياساً على سائر الورق، ويحتمل أنه إن تفتح فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه هاهنا كالثمر].
إذاً: هنا الآن يفرق بين أنواع ستة من أنواع الأشجار، خلاصتها أن الثمرة إذا بدت فهي للبائع، وبدو الثمرة يختلف من شجرة إلى أخرى، ففي النخل له طريقة، وفي التوت والتين له طريقة، وفي الموز والجوز له طريقة، إما بالقشر وإما بأن يتفتح.
ومتى تظهر ثمرة العنب؟ حينما يحمرّ أو يصفرّ، فإن احمرّ أو اصفرّ فقد بدا، وهذا من حق البائع.
قال: [فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع].
فهناك ما يحصد مرة، وهناك ما يحصد مرتين أو أكثر.
فإذا باع البرسيم في الأرض والبرسيم قد بدا فوق الأرض، فهو للبائع، قطع البائع البطن الأول، وإذا جاء البطن الثاني فهو من حق المشتري؛ لأن أصول الثمرة للمشتري أي الجذور، أي أن البائع لا يأتي يجز فيقطع من جذرها، ويقضي على أمل المشتري في البطن الثاني والثالث، فهناك أشجار تعطي أكثر من مرة، وهناك أشجار تعطي مرة واحدة.
قال: [فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع ما لم يشترطه المشتري؛ لأنه ظاهر، فكان للبائع أشبه الثمرة المؤبرة.
وإن كان يجز مرة بعد أخرى، كالرطبة -البرسيم- والبقول، فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع لذلك].
فإذا اشترط المشتري فهنا نقول المؤمنون عند شروطهم.
رجل اشترى من آخر قيراطاً من الأرض الزراعية، وفيها برسيم وقد ظهر وعلا، فهي من حق البائع، وبعد ذلك للمشتري إذا لم يشترط.(58/4)
أحكام بدو صلاح الثمار
ثم قال: [ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، فلو باعها قبل بدو صلاحها لم يجز إلا بشرط القطع].
جئت أشتري منك عنباً فوجدت العنب لم يبد صلاحه، فقلت: بعتك مقدار كذا عنباً بسعر كذا، فهذا البيع حرام؛ لأن الثمرة لم يبد صلاحها، فلا يجوز إلا بشرط واحد، وهو: أن أقطع العنب الآن لأستخدمه علفاً للحيوان أو غير ذلك، أما أن أبيع الثمرة قبل أن تنضج فلا يجوز؛ فإن نضجت منها واحدة فهذه إشارة إلى نضجها جميعاً.
قال: [لما روى ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة)، ولأن في بيعه غرراً من غير حاجة، فلم يجز كما لو اشترط التبقية، وإن باعها بشرط القطع جاز بالإجماع].
والمعنى: أنه لا يجوز لك أن تشتري الثمرة قبل صلاحها، وإن اشتريت بشرط القطع، أو بشرط التبقية جاز.
ومعنى التبقية: بقاء الثمرة في الأرض حتى تنضج، فإن جاءت آفة وأصابتها قبل أن تنضج فلا حق له في ثمن هذه الثمرة؛ لأن الأصل أن أحصل على الثمرة بعد نضجها.
[ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز.
قال أبو حنيفة: لا يجوز بشرط التبقية؛ لأنه شرط الانتفاع بملك البائع على وجه لا يقتضيه العقد، فلم يجز كما لو شرط تبقية الطعام في بيته].
أي أن المذهب على أن له أن يشتري بشرط التبقية، وأبو حنيفة على المنع.
[ولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، فمفهومه أنه أجاز بيعها بعد بدو صلاحها، وثبت أنه إنما نهى عن بيع يتضمن التبقية؛ لأنه يجوز بشرط القطع، وعنده مطلقاً ثبت أن الذي نهى عنه هو الذي أجازه، ولأن النقل والتحويل يجب في المبيع بحكم العرف، فإذا اشترطه جاز كما لو اشترط نقل الطعام من ملك البائع حسب الإمكان، وفي هذا انفصال عما قال].
والمعنى: أن الحنابلة يرون جواز الشراء بشرط التبقية.
قال: [فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع].
معنى ذلك: أنني اشتريت منك الثمرة قبل بدو الصلاح، لكن بشرط التبقية إلى الصلاح، فإن أصابتها عاهة قبل بدو الصلاح أعود بثمنها البائع عليك.
قال: [لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من ثمنه شيئاً، لم تأخذ مال أخيك بغير حق) رواه مسلم.
وصلاح ثمر النخل أن يحمر أو يصفر، وصلاح العنب أن يتموه].
أي: عندما تمسك الحبة تتموه طرية في يدك، أما إن كانت جافة أو صلبة فلم تتموه بعده.
قال: [وسائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب) متفق عليه، و (نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو، قيل: وما تزهو؟ قال: تحمار أو تصفار، ونهى عن بيع الحب حتى يشتد، ونهى عن بيع العنب حتى يسود) رواه الترمذي].
إلى هنا نكون قد انتهينا من باب بيع الأصول والثمار.(58/5)
خلاصة باب بيع الأصول والثمار
خلاصة القول في بيع الأصول والثمار: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا أن من اشترى ثمراً بعد بدو صلاحه فالثمرة للبائع إلا أن يشترط، والمؤمنون عند شروطهم، والأولى أن أشترط، فإذا بعت النخلة للمشتري والمشتري أخذها مني وعليها الثمرة فسيأتيني المشتري ويسألني عن الثمرة، ثم يدخل في نفس المشتري أنه ليس مالكاً، فالأفضل أن تشترط أن الثمرة التي أبرت لك، فهذا لا شيء فيه على الإطلاق، فإن لم يشترط فالقاعدة: أن من باع نخلاً مؤبراً فهو له، وهناك فرق بين باع وابتاع، وشرى واشترى، كما في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} [البقرة:207] فهنا يشري بمعنى يبيع {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111].
قال: (من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع) وبعض الأمور هنا لم يذكرها المصنف في بيع الأصول اختصاراً.
فإن اشتريت داراً بما فيها، وكنت أحفر في الدار فوجدت كنزاً، ما حكم هذا الكنز هل هو للبائع أم للمشتري؟ فنقول: إن أقام البائع البيّنة على أن الكنز ملك له فهو له، أما إن لم يقم فهي للمشتري؛ لأن الأرض لمالكها وما فيها حتى الأرض السابعة، وحتى السماء السابعة للذي اشترى، والظاهر أنه اشترى الدار بأبوابها وبسلمها وبما فيها من أشياء ثابتة، وشاء الله أن يرزقه بكنز تحت الدار.(58/6)
الأسئلة(58/7)
الفرق بين بيع العرايا والمزابنة
السؤال
ما الفرق بين بيع العرايا والمزابنة؟
الجواب
العرايا لها شروط خمسة، فإن تحققت هذه الشروط جازت، أما المزابنة فليس لها شروط، فالمزابنة أعم والعرايا أخص، فإن توافرت الشروط يسمى عرايا، وإن لم تتوافر يسمى مزابنة.(58/8)
حكم شراء الثمرة لعشر سنوات قادمة
السؤال
رجل عنده ثمار من العنب فجاء رجل يشتري منه الثمر لهذا العام، وقال: أشتري ثمار البستان لمدة 10 سنوات قياساً على ما رأى هذا العام من الثمر الجيد، فما حكم البيع، هل يدخل تحت بيع المعدوم كالذي يبيع ما تحمل دابته أو شجرته لجهالته أم غير ذلك؟
الجواب
المشتري هنا اشترى المعدوم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء الثمرة قبل بدو صلاحها، وما أدراك أن تكون الثمرة في العام القادم نفس هذا العام، فأنت تنجم الغيب، لعله تأتي عاهة أو آفة وتحرق الشجرة، لا تشتر الثمرة قبل بدو صلاحها.(58/9)
حكم الشراء بالدين
السؤال
هل شراء السلع الغذائية كالأرز والحلوى من البقال بالدين يكون ربا؟
الجواب
هذا ثمن ولا يشترط تقابض طالما دخل المثمن كوسط في العملية، إنما هذا في المقايضة، أما إذا دخل المثمن في الوسط فيجوز التأجيل.(58/10)
حكم منع الخاطب لمخطوبته من الخروج من البيت
السؤال
خطيبي يمنعني من النزول من البيت تماماً لأي سبب، وهو لم يعقد عليّ فهل له الحق في هذا؟
الجواب
الخطيب أجنبي عن مخطوبته، وليس له أي حق عليها بحال، والله تعالى أعلم.(58/11)
حكم الخل الموجود في الأسواق
السؤال
ما حكم الخل الموجود في الأسواق؟
الجواب
الأصل في الأطعمة الحل، إن أردت أن تحرم فيلزمك الدليل، ولا أعرف عن الخل شيئاً مشبوهاً.
جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم.(58/12)
العدة شرح العمدة [59]
المقصود بالخيار أن لكل من المتبايعين حق الرجوع في البيع إذا رأيا ذلك أو أحدهما، والخيار يكون قائماً ما لم يتفرق البيعان، فإن تفرقا فلا خيار؛ إلا أن يكون الخيار خيار عيب لم يكن قد علمه المشتري، فله حق الرد عند اكتشاف العيب.(59/1)
باب الخيار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فما زلنا مع كتاب البيوع في فقه المعاملات، وهو من أنواع الفقه الغائبة عن حياتنا؛ لانشغالنا بفقه العبادات عن فقه المعاملات، رغم أن المعاملات لا يخلو منها إنسان.
المقصود بالخيار: أن لكل طرف حقاً في الخيار؛ إما إمضاء العقد، وإما الفسخ، وبالمعنى البلدي: رد البضاعة.
مثال ذلك: اشتريت سلعة من تاجر، ثم جئت لترد إليه السلعة التي اشتريتها، هل لك حق في ردها، أم ليس لك ذلك؟ إذاً: باب الخيار من أهم الأبواب في فقه البيوع؛ لأنه لا يخلو منه التعامل اليومي.
يقسم العلماء الخيار إلى ثمانية أقسام، وكلامنا لا ينسحب إلا إذا كان هناك خيار.
مثال ذلك: ذهبت لشراء كتاب، فقلت للبائع: أنا بالخيار لمدة أسبوع، وأنت أيضاً بالخيار، ومعنى الخيار: أن للبائع حقاً وللمشتري حقاً في فسخ العقد أو إمضائه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [البيعان بالخيار] يعني: البائع والمشتري، سميا بالبيعين تغليباً كما نقول عن الشمس والقمر: القمرين، ونقول عن التمر والماء: الأسودين، ونقول عن عمر وأبي بكر: العمرين، ونقول عن عائشة: أم المؤمنين تغليباً فهذا يسميه العلماء: التغليب.
فالبيعان هما: البائع والمشتري، يقول الله تعالى في سورة الكهف: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} [الكهف:80]، (أبواه): أبوه وأمه، أطلق عليهما الأب تغليباً؛ لأن الأب يقدم على الأم، كذلك يغلب العاقل على غير العاقل، والجمع على المفرد.(59/2)
الفراق بين البائع والمشتري يحدث بالأبدان وجوب البيع يكون بالتفرق
قال المؤلف رحمه الله: [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما]، يبين المصنف أن الفراق بين البائع والمشتري يحدث بالأبدان وليس بالأقوال.
مثال ذلك: اشتريت من مكتبة سلعة، وظللت فيها ساعة بعد الشراء وإعطاء البائع المال، فهل تفرقت الأبدان في هذه الحالة أم لم تتفرق بعد؟
الجواب
لم تتفرق بعد، فلي أن أرجع الكتاب طالما لم نتفرق، وإن تفرقنا ولم نتفق على الخيار؛ فليس لي حق الإرجاع إلا أن يقبل هو.
مثال آخر: رجل اشترى سلعة وأخذها إلى البيت، ثم عاد إلى البائع يريد أن يردها لا لعيب فيها، فإما أنه اشترى بالخيار أو اشترى بغير خيار، فإن كان بغير الخيار فليس له حق، وإن كان بالخيار فله حق.
قال: [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما؛ لما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، وكانا جميعاً أو يخير أحدهما الآخر؛ فيتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)، متفق عليه].
ومثال على ذلك: لو أني كنت أنا في طائرة متوجهة من مصر إلى ألمانيا تأخذ ست ساعات أو سبع ساعات في الطريق، واشتريت من تاجر في الطائرة سلعة، وأعطيته الثمن، فتم البيع واتفقنا، فهل تفرقت الأبدان أم لم تتفرق؟ لم تتفرق؛ فلي حق الرد إلى أن أصل إلى ألمانيا.
فعند ذلك يقول البائع: أنت لست بالخيار؛ لكي يقطع في البيعة، لأنه ما لم تتفرق الأبدان فلا زال للمشتري حق الرد، وقد يكون الخيار لأحدهما، كأن يقول البائع للمشتري: لك الخيار، أما أنا فلا، اتفقنا، أو يقول: لي الخيار وليس لك، اتفقنا، والمؤمنون عند شروطهم، فإن كان الخيار لأحدهما فلا بأس.
والخيار يكون في عقد البيع، ولا يكون في الرهن، ولا في القرض، ولا في المساقاة، ومعنى المساقاة: رجل أعطى رجلاً زرعه ليسقيه له مقابل جزء من الزرع؛ هذه هي المساقاة، ولا خيار فيها، كذلك لا خيار في القرض.
مثال ذلك: أعطيتك مبلغاً من المال قرضاً على أن تعطيني رهناً مقابل هذا القرض، فأحدهما يلزمه أن يقدم الرهن، والآخر الذي أقرض الرهن عنده، فهنا يمكن أن يتنازل بمحض إرادته عن الرهن، فالخيار لا يكون إلا في عقد البيع.
قال: (فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع؛ فقد وجب البيع).
مثال ذلك: ذهبت لشراء مسجل، واشتريته بخمسين جنيهاً، ودفعت المبلغ، واتفقنا على الثمن، وعاينت السلعة معاينة نافية للجهالة، وقلبتها يميناً ويساراً، وضعت فيه شريطاً، وجربت الشريط تقديماًً وتأخيراً، فاتفقنا وأخذت المسجل وتفرقنا؛ فأصبح البيع ملزماً لي وله، وبعد ساعتين لم يعجبني المسجل، فأردت أن أرده، فهل لي حق في هذه الحالة؟
الجواب
لا، إلا إذا اشترطت.
كذلك السمن وأمثاله مما قد يكون مغشوشاً، فلو قلت أثناء الشراء: أنا بالخيار، فإن كان السمن جيداً لا فساد فيه لن أرجعه، وإن كان فيه فساد أرجعته لك، فالأصل في السلع المغلقة الخيار أثناء الشراء.
كذلك البطيخ بالخيار، فعندما تشتري بطيخة قل له: أنا بالخيار بعد أربع ساعات، إن وجدتها بيضاء فهي لك وتعطيني مالي، وإن كانت حمراء فهي لي.
وعلى ذلك إذا فتحتها فوجدتها بيضاء يحق لك أن تعيدها إلى البائع وتأخذ نقودك؛ لأنك قد اشترطت عليه بالخيار.
إذاً: الخيار يحل مشاكل عديدة، وإن لم تشترط الخيار فقد نفذ البيع وتم، ولا حق لك في أن ترد السلعة إلا إذا أقالك، والإقالة: أن يقبل البائع أن يرد السلعة.
قال: [والتفرق يكون بالأبدان، فإن ابن عمر كان يمشي خطوات حتى يلزمه البيع إذا أراد لزومه، ولا خلاف في لزومه بعد التفرق، والمرجع فيه إلى عرف الناس وعاداتهم].
طالما أن الشرع لم يضع حداً للتفرق فالعرف يحكم، مثال ذلك: كنت في هذه المكتبة، فأخذت كتاباً ثم انطلقت به بعد أن عاينت ودفعت السعر إلى البائع، فهنا تفرقنا، فإن كنت ما زلت أتنقل بين المكتبات القريبة من المكتبة التي اشتريت منها الكتاب ففي هذه الحالة لم نتفرق بعد، والعرف هو الذي يحكم، كما أن التفرق في الطائرة يختلف عن التفرق في الأسواق؛ لأن العرف هو الذي يحكم.
ولذلك يقول: [ولا خلاف في لزومه بعد التفرق]، يعني: بعد التفرق يلزم البيع البائع والمشتري، إلا أن يكون البائع قد تفرق لحيلة، كأن يكون باعك السلعة وقبض الثمن، وقبل أن تشترط عليه قال: أستأذنك لحظات سأذهب ثم آتي، وتفرق عنك وأنت ما زلت في المحل؛ لينفي شرط الخيار، ففي هذه الحالة يعامله الشرع بضد مقصوده؛ لأنه أراد أن يحرم المشتري من شرط الخيار بسرعة التفرق، وهذه حيلة غير مشروعة، وهنا يعامل بضد مقصوده.
قال: [لأن الشارع علق عليه حكماً ولم يبينه؛ فدل على أنه أبقاه على ما يعرفه الناس كالقبض والإحراز، فالتفرق العرفي هو التفرق بالأبدان، كذلك فسره ابن عمر، وتفسيره أولى؛ لأنه راوي الحديث]، إذاً: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما.(59/3)
أحكام خيار الشرط
قال المؤلف رحمه الله: [إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة؛ فيكونان على شرطهما وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه].
من أنواع الخيار: خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار العيب -الغبن- وخيار التدليس، وخيار في بيع بتخيير الثمن، وخيار لاختلاف المتبايعين.
قال: [إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة؛ فيكونان على شرطهما وإن طالت المدة، إلا أن يقطعاه؛ لأنه حق].
ما معنى: إلا أن يقطعاه؟ اشتريت منك سلعة بالخيار لمدة شهر، وفي يوم عشرين جئت وقلت لك: أنا لا أريد السلعة، فما زالت في مدة الخيار، ولي الحق في قطع هذا البيع، كذلك قبل أن ينقضي الشهر قلت لك: أعطني شهراً آخر، هل يجوز ذلك أم لا؟ يجوز ذلك مادام في مدة الخيار عند جمهور العلماء.
أما لو جئت بعد مضي الشهر بيوم وقلت لك: لا أريد السلعة فهذا لا يجوز؛ لأن مدة الخيار نفذت وانتهت، والمؤمنون عند شروطهم، هذا هو معناه؛ لذلك قال: [إلا أن يقطعاه]، ومدة الخيار لا بد أن تكون مدة معلومة، مثال ذلك: بعتك مسجلاً وقلت لك: لي بالخيار إلى أن يعود ابني من السعودية، متى سيعود؟ ربما يعود هذا العام، أو العام القادم، وربما بعد عشر سنوات، فهذه مدة غير معلومة، فالخيار فيها لا يتم؛ لأنه لا بد أن تكون المدة معلومة؛ ولذلك اختلف العلماء.
مثال آخر: بعتك هذه السلعة إلى حصاد زرعي.
قال بعض العلماء: المدة معلومة، وقال بعضهم: مجهولة؛ لأن حصاد الزرع إما أن يتم في زمن معين لا يؤخر عنه، وإما أن تأتيه ريح فتعصف به فلا يكون معلوماً.
قال المؤلف رحمه الله: [لأنه حق يعتمد الشرط؛ فجاز ذلك فيه كالأجل، ولا يجوز مجهولاً؛ لأنها مدة ملحقة بالعقد، فلم يصح مجهولاً كالتأجيل، وهل يفسد به العقد؟].
يعني: باع بالخيار لمدة مجهولة، هل يفسد العقد أو لا يفسد؟ قال: [على روايتين: إحداهما: لا يفسد؛ لحديث بريدة.
والثانية: يفسد؛ لأنه عقد قارنه شرط فأفسده أشبه نكاح الشغار، وعنه يصح مجهولاً؛ لقوله عليه السلام: (المؤمنون على شروطهم)، رواه الترمذي وقال: حديث صحيح، فعلى هذا إذا كان الخيار مطلقاً مثل أن يقول: لك الخيار متى شئت، أو إلى الأبد؛ فهما على خيارهما أبداً أو يقطعاه، وإن قال: إلى أن يقوم زيد، أو ينزل المطر؛ ثبت الخيار إلى زمن اشتراطه، أو يقطعاه قبله]، والراجح: عند عدم تحديد المدة في الخيار البيع صحيح، لكن لا بد من تحديد المدة وعليه إثم عدم التحديد.
مثال ذلك: تقول: بعتك هذه السلعة ولك الخيار إلى أن ينزل المطر، متى ينزل المطر؟ الله أعلم، فإن قبل البائع هذا الشرط وقبل المشتري؛ فالمؤمنون عند شروطهم، فهذا شرط لكنه مجهول، وهذا محرم لأنه مجهول، والبيع بالخيار مشروع، لكن لابد أن يحدد أجلاً، فالقول الراجح: أن البيع صحيح لا شك في ذلك، لكن عليه إثم عدم تحديد المدة.(59/4)
أحكام خيار العيب
قال المؤلف رحمه الله: [وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه؛ فله رده أو أخذ أرش العيب].
وأرش العيب هو الفرق.
مثال: اشتريت مسجلاً بخمسين جنيهاً، ولا خيار لي في الرد، فوجدت فيه عيباً بعد أن اشتريت، فعدت إلى البائع وقلت له: المسجل معيب، حتى لو لم يكن هناك خيار.
فقال البائع: لك أحد أمرين: الرد وتأخذ الثمن، أو تأخذ الفرق بين السليم والمعيب أو المضروب، وهو أرش العيب.
قال: [والعيب كالمرض أو ذهاب جارحة أو سن، وفي الرقيق: من فعله كالزنا والسرقة والإباق].
والآبق هو: غير المطيع لسيده، وهذا يعد عيباً.
روى الذهبي في الكبائر: أن رجلاً خرج بعبده إلى السوق يقول: من يشتري هذا العبد إلا أنه نمام، فقال أحمق: النميمة ليست بعيب، أنا آخذه، فأخذه على عيبه، فجاء العبد إلى زوجة سيده وقال لها: سيدي يريد أن يتزوج عليكِ، فإن أردت ألا يفعل فائتيني بشعرة من لحيته، وسأفعل له أمراً لا أجعله يتزوج، وجاء لسيده وقال: سيدتي تريد أن تقتلك وأنت نائم، وإن أردت أن تعرف صدقي من كذبي فلا تنم الليلة وتبين من صدق كلامي، فدخل سيده إلى فراشه وهو يتناوم، فجاءت الزوجة وانكبت عليه تريد أخذ شعرة من شعرات لحيته بموس، فنظر الرجل إليها، فوجدها تهوي عليه، فطعنها فقتلها، فاجتمعت قبيلتها عليه فقتلوه؛ فقامت الحرب بين القبيلتين بفعل هذا النمام.
قال: [وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه؛ فله رده أو أخذ أرش العيب، فمن اشترى معيباً لم يعلمه؛ فله الخيار]، طالما أنه معيب لم أعلمه، لي الخيار سواء اشترطت الخيار أو لم أشترط.
قال: [فله الخيار بين الرد وأخذ الثمن؛ لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم، ولم يسلم له؛ فثبت له الرجوع في الثمن: كما في المصراة]، والمصرَّاة: أن يحبس اللبن في ضرع البهيمة أياماً حتى تنتفخ، ويذهبون بها إلى السوق حتى تباع بمبلغ مرتفع، ففي هذه الحالة له أن يردها، وإن حلبها يردها ويعطي البائع صاعاً من تمر.
قال: [كما في المصراة، وبين الإمساك وأخذ الأرش؛ لأن الجزء الفائت بالعيب يقابله جزء من الثمن، فإذا لم يسلم له؛ كان له ما يقابله كما لو تلف في يده.
ومعنى الأرش: أن ينظر ما بين قيمته سليماً ومعيباً؛ فيأخذ قدره من الثمن، فإذا نقصه العيب عشر قيمته فأرشه عشر ثمنه؛ لأن ذلك هو المقابل للجزء الفائت.
مثاله: أن يكون قد اشترى منه سلعة بخمسة عشر، فيظهر فيها عيب، فتقوم صحيحة بعشرة ومعيبة بتسعة؛ فقد نقصها العيب عشر قيمتها، فيرجع المشتري على البائع بعشر الثمن دينار ونصف، وحكمة ذلك: أن المبيع مضمون على المشتري بالثمن، ففوات جزء من المبيع يسقط عنه ضمان ما قابله من الثمن أيضاً]، والمعنى: أن المشتري دفع الثمن مقابل الانتفاع بسلعة سليمة، والعيب يفوت عليه ذلك، فلا بد أن يعوض بقدر هذا العيب، هذا يسمى عند العلماء أرش العيب.
قال: [وما كسبه المبيع -يعني المشتري- أو حدث فيه نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له].
هب أنني اشتريت عبداً، وانتفعت به لمدة شهر، وبعد الشهر تبين لي أنه نمام، ولم يبين لي البائع هذا العيب، إذاً: إما أن أنتفع به وإما أن يحدث فيه نماء، كأن أشتري مثلاً شاة أنثى وهي حامل في شهرها الأول بألف جنيه، وبعد أن وضعت اكتشفت أنها جرباء، وكان قد دلس علي البائع وأوهمني أنها سليمة، فحدث نماء بوجود أم ابنها معها.
فما حكم هذا النماء في السلعة: هل هو من حق المشتري أم من حق البائع؟ قال: [وما كسبه المبيع أو حدث فيه نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له؛ لما روت عائشة: (أن رجلاً ابتاع -اشترى- غلاماً، فاستعمله ما شاء الله، ثم وجد به عيباً فرده، فقال: يا رسول الله! إنه استعمل غلامي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخراج بالضمان)، رواه أبو داود]، والمعنى: أنك تضمن سلامة العبد من العيوب؛ لأنك لم توضح له العيب.
قال: [وعنه -يعني: رواية أخرى عن أحمد - ليس له رده دون نمائه؛ لأنه تبع له أشبه النماء المتصل كالسمن واللبن، والتعلم والحمل، والثمرة قبل الظهور؛ فإنه إذا أراد الرد رده بزيادته إجماعاً؛ لأنها لا تنفرد عن الأصل في الملك، فلم يجز رده دونها].
وهو الصحيح: أنه يرد مع النماء، وإذا أنفق عليها شيئاً يأخذ ما أنفقه.(59/5)
حكم تلف السلعة المعيبة
قال المؤلف رحمه الله: [وإن تلفت السلعة، أو أعتق العبد، أو تعذر رده؛ فله أرش العيب، أما إذا أعتق العبد ثم ظهر على عيب قديم؛ فله الأرش بغير خلاف نعلمه، وإن تلف المبيع، أو تعذر الرد، وكذا إن باعه أو وهبه وهو غير عالم بعيبه نص عليه؛ لأن البائع لم يوفه ما أوجبه له العقد، فكان له الرجوع عليه كما لو أعتقه، وإن فعل ذلك مع علمه بالعيب فلا أرش له؛ لرضاه به معيباً، حيث تصرف فيه مع علمه بعيبه؛ ذكره القاضي].(59/6)
النهي عن تصرية الإبل
قال المؤلف رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل) الحديث.
التصرية في اللغة: الجمع]، يعني: لا تصروا الإبل، وهذا نهي عن المصراة؛ ولذلك قال: (من غشنا فليس منا،) متفق عليه.
قال: [فمن اشترى مصراة وهو لا يعلم فهو بالخيار، إما أن يقبلها، وبين أن يردها وصاعاً من تمر] فهذا حكم فقهي مهم.
مثال ذلك: اشتريت مصرَّاة دون أن أعلم العيب، وبعد أن اشتريت تبين لي العيب، فما حكم هذا البيع؟
الجواب
أنا بالخيار: إما أن أردها إلى صاحبها مع صاع من تمر، وليس صاعاً من أرز، وقياس الأحناف على أن زكاة الفطر تجوز نقداً، وهذا قياس فاسد، قاسوه على المصرَّاة، أنه يرد المصرَّاة ومعها صاع من تمر؛ مقابل اللبن الذي أخذه منها عندما كانت السلعة عنده.
قال: [وهو قول جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن اشتراها فإنه بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)؛ ولأن هذا تدليس بما يختلف الثمن باختلافه؛ فوجب منه الرد، كما لو كانت شمطاء فسود شعرها].
مثال ذلك ذهب رجل ليتزوج امرأة شمطاء -أي: لون شعرها أبيض- ولها من العمر ستون سنة، فصبغ شعرها بالسواد فذهب إلى البيت ليكشف عنها، فوجد أنها عجوز، ليست هي التي رأى، وهذا معنى قوله: شمطاء فسود شعرها، يعني: غير في ملامحها.
كذلك إذا كان عندها عيب في العين كأن تكون بلا عين، فصنعوا لها عيناً صناعية، فلما كشف العريس عنها في البيت وجد أنها بلا عين، فهنا له حق في الرد.
هذه أمور مهمة.
صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تجنبوا السواد)، لكن نحن هنا نبين الأمر المشروع في البيع والشراء، فلو كان معي أمة أريد بيعها، وقد صبغت شعرها باللون الأصفر؛ فهنا لا بد أن أقول للمشتري: ليس هذا اللون لون شعرها الحقيقي، حتى لا يتفاجأ عندما يراها في البيت على حقيقته.
قال صلى الله عليه وسلم: (فإن بينا بورك لهما في بيعهما)، وهذا هو الأصل: لا بد من التبيين عند التعامل، والله تعالى أعلم.
قال: [فإذا ردها رد بدل اللبن صاعاً من تمر كما جاء في الحديث، وفي لفظ: (ردها ورد صاعاً من تمر لا سمراء) يعني: لا يرد قمحاً] أي: لا بد أن يكون الصاع من تمر.
قال: [فإن علم بتصريتها قبل حلبها ردها ولا شيء معها].
يعني: قبل أن يحلب علم أنها مصراة ردها دون شيء فلا يستعيض بصاع التمر إلا إذا حلبها مقابل الانتفاع بالمصراة هذه المدة.
قال: [ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من اشترى غنماً مصرَّاة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر)، رواه البخاري، وهذا لم يأخذ بها لبناً؛ فلا يلزمه رد شيء.
قال ابن عبد البر: هذا ما لا اختلاف فيه].
قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك كل مدلس لا يعلم بتدليسه له رده، كجارية حمر وجهها، أو سود شعرها، أو جعده، أو رحى ضم الماء وأرسله عليها عند عرضها على المشتري؛ لأنه تدليس بما يختلف به الثمن، فأثبت الخيار في الرد كالتصرية].
مثال ذلك: كأن تكون هناك سيارة منتهية أدخلها الفرن ولمَّعها، ومن الداخل مشوهة، فهذا فيه تدليس أم لا؟ فلا بد أن أبين العيب للمشتري.
قال: [وكذلك لو وصف المبيع بصفة يزيد بها في ثمنه، فلم يجدها فيه كصناعة في العبد أو كتابة، أو أن الدابة هملاجة -سريعة- أو الفهد صيود أو معلم، أو أن الطير مصوت ونحو هذا؛ فله الرد لذلك].
يعني: اشتريت منك عبداً على أنه يجيد الكتابة، وذهبت فوجدته أمياً لا يعرف الكتابة ولا القراءة، هذا عيب أم لا؟ أو اشتريت سيارة على أنها (3) سلندر أو (5) سلندر، واتفقت مع البائع على ذلك، فذهبت فوجدتها (8) سلندر، فهل لي حق الرد أم لا؟
الجواب
نعم.
طالما أنه لم يظهر لي عيب السلعة.
قال المؤلف رحمه الله: [ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه؛ رجع عليه بالزيادة، وحظها من الربح إن كان مرابحة، يثبت الخيار في بيع المرابحة].
إن المرابحة والمضاربة والمشاركة أنظمة إسلامية معمول بها في الفقه الإسلامي؛ ولذلك بنك فيصل الإسلامي بنى تعاملاته على المرابحة والمشاركة والمضاربة.
نكتفي بهذا القدر، والله تعالى نسأل أن يتقبل منا ومنكم، وجزاكم الله خيراً!(59/7)
العدة شرح العمدة [60]
من مسائل الخيار أن المتبايعين قد يختلفان، والاختلاف بينهما قد يكون في الثمن، وقد يكون في الصفة، وقد يكون في الشرط أو غير ذلك.
وفي الأحوال التي يقع فيها غرر أو تدليس أو كذب من البائع فللمشتري الرجوع عن البيع إن شاء.(60/1)
تابع باب الخيار(60/2)
من الأحوال التي يجوز فيها للمشتري الرجوع عن البيع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه رجع عليه بالزيادة، وحظها من الربح إن كان مرابحة].
قسم العلماء الخيار إلى سبعة أقسام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما)، والمعنى: أن البيع بالخيار للبائع وللمشتري، أو بالخيار للمشتري، أو بالخيار للبائع، كل هذا يجوز، ومعنى الخيار أن ترد السلعة إن لم يكن لك رغبة فيها وهناك خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الغبن -أي: الظلم- والخيار لاختلاف المتبايعين.
يقول المصنف: (ولو أخبره بثمن المبيع) أنا أبيع لك سلعة، فأحدد لك ثمن السلعة، وأطلب منك ربحاً مقداره جنيهان، هذه هي المرابحة، وهو مشروع.
قال: [ولو أخبره بثمن المبيع].
معناه: البائع أخبر المشتري بثمن السلعة، فزاد عليه، أي: أنه قال له: هذه السلعة أصل ثمنها مائة، وكان أصل ثمنها تسعين فزاد عليه عشرة.
قال: [رجع عليه بالزيادة وحظها من الربح إن كان مرابحة].
قال في الشرح: [يثبت الخيار في بيع المرابحة للمشتري إذا أخبره البائع بزيادة في الثمن كاذباً، كما لو أخبره بأنه كاتب أو صانع، فاشتراه بثمن كثير وبان بخلافه، فثبت للمشتري الخيار بين الرد والإمساك مع الحظ نص عليه؛ لأنه لا يأمن الخيانة في الثمن أيضاً، ولابد من معرفة المشتري رأس المال؛ لأن العلم بالثمن شرط، ولا يحصل إلا بمعرفة رأس المال، والمرابحة: أن يخبر برأس المال، ثم يبيعه بربح معلوم، فيقول: رأس مالي مائة.
بعتك بها وربح عشرة، فهو جائز غير مكروه؛ لأن الثمن معلوم، ثم إذا بان ببينة أو إقرار أن رأس المال تسعون فالبيع صحيح؛ لأنه زيادة في الثمن، فلم يمنع صحة البيع كالمعيب، وللمشتري أن يرجع على البائع بما زاد -وهو عشرة- وحظها من الربح -وهو درهم- فيبقى على المشتري تسعة وتسعون درهماً].
المشتري اشترى سلعة ببيع المرابحة من البائع، واشترط عليه أن يربح فيها عشرة، وله الخيار إن تبين أن سعرها أقل من مائة فله أن يردها، فذهب المشتري إلى بيته، فوجد ببينة أو بإقرار أن البائع زاد عليه في رأس مالها فهو بالخيار إما أن يرد السلعة ويأخذ الثمن، وإما أن يمسك السلعة ويأخذ الفرق مع حظه من الربح، نضرب مثلاً: السلعة ثمنها مائة، اشترى منه سلعة بمائة وعشرة مرابحة، ثم تبين له ببينة أو إقرار، أن السلعة ثمنها تسعون، إذاً: زاد عليه عشرة، فعلى ذلك يدفع المشتري تسعة وتسعين، فيكون الفرق إحدى عشر: العشرة الزيادة، والواحد فرق الربح.
إذاً: له أن يعود عليه بالزيادة مع فرق الربح.
إذاً: المشتري بالخيار إما أن يرد السلعة ويحصل على الثمن كاملاً؛ لأنه أثبت ببينة وإقرار أن البائع قد زاد عليه في ثمنها، أو أن يمسك السلعة مع أن يرد الفرق مع حظه من الربح.
يقول: [وإن بان أنه غلط على نفسه].
يعني: البائع قال: أصلها تسعون وربحها عشرة، فباعها من المشتري بمائة، ثم تبين للبائع غلطه فقال: أصلها مائة.
قال: [خير المشتري بين رده وإعطائه ما غلط له، فإذا قال في المرابحة: رأس مالي فيها مائة والربح عشرة ثم عاد، فقال: غلطت.
رأس مالي فيه مائة وعشرة لم يقبل قوله في الغلط إلا ببينة تشهد أن رأس ماله عليه ما قاله.
ذكره ابن المنذر].
والمعنى: أن البائع إذا غلط في السعر لا يقبل قوله إلا ببينة تبين أنه أخطأ، وفيه ثلاث روايات للإمام أحمد أحدها مذهب الشافعي.
قال: [وعنه رواية ثالثة: أنه لا يقبل قول البائع وإن أقام بينة حتى يصدقه المشتري، وهو قول الشافعي رحمه الله].
الرأي الأول: أن يقبل قول البائع وله الخيار، الرأي الثاني: أن يقبل قول البائع ببينة ويمين، القول الثالث: أن يقبل قول البائع ببينة مع تصديق المشتري، فالمشتري يقول: حتى لو حلفت أو بينت أنا لن أصدق، وهذا قول الشافعي أنه لا اختيار للبائع في الرد؛ لأن الغلط يلتزم به هو ولا ذنب للمشتري، وهذا الراجح من أقواله، وإلا ستنقلب البيوع إلى فوضى، كلما أخطأ يقول: أخطأت والله أخطأت، فلابد من بينة، ولابد أن يقبل المشتري قول البائع في هذا.
قال: [وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده وإمساكه].
يعني: اشتريت منك سلعة على أنك اشتريتها نقداً، وشراء النقد معلوم أنه أقل، فقلت لي: هذه السلعة سأبيعها لك، لكنني أخبرك أنني اشتريتها بالأجل، ومعنى شرائها بالأجل أن سعرها أعلى، إذاً: باعها على أنه اشتراها مؤجلة، ثم بعد أن اشتراها المشتري منه بهذا الوصف وهذا التبيين تبين له أنه اشتراها نقداً، إذاً: اشترى مؤجلاً وباع له نقداً.
إن فقه البيوع أمانة: (فإن بينا بورك لهما في بيعهما)، فلو أنني اشتريت سلعة من أخ لي، وهو عنده لي مائة جنيه منذ سنتين كلما أقول له: أعطني المائة جنيه يقول: بعد أسبوع بعد أسبوع، فوجدت عنده مسجلة(60/3)
أحكام في اختلاف البيعين
قال المؤلف رحمه الله: [وإن اختلف البيعان].
مثال ذلك: اشتريت منك خروفاً بشرط أنه بالخيار، وأنت قد اشتريت هذا الخروف مؤجلاً وقلت: إنك اشتريته نقداً فزاد ثمنه، فأخذت منك الخروف وذبحته، وبعد أن ذبحت وأكلت تبين لي أن صاحب الخروف اشتراه مؤجلاً ولم يشتره نقداً، والسلعة قد تلفت، فنعود على البائع بقيمة المثل، يعني: هذا الخروف مثله نقداً بكذا ونقول للمشتري: أنت بالخيار، إما أن البائع يرد القيمة، وإما أن نقيم هذا الخروف بثمنه نقداً، والبائع يرد الفرق للمشتري.
مثال آخر: أنا آخذ سلعة من شخص بالخيار، فقال لي هذا الشخص: أنا اشتريت هذه السلعة بالأجل -الذي يبيعها هو الذي اشتراها بالأجل فسعرها ارتفع عنده- فعاملني بهذا السعر المرتفع، وتبين لي بعد أن اشتريت أنه كذب علي وأنه قد حصل عليها نقداً، وأصبح السعر علي مرتفعاً، إذاً: طالما أنني اشتريت منه بالخيار فلي أن أقول: أنت الآن كذبت علي، قلت لي: أنك حصلت على السلعة مؤجلة، وأنت حصلت عليها نقداً، فأنا بالخيار: إما أن أرد السلعة وتعطيني مالي، وإما أن أحصل على الفرق.
قال: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا].
أي: تحالف البائع والمشتري، وقد يعترض معترض ممن عنده فقه فيقول: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، فهو الآن يلزم البائع والمشتري بالحلف وقد اختلفا في الثمن.
قال البائع: بعتك بمائة، وقال المشتري: لا، بعتني بثمانين، فبما أن البيع بالخيار فالقول قول البائع إلا أن يأتي المشتري ببينة، والمذهب فيه رأيان: الرأي الأول: أن يتحالفا، ومعناه: أن كليهما يحلف، والذي يبدأ بالحلف البائع؛ لأنه تنازل عن الملكية؛ ولأنه الغارم في تنازله عن الملكية، فيحلف البائع أولاً ويقول: والله ما بعتك بثمانين -يقدم النفي على الإثبات- والله بعتك بمائة.
ثانياً: يحلف المشتري ويقول: والله ما اشتريت منك بمائة -يقدم النفي على الإثبات- والله إني اشتريت منك بثمانين، وهكذا تحالف البائع والمشتري؛ لأن كليهما مدع ومنكر، فالبائع يدعي أنه باع بمائة، ومنكر أنه باع بثمانين، والمشتري أيضاً يدعي أنه اشترى بثمانين وينكر أنه اشترى بمائة، والبيع بالخيار، أي: أن البائع والمشتري اشترطا قبل أن يتفرقا أن البيع بالخيار.
قال: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا ولكل واحد منهما الفسخ].
بعد الحلف نقول للبائع وللمشتري الآن لكما الفسخ، فإن تراضيا وقع البيع، وإن لم يتراضيا فسخ البيع وعادت السلعة إلى البائع والثمن إلى المشتري.
عند اختلاف البائع والمشتري يصبح القول قول البائع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا اختلف المتبايعان وليس بينهما بينة والمبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع)، إذاً: القول الأول في المذهب: أنه إن لم يكن عند المشتري بينة فالقول قول البائع، وإن كان عنده بينة فإنهما يتحالفان، وإن تحالفا ترد السلعة إلى البائع على أن القول قوله.
قال: [فإذا تحالفا لم ينفسخ العقد بنفس التحالف؛ لأنه عقد وقع صحيحاً، فتنازعهما وتعارضهما في الحجة لا يوجب الفسخ، كما لو أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه، لكن يقال للمشتري: أترضى بما قال البائع؟ فإن رضيه أجبر البائع على قبول ذلك؛ لأنه حصل له ما ادعاه].
كأن يقال: أترضى أيها المشتري بما قال البائع؟ فإن رضي فلا اختيار للبائع؛ لأنه حصل ما ادعاه، وأجبر على القبول.
قال: [وإن لم يرضيا فسخ العقد].
وظاهر كلام أحمد: أن لكل واحد منهما الفسخ؛ لقوله عليه السلام: (أو يترادان البيع)، وهذا الاختلاف يسمى عند العلماء بالخيار لاختلاف المتبايعين، وهو القسم السابع من أنواع الخيار.
ذكره العلامة ابن عثيمين في كتاب الممتع على شرح زاد المستقنع، وهذا الاختلاف قد يكون في قدر الثمن، وقد يكون في الصفة وقد يكون في الشرط أو غيره.
قال: [وإن كانت السلعة تالفة تحالفا ورجعا إلى قيمة مثلها كما لو كانت باقية، وعنه -يعني: رواية أخرى عن أحمد - القول قول المشتري مع يمينه، اختارها أبو بكر؛ لقوله عليه السلام: (إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة تحالفا)، فمفهومه: أنه لا يشرع التحالف عند عدمها؛ ولأنهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشتري واختلفا في عدة زائدة يدعيها البائع والمشتري ينكرها، والقول قول المنكر].
وهذه قاعدة: القول قول المنكر.
ثم قال: [وتركنا هذا القياس حال قيام السلعة للحديث، ففيما عداه تبقى على مقتضى القياس، ووجه الأولى: أن كل واحد منهما مدع ومنكر، فتشرع اليمين كحال قيام السلعة].
خلاصة القول في معنى الخيار: أن لكل طرف أن يختار؛ إما أن يمضي العقد، وإما أن يفسخه، طالما أنه اشترى بالخيار فإنه يجوز له أن يرد السلعة في مدة الخيار دون عيب فيها، والخيار سبعة أنواع كما ذكرنا وهي: خيار المجلس، وخيار التدليس، وخيار الغبن، وخيار الشرط، وخيار العيب، وخيار في البيع بتخيير الثمن، وخيار لاختلاف المتبايعين.(60/4)
الأسئلة(60/5)
احترام العلماء وعدم سبهم والتعرض لأخطائهم
السؤال
ما هو الرأي البليغ في جماعة التبليغ؟
الجواب
نحن عاهدنا الله سبحانه وتعالى هنا ألا نجرح أحداً، والإخوة من جماعة التبليغ على خير إن شاء الله، وهم يحضرون مجالس العلم، اتصل بي أخ في الأسبوع الماضي.
يقول: أنت عرضت بالشيخ أسامة القوصي في محاضرتك.
قلت: الجميع حضر.
هل أنا ذكرت الشيخ أسامة بالاسم هنا؟ وهل أنا أذكر الذين يسبون العلماء؟ إن هذا الذي استنبط وذهب وحلل وقيم وادعى هو رجل مفتر، فلا داعي أبداً للوقيعة بين الناس بهذا الكلام حفظكم الله تبارك وتعالى، فالأمة مجروحة، وليست بحاجة إلى طالب علم يجلس هنا وينقل كلاماً من هنا، وكل عمله الوقيعة بين العلماء، فهذا التصرف لا يليق، إذا أردنا أن نبين الحق فنبينه دون تجريح، هذا منهج النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن حينما نقول: لا يسب العلماء إلا أهل النفاق والله ما أخطأنا؛ لأن الذين يسبون العلماء ويعرضون بهم وينهشون في أجسادهم هم أهل النفاق لا شك في هذا، فالشيخ أسامة عالم لا شك في هذا، وكذلك الشيخ حسان عالم وأخ فاضل عزيز، والشيخ أبو إسحاق رجل فاضل عزيز، لكنهم يريدون منا أن نتبعهم ولا تبعية لأحد؛ لأن القرآن والسنة بفهم السلف الصالح فإن أخطأ أحدهم نقول: الصواب كذا دون أن نجرح، هذا هو المنهج الصحيح، وأمامنا مائة سنة حتى نتعلم هذا الأدب، ولقد ذكرنا في جمعة الأسبوع الماضي آداب طلب العلم وحلية طالب العلم، وأنه ينبغي أن نتعلمها، وأن خلاف الأقران يطوى ولا يروى؛ لأن الأقران دائماً من عادتهم الحسد إلا من رحم الله، يقول هذا الشيخ: فلان يحضر لدروسه مائة وعشرون ألفاً، ولماذا أنا لا يحضر لي إلا خمسمائة؟ فتبدأ الوساوس في قلبه؛ لأن النفوس جبلت على هذا.
عموماً كفوا الألسنة عن الخلاف بين العلماء فكلهم مجتهدون إن شاء الله تعالى، وكلهم إن شاء الله عز وجل على طريق نجاة.
فاتقوا الله في أنفسكم.(60/6)
حكم تأجير شقة تمليك قبل تسديد باقي الأقساط
السؤال
اشترى رجل شقة تمليك بالأجل، وأراد أن يؤجرها قبل أن يسدد باقي الأقساط، فهل يجوز ذلك؟
الجواب
نعم، يجوز؛ لأنه انتقلت الملكية له بمجرد الاتفاق، أما الأقساط الواجبة عليه فهي في الذمة، ولكن له أن ينتفع بالسلعة؛ لأن البيع قد تحقق بالفعل.(60/7)
المسلمون عند شروطهم
السؤال
إذا كان شخص يتفق مع آخر على شيء، ثم يرجع بعد فترة ويعدل عما قال له، وهكذا يغير الاتفاق مع الآخرين، ويقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغيره إذا بدا له رأي آخر، مع العلم بأن هذه صفة ملازمة لهذا الشخص، فأين الوفاء بالعهد؟
الجواب
ضع نصب عينيك أن: (المؤمنون عند شروطهم، ما لم يكن شرطاً يحرم حلالاً أو يحل حراماً) فإذا كنت قد اتفقت معك على الشراء بالخيار فليس هناك مشكلة، وليس له علاقة بالوفاء بالعهد؛ لأنني أشتري بشرط.(60/8)
نصيحة لكل من يعق والديه
السؤال
ماذا تقول لشخص ملتحٍ يصلي وينهر والديه، وامرأة تعمل كل خير لكنها لا تبر بوالديها ولو بالكلمة، أستحلفك بالله أن توجه رسالة إلى الإخوة والأخوات في هذا الشأن؟
الجواب
في الحقيقة هذا انفصام في الشخصية، أبوك وأمك جنتك أو نارك ولا شك في هذا، فطريق الجنة هو البر، وطريق النار هو العقوق؛ ولذلك صلاتك والتزامك وسمتك وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر لا قيمة له إن صاحبه العقوق، ولقد جاء الشكر واضحاً في قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]، فمن لم يشكر لوالديه لم يشكر لله عز وجل، وقد جاء في بعض الآثار: (يفعل العاق ما يفعل فلن يدخل الجنة) هذا للتهويل من أمر العقوق، كذلك يقول قائل: (ويفعل البار ما يفعل فلن يدخل النار) وهذا خطأ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى البردين دخل الجنة) فهذا القول المأثور على سبيل الزجر والوعيد، وليس على سبيل الحرفية في النص.
عموماً أيها الإخوة الكرام! رب العالمين قد نهانا عن التأفف: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:23]، نهى عن الأدنى فمن باب أولى نهى عن الأعلى، وهذا يسمى عند العلماء قياس الأولى، ولا يمكن أن يقول قائل: أنا لن أقول لأبي: أف، وإنما سأضربه؛ لأن الله نهاني عن قولي له: أف ولم ينهني عن الضرب.
أقول له: يا عبد الله! أدنى الأمور أن تقول لهما: أف، فالله عز وجل نهاك عنها، فلابد أن تنتهي، بل الأبوان المشركان أمر الله بمصاحبتهما بالمعروف، قال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15]، واستأذنت أسماء أن تبر أمها الكافرة فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم، والأم أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بصحبتها ثلاث مرات، لكن الواحد يتزوج ويقدم أمر زوجته على أمر أمه، وإن جاء بفاكهة يتلصص من أمه ويحرمها.
حتى رأينا العجب؛ أستاذ في الجامعة رباه أبوه أحسن تربية، حتى دخل الابن الجامعة، وكان أبوه فلاحاً وجاء مرة ليزوره، فقيل له: رجل بالخارج يقول: إنه أبوك، فنظر إليه فقال: هذا ليس بأبي! تبرأ من أبيه، فماذا نقول لهذا الابن؟! والله إنه ملعون؛ لأنه ينفي نسبه إلى أبيه؛ ولأنه يظن أن الجاه والعز في السمت الخارجي، ومن المؤسف أن هذه الشكاوى تأتي من بعض أمهات الملتزمين والملتزمات، تقول: ابني يصلي الفجر، يقوم الليل، لكنه عاق، فيا عبد الله! قبِّل يدها ليل صباح وقبل رأسها وكن باراً بها، وتلطف لها؛ لأنه بعد الموت ستندم على كل يوم مضى عليك دون أن تكون باراً بأبيك أو أمك.(60/9)
التحرز من اتهام الناس بمذاهب أهل الأهواء وخاصة العلماء
السؤال
لي صديق ملتزم بالإسلام، ولكني قاطعته؛ لأنه على بدعة الإرجاء، وليس على عقيدة أهل السنة والجماعة السلفية في مسائل الإيمان، وهو ليس من طلبة العلم، لكنه وقع في الإرجاء بسبب سماعه لبعض الأشرطة العلمية التي سجلت لأكابر من العلماء الذين زلوا بأقدامهم عن درب أهل السنة في هذه المسألة، فهل أنا آثم، وهل يجب علي أن أعيد صداقتي به؟
الجواب
الحقيقة لابد أن تبين له منهج الإرجاء، فوصف الرجل بالإرجاء ليس بالسهل، ولعله لا يفهم معنى الإرجاء، ويوجد في عصرنا من اتهم الشيخ الألباني بالإرجاء، والشيخ بريء منه والله الذي لا إله غيره، فهؤلاء واهمون مبتدعون لا يعلمون إرجاءً، ولا يعلمون من هو الشيخ الألباني، كما قال الشيخ ابن عثيمين: الذي يرمي الشيخ الألباني بالإرجاء لا يعلم الإرجاء ولا يعلم الشيخ، وهذه هي المصيبة، وهذا هو الذي نقع فيه، فبسبب الخلاف الفقهي السائغ نصادر الرأي الآخر، وهذا مما عمت به البلوى، فترى الشخص يقرأ رأياً فقهياً واحداً ويتحجر له، ويعادي من رأى غير هذا الرأي، ويوالي من كان على رأيه، فيا أخي الفاضل! لابد أن تبين لأخيك معنى الإرجاء، والمرجئة فرقة من الفرق الضالة لا شك، ليس منا أحد يقول: الإيمان قول بغير عمل، فمن لم يكفر تارك الصلاة معه أدلة على عدم كفره، ومن كفره معه أدلة على تكفيره، فليس هذا مرجئي يا عبد الله! فإن ختم الإرجاء وختم الخوارج وختم المكفرين ليس بالسهل، فتراه ممسكاً بالختم قائماً على ختم الناس: مرجئي معتزلي أشعري خارجي وهلم جراً، وهذا من التسرع في الأحكام.
فأقول: لابد أن تبين له الإرجاء ومعناه، ولا تتهم علماء الأمة زوراً وبهتاناً، فمن اتهم الشيخ الألباني بالإرجاء جاهل لا يعرف معنى الإرجاء، ولا يعرف من هو الشيخ الألباني؛ لأن هذا إجحاف في حق الشيخ الألباني؛ لأنه على منهج أهل السنة، فلنتق الله عز وجل في علمائنا، كذلك تكفير الحكام والخروج عليهم من فعل الخوارج، وتكوين الجماعات والحزبيات والبيعة لأمير من فعل المبتدعة، وهذا هو منهج السلف لا أقول غيره إن شاء الله سبحانه وتعالى.(60/10)
حكم العمل في البنوك الربوية وشركات التأمين
السؤال
ما حكم العمل في البنوك الربوية وشركات التأمين؟
الجواب
حرام حرام حرام.(60/11)
حكم إزالة الشعر الذي بين الحاجبين بالفتل أو المقص
السؤال
هل يجوز إزالة شعر الحاجبين بالفتل أو المقص؟
الجواب
الشعر الذي بين الحاجبين ليس من الحاجبين، فحدود الحاجب معروفة عند السامع والمتكلم، فما زاد على ذلك يجوز أن يزال، وبأي وسيلة طالما ليس فيها مخالفة، قال لي قائل: سمعت الشيخ فلان يقول: الفتل حرام ولا دليل على حرمته، فإن كانت المرأة مثلاً عندها شارب فإنها إذا حلقته بالموس سيخرج بدلاً منه شوارب، فطالما أن الوسيلة شرعية فلا مشكلة، وبعض الإخوة منشغلون طبعاً بالفتل والعطور والكالونيا تماماً ويتركون باب الخيار وباب الربا والأمور الضليعة، وهذا مما عمت به البلوى.(60/12)
بيان مفهوم الجهاد
السؤال
ما هو الجهاد في سبيل الله في هذه الأيام، حيث إن القرآن الكريم بين فضل الجهاد وأهميته، وهل الجيش يجب عليه الجهاد؟
الجواب
الجهاد: هو أن تلتزم بعقيدة السلف وأن تجاهد نفسك، والجهاد ليس بالمظاهرات، والعجيب أن بعض الناس يقول: الذي لا يخرج للمظاهرة آثم، فيا له من حكم فقهي من الملتزمين، نسأل الله العافية، ماذا صنعت المظاهرات للأمة وماذا قدمت؟ لا شيء.
كنت جالساً بالأمس أفكر كيف تخرج الأمة من المأزق الذي هي فيه، فقد قتلوا الشيخ أحمد ياسين، ثم قتلوا من بعده الرنتيسي والدور على خالد مشعل، وليس من الغريب على اليهود أن يفعلوا ذلك، فقد قتلوا الأنبياء، وخططوا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وخططوا لقتل عيسى وصلبه: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:87]، فهم قتلة الأنبياء لا شك في هذا، لكن كيف المخرج؟ ضع في ذهنك هذه الصورة: لو أن البلاد الإسلامية كلها كونت جيشاً واحداً هو الجيش الإسلامي، وسوقاً إسلامية واحدة تسمى السوق الإسلامية المشتركة، وكونت عملة واحدة، وألغي الريال والجنيه والدينار وكل العملات، وجميعاً ائتمروا بأمر رئيس واحد فمن الهين عليهم أن يواجهوا هذا العدو، فهذه حلول في غاية الأهمية، وإن كنا نريد حلاً فهذا هو الطريق، أما أن نحل المشكلة عن طريق المظاهرات وبعد أسبوع سيهدأ الدم، وبعد شهر يظهر شهيد آخر وتقوم المظاهرة، ثم شهيد ثالث وتقوم المظاهرة، فهل حررت المظاهرة البلاد؟ فلنفهم أن الأعداء يفهموننا أكثر من أنفسنا، فقد درسوا هذه الشخصية العربية الإسلامية دراسة متأنية؛ وأن الشعوب العربية والإسلامية عندهم عاطفة تحركهم مؤقتاً، حينما يموت منهم شهيد يخرجون بالهتافات، واليوم التالي مباشرة ينام من كان يهتف إلى المغرب! لأنه لا يصلي فجراً ولا يصلي قياماً، المهم أنه فرغ الشحنة، فيا عبد الله! ليس هذا هو الطريق، ما رأينا النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مظاهرة كالتي نقوم بها، ونسأل الله سبحانه وتعالى العافية.(60/13)
العدة شرح العمدة [61]
من أنواع البيوع المشروعة بيع السلم، وصفته أن يسلم المشتري للبائع قيمة سلعة غير متوفرة في السوق على أن يعطيه إياها في أجل محدد، ويشترط في المسلم فيه ضبط صفاته، ووصفه بما لا يختلف به الثمن ظاهراً، وذكر قدره، وأن يكون أجله معلوماً، وأن يكون مقدوراً على تسليمه عند الأجل وغير ذلك من الشروط التي ينبغي توافرها في هذا النوع من البيوع.(61/1)
باب السلم
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: السلم: هو السلف، يسميه العلماء بيع السلم أو بيع السلف، والمعنيان صحيحان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم إلى المدينة وهم يسلفون فقال صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم).
وبيع السلم هو أن أحتاج إلى سلعة معينة غير موجودة الآن، وستوجد بعد فترة زمنية عند فلان، وصاحبها يحتاج إلى ثمنها الآن بسعر سوقها، فأعطيه أنا الأموال ونتفق على السعر والأجل والكيل، على أن يسلمني السلعة في الوقت المحدد بيننا، فأعطيه المال لينتفع به هذه المدة، وأنا آخذ السلعة في الأجل المحدد فيما بعد؛ لذلك سماه العلماء بيع السلف.
ومن الأمثلة على بيع السلم: رجل يحتاج إلى إردب من الأرز؛ لكنه يحتاج إليه بعد ستة أشهر من موسم الأرز ولا يحتاجه الآن، فيأتي إلى تاجر الأرز -الأرز غير موجود الآن، ولو وجد الأرز لا يصح السلم- يقول له: أحتاج إلى إردب أرز قال: متى تحتاج؟ قال: في أول شهر (7) هجرية، قال: سعره كم؟ قال: الإردب سعره ألف جنيه، فأخذ منه الألف، وحدد موعد الاستلام في أول شهر (7) هجرية، ومقداره إردب، إذاً: في كيل معلوم إلى أجل معلوم، ففي الأول من شهر (7) هجرية لا بد أن يسلمني السلعة بمواصفاتها المتفق عليها.
هذا يسمى بيع السلف أو السلم.
والشريعة الإسلامية أباحت هذا البيع لأسباب عديدة: البائع يحتاج إلى المال الآن، والمشتري يكون قد تخلص من المال، فربما لا يوجد المال في حين وجود السلعة، فكلاهما مستفيد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهو نوع من أنواع البيع]، أي: أن بيع السلم هو نوع من أنواع البيوع.
قال: [يصح بألفاظه، وبلفظ السلم والسلف، ويعتبر فيه شروط البيع، ويزيد عليه بشروط]، يعني: السلم لا بد له من شروط.(61/2)
يشترط في المسلم فيه ضبط صفاته
أول شرط: [أن يكون مما يمكن ضبط صفاته التي يختلف الثمن باختلافها ظاهراً كالمكيل أو الموزون أو المذروع أو المعدود].
أول شرط: أن يكون مما يمكن ضبطه بالصفة.
أما الثلاجات والتسجيلات يمكن ضبط صفاتها؛ فيجوز فيها بيع السلم.
فإن قال قائل: هل يجوز بيع السلم في الشقق؟
الجواب
نعم.
يجوز بشروط، إذا أمكن الضبط يجوز السلم، وإذا لم يمكن الضبط لا يجوز السلم.
ومن المواصفات: المكيل: كالبر، البر يعني: القمح.
يكال ويوزن، والغالب عليه هو الكيل.
الموزون: كاللحم والسكر.
المذروع: كالأقمشة والحبال، أي: الذي يقاس بالذراع.
أو المعدود: كالبرتقال أو البطيخ، هل يمكن أن أبيع البرتقال بالسلم؟ أنظر أولاً: هل يمكن الضبط أو لا يمكن الضبط، طلبت عدداً من البرتقال مواصفاتها: البرتقالة لا تقل عن كذا وزنها كذا، من النوع السكري، على أن أستلمها في تاريخ 1/ 8 هجرية، جئت في التاريخ المحدد ولم يكن البرتقال بالمواصفات المطلوبة، إذاً البرتقال لا يمكن ضبطه، والبيض لا يمكن ضبطه؛ لأن البيضة قد تكون فاسدة.
إذاً الشرط الأول لبيع السلم هو: إمكانية الضبط في العقد بالمواصفات، بحيث لا يحدث خلاف بين البائع والمشتري.
قال: [لأنه بيع بصفة، فيشترط للكل إمكان ضبطها؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث)].
يعني: النبي صلى الله عليه وسلم حين قدومه إلى المدينة وجد أنهم يسلفون في الثمار، وبيع السلم عندنا في الأرياف كثير.
قال: [فقال صلى الله عليه وسلم: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم)، فثبت جواز السلم في ذلك بالخبر، وقسنا عليه ما يضبط بالصفة؛ لأنه في معناه، فأما المعدود المختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرؤوس.
ففي الحيوان روايتان:].
بيع السلم في الحيوان فيه روايتان عن الإمام أحمد، أقول: من الصعوبة بمكان أن أضبط الصفة في الحيوان.
ولذلك قال: [إحداهما: لا يصح السلم فيه؛ لما روي عن ابن عمر أنه قال: إن من الربا أبواباً لا تخفى وإن منها السلم في السن.
رواه الجوزجاني؛ ولأن الحيوان يختلف اختلافاً متبايناً فلا يمكن ضبطه، وإن استقصى صفاته التي يختلف فيها الثمن تعذر تسليمه، مثل أزج الحاجبين، أكحل العينين، أقنى الأنف، أشم العرنين، أهدب الأشفار، فأشبه السلم في الحوامل من الحيوان].
يعني: أكتب مثلاً في العقد: بعتك بقرة بالسلم زرقاء العينين أنفها كذا، وأذنها كذا، فإنه لا يمكن الضبط، فطالما أنه لا يمكن الضبط فلا يمكن بيع السلم.
قال: [وعنه -رواية أخرى عن أحمد - صحة السلم فيه وهو ظاهر المذهب؛ لأن أبا رافع قال: (استسلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل بكراً)، رواه مسلم.
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: (أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أبتاع له البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى مجيء الصدقة)؛ ولأنه ثبت في الذمة صداقاً فثبت في السلم كالثياب.
أما حديث ابن عمر فهو محمول على أنهم كانوا يشترطون من ضراب فحل بني فلان، كذلك قال الشعبي: إنما كره ابن مسعود السلم في الحيوان؛ لأنهم اشترطوا لقاح فحل معلوم.
رواه سعيد].
إذاً: هناك روايتان عن الإمام أحمد في بيع السلم في الحيوان، والفصل في الروايتين الضبط.(61/3)
يشترط في المسلم فيه وصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً
قال المؤلف رحمه الله: [الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهراً فيذكر جنسه].
يصف السلعة المشتراة بالسلم، كمن يشتري تسجيلاً بالسلم، والتسجيل غير موجود الآن؛ لأنه يشترط في بيع السلم عدم وجود العين، بل يكون موصوفاً في الذمة، فيصفه المشتري للبائع، فيقول البائع مثلاً: بألف جنيه، قال المشتري: خذ الألف على أن تسلمني إياه في الموعد المحدد.
قال: [الشرط الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن، فيذكر في العقد جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته؛ لأن السلم عوض يثبت في الذمة، فلا بد من كونه معلوماً بالوصف كالثمن؛ ولأن العلم شرط في البيع وطريقه إما الرؤية أو الوصف، والرؤية ممتنعة في المسلم فيه فيتعين الوصف، فيذكر الجنس والنوع والجودة والرداءة، فهذه مجمع عليها، وما سوى ذلك فيه خلاف، وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره؛ لأن العوض لا يختلف باختلافها ولا يضر جهالتها].
إذاً الشرط الثاني في بيع السلم: أن يصفه بما يختلف به الثمن، وكل ما يؤثر في الثمن يكتب في العقد، ويصفه وصفاً دقيقاً، وإن كان وصفاً لا يؤثر في الثمن لا يكتب في العقد، كمن يشتري تسجيلاً مثلاً لونه أحمر أو لونه أسود؛ لأن هذا لا يؤثر في الثمن.
إذاً: الشرط الأول في بيع السلم: أن يكون مما يمكن ضبط صفته، فأي سلعة لا يمكن ضبطها لا يجوز فيه السلم، فالكمبيوتر يجوز فيه السلم إذا أمكن الضبط.(61/4)
يشترط في المسلم فيه ذكر قدر الكيل في المكيل والوزن في الموزون
قال المؤلف رحمه الله: [الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، والوزن في الموزون، والذرع في المذروع].
فالقمح يكال وأحياناً يوزن، والحكم على الشيء يخرج مخرج الغالب.
مثال ذلك: قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ} [الأنعام:151]، فقال رجل: أنا لن أقتل ولدي من إملاق إنما سأقتله من غنى، فهذا قول لا يجوز؛ لأن الكلام خرج مخرج الغالب.
كذلك قال الله تعالى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، فقال رجل: سآكل الربا قطعة قطعة، فنقول: لا يا عبد الله! إن الكلام خرج مخرج الغالب، فقد كان يغلب على فعلهم أنهم كانوا يأكلون الربا أضعافاً، فالتحجر عند النصوص لا يجوز.
فإن قيل: هل هناك فرق بين بيع السلم وبين ما ليس عندي؟
الجواب
الشريعة السمحاء على أن السلعة التي ليست عندك أبيح فيها السلم لتسهيل التعامل، لكن بيع ما ليس عندك أن تبيع ما لا تملك.
قال رحمه الله: [الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، والوزن في الموزون، والذرع في المذروع؛ لحديث ابن عباس في أول الباب؛ ولأنه عوض غير مشاهد ثبت في الذمة، فاشترط معرفة قدره كالثمن، فلو أسلم في المكيل وزناً، أو في الموزون كيلاً، لم يصح].
وهذا القول ليس على إطلاقه؛ لأن ابن تيمية يقول: يجوز بيع السلم إن لم يختلف المكيل عن الموزون، أي: إن اتفقا في الوزن والكيل يجوز؛ ولذلك في الاختيارات الفقهية لـ ابن تيمية: أنه يجوز خلافاً للمذهب.
عموماً قال: [لأنه مبيع اشترط معرفة قدره فلم يجز بغير ما هو مقدر به كالربويات، وعنه: ما يدل على الجواز].
وهذه الرواية الراجحة التي رجحها ابن تيمية.
قال: [ولا بد أن يكون المكيال معلوماً عند العامة].
يعني مثلاً: أبيعك كيلة من القمح بالسلم بعد ستة أشهر بمقدار كذا، ومواصفات القمح كذا، والمكيال الذي اتفقنا عليه معلوم عندي وعندك وهو موجود، لكن مثلاً هذا المكيال لا يوجد في مصر إلا عند بائع واحد فقط، فالمكيال غير معروف عند الناس، ولو فقد هذا المكيال لم يمكن البيع، فلا بد أن يكون المكيال معروفاً عند الناس، ولا نلجأ إلى غيره في حال عدم وجوده.
قال: [ولا بد أن يكون المكيال معلوماً عند العامة، فإن قدره بإناء أو صنجة بعينها غير معلومة لم يصح؛ لأنه قد يهلك فيجهل قدره، وهذا غرر لاحتياج العقد إليه].
إذاً الشرط الثالث: أن يذكر قدره بالكيل في المكيل، وبالوزن في الموزون، بالذرع في المذروع.(61/5)
يشترط في المسلم فيه أجلاً معلوماً له وقع في الثمن
قال: [الشرط الرابع: أن يشترط أجلاً معلوماً له وقع في الثمن كالشهر ونحوه، فإن أسلم حالاً لم يصح؛ لحديث ابن عباس؛ ولأن السلم إنما جاز رخصة للرفق، ولا يحصل الرفق إلا بالأجل، فلا يصح بدونه كالكتابة].
فإن جاءك شخص وقال لك: بعني بالسلم إلى المغرب إن شاء الله لم يصح؛ لأن السلم إنما شرع لأجل الرفق بالبائع والمشتري.
إذاً: الشرط الرابع: أن يشترط أجلاً معلوماً، هذا الأجل له وقع في الثمن، فإن كان بيع السلم لساعتين؛ لأن السلم شرعاً رفقاً بالبائع ورفقاً بالمشتري.
قال: [ولا بد أن يكون الأجل مقدراً بزمن معلوم للخبر، فإن أسلم إلى الحصاد لم يجز].
فلو قلت لك: اشتريت منك قمحاً على أن تعطيني القمح عندما يأتي ولدي من المملكة، فهذا البيع لا يجوز؛ لأنه لا يعلم متى سيأتي ولده، هل بعد سنة أم بعد سنتين، فبيع السلم معلق بأجل غير معلوم أو يقول: إلى أن تلد هذه الشاة فعلقها بأجل مجهول، والله أعلم هل ستلد أم لا؟ إذاً: لا بد أن يكون الأجل معلوماً، وإن قال: إلى الحصاد؟ اختلف العلماء، بعضهم قال: يجوز؛ لأن الحصاد معلوم وقته، وبعضهم قال: قد تأتي على الزرع آفة قبل الحصاد، فإن الحصاد أجل مجهول.(61/6)
يشترط في المسلم فيه القدرة على أن يكون عام الوجود في محله
قال المؤلف رحمه الله: [الشرط الخامس: أن يكون المسلّم فيه عام الوجود في محله، مأمون الانقطاع فيه؛ لأن القدرة على التسليم شرط لا تتحقق إلا بذلك، فإن كان لا يوجد فيه لم يصح لذلك].
إن القدرة على التسليم شرط في المبيع بصفة عامة، وقوله: [أن يكون المسلّم فيه] يعني: السلعة، فلا بد أن تكون السلعة التي أسلفك موجودة، وعامة الوجود، والمكان مأمون في التسليم فيه، فلو قلت: أسلفتك أردبّاً من القمح في رام الله، وهل ستأخذني هناك في الحرب لتسلّمني في رام الله! نسأل الله أن يحررها، فأنت بذلك تجرني للهلاك، إذاً: هذا المكان غير مأمون.
مثال آخر: أسلفتك كيلاً من الأرز بألف جنيه في أول شهر (8) هجرية في عرض البحر المتوسط، فأنا الآن أحدد مكاناً غير مأمون، فلا بد أن أحدد مكاناً مأموناً لأسلمك فيه السلعة.
مثال آخر: أسلفتك في سلعة لا تنتج في مصر أصلاً، فهذا لا يصح؛ لأنه لا بد أن تكون السلعة عامة الوجود، أو مثلاً يسلفني في شهرٍ مخصص في الأرز، والأرز غير موجود في هذا الشهر، إذاً: هذا لا يصح.(61/7)
يشترط في المسلم فيه أن يقبض البائع رأس المال في مجلس العقد
قال: [أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد قبل تفرقهما؛ لقوله عليه السلام: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم)، والإسلاف: التقديم، سمي سلفاً لما فيه من تقديم رأس المال، فإذا تأخر لم يكن سلماً فلم يصح؛ ولأنه يصير بيع دين بدين].
لا يجوز أن يؤخر الثمن؛ لأنه لو اشترى لأجل فإنه شراء دين بدين، كأن يقول: اشتريت منك هذا الثوب لأجل، والثوب غير موجود، إذاً: الثوب غير موجود والثمن غير موجود، فهذا شراء دين بدين، وهذا لا يجوز، وهذا موجود في التعاملات التجارية.(61/8)
يشترط في المسلم فيه أن يكون في الذمة
قال الملف رحمه الله تعالى: [الشرط السابع: أن يسلم في الذمة فإن أسلم في عين لم يصح].
في الذمة يعني: السلعة موصوفة لكنها غير موجودة، فعلى هذا يسلف في الذمة، وهذا أيضاً محل خلاف بين العلماء، قوله: (فإن أسلم في عين)، يعني: رآها بالعين، والسلعة إذا كانت موجودة بالعين لا يجوز السلف فيها، فلا بد أن تكون موصوفة في الذمة.
ولذلك قال: [لم يصح؛ لأنه ربما تلف قبل وجوب تسليمه فلم يصح، كما لو أسلم في مكيال معين غير معلوم القدر؛ ولأنه يمكن بيعه في الحال فلا حاجة إلى السلم فيه].
وهذه النقطة موضوع خلاف بين العلماء.
وهذه الشروط منها ما كان ينطبق قديماً، فالعنب موجود في الصيف، فإذا كنت أسلفتك في العنب في شهر يناير، هل هذا يجوز أم لا يجوز؟
الجواب
وفقاً لهذه الشروط لا يجوز، لكن بتقدم الثلاجات وبسبب التقدم العلمي يمكن ذلك؛ لأن العنب في هذه الحالة يوجد في كل أيام السنة، لكن هذا يتكلم عن وضع قديم قبل التقدم العلمي في حفظ السلع وفي إنتاجها، فهناك سلعة تنتج في الصيف لا يجوز السلم فيها في الشتاء، أما الآن فلا فرق بين الصيف والشتاء في بعض السلع فانتبه.(61/9)
حكم السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة؛ لأن كل بيع جاز في أجل واحد جاز في أجلين وآجال كبيوع الأعيان].
مثال ذلك: السلم في السيارة.
رجل يريد سيارة مواصفاتها معلومة وهي لا تزال غير موجودة بخمسين ألف جنيه، مواصفاتها بالتفصيل: مكينتها بثلاثة آلاف جنيه، فرشها بألفين، زجاجها بخمسمائة، بطاريتها بثلاثمائة، وهكذا أسلف في أجزاء متفرقة، وهذا يجوز؛ لأنه قال: (يجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة)، فالبطارية تستلمها في الشهر الآتي، والمكينة بعدها بشهرين، و (الدركسون) بعدها بثلاثة أشهر، إذاً: أسلفت هنا في أجزاء متفرقة؛ لأن كل سلعة فيها سلم.(61/10)
حكم إسلاف ثمن واحد في شيئين
قال المؤلف رحمه الله: [وإن أسلم ثمناً واحداً في شيئين لم يجز حتى يبيّن ثمن كل جنس].
مثلاً: اشترى بالسلم إردباً من القمح، واشترى بالسلم كيلاً من الذرة، وأسلم مائة جنيه في سلعتين دون تحديد قيمة كل سلعة، فهذا لا يجوز؛ لأنه لا بد أن يذكر ثمن كل سلعة على انفصال.
قال: [مثل: أن يسلم ديناراً في قفيز حنطة وقفيز شعير].
قفيز: وحدة قياس كالكيلو وهكذا.
قال: [ولا يبين ثمن الحنطة من الدينار ولا ثمن الشعير؛ لأن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول؛ فلم يصح كما لو عقد عليه عقداً مفرداً بثمن مجهول؛ ولأن فيه غرراً لا نأمن الفسخ بتعذر أحدهما].(61/11)
حكم الإسلاف في شيء والصرف إلى غيره
قال المؤلف رحمه الله: [ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره].
أي: أسلفتك في البر لا تصرفه إلى الذرة؛ لأنني اتفقت معك على السلعة، فلا تصرفني إلى سلعة أخرى.
قال: [كمن أسلف في حنطة لا يجوز أن يأخذ شعيراً، ومن أسلف في عسل لا يجوز أن يأخذ زيتاً؛ لقوله عليه السلام: (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره) رواه أبو داود].
أي: لا يجوز صرفه إلى غيره إلا إذا وافق صاحب السلعة، وهذه نقطة خلاف، فإذا جئت في الموعد المحدد وأنت أحضرت السلعة بمواصفاتها، فقلت: لا أريد هذه السلعة، بل أريد هذه، فهذا يجوز، لكن المذهب على هذا الرأي.(61/12)
حكم بيع المسلم فيه قبل قبضه وحكم الحوالة به
قال المؤلف رحمه الله: [ولا يصح بيع المسلم فيه قبل قبضه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن ربح ما لم يضمن) رواه الترمذي وقال: صحيح، ولفظه: (لا يحل) ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه، فلم يجز بيعه كالطعام قبل قبضه].
قوله: (لا يصح بيع المسلم قبل قبضه) يعني: السلعة لا تباع قبل قبضها.
قوله: [ولا يجوز الحوالة به].
هناك عقود تسمى: عقود الرهن والحوالة والضمان والكفالة.
والفرق بين الكفالة والضمان يوضحه هذا المثال: أنا أمر في شارع فوجدت رجلين يشتبكان.
قال أحدهما: عليه دين لي منذ سنة ولم يقضني إلى الآن، فقلت له: أنا ضامن له، والضامن غارم كما في سنن أبي داود، ولقد ضمنته إلى أجل كذا، فعلى الدائن أن يطالب بحقه من المدين الأصل ومن الضامن، والضامن لا بد أن يفي، فإن مات المدين الأصلي طولب الضامن بالمبلغ.
وإن قلت له: متى ستسدد الدين أيها المدين؟! قال: الخميس القادم إن شاء الله، فقلت للدائن: أنا كفيله، ومعنى الكفالة: أن يأتي به يوم الخميس ببدنه والمدين يتصرف معه بما شاء، إذاً: الكفالة بالأبدان والضمان بالأموال، فإن مات قبل يوم الخميس البقاء لله؛ لأنني كفيل ولست ضامناً، فالضمان للديون، والكفالة للأبدان، والكفيل يحضر من كفل في اليوم المحدد.
قال: [لا يجوز الحوالة به؛ لأنها إنما تجوز بدين مستقر، والسلم يعرض للفسخ].
الحوالة من عقود الضمان، مثال ذلك: محمد له مبلغ عند إبراهيم مقداره ألف جنيه، ولإبراهيم ألف جنيه عند علي، فإبراهيم مدين ودائن، ولا علاقة بين علي ومحمد إلى الآن.
قال إبراهيم: أنا لي ألف جنيه عند علي، فيحيل محمداً إلى علي ليأخذ الألف منه.
هذه هي الحوالة، وهي لا تجوز في السلم؛ لأن السلم دين غير مستقر، والحوالة لا تجوز إلا بدين مستقر.(61/13)
حكم الإقالة في بيع السلم
قال المؤلف رحمه الله: [وتجوز الإقالة فيه؛ لأنه فسخ، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ].
إن إجماع ابن المنذر فيه كلام، وكذلك تصحيح الحاكم، ووضع ابن الجوزي، فـ ابن الجوزي في الموضوعات يقول: الحديث موضوع وهو في أعلى درجات الصحة أو هو حسن، والحاكم يتساهل في التصحيح، وابن المنذر يتساهل في الإجماع.
قال: [يقول ابن المنذر: أجمع العلماء من أهل العلم على أن الإقالة في جميع ما أسلم فيه جائزة؛ ولأن الإقالة فسخ للعقد ورفع له من أصله فلم يكن بيعاً.
وتجوز الإقالة في بعضها].
يعني: فسخ عقد السلم والإقالة فيه لا بأس، والإقالة معناها: أن أقيلك في السلعة، يعني: أن أرضى أنا وأن ترضى أنت بإنفاذ عقد السلم في جزء وعدم إنفاذه في جزء آخر، أو نفسخ عقد السلم من أصله، مثال ذلك: اشتريت سلعة من عند شخص دون أن يكون لي شرط الخيار في إرجاع السلعة فرأيتها وجربتها، فجئت إلى البائع وقلت له: خذ هذه السلعة لا أريدها، فالبائع لا يلزمه أخذها، لكن يجوز له أن يقيله فضلاً منه فيقول: أقلتك لوجه الله عز وجل، فعقد السلم تجوز فيه الإقالة، يعني: إنهاء العلاقة.
قال: [وتجوز الإقالة في بعضه في إحدى الروايتين؛ لأنها مندوب إليها، وكل معروف جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء والإنظار، وفي الأخرى: لا يجوز].
أي: أن الإقالة في السلم في بعضه تجوز وهذا هو القول الراجح.(61/14)
الأسئلة(61/15)
حكم السلم في الذهب
السؤال
هل يجوز السلم في الذهب؟
الجواب
السلم في الذهب لا يجوز؛ لأنه لا بد من التقابض في مجلس العقد، فلا يجوز بيع الذهب بالقسط؛ لأن هذا ثمن وهذا ثمن.(61/16)
عدة المرأة التي مات عنها زوجها
السؤال
كم عدة المرأة التي مات عنها زوجها قبل أن يدخل بها؟
الجواب
أربعة أشهر وعشرة أيام.(61/17)
حكم شراء حلاوة للمولد
السؤال
هل يجوز شراء حلاوة للمولد؟
الجواب
حلاوة المولد من البدع، والمساعدة في البدعة لا تجوز.(61/18)
حكم تزين المرأة لزوجها
السؤال
هل يجوز لي أن أضع المكياج في وجهي يوم فرحي وأنا منتقبة ولا يراني أحد غير النساء؟
الجواب
يجوز أن تتزين المرأة لزوجها في ليلة عرسها لا شيء في ذلك أبداً.(61/19)
حكم مقابلة المرأة للرجل في مكان مشهور بوجود المنكرات فيه لغرض أن يراها ويخطبها
السؤال
ذهبت مع ابني لرؤية إحدى الفتيات المسلمات في بيت عائلتها من أجل تزويجه بها، ولكنها لم تعجبه، ثم تعرفنا على فتاة أخرى عن طريق ابنة أختي، ولكنه رفض رؤيتها في بيت عائلتها بحجة أنها قد لا تعجبه، وهو لا يريد أن يحرج العائلة، ولذلك ذهب مع ابنة أختي والفتاة وجلسوا في كفتيريا الميرلاند وقتاً قصيراً؛ لكي يتعرف عليها؟
الجواب
دخول الميرلاند لا يجوز يا عبد الله! من أصله، نسأل الله العافية، الحقيقة بعض الإخوة يستحلون لأنفسهم ما حرم الله، ويضيقون ويحجرون على أنفسهم، يعني: لا يجوز أن تراها في البيت ويجوز أن تراها في الميرلاند!! نسأل الله العافية، هذه أماكن لا ينبغي لمسلم أن يكون فيها، فاتق الله في نفسك ولا تستحل أموراً محرمة.(61/20)
حكم دفع مبلغ إضافي على مبلغ التقسيط في حال التأخر عن الدفع
السؤال
ابني اشترى شقة بالتقسيط بمبلغ: مائتين وستين ألف جنيه على عشرين سنة، وفي حالة التأخير عن سداد الأقساط يدفع فائدة معينة من المبلغ المتأخر؟
الجواب
إن كان في حالة التأخير يدفع فائدة فهو عين الربا.(61/21)
الالتزام بنظافة المسجد من شعائر الدين
السؤال
في المسجد أولاد وأطفال وطعام وورق وكل شيء من الإهمال والقذارة وكلام وضحك وحكايات نساء، أستحلفك بالله إنقاذي من ذلك؟
الجواب
والله إنه لمشهد عجيب، حتى الالتزام بالنظافة لا نقدر عليه، وكأنه لا يوجد أخلاق: لا حلم، ولا شجاعة، ولا حياء ولا ولا إلى آخره، فالإسلام يدعونا إلى النظافة، فعندما يدخل المسلم المسجد يكون نظيفاً خاشعاً، وفي الطريق العام يسير بحياء وخجل، لكن بعض الناس نساء ورجالاً لا يوجد عندهم التزام بالشرع أبداً، لا في المظهر العام ولا في التعامل مع الناس ولا في الحياء إلى غير ذلك.
وبعض الإخوة والأخوات يستجيرون، يقول أحدهم: عندما أسجد وأركع أقوم بعد الصلاة وفي ثوبي بقع بنِّية من الوساخة التي في الأرض، وبعض الأخوات تحضر (كشري) معها وبراد الشاي فهل هذا التزام؟! وأيضاً جاءتني شكوى مراراً أن المرأة تأتي إلى المسجد وهي تلبس لبساً ضيقاً وتقول: دعوة إلى الله! أقول: الدعوة إلى الله تحتاج إلى حكمة.
ومن الأشياء العجيبة أن فنانة تائبة تتحدث في الفضائية عن توبتها وصلاح نفسها ثم تفتي! فهل من حقها الإفتاء؟! جاءني بالأمس طبيب يستغيث، أن زوجته تحضر عندها مدرِّسة تقول: المدارس الحكومية مدارس طواغيت، خذي ابنك وأقعديه في البيت، وتحية العلم طواغيت، والمدرسون طواغيت، وأصبحت الدنيا كلها طواغيت، أليس هذا تكفيراً؟ فهذه المرأة لها علاقة بالمدارس وتدرس، فيا لها من مصيبة كبيرة! أن يوسد الأمر إلى غير أهله، وهل أي شخص يظهر على الفضائية يفتي؟ هؤلاء الذين هم في الإعلام تجار يروجون للسلعة بالمشاهير، هل هو ينتج لأجل الله أو لأجل العلم أو لأجل أن يعلم الناس؟
الجواب
لا، هو يريد الترويج لقناته، يقول: ترقبوا اللقاء الكبير مع الفنانة التائبة فلانة الساعة السابعة، والناس جميعاً منتظرون، لكن لو قال: ترقبوا اللقاء مع العالم الجليل فلان لن يقعد لسماعه أحد.
فهذه ظواهر مهمة في زمننا، من هذه الظواهر كثرة الزوايا في القرى والمدن، فلماذا لا تغلق الزوايا يوم الجمعة بأمر وزير الأوقاف؟ للشيخ عبد الرزاق عفيفي فتوى: أن الصلاة في المساجد غير الجامعة في حالة وجود مكان بالمسجد الجامع باطلة، وهناك أكثر من عشرة آلاف زاوية في مصر تحت عمارة، وبجوارها المسجد الجامع مفتوح، فلماذا لا نغلق الزوايا ونحدد لجنة، ويكون الخطباء على كفاءة، ولهم اختبارات علمية مدروسة؟ أم أنكم تريدون خطيباً يلبس (ترنك) وأقيموا الصلاة، استقيموا يرحمكم الله، وهو لا يعرف شيئاً، وليس مؤهلاً علمياً.
80% من مساجد الجمهورية ليس لها خطباء، الأوقاف لا تغطي إلا 20% فقط من المساجد بالخطباء، و 10% من هؤلاء الخطباء المعينين ليس له شأن في الدعوة، إنما يستلم مرتباً آخر كل شهر.
وعندما يترك الخطيب مكانه يصعد أي شخص ويخطب.
كنت أصلي مرة في (المقطم) فرأيت رجلاً يلبس بنطلوناً يصلي بالناس ويقرأ: تبت إيد أبو لهب وتب!! وهكذا وسد الأمر إلى غير أهله.
وهناك بعض من ينتسب إلى العلم يسيئون إلى العلم وأهله، يظهر في قناة فتقول المستضيفة: ونحن الآن في برنامجنا نستضيف الأستاذ الدكتور العالم الجليل فلان بن فلان، وهي كاشفة عن صدرها وتلبس بنطلوناً، فيقول لها: مرحباً يا ابنتي.
تقول: ما الذي أحضرك إلى هنا أيها العالم؟! متبرجة عاهرة تستضيفك بهذه الطريقة؟ ألا تعلم أن الناس سيقولون: لباسها حلال، ولو كان حراماً لما حضر هذا العالم، فالفضائيات لها بريق، فهو يريد أن يظهر على الشاشة بأي ثمن؛ لأنه سيقبض ستة آلاف دولار للحلقة الواحدة، فهذه ظواهر كلها ليس لها أصل ولن تدوم طويلاً.
قبل حوالي أربع سنوات ظهر فنان، وأظهر أغنية في السوق تقول: (لولاكِ) وكل الشعب كان يقول: (لولاكِ)، والآن لا أحد يحس به؛ لأنه ليس له قدم راسخة في العلم.
فنصيحة لإخواني وطلبة العلم والملتزمات أن نبدأ في طلب العلم كحال السلف، وأن نحفظ المتون وندرس على أيدي شيوخ، وأن ندرس الكتب من مراجعها، ولا تكن وظيفة الواحد منا التهييج والإثارة حتى ينفض الناس.
رحم الله الشيخ كشك، لقد أثر تأثيراً بالغاً لكنه لم يخرج أحداً من طلبة العلم ليؤدوا الرسالة بدلاً عنه، فالأصل أن نخرج طلبة علم؛ ليحملوا الرسالة، فإن كف هذا الصوت أصبحت هناك أصوات، فالتبليغ بإثارة الجماهير فقط تأثير مؤقت.
أيضاً بعض قراء القرآن إذا وصل إلى الآية التي تهيج المسجد يبقى عليها، فيقول: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} [النبأ:21] ولا يبرحها، فهذا الأمر ليس فيه الخشوع ولا التقوى ولا الورع إطلاقاً.
مسائل مهمة جداً يا إخواني! أنا لا أريد أحداً بذاته، وإنما أريد النصيحة لله، من ثبت نبت، فاثبتوا على طلب العلم الشرعي، وإياكم والظواهر الخادعة.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
آمين آمين آمين.
وآخر دعوانا: أن الحمد لله رب العالمين.(61/22)
العدة شرح العمدة [62]
القرض من الأمور التي فيها رفق بالناس، وعلى ذلك فلا يجوز فيه أن يشترط المقرض على المقترض منفعة كأن يسكنه داره، أو يقضيه خيراً منه، أو أن يبيعه أو يشتري منه، أو يؤجره أو يستأجر منه، أو يهدي إليه، أو يعمل له عملاً ونحو ذلك.(62/1)
أحكام القرض(62/2)
إجماع المسلمين على جواز القروض واستحبابه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد.
فلا زلنا مع كتاب: (العدة شرح العمدة)، باب: (القروض وغيره).
قال: [أجمع المسلمون على جوازه واستحبابه للمقرض]، أي: أن المسلمين قد أجمعوا على جواز القرض وعلى استحبابه للمقرض.
قال: [وهو من المرافق المندوب إليها، وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض قرضاً مرتين إلا كان كصدقة مرة) رواه ابن ماجه، وعن أبي رافع: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً؛ فقدمت إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطوه، فإن خير الناس أحسنهم قضاء)].
في هذا الحديث دلالة على أنه يجوز للمقترض أن يرد للمقرض أكثر مما استقرض منه، بشرط أن لا يكون المقرض قد اشترط ذلك، فلو أن رجلاً استلف من آخر (10000) ريال لموعد محدد، ولم يشترط عليه أي زيادة، فجاء وقت السداد وأعطاه المبلغ مع الزيادة، جاز ذلك، وإن اشترط عليه الزيادة فذلك ربا لا يجوز؛ للحديث السابق.(62/3)
وجوب رد المثل على من اقترض شيئاً
قال: [ومن اقترض شيئاً فعليه رد مثله، فيجب رد المثل في المكيل والموزون؛ لأنه يجب مثله في الإتلاف ففي القرض أولى].
والمعنى: إذا اقترض رجل من آخر إردباً من الأرز مثلاً لزمه رد المثل، وإن أتلف لرجل شيئاً معيناً فعليه أن يلتزم بمثله.
قال: [فإن أعوزه المثل -أي: أعجزه- فعليه قيمته حين أعوزه؛ لأنها حينئذ ثبتت في الذمة، وفي الجواهر ونحوها ترد القيمة؛ لأنها من ذوات القيمة؛ وفي ما سوى ذلك وجهان: أحدهما: ترد القيمة؛ لأن ما أوجب المثل في المثلي أوجب قيمته في غير كالإتلاف.
والثاني: يرد المثل]؛ لحديث أبي رافع السابق، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض ناقة بكراً من رجل، فلما جاءت إبل الصدقة أمر أن يقضي الرجل بكره)، بخلاف الإتلاف فإنه عدوان.(62/4)
جواز رد القرض بأفضل منه
قال: [ويجوز أن يرد خيراً منها، يعني: خيراً مما أخذ لخبر أبي رافع].
أي: أنه يجوز أن يرد خيراً مما أخذ، فإذا اقترض من رجل -مثلاً- تمراً رديئاً جاز رده جيداً، وهذا في التعامل الربوي لا يجوز.(62/5)
جواز اقتراض التفاريق وردها جملة إذا لم يشترط المقرض
قال: [ويجوز أن يقترض تفاريق ويرد جملة إذا لم يشترط].
أي: إذا أخذ رجل من آخر (1000) جنيه قرضاً على دفعات متفرقة، كأن أعطاه 200 ثم 200 ثم 300 ثم 200 وهكذا، وشرط القرض على المستقرض أن يرده دفعة واحدة فلا يجوز ذلك، إنما لو أقرض ولم يشترط جاز؛ لأنه لا يأتي بأي نفع للمقرض، ولذلك يقول: [لأنه إذا اقترض متفرقاً صار عليه جملة، فإذا رد جملة فقد أدى ما عليه من غير زيادة ولا نقصان، ويصير كما لو اقترض جملة ورده بالتفاريق فإنه يجوز لذلك، ولا يجوز ذلك بشرط؛ لأن فيه نفعاً للمقرض].(62/6)
حكم تأجيل المقترض الدينَ إذا حان أجله
قال: [وإن أجله لم يتأجل؛ لأنه يثبت في الذمة حالاً، والتأجيل في الحال عدة وتبرع فلا يلزمه كتأجيل العارية].
أي: إن جاء موعد سداد الدين وأراد المقترض أن يؤجل السداد فلا يجوز له؛ لأن الله تعالى يقول: {إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة:282]، فالذي يؤجل سداد الدين هو المقرض من باب الفضل والإحسان، لكن لا يجوز للمدين أن يؤجل؛ لأنه ليس له الحق في ذلك.(62/7)
النهي عن قرض جر منفعة للمقرض
قال: [ولا يجوز شرط شيء ينتفع به المقرض نحو أن يسكنه داره، أو يقضيه خيراً منه، أو أن يبيعه، أو يشتري منه، أو يؤجره، أو يستأجر منه، أو يهدي إليه، أو يعمل له عملاً ونحو ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع وسلف)].
أي: إن اشترط المقرض على المقترض شيئاً ما، كأن يسكنه داره، أو يشتري منه، أو يؤجره، أو يستأجر منه، فلا يجوز ذلك؛ لأن أي قرض جر منفعة فهو ربا، ولذلك قال المصنف: [وعن أبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس: أنهم نهوا عن قرض جر منفعة، ولأنه عقد إرفاق وشرط ذلك فيه يخرجه عن موضوعه].(62/8)
جواز القرض بشرط الرهن أو الكفيل
ثم قال: [إلا أن يشترط رهناً أو كفيلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعه على شعير أخذه لأهله].
أي: إلا إذا اشترط الدائن على المدين أن يرهن شيئاً عنده، كأن يقترض أحدهم (1000) جنيه من آخر، وطلب هذا الآخر رهناً بقيمة الدين، جاز ذلك، أو طلب كفيلاً يضمن على الإتيان به في الوقت المحدد، والفرق بين الكفيل والضامن: أن الكفيل يضمن البدن، والضامن يضمن الدين.(62/9)
النهي للمقرض عن قبول هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة
قال: [ولا يقبل هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة بها قبل القرض].
بمعنى: أن المقترض إذا أعطى المقرض هدية فلا يقبلها، طالما أنه ليس بينهما عادة، إنما لو كانت بينهما عادة فيقبلها، أي: كأن اعتاد فلان على أن يعطي فلاناً هدية في كل عيد فطر، ثم احتاج قرضاً فأخذ منه، وفي يوم العيد أعطاه هدية، فإن ذلك لا يضر طالما أنها عادة، لكن لو أنه اشترط عليه ذلك فهذا لا يجوز؛ لأن رد القرض بمنفعة لا يجوز.
يقول: [لما روى ابن ماجة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقرض أحدكم قرضاً فأهدى إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون قد جرى بينه وبينه قبل ذلك)].
وخلاصة الكلام: أنه لا يجوز أن يجر القرض نفعاً إلا أن يكون عن طيب نفس من صاحبه، عند ذلك يجوز أن يؤدى القرض وزيادة طالما أنه لم يشترط، وعليه فالعبرة بالاشتراط من عدمه.(62/10)
العدة شرح العمدة [63]
من أحكام الدين المؤجل ألا يطالب به الدائن قبل أجله، وإذا مات المدين قبل حلول الأجل لم يلزم ورثته بأدائه قبل الأجل، وإذا كان المدين معسراً وجب إنظاره، وإن كان موسراً تباع ممتلكاته ويوفى دينه، والمفلس ينفق عليه من ماله زمن الحجر إن لم يكن له كسب، ويدخل في نفقته من تجب نفقتهم عليه.(63/1)
باب أحكام الدين(63/2)
عدم جواز المطالبة بالدين قبل حلول أجله
قال المصنف: [باب أحكام الدين.
من لزمه دين مؤجل].
يقول شخص: أنا لي عندك (10000) أستحقها في شهر 12/ 2005م فإذا كنت أحتاج المال فجئتك وقلت: أنا أحتاج المبلغ قبل موعده، وأنا أضع لك من المبلغ (3000)، أي: أعطني الآن (7000) هل يجوز هذا؟ بنص حديث البخاري يجوز، إذ إن كعب بن مالك كان له دين على أحد الصحابة لعله يسمى أبو حدرد فطلب كعب بن مالك الدين من الرجل في المسجد فعلت أصواتهما، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم الغطاء من حجرته وخرج إليهما، فقال: ما الأمر يا كعب؟ فقال: عنده دين يماطل في السداد، قال: يا كعب ضع الشطر، أي: اترك النصف، فوضع كعب الشطر، بإرادته، لأنه مكروب ويحتاج إلى مبلغ في ذلك الوقت.
لكن أن يستغل المقترض حاجة المقرض ويقول له: ضع كذا من المال وأنا أعطيك الباقي الآن، فهذا لا يجوز، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقضه الآن، طالما أنه قد وضع عنك الشطر، ولا يستطيع أن يقول المقترض عند ذلك: أعطني مهلة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ كعب بن مالك كان على سبيل الندب والاستحباب لا على سبيل الوجوب والإلزام، لكن إن كان الدائن يحتاج إلى مبلغ من المال فقال للمدين: أعطني المبلغ قبل أوانه، فهنا نقول: ليس للدائن أن يطالب بحقه قبل الموعد؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [البقرة:282]، ولذلك قال المصنف رحمه الله تعالى: [من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله]، كأن يقترض رجل من آخر مبلغ (1000) جنيه، على أن السداد يكون في 1/ 12، فهل له أن يطالبه في شهر 5؟ لا؛ لأن من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله.
قال: [لأنه لا يلزمه أداؤه قبل أجله، ولم يحجر عليه من أجله؛ لأنه لا يستحق المطالبة به قبل أجله فلم يملك منعه من ماله بسببه].
والحجر هو: المنع من التصرف بالمال، فلو أن رجلاً مديناً لآخر بمائة ألف من الجنيهات يستحقها في 1/ 1/2005م، وكل ما يملكه الآن هو خمسة آلاف، فهل نستطيع أن نحجر عليه؟ لا، لأن وقت الدين لم يحن بعد.
قال: [ولم يحل تفليسه؛ لأن الأجل حق له فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه].
إي: إذا حان أجل تسديد الدين للمقرض أو الدائن المطالبة عند ذلك، أما قبل ذلك فلا يجوز له أن يشهر إفلاس المقترض.(63/3)
عدم حلول الدين بموت المدين إذا وثقه الورثة
قال: [ولا يحل بموته إذا وثقه الورثة].
بمعنى: لو أن رجلاً مات وعليه دين، ولم يأت موعد التسديد بعد، فإنه لا يحل أجل الدين بموت المدين إذا وثقه الورثة، أي: إذا اعترفوا بالدين وأقروا به، وعليه فكون الورثة قد وثقوه، إذاً لا تركة إلا بعد سداد الدين، ويؤجل توزيع التركة إلى قضاء الدين، ويظل المدين في قبره مرهوناً بهذا الدين، وعليه فالأولى القضاء، وإن لم يوثق الورثة دين مورثهم حل الدين.
قال: [اختاره الخرقي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك حقاً فلورثته)، والتأجيل حق له فينتقل إلى ورثته، ولأنه لا يحل به ماله فلا يحل به ما عليه كالجنون].
أي: إذا مات المدين وحقه أن يقضي في الوقت الفلاني، فإن هذا الحق ينتقل إلى الورثة؛ لأنه حق.
قال: [وعنه أنه يحل -يعني: يحل الأجل بالموت- لأن بقاءه ضرر على الميت لبقاء ذمته مرتهنة به، وعلى الوارث ضرر أيضاً لمنعه التصرف في التركة، وعلى الغريم بتأخير حقه وربما تلفت التركة، وعلى الروايتين يتعلق الحق بالتركة كتعلق الأرش بالجاني، ويمنع الوارث التصرف فيها إلا برضا الغريم أو يوثق الحق بضمين مليء أو رهن يفي بالحق إن كان مؤجلاً فإنهم قد لا يكونوا أملياء فيؤدي تصرفهم إلى فوات الحق، وإن تلفت التركة قبل التصرف فيها والتوثيق منها سقط الحق كما لو تلف الجاني].
بمعنى: لو أن رجلاً عليه دين (5000) جنيه لرجل آخر، ثم مات المدين والدين يستحقه الآخر بعد ستة أشهر من موت المدين، فهل يحل سداد هذا الدين بمجرد موت المدين أم لا؟ روايتان عن أحمد: الرواية الأولى: أنه لا يحل إذا وثقه الورثة، والثانية: أنه يحل بموته، وهذا هو الراجح؛ لأن تأخير سداد الدين فيه ضرر على الميت؛ لكونه سيسأل عنه في قبره، وضرر على الدائن، لتأخير حقه، وربما تلفت التركة، وضرر على الورثة، لأنهم سيمنعون من التصرف في التركة حتى يقضى الدين، ولذا فالواجب على الورثة أن يقضوا الدين قبل أن يوزعوا التركة إلا في حالة واحدة، وهي: إذا تقدم ضامن مليء وقال: الدين علي إن لم يقضوا، فهنا الضامن غارم كما في حديث أبي داود: (الضامن غارم).(63/4)
للغريم أن يمنع المدين من السفر أو الغزو تطوعاً إلا أن يوثق الدين
قال: [فإن أراد سفراً يحل الدين قبل مدته، أو الغزو تطوعاً فلغريمه منعه إلا أن يوثقه].
بمعنى: لو أن رجلاً عليه دين يستحقه الآخر في الوقت الفلاني، وأراد المدين أن يسافر سفراً بعيداً، بحيث أن موعد سداد الدين سيأتي وهو مسافر، عند ذلك يحل الدين قبل مدته، وللدائن المطالبة بحقه قبل سفر المدين، لكن إن سافر المدين وسيعود في موعد السداد للدين، فلا يستطيع الدائن أن يمنعه من السفر؛ لأنه سيكون موجوداً وقت سداد الدين.
قوله: [أو الغزو تطوعاً فلغريمه منعه إلا أن يوثقه]، أي: إلا أن يضمن الدين أحد الضامنين، فهنا يكون قد وثق الدين، ولذلك الضمان والحوالة والكفالة والرهن نسميها عقود التوثيق، واختار هنا المصنف: (الغزو تطوعاً)؛ لأن الغزو إذا كان فرض عين فلا يحق له أن يمنعه؛ لأنه سيمنعه عن فرض في هذه الحالة، وإنما الواجب عليه أن يذهب ويترك وصية بدينه في موعده، بل فأي أحد عليه دين يلزمه أن يترك وصية عند رأسه بذلك؛ لأن هذه حقوق يجب أن يؤديها.
قال: [برهن أو كفيل مليء لأنه ليس له تأخير الحق عن محله، وفي السفر تأخيره عن محله، وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان: إحداهما: له منعه، لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر، فملك منعه منه كالأول، والأخرى: ليس له أن يمنع؛ لأنه لا يملك المطالبة به في الحال، ولا يعلم أن السفر مانع منه عند الحلول فأشبه السفر القصير].
بمعنى: إذا كان لفلان على آخر دين وسيستحقه بعد سنتين، وأراد المدين أن يسافر إلى السعودية لستة أشهر، إذاً فالدين سيحل بعد السفر، فهل يحق له أن يمنعه من السفر أم لا؟ روايتان عن أحمد: الرواية الأولى: أنه يحق له؛ لأن المسافر لا يدري متى يرجع؟ وقد يموت هناك، أو أنه بعد أن ذهب رأى أن يجدد المدة، فمنعته السلطات أن يعود في الموعد المحدد، وهذا كله وارد.
الرواية الثانية: ليس له أن يمنعه؛ لأن الموعد سيأتي في الحال.
والراجح: المنع؛ لأن المسافر لا يملك العودة، ولا يعرف متى سيعود؟ حتى وإن حدد الموعد فموعده في علم الله سبحانه وتعالى، أما أنه لو وثق بضامن أو كفيل فهذه مسألة أخرى.(63/5)
وجوب إنظار المعسر
قال: [وإن كان الدين حالاً على معسر وجب إنظاره].
أي: لو أن لفلان على فلان (5000) في شهر 6، ثم جاء شهر 6 فقال: إنه معسر، فالواجب أن يمهل الدائن المدين؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280]، وليس الإمهال معناه: أن يكون مليئاً ويقول: أنا معسر، ولابد أن تكون المهلة دون زيادة في المبلغ، وإلا فذلك هو عين الربا.
قال: [يعني: ولا يحبس؛ لأن مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: (لي الواجد -مماطلة المليء- يحل عقوبته)]، أي: مماطلة الغني ظلم، [أما غير الواجد فلا تحل عقوبته، ولأن حبسه لا يفيد صاحب الدين، وإنما هو محض ضرر في حق المدين، وقد قال عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار)].
أي: أنه إن جاء الأجل المحدد لسداد الدين والمدين معسر، فما الذي يستفيده الدائن من حبس المدين؟ لاشك أن ذلك ضرر محض في حق المدين.
وهنا مسألة فقهية وهي: أن وزارة الداخلية بفتوى الشيخ فريد واصل سمحت للمساجين بأن يعاشروا زوجاتهم في السجن، فهل يجوز هذا أم لا؟ هذه مسألة يجري فيها البحث، أي: أن المعتقل تذهب إليه زوجته فيعاشرها معاشرة الأزواج داخل السجن في مكان مخصص، والسجن هو عليه لا على زوجته، وبالتالي فما ذنب الزوجة أن تعيش سنوات بدون زوج؟ إن هذا يعرضها للفتنة، لكن فتوى الشيخ فريد واصل قد أخذت بها وزارة الداخلية الآن.(63/6)
حكم ادعاء المدين الإعسار وإقسامه على ذلك
قال: [وإن ادعى الإعسار حلف وخلى سبيله].
أي: أنه إن شك الدائن في عسر المدين من عدمه، فله أن يحلفه ثم يخلي سبيله.
قال: [لأن الأصل الإعسار إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يُقبل قوله إلا ببينة]، أي: أن الأصل في حق المدين الإعسار، إلا أن يعرف له مال قبل ذلك، ففي هذه الحالة لا يقبل قوله بالإعسار إلا ببينة، وأن المال الذي في حوزته -مثلاً- ليس ملكاً له.
قال: [لأن الأصل بقاء المال، ويُحبس حتى يقيم البينة على نفاد ماله وإعساره، وعليه اليمين مع البينة أنه معسر؛ لأنه صار بهذه البينة كمن لم يُعرف له مال].(63/7)
حبس المدين الموسر وبيع ممتلكاته حتى يوفي بدينه
قال: [وإن كان موسراً لزمه وفاؤه، لقوله عليه الصلاة والسلام في البخاري: (مطل الغني ظلم)]، أي: إذا كان لفلان على فلان (1000) جنيه، وأخذ المدين يماطل وهو غني، فهذا ظلم.
قال: [فإن أبى حُبس حتى يوفيه]، أي: إن أبى المدين أن يوفي بالدين فإنه يُحبس حتى يوفي بدينه، فإن وفى خرج.
قال: [لقوله عليه الصلاة والسلام: (لي الواجد يحل عقوبته وعرضه) من المسند، فإن أصر]، أي: على عدم السداد وهو موسر، فللحاكم أن يبيع عقاراته أو ممتلكاته ويقضي دينه، ولذلك قال المصنف: [فإن أصر باع الحاكم ما له وقضى دينه؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: ألا إن أسيفع جهينة] رجل كان يعمل أجيراً، [رضي من دينه أن يقال: سبق الحاج، فادان مغرماً، فمن له مال فليحضر، فإنا بائعوا ماله وقاسموه بين غرمائه].
لكن إن باع الحاكم ماله فلا يبيعه كله، وإنما يبيع ما يفي بالدين فقط، وألا يبيعها بثمن بخس، بل بثمن المثل، ثم بعد ذلك يترك الرجل.(63/8)
الحجر على المدين إن كان ماله لا يفي بدينه وسأل ذلك الغرماء
قال: [وإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل غرماؤه الحجر عليه لزمه إجابتهم].
أي: إن كان ماله لا يفي بالدين، كأن يكون مديناً بخمسين ألف جنيه، وكل ممتلكاته تساوي فقط عشرة آلاف جنيه، وطلب الغرماء الدائنون الحجر عليه، فلولي الأمر أن يحجر عليه.
قال: [لما روى كعب بن مالك: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله) رواه الخلال، ولأن فيه دفعاً للضرر عن الغرماء فلزم ذلك لقضائهم].(63/9)
عدم جواز تصرف المدين وقبول إقراره في ماله بعد الحجر
قال: [وإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله، لا بيع ولا هبة ولا وقف ولا غير ذلك؛ لأنه حجر ثبت بالحكم فمنع تصرفه كالحجر للسفه].
قال: [ولا يقبل إقراره على ماله لذلك]، أي: طالما أنه محجور عليه فلا نأخذ منه كلاماً بالنسبة لماله، وإنما نحن الذين نتتبع المال، فنبيع ونحصر الممتلكات.(63/10)
تولي الحاكم بيع مال المدين وقسمته بين الغرماء
قال: [ويتولى الحاكم قضاء دينه، فيبيع ما يمكن بيعه، ويقسّم بين غرمائه؛ لأن ذلك هو المقصود بالحجر].
الغرماء في المحاسبة نسميها: قسمة الغرماء، ومعناها أن هذا الأخ وهذا وهذا، لهم عشرة آلاف جنيه عند رجل كل ماله خمسة آلاف، إذاً نشاركهم في الخمسة آلاف نوزعها بينهم على حسب نسب دينهم، فكل يأخذ بقدر ماله، وتسمى قسمة الغرماء.(63/11)
البدء بالأخذ من مال المدين لمن له أرش جناية عليه
قال: [ويبدأ بمن له أرش جناية]، أي: دية، فمثلاً: لو أن رجلاً مديناً فقأ عين رجل آخر، فهنا لا بد أن نبدأ بالديات في الحقوق، ثم الديون بعد ذلك.
قال: [من رقيقه فيدفع إلى المجني عليه أقل الأمرين من ثمنه أو أرش جنايته، وما فضل رد إلى الغرماء].
بمعنى: لو أن رجلاً مديناً وعنده عبد جنى عليه، كأن جدع أنفه، أو أسقط له ضرساً، ثم قُدّر هذا الضرس مثلاً في الفقه بخمسين ألف جنيه، فإن وضع في السجن وكان موسراً، ثم بيعت ممتلكاته، وكان ثمن العبد -مثلاً- عشرين ألفاً، فإننا نعطيه أقل الأمرين: إما سعره، أو أرش الجناية، ولا نعطيه أكثر من سعره.
قال: [ثم بمن له رهن فيدفع إليه أقل الأمرين من دينه أو ثمن رهنه].
بمعنى: لو أن هناك رجلاً دائناً، والمدين موسر، ومع الدائن رهن، والرهن بألف جنيه وله ألفا جنيه، فنعطيه ألف جنيه وهو أقل الأمرين: ماله أو قيمة الرهن، فأنا الآن بعت الممتلكات وأوفي الديون أنا ولي الأمر لموسر في السجن، فأقول: نفترض أن هذا الرهن بألفي جنيه، وأنا عليّ ألف، فنعطي ولي الأمر الألف وهو الأقل، إذاً: يعطيه إما قيمة الرهن وإما قيمة الدين أيهما أقل؛ لأن هذه قسمة غرماء فلا يجوز أن أُعطى أكثر من حقي.
قال: [لأن ذلك مقدم على حق الغرماء]، يعني: أن الرهن مقدم على حق الغرماء، [لأن حقه تعين في الرهن، وإن بقي منه بقية ردها إلى الغرماء، وله أسوة الغرماء في بقية دينه، يعني: صاحب الرهن، وإن لم يف ثمن الرهن بدينه شارك الغرماء في بقية دينه]، أي: أن الذي له رهن يأخذ القيمة الأقل، والباقي هو شريك مع الغرماء، كأن يأخذ ألف جنيه من قيمة الرهن، وهو شريك مع الغرماء في الألف الجنيه الأخرى، وذلك إن كانت قيمة الرهن أقل من قيمة الدين.(63/12)
حكم من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس
قال رحمه الله تعالى: [ثم من وجد متاعه الذي باعه بعينه فهو أحق به].
والمعنى: لو أن رجلاً مديناً لك ولغيرك بمبلغ من المال ثم أفلس، فللحاكم -إذا ماطل الرجل في السداد- أن يحبسه ويبيع ممتلكاته، ثم يوفي الديون بقسمة الغرماء وحسب سعر الممتلكات.
ثم هب أن رجلاً أعطى آخر حقيبة بألف جنيه، والحقيبة هذه لا تزال عنده كما هي، إذاً فهو صاحب الحق، فإذا أراد الحاكم أن يبيع ممتلكات هذا المفلس فللرجل أن يسترد حقيبته هذه، ولذا قال المصنف: [من وجد متاعه الذي باعه بعينه فهو أحق به]، أي: أنه يسترد متاعه الذي عند المفلس، لأنه أحق به.
لكن؛ متى يسترد الدائن المتاع؟ أي: متى يسترد الدائن السلعة التي باعها للمدين، مع العلم أنها لا زالت عنده كما هي لم تتغير، وهو قد أفلس؟
الجواب
قال المصنف رحمه الله تعالى: [لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به)، متفق عليه، ولا يكون أحق به إلا بشروط: أحدها: أن تكون بحالها سالمة لم يتلف بعضها، فإن تلف بعضها أو باعه المفلس أو وهبه أو وقفه فله أسوة الغرماء، لقوله عليه السلام: (من أدرك متاعه بعينه فهو أحق به)، والذي تلف بعضه لم يوجد بعينه]، أي: أن يوجد المتاع كما هو بعينه لم يتصرف فيه المدين، كأن وقفه أو وهبه أو باع بعضه أو قطع بعضه أو أتلف بعضه أو استخدم بعضه، فلابد أن يوجد المتاع كما هو لم يتصرف فيه بأي تصرف على الإطلاق.
قال: [الشرط الثاني: أن لا يزيد زيادة متصلة -هذه مسألة خلافية- كالسِّمن، والكبر، وتعلم صنعة، فإن وجد ذلك منع الرجوع؛ لأنه فسخ بسبب حادث فمنعته الزيادة المتصلة كالرجوع في الصداق للطلاق قبل الدخول]، أي: لو أن رجلاً أعطى آخر خروفاً بتسعمائة جنيه بالآجل، ثم أفلس هذا المشتري أو المدين والخروف لازال عنده، لكنه قد أعلف هذا الخروف حتى كبر وسمن، فما حكم رد المتاع في هذه الحالة؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد: الرواية الأولى: الرد، والفرق للمفلس، أي: أن الخروف يوم أن اشتراه كان بتسعمائة جنيه، والآن سعره 1500 جنيه، فيرد المتاع (الخروف) مع ستمائة جنيه للمفلس؛ لأن هذه الزيادة من حقه، والخراج بالضمان، والمشتري ضامن للسلعة بالثمن الذي اشتراها به، وهذا في حال الزيادة المتصلة، وأما الزيادة المنفصلة فلا مشكلة فيها، كأن ينتج عن هذا الخروف خروفاً آخر، وإنما المشكلة هي الزيادة المتصلة؛ لأنها ترتبط بذات المتاع، كأن يعطيه رجل آخر عبداً أمياً لا يجيد القراءة ولا الكتابة، ثم تعلم عند هذا المفلس القراءة فحينما يسترد هذا الدائن متاعه يسترده والفرق للمفلس، وهذه هي الرواية الأولى عن أحمد والرواية الثانية: عدم الرد في حالة الزيادة المتصلة.
قال: [وعنه: أن الزيادة لا تمنع الرجوع للخبر؛ ولأنه فسخ فلم تمنعه الزيادة كالرد بالعيب، فأما الزيادة المتصلة فلا تمنع الرجوع؛ لأنه يملك الرجوع في العين دونها، والزيادة للمفلس في ظاهر المذهب].
قال: [الشرط الثالث: أن لا يكون البائع أخذ من ثمنها شيئاً، فإن قبض بعضه فلا رجوع له؛ لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما رجل باع سلعته فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قد قبض من ثمنها شيئاً فهي له، وإن كان قد قبض من ثمنها شيئاً فهو أسوة الغرماء)]، أي: إن قبض الدائن أو البائع بعض الثمن فلا حق له في استرداد متاعه عند بيع الحاكم لمال المفلس، كأن يأخذ مقدماً مائتين من الجنيهات عند بيعه للمتاع، والباقي في وقت آخر، فلا يجوز له أن يسترد عين المتاع، وإنما يسترد القيمة أسوة الغرماء.
قال: [الشرط الرابع: أن لا يتعلق بها حق غير حق المفلس، فإن خرجت عن ملكه ببيع أو غيره لم يرجع؛ لأنه تعلق به حق غيره أشبه ما لو أعتقها]، أي: أن لا يتعلق بها حق غير حق المفلس، بمعنى: بعد أن انتقلت ملكية السلعة إلى المدين تصرف فيها، مثلاً: شارك فيها، أو قال لآخر: الحقيبة هذه ملكي اشتريتها بالأجل هل تأخذ نصفها؟ فاشترى نصفها، فأصبحت الآن الحقيبة فيها شركاء متشاكسون، أو وهبها أي شخص آخر، أو أوقفها أو تصرف فيها أي تصرف يترتب عليه حقوق أخرى، هذه الحقوق الأخرى لا يجوز معها رد هذه الحقيبة بعد ذلك.
قال: [الشرط الخامس: أن يكون المفلس حياً، فإن مات فله أسوة الغرماء، رواه أبو داود، ولأن الملك انتقل عن المفلس فأشبه ما لو باعه]، أي: إن المفلس صاحب الدين يشترك مع الغرماء في توزيع الدين، وليس له حق رد المتاع.(63/13)
قسمة المال الباقي بين الغرماء على قدر ديونهم
قال: [ويقسم الباقي بين الغرماء]، أي: يقسم الباقي بين الغرماء (الدائنون) قسمة غرماء، فلو أن رجلاً اسمه (زيد) استدان من عمرو (25.
000)، ومن علي (10.
000)، ومن بكر (15.
000)، ومن خالد (50.
000) فيكون مجموع ما على زيد لهؤلاء الدائنين (100.
000)، فأفلس زيد وباع الحاكم ماله فبلغ (50.
000)، فيعطي خالداً النصف، أي: (25.
000)، ويعطي عمراً نصف الباقي، أي (12.
500)، ويعطي بكراً (7.
500)، ويعطى علياً الباقي، أي (5.
000)، وهذه تسمى قسمة غرماء، بحيث ننظر كم نسبة المبلغ الأصلي من نسبة المال الذي باعه الحاكم ثم نضربه في ما لكل واحد من الدائنين.(63/14)
النفقة على المفلس ومن تلزمه نفقته حتى يفرغ من تقسيم ماله
قال: [وينفق على المفلس وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة]، أي: لو أن ولي الأمر جاء إلى رجل مفلس وباع ممتلكاته -ومعلوم أن بيع الممتلكات لن يتم بين عشية وضحاها، وإنما سيتم في زمن لا بأس به، والمفلس هذا له زوجة وأولاد يحتاج إلى من ينفق عليهم- فينفق عليه ولي الأمر وعلى من تلزمه مؤنته من ماله إلى أن يفرغ من القسمة.
قال: [وذلك أنه إذا حجر عليه]، والحجر هو: منع التصرف في الملك؛ لأنه ربما قد يكون سفيهاً أو مديوناً للآخرين.
ثم قال: [فإن كان ذا كسب يفي بنفقته ونفقة من تلزمه نفقته فنفقته في كسبه]، والمعنى: هب أن هذا الرجل المديون المفلس يعمل بأجر يومي أربعين جنيهاً، إذاً فعمله يفي بنفقته ونفقة من يعول، ولذا فلا ينفق عليه الحاكم، لأن له عمل يتكسب منه.
قال: [لأنه لا حاجة إلى إخراج ماله وهو يكسب ما ينفقه؛ ولأنه مستغن بكسبه عن ماله، فلم يجز أخذ ماله كما لم يجز أخذ زيادة عن النفقة، وإن كان كسبه دون نفقته كملناها من ماله]، أي: إن كان أجره في اليوم عشرين جنيهاً وينفق في اليوم أربعين جنيهاً، فنكمل نفقته من ماله ونعطيه عشرين أخرى من ماله؛ حتى ينفق على نفسه وعلى من يعول.
قال: [وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه من ماله في مدة الحجر وإن طالت؛ لأن ملكه قبل القسمة باقٍ وقد قال عليه السلام: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول)]، فتأمل الشريعة الإسلامية وهي تدعو إلى أن ننفق على المديون المفلس إلى أن ننتهي من بيع ماله، لذا كان لابد على ولي الأمر أن يضمن حد الكفاف لكل فرد في المجتمع، فيوفر لكل واحد في المجتمع مسكناً ودابة ومأكلاً ومشرباً، لأنه مسئول أمام الله عز وجل عن ذلك، فهذا عمر بن عبد العزيز جمع الزكاة ثم زوج الشباب، لأنه عرف أنه مسئول أمام الله عز وجل، وعليه فحينما يحكم الإسلام يعم الخير ويسود الرخاء، حتى المديون المفلس -كما ذكرنا- حينما أبيع ما يتملكه لا بد من أن أنفق عليه طيلة مدة البيع وإن طالت.
وحديث: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) حديث عظيم جداً؛ لأن بعض الناس هداهم الله قد يأكل المشوي ويأتي إلى بيته بالفول والطعمية للزوجة وللأبناء! فهذا رجل لا يعرف كيف يوفي الحقوق أو حق الله عز وجل في زوجته وأولاده، والآخر قد يسافر إلى مكان آخر ويأتي بذهب يساوي ستة آلاف جنيه، وزوجته ربما قد تأخذ ملابس من جيرانها وهو يلبس أحسن الملابس! وهذا موجود يا عبد الله في كثير من البيوت، لذا خير الدراهم درهم ينفقه الرجل على أهله، والصدقة على الأقارب صدقة وصلة رحم.
قال: [ومعلوم أن فيمن يعوله من تجب عليه نفقته وتكون ديناً عليه وهي الزوجة، فإذا قدم نفقة نفسه على نفقة الزوجة فكذلك على حق الغرماء] ولأن الحي آكد حرمة من الميت؛ لأنه مضمون بالإتلاف، [وتقديم تجهيز الميت ومؤنته على دينه]، يعني: إن مات المديون أو المفلس فتجهيزه وتكفينه يكون على دينه، باعتباره نفقة تجب للميت، وهذا تعليل عند المصنف في قوله هذا.(63/15)
وجوب الحق من عدمه للمفلس بشاهد
قال: [وإن وجب له حق -أي: للمفلس حق عند فلان- بشاهد فأبى أن يحلف لم يكن لغرمائه أن يحلفوا] كالزوجة إذا طلقها زوجها وتريد أن نحدد لها نفقة، ففي هذه الحالة ننظر إلى دخل الزوج، فإن قالت الزوجة: أقسم بالله أنه يحصل على ألفين من الجنيهات شهرياً.
فلا نأخذ بيمينها؛ لأنها صاحبة مصلحة، وصاحب المصلحة لا يؤخذ برأيه ولا بيمينه، ولذا قال المصنف رحمه الله تعالى: [وذلك أن المفلس في الدعوى كغيره، فإذا ادعى حقاً له شاهد عدل وحلف مع شاهده ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء]، أي: أن المفلس هو الذي يقول: معي ألف جنيه وعندي شاهد على ذلك، ويحلف المفلس والشاهد، عند ذلك يثبت المال وتتعلق به حقوق الغرماء.
قال: [وإن امتنع -أي: المدين عن الحلف- لم يجبر، لأنه قد لا يعلم صدق الشاهد، وقد يعلم كذبه، ولا يملك الغرماء أن يحلفوا مع الشاهد؛ لأنهم يثبتون ملكاً لغيرهم تتعلق حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز كما لم يجز لزوجته أن تحلف لإثبات ملك زوجها لتتعلق نفقتها به، وفارق الورثة؛ لأنهم يثبتون ملكاً لأنفسهم إذا حلفوا بعد موت مورثهم].(63/16)
الأسئلة(63/17)
حكم الزيادة على أصل الدين
السؤال
والدي أخذ من المصلحة التي يعمل بها قرضاً مقداره (3000) جنيه وسددها (3500) جنيه، فما حكم هذا؟
الجواب
هذا هو الربا بعينه، والله تعالى أعلم.(63/18)
حكم الضمان على من أراد قرضاً من البنك
السؤال
هل يجوز أن أكون ضامناً لزميل يريد أن يأخذ قرضاً من البنك؟
الجواب
هذه مصيبة؛ لأنه أولاً: يضمن على معسر، ثانياً: أنه يضمن رباً، ثالثاً: أنه يجازف بدخله لأجل رباً.
وقد جاءني أخ كريم منذ شهر عنده شلل في قدميه وفي يديه وهو يبكي، مع أنه يعمل في مصلحة حكومية، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: أنا ضامن على رجل قد هرب من البلاد، وكذلك الضامن الذي معي أيضاً قد هرب وفُصل من عمله، ولم يبق إلا أنا، ومرتبي بالكامل محجوز عليه منذ خمس سنوات، وأنا متزوج وأعول أربعة، ولا أقدر على العمل فماذا أفعل؟ فقلت له: ما الذي جعلك تضمن رباً في بنك؟ فيا عبد الله! اتق الله، فإن هذه مساعدة على الإثم والعدوان، ومعاونة على الربا وأكل الحرام، فلا تضمن في قرض ربوي أبداً.(63/19)
بيان متى تستحق الزوجة مؤخر الصداق
السؤال
متى تستحق الزوجة مؤخر الصداق؟
الجواب
تستحق الزوجة مؤخر الصداق بأحد هذه الآجال الثلاثة: الأول: مطالبة الزوجة.
الثاني: الطلاق.
الثالث: الموت، أي: عند موت الزوج يصبح مؤخر الصداق ديناً في التركة.(63/20)
العدة شرح العمدة [64]
الضمان هو عقد من عقود التوثيق، وهو عبارة عن ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه، ولصاحب الحق مطالبة أحدهما، أما الحوالة فهي عقد من عقود الإرفاق وبها يتحول الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، ولكل صفة من هاتين الصفتين شروط لصحتها بينها الفقهاء.(64/1)
أحكام الحوالة والضمان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الحوالة والضمان] والحوالة هي: تحويل الحق من ذمة إلى ذمة، والضمان: ضم ذمة إلى ذمة، أي: ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه، وهي عقد توثيق، والفرق بين الضمان والحوالة: أن الحوالة تعني: تحويل الدين الذي علي لشخص آخر لي عنده مبلغ من المال، كأن أقول للدائن: أنت لك علي كذا من المال، وفلان عليه كذا من المال لي، وسأقبضها منه في يوم 1/ 4، فأحيل الدائن الذي وعدته بأن أسدده في 1/ 4 على فلان الذي عنده لي كذا من المال.
وعليه، فأركان الحوالة خمسة: محيل ومحال ومحال عليه ومحال به وصيغة.
فأما المحيل، والذي أحلته على آخر يسمى محالاً، والذي أحيل عليه يسمى محالاً عليه، والمحال به هو المال، والصيغة معروفة.(64/2)
براءة المحيل إذا رضي من أحيل بدينه على من عليه مثله
قال: [ومن أحيل بدينه على من عليه مثله فرضي فقد برئ المحيل] يعني: من رضي أن يحال على آخر فقد برئت ذمة المحيل، لأن الدين هو نفس الدين وفي الموعد المحدد يكون قبضه.(64/3)
شروط صحة الحوالة
قال: [ولصحة الحوالة شروط: أحدها: تماثل الحقين] أي: لا بد أن يكون هذا الحق متماثلاً أو أعلى، لكن لا يكون أدنى كما يرى ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى؛ لأن سداد بعض الدين أولى من تركه كله.
قال: [لأن الحوالة تحويل الحق ونقله فيعتبر نقله عن صفته، ويعتبر التماثل في الجنس والصفة والحلول والتأجيل فلو أحال من عليه أحد النقدين بالآخر لم يصح، ولو أحال عن المصرية بمنصورية أو عن الصحاح بمكسرة لم يصح؛ ولئن كان دين أحدهما حالاً والآخر مؤجلاً أو أوجل أحدهما مخالفاً لأجل الآخر لم يصح لما سبق].
فلو أن زيداً اقترض من عمرو كيلو من الأرز، واستقر هذا الدين عنده على أن يسدده في التاريخ الفلاني، ثم جاء بكر الذي له عند عمرو كيلو من الأرز، فأحاله عمرو على زيد، فأعطاه زيد مروحة، فهنا لا يجوز؛ لأنه لابد من التماثل في الجنس، وكذلك التماثل في الصفة والحلول والتأجيل.
قال: [الشرط الثاني: أن يحيل برضاه، لأن الحق عليه فلا يلزمه أداؤه من جهة بعينها ولا يعتبر رضا المحال عليه؛ لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله، وقد أقام المحال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الأداء كما لو وكله في الاستيفاء منه]، أي: لابد أن يعتبر رضى المحيل، أما المحال عليه فلا، لأنه سيدفع المال الذي عليه إما لصاحبه أو وكيله أو لمن يرسله إليه.
قال: [الشرط الثالث: أن يحيل على دين مستقر؛ لأن مقتضاها إلزام المحال عليه الدين مطلقاً، ولا يثبت ذلك فيما هو معرض للسقوط، فلو أحال على مال الكتابة أو دين السلم لم يصح؛ لأنه تعرض للسقوط بالفسخ لأجل انقطاع المسلم فيه لقوله عليه السلام: (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)، ومال الكتابة معرض للسقوط بالعجز]، أي: أن يحيل على دين استقر في الذمة وليس متنازعاً فيه، أو معرضاً للفسخ كدين المسلم.
قال: [الشرط الرابع: أن يحيل بمال معلوم؛ لأنها إن كانت بيعاً فلا يصح في المجهول، وإن كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم، والجهالة تمنع منه]، يعني: أن يحيل بدين معلوم، فيأخذ المحال حقه كذا من المال، ولا يكون المحال به مجهولاً، بل لابد أن يكون ديناً معلوماً.(64/4)
من أحيل على مليء لزمه أن يحتال
قال: [ومن أحيل على مليء لزمه أن يحتال -والمليء الذي عنده فلوس، وليس للمحال الحق أن يقول: أعطني حقي أنت لا غيرك، فله أن يعطيه وكيلاً أو من يحيله عليه طالما أنه مليء- والمليء الموسر، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام (إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع) -والحديث عند أبي داود - ولأن للمحيل إيفاء الحق بنفسه وبوكيله، وقد أقام المحال عليه مقامه في الإيفاء فلم يكن للمحال الامتناع].(64/5)
عدم براءة المدين الأصلي إن ضمنه آخر
قال رحمه الله تعالى: [وإن ضمنه عنه ضامن لم يبرأ وصار الدين عليهما، ولصاحبه مطالبة من شاء منهما]، أي: إن ضمن الدين شخص آخر لم يبرأ المدين الأصلي، وصار الدين عليهما، وللدائن مطالبة أي واحد منهما، وعليه فلدينا أصل وفرع، فالأصل هو المدين، والفرع هو الضامن، فإذا أبرأ الدائن الفرع لم يبرأ الأصل، وإن أبرأ الدائن الأصل برئ الفرع.
ثم قال: [لأن الضمان ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق، فثبت في ذمتهما جميعاً، ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت؛ لقوله عليه السلام: (الزعيم غارم)].
-أي الضامن غارم- رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح].(64/6)
براءة الضامن إن استوفى الدين من المدين الأصلي
قال: [فإن استوفى من المضمون عنه أو أبرأه برئ ضامنه]، والمعنى: إن استوفى الدين من المدين الأصلي فقد برئ الضامن؛ لأنه وفى الدين من المدين الأصلي، أو أبرأ الدائن المدين، كأن قال له: أبرأتك من الدين.
سقط ما على الضامن.
قال: [لأن الضامن تبع للمضمون عنه، فزال بزوال أصله كالرهن]، أي: أن الدائن إذا أبرأ المدين المضمون عنه سقط ما عليه ولحقه أيضاً الضامن، وذلك كالرهن، والرهن مشروع؛ للحديث الذي في البخاري: (مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي)، وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة:283]، يعني: لو أن رجلاً اقترض من نصراني أو يهودي، وطلب منه رهناً على ذلك جاز، وهذا هو ما يسمى بالرهن، وهو: ضمان دين بعين، وهو وعقد الضمان وعقد الكفالة من عقود التوثيق، بينما الحوالة ليست من عقود التوثيق، وإنما هي: تحويل دين من ذمة إلى ذمة أخرى.(64/7)
عدم براءة المضمون عنه إن أبرأ الدائن الضامن
قال: [وإن أبرأ الضامن لم يبرأ الأصيل]، يعني: إن أبرأ الفرع (الضامن) لم يبرأ الأصل (المضمون عنه).
ثم قال: [لأن التوثقة -عقود التوثيق تعني: توثيق للديون- انحلت من غير استيفاء فلم يسقط الدين كالرهن إذا انفسخ من غير استيفاء]، أي: إذا سدد الفرع (الضامن) عن الأصل (المضمون عنه) عاد الضامن على المضمون عنه؛ لأن الأصل ما زال مديناً، وتبقى المشكلة بين الضامن والمضمون عنه.(64/8)
رجوع الضامن على المضمون عنه
ولذلك قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإن استوفى الضامن رجع عليه، يعني: رجع الضامن على المضمون عليه]، وهنا مشكلة في البنوك الربوية؛ لأن البعض قد ضمن في البنوك الربوية وارتكب بذلك الآثام والمعاصي العظيمة، فأقول: يمكن للضامن أن يأتي بكشف حساب من البنك بالمبالغ التي استقطعت منه لسداد دين المدين الأصلي، ويرفع عليه دعوى بذلك؛ لأن هذا الضمان قد خرب بيوتاً كثيرة، حتى أن أحد الناس لديه عاهة وهو قعيد، وكان موظفاً في وزارة الشباب والرياضة، فذهب هو واثنين آخرين ليضمنوا عن أحد الناس في البنك، ففصل الاثنان من عملهما وولوا خارج البلاد، وبقي أمر البنك إلى هذا القعيد، والآن يهددونه بدفع عشرة آلاف جنيه وإلا سيفصل من عمله، أما المدين الأصلي فقد أفلس وولى، فقلت له: ما الذي وضعك في هذه المصيبة؟! رغم أن القانون الوضعي ينص على أنه لا يجوز أن يؤخذ المرتب كاملاً؛ حتى يترك للضامن أن يأكل ويشرب، وحدث ولا حرج، فهذا جزاء من عصى الله، وهذا جزاء من ضمن ربا، وهذا جزاء من دخل إلى مؤسسة ربوية يحاد الله ورسوله.
قال: [أما إذا قضاه متبرعاً لم يرجع بشيء كما لو بنى داره بغير إذنه، وإن نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع؟ على روايتين]، يعني: لو أن رجلاً قضى عن المضمون عنه دينه، وذلك باختيار منه دون إلزام من أحد، فهذا وفاء بدون معرفة المدين الأصلي، فما حكم ذلك؟ روايتان عن الإمام أحمد: له أن يرجع، وله ألا يرجع، فعلى رواية: له ألا يرجع، كمثل رجل بنى لآخر داره بغير إذنه، فيستحيل أن يقول الضامن أو الذي بنى الدار: أعطني التكاليف؛ لأن الإجابة من المضمون عنه أو صاحب الدار بدهياً: ومن الذي كلفك بالبناء لي؟! والراجح: عدم الرجوع؛ لأنه وفاه بطيب نفس منه دون التزام من المضمون عنه أمامه.(64/9)
حكم من كفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره
قال: [ومن كفل بإحضار من عليه دين]، انتقل بعد الضمان إلى الكفالة، وهي كفالة إحضار جسد، فلو وجدت رجلين يختصمان ويقول أحدهما للآخر: أعطني، فيقول الآخر: ليس معي شيء، فيقول الآخر: يا رجل أوفني حقي واتق الله، وارتفعت أصواتهما، فقلت أنت: ماذا تريد منه؟ فقال: عنده ألف جنيه منذ عشر سنين، فقلت للمدين: متى تقضي يا رجل؟ فقال: الخميس القادم إن شاء الله، فقلت للدائن: اتركه وأنا آتيك به يوم الخميس.
فهنا تعهد بإحضار جسده، لكن إن مات المدين لا يلزم إحضار الجثة.
قال: [ومن كفل بإحضار من عليه دين فلم يحضره لزمه ما عليه؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (الزعيم غارم)]، أي: إن لم يحضر الكفيل المدين في الوقت المحدد لزمه ما عليه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (الزعيم غارم) أي: ضامن.
ثم قال: [ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب بها الغرم كالكفارة بالمال]، أي: إن مات المدين برئ الكفيل، ولا شيء عليه، بينما في الضمان إن مات المضمون عنه فيلزم الضامن الدين.
قال: [فإن مات برئ كفيله؛ لأن الحضور سقط عن المكفول به، فيبرأ كفيله كما برئ الضامن ببراءة المضمون عنه]، يعني: إن أبرأ هذا برئ هذا، كذلك إن مات هذا سقط هذا.
ثم قال: [ويحتمل ألا يسقط ويطالب بما عليه؛ لأن الدين لم يسقط عن المكفول به، فأشبه المضمون عنه إذا لم يبرأ من الدين]، والصواب: أنه يبرأ؛ لأنها كفالة بالبدن وليس بالدين، فإذا انعدم البدن ومات فلا شيء على الكفيل.(64/10)
الأسئلة(64/11)
حكم تعزير من حلق شاربه
السؤال
هل يعزر حالق الشارب على قول الإمام أبي حنيفة؟
الجواب
هذا قول الإمام مالك، والخلاف إنما هو في المصطلحات الموجودة في الحديث: (حفوا الشارب)، (أنهكوا الشارب)، فبعض العلماء رأى أن الحف هو القص، وبعضهم رأى أن الحف هو الحلق، والمهم أن هناك خلافاً بين العلماء في فهم المصطلح، والله تعالى أعلم.(64/12)
حكم العمل مع اشتراط حلق اللحية معه
السؤال
ما حكم الدين في العمل الذي يتطلب حلق اللحية؟
الجواب
حرام، وإياك إياك أن تطلب الرزق في معصية الله، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، فاترك اللحية لله لاسيما أن اللحية لا خلاف في وجوبها عند المذاهب الأربعة، ولم نعرف حلق اللحية إلا بعد دخول الاستعمار، تقول أمنا عائشة: سبحان من زين الرجال باللحى، وقال هارون لموسى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه:94]، وكانت لحية النبي صلى الله عليه وسلم كثة، وكانوا يعرفون قراءته في صلاة العصر باضطرابها واهتزازها عليه الصلاة والسلام.
واللحية هي الرجولة والفحولة، بل إن علماء الفقه قد وضعوا دية لمن أخذ من لحيته جبراً عنه، كأن يعذب رجل آخر فيحلق لحيته، فوضعوا لذلك دية في كتب الفقه، لأن اللحية من ملامح الرجال.
وطالما أن الله زينك باللحية فلا تقل: إن عملي يتطلب مني حلق اللحية، نعم قد يكون هناك استثناءات شرعية، لكن احذر أن تقع فريسة لهؤلاء المخرفين الذين يقولون: يجوز حلق اللحية لمصلحة الدعوة! إن الدعوة بريئة منهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يأمر أصحابه في مكة في الحصار الاقتصادي أن يحلقوا لحاهم؛ لأجل أنهم في مرحلة استضعاف، بل ثبتهم على ذلك، واللحية سمت إسلامي يميز المسلم، والظاهر يدل على الباطن، فإياك إياك أن تسمع لهؤلاء فتقول: إن لم أحلق اللحية فسأفصل من عملي وربما قد أتأذى! إن ترك عمله هذا لله عوضه الله خيراً منه.
واسمع ما قال الخنزير بوش: إني أريد أن لا يكون في مجتمع المسلمين ملتح ولا منتقبة؛ لأن الملتحي والمنتقبة يقلق مضجعه، وما حدث في العراق يترجم ما نقول على المنابر، فقد أتوا بأئمة المساجد من أهل السنة -الأئمة العلماء الخطباء الذين يعظون الناس- وألبسوهم ملابس داخلية نسائية ثم دفعوا بهم إلى زنزانة انفرادية مع نساء هابطات، إنه إمعان في الفتنة، فمتى كان لهؤلاء القردة والخنازير شأن؟! ولم استضعف المسلمون وتفككوا إلى أحزاب وجماعات؟ ولم ضاعت الأمة وتركت الكتاب والسنة؟ إن هذا الذي يعلو ويتربع الآن على عرش العالم لن يطول به الأمد كثيراً: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء:227]، فيا عباد الله! ماذا يحدث؟ يترجم لنا ذلك الله عز وجل في قوله: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118]، فيا عبد الله! أقول لك: توكل على الله.(64/13)
شرح حديث: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة)
السؤال
أرجو شرح حديث: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة)، فمتى يكون ربا؟ وهل عند اختلاف الأجناس يسمح بالزيادة والنقص أم لا؟
الجواب
إن الأصناف الربوية الستة وما يقاس عليها، من موزون مطعوم أو مكيل مطعوم سواء، فعند مقايضة الذهب بذهب لا بد من شرطين: التماثل، والتقابض، يعني: لا تبع ذهباً بذهب إلا أن يكون مثلاً بمثل، يداً بيد، وكذلك الفضة بالفضة، لكن إن كان الذهب بالفضة جاز، لأن الأجناس قد اختلفت، بشرط التقابض ولا يشترط التماثل، والله تعالى أعلم.(64/14)
صبر الشاب الملتزم على ما يحدث له من الفتنة في بيته
السؤال
بعد أن هداني الله وأطلقت لحيتي تركت المنزل بسبب فتنة الأهل، فقالت لي أمي: أنا بريئة منك لو تركت المنزل، فهل أرجع للمنزل حالياً؟ وماذا أفعل؟
الجواب
الحقيقة أن الشكاوى تأتينا كثيرة من إخواننا الملتزمين، ولكن أطمئنهم أن هذا معتاد في كثير من البيوت، فالولد حينما يلتزم ويعفي اللحية يطرده أبوه ويقطع عنه المصروف؛ لأنه يخشى عليه من كذا وكذا، لذا لا بد عليه أن يصبر، وأن يستخدم الحكمة في مثل هذه المواقف، ولا يستقبل الغضب بغضب مثله، بل بالهدوء أو الابتعاد عن البيت مدة قصيرة ثم العودة.
وقد رأيت امرأة في المركز عندنا قد انتقبت فقامت الدنيا في بيتها ولم تقعد، بل وطلبوني في الساعة الثانية في الليل، أي: الأب والأم، وأخبروني عن حزنهم الأليم؛ لأن البنت قد لبست النقاب، وقالوا: لا يمكن أن تجلس في البيت! بل قال أبوها: على رقبتي لو جلست في البيت، وكذلك أمها قالت: أنا بريئة منها إلى يوم الدين، والبنت تبكي، وبعد أسبوع قلت للبنت: اصبري واحتسبي الأجر من الله، فتحول الأمر إلى الأفضل والأحسن، إنه الصبر، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:24]، فاصبر يا عبد الله! لأنه ما من أحد إلا أوذي، ولا يوجد أحد إلا قال له أبوه: اخرج من بيتي، بل ومنعه المصروف وشغله مكنيكياً، حتى إن بعض الإخوة أخذه أبوه وذهب به إلى المكنيكي فعلاً، وقال له: اجعله ينام تحت السيارة، وأقنعه أن يترك الطب ويشتغل مكنيكي سيارات؛ لأنه ملتح، وأبوه يقول له: تحلق لحيتك أو تبقى مكنيكياً، فقال: أبقى مكنيكياً، فاشتغل يومين أو ثلاثة، ثم طلب منه أبوه أن يعود إلى البيت، إذاً فالأمر يحتاج إلى صبر، والآباء لا تفهم وإنما يحركها العواطف، فتخاف فقط على ولدها من الاختلاط مع الفرق الضالة، كالخوارج والحزبيين ومن على شاكلتهم، ونحن لا ننادي بالجماعات أو بالعمل السري أو بالعمل التنظيمي، أو بالخروج على ولي الأمر أو بتكفير المعين، لا، لأن هؤلاء الذين يكفرون الناس قد جعلوا الأمة في أزمة، فخرجوا على الحكام، وقتلوا السياح، وسرقوا محلات المجوهرات، وتفلوا في وجوه المتبرجات، وهذا ليس من الدين، وليس هذا تغييراً للمنكر، بل لابد من الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، كتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود في المدينة، ومثله إن أراد المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم: فلو أن رجلاً نصح أباه بإخراج الدش من بيته، وأتى له بالموعظة والحكمة الحسنة، ولم يسرع إلى تكسير هذا الدش، لأنه يعلم قوله تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48]، فيكفي الرفق في القول، فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب فلن يسألك الله يوم القيامة، وإنما سيسأل من له الولاية، وكذلك: المرأة المتبرجة، فالأب مسئول عنها أمام الله تعالى، وليس لأخيها أن يضربها ويعتدي عليها، لكن له ذلك على من له ولاية عليه، كزوجته وأولاده، أما الآن فليس له ولاية، وإنما ولايته أن ينصح وأن يبلغ: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48]، وأن يصبر ويعتزل الفواحش والمعاصي والمنكرات، فهذا هو المنهج السليم، وما ضعنا إلا بسبب عدم فهم هذا المنهج، وعدم فهم المنهج، مشكلة كبيرة جداً، وهذا الكلام ممكن أن يغضب البعض، لذا لابد من الرفق واللين في الدعوة إلى الله تعالى، قال تعالى: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه:44]، وهذا عبد الله بن المبارك رأى رجلاً كبيراً في السن قد عطس ولم يحمد الله، حالنا سيقول له: احمد الله يا جاهل، طول عمرك جاهل وستعيش جاهلاً، وأنا أعلمك من عشرين سنة وأنت جاهل، بل قال له: ماذا يقول الرجل بعد أن يعطس؟! فقال: يقول: الحمد الله، قال: إذاً يرحمك الله، فهذا هو يا عبد الله الأسلوب الأمثل في الدعوة إلى الله، بينما بعض الإخوة يدعو إلى الله بفظاظة وغلظة، وهذا لا يمكن أن يقبل بحال، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]، والدعوة إلى الله ينبغي أن تكون على علم، فلا تدع على جهل، والذي سبب لنا أن عدنا إلى الوراء هو أننا دعونا على جهل، لذا فلابد أن ندعو على علم.
(دخل شاب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فقال له: يا رسول الله إئذن لي في الزنا! يريد رخصة في الزنا، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: أترضاه لأمك؟ قال: لا، قال: أترضاه لعمتك؟ قال: لا، قال: أترضاه لخالتك؟ قال: لا، -وظل يعدد له محارمه وهو يقول: لا- ثم مسح على صدره ودعا له، يقول: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأحب شيء إلى قلبي الزنا، وخرجت من عنده وأبغض شيء إلى قلبي الزنا).
إنها الحكمة والرفق في الدعوة، وتأمل حالنا لو دخل علينا شاب يقول: يا شيخ أريد أن تأذن لي بالزنا! لقيل له: اخرج يا داعر! يا هابط! أسلوب غليظ وفظ، لا بد من الحكمة في(64/15)
العدة شرح العمدة [65]
الرهن هو عقد من عقود التوثيق، وهو عبارة عن عين يضعها المدين عند الدائن مقابل حقه الذي عنده، ويكون الرهن فيما يجوز بيعه، وما لا يجوز بيعه فلا، وعلى المرتهن أن يحفظ الرهن قدر استطاعته، فإن تلف أو ضاع دون تفريط لم يضمن.(65/1)
أحكام الرهن
قال رحمه الله: [باب: الرهن].
الرهن لغة: الحبس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38]، أي: محبوسة بعملها، قال: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21]، أي: محبوس بعمله، ويأتي الرهن بمعنى: الثبوت، يقال: ماء راهن، أي: ثابت.
وهنا نقطة مهمة جداً، وهي أن يد المرتهن يد أمينة، فلو أعطى أحدهم لآخر أمانة أو رهناً لزمه أن يحافظ عليه قدر استطاعته، فإن فسد أو أتلف بدون إهمال أو تقصير منه لم يضمنه؛ يد الأمين ليست ضامنة، وكذلك يد المودع يد أمانة وليست يد ضمان.(65/2)
كل ما جاز بيعه جاز رهنه
قال: [كل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا].
أي: ما لا يجوز أن يباع لا يجوز رهنه، كأن يرهن أحدهم ولده توثيقاً للدين، ولا يعقل إن جاء الموعد المحدد للسداد فيقول الذي عنده الرهن (الولد): من يشتري هذا الولد مني؟! وكذلك الكلاب لا يجوز بيعها؛ لأن ثمنها حرام حرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي لا يجوز رهنها.
قال: [لأن المقصود من الرهن الاستيثاق بالدين باستيفائه من ثمنه عند تعذر استيفائه من الراهن]، أي: إذا تعذر السداد في الوقت المحدد، فللدائن أن يبيع الرهن ويستوفي حقه منه، ويجوز رهن الثمرة قبل نضجها؛ لأنه لدينا قاعدة تقول: ما جاز أكله جاز رهنه، ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذا يحصل مما يجوز بيعه]، إذاً: لابد أن يكون مما يجوز بيعه.
قال: [فأما ما لا يصح بيعه فلا يصح رهنه كالحر وأم الولد]، أي: ما لا يصح أن يباع لا يصح رهنه، كالحر وأم الولد، وما جاز بيعه جاز رهنه والعكس، وما يجوز أكله يجوز بيعه، لذلك من فقه الإمام البخاري أنه في كتاب البيوع جاء بحديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهو يأكل جماراً)، والجمار: قلب النخلة الأبيض، فأتى به البخاري لبيان جواز بيع الجمار؛ لأنه جاز أكله، والقاعدة الأصولية تقول: ما جاز أكله جاز بيعه.
قال: [لأن مقصود الرهن لا يحصل منه]، يعني: إن كان الشيء لا يباع لم يحصل المقصود منه؛ لأن الغرض من الرهن هو إيفاء الدين، وهنا نقطة مهمة جداً وهي: هل يشترط في الرهن أن يكون كالدين أو أعلى من الدين أو أقل من الدين في القيمة؟ وهل عقد الرهن ملزم للطرفين أم لطرف واحد؟ هناك عقود ملزمة للطرفين، وعقود ملزمة لأحدهما، وعقود غير ملزمة للطرفين، بينما عقد الرهن ملزم للراهن فقط، والرهن إما أن يكون كالدين فبها ونعمت، وإما أن يكون أعلى من الدين، كأن يكون على رجل خمسمائة جنيه، وأعطى رهناً بقيمة ثلاثة آلاف جنيه، وإما أن يكون أقل من الدين، ففي المذهب لا يجوز، لكن الصواب أنه يجوز، ولذلك أخطأ المذهب في قوله: إن قيمة الرهن إن كانت أقل من الدين فلا يجوز؛ لأن الوفاء ببعض الدين أولى من عدم الوفاء كلية.(65/3)
عدم صحة الرهن إلا بالقبض
قال: [ولا يصح إلا بالقبض]، يعني: أن الرهن لا يصح إلا بالقبض، يعني: لو أن شخصاً رهن عند آخر شيئاً، فلابد أن يقبضه، أي: المرتهن، ولذلك قال المصنف: [لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]]، يعني: لو كنت مسافراً ولم تجد كاتباً يكتب الدين فرهان مقبوضة.
قال: [ولأنه عقد إرفاق فافتقر إلى القبض كالقرض، وعنه في غير المكيل والموزون أنه يلزم بمجرد العقد قياساً على البيع، والمذهب الأول لأن البيع معاوضة وهذا إرفاق فهو أشبه بالقرض]، يعني: من شروط الرهن: أن يكون مقبوضاً، لكن كيف يتم القبض؟ يختلف المنقول عن العقار، فلو أن رجلاً اقترض مائة ألف ريال، وأعطى الدائن العمارة رهناً على ذلك، فهنا لابد أن يمكنه من العمارة ويسلمها له فارغة ويعطيه مفاتيحها، لأن هذه رهان مقبوضة، ولابد أن تشل يد المالك عن التصرف في العقار.(65/4)
كيفية القبض في المنقول وغيره
لذلك قال هنا: [وقبض المنقول بالنقل وبالتخلية فيما سواه]، يعني: أن الشيء المنقول ينقل إلى الدائن، والتخلية فيما سوى المنقول.
ثم قال: [وذلك لأن القبض في الرهن كالقبض في البيع والهبة، فإن كان منقولاً فقبضه نقله أو تناوله كالثوب والعبد والكتاب ونحو ذلك، والمكيل رهنه بالكيل فقبضه اكتياله؛ لقوله عليه السلام: (إذا سميت فكل) وإن كان موزوناً فقبضه بالوزن، وقال ابن عمر: (كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه)، وأما العقار والثمار على الشجر فقبض ذلك بالتخلية بين مرتهنه وبينه من غير حائل بأن يفتح له باب الدار ويسلم إليه مفاتيحها].
إذاً: إن كان الشيء المرهون منقولاً قبضه بنقله، كالمروحة والمسجلة والكتاب وغير ذلك، وإن كان لا ينقل كالعقار، خلى بينه وبين العقار، ومكنه من التصرف فيه، وإذا جاء وقت سداد الدين فله أن يبيعه، ويلزم صاحب العقار أن يمكنه من ذلك.(65/5)
قبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه
قال: [وقبض أمين المرتهن يقوم مقام قبضه؛ لأنه وكيله ونائبه، واستدامة القبض شرط في اللزوم كحالة الابتداء للآية، وعنه: أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط في البيع فلم يشترط في الرهن]، مثال ذلك: لو أن رجلاً عليه ألف جنيه لآخر مقابل رهن معين، فهل يشترط في الرهن الملازمة، أي: أن يكون في حوزة الدائن طوال مدة القرض؟ المذهب لابد من الملازمة، لكن الراجح: أنه إن وافق الدائن على عدم الملازمة فهذا حقه، وهذا هو المذهب، وعلى نقيض المذهب لا يشترط الملازمة في الرهن.(65/6)
ضمان الرهن بالتعدي
قال: [والرهن أمانة عند المرتهن لا يضمنه]، أي: أن الرهن أمانة عند الدائن (المرتهن)، ولا يضمنه إلا إذا تعدى، شأنه شأن الأمانة، فلو أن رجلاً وضع عنده رهن أو مال أمانة، ثم سرق منه بدون إهمال أو تقصير منه، فإنه لا يضمنه، لكن إن حصل التقصير أو التفريط فهو ضامن، وكذلك إن فسد الرهن أو أتلف، ولذا قال المصنف رحمه الله: [فإن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه؛ لأنه أمين فأشبه المودع].(65/7)
عدم جواز الانتفاع بالرهن
قال: [ولا ينتفع المرتهن بشيء من الرهن]، أي: أن المرتهن لا يجوز له أن يستخدم الرهن، كالمسجلة -مثلاً- يستمع بها طيلة الأسبوع.
ثم قال: [إلا ما كان مركوباً أو محلوباً، فيحلب ويركب بقدر العلف]، كالحمار إذا رهنه صاحبه في مائتي جنيه، فللدائن أن يركبه ويستنفع به، لكن بشرط أن يعلفه، ومثله الدواب الحلوب، فلا مشكلة أن يحلبها ويعلفها.
وبالقياس السيارة، فله أن يستخدمها مع وضع البنزين والزيت لها.
قال: [متحرياً للعدل في ذلك، سواء تعذر الإنفاق من المالك أم لم يتعذر؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرهن يركب بنفقته، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة) رواه البخاري، وفي لفظ: (فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب، وعلى الذي يشرب نفقته ويركب)].(65/8)
غنم الرهن للراهن
قال: [وللراهن غنمه من غلته وكسبه ونمائه؛ لأنه نماء ملكه فأشبه غير المرهون، لكنه يكون رهناً معه؛ لأنه عقد وارد في الأصل فثبت حكمه في نمائه كالبيع، وقال عليه السلام: (الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه)].
والمعنى: أن الرهن إن زاد سعره، أو زاد زيادة منفصلة كأن يلد، فكل ذلك للراهن، والمرتهن عليه فقط أن يحرس الرهن.(65/9)
غرم الرهن على الراهن
ثم قال: [وعليه غرمه -أي: على الراهن- من مؤنته ومخزنه وكفنه إن مات].
مثال ذلك: أعطيتك عبداً رهناً في ألف جنيه حتى يأتي وقت السداد، وثمن هذا العبد ألف وخمسمائة، ثم مات العبد قبل أن يأتي موعد الدين، فغسل هذا العبد وكفنه على الراهن وليس على الدائن.
مثال آخر: أعطيتك أرزاً رهناً في ألف جنيه، فتخزينها علي لأنني أنا المالك، ولا يصح أن أعطيك الأرز ثم أقول لك: خذ هذا الأرز وخزنه بمائتي جنيه، إنما كل التكاليف لابد أن تكون على الراهن طالما أن الدائن لم ينتفع به، أما أن يكون الأمر كما حصل في بلدنا: أن رجلاً أتى بنقلة تراب صفراء بأربعين جنيهاً، فخشي أن تسرق فأوقف عليها حارساً بخمسين جنيها! ألا توجد عقول يا عباد الله؟! نسأل الله العافية، وهنا لابد أن نقول: إن الراهن يتكلف المؤنة.
قال: [ويلزمه جميع نفقته من كسوة وعلف وحرز وحائط وسقي وتسوية وجذاذ وتجفيف -كل ذلك على الراهن- وهذا من غرمه؛ لأنه ملكه فكانت عليه نفقته كالذي في يده ويلزمه كفنه إن مات كما يلزمه في الذي في يده]، يعني: أنه يلتزم بكل شيء يتطلبه.(65/10)
حكم الرهن إن أتلفه مالكه
[وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن بعتق أو استيلاء فعليه قيمته تكون رهناً، فلا يجوز للراهن عتق المرهون؛ لأن فيه إضراراً بالمرتهن وإسقاط حقه اللازم له، فإن فعل نفذ عتقه.
نص عليه؛ لأنه محبوس لاستيفاء حق فنفذ فيه عتق المالك، كالمحبوس على ثمنه، وتؤخذ منه قيمته تكون رهناً مكانه لأنه أبطل حق الوثيقة بغير إذن المرتهن، فلزمه قيمته كما لو قتله].
يتحدث المصنف عما إذا رهن الراهن عبداً مملوكاً أو جارية مملوكة، وهناك فرق بين الجارية المملوكة الأمة وبين أم الولد، فأم الولد حرة إن أنجبت من سيدها، لذلك هاجر كانت فقيهة، فحينما سألها جبريل عليه السلام في حديث البخاري: (من أنتِ؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم) ولم تقل: أنا زوجة إبراهيم، فقولها: أم الولد إشارة إلى أنها كانت مملوكة، ثم حملت من سيدها فأنجبت، فأصبحت حرة، ولذلك يتحدث المصنف هنا عن قضية إذا ما كان الرهن عبداً.
يقول: [وإن أتلفه أو أخرجه من الرهن] أي: أن السيد أتلف العبد، أو أخرجه من الرهن [بعتق] فإذا رهنتك عبداً ثم أعتقت هذا العبد وهو في حوزتك أصبح العبد حراً [أو استيلاء] أو أخذت منك العبد رغم إرادتك، أو أتلفته عليك، فما الذي يلزم الراهن في هذه الحالة؟ [فعليه قيمته تكون رهناً] أي: نلزم الراهن بالقيمة [فلا يجوز للراهن عتق المرهون؛ لأن فيه إضراراً بالمرتهن] لو أخذت منك ألفاً من الجنيهات ديناً، واشترطت أنت علي أن أعطيك رهناً، فأعطيتك عبداً مملوكاً، ثم أعتقت هذا العبد أو أتلفته، أو استوليت عليه عنوة لزمك قيمته تكون عندك رهناً.
قال: [وأما إذا وطئ جاريته المرهونة فأولدها خرجت من الرهن] أي: أني رهنت عندك جارية، ولا يمنع ذلك أن أعاشرها بإذنك فأنا سيدها ومالكها الحقيقي، فهي عندك أمانة، فلما عاشرتها حملت.
[وأما إذا وطئ جاريته المرهونة فأولدها خرجت من الرهن، وأخذت منه قيمتها فجعلت رهناً]؛ لأنها بمجرد أن تلد تصبح حرة، فلا يجوز أن تُرهن؛ لأنه لا يرهن إلا ما يجوز بيعه، فلا يجوز أن أرهن ولدي؛ لأن ولدي لا يباع، أما الجارية المملوكة فتباع، فإن جامعها وعاشرها ووطئها فحملت منه لزمه قيمتها؛ لأنها أصبحت حرة.
[وذلك أن الراهن ليس له وطء جاريته المرهونة؛ لأنه يفضي بذلك إلى أن يخرجها من الرهن، فيفوّت حق المرتهن، فإن وطئها فلا حد عليه؛ لأنها ملكه] لكن لا يطأها خلسة في غياب المرتهن، وهذا من باب الحيل.(65/11)
الحيل في الشرع
ابن القيم في كتاب إعلام الموقعين في المجلد الثالث أبدع في باب الحيل؛ لأن هناك من الحيل ما يشرع ومن الحيل ما لا يُشرع، فبنو إسرائيل أساتذة في الحيل، كرجل قال لزوجته وهي في الطابق السادس: إن نزلت فأنتِ طالق، وإن صعدت فأنتِ طالق، فقالوا من باب الحيل: تلقي بنفسها عليه، لعلها تتخلص منه.
وسئل أحد العلماء عن زوج قال لزوجته وهي تأكل التمر: إن بلعتها فأنتِ طالق، وإن قذفتها فأنتِ طالق، قال بعضهم: تأكل نصفها وتقذف نصفها، وهذا من باب الحيل.
وهناك حيل غير مشروعة: كرجل أراد أن يجامع زوجته في رمضان فأنشأ سفراً إلى الصعيد مع الزوجة، فأفطرا بسبب السفر ثم جامعها، فهذا السفر فيه حيلة.
والمحلل تيس مستعار، وهذا نراه ونشاهده.
ومن الحيل إن أردت أن أبيع أرضاً وجاري له حق الشفعة، فآتي بالمشتري وأكتب في العقد عشرة أمثال قيمة الأرض، وأتعامل معه سراً بالثمن الحقيقي وهذه حيلة لأحرم جاري من حق الشفعة؛ لأنه ينبغي أن يوضع المبلغ الموجود في العقد لينفذ حق الشفعة.
ومن الحيل التي أوردها ابن القيم: رجل طلق امرأته طلقتان، فهنا يقول لها: اخلعي نفسكِ مني، والخلع فسخ وليس طلاقاً عند جمهور العلماء، فتخلع نفسها منه وترد عليه المهر، ثم يراجعها بعقد جديد حتى لا يقع في الطلقة الثالثة، يأمرها بالخلع ليحلل لنفسه ثلاث طلقات جديدة، وهذه حيلة.
فبنو إسرائيل تحايلوا حينما نصبوا الشباك للسمك في يوم السبت، وكانوا في يوم السبت تأتيهم حيتانهم شُرّعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، وهذه هي قصة أصحاب السبت الواردة في سورة الأعراف اشتاقوا لأكل السمك فنصبوا الشباك في يوم السبت فدخلها السمك، فجذبوها في يوم الأحد، وقالوا: هكذا لم نصطد في يوم السبت.
ثم انقسموا بعد هذه الحيلة إلى ثلاث فرق: فرقة انتهكت الأمر وتحايلت على الشرع، وفرقة اعتزلت ونصحت وأخذت على يد المجرمين المخالفين، والفرقة الثالثة ثبّطت الناصحين {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164].
يقول المفسرون: الفرقة التي انتهكت الأمر بالليل كانت من جنس بني آدم فوجدوهم في الصباح قد مسخوا قردة.
والفرقة الثالثة التي ثبّطت مختلف فيها هل مُسخت هي الأخرى أم لم تُمسخ؟ قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] ولذلك اليهود عندهم عقدة من القرود.
ويدرس أبناؤنا في الثانوية نظرية تسمى بنظرية النشوء والارتقاء، وهي نظرية داروين، وأن الإنسان في أصله قرد، ثم تطور حتى أصبح إنساناً، فالسبب الرئيسي في هذه النظرية أن داروين يعلم أن أجداده كانوا قروداً، فأراد للبشرية أن تكون قروداً كحال أجداده، ولذلك مسخوا فلم يأكلوا ولم يتناكحوا وماتوا بعد ذلك بثلاثة أيام.(65/12)
حكم الرهن إن أتلف مالكه جزءاً منه
قال: [فإن كانت بكراً فعليه ما نقصها إن شاء جعله رهناً، وإن شاء جعله قضاء من الحق].
أي: أن السيد جامع جارية كانت بكراً، فالبكر لها ثمن غال، وهو حولها إلى ثيب دون أن تحمل، فهنا من المتضرر المرتهن أو الدائن؟ فثمنها كان 5000 ثم تحولت إلى ثيب ثمنها 1000، فأنقص ثمنها، فهنا نلزم الراهن بأن يدفع الفرق للمرتهن، وهي 4000.
قال: [فإن لم تحمل منه فهي رهن بحالها كما لو استخدمها] أي: لو أنها ثيب ولم تحمل فلا شيء عليه؛ لأن سعرها كما هو.
[وإن ولدت فولده حر، وتصير أم ولد له؛ لأنه أحبلها في ملكه، وتخرج من الرهن موسراً كان أو معسراً كما لو أعتقها، وعليه قيمتها يوم أحبلها؛ لأنها وقت إتلافها تُجعل رهناً، وكذلك إن تلفت بسبب الحمل].
أي: إن حملت من سيدها وولدت تصبح حرة، إذاً نلزم السيد بقيمتها؛ لأنه أتلف الرهن، وحوّل الجارية إلى حرة.(65/13)
حكم الرهن إن جنى عليه غيره
قال: [وإن جنى عليه غيره فهو الخصم فيه، وما قبض بسببه فهو رهن].
أي: لو أن رجلاً ضرب عبدي فجنى عليه وهو عند المرتهن، فالخصم أنا سيده؛ لأن العبد ملكي أنا الراهن ولم يخرج عن ملكي، فأنا الذي أُحاج الجاني، [وإن أماته فإما القصاص وإما الدية، أو قيمة الجاني الأقل منهما] فإن كانت الدية أعلى من قيمة الدين فأعطيه الأقل، وإن كانت الدية أقل من الدين فأعطيه الدية، [ولو أن المرتهن جامع الجارية، يجلد خمسين جلدة] لأن حد الجارية على النصف من حد الحرة.
[وإن عفا السيد عن القصاص إلى غير مال انبنى على موجب العمد] المعنى: أنه إن عفا فيلزمه قيمة الدين أو ما يساوي الدية للقتل العمد، وبعد ذلك يضعها عند المرتهن.(65/14)
حكم الرهن إن جنى على غيره
قال: [وإن جنى الرهن فالمجني عليه أحق برقبته].
لو قتل العبد شخصاً، فالمجني عليه أحق برقبته، ونلزم الراهن بوضع قيمته عند المدين؛ لأن الدائن تحلل من الراهن.(65/15)
حكم الرهن إذا حضر وقت سداد الدين
قال: [وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن].
لو أنك وضعت عندي رهناً ثم جاء موعد الدين، فلم تقض الدين، فماذا أصنع؟ هل أبيع الرهن بإرادتي؟ لا بد أن يوافق صاحب الرهن على البيع، فإن لم يوافق رُفع الأمر إلى الحاكم ليفصل بين الخصمين في المسألة.
قال: [وإذا حل الدين فلم يوفه الراهن بيع ووفي الحق من ثمنه وباقيه للراهن، وذلك أن الراهن إذا امتنع من وفاء الدين عند حلوله، فإن كان أذن المرتهن في بيعه، أو للعدل الذي هو في يده، باعه ووفى الدين].
والعدل هو رجل بين الدائن والمدين، وهو فقط من يبيع الرهن.
[لأن هذا هو المقصود من الرهن، وقد باعه بإذن صاحبه في قضاء دينه، فيصح كما في غير رهن، وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن، فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه؛ لأن ولاية الحاكم على ذلك نافذة، ولأن مقتضى الرهن الإيفاء من ثمنه فجاز للحاكم ذلك كما لو أذن فيه].
أي: أن الغرض من الرهن توثيق الدين برهن، فإذا جاء الموعد المحدد للسداد ولم يدفع المدين ينقلب الرهن إلى حفظ الدين، وينقلب الأمر إلى الحاكم فيبيع الرهن ويوفي الدائن حقه، والزيادة يردها إلى الراهن.(65/16)
حكم اشتراط الرهن في البيع
قال: [وإذا شرط المرتهن أو الضمين في بيع فأبى الراهن أن يسلمه أو أبى الضمين أن يضمن خُير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين].
هذا بيع وشراء مشروط، فأنا أشتري منك وأنت تبيع، لكن أشتري منك بشرط: إما الرهن وإما الضمين، أي من يضمن، فيضمن السداد في حال عدم سدادك، والمؤمنون عند شروطهم.
فيجوز أن أشترط في البيع فأقول لك: إذا أردت أن تشتري هذه الحقيبة يلزمك أن تأتي برهن أو ضمين، فإن جئت برهن أو ضمين فقد تم البيع، وإن لم تأت برهن ولا ضمين فأنا بالخيار: إما أن أفسخ العقد لأنني صاحب المصلحة البائع.
قال: [خُير البائع بين الفسخ أو إقامته بلا رهن ولا ضمين] يعني: أنا البائع، إما أن أفسخ العقد وإما أن أتم العقد بلا رهن ولا ضمين.(65/17)
الأسئلة(65/18)
انتشار المعاصي في الصيف
السؤال
يسأل عن انتشار المعاصي في الصيف.
الجواب
نحن في فصل الصيف، وفصل الصيف يجيء بمعاصيه الكثيرة، نسأل الله العافية، ومن أول معاصيه: ظهور بعض السيدات في بلكونات البيوت بملابس لا ترضي الله عز وجل، فتخرج من بيتها وقد خلعت ملابسها -مثلاً- لتنشر الغسيل أو لتشم الهواء، أسأل الله سبحانه وتعالى أن تشم رائحة الجنة إن طبقت شرع ربها عز وجل، وبعض الشباب لا خلق له ولا دين يتتبع عورات البيوت بالمناظير، ولذا فلابد أن نراعي هذه النقطة؛ لأنه قد حصل من جراء ذلك مصائب كثيرة، فقد اتصل بي أخ فاضل وقال لي: زوجتي تعرفت على شاب من خلال البلكونة، فخرجت إلى البلكونة والشاب يخرج أمامها، وهكذا هي تخرج وهو يخرج أمامها، لذا فالمرأة المسلمة والبيت المسلم لابد أن يراعي السلوك، فتخرج المرأة ليلاً لابسة لزيها الشرعي؛ لأن هناك ذئاباً بشرية تنتهك الأعراض، وهذا أمر يقع في الصيف كثيراً، فلابد من مراعاته.
كذلك: ما يقع فيه من تخفيض للملابس في الشوارع والطرقات، وما يقع فيه من ذهاب إلى المصايف وما أدراك ما المصايف؟! وإن شئت فقل: المصائب، لأنه يحصل فيها الاختلاط وكشف للعورات والفواحش والغناء وغيرها من المنكرات التي لا ترضي الله عز وجل، والأمة جميعاً مطالبة بأن تواجه هذه المعاصي، لكن لابد من بديل إسلامي أيضاً، وهناك موضوعات مهمة جداً للبحث لا ينبغي أن نغض عنها الطرف، بل ينبغي الإشارة والتحذير من مثل هذه الظواهر التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى.(65/19)
حكم تجريح الدعاة
السؤال
أخي يحضر معي إلى الدرس، وهو يستمع لمشايخ التجريح الذين يتكلمون في الدعاة، وأنا أريد أن يترك هذا الفعل وألا يتكلم على أحد، سواء كان عالماً أو غيره، فماذا أصنع؟
الجواب
مصيبة الأمة أنها تركت نقد أعدائها وتفرغت لبعضها البعض، فيوم أن يقدح الدعاة في بعضهم تجد البعض ينقل كلامهم، بل ويجرح في بعضهم، وكان المفروض إذا أخطأ العالم أن يعالج الخطأ بينه وبين العالم الآخر، فيقول: والله أنت أخطأت في كذا والصواب كذا حفظك الله، فيصحح ويبين له الخطأ برفق ولين، أما على الملأ فينشر مدحه، لا أن يفضحه على الملأ فيقول: لا تسمعوا لهذا فإنه قطبي مبتدع، مرجئ اعتزالي، فإذا كان كل علماء الأمة أصحاب اعتزال ومرجئة فلمن نسمع يا عبد الله؟! إن خطأ العالم يصحح له سراً لا علانية، وصراع الأقران أو نزاع الأقران يطوى ولا يروى، لكن بعض الطلبة قد يذهب إلى هذا المسجد، ويذهب إلى مسجد آخر فينقل كلام الشيخ من واحد إلى آخر، وهذا خطأ عظيم، وكان الأفضل والأحسن لطالب العلم أن ينشغل بالعلم، وبمسائل الفقه، كالرهن والضمان والحوالة، لا أن ينشغل بالجرح والتعديل في المسلمين، والأدهى أن تجد منهم من يتهم غيره تهماً كبيرة، كأن يقول أحدهم: هو من الخوارج! أو هو اعتزالي! نسأل الله العافية، قل: عنده بعض الأخطاء نسأل الله لنا وله العافية، ولا مانع أن نصحح الأخطاء لبعضنا البعض، ويقيل بعضنا عثرات البعض، ويعفو بعضنا عن البعض، ونتجاوز لبعضنا عن الأخطاء، أما كما قال ابن تيمية: من الناس من هو كالذباب لا يقع إلا على مواطن العطب.
يعني: كالذباب يترك الشيء الحسن ولا يقع إلا على القبيح، فهذا لا يجوز أبداً، لذا فأنصح نفسي وإخواني ألا ننشغل بالكلام عن الدعاة، وإنما هؤلاء أعلى منا، ويمكن أن ينصح العالم صنوه أو قرينه، أما أنا وأنت فلا ننشغل بهذا الموضوع أبداً؛ لأن فيه تضييعاً وإهداراً للوقت، وفيه من الأمور ما لا يحمد عقباها على الأمة.(65/20)
حكم الانتفاع بالرهن
السؤال
إذا كان الرهن لأرض زراعية بها محصول قائم، فهل يجوز للدائن الانتفاع بها مع العلم أنه إذا ترك الأرض دون رعايتها وسقايتها مات الزرع؟
الجواب
المدين هو وحده الذي يسقي ويحصد ويأخذ زرعه إلى بيته؛ لأن الأرض أرضه والزرع زرعه، ولا يجوز للدائن أن ينتفع بالأرض، والله تعالى أعلم.(65/21)
حكم طلاق المرأة ثلاثاً بنية التهديد
السؤال
رجل طلق امرأته ثلاثاً، وعندما سئل في الثالثة قال: إنما نويت التهديد؟
الجواب
الطلاق الصريح يقع حتى وإن لم ينو الطلاق، فلو قال الرجل لزوجته: أنت طالق، يقع الطلاق سواء نوى أو لم ينو.(65/22)
أرش الجناية
السؤال
ما هو أرش الجناية؟
الجواب
أرش الجناية هو في حكم الدين، ومثاله: لو ضربت واحداً في وجهه -وهذا منهي عنه- فكسرت له ضرساً، فالضرس هذا يسمى: (أرش جناية)، فلو قومته -مثلاً- بألف جنيه، والدين عليه خمسمائة جنيه، فنعطيه خمسمائة جنيه، وهذا يسمى: أرش جناية.
ومثله: ضربت عبدي فأصبته في وجهه إصابة قدرت شرعاً بثلاثة آلاف والعبد بألفين، فأعطيه ألف جنيه.(65/23)
حكم بيع بول الإبل
السؤال
هل يجوز بيع بول الإبل لما فيه من علاج لبعض الأمراض؟
الجواب
نعم؛ لحديث العرنيين عند البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف بول الإبل كعلاج، وألبان الإبل كعلاج.(65/24)
حكم تنظيم النسل من أجل إتمام الرضاعة
السؤال
ما حكم تنظيم النسل في حالة وجود طفل رضيع من أجل حقه في الرعاية؟
الجواب
يجوز أن ينظم النسل، فيترك فترة بين الولد والولد الآخر؛ لأجل أن تسترد الأم قوتها وأن ترضع رضيعها، وأن تقوى على حمل جديد.(65/25)
حكم الدعاء على الكاسيات العاريات
السؤال
هل يصح الدعاء على الكاسيات العاريات فيقول: اللهم العن الكاسية العارية؟
الجواب
يجوز ذلك، لكن لا تلعن المعينة، لا تقل: اللهم العن فلانة بنت فلان، وإنما تلعن الصفة، ولا يكن هذا ديدن الناس، وإنما الواجب أن يهتموا بالدعوة، والحقيقة أن هناك أموراً عجيبة تحدث في هذه الأيام، فقد اتصلت بي فتاة في السنة الثالثة في كلية الحقوق، وتقريباً قبل ساعة أو ساعتين تركت الكلية، فقلنا لها: لماذا تركت الكلية أيتها الأخت؟ فقالت: فيها فساد واختلاط، مع أن خالها عميد الجامعة أو كلية الحقوق، وقد قال لها: إنك تختلطين بالجماعات الإسلامية! واعلموا أن هناك أربعين أختاً من الزقازيق قد تركن الجامعات في تخصصات عديدة، كالطب والصيدلة وغيرهما، وهذا الكلام كلام خطير جداً، ولو عمم هذا الأمر لحدث بالبلاد مصيبة، لذا فللمرأة أن تخرج من بيتها لكن بضوابط: الأول: أن تخرج ملتزمة بالزي الشرعي، والثاني: ألا تختلط بالرجال، والثالث: ألا تجر مفاسد على نفسها، فهذه ضوابط شرعية لخروجها، لكن تريد إخراجها من الجامعة نهائياً فهذا خطأ؛ لأننا بذلك سنصدر العصاة إلى المناصب فيعم الفساد في المجتمع، وقد يقول قائل: يا شيخ! الشيخ الألباني قد أفتى بكذا، والشيخ أبو إسحاق قال على هذا المنبر: إن الجامعة حرام بسبب ما فيها من الاختلاط والتبرج، إن كلام العلماء هذا على إطلاقه له ضوابط، وقد استوقفني بعض الإخوة في هذا الأمر، والأخت التي اتصلت بي قبل ساعتين قلت لها: أتوسل إليك بالله أن تعودي إلى الجامعة، وكفى عاراً وإثماً فأنت الآن تسيئين إلى المجموعة، اخرجي منتقبة محتشمة وادفعي المفسدة بقدر استطاعتك، إنما أن نعمم الحكم فهذه مصيبة كبيرة، وهذا كما كان بعض الإخوة أطباء فخرجوا من السنة الخامسة في الطب واشتغلوا بأعمال في الحارة! ما هذه المصيبة التي أصبنا بها؟! ما هذا التفكير السلبي؟! كذلك الآن أخ دكتور اتصل بي يقول لي: بأن زوجته تقول له: سنخرج الأولاد من المدرسة؛ لأنها مدرسة سيئة، أرأيتم المصيبة التي نحن فيها، أرأيت إلى الفكر الإسلامي ماذا يعاني؟ وهؤلاء الأقزام يكتبون عنا ليل نهار في الجرائد الصفراء العلمانية التي يقودها الشيوعيون في الأصل ومعروفون بشيوعيتهم، فيأخذون هذه النقاط على المسلمين ويقولون: انظروا إلى أهل السنة يريدون أن يخربوا المدارس! فيا مسلم! اتق الله في نفسك وفي دينك وفي الصورة العامة لمظهر الأمة، وتأمل ماذا يترتب على هذه القرارات؟ لا شك أنه يترتب على ذلك المصائب الكبيرة، فنعاني منها بسبب سوء الفهم وعدم وضع الضوابط الشرعية، والبعض يفتئت على الشرع، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة، نسأل الله العافية.(65/26)
حكم تغطية الرأس
السؤال
بعض الناس يقولون: إن تغطية الرأس واجب يعاقب تاركه، ويقولون: إن عاري الرأس لا تقبل له شهادة؟
الجواب
تغطية الرأس ترجع إلى عادة المجتمع الذي تعيش فيه، فمثلاً في السعودية يعتبر كشف الرأس مذمة، بينما في مصر لا يعتبر كذلك، قال ابن عمر لمولاه: أتحب أن يراك الناس عاري الرأس؟ قال: لا، قال: فربك أحق أن تتجمل له، وقد رأيت أخاً قبل أسبوعين دخل كلية التجارة يلبس قميصاً وعمامة ويمسك عصا، فدخل على الأمن هكذا! يا رجل اتق الله في نفسك، أتريد أن يقولوا لك: تفضل، لا، البس بنطالاً فضفاضاً غير مسبل، وجاكتاً طويلاً إلى الركبة، وادخل من غير كرفتة، ولا تأخذ معك منديلاً وتضعه هنا في الشمال، وذلك مثل حال بعض الدعاة، فيربي شاربه ويحلق لحيته ويعمل كرفتة ويضع منديلاً ويتكلم! أيصح هذا؟! أنا لا أقصد أحداً بعينه، إنما المسلم له سمت وسمته غير استفزازي، والمسلم يراعي حال المجتمع، ثم ما رأيك في الشيخ ابن عثيمين عندما قال في شرح الممتع: ولبس الخاتم إن خالف المجتمع فلا تلبسه؛ لأن لبسه قد يكون من الشهرة، وكذلك لبس الساعة في اليد اليسرى، فقد دافع عنها وقال: البسها في اليسرى؛ لأن اليمنى تستعمل في الأعمال الشاقة، ولا ينافي ذلك لبسها في اليمنى، وهي ليست من سنن العبادات وإنما من العادات، لكن أعرف بعض أخاً يلبس الساعة في يده اليمنى، فاستدعي ذات مرة إلى قسم الشرطة، فنقل الساعة من اليمنى إلى اليسرى! والساعة عليها علامة تدل على أنها في اليمنى، فرآه الضابط فضربه ضرباً شديداً، نسأل الله أن يجازيه بما عمل، لكن هو الذي عمل بنفسه هكذا، وهو الذي استفز الضابط، وما كان ينبغي أن يعمل ذلك الفعل، فالبسها في اليمنى ولتكن في اليمنى باستمرار، إنما أن تنقل الساعة إلى اليسرى عند دخولك إلى قسم الشرطة ثم بعد أن تخرج تعيدها إلى اليسرى فهذا عمل الجهال، نسأل الله العافية.(65/27)
حكم إنشاد الضالة في المسجد
السؤال
ما حكم إنشاد الضالة في المسجد؟
الجواب
يفهم بعض الإخوة أن الضالة هي أي شيء، كالساعة أو النظارة أو الفلوس، وهذا خطأ، وإنما الضالة هي الدابة التي تضل الطريق، فلا يجوز إنشادها في المسجد، ويجوز إنشاد غيرها، كأن يقول: من وجد لي مبلغاً من المال، أو نظارة، أو طاقية؟ فهذا لا حرج فيه، والله تعالى أعلم.(65/28)
حكم صلاة التسابيح
السؤال
ما حكم صلاة التسابيح؟
الجواب
القول الراجح فيها: أنها ضعيفة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: موضوعة.(65/29)
إزالة إشكال من حديث
السؤال
مات النبي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي، فهل كان يوجد يهود بالمدينة وقد أخرجوا منها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
الجواب
لعل هذا اليهودي مسالم لم يحارب المسلمين فبقي في المدينة، والحديث هذا عند البخاري ولا يجوز الطعن فيه، والواجب أن نقول: سمعنا وأطعنا، والله تعالى أعلم.(65/30)
حكم فتح حساب في البنوك التجارية
السؤال
هل يجوز فتح حساب في البنوك التجارية؟
الجواب
البنوك التجارية ربوية لا يجوز وضع المال فيها، لكن لو كان البنك يحفظ الأموال فلا بأس إن لم تكن هناك وسيلة أخرى لحفظ المال دون فوائد.(65/31)
حكم قبول الهدية والاقتراض من شخص كل ماله من البنك
السؤال
هل يجوز الاقتراض من شخص كل أمواله من البنك، وهل أقبل الهدية منه؟
الجواب
نعم، يجوز الاقتراض منه وقبول هديته، والإثم عليه هو.(65/32)
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
السؤال
ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي في المسجد؟ هل هو بدعة أم لا؟
الجواب
الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ولم تكن في عهد الصحابة، وأول من أتى بها الفاطميون في مصر، وهي بدعة من أهل الكتاب، والاحتفال بموالد الصالحين ليس عليه دليل أبداً من الكتاب أو السنة.(65/33)
حكم جعل بعض الأشياء على شكل لفظ الجلالة
السؤال
ما حكم القفص الذي مكتوب عليه لفظ الجلالة؟ وكذلك الجرائد التي ينقل فيها الفاكهة مكتوب فيها لفظ الجلالة؟
الجواب
لابد أن تحرق الأوراق التي كتب عليها لفظ الجلالة، وهناك أخ قد أتعبني فيه وسوسة ليس في الجرائد فحسب، بل إنه يمشي ويقول: هذه الساعة فيها لفظ الجلالة، والمنبر على شكل لفظ الجلالة، والنافذة كذلك، وكل شيء يقول فيه: هو على شكل لفظ الجلالة! مثل: البيبسي المكتوب عليها لا محمد لا مكة، يا أخي اترك هذه الأمور فإنها لا تنبغي، والله تعالى أعلم.(65/34)
حكم وضع معاش التقاعد في البنك
السؤال
سيدة حصلت على معاش فكيف تتصرف فيه، حيث إن كل البنوك ربوية، وليس عندها خبرة وتجارة فماذا تفعل؟
الجواب
ضعيه في بنك فيصل والأمر إلى الله عز وجل.(65/35)
حكم إقامة جماعتين في وقت واحد
السؤال
ما حكم الجماعتين في المسجد في وقت واحد؟
الجواب
الجماعة الأولى تلغي الجماعة الثانية.(65/36)
حكم الزواج من مال الوالد الذي يضع أمواله في البنك
السؤال
الحمد لله أنا قادم على الزواج، ولكن أبي يضع الأموال في البنك، فهل يجوز أن أتزوج على نفقته؟ مع العلم أن راتبي يتعدى مائتي جنيه؟
الجواب
تزوج ولا حرج، والإثم عليه هو.(65/37)
حكم أخذ الصديق من مال صديقه دون معرفته
السؤال
قبل التزامي أخذت من صديقي بعض المال دون أن يعرف، فكيف أرده؟
الجواب
رد المال إليه بطريقة غير مباشرة، كأن تقول له: كانت لك أمانة عند شخص فخذها، أو أرسل له حوالة على البريد باسمه، وغيرها من الوسائل التي يمكن من خلالها توصيل المال إلى صاحبها، أما إن كان صاحب الدين غير معروف فيمكن أن تتصدق به، والأجر سيصل إليه إن شاء الله.(65/38)
مخططات الأعداء ضد الإسلام
السؤال
كتب أخ سؤالاً طويلاً مضمونه: أنه يريد لفت أنظارنا إلى مسألة مهمة جداً، ألا وهي: مخططات أهل الكتاب، ويقول بأن عنده دراسات سابقة في ذلك، ولكن: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32]، إلى آخر ما كتب.
الجواب
إن أي إنسان عنده مسكة عقل يفكر به سيعلم بأن هذا الدين يوافق الفطرة السليمة، وكفى أن تعلم قبل ذلك أن الآثار السبعة عند النصارى فيها ما يدعو للضحك، فإن أذنبت فهناك سر الاعتراف، وسر الاعتراف معناه: أن يذهب العاصي إلى من يعترف له بمعصيته، فيطلب منه أن يغفر له! ونحن نقول: اعترف بينك وبين خالقك ولا تكشف ستر الله عليك، ثم أيهما أولى: الذي يستر نفسه ويتوب إلى الله أم الذي يفضح نفسه وينكس رأسه عند مخلوق ويطلب منه أن يغفر له! إن هذه من الترهات، فماذا لو عصى ذلك الرجل الذي اعترف له؟ فلمن يعترف بعد ذلك؟ إلى من هو أعلى حتى يصل القمة! الاعتراف والإقرار بالذنب لا يكون إلا لله عز وجل، ولا وسائط ولا محسوبيات في ديننا، فضلاً عن الآثار الأخرى التي يعرفها المسلم الذي شرح الله صدره للإسلام، والإسلام هو دين الأنبياء: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85]، ولذلك كل الأنبياء جاءوا بدين الإسلام، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:52]، وقوله: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132]، فدين الأنبياء واحد والشرائع تختلف، ولكن يا عبد الله ما كتبته يخفى علينا، فهذه مخططات قديمة، لكن لن يفلحوا فيها إن شاء الله سبحانه وتعالى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لطاعته.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
وجزاكم الله خيراً.(65/39)
العدة شرح العمدة [66]
من أبواب فقه المعاملات باب الصلح وباب الوكالة، والصلح هو عقد يحصل به فض النزاع، ولابد فيمن يتصدر للإصلاح بين الناس أن يكون ملماً بالأحكام الشرعية، أما الوكالة فهي الاستنابة، ولا تكون إلا من جائز التصرف لآخر جائز التصرف، ويكون وكيلاً عنه فيما تجوز فيه النيابة.(66/1)
باب الصلح(66/2)
تعريف الصلح وفيما يكون
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الصلح].
الصلح: هو عقد يحصل به فض النزاع.
والصلح يكون في الأمور المالية وفي غيرها، يقول الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} [النساء:128] أي: الزوجة إذا خافت من زوجها نشوزاً وترفعاً عليها، وعدم إنفاق عليها واستهتاراً بها، وتطاولاً عليها {نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128] فمطلق الصلح هنا خير، وقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء:35] أي: بين الزوج وزوجته {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35].
وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات:9].
وقال: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114] فهذا كله في الصلح.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم وفساد ذات البين فإنها الحالقة، لا أقول تحلق الشعر وإنما تحلق الدين) والإصلاح بين الناس مهم في خلق المسلم.(66/3)
الصلح بإسقاط بعض الدين
قال: [باب الصلح.
ومن أسقط بعض دينه، أو وهب غريمه بعض العين التي له في يده جاز].
فلو أنك مدين لي بألف جنيه، وقلت لك: أسقطت عنك خمسمائة لوجه الله، فأنا لي الحرية في إسقاط ما أشاء من مالي، أما إن قال المدين: لن أعطيك الألف حتى تسقط النصف، فهذا ليس له ولا يجوز.
قال: [ما لم يجعل وفاء الباقي شرطاً في الهبة والإبراء، أو يمنعه حقه إلا بذلك].
أي إن كنت أنت مديناً لي بعمارة، فقلت لك: نصف العمارة لك والنصف الآخر لي فهذا يجوز، إلا أن أشترط أن يكون ذلك شرطاً في الإبراء أو الهبة.
قال: [وذلك لأن الإنسان لا يُمنع من إسقاط حقه ولا من استيفائه].
فليس هناك أحد يمنعني من استيفاء حقي كاملاً، إلا أن يشفع أحد الناس وأنا أقبل الشفاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم شفع في حالتين: شفع في دين جابر بن عبد الله بن حرام -بعد موت أبيه- عند الدائنين أن يسقطوا حقه، أو أن يستوفوه من أصل معين.
وشفع عند كعب بن مالك لـ ابن أبي حدرد -والحديث في البخاري في كتاب الصلاة- عندما ارتفعت أصواتهما في المسجد، فـ كعب بن مالك يقول: وفني حقي، قال: ليس معي الآن، قال: جاء الوقت وأنت مدين، وارتفعت أصواتهما، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر كعباً أن يضع الشطر، ثم قال: يا ابن أبي حدرد قم وفه.
قال: [ولو شفع فيه شافع لم يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كلم غرماء جابر فوضعوا عنه الشطر، وكلم كعب بن مالك فوضع عن غريمه الشطر، ويجوز للقاضي فعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، ولو قال للغريم: أبرأتك من بعضه بشرط أن توفيني بقيته لم يصح].
أي: أنت عليك لي ألف جنيه، فقلت لك: أنا سأضع لك خمسمائة ولكن أعطني خمسمائة الآن، ففي المذهب لا يجوز، لكن الراجح أنه يجوز.
قال: [ولا تصح بلفظ الصلح؛ لأن معنى: صالحني عن المائة بخمسين أي بعني، وذلك غير جائز لما ذكرناه، ولأنه ربا].
كأن المدين يقول: بعني الألف بخمسمائة، وهذا هو عين الربا، فالمدين لا يحق له أن يشترط للوفاء أن يعطيه أقل من حقه، لكن الدائن حر في ماله.
قال: [أو يضع له بعض المؤجل ليعجل له الباقي، يعني: لو صالح عن المؤجل ببعضه حالاً، مثل أن يصالح عن المائة المؤجلة بخمسين، لم يجز لأنه ربا، وهو بيع بعض ماله بماله؛ ولأن بيع الحلول غير جائز].
هذا الكلام أيضاً مرجوح، فالتصالح على دين مؤجل بمبلغ معجّل في المذهب لا يجوز، لكن الراجح إن طلبها الدائن جاز؛ لأن هذا ملك الدائن، فلا نصادر حريته في ذلك.
قال: [ويجوز اقتضاء الذهب عن الورق -أي: الفضة- بالورق عن الذهب إذا أخذها بسعر يومها وتقابضا في المجلس، وذلك أنه إذا صالحه عن أثمان بأثمان، فهذا صرف يعتبر له شروط الصرف من القبض في المجلس وسائر الشروط].
أي أنك لو أخذت مني الآن (100) جرام ذهباً فلا بد أن تعطيني إما (100) جرام ذهباً، أو ما يعادلها فضة، ويشترط التقابض لكن لا يشترط المماثلة لاختلاف الجنس، طالما اختلف الجنس فهنا نشترط التقابض في مجلس العقد ولا نشترط التماثل.(66/4)
الصلح في الإقرار والإنكار
قال: [ومن كان له على غيره حق لا يعلمه المدّعى عليه فصالحه على شيء جاز].
أي عندما تأتي تتقاضى من بعض خصومك قد تجد منهم من ينكر، ففي هذه الحالة أنتما مدع ومدّعى عليه، فالمدّعي هو الدائن، والمدّعى عليه المدين، فإن صالحه عليه جاز، وإذا صالح على البعض لم يجز البعض الآخر.
[فإن كان أحدهما يعلم كذبه في نفسه فالصلح باطل].
أي: أن الصلح هنا في شكله الظاهر يسري، لكنه بالنسبة لأحدهما باطل؛ لأنه يعلم أنه كذّاب.
قال: [وهذا هو الصلح على الإنكار].
فالصلح ينقسم إلى قسمين: صلح على إقرار وصلح على إنكار.
[وهو أن يدعي على إنسان عيناً في يده أو ديناً في ذمته لمعاملة، أو جناية، أو إتلاف، أو غصب، أو تفريط في وديعة، أو مضاربة ونحو ذلك، فينكره ويصالحه بمال، فيصح إذا كان المنكر معتقداً بطلان الدعوى، فيدفع إليه المال افتداء ليمينه ودفعاً للخصومة عن نفسه، والمدعي يعتقد صحتها، فيأخذه عوضاً عن حقه الثابت له؛ لأنه صلح يصح مع الأجنبي فيصح بين الخصمين كالصلح في الإقرار].
والمعنى: أنه يجوز الصلح مع الإنكار لو أقره أحد الخصمين ويسري في حقهما، إلا أن يكون أحدهما كاذباً، فيكون الصلح في حقه باطلاً مع سريانه ظاهراً.
ثم قال: [ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز؛ لأن الحق لهما لا يخرج عنهما].
والمعنى: أنت مدين لي وأنا دائن لك، فلا المدين يعرف ولا الدائن يعرف.
الطرفان يعترفان بأن لأحدهما حق، لكنهما اختلفا في قيمته، فاصطلحا على مبلغ معيّن، فأحدهما قال: أنا أقر بما تقول واتفقا على المبلغ جاز ذلك.
قال: [ومن كان له حق على رجل لا يعلمان قدره فاصطلحا عليه جاز؛ لأن الحق لهما لا يخرج عنهما، فإذا اتفقا عليه جاز كما لو اتفقا على أن يتبارأا].
أي: هذا يبرئ هذا، وهذا يبرئه يجوز.(66/5)
صفة عقد الصلح وشروط المصلح
وأما عقد الصلح في الفقه فهو عقد يقطع الخصومة بين الخصمين، والإصلاح فيه خير كثير كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد أصلح النبي صلى الله عليه وسلم بين بني عمرو بن عوف لما اختلفوا وتراشقوا بالحجارة وأصلح بين زوج وزوجته، والإصلاح بين الناس أفضل من التهجد، وأفضل من الاعتكاف، وأفضل من السنن؛ لما فيه من خير عظيم.
ويشترط فيمن يصلح بين الناس أن يكون عالماً بالأصول الشرعية، فلا يصلح في المحرمات والمخالفات الشرعية.
فمثلاً إن أعطيتك 100 جرام ذهباً وأخذت منك 1000 جرام فضة، فطالما كان التقابض في مجلس العقد فهذا جائز؛ لأنك قبلت وأنا قبلت فتقابضنا فضة بذهب أو ذهباً بفضة: (فإذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) حسب الاتفاق.(66/6)
باب الوكالة
قال رحمه الله: [باب الوكالة].
وهو باب خاص بالمحامين والمحاسبين.(66/7)
ما تجوز فيه الوكالة
باب الوكالة فيه من الفوائد الفقهية الكثير، والقاعدة فيه: لا تجوز الوكالة إلا فيما يجوز فيه النيابة.
ما معنى النيابة؟ مثلاً تقول لصديقك أن يتوضأ مكانك لصلاة ما، فهنا لا تجوز الإنابة في الوضوء، أو أن تقول له: صل مكاني المغرب، أو تحية المسجد، أو صم بدلاً مني رمضان وأنا سأفطر، فهنا لا تجوز الوكالة إلا فيما تجوز فيه النيابة.
إذاً ما الذي يجوز فيه النيابة؟ البيع {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} [الكهف:19] فهذا وكيل ذهب ليشتري بالنيابة عنهم.
أيضاً آخر وكلك في طلاق زوجته فهذا يجوز، أو وكلتك في زواج امرأة فهذا أيضاً يجوز؛ لأن الزواج يجوز فيه النيابة.
رجل وكّل زوجته في طلب الطلاق متى شاءت، فهنا العصمة بيد الزوجة، وهي بمعنى أن تقول: طلقني لا أن تقول: أنت طالق كما يفعل البعض في الأفلام الهابطة، ولا يحق له أن يمتنع؛ لأنه قد جعل لها الوكالة في طلب الطلاق متى شاءت، فكما أني أعطي الوكالة في الطلاق لشخص ما فمن باب أولى أعطيها للزوجة، وهذا هو معنى أن تكون العصمة بيد الزوجة، فليست العصمة أن تقول الزوجة لزوجها: أنت طالق، هذا جهل، ولا أدري من أين استقوا هذا الجهل.
طالما اشترطت المرأة في عقد الزواج ذلك، فلها شرطها متى شاءت، وتكون أنت من تنازل عن حقه لها فلا تمتنع.
والخلع أيضاً يجوز فيه الوكالة، والإيجار يجوز فيه الوكالة، فكل ما جاز فيه النيابة جاز فيه الوكالة.
والحج تجوز فيه الوكالة بشرطين: الشرط الأول: أن يكون الوكيل قد حج عن نفسه.
الشرط الثاني: أن يكون الذي أنابه لا يستطيع أن يصل إلى مكة مع القدرة المادية لمرض.(66/8)
شروط الموكل والوكيل
قال: [باب الوكالة].
والوكالة هي: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
جائز التصرف: بمعنى أنه لا بد أن يكون الموكل حراً، بالغاً، عاقلاً، رشيداً، فإذا كان الموكِّل عبداً أو مجنوناً أو سفيهاً أو صبياً فلا يجوز، فلا بد أن يكون الموكِّل جائز التصرف.
أيضاً يوكِّل جائز التصرف، فلا يوكل المجنون ولا الصبي ولا السفيه.
إذاً: استنابة جائز التصرف يوكِّل جائز التصرف، فيما تجوز فيه النيابة.(66/9)
أمثلة للوكالة
مسألة: وكل رجل آخر بطلاق زوجته، فطلقها له، هل يجوز له أن يزوجها؟ أي: الوكيل طلّق المرأة بتوكيل، فإذا جاء المرأة رجل آخر يريد أن يتزوجها فوكّل نفسه لزواجها، فهل فعله يجوز أم لا؟ الوكيل يجوز له أن يطلق، ويجوز له أن يزوج على حسب مرات الوكالة، أما هنا فلا يجوز؛ لأنه طلق بصفته وكيلاً لا ولي أمر، فليس له علاقة بها على الإطلاق.
مثال ذلك: وكّلت أنا الموقع أدناه فلان بن فلان أخي فلان بن فلان في تطليق زوجتي فلانه بنت فلان على أن يسدد لها مؤخر الصداق، وقدره خمسة آلاف جنيه، وأن يعطيها نفقة المتعة والعدة ثلاثة آلاف جنيه، وليس له حق التصرف في أكثر من ذلك، وله الحق في التوقيع نيابة عني أمام المأذون وفي كل ما من شأنه إجراء الطلاق.
فأخذ الوكيل التوكيل وذهب إلى المأذون، وجاءت الزوجة، هل يقول لها: أنتِ طالق؟ لا، وإنما يقول: أنتِ طالق من الذي وكلني، بعد هذا جاءت الزوجة فاطمة نفسها، وآخر وكله بالزواج منها، فقال: قبلت الزواج منها لموكلي، فهو يجري الطلاق ويجري الزواج بصفته موكلاً.
فلا بد أن أوكله في الطلاق، ولا بد أن أنص على الطلاق في الوكالة، وأن الوكالة قائمة، وأن يتحقق منها المأذون.
قال: [تجوز الوكالة بإجماع الأمة في الجملة، وتجوز في الشراء والبيع والنكاح؛ لأن النيابة تدخلها، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروة بن الجعد ديناراً، وأمره أن يشتري به شاة].
عروة بن الجعد هل كان يشتري لنفسه أم لوكيله؟ لوكيله، من هو وكيله؟ أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم، فذهب عروة بن الجعد إلى السوق فوجد رجلاً يبيع شاتين بدينار، والنبي صلى الله عليه وسلم وكله بشراء شاة واحدة، فاشترى شاتين وباع في طريقه شاة، وأتى بشاة ودينار، فالدينار كما هو والشاة معه وقال: يا رسول الله اشتريت بالدينار شاتين فبعت شاة، فهذه الشاة وهذا الدينار، فقال: (اللهم بارك له في بيعه، فكان الرجل لا يبيع ولا يشتري إلا أن يبارك الله له بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم).
وهنا نقول الشاهد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وكّل عروة بن الجعد في الشراء.
قال: [وقال تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19]].
فهل إذا بعثني أحد لأشتري له سلعة وأعطاني 100 جنيه فاشتريتها بـ50 جنيه، آخذ الزيادة لي؟
الجواب
لا.
فهذا لا يجوز، فأنت أمين على مال الوكيل.
قال: [وقال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة:60]].
فالعامل عليها وكيل، والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع دفع لـ علي رضي الله عنه الهدي ليذبحه بدلاً منه، فهو هنا وكيل، فذبح بيده الطاهرة ثلاثاً وستين، ودفع الباقي لـ علي كوكيل ليذبح الباقي، فالتوكيل في الذبح يجوز.
قال: [فجوّز العمل عليها.
وقال جابر بن عبد الله للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أريد الخروج إلى خيبر، فقال: ائت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً، فإذا ابتغى منك آية، فضع يدك على ترقوته)، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية في قبول نكاح أم حبيبة، وأبا رافع في قبول نكاح ميمونة.
وتجوز الوكالة بشرط أن تكون فيما تدخله النيابة كالبيع، والشراء، والنكاح، وتجوز في الرهن، والحوالة، والضمان، والكفالة، والشركة، والوديعة، والمضاربة، والجعالة -الجعل هو المقابل- والمساقاة، والإجارة، والقرض، والوصية، والصلح، والهبة، والوقف، والصدقة، والفسخ، والإبراء، والقسمة -كل هذه تجوز فيها الوكالة؛ لأنها تجوز فيها النيابة- وهي في معنى البيع في الحاجة إلى التوكيل فيها فيثبت فيها حكمه، ولا نعلم في شي من ذلك خلافاً].(66/10)
ما تصح وتبطل به الوكالة
قال: [ويشترط أن يكون الموكل والوكيل ممن يصح ذلك منه بنفسه، وليس معنى الوكالة أن يسقط حق الأصل].
زوج وكّل زوجته في طلب الطلاق متى شاءت، هل معنى ذلك أنه فقد حق الطلاق؟ لا.
فهي لم تقل له: طلقني، وعندما يقول لها: أنتِ طالق يقع، فلو وكّل فلاناً من الناس ثم ذهب بنفسه مباشرة يجوز، فالتوكيل لا يلغي الأصل.
قال: [وهي عقد جائز تبطل بموت كل واحد منهما] إن مات الموكل أو الوكيل بطلت الوكالة.
[وجنونه] فإن وكلك ثم جُن، فإن التوكيل يبطل.
[والحجر عليه لسفه؛ لأنه يخرج بذلك عن أهلية التصرف، ويبطل بفسخ كل واحد منهما].
فإذا أراد أحدهما أن يلغي التوكيل فله ذلك، ولكل واحد منهما أن يفسخ التوكيل طالما لم يشترطا، فإن اتفقا على غير ذلك جاز، ويجوز أن أعطي حق الفسخ لطرف، ويجوز إلغاء توكيل الطرف الأول دون الطرف الثاني، كل هذا جائز طالما اتفق عليه الطرفان.
قال: [وكذلك الحكم في كل عقد جائز كالشركة، والمساقاة، والمزارعة، والجعالة، والمسابقة] أي: أنها تصلح للفسخ.
والوكالة تكون بالقول أو الكتابة أو الفعل، فلو أخذت بضاعتي ووضعتها عند فلان في مكتبته، فهنا كأني وكلته في بيعها، فعندما أقول له: وكلت أنا فلان في بيع السلعة، فهذه وكالة بالفعل، أيضاً تجوز بالقول، فتقول مثلاً: يا فلان أنا وكلتك في شراء السيارة، لكن الأولى ألا تفعل إلا بالكتابة الموثقة، وما أقاموا الشهر العقاري إلا ليوثق، لأنه قد يأتي ويقول: وكلتك في طلاق زوجتي، ثم بعد ذلك ينكر ذلك كله، فهذا لا يجوز، فالوكالة تجوز بالكتابة وتجوز بالفعل وتجوز بالقول.(66/11)
ما يجوز للوكيل أن يتصرف فيه
قال: [وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً].
أي: ما نص عليه في التوكيل؛ لأن الإنسان ممنوع من التصرف في حق غيره، وإنما أبيح له التصرف في ملك موكله بإذنه، فيجب اقتصار تصرفه فيما تناوله إذنه، إما لفظاً كقوله: بع ثوبي بعشرة، وإما عرفاً كبيعه الثوب بعشرة وزيادة، وإما من جنس العشرة كبيعه بأحد عشرة وما زاد عليها، أو من غير جنسها كعشرة وثوب؛ لأن الزيادة تنفعه ولا تضره.
أي: أني وكلتك في بيع ثوبي هذا بعشرة، فأنت وفقك الله وبعت الثوب بخمسة، فلا بد أن أقول لك: وكلتك في بيعه بعشرة ولا تبعه بتسعة؛ لأن الوكالة منصوص عليها، إن باعه بزيادة جاز، ولكن ليس له أن يبيعه بأقل، طالما قبلت الوكالة فلترجع له بسلعته.
قال: [وليس للوكيل توكيل غيره، وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال].
ليس للوكيل أن يوكل غيره إلا بإذن الموكل، وأن يكتب بأن له الحق بتوكيل غيره.
[وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال].
ليس له أن يوكل غيره إلا بنص في التوكيل إلا في أحوال ثلاثة، وهذا ما سنذكره في الدرس القادم حتى نجيب عن بعض التساؤلات، وننطلق إلى باب الشركة، ثم بعد ذلك إلى الجعالة واللقطة والإجارة، ثم إلى الفروض لنشرح المنظومة الرحبية في علم المواريث بعنوان الهدية في شرح المنظومة الرحبية في علم المواريث.(66/12)
الأسئلة(66/13)
حكم العمل في إصلاح أجهزة الكاسيت
السؤال
أنا أعمل بتصليح أجهزة الكاسيت، وربما يأتي كثير من الناس لإصلاح أجهزتهم التي قد تستخدم في سماع ما لا يجوز، فما حكم عملي؟
الجواب
يجوز أن يصلح الكاسيت؛ لأن الكاسيت له استخدامات عديدة ومنها سماع القرآن والمحاضرات وكذلك الأغاني، ولكن الإثم على المستخدم، فالعمل أصله مباح؛ لأن هذه الصنعة غير مخصصة في الأعمال المحرمة، بل هي للمباحة أيضاً، فهو لا يشترط قبل تصليحه فيما إذا كان استخدامه له في الخير أو الشر، فهذا فيه تحقيق وإثبات حالة، فعندما يأتي الذي يريد الموس مثلاً هل ستسأله: تحلق شعر الرأس أم اللحية أم العانة أم الإبط أم غير ذلك، فهذا تنطع.
ففي الأشياء التي الأصل فيها الإباحة جائز بيعها وتصليحها؛ لأن الله يقول: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275] طالما أن السلعة تستخدم في الحلال، أما إن استخدمها في الحرام فالإثم عليه.(66/14)
جهاد المرأة
السؤال
هل يوجد أجر للمرأة يعدل أجر الرجل في الجهاد في سبيل الله؟
الجواب
نعم، لكن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة.(66/15)
حكم قضاء الفوائت من الفروض
السؤال
عندما أريد أن أصلي فرضاً لم أصله من قبل، هل عليّ أن أصليه قبل الفرض الحاضر أم بعده إذا كان بعده؟
الجواب
لا، فـ ابن تيمية يقول: ننازع في أصل القضاء، فالقضاء لا يجوز للفائتة وإنما تكثر من النوافل، والفائتة بنوم أو نسيان يقضيها عندما يذكرها في الحال ولا يشترط الترتيب.(66/16)
حكم الإقراض من الأمانة والتصرف فيها
السؤال
المال الأمانة هل يجوز أن أقرض أحداً منه؟
الجواب
لا يجوز؛ لأنها أمانة، هب أن الأمانة ضاعت عند الآخر، أو تظن بأنك قادر على السداد فأفلست فجأة، هب أنه حدث لك حادث، فالأمانة يشترط فيها عدم التصرف إلا بإذن صاحبها.
وقال لي بعضهم: أن رجلاً وضع أمانة من المال عند أخته المتزوجة، فأعطت أمها جزءاً منه دون علمه، ثم ردت له المال ناقصاً فهل يجوز هذا؟ فنقول: هذا لا يجوز.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(66/17)
العدة شرح العمدة [67]
الوكالة هي الاستنابة من جائز التصرف لمثله فيما تجوز فيه النيابة، وتبطل الوكالة عند موت أحدهما أو جنونه أو سفهه؛ لأنه يخرج بذلك عن أهلية التصرف، ويلزم الوكيل أن يفعل ما تناولته الوكالة وأذن له فيه لفظاً أو عرفاً.(67/1)
تابع باب الوكالة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: قال المصنف رحمه الله: [وهو عقد جائز].
يعني: عقد الوكالة عقد جائز شرعاً، جائز يعني: غير ملزم للطرفين، فهناك عقود ملزمة لطرف وغير ملزمة لطرف آخر، وهناك عقود ملزمة للطرفين، وهناك عقود جائزة للطرفيين.
والعقود الملزمة للطرفين مثل: الزواج والبيع.
ومثال الملزم لطرف وجائز لطرف آخر: الرهن، ملزم للراهن، وجائز للمرتهن، إذا قلت لك: لن أعطيك ديناً إلا برهن، فجئت بالرهن ثم قلت لك: لا أريده.
فهذا لي، لكن أنت ملزم بالرهن.
كذلك الوصية ملزمة لمن يسمعها، غير ملزمة لمن يوصي، إذ له أن يوصي وألا يوصي.(67/2)
ما تبطل به الوكالة
قال: [وهو عقد جائز، تبطل بموت كل واحد منهما، وجنونه، والحجر عليه لسفه].
بمعنى: لو مات الموكل تبطل الوكالة، أو مات الوكيل تبطل الوكالة، أو أصيب الوكيل بسفه، أو جنون؛ فإن وكالته لا تسري، فبمجرد أن جُن تسقط الوكالة.
رجل وكلك ثم حجر عليه، تسقط الوكالة بالحجر.
قال: [لأنه يخرج بذلك عن أهلية التصرف، ويبطل بفسخ كل واحد منهما].
يعني: إذا فسخ الوكيل عقد الوكالة بطلت الوكالة، وللموكل أيضاً أن يفسخ، إلا إذا تشارطا على غير ذلك، يعني: أنت وكلتني، ثم ذهبت إلى الشهر العقاري وألغيت التوكيل، والوكيل أيضاً له حق الإلغاء.
مسألة: لو أن زوجاً يقيم في السعودية أرسل توكيلاً لموكله بطلاق زوجته: وكلت أنا فلان بن فلان في تطليق زوجتي بشروط كذا وكذا، وبينما التوكيل في الطريق توفى الله الزوج، هل يقع الطلاق أم لا يقع؟ يعني: في الطريق مات أحدهما إما الموكل وإما الوكيل هل يقع الطلاق أم لا يقع؟ لا يقع؛ لأنه نوى الطلاق أو وكل بالطلاق لكنه ما وقع الطلاق، كرجل قال لزوجته: سأطلقك، وعد بالطلاق لكنه ما طلق، والطلاق لا بد أن يقع باللفظ والنية، فحينما وكل هذا يعتبر نية طلاق لكنه ما تلفظ لا هو ولا وكيله، فالتوكيل أمر مستقبلي، لكنه ما وقع، فإذا مات أحدهما لا تطلق، ولها سائر الحقوق.
قال: [وكذلك الحكم في كل عقد جائز كالشركة والمساقاة والمزارعة والجعالة والمسابقة].
أي أنه في كل هذه العقود يجوز لكل طرف فسخ العقد.
المساقاة هو: أن أعطيك شجرة وأقول لك: ارعها بجزء من ثمرتها محدد.
وعقد المزارعة هو: ازرع هذه الأرض على أن تأخذ نصفها أو ربعها، ولا يجوز أن أقول لك: ازرع هذه الأرض على أن تأخذ نتاج هذا الجزء، لا بد أن يكون مشاعاً.
في عقد الشركة شروط الربح لا بد أن تكون واضحة، الربح لا بد أن يكون مشاعاً، وأن يكون معلوماً، ومشاع أي مختلط بين الطرفين، كلاهما شريك فيه.
مسألة: لو قال أحد الطرفين للآخر: أنا شريك معك بربح ألف جنيه شهرياً.
لم يصح فقد تربح الشركة تسعمائة فقط.
مسألة: لو قلت لك: شاركتك على أن تعطيني بعض الربح هل يجوز أم لا؟ لا يجوز؛ لأن بعض الربح غير معلوم، ولا بد أن يكون الربح معلوماً أو: شاركتك على أنه لك ربح الأطعمة وأنا لي ربح السيارة، لا يجوز، فربما تربح الأطعمة وتخسر السيارة، فأنا أربح وأنت تخسر هذا لا يجوز، وبعض الناس الآن يأكلون الربا ويتجرعونه حينما يعطي شخصاً مبلغاً ويشترط عليه أن يدفع له مبلغاً شهرياً ثابتاً، لا بد أن تكون شريكاً في الربح والخسارة، فالشريكان شريكان في المغنم والمغرم، هذه شروط عقد الشركة.(67/3)
ما يجوز للوكيل التصرف فيه
قال: [وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً].
يعني: ليس للوكيل أن يتصرف إلا فيما يتناوله عقد الوكالة إما باللفظ وإما بالعرف.
مثال ذلك: أخذت هذا التسجيل ووضعته عند تاجر أدوات كهربائية، لما وضعته أصبح وكيلي لبيع هذا الجهاز، والعرف يقول: إن هذا يباع بمائة جنيه.
أيضاً لو كتبت في التوكيل: وكلت أنا الموقع أدناه الأستاذ فلان الفلاني في بيع العقار الكائن بشارع كذا خمسة طوابق بمبلغ ثلاثمائة ألف جنيه لا تقل عن ذلك، وللوكيل أن يوقع نيابة عني في البيع والشراء.
إذاً: المهمة هنا محدودة بوظيفة بيع هذا العقار؟ فهل يجوز للوكيل أن يأخذ هذا التوكيل يوزوج به الموكل؟ لا؛ لأن التوكيل في البيع فلا يجوز له أن يستخدمه إلا في البيع فقط، وهل يجوز له أن يبيع سيارتي بتوكيل العقار؟ لا؛ لأن التوكيل هنا محدد، ولذلك قال: [وليس للوكيل أن يفعل إلا ما تناوله الإذن لفظاً أو عرفاً].
ثم قال: [وليس للوكيل توكيل غيره]، الأصل ألا يوكل غيره إلا إذا نُص في التوكيل على ذلك، كقوله: وله حق توكيل غيره في كل ما ذكر.
وإذا لم يذكر فليس له حق التوكيل إلا في حالات آتية.(67/4)
أحكام توكيل الوكيل لغيره
قال: [وليس للوكيل توكيل غيره، وذلك أن الوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن ينهاه الموكل عن التوكيل، فلا يجوز له ذلك رواية واحدة]، يعني: إذا نهاني الموكل عن التوكيل وكتبت في التوكيل: وليس له الحق في أن يوكل غيره في كل ما ذكر، فلا يجوز له أن يوكل؛ لأنه نهاني عن توكيل غيري.
قال: [وإن أذن له في التوكيل فيجوز له رواية واحدة؛ لأنه عقد أذن له فيه فكان له ذلك، كما لو أذن له في البيع، ولا نعلم في هذين خلافاً]، إما أن ينهاه وإما أن يأذن له.
هذه الروايات لا خلاف فيها بين العلماء.
لكن الخلاف في النوع الثالث: لو أطلق الوكالة، لم يأمر ولم ينه، ففي هذه الحالة قال: [فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها: أن يكون العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله، كالأعمال الدنيئة في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها، فإنه يجوز له التوكيل فيها؛ لأنها إذا كانت مما لا يفعله الوكيل لنفسه عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه]، بمعنى: وكلتك في بيع سيارة بطيخ، وأنت عالم تصعد المنابر هل يليق بالعالم أن يبيع البطيخ؟ لا.
فطبيعة هذا العمل تتنافى مع عمل العالم، العرف يقول: ليس من عمله بيع البطيخ، فإذاً في هذه الحالة له أن يوكل غيره حتى ولو لم ينص، طالما أن الأعمال الدنيئة لا تليق بصاحب التوكيل، إذاً: طالما أن العرف يتنافى مع طبيعة العمل فيجوز له أن يوكل غيره.
الحال الثاني: [أن يكون عمل لا يرتفع عن مثله إلا أنه عمل كثير لا يقدر الوكيل على فعله جميعه؛ فإنه يجوز له التوكيل].
مثلاً: وكلني في هدم عمارة مكونة من عشرة طوابق وإزالتها حتى سطح الأرض، فهنا لا بد أن أوكل غيري؛ لأن هذا العمل أنا لا أطيقه، ولا بد أن أوكل غيري؛ لأن الوكالة هنا انصبت على عمل ليس في طاقتي.
الحال الثالث: [أن يكون مما لا يرتفع عنه الوكيل ويمكنه عمله بنفسه فليس له أن يوكل فيه؛ لأنه لم يأذن في التوكيل ولا تضمنه إذنه، فلم يجز كما لو نهاه عنه].
بمعنى: أن التوكيل مطلق، والعمل في طاقتي، والعمل في عرف الناس يناسبني، في هذه الحالة ليس لي أن أوكل.
إذاً: نحن أمام ثلاثة أحوال: إذا أذن له بتوكيل غيره فيجوز باتفاق، وإذا نهاه عن توكيل غيره فيمتنع باتفاق، وإذا أطلق الوكالة فنحن أمام ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول: أن يكون العمل من الأعمال الدنيئة التي لا تناسب الموكل، كأن أقول: وكلتك في بيع هذا اللبن صباحاً، على أن تحمله وتمشي وتقول: من يشتري اللبن؟ فله أن يوكل من يبيع اللبن؛ لأن هذا لا يناسب طبيعته، والله سبحانه وتعالى يريد منا أن ننزل الناس منازلهم.
الاحتمال الثاني: ألا يكون في طاقته.
الاحتمال الثالث: أن يكون في طاقته وليس من الأعمال الدنيئة، فليس له أن يوكل غيره.(67/5)
بيع الوكيل لنفسه وشراء ما لم يأذن به الموكل
قال: [وليس للوكيل الشراء من نفسه ولا البيع لها إلا بإذن].
يعني: أنا وكلتك في بيع السيارة الخاصة بي، هل يجوز أن تبيعها لنفسك؟ المذهب يقول: لا، لكن الراجح نعم، طالما أن هذا البيع ليس فيه ظلم للموكل، ولكن المذهب لا يجوز أن يشتري الوكيل أو أن يبيع لنفسه إلا بإذن الموكل، طالما أن الموكل أذن له في البيع والشراء فيبيع لنفسه أو لغيره، طالما كان ذلك في مصلحة الموكل.
نفترض أنك ذهبت بالسلعة إلى السوق فسعرت بخمسين ألف جنيه، وأنت كغيرك لم أصادر حقك، إذا كان غيرك سوف يشتريها بنفس السعر، وليس هناك ظلم على الموكل؟ ولذلك في بيع السيارات دائماً يكتبون هذه الصيغة: وله حق البيع لنفسه أو لغيره.
قال: [وإن اشترى لإنسان ما لم يأذن له فيه فأجازه جاز].
المعنى: إن اشتريت لك مروحة دون أن تكلفني؛ لأني رأيت أنك بحاجة لها، فأجزت ذلك وأخذتها صح، وإن رديتها لزمت من اشتراها لك.(67/6)
ما يضمن فيه الوكيل
قال: [والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما أتلف إذا لم يتعد].
يد الوكيل يد أمين وليست يد ضامن، والوديعة كذلك لو وضعت عندك مبلغاً من النقود -مائة ألف جنيه أمانة- فوضعته في الخزنة وأغلقت الخزنة، وأخذت بالأسباب التي في عرف الناس، ورغم ذلك سرق، المذهب أنه لا يلزمك الضمان؛ لأنك الآن أمين، وأخذت بالأسباب ويدك يد أمانة، وكذلك لو أعطيتك السيارة لبيعها ثم صدمت من الخلف، هل يلزم الوكيل تلف السيارة؟ لا؛ لأنه حافظ عليها ورعاها ولم يفرط فيها، ولم يتعد الحدود، والتلف جاء بغير إرادة منه، ولذلك قال: والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما يتلف إذا لم يتعد.
مداخلة: إذا معرض السيارات فتح أبوابه وأجر السيارات؟ الشيخ: هذه مشكلة؛ لأنه يعطيه سيارة ويوقع المستأجر على وصف أن يده يد أمانة، مع أن إيجار السيارة للمعرض، وإن أتلف السيارة ينظر هل تعدى أم لم يتعد؟ طالما لم يتعد فلا ضمان عليه؛ لأن يد السائق يد أمين وليست يد ضمان، ولو كانت يد أمين فلا شيء عليه، أما إن كانت يد ضمان فيلزمه.
قال: [وإن قضى الدين بغير بينة وأنكره الغريم المدين ضمن؛ لأن الموكل لا يقبل قوله على الغريم وكذلك وكيله].
بمعنى: أن وكيلك أرسلك لسداد دين عليه فقضيته، ثم ذهبت إلى الموكل وقلت له: قضيت عنك ألفاً من الجنيهات لفلان، فقال: هل معك بينة؟ قلت: لا، قال: هل أشهدت على هذا القضاء؟ قلت: لا، لا بد أن تقيم بينة على هذا القضاء، وتقيم دليلاً على أنك وفيت هذا الدين، وإلا ضمنته في حال أنكره الدائن.
قال: [إلا أن يكون قضاه بحضرة الموكل].
يعني: إذا حضر الموكل فلا بينة، ولا ضمان عليه؛ لأن التفريط من الموكل حيث لم يشهد ومعنى هذا أنه قبل أن يقضيه.
وهنا نقول: هل يصح التوكيل بجعل؟ الجعل هو المقابل، يعني: يجوز أن أوكل غيري بمقابل، وهذا توكيل المحامين، فالوكيل له حق في أخذ مقابل، ويجوز التوكيل بغير جعل.
قال: [لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض عنه].
المعنى: ممكن يكون بمقابل ويمكن ألا يكون بمقابل.
قال: [لأنه تصرف لغيره لا يلزمه أخذ العوض عنه، كرد الآبق، فإذا قال: بعه بعشرة، فما زاد فهو لك.
صح، وله الزيادة؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما ما كان يرى بذلك بأساً].
وهذا شرط الموكل على نفسه إذا باعه بزيادة جاز.
أما لو قال له: بع هذا بمائة فباعه بمائة وعشرة لا بد أن يعطيه الباقي، وليست الزيادة من حقه؛ لأنه الآن وكيل، فلا بد أن يبين للموكل ما باع به وما اشترى.
والقول في الرد والتلف ونفي التعدي قول الوكيل، إلا إذا جاء الموكل ببينة.(67/7)
العدة شرح العمدة [68]
من أبواب المعاملات المالية في الإسلام الشركة، وتكون الشركة بين اثنين وأكثر في مال أو بدن أو وجاهة، فإن كانت الشركة بالمال والبدن فهي شركة عنان، وإن كانت بالوجاهة فهي شركة وجوه، وإن كانت بمال أحدهما وجهد الآخر والربح بينهما فهي مضاربة، وإن كانت ببدنيهما فهي شركة أبدان.(68/1)
باب الشركة
قال: [باب الشركة].
تعريف الشركة هي: اجتماع في استحقاق أو تصرف.
مثال الاجتماع في الاستحقاق قوله تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:12]، يعني: إن كانوا أكثر من اثنين فهم شركاء في ثلث التركة توزع عليهم.
أيضاً: لو توفي زوج وترك أربع زوجات، وأنجب من كل واحدة أولاداً، فإن الزوجات الأربع شركاء في الثمن يوزع عليهن بالتساوي.
هذه شركة استحقاق.
النوع الثاني من الشركات: التصرف، قال: [وهي على أربعة أضرب]، يعني: الشركات عنده أربعة أنواع، وهي خمس على الراجح.(68/2)
شركة العنان
أولاً: شركة العنان: لماذا سميت بذلك لأننا حينما نطلق فرسين متساويين في الرهان والسباق وأحدهما يكون موازياً للآخر يقال: عنان هذا مساوٍ لهذا، كذلك الشركاء كلهم له نفس الحقوق والواجبات، شركة العنان يشترك فيها كل الأطراف بالمال والأبدان، فلو أعطيتني المال ولم تعمل ببدنك فليس عناناً؛ لأن العنان يشترط فيها أن تكون بالأموال والأبدان معاً.
إذاً: يشترط في شركة العنان أن تكون بالأموال والأبدان، والربح بين المشتركين بالتساوي على حسب الأسهم.
فأنا أتصرف في حدود سهمي باعتبار أنني مالك له، وأتصرف في سهم غيري باعتباري وكيلاً له، كذلك شريكي يتصرف في سهمه باعتباره ماله، ويتصرف في سهمي باعتباره وكيلاً لي، إذاً: لكل من الطرفين أن يتصرف في حقه باعتباره مالكاً، وفي حق شريكه باعتباره وكيلاً له.
وليس معنى التساوي أن يكون رأس مال هذا كرأس مال هذا، وربح هذا كربح هذا لا، بل المراد التساوي في الحقوق والواجبات.
قال: [وهي جائزة بالإجماع.
ذكره ابن المنذر].
ابن المنذر يتساهل في مسائل الإجماع؛ لذا قالوا: لا يعتد بإجماع ابن المنذر ولا بتصحيح الحاكم، ولا بوضع ابن الجوزي، يعني: أنه للاستئناس ولا يعتبر به.(68/3)
شروط شركة العنان
قال: [وإنما اختلف في بعض شروطها، وسميت شركة العنان؛ لأنهما يتساويان في المال والتصرف، كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير فإن عنانيهما يكونان سواء، ولا تصح إلا بشرطين: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير].
إذاً الشرط الأول: أن يكون رأس مال الشركة دراهم أو دنانير، وهذه هي العملة التي كانت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ويحل محلها اليوم أي عملة الجنيه أو الدولار.
وهل تجوز بالعروض؟ خلاف بين العلماء، والراجح أنها تجوز، ومعنى بالعروض: أنك معك عشرة آلاف جنيه، وأنا معي سيارة بعشرين ألف جنيه، دخلنا شركاء أنت برأس مالك النقدي وأنا بسيارتي، هل يجوز أم لا يجوز؟ قول المذهب: أنه لا يجوز، ولا بد أن تكون بالأموال، لكن الراجح أن تقوم العروض بالمال، فتدخل بقيمة السيارة شريكاً.
الشرط الثاني: [أن يشترط لكل واحد منهما جزءاً من الربح مشاعاً معلوماً].
شرطان لأي ربح: أن يكون مشاعاً أي: غير محدد بل متفرقاً في كل الشركة، ومعلوماً: ربحي وخسارتي أنا 40%، لكن الربح غير محدد، ومن هنا جاءت ربوية البنوك التجارية؛ لأنهم يحددون الربح سلفاً، يقولون لك: الربح كذا في المائة دون دراسة أو تحقيق لأرباح أو خسائر، أما العنان فأنت شريك في الربح والخسارة بنسبة كذا.
قال: [الشرط الثاني: أن يشترط لكل واحد منهما جزءاً من الربح مشاعاً معلوماً، ولا خلاف في ذلك في المضاربة المحضة].
المضاربة هي النوع الثاني من الشركات، فالعامل يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو ما يتفقان عليه بعد أن يكون ذلك معلوماً، والمعنى: الاتفاق على نسبة ربح.
لكن ينتبه إلى أنه في شركات الشرع لا يجوز أن أتحمل خسارة أكثر من نصيبي في رأس المال، يعني: أنا دفعت عشرة وأنت دفعت خمسة، الربح على حسب ما نتفق، والخسارة ليست على حسب الاتفاق، لا.
بل ينبغي ألا تزيد عن نصيبي في رأس المال.
حتى إذا اشترط علي شريكي أن أتحمل خسارة بمقدار أكبر لم يجز.(68/4)
شركة الوجوه
القسم الثاني من الشركات: شركة الوجوه.
يعني: أنا وأنت لا نمتلك شيئاً من المال، ونريد أن نفتح معرضاً للسيارات، دخلنا على تجار السيارات، وأنت رجل وجيه أخذت عشر سيارات بالوجاهة، وأنا وجيه ذهبت إلى معرض آخر وأتيت بخمسة، وفتح المعرض بالوجاهة، ولذلك قال: [وهو أن يشتركا فيما يشتريان بجاههما، وثقة التجار بهما، فما ربحا فهو بينهما؛ لأن مبناها على الوكالة والكفالة، لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه فيما يشتريه ويبيعه كفيل عنه بذلك، والملك بينهما على ما شرطاه نصفين أو أثلاثاً أو أرباعاً، والوضيعة على قدر ملكيهما فيه، ويبيعان فما رزق الله تعالى فهو بينهما على ما شرطاه، فهو جائز، ويحتمل أن يكون على قدر ملكيهما.
وهما في جميع تصرفاتهما وما يجب لهما وعليهما في إقرارهما وخصومتهما بمنزلة شريكي العنان على ما سبق].
يعني: شركة الوجوه هي شركة يشترك فيها أكثر من واحد بجاههما على أن يتفقا على الأرباح والخسائر بحيث لا تزيد الخسائر عن ملك أحدهما في الشركة.(68/5)
شركة المضاربة
النوع الثالث من الشركات: المضاربة.
مثال المضاربة: أنت صاحب معرض سيارات، وأنا معي مائة ألف، فقلت لك: خذ المائة ألف ضارب بها، وشغلها في السوق، فأنا لست شريكاً معك لكني أعطيك رأس المال تستثمره وتعطيني ربحاً على حسب الاتفاق.
والبنوك الإسلامية فيها نظام المضاربة والمشاركة والمرابحة.
قال: [المضاربة: وهو أن يدفع أحدهما ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما، ويسمى مضاربة وقراضاً، وينعقد بلفظهما، وكل ما يؤدي معناهما -لأن القصد المعنى- فجاز لما دل عليه كالوكالة].
يعني: أي لفظ يفهم منه المضاربة.
قال: [وأجمع أهل العلم على جواز المضاربة في الجملة.
ذكره ابن المنذر، ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة، ولا مخالف لهم في عصرهم -فيكون إجماعاً- ولأن بالناس حاجة إليها، فإن الدراهم والدنانير لا تنمو إلا بالتقليب والتجارة].
تنبيه: من الاعتقادات الخاطئة أن المضارب لا يقبل بالخسارة، ولكنه شرعاً مفروض عليه أن يقبل بها، لكن البعض يقول: بدلاً من وضعها في البنك بنسبة كذا في المائة أعطيها لفلان وآخذ منه 20% أو 15%! يحسبها بهذه الطريقة، وعند الخسارة لا يقبل، وعند الربح ما شاء الله، يحبك إذا ربحت، ويكرهك إذا خسرت.(68/6)
شركة الأبدان
قال: [شركة الأبدان].
آخر قسم ذكره المصنف شركة الأبدان، ومن اسمها يتضح معناها، وأنها شركة بالأبدان وليست بالأموال، والمعنى: أن يشتركا فيما يكسبان بأبدانهما، يعني: أشترك أنا وأنت بصناعة أو اصطياد وما نأتي به شركة ونتفق على الربح، أنت عشرة وأنا تسعين، يعني: واحد ذهب يصطاد معي شركة وإمكانياته في الصيد ضعيفة، فالربح من العدل أن يوزع على حسب الجهد المبذول، مثلاً: اشتركنا في شركة أبدان لحصد هذه المساحة من الأرض، أنا أحصد في الفدان 12 قيراطاً وأنت 12 قيراطاً إذاً النصف، أنا في يومين انتهيت وأنت لم تنته إلا في شهر إذاً: لا يستويان، المفروض ربحي يزيد على حسب العمل والجهد والكفاءة والمهارة والطاقة.
هذه هي شركة الأبدان.
كالاحتطاب والتلصص على دار الحرب، وفي المعادن، وسائر المباحات، يقول ابن مسعود: اشتركت أنا وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر في التلصص على دار الحرب على المشركين وأن يأتوا بأسارى، يقول ابن مسعود: فلم آت أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين، سيدنا سعد جاء بأسيرين.
قال: [والربح في جميع ذلك على ما شرطاه]، يعني: الربح في سائر الشركات على ما اشترطا ليس هناك حدود للربح، وما اتفقا عليه جاز؛ [لأن الحق لا يخرج عنهما].
والوضيعة يعني: الخسارة على كل واحد منهما بقدر ماله إن كانا متساويين تساويا في الخسران، قال: [ولا نعلم في ذلك خلافاً]، إذاً: الخسارة على قدر رأس المال.(68/7)
شروط الأرباح في الشركات
قال المصنف رحمه الله: [ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين].
المعنى: أن الربح في الشركات الشرعية لا بد له من شرطين، سواء كانت شركة وجوه، أو عنان، أو أبدان، أو مضاربة الربح في أي عقد شركة لا بد له من شرطين حتى يكون شرعياً.
الشرط الأول: أن يكون الربح معلوماً، أي: ليس مجهولاً.
أي: أنت لك نسبة (50 %) وأنا (50 %)، وليس من الإسلام ولا من الشرع في شيء تعيين مبلغ من الدراهم، فالمعلوم المقدار كأن يكون 20 أو 30 أو 40 أو 50 أو 80 % من الأرباح المحققة.
فإن قال: لي بعض الأرباح ولك البعض الآخر لم يجز؛ لأنه ليس معلوماً.
أو قال: لك ربح السيارات ولي ربح الأقمشة، لا يجوز؛ فربما تربح السيارات وتخسر الأقمشة، فلا بد أن يكون الربح في عقود الشركات الشرعية معلوماً.
الشرط الثاني: أن يكون مشاعاً.
أي لا يكون بين الشريكين تحديد مبلغ من المال معيّن، إنما يكون معلوم النسبة، كأن تملك مساحة 10 أمتار في عقار 50 متر مشاع، فأين العشرة أمتار؟ الله أعلم، فأنت لا تدري هل هي في الأمام أم في الوسط، فأنت كذلك ربحك مشاع في الربح المحقق.
حققنا أرباحاً في الشركة (3000)، في آخر السنة أنت لك (60 %) وأنا (40 %) إذاً فأنت لك (1800) وأنا لي الباقي وهي (1200) هذا هو الربح.
لذلك يقول المصنف: [ولا يجوز أن يجعل لأحدهما دراهم معينة ولا ربح بشيء معين؛ لأن ذلك يفضي إلى جهل حق كل واحد منهما في الربح، ومن شرط المضاربة كون ذلك معلوماً فيفسد بها العقد؛ لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه، فأفسد العقد].
والمعنى: أنه لو حدد الربح لأحدهما بمبلغ معين لكان من احتمال ذلك ألا يأخذ الثاني ربحاً على الإطلاق، قال أحدهما للآخر: أنا لي (1000) من الربح، فهنا حدد المبلغ، وحققت الشركة (999)، فمن يأخذ الربح هنا؟ الذي حدد الألف، والآخر لا يأخذ شيئاً، وهذا ظلم.(68/8)
حكم مقولة: العقد شريعة المتعاقدين
هناك كلمة تسري على الألسنة وهي خطأ شرعاً، وهي: العقد شريعة المتعاقدين، وهذا ينتشر عند المحامين، وهو خطأ شرعي، والأصل: أن العقد شريعة الله؛ لأن المتعاقد قد يتعاقد مع أخيه على أمر غير شرعي، فأنا وأنت متعاقدان اتفقنا على شركة لبيع لحم الخنازير، فهذا لا يجوز، فهنا انصرفت الإرادة لتكوين الشركة بهذه الشروط، فلو أن العقد شريعة المتعاقدين لكان معنى ذلك أن من حقهما أن يتفقا على أي شيء حتى ولو خالف الشرع، وإنما العقد شريعة الله، فما أباحه الله جاز، وما لم يبحه لم يجز.
وهذا خطأ نراه في واقعنا، فقد يعطي الرجل الرجل مائة ألف، ويقول له: سآخذ منك أرباحاً كل شهر بمقدار ألف جنيه وهذا أمر غير شرعي، فالشرع -وليس الهوى أو العرف المخالف- هو الذي يحكم المعاملات، ولذلك تقرأ العجب العجاب، فالمجلس القومي للمرأة كان يناقش الاقتراح الأول وهو: أن يُعاقب الرجل الذي يتزوج بأخرى معاقبة مالية، أو بمعاقبة تصل به إلى السجن.
الاقتراح الثاني: أن تساوى المرأة مع الرجل في الشهادة، مع أن الله يقول: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282] وهم يريدون للمرأة أن تكون كالرجل.
فهذه معاندة ومكابرة لشرع الله لأناس رضعوا من الغرب، وتربوا على مائدته، ولا يعرفون من الإسلام شيئاً، يحملون اسم الإسلام والإسلام منهم براء، فالله سبحانه هو الذي أباح التعدد، بل هو من محاسن شريعتنا، فنحن نتباهى به ونفتخر أمام الناس جميعاً أن الإسلام أباح للرجل أن يعدد بشرط أن يعدل، فكوننا نناقش: أن من تزوج بأخرى يعاقب عقوبة تصل إلى السجن هذا أمر بالغ الخطورة.
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم قال: [والحكم في المساقاة والمزارعة كذلك] أي: أن عقود المساقاة والمزارعة لا بد أن يكون فيها الربح معلوماً مشاعاً.(68/9)
جبران الخسائر في الشركات
قال: [وتجبر الوضيعة من الربح] والوضيعة هي الخسارة، وإذا حققت الشركة خسارة، جبرت الخسارة من الربح.
[وتجبر الوضيعة من الربح؛ لأن الربح الفاضل عن رأس المال] أي: الزائد عن رأس المال.
وربما تطال الوضيعة رأس المال إن لم يكثر الربح، أي أننا حققنا أرباحاً هذا العام مقدارها (3000)، ففي السنة القادمة حققنا خسارة قدرها (1000)، فهنا الألف تخصم من الثلاثة آلاف؛ لأن الربح هو الزيادة على رأس المال، فهي تجبر من الربح أولاً ولو لم يغط الربح لتناول رأس المال.(68/10)
حكم بيع النسيئة في الشركات
قال: [وليس لأحدهما البيع نسيئة].
المعنى: إذا فتحنا شركة لبيع السيارات، فليس لأحدنا أن يبيع بالتقسيط إلا بموافقة الآخر، لكن الشيخ ابن عثيمين يستدرك على هذه المسألة ومعه الحق، يقول: العرف في هذه الحالة هو الذي يحكم التعامل، فلو أن بيع السيارات في عرفنا يجري بالقسط، وباع أحد الشريكين بالقسط لم يخالف ما تعارف عليه الناس في البيع والشراء، إلا إن أراد أحد الشريكين أن يخالف الواقع المعمول به طالما لم يخالف الشرع فله ذلك، فيقول لشريكه: أنا أشاركك بشرط ألا نبيع بالتقسيط؛ لأن الواقع أن الناس جميعاً تبيع قسطاً، فواقع الناس هو الذي يحكم العلاقة في البيع بالقسط والبيع بالنقد، وهذا من حقوق الشريكين أحدهما على الآخر.
قال: [وليس لأحدهما البيع نسيئة؛ لأن فيه تغريراً بالمال، وفيه وجه آخر يجوز؛ لأن عادة التجار البيع نسأ والربح فيه أكثر] أي: أن الوجه الآخر هو الأرجح عند الإمام أحمد -كما قال المصنف- على حسب حال التجارة.(68/11)
حكم الأخذ من الأرباح بدون إذن الشريك
قال: [وليس له أن يأخذ من الربح شيئاً إلا بإذن الآخر؛ لأنه إذا أخذ من الربح شيئاً يكون قرضاً في ذمته، فلا يجوز إلا بإذن كما في الوديعة].
في الشركات يشارك الرجل الرجل على مقدار من الأرباح المعلومة المشاعة، ثم يأخذ من الأموال في جيبه ويقول هذا من ربحي إلى حين تحقيق الربح، وهذه تسمى في المحاسبة مسحوبات الشركاء، وتعامل معاملة المسحوبات، أو تسمى في الشركات جاري الشريك (أ)، وجاري الشريك (ب)، وهذا قرض؛ لأن الأرباح لم تحدد بعد، فلا ينبغي لأحد الشركاء أن يسحب من الشركة إلا بإذن الآخر.
وهذا مما عمت به البلوى، فتجد أحد الشركاء يأخذ ما لذ وطاب من الشركة، وإن سألته: لم تفعل ذلك؟ قال لك: هذا من أرباحي، وأرباحه ليست معلومة، وربما قد تخسر الشركة، حتى أن البعض يأخذ من متاع الشركة من عروضها ومن أموالها لبيته، وينفق على البيت من الخضروات واللحم ما لذ وطاب، فنقول له: بأي حق تأخذ؟ يقول: من أرباحي، قلت: هذا لا يجوز شرعاً، فلا بد لك أن تخبر الشريك الآخر، ويعتبر ذلك قرضاً، ولا يعتبر ربحاً موزعاً إلا بعد تحقيقه.
فالشرع مريح لكن الناس تبتعد عنه، فيحدث العجب العجاب والخلافات لا سيما أنه يزيد الطين بلة إذا كان بين اثنين ملتزمين، ولا يحتكمان إلى الشرع؛ لأنهما يجهلان الشرع، وهذه مصيبة كبيرة بل هي طامة.(68/12)
الأسئلة(68/13)
حكم من أخذ الصدقات لتأثيث بيت ابنته المقبلة على الزواج
السؤال
هل يجوز أخذ الصدقات لشراء أثاث ابنتي المقبلة على الزواج؟
الجواب
جهاز المرأة ليس على الأب، شرعاً ليس على الأب، فلا يستحق أن يأخذ مساعدة؛ لأجل أن يعد جهاز الزوجة لابنته، يحضر ثلاجة وأشياء أخرى.(68/14)
حكم إدخال شريك بالمال بخمس الأرباح
السؤال
رجل أسس مشروعاً بمبلغ مائتين وخمسين ألف جنيه، ثم أراد هذا المشروع مبلغ خمسين ألف سنة لكي يتم، فهل له أن يُدخل شريكاً مقابل خمس الأرباح؟
الجواب
نعم يجوز، وهل الأصل الشركات أم الفرادى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24]؟ من النادر أن تجد شركة تستمر، الأفضل أن تستثمر أموالك بنفسك.
حدث أمام عيني أن أخاً مع أخيه حول له مائتين وخمسين ألف جنيه لبناء بيتٍ له، فقام الأخ ورخص البيت باسمه وبنى لنفسه، وسكن وما زالت القضية في المحاكم، وليس معنى ذلك أن تفقد الثقة في الناس، ولكن: لست خباً ولا الخب يخدعني.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.(68/15)
العدة شرح العمدة [69]
للمساقاة في الزراعة عدة أحوال، وهي أن يساقي على شجر قائم، أو يساقي على ثمر على شجره، أو يساقي على شجر لم يغرس بعد، أما المزارعة فصفتها أن يدفع مالك الأرض أرضه لمن يزرعها ويقوم عليها بجزء من زرعها.(69/1)
باب المساقاة والمزارعة
قال المصنف: [باب المساقاة والمزارعة].
المساقاة هي: أن يدفع شجراً لمن يقوم عليه بجزء من ثمره.
ما الفرق بين الشجر والزرع؟ أولاً: الشجرة لها ساق وفروع وثمرة، أما الزرع فليس له ساق، ويمكن أن يكون له ثمرة.
ثانياً: أن الزرع له الحصاد، والشجر له الجذاذ {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141]، وفي سورة القلم: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم:17].(69/2)
أنواع المساقاة
قال: [أن يدفع شجراً لمن يقوم عليه بجزء من ثمره، ولها ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: شجر قائم يساقي عليه.
الحالة الثانية: ثمر على شجر يساقي عليه.
الحالة الثالثة: شجر لم يغرس بعد].
الحالة الأولى: شجر قائم يساقي عليه: عندي مثلاً نخلة، جريد وساق وجذع والثمر غير موجود على الإطلاق، وأساقي عليها بمعنى أن أقول لك: اسقها وراعها حتى تنبت الثمرة، وعند جذاذ الثمرة لك الربع.
هذه تسمى مساقاة على شجرة قائمة لم تنبت بعد.
الحالة الثانية: إذا طرحت النخلة خميماً -وهو بلح صغير أخضر لم يلقّح بعد- فقلت لك: الشجرة في طريقها للنمو خذها واسقها وراعها إلى أن تكتمل الثمرة ولك النصف ولي النصف، جاز ذلك، وهذه تسمى: مساقاة على ثمر على شجر.
الحالة الثالثة: مساقاة على شجر لم يغرس بعد: أردت أن أزرع نخلة، فجئت بك وقلت لك: أريد أن أغرس نخلة هنا وأنت تراعيها بالسقيا والمتابعة حتى تنمو وتضع الثمرة، وثمرتها بيني وبينك مناصفة، وهذه مساقاة على شجرة لم تزرع، وهذا يجوز أيضاً.(69/3)
ما تصح فيه المزارعة
قال: [وتجوز المزارعة في الأرض بجزء من زرعها سواء كان البذر منهما أو من أحدهما؛ لحديث ابن عمر].
انتقل المصنف إلى المزارعة، ويقصد بالمزارعة: أن يدفع المالك الأرض لمن يزرعها ويقوم عليها بشرط أن يقول له: لك ربع الإيراد ولي الثلاثة أرباع، وينهى عن المزارعة إن حدد له مساحة، يقول: لك هذا القيراط ولي الباقي، أي أنه حدد له جزءاً من الأرض، قال: ناتج هذا الجزء لك، والباقي لي، فهذا منهي عنه؛ لأن ناتج هذا الجزء لا أعرفه، وربما لا ينتج أصلاً وينتج الباقي، ففي هذه الحالة يكون المظلوم المزارع، بل لابد أن يكون مشاعاً بيننا، فالحلو والمر لا بد أن يكون بيننا، أما أن تعطيني المنطقة السوداء الجرداء التي لا تنتج وتأخذ أنت الصفراء التي تنتج، وتقول: لك هذا القيراط ولي الباقي؟ فهذا لا يجوز شرعاً.
قال: [المزارعة: دفع الأرض لمن يزرعها].
لو قلت لك: ازرع هذه الأرض -وبذرها على المالك- قطناً، فأنت الآن تبذرها وتسقيها، وتقوم على رعايتها إلى أن نحصد الزرع وبالنصف، وربما نقول: البذر مناصفة بين المالك وبين المزارع، فهذا جائز أيضاً، وربما يقول: أنا مالك وليست عليّ البذور، وإنما هي على المزارع، فكله جائز حسب الاتفاق.
والزكاة كل على حسب نصيبه، فإذا أخذتُ النصف وأنت أخذت النصف إذاً زكاتك تلزمك وزكاتي تلزمني إن بلغ النصيب النصاب، وهذه مسألة أخرى في الزكاة.
قال: [لحديث ابن عمر، وفي لفظ: (على أن يعمروه من أموالهم)].
أهل خيبر عاملهم النبي صلى الله عليه وسلم بشطر ما يخرج من الأرض من ثمر أو زرع -متفق عليه- ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأرض ليهود خيبر على أن يزرعوها ويسقوها، وعاملهم النبي صلى الله عليه وسلم على نصفها، فهم يزرعون ويسقون ونحن نأخذ النصف، وهكذا عاملهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.(69/4)
ما يجب على العامل في المزارعة
قال: [وعلى العامل ما جرت العادة بعمله في المساقاة والمزارعة من الحرث، والإبار، والتلقيح، وإصلاح طرق الماء، والحصاد والدراس، والذري؛ لأن لفظهما يقتضي ذلك].
أي أن العامل يقوم بما جرت به العادة، وعلى ما هو واجب عليه؛ فيسقي الزرع، يحصد، يلقّح، يؤبر، يخزّن، يسقي فكل ما من شأنه عمل العامل يقوم به.
حتى بعد أن يحصد الزرع يدرسه، ثم يعبئه، وبعد التعبئة يخزنه في الأكياس، ثم يحملها إلى المخازن، فكل ما من شأنه حفظ الزرع حتى يصل إلى المخازن هو من صميم عمل العامل.
قال: [ولو دفع إلى رجل دابة يعمل عليها وما حصل بينهما جاز على قياس ذلك؛ لأنه يشبه ما لو دفع ماله إلى من يتجر فيه والربح بينهما، ويشترط أن يكون ما بينهما معلوماً كالمضاربة].
لو كان عندي حمار ولكني لا أجيد العمل عليه، فقلت لك: شغل الحمار بيني وبينك مناصفة، سخّره ليحمل أي شيء بمقابل والمال مناصفة بيني وبينك، أو على حسب الاتفاق، فالدابة قد تشمل السيارة والأنعام وكل ما يحمل، وهذا معمول به في القرى، فبعض الناس يقتني البعير ويدفع به إلى الجمّال، والجمّال يقوم بنقل الحطب، والقطن ويأخذ أجرته.(69/5)
باب إحياء الموات
قال المصنف رحمه الله: [باب إحياء الموات].
ويقصد بإيحاء الموات: إحياء الأرض الميتة.(69/6)
ذكر الخلاف في إحياء الموات وتملكه
مذهب الحنابلة أن من أحيا أرضاً فهي له، لكن الراجح وهو قول جمهور العلماء: أن ولي الأمر لو نظّم إحياء الأرض فهذا من المصالح المرسلة التي ينبغي فيها طاعة ولي الأمر، والمعنى أن تمليك الأرض الموات لا يتم إلا عن طريق ولي الأمر، إذاً الخلاف بينهم: هل هذا على التشريع أم التنظيم؟ والأمر في حديث الترمذي: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)، هل هذا من سبيل التنظيم أم التشريع؟ فعند الحنابلة أنه على التشريع، وأن من أحيا أرضاً ميتة سواء بإذن أو بغير إذن من ولي الأمر فهي له، لكن الراجح من أقوال العلماء: أن ذلك بإذن ولي الأمر؛ لأن ولي الأمر إذا أصدر قراراً يصبح في حكم الشرع طالما لم يخالف؛ لأن المصالح المرسلة التي ليس فيها معارضة للشرع ينبغي أن تطيع فيها ولي الأمر، وولي الأمر في النظام الملكي هم الملوك، وفي النظام الجمهوري رئيس الجمهورية أو من ينيبه.
ولا يجوز الخروج على ولي الأمر، هذا منهج السلف قاطبة؛ لحديث عبادة بن الصامت: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وفي العسر واليسر، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان)، قال علماء السلف: حتى لو رأيت كفراً بواحاً ولم تستطع الخروج لاستضعاف ولعدم قوة فالمختار هو عدم الخروج، ولذلك لم يخرجوا على الحجاج بن يوسف الثقفي رغم ما صنع بالتابعين، فقد قتل سعيد بن جبير واستباح الدماء، ومع ذلك لم يخرجوا عليه، وصلوا خلفه.(69/7)
حكم تملك الأرض
قال رحمه الله: [باب إحياء الموات.
وهي الأرض الدائرة التي لا يعرف لها مالك].
الأرض الدائرة يقاس عليها كل ما لا يعرف له مالك.
حين تنزل إلى مكان موجود فيه ماء، وتريد أن تغتسل، فوجدت في القاع شيئاً ثميناً صاحبه ألقاه، إما ساعة ذهب أو غير ذلك ألقاها لأنه لا يريدها، وأنت وجدتها هل هي من حقك أم من حق صاحبها؟ طالما أنه استغنى عن ملكه وألقاه فهي لمن وجدها، وهذا أصل في كل ما يلقى؛ لأن المالك تخلص من ملكه وألقاه بإرادته، ولا يريد أن يتملك هذا الملك، وهذا يختلف عن اللقطة، فلا بد أن نفرق بين الأمرين.
قال: [لما روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)].
والأرض الميتة هي التي لا يعرف لها مالك، ولو أن هناك أرضاً مخصصة، أو يجتمع فيها الناس في كل سنة، أو يوضع فيها الحطب، أو تجري فيها السيول فهي مخصصة، فلا يجوز أن تحييها وتقول أنا مالك لها؛ لأنها أصبحت مخصصة، وتعارف الناس على أنها مخصصة.(69/8)
حكم تملك ما لم يعلم مالكه
قال: [النوع الثاني: ما كان فيها من آثار الملك، ولا يعلم لها مالك ففيها روايتان].
مثاله: لو أنني ذهبت إلى صحراء سيناء فوجدت أرضاً ميتة، ولكن هذه الأرض فيها آثار استراحة أو ساقية أو بئر، إذاً فهي آثار استصلاح ملك قبل ذلك.
ففيها روايتان: فإن عُرف لها مالك فلا يجوز؛ لأنها لمالكها الأول، وإن لم يعرف لها مالك ففيها روايتان، والراجح: أنها لمن استصلحها؛ لأن الأرض تأخذ حكم الميتة؛ لأن المالك تركها.
ولذلك قال: [إن رأى فيها آثار الملك ففيها روايتان] عن الإمام أحمد.(69/9)
هيئة إحياء الأرض
وكيف أحكم على أنه أحيا الأرض؟ قال: [عمارتها بما تتهيأ لما يراد منها، والمرجع في ذلك إلى العرف، فما تعارفه الناس أنه إحياء فهو إحياء؛ لأن الشرع ورد به ولم يثبته فيرجع فيه إلى العرف كما رجعنا إلى ذلك في القبض والإحراز، فإذا ثبت هذا فإن الأرض تحيا داراً للسكنى، أو حظيرة، أو مزرعة، فأما الدار فأن يبني حيطانها وسقفها، وإن أرادها حظيرة فإحياؤها بحائط جرت به عادة مثلها، وإن أرادها للزراعة فأن يحوط عليها بتراب أو غيره مما تتميز به عن غيرها، ويسوق إليها ماء من نهر أو بئر، يعمل فيها ما تتهيأ به للزراعة من قلع أحجارها وأشجارها، وتمهيدها].
والمعنى: كيف أحكم أن هذا الرجل أحيا هذه الأرض؟ بإحيائها بالعرف.
إن أجرى لها المياه، وحفر البئر، وأقام القنوات، وخطط الأرض، فبهذا يكون قد أحياها؛ لأن إحياء الأرض للزراعة هو بتدبير مصدر المياه لها أولاً، ثم العناية بها، وأما إحياء البيت فبإقامة الحيطان والسقف، وإحياء الحظيرة بإقامة الحيطان كعادة مثلها.(69/10)
من حفر بئراً فأخرجت الماء فله حريمها من الأرض
قال [وإن حفر بئراً فوصل إلى الماء ملك حريمه].
قلنا: إحياء الأرض الموات يكون بزراعتها وبوصول الماء إليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)، وهذا الحديث فيه خلاف بين العلماء: هل هو إخبار بتشريع أم إخبار بتنظيم، وقلنا: لولي الأمر أن ينظم إحياء الأرض الموات، وهذا هو الراجح طالما أن ذلك من المصالح المرسلة.
ثم بين كيفية الإحياء فقال: [وإن حفر بئراً فوصل إلى الماء ملك حريمه].
إن كل شيء له حرم؛ ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه)، فمحارم البئر يعني: ما يحيط به من مساحة يملكها من حفر البئر.
قال: [وهو خمسون ذراعاً من كل جانب إن كانت عادية].
عادية: نسبة إلى قوم عاد، يعني: إن لم تحفر قبل ذلك يملك خمسين ذراعاً.
قال: [وحريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعاً].
يعني: البئر الذي حفر قبل ذلك وأعاد هو حفره مرة أخرى.
يقول الشيخ ابن عثيمين: خمسون ذراعاً باعتبار أنه لم يحفر قبل ذلك، وخمسة وعشرون ذراعاً باعتبار أنه أعاد الحفر.
قال: [لما روى الدارقطني بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حريم البئر البديء خمسة وعشرون ذراعاً، وحريم العادي خمسون ذراعاً)].
والمعنى: أنه إذا حفر بئراً لإحياء الأرض الميتة ووصل إلى الماء فإن البئر وما يحيط به من حريمه ملك له، والمسافة التي يملكها خمسون ذراعاً إن كان هو البادئ لحفر البئر، وخمسة وعشرون ذراعاً إن أعاد حفرها مرة أخرى.(69/11)
باب الجعالة
الجعالة تعني: الجعل، وهو أن أجعل لك مقابلاً، ولذلك في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا لي جعلاً).
قال المؤلف رحمه الله: [وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا، فمن فعل ذلك استحق الجعل، ونحن نقرأ في سورة يوسف: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72]].
والمعنى: أن صواع الملك لما سرق نادى مناد: لمن جاء بصواع الملك حمل بعير، يعني: جعل مقابل لمن جاء به.
قوله: ((زَعِيمٌ))، يعني: ضامن كفيل، والزعيم غارم، فالجعل: هو أن تقول: (من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا)، وهناك يعم بين الناس في العرف أن من وجد لقطة فله نسبة مئوية من قيمتها 10%، وهذا الأمر غير صحيح على إطلاقه، لكن إن قال صاحب اللقطة مثلاً: يا قوم! ضاع مني كمبيوتر، ومن وجده أو رده علي له مائتا جنيه، فهو الآن جعل جعلاً لمن وجد الضالة التي ضاعت منه، فإن كنت أسير في شارع العزيز فوجدت لقطة، ثم ظهر صاحبها فقلت له: اجعل لي جعلاً لا يجوز؛ لأنه لم يجعل جعلاً من البداية، فالجعل هو: أن يجعل صاحب اللقطة أو صاحب الضالة مقابلاً لمن وجد لقطته، وهذا معناه: أنه لا يجوز أن أجد لقطة ثم أقول لصاحبها: أنا لي فيها نسبة؛ لأننا الآن يؤمن الكثير منا أن من وجد مثلاً مبلغاً مقداره عشرة آلاف جنيه في محطة رمسيس، ثم وجد صاحبها يقول له: لي 10% حقي! ومن الذي أعطاه لك؟ يا عبد الله! هذا لا يجوز إلا إذا أعلن صاحب اللقطة أن من وجد اللقطة فله كذا قبل وجودها، أما بعد الوجود فلا يجوز أن أشترط أنا عليه إلا أن يعطيني بطيب نفس منه.
يعني: أنا وجدت مثلاً لقطة في الطريق العام وجئت إلى صاحبها فعرفها فأعطيته إياها، فقال لي: هذا لك بطيب نفس، فهذه ليس فيها شيء، طالما أني لم أشترط.
ولذلك قال هنا: [وهي أن يقول: من رد لقطتي أو ضالتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا، فمن فعل ذلك استحق الجعل، ويقول ربنا: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف:72]، وروى أبو سعيد: (أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا حياً من أحياء العرب، فلم يقروهم)].
يعني: أن نفراً من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام نزلوا إلى حي من أحياء العرب، فوجدوا سيد الحي قد لدغه ثعبان، وأصحاب هذا الحي عندهم بخل شديد؛ لقوله في الحديث: (فلم يقروهم)، وإقراء الضيف واجب.(69/12)
مقتطفات في الكرم وأهله
وأول من أكرم الضيف إبراهيم عليه السلام.
يقول ابن حجر: ماله للضيفان وجسده للنيران وولده للقربان، فاستحق أن يكسى عند الواحد الديان، ولما دخلت عليه الملائكة أراد ضيافتهم، قال تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ} [الذاريات:24 - 25]، يعني: لا يعرفهم: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} [الذاريات:26] يعني: مال إلى زوجته: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات:26]، انظر إلى كرم إبراهيم، ملائكة في صورة بشر يأتي لهم بعجل، قال تعالى: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} [الذاريات:26 - 27] يقول ابن مفلح: ومن باب إكرام الضيف أن تقرب له الطعام وألا تستخدمه في خدمة الطعام، ومعناه: أنك تقرب الطعام حيث يجلس، كما قال تعالى: ((فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ)) من الآية، ومن باب إهانة الضيف أن تقول له: اغسل الملعقة لو سمحت! ناولني هذا الطبق وتستخدم الضيف، وليس من أدب الضيافة أن تستخدم الضيف في الخدمة.
قال تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات:27] حينما ينزل بي رجل الساعة الثالثة ظهراً فربما يكون تغدى وربما لم يتغد؟ وقد يكون أتى من سفر، سافر صباحاً وأتى إلي عصراً، فأغلب الظن أنه لم يتغد، فمباشرة أدخل إلى الزوجة، وأحضر الطعام المتاح عندي وأقربه لهذا الضيف، أما أن أسأله: أيريد غداء أو شراباً فهذا من باب البخل، وفي سورة الكهف قال تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف:77]، ضيف مسافر متعب يطلب الطعام: ((فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا))، يعني: رفضوا رفضاً قاطعاً، وعلى ما يبدو أن المرأة منهم كانت ترضع الولد البخل كما ترضعه اللبن، قال تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف:77].
أقول: هؤلاء القوم لم يقروا الصحابة، وليس هذا دأب العرب، فقد كان العرب قبل البعثة يوصفون بالكرم وأي كرم، حتى إن حاتماً الطائي كان يشعل ناراً في الصحراء، فيراها عابر السبيل فيأتي إليها ويقدم له الطعام، فمعنى هذا: أنه كان يحب إكرام الضيف، فقد جاء في ترجمته: أنه أراد أن يختبر خلق رجل من العرب، فجاء الرجل إلى حاتم الطائي وقال له: يا حاتم! أطعمني -فـ حاتم يعرفه، وهو يعرف حاتماً - فقال: انصرف فليس عندي طعام، فانصرف الرجل بعد أن نهره حاتم، ثم تلثم حاتم، وقابل الرجل من طريق آخر، قال: من أين أنت قادم يا أخا العرب؟! قال: من عند حاتم الطائي.
قال: أأكرمك؟ قال: أكرمني وقدم لي الطعام وأفاض علي من الخير، فرفع اللثام وقال: يا رجل! أنا حاتم ولم أقدم لك شيئاً فلم تكذب؟ قال: يا حاتم! إن قلت للناس: إنك لم تكرمني لن يصدقني أحد.
فـ حاتم الطائي وغيره من العرب كانوا يوصفون بالكرم، لكن هذا الحي كان على غير هذه العادة، ولذلك في الحديث: (فلم يقروهم) والحافظ ابن أبي الدنيا له كتاب في قرى الضيف، يعني: إكرام الضيف.(69/13)
أحكام في الرقية
قال المؤلف رحمه الله: [(فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل فيكم من راق؟ فقالوا: لم تقرونا فلا نفعل، أو تجعلوا لنا جعلاً، فجعلوا لهم قطيع شياه، فجعل رجل منهم يقرأ بأم القرآن، ويجمع ريقه ويتفل)].
إن أصحاب هذا الحي يسألون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: (هل فيكم من راق)، يعني: استخدام الرقية كان معروفاً عند العرب، وطالما أن الرقية ليس فيها شرك جازت، والبعض يستدل بهذا الحديث على جواز أخذ المقابل في الرقية، لكن الحديث له مناسبة، وهي: أن هؤلاء لم يضيفوهم فافترضوا لهم جعلاً من باب عدم الإقراء؛ ونحن نؤمن بوجود الرقية لا شك في هذا، لكن البعض أخذ المسألة وتوسع فيها حتى حدد مبلغاً معيناً للعلاج، الكشف بعشرة جنيهات، والكشف من السحر بخمسة عشر جنيهاً، والمس بسبعة جنيهات، والحسد بثمانية جنيهات، وتعليق السماعات بخمسة جنيهات، والمسك الإنجليزي بخمسين جنيهاً، وورق السدر بكذا وهذا كله من الدجل، فاحذر أن تقع فريسة لهؤلاء، فالأصل أن تنفع أخاك بغير مقابل، فالرقية الشرعية تجوز، ولكن من دون مقابل وبضوابط.
قال: [(فجعلوا لهم قطيعاً من الشياه، فجعل رجل منهم يقرأ بأم القرآن)].
يعني: بالفاتحة على اللديغ، فالقرآن شفاء من كل داء من الأمراض الجسدية ومن الأمراض القلبية والمعنوية، ولدغ الثعبان معناه: أنه يحتاج عندنا في الطب إلى مصل وحقنة لإبطال مفعول السم، فالفاتحة تبطل هذا المفعول، وهكذا تفل الصحابي في موضع الجرح ثم قرأ الفاتحة، ويستحيل أن يصل أحد إلى درجة الصحابي، فالسيف بضاربه لا بحده والمعنى: إذا كنت تجيد إصابة الهدف تحقق الإصابة من أول وهلة، فالفاتحة هي الفاتحة، لكن أين عمر؟.
والبعض يثق في الراقي ولا يثق في الرقية، فيقول: أنا أريد شخصاً يعالج، فهذا شرك يا عبد الله! أو يقول: ابعثني إلى رجل متمكن! هل أنت تثق فيه أم تثق في الرقية؟ الثقة في الرقية وفي القرآن: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82]؛ لذلك ابن القيم يقول في الجواب الكافي: وأمكث في مكة وتعتريني بعض الأمراض ولا أذهب إلى طبيب، وكنت أرقي نفسي بالفاتحة، فأجد لها أثراً عجيباً.
فالمهم التوكل وحسن الثقة بالله عز وجل.
قال: [(فبرئ الرجل فأتوهم بالشاة، فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: وما يدريك أنها رقية، خذوها واضربوا لي فيها بسهم)].
والمعنى: أن النبي عليه الصلاة والسلام أقرهم على الجعل الذي أخذوه، فلم يرق ذلك الصحابي إلا أن يجعلوا له جعلاً، ولم يأخذوا الجعل إلا بعد أن استفتوا النبي عليه الصلاة والسلام، فأقرهم على قبوله وقال: (اضربوا لي بسهم).
قال: [ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك في رد الضالة ونحوها فجاز كالأجرة.
ولو التقط اللقطة قبل أن يبلغه الجعل لم يستحقه؛ لأنه يجب عليه ردها إذا وجدها، فلا يجوز له الأخذ على الواجب].
يعني: المفروض علي شرعاً أن أرد اللقطة فلا أطلب لها مقابلاً؛ لأن هذا من باب الواجب، فلا أستحق على أداء الواجب مقابلاً شرعياً.(69/14)
الأسئلة(69/15)
منهج السلف في الحاكمية
السؤال
ما هو منهج السلف في الحاكمية؟
الجواب
أحيلك على شرح لرياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين ناقلاً عن منهج السلف: هل يجوز الخروج على ولي الأمر حتى وإن ابتدع بدعة كفرية أم لا؟ ولا داعي أن نشغل أنفسنا بقضايا لو ألزمتك فيها بقولك أنا أعلم علم يقين أن النتائج المترتبة على قولك هذا أنت نفسك لن تقيم لها اعتباراً، فلا داعي أن ندخل في مثل هذا الحوار، فدعاة الحاكمية ودعاة التكفير ليس لهم مجال عندنا في هذا المسجد، وأنا أعتذر لهذا القول، فتنظيف الأفكار وظيفة، وأين نشأ فكر التكفير؟ في المعتقلات، لما زادوهم في التعذيب رموهم بالكفر، وكفّروا من ولّاهم حتى عم فكر التكفير والخروج، وما تفجيرات الخبر والرياض ببعيد علينا، وتفجيرات المغرب، واستحلال الدماء! وأنا أقول هذا هنا لأني أعرف أن هناك من يدافع عن هذه القضية، فإن كنت تريد الحق فعد إلى كتب دعاة السلفية في العصر الحاضر، الشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز ومن سبقهم من علماء السلف، قد تقول: إن مجاهداً خرج على الحجاج، فاخرج أنت أما أنا فلن أخرج اخرج أنت ولا تلزمني بالخروج.
فأقول لا بد أن نقرأ قبل أن نحكم على الناس بأنهم مبتدعة، من هو المبتدع؟ فالذي يخرج على الحاكم مبتدع، والذي يكفّر ولاة الأمور مبتدع وضال، يضلل الأمة ويفرق وحدتها، لا يدعونا ظلم الآخرين لنا إلى أن نثبت حب الفرقعة الإعلامية.
هذا منهجي الذي أدين الله به، فأما منهجك فأنت وشأنك.(69/16)
المنهج السلفي هو منهج الصحابة والتابعين
السؤال
جلست مع رجل من الحزبيين فقال لي: إن الشيخ الغزالي ناظر كلاً من الشيخ الألباني والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين في المسجد الحرام وبيّن لهم فساد المنهج السلفي؟
الجواب
فساد المنهج السلفي! إذاً فقل: فساد منهج الصحابة، فالسلف هم الصحابة والتابعون.
نكتفي بهذا القدر.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(69/17)
العدة شرح العمدة [70]
اللقطة على ثلاثة أضرب: فإما أن تكون مما يقل ثمنه فيجوز أخذها والانتفاع بها، وإما أن تكون حيواناً يمتنع بنفسه عن صغار السباع فلا يؤخذ، وإما أن تكون مما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع بنفسه من صغار السباع فتؤخذ وتعرف حولاً.(70/1)
باب اللقطة
قال المؤلف رحمه الله: [باب: اللقطة.
وهي على ثلاثة أضرب].
أي: أن اللقطة على ثلاثة أنواع -طبعاً أيها الإخوة كتاب العدة بسيط في العرض، وهذا هو الذي دفعنا لدراسته، فقد رأيت دراسة دكتوراه بلغت صفحاتها تسعمائة صفحة في أحكام اللقطة في الفقه الإسلامي، يعني: هذه اللقطة التي تدرسها الآن في صفحتين أو ثلاث جمعها بعض الباحثين في تسعمائة.(70/2)
لقطة ما تقل قيمته
قال المؤلف رحمه الله: [أحدها: ما تقل قيمته فيجوز أخذه والانتفاع به، كالسوط والشسع والرغيف، فيملك بلا تعريف؛ لما روى جابر قال: (رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه، يلتقطه الرجل ينتفع به) رواه أبو داود].
أول ضرب من أضرب اللقطة: ما تقل قيمته، فيجوز أن تأخذه وأن تنتفع به.
مثال ذلك: بينما أنا أسير في الطريق وجدت رغيف خبز، هل آخذه أم لا آخذه، أم أنني أسير به في القاهرة الكبرى وأقول: من أضاع رغيفاً؟! فهذا تنطع، فإذا وجدت عصاً أو وجدت سوطاً أو تمرة فإنني آخذها ولا حرج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة، لكن منعه من أكلها خشية أن تكون من الصدقة، والصدقة محرمة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أهل بيته، أما أنا فالصدقة جائزة لي، ومن الناس من يجد على الأرض خمسة قروش فضية، فإذا به يعرف بها مع أن قيمتها يؤخذ به دبوس إبرة، إذاً: ما تقل قيمته جاز أخذه والانتفاع به دون تعريف، ويعود تحديد القيمة إلى العرف، فما يعرف عند الناس أنه قليل القيمة أخذ دون تعريف.(70/3)
لقطة الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع
قال المؤلف رحمه الله: [الثاني: الحيوان الذي يمتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل والبقر والبغال].
يعني: الحيوان الذي يدافع عن نفسه ويعرف طريقه، قديماً كانوا عندنا في الأرياف -وإلى وقتنا الحاضر- يأتون بالحمار ثم يحملونه بالتراب أو بأي شيء ويضعون عليه العصا، ثم يقولون له: خذ طريقك إلى الحقل، والحمار يعرف الطريق ويصل إلى الحقل، فيقابله من يقابله ويفرغ التراب، ثم يعود مرة أخرى إلى المكان الأول وهكذا ذهاباً وإياباً دون راع يقوده، كذلك الإبل والخيل تعرف طريقها، والمعنى: أنك إذا قابلت خيلاً أو بعيراً في شارع فلا تقل: إنها لقطة، لأنها تعرف طريقها؛ لما روى البخاري عن زيد بن مالك: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الإبل، فقال: ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها)، يعني: ترد الماء وتأكل الشجر وتعود إلى صاحبها، أو يأتي إليها صاحبها، فلا يجوز أبداً لقطة الحيوان الممتنع بنفسه من صغار السباع كالإبل والخيل والبقر والبغال.
قال: [ومن أخذ هذا لم يملكه ولزمه ضمانه؛ لأنه أخذ ملك غيره بغير إذنه ولا إذن الشارع له فهو كالغاصب].
يعني: لو وجدت بعيراً يسير في الطريق، وعليه سقياه ومتاعه، فأخذته لك باعتبار أنه لقطة، فأنت الآن غاصب يلزمك الضمان، إما ضمان المثل أو ضمان القيمة؛ لأن هذه غير مأمور بأخذها، ولا أحد يجهل معنى اللقطة، فهو الشيء الذي يلتقط من على الأرض، أي: الشيء الضائع.(70/4)
لقطة ما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان
قال المؤلف رحمه الله: [الثالث: ما تكثر قيمته كالأثمان والمتاع والحيوان الذي لا يمتنع بنفسه من صغار السباع، فيجوز أخذه ويجب تعريفه حولاً].
المقصود بلقطة الأثمان: الذهب، يعني: وجدت ذهباً خالصاً يصل إلى ألف جرام، فقيمته سبعون ألف جنيه، فعليك تعريفها في أماكن وجود أصحابها وفي مجامع الناس وأمام المساجد والأماكن العامة وفي الجرائد الحكومية وهكذا، والحيوان الذي لا يمتنع بنفسه -كالشاة مثلاً- من صغار السباع يعرف حولاً.
قال: [في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد، فمتى جاء طالبه فوصفه دفع إليه بغير بينة].
يعني: جاء صاحب اللقطة وعرفها ووصفها بصفاتها، فعند ذلك يدفع له دون قيد ولا شرط.
قال: [لما روى زيد بن خالد الجهني قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق -الفضة-، فقال: اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر فادفعها إليه) الحديث متفق عليه].
والمعنى: لابد من تعريفها سنة فإن لم تجد صاحبها تستنفقها: تنتفع بها، فإن ظهر صاحبها بعد ذلك عليك المثل إن تلفت أو استخدمت، لكن هناك حالات استثنائية، منها: إذا وجدت لقطة لها قيمة في صحراء سيناء، فإن هذا المكان لا يمر فيه أحد إلا أنها وقعت من عابر سبيل، فيغلب على الظن أن هذا المكان لن يعود إليه أحد؛ لذلك قال بعض العلماء وهو الراجح: أن تعريف اللقطة حولاً لعلة وجود صاحبها، فإن تيقنت من عدم وجود صاحبها انتفع بها ولا حرج، وإن كنت غنياً أنفقها بنية الأجر لصاحبها.
قال: [وإن لم يعرف فهو كسائر ماله لا يتصرف فيه حتى يعرف وعاءه ووكاءه وصفته، فمتى جاء طالبه فوصفه دفعه إليه أو مثله إن كان قد هلك؛ لحديث زيد].
يعني: إن مضت المدة وجاء صاحبها بعد مدة وعرف وعاءها ووكاءها وصفتها فمتى جاء ووصفها دفعها له، فإن هلك عنده لزمه الضمان، والفرق بين وجودها في السنة ووجودها بعد السنة: أنه في السنة يلزمه عين اللقطة؛ لأنه ليس حراً في استغلالها خلال سنة، وبعد السنة له استغلالها؛ لذلك الشرع أعطاه أن يرد المثل؛ لأنه بعد العام يسقط حق العين، لكن لا يسقط حق المثل.
قال: [وإن كان حيواناً يحتاج إلى مؤنة أو يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف].
مثال ذلك: وجد حمامة توشك أن تموت ويأكلها إلى أن يظهر صاحبها.
إذاً: إن وجد حيواناً يحتاج إلى مؤنة، أو يخشى تلفه فله أكله قبل التعريف أو بيعه ثم يعرفه، فإن ظهر صاحبه فله المثل؛ لأن في حديث زيد: (وسأله عن الشاة، فقال: خذها.
فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب)، وإن سرقت منه اللقطة فليس عليه الضمان؛ لأنه لم يتعد.
قال: [وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد].
يعني: وجدت شاة لقطة، ثم قمت برعايتها في الصباح وبعد أن قدمت لها العلف والماء ماتت بدون تعدٍ، إذاً: لا شيء عليك؛ لأنك لا تضمن قيمة اللقطة طالما لم تتعد.
ولذلك قال: [وإن هلكت اللقطة في حول التعريف من غير تعد فلا ضمان فيها؛ لأنها عنده أمانة فهي كالمودع].(70/5)
فصل في اللقيط
قال المؤلف رحمه الله: [فصل في اللقيط].
عندنا مؤسسات في مصر لإيواء الأطفال اللقطاء، والطفل اللقيط: هو الطفل المنبوذ، وقد يكون ابن زنا، وقد تكون أمه تخلصت منه فألقته في القمامة، حيث نزع الله الرحمة من قلبها.
قال: [وهو الطفل المنبوذ ومحكوم بحريته].
الأصل فيه أمران: الحرية والإسلام إن وجد في مجتمع مسلم، فإن وجدت في مصر طفلاً في مكان عام فالأصل أنه حر ومسلم، وإن وجدته في مجتمعات الكفر فالأصل فيه الكفر.
قال: [لما روى سعيد عن سفيان عن الزهري: أنه سمع شبيباً أبا جميلة قال: وجدت ملقوطاً فأتيت به عمر فقال عريفي: يا أمير المؤمنين! إنه رجل صالح.
فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم.
قال: اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته].
إذاً: ينفق على الطفل اللقيط من بيت مال المسلمين.
فالطفل المنبوذ يختلف عن اللقطة، فإن الطفل لا يعرف، فلا تعتقد أن طفلاً يلقى في الطريق يكون لقطة؛ لأنه قد يكون ضاع من أمه.
وعلى الطفل اللقيط زكاة، وزكاته على الذي يعيش عنده.
قال: [ويحكم بإسلامه في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم؛ لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها].
دار الإسلام: هي الدار التي يسكنها مسلمون وتعلن فيها الشعائر، ولا يضطهد المرء فيها عن أمور دينه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه أن يأتوا قرية، فينتظروا حتى يسمعوا الأذان، فإن سمعوه وإلا غزوهم، فالمعيار الذي يميز الديار هو الشعائر، ومن العجيب أن هناك فكراً يقول: إن بلاد المسلمين اليوم مجتمعات جاهلية، لكن أقول: المعيار أن تأمن على شعائر الدين، فالمرأة تصلي وتصوم وتزكي وتحج وتلبس الخمار وتلبس الحجاب الشرعي، وفي كل الأمور الشرعية لا تضطهد، فهي الآن في دار إسلام يعلن فيها النداء بدون مشقة، والأصل فيها بناء المساجد والناس فيها تأمن على دينها، ونحن الآن والحمد لله رب العالمين في دار إسلام فيها معاصٍ، فهناك فرق؛ لأن الذي يقول: إن ديار الإسلام ديار كفر فهذا مصيبته كبيرة؛ لأنه في دار الكفر تسقط الحدود وتسقط حرمة الأموال وغيرها.
قال: [ويحكم بإسلامه في دار الإسلام إذا كان فيها مسلم؛ لأنه اجتمع الدار وإسلام من فيها.
وما يوجد عنده من المال فهو له].
وجدت طفلاً ومعه مال أو ذهب، فهذا المال هو ملك الطفل.
قال: [وكذلك ما يوجد عليه من الثياب والحلي، أو تحته من فراش أو سرير أو غيره؛ لأنه آدمي حر فأشبه البالغ.
وولايته لملتقطه إذا كان مسلماً عدلاً].
فلا ينسب إليه، إنما يقوم على رعايته من وجده.
[لحديث أبي جميلة، يعني: ولاية حفظه والإنفاق عليه ونفقته في بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه، وما خلفه فهو فيء].
يعني: ما خلفه الطفل اللقيط هو فيء، اقرأ في سورة الحشر: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر:6].
والفرق بين الغنيمة والفيء: أن الغنيمة ما أخذ بعد القتال، معركة نتج عنها غنائم، أما الفيء: ما أخذ من أموال المشركين دون قتال، ففي غزوة بني النضير أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن حصونهم دون قتال فما تركه بنو النضير له حكم الفيء، قال تعالى في سورة الحشر: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر:7] سبحان الله! هذه الآية معيار اقتصادي نموذجي للمجتمعات التي فيها فقراء، ومعنى الآية: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ))، يعني: ما خلفه بنو النضير من فيء ((فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)) أي: الخمس كما قال تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال:41]، ثم بعد ذلك يوزع الأربعة أخماس على ذي القربى واليتامى والمساكين، كل واحد له الخمس، وخص الله هذه الأصناف دون غيرها حتى لا يصبح المال متداولاً بين الأغنياء، لكن في مجتمعات الضلال تصبح الملايين في يد القلة والباقي للفقراء، ففي كتاب الله عدالة توزيع الدخل، فقد أعطى الله الفقراء من المهاجرين هذا الحق، قال تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال:41] أي: من قربى النبي صلى الله عليه وسلم الذين هاجروا معه، وتركوا أموالهم وتركوا ديارهم.
قال: {وَالْيَتَامَى} [الأنفال:41] واليتيم: الذي لا يجد عائلاً، قال: {وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال:41] كلهم فقراء.
قال: [وما خلفه فهو فيء؛ وذلك أن ميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال].
هب أن اللقيط قتله رجل بسيارته فعلى الرجل دية قتل الخطأ، وتكون هذه الدية لبيت المال؛ لأن اللقيط لا وارث له ولا أب ولا أم ولا عصبة ولا محارم.
قال: [إن لم يخلف وارثاً معروفاً كغيره من المسلمين، وأ(70/6)
ابن الملاعنة وما يترتب عليه من أحكام
قال المؤلف رحمه الله: [وحديث واثلة: (تحوز المرأة ثلاث مواريث: عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه)]، يعني: ابن الملاعنة، أي: الولد ينسب إلى أمه.
قال: [لا يثبت أيضاً، فيكون حكمه في الميراث حكم من ثبت نسبه وانقرض أهله يدفع ميراثه إلى بيت المال].
ابن الملاعنة معناه واضح في سورة النور، لو أن زوجاً دخل على زوجته، فوجد معها رجلاً أجنبياً في حالة تلبس، فأتى إلى ولي الأمر واتهم زوجته بالزنا، فالواجب عليه أن يحلف أربع مرات بالله إنه لصادق، والخامسة يقول: لعنة الله علي إن كنت كاذباً.
قال تعالى: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7]، ويأتي بعد ذلك دور الزوجة فتدفع عن نفسها العذاب -إقامة حد الزنا- أن تحلف بالله أربع مرات إنه لكاذب.
وفي الخامسة تقول: غضب الله علي إن كان صادقاً، ولعلك تلاحظ أن اللعن في الخامسة للزوج، وللزوجة الغضب، والغضب أشد من اللعن؛ لأن جريمة الزنا تقوم على المرأة.
قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور:2] فقدم الزانية.
أقول: إن لاعن الزوج زوجته ثم حلفت الزوجة يفرق بينهما ولي الأمر تفريقاً أبدياً لا يجتمعان بعده أبداً، ولو نكحت ألف زوج بعده؛ لأن الزواج يقوم على الثقة وقد فقدت الثقة بين الطرفين.
وتعتد المرأة، وتأخذ كل شيء من الحقوق المترتبة على هذا، والولد ابن الملاعنة ينسب إلى أمه، فيقال: محمد بن مريم، عبد الله بن فاطمة، ولا ينسب إلى أبيه؛ لأن الأب تبرأ منه ولاعن عليه.
وثبت في صحيح البخاري: أن هلال بن أمية -من الثلاثة الذين خلفوا- دخل بيته، فوجد شريك بن سحماء على بطن زوجته، فلما رأى المنظر أسرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني وجدت شريك بن سحماء على بطن زوجتي، قال: يا هلال! إما البينة وإما الحد)، والبينة أن تأتي بأربعة شهود، ولم تنزل آيات الملاعنة بعد، فقال هلال: (يا رسول الله! إني لصادق، والله يعلم إني لصادق، قال: يا هلال! إما البينة وإما الحد) واشتد الكرب بـ هلال؛ لأن الأمر جد لا هزل فيه، عند ذلك نزل جبريل بقرآن يتلى على النبي صلى الله عليه وسلم بحكم خاص بين الزوجين.
قال هلال: (يا رسول الله! أترك زوجتي مع رجل لا يحل لها وأبحث عن أربعة شهود؟) لا يمكن، فأنا في حالة نفسية متوترة وحالة غضب وعدم تملك للنفس، فأنزل الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6 - 9]، ولما لاعن النبي صلى الله عليه وسلم هلالاً من زوجته أتى بالزوجة فحلفت وظل يهددها بوعيد الله سبحانه في الخامسة حتى تلعثمت وقالت: قومي قومي -يعني: أفضح قومي! - ثم قالت: غضب الله علي إن كان صادقاً، ففرق بينهما وقال لأصحابه: (انظروا إلى ما تلد، فإن وضعت ولداً شبيه شريك فهو له، وإن وضعت ولداً شبيه هلال فهو له، فجاء الولد شبيه شريك، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لولا الأيمان لكان لي معها شأن آخر)، يعني: الذي منعني من إقامة الحد عليها هو اليمين.
ولذلك حكم الملاعنة في الفقه أن الولد ينسب إلى أمه، وكذلك المرأة إذا وجدت الطفل اللقيط ينسب إليها، والعتق أيضاً لهذا الأثر.
قال المؤلف رحمه الله: [ومن ادعى نسبه ألحق به مسلماً كان أو كافراً].
مثال ذلك: وجدت طفلاً لقيطاً على الطريق العام ثم قلت: هذا ولدي فإنه ينسب إلي؛ لأنه لا يمكن أن أدعي أن هذا ولدي بغير حق؛ لأنه سيكون له نصيب في الميراث، وسيكون من محارمي، وسيترتب على ادعاء البنوة أشياء كثيرة، ومن المصائب التي تحدث في أماكن اللقطاء، أن الشخص قد يلتقط طفلاً وطفلة، ويجمع بينهما الأخوة حتى إذا كبرا تزوج كل منهما الآخر، فلابد أن تكون البنت معلومة النسب، فلا أزوج اللقيط باللقيطة؛ لأنه من المحتمل أن يكون أخاها؛ مثال ذلك: لو أن أختي ولدت وبعد ولادتها ضاعت في الزيتون وأنا لا أعرفها، فمن الأفضل والأحوط: أن أبتعد عن بنات الزيتون؛ لأنه يحتمل أن تكون البنت أختي.
ولا بد أن نعلم أنه غير متبنى، والإسلام نهى عن التبني، لكن إن أردت أن توسع دائرة ا(70/7)
الأسئلة(70/8)
التعريف باللقطة تعريفاً جامعاً
السؤال
لو وجد شخص لقطة ثم عرفها، فجاء شخص وقال: أنا كان معي نقود، ولكن لا أدري: أفقدت مني أم لا -اختلط عليه الأمر- فما الحكم؟
الجواب
لابد أن يعرف اللقطة بتعريف جامع، أما أن يضيع منه نقود فهذا موجود، فلابد أن يعرف اللقطة تعريفاً جامعاً لها حتى يميزها عن غيرها.(70/9)
نسبة اللقيط إلى من ادعاه لا من كفله
السؤال
باسم من يكتب اللقيط، وخاصة نحن في مجتمع يرتبط بالأوراق: البطاقة، وشهادة الميلاد، وقسيمة الزواج؟
الجواب
اللقيط لا ينسب إلى من أخذه، وإن ادعاه أحد نسب إليه.(70/10)
حكم المقامرة
السؤال
ما حكم المقامرة؟
الجواب
هناك ورقة مقامرة واضحة، وأخونا الدكتور علي السالوس له دراسة فيها حفظه الله فهذه التي يسمونها (بزناس) وأنظمة كلها فيها ميسر ومقامرة، ولا تجوز أبداً، وهي من الشركات اليهودية التي تأكل أموال المسلمين المساكين، يقولون: اجمع خمسة وخذ مليوناً، فأنت الآن تسعى وراء السراب، حتى وإن أخذت المليون غيرك لا يأخذ شيئاً وهكذا.(70/11)
حكم عقود التأمين
السؤال
ما حكم عقود التأمين؟
الجواب
هناك قاعدة تقول: إن كانت الجهالة تنتاب أي عقد فالعقد حرام، وعقود التأمين عقود جهالة، وأي عقد فيه جهالة لا يجوز شرعاً.(70/12)
حكم من وجد ساعة قيمتها عشرون جنيهاً
السؤال
رجل وجد ساعة قيمتها عشرون جنيهاً، هل يعرفها أم لا؟
الجواب
الساعة لها قيمة عند صاحبها طالما أن قيمتها عشرون جنيهاً، فالموظف معاشه مائة وعشرون جنيهاً، والعشرون جنيهاً سدس المرتب، فلا تنظر إلى نفسك يا من تسكن في القاهرة الكبرى وتنفق الملايين، فإن عندنا في القرى تنفق العائلة عشرين جنيهاً في شهر كامل معاشاً، نسأل الله العافية.(70/13)
حكم ملاعنة الزوجة زوجها إذا رأته يزني
السؤال
هل تقام الملاعنة على زوج رأته زوجته وهو يزني؟
الجواب
نعم.
يجوز الملاعنة بالعكس، لكن الغالب أن تكون الملاعنة من الزوج.(70/14)
حكم تربية سمك الزينة
السؤال
هل تربية سمك الزينة حلال؟
الجواب
نعم.
حلال طالما أنت تطعمه وتقدم له الشراب، وفتوى العلماء على ذلك.(70/15)
حكم من وجد لقطة ولم يجد أحداً حولها
السؤال
رجل وجد خمسين جنيهاً في محطة ولم يجد أحداً حولها، فماذا يجب عليه أن يفعل؟
الجواب
يتصدق بها بنية أجر صاحبها، أو يستفيد بها هو إذا كان فقيراً ولا شيء عليه، ويعرفها في حدود إمكانياته وطاقته.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.
اللهم علمنا من ديننا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا.
آمين آمين آمين.(70/16)
العدة شرح العمدة [71]
تجوز المسابقة من غير جائزة في الأشياء المباحة كلها، أما إذا كانت المسابقة بجائزة فلا تكون إلا في نصل أو خف أو حافر، على أن تكون الجائزة من طرف خارجي من غير المتسابقين، وإن كانت الجائزة من المتسابقين فلا تكون من جميعهم، وإن ساهم جميعهم في الجائزة لزمهم أن يأتوا بمحلل مكافئ لهم.(71/1)
باب المسابقة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: المسابقة.
تجوز المسابقة بغير جعل في الأشياء كلها].
الأصل في المسابقة الجواز، وقوله: (في الأشياء كلها)، يقصد الأشياء المباحة، أما السباق في الأشياء المحرمة فلا يجوز بجعل أو بغير جعل؛ لذلك قسم العلامة ابن عثيمين رحمه الله السباق إلى ثلاثة أقسام: أولاً: سباق لا يجوز بعوض ولا بغير عوض، يعني: لا يجوز بجعل ولا بغير جعل وهو السباق المحرم، كأن ندخل في سباق في لعب الكتشينة بجعل أو بغير جعل فهذا حرام؛ لأن أصل السباق حرام.
ثانياً: يجوز بعوض وغيره.
ثالثاً: يجوز بلا جعل ولا يجوز بجعل.
أي: أن الشارع الحكيم أجاز السباق، لكن بغير عوض، ومن هنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سبق إلا في ثلاث) والمقصود: لا سبق بجعل (إلا في ثلاث: حافر وخف ونصل) والمعنى: لا سبق بجعل إلا في هذه الأشياء الثلاثة، أما ما سواها فيجوز فيها السباق بغير جعل كأن يسابق الرجل زوجته، والنبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة، فسبقها مرة وسبقته مرة عليه الصلاة والسلام.
والجعل: هو المقابل لا كما يفعل البعض في المقاهي العامة، يلعبون الطاولة، والمغلوب يحاسب على الغالب، فهذه المسابقة حرام بجعل، وحتى ولو كانت بغير جعل فهي حرام.
قال: [الدواب والأقدام والسفن والمزاريق وغيرها].
فهذه فيها مسابقة، ومعنى مسابقة الدواب: بعيري وبعيرك يتسابقان، وخروفي وخروفك يتسابقان، فكل ما يدب على الأرض من بهيمة الأنعام يجوز أن يتسابقا.
الأقدام: مسابقة المشي والجري يجوز أيضاً، لكن مسابقة الجري لم يرد في الحديث جعل لها، يعني: يتسابقان بغير جعل من أحد المتسابقين، وإذا كان الجعل من غير المتسابقين جاز، فإن قلت: أنت يا فلان! وأنت يا فلان! تسابقا جرياً، والسابق منكما له عندي جائزة، فالمتسابق لم يدخل في طرف؛ لأن الجائزة جاءت في طرف محايد، والسباق على الأقدام يجوز شريطة ألا يخالف الشرع، فنحن نرى البعض يلبس الشورت القصير جداً ويظهر الفخذ وهذا لا يجوز، أو مسابقة جري للنساء، فتجد المرأة عريانة وتجري! ويصرخون: العداءة المغربية! فهذه المسابقة في أصلها حلال، لكنها حرام لغيرها.
فصفة اللباس التي تلبسه جعلت السباق حراماً، والسباق على الأقدام لا بد أن يكون بغير جعل، إلا إذا كان الجعل من طرف محايد؛ لأن المنهي عنه هو المقامرة، وهو أن يكون أحدهما له مغرم ومغنم، وهذا لا يجوز.
قال: [والسفن -فيها مسابقة- والمزاليق -فيها مسابقة- لما روى ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق) متفق عليه].
يعني: النبي عليه الصلاة والسلام سابق بين خيول الصدقة من الحفياء إلى ثنية الوداع، والحفياء: مكان في المدينة، وثنية الوداع أيضاً: مكان في المدينة.
وأخرج البخاري هذا الحديث في باب: أن يقال: مسجد بني فلان، مسجد بني زريق، فإنه يجوز أن يحمل المسجد اسم حي أو اسم عائلة.
قال: [وسابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة على قدميه].
يعني: سابق زوجته، فمرة سبقها ومرة سبقته.
قال: [وسابق سلمة بن الأكوع رجلاً من الأنصار، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يربعون حجراً -أي: يرفعونه ليعلم الشديد منهم- فلم ينكر عليهم].
فمسابقة رفع الأثقال جائزة، لكن بغير جعل من المتسابقين وبالزي الشرعي.(71/2)
الأشياء التي يجوز المسابقة فيها بعوض
قال المصنف رحمه الله: [ولا تجوز بعوض].
أي: المسابقة لا تجوز بعوض -مقابل- إلا في ثلاث.
قال: [ولا تجوز بعوض إلا في الخيل والإبل والسهام؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) رواه أبو داود].
يشير بالنصل إلى السهام، ويشير بالخف إلى الإبل، ويشير بالحافر إلى الخيل، إذاً: لا سبق بجعل إلا في هذه الثلاث: السهام والخيل والإبل، لكن هذه الثلاث ليست مقصودة لذاتها، وإنما باعتبارها أدوات حرب، فعلى ذلك يجوز السباق بين دبابتين، والسباق بين طائرة وطائرة بجعل يجوز، وبين بندقية وبندقية بجعل يجوز، أنت تمسك بندقية وأنا أمسك بندقية، فأينا يصيب الهدف له جعل.
إذاً: لا سبق بجعل -بمقابل- إلا في ثلاث: نصل وخف وحافر، والثلاثة ليست مقصودة لذاتها، إنما مقصودة باعتبارها أدوات حرب.
قال: [فتعين حمله على المسابقة بعوض جمعاً بينه وبين ما سبق من الأحاديث، والمراد بالحافر: الخيل خاصة، وبالخف: الإبل، وبالنصل: السهام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس من اللهو ثلاث: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله)؛ ولأن غير الخيل والإبل لا تصلح للكر ولا للفر في القتال، وغير السهام لا يعتاد الرمي بها؛ فلم تجز المسابقة بها كالبقر].
يعني: علة هذه الأشياء الثلاثة هي الكر والفر بالنسبة للقتال، وعلى هذا قاس العلماء كل ما يشترك في الحرب وتستطيع أن تقاتل به العدو فإنه تجوز المسابقة فيه.(71/3)
أحكام المسابقة بالجعل
قال: [فإن كان الجعل من غير المستبقين جاز].
يعني: الحالة الأولى أن يكون الجعل من غير المتسابقين جاز ذلك.
قال: [وهو للسابق منهما؛ لأنه إخراج مال لمصلحة، فجاز أن يكون من غيرهما، كارتباط الخيل في سبيل الله عز وجل ويكون للسابق منهما؛ لأنه ليس بقمار، وإن كان العوض من أحدهما فسبق المخرج أو جاءا معاً أحرز سبقه ولا شيء له سواه].
الحالة الثانية: أن يكون الجعل من أحد المتسابقين فقط والثاني لا يدفع، فهذا جائز؛ لأن الطرف الثاني لا غرم عليه فإن فاز الذي أخرج يأخذ ما أخرجه.
قال: [أما إذا جاءا معاً فلا شيء لهما؛ لأنه لم يسبق واحد منهما، وإن سبق المخرج أحرز سبقه ولم يأخذ من الآخر شيئاً؛ لأنه لو أخذ شيئاً كان قماراً، وإن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه؛ لأنه ليس بقمار].
القمار هو أن يكون المغرم والمغنم في الطرفين.
قال: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز].
هذا هو القصد، والشيخ ابن عثيمين يخالف، لكن هذا رأي جمهور العلماء، إن أخرجا جميعاً لم يجز، يعني: أنت أخرجت ألفاً وأنا أخرجت ألفاً، وتسابقنا، وأينا يسبق يأخذ الألفين فهذا محرم؛ لأنه قمار؛ لأنني إما أن أصيب مغرماً وإما أن أغنم، والآخر إما أن يغرم وإما أن يغنم، فالأمر فيه مقامرة للطرفين.
قال: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز؛ لأنه يكون قماراً، إلا أن يدخلا بينهما محللاً].
هذا رأي جمهور العلماء.
مثال ذلك: أحمد يسابق إبراهيم، كل على جواده، وجعل أحمد جعلاً ألف جنيه، وجعل إبراهيم جعلاً ألف جنيه، فلو تسابقا هما فقط فهذا قمار ولا يجوز إلا إذا حلل السباق بأن يدخل بينهما ثالث ونسميه محللاً، وليكن في ذهنك أن المحلل تيس مستعار في الزواج لا يجوز؛ لأن البعض في بلادنا يمضي على قسيمة زواج باعتباره محللاً، ويمضي على قسيمة طلاق في آن واحد، فيتزوج ويطلق على اعتبار أن يحللها لزوجها الأول فقط، هذا هو النية، وهذا زواج باطل لا يجوز: (ولعن الله المحلل والمحلل له) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن المحلل في سباق الخيل يجوز بشروط: أولاً: أن يدخل بفرس يكافئ فرسيهما، والمعنى: أنا يكون معي فرس سرعته سبعون كيلو متراً في الساعة، وأحمد معه فرس سرعته سبعون كيلو متراً في الساعة، فعندها لا يدخل المحلل بفرس سرعته عشرة كيلو مترات في الساعة، فإنه يكون قد دخل بفرس هزيل، ويعرف أنه في هذه المسابقة فاشل فاشل، ولكنه أراد بدخوله التحليل، فهذا لا يجوز، إن دخل للتحليل فقط لا يجوز، لابد أن يدخل وهو يكافئهما في السرعة، ويمكن له أن يفوز ولا يدفع شيئاً.
الشرط الثاني: ألا يدفع فهو قمار.
إذاً: عندي ثلاثة أطراف: اثنان هما اللذان دفعا، والثالث (المحلل) لم يدفع.
قال المصنف: [وإن أخرجا جميعاً لم يجز؛ لأنه يكون قماراً إلا أن يدخلا بينهما محللاً وهو ثالث لم يخرج، يكافئ فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رميهما؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدخل فرساً بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار، ومن أدخل فرساً بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار)].
يعني: هو داخل في السباق ويعرف أنه خاسر، فهذا قمار؛ لأن العبرة بالمقاصد، ومقصد المحلل هنا أن يحلل السباق، وليس مقصده أن يدخل في السباق.
يقول الشيخ ابن عثيمين: المحلل ليس من الشرع، وإنما يوهم المتسابقين أن يتسابقا على جعل من كل واحد منهما؛ لأن المحلل يناقض الأصول الشرعية، فإن فاز المحلل أخذ من الاثنين، وهو إذا خسر لم يخسر شيئاً، إذاً: هو غير متكافئ معهما لا في الإخراج ولا في الخسارة.
قال: [فإن سبق المحلل أحرز سبقيهما بالاتفاق، وإن سبق أحد المتسابقين وحده أحرز سبق نفسه وأخذ سبق صاحبه، ولم يأخذ من المحلل شيئاً].
يعني: إن سبق الأول يأخذ ألفي جنيه: الألف التي هي له، والألف الأخرى التي هي للآخر، والمحلل لا يخسر شيئاً.
[وإن سبق أحد المتسابقين والمحلل].
يعني: وصل الأول والمحلل في وقت واحد.
قال: [أحرز السابق مال نفسه، ويكون سبق المسبوق بين السابق والمحلل نصفين].
والمعنى: أن المحلل وصل مع السابق الأول في وقت واحد، إذاً السابق يأخذ الألف جنيه التي هي له، والألف جنيه التي هي للمسبوق تقسم بين المحلل وبين الذي سبق.(71/4)
تحديد المسافة والغاية في السباق
قال المؤلف رحمه الله: [ولابد من تحديد المسافة -في السباق- والغاية].
مثال ذلك: تسابق الأخ من مدينة مصر إلى بلبيس الصحراوي، إذاً: أنا حددت لك المسافة، ولكن إذا قلت لك: تسابق الأخ من مدينة مصر إلى ما شاء الله، وأصل السباق يقوم على الذكاء، فهذا لا يجوز؛ لأن تحديد المسافة يعطي المتسابق الفرصة في أن يقسم الجهد على المسابقة؛ ولذلك في الحديث الصحيح: (ألا إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، فإن المنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع)، يعني: يدخل مباشرة في المعاصي، واليوم الثاني يتشدد، كرجل يركب حماراً يسير عليه من مصر إلى المنصورة، فما إن بدأ من الطريق الصحراوي إذا به يضربه، فإذا به يجري بسرعة مائة كيلو في الساعة، وبعد ثلاثين كيلو وقع الحمار، فلا هو بلغ إلى المنصورة ولا هو أبقى الحمار، وجميع المتنطعين -وأعرف بعضهم- يدخل فيضيق على الناس ويضيق على نفسه ويشدد على الناس ويشدد على نفسه، وبعد شهرين ينكص ويعود إلى طبيعته الأولى؛ لأن الغلو مرفوض: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171]، والغلو في الدين مرفوض بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومعنى الغلو: أقوم الليل كله، وأصوم الدهر كله، ولا أتزوج النساء، وأظل مع القرآن طوال اليوم من الساعة الخامسة فجراً إلى الساعة عشرة ليلاً، فإن للنفس إقبالاً وإدباراً، فروحوا على النفوس بكتاب الله لا بالموسيقى، روِّح على نفسك يا عبد الله! بمداعبة الزوجة والولد، والقيام بألعاب مباحة كاللهو مع الأهل، فهذا يجوز، ونم تحت المروحة والتكييف، ولا تذهب إلى المصيف، خذ زوجتك إلى مكان آمن، ولا تحبس نفسك وأهلك.
اشغل أهلك بمحاضرات إسلامية، واجعل أطفالك يستمتعون بكراتين إسلامية ليس فيها تبرج ولا محاذير، بل تحتوي على قصص إسلامية وقرآنية ومسابقات إسلامية، أو وسائل تربوية كأرجوحة تصنعها لولدك في البيت، فيا عبد الله! طالما تنهى عن شيء أعط البديل، وزوجتك كذلك لابد أن تعطيها مقابل الممنوعات أموراً جائزة.
قال المؤلف رحمه الله: [ولابد من تحديد المسافة والغاية بما جرت به العادة].
الغاية: الهدف.
[لأن الغرض معرفة أسبقهما وأرماهما].
مثال ذلك: هذه الساعة سنتسابق أنا وأنت على إصابة هذا الهدف، فأنت تضرب وأنا أضرب من بعد واحد نتفق عليه، ولكل من الطرفين أن يعود إلى الخلف أبعد من الآخر؛ لأن الغرض: هو إصابة الهدف، فإن أصابه فقد فاز.
قال: [ولا يعلم ذلك إلا بتساويهما في الغاية؛ ولأن أحدهما قد يكون مقصراً في أول عدوه سريعاً في انتهائه، وقد يكون بالضد فيحتاج إلى غاية تجمع حاليه].(71/5)
شروط المسابقة في الرمي
قال المؤلف رحمه الله: [ويشترط معرفة عدد الإصابة وصفتها وعدد الرشق -الرِّشق بكسر الراء: عبارة عن عدد الرمي الذي يتفقان عليه، والرَّشق بفتح الراء: الرمي نفسه؛ اشترط معرفة عدده؛ لأن الحذق في الرمي- المهارة في الرمي- لا يعلم إلا بذلك، وعدد الإصابة ينبغي أن يكون معلوماً، فيكون الرشق مثلاً عشرين والإصابة خمسة، فيقولان: أينا سبق إلى خمس إصابات من عشرين رمية فهو السابق، اشترط ذلك ليبين أحذقهما].
يعني: الماهر بالسباق، ولابد أن أحدد الهدف، إما في بطنه أو في خصريه أو في جنبه، ولا بد من تحقيق الإصابات الخمس من العشرين، إذاً: تحديد المسافة وتحديد الغاية.
[وإنما تكون المسابقة في الرمي على الإصابة لا على البعد؛ لأن المقصود منه: الإصابة، وليس البعد مقصوداً].(71/6)
العدة شرح العمدة [72]
الوديعة هي أمانة عند المودع عنده ولا ضمان عليه فيها إلا أن يفرط، وإن لم يميزها فعليه ضمانها كاملة حتى لو ذهب معها جزء من ماله، وعلى المودع عنده أن يحفظها في حرز مثلها وإلا كان مفرطاً.(72/1)
باب الوديعة
قال المؤلف رحمه الله: [باب: الوديعة.
وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى].
كأن أقول لك: خذ هذه الساعة وديعة عندك في بيتك، فأخذت أنت الساعة ووضعتها في حرز أمين، لكن سرقت، ففي هذه الحالة لا يلزمك القيمة؛ لأنها أمانة، وأنت قمت بحفظها.
مثال آخر: قلت لك: هذه ألف جنيه، خذها أمانة عندك لمدة أسبوع، فجاء لص وسطا على الخزنة وكسرها وأخذ الألف جنيه، ففي هذه الحالة لا يلزمك، لكن إن أخذت المبلغ ووضعته على الباب أو في الشباك، فمر لص ووجد الألف وأخذها، ففي هذه الحالة يلزمك؛ لأنك لم تحفظها بالطريقة المعتادة، وهذا معنى قول المصنف: (وهي أمانة عند المودع لا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى).
قال: [سواء ذهب معها شيء من مال المودع أو لم يذهب].
مثال ذلك: وضعت في الخزنة عشرين ألف جنيه (10000) جنيه أمانة و (10000) جنيه أخرى ملكي، فأتى السارق وأخذ (10000) الأمانة، (5000) من ملكي، والأمانة تكون مميزة، بأن أكتب عليها (10000) جنيه في ورقة ملفوفة أمانة للأخ فلان، و (10000) الأخرى ملكي، ففي هذه الحالة إن أخذ السارق الأمانة فلا يلزمني شيء، وإن كانت العشرون ألف جنيه مختلطة بدون تمييز، ففي هذه الحالة تحسب العشرة المسروقة من ملكي؛ لأن المال الآن مختلط، لكن لابد أن تميز الأمانة في حفظها.
قال: [وعنه: إن ذهبت من بين ماله غرمها].
يعني: رواية عن أحمد: إن ذهبت من بين ماله، بمعنى: ذهبت ومعها جزء من ماله.
قال: [لما روي عن عمر بن الخطاب أنه ضمن أنس بن مالك وديعة ذهبت من بين ماله، ودليل الأولى -وهو الأرجح والأقوى والمختار- أن الله سبحانه سماها أمانة، والضمان ينافي الأمانة، ويروى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس على المودع ضمان)، ويروى ذلك عن جماعة من الصحابة؛ ولأن المستودع يحفظها لصاحبها متبرعاً، فلو ضمن لامتنع الناس من قبول الودائع، فيضرُّ بهم لحاجتهم إليها، وما روي عن عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا ينافي ما ذكرناه، فأما إن تعدى فيها أو فرط في حفظها فتلفت ضمنها بغير خلاف نعلمه].
الوديعة أمانة، فإن اشترط فيها الضمان لن تكون عندي أمانات، فإنني لا أريد أن أقحم نفسي في المتاعب، وفي هذه الحالة لا أحد سيضع عند أحد ودائع، فالأصل: أن تكون الوديعة أمانة، ولا يلزمك الضمان إلا إذا قصرت، فإن لم تقصر لا شيء عليك.(72/2)
حفظ الوديعة في حرز مثلها والأحكام المترتبة على ذلك
قال المؤلف رحمه الله: [ويلزمه حفظها في حرز مثلها].
ومعنى حرز المثل: حرز مال المثل، فالتسجيل يكون في مكان في البيت، والمال في الخزنة، والملابس في الدولاب، فإن أعطيتك قميصاً أمانة عندك من الجمعة إلى الجمعة القادمة، فأخذت أنت القميص ووضعته فوق السطح، وأتى السارق وأخذه؛ فإنك في هذه الحالة لم تحفظ الوديعة؛ لأن وضعه العادي في الدولاب وأن تغلق عليه الدولاب.
قال: [فإن تركها في دون حرز مثلها ضمن].
يعني: يلزمه الضمان إن حفظها في حرز ليس هو حرزها.
قال: [لأن الإيداع يقتضي الحفظ، فإن أطلق حمل على المتعارف وهو حرز المثل، وهو ما جرت العادة بحفظ مثلها فيه، والدراهم والدنانير في الصناديق من وراء الأقفال، والثياب في البيوت والمخازن من وراء السكاكر والأغلاق، والخشب في الحظائر، والغنم في الصُّبَر].
يعني: كل شيء له حرز، مثال ذلك: أعطيتك خروفاً وديعة عندك، فوضعت أنت الخروف في السيارة، فجاء اللص وأخذ الخروف من السيارة، فإنه يلزمك في هذه الحالة الضمان؛ لأن الخروف مكانه في الحظيرة وليس في السيارة، فكان يجب عليك أن تضع الخروف في الحظيرة مع رفاقه -هذا الحرز- وأن تغلق باب الحظيرة عليه، وهكذا إن فرط المودع يعاقب بالضمان.
قال: [فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعلها في دونه ضمن؛ لأن صاحبها لم يرضه].
يعني: إن أمرتك أن تضع المال في خزنتك شرطاً مني عليك، فإذا بك تضع المال تحت المخدة، وجاء اللص وأخذ المال من تحت المخدة، فأنت في هذه الحالة وضعته في حرز أدنى ويلزمك الضمان؛ لأنك لم توف.
قال: [فإن أمره صاحبها بإحرازها في حرز فجعله في دونه ضمن؛ لأن صاحبه لم يرضه، وإن أحرزها في مثله أو فوقه لم يضمن].
كأن أقول لك: خذ الألف جنيه أمانة عندك على أن تضعها تحت وسادتك، فوضعتها في الخزنة وسرقت، ففي هذه الحالة لا أضمن؛ لأنني وضعتها في حرز أعلى.
قال: [وقيل: يضمن؛ لأنه خالف أمره].
لكن الصواب: أنه لا يضمن.
قال: [وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها أو لبس الثوب فتلف ضمن].
قلت لك: خذ هذه السيارة ضعها في جراشك وديعة أمانة لمدة أسبوع حتى أسافر وآتي، رأيت السيارة وأعجبتك، قلت: آخذها في مشوار، وعندما تحركت بها إذا بك تضربها في عمود، يلزمك الضمان؛ لأنك استخدمت الوديعة بغير إذن صاحبها، وهذه أمانة لا يجوز أن تركبها إلا بإذن صاحبها، فإن أذن لك ثم صدمت فلا شيء عليك، طالما أنك لم تفرط.
قال: [وإن تصرف فيها لنفسه فركب الدابة بغير نفعها، أو لبس الثوب فتلف ضمن؛ لأنه تعدى فيها فبطل استئمانه، وإن خلطها بما لا تتميز منه فقد فوت على نفسه إمكان ردها بعينها فوجب أن يضمنها، كما لو ألقاها في مهلكة].
مثال ذلك: لو وضع العشرة آلاف جنيه مع نقوده ولم يميز، وسرقت من الخزنة عشرة آلاف جنيه يلزمه الضمان؛ لأنه لم يميز الوديعة عن غير الوديعة.
قال: [وإن أخرجها لينفقها ثم ردها ضمن؛ لأنه هتك الحرز بغير عذر].
مثال ذلك: وضع شخص عندي ألف جنيه أمانة، فأتى إلي شخص وقال: أريد ألف جنيه قرضاً، فإن أعطيته الألف التي هي أمانة عندي ولم يردها لي ضمنت، طالما أنها أمانة فمن الأولى ألا أتصرف فيها.
قال: [وإن كسر ختم كيسها ضمن].
مثال ذلك: أعطيتك نقوداً في حرز وعليها شمع أحمر، فجئت أنت وأزلت الشمع وفضضت الحرز وضاع المبلغ، ففي هذه الحالة تضمن؛ لأنك فككت الحرز.
قال: [وإن جحدها ثم أقر بها ضمنها].
مثال ذلك: أعطيت شخصاً ألف جنيه، وبعد أيام قلت له: أين الأمانة؟ قال: ما أعطيتني شيئاً، فجحدها، فأصررت عليه حتى أقر بها، وذهب إلى الخزنة ولم يجد الألف جنيه فهنا ضمن؛ لأنه فقد الأمانة؛ ولأنه جحدها فلم يعد عندنا أميناً.
قال: [وإن جحدها ثم أقرها ضمن].
يعني: إن ضاعت ضمن قيمتها؛ [لأنه بجحده بطل استئمانه عليها] أما إذا نسي فهذه مسألة أخرى.
قال: [وإن امتنع من ردها عند طلبها مع إمكانه ضمنها؛ لأنه تعدى].
أعطيتك ألف جنيه في هذا الأسبوع، وفي الجمعة القادمة أتيتك فقلت لك: أين الألف جنيه؟ قلت لي: آسف اليوم لا أستطيع أن آتيك بها، فقد أنفقتها في شيء، غداً إن شاء الله أسلمها لك، ففي هذه الحالة يلزمه الضمان؛ لأنه صرفها بغير إذن صاحبها ففقد الأمانة.
قال: [لأنه تعدى بالامتناع من ردها فصار كالغاصب].
أرأيتم حكم الوديعة أيها الإخوة! استخلف النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليرد ودائع المشركين، وبعض الناس يستحل أموال غير المسلمين، ويقول: لأنهم كفار، أو يستحل أموال النصارى وهذا لا يجوز أبداً؛ لأنه معاهد أو مستأمن، حتى وإن كان كافراً لا يجوز أن تأخذ ماله، فطالما أنه أعطاك الوديعة بطيب نفس لابد أن تحفظها.
قال: [وإن قال: ما أودعتني ثم ادعى تلفها أو ردها لم يقبل منه؛ لأنه مكذب لإنكاره الأول، معترف على نفسه بالكذب المنافي للأمانة.
وإن قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى ردها أو تلفها قبل].
يعني: قال: ما لك عندي شيء، ثم ادعى أنه ردها، أو تلفها قبل؛ لأن القول هو قول المودع الأمين.(72/3)
حكم العارية
قال المؤلف رحمه الله: [والعارية مضمونة وإن لم يتعد فيها المستعير؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبته عام حجة الوداع: (العارية مؤداة، والمنحة مردودة، والدين مقضي، والزعيم غارم) وروى صفوان بن أمية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعاً فقال: أغصباً يا محمد؟! قال: بل عارية مضمونة)].
والمعنى: أن العارية تضمن، فلو أخذت مني أي شيء عارية تضمنها سواء تلفت بإرادتك أو بغير إرادتك.(72/4)
الأسئلة(72/5)
معنى المسابقة
السؤال
ما معنى المسابقة؟
الجواب
المسابقة معناها: أن يتسابق اثنان، كسباق الخيل، وسباق العدو، وسباق رفع الأثقال، وسباق السباحة.(72/6)
حكم تخطي الصفوف أثناء الصلاة
السؤال
هل يجوز بأي حال من الأحوال تخطي الصفوف أثناء الصلاة والذهاب إلى الصف الأول بحجة الصلاة؟
الجواب
لا، ليس بأي حال من الأحوال لا تتخطى الرقاب إلا في الضرورة، ولا تخطى الصفوف إلا للضرورة.(72/7)
دعوى خروج المهدي
السؤال
علمت من أحد الإخوة الذين أثق فيهم أن المهدي المنتظر قد ظهر، وأنه في أول رمضان المقبل؟
الجواب
إننا في زمن الفتن.(72/8)
دعوى كسوف الشمس واصطدام الأرض بكوكب آخر أو نجم
السؤال
سيكون هناك كسوف للشمس، وسوف يصدم الأرض كوكب آخر أو نجم، فيصعق سبعون ألفاً، ثم تظل الأرض أربعة أشهر وعشرة أيام جرداء، وسيكون في آخر رمضان كسوف آخر للشمس، فهل هذا الكلام صحيح؟
الجواب
اتق الله في نفسك، هذه خزعبلات كخزعبلات كتاب هرمجدون.(72/9)
حكم صلاة حامل النجاسة
السؤال
بعض النساء يحملن أطفالهن وهم يلبسون الحفاظات، وهؤلاء الأطفال يحملون نجاسة في تلك الحفاظات، فهل يجوز حملهم أثناء الصلاة؟
الجواب
نعم.
يجوز، أنت تصلي وفي جوفك براز، فالنجاسة إن لم تنفصل ولم تتميز لا حكم لها، فكل منا يصلي وفي جوفه بول وبراز، فطالما أن النجاسة لم تخرج ولم تتعين ففي هذه الحالة جائزة.(72/10)
حكم إرضاع المرأة طفلها وهي تصلي
السؤال
ما حكم إرضاع المرأة طفلها وهي تصلي؟
الجواب
الإرضاع في الصلاة يعني: ظهور عورة، فإخراج الثدي يبطل الصلاة، فتبطل صلاة المرأة إذا أرضعت في الصلاة؛ لأنها تظهر ثديها، حتى ولو لم يكن عندها أحد.(72/11)
حكم الوضوء على الملابس دون عذر
السؤال
هل يجوز الوضوء على الملابس دون عذر؟
الجواب
لا، الصلاة باطلة.(72/12)
نصيحة لمن يطلب منه شهادة الزور إرغاماً
السؤال
رجل عليه ضغوط في شهادة الزور، وجاء إلى المسجد هارباً من هذه الضغوط، نرجو النصيحة؟
الجواب
اثبت، فإن شهادة الزور قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس ثم قال: ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، فما زال يرددها حتى قال الصحابة: ليته سكت)، فالذي يكتم الشهادة آثم قلبه، كما قال ربنا عز وجل؛ لأنها تغير الواقع، فاتق الله يا أخي الفاضل! واثبت على دينك، ومن ثبت على هذا عوضه الله خيراً إن شاء الله.(72/13)
حكم من كبر على جنازة خمس تكبيرات
السؤال
صلى على الجنازة إمام، وسها وكبر خمس تكبيرات، ما حكم ذلك؟
الجواب
يجوز أن يكبر خمساً.(72/14)
حكم تعليق الآيات القرآنية في البيت
السؤال
هل يجوز تعليق الآيات القرآنية في البيت؟
الجواب
لا يجوز، وهذا اختيار النووي في كتابه التبيان.(72/15)
معنى الغيبة وبيان خطورتها
السؤال
إذا ذكرت مساوئ شخص غير موجود في المجلس لأشخاص لا يعرفون اسمه ولا وصفه، فهل يؤدي ذلك للغيبة؟
الجواب
نعم.
المصيبة الكبرى أننا نتمضمض بأعراض إخواننا ليل نهار، والكثير منا يقع في هذا الذنب المهلك الغيبة، لاسيما غيبة العلماء والطعن فيهم وتتبع العورات والحكم عليهم بسوء الظن.(72/16)
حكم قاطع الرحم
السؤال
ما حكم من يقطع رحمه؟
الجواب
لابد أن تعلم أن من قطعها قطعه الله ومن وصلها وصله الله، فقطيعة الرحم من الكبائر.(72/17)
حكم إخبار صاحب الشركة عن تصرفات الموظفين
السؤال
طلب مني صاحب الشركة أن أبلغه ما يحدث في الشركة من مكالمات تلفونية يقوم بها بعض الموظفين، فهل علي شيء؟
الجواب
لا، ليس عليك شيء؛ لأنك تقوم بعمل، ولكن لابد أن تخبر بذلك من يعمل معك.
تقول له: أنا سأخبر صاحب الشركة بكل شيء حتى بالتلفونات، لا تكن جاسوساً، ولا تكن عيناً على إخوانك يطمئنون إليك، لابد أن يعلم الجميع أن وظيفتك أن تبلغ صاحب الشركة بأي تصرف حتى ولو كان اتصالاً تلفونياً، هذا معناه: أن الكل يعلم أنك تقوم بهذا العمل فهذه وظيفة لا شك فيها.(72/18)
حكم الجعل من غير المتسابقين
السؤال
ما هو الدليل على جواز أخذ الجعل في المسابقات غير الخف والحافر والنصل؟
الجواب
طالما أن الجعل من غير المتسابقين جاز، والأصل الجواز.(72/19)
أفضل تفسير لكتاب الله
السؤال
ما هو أفضل تفسير لكتاب الله؟
الجواب
تفسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي من التفاسير الطيبة، ومختصر ابن كثير المحقق لا شك في ذلك أيضاً، وتفسير الطبري -المحقق- شيخ المفسرين رحمه الله تعالى.(72/20)
حكم بيع الصنف الواحد بأسعار مختلفة
السؤال
ما حكم من يبيع صنفاً واحداً بأكثر من سعر كبائع العطور والسواك؟
الجواب
يجوز طالما أن المشتري على علم بحال السوق، وليس هناك احتكار ولا تزييف ولا كذب، ويعلم سعر السلعة في الأسواق المجاورة، كل ذلك يضمن الجواز بإذن الله سبحانه وتعالى.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا.(72/21)
العدة شرح العمدة [73]
الإجارة هي عقد على المنافع ملزم للمؤجر والمستأجر لا ينفسخ بموت أحد الطرفين أو جنونه، وإنما ينفسخ عقد الإجارة بتلف العين المعقود عليها أو انقطاع منفعتها، ويشترط في الإجارة أن تكون المنفعة معلومة والأجرة كذلك.(73/1)
باب الإجارات
الحمد لله.
والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: قال المصنف رحمه الله: [باب: الإجارات].
انتقل المصنف بعد أن انتهى من كتاب البيوع إلى كتاب الإجارة، وعقد الإجارة عقد على المنافع، وعقد البيع عقد على الأعيان، فبعد أن انتهى من بيان عقد البيوع على الأعيان انتقل إلى عقد الإجارات على المنافع.
قال: [وهو عقد على المنافع].
والعقود أنواع، وعقد الإجارة ملزم للطرفين، وأما العقد الملزم لطرف والجائز لطرف فهو عقد الرهن، مثال ذلك: قلت لك: أريد ألفاً من الجنيهات.
قلت لي: لن أعطيك الألف إلا برهن، فجئت لك بالرهن، لأن العقد يلزمني بذلك، فقلت أنت: خذ الألف ولا أريد منك رهناً، فهذا جائز منك، أما أنا فلا أستطيع أن أقول: أعطني الألف بدون رهن، فعقد الرهن ملزم لطرف وجائز لطرف آخر، وعقد البيع ملزم للطرفين، فاحفظوا ذلك، وقيدوا العلم بالكتاب: العلم صيد والكتابة قيده قيد صيودك بالحبال الواثقة إن آفة العلم النسيان، وقد ذكر البخاري حديثاً في كتاب العلم هذا: أن أبا هريرة كان يقول: لم يكن أحد أكثر بلاغاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني سوى عبد الله بن عمرو؛ لأنه كان يكتب وكنت لا أكتب.
أي: أن عبد الله بن عمرو كان يكتب الحديث، فازداد بلاغاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أبي هريرة الذي كان يعتمد على الذاكرة.
فلابد لطالب العلم من الثبات والتحقيق وعدم التنقل.
يقول الدكتور بكر أبو زيد: من ثبت نبت، فالشجرة كثيرة التنقل لا تثمر، ولو ثبت على منهج واحد أثمر، (وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته)، أي: أمضاه، يعني: إذا دخل في عمل لابد أن يكمله، فمصيبة طالب العلم في هذا الزمن أنه يبدأ بكتاب الطهارة ولا يكمل، ويبدأ بتفسير الفاتحة ولا يكمل.
قال: [الإجار: عقد على المنافع كسكنى الدار].
يعني: أجرتك داراً لتسكنها بالإيجار، وليس في الشرع ما يسمى بالمشاهرة، أي: لا إيجار مدى الحياة، والقانون المصري القديم ليس من شرع الله، لابد أن يكون الإيجار لزمن محدد بمبلغ محدد، فإن انتهى عقد الإيجار عاد الملك إلى المالك، أما أن يكون المالك ليس هو المالك، وينقلب المستأجر إلى مالك! هذا ليس في شرعنا.
قال: [والحمل إلى مكان معين].
كأن أستأجر منك سيارة على أن تحملني إلى مكان معين، مثال ذلك: شخص يريد أن يركب إلى الجيزة فلابد من تحديد الأجرة وتحديد المنفعة، فتبادره أنت وتقول له: كم تريد أن تأخذ على هذا المشوار، فيقول لك مثلاً: خمسة جنيهات، فتقول له: لا.
لا أملك إلا ثلاثة جنيهات، فاتفقتما على ذلك، حتى إذا وصلتما إلى الجيزة أعطيت السائق المبلغ المتفق عليه دون نزاع أو مخاصمة.
مثال آخر: استأجرت من يحمل لك طوباً إلى الدور الرابع فقلت له: ارفع هذا الطوب من الدور الأرضي إلى الرابع، فيقول لك: كم طوبة؟ فتقول له: ألف طوبة.
كم تريد عليهن أجرة؟ فيقول لك: آخذ على المائة عشرين جنيهاً، فيكون الألف بمائة جنيه، فاتفقتما على هذا المبلغ.
لكن نحن نقول: توكل على الله! كلك بركة، سأرضيك إن شاء الله، وبعد أن يحمل له الطوب وينتهي من حملها يقول له: كم أجرتك؟ فيقول: مائة، فيقول له الآخر: لن أعطيك إلا ثلاثين جنيهاً، فيقول له: اجعلها ديناً عندك، وتحدث المشاحنات بسبب عدم تحديد أجرة المنفعة.
قال: [وخدمة الإنسان.
قال الله سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6]].
طلق رجل امرأته وهي حامل وبانت منه ثم وضعت الحمل، فالأم ترضع الطفل، ولابد للأب أن ينفق على الأم وهي ترضع في مدة الرضاعة.
وهناك مسألة أخرى، وهي قول الله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:6].
فإن طلق الرجل زوجته وهي حامل في الشهر السابع، وقد بانت منه طلاقاً غير رجعي، فالمطلوب من الرجل أن ينفق عليها في مدة الحمل؛ لأن الولد الذي في بطنها يحتاج إلى غذاء، فإن وضعت أنفق عليها مدة الرضاعة، يقول ربنا سبحانه: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق:6] أي: أجورهن على الرضاعة، ففي باب الإجارة يدلل المصنف على جواز الإجارة من القرآن.
وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:26].
فشعيب استأجر موسى عليه السلام لعمل محدد.
قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27]، فانظر أولاً إلى عدل شعيب بين البنتين، إذ ترك الخيار لموسى.
ثانياً: قال: ((إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ))، فالذي يزوج البنت هو الأب؛ لأنه الولي الطبيعي عليها.
ثالثاً: في الآية جواز أن يعرض الرجل ابنته على الرجل الص(73/2)
بيان ما تنفسخ به الإجارة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتنفسخ بتلف العين المعقود عليها أو انقطاع نفعها].
استأجرت منك محلاً، وبعد أن وقعنا العقد وقع المحل على الأرض، ففي هذه الحالة ينفسخ العقد؛ لأن المنفعة زالت.
مثال آخر: استأجرت منك حماراً لتوصيل التراب إلى مزرعتي على أن أعطيك في الشهر خمسين جنيهاً مدة إيجار الحمار لحمل التراب من بيتي إلى المزرعة، فإذا مات الحمار انفسخ العقد؛ لأن المنفعة زالت، فينفسخ عقد الإيجار بزوال المنفعة.
قال: [أو انقطاع نفعها].
فانقطاع النفع أيضاً ينفسخ به عقد الإجارة.
قال: [كما لو تلف المكيل قبل قبضه، وكذلك إذا تعيبت، كدار استأجرها فانهدمت، أو أرض انقطع ماؤها].
يعني: أنا استأجرت منك فداناً لزراعته على أن الماء يخرج إليها من سبيل كذا، فانقطع الماء من هذا السبيل، فانعدمت المنفعة؛ لأن الأرض بدون ماء لا قيمة لزراعتها، فانعدام المنفعة أو انقطاعها يفسخ عقد الإيجار.
قال: [لأن المنفعة المقصود منها تعذرت، فأشبه تلف العبد.
وفيه وجه آخر: لا تنفسخ].
لكن الراجح: أنها تنفسخ.(73/3)
بيان ما تصح به الإجارة
قال المؤلف رحمه الله: [ولا تصح الإجارة إلا على نفع معلوم، إما بالعرف كسكنى الدار، أو بالوصف كخياطة ثوب معين وبناء حائط وحمل شيء إلى موضع معين].
مثال لذلك: أنت تريد أن تحيك ثوباً، فذهبت إلى تاجر القماش، وقطعت ثوباً طوله ثلاثة أمتار، وقلت له: اعمل لي هذا قميصاً، وأخذ المقاس وقاس، وأول ما أخذ المقص قص جزءاً من القميص فأتلفه، فإنه يلزمه الضمان، لكن إذا سرق الثوب من حرزه الذي وضعه فيه لا يلزمه الضمان؛ لأن سرقة الثوب بعد إتمام صنعه يختلف عن إتلافه؛ لأنك تستأجره.
ومثال المنفعة: ذهبت إلى الحلاق وقلت له: احلق لي شعري لو سمحت.
فشوه بشعري وقال لي: آسف لا أستطيع أن أفعل أكثر من ذلك، فهو الآن يلزمه التعويض والضمان؛ لأنه لم يقم بالوظيفة المتفق عليها بين الطرفين، فلابد أن تكون على نفع معلوم.
قال: [وضبط ذلك بصفاته، فيشترط أن يكون النفع معلوماً؛ لأنه المعقود عليه فأشبه المبيع].
بيع الجهالة لا يجوز، وكذلك إجارة الجهالة، ونحن جميعاً نقع في هذا، نستأجر دون اتفاق على منفعة ولا على أجرة، فمثلاً: تأتي شخصاً وتقول له: أريد أن أستأجر منك هذه الشقة (صالة وأربع غرف) فيقول المؤجر: طيب، فيقول له المستأجر: كم تأخذ؟ فيقول المؤجر: على البركة! فهذا لا يجوز، لابد أن تحدد الأجرة، فالنفع معلوم والأجرة معلومة بمواصفات معلومة حتى لا يحدث النزاع هذا هو الشرع؛ لأنه أشبه بيع المعلوم.(73/4)
حكم استئجار العين
قال المؤلف رحمه الله: [ويشترط معرفة الأجرة كما يشترط معرفة الثمن في المبيع، وإن وقعت الإجارة على عين فلابد من معرفتها].
أنا سأستأجر منك عيناً، لابد أن أعرف أين هذه العين؟ فمثلاً: أجر فلان لفلان شقة في الدور العشرين في جهة الشمال، فيها ثلاث غرف وصالة ودورة مياه مقابل ثلاثمائة جنيه دون أن يعاين، فخرج إلى الشقة وصعد في الدور العشرين، فوجدها أقل من ثلاث غرف وعلى خلاف ما اتفقا، فلابد أن يعاين قبل توقيع عقد الإيجار، فإن هذا مدعاة لخلق المنازعات بين الناس.
قال: [وإجارة العين تنقسم قسمين: أحدهما: أن يكون على مدة، كإجارة الدار شهراً، أو العبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة، فيشترط معرفتها؛ لأن الأعيان تختلف فتختلف أجرتها، كما أن المبيعات تختلف فتختلف أثمانها.
القسم الثاني: إجارتها لعمل معلوم].
فالإجارة نوعان: إما إجارة لمدة وإما إجارة لعمل، ومعنى الإجارة لمدة: استأجرت منك هذه الدار لمدة شهر أو لمدة سنة، أو استأجرت خادماً ليعمل عندي ثلاثة أشهر، أو استأجرته ليعمل في داري مدة ثلاثة شهور، ومعنى الإجارة لعمل: ارفع هذا الطوب من الدور الأرضي إلى الرابع، فهذا إجارة عمل، فظل يرفع الطوب من الصبح إلى المغرب أو من الصبح إلى الظهر؛ لأن الاتفاق على أن الألف طوبة ترفع إلى الدور الرابع، فيرفعها في ساعة أو في ساعتين أو في ثلاث ساعات، الاتفاق هنا على عمل وليس على مدة.
قال: [كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان معين].
استأجرت منك سيارة على أني أركبها من القاهرة إلى بلبيس، إذاً: هذه إجارة لعمل، فيحظر علي أن أصل بها إلى الصالحية القديمة؛ لأنني اتفقت معك إلى بلبيس.
طيب لو أنني استأجرت منك السيارة على أن أصل بها إلى بلبيس، فوصلت بها إلى أقل من ذلك جاز؛ لأنني استخدمت السيارة في أقل من المسافة المحددة بيني وبينك، وهذا لمصلحتك أنت، بدلاً من أن أسير بها خمسين كيلو سرت بها عشرين كيلو.
الحمد لله رب العالمين، فهذه المصلحة للمالك.
فلذلك يقول هنا: [ومن استأجر شيئاً فله أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه].
مثلاً: اتفقت معك على أن ترفع ألف طوبة حمراء من الدور الأرضي إلى الدور الرابع مقابل خمسين جنيهاً، فتأخر الطوب، وجاري عنده ألف طوبة مثلي، فقلت لك: ارفع هذا الطوب من الأرض إلى الدور الرابع لجاري محمد.
فهذا جائز؛ لأنك الآن تتفق على عمل، بغض النظر عن صاحبه.
قال: [ومن استأجر شيئاً له أن يقيم مقامه من يستوفيه بإجارته أو غيرها إذا كان مثله أو دونه].
فإن اتفقت معك على أن تنقل لي الحجارة إلى الدور الرابع، ثم بدا لي أن أحول العمل إلى أخي في الدور الثاني فهذا أدنى من العمل المتفق عليه، وهو لصالح المستأجر ولا بأس به.
قال: [فإذا اكترى داراً فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر؛ لأنه لم يزد على استيفاء حقه، ولا يجوز أن يسكنها من هو أكثر ضرراً منه؛ لأنه يأخذ فوق حقه].
استأجرت منك شقة بغرض استعمالها سكناً لمدة سنة، فبدا لي أن انتقل إلى مكان آخر وأن أعطي الشقة لأخي بنفس القيمة الإيجارية، فأنت لن تتضرر طالما أنها تستخدم في السكن بنفس الأجرة، لكن إن استأجرت منك محلاً لبيع الكتب الإسلامية، فإذا بي أريد أن أحول المحل إلى مقهى للعب الضمنة! فهذا لا يجوز؛ لأنني أضرُّ بك.(73/5)
أحكام استئجار أرض لزرعها
قال المؤلف رحمه الله: [وإن استأجر أرضاً لزرع فله زرع ما هو أقل ضرراً منه].
كأن أستأجر منك فداناً لأزرعه حنطة (القمح) فبدلاً من أن أزرعه قمحاً زرعته شعيراً.
قال: [فإذا استأجر أرضاً لزرع حنطة فله أن يزرع شعيراً أو باقلاء، وليس له أن يزرع ما هو أكثر ضرراً منه كالدخن والذرة والقطن].
يعني: لو استأجرت منك فداناً لزراعة قمح فزرعته قطناً، فإن هذا لا يجوز؛ لأن القطن أكثر ضرراً بالأرض.
قال: [لأن ضررها أكثر، ولا يملك الغرس ولا البناء؛ لأنه أضر من الزرع].
كذلك لو استأجرت منك فداناً لزراعته قطناً، فبنيت عليه لم يجز؛ لأنني استأجرت للزراعة وليس للبناء.
قال: [ولا يجوز له أن يخالف ضرره ضرره، مثل: القطن والحديد، إذا اكترى -استأجر- لأحدهما لم يملك حمل الآخر؛ لأن ضررهما يختلف].
حمل الحديد يختلف عن حمل القطن، فالحديد محكوم على ظهري والهواء لا ينثره، بينما القطن لابد أن يحكم، ولابد أن أحوط عليه وأمسكه بيديَّ، فإذا استأجرتك على حمل حديد فلا يجوز أن أحمل قطناً بدلاً من الحديد؛ لأن الضرر هنا يختلف.
قال: [فإن الحديد يجتمع في مكان واحد بثقله، والقطن يتجافى وتهب فيه الريح؛ فينصب الظهر].
يعني: يتعب الظهر.
قال: [فإن فعل شيئاً من ذلك فعليه أجرة المثل؛ لأنه استوفى منفعة غير التي عقد عليها؛ فلزمه أجرة المثل كما لو استأجر أرضاً لزرع شعير فزرعها قمحاً، أو كما لو حمل عليها من غير استئجار].
ومعنى هذا: استأجرت منك أرضاً لأزرعها حنطة -يعني: قمحاً- فزرعتها قطناً، وبعد أن زرعتها قطناً اختلف المالك مع المستأجر، فجاء آخر ليفصل بينهما فحكم على المستأجر أن يدفع أجرة المثل.(73/6)
حكم من اكترى إلى موضع فجاوزه
قال المؤلف رحمه الله: [وإن اكترى إلى موضع فجاوزه].
مثال ذلك: استأجر سيارة إلى بلبيس فجاوزه إلى (العباسة) ودخل على (القوين)، ودخل على (أبو خبير فاقوس) وأبو حماد من قبلها، فجاوز المكان المتفق عليه، فما المطلوب من المستأجر في هذه الحالة؟ المذهب فيه روايتان، الراجح: أن الأجرة تكون حسب الاتفاق، والزيادة تكون فيها أجرة المثل.
أي: أن المسافة المحددة تعود إلى الاتفاق، وما زاد يعود إلى أجرة المثل.(73/7)
حكم تلف العين المستأجرة
قال: [ويلزمه ضمان العين إن تلفت بقيمتها سواء كان صاحبها معها أو لم يكن؛ لأنها تلفت بالجناية عليها، وسكوت صاحبها لا يسقط الضمان، كمن جلس إلى جنب إنسان فخرق ثيابه، وهو ساكت فإن الضمان يلزمه.
وإن تلفت من غير تعد فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد].
أمثلة ذلك: استأجرت منك سيارة بمائة جنيه، وأنا أمشي بسرعة ستين وهي سرعة اعتيادية، وفجأة صدمني شخص، فهل يلزمني الضمان؟ لا يلزمني، وإن كنت أمشي بسرعة مائة وأربعين فإنه يلزمني، فالضمان يلزم المستأجر إن تعدى، وإن لم يتعد فلا ضمان عليه.
مثال آخر: زبون في مشكلة مع الحلاق، فبدلاً من أن يحلق ضرب بالموس رأسه فوصل إلى المخيخ وسال الدم من الرأس، فهنا يعتبر متعدياً، فإن تعدى يلزمه الضمان، وأي مستأجر تعدى يلزمه الضمان، كأن استأجر منك سكناً ففصل هذا السكن كما يحب ويهوى، فعمل حائطاً هنا، وعمل بلاطاً هنا، وقاطعاً هنا، وقسم البيت كما يريد! فهو تصرف في ملك غيره، وعندما كان يضرب على الجدار سقطت العمارة، فهنا يلزمه الضمان، لكن لو علق ستارة على النافذة فلا يلزمه الضمان؛ لأنه لا يضر بمصلحة البناء.
قال: [ولا ضمان على الأجير الذي يؤجر نفسه مدة بعينها فيما يتلف في يده من غير تفريط، والإجارة على ضربين: خاص ومشترك، فهذا هو الأجير الخاص الذي يؤجر نفسه مدة معلومة لخدمة أو خياطة أو رعاية، شهراً أو سنة أو أكثر؛ سمي خاصاً لاختصاص المستأجر بمنفعته في تلك المدة دون سائر الناس، لا ضمان عليه فيما يتلف في يده مثل: أن تهلك الماشية معه، أو تنكسر آلة الحرث وما أشبه ذلك إذا لم يتعد؛ لأنه أمين، فلم يضمن من غير تعد كالمودع].
إن كان المستأجر خاصاً ولم يتعد فلا ضمان عليه، فإن تعدى فعليه الضمان.
والمستأجر نوعان: مستأجر خاص؛ ومستأجر مشترك، فالمستأجر المشترك الذي فيه شركاء متشاكسون، كما قال الله عز وجل: {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} [الزمر:29]، فإن استأجرت طباخاً ليطبخ الطعام لي في البيت فهو مستأجر خاص.
قلت له: أتجيد الطباخة.
قال: نعم.
فأحضرت له المواد وأنتج الطبيخ فأفسده، فهل يلزمه الضمان؟ طبعاً يلزمه؛ لأنه تعدى هنا، ولم يبذل عناية الرجل المعتاد، فهنا تعدى.
كان الشعبي فقيهاً من الفقهاء، فجاءه رجل فقال له: إن هذا الرجل ترك غنمه ينزل الزرع فأفسده، وكان بجوار الشعبي فقيه فهمس الفقيه لمن بجواره: انظر إلى الشعبي سيسأله: بالليل أم بالنهار؟ فقال الشعبي للرجل: بالليل أم بالنهار؟ قال: بالليل.
قال: يلزمه الضمان؛ لأنه بالنهار صاحب الزرع في زرعه، وصاحب الغنم يقوم على غنمه، فإن نزل الغنم إلى الزرع لا يلزمه الضمان؛ لأن صاحب الزرع يحرس زرعه، ويفترض أنه قائم على رعاية زرعه فإن وقع ذلك في آخر النهار فإن صاحب الزرع يعود إلى بيته، وصاحب الغنم يعود بغنمه إلى الحظيرة، فإن ترك صاحب الغنم غنمه تنزل الزرع بالليل لزمه الضمان؛ لأن صاحب الزرع ترك الزرع وعاد إلى بيته، وليس مطلوباً من صاحب الزرع أن يحرس الزرع بالليل؛ ولذلك ربنا يقول في حق سليمان وداود عليهما السلام: {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء:78]، قال العلماء: النفش: هو النزول بالليل وليس بالنهار {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء:78]، جاء صاحب الزرع إلى داود عليه السلام، وقال: يا نبي الله داود! هذا الرجل ترك غنمه فنزلت في زرعي فأفسدت الزرع، فقضى لصاحب الزرع بالغنم؛ لأنه يلزمه الضمان بقيمة التلف الذي أتلفه غنمه، فقدر التلف فوجده يساوي قيمة الغنم، فقال سليمان: يا أبي! إني أرى في هذا رأياً.
قال: ما ترى يا ولدي؟! قال: أرى أن ندفع الغنم لصاحب الزرع، وأن ندفع الزرع لصاحب الغنم لمدة سنة، أما صاحب الزرع فينتفع بالغنم من أسمانها وألبانها وأصوافها وأوبارها مدة هذه السنة، وأما صاحب الغنم فيقوم على رعاية الزرع حتى يعود إلى شأنه، فإن عاد ردت الغنم إلى صاحبها، وعاد الزرع إلى صاحبه، فقال الله: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء:79].(73/8)
حكم إفساد الزوجة طعام زوجها
فإن قال قائل: الزوجة أفسدت طعام زوجها هل يلزمها الضمان أم لا؟
الجواب
تعطى فرصة أخرى، فهي ليست مستأجرة، بل هي زوجة، لكن يلزمها أن تكون طاهية فعندنا في الأرياف الأم تعلم ابنتها الطهي وهي ما زالت صغيرة، فتسلم المهنة لها في البيت كله.
عموماً لا يلزمها الضمان.
فالأجير الخاص لا يلزمه الضمان إن لم يتعد، ويلزمه الضمان إن تعدى، فإن أجرت راعياً للغنم على أن يرعاها وأن يسقيها وأن يحلبها، فنام عنها فأكل الذئب واحدة منها، ففي هذه الحالة لزمه الضمان، لكن إن جاء الذئب وأخذ واحدة وهو مستيقظ دون إرادته لا يلزمه الضمان.
قال: [والضرب الثاني: الأجير المشترك: هو الذي يقع العقد معه على عمل معين، كخياطة ثوب أو بناء حائط؛ سمي مشتركاً لأنه يعمل للمستأجر ولغيره].
يعني: يفصل ثياباً للبلدة كلها.
قال: [لأنه يعمل للمستأجر وغيره، ويتقبل أعمالاً كثيرة في وقت واحد، فيشتركون في منفعته، فيضمن ما جنت يده، مثل: أن يدفع إلى حائك عملاً فيفسد حياكته، أو القصار -الغسال- يخرق الثوب بدقه أو عصره].
يعني: أخذت قميصاً وأودعته المغسلة، فصاحب المغسلة أخذ القميص وأدخله الفرن فلم يخرج قميصاً، بل خرج قطعة فحم! فإنه يلزمه الضمان، وإن أدخله بلون معين وخرج أسود لزمه الضمان؛ لأن هذا العمل مشترك.
فقوله: [فيضمن ما جنت يده].
أي: يضمن الذي تسببت يده في تلفه، لكن إن جاء التيار ستين فولتاً، فارتفعت الكهرباء من الشركة فزادت مائة وعشرين فولتاً، واحترق كل شيء في الفرن، فهو لم يقصر ولم تجن يده، فالشريعة لا تأتي إلا بالعدل، ولا تعرف الظلم أبداً، فليس عليه الضمان.
قال: [والطباخ ضامن لما فسد من طبيخه، والخباز في خبزه؛ لما روى جلاس بن عمرو: أن علياً رضي الله عنه كان يضمن الأجير؛ ولأنه قبض العين لمنفعة من غير استحقاق، وكان ضامناً لها كالمستعير].(73/9)
ضمان الحجام والختان والطبيب
قال المؤلف رحمه الله: [ولا ضمان على حجام ولا ختان أو طبيب إذا عرف منهم حذق الصنعة].
يعني: مهارة، مثال ذلك جئت بطبيب ماهر وقلت له: اختن ولدي، فختن الولد، فأصيب الولد بشيء ليس من تقصير الطبيب، فإنه لا يضمن.
مثال آخر: جئت بحلاق لختان ولدك، فأتى على الحشفة وما بعدها فقضى على مستقبله، فإنه يلزمه الضمان.
مثال آخر: جئت بختانة -يعني: مطهرة للإناث- لتختن ابنتي فقطعت البظر فيلزمها الضمان؛ لأنها أفسدت.
قال: [إذا فعل هؤلاء ما أمروا به لم يضمنوا، بشرطين أحدهما: أن يكونوا ذوي حذق -يعني: مهارة- وبصارة في صنعتهم].
فهل صنعة الحلاق الختانة؟ لذلك ضمن مباشرة؛ لأنه ليس من اختصاصه، فالطب صنعة والختان صنعة، فلابد أن نحترم التخصصات، والإسلام حظنا على ذلك فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].
قال: [والثاني: ألا تجني أيديهم فيتجاوزوا ما أمروا به؛ لأنهم إذا كانوا كذلك فقد فعلوا فعلاً مأذوناً فيه، فلم يضمنوا سرايته، كقطع الإمام يد السارق].
سارق سرق، فجيء بإمام ليقطع يده، ومعلوم أن اليد تقطع من المفصل، فإن قطع يده وشلت لا يضمن؛ لأنه يمارس العمل بالضوابط الشرعية فلم يلزمه الضمان، وجاء رغم إرادته وبدون تعد.
قال: [فلم يضمن سرايته كقطع الإمام يد السارق أو فعلاً مباحاً مأموراً به أشبه ما ذكرنا.
أما إذا لم يعرف منهم حذق الصنعة فلا يحل لهم مباشرة القطع، فإن قطعوا مع هذا كان فعلاً محرماً فيضمن سرايته كالقطع ابتداء، وإن كانوا حذاقاً إلا أن أيديهم جنت مثل: أن يتجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو بعضها، أو يقطع في غير محل القطع، أو في وقت لا يصلح القطع فيه فإنه يضمن؛ لأن الإتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ؛ ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء].(73/10)
تضمين الرعاة
قال المصنف رحمه الله: [ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد].
فلو أعطيت غنمك لراع يرعاها وبينما هو يرعاها جاء ذئب وأخذ منها واحدة مع حراسته ورعايته وعدم غفلته واستيقاظه فلا يلزمه الضمان؛ لأنك لو كنت أنت الراعي لأخذها منك الذئب، فهذا قدر الله.
وأما لو نام وتركها ترعى وجاء ذئب فأخذ منها واحدة فيلزمه الضمان هنا؛ لأنه أهملها.
فيد الراعي يد أمين وليست يد ضمان، وهناك فرق بين يد الأمين ويد الضامن، وهذه نقطة مهمة جداً، فالأمين لا يلزمه الضمان، والضامن يلزمه الضمان.
قال المصنف رحمه الله: [لأنه مؤتمن على حفظها، فلم يضمن من غير تعد كالمودع، والتعدي أن ينام عنها أو أن يتركها حتى تبعد عنه كثيراً وشبه ذلك، إذا فعل هذا ضمن؛ لأنه تلف بعدوانه].(73/11)
تضمين القصار والخياط
قال المصنف رحمه الله: [ويضمن القصار].
وهو الغسّال، فلو دفعت ملابسك إلى المغسل وكانت من الملابس الغالية الثمن ليغسلها ثم يكويها فوضعها صاحب المغسلة وفتح عليها التيار الكهربائي أكثر مما هو معتاد -وهي حرير أو قطن- فاحترقت لزمه قيمة الملابس؛ لأنه أهمل في عمله، ولو ارتفع التيار رغم إرادته فلا يلزمه الضمان.
قال المصنف رحمه الله: [ويضمن القصار والخياط ونحوهما ممن يتقبل العمل ما تلف بعمله دون ما تلف من حرزه].
فالخياط يضمن إن تلف بالعمل، فإن سُرق الثوب من خزنته فلا يضمن.
قال المصنف رحمه الله: [وذلك أن القصار إذا أتلف الثوب بقوة الدق والعصر] يلزمه الضمان بقيمة الثوب.
قال المصنف رحمه الله: [والخياط بخياطته فإنه يضمن؛ لأنه قبض العين لمنفعته فأشبه المستعير، فأما إن تلفت من حرزه فلا يضمن؛ لأنه أمين فأشبه المودع].
فالمستعير ضامن والمودع لا يضمن، فإذا أردت أن تقضي بين الناس في أمر الضمان فكيّف المودع أو الشيء، هل هو مستعار أم هو أمانة مودعة.
فلو أن شخصاً استعار سيارتك لغرض ما ثم أخذها وفي الطريق اصطدم بسيارة أخرى لزمه الضمان؛ لأنه مستعير.
ولو ترك السيارة وديعة عندك وقال لك: اركبها إلى مسافة كذا فركبتها وبعد ذلك أصيبت بحادث فلا ضمان عليك؛ لأنه أذن لك بأن تركبها، وهي وديعة، والوديعة لا ضمان على صاحبها إلا إذا تعدى من أودعت عنده.(73/12)
العدة شرح العمدة [74]
الغصب هو الاستيلاء على مال الغير بغير حق قهراً، وهو ليس كالسرقة، فالسرقة إذا بلغت النصاب قطع السارق، أما الغاصب فلا يقطع وإنما يضمن العين المغصوبة سواء كانت مالاً أو عبداً أو أرضاً أو غير ذلك.(74/1)
تعريف الغصب والفرق بينه وبين السرقة
قال المصنف رحمه الله: [باب الغصب].
الاستيلاء على مال غيره بغير حق قهراً وهذا القيد للتفريق بين الغصب وبين السرقة والاختلاس والانتهاب.
فالغصب هو: أخذ المال بغير حق قهراً.
أي: أنك تراه بين يديك ولا تستطيع أن تحافظ عليه.
فالغصب أخذ المال قهراً عن صاحبه، أي: رغم أنف صاحبه، وأما السرقة فقد يكون صاحب المال نائماً أو خارجاً فلا أحد يقاوم السارق، فهو يسرق دون مقاومة، فهناك فرق بين الغصب وبين السرقة والاختلاس والانتهاب.
فالغصب: أخذ المال بغير حق قهراً.
والسرقة: أخذ المال بغير حق وبغير قهر، وبغير نصابها المعروف شرعاً.
فالفرق بين الغصب وغيره أن الغصب يتم قهراً.
والاستيلاء على المال قد يكون بحق وقد يكون بغير حق.
فاستيلاء ولي أمر اليتيم الذي يقوم على رعاية مال اليتيم استيلاء بحق، وهنا الاستيلاء بغير حق.(74/2)
حكم الغصب
وحكم الغصب في الشرع حرام، قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة:188].
ويقول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) والمال قد يكون عقاراً أو منقولاً، فالعقارات هنا هي الأراضي والمباني، والمنقولات هي التي يسهل نقلها وتحويلها إلى نقد.
والعقار أصل ثابت يصعب تحويله إلى نقد أو حمله، فالعقارات ثابتة، والمنقولات متنقلة.
وسواء كان الغصب لعقارات أو لمنقولات فهي سواء، فالغصب يستوي فيه هذا وهذا.(74/3)
ما يتحمله الغاصب
والغاصب يتحمل كل شيء وزيادة، فلو اغتصب أرضاً وطرد صاحبها منها وزرعها فعليه في الشرع قلع الزرع، ومؤنة الخلع، وتسوية الأرض على نفقته، وغرامة ما أحدث في الأرض من ضرر، وأرش نقصها في مدة زراعتها، وإيجارها في هذه المدة.
فنحن في الشرع نؤدب الغاصب.
هذه قاعدة.
وهناك غصب لشيء مشروع وغصب لشيء غير مشروع.
فلو تملك رجل كلباً ليس للحراسة فقام شخص وأتلفه فلا يلزمه الضمان؛ لأن الكلب مهدر، ولو كان كلب حراسة للزمه الضمان، فهناك فرق بين كلب الحراسة والكلب العام، فالكلب العام لا يجوز اقتناؤه.
ولو أن رجلاً ذمياً شرب كأس خمر فجاء رجل مسلم وكسر الكأس بما فيه -لأن الخمر حرام- للزمه الضمان؛ لأن الخمر ليست حراماً في شرع الذمي، وإنما هي حرام في شرعنا، والخمر لم تحرّم إلا على المسلمين.
وإذا أتلف خمر المحارب فلا يلزمه الضمان؛ لأن دم المحارب مهدر.
والذي يتلف هذا المال هو الذي بيده التغيير، فلا يذهب أحد إلى محارب يراه يشرب الخمر ويكسر عليه كأس الخمر؛ لأنه لا يستطيع ذلك.
ولو لبس رجل من أهل الكتاب صليباً وأظهره على صدره وسار به في الطرقات فإذا جذبه ولي الأمر وأتلف الصليب لزمه الضمان إن كان الصليب داخل الملابس، فإذا أظهره وأتلفه ولي الأمر فليس عليه الضمان.
قال المصنف رحمه الله: [ومن غصب شيئاً فعليه رده]، أي: أنك إذا أخذت المال بالغصب لزمك الرد.
قال المصنف رحمه الله: [لقوله عليه الصلاة والسلام: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي).
أبو داود.
وعليه أجرة مثله مدة مقامه في يده؛ لأنه فوت عليه منفعته، والمنافع لها قيمة، فيضمنها كالأعيان].
فإذا غصبك أحد جهاز التسجيل وظل عنده شهراً فيلزمه رده وإيجار الشهر.
ثانياً: لو كان قيمة جهاز التسجيل يوم أخذ بخمسمائة جنيه واليوم بثلاثمائة فيلزم الغاصب الفرق، فالزيادة لصاحب الحق وليست للغاصب.
وإذا غصبك شاة وكانت حاملاً فوضعت حملها عند الغاصب فعليه أن يرجعها بزيادتها، وإذا أنفق عليها الغاصب فإنها تعود بلحمها وشحمها ولا حق للغاصب.
فأي غاصب يأخذ المال بغير وجه حق يلزم برده، وليس له فيه أي حق.
قال المؤلف رحمه الله: [وإن نقص فعليه أرش نقصه؛ لأنه يلزمه ضمان جميع المغصوب لو تلف، فيلزمه ضمان بعضه بقيمته قياساً للبعض على الكل].
أي: أنه إن نقص المال المغصوب عند الغاصب فيلزم الغاصب رد النقص أو أرشه.
فإذا أخذ شخص كتاباً غصباً وظل عنده شهراً كاملاً فقُطعت منه ورقة ثم رفع الأمر إلى ولي الأمر فإن الواجب على الغاصب تجاه المغصوب أن يرد الكتاب، وأن يلتزم بالنقص الذي طرأ على الكتاب، ويثمّن بعد القطع والنقص ويدفع الغاصب الفرق.
فالأرش: هو الفرق بين قيمته جديداً وقيمته مستعملاً.
ثم يدفع إيجاره في الشهر.
فيلتزم الغاصب بثلاثة أمور: أولاً: رد الكتاب.
ثانياً: أرش النقص أو أرش الفرق.
ثالثاً: الإيجار كما لو كان قد أُجِّر.
وأرش الفرق أي: الفرق بين قيمته يوم الغصب ويوم الرد.(74/4)
حكم الجناية على المغصوب
قال المصنف رحمه الله: [وإن جنى المغصوب فأرش جنايته عليه -يعني على: الغاصب- سواء جنى على سيده أو أجنبي].
يتحدث المصنف هنا عن العبد، فلو أن الغاصب أخذ مني عبداً قهراً ثم قام بضربه فجناية العبد على الغاصب.
قال المصنف رحمه الله: [لأنه نقص في حق العبد لكونه يتعلق برقبته، فكان مضموناً على الغاصب كسائر نقصه.
وإن جنى عليه أجنبي]، أي: إن غصب عبداً فضَربه أجنبي.
قال المصنف رحمه الله: [فلسيده تضمين من شاء منهما]، أي: أن السيد يطلب قيمة العبد من الجاني أو من الغاصب.
قال المصنف رحمه الله: [الجاني لأنه أتلف، والغاصب لأن نقص العبد حصل وهو في يده].
ولو أنه أخذ عبداً مني غصباً وبعد هذا أصبح العبد أعور فيلزمه الأرش، فمثلاً لو كان العبد السليم بمائة ألف والعبد الأعور بخمسين لزمه خمسون ألفاً؛ لأنه اعتور عند الغاصب، فيرد العبد، ويرد الفرق، ويرد الأجرة.
والحر لا يُغتصب.(74/5)
حكم غصب الجارية
قال المصنف رحمه الله: [ويجب أرش نقصها إن نقصت بالولادة].
فإن غصب جارية ثم ولدت ونقصت بالولادة -أي: نقص سعرها- فيجب على الغاصب الفرق، أي: الفرق بين ثمنها قبل أن تلد وبعد أن ولدت.
فلو أن قيمة الجارية عشرة آلاف جنيه قبل ولادتها، وبعد الولادة أصبح سعرها ثمانية آلاف فإنه يلزم الغاصب أن يدفع له ألفي جنيه، وهي أرش نقص الجارية نتيجة الولادة.
قال المصنف رحمه الله: [كما يلزمه أرش نقص الأرض إذا زرعها].
فإذا اغتصب أرضاً وزرعها لزمه أرش نقص الأرض، أي: نقص القيمة.
قال المصنف رحمه الله: [ويجب عليه أجرة مثلها؛ لكونه شغل ملك الغير بغير إذنه]، أي: أنه لو غصب أرضاً فيلزمه أجرة المثل كما لو استأجر الأرض، فيدفع الإيجار فضلاً عن أرش الأرض؛ لأنه شغل أرض غيره بغير إذنه.
قال المصنف رحمه الله: [ويجب عليه أجرة مثلها].
والكلام هنا على الجارية أيضاً، أي: أنه يجب عليه مثل أجرة الجارية، كأنه استأجرها، فيدفع أجرة مدة غصبها].
قال المصنف رحمه الله: [وإن كانت بكراً لزمه أرش بكارتها مع المهر؛ لأنه بدل آخر منها]، أي: أنه لو غصب جارية بكراً ثم دخل بها فيلزمه مثل مهر الجارية.
قال المصنف رحمه الله: [وإنما اجتمعا؛ لأن كل واحد منهما يضمن منفرداً، بدليل أنه لو وطئها ثيباً وجب مهرها، ولو افتضها بإصبعه وجب أرش بكارتها، وعنه: لا يلزمه مهر الثيب].
والصواب: أنه يلزم.
وهذه المسألة لا توجد في الواقع، ولكنها لتفتيح الأبواب في الغصب.(74/6)
حكم بيع الغاصب للجارية المغصوبة
قال المصنف رحمه الله: [وإن باعها فوطئها المشتري وهو لا يعلم فعليه مهرها].
فلو غصب الغاصب جارية ثم باعها ووطئها المشتري وهو لا يعلم أنها مغصوبة فعليه مهرها، أي: على المشتري؛ لأنه لا يعلم أنها مغصوبة.
والضمير يعود إلى أقرب مذكور.
قال المصنف رحمه الله: [لأنه وطئ جارية غيره بغير نكاح، وإن ولدت منه فهو حر؛ لأن اعتقاده أنه يطأ مملوكته منع انخلاق الولد رقيقاً أو يلحقه نسبه، وعليه فداؤه؛ لأنه فوت رقه على سيده باعتقاده حل الوطء، ويفديه ببدله يوم الوضع، قال الخرقي: يفديه بمثله، يعني: في السن والجنس والصفات].
ثم ختم المصنف كتاب الغصب بقوله: [ويلزمه أجرة مثلها كما لو غصب بهيمة، ويرجع بذلك على الغاصب؛ لأن المشتري دخل على أن يتمكن من الوطء بغير عوض، وأن يسلّم له الأولاد، فإذا لم يسلم له ذلك فقد غره فيرجع إليه كالمغرور بتزويج الأمة]، أي: أن المشتري يعود على الغاصب بما غرر به عليه.
هنا ينتهي كتاب الغصب وهو مهم جداً في واقعنا وفي أحكامه.(74/7)
العدة شرح العمدة [75]
الشفعة لا تكون إلا في الشركات، وفيها يحق للشريك انتزاع حصة شريكه إذا أراد بيعها؛ لأن الشريك لا يحق له التصرف في نصيبه من الشركة إلا بإذن شريكه، وحتى تتحقق الشفعة يجب أن تتوفر فيها شروط بينها الفقهاء.(75/1)
تعريف الشفعة
قال المصنف رحمه الله: [كتاب الشفعة].
وهذا الباب مهم جداً أيضاً في أحكامه.
والشفعة نسمع كثيراً عنها، فتجد شخصاً يقول: سآخذ الأرض بالشفعة، وآخر يقول: سآخذ العمارة بالشفعة.
وقد سميت شفعة لأن الشريك يضم نصيب شريكه الآخر إليه، فكأن الشريك الأول كان نصيبه وتراً، فلما ضم نصيب الشريك الثاني أصبح شفعاً، وربنا يقول: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:3].
قال المصنف رحمه الله: [هي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها].
وهذا التعريف عليه ملاحظات، وكان الأفضل أن يقول المصنف: هو انتزاع وليس استحقاقاً؛ لأن هناك فرقاً بين الاستحقاق وبين الانتزاع، فالاستحقاق يكون بشروط، فالصواب أن يقال: هو انتزاع حصة شريكه، أي: أن الشفعة لا تكون إلا بين الشريكين، ولا تكون بين جار وجار، وإنما بين الشريكين، فإذا ملكت أنا وأنت فداناً من الأرض مسقاه واحد، وحده واحد، وكان بيننا نصفين فلو بعت نصيبي إلى ثالث، وكتبنا العقد وانتقلت إليه الأرض فيحق لشريكي أن ينتزع هذه الأرض من الذي اشتراها بحق الشفعة، وينتزعها قهراً رغم إرادتي بحق الشفعة من يد مشتريها.
فالشفعة إجبار على البيع، فهي بيع قهري؛ لأن الإسلام أراد للشريك ألا يتصرف في حصته إلا برضا الشريك الآخر.
والشفعة لا تكون إلا في شركة، كأن أشترك أنا وأنت في أرض مسقاها واحد، وحدها واحد، فهنا لا يجوز لي أن أبيع لأجنبي قبل أن أعرضها عليك، فإن بعت لأجنبي فإنه يحق للطرف الآخر أن يأخذها بحق الشفعة، ولو لم يشفع الآخر ويطالب بحق الشفعة فالبيع صحيح، وقد مضى.
يقول الشيخ ابن عثيمين: كلمة استحقاق في التعريف خطأ؛ لأن هناك فرقاً بين الاستحقاق وبين الانتزاع، فقد أستحق ولا أنتزع، وقد أنتزع دون أن أستحق.(75/2)
شروط صحة الشفعة
قال المصنف رحمه الله: [ولا تجب إلا بشروط سبعة:(75/3)
البيع
أحدها: البيع] فلا شفعة في الإيجار، فلو أجّرت نصيبي من غيري فلا شفعة فيها؛ لأن الشفعة في البيع ولا شفعة في الإيجار؛ لأنني أجّرت المنفعة ولم أبع الأرض، ولو أجرت الأرض مئات السنين فليس فيها شفعة، فلا تنصرف الشفعة إلا للبيع.
قال المصنف رحمه الله: [فلا تجب في موهوب] فلو وهبت نصيبي لشخص آخر بدون مقابل فلا شفعة فيه؛ لأن الهبة تصرف بغير مقابل حال الحياة، فعلى المذهب أنه لا شفعة في الموهوب، ولكن الراجح أنه فيه شفعة.
قال المصنف رحمه الله: [ولا موقوف].
فلو أوقفت نصيبي فلا يجوز لشريكي أن ينتزعه، هذا في المذهب، والراجح أنه فيه شفعة.
قال المصنف رحمه الله: [ولا عوض خلع].
فالمذهب يرى أن الشفعة لا تكون إلا في المبيع، فلا شفعة في الموهوب، ولا الموقوف، ولا عوض خلع.
فلو أن امرأة تملك نصف فدان معك فأرادت أن تخلع نفسها من زوجها، وقالت لزوجها: سأعطيك نصف الفدان هذا الذي أملك مقابل أن أخلع نفسي -والخلع مقرر شرعاً- فلزوجها أخذ نصف فدان مقابل الخلع ولا شفعة للآخر على المذهب طالما أن الأرض أُخذت مقابل عوض خلع، ولكن الراجح أن فيه شفعة، وهذا اختيار الشيخ ابن عثيمين.
قال المصنف رحمه الله: [ولا صداق].
فلو تزوجت امرأة وقلت لها: إن مهركِ نصف الفدان هذا، وأنت شريك في الفدان مع آخر فعلى المذهب لا يجوز للآخر الشفعة، والراجح أن فيه شفعة.
قال المصنف رحمه الله: [بشرط أن تكون الشفعة في مبيع؛ لما روى جابر قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شرك لم يقسّم ربعة أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإن باع ولم يستأذنه فهو أحق به)].
أي: أنه لا بد قبل البيع أن يعرضه على شريكه.
قال المصنف رحمه الله: [فجعله أحق به إذا باع، أما إذا انتقل بغير عوض كالموهوب والموصى به والموقوف فلا شفعة فيه؛ لأنه انتقل بغير بدل، أشبه الموروث].
والموروث لا شفعة فيه، وهو الوحيد الذي ليس فيه شفعة.
فلو ملك شخص نصف فدان وملك رجل آخر النصف الآخر فإذا توفي أحدهما وزع نصيبه على ورثته ولا يحق لشريكه في الأرض أن يعود بحق الشفعة على الورثة؛ لأن الميراث يدخل في ملك الإنسان رغم إرادته طالما ليس هناك مانع أو حاجب من الميراث، وبعد أن يرث الإنسان فهو حر في نصيبه يبيعه أو يتنازل عنه.
والشيخ ابن عثيمين وبعض العلماء يرون أن الشفعة تجوز في كل شيء إلا ما يدخل في ملك الإنسان رغم إرادته، والموهوب والموقوف ومقابل الخلع والصداق يدخل بالإرادة، وما دخل بالإرادة ففيه شفعة، وما دخل بغير الإرادة فليس فيه شفعة.(75/4)
أن يكون المشفوع فيه عقاراً أو ما يتصل به
قال المصنف رحمه الله: [الشرط الثاني: أن يكون عقاراً أو ما يتصل به من البناء والغراس].
والراجح: أن غير العقار فيه شفعة، فقد أمتلك أنا وأنت ما ليس عقاراً ثم أريد أن أبيع فلا بد أن أعرض ذلك على الشريك، ففيه شفعة.
والمذهب يرى أن الشفعة لا تكون إلا في العقار أو ما يتصل به من البناء.
قال المصنف رحمه الله: [لحديث جابر: (الشفعة فيما لم يقسّم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة)].
وهذا الحديث مهم جداً في هذا الباب، وهذا يختص بالعقار.
والشفعة لا يكون إلا فيما لم يقسّم، فإذا قُسِّم فلا شفعة فيه، فالأمر الذي يستحيل معه التقسيم ففيه شفعة، وأما ما لا يستحيل فيه التقسيم فلا يكون فيه شفعة.
والحنابلة قالوا: الشفعة فيما لم يقسّم، فإذا ضربت الحدود، وصار لهذه حدود ولهذه حدود ولكل منهما سقيا مختلفة عن الأخرى فلا شفعة، وتستطيع أن تبيع وأنت حر طالما لا يوجد شركة في أمر واحد، فالشفعة تكون فيما لا يقسّم، أي: يستحيل القسمة.(75/5)
أن يكون المشفوع فيه شقصاً مشاعاً
قال المصنف رحمه الله: [الشرط الثالث: أن يكون شقصاً مشاعاً -أي: ملكاً مشاعاً- فأما المقسوم المحدود فلا شفعة فيه].
فيكون ملكاً مشاعاً بحيث لا يتميز ملك أحدهما عن الآخر، فإذا عُرف نصيب كل واحد وحدد النصيب فلا شفعة.(75/6)
أن يكون المشفوع فيه مما ينقسم
قال المصنف رحمه الله: [الشرط الرابع: أن يكون مما ينقسم، فأما ما لا ينقسم فلا شفعة فيه كالحمام الصغير والبئر والطرق والعراض الضيقة فعن أحمد فيها روايتان: لا شفعة فيها، والأخرى فيها الشفعة؛ لعموم الحديث في ذلك].
قال المصنف رحمه الله: [والرواية الأولى ظاهر المذهب، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة) وهو الطريق الضيق].
ولا شفعة في الإيجار.(75/7)
أن يأخذ الشفيع المبيع كاملاً
قال المصنف رحمه الله: [الشرط الخامس: أن يأخذ الشقص كله].
يعني: ألا يأخذ مثلاً نصف المبيع، بل لابد أن يأخذه كله بحق الشفعة أو يتركه كله، فلا يجوز لمن يأخذ الأرض أو أي شيء بحق الشفعة أن يأخذ جزءاً، بل لا بد أن يأخذ الكل أو يترك الكل.
قال المصنف رحمه الله: [فإن طلب بعضه بطلت شفعته؛ لأن أخذه لبعضها ترك للبعض الآخر، فتسقط الشفعة فيه، فإذا سقط بعضها سقط جميعها].
فلا بد أن تطلب الشفعة في المبيع كاملاً، ولا تطلب البعض.
وهناك أشياء قابلة للقسمة وأخرى لا تقبل القسمة.
قال المصنف رحمه الله: [فإن كان له شفيعان فالشفعة بينهما على قدر سهامهما].
فإذا كان ثلاثة إخوة يملكون فداناً -أي لكل واحد 8 قراريط- فإذا باع أحدهم نصيبه لأجنبي فالشفعة للاثنين الباقيين، كل واحد منهما بقدر نصيبه في الأرض، وبما أن لكل منهما 8 قراريط، إذاً فلكل منهما أن يأخذ 4 قراريط، فيشفعوا بقدر سهامهما ونصيبهما في حق الشفعة.
ولو أن شخصاً يملك 18 قيراطاً وآخر 3 قراريط وثالث 3 قراريط فلو أحد اللذين يملكان 3 قراريط أراد البيع لأجنبي ولم يعلم شريكاه فلهما الشفعة بقدر سميهما، أي: بنسبة 1 - 6، فالذي له 3 قراريط يأخذ سهماً واحداً، والذي له 18 قيراطاً يأخذ 6 أسهم.
قال المؤلف رحمه الله: [فإن ترك أحدهما شفعته لم يكن للآخر أن يأخذ إلا الكل أو الترك؛ لأن في أخذ البعض تفريق صفقة للمشتري، فيتضرر بذلك.
قال ابن المنذر: أجمع من أحفظ عنه من أهل العلم على ذلك].(75/8)
إمكان أداء الثمن
قال المصنف رحمه الله: [الشرط السادس: إمكان أداء الثمن].
فإن أراد الشفعة فليدفع الثمن كاملاً، لا كما يقول بعض الجهلة: لا يرحم ولا يترك رحمة ربنا تنزل، وهذا مثل كفري، قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2].
فلا يملك أحد في الوجود أن يمنع رحمة الله عن النزول، وهذا من الأمثال الكفرية الشائعة بين الناس، فإن اعتقد أنه يستطيع أن يمنع رحمة الله عن النزول فقد كفر، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر:2].
وهذا مثل الذي يقول: يعطي الحلق للذي بلا آذان.
وهذا كفر، فهو اتهام لله بالجهل وبعدم الحكمة.
فهذه الأمثال الكفرية لا ينبغي أن ترد على ألسنتنا ولا تُذكر أو تقال.
قال المصنف رحمه الله: [لقوله عليه الصلاة والسلام: (فهو أحق به بالثمن) فإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته؛ لأن أخذه المبيع من غير دفع الثمن أو بعضه إضرار بالمشتري، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار)].
إلا إذا قبل ذلك البائع فلا بأس بالاتفاق؛ لأنه حقه وهو حر فيه.
قال المصنف رحمه الله: [وإن كان الثمن مثلياً كالأثمان والحبوب والأدهان أعطاه مثله، وإن لم يكن مثلياً أعطاه قيمته].
والثمن: هو المبلغ المشترى به الشيء، والقيمة: هو قيمة الشيء في السوق.
فالثمن هو المدفوع فعلاً، وأما القيمة فهي القيمة السوقية بلغة المحاسبين.
فإعطاء القيمة يختلف عن إعطاء الثمن، أي: يعطيه القيمة إن كانت له قيمة سوقية -أي كان له مثل- وإن لم يكن له مثل يعطيه الثمن.
فلو اضطر شخص فباع أرضه بثمن بخس لرجل أجنبي وأراد شريكه الشفعة فإنه يدفع القيمة ولا يدفع الثمن.
قال المصنف رحمه الله: [وإن اختلفا في قدره ولا بينة لهما فالقول قول المشتري مع يمينه؛ لأنه علم بالثمن، ولأن المبيع ملكه، فلا ينزع منه بدعوى مختلف فيها إلا ببينة، وعلى المشتري اليمين؛ لأن دعوى البائع محتملة].
فمثلاً لو قال المشتري: اشتريت بعشرة، وقال البائع: بعت بخمسة، ولم يكن العقد مكتوباً بينهما ففي هذه الحالة القول قول المشتري بيمينه.(75/9)
مطالبة الشفيع بها على الفور
قال المصنف رحمه الله: [الشرط السابع: المطالبة بها على الفور ساعة يعلم، فإن أخرها بطلت شفعته].
فالمطالبة بالشفعة تكون بمجرد علمه بالبيع، فالعلم مناط التكليف، ولا بد من إقامة الأدلة على عدم العلم، والبائع يقيم البينة على أنه أعلمه وأنه اعتذر عن الشراء؛ حتى يسقط حق الطرف الآخر في الشفعة.
قال المصنف رحمه الله: [في الصحيح من المذهب، لقول عمر رضي الله عنه: الشفعة كحل العقال].
قال المصنف رحمه الله: [إلا أن يكون عاجزاً عنها لغيبة أو حبس أو مرض أو صغر فيكون على شفعته متى قدر عليها].
أي: كأن لم يعلم لغيبة -أي كان مسافراً- أو حبس أو مرض أو صغر.
وفي الحدود لو أن رجلاً قتل رجلاً وعفا أهل القتيل بالإجماع إلا طفلاً صغيراً -وكان ابناً للمقتول- عمره سنتان فالصواب: أن ننتظر حتى يبلغ ويقول: عفوت.
هذا هو المعتبر وهو الراجح، أن ننتظر حتى يبلغ سن الرشد ويقول: عفوت، وإن أراد القصاص فيقتل في الحال.
فلو كان محبوساً وعلم أن الرجل باع نصيبه ولكنه عاجز عن الشراء فكأنه لم يعلم، والعجز عن التصرف كعدم العلم.
وأما الغائب فيمكنه أن يرسل محامياً أو يرسل ولده أو يتصل بالهاتف.
فإذا علم وهو غائب وأقر فلا شفعة له.
قال المصنف رحمه الله: [فيكون على شفعته متى قدر عليها، إلا أنه إن أمكنه الإشهاد على الطلب بها فلم يشهد بطلت شفعته، كما لو ترك الطلب مع حضوره].
فلو أرسلت له ولم يأت أو لم يرد بنفي أو إيجاب فقد بطلت الشفعة.(75/10)
حكم ما لو باع المشتري من الشريك قبل أن يعلم الشريك الآخر
قال المصنف رحمه الله: [فإن لم يعلم حتى تبايع ذلك ثلاثة أو أكثر فله مطالبة من شاء منهم، فإن أخذ من الأول رجع على الثاني بما أخذ منه، والثالث على الثاني].
أي: إذا باع الشريك للمشتري الأول دون أن يعلم الشفيع ثم باع المشتري الأول لمشترٍ ثانٍ بثمن آخر، ثم باع المشتري الثاني إلى مشترٍ ثالث بثمن ثالث، وبعد أن باع الثاني إلى الثالث علم الشفيع بالبيع.
فهو بالخيار أن يعود إلى أحدهم، فإن عاد إلى الأول عاد عليه بعقد البيع المحرر بينه وبين الثاني، والثاني يعود على الأول، والثالث يعود على الثاني، وإن عاد على الثالث عاد بسعره، ويعود الثالث على الثاني، والثاني على الأول، وهكذا، فحق الشفعة لا يسقط وإن ترتبت عليها بيوع، لكن هو بالخيار.(75/11)
حكم تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع له
يقول المصنف رحمه الله: [فمتى تصرف المشتري في المبيع قبل أخذ الشفيع فتصرفه صحيح]، يعني: إذا تصرف فيه المشتري قبل أن يأخذه الشفيع، ثم تصرف فيه إلى مشترٍ آخر فذلك لا يمنع من تصرفه، كما لو كان الثمن معيناً، فتصرف المشتري في المبيع صحيح، وذلك كأن يشتري الأول بعشرة، ثم يشتري الثاني بعشرين، ثم الثالث بثلاثين، فهو بالخيار، وله أن يعود إلى من أراد.(75/12)
حكم ما أحدثه المشتري في العين قبل أخذ الشفيع لها
قال المصنف رحمه الله: [ومتى أخذه]، يعني: أخذ الأرض وفيها الغرس أو البناء.
قال المصنف رحمه الله: [أعطاه الشفيع قيمته].
فلو أخذ أرضاً بحق الشفعة وفيها غرس فالواجب عليه أن يعطي المشتري حق الغرس إن رغب في بقائه كما هو؛ لأن هذا الغرس ملك المشتري، فلا ضرر ولا ضرار، فإن أخذ الأرض بزرعها فالضرر يعود على المشتري، فحق الشفعة لا يعطي الشفيع الحق بأن يأخذ الثمرة التي زرعها المشتري في الأرض؛ لأن هذه الأرض انتقلت إلى المشتري بطريق الملكية.
قال المصنف رحمه الله: [إلا أن يشاء المشتري قلعه].
فالمشتري هو الذي اشترى الأرض، فلو أراد أن يقلع الزرع فله ذلك؛ لأنه ملكه، إلا أن يكون ذلك مضراً بالأرض فيلزمه استبقاءه بقيمته، ويأخذها من الشفيع.
فلو اشترك رجلان في أرض لكل منهما فدان وباع أحدهما نصيبه ولم يخبر شريكه فقام المشتري بزرع ما اشتراه، فجاء الشفيع بعد أن علم وأراد أن ينزع ملكية الأرض فله نزعها، ولو أراد استبقاء الزرع في الأرض فيعطي المشتري ثمنه.
فلا ضرر ولا ضرار، ولو أراد المشتري أخذه فله ذلك إلا أن يضر بالأرض، فلا ضرر ولا ضرار، فإن ضر قلعه الأرض استبقاه الشفيع وألزم المشتري بأخذ القيمة.
قال المصنف رحمه الله: [وإن كان فيها زرع أو ثمر باد فهو للمشتري، يبقى إلى الحصاد والجذاذ].
يعني: إذا كان الزرع قد بدا ونما فلا يجوز في هذه الحالة إلا أن يشتريه الشفيع، أو يبقى في الأرض إلى أن يحصده المشتري، وإلزام المشتري بقلعه فيه ضرر عليه، فقد تكلف في زرعه ورعايته ونموه، فهو أحق بزرعه إذا بدا.(75/13)
حكم ما لو اشترى شيئين في عقد واحد ثم انتزع منه أحدهما بالشفعة
قال المصنف رحمه الله: [إن اشترى شقصاً وسيفاً في عقد واحد].
وهذه مسألة مهمة جداً، فلو اشتريت منك فداناً من الأرض وجهاز تسجيل في عقد واحد فالفدان فيه شفعة، وجهاز التسجيل ليس فيه شفعة؛ لأنه غير قابل للتقسيم.
فلو اشترى شخص شيئين: شيء فيه شفعة والآخر ليس فيه شفعة في عقد واحد فالراجح أنه يعود على ما فيه شفعة فقط، وأما الثاني فلا شفعة فيه، وهذا ما يسميه العلماء: اشترى شقصاً وسيفاً.
قال المصنف: [فللشفيع أخذ الشقص بحصته من الثمن].
يعني: يحدد الثمن الذي فيه الشفعة ويأخذ الشقص ويترك السيف.
قال المصنف رحمه الله: [ويحتمل أن لا يجوز لما فيه من تبعيض الصفقة على المشتري، وعن مالك: تثبت الشفعة فيهما؛ لئلا تتبعض].
يعني: أن مالكاً يرى أن الشفعة تثبت في الشقص والسيف، يعني: تثبت الشفعة في الملك العقاري وفي الجزء الآخر المتمم في العقد.
ولكن الراجح أن الشفعة تثبت فيما يجوز فيه الشفعة، ولا تثبت فيما ليس فيه شفعة، ويعود بثمنه على ما فيه شفعة.
والله تعالى أعلم.(75/14)
الأسئلة(75/15)
مراعاة أحوال الناس في الصلاة والخطبة
السؤال
نرجو من إدارة المسجد أن ترشد الإمام الجديد بعدم تأخير إقامة الصلاة، وخاصة في أيام الدروس؛ لأن هذا يشق علينا، ويسيء إلى مساجد السنة، حيث يقول الناس: هذه المساجد قطاع خاص، ينتظر بعضهم بعضاً؟
الجواب
لقد اتفقت مع الإمام على أن يكون الوقت بين الأذان والإقامة في العشاء ثلث ساعة من أجل الدرس، وأن يقرأ الإمام بأواسط المفصّل في المغرب والعشاء.
ولا بد أن نراعي فقه الواقع وأحوال الناس، فلا ينبغي أن يؤخذ عن المسجد فكرة أنه يؤخر الصلاة إلى ما لا نهاية، وفي أحد المساجد يخطب الخطيب مدة ساعتين ونصف إلى العصر، حتى أنه من المضحكات أن رجلاً لا ينزل لصلاة الجمعة إلا بعد الأذان بساعة ونصف، فيقوم من النوم الساعة الواحدة والنصف ويغتسل غسل الجمعة، ثم ينزل ليصلي الجمعة، وهذا لا ينبغي من مساجد السنة، فالواجب عليها أن تيسر على الناس لا أن تنفرهم، فلا تطويل مخل ولا تقصير يضيع الواجبات.(75/16)
ما يدفعه الشفيع لو باع شريكه بأقل من القيمة أو بأكثر منها
السؤال
إذا باع الشريك نصيبه لأجنبي بأقل من السعر فكم يدفع من له الشفعة لأخذها؟
الجواب
إذا باع الشريك نصيبه بأقل من قيمة السوق أو أعلى من قيمته فتقدر بالقيمة.(75/17)
حكم استعانة الخطيب بالكلام العامي لإفهام المصلين
السؤال
نطلب من فضيلتك التحدث باللغة العربية الفصحى، ولفضيلتك جزيل الشكر؟
الجواب
ليس على الإطلاق، وإنما أحياناً، فأحياناً نترك العربية حتى تفهم المعلومة.(75/18)
حكم المنفرد إذا صار إماماً في الصلاة الجهرية
السؤال
ما هو الدليل على أن المصلي المتنفل إذا أصبح إماماً يجهر إذا كانت الصلاة جهرية، ويسر إذا كانت الصلاة سرية؟
الجواب
الدليل: أن الصلاة تصلى بحالتها، فإذا كنت تصلي العشاء منفرداً ودخل معك مؤتم فلا بد أن تجهر؛ لأن صلاة العشاء الأصل فيها الجهر، فإذا كنت إماماً فاجهر.(75/19)
حكم الاعتداد بالطلاق الأول إذا انتهت عدة الزوجة ثم تزوجها ثم طلقها
السؤال
امرأة طلقت من زوجها طلقة واحدة، ثم مكثت في بيت أبيها سنة ثم رجعت إلى الزوج بعقد جديد وبمهر جديد، ثم بعد ذلك طلقها زوجها طلقتين فهل تحتسب ثلاث طلقات، أم تحتسب طلقتين؟
الجواب
تعود بطلقتين على ما تبقى له، والخلاف بين العلماء هو في مسألة ما لو طلقها زوجها طلقتين وبقي له طلقة واحدة، ثم بعد أن بانت منه تزوجت غيره فطلقها الثاني فلو تزوجها الأول هل ترجع بطلقة أم بثلاث؟ وهذه المسألة يسميها العلماء مسألة الهدم.
فالأحناف ومعهم ابن عباس وابن عمر ورواية عن الإمام أحمد: أنها تعود بثلاث، وكبار الصحابة ومعهم الشافعي ومالك ورواية عن أحمد أنها تعود بواحدة، وقد انتصر لهذا الرأي ابن تيمية.(75/20)
حكم حمل الولد في الصلاة، وحكم جلوسه في حجر المصلي
السؤال
ما الحكم لو جلس الولد على حجر أمه في الصلاة؟ وما الحكم لو مر من أمامها؟
الجواب
كان صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بن زينب في صلاته، ويحمل الحسن والحسين، فلا بأس أن يمكث على حجر أمه في الصلاة، ولا بأس أن يركب على ظهرها في الصلاة وهي ساجدة، ولا بأس أن يتعلق برقبتها في الصلاة وكل ذلك أخرجه البخاري في كتاب العمل في الصلاة.
وبعض الأعمال إذا عملت في الصلاة لا شيء فيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم نزل وحمل الحسن والحسين.(75/21)
ما يقطع الصلاة
السؤال
ما الذي يقطع الصلاة؟
الجواب
يقطع الصلاة ثلاثة: الحمار، والكلب الأسود، والمرأة، وقد اختلف العلماء هل هؤلاء يقطعون الصلاة نهائياً أم ينقصون أجرها؟ فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها: بئس ما ساويتمونا بالكلب والحمار، كنت أجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فإذا أراد السجود غمزني.
فالخلاف في المرأة هل تدخل فيما يقطع الصلاة أو لا تدخل.(75/22)
تفسير قوله تعالى: (وللكافرين أمثالها)
السؤال
قال في تفسير الصف الثالث الثانوي الأزهري في تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد:10] بعد قول الله تعالى: {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [محمد:10]: أنه وعيد وتهديد لهؤلاء الكافرين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم، فهل هذا القول أنه وعيد وتهديد لهؤلاء الكافرين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم صحيح؟
الجواب
نعم، هذا كلام صحيح.(75/23)
أسباب انتشار الصوفية
السؤال
لقد انتشرت يا شيخ! الآن في قناتنا الصوفية بطريقة كبيرة جداً؟
الجواب
انتشار الصوفية دليل على ضعف السلفية، فكلما انتشر الجهل كان هذا دليلاً على وجود تقصير من العلماء، فلا توجد حزبية ولا صوفية في البلاد التي يكون فيها نور السلفية ساطعاً، فحيثما حل نور السلفية ضعفت الفرق الأخرى؛ لأن السلفية كالسكين التي تذبح البدع.
فأين أهل السنة وجهدهم؟ فلا بد أن يجاهدوا ويظهروا الحق، ويجمعوا حولهم الشباب، ويحببوا العلم للناس، وأن يتحدثوا بقال الله، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليثبتوا على الحق، وعندها ستنخمد الصوفية بعد إن شاء الله تعالى.(75/24)
حكم أكل اللحوم المجمدة التي تأتي من الخارج
السؤال
ما حكم التجارة في اللحوم المجمدة الآتية من الخارج؟
الجواب
اللحوم التي تأتي من بلد أهل الكتاب سم الله وكل، فالأصل فيها الحل.(75/25)
حكم دراسة مذهبين فقهيين في وقت واحد
السؤال
ما رأي فضيلتكم في طلب الفقه الشافعي مع الحنبلي في وقت واحد؟
الجواب
لا بد أن يكون الطلب لمذهب واحد، ثم بعد ذلك انتقل إلى غيره.(75/26)
حكم إسقاط الدين عن المعسر وجعله من الزكاة
السؤال
هل يجوز إسقاط الدين عن المعسر ويحسب من الزكاة؟
الجواب
لا؛ لأنه يقول تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل:62].
قال الشيخ ابن عثيمين: وأجمع أهل العلم على أن إسقاط الدين عن المعسر لا يعد من الزكاة.(75/27)
حكم من استأجر دابة لحمل شيء معين ثم زاد في حمولتها على المتفق عليه
السؤال
استأجر شخص دابة بعشرين جنيهاً لحمل قنطار، فحمل قنطاراً ونصفاً، فماذا عليه من الأجرة في هذه الحالة؟
الجواب
يلزمه أجرة القنطار باتفاق وأجرة النصف الزائد بإيجار المثل.(75/28)
عيوب الملتزمين
السؤال
أنا شاب قضيت في الجيش عاماً واحداً ولم أكمل، ثم هداني الله للالتزام ولا أود الرجوع إلى الجيش ثانية، فهل هذا حرام أم حلال؟
الجواب
عد إلى الجيش بارك الله فيك، ولا تهرب وتقول: ملتزم، فاتق الله في نفسك، ولا تعلق على جماعة الالتزام هذا الفشل، وهذا كمثل من فشل في الطب بسبب الالتزام وحضور دروس العلم في المسجد، فأكمل المدة، وكن قدوة حسنة لا سيئة، فعد إلى رشدك، ولا تجعل الالتزام شمّاعة تعلّق عليها فشلك، فهذا لا نقبله بحال.
وأنا أقول هذا الكلام لأني أحبك؛ وستعلم أني أحبك بعد ذلك.(75/29)
سبب عدم الشفعة في الإيجار
السؤال
قلتم: إنه لا شفعة في الإيجار، ثم قلتم: إن ما كان بغير إرادة فلا شفعة فيه، أفليس الإيجار انتفاعاً بإرادة؟
الجواب
هذا في البيع، وأما الإيجار فهو بيع منفعة وليس بيع عين.(75/30)
الدليل على كون الدعاء في الركوع مطلقاً
السؤال
هل يجوز لي أن أدعو بما شئت في الركوع أم لا؟ وما هو الدليل؟
الجواب
نعم، الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتأول في الركوع ويقول: (سبحانك اللهم وبحمدك رب اغفر لي).(75/31)
حكم وضع الخاطب الخاتم في يد خطيبته
السؤال
في يوم خطبة أختي جاء أهل الخاطب بخاتم، وعندما أراد الخاطب أن يلبسها هذا الخاتم أبيت ونهيتهم عن هذا، فقالوا لي: يا أخي! يسّر ولا تعسّر، فما رأيك؟
الجواب
هذا لا يرضى به إلا ديّوث، فكيف يسمح الأخ للخاطب أن يمسك يد أخته، وقد اتصل بي منذ أيام والد خطيب وقال: لما أحضر ابني شبك مخطوبته أصر أهل البنت على أن يلبسها هو بنفسه، فهم يريدون أن يمسك يدها وهم فرحون بذلك، ورفضوا رفضاً قاطعاً أن تُلبس أمه العروسة الشبكة! وقالوا: بأن هذا عيب على العائلة.
فلم يعد الشرع هو الذي يحكم على رقاب هؤلاء الناس.
فلا بد أن نمتثل للشرع ونثبت عليه.(75/32)
دعاء بالهداية
السؤال
نسألكم الدعاء لأبي وأخي بالهداية إلى الطريق المستقيم؟
الجواب
اللهم اهدهم يا رب العالمين!(75/33)
حكم المدير الذي يمنع موظفيه من الصلاة في جماعة
السؤال
المدير في العمل ينهانا عن الصلاة في جماعة، ويأمرنا بأن يصلي كل اثنين معاً في غرفة، فما حكم الدين في هذا؟
الجواب
هذا المدير آثم، وعليكم ألا تستجيبوا لأمره؛ لأن هذا الأمر يخالف الشرع ولا يوافقه، وكان من الواجب عليه أن يخصص مصلى في مكان العمل ويجمع الناس ويصلي بهم إماماً، ويؤذن ويعلن الصلاة، وأما أن يقول لهم: لا تصلوا إلا مفرقين اثنين اثنين فهذا تشرذم وعمل شيطاني، فهو آثم، ولا بد أن ينصح.(75/34)
حكم صلاة المأموم المسبوق يقوم يقضي صلاته ثم يتذكر الإمام فيقوم لإتمام ما فاته
السؤال
إذا صلى الإمام صلاة الظهر ثلاث ركعات ناسياً ثم سلّم ثم ذكّره المأمومون فقام وأتى بالركعة الرابعة فما حكم المأموم إذا كان قد دخل في الصلاة في الركعة الثالثة وعند سلام الإمام فارقه؛ هل يكمل الصلاة؟
الجواب
نعم، يكملها بمفرده ولا شيء عليه.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا واستر عوراتنا.(75/35)
العدة شرح العمدة [76]
الوقف في الشريعة هو حبس أصل العين وتسبيل منفعتها، ويجوز في كل عين يجوز بيعها، وينفذ بالقول سواء كان صريحاً أو كناية، ويصح بالفعل الدال عليه كما لو بنى مسجداً وأذن فيه للصلوات الخمس.(76/1)
تعريف الوقف
قال المصنف رحمه الله: [كتاب الوقف].
كتاب الوقف مهم جداً؛ لأننا نعاصره في حياتنا، فلو جاء رجل إلى المسجد بكرسي وقال: هذا الكرسي وقف على المسجد فلا يجوز لأحد أن ينتفع به إلا المسجد، ولو جاء آخر بمصحف وكتب عليه وقف لمسجد كذا فقد أصبح وقفاً على المسجد، ولو أوقف آخر فداناً من أرضه على المسجد فإن إيراد الأرض لا ينفق إلا على المسجد، وهذا معمول به في الأوقاف الآن، وهناك وقف الأوقاف، وذلك مثل أن يوقف رجل أرضه لمسجد الأوقاف، فالأوقاف تتصرف فيها، وعندنا أرض موقوفة على الأوقاف، يعني: إيراد الأرض ينفق على الأوقاف.
والوقف لغة: هو الحبس.
قال المصنف رحمه الله: [وهو تحبيس الأصل]، أي: أحبس الأصل عن كل ما ينقل الملك فيه، فلو قال شخص قبل أن يموت: هذا الفدان للمسجد فلا يجوز نقل ملكية الفدان بعده بالميراث ولا الهبة ولا الوصية، فقد أصبح وقفاً أبدياً على المسجد، فقد حبس هذا الأصل عن التصرف فيه، وأصبح محبوساً على شيء معين.
فالوقف: هو حبس الأصل عن كل ما ينقل الملك فيه، فلا يجوز بيعه ولا هبته ولا الوصية به وتوريثه.
فالوقف: تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وتحبيس الأصل: منعه من التصرف في الأصل، فلو جئت بسيارة وكتبت عليها وقف لنقل الموتى فحكم هذه السيارة شرعاً أنها موقوفة، لا يجوز التصرف فيها بنقل ملكيتها؛ لأنها أصبحت وقفاً، والقاعدة في الوقف أن شرط الواقف كحكم الشارع ما لم يخالف إلا أن ينعدم نفعها، والوقف يكون بالقول أو بالفعل.
فلا يجوز لإدارة المسجد أن تقول: أفرغنا المسجد وسنبيعه غداً، فبمجرد أن بني المسجد وفتحت أبوابه وأذن فيه للصلاة فقد أصبح وقفاً لا يجوز التصرف فيه بالبيع أو الشراء إلا أن تنعدم منفعته، كما فعل عمر ببيت المال في خيبر.
قال المصنف رحمه الله: [وتسبيل الثمرة]، يعني: إطلاقها في سبيل الله، فالثمرة ليست ملكاً لأحد.
فالوقف لغة: هو الحبس، واصطلاحاً: حبس الأصل عما ينقل الملك فيه، أو هو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة.(76/2)
شروط صحة الوقف
قال المصنف رحمه الله: [يجوز في كل عين يجوز بيعها].
فكل عين يجوز أن تباع يجوز فيها الوقف.
قال المصنف رحمه الله: [وينتفع بها دائماً مع بقائها]، كالعقار، فالعقار يجوز بيعه وينتفع به.
فشروط الموقوف: أولاً: أنه يجوز بيعه.
ثانياً: أن يمتد نفعه، بأن يكون له أصل ثابت وعمر طويل.
فلو أوقف رجل كلباً لحراسة مسجد لم يجز؛ لأنه لا يجوز بيعه، ففي الحديث: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب).
وهناك محلات في مصر لبيع الكلاب، وأصبحت الكلاب تربى في بيوتنا، وخير دليل على الرقي والحضارة أن تربي كلباً.
وأما الهرة فهي من الزائرين كما في الحديث (إنها من الطوافين عليكم والطوافات).
ولا يجوز بيعها، وإنما هي طوافة.
والوقف لا يجوز فيه الشفعة، وكذلك لا يجوز وقف الولد على خدمة المسجد؛ لأنه لا يجوز بيعه.(76/3)
ما يصح الوقف عليه
قال المصنف رحمه الله: [ولا يصح إلا على بر أو معروف، مثلما روى عبد الله بن عمر قال: (أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره، فقال: يا رسول الله! إني أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه، فما تأمرني فيها؟ قال: إن شئت يا عمر! حبست أصلها، وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها ولا يبتاع، ولا يوهب ولا يورث، قال: فتصدق بها عمر على الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقاً بالمعروف غير متمول فيه).
متفق عليه].
ومعنى حبست يعني: وقفت.
وقوله: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها)، يعني: تصدقت بها في سبيل الله عز وجل، فأوقف عمر هذه الأرض على الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل والضيف، فكل ما يخرج من الأرض لهؤلاء، وتوزع هذه الأنصبة حسب شرط الواقف.
ثم قال عمر في قرار الوقف: والذي يزرعها يأكل منها، وكذلك يأكل منها ضيفه.
فإذا أوقفت أرضاً وأحضرت من يزرعها وقلت له: هذه الأرض وقف لمسجد كذا، فكل منها ما شئت، وليأكل صديقك الذي يأتيك بالمعروف، ومعنى بالمعروف: في حدود الطاقة، فلا يكون طماعاً، يأكل ثلث الزرع ويقول: قد أذن لي بالأكل، بل يأكل على حسب الطاقة البشرية، كالرجل الذي عنده يتيم في حجره، ويقوم على رعاية ماله ويستثمره له، فإن كان فقيراً فقد قال الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6].
ومعنى يأكل بالمعروف: يأكل في حدود الطاقة والعرف.
فليس إذن عمر بالأكل لمن زرعها أنه يأكل بإسراف، هذا غير صحيح، بل يأكل بالمعروف، كما قال صلى الله عليه وسلم لـ هند بن عتبة لما قالت: (إن أبا سفيان رجل شحيح -أي: لا ينفق علي- قال: كلي أنت وولدك بالمعروف).
فإذا كان الرجل لا ينفق على بيته فيجوز للزوجة أن تأخذ من ماله ما تشتري به أكلاً، أو كان ابنها يريد مصاريف المدرسة فتأخذها له من غير أن يشعر الزوج؛ لأن هذا حق، أو يريد لباساً للمدرسة فتأخذ له كذلك بالمعروف، ولابد أن يكون من متوسط الاستهلاك، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كلي أنت وولدك بالمعروف).
قال المصنف رحمه الله: [وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية)].
وما أوقفه في حال حياته لله عز وجل فهو صدقة جارية.(76/4)
الوقف يكون بالقول والفعل الدال عليه
قال المصنف رحمه الله: [يصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه].
فإذا بنيت مسجداً ووضعت عليه المكبر، وفتحت بابه، وأذنت فيه للخمسة الفروض فهذا معناه أنني أوقفته بالفعل، فلا أقف وأقول: هذا المسجد أوقفته لله، فاحضروا صلوا فيه.
قال المصنف رحمه الله: [مثل: أن يبني مسجداً ويؤذن في الصلاة فيه، أو سقاية ويشرعها للناس؛ لأن العرف جارٍ به، وفيه دلالة على الوقف، فجاز أن يثبت به كالقول].
فيجوز الوقف بالقول أو بالفعل.
قال المصنف رحمه الله: [وجرى مجرى من قدم طعاماً لضيافة أو نثر نثراً أو صب في خوابي السبيل ماء].
فلو جاءك في البيت ضيف فأحضرت الأكل وقربته بين يديه فهذا الفعل ينبئ عن إذنك له بالأكل، ولا يشترط أن تقول له: كل.
وبعض الإخوة يقول: ينتظر حتى يقول: كل، بل كل مباشرة ولا حرج.
ومعنى نثر نثراً يعني: المال، فما نثره إلا ليأخذه الناس، كنثر أهل نيسابور على البخاري، فـ محمد بن إسماعيل البخاري لما أتى نيسابور استقبلوه على بعد مراحل، ونثروا عليه الدراهم والدنانير؛ ابتهاجاً بقدومه إلى بلدهم.
فقالت أم لولدها: من هذا الذي ينثرون على رأسه الدنانير؟ قال: هذا محمد بن إسماعيل البخاري أبو عبد الله، قالت: يا ولدي! ذاك هو الملك لا ملك هارون، يعني: هذا هو الملك الحقيقي ملك العلم، فالناس يقابلون العالم بالفرح ويسعدون بقدومه.
ولذلك قال الإمام أحمد لأهل الظلم والطغيان: بيننا وبينكم الجنائز، وهذه الكلمة يفهمها بعض الإخوان خطأً، والمقصود: أنه عندما ترى جنازة مطرب أو مغن أو موسيقار الأجيال تجد في الصف الأول عازف الأوركسترا، وفي الصف الثاني: أصحاب الأورج، وفي الصف الثالث: المطربون الشبان، فلا يتبع المطرب إلا أهل الغناء، وأما العالم فإنه يتبعه حفظة القرآن والعلماء، فالعلماء في الصف الأول، وحفظة القرآن بجوارهم، ثم واعظوا المساجد وطلبة العلم.
والطيور على أشكالها تقع.
وعندما مات الشيخ ابن عثيمين جاءت له الوفود من كل الدنيا، من الإمارات ومصر والخليج وغيرها لتتبع جنازته.
قال المصنف رحمه الله: [وعنه: لا يصح إلا بالقول]، يعني: للإمام أحمد رواية أخرى: وهي أن الوقف لا يصح إلا بالقول، ولكن الراجح أنه يصح بالقول والفعل، وقول الإمام أحمد: لا يصح الوقف إلا بالقول هو مذهب الشافعي رحمه الله، حيث يرى أن الوقف لا يصح إلا بالقول.
ومن ثراء المذهب الحنبلي أن فيه أكثر من رواية، وكل رواية فيه تقابل مذهباً، فـ الشافعي يرى أن الوقف لا يجوز إلا بالقول، والراجح أنه يجوز بالقول والفعل، وقول الشافعي هذا يقابل رواية عند أحمد.(76/5)
ألفاظ الوقف
قال المصنف رحمه الله: [وألفاظه ست، ثلاث صريحة وثلاث كناية].
فلفظ الوقف إما أن يكون صريحاً أو كناية، والألفاظ الصريحة كالطلاق الصريح، مثل أن يقول رجل لزوجته: أنت طالق، فهذا لفظ صريح لا يحتاج إلى نية، فلا يمكن لأحد أن يقول لامرأته: أنت طالق ثم يقول: أنا لم أنو الطلاق؛ لأن اللفظ صريح فيقع الطلاق بغض النظر عن النية، والذي يحتاج إلى نية هو الكناية، كأن يقول الزوج لزوجته: لا أريدك، الزمي بيت أهلك، لا أريدك زوجة، فهذا الكلام يحتمل الطلاق وغيره، فلا أريدك مثلاً لأسباب كذا أو لا أريدك زوجة لإعداد الطعام، أو لا أريدك زوجة لكذا، فلابد أن يسأل فيه عن نيته، فما يحتمل يسأل فيه عن النية.(76/6)
ألفاظ الوقف الصريحة
قال المصنف رحمه الله: [فالصريح: وقفت وحبست وسبّلت، متى أتى بواحدة من هذه الثلاثة صار وقفاً من غير انضمام أمر زائد].
فلو قال: حبست الفدان لله، فقد سبل الثمرة وانتهى.
قال المصنف رحمه الله: [لأن هذه الألفاظ ثبت لها حكم الاستعمال بين الناس، يفهم الوقف منها عند الإطلاق، وانضم إلى ذلك الشرع بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (إن شئت حبست أصلها وسبّلت ثمرتها).
فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ الطلاق في التصديق].(76/7)
ألفاظ الوقف الكنائية
قال المصنف رحمه الله: [وأما الكناية فهي تصدقت، وحرمت، وأبدت].
فتصدقت هذه تحتمل الوقف وتحتمل غيره، فلابد من ذكر القيد، فممكن أن تقول: تصدقت بدينار من زكاة مالي، وهذا ليس وقفاً وإنما هو زكاة، فتصدقت كناية يحتمل الوقف ويحتمل غيره، وكذلك لفظ حرمت، فقولك: حرمت زوجتي على نفسي، أو حرمت على نفسي أكل الحمام هذا ليس وقفاً، وهو حرام، وكذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:1].
فالتحريم يحتمل الوقف وغيره، وكذلك أبدت فلابد في هذه الألفاظ الثلاثة من النية ومن أمر زائد يوضح معناها.
قال المصنف رحمه الله: [فليست صريحة؛ لأن لفظة الصدقة والتحريم مشتركة، فإن الصدقة تستعمل في الزكاة والهبات، والتحريم يستعمل في الظهار والأيمان، ويكون تحريماً على نفسه أو على غيره، والتأبيد يحتمل تأبيد التحريم وتأبيد الوقف، ولم يثبت في هذه الألفاظ عرف الاستعمال، فلم يحصل الوقف بمجردها، فإن ضم إليها أحد ثلاثة أشياء حصل الوقف بها: أحدها: أن ينضم إليها أخرى تخلصها من الألفاظ الخمسة، فيقول: صدقة موقوفة، أو محبسة، أو مسبلة، أو محرمة، أو مؤبدة].
فالأول: تقييدها بأحد هذه الألفاظ، وهذه تسمى عند العلماء الاشتراك اللفظي، وهذا في القرآن كثير جداً.(76/8)
الاشتراك اللفظي
والاشتراك اللفظي هو أن يكون للكلمة الواحدة أكثر من معنى، كلفظ أمة في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف:45]، معناها هنا فترة زمنية، وفي قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120] معناها إمام، وفي قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً} [القصص:23] معناها: جماعة من الرجال، وفي قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] معناها ملة ودين.
فلفظ أمة من الألفاظ المشتركة، وهناك رسالة ماجستير في هذا بعنوان: المشترك اللفظي في الحقل القرآني.
فالمشترك اللفظي هو: أن يكون للكلمة الواحدة أكثر من معنى، ويعرف ذلك بتتبع المعاني في القرآن، وعدم فهم معنى الكلمة يسبب مشاكل.
والدكتور مصطفى محمود لعدم علمه بالاشتراك اللفظي وقع في الفخ فقال: لا رجم في القرآن، بل إن القرآن لا يعترف بالرجم، واستدل على ذلك بقول الله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25].
ففهم أن الإحصان هو الزواج، ولكن الإحصان هنا يقصد به الحرة، ((فَإِذَا أُحْصِنَّ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ))، يعني: ما على الحرائر، فقوله: ((فَإِذَا أُحْصِنَّ)) المقصود: الأمة المملوكة.
وبعض الناس يقول: لا شفاعة في الآخرة؛ لأن ربنا يقول: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18].
ونقول: قال تعالى في موضع آخر: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]، ففي موضع أثبت الشفاعة، وفي موضع نفاها، فالشفاعة المثبتة تختلف عن الشفاعة المنفية.
ونحن في زمن الإحن والمحن، فقد قرأت مقالاً في صحيفة الجمهورية تقول فيه الكاتبة الكريمة الجهبذة عالمة العلماء: إن الأصوليين لا يفهمون القرآن، فإن الشرع نهى عن تعدد الزوجات، فربنا قال في سورة النساء: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]، ثم قال في موضع آخر: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129].
ففي موضع نفى العدل، وفي موضع قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} [النساء:3].
فعدم فهمها للنصوص القرآنية جعلها تخرج بقاعدة: أن الأصل هو الواحدة، ولا يجوز التعدد، ونقول لها: إن العدل الأول هو العدل المادي، فإذا أعطى الزوج لهذه شقة فليعط الثانية أيضاً شقة، وإذا أحضر للأولى جلباباً فليحضر للثانية جلباباً.
وأما المقصود في قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء:129] فهو الميل القلبي، فالجهة منفكة، وهذا هو التخبط الذي نراه على الساحة، وهذا الأمر هو الذي دفع الدكتور عبد الله بدر إلى أن يقول في أحد أشرطته: سأترك الخطابة والوعظ؛ لأن المسألة أصبحت فوضى، فالناس الآن في مصر خمسة وسبعون مليوناً، وثلاثة أرباع الشعب يحب الفضائيات، ويسمع ما يطلبه المستمعون، ويقول لك: هذا الداعية داعية على الموضة، داعية خمسة نجوم، يعني: كل حاجة عنده جائزة، فتأتي إليه المرأة وهي تلبس البنطلون وتقول له: ما رأيك في منظري، فيقول: لا بأس به، والناس يقولون عن هذا الداعية: إنه منفتح، وهوايتهم في هذا النوع.
وهذه الظاهرة ستنقرض؛ لأنها لا جذور لها وستنقضي بعد فترة، فلابد أن يؤصل العلم، ولا نريد تهييج ومخاطبة المشاعر.
فلو ألقيت خطبة عن الموت فستجد مائتي ألف يبكون، وإذا ألقيت درساً عن أصول الفقه فلن تجد إلا خمسة أشخاص حاضرين تقريباً، فالناس أصبح عندها رفض للعلم الشرعي؛ لأننا تعودنا على العواطف، وإثارة الجماهير، وعدم التأصيل العلمي، وكان الشيخ صفوت نور الدين رحمه الله دائماً يقول: هناك دعاة يقدمون ما يطلبه المستمعون، فلا تكن داعية لما يطلبه المستمعون، والمستمعون الآن عندهم فساد في الذوق العام، بل حتى في الباطل عندهم فساد، ففي الحق عندهم فساد وفي الباطل عندهم فساد.
فقد تجد شريطاً لمطرب هابط وهو جديد على الساحة فيباع منه عشرة ملايين نسخة، وكلهم يسمعونه، فهذا فساد في الذوق العام.
والأمور لا تقاس بكثرة الأتباع، ففي مولد البدوي يجتمع ثلاثة ملايين من الشرقية والدقهلية والمنوفية وغيرها، وبعضهم يحضر عجلاً، ومنهم من يحضر الماعز، ومنهم من يحضر عائلته، ومنهم من يحضر امرأته، ومنهم من يحضر عياله، ومنهم من يحضر الشاي، ومنهم من يحضر القرفة، وفي يوم الجمعة الماضية صلى أحد طلبة الجامعة في الأزهر مع أساتذة في الأزهر يعتنقون التصوف، فصعد الخطيب على المنبر وإذا به يقول: قال الله تعالى: {وَأَلَّوِ ا(76/9)